58_Aljoubah_Magazine_مجلة_الجوبة

Page 1

‫¦المرأة والكتابة‪:‬‬ ‫قراءة في تجربة شهد‬ ‫الغالوين‬ ‫¦فتنة البوح في رجل الشتاء‬ ‫¦مواجهات مع‪:‬‬ ‫فهد ردة‪ ،‬ورضا البهات‬ ‫و أحمد البوق‬ ‫¦قراءة في كتاب‪:‬‬ ‫«سنوات الجوف‪ :‬ذكريات جيل»‬ ‫¦كيف نكتب رواية‬

‫الغاط تحتضن منتدى األمير‬ ‫عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية‪:‬‬

‫الوضع االقتصادي السعودي‬

‫‪58‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪،‬‬ ‫ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2817094 :‬فاكس‪011 2811357 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل‬ ‫د‪ .‬ميجان بن حسين الرويلي‬ ‫محمد بن أحمد الراشد‬

‫رئيساً‬ ‫عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫عضواً‬

‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬ ‫محرر ًا‬ ‫محرر ًا‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪:‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫عضواً‬ ‫العضو‬

‫فيصل بن عبدالرحمن السديري‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري‬ ‫المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابقً‬ا‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬ ‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪www. alsudairy. org. sa‬‬


‫العدد ‪ - ٥٨‬شتاء ‪١٤٣٩‬هـ (‪)2017‬‬

‫‪6...............................‬‬ ‫الدورة ‪ ١١‬ملنتدى األمير‬ ‫عبدالرحمن السديري‬

‫‪17.........................‬‬ ‫املرأة والكتابة‬ ‫ٌ‬ ‫قراءة يف جتربة شهد الغالوين‬

‫‪97.............................‬‬ ‫حوار مع الشاعر‬ ‫أحمد إبراهيم البوق‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية ‪ -‬إبراهيم بن موسى الحميد‪4 ............................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري في دورته‬ ‫الحادية عشرة‪٦ ............................................................‬‬ ‫محور خــاص‪ :‬الــمــرأة والكتابة ‪ -‬ق ــراءةٌ فــي تجربة شهد الغالوين‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬بمشاركة‪ :‬د‪ .‬هويدا صالح‪ ،‬إيمان المخيلد‪ ،‬سعاد نوح‪17 ...‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬دراسة جديدة في شعر البردُّوني ‪ -‬هيفاء البصراوي ‪٣٥ ...........‬‬ ‫الوجه الذي من ماء ‪ -‬فرج مجاهد عبدالوهاب‪٣٩ .........................‬‬ ‫فتنة البوح في رجل الشتاء ليحيى امقاسم ‪ -‬هشام بنشاوي‪٤٤ .....‬‬ ‫أنفاس تتساقط بين أصابع الجمر ‪ -‬نجاة الزباير ‪٤٦ ...............‬‬ ‫األعما ُر المُلتَهَمة في «زجاج مطحون» ‪ -‬عبداهلل السفر ‪٥٢ .........‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬نصوص قصيرة ‪ -‬عائشة المؤدب ‪٥٥ ....................‬‬ ‫صورة الشهيد ‪ -‬إبراهيم مضواح األلمعي ‪٥٦ ........................‬‬ ‫تـــرويـــض ‪ -‬سمر الزعبي ‪٥٨ ........................................‬‬ ‫اعترافات قبل الوقوف على المقصلة ‪ -‬عمار الجنيدي‪٦٠ ..........‬‬ ‫مع الذكريات‪ - !..‬فرح لقمان‪٦٣ .....................................‬‬ ‫نصوص قصيرة ‪ -‬شيمة الشمري ‪٦٤ .......................................‬‬ ‫قصص قصيرة ‪ -‬حليمة الفرجي ‪65 .................................‬‬ ‫شعر‪ :‬عندما قالوا احتفاالً ‪ -‬عبدالهادي الصالح ‪66 ................‬‬ ‫وَما ِشئ ِْت وَما ِشئْتُ ‪ -‬شاهر إبراهيم ذيب‪67 ........................‬‬ ‫شجن قدس ‪ -‬لجين معافا‪٦٨ ........................................‬‬ ‫الخيالُ‪ :‬تَساؤ ٌل ‪ -‬خالد بهكلي ‪٧٠ ...................................‬‬ ‫ذكرى الورد ‪ -‬نجاة محمد خيري ‪٧٢ .................................‬‬ ‫جَ ْفلَ ُة الن ِّاي ‪ -‬إبراهيم مدخلي‪٧٤ .............................................‬‬ ‫علميني ‪ -‬خلف الشافي ‪٧٦ .................................................‬‬ ‫على قيد حلم ‪ -‬خديجة إبراهيم ‪٧٨ ........................................‬‬ ‫عودي إليّ ‪ -‬عمرين محمد عريشي ‪٧٩ .....................................‬‬ ‫«الجوف» دار األكرمين ‪ -‬مالك الخالدي ‪٨٠ ...............................‬‬ ‫د ْغدَغ ُة الخَ شْ ف ‪ -‬محمد جابر بقار مدخلي‪٨٢ ............................‬‬ ‫عطر على عطر ‪ -‬نجاة الماجد ‪٨٣ .........................................‬‬ ‫ما أعجل الموت!! ‪ -‬موسى الشافعي‪٨٤ ...................................‬‬ ‫السَّ حَ ُر ‪ -‬نوره عبيري‪٨٦ .....................................................‬‬ ‫نصوص شعرية ‪ -‬نوير العتيبي ‪٨٨ ..........................................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬قص ُة الفناءِ المُشترك ‪ -‬إيمان الغامدي‪٩٠ ................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الشاعر أحمد إبراهيم البوق ‪ -‬عمر بوقاسم ‪٩٧ ........‬‬ ‫الروائي المصري الدكتور «رضا البهات» ‪ -‬محسن حسن‪١٠٥ ..............‬‬ ‫فهد ردة الحارثي ‪ -‬هالة موسى ‪١١٨ .........................................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬المنهج النفسي في النقد رؤية تنظيرية ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬صبري‬ ‫مسلم حمادي‪١٢٣ ....................................................‬‬ ‫فيليب جرونييه أول برلماني فرنسي مسلم ‪ -‬د‪ .‬أبو بكر خالد ‪١٢٦ .........‬‬ ‫قراءات‪ :‬سنوات الجوف‪١٣٢ ..........................................‬‬ ‫كيف نكتب رواية ‪ -‬صالح القرشي ‪١٣٦ ......................................‬‬

‫لوحة الغالف‪ :‬لوحة تشكيلية للفنانة سارة البديوي ‪ -‬الجوف‪.‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫ـات‪ ،‬هي «فتاة سيئة»‬ ‫أصــدرت الكاتب ُة الروائية الشابة شهد الغالوين ثالثَ روايـ ٍ‬ ‫و«نشوق» و«األعــرج»‪ ،‬طرحت فيها إشكاليات محدّدة؛ سابرة غور مجتمعها‪ ،‬محاولة‬ ‫خلق دالالت في حيّزها الذي تناقش فيه قضاياها التي تطرحها من خالل شخصياتها‬ ‫التي تتناوب على تناولها في رواياتها الثالث‪ ،‬محاول ًة اختزال تجارب هذه الشخصيات‬ ‫سرد يأتي بطرق مختلفة‪.‬‬ ‫في ٍ‬ ‫فقد جاءت روايتها األولى «فتاة سيئة» حاملة معها كثيرًا من البوح بجرأة باهرة‪ ،‬وال‬ ‫يخفى أن دالالت ذلك كانت وراء صعود العمل األول لشهد؛ فقد كانت الرواية ضمن‬ ‫قائمة الكتب األكثر مبيعاً في معرض الرياض الدولي للكتاب ‪2012‬م (الشرق‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ١٠٣‬تاريخ ‪٢٠١٢-٠٣-١٦‬م)‪ ،‬ومهما انطوت عليه الدالالت تلك‪ ،‬إال إنها تشير إلى أن‬ ‫الروائية اليافعة استطاعت أن تتجاوز عقدة الرواية األولى‪ ،‬وأن تشق طريقها األخضر‬ ‫نحو أعمالها التالية‪.‬‬ ‫في روايتها الثانية «نشوق»‪ ،‬تطرح شهد الغالوين إشكاليات اجتماعية مسكوتاً عنها‪،‬‬ ‫وتحاول من خالل الرواية كسر «التابوهات» حول قضية اجتماعية شائكة‪ ،‬وهنا يبرز‬ ‫موضوع التطهر كسمة الزمة في روايتيها األخيرتين‪ ،‬إذ تكون الكتابة رمزاً للخالص‪،‬‬ ‫ويحاول بطلها أن يخرج من عزلته في روايتها األعرج‪ ،‬كما تكون الكتابة وسيلة للخروج‬ ‫من أزمة الفقد في روايتها نشوق‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ولهذا‪ ..‬مهما كان الحيّز الذي تدور فيه أحداث رواياتها‪ ،‬استطاعت أن تمارس السرد‬

‫الحكائي‪ ،‬وأن تمارس حضورها المهم‪ ،‬رغم اآلراء التي قد تطال أعمالها‪ ،‬ومنها عملها‬

‫اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫تتجاوز شهد الغالوين في رواياتها عقدة المكان‪ ،‬وتحاول أن تكون متجاوزة له‪،‬‬

‫األخير «األعرج»‪ ،‬الذي كان يتسم بالتطويل في السرد أحيانًا بشكل عطّ َل تسلسل العمل‬

‫وأحاله الى الثرثرة المبالغة‪ ،‬كما أنه كان صادمًا في توصيف عالقة السارد بأمّه التي‬ ‫ال يمكن إال أن تكون مغايرة للواقع ومخالفة له‪.‬‬

‫ومهما يكن‪ ،‬فقد استطاعت شهد الغالوين أن تعكس رؤيتها من خالل أعمالها‬

‫الثالثة‪ ،‬وتشق طريقها في عالم السرد الروائي‪ ،‬في جيل الشباب الذي استطاعت أن‬

‫تكون أحد نجومه‪ .‬وال تحاول شهد أن تتوارى وراء النص‪ ،‬بل إنها تقول في حوارها‬

‫على هامش المحور الذي يتناول أعمالها «الرواية في تصوري سيرة حياة أيًا كانت‬

‫القضية التي تتناولها‪ ،‬ال يمكن أن يفصل الكاتب الرواية عن حياته حتى لو كانت قصة‬

‫البطل تختلف عن حياته‪ ،‬لكن هناك تفاصيل معاشة‪ ،‬ومواقف مررت بها‪ ،‬وعواطف‬

‫لم يكتب لها الحياة‪ ،‬لكني عبَّرتُ عنها بطريقة ما؛ لذا‪ ،‬ال يمكن أن أرى ذاتي في‬

‫شخصية مختلقة بحد ذاتها‪ ،‬لكن حقيقة‪ ..‬دائما ما أ ُ​ُلبِس الشخصية عواطفي والكثير‬

‫من تفاصيلي‪ ،‬لدرجة ال أحد يشعر أني مررتُ من هنا‪ ،‬سوى قلبي الذي يعي جيدا أن‬

‫ما كتبت هنا كان عاطفتي وتفاصي َل طفيف ًة مرّت بحياتي»‪.‬‬

‫وفي كالم شهد الغالوين ما يؤيده عند النقاد‪ ،‬فقد رأى العديد منهم أن هناك رابطاً‬

‫بين الرواية والتجربة الذاتية لألديب‪ ،‬بحيث تتداخل السيرة الذاتية مع الرواية‪ ،‬وال‬

‫يمكننا نسيان رواية «الحيِّ الالتينيّ » التي كتبها سهيل إدريس‪ ،‬متضمنة مراحل كاملة‬

‫من حياته‪ ،‬وكذلك روائيين آخرين حكوا تجاربهم الذاتية أو أجزاء ومراحل منها من‬ ‫خالل رواياتهم‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪5‬‬


‫الدورة الحادية عشرة ‪ -‬الغاط‬ ‫‪ ١٥‬صفر ‪١٤٣٩‬هـ (‪ ٤‬نوفمبر ‪٢٠١٧‬م)‬

‫الوضع االقتصادي‬ ‫السعودي‬

‫■ كتب‪ :‬محمد صوانة‬ ‫وجهاد أبو مهنا‬

‫عقد منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية منتداه السنوي في‬ ‫دورته الحادية عشرة في دار الرحمانية بمحافظة الغاط بعنوان‪( :‬الوضع االقتصادي السعودي)‪،‬‬ ‫وذلــك يوم السبت ‪ 15‬صفر ‪1439‬هـ ـ (‪2017/11/04‬م)‪ ،‬والــذي يقيمه مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي سنوي ًا بالتناوب بين الجوف والغاط‪.‬‬ ‫افتتح المنتدى بكلمة للعضو المنتدب للمركز د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري‪ ،‬الذي رحب‬ ‫بالحضور‪ ،‬وقال إن هذا المنتدى يأتي استشعار ًا من الهيئة المشرفة على المنتدى بأهمية هذا‬ ‫الموضوع وتأثيراته على مختلف األصعدة‪ ،‬وفي ظل الظروف والتغيرات االقتصادية التي تعيشها‬ ‫المملكة‪ ،‬وذلك للخروج برؤى ومقترحات تخدم قادة االقتصاد والعاملين في قطاعاته المختلفة‪،‬‬ ‫التي يؤمل منها أن ترفع من قدرات العناصر الفاعلة في االقتصاد وتعينها على توظيف المعلومات‬ ‫واألفكار المطروحة في تصحيح االختالالت الهيكلية المتراكمة منذ عقود‪.‬‬ ‫وذكر السديري أنه يشارك في ندوة المنتدى‬ ‫نخبة مــن األكاديميين والــخــبــراء مــن جامعات‬ ‫ومؤسسات وطنية‪ ،‬داعياً الحضور للتفاعل مع‬ ‫المتحدثين في حوار يثري موضوع المنتدى‪.‬‬

‫في خدمة الثقافة على مستوى الوطن العزيز‪ ،‬من‬ ‫خالل ما توفره مكتبات المركز العامّة في كل من‬ ‫الجوف والغاط‪ ،‬وما تقدمه برامجه لدعم ونشر‬ ‫مناشطُ ُه المنبرية‪ ،‬تحقيقاً‬ ‫ِ‬ ‫األبحاث‪ ،‬وما تُحييه‬ ‫لما أراده مؤسس المركز يرحمه اهلل من خدمة‬ ‫للثقافة والتعليم في الوطن‪.‬‬

‫وأشار إلى أن المنتدى سيكرّم في هذا العام‬ ‫شخصية سعودية كان لها عطاء وإسهامات فكرية‬ ‫وأكاديمية في مجال االقتصاد في المملكة العربية‬ ‫كلمة هيئة المنتدى‬ ‫السعودية‪ ،‬وهو الدكتور محسون بن بهجت جالل‪،‬‬ ‫يرحمه اهلل‪ .‬ورحّ ب بأبناء الدكتور محسون جالل‬ ‫كما ألقى الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫الذين حضروا المنتدى‪.‬‬ ‫عضو هيئة المنتدى كلمة الهيئة‪ ،‬الــذي تحدث‬ ‫وقال إننا نسعد في هذا المركز بشرف اإلسهام فيها عــن شخصية المنتدى الــدكــتــور محسون‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫جــال رحمه اهلل‪ .‬وقــال إن الهيئ َة رأت أن من‬ ‫قامة‬ ‫الوفاء تكريم الدكتور محسون لما يمثله من ٍ‬ ‫وشخصية ريادية‪ ،‬وهو ما يزال حياً بيننا‬ ‫ٍ‬ ‫فكرية‬ ‫بأفكاره التي سبقت زمنَها والتي ما تزال وثيقة‬ ‫العالقة بالقضايا االقتصادية الراهنة رغم م ُِضيِّ‬ ‫أكث ْر من أربعةِ عقود على طرحها‪ ،‬وبخاصة قضية‬ ‫تنويع مصادر الدخل القومي وتقليل االعتماد‬ ‫على النفط منذ أن طر َح فكرتَه الشهيرة «زراعة‬ ‫البترول» وكذلك حماستَ ُه منقطعة النظير لـ«خيار‬ ‫التصنيع»‪.‬‬ ‫وأن الجوانب البارزة في فكر الدكتور محسون‬ ‫جــال وفــي إسهاماتِه العملية االقتصادية هو‬ ‫تن ُّوعُها الشديد‪ ،‬ولذلك فإن المنتدى يكر ُّم ُه اليوم‬ ‫على مجمل عطاءاته االقتصادية؛ فكراً وممارسة‪.‬‬

‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري‬

‫جــال وح ــاول بالنيابة عــن أجــيــال متعاقبة من‬ ‫وأشار د‪ .‬عبدالواحد أن الدكتور محسون جالل االقتصاديين‪ ،‬أن يفي بدين مستحق تجاه هذه‬ ‫رحمه اهلل كان رائداً في ميدان االقتصاد‪ ،‬وامتدت القامة الوطنية السامقة‪ ،‬شاكراً الدكتور محسون‬ ‫نشاطاته عربياً وعالمياً‪ .‬إذ وصفه الدكتور غازي جالل يرحمه اهلل والحضور‪.‬‬ ‫اقتصادي سعودي تبنى خيا َر‬ ‫ٍ‬ ‫القصيبي بأنه «أو َل‬ ‫ندوة الوضع االقتصادي السعودي‬ ‫اقتصادي سعودي شَ ـ َر َح أوليات‬ ‫ٍ‬ ‫التصنيع وأو َل‬ ‫التنمية»‪ ،‬وأطلقت عليه ألــقــاب مــثــل‪« :‬أســتــاذ‬ ‫تناول المنتدى الوضع االقتصادي السعودي‬ ‫الجيل من االقتصاديين السعوديين» و«رائد الفكر في المرحلة الحالية‪ ،‬فمنذ هبوط أسعار النفط‬ ‫التصنيعي» و«عراب الصناعة السعودية»‪.‬‬ ‫في النصف الثاني من عام ‪2014‬م‪ .‬انخفضت‬ ‫وختم بأن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد اإليرادات الحكومية التي تعتمد بشكل رئيس على‬ ‫مناسبة اإليــرادات من تصدير النفط وبيعه في األسواق‬ ‫ٍ‬ ‫السديري للدراسات السعودية أتى في‬ ‫ارتبط موضوعها باهتمامات الدكتور محسون العالمية‪ ،‬مما أثر بــدوره على اإلنفاق الحكومي‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪7 )2018‬‬


‫على المشروعات التنموية وعلى بعض األنشطة‬ ‫الخدمية‪ .‬وقد تأثر كذلك القطاع الخاص بتلك‬ ‫الــتــطــورات وذلــك العتماده إلــى حــد كبير على‬ ‫اإلنفاق الحكومي‪ ،‬ســواء بشكل مباشر أم غير‬ ‫مباشر‪.‬‬ ‫وقد تزامنت هذه التطورات مع إطالق برنامج‬ ‫التحول الوطني‪ ،‬وذلك في سياق رؤية ‪ 2030‬التي‬ ‫تسعى إلى تنويع مصادر الدخل‪ ،‬وتوسيع قاعدة‬ ‫االقتصاد الوطني‪ ،‬وتخفيف االعتماد على إنتاج‬ ‫النفط وتــصــديــره‪ .‬وفــي هــذا الــســيــاق‪ ،‬اتخذت‬ ‫الحكومة عــدداً من التدابير التي كان لها بعض‬ ‫االنعكاسات على الوضع االقتصادي وبخاصة في‬ ‫المديَين القصير والمتوسط‪.‬‬

‫يتناول النقاش في الجلسة األولــى توصيفاً‬ ‫للوضع االقتصادي الحالي‪ ،‬واالنعكاسات التي‬ ‫ترتبت على انــخــفــاض أســعــار الــنــفــط‪ ،‬وكذلك‬ ‫االنعكاسات التي نجمت عن تطبيق بعض برامج‬ ‫التحول الوطني ورؤية ‪.2030‬‬ ‫كما تناولت الندوة أهم السياسات التي يمكن‬ ‫اتباعها للتصدي ألي انعكاسات سلبية‪ ،‬واالستفادة‬ ‫من التحديات التي تواجه االقتصاد الوطني لرفع‬ ‫قدراته وتصحيح االختالالت الهيكلية التي ظل‬ ‫يعاني منها على مــدى العقود الماضية بسبب‬ ‫اعتماده المفرط على إنتاج النفط وتصديره‪ ،‬وهو‬ ‫ما سوف يؤدي إلى تحقيق أهداف رؤية ‪.2030‬‬

‫حلقة احلوار األولى‬ ‫احملور األول‪ :‬الوضع االقتصادي يف اململكة‪ ،‬ومظاهر الركود وأسبابه‬ ‫المتحدثون‪ :‬د‪ .‬فهد التركي‪ ،‬د‪ .‬عثمان الوقداني‪ ،‬د‪ .‬محمد القنيبط‬ ‫أدار الجلسة‪ :‬د‪ .‬إحسان بوحليقة‬ ‫افــتــتــح د‪ .‬بــو حليقة الجلسة بحديثه ما هي معوقات النمو االقتصادي؟‬

‫مشخصاً وضــع االقــتــصــاد الــســعــودي من كمــا حتــدث عــن رؤيــة ‪ 2030‬ومــا تتطلبــه مــن‬ ‫حيث االستقرار وتواؤم السياسات النقدية مســتويات منــو اقتصــادي حقيقــي بنســبة ‪٪٧‬‬ ‫والمالية والنهج االقتصادي إجماالً‪ ،‬وتساءل‪ :‬ســنوياً‪ ،‬وفقــاً لألبحــاث التــي أجريــت‪ ،‬ثــم‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫د‪ .‬إحسان بوحليقة‬

‫د‪ .‬محمد القنيبط‬

‫بــدأ احلــوار مــع املشــاركني بباقــة مــن األســئلة‬ ‫املثيــرة للعصــف الذهنــي‪ ،‬ليحفــز املشــاركني‬ ‫معــه يف حلقــة احلــوار علــى تقــدمي معلومــات‬ ‫تثــري النقــاش‪ ،‬وتعــرض الوضــع االقتصــادي‬ ‫بوجــه عــام أمــام اجلمهــور؛ فتســاءل عــن‬ ‫وضــع االقتصــاد الســعودي حاليــاً؟ وهــل‬ ‫يعانــي بالفعــل مــن ركــود؟ ومــا هــي الطــرق‬ ‫املتاحــة للتعامــل معــه؟ ومــا عالقــة الركــود‬ ‫بالنمــو االقتصــادي؟‬

‫معــدل الفائــدة ومعــدل الصــرف‪ .‬وقــال إن‬ ‫السياســة النقديــة شــبه مختفيــة الرتبــاط‬ ‫الريــال بالــدوالر‪ ،‬والتوقــف الــذي حــدث‬ ‫بشــأن املشــاريع اجلديــدة‪.‬‬

‫ويلحــظ التوجــه اجلديــد للدولــة ممثلــة يف‬ ‫مجلــس الشــئون االقتصاديــة والتنميــة الــذي‬ ‫بــدأ بتطبيــق توصيــة االقتصــادي الســعودي‬ ‫الــذي نحتفــي بتكرميــه اليــوم د‪ .‬محســون‬ ‫جــال‪ ،‬يرحمــه اهلل‪ ،‬قبــل خمســن عامـاً عــن‬ ‫المتحدث األول‪ :‬د‪ .‬محمد القنيبط زراعــة النفــط‪ ،‬وملخصهــا تقليــل أو إنهــاء‬ ‫االعتمــاد علــى البتــرول والتــي بــدأ ترجمتهــا‬ ‫(دكتوراه من جامعة أوريجن األمريكية‪،‬‬ ‫مبشــاريع رؤيــة ‪ 2030‬واملشــروع األخيــر‬ ‫«‪1984‬م» اقتصاديات الموارد)‬ ‫(نيــوم) وهــي رؤيــة طموحــة يجــب أن تقابلهــا‬ ‫بــدأ د‪ .‬القنيبــط حديثــه بأنــه يلحــظ أن رؤيــة يف السياســة املاليــة‪.‬‬ ‫الوضــع االقتصــادي يف تناقــص منــذ ‪2015‬م‪ ،‬فمؤشــرات الركــود االقتصــادي واضحــة‬ ‫مؤكــداً ذلــك باألرقــام املوجــودة يف موقــع متام ـاً ومنهــا‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ :‬انخفــاض‬ ‫هيئــة اإلحصــاءات العامــة بــأن الــواردات مبيعــات الســيارات (شــركة تويوتــا ‪،٪٤٠‬‬ ‫انخفضــت بنســبة ‪ ،٪15٫٥‬وأشــار إلــى أن مرســيدس ‪ ،)٪٢٥‬انخفــاض الــواردات لشــهر‬ ‫األســباب التــي ضاعفــت مــن شــدة الركــود أغســطس ‪ 2017‬بنســبة ‪٪١٥٫٥‬؛ ولكــن‬ ‫هــي‪ :‬السياســة املاليــة التــي تتبعهــا وزارة التخــ ّوف مــن أن يطــول أمــده ويتحــول إلــى‬ ‫املاليــة‪ ،‬والسياســة النقديــة يف مؤسســة كســاد علــى الرغــم مــن بعدنــا عنــه‪ ،‬ولكــن‬ ‫النقــد العربــي الســعودي‪ ،‬مــن خــال أداتــي يجــب أن تتبنــى الدولــة سياســة إنفاقيــة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪9 )2018‬‬


‫البنكــي‪ ،‬وانخفــاض الــواردات يف العــام‬ ‫املاضــي ‪ ،٪١٥٫٥‬وانخفــاض مؤشــرات‬ ‫االســتهالك احمللــي بشــكل عــام‪ ،‬واســتخدام‬ ‫البطاقــات البنكيــة التــي شــهدت انخفاضــاً‬ ‫ملحوظــاً ‪.‬‬

‫د‪ .‬فهد التركي‬

‫وهــو مــا قامــت فيــه أمريــكا عندمــا حدثــت‬ ‫كارثــة الرهــن العقــاري لعــام ‪2008‬م‪ ،‬عندمــا‬ ‫تدخلــت الدولــة وضخــت نحــو (‪ 850‬مليــار‬ ‫دوالر) ملنعــه مــن االنــزالق يف حالــة الركــود‬ ‫والكســاد‪.‬‬ ‫وختــم الدكتــور القنيبــط مداخلتــه بقولــه‬ ‫ينبغــي التحــرك النتشــال االقتصاد الســعودي‬ ‫مــن حالــة الركــود‪.‬‬ ‫المتحدث الثاني‪ :‬د‪ .‬فهد التركي‬ ‫دكتوراه في االقتصاد‪ ،‬جامعة والية أوريجن‬ ‫األمريكية‪ ،‬كبير االقتصاديين ورئيس إدارة‬ ‫األبحاث (شركة جدوى لالستثمار)‬

‫وكاقتصــادي متابــع للوضــع االقتصــادي‬ ‫بشــكل عــام‪ ،‬أقــول إن االقتصــاد ككل مبــا‬ ‫فيــه القطــاع النفطــي يف وضــع انكمــاش‪،‬‬ ‫وجميعنــا يعــرف أن القطــاع النفطــي يتأثــر‬ ‫بالسياســة الدوليــة‪ ،‬فــكل هــذا وأكثــر انعكــس‬ ‫علــى الوضــع االقتصــادي العــام‪.‬‬ ‫اإلنفــاق احلكومــي يف الســعودية يف الســنة‬ ‫احلاليــة (‪ )٢٠١٧‬مبــا نصــت عليــه امليزانيــة‬ ‫يف حــدود (‪ 890‬مليــار ريــال)‪ ،‬والســنة‬ ‫املاضيــة كان حوالــي (‪ 950‬مليــار ريــال)‬ ‫بنــا ًء علــى البيانــات املعلنــة مــن وزارة املاليــة‪،‬‬ ‫هــذا اإلنفــاق يقــارب اإلنفــاق مثــا ســنة‬ ‫‪2012‬م؛ فقــد كان كان النمــو االقتصــادي‬ ‫غيــر النفطــي (‪)٪٥٫٥‬؛ فالقصــة ليســت‬ ‫إنفاقــاً حكوميــاً‪ ،‬وليســت سياســة ماليــة‬ ‫توســعية‪ ،‬بــل هنــاك الكثيــر مــن السياســات‬ ‫التــي متــت خــال الفتــرة املاضيــة أ ّثــرت علــى‬ ‫األســس االقتصاديــة يف احلــراك االقتصــادي‬ ‫الســعودي‪ ،‬وانتقلــت للتأثيــر علــى االســتثمار‪.‬‬ ‫وهــذا األثــر الكبيــر الــذي شــاهدناه‬ ‫علــى االقتصــاد‪ ،‬ومــن األمثلــة علــى هــذه‬ ‫السياســات‪ ،‬تغييــر أســعار الطاقــة وتطبيقــه‬ ‫بشــكل ســريع‪.‬‬

‫أكــد د‪ .‬فهــد التركــي علــى مــا جــاء بــه د‪.‬‬ ‫القنيبــط بــأن االقتصــاد الســعودي ميــر يف‬ ‫مرحلــة ركــود بــا شــك‪ ،‬لكنــه اختلــف يف‬ ‫بعــض النقــاط أهمهــا مســؤولية السياســة‬ ‫فحتــى لــو كان هنــاك إنفــاق توســعي مــن‬ ‫املاليــة عــن هــذا الركــود‪.‬‬ ‫السياســة املاليــة فلــن يســتجيب القطــاع‬ ‫واســتعرض د‪ .‬التركــي بعــض اإلحصــاءات اخلــاص بنمــو إيجابــي إال إذا كان هنــاك‬ ‫التــي تؤيــد وجهــة نظــره‪ ،‬منــذ عــام ‪2014‬م وضــوح يف الصــورة والسياســة االقتصاديــة‪،‬‬ ‫إلــى اليــوم منهــا‪ :‬انخفــاض االحتياطيــات‪ ،‬فالتواصــل شــيء مهــم مــع املســؤول احلكومــي‬ ‫وانخفــاض الودائــع اجلاريــة يف القطــاع يف السياســات القادمــة‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫أن الركــود ظاهــرة طبيعيــة‪ ،‬واالقتصــادات‬ ‫الدوليــة مفتوحــة علــى بعضهــا بعضــاً‪،‬‬ ‫فهنــاك تزامــن‪ ،‬وهنــاك انتقــال لعمليــة‬ ‫التأثيــر والتأثــر‪ .‬فخــال هــذه الدراســة‬ ‫حاولــوا ان يلخصــوا أســباب الركــود يف‬ ‫هــذه االقتصــادات بثالثــة أســباب‪ :‬األول‪،‬‬ ‫انخفــاض أســعار اإلنتــاج‪ ،‬والســبب الثانــي‪،‬‬ ‫وهــو مرتبــط بالســبب األول نوعــاً مــا‪ ،‬إذا‬ ‫كان هنــاك تغيــر حــاد يف السياســة النقديــة‬ ‫أو السياســة املاليــة ورمبــا يــؤدي إلــى ركــود؛‬ ‫أمــا الســبب الثالــث فهــو االنخفــاض يف‬ ‫د‪ .‬عثمان الوقداني‬ ‫األصــول‪ ،‬ســواء األصــول املاليــة‪ ،‬أم األصــول‬ ‫وأعتقــد أن التحــدي كبيــر لتحويــل االقتصــاد العقاريــة أم غيرهــا‪.‬‬ ‫مــن اقتصــاد ريعــي معتمــد علــى اقتصــاد ولــو حاولنــا أن نســقط هــذه األســباب‬ ‫النفــط إلــى اقتصــاد منتــج بعيــد عــن اآلثــار علــى االقتصــاد الســعودي‪ ،‬للســبب االول‬ ‫الســلبية إليــرادات النفــط‪ ،‬فجميــع مكونــات مث ـ ً‬ ‫ا انخفــاض أســعار االنتــاج فاالقتصــاد‬ ‫االقتصــاد ســوف متــر يف منحنــى التعلــم‪ ،‬الســعودي ‪-‬كمــا هــو معــروف‪ -‬يعتمــد علــى‬ ‫ولــن يكــون ســه ً‬ ‫ال خــال الســنتني القادمتــن‪ ،‬ســلعة واحــدة وهــي النفــط‪ ،‬ومــن خــال‬ ‫ولكــن مــا يخفــف مــن أثــر حــدة منحنــى التعلم ‪ 2014‬ويف فتــرة الطفــرة الســابقة القريبــة‬ ‫علــى االقتصــاد الســعودي هــو‪ :‬أوالً املرونــة‪ ،‬جــدا وصلــت أســعار النفــط أكثــر مــن ‪100‬‬ ‫وتتمثــل يف إعــادة النظــر يف برنامــج التــوازن دوالر للبرميــل‪ ،‬ثــم انخفضــت إلــى ‪ 42‬دوالراً‬ ‫املالــي؛ وثانيـاً التواصــل مــع القطــاع اخلــاص يف العــام ‪ ،2016‬مبعنــى أن نصــف إيــرادات‬ ‫واملســؤولني األكادمييــن لتكويــن نظــرة االقتصــاد انخفضــت؛ وبالتالــي‪ ،‬أتوقــع يف‬ ‫إيجابيــة للمســار االقتصــادي يف قــادم األيــام‪ .‬مثــل هــذه احلالــة ال بــد أن يكــون الركــود‬ ‫حتميــاً ألنــه ال يوجــد وســيلة معينــة لعــزل‬ ‫المتحدث الثالث‪ :‬د‪ .‬عثمان الوقداني‬ ‫هــذا االقتصــاد مــن التذبــذب يف أســواق‬ ‫دكتوراه في االقتصاد‪ ،‬جامعة كانساس‬ ‫النفــط إذا انخفضــت هــذه األســعار أو‬ ‫األمريكية (اقتصاد قياسي ومالية دولية)‬ ‫أســعار اإلنتــاج‪ .‬والسياســة املاليــة مضطــرة‬ ‫بــدأ د‪ .‬الوقدانــي حديثــه بســؤال‪ :‬هــل الركــود لالســتجابة‪ ،‬فــإذا انخفضــت اإليــرادات‬ ‫حتمــي؟ وهــل هــي ظاهــرة عامليــة أم ال؟‬ ‫ينخفــض اإلنفــاق‪ ،‬وفعــ ً‬ ‫ا انخفــض اإلنفــاق‬ ‫واســتعرض دراســة لصنــدوق النقــد الدولــي احلكومــي بشــكل كبيــر جــدا يف هــذه الفتــرة‪.‬‬ ‫مــن العــام ‪ 1970‬إلــى العــام ‪ ،2015‬كان ومعظــم القطاعــات املكونــة لالقتصــاد‬ ‫هنــاك نحــو ‪ 120‬حالــة ركــود كامــل يف الســعودي معتمــدة بشــكل أو بآخــر علــى‬ ‫معظــم االقتصــادات العامليــة‪ ،‬وبشــكل اإلنفــاق احلكومــي‪ ،‬إذا كان هنــاك إنفــاق‬ ‫خــاص اقتصــادات الــدول املتقدمــة؛ مبعنــى حكومــي ســخي‪ ،‬يكــون هنــاك حالــة ازدهــار‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪11 )2018‬‬


‫يف االقتصــاد مباشــرة‪ ،‬ومبجــرد انخفــاض‬ ‫أســعار النفــط‪ ،‬ينخفــض اإلنفــاق احلكومــي‪،‬‬ ‫فتقــل املشــاريع تبعــاً لذلــك‪.‬‬ ‫ولكــن هــل الركــود ســيء باملعنــى االقتصــادي‬ ‫البحــت؟ هــل مــن املمكــن جتنّبــه خــال فتــرة‬ ‫معينــة؟ هــل الركــود طبيعــي؟ فهــو جــزء مــن‬ ‫الــدورة االقتصاديــة؛ إذ ال يوجــد ازدهــار‬ ‫دائــم وال يوجــد ركــود دائــم‪ ،‬لكــن املشــكلة‬ ‫الرئيســية يف الركــود إذا اســتمر‪ ،‬فهــو يكــون‬ ‫عــاد ًة لفتــرة قصيــرة‪ ،‬فتتأثــر القطاعــات‬ ‫املرتبطــة مباشــرة باإلنفــاق احلكومــي‪ ،‬لكــن‬

‫إذا اســتمر فإنــه ســيؤثر علــى القطاعــات‬ ‫األخــرى؛ وإذا لــم يُعالَــج‪ ،‬فقــد يدخــل يف‬ ‫مرحلــة كســاد‪ ،‬وهــذا مــا ال نتوقعــه‪ ،‬ألنــه‬ ‫يف ‪ 2017‬هنــاك بــوادر خــروج مــن الركــود‬ ‫والدليــل علــى ذلــك هنــاك خصائــص يف‬ ‫االقتصــاد الســعودي بــدأت تتغيــر إيجابيــاً‬ ‫بشــكل عــام‪ ،‬كالتفكيــر االســتثماري‪ ،‬ونــوع‬ ‫االســتهالك‪ ،‬واإلئتمــان املصــريف وتوجهاتــه‪،‬‬ ‫إذ أســهم الركــود بطريقــة غيــر مباشــرة يف‬ ‫تغييــر الفكــر االقتصــادي‪.‬‬

‫جلسة احلوار الثانية‬ ‫السياسات املقترحة للخروج من املشكلة واخليارات املتاحة‬ ‫المتحدثون‪ :‬د‪ .‬فيصل بن صفوق البشير‪ ،‬د‪ .‬سعود بن عبدالعزيز املطير‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد احلميد‬ ‫أدار الجلسة‪ :‬أ‪ .‬طارق بن زياد السديري‬ ‫افتتح أ‪ .‬طــارق السديري‪ ،‬بتحديد هدف‬ ‫الجلسة‪ ،‬وهــو مناقشة الحلول والسياسات‬ ‫االقــتــصــاديــة الــتــي تمكّن مــن مــواصــلــة النمو‬ ‫فــي االقــتــصــاد الــســعــودي‪ ،‬وتحسين الهيكل‬ ‫االقتصادي‪ ،‬بحيث نتمكن من تقليل التذبذب‬ ‫والحفاظ على تطور اقتصادي متواصل‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫وتــســاءل أ‪ .‬ط ــارق إذا نظرنا إلــى الوضع‬ ‫االقتصادي‪ ،‬وبصرف النظر هل نحن اآلن في‬ ‫ركود أم ال‪ ،‬ما هي المسببات الجذرية ونقاط‬ ‫الضعف الهيكلية في االقتصاد السعودي التي‬ ‫ال بد من معالجتها قبل الدخول في الحلول‬ ‫المناسبة؟‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫أ‪ .‬طارق السديري‬

‫المتحدث األول‪ :‬د‪ .‬سعود المطير‬ ‫دكتوراه اقتصاد‬ ‫جامعة والية كولورادو األمريكية ‪1991‬م‬

‫د‪ .‬سعود المطير‬

‫االقتصادي‪.‬‬

‫االقتصاد السعودي ‪-‬كما نعلم‪ -‬يعتمد‬ ‫على النفط؛ وقد أشــار بعض الزمالء إلى‬ ‫المرض الهولندي وكيف أن له تأثيراً هيكلياً؛‬ ‫قــال د‪ .‬المطير إن السبب الرئيس لما‬ ‫إذ إن االعتماد على سلعة واحدة يُحدِ ث مثل‬ ‫يحصل في االقتصاد السعودي هو انخفاض‬ ‫هذا المرض‪.‬‬ ‫أسعار البترول‪ ،‬وبكل تأكيد اعتماد االقتصاد‬ ‫فعندما يحدث انتعاش في قطاع المواد‬ ‫الــســعــودي على الــبــتــرول كسلعة أساسية‬ ‫األولية مثل البترول يكون هناك زيــادة في‬ ‫فهو مصدر االنتعاش‪ ،‬وهو مصدر الركود؛ الدخل‪ ،‬هذه الزيادة في الدخل تنفق على‬ ‫وما نعانيه اآلن من االنخفاض الكبير في سلع إمــا تجارية وهــي السلع المستوردة‪،‬‬ ‫األســعــار‪ ،‬وال شــك أنــه تسبب فــي تدهور ومعظم السلع التي نستهلكها مستوردة‪،‬‬ ‫الــوضــع االقــتــصــادي ووصولنا إلــى مرحلة فيكون هناك إنفاق كبير عليها‪ ،‬وإنفاق كبير‬ ‫على سلع أخرى مثل‪ :‬العقار فيتضخم سعر‬ ‫انكماش اقتصادي‪.‬‬ ‫العقار في ظل وجود االنتعاش أو االرتفاع‬ ‫وتساءل فيما إذا كان هذا السبب لوحده؟‬ ‫الكبير في إيرادات البترول‪ ،‬فيكون له تبعات‬ ‫فال شك أنه تنبثق منه أسباب أخرى‪ ،‬وكما‬ ‫على القطاعات التجارية‪ ،‬ومنها القطاع‬ ‫نعلم أن اإلنفاق الحكومي ما يزال ضخماً‪،‬‬ ‫الصناعي والقطاع الزراعي‪.‬‬ ‫لكنه ليس موجّ هاً بالكامل لإلنفاق داخل‬ ‫الحكومة في ذلك الوقت حاولت تالفي‬ ‫االقــتــصــاد الــســعــودي‪ ،‬فــاإلنــفــاق فــي حالة‬ ‫الحرب يتبعه إنفاق على الحرب وإذا كانت هذا الوضع‪ ،‬وكانت هناك سياسات مالية‬ ‫السلع تصنّع محلياً‪ ،‬فإنه يسبب انتعاشاً توسعية من خالل تقديم إعانات كبيرة جدا‬ ‫اقتصادياً؛ لكن إذا كان اإلنفاق على الحرب للقطاعين الزراعي والصناعي‪ ،‬ثم فيما بعد‬ ‫يعتمد على االستيراد فهناك تعميق للركود تبين أن دعم القطاع الزراعي بهذا الشكل‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪13 )2018‬‬


‫ال يخدم مصلحة االقتصاد الوطني‪ ،‬فبدأت‬ ‫عملية الدعم تنخفض قليالً‪ ،‬وكان المفروض‬ ‫ال في ذلك الوقت أن يتم اختيار القطاعات‬ ‫فع ً‬ ‫المناسبة التي يمكن لها أن تنمو وتتطور‬ ‫وتستطيع أن تنافس وتحل محل الــواردات‪،‬‬ ‫أو تعتمد على تصدير السلع‪.‬‬ ‫أما اآلن ومع وجود رؤية ‪ 2030‬وبرنامج‬ ‫الــتــح ـوّل الــوطــنــي عــلــى وج ــه الــخــصــوص‪،‬‬ ‫هناك محاولة لتالفي األخطاء التي كانت‬ ‫في السابق‪ ،‬وبالتالي يكون الدعم مدروساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫وموجهاً للقطاعات التي من شأنها أن تنعش‬ ‫االقتصاد الوطني في القترة القادمة‪.‬‬ ‫ســوق العمل الــذي يعكس حالة االختالل‬ ‫البنيوي لالقتصاد السعودي بأكمله‪ .‬ففي‬ ‫المتحدث الثاني‬ ‫عقد السبعينيات الميالدية عندما اشتعلت‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد‬ ‫الــطــفــرة االقــتــصــاديــة األولـــى وب ــدأ الناس‬ ‫دكتوراه اقتصاد‬ ‫جامعة وسكانسن‪ ،‬ميلواكي األمريكية‬ ‫يتجهون إلى تأسيس المشروعات التجارية‬ ‫تناول الدكتور الحميد في حديثه حقيقة والــمــقــاوالت‪ ،‬كانت أسهل طريقة هــي أن‬ ‫وضع االقتصاد السعودي‪ ،‬فهو اقتصاد ريعي نستورد عمالة مــن الــخــارج ونــبــدأ بالعمل‬ ‫يقوم على مورد واحد هو النفط‪ ،‬وبالتالي بالطريقة نفسها التي تتم في البلدان التي‬ ‫حتى عندما نتحدث عــن السعودية كبلد استقدمنا منها العمالة‪ ،‬وبالتدريج افترضنا‬ ‫ثــري ضمن مجموعة العشرين التي تضم أن الــخــصــائــص االقــتــصــاديــة لالقتصاد‬ ‫أكبر عشرين اقتصاداً في العالم؛ فنحن الــســعــودي هــي الــخــصــائــص االقــتــصــاديــة‬ ‫في الواقع نتحدث عن اقتصاد ليس عميقاً نفسها للدول ذات الموارد التي تعتمد على‬ ‫في هيكله وفي بنيانه‪ ،‬ألنه يعتمد على هذا الكثافة العمالية في اإلنتاج؛ فبنينا اقتصاداً‬ ‫المورد الواحد‪ ،‬وبخاصة منذ السبعينيات ال يختلف كثيراً عن اقتصادات الدول ذات‬ ‫ال فادحاً في‬ ‫الميالدية من القرن الماضي حيث أصبحنا الكثافة العمالية‪ ،‬ما أحدث خل ً‬ ‫نمر بحاالت من النمو االقتصادي المرتفع بنيتنا االقتصادية‪ .‬ومنذ ذلك الوقت حدث‬ ‫عندما ترتفع أسعار النفط‪ ،‬ثم نتأثر سلباً المزيد من االختالل الهيكلي وزاد اعتماد‬ ‫عندما تحدث أزمة في سوق النفط العالمية اقتصادنا على مصدر رئيسي وحيد للدخل‪،‬‬ ‫وتهبط األسعار‪.‬‬ ‫وعندما هبطت أسعار النفط مجدداً في عام‬ ‫وأضــاف أنه عندما كان يعمل في وزارة ‪ 2014‬وجدنا أنفسنا نعاني مرة أخرى من‬ ‫العمل مر بتجربة عملية من خالل متابعة أزمة اقتصادية‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫هذه الرؤية تدعو للتفاؤل‪ ،‬لكنها تزامنت‬ ‫مع هبوط أسعار النفط بشكل كبير جداً‪،‬‬ ‫وهبوط الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬وزيــادة‬ ‫معدل البطالة‪ ،‬وتراجع السحوبات النقدية‬ ‫من أجهزة الصرف اآللــي وتعامالت نقاط‬ ‫البيع‪ ،‬وانخفاض معدل التضخم‪ ،‬وغير ذلك‬ ‫من مظاهر االنكماش االقتصادي‪.‬‬ ‫وفــيــمــا يــتــعــلــق بــالــحــلــول والــســيــاســات‬ ‫التي ينبغي ان نتبناها للتعامل مع وضعنا‬ ‫االقــتــصــادي‪ ،‬ق ــال الــدكــتــور الحميد إنها‬ ‫تختلف حسب األفق الزمني وعمَا إذا كانت‬ ‫تتعلق بالمدى القصير أو بالمدى المتوسط‬ ‫والطويل‪ .‬ففي المدى القصير يمكن اللجوء‬ ‫لسياسات مالية ونــقــديــة توسعية تنعش‬ ‫االقتصاد وتضخ المزيد من السيولة في‬ ‫شــرايــيــنــة مــن أج ــل مــحــاربــة االنــكــمــاش‪.‬‬ ‫والسياسة المالية تعني‪ ،‬عموماً‪ ،‬زيادة االنفاق‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫وقـــــال د‪ .‬الــحــمــيــد إن ال ــع ــدي ــد من‬ ‫االقتصاديين نبهوا إلــى خطورة االقتصاد‬ ‫الريعي‪ ،‬كما أن خطط التنمية المتعاقبة‬ ‫أشـــارت إلــى ذل ــك‪ ،‬لكن اإلجـــــراءات التي‬ ‫ُتخذَت لتخفيف االعتماد على النفط كانت‬ ‫أ ِ‬ ‫في السابق محدودة وغير حازمة ولم تحقق‬ ‫األه ــداف المطلوبة‪ .‬ومــؤخــراً حــدث تطور‬ ‫مهم‪ ،‬فــأول مــرة تتبنى الحكومة سياسة‬ ‫تجند لها جميع إمكانيات أجهزتها من أجل‬ ‫االنتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج‬ ‫حيث تم وضــع رؤيــة تمتد إلــى عــام ‪2030‬‬ ‫مدعومة ببرامج مفصلة و ُم َز َمّنة وبمؤشرا‬ ‫أداء قابلة للقياس‪ .‬وقد قامت الدولة بإعادة‬ ‫هيكلة أجهزتها وطريقة إعــداد ميزانيتها‪،‬‬ ‫واعتمدت قدراً عالياً من الشفافية واإلفصاح‬ ‫والحوكمة‪.‬‬

‫الحكومي وكبح الضرائب‪ .‬ويمكن اإلسراع‬ ‫في تسديد مستحقات القطاع الخاص على‬ ‫الدولة وتسريع وتيرة االستفادة من البرنامج‬ ‫الــحــكــومــي الــتــحــفــيــزي لــلــقــطــاع الــخــاص‬ ‫والتوسع في مشروعات المشاركة مع القطاع‬ ‫الخاص‪ ،‬وبعض اإلجراءات المتعلقة بحساب‬ ‫الــمــواطــن‪ .‬أمــا السياسة النقدية فتعني‬ ‫زيــادة عرض النقود عن طريق أدوات تلك‬ ‫السياسة مثل خفض معدل الفائدة وخفض‬ ‫االحتياطي القانوني للبنوك‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬ ‫أما في المدى المتوسط والطويل‪ ،‬فالبد من‬ ‫المضي قدماً في سياسة ممنهجة لتوسيع‬ ‫القاعدة االقتصادية‪ ،‬ومن ذلك ما يمكن أن‬ ‫يؤديه صندوق االستثمارات العامة‪ ،‬وجذب‬ ‫االستثمارات األجنبية بما توفره من تقنيات‬ ‫حديثة وليس رأس مال فقط‪ ،‬وأن تركز هذه‬ ‫االستثمارت على جوانب تنطوي على قيمة‬ ‫مضافة‪ .‬نحن بحاجة إلى مشروعات كبرى‬ ‫تتوافق مع خصائص اقتصادنا‪ ،‬وبحاجة إلى‬ ‫تطوير إداري وإلى مكافحة الهدر والفساد‪.‬‬ ‫وشـــدد الــدكــتــور الــحــمــيــد عــلــى أن من‬ ‫الصعب القيام بكل هــذه السياسات بين‬ ‫عشية وضحاها‪ ،‬سواء ما يتعلق بسياسات‬ ‫المعالجات قصيرة األجل أو باإلصالحات‬ ‫الهيكلية المتعلقة بالمدى الطويل‪ ،‬ولذلك‬ ‫فإن األمر يتطلب التدرج في التطبيق لكي‬ ‫تكون هناك طاقة استيعابية كافية سواء‬ ‫من الناحية الفنية التقنية أو االقتصادية‬ ‫أو االجتماعية‪ .‬كما أن علينا أن نتحمل‬ ‫اآلالم التي سوف تصاحب هذه السياسات‬ ‫والمعالجات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪15 )2018‬‬


‫المتحدث الثالث‬ ‫د‪ .‬فيصل بن صفوق البشير‬ ‫دكتوراه اقتصاد‬ ‫جامعة أريزونا األمريكية ‪1973‬م‬ ‫أم ــا الــدكــتــور البشير فــقــال إن هيكل‬ ‫االقتصاد السعودي مكون من قطاع خاص‬ ‫غير مــؤثــر إلــى حــد مــا‪ ،‬وأعــتــقــد أن أكبر‬ ‫عامل قد يكون سلبياً ومؤثراً على االقتصاد‬ ‫السعودي بعد أن نمر في فترة ما حدث اآلن‬ ‫من ناحية الرؤية والتي أؤيدها بشدة بصرف‬ ‫النظر عن طموحها‪ ،‬وعندما قرأتها قلت له‬ ‫إذا نفذت هذه الرؤية سنكون في مصافي‬ ‫الدول (الصناعية) لكن نحن هنا أمام وضع‬ ‫محيّر‪.‬‬ ‫فاالقتصاد السعودي تمثل الدولة الجزء‬ ‫األكبر منه‪ ،‬أما الجزء الثاني فأنتم تعرفون‬ ‫فــي ســوق األســهــم يملكه الــمــؤســســون وال‬ ‫ألومهم‪ ،‬ولهم الحق‪ ،‬لكن يجب أن نصلح‬ ‫هذا األمر من ناحية توزيع ثروة البلد‪ ،‬وال‬ ‫نستطيع أن نستمر بهذا الهيكل ألنه هيكل‬ ‫مخيف وهيكل خطر على سالمة االقتصاد‬ ‫السعودي‪.‬‬

‫د‪ .‬فيصل بن صفوق البشير‬

‫ناحية هو نعمة‪ ،‬ولكن في الوقت نفسه‬ ‫هناك اعتماد حكومي على مصدر دخل‬ ‫واحــد‪ ،‬وبالمقابل هناك اعتماد القطاع‬ ‫الخاص على مصدر دخل أساسي ووحيد‬ ‫وهو الصرف الحكومي؛ كما شجع نمو‬ ‫قطاعات محلية غير قابلة للتصدير‪ ،‬مثل‬ ‫القطاع العقاري وقطاع اإلنشاء والتعمير‪،‬‬ ‫ولكنه أضعف إمكانية القطاعات األخرى‬ ‫فــي التنافس والــتــصــديــر فــي األس ــواق‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫‪ .2‬ع ــدم قـــدرة الــمــواطــن الــســعــودي على‬ ‫المنافسة‪ ،‬والحصول على الوظائف‪،‬‬

‫اختتام الندوة‪:‬‬

‫بسبب هيكلية قطاع األعــمــال‪ ،‬ووجــود‬

‫ثم قدم مدير الجلسة أ‪ .‬طارق السديري‬

‫العمالة األجنبية الرخيصة التي تؤثر على‬

‫ملخصاً للجلسة من ثالث نقاط رئيسة هي‪:‬‬

‫تنافسية الموظف أو العامل السعودي‪.‬‬

‫‪ .1‬يمكن تلخيص اإلشــكــالــيــة بــمــا يعرف ‪ .3‬تمركز ملكية األصــول والمصالح بشكل‬ ‫بالمرض الهولندي‪ ،‬وهو أن البترول من‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫غير صحي في االقتصاد السعودي‪.‬‬


‫■ إعداد‪ :‬هويدا صالح*‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫ٌ‬ ‫قراءة في تجربة شهد الغالوين اإلبداعية‬ ‫تكسر المرايا وتقوم بتجميعها مرة أخرى؛ لترى فيها صورة اآلخر‪ ،‬حين‬ ‫إنها ّ‬ ‫تنكشف فيها ال ــذات‪ ،‬وينكشف فيها اآلخــر‪ ،‬الــذي قد يكون‬ ‫ُ‬ ‫تصبح الكتابةُ مــرآ ًة‬ ‫نصفها المفتقد أو عدوّها المتربّص؛ تصبح الكتابةُ حفر ًا ووشم ًا منفتح ًا على‬ ‫التأويل‪ .‬تصير الكتابة لديها سلطة‪ ،‬كما تصير حاملة لرأسمال رمزي‪ ،‬يمكّ نها من‬ ‫انكشاف المخبوء داخلها أمام اآلخر‪ .‬إنها الكاتبة السعودية الشابة شهد الغالوين‬ ‫التي أجادت لعبة المرايا المتشظية المتجمّ عة‪ .‬أصدرت ثالث روايات قادرة على‬ ‫إث ــارة األسـئـلــة‪ ،‬كما هــي ق ــادرة على ق ــراءة حـفــريــات الــذاكــرة الجمعية لمجتمع‬ ‫محافظ قد يرى في خروج المرأة من منزلها جريرة تحتاج لمساءلة‪ ،‬فما بالك‬ ‫بالكتابة التي تمتلك إرادة القوة والمعنى‪ .‬يمكن للقارئ أن يلمح الصراع الخفي‬ ‫بين األنا (الذات) واآلخر (ما هو خارج الذات)‪ ،‬ليحتدم الصراع‪ ،‬وليس بالضرورة‬ ‫أن يكون هــذا الـصــراع بشكل واضــح مــع ال ـ هــو‪ /‬الــذكــر‪ ،‬بــل قــد يكون الـصــراع مع‬ ‫بنيات الثقافة الرمزية التي قد تقهر األنا واآلخر معً ا‪ .‬تواجه المجتمع بثقافته‪،‬‬ ‫بأيديولوجياته‪ ،‬بقوانينه العرفية والرسمية‪ .‬كتبت «فـتــاة سيئة» لتكشف عبر‬ ‫آليات الميتاسرد وأسئلة الكتابة حول المرأة المتمردة التي تحاول أن تخرج على‬ ‫األعراف‪ ،‬لتثبت ذاتها‪ ،‬وتوقع بهويتها الجندرية‪ .‬كما كتبت «نشوق» لتتصادم مع‬ ‫مجتمع قهر فتاتها السيئة في النص السابق‪ ،‬هنا أرادت أن تكشف زيف القيم في‬ ‫مجتمعات ال تفكر إال فيما يرضي شهواتها ورغباتها‪ ،‬وتُغيّب الروح التي تصارع‬ ‫لئال يطالها التهميش‪ ،‬وأخيرً ا كتبت «األعــرج» لتطرح أسئلتها االجتماعية عن‬ ‫ماهية اآلخ ــر المختلِ ف‪ ،‬واسـتـخــدمــت فيها صــوت ال ـســارد الــرجــل؛ لتخبرنا أن‬ ‫التهميش ال يقع على النساء فقط‪ ،‬بل قد يطال الرجال أيضا!‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪17‬‬


‫في رواية «فتاة سيئة»‬ ‫لشهد الغالوين‬ ‫صــارت الرواية التي تكتبها المرأة السعودية تلفت انتباه النقاد أكثر من الرواية التي‬ ‫تكتبها مثيالتها فــي بقية الـبـلــدان العربية‪ ،‬ربـمــا هــذا االحـتـفــاء ال ــذي يـخــرج عــن نطاق‬ ‫االهتمام الطبيعي من قبل النقاد‪ ،‬ربما يكون سببه التلصص على ما هو اجتماعي الذي‬ ‫تكتبه الكاتبات في الفضاء السردي؛ انطالقا من أن الكاتبات أكثر جرأة في كشف المسكوت‬ ‫عنه في مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي‪ .‬وربما يمثل هذا التلصص ما أثير من‬ ‫ضجة حول بعض الروايات مثل‪« :‬بنات الرياض» لرجاء الصائغ‪.‬‬ ‫لــكــن َم ــن يــقــرأ بــتــأمـ ٍـل وتـ ــر ٍّو للخطاب تحمل وجهة نظر نسوية تنتصر للنساء؛‬ ‫ال أم امــرأة؛ والكتابة‬ ‫النسوي فــي تلك الــروايــات الــتــي تكتبها سواء كان كاتبها رج ً‬ ‫الكاتبات‪ ،‬يكتشف أن ثمة خطابات ذكورية الذكورية هي تلك الكتابة التي تجعل من‬

‫قد تكون أشد فحولة مما يكتبه الرجال؛ المرأة موضوعً ا وليس ذا ًتــا فاعلة؛ سواء‬ ‫وليس هذا حال الكاتبات السعوديات فقط‪ ،‬كان كاتبها رجال أم امرأة‪.‬‬ ‫بل لــدى معظم الكاتبات العربيات‪ ،‬سواء‬

‫وال ينكر أح ـ ٌد من المتابعين عن قرب‬

‫في مصر أو غيرها من الدول العربية التي للمشهد الــروائــي السعودي بصفة عامة‪،‬‬ ‫قطعت شوطا كبيرا في الدفاع عن حقوق والمشهد الروائي النسائي السعودي بصفة‬

‫النساء‪ ،‬فقد صار من البديهي والمتفق عليه خــاصــة‪ ..‬أن الكاتبة الــســعــوديــة امتلكت‬ ‫نقديا أن الكتابة النسوية ال يشترط أن تكون الجرأة في الطرح والحرية في التعبير عن‬

‫‪18‬‬

‫كاتبتها امرأة‪ ،‬بل الكتابة النسوية هي التي موضوعات اجتماعية لم يكن من الممكن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫بعض النقاد أن صــوت الــمــرأة السعودية فماذا فعلت بطلة «فتاة سيئة» لتحقق هذه‬

‫ككاتبة غلب صــوت الرجل؛ بل إن الرجل الحرية المفتقدة؟‬ ‫صار يقلد بعض الروايات التي أثارت ضجة‬ ‫مثل رواية «شباب الرياض» لطارق العتيبي‪،‬‬ ‫«حب في السعودية» إلبراهيم بــادي‪ ،‬فهو‬

‫خطاب العتبات في فتاة سيئة السمعة‬

‫لقد ص ــارت دراســـة العتبات النصية‬

‫نسج على النجاح الكبير الذي حققته رواية أحــد مفاتيح قــراءة النص الــســردي‪ ،‬بــدءًا‬ ‫من الغالف الذي يضم عنوان النص واسم‬ ‫«بنات الرياض»‪.‬‬ ‫على أية حــال‪ ،‬صــارت الكتابة الروائية‬

‫بالنسبة للمرأة تمثيال ثقافيا من خالله‬ ‫تسعى المرأة إلى إثبات وجودها االجتماعي‬ ‫وال ــث ــق ــاف ــي؛ ان ــط ــاق ــا م ــن وعــــي كشف‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫طرحها قبل عقود‪ .‬بل وصل األمر أن رأى من الحريات توفرها العوالم االفتراضية؛‬

‫المؤلف وغيره من أيقونات بصرية‪ ،‬مرورًا‬ ‫باإلهداء والتصدير والمقدمات إن وجدت‪،‬‬

‫انتهاء بالنصوص المصاحبة مثل اإلحالة‬ ‫عــلــى بــعــض مــن ســيــرة الــمــؤلــف الــذاتــيــة‬ ‫والهوامش والتوثيق‪ ،‬وأخيرا الغالف األخير‬

‫المسكوت عنه في المنظومة االجتماعية؛‬ ‫ومن هذه الروايات التي حاولت أن تكشف الذي قد يحمل مقتبسا من النص أو رأي‬ ‫ما في المجتمع من عــادات وتقاليد تنال دار النشر أو رأي أحد النقاد‪ ،‬ويكون غالبا‬ ‫من حرية المرأة ومن وجودها كذات فاعلة الهدف منه ترويجيا تسويقيا‪.‬‬ ‫في المجتمع‪ ..‬روايــة «فتاة سيئة» لشهد‬

‫تعبّر لوحة الغالف عن عنوان النص‪،‬‬

‫الغالوين‪ ،‬الصادرة عن دار الفكر العربي وتجسّ ده بصريًا‪ ،‬فثمة فتاة يحتل وجهها‬ ‫للنشر والتوزيع بالدمام‪.‬‬ ‫ال ــغ ــاف‪ ،‬تــرفــع وجــهــهــا ألعــلــى مغمضة‬ ‫هي روايــة ال تكشف فقط عن العادات العينين وهي تدخن سيجارة بنهم‪ ،‬وتنفخ‬ ‫والتقاليد الــتــي تكبّل وج ــود الــمــرأة‪ ،‬بل دخانها ألعلى متطايرًا ليحتل الجزء الباقي‬

‫تكشف أيضا عن محاولة النساء تعويض مــن الــغــاف‪ ،‬وكــأن وعــي مصمم الغالف‬ ‫الكبت المجتمعي فــي الــواقــع بالدخول دفعه لتجسيد معنى «السوء» الذي يوحي‬ ‫إلى عوالم افتراضية توفرها لها شبكات به عنوان الرواية «فتاة سيئة» في تدخين‬ ‫التواصل االجتماعي والمنتديات والمواقع السجائر‪ .‬ولكن مَن يواصل قراءة النص بعد‬ ‫االفتراضية‪ ،‬وكيف يمكن أن تعوّض هذه تخطي عتبة العنوان «فتاة سيئة»‪ ،‬سيتكشف‬ ‫العوالم االجتماعية ما يتم في الواقع من لــه أن الــســوء الــذي مارسته «رغ ــد» بطلة‬

‫كبت لحريات النساء‪ .‬إنه السعي وراء مزيد الــروايــة‪ ..‬إن هو إال كس ُر نمطية العادات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪19‬‬


‫والتقاليد‪.‬‬

‫لقارئها منذ البدء‪ :‬ليس لدي معركة ضد‬

‫ويأتي العنوان فيه الكثير من السخرية الرجال‪ ،‬فمن شكل وعيي بالعالم هم رجال‪،‬‬ ‫من نظرة المجتمع للفتاة التي تحاول أن إنما معركتي مجتمعية‪ ،‬تقول في اإلهداء‪:‬‬

‫تخرج عن أ ُطر العادات والتقاليد؛ فالمجتمع «إلى ستة من الرجال وقفوا معي وسندوا‬ ‫يصفها بــالــســوء‪ ،‬رغــم أن تصرفاتها إذا طولي وكانوا ظلي الطويل الذي ال ينحني‪،‬‬ ‫قيست من المنظور القيمي ال يستدعي هذا إخوتي‪..‬‬ ‫الوصف السلبي الجارح‪.‬‬

‫وإلى رجل ألبسني ثوب أمي‪ ،‬فشعرت كم‬

‫يتموضع الــعــنــوان بخط أســود عريض أنا جميلة حين أبدو كاألمهات‪.‬‬ ‫ويعلو اسم الكاتبة‪ ،‬وكــأن المصمم يدرك‬

‫وإلى وجه أبي الذي أدس فيه تفاصيلي‬

‫أن اسم الكاتبة لم ينل بع ُد حظً ا وافرًا من الصغيرة عن عين أمي»‪.‬‬ ‫الشهرة واالنتشار؛ ما يدفع مصمم الغالف‬

‫ثم تأتي المقدمة لتكشف عبرها الكاتبة‬

‫إلى أن يروّج للنص باسم الكاتبة الذي كتب عــن عالقة بطلة النص «رغ ــد» بالفضاء‬ ‫بخط أصغر أسفل العنوان‪ ،‬فيصبح العنوان اإللكتروني الذي هو فضاء رئيس‪ ،‬تدور فيه‬ ‫هو األكثر قدرة على الترويج‪ ،‬وخاصة أنه الــروايــة؛ فنجد رغد الساردة تتحدث عن‬ ‫عنوان مثير للجدل‪ ،‬وفاتح لشهوة التلصص هذا الفضاء‪ ..‬وكيف كان ملج ًأ لها وسط‬

‫على كتابات النساء؛ فحتمًا المتلقي سوف قتامة الواقع الــذي يكبّلها بقيود العادات‬ ‫يثير انتباهه هذا الوصف للفتاة بأنها سيئة‪ ،‬والتقاليد‪ .‬وفي هذه المقدمة يظهر وعي‬ ‫وهــو التلصص على كتابات النساء سوف الكاتبة بالواقع والمتخيّل الذي تدور فيه‬ ‫يقتنون النص لمعرفة تفاصيل تلك الفتاة األحــداث‪ ،‬فرغم أن المقدمة بصوت رغد‬ ‫السيئة‪.‬‬

‫وليس بصوت شهد الكاتبة الحقيقية‪ ،‬لكنها‬

‫حينما ندخل للنص يقابلنا اإلهداء‪ ،‬وقد تحيل على واقع المؤلفة‪ ،‬حتى أنها ذكرت‬ ‫كتبته شهد الغالوين وهي واعية تماما أن مواقع إلكترونية بعينها لها وجــود واقعي‬ ‫بعض الــقــراء قد يعتقد أن النص معركة «تحية للرفقاء الطيبين الذين جمعتني بهم‬ ‫أيديولوجية بين الرجال والنساء في مجتمع مواقعي المفضلة (جسد الثقافة‪ ،‬فيس‬ ‫محافظ‪ ،‬فتستدرك األمر بأن تهدي الرواية بــوك‪ ،‬تويتر‪ ،‬آسك مــي)‪ ،‬ولكل مَن يتناول‬ ‫لرجال أثــروا حياتها وأ ّث ــروا فيها‪ ،‬وتذكر سيرتي في محاولة منه لمعرفة تفاصيلي‪،‬‬

‫‪20‬‬

‫سبب تميز كل منهم على حدة‪ ،‬وكأنها تقول هذه الحياة لم تكن لتكون حكايتي كاملة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫أضعني في مواجهة الخيال والحقيقة‪ ،‬أختار لكنها وحدها مَن تــراه بتفاصيلها‪ ..‬شهد‬

‫مكانا وسطاً ال يميل بي إلى أي الجهتين؛ عبدالعزيز»‪.‬‬ ‫إنما يحدد مكاني في نقطة تجمعهما معا»‪.‬‬ ‫وتأتي العتبة األخيرة من عتبات النص‪،‬‬ ‫لم تكن الكاتبة واعية فقط بفكرة التمازج وهــي الغالف األخير الــذي تضع فيه دار‬

‫بين ما هو ٍ‬ ‫واع وما هو خيالي‪ ،‬وتلك المساحة النشر مقتبسً ا من النص يُعبّر عن أجواء‬ ‫البينية بين البعد السيري والتخييل في الرواية‪ ،‬ويصير الحافز للقارئ كي يقتني‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫ولم يكن لها أن تكون محض خيال‪ ،‬فحين جميل وساحر ال ينتبه لتفاصيله البقية‪،‬‬

‫النص‪ ،‬بل تعي أيضا أنها تفيد في طريقة النص‪ ،‬وتوقعه باسم «شهد الغالوين»‪.‬‬ ‫سردها للرواية من تقنية «السيرة» وتقنية‬ ‫الميتاسرد في النص‬ ‫«اليوميات»‪ ،‬اخترت أن تكون سيرة ويوميات‬ ‫الرواية مونولج طويل لم تقطعه الكاتبة‬ ‫أكتبها كما حدثت معي‪ ،‬لكن ربما هناك قوى‬ ‫عظمى سَ يّرتْها إلى هذا الشكل في النهاية‪ ،‬بتقسيمات الــفــصــول‪ ،‬ولــم تقطعه سوى‬ ‫فهذه التفاصيل تشبهني‪ ،‬غير أنه ال يمكن بــبــعــض الـــحـــوارات الــتــي كــانــت تــتــم بين‬ ‫ألي شخص أن يتعرف على الفروق العشرة الشخصيات التي تحيط بــالــســاردة رغد‬

‫بينها وبين حياتي سوى أحمد وبدر وسعد‪ ،‬التي هي أحــد تمثالت المؤلف الحقيقي‬ ‫وأمـــي‪ ،‬وأولــئــك الــذيــن دخــلــوا تفاصيلي‪ ،‬في النص‪ ،‬وبخاصة أن استخدام ضمير‬

‫وعــرفــوا متى تــكــون الفتاة السيئة سيئة المتكلم «أنــا» يحيل على البعد السيري‪،‬‬ ‫بالقدر الــذي يشوّهها في أعين الناس‪ ..‬كذلك ذكر اهتمام الساردة بالكتابة ونشرها‬ ‫التوقيع رغد»‪.‬‬

‫في «جسد الثقافة» وعالقتها بـ«دار الفكر‬

‫وبعد أن يتجاوز القارئ المقدمة والنص العربي» وعالقتها بكتابة الرواية وتقنياتها‬ ‫يخلص إلــى عتبة قبل أخيرة‪ ،‬حيث تأتي يقوّي البعد السيري في النص‪ ،‬بل إن ثمة‬

‫خاتمة للكاتبة بعد أن انتهت الرواية‪ ،‬توضح استخداماً للميتا سرد في النص‪ ،‬فالساردة‬ ‫فيها معنى استخدامها للعنوان «فتاة سيئة»‪ ،‬رغــد تقرر أن تنشر يومياتها‪ ،‬فيواجهها‬

‫وتشرح للقارئ معنى السوء الذي تقصده‪ ،‬زوجها بسؤال الكتابة‪ ،‬هل تمتلك من الوعي‬ ‫قول يلخص الرواية‪ ،‬وتوقعه ما يجعلها مؤهلة ألن تتحمل مسؤولية أن‬ ‫وكأنه قو ُل على ٍ‬

‫باسمها الحقيقي‪ ،‬إذ تقول‪« :‬الفتاة السيئة تكون كاتبة‪ ،‬وهذا ما يقوي البعد السيري‬ ‫ليست كما يتصور اآلخــــرون حــول لفظ «رغد أن تنشري يعني أن يكون لديك شيء‬

‫«سيئة» أو أمر «قبيح»‪ ،‬ال‪ ..‬هذا السوء شيء عليه القيمة‪ ،‬وليس فقط شهوة أسرار تندلع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪21‬‬


‫في مذكرات مراهقة غبية ال تحسن كيف يحيط بها مجتمعيا‪ .‬إذاً‪ ،‬طبيعة السرد‬ ‫َض على الكاتبة لغ ًة شاعرية‪ ،‬كما أن‬ ‫تتعامل مع مجتمعها الصغير‪ ..‬فكيف تواجه ف ـر َ‬ ‫العالم بهذه اليوميات!‬

‫طبيعة الموضوع فرض عليها رؤية شاعرية‬

‫هي محاولة للتفريغ وارتكاب إثم الكتابة‪ .‬للعالم «إني أستعر كحقل قمح ألقيَ فيه عود‬ ‫لكنه صفعني‪ :‬كيف تكتبين عــن حياة ال ثقاب! وال أدري كيف أكتبني وسط مدينة‬

‫تملكين زمام أمرها؟ ومن خوّلك لتتحدثي الحرائق التي نشبت بي من أجلك؛ لكن‬ ‫عني بشكل مكشوف للجميع؟ قصتي معك الحقيقة التي تغيب دومًا عنك هي صالتي‬ ‫شئ شخصي وخاص جدًا بحياتنا هذا إن من أجلك‪ ،‬فأنا أؤمن بقدسية الصالة من‬ ‫ـب يربطني بك عمرًا بأكمله‪ ،‬وال‬ ‫جمعتنا حياة‪ ،‬أما تصرفك هذا فال يدل أجــل حـ ٍّ‬

‫إال على قلة احــتــرام لخصوصيتي معك‪ .‬أريد أكثر من سقف يرتفع بي‪ ،‬وال تتطاول‬ ‫ثم لو نظرت لها كرواية أين خطوط العمل من أسواره أعناق أعراف تدوّلت من فرط‬ ‫الــروائــي؟ هذه قصة طويلة وال تدخل في الجهل!‬

‫إطار العمل الروائي وال مسماه؛ أن تكتبي‬

‫لقد استطاعت الكاتبة أن تكشف في‬

‫روايــة ال بدّ أن يكون هناك فكرة مجنونة النص عن عالقة المرأة بذاتها‪ ،‬وعالقتها‬ ‫وليست كما فكرتك المستهلكة‪ ،‬وأن يكون بمجتمعها‪ ،‬والعادات والتقاليد التي تخضع‬

‫للرواية أحــداث وشخصيات مركبة تسير لها الــنــســاء‪ ،‬كذلك عالقتها بالفضاءات‬ ‫بالعمل وتدخل في دهاليزه‪ ،‬الجيد أنك اإللكترونية‪ ،‬وعالقتها ككاتبة بالكتابة‪،‬‬

‫أخذت تمرينا في الكتابة السردية‪ ،‬وركزي وإلــى أي مــدى يمكن أن تفيد الكاتبة من‬ ‫على عمل آخر يكون بعيدًا كل البعد عن سرد تفاصيل حياتها في نصوصها‪ ،‬وإلى‬ ‫حــيــاتــك الشخصية ومــامــحــهــا‪ ،‬اخلقي أي مدى تفيد من التخييل في إبعاد ذهن‬ ‫فــكــرة‪ ..‬لكن ال تقحمي حياتك وأحداثها القارئ عن السيرة الذاتية‪ .‬وهذا الطموح‬ ‫بعمل يعرض على المأل»‪.‬‬

‫إلى مناقشة الكثير من القضايا في النص‪..‬‬

‫كما أن تقنية المونولوج والبعد الذاتي جعل النص يفلت جماليًا من يد الكاتبة‪،‬‬

‫في النص فرَض لغة شاعرية تناسب غرق فلم تفلح الكاتبة في صناعة الحبكة الفنية‬ ‫الساردة في ذاتها‪ ،‬واكتشاف عالقتها بهذه التي تهيئ النص جماليًا ليحمل كل هذه‬ ‫ال ــذات الــمــأزومــة وعالقتها بــاآلخــر الــذي الخطابات الثقافية داخل النص‪.‬‬ ‫* أكاديمية وكاتبة من مصر‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫البوليفونية‬

‫في رواية «نشوق» لشهد الغالوين‬ ‫■ إميان عبدالعزيز املخيلد*‬

‫ذات‬ ‫إن الكتابة اإلبداعية‪ ،‬والروائية منها‪ ،‬هي المجال األبرز لتحوّل المرأة العربية إلى ٍ‬ ‫فاعلة قــادرةٍ على أن تنتج خطابًا ثقافيًا فاع ًال ومسموعً ا من قبل مجتمع ذكوري همشها‬ ‫طويال‪ ،‬وقزّم دورها؛ فبعد أن صمتت المرأة قرونا طويلة‪ ،‬وكانت مفعوال ال ذاتا فاعلة‪ ،‬تحوّلت‬ ‫اآلن إلى ذات منتجة للثقافة‪ ،‬وقادرة على أن تغيّر ولو قليال من بنية التفكير الذكورية‪.‬‬ ‫ربما راودتني هذه الفكرة وأنا أقرأ رواية محل هذه الدراسة‪.‬‬ ‫«نشوق» للكاتبة السعودية شهد الغالوين‪،‬‬ ‫العتبات النصية الداخلية في الرواية‬ ‫التي استطاعت وهــي ابنة مجتمع أقــل ما‬ ‫تُع ُّد العتبات النصية عالمات داللية تفتح‬ ‫يوصف به أنه مجتمع راديكالي محافظ‪ ،‬أن‬ ‫تُسمع العالم صوتها‪ ،‬وتفتح ملفات شائكة أبواب النص أمام المتلقي‪ ،‬وتمنحه مفاتيح‬ ‫ـض مغاليقه‪ ،‬فهي بمثابة‬ ‫ربما ال يرضى عنها هــذا المجتمع الــذي لــقــراءة النص وفـ ّ‬ ‫يــوصــف بــأنــه مجتمع مــحــافــظ‪ .‬آلــت شهد الشفرات التي تساعد المتلقي الوصول إلى‬ ‫الغالوين على نفسها إال أن تُحدث صدمة خطاب الرواية الفكري‪ ،‬وتساعد إقامة جدل‬ ‫اجتماعية لهذا المجتمع‪ ،‬حين قــررت أن مع متن الحكاية‪.‬‬ ‫تصنع نموذجا نسائيًا قــادرًا على أن يلوي‬ ‫وفــي روايــة «نشوق» تُع ّد المقدمة عتب ًة‬ ‫عنق المجتمع‪ ،‬ويجعله يقبل بهذا النموذج‬ ‫النسائي‪ ،‬وربما يناقشه في أفكاره‪ ،‬يختلف نصي ًة دالـ ًة وموحية‪ ،‬وال يستطيع باحث أن‬ ‫معه أو يقبله‪ ،‬ليس هذا هو مقياس النجاح‪ ،‬يتجاهلها‪ ،‬ففي هذه المقدمة تطرح الكاتبة‬ ‫بل مقياس النجاح الحقيقي أنها أثارت أسئلة استراتيجيتها للكتابة‪ .‬في المقدمة تقدم‬ ‫يتحفظ الكثير من الكتاب الذكور في طرحها الكاتبة للقارئ المؤلف الضمني الذي سيقوم‬ ‫بــهــذه الــجــرأة‪ ،‬وب ــدأت مغامرتها الروائية بــروايــة النص نيابة عن المؤلف الحقيقي‬ ‫برواية «فتاة سيئة»‪ ،‬ثم تلتها برواية «نشوق» (الغالوين)‪ ،‬وكأن الكاتبة تتخذ من هذا النوع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪23‬‬


‫من الــرواة قناعا تلقي من خالل صوته ما‬ ‫تريد من حكايات وأحــداث هي في حقيقة‬ ‫األمر صادمة لوعي المتلقي‪ ،‬ومثيرة لألسئلة‬ ‫لديه‪« :‬لم يكن لدي أي تصور عما يحدث اآلن‬ ‫أمامي‪ ،‬فقد ولــدت في مدينة الجوخ‪ ،‬التي‬ ‫رغم صغرها لم ألتق بريحانة وجهًا لوجه‬ ‫إال في دار الرعاية االجتماعية التي عملت‬ ‫بها حارسً ا لمدة سنتين‪ ،‬ثم تسلّمت شؤون‬ ‫الموظفين بعد ذلك اليوم»‪.‬‬ ‫إن الراوي الضمني «محمد الشريكان» هو‬ ‫من سيقوم بالسرد‪ ،‬وهو كاتب سبق وأصدر‬ ‫رواية أسماها «عبودية الجنس»‪ ،‬وقد تعرّف‬ ‫على البطلة الرئيسة في النص‪ ،‬تلك البطلة‬ ‫التي سيروي حكايتها‪ ،‬أثناء عمله كحارس في‬ ‫في دار الرعاية االجتماعية‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫تــبــدأ المقدمة الــتــي وضعتها الغالوين‬ ‫على لسان الشريكان بالحديث عن مدينة‬ ‫«ال ــج ــوخ» الــتــي ك ــان يــعــيــش فــيــهــا الـ ــراوي‬ ‫الحس‬ ‫ُّ‬ ‫الــشــريــكــان‪ ،‬لكن رغــم ذلــك يظهر‬ ‫النسوي في وصف المكان‪ ،‬فيصير المكان‬ ‫في النص معادالً موضوعياً لألنثى (ريحانة)‬ ‫التي نحتت تفاصيلها في روحها‪« :‬لم تكن‬ ‫الجوخ مدينة صغيرة فقط‪ ،‬بل كانت امرأة‬ ‫بكل تفاصيلها الصغيرة التي منذ أن خلقت‬ ‫على أرضها وحتى هذه اللحظة لم أستطع‬ ‫التخلص من كل ترسباتها‪ ،‬فشرعت في كتابة‬ ‫حكاية المرأة‪/‬المدينة‪ ،‬المتطرفة بهدوئها‪..‬‬ ‫بخوفها‪ ..‬بخطيئتها‪ ،‬بكل منغصات الحياة‬ ‫التي طفحت على سطحها‪ ،‬وبليلها الحالك‬ ‫الطويل الذي يعربد في طرقات المدينة بال‬ ‫عيون‪ ،‬وكيف ُقدّر المرأة واحدة أن تلوي عنق‬ ‫المجتمع وتنحت تفاصيلها الدقيقة بمالمح‬ ‫المدينة بأكملها»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تطرح الكاتبة عبر صوت راويها أو مؤلفها‬ ‫الضمني ســؤال الكتابة‪ ،‬لماذا يكتب‪ ،‬كيف‬ ‫يمكن للكتابة أن تكون فرصة للتطهر؟ كيف‬ ‫التقط تفاصيل ريحانة وأمها‪« :‬هذه الحكاية‬ ‫تشبه تفاصيل شخصيات مــوجــودة بيننا‪،‬‬ ‫ونواجهها بشكل يومي؛ لكن الحقيقة الوحيدة‬ ‫هنا هي ريحانة وأمها‪ .‬كتبتُ لي أوال‪ ،‬ولم‬ ‫أكتب من أجل أي شئ آخر‪ ،‬ألني بحاجة ألن‬ ‫أكتب وجعها حتى أتخلص منه‪ ،‬ولهدف أبوي‬ ‫في محاولة العثور على طفلتي‪ ،‬ال أعدكم‬ ‫بشئ خــارق وغير ع ــادي‪ ،‬كما فــي روايتي‬ ‫السابقة «عبودية الجنس» والتي أعتمد فيها‬ ‫على مخيلتي فقط‪ ،‬إنما هنا أروي حكاية‬ ‫ليست فكرتي مطلقا‪ ،‬بل أسردها لكم كما‬ ‫تلقيتها‪ ،‬وعايشت أغلب تفاصيلها‪ ،‬فمن‬ ‫المؤلم أن يضعك الزمن سبع سنوات أمام‬ ‫امــرأة لم تحبها يوما إال حين رحلت عنك‪،‬‬ ‫وكان بيدك أال ترحل‪ ،‬ومع هذا استسلمت‬ ‫لرحيلها»‪.‬‬ ‫تطرح الكاتبة مــن خــال صــوت محمد‬ ‫الشريكان العالقة بين الواقع والخيال في‬ ‫الكتابة‪ ،‬والتي يتخذهما الكاتب مادة يمتح‬ ‫منها حــكــايــاتــه‪ ،‬فــهــو ي ــرى أن ــه فــي روايــتــه‬ ‫األولى ( عبودية الجنس) اعتمد على الخيال‬ ‫الخالص (التخييل)‪ ،‬في حين أنه في هذه‬ ‫الرواية سوف يمازج بين الواقع والتخييل‪.‬‬ ‫وسؤال الكتابة لم تطرحه الغالوين على‬ ‫لسان محمد الشريكان‪ ،‬مؤلفها المتخيل‪،‬‬ ‫بل طرحته أيضا على لسان ريحانة‪ ،‬التي‬ ‫تــمــارس الكتابة هــي األخـــرى‪ ،‬وتــحــاول أن‬ ‫تكتب حكايتها وحكاية أمها «شـ ّمــا»‪ ،‬وكأن‬ ‫الرواية تتكون من طبقات متعددة‪ ،‬الطبقة‬ ‫الرئيسة روايــة شهد الغالوين‪ ،‬ثم الطبقة‬


‫ريحانة هي ابنة شمّا‪ ،‬كانت وحيدة أبيها‬

‫وفي هذا الفضاء المتخيل‪ ،‬تتناوب ريحانة‬

‫البوليفونية وتعدد األصوات في الرواية‬

‫تعتمد الــروايــة البوليفونية على تعدد‬ ‫ال ــم ــواق ــف الــفــكــريــة‪ ،‬واخـ ــتـ ــاف الـ ــرؤى‬ ‫األيــدولــوجــيــة‪ ،‬وتــرتــكــز كــذلــك عــلــى كثرة‬ ‫الشخصيات وال ــرواة والــســراد‪ ،‬بل وتعتمد‬ ‫الــتــن ـوّع فــي الــصــيــغ والــطــرائــق الــســرديــة‬ ‫استراتيجية للكتابة‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬الرواية البوليفونية رواية قائمة على‬ ‫تعدد األصـ ــوات‪ ،‬والشخصيات‪ ،‬واللغات‪،‬‬ ‫واألساليب‪ ،‬والمواقف‪ ،‬والمنظورات السردية‪.‬‬ ‫ويعني هذا أنها رواية ديمقراطية‪ ،‬تستدمج‬ ‫كل القراء المفترضين‪ ،‬ليُدلوا بآرائهم بكل‬ ‫حــريــة وتلقائية‪ ،‬فيختاروا مــايــشــاؤون من‬ ‫المواقف واأليديولوجيات المناسبة‪ .‬في‬ ‫حين‪ ،‬نجد الرواية التقليدية روايــة أحادية‬ ‫الصوت‪ ،‬يتحكم فيها الراوي المطلق والسارد‬ ‫العارف بكل شيء‪.‬‬ ‫وبما أن المؤلفة الحقيقية للنص قد أسلمت‬ ‫مقاليد السرد لمؤلف متخيل افتراضي‪ ،‬فهو‬ ‫بالتالي تعامل هو اآلخر بديمقراطية‪ ،‬ومنح‬ ‫فرصا‬ ‫ً‬ ‫الشخصيتين الرئيستين في النص‬ ‫متساوية ليرويا قصتهما كل من وجهة نظرها‬ ‫وزاوية الرؤية لعرض الحكاية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫الثانية البديلة هي رواية محمد الشريكان‪،‬‬ ‫ثم الطبقة الثالثة هي رواية ريحانة ابنة شمّا‪:‬‬ ‫تعويضا عن الجنس‪...‬‬ ‫ً‬ ‫«كنت أجد في الكتابة‬ ‫وأنا اآلن أمارس الكتابة بعدما رحل الرجل‬ ‫الذي مأل خواء روحي لسبع سنوات‪ ،‬وترك‬ ‫حولي صوت األشياء التي تسخر مني كلما‬ ‫مررت بجانبها‪ ،‬وكأنها تقول‪« :‬واجهي العالم‬ ‫من جديد»‪.‬‬

‫التي تعرضت لالغتصاب من ابــن جارهم‬ ‫في ظــام الليل‪ ،‬ولــم تعرف َمــن الــذي قام‬ ‫باغتصابها‪ .‬لجأت لجارتهم لتستنجد بها‬ ‫بعد أن حملت من الرجل الذي اغتصبها في‬ ‫ظالم الليل‪ ،‬وظهر الحمل عليها‪ ،‬فحاول األب‬ ‫إجبارها على االعتراف عن الرجل الذي فعل‬ ‫تلك الفعلة‪ ،‬وألنها لم تكن تعرف مَن هو‪ ..‬لم‬ ‫تستطع أن تخبر أباها عنه‪ ،‬حاولت الجارة‬ ‫أن تنقذها من غضبة أبيها‪ ،‬فادعت أمام‬ ‫القبيلة أن األب هو الذي قام بهذه الفعلة‪،‬‬ ‫وأنه اغتصب ابنته‪ .‬لم تعرف الشابة الصغيرة‬ ‫«شــ ّم ــا» كــيــف تتخلص مــن ه ــذه الــورطــة‪،‬‬ ‫فصمتت على إدعاء الجارة التي كادت ألبيها‪،‬‬ ‫وكــانــت تستهدف مــن هــذا االدع ــاء أمرين‪،‬‬ ‫أوالً أن تحمي ابنها؛ إذ كانت تعرف أنه هو‬ ‫صاحب هذه الفعلة‪ ،‬وثانيا أن تنتقم من األب‬ ‫الذي فضل عليها أم شمّا وتزوجها‪ ،‬ويعاقب‬ ‫المجتمع الــرجــل دون تــحــقــق‪ ،‬بــل يسلمه‬ ‫للسلطات التي قضت بسجنه‪ ،‬وتهرب شمّا‬ ‫من القرية وتتجه للمدينة بحملها‪ ،‬وتضع ابنة‬ ‫صغيرة تسميها ريحانة‪ ،‬وتعيش معها صراعً ا‬ ‫دراميًا طوال حياتها‪ ،‬فالبنت التي أتت من‬ ‫عالقة غير مشروعة تظل تحاسب أمها على‬ ‫أنها أتت بها إلى الدنيا‪ ،‬ولم يغفر لها أمام‬ ‫الفتاة الثائرة المتمردة أن أمها تعرضت ظلما‬ ‫لالغتصاب‪ ،‬وظلت تلعنها طوال حياتها‪ .‬وفي‬ ‫محاولة من الفتاة التي ظلمها المجتمع حين‬ ‫ظلم أمها تمردت عليه‪ ،‬عاشت في محاولة‬ ‫لتقويض سلطة هذا المجتمع عليها‪ .‬وفي‬ ‫رحلة تمردها عاشت الصراع بين الجنس‬ ‫والكتابة‪ ،‬تكتب حين تهرب من ممارساتها‬ ‫الجنسية‪ ،‬وتترك الكتابة حينما تجد رجال‬ ‫يمأل روحها الفارغة‪...‬‬

‫‪25‬‬


‫وشمّا السرد‪ ،‬لتحكي كل منهما ما يخصها‬ ‫من الحكاية‪.‬‬ ‫تستخدم الغالوين تعدد األصوات لتسمعنا‬ ‫كــل قطع «الــبــازل» الــتــي يمكن لــلــقــارئ أن‬ ‫يجمعها‪ ،‬ليصنع حكاية مترابطة عن مجتمع‬ ‫مغلق‪ ،‬يأخذ الناس بالباطل واالدعـــاءات‪،‬‬ ‫ويصمت عن كل الممارسات ما دامــت لم‬ ‫تتم في العلن‪ ،‬فالخفاء والتخفّي هما وسيلتا‬ ‫الناس للعيش بسالم دون رقابة المجتمع‪،‬‬ ‫لكن الكشف واإلعـ ــان والــوضــوح يعرض‬ ‫الناس للمحاسبة‪.‬‬

‫وتواصل الكاتبة تعدد أصواتها بالتساوي‬ ‫بين ريحانة وشمّا ومحمد الشريكان‪ ،‬وصوت‬ ‫راب ــع هــو صــوت أســامــة الفلسطيني الــذي‬ ‫شارك شمّا وريحانة الحياة والغرام‪ ،‬فقد وقع‬ ‫في عالقة شائكة معهما‪ ،‬وظل المحكي عنه‬ ‫طوال النص‪ ،‬حتى تم ترحيله إلى فلسطين‬ ‫بعد أن تقدمت ريحانة بشكوى ضده‪ ،‬فرحّ لته‬ ‫السلطات بعد الجلد‪ ،‬ومن فلسطين يرسل‬ ‫خطابا إلــى محمد الشريكان يحكي فيه‬ ‫حكاية عالقته من وجهة نظره هو‪ ،‬من زاوية‬ ‫جديدة للرؤية‪ .‬وهكذا تتعدد األصوات داخل‬ ‫الرواية‪.‬‬

‫تستخدم الكاتبة تركيب «تقول ريحانة»‪،‬‬ ‫«تقول شمّا» في بداية الفصول‪ ،‬وتتعامل‬ ‫إن جــرأة الكاتبة في طرح موضوعاتها‪،‬‬ ‫بديمقراطية حينما تــوزع الفصول بينهما‪،‬‬ ‫بالتساوي‪ ،‬أما المقدمة والخاتمة فتتركهما لتكشف المسكوت عنه فــي المجتمع من‬ ‫ممارسات غير مشروعة ال يقف عند حد‪،‬‬ ‫لصوت محمد سعود الشريكان‪.‬‬ ‫تبدأ الفصل األول بصوت ريحانة‪« :‬تقول فتتكشف الحكاية أمــام القارئ ليعرف أن‬ ‫ريحانة أنــا ريحانة ابنة شمّا‪ ،‬هكذا تقول ريحانة االبنة التي جاءت من حادثة اغتصاب‬ ‫أمــي‪ ،‬أو لنتحدث بمنظور شرعي المرأة غير معروف صاحبها لشمّا قبل عقود هي ابنة‬ ‫(الــوعــاء) التي حملتني تسعة أشهر‪ ،‬وهذا لسعود الشريكان الذي هو في حقيقة األمر‬ ‫الشئ المعترف به من قبلها‪ ...‬أعيش في هو والد محمد المؤلف الضمني للحكاية‪،‬‬ ‫شــقــة صــغــيــرة عــلــى بــعــد ســت ســنــوات من والمفارقة التي خبأتها الكاتبة على القارئ‬ ‫عامي األربــعــيــن‪ ،‬أعشق الــحــيــاة‪ ،‬لكنني ال حتى قبيل نهاية النص أن ريحانة ومحمد‬ ‫أديــن بالفضل ألحــد‪ ،‬ربما سيشم أحدهم‬ ‫الشريكان‪ ،‬الــذي هو في الحقيقة أخوها‪،‬‬ ‫رائحة عقوق في حديثي‪ ،‬لكن ربما لو لمح‬ ‫قد عاشا قصة حب وتقاسما الحياة لسبع‬ ‫الجملة األولى سيجد تعريفي لنفسي بـ «ابنة‬ ‫سنوات مضت‪ ،‬وحين عرف كل منهما حقيقة‬ ‫شـ ّمــا» وذلــك كفيل بتبديل انطباعه عني‪،‬‬ ‫وهذا األمر ليس مفاخرة وال حُ بًا في المرأة اآلخ ــر‪ ،‬ولــم يمتنعا عــن العالقة الجسدية‬ ‫التي أنجبتني‪ ،‬لكنها لألسف حقيقتي التي الحميمية خوفا من اقتراف الخطيئة‪ ،‬وإنما‬ ‫ال أعرف منها سوى وجه شمّا الذي صافح افترقا ألســبــاب تخص عاطفتهما‪ ،‬وليس‬ ‫امتناعا عن ذلك‪ ،‬ألنهما أخوان‪.‬‬ ‫عيني منذ أن زلق وجهي من رحمها»‪.‬‬ ‫* أكاديمية وناقدة سعودية ‪ -‬جامعة االمير سلطان‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫التطهر بالكتابة‬ ‫في رواية «األعرج» لشهد الغالوين‬ ‫■ د‪ .‬هويدا صالح‬

‫بمقدمة توحي بالواقعية‪ ،‬وتبعد بها عن التخييل‪ ..‬تبدأ شهد الغالوين روايتها األحدث‬ ‫«األعرج» التي صدرت عن دار تشكيل للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫تقدم الغالوين للرواية بمقدمة ُتـ َعــدُّ عتبةً كاشفةً مــن عتبات ق ــراءة الـنــص؛ فالكاتبة‬ ‫تتحدث عــن طــرف مــن سيرتها الــذاتـيــة‪ ،‬بحديثها عــن روايتيها السابقتين «فـتــاة سيئة»‬ ‫و«نشوق»‪ ،‬ثم تخاطب القارئ وتكشف له مخططها السردي لكتابة حكاية «األعــرج» الذي‬ ‫وصلتها تفاصيل حكايته عبر مذكرات وصلتها‪ ،‬تحمل تفاصيل هذه الحكاية‪« :‬هذه الرواية‪،‬‬ ‫ليست روايتي الثالثةـ مع األسف‪ ،‬ألني تعودت أن أكتب عن المرأة وللمرأة فقط؛ فحين كتبت‬ ‫رواية (فتاة سيئة) وروايــة (نشوق) كنت في صف المرأة التي تلوي عنق األعــراف والعادات‬ ‫القديمة حتى لو لم أتفق معها‪ .‬وتحدثت عن التفاصيل الدقيقة ما بين الرغبة والحب‪،‬‬ ‫رغم أني ال أتعاطف مع امرأة تسحق نفسها من أجل الحب‪ ،‬لكن مع ذلك كنت مع المرأة‬ ‫حتى لو اختلفت مع طريقتها»‪.‬‬ ‫ثمة مساحة بينية بين السرد القائم على‬ ‫التخييل التام وبين السيرة الذاتية للمبدع‪،‬‬ ‫لكن فــي العقود األخــيــرة انتشر مــا يُسمّى‬ ‫بالرواية السيرذاتية التي مازج فيها الكتاب‬ ‫بين الواقعي والتخييلي‪ ،‬فهل تحاول شهد‬ ‫الغالوين فــي هــذا النص أن تسرب بعضا‬ ‫من سيرتها اإلبداعية في نصها القائم على‬ ‫التخييل‪ ،‬وخاصة أنها تطرح في أكثر من‬ ‫موضع من النص سؤال الكتابة‪ ،‬وماذا تعني‬

‫لها الكتابة‪ ،‬وكيف ترى العالم من خاللها‪.‬‬ ‫وبحسب ما حاولت أن تخبرنا في المقدمة‬ ‫تتحدث عن رؤيتها للكتابة‪ ،‬وموقفها النسوي‬ ‫من قضايا الــمــرأة‪ ،‬أم أنها محاولة إليهام‬ ‫القارئ أن هذه التفاصيل السردية التي وردت‬ ‫في رواية «األعــرج» ال تخصها‪ ،‬خاصة حين‬ ‫تخبر القارئ بأن قصة هذه الرواية وصلتها‬ ‫بطريقة لم تفصح عنها متعمدة؟‪« :‬هذه الرواية‬ ‫في الحقيقة وصلتني بمذكراتها العشر من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪27‬‬


‫مكان ال يمكن لي اآلن اإلفصاح عنه‪ ..‬هي الدالالت االجتماعية التي أرادت كشفها في‬ ‫فعال حكاية رجل عابر لم يكن ليتخلل حياتي النص تنسحب على كل مجتمعاتنا‪.‬‬ ‫لوال أن جمعتني الصدف بمذكراته‪ .‬وألجدني‬ ‫ويصبح االستهالل الــذي عنّونته الكاتبة‬ ‫حكاية جديدة نقلتها لكم بكافة تفاصيلها؛‬ ‫بـــ«الــمــقــدمــة» كــاش ـ ًفــا ومــوضــحً ــا لعالقتها‬ ‫ألنه أراد أن يصل صوته فقط! وأنا لم أكن‬ ‫بالسارد‪ ،‬وتتنحى الكاتبة بعد هذه المقدمة‬ ‫ســوى صــوت لمن كمّم اآلخــرون فمه‪ ،‬ودون‬ ‫ومــا تــاهــا مــن إه ــداء لــزوجــهــا‪ ،‬لتقدم لنا‬ ‫أن يتهمني أحد منكم بسرقة حكايته‪ .‬هذا‬ ‫مقدمة أخرى وسمتها بأنها «دون مقدمات»‪،‬‬ ‫اعتراف حقيقي‪ .‬هذه الحكاية لم تكن لتنسل‬ ‫ومنحت فيها صاحب المذكرات المتخيلة‬ ‫مــن صنع خيالي فــقــط‪ ،‬لكنك ستجد في‬ ‫صوتًا سرديًا ليواجه القارئ‪ ،‬يخاطب كل أم‬ ‫حياتك أغلب تفاصيلها‪ .‬هي ليست حكايتك‬ ‫ويحدثها عن عالقتها بأطفالها‪ ،‬بل يتجرأ‬ ‫أيضا‪ ،‬لكنها واقع الكثير ممن عاش التجربة‬ ‫ليقدم النصح لألمهات جميعا‪ ،‬وهو ما أرادته‬ ‫نفسها! شهد الغالوين»‪.‬‬ ‫الكاتبة تماما «اإليهام بالوثائقية أو الواقعية‬ ‫إن الكاتبة تعرف كيف تشتغل على تلك عبر استخدام تقنية‪ ،‬ثم تختم مقدمتها بتوقيع‬ ‫المساحة الملتبسة بين ما هو واقعي وما هو السارد «األعرج»‪« :‬دون مقدمات‪ ..‬إلى كل أم‬ ‫تخييلي‪ ،‬تحضر في المقدمة باسمها الحقيقي عبرت هذه الحياة‪ ،‬ولم تفلت يد طفلها أبدا‪.‬‬ ‫الذي ذيلت به النص‪ ،‬وتخاطب القارئ وتطلب‬ ‫ولكل أم تخاذلت عن دورهــا األســاس‪ ،‬إذ ال‬ ‫منه أال يتهمها بالسرقة‪ ،‬بل تخبر القارئ أن‬ ‫يمكن ألي حياة أن تعوض طفلك عن الحياة‬ ‫هذه الحكاية ليست حكاية األعرج فقط‪ ،‬بل‬ ‫التي كان يجب أن يعيشها ظلك‪ .‬لكل األمهات‬ ‫هي حكاية كل مَن عاش حكاية مثلها‪ ،‬فتجعل‬ ‫المعجونات بالوجع‪ ،‬ومن سحقت الظروف‬ ‫من الــقــارئ شريكا واضحا في إنتاج داللة‬ ‫بأفئدتهن‪ ،‬هناك حياة أخرى نلتقى بها‪ .‬ولكل‬ ‫النص‪.‬‬ ‫طفل َف َق َد أمه نردِّد بقوة إلهية‪ :‬الكفاية باهلل‬ ‫تقنية المذكرات والتشكل الجمالي للنص وحده‪ .‬ألن ال أحد على وجه األرض سيكون‬ ‫تــقــرر الكاتبة أنــهــا ستعتمد على تقنية بديال عن أمك‪ ..‬األعرج»‪.‬‬ ‫«الــمــذكــرات»‪ ،‬وهــي حيلة فنية يلجأ إليها‬ ‫الــروائــيــون للتنويع في طرائق الــســرد‪ ،‬مثل‬ ‫كتابة «اليوميات» و«االعــتــرافــات» وغيرها‬ ‫مــن الــطــرائــق الفنية‪ .‬تــحــاول الكاتبة عبر‬ ‫هذه التقنية الفنية (المذكرات) أن تكشف‬ ‫عن المسكوت عنه في المجتمع‪ ،‬فـ«األعرج»‬ ‫هنا هي الثقافة التي تسود المجتمع‪ ،‬وتفسد‬ ‫عالقاته اإلنسانية والمجتمعية‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫لــم تُــح ـدِّد الكاتبة الــزمــان والــمــكــان في‬ ‫النص بدقة‪ ،‬وكأنها تريد أن تخبرنا أن هذه‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تحكي الــروايــة قصة طفل صغير تركه‬ ‫والده ليتزوج من أخرى‪ ،‬وتركته أمه لتتزوج‬ ‫مــن آخــر‪ ،‬وعــاش هــو مــع جدته حتى وصل‬ ‫سن العاشرة دون أن يعرف أن جدته ليست‬ ‫أمه‪ ،‬وقبل أن تموت الجدة تخبره أن المرأة‬ ‫التي كانت طوال هذه السنوات تأتي إلى بيت‬ ‫الجدة ليست أخته الكبرى كما كان يتصور‪،‬‬ ‫إنما هي أمــه‪ .‬في اللحظة التي عرف فيها‬ ‫أن هذه المرأة أمه تعلّق بها بشدة‪ ،‬ولكنها‬ ‫لم تقابل تعلقه بعاطفة طبيعية تشعر بها األم‬


‫تكشف شهد الــغــاويــن فــي هــذا النص‬ ‫العالقات االجتماعية واإلنسانية المتفسخة‬ ‫وتحاول أن تقوم بدور عالم االجتماع الذي‬ ‫يقرأ الظواهر االجتماعية ويحلّلها‪ ،‬الظواهر‬ ‫التي تجمع أنــاسً ــا يعيشون في بقعة أرض‬ ‫واحــــدة تُــس ـ ّمــى وطــنــا‪ ،‬وتجمعهم الــهــمــوم‬ ‫والــمــواجــع نفسها؛ لكن أبـ ـدًا ال يتعاطفون‬ ‫فــي المذكرة األول ــى‪ ،‬التي كانت بمثابة‬ ‫مع مواجعهم‪ ،‬رغــم أنهم يشربون من كأس‬ ‫الفصل االفتتاحي الذي يشرح حكاية األعرج‬ ‫الحرمان العاطفي والنفسي نفسها‪.‬‬ ‫يحكي من آخر الحكاية‪ ،‬من آخر لحظة نفسية‬ ‫الجمالي للنص‬ ‫ّ‬ ‫البناءُ‬ ‫تعقدت فيها حياته‪ ،‬ثم يعود بالذاكرة؛ ليكشف‬ ‫تتكون الرواية من عشر مذكرات يتحدث للقارئ عبر الفالش باك تفاصيل حكايته‪،‬‬ ‫فيها األعرج عن خيوط قصته التي سجنته ولماذا هو في هذه النقطة الفارقة من حياته‪:‬‬ ‫فــي سجن نفسي كــابــي‪ ،‬ال أمــل فــي دخــول «حين تكون مأساتك في هذه الدنيا أمك؛‬ ‫بصيص نــور إليه‪ ،‬وحتى في اللحظة التي فكيف ستكون حينها حياتك؟ أنا قاتل‪ ،‬نعم‬ ‫م ّد له القدر بصيص ضياء حين تَعرّف في قاتل‪ ..‬صادمة هذه الحقيقة‪ ،‬كجبل جثم على‬ ‫المستشفى التي حُ ـ ِـجــز فيها بعد إصابته صدري‪ ،‬وسحق سنوات شبابي‪ ..‬من الجحيم‬ ‫في حــادث طريق‪ ،‬يرفض عطاء هذا القدر أن تكون حياتك مقيّدة بين أمرين‪ :‬مقيد في‬ ‫فــتــرات طــويــلــة‪ ،‬وحــيــنــمــا يــقــرر أن يبصر زنــزانــة خوفك‪ ،‬أو تخرج لمواجهة حتفك‪.‬‬ ‫الضياء ال يتمسك به‪ ،‬بل يمارس عليه فعل أدرك أن العالم من حولي ال يكف عن نهش‬ ‫اإلظالم المتعمد‪ .‬ربما تبدو الفقرة السابقة وجهي‪ ،‬وذ ّر سيرتي في المجالس مع اللعنات‬ ‫ال دون‬ ‫غير مفهومة للقارئ‪ ،‬فال بد من توضيحها المتالحقة التي ال تستغرق وقتًا طوي ً‬ ‫بالحديث عــن فرصة الــقــدر الذهبية التي أن تصل لمسامعي‪ ،‬وكأني بذلك أجرمت بحق‬ ‫قدمها لألعرج للخروج من سجنه النفسي‪ .‬هذا العالم كله‪ ،‬ولم أجد في المقابل أي أحد‬ ‫يُصاب بطل الرواية في حادث‪ ،‬ذلك الحادث يتعاطف مع قدري البائس»‪.‬‬ ‫الذي سوف يُخلِّفه أعرج‪ ،‬وإثر هذه اإلصابة‬ ‫االستطراد في السرد‬ ‫يــدخــل المستشفى‪ ،‬وفــي ليل المستشفى‬ ‫تبدو شخوص الرواية مثل كومبارس في‬ ‫الطويل‪ ،‬يحدث أن تــزوره امــرأة في سكون‬ ‫الليل‪ ،‬تجلس بجانبه‪ ،‬وتحدثه‪ ،‬وتخفف عنه‪ ،‬مسرحية تــدور حول األعــرج ومأساته التي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫تجاه صبيها‪ ،‬بل كانت جامدة المشاعر‪ ،‬فيظل‬ ‫طوال الوقت يحاول أن ينتزع منها االعتراف‬ ‫بأمومتها‪ ،‬وفــي سبيل ذلــك يرتكب جرائم‬ ‫متعددة‪ ،‬لكنه يظل يبكي وجع عدم االعتراف‬ ‫به من قبلها‪.‬‬

‫كانت هــذه الــمــرأة مرافقة البنها الصغير‬ ‫المريض والمحجوز في الغرفة المجاورة‪.‬‬ ‫تمتد بهم خيوط الحكاية حتى يتزوجا‪ ،‬ولكنه‬ ‫لــم يشكر الــقــدر على منحة غالية‪ ،‬امــرأة‬ ‫تعوّضه جفوة أمه وقسوتها‪ ،‬بل يحقد على‬ ‫عطف المرأة على ابنها الصغير‪ ،‬ويدهسه‪،‬‬ ‫عامدا‪ ،‬بالسيارة‪ ،‬غير ًة وحسدًا على تمتعه‬ ‫بحنان أمه الذي حرم هو منه‪ ،‬ورغم أن المرأة‬ ‫تعرف جيدًا أنه هو من دهس ابنها‪ ،‬إال أنها ال‬ ‫تشكوه للسلطات‪ ،‬بل تبرئه‪ ،‬لكن أبدا ال تغفر‬ ‫له‪ ،‬تقصيه من حياتها‪ ،‬فيفقد آخر أمل له في‬ ‫حياة سوية‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫تسجنه في سجنه النفسي‪ ،‬وهذا أوقع الكاتبة‬ ‫في االستطراد واإلطــنــاب‪ ،‬فعالقة السارد‬ ‫بأمه ال تحتمل أن تأخذ هذا البعد الذي جعل‬ ‫الكاتبة تكررها وتلحّ عليها عشرات المرات‪،‬‬ ‫إن لم يكن المئات‪ ،‬عبر الفضاء السردي؛‬ ‫مــا يجعل كــل األحـــداث تتعلق بالشخصية‬ ‫المحورية‪.‬‬ ‫الصراع ومستويات السرد‬ ‫تبدأ الرواية بمستوى إخباري‪ ،‬كما قرأنا‬ ‫فــي المقتبس الــســابــق‪ ،‬إذ يتحدث الــراوي‬ ‫(صاحب المذكرات) عن مأساته‪ ،‬وهو مستوى‬ ‫يحاول دمج الحالة النفسية بالمكان والزمان‪،‬‬ ‫لكن هذا المستوى غيّب اللغة المشهدية التي‬ ‫كان من الممكن أن تفيد منها الكاتبة في نسج‬ ‫لغة سردية تبعد عن اإلخبار‪ ،‬وال تكتفي به‪.‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬فإن اإليقاع السردي يبدو بطيئا لوال‬ ‫متلق‬ ‫حركة الراوي الذي يتحدث مباشرة إلى ٍ‬ ‫افتراضي‪ ،‬ثم يبدأ ينتقل بحركة الصراع إلى‬ ‫خطوة أخرى‪ ،‬حينما يعود بالفالش باك لسرد‬ ‫تفاصيل الحكاية‪ .‬يغلب المستوى اإلخباري‪،‬‬ ‫ألن الــراوي يقع في مونولوجات طويلة عن‬ ‫عالقته بأمه‪« :‬الكالم الذي في فمي ال يمكن‬ ‫لهذا العالم أن يفهمه‪ ،‬حتى لو حاولت ترجمة‬ ‫مشاعري بحيادية؛ ألن المأساة الحقيقية‬ ‫أن يكون خصمك في الدنيا أمك! والمأساة‬ ‫األكبر حين ال تــدرك فداحة ما وقعت به‪.‬‬ ‫وكأنه ال يد لك بكل ما وجدت نفسك فيه»‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫إن الــراوي يوهم في أكثر من موضع من‬ ‫النص أنه قتل أمه‪ ،‬وأن دخوله للسجن بسبب‬ ‫قتله لها‪ ،‬في نوع من التشويق‪ ،‬ولهذا نرى أن‬ ‫بنية الكتابة تعتمد على مساحة من الغموض‬ ‫وإخــفــاء الــســؤال‪ ،‬وليس طرحه واستنطاقه‬ ‫أي إن السؤال المعرفي والــدالالت النفسية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫واالجتماعية يجب أن يصل إليها القارئ‬ ‫بنفسه‪ ،‬نيابة عن الروائية والــراوي‪ ،‬لكن مع‬ ‫تقدم السرد‪ ..‬نكتشف أنه قتلها نفسيا حين‬ ‫قتل بالخطأ ودون تعمد ابنها وابنتها من‬ ‫زوجها اآلخر‪ ،‬وحين أفسد عليها حياتها مع‬ ‫هذا اآلخر‪.‬‬ ‫اعتمدت البنية السردية في النص على‬ ‫توزيع خيوط الحكاية على المذكرات العشر‬ ‫التي وجدتها المؤلفة الحقيقية‪ ،‬والتي منحت‬ ‫من خاللها صوتًا سرديًا للراوي‪ ..‬كي يربط‬ ‫لنا خيوط هذه الحكاية التي يمكن أن نتعثر‬ ‫فيها كــل ي ــوم فــي المجتمعات التقليدية‬ ‫المحافظة التي ال تقهر النساء فقط‪ ،‬بل‬ ‫تقهر النساء والــرجــال‪ ،‬وتضعهم فــي أتــون‬ ‫الضغط المجتمعي‪ ،‬حيث تتفسخ العالقات‪،‬‬ ‫وينمحي التواصل اإلنساني حتى بين االبن‬ ‫وأمه‪ .‬تصبح الكتابة بالنسبة للراوي وسيلة‬ ‫للتطهر من ذلك األلم الذي يعتصره ويدفعه‬ ‫إلفساد حياة كل مَن اقترب منه‪ ،‬وكأنه تحوّل‬ ‫إلى لعنة‪.‬‬ ‫إنه يكتب كي يتخلص من ألم حبه ألمه‪:‬‬ ‫«لم أكن أتصور أن في الكتابة خالصاً‪ ،‬وأنا‬ ‫رهنت عمري كله لمحاولة الخالص من كل ما‬ ‫يؤرقني‪ .‬فقط تخلصت حين كتبت عن أمي‪،‬‬ ‫هي حياتي بأدق تفاصيلها‪ .‬يقينا لن تقرأها‬ ‫أمي‪ ،‬وال حتى أبي! لكن ستجد طريقها إليهم‬ ‫يوما ما وبأي طريقة كتبت‪ .‬هذه المذكرات‬ ‫سرية للغاية‪ ،‬لكنها أملي الوحيد للوصول‬ ‫إلى مَن أردت أن تصل إليهم‪ .‬فلقد ابتلعت‬ ‫المسكنات ولــم تخرس هــذا األلــم‪ ،‬وحدها‬ ‫الكتابة فعلت ذلك»‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫على هامش المحور‬ ‫شهد الغالوين تقول‪:‬‬ ‫ال أنكر الصلة‪ ..‬والتأثر بأحالم مستغانمي‪ ،‬وقد قرأت روايتها «ذاكرة الجسد» عشرات‬ ‫المرات في سنة واحدة‪.‬‬ ‫حين أقرأ ما تكتبه أحالم مستغانمي في بعض المواقع‪ ،‬أشعر بصلة عميقة بيني وبين‬ ‫النص الذي تكتبه‪.‬‬ ‫طرحت من قضايا في رواياتي‪ ،‬وال يمكن أن يأتي اليوم الذي‬ ‫ُ‬ ‫لدي إيمان مطلق بكل ما‬ ‫َّ‬ ‫أندم فيه على القضايا التي ناقشتها‪.‬‬ ‫ألن الكتابة حياة‪ ..‬ال أقيّد أفكاري وال أحجبها‪ ،‬بل أكتبتها كما هي‪ ،‬وكما تخلقت في مخيلتي‪.‬‬

‫كاتبة شابة دخلت الكتابة الروائية من منطقة المغامرة والجرأة في كشف المخبوء في‬ ‫مجتمع محافظ‪ ،‬تكتب قصص نساء تمردن ضد ثقافة مهيمنة‪ ،‬وتحاول أن تحدث للقارئ‬ ‫والمجتمع صدمةً ؛ علّهُ يفيق من هذه الثقافة التي تُكبل ليس النساء‪ ،‬وتكبت حرياتهن‬ ‫فقط‪ ،‬بــل تكبل كذلك الــرجــال‪ ،‬وتضع الجميع فــي مواجهة مــع أفـكــار محافظة‪ ،‬وبما أن‬ ‫المبدعين‪ ،‬وخاصة الروائيين منهم هم صوت الوعي‪ ،‬واألقدر على طرح األسئلة اإلشكالية‪،‬‬ ‫وتفجير قضايا شائكة‪ ،‬لذا فقد أحدثت كتابات شهد الغالوين صدمات مفاجئة وقاسية‬ ‫لهذه الثقافة فــي روايتيها‪« :‬فـتــاة سيئة» و «نـشــوق»‪ ،‬وقــد أص ــدرت الغالوين رواي ــة جديدة‬ ‫مؤخرً ا‪ ،‬يبدو أنها نقلة نوعية في كتاباتها التي تبحث عن القضايا النساء‪ ،‬لتنتقل في رواية‬ ‫«األعرج» للبحث في القضايا المجتمعية‪ ..‬بصرف النظر عن أن يكون بطلها رجال أم امرأة‪.‬‬ ‫توجهنا لها في هذا الحوار؛ لنعرف كيف ترى الكتابة‪ ،‬وكيف استطاعت أن تفجر هذه‬ ‫وقد ّ‬ ‫القضايا الشائكة في ظل مجتمع محافظ‪ ،‬وكيف ترى المشروع الروائي السعودي بعامة‬ ‫والنسائي خاصة‪.‬‬ ‫■ حاورتها سعاد سعيد نوح‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪31‬‬


‫¦أثـ ـ ـ ــارت ش ـه ــد الـ ـغ ــاوي ــن ال ـ ـجـ ــدل مـنــذ‬

‫لذا‪ ،‬ال يمكن أن أرى ذاتي في شخصية‬

‫روايتها األولــى «فتاة سيئة» وحتى آخر‬

‫مختلقة بحد ذاتها؛ لكن حقيقة دائما‬

‫رواية» األعرج»‪ ..‬ترى ما الذي يثير جدل‬

‫ما أ ُلبِس الشخصية عواطفي والكثير‬

‫القراء والنقاد في كتاباتك؟‬

‫من تفاصيلي‪ ،‬لدرجة ال أحد يشعر أني‬

‫‪ρ ρ‬ألني في حقيقة األمــر أكتب بال قيود‪،‬‬ ‫ال أخشى عــواقــب مــا أكــتــب‪ ،‬فلم أقف‬

‫على عتبة المجتمعات المحافظة‪ ،‬ولم‬ ‫أطــرق بابها‪ ،‬بل تسللت من نوافذها‪،‬‬ ‫كتبت عن قضية المرأة نفسها بحميمية‬ ‫مبالغ فيها‪ ،‬والمرأة بحد ذاتها قضية‬ ‫ٍ‬ ‫مثيرة‪ ،‬لدرجة تصور األغلب أني أكتب‬ ‫عادة ما يثير الجدل‪ ..‬لكن القارئ الجيد‬ ‫والمتابع لكل ما طرحت يكتشف مدى‬ ‫المصداقية والشفافية فيما أطرح من‬ ‫قضايا‪ ،‬لدرجة حين أكتب أبتهل أن تصل‬ ‫الفكرة للمتلقي‪ ،‬تماما كما أردت دون‬ ‫تحوير وال تغيير في مسارها‪.‬‬ ‫¦أي الـ ـ ــروايـ ـ ــات ت ـش ـب ـهــك؟ ف ـي ـمــن تــريــن‬ ‫نفسك؟ في بطلة «فتاة سيئة» أم بطلة‬ ‫«نشوق»؟‬ ‫‪ρ ρ‬الــروايــة فــي تــصــوري ســيــرة حــيــاة أيا‬ ‫كانت القضية التي تتناولها‪ ،‬ال يمكن أن‬

‫يفصل الكاتب الرواية عن حياته حتى‬

‫مــررت مــن هنا ســوى قلبي الــذي يعي‬ ‫جيدا أن ما كتبت هنا كان عاطفتي‪..‬‬ ‫وتفاصيل طفيفة مرت في حياتي‪.‬‬ ‫¦م ــا ه ــي الـ ــروايـ ــة األق ـ ـ ــرب ل ـن ـف ـســك مــن‬ ‫رواياتك الثالث؟‬ ‫‪ρ ρ‬في كل روايــة أجــد نفسي؛ ألنها تعتبر‬ ‫تــاريــخــي الــعــاطــفــي‪ ،‬ل ــذا ال يمكن أن‬ ‫أتجاهل الحالة العاطفية التي مــررتُ‬ ‫بها بكل مرحلة كتابة‪ ،‬ألني حين أكتب‬ ‫أتهيأ من كل قلبي‪ ..‬لدرجة أعيش حالة‬ ‫الحب حتى أنتهي من العمل‪ ،‬فأنا لم‬ ‫آخذ الكتابة كهواية فقط‪ ،‬أو مجرد عمل‬ ‫روتيني‪ /‬إنما حالة عشق كلما داهمتني‬ ‫فكرة‪ ،‬كلما ضحك قلبي‪ ،‬وكــأن الحب‬ ‫قادم على هيئة رواية‪.‬‬ ‫¦في رواية فتاة سيئة‪ :‬هل ترين أن العادات‬ ‫والتقاليد هــي الـتــي تـحــول الـفـتــاة إلى‬ ‫هذه الصفة؟‬

‫لو كانت قصة البطل تختلف عن حياته‪ρ ρ ،‬فــي رواي ــة فتاة سيئة‪ ،‬البطلة لــم تكن‬ ‫سيئة بالقدر الــذي يشوّهها فــي عين‬ ‫لكن هــنــاك تفاصيل معاشة ومــواقــف‬

‫‪32‬‬

‫مـ ــررت بــهــا‪ ،‬وع ــواط ــف لــم يــكــتــب لها‬

‫المجتمع‪ ،‬لكن بحكم العادات والتقاليد‬

‫الحياة‪ ،‬لكني عبرتُ عنها بطريقة ما؛‬

‫واألعراف البالية‪ ..‬و ُِسمت بذلك‪ ،‬ألنها‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫حق كل شخص أن يختار أسلوب الحياة‬

‫وهذا أمر يحسب للبيئة المحيطة التي‬

‫الــذي يناسبه‪ ،‬وليس ألحــد سلطة في‬

‫أسهمت في تشكيل الوعي لديهم‪.‬‬

‫فــرض وصايته‪ ،‬أو التحكم في طريقة‬ ‫حياته‪ ،‬ومــن يمتلك الــوعــي الكافي‪..‬‬ ‫أتصور أنه ال يمكن ألحد هزيمته‪ .‬إن‬ ‫الوعي هو الفيصل الــذي يفرق إنسان‬ ‫عن إنسان‪ ،‬ويحرر اإلنسان بصفة عامة‬ ‫من ربقة التقاليد‪ .‬من حق الرجل أن‬ ‫يختار حياته‪ ،‬وفــي هــذا األمــر بالذات‬ ‫تقف التقاليد والعادات في وجه المرأة‪،‬‬ ‫رغم أنه من حقها أيضا‪ ،‬وقليل جدا مَن‬ ‫تختار نفسها‪ .‬ربما المجتمع منح الرجل‬ ‫فرصا ولــو قليلة الختيار نمط الحياة‬ ‫ً‬ ‫التي يرغب فيها‪ ،‬لكنه حرم المرأة كلية‬

‫¦ثمة تشابه في اللغة مع كتابة الجزائرية‬ ‫دت ذلك؟‬ ‫أحــام مستغانمي‪ ..‬فهل تعمّ ِ‬ ‫أم أن طبيعة الـمــوضــوعــات المتشابهة‬ ‫هــي الـتــي فــرضــت اسـتـخــدام هــذه اللغة‬ ‫الشعرية؟‬ ‫‪ρ ρ‬نحن مــن بيئة مختلفة تــمــامــا‪ ،‬كذلك‬ ‫المواضيع التي نطرحها تختلف عن‬ ‫بــعــض‪ ،‬لكن تجمعنا الــعــاطــفــة‪ ..‬فهي‬ ‫حقيقة شكّلت مرحلة مهمة في حياتي‪،‬‬ ‫اذ إني قرأت لها وأنا في السابعة عشر‬ ‫من عمري‪.‬‬

‫من هذا االختيار‪.‬‬

‫وأذكر خالل عام واحد أني قرأت «ذاكرة‬

‫¦هل يمكن أن يأتي اليوم الذي تراجعين‬

‫الجسد» عشرات المرات‪ ،‬ومع ذلك لم‬

‫نفسك فيه فيما طرحتيه من قضايا في‬ ‫مشروعك الروائي؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال أتصور ذلك؛ ألن لدي إيمان مطلق أن‬ ‫القضايا واألفكار تتجدد بكل مرحلة‪..‬‬ ‫كذلك اللغة والمشاعر‪ ،‬لذا ال يمكن أن‬ ‫أكون ذات الشخص منذ خمس سنوات‪،‬‬ ‫بل شعرت بالنضج العاطفي فيما أكتب‬ ‫لدرجة أصبحتُ أعبر عن أفكاري دون‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫اختارت حياتها فقط‪ .‬فأنا مؤمنة أنه من‬

‫الــوعــي تختلف عــن األجــيــال السابقة‪،‬‬

‫أتخلَّ عن المتعة التي أجدها في كل مرة‬ ‫أقرأ فيها ذات الرواية من ذلك العام ‪،‬‬ ‫لدرجة أني اآلن حين يمر بي ما تكتب‬ ‫أحالم في المواقع‪ ،‬أشعر بصلة عميقة‬ ‫بيني وبين النص الذي تكتبه‪.‬‬ ‫وبخصوص اللغة أعتقد أن العاطفة لها‬ ‫األثر األكبر في تشكيل اللغة الشعرية‪،‬‬ ‫والــمــرأة بحد ذاتها حالة شعر‪ ..‬لذا‪،‬‬

‫خوف من مواجهة المجتمع‪ ،‬بل ازددتُ‬

‫أتصور أن اللغة لها ارتباط عميق مع‬

‫ثقة أن الجيل القادم يحمل درجــة من‬

‫الحالة العاطفية لدى المرأة الكاتبة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪33‬‬


‫¦هــل تـمـ ّـســك الـبـيـئــة وتــزمّ ـتـهــا يقلل من‬

‫والحب وحتى في األمومة‪ .‬موجع جدا‬

‫فرص التحقق اإلبداعي لدى المرأة؟‬

‫أن تدفع ثمن ذنب لم ترتكبه‪ ،‬وتسحب‬

‫‪ρ ρ‬ربــمــا هـــذا األمــــر كـــان صــحــيــحً ــا في‬

‫الحياة من يدك رغم كل محاوالتك لتقبل‬

‫الماضي‪ ،‬أما اآلن‪ ،‬فمع مواقع التواصل‬

‫االجتماعي أصبحت الفرص مختلفة‬ ‫تــمــامــا‪ ،‬لــدرجــة أصبحت فيها منافذ‬ ‫اإلعــام واسعة جــدا‪ .‬من السهل جدا‬

‫ذاتك‪ ،‬ومع ذلك ال تجد مَن يتقبلك‪.‬‬ ‫¦ك ـيــف امـتـلـكــت الـ ـج ــرأة ل ـســرد تفاصيل‬ ‫الحب والرغبة في مجتمع مغلق؟‬

‫أن يصل ما تريده عبر تغريدة أو مقطع ‪ρ ρ‬حين أكــتــب ال أفــكــر فــي المجتمع وال‬ ‫مــصــور‪ ،‬أو حتى صــورة دون عناء في‬ ‫ردة فعل المتلقي حقيقة؛ ألن ذلك يعيق‬ ‫نشره‪.‬‬

‫¦في رواية نشوق‪ .‬من هم مجهولو الهوية‬ ‫ال ــذي ــن ت ـق ـصــدي ـن ـهــم‪ ،‬وهـ ــل اسـتـطــاعــت‬ ‫البطلة التغلب على قـيــود المجتمع؟‬ ‫وما الثمن الذي دفعته لذلك؟‬ ‫‪ρ ρ‬هــم جــهــولــو الــنــســب‪ ،‬مــن قــذفــت بهم‬ ‫األقـــــدار؛ لــيــكــونــوا ضحية مجتمع ال‬

‫يرحم‪ .‬هم من تحدثتُ عنهم في هذا‬ ‫العمل‪ ،‬عن نظرة المجتمع وتعاطيه مع‬

‫ذاتها‪ ،‬وكيف تتشكل حين أكتبها‪ ،‬وألن‬ ‫الــكــتــابــة حــيــاة‪ ..‬ال أقــيــد أفــكــاري وال‬ ‫أحجبها‪ ،‬بل أكتبتها كما هي وكما تخلقت‬ ‫في مخيلتي‪ .‬وما كتبت في نشوق أدرك‬ ‫أنه صادم وخارق للعادة؛ ألنه من الصعب‬ ‫أن تكتب هذه التفاصيل بأسلوب مباشر‪،‬‬ ‫لكني مع ذلك تعمدت هذا السرد؛ ألنه‬

‫فئة مجهولي الهوية‪ ،‬وكيف قُدِّ ر المرأة‬

‫كان حالة من الشعور تعبّر عن الشخصية‬

‫واحــدة أن تلوي عنق المجتمع‪ ،‬وتعيش‬

‫ذاتها‪ ،‬ولم أقحم الرغبة والحب‪ ،‬بل كان‬

‫بقوانينها‪ ،‬ألن طبيعة المجتمع هي التي‬ ‫تسن التشريعات‪ .‬كتبت على لسان امرأة‬ ‫طحنتها الحياة‪ ،‬فلم تجد أمامها سوى‬ ‫مهاجمة المجتمع الــذي جرّمها‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنها ال تتعدى كونها ضحية‬ ‫ذنـ ٍـب لم تقترفه‪ ،‬لكن مع هــذا حرمت‬

‫‪34‬‬

‫أفــكــاري‪ ،‬كــل مــا أفكر فيه هــو الفكرة‬

‫من حقها الطبيعي في الحياة والــزواج‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫موجودًا في فطرتها‪ ،‬لدرجة تعاملت مع‬ ‫الموقف مراعية بذلك الــظــروف التي‬ ‫وجدت بها‪ ،‬وحميمية العالقة التي كلما‬ ‫فكرت بها كلما راودها تاريخها المظلم‪،‬‬ ‫حين تتساءل بينها وبين نفسها‪ :‬ما الذنب‬ ‫الذي اقترفْته؛ ألكون مجهولة الهوية؟!‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫البردوني‬ ‫دراسة جديدة في شعر‬ ‫ُّ‬ ‫■ هيفاء حمد البصراوي*‬

‫على اختالف النتاج األدبــي والنقدي الــذي ُيـقــدَّ ر بــآالف الكتب‪ ،‬و ُيـقــدم على‬ ‫فترات مختلفة إلى الساحة األدبية؛ إال إن النتاج الجيد الذي يتصيّده الناقد‪،‬‬ ‫حسه النقدي ال يخرج عن اثنين أحدهما‪ :‬يضيف إلى الناقد‪ ،‬واآلخر‪:‬‬ ‫ويستفز َّ‬ ‫يجني عليه‪.‬‬ ‫كما أن اختيار الناقد لبعض الــدراســات؛ ليمارس عليها نقده يحتاج إلمامً ا‬ ‫بالتطورات النقدية‪ ،‬وحضور ًا ذهن ّيًا يُسهمان في تشكيل نتاج نقدي مميز‪ ،‬ولم‬ ‫متعطشا لالستزادة في مجال النقد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعد ذلك صعبًا‪ ،‬ما دام الناقد‬ ‫ولعل مــن أهــم الــدراســات الالفتة‪ ،‬التجريب على مستوى‪ :‬أوالً‪ :‬اللغة‪،‬‬ ‫والــجــديــرة بــاالهــتــمــام عــلــى الساحة ثانيًا‪ :‬الصورة‪ ،‬ثالثًا‪ :‬اإليقاع‪.‬‬ ‫األدبية‪ ،‬دراسة للباحث‪ :‬إبراهيم مـحمد‬ ‫إن تأمل عنوان الكتاب للوهلة األولى‬ ‫هــجــري‪ ،‬بعنوان «الـ َّتــجــريــب فــي شعر يدخلك في دهاليز من األسئلة؛ ولعل‬ ‫عبداهلل البردُّوني»‪ ،‬الصادر حديثًا عن مــن أهــم األسئلة التي يفرضها ذلك‬ ‫الدار العربية (ناشرون)‪ ،‬ونادي جازان الــعــنــوان‪ :‬مــا التَّجريب ال ــذي يقصده‬ ‫األدبــي‪ ،‬وهو كتاب قسّ مه الكاتب إلى الــكــاتــب؟ وهــل هــو الـ َّتــجــريــب العلمي‬ ‫فصلين‪ :‬جــاء األول منه على أربعة كما في العلوم الطبيعية؟ أم أن هناك‬ ‫مباحث؛ تض َّم َن كل مبحث مذهبًا من تجريبًا آخــر يقصده الكاتب؟ ليجيب‬ ‫المذاهب األدبية اآلتية‪ :‬الرومانسية‪ ،‬الكاتب عن ذلك قائالً‪« :‬يعد التَّجريب‬ ‫البرناسية‪ ،‬الرمزية‪ ،‬والسريالية‪ .‬وجاء من المفهومات النقدية الحديثة التي‬ ‫الفصل الثاني على ثالثة مباحث؛ هي‪ :‬وقــف عندها النقاد طويالً‪ ،‬مختلفين‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪35‬‬


‫في تحديد ماهيته‪ ،‬وقد أدى هذا االختالف‬ ‫إلــى الــثــراء المعرفي‪ ،‬واالقــتــراب مــن هذا‬ ‫المفهوم الــذي تحوّل من الحقول العلمية‬ ‫إلى الحقول األدبية بشكل عــام‪ ،»...‬ويقول‬ ‫كذلك‪« :‬هو عملية إبداعية تتخذ من رفض‬ ‫المستقر والمألوف حافزًا لها‪ ،‬وتعتمد على‬ ‫محاوالت األديب المستمرة إلزاحة منظومة‬ ‫التقاليد األدبية‪ ،‬كما تعتمد على رغبته في‬ ‫عدم التوقف عند حد معين من التجديد»‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬التَّجريب كما يتضح‪ :‬هو تجربة كل‬ ‫جديد‪ ،‬من أجل التجديد والتغيير‪ .‬والتجديد‬ ‫مفهوم يخرجنا من التقليد والرتابة والملل‪،‬‬ ‫إلـــى حــقــول مــخــتــلــفــة ومــقــتــرنــة بالمتعة‬ ‫والــدهــشــة؛ لكننا نجد الكاتب فــي موضع‬ ‫آخر‪ ،‬بعد عرضه للرؤية الرومانسية في شعر‬ ‫البردوُّني يقول‪« :‬ومن خالل ما تقدم‪ ،‬يمكن‬ ‫القول‪ :‬إن البردُّوني جرَّب الرؤية الرومانسية‪،‬‬ ‫وتجلت في شعره أهم مبادئها المتمثلة في‬ ‫الذاتية‪ ،‬والطبيعة‪ ،‬والحب‪ ،‬والحلم‪»...‬؛ ما‬ ‫جعل السؤال يعود مرة أخــرى‪ ،‬منبثقًا منه‬ ‫سؤال جديد‪ :‬كيف يمكن أن يجرّب الشاعر‬ ‫المذهب الرومانسي؟ وهل سيسلم الشاعر‬ ‫من التصنّع والتكلّف؟!‬

‫‪36‬‬

‫وف ــي مــحــاولــة مــن الــكــاتــب؛ لتوضيح‬ ‫صالحية استخدام (التَّجريب) في الشعر‪،‬‬ ‫نــجــده يــفــرق بــيــن الــتــجــربــة‪ ،‬وال ـ َّتــجــربــب؛‬ ‫فالتجربة‪ :‬تــحــدث مــرة واحـــدة نصل من‬ ‫خاللها إلــى نتيجة يمكن الوقوف عندها‪.‬‬ ‫أما التَّجريب‪ :‬عبارة عن استثمار كل نتيجة‬ ‫جديدة في تجربة جديدة تدخلنا في سلسلة‬ ‫ال تنتهي من اإلبداع‪ .‬وربما أراد الكاتب من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫خالل ذلك التفريق‪ ..‬اإلشــارة البعيدة التي‬ ‫مفادها‪ :‬أن مصطلح (تجربة) أقرب للعلم‬ ‫والموضوعية‪ ،‬بينما (التَّجريب) أقرب للفن‬ ‫والطبعية؛ ومهما يكن‪ ،‬فــإن التَّجريب وإن‬ ‫عمل على التجديد والتغيير‪ ،‬إال أنه يخرج‬ ‫بالشاعر إلى التكلّف والصنعة ‪ -‬على األقل‬ ‫ في نصوصه التجريبية األولى‪.‬‬‫يقول الكاتب مبررًا لهذا المذهب ‪-‬أعني‬ ‫التَّجريب‪ -‬وهو تبرير يبدو منطق ّيًا‪« :‬ومن‬ ‫يتعامل مــع الــتــجــريــب ألول م ــرة سيشعر‬ ‫بالغرابة والسطحية‪ ،‬وهذا أم ٌر طبعي؛ فقد‬ ‫بدأ الكتاب التجريبيون سطحيين أو غريبي‬ ‫األطــوار للكثيرين من معاصريهم‪ ،‬أما اآلن‬ ‫فمن الواضح أنهم عمالقة اإلدارة األدبية»‪.‬‬ ‫فالكاتب يريد أن يخبرنا بأن التَّجريب في‬ ‫بــادئ األمــر قد يكون غريبًا؛ لكن سرعان‬ ‫ما يتفاجأ باستحسان الجمهور له؛ فيعتاد‬


‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الكتابة على ذلك النمط إلى أن يصبح رائدًا أو التَّجريب‪ ،‬وبخاصة أن المصطلح في‬ ‫في ذلك المجال‪ ،‬وكل ذلك بفعل التجريب‪ .‬حد ذاته قليل الذكر في الكتاب؛ إذ يالحظ‬ ‫لكن ذلك يو ِّل ُد سؤاالً أعمق‪ :‬هل يتناقض القارئ نسيان الكاتب عنوان الكتاب‪-‬أحيانًا‪-‬‬ ‫التَّجريب مع الفن‪ ،‬باعتبار أن الشعر فنٌّ متعمقًا في أوجه أخرى للنص‪ ،‬بدالً من أن‬ ‫يشير لتَجريب الــشــاعــر‪ ،‬كما فــي الفصل‬ ‫قائ ٌم على الحس والعاطفة‪ ،‬أكثر من العقل‬ ‫الثاني‪.‬‬ ‫والمنطق؟‬ ‫إن الــشــاعــر الــرومــنــســي والــبــرنــاســي‬ ‫لقد أشــار الكاتب منذ البداية إلــى أن‬ ‫والرمزي والسريالي‪ ،‬لم يختر لنفسه تلك‬ ‫التَّجريب نُق َل من العلوم إلى حقول األدب‪ ،‬إذ‬ ‫الميول‪ ،‬بل إن هــذه المذاهب شخصيات‬ ‫إن أول مَن أدخل كلمة (التَّجريب) إلى ميدان‬ ‫عادية‪ ،‬قبل أن تصبح مذاهبَ تتبع؛ فهناك‬ ‫بشكل خاص هو‬ ‫ٍ‬ ‫األدب بشكل عام‪ ،‬والرواية‬ ‫شخصية محبة لذاتها‪ ،‬تميل لصوت الذات‬ ‫(إيميل زوال)‪ ،‬أحد المتأثرين بالعلوم‪ ،‬األمر‬ ‫وللطبيعة والحلم؛ فتسمى رومانسية‪ .‬وفي‬ ‫الذي جعله يعتمد في رواياته على القواعد‬ ‫المقابل‪ ،‬هناك شخصية تميل إلبراز الجمال‬ ‫العلمية‪ .‬وهــذه إشــارة من الكاتب على أن‬ ‫والتفنن فــي األشــيــاء؛ فتسمى الشخصية‬ ‫التَّجريب علمي‪ ،‬نُق َل إلى الفن؛ ما يدفعنا‬ ‫البرناسية‪ ،‬وهناك شخصية تعشق الغموض‪،‬‬ ‫إلــى مراقبة اختالف وجهات النظر حول‬ ‫وتستعين بالرموز إلخفاء ما تريد؛ فتسمى‬ ‫التَّجريب‪-‬إن وجد ذلك االختالف‪ -‬والتمعّن‬ ‫شخصية رمــزيــة؛ فــالــمــذاهــب عــبــارة عن‬ ‫في مــدى صالحيته للفن‪ ،‬ومــا هي عيوبه‬ ‫شخصيات تنعكس معالمها على األدب؛‬ ‫التطبيقية؟ وما أسباب تحفّظ الرأي اآلخر‬ ‫ليظهر تبعًا لها ما يسمى بالمذهب الشعري‪،‬‬ ‫حول التَّجريب؟!‬ ‫كما أن جمع البردُّوني ألطــراف من معالم‬ ‫وكل هذه األسئلة الطارئة تولد مع بعض تلك الشخصيات في شعره‪ ،‬ال يعني تقصده‬ ‫صفحات الكتاب‪ ،‬فإما أن أجد جوابًا من الـ َّتــجــريــب‪ ،‬بــل هــو نــوع مــن أن ــواع التراكم‬ ‫الكاتب نفسه‪ ،‬أو أمضي باحثة عنها خارج الثقافي الذي خرج عفو ّيًا في شعره‪.‬‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫كما أن الكاتب اختار التحليل الوصفي‬ ‫إن مجمل كتاب هجري يقوم على تحليل منهجً ا لــلــدراســة‪ ،‬وهــو منه ٌج ‪-‬مــن وجهة‬ ‫نصوص البردُّوني ببراعة مذهلة أحيانًا‪ ،‬نــظــري‪ -‬ع ــام؛ فكل المناهج الــتــي تتناول‬ ‫وكنت في كل مرة أ ُعيد سؤال الذات‪ :‬لماذا الشعر تصفه وتحلّله‪ ،‬باعتبار أن الشعر‬ ‫لم يتخ َل هجري عن كلمة (تجريب)‪ ،‬ويجعلها قائم على الوصفية‪ ،‬وفي ذلك يقول بكري‬ ‫دراسة شعرية تكشف لنا تنوع مذاهب الذات أمين‪« :‬كل أغــراض الشعر وصف؛ فالمدح‬ ‫الشاعرة‪ ،‬وهو تنوع يفرضه الواقع والعصر وصف نبل الرجل وفضله‪ ،‬والنسيب وصف‬ ‫دون رغبة وتقصد في خوض غمار التجربة النساء والحنين إليهن‪ ،‬والشوق إلى لقائهن‪،‬‬

‫‪37‬‬


‫والرثاء وصف محاسن الميت وتصوير آثاره‪،‬‬ ‫والهجاء وصــف س ــوءات المهجو وتصوير‬ ‫نقائصه ومــعــايــبــه‪ ،»...‬وكــل منهج‪-‬أيضا‪-‬‬ ‫قائم على التحليل‪ ،‬فالتأويلي‪ ،‬والجمالي‪،‬‬ ‫والبنيوي‪ ،‬واألسلوبي‪ ،‬والسيميائي وغيرها‬ ‫من المناهج والنظريات قائمة على التحليل‪.‬‬ ‫ومن اإلشارات المثيرة في كتاب هجري‪،‬‬ ‫حديثه عن النصوص اللونية عند الشاعر‪،‬‬ ‫مــثــل‪ :‬اســتــدعــاء ألـــوان األحــمــر واألخــضــر‬ ‫ـور شعرية ملونة؛ وهي‬ ‫وال ــوردي‪ ،‬ورســم صـ ٍ‬ ‫إشارة تدفع القارئ لتساؤل مشروع عن عمى‬ ‫البردوني‪ ،‬هل ولد الشاعر كفيفًا‪ ،‬أم أصيب‬ ‫به بعد سنوات معينة‪ ،‬وهل يرى البردوني‬ ‫األلـــوان؟ وكيف استطاع شاعر كفيف أن‬ ‫يوظف اللون ببراعة الفتة في شعره؟‬ ‫ال شك أن عمى الشاعر‪ ،‬ورؤيته لأللوان‪،‬‬ ‫معطى مهم يمكن استغالله؛ فقد يكون له‬ ‫تأثير إيجابي فــي ب ــروز موهبة الشاعر‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الكاتب تحدث عن عمى‬ ‫يعط ‪-‬‬ ‫البردُّوني إال أنه حديثٌ سريعٌ‪ ،‬لم ِ‬ ‫من خالله‪ -‬البردُّوني حقه في التمييز بينه‬ ‫وبين الشاعر البصير‪ ،‬كونه يكاد يتميز على‬ ‫الشاعر البصير في بعض نصوصه الوصفية‪.‬‬ ‫ومهما يكن‪ ،‬فإن كل ما ذكر ال يقلل من‬ ‫قيمة الكتاب‪ ،‬وال من تميز الكاتب في أسلوبه‬ ‫التحليلي‪ ،‬خاصة في تناوله لعناوين القصائد‬ ‫وعالقتها بالمذاهب الشعرية‪ ،‬وفي تحليله‬ ‫للنصوص على مذاهبها المختلفة‪ ،‬ومن‬ ‫ذلك قوله في تحليله لعنوان أحد الدواوين‬ ‫* كاتبة من السعودية‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫على مستوى المذهب السريالي‪ ،‬إذ يقول‬ ‫برؤيته الفلسفية‪« :‬ومن عناوين دواوينه التي‬ ‫جسدت هذه المرحلة ديوانه (ترجمة رملية‪..‬‬ ‫ألع ــراس الــغــبــار) فــإن مــن ل ــوازم الترجمة‬ ‫الكتابة‪ ،‬والكتابة ينبغى أن تكون على شيء له‬ ‫صفة الثبوت‪ ،‬إال إن البردُّوني يجعل من هذه‬ ‫الترجمة ترجم ًة رمليةً‪ ،‬والرمل ليس له صفة‬ ‫الثبوت واالســتــقــرار‪ ،‬وخاصة عند انبعاث‬ ‫الــغــبــار‪ ،‬وســتــكــون هــذه الترجمة ألعــراس‬ ‫الغبار‪ ،‬والعرس له داللة الفرح والسرور‪ ،‬ومن‬ ‫زاوية أخرى فإن العرس يدعو إلى االجتماع‬ ‫واالئــتــاف‪ ،‬بخالف الغبار الــذي له داللة‬ ‫الكآبة‪ ،‬إضافة إلى أن من مقتضيات الغبار‬ ‫التشتت واالفــتــراق‪ ،‬فالعرس رمـ ٌز للوجود‪،‬‬ ‫والفرح‪ ،‬والبناء‪ .‬والغبار رمز للهدم‪ ،‬والعدم‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فإن البردُّوني بنى هذا العنوان‬ ‫لديوانه على التناقض‪ ...‬جامعًا بين المعقول‬ ‫والالمعقول‪ ،‬والمألوف والالمألوف»‪.‬‬ ‫ومــن مــمــيــزات الــدراســة كــذلــك‪ ،‬قــدرة‬ ‫الكاتب على الربط بين الموقف العاطفي‬ ‫لكل مذهب من المذاهب الشعرية‪ ،‬وبين‬ ‫الوزن الخليلي‪ ،‬وإن كان قد سبقه في ذلك‬ ‫الربط المتقدمون‪ ،‬إال أن للكاتب أسلوبه‬ ‫الخاص في عرض تلك العالقة‪ ،‬ولعل ممن‬ ‫ساعده على ذلــك الطاقة اإلبداعية التي‬ ‫تختزلها قصائد البردُّوني؛ فشعره لم ينسج‬ ‫عبثًا بــل تجد عنده إتــقــا ًنــا فــي استخدام‬ ‫البحور الشعرية التي تتناسب مع عواطفه‪،‬‬ ‫ومواقفه النفسية‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بساطة التناول‪..‬‬ ‫ارتقاء مستويات الرمز والتخييل‬ ‫■ فرج مجاهد عبدالوهاب*‬

‫تضعنا المجموعة القصصية «الوجه الذي من ماء» الصادرة عن النادي األدبي‬ ‫في حائل‪ ،‬لمبدعها السعودي «جبير المليحان» أمــام إشـكــاالت عــدة‪ ،‬وتناغمات‬ ‫ســرديــة مختلفة‪ ،‬ومــوضــوعــات تـمــس اإلن ـس ــان فــي حـيــاتــه ضـمــن نفسه وأســرتــه‬ ‫ومحيطه‪ ،‬وتنويعات متعددة كانت‪ :‬الطبيعة‪ ،‬الماء‪ ..‬اإلنسان ثم الكفاف من أهم‬ ‫عوامل تحريك سياقات القص الفارق في عذوبة بساطة التناول‪ ،‬مقابل ارتقاء‬ ‫محوري الرمز الشفاف والتخييل الفارق في اإلدهاش والتباين الذي أدى بشكل أو‬ ‫بآخر إلى تلك اإلشكاليات التي كان من أهمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬غواية العنونة التي تحث قارئها على‬ ‫تحريك غريزة السؤال والتساؤل‪،‬‬ ‫والــغــوايــة األه ــم كــانــت فــي عنوان‬ ‫المجموعة نفسها «الوجه الذي من‬ ‫ماء»‪ ،‬وإن كنت أتمنى لو كان العنوان‬ ‫مختصراً على كلمتين (وجــه ماء)‬ ‫ليس أسوة بالقاص السورى الصديق‬ ‫(محمد غازى التدمري) الذي أصدر‬ ‫أربع مجموعات قصصية كان الماء‬ ‫هــو المهيمن على عناوينها التي‬

‫كانت (سرير ماء‪ ،‬مائدة ماء‪ ،‬وسادة‬ ‫ماء‪ ،‬عكاز ماء)‪ ،‬مع اختالف توظيف‬ ‫الماء بين القاصين‪ ،‬ألن الماء في‬ ‫مجموعات (ال ــس ــورى) كــان اسماً‬ ‫رائ ــزاً بين عناوين المجموعة من‬ ‫أجــل تعزيز حــركــة غــوايــة العنوان‬ ‫التي ما تألقت إال من اختزالها على‬ ‫كلمتين ‪ -‬مسند متغير ومسند إليه‬ ‫ثابت‪.‬‬ ‫أمــا الــمــاء المرتبط بــالــوجــه وقد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪39‬‬


‫شطر عنوانه اســم الموصول (ال ــذي)‪،‬‬ ‫مشيراً إلى كينونة محذوفة كأنه يريد أن‬ ‫يقول‪ :‬الوجه الذي كان من ماء‪ ،‬فحذف‬ ‫فعل الكينونة ‪ -‬كان ‪ -‬مع بقاء داللته ‪-‬‬ ‫الذي ‪ -‬حرك فعل الغواية نفسها؛ وهذا‬ ‫ما أدى إلى اختالف توظيف الماء لدى‬ ‫المبدعين‪ ،‬فالهدف عند (التدمري) إثارة‬ ‫دهشة غواية العنونة‪ ،‬أمــا هــدف الماء‬ ‫عند (المليحان) فهو معيار فني ارتكازي‪،‬‬ ‫يُــشــيــر إل ــى رم ــز مــعــيــاري مــهــم مرتبط‬ ‫بالحياة جميعها (إنسان‪ ،‬حيوان‪ ،‬نبات)‪،‬‬ ‫فهو موت ووالدة في الوقت نفسه‪ ،‬فالماء‬ ‫هنا حالة وإحالة‪:‬‬ ‫حالة معيار إن غاب أو انقطع‪ ،‬وإحالة إلى‬ ‫ما يُشبه الموت كما في القصص (الماء‪..‬‬ ‫الــمــاء‪ ..‬الــمــاء‪ ..‬أنين األشــجــار‪ ،‬شغاف‬ ‫النخل)‪ ،‬إذ كان الماء القاسم المشترك‬ ‫ليس بالعنونة أو الذكر‪ ،‬وإنما بالفاعلية‬ ‫التي تشكل صيرورة الحياة ما بين والدة‬ ‫وموت‪ ..‬وكالهما مرتبط بالماء‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫‪ -2‬اإلشكالية الثانية هى التنوع‪ ،‬والتنوع‬ ‫فــي مــوضــوعــات الــقــصــص‪ ،‬واخــتــاف‬ ‫طبيعة الشخصيات وأنماطها واللعب‬ ‫على العنونة‪ ،‬من المسلمات الطبيعية‬ ‫التي مــن حــق المبدع أن يمارسها‪ ،‬إال‬ ‫أن يضع في المجموعة الموجهة للكبار‬ ‫قصة لألطفال‪ ..‬فهنا تكمن اإلشكالية‪،‬‬ ‫وإن كنت أرى في قصة (الصديقان) التي‬ ‫نهض ببطولتها (الــدب األبيض والقط‬ ‫األســود) مستوىً تناولياً يرتقي بالسرد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫إلى مرحلة تتجاوز مرحلة الطفولة‪ ..‬إال‬ ‫أنها ومن خالل‪:‬‬ ‫أ‪ -‬التأكيد على أنها لألطفال كما جاء‬ ‫في الهامش‪.‬‬ ‫ب‪ -‬موضوعها الــقــائــم على صداقة‬ ‫بين حيوانين قد ال تنهض بينهما‬ ‫صداقة ما في الواقع‪.‬‬ ‫ج‪ -‬اللغة والحوار وأسلوب التداخل‪..‬‬ ‫واضــح على‬ ‫ٍ‬ ‫شغل‬ ‫ٍ‬ ‫إنما يشير إلــى‬ ‫أن الــهــدف كتابة قصة لألطفال‬ ‫فحسب‪.‬‬ ‫د‪ -‬القيمة التربوية واإلنسانية التي‬ ‫عززت موضوع الصداقة كضرورة‬ ‫وأهمية؛ ما يُعمِّق الفكرة والهدف‬


‫‪ -3‬اإلشكالية التالية تكمن في قدرة المبدع‬ ‫على اللعب الفني على عنصري الرمزية‬ ‫والتخييل الذي ال يخلو من رمز ما‪..‬‬ ‫فالرمزية في القصص لعبة فنية تطرح‬ ‫قضايا حياتية مختلفة كما فــي قصة‬ ‫(الجراد ‪ ،)14-9‬وبطلها طفل يخاف من‬ ‫فوق «أال يأتي الجراد طائراً في السماء‬ ‫ويحط على أشجاركم ويأكلها؟» ص‪،10‬‬ ‫وتتحقق نبوءة الطفل‪ ..‬ويأتى الجراد‬ ‫ليُخيم على غصون األشجار كالعناقيد‪،‬‬ ‫ويخرج الناس لمكافحته‪ ،‬يغلون الماء‬ ‫في قدور ثم يرمون فيها الجراد‪« ،‬نزل‬ ‫ا مــن رابيته صباحاً‪ ،‬ووقــف‬ ‫سين وج ـ ً‬ ‫بجانب قدر كبير‪ ،‬وشاهد أن ما يكبونه‬ ‫لم يكن جراداً‪ ،‬كان أشبه بعقارب صغيرة‬ ‫صفراء بأذناب معقوفة وإبر سامة‪ ،‬تنسل‬ ‫من القدور وسط البخار المتصاعد إلى‬ ‫الجو‪ ،‬وتتضخم إلــى ما يُشبه األفاعى‬ ‫الكبيرة» ص‪.12‬‬

‫الصواريخ‪ ،‬الطائرات‪ ،‬الحرب‪ ،‬الحرب»‬ ‫ص‪.13‬‬

‫ومــع لعبة الكشف غير المستاغة عن‬

‫رمزية الجراد وتحوله إلــى آالت دمــار‪،‬‬

‫فإن نهاية القصة تُعيد للعبة الرمز أجواءه‬ ‫«ومن بعيد يلوح صدى صراخة كغمامة‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫واالتــجــاه الفني واألســلــوبــي‪ ،‬وكل‬ ‫هذا ينصب في أدب األطفال الذي‬ ‫سبق وعنيَ المؤلف به‪ ،‬لذلك كان‬ ‫مــن الخطأ وضعها فــي مجموعة‬ ‫ال عالقة لها بالطفولة‪ ..‬وإن كان‬ ‫حضور األطفال يأخذ حيزاً واسعاً‬ ‫في مساحات قصص المجموعة‪.‬‬

‫إال «الجراد‪ ..‬الجراد‪ ،‬العقارب‪ ،‬القنابل‪،‬‬

‫حــزن‪ ،‬وخلفه ينفجر في الــهــواء‪ ،‬سؤال‬

‫صغير‪ :‬إلــى أيــن يركض والسماء فوق‬ ‫األمكنة» ص‪.14‬‬

‫عناصر القصة‬ ‫أ‪ -‬سين‪ :‬جسم صغير‪ ،‬رأس كبير‪ ،‬يقول‬ ‫لألطفال‪ :‬إن الخطر يأتينا من فوق‪.‬‬

‫ب‪ -‬عنصر التنبؤ الذي لم يصدقه من أهل‬ ‫القرية أحــد؛ ألنــه صــادر عــن طفل ال‬ ‫قيمة له‪ ،‬تكمن مشكلته بأنه يخاف من‬

‫فوق‪.‬‬

‫ج‪ -‬الجراد الذي داهم القرية‪.‬‬ ‫د‪ -‬تحول الجراد إلى عقارب‪ ،‬ومن ثم تحول‬ ‫العقارب إلى آالت دمار‪ ،‬ثم النهاية غير‬

‫المتوقعة‪.‬‬

‫هذه العناصر المتساوقة بنظام سردي‬

‫حركي مُنتقل من فضاء إلى آخر‪ ،‬شكّل معمار‬

‫ذلك الرمز الذي كنت أتمنى أال يكشف داللته‬

‫ويــقــلــب الــقــاص الــســحــر الــرمــزى على بتلك الطريقة المباشرة والعادية‪.‬‬ ‫هذه الرمزية أخذت اتجاهاً أكثر معقولية‬ ‫مــبــدعــه‪ ،‬لــيــكــشــف وب ــك ــل بــســاطــه أن‬ ‫المدلول اإلشــاري لذلك الجراد لم يكن في كل من‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪41‬‬


‫الــبــحــر‪ ،‬الــســؤال ال ــذي ظــل معلقاً‪ :‬أال‬ ‫تعرف البحر؟ ويستمر تحريك بنية الرمز‬ ‫فــي ت ــداخ ــات كــل مــن الـــــراوي‪ ،‬صديقه‬ ‫عبداهلل‪ ،‬ثم البحر والرجال الذين ال يرون‬ ‫من األرض غير أتربة الذهب‪ ،‬ولذلك فهم‬ ‫في حالة اعتداء يومي على البحر‪« ..‬يلمح‬ ‫بعينيه البعيدتين غيمة قاتمة فوق رؤوسهم‪،‬‬ ‫ونقاطاً صغيرة على الشواطئ النائمة مثل‬ ‫األطــفــال‪ ،‬ويسمع صــراخـاً يتعالى نحوه‪..‬‬ ‫إنهم الــصــيــادون واألطــفــال يلملمون جثث‬ ‫األصــداف‪ ،‬ويتوجهون إلى مقابر البنايات‪،‬‬ ‫يتوقف البحر عــن الضحك اآلن‪ ،‬ويأمر‬ ‫أمواجه أن تصطخب‪ ،‬يستدير ويعود بعيداً‪،‬‬ ‫بعيداً حيث ال يراه المارون بجوار!» ص‪37‬‬ ‫رمزية ناقدة تحمل كثيراً من القيم‪ ،‬ولعل‬ ‫النهاية تمثل قيمة هــذا الشغل على تلك‬ ‫الرمزية والناقدة في الوقت نفسه «حيث ال‬ ‫يراه المارون بجوار؟ جوار من؟ هذا السؤال‬ ‫المهم الذي رفع من قيمة القصة باتجاهها‪:‬‬ ‫الرمزي والنقدي‪.‬‬ ‫¦ ¦الــمــيــزان ص‪ :49-45‬تــتــنــاول حــالــة‬ ‫إنسانية مُغلّفة بغاللة رمز حائرة ما بين‬ ‫بنية الرمز وفضاء التخييل‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫تفتح زوجتى باب البيت وتدخل‪ ،‬أ ُحكم‬ ‫إغ ــاق أب ــواب الــســيــارة ثــم أغــلــق باب‬ ‫البيت»‪.‬‬ ‫(تــأكــد مــن ذلــك بهز الــبــاب فيومئ لي‬ ‫مطمئناً)‪ ،‬الحديقة واضحة اآلن‪ :‬بها شجر‬ ‫أخــضــر وأعــشــاب خــضــراء على أطرافها‬ ‫قطرات ندية‪ ،‬أدخل البيت وأشاهد زوجتي‬ ‫في البحر‪ ..‬ص‪53‬‬ ‫لم يكن البحر حالة تخييلية‪ ،‬ولــم تكن‬ ‫الــزوجــة حلماً‪ ،‬ولــم يكن ال ــراوي مُغيباً أو‬ ‫فاقداً لوعيه كما توحى نصية القصة‪ ،‬إنما‬ ‫هي اإلحــالــة الــبــارزة في مجمل القصص‪،‬‬ ‫اإلحالة إلى البحر‪ ..‬أو باألصح إلى الماء‬ ‫في المستوى اآلخر الموازي للرمزية‪ ،‬كان‬ ‫التخييل في قمة مستواه التناولي الذي يُشير‬ ‫إلــى براعة القاص في نسج خيوطه‪ ،‬وقد‬ ‫تمثل ذلك في القصة الفارقة والمفارقة قصة‬ ‫«األكــيــاس» ص‪ ،32-31:‬التي تــروي حكاية‬ ‫المعلم كيف تتساقط الكلمات من مؤخرة‬ ‫رأس الوالد الجالس في يمين الصف األول‬ ‫كما كان الطالبان الثاني والثالث والفصل‬ ‫كله يتحسس رأســه على األرض «وتكوّمت‬ ‫فوقه الكتب‪ ،‬حاول الحركة والتنفس‪ ،‬ولكن‬ ‫الكلمات السائحة أخذت تزحف عليه ببطء‬ ‫وتُغطيه‪ ،‬وهي تمتد على أرضية الصف» ص‬ ‫‪.32‬‬

‫¦ ¦الغرفة ص‪ :53-51‬تضعنا أيضاً في‬ ‫حالة من حاالت الرمز من خالل عالقة‬ ‫ناهضة بين الـــزوج وزوجــتــه والبحر‬ ‫وزعيق النوارس‪ ،‬لتُفاجئنا القصة بنهاية‬ ‫إذا كان المبدع في بعض قصصه قائماً‬ ‫في كثير من البراعة في التناول‪« :‬أوقف على الرمزية الناقدة‪ ،‬فإنه في هذه القصة‬ ‫سيارتي أمام البيت مباشرة‪ ،‬وبعد أن طوّر الرمزية وأوصلها إلى درجة أعلى وهي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫في قصة «حــاالت ال تحصى» ص‪-59 :‬‬ ‫‪ ،61‬لــعِ ــبٌ فني مــتــمــاهٍ مــع حركتي الرمز‬ ‫دويتُ في وجهه‪ :‬إذاً‪ ،‬كيف أنت؟!» ص‪.29‬‬ ‫والتخييل «أقــوم بالدوران حول األشخاص‬ ‫حتى قصة األكياس نهضت على مقاطع‬ ‫أمسكهم وأمــددهــم‪ ،‬أ ُف ــكّ ال ــرأس‪ ،‬أغطي‬ ‫من الممكن أن يُشكّل كل مقطع أنموذجاً‬ ‫العينيين وأصــبّ في األذنين الطنين حتى‬ ‫لقصة قصيرة جداً‪.‬‬ ‫تمتلئا‪ ،‬فأسدهما‪ ..‬ثم أعيد الرأس مكانه‪:‬‬ ‫ال يسعنا أيضاً إال أن نشير إلى لغة القص‬ ‫مستوياً‪ ،‬عادياً‪ ،‬يهتز ويرتفع وينحني‪ ،‬أقول‬ ‫التي تماهت مع موضوعاتها‪ ،‬فللرمزية لغتها‬ ‫له‪ :‬قم فيقوم‪ ،‬أمشي فيكون ظلي» ص‪.60‬‬ ‫الخاصة بها‪ ،‬وكــذلــك عندما يشتغل على‬ ‫إحـــــاالت إلـ ــى وق ــائ ــع إحــالــيــة نفسية‬ ‫واستثنائية برع المؤلف في تجسيدها‪ ،‬أما التخييل‪ ..‬أما عندما يتعلق األمر بالماء‪ ،‬فإن‬ ‫قصة «الفتى الذي عشق» ص‪ ،44-39‬فإنها اللغة تشف شفيف الماء نفسه‪.‬‬ ‫‪ -‬أنا لم أرها في يوم ترفع رأساً؟!‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫التخييلية‪ ،‬ولكن من دون أن تفقد روابطها أق ــدام الجميع‪ ..‬ثــم تنتهى بتلك الخاتمة‬ ‫وأدواتها‪.‬‬ ‫اإلدهاشية‪ »:‬يا َللمي عندما قال‪:‬‬

‫«الـ ــزرع الصغير الــجــالــس فــي أحــواض‬ ‫صغيرة‪ ،‬والذي امتنع عن الرقص‪ ،‬وقف ثم‬ ‫أخذ يرقص ويحني رؤوسه نحو الجبل األزرق‬ ‫والغيوم الضاحكة وهى ترتفع عن الجبل‪،‬‬ ‫قال االبن األكبر‪ :‬انظروا‪ ..‬سنضحك‪ ..‬إنه‬ ‫المطر القادم» ص‪.20‬‬

‫تمثل مستوىً آخر من مستويات التخييل‪،‬‬ ‫وهو يدخل سراديب معاناة الفتى الذي عشق‬ ‫ام ــرأة لــم ي ـ َر منها ســوى عباءتها‪ ،‬ويدخل‬ ‫وراءهــا ويتخيل إحــاالت وحــاالت مختلفة‪..‬‬ ‫كــأن تجلس معه وتخاطبه في حالة عشق‬ ‫مــن ط ــرف واح ــد ‪ -‬حــيــث يــتــوالــى الــســرد‬ ‫متوازياً مع انفعاالت الفتى وهديته المنتظرة‬ ‫أربع لوحات ضمت ثالث عشرة لوحة‪ ،‬كل‬ ‫صاحبتها التي لــن ت ـ ِ‬ ‫ـأت‪ ،‬ليأخذ التخييل واحــدة شكلت لوحة تعبيرية من فسيفساء‬ ‫والرمز واإليحاء الداللي واإلشاري مساحته اللغة‪ ،‬لتتكامل عناصر القص المشجع على‬ ‫في الفضاء السردي لقصص المجموعة‪.‬‬ ‫الــقــراءة الماتعة مــن خــال حكايات قص‬ ‫أما اإلشكالية الثالثة فهي تكمن في وجود جاذب وجذاب‪ ،‬ما قدم إشكالياته إال ليُشير‬ ‫واع ومتمكن من أدوات ــه الفنية‬ ‫ـاص ٍ‬ ‫بعض القصص التي تنتمي إلــى مصطلح إلــى قـ ٍ‬ ‫القص القصير جــداً‪ ،‬ولعل قصة «سجادة» واإلبداعية‪ ،‬مُقدماً إسهامات واضحة في‬ ‫قص ارتقاء القصة السعودية المعاصرة وتحليقها‬ ‫من أهم النماذج التي شكلت هيكلية ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫قصير‬ ‫ٍ‬ ‫وناجح؛ إذ ابتدأت بمفارقة إحالتهما في فضاءات القص العربي المعاصرة حالة‬ ‫ٍ‬ ‫ـدث‬ ‫إلــى حـ ٍ‬ ‫مرتبط بالسجادة التي تطؤها وجود‪ ،‬وفن‪ ،‬وإبداع‪.‬‬ ‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪43‬‬


‫فتنة البوح في رجل الشتاء‬ ‫ليحيى امقاسم‬ ‫■ هشام بنشاوي*‬

‫في عمله اإلبــداعــي الثاني «رجــل الشتاء‪ ،‬أيــام كثيرة‬ ‫ص ـغ ـيــرة» (دار الـتـنــويــر ‪2017‬م)‪ ،‬نـجــح ال ــروائ ــي يحيى‬ ‫امقاسم فــي تـجــاوز سحر روايـتــه البكر «س ــاق الـغــراب‪..‬‬ ‫ال ـهــربــة»‪ ،‬مـتــوســا بــاق ـتــراح إب ــداع ــي مـغــايــر‪ ،‬لـغــة‪ ،‬شكال‬ ‫ومضمونا‪ ،‬وتـشــي فتنتها الـســرديــة بــوعــي جمالي حــاد‪،‬‬ ‫حاول من خالله تخليد اللحظات المنفلتة‪ ،‬وعبر حوار‬ ‫الوعي والزمن‪ ،‬اهتدى السارد في خاتمة بوحه الملتاع‪،‬‬ ‫وهــو يتغنى‪ ،‬عبر تضاعيف عمله التجريبي الـفــاتــن‪ ،‬بعبقرية الـمــوت المسماة‬ ‫«الفقد» إلى «أنا كالوقت مطارد بال مخبأ»‪« .‬كما لو كانت الكتابة الروائية محاولة‬ ‫دخول إلى القلب اإلنساني‪ ،‬الموزّع على الدفء والشقاء‪ ،‬ولهاث وراء الزمن الذي‬ ‫يجسر المسافة بين انطالق الرغبات وانطفائها»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وهــم الغنيمة»‪ ،‬وح ــوارات تستمر إلى‬ ‫آخــره‪ ،‬وتجود بعض تلك المسامرات‬ ‫ببعض المقالب والطرائف؛ إذ يصفه‬ ‫صديق يصنفه من المحاربين القدامى‬ ‫حاله ساخرا‪« :‬أنــت يا طالل بالنسبة‬ ‫للنساء ال تعدو أكثر من «حائط مبكى»‬ ‫تخفف عنهن الــخــســارات وتــز ّيــن لهن‬ ‫المواساة‪ ،‬ثم يذهبن عنك»‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫اســتــعــار يحيى أمــقــاســم مــأســاويــة‬ ‫الــوجــود مــن نجيب محفوظ والعمل‬ ‫فــي اللغة مــن إدوار الــخــراط‪ ،‬ولوعة‬ ‫الزمن من جمال الغيطاني‪ ،‬واغتراب‬ ‫اإلنسان العربي من عبدالرحمن منيف‪.‬‬ ‫جمع ما أراد تــجــاوزه في نص متعدد‬ ‫المستويات‪ ،‬يثني على العشق ويسائل‬ ‫اهلل ويرصد أحــوال المثقفين ‪-‬حسب‬ ‫دكتور فيصل دراج‪ -‬وقد نسج الروائي‬ ‫ويتفادى يحيى أمقاسم الوقوع في‬ ‫نصه من حكايات تحتفي باليومي ودفء فخ الغنائية أو الرومانسية الساذجة‪،‬‬ ‫األصدقاء‪ ،‬وصخب الليل؛ حيث «الليل بلغة تأملية تفلسف اليومي‪ ،‬العابر‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫والمنسي‪ ،‬كما يشي بــذلــك هــذا المقطع‬

‫الشاعري‪« :‬بفضل الشغف وحــده‪ ،‬بعامل‬ ‫اللوعة الجامحة‪ ،‬سريعا ستنمو أيام يملؤها‬

‫ما هو أكبر من الوقت ‪-‬في الحقيقة أقل‬

‫من أمــل‪ .-‬ستزدهر تفاصيل قابلة للتوزيع‬

‫مستقبال بالتساوي على األحداث‪ .‬سأقصد‬

‫تقسيمها في ليال سأكون بحاجة إليها أكثر‬ ‫من أي وقــت ينقضي أو يحل»‪ .‬وألن «ثمة‬ ‫م ــوت فــي الــغــيــاب»‪ ،‬ص ـ ّيــر صــاحــب «ســاق‬

‫الــغــراب» مادته الــروائــيــة‪ ،‬التي تجمع بين‬

‫التاريخ والسياسة وأحــزان الغرباء العرب‪،‬‬ ‫إلــى تجريب لــغــوي‪ ،‬أو إلــى هندسة لغوية‬

‫جميلة المعمار‪ .‬وقد أراد الروائي‪ ،‬وهو يدور‬ ‫في زمــن «باريسي» دائ ــري‪ ،‬حيث «الحياة‬

‫إدراك متأخر»‪ ،‬ينفتح على األرصفة وأسئلة‬ ‫ال تقنية فنية‬ ‫الروح‪ ،‬أن يقول كل شيء‪ ،‬متوس ً‬ ‫متعددة العناصر‪ ،‬تؤكد أن الخطاب الروائي‬

‫من التقنية التي تصوغه‪ .‬دعاه طموحه إلى‬

‫التماس اقتراح روائي‪ ،‬قوامه اللغة‪ ،‬وإعطاء‬

‫العناصر النصية المتنوعة استقالالً ذاتياً‬

‫مقطع من الرواية‪:‬‬ ‫«… في سيرة المعنى‪ :‬وحده يحدد امتياز‬ ‫النقيض‪ ،‬يــخــرج مــن هــذا الــجــســد‪ ،‬داللــة‬ ‫شفتين ضاريتين‪ ،‬فحوى لهاث الباحثين عن‬ ‫فردوس الكالم‪ .‬يخرج من حنق الكتابة‪ ،‬منك‬ ‫وأنت تخلعك قسرا من نبل زائف‪ ،‬من مدينة‬ ‫سجينة‪ ،‬من لذة تطوف لفم يتخطف أطراف‬ ‫النيران‪ ،‬من حزن يتسع وجــوع فاجر يفتح‬ ‫للحاجة أوسع أبواب الخطيئة‪.‬‬

‫نسبياً يعطفها على غيرها‪ ،‬ويدعها مستقلة‬ ‫المعنى يخرج من هنا‪ :‬من سالم الخطأ‬ ‫في آن‪ .‬ومع أن في الشكل الكتابي ما يجعل‬ ‫وش ــرف الــرغــبــة‪ ،‬مــن ســالــة الــشــغــف‪ ،‬من‬ ‫من التجريب بداهة‪ ،‬فإن الشكل الذي انتهت أشخاص جديرين طوعا بمصافحة الموت‪.‬‬ ‫إليه رواية «رجل الشتاء»‪ ،‬ينتقل من التجريب‬ ‫المعنى جرحه فاتك‪ ،‬يتفتق من ضفاف‬ ‫إلــى تــجــاوز المتعارف عليه‪« ،‬كما لــو كان‬ ‫الكأس‪ ،‬تفرغ منه لتعود إليه‪ ،‬من وهج اللغة‬ ‫الروائي في طموحه الواسع يريد أن ينجز من لبس‪ .‬اشتعاله من غواية الحرف‪ ،‬من‬ ‫نصاً روائياً مركّباً لم ِ‬ ‫يأت به غيره»‪ ،‬بتعبير منعرج الــروح‪ ،‬من استواء الكسر‪ ،‬والجسد‬ ‫يهوي إلى منحدر في الكتابة»‪.‬‬ ‫د‪ .‬دراج‪.‬‬ ‫* كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪45‬‬


‫■ جناة الزباير*‬

‫ال تراني‪..................‬‬ ‫أَ َ‬ ‫تراب‪ /‬على‪ /‬خدِّ نهر‬ ‫كَقُ بلَةِ ٍ‬ ‫راب مخمورٍ ‪ /‬تائهٍ في لُجَ ِج بحر‬ ‫كَسَ ٍ‬ ‫وجهِ قبر‬ ‫أمشي‪ /‬غبارًا‪ /‬رمادًا‪ /‬فوق ْ‬ ‫«الشاعر عز الدين بوسريف»**‬

‫قنديل بلون الماء‬

‫أنخطف‬ ‫ُ‬ ‫أراني بين يدي الشعر‬

‫ال تقف أمام بابه‬

‫ومــن فــوق كتفي العالم أتأمل هذا‬ ‫العماء‪.‬‬

‫واترك نعليك‬ ‫المبللة بقصائده الزرقاء‬ ‫كي تراه لغ ًة‬ ‫تطير بجناحي فراشة‬ ‫بين الماء والهواء‬ ‫يقول‪:‬‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪..............‬‬ ‫عز الدين بوسريف‪ ،‬هــذا الشاعر‬ ‫الذي يتأبط قصائده بكل هدوء ويمشي‬ ‫بين الحروف متطلعا لآلتي‪.‬‬ ‫قــدمــاه وجــع يــحــاول مــن خالله أن‬ ‫يرى ما ال يُرى‪ ،‬فهل هو فيلسوف ت َقلَّ َد‬


‫لــكــن يــا إل ــه ــي‪ !..‬أل ــم يــطــرد أفــاطــون‬ ‫الشعراء من مدينته؟ ف ِل َم ي ُِصرُّ‪ ،‬إذاً‪ ،‬هذا‬ ‫الشاعر على بناء مملكته من أحجار الحب‬ ‫في شكله المطلق؟‬ ‫فهل هو ذلك المسافر الذي يحمل في‬ ‫نور‪ ،‬يَرى‬ ‫زُوادته قطعًا صوفي ًة وسجاد ًة من ٍ‬ ‫فوقها روحه تصلي؟ أم أنه شاعر مختلف‬ ‫الشاعر عز الدين بوسريف‬ ‫يحاول الهروب عما هو مألوف في الساحة‬ ‫الشعرية بكلماته التي نفخ فيها من معاناته‪ ،‬وجود واحد يخص اهلل عز وجل‪ ،‬أمّا وجود‬ ‫حــتــى أصــبــحــت قــصــائــده تتسم بــالــتــنـوّع‬ ‫الخَ ل ْقِ فمجرد ظـلّ‪ .‬والشاعر هنا يغوص‬ ‫واالختالف؟‬ ‫في نظرية وحدة الوجود‪ ،‬فهل يخاطب ذاته‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫بمعزل عن ذاته‪ ،‬أي أنه يحاور نفسه بصوت‬ ‫إذا هو قال‪ :‬كُ ن‪،‬‬ ‫ـال مكتوب بالحروف فــوق البياض‪ ،‬كي‬ ‫عـ ٍ‬ ‫و أنتَ تولَد‪ /‬تموت‬ ‫تصلنا نبراته الممزوجة بالحيرة والقلق؟‬ ‫عنك‬ ‫َ‬ ‫شهدْ تَه غابَ‬ ‫ما ِ‬ ‫وكَأنه يقول بشكل واضــح‪( :‬أيها اإلنسان‬ ‫ُبصرُ ه‪.‬‬ ‫ُبصرُ ه لستَ ت ِ‬ ‫ما ت ِ‬ ‫ال ــذي هــو أن ــاـ مــا ت ــراه مــجــرد ظــل باهت‬ ‫(من قصيدة‪ :‬الهوى نديم نبيذِ الهوى) لحقيقة كبرى خفية!)‬ ‫فما هذه اإلشــارات التي نحتها الشاعر‬ ‫فــرمــى بــنــا بــيــن الــكــاف والــنــون كــمــا قــال‬ ‫تعالى‪« :‬إنما أمــره إذا أراد شيئا أن يقول‬ ‫فصل فيها‬ ‫له كن فيكون»(يس‪ ،)82 :‬والتي َّ‬ ‫ابن عربي في كتابه «شجـرة الكون»؟ وما‬ ‫بينهما أي الكاف والنون خُ لق اإلنسان س ّرًا‬ ‫من أسرارها ليمتثل لألوامر اإللهية‪ .‬فبين‬ ‫الوالدة والموت يقطع تذكرة تأمالته‪ ،‬ولكن‬ ‫هل كل ما عرفه ورآه كان حقيقيا؟‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫وشــاح الشعر كي يــزرع أنفاسه في الغيم‪،‬‬ ‫لتمطر علينا صورًا شارد ًة في هذا الوجود؟‬

‫لقد شاركنا الشاعر تفكيره وهو يحاول‬ ‫الغوص في األســرار التي ال يفك شفرتها‬ ‫إال الذين مُنحوا مفاتيح العلم وسبَحوا في‬ ‫بحار التصوّف‪ .‬من ثم تنكشف لهم أنوار‬ ‫الساجدين على عتبة الــكــون‪ ،‬المترفعين‬ ‫عن العناصر الدنيوية لالنصهار في الكلي‪،‬‬ ‫وهم يتلقون إشراقاتهم كنوع من التواصل‬ ‫الجمالي‪.‬‬

‫لكن ها هو الشاعر يُحَ وِّل الخطاب من‬ ‫يرى ابن عربي أن الوجود الحقيقي هو المتكلم إلى المخاطَ ب‪ ،‬وكأنه يتحرر من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪47‬‬


‫ذاتــه بشكل مؤقت‪ ،‬فلمن يوجِّ ه األ ْمــر من و حَ ْسبِ ي من أمريْن‪ ،‬خيرهُ ما القبرُ ‪.‬‬

‫كنت‪.‬‬ ‫خالل قوله‪ :‬قُ ل‪ :‬يا ليتني ما ُ‬

‫قد يكون هــذا نوعً ا من النسبية التي‬ ‫تخاطب الــقــارئ االفــتــراضــي‪ ،‬وربــمــا هي‬ ‫مجرد مــحــاورة داخلية‪ ،‬وهــي التي نحبّذ‬ ‫خياطة معالمها المتناثرة‪.‬‬ ‫لقد اعتبرنا هــذا تناصا واضــحــا مع‬ ‫قوله تعالى في سورة «مريم» حين جاءها‬ ‫المخاض «قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِ ّ ُت َقبْ َل هذا َوكُنتُ‬ ‫ّنس ًيّا» (‪.)23‬‬ ‫نَسْ يًا َم ِ‬

‫(من قصيدة‪ :‬ترابٌ يمشي فوق تراب)‬ ‫وإن كان ظل أبي فراس الحمداني يُلقي‬ ‫بثقله على ظاهر هذا النص‪ ،‬إال أن الشاعر‬ ‫صـ ـ َورَه بذكاء كبير؛ فكيف استعار‬ ‫وظّ ــف ُ‬ ‫القبر ليكون في فمه؟ فهل هي إشارة ذكية‬ ‫إلى حفظه أســرار غيره‪ ،‬أم تُــراه اعتراف‬ ‫جديد بأن ما يعترم في دواخله من أسى‬ ‫يستوطن أعماقه ال يقدر حتى الدمع أن‬ ‫يطفىء جمرته التي تحرق دمــه؟ فتعرت‬ ‫روح ــه أم ــام ري ــاح الــحــيــاة الــتــي رمــتــه في‬ ‫زوابعها فأضاعت صبره‪.‬‬

‫فلماذا برز الظالم بسيوفه وحارب نفسية‬ ‫الشاعر المرهفة؟ هل الخوف من المجهول‬ ‫هو الذي جعله يطارد النهايات البعيدة‪ ،‬أم‬ ‫فالموت هــو هــذا القناع الــذي يرتديه‬ ‫أنها محاولة منه الستجالء خبايا تيهه؟‬ ‫الــظــام‪ ،‬يجمع فــي يــديــه أوراق الحياة‪،‬‬ ‫فيسقطها ورقة ورقة‪ ،‬ويخفي كل األسرار‬ ‫آالم تستوطن نهر الكالم‬ ‫فــي ردائ ــه تــار ًكــا وراءه الصمت الرهيب‪.‬‬ ‫لــقــد ســيــطــرت فــلــســفــة ال ــم ــوت على‬ ‫ال تهمه العيون الذابلة‪ ،‬وال مزامير الروح‬ ‫مجريات خطابه الــشــعــري‪ ،‬وهــي تتمايل‬ ‫الشجيّة‪ ،‬بل يطوي كل شيء في حقيبة ليله‪،‬‬ ‫بحذائها األسود لتثير نقعا غريبا بين أزقة‬ ‫ويضيع في المدى متجوال في كل البيوت‪،‬‬ ‫الروح‪ ،‬ف ِل َم كل هذا التشاؤم الذي يحاول أن‬ ‫وال أحد يعرف متى تتوهج ساعداه بالغياب‪.‬‬ ‫يسجن شاعرًا يُصغي للكائنات في عزفها‬ ‫فكما قال طرفة بن العبد‪:‬‬ ‫على ناي الوجود‪ ،‬وكأنه يصنع من الصراخ‬ ‫طائرة ورقية تدور في سماء غربته؟‬ ‫وإذا ال ـم ـن ـ ّي ــة أن ـش ـب ــت أظ ـف ــاره ــا‬ ‫يقول‪:‬‬

‫في فَمي‪ ..‬قبرٌ‬ ‫و في دَمي‪ ..‬جمرُ‬ ‫‪...‬‬ ‫ال أراني‪ ..‬شيمَ تي الصبرُ‬ ‫َفسخ العمرُ‬ ‫طالت األيامُ ‪ ،‬ت َّ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫الموت‪ ،‬كأنه البحرُ والغمْ رُ‬ ‫ُ‬ ‫هو‬ ‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫أل ـ ـف ـ ـيـ ــت كـ ـ ــل تـ ـمـ ـيـ ـم ــة ال ت ـن ـفــع‬

‫ولــلــشــعــراء حــكــايــات طويلة مــع الموت‬ ‫وأوجاع الحياة‪..‬‬ ‫حديث النايات‬ ‫لقد الحظنا أن القصائد البوسريفية‬ ‫تترابط في موضوعاتها رغم اختالفها‪ ،‬فال‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫نجد غير يأس وحلم هارب واغتراب يسجنه كما وصــف نفسه فــي مــكــان آخ ــر‪ ،‬أثمر‬ ‫بين ضلوع نارية‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫هذا قصائد على أهبة الرحيل نحو خانة‬

‫ُحلْمٌ أنا‪..‬‬ ‫فراشةٌ بيضاء‬ ‫حاص َرتْها سحابةٌ سوداء‬ ‫كفن لِ ُحلم ما كان‪.‬‬ ‫تبحث عن ٍ‬ ‫موضع آخر‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وفي‬

‫أَلَمٌ أنا‪..‬‬ ‫شمعةٌ تحترق عدمً ا‬ ‫موت‬ ‫كأنها طي ُْف ٍ‬ ‫(‪)...‬‬ ‫وَهْ مٌ أنا‪..‬‬ ‫الفجرُ أمامي شرودُ سراب‬ ‫الليل على جسدي‬ ‫ِ‬ ‫سوادُ‬ ‫أكفانٌ من تراب‪.‬‬

‫الجراحات التي يعيشها الشعراء حين يمرون‬ ‫من تجربة الموت‪ ،‬أو االغتراب الذي سطر‬

‫أنين أرواحهم في قصائد شفيفة‪ ..‬كما عند‬

‫شاعرنا المتميز عز الدين بوسريف‪.‬‬

‫فقصائده احتراق روح في مجمرة الشعر‪،‬‬

‫يقول‪:‬‬

‫ُحزْ نٌ أنا‪..‬‬ ‫ناي يعزِ ف لحنَ الجمر‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫قلة هم الشعراء في الوطن العربي في‬ ‫عصرنا الحديث من جيل الشاعر عز الدين‬ ‫بوسريف‪ ..‬مَن يحملون على عواتقهم هذه‬ ‫الصخرة الكونية الثقيلة بأسئلة الوجود‪،‬‬ ‫فهو شاعر يَخْ رُج من ذاته باحثا عنها في‬ ‫ِ‬ ‫(من قصيدة‪ :‬ما‬ ‫عادت الليل ُة عذراء) هــذا الفضاء الــرحــب‪ ،‬وهــو يحمل فرشاة‬ ‫فالشاعر ألـ ـ ٌم ووه ـ ـمٌ‪ ،‬وشــمــع يحترق‪ ،‬رمزية تتدفق ألوانها لتترجم اضطراباته‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪49‬‬


‫هكذا نــراه يجري إلى نبع صوفي يغترف‬ ‫من بحر ابنِ عربي‪ ،‬وجالل الدين الرومي‪،‬‬ ‫والــحـ ّـاج وابــن الــفــارض وغيرهم‪ ،‬يبحث‬ ‫عن نفسه منغمسا في أنوارهم‪ ،‬وكأن هذه‬ ‫الحياة قبر كبير منفتح على عالم جديد ال‬ ‫يراه سواه‪.‬‬ ‫يقول‪:‬‬

‫إني رأيتني ال أنا‬ ‫كفنا مبتسما‬ ‫أصلي في جنازتي‪.‬‬ ‫يواصل الشاعر تناول تيمة الموت بمعناه‬ ‫الفيزيقي‪ ،‬إذ تتنامى هــذه العالقة بشكل‬ ‫متواتر في مجموعة من القصائد الشعرية‪.‬‬ ‫ما جعلنا نتجاوز الصور البالغية لتأمُّلِ هذا‬ ‫الوصف السريالي الذي ينقل للقارئ رؤيا‬ ‫خاصة تحمل في طياتها أجــراس النهاية‪،‬‬ ‫التي يكسرها بابتسامة تعطينا دفقة من نور‬ ‫من أجل االستمرارية‪.‬‬ ‫فالفرجة التي أتاحها للمشاهد‪ /‬القارئ‪،‬‬ ‫تتجلى في تنقّله فوق مسرح الحياة مراقبا‬ ‫نفسه‪ ،‬وكأنه يستعرض الجانب التجريبي‬ ‫المرتبط بالواقع‪ ،‬والذي سرعان ما يتجاوزه‬ ‫كي يعرج نحو مقامات خفية‪ ،‬إذ ال يملك‬ ‫غير الصالة على وجــوده الفاني كحقيقة‬ ‫يراها ممددة فــوق بساط أنفاسه‪ ،‬وكأنه‬ ‫في العراء يجمع عصافير الصمت كي تغرد‬ ‫لحنا كئيبا‪.‬‬ ‫يقول‪:‬‬

‫صمت شاردٌ ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫في شاطئ مهجورٍ‬ ‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫قطرات المطر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يُ راقِ ص‬ ‫(‪)...‬‬ ‫الجسد‬ ‫ِ‬ ‫شيءٌ ما‪ ..‬تسرَّ ب إلى‬ ‫ما هي إال شهقةٌ‬ ‫وينطفئ ضوءُ العمرِ ‪.‬‬ ‫(من قصيدة‪ :‬قبر يحتفل بوأدي)‬ ‫فما هذه األشياء التي تحترق والتي تنذر‬ ‫روحه بالغرق؟‬ ‫يقول‪:‬‬

‫زمن أعمى‬ ‫ٌ‬ ‫كزورق وهْ ٍم يغرَقُ في يَمٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ويحتضرُ‬ ‫ِ‬ ‫إنسانٌ مي ٌِّت‬ ‫وظلَّ عَ دَمٍ‬ ‫ذاكرتُه تتمدَّ دُ ِ‬ ‫َوب ِحداد‬ ‫الضوءُ أسودُ كث ِ‬ ‫غض ٍب منْ رماد‬ ‫والنا ُر في َ‬ ‫تراب يمشي فوق التراب‬ ‫ٌ‬ ‫الريح مُ ثقَلٌ بالسراب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كفَنُ‬ ‫(قصيدة‪ :‬الهوى نديم نبيذِ الهوى)‬ ‫إنها تفاصيل صغيرة تتحدث عن الذات‬ ‫الشاعرة الهشة‪ ،‬والتي تلتقي معانيها في‬ ‫معجم نفسي مــفــتــوح عــلــى ظ ــال كثيفة‬ ‫لشعراء تحمّلوا اآلالم السيزيفية‪ ،‬منفتحا‬ ‫على تراث القصيدة العربية‪ ،‬وملتزمًا في‬ ‫نقل تموّجاته الشعرية ذات الرؤى المتعددة‬ ‫إلى ضفة لغوية تقتات من معاناة اإلنسان؛‬ ‫إذ يرتكز على التكثيف ليجعل المعنى يرقص‬ ‫في رقعة شطرنج‪ ،‬كل مفرداتها منصهرة كي‬ ‫تُ َك ِّو َن بنا ًء متماسكًا لقصيدته التي تطارد‬ ‫دالالت كالنية‪ ،‬منسكبة من شرنقة ضبابية‬ ‫تؤسس زمنها الخاص‪.‬‬


‫فهل نحن أم ــام مــيــاد تجربة جديدة أوليس مآل الجثة غير باطن األرض؟‪:‬‬

‫في الشعر المغربي المعاصر‪ ،‬تلحق بركب‬

‫الشعراء الذين أسسوا مجرّتهم الخاصة‬

‫يقول‪:‬‬

‫الجبَّةِ غيرُ ُجثّتي‬ ‫التي تتكىء على أسئلة األنا الشاعرة في ما في ُ‬ ‫ليل‬ ‫بُعدها األونطولوجي‪ ،‬والهرولة نحو اإلحاطة كأنها جسدُ ٍ‬

‫بذراتها المنثورة في الالمكان‪ ،‬حيث قبرات يلبس كفنَ الحداد‪.‬‬ ‫الشغف تفتح عيون المساء لعناق اآلتــي‪،‬‬

‫فنرتوي من ماء الحب اإللهي الذي به كان‬

‫(من قصيدة‪ :‬ما في الجُ بَّةِ غي ُر جُ ثّتي)‬

‫الوجود؟‬

‫إنه جسر من قبس المعرفة الــذي يمر‬

‫يقول‪:‬‬

‫فوقه الشاعر‪ ،‬محاوال أن يروي منه ظمأه‪،‬‬

‫السكرُ هكذا‬ ‫هو ُّ‬ ‫الغيب‬ ‫ِ‬ ‫شطح فوق ماءِ‬ ‫ٌ‬ ‫الحج ِب‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫حدَّ الغرق في سرِّ‬ ‫وهــا هــو الــشــاعــر عــز الــديــن بوسريف‬

‫وهو يتبع قافلة الذين مروا من أرض العشق‬ ‫اإللهي‪ ،‬وكله حيرة تدفعه للبحث عن ذاته‬ ‫الضائعة في جبة الكون‪.‬‬ ‫نبع النهاية‬

‫يستمر في رحلته الذاتية‪ ،‬يطل من شرفة‬ ‫قلبه طفال لثْ َغتُ َه أسئلة حيرى‪ ،‬يجيب عليها‬

‫حين يقف منتصب القامة وسط ليل يتسلل‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أقداح ترسم وجه العشق‬

‫فقد أحال القارئ نحو تصور مادي زائل‪.‬‬

‫ويبقى نبضه الشعري مسكونًا بالمغايرة‬

‫إلى دمه‪ ،‬لتتكرر مفردات ترجمت معجما التي قلّما نصادفها في هذا الكم الكبير من‬ ‫الدواوين التي كثيرا ما عزف عن متابعتها‬ ‫نفسيا يستند على الحطام‪.‬‬ ‫إنه خواء مريع‪ ،‬لكنه مشبع بثقافة روحية القارئ‪.‬‬

‫زلزلت سكون قصائده وخلخلت ثوابتها‪،‬‬

‫فَجَ َّر الشاعر جسده المنهك الــذي ألغاه‬

‫إنــهــا حــقــا تــجــربــة شــاعــر ل ــه بصمته‬ ‫الــخــاصــة‪ ،‬تستحق المتابعة‪ ،‬وأن يسلط‬

‫مـ ــرارا‪ ،‬مستحضرًا بشكل مــغــايـ ٍـر عبارة‬ ‫الحالج الشهيرة «ما في الجبة إال اهلل» التي الضوء عليها أكثر من طرف النقاد ألنه من‬

‫سمت بالروح نحو المأل األعلى‪ ،‬أما شاعرنا طينة الشعراء المتميزين‪.‬‬ ‫* كاتبة من المغرب‪.‬‬ ‫** صدر له ديوان شطحات الجوى‪ ،‬ويصدر له قريبا ديوان «أراني ال أنا»‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪51‬‬


‫الم َ‬ ‫لت َهمة‬ ‫ُ‬ ‫األعمار ُ‬

‫في «زجاج مطحون» إلسالم أبو شكير‬ ‫■ عبداهلل السفر*‬

‫انعكاسات‬ ‫ٌ‬ ‫األزمة السورية الطاحنة‪ ،‬والتي تدور رحاها منذ بضع سنوات‪ ،‬لها‬ ‫شتى وألــوانٌ مختلفة من الحضور‪ ،‬بسبب رحابة هذه التجربة وتأثيرها البالغ‬ ‫النفاذ على حياة الشعب السوري والتحوالت التي نالت من جسده ومن روحه‪،‬‬ ‫المتوحش الذي يقضم اإلنسان ويضرب جذر إنسانيته في سطوةٍ‬ ‫ّ‬ ‫وذلك التآكل‬ ‫متغوّلة تأتي عليه‪.‬‬ ‫واإلب ــداع ليس بعيد ًا عــن هــذه التجربة وال مفاعيلها القاسية‪ .‬وربـمــا تكون‬ ‫الــروايــة من أفضل المداخل لالقتراب والمعاينة والفحص السابر على النحو‬ ‫الذي نراه عند إسالم أبو شكير في «زجاج مطحون» (منشورات المتوسط‪ ،‬ميالنوـ‬ ‫‪2016‬م)‪ ،‬وإن كــانــت المعالجة الــروائ ـيــة ال تستجيب بشكل سطحي لــأحــداث‬ ‫وبانعكاس مباشر‪ .‬ثمّ ة تباعد ينتقل بالسرد إلى أفق الالمعقول وعالم الخيال إذ‬ ‫إن غير المعتاد والغريب يحلّ مكان الواقع ويستأثر بالعالم المألوف؛ ال لينفيه‪،‬‬ ‫بقدر ما يتيح فرصة إخراجه من الحدثيّة واآلنيّة‪ ،‬واإلمساك بالعصب المؤثّر في‬ ‫اإلنسان؛ في طاقة وجوده‪ ..‬ومعناه الذي يتالشى‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫تتلخّ ص الرواية في أربعة أشخاص‬ ‫يــجــدون أنفسهم مــحــجــوزيــن‪ ،‬بشكل‬ ‫مفاجئ غير معروف وغير مبرّر وليس‬ ‫مكان يعطي‬ ‫ٍ‬ ‫ـوات له‪ ،‬في‬ ‫تفسير ُمـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫معنى «الــقــبــر»‪ ،‬ولــكــن ليس مثله وال‬ ‫يضاهيه إال فــي صفته النفسية من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫حيث االحتجاز والعزل واالنقطاع عن‬ ‫العالم‪ ،‬وقبل ذلك أنّ هذا المكان مختوم‬ ‫ليس من منفذ للخروج منه‪ .‬ال أبواب‪ .‬ال‬ ‫نوافذ‪ .‬ال فُرجة في سقف‪ .‬مكان مصمت‬ ‫مقطوع عن الخارج‪ ،‬وبال وسيلة اتصال‪.‬‬ ‫ومع ذلك كلّه‪ ،‬فالمكان‪ /‬المعتقَل يتوفّر‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫على أسباب الحياة األســاس واستدامتها‬ ‫من خالل توفير الطعام والشراب والــدواء‪،‬‬

‫وكذلك توفير ما يقع في بند التسلية وتزجية‬ ‫الوقت كلعبة الشطرنج‪ .‬لكنّ شيئاً غريبا‬

‫وعبثيّا يجمع بين هؤالء األربعة المحتجزين‪.‬‬ ‫جميعهم لــهــم االسـ ــم نــفــســه «إســــام أبــو‬

‫شكير»‪ ،‬وهــو اســم الكاتب بطبيعة الحال‬

‫ويشتركون في المالمح ذاتها غير أن هذه‬ ‫المالمح قد خضعت لعامل الزمن والعمر؛‬ ‫باختالف بسيط يفرّق بينهم فجعلوه‬ ‫ٍ‬ ‫فطُ بِعت‬ ‫معياراً واسما‪ .‬جــرى التنازل عن األسماء‬

‫تصنيف عمري‪« :‬الخمسيني‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأخ َذ مكانها‬

‫األربعيني‪ ..‬الثالثيني‪ ..‬العشريني» مصاحَ ب‬

‫عمر ومزاجه‪.‬‬ ‫بعالمات ك ّل ٍ‬

‫كان األربعة قد رتّبوا أمرهم أن االحتجاز‬

‫لن يطول أكثر من شهر لتقديرهم لكميّة‬ ‫الطعام والــشــراب المتروكة لهم‪ .‬ســوى أن‬ ‫هذا التقدير ال يصمد‪ .‬ذلك أن ما يتناولونه‬

‫يُعوّض ويتجدّد تلقائيا بطريقة ال يعرفونها‬ ‫وال يشعرون بحدوثها‪ .‬ما يعني أنّ بقاءهم‬ ‫رهــن اإلقامة‪/‬االعتقال ســوف يستمر إلى‬

‫زمــن غير معلوم‪ .‬قــد يطول إلــى عشرات‬ ‫ٍ‬

‫انتظار‬ ‫ٍ‬ ‫السنين وتفنى معه أعمارهم فــي‬

‫وخروج ومعانقةِ‬ ‫ٍ‬ ‫إفراج‬ ‫ٍ‬ ‫يتبدّى عبث ّياً من أجل‬

‫العالم الخارجي من جديد‪ .‬وهذا االضطراب‬

‫يدخلهم في دوامة الحسابات‪ ،‬ويلج بهم نفق‬

‫الشجار وتزايد نبرة العراك كلما طرأ ما‬ ‫يستدعي ذلك من تفاصيل صغيرة يضيقون‬

‫بها وتضيق بهم أنفاسهم‪.‬‬

‫إسالم أبو شكير‬

‫إن المكان المحدّد إلقامتهم والمحجوز‬ ‫عن حركة الحياة‪ ،‬يخضع لتبدالت غريبة‪.‬‬ ‫فمن غــرفــة عــاديــة وبسيطة؛ فــإنــه يتمدّد‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫ويصبح بمساحة ملعب كــرة الــقــدم‬ ‫مــضــاعــف أضــعــافــا‪ ،‬وفــيــه بــركــة سباحة‬ ‫يمارسون فيها اللهو‪ ،‬ويجعلون هــذا اليوم‬ ‫تاريخيا في حياتهم المسحوبة من التيار‬ ‫العام‪ ..‬حتى صار ديْدنا لهم أنّ كل ما هو‬ ‫طارئ وغريب يمسّ هم يجعلونه يومًا تاريخيًا‬ ‫يُضاف إلى يوميّاتهم السابقة‪ ،‬ويجرونه في‬ ‫مجرى االحتفال الواجب‪ ،‬مهما تواضع هذه‬ ‫اليوم بحدثه الالحدث‪ ،‬إن سا َغ التعبير‪ .‬وهذا‬ ‫يعني تفريغهم من الداخل تماما‪ .‬ليس لديهم‬ ‫يخص وما يمثّل لديهم معنى وقيمة‪ .‬هي‬ ‫ّ‬ ‫ما‬ ‫عملية انحسار من القبول‪ ،‬والتقبّل لكل ما‬ ‫يجري عليهم‪ .‬ال يبحثون عن تفسير‪ .‬األمر‬ ‫يأخذونه كما هــو‪ ،‬وال يبحثون خلفه مثل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪53‬‬


‫واقعة فقدهم أصواتهم فترة ثم عودتها إليهم «الثالثيني» األكثر شبابا بينهم يَلقَى أثره‬ ‫مشروخ ًة وبطبقتين؛ من الصوت وصداه‪.‬‬ ‫الفوري ليس بالموت وحده‪ ..‬وإنما بالتفسّ خ‪.‬‬ ‫بمزيد من‬ ‫ٍ‬ ‫هذا المنطق جرى له اهتزاز‪ ،‬إنما اهتزاز المصير المرعب الذي يُتوقّى منه‬ ‫عابر‪ ،‬مع تغيّر األسماء العمرية بمرور عشريّة االنسحاق واالنسحاق‪.‬‬ ‫عليهم‪ ،‬ما ينبغي معه التغيير إلى «الستيني‪..‬‬ ‫وليس طرح مسألة المشاركة في الحرب‬ ‫الخمسيني‪ ..‬األربعيني‪ ..‬الثالثيني»؛ عندما‬ ‫إال ص ــورة مــن صــور االنــســحــاق الضاربة‪،‬‬ ‫قامت الحرب وهم في الداخل ال يعلمون من‬ ‫أمْرِ قيامها شيئا‪ .‬المؤشرات أفصحت عنها والتي أيضا ال ينالونها حتى تمثيال بأدوات‬ ‫ـال من‬ ‫ـرب أطــفـ ٍ‬ ‫وحــســب‪ ..‬في استبدال البن الجيّد بآخر بالستيكية وبمشابهات حـ ِ‬ ‫رديء‪ .‬حصص الطعام المتراجعة ك ّمًا ونوعً ا‪ .‬اللعب واللهو والــخــداع‪ .‬ال يُجاب مطلبهم‪.‬‬ ‫التراخي في االستجابة إلى طلباتهم التي يبقون في المكان بالوتيرة نفسها دون تغيير‬ ‫يكتبونها وتصل وهم ال يعرفون كيف تصل‪ .‬غير تساقطهم بالموت واح ــداً واح ــدا‪ .‬ال‬ ‫ليلة كانوا يناقشون الحرب‪ ،‬فاحت ّد‬ ‫وذات ٍ‬ ‫يبقى أحـ ٌد منهم إال أكبرهم‪ .‬هو الشاهد‪.‬‬ ‫أصغرهم الثالثيني‪ ،‬وبــان على جسده أثر‬ ‫الضمير‪ .‬الراوي‪ .‬الروائي‪ :‬إسالم أبو شكير‪:‬‬ ‫االحتداد الصارخ ليجدوه في الصباح التالي‬ ‫(واآلن‪..‬‬ ‫«جثّة متخشّ بة» حائرين معها كيف يوارونها‬ ‫ويتخلصون منها‪ ،‬لئال تنتفخ فتتفسّ خ وتسيل‬ ‫يستيقظ إســام أبــو شكير ك ـ ّل صباح؛‬ ‫أحــشــاؤهــا بــالــديــدان منفجر ًة فــي المكان‬ ‫بزجاج‬ ‫ٍ‬ ‫ليجد رماداً شفّافا على المخدة أشبه‬ ‫فتقتلهم الرائحة‪ .‬يبقون مع جثة الثالثيتي في‬ ‫مــطــحــون‪ ..‬دمــوع تــبــخّ ــرت‪ ،‬وتــركــتْ ملحَ ها‬ ‫تجاذب حائر‪ .‬فيمضي تشاورهم إلى وضعها‬ ‫ٍ‬ ‫في الحمام لمدة يومين‪ .‬وحين استق ّر أمرهم فقط‪..‬‬ ‫على دفنها بأيّة طريقة متاحة‪ ،‬وقد كانت‬ ‫َمــن هــؤالء الذين تبكيهم‪ ،‬يا إســام أبو‬ ‫الجثة بلغت مداها من االنتفاخ وفي طريقها شكير؟‬ ‫إلى التحلّل وإطالق رائحة الموت البغيضة؛‬ ‫ال أدري‪ ..‬األرجح أنهم أصدقائي الذين‬ ‫فإذا بها تُسحَ ب من المكان بشكل مفاجئ‪.‬‬ ‫وكأن بقاء الجثة يعتبر من التمرين والتدبير التهمتْ األيا ُم أعمارَهم واحدًا تلو اآلخر‪ .‬ال‬ ‫الفج بصورة صارخة على التقبّل والرضا‪ ،‬أعــرف سواهم‪ .‬هم بك ّل تأكيد‪ .‬أتذكرهم‪.‬‬ ‫بل االنسحاق تماما‪ .‬االحتجاج الذي أبداه وأبكي)‪.‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ عائشة املؤدب*‬

‫نشوز‬ ‫صاخبة‪ ،‬لم تكن تُمط ُر‬ ‫ٍ‬ ‫الحوافرِ ساح ُة رقص‬ ‫نشيش‬ ‫َ‬ ‫امرأةٌ تفت ُح تاءها‪ ،‬تط ُّل على وَجَ ٍل خار َج غير أنّي رأيتُ قوائ َم ُه تقطُ ُر وسمعْتُ‬ ‫ـات المطَ رِ يط ّر ُز أثر الخطى وتحو ُم حول ُه ينابي ُع‬ ‫بــيـ ِـت الــقــصــيــدِ ‪ ،‬بــا رو ّيـ ـ ٍـة تمحُ و عــامـ ِ‬ ‫نور‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّف من‬ ‫ّنقيط بضفيرتِها المنفلتَةِ ‪ .‬تتخف ُ‬ ‫الت ِ‬ ‫أدوات الربّط واحد ًة واحد ًة ث ّم تُؤَخِّ ُر خوْفها‬ ‫ِ‬ ‫األنـــف عــنــد َمــا همستُ‬ ‫ِ‬ ‫ـدت أرنــب ـ ُة‬ ‫ارتــعـ ِ‬ ‫وَتعم ُد إلى األفعالِ المبْنيَّةِ تهدّهَ ا‪ .‬ينها ُر أنّي ِظلُّكَ التّائ ُه وأنّي الرّي ُح تتبعُكَ ‪ .‬سمعتُ‬ ‫الضمائ َر خل َفهَا وتر ُ‬ ‫ّ‬ ‫المعنى فَتسحبُ‬ ‫أندهش حين تطاولتْ قوائ ُم ُه‬ ‫ْ‬ ‫ْكض‪ ،‬نَزِ يبَ ُه يعل ُو‪ ،‬ل ْم‬ ‫تركض‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫تركض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الخطوات تفِ رّ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫شاهق ًة تر ُك ُل الفراغَ‪ ،‬آثــا ُر‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫نصوص قصيرة‬

‫أعرف أنّ‬ ‫ُ‬ ‫عــنــد أوّلِ مــع ـ َّقـ ٍـف تــعـتَــرِ ضــهــا الــمــوان ـ ُع رأيتُها تختفي كضوءٍ ساطع‪ ،‬كنتُ‬ ‫محْ ِ‬ ‫تش َد ًة تفْجَ ُعهَا‪ ،‬تتبعث ُر حركاتُها فتتع َّث ُر هذا الوع َل شبَ ٌح مهاجرٌ‪.‬‬ ‫بنونِ النّسو ِة وتسقطُ ‪ ،‬وسط الفوضى تتل َّقفُها‬ ‫أقولُ َك صمتا‬ ‫حروف العلّةِ جازِ َر ًة وتعيدُها إلى اللُّغةِ مكبَّل ًة‬ ‫ُ‬ ‫بتائهَا الــمــربُــوطَ ــةِ ‪ ،‬تَ ـدْخُ ـ ُل عليها النّواس ُخ‬ ‫قال‪« :‬قُولينِي»‪ ،‬قلتُ ‪« :‬صمتِي فيكَ بوحٌ»‪.‬‬ ‫ساكن فترتدُّها‬ ‫ٍ‬ ‫تَمْسَ خُ هَا‪ ،‬تُق ّيدُها إِلى ِجذ ٍْع‬ ‫قال‪« :‬قوليني شعرًا»‪ ،‬قلتُ ‪« :‬صمتي فيك‬ ‫إلى وظائفِ هَا ذاعنَةً‪ .‬يعتريهَا ذهو ٌل تا ٌّم وهي‬ ‫بوحٌ»‪.‬‬ ‫تراقبُ واو الجَ مَاعَ ةِ تُ َقلِّ ُم كلَّ حَ ركا ِتهَا وتنْفِ يهَا‬ ‫نبضات‬ ‫ِ‬ ‫ق ــال‪« :‬قــولــيــنــي شــع ـرًا يُ ــسْ ــرِ ُج‬ ‫اإلعراب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫خار َج‬ ‫القلب‪ ».‬قلتُ ‪« :‬صمتي فيك بوحٌ»‪.‬‬ ‫وعل مهاجر‬ ‫ٌ‬ ‫القلب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫نبضات‬ ‫ِ‬ ‫قال‪« :‬قوليني شعرا يُسْ رِ ُج‬ ‫م ـ ّرةً‪ ،‬صادفنِي وعـ ٌل مهاجرٌ‪ ،‬كان يحم ُل‬ ‫فــرح‪.‬‬ ‫ا مــن ٍ‬ ‫ـول تــجــتــا ُح ســهـ ً‬ ‫ـض كــخــيـ ٍ‬ ‫معركة‪ .‬تَن ُّز الحكاياتُ من عينيْهِ ويــركـ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫قرنيْه وبقايا‬ ‫األرض صهيل ُها له ٌج بالدّعاءِ »‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وتــرشـ ُح الخياالتُ ‪ .‬كــان ينظ ُر إلــى‬

‫األرض نفسُ ها ا ّلــتــي تعر ُف ُه‬ ‫ُ‬ ‫ويمشي‪ ،‬هــي‬ ‫ِ‬ ‫وتفرش للتّالِي بساطا‬ ‫ُ‬ ‫حافر يطأُها‬ ‫ٍ‬ ‫تُق ِّب ُل ك ّل‬ ‫األرض الّتي يعرفُها حتّى أنّها‬ ‫ُ‬ ‫ورد‪ ،‬هي‬ ‫من ٍ‬ ‫ال يراف ُقهُ‪.‬‬ ‫أهملتْ أن ترسُ م ظ ًّ‬ ‫َس‬ ‫األرض ويمشي فيَيْب ُ‬ ‫ِ‬ ‫كــان ينظ ُر إلــى‬ ‫ـف الطّ ينُ‪ ،‬يهت ُّز ويـرْبــو‪ ،‬وق ُع‬ ‫الــوحـ ُل ويــرجـ ُ‬

‫لم يع ْد للقولِ مكا ٌن فبُحتُ بصمتِي إلى‬ ‫صمتِهِ ‪ .‬ثــم تلهيْت عن ُه بالعبار ِة أروّضـ َهــا‬ ‫حبل‬ ‫وأجته ُد في تدريبِها على المشي على ٍ‬ ‫معل ٍّق‪ .‬تلهيتُ عن ُه وما كان يشغلنِي إال أن‬ ‫أعرض عنه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تُح ّب ُه القصيدةُ أكث َر لعلّي‪ ،‬إ ْذ‬ ‫أقولُ ُه شعرًا‪.‬‬

‫* قاصة من تونس‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪55‬‬


‫صورة الشهيد‬ ‫■ إبراهيم مضواح األملعي*‬

‫قليل‪ ،‬نظروا إلى‬ ‫تسرَّ ب إليهم صوتها؛ تُحدِّ ث نفسها بنبرة غاضبة‪ ،‬صمتوا ً‬ ‫بعضهم‪ ،‬قــام (أح ـمــد) متجهً ا إلــى غرفتها‪ ،‬وتبعته أخ ـتــاه‪ ،‬وقـفــوا بـجــوار الباب‬ ‫الموارب‪ ،‬رأوها تدفع كرسيًا تنوء به‪ ،‬تقدَّ م إليها بينما وقفت (فاطمة‪ ،‬وسارة) لدى‬ ‫موضع بجوار الجدار‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الباب‪ ،‬حمل الكرسي دون أن يعرف أين تريده‪ ،‬أشارت إلى‬ ‫حيث أشــارت‪ ،‬سألها‪« :‬ما بك يا أمــي؟» أجابته بانفعال‪« :‬أال ترى الصورة؛‬ ‫وضعه ُ‬ ‫كيف أصبحت مائلة؟ َمــن الــذي حركها؟ ال شــيء يسلم من عبثكم‪ ،‬حتى صورة‬ ‫الشهيد»‪ .‬ارتقى على الكرسي يحاول ضبط الصورة المائلة‪ ،‬وهي تتشبث بالكرسي‬ ‫تمسكه كي ال يضطرب‪ ،‬وتعتمد عليه في وقوفها‪ ،‬والبنتان يقلبان النظر بين‬ ‫الصورة المائلة‪ ،‬واألم المتشبثة بالكرسي‪ ،‬وأحمد الذي يسألهما‪« :‬هل اعتدلت‬ ‫الصورة؟» أجابتا باإليجاب‪.‬‬ ‫القبعة العسكرية‪ ،‬وشاربه الخفيف يُـبِـي ُن‬ ‫عــن مــام ـ َح جـــادة‪ ،‬يــبــدو وجــهــه شديد‬ ‫الصفاء‪ ،‬وقد أظهرت البدلة العسكرية‬ ‫بياضه ناصعًا‪ ،‬وبري ُق النجمتين‬ ‫َ‬ ‫الدكناء‬ ‫على كتفيه تزيدانه مهابة‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫اتجهت إليهما بالكالم؛ محذرة من‬ ‫العبث بصورة الشهيد‪ ،‬أو تحريكها من‬ ‫موضعها‪ ،‬أشارتا برأسيهما بالموافقة‪،‬‬ ‫دون جـ ــدال‪ ،‬ول ــم تــجــرؤ إحــداهــمــا أن‬ ‫تخبرها بأن تيار الهواء الذي يعبر الشقة‬ ‫كلما أشــرعــت نــوافــذ غرفتها والشرفة‬ ‫تتذكر فرحته وهو يبشرها بنبأ قبوله‬ ‫الــمــقــابــلــة مــفــتــوحــة‪ ،‬هــو الـــذي يــحـرَّك فــي الكلية العسكرية‪ ،‬وث ــاث سنوات‬ ‫الصورة‪.‬‬ ‫حين‬ ‫ٍ‬ ‫قضاها فــي الكلية يــزورهــا بين‬ ‫أع ــاد أحــمــد الكرسي إلــى موضعه‪ ،‬وحين‪ ،‬فيبدو أكثر نضجً ا وشبابًا كأنما‬ ‫وغــــادروا الــغــرفــة بــهــدوء لعل الموقف غــاب عنها سنوات‪ ،‬تتذكر فرحته وهو‬ ‫يمر بال دمــوع‪ ،‬تراجعتْ خطوات تقيس يهيئ بدلة التخرج‪ ،‬تتذكر يومه األول في‬ ‫الــصــورة بنظراتها؛ فتبدو لها معتدلة‪ .‬عمله وقد أصبح ضابطً ا يومها قال له‬ ‫جلستْ على طرف السرير تنظر إلى وجه أبوه‪« :‬يا ولدي لقد خدمتُ في العسكرية‬ ‫الشاب النحيل‪ ،‬ذي العينين الصافيتين‪ ،‬عمري كلَّه دون أن يشوِّه ملفي إنذار أو‬ ‫الناظرتين نحو أفــق بعيد‪ ،‬مــن تحت لفت نظر‪ ،‬وأنــت تبدأ اليوم عملك في‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫حاولت أن تصنع من سالم نسخة أخرى‬ ‫مــن الشهيد‪ ،‬كانت تسميه (أخــو الشهيد)‪،‬‬ ‫ولكن قلبه لم يَ ِل ْن لرجائها بأن يترك صحبة‬ ‫أصدقائه الذين كانت تصفهم بـ(المشبوهين)‪،‬‬ ‫وكان يغضب لهذا الوصف ويردد‪« :‬آخر زمن؛‬ ‫أصــبــح األتــقــيــاء مشبوهين‪ ،‬وأه ــل الضالل‬ ‫واجهات المجتمع‪ ،‬اهلل المستعان»!!‬

‫لم تفقد األمل‪ ،‬ولم تتوقف عن نصحه حتى‬ ‫ترك البيت‪ ،‬دون أن يعرفوا له وجهةً‪ ،‬يتصل‬ ‫بهم أحياناً‪ ،‬فتطلب الهاتف وتسأله عن مكانه‪،‬‬ ‫فال يجيب‪ ،‬ويُغلق الهاتف‪ ،‬بينما تتجرع غصص‬ ‫الفقد والغياب‪ ،‬يحاول أوالدها تسليتها‪ ،‬فتظهر‬ ‫لهم ما يحبون‪ ،‬وال يخفى عليهم أن خلف قناع‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫مــيــدان الــشــرف؛ اهلل اهلل فــي األمــانــة التي التَّسلِّي نارًا تضطر ُم في داخلها‪.‬‬ ‫أقسمتَ عليها»‪ ،‬وتتذكر قوله بحماس‪« :‬األمانة‬ ‫تُمضي الكثير من وقتها في غرفتها‪ ،‬تتأمل‬ ‫في عنقي‪ ،‬ووطني في قلبي‪ ..‬يا أبي»‪.‬‬ ‫صــورة الشهيد بنظراتها‪ ،‬وكــأنــه ماثل بين‬ ‫تــتــذ َّكــر ي ــوم ح ـ َّ‬ ‫ـط عليهم نــبــأ استشهاده يديها‪ ،‬تضمه بقلبها؛ دون أن تشعر تنساب‬ ‫كالصاعقة‪ ،‬يومها حسدت والده الذي سيكون الــدمــوع على خديها‪ ،‬تتخيله يــطــرق الباب‬ ‫ِصخَ بِهِ الجميل وضحكته المتفائلة‪.‬‬ ‫في استقباله‪ ،‬وتَـمَـنَّـتْ لو أنها هي التي سبقتْ ‪ ،‬ويدخل ب َ‬ ‫فرَّت إلى إغماءة‪ ،‬وحين أفاقت حزنت أكثر‪،‬‬ ‫أفاقت على صوت ضجة أحمد وأختيه في‬ ‫وتمنَّت أنها لم تُفِ ْق أبدًا‪ ،‬فالتعزي صعبُ المنال‪،‬‬ ‫الصالة‪ ،‬اندفعت خارجة من غرفتها إليهم‪،‬‬ ‫برغم كلمات التعازي التي ال تنفك تسمعها‪،‬‬ ‫صمتوا فــجــأة‪ ،‬ينظرون إلــى وجــوه بعضهم‪،‬‬ ‫من األهل واألقارب وحتى المسؤولين‪ ،‬فكلهم‬ ‫يذكر بطولة الشهيد‪ ،‬وتضحيته‪ ،‬وشرفه في لمحتْ صورة (سالم) في الصفحة األولى من‬ ‫الدنيا‪ ،‬منزلته عند اهلل‪ ،‬فقد أ ُِخ َذ غدرًا وهو الجريدة التي كانت بين أيديهم‪« :‬هذه صورة‬ ‫يحمي حــدود بلد المقدسات‪ ،‬أطهر أرض‪ ،‬سالم! صورة سالم!»‬ ‫وحين أ ُجريتْ معها مقابلة تلفزيونية عَ ـرَّفها‬ ‫تفحَّ صت الصورة قبل أن تدفعها ألحمد‬ ‫مناصا من قراءة‬ ‫ً‬ ‫المذيع للناس بـ(أم الشهيد)‪ ،‬وردد ذلك كثيرًا ليقرأ لها المكتوب‪ ،‬لم يجد‬ ‫خالل المقابلة‪ ،‬وأصبح الناس ينادونها بهذا البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية‪ ،‬بقائمة‬ ‫االسم‪ ،‬لما رأوا أثر ذلك عليها‪ ،‬وشعرتْ بأنها من المطلوبين‪ ،‬المتهمين بالتخطيط ألعمال‬ ‫أ ٌم لشهيد ما يزال حيًا يُــرزَق‪ ،‬تتأمل صورته تخريبية إرهابية‪ ،‬ويتزعمهم اإلرهابي‪( :‬سالم‬ ‫كلَّ حين‪..‬‬ ‫الدوسان)‪ ،‬لم يحتمل قلبها النبأ‪ ،‬شعرت بدوار‬

‫وهي تصرخ‪« :‬إرهابي يا سالم؟! أخو الشهيد‬ ‫إرهابي؟!» وسقطت مغشيًا عليها‪ ،‬حملوها إلى‬ ‫غرفتها‪ ،‬رشوها بالماء‪ ،‬أعطوها بعض أدويتها‪،‬‬ ‫ولما فتحت عينيها وجدتهم بجوارها‪ ،‬حاولت‬ ‫أن تتكلم فلم تستطع‪ ،‬حدَّ قت في وجوههم‪،‬‬ ‫نــظــرت جــهــة ال ــص ــورة‪ ،‬حــاولــت الــكــام فلم‬ ‫يتحرك لسانُها‪ ،‬أشارت إليها بعينيها‪ ،‬التفتَ‬ ‫أحمد إلــى الــصــورة فــرآهــا مائلة‪ ،‬عــرف ما‬ ‫تريد‪ ،‬أخذ الكرسي الذي يجلس عليه‪ ،‬ق َّربَه‬ ‫من الجدار‪ ،‬ارتقى عليه ليُعدِّل الصورة‪ ،‬يحاول‬ ‫ضبطها‪ ،‬سقطت الــصــورة وتــنــاثــر زجاجها‬ ‫المهشم‪ ،‬وغطى على صــوت الــزجــاج عوي ُل‬ ‫البنتين على أ ِّم الشَّ هيد‪.‬‬

‫* قاص من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪57‬‬


‫تـــرويـــض‬ ‫■ سمر الزعبي*‬

‫يحب بالتأكيد‪..‬‬ ‫خاف‪ ،‬هو ُّ‬ ‫يعزب عليها ٍ‬ ‫درست فيها أدا َءهُ‪ ،‬ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِعشـر ًة طويلة ًكانت‪،‬‬ ‫يحب امــرأة أخــرى‪ ،‬زادتها نظراتُه يقيناً‪ ،‬ضحكتُ ه الباهتة‪ ،‬تقلُّب مزاجه‪ ،‬فهو ال‬ ‫ّ‬ ‫يجيد الكذب‪ ،‬وعيونه تفضحه‪.‬‬ ‫ّشت جيوبَه‪ ،‬رسائ َل «الواتس والماسنجر» صارت لديها‪ ،‬بعدما حصلت‬ ‫راقبته‪ ،‬ف َت ْ‬ ‫يؤكّد يقينَها‪ .‬لكن ال شـيء‬ ‫على الرّقم السـري وهي تصطاد غفالتِ ه‪ ،‬لم تجد دلي ًال ِ‬ ‫يعبث بنفسـيتها‪ ،‬ولن تسمحَ له بالخروج من دائرتها‪.‬‬ ‫يفكّر يوماً أن يخرج‪ ،‬اعتاد زوجتَه‪ ،‬لغزَها أح ٌد كزوجته‪.‬‬ ‫لم ِ‬ ‫غي َر المفعمةِ باألنوثة‪ ،‬اعتاد حياتَه‪،‬‬ ‫زمن بعيد‪،‬‬ ‫وتصال َح مع مجرياتها منذ ٍ‬ ‫يقلِّب بصـره بين النساء‪ ،‬ك ُّل شـيءٍ عابر‪،‬‬ ‫إ َّال هي‪ ،‬شغفته حباً‪ ،‬تلك التي تمنَّى لو‬

‫صباح تتسلَّم فيرو ٌز د َّفــة قلبه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ك ّل‬ ‫كأنَّه لم يستمع إليها من قبل‪ ،‬أو أ َّن‬ ‫إحساسه بالكلمات قد تغيَّر‪ ،‬يودعها‬

‫لهفات‪ ،‬ويشكو إليها ق َّوةَ العبارة واللحن‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ترخي جدائل َها على كتفيه‪ ،‬ترتجف‬ ‫إحــدى يديه لـ َمّا يراها‪ ،‬يبتلع الكثي َر إذ أصابا مقتَله‪ ،‬يروق له مشه ُد طالب‬ ‫بابتسامة تهت ُّز على الجامعة‪ ،‬وهــم يتمشّ ون معاً‪ ،‬يمسك‬ ‫ٍ‬ ‫من الكالم‪ ،‬ويكتفي‬

‫‪58‬‬

‫طرف من شفته‪ ،‬ونظرةٍ كسـيرة‪ ،‬ال يح ُّل الواح ُد منهم ي َد الحبيبة أمام المارّة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫تغار من رغوة القهوة على أدمة شفتيه‪ ،‬يعيدا الزم َن إلى الــوراء‪ ،‬إلى ذلك المشهد‬

‫سكر تذوب‪ ،‬ولو يعلق الذي به التقيا‪ ،‬ويحرقان كلَّ ما دار فيه‪ .‬لم‬ ‫وتتمنى لو أنها قطعة ٍ‬ ‫القلب بقرار‪ ،‬ويعرفان‬ ‫ِ‬ ‫شغاف‬ ‫َ‬ ‫النبض‬ ‫ُ‬ ‫منها شـيء‪ ،‬لــتــذ َوّق كـ ٌل منهما اآلخ ـ َر على يعتلِ‬ ‫مهل‪ ،‬لكن حينما يتب َّد لها محيَّا الزَّوجة‪ ،‬أ َّال خيار في الحب‪ ،‬لكن اختارا أن تتجمَّ د‬

‫تمض ُغ قهرها‪ ،‬فليس من طبعها التعدِّ ي على السطو ُر بينهما‪.‬‬ ‫حياة اآلخرين‪.‬‬ ‫أ ّمــا زوجته‪ ،‬فما كــان لها أن تنتظر‪ ،‬أو‬ ‫يجرحها اسمُه‪ ،‬يستفزِّها أيُّ شـيءٍ نالَه‪،‬‬ ‫خيوط الحزن من عينيه‪ ،‬فاهتدت‬ ‫َ‬ ‫أن تلمل َم‬ ‫يستأنف‬ ‫ُ‬ ‫شــارعٌ‪ ،‬مخيطة‪ ،‬محل للخلويَّات‪،‬‬ ‫طريقة تحطِّ م بها السطو َر بجليدها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬ ‫ذاكرتها‪ ،‬كأ َّن عالق ًة ما تربطها بتلك األماكن‪،‬‬ ‫وعــادت إلى ذات المشعوذ الذي كان سبباً‬ ‫الخوض فيه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تذكِّرها بمستحيل تخشى‬ ‫ك ّل منهما على حافّة طريق‪ ،‬يقابل اآلخرَ‪،‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫غصته‪.‬‬ ‫ثم يحسدهم‪ ،‬ويرتشف َّ‬

‫كــان عليهما أن يسحبا ال ـ ّنــظــرات‪ ،‬أن‬

‫في زواجها منه‪ ،‬قب َل سنين أرشدوها إليه‪،‬‬

‫ولم يقتربا‪ ،‬أو يرتويا‪ ،‬لكنَّ محاول َة االبتعاد بعدما فشل اآلخرو َن في اصطيادِ ه لها‪ ،‬ولـ َمّا‬ ‫مقصل ٌة للروح‪ ،‬فقبال األم َــر الواقع‪ ،‬ومكثا نجح مشعوذُها األمثل‪ ،‬صا َر مالذها كلَّما‬ ‫ـف فيهما الــعــروق‪ ،‬ارتبكت العالقة‪.‬‬ ‫يــتــأ َّمــان قلبيهما‪ ،‬تــجـ ُّ‬

‫فيما ظلَّت عالق ُة الزّمالة متنفَّساً‪ ،‬وزوجتُه‬ ‫تحتفظ بالمشهد فــي إح ــدى منشوراتها‬ ‫«الفيس بوكيَّة» العابثة‪.‬‬ ‫صار صعبَ المراس‪ ،‬عصبياً ال يُطاق‪،‬‬ ‫شارداً أغلبَ األحيان‪ ،‬تحوَّل إلى آلة عاملة‪،‬‬ ‫فيما افترش التوت ُر يوميَّات الحبيبة‪ ،‬ولزِ مَها‬ ‫بكاءٌ موصول‪ ،‬فصبَّت انكسارَها في قوالب‬

‫أغــدقــت عــلــيــه ال ــم ــا َل مـــجـــدَّ داً‪ ،‬وكما‬ ‫طقوس‬ ‫ِ‬ ‫اعتادت؛ سلَّمت له جسدَها‪ ،‬إلتمام‬ ‫ترغيب الزوج بها‪ ،‬ث َّم أعدَّ حجابَه السحري‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ترتيبات أخ ــرى‪ ،‬أك ـ َل منها الــزو ُج‬ ‫ٍ‬ ‫ـض‬ ‫وبــعـ َ‬ ‫وشـرب‪ ،‬وألنّه ال يُفلح السّ اح ُر مهما فعل‪ ،‬لم‬ ‫يعُد خاتماً في إصبعها مث َل ك ّل مرّة‪ ،‬لكنّها‬

‫العمل‪ ،‬تشغ ُل نفسَ ها‪ ،‬راجي ًة أن تنسـى‪ ..‬لم تتوقّف‪ ،‬فقد صا َر لديها ضـرة تستحقُّ‬ ‫ساحر أشـ ُّد ق ّو ًة‬ ‫ٍ‬ ‫وال ـزّوج ـ ُة تتقن دو َر الضحيّة‪ ،‬تفتق ُد فيه أن تبحث في شأنها عن‬ ‫الرُّو َح التي عرفت‪.‬‬

‫وأعتى‪.‬‬

‫* قاصة من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪59‬‬


‫اعترافات قبل الوقوف على المقصلة‬ ‫قصص قصيرة‬ ‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫نصيحة‬ ‫هــي ـ ْه أنـ ــت‪ :‬أيــهــا الــرجــل األشــقــر‪،‬‬ ‫قصير القامة‪ ،‬ذا العينين الزرقاوين!‬ ‫مــا أجــمــل إط ــار نــظــارتــك! تنهض من‬ ‫فراشك‪ .‬تتجه نحو الحمّام‪ .‬تغتسل‪.‬‬ ‫ذقنك ليست بحاجة إلى حالقة‪ .‬ضع‬ ‫إبريق الشاي على النار‪ .‬جَ ِّه ْز فطورك‬ ‫اليومي المتواضع‪ :‬جبنه وزيتون وزعتر‪.‬‬ ‫ته ّم بالخروج إلى العمل‪ ،‬لكنني أنصحك‬ ‫بــالــبــقــاء وع ــدم الــذهــاب إل ــى العمل‪.‬‬ ‫ـس‬ ‫لستُ زرقــاء اليمامة‪ ،‬لكنني ال أ ُِحـ ُّ‬ ‫بالطمأنينة عليك هذا اليوم بالذات‪،‬‬ ‫ربما كانت أناقتك وهــدوءك المفتعل‬ ‫يوحيان بالكثير من الخوف عليك‪ ،‬إنها‬ ‫مجرد رؤيا‪ ،‬وأص ُّر على نصيحتي إيّاك‬ ‫بأن ال تذهب إلى العمل‪ .‬اليوم فقط‪.‬‬ ‫أرجـ ــوك‪ .‬ال تستمتع إلــى النصيحة‪.‬‬ ‫تقفل الباب بالمفتاح‪ .‬تستنشق هــوا ًء‬ ‫مــلء رئتيك‪ .‬تنتظر بــاص المؤسسة‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تتأفف‪ .‬تأخَّ َر الباص عن موعده ربع‬ ‫ساعة‪ .‬تُ َقرِّر أن تستأجر سيارة‪ .‬تقطع‬ ‫الــشــارع‪ ،‬لكن انتبه‪ .‬أنــت‪ :‬أيها الرجل‬ ‫األشقر‪ .‬حاذر‪ .‬السيارة قادمة تجاهك‪.‬‬ ‫انتبه‪ .‬السيارة‪ .‬انتبـ‪ ...‬ال حول وال قوة‬ ‫إال باهلل‪.‬‬ ‫حدث في شارع السينما‬ ‫فــاجــأنــي أم ــام أحــد الــمــحـ ّـات في‬ ‫شــارع السينما‪ ،‬سلّم عليّ بــحــرارة ثم‬ ‫عانقني وهو يبتسم‪:‬‬ ‫ا أحمد‪ ،‬مضت مـدّة طويلة لم‬ ‫ «أه ـ ً‬‫أرك فيها»‪.‬‬ ‫أجـ ْد بُـ ّداً من‬ ‫امتلكتني الحيرة ولم ِ‬ ‫توضيح الموقف لهذا الرجل الغريب‪:‬‬ ‫ «عفواً أنا لستُ أحمد؛ أنا عبدالغفور‪،‬‬‫وأنــا ال أعــرفــك لألسف ربما أنك‬ ‫أخطأت»‪.‬‬ ‫نظر إليّ بدهشة‪ ،‬وقاسني من رأسي‬


‫ «نــعــم أنــت لست أحــمــد‪ ،‬ولكنك تشبهه‬‫كثيراً»‪.‬‬

‫سأله يوسف باهتمام‪:‬‬ ‫‪« -‬ماذا تنوي أن تفعل في هذه اإلجازة؟»‬

‫وانطلق من أمامي وسع ما تستطيع قدماه‬ ‫الــركــض‪ .‬شعرتُ بــأن هــذا الموقف غريب‬ ‫ «لقد كبر الولد يا يوسف‪ ،‬أحس أنني‬‫بعض الشيء؛ فهل درجة الشبه بيني وبين‬ ‫مسؤول عن تعليمه شيئاً ذا قيمة‪ .‬سأعلمه‬ ‫أحمد هذا كبيرة إلى درجة أن هذا الشاب لم‬ ‫الشطرنج»‪.‬‬ ‫يتعرّف على الفوارق بيننا حتى أنه تمعّن فيّ‬ ‫ابتسم وهــو يستدرك أنــه ال يعرف غير‬ ‫جيداً‪ ،‬ولدرجة أنه صافحني وعانقني أيضاً!‬ ‫الشطرنج‪.‬‬ ‫لم أكترث لألمر كثيراً‪ ،‬بل تابعتُ تأمّلي‬ ‫انــزوى االثنان في غرفة الصالون‪ ،‬ولم‬ ‫فــي جاكيت الجينز المعروضة فــي محل‬ ‫النوفوتيه‪ ،‬وحسمت األمر أخيراً بأن اشتري يخرجا منها إال بعد عشرة أيام‪.‬‬ ‫بدا أبو نادر واثقاً من نفسه وهو يدعو‬ ‫تلك الجاكيت‪ .‬دخلتُ المحل وساومت البائع‬ ‫على ثمنها‪ ،‬إلــى أن اتفقنا على عشرين أصدقاءه متحدّياً في لعبة (التريكس)!‬ ‫ديناراً‪.‬‬ ‫بسيط‬ ‫ٍ‬ ‫مواطن‬ ‫ٍ‬ ‫موت‬ ‫ُ‬ ‫ر ّد بثقة‪:‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫حتى قدمي‪ ،‬ثم تراجع للوراء قليالً‪:‬‬

‫بدون راتب حسب رغبته‪.‬‬

‫تــوقــفــتْ يـــديْ فــي الــجــيــب الــخــالــي من‬ ‫م ــاتَ الــعــم محمد‪ ،‬ولــم يَـــدْرِ بموته إ ّال‬ ‫المحفظة‪ .‬بحثتُ في الجيوب األخرى‪.‬‬ ‫االقلء‪ ،‬حتى أقرباءه كانوا آخر من وصلهم‬ ‫ّ‬ ‫قلت فــي نفسي‪« :‬هــكــذا وبــكــل بساطه الخبر‪.‬‬ ‫أتعرَّض للنشل‪ ،‬ولكن على مين (!)‪« ،‬أهليـــن!»‬ ‫لم تنشر الصحف نعيه‪ ،‬ولم تحفل اإلذاعة‬ ‫استدرتُ من فوري نحو زبون ينتظر دوره‪ .‬بهاتف من ابن أخيه إلعالن خبر وفاته بعد‬ ‫أخبار العاشرة صباحا‪.‬‬ ‫أسرعت إليه‪:‬‬

‫موتُه جا َء رحم ًة بوضعه المزري‪ ،‬رغم أن‬ ‫ال أحمد‪ ،‬مضت مدّة طويلة لم أرك‬ ‫ «أه ً‬‫أمثاله يستحقون حيا ًة أكثر تفاؤالً ونقاءً‪.‬‬ ‫فيها»‪.‬‬ ‫حياته البسيطة وقلّة حيلته جلبا له الشقاء؛‬ ‫ثم عانقته!‬ ‫حتى النيشان ال ــذي تسلّمه بعد صموده‬ ‫التريكس‬ ‫البطولي في معركة الكرامة‪ ،‬لم يشفع له‪،‬‬ ‫وافــق المدير العام أن يعطي أبــا نــادر‪ ،‬وبقي في نظر الناس؛ إنساناً بسيطاً يعيش‬ ‫موظف الحسابات‪ ،‬إجازة لمدة شهر واحد على هامش الحياة‪ ،‬وال يعيرونه إال الشفقة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪61‬‬


‫أقلء؛ كان يستمعون بفرح واهــتــمــام‪ ،‬بــدا أصغر من‬ ‫وفي جنازته التي مشى فيها ّ‬ ‫النملة في أعين الجميع؛ ألنــه أ ّكــد ألهله‬ ‫ابن أخيه يهمس في أذن حسرته‪:‬‬ ‫البارحة‪ ،‬بأن سليمان إنما يقضي ساعاته‬ ‫ «لو لم تكن إنساناً بسيطاً يا عم!»‪.‬‬‫األخيرة‪.‬‬ ‫واروه القبر المعتم‪ ،‬وعند الصبي رغب ٌة‬ ‫نــظــر مــلــيـاً إل ــى وج ــه سليمان الطافح‬ ‫جامح ٌة بأن يعقّب أحدهم على هواجسه‪،‬‬ ‫انصرَفوا إلى بيوتهم مسرعين‪ ،‬باإلرهاق‪ ،‬ثم غادر المكان متجهاً إلى عيادته‪،‬‬ ‫لكن الجميع َ‬ ‫كي ال يفوتهم مشاهدة‪( :‬المجلة الرياضية)‪ .‬وهو يداري وجهه عن نظرات المرضى‪ ،‬وفي‬ ‫رأسه تعربد أشباح الفشل‪.‬‬ ‫الفاشل‬ ‫(على المقصلة)‬ ‫ـف الطبيب عاطف‪ ،‬الفاشل في‬ ‫لم يُــخْ ـ ِ‬ ‫السيّاف يع ّد ُل وضع رأسي على المقصلة‪،‬‬ ‫امتحان البورد للمرة الثالثة‪ ،‬دهشته عندما‬ ‫استدعاه الممرِّض المناوب لرؤية منظر وأهل قريتي الذين احتشدوا لمشاهدة جَ ل ْدِ‬ ‫سليمان‪ ،‬المريض الراقد على السرير رقم رأســي‪ ،‬كنتُ أرى دمــوع القهر تترقرق في‬ ‫(‪ )1‬والغائب عن الوعي منذ ما يزيد عن عيونِهِ ْم بصمت متحفِّز‪.‬‬ ‫كانت بقرات المختار ومواشيه‪ ،‬تسرح‬ ‫األسبوعين‪.‬‬ ‫فــبــعــد أن عــجــز الــطــبــيــب عــاطــف عن في القرية‪ ،‬تأكل عشبها‪ ،‬وتشرب مياهها‬ ‫ـرات و َذبَــحْ ـتُــهــا‪،‬‬ ‫رأي طبّي الفقيرة‪ .‬أخ ــذتُ ثــاثَ بــقـ ٍ‬ ‫تشخيص الــمــرض وتقديم أيِّ ٍ‬ ‫بخصوص هذه الحالة؛ انتحى بزيد ‪ -‬شقيق وساعدني بعض الشباب على سلخها‪ ،‬وأقمنا‬ ‫وليم ًة أشبعَتْ أهل قريتي‪.‬‬ ‫سليمان جانباً‪ ،‬وقال له‪:‬‬ ‫كنتُ سعيداً‪ ،‬حتى عندما علم المختار‬ ‫ «إن هــذه الحالة غريبة ون ــادرة‪ ،‬وقد‬‫الطبُّ عن تقديم أيّ تفسير حول هذه بفعلتي وأمر بِجَ ل ْدِ رأسي‪ ،‬إليماني بأن أهل‬ ‫عجز ِ‬ ‫الحالة‪ ،‬ألن الــدمــاغ مصاب بالتهاب‪ ،‬وما قريتي لن يسمحوا ل ُه بذلك‪.‬‬ ‫الــشــبــاب والــفــتــيــان الــصــغــار‪ ،‬يضعون‬ ‫عليكم إال االنتظار»‪.‬‬ ‫يص ُّم‬ ‫وهــكــذا فقد علّق عجزه عــن تشخيص أصابعهم في أفواههم ليطلقوا صفيراً ُ‬ ‫آذان السماء‪.‬‬ ‫المرض‪ ،‬على مشجب الطب‪.‬‬

‫السيّاف يرفع رأسه عالياً‪ ،‬ويهوي بالسيف‬ ‫وعندما رأى سليمان يتحدث مع المرضى‬ ‫والممرضين‪ ،‬الذين تجمّعوا حول السرير‪ ،‬على رقبـ آآآآآآ‪.‬‬ ‫* قاص وشاعر من األردن‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫كـــا َن صغير الــســن حينما ب ــدأ يساعد‬ ‫والده في بقالة الحي‪ ..‬وكان صغيراً حينما‬ ‫كان والــداه يوصيانه برعاية إخوته األصغر‬ ‫مــنــه‪ ..‬وك ــان صــغــيــراً حينما كــانــت ترسله‬ ‫جدته إلحضار البيض من أصحاب الدواجن‬ ‫بالقرية‪ ..‬إنها الطفولة‪ ..‬طفولته التي كانت‬ ‫تغص بالذكريات‪ ..‬ذكرياته مع مجايليه في‬ ‫طفولته‪ ..‬ممن كان لهم معه مواقف ومواقف‬ ‫ال تسر صديقاً!‬

‫■ فرح لقمان*‬

‫آل إليه‪ ..‬خاصة وأن هذا الصحفي كان يعرفه‬ ‫ال من أسرة ال تملك قوت يومها‪ ..‬وتذكر‬ ‫طف ً‬ ‫إجابته له (ذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء)؛‬ ‫فبفضل اهلل ونعمته وصلت إلى ما أنا عليه‪...‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫مع الذكريات‪!..‬‬

‫ناظر ساعته‪ ،‬ليرى أن الــوقــت مــا يــزال‬ ‫مبكرًا على الذهاب إلى العمل‪ ..‬تأمل عقارب‬ ‫الثواني‪ ..‬والدقائق‪ ..‬والساعات‪ ..‬وسرعان‬ ‫ما شرد فكره‪ ..‬وسر َح قليالً؛ لكأنه في غفوة‬ ‫مريحة ألقى بها جسده على العشب‪ ،‬ليرتاح‬ ‫وتمضي األيام‪ ..‬ليتغير الحال من الطفولة قليال وهو يــر ِّد ُد «ربي لك الحمد كما ينبغي‬ ‫إلى الرجولة‪ ..‬ومن العسر إلى اليسر‪ ،‬ومن لجاللك وعظيم شأنك»‪.‬‬ ‫االحتقار إلى االحترام‪ ..‬إنها الحياة التي ال‬ ‫وتعود به الذاكرة إلى الــوراء‪ ..‬وما م ّر به‬ ‫تبقى حاالً‪ ..‬فال فقر يدوم‪ ،‬وال غنى يبقى‪ ..‬مــن مــواقــف صعبة صنعت منه رجــا غير‬ ‫ال وأبا لثالثة من األبناء‪ ..‬أصبح‬ ‫اصبح رج ً‬ ‫رجل األعمال المرموق‪ ،‬وله هيبته بين أفراد‬ ‫المجتمع‪ ..‬كيف ال‪ ..‬وقد فتح المصانع تلو‬ ‫المصانع‪ ..‬لتعول اآلالف من أفراد مجتمعه‬ ‫الذي احتقره يوما ما‪..‬‬

‫تذكّر غربته وانتقاله لدولة مجاورة‪ ،‬وكيف‬ ‫امضى السنوات هناك بمرها وحلوها‪....‬‬ ‫بعيداً عن أفراد عائلته‪..‬‬

‫ع ــادي‪ ..‬شريط من الذكريات ال يخلو من‬ ‫األسى واأللم‪ ..‬وحتى األذى واالحتقار أحيانا‬ ‫من زمالء ضايقوه كثيرا أيام طفولته وبداية‬ ‫شبابه‪ ....‬ويــرى ‪ -‬أثناء غفوته ‪ -‬أحدهم‪-‬‬ ‫ممن كانوا يسخرون منه ويحقروه ‪ -‬يعمل‬ ‫عنده‪ ..‬وبمهنة أشبه بل أدنى من مهنته أيام‬ ‫صدم‬ ‫كان يرافقه‪ ..‬ولما رآه ذاك الشخص ُ‬ ‫وبادر بقوله‪:‬‬

‫«سيدي‪ :‬لم أعلم أنك المدير الخاص بهذا‬ ‫بدأ بتجارة بسيطة‪ ..‬إلى أن نمت تجارته‬ ‫وازدادت نموًا‪ ..‬حتى بات تاجرًا ذا سمعة المكان»‪.‬‬ ‫عندها صحا مــن غــفــوتــه‪ ..‬ليتجه نحو‬ ‫رائجة في البالد بما اشتهر به من صدق‬ ‫مركبته‪ ..‬فقد حان وقت الذهاب لعمله‪..‬‬ ‫ونزاهة وحسن تعامل‪...‬‬ ‫تذكر سؤال صحفيٍّ له متعجباً من حاله وما‬

‫صعَد المركبة وانطلق مبتسماً‪..‬‬

‫* قاصة من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪63‬‬


‫نصوص قصيرة‬ ‫■ شيمة الشمري*‬

‫حاجة‬ ‫مدينته الصغيرة‪ ..‬عال الــصــراخ وتناثرت‬ ‫بــرنــامــجــه ال يــعــجــبــنــي‪ ،‬لكنني أتــابــعــه الدماء‪..‬‬ ‫ارتــطــم رأســه المهشم بـــاألرض‪ ..‬بينما‬ ‫باستمرار‪..‬‬ ‫هناك دودة تنتظر!!‬ ‫فقط أحتاج لصوت مثل صوته ليُخرج‬ ‫الرتابة من قلبي!‬ ‫سراب‬ ‫غياب‬ ‫من دون أسباب‪ ،‬أجدني مبعثرة كزجاج‬ ‫نافذة عانقه حجر!‬ ‫وال حجر سواك في حياتي!‬

‫سمائي غائمة‪ ..‬ومزاجي متعكر‪ ..‬ورفيقي‬ ‫مسافر‪ ..‬وقهوتي مرّة‪..‬‬ ‫ويومي ليس جيدا كما تظنون!‬ ‫قاع‬

‫تلك كانت آخر كلماتها قبل أن تختفي!‬

‫كنت أحب تخّ يل األمور الغريبة‪..‬‬

‫لجوء‬

‫كالوقوع من قمة جبل أو الغرق!‬

‫في آخــر مــرة تخيلت أنني أقــع في بئر‬ ‫تظل تلك ال ــوردة الصفراء فــي اللوحة‬ ‫المعلقة على الجدار مهبط عيني وسري‪ ،‬عميقة‪ ..‬اللحظات المرعبة والصادمة التي‬ ‫مــررت بها جعلتني ال أتخيل هــذه األمــور‬ ‫عندما يأتون على ذكرك!!‬ ‫السيما وأنا في قاع البئر!!‬ ‫قسوة‬ ‫أوهام‬ ‫خلف الباب جراء كثيرة وجائعة‪..‬‬ ‫الفقاعات التي كانت تحوم فوق رأسي كل‬ ‫وتلك القصور مغلقة تماما‪..‬‬ ‫يوم لم تعد تفعل‪ ..‬فقد ابتلعتني إحداها!!‬

‫وحده كان يرقبها من بعيد قبل أن يطلق‬ ‫اآلن أنا فقاعة كبيرة أدور مع غيري على‬ ‫عليها النار‪!..‬‬ ‫رأس أحدهم‪!..‬‬ ‫أشالء شاعر‬ ‫وهو عائد من المدرسة كان يردد «الدودة‬ ‫قالت لألرض‪ ..‬إني أدميتك بالعض‪.»...‬‬

‫جنازة‬ ‫أنا في عجلة من أمري‪..‬‬

‫قبري مفتوح وأخشى أن يتلوث بالهواء‪..‬‬ ‫في لحظة‪ ..‬فتحت جهنم أبوابها على وهم ما يزالون يلتقطون الصور‪!!..‬‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ حليمة الفرجي*‬

‫إجهاض حلم‬ ‫صرخات تمأل المكان‪ ..‬توسّ الت باكيه تكاد‬ ‫تصم أذنيها‪ ..‬أقدام تركض مقتربة! تصرخ‪..‬‬ ‫صوت يأمرها بالتوقف عن الصراخ‪..‬‬ ‫ومحاولة دفع ما بأحشائها‬ ‫تدفع‪ ..‬ترتخي‪ ..‬يتصبب العرق مجهدة‪..‬‬ ‫تحاول البكاء‪..‬‬ ‫يعود األلم‪..‬‬ ‫تعاود الدفع‪..‬‬ ‫يحلق طائر أبيض ُملِى َء ببقع الدم‬ ‫فينشقّ له السقف‪..‬‬ ‫ينطلق بين السحب‪..‬‬ ‫تنظر للقابلة تجدها تنظر للسماء‬ ‫مبتورة اليدين‬ ‫تسلق‬ ‫لتقف ويزداد في طولها‬ ‫قامت بقطع العديد من الرؤوس لتتسلقها‬ ‫وحين همت بوضع آخر رأس لتعبر الحاجز‬ ‫أحست ببرودة تغزو جسدها‬ ‫سقوط‬ ‫ٍ‬ ‫دوى صوتُ‬ ‫لحظات‬ ‫خيّم بعدها صمتٌ ‪ ..‬كشف عن جثة عظيمة‬ ‫بدون رأس!‬

‫وحده‬ ‫علق بروازا قديما‬ ‫بالغ في تزيينه‬ ‫سكن بداخله‬ ‫ضحية حرب‬ ‫تمضي عجلى لتحضر الخبز‬ ‫جوع أطفالها ومحاولة أن تجد عذرا لعدم‬ ‫قدرتها على توفير الغموس لهذا الخبز‪..‬‬ ‫تشغل تفكيرها‪،‬‬ ‫صوت تعرفه جيدا يصرخ بها من الرصيف‬ ‫المقابل‬ ‫تسرع الخطى‪ ،‬فيسارعها بطلق ناري‬ ‫تسقط ويتساقط الخبز‬ ‫يختلط عرقها بسائل أحمر غــدا غموسا‬ ‫لخبزها‪.‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫قصص قصيرة‬

‫عقاب‬ ‫اعــتــاد اللص أن يسرق طعام أطفالها كل‬ ‫مساء‪،‬‬ ‫وفي ليلة مقمرة‬ ‫وضعت السم بالرغيف‬ ‫وحين استيقظت صباحا‬ ‫وجدت أخاها الضرير‪..‬‬ ‫ميتاً قرب الموقد‪.‬‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪65‬‬


‫ً‬ ‫احتفاال‪..‬‬ ‫عندما قالوا‬ ‫‪ρρ‬عبدالهادي الصالح*‬

‫وخ ـ ـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ارِ ق ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ــوا‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ي ـ ـ ـ ـ ـ ِـش ـ ـ ـ ـ ـ ُّـق‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد إنْ ُرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه يـ ـ ـحـ ـ ـك ـ ــي‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوحٌ‬ ‫ـس الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم خـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ــا‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ رداؤُ ُه س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا‬

‫وَرِ ُّق‬

‫َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُّق‬

‫أتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـف األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــن نـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـض ـ ـ ــي؟‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ‬ ‫ـرف ِ‬ ‫ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ش ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـات؟‬ ‫أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ذكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ وإنّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْبَ شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْقُ‬ ‫وإنّ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َد أرضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ لـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ٍـن‬ ‫يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُّق‬ ‫ودونَ‬

‫ـاب أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ وفـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وح وُ رْقُ‬ ‫ـش بـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ ـ ِـن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ِ‬ ‫خ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬

‫أي ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــى ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ــى؟‬ ‫ـاش صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـق‬ ‫وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوف أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ تـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــامَ ـ ـ ـ ـ ــى‬ ‫وزا َر ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقِّ ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ َودْقُ‬ ‫وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أمَّ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا‬ ‫ـأض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـس ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُّق‬ ‫فـــــــ ْ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـز الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم إنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــنَ َثـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ــمٌ‬ ‫ـرف ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْقُ‬ ‫وإنّ عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫‪66‬‬

‫ بمناسبة اليو ُم العالميُّ للّغةِ العربيّةِ ‪.‬‬‫* أكاديمي وشاعر ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬شاهر إبراهيم ذيب*‬

‫وَها نَحنُ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫َوما ِش ْئ ِت َوما ِش ْئ ُت‬ ‫كَذا ِص ْرنَا‬ ‫وَما ِشئ ِْت وَما ِشئ ُْت‬ ‫َقت وَاألحالمُ ‪ ..‬واألوْهامُ وَالذِّ كرَى‬ ‫طَ وانا الو ُ‬ ‫وَكُ ٌّل سَ ا َر فِ ي َدر ٍْب‪ ..‬و َِصرْنا لل َّنوَى أ َْسرَى‬ ‫وَكُ نَّا قَدْ مَ شَ ينَاهَ ا‪..‬‬ ‫الفكْ َر‬ ‫دُ روب ًا تُوقِ دُ ِ‬ ‫و َِع ْشقا فِ ي جَ وانِ ِحنَا‬ ‫بِ هِ أ َْحالمُ نَا َو َرف َْت‬ ‫َصارَتْ للدُّ جَ ى ف َْجرَا‬ ‫و َ‬ ‫ابتهاالت‬ ‫ٍ‬ ‫لك‬ ‫نت ِ‬ ‫وَكُ ُ‬ ‫الع ْطرَا‬ ‫وحيَ ِ‬ ‫نت لِ رُ ِ‬ ‫وَكُ ِ‬ ‫َقت ِمن ي َِدنَا‬ ‫َضا َع الو ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َكأَنَّا ِع ْشنَا خَ ارِ جَ هُ‬ ‫و َِصر ِْت لِ قلبيَ المَ كلومِ ؟؟ لَي ًال في دُ نَا سَ كرَى‬ ‫وَمَ ا ِشئ ُْت‬ ‫وَمَ ا ِشئ ِْت‬ ‫َنت‬ ‫وَذا قَلبِ ي وذَا أ ِ‬ ‫نَذوقُ الفَق َد وَالقَهرَا‬ ‫ألوْهَ امُ وَالذِّ كرَى‬ ‫َقت وا َ‬ ‫طَ وَانا الو ُ‬ ‫* استشاري في األمراض الجلدية والمعالجة في الليزر ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪67‬‬


‫‪ρρ‬جلني أحمد أبو اخلير معافا*‬

‫قدس قلب ُِك قد غدا أحزانا‬ ‫يا ُ‬ ‫وغدا شجون فؤادنا نيرانا‬ ‫الغريب فحلّ في أرجائها‬ ‫ُ‬ ‫وأتى‬ ‫سرق الدِّ يا َر ومزّق األوطانا‬ ‫بات الغُ زا ُة على ُسطور دمائِ نا‬ ‫الرقص واأللحانا‬ ‫َ‬ ‫يتشاركون‬ ‫بوعد جائر‬ ‫ٍ‬ ‫يا ويحَ بلفورٍ‬ ‫هدّ الديار وهدّ م األفنانا‬ ‫دعهم يموجوا في هوى طغيانهم‬ ‫سَ يُ بيدُ حكمُ إالهنا الطغيانا‬ ‫أنت ذا نجمٌ يضيء بروحنا‬ ‫ها ِ‬ ‫وهجا يلوح بأرضنا وسمانا‬ ‫ً‬ ‫وطن الرساالت العظيمةِ أعلني‬ ‫بين الشعوب محبةً وأمانا‬ ‫فعلى مآذنِ ِك القديمةِ قصةٌ‬ ‫تسقي األنام الحب واإلحسانا‬ ‫أحرف‬ ‫ٌ‬ ‫قدمت وفي يميني‬ ‫ُ‬ ‫فرسا‬ ‫ً‬ ‫وعنانا‬ ‫اليك سنابِ كا ِ‬ ‫أعدو ِ‬ ‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫سأعود والنصر المبين وقدسنا‬ ‫وجمَ انا‬ ‫وشحُ بالهدى ُ‬ ‫قلبًا يُ َّ‬ ‫ربوعك كم تألق وازدهى‬ ‫وعلى ِ‬ ‫آي النبوة ترشد الحيرانا‬ ‫أزقتك طهارة مريم‬ ‫ِ‬ ‫تكسو‬ ‫كم أذهلت بعفافها اإلنسانا‬ ‫تخطو وروح اهلل بين أكفها‬ ‫فأخرس البُهتانا‬ ‫َ‬ ‫نطق الصغير‬ ‫وولدت من رحم السماء فها هنا‬ ‫بشرٌ سما ليُ خالِ ل الرحمنا‬ ‫أحمد‬ ‫ٍ‬ ‫يا قبلتي األولى ومسرى‬ ‫أسرجت فوق فضائنا األكوانا‬ ‫ِ‬ ‫الزيتون أكتُ ب أحرفي‬ ‫ِ‬ ‫من غرسةِ‬ ‫وإليك أَسقي الروض والبستانا‬ ‫ِ‬ ‫سيظلُّ نو ُر اهلل في صلواتِ نا‬ ‫إليك يا أقصانا‬ ‫يُ هدي السال َم ِ‬ ‫الجرح في وجداننا‬ ‫وتظلُّ رغم ُ‬ ‫طيرً ا يحلِّق في السما وجنانا‬ ‫إليك قصيد ًة و محبةً‬ ‫أمضي ِ‬ ‫ووضاء ًة وسماحةً وحنانا‬ ‫* طالبة بالثانوية الثانية ضمد‪ -‬جازان ‪ -‬السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪69‬‬


‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ساؤل‬ ‫الخيال‪َ :‬ت‬ ‫■ خالد بهكلي*‬

‫فِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ءِ أَ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت َتـ ـ ـ ـأَمُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ َو َت ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ــكّ ـ ـ ـ ـ ـُ ـ ـ ــرُ‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّو ُر‬ ‫َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاؤُ ٌل ل ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل ِحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َيـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ْـحـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـف ال ـ ـ ـ َّـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َء الـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ِـعـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ َد بِ ـ ـ ــرِ قَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫ـال يُ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ــكِّ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫َو َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ أَ ْدرَا َج ال ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َقـ ـ ـ ـ ـ ــى إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى شَ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ِـق الـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــغِ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ِـب َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَبُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ًا‬ ‫أل ْكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫َو َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوذُ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّؤ َي ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَاهَ ـ ـ ـ ــا ا َ‬ ‫مُ ـ ـ ـ ْـسـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاّ لَ و َْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد‪َ ،‬يـ ـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ــوى‬ ‫ـس ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـوَى َتـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ــرُ‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـؤال هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َج ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ آمَ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫حَ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ُس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـاش فـ ـ ـ ـ ــي وَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـج َوذَابَ الـ ـ ـ ـ ُّـسـ ـ ـ ــكَّ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ َتـ ـ ـ ْلـ ـ ـ َتـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــا ُتـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غَ ـ ـ ـ ْي ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫أَ ْم أَ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪َ ،‬ك ـ ـ ـ ـ ــا ْل ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ــنَ ُأ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـق وُ ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودِ ي‪ ،‬وا ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ ي َثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْورَةٌ‬ ‫وَالـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَابِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ‪َ ،‬ي ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ َد َّبـ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ر ََّف أَرْوِ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َة ا ْلـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــى مُ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــمِّ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫َن ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم ا ْل ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ ِعـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـدَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـدَثَّ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫وأَ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـزَمَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ بِ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَامِ وَمَ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـ َلـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ َض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َع فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ِـك ال أَ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذَكَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫أسـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ِـط ـ ـ ـ ــقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوْتَ الـ ـ ـ ــرَّ ِخ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزورةٍ‬ ‫ْ‬ ‫َوأَفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـك جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ــبَ ا ْل ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ ِـب وَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز ِّر ُر‬ ‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫مَ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ فـ ـ ـ ــي كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َف ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ الـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــوى‬ ‫ـوب مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ ُر‬ ‫إِ نَّ ا ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَا َم عَ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ــى ا ْل ـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاك وخَ ـ ـ َّـص ـ ـن ـ ـ ـ ــي‬ ‫اصـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َل مَ ـ ـ ـ ــا ا ْن ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ُـت هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ْ‬ ‫َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا طَ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم إ ْي ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــانِ ـ ـ ـ ـ ــي أ ُ​ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـب‪َ ،‬وأ َْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫َاك حَ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ َقـ ـ ــةً‬ ‫أَدْمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ أَر ِ‬ ‫َاق َنـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو َِك ُتـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ــرُ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَاكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب األ َْشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِ‬ ‫َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ آمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ا ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ُْف ا ْل ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ـ ــوجُ َتـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ــرُّ َبـ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ اءُ َي ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــلُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ــاهِ َو َيـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ــرُ‬ ‫ـال وَجَ ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ أَد ِْعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ا ْل ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ــمُ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ِـن ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـس ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــاءِ يُ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ــرُ‬ ‫ـأس ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـقـ ـ ــي ال ـ ـ ـ َّنـ ـ ــدى‬ ‫هَ ـ ـ ـ ـ ــلْ أ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت لِ ـ ـ ـ ـ ــي؟ قُ ـ ـ ــول ـ ـ ــي سَ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ـش ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ْنـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ــا هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ًَى‪َ ،‬وأُعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫َو ُأ َزرْكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫َو ُأ َرو ِْشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ األ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَا َر ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ قُ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ِـب ال ـ ـ ـ ــدُّ جَ ـ ـ ـ ــى‬ ‫َاك َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ ال َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ُر‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِ‬ ‫م ـ ـ ـ ــا ِج ـ ـ ـ ـ ـ ْئـ ـ ـ ـ ـ ِـت َيـ ـ ـ ـ ـ ــا عُ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ــري خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ـ ــالَ َق ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـدَةٍ‬ ‫أَ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت اعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادٌ ‪ُ ،‬ر ْؤ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ ‪َ ،‬و َتـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ُر‬ ‫إنَّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّن ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء و َُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ِغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ـض ـ ـ ـ ـ ــى وَيُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ــفِّ ـ ـ ـ ـ ــرُ‬ ‫َو َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـب ُح ـ ـ ـ ـ ـ ــبُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مَ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪71‬‬


‫ذكرى الورد‬ ‫‪ρρ‬جناة محمد خيري*‬

‫ـك شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد َو ل ـ ـغـ ــاتـ ــي‬ ‫ت ـ ـ ـ ــرجَ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــن عـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـي ـ ـ َ‬ ‫ـاك مـ ـ ـ ــن زفـ ــرات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ح ـ ـ ـتـ ـ ــى انـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ْـت عـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ َ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ــم أس ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــعْ ن ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــانَ ع ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ َر خ ـ ـم ـ ـي ـ ـلـ ــةٍ‬ ‫ـات‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ْـت ل ـ ـ ـهـ ـ ــا ت ـ ـ ـفـ ـ ــاحـ ـ ــةُ األبـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ل ـ ـ ــم أسـ ـ ـتـ ـ ـط ـ ــعْ م ـ ـ ـح ـ ـ ـ َو الـ ـ ـ ـج ـ ـ ــوى ِم ـ ـ ـ ــن م ـق ـل ـت ــي‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذراءُ ع ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ٍـق‪ ..‬وال ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــوى غـ ـيـ ـم ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـون ل ـ ـ ـ ــهُ ِش ـ ـ ـكـ ـ ــايـ ـ ــةُ سَ ــعْ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫و َْخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ال ـ ـ ـظ ـ ـ ـنـ ـ ـ ِ‬ ‫ـض خ ـط ـي ـئ ـت ــي َكـ ـ ُـس ـ ـ َبـ ــاتِ ـ ــي‬ ‫ف ـ ــي الـ ـ ـنـ ـ ـف ـ ـ ِـس‪ ..‬ب ـ ـعـ ـ ُ‬ ‫ي ـ ـت ـ ـل ـ ـع ـ ـثـ ــمُ ال ـ ـ ـمـ ـ ــعْ ـ ـ ـ َنـ ـ ــى غ ـ ـ ـ ــوايـ ـ ـ ـ ـ َة أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ٍف‬ ‫إخ ـب ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫هَ ـ ـ ــجَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ْـت ب ـت ــأوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل بِ ـ ـ ـ ـ ــهِ ْ‬ ‫ـوامـ ـ ـش ـ ــي‬ ‫رس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ه ـ ـ ِ‬ ‫ِمـ ـ ـ ـ ــن ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورةِ اإلق ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــاءِ ْ‬ ‫ـات‬ ‫ع ـ َّل ــقْ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ــا بِ ــمَ ــامَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ الـ ـل ــوحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ق ـ ــد يـ ـسـ ـتـ ـقـ ـي ــمُ الـ ـ ـ ِّـظـ ـ ــلُّ ل ـ ــو عَ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ َم ال ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَى‬ ‫أ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ــعُ ـ ـ ــودِ ال ـ ـ ـظـ ـ ــلِّ حَ ـ ـ ـ ـ ـ ــذْ َو ُس ــرات ـ ـِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـس خ ــري ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫ـوط ال ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ِّـب ُلـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ُ‬ ‫قـ ـ ــالـ ـ ــوا ُخـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـاسـ ـ ــوا بـ ـه ــا ف ـ ــي ال ـ ــمُ ـ ـ ـ ْر َت ـ ــجَ ـ ــى خَ ـ ْي ــبِ ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫قـ ـ ـ ُ‬ ‫ن ـ ـ ـ ــازعْ ـ ـ ـ ـ ُـت م ـ ـ ـ ـ ــو َج الـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ـ ِـل مُ ـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـرَعَ ـ ـ ـ ـ َة ال ـ ـ ـه ـ ـ ـوَى‬ ‫ـراغ ـ ـ ـ ــهِ آه ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫َو َرشـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـ ـيـ ــن ف ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫حَ ـ ـ ـ ــدَّ قْ ـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ــي تـ ـ ـل ـ ــوي ـ ـ ِـح ُبـ ـ ـقـ ـ ـع ـ ــةِ حَ ـ ـيـ ـ ـ ْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَتِ ــي‬ ‫ـات‬ ‫ض ـ َّـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ب ـ ـهـ ــا حـ ـ ــمَّ ـ ـ ــالـ ـ ــةُ الـ ـغ ــاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫إ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـل ـ ــى َض ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ ال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــرقُّ ـ ـ ـ ـ ِـب فـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرةٌ‬ ‫ـامـ ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـج ـ ـ ـتـ ـ ــرُّ هـ ـ ــا آيـ ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫بـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات خ ـي ـم ـ َت ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ولـ ـ ــنْ‬ ‫لـ ـ ـ ــنْ ت ـ ـ ـ ـرْحَ ـ ـ ـ ــلَ ال ـ ـ ــرَّ عَ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـس الـ ـع ــاشـ ـقـ ـي ــن ِجـ ـه ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي!‬ ‫تـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َعـ ـ ــى‪َ ..‬وه ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـس ُخ ــراف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫فـ ـ ــأنـ ـ ــا هُ ـ ـ ـنـ ـ ــا ل ـ ـلـ ـ ُّـص ـ ـبـ ـ ِـح ش ـ ـ ـمـ ـ ـ ُ‬ ‫وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هُ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا ل ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ـ ِـل ب ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُر ُرف ــات ـ ـِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـرب يـ ـ ـ ـ ـرْحَ ـ ـ ـ ــمُ ح ـ ــالـ ـ ـت ـ ــي ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرِ ُّق ل ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ال ال ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ال الـ ـ ـ ُب ـ ــعْ ـ ــدُ يُ ـ ـ ْـط ـ ـ ِـف ـ ــيْ نـ ـ ـ ــا َر سَ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـي ش ـت ــاتـ ـِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي!‬ ‫يـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـ ـ ــتَ يـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ــلَّ الـ ـ ــمُ ـ ـ ـنـ ـ ــى فـ ـ ـ ــي م ـه ـج ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـك وت ـ ـن ـ ـث ـ ـنـ ــي مَ ـ ـرْسَ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ــو إل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َ‬ ‫يـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـص ـ ـ ــةً غ ـ ـ ـن ـ ـ ـيـ ـ ـ ُـت سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َد خـ ـي ــالِ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أي ـ ـ ـ ــن ا َّتـ ــجَ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ف ـ ـ ــأن ـ ـ ــتَ ل ـ ـ ـ ــيْ ِمـ ـرْآت ـ ـِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ظ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ــي وَحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِّْي غُ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي وإق ـ ــامَ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫فـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـتَ أج ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلُ قِـ ـ ـ ـصـَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةٍ بـ ـحـ ـي ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫* شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪73‬‬


‫اي‬ ‫َج ْف َل ُة النّ ِ‬ ‫‪ρρ‬إبراهيم مدخلي*‬

‫َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ َيـ ـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ول ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــنْ أرب ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـهْ!‬ ‫َق ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــت حـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي َوأَ ْودَت ب ـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـهْ!‬ ‫ـاي وإنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُر الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوى‬ ‫جـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـةْ!‬ ‫ـاق مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ اش ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزلْ يـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــو ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن قـ ـ ـ ـس ـ ـ ــوت ـ ـ ــه‬ ‫وحـ ـ ـ ـ ـ ــي مُ ـ ـ ــمْ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـهْ!‬ ‫عُ ـ ـ ـ ـ ـ ْز َل ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارتْ لِ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ِ‬ ‫َو َكـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــزنَ ح ـ ـ ـتـ ـ ــى اس ـ ـت ـ ـف ـ ـح ـ ـلـ ــت‬ ‫مـ ـ ـ ـن ـ ـ ــهُ ف ـ ـ ـ ــي أنـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــاء ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدري َق ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـةْ!‬ ‫َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َم دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعٌ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ــا اله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬ ‫ذِ ْئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ يـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــوي عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ــن ج ـ ـ ـ ـ ـ ـوّعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـهْ!‬ ‫ـروق مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع‪ ..‬ودمٌ‬ ‫وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـوف مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـ ـ ـرَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـةْ!‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٍـب وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫لـ ـ ـ ـي ـ ـ ــتَ م ـ ـ ـ ــن أَ ْودَى ب ـ ـقـ ـ ـلـ ـ ـب ـ ــي ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـهـ ـ ــوى‬ ‫م ـ ـ ـث ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ــد سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـل قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي أرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫يـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــابَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــورِ يـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ال ـ ـ ـ ّـسـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ــا أزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز ال ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــرِ يـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ــدعَ ـ ـ ـ ـ ـ ْة‬ ‫ـس اتـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــاه ـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــرٌ‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ده ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أل ـ ـ ـحـ ـ ــانـ ـ ــي وض ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـةْ؟‬ ‫أح ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــي آه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ب ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــلٌ‬ ‫ـازف مـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهْ!‬ ‫نـــــــــــ ٌ‬ ‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ال ت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــاجـ ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا إن لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـك ـ ــن‬ ‫مُ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ًا أو جـ ـ ـئ ـ ــت ُتـ ـ ـ ـ ـ ْـسـ ـ ـ ـ ـ ِـدي م ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ َع ـ ـ ـةْ!‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـب زارن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـض ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـهْ!‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ــي ج ـ ـ ـ ــراح ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاس ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ َ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫جـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء م ـ ـ ـ ـ ــن أَ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك اح ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــراقـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ًـا‬ ‫قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــيَ ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــا َع عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ل ـ ـ ـ ـ ـ ـوّعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـهْ؟‬

‫ـاك األسـ ـ ـ ـ ـ ــى‬ ‫ال ُتـ ـ ـ ـ ـ ــرِ يـ ـ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوض ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫ـأس وغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر مـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫واه ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ك ـ ـ ـ ــم س ـ ـ ـ ــأل ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر يُ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ِـطـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َر ُه‬ ‫ول ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــرِ ت ـ ـ ـم ـ ـ ـضـ ـ ــي مُ ـ ـ ـ ـ ـ ْـسـ ـ ـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ْة‬ ‫لـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي أل ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــى وسـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا حـ ـ ـ ـ ـ ــاذق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫يـ ـ ـلـ ـ ـتـ ـ ـق ـ ــي دهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا كـ ـ ـ ـ ــي يُ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـهْ!‬ ‫ذاتَ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـب أخ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي رحـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي‬ ‫أن درب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ل ـ ـ ـ ـ ـ ــن أَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْه‬ ‫وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـث ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ــا‬ ‫أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةْ!‬ ‫مـ ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي ج ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــرٌ وح ـ ـ ـ ـ ــزن ـ ـ ـ ـ ــي ْ‬ ‫ـات مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــه ك ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ــا‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫الح لـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٌـث َنـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ــي َز ْو َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْة‬ ‫ـارات وم ـ ـ ـ ــا‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــوُ انـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـات ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـب مُ ـ ـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـةْ!‬ ‫خ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــه آه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـص ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫م ـ ـنـ ــك ألـ ـ ـق ـ ــى الـ ـ ـطـ ـ ـح ـ ــنَ دُ ونَ الـ ــجَ ـ ــعْ ـ ــجَ ـ ـ َع ـ ـ ْة‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى ن ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــف انـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــاري وال ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــوى‬ ‫ـرف ال ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَمّ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـط ـ ـل ـ ـ َع ـ ـ ْه‬ ‫ع ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ــقَ ال ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـي س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ي ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫فَـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوْقَ دن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــا ويـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـق ـ ـ ــى مَ ـ ـ ـ ـ ـصْ ـ ـ ـ ـ ـرَعَ ـ ـ ـ ـ ـهْ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪75‬‬


‫‪ρρ‬خلف الشايف*‬

‫م ّر في عيني كثيرات نساء‪..‬‬ ‫انحنى منهن بعض‪..‬‬ ‫وانثنى منهن بعض‪..‬‬ ‫وازدرى منهن بعض‪ ..‬وتمنى بعضهن‪ ..‬وتمادى بعضهن‪..‬‬ ‫كنت أخشى كل شيء‪..‬‬ ‫كل شيء‪..‬‬ ‫م ّر من دهري كثير‪..‬‬ ‫لم يجل في خاطري منهن شيء‪..‬‬ ‫كلهن في ظالم الذكريات نكرات‪..‬‬ ‫***‬

‫أنجب الدهر على مرّ الليالي دانتي‪..‬‬ ‫لم تكن من عادتي‪..‬‬ ‫بيد أن القلب يصبو لزمانات تولت‪..‬‬ ‫غير أن الهمس يحلو‪..‬‬ ‫إن بدت أو في ليلي تجلت‪..‬‬ ‫دانتي أنت‪..‬‬ ‫فَدومي دانتي‪..‬‬ ‫ليت أني نومك الهادي‪..‬‬ ‫فأغدو ساكنا في مقلتيك‪..‬‬ ‫علميني‪..‬‬ ‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫كيف لي أن أشحذ ليلي بعض راحة‪..‬‬ ‫أو يمرُّ الوقت مني دونما يشكو جراحه‪..‬‬ ‫جف ليلي في جفوني‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫حيث أنت صرت ليلي‪..‬‬ ‫اعتقيني‬ ‫ال تلومي كل سخف كان مني‪..‬‬ ‫إنْ عبارة‪..‬‬ ‫أو تصاوير وتوحي باإلشارة‪..‬‬ ‫أو أقاصيص صغيرة زادها سخفي حقارة‪..‬‬ ‫صدقيني‪..‬‬ ‫لم تكن يوما إليك‪..‬‬ ‫إنما فيك وجدت مأمنا‪..‬‬ ‫غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب كثيرا‪..‬‬ ‫فاستبحت بوح نفسي‪..‬‬ ‫ال لشيء‪..‬‬ ‫بل ألني فيك‪..‬‬ ‫قد عاهدت نفسي‪..‬‬ ‫* الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪77‬‬


‫على قيد حلم‬ ‫‪ρρ‬خديجة إبراهيم*‬

‫عطرٌ هنا ‪،‬‬ ‫وقلب مسكوب هناك‪..‬‬ ‫كقنينةٍ أَفرغَ ها الحنين شغف ًا‬ ‫مطرٌ يَمُ وج بروحي‬ ‫يُ بقيني على قيد الحلم‪ ،‬والتنفس‪.‬‬ ‫وشوشات الزهر‬ ‫تنبئ العطر المحمول بطياتها‬ ‫بأن األحالم ما زالت تمهد لقلبي الدروب‪!..‬‬ ‫الرّؤى في مدى الوَجد يكْ ُسوها السراب‬ ‫ُ‬ ‫ومطر يراوغ الطلّ ‪ ..‬يَرقُ ص على ال َنّوافذ‪ ..‬وفوق سور الشرفات‪..‬‬ ‫وقِ رميدٌ يُ ِبلّل شَ فتيه ويبتسم‪!..‬‬ ‫شَ ِق ٌ ّي كَأنْت‪!..‬‬ ‫من مكانك أراك وكرسيك الذي ملّ االنتظار‪..‬‬ ‫وقَهوتك ُترَاقصها انْفاسك‪!..‬‬ ‫ترقب النسمات حين العبور‪!..‬‬ ‫يقظَ ةُ األشياء حَ ولك‬ ‫تُمَ ِ ّهد لتوغّ لها بك وأكثر‪.‬‬ ‫مطر هنا‪..‬‬ ‫وال َغرْقى ال يَتحَ ّ َدثُ ون‪!..‬‬ ‫الجريدة‬

‫وأنت تقرأ الجريدة‬ ‫اقرأني في صفحة الوفيات‬ ‫امرأة ماتت ومن أجل قصيدة‪!..‬‬ ‫وأنت تقرأ الجريدة‪ ..‬أيهما يسبق إلى شفتيك‬ ‫سيجارتك أم قهوتك!؟‬ ‫كالهما يتنافسان في تقبيلها‪..‬‬ ‫ودعني في جيب الحقيقة؛‬ ‫ففيك اكتمالي‬ ‫وحبك وحده كل الحقيقة؛‬ ‫دعني أقول للعالمين‬ ‫ال شيء أجمل حين تقرأني عيونك‪..‬‬ ‫وأنت خلف الجريدة‪!..‬‬ ‫* شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫‪ρρ‬عمرين محمد عريشي*‬

‫ـاك ب ـ ـ ـث ـ ـ ـغـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــب أقـ ـ ـ ــداحـ ـ ـ ــا‬ ‫صـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وامـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــي هـ ـ ـ ـم ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ًا وأح ـ ـ ـ ـ ـ ــزانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وأت ـ ـ ـ ــراح ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـش‬ ‫ـاك ف ـ ـ ـ ــإن ـ ـ ـ ــي ظ ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ـ ٌـئ ع ـ ـ ـطـ ـ ـ ٌ‬ ‫صـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫أرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو س ـ ـ ـحـ ـ ــائـ ـ ــب وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل بـ ـ ــال ـ ـ ـس ـ ـ ـمـ ـ ــا الحـ ـ ــا‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــرق الـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـي ـ ـ ــم ل ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـه ـ ـ ـطـ ـ ــل ب ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـطـ ـ ــرٌ‬ ‫َو ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـت ـ ـص ـ ـحـ ــر ع ـ ـ ــن عـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــيَّ م ـ ـ ــا انـ ـ ــزاحـ ـ ــا‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَّ بـ ـ ـ ـ ــوصـ ـ ـ ـ ـ ٍـل مـ ـ ـ ـن ـ ـ ــك يـ ـنـ ـعـ ـشـ ـن ــي‬ ‫مـ ـ ـ ــا راح يـ ـ ـ ــا روح روح ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ــالـ ـ ـجـ ـ ـف ـ ــا راحـ ـ ـ ــا‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ كـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـج ـ ـ ــرٍ جـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء م ـ ـن ـ ـت ـ ـش ـ ـي ـ ـ ًا‬ ‫ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـف ـ ـ ــل بـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــورد بـ ـ ــال ـ ـ ـن ـ ـ ـسـ ـ ــريـ ـ ــن ف ـ ـ ــواح ـ ـ ــا‬ ‫أو م ـ ـ ـثـ ـ ــل طـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرٍ م ـ ـ ـ ــع األن ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــام م ـ ــرتـ ـ ـح ـ ـ ًـا‬ ‫عـ ـ ـ ـن ـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــروق وبـ ـ ـ ـ ــاألل ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــان ص ـ ـ ــداح ـ ـ ــا‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ف ـ ـ ـم ـ ـ ـنـ ـ ــذ الـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـج ـ ـ ــر فـ ــات ـ ـن ـ ـتـ ــي‬ ‫وال ـ ـ ـق ـ ـ ـلـ ـ ــب ب ـ ـ ـعـ ـ ــدك ي ـ ـ ــا حـ ـ ـسـ ـ ـن ـ ــاء م ـ ـ ــا ارتـ ـ ــاحـ ـ ــا‬ ‫مـ ـ ـ ـ ــا ذاق بـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدك يـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاء عـ ـ ــاف ـ ـ ـيـ ـ ــةً‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــزق ال ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــب ب ـ ـ ـ ـ ــاألشـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــان نـ ـ ـ ــواحـ ـ ـ ــا‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ب ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــذب ال ـ ـ ـ ــوص ـ ـ ـ ــل فـ ــات ـ ـن ـ ـتـ ــي‬ ‫ـاك ب ـ ـ ـث ـ ـ ـغـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــب أقـ ـ ـ ــداحـ ـ ـ ــا‬ ‫صـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪79‬‬


‫«الجوف» دار األكرمين‬ ‫‪ρρ‬مالك اخلالدي*‬

‫أمي تقولُ بأن ليل العاشقين هنا طويل‪..‬‬ ‫تعيش في األذهان‬ ‫ُ‬ ‫وبأن ألوان الجمال‬ ‫من بين السنين‪..‬‬ ‫وبأن زيتوني تخبئهُ العيون المتعبة‬ ‫و تفيضهُ كالدمع‪ ..‬كالهتان‬ ‫كالنبض الدفين‪..‬‬ ‫****‬

‫األرض يشبهنا جميعا‬ ‫ِ‬ ‫أمي تقولُ بأن وجه‬ ‫و بأن ما َء األرض يسري في عروق األوفياء‬ ‫لنرتوي منها جميعا‬ ‫وبأن نبض األرض يجمعنا فتعزفنا الربى‬ ‫عشق ًا يلملمنا جميعا!‬ ‫****‬

‫أمي تقولُ بأن هذي األرض تمضي كالرباب‬ ‫إذا تندّ ى فارتوت منه الفيافي‬ ‫و الهضاب‪..‬‬ ‫مثل الدالء إذا أتت من بعد صبر‬ ‫بددت غيّ اليباب!‬ ‫***‬

‫أمي تقولُ بأن هذي األرض‬ ‫أجمل قافية‪..‬‬ ‫و بأن كل الناس فيها مترفون بحبها‬ ‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫أرواحهم شمس‬ ‫و أيديهم خشونتها عطاء‬ ‫هم للتراب توسدوا‬ ‫هم للنخيل تهيأوا‬ ‫يمضون مع أمل الصباح‬ ‫يُ مَ وْسقون الشعر‪..‬‬ ‫في األيدي تغردُ سانية‬ ‫أمي تقول بأنهم شعراءُ‬ ‫أبناء هذي األرض‬ ‫يحتفلون بزيتهم‪ ..‬زيتونهم‬ ‫بحلوَتيْها‪...‬‬ ‫و ُ‬ ‫ماؤها وثمار نخلتنا عماد حياتنا‪.‬‬ ‫أمي تقول بأنهم شعراءُ‬ ‫ما أحلى عذوبتهم وألطف شعرهم‬ ‫إني ألعشقهم وأعشق حرفهم!‬ ‫***‬

‫أهلي الكرام ونخوة الروح العميق بداخلي‬ ‫هم أضلعي‬ ‫ريح البخور‪ ..‬وخبز أمي‬ ‫زيتونها وبريق قهوتها‬ ‫صوت الحنان‪ ..‬هنا تمادى‬ ‫«الجوف» دار األكرمين‪..‬‬ ‫عشقنا‪..‬‬ ‫بها ومنها ْ‬ ‫ستظل جوف اآلمنين‪..‬‬ ‫* شاعرة وقاصة من الجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪81‬‬


‫دغ َد ُ‬ ‫غة َ‬ ‫الخ ْشف‬ ‫ْ‬ ‫‪ρρ‬محمد جابر بقار مدخلي*‬

‫ـات ال ـ ـ ـح ـ ـ ـب ـ ـ ـيـ ـ ــب فـ ـ ـس ـ ــرن ـ ــي‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ُـت آهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ٌـن م ـ ـ ـ ــن األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوات يـ ـ ـعـ ـ ـل ـ ــو ويـ ـ ـصـ ـ ـخ ـ ـ ُـب‬ ‫ُص ـ ـ ـ ــغِ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـل ـ ـ ـي ـ ـ ـ ًا ث ـ ـ ـ ـ ــم أ ُْطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقَ ت ـ ـ ـ ـ ــار ًة‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـأ ْ‬ ‫ـرب‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــلَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ُه ي ـ ـ ــدن ـ ـ ــو ويـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ُ‬ ‫وإنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــرونـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا ُه ِهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْةٌ‬ ‫أل ـ ـ ـم ـ ـ ـلـ ـ ــمُ أش ـ ـ ـ ــواق ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـمـ ـ ــا ال ـ ـ ـغ ـ ـ ـصـ ـ ــنُ ي ـ ـل ـ ـعـ ـ ُـب‬ ‫أروحُ وأغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ف ـ ـ ـ ـ ــي ض ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاء ب ـ ــري ـ ـ ِـقـ ـ ـ َه ـ ــا‬ ‫ـضـ ـ ُـب‬ ‫ـرب َتـ ــغْ ـ ـ َ‬ ‫ف ـ ـتـ ــرتـ ــاعُ م ـ ــن ُب ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـدي وف ـ ـ ــي ال ـ ـ ـقـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاحـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ــا ُه هـ ـ ــل لـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ــز ْورَةٍ‬ ‫لِ ـ ـ ــمَ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـهـ ـ ـ ْـجـ ـ ــرُ ي ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـذب‬ ‫أط ـ ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ُـب فـ ـ ـيـ ـ ـه ـ ــا ال ـ ـ ـن ـ ـ ـفـ ـ ــس‪ ،‬إن ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـع ـ ـ ُ‬ ‫ف ـ ـ ــا الـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ــنُ واألخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق أ ْرض ـ ـ ـ ـ ـ ــت ح ـب ـي ـب ـت ــي‬ ‫وال ال ـ ـ ـع ـ ـ ـشـ ـ ــقُ واألشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواق ع ـ ـ ـنـ ـ ــي س ـ ـتـ ــذهـ ـ ُـب‬ ‫َتـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ــا َل ـ ـ ــيْ إل ـ ـ ـ ـ ــى حـ ـضـ ـن ــي لِ ـ ـ ـ َتـ ـ ــهْ ـ ـ ـن ـ ـ ـأَ ح ــالـ ـت ــي‬ ‫فـ ـ ــا ال ـ ـب ـ ـعـ ــد يُ ـ ـ ْرض ـ ـي ـ ـنـ ــي وال ال ـ ـ ـحـ ـ ـ ُـب َي ـ ـت ـ ـ َعـ ـ ُـب‬ ‫ـدي مـ ـ ـ ـ ـ ــن اآلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال كـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــزٌ َي ـ ـ ــزُ فُ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ‬ ‫وصـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا قـ ـ ـلـ ـ ـب ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرومُ وي ـ ـ ــرغ ـ ـ ـ ُـب‬ ‫إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى ْ‬ ‫ُضـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا لـ ـعـ ـلـ ـن ــي‬ ‫أَفِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـض ـ ـ ــي إل ـ ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ــأس ـ ـ ــي ر َ‬ ‫ُأدَغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدغُ َلـ ـ ـ ــذْ اتـ ـ ـ ــي كـ ـ ـم ـ ــا الـ ـ ـخ ـ ـ ْـش ـ ـ ُـف يُ ـ ـ ـ ـرْعَ ـ ـ ـ ُـب‬ ‫ف ـ ـ ـه ـ ـ ـي ـ ـ ـهـ ـ ــاتَ أن أرضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـد َِك ب ـ ـعـ ــدمـ ــا‬ ‫ـدب‬ ‫َت ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــرعْ ـ ـ ـ ـ ُـت ِه ـ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ـ ـرَانـ ـ ـ ـ ـ ًا مـ ـ ـ ــع الـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ــل أنـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫د َِع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كُ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ كِ ـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ــرٍ ق ـ ـ ـ ــد يُ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ِّـطـ ـ ــن ُحـ ـ ـ َبـ ـ ـ َن ـ ــا‬ ‫ف ـ ـق ـ ـل ـ ـبـ ــي ره ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٌـن ع ـ ـ ـنـ ـ ــد ق ـ ـ ـلـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ِـك ي ـ ـ ْنـ ــحَ ـ ـ ُـب‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫عـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــرٌ عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى عـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــرٍ قـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدي يـ ـ ـعـ ـ ـب ـ ــقُ‬ ‫ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــىً ي ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــوغُ وح ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــةً يـ ـ ـ ـت ـ ـ ــدف ـ ـ ــقُ‬ ‫أمـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ــهُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا ل ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــرقَ ب ـ ـ ـه ـ ـ ـجـ ـ ــةً‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــدقُ مـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـحـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـع ـ ـ ــورِ يُ ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ــرِ قُ‬ ‫ضـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ّتـ ـ ـ ـ ــهُ مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ًا وعـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ــر م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودةٍ‬ ‫وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُت ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َج مـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد يـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ــاش ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا ع ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــي إل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــك قـ ـ ـصـ ـ ـي ـ ــدت ـ ــي‬ ‫ُتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــدي الـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــواب وب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ــةِ ت ـ ـن ـ ـطـ ــقُ‬ ‫ـرت فـ ـ ـ ــي ُل ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ِـج الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـي ـ ـ ــاةِ ولـ ـ ـ ـ ــم يـ ــكُ ـ ــن‬ ‫أبـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــدي سـ ـ ـ ـ ـ ــوى ش ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــرٍ بـ ـ ــإس ـ ـ ـمـ ـ ــي يُ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــرِ قُ‬ ‫يـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ــازف األنـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ــام فـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ِـق ال ـ ـ ــدُ ج ـ ـ ــى‬ ‫أذك ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــتَ جـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــر ًا ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـح ـ ـ ــرِ قُ‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـا نـ ـ ـ ـ ــأيـ ـ ـ ـ ــتَ هـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاك عـ ـ ـ ـ ــزفُ ـ ـ ـ ـ ــك مُ ـ ـت ـ ـع ـ ـبـ ــي‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أللـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــان الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ال أعـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــقُ‬ ‫ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ ال ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــوى يـ ـ ـ ـ ــا ص ـ ـ ـ ـ ـ ــاح قـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ّزقـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ُـت ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّورُعٍ ال يُ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــرقُ‬ ‫ف ـ ـ ـ ــارح ـ ـ ـ ــل ب ـ ـ ـعـ ـ ــزفـ ـ ــك ع ـ ـ ـ ــن ك ـ ـ ــري ـ ـ ــم م ـ ـسـ ــام ـ ـعـ ــي‬ ‫ـك تـ ـ ـط ـ ــرقُ‬ ‫ال تـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ِـظ األش ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــان‪ .‬ح ـ ـ ـس ـ ـ ـ ُبـ ـ ـ َ‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــذا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدانُ يـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــدأ ل ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُلـ ـ ــهُ‬ ‫ـك ل ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــدوءِ يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ِـرّقُ‬ ‫وضـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـي ـ ـ ــجُ ع ـ ـ ـ ـ ــزفِ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫أ ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراك بـ ـ ـ ــاألل ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــان ت ـ ـ ـخ ـ ـ ـطـ ـ ـ ُـف مـ ـهـ ـجـ ـت ــي‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــوجُ فـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــرام و ُتـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــرِ قُ‬ ‫ـك ك ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــاءِ أخـ ـ ـ ـ ـ ــا ُلـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ا ف ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ُنـ ـ ـ ـ َ‬ ‫كــــــــ ّ‬ ‫ف ـ ـ ــالـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ُـب عـ ـ ـ ـ ــن لـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــو األغ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــي مُ ـ ـ ـغ ـ ـ ـلـ ـ ــقُ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫‪ρρ‬جناة املاجد*‬

‫* شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪83‬‬


‫ما أعجل الموت!!‬ ‫إلى روح أخي الغالي ‪ /‬أحمد يحي داحش (يرحمه اهلل)‬ ‫‪ρρ‬موسى الشافعي*‬

‫اصـطَ ـفَـى َقــمَ ـرَا‬ ‫َلـ ْو َكــان لِ ـلـمَ ـو ِْت َق ـل ٌْـب‪ ..‬مَ ــا ْ‬ ‫ـك‪..‬‬ ‫اسـتَـحَ ـى ِم ـ ْنـ َ‬ ‫و ال ْ‬ ‫ْـض‪ ..‬واْعْ ـ َت ـ َذرَا!!‬ ‫ِحـيـنَ الـقَـب ِ‬ ‫َل ـ ْو َكــانَ للـمَ ـو ِْت َق ـ ْلـ ٌـب‪ ..‬مَ ــا أرَاقَ دَمَ ـ ـ ًا‬ ‫ِمـنْ مُ ـهْ ـجَ ــةٍ‬ ‫ال حَ ــجَ ـرَا !!‬ ‫َلـمْ َتــكُ ـنْ َصـ ْـخـراً‪ ..‬و َ‬ ‫َلـ ْو َلــمْ أكُ ــنْ مُ ـؤ ِْم ـن ـ ًا باهلل‪ ..‬مُ ْـحـت َِـس ـب ـ ًا‬ ‫ـاك‪..‬‬ ‫َلــكُ ـن ُْـت أ َوّلَ مَ ــنْ وا َفـ َ‬ ‫مُ ـنْـتِ ِـح ـرَا !!‬ ‫َلــمْ َي ـبْـقَ ِش ـبْـرٌ ِمـنَ ال ُّـد ْن ـ َيـا مَ ـ َررْتَ بِ ــهِ‬ ‫ال َو ذابَ‬ ‫إ َّ‬ ‫ِمـن الـ َتّـودِ ي ِـع و ْانْـفَـطَ ـرا!!‬ ‫ْض دَاسَ ـهَـا َبــشَ ــرٌ‬ ‫َلـمْ َتـبْـقَ بُـقْ ـعَـةُ أَر ٍ‬ ‫َـت‬ ‫ّ َإل ا ْ​ْشـتَـه ْ‬ ‫أَ ّ َنــهُ فِ ـي جَ ـوفِ ـهَـا قُ ــبِ ـرَا !!‬ ‫رَحَ ـلْـت‪..‬‬ ‫ـاف َلــمْ َت ـ َر َنـا‬ ‫ْصـ ِ‬ ‫ألو َ‬ ‫ـامـلَ ا َ‬ ‫َيـا َكـ ِ‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫َو َن ْـحـنُ َن ْـسـكُ ُـب‪..‬‬ ‫ِمــنْ أعْ ـمَ ـاقِ ـنـا الـمَ ـطَ ـ َرا !!‬ ‫اخـ َتــا َر ِطـيـن ـَ َتــهُ‬ ‫مَ ــا أعْ ـجَ ـلَ الـمَ ـوْتَ ِحــينَ ْ‬ ‫ـط َبــعْ ـدُ ‪..‬‬ ‫َلــمْ َيلْـت َِـقـ ْ‬ ‫فِ ـي ِع ْـشـرِ يــنِ ـهِ ُص ـ َورَا!!‬ ‫ـاس‪..‬‬ ‫يا أكْـ َر َم ال ّ َنـ ِ‬ ‫أل َنــامِ‬ ‫يا أبْـهَـى ا َ‬ ‫ـض ـ َرا!!‬ ‫َـاس مَ ـنْ حَ ـ َ‬ ‫َو َيــا أَر ّ َ​َق مَ ــنْ غَ ــابَ فِ ـي أنْـف ِ‬ ‫أسـ َلــمْ ـتَ للْـمَ ـو ِْت رُوحـ ـ ًا َكــيْ ُت ـع َِـلّـمَ ـ َنــا‬ ‫ْ‬ ‫أنْ َن ْـحـمَ ـ َد اهللَ‪..‬‬ ‫َل أنْ َنـ ْـشـتُ ـ َم القَـ َدرَا !!‬ ‫ـك أ َْحــرُ فُ ــهُ‬ ‫َك كَـيْ َتـرْثِ ـي َ‬ ‫ال ِشــعْ ـ َر َبــعْ ـد َ‬ ‫إذَا رَحَ ـ ْلــتَ ‪..‬‬ ‫فَـمَ ـاذَا َيـكْ ـتُ ُـب ال ُّـشـعَـرَا؟؟‬ ‫ـاك ال ُّـت ـرْبَ مُ ــعْ ـتَـرِ ف ـ ًا‬ ‫أَهَ ـل ُْـت فَـوْقَ َبـ َهـ َ‬ ‫بِ ـأَ َنّـنِ ـي َقــدْ َدفَـن ُْـت ال ّ َـشـمْ ـس‬ ‫َو الـقَـمَ ـرَا!!‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪85‬‬


‫الس َح ُر‬ ‫َّ‬ ‫‪ρρ‬نوره عبيري*‬

‫السم بمزاج‬ ‫شربت ُ‬ ‫ُ‬ ‫كوبك‬ ‫حينَ خدعوك ألحمي‬ ‫قتلك‬ ‫ما الذي يُ جدي ألَحرس به‬ ‫قلبك‬ ‫َقلّب نورك‬ ‫فوق جمر ليلك‬ ‫لتخرج من مقابر النور‬ ‫رمادك‬ ‫فعلت‬ ‫ُ‬ ‫أفَعلتَ ذاك كما‬ ‫أنا ألجلك!؟‬ ‫أنا لست بصير ًة تهتدي للعمى‬ ‫لتبقى واضحة العتمة‬ ‫بليلك‪..‬‬ ‫جالس‬ ‫ُ‬ ‫بين الغسق والشفق أنا سَ حرُ‬ ‫على غرور عرش فجرٍ ‪..‬‬ ‫ليس فجرك‬ ‫أنا كل المطر الذي عبر بأزمنتك‪..‬‬ ‫وأنت ما ترفقت‬ ‫أن تحدق بالسماء لترفق بغيمة‬ ‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫لتشكرها بأنها هي من‬ ‫مألت بحرك!‬ ‫فسيحة المدى تزغرد‬ ‫وأنت شحيحُ !!‬ ‫تحبس في جفاف الشواطئ‬ ‫ُ‬ ‫وصل مراكبك‪..‬‬ ‫تنزف ألف تنهيد ًة من المد والجزر‬ ‫وأنت كريم الصفع‪..‬‬ ‫تسحب‬ ‫من تحت تالطم رياحها‬ ‫يدك‬ ‫كلما خللت أصابعها‬ ‫بين خيوط الغسق تزيد‬ ‫كثيب من ِخ َضاب أصابعك‬ ‫هي السحر‪..‬‬ ‫مبجلُ يتنامى بين الشفق والغسق‬ ‫صبحُ بعمى البصيرة‬ ‫ال تصافح صفعها‬ ‫كريمةُ‬ ‫ال مساحة بين أصابعها الصغيرة‬ ‫تليق بقطع يدك‬ ‫لملم بقايا الغسق‬ ‫َّسحَ رُ هي مبجلً على غرور عرش فجر‬ ‫ليس فجرك‬ ‫على غرور عرش فجر‪..‬‬ ‫ليس فجرك‬ ‫* شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪87‬‬


‫‪ρρ‬نوير العتيبي*‬

‫ما اليقين؟‬

‫بيني وبينك سفر وأبجدية خرساء‬ ‫وراحلة ال تملك حق المسير‪..‬‬ ‫بيني وبينك سفر وصمت‬ ‫وراحلة بال قرى‬ ‫أتعبها الترقب للمصير‬ ‫تنبت في حقل البعد قصيدتي‬ ‫كأنها تنادي دون صوت‬ ‫ننتظر‪..‬‬ ‫والمسافة أغنية‬ ‫محبوسة في حناجر بكماء‬

‫أنا يا سيد المزمار‬ ‫صوت الشجن في مزمارك‬ ‫والعمر الطري مَ وّال لم تفتأ تغنيه‬ ‫على بعد موت ولقاء‬ ‫كنا نقاوم االختالف‪..‬‬ ‫ونزيح كدر الحياة بـ االئتالف‬ ‫كي نربح الوطن‬ ‫مضيت‪..‬‬ ‫تركت للحياة الظنون‬ ‫ولي مقام اليقين‬ ‫كنت أمسك بأطراف السؤال‬ ‫باستفهام عصيّ يتسرب بين يدي‪ ..‬يهز سحب اليقين‬ ‫يه ّز سحب اليقين‬ ‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫قل لي ما اليقين؟‬ ‫أحجية أو شيء هالمي‪..‬‬ ‫أم كنته أنت؟‬ ‫و أنت ما كنت سوى الشك‪..‬‬ ‫والوعد الظنين!‬ ‫يشاغب الحلم عيني‬ ‫تموت االحتماالت‬ ‫وأرقب لحظة االنكشاف‬ ‫فيطوي القلق‬ ‫حلو الحياة‬ ‫وتعود أنت كـالوِ زر المقيم‬ ‫ما اليقين؟‬ ‫أتراه السبيل؟‬ ‫هب لي سبي ًال إليك‬ ‫ألزرع سنابل الكالم‬ ‫ألحرر حنجرة مات صوتها في خنادق االمتثال‬ ‫قل لي‪..‬‬ ‫ليكون منتهاه إليك اذا ما بدا‪..‬‬ ‫وجل قلبك؟‬ ‫أيخشى كفر السؤال؟‬ ‫أكان شقيا حين أفصح نبضه بالعشق دون جواب؟‬ ‫ما اليقين؟‬ ‫غائم هذا السؤال‬ ‫والدنيا كلها شك مقيم‬ ‫وفي قلبي وتر حالم‬ ‫فاعزف إن كنت تملك الجواب‬ ‫أو تملك الحق المبين‪..‬‬ ‫* شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪89‬‬


‫ُ‬ ‫المشترك‬ ‫قصة‬ ‫ِ‬ ‫الفناء ُ‬ ‫الكاتبة ميراندا جوالي‬

‫■ ترجمة‪ :‬إميان الغامدي*‬

‫على الرغم من أن األمــر حــدث وهــو فاقد الوعي‪ ،‬إال أنــه ما يــزال يؤخذ بعين‬ ‫االعتبار‪ .‬بل إن األمــر يحتسب على نحو مضاعف في تلك الحالة‪ ،‬ألن العقل‬ ‫الواعي يرتكب األخطاء في بعض األحيان‪ ،‬ويقع في غرام الشخص الخطأ‪ .‬لكن‬ ‫هناك في أعماق البئر‪ ،‬حيث الظلمة والمياه من ألف عام‪ ،‬ال يمتلك اإلنسان أي‬ ‫سبب الرتكاب األخطاء‪ .‬اإلله يقول افعلها فتفعلها‪ِ .‬أحبها فتحبها‪.‬‬ ‫إنه جــاري‪ ،‬وهو من أصول كورية‪ .‬اسمه فنسنت تشانغ‪ .‬وال يمارس الهابكيدو‬ ‫(فنون القتال الكورية)‪ .‬عندما تنطق كلمة «كوري» فإن بعض األشخاص يفكرون‬ ‫ال إراد ًيــا بالمدرب الجنوب كــوري الــذي درب جاكي شان على الهابكيدو‪ ،‬المدرب‬ ‫األكبر كيم جن بال‪ :‬أنا أفكر بفنسنت‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫ما هو الشيء األكثر رعبًا الذي قد وتبقى بعيدًا عنها‪.‬‬ ‫حصل لــك؟ هل تضمنّ األمــر سيارة؟‬ ‫لدى فنسنت زوجة تسمى هيلينا‪ .‬إنها‬ ‫هل حدث على قارب؟ أكان حيوانًا من‬ ‫يونانية بشعر أشقر‪ .‬إنه مصبوغ‪ .‬كنت‬ ‫فعل ذلــك؟ إنه ليس باألمر المفاجىء‬ ‫ألكون أكثر تهذيبًا وال أذكر أن شعرها‬ ‫إذا كانت إجابتك بنعم على أيٍّ من هذه‬ ‫األسئلة‪ .‬إنّ حــوادث السيارات‪ ،‬وغرق مصبوغ‪ ،‬ولكنني ال أعتقد حقًا أنها قد‬ ‫القوارب‪ ،‬والحيوانات هي ببساطة أمور تكترث إن علم أحد بذلك‪ .‬في الواقع‬ ‫مخيفة‪ .‬فلماذا ال تقدم لنفسك معروفًا أعتقد أنها تميل للظهور بمظهر الشعر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪90‬‬


‫إن كنت حزينًا‪ ،‬اسأل نفسك لماذا أنت‬ ‫حزين‪ .‬ثم ارفع سماعة الهاتف واتصل على‬ ‫أحــدهــم وأخــبــره أو أخبرها اإلجــابــة على‬ ‫ذلك السؤال‪ .‬إن لم تكن تعرف أحـدًا فقم‬ ‫باالتصال على عامل السنترال وأخبره أو‬ ‫أخبرها‪ .‬معظم الناس ال يعلمون أن القانون‬ ‫يلزم عامل السنترال بأن يستمع للمكالمة‪.‬‬ ‫كــذلــك فــإن عــامــل الــبــريــد ال يملك الحق‬ ‫لدخول منزلك‪ ،‬لكن تستطيع التحدث معه‬ ‫على أرض ملكية عامة لمدة تصل ألربــع‬ ‫دقائق أو إلى أن يبدي رغبته بالذهاب‪.‬‬

‫كـــان فــنــســنــت ف ــي الــفــنــاء الــمــشــتــرك‪.‬‬ ‫سأخبركم عــن فنسنت‪ .‬إنــه مــثــال للرجل‬ ‫الجديد‪ .‬قد تكونون قرأتم مقالة الشهر‬ ‫الماضي التي تتحدث عن الرجال الجدد‬ ‫فــي مجلة ت ــرو‪ .‬الــرجــال الــجــدد هــم على‬ ‫اتصال بأحاسيسهم حتى أكثر من النساء‪،‬‬ ‫كـــان فــنــســنــت ف ــي الــفــنــاء الــمــشــتــرك‪ .‬والرجال الجدد يبكون‪ .‬يرغب الرجال الجدد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫المصبوغ مع ترك الجذور بلونها األصلي‪.‬‬ ‫مــاذا لو كنّا أنــا وهــي صديقتين مقربتين؟‬ ‫ماذا لو استعرتُ مالبسها فتخبرني أنها تبدو‬ ‫أجمل عليّ ‪ ،‬وأنني أستطيع االحتفاظ بها؟‬ ‫ماذا لو اتصلت بي وهي تشهق بالبكاء‪ ،‬وذهبت‬ ‫إليها لتهدئتها في المطبخ‪ ،‬وحاول فنسنت‬ ‫الدخول إلى المطبخ فقلنا له ابق بعيدًا‪ ،‬هذا‬ ‫حديث فتيات! رأيت في مرة مشهدًا كهذا‬ ‫في التلفاز‪ :‬كانت هاتان االمرأتان تتحدثان‬ ‫عن مالبس داخلية مسروقة ودخل عليهما‬ ‫رجل ما فقالتا له‪ :‬ابق بعيدًا‪ ،‬هذا حديث‬ ‫فتيات! أحد أسباب استحالة صداقتنا أنا‬ ‫وهيلينا هو أنني بنصف طولها‪ ،‬يميل الناس‬ ‫غالبًا للبقاء مع من هم في فئة مقاساتهم‬ ‫نفسها؛ ألن ذلــك أيسر على الرقبة‪ .‬فيما‬ ‫عدا لو كانوا في عالقة عاطفية‪ ،‬ففي هذه‬ ‫الحالة يبدو الفرق في األحجام أكثر إثارة‪.‬‬ ‫ذلك يعني‪ :‬أنا مستعد لقطع المسافة من‬ ‫أجلك‪.‬‬

‫سأخبركم عن هذا الفناء‪ .‬إنه مشترك‪ .‬لو‬ ‫نظرت إليه‪ ،‬فسيتبادر إلى ذهنك أن هذا‬ ‫الفناء يخص هيلينا وفنسنت فقط‪ ،‬ألن‬ ‫بابهم الخلفي يطل عليه‪ .‬لكن عندما انتقلت‬ ‫للسكن‪ ،‬أخبرني مالك المنزل أن الفناء من‬ ‫حق سكان الوحدتين‪ :‬العلوية والسفلية‪.‬‬ ‫أنا أسكن بالوحدة العلوية‪ .‬قال‪ ،‬ال تخجلي‬ ‫فأنت تدفعين بقدر‬ ‫ِ‬ ‫من استخدام الفناء‪،‬‬ ‫إيجارهما‪ .‬األمر الذي لست واثقة بشأنه إن‬ ‫كان مالك المنزل قد أخبر فنسنت وهيلينا‬ ‫أن هذا الفناء مشترك أم ال‪ .‬من حين آلخر‪،‬‬ ‫كنت أحاول إثبات ملكيتي للفناء بترك بعض‬ ‫متعلقاتي به‪ ،‬كأحذيتي‪ ،‬وفي مرة تركت علم‬ ‫أيضا أن أقضي‬ ‫عيد الفصح هناك‪ .‬حاولت ً‬ ‫مماثل تمامًا للوقت الذي‬ ‫ً‬ ‫في الفناء وقتًا‬ ‫يقضونه فيه‪ .‬بتلك الطريقة أعلم أننا نحصل‬ ‫لكل منّا‪ .‬في كل مرة‬ ‫على القيمة المستحقة ٍ‬ ‫كنت أراهم هناك‪ ،‬أقوم بوضع عالمة صغيرة‬ ‫على روزنــامــتــي‪ .‬وفــي المرة القادمة التي‬ ‫يكون فيها الفناء خاليًا‪ ،‬أذهب ألجلس فيه‪.‬‬ ‫ثم أقوم بمسح العالمة‪ .‬في بعض األحيان‬ ‫تعويضا لأليام‬ ‫ً‬ ‫أجلس هناك في نهاية الشهر‬ ‫المتراكمة التي لم أستطع الجلوس فيها‬ ‫بالفناء‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫بالحصول على أطفال‪ ،‬ويتوقون لإلنجاب‪،‬‬ ‫لذلك عندما يبكون في بعض األحيان‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك يكون بسبب أنهم ال يستطيعون القيام‬ ‫بذلك‪ :‬ببساطة ال يمتلكون أي منفذ لخروج‬ ‫الجنين‪ .‬الــرجــال الــجــدد يعطون ويعطون‬ ‫ويعطون‪ .‬كــان فنسنت كــذلــك‪ .‬رأيــتــه ذات‬ ‫مــرة يقوم بتدليك جسد هيلينا في الفناء‬ ‫المشترك‪ .‬كان أمرًا يدعو للسخرية‪ ،‬حيث‬ ‫أن فنسنت هو مَن يحتاج للتدليك‪ .‬إنه يعاني‬ ‫بشكل خفيف من داء الصرع‪ .‬أخبرني بذلك‬ ‫مالك المنزل كتدبير وقائي من أجل السالمة‬ ‫عندما انتقلت للسكن هنا‪ .‬الرجال الجدد هم‬ ‫قليل وتسهل قيادتهم والتأثير‬ ‫غالبًا ضعفاء ً‬ ‫وأيضا كــان فنسنت يعمل مخرجً ا‬ ‫ً‬ ‫عليهم‪،‬‬ ‫فنيًا‪ ،‬وذلــك هــو الــرجــل الجديد‪ .‬أخبرني‬ ‫بذلك في أحد األيــام عندما كنّا نخرج من‬ ‫المنزل في الوقت ذاته‪ .‬إنه المخرج الفني‬ ‫لمجلة تدعى بَنْت‪ .‬هذه مصادفة غير متوقعة‬ ‫ألنني أعمل مديرة الطابق في مطبعة‪ ،‬ونقوم‬ ‫بطباعة المجالت فــي بعض األحــيــان‪ .‬ال‬ ‫نطبع مجلة بَنْت لكن نقوم بطباعة مجلة ذات‬ ‫عنوان مماثل‪ ،‬بوزيتيف (إيجابية)‪ .‬في الواقع‬ ‫هــي أق ــرب ألن تــكــون مطبوعة مخصصة‬ ‫للمصابين بمرض االيدز‪.‬‬ ‫هل أنــت غاضب؟ قم بلكم وس ــادة‪ .‬هل‬ ‫أشعرك ذلك بالرضا؟ هل كان ذلك مرضيًا؟‬ ‫ليس بالكاد‪ .‬الــنــاس غاضبون بشدة هذه‬ ‫األيام لدرجة أن اللكم لم يعد كافيًا‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫يمكنك تجربة الطعن بسكين‪ .‬خذ وسادة‬ ‫قديمة وقم بتمديدها على عشب الحديقة‬ ‫األمامية‪ .‬اطعنها بسكين كبيرة مدبّبة‪ .‬مرة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تلو المرة مــرارًا وتكرارًا‪ .‬اطعن بقوة كافية‬ ‫حتى تصل رأس السكين المدبّبة ألعماق‬ ‫أرض الحديقة‪ .‬اطعن حتى تختفي الوسادة‬ ‫تمامًا وأنت اآلن تقوم بطعن األرض مجددًا‪،‬‬ ‫كأنك ترغب بقتلها الستمرارها بالدوران‪،‬‬ ‫كأنك تقوم باالنتقام الضطرارك إلى العيش‬ ‫وحيدًا في هذا الكوكب يومًا بعد يوم‪.‬‬ ‫كان فنسنت في الفناء المشترك‪ .‬كنت‬ ‫وقتها متأخرة في استخدامي للفناء‪ ،‬ولذلك‬ ‫قليل عندما رأيته هناك في‬ ‫شعرت بالتوتر ً‬ ‫هذا الوقت المتأخر من الشهر‪ .‬ثم واتتني‬ ‫فكرة‪ :‬أستطيع الجلوس هناك معه‪ .‬قمت‬ ‫بلبس شورت برمودا قصير ونظارات شمسية‪،‬‬ ‫ووضعت زيتًا واقيًا للشمس‪ .‬على الرغم من‬ ‫أننا كنا في شهر أكتوبر‪ ،‬إال أنني شعرت‬ ‫بشعور الصيف‪ :‬كنت أتخيل لوحة صيفية‪.‬‬ ‫في الواقع‪،‬على الرغم من ذلــك‪ ،‬كان الجو‬ ‫عاصفًا إلى حد كبير‪ ،‬وكان عليّ الرجوع إلى‬ ‫شقتي للبس سترة إضافية‪ .‬بعد ذلك بدقائق‬ ‫قليلة‪ ،‬عــدت مسرعة للبس بنطال طويل‪.‬‬ ‫أخيرًا‪ ،‬جلست على كرسي الحديقة بجوار‬ ‫فنسنت في الفناء المشترك‪ ،‬وشعرت بزيت‬ ‫واقــي الشمس يتخلل قماش الكاكي الذي‬ ‫ألبسه‪ .‬قــال إنــه لطالما أحــب رائحة زيت‬ ‫واقي الشمس‪ .‬كانت تلك مجاملة لطيفة منه‬ ‫لإلشارة إلى وضعي‪ .‬رجل فاضل‪ ،‬هذا هو‬ ‫الرجل الجديد‪ .‬سألته عن عمله وكيفية سير‬ ‫األمور في مجلة بَنْت‪ ،‬وأخبرني قصة طريفة‬ ‫عن «تايبو»‪ .‬وألننا نعمل في المجال نفسه‪،‬‬ ‫فــإن فنسنت لــم يضطر لتوضيح أن كلمة‬ ‫«تايبو» هي اختصار «للخطأ المطبعي»‪ .‬لو‬


‫ســألــت فنسنت أســئــلــة كــثــيــرة‪ ،‬وطــالــت‬ ‫إجاباته وطالت حتى وصلت الرتفاع مثالي‬ ‫ومريح بالنسبة له‪ ،‬ولم يكن عليّ أن أسأله‬ ‫أكثر‪ ،‬كان كأنه يلقي محاضرة بشكل فخم‬ ‫واحتفالي‪ .‬كان أمرًا غير متوقع‪ ،‬كأن يجد‬ ‫الشخص نفسه في العمل في إجــازة نهاية‬ ‫األســبــوع‪ .‬مــاذا كنت أفعل هنا؟ أيــن كانت‬ ‫عطلتي الرومانية؟ (تعبير يطلق على المتعة‬ ‫المبنية عــلــى مــعــانــاة اآلخ ــري ــن) نسختي‬ ‫الخاصة من «أمريكي في بــاريــس»؟ (فيلم‬ ‫موسيقي أنتج في الخمسينيات) هذا كان‬ ‫بمثابة األمر ذاته‪ ،‬أمريكي في أمريكا‪ .‬توقف‬ ‫أخيرًا عن الحديث ورفع رأسه إلى السماء‬ ‫مغمضا عينيه نــصــف إغــمــاضــة‪ ،‬خمنت‬ ‫ً‬ ‫يحضر لي السؤال األمثل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حينها أنه كان‬ ‫سؤال عظيم ومبهر لدرجة أنه سيتعين عليّ‬ ‫الوقوف بسببه‪ ،‬وأستقي إجابته من كل شيء‬ ‫أعرفه عن نفسي وكيف تعمل‪ ،‬هذه األرض‬ ‫السوداء‪ .‬لكنه كان قد توقف عن الحديث‬ ‫فقط ليؤكد على أهمية ما كان يقوله عن‬ ‫أن تصميم غالف المجلة ليس في الحقيقة‬ ‫غلطته‪ ،‬ثم ختامًا سألني شيئًا‪ :‬سأل‪« ،‬هل‬ ‫تعتقدين إن كانت تلك غلطتي‪ ،‬كما تعلمين‪،‬‬ ‫بإخبارك به؟» نظرت‬ ‫ِ‬ ‫بناء على كل شي قمت‬ ‫إلــى السماء فقط ألجــرب كيف يكون هذا‬

‫ثم تمايل لألمام‪ .‬وبحركة مفاجئة‪ ،‬انحنى‬ ‫لــأمــام بــزاويــة غير بشرية وبــقــي كذلك‪.‬‬ ‫لــم يكن ذلــك يشبه سلوك معظم الناس‪،‬‬ ‫وال حتى الــرجــال الــجــدد‪ :‬ربــمــا كــان ذلك‬ ‫أم ـرًا قد يفعله رجل مسنّ ‪ .‬قلت‪ ،‬فنسنت‪.‬‬ ‫فنسنت‪ .‬صحت‪ ،‬فنسنت تشانغ! لكنه فقط‬ ‫مال إلى األمــام في صمت‪ ،‬المست ركبتاه‬ ‫صدره‪ .‬ركعت بجانبه ونظرت لعينيه‪ .‬كانتا‬ ‫مفتوحتين‪ ،‬لكن مغلقتين كمتجر مقفل يبدو‬ ‫وهو مظل ٌم كأنه مسكون باألشباح‪ .‬بانطفاء‬ ‫األنوار‪ ،‬أستطيع اآلن رؤية كم كان مضيئًا في‬ ‫اللحظة الماضية‪ ،‬حتى وهو بأنانيته‪ .‬ولوهلة‬ ‫فكرت لربما كانت مجلة ترو مخطئة‪ .‬لربما‬ ‫ال وجود للرجال الجدد‪ .‬لربما يوجد فقط‬ ‫األحياء واألم ــوات‪ ،‬وكل األحياء يستحقون‬ ‫بعضا‪.‬‬ ‫بعضا ويتساوون مع بعضهم ً‬ ‫بعضهم ً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫كانت هيلينا جالسة معنا الضطررنا حينها‬ ‫ألن نتوقف عن استخدام لغتنا المشتركة‬ ‫حتى تستطيع فهمنا بشكل واضــح‪ ،‬لكنها‬ ‫لم تكن معنا ألنها كانت ما تزال في عملها‪.‬‬ ‫إنها مساعدة طبيب؛ ما يعني أو ال يعني أنها‬ ‫تعمل عمل الممرضة نفسه‪.‬‬

‫الــشــعــور‪ .‬تظاهرت بالصمت قبل إخــبــاره‬ ‫عن اإلحساس السري بالبهجة الذي أحمله‬ ‫شخصا‬ ‫ً‬ ‫داخل صدري‪ ،‬أنتظر‪ ،‬أنتظر‪ ،‬أنتظر‬ ‫ما ليالحظ أنني أشرق كل صباح‪ ،‬بال سبب‬ ‫ظــاهــر أعــيــش مــن أجــلــه‪ ،‬لكنني أصــحــو‪،‬‬ ‫وذلــك فقط من أجل هذه البهجة السرية‪،‬‬ ‫حب اإللــه‪ ،‬في صــدري‪ .‬حولت بصري من‬ ‫السماء لعينيه وقلت‪ ،‬إنها لم تكن غلطتك‪.‬‬ ‫بررت له أمر غالف المجلة وكل شيء آخر‪.‬‬ ‫رجل جديدًا بعد‪ .‬ثم غرقنا في‬ ‫وألنه لم يكن ً‬ ‫الصمت‪ :‬لم يسألني مجددًا‪ .‬كنت ال أزال‬ ‫مسرورة لجلوسي بجانبه‪ ،‬لكن ذلك فقط‬ ‫آمال ضئيلة جدًا جدًا على‬ ‫بسبب أنني أعلّق ً‬ ‫معظم الناس‪ ،‬وقد أصبح هو اآلن من معظم‬ ‫الناس‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫معتدل ‪ -‬ال بأس‪ ،‬ألنها من العاملين في المجال‬ ‫ً‬ ‫دفعت أكتافه للخلف بحيث أصبح‬ ‫الطبي‪ .‬إنهم ملزمون بعمل أي شيء من‬ ‫في جلسته مجددًا‪ .‬لم أكن أعلم أي شيء‬ ‫شأنه أن يكون األكثر فائدة للصحة‪.‬‬ ‫عن داء الصرع‪ ،‬لكنني تخيلت أنه قد يسبب‬ ‫ارتعاشات بشكل أقــوى‪ .‬قمت بإبعاد شعره ‪ -‬ذلك صحيح‪ ،‬قسم أبقراط‪.‬‬ ‫عن وجهه‪ .‬وضعت يدي تحت أنفه وتحسست‬ ‫ ستكون تعيسة‪ ،‬لكنها لن تعارضنا بسبب‬‫برفق‪ ،‬أنفاسه المنتظمة‪ .‬دنوت بشفتي قرب‬ ‫القسم‪.‬‬ ‫أذنيه وهمست مجددًا‪ ،‬إنها لم تكن غلطتك‪.‬‬ ‫لربما كــان ذلــك هــو الــشــيء الوحيد الــذي ‪ -‬هل ستقوم بنقل حاجياتك لشقتي باألعلى؟‬ ‫طالما رغبت في قوله ألي شخص‪ ،‬وأن يتم ‪ -‬ال‪ ،‬يجب عليّ االستمرار بالعيش مع هيلينا‬ ‫بسبب عهودنا‪.‬‬ ‫إخباري به‪.‬‬ ‫سحبت كرسيّ بالقرب منه وحنيت رأسي ‪ -‬عهودكم؟ ماذا بشأن القسم؟‬ ‫على كتفه‪ .‬وبالرغم من أنني كنت خائفة ‪ -‬كل شيء سيكون على ما يرام‪ .‬كل ذلك ال‬ ‫كثيرًا من نوبة صرعه المرضية والتي كنت‬ ‫شيء مقارنة بما نملكه‪.‬‬ ‫مسؤولة عنها‪ ،‬نمت‪ .‬لماذا قد أفعل مثل‬ ‫ هل حقًا أحببتها يومًا؟‬‫هذا السلوك المؤذي وغير المالئم؟ يحلو‬ ‫لي االعتقاد بأنني لم أفعل ذلــك‪ ،‬إنما في ‪ -‬ليس حقًا‪ ،‬ال‪.‬‬ ‫الواقع كان ذلك قد فُعل بي‪ .‬نمت وحلمت أن ‪ -‬لكن أحببتني أنا؟‬ ‫فنسنت كان يحرك يديه ببطء على قميصي ‪ -‬نعم‪.‬‬ ‫بينما نتبادل القبل‪ .‬كنت أستطيع الشعور‬ ‫ بالرغم من أنني ال أحظى بأي حيوية أو‬‫بصغر حجم ثدييّ من تقوس راحتَيْ يديه‪ .‬قد‬ ‫جاذبية؟‬ ‫تتطلب األثداء األكبر زاوية أقل حدة‪ .‬أمسك‬ ‫أنت كاملة‪.‬‬ ‫فنسنت بهما وكأنه رغب بفعل ذلك منذ مدة ‪ -‬عن ماذا تتحدثين؟ ِ‬ ‫طويلة‪ ،‬وفجأة‪ ،‬رأيت األمور كما كانت حقًا‪ - .‬أنت تعتقد أنني كاملة؟‬ ‫ً‬ ‫لقد أحبني‪ .‬كان‬ ‫شخصا معقدًا بطبقات من ‪ -‬إنّ ذلــك يظهر في كل أمــر تقومين به‪.‬‬ ‫المشاعر المختلفة‪ ،‬كانت بعضها روحانية‪،‬‬ ‫(‪)...‬‬ ‫واألخــرى معذبة بطريقة أكثر دنيوية‪ ،‬وهو‬ ‫ يمكنك رؤيتي وأنا أقوم بفعل ذلك؟‬‫قد احترق من أجلي‪ .‬هــذه الشعلة معقدة‬ ‫الكينونة كانت لي‪ .‬أمسكت بوجهه الساخن ‪ -‬كل ليلة‪.‬‬ ‫بين يدي وسألته السؤال األصعب‪.‬‬ ‫‪ -‬ذلك فقط في حالة لو‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫ ماذا عن هيلينا؟‬‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫وأنت نائمة‪.‬‬ ‫يقربك أحد ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬أعرف‪ .‬لكن لن‬


‫بحراستك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ ألنني أقوم‬‫طويل حتى‬ ‫ً‬ ‫ اعتقدت أنني كنت سأنتظر‬‫أموت ليحدث هذا لي‪.‬‬ ‫لك‪.‬‬ ‫ من اآلن فصاعدًا أنا ِ‬‫ مهما كان األمر؟ حتى عندما تكون أنت‬‫مع هيلينا وأكــون أنــا فقط تلك المرأة‬ ‫القصيرة بــالــدور الــعــلــوي‪ ،‬هــل سأكون‬ ‫ملكك وقتها؟‬ ‫ نعم‪ ،‬هذه حقيقة بيننا‪ ،‬حتى لو لم نتحدث‬‫عنها مجددًا‪.‬‬ ‫ ال أستطيع تصديق أن هذا يحدث حقًا‪.‬‬‫ثم كانت هناك هيلينا تقوم بهزنا‪ .‬لكن‬ ‫استمر فنسنت بالنوم‪ ،‬وتساءلتُ لو كان‬ ‫ميتًا‪ ،‬ولو كان‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬قد قال‬ ‫لــي كــل تلك األم ــور فــي المنام قبل أو‬ ‫بعد وفاته؟ وأيهما قد يكون أكثر جدارة‬ ‫أيضا‪ ،‬هل كنت مجرمة؟ هل‬ ‫بالتصديق‪ً .‬‬ ‫سيلقون القبض عليّ بتهمة اإلهمال؟‬ ‫بحثت بناظري عن هيلينا‪ :‬كانت تحوم‬ ‫حــولــنــا ف ــي زيــهــا ال ــخ ــاص بــمــســاعــدة‬ ‫الطبيب‪ .‬جعلتني الحركة أشعر بالدوار‪:‬‬ ‫أغلقت عينيّ مجددًا وكنت أه ّم بالدخول‬ ‫في الحلم مرة أخرى عندما سمعت هيلينا‬ ‫تــصــرخ «مــتــى ب ــدأت الــنــوبــة المرضية؟‬ ‫كنت نائمة؟» لكنها كانت‬ ‫اللعنة‪ ،‬ولماذا ِ‬ ‫تقوم بفحص مؤشراته الحيوية بحرفية‬ ‫متباهية‪ ،‬وعندما نظرت إليّ في اللحظة‬ ‫التي تلتها‪ ،‬علمتُ أنــه لن يتوجب عليّ‬

‫كانت شقتهما هادئة ج ـدًا‪ .‬تسللت على‬ ‫رؤوس أصابعي إلى المطبخ والمست بوجهي‬ ‫بــرودة الثالجة‪ ،‬أستنشق الروائح المتعددة‬ ‫لحياتهما‪ .‬كانت لديهما صور ألطفال على‬ ‫ثالجتهما‪ .‬كان لديهما أصدقاء‪ ،‬وقد أنجب‬ ‫هــؤالء األصدقاء مزيدًا من األصــدقــاء‪ .‬لم‬ ‫أ َر من قبل شيئًا يفيض بالحميمية كصور‬ ‫هؤالء األطفال‪ .‬كنت أريد أن أمد يدي فوق‬ ‫الثالجة ألمسك بالكيس البالستيكي‪ ،‬لكنني‬ ‫أيضا أن أنظر لكل طفل‪ .‬كان أحدهم‬ ‫أردت ً‬ ‫يُسمى «تريفور»‪ ،‬وستُقام حفلة عيد ميالده‬ ‫يوم السبت القادم‪ .‬كُتب على بطاقة الدعوة‬ ‫الرجاء الحضور! سنتسلى بوقتنا ونغرق في‬ ‫المتعة كحوت! وكانت هناك صورة لحوت‪.‬‬ ‫كان حوتًا حقيقيًا‪ ،‬صورة فوتوغرافية لحوت‬ ‫حقيقي‪ .‬أمعنت النظر في عينه الحكيمة‬ ‫بالغة الصغر‪ ،‬وتساءلت عن مكان تلك العين‬ ‫اآلن‪ .‬هل كان حيًا يعوم‪ ،‬أم كان قد مات منذ‬ ‫فترة طويلة‪ ،‬أم هل هو يحتضر اآلن‪ ،‬في هذه‬ ‫اللحظة بالذات؟ عندما يموت حوتٌ ما‪ ،‬فإنه‬ ‫يتهاوى عبر المحيط ببطء‪ ،‬على مدار اليوم‪.‬‬ ‫تــراه كــل األســمــاك الباقية يسقط أمامها‬ ‫كتمثال ضخم‪ ،‬كبناية‪ ،‬لكن بــبــطء‪ ،‬ببطء‬ ‫شديد‪ .‬ركزت انتباهي على العين‪ ،‬حاولت‬ ‫أن أصــل إلــى أعماقها وأرى مــا بداخلها‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫‪ -‬كيف يمكنك أن تتعهد بذلك؟‬

‫اإلجابة عن تلك األسئلة؛ ألنني بطريقة‬ ‫مــا أصــبــحــتُ مــســاعــدتــهــا‪ ،‬الــمــســاعــدة‬ ‫لــمــســاعــدة الــطــبــيــب‪ .‬أمــرتــنــي بالجري‬ ‫لشقتهما ألحــضــر كــيــسً ــا بالستيكيًا‬ ‫سأجده فوق الثالجة‪ .‬أسرعت للداخل‬ ‫ممتنة وأغلقت الباب‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫ألجل الحوت الحقيقي‪ ،‬الحوت المحتضر‪ ،‬هو الوهم الذي تخلّفه كل النصائح الجيدة‪.‬‬ ‫وخاطبته‪ ،‬إنها ليست غلطتك‪.‬‬ ‫يجب اإلحساس بالحقيقة والفطرة السليمة‬ ‫دفعت هيلينا الباب الخلفي بقوة‪ .‬شعرت كما لو أنها كُتبت بواسطة الزمن نفسه‪ .‬إنه‬ ‫بأثدائها تالمس ظهري بخفة وهي تتجاوزني ألمــر عسير حقًا أن تكتب شيئًا يستطيع‬ ‫مريضا محتضرًا يشعر بالتحسن‬ ‫ً‬ ‫لتمسك بالكيس‪ ،‬وتسرع بالعودة للخارج‪ .‬أن يجعل‬ ‫استدرت ونظرت إليها عبر النافذة‪ .‬كانت لمجرد قراءته‪ .‬لدى بوزيتيف قواعد خاصة‪،‬‬ ‫تحقن فنسنت اآلن‪ .‬وكان يصحو تدريجيًا‪ .‬ال يمكنك أن تستمد هدايتك من اإلنجيل‪،‬‬ ‫كانت تقبّل فنسنت‪ ،‬وكان هو يدعك رقبته‪ .‬أو مــن كــتــاب يــتــحــدث عــن الـ ــزِ ن (مــذهــب‬ ‫تساءلت ما الذي تذكّره‪ .‬كانت تجلس على بــوذي يقول بأن في مقدور المرء الوصول‬ ‫حجره اآلن‪ ،‬وكانت يداها قد التفت حول إلى الحقيقة بالتأمل)‪ :‬إنهم يريدون موادًا‬ ‫رأسه‪ .‬لم يشاهداني عندما مررت بالقرب حقيقية‪ .‬حتى هــذه اللحظة‪ ،‬لم يتم قبول‬ ‫منهما‪.‬‬ ‫طلبي باالنضمام للمجلة‪ ،‬لكن أعتقد أنني‬

‫األمـ ــر الــمــثــيــر لــاهــتــمــام بــشــأن مجلة أوشك على ذلك‪.‬‬ ‫«بوزيتيف» أنهم اليقومون أبدًا بذكر مرض‬ ‫ألديك شكوك تتعلق بالحياة؟ أنت لست‬ ‫االيــدز‪ .‬ولــوال وجــود الدعايات اإلعالنية‪-‬‬ ‫متأكدًا إن كانت تستحق العناء؟‬ ‫دواء ريتروفير‪ ،‬سوستيفا‪ ،‬فيراميون‪-‬لظننت‬ ‫انظر إلى السماء‪ :‬إنها من أجلك‪ .‬انظر‬ ‫أن المجلة كانت عن كيفية البقاء إيجابيًا‬ ‫ومتفائل‪ .‬ولهذا السبب فإني أعدها مجلتي لوجه كل شخص تقابله في الــشــارع‪ :‬تلك‬ ‫ً‬ ‫الــمــفــضــلــة‪ .‬كــل الــمــجــات األخــــرى تقوم الــوجــوه هــي لــك‪ .‬والــشــارع ذات ــه‪ ،‬واألرض‬ ‫ببنائك وتحفيزك فقط لتدميرك بعدها‪ ،‬تحت الشارع‪ ،‬وكرة النار تحت األرض‪ :‬كل‬ ‫لكن يعلم المحررون في مجلة بوزيتيف أنه هذه األشياء هي لك‪ .‬هي ملكك أنت تمامًا‬ ‫قد تمت هزيمتك من قبل‪ ،‬مــرة تلو مرة‪ ،‬كما هي ملكٌ لآلخرين‪ .‬تذكر ذلك عندما‬ ‫وأنت ال تحتاج في هذه المرحلة أن تفشل تستيقظ مــن نومك وتفكر بأنك ال تملك‬ ‫في اختبار يدعى «هل أنت مثير للغاية أم شيئًا‪ .‬قف واتجه للشرق‪.‬‬ ‫متوسط الجمال؟» تقوم مطبوعة بوزيتيف‬ ‫اآلن قم بتمجيد السماء‪ ،‬وتمجيد النور‬ ‫بكتابة اقتراحات لتشعرك بالتحسن‪ ،‬من‬ ‫في داخل كل إنسان تحت السماء‪.‬‬ ‫نوع يشبه «نصائح من إلواز» (إلواز محاربة‬ ‫البأس أن تكون متشككًا‪ .‬لكن سبّح‪ ،‬سبّح‪،‬‬ ‫مشهورة عند األلمان والفرنسيين القدماء)‪.‬‬ ‫تبدو تلك النصائح سهلة الكتابة‪ ،‬لكن ذلك سبّح‪.‬‬ ‫* كاتبة ومترجمة من السعودية‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعر‬

‫أحمد إبراهيم البوق‬

‫الفنون كالغابة إذا عرفت الطرق التي تسلكها ستخرج منها بسالم! وبعض‬ ‫ُ‬ ‫المبدعين بدأوا شعراء وانتهوا روائيين‬

‫أحمد إبراهيم البوق‪ ..‬شاعر سعودي من مواليد المدينة المنورة عام ‪1965‬م‪،‬‬ ‫أنيق في حضوره الشعري‪ ،‬أصــدر أربعة دواويــن شعرية «أحاميم ‪ -‬دار الجديد ‪-‬‬ ‫بيروت ‪1994‬م»‪« ،‬منكسر باعتداد ‪ -‬دار شرقيات ‪ -‬القاهرة ‪2003 -‬م»‪« ،‬جنة ‪ -‬دار‬ ‫شرقيات ‪ -‬القاهرة ‪2007 -‬م»‪« ،‬معجزات صغيرة ‪ -‬نادي الطائف األدبي ‪2015 -‬م»‪.‬‬ ‫وهو يشغل حالي ًا منصب مدير عام مركز األمير سعود الفيصل ألبحاث الحياة‬ ‫الفطرية بالطائف ‪ -‬المركز الوطني سابقا‪ ،‬التقيت به في إحدى المقاهي بجدة‪،‬‬ ‫وكعادة األصــدقــاء تحدثنا في عــدة محاور‪ ،‬وعندما سألته عن جديده قــال‪« :‬أنا‬ ‫انتهيت مــن كـتــاب «ع ــن الـنـعــام وح ـضــوره فــي الـشـعــر الـعــربــي الـجــاهـلــي واألم ــوي‬ ‫والعباسي» سوف أصــدره قريباً‪ ،‬وهو ضمن سلسلة كتب عن الحيوان في الشعر‬ ‫العربي‪ ،‬أتمنى أن أنجز هذا المشروع مستقبال‪ ،»..‬محور هذا الكتاب هو ما جعلني‬ ‫أطلب منه أن يكون ضيفا لحوار محوره «النعام في الشعر العربي»‪ ..‬وفي الحوار‬ ‫الكثير من اإلثراء‪...‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬عمر بوقاسم*‬

‫في الشعر العربي‪!..‬‬ ‫¦«النعام في الشعر العربي»‪ ..‬فضلت‬ ‫أن يكون هذا العنوان ديباجة حواري‬

‫مع الشاعر أحمد البوق؛ ففي آخر‬ ‫لقاء بيني وبين الشاعر‪ ،‬وسؤالي عن‬ ‫جديده‪ ،‬قال‪ :‬أنا مشغول بكتاب عن‬ ‫الـنـعــام وح ـضــوره فــي الشعر واألدب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪97‬‬


‫‪98‬‬

‫الشعري‪ ..‬أعــرف أن النعام مثير جداً‬ ‫ال ـع ــرب ــي‪ !..‬وف ــي ال ـيــوم ال ـتــالــي‪ ،‬حرصت‬ ‫للمخيلة الشعرية‪ ،‬ومن الصعب ‪-‬إن لم‬ ‫على لقاء شاعرنا‪ ،‬وأســألــه‪ :‬هل للشاعر‬ ‫يكن من المستحيل‪ -‬أن يتأمله شاعر في‬ ‫أح ـمــد ال ـبــوق أن ي ـبــوح لـنــا بــالـســر الــذي‬ ‫الصحراء في العصر الجاهلي وما تاله‪..‬‬ ‫أوصله لهذا الموضوع «النعام في الشعر‬ ‫وال يستثير قريحته الشعرية؛ دفعني‬ ‫العربي»؟‬ ‫ذلك ليكون النعام في الشعر العربي هو‬ ‫‪ρ ρ‬منذ ســنــوات‪ ،‬وأنــا أشتغل على مشروع‬ ‫موضوع الكتاب األول في هذا المشروع‪،‬‬ ‫الحياة الفطرية في الشعر العربي بشكل‬ ‫وألن النعام العربي انقرض تماماً ‪ -‬مع‬ ‫متقطع وفق ما تسمح به ظروف العمل‬ ‫األسف ‪ -‬من الجزيرة العربية‪ ،‬ولم يتبق‬ ‫والسفر‪ ،‬وكتبت بعض المقاالت المتفرقة‬ ‫منه أي عينة حية‪ ،‬فإن الهيئة السعودية‬ ‫فــي هــذا الــمــشــروع الكبير ال ــذي كلما‬ ‫للحياة الفطرية حين شرعت في برنامج‬ ‫تعمقت فيه ازداد اتساعاً‪ .‬ولفتني أن بعض‬ ‫اإلكثار وإعادة التوطين‪ ،‬استجلبت أقرب‬ ‫الدراسات النقدية أشارت الى ندرة ذكر‬ ‫نوع وهو النعام أحمر الرقبة اإلفريقي‪،‬‬ ‫النعام في الشعر العربي‪ ،‬واستنتجت هذه‬ ‫ليتم إكثاره وإعــادة توطينه في محمية‬ ‫الدراسات أنه ربما بسبب نــدرة وجوده‬ ‫محازة الصيدـ ورغــم أن اختالفه ليس‬ ‫في الجزيرة العربية أو ضعف تأثيره في‬ ‫كبيراً عن النعام العربي‪ ،‬إال أن هذا كان‬ ‫المخيلة الشعرية‪ ..‬وكــا االستنتاجان‬ ‫سبباً إضافيا ليكون موضوع النعام أولوية؛‬ ‫خاطئان من وجهة نظري؛ ألنني أعرف‬ ‫ألن الشعر العربي في العصر الجاهلي‬ ‫من خالل األبحاث العلمية أن النعام كان‬ ‫كان مرآة تعكس الواقع‪ ،‬وقد استعرضت‬ ‫واسع االنتشار في الجزيرة العربية‪ ،‬ولم‬ ‫النصوص التي وصفت النعام مع الوصف‬ ‫ينقرض تماماً إال في أواخر الستينيات‬ ‫العلمي في األبحاث العلمية المنشورة‪،‬‬ ‫من القرن الماضي‪ ،‬ولكن وجوده انحسر‬ ‫ووجــــــــدت تــطــابــقــاً‬ ‫بــــشــــكــــل ك ــب ــي ــر‬ ‫الشراكة بين اإلنسان والحيوان‬ ‫مــدهــشــاً ف ــي بعض‬ ‫بــســبــب ضــغــوط‬ ‫الصعاليك‬ ‫الشعراء‬ ‫عند‬ ‫تتجلى‬ ‫ال عن‬ ‫األحــيــان‪ .‬فض ً‬ ‫الــصــيــد والــرعــي‬ ‫بحكم حياتهم المتشردة في‬ ‫أنــنــي كــنــت أص ــادف‬ ‫والتغيرات البيئية‬ ‫الفيافي والجبال‪!!..‬‬ ‫أثناء رحالتي العملية‬ ‫الــمــتــاحــقــة؛ ما‬ ‫الــبــريــة قــشــور بيض‬ ‫أدى إلى انقراضه‪.‬‬ ‫في كتابي الذي سأصدره قريب ًا‬ ‫الـ ــنـ ــعـ ــام الـــعـــربـــي‪،‬‬ ‫عن «النعام في الشعر العربي»‬ ‫ومـــــــــــــن خـــــــال‬ ‫وب ــم ــس ــاع ــدة بــعــض‬ ‫حاولت أن أعيد قراءة بعض‬ ‫التجربة العلمية‬ ‫الــجــوالــيــن واألهــالــي‬ ‫النصوص الشعرية التي وصفت‬ ‫فــي إكــثــار النعام‪،‬‬ ‫تــوصــلــت إلـــى بعض‬ ‫الحيوان البري بمنظور البحث‬ ‫وإعادة توطينه في‬ ‫أعـــــشـــــاش ال ــن ــع ــام‬ ‫العلمي في عالم الحيوان‪.‬‬ ‫المملكة‪ ،‬والحس‬ ‫العربي‪ ،‬وفي بعضها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫العلم واألدب‪!..‬‬

‫العلم بالنسبة لي هو الجسد‬ ‫بكل أسرار خلقه‪ ،‬والشعر واألدب‬ ‫هو الروح بكل تجلياتها‪ ،‬وال أظن‬ ‫أن حياة ممكنه دون امتزاج الروح‬ ‫بالجسد‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫بيض مكتمل‪ .‬كل‬ ‫تــلــك الــمــعــطــيــات‬ ‫جعلت من موضوع‬ ‫النعام في الشعر‬ ‫ال ــع ــرب ــي أول ــوي ــة‬ ‫ملحّ ة‪.‬‬

‫العلم واألدب وجهان لعملة‬ ‫واحدة‪ .‬وهما تخصصي واشتغالي‬ ‫في علم الحيوان‬

‫ال ــم ــش ــه ــد الــعــلــمــي‬ ‫ونتائج أبحاثه‪ .‬وقُدرة‬ ‫إيـ ــجـ ــازه وتــبــســيــطــه‬ ‫دون إخــال للمتلقي‬ ‫العام‪ .‬في المحصلة‬ ‫الــعــلــم بــالــنــســبــة لي‬ ‫هــــو ال ــج ــس ــد بــكــل‬ ‫أسرار خلقه‪ ،‬والشعر‬ ‫واألدب هو الروح بكل‬ ‫تجلياتها‪ ،‬وال أظــن‬ ‫أن الــحــيــاة ممكنة‬ ‫دون ام ــت ــزاج ال ــروح‬ ‫بالجسد‪.‬‬

‫¦أذكـ ـ ــر أن ـ ــك أش ــرت‬ ‫أثـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاء ح ــديـ ـث ــك‬ ‫بعض الدراسات النقدية أشارت‬ ‫أن كـ ـت ــاب ــك ه ـ ــذا‪،‬‬ ‫إلى ندرة ذكر النعام في الشعر‬ ‫والـ ـ ـ ـ ــذي ي ـت ـض ـمــن‬ ‫العربي‪ ،‬ربما بسبب ندرة وجوده‬ ‫مـ ــوضـ ــوع «ال ـن ـع ــام‬ ‫في الجزيرة العربية أو ضعف‬ ‫في الشعر العربي»‬ ‫تأثيره في المخيلة الشعرية‪!!..‬‬ ‫في وصف النعام‪!..‬‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـط ـ ـ ــوة‬ ‫¦وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تـ ـص ــف‬ ‫األول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ضـ ـم ــن‬ ‫النعام العربي‪ ،‬بلونه‬ ‫سلسلة كتب سترصد فيها حضور بعض‬ ‫وقوامه‪ ،‬قرأت شيئا من الشعر الذي يوثق‬ ‫ال ـح ـيــوانــات‪ ..‬كــرمــوز للحياة فــي الشعر‬ ‫هذا الوصف‪ ،‬هل لنا أن نوثق مما قرأته‬ ‫واألدب ال ـعــربــي‪ ،‬اهـتـمــامــك وحماستك‬ ‫هنا؟‬ ‫بهذا المشروع الثقافي‪ ،‬هل هو نابع من‬ ‫تخصصك الوظيفي كمدير عــام لمركز ‪ρ ρ‬في مشروع الكتاب استعرضت نحو ستين‬ ‫األم ـيــر سـعــود الفيصل ألب ـحــاث الحياة‬ ‫شاهداً شعرياً في وصــف النعام ألكثر‬ ‫الفطرية بالطائف‪ ،‬أم ألنك شاعر يهتم‬ ‫مــن ثالثين شــاعــراً فــي كــلٍّ مــن العصر‬ ‫بالشعر وقضاياه؟‬ ‫الجاهلي واألمــوي والعباسي‪ ،‬ورغــم أن‬

‫‪ρ ρ‬العلم واألدب وجهان لعملة واح ــدة‪ .‬لو‬ ‫تخيلنا الــوجــه الــذي يحمل األرق ــام هو‬ ‫الــعــلــم ف ــإن الــوجــه اآلخ ــر ال ــذي يحمل‬ ‫الــصــور والنقوش هــو األدب‪ .‬ال أتخيل‬ ‫عربة الحياة تسير بال هاتين العجلتين‪:‬‬ ‫العلم واألدب تخصصي واشتغالي في علم‬ ‫الحيوان والبيئة‪ ،‬يغذي ويحرض مخيلتي‬ ‫الشعرية‪ ،‬وكوني شاعر ومهتم بالشعر‬ ‫وقضاياه‪ ..‬يمنحني مساحة للتأمل في‬

‫هناك شــعــراء اشــتــهــروا بوصف النعام‬ ‫فــي الجاهلية كعلقمة الــفــحــل‪ ،‬وثعلبة‬ ‫ابن صعير‪ ،‬وكعب بن زهير‪ ،‬والحقاً في‬ ‫العصر األم ــوي نابغة بني شيبان وذو‬ ‫الرّمة‪ ،‬إال أن من أجمل األوصاف وصف‬ ‫الشاعر األمــوي الراعي النميري لذكر‬ ‫النعام «الظليم» وهو يحتضن بيضة في‬ ‫األدحــى «عش النعام» في أرض رملية‪،‬‬ ‫فلما طلعت عليه الشمس‪ ..‬أراد القيام‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪99‬‬


‫عن العش‪ ،‬فانتفش ريشه (ازبأر) وتمايل‬ ‫جيده‪ ،‬وهز جناحيه‪ ،‬فتساقط الندى عن‬ ‫متنه‪ ،‬ثم يختم بتشبيه البيض وبهجته‬ ‫وبهائه وحفظه بحبيبته سعاد‪:‬‬

‫يحفُّ هَا‪..‬‬ ‫الظليمُ ُ‬ ‫ْضةٌ بــاتَ َّ‬ ‫ومــا َبي َ‬ ‫ب ـوَعَ ـ ْـس ــا َء أَعْ ـ َل ــى ُتــر ْب ـهــا َق ــدْ َت ـ َل ـ َّبــدا‬ ‫الشمْ ُس في َيوْمِ طَ ْلقَةٍ ‪..‬‬ ‫فلمَّ ا عَ َلتْهُ َّ‬ ‫َف مُ ــكَّ ــاءُ الـ ُّـضــحَ ــى ف ـ َت ـ َغ ــرَّ دَا‬ ‫وأَشـ ـ ـ ـر َ‬ ‫أَرَا َد ال ـ ـق ـ ـيـ ــا َم فـ ـ ـ ــا ْز َب ـ ـ ـ ـأَ َّر ِع ـ ـ ـ َفـ ـ ــاؤُ هُ‪.‬‬ ‫وحَ ـ ـ ـ ـ ــرَّ َك أَعْ ـ ـ ـ َلـ ـ ــى جـ ـي ــده فـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـأَ َّودَا‬

‫‪100‬‬

‫وأ َْحــسَ ــنَ منها حينَ َت ـ ْبــدُ و مُ ــجَ ــرَّ دَا‬ ‫الجانب الواقعي لهذه الحيوانات‪!..‬‬ ‫¦ه ـن ــاك ب ـعــض ال ـ ــدراس ـ ــات ال ـت ــي اهـتـمــت‬ ‫ب ـ ــدراس ـ ــة وصـ ـ ــف ال ـ ـح ـ ـيـ ــوان فـ ــي ال ـش ـعــر‬ ‫الـعــربــي مــن بـعــض المختصين بالنقد‬ ‫األدبي‪ ،‬أذكر منها دراسة للدكتورة بسمة‬ ‫فهمي الـشــاوش‪ ،‬ودراســة لألستاذ فخري‬ ‫أب ــو ال ـس ـعــود؛ ه ــل اسـتـطــاعــت مـثــل هــذه‬ ‫الــدراســات أن تضيء أو تضيف شيئًا في‬ ‫هذا االتجاه؟‬

‫ال من العتمة‪ .‬الدراسات‬ ‫‪ρ ρ‬كل شمعة تبدد قلي ً‬ ‫ـط َنــفْ ـ ُـضــهُ ‪..‬‬ ‫وهَ ـ ــزَّ جَ ـنــاحَ ـ ْيــه ف ـســا َقـ َ‬ ‫التي تناولت الحيوان في الشعر العربي‬ ‫َاش ال ـ َّن ـدَى عــن مَ ـ ْتــنِ ــه َف ـ َت ـ َبــدَّ دَا‬ ‫َفـ ـ ـر َ‬ ‫ركز معظمها على اإلبل والخيل‪ ،‬وتناول‬ ‫فـغــا َد َر فــي ا ُألد ِْحـ ــىِّ َصــفْ ـرَا َء َتـ ْر َكــةً ‪.‬‬ ‫بعضها الحيوانات الــبــريــة‪ ..‬ولكن من‬ ‫ِهجَ ان ًا إِ ذَا ما الـ َّـشـرْقُ فيها َتـوَقَّ ـدَا‬ ‫منظور لغوي‪ .‬قليل منها تطرق للجانب‬ ‫الواقعي لهذه الحيوانات‪ ،‬البتعاد معظم‬ ‫ب ـأَ ْل ـ َيــنَ مَ ـ ّـس ـ ًا مــن ُس ـ َعــا َد لِ ـ َـا ِم ـ ٍـس‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الدارسين عن هذا‬ ‫الــحــقــل‪ .‬حــاولــت‬ ‫ول ـ ــي دون ـك ــم‬ ‫فــي مــشــروع هــذا‬ ‫أه ـلــونَ ِسـ ْيــدٌ‬ ‫الــكــتــاب أن أعيد‬ ‫ـس‪،‬‬ ‫عَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ّ َلـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫قــــراءة النصوص‬ ‫وأرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـط ُزه ـ ـ ـلـ ـ ــول‬ ‫ال ــش ــع ــري ــة الــتــي‬ ‫وَعَ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ــاءُ ج ـي ـئ ــلُ‬ ‫الفنون كالغابة إذا عرفت الطرق‬ ‫وصــفــت الــحــيــوان‬ ‫هـ ـ ــم األهـ ـ ـ ــلُ‬ ‫التي تسلكها ستخرج منها‬ ‫الـــبـــري بــمــنــظــور‬ ‫ال م ـس ـتــودعُ‬ ‫بسالم‪ !..‬وبعض المبدعين بدأوا‬ ‫الــبــحــث الــعــلــمــي‬ ‫ال ـ ـسـ ـ ِ ّـر ذائـ ــعٌ‬ ‫شعراء وانتهوا روائيين‬ ‫في عالم الحيوان‪.‬‬ ‫لديهم وال الجاني‬ ‫فـــــــأثـــــــرى ذل ـ ــك‬ ‫بـ ـ ـم ـ ــاجَ ـ ـ ـ ّ َر يُ ـ ـ ـ ْـخ ـ ـ ـذَلُ‬ ‫ف ــه ــم الــنــصــوص‬ ‫وأخصب خياالتها‪ ،‬المدهش أن ترى أن‬ ‫الشنفرى الذي يترك بقية من الماء الذي‬ ‫هناك بعض النصوص الشعرية ما تضيفه‬ ‫يشرب منه لطيور القطا لتشرب بعده‬ ‫للبحث العلمي‪.‬‬ ‫ويتنحى لتأخذ دورها‪..‬‬ ‫استعرضت في ثنايا هذا الكتاب‬ ‫نحو ستين مشهدا شعري ًا في‬ ‫وصف النعام ألكثر من ثالثين‬ ‫شاعر ًا من العصر الجاهلي‬ ‫واألموي والعباسي‬

‫جناية‪:‬‬

‫وتَشر َُب أسآرِ ي القَطَ ا الكُ ـد ُر بَعْ دَما‬ ‫تتجلى عند الشعراء‪!..‬‬ ‫ـصـ ــلُ‬ ‫ـصـلـ َ‬ ‫سَ ـ ـرَت َق ـ َر َبـ ـ ـ ًا أحـ َنــاؤهـ ــا َتـ َتـ َ‬ ‫¦مــن خــال حديثنا‪ ،‬ومــا قــرأتــه وأن ــا أعــدُّ‬ ‫لهذا الـحــوار‪ ..‬تبين لي أن هناك شراكة َف ـ َول ـيــت عَ ـنـهــا َوهـ ــيَ َتـكـ ُبـ ــو لِ ــعُ ـقـ ــرِ هِ‬ ‫ـوص ـ ـ ــلُ‬ ‫ـاش ـ ـ ــرُ ُه مـنـهــا ذُ قُ ـ ـ ـ ــونٌ وَحَ ـ َ‬ ‫يُ ـ َب ـ ِ‬ ‫مباشرة في الحياة بين اإلنسان والحيوان‬ ‫كانت قائمة‪ ،‬وهذا قد يبرر حضوره القوي‬ ‫في الشعر وخصوصا الجاهلي‪ .‬الشاعر‬ ‫أحمد البوق هل يقرأ علينا شعرا يصف‬ ‫هذه الشراكة ‪ -‬التي كانت ‪ -‬بين اإلنسان‬ ‫والحيوان؟‬

‫واألحــيــمــر الــســعــدي يــســتــأنــس بــعــواء‬ ‫الــذئــاب‪ ،‬ويجفل مــن أصـــوات الــنــاس‪،‬‬ ‫وهو يكره األنيس إال أن يكون وحشاً من‬ ‫وحوش الفالة‪:‬‬

‫بالذئب إذ عوى‬ ‫ِ‬ ‫فاستأنست‬ ‫ُ‬ ‫عوى الذئب‬ ‫‪ρ ρ‬الشراكة بين اإلنسان والحيوان تتجلى‬ ‫ـدت أطـ ـي ــرُ‬ ‫وصـ ـ ـ ـ ـ ــوَّ تَ إن ـ ـ ـسـ ـ ــانٌ فـ ـ ـك ـ ـ ُ‬ ‫عند الشعراء الصعاليك بحكم حياتهم‬

‫أنـ ـي ـ ِـس َل ـ ـكـ ــارِ هٍ‬ ‫الل إِ ّن ـ ـ ــي لِ ـ ـ َ‬ ‫المتشردة في الفيافي والجبال‪ ،‬ومؤاخاتهم َيـ ـ ــرى َ ُ‬ ‫َض ـم ـي ــرُ‬ ‫َو ُتـ ـب ـ ِـغ ـ ُـض ــهُ ــم ل ــي مُ ـ ـقـ ـ َل ــةٌ و َ‬ ‫للوحوش‪ ،‬وتأملهم الطويل للحيوان في‬

‫البرية‪ ..‬أفضى ذلك الحترامه وتقدير‬ ‫خصاله‪ ،‬ومــن ذلــك استبدال الشنفرى‬ ‫الوحش بأهله‪ ،‬فالذئاب والنمور والضباع‬ ‫ال يفشون سـرّه وال يخذلونه إذا ارتكب‬

‫والــقــتــال الــكــابــي يــصــاحــب نــمــراً في‬ ‫الجبال‪ ،‬ولكن هذا الصاحب المهيب ال‬ ‫يتكلم‪ ،‬ونظراته كالسهام‪ ،‬ولكن يقتسم‬ ‫معه الوعول التي يصيدها‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪101‬‬


‫ولي صاحب في الغار هدّ ك صاحب ًا‬ ‫هـ ـ ــو ال ـ ـ ـجـ ـ ــون إال أنـ ـ ـ ــه ال ي ـع ـلــل‬ ‫إذا مــا الـتـقـيـنــا ك ــان جــل حديثنا‬ ‫ِص ـمــات وط ــرف كــالـمـعــابــل أطحل‬ ‫ت ـض ـم ـنــت األروى ل ـن ــا ب ـط ـعــام ـنــا‬ ‫كـ ــانـ ــا لـ ــه م ـن ـه ــا ن ـص ـي ــب وم ــأك ــل‬ ‫أجد نفسي وأنساها في المكتبة‬ ‫¦فـ ــي ح ــدي ــث ج ــان ـب ــي ت ـط ــرق ــت أن ـ ــت عــن‬ ‫انتقالك وعائلتك مــن مدينة الطائف‬ ‫إل ــى ال ـمــدي ـنــة ال ـم ـن ــورة مـسـقــط رأس ــك‪،‬‬ ‫تحدثت عن المعاناة التي واجهتك وأنت‬ ‫تنقل محتوى مكتبتك‪ ،‬هذا ما يشجعني‬ ‫على أن أسألك عن محتوى مكتبتك؟‬ ‫‪(ρ ρ‬حيثما تكون المكتبة يكون المنزل‪ ،‬كما‬ ‫قــال البرتو مانغويل)‪ ،‬وأنــا أجــد نفسي‬ ‫وأنساها في المكتبة‪ .‬ومكتبتي مزيج بين‬

‫الشعر والــروايــة والنقد والتاريخ‪،‬‬ ‫كتب ِ‬ ‫إضافة لكتب التخصص في علوم الحياة‬ ‫عموماً الــحــيــوان والــنــبــات ومــزيــج آخر‬ ‫متنوع‪ ،‬وما أتعبني في نقلها من الطائف‬ ‫إلــى المدينة ليس حجمها فقط‪ ،‬ولكن‬ ‫ترتيبها كما يروق لي‪ ..‬ألتمكن من إيجاد‬ ‫الثمرة التي أطلبها في هذه الغابة من‬ ‫الكتب‪.‬‬ ‫الفنون كالغابة‪!..‬‬ ‫¦أن ي ـك ـتــب ش ــاع ــر «مـ ـ ــا» رواي ـ ـ ــة أو ع ـم ـ ًا‬ ‫سرديًا‪ ،‬لم يعد شيئا غريباً‪ ،‬فهذه الحالة‬ ‫أصبحت منتشرة في الساحات الثقافية‬ ‫العربية‪ ،‬فمن الكتّاب من يرفض وصف‬ ‫هــذه الحالة بالتحوّل‪ ،‬بل يعده تواص ًال‬ ‫طبيعيً ا بين فضاءات الكتابة‪ ،‬ومــن حق‬ ‫الشاعر أن يحضر في أي فضاء إبداعي‪،‬‬ ‫وأن هــذه الحالة ليست بالجديدة على‬

‫‪102‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الفسيفساء الحياتية‪!..‬‬ ‫¦ليس هـنــاك أثــر ٌ واض ـ ٌـح حتى اآلن على‬ ‫مضمون أو شكل الخطاب اإلبداعي‪ ،‬في‬ ‫ظــل الـتـغـيــرات السياسية واالقـتـصــاديــة‬ ‫التي يشهدها العالم العربي في السنوات‬ ‫األخيرة‪ ،‬برأيك ما سبب غياب األثر؟‬

‫‪ρ ρ‬حين تقف على قمة جبل وتنظر لغابة‪،‬‬ ‫سيعجبك كثافة الخضرة فيها‪ .‬ولكن‬ ‫حين تغامر بالدخول إليها‪ ،‬فمن الصعب‬ ‫أن تجد األشجار التي تقصدها‪ .‬الفنون ‪ρ ρ‬الــتــغــيــرات الــســيــاســيــة واالقــتــصــاديــة‬ ‫الــمــتــســارعــة أفــقــدت اإلنــســان عمومًا‬ ‫كالغابة‪ ..‬إذا عرفت الطرق التي تسلكها‬ ‫ال ــت ــوازن‪ ،‬وأحــيــانــا قــدرتــه على التأمل‬ ‫ستخرج منها بسالم أياً كانت تلك الطرق‪.‬‬ ‫والتحليل العميق‪ ،‬وبــالــضــرورة انعكس‬ ‫بعض المبدعين ب ــدأوا شــعــراء وانتهوا‬ ‫ال‬ ‫ذل ــك عــلــى الــخــطــاب اإلب ــداع ــي شك ً‬ ‫روائيين‪ ،‬المهم أن يكون العمل مدهشاً‬ ‫ومضمونًا‪ ،‬افتراض غياب األثــر الكلي‬ ‫وأصيالً‪.‬‬ ‫بحاجة إلــى إعــادة نظر على اعتبار أن‬ ‫الشعر كتبتُ‬ ‫تجربتي الشخصية عــدا ِ‬ ‫اإلبــــداع يتشكل مــن ه ــذه الفسيفساء‬ ‫المقالة و«الــربــيــورتــاج» وتــحــديــداً في‬ ‫الحياتية بحلوها ومرها‪ ،‬وفي ظل الثورة‬ ‫المواضيع البيئية‪ ،‬وأحيانا السيناريو‬ ‫المعلوماتية وطغيان وسائط التواصل‬ ‫الحديثة‪ ..‬لم تعد األحــداث السياسية‬ ‫واالقتصادية وحدها ما يترك أث ـرًا في‬ ‫اإلبداع‪ ،‬أصبحت مجرد بالطات صغيرة‬ ‫فــي فسيفساء المشهد الــعــام للفضاء‬ ‫الكوني‪ ،‬ولذلك تضاءل أثرها في شكل‬ ‫الخطاب اإلبداعي ومضمونه‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ال ـش ــاع ــر‪ ..‬وم ـن ـهــم مَ ــن ي ــرى أن ـهــا عـقــدة‬ ‫الـتـصـنـيــف‪ ،‬ولـهــا سلبياتها الـتــي تعاني‬ ‫منها الساحة الثقافية‪ ،‬أنــت‪ ،‬مــاذا تقول‬ ‫ف ــي هـ ــذا االت ـ ـجـ ــاه‪ ،‬وهـ ــل ل ــك ت ـجــربــة أو‬ ‫ت ــواص ــل م ــع أي ف ـضــاء كـتــابــي آخ ــر غير‬ ‫الشعر؟‬

‫لبعض األفالم الوثائقية البيئية‪ .‬وعرض‬ ‫الكتب وأدب الرحالت‪.‬‬

‫محركات البحث أصبحت مكتبات‬ ‫هائلة‪..‬‬ ‫¦مــا ال ـمــواقــع الـتــي تـحــرص عـلــى زيــارتـهــا‬ ‫على الشبكة العنكبوتية؟‬ ‫‪ρ ρ‬ليس هناك مواقع محددة أتابعها بانتظام‪.‬‬ ‫ولكن تحوّل النشر المتسارع إلى الصيغة‬ ‫اإللكترونية وســرعــة البحث فيه يحتم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪103‬‬


‫الرجوع إليه‪ ،‬ولم تعد طرفة حين تسال‬ ‫أحدًا عن معلومة أن يحيلك إلى «غوغل»‪.‬‬ ‫محركات البحث أصبحت مكتبات هائلة‬ ‫تسبح في الفضاء اإللكتروني‪ ،‬وإن كان‬ ‫كثي ٌر منها يفتقر إلى المصداقية‪ ..‬إال‬ ‫أن المنتسب منها إلى مؤسسات ثقافية‬ ‫وإعالمية أو شخصيات ثقافية وأدبية‬ ‫وشعرية شهيرة على درجــة عالية من‬ ‫األهمية‪ ،‬كموقع مؤسسة الفكر العربي‪،‬‬ ‫ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي‪ ،‬ومشروع‬ ‫كلمة اإلمــاراتــي‪ ،‬والموسوعة العالمية‬ ‫للشعر العربي والشعر والشعراء‪ ،‬وجهة‬ ‫الشعر للشاعر قاسم ح ــداد‪ ،‬والقصة‬ ‫العربية للقاص والروائي جبير المليحان‪،‬‬ ‫وثقافات وعيون‪ ،‬وبعض مواقع شعراء‪،‬‬ ‫إضــافــة لــمــواقــع الصحف اإللكترونية‬ ‫لمتابعة بعض المقاالت والكتّاب وبعض‬ ‫الصفحات األدبــيــة لبعض الفضائيات‬ ‫كالعربية نت‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫الشعري ربما يتكامل قريباً كديوان من‬ ‫قصائد الومضة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫قليال ما أكتب قصائد طويلة‪..‬‬

‫النحلة تبوح بأسرار الزهور‬

‫¦لن أغفل عن تكرار سؤالي الذي كان سبب ًا‬ ‫في بناء هذا الحوار‪ ،‬وأقصد سؤالي عن‬ ‫ج ــدي ــدك‪ ..‬ول ـك ــن‪ ،‬ه ـنــا أخ ــص جــديــدك‬ ‫الشعري الخاص بالشاعر أحمد البوق؟‬

‫ويكافئنها بالرحيق‬

‫‪ρ ρ‬تجربتي الشعرية في الــدواويــن األربعة‬ ‫ال ومضمونًا‪،‬‬ ‫التي أصدرتها متنوعة شك ً‬ ‫ولكن قاسمها المشترك‪ :‬مساحة التأمل‬ ‫وفضاء التخيل واإليجاز‪ .‬قليال ما أكتب‬ ‫قصائد طويلة‪ ،‬وكلما تقدمت بي الحياة‬ ‫ازدادت مساحة التجربة وضاقت العبارة‬ ‫الشعرية‪ ،‬وكما يقول (الــنــفــري)‪« :‬كلما‬ ‫اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»‪ .‬جديدي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫رشاقة الظباء‬ ‫تشى بضعفها‬ ‫ال تندهش من وردة تتفتح‬ ‫وتنسى انغالق الشوك على ساقها‬ ‫رمال على مد البصر‬ ‫والبصيرة بستان‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الروائي المصري‬ ‫الدكتور «رضا البهات» للجوبة‬ ‫أعيش عاملي املنفصل بني األفراح واألحزان أعاني االنفصال!!‬ ‫الطب مهنتي ‪ ،‬واألدب عاملي األكثر عمق ًا وتأثير ًا‬ ‫الزخم القاهري أفق َد بعض األدباء مشروعهم األدبي‪ ،‬والعلّة يف اإلقامة‬

‫مبدع الريف أكثر امتالك ًا ألدواته األدبية من مبدع املدينة‪ ،‬والسبب آلة النشر‬ ‫الكتّاب اجلدد بال تخصص‪ ،‬ويستخفون باألمناط األدبية‬ ‫لدينا تخ ّبط يف اإلبداع والنقد‬ ‫وتوجهها السياسة‪ ،‬وهذه هي املعضلة!!‬ ‫احلياة قبل األدب والفن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العالقة الطردية بني زخم الكتابة وازدياد املعاناة اإلنسانية تستوجب‬ ‫التدقيق والتأمل!!‬ ‫لست مشغو ًال باستدعاء الكتابة‪ ،‬بل أنتظر حتى تستدعيني هي إليها‬ ‫إذا حضرت السياسة توارت القيم‪ ،‬وتوارى معها األدب والفن!!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪105‬‬


‫روائــي طبيب‪ ،‬عشق األدب من أجــل رفعة القيم‪ ،‬وامتهن الطب إليمانه العميق بحق‬ ‫المجتمع‪ ،‬يرى في األدب والفن طوق نجاة‪ ،‬لكل من يبحث عن النهضة واالنطالق‪ ،‬ويرى في‬ ‫وصف الحالة الثقافية المصرية‪،‬‬ ‫السياسة خدعة كبرى‪ ،‬كبَّدتْ البشرية أمنها واستقرارها‪ّ ..‬‬ ‫الصحة اإلبداعية والحضور‬ ‫ّ‬ ‫بأنها تعاني سيولة فكرية‪ ،‬وفوضى شاملة‪ ،‬أفقدتها مالمح‬ ‫النقدي‪ ،‬وانطمست معها مفاهيم وشعارات‪ ،‬طالما شغلت أجيا ًال ماضية وأخرى حاضرة‪،‬‬ ‫من الجماهير والكتّاب على السواء‪..‬‬ ‫إنه الروائي المصري الدكتور «رضا البهات»‪ ،‬أحد رواد الكتابة األدبية من جيل السبعينيات‪،‬‬ ‫ممن يحتفون بالجمع بين الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية‪ ،‬وممّ ن يُعرفون بمواقفهم‬ ‫الذاتية الصارمة‪ ،‬في الدفاع عن حرية المبدع واستقالله‪ ،‬ضد هيمنة الرسمي والسياسي‪..‬‬ ‫حلت عليه «الجوبة» ضيفة في مقر إقامته بمدينة المنصورة إحدى مدن محافظة الدقهلية‬ ‫المصرية‪ ،‬وحاورته في الكثير من مالمح مشواره الروائي واألدبي‪ ،‬إضافة لتفاصيل أخرى‬ ‫ذات صلة بقضايا التأليف والكتابة والنشر‪ ،‬فكان معه هذا الحوار‪.‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬محسن حسن ‪ -‬القاهرة‬

‫بين الطب واألدب‬ ‫¦ف ــي ح ـيــاة الــدك ـتــور ال ـب ـهــات كـيــف ارتـمــى‬ ‫الطب في أحضان الرواية؟ ومتى؟‬

‫‪106‬‬

‫¦أنـ ـ ــت مـ ـم ــن م ـ ــارس ـ ــوا األدب عـ ـل ــى ك ـب ــر‪،‬‬ ‫وأول كـتــابــاتــك كــانــت فــي ســن الخامسة‬ ‫والثالثين‪ ..‬هل هذه ميزة برأيك أم غير‬ ‫ذلك؟‬

‫‪ρ ρ‬عالقتي باألدب سبقت عالقتي بالطب‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬ليس ميزة وال عيباً‪ ،‬بل هي مسألة خاصة‬ ‫فلقد كنت وما أزال شغوفاً ككل أبناء جيلي‬ ‫بي وبتطور دراستي والكلية والتخصص‬ ‫بقراءة أمهات الكتب‪ ،‬ثم جاءت عالقتي‬ ‫والـــــزواج؛ فــالــحــيــاة قــبــل األدب‪ ،‬وكــان‬ ‫بالطب والتي دُفعت لها دفعاً اجتماعياً‬ ‫ضرورياً بعد أن صرت مسؤوال عن هذا‬ ‫لسببين؛ األول هو تأثري بكالم أستاذي‬ ‫العدد من الناس‪ ،‬أن أستعيد األدب‪ ،‬لكني‬ ‫«سيد بــدوي» مــدرس اللغة اإلنجليزية‬ ‫طــوال الوقت كنت أكتب وال أنشر‪ ،‬كما‬ ‫يرحمه اهلل‪ ،‬عندما قــال لــي‪« :‬إذا كنّا‬ ‫كنت أقرأ كتاباتي ألصدقائي المقربين‬ ‫سنذهب لألدب والموسيقى فمن يعالج‬ ‫من باب الهواية‪.‬‬ ‫هؤالء الناس من حولنا؟»‪ ،‬فالتحقت بكلية‬ ‫¦إذاً‪ ،‬هل توجد لك كتابات حبيسة األدراج‬ ‫الطب جامعة المنصورة ثم صرت طبيباً‬ ‫حتى اآلن؟‬ ‫لألطفال‪ ،‬والسبب الثاني هو البحث عن‬ ‫لقمة الــعــيــش‪ .‬وعــمــومـاً تبقى عالقتي ‪ρ ρ‬نعم تــوجــد؛ فلقد ب ــدأت شــاعــرا‪ ،‬وكل‬ ‫الكتابات الشعرية أنجزت قبل هذه السن‪،‬‬ ‫باألدب هي األعمق واألكثر تأثيراً‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫وكانت محاكا ًة لشعراء ناجحين بحكم‬ ‫السن‪ ،‬وما تــزال هذه الكتابات حبيسة‬ ‫األدراج فيما عــدا مطالعة أصدقائي ‪ρ ρ‬هــذا إذا عــرف المثقف عــن نفسه أنه‬ ‫المقربين لها‪ ،‬لكني حريص أال تنشر‪،‬‬ ‫يجيد هــذا الجنس األدبــي الــواحــد‪ ،‬أياً‬ ‫فهي غير قابلة للنشر‪.‬‬ ‫كــان؛ فلدينا ضعف وقصور في الحلقة‬ ‫النقدية الــمــصــريــة‪ ،‬حتى أن المثقف‬ ‫¦لكن بم تنصح جيل الشباب ممن ينوي‬ ‫والــنــاقــد كالهما يظل يؤجل مشروعه‬ ‫ال ــول ــوج إل ــى األدب‪ :‬أن ي ـبــدأ م ـب ـكــراً؟ أم‬ ‫مرحلة بعد مرحلة؛ فلم يعد لدينا نقاد‬ ‫يترك األمر وفق ظروفه؟‬ ‫بــوزن الدكتور علي الــراعــي‪ ،‬والدكتور‬ ‫‪ρ ρ‬واق ــع األم ــر أن الجيل الجديد ومعهم‬ ‫شكري عياد‪ ،‬وفــاروق عبدالقادر‪ .‬فكما‬ ‫األدبــاء الجدد فل َتوا من هذه المسألة؛‬ ‫هناك تخبط في اإلبــداع‪ ..‬يوجد أيضا‬ ‫فهم ال يتخصصون‪ ،‬بل يمارسون كل أنواع‬ ‫تخبط فــي الــنــقــد؛ فكم مــن األســاتــذة‬ ‫الفنون‪ ،‬لدرجة أن يجمع الواحد منهم‬ ‫النقاد‪ ،‬ال يلتفتون لك كمبدع؛ ألن كل‬ ‫بين الصحافة والرواية والشعر والترجمة‬ ‫واحــد منهم‪ ،‬مشغول في لقمة عيشه‪،‬‬ ‫وخالفه‪ ،‬وأنا ال أفهم كيف يكون كل ذلك‬ ‫والبحث عن عقد عمل بالخارج!!‬ ‫في إطار واحد‪ ،‬ودائما يأتي على حساب‬ ‫ثوابت ومتغيرات‬ ‫التخصص والــجــودة!! إنما هذا مبلغهم‬ ‫من العلم‪.‬‬ ‫¦بـعــد ث ــاث ت ـجــارب روائ ـيــة كُ ـلـلــت بجائزة‬ ‫¦هــل معنى ذلــك أنــك تفضل أن يخلص‬ ‫المثقف الشاب إلى جنس أدبي واحد؟‬

‫س ـ ــاوي ـ ــرس‪ ..‬م ــا ال ـث ــاب ــت وال ـم ـت ـغ ـيــر فــي‬ ‫قناعاتك الروائية واألدبية؟‬ ‫‪ρ ρ‬كنت وما أزال أعتقد أن األدب أو الفن‬ ‫قادر على تغيير العالم ‪ -‬وأنا حرٌّ فيما‬ ‫أفكر فيه ‪ -‬لكني اكتشفت في هذه السن‬ ‫المتأخرة‪ ،‬أن السياسة هي القائد دائما‪،‬‬ ‫وأن القرار السياسي‪ ،‬هو ما يوجه الواقع‬ ‫وليس الفن‪ .‬وربما األدب والفن يمكنهما‬ ‫أن يعيدا صياغة البشر على المدى‬ ‫البعيد‪ ،‬لك ْن ألن الحياة قبل األدب والفن‪،‬‬ ‫فالحياة توجهها السياسة لألسف‪ ..‬وهي‬ ‫مرحلة استثنائية في العالم ومربكة في‬ ‫حياة البشر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪107‬‬


‫¦ل ـكــن م ــع قـنــاعـتــك ه ــذه ب ـج ــدوى األدب‬ ‫والفن‪ ..‬كيف تفسر ازدياد معاناة العالم‬ ‫بــالـتــزامــن مــع ازديـ ــاد زخ ــم األدب والـفــن‬ ‫والكتابة؟‬ ‫‪ρ ρ‬ليست هــنــاك عــاقــة بين االثــنــيــن‪ ،‬بل‬ ‫على العكس‪ ،‬هذا اإلطراد العكسي‪ ،‬هو‬ ‫أمر يعبر عن أزمة‪ ،‬بل فوضى أكثر منه‬ ‫ارتباطاً واقــتــرانـاً‪ ،‬والتفسير المنطقي‬ ‫ينطوي عليه طرحي للتساؤل التالي‪ :‬مَن‬ ‫قال إننا ننتج أدباً؟ فوسط هذه «الهيصة»‬ ‫وهذا الزخم‪ ،‬يوجد واحد أو اثنان فقط‬ ‫لهما قيمة إبداعية في مجاالت مختلفة؛‬ ‫في حين أن هــذا التعدد اإلنتاجي من‬ ‫الناحية الطباعية والكتابية‪ ،‬يتضمن‬ ‫تعبيراً صارخاً عن األزمة وعن التناقض‬ ‫الــذي نتحدث عنه هنا؛ فكل الحقائق‬ ‫كثير من‬ ‫استخفاف لدى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تشير إلى وجود‬ ‫أجيال الكتابة المعاصرة في التعامل مع‬ ‫األنماط األدبية والفنية‪ ،‬األمر الذي يؤكد‬ ‫كاف لما يتم إنجازه وإنتاجه‪.‬‬ ‫هضم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عدم‬ ‫¦لـكــن أزم ــات الـعــالــم الـمـتـقــدم والمتحرر‬ ‫أيـضـ ًا ت ــزداد مــع كــونــه يكتب أكـثــر ويبدع‬ ‫أكثر‪ ..‬ما تعليقك؟‬

‫‪108‬‬

‫كان يعيش بها اإلنسان‪ ،‬والتي يبدو أنها‬ ‫كانت ترشده لخطواته بشكل سليم‪ ،‬فلما‬ ‫سقطت‪ ،‬لم يعد هناك ما يرشد اإلنسان‪،‬‬ ‫وربما كان هذا هو سبب مؤتمر سويسرا؛‬ ‫فهذه األفــكــار الكبرى في أزمــة‪ ،‬وحتى‬ ‫األديــان في أزمــة أيضا‪ .‬وسيظل العالم‬ ‫هكذا في أزمة بسبب السياسة إلى حين‪.‬‬ ‫بين األدب والنقد‬ ‫¦يرى النقاد أنك مجرب في األدب‪ ..‬فهل‬ ‫تجاريهم في هذا األمر؟‬

‫‪ρ ρ‬ه ــذا بسبب الــســيــاســة؛ فــهــي الموجه‬ ‫األول للواقع‪ ،‬وهــي سبب الــكــوارث في‬ ‫‪ρ ρ‬في الحقيقة‪ ،‬ال أعرف‪ .‬وقد قيل لي هذا‬ ‫الــعــالــم‪ ،‬ويحضرني هنا مــا كتبته عن‬ ‫الكالم كثيرا‪ ،‬وبشكل متكرر‪ ،‬إنما أنا‬ ‫مؤتمر سويسرا الشهير‪ .‬هــذا المؤتمر‬ ‫شخصيا أكتب ما عندي وما أجيده فقط‬ ‫كان يناقش مستقبل لبنان في عالم لم‬ ‫دون زيادة أو نقصان‪.‬‬ ‫يعد يصلح للحياة بعد سقوط األفكار‬ ‫¦ه ــل يـعـنــي ذل ــك ع ــدم انـشـغــالــك بالنقد‬ ‫الكبرى الكلية كالماركسية والوجودية‬ ‫والرأسمالية‪ ،‬إلى آخر هذه األفكار التي‬ ‫والنقاد حين الكتابة تحديدا؟‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫‪ρ ρ‬ساعة الكتابة ال يشغلني سوى أن أبوح‬ ‫أو أكشف مــا بعقلي فقط‪ ،‬وبعد ذلك ‪ρ ρ‬فــي حقيقة األمــــر‪ ،‬الــمــشــهــد الــنــقــدي‬ ‫فــي الــقــراءة الثانية والــمــراجــعــة‪ ،‬يأتي‬ ‫مرتبطٌ دائماً بالمشهد الثقافي‪ ،‬ونحن‬ ‫دور االعتبارات األخرى‪ ،‬سواء النقاد أو‬ ‫في مصر نعاني من حالة «دهولة ثقافية»‬ ‫القراء‪ ،‬فأجدني بعيداً جدا‪ ،‬لكني أردد‬ ‫اختفت معها معالم ما يسمى بالحالة‬ ‫ال في النهاية «على البركة»‪.‬‬ ‫قائ ً‬ ‫الثقافية والحالة النقدية‪ ،‬بمعنى غياب‬ ‫ش ــروط الصحة الثقافية والــنــقــديــة‪..‬‬ ‫¦ل ـكــن ألـ ــم ت ـل ـفــت ن ـظ ــرك م ـقــولــة نـقــديــة‬ ‫والتي منها الحرية ومسؤولية المبدع‬ ‫في حقك من قبل النقاد وجدتها سبب ًا‬ ‫والناقد والــدولــة‪ .‬كما أننا افتقدنا في‬ ‫للتقارب بينك وبينهم؟‬ ‫مصر إلى وجود نقاد كبار‪ ،‬ال بوصفهم‬ ‫‪ρ ρ‬نعم‪ ،‬كــان الناقد الكبير الدكتور «علي‬ ‫موجهين نقديين فحسب‪ ،‬بل بوصفهم‬ ‫الراعي» يكرر عليّ مقولته التي يؤكد فيها‬ ‫قراء مؤتمنين ومستشاري َن قراء‪ ،‬يملكون‬ ‫أنني أكتب الرواية الطويلة بروح القصة‬ ‫حصيلة نقدية ومعرفية تعين المبدع على‬ ‫القصيرة‪ ،‬وأن اللغة لديّ «مزهزهة» على‬ ‫امتالك ناصية االستقاللية اإلبداعية‬ ‫حد تعبيره‪ ،‬والحقيقة هي مقولة لها تأثير‬ ‫بعيداً عــن االقتباس أو التقليد أو ما‬ ‫كبير ومكانة خاصة في نفسي؛ ألنها من‬ ‫أشــبــه‪ ،‬وهــذا ال ــدور للناقد مــوجــود في‬ ‫ناقد بحجم الدكتور الراعي‪.‬‬ ‫أوروب ــا تحت مسمى «الــقــارىء النقدي‬ ‫الــعــام»‪ ،‬والــذي تكفي منه مقولة نقدية‬ ‫¦عـلــى ذك ــر الـنـقــد وال ـن ـقــاد‪ ،‬كـيــف توصف‬ ‫واحدة تجاه أي عمل أدبي أو إبداعي‪..‬‬ ‫ليحصل على أعلى الجوائز‪ ،‬أو ليُلقى في‬ ‫سلة المهمالت‪ .‬وفــي مصر لألسف ال‬ ‫يوجد أمثال هــؤالء‪ ،‬فقط لدينا أساتذة‬ ‫نقد وال يوجد نقد‪.‬‬ ‫المشهد النقدي في مصر حالياً؟‬

‫¦ومَ ن الكتّاب الذين يجدون لديك صدى‬ ‫من الناحية اإلبداعية واألدبية سواء من‬ ‫جيلك أو من األجيال التالية؟‬ ‫‪ρ ρ‬من األجيال التي سبقتني‪ ،‬يلفت نظري‬ ‫«عبد الحكيم قاسم»‪ ،‬فلغته ناهضة ‪-‬‬ ‫وأنا معتدٌّ باللغة جدا ‪ -‬كما يعد «يوسف‬ ‫إدريـــس» قيمة كبيرة جــدا فــي القصة‬ ‫القصيرة وكذلك «ماركيز»‪ ،‬علماً أنني‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪109‬‬


‫اطلعت تقريبا على كل ما أنتجه األدب‬ ‫الــعــربــي‪ .‬وم ــن الــجــيــل الــحــالــي يصعب‬ ‫الفصل واالختيار من بينهم؛ ألن الغالب‬ ‫في األدب اليوم هو االعتبار السياسي‪،‬‬ ‫وعندما نترجم هذا المعنى أدبيا‪ ،‬يعني‬ ‫أن القضية أو الموضوع أو الحدوتة هي‬ ‫األساس فيما يكتبه هذا الجيل؛ لذا تظل‬ ‫أغلب كتابات الجيل الحالي قابلة للغربلة‪،‬‬ ‫خاصة وأن أغلب موضوعاتها مجملة ال‬ ‫تتجاوز ستة وثالثين موضوعاً؛ إما بطل‬ ‫ملحمي مهزوم‪ ،‬أو شخص منفي خارج‬ ‫الوطن‪ ،‬أو شخص يحب فتاة أو باحث عن‬ ‫الحرية‪ ...‬إلخ‪ ،‬وذلك وفق دراسة منجزة‬ ‫في هذا اإلطار‪.‬‬ ‫¦هل تقترح صياغة جديدة لتعامل الكتّاب‬ ‫الجدد مع األدب والكتابة؟‬ ‫‪ρ ρ‬بصراحة‪ ،‬لقد حــان الوقت ألن يتعامل‬ ‫األدي ــب مــع األدب‪ ..‬وأن يناقشه كلغة‬ ‫وكمفهوم طبقي‪ ،‬وليس كموضوع سياسي‪،‬‬ ‫وبمعنى آخر‪ ،‬أن تقترب الرواية والقصة‬ ‫القصيرة من الشعر‪ ،‬وأن تناقش ذلك‬ ‫الهم اإلنساني المقيم والدائم بالحرية‪.‬‬ ‫مشوار اإلبداع والكتابة‬

‫‪110‬‬

‫يعين على أعباء الحياة‪ ،‬والثانية أنها‬ ‫دليل حضور ثقافي وأدبي يعين ويشجع‬ ‫على االستمرار في الكتابة أكثر وأكثر‪،‬‬ ‫طالما أن هناك من يقدّر قيمة ما يكتب‪.‬‬ ‫أما جائزة نوبل ففيها اعتبارات خاصة‬ ‫بالسياسة من أجل عالم يسوده السالم‬ ‫والمحبة‪ ،‬وأمرها ال يشغلني نهائياً‪ ،‬فقط‬ ‫يشغلني موقف نجيب محفوظ عندما‬ ‫أيقظته زوجته وأخبرته بفوزه بالجائزة‪،‬‬ ‫فقال لها «توقظيني لهذا السبب!!» ثم‬ ‫شد الغطاء واستأنف النوم‪.‬‬

‫¦«س ــاع ــة رم ـل ـيــة تـعـمــل بــال ـك ـهــربــاء» ف ــازت‬ ‫¦برأيك لماذا لم نحظ بنوبل عربية أخرى‬ ‫بـ ـج ــائ ــزة سـ ــاويـ ــرس ف ـ ــرع كـ ـت ــاب األدبـ ـ ــاء‬ ‫في األدب رغم زخم الكتابة؟‬ ‫‪2015‬م‪ ..‬ه ــل ت ـش ـغ ـلــك الـ ـج ــوائ ــز؟ وم ــا‬ ‫تقييمك لجائزة نوبل؟‬ ‫‪ρ ρ‬كما قلت‪ ،‬هــذه الجائزة لها اعتبارات‬ ‫سياسية‪ ،‬وقد قال نجيب محفوظ نفسه‬ ‫‪ρ ρ‬أوالً دار النشر هي التي قدمت العمل‬ ‫إن هناك أديبين قبله كانا يستحقان نوبل‬ ‫للمسابقة ولــيــس أن ــا‪ ،‬والــجــوائــز أنظر‬ ‫هما «طه حسين» و«توفيق الحكيم»‪ ،‬وهو‬ ‫إليها من جهتين؛ األولى أنها تقدير مادي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الكامل بالموضوع وغلبة السياسة والفكر‬ ‫السياسي‪.‬‬

‫¦ب ـم ـنــاس ـبــة الـ ـشـ ـع ــر‪ ..‬ه ــل ت ـن ـب ــأت إح ــدى‬ ‫قصائدك حق ًا بموت ابنتك؟‬

‫¦ي ــاح ــظ ف ــي م ـن ـج ــزك ال ـ ــروائ ـ ــي تـبــاعــد‬ ‫الـفـتــرات البينية بـيــن كــل رواي ــة وأخ ــرى‬ ‫(ع ـشــر س ـن ــوات ت ـق ــري ـب ـاً)‪ ..‬م ــا ال ـســر في‬ ‫ذل ــك؟ وه ــل هــو ح ــرص عـلــى االسـتـغــراق‬

‫‪ρ ρ‬يوماً ما اتصل بي أحد أصدقائي (عالء‬ ‫ال «أنــا عرفت أن‬ ‫الــديــن) ليخبرني قائ ً‬ ‫ابنتك ماتت من قصائدك المنشورة»‪..‬‬ ‫وكانت وقتها على قيد الحياة‪ ،‬فسألته‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫قــول يعكس مــدى رؤيــة نجيب محفوظ‬ ‫للواقع المصري‪ ،‬وما يهمني هو كتابات‬ ‫‪ρ ρ‬بداية أنــا ال أمتهن الثقافة‪ ،‬وبما أنني‬ ‫هـ ــؤالء األدبـــــاء بــشــكــل أســــاس‪ ،‬وليس‬ ‫أهـ ــوى األدب فــا أع ـ ـ ّد نــفــســي كــاتــبـاً‬ ‫حصولهم على الجائزة؛ فــأن تؤْثر بما‬ ‫محترفاً‪ ،‬وبالتالي أكتب ما أشاء ووقتما‬ ‫تكتبه فيمن يقرأه هو األهم دائماً حتى‬ ‫ا بــصــدد االنتهاء‬ ‫أش ــاء؛ وأن ــا اآلن مــثـ ً‬ ‫وإن لم تحصل على الجوائز‪.‬‬ ‫من كتاب في الشعر‪ ،‬وهو على مشارف‬ ‫¦روايتك «شمعة البحر» صدرت عام ‪2004‬م‬ ‫النشر؛ بعضه مقفّى‪ ،‬وبعضه غير موزون‬ ‫ع ــن الـمـجـلــس األع ـل ــى ل ـل ـث ـقــافــة‪ ،‬واآلن‬ ‫القافية؛ وفــي الحقيقة‪ ،‬لست مشغوالً‬ ‫صدرت في طبعة جديدة عن دار بدائل‪..‬‬ ‫باستدعاء الكتابة‪ ،‬بل أترك نفسي حتى‬ ‫ما المختلف في هــذه الــروايــة من حيث‬ ‫تستدعيني هي إليها‪ ،‬وأنا في هذا على‬ ‫تقنيات السرد وأجواء الحكي؟‬ ‫قناعة كاملة بذلك التعبير الذي قاله لي‬ ‫الدكتور يوسف إدريس في أحد لقاءاتي‬ ‫‪ρ ρ‬في هــذه الــروايــة شغلتني الصيغة التي‬ ‫الشخصية معه‪ ،‬حينما قال «إن كل كاتب‬ ‫يعيش بها المصريون زمناً آن له أن ينتهي؛‬ ‫أو مبدع ال بد له من الخضوع الختبار‬ ‫فذلك الشيخ الرمز‪ ،‬بطل الرواية‪ ،‬حاضر‬ ‫الزمن» بمعنى قيام الكاتب بغربلة منجزه‬ ‫ومؤثر من بدايتها لنهايتها‪ ،‬ويجسد تلك‬ ‫عبر زمن الكتابة؛ فقد ال يبقى منه في‬ ‫الصيغة المصرية على مشارف القرن‬ ‫النهاية إال كتاب واحد أو قصة أو قصتين‪،‬‬ ‫الــحــادي والــعــشــريــن‪ .‬وكـــان ظــنــي عبر‬ ‫ورغم صعوبة إدراك هذا المعنى الدقيق‬ ‫هذا البطل‪ ،‬أن المصريين سيتجاوزون‬ ‫في وقــت سماعي إيــاه‪ ،‬إال أن الحقيقة‬ ‫آالمــهــم وهمومهم وزمــنــهــم الــبــالــي من‬ ‫تؤكد أن ما يبقى ويعيش في الزمن هو‬ ‫خــال العودة مجدداً إلــى الرومانسية؛‬ ‫ما يؤثر في حياة الناس‪ ،‬ومن ثم فنحن‬ ‫لكن بــدا أنــه كــام فــارغ وغير صحيح‪،‬‬ ‫نجرّب في مختلف المجاالت‪ ..‬ثم نكتب‬ ‫ليس بالنسبة للمصريين فقط‪ ،‬وإنما‬ ‫بحسب الفن الذي ننتمي إليه؛ لذا‪ ،‬فإن‬ ‫للعرب جميعا‪ .‬وأمــا ما يخص تقنيات‬ ‫عدد السنوات ال يهم‪ ،‬فال أكتب إال عندما‬ ‫الكتابة فال أستطيع الخوض فيها؛ ألنني‬ ‫يضيف الموضوع جديداً للفكر اإلنساني‪.‬‬ ‫أكتب ما عندي وبطريقتي‪ ،‬مع االنشغال‬ ‫في الحالة األدبية؟‬

‫‪111‬‬


‫كيف عرفت؟ فأخبرني أنه استنبط ذلك‬ ‫من قصيدتي «فــي الشرفة المجاورة»‪،‬‬ ‫فحزنت جدا؛ ألني كما يبدو‪ ..‬كأني كنت‬ ‫أتوقع موتها؛ ألنها كانت مريضة بالذئبة‬ ‫الحمراء‪ ..‬والمعنى هنا أنني أعيش في‬ ‫عالم منفصل عــن الــواقــع‪ ،‬أنــاقــش فيه‬ ‫أحزاني وأفراحي‪ ،‬وال شك أنني أعاني‬ ‫من هذا االنفصال‪.‬‬ ‫¦بعض األدباء يخطط لمستقبله الثقافي‬ ‫واألدبي فهل أنت من هؤالء؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال‪ ،‬لست مشغوال بهذا األمر‪ ،‬فقط أكتب‬ ‫ما عندي قبل أن أرحل‪ ،‬بصرف النظر إن‬ ‫كان ما أكتبه قصة أم مقاالً أم غير ذلك‪،‬‬ ‫ولو أن هذه الطريقة في الحقيقة ال تبني‬ ‫حضارة شخصية‪ ،‬إنما هذا هو المتاح في‬ ‫مصر من وجهة نظري‪.‬‬ ‫¦م ـج ـمــوع ـتــك ال ـق ـص ـص ـيــة «ل ـي ـلــة لـلـغـنــا»‬ ‫ت ـم ـي ــزت ب ـت ـج ــوال ال ـح ـك ــي ب ـي ــن ال ـقــريــة‬ ‫والجامعة والتراث الشعبي وغيره‪ ،‬ميلُك‬ ‫إل ــى الـتـنــويــع فــي أن ـمــاط ال ـســرد هــل هو‬ ‫مرتبط بالجنس األدبــي الــذي تكتبه أم‬ ‫باعتبارات شعورية ووجدانية خاصة؟‬

‫‪112‬‬

‫‪ρ ρ‬بالفعل هو يرتبط باعتبارات وجدانية‬ ‫وشعورية داخــلــي؛ فأنا أحتكم لنفسي‬ ‫وكأنني ال أثق فيما يقوله النقاد‪ ،‬رغم‬ ‫أنني لست كــذلــك‪ ،‬ورغــم أنهم يقولون‬ ‫كــامــا درســــوه وتــعــلــمــوه وه ــي أداتــهــم‬ ‫الرئيسة في تحليل الخطاب سواء قصة‬ ‫أوغيرها‪ ،‬ولذلك أقــول لك إنني أعاني‬ ‫من عزلة نفسية كبيرة‪ ،‬ربما أكــون أنا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫الــذي فرضتها على نفسي‪ ،‬وربما هي‬ ‫التي تعزلني عما يسمى الحالة الثقافية‪،‬‬ ‫والتأثر بما يقوله النقاد‪ .‬ورغم احترامي‬ ‫الشديد للنقاد‪ ،‬أستجيب للحالة الشعورية‬ ‫بشكل أكبر‪.‬‬ ‫¦فـ ــي م ـج ـم ــوع ــة «ط ـ ـقـ ــوس بـ ـش ــري ــة» شـكــا‬ ‫أحــد ال ـقــراء مــن أنــه عــانــى مــن االرتـبــاك‬ ‫ال ـشــديــد فـهـمـ ًا وقـ ـ ــراء ًة بـسـبــب اخـتــاط‬ ‫الكلمات العامية بالكلمات الفصيحة‪..‬‬ ‫فما تعليقك؟‬ ‫‪ρ ρ‬الحقيقة أنه محق‪ ،‬وال بد حتماً أنه اعتاد‬ ‫نمطاً سائداً من اللغة‪ ،‬هو النمط الفصيح‪،‬‬ ‫وهــذه بالتأكيد ليست مشكلته‪ ،‬وإنما‬ ‫مشكلة المجتمع المصري الــذي عانى‬ ‫فيه الجميع من هيمنة الدولة المركزية‬ ‫ومن سيادة اللغة الفصحى‪ ،‬على حساب‬ ‫الثقافة الشعبية؛ فجميعنا عانينا كثيراً‬ ‫من انفصال كليهما عن اآلخر‪ ،‬وبالطبع‬ ‫أنا أقصد بالثقافة الشعبية تراثها كله‪..‬‬ ‫بما فيه العامية من حكي ورقص وفنون‬ ‫حركية وقولية‪ .‬والعيب في تقديري أنه‬ ‫ال يتم االحتفاء بثقافة هذا الشعب كما‬ ‫هي‪ ،‬باعتبار أن الثقافة الشعبية تمثل‬ ‫إلى جانب الثقافة الرسمية رافداً مهماً‬ ‫مما يمكن تسميته بـــ «ثــقــافــة األم ــة»؛‬ ‫فكل الكتاب الكبار في العالم بما فيهم‬ ‫«شكسبير» نفسه‪ ،‬كانوا ينهلون من هذا‬ ‫المعين المسمى «ثقافة شعب»‪.‬‬ ‫¦لكن‪ ،‬هــل تمنح ال ـقــارىء سلطة مــا عند‬ ‫الكتابة؟‬


‫¦رواي ـتــك «بـشــايــر الـيــوسـفــي» جمعت بين‬ ‫الملحمة والتجربة الشخصية‪ ..‬ماذا عن‬ ‫مالمح هذه التجربة وخلفياتها؟‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫‪ρ ρ‬نعم‪ .‬وبداية هذه المسألة ال يمكن تعلمها؛‬ ‫وهي أن تكون ديمقراطيا حقيقيا؛ بمعنى‬ ‫أن يعاد نص ما تكتبه‪ ،‬مرة أخرى داخل‬ ‫القارئ‪ ،‬فيكمل ما به من فراغات‪ .‬وهي‬ ‫مالحظة ذكية منك‪ ،‬بأنك الحظت أننا‬ ‫القاهرة وجيل السبعينيات‬ ‫نكتب ما يعاد إنتاجه داخــل ما نقرأه‪.‬‬ ‫¦على ذكــر جيل السبعينيات‪ ،‬وهــو جيلك‬ ‫والعمل الــذي ينتج عبر اآلخــريــن دليل‬ ‫ال ـ ــروائ ـ ــي‪ ..‬ك ـيــف تـ ــرى هـ ــذا ال ـج ـيــل من‬ ‫نــجــاح‪ ،‬وهـــذا مــا جعلني أفــهــم مقولة‬ ‫الوجهتين األدبية واإلنسانية؟‬ ‫«يوسف إدريس» أنه يتم غربلة ما نكتب‬ ‫مرة أخــرى عبر الزمن فعال‪ ،‬بحيث قد ‪ρ ρ‬جيل السبعينيات تميز بإيمانه العميق‬ ‫بوظيفة األدب والفن االجتماعية؛ لذلك‬ ‫ال يبقى من المبدع إال كتابٌ أو اثنان من‬ ‫فقد قـ ـدّم هــذا الجيل كــتــابــات أفــادت‬ ‫إجمالي خمسين كتابا!!‬ ‫ال ــواق ــع االجــتــمــاعــي‪ ،‬وأع ـ ــادت توجيه‬ ‫¦وبخالف القاريء‪ ،‬ما معيارك في تقييم‬ ‫المجتمع المصري والعربي إلى منظومة‬ ‫األديب أو الكاتب؟‬ ‫القيم الناهضة‪ ،‬كما تميز هــذا الجيل‬ ‫‪ρ ρ‬كثيرا مــا انــخــدعــت بــشــراء كتب تحت‬ ‫بحبه الشديد لما يقدمه من أجناس الفن‬ ‫عبارات رنانة تحمل عنوان «كاتب كبير»‬ ‫واألدب‪ ،‬وفي الحقيقة ال أستطيع الجزم‬ ‫ممن يجيدون عمل اإلبهار والزخم‪ ،‬لكن‬ ‫بحجم التأثير الذي تركه هذا الجيل في‬ ‫يظل معياري فيما أكتب ومقياسي لتقييم‬ ‫مصر والمصريين‪ ،‬نظراً لقسوة الحياة‬ ‫في مصر؛ فك ٌل يبني مجده الخاص كما‬ ‫الكاتب إن كان جيداً أم ال‪ ،‬بقدر ما ينجح‬ ‫يقولون‪.‬‬ ‫هــذا الكاتب أو األديــب في خلق كتّاب‬ ‫آخرين حوله‪.‬‬ ‫أما من الناحية اإلنسانية فقد جرى على‬ ‫وذلــك وفق قناعتي الخاصة بأن األدب‬ ‫هو المشترك والدائم في إطار اكتشاف‬ ‫األصيل من الدخيل في بنية المجتمع‬ ‫المصري وقت صدور الرواية‪.‬‬

‫هذا الجيل ما جرى على اإلنسان العادي‬ ‫والــمــثــقــف؛ فالكل اآلن كــيــوم الحشر‪،‬‬ ‫يجري وراء لقمة العيش‪ ،‬بينما لم تعد‬ ‫الحياة اآلن تتفهم قدر ما تكتب وقيمته‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬ه ــذا ك ــام نــاقــد‪ ،‬هــكــذا رأى‪ ،‬وهــكــذا‬ ‫أرشــدتــه وسائله التي درســهــا وأسلوبه‬ ‫في التحليل‪ ،‬وهــذا يخصه‪ ،‬لكنني كنت‬ ‫مشغوال في هذه الرواية بإثبات التجربة ‪ρ ρ‬الجفاء بيني وبين الــقــاهــرة لــه أســرار‬ ‫الحياتية والمجتمعية لفترة السبعينيات‬ ‫وأسباب كثيرة؛ لعل أهمها ذلك التحوّل‬ ‫الــســلــبــي الــرهــيــب الــــذي تــعــرضــت له‬ ‫بكل معطياتها الناهضة والمنكسرة‪،‬‬

‫¦م ــا س ــر ال ـج ـفــاء بـيـنــك وب ـيــن «ال ـقــاهــرة»‬ ‫المدينة والناس؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪113‬‬


‫الــعــاصــمــة خ ــال الــعــقــديــن األخــيــريــن‪،‬‬ ‫والذي باتت معه طموحاتي األدبية على‬ ‫المحك؛ فلم يكن من المقبول لَــديّ أن‬ ‫أنساق كغيري وراء حمّى الزخم القاهري‪،‬‬ ‫والتي تختزل تطلعات الحياة االجتماعية‬ ‫في الحصول على «شقة وسيارة»‪ ،‬كما لم‬ ‫يكن من المنطقي لــديّ ‪ ،‬أن أظل أسيراً‬ ‫لمجرد تمويل إقامتي بالقاهرة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫أفقد مشروعي األدب ــي‪ ،‬كما حــدث مع‬ ‫كثير ممّن أعرفهم من الكتّاب واألدبــاء‪،‬‬ ‫الــذيــن فــقــدوا مشروعهم األدب ــي بفعل‬ ‫استسالمهم لمغريات مــاديــة‪ ..‬لــم تتح‬ ‫لهم سوى التحرك واالنتقال فقط داخل‬ ‫حيّز ضيّق بين جريدة هنا ومجلة هناك‪،‬‬ ‫وهكذا؛ فاإلقامة بالقاهرة مكلّفة نفسياً‬ ‫ووقتياً؛ ألن ساكن القاهرة يقضي نصف‬ ‫وقته في الشارع‪ .‬وفي مصر تزداد الحياة‬ ‫اإلنسانية قسوة مع مضي الوقت؛ فحتى‬ ‫العاطفة توقفت من أجل االنشغال بجلب‬ ‫قوت اليوم‪ ،‬وهي مسألة كارثية‪ ،‬وحياة ال‬ ‫إنسانية‪ ،‬وما يجري على القاهرة في هذا‬ ‫اإلطار بالمناسبة‪ ،‬يجري خارجها‪.‬‬ ‫¦ل ـك ــن ه ــل ي ــوج ــد س ـب ــب م ـب ــاش ــر لـتــركــك‬ ‫الـ ـ ـق ـ ــاه ـ ــرة؟ وه ـ ـ ــل وجـ ـ ـ ــدت راحـ ـ ـت ـ ــك فــي‬ ‫المنصورة؟‬

‫‪114‬‬

‫ورغم أن أصدقائي من األطباء النفسيين‬ ‫يعتبرون ذلك تهرباً من تحمل المسؤولية‪،‬‬ ‫إال أن األمــر عــادي ّ بالنسبة لــي؛ فأنا‬ ‫أقرأ ما أريده ووقتما أريد‪ ..‬وال يعنيني‬ ‫هذا الــرأي كثيراً؛ ألنني أفعل ما أفعله‬ ‫بــروح الــهــوايــة‪ ،‬ولــم تعد مسألة السفر‬ ‫والترحال إلى القاهرة أو غيرها تشغلني‬ ‫إال بقدر الضرورة القصوى‪ ،‬وذلك منذ‬ ‫عــام ‪1986‬م‪ ،‬عندما تعرضت لحادث‬ ‫كبير منعني من السفر إلى إنجلترا رغم‬ ‫استعدادي التام للسفر وقتها‪.‬‬ ‫¦على ذكر القاهرة والمنصورة‪ :‬كيف ترى‬ ‫مبدع «الريف» ومبدع المدينة؟‬

‫‪ρ ρ‬نــعــم بــالــتــأكــيــد؛ فــقــد كــانــت وفـ ــاة أبــي‬ ‫المفاجئة سبباً مباشراً لتركي القاهرة؛‬ ‫حيث وجدت نفسي مسئوالً عن األسرة ‪ρ ρ‬بالتأكيد هناك فجوة كبيرة بين مبدع‬ ‫الــريــف ومــبــدع المدينة؛ وبالطبع نحن‬ ‫كاملة‪ ،‬ومــن ثم كــان ال بد أن أبقى في‬ ‫نــقــارن هنا بين المبدع خــارج القاهرة‬ ‫المنصورة‪ ،‬والتي أجد راحتي فيها فعالً؛‬ ‫والمبدع داخلها؛ لذا‪ ،‬فمن المأسوف عليه‬ ‫فأنا أعمل ما يــروق لي‪ ،‬وفي أي وقت‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫حقاً‪ ،‬أن تظل المركزية الطاغية للقاهرة‬ ‫تاريخياً‪ ،‬ماثلة وحاضرة إلى اآلن‪ ،‬ورغم‬ ‫أن السادات كان أول من حــاول خلخلة‬ ‫هــذه المركزية فــي السبعينيات‪ ..‬من‬ ‫خــال إنشاء مــدن بعيدة عن القاهرة‪،‬‬ ‫بين السياسي والثقافي‬ ‫كمدينة الــســادس مــن أكــتــوبــر‪ ،‬ومدينة‬ ‫¦أش ــرت إلــى عـيــوب المثقفين‪ ..‬م ــاذا عن‬ ‫الــســادات وغــيــرهــا‪ ،‬إال أن هــذه المدن‬ ‫أهم هذه العيوب؟‬ ‫لــم تبتعد كثيراً عــن الـ ــدوران فــي فلك‬ ‫المركزية القاهرية‪ ،‬ومن ثم ظل لزاماً ‪ρ ρ‬أهــم هــذه الــعــيــوب هــي ارتــمــاء المبدع‬ ‫والمثقف فــي أحــضــان الــدولــة بكيفية‬ ‫على مبدع الريف أن يأتي إلى القاهرة‬ ‫تحرمه من االستقاللية اإلبداعية‪ ،‬وهي‬ ‫إذا أراد أن يبرز إبداعه للناس والعالم‪ ،‬بل‬ ‫ظاهرة أراهــا تاريخية منذ قيام محمد‬ ‫يظل يتوجب على مبدع الريف لكي يظهر‪،‬‬ ‫علي بــاشــا فــي مصر بــإرســال البعثات‬ ‫أن يبدع وينتج ثالثة أضعاف ما يبدعه أو‬ ‫العلمية والثقافية‪ ،‬والتي عادت إلى مصر‬ ‫ينتجه قرينه في المدينة‪ .‬ولكن رغم ذلك‪،‬‬ ‫بروح االنتماء والوالء للمؤسسة الرسمية‬ ‫يبقى مبدع الريف أو مبدع خارج القاهرة‬ ‫دون سواها؛ ما أحــدث عوجاً في بنية‬ ‫أكثر تمكنًا من أدواته‪ ،‬وأكثرعرضة للنقد‬ ‫المثقفين المصريين ال يزال أثره حاضراً‬ ‫وأكثر تجويدا؛ فالقاهرة التي ال ترحم‪،‬‬ ‫إلى اآلن‪ .‬ولم يخرج عن هذا اإلطار سوى‬ ‫بها آلة ضخمة من النشر‪ ،‬دفعت المبدع‬ ‫اثنين فقط هما «طه حسين» و«عبداهلل‬ ‫القاهري إلى االكتفاء بأقل القليل لكي‬ ‫النديم»‪ ،‬اللَّ َذيْن أثّرا بصفتهما المؤسسية‬ ‫يرضي هذه اآللــة من جهة‪ ،‬ويلتحق هو‬ ‫خارج مؤسسة الدولة‪ ،‬بينما كان يتوجب‬ ‫بـ ــدوره بــاإلعــام والــصــحــافــة مــن جهة‬ ‫على غيرهما أن يكون مسئوالً رسمياً‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫حتى يستطيع أن يقدّم إبداعاً جيداً‪ .‬وأنا‬ ‫¦برأيك هل الشللية في الساحة األدبية‬ ‫لست ضد االنتماء للدولة بصفة عامة‪،‬‬ ‫والثقافية تعد سبب ًا فــي تهميش مبدع‬ ‫ولكني ضد طغيان مفهوم الــدولــة على‬ ‫الـ ــريـ ــف وتـ ـق ــدي ــم مـ ـغـ ـم ــوري األدب فــي‬ ‫مفهوم الثقافة؛ إذ يجب أن يكون المثقف‬ ‫المدينة؟‬ ‫حراً من تأثير الدولة‪ .‬وإن كان بعض هذا‬ ‫‪ρ ρ‬طبعا يحدث هذا؛ لعيوب في المثقفين‬ ‫تَ َغيَّر كثيرا في الفترة األخيرة‪ ،‬إنما هي‬ ‫من جانب‪ ،‬وفي هذه الشللية التي أقاوم‬ ‫سمة تاريخية؛ أن تظل إما إلى يسار أو‬ ‫مساوئها باستمرار‪ ،‬من جانب آخر‪ ،‬إنما‬ ‫يمين أو قلب الدولة‪ .‬وغير ذلك يكون من‬ ‫هــذه الشللية ضــروريــة‪ .‬فقد أصبحنا‬ ‫الصعب أن تؤثر ككاتب أو مبدع بشكل‬ ‫عام‪.‬‬ ‫نعيش في عالم ال نعرف فيه جيراننا‬ ‫وال من شاركوننا إبداعنا نفسه؛ وبالتالي‬ ‫أراها ضرورية وإن كانت معطّ لة‪ ،‬خاصة‬ ‫فــي ظــل غيبوبة األحـ ــزاب السياسية‪،‬‬ ‫وانعدام الحياة السياسية النشطة‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫¦ب ــرأي ــك م ــا الـ ــذي ي ـتــوجــب ع ـلــى الـكــاتــب‬ ‫وال ـم ـث ـقــف فـعـلــه لـلـحـفــاظ ع ـلــى زخـ ِـمــهِ‬ ‫األدبـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ــي ظ ـ ــل اش ـ ـت ـ ـبـ ــاك ال ـس ـي ــاس ــة‬ ‫وهيمنتها؟‬ ‫‪ρ ρ‬في ظل واقــع غير إنساني ال ينهض إال‬ ‫بفعل السياسة‪ ،‬تتوارى القيم‪ ،‬ويتوارى‬ ‫الفن واألدب إلى مرتبة ثانية أو ثالثة‪،‬‬ ‫وفي مثل هذه الوضعية‪ ،‬وعندما تكون‬ ‫النار مشتعلة‪ ..‬فال مجال للفن أو لألدب‬ ‫النشغالنا بإطفائها أوالً‪ ،‬وبالفعل النار‬ ‫مشتعلة منذ زمــن؛ لــذا‪ ،‬فإن الكاتب أو‬ ‫األديب أو المثقف الذي ينوي كتابة قصة‬ ‫أو قصيدة أو رواية‪ ،‬يتوجب عليه أن يلوذ‬ ‫بنفسه قليال‪ ،‬وينفصل عن مؤثرات الحياة‬ ‫الكثيرة والبشعة والقاسية والالإنسانية‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬بالتأكيد نعم‪ ،‬وخداعه ليس ألنه يعرف‬ ‫الحقيقة ويجهلها أو يتغاضى عنها‬ ‫لحساب أن يكون أُلْعَبانًا‪ ،‬بل ألنه يفهم‬ ‫السياسة على أنــهــا هــكــذا‪ ،‬وأن ــك لكي‬ ‫تكون سياسياً‪ ..‬فال بد أن تكون ألعباناً‬ ‫تجيد القفز على جميع الحبال‪ .‬ولألسف‬ ‫النظرة الحقيقية لمجتمع األدب في‬ ‫مــصــر‪ ،‬أنـــه يــوظــف تــوظــيــفــا لحساب‬ ‫السياسة‪ ،‬وبغرض مكاسب محدودة؛ إنما‬ ‫الباقي والثابت طــوال التاريخ هو الفن‬ ‫واألدب؛ فالناس تتذكر المبدع وليس‬ ‫السياسي أو الحاكم‪ ،‬ونقاد األدب والفن‬ ‫في أي أمة‪ ،‬هو تراكم للمعرفة مطلوب‬ ‫ومهم جداً‪.‬‬ ‫¦المفاهيم القديمة كالناصرية والقومية‬ ‫العربية هل ما تــزال قابلة للتداول اآلن‬ ‫كما هي؟‬

‫¦عـلــى ذك ــر اش ـت ـبــاك الـسـيــاســة بــالـثـقــافــة‪،‬‬ ‫ب ــرأي ــك م ــا ال ـ ــذي ي ـع ـكــر ص ـفــو ال ـعــاقــة‬ ‫الحالية بين السياسة من جانب واألدب ‪ρ ρ‬ال‪ ،‬كــل هــذه المفاهيم أصبحت بالية‪،‬‬ ‫بفعل مــا نعيشه مــن الــفــوضــى‪ ،‬وكنت‬ ‫من جانب آخر؟‬ ‫أتمنى أن توجد في المجتمع تلك البنية‬ ‫‪ρ ρ‬أَنَّ كليهما صار غير إنساني؛ فالسياسة‬ ‫الواضحة لكل تلك التوجهات من ليبرالي‬ ‫تتخذ قـــرارات بعيدة عــن الــواقــع وعن‬ ‫وناصري وماركسي‪ ..‬إلــخ‪ ،‬لكننا نعاني‬ ‫حياة الــنــاس‪ ،‬واألدب يناقش القضايا‬ ‫شخصا‬ ‫ً‬ ‫من السيولة الفكرية التي تجعل‬ ‫اإلنسانية التي يــراهــا مهمة‪ .‬وال شك‬ ‫شيوعيًا يتكلم صفحة كاملة عن رحلته‬ ‫أن هناك مسافة بين االثنين؛ فالسياسة‬ ‫إلى الحج!! ولكنّي أعتقد أن ما ينتظرنا‬ ‫هي القائد والموجه للواقع اآلن‪ ،‬وقرا ٌر‬ ‫هو مرحلة ليبرالية يقف فيها كل شخص‬ ‫ســيــاســيٌ واح ـ ــد‪ ..‬بــإمــكــانــه أن يذهب‬ ‫عند حدود المساحة المخصصة له‪.‬‬ ‫بالبشرية وبالفنانين وبــاألدبــاء إمــا إلى‬ ‫الجنة الموعودة‪ ،‬أو إلى جهنم!!‬ ‫الترجمة والسينما‬ ‫¦بــرأيــك‪ ،‬هــل يجيد السياسي فــي عالمنا‬ ‫خداع المثقف؟‬

‫‪116‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫¦هل ترى حركة الترجمة العربية بصورتها‬ ‫الـحــالـيــة ق ــادرة عـلــى مــواكـبــة التنافسية‬


‫‪ρ ρ‬بــالــطــبــع ال‪ .‬أقــولــهــا وب ــك ــل ص ــرام ــة؛‬ ‫فالمؤسسات الدولية ترسل لقطاعات‬ ‫¦مـ ــاذا ع ــن رأيـ ــك ف ــي ال ـم ـســرح الـمـصــري‬ ‫الترجمة بوزارات الثقافة‪ ،‬فتقوم الوزارات‬ ‫حالياً؟‬ ‫بترشيح األسماء التي يعرفونها‪ ،‬ثم يترتب‬ ‫‪ρ ρ‬الــمــســرح الــمــصــري (ف ــي األرض)‪ ،‬يا‬ ‫على ذلــك ترجمة كتابات ال تعبر عن‬ ‫صــديــقــي‪ ،‬الــمــســرح الــنــاهــض للشعوب‬ ‫المستوى الحقيقي لألدب والرواية لدينا‪،‬‬ ‫الناهضة‪ ،‬والعكس صحيح!!‬ ‫وبالطبع ال يخلو األمر من مجاملة هنا‬ ‫راض عــن تجربتك في‬ ‫¦إلــى أي حــد أنــت ٍ‬ ‫أو مجاملة هناك‪ ،‬فهناك حالة «هرجلة»‬ ‫الكتابة للطفل والطفولة؟ وهــل هناك‬ ‫وفوضى شاملة‪ ،‬خاصة في الحالة األدبية‬ ‫نية للعودة مجدد ًا لهذا العالم؟‬ ‫المصرية؛ فمن يتذكرونه يمنحونه جائزة‬ ‫مــن جــوائــز الــدولــة‪ ،‬أق ــول ذلــك ووزيــر ‪ρ ρ‬بالتأكيد لستُ راضــيـاً كل الــرضــا؛ فال‬ ‫الثقافة صديقي!! والمعنى أن االختيارات‬ ‫تزال الكتابة للطفل تحتاج مني إلى عطاءٍ‬ ‫تتم دون تمحيص وال موضوعية‪ ،‬ليس‬ ‫أكثر من الحاصل‪ ،‬خاصة وأنني أشعر‬ ‫بسبب سوء القصد‪ ،‬بل انعكاس للواقع‬ ‫خــال السنوات السبع األخــيــرة بضياع‬ ‫الفوضوي‪.‬‬ ‫الكثير من القيم تحت وطأة الفوضى التي‬ ‫¦ه ــل ف ـك ــرت ف ــي ت ـقــديــم إحـ ــدى رواي ــات ــك‬ ‫نعيشها‪ ،‬وبالفعل لديَّ النيّة للعودة مجدداً‬ ‫للسينما؟‬ ‫لعالم الطفل والطفولة‪ ،‬ومؤخراً أرسلت‬ ‫ست قصص لـ «قطر الندى»‪ ،‬ورغــم أن‬ ‫‪ρ ρ‬فكرت بالفعل‪ .‬ولك ْن لكَ أن تتصور أن‬ ‫الكتابة للطفل مرهقة جداً بالنسبة لي؛‬ ‫روايتي األولــى «بشاير اليوسفي» كانت‬ ‫تتكلم عن إجهاض نتائج حــرب أكتوبر‬ ‫ألني أكتب القصة بعين الطفل‪ ،‬إال أنّ‬ ‫بسبب السياسة‪ ،‬وهــو ما استحال معه‬ ‫الــعــودة إلــى هــذا العالم تستحوذ على‬ ‫تقديمها للسينما؛ فكيف يتم عمل رواية‬ ‫اهتمامي بكل تأكيد‪.‬‬ ‫تــديــن الــتــوجــه الــســيــاســي وتــعــلــي شــأن‬ ‫¦في الختام‪ ،‬كلمة أخيرة لمجلة الجوبة‬ ‫التوجه العسكري‪ ..‬هناك عقبة دائمة‬ ‫الثقافية؟‬ ‫فيما أكــتــب‪ ،‬وأنــا أرفــض إ ّال أ ْن يؤخذ‬ ‫عملي كله وال يقتطع منه؛ فالكاتب هو ‪ρ ρ‬في تقديري الشخصي أن العمل المنتج‬ ‫هــو السبيل الــوحــيــد لنهضة أي أمــة‪،‬‬ ‫مــوقــف الــمــعــارض دائــمــا‪ ،‬أي المضيء‬ ‫ومجلة الجوبة تمثل فئة المنجز الثقافي‬ ‫بمنطقة خطرة ووعــرة‪ ،‬هــذه وظيفته‪..‬‬ ‫المحترم‪ ،‬وســوف أعكف على قراءتها‬ ‫وليس له وظيفة غير ذلك‪ .‬وبصفة عامة‪،‬‬ ‫أرى في سينما داوود عبدالسيد حالة‬ ‫ومتابعتها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫األدبية العالمية؟‬

‫ناهضة أستمتع بها‪ ،‬وتع ّد استثنا ًء في ظل‬ ‫السيولة الفكرية التي نعيشها في مصر‪.‬‬

‫‪117‬‬


‫فهد ردة الحارثي‬

‫المسرح السعودي ينافس بقوة الحركة المسرحية العربية‬ ‫مسرحي متميز‪ .‬أوقف مشروعه اإلبداعي على التأليف المسرحي‪ .‬كوّن فرقة‬ ‫ٌّ‬ ‫مسرحية تميزت في المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية‪ .‬لفت انتباه‬ ‫المسرحيين داخــل المملكة وفي جميع أنحاء العالم العربي‪ ،‬فمنحوه الجوائز‬ ‫ورش لتعليم التمثيل المسرحي‪ ،‬والتأليف بجمعية‬ ‫والتكريمات‪ .‬داوم على إقامة ٍ‬ ‫الثقافة والفنون بمحافظة الطائف‪.‬‬ ‫آمن بالتجريب‪ ..‬فقدم أكثر من اتجاه في المسرح مثل‪ :‬الملحمي والحكواتي‬ ‫وقالب المونودراما‪ .‬له أعمال مسرحية متميزة منها‪« :‬يا رايح الوادي»‪»،‬بيت العز»‪،‬‬ ‫«شدت القافلة»‪ »،‬النبع»‪« ،‬البابور»‪ »،‬أنا مسرور يا قلعة»‪« ،‬زبن خليك رجال»‪« ،‬الفنار»‪،‬‬ ‫«البروفة األخيرة»‪« ،‬المحتكر»‪ »،‬لعبة كراسي»‪« ،‬بــازار»‪ .‬كما كتب نصوصا متميزة‬ ‫منها‪« :‬يوشك أن ينفجر»‪« ،‬عندما يأتي المساء»‪« ،‬ملف إنجليزي»‪« ،‬شروق مريم»‬ ‫«سفر الهوامش»‪.‬‬ ‫■ حاورته‪ :‬هالة موسى‬

‫‪118‬‬

‫¦ما هي أهم العتبات الفنية التي مرت‬

‫أصنع أسلوبي الكتابي مــن خالل‬

‫بحياتك طوال مشوارك المسرحي؟‬

‫مشاريع مسرحية‪ ،‬بــدأت بمسرح‬

‫‪ρ ρ‬كثيرة‪ ..‬من أهمها اإليمان بمشروع‬

‫الــحــركــة وحــركــة الــمــســرح‪ ،‬حيث‬

‫كتابي جديد حاولت من خالله أن‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫الــحــوارات الصغيرة السريعة التي‬


‫كــانــت بحاجة لمن يتبناها ويــؤمــن بها‬

‫وهذا ما تحقق لي من خالل الزمالء في‬ ‫ورشة العمل المسرحي بالطائف‪ ،‬وككل‬

‫شيء مختلف عن السائد كان هنالك شك‬ ‫وتشكيك وحــروب صغيرة هنا وهناك‪..‬‬ ‫لكني مضيت نحو مشاريعي الكتابيه‬

‫بمساندة فرقة مسرحية تبنت مشاريعي‬ ‫وساعدتني وقدمت لي الكثير‪.‬‬

‫¦ف ــي شـ ـه ــادة إب ــداعـ ـي ــة ل ــك ف ــي ال ـم ـســرح‬ ‫نيوز‪ ..‬صرحت أنك اعتذرت عن كثير من‬ ‫المهرجانات العربية والدولية‪ ..‬لماذا؟‬ ‫رغـ ــم أن ال ـم ـشــاركــة تـحـقــق ل ــك خ ـبــرات‬ ‫ومعارف وتجارب مختلفة ومغايرة‪..‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫‪ρ ρ‬شـــــاركـــــت فــي‬ ‫يــــدفــــع بــعــضــهــا‬ ‫المسرح النسوي السعودي‪ ..‬رغم‬ ‫ضــعــف مــا اعــتــذرت‬ ‫بعضاً‪ ،‬ثم مشروع‬ ‫أنه مدعوم من وزارة الثقافة ومن‬ ‫عنه أعمالي‪ ،‬عرضت‬ ‫وجــــود مــقــاربــات‬ ‫شركات اإلنتاج إال أنه يفتقد‬ ‫لمقومات العمل المسرحي‬ ‫فــــي (‪ )35‬مــديــنــة‬ ‫بــيــن لــغــة الــحــوار‬ ‫الناجح‪.‬‬ ‫عربية و(‪ )12‬مدينة‬ ‫في المسرح ولغة‬ ‫ســـــعـــــوديـــــة‪ ..‬وفـ ــي‬ ‫السرد في القصة‪،‬‬ ‫وظيفتي قيدت بعض مشاركاتي‪.‬‬ ‫رصــيــدي مــا يتجاوز‬ ‫وجـ ــعـ ــل الـ ــحـ ــوار‬ ‫ال يضيف اللقب أو الصفة‬ ‫(‪ )150‬مــهــرجــانــاً‬ ‫يدفع نفسه ويدفع‬ ‫لإلنسان شيئ ًا مالم يقدم الكثير‬ ‫محلياً وعربياً شاركت‬ ‫الـــحـــدث وصـــوال‬ ‫ويظل اسمك هو المهم وعملك‬ ‫بــهــا‪ ..‬وحــقــقــت هــذه‬ ‫للعبة المسرحية‪،‬‬ ‫هو األهم‪ ..‬وتظل األلقاب مجرد‬ ‫حلية ال تصنع الكثير‪.‬‬ ‫المشاركات ما يزيد‬ ‫ثم مشروع مسرح‬ ‫ع ــن ســبــعــيــن جــائــزة‬ ‫الــــمــــونــــودرامــــا‬ ‫مـ ــسـ ــرحـ ــيـ ــة‪ .‬بـ ــاب‬ ‫وإيــجــاد مقاربات‬ ‫االعتذار كان دوماً يأتي من عدم تفرغي‬ ‫فيه مــع الــســرد والــســارد والــحــكــواتــي‪،‬‬ ‫للمسرح وارتباطي بوظيفه أخرى قيدت‬ ‫وأخيراً كان مسرح اليوميات والنصوص‬ ‫بعض الشيء من مشاركاتي‪..‬‬ ‫القصيرة وتكويناتها‪ ،‬كل هذه المشاريع‬ ‫¦شاركت في ملف مجلة ذوات عن المسرح‬ ‫العربي وتحوالته‪ ..‬ترى ما هي التحوالت‬ ‫الكبرى التي لحقت بالحركة المسرحية‬ ‫العربية؟ وما هو مضمون مشاركتك في‬ ‫هذا الملف المسرحي العميق باختصار؟‬ ‫‪ρ ρ‬كثيرة هي التحوالت التي صنعتها ظروف‬ ‫اجتماعية واقتصادية وسياسية‪ ..‬لو عدنا‬ ‫لمسرح الستينيات‪ ،‬وقارنّا الوضع بما هو‬ ‫حاصل فــي السبعينيات والثمانييات‪،‬‬ ‫ومضينا نحو األلفية الثانية‪ ..‬سنجد‬ ‫حاالت من التحوالت وخصوصاً مع ظهور‬ ‫بدائل كثيرة ومتنوعة‪ ،‬ووسائط حديثة‬ ‫مشغلة وملهية‪ ،‬بقي للمسرح بريقه‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪119‬‬


‫لكن كان مجرد فن من ضمن فنون كثيرة‪،‬‬ ‫ووســيــط تقليدي قــديــم وســط وسائط‬ ‫¦لـمــاذا ال نجد ورش ـ ًا للكتابة المسرحية‬ ‫حديثة أكثر‪ ،‬حتى اتجاهات المسرح‪..‬‬ ‫في المملكة تليق بحركة المسرح فيها؟‬ ‫تغيرت نوعية نشاطه‪ ،‬شكله‪ ،‬العاملين‬ ‫‪ρ ρ‬يوجد ورش كتابة‪ ،‬عَ نّي شخصياً قدمت‬ ‫بـــه‪ ،‬كــــادت الــمــواســم الــمــســرحــيــة أن‬ ‫خـــال الــعــامــيــن األخــيــريــن لجامعتي‬ ‫تختفي‪ ،‬وظهرت المهرجانات المسرحية‬ ‫الــطــائــف والـــدمـــام‪ ،‬واألن ــدي ــة األدبــيــة‬ ‫وتكاثرت‪ ،‬وأنجب بعضها بعضاً‪ ،‬وقلّت‬ ‫بالطائف ومكة وحائل وجدة‪ ،‬وقدم أكثر‬ ‫قيمتها ونوع عروضها‪ ..‬الموضوع طويل‬ ‫مــن صــديــق الــعــديــد مــن ورش الكتابة‬ ‫ويــحــتــاج لــدراســات مــطــولــه‪ ..‬وه ــذا ما‬ ‫المسرحية‪ ،‬ولدينا مــواهــب كثيرة في‬ ‫حــاولــت مجلة ذوات البحث عنه ومنه‬ ‫هذا المجال يحتاجون للصقل والرعاية‪،‬‬ ‫وفيه وبه‪.‬‬ ‫وفي دولة مثل السعودية‪ ..‬باتساع رقعتها‬ ‫¦ ُأطــلِ ــق عليك عــراب المسرح السعودي‪..‬‬ ‫الجغرافية‪ ،‬دون شك نحن بحاجة للمزيد‬ ‫من الذي أطلق عليك هذا المسمى؟ وما‬ ‫من الورش التدريبية في مختلف جوانب‬ ‫داللته؟‬ ‫المسرح‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬بكل الــصــدق‪ ..‬ال أع ــرف‪ .‬وجــدت هذا‬ ‫¦لـ ـ ـم ـ ــاذا ت ـغ ـي ــب الـ ـ ـم ـ ــرأة الـ ـسـ ـع ــودي ــة عــن‬ ‫الــمــســمــى يــطــاردنــي م ــن قــبــل طــابــي‬ ‫ال ـم ـشــاركــة الـفـعــالــة‬ ‫وأص ــدق ــائ ــي‪ ،‬وهــو‬ ‫في المسرح تمثيال‬ ‫في دولة مثل السعودية باتساع‬ ‫بكل الصدق ال يعني‬ ‫وك ـتــابــةً وإخ ــراج ــا‪..‬‬ ‫رقعتها الجغرافية‪ ،‬دون شك‬ ‫لــي أكــثــر مــن حالة‬ ‫نحن بحاجة للمزيد من الورش‬ ‫رغ ـ ـ ـ ــم أن ال ـ ـح ـ ـيـ ــاة‬ ‫وف ــاء مــن أصــدقــاء‬ ‫التدريبية في مختلف جوانب‬ ‫تقوم على عنصرين‬ ‫أوفــيــاء‪ ،‬فيما عدا‬ ‫المسرح‪.‬‬ ‫أساسين هما الرجل‬ ‫ذلـــــك‪ ..‬ال يضيف‬ ‫والمرأة؟‬ ‫المسرح هو في ذيل اهتمامات‬ ‫الــلــقــب أو الصفة‬ ‫وزارة الثقافة‪ ..‬وربما القادم اآلن‬ ‫‪ρ ρ‬هي غير غائبة‪..‬‬ ‫لإلنسان شيئاً ما لم‬ ‫يبشر بالخير بحكم تصاريح‬ ‫فــــهــــي مـــــوجـــــودة‬ ‫يقدم هو لها الكثير‪،‬‬ ‫معالي وزير الثقافة واإلعالم‬ ‫بقدر قدراتها على‬ ‫دومـــاً يظل اسمك‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫المنافسة والحضور‬ ‫هــو المهم وعملك‬ ‫المصري‪..‬‬ ‫القومي‬ ‫المسرح‬ ‫ظهور‬ ‫في التأليف‪ ،‬هنالك‬ ‫هـــو األهـــــم وتــظــل‬ ‫بحكم عدد العروض وخدمة‬ ‫مــلــحــة الــعــبــداهلل‪،‬‬ ‫األلقاب مجرد حلية‬ ‫اإلعالم له‪.‬‬ ‫ورجاء عالم‪ ،‬وعبير‬ ‫ال تصنع الكثير‪.‬‬

‫‪120‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫¦هل تضع وزارة الثقافة السعودية الحركة‬ ‫الـمـســرحـيــة عـلــى قــائـمــة أولــويــاتـهــا مثل‬ ‫الشعر والرواية؟‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫نفسه‪ ،‬لم يصل لحالة العرض المسرحي‬ ‫المتكامل‪ ،‬هي محاوالت لصنع الحالة‬ ‫فقط‪ ..‬وهي تفتقد للمشروع‪ ،‬وتتكئ على‬ ‫دعم كبير من وزارة الثقافة ومن شركات‬ ‫اإلنتاج؛ لكنها تفتقد جداً لمقومات العمل‬ ‫المسرحي الناجح حتى اآلن‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬أتصور أنــه في ذيــل االهتمامات‪ ،‬ربما‬ ‫القادم اآلن يبشر بالخير بحكم تصريحات‬ ‫جــيــدة لمعالي وزي ــر الثقافة واإلع ــام‬ ‫الجديد‪ ،‬كما أن هنالك هيئة مستقلة‬ ‫للثقافة تتشكل حالياً‪ ،‬وسيكون لها دور‬ ‫في الدعم‪ ،‬وكذلك األمر في ظل تشكيل‬ ‫جــديــد لمجلس إدارة جمعية الثقافة‬ ‫والفنون بقيادة الدكتور عمر السيف‪..‬‬ ‫وحــديــثــه المستمر عــن دعــم المسرح‪،‬‬ ‫األمور مبشرة ونحن في االنتظار‪..‬‬

‫الباز في اإلخــراج‪ .‬هنالك أكثر من اسم‬ ‫يجتهدن في مجال المسرح النسائي في‬ ‫الديكور والتصميم والمكياج وفي التمثيل‬ ‫فــي المسرح النسائي‪ ،‬فــي المقارنة‪..‬‬ ‫سنجد المشكلة عربية وليست سعودية‪..‬‬ ‫بمعنى كم مؤلفة عربية مقابل المؤلفين؟!‬ ‫كــم مــخــرجــة مــقــابــل الــمــخــرجــيــن؟! كم‬ ‫مصممه إضاءة وديكور مقابل الرجال؟!‬ ‫مسرحا سعوديًا‬ ‫ً‬ ‫¦هل يمكن أن نجد قريبًا‬ ‫العدد قليل دون شك‪ .‬وفي الخالصة‪..‬‬ ‫يرتاده الرجال والنساء سويًا دون حرج أو‬ ‫هذا مجال لمن يثبت نفسه أكثر‪ ،‬ومن‬ ‫وحجب؟‬ ‫ْ‬ ‫منع‬ ‫يواصل عمله دون تصنيف‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬هــو مــوجــود األن‪ ..‬كثير مــن الــعــروض‬ ‫¦مــن خــال متابعتي المتواضعة لحركة‬ ‫والــمــهــرجــانــات تهتم بتخصيص مكان‬ ‫المسرح السعودي الـنـســوي‪ ..‬هــل يمكن‬ ‫للنساء‪ ،‬وتعلن عن ذلك‪ .‬وأصبح الحضور‬ ‫أن نطلق عـلــى تـلــك الـتـجــارب مصطلح‬ ‫للرجال والنساء والــعــائــات فــي أغلب‬ ‫مسرح نسوي؟ وهل تشكلت مالمح حركة‬ ‫العروض التي تقدم اآلن‪.‬‬ ‫مسرحية نسوية في المملكة؟‬ ‫¦مــا رأي ــك فــي مـهــرجــان الـمـســرح القومي‬

‫‪ρ ρ‬ال أعتقد ذل ــك‪ ..‬مــا يــزال األمــر يشكل‬

‫ال ـم ـص ــري؟ وه ــل ن ـجــد قــري ـ ًبــا مـهــرجــانــا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪121‬‬


‫قوميا للمسر ح في المملكة أو حتى في‬ ‫الخليج؟‬

‫‪122‬‬

‫أحمد األحمري‪ ،‬سامي الزهراني‪ ،‬عباس‬ ‫الحايك‪ ،‬صالح زمانان‪ ،‬سلطان الغامدي‪،‬‬ ‫سلطان النوه‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬مصر أم الدنيا وأم الفنون‪ ..‬ومهرجاناتها‬ ‫¦متى يمكن أن نقول لدينا مسرح سعودي‬ ‫ال تنقطع طوال العام‪ ،‬ومهرجان المسرح‬ ‫يـنــافــس ال ـحــركــات الـمـســرحـيــة فــي بقية‬ ‫القومي يلعب دوراً مهماً في تكوين حركة‬ ‫الوطن العربي؟‬ ‫المسرح المصري وحــراكــه وتشكيلهما‬ ‫ورصدهما؛ وله ما يماثله في جميع الدول ‪ρ ρ‬هو منافس اآلن بحضوره وجوائزه خالل‬ ‫العربية‪ ،‬لكن ظــهــور الــمــســرح القومي‬ ‫عــام ‪2006‬م‪ ،‬حقق هــذا المسرح (‪)40‬‬ ‫المصري‪ ..‬بحكم عدد العروض وخدمة‬ ‫جائزة عربية‪ ..‬وهذا يدل على نجاحاته‬ ‫اإلعالم له‪.‬‬ ‫وقدرته على المنافسة‪ .‬هو اآلن بحاجة‬ ‫لتركيز اشتغاله محلياً‪ ،‬فال يكفي النجاح‬ ‫¦مــا هــي أب ــرز األس ـم ــاء ال ـتــي لـهــا دور في‬ ‫الخارجي عن النجاح الداخلي‪ ،‬هنالك‬ ‫الحركة المسرحية السعودية؟‬ ‫حاجة لدعم العروض الداخلية وتوفير‬ ‫‪ρ ρ‬كثيرة هي‪ ،‬وكل من يعمل بهذا المسرح‬ ‫فرص العمل لها‪.‬‬ ‫يــســتــحــق أن ي ــذك ــر اسـ ــمـ ــه‪ .‬هــنــالــك‬ ‫¦هل يمكن أن نجد معهدا عاليا للفنون‬ ‫عبدالرحمن المريخي‪ ،‬وعبدالرحمن‬ ‫الـمـســرحـيــة فــي الـسـعــوديــة أو أكــاديـمـيــة‬ ‫الــحــمــد‪ ،‬ومــحــمــد الــهــويــمــل‪ ،‬وراشـ ــد‬ ‫للفنون؟‬ ‫الــشــمــرانــي‪ ،‬وعــبــدالــعــزيــز الصقعبي‪،‬‬ ‫وأحــمــد األحــمــري‪ ،‬وســامــي الــزهــرانــي‪ρ ρ ،‬هنالك خطة في المجمع الملكي للفنون‪،‬‬ ‫ومساعد الزهراني‪ ،‬ومحمد الجفري‪،‬‬ ‫وهنالك خطط في أكثر من جامعة نحو‬ ‫وعباس الحايك‪ ،‬وخالد الحربي‪ ،‬وأحمد‬ ‫ذلــك‪ ،‬ومنها جامعة الطائف‪ .‬وهنالك‬ ‫ال ــس ــروي‪ ،‬وجــمــعــان الــذويــبــي‪ ،‬ونــاصــر‬ ‫معاهد خاصة تنتظر الترخيص لتعمل‪،‬‬ ‫الظافر‪ ،‬وعبدالباقي بخيت‪ ،‬وعبدالعزيز‬ ‫وهي اآلن تقدم دورات متخصصة‪.‬‬ ‫الــســمــاعــيــل‪ ،‬ونــــوح الــجــمــعــان‪ ،‬وعــلــي‬ ‫¦م ـ ــا ه ـ ــي أهـ ـ ــم مـ ـش ــاريـ ـع ــك ال ـم ـس ــرح ـي ــة‬ ‫الــغــونــيــم‪ ..‬أخــشــى أن أك ــون قــد نسيت‬ ‫المستقبلية؟‬ ‫الكثير أيضا‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬عدة أعمال جديدة مع بداية العام الجديد‬ ‫¦مــن تــرشــح لـجــائــزة مـســرحـيــة كـبــرى من‬ ‫مع الصديق سامي الزهراني‪ ،‬ومع رفيق‬ ‫المسرحيين السعوديين؟‬ ‫دربي أحمد األحمري‪ ،‬ومشاركات داخلية‬ ‫وخارجية لمسرحية تشابك‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬كُثر أيــض ـاً‪ ..‬وقــد حقق ذلــك مــن قبل‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫المنهج النفسي في النقد‬ ‫رؤية تنظيرية‬ ‫■ أ‪ .‬د‪ .‬صبري مسلم حمادي*‬

‫ينفَذ هــذا النمط مــن النقد إلــى النص الفني عبر الـظــاهــرة النفسية التي‬ ‫يستثمرها ويفيد منها‪ ،‬من أجل إضاءة الجانب الفني‪ ،‬ويخشى على النقد النفسي‬ ‫من أن يتحول إلى علم نفس‪ ،‬وأن يكون توغله في هذا التخصص الحديث نسبي ًا‬ ‫على حساب الجانب الفني؛ وإذا ما حرص الناقد على طرفي المعادلة (النص‬ ‫الفني وعلم النفس) بحيث ال يطغى أحدهما على اآلخــر‪ ،‬فــإن النقد النفسي‬ ‫مناسب للدخول إلى رحاب بعض األعمال الفنية الشعرية أو السردية دون سواه‬ ‫من المداخل النقدية‪.‬‬ ‫أفاد النقد النفسي كثيراً من أفكار‬ ‫الطبيب وعالم النفس سيجموند فرويد‪،‬‬ ‫ومنها فكرة الشعور والالشعور‪ ،‬أو الوعي‬ ‫والالوعي‪ ،‬وأفكار أخرى منها تقسيمه‬ ‫النفس إلى األنا واألنا العليا والـ (هـي)‪،‬‬ ‫وتفسيره التاريخ مــن منطلق نفسي‪،‬‬ ‫وقــد أســنــد أفــكــاره النفسية بثقافته‬ ‫الفولكلورية واألســطــوريــة العريضة‪.‬‬ ‫وعلى سبيل االستدالل نذكر أنه استعار‬ ‫مصطلح عــقــدة أودي ــب مــن مسرحية‬ ‫«أوديبيوس ملكا»‪ ،‬للكاتب المسرحي‬

‫اإلغريقي سوفوكليس‪ ،‬وينطبق هذا‬ ‫على مصطلحات نفسية أخرى استمدها‬ ‫سيجموند فرويد من التراث اإلغريقي‬ ‫المسرحي والملحمي‪ .‬ولسيجموند‬ ‫فرويد آراء نافذة في تفسير األحالم‪،‬‬ ‫كما أن له كتابًا عن النبي موسى عليه‬ ‫السالم يحلل فيه الديانة اليهودية من‬ ‫منطلق نفسي‪ ،‬ولديه أفكار عن إبليس‬ ‫رمز الشر في هذا العالم‪ .‬وهو ماه ٌر‬ ‫في تأويل النصوص اإلبداعية والنفاذ‬ ‫إليها من المدخل النفسي؛ ما جعله‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪123‬‬


‫بدراسة تحليلية لمأساة هاملت‪ ..‬منتهياً إلى‬ ‫مؤسساً للمنهج النفسي في النقد‪.‬‬ ‫وجاء أحد أبرز طلبته كارل غوستاف يونج أن هذه المسرحية ليست سوى تصوير مقنع‬ ‫الذي عرف اسمه مقترناً بفكرة الالشعور بعناية بالغة لحب صبي ألمه‪ ،‬وما نتج عن‬ ‫بغض ألبيه وغيرةٍ منه(‪.)1‬‬ ‫الجمعي‪ ،‬التي أفــاد منها النقد النفسي‪ ،‬ذلك الحب من ٍ‬ ‫كما أف ــاد منها نمط آخــر مــن النقد هو‬ ‫ويلخص إمبرت المنطلق األساس للمنهج‬ ‫النقد األسطوري‪ ،‬الذي يستفيد من بعض النفسي في النقد بقوله وببساطة بالغـة‪ :‬إن‬ ‫منطلقات المنهج النفسي والمنهج التاريخي التاريخ والمجتمع واللغة «تعمل في إنسان من‬ ‫أيضا‪ .‬ويبدو أن التحليل النفسي الــذي ال لحم وعظم‪ ،‬ويتكون المنهج النفسي من فهم‬ ‫تنفرد به مؤلفات فرويد فقط‪ ..‬بل نجد منها هذا اإلنسان»(‪ ،)2‬إن حياة الفرد مثل لحن ‪-‬‬ ‫نماذج متميزة لبعض تالمذته وأتباعه الذين كما عبّر إمبرت ‪ -‬واألدب الذي ينتجه الفرد‬ ‫أضــافــوا إلــى مــا ابتكره سيجموند فرويد تنوّعات من لحنه العميق‪ ،‬ومعرفة الفرد‬ ‫الكثير مما يلتقي مع أسلوبه في التحليل نفسياً تسمح لنا بأن نقوّم عمله على نحو‬ ‫الفني والــتــأويــل واالستنتاج‪ .‬ومــن تالميذ أفضل(‪.)3‬‬ ‫فرويد الذين نهضوا بالنقد النفسي وأضافوا‬ ‫ينسجم هذا النمط من النقد ‪ -‬وأعني‬ ‫إليه إرنست جونز‪ ،‬وليفي بريل مؤلف كتاب بــه الــنــقــد الــنــفــســي‪ -‬مــع بــعــض األعــمــال‬ ‫العقلية البدائية‪ ،‬وشــارل بــودوان وسواهم‪ .‬األدبية دون سواها‪ ،‬وهو ينفذ إلى أعماق‬ ‫وقد سبق أن أشرنا إلى كارل غوستاف يونج بعض األدباء والفنانين دون غيرهم‪ ،‬فامرؤ‬ ‫تلميذ فرويد الذي تحوّل إلى قطب مهم من القيس وعمر بــن أبــي ربيعة وأبــو الطيب‬ ‫أقطاب المنهج النفسي والمنهج األسطوري المتنبي وابن الرومي وأبو نواس والسياب‬ ‫في النقد‪.‬‬ ‫ونــزار قباني وعبداهلل البردوني‪ ..‬اتخذت‬

‫‪124‬‬

‫ولعل ما أورده إرنست جونز عن اآلليات‬ ‫التي تسهم فــي اإلب ــداع الفني مما يهمنا‬ ‫هنا‪ ..‬إذ ذكر أن هذه اآلليات « مشابهة إلى‬ ‫حد بعيد لآلليات التي تقوم وراء عمليات‬ ‫ذهنية غير متماثلة في الظاهر‪ ،‬كالنكتة‬ ‫واألعــراض العصابية واألحــام‪ ،‬وربما كان‬ ‫الفرق الجوهري بين األحــام واإلبــداع‪ ،‬أن‬ ‫الميكانزم الرئيس في اإلبداع هو التفكيك‪،‬‬ ‫وهو عكس الميكانيزم الرئيس في األحالم‪..‬‬ ‫أعني التكثيف‪ ،‬وقد أوضح جونز آراءه هذه‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫ال على طبيعة نفوسهم‬ ‫بعض نصوصهم دلي ً‬ ‫وتوجهاتهم ونوازعهم‪ ،‬ولكنّ بعض األحكام‬ ‫التي أطلقت عليهم كانت قاسية‪ ،‬ولم تأخذ‬ ‫بنظر االعتبار السياق الــذي جعل الشاعر‬ ‫يقول ما قاله‪ ،‬فهل امرؤ القيس مضطرب‬ ‫نفسياً؟ وهل عمر بن أبي ربيعة وأبو الطيب‬ ‫المتنبي نرجسيان؟ ومثل ذلك يقال عن نزار‬ ‫قباني الــذي اتهم أيضا بأنه مصاب بداء‬ ‫النرجسية‪ ..‬في حين اتهم بدر شاكر السياب‬ ‫بأنه مازوخي (ماسوشي) إذ يحس باالرتياح‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫حين يعذّبه المرض! وهو اتهام غريب على أراد أن يدينه فرانز كافكا من خالل روايته‬ ‫أيــة حــال‪ .‬وثمة تساؤالت أخــرى مستوحاة المسخ‪ .‬ومما يتبادر إلى الذهن بعض روايات‬ ‫من بعض األحكام التي استندت إلى المنهج نجيب محفوظ‪ ،‬والسيما رواية السراب التي‬ ‫ال ال إرادة له بسبب تعلقه‬ ‫الــنــفــســي‪ ،‬وتــوصــلــت مــن خــالــه إل ــى آراء ينشأ بطلها مدل ً‬ ‫خالفية قد يجانبها الصواب‪ ،‬ومنها أيضا ما بأمه‪ ،‬واعتماده عليها ماديًا ونفسيًا‪ ،‬ولذلك‬ ‫قيل عن الشاعر عبدالوهاب البياتي بأنه كان‬ ‫يعاني من إحباط شديد في زواجه‪ ،‬ألنه ال‬ ‫سادياً في هجومه على مجايليه من الشعراء‬ ‫يرى في زوجته بديال مطابقا لشخصية أمه‪.‬‬ ‫واألدبـ ــاء‪ ،‬إذ يحس بــاالرتــيــاح حين يهاجم‬ ‫وأما بطل رواية الطريق لنجيب محفوظ‪ ،‬فإنه‬ ‫أحدهم‪ ،‬وهل أن أبا نواس كان مصاباً بعقدة‬ ‫ينتمي ألمه في نهجها المنحرف‪ ،‬ويحاول أن‬ ‫أوديب حقا؟ وهل ِشعْر بشار بن برد وقصائد‬ ‫أبي العالء المعري وشعر عبداهلل البردوني يقلدها‪ ..‬فينتهي به المطاف متلبساً بجريمة‬ ‫كان ثمرة إلحساسهم بالنّقص الشديد بسبب قتل‪ ،‬وهي نهاية تتسق مع الجذور النفسية‬ ‫إعاقتهم الجسدية؟ يصعب علينا أن نحدد واالجتماعية لبطل الرواية‪.‬‬ ‫فائدة كبيرة للنقد واألدب مستقاة من مثل‬ ‫ومــمــا يــذكــر هنا أن مثل هــذه األعــمــال‬ ‫هــذه األحكام غير الدقيقة‪ .‬بيد أن بعض اإلبداعية يمكن أن ندخل إليها عبر مداخل‬ ‫األعمال اإلبداعية المهمة يمكن أن تضاء نقدية أخرى غير المنهج النفسي‪ ..‬بيد أن‬ ‫عبر المنهج النفسي‪ ،‬فهذه رواية فرانز كافكا‬ ‫المدخل النفسي يبدو هــو األنــســب نظرًا‬ ‫الموسومة (المسخ)‪ ،‬يمكن أن يتصدر النقد‬ ‫لطبيعة شخصياتها وأحــداثــهــا‪ ،‬مــا يتيح‬ ‫النفسي بقية المناهج في النفاذ إلى عالمها؛‬ ‫لنا التوغّ ل إلى تفاصيل هذه الشخصيات‬ ‫ألن بطلها يجد نفسه فجأة وقد استحال إلى‬ ‫والــدالالت الكامنة خلف سلوكها‪ ،‬وهو مما‬ ‫صرصار‪ ..‬إلى حشرة‪ ،‬فماذا يفعل؟ وماذا‬ ‫بوسع أسرته أن تفعل؟ ما يفتح باب التأويل يمكن أن يضيئه علم النفس الحديث‪ ،‬وبدون‬ ‫على مصراعيه؛ إذ تبدو الداللة األساس في أن ندخل في تفاصيل هــذا العلم‪ ..‬بحيث‬ ‫االغتراب النفسي واإلحساس الحا ّد لبطل يبدو النقد وكأنه تقرير يعكس أمراضا أو‬ ‫روايــة المسخ‪ ..‬بعدم األهمية واالنسحاق عقدا نفسية‪ ،‬وبذلك يكون المهاد النفسي‬ ‫في ظروف المجتمع األوربي المادي‪ ،‬الذي وسيلة الناقد وليس هدفا بحد ذاته‪.‬‬ ‫* أستاذ اللغة العربية بقسم اللغات األجنبية في كلية واشتناو‪ ،‬أن آربر‪ ،‬متشيجان‪ ،‬الواليات المتحدة‬ ‫األمريكية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ .‬مصطفى سويف‪ ،‬األسس النفسية لإلبداع الفني‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬ص‪76-75‬‬ ‫(‪ )2‬إنريك أندرسون إمبرت‪ ،‬مناهج النقد األدبي‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪.‬الطاهر أحمد مكي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‬ ‫‪1992‬م‪ ،‬ص‪128‬‬ ‫(‪ )3‬نفسه‪ ،‬ص‪135‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪125‬‬


‫فيليب جرونييه‬

‫أول برلماني فرنسي مسلم‬ ‫■ د‪ .‬أبو بكر خالد سعد اهلل*‬ ‫لم يعرف تاريخ البشرية رجال مثل الفرنسي فيليب جرونييه ‪Philipe Grenier‬‬

‫(‪1865‬م‪1944-‬م) في توجهه الفكري ومسار حياته‪ .‬فهو فرنسي قــحّ ‪ ،‬ولد يوم ‪14‬‬ ‫أغسطس سنة ‪1865‬م بمدينة بونتارلييه ‪ Pontarlier‬الفرنسية الواقعة في منطقة‬ ‫دوبس ‪ .Doubs‬وكانت أسرته من األسر البورجوازية الفرنسية العريقة المتشبثة‬ ‫بالكاثوليكية‪ .‬وقــد فقد أب ــاه وعـمــره لــم يتجاوز ســت سـنــوات‪ .‬وهـكــذا ظــل تحت‬ ‫رعاية والدته المتديّنة مع أخوين له‪ .‬ومن المعلوم أن الوالد كان نقيبًا في جيش‬ ‫الخيّالة‪ ،‬وكان عضوً ا في قيادة األركان لدى نابليون الثالث‪ ،‬وتوفي عام ‪1872‬م‪.‬‬ ‫وعــنــدمــا بلغ فيليب ســن العاشرة‬

‫أصــيــب خـــال الــلــعــب عــلــى مستوى‬ ‫الحوض في جسمه‪ ،‬ومنذ ذلك الحين‬

‫عصا يرتكز عليها‬ ‫صار أعر َج يستعمل ً‬ ‫عند المشي‪ .‬أما دراسته فقد تُوّجت‬

‫بشهادة الثانوية العامة سنة ‪1883‬م‪،‬‬ ‫ومــن ث ـ ّم دخــل كلية الطب فــي باريس‬

‫وحــصــل على الــدكــتــوراه عــام ‪1889‬م‬

‫‪126‬‬

‫اعتناق اإلسالم ودخول البرلمان‬ ‫كانت الجزائر في ذلك الوقت محتلة‬ ‫من قبل فرنسا منذ ‪1830‬م‪ ،‬وشعبها‬ ‫يعيش االضطهاد االستعماري‪ ،‬ويسكنها‬ ‫قلة من الفرنسيين القادمين من فرنسا‬ ‫جعلت منهم القوانين رعايا فوق العادة‪.‬‬ ‫أما السكان األصليون فكانوا في بؤس‬ ‫كبير ويعاملون كالعبيد‪.‬‬

‫استقر بعدها في مسقط رأسه (مدينة‬ ‫وكان الدكتور فيليب قد فتح عيادة‬ ‫طبية في مدينته عام ‪1890‬م‪ ،‬وفي تلك‬ ‫بونتارلييه)‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شرع فيليب في قراءة القرآن‪ ..‬فتأثر به‪،‬‬ ‫وخطرت بباله فكرة اعتناق اإلســام‪ ،‬وقد‬ ‫كشف عن ذلك لوالدته عام ‪1890‬م‪ ،‬لكنه‬ ‫لم يعلن إسالمه مفضال تأجيل اعتناقه بضع‬ ‫ســنــوات قبل اإلع ــان‪ ،‬حتى ي ــزداد إلمامه‬ ‫بتعاليم اإلسالم والتعمق في روحانياته‪.‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫السنة زار أخاه المقيم في مدينة البليدة التي‬ ‫تبعد (‪ )50‬كلم عن عاصمة الجزائر‪ .‬وكان‬ ‫ذلك أول احتكاك له بمسلمي االمبراطورية‬ ‫االستعمارية الفرنسية خــارج فرنسا األم‪.‬‬ ‫وخــال هــذه الــزيــارة‪ ،‬هاله ما شاهده من‬ ‫بــؤس وفقر لــدى هــؤالء السكان المسلمين‬ ‫الذين لم تمنحهم الــدولــة الفرنسية صفة‬ ‫المواطن خالفا للسكان اليهود األصليين‪.‬‬ ‫وفي ذات الوقت لفتت انتباه فيليب عادات‬ ‫المسلمين وتقاليدهم وطقوسهم الدينية‪.‬‬ ‫وحـــاول فهم المشهد الــروحــي مــن جهة‪،‬‬ ‫والوضع االجتماعي المزري الــذي تعيشه‬ ‫تلك الفئة من السكان من جهة أخرى‪.‬‬

‫رسم يظهر فيليب جرونييه‪.‬‬

‫تقدم إلى االنتخابات البرلمانية ممثال‬ ‫لمنطقته في أواخر القرن التاسع عشر‪ .‬ففي‬ ‫عام ‪1896‬م جرت في منطقة الدكتور فيليب‬ ‫جرونييه انتخابات برلمانية لتعويض نائب‬ ‫وافته المنية خالل عهدته‪ .‬وتقدم مرشحان‬ ‫قويان أبرزهما ابن البرلماني المتوفى قبل‬ ‫نهاية عهدته‪ ،‬وكذا ثالثة مرشحين آخرين‬ ‫مغمورين‪ ،‬منهم الــدكــتــور جرونييه‪ .‬وفي‬ ‫الــدورة األولى لالنتخابات كان هذا األخير‬ ‫في المرتبة الثالثة‪ .‬ورغم ذلك تمكن فيليب‬ ‫من الفوز في الدورة الثانية‪ ،‬إذ تبوأ المرتبة‬ ‫األولــى‪ .‬كــان خــال حملته االنتخابية يبدأ‬ ‫حديثه بـ «الحمد هلل»‪ ،‬وهــو ما جلب إليه‬ ‫سخرية بعض الناس‪ ،‬حتى أنه لُقب بـ «رسول‬ ‫اهلل»‪ .‬وكــان يتميّز بخطابه المختلف عن‬ ‫المرشحين اآلخرين بمضمونه االجتماعي‬ ‫والدعوة إلى التآخي‪.‬‬

‫ثم عاد إلى مدينة البليدة مرة ثانية عام‬ ‫‪1894‬م‪ ،‬علمًا أنه كان خالل تلك السنوات‬ ‫األربع يقرأ ويتأمل في اآليات القرآنية‪ .‬وفي‬ ‫البليدة اعتنق هذه المرة اإلسالم وعمره لم‬ ‫يبلغ ثالثين سنة‪ .‬ومن ث ّم أدى مناسك الحج‪.‬‬ ‫وعند رجوعه إلى فرنسا صار مستشارًا لشيخ‬ ‫بلدية بونتارلييه‪ ،‬وأصبح يعتني في المدينة‬ ‫إلــى جــانــب النظافة العمومية ومساعدة‬ ‫المعوزين‪ .‬وقد غيّر هندامه‪ ،‬وصار يرتدي‬ ‫في فرنسا لباس مسلمي الجزائر التقليدي‬ ‫الــمــتــمــثــل فــي قــمــيــص فــضــفــاض وبُــرنــس‬ ‫قبل يوم ‪ 20‬ديسمبر ‪1896‬م لم يكن هناك‬ ‫مسل ٌم منتخبٌ في البرلمان الفرنسي‪ .‬وكان‬ ‫وعمامة‪ ،‬وأظهر إسالمه للناس جميعا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪127‬‬


‫النواب مسيحيين أو يهوداً أو ملحدين‪ .‬ففي‬ ‫ذلك الوقت لم تكن توجد قوانين تميز بين‬ ‫الديانات في االنتخابات البرلمانية‪.‬‬ ‫أدان جرونييه الوضع في البرلمان‪ ،‬فقد‬ ‫الحــظ الــبــذخ الكبير بــداخــلــه‪ ،‬وبالمقابل‬ ‫بؤس ال يطاق على مستوى المواطنين‪ .‬يرى‬ ‫ٌ‬ ‫المتتبعون أن فيليب جرونييه من الشخصيات‬ ‫اإلسالمية البارزة في فرنسا التي لم تلق من‬ ‫االهتمام ما تستحقه لدى المؤرخين‪ .‬وقد‬ ‫عُرف في مدينته بأنه رجل مسلم مستقيم‪،‬‬ ‫يعطف على الفقراء والمساكين كإنسان‬ ‫وكطبيب‪ ،‬ويُندّد جهر ًة بالظلم في األوساط‬ ‫الشعبية‪.‬‬ ‫وكــان السياسي الفرنسي الشهير جون‬ ‫جوريس ‪1859( Jaures‬م‪1914-‬م) قد نصح‬ ‫بأن يكون جرونييه «ممثال لمسلمي فرنسا»‬ ‫وكذلك كان الحال‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬وإثر‬ ‫زيــاراتــه المتكررة للجزائر‪ ،‬صــار جرونييه‬ ‫يــحــذر مــن أحـــداث الشغب والــتــمــرد على‬

‫فرنسا في تلك المنطقة نتيجة جور القوانين‬ ‫الــســاريــة هــنــاك‪ .‬ومــن غــريــب الــصــدف أن‬ ‫يتم بعد موته ببضعة شهور‪ ،‬خالل الحرب‬ ‫العالمية الثانية‪ ،‬تحرير مدينة بونتارلييه‬ ‫من الجيش األلماني بفضل تدخل وحدات‬ ‫قناصة ذوي أصول جزائرية جندتها فرنسا!‬ ‫ومــن بين اقتراحاته أيضا تقليص عدد‬ ‫محالت بيع الخمر‪ ،‬وتسليط ضريبة على‬ ‫الخمور‪ ،‬لتمويل إنشاء جيش من األهالي‬ ‫المسلمين فوق التراب الفرنسي األوروبي‪.‬‬ ‫فقد كان جرونييه يدافع في البرلمان عن‬ ‫تشكيل جيش تابع لفرنسا مشكل من السكان‬ ‫األصليين في الجزائر وتونس والسنغال‪ ،‬وهي‬ ‫مناطق كانت مستعمرات فرنسية آنــذاك‪،‬‬ ‫علما أن منطقة السنغال ليست دولة السنغال‬ ‫الحالية‪ ،‬بل هي أقرب إلى دولة مالي اليوم‬ ‫الواقعة جنوب الجزائر‪ .‬تجدر اإلشارة هنا‬ ‫إلى أن فرنسا في تلك الفترة كانت معزولة‬ ‫ألسباب كثيرة‪ :‬فبريطانيا تنافس فرنسا في‬ ‫أراضي المستعمرات خارج أوروبا؛ ومن جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬يوجد تحالف مناوئ لها بين ألمانيا‬ ‫وإيطاليا والنمسا ودول أخرى‪.‬‬ ‫وفي البرلمان‪ ،‬دافــع جرونييه بقوة عن‬ ‫السكان المسلمين في المستعمرات‪ .‬وطالب‬ ‫بنجدتهم وبتوفير الحبوب لهم للزراعة‪،‬‬ ‫وطــالــب ببناء الــمــدارس‪ .‬أمــا فيما يخص‬ ‫المنطقة التي يمثلها‪ ،‬فطالب بدعم وسائل‬ ‫النقل والتخفيف من آثار الفقر‪.‬‬

‫فيليب جرونييه‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫عندما تم انتخابه صار فعال ممثال للعرب‬ ‫والمسلمين‪ ،‬وكان يزور الجزائر دوريًا لتقصي‬ ‫الحقائق حول الوضعية المزرية التي يعيشها‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫جانب من مسجد فيليب جرونييه بمدينة بونتارلييه الفرنسية‬

‫األهالي من السكان األصليين (المسلمين)‪.‬‬ ‫ويبدو أن تركيزه على قضية المسلمين في‬ ‫الجزائر أنساه االهتمام بالمواطنين الذين‬ ‫انتخبوه في مدينته بفرنسا‪ .‬وهو ما جعله‬ ‫يخسر االنتخابات الموالية‪ ..‬ولــم يُنتخَ ب‬ ‫بعده أحد من مسلمي فرنسا‪.‬‬ ‫وعلى كل حال فقد عاود جرونييه الترشح‬ ‫لعضوية البرلمان حتى عام ‪1902‬م‪ ،‬لكنه‬ ‫لم يوفّق‪ ..‬فترك النشاط السياسي‪ .‬وكرّس‬ ‫حياته لممارسة مهنة الــطــب‪ ،‬وكــان يقوم‬ ‫بمعالجة الفقراء مجانًا‪ ،‬ويقتني األدوية لهم‬ ‫حتى وافته المنية يوم ‪ 25‬مارس ‪1944‬م‪.‬‬ ‫ردود فعل الصحافة‬ ‫إثر انتخاب الدكتور فيليب نائباً مسلماً‬ ‫في البرلمان‪ ،‬ثارت ضجة كبيرة في باريس‪،‬‬ ‫واتخذ الصحفيون من الخبر مــادة دسمة‬ ‫غ ــذت الــجــرائــد م ــدة طــويــلــة‪ .‬فــقــد شنوا‬ ‫ضده حملة شعواء تعرضوا فيها إلى لباسه‬ ‫اإلسالمي غير المألوف في فرنسا‪ ،‬وذهب‬ ‫بعضهم إلــى الــقــول بأنه متعدد الــزوجــات‬

‫(وهذا يعتبر منكرا في فرنسا المسيحية)‪،‬‬ ‫واتهم بأنه يريد تطبيق الشريعة اإلسالمية‬ ‫دون غيرها في فرنسا‪ .‬ولم يكن جرونييه‬ ‫يخفي إسالمه عن من انتخبوه‪ ،‬وكانوا يرونه‬ ‫في شــوارع المدينة بذلك اللباس الالفت‬ ‫لألنظار‪ .‬كما تعرض المتطرفون إلى تشويه‬ ‫ديانته بشكل مقيت‪.‬‬ ‫ومن تلك الصحف نجد الجريدة المسيحية‬ ‫التوّجه «الكــروا» («الصليب») تكتب‪« :‬قبل‬ ‫سنوات كان المرت ّد (فيليب جرونييه) أبشع‬ ‫مخلوق في فرنسا المسيحية‪ ،‬أما اآلن فقد‬ ‫أصبح نائبا من نوابها في البرلمان»‪ .‬وكتب‬ ‫صحفي آخــر أن جرونييه جــاء مــن ملجأ‬ ‫للمصابين باألمراض العقلية!‬ ‫وق ــد ط ــرح عــلــيــه الــصــحــفــيــون ي ــوم ‪30‬‬ ‫ديسمبر ‪1896‬م واب ــاً مــن األسئلة حول‬ ‫اعتناقه اإلسالم ولباسه‪ ،‬مثل‪ :‬لماذا أصبحت‬ ‫مسلما؟ ما هي مزايا اإلسالم؟ ما رأيك في‬ ‫تعدد الزوجات؟ وفي القضاء والقدر؟ ومن‬ ‫بين ردوده نــقــرأ فــي جــريــدة «لــوجــورنــال»‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪129‬‬


‫الصادرة يوم ‪ 31‬ديسمبر ‪1896‬م‪« :‬تريدون أن‬ ‫تعرفوا كيف أصبحت مسلما؟ ذلك يتماشى‬ ‫مع ذوقي وميوالتي ومعتقدي‪ ،‬ولم يكن ذلك‬ ‫نــزوة أصابتني‪ .‬فمنذ شبابي كان اإلسالم‬ ‫وعقيدته قد أثّرا في نفسي تأثيرا ال رجعة‬ ‫فيه‪ ...‬لكني لم اعتنق الدين اإلسالمي إال‬ ‫بعد قراءة متأنية للقرآن‪ ،‬متبوعة بدراسات‬ ‫معمقة وتأمالت مطوّلة‪ .‬اعتنقت هذه الدين‬ ‫وهذا المذهب ألنهما ظهرا لي منطقيَيْن‪.‬‬ ‫وعلى كــل حــال‪ ،‬فهما أكثر مطابقة للعلم‬ ‫مقارنة بالدين المسيحي ومذهبه‪ .‬أضيف‬ ‫أن تعليمات القانون اإلسالمي ممتازة‪ ،‬فمن‬ ‫الناحية االجتماعية‪ ،‬فإن المجتمع العربي‬ ‫يعتمد اعتمادا كليا على تنظيم األســرة‪،‬‬ ‫كما أن مبادئ العدل واإلنصاف والصدقة‬ ‫للمعوزين هي الوحيدة ذات الصدارة‪ .‬أما‬ ‫في موضوع النظافة ‪-‬وهو موضوع ذو أهمية‬ ‫بالنسبة للطبيب‪ -‬فاإلسالم يحرم الخمر‪،‬‬ ‫ويــأمــر بــالــوضــوء وغــســل الجسم واللباس‬ ‫بصفة متواترة»‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫وعشرين دقيقة غادر البرلماني المحمدي‬ ‫القاعة‪ ...‬وفي ركن من شارع بوغونيه أدى‬ ‫إحدى صلواته‪ .‬وفي هذا المكان أحاط به‬ ‫نحو مائة مواطن جاءوا لتحيته‪».‬‬ ‫وفي جريدة «لوراديكال» نقرأ في عددها‬ ‫الصادر يوم ‪ 14‬يناير ‪1897‬م‪« :‬سلك الدكتور‬ ‫جرونييه شارع سانت جرمان راجال للوصول‬ ‫إلى مقر إقامته‪ .‬وهناك التحق به صحفي‬ ‫من جريدة «لومتان» فدار بينهما نقاش وردت‬ ‫فيه هذه االنطباعات‪:‬‬ ‫ سيدي النائب‪ ،‬أنت تغادر البرلمان قبل‬‫نهاية الجلسة؟‬ ‫ جرونييه‪ :‬نعم ألن لي صلوات يتعيّن عليّ‬‫تأديتها‪.‬‬ ‫ إذن ستغادر البرلمان كل يوم على الساعة‬‫الرابعة؟‬

‫ جرونييه‪ :‬أكون أكثر طمأنينة عندما أصلّي‬‫في إقامتي‪ .‬ورغم ذلك سأرى مستقبال‬ ‫إمــكــانــيــة أداء كــل مــنــاســكــي فــي مقر‬ ‫البرلمان‪ .‬بهذا الخصوص يعتقد بعضهم‬ ‫ومن الساخطين نجد أيضا مقاال صحفيا‬ ‫أني عند السجود أقبّل األرض‪ .‬ال أبدا!‬ ‫صــدر بُعيْد التحاق فيليب بالبرلمان جاء‬ ‫أنا ال أقبّل األرض‪.»...‬‬ ‫فيه‪« :‬كانت تشريفات اليوم للنائب المحمدي‬ ‫وقد انقسمت الصحافة إلى قسمين‪ ،‬قسم‬ ‫(أي جرونييه) بدون منازع‪ ...‬وكان المهرّج‬ ‫البرلماني (أي جرونييه) قد أحاط به جمع يتهكم ويدين انتخاب شخص بهذه العقيدة‬ ‫غفير من الفضوليين جاءوا لحضور «السالم في البرلمان‪ ،‬وقسم كان أكثر اتزانا‪ .‬فهذه‬ ‫عليكم» التقليدية لمتبع ملة محمد‪ ...‬فبمجرد جريدة «لوفيغارو» الباريسية الشهيرة تقارن‬ ‫دخوله ومروره بأحد األبواب أرسل بقبلة إلى جرونييه باألديب فيكتور هيجو‪ ،‬وبالعالم‬ ‫خالق المؤمنين‪ ...‬ثم ارتمى على ركبتيه لويس باستور نظرا إلنسانيته وعلمه في‬ ‫ـس بساط قاعة البرلمان (المقصود مجال الطب‪.‬‬ ‫ولــحَ ـ َ‬ ‫ومــن بين اآلراء المعتدلة نجد صحيفة‬ ‫السجود)! وعند الرابعة مساء‪ ..‬أدى طقوسه‬ ‫فــي اتــجــاه مــكــة‪ .‬وعــلــى الــســاعــة الــرابــعــة «لــوســوار» تشيد بــدور جرونييه في دفاعه‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫وجاء في صحيفة «لوسوالي»‪« :‬وماذا إن‬ ‫كان مسلما؟ أليس لدينا الحق في انتخاب‬ ‫مسلم كما لدينا الحق في انتخاب يهودي‬ ‫أو ملحد؟ ويضيف كاتب المقال‪« :‬في كل‬ ‫دين ثمة أناس خيّرون‪ .‬وأنا مقتنع بأن ليس‬ ‫هناك دين أفضل من المسيحية‪ ،‬لكني أتفهّم‬ ‫عندما ال يشاطرني غيري المعتقد نفسه‪.‬‬ ‫وحتى أعبّر بجملة واحدة عن رأيي أقول‪ :‬أنا‬ ‫أفضل مسلما مخلصا غير متزمت‪ ،‬على مَن‬ ‫ّ‬ ‫ال دين له»!‬ ‫والواقع أن جرونييه كان بعيدًا عن تلك‬ ‫االتــهــامــات؛ ألنــه كــان معتدال‪ ،‬ولــم يــد ُع إال‬ ‫إلى تقليل استهالك الكحول بوصفه طبيبا‬ ‫يــاحــظ مــضــاره فــي المجتمع‪ .‬ومــمــا زاد‬ ‫الطين بلة أن منطقته اشتهرت بتحضير نوع‬ ‫من الكحول أثبت الطب فيما بعد مضاره‪،‬‬ ‫وهو ما أدى بجرونييه إلى هذا الموقف‪..‬‬ ‫وذاك ما تدعو إليه عقيدته‪ .‬غير أن سكان‬ ‫المنطقة الذين كان اآلالف منهم يعملون في‬ ‫مصانع الخمور لم يشاطروا رأي الطبيب‪.‬‬ ‫وقد أدى ذلك إلى إخفاقه في االنتخابات‬ ‫البرلمانية الالحقة‪.‬‬ ‫نشير إلى أن الجالية المسلمة في مدينة‬ ‫بونتارلييه أقامت مسجدًا يحمل اسم فيليب‬ ‫جرونييه عام ‪1983‬م تخليدا لذكراه‪ .‬كما‬

‫لوحة في مدخل منزل جرونييه كتب عليها «فيليب‬ ‫جرونييه‪ ،‬طبيب الفقراء والنائب الفرنسي من ‪1896‬‬ ‫حتى ‪1898‬م‪ ،‬عاش في هذا المنزل‪.‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫عن الفقراء والمعوزين‪ .‬ووجهت اللوم لبقية‬ ‫الصحف نتيجة استهتارها بهذا المواطن‪،‬‬ ‫مشيرة إلــى أنــه «يعيش على األقــل سعيدًا‬ ‫ومرتاح الضمير‪ ،‬وقد صار أرقى منا بعد أن‬ ‫بحث عن عقيدة وعثر عليها»!‬

‫نجد في المدينة نفسها شارعً ا ومؤسس ًة‬

‫تعليمي ًة باسم فيليب جرونييه‪ .‬لقد عاش‬ ‫فيليب بعقيدته التي اعتنقها شــا ًبــا‪ ،‬ولم‬ ‫يحد عنها رغم الضغوطات‪ ،‬ودافع عنها بما‬ ‫ِ‬

‫استطاع‪ ..‬فرحمة اهلل عليه‪.‬‬

‫بعض المراجع‬ ‫‪1. Bichet R.: Un Comtois musulman, le‬‬ ‫‪docteur Philippe Grenier: prophète de‬‬ ‫‪Dieu, député de Pontarlier, Besançon,‬‬ ‫‪1976.‬‬ ‫‪2. Fernier R.: Docteur Philippe Grenier,‬‬ ‫‪ancien député de Pontarlier, Ed. Faivre‬‬‫‪Verney, Pontarlier, 1955.‬‬ ‫‪3. Fuligni B.: La Chambre ardente:‬‬ ‫‪Aventuriers, utopistes, excentriques du‬‬ ‫‪Palais-Bourbon, Ed. Paris-Max Chaleil,‬‬ ‫‪Paris, 2001.‬‬ ‫‪4. Sellam S.: L’Islam et les musulmans en‬‬ ‫‪France, Ed. Tougui, 1987.‬‬ ‫‪5. http://www.saphirnews.com/Docteur‬‬‫‪Philippe-Grenier_a1740.html.‬‬ ‫‪6. http://le-carrefour-de-lislam.com/Grenier/‬‬ ‫‪grenier3.htm.‬‬ ‫‪7. http://le-carrefour-de-lislam.com/Grenier/‬‬ ‫‪grenier3.htm.‬‬

‫* كاتب من الجزائر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪131‬‬


‫سنوات‬ ‫اجلوف‬ ‫املؤلف‬ ‫الناشر‬ ‫السنة‬

‫‪ :‬د‪ .‬عبدالواحد خالد احلميد‬ ‫‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬‬‬‬‬‬ ‫‪٢٠١٧ :‬م‬

‫ع ــن مــركــز عــبــدالــرحــمــن الــســديــري كما أش ــرك عائلته الصغيرة ممثلة في‬ ‫الثقافي‪ ،‬صــدر في شهر نوفمبر ‪2017‬م زوجته وبناته‪ ،‬كما قــدم شكره لشقيقاته‬ ‫كتاب «ســنــوات الــجــوف» لمؤلفه الدكتور وأشقائه رفاق سنوات الجوف وآخرين‪.‬‬ ‫عبدالواحد بن خالد الحميد‪ ،‬وقد اشتمل‬

‫ويمكن اعتبار الكتاب سيرة‪ ،‬بل رواية‬

‫على ستة عشر فصال جــاءت في (‪ )317‬جميلة صيغت بلغة رصينة‪ ..‬زادهــا بها ًء‬ ‫صفحة من القطع الكبير‪ ،‬محتويًا سيرة ذلــك التوثيق المتقن لكل أجــزائــهــا‪ ،‬وال‬

‫روائية لحياة الدكتور الحميد في مدينة يمكن للكتاب إال أن يعطي لكل قارئ سيرته‬

‫سكاكا‪ -‬الجوف في منتصف الخمسينيات الذاتية التي تتحرك مع صفحاته‪ ،‬لكأنه‬ ‫من القرن الماضي‪.‬‬

‫رواي ــة الســتــعــادة الطفولة المفقودة لكل‬

‫جــاء اإلهــداء رقيقا مشبعًا بالعواطف قرائها‪.‬‬ ‫والحنان؛ فقد حرص المؤلف على إشراك‬

‫‪132‬‬

‫الــكــتــاب شــهــادة عــلــى حــيــاة جــيــل بل‬

‫والديه وأشقائه‪ ،‬خاصة الراحلين منهم‪ ،‬أجيال لم يكتب لها أن تدوِّن سيرتها‪ ،‬كان‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫سيرة صادقة ومشرقة يتمناها الكثير‪.‬‬

‫‪ -‬صخب الحياة في سوق البحر‪.‬‬

‫في كثير من األحيان‪ ،‬كنت أشعر أنني‬ ‫أقرأ رواية‪ ،‬مع توالي األحداث والفصول‪،‬‬ ‫وكان النَفَس الروائيّ في الكتاب ظاهرًا‪ ،‬ما‬ ‫أضفى عليه بُعدًا آخر زاد من جماله‪.‬‬ ‫كان الحني ُن إلى الشارع القديم والحيّ‬ ‫القديم ظاهرًا في الكتاب‪ ،‬وقد كان اختياره‬ ‫لقصيدة غ ــازي القصيبي «فــي الــشــارع‬ ‫ال للكتاب‪ ،‬اختيارًا موفقًا‬ ‫القديم» مدخ ً‬ ‫حين يقول‪:‬‬

‫ أم الدنيا‪ ..‬والحداثة المبكرة‪.‬‬‫ كم كانوا يضربوننا ‪.‬‬‫ حيث يتحرر الصبي‪.‬‬‫ الرياض أم الدنيا و أبوها‪.‬‬‫ اكتشاف الذات‪.‬‬‫ الصحافة‪.‬‬‫ سحر القراءة‪.‬‬‫ هذا ما كان يشغلنا‪.‬‬‫ األمير‪.‬‬‫‪ -‬بقية المشوار‪.‬‬

‫نعو ُد إليهِ ‪..‬‬

‫‪ -‬تعلمت من سنوات الجوف وما بعدها‪.‬‬

‫يوم‪،‬‬ ‫شارع كان منزل ُنا ذات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬

‫فــي الفصل األول‪ ،‬ال ــذي كــان بعنوان‬

‫يط ُّل عليهِ ‪،‬‬ ‫ونسأله عن سنينِ هوانا؛‬ ‫فيأتل ُق الشو ُق في شفتيهِ ‪،‬‬

‫«سنوات الجوف» يؤكد الحميد أن ما يرويه‬ ‫في كتابه ال يخص فــردًا واح ـدًا‪ ،‬بقدر ما‬ ‫هو محاولة لتسجيل ذكريات الجيل الذي‬ ‫ولد في الخمسينيات الميالدية من القرن‬

‫ونسأله عن سنين صبانا؛‬

‫العشرين‪ ،‬في حيٍّ من أحياء مدينة سكاكا‬

‫فيحتر ُق الدم ُع في ناظريْهِ ‪!..‬‬

‫بمنطقة الــجــوف فــي المملكة العربية‬

‫قــسّ ــم الحميد كتابه إلــى سبعة عشر‬ ‫فصال هي‪:‬‬ ‫ في الشارع القديم‪.‬‬‫ سنوات الجوف‪.‬‬‫ في حارة الشعيب‪.‬‬‫‪ -‬تلك الضاحية‪.‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫عبدالواحد الحميد الشاهد عليها وبطلها‪،‬‬

‫‪ -‬أيامنا وليالينا الجميلة‪.‬‬

‫السعودية‪ ،‬وعــاش طفولته ومراهقته في‬ ‫عقدي الخمسينيات والستينيات‪ ..‬بكل‬ ‫ما في تلك الحقبة من صخب وتحوالت‬ ‫اجتماعية جــذريــة‪ ،‬فــي تلك البيئة التي‬ ‫تعجّ باألحداث التي تعكس ما كان يجري‬ ‫في الوطن من تحوّالت‪ ،‬وما كان يفور به‬ ‫العالم العربي من أحــداث وثــورات وآمال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪133‬‬


‫وإحباطات‪.‬‬

‫لجامعة البترول في الظهران‪ ،‬ثم استقر‬

‫ويشير الحميد إلى أن فتنته منذ زمن في الرياض بعد تعيينه عضوًا في مجلس‬ ‫مبكر بقراءة مذكرات الرحالة الغربيين‪ ،‬الشورى وتاليًا نائبًا لوزير العمل‪ ،‬ولكنه‬

‫الذين مروا على منطقة الجوف في القرن يشير إلى عدم انقطاع صلته بالجوف‪ ،‬رغم‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬كانت وراء دهشته ومتعته‪ ،‬قضائه معظم سنوات العمر خارجها‪.‬‬ ‫خاصة وصف األحوال االجتماعية في ذلك‬

‫تتميز تجربة الحميد الصحفية التي‬

‫الزمان‪ ،‬وكانت تلك ميزة حظيت بها منطقة دون جــزءًا منها في هذا الفصل «سنوات‬ ‫الجوف‪ ،‬بحكم موقع المنطقة المجاور لكل الجوف» منذ بداياتها‪ ..‬حيث كان يحتفظ‬ ‫مــن الــعــراق وفلسطين واألردن وســوريــة‪ ،‬بالقصاصات الصحفية عن الجوف خاصة‪،‬‬

‫ويعتبر الحميد أن ميزة القرب الجغرافي وق ــد ارتــبــط بــالــصــحــافــة مــنــذ المرحلة‬ ‫لــدول الــهــال الخصيب أعطى المنطقة المتوسطة‪ ..‬ك ـوْن والــده «خالد الحميد»‬

‫ميزة االنفتاح على الدول المجاورة‪ ،‬وتأثرها كان مندوبًا لجريدة الجزيرة‪ ،‬وكانت منطقة‬ ‫بما كان يبثه اإلعالم العربي عبر اإلذاعات الــجــوف فــي طليعة اهــتــمــام د‪ .‬الحميد‬ ‫الــتــي كــان أبــرزهــا صــوت الــعــرب وإذاع ــة وتركيزه؛ فقد كتب في عشرات المقاالت‬ ‫الشرق األوسط المصريتين‪ ،‬وإذاعة صوت الصحفية مطالباً بتطوير الجوف وغيرها‬

‫أمريكا وإذاعة المملكة األردنية الهاشمية من المناطق التي تكنى بالمناطق النائية‬ ‫من عمان والقدس‪ ،‬إضافة إلذاعات أخرى لبعدها عن العاصمة الرياض‪ ،‬مشيرا إلى‬

‫كالكويت وبغداد ودمشق‪ ،‬ناهيك عن أن أن خلفيته االجتماعية كأحد أبناء منطقة‬ ‫الصحف والمجالت العربية كانت تصل الجوف قد أسهمت في تعميق إحساسه‬ ‫المنطقة‪ ،‬وقد أسهمت كثيرًا في انفتاحها بأهمية التنمية المتوازنة‪ ،‬وانحيازه لمطالب‬ ‫المناطق الصغيرة‪.‬‬ ‫على غيرها‪.‬‬ ‫ولــد الدكتور عبدالواحد الحميد في‬

‫ويؤكد الحميد أن جيله كان بعيدًا عن‬

‫‪ 14‬ديسمبر ‪1953‬م وغادر منطقة الجوف العنصرية‪ ،‬متساميًا فــوق إرث الماضي‪،‬‬ ‫أواخــر عــام ‪1971‬م‪ ،‬للدراسة في جامعة كل ذلــك‪ ..‬حيث كــان النسيج االجتماعي‬

‫الملك عبدالعزيز في مدينة جدة‪ ،‬ثم إلى في الجوف رغــم تنوعه في ذلــك الزمان‬ ‫الــواليــات المتحدة األميركية الــتــي عاد متجانسا بعيدًا عن التعنصر‪..‬‬

‫‪134‬‬

‫منها بالدكتوراه في االقتصاد عام ‪1984‬م‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫في الفصل الثاني «فــي حــارة الشعب»‬


‫االسم الذي لم يكن مسرورًا به في طفولته‪ ،‬المياه إال في منتصف الستينيات من القرن‬

‫ويذكر العديد من النوادر والقصص التي الماضي‪ ،‬أما الكهرباء والهاتف فقد تخرج‬ ‫عايشها‪ ،‬ويكشف سبب استقباله للرسائل الحميد من الثانوية العامة عــام ‪1971‬م‬

‫عــلــى عــنــوان حــي الــشــعــب ب ــدال مــن حي ولما يصال إليه‪ ..‬ويصف لنا طريقة جلب‬ ‫الشعيب‪ ،‬كما يذكر مراسالته في المرحلة‬ ‫الماء إلى البيوت والتحوّالت التي عاشتها‬ ‫المتوسطة‪ ،‬وممازحات الكبار من أهالي‬ ‫مدينة سكاكا ودخول المكائن الزراعية بعد‬ ‫األحياء المجاورة له عن مقارنة اسم حارته‬ ‫«السني»‪.‬‬ ‫بالحارات المجاورة‪ ،‬ويكتب عن والدته من‬ ‫ويعرض الحميد ألساليب عيش األطفال‬ ‫الرضاعة‪ ،‬وحياة الناس في حي الشعيب‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫يذكر الحميد ميالده في حي «الشعيب»‪ ،‬مياه أو كهرباء أو هاتف‪ ،‬فلم تشهد إدخال‬

‫وحاراتها التي كان يعتقد أنها واسعة وكبيرة‪ ،‬مــن جيله فــي ذل ــك الــوقــت‪ ،‬واشتغالهم‬ ‫كما يصف البيوت الطينية التي كانت سائدة بــالــزراعــة والــصــيــد‪ ،‬وت ــردي ــد األهــازيــج‬

‫في الخمسينيات والستينيات‪ ..‬وأساليب واستخدام أسلحة الصيد‪ ،‬وممارسة عادات‬ ‫حياة الناس وطرق عيشهم‪ .‬كما يكتب عن األهل وتقاليدهم في الكرم وفتح األبواب‬ ‫سكان الحيّ الذين ينتمي إليه‪ ،‬وغالبيتهم والقهاوي‪ ،‬والتعلّق بشرب الشاي والقهوة‪،‬‬

‫من القرشه من بني خالد‪ ،‬والذين تجمعهم واالستماع ألحاديث كبار السن وتفاعلهم‬ ‫مــع أبــنــاء الــقــبــائــل األخــــرى الــمــصــاهــرة‬ ‫مع مختلف األحداث حولهم‪.‬‬ ‫والقربى‪ .‬ويشير إلى أن الجد األكبر للعائلة‬ ‫وتتوالى فصول وصفحات الكتاب الذي‬ ‫هو «قريش»‪ ،‬والذي أعطى اسمه للجميع‪،‬‬ ‫وأحفاده يسكنون أجزاء واسعة من مدينة تمت صياغته بإتقان وحبكة الراوي وتوثيقه‪،‬‬ ‫سكاكا واللقايط‪ ،‬كما يقدم وصفًا لحارة األمر الذي ساعده كثيرا على كتابة أحداث‬ ‫التحتى في حي الشعيب‪ ،‬ومزرعة العائلة زمن الكتاب بكل شفافية ومصداقية‪ ،‬إذ لم‬

‫في اللقايط‪،‬والتي كان جده يسكنها بعد يعتمد الكاتب على ذاكرته فقط‪ ،‬بل اعتمد‬ ‫انتقاله من حي الضلع إليها قبل أجيال‪.‬‬

‫على مذكراته التي كان يدوّنها في طفولته‬

‫كما يُــو ِّثــق الحميد لحكايات وقصائد ومراهقته وأيام شبابه‪ ،‬موثقا فصول كتابه‬

‫وط ــرق التعليم‪ ،‬كما يشير إلــى طفولته بالعديد من الصور والوثائق والشخصيات‬ ‫المبكرة وأنه لم يكن في حارته تمديدات التي يتناولها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪135‬‬


‫■ صالح القرشي*‬

‫لو استخدمنا محرّك البحث قوقل‪ ،‬ووضعنا عبارة (كيف تكتب رواية)‪ ،‬لخرجنا بنتائج مثل كيف تكتب رواية في‬ ‫مائة يوم؟ وكيف تكتب رواية بطريقة الزهرة الثلجية؟! والحق أنني حاولت أن أعرف المقصود بالزهرة الثلجية فلم‬ ‫أفلح‪ ،‬لكنني وجدت أن الموضوع جاد‪ ،‬ويؤكد من خالله الكاتب أن روايتك ستكون جاهزة طالما اتبعت الخطوات‬ ‫التي يذكرها‪ ،‬بل يؤكد أنك ستنجح في كتابة رواية تحقق لك المال والشهرة معا!‬ ‫في موقع أخر‪ ،‬يقدم أحدهم وصفة كاملة لكتابة رواية من خالل مجموعة من النصائح الطريفة مثل‪ :‬البد أن‬ ‫تحتوي الرواية على بطل وشرير‪ ،‬والبطل ال بدّ أن يقف خلفه مجموعة من الخبراء الذين يجب أن يطوروا عالقة‬ ‫حب‪ ،‬وربما يموت أحدهم‪ ،‬وال بد أن يعيش البطل الخير والشرير حتى نهاية الرواية‪ ،‬لتحدث بينهما معركة فاصلة‪،‬‬ ‫ثم تأتي النصيحة األخيرة‪ ..‬وال بدّ أن تنتهي الرواية بموت البطل الخيّر أو موت الشرير‪..‬‬ ‫وهكذا تكون الرواية ف ّنًا صعبًا ال يمكن اختصاره‬ ‫وهــذا يذكرنا بأمثلة مشابهة من نــوع‪ :‬كيف تصبح‬ ‫مليونيرا؟ أو كيف تتعلم اللغة اإلنجليزية في سبعة أيام؟ بالكلمة السيئة (اإللهام)!‬ ‫ولــو اقتصر األمــر على صفحات تنشر على شبكة‬ ‫اإلنترنت لكان هينًا‪ ،‬لكن الغريب أن مثل هذا صار يقدم‬ ‫على شكل دورات مدفوعة الثمن‪ ،‬يجنى بفضلها المال‪،‬‬ ‫بل وأحيانا تقوم مؤسسات أدبية بالترويج واإلعالن عنها‪.‬‬ ‫وهنا أتذكر «أمبرتو ايكو» وكتابه الشهير (اعترافات‬ ‫روائــي شــاب)‪ ،‬يقول‪ :‬عندما أســأل في حــوارٍ عن كيف‬ ‫تكتب روايتك؟ فإني أجيب (من اليسار لليمين)‪،‬‬

‫يستدرك «أيكو» بعد ذلك (قلت إنه بمجرد العثور على‬ ‫الفكرة األولية‪ ،‬فإن القصة تتقدم من تلقاء نفسها‪ ..‬وهذا‬ ‫أمر غير صحيح بالمطلق‪ ،‬فمن أجل أن تتقدم القصة‪،‬‬ ‫على الكاتب أن يقيّد نفسه بالعديد من اإلكــراهــات‪،‬‬ ‫فالرسام الــذي يقرر استعمال الــزيــت بــدال مــن اللون‬ ‫المائي‪ ،‬يختار في واقع األمر إكراها‪ ،‬والروائي الذي‬ ‫يختار زمناً محدداً لروايته‪ ،‬ال بد أن يلتزم بمقتضيات‬ ‫اختياره)‪.‬‬

‫والحق أن سخرية «أيــكــو» تخفي في طياتها عدم‬ ‫(الفكرة وحــدهــا ال تكفي‪ ..‬أنــت بعد ذلــك تحتاج‬ ‫وجود إجابة واضحة للسؤال‪ ،‬كيف أكتب روايتي؟ لو كنت‬ ‫للجملة األولى)‪ ،‬يقول الروائي األلماني صاحب ( الطبل‬ ‫أعرف لكتبت المزيد من الروايات بكل تأكيد!‬ ‫الصفيح ) غونتر غراس‪ ،‬وهو يروي سيرته في (تقشير‬ ‫هل هو إذًا ما يسمى باإللهام؟‬ ‫البصلة)‪.‬‬ ‫هذه الكلمة يصفها «أمبرتو ايكو» بأنها كلمة سيئة‪،‬‬ ‫(عندما وجدت الجملة األولى لرواية الطبل الصفيح‬ ‫مؤكدا أن (كل رواية هي حاصل فكرة بدأت على شكل تحت ذلــك الــجــدار المنقط‪ ،‬لــم تتوقف الكلمات عن‬ ‫بذرة‪ ،‬أما الباقي فيأتي شيئًا فشيئًا)‪.‬‬ ‫المجيء‪ ،‬كانت الكلمات تندفع وتجرف بعضها بعضاً‪،‬‬ ‫وهكذا تكون المعضلة األولى هي إيجاد تلك البذرة‪ ،‬وتطأ على أعقاب بعضها بعضا)‪.‬‬ ‫وبعد ذلك انتظار ما يجعلها تنمو وتزهر‪ ،‬وهــذا ما ال‬ ‫إنها الجملة األول ــى إذًا؟ تلك الجملة التي يمكن‬ ‫لسنوات طويلة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫للروائي أن ينتظرها‬ ‫يمكن التأكد منه أبدا‪.‬‬ ‫* قاص وكاتب من السعودية‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬شتاء ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.