¦المرأة والكتابة: قراءة في تجربة شهد الغالوين ¦فتنة البوح في رجل الشتاء ¦مواجهات مع: فهد ردة ،ورضا البهات و أحمد البوق ¦قراءة في كتاب: «سنوات الجوف :ذكريات جيل» ¦كيف نكتب رواية
الغاط تحتضن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية:
الوضع االقتصادي السعودي
58
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف -1نشر الدراسات واإلبداعات األدبية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف، ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية. -٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف. -٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله،واملدة املطلوبة إلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزماتاملطلوبة ،مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني يف البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. -٢أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : الجـوف 42421ص .ب 458 هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63 الرياض 11614ص .ب 94781هاتف 011 2817094 :فاكس011 2811357 :
info@alsudairy.org.sa www.alsudairy.org.sa
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي هيئة النشر ودعم األبحاث
د .عبدالواحد بن خالد الحميد د .خليل بن إبراهيم المعيقل د .ميجان بن حسين الرويلي محمد بن أحمد الراشد
رئيساً عضواً عضواً عضواً
أسرة التحرير
إبراهيم بن موسى احلميد محمود الرمحي محمد صوانة اإلخراج الفني :خالد الدعاس
املشرف العام محرر ًا محرر ًا
هاتف)+966()14(6263455 : املراســــــالت: فاكس)+966()14(6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد ISSN 1319 - 2566 سعر النسخة 8رياالت -تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع االشتراك السنوي لألفراد 50ريا ًال واملؤسسات 60ريا ًال
رئيساً عضواً العضو
فيصل بن عبدالرحمن السديري سلطان بن عبدالرحمن السديري د .زياد بن عبدالرحمن السديري المنتدب عضواً عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري عضواً د .سلمان بن عبدالرحمن السديري عضواً د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي عضواً د .عبدالواحد بن خالد الحميد سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً عضواً د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري قواعد النشر
-1أن تكون املادة أصيلة . -2لم يسبق نشرها ورقياً أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملوضوعية. -4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب ،على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» مناألسماءالتيكانتتُطلقعلىمنطقةاجلوفسابقًا.
املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر.
يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثفافية، ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،ويخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة (أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز ك ً ال من( :دار العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر للنساء .وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
www. alsudairy. org. sa
العدد - ٥٨شتاء ١٤٣٩هـ ()2017
6............................... الدورة ١١ملنتدى األمير عبدالرحمن السديري
17......................... املرأة والكتابة ٌ قراءة يف جتربة شهد الغالوين
97............................. حوار مع الشاعر أحمد إبراهيم البوق
الـمحتويــــات االفتتاحية -إبراهيم بن موسى الحميد4 ............................ ملف العدد :منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري في دورته الحادية عشرة٦ ............................................................ محور خــاص :الــمــرأة والكتابة -ق ــراءةٌ فــي تجربة شهد الغالوين اإلبداعية ،بمشاركة :د .هويدا صالح ،إيمان المخيلد ،سعاد نوح17 ... دراسات ونقد :دراسة جديدة في شعر البردُّوني -هيفاء البصراوي ٣٥ ........... الوجه الذي من ماء -فرج مجاهد عبدالوهاب٣٩ ......................... فتنة البوح في رجل الشتاء ليحيى امقاسم -هشام بنشاوي٤٤ ..... أنفاس تتساقط بين أصابع الجمر -نجاة الزباير ٤٦ ............... األعما ُر المُلتَهَمة في «زجاج مطحون» -عبداهلل السفر ٥٢ ......... قصص قصيرة :نصوص قصيرة -عائشة المؤدب ٥٥ .................... صورة الشهيد -إبراهيم مضواح األلمعي ٥٦ ........................ تـــرويـــض -سمر الزعبي ٥٨ ........................................ اعترافات قبل الوقوف على المقصلة -عمار الجنيدي٦٠ .......... مع الذكريات - !..فرح لقمان٦٣ ..................................... نصوص قصيرة -شيمة الشمري ٦٤ ....................................... قصص قصيرة -حليمة الفرجي 65 ................................. شعر :عندما قالوا احتفاالً -عبدالهادي الصالح 66 ................ وَما ِشئ ِْت وَما ِشئْتُ -شاهر إبراهيم ذيب67 ........................ شجن قدس -لجين معافا٦٨ ........................................ الخيالُ :تَساؤ ٌل -خالد بهكلي ٧٠ ................................... ذكرى الورد -نجاة محمد خيري ٧٢ ................................. جَ ْفلَ ُة الن ِّاي -إبراهيم مدخلي٧٤ ............................................. علميني -خلف الشافي ٧٦ ................................................. على قيد حلم -خديجة إبراهيم ٧٨ ........................................ عودي إليّ -عمرين محمد عريشي ٧٩ ..................................... «الجوف» دار األكرمين -مالك الخالدي ٨٠ ............................... د ْغدَغ ُة الخَ شْ ف -محمد جابر بقار مدخلي٨٢ ............................ عطر على عطر -نجاة الماجد ٨٣ ......................................... ما أعجل الموت!! -موسى الشافعي٨٤ ................................... السَّ حَ ُر -نوره عبيري٨٦ ..................................................... نصوص شعرية -نوير العتيبي ٨٨ .......................................... ترجمة :قص ُة الفناءِ المُشترك -إيمان الغامدي٩٠ ................ مواجهات :الشاعر أحمد إبراهيم البوق -عمر بوقاسم ٩٧ ........ الروائي المصري الدكتور «رضا البهات» -محسن حسن١٠٥ .............. فهد ردة الحارثي -هالة موسى ١١٨ ......................................... نوافذ :المنهج النفسي في النقد رؤية تنظيرية -أ .د .صبري مسلم حمادي١٢٣ .................................................... فيليب جرونييه أول برلماني فرنسي مسلم -د .أبو بكر خالد ١٢٦ ......... قراءات :سنوات الجوف١٣٢ .......................................... كيف نكتب رواية -صالح القرشي ١٣٦ ......................................
لوحة الغالف :لوحة تشكيلية للفنانة سارة البديوي -الجوف.
■ إبراهيم بن موسى احلميد
ـات ،هي «فتاة سيئة» أصــدرت الكاتب ُة الروائية الشابة شهد الغالوين ثالثَ روايـ ٍ و«نشوق» و«األعــرج» ،طرحت فيها إشكاليات محدّدة؛ سابرة غور مجتمعها ،محاولة خلق دالالت في حيّزها الذي تناقش فيه قضاياها التي تطرحها من خالل شخصياتها التي تتناوب على تناولها في رواياتها الثالث ،محاول ًة اختزال تجارب هذه الشخصيات سرد يأتي بطرق مختلفة. في ٍ فقد جاءت روايتها األولى «فتاة سيئة» حاملة معها كثيرًا من البوح بجرأة باهرة ،وال يخفى أن دالالت ذلك كانت وراء صعود العمل األول لشهد؛ فقد كانت الرواية ضمن قائمة الكتب األكثر مبيعاً في معرض الرياض الدولي للكتاب 2012م (الشرق ،العدد ١٠٣تاريخ ٢٠١٢-٠٣-١٦م) ،ومهما انطوت عليه الدالالت تلك ،إال إنها تشير إلى أن الروائية اليافعة استطاعت أن تتجاوز عقدة الرواية األولى ،وأن تشق طريقها األخضر نحو أعمالها التالية. في روايتها الثانية «نشوق» ،تطرح شهد الغالوين إشكاليات اجتماعية مسكوتاً عنها، وتحاول من خالل الرواية كسر «التابوهات» حول قضية اجتماعية شائكة ،وهنا يبرز موضوع التطهر كسمة الزمة في روايتيها األخيرتين ،إذ تكون الكتابة رمزاً للخالص، ويحاول بطلها أن يخرج من عزلته في روايتها األعرج ،كما تكون الكتابة وسيلة للخروج من أزمة الفقد في روايتها نشوق.
4
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
ولهذا ..مهما كان الحيّز الذي تدور فيه أحداث رواياتها ،استطاعت أن تمارس السرد
الحكائي ،وأن تمارس حضورها المهم ،رغم اآلراء التي قد تطال أعمالها ،ومنها عملها
اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
تتجاوز شهد الغالوين في رواياتها عقدة المكان ،وتحاول أن تكون متجاوزة له،
األخير «األعرج» ،الذي كان يتسم بالتطويل في السرد أحيانًا بشكل عطّ َل تسلسل العمل
وأحاله الى الثرثرة المبالغة ،كما أنه كان صادمًا في توصيف عالقة السارد بأمّه التي ال يمكن إال أن تكون مغايرة للواقع ومخالفة له.
ومهما يكن ،فقد استطاعت شهد الغالوين أن تعكس رؤيتها من خالل أعمالها
الثالثة ،وتشق طريقها في عالم السرد الروائي ،في جيل الشباب الذي استطاعت أن
تكون أحد نجومه .وال تحاول شهد أن تتوارى وراء النص ،بل إنها تقول في حوارها
على هامش المحور الذي يتناول أعمالها «الرواية في تصوري سيرة حياة أيًا كانت
القضية التي تتناولها ،ال يمكن أن يفصل الكاتب الرواية عن حياته حتى لو كانت قصة
البطل تختلف عن حياته ،لكن هناك تفاصيل معاشة ،ومواقف مررت بها ،وعواطف
لم يكتب لها الحياة ،لكني عبَّرتُ عنها بطريقة ما؛ لذا ،ال يمكن أن أرى ذاتي في
شخصية مختلقة بحد ذاتها ،لكن حقيقة ..دائما ما أ ُُلبِس الشخصية عواطفي والكثير
من تفاصيلي ،لدرجة ال أحد يشعر أني مررتُ من هنا ،سوى قلبي الذي يعي جيدا أن
ما كتبت هنا كان عاطفتي وتفاصي َل طفيف ًة مرّت بحياتي».
وفي كالم شهد الغالوين ما يؤيده عند النقاد ،فقد رأى العديد منهم أن هناك رابطاً
بين الرواية والتجربة الذاتية لألديب ،بحيث تتداخل السيرة الذاتية مع الرواية ،وال
يمكننا نسيان رواية «الحيِّ الالتينيّ » التي كتبها سهيل إدريس ،متضمنة مراحل كاملة
من حياته ،وكذلك روائيين آخرين حكوا تجاربهم الذاتية أو أجزاء ومراحل منها من خالل رواياتهم.
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
5
الدورة الحادية عشرة -الغاط ١٥صفر ١٤٣٩هـ ( ٤نوفمبر ٢٠١٧م)
الوضع االقتصادي السعودي
■ كتب :محمد صوانة وجهاد أبو مهنا
عقد منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية منتداه السنوي في دورته الحادية عشرة في دار الرحمانية بمحافظة الغاط بعنوان( :الوضع االقتصادي السعودي)، وذلــك يوم السبت 15صفر 1439هـ ـ (2017/11/04م) ،والــذي يقيمه مركز عبدالرحمن السديري الثقافي سنوي ًا بالتناوب بين الجوف والغاط. افتتح المنتدى بكلمة للعضو المنتدب للمركز د .زياد بن عبدالرحمن السديري ،الذي رحب بالحضور ،وقال إن هذا المنتدى يأتي استشعار ًا من الهيئة المشرفة على المنتدى بأهمية هذا الموضوع وتأثيراته على مختلف األصعدة ،وفي ظل الظروف والتغيرات االقتصادية التي تعيشها المملكة ،وذلك للخروج برؤى ومقترحات تخدم قادة االقتصاد والعاملين في قطاعاته المختلفة، التي يؤمل منها أن ترفع من قدرات العناصر الفاعلة في االقتصاد وتعينها على توظيف المعلومات واألفكار المطروحة في تصحيح االختالالت الهيكلية المتراكمة منذ عقود. وذكر السديري أنه يشارك في ندوة المنتدى نخبة مــن األكاديميين والــخــبــراء مــن جامعات ومؤسسات وطنية ،داعياً الحضور للتفاعل مع المتحدثين في حوار يثري موضوع المنتدى.
في خدمة الثقافة على مستوى الوطن العزيز ،من خالل ما توفره مكتبات المركز العامّة في كل من الجوف والغاط ،وما تقدمه برامجه لدعم ونشر مناشطُ ُه المنبرية ،تحقيقاً ِ األبحاث ،وما تُحييه لما أراده مؤسس المركز يرحمه اهلل من خدمة للثقافة والتعليم في الوطن.
وأشار إلى أن المنتدى سيكرّم في هذا العام شخصية سعودية كان لها عطاء وإسهامات فكرية وأكاديمية في مجال االقتصاد في المملكة العربية كلمة هيئة المنتدى السعودية ،وهو الدكتور محسون بن بهجت جالل، يرحمه اهلل .ورحّ ب بأبناء الدكتور محسون جالل كما ألقى الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد الذين حضروا المنتدى. عضو هيئة المنتدى كلمة الهيئة ،الــذي تحدث وقال إننا نسعد في هذا المركز بشرف اإلسهام فيها عــن شخصية المنتدى الــدكــتــور محسون
6
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد
جــال رحمه اهلل .وقــال إن الهيئ َة رأت أن من قامة الوفاء تكريم الدكتور محسون لما يمثله من ٍ وشخصية ريادية ،وهو ما يزال حياً بيننا ٍ فكرية بأفكاره التي سبقت زمنَها والتي ما تزال وثيقة العالقة بالقضايا االقتصادية الراهنة رغم م ُِضيِّ أكث ْر من أربعةِ عقود على طرحها ،وبخاصة قضية تنويع مصادر الدخل القومي وتقليل االعتماد على النفط منذ أن طر َح فكرتَه الشهيرة «زراعة البترول» وكذلك حماستَ ُه منقطعة النظير لـ«خيار التصنيع». وأن الجوانب البارزة في فكر الدكتور محسون جــال وفــي إسهاماتِه العملية االقتصادية هو تن ُّوعُها الشديد ،ولذلك فإن المنتدى يكر ُّم ُه اليوم على مجمل عطاءاته االقتصادية؛ فكراً وممارسة.
د .زياد بن عبدالرحمن السديري
جــال وح ــاول بالنيابة عــن أجــيــال متعاقبة من وأشار د .عبدالواحد أن الدكتور محسون جالل االقتصاديين ،أن يفي بدين مستحق تجاه هذه رحمه اهلل كان رائداً في ميدان االقتصاد ،وامتدت القامة الوطنية السامقة ،شاكراً الدكتور محسون نشاطاته عربياً وعالمياً .إذ وصفه الدكتور غازي جالل يرحمه اهلل والحضور. اقتصادي سعودي تبنى خيا َر ٍ القصيبي بأنه «أو َل ندوة الوضع االقتصادي السعودي اقتصادي سعودي شَ ـ َر َح أوليات ٍ التصنيع وأو َل التنمية» ،وأطلقت عليه ألــقــاب مــثــل« :أســتــاذ تناول المنتدى الوضع االقتصادي السعودي الجيل من االقتصاديين السعوديين» و«رائد الفكر في المرحلة الحالية ،فمنذ هبوط أسعار النفط التصنيعي» و«عراب الصناعة السعودية». في النصف الثاني من عام 2014م .انخفضت وختم بأن منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد اإليرادات الحكومية التي تعتمد بشكل رئيس على مناسبة اإليــرادات من تصدير النفط وبيعه في األسواق ٍ السديري للدراسات السعودية أتى في ارتبط موضوعها باهتمامات الدكتور محسون العالمية ،مما أثر بــدوره على اإلنفاق الحكومي
اجلوبة -شتاء 1439هـ (7 )2018
على المشروعات التنموية وعلى بعض األنشطة الخدمية .وقد تأثر كذلك القطاع الخاص بتلك الــتــطــورات وذلــك العتماده إلــى حــد كبير على اإلنفاق الحكومي ،ســواء بشكل مباشر أم غير مباشر. وقد تزامنت هذه التطورات مع إطالق برنامج التحول الوطني ،وذلك في سياق رؤية 2030التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل ،وتوسيع قاعدة االقتصاد الوطني ،وتخفيف االعتماد على إنتاج النفط وتــصــديــره .وفــي هــذا الــســيــاق ،اتخذت الحكومة عــدداً من التدابير التي كان لها بعض االنعكاسات على الوضع االقتصادي وبخاصة في المديَين القصير والمتوسط.
يتناول النقاش في الجلسة األولــى توصيفاً للوضع االقتصادي الحالي ،واالنعكاسات التي ترتبت على انــخــفــاض أســعــار الــنــفــط ،وكذلك االنعكاسات التي نجمت عن تطبيق بعض برامج التحول الوطني ورؤية .2030 كما تناولت الندوة أهم السياسات التي يمكن اتباعها للتصدي ألي انعكاسات سلبية ،واالستفادة من التحديات التي تواجه االقتصاد الوطني لرفع قدراته وتصحيح االختالالت الهيكلية التي ظل يعاني منها على مــدى العقود الماضية بسبب اعتماده المفرط على إنتاج النفط وتصديره ،وهو ما سوف يؤدي إلى تحقيق أهداف رؤية .2030
حلقة احلوار األولى احملور األول :الوضع االقتصادي يف اململكة ،ومظاهر الركود وأسبابه المتحدثون :د .فهد التركي ،د .عثمان الوقداني ،د .محمد القنيبط أدار الجلسة :د .إحسان بوحليقة افــتــتــح د .بــو حليقة الجلسة بحديثه ما هي معوقات النمو االقتصادي؟
مشخصاً وضــع االقــتــصــاد الــســعــودي من كمــا حتــدث عــن رؤيــة 2030ومــا تتطلبــه مــن حيث االستقرار وتواؤم السياسات النقدية مســتويات منــو اقتصــادي حقيقــي بنســبة ٪٧ والمالية والنهج االقتصادي إجماالً ،وتساءل :ســنوياً ،وفقــاً لألبحــاث التــي أجريــت ،ثــم
8
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد
د .إحسان بوحليقة
د .محمد القنيبط
بــدأ احلــوار مــع املشــاركني بباقــة مــن األســئلة املثيــرة للعصــف الذهنــي ،ليحفــز املشــاركني معــه يف حلقــة احلــوار علــى تقــدمي معلومــات تثــري النقــاش ،وتعــرض الوضــع االقتصــادي بوجــه عــام أمــام اجلمهــور؛ فتســاءل عــن وضــع االقتصــاد الســعودي حاليــاً؟ وهــل يعانــي بالفعــل مــن ركــود؟ ومــا هــي الطــرق املتاحــة للتعامــل معــه؟ ومــا عالقــة الركــود بالنمــو االقتصــادي؟
معــدل الفائــدة ومعــدل الصــرف .وقــال إن السياســة النقديــة شــبه مختفيــة الرتبــاط الريــال بالــدوالر ،والتوقــف الــذي حــدث بشــأن املشــاريع اجلديــدة.
ويلحــظ التوجــه اجلديــد للدولــة ممثلــة يف مجلــس الشــئون االقتصاديــة والتنميــة الــذي بــدأ بتطبيــق توصيــة االقتصــادي الســعودي الــذي نحتفــي بتكرميــه اليــوم د .محســون جــال ،يرحمــه اهلل ،قبــل خمســن عامـاً عــن المتحدث األول :د .محمد القنيبط زراعــة النفــط ،وملخصهــا تقليــل أو إنهــاء االعتمــاد علــى البتــرول والتــي بــدأ ترجمتهــا (دكتوراه من جامعة أوريجن األمريكية، مبشــاريع رؤيــة 2030واملشــروع األخيــر «1984م» اقتصاديات الموارد) (نيــوم) وهــي رؤيــة طموحــة يجــب أن تقابلهــا بــدأ د .القنيبــط حديثــه بأنــه يلحــظ أن رؤيــة يف السياســة املاليــة. الوضــع االقتصــادي يف تناقــص منــذ 2015م ،فمؤشــرات الركــود االقتصــادي واضحــة مؤكــداً ذلــك باألرقــام املوجــودة يف موقــع متام ـاً ومنهــا ،علــى ســبيل املثــال :انخفــاض هيئــة اإلحصــاءات العامــة بــأن الــواردات مبيعــات الســيارات (شــركة تويوتــا ،٪٤٠ انخفضــت بنســبة ،٪15٫٥وأشــار إلــى أن مرســيدس ،)٪٢٥انخفــاض الــواردات لشــهر األســباب التــي ضاعفــت مــن شــدة الركــود أغســطس 2017بنســبة ٪١٥٫٥؛ ولكــن هــي :السياســة املاليــة التــي تتبعهــا وزارة التخــ ّوف مــن أن يطــول أمــده ويتحــول إلــى املاليــة ،والسياســة النقديــة يف مؤسســة كســاد علــى الرغــم مــن بعدنــا عنــه ،ولكــن النقــد العربــي الســعودي ،مــن خــال أداتــي يجــب أن تتبنــى الدولــة سياســة إنفاقيــة،
اجلوبة -شتاء 1439هـ (9 )2018
البنكــي ،وانخفــاض الــواردات يف العــام املاضــي ،٪١٥٫٥وانخفــاض مؤشــرات االســتهالك احمللــي بشــكل عــام ،واســتخدام البطاقــات البنكيــة التــي شــهدت انخفاضــاً ملحوظــاً .
د .فهد التركي
وهــو مــا قامــت فيــه أمريــكا عندمــا حدثــت كارثــة الرهــن العقــاري لعــام 2008م ،عندمــا تدخلــت الدولــة وضخــت نحــو ( 850مليــار دوالر) ملنعــه مــن االنــزالق يف حالــة الركــود والكســاد. وختــم الدكتــور القنيبــط مداخلتــه بقولــه ينبغــي التحــرك النتشــال االقتصاد الســعودي مــن حالــة الركــود. المتحدث الثاني :د .فهد التركي دكتوراه في االقتصاد ،جامعة والية أوريجن األمريكية ،كبير االقتصاديين ورئيس إدارة األبحاث (شركة جدوى لالستثمار)
وكاقتصــادي متابــع للوضــع االقتصــادي بشــكل عــام ،أقــول إن االقتصــاد ككل مبــا فيــه القطــاع النفطــي يف وضــع انكمــاش، وجميعنــا يعــرف أن القطــاع النفطــي يتأثــر بالسياســة الدوليــة ،فــكل هــذا وأكثــر انعكــس علــى الوضــع االقتصــادي العــام. اإلنفــاق احلكومــي يف الســعودية يف الســنة احلاليــة ( )٢٠١٧مبــا نصــت عليــه امليزانيــة يف حــدود ( 890مليــار ريــال) ،والســنة املاضيــة كان حوالــي ( 950مليــار ريــال) بنــا ًء علــى البيانــات املعلنــة مــن وزارة املاليــة، هــذا اإلنفــاق يقــارب اإلنفــاق مثــا ســنة 2012م؛ فقــد كان كان النمــو االقتصــادي غيــر النفطــي ()٪٥٫٥؛ فالقصــة ليســت إنفاقــاً حكوميــاً ،وليســت سياســة ماليــة توســعية ،بــل هنــاك الكثيــر مــن السياســات التــي متــت خــال الفتــرة املاضيــة أ ّثــرت علــى األســس االقتصاديــة يف احلــراك االقتصــادي الســعودي ،وانتقلــت للتأثيــر علــى االســتثمار. وهــذا األثــر الكبيــر الــذي شــاهدناه علــى االقتصــاد ،ومــن األمثلــة علــى هــذه السياســات ،تغييــر أســعار الطاقــة وتطبيقــه بشــكل ســريع.
أكــد د .فهــد التركــي علــى مــا جــاء بــه د. القنيبــط بــأن االقتصــاد الســعودي ميــر يف مرحلــة ركــود بــا شــك ،لكنــه اختلــف يف بعــض النقــاط أهمهــا مســؤولية السياســة فحتــى لــو كان هنــاك إنفــاق توســعي مــن املاليــة عــن هــذا الركــود. السياســة املاليــة فلــن يســتجيب القطــاع واســتعرض د .التركــي بعــض اإلحصــاءات اخلــاص بنمــو إيجابــي إال إذا كان هنــاك التــي تؤيــد وجهــة نظــره ،منــذ عــام 2014م وضــوح يف الصــورة والسياســة االقتصاديــة، إلــى اليــوم منهــا :انخفــاض االحتياطيــات ،فالتواصــل شــيء مهــم مــع املســؤول احلكومــي وانخفــاض الودائــع اجلاريــة يف القطــاع يف السياســات القادمــة.
10
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد
أن الركــود ظاهــرة طبيعيــة ،واالقتصــادات الدوليــة مفتوحــة علــى بعضهــا بعضــاً، فهنــاك تزامــن ،وهنــاك انتقــال لعمليــة التأثيــر والتأثــر .فخــال هــذه الدراســة حاولــوا ان يلخصــوا أســباب الركــود يف هــذه االقتصــادات بثالثــة أســباب :األول، انخفــاض أســعار اإلنتــاج ،والســبب الثانــي، وهــو مرتبــط بالســبب األول نوعــاً مــا ،إذا كان هنــاك تغيــر حــاد يف السياســة النقديــة أو السياســة املاليــة ورمبــا يــؤدي إلــى ركــود؛ أمــا الســبب الثالــث فهــو االنخفــاض يف د .عثمان الوقداني األصــول ،ســواء األصــول املاليــة ،أم األصــول وأعتقــد أن التحــدي كبيــر لتحويــل االقتصــاد العقاريــة أم غيرهــا. مــن اقتصــاد ريعــي معتمــد علــى اقتصــاد ولــو حاولنــا أن نســقط هــذه األســباب النفــط إلــى اقتصــاد منتــج بعيــد عــن اآلثــار علــى االقتصــاد الســعودي ،للســبب االول الســلبية إليــرادات النفــط ،فجميــع مكونــات مث ـ ً ا انخفــاض أســعار االنتــاج فاالقتصــاد االقتصــاد ســوف متــر يف منحنــى التعلــم ،الســعودي -كمــا هــو معــروف -يعتمــد علــى ولــن يكــون ســه ً ال خــال الســنتني القادمتــن ،ســلعة واحــدة وهــي النفــط ،ومــن خــال ولكــن مــا يخفــف مــن أثــر حــدة منحنــى التعلم 2014ويف فتــرة الطفــرة الســابقة القريبــة علــى االقتصــاد الســعودي هــو :أوالً املرونــة ،جــدا وصلــت أســعار النفــط أكثــر مــن 100 وتتمثــل يف إعــادة النظــر يف برنامــج التــوازن دوالر للبرميــل ،ثــم انخفضــت إلــى 42دوالراً املالــي؛ وثانيـاً التواصــل مــع القطــاع اخلــاص يف العــام ،2016مبعنــى أن نصــف إيــرادات واملســؤولني األكادمييــن لتكويــن نظــرة االقتصــاد انخفضــت؛ وبالتالــي ،أتوقــع يف إيجابيــة للمســار االقتصــادي يف قــادم األيــام .مثــل هــذه احلالــة ال بــد أن يكــون الركــود حتميــاً ألنــه ال يوجــد وســيلة معينــة لعــزل المتحدث الثالث :د .عثمان الوقداني هــذا االقتصــاد مــن التذبــذب يف أســواق دكتوراه في االقتصاد ،جامعة كانساس النفــط إذا انخفضــت هــذه األســعار أو األمريكية (اقتصاد قياسي ومالية دولية) أســعار اإلنتــاج .والسياســة املاليــة مضطــرة بــدأ د .الوقدانــي حديثــه بســؤال :هــل الركــود لالســتجابة ،فــإذا انخفضــت اإليــرادات حتمــي؟ وهــل هــي ظاهــرة عامليــة أم ال؟ ينخفــض اإلنفــاق ،وفعــ ً ا انخفــض اإلنفــاق واســتعرض دراســة لصنــدوق النقــد الدولــي احلكومــي بشــكل كبيــر جــدا يف هــذه الفتــرة. مــن العــام 1970إلــى العــام ،2015كان ومعظــم القطاعــات املكونــة لالقتصــاد هنــاك نحــو 120حالــة ركــود كامــل يف الســعودي معتمــدة بشــكل أو بآخــر علــى معظــم االقتصــادات العامليــة ،وبشــكل اإلنفــاق احلكومــي ،إذا كان هنــاك إنفــاق خــاص اقتصــادات الــدول املتقدمــة؛ مبعنــى حكومــي ســخي ،يكــون هنــاك حالــة ازدهــار
اجلوبة -شتاء 1439هـ (11 )2018
يف االقتصــاد مباشــرة ،ومبجــرد انخفــاض أســعار النفــط ،ينخفــض اإلنفــاق احلكومــي، فتقــل املشــاريع تبعــاً لذلــك. ولكــن هــل الركــود ســيء باملعنــى االقتصــادي البحــت؟ هــل مــن املمكــن جتنّبــه خــال فتــرة معينــة؟ هــل الركــود طبيعــي؟ فهــو جــزء مــن الــدورة االقتصاديــة؛ إذ ال يوجــد ازدهــار دائــم وال يوجــد ركــود دائــم ،لكــن املشــكلة الرئيســية يف الركــود إذا اســتمر ،فهــو يكــون عــاد ًة لفتــرة قصيــرة ،فتتأثــر القطاعــات املرتبطــة مباشــرة باإلنفــاق احلكومــي ،لكــن
إذا اســتمر فإنــه ســيؤثر علــى القطاعــات األخــرى؛ وإذا لــم يُعالَــج ،فقــد يدخــل يف مرحلــة كســاد ،وهــذا مــا ال نتوقعــه ،ألنــه يف 2017هنــاك بــوادر خــروج مــن الركــود والدليــل علــى ذلــك هنــاك خصائــص يف االقتصــاد الســعودي بــدأت تتغيــر إيجابيــاً بشــكل عــام ،كالتفكيــر االســتثماري ،ونــوع االســتهالك ،واإلئتمــان املصــريف وتوجهاتــه، إذ أســهم الركــود بطريقــة غيــر مباشــرة يف تغييــر الفكــر االقتصــادي.
جلسة احلوار الثانية السياسات املقترحة للخروج من املشكلة واخليارات املتاحة المتحدثون :د .فيصل بن صفوق البشير ،د .سعود بن عبدالعزيز املطير د .عبدالواحد بن خالد احلميد أدار الجلسة :أ .طارق بن زياد السديري افتتح أ .طــارق السديري ،بتحديد هدف الجلسة ،وهــو مناقشة الحلول والسياسات االقــتــصــاديــة الــتــي تمكّن مــن مــواصــلــة النمو فــي االقــتــصــاد الــســعــودي ،وتحسين الهيكل االقتصادي ،بحيث نتمكن من تقليل التذبذب والحفاظ على تطور اقتصادي متواصل.
12
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
وتــســاءل أ .ط ــارق إذا نظرنا إلــى الوضع االقتصادي ،وبصرف النظر هل نحن اآلن في ركود أم ال ،ما هي المسببات الجذرية ونقاط الضعف الهيكلية في االقتصاد السعودي التي ال بد من معالجتها قبل الدخول في الحلول المناسبة؟
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد
أ .طارق السديري
المتحدث األول :د .سعود المطير دكتوراه اقتصاد جامعة والية كولورادو األمريكية 1991م
د .سعود المطير
االقتصادي.
االقتصاد السعودي -كما نعلم -يعتمد على النفط؛ وقد أشــار بعض الزمالء إلى المرض الهولندي وكيف أن له تأثيراً هيكلياً؛ قــال د .المطير إن السبب الرئيس لما إذ إن االعتماد على سلعة واحدة يُحدِ ث مثل يحصل في االقتصاد السعودي هو انخفاض هذا المرض. أسعار البترول ،وبكل تأكيد اعتماد االقتصاد فعندما يحدث انتعاش في قطاع المواد الــســعــودي على الــبــتــرول كسلعة أساسية األولية مثل البترول يكون هناك زيــادة في فهو مصدر االنتعاش ،وهو مصدر الركود؛ الدخل ،هذه الزيادة في الدخل تنفق على وما نعانيه اآلن من االنخفاض الكبير في سلع إمــا تجارية وهــي السلع المستوردة، األســعــار ،وال شــك أنــه تسبب فــي تدهور ومعظم السلع التي نستهلكها مستوردة، الــوضــع االقــتــصــادي ووصولنا إلــى مرحلة فيكون هناك إنفاق كبير عليها ،وإنفاق كبير على سلع أخرى مثل :العقار فيتضخم سعر انكماش اقتصادي. العقار في ظل وجود االنتعاش أو االرتفاع وتساءل فيما إذا كان هذا السبب لوحده؟ الكبير في إيرادات البترول ،فيكون له تبعات فال شك أنه تنبثق منه أسباب أخرى ،وكما على القطاعات التجارية ،ومنها القطاع نعلم أن اإلنفاق الحكومي ما يزال ضخماً، الصناعي والقطاع الزراعي. لكنه ليس موجّ هاً بالكامل لإلنفاق داخل الحكومة في ذلك الوقت حاولت تالفي االقــتــصــاد الــســعــودي ،فــاإلنــفــاق فــي حالة الحرب يتبعه إنفاق على الحرب وإذا كانت هذا الوضع ،وكانت هناك سياسات مالية السلع تصنّع محلياً ،فإنه يسبب انتعاشاً توسعية من خالل تقديم إعانات كبيرة جدا اقتصادياً؛ لكن إذا كان اإلنفاق على الحرب للقطاعين الزراعي والصناعي ،ثم فيما بعد يعتمد على االستيراد فهناك تعميق للركود تبين أن دعم القطاع الزراعي بهذا الشكل
اجلوبة -شتاء 1439هـ (13 )2018
ال يخدم مصلحة االقتصاد الوطني ،فبدأت عملية الدعم تنخفض قليالً ،وكان المفروض ال في ذلك الوقت أن يتم اختيار القطاعات فع ً المناسبة التي يمكن لها أن تنمو وتتطور وتستطيع أن تنافس وتحل محل الــواردات، أو تعتمد على تصدير السلع. أما اآلن ومع وجود رؤية 2030وبرنامج الــتــح ـوّل الــوطــنــي عــلــى وج ــه الــخــصــوص، هناك محاولة لتالفي األخطاء التي كانت في السابق ،وبالتالي يكون الدعم مدروساً د .عبدالواحد بن خالد الحميد وموجهاً للقطاعات التي من شأنها أن تنعش االقتصاد الوطني في القترة القادمة. ســوق العمل الــذي يعكس حالة االختالل البنيوي لالقتصاد السعودي بأكمله .ففي المتحدث الثاني عقد السبعينيات الميالدية عندما اشتعلت د .عبدالواحد بن خالد الحميد الــطــفــرة االقــتــصــاديــة األولـــى وب ــدأ الناس دكتوراه اقتصاد جامعة وسكانسن ،ميلواكي األمريكية يتجهون إلى تأسيس المشروعات التجارية تناول الدكتور الحميد في حديثه حقيقة والــمــقــاوالت ،كانت أسهل طريقة هــي أن وضع االقتصاد السعودي ،فهو اقتصاد ريعي نستورد عمالة مــن الــخــارج ونــبــدأ بالعمل يقوم على مورد واحد هو النفط ،وبالتالي بالطريقة نفسها التي تتم في البلدان التي حتى عندما نتحدث عــن السعودية كبلد استقدمنا منها العمالة ،وبالتدريج افترضنا ثــري ضمن مجموعة العشرين التي تضم أن الــخــصــائــص االقــتــصــاديــة لالقتصاد أكبر عشرين اقتصاداً في العالم؛ فنحن الــســعــودي هــي الــخــصــائــص االقــتــصــاديــة في الواقع نتحدث عن اقتصاد ليس عميقاً نفسها للدول ذات الموارد التي تعتمد على في هيكله وفي بنيانه ،ألنه يعتمد على هذا الكثافة العمالية في اإلنتاج؛ فبنينا اقتصاداً المورد الواحد ،وبخاصة منذ السبعينيات ال يختلف كثيراً عن اقتصادات الدول ذات ال فادحاً في الميالدية من القرن الماضي حيث أصبحنا الكثافة العمالية ،ما أحدث خل ً نمر بحاالت من النمو االقتصادي المرتفع بنيتنا االقتصادية .ومنذ ذلك الوقت حدث عندما ترتفع أسعار النفط ،ثم نتأثر سلباً المزيد من االختالل الهيكلي وزاد اعتماد عندما تحدث أزمة في سوق النفط العالمية اقتصادنا على مصدر رئيسي وحيد للدخل، وتهبط األسعار. وعندما هبطت أسعار النفط مجدداً في عام وأضــاف أنه عندما كان يعمل في وزارة 2014وجدنا أنفسنا نعاني مرة أخرى من العمل مر بتجربة عملية من خالل متابعة أزمة اقتصادية.
14
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
هذه الرؤية تدعو للتفاؤل ،لكنها تزامنت مع هبوط أسعار النفط بشكل كبير جداً، وهبوط الناتج المحلي اإلجمالي ،وزيــادة معدل البطالة ،وتراجع السحوبات النقدية من أجهزة الصرف اآللــي وتعامالت نقاط البيع ،وانخفاض معدل التضخم ،وغير ذلك من مظاهر االنكماش االقتصادي. وفــيــمــا يــتــعــلــق بــالــحــلــول والــســيــاســات التي ينبغي ان نتبناها للتعامل مع وضعنا االقــتــصــادي ،ق ــال الــدكــتــور الحميد إنها تختلف حسب األفق الزمني وعمَا إذا كانت تتعلق بالمدى القصير أو بالمدى المتوسط والطويل .ففي المدى القصير يمكن اللجوء لسياسات مالية ونــقــديــة توسعية تنعش االقتصاد وتضخ المزيد من السيولة في شــرايــيــنــة مــن أج ــل مــحــاربــة االنــكــمــاش. والسياسة المالية تعني ،عموماً ،زيادة االنفاق
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد
وقـــــال د .الــحــمــيــد إن ال ــع ــدي ــد من االقتصاديين نبهوا إلــى خطورة االقتصاد الريعي ،كما أن خطط التنمية المتعاقبة أشـــارت إلــى ذل ــك ،لكن اإلجـــــراءات التي ُتخذَت لتخفيف االعتماد على النفط كانت أ ِ في السابق محدودة وغير حازمة ولم تحقق األه ــداف المطلوبة .ومــؤخــراً حــدث تطور مهم ،فــأول مــرة تتبنى الحكومة سياسة تجند لها جميع إمكانيات أجهزتها من أجل االنتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج حيث تم وضــع رؤيــة تمتد إلــى عــام 2030 مدعومة ببرامج مفصلة و ُم َز َمّنة وبمؤشرا أداء قابلة للقياس .وقد قامت الدولة بإعادة هيكلة أجهزتها وطريقة إعــداد ميزانيتها، واعتمدت قدراً عالياً من الشفافية واإلفصاح والحوكمة.
الحكومي وكبح الضرائب .ويمكن اإلسراع في تسديد مستحقات القطاع الخاص على الدولة وتسريع وتيرة االستفادة من البرنامج الــحــكــومــي الــتــحــفــيــزي لــلــقــطــاع الــخــاص والتوسع في مشروعات المشاركة مع القطاع الخاص ،وبعض اإلجراءات المتعلقة بحساب الــمــواطــن .أمــا السياسة النقدية فتعني زيــادة عرض النقود عن طريق أدوات تلك السياسة مثل خفض معدل الفائدة وخفض االحتياطي القانوني للبنوك ،وما إلى ذلك. أما في المدى المتوسط والطويل ،فالبد من المضي قدماً في سياسة ممنهجة لتوسيع القاعدة االقتصادية ،ومن ذلك ما يمكن أن يؤديه صندوق االستثمارات العامة ،وجذب االستثمارات األجنبية بما توفره من تقنيات حديثة وليس رأس مال فقط ،وأن تركز هذه االستثمارت على جوانب تنطوي على قيمة مضافة .نحن بحاجة إلى مشروعات كبرى تتوافق مع خصائص اقتصادنا ،وبحاجة إلى تطوير إداري وإلى مكافحة الهدر والفساد. وشـــدد الــدكــتــور الــحــمــيــد عــلــى أن من الصعب القيام بكل هــذه السياسات بين عشية وضحاها ،سواء ما يتعلق بسياسات المعالجات قصيرة األجل أو باإلصالحات الهيكلية المتعلقة بالمدى الطويل ،ولذلك فإن األمر يتطلب التدرج في التطبيق لكي تكون هناك طاقة استيعابية كافية سواء من الناحية الفنية التقنية أو االقتصادية أو االجتماعية .كما أن علينا أن نتحمل اآلالم التي سوف تصاحب هذه السياسات والمعالجات.
اجلوبة -شتاء 1439هـ (15 )2018
المتحدث الثالث د .فيصل بن صفوق البشير دكتوراه اقتصاد جامعة أريزونا األمريكية 1973م أم ــا الــدكــتــور البشير فــقــال إن هيكل االقتصاد السعودي مكون من قطاع خاص غير مــؤثــر إلــى حــد مــا ،وأعــتــقــد أن أكبر عامل قد يكون سلبياً ومؤثراً على االقتصاد السعودي بعد أن نمر في فترة ما حدث اآلن من ناحية الرؤية والتي أؤيدها بشدة بصرف النظر عن طموحها ،وعندما قرأتها قلت له إذا نفذت هذه الرؤية سنكون في مصافي الدول (الصناعية) لكن نحن هنا أمام وضع محيّر. فاالقتصاد السعودي تمثل الدولة الجزء األكبر منه ،أما الجزء الثاني فأنتم تعرفون فــي ســوق األســهــم يملكه الــمــؤســســون وال ألومهم ،ولهم الحق ،لكن يجب أن نصلح هذا األمر من ناحية توزيع ثروة البلد ،وال نستطيع أن نستمر بهذا الهيكل ألنه هيكل مخيف وهيكل خطر على سالمة االقتصاد السعودي.
د .فيصل بن صفوق البشير
ناحية هو نعمة ،ولكن في الوقت نفسه هناك اعتماد حكومي على مصدر دخل واحــد ،وبالمقابل هناك اعتماد القطاع الخاص على مصدر دخل أساسي ووحيد وهو الصرف الحكومي؛ كما شجع نمو قطاعات محلية غير قابلة للتصدير ،مثل القطاع العقاري وقطاع اإلنشاء والتعمير، ولكنه أضعف إمكانية القطاعات األخرى فــي التنافس والــتــصــديــر فــي األس ــواق العالمية. .2ع ــدم قـــدرة الــمــواطــن الــســعــودي على المنافسة ،والحصول على الوظائف،
اختتام الندوة:
بسبب هيكلية قطاع األعــمــال ،ووجــود
ثم قدم مدير الجلسة أ .طارق السديري
العمالة األجنبية الرخيصة التي تؤثر على
ملخصاً للجلسة من ثالث نقاط رئيسة هي:
تنافسية الموظف أو العامل السعودي.
.1يمكن تلخيص اإلشــكــالــيــة بــمــا يعرف .3تمركز ملكية األصــول والمصالح بشكل بالمرض الهولندي ،وهو أن البترول من
16
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
غير صحي في االقتصاد السعودي.
■ إعداد :هويدا صالح*
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
ٌ قراءة في تجربة شهد الغالوين اإلبداعية تكسر المرايا وتقوم بتجميعها مرة أخرى؛ لترى فيها صورة اآلخر ،حين إنها ّ تنكشف فيها ال ــذات ،وينكشف فيها اآلخــر ،الــذي قد يكون ُ تصبح الكتابةُ مــرآ ًة نصفها المفتقد أو عدوّها المتربّص؛ تصبح الكتابةُ حفر ًا ووشم ًا منفتح ًا على التأويل .تصير الكتابة لديها سلطة ،كما تصير حاملة لرأسمال رمزي ،يمكّ نها من انكشاف المخبوء داخلها أمام اآلخر .إنها الكاتبة السعودية الشابة شهد الغالوين التي أجادت لعبة المرايا المتشظية المتجمّ عة .أصدرت ثالث روايات قادرة على إث ــارة األسـئـلــة ،كما هــي ق ــادرة على ق ــراءة حـفــريــات الــذاكــرة الجمعية لمجتمع محافظ قد يرى في خروج المرأة من منزلها جريرة تحتاج لمساءلة ،فما بالك بالكتابة التي تمتلك إرادة القوة والمعنى .يمكن للقارئ أن يلمح الصراع الخفي بين األنا (الذات) واآلخر (ما هو خارج الذات) ،ليحتدم الصراع ،وليس بالضرورة أن يكون هــذا الـصــراع بشكل واضــح مــع ال ـ هــو /الــذكــر ،بــل قــد يكون الـصــراع مع بنيات الثقافة الرمزية التي قد تقهر األنا واآلخر معً ا .تواجه المجتمع بثقافته، بأيديولوجياته ،بقوانينه العرفية والرسمية .كتبت «فـتــاة سيئة» لتكشف عبر آليات الميتاسرد وأسئلة الكتابة حول المرأة المتمردة التي تحاول أن تخرج على األعراف ،لتثبت ذاتها ،وتوقع بهويتها الجندرية .كما كتبت «نشوق» لتتصادم مع مجتمع قهر فتاتها السيئة في النص السابق ،هنا أرادت أن تكشف زيف القيم في مجتمعات ال تفكر إال فيما يرضي شهواتها ورغباتها ،وتُغيّب الروح التي تصارع لئال يطالها التهميش ،وأخيرً ا كتبت «األعــرج» لتطرح أسئلتها االجتماعية عن ماهية اآلخ ــر المختلِ ف ،واسـتـخــدمــت فيها صــوت ال ـســارد الــرجــل؛ لتخبرنا أن التهميش ال يقع على النساء فقط ،بل قد يطال الرجال أيضا!
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
17
في رواية «فتاة سيئة» لشهد الغالوين صــارت الرواية التي تكتبها المرأة السعودية تلفت انتباه النقاد أكثر من الرواية التي تكتبها مثيالتها فــي بقية الـبـلــدان العربية ،ربـمــا هــذا االحـتـفــاء ال ــذي يـخــرج عــن نطاق االهتمام الطبيعي من قبل النقاد ،ربما يكون سببه التلصص على ما هو اجتماعي الذي تكتبه الكاتبات في الفضاء السردي؛ انطالقا من أن الكاتبات أكثر جرأة في كشف المسكوت عنه في مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي .وربما يمثل هذا التلصص ما أثير من ضجة حول بعض الروايات مثل« :بنات الرياض» لرجاء الصائغ. لــكــن َم ــن يــقــرأ بــتــأمـ ٍـل وتـ ــر ٍّو للخطاب تحمل وجهة نظر نسوية تنتصر للنساء؛ ال أم امــرأة؛ والكتابة النسوي فــي تلك الــروايــات الــتــي تكتبها سواء كان كاتبها رج ً الكاتبات ،يكتشف أن ثمة خطابات ذكورية الذكورية هي تلك الكتابة التي تجعل من
قد تكون أشد فحولة مما يكتبه الرجال؛ المرأة موضوعً ا وليس ذا ًتــا فاعلة؛ سواء وليس هذا حال الكاتبات السعوديات فقط ،كان كاتبها رجال أم امرأة. بل لــدى معظم الكاتبات العربيات ،سواء
وال ينكر أح ـ ٌد من المتابعين عن قرب
في مصر أو غيرها من الدول العربية التي للمشهد الــروائــي السعودي بصفة عامة، قطعت شوطا كبيرا في الدفاع عن حقوق والمشهد الروائي النسائي السعودي بصفة
النساء ،فقد صار من البديهي والمتفق عليه خــاصــة ..أن الكاتبة الــســعــوديــة امتلكت نقديا أن الكتابة النسوية ال يشترط أن تكون الجرأة في الطرح والحرية في التعبير عن
18
كاتبتها امرأة ،بل الكتابة النسوية هي التي موضوعات اجتماعية لم يكن من الممكن اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
بعض النقاد أن صــوت الــمــرأة السعودية فماذا فعلت بطلة «فتاة سيئة» لتحقق هذه
ككاتبة غلب صــوت الرجل؛ بل إن الرجل الحرية المفتقدة؟ صار يقلد بعض الروايات التي أثارت ضجة مثل رواية «شباب الرياض» لطارق العتيبي، «حب في السعودية» إلبراهيم بــادي ،فهو
خطاب العتبات في فتاة سيئة السمعة
لقد ص ــارت دراســـة العتبات النصية
نسج على النجاح الكبير الذي حققته رواية أحــد مفاتيح قــراءة النص الــســردي ،بــدءًا من الغالف الذي يضم عنوان النص واسم «بنات الرياض». على أية حــال ،صــارت الكتابة الروائية
بالنسبة للمرأة تمثيال ثقافيا من خالله تسعى المرأة إلى إثبات وجودها االجتماعي وال ــث ــق ــاف ــي؛ ان ــط ــاق ــا م ــن وعــــي كشف
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
طرحها قبل عقود .بل وصل األمر أن رأى من الحريات توفرها العوالم االفتراضية؛
المؤلف وغيره من أيقونات بصرية ،مرورًا باإلهداء والتصدير والمقدمات إن وجدت،
انتهاء بالنصوص المصاحبة مثل اإلحالة عــلــى بــعــض مــن ســيــرة الــمــؤلــف الــذاتــيــة والهوامش والتوثيق ،وأخيرا الغالف األخير
المسكوت عنه في المنظومة االجتماعية؛ ومن هذه الروايات التي حاولت أن تكشف الذي قد يحمل مقتبسا من النص أو رأي ما في المجتمع من عــادات وتقاليد تنال دار النشر أو رأي أحد النقاد ،ويكون غالبا من حرية المرأة ومن وجودها كذات فاعلة الهدف منه ترويجيا تسويقيا. في المجتمع ..روايــة «فتاة سيئة» لشهد
تعبّر لوحة الغالف عن عنوان النص،
الغالوين ،الصادرة عن دار الفكر العربي وتجسّ ده بصريًا ،فثمة فتاة يحتل وجهها للنشر والتوزيع بالدمام. ال ــغ ــاف ،تــرفــع وجــهــهــا ألعــلــى مغمضة هي روايــة ال تكشف فقط عن العادات العينين وهي تدخن سيجارة بنهم ،وتنفخ والتقاليد الــتــي تكبّل وج ــود الــمــرأة ،بل دخانها ألعلى متطايرًا ليحتل الجزء الباقي
تكشف أيضا عن محاولة النساء تعويض مــن الــغــاف ،وكــأن وعــي مصمم الغالف الكبت المجتمعي فــي الــواقــع بالدخول دفعه لتجسيد معنى «السوء» الذي يوحي إلى عوالم افتراضية توفرها لها شبكات به عنوان الرواية «فتاة سيئة» في تدخين التواصل االجتماعي والمنتديات والمواقع السجائر .ولكن مَن يواصل قراءة النص بعد االفتراضية ،وكيف يمكن أن تعوّض هذه تخطي عتبة العنوان «فتاة سيئة» ،سيتكشف العوالم االجتماعية ما يتم في الواقع من لــه أن الــســوء الــذي مارسته «رغ ــد» بطلة
كبت لحريات النساء .إنه السعي وراء مزيد الــروايــة ..إن هو إال كس ُر نمطية العادات اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
19
والتقاليد.
لقارئها منذ البدء :ليس لدي معركة ضد
ويأتي العنوان فيه الكثير من السخرية الرجال ،فمن شكل وعيي بالعالم هم رجال، من نظرة المجتمع للفتاة التي تحاول أن إنما معركتي مجتمعية ،تقول في اإلهداء:
تخرج عن أ ُطر العادات والتقاليد؛ فالمجتمع «إلى ستة من الرجال وقفوا معي وسندوا يصفها بــالــســوء ،رغــم أن تصرفاتها إذا طولي وكانوا ظلي الطويل الذي ال ينحني، قيست من المنظور القيمي ال يستدعي هذا إخوتي.. الوصف السلبي الجارح.
وإلى رجل ألبسني ثوب أمي ،فشعرت كم
يتموضع الــعــنــوان بخط أســود عريض أنا جميلة حين أبدو كاألمهات. ويعلو اسم الكاتبة ،وكــأن المصمم يدرك
وإلى وجه أبي الذي أدس فيه تفاصيلي
أن اسم الكاتبة لم ينل بع ُد حظً ا وافرًا من الصغيرة عن عين أمي». الشهرة واالنتشار؛ ما يدفع مصمم الغالف
ثم تأتي المقدمة لتكشف عبرها الكاتبة
إلى أن يروّج للنص باسم الكاتبة الذي كتب عــن عالقة بطلة النص «رغ ــد» بالفضاء بخط أصغر أسفل العنوان ،فيصبح العنوان اإللكتروني الذي هو فضاء رئيس ،تدور فيه هو األكثر قدرة على الترويج ،وخاصة أنه الــروايــة؛ فنجد رغد الساردة تتحدث عن عنوان مثير للجدل ،وفاتح لشهوة التلصص هذا الفضاء ..وكيف كان ملج ًأ لها وسط
على كتابات النساء؛ فحتمًا المتلقي سوف قتامة الواقع الــذي يكبّلها بقيود العادات يثير انتباهه هذا الوصف للفتاة بأنها سيئة ،والتقاليد .وفي هذه المقدمة يظهر وعي وهــو التلصص على كتابات النساء سوف الكاتبة بالواقع والمتخيّل الذي تدور فيه يقتنون النص لمعرفة تفاصيل تلك الفتاة األحــداث ،فرغم أن المقدمة بصوت رغد السيئة.
وليس بصوت شهد الكاتبة الحقيقية ،لكنها
حينما ندخل للنص يقابلنا اإلهداء ،وقد تحيل على واقع المؤلفة ،حتى أنها ذكرت كتبته شهد الغالوين وهي واعية تماما أن مواقع إلكترونية بعينها لها وجــود واقعي بعض الــقــراء قد يعتقد أن النص معركة «تحية للرفقاء الطيبين الذين جمعتني بهم أيديولوجية بين الرجال والنساء في مجتمع مواقعي المفضلة (جسد الثقافة ،فيس محافظ ،فتستدرك األمر بأن تهدي الرواية بــوك ،تويتر ،آسك مــي) ،ولكل مَن يتناول لرجال أثــروا حياتها وأ ّث ــروا فيها ،وتذكر سيرتي في محاولة منه لمعرفة تفاصيلي،
20
سبب تميز كل منهم على حدة ،وكأنها تقول هذه الحياة لم تكن لتكون حكايتي كاملة، اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
أضعني في مواجهة الخيال والحقيقة ،أختار لكنها وحدها مَن تــراه بتفاصيلها ..شهد
مكانا وسطاً ال يميل بي إلى أي الجهتين؛ عبدالعزيز». إنما يحدد مكاني في نقطة تجمعهما معا». وتأتي العتبة األخيرة من عتبات النص، لم تكن الكاتبة واعية فقط بفكرة التمازج وهــي الغالف األخير الــذي تضع فيه دار
بين ما هو ٍ واع وما هو خيالي ،وتلك المساحة النشر مقتبسً ا من النص يُعبّر عن أجواء البينية بين البعد السيري والتخييل في الرواية ،ويصير الحافز للقارئ كي يقتني
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
ولم يكن لها أن تكون محض خيال ،فحين جميل وساحر ال ينتبه لتفاصيله البقية،
النص ،بل تعي أيضا أنها تفيد في طريقة النص ،وتوقعه باسم «شهد الغالوين». سردها للرواية من تقنية «السيرة» وتقنية الميتاسرد في النص «اليوميات» ،اخترت أن تكون سيرة ويوميات الرواية مونولج طويل لم تقطعه الكاتبة أكتبها كما حدثت معي ،لكن ربما هناك قوى عظمى سَ يّرتْها إلى هذا الشكل في النهاية ،بتقسيمات الــفــصــول ،ولــم تقطعه سوى فهذه التفاصيل تشبهني ،غير أنه ال يمكن بــبــعــض الـــحـــوارات الــتــي كــانــت تــتــم بين ألي شخص أن يتعرف على الفروق العشرة الشخصيات التي تحيط بــالــســاردة رغد
بينها وبين حياتي سوى أحمد وبدر وسعد ،التي هي أحــد تمثالت المؤلف الحقيقي وأمـــي ،وأولــئــك الــذيــن دخــلــوا تفاصيلي ،في النص ،وبخاصة أن استخدام ضمير
وعــرفــوا متى تــكــون الفتاة السيئة سيئة المتكلم «أنــا» يحيل على البعد السيري، بالقدر الــذي يشوّهها في أعين الناس ..كذلك ذكر اهتمام الساردة بالكتابة ونشرها التوقيع رغد».
في «جسد الثقافة» وعالقتها بـ«دار الفكر
وبعد أن يتجاوز القارئ المقدمة والنص العربي» وعالقتها بكتابة الرواية وتقنياتها يخلص إلــى عتبة قبل أخيرة ،حيث تأتي يقوّي البعد السيري في النص ،بل إن ثمة
خاتمة للكاتبة بعد أن انتهت الرواية ،توضح استخداماً للميتا سرد في النص ،فالساردة فيها معنى استخدامها للعنوان «فتاة سيئة» ،رغــد تقرر أن تنشر يومياتها ،فيواجهها
وتشرح للقارئ معنى السوء الذي تقصده ،زوجها بسؤال الكتابة ،هل تمتلك من الوعي قول يلخص الرواية ،وتوقعه ما يجعلها مؤهلة ألن تتحمل مسؤولية أن وكأنه قو ُل على ٍ
باسمها الحقيقي ،إذ تقول« :الفتاة السيئة تكون كاتبة ،وهذا ما يقوي البعد السيري ليست كما يتصور اآلخــــرون حــول لفظ «رغد أن تنشري يعني أن يكون لديك شيء
«سيئة» أو أمر «قبيح» ،ال ..هذا السوء شيء عليه القيمة ،وليس فقط شهوة أسرار تندلع اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
21
في مذكرات مراهقة غبية ال تحسن كيف يحيط بها مجتمعيا .إذاً ،طبيعة السرد َض على الكاتبة لغ ًة شاعرية ،كما أن تتعامل مع مجتمعها الصغير ..فكيف تواجه ف ـر َ العالم بهذه اليوميات!
طبيعة الموضوع فرض عليها رؤية شاعرية
هي محاولة للتفريغ وارتكاب إثم الكتابة .للعالم «إني أستعر كحقل قمح ألقيَ فيه عود لكنه صفعني :كيف تكتبين عــن حياة ال ثقاب! وال أدري كيف أكتبني وسط مدينة
تملكين زمام أمرها؟ ومن خوّلك لتتحدثي الحرائق التي نشبت بي من أجلك؛ لكن عني بشكل مكشوف للجميع؟ قصتي معك الحقيقة التي تغيب دومًا عنك هي صالتي شئ شخصي وخاص جدًا بحياتنا هذا إن من أجلك ،فأنا أؤمن بقدسية الصالة من ـب يربطني بك عمرًا بأكمله ،وال جمعتنا حياة ،أما تصرفك هذا فال يدل أجــل حـ ٍّ
إال على قلة احــتــرام لخصوصيتي معك .أريد أكثر من سقف يرتفع بي ،وال تتطاول ثم لو نظرت لها كرواية أين خطوط العمل من أسواره أعناق أعراف تدوّلت من فرط الــروائــي؟ هذه قصة طويلة وال تدخل في الجهل!
إطار العمل الروائي وال مسماه؛ أن تكتبي
لقد استطاعت الكاتبة أن تكشف في
روايــة ال بدّ أن يكون هناك فكرة مجنونة النص عن عالقة المرأة بذاتها ،وعالقتها وليست كما فكرتك المستهلكة ،وأن يكون بمجتمعها ،والعادات والتقاليد التي تخضع
للرواية أحــداث وشخصيات مركبة تسير لها الــنــســاء ،كذلك عالقتها بالفضاءات بالعمل وتدخل في دهاليزه ،الجيد أنك اإللكترونية ،وعالقتها ككاتبة بالكتابة،
أخذت تمرينا في الكتابة السردية ،وركزي وإلــى أي مــدى يمكن أن تفيد الكاتبة من على عمل آخر يكون بعيدًا كل البعد عن سرد تفاصيل حياتها في نصوصها ،وإلى حــيــاتــك الشخصية ومــامــحــهــا ،اخلقي أي مدى تفيد من التخييل في إبعاد ذهن فــكــرة ..لكن ال تقحمي حياتك وأحداثها القارئ عن السيرة الذاتية .وهذا الطموح بعمل يعرض على المأل».
إلى مناقشة الكثير من القضايا في النص..
كما أن تقنية المونولوج والبعد الذاتي جعل النص يفلت جماليًا من يد الكاتبة،
في النص فرَض لغة شاعرية تناسب غرق فلم تفلح الكاتبة في صناعة الحبكة الفنية الساردة في ذاتها ،واكتشاف عالقتها بهذه التي تهيئ النص جماليًا ليحمل كل هذه ال ــذات الــمــأزومــة وعالقتها بــاآلخــر الــذي الخطابات الثقافية داخل النص. * أكاديمية وكاتبة من مصر.
22
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
البوليفونية
في رواية «نشوق» لشهد الغالوين ■ إميان عبدالعزيز املخيلد*
ذات إن الكتابة اإلبداعية ،والروائية منها ،هي المجال األبرز لتحوّل المرأة العربية إلى ٍ فاعلة قــادرةٍ على أن تنتج خطابًا ثقافيًا فاع ًال ومسموعً ا من قبل مجتمع ذكوري همشها طويال ،وقزّم دورها؛ فبعد أن صمتت المرأة قرونا طويلة ،وكانت مفعوال ال ذاتا فاعلة ،تحوّلت اآلن إلى ذات منتجة للثقافة ،وقادرة على أن تغيّر ولو قليال من بنية التفكير الذكورية. ربما راودتني هذه الفكرة وأنا أقرأ رواية محل هذه الدراسة. «نشوق» للكاتبة السعودية شهد الغالوين، العتبات النصية الداخلية في الرواية التي استطاعت وهــي ابنة مجتمع أقــل ما تُع ُّد العتبات النصية عالمات داللية تفتح يوصف به أنه مجتمع راديكالي محافظ ،أن تُسمع العالم صوتها ،وتفتح ملفات شائكة أبواب النص أمام المتلقي ،وتمنحه مفاتيح ـض مغاليقه ،فهي بمثابة ربما ال يرضى عنها هــذا المجتمع الــذي لــقــراءة النص وفـ ّ يــوصــف بــأنــه مجتمع مــحــافــظ .آلــت شهد الشفرات التي تساعد المتلقي الوصول إلى الغالوين على نفسها إال أن تُحدث صدمة خطاب الرواية الفكري ،وتساعد إقامة جدل اجتماعية لهذا المجتمع ،حين قــررت أن مع متن الحكاية. تصنع نموذجا نسائيًا قــادرًا على أن يلوي وفــي روايــة «نشوق» تُع ّد المقدمة عتب ًة عنق المجتمع ،ويجعله يقبل بهذا النموذج النسائي ،وربما يناقشه في أفكاره ،يختلف نصي ًة دالـ ًة وموحية ،وال يستطيع باحث أن معه أو يقبله ،ليس هذا هو مقياس النجاح ،يتجاهلها ،ففي هذه المقدمة تطرح الكاتبة بل مقياس النجاح الحقيقي أنها أثارت أسئلة استراتيجيتها للكتابة .في المقدمة تقدم يتحفظ الكثير من الكتاب الذكور في طرحها الكاتبة للقارئ المؤلف الضمني الذي سيقوم بــهــذه الــجــرأة ،وب ــدأت مغامرتها الروائية بــروايــة النص نيابة عن المؤلف الحقيقي برواية «فتاة سيئة» ،ثم تلتها برواية «نشوق» (الغالوين) ،وكأن الكاتبة تتخذ من هذا النوع اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
23
من الــرواة قناعا تلقي من خالل صوته ما تريد من حكايات وأحــداث هي في حقيقة األمر صادمة لوعي المتلقي ،ومثيرة لألسئلة لديه« :لم يكن لدي أي تصور عما يحدث اآلن أمامي ،فقد ولــدت في مدينة الجوخ ،التي رغم صغرها لم ألتق بريحانة وجهًا لوجه إال في دار الرعاية االجتماعية التي عملت بها حارسً ا لمدة سنتين ،ثم تسلّمت شؤون الموظفين بعد ذلك اليوم». إن الراوي الضمني «محمد الشريكان» هو من سيقوم بالسرد ،وهو كاتب سبق وأصدر رواية أسماها «عبودية الجنس» ،وقد تعرّف على البطلة الرئيسة في النص ،تلك البطلة التي سيروي حكايتها ،أثناء عمله كحارس في في دار الرعاية االجتماعية.
24
تــبــدأ المقدمة الــتــي وضعتها الغالوين على لسان الشريكان بالحديث عن مدينة «ال ــج ــوخ» الــتــي ك ــان يــعــيــش فــيــهــا الـ ــراوي الحس ُّ الــشــريــكــان ،لكن رغــم ذلــك يظهر النسوي في وصف المكان ،فيصير المكان في النص معادالً موضوعياً لألنثى (ريحانة) التي نحتت تفاصيلها في روحها« :لم تكن الجوخ مدينة صغيرة فقط ،بل كانت امرأة بكل تفاصيلها الصغيرة التي منذ أن خلقت على أرضها وحتى هذه اللحظة لم أستطع التخلص من كل ترسباتها ،فشرعت في كتابة حكاية المرأة/المدينة ،المتطرفة بهدوئها.. بخوفها ..بخطيئتها ،بكل منغصات الحياة التي طفحت على سطحها ،وبليلها الحالك الطويل الذي يعربد في طرقات المدينة بال عيون ،وكيف ُقدّر المرأة واحدة أن تلوي عنق المجتمع وتنحت تفاصيلها الدقيقة بمالمح المدينة بأكملها». اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
تطرح الكاتبة عبر صوت راويها أو مؤلفها الضمني ســؤال الكتابة ،لماذا يكتب ،كيف يمكن للكتابة أن تكون فرصة للتطهر؟ كيف التقط تفاصيل ريحانة وأمها« :هذه الحكاية تشبه تفاصيل شخصيات مــوجــودة بيننا، ونواجهها بشكل يومي؛ لكن الحقيقة الوحيدة هنا هي ريحانة وأمها .كتبتُ لي أوال ،ولم أكتب من أجل أي شئ آخر ،ألني بحاجة ألن أكتب وجعها حتى أتخلص منه ،ولهدف أبوي في محاولة العثور على طفلتي ،ال أعدكم بشئ خــارق وغير ع ــادي ،كما فــي روايتي السابقة «عبودية الجنس» والتي أعتمد فيها على مخيلتي فقط ،إنما هنا أروي حكاية ليست فكرتي مطلقا ،بل أسردها لكم كما تلقيتها ،وعايشت أغلب تفاصيلها ،فمن المؤلم أن يضعك الزمن سبع سنوات أمام امــرأة لم تحبها يوما إال حين رحلت عنك، وكان بيدك أال ترحل ،ومع هذا استسلمت لرحيلها». تطرح الكاتبة مــن خــال صــوت محمد الشريكان العالقة بين الواقع والخيال في الكتابة ،والتي يتخذهما الكاتب مادة يمتح منها حــكــايــاتــه ،فــهــو ي ــرى أن ــه فــي روايــتــه األولى ( عبودية الجنس) اعتمد على الخيال الخالص (التخييل) ،في حين أنه في هذه الرواية سوف يمازج بين الواقع والتخييل. وسؤال الكتابة لم تطرحه الغالوين على لسان محمد الشريكان ،مؤلفها المتخيل، بل طرحته أيضا على لسان ريحانة ،التي تــمــارس الكتابة هــي األخـــرى ،وتــحــاول أن تكتب حكايتها وحكاية أمها «شـ ّمــا» ،وكأن الرواية تتكون من طبقات متعددة ،الطبقة الرئيسة روايــة شهد الغالوين ،ثم الطبقة
ريحانة هي ابنة شمّا ،كانت وحيدة أبيها
وفي هذا الفضاء المتخيل ،تتناوب ريحانة
البوليفونية وتعدد األصوات في الرواية
تعتمد الــروايــة البوليفونية على تعدد ال ــم ــواق ــف الــفــكــريــة ،واخـ ــتـ ــاف الـ ــرؤى األيــدولــوجــيــة ،وتــرتــكــز كــذلــك عــلــى كثرة الشخصيات وال ــرواة والــســراد ،بل وتعتمد الــتــن ـوّع فــي الــصــيــغ والــطــرائــق الــســرديــة استراتيجية للكتابة. إذاً ،الرواية البوليفونية رواية قائمة على تعدد األصـ ــوات ،والشخصيات ،واللغات، واألساليب ،والمواقف ،والمنظورات السردية. ويعني هذا أنها رواية ديمقراطية ،تستدمج كل القراء المفترضين ،ليُدلوا بآرائهم بكل حــريــة وتلقائية ،فيختاروا مــايــشــاؤون من المواقف واأليديولوجيات المناسبة .في حين ،نجد الرواية التقليدية روايــة أحادية الصوت ،يتحكم فيها الراوي المطلق والسارد العارف بكل شيء. وبما أن المؤلفة الحقيقية للنص قد أسلمت مقاليد السرد لمؤلف متخيل افتراضي ،فهو بالتالي تعامل هو اآلخر بديمقراطية ،ومنح فرصا ً الشخصيتين الرئيستين في النص متساوية ليرويا قصتهما كل من وجهة نظرها وزاوية الرؤية لعرض الحكاية.
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
الثانية البديلة هي رواية محمد الشريكان، ثم الطبقة الثالثة هي رواية ريحانة ابنة شمّا: تعويضا عن الجنس... ً «كنت أجد في الكتابة وأنا اآلن أمارس الكتابة بعدما رحل الرجل الذي مأل خواء روحي لسبع سنوات ،وترك حولي صوت األشياء التي تسخر مني كلما مررت بجانبها ،وكأنها تقول« :واجهي العالم من جديد».
التي تعرضت لالغتصاب من ابــن جارهم في ظــام الليل ،ولــم تعرف َمــن الــذي قام باغتصابها .لجأت لجارتهم لتستنجد بها بعد أن حملت من الرجل الذي اغتصبها في ظالم الليل ،وظهر الحمل عليها ،فحاول األب إجبارها على االعتراف عن الرجل الذي فعل تلك الفعلة ،وألنها لم تكن تعرف مَن هو ..لم تستطع أن تخبر أباها عنه ،حاولت الجارة أن تنقذها من غضبة أبيها ،فادعت أمام القبيلة أن األب هو الذي قام بهذه الفعلة، وأنه اغتصب ابنته .لم تعرف الشابة الصغيرة «شــ ّم ــا» كــيــف تتخلص مــن ه ــذه الــورطــة، فصمتت على إدعاء الجارة التي كادت ألبيها، وكــانــت تستهدف مــن هــذا االدع ــاء أمرين، أوالً أن تحمي ابنها؛ إذ كانت تعرف أنه هو صاحب هذه الفعلة ،وثانيا أن تنتقم من األب الذي فضل عليها أم شمّا وتزوجها ،ويعاقب المجتمع الــرجــل دون تــحــقــق ،بــل يسلمه للسلطات التي قضت بسجنه ،وتهرب شمّا من القرية وتتجه للمدينة بحملها ،وتضع ابنة صغيرة تسميها ريحانة ،وتعيش معها صراعً ا دراميًا طوال حياتها ،فالبنت التي أتت من عالقة غير مشروعة تظل تحاسب أمها على أنها أتت بها إلى الدنيا ،ولم يغفر لها أمام الفتاة الثائرة المتمردة أن أمها تعرضت ظلما لالغتصاب ،وظلت تلعنها طوال حياتها .وفي محاولة من الفتاة التي ظلمها المجتمع حين ظلم أمها تمردت عليه ،عاشت في محاولة لتقويض سلطة هذا المجتمع عليها .وفي رحلة تمردها عاشت الصراع بين الجنس والكتابة ،تكتب حين تهرب من ممارساتها الجنسية ،وتترك الكتابة حينما تجد رجال يمأل روحها الفارغة...
25
وشمّا السرد ،لتحكي كل منهما ما يخصها من الحكاية. تستخدم الغالوين تعدد األصوات لتسمعنا كــل قطع «الــبــازل» الــتــي يمكن لــلــقــارئ أن يجمعها ،ليصنع حكاية مترابطة عن مجتمع مغلق ،يأخذ الناس بالباطل واالدعـــاءات، ويصمت عن كل الممارسات ما دامــت لم تتم في العلن ،فالخفاء والتخفّي هما وسيلتا الناس للعيش بسالم دون رقابة المجتمع، لكن الكشف واإلعـ ــان والــوضــوح يعرض الناس للمحاسبة.
وتواصل الكاتبة تعدد أصواتها بالتساوي بين ريحانة وشمّا ومحمد الشريكان ،وصوت راب ــع هــو صــوت أســامــة الفلسطيني الــذي شارك شمّا وريحانة الحياة والغرام ،فقد وقع في عالقة شائكة معهما ،وظل المحكي عنه طوال النص ،حتى تم ترحيله إلى فلسطين بعد أن تقدمت ريحانة بشكوى ضده ،فرحّ لته السلطات بعد الجلد ،ومن فلسطين يرسل خطابا إلــى محمد الشريكان يحكي فيه حكاية عالقته من وجهة نظره هو ،من زاوية جديدة للرؤية .وهكذا تتعدد األصوات داخل الرواية.
تستخدم الكاتبة تركيب «تقول ريحانة»، «تقول شمّا» في بداية الفصول ،وتتعامل إن جــرأة الكاتبة في طرح موضوعاتها، بديمقراطية حينما تــوزع الفصول بينهما، بالتساوي ،أما المقدمة والخاتمة فتتركهما لتكشف المسكوت عنه فــي المجتمع من ممارسات غير مشروعة ال يقف عند حد، لصوت محمد سعود الشريكان. تبدأ الفصل األول بصوت ريحانة« :تقول فتتكشف الحكاية أمــام القارئ ليعرف أن ريحانة أنــا ريحانة ابنة شمّا ،هكذا تقول ريحانة االبنة التي جاءت من حادثة اغتصاب أمــي ،أو لنتحدث بمنظور شرعي المرأة غير معروف صاحبها لشمّا قبل عقود هي ابنة (الــوعــاء) التي حملتني تسعة أشهر ،وهذا لسعود الشريكان الذي هو في حقيقة األمر الشئ المعترف به من قبلها ...أعيش في هو والد محمد المؤلف الضمني للحكاية، شــقــة صــغــيــرة عــلــى بــعــد ســت ســنــوات من والمفارقة التي خبأتها الكاتبة على القارئ عامي األربــعــيــن ،أعشق الــحــيــاة ،لكنني ال حتى قبيل نهاية النص أن ريحانة ومحمد أديــن بالفضل ألحــد ،ربما سيشم أحدهم الشريكان ،الــذي هو في الحقيقة أخوها، رائحة عقوق في حديثي ،لكن ربما لو لمح قد عاشا قصة حب وتقاسما الحياة لسبع الجملة األولى سيجد تعريفي لنفسي بـ «ابنة سنوات مضت ،وحين عرف كل منهما حقيقة شـ ّمــا» وذلــك كفيل بتبديل انطباعه عني، وهذا األمر ليس مفاخرة وال حُ بًا في المرأة اآلخ ــر ،ولــم يمتنعا عــن العالقة الجسدية التي أنجبتني ،لكنها لألسف حقيقتي التي الحميمية خوفا من اقتراف الخطيئة ،وإنما ال أعرف منها سوى وجه شمّا الذي صافح افترقا ألســبــاب تخص عاطفتهما ،وليس امتناعا عن ذلك ،ألنهما أخوان. عيني منذ أن زلق وجهي من رحمها». * أكاديمية وناقدة سعودية -جامعة االمير سلطان.
26
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
التطهر بالكتابة في رواية «األعرج» لشهد الغالوين ■ د .هويدا صالح
بمقدمة توحي بالواقعية ،وتبعد بها عن التخييل ..تبدأ شهد الغالوين روايتها األحدث «األعرج» التي صدرت عن دار تشكيل للنشر والتوزيع. تقدم الغالوين للرواية بمقدمة ُتـ َعــدُّ عتبةً كاشفةً مــن عتبات ق ــراءة الـنــص؛ فالكاتبة تتحدث عــن طــرف مــن سيرتها الــذاتـيــة ،بحديثها عــن روايتيها السابقتين «فـتــاة سيئة» و«نشوق» ،ثم تخاطب القارئ وتكشف له مخططها السردي لكتابة حكاية «األعــرج» الذي وصلتها تفاصيل حكايته عبر مذكرات وصلتها ،تحمل تفاصيل هذه الحكاية« :هذه الرواية، ليست روايتي الثالثةـ مع األسف ،ألني تعودت أن أكتب عن المرأة وللمرأة فقط؛ فحين كتبت رواية (فتاة سيئة) وروايــة (نشوق) كنت في صف المرأة التي تلوي عنق األعــراف والعادات القديمة حتى لو لم أتفق معها .وتحدثت عن التفاصيل الدقيقة ما بين الرغبة والحب، رغم أني ال أتعاطف مع امرأة تسحق نفسها من أجل الحب ،لكن مع ذلك كنت مع المرأة حتى لو اختلفت مع طريقتها». ثمة مساحة بينية بين السرد القائم على التخييل التام وبين السيرة الذاتية للمبدع، لكن فــي العقود األخــيــرة انتشر مــا يُسمّى بالرواية السيرذاتية التي مازج فيها الكتاب بين الواقعي والتخييلي ،فهل تحاول شهد الغالوين فــي هــذا النص أن تسرب بعضا من سيرتها اإلبداعية في نصها القائم على التخييل ،وخاصة أنها تطرح في أكثر من موضع من النص سؤال الكتابة ،وماذا تعني
لها الكتابة ،وكيف ترى العالم من خاللها. وبحسب ما حاولت أن تخبرنا في المقدمة تتحدث عن رؤيتها للكتابة ،وموقفها النسوي من قضايا الــمــرأة ،أم أنها محاولة إليهام القارئ أن هذه التفاصيل السردية التي وردت في رواية «األعــرج» ال تخصها ،خاصة حين تخبر القارئ بأن قصة هذه الرواية وصلتها بطريقة لم تفصح عنها متعمدة؟« :هذه الرواية في الحقيقة وصلتني بمذكراتها العشر من اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
27
مكان ال يمكن لي اآلن اإلفصاح عنه ..هي الدالالت االجتماعية التي أرادت كشفها في فعال حكاية رجل عابر لم يكن ليتخلل حياتي النص تنسحب على كل مجتمعاتنا. لوال أن جمعتني الصدف بمذكراته .وألجدني ويصبح االستهالل الــذي عنّونته الكاتبة حكاية جديدة نقلتها لكم بكافة تفاصيلها؛ بـــ«الــمــقــدمــة» كــاش ـ ًفــا ومــوضــحً ــا لعالقتها ألنه أراد أن يصل صوته فقط! وأنا لم أكن بالسارد ،وتتنحى الكاتبة بعد هذه المقدمة ســوى صــوت لمن كمّم اآلخــرون فمه ،ودون ومــا تــاهــا مــن إه ــداء لــزوجــهــا ،لتقدم لنا أن يتهمني أحد منكم بسرقة حكايته .هذا مقدمة أخرى وسمتها بأنها «دون مقدمات»، اعتراف حقيقي .هذه الحكاية لم تكن لتنسل ومنحت فيها صاحب المذكرات المتخيلة مــن صنع خيالي فــقــط ،لكنك ستجد في صوتًا سرديًا ليواجه القارئ ،يخاطب كل أم حياتك أغلب تفاصيلها .هي ليست حكايتك ويحدثها عن عالقتها بأطفالها ،بل يتجرأ أيضا ،لكنها واقع الكثير ممن عاش التجربة ليقدم النصح لألمهات جميعا ،وهو ما أرادته نفسها! شهد الغالوين». الكاتبة تماما «اإليهام بالوثائقية أو الواقعية إن الكاتبة تعرف كيف تشتغل على تلك عبر استخدام تقنية ،ثم تختم مقدمتها بتوقيع المساحة الملتبسة بين ما هو واقعي وما هو السارد «األعرج»« :دون مقدمات ..إلى كل أم تخييلي ،تحضر في المقدمة باسمها الحقيقي عبرت هذه الحياة ،ولم تفلت يد طفلها أبدا. الذي ذيلت به النص ،وتخاطب القارئ وتطلب ولكل أم تخاذلت عن دورهــا األســاس ،إذ ال منه أال يتهمها بالسرقة ،بل تخبر القارئ أن يمكن ألي حياة أن تعوض طفلك عن الحياة هذه الحكاية ليست حكاية األعرج فقط ،بل التي كان يجب أن يعيشها ظلك .لكل األمهات هي حكاية كل مَن عاش حكاية مثلها ،فتجعل المعجونات بالوجع ،ومن سحقت الظروف من الــقــارئ شريكا واضحا في إنتاج داللة بأفئدتهن ،هناك حياة أخرى نلتقى بها .ولكل النص. طفل َف َق َد أمه نردِّد بقوة إلهية :الكفاية باهلل تقنية المذكرات والتشكل الجمالي للنص وحده .ألن ال أحد على وجه األرض سيكون تــقــرر الكاتبة أنــهــا ستعتمد على تقنية بديال عن أمك ..األعرج». «الــمــذكــرات» ،وهــي حيلة فنية يلجأ إليها الــروائــيــون للتنويع في طرائق الــســرد ،مثل كتابة «اليوميات» و«االعــتــرافــات» وغيرها مــن الــطــرائــق الفنية .تــحــاول الكاتبة عبر هذه التقنية الفنية (المذكرات) أن تكشف عن المسكوت عنه في المجتمع ،فـ«األعرج» هنا هي الثقافة التي تسود المجتمع ،وتفسد عالقاته اإلنسانية والمجتمعية.
28
لــم تُــح ـدِّد الكاتبة الــزمــان والــمــكــان في النص بدقة ،وكأنها تريد أن تخبرنا أن هذه اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
تحكي الــروايــة قصة طفل صغير تركه والده ليتزوج من أخرى ،وتركته أمه لتتزوج مــن آخــر ،وعــاش هــو مــع جدته حتى وصل سن العاشرة دون أن يعرف أن جدته ليست أمه ،وقبل أن تموت الجدة تخبره أن المرأة التي كانت طوال هذه السنوات تأتي إلى بيت الجدة ليست أخته الكبرى كما كان يتصور، إنما هي أمــه .في اللحظة التي عرف فيها أن هذه المرأة أمه تعلّق بها بشدة ،ولكنها لم تقابل تعلقه بعاطفة طبيعية تشعر بها األم
تكشف شهد الــغــاويــن فــي هــذا النص العالقات االجتماعية واإلنسانية المتفسخة وتحاول أن تقوم بدور عالم االجتماع الذي يقرأ الظواهر االجتماعية ويحلّلها ،الظواهر التي تجمع أنــاسً ــا يعيشون في بقعة أرض واحــــدة تُــس ـ ّمــى وطــنــا ،وتجمعهم الــهــمــوم والــمــواجــع نفسها؛ لكن أبـ ـدًا ال يتعاطفون فــي المذكرة األول ــى ،التي كانت بمثابة مع مواجعهم ،رغــم أنهم يشربون من كأس الفصل االفتتاحي الذي يشرح حكاية األعرج الحرمان العاطفي والنفسي نفسها. يحكي من آخر الحكاية ،من آخر لحظة نفسية الجمالي للنص ّ البناءُ تعقدت فيها حياته ،ثم يعود بالذاكرة؛ ليكشف تتكون الرواية من عشر مذكرات يتحدث للقارئ عبر الفالش باك تفاصيل حكايته، فيها األعرج عن خيوط قصته التي سجنته ولماذا هو في هذه النقطة الفارقة من حياته: فــي سجن نفسي كــابــي ،ال أمــل فــي دخــول «حين تكون مأساتك في هذه الدنيا أمك؛ بصيص نــور إليه ،وحتى في اللحظة التي فكيف ستكون حينها حياتك؟ أنا قاتل ،نعم م ّد له القدر بصيص ضياء حين تَعرّف في قاتل ..صادمة هذه الحقيقة ،كجبل جثم على المستشفى التي حُ ـ ِـجــز فيها بعد إصابته صدري ،وسحق سنوات شبابي ..من الجحيم في حــادث طريق ،يرفض عطاء هذا القدر أن تكون حياتك مقيّدة بين أمرين :مقيد في فــتــرات طــويــلــة ،وحــيــنــمــا يــقــرر أن يبصر زنــزانــة خوفك ،أو تخرج لمواجهة حتفك. الضياء ال يتمسك به ،بل يمارس عليه فعل أدرك أن العالم من حولي ال يكف عن نهش اإلظالم المتعمد .ربما تبدو الفقرة السابقة وجهي ،وذ ّر سيرتي في المجالس مع اللعنات ال دون غير مفهومة للقارئ ،فال بد من توضيحها المتالحقة التي ال تستغرق وقتًا طوي ً بالحديث عــن فرصة الــقــدر الذهبية التي أن تصل لمسامعي ،وكأني بذلك أجرمت بحق قدمها لألعرج للخروج من سجنه النفسي .هذا العالم كله ،ولم أجد في المقابل أي أحد يُصاب بطل الرواية في حادث ،ذلك الحادث يتعاطف مع قدري البائس». الذي سوف يُخلِّفه أعرج ،وإثر هذه اإلصابة االستطراد في السرد يــدخــل المستشفى ،وفــي ليل المستشفى تبدو شخوص الرواية مثل كومبارس في الطويل ،يحدث أن تــزوره امــرأة في سكون الليل ،تجلس بجانبه ،وتحدثه ،وتخفف عنه ،مسرحية تــدور حول األعــرج ومأساته التي اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
تجاه صبيها ،بل كانت جامدة المشاعر ،فيظل طوال الوقت يحاول أن ينتزع منها االعتراف بأمومتها ،وفــي سبيل ذلــك يرتكب جرائم متعددة ،لكنه يظل يبكي وجع عدم االعتراف به من قبلها.
كانت هــذه الــمــرأة مرافقة البنها الصغير المريض والمحجوز في الغرفة المجاورة. تمتد بهم خيوط الحكاية حتى يتزوجا ،ولكنه لــم يشكر الــقــدر على منحة غالية ،امــرأة تعوّضه جفوة أمه وقسوتها ،بل يحقد على عطف المرأة على ابنها الصغير ،ويدهسه، عامدا ،بالسيارة ،غير ًة وحسدًا على تمتعه بحنان أمه الذي حرم هو منه ،ورغم أن المرأة تعرف جيدًا أنه هو من دهس ابنها ،إال أنها ال تشكوه للسلطات ،بل تبرئه ،لكن أبدا ال تغفر له ،تقصيه من حياتها ،فيفقد آخر أمل له في حياة سوية.
29
تسجنه في سجنه النفسي ،وهذا أوقع الكاتبة في االستطراد واإلطــنــاب ،فعالقة السارد بأمه ال تحتمل أن تأخذ هذا البعد الذي جعل الكاتبة تكررها وتلحّ عليها عشرات المرات، إن لم يكن المئات ،عبر الفضاء السردي؛ مــا يجعل كــل األحـــداث تتعلق بالشخصية المحورية. الصراع ومستويات السرد تبدأ الرواية بمستوى إخباري ،كما قرأنا فــي المقتبس الــســابــق ،إذ يتحدث الــراوي (صاحب المذكرات) عن مأساته ،وهو مستوى يحاول دمج الحالة النفسية بالمكان والزمان، لكن هذا المستوى غيّب اللغة المشهدية التي كان من الممكن أن تفيد منها الكاتبة في نسج لغة سردية تبعد عن اإلخبار ،وال تكتفي به. ولهذا ،فإن اإليقاع السردي يبدو بطيئا لوال متلق حركة الراوي الذي يتحدث مباشرة إلى ٍ افتراضي ،ثم يبدأ ينتقل بحركة الصراع إلى خطوة أخرى ،حينما يعود بالفالش باك لسرد تفاصيل الحكاية .يغلب المستوى اإلخباري، ألن الــراوي يقع في مونولوجات طويلة عن عالقته بأمه« :الكالم الذي في فمي ال يمكن لهذا العالم أن يفهمه ،حتى لو حاولت ترجمة مشاعري بحيادية؛ ألن المأساة الحقيقية أن يكون خصمك في الدنيا أمك! والمأساة األكبر حين ال تــدرك فداحة ما وقعت به. وكأنه ال يد لك بكل ما وجدت نفسك فيه».
30
إن الــراوي يوهم في أكثر من موضع من النص أنه قتل أمه ،وأن دخوله للسجن بسبب قتله لها ،في نوع من التشويق ،ولهذا نرى أن بنية الكتابة تعتمد على مساحة من الغموض وإخــفــاء الــســؤال ،وليس طرحه واستنطاقه أي إن السؤال المعرفي والــدالالت النفسية اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
واالجتماعية يجب أن يصل إليها القارئ بنفسه ،نيابة عن الروائية والــراوي ،لكن مع تقدم السرد ..نكتشف أنه قتلها نفسيا حين قتل بالخطأ ودون تعمد ابنها وابنتها من زوجها اآلخر ،وحين أفسد عليها حياتها مع هذا اآلخر. اعتمدت البنية السردية في النص على توزيع خيوط الحكاية على المذكرات العشر التي وجدتها المؤلفة الحقيقية ،والتي منحت من خاللها صوتًا سرديًا للراوي ..كي يربط لنا خيوط هذه الحكاية التي يمكن أن نتعثر فيها كــل ي ــوم فــي المجتمعات التقليدية المحافظة التي ال تقهر النساء فقط ،بل تقهر النساء والــرجــال ،وتضعهم فــي أتــون الضغط المجتمعي ،حيث تتفسخ العالقات، وينمحي التواصل اإلنساني حتى بين االبن وأمه .تصبح الكتابة بالنسبة للراوي وسيلة للتطهر من ذلك األلم الذي يعتصره ويدفعه إلفساد حياة كل مَن اقترب منه ،وكأنه تحوّل إلى لعنة. إنه يكتب كي يتخلص من ألم حبه ألمه: «لم أكن أتصور أن في الكتابة خالصاً ،وأنا رهنت عمري كله لمحاولة الخالص من كل ما يؤرقني .فقط تخلصت حين كتبت عن أمي، هي حياتي بأدق تفاصيلها .يقينا لن تقرأها أمي ،وال حتى أبي! لكن ستجد طريقها إليهم يوما ما وبأي طريقة كتبت .هذه المذكرات سرية للغاية ،لكنها أملي الوحيد للوصول إلى مَن أردت أن تصل إليهم .فلقد ابتلعت المسكنات ولــم تخرس هــذا األلــم ،وحدها الكتابة فعلت ذلك».
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
على هامش المحور شهد الغالوين تقول: ال أنكر الصلة ..والتأثر بأحالم مستغانمي ،وقد قرأت روايتها «ذاكرة الجسد» عشرات المرات في سنة واحدة. حين أقرأ ما تكتبه أحالم مستغانمي في بعض المواقع ،أشعر بصلة عميقة بيني وبين النص الذي تكتبه. طرحت من قضايا في رواياتي ،وال يمكن أن يأتي اليوم الذي ُ لدي إيمان مطلق بكل ما َّ أندم فيه على القضايا التي ناقشتها. ألن الكتابة حياة ..ال أقيّد أفكاري وال أحجبها ،بل أكتبتها كما هي ،وكما تخلقت في مخيلتي.
كاتبة شابة دخلت الكتابة الروائية من منطقة المغامرة والجرأة في كشف المخبوء في مجتمع محافظ ،تكتب قصص نساء تمردن ضد ثقافة مهيمنة ،وتحاول أن تحدث للقارئ والمجتمع صدمةً ؛ علّهُ يفيق من هذه الثقافة التي تُكبل ليس النساء ،وتكبت حرياتهن فقط ،بــل تكبل كذلك الــرجــال ،وتضع الجميع فــي مواجهة مــع أفـكــار محافظة ،وبما أن المبدعين ،وخاصة الروائيين منهم هم صوت الوعي ،واألقدر على طرح األسئلة اإلشكالية، وتفجير قضايا شائكة ،لذا فقد أحدثت كتابات شهد الغالوين صدمات مفاجئة وقاسية لهذه الثقافة فــي روايتيها« :فـتــاة سيئة» و «نـشــوق» ،وقــد أص ــدرت الغالوين رواي ــة جديدة مؤخرً ا ،يبدو أنها نقلة نوعية في كتاباتها التي تبحث عن القضايا النساء ،لتنتقل في رواية «األعرج» للبحث في القضايا المجتمعية ..بصرف النظر عن أن يكون بطلها رجال أم امرأة. توجهنا لها في هذا الحوار؛ لنعرف كيف ترى الكتابة ،وكيف استطاعت أن تفجر هذه وقد ّ القضايا الشائكة في ظل مجتمع محافظ ،وكيف ترى المشروع الروائي السعودي بعامة والنسائي خاصة. ■ حاورتها سعاد سعيد نوح اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
31
¦أثـ ـ ـ ــارت ش ـه ــد الـ ـغ ــاوي ــن ال ـ ـجـ ــدل مـنــذ
لذا ،ال يمكن أن أرى ذاتي في شخصية
روايتها األولــى «فتاة سيئة» وحتى آخر
مختلقة بحد ذاتها؛ لكن حقيقة دائما
رواية» األعرج» ..ترى ما الذي يثير جدل
ما أ ُلبِس الشخصية عواطفي والكثير
القراء والنقاد في كتاباتك؟
من تفاصيلي ،لدرجة ال أحد يشعر أني
ρ ρألني في حقيقة األمــر أكتب بال قيود، ال أخشى عــواقــب مــا أكــتــب ،فلم أقف
على عتبة المجتمعات المحافظة ،ولم أطــرق بابها ،بل تسللت من نوافذها، كتبت عن قضية المرأة نفسها بحميمية مبالغ فيها ،والمرأة بحد ذاتها قضية ٍ مثيرة ،لدرجة تصور األغلب أني أكتب عادة ما يثير الجدل ..لكن القارئ الجيد والمتابع لكل ما طرحت يكتشف مدى المصداقية والشفافية فيما أطرح من قضايا ،لدرجة حين أكتب أبتهل أن تصل الفكرة للمتلقي ،تماما كما أردت دون تحوير وال تغيير في مسارها. ¦أي الـ ـ ــروايـ ـ ــات ت ـش ـب ـهــك؟ ف ـي ـمــن تــريــن نفسك؟ في بطلة «فتاة سيئة» أم بطلة «نشوق»؟ ρ ρالــروايــة فــي تــصــوري ســيــرة حــيــاة أيا كانت القضية التي تتناولها ،ال يمكن أن
يفصل الكاتب الرواية عن حياته حتى
مــررت مــن هنا ســوى قلبي الــذي يعي جيدا أن ما كتبت هنا كان عاطفتي.. وتفاصيل طفيفة مرت في حياتي. ¦م ــا ه ــي الـ ــروايـ ــة األق ـ ـ ــرب ل ـن ـف ـســك مــن رواياتك الثالث؟ ρ ρفي كل روايــة أجــد نفسي؛ ألنها تعتبر تــاريــخــي الــعــاطــفــي ،ل ــذا ال يمكن أن أتجاهل الحالة العاطفية التي مــررتُ بها بكل مرحلة كتابة ،ألني حين أكتب أتهيأ من كل قلبي ..لدرجة أعيش حالة الحب حتى أنتهي من العمل ،فأنا لم آخذ الكتابة كهواية فقط ،أو مجرد عمل روتيني /إنما حالة عشق كلما داهمتني فكرة ،كلما ضحك قلبي ،وكــأن الحب قادم على هيئة رواية. ¦في رواية فتاة سيئة :هل ترين أن العادات والتقاليد هــي الـتــي تـحــول الـفـتــاة إلى هذه الصفة؟
لو كانت قصة البطل تختلف عن حياتهρ ρ ،فــي رواي ــة فتاة سيئة ،البطلة لــم تكن سيئة بالقدر الــذي يشوّهها فــي عين لكن هــنــاك تفاصيل معاشة ومــواقــف
32
مـ ــررت بــهــا ،وع ــواط ــف لــم يــكــتــب لها
المجتمع ،لكن بحكم العادات والتقاليد
الحياة ،لكني عبرتُ عنها بطريقة ما؛
واألعراف البالية ..و ُِسمت بذلك ،ألنها
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
حق كل شخص أن يختار أسلوب الحياة
وهذا أمر يحسب للبيئة المحيطة التي
الــذي يناسبه ،وليس ألحــد سلطة في
أسهمت في تشكيل الوعي لديهم.
فــرض وصايته ،أو التحكم في طريقة حياته ،ومــن يمتلك الــوعــي الكافي.. أتصور أنه ال يمكن ألحد هزيمته .إن الوعي هو الفيصل الــذي يفرق إنسان عن إنسان ،ويحرر اإلنسان بصفة عامة من ربقة التقاليد .من حق الرجل أن يختار حياته ،وفــي هــذا األمــر بالذات تقف التقاليد والعادات في وجه المرأة، رغم أنه من حقها أيضا ،وقليل جدا مَن تختار نفسها .ربما المجتمع منح الرجل فرصا ولــو قليلة الختيار نمط الحياة ً التي يرغب فيها ،لكنه حرم المرأة كلية
¦ثمة تشابه في اللغة مع كتابة الجزائرية دت ذلك؟ أحــام مستغانمي ..فهل تعمّ ِ أم أن طبيعة الـمــوضــوعــات المتشابهة هــي الـتــي فــرضــت اسـتـخــدام هــذه اللغة الشعرية؟ ρ ρنحن مــن بيئة مختلفة تــمــامــا ،كذلك المواضيع التي نطرحها تختلف عن بــعــض ،لكن تجمعنا الــعــاطــفــة ..فهي حقيقة شكّلت مرحلة مهمة في حياتي، اذ إني قرأت لها وأنا في السابعة عشر من عمري.
من هذا االختيار.
وأذكر خالل عام واحد أني قرأت «ذاكرة
¦هل يمكن أن يأتي اليوم الذي تراجعين
الجسد» عشرات المرات ،ومع ذلك لم
نفسك فيه فيما طرحتيه من قضايا في مشروعك الروائي؟ ρ ρال أتصور ذلك؛ ألن لدي إيمان مطلق أن القضايا واألفكار تتجدد بكل مرحلة.. كذلك اللغة والمشاعر ،لذا ال يمكن أن أكون ذات الشخص منذ خمس سنوات، بل شعرت بالنضج العاطفي فيما أكتب لدرجة أصبحتُ أعبر عن أفكاري دون
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص
اختارت حياتها فقط .فأنا مؤمنة أنه من
الــوعــي تختلف عــن األجــيــال السابقة،
أتخلَّ عن المتعة التي أجدها في كل مرة أقرأ فيها ذات الرواية من ذلك العام ، لدرجة أني اآلن حين يمر بي ما تكتب أحالم في المواقع ،أشعر بصلة عميقة بيني وبين النص الذي تكتبه. وبخصوص اللغة أعتقد أن العاطفة لها األثر األكبر في تشكيل اللغة الشعرية، والــمــرأة بحد ذاتها حالة شعر ..لذا،
خوف من مواجهة المجتمع ،بل ازددتُ
أتصور أن اللغة لها ارتباط عميق مع
ثقة أن الجيل القادم يحمل درجــة من
الحالة العاطفية لدى المرأة الكاتبة. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
33
¦هــل تـمـ ّـســك الـبـيـئــة وتــزمّ ـتـهــا يقلل من
والحب وحتى في األمومة .موجع جدا
فرص التحقق اإلبداعي لدى المرأة؟
أن تدفع ثمن ذنب لم ترتكبه ،وتسحب
ρ ρربــمــا هـــذا األمــــر كـــان صــحــيــحً ــا في
الحياة من يدك رغم كل محاوالتك لتقبل
الماضي ،أما اآلن ،فمع مواقع التواصل
االجتماعي أصبحت الفرص مختلفة تــمــامــا ،لــدرجــة أصبحت فيها منافذ اإلعــام واسعة جــدا .من السهل جدا
ذاتك ،ومع ذلك ال تجد مَن يتقبلك. ¦ك ـيــف امـتـلـكــت الـ ـج ــرأة ل ـســرد تفاصيل الحب والرغبة في مجتمع مغلق؟
أن يصل ما تريده عبر تغريدة أو مقطع ρ ρحين أكــتــب ال أفــكــر فــي المجتمع وال مــصــور ،أو حتى صــورة دون عناء في ردة فعل المتلقي حقيقة؛ ألن ذلك يعيق نشره.
¦في رواية نشوق .من هم مجهولو الهوية ال ــذي ــن ت ـق ـصــدي ـن ـهــم ،وهـ ــل اسـتـطــاعــت البطلة التغلب على قـيــود المجتمع؟ وما الثمن الذي دفعته لذلك؟ ρ ρهــم جــهــولــو الــنــســب ،مــن قــذفــت بهم األقـــــدار؛ لــيــكــونــوا ضحية مجتمع ال
يرحم .هم من تحدثتُ عنهم في هذا العمل ،عن نظرة المجتمع وتعاطيه مع
ذاتها ،وكيف تتشكل حين أكتبها ،وألن الــكــتــابــة حــيــاة ..ال أقــيــد أفــكــاري وال أحجبها ،بل أكتبتها كما هي وكما تخلقت في مخيلتي .وما كتبت في نشوق أدرك أنه صادم وخارق للعادة؛ ألنه من الصعب أن تكتب هذه التفاصيل بأسلوب مباشر، لكني مع ذلك تعمدت هذا السرد؛ ألنه
فئة مجهولي الهوية ،وكيف قُدِّ ر المرأة
كان حالة من الشعور تعبّر عن الشخصية
واحــدة أن تلوي عنق المجتمع ،وتعيش
ذاتها ،ولم أقحم الرغبة والحب ،بل كان
بقوانينها ،ألن طبيعة المجتمع هي التي تسن التشريعات .كتبت على لسان امرأة طحنتها الحياة ،فلم تجد أمامها سوى مهاجمة المجتمع الــذي جرّمها ،على الرغم من أنها ال تتعدى كونها ضحية ذنـ ٍـب لم تقترفه ،لكن مع هــذا حرمت
34
أفــكــاري ،كــل مــا أفكر فيه هــو الفكرة
من حقها الطبيعي في الحياة والــزواج اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
موجودًا في فطرتها ،لدرجة تعاملت مع الموقف مراعية بذلك الــظــروف التي وجدت بها ،وحميمية العالقة التي كلما فكرت بها كلما راودها تاريخها المظلم، حين تتساءل بينها وبين نفسها :ما الذنب الذي اقترفْته؛ ألكون مجهولة الهوية؟!
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
البردوني دراسة جديدة في شعر ُّ ■ هيفاء حمد البصراوي*
على اختالف النتاج األدبــي والنقدي الــذي ُيـقــدَّ ر بــآالف الكتب ،و ُيـقــدم على فترات مختلفة إلى الساحة األدبية؛ إال إن النتاج الجيد الذي يتصيّده الناقد، حسه النقدي ال يخرج عن اثنين أحدهما :يضيف إلى الناقد ،واآلخر: ويستفز َّ يجني عليه. كما أن اختيار الناقد لبعض الــدراســات؛ ليمارس عليها نقده يحتاج إلمامً ا بالتطورات النقدية ،وحضور ًا ذهن ّيًا يُسهمان في تشكيل نتاج نقدي مميز ،ولم متعطشا لالستزادة في مجال النقد. ً يعد ذلك صعبًا ،ما دام الناقد ولعل مــن أهــم الــدراســات الالفتة ،التجريب على مستوى :أوالً :اللغة، والــجــديــرة بــاالهــتــمــام عــلــى الساحة ثانيًا :الصورة ،ثالثًا :اإليقاع. األدبية ،دراسة للباحث :إبراهيم مـحمد إن تأمل عنوان الكتاب للوهلة األولى هــجــري ،بعنوان «الـ َّتــجــريــب فــي شعر يدخلك في دهاليز من األسئلة؛ ولعل عبداهلل البردُّوني» ،الصادر حديثًا عن مــن أهــم األسئلة التي يفرضها ذلك الدار العربية (ناشرون) ،ونادي جازان الــعــنــوان :مــا التَّجريب ال ــذي يقصده األدبــي ،وهو كتاب قسّ مه الكاتب إلى الــكــاتــب؟ وهــل هــو الـ َّتــجــريــب العلمي فصلين :جــاء األول منه على أربعة كما في العلوم الطبيعية؟ أم أن هناك مباحث؛ تض َّم َن كل مبحث مذهبًا من تجريبًا آخــر يقصده الكاتب؟ ليجيب المذاهب األدبية اآلتية :الرومانسية ،الكاتب عن ذلك قائالً« :يعد التَّجريب البرناسية ،الرمزية ،والسريالية .وجاء من المفهومات النقدية الحديثة التي الفصل الثاني على ثالثة مباحث؛ هي :وقــف عندها النقاد طويالً ،مختلفين اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
35
في تحديد ماهيته ،وقد أدى هذا االختالف إلــى الــثــراء المعرفي ،واالقــتــراب مــن هذا المفهوم الــذي تحوّل من الحقول العلمية إلى الحقول األدبية بشكل عــام ،»...ويقول كذلك« :هو عملية إبداعية تتخذ من رفض المستقر والمألوف حافزًا لها ،وتعتمد على محاوالت األديب المستمرة إلزاحة منظومة التقاليد األدبية ،كما تعتمد على رغبته في عدم التوقف عند حد معين من التجديد». إذاً ،التَّجريب كما يتضح :هو تجربة كل جديد ،من أجل التجديد والتغيير .والتجديد مفهوم يخرجنا من التقليد والرتابة والملل، إلـــى حــقــول مــخــتــلــفــة ومــقــتــرنــة بالمتعة والــدهــشــة؛ لكننا نجد الكاتب فــي موضع آخر ،بعد عرضه للرؤية الرومانسية في شعر البردوُّني يقول« :ومن خالل ما تقدم ،يمكن القول :إن البردُّوني جرَّب الرؤية الرومانسية، وتجلت في شعره أهم مبادئها المتمثلة في الذاتية ،والطبيعة ،والحب ،والحلم»...؛ ما جعل السؤال يعود مرة أخــرى ،منبثقًا منه سؤال جديد :كيف يمكن أن يجرّب الشاعر المذهب الرومانسي؟ وهل سيسلم الشاعر من التصنّع والتكلّف؟!
36
وف ــي مــحــاولــة مــن الــكــاتــب؛ لتوضيح صالحية استخدام (التَّجريب) في الشعر، نــجــده يــفــرق بــيــن الــتــجــربــة ،وال ـ َّتــجــربــب؛ فالتجربة :تــحــدث مــرة واحـــدة نصل من خاللها إلــى نتيجة يمكن الوقوف عندها. أما التَّجريب :عبارة عن استثمار كل نتيجة جديدة في تجربة جديدة تدخلنا في سلسلة ال تنتهي من اإلبداع .وربما أراد الكاتب من اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
خالل ذلك التفريق ..اإلشــارة البعيدة التي مفادها :أن مصطلح (تجربة) أقرب للعلم والموضوعية ،بينما (التَّجريب) أقرب للفن والطبعية؛ ومهما يكن ،فــإن التَّجريب وإن عمل على التجديد والتغيير ،إال أنه يخرج بالشاعر إلى التكلّف والصنعة -على األقل في نصوصه التجريبية األولى.يقول الكاتب مبررًا لهذا المذهب -أعني التَّجريب -وهو تبرير يبدو منطق ّيًا« :ومن يتعامل مــع الــتــجــريــب ألول م ــرة سيشعر بالغرابة والسطحية ،وهذا أم ٌر طبعي؛ فقد بدأ الكتاب التجريبيون سطحيين أو غريبي األطــوار للكثيرين من معاصريهم ،أما اآلن فمن الواضح أنهم عمالقة اإلدارة األدبية». فالكاتب يريد أن يخبرنا بأن التَّجريب في بــادئ األمــر قد يكون غريبًا؛ لكن سرعان ما يتفاجأ باستحسان الجمهور له؛ فيعتاد
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الكتابة على ذلك النمط إلى أن يصبح رائدًا أو التَّجريب ،وبخاصة أن المصطلح في في ذلك المجال ،وكل ذلك بفعل التجريب .حد ذاته قليل الذكر في الكتاب؛ إذ يالحظ لكن ذلك يو ِّل ُد سؤاالً أعمق :هل يتناقض القارئ نسيان الكاتب عنوان الكتاب-أحيانًا- التَّجريب مع الفن ،باعتبار أن الشعر فنٌّ متعمقًا في أوجه أخرى للنص ،بدالً من أن يشير لتَجريب الــشــاعــر ،كما فــي الفصل قائ ٌم على الحس والعاطفة ،أكثر من العقل الثاني. والمنطق؟ إن الــشــاعــر الــرومــنــســي والــبــرنــاســي لقد أشــار الكاتب منذ البداية إلــى أن والرمزي والسريالي ،لم يختر لنفسه تلك التَّجريب نُق َل من العلوم إلى حقول األدب ،إذ الميول ،بل إن هــذه المذاهب شخصيات إن أول مَن أدخل كلمة (التَّجريب) إلى ميدان عادية ،قبل أن تصبح مذاهبَ تتبع؛ فهناك بشكل خاص هو ٍ األدب بشكل عام ،والرواية شخصية محبة لذاتها ،تميل لصوت الذات (إيميل زوال) ،أحد المتأثرين بالعلوم ،األمر وللطبيعة والحلم؛ فتسمى رومانسية .وفي الذي جعله يعتمد في رواياته على القواعد المقابل ،هناك شخصية تميل إلبراز الجمال العلمية .وهــذه إشــارة من الكاتب على أن والتفنن فــي األشــيــاء؛ فتسمى الشخصية التَّجريب علمي ،نُق َل إلى الفن؛ ما يدفعنا البرناسية ،وهناك شخصية تعشق الغموض، إلــى مراقبة اختالف وجهات النظر حول وتستعين بالرموز إلخفاء ما تريد؛ فتسمى التَّجريب-إن وجد ذلك االختالف -والتمعّن شخصية رمــزيــة؛ فــالــمــذاهــب عــبــارة عن في مــدى صالحيته للفن ،ومــا هي عيوبه شخصيات تنعكس معالمها على األدب؛ التطبيقية؟ وما أسباب تحفّظ الرأي اآلخر ليظهر تبعًا لها ما يسمى بالمذهب الشعري، حول التَّجريب؟! كما أن جمع البردُّوني ألطــراف من معالم وكل هذه األسئلة الطارئة تولد مع بعض تلك الشخصيات في شعره ،ال يعني تقصده صفحات الكتاب ،فإما أن أجد جوابًا من الـ َّتــجــريــب ،بــل هــو نــوع مــن أن ــواع التراكم الكاتب نفسه ،أو أمضي باحثة عنها خارج الثقافي الذي خرج عفو ّيًا في شعره. الكتاب. كما أن الكاتب اختار التحليل الوصفي إن مجمل كتاب هجري يقوم على تحليل منهجً ا لــلــدراســة ،وهــو منه ٌج -مــن وجهة نصوص البردُّوني ببراعة مذهلة أحيانًا ،نــظــري -ع ــام؛ فكل المناهج الــتــي تتناول وكنت في كل مرة أ ُعيد سؤال الذات :لماذا الشعر تصفه وتحلّله ،باعتبار أن الشعر لم يتخ َل هجري عن كلمة (تجريب) ،ويجعلها قائم على الوصفية ،وفي ذلك يقول بكري دراسة شعرية تكشف لنا تنوع مذاهب الذات أمين« :كل أغــراض الشعر وصف؛ فالمدح الشاعرة ،وهو تنوع يفرضه الواقع والعصر وصف نبل الرجل وفضله ،والنسيب وصف دون رغبة وتقصد في خوض غمار التجربة النساء والحنين إليهن ،والشوق إلى لقائهن،
37
والرثاء وصف محاسن الميت وتصوير آثاره، والهجاء وصــف س ــوءات المهجو وتصوير نقائصه ومــعــايــبــه ،»...وكــل منهج-أيضا- قائم على التحليل ،فالتأويلي ،والجمالي، والبنيوي ،واألسلوبي ،والسيميائي وغيرها من المناهج والنظريات قائمة على التحليل. ومن اإلشارات المثيرة في كتاب هجري، حديثه عن النصوص اللونية عند الشاعر، مــثــل :اســتــدعــاء ألـــوان األحــمــر واألخــضــر ـور شعرية ملونة؛ وهي وال ــوردي ،ورســم صـ ٍ إشارة تدفع القارئ لتساؤل مشروع عن عمى البردوني ،هل ولد الشاعر كفيفًا ،أم أصيب به بعد سنوات معينة ،وهل يرى البردوني األلـــوان؟ وكيف استطاع شاعر كفيف أن يوظف اللون ببراعة الفتة في شعره؟ ال شك أن عمى الشاعر ،ورؤيته لأللوان، معطى مهم يمكن استغالله؛ فقد يكون له تأثير إيجابي فــي ب ــروز موهبة الشاعر، وعلى الرغم من أن الكاتب تحدث عن عمى يعط - البردُّوني إال أنه حديثٌ سريعٌ ،لم ِ من خالله -البردُّوني حقه في التمييز بينه وبين الشاعر البصير ،كونه يكاد يتميز على الشاعر البصير في بعض نصوصه الوصفية. ومهما يكن ،فإن كل ما ذكر ال يقلل من قيمة الكتاب ،وال من تميز الكاتب في أسلوبه التحليلي ،خاصة في تناوله لعناوين القصائد وعالقتها بالمذاهب الشعرية ،وفي تحليله للنصوص على مذاهبها المختلفة ،ومن ذلك قوله في تحليله لعنوان أحد الدواوين * كاتبة من السعودية.
38
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
على مستوى المذهب السريالي ،إذ يقول برؤيته الفلسفية« :ومن عناوين دواوينه التي جسدت هذه المرحلة ديوانه (ترجمة رملية.. ألع ــراس الــغــبــار) فــإن مــن ل ــوازم الترجمة الكتابة ،والكتابة ينبغى أن تكون على شيء له صفة الثبوت ،إال إن البردُّوني يجعل من هذه الترجمة ترجم ًة رمليةً ،والرمل ليس له صفة الثبوت واالســتــقــرار ،وخاصة عند انبعاث الــغــبــار ،وســتــكــون هــذه الترجمة ألعــراس الغبار ،والعرس له داللة الفرح والسرور ،ومن زاوية أخرى فإن العرس يدعو إلى االجتماع واالئــتــاف ،بخالف الغبار الــذي له داللة الكآبة ،إضافة إلى أن من مقتضيات الغبار التشتت واالفــتــراق ،فالعرس رمـ ٌز للوجود، والفرح ،والبناء .والغبار رمز للهدم ،والعدم. ومن هنا ،فإن البردُّوني بنى هذا العنوان لديوانه على التناقض ...جامعًا بين المعقول والالمعقول ،والمألوف والالمألوف». ومــن مــمــيــزات الــدراســة كــذلــك ،قــدرة الكاتب على الربط بين الموقف العاطفي لكل مذهب من المذاهب الشعرية ،وبين الوزن الخليلي ،وإن كان قد سبقه في ذلك الربط المتقدمون ،إال أن للكاتب أسلوبه الخاص في عرض تلك العالقة ،ولعل ممن ساعده على ذلــك الطاقة اإلبداعية التي تختزلها قصائد البردُّوني؛ فشعره لم ينسج عبثًا بــل تجد عنده إتــقــا ًنــا فــي استخدام البحور الشعرية التي تتناسب مع عواطفه، ومواقفه النفسية.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بساطة التناول.. ارتقاء مستويات الرمز والتخييل ■ فرج مجاهد عبدالوهاب*
تضعنا المجموعة القصصية «الوجه الذي من ماء» الصادرة عن النادي األدبي في حائل ،لمبدعها السعودي «جبير المليحان» أمــام إشـكــاالت عــدة ،وتناغمات ســرديــة مختلفة ،ومــوضــوعــات تـمــس اإلن ـس ــان فــي حـيــاتــه ضـمــن نفسه وأســرتــه ومحيطه ،وتنويعات متعددة كانت :الطبيعة ،الماء ..اإلنسان ثم الكفاف من أهم عوامل تحريك سياقات القص الفارق في عذوبة بساطة التناول ،مقابل ارتقاء محوري الرمز الشفاف والتخييل الفارق في اإلدهاش والتباين الذي أدى بشكل أو بآخر إلى تلك اإلشكاليات التي كان من أهمها: -1غواية العنونة التي تحث قارئها على تحريك غريزة السؤال والتساؤل، والــغــوايــة األه ــم كــانــت فــي عنوان المجموعة نفسها «الوجه الذي من ماء» ،وإن كنت أتمنى لو كان العنوان مختصراً على كلمتين (وجــه ماء) ليس أسوة بالقاص السورى الصديق (محمد غازى التدمري) الذي أصدر أربع مجموعات قصصية كان الماء هــو المهيمن على عناوينها التي
كانت (سرير ماء ،مائدة ماء ،وسادة ماء ،عكاز ماء) ،مع اختالف توظيف الماء بين القاصين ،ألن الماء في مجموعات (ال ــس ــورى) كــان اسماً رائ ــزاً بين عناوين المجموعة من أجــل تعزيز حــركــة غــوايــة العنوان التي ما تألقت إال من اختزالها على كلمتين -مسند متغير ومسند إليه ثابت. أمــا الــمــاء المرتبط بــالــوجــه وقد اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
39
شطر عنوانه اســم الموصول (ال ــذي)، مشيراً إلى كينونة محذوفة كأنه يريد أن يقول :الوجه الذي كان من ماء ،فحذف فعل الكينونة -كان -مع بقاء داللته - الذي -حرك فعل الغواية نفسها؛ وهذا ما أدى إلى اختالف توظيف الماء لدى المبدعين ،فالهدف عند (التدمري) إثارة دهشة غواية العنونة ،أمــا هــدف الماء عند (المليحان) فهو معيار فني ارتكازي، يُــشــيــر إل ــى رم ــز مــعــيــاري مــهــم مرتبط بالحياة جميعها (إنسان ،حيوان ،نبات)، فهو موت ووالدة في الوقت نفسه ،فالماء هنا حالة وإحالة: حالة معيار إن غاب أو انقطع ،وإحالة إلى ما يُشبه الموت كما في القصص (الماء.. الــمــاء ..الــمــاء ..أنين األشــجــار ،شغاف النخل) ،إذ كان الماء القاسم المشترك ليس بالعنونة أو الذكر ،وإنما بالفاعلية التي تشكل صيرورة الحياة ما بين والدة وموت ..وكالهما مرتبط بالماء.
40
-2اإلشكالية الثانية هى التنوع ،والتنوع فــي مــوضــوعــات الــقــصــص ،واخــتــاف طبيعة الشخصيات وأنماطها واللعب على العنونة ،من المسلمات الطبيعية التي مــن حــق المبدع أن يمارسها ،إال أن يضع في المجموعة الموجهة للكبار قصة لألطفال ..فهنا تكمن اإلشكالية، وإن كنت أرى في قصة (الصديقان) التي نهض ببطولتها (الــدب األبيض والقط األســود) مستوىً تناولياً يرتقي بالسرد اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
إلى مرحلة تتجاوز مرحلة الطفولة ..إال أنها ومن خالل: أ -التأكيد على أنها لألطفال كما جاء في الهامش. ب -موضوعها الــقــائــم على صداقة بين حيوانين قد ال تنهض بينهما صداقة ما في الواقع. ج -اللغة والحوار وأسلوب التداخل.. واضــح على ٍ شغل ٍ إنما يشير إلــى أن الــهــدف كتابة قصة لألطفال فحسب. د -القيمة التربوية واإلنسانية التي عززت موضوع الصداقة كضرورة وأهمية؛ ما يُعمِّق الفكرة والهدف
-3اإلشكالية التالية تكمن في قدرة المبدع على اللعب الفني على عنصري الرمزية والتخييل الذي ال يخلو من رمز ما.. فالرمزية في القصص لعبة فنية تطرح قضايا حياتية مختلفة كما فــي قصة (الجراد ،)14-9وبطلها طفل يخاف من فوق «أال يأتي الجراد طائراً في السماء ويحط على أشجاركم ويأكلها؟» ص،10 وتتحقق نبوءة الطفل ..ويأتى الجراد ليُخيم على غصون األشجار كالعناقيد، ويخرج الناس لمكافحته ،يغلون الماء في قدور ثم يرمون فيها الجراد« ،نزل ا مــن رابيته صباحاً ،ووقــف سين وج ـ ً بجانب قدر كبير ،وشاهد أن ما يكبونه لم يكن جراداً ،كان أشبه بعقارب صغيرة صفراء بأذناب معقوفة وإبر سامة ،تنسل من القدور وسط البخار المتصاعد إلى الجو ،وتتضخم إلــى ما يُشبه األفاعى الكبيرة» ص.12
الصواريخ ،الطائرات ،الحرب ،الحرب» ص.13
ومــع لعبة الكشف غير المستاغة عن
رمزية الجراد وتحوله إلــى آالت دمــار،
فإن نهاية القصة تُعيد للعبة الرمز أجواءه «ومن بعيد يلوح صدى صراخة كغمامة
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
واالتــجــاه الفني واألســلــوبــي ،وكل هذا ينصب في أدب األطفال الذي سبق وعنيَ المؤلف به ،لذلك كان مــن الخطأ وضعها فــي مجموعة ال عالقة لها بالطفولة ..وإن كان حضور األطفال يأخذ حيزاً واسعاً في مساحات قصص المجموعة.
إال «الجراد ..الجراد ،العقارب ،القنابل،
حــزن ،وخلفه ينفجر في الــهــواء ،سؤال
صغير :إلــى أيــن يركض والسماء فوق األمكنة» ص.14
عناصر القصة أ -سين :جسم صغير ،رأس كبير ،يقول لألطفال :إن الخطر يأتينا من فوق.
ب -عنصر التنبؤ الذي لم يصدقه من أهل القرية أحــد؛ ألنــه صــادر عــن طفل ال قيمة له ،تكمن مشكلته بأنه يخاف من
فوق.
ج -الجراد الذي داهم القرية. د -تحول الجراد إلى عقارب ،ومن ثم تحول العقارب إلى آالت دمار ،ثم النهاية غير
المتوقعة.
هذه العناصر المتساوقة بنظام سردي
حركي مُنتقل من فضاء إلى آخر ،شكّل معمار
ذلك الرمز الذي كنت أتمنى أال يكشف داللته
ويــقــلــب الــقــاص الــســحــر الــرمــزى على بتلك الطريقة المباشرة والعادية. هذه الرمزية أخذت اتجاهاً أكثر معقولية مــبــدعــه ،لــيــكــشــف وب ــك ــل بــســاطــه أن المدلول اإلشــاري لذلك الجراد لم يكن في كل من: اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
41
الــبــحــر ،الــســؤال ال ــذي ظــل معلقاً :أال تعرف البحر؟ ويستمر تحريك بنية الرمز فــي ت ــداخ ــات كــل مــن الـــــراوي ،صديقه عبداهلل ،ثم البحر والرجال الذين ال يرون من األرض غير أتربة الذهب ،ولذلك فهم في حالة اعتداء يومي على البحر« ..يلمح بعينيه البعيدتين غيمة قاتمة فوق رؤوسهم، ونقاطاً صغيرة على الشواطئ النائمة مثل األطــفــال ،ويسمع صــراخـاً يتعالى نحوه.. إنهم الــصــيــادون واألطــفــال يلملمون جثث األصــداف ،ويتوجهون إلى مقابر البنايات، يتوقف البحر عــن الضحك اآلن ،ويأمر أمواجه أن تصطخب ،يستدير ويعود بعيداً، بعيداً حيث ال يراه المارون بجوار!» ص37 رمزية ناقدة تحمل كثيراً من القيم ،ولعل النهاية تمثل قيمة هــذا الشغل على تلك الرمزية والناقدة في الوقت نفسه «حيث ال يراه المارون بجوار؟ جوار من؟ هذا السؤال المهم الذي رفع من قيمة القصة باتجاهها: الرمزي والنقدي. ¦ ¦الــمــيــزان ص :49-45تــتــنــاول حــالــة إنسانية مُغلّفة بغاللة رمز حائرة ما بين بنية الرمز وفضاء التخييل.
42
تفتح زوجتى باب البيت وتدخل ،أ ُحكم إغ ــاق أب ــواب الــســيــارة ثــم أغــلــق باب البيت». (تــأكــد مــن ذلــك بهز الــبــاب فيومئ لي مطمئناً) ،الحديقة واضحة اآلن :بها شجر أخــضــر وأعــشــاب خــضــراء على أطرافها قطرات ندية ،أدخل البيت وأشاهد زوجتي في البحر ..ص53 لم يكن البحر حالة تخييلية ،ولــم تكن الــزوجــة حلماً ،ولــم يكن ال ــراوي مُغيباً أو فاقداً لوعيه كما توحى نصية القصة ،إنما هي اإلحــالــة الــبــارزة في مجمل القصص، اإلحالة إلى البحر ..أو باألصح إلى الماء في المستوى اآلخر الموازي للرمزية ،كان التخييل في قمة مستواه التناولي الذي يُشير إلــى براعة القاص في نسج خيوطه ،وقد تمثل ذلك في القصة الفارقة والمفارقة قصة «األكــيــاس» ص ،32-31:التي تــروي حكاية المعلم كيف تتساقط الكلمات من مؤخرة رأس الوالد الجالس في يمين الصف األول كما كان الطالبان الثاني والثالث والفصل كله يتحسس رأســه على األرض «وتكوّمت فوقه الكتب ،حاول الحركة والتنفس ،ولكن الكلمات السائحة أخذت تزحف عليه ببطء وتُغطيه ،وهي تمتد على أرضية الصف» ص .32
¦ ¦الغرفة ص :53-51تضعنا أيضاً في حالة من حاالت الرمز من خالل عالقة ناهضة بين الـــزوج وزوجــتــه والبحر وزعيق النوارس ،لتُفاجئنا القصة بنهاية إذا كان المبدع في بعض قصصه قائماً في كثير من البراعة في التناول« :أوقف على الرمزية الناقدة ،فإنه في هذه القصة سيارتي أمام البيت مباشرة ،وبعد أن طوّر الرمزية وأوصلها إلى درجة أعلى وهي اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
في قصة «حــاالت ال تحصى» ص-59 : ،61لــعِ ــبٌ فني مــتــمــاهٍ مــع حركتي الرمز دويتُ في وجهه :إذاً ،كيف أنت؟!» ص.29 والتخييل «أقــوم بالدوران حول األشخاص حتى قصة األكياس نهضت على مقاطع أمسكهم وأمــددهــم ،أ ُف ــكّ ال ــرأس ،أغطي من الممكن أن يُشكّل كل مقطع أنموذجاً العينيين وأصــبّ في األذنين الطنين حتى لقصة قصيرة جداً. تمتلئا ،فأسدهما ..ثم أعيد الرأس مكانه: ال يسعنا أيضاً إال أن نشير إلى لغة القص مستوياً ،عادياً ،يهتز ويرتفع وينحني ،أقول التي تماهت مع موضوعاتها ،فللرمزية لغتها له :قم فيقوم ،أمشي فيكون ظلي» ص.60 الخاصة بها ،وكــذلــك عندما يشتغل على إحـــــاالت إلـ ــى وق ــائ ــع إحــالــيــة نفسية واستثنائية برع المؤلف في تجسيدها ،أما التخييل ..أما عندما يتعلق األمر بالماء ،فإن قصة «الفتى الذي عشق» ص ،44-39فإنها اللغة تشف شفيف الماء نفسه. -أنا لم أرها في يوم ترفع رأساً؟!
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
التخييلية ،ولكن من دون أن تفقد روابطها أق ــدام الجميع ..ثــم تنتهى بتلك الخاتمة وأدواتها. اإلدهاشية »:يا َللمي عندما قال:
«الـ ــزرع الصغير الــجــالــس فــي أحــواض صغيرة ،والذي امتنع عن الرقص ،وقف ثم أخذ يرقص ويحني رؤوسه نحو الجبل األزرق والغيوم الضاحكة وهى ترتفع عن الجبل، قال االبن األكبر :انظروا ..سنضحك ..إنه المطر القادم» ص.20
تمثل مستوىً آخر من مستويات التخييل، وهو يدخل سراديب معاناة الفتى الذي عشق ام ــرأة لــم ي ـ َر منها ســوى عباءتها ،ويدخل وراءهــا ويتخيل إحــاالت وحــاالت مختلفة.. كــأن تجلس معه وتخاطبه في حالة عشق مــن ط ــرف واح ــد -حــيــث يــتــوالــى الــســرد متوازياً مع انفعاالت الفتى وهديته المنتظرة أربع لوحات ضمت ثالث عشرة لوحة ،كل صاحبتها التي لــن ت ـ ِ ـأت ،ليأخذ التخييل واحــدة شكلت لوحة تعبيرية من فسيفساء والرمز واإليحاء الداللي واإلشاري مساحته اللغة ،لتتكامل عناصر القص المشجع على في الفضاء السردي لقصص المجموعة. الــقــراءة الماتعة مــن خــال حكايات قص أما اإلشكالية الثالثة فهي تكمن في وجود جاذب وجذاب ،ما قدم إشكالياته إال ليُشير واع ومتمكن من أدوات ــه الفنية ـاص ٍ بعض القصص التي تنتمي إلــى مصطلح إلــى قـ ٍ القص القصير جــداً ،ولعل قصة «سجادة» واإلبداعية ،مُقدماً إسهامات واضحة في قص ارتقاء القصة السعودية المعاصرة وتحليقها من أهم النماذج التي شكلت هيكلية ٍّ ٍ قصير ٍ وناجح؛ إذ ابتدأت بمفارقة إحالتهما في فضاءات القص العربي المعاصرة حالة ٍ ـدث إلــى حـ ٍ مرتبط بالسجادة التي تطؤها وجود ،وفن ،وإبداع. * كاتب من مصر.
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
43
فتنة البوح في رجل الشتاء ليحيى امقاسم ■ هشام بنشاوي*
في عمله اإلبــداعــي الثاني «رجــل الشتاء ،أيــام كثيرة ص ـغ ـيــرة» (دار الـتـنــويــر 2017م) ،نـجــح ال ــروائ ــي يحيى امقاسم فــي تـجــاوز سحر روايـتــه البكر «س ــاق الـغــراب.. ال ـهــربــة» ،مـتــوســا بــاق ـتــراح إب ــداع ــي مـغــايــر ،لـغــة ،شكال ومضمونا ،وتـشــي فتنتها الـســرديــة بــوعــي جمالي حــاد، حاول من خالله تخليد اللحظات المنفلتة ،وعبر حوار الوعي والزمن ،اهتدى السارد في خاتمة بوحه الملتاع، وهــو يتغنى ،عبر تضاعيف عمله التجريبي الـفــاتــن ،بعبقرية الـمــوت المسماة «الفقد» إلى «أنا كالوقت مطارد بال مخبأ»« .كما لو كانت الكتابة الروائية محاولة دخول إلى القلب اإلنساني ،الموزّع على الدفء والشقاء ،ولهاث وراء الزمن الذي يجسر المسافة بين انطالق الرغبات وانطفائها». ّ وهــم الغنيمة» ،وح ــوارات تستمر إلى آخــره ،وتجود بعض تلك المسامرات ببعض المقالب والطرائف؛ إذ يصفه صديق يصنفه من المحاربين القدامى حاله ساخرا« :أنــت يا طالل بالنسبة للنساء ال تعدو أكثر من «حائط مبكى» تخفف عنهن الــخــســارات وتــز ّيــن لهن المواساة ،ثم يذهبن عنك».
44
اســتــعــار يحيى أمــقــاســم مــأســاويــة الــوجــود مــن نجيب محفوظ والعمل فــي اللغة مــن إدوار الــخــراط ،ولوعة الزمن من جمال الغيطاني ،واغتراب اإلنسان العربي من عبدالرحمن منيف. جمع ما أراد تــجــاوزه في نص متعدد المستويات ،يثني على العشق ويسائل اهلل ويرصد أحــوال المثقفين -حسب دكتور فيصل دراج -وقد نسج الروائي ويتفادى يحيى أمقاسم الوقوع في نصه من حكايات تحتفي باليومي ودفء فخ الغنائية أو الرومانسية الساذجة، األصدقاء ،وصخب الليل؛ حيث «الليل بلغة تأملية تفلسف اليومي ،العابر، اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
والمنسي ،كما يشي بــذلــك هــذا المقطع
الشاعري« :بفضل الشغف وحــده ،بعامل اللوعة الجامحة ،سريعا ستنمو أيام يملؤها
ما هو أكبر من الوقت -في الحقيقة أقل
من أمــل .-ستزدهر تفاصيل قابلة للتوزيع
مستقبال بالتساوي على األحداث .سأقصد
تقسيمها في ليال سأكون بحاجة إليها أكثر من أي وقــت ينقضي أو يحل» .وألن «ثمة م ــوت فــي الــغــيــاب» ،ص ـ ّيــر صــاحــب «ســاق
الــغــراب» مادته الــروائــيــة ،التي تجمع بين
التاريخ والسياسة وأحــزان الغرباء العرب، إلــى تجريب لــغــوي ،أو إلــى هندسة لغوية
جميلة المعمار .وقد أراد الروائي ،وهو يدور في زمــن «باريسي» دائ ــري ،حيث «الحياة
إدراك متأخر» ،ينفتح على األرصفة وأسئلة ال تقنية فنية الروح ،أن يقول كل شيء ،متوس ً متعددة العناصر ،تؤكد أن الخطاب الروائي
من التقنية التي تصوغه .دعاه طموحه إلى
التماس اقتراح روائي ،قوامه اللغة ،وإعطاء
العناصر النصية المتنوعة استقالالً ذاتياً
مقطع من الرواية: «… في سيرة المعنى :وحده يحدد امتياز النقيض ،يــخــرج مــن هــذا الــجــســد ،داللــة شفتين ضاريتين ،فحوى لهاث الباحثين عن فردوس الكالم .يخرج من حنق الكتابة ،منك وأنت تخلعك قسرا من نبل زائف ،من مدينة سجينة ،من لذة تطوف لفم يتخطف أطراف النيران ،من حزن يتسع وجــوع فاجر يفتح للحاجة أوسع أبواب الخطيئة.
نسبياً يعطفها على غيرها ،ويدعها مستقلة المعنى يخرج من هنا :من سالم الخطأ في آن .ومع أن في الشكل الكتابي ما يجعل وش ــرف الــرغــبــة ،مــن ســالــة الــشــغــف ،من من التجريب بداهة ،فإن الشكل الذي انتهت أشخاص جديرين طوعا بمصافحة الموت. إليه رواية «رجل الشتاء» ،ينتقل من التجريب المعنى جرحه فاتك ،يتفتق من ضفاف إلــى تــجــاوز المتعارف عليه« ،كما لــو كان الكأس ،تفرغ منه لتعود إليه ،من وهج اللغة الروائي في طموحه الواسع يريد أن ينجز من لبس .اشتعاله من غواية الحرف ،من نصاً روائياً مركّباً لم ِ يأت به غيره» ،بتعبير منعرج الــروح ،من استواء الكسر ،والجسد يهوي إلى منحدر في الكتابة». د .دراج. * كاتب من المغرب. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
45
■ جناة الزباير*
ال تراني.................. أَ َ تراب /على /خدِّ نهر كَقُ بلَةِ ٍ راب مخمورٍ /تائهٍ في لُجَ ِج بحر كَسَ ٍ وجهِ قبر أمشي /غبارًا /رمادًا /فوق ْ «الشاعر عز الدين بوسريف»**
قنديل بلون الماء
أنخطف ُ أراني بين يدي الشعر
ال تقف أمام بابه
ومــن فــوق كتفي العالم أتأمل هذا العماء.
واترك نعليك المبللة بقصائده الزرقاء كي تراه لغ ًة تطير بجناحي فراشة بين الماء والهواء يقول:
46
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
.............. عز الدين بوسريف ،هــذا الشاعر الذي يتأبط قصائده بكل هدوء ويمشي بين الحروف متطلعا لآلتي. قــدمــاه وجــع يــحــاول مــن خالله أن يرى ما ال يُرى ،فهل هو فيلسوف ت َقلَّ َد
لــكــن يــا إل ــه ــي !..أل ــم يــطــرد أفــاطــون الشعراء من مدينته؟ ف ِل َم ي ُِصرُّ ،إذاً ،هذا الشاعر على بناء مملكته من أحجار الحب في شكله المطلق؟ فهل هو ذلك المسافر الذي يحمل في نور ،يَرى زُوادته قطعًا صوفي ًة وسجاد ًة من ٍ فوقها روحه تصلي؟ أم أنه شاعر مختلف الشاعر عز الدين بوسريف يحاول الهروب عما هو مألوف في الساحة الشعرية بكلماته التي نفخ فيها من معاناته ،وجود واحد يخص اهلل عز وجل ،أمّا وجود حــتــى أصــبــحــت قــصــائــده تتسم بــالــتــنـوّع الخَ ل ْقِ فمجرد ظـلّ .والشاعر هنا يغوص واالختالف؟ في نظرية وحدة الوجود ،فهل يخاطب ذاته يقول: بمعزل عن ذاته ،أي أنه يحاور نفسه بصوت إذا هو قال :كُ ن، ـال مكتوب بالحروف فــوق البياض ،كي عـ ٍ و أنتَ تولَد /تموت تصلنا نبراته الممزوجة بالحيرة والقلق؟ عنك َ شهدْ تَه غابَ ما ِ وكَأنه يقول بشكل واضــح( :أيها اإلنسان ُبصرُ ه. ُبصرُ ه لستَ ت ِ ما ت ِ ال ــذي هــو أن ــاـ مــا ت ــراه مــجــرد ظــل باهت (من قصيدة :الهوى نديم نبيذِ الهوى) لحقيقة كبرى خفية!) فما هذه اإلشــارات التي نحتها الشاعر فــرمــى بــنــا بــيــن الــكــاف والــنــون كــمــا قــال تعالى« :إنما أمــره إذا أراد شيئا أن يقول فصل فيها له كن فيكون»(يس ،)82 :والتي َّ ابن عربي في كتابه «شجـرة الكون»؟ وما بينهما أي الكاف والنون خُ لق اإلنسان س ّرًا من أسرارها ليمتثل لألوامر اإللهية .فبين الوالدة والموت يقطع تذكرة تأمالته ،ولكن هل كل ما عرفه ورآه كان حقيقيا؟
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
وشــاح الشعر كي يــزرع أنفاسه في الغيم، لتمطر علينا صورًا شارد ًة في هذا الوجود؟
لقد شاركنا الشاعر تفكيره وهو يحاول الغوص في األســرار التي ال يفك شفرتها إال الذين مُنحوا مفاتيح العلم وسبَحوا في بحار التصوّف .من ثم تنكشف لهم أنوار الساجدين على عتبة الــكــون ،المترفعين عن العناصر الدنيوية لالنصهار في الكلي، وهم يتلقون إشراقاتهم كنوع من التواصل الجمالي.
لكن ها هو الشاعر يُحَ وِّل الخطاب من يرى ابن عربي أن الوجود الحقيقي هو المتكلم إلى المخاطَ ب ،وكأنه يتحرر من اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
47
ذاتــه بشكل مؤقت ،فلمن يوجِّ ه األ ْمــر من و حَ ْسبِ ي من أمريْن ،خيرهُ ما القبرُ .
كنت. خالل قوله :قُ ل :يا ليتني ما ُ
قد يكون هــذا نوعً ا من النسبية التي تخاطب الــقــارئ االفــتــراضــي ،وربــمــا هي مجرد مــحــاورة داخلية ،وهــي التي نحبّذ خياطة معالمها المتناثرة. لقد اعتبرنا هــذا تناصا واضــحــا مع قوله تعالى في سورة «مريم» حين جاءها المخاض «قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِ ّ ُت َقبْ َل هذا َوكُنتُ ّنس ًيّا» (.)23 نَسْ يًا َم ِ
(من قصيدة :ترابٌ يمشي فوق تراب) وإن كان ظل أبي فراس الحمداني يُلقي بثقله على ظاهر هذا النص ،إال أن الشاعر صـ ـ َورَه بذكاء كبير؛ فكيف استعار وظّ ــف ُ القبر ليكون في فمه؟ فهل هي إشارة ذكية إلى حفظه أســرار غيره ،أم تُــراه اعتراف جديد بأن ما يعترم في دواخله من أسى يستوطن أعماقه ال يقدر حتى الدمع أن يطفىء جمرته التي تحرق دمــه؟ فتعرت روح ــه أم ــام ري ــاح الــحــيــاة الــتــي رمــتــه في زوابعها فأضاعت صبره.
فلماذا برز الظالم بسيوفه وحارب نفسية الشاعر المرهفة؟ هل الخوف من المجهول هو الذي جعله يطارد النهايات البعيدة ،أم فالموت هــو هــذا القناع الــذي يرتديه أنها محاولة منه الستجالء خبايا تيهه؟ الــظــام ،يجمع فــي يــديــه أوراق الحياة، فيسقطها ورقة ورقة ،ويخفي كل األسرار آالم تستوطن نهر الكالم فــي ردائ ــه تــار ًكــا وراءه الصمت الرهيب. لــقــد ســيــطــرت فــلــســفــة ال ــم ــوت على ال تهمه العيون الذابلة ،وال مزامير الروح مجريات خطابه الــشــعــري ،وهــي تتمايل الشجيّة ،بل يطوي كل شيء في حقيبة ليله، بحذائها األسود لتثير نقعا غريبا بين أزقة ويضيع في المدى متجوال في كل البيوت، الروح ،ف ِل َم كل هذا التشاؤم الذي يحاول أن وال أحد يعرف متى تتوهج ساعداه بالغياب. يسجن شاعرًا يُصغي للكائنات في عزفها فكما قال طرفة بن العبد: على ناي الوجود ،وكأنه يصنع من الصراخ طائرة ورقية تدور في سماء غربته؟ وإذا ال ـم ـن ـ ّي ــة أن ـش ـب ــت أظ ـف ــاره ــا يقول:
في فَمي ..قبرٌ و في دَمي ..جمرُ ... ال أراني ..شيمَ تي الصبرُ َفسخ العمرُ طالت األيامُ ،ت َّ ِ ما الموت ،كأنه البحرُ والغمْ رُ ُ هو 48
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
أل ـ ـف ـ ـيـ ــت كـ ـ ــل تـ ـمـ ـيـ ـم ــة ال ت ـن ـفــع
ولــلــشــعــراء حــكــايــات طويلة مــع الموت وأوجاع الحياة.. حديث النايات لقد الحظنا أن القصائد البوسريفية تترابط في موضوعاتها رغم اختالفها ،فال
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد نجد غير يأس وحلم هارب واغتراب يسجنه كما وصــف نفسه فــي مــكــان آخ ــر ،أثمر بين ضلوع نارية .يقول: هذا قصائد على أهبة الرحيل نحو خانة
ُحلْمٌ أنا.. فراشةٌ بيضاء حاص َرتْها سحابةٌ سوداء كفن لِ ُحلم ما كان. تبحث عن ٍ موضع آخر: ٍ وفي
أَلَمٌ أنا.. شمعةٌ تحترق عدمً ا موت كأنها طي ُْف ٍ ()... وَهْ مٌ أنا.. الفجرُ أمامي شرودُ سراب الليل على جسدي ِ سوادُ أكفانٌ من تراب.
الجراحات التي يعيشها الشعراء حين يمرون من تجربة الموت ،أو االغتراب الذي سطر
أنين أرواحهم في قصائد شفيفة ..كما عند
شاعرنا المتميز عز الدين بوسريف.
فقصائده احتراق روح في مجمرة الشعر،
يقول:
ُحزْ نٌ أنا.. ناي يعزِ ف لحنَ الجمر. ٌ
قلة هم الشعراء في الوطن العربي في عصرنا الحديث من جيل الشاعر عز الدين بوسريف ..مَن يحملون على عواتقهم هذه الصخرة الكونية الثقيلة بأسئلة الوجود، فهو شاعر يَخْ رُج من ذاته باحثا عنها في ِ (من قصيدة :ما عادت الليل ُة عذراء) هــذا الفضاء الــرحــب ،وهــو يحمل فرشاة فالشاعر ألـ ـ ٌم ووه ـ ـمٌ ،وشــمــع يحترق ،رمزية تتدفق ألوانها لتترجم اضطراباته، اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
49
هكذا نــراه يجري إلى نبع صوفي يغترف من بحر ابنِ عربي ،وجالل الدين الرومي، والــحـ ّـاج وابــن الــفــارض وغيرهم ،يبحث عن نفسه منغمسا في أنوارهم ،وكأن هذه الحياة قبر كبير منفتح على عالم جديد ال يراه سواه. يقول:
إني رأيتني ال أنا كفنا مبتسما أصلي في جنازتي. يواصل الشاعر تناول تيمة الموت بمعناه الفيزيقي ،إذ تتنامى هــذه العالقة بشكل متواتر في مجموعة من القصائد الشعرية. ما جعلنا نتجاوز الصور البالغية لتأمُّلِ هذا الوصف السريالي الذي ينقل للقارئ رؤيا خاصة تحمل في طياتها أجــراس النهاية، التي يكسرها بابتسامة تعطينا دفقة من نور من أجل االستمرارية. فالفرجة التي أتاحها للمشاهد /القارئ، تتجلى في تنقّله فوق مسرح الحياة مراقبا نفسه ،وكأنه يستعرض الجانب التجريبي المرتبط بالواقع ،والذي سرعان ما يتجاوزه كي يعرج نحو مقامات خفية ،إذ ال يملك غير الصالة على وجــوده الفاني كحقيقة يراها ممددة فــوق بساط أنفاسه ،وكأنه في العراء يجمع عصافير الصمت كي تغرد لحنا كئيبا. يقول:
صمت شاردٌ ، ٌ في شاطئ مهجورٍ 50
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
قطرات المطر. ِ يُ راقِ ص ()... الجسد ِ شيءٌ ما ..تسرَّ ب إلى ما هي إال شهقةٌ وينطفئ ضوءُ العمرِ . (من قصيدة :قبر يحتفل بوأدي) فما هذه األشياء التي تحترق والتي تنذر روحه بالغرق؟ يقول:
زمن أعمى ٌ كزورق وهْ ٍم يغرَقُ في يَمٍّ ِ ويحتضرُ ِ إنسانٌ مي ٌِّت وظلَّ عَ دَمٍ ذاكرتُه تتمدَّ دُ ِ َوب ِحداد الضوءُ أسودُ كث ِ غض ٍب منْ رماد والنا ُر في َ تراب يمشي فوق التراب ٌ الريح مُ ثقَلٌ بالسراب. ِ كفَنُ (قصيدة :الهوى نديم نبيذِ الهوى) إنها تفاصيل صغيرة تتحدث عن الذات الشاعرة الهشة ،والتي تلتقي معانيها في معجم نفسي مــفــتــوح عــلــى ظ ــال كثيفة لشعراء تحمّلوا اآلالم السيزيفية ،منفتحا على تراث القصيدة العربية ،وملتزمًا في نقل تموّجاته الشعرية ذات الرؤى المتعددة إلى ضفة لغوية تقتات من معاناة اإلنسان؛ إذ يرتكز على التكثيف ليجعل المعنى يرقص في رقعة شطرنج ،كل مفرداتها منصهرة كي تُ َك ِّو َن بنا ًء متماسكًا لقصيدته التي تطارد دالالت كالنية ،منسكبة من شرنقة ضبابية تؤسس زمنها الخاص.
فهل نحن أم ــام مــيــاد تجربة جديدة أوليس مآل الجثة غير باطن األرض؟:
في الشعر المغربي المعاصر ،تلحق بركب
الشعراء الذين أسسوا مجرّتهم الخاصة
يقول:
الجبَّةِ غيرُ ُجثّتي التي تتكىء على أسئلة األنا الشاعرة في ما في ُ ليل بُعدها األونطولوجي ،والهرولة نحو اإلحاطة كأنها جسدُ ٍ
بذراتها المنثورة في الالمكان ،حيث قبرات يلبس كفنَ الحداد. الشغف تفتح عيون المساء لعناق اآلتــي،
فنرتوي من ماء الحب اإللهي الذي به كان
(من قصيدة :ما في الجُ بَّةِ غي ُر جُ ثّتي)
الوجود؟
إنه جسر من قبس المعرفة الــذي يمر
يقول:
فوقه الشاعر ،محاوال أن يروي منه ظمأه،
السكرُ هكذا هو ُّ الغيب ِ شطح فوق ماءِ ٌ الحج ِب. ْ حدَّ الغرق في سرِّ وهــا هــو الــشــاعــر عــز الــديــن بوسريف
وهو يتبع قافلة الذين مروا من أرض العشق اإللهي ،وكله حيرة تدفعه للبحث عن ذاته الضائعة في جبة الكون. نبع النهاية
يستمر في رحلته الذاتية ،يطل من شرفة قلبه طفال لثْ َغتُ َه أسئلة حيرى ،يجيب عليها
حين يقف منتصب القامة وسط ليل يتسلل
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أقداح ترسم وجه العشق
فقد أحال القارئ نحو تصور مادي زائل.
ويبقى نبضه الشعري مسكونًا بالمغايرة
إلى دمه ،لتتكرر مفردات ترجمت معجما التي قلّما نصادفها في هذا الكم الكبير من الدواوين التي كثيرا ما عزف عن متابعتها نفسيا يستند على الحطام. إنه خواء مريع ،لكنه مشبع بثقافة روحية القارئ.
زلزلت سكون قصائده وخلخلت ثوابتها،
فَجَ َّر الشاعر جسده المنهك الــذي ألغاه
إنــهــا حــقــا تــجــربــة شــاعــر ل ــه بصمته الــخــاصــة ،تستحق المتابعة ،وأن يسلط
مـ ــرارا ،مستحضرًا بشكل مــغــايـ ٍـر عبارة الحالج الشهيرة «ما في الجبة إال اهلل» التي الضوء عليها أكثر من طرف النقاد ألنه من
سمت بالروح نحو المأل األعلى ،أما شاعرنا طينة الشعراء المتميزين. * كاتبة من المغرب. ** صدر له ديوان شطحات الجوى ،ويصدر له قريبا ديوان «أراني ال أنا».
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
51
الم َ لت َهمة ُ األعمار ُ
في «زجاج مطحون» إلسالم أبو شكير ■ عبداهلل السفر*
انعكاسات ٌ األزمة السورية الطاحنة ،والتي تدور رحاها منذ بضع سنوات ،لها شتى وألــوانٌ مختلفة من الحضور ،بسبب رحابة هذه التجربة وتأثيرها البالغ النفاذ على حياة الشعب السوري والتحوالت التي نالت من جسده ومن روحه، المتوحش الذي يقضم اإلنسان ويضرب جذر إنسانيته في سطوةٍ ّ وذلك التآكل متغوّلة تأتي عليه. واإلب ــداع ليس بعيد ًا عــن هــذه التجربة وال مفاعيلها القاسية .وربـمــا تكون الــروايــة من أفضل المداخل لالقتراب والمعاينة والفحص السابر على النحو الذي نراه عند إسالم أبو شكير في «زجاج مطحون» (منشورات المتوسط ،ميالنوـ 2016م) ،وإن كــانــت المعالجة الــروائ ـيــة ال تستجيب بشكل سطحي لــأحــداث وبانعكاس مباشر .ثمّ ة تباعد ينتقل بالسرد إلى أفق الالمعقول وعالم الخيال إذ إن غير المعتاد والغريب يحلّ مكان الواقع ويستأثر بالعالم المألوف؛ ال لينفيه، بقدر ما يتيح فرصة إخراجه من الحدثيّة واآلنيّة ،واإلمساك بالعصب المؤثّر في اإلنسان؛ في طاقة وجوده ..ومعناه الذي يتالشى.
52
تتلخّ ص الرواية في أربعة أشخاص يــجــدون أنفسهم مــحــجــوزيــن ،بشكل مفاجئ غير معروف وغير مبرّر وليس مكان يعطي ٍ ـوات له ،في تفسير ُمـ ٍ ٍ من معنى «الــقــبــر» ،ولــكــن ليس مثله وال يضاهيه إال فــي صفته النفسية من اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
حيث االحتجاز والعزل واالنقطاع عن العالم ،وقبل ذلك أنّ هذا المكان مختوم ليس من منفذ للخروج منه .ال أبواب .ال نوافذ .ال فُرجة في سقف .مكان مصمت مقطوع عن الخارج ،وبال وسيلة اتصال. ومع ذلك كلّه ،فالمكان /المعتقَل يتوفّر
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
على أسباب الحياة األســاس واستدامتها من خالل توفير الطعام والشراب والــدواء،
وكذلك توفير ما يقع في بند التسلية وتزجية الوقت كلعبة الشطرنج .لكنّ شيئاً غريبا
وعبثيّا يجمع بين هؤالء األربعة المحتجزين. جميعهم لــهــم االسـ ــم نــفــســه «إســــام أبــو
شكير» ،وهــو اســم الكاتب بطبيعة الحال
ويشتركون في المالمح ذاتها غير أن هذه المالمح قد خضعت لعامل الزمن والعمر؛ باختالف بسيط يفرّق بينهم فجعلوه ٍ فطُ بِعت معياراً واسما .جــرى التنازل عن األسماء
تصنيف عمري« :الخمسيني.. ٌ وأخ َذ مكانها
األربعيني ..الثالثيني ..العشريني» مصاحَ ب
عمر ومزاجه. بعالمات ك ّل ٍ
كان األربعة قد رتّبوا أمرهم أن االحتجاز
لن يطول أكثر من شهر لتقديرهم لكميّة الطعام والــشــراب المتروكة لهم .ســوى أن هذا التقدير ال يصمد .ذلك أن ما يتناولونه
يُعوّض ويتجدّد تلقائيا بطريقة ال يعرفونها وال يشعرون بحدوثها .ما يعني أنّ بقاءهم رهــن اإلقامة/االعتقال ســوف يستمر إلى
زمــن غير معلوم .قــد يطول إلــى عشرات ٍ
انتظار ٍ السنين وتفنى معه أعمارهم فــي
وخروج ومعانقةِ ٍ إفراج ٍ يتبدّى عبث ّياً من أجل
العالم الخارجي من جديد .وهذا االضطراب
يدخلهم في دوامة الحسابات ،ويلج بهم نفق
الشجار وتزايد نبرة العراك كلما طرأ ما يستدعي ذلك من تفاصيل صغيرة يضيقون
بها وتضيق بهم أنفاسهم.
إسالم أبو شكير
إن المكان المحدّد إلقامتهم والمحجوز عن حركة الحياة ،يخضع لتبدالت غريبة. فمن غــرفــة عــاديــة وبسيطة؛ فــإنــه يتمدّد بشكل ٍ ويصبح بمساحة ملعب كــرة الــقــدم مــضــاعــف أضــعــافــا ،وفــيــه بــركــة سباحة يمارسون فيها اللهو ،ويجعلون هــذا اليوم تاريخيا في حياتهم المسحوبة من التيار العام ..حتى صار ديْدنا لهم أنّ كل ما هو طارئ وغريب يمسّ هم يجعلونه يومًا تاريخيًا يُضاف إلى يوميّاتهم السابقة ،ويجرونه في مجرى االحتفال الواجب ،مهما تواضع هذه اليوم بحدثه الالحدث ،إن سا َغ التعبير .وهذا يعني تفريغهم من الداخل تماما .ليس لديهم يخص وما يمثّل لديهم معنى وقيمة .هي ّ ما عملية انحسار من القبول ،والتقبّل لكل ما يجري عليهم .ال يبحثون عن تفسير .األمر يأخذونه كما هــو ،وال يبحثون خلفه مثل اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
53
واقعة فقدهم أصواتهم فترة ثم عودتها إليهم «الثالثيني» األكثر شبابا بينهم يَلقَى أثره مشروخ ًة وبطبقتين؛ من الصوت وصداه. الفوري ليس بالموت وحده ..وإنما بالتفسّ خ. بمزيد من ٍ هذا المنطق جرى له اهتزاز ،إنما اهتزاز المصير المرعب الذي يُتوقّى منه عابر ،مع تغيّر األسماء العمرية بمرور عشريّة االنسحاق واالنسحاق. عليهم ،ما ينبغي معه التغيير إلى «الستيني.. وليس طرح مسألة المشاركة في الحرب الخمسيني ..األربعيني ..الثالثيني»؛ عندما إال ص ــورة مــن صــور االنــســحــاق الضاربة، قامت الحرب وهم في الداخل ال يعلمون من أمْرِ قيامها شيئا .المؤشرات أفصحت عنها والتي أيضا ال ينالونها حتى تمثيال بأدوات ـال من ـرب أطــفـ ٍ وحــســب ..في استبدال البن الجيّد بآخر بالستيكية وبمشابهات حـ ِ رديء .حصص الطعام المتراجعة ك ّمًا ونوعً ا .اللعب واللهو والــخــداع .ال يُجاب مطلبهم. التراخي في االستجابة إلى طلباتهم التي يبقون في المكان بالوتيرة نفسها دون تغيير يكتبونها وتصل وهم ال يعرفون كيف تصل .غير تساقطهم بالموت واح ــداً واح ــدا .ال ليلة كانوا يناقشون الحرب ،فاحت ّد وذات ٍ يبقى أحـ ٌد منهم إال أكبرهم .هو الشاهد. أصغرهم الثالثيني ،وبــان على جسده أثر الضمير .الراوي .الروائي :إسالم أبو شكير: االحتداد الصارخ ليجدوه في الصباح التالي (واآلن.. «جثّة متخشّ بة» حائرين معها كيف يوارونها ويتخلصون منها ،لئال تنتفخ فتتفسّ خ وتسيل يستيقظ إســام أبــو شكير ك ـ ّل صباح؛ أحــشــاؤهــا بــالــديــدان منفجر ًة فــي المكان بزجاج ٍ ليجد رماداً شفّافا على المخدة أشبه فتقتلهم الرائحة .يبقون مع جثة الثالثيتي في مــطــحــون ..دمــوع تــبــخّ ــرت ،وتــركــتْ ملحَ ها تجاذب حائر .فيمضي تشاورهم إلى وضعها ٍ في الحمام لمدة يومين .وحين استق ّر أمرهم فقط.. على دفنها بأيّة طريقة متاحة ،وقد كانت َمــن هــؤالء الذين تبكيهم ،يا إســام أبو الجثة بلغت مداها من االنتفاخ وفي طريقها شكير؟ إلى التحلّل وإطالق رائحة الموت البغيضة؛ ال أدري ..األرجح أنهم أصدقائي الذين فإذا بها تُسحَ ب من المكان بشكل مفاجئ. وكأن بقاء الجثة يعتبر من التمرين والتدبير التهمتْ األيا ُم أعمارَهم واحدًا تلو اآلخر .ال الفج بصورة صارخة على التقبّل والرضا ،أعــرف سواهم .هم بك ّل تأكيد .أتذكرهم. بل االنسحاق تماما .االحتجاج الذي أبداه وأبكي). * كاتب من السعودية.
54
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
■ عائشة املؤدب*
نشوز صاخبة ،لم تكن تُمط ُر ٍ الحوافرِ ساح ُة رقص نشيش َ امرأةٌ تفت ُح تاءها ،تط ُّل على وَجَ ٍل خار َج غير أنّي رأيتُ قوائ َم ُه تقطُ ُر وسمعْتُ ـات المطَ رِ يط ّر ُز أثر الخطى وتحو ُم حول ُه ينابي ُع بــيـ ِـت الــقــصــيــدِ ،بــا رو ّيـ ـ ٍـة تمحُ و عــامـ ِ نور. ٍ ّف من ّنقيط بضفيرتِها المنفلتَةِ .تتخف ُ الت ِ أدوات الربّط واحد ًة واحد ًة ث ّم تُؤَخِّ ُر خوْفها ِ األنـــف عــنــد َمــا همستُ ِ ـدت أرنــب ـ ُة ارتــعـ ِ وَتعم ُد إلى األفعالِ المبْنيَّةِ تهدّهَ ا .ينها ُر أنّي ِظلُّكَ التّائ ُه وأنّي الرّي ُح تتبعُكَ .سمعتُ الضمائ َر خل َفهَا وتر ُ ّ المعنى فَتسحبُ أندهش حين تطاولتْ قوائ ُم ُه ْ ْكض ،نَزِ يبَ ُه يعل ُو ،ل ْم تركض... ُ تركض، ُ الخطوات تفِ رّ، ِ شاهق ًة تر ُك ُل الفراغَ ،آثــا ُر
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
نصوص قصيرة
أعرف أنّ ُ عــنــد أوّلِ مــع ـ َّقـ ٍـف تــعـتَــرِ ضــهــا الــمــوان ـ ُع رأيتُها تختفي كضوءٍ ساطع ،كنتُ محْ ِ تش َد ًة تفْجَ ُعهَا ،تتبعث ُر حركاتُها فتتع َّث ُر هذا الوع َل شبَ ٌح مهاجرٌ. بنونِ النّسو ِة وتسقطُ ،وسط الفوضى تتل َّقفُها أقولُ َك صمتا حروف العلّةِ جازِ َر ًة وتعيدُها إلى اللُّغةِ مكبَّل ًة ُ بتائهَا الــمــربُــوطَ ــةِ ،تَ ـدْخُ ـ ُل عليها النّواس ُخ قال« :قُولينِي» ،قلتُ « :صمتِي فيكَ بوحٌ». ساكن فترتدُّها ٍ تَمْسَ خُ هَا ،تُق ّيدُها إِلى ِجذ ٍْع قال« :قوليني شعرًا» ،قلتُ « :صمتي فيك إلى وظائفِ هَا ذاعنَةً .يعتريهَا ذهو ٌل تا ٌّم وهي بوحٌ». تراقبُ واو الجَ مَاعَ ةِ تُ َقلِّ ُم كلَّ حَ ركا ِتهَا وتنْفِ يهَا نبضات ِ ق ــال« :قــولــيــنــي شــع ـرًا يُ ــسْ ــرِ ُج اإلعراب. ِ خار َج القلب ».قلتُ « :صمتي فيك بوحٌ». وعل مهاجر ٌ القلب، ِ نبضات ِ قال« :قوليني شعرا يُسْ رِ ُج م ـ ّرةً ،صادفنِي وعـ ٌل مهاجرٌ ،كان يحم ُل فــرح. ا مــن ٍ ـول تــجــتــا ُح ســهـ ً ـض كــخــيـ ٍ معركة .تَن ُّز الحكاياتُ من عينيْهِ ويــركـ ُ ٍ قرنيْه وبقايا األرض صهيل ُها له ٌج بالدّعاءِ ». ِ وتــرشـ ُح الخياالتُ .كــان ينظ ُر إلــى
األرض نفسُ ها ا ّلــتــي تعر ُف ُه ُ ويمشي ،هــي ِ وتفرش للتّالِي بساطا ُ حافر يطأُها ٍ تُق ِّب ُل ك ّل األرض الّتي يعرفُها حتّى أنّها ُ ورد ،هي من ٍ ال يراف ُقهُ. أهملتْ أن ترسُ م ظ ًّ َس األرض ويمشي فيَيْب ُ ِ كــان ينظ ُر إلــى ـف الطّ ينُ ،يهت ُّز ويـرْبــو ،وق ُع الــوحـ ُل ويــرجـ ُ
لم يع ْد للقولِ مكا ٌن فبُحتُ بصمتِي إلى صمتِهِ .ثــم تلهيْت عن ُه بالعبار ِة أروّضـ َهــا حبل وأجته ُد في تدريبِها على المشي على ٍ معل ٍّق .تلهيتُ عن ُه وما كان يشغلنِي إال أن أعرض عنه، ُ تُح ّب ُه القصيدةُ أكث َر لعلّي ،إ ْذ أقولُ ُه شعرًا.
* قاصة من تونس. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
55
صورة الشهيد ■ إبراهيم مضواح األملعي*
قليل ،نظروا إلى تسرَّ ب إليهم صوتها؛ تُحدِّ ث نفسها بنبرة غاضبة ،صمتوا ً بعضهم ،قــام (أح ـمــد) متجهً ا إلــى غرفتها ،وتبعته أخ ـتــاه ،وقـفــوا بـجــوار الباب الموارب ،رأوها تدفع كرسيًا تنوء به ،تقدَّ م إليها بينما وقفت (فاطمة ،وسارة) لدى موضع بجوار الجدار، ٍ الباب ،حمل الكرسي دون أن يعرف أين تريده ،أشارت إلى حيث أشــارت ،سألها« :ما بك يا أمــي؟» أجابته بانفعال« :أال ترى الصورة؛ وضعه ُ كيف أصبحت مائلة؟ َمــن الــذي حركها؟ ال شــيء يسلم من عبثكم ،حتى صورة الشهيد» .ارتقى على الكرسي يحاول ضبط الصورة المائلة ،وهي تتشبث بالكرسي تمسكه كي ال يضطرب ،وتعتمد عليه في وقوفها ،والبنتان يقلبان النظر بين الصورة المائلة ،واألم المتشبثة بالكرسي ،وأحمد الذي يسألهما« :هل اعتدلت الصورة؟» أجابتا باإليجاب. القبعة العسكرية ،وشاربه الخفيف يُـبِـي ُن عــن مــام ـ َح جـــادة ،يــبــدو وجــهــه شديد الصفاء ،وقد أظهرت البدلة العسكرية بياضه ناصعًا ،وبري ُق النجمتين َ الدكناء على كتفيه تزيدانه مهابة.
56
اتجهت إليهما بالكالم؛ محذرة من العبث بصورة الشهيد ،أو تحريكها من موضعها ،أشارتا برأسيهما بالموافقة، دون جـ ــدال ،ول ــم تــجــرؤ إحــداهــمــا أن تخبرها بأن تيار الهواء الذي يعبر الشقة كلما أشــرعــت نــوافــذ غرفتها والشرفة تتذكر فرحته وهو يبشرها بنبأ قبوله الــمــقــابــلــة مــفــتــوحــة ،هــو الـــذي يــحـرَّك فــي الكلية العسكرية ،وث ــاث سنوات الصورة. حين ٍ قضاها فــي الكلية يــزورهــا بين أع ــاد أحــمــد الكرسي إلــى موضعه ،وحين ،فيبدو أكثر نضجً ا وشبابًا كأنما وغــــادروا الــغــرفــة بــهــدوء لعل الموقف غــاب عنها سنوات ،تتذكر فرحته وهو يمر بال دمــوع ،تراجعتْ خطوات تقيس يهيئ بدلة التخرج ،تتذكر يومه األول في الــصــورة بنظراتها؛ فتبدو لها معتدلة .عمله وقد أصبح ضابطً ا يومها قال له جلستْ على طرف السرير تنظر إلى وجه أبوه« :يا ولدي لقد خدمتُ في العسكرية الشاب النحيل ،ذي العينين الصافيتين ،عمري كلَّه دون أن يشوِّه ملفي إنذار أو الناظرتين نحو أفــق بعيد ،مــن تحت لفت نظر ،وأنــت تبدأ اليوم عملك في اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
حاولت أن تصنع من سالم نسخة أخرى مــن الشهيد ،كانت تسميه (أخــو الشهيد)، ولكن قلبه لم يَ ِل ْن لرجائها بأن يترك صحبة أصدقائه الذين كانت تصفهم بـ(المشبوهين)، وكان يغضب لهذا الوصف ويردد« :آخر زمن؛ أصــبــح األتــقــيــاء مشبوهين ،وأه ــل الضالل واجهات المجتمع ،اهلل المستعان»!!
لم تفقد األمل ،ولم تتوقف عن نصحه حتى ترك البيت ،دون أن يعرفوا له وجهةً ،يتصل بهم أحياناً ،فتطلب الهاتف وتسأله عن مكانه، فال يجيب ،ويُغلق الهاتف ،بينما تتجرع غصص الفقد والغياب ،يحاول أوالدها تسليتها ،فتظهر لهم ما يحبون ،وال يخفى عليهم أن خلف قناع
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
مــيــدان الــشــرف؛ اهلل اهلل فــي األمــانــة التي التَّسلِّي نارًا تضطر ُم في داخلها. أقسمتَ عليها» ،وتتذكر قوله بحماس« :األمانة تُمضي الكثير من وقتها في غرفتها ،تتأمل في عنقي ،ووطني في قلبي ..يا أبي». صــورة الشهيد بنظراتها ،وكــأنــه ماثل بين تــتــذ َّكــر ي ــوم ح ـ َّ ـط عليهم نــبــأ استشهاده يديها ،تضمه بقلبها؛ دون أن تشعر تنساب كالصاعقة ،يومها حسدت والده الذي سيكون الــدمــوع على خديها ،تتخيله يــطــرق الباب ِصخَ بِهِ الجميل وضحكته المتفائلة. في استقباله ،وتَـمَـنَّـتْ لو أنها هي التي سبقتْ ،ويدخل ب َ فرَّت إلى إغماءة ،وحين أفاقت حزنت أكثر، أفاقت على صوت ضجة أحمد وأختيه في وتمنَّت أنها لم تُفِ ْق أبدًا ،فالتعزي صعبُ المنال، الصالة ،اندفعت خارجة من غرفتها إليهم، برغم كلمات التعازي التي ال تنفك تسمعها، صمتوا فــجــأة ،ينظرون إلــى وجــوه بعضهم، من األهل واألقارب وحتى المسؤولين ،فكلهم يذكر بطولة الشهيد ،وتضحيته ،وشرفه في لمحتْ صورة (سالم) في الصفحة األولى من الدنيا ،منزلته عند اهلل ،فقد أ ُِخ َذ غدرًا وهو الجريدة التي كانت بين أيديهم« :هذه صورة يحمي حــدود بلد المقدسات ،أطهر أرض ،سالم! صورة سالم!» وحين أ ُجريتْ معها مقابلة تلفزيونية عَ ـرَّفها تفحَّ صت الصورة قبل أن تدفعها ألحمد مناصا من قراءة ً المذيع للناس بـ(أم الشهيد) ،وردد ذلك كثيرًا ليقرأ لها المكتوب ،لم يجد خالل المقابلة ،وأصبح الناس ينادونها بهذا البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية ،بقائمة االسم ،لما رأوا أثر ذلك عليها ،وشعرتْ بأنها من المطلوبين ،المتهمين بالتخطيط ألعمال أ ٌم لشهيد ما يزال حيًا يُــرزَق ،تتأمل صورته تخريبية إرهابية ،ويتزعمهم اإلرهابي( :سالم كلَّ حين.. الدوسان) ،لم يحتمل قلبها النبأ ،شعرت بدوار
وهي تصرخ« :إرهابي يا سالم؟! أخو الشهيد إرهابي؟!» وسقطت مغشيًا عليها ،حملوها إلى غرفتها ،رشوها بالماء ،أعطوها بعض أدويتها، ولما فتحت عينيها وجدتهم بجوارها ،حاولت أن تتكلم فلم تستطع ،حدَّ قت في وجوههم، نــظــرت جــهــة ال ــص ــورة ،حــاولــت الــكــام فلم يتحرك لسانُها ،أشارت إليها بعينيها ،التفتَ أحمد إلــى الــصــورة فــرآهــا مائلة ،عــرف ما تريد ،أخذ الكرسي الذي يجلس عليه ،ق َّربَه من الجدار ،ارتقى عليه ليُعدِّل الصورة ،يحاول ضبطها ،سقطت الــصــورة وتــنــاثــر زجاجها المهشم ،وغطى على صــوت الــزجــاج عوي ُل البنتين على أ ِّم الشَّ هيد.
* قاص من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
57
تـــرويـــض ■ سمر الزعبي*
يحب بالتأكيد.. خاف ،هو ُّ يعزب عليها ٍ درست فيها أدا َءهُ ،ال ُ ْ ِعشـر ًة طويلة ًكانت، يحب امــرأة أخــرى ،زادتها نظراتُه يقيناً ،ضحكتُ ه الباهتة ،تقلُّب مزاجه ،فهو ال ّ يجيد الكذب ،وعيونه تفضحه. ّشت جيوبَه ،رسائ َل «الواتس والماسنجر» صارت لديها ،بعدما حصلت راقبته ،ف َت ْ يؤكّد يقينَها .لكن ال شـيء على الرّقم السـري وهي تصطاد غفالتِ ه ،لم تجد دلي ًال ِ يعبث بنفسـيتها ،ولن تسمحَ له بالخروج من دائرتها. يفكّر يوماً أن يخرج ،اعتاد زوجتَه ،لغزَها أح ٌد كزوجته. لم ِ غي َر المفعمةِ باألنوثة ،اعتاد حياتَه، زمن بعيد، وتصال َح مع مجرياتها منذ ٍ يقلِّب بصـره بين النساء ،ك ُّل شـيءٍ عابر، إ َّال هي ،شغفته حباً ،تلك التي تمنَّى لو
صباح تتسلَّم فيرو ٌز د َّفــة قلبه، ٍ ك ّل كأنَّه لم يستمع إليها من قبل ،أو أ َّن إحساسه بالكلمات قد تغيَّر ،يودعها
لهفات ،ويشكو إليها ق َّوةَ العبارة واللحن، ٍ ترخي جدائل َها على كتفيه ،ترتجف إحــدى يديه لـ َمّا يراها ،يبتلع الكثي َر إذ أصابا مقتَله ،يروق له مشه ُد طالب بابتسامة تهت ُّز على الجامعة ،وهــم يتمشّ ون معاً ،يمسك ٍ من الكالم ،ويكتفي
58
طرف من شفته ،ونظرةٍ كسـيرة ،ال يح ُّل الواح ُد منهم ي َد الحبيبة أمام المارّة، ٍ اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
تغار من رغوة القهوة على أدمة شفتيه ،يعيدا الزم َن إلى الــوراء ،إلى ذلك المشهد
سكر تذوب ،ولو يعلق الذي به التقيا ،ويحرقان كلَّ ما دار فيه .لم وتتمنى لو أنها قطعة ٍ القلب بقرار ،ويعرفان ِ شغاف َ النبض ُ منها شـيء ،لــتــذ َوّق كـ ٌل منهما اآلخ ـ َر على يعتلِ مهل ،لكن حينما يتب َّد لها محيَّا الزَّوجة ،أ َّال خيار في الحب ،لكن اختارا أن تتجمَّ د
تمض ُغ قهرها ،فليس من طبعها التعدِّ ي على السطو ُر بينهما. حياة اآلخرين. أ ّمــا زوجته ،فما كــان لها أن تنتظر ،أو يجرحها اسمُه ،يستفزِّها أيُّ شـيءٍ نالَه، خيوط الحزن من عينيه ،فاهتدت َ أن تلمل َم يستأنف ُ شــارعٌ ،مخيطة ،محل للخلويَّات، طريقة تحطِّ م بها السطو َر بجليدها، ٍ إلى ذاكرتها ،كأ َّن عالق ًة ما تربطها بتلك األماكن، وعــادت إلى ذات المشعوذ الذي كان سبباً الخوض فيه. َ تذكِّرها بمستحيل تخشى ك ّل منهما على حافّة طريق ،يقابل اآلخرَ،
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
غصته. ثم يحسدهم ،ويرتشف َّ
كــان عليهما أن يسحبا ال ـ ّنــظــرات ،أن
في زواجها منه ،قب َل سنين أرشدوها إليه،
ولم يقتربا ،أو يرتويا ،لكنَّ محاول َة االبتعاد بعدما فشل اآلخرو َن في اصطيادِ ه لها ،ولـ َمّا مقصل ٌة للروح ،فقبال األم َــر الواقع ،ومكثا نجح مشعوذُها األمثل ،صا َر مالذها كلَّما ـف فيهما الــعــروق ،ارتبكت العالقة. يــتــأ َّمــان قلبيهما ،تــجـ ُّ
فيما ظلَّت عالق ُة الزّمالة متنفَّساً ،وزوجتُه تحتفظ بالمشهد فــي إح ــدى منشوراتها «الفيس بوكيَّة» العابثة. صار صعبَ المراس ،عصبياً ال يُطاق، شارداً أغلبَ األحيان ،تحوَّل إلى آلة عاملة، فيما افترش التوت ُر يوميَّات الحبيبة ،ولزِ مَها بكاءٌ موصول ،فصبَّت انكسارَها في قوالب
أغــدقــت عــلــيــه ال ــم ــا َل مـــجـــدَّ داً ،وكما طقوس ِ اعتادت؛ سلَّمت له جسدَها ،إلتمام ترغيب الزوج بها ،ث َّم أعدَّ حجابَه السحري، ِ ترتيبات أخ ــرى ،أك ـ َل منها الــزو ُج ٍ ـض وبــعـ َ وشـرب ،وألنّه ال يُفلح السّ اح ُر مهما فعل ،لم يعُد خاتماً في إصبعها مث َل ك ّل مرّة ،لكنّها
العمل ،تشغ ُل نفسَ ها ،راجي ًة أن تنسـى ..لم تتوقّف ،فقد صا َر لديها ضـرة تستحقُّ ساحر أشـ ُّد ق ّو ًة ٍ وال ـزّوج ـ ُة تتقن دو َر الضحيّة ،تفتق ُد فيه أن تبحث في شأنها عن الرُّو َح التي عرفت.
وأعتى.
* قاصة من األردن. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
59
اعترافات قبل الوقوف على المقصلة قصص قصيرة ■ عمار اجلنيدي*
نصيحة هــي ـ ْه أنـ ــت :أيــهــا الــرجــل األشــقــر، قصير القامة ،ذا العينين الزرقاوين! مــا أجــمــل إط ــار نــظــارتــك! تنهض من فراشك .تتجه نحو الحمّام .تغتسل. ذقنك ليست بحاجة إلى حالقة .ضع إبريق الشاي على النار .جَ ِّه ْز فطورك اليومي المتواضع :جبنه وزيتون وزعتر. ته ّم بالخروج إلى العمل ،لكنني أنصحك بــالــبــقــاء وع ــدم الــذهــاب إل ــى العمل. ـس لستُ زرقــاء اليمامة ،لكنني ال أ ُِحـ ُّ بالطمأنينة عليك هذا اليوم بالذات، ربما كانت أناقتك وهــدوءك المفتعل يوحيان بالكثير من الخوف عليك ،إنها مجرد رؤيا ،وأص ُّر على نصيحتي إيّاك بأن ال تذهب إلى العمل .اليوم فقط. أرجـ ــوك .ال تستمتع إلــى النصيحة. تقفل الباب بالمفتاح .تستنشق هــوا ًء مــلء رئتيك .تنتظر بــاص المؤسسة.
60
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
تتأفف .تأخَّ َر الباص عن موعده ربع ساعة .تُ َقرِّر أن تستأجر سيارة .تقطع الــشــارع ،لكن انتبه .أنــت :أيها الرجل األشقر .حاذر .السيارة قادمة تجاهك. انتبه .السيارة .انتبـ ...ال حول وال قوة إال باهلل. حدث في شارع السينما فــاجــأنــي أم ــام أحــد الــمــحـ ّـات في شــارع السينما ،سلّم عليّ بــحــرارة ثم عانقني وهو يبتسم: ا أحمد ،مضت مـدّة طويلة لم «أه ـ ًأرك فيها». أجـ ْد بُـ ّداً من امتلكتني الحيرة ولم ِ توضيح الموقف لهذا الرجل الغريب: «عفواً أنا لستُ أحمد؛ أنا عبدالغفور،وأنــا ال أعــرفــك لألسف ربما أنك أخطأت». نظر إليّ بدهشة ،وقاسني من رأسي
«نــعــم أنــت لست أحــمــد ،ولكنك تشبههكثيراً».
سأله يوسف باهتمام: « -ماذا تنوي أن تفعل في هذه اإلجازة؟»
وانطلق من أمامي وسع ما تستطيع قدماه الــركــض .شعرتُ بــأن هــذا الموقف غريب «لقد كبر الولد يا يوسف ،أحس أننيبعض الشيء؛ فهل درجة الشبه بيني وبين مسؤول عن تعليمه شيئاً ذا قيمة .سأعلمه أحمد هذا كبيرة إلى درجة أن هذا الشاب لم الشطرنج». يتعرّف على الفوارق بيننا حتى أنه تمعّن فيّ ابتسم وهــو يستدرك أنــه ال يعرف غير جيداً ،ولدرجة أنه صافحني وعانقني أيضاً! الشطرنج. لم أكترث لألمر كثيراً ،بل تابعتُ تأمّلي انــزوى االثنان في غرفة الصالون ،ولم فــي جاكيت الجينز المعروضة فــي محل النوفوتيه ،وحسمت األمر أخيراً بأن اشتري يخرجا منها إال بعد عشرة أيام. بدا أبو نادر واثقاً من نفسه وهو يدعو تلك الجاكيت .دخلتُ المحل وساومت البائع على ثمنها ،إلــى أن اتفقنا على عشرين أصدقاءه متحدّياً في لعبة (التريكس)! ديناراً. بسيط ٍ مواطن ٍ موت ُ ر ّد بثقة:
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
حتى قدمي ،ثم تراجع للوراء قليالً:
بدون راتب حسب رغبته.
تــوقــفــتْ يـــديْ فــي الــجــيــب الــخــالــي من م ــاتَ الــعــم محمد ،ولــم يَـــدْرِ بموته إ ّال المحفظة .بحثتُ في الجيوب األخرى. االقلء ،حتى أقرباءه كانوا آخر من وصلهم ّ قلت فــي نفسي« :هــكــذا وبــكــل بساطه الخبر. أتعرَّض للنشل ،ولكن على مين (!)« ،أهليـــن!» لم تنشر الصحف نعيه ،ولم تحفل اإلذاعة استدرتُ من فوري نحو زبون ينتظر دوره .بهاتف من ابن أخيه إلعالن خبر وفاته بعد أخبار العاشرة صباحا. أسرعت إليه:
موتُه جا َء رحم ًة بوضعه المزري ،رغم أن ال أحمد ،مضت مدّة طويلة لم أرك «أه ًأمثاله يستحقون حيا ًة أكثر تفاؤالً ونقاءً. فيها». حياته البسيطة وقلّة حيلته جلبا له الشقاء؛ ثم عانقته! حتى النيشان ال ــذي تسلّمه بعد صموده التريكس البطولي في معركة الكرامة ،لم يشفع له، وافــق المدير العام أن يعطي أبــا نــادر ،وبقي في نظر الناس؛ إنساناً بسيطاً يعيش موظف الحسابات ،إجازة لمدة شهر واحد على هامش الحياة ،وال يعيرونه إال الشفقة. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
61
أقلء؛ كان يستمعون بفرح واهــتــمــام ،بــدا أصغر من وفي جنازته التي مشى فيها ّ النملة في أعين الجميع؛ ألنــه أ ّكــد ألهله ابن أخيه يهمس في أذن حسرته: البارحة ،بأن سليمان إنما يقضي ساعاته «لو لم تكن إنساناً بسيطاً يا عم!».األخيرة. واروه القبر المعتم ،وعند الصبي رغب ٌة نــظــر مــلــيـاً إل ــى وج ــه سليمان الطافح جامح ٌة بأن يعقّب أحدهم على هواجسه، انصرَفوا إلى بيوتهم مسرعين ،باإلرهاق ،ثم غادر المكان متجهاً إلى عيادته، لكن الجميع َ كي ال يفوتهم مشاهدة( :المجلة الرياضية) .وهو يداري وجهه عن نظرات المرضى ،وفي رأسه تعربد أشباح الفشل. الفاشل (على المقصلة) ـف الطبيب عاطف ،الفاشل في لم يُــخْ ـ ِ السيّاف يع ّد ُل وضع رأسي على المقصلة، امتحان البورد للمرة الثالثة ،دهشته عندما استدعاه الممرِّض المناوب لرؤية منظر وأهل قريتي الذين احتشدوا لمشاهدة جَ ل ْدِ سليمان ،المريض الراقد على السرير رقم رأســي ،كنتُ أرى دمــوع القهر تترقرق في ( )1والغائب عن الوعي منذ ما يزيد عن عيونِهِ ْم بصمت متحفِّز. كانت بقرات المختار ومواشيه ،تسرح األسبوعين. فــبــعــد أن عــجــز الــطــبــيــب عــاطــف عن في القرية ،تأكل عشبها ،وتشرب مياهها ـرات و َذبَــحْ ـتُــهــا، رأي طبّي الفقيرة .أخ ــذتُ ثــاثَ بــقـ ٍ تشخيص الــمــرض وتقديم أيِّ ٍ بخصوص هذه الحالة؛ انتحى بزيد -شقيق وساعدني بعض الشباب على سلخها ،وأقمنا وليم ًة أشبعَتْ أهل قريتي. سليمان جانباً ،وقال له: كنتُ سعيداً ،حتى عندما علم المختار «إن هــذه الحالة غريبة ون ــادرة ،وقدالطبُّ عن تقديم أيّ تفسير حول هذه بفعلتي وأمر بِجَ ل ْدِ رأسي ،إليماني بأن أهل عجز ِ الحالة ،ألن الــدمــاغ مصاب بالتهاب ،وما قريتي لن يسمحوا ل ُه بذلك. الــشــبــاب والــفــتــيــان الــصــغــار ،يضعون عليكم إال االنتظار». يص ُّم وهــكــذا فقد علّق عجزه عــن تشخيص أصابعهم في أفواههم ليطلقوا صفيراً ُ آذان السماء. المرض ،على مشجب الطب.
السيّاف يرفع رأسه عالياً ،ويهوي بالسيف وعندما رأى سليمان يتحدث مع المرضى والممرضين ،الذين تجمّعوا حول السرير ،على رقبـ آآآآآآ. * قاص وشاعر من األردن.
62
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
كـــا َن صغير الــســن حينما ب ــدأ يساعد والده في بقالة الحي ..وكان صغيراً حينما كان والــداه يوصيانه برعاية إخوته األصغر مــنــه ..وك ــان صــغــيــراً حينما كــانــت ترسله جدته إلحضار البيض من أصحاب الدواجن بالقرية ..إنها الطفولة ..طفولته التي كانت تغص بالذكريات ..ذكرياته مع مجايليه في طفولته ..ممن كان لهم معه مواقف ومواقف ال تسر صديقاً!
■ فرح لقمان*
آل إليه ..خاصة وأن هذا الصحفي كان يعرفه ال من أسرة ال تملك قوت يومها ..وتذكر طف ً إجابته له (ذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء)؛ فبفضل اهلل ونعمته وصلت إلى ما أنا عليه...
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
مع الذكريات!..
ناظر ساعته ،ليرى أن الــوقــت مــا يــزال مبكرًا على الذهاب إلى العمل ..تأمل عقارب الثواني ..والدقائق ..والساعات ..وسرعان ما شرد فكره ..وسر َح قليالً؛ لكأنه في غفوة مريحة ألقى بها جسده على العشب ،ليرتاح وتمضي األيام ..ليتغير الحال من الطفولة قليال وهو يــر ِّد ُد «ربي لك الحمد كما ينبغي إلى الرجولة ..ومن العسر إلى اليسر ،ومن لجاللك وعظيم شأنك». االحتقار إلى االحترام ..إنها الحياة التي ال وتعود به الذاكرة إلى الــوراء ..وما م ّر به تبقى حاالً ..فال فقر يدوم ،وال غنى يبقى ..مــن مــواقــف صعبة صنعت منه رجــا غير ال وأبا لثالثة من األبناء ..أصبح اصبح رج ً رجل األعمال المرموق ،وله هيبته بين أفراد المجتمع ..كيف ال ..وقد فتح المصانع تلو المصانع ..لتعول اآلالف من أفراد مجتمعه الذي احتقره يوما ما..
تذكّر غربته وانتقاله لدولة مجاورة ،وكيف امضى السنوات هناك بمرها وحلوها.... بعيداً عن أفراد عائلته..
ع ــادي ..شريط من الذكريات ال يخلو من األسى واأللم ..وحتى األذى واالحتقار أحيانا من زمالء ضايقوه كثيرا أيام طفولته وبداية شبابه ....ويــرى -أثناء غفوته -أحدهم- ممن كانوا يسخرون منه ويحقروه -يعمل عنده ..وبمهنة أشبه بل أدنى من مهنته أيام صدم كان يرافقه ..ولما رآه ذاك الشخص ُ وبادر بقوله:
«سيدي :لم أعلم أنك المدير الخاص بهذا بدأ بتجارة بسيطة ..إلى أن نمت تجارته وازدادت نموًا ..حتى بات تاجرًا ذا سمعة المكان». عندها صحا مــن غــفــوتــه ..ليتجه نحو رائجة في البالد بما اشتهر به من صدق مركبته ..فقد حان وقت الذهاب لعمله.. ونزاهة وحسن تعامل... تذكر سؤال صحفيٍّ له متعجباً من حاله وما
صعَد المركبة وانطلق مبتسماً..
* قاصة من األردن. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
63
نصوص قصيرة ■ شيمة الشمري*
حاجة مدينته الصغيرة ..عال الــصــراخ وتناثرت بــرنــامــجــه ال يــعــجــبــنــي ،لكنني أتــابــعــه الدماء.. ارتــطــم رأســه المهشم بـــاألرض ..بينما باستمرار.. هناك دودة تنتظر!! فقط أحتاج لصوت مثل صوته ليُخرج الرتابة من قلبي! سراب غياب من دون أسباب ،أجدني مبعثرة كزجاج نافذة عانقه حجر! وال حجر سواك في حياتي!
سمائي غائمة ..ومزاجي متعكر ..ورفيقي مسافر ..وقهوتي مرّة.. ويومي ليس جيدا كما تظنون! قاع
تلك كانت آخر كلماتها قبل أن تختفي!
كنت أحب تخّ يل األمور الغريبة..
لجوء
كالوقوع من قمة جبل أو الغرق!
في آخــر مــرة تخيلت أنني أقــع في بئر تظل تلك ال ــوردة الصفراء فــي اللوحة المعلقة على الجدار مهبط عيني وسري ،عميقة ..اللحظات المرعبة والصادمة التي مــررت بها جعلتني ال أتخيل هــذه األمــور عندما يأتون على ذكرك!! السيما وأنا في قاع البئر!! قسوة أوهام خلف الباب جراء كثيرة وجائعة.. الفقاعات التي كانت تحوم فوق رأسي كل وتلك القصور مغلقة تماما.. يوم لم تعد تفعل ..فقد ابتلعتني إحداها!!
وحده كان يرقبها من بعيد قبل أن يطلق اآلن أنا فقاعة كبيرة أدور مع غيري على عليها النار!.. رأس أحدهم!.. أشالء شاعر وهو عائد من المدرسة كان يردد «الدودة قالت لألرض ..إني أدميتك بالعض.»...
جنازة أنا في عجلة من أمري..
قبري مفتوح وأخشى أن يتلوث بالهواء.. في لحظة ..فتحت جهنم أبوابها على وهم ما يزالون يلتقطون الصور!!..
* قاصة من السعودية.
64
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
■ حليمة الفرجي*
إجهاض حلم صرخات تمأل المكان ..توسّ الت باكيه تكاد تصم أذنيها ..أقدام تركض مقتربة! تصرخ.. صوت يأمرها بالتوقف عن الصراخ.. ومحاولة دفع ما بأحشائها تدفع ..ترتخي ..يتصبب العرق مجهدة.. تحاول البكاء.. يعود األلم.. تعاود الدفع.. يحلق طائر أبيض ُملِى َء ببقع الدم فينشقّ له السقف.. ينطلق بين السحب.. تنظر للقابلة تجدها تنظر للسماء مبتورة اليدين تسلق لتقف ويزداد في طولها قامت بقطع العديد من الرؤوس لتتسلقها وحين همت بوضع آخر رأس لتعبر الحاجز أحست ببرودة تغزو جسدها سقوط ٍ دوى صوتُ لحظات خيّم بعدها صمتٌ ..كشف عن جثة عظيمة بدون رأس!
وحده علق بروازا قديما بالغ في تزيينه سكن بداخله ضحية حرب تمضي عجلى لتحضر الخبز جوع أطفالها ومحاولة أن تجد عذرا لعدم قدرتها على توفير الغموس لهذا الخبز.. تشغل تفكيرها، صوت تعرفه جيدا يصرخ بها من الرصيف المقابل تسرع الخطى ،فيسارعها بطلق ناري تسقط ويتساقط الخبز يختلط عرقها بسائل أحمر غــدا غموسا لخبزها.
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة
قصص قصيرة
عقاب اعــتــاد اللص أن يسرق طعام أطفالها كل مساء، وفي ليلة مقمرة وضعت السم بالرغيف وحين استيقظت صباحا وجدت أخاها الضرير.. ميتاً قرب الموقد.
* قاصة من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
65
ً احتفاال.. عندما قالوا ρρعبدالهادي الصالح*
وخ ـ ـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ارِ ق ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ــوا ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ي ـ ـ ـ ـ ـ ِـش ـ ـ ـ ـ ـ ُّـق ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد إنْ ُرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه يـ ـ ـحـ ـ ـك ـ ــي وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوحٌ ـس الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم خـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ رداؤُ ُه س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا
وَرِ ُّق
َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُّق
أتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـف األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــن نـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـض ـ ـ ــي؟ وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ ـرف ِ ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ش ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ـات؟ أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ذكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ب ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ وإنّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْبَ شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْقُ وإنّ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َد أرضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ لـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ٍـن يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُّق ودونَ
ـاب أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ وفـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ وح وُ رْقُ ـش بـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ ـ ِـن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ِ خ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ٌ
أي ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــى ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ــى؟ ـاش صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـق وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـوف أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ تـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــامَ ـ ـ ـ ـ ــى وزا َر ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ لـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقِّ ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ َودْقُ وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أمَّ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ـأض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـس ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُّق فـــــــ ْ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـز الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم إنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــنَ َثـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ــمٌ ـرف ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْقُ وإنّ عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ 66
بمناسبة اليو ُم العالميُّ للّغةِ العربيّةِ .* أكاديمي وشاعر -جامعة الجوف. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
ρρشاهر إبراهيم ذيب*
وَها نَحنُ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
َوما ِش ْئ ِت َوما ِش ْئ ُت كَذا ِص ْرنَا وَما ِشئ ِْت وَما ِشئ ُْت َقت وَاألحالمُ ..واألوْهامُ وَالذِّ كرَى طَ وانا الو ُ وَكُ ٌّل سَ ا َر فِ ي َدر ٍْب ..و َِصرْنا لل َّنوَى أ َْسرَى وَكُ نَّا قَدْ مَ شَ ينَاهَ ا.. الفكْ َر دُ روب ًا تُوقِ دُ ِ و َِع ْشقا فِ ي جَ وانِ ِحنَا بِ هِ أ َْحالمُ نَا َو َرف َْت َصارَتْ للدُّ جَ ى ف َْجرَا و َ ابتهاالت ٍ لك نت ِ وَكُ ُ الع ْطرَا وحيَ ِ نت لِ رُ ِ وَكُ ِ َقت ِمن ي َِدنَا َضا َع الو ُ ف َ َكأَنَّا ِع ْشنَا خَ ارِ جَ هُ و َِصر ِْت لِ قلبيَ المَ كلومِ ؟؟ لَي ًال في دُ نَا سَ كرَى وَمَ ا ِشئ ُْت وَمَ ا ِشئ ِْت َنت وَذا قَلبِ ي وذَا أ ِ نَذوقُ الفَق َد وَالقَهرَا ألوْهَ امُ وَالذِّ كرَى َقت وا َ طَ وَانا الو ُ * استشاري في األمراض الجلدية والمعالجة في الليزر -الجوف.
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
67
ρρجلني أحمد أبو اخلير معافا*
قدس قلب ُِك قد غدا أحزانا يا ُ وغدا شجون فؤادنا نيرانا الغريب فحلّ في أرجائها ُ وأتى سرق الدِّ يا َر ومزّق األوطانا بات الغُ زا ُة على ُسطور دمائِ نا الرقص واأللحانا َ يتشاركون بوعد جائر ٍ يا ويحَ بلفورٍ هدّ الديار وهدّ م األفنانا دعهم يموجوا في هوى طغيانهم سَ يُ بيدُ حكمُ إالهنا الطغيانا أنت ذا نجمٌ يضيء بروحنا ها ِ وهجا يلوح بأرضنا وسمانا ً وطن الرساالت العظيمةِ أعلني بين الشعوب محبةً وأمانا فعلى مآذنِ ِك القديمةِ قصةٌ تسقي األنام الحب واإلحسانا أحرف ٌ قدمت وفي يميني ُ فرسا ً وعنانا اليك سنابِ كا ِ أعدو ِ 68
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
سأعود والنصر المبين وقدسنا وجمَ انا وشحُ بالهدى ُ قلبًا يُ َّ ربوعك كم تألق وازدهى وعلى ِ آي النبوة ترشد الحيرانا أزقتك طهارة مريم ِ تكسو كم أذهلت بعفافها اإلنسانا تخطو وروح اهلل بين أكفها فأخرس البُهتانا َ نطق الصغير وولدت من رحم السماء فها هنا بشرٌ سما ليُ خالِ ل الرحمنا أحمد ٍ يا قبلتي األولى ومسرى أسرجت فوق فضائنا األكوانا ِ الزيتون أكتُ ب أحرفي ِ من غرسةِ وإليك أَسقي الروض والبستانا ِ سيظلُّ نو ُر اهلل في صلواتِ نا إليك يا أقصانا يُ هدي السال َم ِ الجرح في وجداننا وتظلُّ رغم ُ طيرً ا يحلِّق في السما وجنانا إليك قصيد ًة و محبةً أمضي ِ ووضاء ًة وسماحةً وحنانا * طالبة بالثانوية الثانية ضمد -جازان -السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
69
ٌ ُ ساؤل الخيالَ :ت ■ خالد بهكلي*
فِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ءِ أَ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت َتـ ـ ـ ـأَمُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ َو َت ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ــكّ ـ ـ ـ ـ ـُ ـ ـ ــرُ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّو ُر َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاؤُ ٌل ل ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل ِحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ َيـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ْـحـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـف ال ـ ـ ـ َّـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َء الـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ِـعـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ َد بِ ـ ـ ــرِ قَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ ـال يُ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ــكِّ ـ ـ ـ ــرُ َو َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ أَ ْدرَا َج ال ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َقـ ـ ـ ـ ـ ــى إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى شَ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ِـق الـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــغِ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ِـب َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَبُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ًا أل ْكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ َو َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوذُ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّؤ َي ـ ـ ـ ـ ـ ــا ،مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَاهَ ـ ـ ـ ــا ا َ مُ ـ ـ ـ ْـسـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاّ لَ و َْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـدَ ،يـ ـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ــوى ـس ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـوَى َتـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َتـ ـ ــغْ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ــرُ وال ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ُ ـؤال هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َج ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ آمَ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ حَ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ُس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ـاش فـ ـ ـ ـ ــي وَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـج َوذَابَ الـ ـ ـ ـ ُّـسـ ـ ـ ــكَّ ـ ـ ـ ــرُ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ َتـ ـ ـ ْلـ ـ ـ َتـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ــا ُتـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غَ ـ ـ ـ ْي ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ أَ ْم أَ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ،ك ـ ـ ـ ـ ــا ْل ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ــنَ ُأ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـق وُ ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودِ ي ،وا ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ ي َثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْورَةٌ وَالـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَابِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ َ ،ي ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ َد َّبـ ـ ـ ـ ــرُ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ر ََّف أَرْوِ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َة ا ْلـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــى مُ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــمِّ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ًا َن ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم ا ْل ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ ِعـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـدَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـدَثَّ ـ ـ ـ ــرُ وأَ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـزَمَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ بِ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَامِ وَمَ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـ َلـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ َض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َع فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ِـك ال أَ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذَكَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أسـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ِـط ـ ـ ـ ــقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوْتَ الـ ـ ـ ــرَّ ِخ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزورةٍ ْ َوأَفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـك جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ــبَ ا ْل ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ ِـب وَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز ِّر ُر 70
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر مَ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ فـ ـ ـ ــي كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َف ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ الـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــوى ـوب مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ ُر إِ نَّ ا ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَا َم عَ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ــى ا ْل ـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـاك وخَ ـ ـ َّـص ـ ـن ـ ـ ـ ــي اصـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ِ َل مَ ـ ـ ـ ــا ا ْن ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ُـت هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ْ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا طَ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم إ ْي ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــانِ ـ ـ ـ ـ ــي أ ُُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـبَ ،وأ َْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ َاك حَ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ َقـ ـ ــةً أَدْمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ أَر ِ َاق َنـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو َِك ُتـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ــرُ َفـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَاكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب األ َْشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ آمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ا ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ُْف ا ْل ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ـ ــوجُ َتـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ــرُّ َبـ ـ ـ ـ ـ ًا َف ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ اءُ َي ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــلُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ــاهِ َو َيـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ــرُ ـال وَجَ ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي ـاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ أَد ِْعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ا ْل ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ـ ــمُ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ِـن ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـس ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــاءِ يُ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ــرُ ـأس ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـقـ ـ ــي ال ـ ـ ـ َّنـ ـ ــدى هَ ـ ـ ـ ـ ــلْ أ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت لِ ـ ـ ـ ـ ــي؟ قُ ـ ـ ــول ـ ـ ــي سَ ـ ـ ـ ْ ـش ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ْنـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ــا هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ًَىَ ،وأُعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ َو ُأ َزرْكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ َو ُأ َرو ِْشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ األ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَا َر ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ قُ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ِـب ال ـ ـ ـ ــدُّ جَ ـ ـ ـ ــى َاك َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ ال َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ُر َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ِ م ـ ـ ـ ــا ِج ـ ـ ـ ـ ـ ْئـ ـ ـ ـ ـ ِـت َيـ ـ ـ ـ ـ ــا عُ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ــري خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ـ ــالَ َق ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـدَةٍ أَ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت اعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادٌ ُ ،ر ْؤ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ َ ،و َتـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ُر إنَّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّن ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء و َُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ِغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ ـض ـ ـ ـ ـ ــى وَيُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ــفِّ ـ ـ ـ ـ ــرُ َو َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـب ُح ـ ـ ـ ـ ـ ــبُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مَ ـ ـ ـ ـ ـ َ * شاعر من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
71
ذكرى الورد ρρجناة محمد خيري*
ـك شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد َو ل ـ ـغـ ــاتـ ــي ت ـ ـ ـ ــرجَ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ُـت ِم ـ ـ ـ ـ ــن عـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـي ـ ـ َ ـاك مـ ـ ـ ــن زفـ ــرات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـتـ ـ ــى انـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ْـت عـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ َ لـ ـ ـ ـ ــم أس ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــعْ ن ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــانَ ع ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ َر خ ـ ـم ـ ـي ـ ـلـ ــةٍ ـات ح ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ْـت ل ـ ـ ـهـ ـ ــا ت ـ ـ ـفـ ـ ــاحـ ـ ــةُ األبـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ل ـ ـ ــم أسـ ـ ـتـ ـ ـط ـ ــعْ م ـ ـ ـح ـ ـ ـ َو الـ ـ ـ ـج ـ ـ ــوى ِم ـ ـ ـ ــن م ـق ـل ـت ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذراءُ ع ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ٍـق ..وال ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــوى غـ ـيـ ـم ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـون ل ـ ـ ـ ــهُ ِش ـ ـ ـكـ ـ ــايـ ـ ــةُ سَ ــعْ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ و َْخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ال ـ ـ ـظ ـ ـ ـنـ ـ ـ ِ ـض خ ـط ـي ـئ ـت ــي َكـ ـ ُـس ـ ـ َبـ ــاتِ ـ ــي ف ـ ــي الـ ـ ـنـ ـ ـف ـ ـ ِـس ..ب ـ ـعـ ـ ُ ي ـ ـت ـ ـل ـ ـع ـ ـثـ ــمُ ال ـ ـ ـمـ ـ ــعْ ـ ـ ـ َنـ ـ ــى غ ـ ـ ـ ــوايـ ـ ـ ـ ـ َة أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ٍف إخ ـب ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ــجَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ْـت ب ـت ــأوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل بِ ـ ـ ـ ـ ــهِ ْ ـوامـ ـ ـش ـ ــي رس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ه ـ ـ ِ ِمـ ـ ـ ـ ــن ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورةِ اإلق ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــاءِ ْ ـات ع ـ َّل ــقْ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ــا بِ ــمَ ــامَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ الـ ـل ــوحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ق ـ ــد يـ ـسـ ـتـ ـقـ ـي ــمُ الـ ـ ـ ِّـظـ ـ ــلُّ ل ـ ــو عَ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ َم ال ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَى أ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ــعُ ـ ـ ــودِ ال ـ ـ ـظـ ـ ــلِّ حَ ـ ـ ـ ـ ـ ــذْ َو ُس ــرات ـ ـِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـس خ ــري ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ ـوط ال ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ِّـب ُلـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ُ قـ ـ ــالـ ـ ــوا ُخـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُ ـاسـ ـ ــوا بـ ـه ــا ف ـ ــي ال ـ ــمُ ـ ـ ـ ْر َت ـ ــجَ ـ ــى خَ ـ ْي ــبِ ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي قـ ـ ـ ُ ن ـ ـ ـ ــازعْ ـ ـ ـ ـ ُـت م ـ ـ ـ ـ ــو َج الـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ـ ِـل مُ ـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـرَعَ ـ ـ ـ ـ َة ال ـ ـ ـه ـ ـ ـوَى ـراغ ـ ـ ـ ــهِ آه ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َو َرشـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـ ـيـ ــن ف ـ ـ ـ ـ ِ 72
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
حَ ـ ـ ـ ــدَّ قْ ـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ــي تـ ـ ـل ـ ــوي ـ ـ ِـح ُبـ ـ ـقـ ـ ـع ـ ــةِ حَ ـ ـيـ ـ ـ ْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَتِ ــي ـات ض ـ َّـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ب ـ ـهـ ــا حـ ـ ــمَّ ـ ـ ــالـ ـ ــةُ الـ ـغ ــاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ إ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـل ـ ــى َض ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ ال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــرقُّ ـ ـ ـ ـ ِـب فـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرةٌ ـامـ ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـج ـ ـ ـتـ ـ ــرُّ هـ ـ ــا آيـ ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ِ ـات خ ـي ـم ـ َت ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ولـ ـ ــنْ لـ ـ ـ ــنْ ت ـ ـ ـ ـرْحَ ـ ـ ـ ــلَ ال ـ ـ ــرَّ عَ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ُ ـس الـ ـع ــاشـ ـقـ ـي ــن ِجـ ـه ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي! تـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ َعـ ـ ــىَ ..وه ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ُ ـس ُخ ــراف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ فـ ـ ــأنـ ـ ــا هُ ـ ـ ـنـ ـ ــا ل ـ ـلـ ـ ُّـص ـ ـبـ ـ ِـح ش ـ ـ ـمـ ـ ـ ُ وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هُ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا ل ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ـ ِـل ب ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُر ُرف ــات ـ ـِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـرب يـ ـ ـ ـ ـرْحَ ـ ـ ـ ــمُ ح ـ ــالـ ـ ـت ـ ــي ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرِ ُّق ل ـ ـ ـ ـ ــي ال ال ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ُ ال الـ ـ ـ ُب ـ ــعْ ـ ــدُ يُ ـ ـ ْـط ـ ـ ِـف ـ ــيْ نـ ـ ـ ــا َر سَ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـي ش ـت ــاتـ ـِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي! يـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـ ـ ــتَ يـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ــلَّ الـ ـ ــمُ ـ ـ ـنـ ـ ــى فـ ـ ـ ــي م ـه ـج ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـك وت ـ ـن ـ ـث ـ ـنـ ــي مَ ـ ـرْسَ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ــو إل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َ يـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـص ـ ـ ــةً غ ـ ـ ـن ـ ـ ـيـ ـ ـ ُـت سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َد خـ ـي ــالِ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أي ـ ـ ـ ــن ا َّتـ ــجَ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ف ـ ـ ــأن ـ ـ ــتَ ل ـ ـ ـ ــيْ ِمـ ـرْآت ـ ـِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ظ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ــي وَحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِّْي غُ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي وإق ـ ــامَ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـتَ أج ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلُ قِـ ـ ـ ـصـَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةٍ بـ ـحـ ـي ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي * شاعرة من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
73
اي َج ْف َل ُة النّ ِ ρρإبراهيم مدخلي*
َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ َيـ ـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ول ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــنْ أرب ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـهْ! َق ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــت حـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي َوأَ ْودَت ب ـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـهْ! ـاي وإنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُر الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوى جـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـةْ! ـاق مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ اش ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزلْ يـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــو ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن قـ ـ ـ ـس ـ ـ ــوت ـ ـ ــه وحـ ـ ـ ـ ـ ــي مُ ـ ـ ــمْ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـهْ! عُ ـ ـ ـ ـ ـ ْز َل ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارتْ لِ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ِ َو َكـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــزنَ ح ـ ـ ـتـ ـ ــى اس ـ ـت ـ ـف ـ ـح ـ ـلـ ــت مـ ـ ـ ـن ـ ـ ــهُ ف ـ ـ ـ ــي أنـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــاء ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدري َق ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـةْ! َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َم دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعٌ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ــا اله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب ذِ ْئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ يـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــوي عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ــن ج ـ ـ ـ ـ ـ ـوّعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـهْ! ـروق مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع ..ودمٌ وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ـوف مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـ ـ ـرَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـةْ! م ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٍـب وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ لـ ـ ـ ـي ـ ـ ــتَ م ـ ـ ـ ــن أَ ْودَى ب ـ ـقـ ـ ـلـ ـ ـب ـ ــي ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـهـ ـ ــوى م ـ ـ ـث ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ــد سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـل قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي أرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْه يـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــابَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــورِ يـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ــاء ال ـ ـ ـ ّـسـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ــا أزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َز ال ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــرِ يـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ــدعَ ـ ـ ـ ـ ـ ْة ـس اتـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــاه ـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــرٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ده ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أل ـ ـ ـحـ ـ ــانـ ـ ــي وض ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـةْ؟ أح ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــي آه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ب ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــلٌ ـازف مـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهْ! نـــــــــــ ٌ 74
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
ال ت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــاجـ ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا إن لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـك ـ ــن مُ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ًا أو جـ ـ ـئ ـ ــت ُتـ ـ ـ ـ ـ ْـسـ ـ ـ ـ ـ ِـدي م ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ َع ـ ـ ـةْ! كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـب زارن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ـ ــهُ ـض ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـهْ! ف ـ ـ ـ ـ ــي ج ـ ـ ـ ــراح ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاس ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ َ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
جـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء م ـ ـ ـ ـ ــن أَ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك اح ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــراقـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ًـا قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــيَ ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــا َع عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ل ـ ـ ـ ـ ـ ـوّعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـهْ؟
ـاك األسـ ـ ـ ـ ـ ــى ال ُتـ ـ ـ ـ ـ ــرِ يـ ـ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـوض ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ْه ـأس وغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادر مـ ـ ـ ـ ِ واه ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ك ـ ـ ـ ــم س ـ ـ ـ ــأل ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر يُ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ِـطـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َر ُه ول ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــرِ ت ـ ـ ـم ـ ـ ـضـ ـ ــي مُ ـ ـ ـ ـ ـ ْـسـ ـ ـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ْة لـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي أل ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــى وسـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا حـ ـ ـ ـ ـ ــاذق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا يـ ـ ـلـ ـ ـتـ ـ ـق ـ ــي دهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا كـ ـ ـ ـ ــي يُ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـهْ! ذاتَ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـب أخ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي رحـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي أن درب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ل ـ ـ ـ ـ ـ ــن أَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْه وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـث ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ــا أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةْ! مـ ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي ج ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــرٌ وح ـ ـ ـ ـ ــزن ـ ـ ـ ـ ــي ْ ـات مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــه ك ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ الح لـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٌـث َنـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ــي َز ْو َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْة ـارات وم ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــوُ انـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ـات ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـب مُ ـ ـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـةْ! خ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــه آه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـص ـ ـ ـتـ ـ ــي م ـ ـنـ ــك ألـ ـ ـق ـ ــى الـ ـ ـطـ ـ ـح ـ ــنَ دُ ونَ الـ ــجَ ـ ــعْ ـ ــجَ ـ ـ َع ـ ـ ْة وع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى ن ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــف انـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــاري وال ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــوى ـرف ال ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَمّ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـط ـ ـل ـ ـ َع ـ ـ ْه ع ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ــقَ ال ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ُ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـي س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ي ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ــهُ فَـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوْقَ دن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــا ويـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـق ـ ـ ــى مَ ـ ـ ـ ـ ـصْ ـ ـ ـ ـ ـرَعَ ـ ـ ـ ـ ـهْ * شاعر من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
75
ρρخلف الشايف*
م ّر في عيني كثيرات نساء.. انحنى منهن بعض.. وانثنى منهن بعض.. وازدرى منهن بعض ..وتمنى بعضهن ..وتمادى بعضهن.. كنت أخشى كل شيء.. كل شيء.. م ّر من دهري كثير.. لم يجل في خاطري منهن شيء.. كلهن في ظالم الذكريات نكرات.. ***
أنجب الدهر على مرّ الليالي دانتي.. لم تكن من عادتي.. بيد أن القلب يصبو لزمانات تولت.. غير أن الهمس يحلو.. إن بدت أو في ليلي تجلت.. دانتي أنت.. فَدومي دانتي.. ليت أني نومك الهادي.. فأغدو ساكنا في مقلتيك.. علميني.. 76
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
كيف لي أن أشحذ ليلي بعض راحة.. أو يمرُّ الوقت مني دونما يشكو جراحه.. جف ليلي في جفوني.. َّ حيث أنت صرت ليلي.. اعتقيني ال تلومي كل سخف كان مني.. إنْ عبارة.. أو تصاوير وتوحي باإلشارة.. أو أقاصيص صغيرة زادها سخفي حقارة.. صدقيني.. لم تكن يوما إليك.. إنما فيك وجدت مأمنا.. غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب كثيرا.. فاستبحت بوح نفسي.. ال لشيء.. بل ألني فيك.. قد عاهدت نفسي.. * الجوف -سكاكا. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
77
على قيد حلم ρρخديجة إبراهيم*
عطرٌ هنا ، وقلب مسكوب هناك.. كقنينةٍ أَفرغَ ها الحنين شغف ًا مطرٌ يَمُ وج بروحي يُ بقيني على قيد الحلم ،والتنفس. وشوشات الزهر تنبئ العطر المحمول بطياتها بأن األحالم ما زالت تمهد لقلبي الدروب!.. الرّؤى في مدى الوَجد يكْ ُسوها السراب ُ ومطر يراوغ الطلّ ..يَرقُ ص على ال َنّوافذ ..وفوق سور الشرفات.. وقِ رميدٌ يُ ِبلّل شَ فتيه ويبتسم!.. شَ ِق ٌ ّي كَأنْت!.. من مكانك أراك وكرسيك الذي ملّ االنتظار.. وقَهوتك ُترَاقصها انْفاسك!.. ترقب النسمات حين العبور!.. يقظَ ةُ األشياء حَ ولك تُمَ ِ ّهد لتوغّ لها بك وأكثر. مطر هنا.. وال َغرْقى ال يَتحَ ّ َدثُ ون!.. الجريدة
وأنت تقرأ الجريدة اقرأني في صفحة الوفيات امرأة ماتت ومن أجل قصيدة!.. وأنت تقرأ الجريدة ..أيهما يسبق إلى شفتيك سيجارتك أم قهوتك!؟ كالهما يتنافسان في تقبيلها.. ودعني في جيب الحقيقة؛ ففيك اكتمالي وحبك وحده كل الحقيقة؛ دعني أقول للعالمين ال شيء أجمل حين تقرأني عيونك.. وأنت خلف الجريدة!.. * شاعرة من السعودية.
78
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ρρعمرين محمد عريشي*
ـاك ب ـ ـ ـث ـ ـ ـغـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــب أقـ ـ ـ ــداحـ ـ ـ ــا صـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ِ وامـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــي هـ ـ ـ ـم ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ًا وأح ـ ـ ـ ـ ـ ــزانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وأت ـ ـ ـ ــراح ـ ـ ـ ــا ـش ـاك ف ـ ـ ـ ــإن ـ ـ ـ ــي ظ ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ـ ٌـئ ع ـ ـ ـطـ ـ ـ ٌ صـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ أرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو س ـ ـ ـحـ ـ ــائـ ـ ــب وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل بـ ـ ــال ـ ـ ـس ـ ـ ـمـ ـ ــا الحـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــرق الـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـي ـ ـ ــم ل ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـه ـ ـ ـطـ ـ ــل ب ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـطـ ـ ــرٌ َو ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـت ـ ـص ـ ـحـ ــر ع ـ ـ ــن عـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــيَّ م ـ ـ ــا انـ ـ ــزاحـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَّ بـ ـ ـ ـ ــوصـ ـ ـ ـ ـ ٍـل مـ ـ ـ ـن ـ ـ ــك يـ ـنـ ـعـ ـشـ ـن ــي مـ ـ ـ ــا راح يـ ـ ـ ــا روح روح ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ــالـ ـ ـجـ ـ ـف ـ ــا راحـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ كـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـج ـ ـ ــرٍ جـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء م ـ ـن ـ ـت ـ ـش ـ ـي ـ ـ ًا ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـف ـ ـ ــل بـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــورد بـ ـ ــال ـ ـ ـن ـ ـ ـسـ ـ ــريـ ـ ــن ف ـ ـ ــواح ـ ـ ــا أو م ـ ـ ـثـ ـ ــل طـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرٍ م ـ ـ ـ ــع األن ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــام م ـ ــرتـ ـ ـح ـ ـ ًـا عـ ـ ـ ـن ـ ـ ــد ال ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــروق وبـ ـ ـ ـ ــاألل ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــان ص ـ ـ ــداح ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ف ـ ـ ـم ـ ـ ـنـ ـ ــذ الـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـج ـ ـ ــر فـ ــات ـ ـن ـ ـتـ ــي وال ـ ـ ـق ـ ـ ـلـ ـ ــب ب ـ ـ ـعـ ـ ــدك ي ـ ـ ــا حـ ـ ـسـ ـ ـن ـ ــاء م ـ ـ ــا ارتـ ـ ــاحـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ــا ذاق بـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدك يـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاء عـ ـ ــاف ـ ـ ـيـ ـ ــةً ت ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــزق ال ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــب ب ـ ـ ـ ـ ــاألشـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــان نـ ـ ـ ــواحـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ب ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــذب ال ـ ـ ـ ــوص ـ ـ ـ ــل فـ ــات ـ ـن ـ ـتـ ــي ـاك ب ـ ـ ـث ـ ـ ـغـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــب أقـ ـ ـ ــداحـ ـ ـ ــا صـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ِ * شاعر من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
79
«الجوف» دار األكرمين ρρمالك اخلالدي*
أمي تقولُ بأن ليل العاشقين هنا طويل.. تعيش في األذهان ُ وبأن ألوان الجمال من بين السنين.. وبأن زيتوني تخبئهُ العيون المتعبة و تفيضهُ كالدمع ..كالهتان كالنبض الدفين.. ****
األرض يشبهنا جميعا ِ أمي تقولُ بأن وجه و بأن ما َء األرض يسري في عروق األوفياء لنرتوي منها جميعا وبأن نبض األرض يجمعنا فتعزفنا الربى عشق ًا يلملمنا جميعا! ****
أمي تقولُ بأن هذي األرض تمضي كالرباب إذا تندّ ى فارتوت منه الفيافي و الهضاب.. مثل الدالء إذا أتت من بعد صبر بددت غيّ اليباب! ***
أمي تقولُ بأن هذي األرض أجمل قافية.. و بأن كل الناس فيها مترفون بحبها 80
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
أرواحهم شمس و أيديهم خشونتها عطاء هم للتراب توسدوا هم للنخيل تهيأوا يمضون مع أمل الصباح يُ مَ وْسقون الشعر.. في األيدي تغردُ سانية أمي تقول بأنهم شعراءُ أبناء هذي األرض يحتفلون بزيتهم ..زيتونهم بحلوَتيْها... و ُ ماؤها وثمار نخلتنا عماد حياتنا. أمي تقول بأنهم شعراءُ ما أحلى عذوبتهم وألطف شعرهم إني ألعشقهم وأعشق حرفهم! ***
أهلي الكرام ونخوة الروح العميق بداخلي هم أضلعي ريح البخور ..وخبز أمي زيتونها وبريق قهوتها صوت الحنان ..هنا تمادى «الجوف» دار األكرمين.. عشقنا.. بها ومنها ْ ستظل جوف اآلمنين.. * شاعرة وقاصة من الجوف. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
81
دغ َد ُ غة َ الخ ْشف ْ ρρمحمد جابر بقار مدخلي*
ـات ال ـ ـ ـح ـ ـ ـب ـ ـ ـيـ ـ ــب فـ ـ ـس ـ ــرن ـ ــي َت ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ُـت آهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ أنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ٌـن م ـ ـ ـ ــن األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوات يـ ـ ـعـ ـ ـل ـ ــو ويـ ـ ـصـ ـ ـخ ـ ـ ُـب ُص ـ ـ ـ ــغِ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـل ـ ـ ـي ـ ـ ـ ًا ث ـ ـ ـ ـ ــم أ ُْطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقَ ت ـ ـ ـ ـ ــار ًة فـ ـ ـ ـ ـأ ْ ـرب لـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــلَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ُه ي ـ ـ ــدن ـ ـ ــو ويـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ُ وإنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــرونـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا ُه ِهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْةٌ أل ـ ـ ـم ـ ـ ـلـ ـ ــمُ أش ـ ـ ـ ــواق ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـمـ ـ ــا ال ـ ـ ـغ ـ ـ ـصـ ـ ــنُ ي ـ ـل ـ ـعـ ـ ُـب أروحُ وأغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ف ـ ـ ـ ـ ــي ض ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاء ب ـ ــري ـ ـ ِـقـ ـ ـ َه ـ ــا ـضـ ـ ُـب ـرب َتـ ــغْ ـ ـ َ ف ـ ـتـ ــرتـ ــاعُ م ـ ــن ُب ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـدي وف ـ ـ ــي ال ـ ـ ـقـ ـ ـ ِ ـاحـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ــا ُه هـ ـ ــل لـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ــز ْورَةٍ لِ ـ ـ ــمَ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـهـ ـ ـ ْـجـ ـ ــرُ ي ـ ـ ـ ُ ـذب أط ـ ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ُـب فـ ـ ـيـ ـ ـه ـ ــا ال ـ ـ ـن ـ ـ ـفـ ـ ــس ،إن ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـع ـ ـ ُ ف ـ ـ ــا الـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ــنُ واألخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق أ ْرض ـ ـ ـ ـ ـ ــت ح ـب ـي ـب ـت ــي وال ال ـ ـ ـع ـ ـ ـشـ ـ ــقُ واألشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواق ع ـ ـ ـنـ ـ ــي س ـ ـتـ ــذهـ ـ ُـب َتـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ــا َل ـ ـ ــيْ إل ـ ـ ـ ـ ــى حـ ـضـ ـن ــي لِ ـ ـ ـ َتـ ـ ــهْ ـ ـ ـن ـ ـ ـأَ ح ــالـ ـت ــي فـ ـ ــا ال ـ ـب ـ ـعـ ــد يُ ـ ـ ْرض ـ ـي ـ ـنـ ــي وال ال ـ ـ ـحـ ـ ـ ُـب َي ـ ـت ـ ـ َعـ ـ ُـب ـدي مـ ـ ـ ـ ـ ــن اآلم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال كـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــزٌ َي ـ ـ ــزُ فُ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّ وصـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا قـ ـ ـلـ ـ ـب ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرومُ وي ـ ـ ــرغ ـ ـ ـ ُـب إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى ْ ُضـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا لـ ـعـ ـلـ ـن ــي أَفِ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـض ـ ـ ــي إل ـ ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ــأس ـ ـ ــي ر َ ُأدَغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدغُ َلـ ـ ـ ــذْ اتـ ـ ـ ــي كـ ـ ـم ـ ــا الـ ـ ـخ ـ ـ ْـش ـ ـ ُـف يُ ـ ـ ـ ـرْعَ ـ ـ ـ ُـب ف ـ ـ ـه ـ ـ ـي ـ ـ ـهـ ـ ــاتَ أن أرضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـد َِك ب ـ ـعـ ــدمـ ــا ـدب َت ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــرعْ ـ ـ ـ ـ ُـت ِه ـ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ـ ـرَانـ ـ ـ ـ ـ ًا مـ ـ ـ ــع الـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ــل أنـ ـ ـ ـ ـ ُ د َِع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كُ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ كِ ـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ــرٍ ق ـ ـ ـ ــد يُ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ِّـطـ ـ ــن ُحـ ـ ـ َبـ ـ ـ َن ـ ــا ف ـ ـق ـ ـل ـ ـبـ ــي ره ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٌـن ع ـ ـ ـنـ ـ ــد ق ـ ـ ـلـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ِـك ي ـ ـ ْنـ ــحَ ـ ـ ُـب * شاعر من السعودية.
82
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
عـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــرٌ عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى عـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــرٍ قـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدي يـ ـ ـعـ ـ ـب ـ ــقُ ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــىً ي ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــوغُ وح ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــةً يـ ـ ـ ـت ـ ـ ــدف ـ ـ ــقُ أمـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ــهُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا ل ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــرقَ ب ـ ـ ـه ـ ـ ـجـ ـ ــةً وال ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــدقُ مـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـحـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـع ـ ـ ــورِ يُ ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ــرِ قُ ضـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ّتـ ـ ـ ـ ــهُ مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ًا وعـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ــر م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودةٍ وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُت ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َج مـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد يـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ يـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ــاش ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا ع ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــي إل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــك قـ ـ ـصـ ـ ـي ـ ــدت ـ ــي ُتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــدي الـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــواب وب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ــةِ ت ـ ـن ـ ـطـ ــقُ ـرت فـ ـ ـ ــي ُل ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ِـج الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـي ـ ـ ــاةِ ولـ ـ ـ ـ ــم يـ ــكُ ـ ــن أبـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ُ ص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــدي سـ ـ ـ ـ ـ ــوى ش ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــرٍ بـ ـ ــإس ـ ـ ـمـ ـ ــي يُ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــرِ قُ يـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ــازف األنـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ــام فـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ِـق ال ـ ـ ــدُ ج ـ ـ ــى أذك ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــتَ جـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــر ًا ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـح ـ ـ ــرِ قُ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـا نـ ـ ـ ـ ــأيـ ـ ـ ـ ــتَ هـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاك عـ ـ ـ ـ ــزفُ ـ ـ ـ ـ ــك مُ ـ ـت ـ ـع ـ ـبـ ــي وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أللـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــان الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ال أعـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــقُ ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ ال ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــوى يـ ـ ـ ـ ــا ص ـ ـ ـ ـ ـ ــاح قـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ّزقـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ــهُ ولـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ُـت ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّورُعٍ ال يُ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــرقُ ف ـ ـ ـ ــارح ـ ـ ـ ــل ب ـ ـ ـعـ ـ ــزفـ ـ ــك ع ـ ـ ـ ــن ك ـ ـ ــري ـ ـ ــم م ـ ـسـ ــام ـ ـعـ ــي ـك تـ ـ ـط ـ ــرقُ ال تـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ِـظ األش ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــان .ح ـ ـ ـس ـ ـ ـ ُبـ ـ ـ َ م ـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــذا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدانُ يـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــدأ ل ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُلـ ـ ــهُ ـك ل ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــدوءِ يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ِـرّقُ وضـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـي ـ ـ ــجُ ع ـ ـ ـ ـ ــزفِ ـ ـ ـ ـ ـ َ أ ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراك بـ ـ ـ ــاألل ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــان ت ـ ـ ـخ ـ ـ ـطـ ـ ـ ُـف مـ ـهـ ـجـ ـت ــي وتـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــوجُ فـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــرام و ُتـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــرِ قُ ـك ك ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــاءِ أخـ ـ ـ ـ ـ ــا ُلـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ا ف ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ُنـ ـ ـ ـ َ كــــــــ ّ ف ـ ـ ــالـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ُـب عـ ـ ـ ـ ــن لـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــو األغ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــي مُ ـ ـ ـغ ـ ـ ـلـ ـ ــقُ
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
ρρجناة املاجد*
* شاعرة من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
83
ما أعجل الموت!! إلى روح أخي الغالي /أحمد يحي داحش (يرحمه اهلل) ρρموسى الشافعي*
اصـطَ ـفَـى َقــمَ ـرَا َلـ ْو َكــان لِ ـلـمَ ـو ِْت َق ـل ٌْـب ..مَ ــا ْ ـك.. اسـتَـحَ ـى ِم ـ ْنـ َ و ال ْ ْـض ..واْعْ ـ َت ـ َذرَا!! ِحـيـنَ الـقَـب ِ َل ـ ْو َكــانَ للـمَ ـو ِْت َق ـ ْلـ ٌـب ..مَ ــا أرَاقَ دَمَ ـ ـ ًا ِمـنْ مُ ـهْ ـجَ ــةٍ ال حَ ــجَ ـرَا !! َلـمْ َتــكُ ـنْ َصـ ْـخـراً ..و َ َلـ ْو َلــمْ أكُ ــنْ مُ ـؤ ِْم ـن ـ ًا باهلل ..مُ ْـحـت َِـس ـب ـ ًا ـاك.. َلــكُ ـن ُْـت أ َوّلَ مَ ــنْ وا َفـ َ مُ ـنْـتِ ِـح ـرَا !! َلــمْ َي ـبْـقَ ِش ـبْـرٌ ِمـنَ ال ُّـد ْن ـ َيـا مَ ـ َررْتَ بِ ــهِ ال َو ذابَ إ َّ ِمـن الـ َتّـودِ ي ِـع و ْانْـفَـطَ ـرا!! ْض دَاسَ ـهَـا َبــشَ ــرٌ َلـمْ َتـبْـقَ بُـقْ ـعَـةُ أَر ٍ َـت ّ َإل ا ْْشـتَـه ْ أَ ّ َنــهُ فِ ـي جَ ـوفِ ـهَـا قُ ــبِ ـرَا !! رَحَ ـلْـت.. ـاف َلــمْ َت ـ َر َنـا ْصـ ِ ألو َ ـامـلَ ا َ َيـا َكـ ِ
84
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
َو َن ْـحـنُ َن ْـسـكُ ُـب.. ِمــنْ أعْ ـمَ ـاقِ ـنـا الـمَ ـطَ ـ َرا !! اخـ َتــا َر ِطـيـن ـَ َتــهُ مَ ــا أعْ ـجَ ـلَ الـمَ ـوْتَ ِحــينَ ْ ـط َبــعْ ـدُ .. َلــمْ َيلْـت َِـقـ ْ فِ ـي ِع ْـشـرِ يــنِ ـهِ ُص ـ َورَا!! ـاس.. يا أكْـ َر َم ال ّ َنـ ِ أل َنــامِ يا أبْـهَـى ا َ ـض ـ َرا!! َـاس مَ ـنْ حَ ـ َ َو َيــا أَر ّ ََق مَ ــنْ غَ ــابَ فِ ـي أنْـف ِ أسـ َلــمْ ـتَ للْـمَ ـو ِْت رُوحـ ـ ًا َكــيْ ُت ـع َِـلّـمَ ـ َنــا ْ أنْ َن ْـحـمَ ـ َد اهللَ.. َل أنْ َنـ ْـشـتُ ـ َم القَـ َدرَا !! ـك أ َْحــرُ فُ ــهُ َك كَـيْ َتـرْثِ ـي َ ال ِشــعْ ـ َر َبــعْ ـد َ إذَا رَحَ ـ ْلــتَ .. فَـمَ ـاذَا َيـكْ ـتُ ُـب ال ُّـشـعَـرَا؟؟ ـاك ال ُّـت ـرْبَ مُ ــعْ ـتَـرِ ف ـ ًا أَهَ ـل ُْـت فَـوْقَ َبـ َهـ َ بِ ـأَ َنّـنِ ـي َقــدْ َدفَـن ُْـت ال ّ َـشـمْ ـس َو الـقَـمَ ـرَا!! * شاعر من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
85
الس َح ُر َّ ρρنوره عبيري*
السم بمزاج شربت ُ ُ كوبك حينَ خدعوك ألحمي قتلك ما الذي يُ جدي ألَحرس به قلبك َقلّب نورك فوق جمر ليلك لتخرج من مقابر النور رمادك فعلت ُ أفَعلتَ ذاك كما أنا ألجلك!؟ أنا لست بصير ًة تهتدي للعمى لتبقى واضحة العتمة بليلك.. جالس ُ بين الغسق والشفق أنا سَ حرُ على غرور عرش فجرٍ .. ليس فجرك أنا كل المطر الذي عبر بأزمنتك.. وأنت ما ترفقت أن تحدق بالسماء لترفق بغيمة 86
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
لتشكرها بأنها هي من مألت بحرك! فسيحة المدى تزغرد وأنت شحيحُ !! تحبس في جفاف الشواطئ ُ وصل مراكبك.. تنزف ألف تنهيد ًة من المد والجزر وأنت كريم الصفع.. تسحب من تحت تالطم رياحها يدك كلما خللت أصابعها بين خيوط الغسق تزيد كثيب من ِخ َضاب أصابعك هي السحر.. مبجلُ يتنامى بين الشفق والغسق صبحُ بعمى البصيرة ال تصافح صفعها كريمةُ ال مساحة بين أصابعها الصغيرة تليق بقطع يدك لملم بقايا الغسق َّسحَ رُ هي مبجلً على غرور عرش فجر ليس فجرك على غرور عرش فجر.. ليس فجرك * شاعرة من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
87
ρρنوير العتيبي*
ما اليقين؟
بيني وبينك سفر وأبجدية خرساء وراحلة ال تملك حق المسير.. بيني وبينك سفر وصمت وراحلة بال قرى أتعبها الترقب للمصير تنبت في حقل البعد قصيدتي كأنها تنادي دون صوت ننتظر.. والمسافة أغنية محبوسة في حناجر بكماء
أنا يا سيد المزمار صوت الشجن في مزمارك والعمر الطري مَ وّال لم تفتأ تغنيه على بعد موت ولقاء كنا نقاوم االختالف.. ونزيح كدر الحياة بـ االئتالف كي نربح الوطن مضيت.. تركت للحياة الظنون ولي مقام اليقين كنت أمسك بأطراف السؤال باستفهام عصيّ يتسرب بين يدي ..يهز سحب اليقين يه ّز سحب اليقين 88
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر
قل لي ما اليقين؟ أحجية أو شيء هالمي.. أم كنته أنت؟ و أنت ما كنت سوى الشك.. والوعد الظنين! يشاغب الحلم عيني تموت االحتماالت وأرقب لحظة االنكشاف فيطوي القلق حلو الحياة وتعود أنت كـالوِ زر المقيم ما اليقين؟ أتراه السبيل؟ هب لي سبي ًال إليك ألزرع سنابل الكالم ألحرر حنجرة مات صوتها في خنادق االمتثال قل لي.. ليكون منتهاه إليك اذا ما بدا.. وجل قلبك؟ أيخشى كفر السؤال؟ أكان شقيا حين أفصح نبضه بالعشق دون جواب؟ ما اليقين؟ غائم هذا السؤال والدنيا كلها شك مقيم وفي قلبي وتر حالم فاعزف إن كنت تملك الجواب أو تملك الحق المبين.. * شاعرة من السعودية. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
89
ُ المشترك قصة ِ الفناء ُ الكاتبة ميراندا جوالي
■ ترجمة :إميان الغامدي*
على الرغم من أن األمــر حــدث وهــو فاقد الوعي ،إال أنــه ما يــزال يؤخذ بعين االعتبار .بل إن األمــر يحتسب على نحو مضاعف في تلك الحالة ،ألن العقل الواعي يرتكب األخطاء في بعض األحيان ،ويقع في غرام الشخص الخطأ .لكن هناك في أعماق البئر ،حيث الظلمة والمياه من ألف عام ،ال يمتلك اإلنسان أي سبب الرتكاب األخطاء .اإلله يقول افعلها فتفعلهاِ .أحبها فتحبها. إنه جــاري ،وهو من أصول كورية .اسمه فنسنت تشانغ .وال يمارس الهابكيدو (فنون القتال الكورية) .عندما تنطق كلمة «كوري» فإن بعض األشخاص يفكرون ال إراد ًيــا بالمدرب الجنوب كــوري الــذي درب جاكي شان على الهابكيدو ،المدرب األكبر كيم جن بال :أنا أفكر بفنسنت.
90
ما هو الشيء األكثر رعبًا الذي قد وتبقى بعيدًا عنها. حصل لــك؟ هل تضمنّ األمــر سيارة؟ لدى فنسنت زوجة تسمى هيلينا .إنها هل حدث على قارب؟ أكان حيوانًا من يونانية بشعر أشقر .إنه مصبوغ .كنت فعل ذلــك؟ إنه ليس باألمر المفاجىء ألكون أكثر تهذيبًا وال أذكر أن شعرها إذا كانت إجابتك بنعم على أيٍّ من هذه األسئلة .إنّ حــوادث السيارات ،وغرق مصبوغ ،ولكنني ال أعتقد حقًا أنها قد القوارب ،والحيوانات هي ببساطة أمور تكترث إن علم أحد بذلك .في الواقع مخيفة .فلماذا ال تقدم لنفسك معروفًا أعتقد أنها تميل للظهور بمظهر الشعر اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
90
إن كنت حزينًا ،اسأل نفسك لماذا أنت حزين .ثم ارفع سماعة الهاتف واتصل على أحــدهــم وأخــبــره أو أخبرها اإلجــابــة على ذلك السؤال .إن لم تكن تعرف أحـدًا فقم باالتصال على عامل السنترال وأخبره أو أخبرها .معظم الناس ال يعلمون أن القانون يلزم عامل السنترال بأن يستمع للمكالمة. كــذلــك فــإن عــامــل الــبــريــد ال يملك الحق لدخول منزلك ،لكن تستطيع التحدث معه على أرض ملكية عامة لمدة تصل ألربــع دقائق أو إلى أن يبدي رغبته بالذهاب.
كـــان فــنــســنــت ف ــي الــفــنــاء الــمــشــتــرك. سأخبركم عــن فنسنت .إنــه مــثــال للرجل الجديد .قد تكونون قرأتم مقالة الشهر الماضي التي تتحدث عن الرجال الجدد فــي مجلة ت ــرو .الــرجــال الــجــدد هــم على اتصال بأحاسيسهم حتى أكثر من النساء، كـــان فــنــســنــت ف ــي الــفــنــاء الــمــشــتــرك .والرجال الجدد يبكون .يرغب الرجال الجدد اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
المصبوغ مع ترك الجذور بلونها األصلي. مــاذا لو كنّا أنــا وهــي صديقتين مقربتين؟ ماذا لو استعرتُ مالبسها فتخبرني أنها تبدو أجمل عليّ ،وأنني أستطيع االحتفاظ بها؟ ماذا لو اتصلت بي وهي تشهق بالبكاء ،وذهبت إليها لتهدئتها في المطبخ ،وحاول فنسنت الدخول إلى المطبخ فقلنا له ابق بعيدًا ،هذا حديث فتيات! رأيت في مرة مشهدًا كهذا في التلفاز :كانت هاتان االمرأتان تتحدثان عن مالبس داخلية مسروقة ودخل عليهما رجل ما فقالتا له :ابق بعيدًا ،هذا حديث فتيات! أحد أسباب استحالة صداقتنا أنا وهيلينا هو أنني بنصف طولها ،يميل الناس غالبًا للبقاء مع من هم في فئة مقاساتهم نفسها؛ ألن ذلــك أيسر على الرقبة .فيما عدا لو كانوا في عالقة عاطفية ،ففي هذه الحالة يبدو الفرق في األحجام أكثر إثارة. ذلك يعني :أنا مستعد لقطع المسافة من أجلك.
سأخبركم عن هذا الفناء .إنه مشترك .لو نظرت إليه ،فسيتبادر إلى ذهنك أن هذا الفناء يخص هيلينا وفنسنت فقط ،ألن بابهم الخلفي يطل عليه .لكن عندما انتقلت للسكن ،أخبرني مالك المنزل أن الفناء من حق سكان الوحدتين :العلوية والسفلية. أنا أسكن بالوحدة العلوية .قال ،ال تخجلي فأنت تدفعين بقدر ِ من استخدام الفناء، إيجارهما .األمر الذي لست واثقة بشأنه إن كان مالك المنزل قد أخبر فنسنت وهيلينا أن هذا الفناء مشترك أم ال .من حين آلخر، كنت أحاول إثبات ملكيتي للفناء بترك بعض متعلقاتي به ،كأحذيتي ،وفي مرة تركت علم أيضا أن أقضي عيد الفصح هناك .حاولت ً مماثل تمامًا للوقت الذي ً في الفناء وقتًا يقضونه فيه .بتلك الطريقة أعلم أننا نحصل لكل منّا .في كل مرة على القيمة المستحقة ٍ كنت أراهم هناك ،أقوم بوضع عالمة صغيرة على روزنــامــتــي .وفــي المرة القادمة التي يكون فيها الفناء خاليًا ،أذهب ألجلس فيه. ثم أقوم بمسح العالمة .في بعض األحيان تعويضا لأليام ً أجلس هناك في نهاية الشهر المتراكمة التي لم أستطع الجلوس فيها بالفناء.
91
بالحصول على أطفال ،ويتوقون لإلنجاب، لذلك عندما يبكون في بعض األحيان ،فإن ذلك يكون بسبب أنهم ال يستطيعون القيام بذلك :ببساطة ال يمتلكون أي منفذ لخروج الجنين .الــرجــال الــجــدد يعطون ويعطون ويعطون .كــان فنسنت كــذلــك .رأيــتــه ذات مــرة يقوم بتدليك جسد هيلينا في الفناء المشترك .كان أمرًا يدعو للسخرية ،حيث أن فنسنت هو مَن يحتاج للتدليك .إنه يعاني بشكل خفيف من داء الصرع .أخبرني بذلك مالك المنزل كتدبير وقائي من أجل السالمة عندما انتقلت للسكن هنا .الرجال الجدد هم قليل وتسهل قيادتهم والتأثير غالبًا ضعفاء ً وأيضا كــان فنسنت يعمل مخرجً ا ً عليهم، فنيًا ،وذلــك هــو الــرجــل الجديد .أخبرني بذلك في أحد األيــام عندما كنّا نخرج من المنزل في الوقت ذاته .إنه المخرج الفني لمجلة تدعى بَنْت .هذه مصادفة غير متوقعة ألنني أعمل مديرة الطابق في مطبعة ،ونقوم بطباعة المجالت فــي بعض األحــيــان .ال نطبع مجلة بَنْت لكن نقوم بطباعة مجلة ذات عنوان مماثل ،بوزيتيف (إيجابية) .في الواقع هــي أق ــرب ألن تــكــون مطبوعة مخصصة للمصابين بمرض االيدز. هل أنــت غاضب؟ قم بلكم وس ــادة .هل أشعرك ذلك بالرضا؟ هل كان ذلك مرضيًا؟ ليس بالكاد .الــنــاس غاضبون بشدة هذه األيام لدرجة أن اللكم لم يعد كافيًا.
92
يمكنك تجربة الطعن بسكين .خذ وسادة قديمة وقم بتمديدها على عشب الحديقة األمامية .اطعنها بسكين كبيرة مدبّبة .مرة اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
تلو المرة مــرارًا وتكرارًا .اطعن بقوة كافية حتى تصل رأس السكين المدبّبة ألعماق أرض الحديقة .اطعن حتى تختفي الوسادة تمامًا وأنت اآلن تقوم بطعن األرض مجددًا، كأنك ترغب بقتلها الستمرارها بالدوران، كأنك تقوم باالنتقام الضطرارك إلى العيش وحيدًا في هذا الكوكب يومًا بعد يوم. كان فنسنت في الفناء المشترك .كنت وقتها متأخرة في استخدامي للفناء ،ولذلك قليل عندما رأيته هناك في شعرت بالتوتر ً هذا الوقت المتأخر من الشهر .ثم واتتني فكرة :أستطيع الجلوس هناك معه .قمت بلبس شورت برمودا قصير ونظارات شمسية، ووضعت زيتًا واقيًا للشمس .على الرغم من أننا كنا في شهر أكتوبر ،إال أنني شعرت بشعور الصيف :كنت أتخيل لوحة صيفية. في الواقع،على الرغم من ذلــك ،كان الجو عاصفًا إلى حد كبير ،وكان عليّ الرجوع إلى شقتي للبس سترة إضافية .بعد ذلك بدقائق قليلة ،عــدت مسرعة للبس بنطال طويل. أخيرًا ،جلست على كرسي الحديقة بجوار فنسنت في الفناء المشترك ،وشعرت بزيت واقــي الشمس يتخلل قماش الكاكي الذي ألبسه .قــال إنــه لطالما أحــب رائحة زيت واقي الشمس .كانت تلك مجاملة لطيفة منه لإلشارة إلى وضعي .رجل فاضل ،هذا هو الرجل الجديد .سألته عن عمله وكيفية سير األمور في مجلة بَنْت ،وأخبرني قصة طريفة عن «تايبو» .وألننا نعمل في المجال نفسه، فــإن فنسنت لــم يضطر لتوضيح أن كلمة «تايبو» هي اختصار «للخطأ المطبعي» .لو
ســألــت فنسنت أســئــلــة كــثــيــرة ،وطــالــت إجاباته وطالت حتى وصلت الرتفاع مثالي ومريح بالنسبة له ،ولم يكن عليّ أن أسأله أكثر ،كان كأنه يلقي محاضرة بشكل فخم واحتفالي .كان أمرًا غير متوقع ،كأن يجد الشخص نفسه في العمل في إجــازة نهاية األســبــوع .مــاذا كنت أفعل هنا؟ أيــن كانت عطلتي الرومانية؟ (تعبير يطلق على المتعة المبنية عــلــى مــعــانــاة اآلخ ــري ــن) نسختي الخاصة من «أمريكي في بــاريــس»؟ (فيلم موسيقي أنتج في الخمسينيات) هذا كان بمثابة األمر ذاته ،أمريكي في أمريكا .توقف أخيرًا عن الحديث ورفع رأسه إلى السماء مغمضا عينيه نــصــف إغــمــاضــة ،خمنت ً يحضر لي السؤال األمثل، ّ حينها أنه كان سؤال عظيم ومبهر لدرجة أنه سيتعين عليّ الوقوف بسببه ،وأستقي إجابته من كل شيء أعرفه عن نفسي وكيف تعمل ،هذه األرض السوداء .لكنه كان قد توقف عن الحديث فقط ليؤكد على أهمية ما كان يقوله عن أن تصميم غالف المجلة ليس في الحقيقة غلطته ،ثم ختامًا سألني شيئًا :سأل« ،هل تعتقدين إن كانت تلك غلطتي ،كما تعلمين، بإخبارك به؟» نظرت ِ بناء على كل شي قمت إلــى السماء فقط ألجــرب كيف يكون هذا
ثم تمايل لألمام .وبحركة مفاجئة ،انحنى لــأمــام بــزاويــة غير بشرية وبــقــي كذلك. لــم يكن ذلــك يشبه سلوك معظم الناس، وال حتى الــرجــال الــجــدد :ربــمــا كــان ذلك أم ـرًا قد يفعله رجل مسنّ .قلت ،فنسنت. فنسنت .صحت ،فنسنت تشانغ! لكنه فقط مال إلى األمــام في صمت ،المست ركبتاه صدره .ركعت بجانبه ونظرت لعينيه .كانتا مفتوحتين ،لكن مغلقتين كمتجر مقفل يبدو وهو مظل ٌم كأنه مسكون باألشباح .بانطفاء األنوار ،أستطيع اآلن رؤية كم كان مضيئًا في اللحظة الماضية ،حتى وهو بأنانيته .ولوهلة فكرت لربما كانت مجلة ترو مخطئة .لربما ال وجود للرجال الجدد .لربما يوجد فقط األحياء واألم ــوات ،وكل األحياء يستحقون بعضا. بعضا ويتساوون مع بعضهم ً بعضهم ً اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
كانت هيلينا جالسة معنا الضطررنا حينها ألن نتوقف عن استخدام لغتنا المشتركة حتى تستطيع فهمنا بشكل واضــح ،لكنها لم تكن معنا ألنها كانت ما تزال في عملها. إنها مساعدة طبيب؛ ما يعني أو ال يعني أنها تعمل عمل الممرضة نفسه.
الــشــعــور .تظاهرت بالصمت قبل إخــبــاره عن اإلحساس السري بالبهجة الذي أحمله شخصا ً داخل صدري ،أنتظر ،أنتظر ،أنتظر ما ليالحظ أنني أشرق كل صباح ،بال سبب ظــاهــر أعــيــش مــن أجــلــه ،لكنني أصــحــو، وذلــك فقط من أجل هذه البهجة السرية، حب اإللــه ،في صــدري .حولت بصري من السماء لعينيه وقلت ،إنها لم تكن غلطتك. بررت له أمر غالف المجلة وكل شيء آخر. رجل جديدًا بعد .ثم غرقنا في وألنه لم يكن ً الصمت :لم يسألني مجددًا .كنت ال أزال مسرورة لجلوسي بجانبه ،لكن ذلك فقط آمال ضئيلة جدًا جدًا على بسبب أنني أعلّق ً معظم الناس ،وقد أصبح هو اآلن من معظم الناس.
93
معتدل -ال بأس ،ألنها من العاملين في المجال ً دفعت أكتافه للخلف بحيث أصبح الطبي .إنهم ملزمون بعمل أي شيء من في جلسته مجددًا .لم أكن أعلم أي شيء شأنه أن يكون األكثر فائدة للصحة. عن داء الصرع ،لكنني تخيلت أنه قد يسبب ارتعاشات بشكل أقــوى .قمت بإبعاد شعره -ذلك صحيح ،قسم أبقراط. عن وجهه .وضعت يدي تحت أنفه وتحسست ستكون تعيسة ،لكنها لن تعارضنا بسبببرفق ،أنفاسه المنتظمة .دنوت بشفتي قرب القسم. أذنيه وهمست مجددًا ،إنها لم تكن غلطتك. لربما كــان ذلــك هــو الــشــيء الوحيد الــذي -هل ستقوم بنقل حاجياتك لشقتي باألعلى؟ طالما رغبت في قوله ألي شخص ،وأن يتم -ال ،يجب عليّ االستمرار بالعيش مع هيلينا بسبب عهودنا. إخباري به. سحبت كرسيّ بالقرب منه وحنيت رأسي -عهودكم؟ ماذا بشأن القسم؟ على كتفه .وبالرغم من أنني كنت خائفة -كل شيء سيكون على ما يرام .كل ذلك ال كثيرًا من نوبة صرعه المرضية والتي كنت شيء مقارنة بما نملكه. مسؤولة عنها ،نمت .لماذا قد أفعل مثل هل حقًا أحببتها يومًا؟هذا السلوك المؤذي وغير المالئم؟ يحلو لي االعتقاد بأنني لم أفعل ذلــك ،إنما في -ليس حقًا ،ال. الواقع كان ذلك قد فُعل بي .نمت وحلمت أن -لكن أحببتني أنا؟ فنسنت كان يحرك يديه ببطء على قميصي -نعم. بينما نتبادل القبل .كنت أستطيع الشعور بالرغم من أنني ال أحظى بأي حيوية أوبصغر حجم ثدييّ من تقوس راحتَيْ يديه .قد جاذبية؟ تتطلب األثداء األكبر زاوية أقل حدة .أمسك أنت كاملة. فنسنت بهما وكأنه رغب بفعل ذلك منذ مدة -عن ماذا تتحدثين؟ ِ طويلة ،وفجأة ،رأيت األمور كما كانت حقًا - .أنت تعتقد أنني كاملة؟ ً لقد أحبني .كان شخصا معقدًا بطبقات من -إنّ ذلــك يظهر في كل أمــر تقومين به. المشاعر المختلفة ،كانت بعضها روحانية، ()... واألخــرى معذبة بطريقة أكثر دنيوية ،وهو يمكنك رؤيتي وأنا أقوم بفعل ذلك؟قد احترق من أجلي .هــذه الشعلة معقدة الكينونة كانت لي .أمسكت بوجهه الساخن -كل ليلة. بين يدي وسألته السؤال األصعب. -ذلك فقط في حالة لو.
94
ماذا عن هيلينا؟اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
وأنت نائمة. يقربك أحد ِ ِ -أعرف .لكن لن
بحراستك. ِ ألنني أقومطويل حتى ً اعتقدت أنني كنت سأنتظرأموت ليحدث هذا لي. لك. من اآلن فصاعدًا أنا ِ مهما كان األمر؟ حتى عندما تكون أنتمع هيلينا وأكــون أنــا فقط تلك المرأة القصيرة بــالــدور الــعــلــوي ،هــل سأكون ملكك وقتها؟ نعم ،هذه حقيقة بيننا ،حتى لو لم نتحدثعنها مجددًا. ال أستطيع تصديق أن هذا يحدث حقًا.ثم كانت هناك هيلينا تقوم بهزنا .لكن استمر فنسنت بالنوم ،وتساءلتُ لو كان ميتًا ،ولو كان ،في هذه الحالة ،قد قال لــي كــل تلك األم ــور فــي المنام قبل أو بعد وفاته؟ وأيهما قد يكون أكثر جدارة أيضا ،هل كنت مجرمة؟ هل بالتصديقً . سيلقون القبض عليّ بتهمة اإلهمال؟ بحثت بناظري عن هيلينا :كانت تحوم حــولــنــا ف ــي زيــهــا ال ــخ ــاص بــمــســاعــدة الطبيب .جعلتني الحركة أشعر بالدوار: أغلقت عينيّ مجددًا وكنت أه ّم بالدخول في الحلم مرة أخرى عندما سمعت هيلينا تــصــرخ «مــتــى ب ــدأت الــنــوبــة المرضية؟ كنت نائمة؟» لكنها كانت اللعنة ،ولماذا ِ تقوم بفحص مؤشراته الحيوية بحرفية متباهية ،وعندما نظرت إليّ في اللحظة التي تلتها ،علمتُ أنــه لن يتوجب عليّ
كانت شقتهما هادئة ج ـدًا .تسللت على رؤوس أصابعي إلى المطبخ والمست بوجهي بــرودة الثالجة ،أستنشق الروائح المتعددة لحياتهما .كانت لديهما صور ألطفال على ثالجتهما .كان لديهما أصدقاء ،وقد أنجب هــؤالء األصدقاء مزيدًا من األصــدقــاء .لم أ َر من قبل شيئًا يفيض بالحميمية كصور هؤالء األطفال .كنت أريد أن أمد يدي فوق الثالجة ألمسك بالكيس البالستيكي ،لكنني أيضا أن أنظر لكل طفل .كان أحدهم أردت ً يُسمى «تريفور» ،وستُقام حفلة عيد ميالده يوم السبت القادم .كُتب على بطاقة الدعوة الرجاء الحضور! سنتسلى بوقتنا ونغرق في المتعة كحوت! وكانت هناك صورة لحوت. كان حوتًا حقيقيًا ،صورة فوتوغرافية لحوت حقيقي .أمعنت النظر في عينه الحكيمة بالغة الصغر ،وتساءلت عن مكان تلك العين اآلن .هل كان حيًا يعوم ،أم كان قد مات منذ فترة طويلة ،أم هل هو يحتضر اآلن ،في هذه اللحظة بالذات؟ عندما يموت حوتٌ ما ،فإنه يتهاوى عبر المحيط ببطء ،على مدار اليوم. تــراه كــل األســمــاك الباقية يسقط أمامها كتمثال ضخم ،كبناية ،لكن بــبــطء ،ببطء شديد .ركزت انتباهي على العين ،حاولت أن أصــل إلــى أعماقها وأرى مــا بداخلها، اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
-كيف يمكنك أن تتعهد بذلك؟
اإلجابة عن تلك األسئلة؛ ألنني بطريقة مــا أصــبــحــتُ مــســاعــدتــهــا ،الــمــســاعــدة لــمــســاعــدة الــطــبــيــب .أمــرتــنــي بالجري لشقتهما ألحــضــر كــيــسً ــا بالستيكيًا سأجده فوق الثالجة .أسرعت للداخل ممتنة وأغلقت الباب.
95
ألجل الحوت الحقيقي ،الحوت المحتضر ،هو الوهم الذي تخلّفه كل النصائح الجيدة. وخاطبته ،إنها ليست غلطتك. يجب اإلحساس بالحقيقة والفطرة السليمة دفعت هيلينا الباب الخلفي بقوة .شعرت كما لو أنها كُتبت بواسطة الزمن نفسه .إنه بأثدائها تالمس ظهري بخفة وهي تتجاوزني ألمــر عسير حقًا أن تكتب شيئًا يستطيع مريضا محتضرًا يشعر بالتحسن ً لتمسك بالكيس ،وتسرع بالعودة للخارج .أن يجعل استدرت ونظرت إليها عبر النافذة .كانت لمجرد قراءته .لدى بوزيتيف قواعد خاصة، تحقن فنسنت اآلن .وكان يصحو تدريجيًا .ال يمكنك أن تستمد هدايتك من اإلنجيل، كانت تقبّل فنسنت ،وكان هو يدعك رقبته .أو مــن كــتــاب يــتــحــدث عــن الـ ــزِ ن (مــذهــب تساءلت ما الذي تذكّره .كانت تجلس على بــوذي يقول بأن في مقدور المرء الوصول حجره اآلن ،وكانت يداها قد التفت حول إلى الحقيقة بالتأمل) :إنهم يريدون موادًا رأسه .لم يشاهداني عندما مررت بالقرب حقيقية .حتى هــذه اللحظة ،لم يتم قبول منهما. طلبي باالنضمام للمجلة ،لكن أعتقد أنني
األمـ ــر الــمــثــيــر لــاهــتــمــام بــشــأن مجلة أوشك على ذلك. «بوزيتيف» أنهم اليقومون أبدًا بذكر مرض ألديك شكوك تتعلق بالحياة؟ أنت لست االيــدز .ولــوال وجــود الدعايات اإلعالنية- متأكدًا إن كانت تستحق العناء؟ دواء ريتروفير ،سوستيفا ،فيراميون-لظننت انظر إلى السماء :إنها من أجلك .انظر أن المجلة كانت عن كيفية البقاء إيجابيًا ومتفائل .ولهذا السبب فإني أعدها مجلتي لوجه كل شخص تقابله في الــشــارع :تلك ً الــمــفــضــلــة .كــل الــمــجــات األخــــرى تقوم الــوجــوه هــي لــك .والــشــارع ذات ــه ،واألرض ببنائك وتحفيزك فقط لتدميرك بعدها ،تحت الشارع ،وكرة النار تحت األرض :كل لكن يعلم المحررون في مجلة بوزيتيف أنه هذه األشياء هي لك .هي ملكك أنت تمامًا قد تمت هزيمتك من قبل ،مــرة تلو مرة ،كما هي ملكٌ لآلخرين .تذكر ذلك عندما وأنت ال تحتاج في هذه المرحلة أن تفشل تستيقظ مــن نومك وتفكر بأنك ال تملك في اختبار يدعى «هل أنت مثير للغاية أم شيئًا .قف واتجه للشرق. متوسط الجمال؟» تقوم مطبوعة بوزيتيف اآلن قم بتمجيد السماء ،وتمجيد النور بكتابة اقتراحات لتشعرك بالتحسن ،من في داخل كل إنسان تحت السماء. نوع يشبه «نصائح من إلواز» (إلواز محاربة البأس أن تكون متشككًا .لكن سبّح ،سبّح، مشهورة عند األلمان والفرنسيين القدماء). تبدو تلك النصائح سهلة الكتابة ،لكن ذلك سبّح. * كاتبة ومترجمة من السعودية.
96
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الشاعر
أحمد إبراهيم البوق
الفنون كالغابة إذا عرفت الطرق التي تسلكها ستخرج منها بسالم! وبعض ُ المبدعين بدأوا شعراء وانتهوا روائيين
أحمد إبراهيم البوق ..شاعر سعودي من مواليد المدينة المنورة عام 1965م، أنيق في حضوره الشعري ،أصــدر أربعة دواويــن شعرية «أحاميم -دار الجديد - بيروت 1994م»« ،منكسر باعتداد -دار شرقيات -القاهرة 2003 -م»« ،جنة -دار شرقيات -القاهرة 2007 -م»« ،معجزات صغيرة -نادي الطائف األدبي 2015 -م». وهو يشغل حالي ًا منصب مدير عام مركز األمير سعود الفيصل ألبحاث الحياة الفطرية بالطائف -المركز الوطني سابقا ،التقيت به في إحدى المقاهي بجدة، وكعادة األصــدقــاء تحدثنا في عــدة محاور ،وعندما سألته عن جديده قــال« :أنا انتهيت مــن كـتــاب «ع ــن الـنـعــام وح ـضــوره فــي الـشـعــر الـعــربــي الـجــاهـلــي واألم ــوي والعباسي» سوف أصــدره قريباً ،وهو ضمن سلسلة كتب عن الحيوان في الشعر العربي ،أتمنى أن أنجز هذا المشروع مستقبال ،»..محور هذا الكتاب هو ما جعلني أطلب منه أن يكون ضيفا لحوار محوره «النعام في الشعر العربي» ..وفي الحوار الكثير من اإلثراء... ■ حاوره :عمر بوقاسم*
في الشعر العربي!.. ¦«النعام في الشعر العربي» ..فضلت أن يكون هذا العنوان ديباجة حواري
مع الشاعر أحمد البوق؛ ففي آخر لقاء بيني وبين الشاعر ،وسؤالي عن جديده ،قال :أنا مشغول بكتاب عن الـنـعــام وح ـضــوره فــي الشعر واألدب اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
97
98
الشعري ..أعــرف أن النعام مثير جداً ال ـع ــرب ــي !..وف ــي ال ـيــوم ال ـتــالــي ،حرصت للمخيلة الشعرية ،ومن الصعب -إن لم على لقاء شاعرنا ،وأســألــه :هل للشاعر يكن من المستحيل -أن يتأمله شاعر في أح ـمــد ال ـبــوق أن ي ـبــوح لـنــا بــالـســر الــذي الصحراء في العصر الجاهلي وما تاله.. أوصله لهذا الموضوع «النعام في الشعر وال يستثير قريحته الشعرية؛ دفعني العربي»؟ ذلك ليكون النعام في الشعر العربي هو ρ ρمنذ ســنــوات ،وأنــا أشتغل على مشروع موضوع الكتاب األول في هذا المشروع، الحياة الفطرية في الشعر العربي بشكل وألن النعام العربي انقرض تماماً -مع متقطع وفق ما تسمح به ظروف العمل األسف -من الجزيرة العربية ،ولم يتبق والسفر ،وكتبت بعض المقاالت المتفرقة منه أي عينة حية ،فإن الهيئة السعودية فــي هــذا الــمــشــروع الكبير ال ــذي كلما للحياة الفطرية حين شرعت في برنامج تعمقت فيه ازداد اتساعاً .ولفتني أن بعض اإلكثار وإعادة التوطين ،استجلبت أقرب الدراسات النقدية أشارت الى ندرة ذكر نوع وهو النعام أحمر الرقبة اإلفريقي، النعام في الشعر العربي ،واستنتجت هذه ليتم إكثاره وإعــادة توطينه في محمية الدراسات أنه ربما بسبب نــدرة وجوده محازة الصيدـ ورغــم أن اختالفه ليس في الجزيرة العربية أو ضعف تأثيره في كبيراً عن النعام العربي ،إال أن هذا كان المخيلة الشعرية ..وكــا االستنتاجان سبباً إضافيا ليكون موضوع النعام أولوية؛ خاطئان من وجهة نظري؛ ألنني أعرف ألن الشعر العربي في العصر الجاهلي من خالل األبحاث العلمية أن النعام كان كان مرآة تعكس الواقع ،وقد استعرضت واسع االنتشار في الجزيرة العربية ،ولم النصوص التي وصفت النعام مع الوصف ينقرض تماماً إال في أواخر الستينيات العلمي في األبحاث العلمية المنشورة، من القرن الماضي ،ولكن وجوده انحسر ووجــــــــدت تــطــابــقــاً بــــشــــكــــل ك ــب ــي ــر الشراكة بين اإلنسان والحيوان مــدهــشــاً ف ــي بعض بــســبــب ضــغــوط الصعاليك الشعراء عند تتجلى ال عن األحــيــان .فض ً الــصــيــد والــرعــي بحكم حياتهم المتشردة في أنــنــي كــنــت أص ــادف والتغيرات البيئية الفيافي والجبال!!.. أثناء رحالتي العملية الــمــتــاحــقــة؛ ما الــبــريــة قــشــور بيض أدى إلى انقراضه. في كتابي الذي سأصدره قريب ًا الـ ــنـ ــعـ ــام الـــعـــربـــي، عن «النعام في الشعر العربي» ومـــــــــــــن خـــــــال وب ــم ــس ــاع ــدة بــعــض حاولت أن أعيد قراءة بعض التجربة العلمية الــجــوالــيــن واألهــالــي النصوص الشعرية التي وصفت فــي إكــثــار النعام، تــوصــلــت إلـــى بعض الحيوان البري بمنظور البحث وإعادة توطينه في أعـــــشـــــاش ال ــن ــع ــام العلمي في عالم الحيوان. المملكة ،والحس العربي ،وفي بعضها اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
العلم واألدب!..
العلم بالنسبة لي هو الجسد بكل أسرار خلقه ،والشعر واألدب هو الروح بكل تجلياتها ،وال أظن أن حياة ممكنه دون امتزاج الروح بالجسد.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
بيض مكتمل .كل تــلــك الــمــعــطــيــات جعلت من موضوع النعام في الشعر ال ــع ــرب ــي أول ــوي ــة ملحّ ة.
العلم واألدب وجهان لعملة واحدة .وهما تخصصي واشتغالي في علم الحيوان
ال ــم ــش ــه ــد الــعــلــمــي ونتائج أبحاثه .وقُدرة إيـ ــجـ ــازه وتــبــســيــطــه دون إخــال للمتلقي العام .في المحصلة الــعــلــم بــالــنــســبــة لي هــــو ال ــج ــس ــد بــكــل أسرار خلقه ،والشعر واألدب هو الروح بكل تجلياتها ،وال أظــن أن الــحــيــاة ممكنة دون ام ــت ــزاج ال ــروح بالجسد.
¦أذكـ ـ ــر أن ـ ــك أش ــرت أثـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاء ح ــديـ ـث ــك بعض الدراسات النقدية أشارت أن كـ ـت ــاب ــك ه ـ ــذا، إلى ندرة ذكر النعام في الشعر والـ ـ ـ ـ ــذي ي ـت ـض ـمــن العربي ،ربما بسبب ندرة وجوده مـ ــوضـ ــوع «ال ـن ـع ــام في الجزيرة العربية أو ضعف في الشعر العربي» تأثيره في المخيلة الشعرية!!.. في وصف النعام!.. هـ ـ ـ ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـط ـ ـ ــوة ¦وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تـ ـص ــف األول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ضـ ـم ــن النعام العربي ،بلونه سلسلة كتب سترصد فيها حضور بعض وقوامه ،قرأت شيئا من الشعر الذي يوثق ال ـح ـيــوانــات ..كــرمــوز للحياة فــي الشعر هذا الوصف ،هل لنا أن نوثق مما قرأته واألدب ال ـعــربــي ،اهـتـمــامــك وحماستك هنا؟ بهذا المشروع الثقافي ،هل هو نابع من تخصصك الوظيفي كمدير عــام لمركز ρ ρفي مشروع الكتاب استعرضت نحو ستين األم ـيــر سـعــود الفيصل ألب ـحــاث الحياة شاهداً شعرياً في وصــف النعام ألكثر الفطرية بالطائف ،أم ألنك شاعر يهتم مــن ثالثين شــاعــراً فــي كــلٍّ مــن العصر بالشعر وقضاياه؟ الجاهلي واألمــوي والعباسي ،ورغــم أن
ρ ρالعلم واألدب وجهان لعملة واح ــدة .لو تخيلنا الــوجــه الــذي يحمل األرق ــام هو الــعــلــم ف ــإن الــوجــه اآلخ ــر ال ــذي يحمل الــصــور والنقوش هــو األدب .ال أتخيل عربة الحياة تسير بال هاتين العجلتين: العلم واألدب تخصصي واشتغالي في علم الحيوان والبيئة ،يغذي ويحرض مخيلتي الشعرية ،وكوني شاعر ومهتم بالشعر وقضاياه ..يمنحني مساحة للتأمل في
هناك شــعــراء اشــتــهــروا بوصف النعام فــي الجاهلية كعلقمة الــفــحــل ،وثعلبة ابن صعير ،وكعب بن زهير ،والحقاً في العصر األم ــوي نابغة بني شيبان وذو الرّمة ،إال أن من أجمل األوصاف وصف الشاعر األمــوي الراعي النميري لذكر النعام «الظليم» وهو يحتضن بيضة في األدحــى «عش النعام» في أرض رملية، فلما طلعت عليه الشمس ..أراد القيام
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
99
عن العش ،فانتفش ريشه (ازبأر) وتمايل جيده ،وهز جناحيه ،فتساقط الندى عن متنه ،ثم يختم بتشبيه البيض وبهجته وبهائه وحفظه بحبيبته سعاد:
يحفُّ هَا.. الظليمُ ُ ْضةٌ بــاتَ َّ ومــا َبي َ ب ـوَعَ ـ ْـس ــا َء أَعْ ـ َل ــى ُتــر ْب ـهــا َق ــدْ َت ـ َل ـ َّبــدا الشمْ ُس في َيوْمِ طَ ْلقَةٍ .. فلمَّ ا عَ َلتْهُ َّ َف مُ ــكَّ ــاءُ الـ ُّـضــحَ ــى ف ـ َت ـ َغ ــرَّ دَا وأَشـ ـ ـ ـر َ أَرَا َد ال ـ ـق ـ ـيـ ــا َم فـ ـ ـ ــا ْز َب ـ ـ ـ ـأَ َّر ِع ـ ـ ـ َفـ ـ ــاؤُ هُ. وحَ ـ ـ ـ ـ ــرَّ َك أَعْ ـ ـ ـ َلـ ـ ــى جـ ـي ــده فـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـأَ َّودَا
100
وأ َْحــسَ ــنَ منها حينَ َت ـ ْبــدُ و مُ ــجَ ــرَّ دَا الجانب الواقعي لهذه الحيوانات!.. ¦ه ـن ــاك ب ـعــض ال ـ ــدراس ـ ــات ال ـت ــي اهـتـمــت ب ـ ــدراس ـ ــة وصـ ـ ــف ال ـ ـح ـ ـيـ ــوان فـ ــي ال ـش ـعــر الـعــربــي مــن بـعــض المختصين بالنقد األدبي ،أذكر منها دراسة للدكتورة بسمة فهمي الـشــاوش ،ودراســة لألستاذ فخري أب ــو ال ـس ـعــود؛ ه ــل اسـتـطــاعــت مـثــل هــذه الــدراســات أن تضيء أو تضيف شيئًا في هذا االتجاه؟
ال من العتمة .الدراسات ρ ρكل شمعة تبدد قلي ً ـط َنــفْ ـ ُـضــهُ .. وهَ ـ ــزَّ جَ ـنــاحَ ـ ْيــه ف ـســا َقـ َ التي تناولت الحيوان في الشعر العربي َاش ال ـ َّن ـدَى عــن مَ ـ ْتــنِ ــه َف ـ َت ـ َبــدَّ دَا َفـ ـ ـر َ ركز معظمها على اإلبل والخيل ،وتناول فـغــا َد َر فــي ا ُألد ِْحـ ــىِّ َصــفْ ـرَا َء َتـ ْر َكــةً . بعضها الحيوانات الــبــريــة ..ولكن من ِهجَ ان ًا إِ ذَا ما الـ َّـشـرْقُ فيها َتـوَقَّ ـدَا منظور لغوي .قليل منها تطرق للجانب الواقعي لهذه الحيوانات ،البتعاد معظم ب ـأَ ْل ـ َيــنَ مَ ـ ّـس ـ ًا مــن ُس ـ َعــا َد لِ ـ َـا ِم ـ ٍـس..
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الدارسين عن هذا الــحــقــل .حــاولــت ول ـ ــي دون ـك ــم فــي مــشــروع هــذا أه ـلــونَ ِسـ ْيــدٌ الــكــتــاب أن أعيد ـس، عَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ّ َلـ ـ ـ ـ ٌ قــــراءة النصوص وأرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـط ُزه ـ ـ ـلـ ـ ــول ال ــش ــع ــري ــة الــتــي وَعَ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ــاءُ ج ـي ـئ ــلُ الفنون كالغابة إذا عرفت الطرق وصــفــت الــحــيــوان هـ ـ ــم األهـ ـ ـ ــلُ التي تسلكها ستخرج منها الـــبـــري بــمــنــظــور ال م ـس ـتــودعُ بسالم !..وبعض المبدعين بدأوا الــبــحــث الــعــلــمــي ال ـ ـسـ ـ ِ ّـر ذائـ ــعٌ شعراء وانتهوا روائيين في عالم الحيوان. لديهم وال الجاني فـــــــأثـــــــرى ذل ـ ــك بـ ـ ـم ـ ــاجَ ـ ـ ـ ّ َر يُ ـ ـ ـ ْـخ ـ ـ ـذَلُ ف ــه ــم الــنــصــوص وأخصب خياالتها ،المدهش أن ترى أن الشنفرى الذي يترك بقية من الماء الذي هناك بعض النصوص الشعرية ما تضيفه يشرب منه لطيور القطا لتشرب بعده للبحث العلمي. ويتنحى لتأخذ دورها.. استعرضت في ثنايا هذا الكتاب نحو ستين مشهدا شعري ًا في وصف النعام ألكثر من ثالثين شاعر ًا من العصر الجاهلي واألموي والعباسي
جناية:
وتَشر َُب أسآرِ ي القَطَ ا الكُ ـد ُر بَعْ دَما تتجلى عند الشعراء!.. ـصـ ــلُ ـصـلـ َ سَ ـ ـرَت َق ـ َر َبـ ـ ـ ًا أحـ َنــاؤهـ ــا َتـ َتـ َ ¦مــن خــال حديثنا ،ومــا قــرأتــه وأن ــا أعــدُّ لهذا الـحــوار ..تبين لي أن هناك شراكة َف ـ َول ـيــت عَ ـنـهــا َوهـ ــيَ َتـكـ ُبـ ــو لِ ــعُ ـقـ ــرِ هِ ـوص ـ ـ ــلُ ـاش ـ ـ ــرُ ُه مـنـهــا ذُ قُ ـ ـ ـ ــونٌ وَحَ ـ َ يُ ـ َب ـ ِ مباشرة في الحياة بين اإلنسان والحيوان كانت قائمة ،وهذا قد يبرر حضوره القوي في الشعر وخصوصا الجاهلي .الشاعر أحمد البوق هل يقرأ علينا شعرا يصف هذه الشراكة -التي كانت -بين اإلنسان والحيوان؟
واألحــيــمــر الــســعــدي يــســتــأنــس بــعــواء الــذئــاب ،ويجفل مــن أصـــوات الــنــاس، وهو يكره األنيس إال أن يكون وحشاً من وحوش الفالة:
بالذئب إذ عوى ِ فاستأنست ُ عوى الذئب ρ ρالشراكة بين اإلنسان والحيوان تتجلى ـدت أطـ ـي ــرُ وصـ ـ ـ ـ ـ ــوَّ تَ إن ـ ـ ـسـ ـ ــانٌ فـ ـ ـك ـ ـ ُ عند الشعراء الصعاليك بحكم حياتهم
أنـ ـي ـ ِـس َل ـ ـكـ ــارِ هٍ الل إِ ّن ـ ـ ــي لِ ـ ـ َ المتشردة في الفيافي والجبال ،ومؤاخاتهم َيـ ـ ــرى َ ُ َض ـم ـي ــرُ َو ُتـ ـب ـ ِـغ ـ ُـض ــهُ ــم ل ــي مُ ـ ـقـ ـ َل ــةٌ و َ للوحوش ،وتأملهم الطويل للحيوان في
البرية ..أفضى ذلك الحترامه وتقدير خصاله ،ومــن ذلــك استبدال الشنفرى الوحش بأهله ،فالذئاب والنمور والضباع ال يفشون سـرّه وال يخذلونه إذا ارتكب
والــقــتــال الــكــابــي يــصــاحــب نــمــراً في الجبال ،ولكن هذا الصاحب المهيب ال يتكلم ،ونظراته كالسهام ،ولكن يقتسم معه الوعول التي يصيدها.. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
101
ولي صاحب في الغار هدّ ك صاحب ًا هـ ـ ــو ال ـ ـ ـجـ ـ ــون إال أنـ ـ ـ ــه ال ي ـع ـلــل إذا مــا الـتـقـيـنــا ك ــان جــل حديثنا ِص ـمــات وط ــرف كــالـمـعــابــل أطحل ت ـض ـم ـنــت األروى ل ـن ــا ب ـط ـعــام ـنــا كـ ــانـ ــا لـ ــه م ـن ـه ــا ن ـص ـي ــب وم ــأك ــل أجد نفسي وأنساها في المكتبة ¦فـ ــي ح ــدي ــث ج ــان ـب ــي ت ـط ــرق ــت أن ـ ــت عــن انتقالك وعائلتك مــن مدينة الطائف إل ــى ال ـمــدي ـنــة ال ـم ـن ــورة مـسـقــط رأس ــك، تحدثت عن المعاناة التي واجهتك وأنت تنقل محتوى مكتبتك ،هذا ما يشجعني على أن أسألك عن محتوى مكتبتك؟ (ρ ρحيثما تكون المكتبة يكون المنزل ،كما قــال البرتو مانغويل) ،وأنــا أجــد نفسي وأنساها في المكتبة .ومكتبتي مزيج بين
الشعر والــروايــة والنقد والتاريخ، كتب ِ إضافة لكتب التخصص في علوم الحياة عموماً الــحــيــوان والــنــبــات ومــزيــج آخر متنوع ،وما أتعبني في نقلها من الطائف إلــى المدينة ليس حجمها فقط ،ولكن ترتيبها كما يروق لي ..ألتمكن من إيجاد الثمرة التي أطلبها في هذه الغابة من الكتب. الفنون كالغابة!.. ¦أن ي ـك ـتــب ش ــاع ــر «مـ ـ ــا» رواي ـ ـ ــة أو ع ـم ـ ًا سرديًا ،لم يعد شيئا غريباً ،فهذه الحالة أصبحت منتشرة في الساحات الثقافية العربية ،فمن الكتّاب من يرفض وصف هــذه الحالة بالتحوّل ،بل يعده تواص ًال طبيعيً ا بين فضاءات الكتابة ،ومــن حق الشاعر أن يحضر في أي فضاء إبداعي، وأن هــذه الحالة ليست بالجديدة على
102
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
الفسيفساء الحياتية!.. ¦ليس هـنــاك أثــر ٌ واض ـ ٌـح حتى اآلن على مضمون أو شكل الخطاب اإلبداعي ،في ظــل الـتـغـيــرات السياسية واالقـتـصــاديــة التي يشهدها العالم العربي في السنوات األخيرة ،برأيك ما سبب غياب األثر؟
ρ ρحين تقف على قمة جبل وتنظر لغابة، سيعجبك كثافة الخضرة فيها .ولكن حين تغامر بالدخول إليها ،فمن الصعب أن تجد األشجار التي تقصدها .الفنون ρ ρالــتــغــيــرات الــســيــاســيــة واالقــتــصــاديــة الــمــتــســارعــة أفــقــدت اإلنــســان عمومًا كالغابة ..إذا عرفت الطرق التي تسلكها ال ــت ــوازن ،وأحــيــانــا قــدرتــه على التأمل ستخرج منها بسالم أياً كانت تلك الطرق. والتحليل العميق ،وبــالــضــرورة انعكس بعض المبدعين ب ــدأوا شــعــراء وانتهوا ال ذل ــك عــلــى الــخــطــاب اإلب ــداع ــي شك ً روائيين ،المهم أن يكون العمل مدهشاً ومضمونًا ،افتراض غياب األثــر الكلي وأصيالً. بحاجة إلــى إعــادة نظر على اعتبار أن الشعر كتبتُ تجربتي الشخصية عــدا ِ اإلبــــداع يتشكل مــن ه ــذه الفسيفساء المقالة و«الــربــيــورتــاج» وتــحــديــداً في الحياتية بحلوها ومرها ،وفي ظل الثورة المواضيع البيئية ،وأحيانا السيناريو المعلوماتية وطغيان وسائط التواصل الحديثة ..لم تعد األحــداث السياسية واالقتصادية وحدها ما يترك أث ـرًا في اإلبداع ،أصبحت مجرد بالطات صغيرة فــي فسيفساء المشهد الــعــام للفضاء الكوني ،ولذلك تضاءل أثرها في شكل الخطاب اإلبداعي ومضمونه.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ال ـش ــاع ــر ..وم ـن ـهــم مَ ــن ي ــرى أن ـهــا عـقــدة الـتـصـنـيــف ،ولـهــا سلبياتها الـتــي تعاني منها الساحة الثقافية ،أنــت ،مــاذا تقول ف ــي هـ ــذا االت ـ ـجـ ــاه ،وهـ ــل ل ــك ت ـجــربــة أو ت ــواص ــل م ــع أي ف ـضــاء كـتــابــي آخ ــر غير الشعر؟
لبعض األفالم الوثائقية البيئية .وعرض الكتب وأدب الرحالت.
محركات البحث أصبحت مكتبات هائلة.. ¦مــا ال ـمــواقــع الـتــي تـحــرص عـلــى زيــارتـهــا على الشبكة العنكبوتية؟ ρ ρليس هناك مواقع محددة أتابعها بانتظام. ولكن تحوّل النشر المتسارع إلى الصيغة اإللكترونية وســرعــة البحث فيه يحتم اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
103
الرجوع إليه ،ولم تعد طرفة حين تسال أحدًا عن معلومة أن يحيلك إلى «غوغل». محركات البحث أصبحت مكتبات هائلة تسبح في الفضاء اإللكتروني ،وإن كان كثي ٌر منها يفتقر إلى المصداقية ..إال أن المنتسب منها إلى مؤسسات ثقافية وإعالمية أو شخصيات ثقافية وأدبية وشعرية شهيرة على درجــة عالية من األهمية ،كموقع مؤسسة الفكر العربي، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي ،ومشروع كلمة اإلمــاراتــي ،والموسوعة العالمية للشعر العربي والشعر والشعراء ،وجهة الشعر للشاعر قاسم ح ــداد ،والقصة العربية للقاص والروائي جبير المليحان، وثقافات وعيون ،وبعض مواقع شعراء، إضــافــة لــمــواقــع الصحف اإللكترونية لمتابعة بعض المقاالت والكتّاب وبعض الصفحات األدبــيــة لبعض الفضائيات كالعربية نت.
104
الشعري ربما يتكامل قريباً كديوان من قصائد الومضة ،منها:
قليال ما أكتب قصائد طويلة..
النحلة تبوح بأسرار الزهور
¦لن أغفل عن تكرار سؤالي الذي كان سبب ًا في بناء هذا الحوار ،وأقصد سؤالي عن ج ــدي ــدك ..ول ـك ــن ،ه ـنــا أخ ــص جــديــدك الشعري الخاص بالشاعر أحمد البوق؟
ويكافئنها بالرحيق
ρ ρتجربتي الشعرية في الــدواويــن األربعة ال ومضمونًا، التي أصدرتها متنوعة شك ً ولكن قاسمها المشترك :مساحة التأمل وفضاء التخيل واإليجاز .قليال ما أكتب قصائد طويلة ،وكلما تقدمت بي الحياة ازدادت مساحة التجربة وضاقت العبارة الشعرية ،وكما يقول (الــنــفــري)« :كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» .جديدي اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
رشاقة الظباء تشى بضعفها ال تندهش من وردة تتفتح وتنسى انغالق الشوك على ساقها رمال على مد البصر والبصيرة بستان.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الروائي المصري الدكتور «رضا البهات» للجوبة أعيش عاملي املنفصل بني األفراح واألحزان أعاني االنفصال!! الطب مهنتي ،واألدب عاملي األكثر عمق ًا وتأثير ًا الزخم القاهري أفق َد بعض األدباء مشروعهم األدبي ،والعلّة يف اإلقامة
مبدع الريف أكثر امتالك ًا ألدواته األدبية من مبدع املدينة ،والسبب آلة النشر الكتّاب اجلدد بال تخصص ،ويستخفون باألمناط األدبية لدينا تخ ّبط يف اإلبداع والنقد وتوجهها السياسة ،وهذه هي املعضلة!! احلياة قبل األدب والفن، ّ العالقة الطردية بني زخم الكتابة وازدياد املعاناة اإلنسانية تستوجب التدقيق والتأمل!! لست مشغو ًال باستدعاء الكتابة ،بل أنتظر حتى تستدعيني هي إليها إذا حضرت السياسة توارت القيم ،وتوارى معها األدب والفن!! اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
105
روائــي طبيب ،عشق األدب من أجــل رفعة القيم ،وامتهن الطب إليمانه العميق بحق المجتمع ،يرى في األدب والفن طوق نجاة ،لكل من يبحث عن النهضة واالنطالق ،ويرى في وصف الحالة الثقافية المصرية، السياسة خدعة كبرى ،كبَّدتْ البشرية أمنها واستقرارهاّ .. الصحة اإلبداعية والحضور ّ بأنها تعاني سيولة فكرية ،وفوضى شاملة ،أفقدتها مالمح النقدي ،وانطمست معها مفاهيم وشعارات ،طالما شغلت أجيا ًال ماضية وأخرى حاضرة، من الجماهير والكتّاب على السواء.. إنه الروائي المصري الدكتور «رضا البهات» ،أحد رواد الكتابة األدبية من جيل السبعينيات، ممن يحتفون بالجمع بين الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية ،وممّ ن يُعرفون بمواقفهم الذاتية الصارمة ،في الدفاع عن حرية المبدع واستقالله ،ضد هيمنة الرسمي والسياسي.. حلت عليه «الجوبة» ضيفة في مقر إقامته بمدينة المنصورة إحدى مدن محافظة الدقهلية المصرية ،وحاورته في الكثير من مالمح مشواره الروائي واألدبي ،إضافة لتفاصيل أخرى ذات صلة بقضايا التأليف والكتابة والنشر ،فكان معه هذا الحوار. ■ حاوره :محسن حسن -القاهرة
بين الطب واألدب ¦ف ــي ح ـيــاة الــدك ـتــور ال ـب ـهــات كـيــف ارتـمــى الطب في أحضان الرواية؟ ومتى؟
106
¦أنـ ـ ــت مـ ـم ــن م ـ ــارس ـ ــوا األدب عـ ـل ــى ك ـب ــر، وأول كـتــابــاتــك كــانــت فــي ســن الخامسة والثالثين ..هل هذه ميزة برأيك أم غير ذلك؟
ρ ρعالقتي باألدب سبقت عالقتي بالطب، ρ ρليس ميزة وال عيباً ،بل هي مسألة خاصة فلقد كنت وما أزال شغوفاً ككل أبناء جيلي بي وبتطور دراستي والكلية والتخصص بقراءة أمهات الكتب ،ثم جاءت عالقتي والـــــزواج؛ فــالــحــيــاة قــبــل األدب ،وكــان بالطب والتي دُفعت لها دفعاً اجتماعياً ضرورياً بعد أن صرت مسؤوال عن هذا لسببين؛ األول هو تأثري بكالم أستاذي العدد من الناس ،أن أستعيد األدب ،لكني «سيد بــدوي» مــدرس اللغة اإلنجليزية طــوال الوقت كنت أكتب وال أنشر ،كما يرحمه اهلل ،عندما قــال لــي« :إذا كنّا كنت أقرأ كتاباتي ألصدقائي المقربين سنذهب لألدب والموسيقى فمن يعالج من باب الهواية. هؤالء الناس من حولنا؟» ،فالتحقت بكلية ¦إذاً ،هل توجد لك كتابات حبيسة األدراج الطب جامعة المنصورة ثم صرت طبيباً حتى اآلن؟ لألطفال ،والسبب الثاني هو البحث عن لقمة الــعــيــش .وعــمــومـاً تبقى عالقتي ρ ρنعم تــوجــد؛ فلقد ب ــدأت شــاعــرا ،وكل الكتابات الشعرية أنجزت قبل هذه السن، باألدب هي األعمق واألكثر تأثيراً. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
وكانت محاكا ًة لشعراء ناجحين بحكم السن ،وما تــزال هذه الكتابات حبيسة األدراج فيما عــدا مطالعة أصدقائي ρ ρهــذا إذا عــرف المثقف عــن نفسه أنه المقربين لها ،لكني حريص أال تنشر، يجيد هــذا الجنس األدبــي الــواحــد ،أياً فهي غير قابلة للنشر. كــان؛ فلدينا ضعف وقصور في الحلقة النقدية الــمــصــريــة ،حتى أن المثقف ¦لكن بم تنصح جيل الشباب ممن ينوي والــنــاقــد كالهما يظل يؤجل مشروعه ال ــول ــوج إل ــى األدب :أن ي ـبــدأ م ـب ـكــراً؟ أم مرحلة بعد مرحلة؛ فلم يعد لدينا نقاد يترك األمر وفق ظروفه؟ بــوزن الدكتور علي الــراعــي ،والدكتور ρ ρواق ــع األم ــر أن الجيل الجديد ومعهم شكري عياد ،وفــاروق عبدالقادر .فكما األدبــاء الجدد فل َتوا من هذه المسألة؛ هناك تخبط في اإلبــداع ..يوجد أيضا فهم ال يتخصصون ،بل يمارسون كل أنواع تخبط فــي الــنــقــد؛ فكم مــن األســاتــذة الفنون ،لدرجة أن يجمع الواحد منهم النقاد ،ال يلتفتون لك كمبدع؛ ألن كل بين الصحافة والرواية والشعر والترجمة واحــد منهم ،مشغول في لقمة عيشه، وخالفه ،وأنا ال أفهم كيف يكون كل ذلك والبحث عن عقد عمل بالخارج!! في إطار واحد ،ودائما يأتي على حساب ثوابت ومتغيرات التخصص والــجــودة!! إنما هذا مبلغهم من العلم. ¦بـعــد ث ــاث ت ـجــارب روائ ـيــة كُ ـلـلــت بجائزة ¦هــل معنى ذلــك أنــك تفضل أن يخلص المثقف الشاب إلى جنس أدبي واحد؟
س ـ ــاوي ـ ــرس ..م ــا ال ـث ــاب ــت وال ـم ـت ـغ ـيــر فــي قناعاتك الروائية واألدبية؟ ρ ρكنت وما أزال أعتقد أن األدب أو الفن قادر على تغيير العالم -وأنا حرٌّ فيما أفكر فيه -لكني اكتشفت في هذه السن المتأخرة ،أن السياسة هي القائد دائما، وأن القرار السياسي ،هو ما يوجه الواقع وليس الفن .وربما األدب والفن يمكنهما أن يعيدا صياغة البشر على المدى البعيد ،لك ْن ألن الحياة قبل األدب والفن، فالحياة توجهها السياسة لألسف ..وهي مرحلة استثنائية في العالم ومربكة في حياة البشر. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
107
¦ل ـكــن م ــع قـنــاعـتــك ه ــذه ب ـج ــدوى األدب والفن ..كيف تفسر ازدياد معاناة العالم بــالـتــزامــن مــع ازديـ ــاد زخ ــم األدب والـفــن والكتابة؟ ρ ρليست هــنــاك عــاقــة بين االثــنــيــن ،بل على العكس ،هذا اإلطراد العكسي ،هو أمر يعبر عن أزمة ،بل فوضى أكثر منه ارتباطاً واقــتــرانـاً ،والتفسير المنطقي ينطوي عليه طرحي للتساؤل التالي :مَن قال إننا ننتج أدباً؟ فوسط هذه «الهيصة» وهذا الزخم ،يوجد واحد أو اثنان فقط لهما قيمة إبداعية في مجاالت مختلفة؛ في حين أن هــذا التعدد اإلنتاجي من الناحية الطباعية والكتابية ،يتضمن تعبيراً صارخاً عن األزمة وعن التناقض الــذي نتحدث عنه هنا؛ فكل الحقائق كثير من استخفاف لدى ٍ ٍ تشير إلى وجود أجيال الكتابة المعاصرة في التعامل مع األنماط األدبية والفنية ،األمر الذي يؤكد كاف لما يتم إنجازه وإنتاجه. هضم ٍ ٍ عدم ¦لـكــن أزم ــات الـعــالــم الـمـتـقــدم والمتحرر أيـضـ ًا ت ــزداد مــع كــونــه يكتب أكـثــر ويبدع أكثر ..ما تعليقك؟
108
كان يعيش بها اإلنسان ،والتي يبدو أنها كانت ترشده لخطواته بشكل سليم ،فلما سقطت ،لم يعد هناك ما يرشد اإلنسان، وربما كان هذا هو سبب مؤتمر سويسرا؛ فهذه األفــكــار الكبرى في أزمــة ،وحتى األديــان في أزمــة أيضا .وسيظل العالم هكذا في أزمة بسبب السياسة إلى حين. بين األدب والنقد ¦يرى النقاد أنك مجرب في األدب ..فهل تجاريهم في هذا األمر؟
ρ ρه ــذا بسبب الــســيــاســة؛ فــهــي الموجه األول للواقع ،وهــي سبب الــكــوارث في ρ ρفي الحقيقة ،ال أعرف .وقد قيل لي هذا الــعــالــم ،ويحضرني هنا مــا كتبته عن الكالم كثيرا ،وبشكل متكرر ،إنما أنا مؤتمر سويسرا الشهير .هــذا المؤتمر شخصيا أكتب ما عندي وما أجيده فقط كان يناقش مستقبل لبنان في عالم لم دون زيادة أو نقصان. يعد يصلح للحياة بعد سقوط األفكار ¦ه ــل يـعـنــي ذل ــك ع ــدم انـشـغــالــك بالنقد الكبرى الكلية كالماركسية والوجودية والرأسمالية ،إلى آخر هذه األفكار التي والنقاد حين الكتابة تحديدا؟ اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ρ ρساعة الكتابة ال يشغلني سوى أن أبوح أو أكشف مــا بعقلي فقط ،وبعد ذلك ρ ρفــي حقيقة األمــــر ،الــمــشــهــد الــنــقــدي فــي الــقــراءة الثانية والــمــراجــعــة ،يأتي مرتبطٌ دائماً بالمشهد الثقافي ،ونحن دور االعتبارات األخرى ،سواء النقاد أو في مصر نعاني من حالة «دهولة ثقافية» القراء ،فأجدني بعيداً جدا ،لكني أردد اختفت معها معالم ما يسمى بالحالة ال في النهاية «على البركة». قائ ً الثقافية والحالة النقدية ،بمعنى غياب ش ــروط الصحة الثقافية والــنــقــديــة.. ¦ل ـكــن ألـ ــم ت ـل ـفــت ن ـظ ــرك م ـقــولــة نـقــديــة والتي منها الحرية ومسؤولية المبدع في حقك من قبل النقاد وجدتها سبب ًا والناقد والــدولــة .كما أننا افتقدنا في للتقارب بينك وبينهم؟ مصر إلى وجود نقاد كبار ،ال بوصفهم ρ ρنعم ،كــان الناقد الكبير الدكتور «علي موجهين نقديين فحسب ،بل بوصفهم الراعي» يكرر عليّ مقولته التي يؤكد فيها قراء مؤتمنين ومستشاري َن قراء ،يملكون أنني أكتب الرواية الطويلة بروح القصة حصيلة نقدية ومعرفية تعين المبدع على القصيرة ،وأن اللغة لديّ «مزهزهة» على امتالك ناصية االستقاللية اإلبداعية حد تعبيره ،والحقيقة هي مقولة لها تأثير بعيداً عــن االقتباس أو التقليد أو ما كبير ومكانة خاصة في نفسي؛ ألنها من أشــبــه ،وهــذا ال ــدور للناقد مــوجــود في ناقد بحجم الدكتور الراعي. أوروب ــا تحت مسمى «الــقــارىء النقدي الــعــام» ،والــذي تكفي منه مقولة نقدية ¦عـلــى ذك ــر الـنـقــد وال ـن ـقــاد ،كـيــف توصف واحدة تجاه أي عمل أدبي أو إبداعي.. ليحصل على أعلى الجوائز ،أو ليُلقى في سلة المهمالت .وفــي مصر لألسف ال يوجد أمثال هــؤالء ،فقط لدينا أساتذة نقد وال يوجد نقد. المشهد النقدي في مصر حالياً؟
¦ومَ ن الكتّاب الذين يجدون لديك صدى من الناحية اإلبداعية واألدبية سواء من جيلك أو من األجيال التالية؟ ρ ρمن األجيال التي سبقتني ،يلفت نظري «عبد الحكيم قاسم» ،فلغته ناهضة - وأنا معتدٌّ باللغة جدا -كما يعد «يوسف إدريـــس» قيمة كبيرة جــدا فــي القصة القصيرة وكذلك «ماركيز» ،علماً أنني اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
109
اطلعت تقريبا على كل ما أنتجه األدب الــعــربــي .وم ــن الــجــيــل الــحــالــي يصعب الفصل واالختيار من بينهم؛ ألن الغالب في األدب اليوم هو االعتبار السياسي، وعندما نترجم هذا المعنى أدبيا ،يعني أن القضية أو الموضوع أو الحدوتة هي األساس فيما يكتبه هذا الجيل؛ لذا تظل أغلب كتابات الجيل الحالي قابلة للغربلة، خاصة وأن أغلب موضوعاتها مجملة ال تتجاوز ستة وثالثين موضوعاً؛ إما بطل ملحمي مهزوم ،أو شخص منفي خارج الوطن ،أو شخص يحب فتاة أو باحث عن الحرية ...إلخ ،وذلك وفق دراسة منجزة في هذا اإلطار. ¦هل تقترح صياغة جديدة لتعامل الكتّاب الجدد مع األدب والكتابة؟ ρ ρبصراحة ،لقد حــان الوقت ألن يتعامل األدي ــب مــع األدب ..وأن يناقشه كلغة وكمفهوم طبقي ،وليس كموضوع سياسي، وبمعنى آخر ،أن تقترب الرواية والقصة القصيرة من الشعر ،وأن تناقش ذلك الهم اإلنساني المقيم والدائم بالحرية. مشوار اإلبداع والكتابة
110
يعين على أعباء الحياة ،والثانية أنها دليل حضور ثقافي وأدبي يعين ويشجع على االستمرار في الكتابة أكثر وأكثر، طالما أن هناك من يقدّر قيمة ما يكتب. أما جائزة نوبل ففيها اعتبارات خاصة بالسياسة من أجل عالم يسوده السالم والمحبة ،وأمرها ال يشغلني نهائياً ،فقط يشغلني موقف نجيب محفوظ عندما أيقظته زوجته وأخبرته بفوزه بالجائزة، فقال لها «توقظيني لهذا السبب!!» ثم شد الغطاء واستأنف النوم.
¦«س ــاع ــة رم ـل ـيــة تـعـمــل بــال ـك ـهــربــاء» ف ــازت ¦برأيك لماذا لم نحظ بنوبل عربية أخرى بـ ـج ــائ ــزة سـ ــاويـ ــرس ف ـ ــرع كـ ـت ــاب األدبـ ـ ــاء في األدب رغم زخم الكتابة؟ 2015م ..ه ــل ت ـش ـغ ـلــك الـ ـج ــوائ ــز؟ وم ــا تقييمك لجائزة نوبل؟ ρ ρكما قلت ،هــذه الجائزة لها اعتبارات سياسية ،وقد قال نجيب محفوظ نفسه ρ ρأوالً دار النشر هي التي قدمت العمل إن هناك أديبين قبله كانا يستحقان نوبل للمسابقة ولــيــس أن ــا ،والــجــوائــز أنظر هما «طه حسين» و«توفيق الحكيم» ،وهو إليها من جهتين؛ األولى أنها تقدير مادي اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
الكامل بالموضوع وغلبة السياسة والفكر السياسي.
¦ب ـم ـنــاس ـبــة الـ ـشـ ـع ــر ..ه ــل ت ـن ـب ــأت إح ــدى قصائدك حق ًا بموت ابنتك؟
¦ي ــاح ــظ ف ــي م ـن ـج ــزك ال ـ ــروائ ـ ــي تـبــاعــد الـفـتــرات البينية بـيــن كــل رواي ــة وأخ ــرى (ع ـشــر س ـن ــوات ت ـق ــري ـب ـاً) ..م ــا ال ـســر في ذل ــك؟ وه ــل هــو ح ــرص عـلــى االسـتـغــراق
ρ ρيوماً ما اتصل بي أحد أصدقائي (عالء ال «أنــا عرفت أن الــديــن) ليخبرني قائ ً ابنتك ماتت من قصائدك المنشورة».. وكانت وقتها على قيد الحياة ،فسألته: اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
قــول يعكس مــدى رؤيــة نجيب محفوظ للواقع المصري ،وما يهمني هو كتابات ρ ρبداية أنــا ال أمتهن الثقافة ،وبما أنني هـ ــؤالء األدبـــــاء بــشــكــل أســــاس ،وليس أهـ ــوى األدب فــا أع ـ ـ ّد نــفــســي كــاتــبـاً حصولهم على الجائزة؛ فــأن تؤْثر بما محترفاً ،وبالتالي أكتب ما أشاء ووقتما تكتبه فيمن يقرأه هو األهم دائماً حتى ا بــصــدد االنتهاء أش ــاء؛ وأن ــا اآلن مــثـ ً وإن لم تحصل على الجوائز. من كتاب في الشعر ،وهو على مشارف ¦روايتك «شمعة البحر» صدرت عام 2004م النشر؛ بعضه مقفّى ،وبعضه غير موزون ع ــن الـمـجـلــس األع ـل ــى ل ـل ـث ـقــافــة ،واآلن القافية؛ وفــي الحقيقة ،لست مشغوالً صدرت في طبعة جديدة عن دار بدائل.. باستدعاء الكتابة ،بل أترك نفسي حتى ما المختلف في هــذه الــروايــة من حيث تستدعيني هي إليها ،وأنا في هذا على تقنيات السرد وأجواء الحكي؟ قناعة كاملة بذلك التعبير الذي قاله لي الدكتور يوسف إدريس في أحد لقاءاتي ρ ρفي هــذه الــروايــة شغلتني الصيغة التي الشخصية معه ،حينما قال «إن كل كاتب يعيش بها المصريون زمناً آن له أن ينتهي؛ أو مبدع ال بد له من الخضوع الختبار فذلك الشيخ الرمز ،بطل الرواية ،حاضر الزمن» بمعنى قيام الكاتب بغربلة منجزه ومؤثر من بدايتها لنهايتها ،ويجسد تلك عبر زمن الكتابة؛ فقد ال يبقى منه في الصيغة المصرية على مشارف القرن النهاية إال كتاب واحد أو قصة أو قصتين، الــحــادي والــعــشــريــن .وكـــان ظــنــي عبر ورغم صعوبة إدراك هذا المعنى الدقيق هذا البطل ،أن المصريين سيتجاوزون في وقــت سماعي إيــاه ،إال أن الحقيقة آالمــهــم وهمومهم وزمــنــهــم الــبــالــي من تؤكد أن ما يبقى ويعيش في الزمن هو خــال العودة مجدداً إلــى الرومانسية؛ ما يؤثر في حياة الناس ،ومن ثم فنحن لكن بــدا أنــه كــام فــارغ وغير صحيح، نجرّب في مختلف المجاالت ..ثم نكتب ليس بالنسبة للمصريين فقط ،وإنما بحسب الفن الذي ننتمي إليه؛ لذا ،فإن للعرب جميعا .وأمــا ما يخص تقنيات عدد السنوات ال يهم ،فال أكتب إال عندما الكتابة فال أستطيع الخوض فيها؛ ألنني يضيف الموضوع جديداً للفكر اإلنساني. أكتب ما عندي وبطريقتي ،مع االنشغال في الحالة األدبية؟
111
كيف عرفت؟ فأخبرني أنه استنبط ذلك من قصيدتي «فــي الشرفة المجاورة»، فحزنت جدا؛ ألني كما يبدو ..كأني كنت أتوقع موتها؛ ألنها كانت مريضة بالذئبة الحمراء ..والمعنى هنا أنني أعيش في عالم منفصل عــن الــواقــع ،أنــاقــش فيه أحزاني وأفراحي ،وال شك أنني أعاني من هذا االنفصال. ¦بعض األدباء يخطط لمستقبله الثقافي واألدبي فهل أنت من هؤالء؟ ρ ρال ،لست مشغوال بهذا األمر ،فقط أكتب ما عندي قبل أن أرحل ،بصرف النظر إن كان ما أكتبه قصة أم مقاالً أم غير ذلك، ولو أن هذه الطريقة في الحقيقة ال تبني حضارة شخصية ،إنما هذا هو المتاح في مصر من وجهة نظري. ¦م ـج ـمــوع ـتــك ال ـق ـص ـص ـيــة «ل ـي ـلــة لـلـغـنــا» ت ـم ـي ــزت ب ـت ـج ــوال ال ـح ـك ــي ب ـي ــن ال ـقــريــة والجامعة والتراث الشعبي وغيره ،ميلُك إل ــى الـتـنــويــع فــي أن ـمــاط ال ـســرد هــل هو مرتبط بالجنس األدبــي الــذي تكتبه أم باعتبارات شعورية ووجدانية خاصة؟
112
ρ ρبالفعل هو يرتبط باعتبارات وجدانية وشعورية داخــلــي؛ فأنا أحتكم لنفسي وكأنني ال أثق فيما يقوله النقاد ،رغم أنني لست كــذلــك ،ورغــم أنهم يقولون كــامــا درســــوه وتــعــلــمــوه وه ــي أداتــهــم الرئيسة في تحليل الخطاب سواء قصة أوغيرها ،ولذلك أقــول لك إنني أعاني من عزلة نفسية كبيرة ،ربما أكــون أنا اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
الــذي فرضتها على نفسي ،وربما هي التي تعزلني عما يسمى الحالة الثقافية، والتأثر بما يقوله النقاد .ورغم احترامي الشديد للنقاد ،أستجيب للحالة الشعورية بشكل أكبر. ¦فـ ــي م ـج ـم ــوع ــة «ط ـ ـقـ ــوس بـ ـش ــري ــة» شـكــا أحــد ال ـقــراء مــن أنــه عــانــى مــن االرتـبــاك ال ـشــديــد فـهـمـ ًا وقـ ـ ــراء ًة بـسـبــب اخـتــاط الكلمات العامية بالكلمات الفصيحة.. فما تعليقك؟ ρ ρالحقيقة أنه محق ،وال بد حتماً أنه اعتاد نمطاً سائداً من اللغة ،هو النمط الفصيح، وهــذه بالتأكيد ليست مشكلته ،وإنما مشكلة المجتمع المصري الــذي عانى فيه الجميع من هيمنة الدولة المركزية ومن سيادة اللغة الفصحى ،على حساب الثقافة الشعبية؛ فجميعنا عانينا كثيراً من انفصال كليهما عن اآلخر ،وبالطبع أنا أقصد بالثقافة الشعبية تراثها كله.. بما فيه العامية من حكي ورقص وفنون حركية وقولية .والعيب في تقديري أنه ال يتم االحتفاء بثقافة هذا الشعب كما هي ،باعتبار أن الثقافة الشعبية تمثل إلى جانب الثقافة الرسمية رافداً مهماً مما يمكن تسميته بـــ «ثــقــافــة األم ــة»؛ فكل الكتاب الكبار في العالم بما فيهم «شكسبير» نفسه ،كانوا ينهلون من هذا المعين المسمى «ثقافة شعب». ¦لكن ،هــل تمنح ال ـقــارىء سلطة مــا عند الكتابة؟
¦رواي ـتــك «بـشــايــر الـيــوسـفــي» جمعت بين الملحمة والتجربة الشخصية ..ماذا عن مالمح هذه التجربة وخلفياتها؟
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ρ ρنعم .وبداية هذه المسألة ال يمكن تعلمها؛ وهي أن تكون ديمقراطيا حقيقيا؛ بمعنى أن يعاد نص ما تكتبه ،مرة أخرى داخل القارئ ،فيكمل ما به من فراغات .وهي مالحظة ذكية منك ،بأنك الحظت أننا القاهرة وجيل السبعينيات نكتب ما يعاد إنتاجه داخــل ما نقرأه. ¦على ذكــر جيل السبعينيات ،وهــو جيلك والعمل الــذي ينتج عبر اآلخــريــن دليل ال ـ ــروائ ـ ــي ..ك ـيــف تـ ــرى هـ ــذا ال ـج ـيــل من نــجــاح ،وهـــذا مــا جعلني أفــهــم مقولة الوجهتين األدبية واإلنسانية؟ «يوسف إدريس» أنه يتم غربلة ما نكتب مرة أخــرى عبر الزمن فعال ،بحيث قد ρ ρجيل السبعينيات تميز بإيمانه العميق بوظيفة األدب والفن االجتماعية؛ لذلك ال يبقى من المبدع إال كتابٌ أو اثنان من فقد قـ ـدّم هــذا الجيل كــتــابــات أفــادت إجمالي خمسين كتابا!! ال ــواق ــع االجــتــمــاعــي ،وأع ـ ــادت توجيه ¦وبخالف القاريء ،ما معيارك في تقييم المجتمع المصري والعربي إلى منظومة األديب أو الكاتب؟ القيم الناهضة ،كما تميز هــذا الجيل ρ ρكثيرا مــا انــخــدعــت بــشــراء كتب تحت بحبه الشديد لما يقدمه من أجناس الفن عبارات رنانة تحمل عنوان «كاتب كبير» واألدب ،وفي الحقيقة ال أستطيع الجزم ممن يجيدون عمل اإلبهار والزخم ،لكن بحجم التأثير الذي تركه هذا الجيل في يظل معياري فيما أكتب ومقياسي لتقييم مصر والمصريين ،نظراً لقسوة الحياة في مصر؛ فك ٌل يبني مجده الخاص كما الكاتب إن كان جيداً أم ال ،بقدر ما ينجح يقولون. هــذا الكاتب أو األديــب في خلق كتّاب آخرين حوله. أما من الناحية اإلنسانية فقد جرى على وذلــك وفق قناعتي الخاصة بأن األدب هو المشترك والدائم في إطار اكتشاف األصيل من الدخيل في بنية المجتمع المصري وقت صدور الرواية.
هذا الجيل ما جرى على اإلنسان العادي والــمــثــقــف؛ فالكل اآلن كــيــوم الحشر، يجري وراء لقمة العيش ،بينما لم تعد الحياة اآلن تتفهم قدر ما تكتب وقيمته.
ρ ρه ــذا ك ــام نــاقــد ،هــكــذا رأى ،وهــكــذا أرشــدتــه وسائله التي درســهــا وأسلوبه في التحليل ،وهــذا يخصه ،لكنني كنت مشغوال في هذه الرواية بإثبات التجربة ρ ρالجفاء بيني وبين الــقــاهــرة لــه أســرار الحياتية والمجتمعية لفترة السبعينيات وأسباب كثيرة؛ لعل أهمها ذلك التحوّل الــســلــبــي الــرهــيــب الــــذي تــعــرضــت له بكل معطياتها الناهضة والمنكسرة،
¦م ــا س ــر ال ـج ـفــاء بـيـنــك وب ـيــن «ال ـقــاهــرة» المدينة والناس؟
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
113
الــعــاصــمــة خ ــال الــعــقــديــن األخــيــريــن، والذي باتت معه طموحاتي األدبية على المحك؛ فلم يكن من المقبول لَــديّ أن أنساق كغيري وراء حمّى الزخم القاهري، والتي تختزل تطلعات الحياة االجتماعية في الحصول على «شقة وسيارة» ،كما لم يكن من المنطقي لــديّ ،أن أظل أسيراً لمجرد تمويل إقامتي بالقاهرة ،ومن ثم أفقد مشروعي األدب ــي ،كما حــدث مع كثير ممّن أعرفهم من الكتّاب واألدبــاء، الــذيــن فــقــدوا مشروعهم األدب ــي بفعل استسالمهم لمغريات مــاديــة ..لــم تتح لهم سوى التحرك واالنتقال فقط داخل حيّز ضيّق بين جريدة هنا ومجلة هناك، وهكذا؛ فاإلقامة بالقاهرة مكلّفة نفسياً ووقتياً؛ ألن ساكن القاهرة يقضي نصف وقته في الشارع .وفي مصر تزداد الحياة اإلنسانية قسوة مع مضي الوقت؛ فحتى العاطفة توقفت من أجل االنشغال بجلب قوت اليوم ،وهي مسألة كارثية ،وحياة ال إنسانية ،وما يجري على القاهرة في هذا اإلطار بالمناسبة ،يجري خارجها. ¦ل ـك ــن ه ــل ي ــوج ــد س ـب ــب م ـب ــاش ــر لـتــركــك الـ ـ ـق ـ ــاه ـ ــرة؟ وه ـ ـ ــل وجـ ـ ـ ــدت راحـ ـ ـت ـ ــك فــي المنصورة؟
114
ورغم أن أصدقائي من األطباء النفسيين يعتبرون ذلك تهرباً من تحمل المسؤولية، إال أن األمــر عــادي ّ بالنسبة لــي؛ فأنا أقرأ ما أريده ووقتما أريد ..وال يعنيني هذا الــرأي كثيراً؛ ألنني أفعل ما أفعله بــروح الــهــوايــة ،ولــم تعد مسألة السفر والترحال إلى القاهرة أو غيرها تشغلني إال بقدر الضرورة القصوى ،وذلك منذ عــام 1986م ،عندما تعرضت لحادث كبير منعني من السفر إلى إنجلترا رغم استعدادي التام للسفر وقتها. ¦على ذكر القاهرة والمنصورة :كيف ترى مبدع «الريف» ومبدع المدينة؟
ρ ρنــعــم بــالــتــأكــيــد؛ فــقــد كــانــت وفـ ــاة أبــي المفاجئة سبباً مباشراً لتركي القاهرة؛ حيث وجدت نفسي مسئوالً عن األسرة ρ ρبالتأكيد هناك فجوة كبيرة بين مبدع الــريــف ومــبــدع المدينة؛ وبالطبع نحن كاملة ،ومــن ثم كــان ال بد أن أبقى في نــقــارن هنا بين المبدع خــارج القاهرة المنصورة ،والتي أجد راحتي فيها فعالً؛ والمبدع داخلها؛ لذا ،فمن المأسوف عليه فأنا أعمل ما يــروق لي ،وفي أي وقت، اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
حقاً ،أن تظل المركزية الطاغية للقاهرة تاريخياً ،ماثلة وحاضرة إلى اآلن ،ورغم أن السادات كان أول من حــاول خلخلة هــذه المركزية فــي السبعينيات ..من خــال إنشاء مــدن بعيدة عن القاهرة، بين السياسي والثقافي كمدينة الــســادس مــن أكــتــوبــر ،ومدينة ¦أش ــرت إلــى عـيــوب المثقفين ..م ــاذا عن الــســادات وغــيــرهــا ،إال أن هــذه المدن أهم هذه العيوب؟ لــم تبتعد كثيراً عــن الـ ــدوران فــي فلك المركزية القاهرية ،ومن ثم ظل لزاماً ρ ρأهــم هــذه الــعــيــوب هــي ارتــمــاء المبدع والمثقف فــي أحــضــان الــدولــة بكيفية على مبدع الريف أن يأتي إلى القاهرة تحرمه من االستقاللية اإلبداعية ،وهي إذا أراد أن يبرز إبداعه للناس والعالم ،بل ظاهرة أراهــا تاريخية منذ قيام محمد يظل يتوجب على مبدع الريف لكي يظهر، علي بــاشــا فــي مصر بــإرســال البعثات أن يبدع وينتج ثالثة أضعاف ما يبدعه أو العلمية والثقافية ،والتي عادت إلى مصر ينتجه قرينه في المدينة .ولكن رغم ذلك، بروح االنتماء والوالء للمؤسسة الرسمية يبقى مبدع الريف أو مبدع خارج القاهرة دون سواها؛ ما أحــدث عوجاً في بنية أكثر تمكنًا من أدواته ،وأكثرعرضة للنقد المثقفين المصريين ال يزال أثره حاضراً وأكثر تجويدا؛ فالقاهرة التي ال ترحم، إلى اآلن .ولم يخرج عن هذا اإلطار سوى بها آلة ضخمة من النشر ،دفعت المبدع اثنين فقط هما «طه حسين» و«عبداهلل القاهري إلى االكتفاء بأقل القليل لكي النديم» ،اللَّ َذيْن أثّرا بصفتهما المؤسسية يرضي هذه اآللــة من جهة ،ويلتحق هو خارج مؤسسة الدولة ،بينما كان يتوجب بـ ــدوره بــاإلعــام والــصــحــافــة مــن جهة على غيرهما أن يكون مسئوالً رسمياً أخرى. حتى يستطيع أن يقدّم إبداعاً جيداً .وأنا ¦برأيك هل الشللية في الساحة األدبية لست ضد االنتماء للدولة بصفة عامة، والثقافية تعد سبب ًا فــي تهميش مبدع ولكني ضد طغيان مفهوم الــدولــة على الـ ــريـ ــف وتـ ـق ــدي ــم مـ ـغـ ـم ــوري األدب فــي مفهوم الثقافة؛ إذ يجب أن يكون المثقف المدينة؟ حراً من تأثير الدولة .وإن كان بعض هذا ρ ρطبعا يحدث هذا؛ لعيوب في المثقفين تَ َغيَّر كثيرا في الفترة األخيرة ،إنما هي من جانب ،وفي هذه الشللية التي أقاوم سمة تاريخية؛ أن تظل إما إلى يسار أو مساوئها باستمرار ،من جانب آخر ،إنما يمين أو قلب الدولة .وغير ذلك يكون من هــذه الشللية ضــروريــة .فقد أصبحنا الصعب أن تؤثر ككاتب أو مبدع بشكل عام. نعيش في عالم ال نعرف فيه جيراننا وال من شاركوننا إبداعنا نفسه؛ وبالتالي أراها ضرورية وإن كانت معطّ لة ،خاصة فــي ظــل غيبوبة األحـ ــزاب السياسية، وانعدام الحياة السياسية النشطة.
115
¦ب ــرأي ــك م ــا الـ ــذي ي ـتــوجــب ع ـلــى الـكــاتــب وال ـم ـث ـقــف فـعـلــه لـلـحـفــاظ ع ـلــى زخـ ِـمــهِ األدبـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ــي ظ ـ ــل اش ـ ـت ـ ـبـ ــاك ال ـس ـي ــاس ــة وهيمنتها؟ ρ ρفي ظل واقــع غير إنساني ال ينهض إال بفعل السياسة ،تتوارى القيم ،ويتوارى الفن واألدب إلى مرتبة ثانية أو ثالثة، وفي مثل هذه الوضعية ،وعندما تكون النار مشتعلة ..فال مجال للفن أو لألدب النشغالنا بإطفائها أوالً ،وبالفعل النار مشتعلة منذ زمــن؛ لــذا ،فإن الكاتب أو األديب أو المثقف الذي ينوي كتابة قصة أو قصيدة أو رواية ،يتوجب عليه أن يلوذ بنفسه قليال ،وينفصل عن مؤثرات الحياة الكثيرة والبشعة والقاسية والالإنسانية.
ρ ρبالتأكيد نعم ،وخداعه ليس ألنه يعرف الحقيقة ويجهلها أو يتغاضى عنها لحساب أن يكون أُلْعَبانًا ،بل ألنه يفهم السياسة على أنــهــا هــكــذا ،وأن ــك لكي تكون سياسياً ..فال بد أن تكون ألعباناً تجيد القفز على جميع الحبال .ولألسف النظرة الحقيقية لمجتمع األدب في مــصــر ،أنـــه يــوظــف تــوظــيــفــا لحساب السياسة ،وبغرض مكاسب محدودة؛ إنما الباقي والثابت طــوال التاريخ هو الفن واألدب؛ فالناس تتذكر المبدع وليس السياسي أو الحاكم ،ونقاد األدب والفن في أي أمة ،هو تراكم للمعرفة مطلوب ومهم جداً. ¦المفاهيم القديمة كالناصرية والقومية العربية هل ما تــزال قابلة للتداول اآلن كما هي؟
¦عـلــى ذك ــر اش ـت ـبــاك الـسـيــاســة بــالـثـقــافــة، ب ــرأي ــك م ــا ال ـ ــذي ي ـع ـكــر ص ـفــو ال ـعــاقــة الحالية بين السياسة من جانب واألدب ρ ρال ،كــل هــذه المفاهيم أصبحت بالية، بفعل مــا نعيشه مــن الــفــوضــى ،وكنت من جانب آخر؟ أتمنى أن توجد في المجتمع تلك البنية ρ ρأَنَّ كليهما صار غير إنساني؛ فالسياسة الواضحة لكل تلك التوجهات من ليبرالي تتخذ قـــرارات بعيدة عــن الــواقــع وعن وناصري وماركسي ..إلــخ ،لكننا نعاني حياة الــنــاس ،واألدب يناقش القضايا شخصا ً من السيولة الفكرية التي تجعل اإلنسانية التي يــراهــا مهمة .وال شك شيوعيًا يتكلم صفحة كاملة عن رحلته أن هناك مسافة بين االثنين؛ فالسياسة إلى الحج!! ولكنّي أعتقد أن ما ينتظرنا هي القائد والموجه للواقع اآلن ،وقرا ٌر هو مرحلة ليبرالية يقف فيها كل شخص ســيــاســيٌ واح ـ ــد ..بــإمــكــانــه أن يذهب عند حدود المساحة المخصصة له. بالبشرية وبالفنانين وبــاألدبــاء إمــا إلى الجنة الموعودة ،أو إلى جهنم!! الترجمة والسينما ¦بــرأيــك ،هــل يجيد السياسي فــي عالمنا خداع المثقف؟
116
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
¦هل ترى حركة الترجمة العربية بصورتها الـحــالـيــة ق ــادرة عـلــى مــواكـبــة التنافسية
ρ ρبــالــطــبــع ال .أقــولــهــا وب ــك ــل ص ــرام ــة؛ فالمؤسسات الدولية ترسل لقطاعات ¦مـ ــاذا ع ــن رأيـ ــك ف ــي ال ـم ـســرح الـمـصــري الترجمة بوزارات الثقافة ،فتقوم الوزارات حالياً؟ بترشيح األسماء التي يعرفونها ،ثم يترتب ρ ρالــمــســرح الــمــصــري (ف ــي األرض) ،يا على ذلــك ترجمة كتابات ال تعبر عن صــديــقــي ،الــمــســرح الــنــاهــض للشعوب المستوى الحقيقي لألدب والرواية لدينا، الناهضة ،والعكس صحيح!! وبالطبع ال يخلو األمر من مجاملة هنا راض عــن تجربتك في ¦إلــى أي حــد أنــت ٍ أو مجاملة هناك ،فهناك حالة «هرجلة» الكتابة للطفل والطفولة؟ وهــل هناك وفوضى شاملة ،خاصة في الحالة األدبية نية للعودة مجدد ًا لهذا العالم؟ المصرية؛ فمن يتذكرونه يمنحونه جائزة مــن جــوائــز الــدولــة ،أق ــول ذلــك ووزيــر ρ ρبالتأكيد لستُ راضــيـاً كل الــرضــا؛ فال الثقافة صديقي!! والمعنى أن االختيارات تزال الكتابة للطفل تحتاج مني إلى عطاءٍ تتم دون تمحيص وال موضوعية ،ليس أكثر من الحاصل ،خاصة وأنني أشعر بسبب سوء القصد ،بل انعكاس للواقع خــال السنوات السبع األخــيــرة بضياع الفوضوي. الكثير من القيم تحت وطأة الفوضى التي ¦ه ــل ف ـك ــرت ف ــي ت ـقــديــم إحـ ــدى رواي ــات ــك نعيشها ،وبالفعل لديَّ النيّة للعودة مجدداً للسينما؟ لعالم الطفل والطفولة ،ومؤخراً أرسلت ست قصص لـ «قطر الندى» ،ورغــم أن ρ ρفكرت بالفعل .ولك ْن لكَ أن تتصور أن الكتابة للطفل مرهقة جداً بالنسبة لي؛ روايتي األولــى «بشاير اليوسفي» كانت تتكلم عن إجهاض نتائج حــرب أكتوبر ألني أكتب القصة بعين الطفل ،إال أنّ بسبب السياسة ،وهــو ما استحال معه الــعــودة إلــى هــذا العالم تستحوذ على تقديمها للسينما؛ فكيف يتم عمل رواية اهتمامي بكل تأكيد. تــديــن الــتــوجــه الــســيــاســي وتــعــلــي شــأن ¦في الختام ،كلمة أخيرة لمجلة الجوبة التوجه العسكري ..هناك عقبة دائمة الثقافية؟ فيما أكــتــب ،وأنــا أرفــض إ ّال أ ْن يؤخذ عملي كله وال يقتطع منه؛ فالكاتب هو ρ ρفي تقديري الشخصي أن العمل المنتج هــو السبيل الــوحــيــد لنهضة أي أمــة، مــوقــف الــمــعــارض دائــمــا ،أي المضيء ومجلة الجوبة تمثل فئة المنجز الثقافي بمنطقة خطرة ووعــرة ،هــذه وظيفته.. المحترم ،وســوف أعكف على قراءتها وليس له وظيفة غير ذلك .وبصفة عامة، أرى في سينما داوود عبدالسيد حالة ومتابعتها. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
األدبية العالمية؟
ناهضة أستمتع بها ،وتع ّد استثنا ًء في ظل السيولة الفكرية التي نعيشها في مصر.
117
فهد ردة الحارثي
المسرح السعودي ينافس بقوة الحركة المسرحية العربية مسرحي متميز .أوقف مشروعه اإلبداعي على التأليف المسرحي .كوّن فرقة ٌّ مسرحية تميزت في المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية .لفت انتباه المسرحيين داخــل المملكة وفي جميع أنحاء العالم العربي ،فمنحوه الجوائز ورش لتعليم التمثيل المسرحي ،والتأليف بجمعية والتكريمات .داوم على إقامة ٍ الثقافة والفنون بمحافظة الطائف. آمن بالتجريب ..فقدم أكثر من اتجاه في المسرح مثل :الملحمي والحكواتي وقالب المونودراما .له أعمال مسرحية متميزة منها« :يا رايح الوادي»»،بيت العز»، «شدت القافلة» »،النبع»« ،البابور» »،أنا مسرور يا قلعة»« ،زبن خليك رجال»« ،الفنار»، «البروفة األخيرة»« ،المحتكر» »،لعبة كراسي»« ،بــازار» .كما كتب نصوصا متميزة منها« :يوشك أن ينفجر»« ،عندما يأتي المساء»« ،ملف إنجليزي»« ،شروق مريم» «سفر الهوامش». ■ حاورته :هالة موسى
118
¦ما هي أهم العتبات الفنية التي مرت
أصنع أسلوبي الكتابي مــن خالل
بحياتك طوال مشوارك المسرحي؟
مشاريع مسرحية ،بــدأت بمسرح
ρ ρكثيرة ..من أهمها اإليمان بمشروع
الــحــركــة وحــركــة الــمــســرح ،حيث
كتابي جديد حاولت من خالله أن
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
الــحــوارات الصغيرة السريعة التي
كــانــت بحاجة لمن يتبناها ويــؤمــن بها
وهذا ما تحقق لي من خالل الزمالء في ورشة العمل المسرحي بالطائف ،وككل
شيء مختلف عن السائد كان هنالك شك وتشكيك وحــروب صغيرة هنا وهناك.. لكني مضيت نحو مشاريعي الكتابيه
بمساندة فرقة مسرحية تبنت مشاريعي وساعدتني وقدمت لي الكثير.
¦ف ــي شـ ـه ــادة إب ــداعـ ـي ــة ل ــك ف ــي ال ـم ـســرح نيوز ..صرحت أنك اعتذرت عن كثير من المهرجانات العربية والدولية ..لماذا؟ رغـ ــم أن ال ـم ـشــاركــة تـحـقــق ل ــك خ ـبــرات ومعارف وتجارب مختلفة ومغايرة..
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ρ ρشـــــاركـــــت فــي يــــدفــــع بــعــضــهــا المسرح النسوي السعودي ..رغم ضــعــف مــا اعــتــذرت بعضاً ،ثم مشروع أنه مدعوم من وزارة الثقافة ومن عنه أعمالي ،عرضت وجــــود مــقــاربــات شركات اإلنتاج إال أنه يفتقد لمقومات العمل المسرحي فــــي ( )35مــديــنــة بــيــن لــغــة الــحــوار الناجح. عربية و( )12مدينة في المسرح ولغة ســـــعـــــوديـــــة ..وفـ ــي السرد في القصة، وظيفتي قيدت بعض مشاركاتي. رصــيــدي مــا يتجاوز وجـ ــعـ ــل الـ ــحـ ــوار ال يضيف اللقب أو الصفة ( )150مــهــرجــانــاً يدفع نفسه ويدفع لإلنسان شيئ ًا مالم يقدم الكثير محلياً وعربياً شاركت الـــحـــدث وصـــوال ويظل اسمك هو المهم وعملك بــهــا ..وحــقــقــت هــذه للعبة المسرحية، هو األهم ..وتظل األلقاب مجرد حلية ال تصنع الكثير. المشاركات ما يزيد ثم مشروع مسرح ع ــن ســبــعــيــن جــائــزة الــــمــــونــــودرامــــا مـ ــسـ ــرحـ ــيـ ــة .بـ ــاب وإيــجــاد مقاربات االعتذار كان دوماً يأتي من عدم تفرغي فيه مــع الــســرد والــســارد والــحــكــواتــي، للمسرح وارتباطي بوظيفه أخرى قيدت وأخيراً كان مسرح اليوميات والنصوص بعض الشيء من مشاركاتي.. القصيرة وتكويناتها ،كل هذه المشاريع ¦شاركت في ملف مجلة ذوات عن المسرح العربي وتحوالته ..ترى ما هي التحوالت الكبرى التي لحقت بالحركة المسرحية العربية؟ وما هو مضمون مشاركتك في هذا الملف المسرحي العميق باختصار؟ ρ ρكثيرة هي التحوالت التي صنعتها ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية ..لو عدنا لمسرح الستينيات ،وقارنّا الوضع بما هو حاصل فــي السبعينيات والثمانييات، ومضينا نحو األلفية الثانية ..سنجد حاالت من التحوالت وخصوصاً مع ظهور بدائل كثيرة ومتنوعة ،ووسائط حديثة مشغلة وملهية ،بقي للمسرح بريقه.. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
119
لكن كان مجرد فن من ضمن فنون كثيرة، ووســيــط تقليدي قــديــم وســط وسائط ¦لـمــاذا ال نجد ورش ـ ًا للكتابة المسرحية حديثة أكثر ،حتى اتجاهات المسرح.. في المملكة تليق بحركة المسرح فيها؟ تغيرت نوعية نشاطه ،شكله ،العاملين ρ ρيوجد ورش كتابة ،عَ نّي شخصياً قدمت بـــه ،كــــادت الــمــواســم الــمــســرحــيــة أن خـــال الــعــامــيــن األخــيــريــن لجامعتي تختفي ،وظهرت المهرجانات المسرحية الــطــائــف والـــدمـــام ،واألن ــدي ــة األدبــيــة وتكاثرت ،وأنجب بعضها بعضاً ،وقلّت بالطائف ومكة وحائل وجدة ،وقدم أكثر قيمتها ونوع عروضها ..الموضوع طويل مــن صــديــق الــعــديــد مــن ورش الكتابة ويــحــتــاج لــدراســات مــطــولــه ..وه ــذا ما المسرحية ،ولدينا مــواهــب كثيرة في حــاولــت مجلة ذوات البحث عنه ومنه هذا المجال يحتاجون للصقل والرعاية، وفيه وبه. وفي دولة مثل السعودية ..باتساع رقعتها ¦ ُأطــلِ ــق عليك عــراب المسرح السعودي.. الجغرافية ،دون شك نحن بحاجة للمزيد من الذي أطلق عليك هذا المسمى؟ وما من الورش التدريبية في مختلف جوانب داللته؟ المسرح. ρ ρبكل الــصــدق ..ال أع ــرف .وجــدت هذا ¦لـ ـ ـم ـ ــاذا ت ـغ ـي ــب الـ ـ ـم ـ ــرأة الـ ـسـ ـع ــودي ــة عــن الــمــســمــى يــطــاردنــي م ــن قــبــل طــابــي ال ـم ـشــاركــة الـفـعــالــة وأص ــدق ــائ ــي ،وهــو في المسرح تمثيال في دولة مثل السعودية باتساع بكل الصدق ال يعني وك ـتــابــةً وإخ ــراج ــا.. رقعتها الجغرافية ،دون شك لــي أكــثــر مــن حالة نحن بحاجة للمزيد من الورش رغ ـ ـ ـ ــم أن ال ـ ـح ـ ـيـ ــاة وف ــاء مــن أصــدقــاء التدريبية في مختلف جوانب تقوم على عنصرين أوفــيــاء ،فيما عدا المسرح. أساسين هما الرجل ذلـــــك ..ال يضيف والمرأة؟ المسرح هو في ذيل اهتمامات الــلــقــب أو الصفة وزارة الثقافة ..وربما القادم اآلن ρ ρهي غير غائبة.. لإلنسان شيئاً ما لم يبشر بالخير بحكم تصاريح فــــهــــي مـــــوجـــــودة يقدم هو لها الكثير، معالي وزير الثقافة واإلعالم بقدر قدراتها على دومـــاً يظل اسمك الجديد. المنافسة والحضور هــو المهم وعملك المصري.. القومي المسرح ظهور في التأليف ،هنالك هـــو األهـــــم وتــظــل بحكم عدد العروض وخدمة مــلــحــة الــعــبــداهلل، األلقاب مجرد حلية اإلعالم له. ورجاء عالم ،وعبير ال تصنع الكثير.
120
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
¦هل تضع وزارة الثقافة السعودية الحركة الـمـســرحـيــة عـلــى قــائـمــة أولــويــاتـهــا مثل الشعر والرواية؟
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
نفسه ،لم يصل لحالة العرض المسرحي المتكامل ،هي محاوالت لصنع الحالة فقط ..وهي تفتقد للمشروع ،وتتكئ على دعم كبير من وزارة الثقافة ومن شركات اإلنتاج؛ لكنها تفتقد جداً لمقومات العمل المسرحي الناجح حتى اآلن.
ρ ρأتصور أنــه في ذيــل االهتمامات ،ربما القادم اآلن يبشر بالخير بحكم تصريحات جــيــدة لمعالي وزي ــر الثقافة واإلع ــام الجديد ،كما أن هنالك هيئة مستقلة للثقافة تتشكل حالياً ،وسيكون لها دور في الدعم ،وكذلك األمر في ظل تشكيل جــديــد لمجلس إدارة جمعية الثقافة والفنون بقيادة الدكتور عمر السيف.. وحــديــثــه المستمر عــن دعــم المسرح، األمور مبشرة ونحن في االنتظار..
الباز في اإلخــراج .هنالك أكثر من اسم يجتهدن في مجال المسرح النسائي في الديكور والتصميم والمكياج وفي التمثيل فــي المسرح النسائي ،فــي المقارنة.. سنجد المشكلة عربية وليست سعودية.. بمعنى كم مؤلفة عربية مقابل المؤلفين؟! كــم مــخــرجــة مــقــابــل الــمــخــرجــيــن؟! كم مصممه إضاءة وديكور مقابل الرجال؟! مسرحا سعوديًا ً ¦هل يمكن أن نجد قريبًا العدد قليل دون شك .وفي الخالصة.. يرتاده الرجال والنساء سويًا دون حرج أو هذا مجال لمن يثبت نفسه أكثر ،ومن وحجب؟ ْ منع يواصل عمله دون تصنيف. ρ ρهــو مــوجــود األن ..كثير مــن الــعــروض ¦مــن خــال متابعتي المتواضعة لحركة والــمــهــرجــانــات تهتم بتخصيص مكان المسرح السعودي الـنـســوي ..هــل يمكن للنساء ،وتعلن عن ذلك .وأصبح الحضور أن نطلق عـلــى تـلــك الـتـجــارب مصطلح للرجال والنساء والــعــائــات فــي أغلب مسرح نسوي؟ وهل تشكلت مالمح حركة العروض التي تقدم اآلن. مسرحية نسوية في المملكة؟ ¦مــا رأي ــك فــي مـهــرجــان الـمـســرح القومي
ρ ρال أعتقد ذل ــك ..مــا يــزال األمــر يشكل
ال ـم ـص ــري؟ وه ــل ن ـجــد قــري ـ ًبــا مـهــرجــانــا اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
121
قوميا للمسر ح في المملكة أو حتى في الخليج؟
122
أحمد األحمري ،سامي الزهراني ،عباس الحايك ،صالح زمانان ،سلطان الغامدي، سلطان النوه.
ρ ρمصر أم الدنيا وأم الفنون ..ومهرجاناتها ¦متى يمكن أن نقول لدينا مسرح سعودي ال تنقطع طوال العام ،ومهرجان المسرح يـنــافــس ال ـحــركــات الـمـســرحـيــة فــي بقية القومي يلعب دوراً مهماً في تكوين حركة الوطن العربي؟ المسرح المصري وحــراكــه وتشكيلهما ورصدهما؛ وله ما يماثله في جميع الدول ρ ρهو منافس اآلن بحضوره وجوائزه خالل العربية ،لكن ظــهــور الــمــســرح القومي عــام 2006م ،حقق هــذا المسرح ()40 المصري ..بحكم عدد العروض وخدمة جائزة عربية ..وهذا يدل على نجاحاته اإلعالم له. وقدرته على المنافسة .هو اآلن بحاجة لتركيز اشتغاله محلياً ،فال يكفي النجاح ¦مــا هــي أب ــرز األس ـم ــاء ال ـتــي لـهــا دور في الخارجي عن النجاح الداخلي ،هنالك الحركة المسرحية السعودية؟ حاجة لدعم العروض الداخلية وتوفير ρ ρكثيرة هي ،وكل من يعمل بهذا المسرح فرص العمل لها. يــســتــحــق أن ي ــذك ــر اسـ ــمـ ــه .هــنــالــك ¦هل يمكن أن نجد معهدا عاليا للفنون عبدالرحمن المريخي ،وعبدالرحمن الـمـســرحـيــة فــي الـسـعــوديــة أو أكــاديـمـيــة الــحــمــد ،ومــحــمــد الــهــويــمــل ،وراشـ ــد للفنون؟ الــشــمــرانــي ،وعــبــدالــعــزيــز الصقعبي، وأحــمــد األحــمــري ،وســامــي الــزهــرانــيρ ρ ،هنالك خطة في المجمع الملكي للفنون، ومساعد الزهراني ،ومحمد الجفري، وهنالك خطط في أكثر من جامعة نحو وعباس الحايك ،وخالد الحربي ،وأحمد ذلــك ،ومنها جامعة الطائف .وهنالك ال ــس ــروي ،وجــمــعــان الــذويــبــي ،ونــاصــر معاهد خاصة تنتظر الترخيص لتعمل، الظافر ،وعبدالباقي بخيت ،وعبدالعزيز وهي اآلن تقدم دورات متخصصة. الــســمــاعــيــل ،ونــــوح الــجــمــعــان ،وعــلــي ¦م ـ ــا ه ـ ــي أهـ ـ ــم مـ ـش ــاريـ ـع ــك ال ـم ـس ــرح ـي ــة الــغــونــيــم ..أخــشــى أن أك ــون قــد نسيت المستقبلية؟ الكثير أيضا. ρ ρعدة أعمال جديدة مع بداية العام الجديد ¦مــن تــرشــح لـجــائــزة مـســرحـيــة كـبــرى من مع الصديق سامي الزهراني ،ومع رفيق المسرحيين السعوديين؟ دربي أحمد األحمري ،ومشاركات داخلية وخارجية لمسرحية تشابك. ρ ρكُثر أيــض ـاً ..وقــد حقق ذلــك مــن قبل: اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
المنهج النفسي في النقد رؤية تنظيرية ■ أ .د .صبري مسلم حمادي*
ينفَذ هــذا النمط مــن النقد إلــى النص الفني عبر الـظــاهــرة النفسية التي يستثمرها ويفيد منها ،من أجل إضاءة الجانب الفني ،ويخشى على النقد النفسي من أن يتحول إلى علم نفس ،وأن يكون توغله في هذا التخصص الحديث نسبي ًا على حساب الجانب الفني؛ وإذا ما حرص الناقد على طرفي المعادلة (النص الفني وعلم النفس) بحيث ال يطغى أحدهما على اآلخــر ،فــإن النقد النفسي مناسب للدخول إلى رحاب بعض األعمال الفنية الشعرية أو السردية دون سواه من المداخل النقدية. أفاد النقد النفسي كثيراً من أفكار الطبيب وعالم النفس سيجموند فرويد، ومنها فكرة الشعور والالشعور ،أو الوعي والالوعي ،وأفكار أخرى منها تقسيمه النفس إلى األنا واألنا العليا والـ (هـي)، وتفسيره التاريخ مــن منطلق نفسي، وقــد أســنــد أفــكــاره النفسية بثقافته الفولكلورية واألســطــوريــة العريضة. وعلى سبيل االستدالل نذكر أنه استعار مصطلح عــقــدة أودي ــب مــن مسرحية «أوديبيوس ملكا» ،للكاتب المسرحي
اإلغريقي سوفوكليس ،وينطبق هذا على مصطلحات نفسية أخرى استمدها سيجموند فرويد من التراث اإلغريقي المسرحي والملحمي .ولسيجموند فرويد آراء نافذة في تفسير األحالم، كما أن له كتابًا عن النبي موسى عليه السالم يحلل فيه الديانة اليهودية من منطلق نفسي ،ولديه أفكار عن إبليس رمز الشر في هذا العالم .وهو ماه ٌر في تأويل النصوص اإلبداعية والنفاذ إليها من المدخل النفسي؛ ما جعله اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
123
بدراسة تحليلية لمأساة هاملت ..منتهياً إلى مؤسساً للمنهج النفسي في النقد. وجاء أحد أبرز طلبته كارل غوستاف يونج أن هذه المسرحية ليست سوى تصوير مقنع الذي عرف اسمه مقترناً بفكرة الالشعور بعناية بالغة لحب صبي ألمه ،وما نتج عن بغض ألبيه وغيرةٍ منه(.)1 الجمعي ،التي أفــاد منها النقد النفسي ،ذلك الحب من ٍ كما أف ــاد منها نمط آخــر مــن النقد هو ويلخص إمبرت المنطلق األساس للمنهج النقد األسطوري ،الذي يستفيد من بعض النفسي في النقد بقوله وببساطة بالغـة :إن منطلقات المنهج النفسي والمنهج التاريخي التاريخ والمجتمع واللغة «تعمل في إنسان من أيضا .ويبدو أن التحليل النفسي الــذي ال لحم وعظم ،ويتكون المنهج النفسي من فهم تنفرد به مؤلفات فرويد فقط ..بل نجد منها هذا اإلنسان»( ،)2إن حياة الفرد مثل لحن - نماذج متميزة لبعض تالمذته وأتباعه الذين كما عبّر إمبرت -واألدب الذي ينتجه الفرد أضــافــوا إلــى مــا ابتكره سيجموند فرويد تنوّعات من لحنه العميق ،ومعرفة الفرد الكثير مما يلتقي مع أسلوبه في التحليل نفسياً تسمح لنا بأن نقوّم عمله على نحو الفني والــتــأويــل واالستنتاج .ومــن تالميذ أفضل(.)3 فرويد الذين نهضوا بالنقد النفسي وأضافوا ينسجم هذا النمط من النقد -وأعني إليه إرنست جونز ،وليفي بريل مؤلف كتاب بــه الــنــقــد الــنــفــســي -مــع بــعــض األعــمــال العقلية البدائية ،وشــارل بــودوان وسواهم .األدبية دون سواها ،وهو ينفذ إلى أعماق وقد سبق أن أشرنا إلى كارل غوستاف يونج بعض األدباء والفنانين دون غيرهم ،فامرؤ تلميذ فرويد الذي تحوّل إلى قطب مهم من القيس وعمر بــن أبــي ربيعة وأبــو الطيب أقطاب المنهج النفسي والمنهج األسطوري المتنبي وابن الرومي وأبو نواس والسياب في النقد. ونــزار قباني وعبداهلل البردوني ..اتخذت
124
ولعل ما أورده إرنست جونز عن اآلليات التي تسهم فــي اإلب ــداع الفني مما يهمنا هنا ..إذ ذكر أن هذه اآلليات « مشابهة إلى حد بعيد لآلليات التي تقوم وراء عمليات ذهنية غير متماثلة في الظاهر ،كالنكتة واألعــراض العصابية واألحــام ،وربما كان الفرق الجوهري بين األحــام واإلبــداع ،أن الميكانزم الرئيس في اإلبداع هو التفكيك، وهو عكس الميكانيزم الرئيس في األحالم.. أعني التكثيف ،وقد أوضح جونز آراءه هذه
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
ال على طبيعة نفوسهم بعض نصوصهم دلي ً وتوجهاتهم ونوازعهم ،ولكنّ بعض األحكام التي أطلقت عليهم كانت قاسية ،ولم تأخذ بنظر االعتبار السياق الــذي جعل الشاعر يقول ما قاله ،فهل امرؤ القيس مضطرب نفسياً؟ وهل عمر بن أبي ربيعة وأبو الطيب المتنبي نرجسيان؟ ومثل ذلك يقال عن نزار قباني الــذي اتهم أيضا بأنه مصاب بداء النرجسية ..في حين اتهم بدر شاكر السياب بأنه مازوخي (ماسوشي) إذ يحس باالرتياح
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
حين يعذّبه المرض! وهو اتهام غريب على أراد أن يدينه فرانز كافكا من خالل روايته أيــة حــال .وثمة تساؤالت أخــرى مستوحاة المسخ .ومما يتبادر إلى الذهن بعض روايات من بعض األحكام التي استندت إلى المنهج نجيب محفوظ ،والسيما رواية السراب التي ال ال إرادة له بسبب تعلقه الــنــفــســي ،وتــوصــلــت مــن خــالــه إل ــى آراء ينشأ بطلها مدل ً خالفية قد يجانبها الصواب ،ومنها أيضا ما بأمه ،واعتماده عليها ماديًا ونفسيًا ،ولذلك قيل عن الشاعر عبدالوهاب البياتي بأنه كان يعاني من إحباط شديد في زواجه ،ألنه ال سادياً في هجومه على مجايليه من الشعراء يرى في زوجته بديال مطابقا لشخصية أمه. واألدبـ ــاء ،إذ يحس بــاالرتــيــاح حين يهاجم وأما بطل رواية الطريق لنجيب محفوظ ،فإنه أحدهم ،وهل أن أبا نواس كان مصاباً بعقدة ينتمي ألمه في نهجها المنحرف ،ويحاول أن أوديب حقا؟ وهل ِشعْر بشار بن برد وقصائد أبي العالء المعري وشعر عبداهلل البردوني يقلدها ..فينتهي به المطاف متلبساً بجريمة كان ثمرة إلحساسهم بالنّقص الشديد بسبب قتل ،وهي نهاية تتسق مع الجذور النفسية إعاقتهم الجسدية؟ يصعب علينا أن نحدد واالجتماعية لبطل الرواية. فائدة كبيرة للنقد واألدب مستقاة من مثل ومــمــا يــذكــر هنا أن مثل هــذه األعــمــال هــذه األحكام غير الدقيقة .بيد أن بعض اإلبداعية يمكن أن ندخل إليها عبر مداخل األعمال اإلبداعية المهمة يمكن أن تضاء نقدية أخرى غير المنهج النفسي ..بيد أن عبر المنهج النفسي ،فهذه رواية فرانز كافكا المدخل النفسي يبدو هــو األنــســب نظرًا الموسومة (المسخ) ،يمكن أن يتصدر النقد لطبيعة شخصياتها وأحــداثــهــا ،مــا يتيح النفسي بقية المناهج في النفاذ إلى عالمها؛ لنا التوغّ ل إلى تفاصيل هذه الشخصيات ألن بطلها يجد نفسه فجأة وقد استحال إلى والــدالالت الكامنة خلف سلوكها ،وهو مما صرصار ..إلى حشرة ،فماذا يفعل؟ وماذا بوسع أسرته أن تفعل؟ ما يفتح باب التأويل يمكن أن يضيئه علم النفس الحديث ،وبدون على مصراعيه؛ إذ تبدو الداللة األساس في أن ندخل في تفاصيل هــذا العلم ..بحيث االغتراب النفسي واإلحساس الحا ّد لبطل يبدو النقد وكأنه تقرير يعكس أمراضا أو روايــة المسخ ..بعدم األهمية واالنسحاق عقدا نفسية ،وبذلك يكون المهاد النفسي في ظروف المجتمع األوربي المادي ،الذي وسيلة الناقد وليس هدفا بحد ذاته. * أستاذ اللغة العربية بقسم اللغات األجنبية في كلية واشتناو ،أن آربر ،متشيجان ،الواليات المتحدة األمريكية. ( )1د .مصطفى سويف ،األسس النفسية لإلبداع الفني ،دار المعارف بمصر ،ط ،3القاهرة ،ص76-75 ( )2إنريك أندرسون إمبرت ،مناهج النقد األدبي ،ترجمة :د.الطاهر أحمد مكي ،دار المعارف ،ط ،2القاهرة 1992م ،ص128 ( )3نفسه ،ص135 اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
125
فيليب جرونييه
أول برلماني فرنسي مسلم ■ د .أبو بكر خالد سعد اهلل* لم يعرف تاريخ البشرية رجال مثل الفرنسي فيليب جرونييه Philipe Grenier
(1865م1944-م) في توجهه الفكري ومسار حياته .فهو فرنسي قــحّ ،ولد يوم 14 أغسطس سنة 1865م بمدينة بونتارلييه Pontarlierالفرنسية الواقعة في منطقة دوبس .Doubsوكانت أسرته من األسر البورجوازية الفرنسية العريقة المتشبثة بالكاثوليكية .وقــد فقد أب ــاه وعـمــره لــم يتجاوز ســت سـنــوات .وهـكــذا ظــل تحت رعاية والدته المتديّنة مع أخوين له .ومن المعلوم أن الوالد كان نقيبًا في جيش الخيّالة ،وكان عضوً ا في قيادة األركان لدى نابليون الثالث ،وتوفي عام 1872م. وعــنــدمــا بلغ فيليب ســن العاشرة
أصــيــب خـــال الــلــعــب عــلــى مستوى الحوض في جسمه ،ومنذ ذلك الحين
عصا يرتكز عليها صار أعر َج يستعمل ً عند المشي .أما دراسته فقد تُوّجت
بشهادة الثانوية العامة سنة 1883م، ومــن ث ـ ّم دخــل كلية الطب فــي باريس
وحــصــل على الــدكــتــوراه عــام 1889م
126
اعتناق اإلسالم ودخول البرلمان كانت الجزائر في ذلك الوقت محتلة من قبل فرنسا منذ 1830م ،وشعبها يعيش االضطهاد االستعماري ،ويسكنها قلة من الفرنسيين القادمين من فرنسا جعلت منهم القوانين رعايا فوق العادة. أما السكان األصليون فكانوا في بؤس كبير ويعاملون كالعبيد.
استقر بعدها في مسقط رأسه (مدينة وكان الدكتور فيليب قد فتح عيادة طبية في مدينته عام 1890م ،وفي تلك بونتارلييه). اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
شرع فيليب في قراءة القرآن ..فتأثر به، وخطرت بباله فكرة اعتناق اإلســام ،وقد كشف عن ذلك لوالدته عام 1890م ،لكنه لم يعلن إسالمه مفضال تأجيل اعتناقه بضع ســنــوات قبل اإلع ــان ،حتى ي ــزداد إلمامه بتعاليم اإلسالم والتعمق في روحانياته.
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
السنة زار أخاه المقيم في مدينة البليدة التي تبعد ( )50كلم عن عاصمة الجزائر .وكان ذلك أول احتكاك له بمسلمي االمبراطورية االستعمارية الفرنسية خــارج فرنسا األم. وخــال هــذه الــزيــارة ،هاله ما شاهده من بــؤس وفقر لــدى هــؤالء السكان المسلمين الذين لم تمنحهم الــدولــة الفرنسية صفة المواطن خالفا للسكان اليهود األصليين. وفي ذات الوقت لفتت انتباه فيليب عادات المسلمين وتقاليدهم وطقوسهم الدينية. وحـــاول فهم المشهد الــروحــي مــن جهة، والوضع االجتماعي المزري الــذي تعيشه تلك الفئة من السكان من جهة أخرى.
رسم يظهر فيليب جرونييه.
تقدم إلى االنتخابات البرلمانية ممثال لمنطقته في أواخر القرن التاسع عشر .ففي عام 1896م جرت في منطقة الدكتور فيليب جرونييه انتخابات برلمانية لتعويض نائب وافته المنية خالل عهدته .وتقدم مرشحان قويان أبرزهما ابن البرلماني المتوفى قبل نهاية عهدته ،وكذا ثالثة مرشحين آخرين مغمورين ،منهم الــدكــتــور جرونييه .وفي الــدورة األولى لالنتخابات كان هذا األخير في المرتبة الثالثة .ورغم ذلك تمكن فيليب من الفوز في الدورة الثانية ،إذ تبوأ المرتبة األولــى .كــان خــال حملته االنتخابية يبدأ حديثه بـ «الحمد هلل» ،وهــو ما جلب إليه سخرية بعض الناس ،حتى أنه لُقب بـ «رسول اهلل» .وكــان يتميّز بخطابه المختلف عن المرشحين اآلخرين بمضمونه االجتماعي والدعوة إلى التآخي.
ثم عاد إلى مدينة البليدة مرة ثانية عام 1894م ،علمًا أنه كان خالل تلك السنوات األربع يقرأ ويتأمل في اآليات القرآنية .وفي البليدة اعتنق هذه المرة اإلسالم وعمره لم يبلغ ثالثين سنة .ومن ث ّم أدى مناسك الحج. وعند رجوعه إلى فرنسا صار مستشارًا لشيخ بلدية بونتارلييه ،وأصبح يعتني في المدينة إلــى جــانــب النظافة العمومية ومساعدة المعوزين .وقد غيّر هندامه ،وصار يرتدي في فرنسا لباس مسلمي الجزائر التقليدي الــمــتــمــثــل فــي قــمــيــص فــضــفــاض وبُــرنــس قبل يوم 20ديسمبر 1896م لم يكن هناك مسل ٌم منتخبٌ في البرلمان الفرنسي .وكان وعمامة ،وأظهر إسالمه للناس جميعا. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
127
النواب مسيحيين أو يهوداً أو ملحدين .ففي ذلك الوقت لم تكن توجد قوانين تميز بين الديانات في االنتخابات البرلمانية. أدان جرونييه الوضع في البرلمان ،فقد الحــظ الــبــذخ الكبير بــداخــلــه ،وبالمقابل بؤس ال يطاق على مستوى المواطنين .يرى ٌ المتتبعون أن فيليب جرونييه من الشخصيات اإلسالمية البارزة في فرنسا التي لم تلق من االهتمام ما تستحقه لدى المؤرخين .وقد عُرف في مدينته بأنه رجل مسلم مستقيم، يعطف على الفقراء والمساكين كإنسان وكطبيب ،ويُندّد جهر ًة بالظلم في األوساط الشعبية. وكــان السياسي الفرنسي الشهير جون جوريس 1859( Jauresم1914-م) قد نصح بأن يكون جرونييه «ممثال لمسلمي فرنسا» وكذلك كان الحال .وفي هذا السياق ،وإثر زيــاراتــه المتكررة للجزائر ،صــار جرونييه يــحــذر مــن أحـــداث الشغب والــتــمــرد على
فرنسا في تلك المنطقة نتيجة جور القوانين الــســاريــة هــنــاك .ومــن غــريــب الــصــدف أن يتم بعد موته ببضعة شهور ،خالل الحرب العالمية الثانية ،تحرير مدينة بونتارلييه من الجيش األلماني بفضل تدخل وحدات قناصة ذوي أصول جزائرية جندتها فرنسا! ومــن بين اقتراحاته أيضا تقليص عدد محالت بيع الخمر ،وتسليط ضريبة على الخمور ،لتمويل إنشاء جيش من األهالي المسلمين فوق التراب الفرنسي األوروبي. فقد كان جرونييه يدافع في البرلمان عن تشكيل جيش تابع لفرنسا مشكل من السكان األصليين في الجزائر وتونس والسنغال ،وهي مناطق كانت مستعمرات فرنسية آنــذاك، علما أن منطقة السنغال ليست دولة السنغال الحالية ،بل هي أقرب إلى دولة مالي اليوم الواقعة جنوب الجزائر .تجدر اإلشارة هنا إلى أن فرنسا في تلك الفترة كانت معزولة ألسباب كثيرة :فبريطانيا تنافس فرنسا في أراضي المستعمرات خارج أوروبا؛ ومن جهة أخرى ،يوجد تحالف مناوئ لها بين ألمانيا وإيطاليا والنمسا ودول أخرى. وفي البرلمان ،دافــع جرونييه بقوة عن السكان المسلمين في المستعمرات .وطالب بنجدتهم وبتوفير الحبوب لهم للزراعة، وطــالــب ببناء الــمــدارس .أمــا فيما يخص المنطقة التي يمثلها ،فطالب بدعم وسائل النقل والتخفيف من آثار الفقر.
فيليب جرونييه.
128
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
عندما تم انتخابه صار فعال ممثال للعرب والمسلمين ،وكان يزور الجزائر دوريًا لتقصي الحقائق حول الوضعية المزرية التي يعيشها
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
جانب من مسجد فيليب جرونييه بمدينة بونتارلييه الفرنسية
األهالي من السكان األصليين (المسلمين). ويبدو أن تركيزه على قضية المسلمين في الجزائر أنساه االهتمام بالمواطنين الذين انتخبوه في مدينته بفرنسا .وهو ما جعله يخسر االنتخابات الموالية ..ولــم يُنتخَ ب بعده أحد من مسلمي فرنسا. وعلى كل حال فقد عاود جرونييه الترشح لعضوية البرلمان حتى عام 1902م ،لكنه لم يوفّق ..فترك النشاط السياسي .وكرّس حياته لممارسة مهنة الــطــب ،وكــان يقوم بمعالجة الفقراء مجانًا ،ويقتني األدوية لهم حتى وافته المنية يوم 25مارس 1944م. ردود فعل الصحافة إثر انتخاب الدكتور فيليب نائباً مسلماً في البرلمان ،ثارت ضجة كبيرة في باريس، واتخذ الصحفيون من الخبر مــادة دسمة غ ــذت الــجــرائــد م ــدة طــويــلــة .فــقــد شنوا ضده حملة شعواء تعرضوا فيها إلى لباسه اإلسالمي غير المألوف في فرنسا ،وذهب بعضهم إلــى الــقــول بأنه متعدد الــزوجــات
(وهذا يعتبر منكرا في فرنسا المسيحية)، واتهم بأنه يريد تطبيق الشريعة اإلسالمية دون غيرها في فرنسا .ولم يكن جرونييه يخفي إسالمه عن من انتخبوه ،وكانوا يرونه في شــوارع المدينة بذلك اللباس الالفت لألنظار .كما تعرض المتطرفون إلى تشويه ديانته بشكل مقيت. ومن تلك الصحف نجد الجريدة المسيحية التوّجه «الكــروا» («الصليب») تكتب« :قبل سنوات كان المرت ّد (فيليب جرونييه) أبشع مخلوق في فرنسا المسيحية ،أما اآلن فقد أصبح نائبا من نوابها في البرلمان» .وكتب صحفي آخــر أن جرونييه جــاء مــن ملجأ للمصابين باألمراض العقلية! وق ــد ط ــرح عــلــيــه الــصــحــفــيــون ي ــوم 30 ديسمبر 1896م واب ــاً مــن األسئلة حول اعتناقه اإلسالم ولباسه ،مثل :لماذا أصبحت مسلما؟ ما هي مزايا اإلسالم؟ ما رأيك في تعدد الزوجات؟ وفي القضاء والقدر؟ ومن بين ردوده نــقــرأ فــي جــريــدة «لــوجــورنــال» اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
129
الصادرة يوم 31ديسمبر 1896م« :تريدون أن تعرفوا كيف أصبحت مسلما؟ ذلك يتماشى مع ذوقي وميوالتي ومعتقدي ،ولم يكن ذلك نــزوة أصابتني .فمنذ شبابي كان اإلسالم وعقيدته قد أثّرا في نفسي تأثيرا ال رجعة فيه ...لكني لم اعتنق الدين اإلسالمي إال بعد قراءة متأنية للقرآن ،متبوعة بدراسات معمقة وتأمالت مطوّلة .اعتنقت هذه الدين وهذا المذهب ألنهما ظهرا لي منطقيَيْن. وعلى كــل حــال ،فهما أكثر مطابقة للعلم مقارنة بالدين المسيحي ومذهبه .أضيف أن تعليمات القانون اإلسالمي ممتازة ،فمن الناحية االجتماعية ،فإن المجتمع العربي يعتمد اعتمادا كليا على تنظيم األســرة، كما أن مبادئ العدل واإلنصاف والصدقة للمعوزين هي الوحيدة ذات الصدارة .أما في موضوع النظافة -وهو موضوع ذو أهمية بالنسبة للطبيب -فاإلسالم يحرم الخمر، ويــأمــر بــالــوضــوء وغــســل الجسم واللباس بصفة متواترة».
130
وعشرين دقيقة غادر البرلماني المحمدي القاعة ...وفي ركن من شارع بوغونيه أدى إحدى صلواته .وفي هذا المكان أحاط به نحو مائة مواطن جاءوا لتحيته». وفي جريدة «لوراديكال» نقرأ في عددها الصادر يوم 14يناير 1897م« :سلك الدكتور جرونييه شارع سانت جرمان راجال للوصول إلى مقر إقامته .وهناك التحق به صحفي من جريدة «لومتان» فدار بينهما نقاش وردت فيه هذه االنطباعات: سيدي النائب ،أنت تغادر البرلمان قبلنهاية الجلسة؟ جرونييه :نعم ألن لي صلوات يتعيّن عليّتأديتها. إذن ستغادر البرلمان كل يوم على الساعةالرابعة؟
جرونييه :أكون أكثر طمأنينة عندما أصلّيفي إقامتي .ورغم ذلك سأرى مستقبال إمــكــانــيــة أداء كــل مــنــاســكــي فــي مقر البرلمان .بهذا الخصوص يعتقد بعضهم ومن الساخطين نجد أيضا مقاال صحفيا أني عند السجود أقبّل األرض .ال أبدا! صــدر بُعيْد التحاق فيليب بالبرلمان جاء أنا ال أقبّل األرض.»... فيه« :كانت تشريفات اليوم للنائب المحمدي وقد انقسمت الصحافة إلى قسمين ،قسم (أي جرونييه) بدون منازع ...وكان المهرّج البرلماني (أي جرونييه) قد أحاط به جمع يتهكم ويدين انتخاب شخص بهذه العقيدة غفير من الفضوليين جاءوا لحضور «السالم في البرلمان ،وقسم كان أكثر اتزانا .فهذه عليكم» التقليدية لمتبع ملة محمد ...فبمجرد جريدة «لوفيغارو» الباريسية الشهيرة تقارن دخوله ومروره بأحد األبواب أرسل بقبلة إلى جرونييه باألديب فيكتور هيجو ،وبالعالم خالق المؤمنين ...ثم ارتمى على ركبتيه لويس باستور نظرا إلنسانيته وعلمه في ـس بساط قاعة البرلمان (المقصود مجال الطب. ولــحَ ـ َ ومــن بين اآلراء المعتدلة نجد صحيفة السجود)! وعند الرابعة مساء ..أدى طقوسه فــي اتــجــاه مــكــة .وعــلــى الــســاعــة الــرابــعــة «لــوســوار» تشيد بــدور جرونييه في دفاعه
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
وجاء في صحيفة «لوسوالي»« :وماذا إن كان مسلما؟ أليس لدينا الحق في انتخاب مسلم كما لدينا الحق في انتخاب يهودي أو ملحد؟ ويضيف كاتب المقال« :في كل دين ثمة أناس خيّرون .وأنا مقتنع بأن ليس هناك دين أفضل من المسيحية ،لكني أتفهّم عندما ال يشاطرني غيري المعتقد نفسه. وحتى أعبّر بجملة واحدة عن رأيي أقول :أنا أفضل مسلما مخلصا غير متزمت ،على مَن ّ ال دين له»! والواقع أن جرونييه كان بعيدًا عن تلك االتــهــامــات؛ ألنــه كــان معتدال ،ولــم يــد ُع إال إلى تقليل استهالك الكحول بوصفه طبيبا يــاحــظ مــضــاره فــي المجتمع .ومــمــا زاد الطين بلة أن منطقته اشتهرت بتحضير نوع من الكحول أثبت الطب فيما بعد مضاره، وهو ما أدى بجرونييه إلى هذا الموقف.. وذاك ما تدعو إليه عقيدته .غير أن سكان المنطقة الذين كان اآلالف منهم يعملون في مصانع الخمور لم يشاطروا رأي الطبيب. وقد أدى ذلك إلى إخفاقه في االنتخابات البرلمانية الالحقة. نشير إلى أن الجالية المسلمة في مدينة بونتارلييه أقامت مسجدًا يحمل اسم فيليب جرونييه عام 1983م تخليدا لذكراه .كما
لوحة في مدخل منزل جرونييه كتب عليها «فيليب جرونييه ،طبيب الفقراء والنائب الفرنسي من 1896 حتى 1898م ،عاش في هذا المنزل.
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
عن الفقراء والمعوزين .ووجهت اللوم لبقية الصحف نتيجة استهتارها بهذا المواطن، مشيرة إلــى أنــه «يعيش على األقــل سعيدًا ومرتاح الضمير ،وقد صار أرقى منا بعد أن بحث عن عقيدة وعثر عليها»!
نجد في المدينة نفسها شارعً ا ومؤسس ًة
تعليمي ًة باسم فيليب جرونييه .لقد عاش فيليب بعقيدته التي اعتنقها شــا ًبــا ،ولم يحد عنها رغم الضغوطات ،ودافع عنها بما ِ
استطاع ..فرحمة اهلل عليه.
بعض المراجع 1. Bichet R.: Un Comtois musulman, le docteur Philippe Grenier: prophète de Dieu, député de Pontarlier, Besançon, 1976. 2. Fernier R.: Docteur Philippe Grenier, ancien député de Pontarlier, Ed. FaivreVerney, Pontarlier, 1955. 3. Fuligni B.: La Chambre ardente: Aventuriers, utopistes, excentriques du Palais-Bourbon, Ed. Paris-Max Chaleil, Paris, 2001. 4. Sellam S.: L’Islam et les musulmans en France, Ed. Tougui, 1987. 5. http://www.saphirnews.com/DocteurPhilippe-Grenier_a1740.html. 6. http://le-carrefour-de-lislam.com/Grenier/ grenier3.htm. 7. http://le-carrefour-de-lislam.com/Grenier/ grenier3.htm.
* كاتب من الجزائر. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
131
سنوات اجلوف املؤلف الناشر السنة
:د .عبدالواحد خالد احلميد :مركز عبدالرحمن السديري الثقايف ٢٠١٧ :م
ع ــن مــركــز عــبــدالــرحــمــن الــســديــري كما أش ــرك عائلته الصغيرة ممثلة في الثقافي ،صــدر في شهر نوفمبر 2017م زوجته وبناته ،كما قــدم شكره لشقيقاته كتاب «ســنــوات الــجــوف» لمؤلفه الدكتور وأشقائه رفاق سنوات الجوف وآخرين. عبدالواحد بن خالد الحميد ،وقد اشتمل
ويمكن اعتبار الكتاب سيرة ،بل رواية
على ستة عشر فصال جــاءت في ( )317جميلة صيغت بلغة رصينة ..زادهــا بها ًء صفحة من القطع الكبير ،محتويًا سيرة ذلــك التوثيق المتقن لكل أجــزائــهــا ،وال
روائية لحياة الدكتور الحميد في مدينة يمكن للكتاب إال أن يعطي لكل قارئ سيرته
سكاكا -الجوف في منتصف الخمسينيات الذاتية التي تتحرك مع صفحاته ،لكأنه من القرن الماضي.
رواي ــة الســتــعــادة الطفولة المفقودة لكل
جــاء اإلهــداء رقيقا مشبعًا بالعواطف قرائها. والحنان؛ فقد حرص المؤلف على إشراك
132
الــكــتــاب شــهــادة عــلــى حــيــاة جــيــل بل
والديه وأشقائه ،خاصة الراحلين منهم ،أجيال لم يكتب لها أن تدوِّن سيرتها ،كان اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
سيرة صادقة ومشرقة يتمناها الكثير.
-صخب الحياة في سوق البحر.
في كثير من األحيان ،كنت أشعر أنني أقرأ رواية ،مع توالي األحداث والفصول، وكان النَفَس الروائيّ في الكتاب ظاهرًا ،ما أضفى عليه بُعدًا آخر زاد من جماله. كان الحني ُن إلى الشارع القديم والحيّ القديم ظاهرًا في الكتاب ،وقد كان اختياره لقصيدة غ ــازي القصيبي «فــي الــشــارع ال للكتاب ،اختيارًا موفقًا القديم» مدخ ً حين يقول:
أم الدنيا ..والحداثة المبكرة. كم كانوا يضربوننا . حيث يتحرر الصبي. الرياض أم الدنيا و أبوها. اكتشاف الذات. الصحافة. سحر القراءة. هذا ما كان يشغلنا. األمير. -بقية المشوار.
نعو ُد إليهِ ..
-تعلمت من سنوات الجوف وما بعدها.
يوم، شارع كان منزل ُنا ذات ٍ ٍ إلى
فــي الفصل األول ،ال ــذي كــان بعنوان
يط ُّل عليهِ ، ونسأله عن سنينِ هوانا؛ فيأتل ُق الشو ُق في شفتيهِ ،
«سنوات الجوف» يؤكد الحميد أن ما يرويه في كتابه ال يخص فــردًا واح ـدًا ،بقدر ما هو محاولة لتسجيل ذكريات الجيل الذي ولد في الخمسينيات الميالدية من القرن
ونسأله عن سنين صبانا؛
العشرين ،في حيٍّ من أحياء مدينة سكاكا
فيحتر ُق الدم ُع في ناظريْهِ !..
بمنطقة الــجــوف فــي المملكة العربية
قــسّ ــم الحميد كتابه إلــى سبعة عشر فصال هي: في الشارع القديم. سنوات الجوف. في حارة الشعيب. -تلك الضاحية.
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات
عبدالواحد الحميد الشاهد عليها وبطلها،
-أيامنا وليالينا الجميلة.
السعودية ،وعــاش طفولته ومراهقته في عقدي الخمسينيات والستينيات ..بكل ما في تلك الحقبة من صخب وتحوالت اجتماعية جــذريــة ،فــي تلك البيئة التي تعجّ باألحداث التي تعكس ما كان يجري في الوطن من تحوّالت ،وما كان يفور به العالم العربي من أحــداث وثــورات وآمال اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
133
وإحباطات.
لجامعة البترول في الظهران ،ثم استقر
ويشير الحميد إلى أن فتنته منذ زمن في الرياض بعد تعيينه عضوًا في مجلس مبكر بقراءة مذكرات الرحالة الغربيين ،الشورى وتاليًا نائبًا لوزير العمل ،ولكنه
الذين مروا على منطقة الجوف في القرن يشير إلى عدم انقطاع صلته بالجوف ،رغم التاسع عشر ،كانت وراء دهشته ومتعته ،قضائه معظم سنوات العمر خارجها. خاصة وصف األحوال االجتماعية في ذلك
تتميز تجربة الحميد الصحفية التي
الزمان ،وكانت تلك ميزة حظيت بها منطقة دون جــزءًا منها في هذا الفصل «سنوات الجوف ،بحكم موقع المنطقة المجاور لكل الجوف» منذ بداياتها ..حيث كان يحتفظ مــن الــعــراق وفلسطين واألردن وســوريــة ،بالقصاصات الصحفية عن الجوف خاصة،
ويعتبر الحميد أن ميزة القرب الجغرافي وق ــد ارتــبــط بــالــصــحــافــة مــنــذ المرحلة لــدول الــهــال الخصيب أعطى المنطقة المتوسطة ..ك ـوْن والــده «خالد الحميد»
ميزة االنفتاح على الدول المجاورة ،وتأثرها كان مندوبًا لجريدة الجزيرة ،وكانت منطقة بما كان يبثه اإلعالم العربي عبر اإلذاعات الــجــوف فــي طليعة اهــتــمــام د .الحميد الــتــي كــان أبــرزهــا صــوت الــعــرب وإذاع ــة وتركيزه؛ فقد كتب في عشرات المقاالت الشرق األوسط المصريتين ،وإذاعة صوت الصحفية مطالباً بتطوير الجوف وغيرها
أمريكا وإذاعة المملكة األردنية الهاشمية من المناطق التي تكنى بالمناطق النائية من عمان والقدس ،إضافة إلذاعات أخرى لبعدها عن العاصمة الرياض ،مشيرا إلى
كالكويت وبغداد ودمشق ،ناهيك عن أن أن خلفيته االجتماعية كأحد أبناء منطقة الصحف والمجالت العربية كانت تصل الجوف قد أسهمت في تعميق إحساسه المنطقة ،وقد أسهمت كثيرًا في انفتاحها بأهمية التنمية المتوازنة ،وانحيازه لمطالب المناطق الصغيرة. على غيرها. ولــد الدكتور عبدالواحد الحميد في
ويؤكد الحميد أن جيله كان بعيدًا عن
14ديسمبر 1953م وغادر منطقة الجوف العنصرية ،متساميًا فــوق إرث الماضي، أواخــر عــام 1971م ،للدراسة في جامعة كل ذلــك ..حيث كــان النسيج االجتماعي
الملك عبدالعزيز في مدينة جدة ،ثم إلى في الجوف رغــم تنوعه في ذلــك الزمان الــواليــات المتحدة األميركية الــتــي عاد متجانسا بعيدًا عن التعنصر..
134
منها بالدكتوراه في االقتصاد عام 1984م اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
في الفصل الثاني «فــي حــارة الشعب»
االسم الذي لم يكن مسرورًا به في طفولته ،المياه إال في منتصف الستينيات من القرن
ويذكر العديد من النوادر والقصص التي الماضي ،أما الكهرباء والهاتف فقد تخرج عايشها ،ويكشف سبب استقباله للرسائل الحميد من الثانوية العامة عــام 1971م
عــلــى عــنــوان حــي الــشــعــب ب ــدال مــن حي ولما يصال إليه ..ويصف لنا طريقة جلب الشعيب ،كما يذكر مراسالته في المرحلة الماء إلى البيوت والتحوّالت التي عاشتها المتوسطة ،وممازحات الكبار من أهالي مدينة سكاكا ودخول المكائن الزراعية بعد األحياء المجاورة له عن مقارنة اسم حارته «السني». بالحارات المجاورة ،ويكتب عن والدته من ويعرض الحميد ألساليب عيش األطفال الرضاعة ،وحياة الناس في حي الشعيب
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات
يذكر الحميد ميالده في حي «الشعيب» ،مياه أو كهرباء أو هاتف ،فلم تشهد إدخال
وحاراتها التي كان يعتقد أنها واسعة وكبيرة ،مــن جيله فــي ذل ــك الــوقــت ،واشتغالهم كما يصف البيوت الطينية التي كانت سائدة بــالــزراعــة والــصــيــد ،وت ــردي ــد األهــازيــج
في الخمسينيات والستينيات ..وأساليب واستخدام أسلحة الصيد ،وممارسة عادات حياة الناس وطرق عيشهم .كما يكتب عن األهل وتقاليدهم في الكرم وفتح األبواب سكان الحيّ الذين ينتمي إليه ،وغالبيتهم والقهاوي ،والتعلّق بشرب الشاي والقهوة،
من القرشه من بني خالد ،والذين تجمعهم واالستماع ألحاديث كبار السن وتفاعلهم مــع أبــنــاء الــقــبــائــل األخــــرى الــمــصــاهــرة مع مختلف األحداث حولهم. والقربى .ويشير إلى أن الجد األكبر للعائلة وتتوالى فصول وصفحات الكتاب الذي هو «قريش» ،والذي أعطى اسمه للجميع، وأحفاده يسكنون أجزاء واسعة من مدينة تمت صياغته بإتقان وحبكة الراوي وتوثيقه، سكاكا واللقايط ،كما يقدم وصفًا لحارة األمر الذي ساعده كثيرا على كتابة أحداث التحتى في حي الشعيب ،ومزرعة العائلة زمن الكتاب بكل شفافية ومصداقية ،إذ لم
في اللقايط،والتي كان جده يسكنها بعد يعتمد الكاتب على ذاكرته فقط ،بل اعتمد انتقاله من حي الضلع إليها قبل أجيال.
على مذكراته التي كان يدوّنها في طفولته
كما يُــو ِّثــق الحميد لحكايات وقصائد ومراهقته وأيام شبابه ،موثقا فصول كتابه
وط ــرق التعليم ،كما يشير إلــى طفولته بالعديد من الصور والوثائق والشخصيات المبكرة وأنه لم يكن في حارته تمديدات التي يتناولها. اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
135
■ صالح القرشي*
لو استخدمنا محرّك البحث قوقل ،ووضعنا عبارة (كيف تكتب رواية) ،لخرجنا بنتائج مثل كيف تكتب رواية في مائة يوم؟ وكيف تكتب رواية بطريقة الزهرة الثلجية؟! والحق أنني حاولت أن أعرف المقصود بالزهرة الثلجية فلم أفلح ،لكنني وجدت أن الموضوع جاد ،ويؤكد من خالله الكاتب أن روايتك ستكون جاهزة طالما اتبعت الخطوات التي يذكرها ،بل يؤكد أنك ستنجح في كتابة رواية تحقق لك المال والشهرة معا! في موقع أخر ،يقدم أحدهم وصفة كاملة لكتابة رواية من خالل مجموعة من النصائح الطريفة مثل :البد أن تحتوي الرواية على بطل وشرير ،والبطل ال بدّ أن يقف خلفه مجموعة من الخبراء الذين يجب أن يطوروا عالقة حب ،وربما يموت أحدهم ،وال بد أن يعيش البطل الخير والشرير حتى نهاية الرواية ،لتحدث بينهما معركة فاصلة، ثم تأتي النصيحة األخيرة ..وال بدّ أن تنتهي الرواية بموت البطل الخيّر أو موت الشرير.. وهكذا تكون الرواية ف ّنًا صعبًا ال يمكن اختصاره وهــذا يذكرنا بأمثلة مشابهة من نــوع :كيف تصبح مليونيرا؟ أو كيف تتعلم اللغة اإلنجليزية في سبعة أيام؟ بالكلمة السيئة (اإللهام)! ولــو اقتصر األمــر على صفحات تنشر على شبكة اإلنترنت لكان هينًا ،لكن الغريب أن مثل هذا صار يقدم على شكل دورات مدفوعة الثمن ،يجنى بفضلها المال، بل وأحيانا تقوم مؤسسات أدبية بالترويج واإلعالن عنها. وهنا أتذكر «أمبرتو ايكو» وكتابه الشهير (اعترافات روائــي شــاب) ،يقول :عندما أســأل في حــوارٍ عن كيف تكتب روايتك؟ فإني أجيب (من اليسار لليمين)،
يستدرك «أيكو» بعد ذلك (قلت إنه بمجرد العثور على الفكرة األولية ،فإن القصة تتقدم من تلقاء نفسها ..وهذا أمر غير صحيح بالمطلق ،فمن أجل أن تتقدم القصة، على الكاتب أن يقيّد نفسه بالعديد من اإلكــراهــات، فالرسام الــذي يقرر استعمال الــزيــت بــدال مــن اللون المائي ،يختار في واقع األمر إكراها ،والروائي الذي يختار زمناً محدداً لروايته ،ال بد أن يلتزم بمقتضيات اختياره).
والحق أن سخرية «أيــكــو» تخفي في طياتها عدم (الفكرة وحــدهــا ال تكفي ..أنــت بعد ذلــك تحتاج وجود إجابة واضحة للسؤال ،كيف أكتب روايتي؟ لو كنت للجملة األولى) ،يقول الروائي األلماني صاحب ( الطبل أعرف لكتبت المزيد من الروايات بكل تأكيد! الصفيح ) غونتر غراس ،وهو يروي سيرته في (تقشير هل هو إذًا ما يسمى باإللهام؟ البصلة). هذه الكلمة يصفها «أمبرتو ايكو» بأنها كلمة سيئة، (عندما وجدت الجملة األولى لرواية الطبل الصفيح مؤكدا أن (كل رواية هي حاصل فكرة بدأت على شكل تحت ذلــك الــجــدار المنقط ،لــم تتوقف الكلمات عن بذرة ،أما الباقي فيأتي شيئًا فشيئًا). المجيء ،كانت الكلمات تندفع وتجرف بعضها بعضاً، وهكذا تكون المعضلة األولى هي إيجاد تلك البذرة ،وتطأ على أعقاب بعضها بعضا). وبعد ذلك انتظار ما يجعلها تنمو وتزهر ،وهــذا ما ال إنها الجملة األول ــى إذًا؟ تلك الجملة التي يمكن لسنوات طويلة. ٍ للروائي أن ينتظرها يمكن التأكد منه أبدا. * قاص وكاتب من السعودية.
136
اجلوبة -شتاء 1439هـ ()2018
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في
صدر حديثا