59_Aljoubah_Magazine_مجلة_الجوبة

Page 1

‫ ¦منتدى منيرة الملحم لخدمة‬ ‫المجتمع‪ :‬ريادة األعمال‬ ‫النسائية‪ :‬الواقع والتطلعات‪.‬‬ ‫ ¦لطيفة السديري‪ :‬سيرة وحياة‪.‬‬ ‫ ¦زياد السالم‪ :‬حصة األدب‬ ‫والتاريخ‪.‬‬ ‫ ¦البولوفونية والكرنفالية في‬ ‫رواية «نزل الظالم»‪.‬‬ ‫ ¦التشكيلي نصير السماره أمكنة‬ ‫الماضي بصورة جديدة‪.‬‬ ‫ ¦مخاطر ترجمة اآلداب‪.‬‬

‫أهالي الجوف يحتفلون بصاحب السمو الملكي األمير‬

‫بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‬ ‫ووصوله للمنطقة أمير ًا عليها‬

‫‪59‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪،‬‬ ‫ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «بـ«) يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬ميجان بن حسين الرويلي ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابقً‬ا‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬ ‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫العدد ‪ - ٥٩‬ربيع ‪١٤٣٩‬هـ (‪٢٠١٨‬م)‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية ‪ -‬إبراهيم بن موسى الحميد‪٤ ............................‬‬ ‫تعيين أمير الجوف‪ :‬أهالي الجوف يحتفون بصاحب السمو الملكي‬ ‫األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز ووصوله للمنطقة أميراً عليها‪٦ ...‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع‪ ..‬ريادة‬ ‫األعمال النسائية‪ :‬الواقع والتطلعات المستقبلية ‪١٤ ........................‬‬ ‫سيرة وإنجاز‪ :‬ندوة لطيفة بنت عبدالرحمن السديري‪ :‬سيرة وحياة ‪٢٤ ...‬‬ ‫محور خاص‪ :‬زياد السالم حصة األدب والتاريخ ‪ -‬شارك فيه كل من‪:‬‬ ‫د‪ .‬هناء بنت علي البواب‪ ،‬راشد عيسى‪ ،‬عبداهلل السفر‪ ،‬محمد جميعان‪،‬‬ ‫شاهر إبراهيم ذيب ‪٣٢ ......................................................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬البولوفونية والكرنفالية في رواية «نزل الظالم» لماجد‬ ‫الجارد ‪ -‬إيمان عبدالعزيز المخيلد ‪٤٨ .....................................‬‬ ‫المحتوى الفلسفي في رواية «نزيف الحجر» ‪ -‬صالح المطيري‪٥٤ ...‬‬ ‫أنواع الصور البالغية في قصص طاهر الزارعي ‪ -‬جميل حمداوي ‪٦٣ ...‬‬ ‫«ذروة الحياة» لـ «عيد الناصر» جولة في روايات خليجية وعربية‬ ‫وعالمية ‪ -‬زكريا العباد‪٦٩ ..........................................‬‬

‫‪14.............................‬‬ ‫دار الرحمانية ‪ -‬الغاط تستضيف‬ ‫الدورة العاشرة ملنتدى منيرة امللحم‬

‫‪32........................‬‬ ‫زياد السالم‬ ‫حصة األدب والتاريخ‬

‫‪113............................‬‬ ‫الشاعرة اعتــدال ذكـر اهلل‬

‫جماليات التوظيف االستعاري «في شعر جاسم الصحيح» ‪ -‬سعيد‬ ‫سهمي ‪...........................................................‬‬

‫‪٧٢‬‬ ‫‪٧٧‬‬ ‫‪٧٩‬‬ ‫‪٨١‬‬ ‫‪٨٢‬‬ ‫‪٨٦‬‬ ‫‪٨٧‬‬ ‫‪٨٨‬‬ ‫‪٩٠‬‬ ‫‪٩٢‬‬ ‫‪٩٦‬‬ ‫‪٩٩‬‬ ‫‪١٠٠‬‬ ‫‪١٠٢‬‬ ‫‪١٠٥‬‬ ‫‪١٠٩‬‬ ‫‪١١٣‬‬

‫قصص قصيرة‪ :‬حفل استقبال ‪ -‬مريم الحسن ‪...................‬‬ ‫البرهان ‪ -‬فهد المصبح‪...........................................‬‬ ‫نو ٌم في ليلةِ الزفاف ‪ -‬محمد الرياني ‪............................‬‬ ‫فوبيا الجغرافيا ‪ -‬أحمد طوسون‪.................................‬‬ ‫قصتان قصيرتان ‪ -‬حضيه عبده خافي ‪..........................‬‬ ‫شعر‪ :‬رسُ و ُل الشِّ عْر ‪ -‬موسى الشافعي ‪.............................‬‬ ‫في معيّةِ القمرِ ‪ -‬عبدالهادي الصالح‪.............................‬‬ ‫تجمعنا معا يكفينا ‪ -‬أحمد المتوكل بن علي النعمي ‪.............‬‬ ‫الحُ ّ ُب على شروط ‪ -‬خالد البهكلي‪...............................‬‬ ‫وقال في صباه ‪ -‬مجدي الشافعي‪.......................................‬‬ ‫زامر الحي ‪ -‬موسى غلفان واصلي‪......................................‬‬ ‫لوعة غياب! ‪ -‬حسين صميلي ‪...........................................‬‬ ‫نصوص شعرية ‪ -‬نويّر العتيبي ‪..........................................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬مجتمع الخطر ‪ -‬ترجمة‪ :‬المهدي مستقيم‪.....................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الشاعر المصري عالء جانب ‪ -‬أحمد الالوندى‪.......‬‬ ‫الشاعرة اعتــدال ذكـر اهلل ‪ -‬عمر بوقاسم ‪.............................‬‬ ‫نوافذ‪ :‬مخاطر ترجمة اآلداب‪ :‬فاليري منوغ وترجمة زوال ‪ -‬تركية‬ ‫العمري ‪١٢٤ ............................................................‬‬ ‫الوعي الفكري واالنسالخ الثقافي ‪ -‬مالك الخالدي‪١٢٦ ....................‬‬ ‫فنون‪ :‬التشكيلي السعودي نصير السماره العودة ألمكنة الماضي‬ ‫بصورة جديدة ‪ -‬محمد العامري ‪١٢٧ .................................‬‬ ‫قراءات ‪١٣٢ .............................................................‬‬ ‫فعاليات ‪١٣٥ ............................................................‬‬ ‫الصفحة األخيرة‪١٣٦ .................................................‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫رايات خضرا َء وزغاريد‪ ،‬مُجدِّدة عهدها‪ ،‬وفا ًء‬ ‫ٍ‬ ‫ازدانت منطقة الجوف‬ ‫ووال ًء لقيادتها الرشيدة التي أهدتها أميرها الجديد‪ ،‬مؤمِّل ًة أن تكون‬ ‫الجوف في عهده أكثر إشراقًا وتنمي ًة وتطورًا‪ ،‬وأن تكون هذه المنطقة‬ ‫التي بدت وقد لبست ألوان الفرح باألمير بدر بن سلطان‪ ،‬وبدا أن البهجة‬ ‫بتعيينه قد أدخلت السرور على كل بيت وشارع في كل مدينة وقرية في‬ ‫هذه المنطقة العزيزة من بالدنا‪ ،‬من سكاكا إلى القريات‪.‬‬ ‫إن من يتجوّل في ربوع منطقة الجوف يلحظ أن لونها قد كساه ما‬ ‫يحتاج إلى التنمية والتطوير‪ ،‬وإنه لمن مباهج الحظ أن تستقبل الجوف‬ ‫ال معه‬ ‫سقف لها سوى السماء‪ ،‬حام ً‬ ‫َ‬ ‫طموحات ال‬ ‫ٍ‬ ‫أميرًا شاباً‪ ..‬في جعبته‬ ‫رؤىً ومشاري َع نرجو من اهلل العلي القدير أن يوفّقه لتحقيقها‪.‬‬ ‫أمام األمير منطقة تعد من أبرز مناطق المملكة‪ ،‬فهي تحمل عمقًا‬ ‫تاريخياً‪ ،‬وإنسانيًا‪ ،‬حيث الثقافة المتجذرة في أعماق التاريخ‪ ،‬وهي‬ ‫المنطقة األقــدم استيطانًا في الجزيرة العربية‪ ،‬حيث كانت الملكات‬ ‫ذكر للعرب في المدونات التاريخية‪،‬‬ ‫العربيات أبرز ماضيها‪ ،‬وحيث أقد ُم ٍ‬ ‫وحيث البلد الذي خرج منه بِشر بن عبدالملك معلِّمًا لقريش الكتابة؛‬ ‫إذ يقول الدكتور عبدالرحمن االنصاري عن أهلها في سالف الزمان‪..‬‬ ‫وكأنه ال عمل لديهم سوى الكتابة‪ ،‬فقد نشروا كتاباتهم في أنحائها‪،‬‬ ‫وهي المنطقة التي وجَّ ه رسول اهلل إحدى رسائله ومواثيقه ألهلها‪،‬‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫اف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫والتي بينت حقوقهم وما لهم وما عليهم بعد فتحها ودخولها اإلسالم‪،‬‬ ‫كما أنها المنطقة التي تحوي أقدم مئذنة في تاريخ االسالم‪ ،‬وهي مئذنة‬ ‫تاريخية في المملكة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قلعة‬ ‫مسجد عمر بن الخطاب ‪ ،‬كما تضم أقدم ٍ‬ ‫والتي يزيد عمرها عن ثالثة أالف عام‪ ،‬وهي قلعة مارد‪ ،‬كما أنها تضم‬ ‫مئات الشواهد التاريخية التي تؤكد عراقتها واستحقاقها لكل اهتمام‬ ‫من جانب الدولة التي ترتكز رؤيتها الحالية على إبراز مؤهالت المناطق‬ ‫الثقافية والتاريخية‪ ،‬وتشجيع االستثمار‪ ،‬واستقطاب السياحة لتنويع‬ ‫مصادر الدخل‪ ،‬حيث المنطقة مؤهلة لتضم هيئ ًة عليا لتطويرها أسوة‬ ‫بالمناطق التي سبقتها في ذلك‪..‬‬ ‫كما أن المنطقة غنية بالموارد الكامنة فيها‪ ،‬من مياه وأراض خصبة‪،‬‬ ‫وموارد معدنية ونفطية نفيسة‪ ،‬وهي بذلك منطقة تعد من أكثر مناطق‬ ‫المملكة غنىً وتنوّعاً‪ ،‬وفيها من مكنونات المستقبل ما ينتظر الكثير من‬ ‫اإلنجاز‪ .‬واليوم تقف منطقة الجوف اليوم بانتظار استكمال مشاريعها‬ ‫أمس الحاجة لها‪ ،‬في‬ ‫التنموية‪ ،‬وإقرار المشاريع الجديدة التي هي في ِّ‬ ‫المجاالت التنموية والثقافية كافة‪ ،‬التي تؤهلها لتكون من أبرز مناطق‬ ‫المملكة في استقطاب التنمية والمشاريع‪ ،‬كما أنها مؤهلة الستقطاب‬ ‫المشاريع الثقافية القائمة على مداميك الماضي الراسخة‪ ،‬ومخططات‬ ‫المستقبل الواعدة‪ ،‬للحاضر والمستقبل‪ ،‬وتأهيل المواقع األثرية‪ ،‬وإعادة‬ ‫تأهيل المشاريع الخدمية وتطويرها بأن تكون ذكية وخضراء مبنية على‬ ‫أحدث فلسفات التخطيط العالمية‪.‬‬ ‫وحق ألهل الجوف التفاؤل بالمستقبل‪ ،‬وأن يُشعلوا قناديل األمل‬ ‫بأميرهم‪ ،‬خاصة وقد أكد سمو األمير بدر بن سلطان أمير منطقة‬ ‫الجوف أنه «سيعمل بمشيئة اهلل تعالى على إكمال مسيرة العطاء التي‬ ‫بذلها صاحب السمو الملكي األمير فهد بن بــدر بن عبدالعزيز في‬ ‫المنطقة مع أخي صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن فهد بن‬ ‫تركي بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الجوف‪ ،‬وسنسخر أنفسنا لخدمة‬ ‫أبناء الجوف األعزاء لكل ما فيه خير المنطقة والوطن»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪5‬‬


‫أهالي الجوف يحتفون‬ ‫بصاحب السمو الملكي األمير‬

‫بدر بن سلطان‬ ‫بن عبدالعزيز‬ ‫أمير ًا على الجوف‬ ‫■ احملرر الثقايف‬

‫أق ــام أهــالــي منطقة الـجــوف حفال الستقبال أمـيــر منطقة ال ـجــوف‪ ،‬صاحب‬ ‫السمو الملكي األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‪ ،‬مساء االثنين ‪ ٢‬إبريل ‪2018‬‬ ‫ ‪ 16‬رجب ‪1439‬هـ‪ ،‬ترحيبًا بقدوم سموه إثر صدور األمر الملكي الكريم بتعيينه‬‫أميرً ا لمنطقة الجوف‪ ،‬وذلك في صالة االستقبال الكبرى بمدينة سكاكا‪.‬‬ ‫وفور وصول سموه مقر الحفل‪ ،‬صافح الحضور من المواطنين وشيوخ القبائل‬ ‫وعمد وأعيان ومديري اإلدارات الحكومية من مدنيين وعسكريين والمواطنين‪.‬‬ ‫أيها الحفل الكريم‬

‫‪6‬‬

‫وانطلق الحفل الخطابي الذي أُقيم بهذه‬ ‫المناسبة بتالوة آيات من القرآن الكريم‬ ‫السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاتُه‬ ‫لألستاذ هشام الربيع‪ ،‬ثم ألقى نائب وزير‬ ‫يشرفني‪ ،‬ياصاحب السمو‪ ،‬بالنيابةِ‬ ‫العمل سابقًا وعضو الهيئة االستشارية في‬ ‫عن أهالي منطقة الجوف أن أرحبَ بكم‬ ‫المجلس األعلى لمجلس التعاون‪ ،‬معالي‬ ‫في ربوعِ هذه المنطقة التي يتطل ُع أهل ُها‬ ‫الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد‪ ،‬كلمة‬ ‫إلى لقاءِ سموكم‪ ،‬مستبشرين بمقدَمِ كم‬ ‫أهالي الجوف‪ ،‬قال فيها‪:‬‬ ‫الــمــيــمــون‪ ،‬وبــمــا تحملونه مــن بشائر‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير بدر بن الخير والنماء للمنطقةِ وسكانِها إن شاء‬ ‫ال بكم بين أبنائكم وإخوانكم‬ ‫سلطان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه اهلل‪ ،‬فأه ً‬ ‫وأهلكم‪.‬‬ ‫اهلل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫ـوف‬ ‫ـواـيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫تنـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـأـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ‬

‫يا صاحب السمو‬

‫صاحب السمو‬

‫تعتز منطق ُة الجوف بانتمائها إلى هذا‬ ‫تعلمو َن ما حبا اهللُ بِهِ هذه المنطق َة من‬ ‫الوطن الغالي منذ الدولةِ السعوديةِ األولى‪،‬‬ ‫إمكانات طبيعية وبشرية واسعة ومتنوعة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقومات‬ ‫ٍ‬ ‫حيثُ امتد ظـ ُل هــذه الــدولــةِ المباركة إلى فعلى سبيل المثال‪ ،‬تمتلك المنطق ُة‬ ‫منطقة الجوف منذ عام ‪ 1208‬للهجرة‪ ،‬في‬ ‫زراعية هائلة اشتهرت بها مِ نْ ُذ القدم‪ ،‬سواءٌ‬ ‫ٍ‬ ‫عهد اإلمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود‪ ،‬في ثرواتها المائية العذبةِ الغزيرة‪ ،‬أو في‬ ‫ثم في الــدولــة السعودية الثانية في عهد‬ ‫طقسها‬ ‫ِ‬ ‫خصوبةِ أراضيها‪ ،‬أو في مالءمةِ‬ ‫اإلمام فيصل بن تركي بن عبداهلل‪ ،‬ثم شملها‬ ‫للكثيرِ مــن المحاصيل الــزراعــيــة‪ .‬وهــي‬ ‫االستقرا ُر واألم ُن والنماء بانبثاقِ فجرِ الدولةِ‬ ‫اليوم في مُقدِ مَةِ مناطقِ المملكة في زراعةِ‬ ‫الملك المؤسس‬ ‫ِ‬ ‫السعوديةِ الثالثة على يدِ‬ ‫ال عن شهرتِها التاريخية في‬ ‫الزيتون‪ ،‬فض ً‬ ‫جاللة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن‬ ‫طيب اهلل ثــراه‪ .‬وقد كانت هذه المحطاتُ إنتاج التمور‪ ،‬ومحاصيلِها الزراعية المتنوعة‬ ‫ـات ب ــارزة فــي التاريخ الحديث لهذه األخرى‪ .‬وهذا القطاع يمك َن أن يكو َن رافداً‬ ‫عــامـ ٍ‬ ‫المنطقة الموغلةِ في القدم والتي طالما كبيراً ومهماً القتصاد المنطقة من خالل‬ ‫كان لها موقعُها المميز في تاريخِ الجزيرة مشاريع التصنيع الــزراعــي الحديث التي‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫تتطل ُع المنطق ُة إليها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪7‬‬


‫معالي الدكتور عبدالواحد خالد الحميد يلقي كلمة األهالي‬

‫بإمكانات منذ زمنِ تجار ِة القوافلِ القديمة التي كانت‬ ‫ٍ‬ ‫كما أن منطقة الجوف تتمتع‬

‫سياحية وثقافية كبيرة‪ ،‬فهي تضم مواقع تم ُر بها وهي في طريق الذهاب واإلياب بين‬

‫أثرية عديدة تعود إلى أقدمِ العصور‪ ..‬حتى مناطق الهالل الخصيب والجزيرة العربية‪.‬‬ ‫بعض الدراسات األثارية الرصينة تشير وكانت المنطق ُة مهداً ألحــدِ أشهرِ األســواق‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫إلــى أن هــذه المنطق َة شهدت أقــد َم أشكالِ العربية القديمة‪ ،‬وهي سوق دومة الجندل‪،‬‬ ‫االستيطانِ الــبــشــري‪ .‬وقــد كانت المنطق ُة التي كانت مكاناً للتبادل التجاري والثقافي‪.‬‬ ‫حاضر ًة عبر فصول التاريخ في مشهدِ الفعلِ ويمك ُن أن تستفي َد منطق ُة الجوف تجارياً من‬

‫والتأثير من خالل الممالك التي تعاقبت على موقعها الجغرافي المميز‪ ،‬وأن تكون همزةَ‬ ‫وصل كما كانت سابقاً‪ ،‬وبخاصة مع التوسعِ‬ ‫ٍ‬ ‫أرضها والتي ما تزال أثارُها باقي ًة حتى اليوم‪،‬‬ ‫سياحي في قطاع النقل والمواصالت‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بقطاع‬ ‫ٍ‬ ‫تنهض‬ ‫َ‬ ‫وهي بثرائها يمك ُن أن‬ ‫وثقافي يسه ُم فــي نموِ اقتصاد المنطقة‪،‬‬ ‫وبــخــاصـ ٍـة عندما تــضــافُ إليها المقوماتُ‬ ‫السياحي ُة األخرى‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫يا صاحب السمو‬ ‫هذه اإلمكاناتُ وغيرُها مما ال يخفى على‬

‫سموكم الكريم ليست هي األهم رغم ثرائها‬

‫وقد اكتسبت الجوفُ شهر ًة تجاري ًة واسعة وتنوِّعِ ها‪ ،‬وإنما اإلنسان هو األهم‪ ،‬وهو الثروة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫ـوف‬ ‫ـواـيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫تنـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـأـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ‬

‫الحقيقية‪ ،‬وهذا ما أكدتْ عليه الرؤي ُة التنموية والمؤسسات التعليمية والتدريبية األخــرى‬ ‫آالف الشباب مــن الــذكــور‬ ‫َ‬ ‫للمملكة (رؤية ‪ ،)2030‬والتي أصبحت برنام َج تُــخَ ــ ِّر ُج ك ـ َل عــام‬ ‫ٍ‬ ‫عمل وطني تتبناه وترعاه الدولة‪ .‬وقد كان واإلناث المتسلحين بالعلم والمعرفة‪ .‬هؤالء‬ ‫أه ُل هذه المنطقة ينتجو َن ما يحتاجو َن إليه هم ثروتُنا الحقيقية يا صاحب السمو‪ ،‬وهم‬ ‫ِ‬ ‫ويتبادلون‬ ‫المنتجات مع األقاليمِ والمناطق يتطلعو َن إلى خدمة منطقتِهم ووطنِهم‪ ،‬ويمدون‬ ‫المجاورة في زمــنِ ما قبلِ النفط‪ ،‬و ُعــرِ َف أيدِ يَهُم إلى سموكم مرحبين بكم‪ ،‬ويُقدِّمو َن‬ ‫إنسا ُن هــذه المنطقة عبر التاريخ بحيويته أنفسَ هم لخدمة مشروعِ كم التطويري‪ ،‬يملؤهم‬ ‫مستقبل‬ ‫ٍ‬ ‫ـاس‪ ،‬ويــحــدوهــم األمـ ـ ُل نحو‬ ‫ونشاطه وحبه للعمل‪ .‬وفي الزمن الحديث‪ ،‬الــحــمـ ُ‬ ‫ـرص وظيفية منتجة‪ ،‬وسيكونون‬ ‫استثمرت حكومتُنا الرشيدة مليارات الرياالت مشرق‪ ،‬وفـ ٍ‬ ‫عون إن شاء اهلل لكم بعد توفيق اهلل‪.‬‬ ‫في تطوير الموارد البشرية الوطنية؛ فنشرت خي َر ٍ‬ ‫التعلي َم وقضت على األمية‪ ،‬وصار المواط ُن‬ ‫صاحب السمو‬ ‫مهي ًأ للعملِ واإلنتاج وفق مقتضيات ومتطلبات‬ ‫إن منطق َة الجوف المستبشرةَ بمقدَمِ كم‪،‬‬ ‫العصر ومــا وصلت إليه التقنية من أحدث‬ ‫األســالــيــب‪ .‬وقــد كــان للمنطقةِ نصيبٌ من تتطل ُع إلــى استكمال مــشــروعــات التنمية‬ ‫ذلك وهلل الحمد‪ ،‬واليوم نرى جامعة الجوف الــتــي أقــامــتــهــا حــكــومـتُــنــا الــرشــيــدة‪ ،‬وإلــى‬

‫‪9‬‬


‫تطوير المشروعات القائمة‪ ،‬وبخاصة في‬

‫شكر ووفــاء لسلفكم صاحب السمو الملكي‬ ‫األمير فهد بن بدر بن عبد العزيز‪ ،‬و ِلكُلِ من‬ ‫أسه َم في خدمة هذه المنطقة متمنين لسموه‬ ‫التوفيق والسداد‪.‬‬

‫وهــم يدركون أن خــادم الحرمين الشريفين‬

‫حياكم اهلل يــا سمو األمــيــر بين أهلِكم‬ ‫الجوف التي تزدان وتبتهج بكم‪ ،‬وتتفاءل‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫بمستقبل مشرق تحت قيادة خادم الحرمين‬ ‫وولي‬ ‫ِ‬ ‫الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫عهده األمين صاحبْ السمو الملكي األمير‬ ‫محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظهما‬ ‫اهلل‪.‬‬

‫القطاعات الخدمية التي تتص ُل بحياة الناس‪.‬‬

‫ويتطلع الشبابُ إلى إيجاد المزيد من فرص‬

‫العمل للنهوض بمنطقتهم وبناء مستقبلهم‪،‬‬ ‫الملك سلمان بــن عبدالعزيز حفظه اهلل‬

‫إنما اصطفاكم لهذا الموقع إدراك ـاً منه لما‬ ‫ومهارات إدارية‬ ‫ٍ‬ ‫قدرات قيادية‬ ‫ٍ‬ ‫تمتلكونه من‬ ‫ومعرفة وعلم‪ .‬وقد سَ عِ د أهالي منطقة الجوف‬ ‫ٍ‬

‫واستبشروا خيراً وهم يتابعون أخبار زيارات‬ ‫سموكم الكريم لعدد من الــوزراء وحواراتكم‬

‫معهم‪ ،‬بشأن مشاريع المنطقة ومتابعتها‪،‬‬ ‫أســأل اهلل أن يوفقكم ويــســدد خطاكم‪،‬‬ ‫ومعرفة تفاصيلها س ــواءٌ المتعثر منها أو وأن يحقق على يديكم االزدها َر والنماء لهذه‬ ‫الناجز‪ ،‬وذلك حتى قبل قدومكم للمنطقة‪.‬‬ ‫المنطقةِ وأهلِها‪ ..‬والسالم عليكم ورحمة اهلل‬ ‫ختاماً‪ ،‬يا صاحب السمو‪ ،‬ال بد من كلمة وبركاته‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫ـوف‬ ‫ـواـيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫تنـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـأـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ‬

‫بعد ذلــك ألقى الدكتور بــدر بن محمد‬

‫طراد المعيقل قصيدة قال فيها‪:‬‬

‫قصيدة سطرتها في أربعة عشر بيتا‪،‬‬ ‫حيث يكتمل القمر بدرا ليلتها‬

‫ـاب تـلـيــدُ‬ ‫م ـج ــدٌ ع ـلــى ه ـ ــامِ ال ـس ـح ـ ِ‬ ‫ـدروب مشيد‬ ‫وشـ ـم ــوخُ ع ـ ـ ٍّز ف ــي الـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـراث اإلب ـ ـ ـ ـ ــاء ونـ ـبـ ـع ــهِ‬ ‫أه ـ ـ ـ ـ ًـا بـ ـ ـمـ ـ ـي ـ ـ ِ‬ ‫ـوف فــي هــذا الـمـســاءِ سعيدُ‬ ‫وال ـجـ ُ‬ ‫ف ــي عـ ـه ـ ِـد س ـل ـم ــان اإلبـ ـ ـ ــاءِ ب ــادن ــا‬ ‫ع ـ ـ ـ ــزمٌ وح ـ ـ ـ ـ ــزمٌ وال ـ ـ ـف ـ ـ ـعـ ـ ــالُ ش ـ ـهـ ــودُ‬ ‫***‬

‫الشاعر د‪ .‬بدر محمد طراد المعيقل يلقي قصيدة‬

‫هـ ـ ــذا ولـ ـ ــي الـ ـعـ ـه ـ ِـد سـ ـي ـ ٌـف صـ ـ ــارمٌ‬ ‫مـ ــن زع ـ ـبـ ـ ٍـل أو مـ ـ ـ ــاردٍ أو مـ ــن هـنــا‬ ‫ب ـ ـت ـ ـ َر الـ ـ ـفـ ـ ـس ـ ــادَ‪ ،‬ول ـ ـ ــأن ـ ـ ــاةِ ح ـ ـ ــدودُ‬ ‫ـاروق وهـ ــو سـعـيــدُ‬ ‫أو م ـس ـجـ ِـد ال ـ ـفـ ـ ِ‬ ‫ولـ ـ ـ ـك ـ ـ ــلّ خ ـ ـ ـ ـ ٍّـب أو ع ـ ـ ـ ـ ــد ٍّو قـ ــال ـ ـهـ ــا‪:‬‬ ‫تـ ـج ــدي ــدُ عـ ـه ــد لـ ـ ـل ـ ــوالءِ وص ــدق ــه‬ ‫بـ ــإعـ ــانـ ــة الـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاري‪ ،‬لـ ـك ــم س ــنٌ ـب ـي ــدُ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ــوالةِ أمـ ـ ـ ـ ــرٍ شـ ــرع ـ ـهـ ــم ت ــوحـ ـي ــدُ‬ ‫ـارك‬ ‫وه ـنــاك فــي ح ــدّ الـجـنــوب مـعـ ٌ‬ ‫ف ـي ـهــا الـ ـجـ ـن ــودُ ع ــن الـ ـب ــاد تـ ــذودُ‬ ‫***‬

‫***‬

‫وال ـ ـن ـ ـخـ ــلُ وال ـ ــزيـ ـ ـت ـ ــونُ ردد ق ــائ ـ ًـا‬ ‫أه ـ ـ ـ ــا ب ـ ـكـ ــم ون ـ ـع ـ ـيـ ــدهـ ــا و َن ـ ـ ــزي ـ ـ ــدُ‬

‫أه ـ ـ ًـا ب ـكــم ي ــا ب ـ ــد َر م ـ ــل َء شـفــاهـنــا‬ ‫ـذاك مـمـلـكـتــي ب ـك ــلِّ شـمــوخـهــا‬ ‫وكـ ـ ـ َ‬ ‫ه ــي ب ـي ـع ــةٌ ف ــي ال ـ ـشـ ــرعِ آل س ـع ــودُ‬ ‫م ــن جــوف ـنــا هـ ــذا ال ـق ـص ـيــدُ بــريــدُ‬ ‫ـأي فـ ـخ ــرٍ نـحـتـفــي‬ ‫مـ ـ ــاذا نـ ـق ــول بـ ـ ـ ٍّ‬ ‫ف ــي م ـح ـفـ ٍـل ي ـ ــروي ح ـك ــاي ـ َة بـيـعــةٍ‬ ‫ـاض ت ـ ـل ـ ـيـ ــدُ وح ـ ـ ــاض ـ ـ ــرٌ غـ ـ ـ ّري ـ ــدُ‬ ‫مــــ ٍ‬ ‫ع ـ ـ ـ ــزمٌ وح ـ ـ ـ ـ ــزمٌ وال ـ ـ ـف ـ ـ ـعـ ـ ــالُ ش ـ ـهـ ــودُ‬ ‫***‬

‫أعقبها قصيدة شعرية للشاعر منصور‬

‫الرويلي‪ ،‬وبعدها تناول الجميع طعام العشاء‬

‫ـوف ف ـ ــي أركـ ـ ــانـ ـ ــه ورمـ ـ ـ ـ ــوزهِ‬ ‫والـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـوف يـشـيــدُ الذي أقيم بهذه المناسبة‪.‬‬ ‫رفـ ـ ـ َع ال ـت ـح ـي ـ َة ب ــال ـض ـي ـ ِ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪11‬‬


‫سمو امير منطقة الجوف يؤدي القسم‬

‫أمر ملكي‬ ‫تعيين األمير بدر بن سلطان أميرا‬ ‫لمنطقة الجوف‬ ‫أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز مساء اليوم االثنين‬ ‫عدداً من األوامر الملكية التي تضمنت إعفاء‬ ‫مسؤولين من مناصبهم وتعيين مسؤولين‬ ‫آخرين بمراكز أخرى‪.‬‬

‫بدر بن سلطان‬ ‫يرفع الشكر لخادم الحرمين‬ ‫بمناسبة تعيينه أميرً ا للجوف‬ ‫رفع صاحب السمو الملكي األمير بدر بن‬

‫سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف‪،‬‬ ‫أسمى آيات الشكر والعرفان لخادم الحرمين‬

‫الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل‬ ‫سعود‪ ،‬وإلــى صاحب السمو الملكي األمير‬

‫وصدر أمر ملكي بإعفاء األمير فهد بن محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد‬

‫بدر بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف من نــائــب رئــيــس مجلس الـ ــوزراء وزي ــر الــدفــاع‬ ‫منصبه بناء على طلبه‪ ،‬وتعيين األمير بدر بن ‪-‬حفظهما اهلل‪ -‬بمناسبة صـــدور األمــر‬

‫سلطان بن عبد العزيز أميراً لمنطقة الجوف الملكي الكريم بتعيينه أميرًا لمنطقة الجوف‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫بمرتبة وزيــر‪ ،‬وذلك يوم االثنين ‪10‬جمادي‬ ‫وعـ ّبــر سموه فــي تصريح لوكالة األنباء‬ ‫الــســعــوديــة عــن فــخــره بــهــذه الثقة الملكية‬ ‫الثاني ‪1439‬هـ ‪ 26 -‬فبراير ‪2018‬م‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫تركي بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الجوف‪،‬‬ ‫وسنسخر أنفسنا لخدمة أبناء الجوف األعزاء‬ ‫لكل ما فيه خير المنطقة والوطن‪.‬‬ ‫ودعــا سموه اهلل العلي القدير أن يوفق‬ ‫خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن‬ ‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬وسمو ولي عهده األمين‬ ‫ رعاهما اهلل ‪ -‬لما يحبه ويرضاه‪ ،‬وأن يعينه‬‫على تحمل األمانة وخدمة الوطن‪ ،‬وتلبية ما‬

‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫ـوف‬ ‫ـواـيفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫تنـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنـ ـ ـأـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ‬

‫ال المولى عز وجــل أن يوفّقه تتطلبه منطقة الجوف من إمكانات تعزز من‬ ‫الغالية‪ ،‬سائ ً‬ ‫لكل ما فيه خدمة الدين ثم الملك والوطن‪ ،‬نهضتها التنموية في ظل النهضة الشمولية‬ ‫ال سيما أبناء منطقة الجوف‪ ،‬تحت قيادة التي تعيشها البالد وفق رؤية المملكة ‪.2030‬‬ ‫خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن‬ ‫وصول األمير‬ ‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬وسمو ولي عهده األمين‬ ‫بدر بن سلطان إلى مطار الجوف‬ ‫ أيدهما اهلل ‪.-‬‬‫وكان األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‪،‬‬ ‫وق ــال ســمــوه‪ :‬ســوف أعــمــل بمشيئة اهلل‬ ‫أمير منطقة الجوف‪ ،‬قد وصل عصر االثنين‬ ‫تعالى على إكمال مسيرة العطاء التي بذلها‬ ‫‪ ٢‬إبــريــل ‪ 16 - 2018‬رج ــب ‪ 1439‬إلــى‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير فهد بن بدر بن‬ ‫عبدالعزيز فــي المنطقة مــع أخــي صاحب المنطقة إثــر صــدور األمــر الملكي الكريم‬ ‫السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن فهد  بن بتعيينه أميرًا للمنطقة‪.‬‬ ‫وقــد استقبله في المطار مدير جامعة‬ ‫ال ــج ــوف الــدكــتــور إســمــاعــيــل ب ــن محمد‬ ‫البشري‪ ،‬ووكيل إمارة منطقة الجوف الدكتور‬ ‫حامد بن مالح الشمري‪ ،‬وأصحاب الفضيلة‬ ‫رؤســاء المحاكم بالمنطقة ووكــاء اإلمــارة‬ ‫المساعدون ومديرو اإلدارات الحكومية من‬ ‫مدنيين وعسكريين‪ ،‬وشيوخ القبائل وأعضاء‬ ‫مجلس المنطقة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪13‬‬


‫■ محمد صوانة ‪ -‬جهاد أبو مهنا‬

‫افتُتح هذا المنتدى ‪ -‬الذي يقيمه مركز عبدالرحمن السديري الثقافي سنوي ًا‬ ‫بدار الرحمانية بالغاط ‪ -‬بكلمةٍ لرئيسة هيئة المنتدى أ‪.‬د مشاعل بنت عبدالمحسن‬ ‫ال ـســديــري‪ ،‬الـتــي قــالــت إن ه ــذه الـ ــدورة تعقد بــالـتـعــاون مــع مــركــز بـحــوث الــدراســات‬ ‫اإلنسانية في جامعة الملك سعود‪ ،‬لتفعيل المشاركة المجتمعية مع الجهات العاملة‬ ‫في مجال موضوع المنتدى‪ .‬وقالت إن هذا المنتدى‪ ،‬من األنشطة الثقافية لمركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬يقام سنوي ًا ويهدف الى تسليط الضوء على موضوع‬ ‫ذي أهمية بين القطاع النسائي في المملكة‪ ،‬كما يعمل على تشجيع تبادل الخبرات‪،‬‬ ‫وإتاحة المجال للمشاركات بلقاء المتخصصات وذوات الخبرة في موضوع المنتدى‪.‬‬ ‫وذكرت السديري أن المنتدى لهذا العام يتناول موضوع ريادة األعمال النسائية‬ ‫بمشاركة نخبة من األكاديميات والمتخصصات من الجامعات والمؤسسات الوطنية‬ ‫المختلفة‪ ،‬وأن الحوار الذي يجري بين المشاركات يثري الخبرات المكتسبة‪ ،‬ويزيد‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫وقدمت السديري شكرها لجميع المشاركات والمدربات اللواتي نفذن أربع ورش عمل في‬ ‫مجال المنتدى‪ ،‬حضرها ما يزيد على مائة وعشرين من فتيات وسيدات الغاط والمحافظات‬ ‫المجاورة‪ ،‬وقدمت شكر ًا خاص ًا لمركز البحوث والدراسات اإلنسانية بجامعة الملك سعود‬ ‫إلسهامه في إثراء فعاليات المنتدى‪ ،‬وللجهات الراعية للمنتدى‪ ،‬وفريق العمل‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫من إطالع المشاركات على تجارب جديدة وقيّمة‪ ،‬من شأنها تحقيق األهداف المنشودة من‬ ‫هذا المنتدى‪.‬‬

‫وتسعى إلى تطويرها‪ .‬وهذا الحراك يتطلب‬ ‫أن يكون مؤطراً برؤى واقعية تمكّن رائدات‬ ‫األعمال من المنافسة والنمو‪ ،‬وال يتم هذا إال‬ ‫من خالل التأصيل األكاديمي المتوافق مع‬ ‫الواقع الممارس الناجح‪.‬‬

‫تــحــظــى ريــــــادة األعـ ــمـ ــال الــنــســائــيــة‪،‬‬ ‫والمشروعات الصغيرة والمتوسطة باهتمام‬ ‫كبير من قبل الجهات االقتصادية‪ ،‬لما تمثله‬ ‫هذه المشروعات من رافعة مهمة لالقتصاد‬ ‫الوطني‪ ،‬بالنظر للمدخالت والمخرجات‬ ‫التي تــرافــق هــذا القطاع اإلنــتــاجــي‪ ،‬الــذي‬ ‫وقــد هــدف المنتدى إلــى إشــراك المرأة‬ ‫تملكه وتعمل فيه نسبة كبيرة من المواطنين‬ ‫العاملين في القطاع الخاص‪ ،‬يسعون إلى الــســعــوديــة فــي ح ــدود الــنــطــاق الجغرافي‬ ‫تطوير مشروعاتهم والنهوض بها من النطاق لمحافظة الغاط ومــا حولها‪ ،‬الراغبة في‬ ‫االستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة‪،‬‬ ‫المحلي الى اإلقليمي والدولي‪.‬‬ ‫وإطالعها على التجارب الناجحة‪ ،‬وإتاحة‬ ‫ومن خالل القراءة االقتصادية واالجتماعية‬ ‫لواقع ريــادة األعــمــال النسائية‪ ،‬نلحظ أن المجال أمامها لمعرفة الجهات العاملة‬ ‫هناك حراكاً إيجابياً تمثل في إسهام المرأة في مجال ريــادة األعمال والفرص الممكنة‬ ‫بالمشاركة في النمو االقتصادي من خالل لإلفادة منها وتنفيذ مشاريع ريادية مناسبة‬ ‫زيادة إقبالها على تأسيس المشاريع الصغيرة للمنطقة‪ ،‬تتوافق مــع مــؤهــات وإمكانات‬ ‫والمتوسطة الخاصة بها‪ ،‬فتديرها وتعمل بها الراغبات في خوض هذا المجال‪.‬‬

‫دار الرحمانية ‪ -‬بمحافظة الغاط‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪15‬‬


‫جلسة الحوار األولى‬ ‫محاور الجلسة‪:‬‬ ‫ واقع ريادة األعمال والتطلعات المستقبلية‪.‬‬‫ أهم التحديات التي تواجه العنصر النسائي في ريادة األعمال في السوق السعودية‪.‬‬‫ الجهات الداعمة والفرص المتاحة لالستثمار‪.‬‬‫ اتجاهات السوق العالمي والمحلي في ريادة األعمال‪.‬‬‫المتحدثات ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬وفاء املبيريك‪ ،‬د‪ .‬مليا العبدالكرمي‪ ،‬أ‪ .‬مها النحيط‪ ،‬أ‪ .‬عالية الشلهوب‪.‬‬ ‫أدارت الجلسة ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬اجلوهرة فهد الزامل‬ ‫ (أستاذ اخلدمة االجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة امللك سعود)‪.‬‬

‫افتتحت أ‪ .‬د‪ .‬الـجــوهــرة الــزامــل الجلسة متحدثة عــن أهمية ري ــادة األع ـمــال‪ ،‬وكيفية‬ ‫االستفادة من الفرص المتاحة والمنظورة‪ ،‬واالستثمار الصحيح الذي من شأنه أن تكون له‬ ‫مخرجات إيجابية على صاحبة المشروع والمجتمع على السواء‪ ،‬كما استعرضت الخدمات‬ ‫التي تقدمها المؤسسات الخدمية واألكاديمية والمجتمعية غير الربحية المتخصصة‬ ‫للراغبات في االستثمار‪.‬‬ ‫ثم بدأت الحوار مع المشاركات‪ ،‬ووجهت أسئلة تساعد على تقديم معلومات تثري النقاش‪،‬‬ ‫وتعرض واقع ريادة األعمال النسائية والتطلعات المستقبلية بوجه عام أمام الجمهور‪.‬‬ ‫المتحدثة األولى‪:‬‬ ‫ا‪ .‬د‪ .‬وفاء ناصر المبيريك‬ ‫ريادي‪.‬‬ ‫(دكتوراة من جامعة نوتنجهام البريطانية‪،‬‬ ‫وأشــارت إلــى أن من عوامل نجاح ريــادة‬ ‫‪1998‬م‪ ،‬ريادة األعمال‪-‬جامعة الملك سعود)‬ ‫األعــمــال هــو إدراك أهمية كــل عنصر من‬ ‫واقع ريادة األعمال‬ ‫عناصر منظومة ريادة األعمال‪ ،‬والتي تعرّف‬ ‫واآلفاق المستقبلية‬ ‫بأنها «عناصر وأف ــراد ومنظمات وجهات‬ ‫تحدثت عن واقع ريادة األعمال‪ ،‬وأشارت محيطة برائد األعمال‪ ،‬تعين أو تعيق توجُّ ه‬

‫المجتمع؛ ما يعزز مشاركتهم في مجتمع‬

‫إلى أن مدلولها المباشر هو إنشاء مشروع الفرد نحو ريادة األعمال»‪ ،‬وفقا للشميمري‬ ‫استثماري مبتكر‪ ،‬وهو بهذا المعنى يسهم والمبيريك (‪2016‬م)‪ .‬إذ يسهم كل عنصر من‬

‫بشكل مباشر في التنمية االقتصادية‪ .‬كما هذه العناصر في بناء ريادة األعمال ودعمها؛‬ ‫أن تبنّي ريادة األعمال كاستراتيجية يسهم ابتداء برائد األعمال نفسه‪ ،‬ومرورا بعناصر‬

‫‪16‬‬

‫بفاعلية في بناء الفكر الريادي لدى أفراد البيئة الخاصة المحيطة به‪ ،‬وانتهاء بعناصر‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ومــن هــذا المنطلق‪ ،‬فــإن ريــادة األعمال نسبته ‪ ،%39‬بينما كانت ‪ %4‬فقط في السابق‪.‬‬ ‫تعد من أبرز االستراتيجيات التي يمكن من‬ ‫ثــم تــنــاولــت تــطــور ريــــادة األع ــم ــال في‬ ‫خاللها النهوض باقتصاد المملكة‪ ،‬خاصة المملكة‪ ،‬وأشــارت إلــى ما ورد في الكتيب‬ ‫وأنها تتمتع بالعديد من الخصائص التي التعريفي لرؤية ‪« ،2030‬أن المرأة السعودية‬ ‫تؤهلها لتبنّي هذه االستراتيجية‪ ،‬والتي منها‪ :‬تعد عنصراً مهماً‪ ،‬إذ تشكل ما يزيد على‬ ‫المجتمع السعودي اليافع‪ ،‬وأن المملكة عضو‬ ‫‪ %50‬من إجمالي عدد الخريجين الجامعيين‪،‬‬ ‫في منظومة الدول العشرين العظمى ‪،G2o‬‬ ‫وسنستمر فــي تنمية مواهبها واستثمار‬ ‫والحاجة لعالج مشكلة ارتفاع نسبة البطالة‪،‬‬ ‫طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص‬ ‫والتطور الكبير في البنية التحتية‪ ،‬إضافة‬ ‫المناسبة لبناء مستقبلها واإلسهام في تنمية‬ ‫إلى برنامج التحول الوطني ‪ ،2030‬وغيرها‬ ‫مجتمعنا واقتصادنا»‪.‬‬ ‫من العوامل األخرى‪.‬‬ ‫وأضــافــت أن المملكة تتجه حالياً إلى‬ ‫وفــي الختام استعرضت قصص نجاح‬ ‫مــخــتــارة لمجموعة مــن رائــــدات األعــمــال خفض مــعــدالت البطالة عند الــمــرأة‪ ،‬من‬ ‫السعوديات الالتي تمكنَّ من االستثمار في خــال فتح مــجــاالت وفــرص عمل‪ ،‬وإيجاد‬ ‫وظائف مناسبة في بيئة عمل آمنة‪ ،‬وتشجيع‬ ‫الفرص التي تهيأت لهن‪.‬‬ ‫ابتكار وإبــداع رائــدات األعمال‪ ،‬واالستفادة‬ ‫المتحدثة الثانية‪:‬‬ ‫أ‪ .‬مها بنت سليمان النحيط‬ ‫(رائدة أعمال)‬

‫مــن أفكارهن التي لها دور كبير فــي دعم‬

‫أهمية ريادة األعمال في السعودية‬

‫رؤية المملكة العربية السعودية ‪ ،2030‬زيادة‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫البيئة العامة ذات الصلة الوثيقة بريادة ملحوظاً في نسب رائدات األعمال‪ ،‬إذ بلغت‬ ‫األعمال‪.‬‬ ‫نسبة النمو بين عامي ‪2017 - 2007‬م ما‬

‫االقتصاد الوطني وتطويره‪ .‬وأن من أهداف‬ ‫مشاركة المرأة في سوق العمل من ‪ %22‬إلى‬

‫وق ـ ــد ت ــح ــدث ــت عـ ــن أه ـ ــم الــتــحــديــات‬ ‫والمعوقات التي تواجه العنصر النسائي في ‪.%30‬‬ ‫ريادة األعمال‪ ،‬وقالت إنها تحديات نظامية‪،‬‬ ‫وذكــرت أن هناك العديد من القطاعات‬ ‫وتحديات علمية ومهنية‪ ،‬وتحديات اجتماعية الــتــي تميزت بها الــمــرأة الــســعــوديــة مثل‪:‬‬ ‫ونفسية‪.‬‬ ‫األزيـ ــاء‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والسياحة والضيافة‪،‬‬ ‫وأش ــارت إلــى أنــه وعلى الرغم من تلك والبيئة والتدوير‪ ،‬إضافة إلى قطاع التغذية‬ ‫التحديات التي تواجه المرأة السعودية في والــمــشــروبــات‪ ،‬واالس ــت ــش ــارات والتنظيم‬ ‫ريادة األعمال‪ ،‬إال إن المملكة سجلت ارتفاعاً والترفيه والتجزئة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪17‬‬


‫المتحدثة الثالثة‪:‬‬ ‫أ‪ .‬عالية الشلهوب‬ ‫(مستشارة اقتصادية)‬ ‫بـــدأت حديثها عــن الــجــهــات الــداعــمــة‬ ‫والفرص المتاحة لالستثمار‪ ،‬وتناولتها من‬ ‫ثالثة محاور‪:‬‬ ‫األول‪ ،‬الدعم اإلداري واللوجستي‪ ،‬إذ‬ ‫أشارت إلى أن أي مشروع في البداية يحتاج‬ ‫دراسة جدوى اقتصادية وتراخيص مزاولة‬ ‫الــنــشــاط‪ ،‬والــتــي تــصــدرهــا وزارة التجارة‬ ‫واالستثمار (السجل التجاري) ووزارة الشئون‬ ‫البلدية (رخص البلدية)‪.‬‬ ‫الثاني هو الدعم المالي والقروض‪ :‬فقالت‬ ‫إن أي مشروع يحتاج إلى تمويل سواء كان‬ ‫ال ذاتياً أم حكومياً من جهات اإلقراض‪،‬‬ ‫تموي ً‬ ‫بنك التنمية (التسليف سابقاً) والصندوق‬ ‫الصناعي‪ ،‬وغيرها الكثير من طرق التمويل‬ ‫والتي أخطرها القروض التجارية من البنوك‬ ‫نظراً الرتفاع الفوائد‪.‬‬ ‫ثــالــث مــحــاور ورقتها الــفــرص المتاحة‬ ‫لالستثمار‪ :‬كالفرص اإلبداعية واالبتكارية‬ ‫الجديدة‪ ،‬وهذه مصدرها التفكير واإلبداع‪،‬‬ ‫وأكــدت أن المجتمع بحاجة إلــى مثل هذه‬ ‫وج ـدّة‪ ،‬وهناك‬ ‫الفرص لما فيها من ابتكار ِ‬ ‫ال ــف ــرص الــتــقــلــيــديــة ومــصــدرهــا الــغــرف‬ ‫التجارية وهيئة االستثمار ومكاتب ترويج‬ ‫فرص االستثمار‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫المتحدثة الرابعة‪ :‬د‪ .‬لميا‬ ‫العبدالكريم‬ ‫(دكتوراه من جامعة ماسانشوستش‬ ‫األمريكية ‪ -‬جامعة الملك سعود)‬ ‫تحدثت عــن اتجاهات الــســوق العالمي‬ ‫والمحلي‪ ،‬واستعرضت قصص نجاح عمالقة‬ ‫السوق العالمية المتجهة للتقنية مثل‪ :‬علي‬ ‫بــابــا وأمــــازون مــن بداياتهما المتواضعة‬ ‫وتخطي التحديات إلى النجاح الذي تحقق‬ ‫في منافسة السوق العالمي‪ .‬كما أوضحت‬ ‫ما يميز هذه الشركات التقنية الحديثة مثل‬ ‫أمازون وأوبر واير بي اند بي بأنها أحدثت‬ ‫طفرة تنافسية تجاوزت النماذج التقليدية‬ ‫للشركات السابقة بــاالبــتــكــار‪ ،‬والــوصــول‬ ‫للعالمية‪ .‬كما تميزت هذه الشركات بالتركيز‬ ‫على إرضاء العمالء فوراً والسماح لعمالئها‬ ‫بتعديل المنتَج‪ ،‬ومن أهم االبتكارات لهذه‬ ‫الشركات تعزيز وتحسين الكفاءة عن طريق‬ ‫استخدام األتمتة‪ ،‬وفي أثناء شرح تطورات‬ ‫السوق الحالية وبعيدة األجــل أوردت كيف‬ ‫أن رواد أعمال لمنشآت صغيرة استفادوا‬ ‫من فــرص ســوق العمالقة في مجال أتمتة‬ ‫التسوق في السوبرماركت كما تفعل أمازون‪.‬‬ ‫ثم قارنت اتجاه السوق المحلي بعد عرض‬ ‫إحصاءات عن وضع سوق التقنية‪.‬‬

‫وأظ ــه ــرت أن أفــضــل خمسين منشأة‬ ‫صغيرة تركز على التطبيقات فقط‪ ،‬وأن‬ ‫هناك فرصاً كبيرة لنقل ابتكارات السوق‬ ‫العالمي محليا للشابات والشباب السعودي‪،‬‬ ‫كما شرحت نماذج لمنشآت صغيرة بدأت‬ ‫تــعــمــل مــن الــمــنــزل ثــم تــطــورت وانتقلت‬ ‫إلــى العالمية‪ .‬وتحدثت عــن مــصــادر دعم‬ ‫وختمت بأن كل ما هو متاح للرجل متاح المنشآت الصغيرة من حكومية وجامعات‬ ‫للمرأة‪ ،‬وأكدت على ضرورة البعد عن التقليد ومراكز ربحية‪ ،‬وختمت بتوصية الحاضرات‬ ‫العشوائي‪ ،‬وضرورة دراسة أي مشروع دراسة بتعلم اللغة اإلنجليزية لتمكنهن من االطالع‬ ‫على االتجاهات العالمية‪.‬‬ ‫وافية قبل البدء بالتنفيذ‪ ،‬لضمان نجاحه‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫نظمت هيئة المنتدى أربع ورش عمل تدريبية‪ ،‬شارك فيها ما يزيد عن مائة وعشرين من‬ ‫سيدات المجتمع المحلي‪ ،‬وقد شملت أربعة موضوعات‪:‬‬ ‫‪ -1‬ورشة (اصنعي فكرتك الريادية)‬ ‫قدمتها‪ :‬د‪ .‬ريما بنت سعيد‬ ‫(دكتوراه في إدارة األعمال الدولية ‪-‬‬ ‫جامعة الملك سعود)‪.‬‬

‫تضمنت الورشة عدة محاور‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫تكن معروفة سابقا‪ ،‬كما وضحت الفرق بين‬ ‫اإلبداع واالبتكار في التطبيق‪.‬‬ ‫تخلل هذه الورشة عدة تمارين تطبيقية‬ ‫تهدف إلى تنمية جوانب معينة لدى الحضور‬ ‫وه ــي‪ :‬التفكير خ ــارج الــصــنــدوق‪ ،‬واألخــذ‬ ‫باآلراء‪ ،‬والعمل الجماعي بين أعضاء الفريق‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫ورش تدريبية على هامش المنتدى‬

‫ من أين تنبع الفكرة للمشروع‪.‬‬‫كما أكــدت على أن مــن واجبنا السعي‬ ‫ كيف نقيم فكرة المشروع؟‬‫للنهوض بوطننا وبمجتمعنا‪ ،‬لذا علينا البدء‬ ‫ تقييم وضع المشروع بالنسبة للمنافسين‪ .‬في االبتكار والعمل على أن تكون منشآتنا‬‫ومشاريعنا قائمة بأيدي أبنائنا بأفكارهم‬ ‫ خطوات تحويل الفكرة إلى الواقع‪.‬‬‫وجهدهم‪ ،‬كما تطرقت إلى عدة محاور مهمة‪:‬‬ ‫وبعد استعراض أهــم المحاور‪ ،‬وتقديم‬ ‫الشرح عن كل محور‪ ،‬تشاركت المشاركات ‪ -‬رؤية ‪ :2030‬األفكار اإلبداعية تساعدنا‬ ‫على تحقيق رؤية وطننا الملهمة‪ ،‬وكيف‬ ‫بالندوة في حوار ثري حول صناعة الفكرة‬ ‫نصل إلى اقتصاد مزدهر‪ ،‬ومجتمع حيوي‬ ‫الــريــاديــة‪ ،‬وأثــيــر الــعــديــد مــن األســئــلــة من‬ ‫ووطن طموح وذلك بالخروج عن األفكار‬ ‫الــمــشــاركــات‪ ،‬وش ــارك الجميع فــي اقتراح‬ ‫التقليدية‪ ،‬والــنــظــر فــي تنويع مصادر‬ ‫اإلجابات في حوار رسّ خ الفائدة من الورشة‬ ‫الدخل‪ ،‬بعيدا عن االعتماد على إيرادات‬ ‫لدى المتدربات‪ ،‬كما تولت المدربة اإلجابة‬ ‫النفط‪.‬‬ ‫عن استفسارات وتساؤالت رائدات األعمال‪.‬‬ ‫‪ -2‬ورشة (االبتكار في ريادة األعمال) ‪ -‬الــبــعــد االقــتــصــادي‪ :‬ينهض االقــتــصــاد‬ ‫بإيجادنا لحلول مبتكرة وذات كفاءة عالية‬ ‫قدمتها‪ :‬أ‪ .‬جواهر سعد بن جوهر‬ ‫لمشاكل عدة مثل الفقر والبطالة‪ ،‬وتتيح‬ ‫(ماجستير من جامعة ميامي ومدربة في مجال‬ ‫لنا تطوير برامجنا‪.‬‬ ‫إدارة األعمال والمشاريع)‪.‬‬

‫ البعد البيئي‪ :‬تؤثر إيجابا على اهتمامنا‬‫بــدأت الــورشــة بتعريف لمعنى االبتكار‬ ‫بالبيئة بإيجاد طرق إبداعية للسيطرة‬ ‫أو اإلبـــداع كمفهوم علمي‪ ،‬واســتــنــاداً إلى‬ ‫على التلوث وترشيد االستهالك‪.‬‬ ‫تعريف العلماء لــه على أنــه عملية عقلية‬ ‫هــادفــة ونــشــطــة فــي اســتــخــدام الــخــبــرات ‪ -‬البعد االجتماعي‪ :‬تجعل المجتمع على‬ ‫تواصل مستمر مع بعضه بعضاً‪ ،‬وأكثر‬ ‫والمعلومات‪ ،‬تصحبها رغبة شديدة إليجاد‬ ‫حلول لمشكالت ومواجهة معوقات بطرق لم‬ ‫تالحماً‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪19‬‬


‫ الــبــعــد الــخــدمــي‪ :‬تسهيل الــكــثــيــر من توجيه المنتج أو الخدمة له؟‬‫الــخــدمــات بــطــرق إبــداعــيــة‪ ،‬فتختصر‬ ‫كما تم تقديم شرح تفصيلي لكل عنصر‬ ‫الوقت والجهد والتكلفة مثل التطبيقات من عناصر نموذج العمل التجاري والــذي‬ ‫اإللكترونية‪.‬‬ ‫يشمل‪ :‬الشريحة المستهدفة‪ ،‬وقيمة العرض‪،‬‬ ‫ البعد الشخصي‪ :‬ترفع المستوى المعرفي والــقــنــوات‪ ،‬والعالقة مع العمالء‪ ،‬والمهام‬‫لألشخاص‪ ،‬وتزيد ثقتهم بأنفسهم وتحقق األســاس‪ ،‬والشركاء الرئيسيين‪ ،‬والمصادر‬ ‫الرضى الذاتي‪.‬‬ ‫األساس‪ ،‬وهيكل التكاليف‪ ،‬ومصادر الدخل‪،‬‬ ‫كما تناولت المدربة العناصر الداعمة كما تم التركيز على آليات التسعير وضريبة‬ ‫للتفكير اإلب ــداع ــي مــن حــيــث الــمــهــارات القيمة المضافة‪.‬‬ ‫ال منها لها‬ ‫والسلوك والحوافز‪ ،‬وكيف أن ك ً‬ ‫وختمت الورشة أن ثقافة ريادة األعمال‬ ‫أثــره فــي طــرق تفكيرنا وأخــذنــا إلــى عالم تتطلب اهتماماً كبيراً لما تتضمنها من‬ ‫األفــكــار الجديدة التي تالمس احتياجات فــوائــد‪ :‬كــإقــامــة مجموعة مــن الملتقيات‬ ‫المستفيدين‪ ،‬ولخصت األدوات التي نحتاج الخاصة بالريادة‪ ،‬ونشر قصص نجاح لرواد‬ ‫إليها لنبدأ بالفكرة اإلبداعية بثالثة عناصر أعــمــال سعوديين‪ ،‬وطالبت بــإدخــال ريــادة‬ ‫هي‪ :‬الرغبة‪ ،‬والخبرات والمعرفة‪ ،‬والبحث‪ .‬األعــمــال كمقرر دراس ــي لــلــمــدارس‪ ،‬إذ إن‬ ‫واختتمت الورشة بشرح الخطوات المتبعة كل ذلك من شأنه دفع الشباب والمجتمع‬ ‫لالنطالق بالمشروع التجاري من الفكرة بشكل عام للتوجه إلى عالم ريادة األعمال‪،‬‬ ‫االعتيادية إلى الفكرة اإلبداعية‪ ،‬ثم األداء التي ستسهم في تحقيق أحد أهداف رؤية‬ ‫ثم التقييم إلى التنفيذ‪.‬‬ ‫الوطن ‪ ،2030‬بالنظر لما تستهدفه الرؤية‬ ‫من رفع نسبة إسهام المؤسسات الصغيرة‬ ‫‪ -3‬ورشة‬ ‫والمتوسطة في الناتج المحلي اإلجمالي‪،‬‬ ‫(من الفكرة إلى العمل التجاري)‬ ‫إضافة إلى تخفيض نسبة البطالة وتوفير‬ ‫قدمتها أ‪ .‬لما النمي‬ ‫فرص عمل‪.‬‬ ‫(بكالوريوس في مجال ريادة األعمال ‪ -‬معهد‬

‫‪20‬‬

‫‪ -4‬ورشة (اإلجراءات القانونية‬ ‫الملك سلمان لريادة األعمال)‪.‬‬ ‫للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ‪ -‬شركة‬ ‫تضمنت الــورشــة توضيح مفهوم ريــادة‬ ‫تمكّ ن لالستشارات اإلدارية)‬ ‫واستعراضا لنماذج‬ ‫ً‬ ‫األعمال واستراتيجياتها‪،‬‬ ‫قدمتها أ‪ .‬لمياء القاضي‬ ‫مشاريع ريادية سعودية‪ ،‬وشرحاً لعناصر‬ ‫(مدربة معتمدة في مجال تأسيس وإدارة المشاريع)‪.‬‬ ‫نموذج العمل التجاري‪ ،‬الذي يهدف إلعطاء‬ ‫كــل رائــد أعــمــال فــي بــدايــة تأسيس أي‬ ‫صورة أوضح للفكرة عند تطبيقها على أرض‬ ‫الواقع‪ ،‬إذ يقدم إجابات مهمة لمجموعة من مشروع ينبغي أن يكون على معرفة عالية‬ ‫األسئلة من بينها ما هو المنتج أو ما هي بالسوق المستهدفة لمشروعه مــن حيث‬ ‫الخدمة التي يرغب رائد األعمال أو صاحب آلياته وإجراءاته ومتطلبات العمل فيه وفرص‬ ‫الــمــشــروع فــي تقديمها؟ ولــمــن ســوف يتم النجاح المتاحة؛ وبالتالي يجب أن يبحث عن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ )2‬آلية البحث عن اإلجراءات الحكومية‪:‬‬

‫ والتي تتلخص في البحث عن النشاط‬ ‫الــصــحــيــح لــلــفــكــرة ال ــم ــراد تنفيذها‪،‬‬ ‫ومــن ثــم تحديد الجهات ذات العالقة‬ ‫واشتراطاتها‪.‬‬ ‫‪ )3‬اختيار المشروع المناسب‪:‬‬

‫ تم التطرق إلى اآللية الصحيحة الختيار‬ ‫المشروع‪ ،‬وبالتالي تقليل فــرص فشل‬ ‫المشروع وذلك من خالل‪:‬‬ ‫ التمويل‪ ،‬فبعض المشاريع تتطلب رأس‬‫عال (مثل تأسيس مقر ‪ -‬استقدام‬ ‫مال ٍ‬ ‫عمالة ‪-‬أجهزة ‪-‬نظام تقني‪ ..‬الخ)؛ لذا‬ ‫يجب على صاحب المشروع األخذ بعين‬ ‫االعتبار القدرة المادية المتاحة لديه في‬ ‫وقت التنفيذ أو الحلول التمويلية التي‬ ‫يستطيع الحصول عليها‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫الــطــرق الصحيحة واألســـاس ليتمكن من‬ ‫العمل في مشروعه بطريقة سليمة تضمن‬ ‫نجاحه وتساعده في تجاوز الصعوبات وتبعد‬ ‫عنه أسباب الفشل‪ .‬ويبدأ كل ذلك بمعرفة‬ ‫اإلجراءات القانونية والحكومية في المملكة‬ ‫العربية السعودية لبدء أي مشروع تجاري‬ ‫والتي يمكن تلخيصها بشكل مبسط بمعرفة‬ ‫ ‪ -‬التفرغ‪ ،‬عند اختيار المشروع المناسب‬ ‫الجوانب اآلتية‪:‬‬ ‫يــجــب م ــراع ــاة الــوقــت والــجــهــد الــذي‬ ‫‪ )1‬األشكال القانونية للمشاريع والتزاماتها‪:‬‬ ‫سيتطلبه الــمــشــروع مــن صــاحــبــه‪ ،‬في‬ ‫ من حيث معرفة الفروقات بين المؤسسات‬ ‫حال كان التفرغ إلزامياً لدقة المشروع‬ ‫الفردية والشركات والتزاماتها القانونية‪،‬‬ ‫ومتطلباته العالية وصاحب المشروع غير‬ ‫وما تم استحداثه في النظام السعودي‪،‬‬ ‫قادر على الموازنة بين عمله والمشروع‬ ‫كــنــظــام شــركــة الــشــخــص الــواحــد التي‬ ‫الخاص‪ ،‬فيجب عليه تعيين مدير بدوام‬ ‫تــســاعــد فــي تنمية االقــتــصــاد وزيـــادة‬ ‫كامل إلدارة المشروع‪ ،‬أو اختيار مشروع‬ ‫االستثمارات الشخصية لقلة المخاطرة‪.‬‬ ‫آخر يتناسب مع جدوله بشكل أفضل‪.‬‬ ‫عمالة ذات مهارات عالية فنية أو تقنية‪،‬‬ ‫ومن الممكن عدم توافرها في المملكة‪،‬‬ ‫لذا ينبغي وضع خطة واضحة لإلمكانات‬ ‫المتوافرة والمهارات المطلوبة تساعد‬ ‫صاحب المشروع على اتــخــاذ قــرارات‬ ‫سليمة عند بدء مشروعه بالتوظيف‪.‬‬

‫ المعرفة الفنية والتقنية‪ ،‬إن المهارات‬‫الفنية والتقنية لتنفيذ المشاريع هي جزء‬ ‫ال يتجزأ مــن الــمــشــروع‪ ،‬فمن استطاع‬ ‫اتقانها استطاع إنجاح مشروعه؛ لذا يجب‬ ‫على صاحب المشروع أن يكون صادقا‬ ‫مع نفسه بالنسبة لمعرفته ومهاراته في‬ ‫المجال التخصصي لمشروعه‪ ..‬حتى‬ ‫يعرف ما هي النواقص التي لن يستطيع‬ ‫تنفيذها‪ ،‬وبالتالي توظيف فريق عمل‬ ‫مكمل لمهاراته ومعرفته‪.‬‬

‫كما استعرضت األستاذة لميا القاضي في‬ ‫الورشة‪ ،‬الجهات الحكومية ذات العالقة على‬ ‫حسب نشاطاتها‪ .‬وكذلك الجهات الداعمة‬ ‫للمشاريع الــصــغــيــرة والــمــتــوســطــة وطــرق‬ ‫دعمها‪ ،‬وعمل دليل بأهم الجهات الداعمة‬ ‫وحاضنات األعــمــال والــمــبــادرات الخاصة‬ ‫ التوظيف والعمالة‪ ،‬هناك مشاريع تحتاج بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة‪.‬‬‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪21‬‬


‫في محافظة الغاط‬ ‫عراقة التاريخ وعبق الثقافة*‬ ‫■ د‪ .‬هيا بنت عبدالرحمن السمهري**‬

‫عندما يكون االرتحال لمحافظة الغاط من التوق والشوق للثقافة‪ ،‬وعندما يكون تأطير ًا‬ ‫حافز ًا في صياغة التنمية‪ ،‬وعندما يكون دعم ًا للمعرفة وتحقيق ًا لممكنات النهوض فحتم ًا‬ ‫سيكون االرتحال مختلف ًا في أصوله وشكوله‪ .‬فهناك في الغاط حكايات للكرم األصيل‪،‬‬ ‫وتلويحة زمانية تخترق القلوب؛ وشــواهــد مكانية تحمل دالالت التنوير؛ وهـنــاك أحــام‬ ‫عربية بيضاء تكوّنت في دار الرحمانية ومكتبتها ذات الصفوف الملوَّ نة من أوعية المعرفة‬ ‫ال يستغلق على زائرها التقاط متغيراتها وتجدّ دها الدؤوب‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫أمــا الــبــدايــات‪ ،‬فقد ومــضــتْ هــنــاك في‬ ‫الــجــوف لتدفعنا لــاســتــفــاضــة فــي شــرح‬ ‫تفاصيل المشروع الثقافي‪ ،‬الذي امتد من‬ ‫الجوف في تأسيس صــادق لتغذية العقول‬ ‫بالمعرفة‪ ،‬ليستقبل مجتمع الــجــوف منذ‬ ‫نحو نيّف وخمسين عاماً مكتبة «دار العلوم»‬ ‫«‪1383‬هـــ» التي أسسها األمير عبدالرحمن‬ ‫ابن أحمد السديري ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬إبَّان إمارته‬ ‫هُناك؛ وأصبحت منارة ثقافية تحمل وجيب‬ ‫مجتمعها ووطنها الكبير؛ وتعمّق من الجوف‬ ‫العطاء اإلنساني لمؤسس المركز الثقافي‬ ‫الموسوم باسمه ‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬فتراسلت‬ ‫المثاقفة مع الغاط‪ ،‬إذ عزم (رحمه اهلل) أن‬ ‫يترك مساحة لتاريخ الثقافة في مرابع الغاط‬ ‫الجميل؛ فنهضت ثقافة الــغــاط‪ ،‬فاقتربتْ‬ ‫الرؤى واستدارت الزوايا؛ فكانت مكتبة منيرة‬ ‫الملحم ‪ -‬رحمها اهلل‪ -‬وكان المنتدى السنوي‬ ‫األب ــرز فــي دعــم الــمــرأة‪ ..‬فالمكتبتان في‬ ‫سكاكا والغاط تشكالن مركزاً ثقافياً بفرعين‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫يرعى المناشط الثقافية‪ ،‬ويقدم التمويل‬ ‫للبحوث‪ ،‬وينشر الدراسات والكتب ويصدر‬ ‫دوريتين تعنيان باآلثار والثقافة واألدب‪ ..‬كما‬ ‫يرعى المركز جائزة األمير عبدالرحمن بن‬ ‫أحمد السديري للتفوق العلمي في كل من‬ ‫الجوف والغاط؛ وهناك خطة ممتدة البتعاث‬ ‫المتفوقات لــلــدراســات التخصصية العليا‬ ‫تمخضت عن عدد محفز منذ عام ‪1425‬هـ‪.‬‬ ‫أمــا المنتدى السنوي المكتنز «منتدى‬ ‫منيرة الملحم لخدمة المجتمع» فهو منصة‬ ‫إشــراق مجتمعية‪ ،‬ومجيء مدهش توشحه‬ ‫اسمها (رحمها اهلل) ليصبح جزءاً من الثقافة‬ ‫الوطنية وأتمت عائلتها رسم لوحاته النامية‪،‬‬ ‫فعبر ذلك المنتدى المجتمعي مدارجه العشر‬ ‫حتى هذا العام ‪1439‬هـ وما يزال يستضيف‬ ‫نخبة مــن عقول بــادنــا النسائية لتتصدر‬ ‫طروحاته وتفيض بما يعزِّز معلومات المشهد‪.‬‬ ‫ولــكــل دورة تــخــطــيــط مــحــكــم وعــنــايــة‬


‫ * المصدر‪ :‬صحيفة الجزيرة‪ ،‬العدد ‪ 16572‬األحد ‪ 25‬جمادى األولى ‪1439‬هـ (‪2018/2/11‬م)​‪.‬‬ ‫** شاعرة وكاتبة سعودية‪.‬‬ ‫ ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫بالتفاصيل لتحقيق األهداف المتوخاة؛ ودائماً‬ ‫ما يحصد المنتدى نجاحات تذكر وتشكر‪،‬‬ ‫تأسيساً على جــدارة االنتقاء للموضوعات‬ ‫التي تمس وجيب المجتمع؛ وَمِ ما طرح في‬ ‫المنتديات السابقة «أساليب كسب األبناء‬ ‫نــعــم‪ُ ،‬هــنَ ــاك فــي الــغــاط شــعــور جميل‬ ‫وتوجيه سلوكهم‪« »،‬ذوو االحتياجات الخاصة‬ ‫بين التحدي والحقوق»‪« ،‬العنف األســري»‪ ،‬بالمغامرة المحمودة لفتح بوابات الثقافة‬ ‫«دور األسرة في انحراف األبناء»؛ و«الصحة وخدمة المجتمع على مصراعيها لتمتد من‬ ‫النفسية ضمن الحياة األسرية»‪ ،‬وموضوعات الغاط الجميلة إلى كل أرجاء بالدنا؛ فهنيئاً‬ ‫أخرى في الشأن الصحي العام‪ ،‬وهذا العام للغاط ِحراكَها الثقافيّ المثمر‪ ،‬وهنيئاً لها‬ ‫كانت دورة المنتدى في موضوع حيويّ يتصدر ازدهارها المجتمعيّ المشهود الذي صنعته‬ ‫تــظــاهــرتــنــا الــوطــنــيــة‬ ‫تلك العقول العظيمة‬ ‫أرض تختال في حضن نجد‬ ‫أي ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫الجديدة وهــو (ريــادة‬ ‫دوحــةُ الفكر والفضاءُ الجميلُ ‪-‬رحمهم اهلل وحفظ‬ ‫األع ــم ــال الــنــســائــيــة‪:‬‬ ‫امــتــدادهــم‪ -‬ليكملوا‬ ‫الـــواقـــع والــتــطــلــعــات ت ـس ـك ـ ُـب الـ ـ ـ ــو َّد ل ـل ـح ـي ــاة غ ــزي ــرً ا‬ ‫ف ـ ــي دنـ ـ ـ ــان رحـ ـيـ ـقـ ـه ــا مـ ـعـ ـس ــولُ الــمــســيــرة الــتــنــمــويــة‬ ‫المستقبلية)‪ ،‬فكان‬ ‫الثقافية‪.‬‬ ‫الـ ــمـ ــوضـ ــوع حــفــيّــا‪ ،‬ذاك ربــع شــاقـ ْـت مغانيه نفسي‬ ‫فكل مــشــارِ كــة جــاءت‬ ‫ويــســتــحــق الــمــركــز‬ ‫تـ ـتـ ـه ــادى ف ـي ــه الـ ـ ـم ـ ــزونُ ت ـس ـيــلُ‬ ‫لــتــبــحــث ع ــن ضــمــان‬ ‫راك‬ ‫وما ينتج عنه من ِح ٍ‬ ‫الغاط موئل الحسن صاغوا‬ ‫ُ‬ ‫إنها‬ ‫ريادة األعمال وطريقة‬ ‫ف ـ ــي ث ـ ــراه ـ ــا حـ ـك ــاي ــة س ـت ـط ــولُ ثقافيّ تنمويّ مجتمعيّ‬ ‫إعـ ــدادهـ ــا وال ــش ــروع‬ ‫تصدّر مصادر التنوير‬ ‫فيها‪ ،‬واستمعنا ُهنَاك ه ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ٌّـب ورح ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــةٌ وت ـ ــآخ ـ ــي‬ ‫الثقافي تأسيساً في‬ ‫وبـ ـه ــا الـ ـعـ ـ ّز والـ ـشـ ـم ــوخُ ش ـك ــولُ‬ ‫لنخبة مختارة باقتدار‬ ‫بــادنــا‪ ،‬ومــنــح الــمــرأة‬ ‫لمثاقفة الحاضرات وهـ ـ ــي م ــاش ـئ ــت ف ــرح ــة وض ـي ــاء‬ ‫أول نوافذ الثقافة في‬ ‫حــول كيفية الصعود‬ ‫وه ـ ـ ــي لـ ـ ـل ـ ــواردي ـ ــن ظ ـ ـ ـ ٌّـل ظ ـل ـي ــلُ‬ ‫مــشــروع ثقافي كبير‪،‬‬ ‫وص ــن ــاع ــة ال ــن ــج ــاح؛‬ ‫وهـ ــي ن ـب ــعٌ ل ـم ــن ي ــاق ــي ث ــراه ــا‬ ‫وتبنّى مفهوم الشراكة‬ ‫فكان طرحاً أكاديمياً‬ ‫وهـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ــرع ودوحـ ـ ـ ـ ـ ــة وأصـ ـ ـ ـ ــولُ ال ــم ــج ــت ــم ــع ــي ــة قــبــل‬ ‫معرفياً من خالل نخبة‬ ‫مــن أســتــاذات جامعة ليت شعري في الغاط فكر وفير‬ ‫صياغاتها الحديثة؛‬ ‫والثقافةُ تنثالُ منها الحقولُ ي ــس ــت ــح ــق ال ــم ــرك ــز‬ ‫الملك سعود‪ ،‬إذ كان‬ ‫تكريماً وطنياً في أرفع‬ ‫الــمــنــتــدى بــالــتــعــاون إن عشقنا المُ قام في الغاط يوم ًا‬ ‫مـ ـــع مــــركــــز ب ــح ــوث‬ ‫ـوق وب ـ ـه ـ ـجـ ــةٌ وقـ ـ ـب ـ ــولُ مستوياته‪.‬‬ ‫ف ـ ـهـ ــو ش ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫الــدراســات اإلنسانية‬ ‫في الجامعة؛ وطرحاً تنظيمياً محفزاً من‬ ‫متخصصات مــن الــقــطــاعــات المعنية في‬ ‫بالدنا؛ وورش عمل مصاحبة كانت إضاءات‬ ‫لتحفيز االستعداد لريادة األعمال‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫دار العلوم بالجوف تعقد ندوة بعنوان‪:‬‬

‫لطيفة بنت عبدالرحمن السديري‬ ‫سيرة ‪ ..‬وحياة‬ ‫■ فاطمة يوسف العلي و محمد جميل أحمد‬

‫عقد مركز عبد الرحمن السديري‪ ،‬بمدينة الجوف‪ ،‬ندوة حول رائدة التعليم‬ ‫في منطقة الجوف السيدة لطيفة بنت عبدالرحمن السديري رحمها اهلل‪ ،‬وذلك‬ ‫يوم الخميس ‪ ١٩‬رجب ‪١٤٣٩‬هـ ( ‪ ١٥‬إبريل عام ‪٢٠١٨‬م)‪ ،‬استضاف فيها األستاذات‪:‬‬ ‫السطام‪ ،‬وعفراء الذباح‪ ،‬ونوارة العرسان‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫هيا الملحم‪ ،‬وفاطمة العدوان‪ ،‬و مريم‬ ‫وفاطمة القاضي‪ .‬وأدارت الـنــدوة الــدكـتــورة هيا السمهري‪ ،‬التي ابـتــدرت الندوة‬ ‫بقولها‪ :‬نتحدث اليوم في هذه الندوة عن رائــدة من رائــدات التعليم في منطقة‬ ‫الجوف هي السيدة لطيفة بنت عبدالرحمن السديري‪ ،‬رحمها اهلل‪ .‬فقد كان لها‬ ‫دور محوري وريــادي في تعليم البنات بالمنطقة على مدى سنوات طويلة بدعم‬ ‫ومــؤازرة من والدها معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري خالل توليه‬ ‫إمارة الجوف لنحو خمسة عقود‪ .‬وستسعرض فارسات هذه الندوة بعض إنجازاتها‬ ‫التأسيسية في التعليم وكذلك في المجتمع‪.‬‬ ‫لقد كانت لطيفة السديري إحدى منسوبات مدرسة الجوف االبتدائية وترقت‬ ‫في السلم التعليمي وممارسة مهنة التعليم إلى أن تولت «التوجيه التربوي» في‬ ‫تعليم البنات بمنطقة الجوف (اإلش ــراف التربوي حالياً)‪ .‬وكانت أبــرز صفاتها‬ ‫رحمها اهلل قـيــادة المجتمع النسائي بكل أطيافه عبر االسـتـفــادة القصوى من‬ ‫المعرفة والتعليم‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة وإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز‬ ‫ولقد بــدأت في ظــروف صعبة وأسست كان مولدها في مدينة الغاط بنجد‪ ،‬وجاءت‬ ‫دورهــا التعليمي عبر مسيرة تربوية شاقة إلى الجوف طفلة مع والدتها وتلقت تعليمها‬

‫ومشرّفة‪ .‬كانت السيدة لطيفة السديري االبتدائي في البيت على يد معلمة خاصة‪،‬‬ ‫شغوفة بتعليم بنات وطنها وبخاصة في واخــتــبــرت الــصــف الــســادس مــع أخــواتــهــا‬

‫الجوف‪ .‬وكان لها دور مميز في تحفيزهن في مدرسة األوالد‪ ،‬ضمن غرفه مستقلة‪.‬‬ ‫على التعليم مــن خــال العمل الجماعي كما درســت المرحلة المتوسطة عن طريق‬ ‫والعالقات االجتماعية الناجحة والشخصية المنازل‪ ،‬ثم المرحلة الثانوية في مــدارس‬ ‫القيادية الــــودودة‪ ،‬كما ســنــرى فــي حديث «دار الحنان» بجده ونالت الشهادة الثانوية‬

‫الضيفات الكريمات خالل حديثهن الشيّق منها‪ .‬وفيما هي تهم بالسفر إلــى بيروت‬ ‫عــن الــرائــدة لطيفة الــســديــري فــي مجال لــلــدراســة فــي الجامعة األمريكية مرضت‬ ‫المجتمع والتعليم‪.‬‬

‫الجانب اإلنساني عند لطيفة السديري‬

‫والدتها فجأة قبيل سفرها‪ ،‬فاضطرت إلى‬ ‫مالزمة والدتها‪ .‬ولم يتيسر لها السفر إلى‬

‫تناولت األســتــاذة هيا الملحم الجانب بيروت‪.‬‬ ‫اإلنساني عند لطيفة الــســديــري‪ ،‬فقالت‪:‬‬

‫لقد تميزت السيدة لطيفة السديري بأنها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪25‬‬


‫كانت بــارة بوالدتها‪ ،‬ومتواضعة مع الكبير تعليمهن وتربيتهن‪ ،‬مع حزم ووقار جعل من‬

‫والصغير إلى جانب شخصيتها القيادية التي ريادتها في التعليم بالجوف عالمة مضيئة‬ ‫كان يش ّع منها الوقار‪.‬‬

‫في تاريخ تعليم البنات بمنطقة الجوف حين‬

‫وأضافت هيا الملحم أنه في جميع مراحل كان المجتمع متردداً في تعليم البنات‪ ،‬لكن‬ ‫حياتي عاشرت السيدة لطيفة السديري‪ ،‬بصبرها وحكمتها وأسلوبها المقنع اللطيف‬ ‫فقد كانت مديرة مدرستي االبتدائية‪ ،‬ورغم‬ ‫القرابة التي تربطني بها فقد كانت معي في‬ ‫المدرسة معلمة صارمة‪ ،‬وكذلك كان الحال‬ ‫حين كانت مديرتي في المرحلتين المتوسطة‬

‫ومهاراتها وقدراتها ودعم والدها المستنير‬ ‫األمير عبدالرحمن السديري استطاعت أن‬ ‫تتغلب على العقبات‪.‬‬

‫كــانــت تمتلك مــؤهــات مثيرة بالنسبة‬

‫والثانوية‪ .‬كما استفدت كثيرا من فكرها لطالباتها؛ فهي بمثابة األم واألخت الكبرى‬ ‫التربوي عند عملي مشرفة بالمدرسة معها‪ .‬والمعلمة والمرشدة والصديقة‪ ،‬وبكل تلك‬ ‫ومن صفاتها التي تدل على شخصيتها‬ ‫التربوية العظيمة أنها كانت تحس بمعاناة‬ ‫الناس وتحفظ أسرارهم‪ ،‬وتظل قريبة منهم‪،‬‬

‫الصفات تمكّنت من ممارسة الــريــادة في‬ ‫مجال التعليم‪.‬‬

‫وم ــن مــواقــفــهــا الــخــالــدة؛ أول مــدرســه‬

‫مهتمة بشؤونهم‪ ،‬مخلصة في العمل ووفية تــم افــتــتــاحــهــا بــالــجــوف عــبــارة عــن غــرف‬ ‫فــي اهتمامها بالعمل الخيري واإلنساني وساحة وبركة مكشوفة بال حواجز‪ .‬فكانت‬

‫في خدمة الفقراء والمساكين واألق ــارب‪ .‬السيدة لطيفة أثناء فسحة الطالبات تقف‬ ‫لقد تركت أستاذة لطيفة لنا سيرة إنسانية كــالــحــارس حــول البركة خــوفـاً مــن سقوط‬ ‫عطرة‪ ،‬وتاريخاً حافال باإلنجازات ومناقب إحدى الطالبات‪ ،‬وترشد الطالبات وتتابعهن‬ ‫كثيرة تدل عليها‪ ،‬رحمها اهلل‪.‬‬ ‫الجانب التربوي‬

‫أثناء الفسحة‪ ،‬تحمل على عاتقها مسؤولية‬ ‫رعايتهن وتربيتهن‪ .‬ومن مواقفها التربوية‬ ‫الجميلة أنها ساعدت طالبة قصيرة القامة‬

‫وتحدثت األســتــاذة فاطمة الــعــدوان عن في الصف األول ابتدائي فحملتها بيديها‬ ‫الجوانب التربوية للسيدة لطيفة السديري‪ ،‬لتتمكن مــن الكتابة على الــســبــورة‪ ،‬وظلت‬

‫فقالت‪ :‬كانت لها عالقة وطيدة وسامية مع تشجعها عــلــى الــمــشــاركــة الــصــفــيــة‪ .‬ومــن‬

‫طالباتها وأولياء األمور؛ إذ كانت قريبة من مواقفها التربوية البليغة أن إحدى الطالبات‬ ‫طالباتها تشعرهن باللطف والمودة؛ فكانت كانت تسكن مع أخيها وزوجاته األربع وكنَّ‬

‫‪26‬‬

‫كالشمعة التي تنير لهن الظالم وتسهر على يشغلّنها في خدمتهن باستمرار‪ ،‬ولما جاء‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫أعمال زوجات أخيها للمساء بعد أن تفرغ من الجوف عام ‪1381‬هـ مكونة من سبعة فصول‬

‫اختبار الصباح لكن زوجات أبيها أخبرنه بما تضم (‪ )157‬طالبة في ذلك الزمن المبكر‬ ‫فعلت وحرّضنه‪ ،‬فمنعها من المدرسة‪ ،‬وحين كان للريادة حقوقها التي استوفتها لطيفة‬ ‫سألت السيدة لطيفة عن الطالبة علمت الــســديــري استيفا ًء كــام ـاً‪ ،‬فكانت كذلك‬ ‫بالخبر‪ ،‬فأخبرت والدها األمير عبدالرحمن مديرة ألول مدرسة ابتدائية عام ‪1382‬هـ‪،‬‬

‫السديري فنصح أ َخ الطالبة وحثه على حسن وهو ما يدل بوضوح على أياديها البيضاء في‬ ‫معاملتها‪ ،‬حتى تمكنت الطالبة من االختبار‪ ،‬خدمة المرأة بمنطقة الجوف عبر كثير من‬ ‫والحقاً عينت معلمة في المدرسة نفسها‪.‬‬

‫واختتمت األستاذة فاطمة العدوان حديثها‬

‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة وإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز‬

‫مــوعــد االمــتــحــان حــاولــت الطالبة تأجيل في أول مدرسة ابتدائية للبنات في منطقة‬

‫المسارات االجتماعية والتعليمية‪.‬‬ ‫ظــل هدفها األول‪ :‬النهوض بالمستوى‬

‫بالقول‪ :‬كان حرص السيدة لطيفة السديري التعليمي والثقافي لبنات الجوف‪ ،‬فجاءت‬ ‫على تعليم طالباتها أكبر دعم لهن‪ .‬وكانت إسهاماتها وبصماتها بارزة في التعليم منذ‬ ‫أكثر حرصا على دروس القراءة والكتابة‪ ،‬بداياته المبكرة‪.‬‬ ‫ف ــإذا رأت مستوى متدنياً لــدى إحــداهــن‬ ‫بعد تخرج الدفعة األولــى من المرحلة‬ ‫فإنها تظل تتابع معها حتى يتحسن مستواها‬ ‫االبتدائية‪ ،‬واصلت جهودها إلى أن تم افتتاح‬ ‫وتحقق النجاح‪.‬‬ ‫معهد المعلمات المتوسط سنه ‪1388‬هـ‪.‬‬ ‫الجانب اإلداري‬

‫كان حضورها أبرز ما ميز عالقاتها مع‬

‫وعــن الجانب اإلداري تحدثت كــلٌّ ؛ من طالباتها‪ .‬وعند تخرج الطالبات من كفاءة‬ ‫األســتــاذة مريم السطام في جانب التعليم المعلمات لعبت دورا كبيراً في افتتاح المعهد‬

‫العام‪ ،‬واألســتــاذة عفراء الذباح في جانب الــثــانــوي للبنات بالجوف عــام ‪1391‬هــــ ‪-‬‬ ‫اإلشراف التربوي‪.‬‬ ‫‪1392‬هـــ‪ ،‬وقد كانت لهن في المعهد بمثابة‬ ‫بــدأت األســتــاذة مريم السطام حديثها‪ .‬األم واألخـــت والــمــديــرة والــمــربــيــة‪ ،‬تشمل‬ ‫وقالت‪ :‬في هذه الليلة نتذكر جميعاً سيرة الجميع بعطائها وإخالصها وعطفها رحمها‬

‫عطرة وتاريخاً مشرفاً لمربية فاضلة في اهلل‪.‬‬ ‫مــدرســة اإلنسانية‪ .‬فالسيدة لطيفة بنت‬

‫عند تخرجي من الجامعة عملت معها‬

‫عبدالرحمن السديري رائدة للتعليم ومنارة‬ ‫مساعدة ألكثر مــن عشر ســنــوات‪ .‬عرفت‬ ‫ِ‬

‫للتوجيه في منطقة الجوف‪ .‬كانت أول معلمة أسلوبها في التدريس عن قرب‪ ،‬كان كل شيء‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪27‬‬


‫فيها متفرداً‪ ،‬فأسلوب إدارتها وتعاملها مع الرائدة لطيفة السديري استهلت األستاذة‪:‬‬

‫الــظــروف اإلنسانية واالجتماعية األسرية عفراء الذباح حديثها قائلة‪ :‬حين نتحدث‬ ‫للطالبات كان تعبيراً عن رقيها وإنسانيتها اليوم عن رائدة كبيرة‪ ،‬إنما نتقدم بالتقدير‬

‫عبر مسارعتها لمد يد العون إلــى كل من والعرفان للرائدة صاحبة القامة التربوية‬ ‫تحتاج إليه من الطالبات‪ ،‬اهتمامها وشغلها الكبيرة التي افتقدناها‪ ،‬فيما نحن نحتاج‬

‫الشاغل ارتبط بمصلحة بناتها الطالبات أشــد الــحــاجــة إلــى إخــاصــهــا ومثابرتها‪،‬‬ ‫واألخــــذ بــأيــديــهــن إلكــمــال دراســتــهــن في‬ ‫فقد كانت مثاالً يحتذى في كل ذلك وأكثر‪.‬‬ ‫المراحل الدراسية كافة‪.‬‬ ‫لقد نهلنا من خبراتها في مواصلة العملية‬ ‫تواضعها‪ ،‬نظرتها البعيدة‪ ،‬تغافلها عن التعليمية وظلت بصماتها وأفكارها باقية في‬

‫الصغائر‪ ..‬كل ذلك جعل من تركيزها على اإلدارة واإلشراف والسلّم التعليمي‪.‬‬ ‫طريق النجاح والوصول إلى الغايات بأسهل‬ ‫لقد تشرفت بمعاصرة الــرائــدة لطيفة‬ ‫الطرق‪ ،‬هو السبيل إلى وصول غاياتها في‬ ‫السديري منذ أن كانت مديرة ألول مدرسة‬ ‫الحياة وتحقيق أهدافها النبيلة والمشروعة؛‬ ‫فقد كانت تحرض طالباتها باستمرار على أن ابتدائية في حي المطر‪ ،‬إلــى أن أصبحت‬ ‫يكون اإلنجاز والتفاني في العمل هو معيار مشرفة وبعد تقاعدها‪ ،‬ومــا أزال أتشرف‬ ‫التقدير ومؤشر التكريم‪ ،‬رحمها اهلل رحمة بتلك الصحبة الطيبة‪.‬‬ ‫واسعة على ما قدمته من جهود طيبة‪.‬‬

‫كانت طيبة الخلق مع موظفاتها تقدرهن‬

‫وفـــي هـــذه األمــســيــة ال يــســعــنــا إال أن وتــحــتــرمــهــن‪ ،‬وتــســأل عــنــهــن فــي غيابهن‬

‫نستحضر ســيــرة والــدهــا ووالــدنــا جميعاً مــع أنــه نـ ــادراً مــا تتغيب إحــداهــن لتحمل‬ ‫المرحوم األمير عبدالرحمن السديري الذي الــمــســؤولــيــة وألهــمــيــة الــعــمــل‪ .‬ولــلــســيــدة‬

‫مأل السمع والبصر في هذه المنطقة‪ ،‬وال الرائدة لطيفة السديري رحمها اهلل ذكرى‬ ‫يزال أهل الجوف يذكرون موافقة اإلنسانية معطرة باإلخالص في أداء واجبها والبذل‬ ‫وخلقة الرفيع طوال فترة بقائه بينهم لمدة طوال عمرها الوظيفي‪ ،‬إذ كانت مثاالً في‬ ‫(‪ )48‬عــام ـاً‪ ،‬فقد كــان أبــاً وصــديــقـاً ولكل االنضباط واإلنسانية‪ ،‬في بشاشتها الدائمة‬ ‫مــواطــن رحــمــه اهلل رحــمــة واســعــة وأدخــلــه‬

‫فسيح جناته‪.‬‬

‫اإلشراف التربوي‬

‫‪28‬‬

‫فيما يتصل بجانب اإلشراف التربوي لدى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫لنا‪ ،‬وسؤالها الدائم عن الزميالت الالتي ال‬ ‫تعرف أخبارهن‪ ،‬فقد كانت أختاً ووالــدة ال‬ ‫تعوّض‪.‬‬ ‫ولطالما تميزت رحمها اهلل برجاحة الرأي‬


‫األمور التعليمية والحياة األسرية‪ .‬كرمها كان عندما كانت مديرة في مدرسة المطر كانت‬ ‫مفعماً‪ ،‬وطيبتها غامرة‪ .‬كانت تحضر معها هــنــاك طفلة عمرها أرب ــع ســنــوات متعلّقة‬ ‫للموظفات اللبن والزبدة والتمر‪ ،‬وتدعوهن بأختها التي تــدرس بالصف األول فتحضر‬ ‫إلى منزلها أو المزرعة‪.‬‬ ‫وتجلس عند بــاب المدرسة‪ .‬لكن األستاذة‬

‫كما كانت رحمها اهلل نزيهة في تعاملها لطيفة لم تتركها‪ ،‬بل حببت إليها المدرسة؛‬ ‫وال تقبل الواسطة‪ .‬وكادت أن تتسبب بعض فكانت تأخذ الطفلة إلدارة المدرسة وتجلسها‬

‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة وإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز‬

‫والمشورة‪ ،‬حين نسألها ونلجأ إليها في بعض‬

‫ومــن المواقف التعليمية التي ال تنسى؛‬

‫التعيينات بالواسطة‪ ،‬في استقالتها‪ ،‬مما حز فترة الشتاء عند المدفأة وتسكب لها الحليب‬

‫في نفوسنا فذهبنا اليها نطلب منها العودة وتطعمها من الكعك‪ .‬فكانت الطفلة تقول‪:‬‬

‫للتعليم واستجابت لطلبنا ‪-‬جزاها اهلل عنا كنت أحلم متى أكبر وأدرس مثل أختي وتكون‬ ‫كل خير‪ .‬رحم اهلل أم عبداهلل‪ ،‬وجمعنا بها مديرتي لطيفة‪ ،‬فمن حبها لها تقول أتمنى‬ ‫في مستقر رحمته‪.‬‬

‫لطيفة السديري الشخصية المؤثرة‬ ‫وفي هذا المحور تحدثت كل من األستاذة‪:‬‬

‫نوارة العرسان واألستاذة‪ :‬فاطمة القاضي‪.‬‬

‫استهلت األستاذة نوارة العرسان حديثها‬

‫بالقول‪ :‬كانت المنطقة متعطشة للمعرفة‪،‬‬

‫أن أكون مثلها بتعاملها الراقي وبشخصيتها‬ ‫الهادئة ومع ذلك مهابة لدى الجميع‪.‬‬ ‫كــانــت‪ ،‬رحــمــهــا اهلل‪ ،‬تــحــب كــل مــن تتلو‬ ‫القرآن وتجوّده‪ .‬تروي إحدى المتعلمات أنها‬ ‫كانت تتلو باإلذاعة «وكلما أتلو تالوة مرتلة‬ ‫قبلتني الــســيــدة لطيفة على رأســـي‪ .‬وفي‬ ‫اليوم التالي أحضر حافظة لآليات وأنافس‬

‫وبريادة األستاذة لطيفة السديري السباقة‬ ‫فــي الــجــوف لعبت دوراً كبيراً فــي إحــداث زميالتي ألحظى بقبلة من لطيفة السديري؛‬ ‫نهضة ناجحة في مجال تعليم البنات‪ ،‬فقد فلها كل األجر رحمها اهلل‪ ،‬وأنا اآلن أحفظ‬ ‫كانت حريصة جداً لدعم من تكمل تعليمها أكثر من نصف القرآن مع الترتيل والتجويد‬ ‫في العاصمة الرياض‪.‬‬

‫شعرت باألمومة قبل أن تكون أ ّمــاً‪ ،‬من‬

‫من أثر تحفيزها لي بهذه القبلة»‪.‬‬

‫كانت تستقطب الموهوبات لكي تنهض‬

‫خالل تعاملها مع األطفال وحبها لهم‪ ،‬تحملت بمستوى تعليمهن وتطوير أفكارهن من أجل‬ ‫المسؤولية‪ ،‬رغم صغر سنها‪ ،‬فتربيتها هي خلق بيئة متكاملة للمبدعات والموهوبات‪.‬‬

‫التي ساعدتها على تحمّل المسؤولية وجسدت وكانت تشجعهن على مواصلة التعليم بالدعم‬ ‫حب والدها للجوف من خالل إخالصها‪.‬‬

‫الكامل للطالبة من سفر وسكن ومواصالت‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪29‬‬


‫وقــد أقــامــت السيدة لطيفة السديري‪ ،‬معي المستخدمة وأوصلتني البيت ورجعت‬ ‫يرحمها اهلل‪ ،‬دورات مسائية للمعلمات‪ ،‬ولكنني وجدت أبي يرحمة اهلل قد توفي‪.‬‬ ‫لتطوير مهاراتهن التعليمية‪ ،‬وتبادل الخبرات‬

‫الــمــواقــف والمناقب اإلنسانية للسيدة‬

‫فيما بينهن‪ ،‬رغبة منها فــي تطوير آليات لطيفة السديري رحمها اهلل عــديــدة‪ ،‬ومن‬ ‫التدريس‪ ،‬وكانت تجري لهن اختباراً في نهاية أبرزها‪ :‬تفقد أحوال الطالبات‪ ،‬والتعرف على‬ ‫الدورة‪.‬‬

‫ظروفهن ومساعدتهن‪ ،‬وكانت حريصة على‬

‫إلى جانب إسهاماتها النشطة في إقامة كل ما يفيد الطالبات في تعليمهن ودينهن‬ ‫المعارض والمسابقات العملية بين المدارس وحياتهن المستقبلية كانت ركناً وركيزة من‬

‫للنهوض وتحقيق المراكز المتقدمة‪ .‬وأخيراً ركــائــز التعليم فــي منطقة الــجــوف وشمعة‬ ‫كانت زياراتها المفاجئة للمدارس تترك أثراً مضيئة لــدروب للتعليم والتربية الصالحة‪،‬‬ ‫طيباً في جميع مدارس المنطقة‪.‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬تحدثت األستاذة فاطمة القاضي‪،‬‬ ‫قائلة‪ :‬أهال وسهال ومرحبا بزائراتنا الكريمات‬ ‫وأخواتنا العزيزات‪ .‬أود أن أتحدث عن بعض‬ ‫المواقف والممارسات اإلنسانية‪ ،‬لمن كانت‬ ‫ركنا ودعامة متينة للعلم والتعليم والتربية‬ ‫الحسنة والقيادة الحكيمة واإلخالص بالعمل‬ ‫بأمانه وحزم‪ ،‬علماً بأن مناقبها وممارستها‬ ‫اإلنسانية ال تحصى‪ ،‬ولكن سأذكر منها حادثة‬ ‫شخصية‪ :‬كنت في الصف الثالث بالمعهد‪،‬‬ ‫وكــان والــدي رحمه اهلل مريضاً‪ ،‬وكنت كل‬

‫رحمها اهلل وأسكنها فسيح جناته‪.‬‬ ‫المداخالت‬ ‫مداخلة األستاذة بتالء مناحي‪:‬‬

‫وكانت مداخلتها عبر قصيدة نبطية في‬ ‫مديح السيدة لطيفة السديري رحمها اهلل‪.‬‬ ‫مداخلة األستاذة مشخص الــدرزي‪ :‬كنت‬ ‫في المرحلة المتوسطة واتصلت األستاذة‬ ‫لطيفة رحمها اهلل على والدتي تسألها قائلة‪:‬‬ ‫متي يكبرون بناتك؟ كم أود تسليمهن مناصب‪.‬‬ ‫مداخلة أخرى قصيدة نبطية في مناقب‬

‫صباح أقبّل راسه قبل ذهابي للمدرسة‪ .‬وفي صــاحــبــة الــســيــرة‪ ،‬مــن األخـــت رســيــل فهد‬ ‫يوم وفاته منعوني من الدخول عليه ألنه كان صاهود النمش‪.‬‬ ‫يحتضر‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬وأص ــروا على ذهابي‬

‫مداخلة األســتــاذة نادية السالمة‪ ،‬تقول‬

‫للمدرسة فعرفت أنه سيفارق الحياة فذهبت فيها‪ :‬كنت طالبة لــدى األســتــاذة القديرة‬ ‫لها وأنا أبكي بحرارة وأخبرتها بأنني أرغب لطيفة السديري وكــان لديها هيبة عظيمة‬

‫‪30‬‬

‫بالعودة للبيت فضمتني وهدأتني‪ ،‬وأرسلت امتزجت برقة وحنان وحب! وكانت األستاذة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مداخلة أ‪ .‬لطيفة الرويلي‪ ،‬قالت فيها‪:‬‬

‫كانت خالتي لطيفة تتشبت بيدي وعندما‬

‫وددت لو أكتب كتاباً عن هذه الشخصية نقترب من بــاب المدرسة تفلتها قائلة! أنا‬ ‫العظيمة‪ .‬وألول مــرة أجــد المتعة والفائدة خالتك بالبيت‪ ،‬هنا تدخلين من باب الطالبات‪،‬‬

‫وثمرة في أمسية عن شخصية تمنيت واهلل لو وانا أدخل من باب أعضاء هيئة التدريس‪.‬‬ ‫ألتقيت بحضرتها‪ ،‬أنا أبحر بشخصية عظيمة‬ ‫تميزت بهمة وطموح‪.‬‬ ‫كما ألقت فيها األستاذة فاطمه العدوان‬

‫يا أستاذة لطيفة! أي عدل هذا وأي سياسة‬

‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة وإن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاز‬

‫لطيفة تكافح من أجل تعليم بنات الجوف‪.‬‬

‫مداخلة الدكتورة رحاب الملحم‪:‬‬

‫عظيمة كانت هي مسيرتك!‬ ‫ليلة حافلة بالحب واالمتنان لسمو أخالقك‬

‫قصيدة نبطية فــي مديح ومناقب السيدة ورحمة تغشاك دومــاً‪ ،‬شكراً بحجم العلم‪،‬‬ ‫لــطــيــفــة ال ــس ــدي ــري‪ ،‬اس ــت ــذك ــرت مناقبها شكراً بحجم الهواء الذي ارتشفناه بالحديث‬ ‫وإنجازاتها خالل عملها بالتعليم‪.‬‬

‫عن سيرتك الطيبة‪.‬‬

‫إطالق جائزة‬ ‫«لطيفة السديري للبحث العلمي»‬ ‫أع ـل ـنــت أ‪ .‬د‪ .‬م ـشــاعــل ب ـنــت ع ـبــداحمل ـســن ال ـســديــري‬ ‫مساعدة املــديــر الـعــام لـشــؤون القسم النسائي يف مركز‬ ‫«األم ـيــر عـبــدالــرحـمــن الـســديــري ال ـث ـقــايف»‪ ،‬خ ــال ال ـنــدوة‪،‬‬ ‫إحياء‬ ‫عن إطالق جائزة باسم «لطيفة السديري للبحث العلمي»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جلهودها وإجنــازاتـهــا بوصفها إح ــدى رائ ــدات التعليم يف‬ ‫منطقة اجلــوف؛ لتحفيز طالبات مــدارس الرحمانية‬ ‫األهلية‪ ،‬وتطوير مهاراتهن يف مجال البحث‬ ‫العلمي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪31‬‬


‫زياد السالم‬

‫حصة األدب والتاريخ‬ ‫ألنه ابن الجوف‪ ،‬ومن عرار الصحراء وبيدائها‪ ،‬وألن التاريخ ال يسجل سوى‬ ‫العظماء أد ًبــا وشـعــرً ا ولهفةً روحـيــة؛ كــان لزياد السالم ككل بني آدم نصيبه من‬ ‫الحياة‪..‬‬ ‫فكيف لك أن تقرأ الحروف التي تتوه بين جنبات اللغة وآدابها الفذّ ة‪ ،‬وأنت‬ ‫وفرحا بأن وجدت بين ثنايا الروح األدبية شاعرً ا من طراز‬ ‫ً‬ ‫تسعى ألكل النص نهمً ا‬ ‫مختلف ومن زمن مختلف‪..‬‬ ‫إنه زياد السالم‪..‬‬ ‫صاحب الورقة البيضاء التي تخربش عليها أرواحنا لهفةً وفرحا‪ ..‬فهو يرسمنا‬ ‫بألوان مختلفة وروح عذبة‪..‬‬ ‫فال يضيف نفسه إلى نفسه فقط‪..‬‬ ‫بل يضيفنا معه إلى نفسه الثاقبة في عصور الورد الزعفران‪ ،‬لتزهر أرواحنا بين‬ ‫ثنايا كتب ال ندرك منها سوى الشبق المعمّ ى للهفة الروح‪ ،‬المشتاقة المتعطشة‬ ‫لبلع الجفاف الممتلئة به أرواحنا‪..‬‬ ‫قوي‪ ،‬وجدلك لن يفيد‪،‬‬ ‫فحين ترى وجوهً ا تمحوها العزلة فأنت صاحب نف ٍَس ّ‬ ‫ونقدك لن يسعفك لتكتب فيه ما تريد‪..‬‬

‫‪32‬‬

‫لذلك‪ ،‬أنصحك أن تقرأ وتستمتع فقط‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب ‪ -‬األردن‬

‫المبدع أن يجي َد‬ ‫ِ‬ ‫ألنَّ بؤرة اإلبداع األدبي هي تَحقيق التأثير في المتلقِّ ي؛ كان لزامً ا على‬ ‫استعمال لغته األدبيَّة‪ ،‬وأن تكون منه كفاءة اإلرســال‪ ،‬وتكون من المتلقِّ ي كفاية التأويل؛‬ ‫كي تَكون عمليَّة التواصل بينهما ناجحة‪ .‬السالم الكاتب الــذي سلمت روحــه من الكتابة‬ ‫ليتنشق روح النص الحداثي؛ ليصل بنا إلــى ما بعد الفضاء الميتافيزيقي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التقليدية‪،‬‬ ‫وليدمجنا في عالم من الغربة الروحية؛ لنكتشف أننا نبحث عن منافذ للهواء‪ ..‬من خاللها‬ ‫نتحدث إلى أنفسنا‪.‬‬ ‫الجماعية؛ وهــذا مــا يَجعل هذه‬ ‫البداية هي «المحجّ ل باأللواح»؛‬ ‫لتلف هــذه األل ــواح حــبــا َل الرؤية‬ ‫َّ‬ ‫الغرب َة غربة ال كك ِّل الغربات‪ ،‬بل‬ ‫والــرؤى حــول أعناق الكلمات‪ ،‬ال‬ ‫فيها جانب يعلّقك بالسماء لتبحث‬ ‫لتشنق معانيها؛ بل لترفعها إلى‬ ‫ما بين األرض والسماء عن روحك‪،‬‬ ‫علياء الرمزيَّة والرسائل المشفَّرة‬ ‫لتجدك تائها في فلوات األرض‪،‬‬ ‫المسكوبة في دالالت عديدة تتعدَّ د‬ ‫تالوات‬ ‫ٍ‬ ‫باحثا عن منفى يقيك من‬ ‫وتتشظَّ ى كما تتشظى تلك الذَّ ات‪..‬‬ ‫توالت في أرواحنا‪ ،‬لتقول لنا دوما‬ ‫الــكــلــمــات تفيض بــأنــيــن الحجل‬ ‫طــأطــؤوا رؤســكــم لــذلــك الــتــراث‬ ‫المتراكم بين كلماته حين يقول‪:‬‬ ‫المتراكم ما بين عفنيات النصوص‬ ‫«ذهبت مع البدو‪ ،‬شاهدت شموسهم تنهض وقدرات التخلص من ركام الماضي‪.‬‬ ‫من الدم والنوم‪ .‬النساء سادرات يصعدن إلى‬ ‫الــســالــم المتفتّح فــي نصوصه ينتقل بنا‬ ‫مستوى المؤانسة‪ ،‬وطيور القطا تبني أعشاشها إلــى نــص‪( :‬سقط آدم فــي الــعــراء الوحشي‪،‬‬ ‫في ثياب الــبــدويــات‪ .‬مياه تنحت الظل تحت كــان سقوطاً في التورية والــلــون‪ ،‬تحت سماء‬ ‫ال عليه‪ .‬يضيق‬ ‫ال ثقي ً‬ ‫السواد‪ ،‬ليف كثيف يتخلل الخُ ضرة الخائفة‪ .‬تكتنز بالفحم يجرجر ظ ً‬ ‫ذهبت مع البدو‪ ،‬تبوأت نصيباً من البرية»‪.‬‬ ‫بالينابيع الــزجــاجــيــة مــن حــولــه‪ ،‬يصنع من‬ ‫فالغربة الروحية ظاهرة بارِ زة في نصه منذ ضلعه ناياً ويغني‪ ..‬فتتدفق الينابيع‪ ،‬وتندلع‬ ‫النفس األول وأنت تتنشق تلك العبارات‪ ،‬فال الكنايات‪ .‬آدم أرهقه الوقت‪ ،‬يمضي على غير‬ ‫تَخلو جملة ما من وجود هذه الظَّ اهرة اإلنسانيَّة هدي أو دليل‪ .‬يضمر سراجاً وهّ اجاً في روحه‬ ‫التي عبَّر عنها السالم عبر كتابه المتفرّد كي يحرس الــدم والطريق‪ ،‬كي يحرس الليل‬ ‫(حصة آدم من النار)‪ ،‬لكن غربة الشاعر هنا والمعرفة‪ .‬ها هو يالمس شجرة سروٍ مُسنة‪،‬‬ ‫ليست غربة «األنــا» وحدها؛ بل غربة الــذَّ ات فإذا بكهرباء الخشب تسري في جسده‪ .‬قمر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫‪1‬‬

‫زياد عبدالكريم السالم‪..‬‬ ‫حجل باأللوان‬ ‫ُ‬ ‫الم ّ‬ ‫آدم ُ‬

‫‪33‬‬


‫أرعــن يــدحــرج منازله الشحيحة مفلوتة من‬ ‫زجاجات لها لزوجة الغسق‪ ،‬تحت سماء مدربة‬ ‫يجس‬ ‫ّ‬ ‫على الوقاية والتخلية‪ .‬يحدث هذا وآدم‬ ‫ال تتدلى عليه أعشاش عالية من الذهب‪.‬‬ ‫جب ً‬ ‫يا لهذا المصير‪ .‬ليل أشعث تتخبطه وعــورة‬ ‫الريح»‪.‬‬ ‫ظلم‬ ‫صدمة ه ـزَّت الكاتبَ لِما سمعه من ٍ‬ ‫وهوان‪ ..‬انعدام الثِّقة في الواقع المعيش‪ ،‬إنَّه‬ ‫يعاني من التِّيه والغربة في خندق القلق‪ ..‬ها‬ ‫هو يوجِّ ه الخطابَ إلــى ذلــك السقوط الذي‬ ‫أتى به بحياة مختلفة تتوه به في وديان الحياة‬ ‫متشردًا ال يعرف مصيره‪ ،‬كيف يحرس الليل‬ ‫والمعرفة؛ كيف لمن يقف بين سطور المعرفة‬ ‫أال يشقى‪ ،‬فالمعرفة شقاء!‬ ‫ثم تتناوبه المشاعر‪ ،‬فتجد السالم يخرج‬ ‫باحثا عن ذاته حين يكتب‪:‬‬ ‫« خراب الدم‪ ،‬خرجت من خراب الدم وسورة‬ ‫النار‪ ،‬خفيفاً لم أتهيأ لبديهة ما‪ ،‬ولم تسكنني‬ ‫العادة‪ .‬تحت ظالل التماثيل الثقيلة كنت للدم‬ ‫ذي الهيئة المعتمة‪ ،‬أز ّيــن والدتــي المزدوجة‬ ‫باأللعاب البذيئة‪ ،‬حيث الزواحف المتحوّلة عن‬ ‫الحجر تقذف مشيمتها وبولها البرتقالي على‬ ‫العالم‪ .‬أتلمّس األشكال المشعّة‪ ،‬فأقرأ روحاً‬ ‫تسكن المسافة بين المصير والــرمــاد‪ .‬ليس‬ ‫وراء النهار مرمى كي يخبئ الطرائد عن صعيد‬ ‫استوى عليه الــصــيــادون‪ .‬يا لساللة الطقس‬ ‫مسكوناً باختبارات كثيرة عن الوقت والحيوان‪،‬‬ ‫حيث مساة العدم تتدحرج بال جدوى بين البحر‬ ‫والنهار‪ .‬هو الوقت ينش ُّق عني فتسفر الروح عن‬ ‫نعناعها الناعم تجاه األشياء‪ .‬إذ أر ّبــي البرق‬ ‫على الحبر لعله يرفعني نحو مقامه الالمع‪ .‬ها‬ ‫أرعن يخرب براءة‬ ‫مطر ٍ‬ ‫حرشفتي تشققت تحت ٍ‬ ‫النظر»‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫التأثر والقلق الــوجــودي‪ ،‬يرسم السالم موقع‬ ‫الذات في هذا العالم‪ ،‬ويبدو كأن الكالم موجه‬ ‫إلــى ذاتــه الذكورية المتفطرة في عالم مليء‬ ‫بالقوة‪ ،‬فيرى أن على اإلنــســان أن يهز كيان‬ ‫الموروث البالي والمتحجر‪ ،‬ويفرض نفسه كقوة‬ ‫للتغيير في طريقه إلى الحداثة والثورة على كل‬ ‫ما هو قار وقديم‪ .‬كما يتوجب على اإلنسان‬ ‫الفرد أن يسعى ليكون النداء ال الصدى مبدعاً‬ ‫وليس مبتدعاً‪ ،‬قائداً وليس مقوداً‪ .‬والسالم‬ ‫يثبت لنا في نصه متكامال وأثبت أ ّن هناك دوماً‬ ‫من يعدك تابعاً وآخرون يعدونك مبدعاً‪ ،‬ولكن‬ ‫المهم هو التحليق في سماء اإلبداع والعوم في‬ ‫فضاءات البصر والبصيرة‪ ،‬وأن ترتسم فوق‬ ‫جبينك هــاالت من نــور وشعاع ميثرائي‪ ،‬وأن‬ ‫تكون كفؤاً في الشدة والضيق والظلمة والنور‪.‬‬ ‫ثم يعصف بنا في روحه وأرواحنا حين يقول‪:‬‬ ‫«سأعود من موتي‪ ،‬شبّت القيامة في نومي‪،‬‬ ‫كنت عالقاً في النزوة الالمعة‪ ،‬يجذبني ماء‬ ‫أسود وينزف الفحم مني‪ ،‬أدرّب حلزوناً يرعى‬ ‫بــجــوار البراكين‪ ،‬سرقتني نــار ترتعش تحت‬ ‫الــزهــور‪ ..‬كان البهلوان الليليّ ينف ُخ في رماد‬ ‫المدينة‪ ،‬وأنا أتنكّب الهباء وأبكي‪».‬‬

‫وبهذه القدرة المتفلسفة يعرض السالم رأيه‬ ‫بصراحة ووضوح‪ ،‬ويدعو إلى فضح المسكوت‬ ‫عنه والثورة على البالي والقديم‪ ،‬واإلقبال على‬ ‫مــا هــو األجــمــل فــي هــذه الحياة‪ ،‬وأن يصبح‬ ‫المرء رائــداً من رواد الحداثة والتحديث كما‬ ‫هو حال الشاعر ومآله‪ .‬ونالحظ من الناحية‬ ‫الفنية االبتداء بالضمير المخاطب‪ ،‬ثم التحول‬ ‫المفاجيء نحو الضمير الغائب‪ ،‬ثم المخاطب‬ ‫مــرة أخــرى‪ ،‬وفــي القدرة نفسها‪ ،‬وهــو ما ينم‬ ‫عن مقدرة شاعرية كبيرة‪ ،‬وبوح خلجات قلب‬ ‫السالم الــذي ينطق بالفلسفة والحكمة‪ ،‬وقد‬ ‫بهذه السطور المليئة فلسفة وحكمة‪ ،‬وبهذا استعمل قدرته اللغوية للتأكيد على الفكرة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫زياد السالم أثناء لقاء في يوم الكتاب العالمي بنادي الجوف األدبي‬

‫واإللتفات والتفريق بين الفكرة واألخرى‪ ،‬كما‬ ‫فقد كــان السالم أكثر جــرأة من غيره في‬ ‫أن له فيها مــآرب أخــرى كفسحة يجول فيها وصف المشهدية التراثية حول الحياة الواقعة‪.‬‬ ‫المتلقي ويجول‪.‬‬ ‫إن (حــصــة آدم مــن الــنــار) تــتــحــدث بلغة‬

‫لكنَّ السالم ال يَستطيع أن يصمتَ حيال ما‬ ‫ظلم وخنوع في المجتمع‪ ،‬إنَّه يحاول‬ ‫يراه من ٍ‬ ‫البحث عن حَ ٍّل لألزمة‪ ،‬يبحث عن الح ّل لتتفتح‬ ‫آفــاق الذكورية تجاه الموقف الصارم للرجل‬ ‫ضد المرأة؛ إنه يبحث عن نورٍ ينير الظُّ ل ْمةَ‪،‬‬ ‫وفر ٍَج يزيح ستائ َر الكربة‪ ،‬إنه يحاول من خالل‬ ‫الضائعة‪ ،‬والكينونة‬ ‫كتابه الوصول إلى العزَّة َّ‬ ‫الــمــفــقــودة؛ فالسالم يَبكي الهزيمة الذاتية‬ ‫لمواقف المجتمع من حوله‪ .‬فالموقف المجتمعي‬ ‫يقيِّد رغبتَه‪ ،‬وموقف األمة يقيِّد عزيمتَه؛ أمَّة ال‬ ‫تَعرف معنى التالحم والتعاوُن من أجل النُّهوض‬ ‫من جديد‪ ..‬أمَّة بنَتْ صر َح حضارتها العلميَّة‬ ‫والمعرفيَّة على تراث قديم نَخَ َر فيه السوس‪ ،‬ال‬ ‫يقدر الواحد منا الخروج عن تلك اآلراء خوفا‬ ‫من الهجوم‪ ،‬وكان يَخشاها القاصي والدَّ اني‪،‬‬ ‫اآلن تَقبع في قاع الــذ ِّل والهوان واالستسالم‬ ‫لألمر الــواقــع‪ ..‬وحــال أفكارنا هي اإلشكاليَّة‬ ‫المطروحة في الكتاب (حصة آدم من النار)‪،‬‬ ‫فهل يستطيع الكالم اإلسهام في تحريك عجل َة‬ ‫اإلصالح‪ ،‬ومحاولة النُّهوض وإعادة التَّفكير في‬ ‫واقع الهزيمة الثقافية‪ ،‬والعودة إلى الجذور التي‬ ‫ومتراصا؟‬ ‫ًّ‬ ‫تغذِّي الهويَّة وبناء الذات بنا ًء محكمًا‬

‫صريحة عــن الــمــوت وأشــكــال التعذيب التي‬ ‫يتعرض لها اإلنــســان بشكل صريح وواضــح‪،‬‬ ‫ويصاحبنا الموت واأللم والمعاناة ونحن ندخل‬ ‫في تفاصيل عملية السرد التي ال تتوقف عند‬ ‫زمان أو مكان معينين‪ ،‬ولذلك كان السالم قويًا‬ ‫في تعبيره عن الموقف الراهن‪ ،‬مفترضا أن‬ ‫تكون الشذرات التي بثّها في آخر كتابه تعبيرًا‬ ‫حقيقيًا عن الوضع المؤلم‪ ،‬ويمكن القول إن‬ ‫الزمان والمكان هنا و ْهــم ال يمكن أن تتحدد‬ ‫أبعادهما بسنين معينة‪ ،‬أو بحدود جغرافية‬ ‫واضحة‪.‬‬

‫إن التشكيل الداللي عند السالم أعطى بُعدًا‬ ‫معمقًا في رسم أبعاد الصورة التي أصبحت‬ ‫مترابطة تركيبًا وداللة‪ ،‬ولكن نهاية الشذرات ال‬ ‫تقدم فسحة مضاء ًة يمكن أن تشكّل نهاي ًة لكل‬ ‫تلك العذابات‪.‬‬ ‫يقول السالم‪:‬‬

‫«لكي تقترب من الفردوس‬ ‫ال بد أن تجرّب نوم الحيوان‬ ‫لم أربح من العمر سوى ساعتين‪:‬‬ ‫ساعةً سكنني بها الشعرُ‬ ‫سكنت بها ما َء األنثى‬ ‫ُ‬ ‫وساعةً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪35‬‬


‫الـ ـم ــرآة قــاط ـعــة ط ــري ــق‪ ،‬ت ـس ــرق ال ـق ـمــر وال لم يكن أكثر من مزبلة للذهب والذباب‪».‬‬

‫ترتوي من األسرار غير أنّها عاقر»‬

‫هذه صورة مبدئية ألسلوب سينمائي يحيلنا‬ ‫عليه الكاتب من خــال تجديد رمزية النص‬ ‫وتوثيقه بتسلسل األحداث في كتابه‪ ،‬فيبدو لنا‬ ‫النص نواة فكرية متالحمة ظاهريا‪ ،‬ومتشظية‬ ‫باطنيًا تش ّد القارئ نحو ما خفِ يَ من الوقائع‪،‬‬ ‫ومعان أخرى؛‬ ‫ٍ‬ ‫وما استبطنه الكاتب من مقاصد‬ ‫إنّها قضيّة جوهرية في ا ّل ـذّاكــرة اإلنسانية‪،‬‬ ‫والــكــاتــب هنا يــنــزع هــذا الــخــوف عــن الــكـلّ‪،‬‬ ‫ويسقط أحد أقنعة المجتمع العربي من خالل‬ ‫طرحه لهذه القضيّة‪.‬‬ ‫ولو انتقلنا للحديث عن الحركة الداخلية‬ ‫لــنــصــوص الــكــتــاب‪ ،‬ســنــجــد حــركــة األفــعــال‬ ‫المضارعة تتنامى وتمتدُّ‪ ،‬ويتسارع إيقاعها‬ ‫على نَغمات ما يموج ويهيّج في أعماق السالم‬ ‫الغضب‪ ،‬إنَّها أفعال مليئة بديمومة‬ ‫َ‬ ‫من مشاعر‬ ‫الحركة‪ ،‬إنَّها حركة الغليان المتكرِّر والمستمر‪..‬‬ ‫ومــ ّد الــصــوت ‪ -‬الــحــرف ‪ -‬بحركة الصائت‬ ‫«الــواو»؛ وهي حركة طويلة يَــزداد معها إيقا ُع‬ ‫الغضب والثورة تسارعً ا‪ ،‬إذ تطويل الحركات‬ ‫أداة من األدوات المتوافرة بين يدَي المتكلِّم‬ ‫للتعبير عن أغراض شتَّى‪ ،‬ونقل حالته النفسيَّة‬ ‫وانفعاالته الداخليَّة والــخــارجـ َّيــة‪ ،‬وتضمين‬ ‫العبارات دالالت متعددة‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫وقــد انــطــوت البنية االستراتيجية للنص‬ ‫عــلــى الــحــيــرة والــقــلــق وع ــب ــارات الــتــســاؤالت‬ ‫اللطيفة الصادرة عن عواطف إنسانية مؤثرة؛‬ ‫فالتساؤالت الضمنية تشكل تتابعات مركزية‬ ‫وحــراكـاً انفعالياً وإم ــداءات داللية في جسد‬ ‫النص‪ ،‬وأفضت إلى نوع من جمالية التلقّي‪،‬‬ ‫أي هناك ما يمكن أن نسميه بتوتر مؤثر بين‬ ‫األطــراف الثالثة‪ :‬المبدع‪ ،‬والمتلقي‪ ،‬والنص‪.‬‬ ‫كما أق َد َم السالم على استخدام تقنية تراسل‬ ‫الحواس من السمعية إلى البصرية‪ ،‬مترافقاً‬ ‫مــع لــوحــة شــاعــريــة تجسّ د الــحــالــة المتقلبة‬ ‫لسيكولوجية الــذات ما بين السكون والهدوء‬ ‫النفسي‪ ،‬وإلــى حالة من اإلنتشاء بين أجفان‬ ‫الحياة‪.‬‬

‫وألنَّ بؤرة اإلبداع األدبي هي تَحقيق التأثير‬ ‫في المتلقِّي؛ كان لزامًا على المبدِ ع ‪ -‬سواء‬ ‫أكان شاعرًا أم كاتبًا ‪ -‬أن يجي َد استعمال لغته‬ ‫األدبيَّة‪ ،‬وأن تكون منه كفاءة اإلرسال‪ ،‬وتكون من‬ ‫المتلقِّي كفاية التأويل؛ كي تَكون عمليَّة التواصل‬ ‫بينهما ناجحة‪ ،‬وهذا يلمسه القارئ من أول وهلة‬ ‫يقرأ فيها الشخص نصوص الكتاب‪ ،‬فيُذهلك‬ ‫ثم يختم كتابه بشذرات وهي شفرات البرق‪ :‬العنوان بما يتضمنه من عناوين داخلية‪ ..‬فتجد‬ ‫«الجنة التي كنا نعيش على ضفافها حين نفسك محتارًا أين تتوه في هذا الكتاب‪.‬‬ ‫كنا أطفاالً‪ ،‬اكتشفتُ في ما بعد أنها لم تكن‬ ‫فمعمار الــكــتــاب يــعـ ُّد أيــقــونــة سيميائية‪،‬‬ ‫أكثر من مزبلة عشوائية ترعاها الحشرات‪ ...‬وموسيقا الشَّ كل البصري يتالحَ م مع اإليقاع‬ ‫اآلن بعد أن تقدم بي العمر صاحبت أطلس‪..‬‬ ‫والصورة النصيّة؛ ليرسم لنا مقصديَّة النص‪،‬‬ ‫وصـ ــرت أكــثــر مــن ســنــدبــاد‪ ،‬ضــربــت البحر‬ ‫بعصاي‪ ،‬ومضيت في األرض بعيداً مثل حيوان والتعبير عن القصد يع ُّد ركيزة الخطاب‪ ،‬وهذا‬ ‫الــخــرائــط‪ .‬نضجت البصيرة‪ ..‬وانبثقت في نخاع الفاعليَّة الشعريَّة الرائعة التي تضمنها‬ ‫الرأس بؤرة مشعة‪ ،‬فاكتشفت أن الكوكب بأكمله كتاب (حصة آدم من النار)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ راشد عيسى‪ -‬األردن‬

‫أراني مغتبط ًا ممنون ًا لما كتبه األديب عبداهلل السفر في مقدمته لألديب زياد السالم‪،‬‬ ‫فقد استطاع عبداهلل بنباهة شجاعة ان يقدم بانوراما نقدية دقيقة وعالية في تقنيات‬ ‫الكتابة عند زياد ومعانيها المتشظية‪ ،‬بلغة أدبية فائقة ال تقل إبداع ًا وامتياز ًا عن أسلوبية‬ ‫زياد‪ .‬قال عبداهلل «زياد السالم هذا الشاعر يتكئ على السرد ويطيل في خيطه‪ ،‬ينظم فيه‬ ‫ما فات على العين‪ ،‬واستدخلته الذاكرة من تربة تغوص إلى الباطن‪ .‬األراضــي المنسية‬ ‫المحجوبة المتروكة في وداعتها‪ ،‬يحركها زيــاد فيما يشبه الحمى‪ ،‬ال يرتب المشهد وال‬ ‫يعيد تأهيله إلى ما نألف»‪.‬‬ ‫أدهشني زياد فوق ما ينبغي حين رأيته السعيد!‬ ‫يكتب مــرائــيــه ويــرســم مــراقــيــه بــفــذوذيــة‬ ‫أزعــم أن مــا قــرأتــه لــزيــاد مــن سرديات‬ ‫تعبيرية‪ ،‬قلّما وقفتُ على مثلها عند ال ُكتّاب منسوبة للقصة‪ ،‬أو نصوص منسوبة للشعر‪،‬‬ ‫الــمــعــاصــريــن‪ .‬فهو طــيـ ٌر مــوهــوبٌ لمنافي هو كتابة إبداعية تستعصي على األجناس‬ ‫ّ‬ ‫الكتابة النارية وانزياحاتها‬ ‫الخلقة التي األدبــيــة‪ ،‬ال بــل مــن الظلم تحديد هويتها‬ ‫تشوّش الــمــدارك‪ ،‬وتبعثر الــحــواس بلذاذة الشكلية تحديداً حاسماً مطمئناً‪ ،‬فالتجنيس‬ ‫سامية واحــتــراف رحيب في إدارة سجايا األدبي هنا ال يليق بالكتابة التي تتفلت من‬ ‫اللغة وشمائل الــدالالت‪ ،‬حتى ليبدو ّ‬ ‫نصه ماهيتها ووظيفتها وسجاياها المتجددة‬ ‫تطريزاً جن ّياً على قماش الدهشة‪ ،‬أو خريطة النافرة من كل طمأنينة توصيفية محتملة‪.‬‬ ‫ساحرة آلثار نمل يلتهم سحابة حُ بلى!‬ ‫كــمــا أنــنــي ال أجـ ــرؤ عــلــى وص ــف هــذه‬ ‫هكذا‪ ،‬تسوقني الكتابة إلــى التوصيف النصوص بقصائد نثر؛ فهي نائية متعالية‬ ‫الــمــجــازي المرتبك ال ــذي ال يــكــاد يمسك عــن ه ــذا الــتــأطــيــر‪ ،‬فــمــا قــرأتــه وعــرفــتــه‬ ‫الكلمات من أعنتها ليوجّ هها صوب طريق من قصائد النثر المعاصرة ال يرقى إلى‬ ‫كاتب أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النقد‪ .‬وأتصور أنّ أيّ‬ ‫ناقد يتناول األخاييل االنفعالية الباذخة في نصوص‬ ‫نص زياد تفكيكاً أو تنخي ً‬ ‫ال ال بُ ّد واق ٌع في ما زياد وملهاته‪ ،‬وال إلى آفاق لغته الحاردة عن‬ ‫وقعت فيه أنا من شهقات في وادي الذهول أخالقها؛ سواء بالمفهوم النثري أم المفهوم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫‪2‬‬

‫زياد السالم‬ ‫و البالغة الفتاكة‬

‫‪37‬‬


‫‪38‬‬

‫الشعري‪ ،‬إال لكوكبة نخبوية من األدباء؛ من وراح يراقب أحــزان اإلنسان ببراعة صقر‬ ‫أمثال سليم بــركــات‪ ،‬ونــوري الــجــراح‪ ،‬ومن أسطوري حزين‪.‬‬ ‫قبلهما الماغوط‪.‬‬ ‫وتتسامى تلظيات المضاف إلــى نفسه‬ ‫لذلك‪ ،‬اسمحوا لي أن أعترف أنني هنا من صومعة ناسك زاهد بالرغيف‪ ،‬وبالماء‪،‬‬ ‫تخليت عن دور الناقد األكاديمي‪ ،‬أو ذلك وبالوردة‪ ،‬مؤتنس باغترابات حنينه وبكسور‬ ‫العرّاف النقدي المنمط الزاعم بأنه مهندس خاطره‪ ،‬ال يثق بقدرة الجبل على ص ّد الريح‪،‬‬ ‫زراعــي في حقول األدب‪ ،‬فقد رأيتني في فيشكك بحاجة النحلة إلى الرحيق‪ .‬لكنه‬ ‫مكتف بمكابداته الجوانية التي حوّلها‬ ‫ٍ‬ ‫نص زياد (قارئاً)‪ ،‬وإذا أنصفت نفسي‪ ،‬أنا مكتمل‬ ‫هنا قارئ خبيرٌ‪ ..‬أو من ِصن ِْف القارئ الذي إلى أغاريد عصافير‪.‬‬ ‫وصفه جاك ريفادير بالقارئ العمدة‪.‬‬ ‫المضاف إلى نفسه هو المتوحّ د عند ابن‬ ‫هذه النصوص تملك طغوى باهرة على باجة األندلسي‪ ،‬وهو الشنفرى‪ ،‬وهو الغريب‬ ‫متلقيها‪ ،‬تــقــوده إلــى متعة االستيحاش أو الالمنتمي عند كولون ويلسون (‪،)Outsider‬‬ ‫وحشة اإليناس‪ ،‬على حد سواء‪ .‬وأتوقع أنّ وهو الغريب (مرسو) عند ألبير كامو‪.‬‬ ‫سبب هــذه الجدلية المتفردة هو أنّ زياد‬ ‫فــالــنــصــوص فــي الــمــضــاف إل ــى نفسه‬ ‫مسكو ٌن بتعددية المبدع‪ ،‬وتنوّع الشخوص‬ ‫في كائنه الفرد‪ ،‬على غرار منطق الطير حين خصيبة في تربتها الثقافية التي تستدعي‬ ‫يطير عالياً في السماء‪ ،‬فتتوحّ د وتتضام إلى كــل مــا لــه عــاقــة باحتجاج الــشــاعــر على‬ ‫أن تصبح طائراً واحــداً لسرب متخيّر من واقــعــه‪ ،‬بــدءاً من دمــوع النملة‪ ،‬واستمراراً‬ ‫بنواح أشجار الرصيف‪ ،‬وصوالً إلى المكياج‬ ‫الطيور‪.‬‬ ‫الزائف على وجــوه المدن الملوثة بضجيج‬ ‫يــمــتــاح «الــمــضــاف إل ــى نــفــســه» ســرائــر‬ ‫القبح‪.‬‬ ‫كلماته من شفافية فلسفية جسورة تنتصر‬ ‫(المضاف إلــى نفسه) وهــو قرين زيــاد‪،‬‬ ‫لجماليات العبث التأملي اللذيذ في سيرورة‬ ‫اإلنسان المتاخمة لصيرورة األبد‪ ،‬من بداءته زائ ــر مــؤثــث بمياسم الــوحــشــة واالغــتــراب‬ ‫إلى مآله يقول‪« :‬أيها المتصدع في الصلصال والغموض‪ ،‬كتابته نقوش برية‪ ،‬كتلك النقوش‬ ‫على مرمى حجر مــن الفاكهة المحرمة‪ ،‬التي كان يتركها جوّابو اآلفاق‪ ،‬حاملو األفكار‬ ‫إلــى أيــن تسري بــأهــلــك؟» فــالــذات نموذج الصعبة في أوروبا‪ ،‬على الصخور والحجارة‬ ‫للكينونة البشرية المتشظية عن ماهيتها والكهوف في القرون الوسطى‪ ،‬وتسمى تلك‬ ‫المفترضة‪ ،‬وعن عقدها االجتماعي بشجن الكتابة (‪ )Epigrama‬إبــجــرامــا‪ ..‬نصوص‬ ‫ِسرّاني باهظ‪ ،‬يحتمي بغابات المجاز‪ .‬كأن تنهش فيها المعاني‪ ،‬كلماتها متراني ًة إلى‬ ‫الكاتب بنى له خيمة بجوار الكرة األرضية‪ ،‬مطلق التأويل وشرفات الحكمة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫كذلك تتحافز الهمة الشعرية لدى زياد‬ ‫إلى النأي عن أخــاق المدن‪ ،‬واللجوء إلى‬ ‫أحــضــان الطبيعة بكائناتها البريئة التي‬ ‫تمارس حياتها بعفوية حميمة‪ .‬وهذا النأي‬ ‫النفسي إنما هو رحيل الفارس الذي يحمل‬ ‫هموم الكون على كتفيه في تصوير سوريالي‬ ‫غــرائــبــي منسجم مــع فــتــوحــات الــحــداثــة‬ ‫الرمزية المعاصرة‪:‬‬

‫«سأرتب هذه المدينة وأرحل‬ ‫غير أنكم لن تروني مرة أخرى‬ ‫يكفي أن أعلّق ثكنة سوداء على شفاهكم‬ ‫وأمضي‬ ‫معي كالب بيضاء تصعد الجبل‬ ‫وقواقع ملوّنة ترشح باألمس‬ ‫ألوذ بظالل النائمين حتى دلوك الشمس‬ ‫هـ ــا م ــدي ـن ـت ـك ــم ان ـش ـق ــت ف ـ ـ ــإذا هـ ــي وردة‬ ‫كالدهان‪،‬‬ ‫يحزمها طفل بدمه ويموت»‬ ‫فــفــي ه ــذا المقطع تــصــويــر ذاهـــل من‬ ‫الــامــعــقــول ال ــذي يستدعي ذاكـــرة النص‬

‫بمراق برّاني عنيف النعومة‪ .‬ومع أنّي شاعر‬ ‫غنائي منحاز الــى اإليــقــاع الموسيقي في‬ ‫الشعر؛ غير أنني مع نص زياد أرى اإليقاع‬ ‫غير ضروري البتة‪ ،‬وربما كما حمولة زائدة‬ ‫على النص‪ ،‬أدهشني هذا الشاب الموهوب‬ ‫بانمياز ابتكاري فريد‪ .‬وأراني مطمئناً إلى‬ ‫القول بأنه فيما قدّم من أعمال قليلة‪« :‬وجوه‬ ‫تمحوها الــعــزلــة»‪ ،‬و«حــصــة آدم مــن نــار»‪،‬‬ ‫منجز‬ ‫ٍ‬ ‫و«المضاف إلى نفسه»‪ ..‬أعُده صاحبَ‬ ‫أدبي أخّ اذِ مرشوق بالفكرنة ومعارج الرؤى‬ ‫الطليعية‪ ،‬ومستعصم بأعلى منائر المجاز‪،‬‬ ‫وأجمل تحوّالت االستعارة في األدب العربي‬ ‫الجديد‪ .‬وعليه‪ ،‬فليغفر الحساد حماستي‬ ‫هذه لمكائد اإلبداع في نصوص زياد‪ ..‬هذا‬ ‫الفتى المضيء‪ ،‬الذي يذكرنا بحماسة طرفة‬ ‫بن العبد‪ ،‬واغــتــراب الشنفرى‪ ،‬وإشراقات‬ ‫رامبو‪ ،‬عبر شخصية أدبية متجاوزة لألنماط‬ ‫الكتابية السائدة‪ .‬فهنيئاً لنا ولألدب العربي‬ ‫بهذا الصوت الذي أراه إضافة بالغة النوع‬ ‫لإلبداع المعاصر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫الــشــعــراء بــاإلجــمــال أطــفــال غــربــاء عن الديني‪ ،‬ويؤالفها مع الواقعية السحرية في‬ ‫أمومة المكان وأب ـوّة الزمان‪ ،‬غير متآلفين كابوس شعري يمتاز بالتفرّد الوقور‪.‬‬ ‫مع السياق االجتماعي أو األُســري‪ ،‬لكنهم‬ ‫ليس ختاماً‪..‬‬ ‫منتمون إلــى الكبرياء بصفتها أعلى قيمة‬ ‫أحسب أن زيــاد السالم صوت أدبــي ف ّذ‬ ‫إنسانية تنصر اإلنسان على واقعه األليم‪.‬‬ ‫من هنا يتأتى خروجهم على أشكال القبح بامتياز‪ .‬ونجم إبداعي ال يدور إال في هالته‪،‬‬ ‫نصه ألي صــدى من أديــب آخر‬ ‫واالستالب‪ ،‬فيرتقون بكتابتهم إلى فضاءات ال أثــر في ّ‬ ‫الصعلكة بمعناها الجليل السامي‪ ،‬ويأنسون يكتب من مخيال فائق النباهة والشجاعة‪.‬‬ ‫بعزلتهم‪ ،‬ويــصــبــح الــواحــد منهم كــثــرة ال يناصص الكائنات أحــزانــهــا‪ ،‬ويــديــر نوايا‬ ‫تحصى‪.‬‬ ‫المفردات كما تدير النحلة أسباب العسل‬

‫‪39‬‬


‫‪3‬‬

‫يند عن التشابه‬ ‫زياد السالم‪ّ ..‬‬ ‫ويمعن في االختالف‬

‫■ عبداهلل السفر ‪ -‬السعودية‬

‫في فاتحة كتابه «وجــوه تمحوها العزلة» (‪2001‬م) يضع زيــاد السالم ثالثة مقتطفات‬ ‫من «يوميات ريلكه»؛ األولــى منها‪« :‬ليست لي أي عالقة مع الناس‪ ،‬ال أُشَ كِّ لُ جــزءً ا من أي‬ ‫مجموعة‪ ،‬من أي حركة‪ :‬مجموعتي أنــا وأنــا حركة تذهب باتجاه الــداخــل‪ ،‬هكذا أعيش»‪.‬‬ ‫والصنيع ذاته يقوم به السالم في فاتحة كتابه «المضاف إلى نفسه» (‪2007‬م) حيث يعلّق‬ ‫جملة الشاعر نوري الجراح‪« :‬نحاول أن ال يتعرّف علينا أحد‪ .‬نحاول أن ال يكون لنا أهل»‪.‬‬ ‫مصباحان ال يشيان بتجربة الكاتب في حقل هذين الكتابين وحسب‪ ،‬إنما يمتدّ ضوءُ هما‬ ‫إلى مجمل التجربة التي تابعها قارئ زياد إلى هذه اللحظة‪..‬‬ ‫أثر أو إشــارة»‪ .‬وهذه الشذرة وغيرها من‬ ‫بال ٍ‬ ‫وكتابات مقطعيّة لزياد‪ ،‬تأتي تطبيقاً‬ ‫ٍ‬ ‫ـذرات‬ ‫شـ ٍ‬ ‫إبداعيا مدهشاً لمفهوم الريزوم أو الجذمور‬ ‫عــنــد دولـ ـ ــوز‪ ،‬حــيــث االت ــص ــال واالنــفــصــال‪،‬‬ ‫واالنــفــات وعــدم التحدّد‪ ،‬والتعدد «المتعدّد‬ ‫يزدا ُد ويضيء»‪ ..‬والهروب عن ك ّل ما هو نَسَ قي‬ ‫تعاقبي يأخذ كياناً منتظمًا له أول وآخر؛ بداي ٌة‬ ‫ونهاية‪ .‬زياد يعلَق ويعلّق؛ ينغلق وينفتح؛ ينسرب‬ ‫ويظهر؛ يغيب ويبغت بحضوره‪ .‬كتاب ٌة روّاغــة؛‬ ‫مغرية ومغوية‪ .‬كأنها الصحراء‪ ،‬كأنها الواحة‪،‬‬ ‫كأنها الغابة‪ .‬هي واحدة ذلك وهي جميعه في‬ ‫الــوقــت نفسه‪ ،‬ال يمسّ كها إال منطق التحوّل‬ ‫غير القارّ؛ أبديّة الرحلة التي ال تعرف نقطة‬ ‫توقّف؛ تعرِّج‪ ..‬تتعرَّج ثم تمضي ممسوس ًة مرّة‬ ‫بالبراكين وأخرى بالشهب‪« :‬ال أزال أبحث عن‬ ‫أسلوب يشابه حياة الغجر»‪« ..‬نفضتُ يدي من‬ ‫ٍ‬ ‫العين واللون ومتاع العالم»‪« ..‬أنا جوّا ٌل وحيد»‪..‬‬

‫‪40‬‬

‫‪ ..‬النافر مــن القيد ومــن السياج؛ البريّ‬ ‫حدَّ التوحّ ش؛ النائي عن الخطوط المرسومة‬ ‫والبعيد عن أن يترسّ م الخطوات؛ تغريه الكهوف‬ ‫معتكَفاً ويلبّي نداء الصحراء معت َزالً‪ .‬لن تجد‬ ‫الكاتب‪ .‬لن تعثر على الشاعر‪ .‬ثمّة ما يجتذبه؛‬ ‫يحضه على االختفاء‪ .‬تبتلعه الشقو ُق ويتبدّد في‬ ‫ّ‬ ‫المسافات‪ .‬ال ضو َء يترك وال دليل يقود إليه‪.‬‬ ‫العــبُ المتاهات ومحترفُ أســرارِ هــا‪ .‬نقرأ له‬ ‫شذر ًة وردت تحت عنوان «طريق البيت ال ينتهي»‬ ‫(مجلة الجزيرة الثقافية‪ ،‬جريدة الجزيرة‪14 ،‬‬ ‫فبراير ‪2015‬م) هي أقرب إلى بطاقةٍ شخصيّة‬ ‫وهــو ّيــة ثقافية وإبداعية ال ينفكّ عنها أب ـدًا‪،‬‬ ‫ويستعيدها مرارًا بطريقةٍ أو أخرى على سبيل‬ ‫التأكيد وتجلية المالمح وبيان خارطة عالمه؛‬ ‫الخارطة المموّهة الراغبة عن كل أحــد‪ ،‬فال‬ ‫تمنح مفاتيح وال تعيّن نقاط اعتالم‪« :‬مذ عرفتُ‬ ‫نفسي لم أكن خيطاً في نسيج‪ ،‬ولم أدخل في‬ ‫جماعةٍ قط‪ ،‬أسلك من الدروب أكثرها وعورةً‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬لــمــاذا يتبدّى زيــاد السالم فــي غاية‬ ‫سل من النظام الذي‬ ‫تلك التي يكون حظّ ها شحيحاً من العابرين‪ ،‬الحرص على س ّل نفسه ّ ً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫السالم وسط مجموعة من األصدقاء في النادي األدبي بالجوف‬

‫تتهيكل فيه الجماعة‪ ،‬فتمثّل صوتاً واحدا وإن‬ ‫تعددت صياغاته‪ ،‬إال إن الرنين ذاته يشير إلى‬ ‫كتلة مصمتة يحكمها النسق والرتبة‪ !..‬لماذا هذا‬ ‫الفرار الجاد والتمادي في التخفي‪ ،‬كأنما عدوى‬ ‫ستناله جـرّاء القرب واالنــدراج في جماعة‪..‬؟‬ ‫هذا الوجه من النفور‪ ،‬إذا جاز لنا أن نفهمه على‬ ‫أنه تعبي ٌر صارم عن رفض المطروق والمستهلك‬ ‫والعادي المعاد حتى االهتراء؛ فإنه أيضاً ترجم ٌة‬ ‫وسعي ال يركن إلى هدأةٍ للعثور‬ ‫ٍ‬ ‫بحث دؤوب‬ ‫عن ٍ‬ ‫على أرضه البكر العذراء التي ما تزال في أول‬ ‫خصبها وفي بدء عطائها؛ السمة التي تقول‬ ‫الفرادة والتميّز‪ ،‬وإ ّن هذا المبدع ال يفري فَرِ يّه‬ ‫أحد‪ .‬وربما في تركيب هذه الجملة الدال على‬ ‫القطع واإلنشاء ما يفسّ ر هذه الوجه على نحوٍ‬ ‫أكثر جالءً‪ ،‬حيث «القطيعة» التي تفصل وتبني‬ ‫في ٍآن معاً‪ .‬تحت عنوان «نــار الــحـدّاد وعين‬ ‫الــفــراشــة» (مجلة الجزيرة الثقافية‪ ،‬جريدة‬ ‫الجزيرة‪ 4 ،‬أبريل ‪2015‬م) تطالعنا شذرة مفعمة‬ ‫بالمناخ الذي ينشده السالم‪« :‬الكتابة الجذرية‬ ‫محاول ٌة للفرار من األشياء‪ .‬إنها مح ٌو للشبهِ‬ ‫وإمعا ٌن في القطيعة‪ .‬ما جدوى الكتابة إذا لم‬ ‫تبتكر دروباً للتيه‪ ،‬يتعثّر في مسالكها النظراء»‬

‫ولع ّل ما يلفت هنا ربط فاعلية الكتابة وجدواها‬ ‫بأن تكون نقشاً ال نظير له وغير قابل للتكرار‪،‬‬ ‫وقد يكون موتُ الكتابة اشتراكَ أكثر من حنجرةٍ‬ ‫قلم في إعــادة‬ ‫في ترجيع إنتاجها‪ ،‬وأكثر من ٍ‬ ‫ابتكارها بالصيغة نفسها‪ .‬وهذا ما يتحرّز منه‬ ‫زيــاد المبدع «مهندس المتاهات» ويضحي له‬ ‫هاجساً يتردّد فيعود إليه في واحدةٍ من شذراته‬ ‫الباهرة التي اعتا َد نشرها في حسابه بـ «تويتر»‬ ‫فيفصل في‬ ‫ّ‬ ‫بين العامين «‪ ٢٠١٥‬و ‪2017‬م»؛‬ ‫المسافة الثابتة بينه وبين «الشبيه» الذي يج ّد‬ ‫في طلب صورة الكاتب واكتساب هيئته‪ ،‬بل إنه‬ ‫يوسّ ع ويعمّق من هذه المسافة بانخالعه من‬ ‫الهيئة التي هو عليها بوصفها «أثــراً» ال ينبغي‬ ‫أن ينطبع مرتين‪ ،‬كما تصرّح بذلك شذرة أخرى‬ ‫مكان آخر‪ .‬هي مطاردة ال يُك ّل منها وتتجدّد‬ ‫في ٍ‬ ‫كلّما وقع الحرفُ على الورقة‪« :‬الشبيه ال يصعد‬ ‫إليَّ وال أهبط إليه؛ لئن أوشك على االقتراب‬ ‫مــنــي‪ ،‬أو تشكلت هيئته بما يــوهــم اآلخــريــن‬ ‫بالشبه‪ ،‬فإني أتغيّر قبل أن يسقط على ما كنتُ ُه‬ ‫منذ لحظة؛ أتوقّع أشباهي‪ ،‬غير أنهم لن يتوقعوا‬ ‫ما ين ّد عن التشابه ويمعن في االختالف»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪41‬‬


‫‪4‬‬

‫الم َّ‬ ‫ركبة‪ ..‬في‬ ‫ُ‬ ‫العزلة ُ‬ ‫الع ُ‬ ‫زلة» لـ «زياد السالم»‬ ‫ٌ‬ ‫«وجوه تمحوها ُ‬ ‫■ محمد سالم جميعان‪ -‬األردن‬

‫في عتبة الكتاب األولى (فاتحة) ثالث عبارات مُ قتبسة من يوميات ريلكة‪ ،‬الشاعر األلماني‪ ،‬وهو‬ ‫اقتباس غير اعتباطيّ ‪ ،‬لجأ إليه القاص‪ .‬فهذه االقتباسات هي دوالّ جامعة على المنحى العام الذي‬ ‫يسيطر على أجواء المجموعة القصصية «وجو ٌه تمحوها العزلةُ لـ «زياد السالم»‪ .‬ففي االقتباس‬ ‫والمجموعة مع ًا «تبرير نظري معقول بامتياز لنزعة دفينة للسيطرة على الجموع‪ ،‬واإلعالء من‬ ‫حرية الذات الفردية على نحو استثنائي‪ ،‬بالرغم من االنخراط في هذه الجموع‪ ،‬مع بقاء الجدار‬ ‫النفسي السميك بينه وبينها‪ ،‬ألنَّ الحرية أمرٌ ال يمكن استئصاله‪ .‬فالمؤلِّف ينتخب عزلة ريلكة‬ ‫متوحد ًا في اآلن نفسه مع ذاته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على المستوى السلوكي‪ ،‬فيكتب وحيد ًا في زمن الكثرة الغثائيّة‪،‬‬ ‫وفق ًا لنصيحة «فــردريــك نيتشه‪« :‬ســارع الــى عزلتك‪ ،‬يا صديقي»‪ .‬وفــي عزلته هــذه يبدو الكاتب‬ ‫عصية على استشعار ذاتها االجتماعية‪ ،‬راضخة للمُ حبطات‬ ‫متسلِّح ًا بقوة األنا الفاعلة في بيئة ّ‬ ‫وكل أشكال االستالب المادي والمعنوي‪ .‬فبدت لذلك المجموعة صرخة تنويرية ترمي إلى غسل‬ ‫أدران التقاعس على المخذولين والمتخاذلين‪ ،‬نتيجة انهزام الذات أمام قواهر الذات واآلخر‪.‬‬

‫وتلخّ ص الكلمة الموجزة على‬ ‫الغالف األخير ما يسكن اإلنسان‪/‬‬ ‫المؤلف من هواجس مُغترِ بة عن‬ ‫ذاتــهــا وعــن الــعــالــم‪ ،‬ودخــولــه في‬ ‫النص‬ ‫عُزلة المكان والزمان‪ .‬فهذا ّ‬ ‫االستقصائي المكثَّف يُع ُّد كافياً‬ ‫إلزاحة ستائر الريبة التي يمكن أن‬ ‫تُعكِّر مزاج المتلقي في اصطياد‬ ‫المغزى الداللي لغرائبية النص‪.‬‬ ‫وبلغة سينمائية‪ :‬يضيء صالة العرض السردي‬ ‫فالتضاد قائم بين الــذات العارفة والوعي‬ ‫حتى ال يلتبس الخيال بالوهم الذي يمكن أن المتعالي فيها‪ ،‬فهي تسعى إلــى الخروج من‬ ‫يأخذ المتلقي في سرداب العتمة الداللية‪.‬‬ ‫تبخيس ال ــذات‪ ،‬فالشخصية المحورية في‬ ‫فــالــخــيــال القصصي فــي مجموعة زيــاد النصوص األربعة التي تتضمنها هذه المجموعة‬ ‫السالم خيال فعّال‪ ،‬يجعل شفافية السَّ رد جزءاً تعيش حالة صراعية بين الحرية المبتغاة والقوة‬ ‫من الفن‪ .‬فالسارد اتكأ على اللغة الشعرية الممكنة واإلرادة المعطّ لة‪ .‬ولعدم قدرة الذات‬

‫بما تحمله من مجازات وتكثيف‬ ‫ليحقق اســتــقــالــيــتــه وحــقــه في‬ ‫التفكير الحرّ‪ ،‬كون التجربة التي‬ ‫يعالجها زي ــاد ذات طــابــع فاجع‬ ‫تتطلب الصراخ في وجه الوحشة‬ ‫الــتــي تكتنفه مــن كـ ـ ِّل الــجــهــات‪.‬‬ ‫فالعزلة التي تسعى الذات المثالية‬ ‫إلى االنفكاك من أسرها القاهر‬ ‫إنما هي عُزلة مركّبة‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫على حسم الموقف‪ ،‬فقد خسر الوعي الذاتي في بؤس الواقع المظلم‪.‬‬ ‫معركته في القدرة على التعايش مع الواقع‬ ‫وثالث العزالت المركّبة هو مكان االجتماع‬ ‫الموضوعيّ المخت ّل الذي يحول دون أن يكون اإلنساني‪ .‬ويبدو من النصوص مكاناً منبوذاً‪،‬‬ ‫على ما هو عليه في الواقع‪ ،‬فآث َر العزلة التي مطروداً من الجغرافيا السعيدة‪ .‬ولذلك محت‬ ‫كتبت عليه أخيراً التوحُّ د مع ذاته متعالياً أكبر ّياً وجوهها العزلة‪ ،‬وحين ينمحي الوجه تندثر‬ ‫على كل السرخسيات والهالميات (عالم غريب المعالم الــدالــة على الــوجــود العيني للذات‬ ‫يقف بينك وبين البشر‪ .‬علّمتك قوقعة التوحُّ د والموضوع‪ .‬وهو ما تريد النصوص قوله حين‬ ‫كيف تمنع نفسك عن األحالم‪ ،‬بيد أنَّ المقرّبين نستشف من عمق رؤية الكاتب أهمية التفريق‬ ‫يعرفون قصتك المحزنة‪ ،‬وإن كانوا يتواطأون بين وجه الحياة ووجــه الوجود‪ ،‬فهو ال يعني‬ ‫على إهالة الرماد عليها ألسباب معيّنة‪ ،‬ربما الحياة بما هي دا ّل على البُعد البيولوجي‪،‬‬ ‫تقودهم إلــى التهلكة كما يزعمون) ص‪ -45‬وإنما الوجود الكلّي بما هو دال على البُعد‬ ‫‪ .46‬فهذه العزلة الذاتية هــي ولــيــدة ناشئة األنتولوجي‪.‬‬ ‫عن شــروط خارجية تتميز بالقهر واستالب‬ ‫من المه ّم االنتباه أنَّ الشخصيات في هذه‬ ‫الذات الواعية‪ ،‬وخالصة هذه الشروط تبدو‬ ‫المجموعة ذات أبعاد دالــة على ِصفَةِ حالة‪،‬‬ ‫في مكوث السارد‪ /‬في «حضوضا»‪ :‬وهي أرض وليست شخصيات متعيّنة في الواقع أو نماذج‬ ‫رملية تبتلع الناس وال ــدواب‪ ،‬تقع في الجزء تختزل التمثيل له‪ .‬وهي ذات إشاريات ترميزية‬ ‫المهجور من الشمال‪ ،‬غامضة كمثلث برمودا‪ ،‬ألشكال من القوى الحاكمة للفعل اإلنساني‬ ‫بحسب حاشية المؤلف‪ .‬فأش ّد ألــوان العزلة وتوجيه مساراته نحو السّ لب والعطالة (حارس‬ ‫أن يُــدرك الــوعــيُّ الشَّ قيّ وجــوده في المكان الفضيلة؛ العسس‪ ،‬الهاربين‪ ،‬المقرود‪.)...‬‬ ‫واللحظة الخطأ‪ .‬وهو ما يؤشر من جانب آخر‬ ‫والــروائــي إذ يحشد شخصياته ويطعّمها‬ ‫على األبعاد الصراعية بين البادية والحضر‪،‬‬ ‫برموز الحيوان‪ ،‬إنما يستوحي داللة الحيوان‬ ‫أو بصورة أدقّ بين المركز والهامش‪ ،‬في كل‬ ‫فــي (كليلة ودمــنــة) ليستعين بها فــي تقديم‬ ‫الــعــاقــات الــتــي تــبــدو مــن خــال النصوص‪،‬‬ ‫الذات اإلنسانية المتوارية بالشر واألذى‪ .‬وإذا‬ ‫مرتبكة ومُختلّة الموازين واألبعاد واألحجام‪.‬‬ ‫كــان كتاب كليلة ودمنة يحقق هــدف التسلية‬ ‫والجانب اآلخــر من هذه العزلة المركّبة‪ ،‬والتربية وسياسة الرعيّة‪ ،‬فإنَّ استعارة الحيوان‬ ‫هو عزلة الــذوات األخــرى التي تمارس على ورمــوزه في (وجــوه تمحوها العزلة) تأتي في‬ ‫ذاتــهــا أشــكــال الــقــصــور الــذاتــي الــك ـلّــي‪ ،‬فال إطار تثويري تحريضي‪ ،‬قوامه نبذ الش ِّر وتخلية‬ ‫تكتفي فقط بالتلذُّذ باستبعادها واستدخال الفساد والتهميش؛ فثمة قوى مهيمنة تتصارع‬ ‫الــتــصــورات والــمــقــوالت التبريرية المألوفة‪ ،‬وتتنابذ ضمن منظومة من الجهل واالنــزواء‬ ‫فيستحيل وجودها العيني إلى عدم‪ .‬وهي إذ والخوف الذي يعتري إنسان القضية‪ ،‬ال إنسان‬ ‫ال تكتفي بتلذُّذ مصادرة وعيها فإنما تتجاوز العيش‪ .‬فحين تتحول الذات اإلنسانية وتنزل‬ ‫هذا لِمصادرة وعي الذات األكبرية المتعالية من مستوى القضية إلى مستوى العيش فإنها‬ ‫بالوعي المُفارِ ق للسائد؛ الوعي الذي يمتلك عندئذ تتحوّل إلــى شــيء يخلو مــن المعنى‪،‬‬ ‫عين زرقاء اليمامة‪ ،‬ويرى البشاعة متجسّ دة وذلك يعني أنهم ينحدرون إلى هاوية اليأس‪،‬‬

‫‪43‬‬


‫ألنه ليس بإمكانهم القدرة على الصعود؛ فهم عن ضحايا اإلبــادة‪ ،‬ونــوال وقعت تحت وطأة‬ ‫مقيدون ِبـ ِـشــراك خفية قوامها الوهم الذي هذا الفعل‪ ،‬ووقعت في هاوية الموت‪.‬‬ ‫يسيطر على قواهم النفسية‪.‬‬ ‫واللغة في الرواية تأخذ نصيباً موفوراً من‬ ‫وتــبــدو إدانــــة ال ــواق ــع ب ــاإلش ــارة إل ــى أن الــحــدس الشعري‪ ،‬وقرائنه االستداللية في‬ ‫الحيوانات والحشرات‪( :‬الجرذان‪ ،‬البراغيث‪ ،‬استقراء الدال والمدلول في أبعاده المتعددة‬ ‫النمل‪ ،‬الضباع‪ ،‬الصراصير‪ ،‬الدبابير‪ )...‬التي (تــهــمــيــش‪ ،‬إق ــص ــاء‪ ،‬اس ــت ــاب‪ ،‬حــنــيــن‪ ،‬قلق‪،‬‬ ‫تستخدم مدركاتها لالستدالل وتلمس طريق رفض‪ .)...‬وهذا الحدس يتطلب من القارئ أن‬ ‫خالصها؛ في حين أن قوى الناس معطلة‪ ،‬فهم يركز االنتباه على (تحوّالت الحدث) ال على لغة‬ ‫ال يستخدمونها على نحو استخدام الحيوان صياغة النص القصصي‪ ،‬فالذهاب مع فتنة‬ ‫لها‪ ،‬للتأسيس لوجودهم المستقبلي‪.‬‬ ‫اللغة الفاتنة‪ ،‬سيقود القارئ انفالت الخيط‬ ‫ولكن شخصية (المقرود) على نحو مختلف‪،‬‬ ‫إذ إنها قادرة على الخالص والتحلل من دناءة‬ ‫الهزائم والمؤامرات‪ ،‬إذ تسمو هذه الشخصية‬ ‫الواعية على واقعها المزري في عالم ضحل‬ ‫مستسلم‪ ،‬وتستمر في رفضها وعنادها‪ ،‬وتنجو‬ ‫من فخ الواقع البئيس باستخدام وتفعيل وعيها‪،‬‬ ‫وبهذا يقول لنا الكاتب إن الخالص بالجنون‬ ‫والتمرد الوجودي أمر ملحّ وضروري لكي يحقِّق‬ ‫اإلنسان إرادته الحرة‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فإن في المجموعة سعياً حثيثاً‬ ‫الخلق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إلى دفع اإلنسان إلى التفكير النقيِّ‬ ‫رغــبـ ًة فــي خــاصــه‪ ،‬لهذا يــقـدّم زيــاد السالم‬ ‫أنساقا فكرية تنأى باإلنسان عــن أن يكون‬ ‫ضحية‪ :‬ضحية خوفه‪ ،‬ووهمه‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫ومما يقع أيضاً في دائرة الرغبة في تنمية‬ ‫الوعي‪ ،‬تحويل قيمة الحب إلى معادل موضوعي‬ ‫للحياة‪ ،‬فليس عسيراً على المتلقي التقاط‬ ‫طرافة المفارقة بين «نــوال» وبطل القصص‬ ‫األربــع‪ ،‬حتى في اللحظة التي يستشعر فيه‬ ‫القارئ أن هذه العالقة تعتمد على ما تفجره‬ ‫الــحــواس‪ .‬لكنها بالمقابل تقوم على الخيال‬ ‫الف ِّذ الذي يجعل الحبيب َة مشتهاة ومُمجّ دة‪ ،‬ألن‬ ‫وظيفة الحب إعادة تكوين الحياة‪ ،‬والتعويض‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تبصر‬ ‫الرئوي منه‪ ،‬ذلك الخيط الذي يقود إلى ُّ‬ ‫اليأس المفجع وتخاذلية المتن للهامش‪ ،‬كما‬ ‫النص المكثّف التالي‪ ،‬الذي يكشف‬ ‫ّ‬ ‫يتبدّى في‬ ‫عن انسحاقيَّة الذات أمام قواهرها المُعطّ لة‬ ‫لــــإرادة‪ ،‬ولــيــاحــظ الــقــارئ طبيعة التوالي‬ ‫والتعاقب اللغوي فــي التعبير عــن فجائعيّة‬ ‫الحالة‪« :‬تمتص حزناً ح ــا ّداً يلوب في دمي‬ ‫الفاسد الملوث بجلسات الكهرباء والقطران‬ ‫الزفت المتفسخ‪ ،‬والعثّ والخيبات والنجاسات‬ ‫الطافحة كبلغم هالمي له ذيل رفيع ما يني‬ ‫يلغ في وعاء سطحه‪ ،‬يكسوه الرجس والغرين‬ ‫والفطر والزبد والزرنيخ والبكتيريا الخضراء‬ ‫المتعفنة‪ ،‬والبثور والدمامل المفقوءة يسيل‬ ‫قيحها فيشوخ الطين‪ ،‬وتتدفق العصارة كبيض‬ ‫ممري) ص‪.19-18‬‬ ‫كثي ٌر الــذي يمكن أن يُقال في تخصيبات‬ ‫هذه المجموعة‪ ،‬ولكن حين يُط ِب ُق الف ُم على‬ ‫الصمت‪ ،‬فإنَّه يقول ما ال يُقا ُل كذلك‪ ،‬فعبارة‬ ‫(فسروا مثل ما تِبغون) ص‪ 46‬التي وردت في‬ ‫ّْ‬ ‫خاتمة قصة (حضوضا) تفصح عن المعنى‬ ‫الثاوي في بطن الشاعر‪ ،‬حين يكون (بين الغار‬ ‫والنار) ص‪ ،20‬فللمكان (شُ بهته التي ال تُشبهها‬ ‫شُ بهة أخرى) ص‪.15‬‬


‫■ شاهر إبراهيم ذيب ‪ -‬اجلوف‬

‫الصادرة عام ‪2008‬م عن‬ ‫اخترت هذا النص من مجموعته الشعريَّة‪ :‬المضاف إلى نفسه‪َّ ،‬‬ ‫نصا‪ ً،‬تقع في (‪ )80‬صفحة من الحجم الوسط‪.‬‬ ‫دار أزمنة بعمَّ ان ‪ -‬األردن‪ ،‬التي تضمنت (‪َّ )31‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫‪5‬‬

‫ٌ‬ ‫نص «المجنون»‪،‬‬ ‫قراءة في ِّ‬ ‫َّ‬ ‫السعودي زياد السالم‬ ‫والقاص‬ ‫للشاعر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫موغ ًال في فضح تفاصيل الحياة‪ ،‬برمزيَّةٍ فائقةٍ ؛ جعل َْت من‬ ‫الكاتب في مجموعته ِ‬ ‫ُ‬ ‫َبدَا‬ ‫مقاربة القارئ للنصوص متعة وقلق ًا واستفزازاً‪ .‬فالنّص عند السالم يَسبح في مجموعة‬ ‫بحرَفيّة تجعل للقارئ‬ ‫ُبدعت صياغتها ِ‬ ‫الجمل والرُّ موز التي أ ْ‬ ‫متراكبة ‪ -‬معقدة أحيان ًا ‪ -‬من ُ‬ ‫نفسه‪ ،‬أو باألحرى لدارس النَّص‪ ،‬إسهام ًا كبير ًا في تكوينه! في الوقت الذي يعمل به على‬ ‫تفكيك رموزه وإيحاءاته الشعريّة الغنيّة‪ ،‬ليجد نفسه في نهاية النّص أمام مفترق طرق‪،‬‬ ‫تجعل من النّص نفسه تكوين ًا يحتمل تأويالت عديدة‪.‬‬ ‫هــــذا ال ــك ــات ــب بــهــواجــســه‬ ‫إنّ قـــــــــراءة ن ــص ــوص‬ ‫المجموعة تُشعر مُقاربَها‬ ‫المتموِّجة‪ ،‬وبقلقه الطافي‬ ‫بـــمـــدى ت ــج ــرب ــة الــكــاتــب‬ ‫على تضاريس حياته‪ ،‬فإنَّ‬ ‫الحياتيّة وعمقها‪ ،‬بما تفرزه‬ ‫َــبــش‬ ‫دراســـــة نــصــوصــه ون ِ‬ ‫ه ــذه الــنــصــوص مــن رمــوز‬ ‫دالالتها وتحليل رموزها على‬ ‫َكثُرتْ مدلوالتها وتشابكت‬ ‫الصعيد الحياتي واإلنساني‬ ‫بــطــريــقــة تمنحها نسيجاً‬ ‫ناقصا كثيراً؛ لذلك‬ ‫ً‬ ‫سيكون‬ ‫مــحــبــوك ـاً‪ ،‬يَــجــبُ التدقيق‬ ‫أدّعــي أنَّ معرفتي لتجربة‬ ‫بتفاصيله وســب ـ ُر دقائقه‬ ‫الشاعر هي محاولة صغيرة‬ ‫الختراق مكنوناته وفهمها‪.‬‬ ‫جداً ال تنطبق إ َّال على هذا‬ ‫ومن مالحظة كثرة الرُّموز‬ ‫الصغير بما يحتله‬ ‫الـ َّنــص َّ‬ ‫الحيوانيّة والنباتيّة الموظَّ فة في أجساد من مساحة ورقيّة في المجموعة‪.‬‬ ‫النصوص‪ ،‬فإنَّ دراسة هذه الرُّموز تحتاج إلى المجنون‬ ‫َّ‬ ‫وقفة‬ ‫خاصة‪ ،‬ال تهدف هذه القراءة لتناولها أنا أطفالي‬ ‫وتحليلها‪.‬‬ ‫اهلل كتاب‬

‫مِ ْن شبه المؤكد لي أنّه إ ْن لم نعرف طبيعة ساعة وينتهي العالم‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪45‬‬


‫ربَّما ال أكــون مبالغا كثيرًا عندما أقول بكثير من الموت؛ ألنّنا ال نستطيع أ ْن نكون‬ ‫إنَّ هــذا النّص ملعو ٌن وخبيثٌ ‪ ،‬فقد حقق مجانين‪ ،‬هكذا بسهولة ودون أي ثمن‪.‬‬ ‫انتصاره في اللّحظة األولى التي قرأه فيها‬ ‫ربَّما أراد الشَّ اعر أ ْن يربط بين الموت‬ ‫شخص ما‪ ..‬فهل يكفيه ذلك؟‬ ‫والــحــيــاة بــكــل تفاصيلها‪ ،‬وأ ْن يجعلهما‬ ‫كاف لي ُه َّز القارئ‬ ‫الِّلقاء األول مع النّص ٍ‬ ‫بل ليَرُجَّ هُ‪ ،‬وإذا كان مِ ن ألــقِ النُّصوص أ ْن‬ ‫تُباغتَ القارئ‪ ،‬فهذا النَّص يباغتُ مقاربه‬ ‫مباغت ًة حقيق َّي ًة وبامتياز دون أ َّيــة ضرورة‬ ‫للقارئ أ ْن يدخل حَ رم النّص ويسبر أغواره‪.‬‬

‫بصرف النَّظر عن ردة الفعل لدى قراءة‬ ‫النَّص إيجابيّة كانت أم سلبيّة‪ ،‬فالنَّص يترك‬ ‫أثراً ال محالة في ذهن القارئ‪ ،‬ربَّما لشذوذه‬ ‫بسبب الــظــروف التاريخيّة لطريقة كتابة‬ ‫الشِّ عر‪ ..‬ولطريقة استقبالنا له‪.‬‬ ‫إذاً بــصــرف الـ ّنــظــر عــن ال ـرَّجَّ ــة األولــى‬ ‫الناتجة عن تحسّ س النّص وما يرافقها من‬ ‫تعابير إيحائيّة‪ ،‬فالتَّمعن في النّص يستنهض‬ ‫العديد من األفكار والتساؤالت‪ ،‬ابتدا ًء من‬ ‫عنوانه ومرورًا بتفاصيله‪.‬‬

‫استمراريّة لكينونة واحدة‪ ،‬فهو يدرك أهميّة‬ ‫العنوان بالنسبة للنَّص تمام اإلدراك‪ ..‬ألم‬ ‫يقل جــاك دري ــدا إنّ الــعــنــوان يعلو النَّص‬ ‫ويمنحه النور الــازم لتتبعه! فكيف لنا أن‬ ‫نتَّبع مجنونا!‬ ‫استخدام للتضاد والتناقض بشكل يدخل‬ ‫القارئ في حيرة تهدف لدمج الحياة بالجنون‬ ‫والــمــوت‪ ،‬وهــذا التتابع اإليقاعي المذهل‬ ‫هو في حد ذاته حكيما؛ فالجنون والموت‬ ‫يُطبِقان على الحياة ك ٌل من طرف‪ ،‬وال سبيل‬ ‫لنا إال أ ْن نعيشهما بين روعتيهما‪.‬‬

‫ال ـ ّنــص بخصوصيته وب ـ ُعــر ِيــهِ الغامض‬ ‫يُحرّض على التفكير‪ ،‬فكلماته قليلة تضم‬ ‫األقــانــيــم األربــعــة‪ :‬اهلل واإلنــســان والــزمــان‬ ‫والمكان‪.‬‬

‫يحتوي الـ َّنــص على سبع كلمات فقط‪،‬‬ ‫مَن يقرأ النَّص يظن أنَّه مجدِّف‪ ،‬ولك ْن وكلُّنا يعرف مدلوالت الرَّقم سبعة في القرآن‬ ‫ما أ ْن يعود القارئ للنّص مـرّة أخــرى حتى الكريم‪.‬‬ ‫يتراجع عن هــذه الفكرة‪ ،‬إذ إنَّ النص قد‬ ‫فبماذا يشي الشَّ اعر؟ هل اختصر الحياة‬ ‫عُنوِ َن بالمجنون وقد رُف َع القلم عن المجنون‪ .‬وبارءَها على لسان مجنون ال يمكن مقاضاته‬

‫ولــكـنْ‪ ..‬أيّ مجنون ذلــك؟ فما جــاء بعد في حال ثبوت تهمة التَّجديف عليه؟‬ ‫العنوان ال يمكن اعتباره جنوناً‪.‬‬ ‫بالولوج إلــى التفاصيل فــإنّ جملة (أنا‬ ‫يدرك السَّ الم أنّ أمرين اثنين ربما يتوق أطفالي) تحمل معنى الصيرورة الرتيبة بال‬ ‫لهما الكثير من المبدعين‪ ..‬الموت والجنون‪ .‬انقضاء‪ .‬تواصل الحياة من األب عبر أبنائه‬ ‫األول قد يستطيع الكاتب أ ْن يدخله بإرادته بفطرة ال يقف في وجهها أيُّ حاجز‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫ إن شاء ‪ -‬دون أن ي َِحدَّ أيُّ شيء من حركته‬‫ثم هناك تلك الغريزة التي تُحرّك دوافع‬ ‫نحوه‪ ،‬أما الثَّاني ‪-‬أي الجنون‪ -‬فهو أصعب اإلنسان فيضحّ ي في سبيل أطفاله دون ثمن‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫(اهلل كتاب)‪ ..‬جملة قاسية في مظهرها‬ ‫وشائكة عند مقاربتها‪ ،‬ومع ذلك فباطنها‬ ‫الزمان والمكان هما العنصران األساسان‬ ‫يفيض باالتساع والشفافية‪ ،‬فمن لم يقل أنّ‬ ‫للحياة‪ ،‬وهما اللَّذان يحددان حركات أيدينا‬ ‫اهلل معرفة فقد خاب‪ ،‬بل هو كتاب مفتوح‬ ‫ويموضعان أفكارنا‪.‬‬ ‫يحثّ اإلنسان ويستدرجه؛ لدراسته والتعمق‬ ‫الزمان والمكان إبــداع حقيقي‪ .‬معجزة‬ ‫في أسمائه وصفاته‪ ،‬وأيضاً هو طريق يتالزم‬ ‫فريدة راقيّة ال يمكن فصلهما دون أ ْن يفقد‬ ‫جبراً مع البحث والمعرفة‪.‬‬ ‫ألم تكن (إقرأ) الكلمة األولى في اتصال المكان قيمة وجوده‪.‬‬

‫الصالة والسَّ الم؟‬ ‫اهلل بنبيه عليه وعلى آله َّ‬ ‫على الرغم من كينونة الزمان والمكان‬ ‫(اهلل كتاب) جملة تؤكّد أ ْن ال شيء يقرِّبنا المستقلَّة عنَّا‪ ،‬إال إنّه ال تجسيد ألهميتهما‬ ‫ويوصلنا إلــى اهلل كالمعرفة‪ ،‬فمن خاللها بعيداً عن حواسنا ومشاعرنا وأغراضنا‪.‬‬ ‫تتبدد جهاالتنا وتعصبنا وضيق انتمائنا‪..‬‬ ‫المكان أقــرب إلــى تصورنا من الزمان‪،‬‬ ‫تلك المعرفة الحقَّة التي يحثُّ اهلل عليها‬ ‫وذلــك إلمكانيّة الشعور به بطرق عــدة‪ ،‬إال‬ ‫ويدعونا إلــى االنــدمــاج بها‪ .‬فمن خاللها‬ ‫أنّ الزَّمان ينطوي على كثير من الغموض‪،‬‬ ‫نستكشف الرموز ونستبين الدالالت‪ ..‬نقفو‬ ‫ولذلك فمن الصعب فهمه بكل تفاصيله‪..‬‬ ‫أثر اهلل في ملكوته‪ ،‬فيتجَّ لى لنا بكل دالالته‪.‬‬ ‫على الــرغــم مــن سعي الكثير مــن العلماء‬ ‫ال شيء يقرِّبنا إلى اهلل أكثر من الكتاب‪ .‬لمحاولة التعرف عليه على مدى العصور‪.‬‬ ‫والقرآن الكريم كتاب اهلل والمعجزة التي‬ ‫يوحي النَّص بفكرة الشَّ اعر بعدم ارتباط‬ ‫حملها نبيُّنا األكرم‪ ،‬ومن قبله من الرسل من‬ ‫الزَّمان والمكان‪ ،‬فبعد انتهاء العالم سيستم ُّر‬ ‫أصحاب الكتب‪.‬‬ ‫الزَّمان بصيرورته إلى ما شاء اهلل‪ ،‬ولن يؤثّر‬ ‫بعد ذلــك يقول الشاعر (ساعة وينتهي‬ ‫عليه انتفاء المكان‪ ،‬فساعة وينتهي العالم‪،‬‬ ‫العالم)‪:‬‬ ‫ولكن الساعة التالية قادمة ال ريب‪.‬‬ ‫هنا ينتاب القارئ إحساس حقيقي مُرهص‬ ‫هــذه محاولة قــراءة في نص المجنون‪،‬‬ ‫بضيق الحياة مهما امتدَّ ت‪ ،‬وشعور بتضاؤل‬ ‫الــفــرد فــي بحثه عــن الــخــلــود‪ .‬ومتى يأتي وإضــاءة ال تتعدى كونها أنَّها ال تهدف إلى‬ ‫هذا اإلحساس؟ بعد المعرفة أي بعد (اهلل التقليل من تجربة الشاعر أو تحميل النص‬ ‫كتاب)‪ ،‬عندما تزداد المعرفة يزداد القلق‪ ،‬أكثر مما يحتمل‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫ويشعر أنّهم استمراره وحياته بعد موته‪ .‬ال‬ ‫شيء يفصل بين األنا وأطفالها كالهما كو ٌن‬ ‫واحد‪ ..‬صيرورةٌ واحدةٌ متواصل ٌة من بداية‬ ‫الخلق دون انتهاء‪.‬‬

‫وتكثر األسئلة‪ ،‬ونشعر بضيق الحياة وحرجها‬ ‫أمام سبر مجاهيلها‪ ،‬وبالفعل كل شيء يوحي‬ ‫بالفناء‪ ،‬وكل عمل ينتهي ويصبح في الماضي‬ ‫ال ينطبق عليه تأثير فعل الحاضر‪ ،‬فيصبح‬ ‫كإحساس لشيء عابر ال غير‪.‬‬

‫‪47‬‬


‫البولوفونية والكرنفالية‬ ‫في رواية «نزل الظالم» لماجد الجارد‬ ‫■ إميان عبد العزيز املخيلد*‬

‫إنَّ الرواية البولوفونية هي إحدى تجليّات التجديد في السرد‪ ،‬فقد يعمد الروائي‬ ‫إلى أن يتخفّ ى وراء األصوات المتعددة؛ كي يتحرر السرد من الهيمنة األحادية‪،‬‬ ‫ويترك بذلك مجاال للتأويل بما يسمح بتعدّ د الـقــراءات والــرؤى والمواقف من‬ ‫أبطال الرواية وأحداثها‪ ،‬وبذلك تتعزّز فنيّتها‪ ،‬وأوجه الجمال والمتعة فيها‪ ،‬وهو‬ ‫ما يتيحه التعدد في مستويات الخطاب في النص‪ ،‬أو ما يسمى بالكرنفالية‪ ،‬وهي‬ ‫السمة التي يتيحها تعدد األصــوات في السرد‪ ،‬وهي سمة وصفت بها ما يُسمّ ى‬ ‫نقديا بالرواية الجديدة؛ إذ‪« :‬تنهض لغة الكتابة في الرواية الجديدة على التنوع‪،‬‬ ‫وتعدد مستويات اللغة؛ فاللغة في الروايات لغات‪ ،‬واألسلوب أساليب‪ .‬وللتعدّ د في‬ ‫الفن الروائي أوجــه شتى؛ منه أن الروائي يستقبل داخــل عمله األدبــي التعددية‬ ‫اللسانية والصوتية للغة األدبـيــة وغير األدبـيــة‪ ،‬دون أن يضعف عمله من جراء‬ ‫ذلك‪ ،‬بل يصير أكثر عمقا‪ .‬وترسم هذه الكرنفالية للغات المنحدرة من انتماءات‬ ‫ثقافية مختلفة‪ ،‬ومن طبقات اجتماعية متعددة صورة الرواية النموذجية حسب‬ ‫التصور الباختيني‪ ،‬لذلك ال يتردد بعض النقاد في إطالق صفة الديمقراطية‬ ‫عليها‪ ،‬وهم يقصدون بذلك الحوارية التي يمنحها العمل الروائي للشخصيات‬ ‫حتى تعبّر بأصواتها عن همومها»(‪.)١‬‬ ‫وقد عرّف ميخائيل باختين الرواية بعضها في مواجهة بعضها اآلخر‪ ،‬مثلما‬

‫البوليفونية بأنها‪« :‬الــروايــة المتعددة يحدث عند المزج بين مختلف األلحان‬ ‫األصـــــوات ذات طــابــع ح ـ ــواري على في عمل موسيقي‪ .‬حقًا إن العالقات‬

‫نطاق واسع‪ .‬وبين جميع عناصر البنية الــحــواريــة هــي ظــاهــرة أكــثــر انــتــشــارًا‬ ‫الروائية‪ ،‬توجد دائما عالقات حوارية‪ ،‬بكثير من العالقات بين الردود الخاصة‬

‫‪48‬‬

‫فنجد «أن هــذه العناصر جــرى وضع بالحوار الذي يجري التعبير عنه خالل‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫التكوين‪ ،‬إنها ظاهرة شاملة تقريبا‪ ،‬تتخلّل‬ ‫كل الحديث البشري وكــل عالقات الحياة‬ ‫اإلنسانية وظواهرها‪ ،‬تتخلل تقريبا كل ما له‬ ‫فكرة ومعنى»(‪.)٢‬‬ ‫ويــجــب أن تــتــحــدث كــل ه ــذه األص ــوات‬ ‫التي يستخدمها الكاتب في فضائه السردي‬ ‫بزوايا رؤية مختلفة‪ ،‬لكنها في عمومها تنتمي‬ ‫للمؤلف‪ ،‬وتنطق باسمه‪.‬‬ ‫وقـــد يــســتــخــدم بــعــض الــ ُكــ ّت ــاب تقنية‬ ‫«الكرنفالية» مــن دون الــوعــي بأهمية أن‬ ‫يختلف الــصــوت الــســردي عــن اآلخ ــر في‬ ‫سرد الحدث الواحد؛ فلو افترضنا أن كاتبًا‬ ‫استخدم تعدداً في ضمائر السرد المختلفة‬ ‫والمتنوعة لسرد الحدث الواحد‪ ،‬من زاوية‬ ‫الرؤية ووجهة النظر نفسها‪ ،‬مهما اختلف‬ ‫عدد الــرواة الذين سيروونه؛ فهل يعد هذا‬ ‫تعددًا في األصــوات؟ «إن الكرنفالية التي‬ ‫أطلقها باختين في تقديري ليست مجرد تعدد‬ ‫في اللغات المستخدمة‪ ،‬أو في الرواة داخل‬ ‫النص الواحد‪ ،‬بقدر ما هي عرض لوجهات‬ ‫النظر المتنوعة‪ ،‬سواء كان العمل الروائي‬ ‫فيها مبنيا على شكل فصول متفرقة‪ ،‬يروي‬ ‫كلَّ فصل فيها أح ُد الشخصيات‪ ،‬وبذلك يقع‬ ‫تقويمه من خالل وجهة نظر مفردة‪ ،‬أم تُقدَّ م‬ ‫وجهات النظر المتنوعة في هــذه الصورة‬ ‫ـوات أيديولوجي ًة متساوي ًة في‬ ‫بوصفها أصـ ٍ‬ ‫األس ــاس‪ ،‬وهــي الــصــورة التي أطلق عليها‬ ‫ميخائيل باختين (البوليفونية) أي الرواية‬ ‫ذات األصوات المتعددة»(‪.)٣‬‬

‫ومجال اشتغال البوليفونية التي قصدها‬

‫باختين هي الرواية‪ ،‬فالرواية هي الجنس‬ ‫األدبــــي األكــثــر قـ ــدرة عــلــى تجسيد هــذا‬ ‫المصطلح الــذي أتــى من حقل فني مغاير‬ ‫هو حقل الموسيقى؛ ليمارس اشتغاله في‬ ‫النصوص الروائية؛ ليعكس وجوداً تعددياً في‬ ‫النصوص األدبية‪ ،‬وال سيما الروائية منها‪،‬‬

‫مثل‪ :‬تعددية فــي األســالــيــب‪ ،‬وتعددية في‬ ‫اللغات‪ ،‬وتعددية في األصوات والشخصيات‪،‬‬

‫وتعددية في الــرؤى والمنظورات السردية‪،‬‬

‫وتعددية في الضمائر‪ ،‬وتعددية في الرؤى‬

‫األيديولوجية‪.‬‬

‫الــروايــة البوليفونية تتيح لكاتبها أن‬

‫يستعرض كل وجهات النظر والرؤى المفارقة‬ ‫في الحياة‪ .‬وهي التي تقدم أنماطً ا متنوعة من‬ ‫الوعي والتصورات األيديولوجية المختلفة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪49‬‬


‫دون أن يفرضها المؤلف على المتلقّي‪ ،‬بل‬ ‫يترك له الحرية في اختيار األنسب‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬تعدد األص ــوات يعني تعدد الــرؤى‬ ‫والمنظورات األيديولوجية التي تعبّر عنها‬ ‫الشخصيات داخل الرواية‪ ،‬فـ «عندما نتحدث‬ ‫عن المنظور األيديولوجي ال نعني منظور‬ ‫ال عن عمله‪ ،‬ولكن‬ ‫الكاتب بصفة عامة منفص ً‬ ‫نعني المنظور الذي يتبنّاه في صياغة عمل‬ ‫محدد‪ ،‬وإضافة إلى هذه الحقيقة‪ ،‬يجب أن‬ ‫نذكر أن الكاتب قد يختار الحديث بصوت‬ ‫مخالف لصوته‪ ،‬وقد يغير منظوره‪ -‬في عمل‬ ‫واحــد‪ -‬أكثر من مــرة‪ ،‬وقد يقـيّم (بتشديد‬ ‫الياء) من خالل أكثر من منظور»(‪.)٤‬‬ ‫ويرى أوسبنسكي أن الرواية البوليفونية‬ ‫يجب أن تتميز بعدة شروط هي‪ :‬أن توجد‬ ‫في الفضاء الروائي «عدة منظورات مستقلة‬ ‫داخــل العمل‪ ..‬ويجب أن ينتمي المنظور‬ ‫مباشرة إلــى شخصية ما من الشخصيات‬ ‫المشتركة في الــحــدث‪ .‬أي بعبارة أخــرى‪،‬‬ ‫أال يــكــون موقفا أيــديــولــوجـ ًيــا مــجــردًا من‬ ‫خارج كيان الشخصيات النفسي‪ .‬وأن يتضح‬ ‫التعدد المبرز على المستوى األيديولوجي‬ ‫فقط‪ ،‬ويبرز ذلك في الطريقة التي تقيّم بها‬ ‫الشخصية العالم المحيط بها»(‪.)٥‬‬

‫‪50‬‬

‫رواتــه‪ ،‬في ثمانية عشر فصال‪ ،‬وزعها بين‬ ‫أصواته السردية المختلفة‪ ،‬ما بين صوت‬ ‫األب وص ــوت األم وص ــوت محمد البطل‬ ‫الرئيس‪ ،‬ثم صوت صديقيه في «نزل الظالم»‬ ‫خالد وإبراهيم‪ .‬في الفصول االثني عشر‬ ‫األولى‪ ،‬راوح الكاتب تنويعاته السردية ما بين‬ ‫صوت «محمد» السارد الرئيس وصوت األب‬ ‫وصوت األم‪ ،‬يقول على لسان محمد‪« :‬إنني‬ ‫حين ولــدت نظر والــدي لتقلب لــون عيني‬ ‫من األسود إلى األبيض‪ ،‬ومن يومها تحولت‬ ‫الــعــاقــة بيني وبينه إلــى عــاقــة صامتة‪،‬‬ ‫أشعر به يلحظني ويتابعني من بعيد دون أن‬ ‫يتدخل في تصرفاتي‪ .‬والدي لم ينسج لنفسه‬ ‫حلمًا ورديًا يعيش به ويتطلع إليه‪ ،‬ولم يلجأ‬ ‫لألطباء‪ ،‬ويطارد سراب الشفاء وعودة نور‬ ‫البصر لعيني‪ .‬كنت في قلب لوحة الحياة‪،‬‬ ‫وكــان وال ــدي خــارج لوحتي التي أرسمها‪.‬‬ ‫لــجــأت أمــي إلــى الــقــرويــة‪ ،‬لكل مــا يصفه‬ ‫لها عجائز القرية من وصفات‪ ،‬تبيت على‬ ‫عيني كل ليلة قطعة من القماش المحشو‬ ‫عجينة دبــقــة أو عشبة لها رائــحــة عفنة‪،‬‬ ‫وحين أستيقظ ال أستطيع فصل رمشَ يَّ عن‬ ‫بعضهما لما قد أطبق عليها من كل ما يثير‬ ‫شهية الذباب»(‪.)6‬‬

‫هكذا يتحدث محمد عن رد فعل األب‬ ‫وسوف تقرأ الباحثة رواية «نزل الظالم» واألم تجاه ما أصاب عينيه من عماء‪ ،‬لكن‬ ‫لماجد الجارد؛ لتكشف عن االستراتيجية كيف يــرى األب واألم األمــر؟ من أي زاويــة‬ ‫السردية التي اتخذها الجارد؛ لعرض وجهة رؤية ينقالن لنا ذات الحدث؟‬ ‫نظره‪ ،‬وزاويــة الرؤية التي يرى من خاللها‬ ‫يُنوّع مؤلف «نــزل الظالم» في الضمائر‬ ‫العالم‪ .‬حــرص الجارد على تعدّد أصــوات الــســرديــة‪ ،‬حــيــث يــشــغــل ضــمــيــر الــغــائــب‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫أريد أن أسجل ابني‪،‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫فضمير المتكلم‪ ،‬ثم ضمير المخاطب‪ .‬أو البوليفونية لجعل األب يقوم بالسرد دون أن‬ ‫ينتقل بين ســارد حاضر وســارد غائب‪ ،‬أو يلجأ لهذا الحوار الطويل‪.‬‬ ‫بين ســارد مــشــارك وس ــارد محايد‪ .‬وكلما‬ ‫وكذلك فعل حين أراد أن يسمع القارئ‬ ‫تعددت وجهات النظر‪ ،‬واختلفت المنظورات صوت األم‪ ،‬لتقوم بدورها في إضاءة جانب‬ ‫كف بصر «محمد»‪ ،‬بدأ‬ ‫السردية‪ ،‬وتعددت الضمائر‪ ،‬وتنوّع الــرواة من الحكاية‪ ،‬حكاية ّ‬ ‫والــسُّ ـرّاد‪ ،‬كانت الرواية أقــرب إلى الرواية السرد على لسان محمد‪ ،‬وهو بدوره أسلم‬ ‫الحوارية منها إلى الرواية التقليدية ذات‬ ‫زم ــام الحكي ل ــأم‪ ،‬لتقوم بــســرد جوانب‬ ‫الصوت الواحد‪.‬‬ ‫مخفية من الحكاية على هيئة حوار طويل‬ ‫لــكــن الــكــاتــب يــواجــه مشكلة فنية في بين السارد واألم‪ ،‬لكن الحوار كان من جانب‬ ‫االنــتــقــال مــن ضمير إلــى ضمير فــي سرد واحد على لسان األم‪ ،‬وطال أيضا أكثر من‬ ‫الــنــص‪ ،‬ففي الفصل الــرابــع يــبــدأ السرد الالزم‪( :‬حدثتني أمي بصوتها الدافئ «كنت‬ ‫بضمير األنا على لسان محمد‪ ،‬الشخصية أنفق ج ّل وقتي في حجرتك‪ ،‬ومع هذا لم‬ ‫الرئيسة‪ ،‬وبدون مبرر فنيّ أو دراميّ يسلم أستطع ردم الفجوة‪ .‬أشعر أنك بحاجة ألخ‬ ‫السرد لألب؛ ليكمل الحكاية‪« :‬هَ م أبي عن يقاسمك اللعب والشجار والطعام والمنزل‪.‬‬ ‫مقعد أقتعده بمدرسة‪ ،‬ولكن ابنه األعمى بــذلــت جــهــدي لــيــزورنــا أطــفــال الــجــيــران‪،‬‬ ‫قد ضاقت به مدارس الطائف‪ ..‬وفي إحدى فــابــتــكــرت الــمــغــريــات مــن دم ــى ومكعبات‬ ‫المساءات كــان والــدي يتحدث إلــى جدي‪ :‬وصنوف الحلوى‪ ،‬لتتحول غرفتك إلى قاعة‬ ‫«ذهبت إلى مكة المكرمة‪ ،‬كنت طوال الطريق لعب مزدانة بشرائط متدلية من السقف‪،‬‬ ‫أمنّي نفسي‪ ،‬أوقف سيارتي عند الباب‪ ،‬ثم وتتطاير فيها أحجام متعددة من البالونات‪،‬‬ ‫أطفأت المحرك‪ ..‬يا األخو‪ ..‬وين رايح؟‬ ‫لكن كل حيلي فشلت في تبديد وحدتك‪،‬‬ ‫فأوالد الجيران ال يمكثون طوال النهار‪.)8(»..‬‬

‫وه ــك ــذا ف ــي ك ــل األصــــــوات الــســرديــة‬ ‫طيب أنت تريد المدير‬ ‫المتعددة أو كرنفالية السرد التي أراد أن‬ ‫ومشى إلى الداخل»(‪.)7‬‬ ‫يوظفها الجارد في نصه‪ ،‬كلها فقدت شروط‬ ‫تستمر الحكاية على شكل حوار بين األب الحوارية والكرنفالية التي وضعها النقاد‬ ‫والجد‪ ،‬ألربع صفحات كاملة‪ ،‬ألن الكاتب لم وعلى رأسهم باختين‪.‬‬ ‫يستطع توظيف تقنية تعدد األصوات‪ ،‬فبدأ‬ ‫غياب فلسفة الزمن في الرواية‬ ‫السردية‪ ،‬ثم أسلم األب الحكي على هيئة‬ ‫فــي «ن ــزل الــظــام» لــم ينشغل الــجــارد‬ ‫حوار بينه وبين الجد‪ .‬فطال الحوار أكثر من‬ ‫الالزم‪ ،‬فلو أن الكاتب يدرك أبعاد توظيف كثيرًا بفلسفة الزمن وتأمله‪ ،‬إال في مواضع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪51‬‬


‫نادرة من النص‪ ،‬فقد كتب على لسان والدة البطل الريفية التي لم تنل حظا من التعليم‬ ‫البطل رؤيته للزمن‪ ،‬وما يفعله في اإلنسان‪ ،‬أسهمت بثقافتها الشعبية الريفية في ازدياد‬ ‫وكيف يكون قــادرًا على إلهائه عن العقبات عاهة إبراهيم‪ ،‬ينطلق الكاتب من مفهوم‬ ‫النفسية الــتــي تــواجــهــه‪« :‬أســنــدت ذقنها أن البيت القديم‪ ،‬بيت الطفولة‪ ،‬هو مكان‬ ‫الصغير على كتفي العريض‪ ،‬شعرت بدفء األلفة‪ ،‬ومركز تكيّف الخيال‪ .‬وعندما نبتعد‬ ‫أنفاسها المختلطة بفحيح كلمات خافتة‪ .‬يا عنه نظل دائــم ـاً نستعيد ذكـــراه‪ ،‬ونسقط‬ ‫أبا إبراهيم ال أقول ّ‬ ‫كف عن الحزن‪ ،‬فذاك على الكثير مــن مظاهر الــحــيــاة المادية‬ ‫أمــل مستحيل‪ .‬إنــمــا ألجئه للتابع الزمن ذلــك اإلحــســاس بالجمالية واألمــن اللذين‬ ‫والليالي فهما القادران على تحويل كل جرح كان يوفرهما لنا البيت‪ ،‬فال شك أن مفهوم‬ ‫غائر ونزيف هادر لندبة متحجّ رة متصلّبة‪ ،‬البيت «يــركــز الــوجــود داخ ــل ح ــدود تمنح‬ ‫نتلمسها بين الفينة والفينة»(‪.)٩‬‬ ‫الحماية»(‪ ،)١١‬ويمثل ذلــك في النص‪ ،‬قول‬ ‫المكان في الرواية‬ ‫يُع ُّد المكان في «نزل الظالم» بنية أساس‬ ‫في العنوان‪ ،‬المكان الضيق (نزل)‪ ،‬كما يع ُّد‬ ‫كذلك بنية أساس من البنى الجمالية التي‬ ‫يتكون منها النص‪ ،‬فالكاتب يكتب سيرة بطله‬ ‫إبراهيم مع الظالم‪ ،‬مع فقدان البصر‪ ،‬بل‬ ‫سيرة كل زمالء النزل الذين فقدوا أبصارهم‬ ‫مبكرًا أو وُلــدوا فاقدي البصر‪ ،‬فجميعهم‬ ‫ضمهم هذا المكان‪ ،‬الذي خصص للعميان‪:‬‬ ‫«أوقفتنا األقــدار على أول عتبة من عتبات‬ ‫نزل الظالم ودفعتنا إلى الداخل دفعاً‪ ،‬حيث‬ ‫وجدنا أيامنا تنساب مع تيار ال ينتهي إال في‬ ‫قرار دير العتمة القسري»(‪.)١٠‬‬

‫‪52‬‬

‫الجارد على لسان إبراهيم‪« :‬أمــي القروية‬

‫لجأت لكل ما يصفه لها عجائز القرية من‬ ‫وصفات‪ ،‬فتُبيّت على عينيّ كل ليلة قطعة من‬

‫القماش المحشو عجينة دبقة أو عشبة لها‬ ‫رائحة عفنة‪ ،‬وحين أسيقظ ال أستطيع فصل‬ ‫رمشيّ عن بعضهما لما قد أطبق عليها من‬

‫كل ما يثير شهية الذباب العنيد»(‪.)١٢‬‬

‫يجيد الكاتب استخدام المكان لتصوير‬

‫ووصف ما يعانيه البطل طوال حياته‪ ،‬فبعض‬ ‫األماكن بالنسبة إليه هي السكن واألمــان‪،‬‬

‫وبعضها اآلخر هي الخوف والتشتت والقلق‪.‬‬

‫فمكان فيه أمــه يمثل بالنسبة إليه األمــان‬ ‫واالطــمــئــنــان‪ ،‬ومــكــان يفتقد وجــودهــا فيه‬

‫تتنوع األماكن في الرواية ما بين المكان يمثل بالنسبة إليه الخوف والــفــزع‪« :‬منذ‬ ‫الواسع المفتوح‪ ،‬حيث يعيش البطل إبراهيم ميالدي لم أنم إال في غرفتي التي صممتها‬ ‫فــي قريته‪ ،‬والمكان الضيق المغلق حيث على ذوقها‪ ،‬ولم تلقمني إال يدها‪ ،‬تتابعني‪،‬‬ ‫الــنــزل‪ ،‬وقــد انعكست ثقافة المكان على تالحقني في كل مكان‪ ..‬أيسهل أن أ ُودَع في‬ ‫تشكيل الخطوط الدرامية في النص‪ ،‬فأم سكن داخلي يحول نزيله إلى رقم يحتل خانة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫محددة الكمية والزمن»(‪.)١٣‬‬

‫الكرونوتوب أو الزمكانية في الرواية‬

‫أتمدد في غرفتي الرطبة المكتومة‪ ،‬أغفو‪،‬‬

‫يمر الزمن بطيئا‪ ،‬أغــوص في جب عميق‬ ‫جهنمي‪ ،‬أستيقظ‪ ،‬أتكئ‪ ،‬أجلس‪ ،‬أتقلّب من‬

‫من الممكن أن يكون الكرونوتوب وسيلة من جنب إلى جنب‪ ،‬والصمت يخيم في كل زاوية‪،‬‬ ‫وسائل الروائي الفنية لتلمّس انعكاس الزمان وال يبدده إال طقطقة سريري من تحتي‪،‬‬

‫على الــمــكــان‪ ،‬وتــغـ ّيــر إحــســاس الشخوص ونافذة قديمة الطراز تسرب شرائح دفتيها‬ ‫بالمكان نتيجة للمتغيرات الزمانية؛ ففي الخشبية أصوات المارة‪ ،‬لكنها تحرمني لذة‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بين الــســجــات‪ ،‬تُــصــرف لــه ثــاث وجبات محروم من الضوء والمنافذ‪« :‬منذ البارحة‬

‫رواي ــة «نــزل الــظــام» كــان إحــســاس البطل اإلطــالــة على الــحــارة مــن تحتي‪ ..‬ألصق‬ ‫بالمكان متسعا بَرَاحَ ا‪ ،‬لكن بتغير اللحظة أذنــي على الجدار لعلّي أستأنس بأنين أو‬

‫الزمانية من االنتقال من عالم الرحابة‪ ،‬حيث تنهيدة وحيد مثلي‪ .‬أين الذين كانوا معي‬ ‫البيت وحميميته واألم وعطفها وحنانها إلى البارحة حينما جمعتنا الحمى؟! عندما وقف‬ ‫ال ـنُــزل‪ ،‬ساعتها يتحول المكان إلــى مكان المشرف الصحي في الصالة المتوسطة‬ ‫مغلق‪ ،‬وفضاء ضيق‪ ،‬حيث انعكاس اللحظة لشقتنا‪ ،‬ونادى عليّ ثم صعدنا ألسرة الكبار‪،‬‬ ‫الزمنية على الفضاء المكاني‪ ،‬ويصير النزل ونادى على طالبين ال أعرفهما‪ .‬كنا مسرورين‬

‫كمتغير (من متغيرات) كرونوتوب أكثر قتامة على الرغم من مرضنا‪ ،‬ألننا ألول مرة نغادر‬ ‫وعتمة على روح البطل‪ ،‬حيث انغالق وفضاء النزل في المساء»(‪.)١٤‬‬

‫ * كاتبة من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )١‬هويدا صالح‪ ،‬صورة المثقف في الرواية الجديدة‪ ،‬دار رؤية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2011،‬م‪،‬ص‪.50‬‬ ‫(‪ )٢‬ميخائيل باختين‪ :‬شعرية دويستفسكي‪ ،‬ترجمة‪ :‬جميل نصيف التكريتي‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪1‬ـ‬ ‫‪1986‬م‪ ،‬ص‪.59:‬‬ ‫(‪ )٣‬هويدا صالح‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.50‬‬ ‫(‪ )٤‬بوريس أوسبنسكي‪ ،‬شعرية التأليف‪ :‬بنية النص الفني وأنماط الشكل التأليفي‪ ،‬ترجمة سعيد الغانمي‬ ‫وناصر حالوي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.30‬‬ ‫(‪ )٥‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.29‬‬ ‫(‪ )6‬ماجد الجارد‪ ،‬نزل الظالم‪،‬مصدر سابق‪،‬ص‪،66‬‬ ‫(‪ )٧‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫(‪ )٨‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫(‪ )٩‬ماجد الجارد‪ ،‬نزل الظالم‪ ،‬مصدر سابق‪،‬ص‪.28‬‬ ‫(‪ )١٠‬ماجد الحارد‪ ،‬نزل الظالم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )١١‬جاستون باشالر‪ ،‬جماليات المكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.60‬‬ ‫(‪ )١٢‬ماجد الحارد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫(‪ )١٣‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫(‪ )١٤‬ماجد الجارد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.56‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪53‬‬


‫المحتوى الفلسفي في رواية‬ ‫«نزيف الحجر»‬ ‫■ صالح محمد املطيري*‬

‫تجوال في إحدى المكتبات على رواية رصينة هي (نزيف الحجر)‬ ‫ٍ‬ ‫وقعت ذات‬ ‫ُ‬ ‫للروائي الليبي إبراهيم الكوني‪ ،‬ولكوني على صلة قرائية بهذا الروائي الملحمي‬ ‫ـدت يــدي تمتد لتستحوذ على هذا‬ ‫ال ــذي يـقــارن حقا بعبدالرحمن منيف‪ ،‬وج ـ ُ‬ ‫الكتاب‪ ،‬ومن ثم تشرع في قراءته‪.‬‬ ‫وإبراهيم الكوني كاتب معروف بأعماله الروائية ذات الطابع الملحمي مثل‪:‬‬ ‫رباعية (الخسوف)‪ ،‬وثنائية (المجوس)‪ ،‬و(التبر)‪ ،‬و(السحرة)‪ ،‬وغيرها من أعمال‬ ‫روائية وقصصية‪ .‬المؤلف ذو صيت ذائع بين أوساط النقاد داخل الوطن العربي‬ ‫وخارجه‪ ،‬وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات أوروبية وشرقية‪.‬‬ ‫وغالبا ما يختار ابراهيم الكوني حياة الرواية ويدور الصراع بين شخوصها‪.‬‬

‫الصحراء مسرحا لرواياته وقصصه‪ ،‬وكان المؤلف قد أصدر هذه الرواية في‬ ‫خاصة في الشمال اإلفريقي‪ ..‬حيث طبعتها األولــى عام ‪1990‬م‪ ،‬ثم توالت‬ ‫الصحراء الكبرى تفترش مساحة هائلة طبعاتها بعد ذلك التاريخ‪ ،‬وبين يدي‬

‫من عدة أقطار عربية وأفريقية‪.‬‬

‫اآلن طبعة الدار المصرية اللبنانية في‬

‫وهكذا كانت روايــة (نزيف الحجر) القاهرة وتاريخها ‪1434‬هـ ‪2013 -‬م‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬حيث اتخذت من الصحراء الليبية‬

‫‪54‬‬

‫والــروايــة في مجملها تحكي قصة‬

‫في الغرب حيزاً تتحرك فيه أحــداث (أســـوف)‪ ،‬ذلــك الفتى الــطــوارقــي من‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بدو الصحراء‪ ،‬الذي آثرت أسرته أن تنعزل‬ ‫عــن بقية ســكــان الــصــحــراء؛ فانتبذت لها‬

‫مكاناً قصياً عن اآلخرين‪ .‬وتعرض أحداث‬ ‫ُالرواية تقاطعات وتجاذبات لحياة هذا الفتى‬

‫الصحراوي الذي دأب على رعي معيزه في‬

‫بطون األودي ــة وعــروق الــرمــال‪ ،‬وبين ثنايا‬ ‫الصخور الضخمة وشعاف الجبال؛ وظل‬

‫الفتى طوال عمره يتجاوب مع رموز المكان‬ ‫الموحش‪ ،‬ويناغي مالمحه القاسية‪ ،‬ويتماهى‬

‫مع إيحاءاته وأصــواتــه العميقة‪ .‬لكن هذه‬

‫تلف في طياتها قدرًا‬ ‫العزلة المكانية التي ّ‬ ‫من العافية والطمأنينة والسكون ال تستمر‬

‫لألسف (وأي نعيم يستمر؟)‪ ،‬إذ تتقاطع‬ ‫أحــداث هذا الراعي المتأمل في صفحات‬

‫الصخور ومــا تحويه من رســوم مع آخرين‬

‫غرباء طارئين‪ ،‬أقلقوا سكينة الصحراء‪،‬‬ ‫وخدشوا وتيرة الهدوء‪ ،‬وبعثروا نظام الحياة‬

‫لإلنسان والحيوان على حدٍّ سواء‪.‬‬

‫إن ذلك النظام الطبيعي في الصحراء ظل‬

‫يسير على طبيعته المتوازنة أحقابا وقروناً‬

‫طويلة‪ ،‬حتى ظهر على المسرح هذا اإلنسان‬ ‫الحديث؛ وهكذا يتغير رتم الحياة لدى الفتى‬ ‫ولــدى الصحراء مع مجيء الطارئين إلى‬

‫حوزة الصحراء‪ ،‬حيث تتحول هذه الحياة من‬

‫الهدوء إلى االضطراب‪ ،‬ومن النظر والتأمل‬

‫والسكون إلى المطاردة والمالحقة واللهاث؛‬ ‫يحدث ذلك خاصة عندما يظهر على المشهد‬

‫والذي ال يبيت على غير لحم‪ ،‬وال يصبر على‬

‫حيوان واحــد‪ ،‬ثم يظهر معه على المشهد‬

‫أيضا المغامرون من السياح واألجانب‪ ،‬مثل‬ ‫األوروب ــي جــون بــاركــر‪ ،‬مدجّ جين بالبنادق‬

‫الحديثة والسيارات السريعة؛ فيكدرون بغبار‬

‫سياراتهم األفق‪ ،‬ويجرحون أديم األرض بوقع‬ ‫العجالت؛ وهكذا يــدردر في بطون األودية‬

‫هدي ُر المُحَ رِّك ألول مرة‪ ،‬ويلعل ُع بين جنبات‬ ‫الصخور صوتُ الرصاص‪ ،‬حتى يصبح (ال‬ ‫صــوت يعلو فــوق صــوت الــرصــاص)‪ ،‬الذي‬

‫يخنق الحياة فــي رشقة أو رشقتين على‬ ‫قطيع كامل من الغزالن‪.‬‬

‫وتــتــعــالــى غـ ــارات الــصــيــد الــتــي يشنُّها‬

‫(قابيل)‪ ،‬ذلك الرجل الذي ُغذِّيَ منذ نعومة الطارئون على حرم الصحراء‪ ،‬وتُبا ُد قِ طعا ٌن‬

‫أظفاره على لحوم الغزالن ولحوم (الودّان)‪ ،‬بكاملها في غزوة أو غزوتين على متن إحدى‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪55‬‬


‫العربات‪ ،‬حتى تتناقص الغزالن وتتداعى إلى مركزًا ومكثفا‪ ،‬حتى غدت هذه الرواية ‪-‬في‬ ‫الهرب واللجوء إلى شعاف الجبال‪ ..‬وتختبئ نظري‪ -‬عمال أقرب رحمًا إلى الفلسفة منه‬ ‫بين أنياب الصخور‪ ،‬وتصل الحال إلى أن إلــى الــروايــة‪ ،‬أو قل إنها روايــة تحتاج إلى‬ ‫يُقال إنه رُؤيَ في تلك الرملة غزالة وبنتها قارئ من نوع خاص‪ ،‬قارئ متريث يتكئ على‬ ‫ترعيان مع الفجر‪ ،‬بعد أن كانت قطعانا رصيد سابق في الفلسفات القديمة على‬ ‫تجوس خالل الصحراء كيف تشاء؛ وهكذا الخصوص‪.‬‬ ‫يكمل الوافد المخرّب باركر ما كــان بدأه‬ ‫وأنا أؤمن أن القراءة السطحية لمثل هذه‬ ‫(المواطن) قابيل‪ ،‬فيقضيان معاً على البقية‬ ‫األعمال ال يخرج منها القارئ بطائل‪ ،‬ألن‬ ‫الباقية من الحياة الفطرية في الصحراء‬ ‫مثل هذه األعمال تتطلب قــدرًا من التؤدة‬ ‫الوادعة‪ ،‬وبخاصة الغزالن والودان‪.‬‬ ‫الستبطان المعاني الفكرية التي يمهّد لها‬ ‫ومـــدار الحكاية فــي ال ــرواي ــة‪ ،‬ومــا دار النص‪ ،‬إن النص الــروائــي‪ ،‬خاص ًة الموغل‬ ‫بين شخوصها وما هو واقعي منها وما هو في طرحه الفلسفي مثل الذي بين أيدينا ال‬ ‫متخيّل ليس في نظري ما يش ُّد الناقد هنا‪ ،‬يكشف عن مكنونه‪ ،‬إال إذا أصخت له السمع‬ ‫ألن مثل هذه الشخوص (الصحراوية) سواء فيما يريد أن يفاتحك به‪ ،‬وها نحن نعرض‬ ‫اإلنسانية منها أم الحيوانية قد تنولت من هنا لبعض المكاشفات الفلسفية التي تجلت‬ ‫قبل وعولجت في أعمال أ ُخر‪ ،‬كما أن تركيب لي بعد قراءتي لرواية (نزيف الحجر)‪.‬‬ ‫الواقع بالمتخيل وتلبيس الممكن بالمعجز‪..‬‬ ‫الهروب نحو العزلة‬ ‫هــو مــن األدوات المخيالية (الــفــنــتــازيــة)‬ ‫إن أول فكرة يلتقي بها الــقــارئ وجهاً‬ ‫التي يتوسّ ل بها الروائي كما هو معروف‪،‬‬ ‫وإنما الــذي يشد الناقد حقا هنا هو هذه لوجه في الرواية هي فكرة (الهروب نحو‬ ‫الحموالت الفلسفية والمضامين العرفانية العزلة)‪ ،‬أو ما يُعبّر عنه أحيانا بـ(الفلسفة‬ ‫واإليــمــاءات الفكرية التي تتغلغل فــي كل العالئية)‪ .‬حيث تشيع في الفصول األولى‬ ‫حدث من أحداث الرواية‪ ،‬وتتهادى على كل من الرواية األحداث والمقوالت التي تبشر‬ ‫حدث ما‪ ،‬بالعزلة وتباركها‪ ،‬بوصفها طريقة سامية‬ ‫ٍ‬ ‫سطر يخطه المؤلف معلقا على‬ ‫أو ملخصاً نهاية إحــدى الشخصيات‪ ..‬أو لتحقيق الطمأنينة النفسية والتخلّص من‬ ‫أذى اإلنسان‪.‬‬ ‫واصفاً ما آلت إليه الحال في اإلجمال‪.‬‬ ‫إن المرء المعتزل يختار هــذا المسلك‬

‫‪56‬‬

‫وهمّنا اآلن فــي هــذا المقال أن نجلو‬ ‫الغشاء عــن كيفية توظيف هــذه الحمولة ليحيا بعيدًا عن أوضار االختالط بالبشر‪،‬‬ ‫الفلسفية الزائدة في أعطاف الرواية توظيفا وما ينجم عنه من تكالب على الحطام‪ ،‬وقد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫إيثاراً للعزلة‪ ،‬وأن الوالد‪ -‬أي رب األسرة‪-‬‬

‫ف ـل ـيــت ول ـ ـيـ ــد ًا م ـ ــات س ــاع ــة يــومــه‬ ‫ما فتىء يلحّ على العزلة ويحبّذها مصبحاً‬ ‫ولـ ــم يــرت ـضــع م ــن أمـ ــه ال ـن ـف ـســاءِ !‬

‫وممسياً‪ ،‬حتى أنه لما نزل قطي ٌن من البدو‬ ‫على مقربة من مضارب األســرة‪ ..‬نرى أن‬ ‫الوالد لم يهدأ له بال حتى أمر األسرة بشد‬ ‫الرحال من الغد‪ ،‬نائياً عن المكان‪ ،‬ومتخلصاً‬ ‫من جوار اإلنسان‪ ،‬كان األب يوحي إلى ابنه‬ ‫يفضل الخير ال بد له‬ ‫قائال‪( :‬اإلنسان الذي ّ‬ ‫أن يهرب من أذى اإلنسان)‪ .‬وعندما عذلته‬ ‫زوجته على الرحيل عن المكان صاح فيها‬ ‫قائال‪( :‬أجاور الجن وال أجاور اإلنس‪ ،‬أعوذ‬ ‫باهلل من شر الناس) ص ‪.25‬‬

‫الحمية النباتية‬ ‫ِ‬ ‫ويرتبط بفلسفة أبي العالء هنا وبالفلسفة‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ـدس‬ ‫وح ـن ـ ٍ‬ ‫ـصــر يـهــم ن ـه ــارٍ ِ‬ ‫ـأف ل ـ َعـ ْ‬ ‫رأينا في الرواية أن عائلة الفتى (أسوف) ف ـ ـ ٍ ّ‬ ‫قد انتبذت لها مكانا قصيًا في الصحراء‬ ‫ـال مـ ـنـ ـه ــمُ ون ـ ـسـ ــاءِ‬ ‫وجـ ـنـ ـس ــي رج ـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫القديمة عموما نظام أو حمية المذهب‬ ‫النباتي (‪ ،)vegetarianism‬وهو نظام يتمذهب‬

‫به (أسوف) بطل الرواية هنا‪ ،‬ألن هذا الرجل‬ ‫الصحراوي قد حرّم على نفسه أكل اللحم‬ ‫بعد حادثة الودان المهيب‪ ،‬وقد رأيناه بعدها‬

‫يصرخ فــي وجــه قابيل‪ ،‬الــذي مــا أتــى إلى‬ ‫عمق الصحراء إال لكي يأكل الغزالن ويقتات‬

‫وال ننسى أن أحد فصول الرواية معنون بشراهة عجيبة على اللحم قائال‪:‬‬ ‫بعبارة صريحة تقول (ش ٌر اسمه اإلنسان)‪.‬‬ ‫(أنــا لم أذق اللحم‪ ..‬أنا ال آكل اللحم!)‬ ‫طبعا فلسفة العزلة هذه تذكرنا بال ريب (ص‪)39‬‬ ‫بفلسفة أبي العالء المعري؛ إن أبا العالء‬ ‫والمذهب النباتي الذي قيّد (أسوف) به‬ ‫فيلسوف اختار أن يعبر عن منهجه شعرًا‪،‬‬ ‫والمسلك الذي اختاره طريق ًة للعيش إنما نفسه‪ ،‬وقبله أبو العالء‪ ،‬يستند إلى فلسفة‬ ‫ينبعث من رؤيته الفلسفية للعالم والمخلوقات‪ ،‬شرقية (هندية قديمة) تحرّم االعتداء على‬ ‫اخــتــار أبــو الــعــاء كما هــو مشهور العزلة الحيوان وإزهاق روحه من أجل الغذاء‪ ،‬هذه‬ ‫واالنــطــواء‪ ،‬وان ــزوى فــي بيته منقطعا عن الفلسفة تُعلي من شأن وجود الروح الحية‬ ‫قليل يعدون على األصابع في الحيوان؛ فمن هنا‪ ،‬تحرّم سلبه هذه‬ ‫نفر ٍ‬ ‫الناس‪ ،‬إال عن ٍ‬ ‫من تالمذته الذين كانوا يأتونه ليأخذوا مما الهبة اإللهية من أجل الزاد والطعام‪ ،‬الذي‬ ‫لديه من علم واسع باللغة والشعر والعروض‪ ،‬يمكن أن يجده اإلنسان في غير الحيوان‪.‬‬ ‫وراح أبو العالء يبرر مسلكه هذا في أشعار طبعا الى هذا الح ّد تبدو لنا هذه الفلسفة‬ ‫كثيرة بثها في ديوانه اللزوميات‪ ،‬نذكر منها نزع ًة إنساني ًة نحو الحيوان قوامها الشفقة‬ ‫والــرحــمــة وال ــح ــرص عــلــى إرادة الــحــيــاة‬ ‫قوله منددًا بجنس البشر‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪57‬‬


‫للكائنات‪ ،‬لكني أرى من طرف خفي أن هذه ومثل شخصية الزاهد (جلّولي) أحد شيوخ‬ ‫الفلسفة الهندية القديمة تنطوي على أثر الواحات ال تفتأ تتألم على تناقص الغزالن‬

‫من مــادة تناسخ األرواح‪ ،‬وبــاد الهند كما في نواحي الصحراء‪ ،‬فأسوف يكره جدا أن‬ ‫هو معروف هي المنشأ العريق لهذه الفكرة يستعبده جشع قابيل ليرغمه على مالحقة‬

‫القديمة‪ ،‬أعني تناسخ األرواح‪ ،‬وعلى هذا الــصــيــد فــي بــطــن الـ ـ ــوادي‪ ،‬وبــيــن حــواف‬ ‫فال تعجب أن وُلد كتاب كليلة ودمنة‪ -‬وهو الصخور الضخمة المنغرزة فــي الــرمــال‪.‬‬

‫عبارة عن شخوص حيوانات تتحاور فيما والشيخ الزاهد في الواحة يتجهّم في وجه‬ ‫بينها ‪ -‬في بالد الهند على وجه الخصوص‪( .‬جــون بــاركــر) الــذي مــا هبط هــذه الديار‬ ‫واآلن وقد رأينا توجّ ه بطل الرواية نحو المقفرة إال لمالحقة الغزالن‪ ،‬وما هي إال‬ ‫المذهب النباتي‪ ،‬وامتناعه عن إيذاء الحيوان أن يعرف عنه غزوته التي أسفرت عن مقتل‬

‫بأي شكل من األشكال أو سلب شعلة الحياة الغزالن حتى يشيح بوجهه عنه ثم يجابهه‬ ‫منه؛ لنا إذاً‪ ،‬أن نتفهّم تشقيق المعنى الذي بألم‪( :‬كيف تدعي الديانة بدين المسيح‬

‫أراد الكاتب إيصاله عند العتبة األولى في وهو بريء منك؟ ال أنت منه وال هو منك!)‬ ‫طائر ص‪.111‬‬ ‫ٍ‬ ‫األرض وال‬ ‫ِ‬ ‫الرواية‪( :‬وما من داب ٍّة في‬

‫يطير بجناحيه إال أم ٌم أمثالكم)؛ لقد صدَّ ر‬ ‫الكاتب عمل َه بهذه اآلية الكريمة‪.‬‬ ‫االتجاه البيئي‬ ‫تــكــاد الـــروايـــة أن تــكــون ف ــي مجملها‬

‫بياناً أول ينعي ضياع الحياة الفطرية في‬ ‫عالم الــصــحــراء‪ ،‬أعني (البيئة الطبيعية‬

‫الصحراوية) ومــا فيها مــن مخلوقات من‬ ‫الحيوان والنبات‪ ،‬وما فيها أيضا من معالم‬

‫وآثــار وتضاريس‪ ،‬إنها حقا بكائية الفقد‬

‫إن الــروايــة بمجموعها تعد حقا بمثابة‬

‫(منشور) صارخ يفضح جناية (اإلنسان) على‬

‫طبيعة الصحراء على األخص‪ ،‬وعلى إرادة‬

‫الحياة بوجه عــام‪ .‬إن اإلنسان الحديث ما‬ ‫فتىء يعيث فسادًا في عالم الصحراء وعالم‬ ‫الطبيعة كــكــل‪ ،‬حتى تبدلت األرض غير‬

‫األرض والسماء غير السماء‪.‬‬

‫ثنائية قابيل وهابيل‬ ‫ولــهــذا الــغــرض ‪-‬جــنــايــة اإلنــســان على‬

‫والــثــكــان‪ ،‬على تدمير طبيعة الصحراء الطبيعة‪ -‬فإن الكاتب إبراهيم الكوني يعيد‬ ‫واستئصال رمــوزهــا األســاس من الحيوان إنتاج قصة قابيل وهابيل هنا‪ ،‬وهي قصة‬ ‫والنبات‪.‬‬

‫معروفة في الكتب السماوية لألديان الثالثة‪،‬‬

‫والشخوص التي تحمل الهاجس اإلنساني قوامها حسد قابيل ابن آدم ألخيه هابيل‪..‬‬

‫‪58‬‬

‫في الرواية مثل شخصية البطل (أسوف)‪ ،‬ثم قتله جراء ذلك‪ ،‬وأما كيف وظّ ف الكاتب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫على نحو تمثيلي رمزي‪ ،‬فاإلنسان الحديث تطمح عيناه إلى صيد (الودّان) بين شعاف‬ ‫في الرواية يمثل شخصية قابيل‪ ،‬والحيوان الجبال‪ ،‬وال ــودان هو وعــل الجبل أو تيس‬

‫الذي يرتع في عالم الصحراء يمثل شخصية الجبل المعروف عند اإلغريق بـ (‪ ،)ibex‬وهو‬

‫هابيل‪ ،‬وقد رأينا أن اإلنسان الحديث قد صيد عزيز ومطلب عسير‪ ،‬ألنه يتسلق على‬ ‫هبط إلى مراتع الحيوان الــذي كان يعيش الحواف الصخرية بزاوية تسعين درجة بكل‬ ‫وخفَّة‪ ،‬وكأنه ليس من ذوات األربع‬ ‫بسالم فــي الــصــحــراء‪ ،‬وجعل ينغّص عليه رشاقة ِ‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫هذه القصة؟ فإنه قام بإعادة إنتاجها هنا قابيل وشهواته اللحمية في االزديــاد حتى‬

‫العيش ويــزعــجــه ويــاحــقــه مــن مــكــان إلى بل من الزواحف والحشرات‪ ،‬ولتحقيق هذا‬

‫مــكــان‪ ،‬ويسلب منه شعلة الــحــيــاة بالقتل المطلب العسير يح ّل قابيل ورفيقه مسعود‬ ‫والصيد‪ ،‬ليكون في النهاية لقمة سائغة تشبع ضيفا ثقيال على أس ــوف ابــن الصحراء‪،‬‬

‫نهم قابيل‪ ،‬حتى وصلت الحال الى حد الفناء ويلحّ ان عليه ويتهددانه لداللتهما على آثار‬

‫والتالشي والعدم‪ ،‬أي محا جنس الحيوان في الــودان ومساكنه بين شعاف الجبال‪ ،‬فيقع‬

‫الصحراء بالقتل على يد اإلنسان (قابيل)‪.‬‬

‫أسوف‪ -‬الذي عقد نذرًا بينه وبين الودان‪-‬‬

‫ولهذا الغرض جعل المؤلف أحد أبطال في حرج عظيم وعنَت شديد‪ ،‬فكيف يدلّهما‬ ‫الرواية تحت اسم (قابيل)‪ ،‬وهو يقوم بدور على مدارج الودان وقد قطع عهدًا معه‪ ،‬وقد‬

‫شخص من أهل البلد؛ لكنه يعاني من نهم أخذ منه ميثاقا غليظا؟‬ ‫شديد عجيب إلى اللحم منذ والدتــه‪ ،‬فقد‬

‫وال يكتمل دور (قابيل) في الــروايــة إال‬

‫ُغـذّي على دم غزالة وهو لمّا يزل رضيعا‪ ،‬بانضمام (جــون بــاركــر) إليه‪ ،‬وظهور هذه‬ ‫وعــنــدمــا كبر جعل ديــدنــه أن يقتات على الشخصية األجنبية فــي الــروايــة هــو في‬ ‫اللحم كل يــوم حتى قيل إن في فمه دودة نظري نو ٌع من تلوين الفسيفساء الشخوصية‬

‫ال تفتأ تطلب اللحم‪ ،‬وهكذا درج هــذا الـ ألبطال الرواية‪ ،‬و(باركر) هذا شخصي ٌة تبعث‬ ‫(قــابــيــل) عــلــى هــبــوط األوديــــة مــع رفيقه على االهتمام حقا‪ ،‬فهو قد جاء في األصل‬

‫مسعود (الدباشي) الذي له من اسمه أجزل ضابطا في القاعدة العسكرية في الشمال‪،‬‬ ‫النصيب‪ ،‬ألنــه ليس له شخصية مستقلة‪ ،‬غير أنه مثل بعض الغربيين الذين تشرئب‬

‫وإنما هو يتابع ويوافق ويواتي على الدوام‪ ،‬أعناقهم إلــى مــعــارج الفلسفة والتصوف‪،‬‬ ‫ويــقــوم ه ــذان الــرجــان بمالحقة الــغــزالن وقد استغرق في قراءة الفلسفات الصوفية‬

‫وصيدها وقتلها بأعداد كثيرة‪ ،‬ففي كل آن والشرقية القديمة حتى تأثر بمقوالتها‪،‬‬ ‫لهما صولة وجــولــة فــي الــصــحــراء‪ ،‬يذهب ومــن تلك الــمــقــوالت مقولة حلولية تقول‬

‫ضحيتها أعداد من الغزالن‪ ،‬وتستمر أطماع (إن الس ّر في األنعام) وإن الس َّر في الغزال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪59‬‬


‫على وجــه الخصوص‪ ،‬فَتولّع عندها هذا الشيطانية تدور كالطاحونة‪ .‬تسكع الجندب‬

‫الضابط الوافد بصيد الغزالن في النواحي اللئيم عبر سفح السلسلة متفقدا التجويفات‬ ‫المجاورة ومالحقتها بالبنادق والسيارات‪ ،‬والصخور والمنحدرات العارية حتى بدا عن‬

‫وشــرع يالحق ذلــك (الــسـرّ)‪ ،‬وجعل يطوف بعد مثل صقر في بحثه العنيد عن فريسة‪.‬‬ ‫بين القرى والواحات في الشمال‪ ،‬فسمعهم‬ ‫حطوا عند حذاء الجبل‪ .‬بحثوا عن مأوى‬ ‫يرددون مقولة شعبية تقول (الزيت غريان‪،‬‬ ‫يحميهم من شر الشمس‪ ،‬الكهوف الظليلة‬ ‫والتمر ف ـزّان‪ ،‬واللحم ودان!) وما أن وصل‬ ‫تعتلي أعالي الجبل‪ .‬الطريق إليها يمر عبر‬ ‫إلى واعيته هذا المفهوم‪ ،‬حتى بدأ يطلب‬ ‫صخور ملساء وأخ ــرى متوحشة‪ ،‬مسلحة‬ ‫الودان أيضا‪ ،‬ويا له من صيد عزيز!‬ ‫بــأحــجــار كــأنــيــاب ال ــوح ــوش‪ ..‬على الرمل‬ ‫ويتفق جون هذا وقابيل ابن البلد على الناعم ارتسمت آثــار األفــاعــي والسحالي‬

‫غزو الصحراء طلبا للصيد‪ ،‬ويقتفيان أثر والعظاءات وجرذان الصحراء‪.‬‬ ‫الصيد بين الوهاد والسهول والجبال‪ ،‬وتُباد‬ ‫فوق الرمال الذهبية‪ ،‬عثر قابيل على آثار‬ ‫إثر ذلك قطعا ٌن من الغزالن‪ ،‬وتهرب البقية‬ ‫أخرى‪ :‬الغزالن!) ص ‪114‬‬ ‫الباقية من الصيد إلى الرمال البعيدة أو‬ ‫وبهذه الغارة الجوية على صهوة الجندب‬ ‫تعتصم بالظالل الخافتة بين أنياب الصخور‪.‬‬

‫ويُــســخّ ــر جــون بــاركــر أقــصــى إمكانياته اللعين يختفي من السهول جنس الغزال‪،‬‬ ‫المادية لتمشيط الجبال بحثا عن الغزالن‪ ،‬زينة الصحراء وحليتها األزلية‪ ،‬وهكذا تفقد‬ ‫فــيــأخــذ ط ــائ ــرة اســتــطــاع مــروحــيــة من الــصــحــراء (ســرهــا) األثــيــر على يــد قابيل‬ ‫الــقــاعــدة العسكرية‪ ،‬ويــركــب وإل ــى جانبه وشريكه باركر األثيم‪.‬‬

‫قابيل‪ ،‬ويشرعان في تعقب أي أثر يدل على‬

‫وأما الغزالة وابنتها ومعها بالطبع حيوان‬

‫الغزالن‪ ،‬ويقصدان (جبل الحساونة)‪ ،‬ذلكم الصحراء فيقومان في الرواية بدور شخصية‬ ‫المعقل النهائي واألخير للبقية الباقية من هابيل‪ ،‬وكــانــت الــغــزالــة تقص على ابنتها‬ ‫الغزالن‪:‬‬

‫قصة المكان منذ البدء أو (أمثولة الوطن)‬

‫(حــلــق الــجــنــدب الــخــرافــي فــي الفضاء كما يقول الكاتب‪ ،‬وتخبرها فيها كيف خلق‬ ‫الــصــافــي وعــبــر ســهــول الــحــمــادة الخالية اهلل الــروح أول مــرة وكيف حــدَّ لها حــدودا‬

‫الصامتة‪ .‬في متاهة العراء تتناثر أشجار ثالثة‪ :‬الزمان والمكان والجسد‪ ،‬وقد حقت‬ ‫سدر وطلح ورتم‪ ،‬تنمو متباعدة‪.‬‬ ‫اللعنة وهلك كل من حاول أن يخرج من هذه‬

‫‪60‬‬

‫ســاد صمتٌ كئيب‪ .‬استمرت المروحة الحدود‪( .‬ص ‪.)99-98‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫إن السرد الروائي لحكاية الوطن أو حكاية الدعاة في مصر إلى مثل هذه العلة‪ ،‬لكنه‬ ‫الروح بحسب ما ترويه الغزالة البنتها يوحي ‪-‬وهــو في معرض الدفاع‪ -‬لم يرجعها الى‬

‫هنا بعدة إيماءات؛ طبعاً وبنا ًء على معطيات معتقدات فلسفية يتأثرها‪ ،‬وإنما قال إنه‬ ‫التفسير اإلشــاري‪ ..‬فإن كون الخطاب من فقط يمتنع عن أن يعرض للحيوان بسوء‬ ‫نــوع اإلش ــارة واإليــمــاء فــإن ذلــك ال يضفي رغم إيمانه‪-‬دينيا‪ -‬بإباحة أكله‪ .‬والغريب‬ ‫عليه قطعية الــداللــة؛ لــذا‪ ،‬فــإن الناقد هو أن أتــبــا َع الديانات الشرقية اآلسيوية مع‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الروح‪..‬‬

‫العالء نفسه في رسائله المتبادلة مع داعي‬

‫في فسحة من األمر ليذكر ما يبدو له من أنهم يتحرجون من قتل الحيوان‪ ،‬إال أنهم‬ ‫إيماءات بال مشاحة في االصطالح‪ .‬فمن يبيحون ألنفسهم قتل اإلنسان‪ ،‬كما حدث‬ ‫تلك اإليماءات التي تبدو للقارئ من حكاية في الصراعات التي شهدتها بورما مؤخرا‪.‬‬ ‫الغزالة وابنتها هــو فكرة (وح ــدة ال ــروح)‪،‬‬

‫الحقيقة أن الرواية مفعمة بالتوجهات‬

‫بمعنى أن الــروح الحية هي نفسها نفسها‪ ،‬الفلسفية المتشعبة‪ ،‬وفيها مادة مركزة من‬ ‫وإنما الوعاء الذي تتشكل فيه يختلف ما بين الموروث الشرقي القديم‪ ،‬وال يسعنا في هذه‬

‫إنسان أو حيوان أو نبات (هناك خالف قديم المعالجة أن نبسط كل فكرة‪ ،‬لكن لعل ما‬ ‫وعقيم هل للنبات روح أم ال)‪ ،‬أي أن الروح ألمحنا إليه هو أهم األفكار الفلسفية التي‬ ‫مثلها مثل المادة الغذائية التي تراها أنت وُظفت في الرواية‪.‬‬

‫في المتجر‪ :‬فقد تكون المادة نفسها مغلّفة‬ ‫في علبة أو زجاجة أو كيس‪ ..‬إلخ‪ ،‬فالمادة‬ ‫الداخلية هي من نــوع واحــد‪ ،‬لكن األوعية‬

‫رموز وتشخيص‬ ‫بقي أن أشير إلــى ناحية مهمة أسبغت‬

‫فيضا من الحركة والحياة على رموز الرواية‬ ‫ً‬ ‫الحاوية مختلفة‪ .‬وهذا في نظري ما تومئ‬ ‫إليه حكاية الغزالة في الــروايــة‪ .‬فالمؤلف وشخوصها‪ ،‬وهي أسلوب (التشخيص)‪ ،‬أي‬ ‫هنا يؤسس خطاب الغزالة على فكرة وحدة تشخيص الرموز في الرواية من حيوان أو‬ ‫الــروح بين المخلوقات‪ .‬وهــذه الفكرة هي نبات أو جماد‪ ..‬ووصف تصرفاتها وتحوالتها‬

‫من الفلسفة الشرقية القديمة؛ ومن هنا‪ ،‬وكأنها شخصيات عاقلة‪ ،‬فالودّان‪ ،‬رغم أنه‬ ‫تنبثق فكرة تحريم االعــتــداء على الــروح‪ ،‬مجرد حيوان جبلي نَفور‪ ،‬إال أنه يبدو في‬ ‫سواء أكانت هذه الروح حالّة في إنسان أم ال ــرواي ــة شخصية كــامــلــة الــشــروط حقا‪،‬‬ ‫في حيوان‪ ،‬وهــذه هي العلة األســاس التي وتظهره تصرفاته وانفعاالته فــي أحــداث‬

‫يرتكز عليها الفالسفة النباتيون‪ ،‬مثل أبي الرواية ذا إرادة وذا عزيمة وذا إصرار؛ فهو‬ ‫العالء المعري كما ذكرت آنفا‪ ،‬وقد لمّح أبو إذاً‪ ،‬شخصية (مناضل) من الطراز األول؛‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪61‬‬


‫ال يقبل أنصاف الحلول‪ ،‬وال يمسك العصا أال إال ت ـ ـ ـكـ ـ ــن إبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ ف ـ ـ ِـمـ ـ ـع ـ ــزى‬ ‫من الوسط كما يقال‪ ،‬وال يؤمن بالموادعة‬ ‫ك ـ ـ ـ ــأنّ ق ـ ـ ـ ــرون ِجـ ـ ّلـ ـتـ ـه ــا ال ـ ـع ـ ـصـ ـ ُّـي ّ!‬

‫يفضل أن‬ ‫والمهادنة مع جنس اإلنسان‪ ،‬إنه ّ‬ ‫يتصوّب من عـ ٍـل‪ ..‬وتندقّ عنقه في الهاوية‬ ‫ليغيظ اإلنــســان ويــزيــده حسرة‪ ،‬ال أن يقع‬

‫أسيرًا أو صيدًا سهال في يد اإلنسان‪ ،‬أي‬ ‫أنــه مــأخــوذ عاطفيا بمقولة ذلــك الشاعر‬

‫المناضل القديم‪:‬‬

‫أما الغزالن فلها شأ ٌن آخر‪ :‬إنها أسطورة‬

‫و(سرّ) الصحراء!‬ ‫الرمال بل أيقونة الجمال‪ِ ،‬‬ ‫تــص ـوّر الــروايــة الــغــزال وكــأنــه (مــواطــن‬

‫أصــلــي) مــوطــنــه الــصــحــراء‪ ،‬وه ــو مرتبط‬

‫بموطنه أش ـ ّد االرتــبــاط‪ ،‬ال يبغي به بدال‪،‬‬ ‫ومع ذلك يصادر اإلنسان حق هذا (المواطن‬

‫ف ـ ـ ــإمّ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـيـ ـ ــاة ت ـ ـ ـس ـ ـ ـ ّر ال ـ ـصـ ــديـ ــق‬ ‫ـات يـ ـغـ ـي ــظ ال ـ ـ ــعِ ـ ـ ــدا!‬ ‫وإمّ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ويضطره بالمطاردة والتقتيل إلى أن يتشرد‬ ‫األصــلــي) فــي العيش فــي موطنه األثــيــر‪،‬‬

‫وك ــذل ــك تــســري آلـــة الــتــشــخــيــص على فــي اآلف ــاق‪ ،‬ويــمــوت مــن جــراء الــفــراق‪ .‬إن‬ ‫حيوانات الصحراء كافة؛ كالسحالي واإلبل الغزال يبدو لنا هنا مخلوقا بريئا له قضية‬ ‫والماعز والــغــزالن‪ ،‬فأما أمــة الماعز فهي عادلة سوف يحتكم بها إلى رب السماء‪ .‬كان‬ ‫شعب يجنح إلــى خــرق قواعد النظام‪ ،‬لذا األب كثيرا ما يردد‪( :‬هذا يحيرني‪ ..‬لماذا‬ ‫فهي تحتاج إلــى ٍ‬ ‫راع حــازم متيقظ‪ ،‬وتبدو على اإلنسان المجرم أن يطارد مالكاً كهذا‬ ‫ذكور الماعز في رغبة دائمة إلى إثارة الشغب ليقتله ويحشو به جوفه؟) ص ‪.51‬‬ ‫والــفــوضــى‪ ،‬وتتنقل المعيز بين الصخور‬

‫وختاماً أقــول‪ ،‬استطاع الكاتب أن يُعمِ ل‬

‫وكأنها فرقة من سالح المهندسين؛ تفتش آلة التشخيص في كل الرموز األخــرى في‬ ‫وتمشط الثنايا بحثًا عن األعشاب الخضراء الــروايــة‪ ،‬مثل الشمس والسهول والصخور‬

‫النابتة بين ألسنة الصخور‪.‬‬

‫والــرمــال واألشــجــار‪ ،‬فكل ذلــك يسبغ عليه‬

‫وأنا أزعم أن من يقرأ هذه الرواية سوف الكاتب بواسطة لغته االستعارية العالية ثوبا‬ ‫يتفهّم حقا رغبة الشاعر أحمد الصافي‬ ‫فضفاضا من الحياة والحركة واالنفعال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫النجفي التي تغناها في قصيدته (راعــي ولعل هذا ما يشد القارئ الذي يعجب باللغة‬ ‫الــغــنــم)‪ ،‬كما سيتفهم أيــضــا تلك الرغبة الشاعرية في السرد‪ ،‬خاصة مع كاتب يفضل‬

‫القديمة الــتــي أبــداهــا ذات يــوم الشاعر االعتماد على تلوين النص بأطياف تتماهى‬ ‫الجاهلي أمرؤ القيس‪ ،‬ألم يقل ذلك الملك بين الحقيقة والمجاز‪ ،‬هذا وباهلل التوفيق‬

‫الضليل في مقطوعة تنسب إليه‪:‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫وهو المستعان في كل األحوال‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫البالغية‬ ‫الص َو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أنواع ُ‬ ‫في قصص طاهر الزارعي‬ ‫■ جميل حمداوي*‬

‫المقدمة‬

‫تشتمل مجموعة (زبــد وثمة أقفال معلّقة) للمبدع السعودي طاهر الزارعي‬ ‫على مجموعة مــن الـصــور القصصية الـســرديــة ذات الطابع الـبــاغــي‪ .‬وهـنــا‪ ،‬لن‬ ‫نتوقف عن البالغة البيانية الكالسيكية التي تحوي صور المشابهة (التشبيه‪،‬‬ ‫واالستعارة)‪ ،‬وصور المجاورة (المجاز المرسل‪ ،‬والمجاز العقلي‪ ،‬والكناية)‪ ،‬بل‬ ‫ـوســعُ موضوعنا ليشمل ص ــورا بالغية أخ ــرى تستنبط مــن داخ ــل المجموعة‬ ‫نـ ِّ‬ ‫القصصية‪ ،‬بمراعاة دالالت الموضوعات‪ ،‬واإلنصات إلى جوانبها الشكلية‪ ،‬ورصد‬ ‫وظائفها الفنية والجمالية والرؤيوية‪ ،‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬صــــورة النقيضـــة‬ ‫تعتمد صــورة النقيضة‪ ،‬أو صــورة‬ ‫الطباق‪ ،‬على إيراد لفظتين متطابقتين‬ ‫أو متعاكستين أو متناقضتين إيجابًا‬

‫فنية جمالية داللية وحجاجية‪ ،‬تقوم على‬

‫التطابق الذهني والفكري والجمالي‪.‬‬ ‫بمعنى أن الطباق صورة فكرية وذهنية‬

‫قائمة على منطق الحجاج واالستدالل‬ ‫والبرهنة‪ .‬وتحضر هــذه الــصــورة في‬

‫وســلـ ًبــا‪ .‬وقــد أدرج البالغيون العرب قصة (احتفاء على تخوم الحشرجة)‬ ‫الــقــدامــى الــطــبــاق ضمن المحسّ نات للكاتب السعودي طاهر الزارعي‪ ،‬حينما‬ ‫البديعية‪ ،‬ولكنه ‪ -‬في الحقيقة‪ -‬صورة يشير إلى مربي الحمام داخــل السوق‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪63‬‬


‫األســبــوعــي‪ ،‬وهــم يقارنون بين الحمامات القصصي السعودي بوصفها الصورة األكثر‬

‫الجميلة ذات القيمة الكبيرة‪ ،‬وحمامات انتشارًا في الشعر العربي إلى جانب صورة‬ ‫منافسيهم الــتــي يصفونها بشتى العيوب االستعارة وصــورة التشخيص‪ .‬ويعني هذا‬ ‫والعاهات والنقائص؛ محاولين إقناع زبائن أن الــســرد القصصي الــســعــودي مــا يــزال‬ ‫الــســوق بــجــودة بضاعتهم‪ ،‬مــع ذكــر رداءة يتكئ على التصوير البالغي الشعري في ما‬

‫بضاعة منافسيهم‪:‬‬

‫يخص توظيف بالغة المشابهة‪ .‬ومن أمثلة‬

‫« كنت أطعمها جيدا‪ ،‬وأبلل ريشها بالماء‪ ،‬ذلك صورة التشبيه لدى الطاهر الزارعي‪،‬‬ ‫بــل أح ــرص جــيــدا على تنظيف منقارها‪ ،‬فهي تتأرجح بين أداة الكاف وأداة مثل‪:‬‬

‫وأختار منها األجــود‪ :‬كالحمام الحساوي‪،‬‬

‫«نهضت مــن سفرة الطعام كالمفزوع‪،‬‬

‫والقالبي‪ ،‬حتى أتمكن من بيعها بثمن جيد تتخبط قدماي بثوبي‪ ،‬صعدت بخفة غزال‬ ‫في ســوق الخميس الــذي يمثل لي خروجا متجهًا نحو السطح‪ ،‬رأيت حماماتي تتطاير‬

‫عن روتين القرية المم ّل حينما انطلق إليه في القفص الكبير والخوف يحتضن أعينها‪.‬‬ ‫صباحا‪ ،‬حتى إذا ما وصلت هناك فسأجد تلك القطط الشاردة طالما تتلذذ بحمامة‬

‫المنافسة الكبيرة مع نخبة من مربي الحمام‪ ،‬أو حمامتين كل أسبوع‪ ،‬فقد كانت ترتكب‬ ‫يمتلئ بهم الــســوق‪ ،‬كــل واحــد منهم يزعق خطيئة كبيرة بحق هذه الحمامات!»(‪.)٢‬‬ ‫بصوته الــمــألــوف‪ :‬الــزويــن عندنا والشين‬ ‫حولنا‪.)١(».‬‬

‫ترصد صــورة التشبيه في هذا المقطع‬

‫السردي حالة خوف السارد على حماماته‬

‫تؤشر صورة الطباق (الزين عندنا والشين الوديعة فــوق السطح‪ ،‬وتصور أيضا مدى‬ ‫حولنا) على تناقض الــمــواقــف‪ ،‬واختالف استعداده الكامل للدفاع عنها‪ ،‬حينما يحدق‬

‫وجهات النظر‪ ،‬وصــراع القيم التي تتحكم بها خطر القطط‪ .‬وكــان دفــاع الــســارد هو‬ ‫فيها المصالح والمنافع واألهواء على حساب الردع والطرد ليس إال‪:‬‬

‫الحقيقة والمصداقية واليقين‪ ،‬واختالف‬ ‫معيار التقويم من شخص إلى آخر إيجابًا‬ ‫وسلبًا‪ .‬عالو ًة على سلبية صورة اآلخر في‬ ‫منظور األنــا‪ ،‬في فــضــاءات القيم المادية‬

‫والكمية والتبادلية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صـــورة التشبيـــه‬

‫‪64‬‬

‫«أمي تقول لي‪ :‬انتبه ال تموت القطط راح‬

‫تسكن في نارها‪ .‬هذا التحذير جعلني خائفا‬ ‫جــدا‪ ،‬وحينما أجــد القطط تعتلي السطح‬

‫لشن هــجــوم مباغت على الــحــمــام أكتفي‬

‫بردعها وطردها»(‪.)٣‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تحضر صورة الخوف من خالل‬

‫تستعمل صورة التشبيه بكثرة في السرد تجليات ص ــورة التشبيه‪ ،‬لتبين لنا مدى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الوديعة التي كان يهتم بها فوق سطح المنزل حماماتي التي أرهقت نفسي في تربيتها‪،‬‬

‫اهتماما عاطفيًا كبيرًا‪ ،‬تــدل على رحابة لكن يبقى هذا قدرها اللعين‪ ،‬قدرها القادم‬

‫إنسانيته األخــاقــيــة‪ ،‬وتــؤشــر أيـ ً‬ ‫ـضــا على نحو الموت والفناء‪.)٤(».‬‬ ‫مروءته العملية والسلوكية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الصـــورة األسطورية‬ ‫تنبني الــصــورة األســطــوريــة‪ ،‬أو الصورة‬

‫الميثولوجية‪ ،‬على التخريف واألســطــرة‬

‫والتخييل المجنّح في التجريد والطقوسية‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬تكشف كثيراً من القصص القصيرة‬

‫بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫صورها الميتية الفكرية والتخييلية والعملية‪،‬‬

‫طبيعة الذهن اإلنساني العربي في التعامل‬ ‫مــع الــواقــع الــمــوضــوعــي‪ ،‬وتكشف طريقة‬

‫تفسير األمــور وتحليلها ومعالجتها‪ .‬لذا‪،‬‬

‫يتداخل الالهوت مع الميثولوجيا واألسطورة‬

‫هكذا‪ ،‬يصبح طقس التضحية وإسالة‬

‫الدم من الظواهر األنتروبولوجية التي تعوَّد‬

‫عليها اإلنسان منذ القِ دَم في التعامل مع‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫إحــســاس الشخصية الرئيسة بحماماته خوفي واشمئزازي‪ ،‬فكيف إذا كان يسيل من‬

‫ظواهرالطبيعة‪ ،‬ومواجهة الكوارث واألمراض‬

‫واألوبئة‪ .‬واآلتي‪ ،‬أن هذه الطقوس أصبحت‬ ‫ظواهر اجتماعية وإنسانية وثقافية‪ ،‬تعبر‬ ‫عــن مرحلة األســطــورة مــن جهة‪ ،‬ومرحلة‬

‫الالهوت من جهة أخرى‪ ،‬لينتقل اإلنسان ‪-‬‬ ‫بعد ذلك‪ -‬إلى مرحلة الوضعية القائمة على‬

‫العلم والعقل والتجربة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬صــــورة االستعـــارة‬ ‫تستعين القصة القصيرة السعودية بصورة‬

‫والخرافة في التعامل مع الظواهر الحياتية االستعارة مثل القصيدة الشعرية؛ نظرًا لكون‬ ‫لــدى اإلنــســان الــســعــودي‪ ،‬وخــاصــة البدوي االستعارة من أقــدم الصور البالغية التي‬ ‫منه‪ .‬وهذا إن دل على شيء‪ ،‬فإنما يدل على عرفها اإلنسان‪ ،‬فقد ارتبطت هذه الصورة‬ ‫مدى تشبث اإلنسان بالتفكير الخرافي في باألسطورة والنزعة اإلحيائية في تجسيد‬

‫التفاعل مع كثير من أمور الحياة‪ ،‬وخاصة الطبيعة أنسنة وإحياء وتشخيصا‪ .‬ومن ثم‪،‬‬ ‫فيما يتعلق بمداواة األمراض‪ ،‬كما يتبين ذلك تتخطى صــورة االستعارة عوالم الحقيقة‬ ‫جلياً في هذه الصورة الخرافية‪:‬‬

‫الكائنة إلى عوالم مجازية خيالية وافتراضية‬

‫«بعد أيــام تأتي إلــيّ أمــي تبشرني بأن قائمة على المشابهة‪ ،‬والتقاط ترسبات‬

‫إحـ ــدى مــعــارفــهــا ق ــد طــلــبــت مــنــهــا ش ــراء الذاكرة والالشعور والتناص األنتروبولوجي‪.‬‬

‫حمامتين لتذبحهما على ابنتها التي تشتكي وقلما نجد كاتبًا قصصيًا ال يشغل صورة‬ ‫من آالم رأسها المتواصل‪ ،‬وكنت أرضخ لهذا االستعارة ذات البعد االنزياحي والتضميني‪،‬‬

‫الطلب بصعوبة بالغة‪ ،‬فمظهر الــدم يثير كما يظهر لنا ذلك واضحا في هذه الصور‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪65‬‬


‫االستعارية الموحية‪:‬‬

‫غريزة الرغبة‪ ،‬ســواء أكــان ذلــك في عالم‬

‫«القرية هذا اليوم تنقش الفرح على كل الذكورة أم األنوثة‪:‬‬ ‫شبر فيها‪ ،‬على ترابها وجدرانها ونخيلها‪،‬‬ ‫ٍ‬

‫«كلما أنظر إلى وجه أمي اختلس منها‬

‫وتسيل من فمي ضحكات كثيرة كنت أفتقدها دمعة هاربة من عينيها‪ ،‬كانت أمي تحرص‬ ‫منذ مدة‪ ،‬وعريس القرية صديق لي سأكافئه على أن أكون تاجرًا كبيرًا في سوق الحمام‬ ‫كما كافأت كل العرسان من قبله‪ ،‬سأهدي حتى أمحو تلك الــصــورة التي الزمــت أبي‬ ‫له خمس حمامات وثالثة أكياس صغيرة من الرقاص‪ ،‬فقد اشتهر بهذا اللقب بعدما كان‬ ‫الشعير‪ ،‬وسأحرص كعادتي على أن أفرج يؤدي دور الرقص في زواجات القرية أثناء‬ ‫عن كل حماماتي في صباح زواجه‪ ،‬وأطيرها تأدية العرضة‪ ،‬ويكسب من ذلك رزقه‪ ..‬لكن‬ ‫لتحتفل في السماء‪ ،‬حتى إذا ما قرب المساء هذه التسمية الزمته وأوقعتني في حرج دائم‪.‬‬ ‫أفتح لها قفصها الكبير لتدخل مطمئنة تلملم‬ ‫كان أبي ماهرًا جدًا في أداء الرقصة مع‬ ‫ما تبقى من حريتها»(‪.)٥‬‬ ‫طبول العرضة التي تسخن على نار هادئة‪،‬‬ ‫يبدو أن هذا المقطع السردي يعج بالصور رأيته بنفسي‪ ،‬كان يربط عجيزته الممتلئة‬

‫المجازية‪ ،‬وال سيما الصور االستعارية منها‪ ،‬بالشماغ المتهالك ويتمايل بها‪ ،‬وأحيانا‬ ‫مثل‪ :‬تسيل من فمي ضحكات‪ -‬لتحتفل في يهزها هزًا كبيرًا حتى إن الناظر إليها يخمن‬ ‫السماء ‪ -‬تلملم ما تبقى من حريتها‪ .‬وتقوم بــأن تــيــارًا كهربائيًا التمس بتلك العجيزة‬ ‫كــل هــذه الــصــور على خاصية التشخيص ونفضها‪ .‬وبقدر جمال الرقص ومدته يحصل‬ ‫والحركة والنزعة اإلحيائية اإلنسانية؛ بمعنى على رزقه من فئة الرياالت والعشرات التي‬ ‫أن الطبيعة بكل تجلياتها تشارك عريس غالبا ما يتم وضعها في فمه أو تتناثر عليه‬

‫القرية فرحته وسعادته العارمة‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬الصـــورة الشبقيـــة‬

‫من فوق‪.‬‬ ‫أصعد إلى سطح البيت مع بداية كل يوم‪،‬‬

‫تــحــمــل بــعــض الــمــقــاطــع الــســرديــة في وأقف هناك مثل فزاعة ال أتحرك‪ ،‬أتذكر أبي‬ ‫القصة السعودية صورا شبقية تتأرجح بين وأجهش ببكاء يهتك هدوء الصباح‪ ،‬وحينما‬

‫اإلثارة والشهوة واإليحاء بالعوالم الجنسية أصحو من هذه النوبة‪ -‬نوبة البكاء‪-‬أتأمل‬

‫تخييال وممارسة‪ ،‬كما يظهر ذلك جليًا في ذكور الحمام وهي تالحق إناثها حينما تقوم‬ ‫هذا المقطع السردي الــذي يغص بالصور بمزاحمتها وتنظيفها من بقايا ريش متسخ‪،‬‬

‫‪66‬‬

‫اإليروسية والشبقية التي توحي باشتداد وتشرع بعد ذلك تسفدها بهيجان كبير‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الصور الشبقية التي تتضح بالغتها الجنسية يتهامسون فيما بينهم؛ وش يقصد بوتأشيرة‬ ‫من خالل هذه الملفوظات السردية التالية‪ :‬من هالكالم»(‪.)٧‬‬ ‫الــرقــص‪ -‬يــهــزهــا ه ــزا‪ -‬يــربــط عجيزته‪-‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تحيل هذه الصورة التناصية على‬

‫يهتك‪ -‬ذكور الحمام تالحق إناثها‪ -‬هيجان‪.‬‬

‫إشكال المفارقة بين القول والفعل‪ .‬ويعني‬

‫المطلب السادس‪ :‬الصورة التناصية‬

‫هذا أن ما يقوله الشيخ من كالم ونصائح‬

‫تعتمد الــصــورة التناصية على اإلحالة‬ ‫المرجعية‪ ،‬والمعرفة الخلفية‪ ،‬واستدعاء‬ ‫الــذاكــرة الواعية وغير الواعية‪ ،‬في شكل‬ ‫ترسبات ثقافية ومعرفية من أجــل تطعيم‬ ‫النص السردي تعضيدًا وإسنادًا وتقوي ًة له‪،‬‬ ‫كما يبدو ذلك جليًا في هذه الصورة التناصية‬ ‫التي تسترجع قصة النبي أيوب عليه السالم‪،‬‬ ‫وقد استحضر المؤلف السارد هذه الصورة‬ ‫التناصية للتأشير على الصبر واالبتالء الذي‬ ‫قدّره اهلل على أيوب‪:‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫يتضمن هذا المقطع السردي مجموعة من رأسه وحوقل كثيرا‪ ،‬أما بقية الحضور فكانوا‬

‫مــعــتــادة ح ــول ضــــرورة الــصــبــر واالبــتــاء‬ ‫يتناقض مع ما يفعله من سلوكيات ال يقوم‬ ‫بها الشيطان‪ .‬أي‪ :‬ليس هناك تطابق عملي‬ ‫وسلوكي بين الفعل والعمل الممارس واقعيا‪.‬‬ ‫إن البطل يدين تصرفات الشيوخ ويسخر‬ ‫منها مــا دام ــت ال تتناسب مــع نصائحهم‬ ‫وأقوالهم الدينية‪.‬‬ ‫المطلب السابع‪ :‬الصورة الوصفية‬ ‫تــقــوم الــصــورة الــوصــفــيــة عــلــى تشغيل‬ ‫الــمــوصــوفــات النعتية والــحــالــيــة والــصــور‬

‫«بــدأ الشيخ بسرد قصة نبي اهلل أيوب المجازية لتتبع الموصوف خارجيًا أو داخليًا‪،‬‬ ‫إذ ســرد قصته وكيف أن اهلل ابتاله‪ .‬لكنه وتتعدى الصورة الوصفية طابعها التزييني أو‬ ‫صبر على بلواه‪ ،‬كانت عينا كل واحــد من التقبيحي إلــى طابعها الــداللــي والوظيفي‬ ‫المستمعين تتوجه إلى الشيخ كعيني بومة والحجاجي‪ ،‬كما في هذه الصورة الوصفية‬ ‫حادة أثناء ذكره لقصة هذا النبي‪ .‬وحينما االستهاللية التي ترصد لنا شخصية الخراز‬ ‫أراد هــذا الشيخ أن يختم حديثه بنصائح المشعوذ ال ــذي فشل فــي حــرفــة الــخــرازة‬ ‫معتادة قام «أبــو تأشيرة الخبل» كما يحب ليصبح طبيبًا شعبيًا يداوي النساء والرجال‬ ‫أن يطلق عليه أصدقاؤه األطفال‪ ،‬ورفع ثوبه‪ ،‬على حد ســواء من أجل كسب القوت‪ ،‬إلى‬ ‫ووجه حديثه للشيخ‪ :‬أقول القيامة قامت‪ ..‬أن عجز عــن مـ ــداواة نفسه بــذلــك الطب‬ ‫قامت‪ ..‬اتركوا الشيطان وعلم روحك القصة الذي مارسه وامتهنه عن جهل وغباوة وسوء‬ ‫مو تعلمنا» ذهل الشيخ من هذا الكالم‪ ،‬فهز تصرف‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يصف السارد شخصيته‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪67‬‬


‫بــاســتــعــمــال الــتــشــابــيــه والــنــعــوت والــصــور‬

‫وتتميز الــصــورة الوصفية باستخدام‬

‫التخييلية الدالة على غرابة هذه الشخصية النعوت (اليومية‪-‬الشاي المنعنع‪ ،)-‬والصورة‬ ‫وفشلها في الحياة المهنية‪:‬‬ ‫« تناول وجبة إفطاره اليومية في المحل‬

‫التشبيهية (كالقطن يلتصق‪ -‬ككرة تتدحرج‪-‬‬ ‫يصفه بالجني)‪.‬‬

‫الذي يمتلكه لخرازة النعل وتعديل الشنط‬ ‫وتخييط المحفظات‪ ،‬وغيرها‪ .‬ارتشف عدة‬

‫خاتمة‬ ‫خــاصــة الــقــول؛ يتبين لــنــا‪ ،‬مما سبق‬

‫رشــفــات مــن كــأس الــشــاي المنعنع بعد أن ذكــره‪ ،‬أن المبدع والكاتب السعودي طاهر‬ ‫أضاف إليه المزيد من السكر‪ ،‬ثمة زبادي الزارعي‪ ،‬في مجموعته القصصية القصيرة‬

‫كالقطن يلتصق على شفته السفلى يثير (زبد وثمة أقفال معلقة)‪ ،‬قد وظّف مجموعة‬ ‫ضحك الخراز الهندي الذي بجانبه‪ ،‬فأصبح من الصور السردية ذات الطاقة البالغية‪،‬‬ ‫من شدة الضحك ككرة تتدحرج‪..‬أخذ خرقة مثل‪ :‬الصورة الوصفية‪ ،‬والصورة النقيضة‪،‬‬ ‫ومسح بها الزبادي المتبقي وهو يشتم ذاك والــصــورة التناصية‪ ،‬والــصــورة الشبقية‪،‬‬ ‫العامل ويصفه بالجني لشدة سواده‪.)٨(».‬‬

‫وصورة االستعارة‪ ،‬وصورة التشبيه‪ ،‬والصورة‬

‫تنضح هــذه الــصــورة بــأوصــاف إنسانية االستعارية‪.‬‬ ‫حية‪ ،‬وتزخر بنبضات اللقطة السينمائية‬

‫وثــمــة ص ــور بــاغــيــة وســرديــة أخــريــات‬

‫المتحركة‪ .‬بمعنى أن هذه الصورة الوصفية لم نتوقف عندها لضيق المقام كالصورة‬ ‫لقطة سينمائية تتكئ على الحركة المعبّرة‪ ،‬الــمــفــارقــة‪ ،‬والــصــورة الــســاخــرة‪ ،‬والــصــورة‬

‫وتحمل في طياتها دالالت نفسية وأخالقية الرمزية‪ ،‬وصــورة التدرج‪ ،‬وصــورة التقبيح‪،‬‬ ‫واجتماعية وإنسانية متميزة‪.‬‬

‫وصورة التزيين‪ ،‬والصورة الحجاجية‪.‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )١‬طاهر الزارعي‪ :‬زبد وثمة أقفال معلقة‪ ،‬فراديس للنشر والتوزيع‪ ،‬البحرين‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2010‬م‪،‬‬ ‫ص‪.11:‬‬ ‫(‪ )٢‬طاهر الزارعي‪ :‬زبد وثمة أقفال معلقة‪ ،‬ص‪.11:‬‬ ‫(‪ )٣‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.11:‬‬ ‫(‪ )٤‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12-11:‬‬ ‫(‪ )٥‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12:‬‬ ‫(‪ )٦‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.13-12 :‬‬ ‫(‪ )٧‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.66 :‬‬ ‫(‪ )٨‬طاهر الزارعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.55 :‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ُ‬ ‫«ذروة الحياة» لـ «عيد الناصر»‬ ‫ٌ‬ ‫جولة في روايات خليجية وعربية وعالمية‬ ‫■ زكريا العباد*‬

‫عن دار مسعى‪ ..‬أصدر القاص والناقد عيد الناصر مؤخرً ا كتابه «ذروة الحياة‪..‬‬ ‫قراءة في روايات عربية وعالمية مختلفة»‪ ،‬يضم بين دفتيه خالصة خبرة الكاتب‬ ‫في استجالء عوالم الرواية وقضاياها واهتماماتها؛ ولكن الالفت في الكتاب هو‬ ‫محاولة الكاتب االرتفاع بمستوى القارئ العادي‪ ،‬من خالل تقريب مفاهيم نقدية‬ ‫مبسط وسلس وممتع‪ ،‬يعتمد أسلوب الحوار‬ ‫وفنية تتعلق بعالم الرواية‪ ،‬بأسلوب ّ‬ ‫مــع ال ــذات مــن خــال ســؤال وج ــواب؛ ولكنه فــي اآلن ذاتــه أسـلــوب بعيد كــل البعد‬ ‫تلخص‬ ‫غني بالمعلومات والمعارف التي ّ‬ ‫عن السطحية والشكالنية؛ فالكتاب ٌّ‬ ‫خبرة الكاتب وتجربته‪ ،‬وكــأن الناصر أراد من خــال هــذا األسـلــوب أن يستجوب‬ ‫ذاته‪ ،‬ويستحثها على إبراز مكنوناتها المعرفية‪ ،‬إضافة إلى الهدف األساس وهو‬ ‫تسهيل الوصول إلى القارئ الــذي يشكو كثيرً ا من تعالي عالم الثقافة وترفّ عها‬ ‫على لغة اإلنسان البسيط‪ ،‬وعزلها نفسها في سياج من المصطلحات واألسماء‬ ‫واللغة المقعّ رة واالشتقاقات المعقّ دة‪.‬‬ ‫يحتوي الكتاب على عشر قراءات ما بعد طفرة النفط؛ وبعضها يتناول‬ ‫ومــنــاقــشــات لعشر رواي ـ ــات‪ ،‬بعضها هموما عربية؛ أمــا الشق الثالث من‬ ‫يتناول قضايا وهموم إنسان الخليج المناقشات‪ ..‬فقد تناول روايات عامية‬ ‫وتغيّراته االجتماعية والدينية في فترة تتسم برؤية فلسفية‪ ،‬وكأن الكاتب قد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪69‬‬


‫أراد بهذا التقسيم االرتــفــاع بالقارئ في‬

‫وفــي الجزء الثالث من الكتاب يقترب‬

‫ٍ‬ ‫تدرّج‬ ‫سلس وشي ٍّق من الحالة المحلية إلى الــنــاصــر م ــن ال ــط ــرح الــثــقــافــي الــنــقــدي‬ ‫الهموم اإلنسانية الفلسفية المشتركة‪ ،‬التي النخبوي‪ ،‬بعد أن درّب قارئه على قراءات‬ ‫تشكل «ذروة الحياة» وعمقها المشترك بين متنوعة ترفع من قدرته واستعداده لتلقي‬ ‫بني البشر حسبما يشي عنوان الكتاب‪.‬‬

‫أطــروحــة نــقــديــة‪ ..‬تتناول أهمية الرؤية‬

‫تتحدث رواي ــات «دق الــطــبــول»‪« ،‬ســاق الفلسفية في البناء الــســردي‪ ،‬وذلــك من‬ ‫البامبو»‪ ،‬و «شارع العطايف»‪ ،‬عن المآزق خالل ثالث روايات عالمية هي «المسخ»‪،‬‬

‫التي يعيشها اإلنسان العربي في الخليج و«خزي»‪ ،‬و«نداء البراري»‪ ،‬وهو مقولة يرى‬ ‫بعد طفرة النفط‪ ،‬وما جلبته من تغيرات الكاتب أنها جديرة بالتأمل والحوار‪.‬‬ ‫في بنية المجتمع‪ .‬وتأتي روايــة «ال تشته‬

‫وسأقتصر هنا على طرح نموذج مختصر‬

‫امرأة جارك» في ذات السياق‪ ،‬فهي تسلط مــن ه ــذه األن ـ ــواع الــثــاثــة الــتــي تناولها‬ ‫ما أصــاب شخصية إنسانها من انشراخ‪ .‬الكاتب‪ ،‬والنموذج األول هو روايــة «شارع‬

‫أما رواية «زمبوه»‪ ،‬فهي تتحدث عن نفس العطايف» للسعودي عبداهلل بخيت‪ ،‬فهي‬ ‫األجواء‪ ..‬إال أنها تقاربها بطريقة مختلفة‪ .‬تتناول مرحلة تاريخية مهمة من الناحية‬ ‫وينفتح الكتاب على أفق أوسع‪ ،‬وهو األفق االجتماعية في تاريخ المملكة‪ ،‬وانطلقت‬ ‫العربي‪ ..‬حيث خطورة األوضاع االجتماعية حبكة النص من العاصمة الرياض كمكان‬

‫والدينية في الوطن العربي كما في رواية ونقطة تجمع للشخصيات‪ ،‬وص ــوال إلى‬ ‫«طيور الجنوب»‪ ،‬وهي تشير إلى ما تحدثه البحرين والــعــراق فــي رح ــات محمومة‬ ‫الطائفية من شرور ودمار فردي وجماعي‪ ،‬بحثًا عن بيوت بيع األجساد في شارع (أبي‬ ‫أما رواية «اليهودي الحالي» فهي تؤشر إلى صرة) أو (الكوواوله)‪ ،‬أو بيوت المتعة في‬

‫أن الحياة المشتركة لشعب واحد دائما ما عبدان بإيران‪ .‬الموت هو مفتتح الرواية في‬

‫تكون مهددة بالتمزق في أي لحظة لمجرد لحظة وفاة والدة البطلة في بيت متهالك‪.‬‬ ‫االختالف في المعتقد‪ ،‬حتى وإن كانت هذه يصور النص حياة القاع في المجتمع من‬

‫الديانات سماوية‪« ،‬بل إن ما تحمله هذه طبقة العبيد التي تم عتقها‪ ،‬والصراع بين‬ ‫الديانات من مقوالت متوارثة تصبح هي طبقات المجتمع على خلفية بــث الــروح‬ ‫األعلى من كل عالقة أخــرى‪ ،‬وكأننا في الدينية‪ ،‬وبداية األندية الرياضية‪ ،‬والخمر‪،‬‬

‫‪70‬‬

‫األمم التاريخية نعيش نقيض المستقبل»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫وتربية الحمام‪ ،‬والجنس بصور مختلفة‪.‬‬


‫البخيت عن روايته إذ يقول‪« :‬البسطاء فقط المولود معضلة ليس لها حل سوى حبيبين‬ ‫هم الذين ال يشاهدون في الرواية سوى شبيهين بفاطمة وسالم‪ ،‬هما صبا اليهودية‬ ‫الجنس‪ ..‬ألن خيالهم وإدراكهم الفلسفي وعلي المؤذن اللذين تزوجا وتركا قريتهما‬ ‫ال يأخذانهم ألبعد من ذلــك»‪ ،‬وعليه يبني‬ ‫إلى صنعاء‪.‬‬ ‫الناصر رؤيته التي تقول بأن الجنس في‬ ‫أمــا الجزء الثالث من الــروايــات التي‬ ‫الرواية هو تعبير عن بعد فلسفي يبتني على‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ويــســتــشــهــد الــنــاصــر بــكــام ال ــروائ ــي اليهود مشكلة ألنها (كافرة)‪ ،‬وصارت تربية‬

‫رؤية محددة ألسباب التحوالت والتغيرات تناولها الكتاب‪ ،‬فنختار نموذجا لها رواية‬ ‫«المسخ» لفرانز كافكا‪ ،‬إذ يفيق البطل من‬ ‫التاريخية في المجتمعات‪.‬‬

‫أمــا روايــة «اليهودي الحالي» للروائي نومه ليجد نفسه قد «انمسخ» إلى حشرة‬ ‫اليمني علي المقري‪ ،‬فهي رواية أجيال‪ ..‬لها مواصفات الــصــرصــار‪ .‬بــاب الغرفة‬ ‫ويحكي الجزء األكبر والرئيس منها قصة مغلق‪ ،‬يتأخر البطل عن العمل‪ ،‬فيأتي كبير‬ ‫فــاطــمــة‪ ،‬ابــنــة مفتي الــقــريــة الــتــي أحبت الموظفين في الشركة‪ .‬يعرف القارئ قبح‬ ‫الصبي الــيــهــودي ســالــم‪ ،‬الــذي كــان كثير البيروقراطية والتسلط الذي تمارسه هذه‬

‫التردد على منزل العائلة؛ ألنه كان يقضي الشركة على عمالها وحتى على عوائلهم‬ ‫حوائج منزلهم من الحطب وغيره‪ ،‬أحبته بما في ذلــك هــذه العائلة الفقيرة‪ ،‬بعد‬

‫فعلّمته الــقــراءة والكتابة باللغة العربية‪ ،‬مــنــاورات ســرديــة وحــواريــة يفتح الباب‪،‬‬ ‫هذه الخطوة التي صــارت أشبه بالحرب‬ ‫فيهرب مسؤول الشركة بعد أن يــرى ما‬ ‫في حارة اليهود الذين قرروا إثرها تعليم‬ ‫حدث لموظفهم‪ .‬يعالج هذا النص الذي‬ ‫أوالدهم القراءة والكتابة بالعبرية‪ ،‬فتمكن‬ ‫تقع معظم أحداثه داخل غرفة صغيرة في‬ ‫سالم من تعلّم العبرية وتعليمها لفاطمة‪..‬‬ ‫شقة ضيقة‪ ..‬كيف يتغير اإلنسان فيتغير‬ ‫ليتحقق بذلك مشهد التبادل والتكامل‬ ‫الفكري بينهما‪ ،‬تخطب فاطمة سالم بعد المكان‪ ،‬وتتغير نظرة البشر المحيطين‬

‫بلوغه لنفسها‪ ،‬ويتزوجان سرًا‪ ،‬ويخرجان فيتحول الحب إلى كــره‪ ،‬والشجاعة إلى‬ ‫من القرية إلى صنعاء‪ ،‬توفيت فاطمة أثناء جبن‪ ،‬والرأفة إلى قسوة‪ ،‬هذه الصورة التي‬ ‫ال ــوالدة فصارت قضية دفنها في مقابر يطلق عليها النقاد «الواقعية السوداوية»‪.‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪71‬‬


‫ُ‬ ‫جماليات التوظيف االستعاري‬ ‫«في شعر جاسم الصحيح»‬ ‫■ سعيد سهمي*‬

‫كانت االستعارة وما تزال أداة الشاعر للتعبير الصادق عن مشاعره وعن رؤيته‬ ‫للعالم والوجود؛ فاالستعارة هي القناة اللغوية التي يقرّب بها الشاعر المعنى من‬ ‫المتلقي‪ ،‬فتقوم بوظيفة التوصيل والتبليغ‪ ،‬وفي الوقت نفسه اآللية التي ينزاح‬ ‫بها عن الواقعي‪ ..‬لينقلنا إلى عوالم الخيال في أوسع نطاقاته‪ ،‬فتكون وظيفتها‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬فنيّة جمالية‪.‬‬ ‫لقد رأى القدماء أن الشاعر ال يكون قويًا (أو فحالً) إال إذا أحسن استعمال‬ ‫االستعارة وتوظيفها في المقامات المناسبة توظيفً ا جيدً ا‪ ،‬وذلك ما دفع اآلمدي‬ ‫مثال‪ ،‬إلى عدِّ ها أحد أركان عمود الشعر‪« :‬أن تكون االستعارات والتمثيالت الئقة‬ ‫بما استعيرت له وغير منافرة لمعناه»‪ ،‬كما أن المرزوقي أكد في تحديده لعمود‬ ‫الشعر على ضرورة «مناسبة المستعار منه والمستعار له»‪.‬‬ ‫ورغم أن الشعر الحديث قد حاول‬ ‫تجاوز النمطي في التصوير البالغي‪،‬‬ ‫م ــن خــــال مــحــاولــتــه االب ــت ــع ــاد عن‬ ‫االســتــعــارة التقليدية‪ ،‬واالنــتــقــال إلى‬ ‫صور جديدة تنسج مقوماتها من ثقافة‬ ‫الشاعر المشحوذة بــالــتــراث والفكر‬ ‫والفلسفة والتاريخ واألسطورة‪ ،‬فصارت‬ ‫القصيدة كلها صورة شعرية معبرة تقوم‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫على أسس أسطورية وإحــاالت رمزية‪،‬‬ ‫وعلى شعرية االنزياح واإليحاء‪ ،‬إال إن‬ ‫الشاعر لم يستطع الفكاك من االستعارة‬ ‫كــأداة فنية‪ ،‬بل إنه استطاع أن يرتقي‬ ‫بها لتخدم المعاني الجديدة‪ ،‬فنقلها‬ ‫من عالم القرية والصحراء إلى عالم‬ ‫اإلنسان الذي صار محور االشتغال في‬ ‫األدب المعاصر‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ويمكن اعتبار الشاعر السعودي جاسم‬ ‫الصحيح واحدًا من الشعراء الذين اتخذوا‬ ‫االستعارة وسيلتهم للتعبير المجازي عن‬ ‫الحياة وهو يمتطي متن اللغة‪ ،‬وما تتيحه‬ ‫من إمكانات بالغي ٍّة ال حصر لها‪ ،‬ليدافع عن‬ ‫القيم النبيلة في مجتمعه وفي األمة العربية‬ ‫من قبيل الحب والحرية والحياة والموت‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬االستعارة المكنية والتعدد الداللي‬ ‫تطغى في الشعر عامة االستعارة المكنية‬ ‫التي يتم فيها حذف المستعار منه‪ ،‬بوصفها‬ ‫أبلغ في التعبير من االستعارة التصريحية‪.‬‬ ‫وإذا كــانــت االســتــعــارة فــي الشعر القديم‬ ‫تقوم على بيئة صحراوية تتخلق مما يلمسه‬ ‫الــشــاعــر فــي مــا يحيط بــه‪ ،‬فــإن الشاعر‬ ‫الحديث سيعمد إلى تطويع االستعارة لخدمة‬ ‫المعاني الجديدة؛ وفي هذا الصدد سنجد‬ ‫الشاعر جاسم يميل أكثر إلى االستعارات‬ ‫المكنية‪ ،‬وذلك ما نلحظه في جُ ِّل قصائده‪،‬‬ ‫وقد وظفها توظيفا سمح بتنويع الــدالالت‬ ‫من خالل الوقوف على ثيمات متعددة نذكر‬ ‫بعضها‪.‬‬ ‫ثيمة القلق‬ ‫يطغى القلق على قصائد كثيرة من شعر‬ ‫جاسم‪ ،‬وهــو ناتج عن تأثره بما حوله من‬ ‫قالقل تعيشها األمــة العربية واإلسالمية‪،‬‬ ‫مما يرقى به إلى المثقف العضوي المنخرط‬ ‫في االجتماعي والمعيش‪ ،‬ومن ذلك قوله في‬ ‫قصيدة «في حضرة السيد الوجع»‪:‬‬

‫ذوق‪..‬‬ ‫هَ لْ (وصلتَ ) فلم يعدْ للن ُْط ِق ٌ‬

‫الشاعر جاسم الصحيح‬

‫أ ْم ملكتَ أ َِع ّن َة الرؤياَ‬ ‫الصمت‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫فض َيّقتَ العبار َة ح ّ َد هذا‬ ‫ـوك‬ ‫ـرض الـ ـت ــي ت ـك ـسـ َ‬ ‫فـ ــاحَ ـ ـ ْـت ُجـ ـ ـ ّ َب ـ ــةُ ال ـ ـمـ ـ ِ‬ ‫باالشعارِ‬ ‫وارتبك الشذَى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ـرض ال ـش ـع ــراءُ إال ح ـيــن تـبـتــدئُ‬ ‫ه ــلْ ي ـم ـ ُ‬ ‫القصيدةُ‪..‬‬ ‫الصفات‬ ‫ِ‬ ‫فالقصيد ُة ِع َلّةٌ خضراءُ ‪ ..‬فاقعةُ‬ ‫ـص ـرَتْ شرايينَ الـحــروف وعَ ـ ّ َذ َب ـ ْـت مُ هَجَ‬ ‫عَ ـ َ‬ ‫اللغات‬ ‫ِ‬ ‫ففي هــذه القصيدة تحضر االستعارة‬ ‫المكنية بكثافة‪ ،‬كما نلحظ فــي عــبــارات‪:‬‬ ‫«للنطق ذوق‪ ،‬أم ملكت أعنة الــرؤيــا‪ ،‬جبة‬ ‫المرض‪ ،‬شرايين الحروف‪ ،‬مهج اللغات»‪،‬‬ ‫فقد أسهمت االســتــعــارة هنا فــي التعبير‬ ‫عن ألــم الشاعر من خــال تصوير معاناة‬ ‫القصيدة‪ ،‬وهو ما جعل الصفات المستعارة‬ ‫تنتقل من عالم الشاعر لترتديها القصيدة‬ ‫التي صارت بدورها تحس وتتألم وتعاني‪.‬‬ ‫هذه المعاني نجدها أيضا في قصيدته‬ ‫«جــرح مفتوح على نهر الكالم»‪ ،‬إذ تحضر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪73‬‬


‫االستعارة المكنية للتعبير عن معنى القلق المساء؟‬

‫منذ المطلع‪:‬‬

‫إلى قوله‪:‬‬

‫ب ـم ـل ـع ـق ــة م ـ ــن الـ ـقـ ـل ــق ال ـم ـح ـل ــى‬ ‫تلد البنفسج فــوق قــارعــة الفناء‬ ‫أح ـ ـ ــرك فـ ــي دمـ ـ ــي ض ـ ـجـ ــرً ا مُ ـ ِـم ــا‬ ‫ع ـ ـمـ ــر الـ ـبـ ـنـ ـفـ ـس ــج س ـ ــاع ـ ــة زرقـ ـ ـ ــاء‬

‫فنلمس منذ مطلعها استعارة مكنية «القلق‬ ‫إذ نلحظ االستعارة في عبارات «المساء‬ ‫المحلى» مشبها القلق بسائل تتم تحليته‪،‬‬ ‫بال مآزر»‪« ،‬الفتنة السمراء»‪« ،‬تلد البنفسج»‪،‬‬ ‫قبل أن يحذف المشبه به ويبقي القرينة‬ ‫«قارعة الفناء»؛ وفي قصيدة «آخر مقامات‬ ‫«المحلى» على سبيل االستعارة المكنية‪،‬‬ ‫العشق» يقترب الشاعر إلى المعنى الغزلي‬ ‫ومنه كذلك قوله‪ ،‬وفيها يقول‪:‬‬ ‫التقليدي‪ ،‬وتأتي االستعارة لخدمة المعنى‬ ‫ولـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ــلٌ ت ـ ــول ـ ــى ح ـ ـكـ ــم ق ـل ـبــي‬ ‫كما نلحظ في مطلع القصيدة‪:‬‬

‫ف ـ ــرح ـ ـ ُـت ُأ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّج األمـ ـ ـ ــل الـ ـم ــول ــى‬

‫لغتي سفرجلة تفوح بأبجديات الغرام‬ ‫إذ يــشـ ّبــه األمـــل بملك يــتــوج‪ ،‬ليحذف‬ ‫وأنا وأنت غوايتان سخيّتان‬ ‫المشبه بــه (المستعار مــنــه) ويبقي على‬ ‫فما اكتفى الشوق الحالل من الهوى‬ ‫القرينة «أتوج»‪.‬‬ ‫إال هفا الشوق الحرام‬ ‫ثيمة الحب‬ ‫هل يُ عرف الشوق الحالل من الحرام؟‬ ‫على أن الحب يشكل إحدى الموضوعات‬ ‫فتتجسد االستعارة المكنية واضحة في‬ ‫الــبــارزة فــي شعر جاسم رغــم القلق الــذي عبارات «غوايتان سخيتان»‪« ،‬اكتفى الشوق‬ ‫يسيطر على بعض قصائده‪ ،‬ويشكل هذا من الهوى»‪.‬‬ ‫الــحــب رهــا ًنــا تبحث عنه القصيدة بغية‬ ‫ثيمة الموت‬ ‫تحقيق األمن والسالم؛ إذ يشتغل على هذه‬ ‫الموضوعة بالطريقة نفسها التي نجدها في‬ ‫يحضر الموت في مواقف محددة ليبرز‬ ‫الشعر الصوفي‪ ،‬ويمكن االستدالل على ذلك الوجه اآلخــر الــذي يقابل األمــل والحياة‪،‬‬ ‫بقصيدته «شهيق الالزورد» التي يقول فيها‪ :‬وتحتفي قصيدته ومرثيته «موسيقى مؤجلة»‬ ‫بهذه الثيمة منذ المطلع‪:‬‬

‫من غابة التفاح خلف الغيب‬ ‫ينحدر المساء بال مآزر‬ ‫ال ــري ــح ت ـن ــأى عـ ــزاء أي ـه ــا الـقـصــب‬ ‫صارخا بالعري‬ ‫لن نسمع الناي بعد اليوم ينتحب‬ ‫حيث العري شاعر نفسه‪..‬‬ ‫ويقول في آخرها‪:‬‬ ‫والفتنة السمراء ترسم في المدى شكل‬ ‫ال ـيــوم أمـسـكــت بــالـمـعـنــى وطــائــره‬ ‫النساء؟‬ ‫ماذا لو القمر انتشى بالحسن في جسد‬ ‫وانطش فوق يديك الريش والزغب‬ ‫ّ‬ ‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫المعاني المجردة أو الكائنات الجامدة‪،‬‬ ‫كـفــاك فــي الـمــوت ســرٌّ أنــت كاشفه‬ ‫فاهنأ بكشفك واستمتع بما يهب من ذلك ما نجده في قصيدته «جائع يأكل‬ ‫أسنانه»‪ ،‬إذ يصور هول الحياة وقد انتهى‬ ‫هنا يصور فجيعته من خالل االستعارة‬ ‫الربيع وأشرف العمر على نهايته‪:‬‬ ‫المكنية «الريح تنأى عزاء»‪« ،‬الناي ينتحب»؛‬ ‫الش ِّك‬ ‫وفي قصيدته «زيارة إلى شعور هرم» يحضر أقلم أسئلة َّ‬ ‫الموت في تأمل نهاية الجسد وسفر العمر قبل تصلُّب أظفارها في دمائي‬ ‫كأني في مشهد البدءِ‬ ‫نحو نهايته‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫مــا أكـثــر مــا توجعني األفـ ــراح فــي العمر وحشية روضتها الفنون‬ ‫لقد كنت أحمل جرحي إلى عيد ميالده‬ ‫المعاق‬ ‫األلف‪.‬‬ ‫دت كي أبحث عما مات مني‬ ‫عُ ُ‬ ‫مرعبة‬ ‫ٍ‬ ‫إنسانية‬ ‫ٍ‬ ‫صفات‬ ‫ٍ‬ ‫فشاعرنا يستعير‬ ‫واألســاط ـيــر ال ـتــي خلّفتها ت ــذرع أط ــوال‬ ‫الرواق‬ ‫يخلعها عــلــى األفــكــار الــمــجــردة‪ ،‬فيجعل‬ ‫عدت يا (دار)‪..‬‬ ‫لألسئلة أظفارًا وللجرح احتفاالً وعيدًا‪ ،‬كما‬ ‫لعلي ألتقي فيك شعورا هرما‬ ‫يخلع على أعضائه صفات الوحشية‪ ،‬ويقلب‬ ‫قد فر من قلبي وناداني‪ :‬اللحاق‬ ‫المفاهيم فيغدو اآلكل مأكوال‪:‬‬

‫فتتجسد االستعارة معبّرة عن هذه الرحلة فمي اآلن يأكل آخر أسنانه!‬ ‫نحو الفناء في عــبــارات‪« :‬العمر المعاق»‪ ،‬غارقا في خضم السكون‪.‬‬

‫«شعورًا هرما»‪.‬‬ ‫ويظل البعد اإلنساني حاضرًا بقوةٍ في‬ ‫شعر جــاســم‪ ،‬مــن خــال التشخيص الــذي‬ ‫ثانيا‪ :‬التوظيف االستعاري وبالغة‬ ‫يخلعه على الجمادات والــمــجــردات‪ ،‬ومنه‬ ‫التشخيص‬ ‫ما جاء في قصيدته «غواية في المحطة»‪،‬‬ ‫استطاع الشاعر أن يبني استعاراته على‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫أنساق متعددة تتخلق من رحم المعاني التي‬ ‫تستنضجُ العابرين على لهب‬ ‫ِ‬ ‫يصبو إليها‪ ،‬وفي هذا الصدد كان التوظيف والمحطة‬ ‫االستعاري متعددًا بتعدد المواقف التي تتبأر االنتظار‬ ‫حول رؤيا تجعل اإلنسان أبرز اهتماماتها‪ ،‬وتطعمهم للقطار‬ ‫وك ــان مــن نتائج ذلــك توظيف التشخيص وثمة فوضى تمارس مهنتها بامتياز‬ ‫قبالة نافذة للتذاكر مخنوقة بالشجار‬ ‫بشكل الفت في جُ ِّل قصائد الشاعر‪.‬‬ ‫نسجل توظيفًا قويًا للتشخيص من خالل‬ ‫ويأتي التشخيص حين يستعير الشاعر‬ ‫صفات إنسانية أو جسد اإلنسان‪ ،‬لتشكيل استعارة صفات اإلنسان في كل المعاني‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪75‬‬


‫طــالــمــا أن «االنــتــظــار‪ ،‬اإلط ــع ــام‪ ،‬ممارسة يتمظهر التشخيص كذلك في تأملنا لهذه‬ ‫المهنة‪ ،‬الخنق» تحيلنا على اإلنسان‪ ،‬وكأن األسطر‪:‬‬ ‫الشاعر يرى في اإلنسان المسؤول األول عن فجأة هطلت عليك الريح‬ ‫كل تحوالت الطبيعة وأفعالها وحركاتها‪.‬‬ ‫ولم يسعف الشاعر غير التشخيص في‬ ‫تصوير فجيعته بعد رحيل صديقه محمد‬ ‫الــثــبــيــتــي‪ ،‬الـــذي رثـــاه بقصيدة لــه بعنوان‬ ‫«مــوســيــقــى مــؤجــلــة»‪ ،‬وه ــي مــن القصائد‬ ‫العمودية التي احتفت باالستعارة وخاصة‬ ‫التشخيص‪ ،‬منذ مطلعها‪:‬‬

‫وارتطم الهواء بجبهة القنديل‪..‬‬ ‫فاندلع الظالم على الزجاجة‬ ‫وانزوى عنق الفتيلة فوق أكتاف الجهات‬ ‫ودخلت في غيبوبة الضوء الطويلة‬ ‫مثل خاطرة معلقة بأهداب الحياة‬

‫تلعب الصورة الشعرية‪ ،‬فضال عن البعد‬ ‫الجمالي‪ ،‬وظيفة أخــرى تتمثل فــي أنسنة‬ ‫ال ــري ــح ت ـن ــأى عـ ــزاء أي ـه ــا الـقـصــب‬ ‫األشــيــاء عبر التشخيص‪ ..‬وذلــك جليٌّ في‬ ‫لن نسمع الناي بعد اليوم ينتحب‬ ‫العبارات (جبهة القنديل‪ ،‬عنق الفتيلة‪ ،‬أكتاف‬ ‫فيصور الشاعر أنين الكائنات وألمها الجهات‪ ،‬غيبوبة الــضــوء‪ ،‬أه ــداب الحياة)‬ ‫تضخيما للمصاب الجلل‪ :‬فالريح تعزي‪ ،‬وكلها اســتــعــارات صفات إنسانية للمجرد‬ ‫والناي ينتحب‪ ،‬ويضيف في المقطع نفسه‪:‬‬ ‫والــمــحــســوس‪ ،‬ووظــفــت التشخيص الــذي‬ ‫أضفى الحياة على المستعار له‪.‬‬ ‫أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداره كـ ـلـ ـم ــا زلـ ـ ـ ــت س ــال ـم ـه ــا‬

‫في األفق تسندها الغيمات والسحب‬

‫يــقــوم الــتــشــخــيــص هــنــا بوظيفة‬ ‫ ‬ ‫التوصيل من خالل المبالغة الداللية في قلب‬ ‫عناصر المشخّ ص‪ ،‬حيث تزل الساللم عوض‬ ‫اإلنسان الذي يصعدها‪ ،‬وفي عبارة «تسندها‬ ‫الغيمات والسحب» نسجل تعبيرًا مجازيًا آخر‬ ‫قام على التشخيص‪ ،‬طالما أن الذي يسند هو‬ ‫اإلنسان ال الغيمات‪.‬‬ ‫وفي «حضرة السيد الوجع»‪ ،‬نجد الشاعر‬ ‫منذ العنوان يعمد إلى االستعارة التي يزيّنها‬ ‫التشخيص‪ ،‬فهو يخلع على الــوجــع صفة‬ ‫اإلنسان من خالل القرينة «في حضرة»‪ ،‬كما‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫هكذا‪ ،‬تتضح وظيفة االستعارة في رسم‬ ‫جمالية الــقــصــيــدة الــحــديــثــة‪ ،‬ودورهــــا في‬ ‫التوصيل وفي تجديد المعاني كذلك‪ ،‬وهكذا‬ ‫أيضا تظهر قــدرة الشاعر جاسم الصحيح‬ ‫على استنطاق االستعارة‪ ،‬كأسلوب بالغي‬ ‫تقليدي‪ ،‬لخدمة المعاني الجديدة؛ ما يحيل‬ ‫على قدرتها على أن تبث الحياة في األشياء‬ ‫والمجردات‪ ،‬وقد أحسن الشاعر استخدامها‬ ‫لتقريب المعاني التي طرقها‪ ،‬وللتعبير عن‬ ‫مختلف الموضوعات التي تناولها‪ ،‬فجمعت‬ ‫االســتــعــارة عنده بين الوظيفتين الجمالية‬ ‫والداللية‪.‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫ُ‬ ‫حفل استقبال‬ ‫■ مرمي احلسن*‬

‫وســاوس كثيرة تنتاب أم قاسم في مشوار حياتها الصعب‪ ،‬بعد أن تقدّ م بها‬ ‫العمر‪ ،‬وصارت األدوية رفيقة لها بعد وفاة زوجها‪ ،‬الذي فارق الحياة وتركها تعاني‬ ‫المرض والفقد‪ ،‬ومخاوف تعاودها كل حين‪ ،‬تشعر أنها غير قادرة على تخيّل أن‬ ‫يداهمها الموت هكذا‪ ،‬بال استعداد!‬ ‫كانت مطمئنة إلى تناول العالج المستمر‪ ،‬وكان عالج وحدتها صعب المنال‪.‬‬ ‫كثير من المرات يرهقها الموضوع‬ ‫لديها ابنتان متزوجتان تسكنان بعيدا‬ ‫عنها‪ ،‬ويسكن بالقرب منها حبيب القلب وتشعر باإلعياء يسيطر على جسدها‬ ‫ابنها قاسم ومعه أسرته‪.‬‬ ‫ويصل الى أعماق روحها‪.‬‬ ‫وجمل‬ ‫ٍ‬ ‫بعبارات متعثرة على لسانها‪،‬‬ ‫في هذه اللحظات تنتزع نفسها من‬ ‫مفككة تتردد في توصيل قلقها إليه‪.‬‬ ‫الشعور بالموت ومفارقة الحياة‪.‬‬ ‫في بحثها عن السلوى تحب أن تقرأ‬ ‫وتشاهد األفالم‪ ،‬وتمضي وقتها بمتعة‪،‬‬ ‫لكنها تفشل كلما حاولت إخفاء هوسها‬ ‫وخوفها من الوحدة‪.‬‬ ‫ما إن تلتقط أخبار الوفاة من هنا أو‬ ‫هناك‪ ،‬ال تتمالك نفسها وترتمي منهارة‬ ‫على كرسيها‪ ،‬وتغرق في دموعها‪ ،‬وحين‬ ‫تنجلي عنها عاصفة الحزن واألســى‪،‬‬ ‫تجلس وحيدة في غرفتها‪ ،‬وال ترغب أن‬ ‫يتحدث إليها أحد‪.‬‬

‫مع الــوســاوس المستبدة‪ ..‬ابتعدت‬ ‫عــن ســعــادةٍ كــان يمكن لها أن تحصل‬ ‫قدر منها‪ ..‬بإمكانها أن ترى الراحة‬ ‫على ٍ‬ ‫واالطمئنان‪ ،‬وتراقب سنيّ عمرها اليانعة‬ ‫كشجرة عامرة تهتز طربا‪ ،‬وتشعر بحياة‬ ‫جديدة‪ ،‬يحصل ذلك عندما يفسح لها‬ ‫ابنها قاسم مساحة واسعة بين أسرته‬ ‫في شقته التي يقطنها قريبا من منزلها‪.‬‬ ‫يدعوها إلى مشاهدة فيلم مشارك ًة مع‬ ‫زوجته وطفليه‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪77‬‬


‫تشعر باإلجهاد من أثر االنتظار‪ ،‬يلفحها‬ ‫تستقبلها المرأة بمشاعر تكشف عن مدى‬ ‫االحتفاء بها‪ ،‬تحيل أجواء المنزل إلى أنفاس برد النافذة وترتجف‪.‬‬ ‫معطرة منعشة برائحة الالفندر من خالل‬ ‫نوم عميق‪،‬‬ ‫وتغط في ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تتدثر في سريرها‬ ‫شموعها المفضلة‪ ،‬وأنغام الموسيقى تترنم وال يــزال قلبها مــتــأثـرًا بشهقات صدرها‬ ‫حولهم‪ .‬تصافح أذنيها كلمات لطيفة من‬ ‫الخائفة‪.‬‬ ‫زوجة ابنها فتسعدها‪.‬‬ ‫***‬

‫بينما تشرح صــدرهــا كلمات حفيديها‬ ‫كبتت حزنها في الليلة الثانية من غياب‬ ‫بلثغتهما المحببة‪ ،‬تتوالى زقزقة عصافير‬ ‫قاسم بقوة إرادة منها‪ ،‬متأملة ظهوره في أي‬ ‫الحب من حولهما‪.‬‬ ‫كل تلك الحركة تعطيها شعورًا باالنشراح‪ ،‬لحظة‪ ..‬وفي عينيها نظرات قاتمة تحمل ه ّم‬ ‫القلق والوحدة المميتة‪.‬‬ ‫وأمل في الحياة بعمر متجدد‪.‬‬ ‫ً‬

‫تحدق مــن خــال الــنــافــذة بــعــيـدًا‪ ،‬تركز‬ ‫لكن غياب ابنها يطول‪ ،‬وتمضي الليالي‬ ‫واحد باهتمام‪ ،‬ترى من‬ ‫ٍ‬ ‫نظراتها في اتجاه‬ ‫رتيبة ما بين محادثة ابنتيها والقراءة‪.‬‬ ‫بعيد قاسم متجها نحو منزلها‪.‬‬ ‫الليلة كــانــت تفكر فــي تــلــك الطقوس‬ ‫هناك شيء ما يحمله إليها‪ ،‬تنتظره بفرح‪:‬‬ ‫المحببة إلــى قلبها بشكل ملح‪ ،‬ترغب لو‬ ‫يتصل بها قاسم اآلن ليدعوها إليها من «ما هو هذا الشيء يا ترى؟»‬ ‫جــديــد‪ ،‬وتتخلص مــن هــذا السكون الــذي‬ ‫ل ــم تــكــن تـــــدري‪ ،‬بــلــغــت مــنــهــا الــحــيــرة‬ ‫ا مــا استطاع‬ ‫يسيطر على المكان‪ ،‬وهذا الشعور بالسماء والغموض وهــو يدخل حــامـ ً‬ ‫الملبدة بالغيوم الــســوداء المتراكمة ككتلة حمله‪ ،‬لدرجة أنها بحماسة أخذت تساعده‬ ‫سواد في قلبها الحزين‪ ،‬تثير هذه األجواء على تمزيق الكراتين لتخرج منه القطع‬ ‫كآبتها أكــثــر‪ ،‬وتذكرها بحزن فــي زمــن ما الكبيرة والصغيرة‪.‬‬ ‫مضى‪.‬‬ ‫ال يمكن وصف شعورها في هذه اللحظة‪،‬‬ ‫تسند رأســهــا إل ــى الــخــلــف عــلــى درفــة‬ ‫زحف هائل من الصدمات انهال مع زخات‬ ‫ٌ‬ ‫النافذة المفتوحة بهدوء‪ ،‬ودونما أي حركة المطر التي انهمرت إزاء دخوله المنزل‪،‬‬ ‫كأنها تصيخ السمع إلى شهقات قريبة منها‪ ،‬واشتدت وهــو يتحدث إليها‪« :‬يمه‪ ،‬أنــا ما‬ ‫وأنفاس اعتادت أن تسمعها‪ ،‬أحست بتلك بغيت أتعبك كل يوم تجين شقتي وتشاهدين‬ ‫الشهقة تخرج مــن صــدرهــا وتمأل حلقها األفـــــــام‪ ،‬جــبــت لـــك كـــل شـــــيء‪ ،‬مشغل‬ ‫بجفاء‪.‬‬ ‫االســطــوانــات‪ ،‬وتلفزيون حــديــث‪ ،‬وعشرة‬ ‫احتجت راح أزودك‬ ‫ِ‬ ‫تهتز مرتهبة من شعورها‪ ،‬يختلج قلبها أفــام جــديــدة‪ ،‬وكلما‬ ‫وتهمهم‪« :‬ما بال ابني تأخر؟»‬ ‫بالجديد‪!..‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ فهد املصبح*‬

‫حدثني صديق شغف بــاألنـثــى‪ ..‬جــلّ حديثه عنها‪ ،‬وهــاجــس الجسد يحتل مخيلته‪..‬‬ ‫أطلقنا عليه ألقابًا كثيرة‪ ،‬من بينها الطيب والبسيط وأحيانا الغبي‪ ،‬والحق أنه يتقبل كل‬ ‫ذلك وال يعترض؛ فنحار أمام نظراته البريئة‪ ،‬وننخرط معه في وجدانياته‪ ،‬وهو يؤكد أنه‬ ‫لم يجد بغيته عند امرأة ليتزوجها‪ .‬كنا نستمع إليه بولهٍ يسيل اللعاب‪ ..‬ذات مرة انتحى‬ ‫بي جانبًا ليخبرني بحادثة‪ ،‬ال أدري حتى هذه اللحظة لِ َم اختارني لها‪ ،‬فبعد أن اطمأن إلى‬ ‫انفرادنا قال‪:‬‬

‫ســوف أســرد عليك حادثة وقعت لي مع فرحب بال تــردد‪ ..‬كــان وقتها يتلقى وليده‬ ‫المرأة‪.‬‬ ‫األول‪ ،‬وزوجته في بيت أهلها‪ ..‬كان فرحً ا‬ ‫بي‪ ،‬وهو يزف إليّ بشرى قدوم مولوده األول‪،‬‬ ‫ففتحت أذني له‪:‬‬ ‫فقررت أن نبدأ برؤية الصغير‪.‬‬ ‫في السبعينيات مع بداية تفتحنا على‬ ‫حملتنا سيارة أجرة إلى الزقازيق‪ ..‬باركت‬ ‫األسـ ــفـ ــار‪ ،‬ســألــت الــعــارفــيــن ع ــن مــوطــن‬ ‫الجمال‪ ،‬فقالوا عليك بالخارج‪ ..‬وقتها كنت للمدام‪ ،‬ودسست في لفافة الصغير مبلغًا من‬ ‫أنــوي الــذهــاب إلــى لبنان‪ ،‬غير أن ظــروف المال كما هي عادتنا في اإلحساء‪ ،‬وقبل أن‬ ‫الحرب حالت دون ذلك‪ ،‬فوصفوا لي أرض يحمل الطفل من حجري كنت محموالً على‬ ‫الكنانة‪ ،‬فشددت العزم إلى قاهرة األحباب أكــف الــراحــة من أهــل ال ــدار‪ ،‬ثم عدنا إلى‬ ‫واألعداء على حد سواء‪ ..‬تزودت بكل شيء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬وأنا أتلمظ شوقًا لشوارع القاهرة‪،‬‬ ‫وقد دلني األصدقاء على شخص سيحقق حيث البشر والــبــاعــة والــنــســاء المتأنقات‬ ‫لي كل مطالبي‪ ،‬وقــد سبقتني إليه رسالة بمالبس تفضح أجسادهن‪ ،‬وتريح الناظر‬ ‫توصية منهم‪ ..‬وصلت المطار وكان هو في إليها‪ .‬الحظ صاحبي ما أنا عليه ونظراتي‬ ‫استقبالي‪ ..‬كنت وقتها أحمل معي كل شيء التي تثقب مالبسهن‪ ،‬فأخذني إلــى شارع‬ ‫حتى جوعي للجمال‪ ،‬وبدأت لقاءه بسخائي عدلي وشــواربــي‪ ،‬وأنــا اشترى الهدايا‪ ،‬ثم‬ ‫المعهود مشترطً ا ومذكرًا على ما ورد في فاجأني بترتيب حفلة (بارتي) على شرفي‬ ‫خطاب األصدقاء أن يلبي لي ما أطلبه‪ ،‬ويدع في شقته‪ ..‬اتفق مع أصدقائه أن تكون حفلة‬ ‫كألف ليلة‪.‬‬ ‫ما ال أطلبه فاتفقنا‪.‬‬ ‫بعد العشاء اكتمل حضورنا في حفلة لم‬ ‫كان الحذر يتلبسه من نظراتي المتلصصة‬ ‫والغريبة‪ ،‬لم أتمكن من الصمود طويالً‪ ،‬حيث أشهد مثلها حتى في أفالم السينما‪ ..‬كانت‬ ‫كانت األنثى نقطة ضعفي‪ ..‬والجمال سر التصرفات حــذرة تجاهي‪ ،‬فما أريــده يكون‬ ‫سخائي‪ ،‬فطاشت يــدي بــذالً‪ .‬لم يشأ ذلك حاالً‪ ،‬وافتتحت الحفل مقررًا أن نبدأ بتقديم‬ ‫الصديق أن يتركني نهبًا لمن هب ودب‪ ،‬فقرر الــهــدايــا‪ ،‬أخــرجــت مــا عــنــدي ووزعــتــه على‬ ‫بأريحية أن يضعني في عينيه بدءاً بالسكن الحضور حسب الموقف‪ ،‬ثم تواصلت فقرات‬ ‫معه‪ ،‬فوافقت على أن أدفــع أجــرة سكني‪ ،‬الحفل من رقــص وغناء ونــكــات‪ ..‬وتناولنا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫البــــرهــــــــان‬ ‫ُ‬

‫‪79‬‬


‫المسبك والمشبك‪ ،‬وشربنا العصائر‪ ..‬كنت‬ ‫في كامل وعيي ألنني اشترطت أن ال يدار‬ ‫المسكر في الحفل‪ ،‬وما عداه فهم فيه أحرار‪،‬‬ ‫ونفذت رغبتي‪ ،‬وبدأت فقرات (التقشيط)‪،‬‬ ‫ريال‪ ،‬وأنا حقًا‬ ‫دفعت أكثر من عشرة آالف ٍ‬ ‫سعيد‪ ،‬حتى ثمل الحضور من كرمي في حفل‬ ‫انقضى ربعه‪ ،‬وبقيت فيه فقرات‪ ،‬وحركات‬ ‫بدأت تبدر‪ ،‬بانتظار إشارة البداية من يدي‬ ‫السخية‪ ،‬وفجأة قطع علينا أحدهم الحديث‪،‬‬ ‫وأدار األنظار إليه وهو يقول‪:‬‬

‫ده بيؤول عاوز ماما‪.‬‬ ‫نعم كنت وقتها أريد أمي‪ ،‬بعد ما سمعت‬ ‫العرافة تقطع بالقول أنني سافرت من غير‬ ‫رضاها‪ ،‬فذكرتني بها‪ ..‬وأخذت أبكي‪.‬‬

‫بعضهم أعاد إليّ نقودي والهدايا الغالية‪،‬‬ ‫بزعم أنني أبكي عليها دون فائدة‪ ،‬وكان في‬ ‫الحفل سمسار قرر بثقة إيصالي إلى أمي‪،‬‬ ‫قمت معه إلى سيارته في حركة منه لعلّي‬ ‫هناك فقرة خاصة لضيفنا العزيز له أعاني عقدة نفسية تجاه األم‪ ،‬وبالفعل صرنا‬ ‫وح ــده؛ إن أراده ــا بقربنا‪ ،‬أو أراده ــا على في طريق المطار‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬ ‫انفراد منعًا للحرج‪.‬‬ ‫حاالً تركب الطائرة وتعود إلى أمك‪.‬‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫تساءل الحضور عنها‪ ،‬ومع من؟ فرد ً‬ ‫كنت أحمل معي جواز سفري‪ ،‬وبالمصادفة‬

‫مع امرأة تنتظر‪.‬‬ ‫توفرت لي رحلة على وشــك اإلق ــاع‪ ،‬قلت‬ ‫ثــم نــادى عليها‪ ،‬فحضرت ام ــرأة كأنها للرجل‪:‬‬ ‫تلوك شيئاً‪ ..‬تنظر في الوجوه نظرات خارقة‪،‬‬ ‫سوف أذهب فماذا تطلب مني إزاء هذه‬ ‫تعدت الخمسين على ما أظن‪ ،‬تقدمت مني‬ ‫الخدمة؟‬ ‫والرجل يقول‪:‬‬ ‫فردّ‪:‬‬ ‫اآلن يا ضيفنا تعرف شيئًا عن مستقبلك‪،‬‬ ‫فــهــذه أشــهــر عــرافــة فــي الــبــلــد‪ ،‬وستقوم‬ ‫سالمتك‬ ‫بالواجب وأكثر‪.‬‬ ‫ألححت عليه فقال‪:‬‬ ‫أداروا شريطً ا غنى فيه عبدالحليم حافظ‬ ‫قارئة الفنجان‪ ،‬وحام الرقص من حولي‪ ،‬وهي‬ ‫عقد عمل تحضر به إلينا في زيارة أخرى‪.‬‬ ‫تقعد أمامي‪ ،‬قرأت كفي‪ ،‬ونثرت أحجارها‬ ‫قبلته وودعته‪ ،‬وما هي إال ساعتين ونصف‬ ‫أمامي‪ ،‬وأنا أتابع مشدودًا إليها‪ ،‬كان كالمها‬ ‫مجرد تعميمات عن الحياة والمستقبل‪ ،‬لم إال وأنا في مطار الظهران الدولي‪ ،‬أخذت‬ ‫تحرك فيَّ ساكنًا‪ ،‬حتى خرجت منها كلمة سيارتي إلى المنزل‪ ،‬وهناك شاهدتها تجلس‬ ‫طعنت فــؤادي‪ ،‬فانخرطت في بكاء لذيذ لم كما وعدت بعباءتها حتى أعود‪ ..‬قبلت رأسها‪،‬‬ ‫أرد أن أوقفه‪ ،‬وعال صوتي‪.‬‬ ‫ال سهرتي البكائية‬ ‫وارتميت في حضنها مكم ً‬ ‫اقترب الحاضرون مني دون أن أكف عن تحت أقدامها‪ ،‬وهي تمسح على رأسي‪ ،‬وتتلو‬ ‫البكاء‪ ،‬أحسست أن دموعي تغسلني‪ ،‬أطفئوا المعوذات‪ ،‬حتى أخذني نوم عميق وهادئ‪،‬‬ ‫المسجل‪ ،‬وانعفس الحفل‪ ،‬وتكدرت الوجوه‪ ،‬رأيت فيه وجهًا مشرقاً يقول لي‪:‬‬ ‫أخذتني إحــداهــن بين ذراعــيــهــا البضين‪،‬‬ ‫هــذا وقــد رأيــت بــرهــان أمــك‪ ،‬فكيف لو‬ ‫والذت بي على جنب‪ ،‬ثم تركتني بعدما تفاقم‬ ‫رأيت برهان ربك؟‬ ‫بكائي‪ ،‬سألوها ماذا أريد فردت‪:‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫الزفاف‬ ‫ليلة‬ ‫ِ‬ ‫نوم في ِ‬ ‫ٌ‬ ‫■ محمد الرياني*‬

‫جميلةٌ ؛ بل فاتنة‪ ،‬لو وضعت الحنا َء على كفيها‪ ..‬لرأيتَ أجمل كفين‪ ،‬يصف ّر ثم‬ ‫يحم ّر لون الحناء حتى يقترب من السواد‪ ،‬يتألق مع لون كفيها‪ ،‬تزين مع كفيها‬ ‫كل األلوان‪،‬‬ ‫جميلةٌ‪ ..‬تنام وعيناها إلــى أعلى‪ ،‬لون الحناء‪ ،‬اقترب الليل‪ ،‬جاءها العتاب‬ ‫والشعر يتدلى للناظرين‪ ،‬نامتْ في ليلة عن عدم الحضور‪ ،‬مدّت يديها ليراها‬ ‫الزفاف‪ ،‬ليست ليلة الزفاف لها‪ ،‬هي الــداعــون‪ ،‬عرفوا سبب تخلفها‪ ،‬كتبوا‬ ‫مدعوة وال تزين الليالي إال بها؛ ليالي براءتها‪ ،‬أشاعوا بين الناس أن هناك‬ ‫الزفاف‪ ،‬نامت والحناء على يديها‪ ،‬تريده ليلة أخــرى‪ ،‬أعــادوا ليلة الفرح‪ ،‬كانت‬ ‫أن يَيْبس‪ ،‬يتألق‪ ،‬تريد أن تكون كفاها‬ ‫ليلة فاتنة‪ ،‬تسامع الناس‪ ،‬تكاثروا أكثر‬ ‫أجمل كفين في ليل الفرح‪ ..‬ولكن للنوم‬ ‫من الليلة الحقيقية‪ ،‬كل الحاضرات‬ ‫رأيًا آخر‪ ،‬نامت ولم يحركها أحد‪ ،‬غابت‬ ‫أدهشهن الجمال‪ ،‬كان لون الحناء في‬ ‫عن ليل الفرح‪ ،‬كانت ليلة فر ٍَح ناقصة‪،‬‬ ‫استيقظت صباحً ا على تفاصيل الفرح‪ ،‬غاية الجمال‪ ،‬وكانت الساحرة النائمة‬ ‫على أحاديث الساهرات‪ ،‬كاد القهر أن في غاية الجمال‪ .‬غادر الليل‪ ،‬أشرقت‬ ‫يقتلها من الداخل‪ ،‬نظرت في كفيها‪ ،‬لم الشمس والساهرات يتحدثن عن الليلة‬ ‫تلمس شيئا ذلك اليوم‪ ،‬لم تأكل بيدها‪ ،‬الثانية وعن الفاتنة التي نامت لتجعل‬ ‫وضعت حول كفيها غطاءين كي يبقى من ليلة الزفاف ليلة ثانية‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪81‬‬


‫فوبيا الجغرافيا‬ ‫■ أحمد طوسون*‬

‫تالشت المسافة ما بين الواقع والخيال حين توقف الباص الذي حملني من‬ ‫المطار وأشــار المرافق لي بالنزول‪ ،‬ورأيتني أقف أمــام واجهة منزل يشبه كثيرً ا‬ ‫المنزل الذي اخترته سكنا لبطل قصتي‪.‬‬ ‫كان مرافقي عربيًا لكنني بالكاد كنت أستطيع التقاط بعض الكلمات من بين‬ ‫شفتيه اللتين اعتادتا المزج ما بين أكثر من لغة‪.‬‬ ‫مسحت بقايا ابتسامة علقت بوجهي حين وجدتني أمــام المنزل ذات ــه‪ ،‬ولم‬ ‫يصطحبني إلى أحد فنادق البلدة كما اعتدت في إقامتي القصيرة بالبالد التي‬ ‫زرتها‪ ،‬وقلت ردًا على سؤال ظننته سأله‪ :‬ال شيء!‬ ‫سبقني إلى باب المنزل وفتحه بينما‬ ‫حملت حقيبتي ولحقت به‪ ..‬كان يثرثر‬ ‫بكلمات كثيرة وهو يتجول بي في أرجاء‬ ‫المنزل‪.‬‬ ‫استوقفته وقلت‪:‬‬ ‫أال تجيد العربية؟‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫نظر إليّ باستنكار وقال‪:‬‬ ‫قليال‪..‬‬ ‫كنت أعــرف أن مرافق بطل قصتي‬ ‫كــان حانقًا عليه حين سأله السؤال‬ ‫ذاتــه‪ ،‬فهو ســؤال يشعر معه بالمهانة‬ ‫والتشكيك فــي هويته العربية‪ ،‬رغم‬


‫بقوا في بالدهم فلهجاتهم المحلية خليطٌ‬

‫برأسي صورة الفتيات الشقراوات‪ ،‬فأصابني‬

‫األولى الفرنسية خاصة بالنسبة للمتعلمين الــبــاص الــذي سيأتيني‪ ،‬فكرت أن أرتــدي‬ ‫الذين سافروا مبكرًا إلــى أورب ــا‪ ..‬أمــا من مالبسي وأخرج ألتعرف على المكان‪ ،‬طافت‬ ‫من لغات القبائل والمستعمرين والفاتحين خدر‪ ،‬وتحمست للفكرة رغم فوبيا الجغرافيا‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫التي تصيبني وتجعلني ال أحفظ األماكن‬ ‫قاطعت شرودي وصمته وقلت‪:‬‬ ‫ال تتعب نفسك معي‬ ‫سأتعرف على المنزل بنفسي‬ ‫المهم أين أجد الحمام؟!‬

‫التي أرتادها جيدًا‪ ،‬ساعتها كيف سأعود‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫معرفة الكافة أن كثيرين من أهل بلده لغتهم‬

‫ـات على موعد‬ ‫كــان أمــامــي بضع ســاعـ ٍ‬

‫إلى سكني‪..‬؟ ال أحمل ه ّمًا إذا كنت برفقة‬ ‫أحدهم‪ ،‬أو في بلد عربي أستطيع االستفسار‬

‫دون عائق اللغة‪ ،‬أما هنا فالكلمات اإلنجليزية‬ ‫التي عرفتها بحكم دراستي تضيع مني في‬

‫أشار إلى ممر معتم بالجهة المقابلة وقال‪ :‬سرعة حديثهم ولن تسعفني اللغة!‬

‫نحيت هواجسي جانبًا وقــررت المضي‬

‫هناك‪..‬‬ ‫ثــم أعــطــانــي بطاقة بها أرقـــام هواتف‬

‫الستخدامها وقــت الــحــاجــة‪ ،‬خمنت أنها‬

‫قدمًا في فكرتي‪..‬‬

‫وأنا أرتدي مالبسي وخزني الجوع‪ ..‬كانت‬

‫ستساعدني في طلب الطعام‪ ،‬أو االتصال عادة تالزمني في سفرياتي عكس حالي في‬ ‫البيت‪ ،‬حيث أ ُصبح زاهدًا في الطعام!‬ ‫بالمؤسسة!‬ ‫قبل أن يغادرني قال إن الباص سيأتي في‬

‫المساء ليأخذني إلى الحفل!‬ ‫***‬

‫المنزل كان يشبه الكثير من بيوتنا‪ ،‬له‬

‫طابع شرقي‪ ،‬ولــم يكن ذلــك مستغربًا في‬ ‫بالد سكنها العرب لقرون طويلة‪.‬‬

‫أخــذت حما ًمًا ساخنا ألستعيد نشاطي‬

‫كنت لم أتناول شيئا منذ أكلت بالطائرة‪،‬‬

‫وفكرت أنني ربما وجدت شيئا بالثالجة‪..‬‬

‫ذهــبــت إلــى المطبخ ووجــدتــهــم وضعوا‬

‫بثالجتي الوجبات التي تكفي مدة إقامتي‬

‫كاملة‪ ..‬ال يحتاج األمر مني إال بعض الجهد‬ ‫اليسير في إعدادها!‬

‫كان للمطبخ جانب زجاجي يكشف مطبخ‬

‫المنزل المقابل‪ ،‬ويكشف الشارع الفاصل‬

‫ووقــفــت فــي الــنــافــذة أتطلع إلــى األشــجــار‬ ‫الخضراء النضرة وأزهارها الملونة بألوان بينهما وأشجاره النضرة‪.‬‬ ‫قوس قزح التي مألت الشارع‪.‬‬

‫صــمــت مــوحــش شــعــرت مــعــه بــالــوحــدة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪83‬‬


‫والــعــطــش الــشــديــديــن‪ ،‬تــنــاولــت عــصــيـرًا مغادرًا الحجرة باحثًا عنها في حجرة أخرى‪.‬‬ ‫وشربته‪ ..‬وقع نظري ناحية المطبخ المقابل‬ ‫قميصا أرجوانيًا‬ ‫ً‬ ‫فوجدت شقراء ترتدي‬ ‫فضفاضا يكشف ما فوق ركبتيها تدخل إلى‬ ‫ً‬

‫المطبخ وتفتح ثالجتها‪.‬‬

‫***‬

‫من حجرة إلــى أخــرى طفت بال جدوى‬

‫أثر لها‪ ،‬شعرت باليأس‬ ‫دون أن أحصل على ٍ‬

‫وباألسى على الفرصة التي أضعتها بالتعرف‬

‫ســرت سخونة في جسدي وظــلَّ نظري على المدينة والتسكع فــي شوارعها بين‬ ‫عالقا ناحيتها حتى وقع نظرها ناحيتي‪..‬‬ ‫العديد من الشقراوات‪ ..‬لكنني عدت وقلت‬ ‫ابتسمتُ وربما أشرت لها بكفي محييًا‪ ،‬لكنها‬ ‫لنفسي‪ :‬لم تضع الفرصة بعد‪ ،‬وأسرعت إلى‬ ‫انصرفت عني وتركت مطبخها!‬ ‫مغادرة المنزل إلى الشارع‪.‬‬ ‫أســرعــت مــغــادرًا مطبخي إلــى الــردهــة‬ ‫كــان الــشــارع نظيفًا ولــه رائــحــة ربيعية‬ ‫الواسعة‪ ،‬لمحتها تمر من ردهتها وضبطها‬ ‫محملة بأريج األزهار‪ ..‬سرتً ببطء متفحصا‬ ‫تلتفت ناحية شرفتي في التفاتة عابرة‪.‬‬ ‫واجــهــة العمائر القصيرة والــبــيــوت التي‬ ‫ازداد حــمــاســي وســــرت ف ــي الــطــريــق ارتاحت في حضن األشجار‪ ،‬متأمال وجوه‬

‫المفترض الــذي قــادنــي إلــى حجرة مكتب الناس القليلين الذين قابلوني بالطريق‪.‬‬ ‫صغيرة‪ ،‬فتحت شرفتها‪ ،‬لكنها كانت تطل‬ ‫ال أع ــرف ِلــ َم ل ـ ْم أشــعــر بغربة مــع تلك‬ ‫على شــارع جانبي صغير لم يكن مواجهًا‬ ‫بعيد كثيرًا‬ ‫ٍ‬ ‫الــوجــوه‪ ..‬كانت تشبه إلــى حــدٍّ‬ ‫لمنزل الشقراء!‬ ‫مــن الــوجــوه التي أراه ــا فــي ب ــادي‪ ،‬فقط‬ ‫أصبت بخيبة أمــل‪ ،‬لكنني كنت صرفت‬ ‫ينقصها بعض الغضب الــذي يقطب جباه‬ ‫النظر عــن فــكــرة الــخــروج تحاشيًا لفكرة‬ ‫بعضهم عندنا بسبب ضيق المعيشة وصعوبة‬ ‫فوبيا جغرافيا الشوارع‪ ..‬أخرجت سيجارة‬ ‫األحوال والرطوبة الخانقة والغبار‪.‬‬ ‫وأشعلتها وتفحصت المكتبة التي تراصت‬ ‫خطر ببالي أن يكون أحد أجــدادي جدًا‬ ‫بعدد من المجلدات األجنبية‪ ..‬وقع نظري‬

‫على كتاب أو أكثر باللغة العربية عن اآلثار مشتركا ألحــد ه ــؤالء فابتسمت‪ ،‬وعــادت‬ ‫صورة جارتي الشقراء تخايلني من جديد!‬ ‫األندلسية في أسبانيا والبرتغال!‬ ‫م ّنيْتُ نفسي بتصفحها حين يفترس الليل‬

‫‪84‬‬

‫عندها خبطت بكفي فوق جبهتي وقلت‬

‫المدينة وأبقى وحيدًا في الفراش‪ ،‬وخطر لنفسي متعجبا‪ :‬هل يمكن للواقع أن يطابق‬ ‫ببالي أن أذ ّكــر مرافقي أن يصطحبني إلى الخيال مستعيدًا صــورة بطل قصتي حين‬ ‫قصر الحمراء وزيارة معالم قرطبة‪ ،‬وأسرعت اخــتــرت لــه أن يــرى جــارتــه الــشــقــراء وهي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫نومه‪..‬؟! حينها هرولت عائدًا إلى المنزل‪ ،‬األجنبية الــتــي أستدعيها وفــي خطواتي‬ ‫ولم يخطر ببالي أن فوبيا الجغرافيا اللعينة المتراجعة للخلف‪ ،‬حتى استجمعت نفسي‬ ‫ستفعل فعلتها معي (وربما رغباتي الدفينة‬ ‫التي أجهلها) وأجدني داخل منزل آخر لم‬

‫أكن أتخيل أنه منزلها‪ ،‬إال عندما وجدتني‬ ‫مبهوتًا أمــام حمام السباحة‪ ،‬حين رأيتها‬

‫تسبح على ظهرها وتتأمل السماء الصافية!‬

‫طــافــت بــرأســي خــيــاالت استعرتها من‬

‫قراءاتي في الليالي األلف ومشاهدة األفالم‬ ‫األجنبية‪ ،‬وطافت برأسي أفكا ٌر مجنونة عن‬

‫جرأتها التي جعلتها تقتحم سكني وتبدد‬

‫المسافة التي كنت أحتاج سنين ألقطعها‪..‬‬ ‫تقمصت دور دونجوان‪ ..‬وحاولت تنشيط ما‬ ‫أعــرف من كلمات باإلنجليزية وقلت برقة‬

‫ساذجة‪:‬‬

‫‪hello‬‬

‫وقلت‪:‬‬ ‫‪it is my home‬‬

‫افتعلت ضحكة كبيرة ساخرة وظلت تردد‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫تستحم فــي حــمــام الــســبــاحــة مــن غرفة‬

‫لم أفهم شيئا‪ ،‬وظللت أتعثر في الكلمات‬

‫بعصبية‪:‬‬ ‫‪Demente‬‬ ‫‪Savages‬‬ ‫‪Bárbaro‬‬ ‫‪Crazy y brutal‬‬

‫كنت مرتبكا‪ ،‬أشعر بالتضاؤل والخزي‬ ‫وأنا أفر من أمامها وأقف في الشارع أبحث‬ ‫عن المنزل الذي أسكن فيه‪ ،‬ولم أقم بحسبة‬ ‫بسيطة تساعدني في الوصول إلى سكني‬

‫لكنها أثارت موجات غاضبة بتدافع يديها الذي يقطن منزل جارتي الشقراء في ظهره‪.‬‬ ‫المرمريتين للماء‪ ،‬وظلت تتفوه بكلمات لم‬ ‫ظللت أتسكع بين الــشــارعــيــن‪ ،‬أخشى‬ ‫أفهمها حتى خرجت من حمام السباحة وهي‬ ‫تصرخ وتكرر في‪:‬‬

‫‪mirr a otro lado‬‬

‫ولم أعِ شيئا مما تقول حتى ارتدت روبها‬

‫وهرولت ناحيتي وهي تزيحني بعيدًا وتصيح‬

‫فيّ ‪:‬‬

‫¡‪Fuera de mi casa‬‬

‫االقــتــراب من أبــواب المنازل التي تتشابه‬

‫حتى لمحت الباص الذي جاء في الموعد‬ ‫المحدد ليحملني إلى حفل استالم الجائزة‪.‬‬ ‫حينها تمنيت في نفسي لو كــان عنوان‬ ‫قصتي الفائزة‬ ‫‪.It is your home, my friend‬‬

‫ * قاص من مصر‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪85‬‬


‫قصتان قصيرتان‬ ‫■ حضيه عبده خايف*‬

‫عزاء‬

‫تنقّلنا في أحيائها‪ ،‬شوارعها‪ ،‬أزقتها‪.‬‬

‫‪ ‬لم أرغــب بالحضور ذاك المساء‪ ،‬عالم ال نعرف عنه شيئاً‪ ..‬أثناء تلك‬ ‫تــفــوه بــكــل‪ ‬مصطلحات الــشــتــائــم‪ .‬التنقالت رأيت مَن هم من بالدي‪ ،‬يقفون‬ ‫حانت مراسيم الــوداع؛ تقدمت وخلفي متسولين أمــام اإلشــارات‪ ..‬نــاظــرتــهــم‬ ‫بعض النسوة‪ ،‬بــدأت أرتجف‪ ،‬أتعرق‪ ،‬بحزن‪ ..‬انتابتني نوبة غريبة‪ ..‬لم أشعر‬ ‫ثقلت خطاي؛ اقترب رفع الغطاء عن‬ ‫بنفسي إال وأنــا بجانب برميل نفايات‬ ‫وجهها‪ ،‬نظرت إليها ثم أدرت ظهري‪.‬‬ ‫قريب‪ ..‬تركتني أمي وانطلقت لتحضر‬ ‫ناداني صوت من خلفي‪ :‬ودعيها‪ .‬‬ ‫لي الماء‪ ..‬كنت أفتح عيني تارة‪ ..‬وأغَ يِّبُ‬ ‫لم أعرف ماذا أفعل‪ :‬قلت لها‪ :‬ربما‬ ‫تارة أخرى‪ ،‬كانت تتنقل بين السيارات‪..‬‬ ‫في وقت آخر‪.. ‬‬ ‫بين المارة‪ .‬تبحث عن مساعدة‪ ،‬ث ّم تعود‬ ‫عـــا صــوتــهــا مــــرة أخــــــرى‪ :‬وهــل‬ ‫علي‪..‬‬ ‫لتطمئن ّ‬ ‫ستجدينها؟‪ ‬‬ ‫ســـقـــطـــتُّ أرضــــــــــــاً‪ ..‬ال أع ـ ــرف‬

‫كانت آخر كلمة سمعتها قبل ثالث‬ ‫ساعات مضت من حالة التشنج التي ســــبــــب ســــقــــوطــــي أكــــــــان ألـ ــم ـ ـاً‬ ‫انتابتني‪ ..‬‬ ‫أم جـــــوعـــــاً‪ ..‬حــــزنــــاً أم خــــوفــــاً‪ .‬‬ ‫وطن‬

‫كل ما أذكــره‪ ‬لحظة فتحتً عيني أني‬

‫عــنــدمــا وصــلــنــا‪ ،‬شــعــرت بــالــغــربــة رأيتُ أناساً تركض‪ ..‬وسمعتُ صراخاً‪ ..‬‬ ‫تــتــلــبــســنــي‪ ،‬س ــرن ــا ف ــي شــــــوارع تلك رحلتْ ‪ ،‬رحلتْ ‪ ..‬كما رحلتْ من بالدي‬ ‫ال ــب ــاد دون أن نــعــرف مــصــيــرنــا؟‪ ‬ولن تعود‪ ..‬فهل يا ترى ستعود أرضي؟‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬موسى الشافعي*‬

‫ـوع ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫أ ُِع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــذُ ِك ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ـ ــايَ َو ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ دُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ وَجَ ـ ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذي َتـ ـ ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـ ــتَ الـ ـ ـ ـ ُّـض ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬ ‫ِ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ول ِّ‬ ‫رس ُ‬ ‫الش ْعر‬ ‫ُ‬

‫ُوح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪..‬‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ِح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْبـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذي أ ُْسـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــهِ ر ِ‬ ‫فـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـص ـ ـ ـ ُـف بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪َ ..‬ويـ ـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ُـك بـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬ ‫ـش‪ ..‬و َُجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعٌ سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرْمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ٌّي‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي!!‬ ‫وال َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عَ ـ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ ـ ِـشـ ـ ـ ـ ــي و َُجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـس‬ ‫ا َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـب َو شَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫أَ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ٌر بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاَ وَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـج‪ ..‬سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ِـذ ُر بـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ُّـط ـ ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬ ‫ُص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪َ ..‬كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيْ َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ــي َء الـ ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ــرُ عَ ـ ـ ـ ـ ــذْ ب ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫أ َ‬ ‫ـوعـ ـ ـ ــي!!‬ ‫َفـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـأْتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ..‬وَيُ ـ ـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـسـ ـ ـ ـ ــدُ لِ ـ ـ ـ ـ ــي ُخـ ـ ـ ـ ُـشـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ــوافِ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ـ ــلَ عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود ٍ‬ ‫ـوعـ ـ ـ ــي!!‬ ‫ِم ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ــرِ ي ـ ـ ـ ِـت يُ ـ ـ ـ ـ ْـشـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ــلُ لِ ـ ـ ـ ـ ــي ُشـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات َب ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـض ـ ـ ــي‬ ‫أخـ ـ ـ ـ ـ ُّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ــا‪َ ..‬ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫و َِحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ُ‬ ‫ـوع ـ ـ ـ ــي!!‬ ‫ـوض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء َة ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُس ـ ـ ـ ـ ُـط ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ل ـ ـ ـ َتـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ِـسـ ـ ــبَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ر َُس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ًال ِجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َم ـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ُـجـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ـوَافِ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ا ر ُ​ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬ ‫وآ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ال ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـض ـ ـ ـ ـ ـ ُّـي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ َ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإنْ آمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت ِشـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ي‬ ‫سَ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ِـك َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعِ !!‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪87‬‬


‫القمر‬ ‫معي ِة‬ ‫ِ‬ ‫في ّ‬ ‫‪ρρ‬عبدالهادي الصالح*‬

‫شيب وزيّنَ‬ ‫بالعارضين من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫سامرت ما عال وال َح‬ ‫ُ‬ ‫وفي معيّةِ القمرِ ‪...‬‬ ‫فقلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫حديث وأفولُ ؛‬ ‫ٌ‬ ‫كريات‬ ‫ِ‬ ‫أيّام ًا لها بالذّ‬ ‫أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروٍ إذا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ شـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ٌـب‬ ‫ـاب‬ ‫ـأخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا مـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫فـــــــ ْ‬ ‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ ن ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ن ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ــي‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـدح ل ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ّتـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـات مـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا؟‬ ‫أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى أ ْم ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ اآلهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـاب‬ ‫رف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب ِغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌّـل بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّر َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ّض‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر ال ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحْ ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّر ًا وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ْ‬ ‫ـاب‬ ‫ـاح ال ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ج ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــلَ األمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ فـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤلَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ــو ونـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــي‬ ‫ـاب‬ ‫ّوح فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أحـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى انـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِ‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ دوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا رِ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ن ـ ـ ـف ـ ـ ـسـ ـ ــي‬ ‫ـاب‬ ‫ـاب هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬

‫دار ًا سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا أ ْو لـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬ ‫ـاب‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرو َر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َر ال ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫حـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزرنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ زهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ًا‬ ‫ـراب‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا َر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ّدع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـراب‬ ‫وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ا ّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت أزو ُر م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ويـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــوى‬ ‫ـاب‬ ‫رأس الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َ‬ ‫وأل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ـواب‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاط الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َم األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس مـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـن ـ ـ ـف ـ ـ ـسـ ـ ــي‬ ‫ـاب‬ ‫ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذلُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬ ‫وأغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا َر وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ًـا‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوادُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ‬

‫ـاب‬ ‫وُ ر ِّْي ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ون ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى رأي ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــا‬

‫رويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروي‬ ‫ـاب‬ ‫ـاح ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ُره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ظ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا‬ ‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا ك ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ض ـ ـ ـ ـ ـ ــاب‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرخُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء كـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـاب‬ ‫ن ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر قـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ إه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواد ًا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ مـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـاب‬ ‫وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا رمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاق‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــا غُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ـاب‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َة األولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا نـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـاب‬ ‫ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ـ ـ ُن ـ ـ ـ ـ ــفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودع م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـش ُط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّر ًا‬ ‫ـراب‬ ‫ـأس بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫درس عُ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ‬ ‫ُ‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ اآلجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـاب‬ ‫ـض الـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــرِ أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ الـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ * شاعر وأكاديمي بجامعة الجوف‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪89‬‬


‫معا يكفينا‬ ‫تجمعنا ً‬

‫‪ρρ‬أحمد املتوكل بن علي النعمي*‬

‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أض ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــت سـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــه حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى أض ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا؟‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أالق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫د ب ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة أو اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا؟‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــده‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا أروم وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد احـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ـ ــت ظ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ــا؟‬ ‫أو ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ــة‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراء م ـ ـ ـ ـ ـ ــا وهـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــت ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا واغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــاظ واتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــع الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوى‬ ‫و ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ــه حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرام م ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ــا‬ ‫ال شـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك أن ال ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوائ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫و ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ألس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرع ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذة‬ ‫كـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ــت س ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــوطـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـي ـ ـ ــض م ـ ـه ـ ـي ـ ـنـ ــا‬ ‫***‬ ‫أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫ب غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت ـ ـ ـ ــي ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ــا‬ ‫إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي يـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواك م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاق ـ ـ ــه‬ ‫و ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوب عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــل يـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــم جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ــونـ ـ ــا‬ ‫أسـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــو عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى طـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـع ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـي ـ ـ ــا أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك ال ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــوب يـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـك ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف وال ـ ـ ـت ـ ـ ـخ ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫و بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ف ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر ج ـ ـ ـ ـ ـ ــوارح ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ــرح ـ ـ ـ ـ ـ ــا وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــض أن أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ح ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــي أسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي حـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـم ـ ــا‬ ‫ن ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرب ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــام كـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ُأصـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ـ ـ ــي األضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ح ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــن ت ـ ـ ـم ـ ـ ـك ـ ـ ـنـ ـ ــت‪..‬‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــاب سـ ـ ـجـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ــا درة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ح ـ ـسـ ـ ـ ـ ـن ـ ـهـ ــا‬ ‫أغـ ـ ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــات ال ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــاء لـ ـ ـ ـح ـ ـ ــون ـ ـ ــا‬ ‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءنـ ـ ـ ـ ــي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــت ب ـ ـعـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـهـ ــا‬ ‫وغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــى غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوت رهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا‬ ‫أيـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول ضـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــى وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرزت بـ ـ ـ ـ ـ ــوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط ض ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــوعـ ـ ـ ـ ـ ــه س ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــى وإن ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت فـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــس ي ـ ـ ـ ـ ــردن ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــب ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـكـ ـ ـ ـ ـي ـ ـنـ ــا‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ف ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــن ال أل ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـهـ ــا‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــآي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ال ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال مـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ــا‬

‫فـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ال ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ت ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــم ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ــرا‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤاده وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا؟‬ ‫إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أعـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــش مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــب سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــادة‬ ‫أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ل ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــيَّ م ـ ـعـ ـ ـ ـ ـي ـ ـنـ ــا‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاذا أؤمِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت أن ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ــك فـ ـ ــان ـ ـ ـت ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ــت ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ط ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــت يـ ـ ـمـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا؟‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وال واص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ض ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــط م ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ــر‬ ‫لـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد حـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــت أسـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ــك غـ ـ ـيـ ـ ـم ـ ــة‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــاح وأقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـس ـ ـ ــريـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬ ‫مـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ب ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـبـ ـ ــي‬ ‫عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــرا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ــى ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواي م ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ــأ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإنـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــك ح ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫وأرى تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــت ولـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــاب ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاذة‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــي دق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وال تـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــويـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك دائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات وال أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد خ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫حـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ــل ب ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي‬ ‫أرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك تـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث ال ـ ـ ـت ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫حـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـل ـ ـ ــص مـ ـ ـ ـ ـ ــن لـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـظ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومٍ صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه دفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪91‬‬


‫الح ُّب على شروط‬ ‫ُ‬ ‫‪ρρ‬خالد البهكلي*‬

‫‪1‬‬

‫َص َف ال َقل ْ​ْب‬ ‫اسكُ نِ ي مُ ْنت َ‬ ‫ْ‬ ‫اليمینْ‬ ‫ال تَكُ وْنِ ي فِ ي ِ‬ ‫أو تَكُ وْنِ ي فِ ي الیَسَ ا ْر‬ ‫الحب‬ ‫َود َِعینَا َن ْب َد ُأ ُ‬ ‫َهج الوَسَ ِطية‬ ‫بِ ن ِ‬ ‫الجنُونْ‬ ‫الح ِ ّب ُ‬ ‫َفأَنَا جَ ّ َرب ُْت في ُ‬ ‫َو َت َع ّ َقل ُْت كَثِ ْی َر ًا‬ ‫وَآمَ ن ُْت قَلِ ْی ًال‬ ‫َو َك َفرْتْ‬ ‫إحدَى ال َتّجارِ ْب‬ ‫الح ّ َب فِ ي ْ‬ ‫َودَخَ ل ُْت ُ‬ ‫َوأَنَا أ َْح ِملُ ِم ْیرَاثَ القَبِ یْلة‪َ ..‬و َتقَالِ ْی َد القَبِ ْیلَة‬ ‫فَخَ ِسرْتْ‬ ‫الح ّ َب بِ شَ كْ ٍل وَسَ ِطيْ‬ ‫وَلِ َهذَا أ َْطلُب ُ‬ ‫‪2‬‬

‫ل َْس ِت ‪ -‬یَا سَ ِ ّیدَتِ ي ‪ -‬مُ ْضطَ ّ َر ًة‬ ‫أَنْ تَقْ بَلِ ي ُح ِبّي‬ ‫وَال مُ ْضطَ ّ َر ًة أَنْ َت ْتبَعِ ینِ ي‬ ‫ال فَاتْرُ كِ یْنِ ي‬ ‫ف ِ َّكرِ ي فِ ي األمْ ر إنْ ِشئ ِْت‪ ..‬وَإ ّ َ‬ ‫إِ َنّنِ ي أَهْ وَى عَ لَى شَ رْطيْ وَدِ یْنِ ي‬ ‫‪3‬‬

‫ال َت ْند َِه ِشيْ‬ ‫أَقْ َر ُأ ال ّ َدهْ شَ َة فِ ي عَ ْی َنی ِْك ِمنْ َقوْلِ ي‪َ ..‬ف َ‬ ‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ُر َبّمَ ا أ َْخطَ أ ُْت فِ ي ُح ِبّي الق َِدیْمْ ‪..‬‬ ‫وضي‪..‬‬ ‫ُر َبّمَ ا كُ ن ُْت َضعِ ْی َف ًا فِ ي فُ رُ ِ‬ ‫ُر َبّمَ ا حَ ا َول ُْت أَنْ أَمْ ُح ْو ِسنِ ْی َن ًا‬ ‫ُر َبّمَ ا مَ ار َْس ُت دِ ْی َن ًا غَ ْی َر دِ یْنِ ي‬ ‫الح ِ ّب‪..‬‬ ‫ُر َبّمَ ا عَ ْربَدْ ُت فِ ي ُ‬ ‫َض َیّعْ ُت‬ ‫و َ‬ ‫و َِضعْ ْت‬ ‫‪4‬‬

‫أجمَ لَ عَ ی ٍْن‬ ‫ال ُأنْكِ رُ یَا ْ‬ ‫أَنَا َ‬ ‫أ َن ِّك األ َْحلَىْ ِمنَ الالتِ ي عَ رَفْ ْت‬ ‫أل ْنقَىْ ‪ ..‬و َِمن و َْح ٍي سَ مَ اوِ ٍ ّي ُخلِ قْ ِت‬ ‫أل ْروَعُ وَا َ‬ ‫ألكْمَ ل وَا َ‬ ‫أَ َن ِّك ا َ‬ ‫ْض ًا‬ ‫َوأَنَا أعْ رِ ُف أَی َ‬ ‫أَ ّ َن فِ ي عَ ْی َنی ِْك ملیُ وْنَ جَ زِ ْیرَة‬ ‫لِ مَ الیِ ی ِْن ا ْل َفرَاشَ ِات الخَ جَ الَىْ‬ ‫الهن ِْد ّي فِ ي كُ ِ ّل الفُ ُصوْلْ‬ ‫وَعَ لَى ثَغْ رِ ِك َینْمُ ْو ال َك َر ُز ِ‬ ‫و َْجهُ ِك المُ ْختَالُ ُح ْس َن ًا‬ ‫یَفْ تَحُ الجَ ّ َن َة لِ يْ ‪ ..‬وَیُ عِ یْدُ ال ُّن ْو َر وَا ْأل ْلوَانَ‬ ‫یُ هْ ِدیْنِ ي ُشمُ وْسَ ا‬ ‫الد ْنیَا‬ ‫َوأَرَانِ ي مَ الِ َك ُّ‬ ‫َولَكِ نْ اقْ بَلِ یْنِ ي حَ ْسبَ شَ ر ِْطي‬ ‫‪5‬‬

‫ال تَقُ وْلِ ي إ َنّنِ ي أ َْختَلِ قُ األَعْ ذَا َر‬ ‫كَي أَهْ رُ بَ ِمن ِْك‬ ‫ال تَقُ وْلِ ي إ َنّنِ ي أَفْ ت َِعلُ األ َْشیَاء ِمنْ دُ و ِْن سَ ب َْب‬ ‫َصافِ یرُ ُتغ َِنّي ِحیْنَ یَكْ ُسوهَ ا ال ّ َتع َْب‪..‬‬ ‫الع َ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪93‬‬


‫‪6‬‬

‫الح ِ ّب‬ ‫مُ ْت َع َب ًا أَمْ ِشي بِ َذن ِْب ُ‬ ‫َنیْسَ انَ یُ ع ِ َّریْنِ ي َكبَدْ رِ البَادِ یَة‬ ‫َص َضوْئِ يْ‬ ‫وَان ِْحنَاءَات الكَالمِ الهَمَ ِجيْ تَمْ ت ُّ‬ ‫الذ ِ ّل ِمنْ ُح ِبّي الق َِدیْمْ‬ ‫َو َبقَایَا ُّ‬ ‫َور ُ​ُسوْمَ ات ال ُن ُّجوْمِ ال ّ َذ ِاهبَة‬ ‫فاسمعيني‬ ‫كُ َلّمَ ا حَ ّ َدقْ ُت فِ ي ت َْجرِ بَةٍ ‪..‬‬ ‫ت َْخنُقُ َصوْتِ ي‬ ‫عندها‬ ‫أَبْكِ ي ‪ -‬عَ لَى ال َت ّْطوِ ی ِْق ‪ -‬وَقْ َت ًا‬ ‫وَعَ لَى ال ّ َتوْدِ ی ِْع ِح ْینَا‬ ‫النفَاقْ ‪ ..‬وابْتِ سَ امَ ِات ِشفَاهٍ كَاذِ بَة‬ ‫َوأَرَى ِمنْ خَ ل ِْفهَا َك ْو َم ِ ّ‬ ‫‪7‬‬

‫الفكْ رَةِ ‪-‬‬ ‫حَ اوِ لِ ي ‪ -‬سَ ارِ حَ َة ِ‬ ‫َاك ُظ ُنوْنِ ي‬ ‫إ ْدر َ‬ ‫حَ اوِ لِ ي أَنْ ت ُْخرِ ِجیْنِ ي‬ ‫ِمنْ دَهَ الِ یْز ُج ُنوْنِ ي‬ ‫استَطَ عْ ْت‬ ‫أخ َر َج ِم ِنّي مَ ا ْ‬ ‫َفأَنَا حَ ا َول ُْت أنْ ْ‬ ‫‪8‬‬

‫كُ َلّمَ ا َف ّ َكر ُْت فِ ي ُح ِبّك‬ ‫أَغْ دُ ْو َبیْنَ حَ ا َلی ِْن‪..‬‬ ‫َو َل ْی َلی ِْن‬ ‫وَال یُ مْ كِ نُنِ ي ال َتّمْ یِ ْی َز‬ ‫َبیْنَ األ َْصفَرِ المُ مْ ت ِ َّد حَ وْلَ ال َنّهْ ِد‬ ‫أَ ْو َبیْنَ ُخ ُطو ِْط (المَ ْندَلِ ْینَا)‬ ‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫َوأَرَانِ ي فِ ي ذُ هُ وْلِ ي غَ ارِ َق ًا ِح ْی َن ًا‬ ‫وَبِ ال َتّفْ كِ یْرِ ِح ْینَا‬ ‫َوأَرَى ُح َب ِّك َیر ِْمیْنِ ي قَتِ یْال‬ ‫‪9‬‬

‫أَنَا ال أَقْ َر ُأ فِ نْجَ انَ الغُ یُ و ْ​ْب‬ ‫ال أَعْ لَمُ مَ نْ َتأَتِ ي غَ َد ًا‬ ‫ال َو َ‬ ‫َ‬ ‫الح ُّب سَ َیأْتِ ي مَ ّ َر ًة أ ُْخرَى‬ ‫وَمَ تَى ُ‬ ‫الذ ْي َیوْمَ ًا عَ َلیْه سَ أَمُ وْتْ‬ ‫وَال ال َنّهْ َد ِ‬ ‫أ ْو مَ تَى أَقْ ِط ُف مَ ْو َج الب َْحرِ‬ ‫أُهْ ِدي شَ هْ َو ًة لِ لْكِ بْرِ یَاءْ‬ ‫‪10‬‬

‫أَنَا یَا سَ ِ ّی َد َة ال ّ َروْعَ ةِ‬ ‫ِمنْ أَ َو ِّل َیوْمٍ‬ ‫الشمْ ِس ِمنْ عَ تْمَ تِ هَا‬ ‫الِ غْ تِ سَ ِال ّ َ‬ ‫أَبْحَ ُث عَ نْ فَاتِ نَةٍ َتأَتِ ي عَ لَى قَدْ رِ ُج ُنوْنِ ي‬ ‫وَعَ لَى شَ ر ِْطي وَدِ یْنِ ي‬ ‫السمَ اءْ‬ ‫َوأَرَى فِ ي عَ یْنِ هَا سَ ْح َر ّ َ‬ ‫إِ َنّنِ ي أَبْحَ ُث عَ نْ سَ ِ ّیدَةٍ‬ ‫تَفْ هَمُ نِ ي دُ وْنَ كَال ْم‬ ‫الصغِ یْرة‬ ‫والح ْل َم َوأ َْشیَائي ّ َ‬ ‫اض َر ُ‬ ‫تَقْ َر ُأ الحَ ِ‬ ‫باختصار‬ ‫ت ُْشبِ هُ أ ِ ُّميْ‬ ‫وَفِ ي َض ْحكَتِ هَا‬ ‫نَغْ مَ ةُ أ ِ ُّمي‬ ‫َالسال ْم‬ ‫و َّ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪95‬‬


‫وقال في صباه‬ ‫‪ρρ‬مجدي الشافعي*‬

‫يـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ َر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأي بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ــوص ـ ـ ـ ـ ـ ِـل والـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ـش ف ــي ُضـ ـح ــى الـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـر ِْب أو مُ ـ ـ ـ ْـت ف ــي دج ـ ــى ال ـ ُب ـع ـ ِـد‬ ‫ِعـ ـ ـ ْ‬ ‫ِصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود ُه أو ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ ع ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـ ــودَتِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫إن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ّد َد مـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ال يُ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــدي‬ ‫ـوف أرى‬ ‫يـ ـ ـ ــا مَ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـق ـ ـ ــول غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا فـ ـ ـ ــي األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـاح مـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـس ـ ـ ــوي ـ ـ ــف ت ـ ـس ـ ـت ـ ـج ـ ـ ـ ــدي‬ ‫أي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ـردّدِ هِ‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ــا زلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ وال ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ُـب ي ـ ـ ـش ـ ـ ـقـ ـ ــى ف ـ ـ ـ ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرتَ بـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َورْدِ‬ ‫ْك إنْ ِ ّ‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ــذك ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو َ‬ ‫أراك‬ ‫َ‬

‫ت ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمٍ إن أردتَ ب ـ ــه‬ ‫تـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـم ـ ـ ــو ف ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـوَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد أ ْو تـ ـ ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـ ــو فـ ـ ـلـ ـ ـلـ ـ ـنـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬

‫ي ـ ـ ـ ـ ــا أيـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َوّاحُ ف ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ٍـل‬ ‫وأي ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َداءُ ب ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ِ ّـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ـاك اعـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــادٌ ال يـ ـ ـ ـخ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ُـط ـ ـ ــهُ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ فـ ـ ـ ـ ــي ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫_ إذا ن ـ ـ ـ ــوي ـ ـ ـ ــت جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادً ا‪ ..‬شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـك مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ف ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا انـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــاعُ أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاظ ـ ـ ـ ــرِ هِ‬ ‫ـض بـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ِّد‬ ‫إذا اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ّ‬ ‫قـ ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َر طـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك فـ ـ ـ ـ ــي أَمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن بـ ـيـ ـنـ ـهـ ـم ــا‬ ‫ـس الـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـرْقَ بـ ـ ـي ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ِ ّـي والـ ـ ـ ــرُ ْش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫مـ ـ ـ ــا يـ ـ ـطـ ـ ـم ـ ـ ُ‬ ‫ـك عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـمـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ــرتـ ـ ـ ـج ـ ـ ــي رَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬ ‫فـ ـ ـ ـك ـ ـ ــم َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوق ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوِ رْدِ‬ ‫ـك دواع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــازَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـاك إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ّ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــي رَغَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب‬ ‫و َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ دَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوف ب ـ ـ ــال ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ـك ن ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫وأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت بـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا إنْ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـك بـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـهـ ـ ـم ـ ــا‬ ‫َو َددْتَ أنْ ت ـ ـ ـج ـ ـ ـم ـ ـ ـ َع الـ ـ ـسـ ـ ـيـ ـ ـفـ ـ ـي ـ ـ ِـن ف ـ ـ ـ ــي ِغ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ـك ق ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ع ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــده مـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــي وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردِ ي‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ـف ال ـ ــمَ ـ ـ ـ ْن ـ ــعُ ِم ـ ـ ـ ــنْ زُهْ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ف ـ ــا ‪ -‬عـ ـل ــى الـ ـ ـ ُب ـ ــعْ ـ ـ ِـد ‪ -‬خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َ‬ ‫ـف ال ـ ـ ـ ـ َدفـ ـ ـ ــعُ مـ ـ ــن و َْجـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫وال‪ -‬ع ـ ـلـ ــى الـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـرْب ِ‪َ -‬كـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َ‬

‫ـأن حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــر َت ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ب ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ َر َتـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫كــــــــــــــ َّ‬ ‫حـ ـ ـ ـت ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـ ــدا لـ ـ ـ ـ ــه مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ي ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــوي َك ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ــنْ َيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــدي‬ ‫ومَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ لـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ــهِ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعٍ بـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫فـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـي ـ ـ ــس ي ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــمُ مـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـف ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــدي‬ ‫ي ـ ـ ــالـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـل ـ ـ ــو ُة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُة الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ُّـر ق ـ ـ ــاص ـ ـ ــدُ ه ـ ـ ــا‬ ‫ركـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل عـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرٍ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـك مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودي‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي إل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـك كـ ـ ــمَ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِـك لـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـكـ ـ ـ ًب ـ ــا‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــوً ا م ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ِـصـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ــرِ أو مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّرا م ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـشـ ـ ـه ـ ـ ِـد‬ ‫ـوى‬ ‫م ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـيـ ـ ــن ذاك وذا ل ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــرادِ ه ـ ـ ـ ـ ً‬ ‫ـض ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫إذا هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـ ـ ـ ـ ـ ــأم ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ لـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّ‬ ‫ـاك ي ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــحُ ب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ــن فـ ــا‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـأي سـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا ال ـ ـ ـن ـ ـ ـج ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــن يـ ـ ـسـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــدي‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدري ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردده‬ ‫ـوج ف ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ــالـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـي ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــزرِ والـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ك ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ يـ ـ ـ ـ ـ ــدفـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ يـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـن ـ ـ ــعُ ـ ـ ــهُ‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ـش يـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ـ ـ ــرُ ُه‬ ‫ـرص ي ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ُه عـ ـ ـ ـ ـ ّ َـمـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى طـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـح ـ ـ ـك ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ــن ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ن ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــهِ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ عُ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ٍـد‬ ‫وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَغْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ داعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ل ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪97‬‬


‫َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه ِمـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِـك م ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ــدْ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه فـ ـشـ ـك ــى‬ ‫ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــولَ اإلق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ ب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــنَ األخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذ وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ِ ّ​ّد‬ ‫ـك مـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه ف ـ ـب ـ ـكـ ــى‬ ‫وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـصـ ـ ـ ِـد‬ ‫م ـ ـ ــن ح ـ ـ ـيـ ـ ــرة ال ـ ـ ـق ـ ـ ـلـ ـ ـ ِـب بـ ـ ـي ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـر ِْط وال ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ْ‬ ‫َكـ ـ ـ ــمْ َص ـ ـ ـ ّ َي ـ ـ ـ َر ْتـ ـ ــهُ االمـ ـ ــانـ ـ ــي _ حـ ـي ــن ِطـ ـ ـ ـ ـ ـرْنَ ب ـ ــه يـهـفــو‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ِـد!!‬ ‫ـض ال ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫لـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــهُ ي ـ ـ ـج ـ ـ ـفـ ـ ــو ‪ -‬غـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ مـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِـك ف ـ ـ ـ ـ ــي دنـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــامِ س ـ ـ ــوى‬ ‫ُب ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ــدٌ عـ ـ ـل ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِْب أو قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٌْب عـ ـ ـل ـ ــى ال ـ ـ ـ ُبـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫***‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ــأسـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـك َيـ ـ ـ ـ ْـش ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــى دونَ غـ ـ ـ ــا َيـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫ـط وال شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد‬ ‫يـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـر ِّح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاْلُ ب ـ ـ ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍّ‬ ‫بـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــى وال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ــا ال َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزاْلُ َل ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـوت ف ـ ــي ال ـ ــمَ ـ ــهْ ـ ـ ِـد مـ ـث ــل الـ ـ ـ َعـ ـ ـ ْي ـ ـ ِـش ف ـ ــي الـ ـ ـ ّ َل ـ ـ ْـح ـ ـ ِـد‬ ‫ال ـ ـ ـمـ ـ ـ ُ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬

‫ول ِك إمْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ّ َ‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ال ي ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ُّـر بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمٌ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َقـ ـ ـ ـ ـ ْ‬

‫ـوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ بـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــردى ف ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ـ ْـح ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ي ـ ـ ــرقـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــهُ‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ــوعـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــدى يـ ـ ـ ـ ـ ــرجـ ـ ـ ـ ـ ــو ُه ف ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ـوت أص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد َر فِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــهِ م ـ ـ ـ ـ ــا َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـو ّ َ​َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ُه‬ ‫ال ال ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وال ال ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــى أ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـز َْت مـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ وَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫الحي‬ ‫زامر‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬

‫‪ρρ‬موسى غلفان واصلي*‬

‫ع ـ ـ ـلـ ـ ــى ُنـ ـ ـ ـس ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوى أع ـ ـشـ ــى‬

‫ذُ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ك ـ ـب ـ ـشـ ــا‬

‫أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق لـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي رغَ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــا‬

‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه إن ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــا‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاك الـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــب ق ـ ـ ــدّ مـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي‬

‫ب ـ ـ ـ ــرغ ـ ـ ـ ــم الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـق ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ــا يـ ـخـ ـش ــى‬

‫يُ ـ ـ ـ ــطَ ـ ـ ـ ـ ـوِّعُ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـطـ ـ ــا ولـ ـ ـه ـ ــا‬

‫أسـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــاء كـ ــال ـ ـع ـ ـط ـ ـشـ ــى‬

‫إال‬

‫إلـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ــا يُ ـ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ــى‬

‫فـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـب ـ ـ ــك ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـظ ـ ـ ــى ي ـ ـس ـ ـقـ ــي‬

‫ش ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــرات الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـش ـ ـ ــا الـ ـ ـهـ ـ ـش ـ ــا‬

‫لـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـم ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ــواعـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـج ـ ـ ــي‬

‫ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ق ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا (بـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـش ـ ـ ــا)‬

‫فـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــرقـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ــأش ـ ـ ـ ـ ــواق ـ ـ ـ ـ ــي‬

‫وك ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــح جـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــره ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـغـ ـ ـش ـ ــى‬

‫لـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا أسـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل‬

‫رش ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـاب مـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــك ل ـ ـ ـ ـ ـ ــو ّ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬

‫بـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ي ـ ـ ـط ـ ـ ـفـ ـ ــي الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـن ـ ـ ــى وطـ ـ ـ ـ ــرا‬

‫ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى ن ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــوى رع ـ ـ ـشـ ـ ــا‬

‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان يـ ـ ـجـ ـ ـمـ ـ ـعـ ـ ـن ـ ــا‬

‫ـأرض ورده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ــرشـ ـ ـ ــا‬ ‫بـــــــــــــــ ٍ‬

‫ك ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا وف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ــه‬

‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أخـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــه غـ ـ ـ ـش ـ ـ ــا‬

‫أي ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــو زام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــي‬

‫ب ـ ـ ــا رق ـ ـ ـ ــص ع ـ ـلـ ــى الـ ـ ــمَ ـ ـ ــعْ ـ ـ ــشَ ـ ـ ــى!؟‬

‫فـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ـ ــي واج ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـفـ ــي‬

‫عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى نـ ـ ـ ـف ـ ـ ــس الـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـط ـ ـ ــا ربـ ـ ـش ـ ــا‬

‫أن ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــوى س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرً ا‬

‫وزامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ح ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا أفـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــى!!؟‬

‫وال‬

‫أدري‬

‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪99‬‬


‫ُ‬ ‫غياب!‬ ‫لوعة‬ ‫ٍ‬ ‫‪ρρ‬حسني صميلي*‬

‫ـاب ي ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ؟!‬ ‫‏م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا يـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـ ــرُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ــي طـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫‏و يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ُر ب ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــا ربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع م ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ٍـن‬ ‫روض عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫ٍ‬ ‫‏ َي ـ ـ ـ ـ ـ ــزه ـ ـ ـ ـ ـ ــو بـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل‬ ‫‏أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ُه عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى شَ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرٍ س ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ٍـق‬ ‫‏م ـ ـ ـ ـ ـ ــن أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـذ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه وكـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــف أَكُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ؟!‬ ‫‏أ َْشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ‪ ،‬أدري جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر َة مُ ـ ـ ـه ـ ـ ـج ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫ـذاب يـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ُّـفـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫‏حـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـذوب ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي َز َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫‏ َويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــهِ ‪ ،‬ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫‏و َْج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا‪ ،‬و َيـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ُـف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َدي ـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ــي نـ ـ ـ ـ ــزفُ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫‪100‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ُخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ِمـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــادِ هِ‬ ‫‏نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ‪ ،‬و َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ّ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ َض ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫‏ َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـق ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ بـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ُـض ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫‏ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬وأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــاءِ ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـفـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫ـدروب ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــرِ هِ‬ ‫‏وافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأزهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ألنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ُّف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫‏و بِ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــةِ ا َ‬ ‫‏و أَن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـد ال ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــامِ أ َُض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُنـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــكُ ـ ـ ـ ــنُ خـ ـ ـ ـ ـ ــوفُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫‏قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏و أظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـل أَلـ ـ ـ ـ ـ ــثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــهُ َف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ــلُ الـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ــذا‬ ‫‏و يـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــو ُر م ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب عَ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ ًـا بـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءتْ ب ـ ـ ـ ــهِ‬ ‫‏فـ ـ ـ ـ ــأغ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ُـب مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫‏ َلـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ــا ُت ـ ـ ـ ــهُ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـاً‪ ،‬وأفْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ــى ُلـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى بِ ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫‏هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ كـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت األحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامُ مـ ـ ـ ـ ـ ــا ْ‬ ‫‏مُ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ّوهـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ أم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ و َزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ؟!‬ ‫ـان ف ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى‬ ‫‏هـ ـ ـ ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ أو سـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وصـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ !‬ ‫‏أح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــا ُر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ‪َ ..‬و َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ َتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ــنَ ْ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪101‬‬


‫ٌ‬ ‫شعرية‬ ‫نصوص‬ ‫ٌ‬ ‫نوير العتيبي*‬ ‫‪ّ ρρ‬‬

‫‪١‬‬

‫غسق الليلة األولى‪..‬‬ ‫في الثلث األخير ‬ ‫من الذكرى‬ ‫أقيس قامة الزمن‬ ‫أتلو في المساءات زبورك‪ ..‬وأشياء أخرى‬ ‫فأصير قديسة معك‪..‬‬ ‫وغسق الليلة األولى في ذاكرتي طاهر‪ ..‬كما يد أم‪..‬‬ ‫ينفض عني كل الخطايا‪..‬‬ ‫ويعصمني إذا ما شرعت‬ ‫انتظر الحكايا أن تجيء بك‬ ‫والزمن اآلثم‪ ..‬يخادعنا‪ ..‬يماطلنا‬ ‫فيطول وال يجمعنا‪..‬‬ ‫أغادر صوتي كرها‬ ‫وأكون صوتهم وصورتهم وخرافتهم التي ال تموت‪..‬‬ ‫وفي داخلي أتجلى بك‪..‬‬ ‫أخبئ طهرك عنهم وأعيد لون صوتك الفضيّ‬ ‫اغتسل بقداستك‪ ،‬وأرتل أسئلتي عنك بصوت خفيض‪..‬‬ ‫أحلم بالغناء‪ ..‬وبزبيب أيلول المعتق‬ ‫يقلقني الضياع‪..‬‬ ‫والضياع هوية العاشقين‬ ‫أخاتل شهوة الصمت‬ ‫و أرجو غيمة‬ ‫‪102‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫تعتاد خلق الدهشة في الظلمات‪..‬‬ ‫أن تمر سماءنا‬ ‫وتغرقنا بال نجوى‪..‬‬ ‫‪٢‬‬

‫قتيلها‬ ‫تهزه عيونُ النساءِ‬ ‫وتمنحه السكين َة ابتسامتها‬ ‫يمتلئ بالعراء وتزيده زادً ا من جفاء‬ ‫ينادم دربًا تهاوت عليه خطواتها‬ ‫ويقض الذكرى الغافية‬ ‫ُّ‬ ‫فيرتلها قافية قافيةً‬ ‫إني قتيلها!‬ ‫مسترسل‪..‬‬ ‫ً‬ ‫يقولها‬ ‫جئت ألستريح في ظاللك يا امرأة‬ ‫هاربًا من الحلم للحلم‬ ‫قادمً ا من عوالم تُزجي الرزايا والمنايا بال عدد‬ ‫جئتك مستنصرً ا وما معي إال غمدٌ منكسرٌ وأغنية‪..‬‬ ‫وفرحة عتيقة دسستها عن بؤس الحياة‬ ‫ألخلق منها جنة أنت فردوسها‪..‬‬ ‫يرهقني هذا العمر الضالل‬ ‫وتراكم األصفاد في يدي والنشيد الباهت في صباحات تبحث فيك‬ ‫عن نورها‪..‬‬ ‫أعرج للحلم‬ ‫البين‬ ‫ِ‬ ‫وتُسرفين في‬ ‫وتسكنين ظهر سحابة ال تمطر إال موسمين‬ ‫صفصافة هذا العمر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪103‬‬


‫يا جمارتي تسقط أيامنا‬ ‫وتُلوّن النواصي ببرق ال نُحبّه ويحبنا‪..‬‬ ‫والسؤال الكهل‬ ‫يفيض بي كل مساء‪:‬‬ ‫كيف أمضي‪ ..‬والوراء يجرني لالنتهاء؟‬ ‫وأنت تكتبين هدا التاريخ الذي ال ينتهي‬ ‫عمق فيَّ لك االنتماء‬ ‫ويُ ِ ّ‬ ‫كيف أرسم للروح بسمةً وداخل الروح توابيت لم أركنها في القبر منذ‬ ‫أربعين شتاء؟‬ ‫ما م َرّني نسوة إال وذكرتك‬ ‫فمسختهن بنورك‬ ‫قديسا ال يعرف النساء‬ ‫ً‬ ‫وعكفت في الذكرى‬ ‫يا امرأة‪..‬‬ ‫ما كان غيابك إال تمائم نزعتُ ها كفرً ا بكفرك‬ ‫واغتسلت بصمتِ ِك القدسي‬ ‫ُ‬ ‫ألعيدك لمسارات األوردة المتيبسة‬ ‫وأعيد للّيالي أقمارهن البيضاء‬ ‫عصي أنا على االنكسار‬ ‫ٌّ‬ ‫وتعرفين‬ ‫كم خلقت من طحين الحياة األسود خبزً ا‬ ‫أطعمه النهارات الماضيات‪..‬‬ ‫هل أَ ْنك َِسرُ وأنت جبيرة‬ ‫وبك الدواء‪..‬؟!‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫الخطر‬ ‫مجتمع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫■ ترجمة‪ :‬املهدي مستقيم*‬

‫فــي ح ــوار مــع الفيلسوف الـفــرنـســيّ ل ــوك فـيــري ‪1952( Luc Ferry‬م)‪ ،‬الــذي‬ ‫شغل منصب وزيــر التربية الوطنيّة في عهد رئيس الــوزراء جون بيار رافــاران ما‬ ‫بين العا َميْن ‪ 2002‬و‪2004‬م‪ ،‬وال ــذي أج ــراه كلود كابليي ‪ ،Claude Capelier‬وتــمّ‬ ‫استنباطه بتصرّف من كِ تاب «تاريخ الفلسفة األجمل» ‪La Plus belle histoire de‬‬ ‫‪ ،la philosophie‬الصادر في العام ‪2014‬م عن دار روبير الفون الفرنسيّة‪ ،‬دا َر الحوا ُر‬ ‫بشكل أساس حول السؤال اآلتي‪« :‬كيف انتهى بنا األمر إلى هذا الوضع الجديد؟‬ ‫ٍ‬ ‫قريب ركائ َز‬ ‫وقت ٍ‬ ‫لماذا أصبحنا نرتاب من مُ ثُ ٍل كانت العقول المُ ستنيرة تعدُّ ها إلى ٍ‬ ‫الحضارة األوروبيّة؟‬ ‫فيري‪ ،‬الذي هو من أشهر الفالسفة ل ــوك فــيــري إل ــى كــفــاءة وحــنــكــة على‬

‫الفرنسيّين فــي عــصــرنــا إل ــى جانب مستوى البحث واإلنجاز األكاديميَّين‪،‬‬ ‫نخص بالذكر منها كِ تاب «الفلسفة‬ ‫ّ‬ ‫ميشال أونفري وأندري كونت سبونفيل‪ ،‬والتي‬

‫يجيب بأنّ في هذا السؤال يكمن مربط السياسيّة» (في ثالثة أجزاء باالشتراك‬ ‫مع أالن رونو (‪1985-1984‬م)‪ ،‬و«مقال‬ ‫الفرس‪ ،‬ويسأل بدَوره عمّا إذا كان األمر‬ ‫ـاصــرة»‬ ‫فــي ُمــنــاهــضــة األنــســنــة ال ـ ُمــعـ ِ‬ ‫بنتيجة‬ ‫ٍ‬ ‫يتعلّق بتنك ٍّر للمُثل‪ ..‬أو أنّه يتعلّق‬ ‫(‪1985‬م)‪ ،‬و«لــمــاذا لسنا نتشيويّين»‬ ‫غير متوقَّعة لما يُمكن أن ينج ّر عن‬ ‫(‪1991‬م)‪ ،‬و«اإلنسان اإلله أو في معنى‬ ‫مبادئ كهذه؟‬ ‫الحياة» (‪1996‬م)‪ ،‬وصوالً إلى «هايدغر‪،‬‬ ‫تُشير أعمال الفيلسوف الفرنسيّ‬

‫أوهــام التقنيّة» (‪2013‬م)‪ ،‬و«االبتكار‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪105‬‬


‫الهدّام» (‪2014‬م)‪ ،‬و«تاريخ الفلسفة األجمل»‪ ،‬بها‪ ،‬نتيجة تسارع وتيرة العَولمة التي يعرفها‬

‫باالشتراك مع كلود كابليي (‪2014‬م)‪.‬‬

‫التقدّم العلميّ والتقنيّ ‪ ،‬بحيث نتجت عن‬

‫من سؤال كلود كابليي األمّ‪ ،‬يجترح لوك هاتَين الحداثتَين تصادمات وتناقضات عدّة‪،‬‬ ‫تكتنفها في اآلن نفسه عالقات خفيّة‪ .‬ومن‬ ‫فيري األسئلة ال األجوبة‪ ،‬فيتساءل َبــدوره‬ ‫أجل استيعاب هذا الوضع الجديد الذي بات‬ ‫قــائ ـاً‪ :‬هــل يرجع خوفنا إلــى ذلــك الخلل‬ ‫يرخي بظالله على الغرب المتقدِّم‪ ،‬و ُِجب‬ ‫بشكل واسع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫النَّاتج عن المرض المعروف‬ ‫أ ّوالً فهم كال الحداثتَيْن على حدة‪.‬‬ ‫والذي عهدنا على نعته بـ«مقاوَمة التغيير»‪،‬‬

‫أو أنّ األمــر يتعلّق‪ ،‬على العكس من ذلك‪،‬‬

‫بمرحلة جديدة في تاريخنا‪ ،‬منفصلة ك ّل‬

‫كتملة ودوغمائيّ ة‬ ‫حداثة أولى غير مُ ِ‬

‫تــتــفـرّد الــحــداثــة األولـــى بحسب فيري‬

‫االنفصال عن أيّ مخلَّف رجعيّ ‪ ،‬ومرتبطة بمجموعة مــن الــمــمـ ّيــزات الرئيسة التي‬ ‫بأقصى مُنتجات الحداثة التي بإمكانها أن تفضي كـ ّل واحــدة منها إلــى األخــرى‪ .‬فهي‬

‫ٍ‬ ‫تؤهّ لنا‬ ‫لمستقبل أجمل؟ إنّها أسئلة حاسمة‪ ..‬أ ّوالً‪ ،‬تتأسَّ س على تصو ٍّر سلطويّ ودوغمائيّ‬ ‫بيد أنّ مــا يُمكن أن تــقـدّمــه مــن أجــوبــة‪ ،‬للعِ لم؛ إذ كان العِ لم واثقاً من نفسه‪ ،‬وذلك‬ ‫ستجعل سيناريوهات المستقبل مختلفة تمام بإحكام قبضته على موضوع دراسته الرئيس‪،‬‬ ‫االختالف‪.‬‬ ‫الذي هو الطبيعة‪ ،‬ما دفعه إلى التمادي في‬

‫ومــن أجــل اإلجابة عن هــذه األسئلة‪ ،‬أو الدعاية لقدرته على تحقيق التناغم‪ ،‬وتحرير‬ ‫بشكل أوضــح‪ ،‬يجدر بنا البشر‪ ،‬والحرص على إسعادهم‪ ،‬من دون‬ ‫ٍ‬ ‫على األقـ ّل تأمّلها‬ ‫والــكــام لفيري‪ -‬أن نــشـدِّد على تقديم إخضاع ذاته لمحكّ النقد‪ .‬كما كان يتعهّد‬‫الــنــصــح لــلــقــارئ الــكــريــم بــقــراءة «مجتمع بتخليص الناس من أتون الظالمية الدينية‬

‫الــخــطــر»‪ ،‬بوصفه أهـ ـ ّم كِ ــتــاب أ ّلــفــه عالِم التي سيطرت على القرون الوسطى‪ ،‬وذلك‬ ‫االجــتــمــاع األلــمــانــي إيــلــريــش بيك ‪ Ulrich‬بمنحهم المسوّغات التي من شأنها‪ ،‬بحسب‬ ‫‪ ،Beck‬ويُمكننا بسط الخطوط المركزية التعبير الــديــكــارتــي الشهير‪ ،‬أن تجعلهم‬

‫ألطروحته كما يلي‪ :‬بعد الحداثة األولى التي كـــ«أســيــاد وأصــحــاب ملكية» لــعــالَــم يُمكن‬ ‫نمت بذورها في القرن الثامن عشر‪ ،‬والتي توظيفه واستثماره في ك ّل ما من شأنه أن‬ ‫هَ يمنت على القرن التاسع عشر بأكمله‪ ،‬يخدم انتعاشهم المادّي‪.‬‬

‫والتي ال تزال لم تكتمل إلى يومنا هذا‪ ،‬تكون‬

‫لقد تجذَّ رت فكرة التقدّم بعد التفاؤل‬

‫مجتمعاتنا الغربية قد أقبلت على مرحلة الكبير الــذي روَّج له الِعلم‪ ،‬وت ـ ّم تركيزها‬

‫‪106‬‬

‫جديدة‪ ،‬تتّسم بالوعي بالمخاطر المُحدقة فــي عــبــارة دالّـــة على الــحـرّيــة والــســعــادة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫الديمقراطية البرلمانية والدولة األ ّمــة؛ ما هشاشتها الظاهرة بما هي مبدأ‪ ،‬كما أثير‬ ‫أدّى إلى زواج العِ لم بالديمقراطية الوطنية‪ :‬الحديث آنــذاك‪ ،‬عن مسألة الحضارة في‬ ‫ألــم يحدث أ ْن كــان من البدهي القول إنّ شكلها المفرد‪ ،‬وكأنّها أوروبيّة األصل بيضاء‬ ‫المتوصل إليها مــن قبل األولــى ذكوريّة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الحقائق‬ ‫تُع ُّد صورة تعكس المبادئ التي تؤسِّ س لها‬

‫إنّ مجموع ما ِجئنا على ذكره أعاله من‬

‫ًّ‬ ‫الثانية‪ ،‬وهي‬ ‫مسخرة لنا من حيث األصل؟ نقاط‪ ،‬سيُمهِّد النبجاس الحداثة الثانية‪ ،‬هذه‬ ‫إنّ ما ينطبق على حقوق اإلنسان بما هي األخيرة التي ستركن إلى الدخول في قطيعة‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫وجدت تجلّيها ّ‬ ‫يمس‪ ،‬على الرّغم من‬ ‫ّ‬ ‫اللمع والمنطقي في إطار كانت ذرعـاً منيعاً ال‬

‫نقد‬ ‫نــزو ٌع َكــونــيّ صالح‪ ،‬من حيث المبدأ على مع الحداثة األولى‪ ،‬ليس كنتيجة لمفعولِ ٍ‬ ‫األقلّ‪ ،‬لك ّل الكائنات البشرية‪ ،‬بصرف النظر خارجي‪ ،‬يعتمد نموذجاً اجتماعياًّ سياسياًّ‬

‫عن عرقها وطبقتها وجنسها‪ ،‬ينطبق على جــديــداً‪ ،‬بــل على العكس مــن ذلــك تماماً‪،‬‬ ‫القوانين العِ لمية بالسواء‪.‬‬ ‫وأعني بذلك استنادها الجذريّ على مبادئها‬ ‫الخاصة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولــع ـ ّل هــذا مــا جعل مــن هــاجــس إنتاج‬

‫الثروات وتقاسمها‪ ،‬بؤرة اهتمام الدول العلمية‬

‫الديمقراطية‪ .‬ومن ثمّة كانت إيقاعاتها كما‬ ‫سبق وأعلن توكفيل‪ ،‬مؤسَّ سة على المساواة‪،‬‬ ‫أو باقتباسنا للصيَغ الماركسية‪ ،‬إيقاعات‬

‫اللمساواة‪ .‬وفي هذا‬ ‫الصراع ض ّد أشكال ّ‬

‫المخاض الصعب والحاسم في آن‪ ،‬كان من‬

‫الـ ّـازم وضع الثقة في المستقبل‪ ،‬إذ غالباً‬

‫ما كــان يت ّم إرجــاء المصاعب إلــى المرتبة‬

‫الثانية‪.‬‬

‫الحداثة الثانية‪ :‬من االعتقاد في‬ ‫التقدم إلى مجتمع الخطر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وعــن هــذه الـ ُمــفــارَقــة الهائلة‪ ،‬الــتــي ما‬

‫تزال مكسوّة بااللتباس إلى اللّحظة‪ ،‬يسأل‬ ‫كلود كابليي‪ ،‬كيف باإلمكان تفسير انتهاء‬

‫الحال باألنسنة الديمقراطية‪ ،‬المنبجسة‬ ‫شكل جديد من‬ ‫ٍ‬ ‫عــن األنـــوار‪ ،‬إلــى تقمّص‬ ‫الــحــداثــة‪ ،‬أعــقــبــه ان ــق ــابٌ عــلــى مستوى‬

‫المنظورية‪ .‬فيجيب فيري قائالً‪ :‬أ ّوالً‪ ،‬في‬

‫يخص عالقة العِ لم بالطبيعة‪ ،‬نحيل على‬ ‫ّ‬ ‫وفــي نهاية األمــر نجد الجمود قد بدأ ما‬ ‫يطبع األدوار االجتماعية والعائلية‪ ،‬بل إنها الثورة الحقيقة التي شهدتها نهاية القرن‬

‫تــحـوّلــت إلــى مــا يشبه «الطبيعة»؛ ومثال العشرين‪ ،‬إذ منذ ذلك الحين لم نعُد نميل‬ ‫ذلك أنــواع التمييز الطبقي والجنسي‪ ،‬من إلى إرجــاع األخطار الجسيمة التي تحدق‬

‫دون أن نتحدّث عــن االخــتــافــات اإلثنية‪ ،‬بنا إلى الطبيعة‪ ،‬وإنّما (لألسف) إلى البحث‬ ‫التي استم ّر الواقع في التعامل معها كما لو العِ لمي‪ ،‬حيث لم نعُد نراهن على الهَيمنة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪107‬‬


‫على الطبيعة‪ ،‬بقدر مراهنتنا على إحكام تزايد وتيرة هذا النموّ‪ .‬هنا بك ّل تأكيد يظهر‬

‫قبضتنا على البحث العِ لمي‪ ،‬ذلك أنّ العِ لم‪ ،‬س ـ ّر نجاح أولــئــك الــذيــن يــريــدون إقناعنا‪،‬‬ ‫وألوّل مرّة في تاريخه‪ ،‬أصبح ينتج للجنس شأن جمهوريّينا الجدد‪ ،‬بأنّه تمّت إمكاناتٌ‬ ‫البشري مسوّغات دماره وأفوله‪ ،‬وهذا غير للرجوع إلى الوراء‪ ،‬وأنّ التحالف القديم بين‬ ‫وارد بالنسبة إلى المجتمعات الحديثة التي العِ لم واألمّة والتقدّم مسألة ينحصر تحقّقها‬

‫باتت تعاني من مخلّفات االستثمار الصناعي في «المدنية» و«اإلرادة السياسية»‪ ..‬كم‬ ‫للتكنولوجيات الحديثة‪ ،‬بل يحصل أيضاً‪ ،‬بودّنا تصديق ذلك!‪ ،‬وخصوصاً أنّ شحنة ال‬ ‫عندما يت ّم توظيف هذه التكنولوجيا من قِ بل بأس بها من التعاطف تُرافِ ق حتماً أقوالهم‬ ‫غيرنا‪ .‬وإذا كنّا اليوم نشعر بالتهديد أكثر المفعمة بالحنين‪.‬‬ ‫من أيّ وقت مضى‪ ،‬فذلك يرجع ِلوَعينا بأنّ‬

‫اإلرهاب بإمكانه أن يمتلك من اليوم ‪ -‬أو في‬

‫وقت قريب ‪ -‬األسلحة الكيماوية‪ ،‬بل وحتّى‬

‫النووية المروّعة‪ .‬لقد بات العِ لم الحديث‬ ‫بفروعه وتفعيالته كلّها متملِّصاً منّا‪ ،‬وقوَّته‬

‫الماحقة صارت تبعث فينا الدهشة‪.‬‬

‫بنا ًء على ما سبق‪ ،‬وأمام هذه «السيرورة‬

‫نحس أنّه ما‬ ‫ّ‬ ‫َولمة تجعلنا‬ ‫فاقدة الــذات» لع ٍ‬ ‫من حَ وْكمة عالمية بإمكانها التحكّم فيها‪،‬‬

‫فــإنّ مجال الدولة‪ /‬األ ّمــة ومجال األشكال‬

‫أمــام هذا التطوّر الــذي شهدته البلدان‬ ‫األكثر تقدّماً‪ ،‬تنتصب مسألة توزيع الثروات‬ ‫إلى أن تُرجأ إلى مخطَّ ط ثانوي‪ ،‬هذا ال يعني‬ ‫أنّها قيد األفول‪ ،‬وإنّما يعني أنّها تضعف إلى‬ ‫ح ّد االندثار أمام حتميّات التضامن الجديدة‪،‬‬ ‫نظراً لتفاقُم أخطار ترتفع وتيرتها بموازاة‬ ‫تعولمها وانفالتها من قبضة الدولة‪ /‬األمّة‪،‬‬ ‫ومن أساليب العمل الديمقراطي المعهودة‪.‬‬ ‫أخــيــراً‪ ،‬ونتيجة نــقـ ٍـد ذاتـــي‪ ،‬أو بتعبير‬

‫التقليدية للديمقراطية البرلمانية بدأ يضيق‪ ،‬أفضل نتيجة تأمّل ذاتــيٍّ ذي طابع معمّم‪،‬‬ ‫حتّى ال نقول إنّه فقد قيمته‪ .‬لم تقف سحابة توضع األدوار االجتماعية القديمة على‬

‫تشيرنوبيل بفعل معجزة جمهورية اخترقت محكّ السؤال؛ فتتوقّف‪ ،‬نتيجة اختاللها‪،‬‬ ‫بشكل ين ّم عن تعرّضها لالختراق‬ ‫ٍ‬ ‫ح ــدود فرنسا‪ .‬كما أنّ الــســيــرورات التي عن الظهور‬ ‫تحكم النم ّو االقتصاديّ ‪ ،‬أو األسواق المالية‪ ،‬من قبل طبيعة خــالــدة‪ ،‬وتشهد على ذلك‬ ‫لــم تعُد هــي األخ ــرى تخضع ألوام ــر ن ـوّاب األوجه العديدة التي تتقمّصها حركة التحرّر‬ ‫الشعب الذين توقّفوا عن إخفاء عجزهم عن النسوية‪ ،‬وغيرها من الحركات المُطالَبة‬

‫االلتزام بالوعود التي يودّون تقديمها‪ ،‬أمام بالمصادقة على مطالبها الجديدة‪.‬‬ ‫ * أستاذ‪ /‬باحث‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫المرأة معنى الحياة والحب والنماء واإلشراق‪،‬‬ ‫وحبيبة ومشروعُ حياة‬ ‫ٌ‬ ‫والوطن امرأة بمعنى من المعاني‪ ،‬والقصيدة أمٌ‬

‫عــاء أحمد السيد الشهير بعالء جانب‪ ،‬شاعر مصري‪ ،‬ولــد في ‪ 25‬ديسمبر‬ ‫عام ‪1973‬م في قرية عرابة أبو دهب التابعة لمحافظة سوهاج‪ ،‬حصل على المركز‬ ‫األول ولقب أمير الشعراء في جائزة أمير الشعراء من هيئة أبــي ظبي للثقافة‬ ‫والتراث بدولة اإلمارات العربية المتحدة عام ‪2013‬م‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫المصري عالء جانب‬ ‫الشاعر‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬

‫حصل على ليسانس اللغة العربية من كلية اللغة العربية ‪ -‬جامعة األزهــر‬ ‫بأسيوط بتقدير ممتاز عام ‪1996‬م‪ ،‬والماجستير في األدب والنقد الحديث عن‬ ‫موضوع‪ :‬شعر الدكتور سعد ظالم دراسة تحليلية نقدية‪ ،‬من كلية اللغة العربية‬ ‫جامعة األزهــر بالقاهرة بتقدير ممتاز عام ‪2002‬م‪ ،‬كما نال درجــة الدكتوراه في‬ ‫األدب القديم عن موضوع (الصورة الفنية في قصيدة المدح بين ابن سناء الملك‬ ‫والبهاء زهير‪ ..‬تحليل ونقد وموازنة) بمرتبة الشرف األولى مع التوصية بطبع‬ ‫الرسالة وتبادلها بين الجامعات‪ ،‬ويعمل حاليا أستاذًا مساعدً ا بكلية اللغة العربية‬ ‫ قسم األدب والنقد‪ -‬بجامعة األزهر‪.‬‬‫صدر له أربعة دواوين شعرية هي «أنا وحدي» عن دار كاسل للطباعة عام ‪2002‬م‪،‬‬ ‫و«ولد ويكتب بالنجوم» عن دار التالقي بمصر عام ‪2011‬م‪ ،‬و«القط التوت» عن دار‬ ‫روعة بمصر عام ‪2013‬م‪ ،‬و«متورط في الياسمين» عن أكاديمية الشعر بأبي ظبي‬ ‫عام ‪2015‬م‪ ،‬كما له تحت الطبع‪ :‬ديوان «لم يفهموك»‪.‬‬ ‫شــارك فــي كثير مــن المهرجانات‪ ،‬وحصل على العديد مــن ال ــدروع والجوائز‬ ‫واألوسمة وشهادات التقدير‪ ،‬وكُ رِّم من عدة بلدان عربية منها‪ :‬الكويت واإلمارات‬ ‫والسعودية والـعــراق ولبنان وسلطنة عـمــان‪ ،‬وهــو عضو لجنة الشعر بالمجلس‬ ‫األعلى للثقافة‪ ،‬وعضو مؤتمر أدباء مصر منذ عام ‪2013‬م وحتى اآلن‪.‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬أحمد الالوندى‬

‫ ¦حدثنا عــن نشأتك وم ــدى عالقتك‬ ‫بقريتك عرابة أبو دهب؟‬ ‫‪ρ ρ‬نشأت نشأة أي طفل ريفي‪ ،‬مشيت‬

‫حافيًا في الطريق‪ ،‬وربيت الحيوانات‪،‬‬ ‫وركبت الجمل‪ ،‬والفرس‪ ،‬والحمارة‪،‬‬ ‫ومشيت على جسر الزراعة‪ ،‬غير أن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪109‬‬


‫األكثر تأثيرًا في‬ ‫روح ــي هــو منظر‬ ‫الــغــروب‪ ،‬ومنظر‬ ‫الــقــمــر‪ ،‬الــطــريــق‬ ‫إلى بيوت أخوالي‬ ‫قصيدة النثر أقبلها‪ ،‬وال أنكرها‬ ‫فــي نــجــع مــجــاور‬ ‫أدبيا جميال‪ ،‬مع‬ ‫بوصفها شكال ًّ‬ ‫كان طريقًا جبل ّيًا‬ ‫اختالفي على تسميتها‪.‬‬ ‫ب ــي ــن ال ــم ــق ــاب ــر‪،‬‬ ‫الدراما نضج في الشعر‪ ،‬يبتعد به‬ ‫وقبل الكهرباء كنا‬ ‫عن الخطابية والمباشرة‪ ،‬ويرتفع‬ ‫نذهب بعد العشاء‬ ‫به إلى الخيال اإلنساني الحساس‬ ‫أنــا وأبــي أو أحد‬ ‫ ¦هـ ـ ـ ـ ـ ــل ت ـ ـ ـك ـ ـ ـبـ ـ ــرت‬ ‫إخــوتــي أو أبــنــاء‬ ‫عليك القصيدة يومً ا‬ ‫عــمــي م ــن خــال‬ ‫وصارت عصية وممتنعة عنك؟‬ ‫هذا الطريق الذي كان مليئًا بالعفاريت‪،‬‬ ‫واألساطير في عقلي وفي مخيلتي طبعًا‪ρ ρ .‬هـ ــذا يــحــدث م ــع أي شــاعــر حقيقي‪،‬‬ ‫فالمسألة لو كانت إقامة وزن وإعــراب‬ ‫ ¦م ــا ه ــو ال ـش ـعــر م ــن وج ـه ــة ن ـظ ــرك؟ وهــل‬ ‫وقافية وصــورة كيفما اتفقت أسهل من‬ ‫لــه ضـ ــرورة فــي حـيــاتـنــا؟ وك ـيــف أصبحت‬ ‫التنفس بالنسبة لي‪ ،‬لكن الشأن في أن‬ ‫شاعرً ا؟‬ ‫تجد في نفسك حاجة إلى قول الشعر‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬قلت ذات قصيدة‪:‬‬ ‫بحيث يصبح الكتمان مــراد ًفــا للوأد‪ ،‬ثم‬ ‫راض عن تطوري وخطواتي التي‬ ‫أنا ٍ‬ ‫طامح في‬ ‫ٌ‬ ‫أحسبها جيدة‪ ،‬لكني‬ ‫تحقيق قصيدة تسكن وجدانات‬ ‫الناس‪.‬‬

‫والــقــصــيــدة‪ ،‬الــمــرأة‬ ‫معنى الحياة والحب‬ ‫والــنــمــاء واإلشــــراق‪،‬‬ ‫والـــــــوطـــــــن امـــــــرأة‬ ‫بمعنى من المعاني‪،‬‬ ‫والقصيدة أم وحبيبة‬ ‫وم ــش ــروع حــيــاة‪ ،‬كل‬ ‫ش ــع ــري أو جُ ـ ـلّ ــه ال‬ ‫يــبــتــعــد ع ــن ال ــم ــرأة‬ ‫والوطن‪.‬‬

‫الـشـعــر أن تـلــد الـقـصـيــدة ربـهــا‬ ‫في سكرة الشبق المعتق في األلم‬ ‫والعشق أن تجد العشيقة نفسها‬ ‫صنم ًا فتعبد من تعبد للصنم‬ ‫أحلى القصيدة أن تكون عشيقة‬ ‫ ¦لـمــاذا تكتب الشعر العمودي فقط؟ وما‬ ‫حـتــى تلقنك الـفـنــاء فــمً ــا لفم‬ ‫هو موقفك من قصيدة النثر وهل يمكن‬ ‫فاغرس حروفك في البياض وروّها‬ ‫أن تكتبها؟‬ ‫ال موت للحرف الذي يسقى بدم‬ ‫‪ρ ρ‬أنا أكتب الشعر بكل أنواعه‪ ،‬حتى القصيدة‬ ‫تجد عندك من لغتك ما يعبر عنك كما‬ ‫تريد‪ ،‬ال كما يريد لك الــوزن أو تسوقك‬ ‫إلــيــه اللغة‪ ،‬وهــنــا تكمن صعوبة الشعر‬ ‫وتأبيه‪.‬‬

‫ ¦حدثنا عن تجلي صورتي المرأة والوطن‬ ‫في قصائدك؟‬ ‫‪ρ ρ‬ثالثة تتماهى حتى تتحد‪ :‬المرأة والوطن‬

‫‪110‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫العامية أكتبها‪ ،‬إال المسرح الشعري فلم‬ ‫يخطر لي أن أكتبه‪ ،‬مع حبي الشديد لهذا‬ ‫الفن‪ ،‬أما قصيدة النثر فأنا أقبلها‪ ،‬وال‬


‫ ¦ال ـعــالــم بـ ــدون ال ـش ـعــر خ ــراب‪..‬ك ـي ــف تــرى‬ ‫ذلك؟‬

‫ناقصا بدونه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪ρ ρ‬كل مهتم بشيء يرى العالم‬ ‫ويرى أن فنه وصنعته ستسد النقص في‬ ‫بناء العالم‪ ،‬وال شك أن الشعر بالنسبة ¦حـصـلــت عـلــى ال ـمــركــز األول ول ـقــب أمير‬ ‫ال ـش ـع ــراء م ــن هـيـئــة أبـ ــي ظ ـبــي لـلـثـقــافــة‬ ‫لي أمر مهم ج ّدًا‪ ،‬وفي المقابل قد يكون‬ ‫والـتــراث عــام ‪2013‬م‪ ،‬صــف لنا إحساسك‬ ‫لغيري شيئًا ترفيه ّيًا وتافهًا‪ ،‬لكن العقالء‬ ‫بـعــد ف ــوزك بــالـجــائــزة؟ وه ــل كـنــت تتوقع‬ ‫قد اتفقوا على أن الشعراء أبعاض أنبياء‪.‬‬ ‫ذلك؟‬ ‫ ¦اذكر لي موقفً ا أثر فيك وما تزال تذكره؟‬ ‫‪ρ ρ‬أما التوقع فقد كنت أتوقع لكن ليس بنسبة‬ ‫‪ρ ρ‬المواقف كثيرة‪ ،‬المؤلم منها والمفرح‪،‬‬ ‫‪ ،%100‬ألن ذلك أمر غيبي ال يعلمه أحد‬ ‫الدامع‪ ،‬والمبتسم‪ ،‬والباكي فرحً ا‪ ،‬والصارخ‬ ‫إال اهلل‪ ،‬أمّا وقد صارت األمور إلى الخير‬ ‫جزعً ا‪ ،‬الوتر مشدود دائمًا‪ ،‬لذلك كل نقرة‬ ‫فقد كنت فرحً ا ج ـ ّدًا بفوزي بالجائزة‪،‬‬ ‫بريشة الزمن تحدث نغمًا ما‪ ،‬لكني أحب‬ ‫فمن ناحية مثلت شعراء بلدي تمثيال يليق‬ ‫ذكرى هبَّة الشعب المصري في يناير‪.‬‬ ‫كما أظن‪ ،‬ومن ناحية أخرى حققت حُ لمًا‬ ‫ ¦ف ــي ق ـصــائــدك درامـ ـ ــا‪ ..‬ه ــل ه ــذه ال ــدرام ــا‬ ‫راودني منذ انطالق المسابقة‪.‬‬ ‫تجذب القارئ أو المستمع؟‬ ‫ ¦م ــاذا تـمـثــل لــك الـقـصــائــد ال ـتــي ألقيتها‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫أنكرها بوصفها شكال أدب ّيًا جميال‪ ،‬مع‬ ‫اختالفي على تسميتها قصيدة‪.‬‬

‫تتفاوت أشعارنا إذاً؟ دائمًا هناك افتراضي‬ ‫يجلس عن كثب يترقب مــاذا نكتب‪ ،‬قد‬ ‫يكون هذا االفتراضي أنا ذاتي‪ ،‬وقد يكون‬ ‫غــيــري‪ ،‬الــقــارئ عفريت يسكن اإلب ــداع‪،‬‬ ‫والفنان نفسه ينشطر أثناء الكتابة إلى‬ ‫أصل ومرآة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬الــدرامــا نُضج في الشعر‪ ،‬يبتعد به عن‬ ‫الخطابية والــمــبــاشــرة‪ ،‬ويــرتــفــع بــه إلى ‪ρ ρ‬تمثل مرحلة من مراحل نضج القصيدة‬ ‫الــخــيــال اإلنــســانــي الــحــســاس‪ ،‬فاللفتة‬ ‫عندي‪ ،‬لكنها تبقى قصائد كغيرها‪ ،‬وقد‬ ‫الدرامية الــواحــدة خير من خطابة مئة‬ ‫قلت من قبل إن البرنامج لم يُخرج أفضل‬ ‫صفحة‪.‬‬ ‫مــا لــديّ مــن الشعر‪،‬‬ ‫آنذاك على مسرح شاطئ الراحة؟‬

‫ ¦ه ــل ت ـضــع ال ـق ــارئ‬ ‫فــي اعتبارك وأنــت‬ ‫تكتب القصيدة؟‬ ‫‪ρ ρ‬بالطبع‪ ..‬فالقارئ‬ ‫شــريــك ف ــي نــتــاج‬ ‫الـــــنـــــص‪ ،‬لـ ــمـ ــاذا‬

‫القارئ شريك في نتاج النص‪ ،‬ولذا‬ ‫تتفاوت أشعارنا‬

‫المعارف النقدية إذا طغت في‬ ‫ناقدا‪ ،‬وإذا كانت تقف‬ ‫ً‬ ‫تأثيرها كنت‬ ‫خاشعة لموهبة الشعر بحيث ال‬ ‫تتغلب عليها فأنت الشاعر!‬

‫وإنما اخترت له من‬ ‫القصائد ما يناسبه‪.‬‬ ‫ ¦مـ ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ــي أه ـ ـ ــم‬ ‫الكتب التي أثرت في‬ ‫ذائقتك وأسهمت في‬ ‫نمو تجربتك؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪111‬‬


‫‪ρ ρ‬سؤالك صعب‪ ..‬ألن المؤلف الواحد له‬ ‫عدة كتب‪ ،‬وأنا مفتون بكثير من الكتَّاب‪،‬‬ ‫كمحمود شــاكــر‪ ،‬وطــه حسين‪ ،‬والعقاد‪،‬‬ ‫ومــحــمــد ع ــب ــده‪ ،‬والــشــيــخ مــحــمــد زكــي‬ ‫إبراهيم‪ ،‬ومئات غيرهم‪.‬‬

‫يذكرني بالموت دائمًا مع علمي أنه يفتح‬ ‫للحياة نافذة جديدة‪ ،‬ال شك أن السفر‬ ‫والقراءة هما وسيلتا الخروج من كل ضيق‬ ‫إلى متسعات مذهلة‪.‬‬ ‫ ¦ه ــل أنـ ــت راض ع ـم ــا وصـ ـل ــت إلـ ـي ــه؟ وم ــا‬

‫ ¦أنت تعمل في جامعة األزهر بقسم األدب‬ ‫والـنـقــد أس ـت ــا ًذا م ـســاعــدً ا‪ ..‬إل ــى أي مــدى‬ ‫أفادتك معارفك النقدية في الكتابة؟‬ ‫‪ρ ρ‬الرضا بمعنى اكتمال المشروع ال‪ ،‬لكني‬ ‫الجديد الذي أضفته للشعر؟‬

‫راض عن تطوري وخطواتي التي أحسبها‬ ‫ٍ‬

‫‪ρ ρ‬المعارف النقدية إذا طغت في تأثيرها‬ ‫جيدة‪ ،‬لكني طام ٌح في تحقيق قصيدة‬ ‫كــنــت ن ــاقــدًا‪ ،‬وإذا كــانــت تــقــف خاشعة‬ ‫لموهبة الشعر بحيث ال تتغلب عليها فأنت‬ ‫تسكن وجدانات الناس‪.‬‬ ‫الشاعر‪ ،‬أنا دائمًا في قلق على موهبتي من‬ ‫ ¦م ــا ال ـ ــذي ي ـن ـقــص عـ ــاء ج ــان ــب ال ـشــاعــر‬ ‫طابع األكاديمية‪ ،‬فاألكاديميون يحسبون‬ ‫واإلنسان؟‬ ‫كل شــيء‪ ،‬والشعراء ال يحسبون حساب‬ ‫ش ــيء‪ ،‬ه ــؤالء علميون ونــحــن شعريون‪ρ ρ ،‬وقت لقراءة األدب العالمي بلغاته األصلية‪.‬‬ ‫والشعر ضد العلم كما يقول ريتشاردز في‬ ‫ ¦هل لك جمهور أم قرَّ اء؟‬ ‫كتابه القيم «العلم والشعر»‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬أفهم تفرقتك بينهما بالطبع مع أنهما‬ ‫ ¦ما الذي يقلقك؟‬ ‫واحد‪ ،‬لكن بناء على فهمي لسؤالك‪ ..‬نعم‬ ‫‪ρ ρ‬الوطن ومستقبله‪ ..‬أكبر قلق‬ ‫عندي جمهور يأتي ألمسياتي بالمئات‪،‬‬

‫وجـ ـه ــي ل ــوج ــه اهلل ي ـش ـكــو بـثــه‬ ‫وبمصر شعب في انتظار مصيره‬ ‫ومتابعين لليوتيوب والفيس بوك والتويتر‪.‬‬ ‫وط ـ ـ ــن وح ـ ـ ــق اهلل ل ـ ــم أر ق ـب ـلــه‬ ‫وط ـن ــا ي ـج ــدّ ب ـن ــوه ف ــي تــدم ـيــره ¦رســالــة توجهها إل ــى صعيد م ـصــر‪ ..‬مــاذا‬ ‫وعــنــدي ق ـ ـرَّاء فــي شــتــى بــقــاع األرض‪،‬‬

‫ ¦هــل يمكن للكتاب اإللـكـتــرونــي أن يكون‬ ‫بديال للكتاب الورقي؟‬ ‫‪ρ ρ‬بالنسبة لنا ال‪ ،‬وسوف تسأل هذا السؤال‬ ‫معكوسً ا ألوالدنا بعد ذلك‪.‬‬ ‫ ¦ماذا يمنحك السفر وماذا يأخذ منك؟‬

‫‪112‬‬

‫‪ρ ρ‬أحب السفر ج ّدًا‪ ،‬وأكره مواعيده‪ ،‬السفر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫تقول له؟‬ ‫تمسَّ ك بقيمك‪ ،‬فأنت هويتنا أيها الجنوب‪،‬‬ ‫يا مصدر الحضارة‪ ،‬وواضع الحجر األول‬ ‫في معابد الحب‪ ،‬يا أبا النهر‪ ،‬والشمس‪،‬‬ ‫والجباه العنيدة‪ ،‬كن ظهيرًا لمصر أظهرها‬ ‫اهلل على عدوها‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعرة‬ ‫اعتــدال‬ ‫ِذكـر اهلل‬ ‫تمخضت تجربتي الكتابيَّ ة‪،‬‬ ‫لوال النقد لما َّ‬ ‫انتباهَ القارئ الفَ ِطن‬ ‫وج‪ ،‬وال لفتت ِ‬ ‫وما دخلت طورَ النُّ ُض ِ‬

‫اعتدال موسى ذكراهلل‪ ..‬شاعرة سعودية من مواليد األحساء‪ ،‬الهفوف‪1976 ،‬م‪..‬‬ ‫أثرت المكتبة الشعرية العربية بعدد من الدواوين الشعرية‪ ،‬من دواوينها‪« :‬تراتيل‬ ‫الــروح في زمــن الغربة‪1424 -‬ه ــ» و« أينعت األش ــواق‪1427 -‬ه ــ» و«أغــاريــد البالبل‪/‬‬ ‫ُك عشقاً‪1432 -‬هــ»‪ ،‬وصدر لها مؤخرا‬ ‫ديوان شعر لألطفال‪1428 -‬هـ» و«استمطرت َ‬ ‫الديوان الخامس بعنوان «وإنني في الحب ال أتعفف!!» عن الدار العربية للعلوم‬ ‫ بـيــروت‪ ،‬ولها الكثير مــن المشاركات فــي األمسيات الشعرية على المستويين‬‫المحلي والـعــربــي‪ ..‬وعندما تحضر فــي منبرٍ شـعــري‪ ،‬دائـمـ ًا توثق هــذا الحضور‬ ‫وتميزه بثقة وإضافة جديدة‪ ،‬وطموحها ليس له حدود مع القصيدة‪« ،‬قصيدتها‬ ‫صوتها‪ ..‬صوتها قصيدتها»‪ ،..‬رأيها وموقفها نابع من إيمانها الــذي يتكئ على‬ ‫حي‪ ،‬بهيكليةٍ‬ ‫الشع َر كائنٌ ٌّ‬ ‫ثقافة تتسلح بعمق أصالتها‪ ،‬تقول‪ ...« :‬كلي يقين أن ِّ‬ ‫الشعُ ور‪،‬‬ ‫وأساسه ُّ‬ ‫ُ‬ ‫أسه‬ ‫عُ ضويَّة ٍ مُ تكاملة‪ ،‬ينمو‪ ،‬ويتطوَّ ر‪ ،‬ويمرض وال يموت! ما دام ُّ‬ ‫والح ُّس‪ ،‬واإلحساس‪ ..‬ووفق معاييره التنظيميَّة المُ حافِ ظة فيه على‬ ‫والعاطفة‪ِ ،‬‬ ‫تفرُّ دِ ه من بين فُ نون األدب‪ ،»!..‬هذه الديباجة‪ ،‬نافذة لحواري مع «شاعرة األحساء»‪..‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫لوال النقد‪ ..‬يظل العمل األدبي ناقصاً‪!..‬‬

‫لــدواويـنــك الـشـعــريــة‪ ،‬منها مــا نشر‬

‫ ¦هناك قراءات نقدية قام بها عدد من‬

‫عـلــى الـصـحــف الـمـحـلـيــة والـعــربـيــة‬

‫النقاد واألكاديميين محليا وعربيا‬

‫أي ـ ـض ـ ـاً‪ ،‬ف ـم ــن ه ـ ــذه ال ـ ـ ـقـ ـ ــراءات ك ــان‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪113‬‬


‫أع ــرجــاً‪ ،‬وال يمكنه‬ ‫بمثابة االحتفاء‬ ‫الموهوب في إمكانه أن يكتُ َب‬ ‫َ‬ ‫الشاعرَ‬ ‫َّ‬ ‫التَّحلي َق فــي فضاءِ‬ ‫ب ــاس ـم ــك ك ــام ــرأة‬ ‫قصة‪ ،‬ولكن الروائي النَّ اثر‬ ‫رواية‪ ،‬أو َّ‬ ‫الـ ـ ــوجـ ـ ــودِ ‪ ،‬وعـــالـــمِ‬ ‫اسـ ـ ـتـ ـ ـط ـ ــاع ـ ــت أن‬ ‫الشعر‬ ‫ال يمكنه أن يمتطي صهوة ِّ‬ ‫اإلمــــــكــــــان‪ !..‬وف ــي‬ ‫ت ــرس ــم ح ـضــورهــا‬ ‫وباألخص العمودي الخليلي‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫أعماق ك ِّل مُبدِ ٍع يكم ُن‬ ‫بتميز في الساحة‬ ‫ود ِّي‬ ‫السعُ ِ‬ ‫التربية والتعليم ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إقرارَ وزارةِ‬ ‫نــاق ـدٌ‪ .‬يــقــرأ ُ‪ ،‬يُــق ـ ِّومُ‪،‬‬ ‫الـ ـشـ ـع ــري ــة‪ ،‬وم ــن‬ ‫الشعريَّ ة‬ ‫نصين من نُ صوصي ِّ‬ ‫تدريس َّ‬ ‫َ‬ ‫يُشذِّبُ ‪ ،‬ويُهذِّب! ومن‬ ‫ه ـ ـ ــذه ال ـ ـ ـقـ ـ ــراءات‬ ‫في مناهج التعليم الرسمية في‬ ‫هنا تستطيع أن تج َد‬ ‫ناه َضةٌ وتعزيز دور‬ ‫الدولة‪ ..‬خطوةٌ ِ‬ ‫أي ـض ـ ًا م ــا حــاولــت‬ ‫السعودي في تشكيل واقعنا‬ ‫األديب ُّ‬ ‫اعــتــدا َل الــشَّ ــاعــرة‪..‬‬ ‫أن ت ــدخ ــل عــالــم‬ ‫ثقةً‬ ‫أشبعتني‬ ‫ها‬ ‫نُّ‬ ‫وأظ‬ ‫ُ‬ ‫المحلي‪،‬‬ ‫التربوي‬ ‫حيثُ إضاءاتُ التَّأثُّـرِ‬ ‫ال ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ــرة م ــن‬ ‫أكتب‪.‬‬ ‫ما‬ ‫ة‬ ‫ِ‬ ‫بواقعيَّ‬ ‫من بين ثنايا النَّقدِ ‪،‬‬ ‫خـ ــال الـقـصـيــدة‬ ‫والـــــرَّد‪ !..‬وأظـــنُّ أنَّ‬ ‫وعـ ـ ـ ـ ــوال ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫الشَّ اعرَ‪ ،‬أو الكاتبَ الذي ال يأبَـ ُه بالنَّقدِ ‪،‬‬ ‫وفنياتها‪ ..‬هــل اسـتـطــاع النقد أن يصل‬ ‫واالنتِقاد‪ ،‬ويتجاه ُل الرأيَ ‪ ،‬وال يهت ُّم بوقعِ‬ ‫أو يضيء للشاعرة اعتدال ذكــراهلل زاوية‬ ‫ـص لــدى المُتلقِّي‪ .‬ويخشى األثــرَ‪..‬‬ ‫الـ َّنـ ِّ‬ ‫«ما» في فضاء الشعر‪ ،‬أم أنك ال تهتمين‬ ‫مَعتُوهاً إبــداعـ َّيـاً!! يحتا ُج إلــى مُعالجة‬ ‫بالنقد وال تخشينه؟‬ ‫فِ عليَّة يتشفى فيها من وَعَ ـ ِـك التَّوجُّ ِس‪،‬‬ ‫ـص ال ـنُّ ـ َّقــاد‪ ،‬وت ــذ ُّو ُق‬ ‫‪ρ ρ‬لــوال النَّـقدُ‪ ،‬وتــفــحُّ ـ ُ‬ ‫الل مُباالة!‬ ‫ونرجسيَّةِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫الفنِّيين المُحترِ فين‪ ،‬وال ُقرَّاءِ المُجيدِ ين‬ ‫ِّراسات‬ ‫ِ‬ ‫وصي الشِّ عريَّة في تلك الد‬ ‫ُص ِ‬ ‫لن ُ‬ ‫جوهر التواصل‪!..‬‬ ‫النقدِ يَّة‪ ،‬والــقِ ــراءات الف ِّنيَّة‪ ،‬واإلشــارات ¦أق ـ ـمـ ـ ِـت أمـ ـسـ ـي ــات ش ـع ــري ــة فـ ــي ع ـ ــدد مــن‬ ‫االنــطــبــاع ـ َّيــة‪ ،‬لــمــا تــمــخَّ ــضــت تجربتي‬ ‫المنابر كاألندية األدبـيــة والمهرجانات‬ ‫ـضــوجِ‬ ‫الــكــتــاب ـ َّيــة‪ ،‬وم ــا دخــلــت طـــو َر ال ـنُّـ ُ‬ ‫الثقافية‪ ،‬طبعا هــذا التواصل المباشر‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬وال لفتت انتبِاهَ القارئ الف َِطن‪،‬‬ ‫م ــع الـ ـق ــارئ «ال ـج ـم ـهــور» ل ــه الـكـثـيــر من‬ ‫ونالت استحسانكم عن بُعد لنكو َن هنا‬ ‫األه ـم ـيــة ل ـل ـشــاعــر‪ ،‬ف ـهــو ي ـت ـعــرف كيفية‬ ‫معاً في هذا الحوار!!‬ ‫وص ــول قصيدته لــآخــريــن‪ ،‬وم ــدى األثــر‬

‫‪114‬‬

‫فالنَّق ُد مِ حو ُر العَمليَّةِ اإلبداعيَّة‪ ،‬ومدا ُر‬ ‫اإلنتاجيَّةِ الجماليَّةِ الفاعلة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تكامُليَّةِ‬ ‫بديناميكيَتِها ذات األثــرِ ‪ ،‬والتَّأثير‪ .‬ومن‬ ‫باهتاً‪،‬‬ ‫دونها يظ ُّل العم ُل األدبيُّ ناقِ صاً‪ِ ،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫ال ــذي تركته القصيدة مــن خــال درجــة‬ ‫ال ـ ـت ـ ـفـ ــاعـ ــل‪ ،..‬الـ ـش ــاع ــرة اع ـ ـ ـتـ ـ ــدال‪ ..‬هــل‬ ‫تؤيد وتــؤكــد أهمية مثل هــذه األمسيات‬ ‫الشعرية؟‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ــــــك‬ ‫‪ρ ρ‬مــــمــــا ال شَ َّ‬ ‫فـــيـــه! وأظُ ـ ـ ـنُّ ـ ــكَ‬ ‫س ــأل ــتَ وأج ــب ــتَ‬ ‫ه ـ ــن ـ ــا!! فــيــبــقــى‬ ‫تعزيز دور األديب‬ ‫ومنصاتُ‬ ‫َّ‬ ‫المِ نبرُ‪،‬‬ ‫معزل عما‬ ‫ٍ‬ ‫المرأةُ المبدعة ليست في‬ ‫السعودي‪!..‬‬ ‫اإللـــــقـــــاء‪ ..‬عــبــر يُ حيطها من أحداث‪ ،‬وشؤون البلد‪..‬‬ ‫ ¦اع ـت ـمــد م ـشــروع‬ ‫الـ ــمـ ــلـ ــتـ ــقـ ــيـ ــات‬ ‫واستطاعت أن تترجم تمازجها‬ ‫الـ ـتـ ـط ــوي ــر ال ـش ــام ــل‬ ‫ال ــج ــم ــاه ــي ــري ــة‪،‬‬ ‫بالحدث عبر كتاباتها وبحوثها‬ ‫لـلـمـنــاهــج الــدراس ـيــة‬ ‫ومـــــبـــــاشـــــريَّـــــة‬ ‫وحضورها على كافَّ ة األصعدة‪.‬‬ ‫ل ـطــال ـبــات الـمــرحـلــة‬ ‫ال ـ ُمــتــلــق ـيَ ـيْــن من‬ ‫أعدها‬ ‫الشخصيَّ ة‪..‬التي ُّ‬ ‫مكتبتي َّ‬ ‫االب ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــدائ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــة ف ــي‬ ‫ُــرتــكــزات‬ ‫ِ‬ ‫أهــــ ِّم م‬ ‫نوات‪،‬‬ ‫الس ِ‬ ‫وخزائن َّ‬ ‫َ‬ ‫ثروتي العُ ُم ِريَّ ة‬ ‫الـ ـ ـسـ ـ ـع ـ ــودي ـ ــة ال ـ ـ ــذي‬ ‫َّواصل اإلنتاجي‬ ‫الت ُ‬ ‫وعلُومَ‬ ‫الدنيا‪ُ ،‬‬ ‫معارف ُّ‬ ‫َ‬ ‫أنهل‬ ‫منها ُ‬ ‫ت ـعــده وت ـن ـفــذه وكــالــة‬ ‫النَّاهض للكاتب‪..‬‬ ‫المجل َ​َّد‬ ‫الثُّ قاة‪ ..‬أتصفَّ ُح فيها ُ‬ ‫التخطيط والتطوير‬ ‫وصغارَ الكُ تيِّ بات‪.‬‬ ‫خم‪ِ ،‬‬ ‫الض َ‬ ‫َّ‬ ‫شــاعــراً كـــان‪ ،‬أم‬ ‫ف ــي وزارة ال ـت ـع ـل ـيــم‪،‬‬ ‫أديــبـاً في أيٍّ من‬ ‫ون األدب‬ ‫فن من فُ نُ ِ‬ ‫ألي ٍّ‬ ‫أنا ال أتنكَّ ر ِّ‬ ‫الشعر الحديث ن ـ ـص ـ ـيـ ــن ل ـ ـل ـ ـشـ ــاعـ ــرة‬ ‫نوف ِّ‬ ‫وكل ُص ِ‬ ‫ُف ـ ـنُـ ــون األدب‪ ..‬العربي‪ُّ ..‬‬ ‫اعـتــدال ذك ــراهلل‪ ،‬هما‬ ‫فــمــن خـــالِ تلك‬ ‫(حر ‪/‬‬ ‫جميلة بكافَّ ة مسمَّ ياته ُ‬ ‫«وطـنــي» و«معلمتي»‪،‬‬ ‫الــلــقــاءات يتم َّك ُن‬ ‫مُ رسل ‪ /‬تفعيلة ‪ /‬مُ طلق ‪ /‬حديث ‪/‬‬ ‫ـص ـ ـ ــان م ــن‬ ‫ـص مُ عاصر)‪ ..‬ولكن ال تقل قصيدة نثر!! وه ـ ـ ـمـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ّ‬ ‫ال ـ ُمــرس ـ ُل ال ـ َّنـ َّ‬ ‫مـ ـجـ ـم ــوع ــة اع ـ ـتـ ــدال‬ ‫م ــن الــطُّ ــمــأنــيــنــة‬ ‫الـــشُّ ـــعُـــورِ يَّـــة من‬ ‫الـ ـشـ ـع ــري ــة «أغ ـ ــاري ـ ــد‬ ‫جوهر التَّواصل‪ ،‬وكُنهِ العَالقةِ بينه وبين‬ ‫البالبل»‪ ،‬هل سيكون لهذه الخطوة من‬ ‫اآلخر من محاور لغة الجسد‪ ،‬والتلوين‬ ‫قبل الوزارة صدى على تجربتك الشعرية‬ ‫ـصــوتــي‪ ،‬وتمثيل الــمــعــانــي‪ ،‬ودرام ـ َّيــة‬ ‫الـ َّ‬ ‫موضوعيً ا وفنيً ا؟‬ ‫الن ِّ‬ ‫نصين من‬ ‫تدريس َّ‬ ‫َ‬ ‫َّص‪ ..‬وبالطبعِ ك ُّل هذا يتطلبُ المزي َد ‪ρ ρ‬إنَّ إقرا َر وزارة التعليم‬ ‫أدوات مُقابلة الجمهُور‪ ،‬واعتالء‬ ‫ِ‬ ‫مــن‬ ‫نُصوصي الشِّ عريَّة في مناهج التعليم‬ ‫ـواصــل! ومــث ـ ُل هذه‬ ‫المِ نبر‪ ،‬و ُقـ ــدرة ال ـ َّتـ ُ‬ ‫صها‬ ‫الرسمية في الدولة ‪ -‬بعد تفحُّ ُ‬ ‫اللقاءات تفت ُح العدي َد من النَّوافذ للمُرسل‬ ‫مــن اللجنة العلميَّة لمشروع الملك‬ ‫(الشَّ اعر) والمُتلقي (الجمهور)‪ .‬وتخل ُق‬ ‫عبداهلل لتطوير المناهج‪ -‬هي خطوةٌ‬ ‫ج َّواً من التَّفاعُليَّةِ اإلبداعيَّةِ المُشتركة‪.‬‬ ‫األدب السُّ عودي من‬ ‫ِ‬ ‫ض ٌة في تمكين‬ ‫ناه َ‬ ‫ِ‬ ‫أدعو لالنتباه إلى المسرح‪ ،‬هذا‬ ‫الفن الجماهيري الحضاري النَّ اهض‬ ‫ِّ‬ ‫واالهتمام فيه في ظل تطور البلد‬ ‫في االتجاهات كافَّ ة‪!..‬‬

‫لــتــتــش ـ َّك ـ َل واق ــعِ ـ ـ َّيـ ـ ُة‬ ‫الـــحَ ـــد َِث بــتــكــا ُمـ ِلـ َّيــةِ‬ ‫العَالقة!‬

‫‪115‬‬


‫فن المسرح‪!..‬‬ ‫ ¦وأنــا أقــرأ سيرتك الــذاتـيــة «اإلبــداعـيــة»‪..‬‬ ‫ه ـنــاك م ــا يـشـيــر إل ــى ح ـصــدك لـلـجــائــزة‬ ‫األول ــى للتأليف المسرحي مــن جامعة‬ ‫ال ـم ـلــك ف ـي ـصــل‪ ،‬ه ــل ل ـل ـشــاعــرة اع ـت ــدال‬ ‫أن ت ـبــوح لـنــا عــن تـجــربـتـهــا فــي الـفـضــاء‬ ‫المسرحي؟‬

‫‪116‬‬

‫مناهجنا التعليميَّة‪ ،‬وتعزيز لدور األديب‬ ‫السُّ عودي في تشكيل واقعنا التربوي‬ ‫المحلي‪ ،‬وأظُ نُّها أشبعتني ثق ًة بواقعيَّةِ‬ ‫وتواصليَّةِ العمليَّةِ اإلنتاجيَّة‬ ‫ُ‬ ‫ما أكتب!‬ ‫الفكريَّة بِهدفيَّةِ التَّعاطي مع الكلمةِ‬ ‫ـاعــلــة‪ ،‬وأ َّنــهــا لتجرب ٌة عميق ٌة في‬ ‫الــفـ ِ‬ ‫الملموس‬ ‫ِ‬ ‫الولوجِ لِعالمِ اإلنجازِ الفعلي‬ ‫واقِ عاً‪ ،‬ولِترداد الكلمات الشِّ عريَّة على‬ ‫الطالب والطالبات في مدارس‬ ‫ِ‬ ‫ألسن‬ ‫وهــجَ ــر مناطق المملكة‬ ‫قــرى ومُـــدُن ِ‬ ‫األث ــر األعــظــم فــي مراقبة مسؤوليَّة‬ ‫الكتابة‪ ،‬والتَّعامُل مع اللُّغةِ ‪ ،‬والحرف‪..‬‬ ‫وإن جــاءت ببساطة الفكر الطفولي‪،‬‬ ‫وسالسة األسلوب المُنتقى وقتها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫األدب‬ ‫ِ‬ ‫‪ρ ρ‬يُع ُّد فنُّ المسرح من أرقى ُفنُون‬ ‫وبرؤية‬ ‫ٍ‬ ‫العالميَّة والتي من شأنها أن تسهم‬ ‫بائِنة‪ ،‬مُستبانة‪ ،‬جليَّة األثر في تهذيب‬ ‫ُوك البشري‪ ،‬وتأدُّم الفِ علِ ‪ ،‬وتأنسُ نِ‬ ‫السُّ ل ِ‬ ‫األطباع‪ ،‬ومن خاللِ مشاهده الدَّ رامِ يَّة‬ ‫ال ُمتَّصلة بالواقع المُعاش يتم ّك ُن من‬ ‫َّحضر‪ ،‬والتَّمدُّن الفكري‬ ‫تأدية رسالة الت ُّ‬ ‫الــ َّن ــاه ــض‪ ..‬ولــقــد أجــــدَت ُمــحــاوالتــي‬ ‫اإلنتاجية في التأليف المسرحي نفعاً‪،‬‬ ‫ُختصين في هذا‬ ‫ونالت استحسا َن الم ِّ‬ ‫شغف بكل ما هو جميل‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫الفنِّ في لحظةِ‬ ‫حيث كنتُ حينها مُشتتة الكتابات ما بين‬ ‫وشــعــراً‪..‬‬ ‫فنون األدب‪ ،‬وأطيافه نــثــراً‪ِ ،‬‬ ‫فكتبتُ نصوصاً مسرحية اجتماعية‪،‬‬ ‫وتوعويَّة‪ ،‬ووطنيَّة‪ ،‬وفي الطبيعةِ والتَّناغُم‬ ‫وجــمــال الــصــانــعِ عـ ـ َّز جــالــه! وكــانــت‬ ‫إسهاماً جا َّداً في تفعيل هذا الفن األدبي‬ ‫شبه الغائب عــن أدبــنــا المحلي‪ ..‬وقد‬ ‫بعض نصوصي المسرحيَّة تلك‬ ‫ُ‬ ‫نُفِّذت‬ ‫على مــســارح (جــامــعــة الملك فيصل‪/‬‬ ‫وكلية التربية‪ /‬ومركز التعليم المستمر‬ ‫بمستشفى الملك فهد بالهفوف أثناء‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫حمالت التوعية بأمراض الدم الوراثية‪.‬‬

‫الشعريَّ ة‬ ‫ُغة ِّ‬ ‫وج الفَ نِّ ي لل ِ‬ ‫النُّ ُض ِ‬

‫وفي إدارة التربية والتعليم‪ /‬ودار الرعاية ¦«تراتيل الروح في زمن الغربة‪1424 -‬هــ»‪،‬‬ ‫االجــتــمــاعــيــة) م ــع مــســرحــيــة شــعــر َّيــة‬ ‫و«أي ـن ـعــت األش ـ ــواق‪1427 -‬ه ـ ـ ــ»‪ ،‬و«أغ ــاري ــد‬

‫إنــشــاد َّيــة لــأطــفــال بــعــنــوان «ســوســن»‬

‫و«بستان األحالم» التي أجازتها مُؤخَّ راً‬ ‫وزارة الثقافة واإلعالم للعرض بالتعاون‬ ‫مع الجمعية السعودية للثقافة والفنون ‪-‬‬

‫فرع األحساء‪ .‬وأرجأتها الحقا ألسبقيَّة‬ ‫نصوص مسرحية‪ ،‬وتعذُّر التَّمويل المادي‬

‫البالبل‪ /‬ديوان شعر لألطفال‪1428 -‬هـ»‪،‬‬ ‫ـك عـشـقـاً‪1432 -‬ه ـ ــ»‪ ،‬وصــدر‬ ‫و«اسـتـمـطــر ُتـ َ‬ ‫مؤخر ًا الديوان الخامس بعنوان «وإنني‬ ‫في الحب ال أتعفّ ف!!» عن الدار العربية‬ ‫للعلوم ‪ -‬بيروت‪ ..‬طبعاً‪ ،‬مالمح تجربتك‬ ‫الشعرية بدت تتشكل من ديوانك األول‬

‫إلنتاجها درام َّياً!!‬

‫بخصوصية البوح وتميزه‪ ..‬ولكن أجد أن‬

‫َهيب‬ ‫َّاب ذلك الفنِّ الم ِ‬ ‫وال أنسبُ نفسي ل ُكت ِ‬

‫شاعرتنا خصت ديوانها األخير بوصفه‬

‫ومُرتاديه‪ ..‬غير أنني كتبته‪ ،‬وحَ قَّقتُ من‬ ‫خالله أهدافاً فكريَّة‪ ،‬اجتماعيَّة‪ ،‬تربويَّة‪،‬‬

‫إبــداع ـ َّيــة‪ ،‬جماليَّة سامية‪ .‬وإ َّنــنــي هنا‬

‫ألجدها فرصة للدعو ِة لالنتباه إلى هذا‬

‫م ــرآة لـلـتـجــارب الـســابـقــة‪ ،‬وبخصوصية‬ ‫مغايرة عنها على المستويين الموضوعي‬ ‫والفني‪ .‬هل نحظى منك ببوح خاص عن‬ ‫هذه التجربة؟‬

‫الفنِّ الجماهيري الحضاري النَّاهض‪ρ ρ ،‬المتت ِّب ُع تجربتي الشِّ عريَّة عبر مساري‬ ‫واالهــتــمــام فــيــه فــي ظــل تــطــور البلد‬ ‫الــكــتــابــي اإلنــتــاجــي مــع دي ــوان ــي األول‬

‫المنعكس في االتجاهات كافَّة‪.‬‬

‫«تراتيل ال ـرُّوح في زمــن الغُربة ‪2004‬م‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪117‬‬


‫‪118‬‬

‫حتى إصــداري الحديث ‪ 2017‬م «وإنَّني‬ ‫َّف»‪ ،‬ووفق إطار زمني‬ ‫في الحُ بِّ ال أتَ َعف ُ‬ ‫قابل للتغيير‪ ،‬والتطوَّر‪ ..‬حتمًا سيالحظ‬ ‫تقاسيم المُغايرة في األخير‪ ،‬إذ امتألت‬ ‫ُّضوجِ ال َفنِّي لل ُغةِ الشِّ عريَّة؛‬ ‫نوعا ما بالن ُ‬ ‫قياساً على مستوى المحاوالت السَّ ابقة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫وت ــنـ ـوُّع هــيــكــلــة الــقــصــائــد ف ــي بُنيتِها‬ ‫التَّكوينيَّة‪ ،‬بعد أن اقتصرت في الدواوين‬ ‫األربــعــة السابقة على الشكل البيتي‬ ‫العمودي‪ ،‬التقليدي‪ ،‬الخليلي‪ ،‬الكالسيكي‬ ‫القديم‪ ،‬وشيءٍ من التفاعيل المتناثرة في‬ ‫قصيدة األشطر‪ !..‬فمع ديمومة القراءات‬ ‫المتنوّعة لتجارب الشُّ عراء المبدعين‬ ‫ـواصــل‬ ‫وتــتـ ُّبــع أساليبهم ال ـلُّــغــو َّيــة‪ ،‬وال ـ َّتـ ُ‬ ‫المباشر الفوري معهم وبخاصة الشُّ عراء‬ ‫المغاربة المُعاصرين‪ ،‬الذين صاغوا حبائل‬ ‫سبائك قصائدهم بمونتاجيتهم الف ِّنيَّة‬ ‫الفريدة في نوعها في قصائد التفاعيل‬ ‫المتكررة‪ ،‬وفق نظام موسيقي مُمنتج في‬ ‫منأى عن عمودِ يَّة القصيدة الكالسيكيَّة‪،‬‬ ‫وأشطر التفعيلة‪ ،‬وعدم التنازل عن الوزن‬ ‫َّص‪ ،‬وقافيَّته‪ ..‬وفي طليعتهم‬ ‫العروضي للن ِّ‬ ‫العلمة‬ ‫مُعلِّمي األوَّل لهذا الفنِّ الشَّ اعر َّ‬ ‫محمَّد علي الـ ـ َّر َّب ــاوي والــشَّ ــاعــر الف ِّذ‬ ‫محمَّد بنيِّس والشَّ اعرة المَجيدة أمينة‬ ‫المريني‪ ..‬الذين استقيتُ من تفرُّدهم‬ ‫ما يشفي غليل الراغب تطوراً‪ ،‬والقاصد‬ ‫إبــداع ـاً في فــضــاءات الشِّ عر الظَّ ريف‪،‬‬ ‫وحاولتُ تجديداً فيه‪ ،‬واستمتاعاً بالكتابة‬ ‫الصوت‬ ‫التَّفاعليَّة أن أوظِّ َ ــف مصطلح َّ‬ ‫(حــس‪ ،‬حسيس‪ ،‬همس) في‬ ‫ومرادفاته ِ‬ ‫لحاالت‬ ‫ٍ‬ ‫ُترجمة‬ ‫خلق تجربة ِشــعــر َّيــة م ِ‬ ‫صور ِعدَّ ة‪ .‬وتنوَّعت القصائد‬ ‫انفعاليَّة في ٍ‬ ‫في الديوان ما بين الوجدانيَّة‪ ،‬والعاطفيَّة‪،‬‬ ‫والفلسفيَّة‪ ،‬الصوفيَّة وأيدولوجيا الفِ كر‬ ‫المعرفي‪ ،‬والقصائد القوميَّة العربيَّة في‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫تونس‪ ،‬والجزائر‪ ،‬ومصر والعراق‪ .‬ومن‬ ‫مُكاشفات الشُّ عُور الشِّ عري االنفعالي‬ ‫فــيــه‪ ،‬وإطـ ــاق حُ ــ ِّر َّي ــة ال ـبَــوح النَّفسي‪،‬‬ ‫ووجدانيِّة المونولوج التعبيري جاء عنوان‬ ‫الديوان!! فالعُرف السَّ ائد أن العِ فَّة من‬ ‫َّحضر البشري المُتأدِّمِ‬ ‫أسمى مفاهيم الت ُّ‬ ‫سُ لوكاً ظاهراً عَ يناً وعياناً؛ غير أننا في‬ ‫حــاجـ ٍـة شُ ــعــور َّيــة للتَّعري عــن مُالبسات‬ ‫التعبير االنفعالي ألحبابنا‪ ،‬ومواقفنا‬ ‫الحياتيَّة‪ ،‬وفي تعابيرنا‪ ،‬وصور تعايشنا‬ ‫معاً وتعاشرنا المُؤنسن حياةً‪ ،‬وشُ عُورا‪..‬‬ ‫أمناً‪ ،‬وأماناً‪ِ ،‬سلماً‪ ،‬وسالماً‪ ..‬وإن ُقدِّر‬ ‫صــوره مع‬ ‫وعشنا الحُ بَّ بال تعفُّف في ُ‬ ‫َمــن نُــحــب‪ ،‬ومــن دون حــواجــز التَّوجُّ س‬ ‫واللمُباالة بلحظة انتشاء‪ ،‬وساعة ِعرفان‬ ‫َّ‬ ‫مع الوصل وتوابِعه فلنعلم جيداً‪ ،‬ونتيقَّن‬ ‫أننا في النَّعيمِ الخالد!‬ ‫خصخصة الفنون‪!..‬‬ ‫أميل إلى َّ‬ ‫ُ‬ ‫ ¦أن ي ـك ـتــب ش ــاع ــر «مـ ـ ــا» رواي ـ ـ ــة أو ع ـم ـ ًا‬ ‫سردياً‪ ،‬لم يعد شيئًا غريباً؛ فهذه الحالة‬ ‫أصبحت منتشرة في الساحات الثقافية‬ ‫العربية؛ فمن الكتّاب مَ ن يرفض وصف‬ ‫هــذه الحالة بالتحوّل‪ ،‬بل يعده تواص ًال‬ ‫طبيعيً ا بين فضاءات الكتابة‪ ،‬ومــن حق‬ ‫الشاعر أن يحضر في أي فضاء إبداعي‪،‬‬ ‫وأن هــذه الحالة ليست بالجديدة على‬ ‫ال ـش ــاع ــر‪ ..‬وم ـن ـهــم مَ ــن ي ــرى أن ـهــا عـقــدة‬ ‫الـتـصـنـيــف‪ ،‬ولـهــا سلبياتها الـتــي تعاني‬ ‫منها الساحة الثقافية‪ ،‬الشاعرة اعتدال‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪119‬‬


‫ذكراهلل‪ ،‬ماذا تقول في هذا االتجاه؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال أج ـ ُد هناكَ ما يمنع من الغوص في‬

‫وأمتعنا‪ ،‬كــلٌّ حسب ما يجد متعته في‬ ‫ُفضلة لديه‪ ..‬غير‬ ‫نقوشه‪ ،‬وزركشاته الم َّ‬ ‫خصخصة الفنون‪ ،‬والتَّفرغ‬ ‫إنِّني أمي ُل إلى َّ‬ ‫لفروعها‪ ،‬والتَّفنُّن فيها فــي منأى عن‬ ‫شتات الموهبة‪ ،‬وبخاصة عند متوسطي‬ ‫ِ‬ ‫اإلبداع!! فقديما ً قالوا‪« :‬الفَنُّ لن يعطيكَ‬ ‫بعضه إذا لم تعطه ُك ـلَّــك‪ .»!..‬وأعتقد‬ ‫َ‬ ‫أنَّ الشَّ اع َر الموهوبَ إبداعا في إمكانه‬ ‫قصةً‪ ،‬ولكن الروائي‬ ‫أن يكتُبَ روايـةً‪ ،‬أو َّ‬ ‫النَّاثر ال يمكنه أن يمتطي صهوة الشِّ عر‪،‬‬ ‫وبخاصة العمودي الخليلي‪ ،‬أو التقليدي‪،‬‬ ‫وربما هنا تتضح أفضليَّة سيِّدنا الشِّ عر‬ ‫على ُفنُون األدب‪ ..‬وإن كــان هناك مَن‬ ‫يــنــادي ب ــأنَّ العص َر الـزَّمــنــي هــو عص ُر‬ ‫الرِّواية!!‬ ‫ال تقل قصيدة نثر!!‬

‫فنون األدب كتاب ًة ِشعراً أم نثراً ما دامت ¦«ال اعترف بــأن الشعر الحديث شعرا‪»..‬‬ ‫الموهبة حاضرة‪ ،‬والقدرة على التَّعبير‬ ‫ه ــذه ال ـع ـب ــارة قــرأت ـهــا ف ــي س ـيــاق حــديــث‬ ‫مـ ـنـ ـس ــوب لـ ـ ـ ِـك ف ـ ــي إحـ ـ ـ ــدى ال ـت ـغ ـط ـي ــات‬ ‫قائمة بعناصرها المتباينة األطــيــاف!‬ ‫الصحفية‪ ..‬ما بُعْ دُ أو اتجاه هذه العبارة؟‬ ‫فلدينا العديد من األسماء الالمعة في‬

‫‪120‬‬

‫أعوام خلت‪!..‬‬ ‫ٍ‬ ‫أدبنا المحلي‪ ،‬والعربي ممن صــاغ من ‪ρ ρ‬العبارةُ منشورةٌ منذ ثمانيةِ‬ ‫ومن الطبيعي أنَّ الفِ كر البشريَّ للفرد‬ ‫موهبته اإلبداعية أجمل عقود الجمال‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫المُنتِج في حالة نمو‪ ،‬وتطور‪ ،‬وتغيُّر!! وال‬ ‫أعني هنا االنفالت من تبعيَّة تلك العبارة‪،‬‬ ‫(المسرحية‪ ،‬المقال‪ ،‬القصة‪ ،‬الخاطرة‪،‬‬ ‫أو نفيها‪ ..‬ولكن للعبار ِة أبعا ٌد استقرائ َّي ٌة‬ ‫الحكم‪ ،‬الوصايا) وال‬ ‫الخطابة‪ ،‬األمثال‪ِ ،‬‬ ‫تخص قائل ُها في حينها!! فالعِ بارةُ‬ ‫ُّ‬ ‫فردِ َّي ٌة‬ ‫يمكن للجنسين األدبيين أن يجتمعا معاً‪،‬‬ ‫نُشرت مفتوح ًة مُطل َقةً!! ومصطل ُح الشِّ عر‬ ‫وتصعب المقارنة بينهما‪ ،‬فمن الممكن أن‬ ‫الحديث مصطل ٌح واســع مُتشعِّبٌ عند‬ ‫نطلق عليها نُصوصاً جماليَّة مفتوحة‪ ..‬أو‬ ‫دارسي الشِّ عر‪ ،‬فلربما كنتُ أعني وقتها‬ ‫وجدانيَّات ِغنائيَّة لطيفة أو نثريَّات َف ِّنيَّة‬ ‫النَّثر المُستشعِ ر!! أو ما تسمى بنصوص‬ ‫ُصوصاً تماز ُِجيَّة تناغميَّة‬ ‫بــارِ قــة‪ !!.‬أو ن ُ‬ ‫الومضة‪ ،‬أو الخطفة المطلقة‪ ،‬أو البارقة‬ ‫إبداعيَّة جميلة‪.‬‬ ‫الــمــنــثــورة‪ ..‬وربــمــا قــصــائــد (الــهــايــكــو)‬ ‫ترجمة سقيمة لثقافة أجنبية‬ ‫الــمــتــأثــريــن كـ َّتــابــهــا بــتــجــارب الــشــعــراء‬ ‫الفرنسيين واإلنكليز‪ ،‬إبَّان عصر النهضة‪¦ ،‬مــن المالحظ أن قصيدة النثر هــي من‬ ‫وثورة األفكار‪ ،‬أو انبثاق اإلبداع‪ ..‬أو سمِّها‬ ‫تتصدر المشهد الشعري في الكثير من‬ ‫ما شئت!! فموقفي منها واض ٌح بائِـ ٌن جليٌّ‬ ‫المحافل الثقافية في الوقت الحالي‪..‬‬ ‫ال تنازل عنه!! فالشِّ ع ُر ِشعر‪ ،‬والنَّث ُر نثر‪..‬‬ ‫فماذا تقولين؟‬ ‫ولُكلٍّ منهما جمالياتُه الخاص ُة فيه؛ ف ِل َم‬ ‫‪ρ ρ‬تس ُّي ُد هــذا الفنِّ في المشهدِ الشِّ عري‬ ‫خلطُ الحابلِ بالنابل!! وأنا هنا أعترف‬ ‫ـضــرور ِة أن يكون هو الظَّ اهرة‬ ‫ليس بــالـ َّ‬ ‫بهيكلية‬ ‫ٍ‬ ‫وكلي يقين أن الشِّ ع َر كائ ٌن حيٌّ ‪،‬‬ ‫التَّكوينيَّة اإلبداعيَّة الجماليَّة األصحّ !! أو‬ ‫عُضويَّة ٍ مُتكاملة ينمو‪ ،‬ويتطوَّر‪ ،‬ويمرض‬ ‫بالتعبير التقليدي المتداول بيننا حسب‬ ‫وال يموت! ما دام أ ُسُّ ه وأساسُ ه الشُّ عُور‪،‬‬ ‫س‪ ،‬واإلحساس‪ ..‬ووفق‬ ‫والح ُّ‬ ‫ِ‬ ‫والعاطفة‪،‬‬ ‫األعراف الشِّ عريَّة الثابتة أنها شرعيَّة في‬ ‫معاييره التنظيميَّة المُحافِ ظة فيه على‬ ‫تفرُّدِ ه من بين فُنون األدب عالميَّا ً‪!..‬‬ ‫وأنا هنا ال أتنكَّر أليِّ فنٍّ من ُفنُونِ األدب‬ ‫نوف الشِّ عر الحديث‬ ‫ص ِ‬ ‫العربي‪ ..‬وك ـ ُّل ُ‬ ‫جميلة بكافَّة مسمَّياته (حُ ر ‪ /‬مُرسل ‪/‬‬ ‫تفعيلة ‪ /‬مُطلق ‪ /‬حديث ‪ /‬مُعاصر)‪..‬‬ ‫فالتناقض‬ ‫ُ‬ ‫ولكن ال تقل قصيدة نــثــر!!‬ ‫بائ ٌن من المُسمى!! كيف قصيدة!! وكيف‬ ‫نثر!‪ !.‬ال يوجد في فنون النثر فنٌّ بمسمى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫قــصــيــدة‪ ..‬مــا درســنــاه مــن فــنــون النثر‬

‫‪121‬‬


‫رؤية الشِّ عر العربيِّ األصيل!! وإ َّال ماذا‬ ‫يعني خروجها عــن أس ــوار المسابقات‬ ‫اإلبداعية للمؤسسات الثَّقافيَّة المحليَّة‬ ‫والدُّوليَّة‪ ،‬وخارج أسوار المناهج التعليمية‬ ‫وال ُّدرُوس األكاديميَّة إ َّال ما ندر!! وال تزال‬ ‫في طور الصراع المحتدم عرب َّياً!! وبيتُ‬ ‫القصيد هنا خالصة ما أشار إليه الناقد‬ ‫د‪ .‬سلطان القحطاني في إحدى حواراته‬ ‫«قصيدة النثر ترجمة سقيمة لثقافة‬ ‫أجنبية»‪ .‬وإن كان لها مُروجون وداعمون‪،‬‬ ‫خاصة‬ ‫َّ‬ ‫وأصبح لها ملتقيات ومسابقات‬ ‫فــيــهــا!! (ولــســنــا هــنــا فــي ص ــدد ســيــادة‬ ‫الفنون وصدارتها)‪.‬‬

‫كــا َّفــة األصــعــدة‪ ،‬وبمختلف مستويات‬ ‫التعاطي مع الحدث‪ ..‬فللشِّ اعرة هدى‬ ‫الدغفق‪ ،‬وهند المطيري‪ ،‬وأشجان هندي‬

‫النخراط المرأة‬ ‫ِ‬ ‫من النُّصوص المُعبِّرة‬

‫األنثى في الشِّ ارع المحلي‪ ،‬ولألستاذتين‬ ‫األكــاديــمــيــتــيــن لــمــيــاء بــاعــشــن‪ ،‬وأمــيــرة‬

‫كشغري مع د‪ .‬سُ هيلة زين العابدين حمَّاد‬

‫الصحفيَّة والبحوث الورقيَّة‬ ‫من المقاالت َّ‬ ‫المالمسة للواقع المُعاش ما يشفي ظمأ‬

‫الكثير من عطشى المعرفة‪ ،‬وقاصدي‬ ‫الــحــقــائــق‪ ..‬إضــافــة إل ــى اإلعــامــيــات‬

‫الـ َّنــاهــضــات الــنــاقــات الــظــروف بشتى‬

‫تحوالتها عبر اإلعالم المرئي والمكتوب‬ ‫منى أبو سليمان وبدرية البشر‪ ،‬وسمر‬

‫تتناغم تلقائيَّ ا‪!..‬‬ ‫ُ‬ ‫المبدعة‬ ‫المرأة ُ‬

‫المقرن وحليمة مظفر وبلقيس الملحم‪.‬‬

‫ ¦ه ـ ــل خ ـ ـطـ ــاب ال ـ ـ ـمـ ـ ــرأة اإلب ـ ـ ــداع ـ ـ ــي ت ــأث ــر‬

‫كر‪!..‬‬ ‫الف ِ‬ ‫حي ِ‬ ‫مهبَ ُط وَ ِّ‬

‫بالظروف السياسية واالقتصادية؟‬ ‫‪ρ ρ‬مــن الطبيعي أنَّ العمليَّة اإلبــداعــيــة‪،‬‬

‫ ¦ه ــل ل ـل ـق ــارئ أن ي ـت ـعــرف ع ـلــى مـحـتــوى‬ ‫مكتبة الشاعرة اعتدال ذكراهلل؟‬

‫ُّ‬ ‫وبالذات فيما‬ ‫يخص الخطاب التعبيري‪ρ ρ ..‬مكتبتي الشَّ خصيَّة هي مُستَقَــ ُّر ال ُّــروُحِ ‪،‬‬ ‫هي عمليَّة دِ يناميكيَّة ذات أثر وتأثير‪..‬‬ ‫ـس‪ ،‬ومهبَطُ وَح ــيِّ الفِ كرِ ‪،‬‬ ‫ومَلجأُ الـ َّنــفـ ِ‬

‫‪122‬‬

‫وأنَّ الــمــرأة الـ ُمــبــدعــة تتناغ ُم تلقائيَّا‬

‫فاف‬ ‫واصط ُ‬ ‫ِ‬ ‫س‪،‬‬ ‫الح ِّ‬ ‫اصطفاءات ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َمــدا ُر‬

‫المحلي لتتشب َع بكافة تقاسيمه‪ ،‬وأدق‬

‫ـات األمــلِ‬ ‫بِطُ مأنينةِ الــقــلـ ِـب‪ ،‬واسـ ِتــفــاقـ ِ‬

‫معزل عما‬ ‫ٍ‬ ‫والمرأةُ اإلبداعية ليست في‬

‫المُتباين ُة االتِّجاهات‪ ،‬والتي أعدُّها ثروتي‬

‫واستطاعت أن تترجم تمازجها بالحدث‬

‫معارف الدُّنيا‪ ،‬و ُعل ُو َم الثُّقاة‪ ..‬أتص َّف ُح‬ ‫َ‬

‫وظـ ــروف بيئتها‪ ،‬وتــحــوالت مجتمعها‬

‫األُم ــن ــي ــات‪ ...‬فيها تستكي ُن اللَّحظ ُة‬

‫تفاصيله وتتمازج معها فكراً‪ ،‬ونتاجاً‪..‬‬

‫القابعِ على جَ فنِ الحياة‪ ..‬فيها ُكتُبي‬

‫يُحيطها مــن أحـــداث‪ ،‬وش ــؤون للبلد‪..‬‬

‫نوات‪ ،‬منها انه ُل‬ ‫ال ُعمُرِ يَّة‪ ،‬وخزائ َن السَّ ِ‬

‫عبر كتاباتها وبحوثها وحضورها على‬

‫وصغا َر الكُتيِّبات‪،‬‬ ‫الضخمَ‪ِ ،‬‬ ‫فيها المُجلَّ َد َّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫دواويــ َن الشِّ عر‪ ،‬وشــرح المُعلَّقات‪ُ ،‬كتُبَ‬

‫ـداءات‬ ‫ِ‬ ‫الفلسفة‪ ،‬و ُفنُو َن الحَ ضارات‪ ،‬إهـ‬

‫ـف الــمــكــانــات‪ُ ،‬د ُر ُو َع‬ ‫الــمــؤ ِّلــفــيــن‪ ،‬وتُ ــحَ ـ َ‬

‫أسطوانات‬ ‫ِ‬ ‫وص ُو َر المُشارَكات‪،‬‬ ‫التكاريم‪ُ ،‬‬

‫ـرب‪ ،‬وفناجي َن‬ ‫ُوس الــشُّ ـ ِ‬ ‫الموسيقى‪ ،‬و ُكــؤ َ‬ ‫ال ـ َقــهــوات‪َ ،‬مــبــخَ ـ َرةُ ال ـ ُع ـوُدِ هنا‪ ،‬وهناك‬

‫الحبرِ على الورقِ ‪،‬‬ ‫قِ نِّين ُة عطُ وُرات‪ ،‬بقايا ٍ‬ ‫أرشيف األعمال‬ ‫ُ‬ ‫و ُمــســودَّاتُ كِ تابات‪!!..‬‬

‫ضجيجاً‪،‬‬ ‫أل المكا َن َ‬ ‫الصحفيَّة الورقي يم ُ‬ ‫َّ‬

‫وشَ تاتُ الذِّكريات!! ومِ حرابُ الذِّكرِ يبدو‬ ‫زاهــراً عذباً فُراتا‪ ..‬هُنا ُقــرآ ٌن تجلَّى‪...‬‬

‫الصلوات‪ُ !..‬كلُّها جَ َّن ُة عُمرِ ي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وهُناكَ‬

‫َملَكُوتُ الحَ يَوَات‪ ..‬فيها اشراقاتُ نفسي‪،‬‬

‫وضياءُ األُمنيات!!‬ ‫ِ‬

‫ال تقيُّ دني الصفحات‪!..‬‬ ‫ ¦وم ــا الـمــواقــع الـتــي تـتـصــدر اهتماماتك‬ ‫على الشبكة العنكبوتية؟‬ ‫لرغبة‬ ‫ٍ‬ ‫أتلمَّـس فيها تلبي ًة‬ ‫ُ‬ ‫‪ρ ρ‬المواقِ ع التي‬ ‫وغواية هناك تستدرجني‬ ‫ٍ‬ ‫هنا تعتريني‪،‬‬ ‫نحو انتشاء!! ال تقيُّدني الصفحات‪ ،‬وال‬

‫تحتكرني االهتمامات‪ ..‬أينما استشعرتُ‬

‫الـ ُمــتــعــة‪ ،‬والــفــائــدة‪ ،‬وعــلــمـاً‪ ،‬ومــعــرفــة ً‪،‬‬

‫وإضاف ًة للمخزونِ المعرفي والتَّعارفي‪..‬‬ ‫كان االصطفاء‪ ..‬والصدارة‪ ..‬وفي منأى‬ ‫عن التبويبات الخاوية والتي ال تُسمِ ُن وال‬ ‫تُغنِي من جوع!‬

‫‪ρ ρ‬ص ـ ــدور ديـــوانـــي ال ــشِّ ــع ــري ال ــسَّ ــادس‬ ‫المتزامن وصــدور الخامس من بيروت‬ ‫بــعــنــوان «مــزامــيــر الــحــيــاة فــي الحكم‬ ‫والــمــواعــظ واألمــثــال»‪ ،‬وهــو عــبــارة عن‬ ‫نظم الكلِمات القِ صار لإلمام علي بن أبي‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫قــوامــيـ َ‬ ‫ـس ال ـلُّــغــةِ ‪ ،‬و َمــعــاج ـ َم ال ـ ُمــفــردات‪¦ ،‬مــن المهم ج ــد ًا أن أســألــك هــذا الـســؤال‬ ‫مــســائـ َل الــفِ ــقــه‪ ،‬وبُــحُ ــوثَ االع ـ ِتــقــادَات‪،‬‬ ‫التقليدي‪ ،‬ما هو جديدك؟‬

‫طالب ِشعراً‪ .‬مع توثيق عدد من األماسي‬ ‫الشِّ عريَّة المحليَّة والدُّوليَّة‪ ،‬والحوارات‬ ‫الفضائيَّة‪ ،‬واللَّقاءات الثَّقافيَّة‪ ،‬واألناشيد‬ ‫التَّمثيليَّة على موقع الويب للتسجيالت‬ ‫المرئية الدولية (‪ )you tube‬بقناة خاصة‬ ‫باسم اعتدال ذكراهلل حفظاً لإلنجازات‬ ‫من شتات الزَّمن‪ ،‬وأماناً لها من التلف‪،‬‬ ‫وتوثيق مسيرة وسيرة دوليَّا‪ .‬مع إجازة‬ ‫كتاب نثري في الخواطر والوجدانيَّات‬ ‫ال ــذَّ اتـ ـ َّي ــة إعــامــيَّــا لــلــطــبــاعــة بــعــنــوان‬ ‫(الزوردِ َّيــات تتدلَّى)‪ .‬واستمراريَّة العمل‬ ‫في كتاب نقدي لقراءات ف ِّنيَّة انطباعيَّة‬ ‫لــعــدد مــن ال ـ َّتــجــارب الــشِّ ــعــر َّيــة لشُ عراء‬ ‫سُ عوديين وخليجيين وعرب‪.‬‬ ‫والــجــدي ـ ُد األجَ ـــــ ُّد أ َّنــنــي أحــــاو ُل ج ــا َّد ًة‬ ‫التَّجدي َد في تجاربي اإلنشائية‪ ،‬وتكويناتي‬ ‫ُّهوض بمواهب قد تتالشى‬ ‫اإلنتاجية‪ ،‬والن َ‬ ‫لوال تكفُّلها بالتجديد الدائم‪ ،‬والتَّطوير‬ ‫المُستمِ ّد من خزائن الحياة‪ ،‬ومكامن‬ ‫العلوم‪ ،‬ومعارف األمنيات‪!..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪123‬‬


‫اآلداب‪:‬‬ ‫ترجمة‬ ‫مخاطر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فاليري منوغ وترجمة زوال‬

‫■ تركية العمري*‬

‫ـردي بــأمــريــن مـهــمّ ـيــن‪ ،‬أولهما‬ ‫ينشغل الـمـتــرجــم األدب ــي عـنــد تــرجـمــة نــص س ـ ّ‬ ‫شخصية النص‪ ،‬وثانيهما كاتبه‪ .‬تتمثل شخصية النص في لغته وفكرته ونبرته؛‬ ‫فالجمَل وتراكيبها تفتح آفاقا شاسعة نحو اللغة؛ أما المصطحات‪ ،‬فإنها تأخذ‬ ‫ُ‬ ‫المترجم إلى جذور اللغة‪ .‬وتأتي نبرة النص التي تطلُّ على أسلوب الكاتب وأفكاره‪،‬‬ ‫عبر حــوارات الشخصيات وإيماءاتهم وتعبيراتهم التي تعطي صورة واضحة عن‬ ‫حياتهم وأسلوب تفكيرهم‪ ،‬كما تقدّ م للقارئ تاريخهم وتراث أرضهم وجغرافيتها؛‬ ‫في الجانب اآلخر ‪ ،‬يأتي كاتب النص األصلي‪ ،‬والذي يمثل انشغاال آخ َر للمترجم‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫فالمترجم يتتبع ســيــرة الكاتب‪،‬‬ ‫واهتماماته‪ ،‬وأفكاره‪ .‬وهذان األمران‬ ‫ُعرضان المترجم األدبــي لمشكالت‬ ‫ي ّ‬ ‫ومــخــاطــر أثــنــاء ترجمته للنصوص‬ ‫األدبية‪ ،‬وقد ذكرت المترجمة األدبية‬ ‫الفرنسية فاليري منوغ هذه المشكالت‬ ‫والــمــخــاطــر فــي مــقــالــهــا (الــتــرجــمــة‬ ‫األدبية‪ :‬مشكالت ومخاطر)‪ ،‬والذي‬ ‫نشرته في مدونة أكسفورد‪ ،‬إذ تناولت‬ ‫مشكالت الترجمة األدبية ومخاطرها‪،‬‬ ‫وفسّ رت مهمة المترجم بأنه يحمل‬ ‫إيقاعات العمل‪ ،‬والشخصية ونبرة‬ ‫العمل‪ ،‬ومجازاته‪ ،‬ونقاط التركيز فيه‬ ‫إلى اللغة األخرى‪ ..‬وهي لغة مختلفة‬ ‫تماما‪ ،‬لغة تمتلك فضاءها‪ ،‬وإيقاعاتها‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫وأسلوبها‪ ،‬وثقافتها وخلفيتها التاريخية‬ ‫والثقافية‪ ،‬وتحدثت في مقالها عن‬ ‫تجربتها في ترجمة روايتين للكاتب‬ ‫الفرنسي الشهير إميلي زوال؛ ورغم أن‬ ‫منوغ فرنسية األصل‪ ،‬إال إنها وجدت‬ ‫صــعــوبــات فــي ترجمة روايــتــي زوال‪:‬‬ ‫«المال» و«ذنب القس موريه» إلى اللغة‬ ‫اإلنجليزية‪.‬‬ ‫ومن المشكالت التي واجهتها منوغ‬ ‫عبر ترجمتها لــروايــة الــمــال‪1890‬م‪،‬‬ ‫التعامل مــع الــمــفــردات االقتصادية‬ ‫والــســيــاســيــة والــمــالــيــة‪ ،‬والــعــمــات‬ ‫الفرنسية في تلك الحقبة وهي القرن‬ ‫التاسع عشر‪.‬‬


‫أما من ناحية اللغة‪ ..‬فقد‬ ‫وجدت منوغ تحديات أخرى‪،‬‬ ‫وهـ ــي أن بــعــض الــكــلــمــات‬ ‫الفرنسية عندما تترجم إلى‬ ‫اللغة اإلنجليزية حرفيا‪ ،‬فإن‬ ‫قــارئ اللغة الــهــدف‪ ..‬وهي‬ ‫اللغة اإلنجليزية‪ /‬ال يفهمها‬ ‫كــمــا يفهمها الــفــرنــســيــون‪،‬‬ ‫لتختم فاليري منوغ مقالها‬ ‫قائلة‪« :‬المشكلة الجوهرية‬

‫ك ــان ــت أن أج ــع ــل ال ــق ــراء‬

‫المعاصرين يقرؤونها بكل‬

‫سهولة‪ ،‬بينما تحافظان على‬ ‫نكهة عصرهما‪ ،‬ومكانهما‪،‬‬ ‫وعـــــــاوة ع ــل ــى ذلــــــك‪ ،‬أن‬

‫تحتفظ باإليقاع‪ ،‬والنبرات‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫أمــا في ترجمتها لرواية‬ ‫«ذنــب القس مــوريــه» والتي‬ ‫ُكــتــبــت ع ــام ‪1875‬م‪ ،‬فقد‬ ‫بدأت مشكالتها من العنوان‪،‬‬ ‫عــتــبــة ال ــن ــص األولــــــى‪ ،‬إذ‬ ‫احــتــارت فــي الــعــنــوان‪ ..‬هل‬ ‫تــتــرجــمــه خــطــيــئــة الــقــس‬ ‫موريه أم ذنب القس موريه؟‬ ‫فــاخــتــارت الــعــنــوان الثاني؛‬ ‫ألنه يناسب وضع موريه في‬ ‫الرواية‪ .‬كما الحظت وجود‬ ‫م ــف ــردات كــنــائــســيــة كثيرة‬ ‫مثل بيت الــقــس‪ ،‬واألث ــواب‬ ‫الكهنوتية‪ ،‬والمستلزمات‪،‬‬ ‫واألواني والطقوس الدقيقة‬ ‫لشعائر الكنيسة‪ ،‬وهنا‪ ..‬كان‬ ‫ال بد من العودة إلــى بيوت‬ ‫القساوسة‪ ،‬وحياتهم في تلك‬ ‫الفترة‪.‬‬

‫والحقيقية في كلتي الروايتين‬

‫والحيوية‪ ،‬والمتانة‪ ،‬وبالبعد‬

‫الشاعري لكتابات زوال»‪.‬‬

‫فـــي رأيــــــي‪ ،‬أن كـــل ما‬

‫ذكرته منوغ في مقالها يمثل‬ ‫المشكالت ذاتها التي تواجه‬ ‫المترجم األدبي‪ ،‬والمخاطر‬ ‫الــحــقــيــقــيــة ال ــت ــي تحيط‬

‫بترجمة النصوص األدبية؛‬ ‫لذلك تتطلب ترجمة العمل‬ ‫األدبــــي مــتــرج ـ ًمــا مــوهــو ًبــا‬ ‫مفعمًا بــالــخــيــال‪ ،‬ورهــافــة‬

‫اللغة‪ ،‬واتساع الفكر‪ ..‬حتى‬

‫يمنح النص ظــاالً جمالي ًة‬

‫زاهي ًة تتمثل في اإلحساس‬ ‫بــكــل مــا حــولــه مــن أمكنة‪،‬‬

‫وأنــاس‪ ،‬وكائنات‪ ،‬وطبيعة‪،‬‬

‫وكون خالق‪.‬‬

‫ * فاليري منوغ‪ ،‬بروفيسور فخري‪ ،‬قامت بتدريس األدب الفرنسي في عدد من الجامعات البريطانية‪ ،‬كما‬ ‫أنها تشغل منصب رئيس جمعية إميلي زوال بلندن منذ عام ‪2005‬م‪ .‬نشرت الكثير عن األدب الفرنسي‬ ‫في القرنين التاسع عشر والعشرين‪ ،‬وفي عام ‪2014‬م ترجمت رواية زوال إلى اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وفي عام‬ ‫‪2017‬م‪ ،‬ترجمت رواية «ذنب القس موريه»‪ ،‬وكالهما لمنشورات أكسفورد العالمية لألعمال الكالسيكية‪.‬‬ ‫المرجع‪/http://blog.oxforddictionaries.com/2016//literary-translation :‬‬ ‫ ‬ ‫** كاتبة ومترجمة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪125‬‬


‫ُ‬ ‫الثقافي‬ ‫واالنسالخ‬ ‫الفكري‬ ‫الوعي‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬

‫■ مالك اخلالدي*‬

‫أدّى التمدّ د المذهل لوسائط التواصل االجتماعي في أوساط مجتمعاتنا العربية‪ ،‬إلى‬ ‫نمط سلوكي ملتبس وغير واعٍ لدى عدد كبير من الناشئة والشباب‪ ،‬يعود هذا النمط إلى‬ ‫الخلط بين االنفتاح الفكري الواعي واالنسالخ الثقافي؛ فكثير ًا ما نجد فئة شابّة تؤكد‬ ‫نمط وفكرٍ‬ ‫على انفتاحها عبر التخلّي عن اللغة والهويّة والثقافة المحليّة‪ ،‬والتباهي بكل ٍ‬ ‫نقد أو تفكيرٍ أو تمحيص‪.‬‬ ‫وافد‪ ..‬دون أدنى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إن االنفتاح الفكري الواعي الذي يحتاجه‬ ‫المجتمع‪ ،‬يتمثل في قبول اآلخر دون النظر‬ ‫لمحدداته القبلية من ِعرق أو فكرة أو معتقد‬ ‫أو طــيــف» بــل واالســتــفــادة مــن رؤى ذلــك‬ ‫المختلف عنّا‪ ،‬واالستفادة من تجاربه العلمية‬ ‫إن المسألة تحتاج لشيء مــن الــتــوازن‬ ‫والمعرفية‪ ،‬والقبول به‪ ،‬واالعتقاد أن الفضاء والعقالنية‪ ،‬فال التجرّد من الهوية والثقافة‬ ‫يتسع للجميع‪.‬‬ ‫ُجد‪ ،‬وال رفــض اآلخــر وإقصائه‬ ‫المحلية م ٍ‬ ‫هذا هو االنفتاح الذي يخلق مجتمعاً راقياً مقبول‪.‬‬ ‫فيّاضاً معطاءً‪.‬‬ ‫على النخبة المثقفة والمفكِّرة‪ ..‬الخروج‬ ‫فمثل هذا النمط في الفكر والتفكير‪ ،‬جدير‬ ‫بالكبح والــرفــض االجــتــمــاعــي؛ ألنــه نمط‬ ‫إقصائيّ متراجع يمضي بالبُنية الفكرية‬ ‫والثقافية للمجتمع إلى التآكل واالنهيار‪.‬‬

‫أما االنسالخ الثقافي القائم على التخلي‬ ‫عن الذات بكل مقوماتها الثقافية واألخالقية‪،‬‬ ‫عبر االنصهار في اآلخر‪ ،‬والتماهي التام مع‬ ‫رؤيته‪ ،‬فهذا هو المِ عوَل الذي يه ُّز النسيج‬ ‫الفكري والمعرفي واالجتماعي‪ ،‬ويقود إلى‬ ‫جيل سطحيٍّ غير واثق؛ فال هو الراسخ في‬ ‫ٍ‬ ‫فالجيل الناشئ بحاجة إلى تنشئة عقلية‪،‬‬ ‫انتمائه الثقافي‪ ،‬وال الحاذق في علوم زمانه لبناء مستويات عالية من التفكير‪ ،‬تمكّنه من‬ ‫وفنونه‪.‬‬ ‫التعاطي مع الحالة الثقافية الجديدة تعاطياً‬ ‫ـاب عبر‬ ‫فكر شـ ٍّ‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬قد نجد تطرفاً فكرياً رافضاً خـ ّـاقـاً‪ ،‬نحن بحاجة لبناء ٍ‬ ‫لآلخر المختلف‪ ،‬ومُلغياً لحضوره الثقافي‪ ،‬شباب يفكر بوعي‪.‬‬ ‫مــن الهالة النخبوية‪ ،‬ومخاطبة الجمهور‬ ‫وفكر أكثر قبوالً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الشابِّ بلغة أكثر وصوالً‪،‬‬ ‫لتصحيح المسار‪ ،‬ومِ لء الفوضى التي خلّفها‬ ‫بعض الفارغين من «أبطال» وسائط التواصل‬ ‫االجتماعي‪.‬‬

‫ * كاتبة وشاعرة وقاصة من الجوف‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ُ‬ ‫جديدة‬ ‫بصورة‬ ‫ألمكنة الماضي‬ ‫العودة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬

‫السعودي نصير السمارة‬ ‫التشكيلي‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫■ محمد العامري*‬

‫التقيت الـفـنــان الـسـعــودي نصير الـسـمــارة فــي عــمّ ــان‪ ،‬بـمـعــرض لــه فــي رابـطــة‬ ‫التشكيليين األردنـيـيــن‪ ،‬عرفته شغوفا بالرسم والتلوين؛ فهو يتغذى مــن مــادة‬ ‫بصرية مدهشة هي الجوف‪ ،‬بتاريخها العريق؛ تلك المنطقة التي سكنتها حضارات‬ ‫متعددة عبر التاريخ‪ ،‬بل كانت جزءً ا من أهداف الرحالة‪ ،‬ويعدُّ «جون فيلبي» أول‬ ‫مدهشا للفنانين‬ ‫ً‬ ‫أوروبــي يقطع الربع الخالي‪ ،‬وقد شكلت الجزيرة العربية لغزً ا‬ ‫األوروبيين والرحالة على حدٍّ سواء‪ .‬من هذه األهمية انتصر نصير السمارة إلى‬ ‫موطنه األصلي‪ ،‬ليقدم له مجموعة من األعمال الفنية األقرب إلى التسجيلية‪،‬‬ ‫وأعما ًال أخرى تمتزج بين خصوصية العمائر القديمة والموروث الشعبي‪ ..‬وصو ًال‬ ‫إلــى بعض الـ ِّرقــم الـتــي تركتها الـحـضــارات محفورة على الـحـجــارة؛ فقد أخلص‬ ‫السمارة لطبيعة المحيط والحيّز الذي يعيش فيه‪ ،‬بل شكّ ل مؤونته الفنية عبر‬ ‫توظيف العناصر الشعبية والمناظر الطبيعية‪ ..‬خاصة األمكنة واألوابد‪.‬‬ ‫المتأمل ألعــمــال الــســمــارة يلتقط‬ ‫مباشرة شغفه الهائل بالمكان والتراث‬ ‫السعودي‪ ..‬وخاصة تراث أهل الجوف؛‬ ‫إذ نرى اعتماده الشديد في بناء لوحته‬ ‫عــلــى مــقــطــعــات تنتظم فــي سايقات‬ ‫المتواليات الهندسية المسكونة برموز‬ ‫تــراثــيــة‪ ،‬وزخـ ــارف شعبية تنتمي إلى‬ ‫طبيعة األلبسة والرقوش الموجودة على‬ ‫األبنية واألدوات التراثية‪.‬‬

‫تمظهرات المحيط والحيّ ز‬ ‫في العمل الفني‬ ‫يُشكِّل المكان بكل جمالياته العنصر‬ ‫األهم في أعمال السمارة؛ إذ سجل في‬ ‫أكثر من لوحة مجموعة من العمائر‬ ‫األقــرب إلى القِ الع‪ ،‬وهي تعد ميزات‬ ‫مكانية لــلــجــوف؛ تــلــك الــعــمــائــر التي‬ ‫حملت في مفاهيمها الجمالية طبيعة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪127‬‬


‫الفنان نصير السمارى في أحد المعارض‬

‫الهندسة ذات الوظيفة الدفاعية‪ ..‬كانت‬ ‫تشكل الدهشة األكــبــر للفنان؛ فقد أعــاد‬ ‫صياغة تلك المشاهد بعاطفته الفنية‪ ،‬من‬ ‫خــال اعــتــمــاده على السطوح التصويرية‬ ‫الخشنة ذات الطبقات المتعددة‪ ،‬كونه يكثر‬ ‫من استخدام سكين األلوان التي تحتاج إلى‬ ‫كثافات لونية تتراكم فوق سطوح أعماله‪،‬‬ ‫ما أعطاها غنىً خاصاً وعمقاً في طبيعة‬ ‫الحيوية اللونية‪ ،‬فالسطح التصويري لديه‬ ‫عبارة عن مساحات طبوغرافية تتراكم باتجاه‬ ‫إظهار الشكل‪ ،‬وفي الغالب نجد انحسارات‬ ‫اإلنسان في تلك األمكنة واالنتصار للقيم‬ ‫الجمالية العليا لتلك األوابد‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫ومن المعروف‪ ،‬أن صورة المكان كموضوع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬

‫مع نائب أمير منطقة الجوف األمير عبدالعزيز بن فهد‬

‫فني‪ ..‬هي إحدى الوسائط للفنون التشكيلية‪،‬‬ ‫كونه يلعب دوراً أساسً ا في طبيعة بنائية‬ ‫العمل الفني‪.‬‬ ‫فنجد التشكيلي نصير الــســمــارة قد‬ ‫أضحى المكان بكل إيقاعاته أحد األعمدة‬ ‫الرئيسة في توصيفات عمله الفني‪ ،‬وقد‬ ‫حقق أكثر من ذلك في إضافة عامل الزمن‬ ‫ال ــذي تمظهر فــي طبيعة تعتيق السطوح‬ ‫التصويرية‪ ،‬كما لو أنها تلك الصخور المتآكلة‬ ‫تحتمل ثقوبًا وحزوزًا كجزءٍ من صور عوامل‬ ‫التعرية الطبيعية‪ ،‬وهــذا األمــر أضــاف إلى‬ ‫عمله الفني عمقًا جديدًا يتناسب وطبيعة‬ ‫الموضوع الذي يتناوله‪.‬‬ ‫فالمنحى الجمالي غايتة في إيصال رسالة‬ ‫الفعل الجمالي المبثوث في العمل الفني‪ ،‬في‬ ‫طبيعة المكان وتجلياته في المحيط والحيز‪.‬‬ ‫فالفنان ي ــدرك أمكنته‪ ،‬ويــتــعــرف على‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪129‬‬


‫رائحتها وطبائعها الجمالية‪ ،‬بل يصل األمر‬ ‫إلى طبيعة أعمق‪ ،‬تتمثل في عالقة الفنان‬ ‫السمارة بتلك األمكنة التي رافقت طفولته‬ ‫وذكرياته‪ ،‬بل شكلت خزّانًا بصريًا فيما بعد‬ ‫لتلحَّ عليه‪ ،‬فيخرجها من كونها ذكريات‪ ..‬إلى‬ ‫مناخات جديدة عبر إعادة تسجيلها بوسائط‬ ‫مختلفة‪ .‬فالمدرك بالنسبة لنصير هو مدركٌ‬ ‫أقرب إلى استعادة تلك الطفولة وخياالتها‬ ‫الساكنة في دواخله‪.‬‬ ‫فهي المكان األكثر حميمية في طبيعة‬ ‫ـرع يقيه من‬ ‫التعامل معها‪ ،‬أقــرب إلــى ضـ ٍ‬ ‫عطش المشهد‪ ،‬ومغذيات ثقافية وماضوية‬ ‫تصبح حاضرة في اللوحة‪.‬‬ ‫فهو يــولــي تلك الــمــوضــوعــات األهمية‬

‫‪130‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫مجسم لحجارة الرجاجيل ‪ -‬موقع أثري بالجوف‬ ‫من أعمال الفنان نصير السمارى‬


‫في التعامل معه‪ ،‬وهي جزء أساس من لذه‬ ‫الــرســم والتلوين‪ ،‬الــرســم ب ــأداة أقــرب إلى‬ ‫أدوات البناء‪ ،‬سكين األلوان؛ لذلك بدت تلك‬ ‫العمائر مجسّ دة تجسيدًا حسيًا وزمانيًا‪،‬‬ ‫فهو هنا يتحاور مع المكان والــزمــان معًا‪،‬‬ ‫يدخل فــي تجريبه كــذاكــرة متخيلة وواقــع‬

‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون‬

‫الــقــصــوى‪ ..‬كونها أيضا تتناسب وقــدراتــه‬

‫ماثل في العيان‪ ،‬فهي امتدادات تكشُ ط عنها‬ ‫الغياب لتعيد لنفسها أزماناً متعددة‪ ،‬الزمن‬ ‫الذي نبتت فيه‪ ،‬وزمن التأويل الجمالي في‬ ‫حضورها الجديد‪ ،‬هذا االمتداد يدخل في‬ ‫بــاب طبيعة التداخل بين المكان وحركة‬ ‫اإلنسان وأنفاسه‪ ،‬فالمكان يعيش عبر ناسه‪،‬‬ ‫وعبر طبيعة التعامل معه‪ ،‬وطبيعة تضميده‬ ‫فــي أعــمــال فنية ذات هــواس مختلفة في‬ ‫بعديها النفسي والميثولوجي‪.‬‬ ‫ولكننا أم ــام تجربة كــان الــمــكــان فيها‬ ‫البطل‪ ..‬دون أن يغفل الفنان ما علقت به‬ ‫ذاكــرتــه مــن تطريزات تراثية فــي األثــواب‬ ‫والتعاويذ والـ ُر ُقــم الميثولوجية؛ إذ أعطت‬ ‫تلك المفردات مناخً ا عميقًا في طبيعة فهم‬ ‫المكان وتجليّاته في الحياة والناس‪.‬‬ ‫يبقى الفنان نصير السمارة واحــداً من‬ ‫الفنانين الذين التحموا بالمكان كوجاء من‬ ‫من أعمال الفنان نصير السمارى‬

‫خسارة الذات‪.‬‬

‫ * كاتب من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪131‬‬


‫ُ‬ ‫الذاكرة‬ ‫فيض‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫النفس‬ ‫وحديث‬ ‫ِ‬ ‫املؤلف‬ ‫الناشر‬ ‫السنة‬

‫‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬نادر أحمد أبو شيخة‪.‬‬ ‫‪ :‬املؤلف نفسه‪.‬‬ ‫‪2015 :‬م‪.‬‬

‫ولــد المؤلف في بلدة ميثلون بمنطقة أزهار األدب‪ ،‬ويقف على شيء من عادات‬ ‫جنين فــي فلسطين‪ ،‬وغــادرهــا وهــو في األهـ ــل فــي فلسطين‪ ،‬وكــذلــك الــعــادات‬ ‫الثامنة عشرة من عمره‪ ،‬ليغدو في عنفوان‬ ‫المألوفة والمعروفة في منطقة أبها في‬ ‫رجولته واحـدًا من كتّاب اإلدارة والخبراء‬ ‫اإلداريــيــن في الوطن العربي‪ .‬ومــن القلة المملكة العربية السعودية التي عمل فيها‬ ‫الذين وصلوا إلى أعلى الدرجات العلمية مــدرسً ــا لعدة ســنــوات عــاد بعدها ليكمل‬ ‫والمراتب األكاديمية والمهنية‪.‬‬ ‫الماجستير والدكتوراه‪.‬‬ ‫في هذا الكتاب‪ ،‬الذي يعد بمثابة سيرة‬ ‫ذاتية للمؤلف‪ ،‬والذي يؤمل أن يحمل صدقا‬ ‫فــي الخبر‪ ،‬وعــدال فــي الحكم‪ ،‬وإنصافا‬ ‫في القول‪ ،‬يــروي المؤلف تفاصيل رحلته‬ ‫العلمية والعملية‪ ،‬فيأتي على حياة الغُربة‪،‬‬ ‫لكن مع صعوبة هذه الحياة فإنها ال تخلو‬ ‫من متعة وإثارة‪.‬‬

‫‪132‬‬

‫وفي الكتاب أيضا رصد وتحليل بصير‬ ‫لــخــبــرة أكــاديــمــي مـ ــدرك ألب ــع ــاد مهنته‬ ‫ودروس‬ ‫ٌ‬ ‫وتــخــصــصــه‪ .‬وفــيــه كــذلــك عــب ـ ٌر‬ ‫استخلصها من لقاءاته العديدة مع رجال‬ ‫الفكر والمسؤولين اإلداريين العرب‪.‬‬ ‫تضمن الكتاب مقدمة وعشرة فصول‬

‫وفي الكتاب‪ ،‬سياحة للقارئ في رحاب‬ ‫بستان يس ّر الناظرين‪ ،‬ويقطف فيه من جاءت في (‪ )460‬صفحة من القطع الكبير‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫ُ‬ ‫املتحفية‬ ‫املجموعات‬ ‫دليل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مبركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقايف‬‬‬‬‬‬ ‫املؤلف‬

‫‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن ابراهيم املعيقل البراهيم‪،‬‬

‫الناشر‬ ‫السنة‬

‫أ‪ .‬عبدالهادي خليف املعيقل‪ ،‬أ‪ .‬أحمد عتيق القعيد‪.‬‬ ‫‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪.‬‬ ‫‪2015 :‬م‪.‬‬

‫تنبع أهمية المجموعات التراثية واألثرية جلب أغلبها من وادي السرحان‪ ،‬كما تضم‬ ‫من أبعادها الثقافية التاريخية والتربوية بعض هذه الصخور وسوماً لبادية شمالي‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية‪ .‬ولآلثار والتراث الجزيرة العربية؛ بينما تتمثل المجموعة‬ ‫والتي تمثل تراكماً ثقافياً دور في تعزيز الثالثة‪ ،‬في أدوات ومصنوعات تراثية شعبية‬ ‫الهوية الوطنية‪.‬‬ ‫محلية بمنطقة الجوف‪ ،‬كما تضم أسلحة‬

‫تــعــد الــمــجــمــوعــة الــمــتــحــفــيــة بــمــركــز تقليدية عثمانية‪ ،‬وب ــن ــادق‪ ،‬ومــســدســات‪،‬‬ ‫عــبــدالــرحــمــن ال ــس ــدي ــري الــثــقــافــي من ورشــاشــات مستوردة من مختلف األقطار‬ ‫المجموعات التراثية المهمة على مستوى األوروبية‪.‬‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬فقد جُ معت على مدى فترة‬ ‫فــي هــذا الــدلــيــل‪ ،‬تصنيفٌ يُــيــسِّ ـ ُر على‬ ‫طويلة؛ وهي تضم ثالث مجموعات؛ األولى‪،‬‬ ‫تحوي متحجرات أحيائية لبقايا أسماك‪ ،‬المُطّ لع الوصول إلى صورة ولو جزئية عن‬ ‫وقواقع‪ ،‬ورخويات‪ ،‬وشُ عَباً مرجانية بحرية‪ ،‬تراث منطقة الجوف‪ ،‬ويتعرف على التواصل‬ ‫وعظاماً‪ ،‬وأجــزا ًء من جــذوع األشجار؛ أما الحضاري بين الجوف والمناطق المحيطة‬ ‫الثانية‪ ،‬فتحوي مواد أثرية‪ ،‬ونقوشاً‪ ،‬وكتابات بها‪ ،‬والتبادل الثقافي الذي كان يميّز تاريخ‬ ‫صفوية‪ ،‬ونصوصاً من المسند الشمالي‪ ،‬وقد الجوف في عصورها المختلفة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪133‬‬


‫مال‬ ‫الر ِ‬ ‫من ِ‬ ‫فوق ِّ‬ ‫(ديوان شعر)‬

‫املؤلف‬ ‫الناشر‬ ‫السنة‬

‫‪ :‬محمود عبداهلل الرمحي‪.‬‬ ‫‪ :‬النادي األدبي باجلوف‪.‬‬ ‫‪2018 :‬م‪.‬‬

‫ص ــدر حــديــثــا عــن ال ــن ــادي األدبــــي في‬ ‫الجوف ديــوان «مــن فــوق الــرمــال» للشاعر‬

‫صاح قلْ لي مَ ن أكونُ ومَ ن أنا‬ ‫يا ِ‬ ‫فــالـقـلـ ُـب مـنــي لــم ي ـعــدْ قـلـبــي أنــا‬

‫محمود عبداهلل الرمحي‪ ،‬وقد تضمن نحواً أنـ ــا م ــذ ت ــرك ـت ـ ِـك ض ــائ ــعٌ ومـ ـشـ ـرّدٌ‬ ‫من ثالثين قصيدة ومقطوعة‪ ..‬جــاءت في‬ ‫تركتك لم أذقْ طعم الهنا‬ ‫ِ‬ ‫أنا مُ ذْ‬

‫(‪ )88‬صفحة من القطع المتوسط‪ ..‬وقد‬ ‫ويختم الشاعر ديوانه ِب ِن َّيتِه في الرحيل‬ ‫قــدم للديوان الدكتور محمود الــبــادي من عن الجوف التي أمضى فيها ما يزيد على‬ ‫جامعة الجوف والذي جاء فيه‪:‬‬ ‫الخمسين عامًا‪ ،‬وقلبه ممز ٌق بين مَن عاش‬ ‫«نحن أمــام ديــوان صغير الحجم يشمل معهم عقودًا‪ ،‬وبين أهله وعشيرته التي ال بد‬ ‫أن يكون معهم فيقول‪:‬‬ ‫أكثر من ثالثين قصيدة ومقطوعة‪ ،‬يدور‬

‫معظمها حول األرض وحبه إياها‪ ،‬والتعلق ش ـ ـ ـ ّـد الـ ـ ــرحـ ـ ــالَ وج ـ ــهّ ـ ــزِ ال ــركـ ـب ــا َن‬ ‫ـان‬ ‫وان ـ ـثـ ــر ع ـل ـي ـهــم ب ــاق ــة ال ــريـ ـح ـ ِ‬ ‫بأسلوب مُعب ٍّر‬ ‫ٍ‬ ‫بها‪ ،‬والبكاء عليها‪ .‬ص ّو َر ذلك‬

‫ـوف عـشــقً ــا زان ــهُ‬ ‫شعرية عذبة‪ ،‬إن ــي عـشـقـ ُـت ال ـج ـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫وبسالسة‬ ‫ٍ‬ ‫واضح ال تعقيد فيه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـال وصـحـبــةُ ال ـخ ـاّن‬ ‫ط ـيـ ُـب ال ـف ـعـ ِ‬ ‫سهلة عكست مشاعر الحزن واأللم في‬ ‫ٍ‬ ‫ولغة‬ ‫ٍ‬

‫‪134‬‬

‫تصوير المأساة الفلسطينية ومعاناة أهلها لـ ـكـ ـنـ ـه ــا الـ ــدن ـ ـيـ ــا وذلـ ـ ـ ـ ــك ح ــال ـه ــا‬ ‫النفسية على وجه الخصوص‪ ..‬فيقول‪:‬‬ ‫ه ـ ــل دام فـ ـ ـ ــرحٌ أو أسـ ـ ـ ــىً ب ـم ـك ــان‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫سـباق الرحمانية العاشر للجري بالغاط‬

‫نظم مركز عبدالرحمن السديري الثقافي في دار الرحمانية بالغاط سباق الرحمانية العاشر‬ ‫للجري تحت شعار (الرياضة ثقافة) وذلك يوم األربعاء ‪1439/07/18‬هـ (‪2018/04/04‬م)‪ .‬شارك في‬ ‫السباق (‪ )131‬متسابق ًا من أبناء الغاط والمحافظات المجاورة؛ وأشرف على السباق ثمانية حكام‬ ‫بمشاركة معلمي التربية الرياضية‪ ،‬ومدربي نادي الحمادة الرياضي بالغاط‪ .‬انطلق المتسابقون‬ ‫بعد عصر ذلك اليوم من أمام متحف الغاط بالقرية التراثية‪ ،‬وانتهى عند دار الرحمانية‪ ،‬لمسافة‬ ‫(‪ )٤‬كلم تقريبا ً‪ ،‬قطعها الفائز األول في ‪ 13‬دقيقة و ‪ 55‬ثانية‪.‬‬

‫وبرعاية مدير التعليم وعضو المجلس الثقافي ‪ -‬المركز الــرابــع‪ ،‬المتسابق محمد فهد‬ ‫الفهد‪.‬‬ ‫لدار الرحمانية أقيم حفل توزيع الجوائز في قاعة‬

‫األمــيــر سلطان بــن عبد العزيز آل ســعــود بــدار ‪ -‬المركز الخامس‪ ،‬المتسابق سالم محمد‬ ‫الرحمانية‪.‬‬ ‫الوادعي‪.‬‬ ‫الفائزون بالمراكز الخمسة األولى‪:‬‬ ‫كما تم تكريم الجهات المشاركة في السباق‬ ‫ المركز األول‪ ،‬المتسابق حسين مقبل بشهادات شكر وتقدير‪ :‬وهي مركز شرطه الغاط‪،‬‬‫ودوريات االمن‪ ،‬وشعبة المرور في الغاط‪ ،‬والهالل‬ ‫سهيل‪.‬‬ ‫األحمر‪ ،‬والبلدية‪ ،‬وإداره التعليم‪ ،‬ونادي الحمادة‪،‬‬ ‫‪ -‬الــمــركــز ال ــث ــان ــي‪ ،‬الــمــتــســابــق محمد وشركه حافل للنقل‪.‬‬

‫عبدالوهاب آدم‪.‬‬

‫حــضــر حــفــل تــوزيــع الــجــوائــز بــعــض ممثلي‬ ‫ المركز الثالث‪ ،‬المتسابق سلطان جمال الدوائر الحكومية وجمع غفير من أهالي الغاط‬‫عبد الهادي‪.‬‬ ‫والمتسابقون‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪135‬‬


‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬

‫األعزاء‬ ‫المترجمون‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫■ صالح القرشي*‬

‫نـحــن الــذيــن ال نـتـقــن ال ـق ــراءة س ــوى بــالـلـغــة الـعــربـيــة‪ ،‬نـحـمــل الـكـثـيــر مــن االم ـت ـنــان والـعــرفــان‬ ‫للمترجمين األعــزاء‪ .‬نحن مدينون لهم‪ ..‬وال خالف حول هذا األمر‪ ،‬وبفضلهم قُ دِّ ر لنا أن نطالع‬ ‫األدب العالمي‪ ،‬وكأنما نتملك القدرة على القراءة بعشرات اللغات‪ ،‬ولقد ترسّ خت أسماء المترجمين‬ ‫الكبار في أذهاننا كما هي أسماء الكُ تّاب الكبار تماما‪ ،‬هكذا ارتبط األدب الروسي في أذهاننا غالبا‬ ‫بسامي الدروبي‪ ،‬واألدب الفرنسي بسهيل إدريس‪ ،‬واألدب اإليطالي بأحمد الصمعي‪ ،‬واألدب الالتيني‬ ‫بصالح علماني‪ .‬ولعل ما قاله الروائي الكبير (سارماغو) يختصر ما يمكن أن يُقال حول الترجمة‬ ‫والمترجمين (إن أدب كل أمة يصنعه كتابها بلغاتهم‪ ،‬أما أدب العالم فيصنعه المترجمون)‪.‬‬ ‫لكننا ال نملك‪ ،‬ونحن نقرأ ألع ــداد متزايدة‬ ‫من المترجمين الجدد‪ ،‬إال أن نتحدث قليال عن‬ ‫اإلتقان‪ .‬نــو ُّد أن يصنع المترجمون األعــزاء أدب‬ ‫العالم كما قال سارماغو‪ ..‬ال أن يشوِّهوه‪.‬‬ ‫ويبدو لي أن العائق األول الذي يواجهه بعض‬ ‫المترجمين الجدد‪ ،‬ليس هو مدى معرفتهم باللغة‬ ‫التي يترجمون منها‪ ،‬بل هو مدى معرفتهم باللغة‬ ‫التي يترجمون إليها‪.‬‬ ‫فمن استخدام كلمات عامية هي أقرب للركاكة‬ ‫إلى ضعف في األسلوب‪ ..‬يذكرنا بترجمة متصفح‬ ‫(قوقل) إلى ترجمة حرفية ألسماء أعالم معروفة‪..‬‬ ‫كمن يترجم (يحيى) إلى (يايا)‪.‬‬ ‫وأتذكر هنا ما أشار له الناقد المعروف حسين‬ ‫بافقيه عبر حسابه في (تويتر) قائال‪« :‬قرأت في‬ ‫كتاب مترجم‪ :‬وادي نومان والقصد وادي نعمان‪،‬‬ ‫وجبل قورا والقصد جبل كرا»‪.‬‬ ‫وال يتوقف األم ــر عند اإلتــقــان اللغوي رغم‬ ‫أهميته البالغة‪ ..‬ولكنه يتعدى إلى الثقافة نفسها‪،‬‬ ‫ومن البديهي القول إن الخبرات المعرفية والثقافية‬ ‫للمترجم‪ ..‬تلعب دورًا كبيرًا في الوصول لإلتقان‬ ‫المنشود‪.‬‬

‫كأخشاب التابوب‪ ،‬فخذاها شبيهان ببوابة برج‪،‬‬ ‫وأثــار الحزام على خاصرتها كالبحيرات الجافة‬ ‫الممتلئة بالحصى‪ ..‬إن لمستها في هذا المكان‪،‬‬ ‫تظن أنك تلمس مبردًا‪ ..‬وهي شبيهة بقنطرة بناها‬ ‫إغريقي‪ ،‬وغطاها بالقرميد)‪ .‬انتهى نقل كازنتزاك‬ ‫للقصيدة العربية‪ .‬لكن ممدوح عــدوان يعلق في‬ ‫الهامش قائال‪ :‬لنا أن نتصور من هذه الترجمة ما‬ ‫يصيب الشعر عند نقله عبر لغتين‪ ،‬فالكالم هنا‬ ‫هو عن ترجمتي للترجمة اإلنجليزية‪ ،‬ولكي يكون‬ ‫القارئ العربي في الصورة الصحيحة‪ ،‬نشير إلى‬ ‫أن كازانتزاكيس يقصد أبيات طرفة بن العبد وهي‪:‬‬ ‫وإنـ ـ ــي ألمـ ـض ــي الـ ـه ــم ع ــن اح ـت ـض ــاره‬ ‫ب ـ ـعـ ــوجـ ــاء مـ ـ ــرقـ ـ ــال ت ـ ـ ـ ــروح وتـ ـغـ ـت ــدي‬ ‫أمـ ـ ـ ـ ـ ــون كـ ـ ـ ــألـ ـ ـ ــواح األران نـ ـص ــاتـ ـه ــا‬ ‫ـرج ـ ـ ِـد‬ ‫الح ـ ـ ـ ـ ٍـب َك ـ ـ ـ ـأَ ّ َنـ ـ ـ ــهُ ظَ ـ ـ ـه ـ ــرُ ُب ـ ـ ُ‬ ‫عـ ـل ــى ِ‬ ‫ل ـهــا فـ ـخ ــذان أك ـم ــل ال ـن ـحــض فيهما‬ ‫كـ ـ ــأن ـ ـ ـه ـ ـ ـمـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاب م ـ ـ ـن ـ ـ ـيـ ـ ــف مـ ـ ـ ـم ـ ـ ــردِ‬ ‫ل ـ ـ ـهـ ـ ــا م ـ ـ ــرفـ ـ ـ ـق ـ ـ ــان أفـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــان كـ ــأن ـ ـمـ ــا‬ ‫ت ـ ـ ـمـ ـ ــر ب ـ ـس ـ ـل ـ ـمـ ــي دالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج م ـ ـ ـت ـ ـ ـشـ ـ ــدد ِ‬ ‫ك ـ ـق ـ ـن ـ ـطـ ــرة ال ـ ـ ـ ــروم ـ ـ ـ ــي أق ـ ـ ـسـ ـ ــم ربـ ـه ــا‬ ‫لـ ـتـ ـكـ ـتـ ـنـ ـف ــن حـ ـ ـت ـ ــى ت ـ ـ ـشـ ـ ــاد بـ ـق ــرم ــد‬

‫في (تقرير إلى غريكو) السيرة الذاتية والفكرية‬ ‫لـ(نيكوس كازانتزاكيس)‪ ،‬والتي ترجمها األديب‬ ‫ماذا لو سألنا‪ :‬كم من المترجمين األعزاء في‬ ‫(ممدوح عدوان) يقول كازانتزاكيس‪ :‬هناك قصيدة هذا الزمن يمكن له أن ينتبه لما انتبه له ممدوح‬ ‫عربية قديمة تمتدح رفيق البدوي المحبوب‪:‬‬ ‫عدوان‪ ،‬هنا نكتشف قيمة الثقافة والمعرفة بآداب‬ ‫(تمشي الــنــاقــة فــي الــصــحــراء وتــتــقــدم قوية اللغة العربية وتاريخها‪.‬‬ ‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1439‬هـ (‪)2018‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.