62_مجلة_الجوبة_Aljoubah

Page 1

‫صاحب السمو الملكي األمير‬

‫فيصل بن نواف بن عبدالعزيز‬ ‫أمير ًا لمنطقة الجوف‬

‫خادم الحرمين الشريفين‬

‫امللك سلمان بن عبدالعزيز‬

‫يشرف منطقة الجوف بزيارته المباركة‬ ‫ّ‬

‫‪62‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬ميجان بن حسين الرويلي ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬ ‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الـمحتويــــات‬

‫االفتتاحية‪ :‬إبراهيم بن موسى الحميد ‪٤ ..........................‬‬ ‫خــادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يشرّف‬ ‫منطقة الجوف بزيارته المباركة ‪6 ................................‬‬ ‫الجوف تودّع األمير بدر بن سلطان‪ ،‬وتحتفي باألمير فيصل بن‬ ‫نواف‪12 ..........................................................................‬‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية‬

‫يعقد دورته الثانية عشرة بالجوف ‪-‬تقرير محمد صوانة‪١٦ ...‬‬

‫مـنتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع في الــدورة‬ ‫الحادية عشرة المنعقدة بالغاط ‪................................‬‬

‫دراسات ونقد‪ :‬سلمى ‪ -‬فرج مجاهد عبدالوهاب ‪................‬‬

‫قراءة في رواية "يأتي في الربيع" ‪ -‬إبراهيم الحجري ‪......‬‬

‫«قبطي» مقبول العلوي جمالية المفارقات السردية ‪ -‬هشام بن الشاوي‪...‬‬

‫‪6..........................‬‬ ‫خادم الحرمين الشريفين‬ ‫الملك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫يش ّرف الجوف بزيارته المباركة‬

‫‪12. ............................‬‬ ‫منطقة اجلوف تودع بدر بن سلطان‬ ‫وحتتفي بفيصل بن نواف‬

‫عبداهلل الصيخان شاعر الصحراء والقوافي‪....................‬‬ ‫الصيخان وشعرية الحنين ‪ -‬راشد عيسى‪........................‬‬ ‫بين اإليقاع الشعري والصوت ‪ -‬د‪ .‬هيثم محمد طرادي ‪.........‬‬ ‫التوازي واإليقاع في نص فاطمة ‪ -‬أميرة المطروسي‪............‬‬ ‫ِشعريّة التكثيف واإلدهاش في نص (يا اهلل) ‪ -‬خالد المعال‪.....‬‬ ‫عالمة شعرية صافية ‪ -‬محمد العامري‪..........................‬‬ ‫كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس ‪ -‬د‪ .‬هناء البواب‪.........‬‬

‫قصص قصيرة‪ :‬انتماء ‪ -‬محمد صالح‪...........................‬‬

‫تسريحة ‪ -‬محمد الرياني‪.........................................‬‬ ‫حجّ تُ ُه في الماء ويبحثُ في رمل ‪ -‬عبداهلل السفر‪..........‬‬ ‫خائن ‪ -‬حليم الفرجي ‪.......................................‬‬ ‫لماذا بكت المذيعة؟ ‪ -‬عمار الجنيدي‪......................‬‬ ‫شعر‪ :‬ظَ ــــمَــــأ ‪ -‬أحمد عكــور ‪................................‬‬ ‫بعض جنون امرأةٍ ثكلى ‪ -‬هناء فكـرى أحمد ‪................‬‬ ‫أغنية للخُ بر ‪ -‬تركية العمري ‪................................‬‬ ‫حُ بُّـكَ يـو ُم مولدي!! ‪ -‬سما يوسف‪...........................‬‬ ‫قِ بل ُة العشاق ‪ -‬مالك الخالدي ‪..............................‬‬ ‫صبي رحيقك ‪ -‬علي الخبراني ‪...................................‬‬ ‫هي الجوف ‪ -‬سعاد الزحيفي‪.....................................‬‬

‫ترجمة‪ :‬ما الذي تكشفه لنا عواطفنا؟ ‪ -‬د‪ .‬عبدالرحمن إكيدر‪..‬‬ ‫تحقيق‪ :‬الشاعرات السعوديات ‪ -‬سعاد سعيد نوح‪...............‬‬ ‫مواجهات‪ :‬محمود الريماوي ‪ -‬حاوره‪ :‬جعفر العقيلي ‪............‬‬

‫عبدالكريم واكريم ‪ -‬حاوره‪ :‬عبدالرحيم الخصار ‪...........‬‬ ‫الشاعر المصري كمال أبو النور ‪ -‬حاوره‪ :‬عصام أبو زيد ‪..‬‬ ‫الناقدة الدكتورة منى المالكي ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‪.....‬‬

‫نوافذ‪ :‬قراءة سريعة في رؤية المملكة (‪ - )2030‬صالح اللحيد‪..‬‬

‫‪53.............................‬‬ ‫عبداهلل الصيخان‬ ‫شاعر الصحراء والقوايف‬

‫الشعر العربي الصديق اللدود ‪ -‬أحمد البوق ‪.........‬‬ ‫الذئب في ِ‬ ‫الرقمية والتنوير ‪ -‬سعيد سهمي ‪.................................‬‬ ‫نيزك الصحافة الورقية ‪ -‬محمد علي حسن الجفري ‪...........‬‬ ‫لغ ُة العيونِ عن َد الشُّ عرا ِء العبّاسيين ‪ -‬د‪ .‬إبراهيم الدّهون ‪.......‬‬ ‫قراءات ‪........................................................‬‬ ‫األخيرة‪ :‬دور الفن‪ ..‬دور الرواية ‪ -‬صالح القرشي‪...........‬‬

‫‪٢٩‬‬ ‫‪٣٤‬‬ ‫‪٣٩‬‬ ‫‪٤٩‬‬ ‫‪٥٣‬‬ ‫‪٥٤‬‬ ‫‪٥٧‬‬ ‫‪٦٠‬‬ ‫‪٦٤‬‬ ‫‪٦٦‬‬ ‫‪٦٨‬‬ ‫‪٧١‬‬ ‫‪٧٤‬‬ ‫‪٧٥‬‬ ‫‪٧٧‬‬ ‫‪٧٨‬‬ ‫‪٧٩‬‬ ‫‪٨٠‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪107‬‬ ‫‪111‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪122‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪133‬‬ ‫‪143‬‬ ‫‪144‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬

‫منذ أن تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل‬ ‫سعود مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية‪ ،‬وهو يضع طموحات‬ ‫وآمال شعبه نصب عينيه‪ ،‬لذا فقد قام ‪ -‬وفقه اهلل‪ -‬بزيارات تفقدية لعدد‬ ‫من المناطق‪ ،‬ومنها منطقة الجوف‪ ..‬وفقا لما درج عليه قادة هذه البالد من‬ ‫عهد الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه اهلل‪ ،‬والملك سعود‪ ،‬والملك فيصل‪،‬‬ ‫والملك خالد‪ ،‬والملك فهد‪ ،‬والملك عبداهلل‪ ،‬يرحمهم اهلل جميعا‪ ،‬حيث‬ ‫تساهم هذه الزيارات الملكية في كسر الحواجز وتذويب المسافات بين‬ ‫المواطنين وقيادتهم الرشيدة‪ ،‬ما ينعكس باإليجاب على تحقيق متطلبات‬ ‫المواطنين وتيسير شؤونهم‪ .‬وليس أدل على تحقق هذه الميزة بالفعل في‬ ‫واقع المواطنين السعوديين من التأكيد على أن أبــواب القيادة مفتوحة‪،‬‬ ‫واآلذان صاغية لكل مواطن‪ ،‬حيث يقول الملك سلمان في مناسبات عديدة‪:‬‬ ‫«أكرر‪ ..‬أبوابنا مفتوحة‪ ،‬وهواتفنا مفتوحة‪ ،‬وآذاننا صاغية لكل مواطن»‪.‬‬ ‫إلي‬ ‫وهو يقتدي بالسلف حينما يقول حفظه اهلل‪« :‬رحــم اهلل من أهــدى ًّ‬ ‫عيوبي‪ ،‬إذا رأيتم أو رأى إخواني المواطنون‪ ،‬وهم يسمعونني اآلن‪ ،‬أي شيء‬ ‫فيه مصلحة لدينكم قبل كل شيء‪ ،‬ولبالدكم بالد الحرمين الشريفين الذين‬ ‫ال بكم»‪.‬‬ ‫ال وسه ً‬ ‫نحن كلنا خدام لها‪ ،‬فأه ً‬ ‫خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز صاحب مقولة‬ ‫"في بالدنا يستطيع أي مواطن أن يرفع قضية على الملك أو ولي عهده‬ ‫أو أي فرد من أفراد األسرة‪ ،‬وأعطيكم مثاالً على هذا ما حدث مع الملك‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬صار بينه وبين واحد قضية‪ ،‬ذهبا بها لقاضي الرياض آنذاك"‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫تــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــج‬


‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اف ـ‬ ‫ـاتـاون‬

‫الزيارات الملكية لمناطق المملكة غال ًباً ما تقترن بافتتاح مشاريع‪ ،‬وقرارات بتشييد‬ ‫أخرى من خالل التجاوب مع حاجات المواطنين في كل منطقة أثناء لقاءاتهم مع الملك‪،‬‬ ‫وما يستتبع موافقته حفظه اهلل على تشييد ما يلبي هذه الحاجات من مشروعات‬ ‫ومؤسسات خدمية‪ ،‬كما تساهم في تفقد هذه المناطق‪ ،‬ومعرفة أوجه القصور والكمال‬ ‫خاصة وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هو الذي يقول "الحمد‬ ‫هلل أن هناك إجماعاً في هذه البالد على مكافحة الفساد‪ ،‬وأكبر مكافح للفساد هو كتاب‬ ‫اهلل وسنة رسوله " ‪ ،‬وبالتالي فالزيارات الملكية تعد وسيلة مهمة في توطيد منهج التنمية‬ ‫المتوازنة بين مناطق المملكة‪ ،‬حيث تحقق الزيارات الملكية اإلشراف والمتابعة والوقوف‬ ‫الميداني على المشروعات والبرامج التنموية‪ ،‬التي يجري إنشاؤها في المناطق‪ ،‬كما‬ ‫يطلع أيده اهلل على العقبات والصعوبات التي تواجه تنفيذها‪ ،‬وأي فجوات يمكن رتقها‪،‬‬ ‫مما يمكنه من إزالة الصعوبات ومعالجتها‪.‬‬ ‫ويؤمن المواطن اليوم أن قيادة المملكة ممثلة في الملك وولي عهده حريصان على‬ ‫تحقيق رؤية متوازنة في تنمية مناطق المملكة‪ ،‬ومنها منطقة الجوف التي حققت الدولة‬ ‫فيها كثيرًا من االنجازات في البنية التحتية وخدمة الناس‪ ،‬إال انه ينتظر تحقيق رؤية‬ ‫تنموية شاملة تقفز باقتصاد منطقة الجوف بما يحقق تطلعات القيادة‪ ،‬ويخلق الفرص‬ ‫التي يحلم بها أهالي المنطقة‪ .‬كما ينتظر األهالي تنفيذ مشروعات جديدة‪ ،‬واستكمال‬ ‫مشروعات متوقفة كمدينة األمير محمد بن عبدالعزيز الطبية‪ ،‬ومستشفى الوالدة‪ ،‬وبناء‬ ‫مشروعات للطرق الدائرية‪ ،‬واستكمال طرق الربط‪ ،‬وفتح الطرق الجديدة‪ ،‬كما أن الزيارة‬ ‫كانت فرصة سانحة لعرض احتياجات المنطقة التنموية كما هي‪ ،‬كبناء محطات لقطارات‬ ‫المترو‪ ،‬لربط الجامعة بمدينة سكاكا والمطار والمدينة الصناعية وغيرها من مشروعات‬ ‫تعتبر المنطقة في أمس الحاجة لها‪ ،‬إضافة إلى حاجة المنطقة إلى تخصيص مشروعات‬ ‫تنموية حقيقية تَعبُر بها إلى رؤية المملكة ‪2030‬م‪.‬‬ ‫ومن محاسن الصدف أن يعقد منتدى األمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية‬ ‫دورته الثانية عشرة بعنوان "فرص االستثمار وتحدياته بمنطقة الجوف" بالتزامن مع‬ ‫الزيارة الملكية للمنطقة‪ ،‬وما عرضه من فرص استثمارية وتحديات‪ ،‬ومن ميزات تنافسية‬ ‫تحملها المنطقة‪ ،‬وأهمية دور الدولة في تحقيق نقلة اقتصادية بها‪ ،‬حيث أكد العضو‬ ‫المنتدب لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي الدكتور زياد السديري "أن االستثمار‬ ‫عنصر أساس في نمو البلدان وارتقاء المواطنين ورفاههم" وإقران هذا القول باإلعالن‬ ‫عن مبادرة تحديث مبنى دار الجوف للعلوم‪ ،‬إسهاما في خدمة الثقافة على مستوى الوطن‬ ‫من مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪..‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪5‬‬

‫جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر‬


‫خادم الحرمين الشريفين‬

‫الملك سلمان بن عبدالعزيز‬

‫يشرّف منطقة الجوف بزيارته المباركة‬ ‫شرّف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منطقة الجوف بزيارة مباركة‬ ‫دشّ ن فيها عددًا من المشروعات التنموية‪ ،‬والتقى بأهالي الجوف في حفل استقبال كبير‪،‬‬ ‫وذلك يوم الثالثاء ‪ 12‬ربيع األول ‪ 20( 1440‬تشرين الثاني "نوفمبر" ‪2018‬م) ‪.‬‬ ‫فور وصول خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬مطار‬ ‫الجوف‪ ،‬كان في استقباله صاحب السمو الملكي‬ ‫األمــيــر محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي‬ ‫العهد نائب رئيس مجلس الــوزراء وزير الدفاع‪،‬‬ ‫كما كان في االستقبال‪ ،‬صاحب السمو الملكي‬ ‫األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة‬ ‫الجوف (السابق)‪ ،‬وصاحب السمو الملكي األمير‬ ‫عبدالعزيز بن فهد بن تركي بن عبدالعزيز نائب‬ ‫أمير منطقة الجوف‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫وصاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن‬ ‫سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزيــر الداخلية‪،‬‬ ‫وصــاحــب الــســمــو األمــيــر بــدر بــن عــبــداهلل بــن‬ ‫محمد بن فرحان وزير الثقافة‪ ،‬وصاحب السمو‬ ‫الملكي األمير عبداهلل بن بندر بن عبدالعزيز‬ ‫نــائــب أمــيــر منطقة مكة الــمــكــرمــة‪ ،‬وأصــحــاب‬ ‫الفضيلة وكــبــار المسؤولين وق ــادة القطاعات‬ ‫العسكرية في منطقة الجوف‪ ،‬وعدد من أهالي‬ ‫المنطقة وأعيانها‪.‬‬

‫وقد شرّف خادم الحرمين الشريفين الملك‬ ‫وكان في استقبال خادم الحرمين الشريفين‪،‬‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير تركي بن محمد بن سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬حفل االستقبال الــذي‬ ‫فهد بن عبدالعزيز المستشار في الديوان الملكي‪ ،‬أقامه أهالي منطقة الجوف بمناسبة الزيارة‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫كلمة األهالي‬

‫قصيدتان‬

‫بعد ذلك ألقيت كلمة أهالي منطقة الجوف‪،‬‬ ‫ألقاها نيابة عنهم معالي د‪ .‬عبدالواحد بن خالد‬ ‫الحميد‪ ،‬ورحّ ب فيها بخادم الحرمين الشريفين‬ ‫الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬وصاحب‬ ‫السمو الملكي األمــيــر محمد بن سلمان بن‬ ‫عــبــدالــعــزيــز ول ــي الــعــهــد‪ ،‬نــائــب رئــيــس مجلس‬ ‫الوزراء‪ ،‬وزير الدفاع‪ ،‬حفظهما اهلل‪.‬‬

‫ثم ألقى الشاعر الدكتور أحمد بن عبداهلل‬ ‫السالم قصيدة شعرية بالعربية الفصحى بهذه‬ ‫المناسبة‪ .‬كما ألقى الشاعر خلف بن صالح‬ ‫الكريع قصيدة نبطية‪.‬‬

‫زي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك‬

‫الميمونة‪ .‬وقد أديت العرضة السعودية ترحيبا طالما كانت محل اهتمام القيادة الرشيدة منذ‬ ‫بمقدم الملك سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬ثم عزف تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن‬ ‫السالم الملكي‪ .‬ثم بدأ الحفل بتالوة آيات من عبدالرحمن آل سعود ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬على غرار‬ ‫الذكر الحكيم‪.‬‬ ‫باقي مناطق المملكة‪ ،‬التي تعتز باالنتماء والوالء‬ ‫لخادم الحرمين الشريفين‪ ،‬رعاه اهلل‪.‬‬ ‫نقطة تحوّ ل‬ ‫وأش ــار د‪ .‬الحميد إلــى أن منطقة الجوف‬ ‫ألــقــى األمــيــر بــدر بــن سلطان أمــيــر منطقة‬ ‫تمتلك موارد طبيعية وبشرية قادرة على أن تكون‬ ‫الجوف (حينها)‪ ،‬كلمة بهذه المناسبة رحّ ب فيها‬ ‫باسمه ونيابة عن أهالي منطقة الجوف كافة رافدًا مهما إلثراء االقتصاد الوطني‪ ،‬سواء فيما‬ ‫بخادم الحرمين الشريفين في زيارته الميمونة يتعلق بإمكاناتها الــزراعــيــة‪ ،‬وإرثــهــا التاريخي‪،‬‬ ‫إلى المنطقة‪ ،‬وقال‪« :‬هذه الزيارة المباركة تأتي ومواقعها السياحية‪ ،‬وتميّز موقعها الجغرافيّ ؛‬ ‫ضمن زيارات خادم الحرمين الشريفين التفقدية منوهً ا بالجهود التي يبذلها صاحب السمو الملكي‬ ‫لمناطق المملكة‪ ،‬لاللتقاء بأبنائه‪ ،‬وهي تعد نقطة األمــيــر محمد بن سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬ولي‬ ‫تــحـوّل فــي مسيرة منطقة الــجــوف بما تحمله العهد‪ ،‬نائب رئيس مجلس الــوزراء‪ ،‬وزير الدفاع‬ ‫من بشائر خير للمنطقة‪ ،‬ال سيما وقد حظيت في سبيل تحقيق رؤية المملكة ‪ ،2030‬وقد باتت‬ ‫كغيرها مــن باقي مناطق المملكة‪ -‬بالدعم الجوف ‪ -‬في زمن االقتصاد الحديث القائم على‬‫والرعاية واالهتمام‪ ،‬وهلل الحمد؛ إذ سيؤسس التقنية والعلوم والمبادرات الفردية والجماعية ‪-‬‬ ‫ويــدشــن ع ــددًا مــن الــمــشــروعــات التنموية في تمتلك القاعدة العلمية والتعليمية التي تمكّنها من‬ ‫مختلف القطاعات‪ ،‬ما يسهم في نهضة الجوف اإلسهام في هذا االقتصاد بما يتالءم مع مزاياها‬ ‫النسبية التي تتمتع بها المنطقة‪.‬‬ ‫بإذن اهلل»‪.‬‬

‫بث مباشر‬

‫بعد ذلــك شاهد خــادم الحرمين الشريفين‬ ‫ال مباشرًا من محافظات القريات‪،‬‬ ‫والحضور نق ً‬ ‫وأع ــرب عــن فــرحــة أهــالــي منطقة الجوف‬ ‫وطبرجل‪ ،‬ودومة الجندل‪ ،‬ومركز صوير بمناسبة‬ ‫بهذه الزيارة الميمونة التي تعكس مدى حرص‬ ‫الزيارة‪.‬‬ ‫خ ــادم الحرمين الشريفين ‪-‬أيـــده اهلل‪ -‬على‬ ‫المشروعات‬ ‫لقاء شعبه الــوفــي‪ ،‬قــائـاً‪« :‬إن منطقة الجوف‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪7‬‬


‫البيئة والمياه والزراعة‬

‫كما شاهد خادم الحرمين الشريفين الملك‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز آل ســعــود‪ ،‬حفظه اهلل‪،‬‬ ‫أما مشروعات وزارة البيئة والمياه والزراعة‬ ‫ً‬ ‫عرضا مرئيًا تناول (‪ )242‬مشروعً ا تنمويًا تبلغ فقد بلغت (‪ )15‬مشروعً ا بتكلفة (‪)839.651.974‬‬ ‫مخصصاتها اإلجمالية نحو عشرة مليارات ريال‪ ،‬رياالً‪ ،‬شملت شبكات الصرف الصحي‪ ،‬وتطوير‬ ‫في منطقة الجوف وجاءت كما يأتي‪:‬‬ ‫إيصال المياه لكل المنازل والتجمعات السكنية‬ ‫الحديثة‪ ،‬وتفعيلها‪.‬‬ ‫الصحة‬ ‫ح ــظ ــي ال ــق ــط ــاع ال ــص ــح ــي بــالــمــنــطــقــة‬ ‫بــــــ(‪ )21‬مــشــروعً ــا‪ ،‬بتكلفة إجــمــالــيــة بلغت‬ ‫(‪ )310.926.901‬ريــاالً‪ ،‬تشمل إنشاء مراكز‬ ‫صحية متخصصة ومــتــقــدمــة‪ ،‬إضــافــة إلــى‬ ‫استكمال تنفيذ مرافق وتجهيزات طبية قائمة‬ ‫حاليًا‪.‬‬ ‫الشؤون البلدية‬

‫‪8‬‬

‫كــمــا حــظــيــت م ــش ــروع ــات وزارة الــشــؤون‬ ‫الــبــلــديــة والــقــرويــة بـــ (‪ )77‬مــشــروعً ــا بتكلفة‬ ‫(‪ )682.870.918‬ريــاالً‪ ،‬تتصدرها مشروعات‬ ‫تــصــريــف الــســيــول‪ ،‬بــهــدف حــمــايــة المواطنين‬ ‫وممتلكاتهم‪ ،‬ثــم لتغطية إع ــادة تأهيل وإنشاء‬ ‫حدائق عامة «متنزهات‪ ،‬طرق‪ ،‬شوارع ‪ ،‬جسور»‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الطاقة‬ ‫وفـــي مــجــال الــطــاقــة والــصــنــاعــة وال ــث ــروة‬ ‫المعدنية‪ ،‬حظيت مشروعات المدن الصناعية‬ ‫والطاقة الكهربائية بعناية كبيرة‪ ،‬إذ نفذت الدولة‬ ‫عددًا من مشاريع الصناعة والطاقة‪ ،‬بلغت تكلفتها‬ ‫اإلجمالية (‪ )1.857.900.000‬ريال‪.‬وشملت‬ ‫تلك المشاريع واحات الجوف الصناعية المالئمة‬ ‫لعمل المرأة‪ ،‬على مساحة تتجاوز (‪)3.375.000‬‬ ‫م‪ ٢‬ومصانع وحاضنات أعمال‪ ،‬إضافة إلى تطوير‬ ‫مدينة صناعية لوجستية في محافظة القريات‪،‬‬ ‫ومشروعات محطات التحويل‪ ،‬وتمديد شبكات‬ ‫التوزيع الكهربائية‪ ،‬إضافة إلــى توسيع محطة‬ ‫توزيع المنتجات البترولية‪ ،‬لمواكبة الطلب المحلي‬ ‫المتزايد على الطاقة في منطقة الجوف‪.‬‬


‫مشروعات وزارة اإلسكان بلغت (‪ )11‬مشروعاً‬ ‫بتكلفة (‪ )1.005.276.438‬رياالً أدرجت كجزء‬ ‫من حلول توفير أراضي ووحدات سكنية‪ ،‬تماشياً‬ ‫مع ارتفاع الطلب على األسواق العقارية‪ ،‬وكعامل‬ ‫مساعد في خفض تكلفة السكن على المواطن‪.‬‬ ‫التعليم‬ ‫أمــا مشروعات وزارة التعليم فبلغ عددها‬ ‫(‪ )82‬مشروعاً جامعياً وتعليمياً‪ ،‬بتكلفة بلغت‬ ‫نحو (‪ )4.205.945.613‬ريــاالً‪ ،‬تؤكد اهتمام‬ ‫قيادة الدولة بأجيال المستقبل بوصفهم أحد أهم‬ ‫ركائز التنمية‪.‬‬ ‫النقل‬ ‫وبلغ عــدد مشروعات منظومة النقل (‪)22‬‬ ‫مشروعاً بتكلفة (‪ )1.275.366.882‬ريــاالً‪،‬‬ ‫للطرق وتطوير مطارَيّ الجوف والقريات والطرق‬ ‫المؤدية إليهما استجاب ًة ألهمية أدوار المطارات‬ ‫في تنمية المجتمعات‪ ،‬اقتصادياً وسياحياً‪.‬‬ ‫الطاقة المتجددة‬ ‫وشــمــلــت م ــب ــادرة الــمــلــك ســلــمــان للطاقة‬ ‫الــمــتــجــددة‪ ،‬مــشــروع المرحلة األول ــى (سكاكا‬ ‫ دوم ـ ــة ال ــج ــن ــدل) بــتــكــلــفــة إجــمــالــيــة بلغت‬‫(‪ )2.100.000.000‬ريال وهي ضمن مشروعات‬ ‫الطاقة التي أعلنها صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫محمد بن سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬وقامت وزارة‬ ‫الطاقة والصناعة والــثــروة المعدنية بتأسيس‬ ‫مكتب تطوير مشروعات الطاقة المتجددة التابعة‬ ‫لقطاع الطاقة بالوزارة‪ ،‬وأوكلت له مهمة التنفيذ‪.‬‬

‫زي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك‬

‫اإلسكان‬

‫الــجــوف على مساحة ستة كيلومترات مربعة‪،‬‬ ‫وبــأقــل سعر تعرفة عالمية فــي قطاع الطاقة‬ ‫الشمسية الكهروضوئية واستثمارات من القطاع‬ ‫الخاص‪ ،‬تزيد قيمتها عن مليار ريــال سعودي‪،‬‬ ‫إلنتاج (‪ )300‬ميقا وات من الكهرباء تخدم ‪45‬‬ ‫ألف وحدة سكنية‪ .‬نفذت بسواعد وخبرات وطنية‬ ‫ومعايير ومواصفات وتقنيات هي األحدث عالميًا‪،‬‬ ‫وشراكة وثيقة مع القطاع الخاص‪ ،‬وذلك يضع‬ ‫المملكة في مقدمة الــدول في توطين سالسل‬ ‫القيمة لمشروعات الطاقة المتجددة‪ ،‬ببرنامج‬ ‫طموح برؤية سعودية وثّابة‪.‬‬ ‫«سار»‬ ‫وفــي مــجــال مــشــروعــات الــشــركــة السعودية‬ ‫للخطوط الحديدية «سار»‪ ،‬اتخذت حكومة خادم‬ ‫الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫في هذا الشأن خيارات استراتيجية في الشراكة‬ ‫مع الصناديق االستثمارية في القطاع الخاص‬ ‫نحو دعم نهضة الوطن وتنويع مصادر الدخل؛‬ ‫ومنها إيجاد بنية تحتية لشبكة قطارات وخطوط‬ ‫حديدية تسهم في تطوير حلول نقل متكاملة تربط‬ ‫وسط المملكة وشماليها بشرقيها‪ ،‬لدعم االقتصاد‬ ‫والصناعة وتطوير الخدمات اللوجستية‪ ،‬بما في‬ ‫ذلك خلق فرص واعدة لشباب الوطن‪.‬‬

‫ومن ضمن هذه المشاريع محطة قطار الشمال‬ ‫للركاب في منطقة الجوف الــذي يبدأ مساره‬ ‫من محطة مدينة الــريــاض‪ ،‬م ــرورًا بالمجمعة‪،‬‬ ‫والقصيم‪ ،‬وحائل‪ ،‬وصــوالً إلى محطة الجوف‪،‬‬ ‫التي تعد المحطة الخامسة على خط الركاب‪ ،‬ثم‬ ‫القريات‪ ،‬وهي المحطة األخيرة على الخط ذاته‪،‬‬ ‫بتكلفة بلغت نحو (‪ )4.046.039.678‬ريــاالً‪،‬‬ ‫وكــانــت بــاكــورة هــذه الــمــبــادرات فــي منطقة لكل من محطتي الجوف والقريات‪ ،‬تشمل إنشاء‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪9‬‬


‫الخط الحديدي بالمنطقة وأنظمة االتصاالت صاحب السمو الملكي األمير بدر بن سلطان بن‬ ‫والتحكم‪.‬‬ ‫عبدالعزيز‪ .‬كما تسلم صاحب السمو الملكي‬ ‫بعد ذلــك دشّ ــن خ ــادم الحرمين الشريفين األمــيــر محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي‬ ‫الــمــشــاريــع التنموية فــي منطقة الــجــوف التي العهد نائب رئيس مجلس الــوزراء وزيــر الدفاع‬ ‫هدية تذكارية من سمو أمير المنطقة‪ .‬عقب ذلك‬ ‫تضمنها العرض المرئي‪.‬‬ ‫تشرف أهالي منطقة الجوف بالسالم على الملك‬ ‫تكريم المتميزين‬ ‫المفدى‪.‬‬ ‫ثم تفضل خــادم الحرمين الشريفين بتكريم‬ ‫حــضــر الــحــفــل عــدد مــن أص ــح ــاب الــســمــو‬ ‫الــمــتــمــيــزيــن مــن منطقة ال ــج ــوف‪ ،‬وتسليمهم‬ ‫الملكي األمراء‪ ،‬وأصحاب المعالي الوزراء وكبار‬ ‫جوائزهم‪ ،‬وهم‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫المسؤولين‪.‬‬ ‫الــخــيــريــة‪ ،‬وتسلمها د‪ .‬زيــاد بــن عبدالرحمن‬ ‫وقد غادر خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬الملك‬ ‫ال ــس ــدي ــري‪ ،‬لــجــهــودهــا ف ــي نــشــر ال ــدراس ــات‬ ‫واإلب ــداع ــات األدبــيــة ودع ــم األبــحــاث العلمية‪ .‬سلمان بن عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬منطقة الجوف‪،‬‬ ‫والطالبة غال بنت عبداهلل الشاعل الحائزة على بحفظ اهلل ورعايته‪ ،‬مساء األربعاء ‪ 13‬ربيع األول‬ ‫لقب أصغر سفيرة لمبادرة (‪ )10KSA‬الخاصة ‪1440‬ه ـــ (‪ 21‬تشرين الثاني نوفمبر ‪2018‬م)‪،‬‬ ‫بمحاربي سرطان الثدي‪ ،‬ولقب سفيرة المؤتمر متوجهاً إلى منطقة الحدود الشمالية‪.‬‬ ‫الخامس لإلعاقة والتأهيل ‪2018‬م‪ ،‬برعاية خادم‬ ‫وكان في وداع الملك المفدى بمطار الجوف‪،‬‬ ‫الحرمين الشريفين‪.‬‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير بدر بن سلطان بن‬

‫وف ــي خــتــام الــحــفــل‪ ،‬تسلم خ ــادم الحرمين عبدالعزيز‪ ،‬وأصحاب الفضيلة وكبار المسؤولين‬ ‫الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬وقادة القطاعات العسكرية في منطقة الجوف‪،‬‬ ‫حفظه اهلل‪ ،‬هــديــة تــذكــاريــة تــشــرف بتقديمها وعدد من أهالي المنطقة وأعيانها‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫زي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك‬

‫كلمة أهالي الجوف‬ ‫ألقاها د‪ .‬عبدالواحد الحميد‬ ‫خ ــادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن‬ ‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬حفظه اهلل‪،‬‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير محمد بن سلمان بن‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬ولي العهد‪ ،‬نائب رئيس مجلس الوزراء‪،‬‬ ‫وزير الدفاع‪ ،‬حفظه اهلل‪،‬‬ ‫أصحاب السمو‪ ،‬أصحاب الفضيلة والمعالي‪،‬‬ ‫الحفل الكريم‪،‬‬

‫د‪ .‬عبدالواحد الحميد يلقي كلمة أهالي الجوف‬

‫‪2030‬؛ سوا ًء ما يتعلق بإمكاناتها الزراعية أو إرثها‬ ‫السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬ ‫التليد من اآلثار والمواقع السياحية‪ ،‬أو ميزة الموقع‬ ‫يــشـرّفــنــي‪ ،‬يــا خ ــادم الــحــرمــيــن‪ ،‬أن أرح ــب بكم الجغرافي الــذي يؤهلها لتقديم خدمات مهمة في‬ ‫وبصحبكم باسم أهالي منطقة الجوف‪ ،‬المبتهجين قطاعات النقل والتجارة والخدمات اللوجستية‪.‬‬ ‫النفوس المتطلعة إلى‬ ‫َ‬ ‫بمقدمكم؛ فلقد غمرت الفرح ُة‬ ‫كما أن الــجــوف‪ ،‬فــي زمــن االقــتــصــاد الحديث‬ ‫وبتفاؤل ال حدود له‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫هذا اللقاء بشوق كبير‬ ‫القائم على التقنية والعلوم والمبادرات اإلبداعية‬ ‫إنَّها‪ ،‬يا خادم الحرمين‪ ،‬مشاع ُر تعكس المحبة‬ ‫العميقة لكم‪ ،‬حفظكم اهلل‪ ،‬فأنتم دائماً ‪ -‬وفي كل‬ ‫المواقع التي شغلتموها‪ -‬كنتم ومــا تزالون نموذج‬ ‫القائد‪ ،‬الــذي طالما اجتمعت حوله القلوب‪ ،‬بما‬ ‫حب للناس‪ ،‬والقرب منهم‪ ،‬في السراء‬ ‫وهبه اهلل من ٍ‬ ‫والضراء‪.‬‬

‫كما أن هــذه المشاعر تعكس الــوالء لقيادتكم‪،‬‬ ‫زاخر بالمجد في مسيرةٍ رَسَ َم‬ ‫إلرث ٍ‬ ‫التي هي امتدا ٌد ٍ‬ ‫خطاها قادةُ هذه البالد منذ الدولة السعودية األولى؛‬ ‫فمنطقة الجوف تفيأت ِظ َّل هذه الدولة المباركة منذ‬ ‫عــام ‪ 1208‬للهجرة في عهد اإلمــام عبدالعزيز بن‬ ‫محمد بن سعود‪ ،‬مروراً بالدولة السعودية الثانية في‬ ‫عهد اإلمام فيصل بن تركي بن عبداهلل‪ ،‬ثم الدولة‬ ‫السعودية الثالثة التي قامت على يد جاللة الملك‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن‪ ،‬طيّب اهلل ثراه‪ .‬وفي كل‬ ‫تلك األطــوار المتعاقبة كانت الجوف جزءاً من هذا‬ ‫الكيان الكبير تعتز باالنتماء له‪ ،‬وبالوالء لقادته‪.‬‬

‫الفردية والجماعية‪ ،‬أصبحت تملك القاعدة العلمية‬ ‫والتعليمية التي تُ َم ِّكنُها من اإلسهام في هذا االقتصاد‬ ‫بما يتالءم مع طبيعة المزايا النسبية التي تتمتع بها‬ ‫حظيَتْ المنطقة بالكثير من المشاريع‬ ‫المنطقة‪ .‬وقد ِ‬ ‫التنموية التي أحدثت نُقل ًة كبيرة في مختلف مناحي‬ ‫الحياة‪ .‬وها هو أمي ُر المنطقة يمضي ُقدُماً‪ ،‬بتوجيهٍ‬ ‫من مقامكم الكريم‪ ،‬في حشد الجهود للرقي بالمنطقة‬ ‫واستكمال مشاريعها؛ ما يُبَشِّ ُر بالخير ويثير التفاؤ َل‬ ‫في نفوس المواطنين‪ ،‬نحو توسيع القدرة االستيعابية‬ ‫القتصادها المحلي‪ ،‬بحيث يتمكن من االستفادة من‬ ‫جميع الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة وبخاصة‬ ‫خريجي وخريجات الجامعة والكليات والمعاهد‪،‬‬ ‫الذين تمألهم الحماسة لخدمة منطقتهم ووطنهم‪،‬‬ ‫ويتطلعون إلى ُفر ٍَص وظيفية منتجة‪.‬‬ ‫يا خادم الحرمين‪،‬‬

‫حـ ّيــاكــم اهلل فــي منطقة الــجــوف بــيــن أبنائكم‬ ‫وأهلكم‪ ،‬وفقكم اهلل وحفظكم وسدد خطاكم ليستمر‬ ‫خادم الحرمين‪،‬‬ ‫هذا الوطن شامخاً بين األوطــان تحت ظل قيادتكم‬ ‫إن منطقة الجوف ‪-‬بما تمتلكه من موارد طبيعية الحكيمة‪ ،‬ومؤازرة ولي عهدكم األمين‪ ،‬صاحب السمو‬ ‫وبشرية‪ -‬ق ــادرةٌ على أن تكون راف ــداً مهماً إلثــراء الملكي األمير محمد بن سلمان‪ ،‬حفظه اهلل‪ .‬والسالم‬ ‫االقتصاد الوطني‪ ،‬واإلسهام بفاعلية في تحقيق رؤية عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪11‬‬


‫منطقة اجلوف حتتفي بتعيني‬

‫األمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز‬ ‫وتود ُع‬ ‫أميرا‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬

‫األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‬ ‫بعد تعيينه نائبًا ألمير منطقة مكة املكرمة‬

‫احتفت منطقة الجوف بتعيين صاحب السمو‬ ‫الملكي األمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز‬ ‫أميرً‪ ،‬وو ّدع ــت صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫بــدر بــن سلطان بــن عـبــدالـعــزيــز‪ ،‬بعد تعيينه‬ ‫نائبًا ألمير منطقة مكة المكرمة؛ وذلــك في‬ ‫حفل كبير أقامته إمارة منطقة الجوف‪ ،‬بدعوة‬ ‫من صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز‬ ‫بــن فـهــد بــن تــركــي بــن عـبــدالـعــزيــز نــائــب أمير‬ ‫ال ـم ـن ـط ـقــة‪ ،‬م ـس ــاء ال ـث ــاث ــاء ‪ 25‬رب ـي ــع اآلخ ــر‬ ‫‪1440‬هـ (‪ ١‬يناير ‪2019‬م) بمدينة سكاكا‪.‬‬ ‫بــدأ الحفل بالقرآن الكريم‪ ،‬ثم ألقى صاحب‬ ‫الــســمــو الملكي األمــيــر عــبــدالــعــزيـز  بــن فهد  بن‬ ‫تركي  بن عبدالعزيز‪ ،‬نائب أمير منطقة الجوف‬ ‫كلمة‪ ،‬قال فيها‪« :‬في هذا المساء‪ ،‬الذي يجتمع فيه‬ ‫أهالي منطقة الجوف للقاء سموكما‪ ،‬وليبادلوكما‬ ‫مشاعر الــحــب والــتــقــديــر؛ فباسمي‪ ،‬ونيابة عن‬ ‫أهالي منطقة الجوف كافة‪ ،‬نتشرف بتقديم التهنئة‬ ‫لصاحب السمو الملكي األمير بدر  بن سلطان  بن‬ ‫عبدالعزير على الثقة الملكية الكريمة‪ ،‬بتعيينكم‬ ‫نائبًا ألمير منطقة مكة المكرمة‪ ،‬أقــدس بقعة‬ ‫على وجــه األرض‪ ،‬شرَّفكم للعمل بها قائد هذه‬ ‫البالد‪ ،‬خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬الملك سلمان  بن‬ ‫عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬حفظه اهلل»‪.‬‬ ‫وأضــاف سموه «لقد عملتم يا صاحب السمو‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫ـوف‬ ‫ـوايفـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـن ـ ـ ـأـ ـم ـ ـ‬ ‫تن ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫صاحب السمو الملكي األمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف‬

‫منذ لحظة تعيينكم أميرًا لمنطقة الجوف على‬ ‫تلبية التطلعات‪ ،‬وتحقيق الطموحات ألهالي‬ ‫المنطقة‪ ،‬وبــدأت جهود سموكم الكريم قبل أن‬ ‫تطأ أقــدامــكــم أرض الــجــوف‪ ،‬وقــد تشرفت يا‬ ‫صاحب السمو في العمل تحت إدارتكم‪ ،‬فكنتَ‬ ‫خي َر مدرسةٍ للعمل الدؤوب الصادق‪ ،‬وخالل فترة‬ ‫وجيزة أنغرس حبُكم في نفوس أهالي المنطقة‪،‬‬ ‫فدخلتم في قلوبهم قبل أن تدخلوا بيوتهم‪ ،‬لِما‬ ‫لمسوه جميعًا من سموك من حرص وجهود كبيرة‬ ‫وتفان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لنهضة المنطقة وتنميتها‪ ،‬بكل إخالص‬ ‫لتحقيق تطلعات كل فــرد منهم‪ ،‬وفــق توجيهات‬ ‫خ ــادم الحرمين الشريفين‪ ،‬الملك سلمان  بن‬ ‫عــبــدالــعــزيــز‪ ،‬وصــاحــب السمو الملكي األمير‬ ‫محمد  بن سلمان  بن عبدالعزيز‪ ،‬ولي العهد ونائب‬ ‫رئيس مجلس ال ــوزراء وزيــر الــدفــاع ‪ ،‬حفظهما‬ ‫اهلل‪ ،‬وما حضوركم هذه الليلة ولقاء األهالي‪ ،‬يا‬ ‫صاحب السمو‪ ،‬إال تأكيد للحب المتبادل بينكم‬ ‫وبين أهالي منطقة الجوف الكرام»‪.‬‬

‫عــن أهــالــي منطقة الــجــوف لــصــاحــب السمو‬ ‫الملكي األمير فيصل  بن نــواف  بــن عبدالعزيز‬ ‫بمناسبة الثقة الملكية الكريمة‪ ،‬بتعيينه أميرًا‬ ‫لمنطقة الجوف‪ ،‬مرحِّ بين بمقدم سموكم الكريم‬ ‫بين أهله‪ ،‬في هذا الجزء الغالي على قلوبنا من‬ ‫وطننا الحبيب‪ ،‬لخدمة المنطقة وأهلها؛ وما‬ ‫حضور سموكم الكريم في هذه الليلة ‪-‬وبعد أن‬ ‫أديتم القَسَ َم بين يديِّ خادم الحرمين الشريفين‪،‬‬ ‫حفظه اهلل‪ -‬إال حبًا وكرامة بأهل منطقة الجوف‪،‬‬ ‫وعزمكم لمواصلة نهضة المنطقة ونموها في‬ ‫جميع المجاالت؛ مؤكدين لسموكم‪ ،‬في الوقت‬ ‫ذاتـــه‪ ،‬أنــنــا سنكون خير سند لــكــم‪ ،‬بعد اهلل‪،‬‬ ‫لمواصلة التنمية والبناء في جميع المجاالت‪،‬‬ ‫مستمدين العون من اهلل‪ ،‬ثم من توجيهات القيادة‬ ‫الرشيدة‪ ،‬وتوجيهات سموكم الكريم‪ ،‬وعلى خُ طى‬ ‫الرؤية المباركة ‪ ،2030‬التي رسمت لنا طريق‬ ‫النجاح بإذن اهلل تعالى»‪.‬‬

‫خير‪ ،‬وأن‬ ‫هلل أن يُ َو ِّف َق الجمي َع لكل ٍ‬ ‫ودعا سم ُوهُ ا َ‬ ‫وقــال سمو نائب أمير منطقة الــجــوف‪« :‬ال‬ ‫يفوتني بهذه المناسبة ونحن نــودِّع سمو األمير يحفظ لبالدنا أمنها واستقرارها وقيادتها‪.‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬ألقى صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫بدر  بن سلطان أن أقــدم التهنئة باسمي ونيابة‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪13‬‬


‫كما رحَّ ــبَ د‪ .‬الحميد باسم أهــالــي منطقة‬ ‫الجوف بصاحب السمو الملكي األمير فيصل  بن‬ ‫نواف  بن عبدالعزيز‪ ،‬مهنئًا سموه بالثقة الملكية‬ ‫بتعيينه أميرًا لمنطقة الجوف‪ ،‬الفتًا النظر إلى أن‬ ‫آمال أهالي المنطقة متطلعة بعد اهلل على جهوده‬ ‫لتحقيقها‪ ،‬وِ فق الدعم غير المحدود الذي توليه‬ ‫حكومتنا الرشيدة لكافة قطاعات الدولة‪ ،‬أعزها‬ ‫اهلل‪ ،‬متمنيًا لسموه التوفيق والسداد‪.‬‬

‫صاحب السمو الملكي األمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‬

‫بدر  بن سلطان  بن عبدالعزيز‪ ،‬نائب أمير منطقة‬ ‫مكة المكرمة‪ ،‬كلمة رحّ ب فيها بالجميع‪ ،‬مقدمًا‬ ‫التهنئة لصاحب السمو الملكي األمير فيصل  بن‬ ‫نــواف  بــن عبدالعزيز‪ ،‬بمناسبة الثقة الملكية‬ ‫بتعيينه أمــيـرًا لمنطقة الــجــوف‪ ،‬داعـ ًيــا لسموه‬ ‫بالتوفيق لخدمة هذه المنطقة‪.‬‬ ‫وأع ــرب سموه عــن شكره ألهــالــي المنطقة؛‬ ‫لما لمسه منهم من مشاعر صادقة‪ ،‬وحب العمل‬ ‫الــدؤوب لخدمة الدين والوطن والقيادة؛ الفتًا‬ ‫النظر‪ ،‬إلــى أنــه فــي خدمة هــذه الــبــاد‪ ،‬أينما‬ ‫رأت القيادة الرشيدة ذلك‪،‬؛ منوِّهً ا بجهود سمو‬ ‫نائب أمير منطقة الجوف‪ ،‬وإخالصه في خدمة‬ ‫المنطقة وأهلها‪ ،‬متمنيًا للجميع التوفيق‪ ،‬وأن‬ ‫يديم اهللُ على بالدنا أمنها واستقرارها تحت ظل‬ ‫قيادتها الرشيدة‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫ثم ألقى الشاعر عبداهلل السالم قصيدة نبطية‬ ‫توديعًا لسمو نائب أمير منطقة مكة المكرمة‪،‬‬ ‫وترحيبًا بمقدم سمو أمير منطقة الجوف‪.‬‬ ‫وكان صاحب السمو الملكي األمير فيصل  بن‬ ‫نــواف  بــن عبدالعزيز أمير منطقة الــجــوف قد‬ ‫أكد أنه سيبذل كل ما في وسعه لخدمة منطقة‬ ‫الجوف وأهلها‪ ،‬وسيعمل لتحقيق تطلعات خادم‬ ‫الحرمين الشريفين‪ ،‬الملك سلمان  بن عبدالعزيز‬ ‫آل ســعــود‪ ،‬وصــاحــب الــســمــو الــمــلــكــي األمــيــر‬ ‫محمد  بن سلمان  بن عبدالعزيز‪ ،‬ولي العهد نائب‬ ‫رئيس مجلس الوزراء‪ ،‬وزير الدفاع‪ ،‬حفظهما اهلل‪،‬‬ ‫وطموحات أهالي المنطقة‪.‬‬ ‫وقال سموه في تصريح لوكالة األنباء السعودية‬ ‫عقب وصوله لمنطقة الجوف‪« :‬يشرفني أن أنقل‬ ‫ألهــالــي منطقة الــجــوف تحيات ســيــدي خــادم‬ ‫الحرمين الشريفين الملك سلمان  بن عبدالعزيز‬ ‫آل سعود‪ ،‬وسيدي صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫محمد  بن سلمان  بن عبدالعزيز‪ ،‬ولي العهد‪ ،‬نائب‬ ‫رئيس مجلس الـــوزراء‪ ،‬وزيــر الــدفــاع‪ ،‬حفظهما‬ ‫اهلل‪ ،‬وتأكيدهما على تلّمس احتياجات المنطقة‬ ‫ومحافظاتها ومــراكــزهــا وقــراهــا‪ ،‬والعمل على‬ ‫إنجاز مصالح المواطنين في هذا الجزء الغالي‬ ‫من وطننا العزيز»‪.‬‬

‫بعد ذلك ألقى معالي الدكتور عبدالواحد  بن‬ ‫خالد الحميد‪ ،‬كلمة األهــالــي‪ ،‬أعــرب فيها عن‬ ‫شكر أهالي المنطقة لصاحب السمو الملكي‬ ‫األمير بدر  بن سلطان  بن عبدالعزيز نائب أمير‬ ‫منطقة مكة المكرمة على جــهــوده فــي منطقة‬ ‫وأع ــرب بــاســمــه‪ ،‬ونــيــابــة عــن أهــالــي منطقة‬ ‫الجوف‪ ،‬عندما كان أميرًا لها‪ ،‬منوهً ا بما قدَّ مه‬ ‫من إنجازات خالل فترته في المنطقة‪ ،‬متمنيًا الجوف‪ ،‬عن شكره لصاحب السمو الملكي األمير‬ ‫بدر  بن سلطان  بن عبدالعزيز‪ ،‬نائب أمير منطقة‬ ‫لسموه التوفيق والسداد‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫كما أعــرب سموه عن شكره ألهالي منطقة اإلدارات الحكومية سير العمل فيها‪ ،‬وأوجــه‬ ‫الجوف على ما لقيه من حفاوة واستقبال‪ ،‬ليست التعاون بينها‪ ،‬بما يخدم الصالح العام‪.‬‬ ‫بمستغربه من أهالي جــوف التاريخ والحضارة‬ ‫األمر الملكي بتعيين أمير الجوف‬ ‫الكرام‪.‬‬ ‫أمر ملكي‪:‬‬ ‫وقال سمو أمير منطقة الجوف‪« :‬إن صدورنا‬ ‫تعيين األمير فيصل  بن نواف  بن عبدالعزيز آل‬ ‫وأبوابنا مفتوحة لكل مَن يرى في نفسه اقتراحً ا‬ ‫يخدم المنطقة وأهلها‪ ،‬للعمل سويًا على رفعتها‪ ،‬سعود أميرًا لمنطقة الجوف‬ ‫بــإذن اهلل‪ ،‬ورفعة هــذا الوطن المعطاء؛ فنحن األحد ‪ 23‬ربيع اآلخر ‪1440‬‬ ‫نسعى مــن خــال تلك الجهود لتحقيق الرؤية الرقم‪ :‬أ ‪150 /‬‬ ‫المباركة ‪ 2030‬الــتــي يقودها صــاحــب السمو التاريخ‪1440 / 4 / 20 :‬هـ‬ ‫الملكي األمير محمد  بن سلمان‪ ،‬حفظه اهلل‪ ،‬بعون اهلل تعالى‪،‬‬ ‫وسنعمل على تحقيق طموحات أهالي المنطقة نحن سلمان  بن عبدالعزيز آل سعود‬ ‫ملك المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫وفق توجيهات قيادتنا الرشيدة»‪.‬‬ ‫بعد االطالع على النظام األساسي للحكم‪ ،‬الصادر‬ ‫ودعا سموه ا َ‬ ‫هلل ع َّز وج َّل أن يكون عند حسن باألمر الملكي رقم ( أ‪ )90/‬بتاريخ ‪1412/8/27‬هـ‪،‬‬ ‫ظن القيادة الرشيدة‪ ،‬وأن يحفظ للمملكة العربية وبعد االطالع على نظام المناطق‪ ،‬الصادر باألمر‬ ‫السعودية قيادتها‪ ،‬وأن يديم عليها أمنها‪ ،‬وأن الملكي رقم ( أ ‪ ) 92 /‬بتاريخ ‪1412 / 8 / 27‬هـ‪،‬‬ ‫يعينه على تحقيق آمــال أهالي منطقة الجوف وبعد االطالع على نظام الوزراء‪ ،‬ونواب الوزراء‪،‬‬ ‫وتطلعاتهم‪.‬‬ ‫وموظفي المرتبة الممتازة‪ ،‬الصادر بالمرسوم‬ ‫الملكي رقم ( م ‪ )10 /‬بتاريخ ‪1391/3/18‬ه ـــ‪،‬‬ ‫أول اجتماع ألمير الجوف‬ ‫وبعد االطــاع على األمــر الملكي رقم (أ‪)131/‬‬ ‫من جهة أخــرى‪ ،‬تــرأس أمير منطقة الجوف بتاريخ ‪1439/6/10‬هـ‪ ،‬وبعد االطالع على األمر‬ ‫األمير فيصل  بن نواف  بن عبدالعزيز‪ ،‬بمكتبه الملكي رقم (أ‪ )14/‬بتاريخ ‪1414/3/3‬هـ؛‬ ‫بــديــوان اإلمـــارة يــوم األربــعــاء ‪ 24‬ربــيــع اآلخــر أمرنا بما هو ٍآت‪:‬‬ ‫‪1440‬هـ (‪ 02‬يناير ‪2019‬م)‪ ،‬بحضور نائب أمير أوالً‪ ،‬يُعفى صاحب السمو الملكي األمير‪ /‬بدر  بن‬ ‫منطقة الــجــوف‪ ،‬األمير عبدالعزيز  بن فهد  بن سلطان  بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة‬ ‫تركي  بن عبد الــعــزيــز‪ ،‬أول اجــتــمــاع بمديري الجوف من منصبه‪.‬‬ ‫ثــانــيـاً‪ :‬يُــعـ َّيــن صــاحــب السمو الملكي األمــيــر‪/‬‬ ‫اإلدارات الحكومية في المنطقة‪.‬‬ ‫فيصل  بن نواف  بن عبدالعزيز آل سعود‪ ،‬أميراً‬ ‫واســتــهــل األمــيــر فيصل  بن ن ــواف االجتماع لمنطقة الجوف بمرتبة وزير‪.‬‬ ‫بالشكر لحكومة خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬الملك ثالثاً‪ :‬يُبلَّغ أمرُنا هذا للجهات المختصة العتماده‬ ‫سلمان  بن عبدالعزيز آل ســعــود‪ ،‬وول ــي عهده وتنفيذه‪.‬‬ ‫األمــيــن‪ ،‬األمير محمد  بن سلمان‪ ،‬على الدعم سلمان  بن عبدالعزيز آل سعود‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ج ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫ـوف‬ ‫ـوايفـ ـ ـ ــرـ ـ ـاـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـن ـ ـ ـأـ ـم ـ ـ‬ ‫تن ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ‬

‫مكة المكرمة‪ ،‬على جهوده الملموسة خالل عمله غير المحدود واالهتمام البالغ للخدمات المقدمة‬ ‫في المنطقة؛ متمنيًا لسموه التوفيق في مهمته للمواطنين في جميع مناطق المملكة‪.‬‬ ‫الجديدة‪.‬‬ ‫واستعرض أمير منطقة الجوف مع مديري‬

‫‪15‬‬


‫برعاية صاحب السمو الملكي األمير‬

‫بدر بن سلطان بن عبدالعزيز‬

‫يعقد دورته الثانية عشرة بالجوف‬

‫فرص االستثمار وتحدياته‬ ‫في منطقة الجوف‬

‫■ كتب‪ :‬محمد صوانة‬

‫عقد منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية دورته الثانية‬ ‫عشرة‪ ،‬في دار العلوم بالجوف بعنوان‪« :‬فــرص االستثمار وتحدياته في منطقة الجوف»‪،‬‬ ‫تحت رعــايــة صاحب السمو الملكي األمـيــر بــدر بــن سلطان بــن عبدالعزيز أمير منطقة‬ ‫الجوف السابق‪ ،‬وذلك يوم السبت ‪ 16‬ربيع األول ‪ 24‬نوفمبر ‪2018‬م‪ ،‬وحضر المنتدى جمع‬ ‫من االقتصاديين والمستثمرين والمهتمين من منطقة الجوف وخارجها‪.‬‬ ‫بــدأت جلسة افتتاح المنتدى بكلمة ألقاها منطقة الجوف‪ ،‬ومتابعة مشروعاتها‪.‬‬

‫الدكتور زيــاد بن عبدالرحمن السديري العضو‬ ‫المنتدب لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪،‬‬

‫فشكر صــاحــب السمو الملكي األمــيــر بــدر بن‬

‫سلطان بــن عبدالعزيز على رعايته للمنتدى‪،‬‬ ‫ورحب بصاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز‬

‫بن فهد بن تركي بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة‬

‫الجوف‪ ‬على حضوره فعاليات المنتدى‪ ،‬وعلى‬ ‫االهتمامِ والتشجيعِ ؛ مقدراً لهما ما يبذالنه من‬

‫‪16‬‬

‫جهد مشكور ومشهود في السعي لدعم التنمية في‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫وقــال د‪ .‬زيــاد السديري إن هيئة المنتدى‬ ‫ارتأت تخصيص الدورة الحالية لتكون عن فرص‬ ‫االستثمار في الجوف والتحديات التي يواجهها‬ ‫المستثمرون والحلول المقترحة لها؛ فاالستثمار‬ ‫َساس في نُم ّو البلدان وارتقاء المواطنين‪،‬‬ ‫ُعنْصر أ ٌ‬ ‫ورَفاههِ م‪ ،‬ومن األهميّة بِمكان النظر في ما يُ َعزِّز‬ ‫من االستثمارِ ‪َ ،‬فنُبادر به‪ ،‬وما يَحُ ُّد منه‪ ،‬فنتصدَّ ى‬ ‫لــه بالمبادرات التصحيحية الفاعلة‪ .‬وستكون‬ ‫ندوة المنتدى لهذه الدورة فرصة لتالقح األفكار‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‬

‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري‬

‫واستعراض المعلومات الخاصة باالستثمار في‬ ‫منطقة الجوف وفرصه والتحديات التي تواجهه‪،‬‬ ‫ونرجو أن نفيد من خبرات األساتذة المتخصصين‬ ‫المشاركين في الجلستين الحواريتين في اقتراح‬ ‫الحلول العلمية والعملية لتجاوز العقبات المتوقعة‬ ‫والمشكالت المفترضة التي تواجه االستثمار‬ ‫والمستثمرين‪.‬‬

‫بالمشارَكات المُقدَّ مةِ للمبادرة‪ ،‬واختارت الفائزين‬ ‫بالجوائز الثالث األولى‪ ،‬وسوف يعمل المركز في‬ ‫المرحلة المقبلة على االتفاق مع الفائز بالجائزة‬ ‫األولــى‪ ،‬إلكمال مخططات المبادرة‪ ،‬واستقطاب‬ ‫الدعم الماليّ الالزم إلنجازِ ها‪ ،‬استعداداً لتنفيذها‬ ‫في المستقبل المنظور‪ ،‬إن شاء اهللُ‪.‬‬

‫وقال الدكتور السديري إننا وبمناسبة انعقاد‬ ‫هذا المنتدى في قاعة دار العلوم بالجوف‪ ،‬يسرني‬ ‫أن أتحدث إليكم عن مبادرة تحديث مبنى دارِ‬ ‫العلومِ ‪ ،‬التي باشر المركز بها منذ عامين‪ ،‬ويسعى‬ ‫إلِكمالها مع حُ لولِ الذكرى الخمسينِ إلنشا ِء الدار‪،‬‬ ‫وهي تهدف لتحديث مبنى مكتبة الــدار وتهيِئته‬ ‫لمواكبة التطورات المعاصرة في شتّى الميادين‪.‬‬ ‫وذلـ ــك مــن خ ــال عــقــد مــشــاركــات مــع جامعة‬ ‫ماساتشوستس للتقنية‪ ،MIT ،‬األمريكية الرائدة‪،‬‬ ‫وجامعات سعودية‪ ،‬شملت جامعة الفيصل‪ ،‬وجامعة‬ ‫الحكمة‪ ،‬وجامع َة‬ ‫األمــيــرِ سلطان‪ ،‬وجامعة دار ِ‬ ‫اإلمام عبدالرحمن بن فيصل‪ .‬وقد وجَّ َه المركز‬ ‫دعوة للمكاتب المعماريةِ العالميةِ للتقدم لِجائزة‬ ‫مبادرة دار العلوم‪ ،‬فتقدَّ َم ما يزي ُد عن مئة وخمسين‬ ‫متسابقاً من خمسين دولة‪ ،‬ونظرتْ هيئة الجائزة‬

‫وقال إننا نسعد في هذا المركز بشرف اإلسهام‬ ‫في خدمة الثقافة على مستوى الوطن‪ ،‬من خالل‬ ‫ما توفره مكتبات المركز العامة في كل من الجوف‬ ‫والغاط‪ ،‬وما تقدمه برامجه لدعم األبحاث وما‬ ‫تحييه مناشطه المنبرية تحقيقا لما أراده مؤسس‬ ‫المركز يرحمه اهلل من خدمة للثقافة والمعرفة‪.‬‬ ‫كلمة هيئة المنتدى‬ ‫وألقى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي كلمة هيئة‬ ‫المنتدى‪ ،‬فقال إن هذا الملتقى الفكري يلتئم سن ًة‬ ‫بعد أخرى؛ في سكاكا الجوف المق ّر الرئيس لمركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وفي دار الرحمانيّة‬ ‫فرعه بمحافظة الغاط‪ ،‬وتتحرّى هيئته ما يالمس‬ ‫احتياجات الوطن من موضوعات التنمية‪ ،‬كي‬ ‫يُــؤدّي المنتدى وظيفته الثقافيّة بوصفه «خليّة‬ ‫تفكير» تضاف إلى مهماته االجتماعيّة األخرى‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪17‬‬


‫وأضاف د الشبيلي إنه على مدى سنوات‪ ،‬أنجبت‬ ‫ال ناهضاً يُمثّل ثمار‬ ‫الجوف عبر مسيرة تنميتها‪ ،‬جي ً‬ ‫التنمية‪ ،‬جمع بين ضمير الوفاء لمحيطه ومسؤوليّة‬ ‫ال شقّ طريقه رغم المعوّقات‪،‬‬ ‫الــوالء لوطنه‪ ،‬جي ً‬ ‫فــخـرّج المعلّم والــشــرعــيّ والــشــوريّ والمهندس‬ ‫والطبيب والزراعي‪ ،‬وأثبت هذا الجيل «الجوفيّ »‬ ‫النابض ‪ -‬كما في المناطق الطرفيّة المقاربة في‬ ‫ظروفها المفتقرة إلى حظوظ متوازنة في التنمية‬ ‫ أن عائد االستثمار في رأس المال البشري هو‬‫األه ّم من بين أنواع االستثمار على المدى الطويل‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬ومع استقبال منطقة الجوف عهداً واعداً‬ ‫خصصت هيئة‬ ‫ُبشر بمستقبل أكثر إشــرا ًقــا‪ّ ،‬‬ ‫ي ِّ‬ ‫المنتدى هــذه ال ــدورة السنويّة الثانية عشرة‪،‬‬ ‫للبحث في آفاق فرص االستثمار فيها على النحو‬ ‫الذي ستتناوله محاور المنتدى‪ ،‬وأن تحتفي بهذه‬ ‫المناسبة بجيل الجوف المتوثّب من خالل تكريم‬ ‫رمزه المتألّق د‪ .‬عبدالواحد الحميد‪.‬‬ ‫وقال د‪ .‬الشبيلي لقد عُرف الدكتور عبدالواحد‬

‫جانب من الحضور‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الحميد خالل خدمته العامة‪ ،‬أستاذاً في جامعة‬ ‫الملك فهد للبترول والمعادن‪ ،‬فأميناً لمجلس‬ ‫القوى العاملة‪ ،‬ونائباً لوزير العمل‪ ،‬وعضواً في‬ ‫مجلس الــشــورى‪ ،‬ولــه جهود واقعيّة فــي ترتيب‬ ‫حال سوق العمل‪ ،‬وتقنين أوضاعها وقطاعاتها‪،‬‬ ‫وزاده توقّداً باإلنتاج الفكري‪ ،‬مسكوناً على وجه‬ ‫الخصوص بهاجس التوطين الذي شخّ صه كتابه‬ ‫«السعودة أو الطوفان» ووقّعه د‪ .‬غازي القصيبي‬ ‫بــالــقــول إنــه «كــتــاب يجب أن يــقــرأه كــل مواطن‬ ‫حريص على مستقبل هذا الوطن‪ ،‬أمّا المعنيّون‬ ‫ٍ‬ ‫بشؤون العمل فيجب أن يقرأوه أكثر من مـرّة»‪.‬‬ ‫المتخصص‬ ‫ّ‬ ‫وكان الدكتور عبدالواحد األكاديمي‬ ‫فــي االقــتــصــاد‪ ،‬وعبر معرفته بمقوّمات البيئة‬ ‫االستثماريّة في منطقته (الجوف) يتبنّى القضايا‬ ‫والمطالب التنموية والثقافية عبر الصحافة‬ ‫والندوات والملتقيات الفكرية ومن خالل العمل‬ ‫فــي الــلــجــان الحكومية العليا‪ ،‬ومــن صــور تلك‬ ‫االهتمامات اقتراحه موضوع المنتدى‪ ،‬ما جعله‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫نائب أمير منطقة الجوف يكرم د‪ .‬عبدالواحد الحميد بمشاركة د‪ .‬زياد السديري‬

‫ينفث في محاوره الكثير من فِ كَره واقتراحاته‪.‬‬ ‫وهكذا ارتبط د‪ .‬الحميد بوجدان ال يُــام عليه‬ ‫مع مسقط رأسه‪ ،‬ووجدناه منبعاً مخلصاً ونزيهاً‪،‬‬ ‫ألفكار التنمية المتوازنة والموضوعيّة‪ ،‬ورافــداً‬ ‫ال‬ ‫ال يــكـلّ‪ ،‬لــإبــداع والتطوير‪ ،‬ومــصــدراً متفاع ً‬ ‫مع رؤية الوطن وتحوّالته االقتصاديّة والثقافيّة‪،‬‬ ‫يُعبّر منتدانا اليوم عن تقدير مكنون له‪ ،‬فاختارت‬ ‫هيئة المنتدى الدكتور عبدالواحد الحميد ليكون‬ ‫شخصية هذه الــدورة لما قدمه من عطاء عملي‬ ‫وفكري في المجال االقتصادي على صعيد الوطن‪.‬‬

‫تكريم شخصية المنتدى‬

‫المنتدى‪ ،‬وقــال إن منطقة الجوف مهيأة لمزيد‬ ‫من االستثمارات ســواء في المجال الزراعي أو‬ ‫الصناعي بما تضمه من بيئة استثمارية جاذبة وما‬ ‫تتوافر فيها من فرص وبنية تحتية وأيدي عاملة‪.‬‬ ‫وأضاف إن اختيار موضع االستثمار لهذا المنتدى‬ ‫في هذا العام يدعم التوجه لمزيد من االستثمار‬ ‫وتــوفــيــر الــمــعــلــومــات والــبــيــانــات واإلح ــص ــاءات‬ ‫الضرورية التي تهم المستثمرين الجادين‪ ،‬ونأمل‬ ‫أن نفيد جميعا من الحوار والنقاش الذي سيدور‬ ‫في جلستي المنتدى حول هذا المجال‪.‬‬

‫في نهاية حفل اإلفتتاح جرى تكريم شخصية‬ ‫منتدى هذا العام‪ ،‬معالي د‪ .‬عبدالواحد الحميد‬ ‫وسلمه صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز‬ ‫بن فهد بن تركي بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة‬ ‫الجوف درع التكريم‪.‬‬ ‫ندوة المنتدى‬ ‫كما ألقى مدير عــام المركز حسين بن علي‬ ‫الخليفة كلمة رحــب فيها بالمشاركين في ندوة‬

‫األستاذ حسين بن علي الخليفة‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪19‬‬


‫حلقة الحوار األولى‬ ‫المحور األول‪ :‬فرص االستثمار في منطقة الجوف‬ ‫المتحدثون ‪ :‬م‪ .‬درويش الغامدي‪ ،‬م‪ .‬ماجد الرويلي‪ ،‬أ‪ .‬عبداللطيف الضويحي‪،‬‬ ‫ د‪ .‬فيصل الفريدي‪ ،‬م‪ .‬عبداهلل اجلربوع‪ ،‬د‪ .‬جنم احلصيني‪.‬‬ ‫إدارة الجلسة ‪ :‬د‪ .‬فهد البادي‪.‬‬ ‫افتتح د‪ .‬فهد البادي الجلسة‪ ،‬فقال إن هذه الندوة تأتي في ظل وقت تحول كبير‬ ‫تمر فيه المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه اهلل وسمو‬ ‫ولــي عهده األمين وفــي ظل رؤيــة المملكة ‪ 2030‬التي تشكل بداي ًة لتأسيس نموذج‬ ‫اقـتـصــادي جــديــد مختلف عما تـعــودنــا عليه فــي الـســابــق‪ .‬واالسـتـثـمــار يشكل حجر‬ ‫أســاس في تحقيق رؤيــة المملكة‪ .‬وفــي المفهوم االقتصادي فــإن االستثمار هو كل‬ ‫إضافة جديدة لرأس المال الحقيقي للمجتمع والوطن‪ .‬سنتحدث في هذه الجلسة‬ ‫عن فرص االستثمار الجديدة التي يمكن خلقها في المنطقة أو تنفيذها في سبيل تحقيق تنمية مستدامة‬ ‫وفقا لرؤية المملكة ‪ .2030‬وال شك أن منطقة الجوف لها مقومات اقتصادية مختلفة‪ ،‬فهل استغلت هذه‬ ‫المقومات أم ال‪ ،‬نرجو أن يتطرق المحاورون لهذا األمر ويسلطوا الضوء على بعض الجوانب التي قد تكون‬ ‫فرص ًا استثمارية جديدة‪.‬‬

‫المتحدث األول‪ :‬م‪ .‬درويش الغامدي‬ ‫(أمين منطقة الجوف)‬

‫‪20‬‬

‫بدأ حديثة ببيان أن‬ ‫الجوف لديها إمكانات‬ ‫استثمارية تفوق أغلب‬ ‫المناطق في المملكة‬ ‫فـــــــي الــــصــــنــــاعــــات‬ ‫الــتــعــديــنــيــة وبــخــاصــة‬ ‫فــي الـــزراعـــة؛ فــالــجــوف تشتهر بــزراعــة‬ ‫الزيتون‪ ،‬كما أن المياه متوافره في الجوف‬ ‫في حين أن مشكلة المياه تعاني منها أغلب‬ ‫مناطق المملكة‪ .‬ويشكل ذلك فرصا مهمة‬ ‫بالنسبة لمنطقة الجوف ألنها واعدة في كل‬ ‫االستثمارات‪ ،‬وما يتعلق بالصناعات سواء‬ ‫في المجاالت الزراعية أو أي صناعات أخرى‬ ‫تعتمد على مصادر المياه وكمية المياه‪ .‬وقد‬ ‫وفرت أمانة منطقة الجوف فرصاً استثمارية‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫مثل توفير قطع أراضي في أكثر من ثالثمائة‬ ‫موقع بمساحات متوسطة وكبيرة‪ ،‬تناسب‬ ‫مختلف المشاريع االستثمارية‪.‬‬ ‫ومن الفرص االستثمارية التي أود التنبيه‬ ‫إليها بحيرة دومــة الجندل التي تعد بيئة‬ ‫صالحة لالستثمار في المجالين السياحي‬ ‫والترفيهي‪ ،‬ومن المنتظر أن تجد مستثمرا‬ ‫جــاداً يستطيع تنفيذ مشروع ترفيهي في‬ ‫البحيرة‪ ،‬يشكل متنفسا ألهــالــي الجوف‪،‬‬ ‫ويحقق مردودا اقتصاديا الفتاً‪.‬‬ ‫كما دعا المهندس الغامدي إلى التركيز‬ ‫على ما يسهم في خدمة الجوف كاستثمار‬ ‫فــي بناء اإلنــســان وتنمية المكان‪ ،‬فهناك‬ ‫مستثمرون يسعون إليجاد مراكز تدريبية‬ ‫متخصصة‪ ،‬ستجد الدعم من كل القطاعات‬ ‫ـس الــحــاجــة بــالــجــوف لهذا‬ ‫ونــحــن فــي أم ـ ّ‬ ‫التوجه‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫جانب من الحضور‬

‫المتحدث الثاني‪ :‬م‪ .‬ماجد الرويلي‬ ‫(رئيس مجلس إدارة غرفة الجوف)‬ ‫قــال م‪ .‬الرويلي إن‬ ‫للقطاع الخاص دوراً‬ ‫مهماً واستراتيجياً‪،‬‬ ‫إذ ع ـوّلــت عليه رؤيــة‬ ‫المملكة ‪ 2030‬وعدّته‬ ‫شريكاً استراتيجياً‪.‬‬ ‫ويــنــبــغــي تــوفــيــر كــل الــفــرص واإلمــكــانــات‬ ‫الممكنة لدعمه ليقوم بــدوره على أفضل‬ ‫وجه‪ ،‬وبخاصة في مجال االستثمار‪.‬‬

‫االقتصادية على بعض الفرص في منطقة‬ ‫الجوف‪ ،‬بوصفها منطقة زراعية وسياحية‪،‬‬ ‫إذ تتوافر فرص التصنيع الغذائي في مجال‬ ‫الخضروات والفواكه‪ ،‬ألن منطقة الجوف‬ ‫تعد سلة غذاء المملكة‪ ،‬نظرا لكونها منطقة‬ ‫تشتهر باإلنتاج الــزراعــي لــزراعــات عديدة‬ ‫وأساسية كالزيتون‪ ،‬والتمور‪ ،‬والحمضيات‪،‬‬ ‫والخضار‪ ،‬واألعالف‪ ،‬ولعل أهمها الزيتون‪،‬‬ ‫وإن وجود مهرجان سنوي بالجوف للزيتون‬ ‫يمنح منطقة الجوف ميزة إضافية عن باقي‬ ‫مناطق المملكة‪ .‬والمنطقة غنية بمعادنها‬ ‫(السليكا) و(الصلصال) وكل معدن موجود‬ ‫فيها ينتج عنه عدة صناعات كثيرة‪ ،‬إذ تتميز‬ ‫السليكا بصناعة الزجاج‪ ،‬لذلك ينبغي وجود‬ ‫مصنع للزجاج بالمنطقة على مستوى عال‬ ‫جداً‪.‬‬

‫وإن منطقة الجوف كبنية تحتية غنية‬ ‫بجميع اإلمكانات‪ ،‬كطرق سريعة تربطها‬ ‫بجميع مناطق المملكة‪ ،‬ووج ــود مطارين‬ ‫فــي سكاكا والــقــريــات وبــدء انــطــاق سكة‬ ‫القطار مــؤخــراً (س ــار)؛ مــا سيدفع عجلة‬ ‫والمنطقة غنية بصناعة الملح ولكنها ما‬ ‫التنمية والحركة التجارية واالستثمارية في‬ ‫تزال صناعة بدائية جداً‪ ،‬يفترض أن يكون‬ ‫المنطقة‪.‬‬ ‫هناك مصانع كبيرة أو يكون هناك تعبئة أو‬ ‫وأشار الرويلي إلى أن مجلس اإلدارة في تغليف لكي تنتج للسوق المحلية والسوق‬ ‫غرفة الجوف قام بعديد من دراسات الجدوى العالمية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪21‬‬


‫المتحدث الثالث‪:‬‬ ‫أ‪ .‬عبداللطيف الضويحي‬

‫البشرية المتوفرة والضرورية للمنطقة‪.‬‬ ‫وتــطــرق بــالــقــول ال ــى أن الــمــشــروعــات‬ ‫التي أ ُعلِن عنها إبان زيارة خادم الحرمين‬ ‫الشريفين لمنطقة الجوف مؤخراً يجب أن‬ ‫تشكل تحديا لجامعة الجوف وكادر الجامعة‬ ‫فــي الــمــقــام األول‪ .‬فــا يــجــوز أن تنتظر‬ ‫الجامعة حتى تــقــام مــشــروعــات التعدين‬ ‫والسياحة والــطــاقــة أو غيرها‪ ،‬بــل يجوز‬ ‫تحضير الموارد البشرية وتأهيليها وتمكينها‬

‫بــــــــــدأ األســــــتــــــاذ‬ ‫ال ــض ــوي ــح ــي حــديــثــة‬ ‫بالتساؤل‪ :‬كم عدد أو‬ ‫ما نسبة رجال األعمال‬ ‫فــي الــجــوف إلــى عدد‬ ‫الــســكــان فــيــهــا؟ ومــا‬ ‫نسبة رج ــال األعــمــال‬ ‫في الجوف إلى رجال األعمال في المملكة؟‬ ‫وفي هذا السياق يرى الضويحي ضرورة‬ ‫لماذا لم يبرز رجال أعمال من المنطقة على إيجاد هيئة عليا لإلستثمار في المنطقة‬ ‫تصب فيها وعندها الفرص والتحديات من‬ ‫مستوى المملكة؟‬ ‫مهما تكن اإلجابة على هذه التساؤالت‪ ،‬الموارد الطبيعية والموارد البشرية‪.‬‬

‫يبقى الــســؤال‪ :‬هل األسباب إقتصادية أم‬ ‫إجتماعية وثقافية؟‬

‫المتحدث الرابع‪ :‬د‪ .‬فيصل الفريدي‬ ‫(عضو هيئة تدريس بجامعة حائل)‬

‫هنا تأتي أهمية إجــراء دراســات معمقة‬ ‫ومستفيضة‪ ،‬وهــي مسئولية تقع بالمقام‬ ‫األول على عاتق جامعة الــجــوف ومراكز‬ ‫البحث‪ ،‬مثلما أن حاضنات أعمال‪ .‬وإعداد‬ ‫وتأهيل كــوادر بشرية بما ينسجم ويتالقى‬ ‫مع الموارد الطبيعية تقع على عاتق جامعة‬ ‫الجوف‪.‬‬

‫أكـــد د‪ .‬الــفــريــدي‬ ‫أن ق ــط ــاع الــســيــاحــة‬ ‫من المتوقع أن يسهم‬ ‫ب ‪ %11‬مــن الــنــاتــج‬ ‫المحلي‪ ،‬إذا نظرنا إلى‬ ‫هذا القطاع في منطقة‬ ‫الجوف وحاولنا تصور الحجم والطلب فهو‬ ‫غير واضح‪ ،‬وذلك لعوامل عديدة؛ ولكن في‬ ‫التجارة نسأل دائما ما هي الشريحة التي‬ ‫تستهدفها ألجل نجاح مشروعك؟ وبقدر ما‬ ‫تمثل السياحة رافداً واعداً للجوف فينبغي‬ ‫أن يرافق ذلك تطور في الخدمات الفندقية‬ ‫فــي المنطقة‪ ،‬وكــذلــك تــوفــر قــطــاع النقل‬ ‫والمواصالت بين الجوف والرياض والمدن‬ ‫المهمة األخرى‪.‬‬

‫يعد خلال كبيرا أن تبدأ مشاريع الطاقة‬ ‫والسياحة والزراعة والثقافة في المنطقة‬ ‫بمعزل عــن دراسـ ــات وبــرامــج وحاضنات‬ ‫جامعة الجوف‪.‬‬ ‫أشار الضويحي كذلك إلى أهمية صناعة‬ ‫وإنتاج هوية اقتصادية لمنطقة الجوف‪ ،‬وكل‬ ‫منطقة من مناطق المملكة الثالث عشرة‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫فــا بــد وأن تــكــون الــهــويــة اإلقتصادية‬ ‫وفيما يتعلق باالستثمار في مجال زراعة‬ ‫مستندة إلــى الــمــوارد الطبيعية والــمــوارد الزيتون وإنتاج زيت الزيتون وتسويقه فينبغي‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫وأشار الدكتور الفريدي إلى أن المشاريع‬ ‫االســتــثــمــاريــة مــن شأنها أن تقلص نسبة‬ ‫البطالة بين األيدي العاملة والخريجين في‬ ‫المنطقة‪ ،‬وتزيد من دخل األسرة بوجه عام‪.‬‬ ‫المتحدث الخامس‪:‬‬ ‫م‪ .‬عبداهلل الجربوع‬ ‫(وزارة االقتصاد والتخطيط)‬ ‫تحدث م‪ .‬الجربوع‬ ‫عن دور وزارة االقتصاد‬ ‫والتخطيط‪ ،‬في مجال‬ ‫الــتــخــطــيــط الــتــنــمــوي‬ ‫فمنذ خمسين سنة‪،‬‬ ‫كان يركز على تخطيط‬ ‫القطاع وكانت المملكة تنتهج مبدأ الخطط‬ ‫الخمسية‪ ،‬وهذا التخطيط يركز على القطاع‬ ‫ألنــهــا كــانــت تخطط لــلــجــهــات الحكومية‬ ‫البعد المناطقي‪ .‬ثم أوقف العمل بالخطط‬ ‫الخمسية التنموية ولم تعد وزارة االقتصاد‬ ‫والتخطيط تمارس دور التخطيط بشكله‬ ‫السابق‪.‬‬ ‫الـــــوزارة كلفت بالتمثيل فــي مجالس‬ ‫المناطق وهو تكليف جديد‪ ،‬الــوزارة مكلفة‬ ‫في عضوية هيئات التطوير في المملكة وهي‬ ‫عضو في كل مجالس اإلدارات والهيئات في‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫النظر إلى اإلنتاج المنافس في هذا المجال المملكة‪ .‬وال ــوزارة عضو في برامج أخرى‬ ‫في كل من األردن المجاورة وتونس الشهيرة على المستوى المناطقي‪.‬‬ ‫بإنتاج الــزيــتــون فضال عــن إنــتــاج إسبانيا‬ ‫وحديثا بدأت الوزراة بدراستين مهمتين‬ ‫وغيرها‪ .‬وتملك الجوف مقومات للمنافسة على مستوى المناطق األولى دراسة الميزات‬ ‫في تصنيع منتجات يمكن تسويقها بسهولة النسبية للمناطق والثانية دراســة أولويات‬ ‫ســواء للمطاعم أو لخدمات الطعام على التنمية بالتعاون مــع الــجــهــات الحكومية‬ ‫خطوط الطيران المحلي واإلقليمي وغيره والخاصة ذات العالقة بهدف تقديم رؤية‬ ‫بالنظر إلى توافر اإلنتاج وجودته‪.‬‬ ‫واض ــح ــة ف ــي ك ــل الــمــحــاور االقــتــصــاديــة‬ ‫واالستثمار والسياحة والتعدين‪ ،‬وهناك‬ ‫توجه أن تكون هناك هوية للمنطقة‪ ،‬هذه‬ ‫الهوية ال تعني أنه ال تتوافر كل الخدمات‬ ‫في المنطقة ولكن نركز على هــذه الميزة‬ ‫التنافسية فهذه المناطق الحدودية لها ميزة‬ ‫تنافسية تختلف عـن بعض المناطق فقد‬ ‫تكون مناطق اقتصادية حرة‪ ،‬وسيكون للوزارة‬ ‫قريبا بــإذن اهلل بعد انتهاء تلك الدراسات‬ ‫رؤية واضحة في هذا المجال‪.‬‬ ‫المتحدث السادس‪ :‬د‪ .‬نجم الحصيني‬ ‫(وكيل جامعة الجوف للدراسات العليا‬ ‫والبحث العلمي)‬ ‫س ــأرك ــز مــداخــلــتــي‬ ‫فــي جانبين‪ :‬الجانب‬ ‫األول االستثمار العام‬ ‫فــي منطقة الــجــوف‪،‬‬ ‫والــجــانــب الــثــانــي دور‬ ‫الــجــامــعــة ومـ ــا يجب‬ ‫أن تــقــدمــة مــن فــرص‬ ‫استثمارية‪ .‬فيما يتعلق باالستثمار العام‬ ‫في منطقة الجوف هناك جزئيتان‪ :‬األولى‬ ‫الطاقة المتجددة أو النظيفة أو البديلة أو‬ ‫الخضراء‪ ،‬كل هذه تسميات للطاقة الجديدة‬ ‫التي بــدأ العالم يعتمد عليها وتــرك كلياً‬ ‫االعــتــمــاد على مــصــادر الطاقة التقليدية‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪23‬‬


‫جانب من المشاريع الثالثة الفائزة بمسابقة مبادرة دار العلوم من الفعاليات المصاحبة للمنتدى‬

‫كالنفط والغاز‪ ،‬وهو أحد أهم مقومات رؤية‬ ‫المملكة ‪.2030‬‬ ‫أعلنت المملكة أنها ستنتج ‪ ٢٠٠‬جيجا‬ ‫واط فــي حــلــول ع ــام ‪ 2030‬مــن الطاقة‬ ‫الشمسية‪ ،‬فنحن نزخر في المملكة وشماليها‬ ‫بشكل خاص بكمية هائلة من أشعة الشمس‪،‬‬ ‫ولــذلــك فــإن خــيــار االستثمار فــي الطاقة‬ ‫الشمسية هــو خــيــار مهم ويمكن لمنطقة‬ ‫الجوف أن تكون منطقة منافسة في هذا‬ ‫الجانب‪ .‬ومن األمور التي تركز عليها الطاقة‬ ‫النظيفة (طاقة الريح)‪ ،‬تعرفون أن هولندا‬ ‫اآلن تعتمد بشكل شبه كلي على طاقة الريح‪،‬‬ ‫في مدن كاملة في هولندا تسعين بالمائة من‬ ‫طاقة المدينة بالكامل من الريح‪ ،‬وعندنا إذا‬ ‫جاءت نقول هبت شمالية وال نستفيد منها‪،‬‬ ‫ال وقوياً‬ ‫وهذه الرياح قد تكون مصدراً بدي ً‬ ‫للطاقة‪.‬‬

‫‪24‬‬

‫النقطة الثانية وهــي السيليكون‪ ،‬هذه‬ ‫ال ــرم ــال الــتــي تــرونــهــا بــهــا حــبــيــبــات شبه‬ ‫شفافة‪ ،‬هــذه الحبيبات الرخيصة ستغير‬ ‫وج ــه الــعــالــم وهـــذا السيليكون الــمــوجــود‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫في كاليفورنيا الــذي بنيت عليه شركة أبل‬ ‫وشركة مايكروسوفت وهوبي‪ ،‬هذه الشركات‬ ‫التي غيرت حتى نمط حياتنا اليومي قامت‬ ‫على مادة السيلكون التي نمتلك منها كميات‬ ‫كبيرة جدا في هذه المنطقة‪ ،‬وهذه المادة‬ ‫أعتقد أنها خيار أساس ورئيس تستخدم في‬ ‫الخاليا الشمسية وفي القطع اإللكترونية‬ ‫الصغيرة وفي كثير من الصناعات‪.‬‬ ‫أنتقل إلى الجامعة‪ ،‬فرص االستثمار في‬ ‫الجامعة كبيرة أولها أن لدينا في الجامعة‬ ‫أراض شــاســعــة عــلــى الــطــريــق بــيــن دومــة‬ ‫ٍ‬ ‫الجندل وسكاكا‪ ،‬وقريبة جــداً من المطار‬ ‫تبعد سبع دقائق من المطار‪ ،‬هذه األراضي‬ ‫متاحة لالستثمار وليس لدينا مستثمرين‪.‬‬ ‫كما أن مركز أبحاث الزيتون لدينا فيه‬ ‫أبحاث كثيرة بالتعاون مع جامعة (خاين)‬ ‫وجدنا في أبحاث كثيرة أن مخلفات الزيتون‬ ‫يمكن أن تجعل (الكونكريت) الخرسانة‬ ‫أصلب وأقــوى عشر مــرات‪ ،‬تخيلوا عشرة‬ ‫أضعاف إذا أضفنا مخلفات الزيتون إلى هذه‬ ‫الخرسانة التي تستخدم في البناء‪.‬‬


‫المتحدثون ‪ :‬د‪ .‬حمدان السمرين‪ ،‬د‪ .‬عبداهلل اخللف‪ ،‬م‪ .‬محمد عصيد الشراري‪،‬‬ ‫ أ‪ .‬وارد الهذلول‪ ،‬أ‪ .‬عقل الضميري‪.‬‬ ‫إدار الجلسة ‪ :‬د‪ .‬عبدالواحد احلميد‪.‬‬

‫بــدأ د‪ .‬الحميد حديثة بقوله إن فــرص اإلسـتـثـمــار مــوجــودة‪ ،‬ولـكــن عندما تعترضها بعض‬ ‫التحديات فقد تقضي عليها‪ ،‬ولنا حتى في النماذج واألمثلة الدولية تجارب نستطيع أن نالحظها‬ ‫ونتعلم منها؛ على سبيل المثال توجد دول لديها كل اإلمكانات التي تجعل منها دو ًال متقدمة‬ ‫اقتصادي ًا ألن فيها فرص ًا استثمارية بسبب تعدد الموارد الطبيعية فيها‪ ،‬ولكنها لم تحقق نمو ًا‬ ‫اقتصادي ًا يذكر؛ في المقابل هناك دول تفتقر إلى المواردِ الطبيعيةِ ولكنها استطاعت أن تتقدم‬ ‫ألنها تصدت للمشكالت والتحديات التي تواجهها‪.‬‬ ‫وأضــــاف د‪ .‬الــحــمــيــد نــتــوقــع فــي هــذه‬ ‫الجلسة من السادة المتحدثين أن يستعرضوا‬ ‫التحديات التي تواجه فرص االستثمار في‬ ‫الجوف وما قد يكون لديهم من رؤى تتعلق‬ ‫بالحلول الممكنة لهذه التحديات‪ .‬وال أريد‬ ‫أن أستبقكم في ذكر التحديات ولكن ‪-‬على‬ ‫األقل نظريا‪ -‬نعرف أن من أبرز التحديات‬ ‫التي تتبادر إلــى الذهن هو ضعف الطلب‬ ‫المحلي بحكم انخفاض الكثافة السكانية؛‬ ‫ما يعني ضيق السوق المحلية وهــذا يمثل‬ ‫تحدياً‪ ،‬ولكن الحل موجود وهو التصدير‪.‬‬ ‫كذلك هناك دائما مشكلة التمويل بالنسبة‬ ‫للمستثمرين‪ .‬ولعل حقيق ًة من أبرز التحديات‬ ‫التي ربما سيتطرق لها اإلخــوان هي ندرة‬ ‫الــمــعــلــومــات واإلحــصــائــيــات عــن اقتصاد‬ ‫الــجــوف‪ ،‬دائــمـاً عندما يــحــاول الباحث أو‬ ‫الدارس أو حتى الكاتب العادي أن يكتب عن‬ ‫اقتصاد الجوف يواجه إما انعدام المعلومات‬ ‫الحيوية المهمة أو أنها معلومات قليلة‪،‬‬ ‫والمعلومة االقتصادية عندما تتقادم تضعف‬ ‫حقيقة قيمتها وأهميتها‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫حلقة الحوار الثانية‬ ‫المحور الثاني‪ :‬تحديات االستثمار وحلولها في منطقة الجوف‬

‫المتحدث األول‪ :‬د‪ .‬حمدان السمرين‬ ‫(رئيس مجلس األعمال السعودي األردني‪،‬‬ ‫ورئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية بالجوف‬ ‫سابقاً‪ ،‬وعضو مجلس منطقة الجوف)‬ ‫وقال د‪ .‬السمرين في‬ ‫منطقة الجوف تحديان‬ ‫يشكالن ه ًماً كبيراً عند‬ ‫المستثمر‪ :‬التحدي األول‬ ‫هــو عــدد الــســكــان‪ .‬فأي‬ ‫استثمار من الطبيعي أن‬ ‫يستهدف المستهلكين‪،‬‬ ‫وم ــن دونــهــم ال يــمــكــن أن‬ ‫يكون هناك استثمار‪ .‬ال شك أن المستثمر لن‬ ‫يأتي إلى منطقة يكون االستهالك فيها ضئيالً‪،‬‬ ‫التحدي الثاني وأعــده معوقاً لالستثمار في‬ ‫منطقة الجوف إنه حسب تقرير الخدمات التي‬ ‫أصدرتها الهيئة العامة لإلحصاء‪ -‬أنها من أفقر‬ ‫المناطق في حجم الخدمات التي تُقدم للمواطن‪،‬‬ ‫سواء للمستهلك أو لرجل أعمال وغيره‪ .‬هيئة‬ ‫المدن الصناعية عندها (‪ )34‬مدينة صناعية‬ ‫في المملكة‪ ،‬موزعة على (‪ )12‬منطقة إداريــة‬ ‫في المملكة‪ ،‬منطقة الجوف هي الوحيدة التي‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪25‬‬


‫ال يوجد بها مدينة صناعية‪ .‬وأول سؤال يسأل‬ ‫عنه المستثمر هل يوجد مدينة صناعية في‬ ‫الجوف؟ فمتى ما وجدت مدينة صناعية وجدت‬ ‫ووجــد الحراك االقتصادي األكثر‪،‬‬ ‫الخدمات‪ِ ،‬‬ ‫والنقل‪ ،‬والخدمات اللوجستية الالزمة‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫تقديم الخدمة لمستحقها عند الطلب‪ ،‬من دون‬ ‫تعقيد أو مماطلة‪ ،‬حتى تسير األمور واإلجراءات‬ ‫النظامية بسالسة ويسر للجميع‪ ،‬واالستثمار‬ ‫يحتاج إلــى سالسة في اإلج ــراءات ويهرب من‬ ‫التعقيد والروتين الطويل الذي يعيق عمله ويؤخر‬ ‫مصالحه‪.‬‬

‫وأضاف د‪ .‬السمرين إلى أن المنطقة بحاجة‬ ‫إلى وجود مجلس استثمار في المنطقة‪ .‬فجهود‬ ‫المتحدث الثالث‪:‬‬ ‫االســتــثــمــار فــي الــجــوف مشتتة‪ ،‬هــنــاك جهود‬ ‫م‪ .‬محمد عصيد الشراري‬ ‫للغرفة‪ ،‬واألمانة وبعض الجهات‪ ،‬ولكن ال يوجد‬ ‫(مدير عام مكتب استشارات هندسية)‬ ‫لها مظلة أعمال تجمعها في مكان واحد‪ .‬كذلك‬ ‫يجوز أن تعطى منطقة الجوف مميزات نسبية‬ ‫أشار م‪ .‬الشراري إلى‬ ‫للتمويل‪ ،‬والرسوم لتحفيز االستثمار فيها‪.‬‬ ‫وجود تحديات في البنية‬ ‫التحتية‪ ،‬إذ تتمثل في‬ ‫المتحدث الثاني‪ :‬د‪ .‬عبداهلل الخلف‬ ‫عدم تهيئة البنية التحتية‬ ‫(مستشار في إمارة منطقة الجوف)‬ ‫من قبل الدولة لألراضي‬ ‫أشــار د‪ .‬الخلف إلى‬ ‫المستثمرة؛ وتــحــديــات‬ ‫وجود تحديات ومعوقات‪،‬‬ ‫ق ــان ــون ــي ــة وتــشــريــعــيــة‪.‬‬ ‫إجـ ــرائـ ــيـ ــة وتــنــظــيــمــيــة‬ ‫فالنظام القضائي غير قادر في الوضع الحالي‬ ‫وتــشــريــعــيــة‪ .‬والمشكلة‬ ‫على حل بعض النزاعات ال سيَّما الفنية منها‪،‬‬ ‫سلوكية في أصلها‪ ،‬فبما‬ ‫بسبب عــدم وجــود مختصين من ذوي الخبرة‬ ‫أنــه تتوافر لدينا فرص‬ ‫في سرعة البت في تلك القضايا الفنية كما‬ ‫قائمة فينبغي أن نسأل‬ ‫أنفسنا ماذا عملنا كأفراد ومسئولين وموظفين أن معظم قوانين االستثمار قديمة ومُستمدة‬ ‫بالمنطقة لتجاوز المشكالت والتحديات التي من دول أخرى أقل تنمية؛ وهناك تحديات عدم‬ ‫تواجهنا‪ .‬إن أهم ما يمكن أن نقدمه للمستثمرين وجــود بيانات ومعلومات دقيقة عــن األوضــاع‬ ‫هو توفير المعلومات والبيانات واإلحصاءات‪ ،‬أين االقتصادية والــظــروف االستثمارية المالئمة؛‬ ‫الدراسات الضرورية التي قدمناها للمستثمرين؟ وتحديات تنظيمية وإداريــة من خالل األجهزة‬ ‫إذاً‪ ،‬اإلنــســان عندنا مقصر‪ ،‬دعــونــا نواجه المشرفة على تــراخــيــص االستثمار وتــداخــل‬ ‫المشكلة بأصلها وال ننظر على أن المشكلة من االختصاصات فيما بينها‪ ،‬وتعدد مراكز اتخاذ‬ ‫المستثمر‪ .‬في هــذه المنطقة بالتحديد لدينا القرار التي يتعامل معها المستثمر‪ ،‬مِ ما يضعه‬ ‫مشكلة في الثقافة اإلدارية فيما يتعلق بالموظف فــي حيرة وقلق ويــزعــزع ثقته فــي الرغبة في‬ ‫الحكومي‪ ،‬فعند مراجعتك ألي جهة حكومية االستثمار‪ .‬وهناك ضعف في السوق المحلية‬ ‫تشعر بأنك غريب؛ وبالطبع ليس الحل أن تبحث في المنطقة‪ ،‬نظرا النخفاض مستوى دخل الفرد‬ ‫عمن تعرف أو من يعرف حتى تستطيع الحصول وقلة عدد السكان نسبيا عن باقي المناطق؛ ما‬ ‫على خدمة هي من حقك‪ .‬ينبغي تطوير ثقافة يؤدي إلى ضيق الطاقة االستيعابية للسوق‪ ،‬وهذه‬ ‫الوظيفة الحكومية‪ ،‬ودور الموظف الحكومي في يمكن حلها بالتصدير كما ذكر الزمالء‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫المشاركون بالجلسة الثانية‬

‫المتحدث الرابع‪ :‬أ‪ .‬وارد الهذلول‬ ‫(مستشار بإمارة منطقة الجوف‪،‬‬ ‫نائب أمين مجلس المنطقة)‬ ‫قال أ‪ .‬وارد الهذلول‬ ‫إن هــــنــــاك عـــوائـــق‬ ‫وت ــح ــدي ــات تــنــفــيــذيــة‬ ‫وتشغيلية‪ ،‬ومنها عدم‬ ‫وجــود مديري مشاريع‬ ‫م ــت ــخ ــص ــص ــي ــن فــي‬ ‫المشاريع الــتــي تُنفذ‬ ‫بمنطقة الجوف‪ .‬وهناك بعض التحديات‬ ‫الــتــي ت ــواج ــه الــقــطــاع‪ ،‬مــثــل عـــدم وج ــود‬ ‫تخطيط مالي‪ ،‬ما يُعيق عملية االستثمار‪،‬‬ ‫ألن إعــادة استخدام رأس المال أو صرفه‬ ‫على تطوير المنشأة يُعيق نشاطها‪ ،‬بل إن‬ ‫الكثير من اإليـــرادات أو قيم العقود التي‬ ‫تُنفذ في المنطقة تُصرَف في غير أوجه‬ ‫نشاط المنشأة‪ .‬وهناك بعض القصور أو‬ ‫الضعف في التواصل مع المُستثمر من خارج‬ ‫المنطقة‪.‬‬ ‫وأشــــــار أ‪ .‬ال ــه ــذل ــول إلـ ــى أن بعض‬ ‫المستثمرين الذين يأتون من خارج الجوف‬ ‫يتعاملون مع المشاريع بنظرة المقاول الذي‬ ‫يــريــد إنــجــاز عــمــل مــحــدد‪ ،‬دون أن يكون‬ ‫هناك أي عوائد اقتصادية تنموية لمجتمع‬ ‫الجوف مثل اإلفــادة من األيدي العاملة من‬ ‫أبناء المنطقة؛ وفيما يتعلق بالمهرجانات‬

‫مثل‪ :‬مهرجان الزيتون‪ ،‬ومهرجان التمور‪،‬‬ ‫فالمفترض أنها تمر بثالث مراحل‪ :‬مرحلة‬ ‫تعزيز اإلنتاج‪ ،‬ومرحلة عملية التصنيع‪ ،‬وهذه‬ ‫ال فيها‪ ،‬إال إننا لم‬ ‫المرحلة قطعنا شوطاً طوي ً‬ ‫نتوصل إلى مرحلة التصنيع بعد‪ ،‬بل هناك‬ ‫مرحلة أخرى تعتمد على هذه المرحلة وهي‬ ‫عملية التسويق خارج المنطقة وإيجاد منافذ‬ ‫خارجية للبيع‪ ،‬هناك أيضا القروض التجارية‬ ‫والصناعية‪ ،‬التي تصرف في أوجه غير التي‬ ‫ُمنِحت هذه القروض من أجلها‪ ،‬وهي تحتاج‬ ‫إلى متابعة من الجهات الرسمية‪.‬‬ ‫المتحدث الخامس‪ :‬أ‪ .‬عقل الضميري‬ ‫‪‭‬األستا ‪‭‬ذ‬ ‫تساءل‬‬ ‫‬الضميري‬ ‪‭‬في‬ ‪‭‬بداية‪‭‬‬ ‫‬حديثة‬‪ ‭:‬هل‬ ‪‭‬نحن‬ ‪‭‬بلد‪‭‬‬ ‫‬زراعي؟‬ ‪‭‬ال‬ ‪‭‬أعتقد‬ ‪‭‬أنه‪‭‬‬ ‫‬بِمقدرتي‬ ‪‭‬اإلجابة‬ ‪‭‬عن‪‭‬‬ ‫‬هذا‬ ‪‭‬السؤال؛‬ ‪‭‬لقد‪‭‬‬ ‫‬تواصلت‬ ‪‭‬مع‬ ‪‭‬المواطنين‪‭‬‬ ‫‬ومع‬ ‪‭‬العاملين‬ ‪‭‬في‬ ‪‭‬التجارة‪‭ ‬،‬ومع‬ ‪‭‬أجهزة‬ ‪‭‬حكومية‬‪‭.‬‬ ‫يبدو‬ ‪‭‬أننا‬‪‭-‬رغم‬ ‪‭‬وفرة‬ ‪‭‬المياه‬ ‪‭-‬ال‬ ‪‭‬نجيد‬ ‪‭‬الزراعة‪‭،‬‬ ‫‬نحن‬ ‪‭‬نحب‬ ‪‭‬الزراعة‪‭ ‬،‬ولكن‬ ‪‭‬تنقصنا‬ ‪‭‬المنهجية‪‭‬‬ ‫‬االحترافية‬ ‪‭‬في‬ ‪‭‬الزراعة‬‪‭.‬وحسب معلوماتي التي‬ ‫حصلت عليها من مصادر موثوقة‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬هناك‪‭‬‬ ‫‬ )‪ (‬2500‭‬مزرع ‬ة ‪‭-‬غير المزارع في البسيطاء‬ ‫والقريات ‪‬-‬في‬ ‪‭‬المنطقة‬ ‪‭‬هناك‬ )‪‭ (‬100‭‬مزرع ‪‭‬ة‬ ‫‬يستطيع‬ ‪‭‬أصحابها‬ ‪‭‬الصرف‬ ‪‭‬على‬‪‭‬مزرعتهم‬ ‪‭‬من‪‭‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪27‬‬


‫‬إنتاج‬ ‪‭‬المزارع‬ ‪‭‬نفسها‪‭ ‬،‬بمعنى‬ ‪‭ ٪٤‬فقط‬ ‪‭‬الذي ‪‭‬ن‬ ‫‬يدفعون‬ ‪‭‬رواتب‬ ‪‭‬العاملين‬ ‪‭‬ومصاريف‬ ‪‭‬المزرعة‪‭‬‬ ‫‬من‬ ‪‭‬اإلنتاج‪‭ ‬،‬والباقي‬ ‪‭‬من‬ ‪‭‬مصادر‬ ‪‭‬أخر ‬ى ‪‭‬أو‬ ‪‭‬من‪‭‬‬ ‫‬جيوب‬ ‪‭‬أصحابها‪‭ ‬،‬وهذه‬‪‭‬إشكالية‬ ‪‭‬كبيرة‬‪‭.‬‬ ‫وق ــال إنــه خــال ‬محاولته‬ ‪‭‬الــتــواصـل‬ ‪‭‬مع‪‭‬‬ ‫‬الجهات‬ ‪‭‬الرسمية‬ ‪‭‬ذات‬ ‪‭‬العالقة‬ ‪‭‬بالمعلومات‪‭‬‬ ‫‬اإلحصائية‪‭ ‬،‬فإنه لألسف‬ ‪‭‬لم‬ ‪‭‬يجد ‬استجابة‬ ‫تذكر‪‭ ‬،‬وهذا‬ ‪‭‬مؤشر‬ ‪‭‬سلبي‬ ‪‭‬أمام‬ ‪‭‬الباحثين‬ ‪‭‬عن‪‭‬‬ ‫‬المعلومات‬ ‪‭‬والبيانات‬ ‪‭‬الــازمـة‬ ‪‭‬لالستقصاء‪‭‬‬ ‫ي ‪‭‬في‪‭‬‬ ‫‬وعمل‬ ‪‭‬دراسة‬ ‪‭‬تتعلق‬ ‪‭‬بالجانب‬ ‪‭‬االستثمار ‬‬ ‫‬أي‬ ‪‭‬مجال‪‭ ‬،‬ومن‬ ‪‭‬المعلوم‬‪‭‬أن‬ ‪‭‬البيانات‬ ‪‭‬اإلحصائية‪‭‬‬ ‫‬تعد‬ ‪‭‬ركنا‬ ‪‭‬أساس ‬اً ‪‭‬في‬ ‪‭‬التخطيط‬ ‪‭‬ألي‬ ‪‭‬مشروع‪‭‬‬ ‫‬استثماري‬ ‪‭‬في‬ ‪‭‬المنطقة‬‪‭.‬‬ ‫وأشــار ‬إلــى أن ثمة‬ ‪‭‬مشكلة‬ ‪‭‬أخــرى‬ ‪‭‬تواجه‪‭‬‬ ‫‬أصــحــاب‬ ‪‭‬ال ــم ــزارع‬ ‪‭‬وهـ ـي‬ ‪‭‬حــاجــتــهـم‬ ‪‭‬لعمالة‪‭‬‬ ‫‬موسمية‬ ‪‭‬وليس‬ ‪‭‬على‬ ‪‭‬مــدار‬ ‪‭‬العام‪‭ ‬،‬وهنا‬ ‪‭‬البد‪‭‬‬ ‫‬من‬ ‪‭‬تعاون‬ ‪‭‬الجهات‬ ‪‭‬الحكومية‬ ‪‭‬الستقدام‬ ‪‭‬عمالة‪‭‬‬ ‫‬موسمية‬ ‪‭‬دون‬ ‪‭‬تعقيد‪‭ ‬،‬وبخاصة‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬أصحاب‪‭‬‬ ‫‬المزارع‬ ‪‭‬ال‬ ‪‭‬يحتاجون‬ ‪‭‬هذه‬ ‪‭‬العمالة‬ ‪‭‬على‬ ‪‭‬مدار‪‭‬‬ ‫‬العام‬ ‪‭‬وليس‬ ‪‭‬لديهم‬ ‪‭‬إمكانية‬ ‪‭‬لتحمل‬ ‪‭‬رواتبهم‬ ‪‭‬على‪‭‬‬ ‫‬مدار‬ ‪‭‬العام‪‭ ‬،‬فينبغي‬ ‪‭‬إيجاد‬ ‪‭‬حل‬ ‪‭‬لتوفير‬ ‪‭‬العمالة‪‭‬‬ ‫‬الموسمية‬ ‪‭‬للمزارعين‬ ‪‭‬وفق‬ ‪‭‬شروط‬ ‪‭‬معينة‬‪‭.‬‬ ‫وأضــاف األستاذ الضميري إلى أنه يرى‬ ‫أن العمل الفردي باإلمكانات البسيطة مع‬ ‫استهداف السوق المحلية فقط واستبعاد‬ ‫فكرة التصدير وغياب الضبط المحاسبي‬ ‫والتوثيق إلشكاالت اإلنتاج هي أهم المعوقات‬ ‫في هذا القطاع االستثماري الكبير‪.‬‬ ‫مداخالت وتوصيات‬

‫‪28‬‬

‫وق ــد شــهــدت الــنــدوة حـ ــوارا تضمن أسئلة‬ ‫وم ــداخ ــات مــن الــحــضــور‪ ،‬تــنــاولــوا ع ــددا من‬ ‫الــقــضــايــا‪ ،‬ومنها أن اإلعـــام لــم يقم بتسويق‬ ‫المنطقة اقتصاديا؛ إذ ينبغي تسليط الضوء على‬ ‫إمكانات الجوف االستثمارية وتسويقها بما يتالءم‬ ‫مع الفرص الموجودة فيها‪ .‬كما أشــارت إحدى‬ ‫المداخالت إلى أهمية تفعيل دور جامعة الجوف‬ ‫في مجال تنفيذ برنامج حاضنات األعمال‪ ،‬إذ‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫إن أغلب الجامعات في المدن الكبيرة أنشأت‬ ‫حاضنات أعمال‪ ،‬ومن شأن حاضنات األعمال‬ ‫أن توفر فرص عمل حقيقية للشباب والفتيات‬ ‫بــالــجــوف‪ ،‬تــتــطــور منها مــشــاريــع أكــبــر وفعالة‬ ‫للمجتمع‪ .‬وطالبت إحدى األخوات في مداخلتها‬ ‫بــأن يتم توجيه الــــدورات والـ ــورش التدريبية‬ ‫المخصصة لفتيات الجوف نحو توليد الفرص‬ ‫االستثمارية الجديدة‪ ،‬لتساعدها في خلق فرص‬ ‫حقيقية‪ ،‬بدال من االستمرار بالتركيز على تنمية‬ ‫الــقــدرات واالهتمام بالبيئة والمنزل‪ .‬وأشــارت‬ ‫مداخلة أخــرى إلى أن البيروقراطية الحكومية‬ ‫ما تزال تعيق االستثمار‪ ،‬وعلى سبيل المثال فإن‬ ‫بحيرة دومة الجندل أجري عليها عمل كثير منذ‬ ‫أكثر من ثالثين سنة وإلى اآلن لم تبت أي جهة في‬ ‫هذه البحيرة‪ ،‬وهذه البحيرة يمكن أن تقام عليها‬ ‫فرص استثمارية فريدة‪ ،‬لكن لم نجد حتى اآلن‬ ‫من يستثمرها‪.‬‬ ‫ومــن التوصيات التي اقترحها المشاركون‬ ‫بالندوة‪ :‬إنشاء مجلس لالستثمار في الجوف‪،‬‬ ‫يكون برئاسة أمير المنطقة وعضوية الجهات ذات‬ ‫العالقة ورجال األعمال‪ ،‬وإنشاء مدينة صناعية‬ ‫لتشجيع االســتــثــمــار‪ ،‬وبــلــورة هــويــة اقتصادية‬ ‫لمنطقة الجوف تبرز الموارد الطبيعية والبشرية‬ ‫ووضع استراتيجية الستثمار تلك الموارد‪ ،‬وتنفيذ‬ ‫دراس ــات ميدانية تــدرس الجوانب االقتصادية‬ ‫في المنطقة‪ .‬كما دعا المشاركون إلى التوسع‬ ‫في تصنيع المنتجات المعتمدة على المدخالت‬ ‫الزراعية‪ ،‬وإقامة منشآت متخصصة في تقديم‬ ‫الــخــدمــات المختلفة لــلــمــزارعــيــن وللشركات‬ ‫الزراعية تشمل توفير البذور‪ ،‬ومكافحة اآلفات‬ ‫الزراعية‪ ،‬وتأجير المعدات‪ ،‬وتسويق المنتجات‬ ‫الــزراعــيــة داخ ــل المملكة وخــارجــهــا؛ وكــذلــك‬ ‫تــوفــيــر قــنــوات تــمــويــلــيــة تــشــجــع المستثمرين‬ ‫بالجوف؛ إضافة إلى تنفيذ حمالت توعية على‬ ‫مستوى األجــهــزة الحكومية العاملة بالجوف‪،‬‬ ‫بأهمية تشجيع االستثمار والتعامل بإيجابية مع‬ ‫المستثمرين؛ والعمل على تسويق منطقة الجوف‬ ‫سياحيا وعرض الفرص االستثمارية السياحية‬ ‫فيها‪ ،‬وتأسيس شركات سياحية خاصة لتسويق‬ ‫المنطقة سياحياً‪ ،‬وإقــامــة مدينة ترفيهية في‬ ‫الجوف؛ وإنشاء مدينة حرة على الحدود البرية‬ ‫لمنطقة الجوف‪.‬‬


‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع‬ ‫في الدورة الحادية عشرة المنعقدة بالغاط‬

‫م ـ ـن ـ ـتـ ــدى م ـ ـن ـ ـيـ ــرة املـ ـلـ ـح ــم‬

‫برعاية صاحبة السمو األميرة‬ ‫نورة بنت محمد آل سعود‬

‫بعنوان‪:‬‬

‫دور المرأة في تحقيق التنمية المستدامة‬ ‫مجتمع الغاط أنموذج ًا‬

‫■ كتب‪ :‬جهاد أبو مهنا‬

‫برعاية صاحبة السمو األميرة نورة بنت محمد آل سعود (حرم أمير منطقة الرياض) عقد‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع منتداه السنوي في دورته الحادية عشرة‬ ‫في دار الرحمانية بمحافظة الغاط‪ ،‬بعنوان‪ :‬دور المرأة في التنمية المستدامة (مجتمع الغاط‬ ‫أنموذجاً)‪ ،‬وذلك يوم األربعاء ‪ 17‬جمادى األولى ‪1440‬هـ (‪ 23‬يناير ‪2019‬م)‪.‬‬ ‫افتُتح المنتدى بكلمة لرئيسة هيئة المنتدى ومساعدة المدير العام لشؤون القسم النسائي‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري‪ ،‬التي رحبت بصاحبة السمو األميرة نورة بنت محمد آل‬ ‫سعود‪ ،‬وشكرتها على رعاية منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع بدورته الحادية‬ ‫عشرة‪ ،‬ودورها في ترسيخ دور المرأة في اإلسهام في التنمية المستدامة في مختلف القطاعات‬ ‫في المملكة‪ ،‬كما رحبت بالحضور‪ ،‬وأشارت إلى أن هذا المنتدى‪ ،‬من األنشطة الثقافية لمركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬ويقام سنوي ًا بدار الرحمانية بالغاط ويهدف إلى تسليط الضوء‬ ‫على موضوعٍ ذي أهمية للقطاع النسائي في محافظة الغاط بشكل خاص‪ ،‬والمملكة بشكل عام‪.‬‬ ‫وذكرت السديري أن المنتدى لهذا العام يتناول موضوع دور المرأة في التنمية المستدامة‬ ‫بمشاركة نخبة من األكاديميات والمتخصصات من الجامعات والمؤسسات الوطنية المختلفة‪،‬‬ ‫بما يثري الخبرات المكتسبة للمشاركات من خالل إطالعهن على تجارب جديدة وقيّمة‪ ،‬من‬ ‫شأنها تحقيق األه ــداف المنشودة مــن هــذا المنتدى‪ ،‬مــن خــال تركيزه على دور الـمــرأة في‬ ‫التنمية المستدامة بهدف السعي الستغالل الموارد واإلمكانات المتاحة بما يحقق التناغم‬ ‫بين األنشطة االقتصادية واالجتماعية والبيئية‪ ،‬مع التركيز على األبعاد اإلنسانية والثقافية‬ ‫والتنموية‪ ،‬وذلك انسجام ًا مع رؤية المملكة ‪ 2030‬والتي تسعى إلى رفع مكانة المرأة ودعم نسبة‬ ‫مشاركتها في المجاالت االجتماعية واالقتصادية والتنموية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪29‬‬


‫ثم بــدأت نــدوة المنتدى بعقد جلستها التي وعرض نماذج لتجارب رائــدة في المجتمع‬ ‫تضمنت أوراق عمل ضمن محاور الندوة اآلتية‪ :‬السعودي في مجال إسهام المرأة في التنمية‬ ‫الــتــخــطــيــط للتنمية الــمــســتــدامــة وفــق الــمــســتــدامــة‪ ،‬والــمــرأة فــي رؤي ــة (‪)2030‬‬ ‫االحتياجات المجتمعية في محافظة الغاط‪ ،‬وتحقيق أهداف التنمية المستدامة‪.‬‬ ‫ندوة المنتدى‬ ‫المتحدثات ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬اجلوهرة بنت فهد الزامل‪،‬‬ ‫ صاحبة السمو األميرة نورة بنت محمد آل سعود‪،‬‬ ‫ أ‪ .‬د‪ .‬أمل بنت سالمة الشامان‪.‬‬ ‫إدارة الجلسة ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل عبداحملسن السديري‬

‫افتتحت أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل السديري الجلسة بحديثها عن دور المرأة في التنمية المستدامة‪،‬‬ ‫وكيفية االستفادة من الفرص المتاحة‪ ،‬ثم بــدأت الحوار مع المشاركات‪ ،‬ووجهت أسئلة‬ ‫تساعد على تقديم معلومات تـثــري الـنـقــاش‪ ،‬وتـعــرض واق ــع ال ـمــرأة ودوره ــا فــي التنمية‬ ‫المستدامة بوجه عام‪.‬‬ ‫المحور األول‪ :‬التخطيط للتنمية‬ ‫المستدامة وفق االحتياجات‬ ‫المجتمعية في محافظة الغاط‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬الجوهرة بنت فهد الزامل‬ ‫(أستاذ الخدمة االجتماعية‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬ ‫مديرة مركز بحوث الدراسات اإلنسانية‪،‬‬ ‫جامعة الملك سعود)‬ ‫تــحــدثــت أ‪ .‬د‪ .‬الــجــوهــرة ال ــزام ــل عن‬ ‫االحتياجات المجتمعية للمرأة بمحافظة‬ ‫الغاط ودورهــا في تحقيق أهــداف التنمية‬ ‫الــمــســتــدامــة‪ ،‬وذلـ ــك مــن خ ــال الــدراســة‬ ‫التي أجرتها الزامل مؤخراً بعنوان‪ :‬تقدير‬ ‫االحتياجات المجتمعية للمرأة في محافظة‬ ‫الغاط لتحقيق أهــداف التنمية المستدامة‬ ‫بــدعــم مــن مــركــز عــبــدالــرحــمــن الــســديــري‬ ‫الثقافي‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫دار الرحمانية ‪ -‬بمحافظة الغاط‬

‫واستعرضت الزامل أهــداف الدراسة‬ ‫الــتــي أجــرتــهــا وهـ ــي‪ :‬تــقــديــر احــتــيــاجــات‬ ‫الــمــرأة االجتماعية واالقتصادية بمنطقة‬ ‫الغاط لتحقيق أهداف التنمية المستدامة‪،‬‬ ‫ترتيب أولويات احتياجات المرأة بمنطقة‬ ‫الغاط لتحقيق أهداف التنمية المستدامة‪،‬‬ ‫تقييم الــمــرأة لالحتياجات الــمــوجــودة في‬ ‫الغاط‪ ،‬تحديد الصعوبات التي تعوّق إشباع‬ ‫احتياجات المرأة في الغاط‪ ،‬التوصل إلى‬ ‫تصور تخطيطي مقترح إلشباع احتياجات‬ ‫المرأة بالغاط‪.‬‬ ‫وتــوصــلــت النتائج إلــى أن االحتياجات‬ ‫الترفيهية تمثل أول االحتياجات المجتمعية‬ ‫التي توليها الــمــرأة بمنطقة الغاط أهمية‬ ‫نسبية عــالــيــة‪ ،‬يليها فــي الترتيب الثاني‬ ‫االحتياجات الصحية ثم احتياجات البنية‬


‫م ـ ـن ـ ـتـ ــدى م ـ ـن ـ ـيـ ــرة املـ ـلـ ـح ــم‬

‫التحتية واإلسكان والمرافق‪ ،‬وفي الترتيب‬ ‫الرابع كانت االحتياجات البيئية‪ ،‬يليها في‬ ‫الترتيب الخامس االحتياجات االجتماعية‪،‬‬ ‫بينما جــاءت االحتياجات االقتصادية في‬ ‫الترتيب الــســادس‪ ،‬وفــي الترتيب السابع‬ ‫واألخير جاء متوسط االحتياجات التعليمية‬ ‫والثقافية وتقييم الخدمات المتوفرة في‬ ‫منطقة الغاط وهذا يعني أن الخدمات جيدة‬ ‫كما تــراهــا النساء عيّنة الــدراســة مــا عدا‬ ‫الخدمات الترفيهية فهي مقبولة‪ .‬وكشفت‬ ‫النتائج عــن إثــبــات صحة اختبار الفرض‬ ‫األول الــذي مــؤداه «ال توجد فــروق معنوية‬ ‫ذات داللة إحصائية في تقدير االحتياجات‬ ‫المجتمعية للمرأة بمحافظة الغاط بحسب‬ ‫الخصائص الديموغرافية»‪ ،‬ماعدا في حالة‬ ‫واح ــدة عندما و ُِجـــدت فــروق معنوية ذات‬ ‫داللــة احصائية عند مستوى معنوية أقل‬ ‫من (‪ )0.05‬بين متوسطات استجابات عينة‬ ‫الــدراســة في تقدير االحتياجات المتعلقة‬ ‫بالبنية التحتية واإلســكــان والــمــرافــق‪ ،‬في‬ ‫حالة إذا كان رب األسرة هو الزوج‪ .‬وتوصلت‬ ‫الدراسة الى تحديد الصعوبات التي تعوق‬ ‫إشــبــاع احــتــيــاجــات ال ــم ــرأة‪ ،‬والمقترحات‬ ‫إلشباع احتياجات المرأة‪ ،‬والتخطيط لعدد‬ ‫من المبادرات التنفيذية إلشباع االحتياجات‬ ‫المجتمعية للمرأة لتحقيق أهــداف التنمية‬ ‫المستدامة‪.‬‬

‫ريادية متعددة في الرياض والقصيم وعسير‪،‬‬ ‫شملت مــجــاالت اللجنة النسائية للتنمية‬ ‫المجتمعية بمنطقة الــريــاض‪ ،‬ومــبــادرات‬ ‫جامعة األمــيــرة ن ــورة‪ ،‬وبــرنــامــج الــقــيــادات‬ ‫وتطوير مــهــارات الــمــرأة‪ ،‬وقــيــادات إثــراء‪،‬‬ ‫والــقــراءة الجهرية لألطفال‪ ،‬وتحدثت عن‬ ‫الحرف‬ ‫عنايتها بمشاركة المرأة في مجاالت ِ‬ ‫والعناية بالبيئة وجمعيات التميز الشبابي‪،‬‬ ‫ولجان أسر الشهداء‪ ،‬جمعية بلسم‪ ،‬جمعية‬ ‫قطرة‪ ،‬وكذلك عن أعمال سموها في مجال‬ ‫دعــم األســر المنتجة وخلق منافذ جديدة‬ ‫للتسويق والتوظيف‪ ،‬ورعاية سموها ألنشطة‬ ‫المرأة السعودية في المشاركات الدولية‪.‬‬ ‫وأشارت سموها إلى تنفيذ اللجنة العديد‬ ‫من البرامج التنموية بالشراكة مع العديد‬ ‫من الجهات والقطاعات‪ ،‬وإقامة ورش عمل‬ ‫استطالعية في العديد من المحافظات‪ ،‬وبناء‬ ‫قاعدة بيانات من شباب وشابات الرياض‪.‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬المرأة في رؤية ‪2030‬‬ ‫وتحقيق أهداف التنمية المستدامة‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬أمل بنت سالمة الشامان‬ ‫(عضو مجلس الشورى)‬

‫هدفت الورقة التي قدمتها أ‪ .‬د‪ .‬الشامان‬ ‫إلــى التعرف على كيفية تمكين المرأة في‬ ‫رؤية المملكة ‪ 2030‬وتحقيق أهداف التنمية‬ ‫المحور الثاني‪ :‬عرض نماذج لتجارب المستدامة‪ ،‬كما تطرقت إلى مفهوم التنمية‬ ‫رائدة في المجتمع السعودي في مجال المستدامة ودور المرأة في تحقيقها‪ ،‬كما‬ ‫إسهام المرأة في التنمية المستدامة‪ .‬أشــارت إلى أهم المؤشرات اإليجابية التي‬ ‫أدت إلى تسريع التنمية وتمكين المرأة في‬ ‫صاحبة السمو األميرة نورة بنت‬ ‫المملكة‪.‬‬ ‫محمد آل سعود‬

‫واستعرضت الــورقــة عالقة رؤيــة ‪2030‬‬ ‫قدمت صاحبة السمو األميرة نورة بنت‬ ‫محمد آل سعود ورقة عمل استعرضت فيها بأهداف التنمية المستدامة في إطار مناقشة‬ ‫تجربتها في العمل االجتماعي في مجاالت ستة أهداف رئيسة للتنمية المستدامة‪ ،‬وهي‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪31‬‬


‫(الفقر والقضاء على الجوع والصحة الجيدة الــمــاعــب الــريــاضــيــة لحضور المباريات‬ ‫والرفاه والتعليم الجيد والمساواة وتمكين والفعاليات‪.‬‬ ‫الــمــرأة والنمو االقــتــصــادي)‪ ،‬وذلــك إلبــراز‬ ‫كما شاركت المرأة السعودية في صنع‬ ‫التقدم الــذي شهدته المرأة السعودية في‬ ‫تحقيق تلك األهداف في ضوء رؤية ‪ ،2030‬القرار في مؤسسات حكومية وأهلية وهي‪:‬‬ ‫كما تناولت جهود المملكة في مكافحة الفقر القطاع الــعــام‪ :‬مثل تولي الــمــرأة مناصب‬ ‫والجوع واآلليات التي تتبعها المملكة للقضاء قيادية عديده مثل نائب وزير ووكيل وزارة‪،‬‬ ‫عليه‪ ،‬وكــذلــك الــجــهــود الــمــبــذولــة لتطوير ورئاسة بلديات فرعية مثل محافظة جدة؛‬ ‫قطاعي الصحة والتعليم‪.‬‬ ‫وفي القطاع الخاص‪ :‬توليها منصب الرئيس‬ ‫وأشــارت إلــى الجهود المبذولة لتمكين‬

‫المرأة وتحقيق المساواة في الحقوق ومنها‪:‬‬

‫السماح بقيادة المرأة للسيارة‪ ،‬وإصدار‬

‫نظام التحرش ونظام الحماية من اإليــذاء‪،‬‬

‫وتنظيم صندوق النفقة للمطلقات واألبناء‪،‬‬ ‫وإثبات حضانة األم ألبنائها فيما ليس فيه‬ ‫خصومة وإنهاؤها دون الحاجة إلقامة دعوى‪،‬‬

‫وقــرار تمكين المرأة من مزاولة األنشطة‬ ‫الرياضية في التعليم العام والسماح بدخولها‬

‫التنفيذي لعدد من البنوك والشركات الرائدة؛‬ ‫وفي التعليم‪ :‬فتح تخصصات جديدة للطالبات‬ ‫في الجامعات مثل اإلعــام‪ ،‬وتعيين أول عميدة‬ ‫لجامعة الطائف لشطري الطالب والطالبات‪،‬‬ ‫وفي االقتصاد والتجارة‪ :‬السماح بمشاركة المرأة‬ ‫في التجارة دون الحاجة إلى موافقة ولي أمرها؛‬ ‫وفي القطاع العدلي‪ :‬إتاحة الحصول على رخصة‬ ‫التوثيق للمرأة مما يجيز لها القيام ببعض مهام‬ ‫كاتب العدل ومنحها رخصة مزاولة مهنة المحاماة‬ ‫بعد ثالث سنوات من التدريب‪.‬‬

‫المبادرات التي تم إطالقها في المنتدى‬ ‫وسيتبناها مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬

‫‪32‬‬

‫أعلنت مساعدة المدير العام أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل‬ ‫كما أعلنت أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل السديري عن‬ ‫بنت عبد المحسن السديري عن تخصيص إقامة برامج بالشراكة مع الغرفة التجارية‬ ‫مــبــادرة منيرة الملحم لخدمة المجتمع وهي‪:‬‬ ‫السنوية لهذا العام (للمبادرات المجتمعية‬ ‫‪ )1‬بــرنــامــج تــدريــبــي مــســتــمــر لــلــتــســويــق‬ ‫اإللكتروني‪ ،‬للتدريب على أدوات التسويق‬ ‫للمشاريع المستدامة)‪ .‬وتضم‪:‬‬ ‫اإللكتروني بما يحقق تسويق أي منتج من‬ ‫‪ )١‬برنامج الــقــراءة الجهرية مع مكتبة‬ ‫المنزل وتجويد العمل عن بعد‪.‬‬ ‫الملك عبدالعزيز العامة‪.‬‬ ‫‪ )٢‬إنــشــاء الــمــركــز الــحــضــاري بالغاط‪:‬‬ ‫نــاد تطوعي إلتــاحــة الفرص‬ ‫‪ )2‬إنــشــاء ٍ‬ ‫والذي يعنى بتنمية وتأهيل المنطقة‬ ‫للمشاركة المجتمعية وتعميق االنتماء‬ ‫بما يتواكب مع رؤيــة ‪ 2030‬وإنشاء‬ ‫حاضنات في مجاالت متعددة‪.‬‬ ‫والمواطنة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫قدمتها أ‪ .‬أمل صالح الصايغ والمدربة‬ ‫‪ )1‬مــبــادرة برنامج تطبيقات األهــداف المساعدة أ‪ .‬خلود محمد العمري (مؤسسة‬ ‫العالمية للتنمية الــمــســتــدامــة في الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة واإلبداع)‬ ‫ظــل رؤي ــة المملكة ‪ 2030‬بالتعاون‬ ‫تضمنت الــورشــة عــدة مــحــاور‪ ،‬أهمها‪:‬‬ ‫مــع مرصد المسؤولية االجتماعية مفهوم التمكين وأهميته‪ ،‬أدوات التمكين‪،‬‬ ‫بجامعة المجمعة‪.‬‬ ‫اعرفي نفسك‪ ،‬بنك معلوماتك الخاص بك‪،‬‬ ‫‪ )2‬مبادرة برنامج تدريبي للغة اإلنجليزية الضيفة الزائرة‪ ،‬تمرين اللوحة اإلبداعية‪.‬‬ ‫لألطفال وفق المناهج العالمية‪.‬‬

‫م ـ ـن ـ ـتـ ــدى م ـ ـن ـ ـيـ ــرة املـ ـلـ ـح ــم‬

‫وأعلنت صاحبة السمو األميرة نورة بنت‬ ‫محمد عن مبادرات ستقام بالتعاون مع مركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬ورشة التمكين االقتصادي‬ ‫واالجتماعي (تمكني)‬

‫‪ -2‬ورشة (ترشيد االستهالك‬ ‫والتخطيط المالي لألسرة)‬

‫‪ )3‬مــبــادرة إقــامــة المعارض التشكيلية‬ ‫لإلسهام في برامج التنمية الوطنية‬ ‫قدمتها أ‪ .‬سعاد الغامدي (جامعة األميرة‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫نورة بنت عبدالرحمن)‪.‬‬ ‫‪ )4‬مبادرة التوعية بالتوفير وبناء السلوك‬ ‫تضمنت الورشة عدة محاور‪ ،‬أهمها‪:‬‬ ‫االدخ ــاري في الــغــاط‪ ،‬بالشراكة مع‬ ‫ التعرف على المفاهيم المالية األساس‪،‬‬‫جامعة الملك سعود‪.‬‬ ‫مــعــرفــة الــمــفــاهــيــم األســــاس لــادخــار‬ ‫كما أعلن سعادة محافظ الغاط أ‪ .‬منصور‬ ‫وف ــوائ ــده‪ ،‬الــتــعــرف عــلــى الــعــاقــة بين‬ ‫بــن سعد الــســديــري عــن بعض المشاريع‬ ‫االدخار والدخل واالستهالك واالستثمار‪،‬‬ ‫المستقبلية التي بــدأ العمل عليها لتلبية‬ ‫التعرف على ميزانية األســرة‪ ،‬التعرف‬ ‫العديد من االحتياجات البيئية لدى نساء‬ ‫على التعامل مع القروض االستهالكية‪.‬‬ ‫المحافظة ومنها‪ :‬تأسيس جمعية الغاط‬ ‫‪ -3‬ورشة (نحو صحة أفضل)‬ ‫البيئية‪ ،‬وتشييد ثالث محميات في أماكن‬ ‫قدمتها د‪ .‬ديــنــا طــربــزونــي (كلية علوم‬ ‫مختلفة‪ ،‬ومشروع المتنزه الوطني بمساحة‬ ‫(‪ )25‬مليون متر مربع‪ ،‬والــذي سيقام في األغذية والزراعة‪ ،‬جامعة الملك سعود)‪.‬‬ ‫الوادي بجنوبي الغاط‪.‬‬ ‫ تضمنت الــورشــة عــدة مــحــاور‪ ،‬أهمها‪:‬‬‫عناصر الغذاء الرئيسة‪ ،‬التغذية المتوازنة‬ ‫ورش عمل تدريبية‬ ‫(الــهــرم الــغــذائــي) وتخطيط الوجبات‪،‬‬ ‫عقدت على هامش المنتدى‬ ‫كيفية حساب معدل كتلة الجسم ‪BMI‬‬ ‫نظمت هيئة المنتدى ثــاث ورش عمل‬ ‫للمحافظة على وزن صحي‪ ،‬األمــراض‬ ‫تدريبية‪ ،‬ضمن فعاليات منتدى منيرة بنت‬ ‫الــصــحــيــة الــمــرتــبــطــة بــســوء الــتــغــذيــة‬ ‫محمد الملحم لخدمة المجتمع‪ ،‬شارك فيها‬ ‫(السمنة‪ ،‬السكري‪ ،‬ارتفاع ضغط الدم)‪،‬‬ ‫ما يزيد عن تسعين فتاة وامرأة من المجتمع‬ ‫االستراتيجيات الصحية المهمة للحد‬ ‫من أمراض سوء التغذية وعالجها‪.‬‬ ‫المحلي‪ ،‬وقد شملت ثالثة موضوعات‪:‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪33‬‬


‫سلمى‬

‫إسنادي‬ ‫بحس‬ ‫تاريخية‬ ‫بانوراما‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫الحاضر الوحيد‬ ‫يؤكد أن التاريخ هو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫■ فرج مجاهد عبدالوهاب*‬

‫ثمة عوالم سردية تتضمن الحكاية من خالل نقل أحداث متباينة‪ ،‬يحمل كل‬ ‫حدث حكاية مرتبطة بزمان ومكان محددين‪ ،‬تجري فيهما مجموعة من األحداث‬ ‫المختلفة في موضوعاتها‪ ،‬تنهض بها شخصيات معروفة لنا تاريخياً‪ ،‬تتحمل‬ ‫عبء السرد والروي باستناد إلى شخصية رئيسة تتزيّا لكل حدث بالزي الخاص‬ ‫بــالـحــدث‪ ،‬فـتــروي وتحكي وتتخذ مــن خــال ذلــك مواقفها التي غالب ًا مــا تكون‬ ‫إيجابية‪ ،‬تخدم الزمن التاريخي الذي وجدت فيه‪.‬‬ ‫مثل هذا التداخل في األمكنة واألزمنة‬

‫وأنها مرتبطة بشكل أو بآخر بشخصية‬ ‫افتراضية واحدة‪ ،‬ولكونها افتراضية‪..‬‬ ‫يباح للروي أن يتشعب وينتقل من حادثة‬ ‫إلى أخرى‪.‬‬

‫سردي يطلق على أحداث قديمة بسبب‬

‫ومثل هذه الرواية نمط أسلوبي‪ ،‬من‬ ‫أنماط الكتابة الروائية‪ ،‬وقد تأثرت بها‬ ‫أنواع روائية أخرى‪ ،‬يدور مركزها على‬ ‫المغامرة والمقامرة التي ينهض بها بطل‬ ‫ال حلقات يجاور بعضها‬ ‫بعينه‪ ،‬مشك ً‬ ‫بعضاً؛ مــا يــؤدى إلــى تعدد األصــوات‬

‫واختالف الروايات‪ ،‬غالباً ما يؤدي إلى‬ ‫منتج سردي من الممكن أن ينتمي إلى‬ ‫الــروايــة ذات األدراج‪ ،‬وهــو مصطلح‬

‫قيامها على حكايات كثيرة‪ ،‬تتوالى فيما‬

‫بينها‪ ،‬وليس شرطاً أن تتعلق بالحبكة‬

‫الرئيسة والمركزية‪ ،‬للنص السردي‬ ‫وإن كــان إطــارهــا الــعــام الــتــداخــل مع‬

‫‪34‬‬

‫األحداث والوقائع التاريخية المختلفة‪،‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫السردية‪ ،‬والتداخل بين الراوي والشخصية‬ ‫القصصية‪ .‬وتهشم الحبكة لصالح القصص‬ ‫الفرعية التي تنتقل من فضاء إلــى آخر‪،‬‬ ‫من مكان وزمــان إلــى غيرهما من األزمنة‬ ‫واألمكنة؛ وحسن التعامل مع هذه اإلشكاالت‬ ‫يفرز في النهاية نصاً سردياً تاريخياً‪ ،‬يروي‬ ‫أحداث التاريخ الماضية كأنه هو الحاضر‬ ‫نفسه!‬ ‫من هذا المستوى السردي القائم على‬ ‫النص ذي األدراج‪ ،‬يقدم المبدع العربي‬ ‫الــمــرحــوم "غ ــازي عبدالرحمن القصيبي"‬ ‫رائــعــتــه الــروائــيــة (ســلــمــى) ال ــص ــادرة عن‬ ‫المؤسسة العربية لــلــدراســة والــنــشــر في‬ ‫بيروت‪ ،‬كأنموذج راق لفن تلك الرواية التي‬ ‫تنهض على أدراج مختلفة زماناً ومكاناً‪.‬‬ ‫ترتبط الحكاية بأهم شخصيتين‪ :‬األم‬ ‫الــتــي تعيش وحــيــدة وقــد بلغت الثمانين‪،‬‬ ‫تسليتها الوحيدة هو جهاز الراديو الصغير‬ ‫الذي تبدله كل شهر‪ ،‬إذ يزورها ابنها ويجلب‬ ‫لها جهازاً جديداً "هل أحضرت الراديو الذي‬ ‫طلبته؟‬ ‫يفتح سليم حقيبة يده ويخرج منها راديو‬ ‫ترانستور يقدمه إلى أمه وتسأل‪:‬‬

‫يدور المؤشر بين يد األم‪ ،‬ويتوقف عند‬ ‫محطة تحتفل بــمــرور خمسين عــامـاً على‬ ‫ثــورة يوليو ‪1952‬م‪ ،‬ويأتيها صــوت جمال‬ ‫عبدالناصر في خطبة من خطبه التاريخية‬ ‫لتظهر الشخصية الثانية سلمى التي تدخل‬ ‫عــلــى الــرئــيــس جــمــال بصفة أنــهــا مــديــرة‬ ‫المخابرات العامة‪ ،‬لتخبره عن مؤامرة تحاك‬ ‫ضده وضد مصر أطرافها أمريكا واالتحاد‬ ‫السوفيتي وإسرائيل ودول عربية‪.‬‬

‫فيستغرب الــرئــيــس األمـ ــر‪ ،‬وال يأخذ‬ ‫كالمها على محمل الجد‪ ،‬تخبره عن حشود‬ ‫ يا بني‪.‬‬‫إسرائيلية على خــط الجبهة مــع ســوريــا‪،‬‬ ‫ نعم يا أمي‪ ،‬آخر موديل‪.‬‬‫وســوف يجد نفسه مضطراً للوقوف إلى‬ ‫ يحضر صوت العرب‪.‬‬‫جانب سوريا‪ ،‬ومع ذلك يصر على صداقة‬ ‫ نعم وهنا برلين‪.‬‬‫االتــحــاد السوفياتي الــذي لن يتخلى عنه‪،‬‬ ‫يغادرها وفي ذهنه سؤاله المعتاد‪ :‬لماذا وتــأتــي الضربة القاصمة صــبــاح ‪ 5‬يونيو‬ ‫‪1967‬م‪.‬‬ ‫تريد جهاز راديو جديداً كل شهر؟‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪35‬‬


‫‪36‬‬

‫تدهش العجوز وتقفل الــراديــو بغضب الروسي هو أكذب راديو عرفته في حياتها‪،‬‬ ‫وتتساءل‪ :‬ألم تحذر الرئيس من المؤامرة؟ تقرر أن تتخلص منه وأن تطلب من سليم أال‬ ‫ألــم تُــحــذره بنفسها؟ ألــم يصدقها؟ تتقلب يحضر جهازاً روسياً‪.‬‬ ‫العجوز وتعود إلى النوم‪.‬‬ ‫تعبث أصــابــع سلمى بــالــراديــو الجديد‪،‬‬ ‫في الشهر الذي بعده يكون الراديو صناعة ويــقــف الــمــؤشــر عند حــديــث عــن أوبــريــت‬ ‫روسية‪ ،‬تفتحه عن حديث إذاعي يتناول آخر جديدة وضعها الفنان منصور الرحباني عن‬ ‫أيام العرب في األندلس‪ ،‬يقول الراديو‪" :‬وال أبــي الطيب المتنبي‪ ،‬وتكون سلمى زوجة‬ ‫يزال اإلنسان حتى أيامنا هذه يطلقون على المتنبي الجريح‪ ،‬وتتداخل مع سيرة المتنبي‬ ‫الجبل الذي ألقى منه ‪ -‬أبو عبداهلل الصغير ‪ -‬أبوه‪ -‬ابنه مُحمد ‪ -‬وجدته وما كتبه من‬ ‫ نظرته األخيرة على غرناطة "شهقة العربي قصائد غزل وحبه لخولة وعالقته بسيف‬‫األخيرة"‪ ،‬ص‪ .24‬كانت سلمى على نزاع مع الدولة وكافور وعضد الدولة‪.‬‬ ‫حماتها فاطمة‪ ،‬وهي التي اختارت سلمى‬ ‫ثم يتكلم الراديو عن الموقعة التي قتل‬ ‫زوجة البنها محمد‪ ،‬وكانت سلمى مسكونة‬ ‫فيها المتنبي‪ ،‬وتبتسم العجوز وهي تستمع‬ ‫بأمجاد المجد العربي القديم‪ ،‬تطمع بأن‬ ‫إلــى الــهــراء "ال يعرف الــراديــو أنّ المتنبي‬ ‫يكون زوجها محمد أبو عبداهلل الذي يعيد‬ ‫سقط صريع مؤامرة شــارك فيها كل والة‬ ‫فتوحات الخليفة الداخل والخليفة الناصر‪،‬‬ ‫عصره بال استثناء‪ ،‬وال يعرف الــراديــو أن‬ ‫وكانت تــرى أن دولــة بني األحمر تستطيع‬ ‫قصيدة الهجاء البذيئة عــن‪ -‬ضبة وأمــه‬ ‫تجميع الشمل‪ ،‬ويشتد الخالف بين سلمى‬ ‫الطُ رطُ بة" لم تكن من شعر زوجها‪ ،‬ال يعرف‬ ‫وحماتها‪ ،‬ويقع زوجها أسيراً في يد اإلسبان‪،‬‬ ‫الراديو شيئاً عن حياة المتنبي الحقيقية‪،‬‬ ‫وتختفي فاطمة عن مسرح األحداث مكتفية‬ ‫أو نهايتها الحقيقية‪ ،‬تتقلب العجوز ثم تغفو‬ ‫بــإذكــاء نــار الفتنة بين األخــويــن مــن بعيد‪،‬‬ ‫وهي منبسطة األسارير ص‪.38‬‬ ‫وتنجح سلمى في الدخول متنكرة إلى زوجها‬ ‫أمــا الــراديــو الجديد فقد كــان صناعة‬ ‫في السجن‪ ،‬واكتشفت أن اإلسبان يفاوضونه‬ ‫عــلــى أن يــعــود إل ــى غــرنــاطــة ومــعــه جيش هولندية ماركة فيلبس تفتحه على برنامجها‬ ‫إسباني‪ ،‬ويزيح عمه عن العرش ويحل محله المفضل‪ -‬نافذة على التاريخ ‪ -‬تروي قصة‬ ‫مقابل التحالف معهم في المستقبل‪ ،‬وتقنعه سقوط بغداد في يد التتار‪ ،‬والمجازر التي‬ ‫بــأن يتظاهر بالقبول ويعود إلــى غرناطة‪ ،‬أعقبت دخــول هــوالكــو عاصمة الخالفة‪.‬‬ ‫وقاد عمه الهجوم الذي أباد جيش اإلسبان‪ ..‬ويشير الراديو إلى أنه عندما زفت سلمى‬ ‫وتستمر الحكاية التاريخية المعروفة‪ ،‬ومع إلى ابن عمها الخليفة المستعصم لم تكن‬ ‫ذلــك يتحدث الــراديــو عــن الملك الصغير بلغت الثامنة عشرة‪ ،‬وقد شعرا أن زوجها‬ ‫ويشوّه حقائق التاريخ‪ ،‬تقرر سلمى أن الراديو عاجز عن تسيير أمور الدولة لولعه بالقنص‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫وتأخذ العجوز الراديو األلماني الجديد‬ ‫من سليم الذي أكد لها بأن الراديو األلماني‬ ‫ال يــكــذب‪ ،‬وتفتحه تسمع قصيدة شوقي‬ ‫وصوت أم كلثوم‪ ،‬وتأخذها الذكرى إلى أنها‬ ‫كانت حبيبة كل من أحمد شوقي ومحمد‬

‫اسرائيل "أنتم جنود السالم الحقيقي الذى‬ ‫سيعم شعب اسرائيل وأرض اسرائيل كلها‪،‬‬ ‫حين يتم القضاء على آخر إرهابي" ص‪.69‬‬ ‫وبعد أن ينتهي شــارون من خطابه تتقدم‬ ‫سلمى تطلب توقيعه‪ ،‬فيرحب‪ ..‬ثم تطلب أن‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫والغناء والمحظيات‪ ،‬فاستغلت الوضع‪ ،‬وزاد‬ ‫نفوذها‪ ،‬ولم يبق أحد خــارج نفوذها سوى‬ ‫الوزير ابن العلقمي‪ ،‬حاولت التخلص منه‪..‬‬ ‫إال أن انشغالها بتتبع تحركات التتار أيام‬ ‫الخليفة المستنصر والد زوجها أخّ ر ذلك‪.‬‬ ‫ويستعرض الراوي سرد تلك الفترة‪ ،‬وكيف‬ ‫كان الجواسيس يحيطونها علماً بتحركات‬ ‫هوالكو‪ ،‬وأن زوجته ماريا ال تطيقه وتتمنى‬ ‫الخالص منه‪ ،‬فبدأت المراسالت بين سلمى‬ ‫ويستمر الراوي يسرد العالقة بين سلمى‬ ‫وماريا من أجل الخالص من هوالكو‪ ،‬ويبدأ وكل من شوقي وعبد الوهاب‪ ،‬وتنتقل العجوز‬ ‫الجيش هجومه على هوالكو وينتصر عليه‪ .‬إلــى محطة أخــرى تذيع خبرًا يقول‪" :‬وقد‬ ‫أما العجوز‪ ،‬وبين اليقظة والنوم راحت قتل خالل الغارة الجوية الليلية على غزة‬ ‫تستمع إلى قصيدة عن صالح الدين‪ ،‬وعن عشرة أشخاص بينهم ثمانية أطفال‪ ،‬وجرح‬ ‫تحرير القدس‪ ،‬وأن سلمى كانت زوجة صالح أكثر مــن مئة وخمسين شخصاً معظمهم‬ ‫الدين‪ ،‬فتقرر أن تشاركه الجهاد‪ ،‬فعملت له من األطفال والنساء‪ ،‬هذا وقد هنأ رئيس‬ ‫عيناً في جيوش الفرنجة‪ ،‬تنقل له أخبارهم الــوزراء اإلسرائيلي ‪ -‬آرييل شارون‪ -‬قواته‬ ‫وهي تتجول بين صفوف الجيش متنكرة في المسلحة مشيداً بإنجازها الذي اعتبره من‬ ‫ثياب غالم فرنجي أو امرأة فرنجية‪ ،‬حتى أعظم االنجازات" ص‪.64‬‬ ‫انكشف أمرها يوماً واقتيدت إلــى الملك‬ ‫أما سلمى‪ ،‬فقد كانت في زي نقيب في‬ ‫األشقر الوسيم تنتظر صدور حكمه بقتلها‪ ،‬قوة الدفاع اإلسرائيلية‪ ،‬وفجأة يمر أمامها‬ ‫إال أنه لم يأمر بقتلها‪ ،‬وتساعد زوجها على آريــيــل شـ ــارون‪ ،‬فيستوقفه جــمــال سلمى‪،‬‬ ‫االنــتــصــار‪ ،‬وتصحو سلمى ذكرياتها على ويدور بينهما حوار عن والدتها وموطنها‪ ،‬ثم‬ ‫صهيل الــخــيــول تــركــض لتستقبل الجيش يسرح ذهن سلمى ليستعرض تاريخ القاتل‬ ‫العائد‪ ،‬في المقدمة رأت زوجها مبتسماً الملطخة يداه بالدماء العربية منذ أن كان‬ ‫مخضباً بالدماء كالعادة‪ ،‬فأيقنت أن معركة ضابطاً يبيد السكان في القرى العربية‪،‬‬ ‫حطين انتهت بانتصار صالح الدين ص‪ .51‬تتذكر جرائمه وهو يتحدث عن فتيان وفتيات‬ ‫عبدالوهاب وكــل منهما ال يعلم عالقتها‬ ‫باآلخر‪ ،‬كانت تلتقي مع كل منهما كل مرة‬ ‫في مكان مختلف‪ ،‬مع شوقي كانت تتحدث‬ ‫عن الشعر وكان أسعد ما يفرحه سماعه لها‬ ‫وهــي تغني‪ ،‬ومــع عبدالوهاب تتحدث عن‬ ‫الفن وكان بدوره مفتوناً بصوتها‪ ،‬وتلتقي مع‬ ‫شوقي في سهرة رائعة يشرب الشمبانيا التي‬ ‫رفضتها ألنها ال تشرب‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫وكــانــت الــمــحــور الــرئــيــس الـــذي كانت‬ ‫الــروايــات التاريخية تنطلق منه وتعود‬ ‫إليه‪.‬‬

‫يسمح لها بتقبيله على وجنتيه فيرحب "تدنو‬ ‫سلمى وتطوّق بيدها اليمني عنق الجنرال‬ ‫ويدها اليسرى تضغط على الــزر‪ ،‬قبل أن‬ ‫يتوقف قلب سلمى عن النبض تــرى جسد‬ ‫‪ -2‬السيدة المسنة التي تغير كل شهر الراديو‬ ‫السفاح يتناثر قطعاً في الهواء‪ ،‬ومعه قطع‬ ‫ألنها مقتنعة بأن الراديو غالباً ما يكذب‬ ‫في جسدها) ص‪.70‬‬ ‫في ســرد الــروايــات التاريخية حتى أنه‬ ‫تموت الجدة التي كان التاريخ حبها األول‬ ‫غالباً ما يزِّيفها‪.‬‬ ‫واألخير‪ ،‬ويعلن طبيبها أن شيئاً عجيباً كان‬ ‫‪ -3‬األحداث التاريخية القديمة والمتوسطة‬ ‫يتعلق بموتها‪ ،‬وهــو أن الممرضة وجــدت‬ ‫والمعاصرة زمنياً‪ ،‬وسرد وقائعها الذي‬ ‫الفراش مليئاً ببقع من الدماء ‪ -‬مع أنها‬ ‫كان التخييل المقارب للذهن العباً رئيساً‬ ‫ماتت المسكينة بالسكتة القلبية ‪ -‬كما كان‬ ‫في بنية الرواية التي تعد أنموذجاً مناسباً‬ ‫رداؤها مليئاً ببقع من الدماء مع أنه لم يكن‬ ‫وجيداً لتقانة الرواية ذات األدراج‪ ،‬التي‬ ‫في جسمها جرح واحد‪ ..‬يصمت سليم‪ ،‬ثم‬ ‫لم تكن مجرد رحلة بين األمكنة واألزمنة‬ ‫يبتسم ويقول‪:‬‬ ‫بقدر ما كانت إحالة إلى اإلنسان والقيم‪،‬‬ ‫ وم ــا هــو وج ــه الــعــجــب؟ ألــيــس الــتــاريــخ‬‫وما حملته حكايات الرواية من أهداف‬ ‫هو الحاضر الوحيد؟ ص‪ ،72‬فالتاريخ‬ ‫سامية اعتمدتها سلمى في كل موقف من‬ ‫بحوادثه ورواتــه وتزييف بعض حقائقه‬ ‫المواقف التي سخرها المؤلف لخدمة‬ ‫ك ــان الــمــوضــوع الــرئــيــس ال ــذي قدمته‬ ‫نصه السردي‪ ،‬وليصل في النهاية إلى‬ ‫السيدة العجوز من خالل الراديو الذي‬ ‫الحقيقة التي ال جدال حولها وهي‪ :‬أليس‬ ‫غــالــبـاً مــا ك ــان يــكــذب‪ ،‬ومــعــتــمــدة على‬ ‫التاريخ هو الحاضر الوحيد بقصصه‬ ‫شخصية رئيسة هي سلمى‪ ،‬ومن خاللهما‬ ‫وإسقاطها على الواقع المعيش الذي هو‬ ‫توالى مسرود رواية من نوع خاص جداً‪،‬‬ ‫جزء من تاريخ األزمنة واألمكنة المتحولة‬ ‫ال يقدر على صياغتها إال روائــي فنان‬ ‫والمتغيرة بفعل أحداثها المتوقعة وغير‬ ‫ومبدع متقن لعمله السردي مثل "غازي‬ ‫المتوقعة‪.‬‬ ‫القصيبي" الذي روى على مساحة اثنين‬

‫وسبعين صفحة عــدة حــكــايــات توالى‬ ‫ومــن هــذا المنطلق‪ ،‬أبــدع وتألق مؤلف‬ ‫مسرودها على سلم الحكي درجة درجة "سلمى" في صياغة رواية من نوع خاص جداً‬ ‫دون أن تفقد تواصلها مع‪:‬‬ ‫ستبقى مرتبطة باسمه وإن غيّبه الموت؛ ألن‬ ‫‪ -1‬سلمى الــتــي تــوزعــت أدوارهـ ــا وتنوعت األثر المبدع الجديد ال يموت وال يفنى أبدًا‪.‬‬

‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫قراءة في رواية "يأتي في الربيع"‬ ‫الحب واالختالف والمصائر المتعبة‬ ‫ّ‬

‫■ إبراهيم احلجري*‬

‫السعودية أميرة المضحي‪ ،‬موضوعة‬ ‫تعالج روايــة "يأتي في الربيع" للروائية ّ‬ ‫سبق تناولها من قبل العديد من الروائيين العرب‪ ،‬الذين يوقّ عون محكياتهم على‬ ‫خط الصراع المذهبي واأليديولوجي والفتنة الطائفية‪ ،‬فيتخذون منها خلفية‬ ‫لتعرية واقع مرير يعيشه اإلنسان؛ فيجعله ضحية سجال لم تكن له فيه ناقة وال‬ ‫جمل‪ ،‬لكن مصائب هذا الصراع تسقط على رأسه‪ ،‬فتحيله فردًا عاجزً ا عن فرض‬ ‫اختياراته‪ ،‬تابعا لغيره‪ ،‬خاضعا لنظم معرفية‪ ،‬وميثولوجية‪ ،‬وأيديولوجية ال‬ ‫يؤمن بها في غالب األحيان‪ .‬لكن قدره كتب عليه أن يوجد ضمن هذا الغليان من‬ ‫الجدل العقيم الذي إن لم يكن يؤخر‪ ..‬فهو ال يجعله يتقدم خطوات إلى األمام(‪.)١‬‬ ‫ولعل تكرار هذه الموضوعة روائيا‪،‬‬ ‫له ما يبرره ثقافيا‪ ،‬فــالـرّوائــي شديد‬ ‫التفاعل مع السياق الــذي يحيط به‪،‬‬ ‫قويّ التأثر بما يتالطم حوله من وقائع‬ ‫وأح ــداث‪ ،‬وإن كــرر الــروائــي موضوعة‬

‫مــا‪ ،‬ف ــذاك يعني أنّ الّــســؤال جــديّ ‪،‬‬ ‫ويبعث على القلق‪ ،‬خاصة أنه في بعض‬ ‫يمس حرية الــفــرد‪ ،‬ويكبل‬ ‫ّ‬ ‫مستوياته؛‬ ‫طاقاته اإلبداعية‪ ،‬ويجعله يعيش حياته‬ ‫كما شاءها له اآلخــرون‪ ،‬ال كما خطط‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪39‬‬


‫لها هو نفسه‪ ،‬وآمن بها‪.‬‬ ‫بالصورة التي تشاء‪ ،‬في تناغم مع أفكارها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعد قضية الطائفية لدى المثقف انحطاطً ا ومعتقدها‪ ،‬وتكوينها الفلسفي‪.‬‬ ‫فكريًا وروحيًا‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬فضال عن كون‬ ‫إذ م ــن الـــواضـــح أن ـ ــه‪ ،‬قــبــل أن تــولــد‬ ‫األمراض الطائفية‪ ،‬أيديولوجيا‪ ،‬تهين كرامة الشخصيات‪ ،‬في النص‪ ،‬وتتخلق في الحياة‬ ‫اإلنــســان‪ ،‬بحيث تضع التقاليد واألعــراف السردية‪ ،‬تلفي أمامها مصيرها المحتوم‬ ‫والنصوص‪ ،‬والمقوالت‪ ،‬فوق اإلنسان ذاته‪ ،‬مصمّما على الــمــقــاس‪ ،‬وفــق الهيئة التي‬ ‫وتــضــحّ ــي بــه مــن أجــلــهــا‪ ،‬وم ــن هــنــا تكمن اشتهتها المجموعة البشرية الــتــي ق ـدّر‬ ‫خطورتها‪ .‬فهي سباحة ضد مفهوم اإلنسانية له أن ينتمي إليها‪ ،‬والمحيط البيوثقافي‬ ‫الذي من المفترض أن يحكم عمل المبدع‪ ،‬الــذي تخلّق فيه‪ .‬وتكبر هــذه المعضلة مع‬ ‫سواء كان شاعرًا‪ ،‬أم روائيًا‪ ،‬أم فنانًا‪.‬‬ ‫الشخصيات‪ ،‬وهــي تجابه الــحــيــاة‪ ،‬فتجد‬ ‫وهنا‪ ،‬نجدنا إزاء ثقافتين‪ ،‬الثقافة الوطنية‬ ‫الــتــي تــقــاتــل مــن أج ــل اإلن ــس ــان‪ ،‬بمختلف‬ ‫انتماءاته اإلثنية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والمنطقية (من‬ ‫المنطقة الجغرافية) للوصول به نحو مجتمع‬ ‫متفتح‪ ،‬وحرّ‪ ،‬يسوده العدل والمساواة‪ ،‬وبين‬ ‫تخص مجموعة بعينها تريد‬ ‫ّ‬ ‫منظومة طائفية‬ ‫سحق اآلخر والهيمنة عليه‪ ،‬وربما إزالته من‬ ‫الحياة بسبب اختالفه في العقيدة أو الفكر‬ ‫أو الــطــقــوس‪ ،‬وهــي عــادة مــا تتسم بضيق‬ ‫الفكر والتقوقع على النص والرمز التاريخي‪،‬‬ ‫لتجعل من كل ذلك بوصلة للنشاط اليومي‪،‬‬ ‫ع ــدا عــن الــعــداء لــآخــر‪ ،‬رغ ــم أن األفــق‬ ‫الحضاري الحديث يميل‪ ،‬يومًا بعد آخر إلى‬ ‫مشتركات عالمية‪ ،‬كوننا أصبحنا خلية حية‬ ‫واحدة‪ ،‬منذ عقود طويلة(‪.)٢‬‬

‫‪40‬‬

‫تــرتــكــز هـــذه الـ ــروايـ ــة؛ ف ــي معالجتها‬ ‫لواقع معضل‪ ،‬على قضية تشكل المصائر‬ ‫الحياتية‪ ،‬وانكتابها على الشخوص‪ ،‬من قبل‬ ‫أن تأتي إلى هذا العالم‪ ،‬سالبة إياها حق‬ ‫تقرير مصيرها بنفسها‪ ،‬وتكوين مستقبلها‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫نفسها مهيضة الجناح بين نسق ثقافي ساري‬ ‫المفعول‪ ،‬يع ّد انتهاك حــدوده من الكبائر‬ ‫الموجبة للطرد‪ ،‬والتهجير‪ ،‬والتهميش‪ ،‬بل‬ ‫والمتابعة القضائية والقانونية‪ ،‬ورغبة في‬ ‫الحياة‪ ،‬والتحرر‪ ،‬وتشكيل الهوية الشخصية‬ ‫بناء على اختيارات ذاتية تنسجم مع خطاب‬ ‫"األنا" وميوالتها وتطلعاتها‪ ،‬على اعتبار أن‬ ‫الطائفية تتجسد في الطريقة التي يتخيل بها‬ ‫الناس العاديون محيطهم االجتماعي‪ ،‬وهذا‬ ‫ما ال يجري التعبير عنه على نحو نظري‬ ‫محمول بالصور والقصص‬ ‫ً‬ ‫غالبًا‪ ،‬لكنّه يكون‬ ‫واألساطير؛ «إنه ذلك الفهم المشترك الذي‬ ‫يجعل الممارسات االجتماعية ممكنة‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى اإلحساس المشترك بالمشروعية»(‪.)٣‬‬ ‫وتكبر معاناة الشخصيات أكثر‪ ،‬حينما‬ ‫يجد بطال الرواية نفسيهما أمام اختيارات‬ ‫قاسية‪ ،‬وآفاق ضيقة لالختيار بين طريقين‬ ‫أحالهما مرّ‪ ،‬فكال المصيرين المصمّمين لم‬ ‫يتم اختيارهما برغبة ذاتية‪ ،‬بل كُتبا عليهما‪.‬‬ ‫ويتعلق األمر بالحب؛ الذي سطر لهما من‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫حيث لم يفكرا فيه أبدا‪ ،‬وساقتهما الغرائز‪،‬‬ ‫والميوالت‪ ،‬واألهواء‪ ،‬والعواطف‪ ،‬والظروف‬ ‫إل ــى الــتــاقــي‪ ،‬وبــنــاء عــاقــة مــن التقدير‬ ‫وال ــم ــودة‪ ،‬ســرعــان مــا تــحـوّلــت إلــى إدمــان‬ ‫عشقيّ مولع‪ ،‬ما منه فكاك‪.‬‬ ‫هذا ما حصل لشخصيتيْ دالل وحامد‪،‬‬ ‫اللذين القتهما الصدفة بمطار القاهرة‪ ،‬قبل‬ ‫أن يتجدّد لقاؤهما في المستشفى‪ ،‬وتتطور‬ ‫العالقة من معرفة عابرة إلى عشق قاتل؛‬ ‫لم يجد الظروف المالئمة ليستقيم‪ ،‬ويتشكّل‬ ‫حياة أخرى عادية وطبيعية‪ ،‬بعد أن الحقته‬ ‫لعنة االخــتــاف األيــديــولــوجــيّ ‪ ،‬وحــاربــتــه‬ ‫الــجــمــاعــة ونظمها الــثــقــافــيــة‪ ،‬وتقاليدها‬ ‫االجــتــمــاعــيــة‪ ،‬وســــوّره األهـــل واألصــدقــاء‬ ‫والمقربون بحزام من حديد ونار‪ ،‬والحقته‬ ‫األعراف والتقاليد الراسخة‪ ،‬فباء بالفشل‬ ‫رغم صمود العاشقين‪ ،‬ونضالهما المستميت‬ ‫من أجل الحفاظ على مشاعرهما‪ ،‬وتحويل‬ ‫هــذه العواطف المشبوبة إلــى زواج مقنن‪،‬‬ ‫وربــاط مقدّس‪ ،‬لكن المجموعة لم تباركه‬ ‫بوصفه زواجــا مختلطا بين سنية وشيعيّ ‪،‬‬ ‫فباء بالفشل‪ ،‬وتفرقت بالعاشقين السبل‪،‬‬ ‫في درامــا حقيقية عرفت الروائية أميرة‬ ‫المضحي كيف تصورها فــي ســرد ماتع‪،‬‬ ‫وخريطة جمالية مضبوطة‪ ،‬وقالب حكائي‬ ‫حشو مخلّ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مفرطة أو‬ ‫ٍ‬ ‫رصين‪ ،‬دون زيــادةٍ‬ ‫وبــلــغـ ٍـة دقــيــقـ ٍـة تــتــمــاوج تــمــاوج المشاعر‬ ‫والعواطف‪ ،‬وتتدرج بين التقريرية والشعرية؛‬ ‫ال مع إيقاع تعقد العالقات والتباسها‪،‬‬ ‫تفاع ً‬ ‫وارتفاع وتيرة الصراع‪ ،‬أو انخفاضها‪ ،‬تبعا‬

‫لتشعب األحـ ــداث والــحــاالت والــتــحــوالت‪،‬‬

‫وتقاطع المصائر‪ ،‬وتأزم الحبكات السردية‪.‬‬

‫وينسجم هذا التصور مع طبيعة المتخيل‬

‫االجتماعي المقصود في حالة الطائفة‪،‬‬ ‫والـ ــذي يعكس تــصــور التبعية (الــمــولــودة‬ ‫غــال ـ ًبــا) لــديــن أو مــذهــب‪ ،‬بــاالشــتــراك مع‬

‫ماليين البشر‪ ،‬الذين ال يعرفون بعضهم‪،‬‬ ‫ولم يشكلوا يومًا جماع ًة بوصفها انتما ًء إلى‬

‫ماض‬ ‫دينية كبرى بناء على ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اجتماعية‬ ‫ٍ‬ ‫طائفة‬ ‫ٍ‬ ‫مشترك من المرويات والقصص واألساطير‪،‬‬ ‫ٍ‬

‫وما يترتب عليه من ممارسات وفهم محدد‬ ‫للمشروعية(‪.)٤‬‬

‫تتعقد مسألة المصائر الشخصية ‪ -‬التي‬

‫يتدخل اآلخـــرون فــي صنعها‪ ،‬دون إتاحة‬ ‫الفرصة للفرد كي يقرّر بصدد اختياراته‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪41‬‬


‫ال كي‬ ‫رغم أنّ اهلل خيّر عباده‪ ،‬ومنحهم عق ً‬ ‫يتلمّسوا به الحقائق‪ -‬حينما يراجع الشخص‬ ‫ســيــرتــه‪ ،‬ويــتــأمــل األحــــداث الــتــي رافــقــتــه‪،‬‬ ‫والمؤشرات المتعاقبة التي ترتبط بحياته‪،‬‬ ‫ال هل يتعلق ذلــك بمصادفة‪ ،‬أم أن‬ ‫متسائ ً‬ ‫صحيفته كتبت على مقاس هذا المسار؟‪:‬‬ ‫(أتساءل أحيانا‪ :‬أيّ عام منحوس هذا الذي‬ ‫ولدت فيه؟ ثورة في إيــران تصل شظاياها‬ ‫إلى بالدنا‪ .‬وجهيمان يظهر خبله كله دفعة‬ ‫واحدة‪ ،‬ويحتل الحرم المكي بأسلحة خبأها‬ ‫في توابيت موتى‪ ،‬وانتفاضة شهر محرم‬ ‫ومــا أســفــر عنها‪ ،‬تــاهــا غــزو السوفيات‬ ‫ألفغانستان‪ ،‬وقرار الرؤساء العرب تصدير‬ ‫الــمــتــطــرفــيــن لــيــجــاهــدوا هــنــاك مــن أجــل‬ ‫الخالص منهم‪ ،‬دون نسيان صــدام حسين‬ ‫تولي حكم العراق‪ ،‬والسادات الذي وقع مع‬ ‫إسرائيل معاهدة كامب ديفيد لالستسالم‪،‬‬ ‫أو السالم كما يسمونها‪ .‬كان عام النحس بال‬ ‫شك‪ ،‬وتلته أعوام الجنون عندما بدأت حرب‬ ‫الخليج بين العراق وإيران لمدة ثمان سنوات‪،‬‬ ‫لتبدأ بعدها خيبات العرب المتتالية‪ ،‬حتى‬ ‫وصلنا لهذه الدرجة من الضياع‪ .‬وبعد أن‬ ‫توالدت نكباتنا‪ ،‬وتتالت أحزاننا ومآسينا‪،‬‬ ‫ولم تنته حروبنا العربية‪ -‬العربية‪ ،‬فهل من‬ ‫تعويذة تنفع إلبطال هذا النحس؟)(‪.)٥‬‬ ‫‪ .١‬حكاية عشق‬

‫‪42‬‬

‫يتأسس محكي الــروايــة على قصة حب‬ ‫عميقة بين شابين (حــامــد‪ ،‬ودالل)‪ ،‬تنشأ‬ ‫عابر هيأته‬ ‫ٍ‬ ‫في ظروف تلقائية‪ ،‬عقب لقاءٍ‬ ‫صدف السّ فر‪ ،‬لينشأ‪ ،‬ويتشكل‪ ،‬في صورة‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫عــاقــة مستحيلة بين فتى طبيب يسافر‬ ‫إلى القاهرة؛ بحثًا عن الفن والــذات‪ ،‬وفتاة‬ ‫ممرضة تائهة‪ ،‬تسافر‪ ،‬هــربــا مــن ضغط‬ ‫عالقة زواج وشيكة بشاب مقرب من العائلة‬ ‫يــدعــى تــركــي‪ ،‬اخــتــارتــه لها الــعــائــلــة‪ ،‬دون‬ ‫استشارة لها‪ ،‬أو اعتبار لمشاعرها ورأيها‬ ‫بوصفها فتاة متعلمة‪ ،‬لها الحق في اختيار‬ ‫مصيرها‪.‬‬ ‫في هذه الظروف من التيه‪ ،‬بين فتاة حُ سم‬ ‫أمر ارتباطها المقدس؛ الذي ال تفصلها عنه‬ ‫ســوى طــقــوس بسيطة؛ وترتيبات متعلقة‬ ‫بالعرس‪ ،‬والحفل الرسمي إلعــان زواج‪..‬‬ ‫تجتهد بــاســتــمــرار‪ ،‬لتأجيل التفاف حبله‬ ‫حــول عنقها‪ ،‬وتسعى جاهدة إلفشاله عن‬ ‫طريق استفزاز خطيبها‪ ،‬وزوجها المستقبلي‬ ‫"تــركــي" الـــذي تــشــك كــثــي ـرًا فــي مشاعره‬ ‫تجاهها‪ ،‬وطبيب مثقف تُد َّل عاشقاته الكثر‬ ‫من الممرضات‪ ،‬والطبيبات الالئي يُحطن‬ ‫به في مق ّر عمله‪ ،‬بحيث يبدو حضور "دالل"‬ ‫ضمن عالمه ضئيال‪ ،‬ومستحيل التطوّر‪،‬‬ ‫على األقــل‪ ،‬كما كــان يتهيأ لها‪ ،‬لسبب من‬ ‫األسباب‪ ،‬تتعلق بنفسيتها المتأرجحة‪ ،‬غير‬ ‫أن ذاك اللقاء العابر الــذي د ّبــرتــه أقــدار‬ ‫غامضة‪ ،‬كــان كافيا ليطلق بــذرة المحبّة‬ ‫فــي قلبيْ الشّ خصيتين؛ فصادفت أرضــا‬ ‫خصبة‪ ،‬وتربة مهيأة على المقاس‪ ،‬فنمتْ‬ ‫فسيلة واعدة في هدوء وثبات ورسوخ‪ ،‬وفي‬ ‫غفلة منهما‪ ،‬ومن وعيهما‪ ،‬غالبت العواطف‬ ‫والمشاعر الجياشة ك ّل إمكانات االستحالة‪،‬‬ ‫والمنع‪ ،‬واإلكراهات التي كانت تحيط بهذه‬


‫وبينما كانت العالقة تتوطد‪ ،‬واألحاسيس‬ ‫تنمو بين الطرفين‪ ،‬وجدت "دالل" الفرصة‬ ‫مالئمة لفسخ الــخــطــوبــة‪ ،‬وإلــغــاء ال ــزواج‬ ‫بـ"تركي"؛ في حين راح حامد يلقي بشباك‬ ‫عشقه تجاه دالل التي راحت في الوقت ذاته‪،‬‬ ‫تفكر بجدية في األمر‪.‬‬ ‫تتطور قصة حــبّ غريبة بين طرفين‬ ‫(شخصيتيْ دالل وحامد)‪ ،‬تكاد ك ّل الظروف‬ ‫تــجــزم باستحالة الــلــقــاء بينهما‪ ،‬لكنهما‪،‬‬ ‫مــع ذل ــك‪ ،‬كــانــا يغضان الــطــرف عــن غيوم‬ ‫الشر القادمة من كل الجهات تسوقها ريح‬ ‫صرصر‪ ،‬ويخادعان نفسيهما بإمكانية تجاوز‬ ‫الفوارق األيديولوجية والثقافية‪ ،‬فيعاكسان‬ ‫حظهما‪ ،‬ويستمران في مسايرة عواطفهما‬ ‫القاهرة‪ ،‬ض ـدًا على كـ ّل العوائق من كلتي‬ ‫األسرتين‪ ،‬ومن كل نظم المجتمع‪ ،‬وعندما‬ ‫يؤمنان بكونهما خُ لقا لبعضهما بعضاً‪ ،‬وبأن‬ ‫كل القوى مهما تعاظمت‪ ،‬لن تح ّد من شدة‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عشقهما‪ ،‬وجدية قصتهما‪ ،‬ولن تستطيع إلغاء‬ ‫العالقة من ك ّل جانب‪.‬‬ ‫وزادت هــذه العالقة شــمــوخً ــا‪ ،‬كبرياء رغبتهما في الزواج‪ ،‬واستكمال حياتهما معا‪،‬‬ ‫البطلين‪ ،‬وصفاء سريرتهما‪ ،‬وانجذابهما‪ ،‬سارعا إلى تسويغ آفاق التقارب باستمرار‪.‬‬ ‫في لحظات خــواء عاطفي‪ ،‬فباتا يلتقيان‬ ‫وذاك مــا فــعــاه تــمــامــا‪ ،‬حينما باشرا‬ ‫بداية‪ ،‬بحكم ظروف العمل في المستشفى طقوس الــزواج‪ ،‬واالستعداد لحفل الزفاف‬ ‫نفسه‪ ،‬قبل أن يرتبا لقاءات سرية‪ ،‬بعيدًا عن الذي سيقتصر على بعض األقارب؛ ممن شاء‬ ‫العمل‪ ،‬في مقاهٍ ومطاعم توجد في أطراف مباركة الرباط الزوجي‪ ،‬وبعض األصدقاء‬ ‫المدينة‪ ،‬تفاديًا لعيون متربصة‪ ،‬ومطاردات والصديقات المقربين منهما‪ ،‬تفاديًا للقيل‪،‬‬ ‫هتشكوكية‪ ،‬مــن قبل الــوشــاة‪ ،‬والــحــســاد‪ ،‬والــقــال‪ ،‬وكثرة الــســؤال‪ ،‬وتج ّنبًا لإلحراج‪،‬‬ ‫واألصدقاء معًا‪ ،‬الباحثين عن مادة حكائية‬ ‫خاصة أن انتماءهما ألسرتين‪ ،‬متناقضتيْ‬ ‫ّ‬ ‫يتسلون بها في موائد المساء بمقاهيهم الهوية الثقافية‪ ،‬والمذهب الديني‪ ،‬شيء‬ ‫المعتادة‪.‬‬ ‫مــعــروف ل ــدى الــعــا ّمــة والــخــاصــة‪ ،‬بحكم‬ ‫وجودهما ضمن الفضاء الجغرافي نفسه‪،‬‬ ‫وأن زواجهما‪ ،‬في ظ ّل تباعدهما الثقافيّ ‪،‬‬ ‫واخــتــافــهــمــا الــعــقــديّ ؛ يــع ـ ّد ل ــدى جميع‬ ‫السّ اكنة؛ جريمة نكراء‪ ،‬وخطيئة ال تغتفر‪.‬‬ ‫‪ .٢‬صراع أيديولوجي‬ ‫تنهض القيمة الفكرية للنص الــروائــي‬ ‫على منطق الصراع األيديولوجي الموظف‬ ‫للدين‪ ،‬مــبــرزًا خصوصيات هــذا الــصــراع‪،‬‬ ‫وطبيعته‪ ،‬واألسباب التي يتذرع بها الفكران‬ ‫المتصادمان‪ ،‬وآثــاره النفسية واالجتماعية‬ ‫والثقافية على ساكنة المدينة‪ ،‬وانعكاسه على‬ ‫النسيج االجتماعي داخل البلدة الواحدة أو‬ ‫المدينة الواحدة أو القطر الواحد أو األمة‬ ‫الــواحــدة‪ ،‬فيما يخص إمكانات التصاهر‪،‬‬ ‫والتعايش‪ ،‬والتكافل‪ ،‬ووظيفته الضمنية في‬ ‫إذكاء فتيل الحروب‪ ،‬وإشعال الفتن بين ذوي‬ ‫القربى‪ ،‬والجيران‪ ،‬وساكنة المنطقة نفسها‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪43‬‬


‫ومشخّ صة األدوار الخفيّة لهذا االختالف‬ ‫األيديولوجي في توجيه الفكر‪ ،‬والثقافة‪،‬‬ ‫والسياسة‪ ،‬والرؤى‪ ،‬واتّخاذ القرارات‪.‬‬ ‫تولد الشخصيّات‪ ،‬فتج ُد أسَ ــرهــا على‬ ‫نمط معين من التفكير‪ ،‬وتلفيهم على مذهب‬ ‫عقديّ أو اجتماعيّ أو ثقافيّ معين‪ ،‬ويكبرون‬ ‫في تلك األجــواء‪ ،‬وتسعى أسرهم لشحنهم‬ ‫بالمبادئ‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬والــتــصــورات ذاتها‪،‬‬ ‫دون إعطائهم فرص ًة إلعمال عقلهم‪ ،‬ودون‬ ‫الخوض في سجال أو نقاش مهما كان نوعه‪،‬‬ ‫حول تلك المسلّمات البدهيّة‪..‬‬ ‫ويُطلبُ من الشخصيات استيعاب الدرس‬ ‫بسرعة‪ ،‬واإلذعان لهذه الممارسات‪ ،‬والرؤى‬ ‫الثقافية دون مقاومة‪ ،‬إذا ما أرادوا أن يبقوا‬ ‫على انتمائهم الثقافي والجغرافي‪ ،‬وينعموا‬ ‫باألمن والسالم‪ .‬وذاك ما لم يعمله ك ّل من‬ ‫دالل وحامد‪ ،‬فكان عليهما‪ ،‬نتيجة لمعاندتهما‬ ‫للسياق الثقافي‪ ،‬تحمّل تبعات ذلك‪ ،‬ومعاناة‬ ‫الــمــشــاق‪ ،‬والــصــعــوبــات الـ ّنــاجــمــة عــن هذا‬ ‫االختيار‪ ،‬وكأنّ المجموعة البشرية تصادر‬ ‫الــقــدرات العقلية للشخصيات‪ ،‬وتــمــارس‬ ‫عليهم الحجر اآلبد‪ ،‬والوصاية المطلقة في‬ ‫التفكير واالعتقاد‪ ،‬واالختيار‪ ،‬فارضة عليهم‬ ‫سياقا ثقافيا مسبق التّصميم‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫ولعل مشكل الصراع بين السنة والشيعة‬ ‫هو صــراع قديم‪ ،‬نشأ منذ العقود األولــى‬ ‫ل ــإس ــام‪ ،‬وت ــط ــور ال ــص ــراع إلـــى ح ــروب‬ ‫مذهبية‪ ،‬وصلت‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬إلى‬ ‫ح ّد العنف‪ ،‬وأثــرت سلبيًا على تطور األمة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬واسترجاعها لوحدتها‪ ،‬ومجدها‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الغابر‪ ،‬وانتقل صدى هذا الصراع الخفي‬ ‫والعلني إلى مستويات أعمق‪ ،‬طالت الفكر‪،‬‬ ‫واإلبداع‪ ،‬والفن‪ ،‬وانعكست على النفسيات‪،‬‬ ‫والعقليات‪ ،‬وخلفت أحقادًا ومآسيَ ‪ ،‬وشتّتتْ‬ ‫المجموعات‪ ،‬وأسهمت فــي خلق نــوع من‬ ‫النكوص االجتماعي‪ ،‬خاصة في األقاليم‬ ‫الــتــي تحضن مجموعات غير متجانسة‪،‬‬ ‫يجتمع فيها أهل الشيعة‪ ،‬وأهل السنة‪ ،‬دون‬ ‫أن تتهيأ لديهم سُ بل التّعايش‪ ،‬والتّضامن‪،‬‬ ‫والتّسامح‪...‬‬ ‫ولــع ـ ّل الــطــرح ال ــذي تستند إلــيــه روايــة‬ ‫(يأتي الربيع) هنا‪ ،‬يتجاوز معطى الصراع‬ ‫المذهبي أو العقدي‪ ،‬إلى مستويات حرية‬ ‫الفكر‪ ،‬واتــخــاذ الــقــرار‪ ،‬واعــتــنــاق التصور‬ ‫الشخصي‪ ،‬واحــتــرام الحق فــي االختيار‪،‬‬ ‫وتقرير المصير‪ ،‬والتفاعل اإليــجــابــيّ مع‬ ‫المختلفين‪ ،‬وكأنها تشكو‪ ،‬بحرقة‪ ،‬أثر سوء‬ ‫تدبير االختالف على الفرد‪ ،‬والمجموعات‬ ‫في الخليج العربي‪ ،‬مُتخذةً‪ ،‬من الصراع بين‬ ‫السنة والشيعة‪ ،‬موضوعا للسجال الفكري‬ ‫سرديا‪.‬‬ ‫‪ .٣‬معضلة المصير‬ ‫الشخصيات‪ ،‬في الرواية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يكتبُ المصي ُر‬ ‫بــدل أن تكتبَه‪ .‬لــذلــك‪ ،‬فهي تخطو‪ ،‬في‬ ‫المتاهة‪ ،‬بعينين مغمضتين‪ ،‬دون أن تكون لها‬ ‫القدرة الالزمة في تعديل مسارها‪ ،‬حتى وإن‬ ‫اقتنعت‪ ،‬في بعض المنعطفات‪ ،‬أن الطريق‬ ‫غير سالك‪ ،‬وأنه سيؤدي حتما‪ ،‬إلى التهلكة‪.‬‬ ‫فمنذ الــســطــور األولـ ــى‪ ،‬تــتــرك الــروايــة‬


‫لذلك‪ ،‬فقد راهنت السّ اردة على اختيارات‬ ‫القلب‪ ،‬ال اختيارات العقل الواعي‪ ،‬لتجعل‬ ‫الشخصيات فــي قــلــب عــاصــفــة ال فكاك‬ ‫من طواحينها‪ ،‬مشخصة درامــيــة الخالف‬ ‫الفكري‪ ،‬والــصــراع األيــديــولــوجــي‪ ،‬وقسوة‬ ‫المحيط الثقافي في حكمه على اختيارات‬ ‫األفــراد‪ ،‬داخل البيئة نفسها‪ ،‬ألنها ستكون‬ ‫عرضة لتجاذب قوتين ال غالب فيهما‪ :‬القلب‬ ‫ونوازعه وأهواؤه التي ال تصدّ‪ ،‬وتقاليد ونظم‬ ‫المجموعة البشرية التي يستحيل القفز على‬ ‫حدودها المرسومة‪ ،‬منذ بداية التاريخ‪ .‬وكل‬ ‫شخص خرقها يصير مهددًا بالطرد خارج‬ ‫الحدود‪ ،‬ومتهمًا بخطايا جرمية ال تغتفر!‬ ‫يقول الراوي‪( :‬يبدو أننا مجرد نرْد وهناك‬ ‫من يرمي بنا كل مرة‪ ،‬وربما تكون الحياة كلها‬ ‫مجرد نرْد أيضا نرمي به فيهبنا االحتماالت‬ ‫الكثيرة التي ال تنتهي‪ .‬كل شيء هو احتمال‬ ‫دائما؛ أحالمنا‪ ،‬ردود أفعالنا غير المتوقعة‪،‬‬ ‫غضبنا وإيماننا‪ ،‬وحياتنا‪ .‬كل شيء يتأرجح‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫لشخصياتها الــرئــيــســة‪ ،‬خــصــوصــا (دالل بين إرادتنا وبين اهلل)(‪.)7‬‬ ‫وحامد)‪ ،‬متسعًا لرسم تصورها عن مسارها‪،‬‬ ‫يضطر البطالن القتفاء أثر قلبيهما‪ ،‬وما‬ ‫ومصيرها‪ ،‬واختياراتها‪ ،‬وقلقها بشأن ذاتها‪ ،‬تمليه عليهما أحاسيسهما‪ ،‬ضاربين عرض‬ ‫وعالقتها بالثقافة‪ ،‬والحياة‪ ،‬والعالم‪( :‬أنا‪ ،‬الحائط بتخوفاتهما وهواجسهما‪ ،‬ويواصالن‪،‬‬ ‫وكم تتعبني هذه األنا! ورثت اسمي ونسبي بشكل سري‪ ،‬وضدّا بكل التقاليد واألعراف‪،‬‬ ‫وساللة قبيلتي ومذهبي‪ ،‬و"نجد" القابعة في توطيد عالقتهما الغرامية‪ ،‬مورطين نفسيهما‬ ‫الروح‪ ،‬وتاريخ طويل من الكراهية والتعصب‪ ،‬أكثر في طريق الال عودة‪ ،‬مقرّرين الزواج‪،‬‬ ‫لكنني لــم أرث عقلي وعواطفي وأفــكــاري إنــقــاذا لهذه الــعــاقــة‪ ،‬وإخــراجــهــا مــن ظ ّل‬ ‫ومــزاجــي وجــنــونــي‪ ،‬فليس األنــبــيــاء مــن ال السّ ر والكتمان‪ ،‬وتحريرًا التّفاق مُسبق على‬ ‫يــورثــون‪ ،‬إنما العقالء واألح ــرار‪ ،‬كذلك‪ ،‬ال مُواجهة ك ّل اإلكراهات والتّحدّيات‪ ...‬يقول‬ ‫يورثون)(‪.)٦‬‬ ‫الراوي على لسان حامد؛ ملخصا ما يشعر‬ ‫به تجاه الحصار المضروب حوله للعدول‬ ‫عن اختيار قلبه لدالل زوجة‪( :‬ال يهمني أن‬ ‫أعرف سبب كراهية أكل الجرجير في الليل‪،‬‬ ‫ولماذا الشطرنج مكروهة أو محرمة‪ ،‬ولماذا‬ ‫يكره قراءة الشعر في ليالي الجمعة وأيامها‪،‬‬ ‫ولماذا يريدون مني التخلي عن دالل التي ال‬ ‫يعرفون عنها شيئا؟ لماذا علي ترك المرأة‬ ‫التي أحب ألنها ولدت واختار لها والداها‬ ‫مذهبا غير الذي اختاره لي والداي؟ هل قلت‬ ‫اختار والدانا؟ ال‪ ،‬بالطبع لم يختارا؟ نحن‬ ‫ال نختار شيئا يخصنا منذ أن نولد‪ ،‬االسم‬ ‫والعائلة والهوية والدين والمذهب والوطن‪،‬‬ ‫وحتى عندما نموت قد ال تنفذ وصايانا‪ ...‬يا‬ ‫اهلل‪ ...‬يا اهلل‪ ...‬يا اهلل!)(‪.)8‬‬ ‫تبدأ أول التحديات بمواجهة األسرتين‬ ‫بحقيقة الــعــاقــة وســقــفــهــا‪ ،‬وكـــان الثقل‬ ‫أكثر على كاهل حامد‪ ،‬ألن أسرته رفضت‬ ‫بــاإلجــمــاع‪ ،‬فــي حين وجــدت دالل أسرتها‬ ‫متفهمة لمشاعرها‪ .‬ولئن كــان حامد قد‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪45‬‬


‫صــمــد أم ــام ق ــرار أهــلــه‪ ،‬وواصـ ــل طقوس‬ ‫ارتباطه بــدالل‪ ،‬إتماما للزواج الــذي جرى‬ ‫في أجواء احتفالية خاصة‪ ،‬لم يحضرها كل‬ ‫أفراد األسرتين‪ ،‬ولم ينته المشكل هنا‪ ،‬عبر‬ ‫توثيق الزواج‪ ،‬بل إن األيام العصيبة هي التي‬ ‫ستأتي فيما بعد‪ ،‬فقد قاطعت حامدًا أسرته‪،‬‬ ‫وبــاتــت العالقة مــع وال ــده وإخــوانــه تسوء‪،‬‬ ‫فيما أعلن أعمام دالل الحرب عليها وعلى‬ ‫والدها‪ ،‬وضغطوا عليهما أكثر‪ ،‬وحمّلوهما‬ ‫ما بلغ العائلة من عار‪ ،‬حتى أصيب بنوبات‬ ‫متتالية بسبب القهر‪ ،‬سببت وفاته بطريقة‬ ‫درامية‪ ،‬يقول الراوي على لسان دالل ملخصة‬ ‫معاناتها مع اختيار قلبها‪( :‬أنا أحب‪ ،‬إذاً أنا‬ ‫أخــاف وأك ــذب‪ ،‬فمدينتي تعاقب العشاق‪،‬‬ ‫وقد ال تكتفي برميهم بالشوك والحجارة‪،‬‬ ‫فقد تقتلهم فــي مــطــاردة‪ ،‬وقــد تسجنهم‪،‬‬ ‫بعد أن تفتش قلوبهم‪ ،‬وتجد فيها ما يثير‬ ‫الريبة‪ .‬أصبح الكذب قناعي الذي يحميني‬ ‫مما ال أريد سماعه‪ ،‬وأصبح لي مقهى سري‬ ‫ألتقي فيه بحامد متى أردنا‪ ،‬وآخر لحكاياتي‬ ‫السرية التي أبوح ببعضها لصديقتيّ )(‪.)9‬‬

‫‪46‬‬

‫ويظهر أعمام دالل‪ ،‬من جديد‪ ،‬ليطعنوا في‬ ‫زواجها برجل شيعيّ لن يشفع لها حبها له أو‬ ‫حبه لها مهما كانا صادقين‪ ،‬مهدّدين إياهما‬ ‫بتقديم شكوى قضائية من أجل فسخ الزواج‬ ‫"اآلثم"‪.‬‬ ‫‪ .4‬نهايات مفجعة‬ ‫مــا كــان يــتــصـوّر كــل مــن دالل "السنية"‬ ‫وحامد "الشيعي" أن هناك قوة تمنعهما من‬ ‫الظفر بحقهما في االرتباط ببعضهما‪ ،‬مادام‬ ‫اختالف انتمائهما المذهبيّ لن يضير أحدًا‬ ‫من بعيد أو قريب‪ ،‬ولن يشكل قط؛ عائقًا‬ ‫في طريق تواصلهما‪ ،‬فسارا على نهجهما في‬ ‫تأسيس عالقة مختلفة؛ متح ّديَيْن كل القيود‬ ‫الممكنة‪ ،‬التي كان بعضها معروفاً لديهما‪.‬‬

‫غير أن شدّة تعلقهما ببعضهما‪ ،‬جعلتهما‬ ‫يستسهالن كــل العقبات‪ ،‬وكــانــت النتيجة‬ ‫عكسية لما تكهنا به‪ :‬إذ احتقرهما الزمالء‬ ‫فــي العمل‪ ،‬والكتهما األلــســن‪ ،‬وازدرتــهــمــا‬ ‫النظرات‪ ،‬وقاطعتهما األسرتان (مع بعض‬ ‫المرونة بالنّسبة ألســرة دالل‪ ،‬ومثير من‬ ‫وتتوالي المآسي على األســرة العزالء‪ ،‬التّطرف والقسوة من جهة أســرة حامد)‪،‬‬ ‫وسـ ــط عــاصــفــة مــتــاطــمــة األمــــــواج من وضاقت عليهما األرض بما رحبت‪ ،‬نتيجة‬ ‫الضغوطات المجتمعيّة المتزايدة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الكالم الجارح‪ ،‬والمقاطعة‪ ،‬والتهم الثقيلة‬ ‫بارتكاب خطايا‪ ،‬حتى بعد الرحيل المفجع‬ ‫وتضاعفت األزمة‪ ،‬بعزم أعمام دالل على‬ ‫لوالد دالل‪ ،‬القوميّ التقدميّ الــذي هلكته وضع شكاية أمام القضاء‪ ،‬من أجل طالقهما‬ ‫الــســجــاالت العقيمة مــع اإلخـ ــوة‪ ،‬وعصف لعدم التكافؤ بين األســرتــيــن‪ ،‬فتصاعدت‬ ‫به مرض السكري اللعين الــذي كان يرتفع لهجات التهديد والوعيد‪ ،‬ما عجل برحيل‬ ‫منسوب ضغطه كلما سمع أخبارًا مؤلمة‪ ،‬أو والــد دالل الــذي كــان بمثابة الــدرع الواقي‬ ‫تفاعل مع حدث سياسي يقع هنا أو هناك‪ ،‬من تدخالت األسرتين‪ ،‬والمدعم الفعلي‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫أســهــم الــمــصــيــر الــقــاســي الــــذي ُكــتــب‬ ‫على شخصيات النص الــروائــيّ فــي خلق‬ ‫نهايات مفجعة‪ ،‬أولها؛ الشقاء الذي سببه‬ ‫أرق تفكير الزوجين فــي كــام الــنــاس من‬ ‫حولهما‪ ،‬ومقاطعة األسرتين لهما‪ ،‬واعتبار‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫لعالقتهما‪ ،‬فطالبت دالل زوجــهــا حامد‬ ‫بالرحيل‪ ،‬خارج أرض البلد‪ ،‬لحماية حبهما‪،‬‬ ‫وأسرتهما‪ ،‬وارتباطهما‪ ،‬لكن حامد رفض‬ ‫ذل ــك؛ معتبرًا هــذا نــوعً ــا مــن الــهــرب غير‬ ‫المجديّ ‪ ،‬وغير الالئق بوضعهما‪ ،‬باعتبارهما‬ ‫ال ما‬ ‫زوجين مرتبطين بعقد شرعيّ ‪ ،‬مستسه ً‬ ‫ال‬ ‫يمكن أن يقع في المستقبل القريب‪ ،‬مفض ً‬ ‫المواجهة المباشرة‪ ،‬والصمود في وجه ك ّل‬ ‫العواصف االجتماعية‪ ،‬والقضائية المرتقبة‪،‬‬ ‫وهو األمر الذي لم تتقبله دالل التي اعتبرت‬ ‫قــرار حامد نــوعً ــا مــن الــتــراخــي‪ ،‬والتهاون‬ ‫إزاء موضوع جــديّ ‪ ،‬ومقدم ًة للتفريط في‬ ‫ال للمصير الــذي سيكتبه‬ ‫عالقتهما‪ ،‬وتقب ً‬ ‫عليهما المجتمع‪ ،‬خاص ًة أقاربهما‪ ،‬وهي‬ ‫الــتــي ضــحــت بــصــورتــهــا وسـ ــط األســــرة‪،‬‬ ‫ورفــضــت زواجــهــا بـــ"تــركــي" الــذي اختارته‬ ‫األسـ ــرة‪ ،‬وافــتــقــدت والــدهــا‪ ،‬بسبب حبها‬ ‫لحامد‪ ،‬وخسرت أشياء كثيرة‪ ،‬فلم تتقبل‬ ‫أن تتراجع بأيّ شكل من األشكال‪ ،‬بعد ك ّل‬ ‫هذه التّحديات‪ ،‬فقرّرت الهجرة خارج البلد‪،‬‬ ‫بعيدًا عن األهــل الناقمين‪ ،‬بعد أن تركت‬ ‫رسالة لحامد؛ لم تترك له فيها خيارًا آخر‬ ‫غير السفر للحاق بها من أجل الحفاظ على‬ ‫وضياع‬ ‫ٍ‬ ‫زواجهما‪ ،‬تارك ًة إياه في حيرةٍ كبرى‪،‬‬ ‫بين قرارين‪ ،‬بالنسبة إليه‪ ،‬أحالهما ُمرّ‪.‬‬

‫ما قاما به جريرة ال تغتفر؛ ما غيب فضيلة‬ ‫الطمأنينة عن حياتهما الزوجية‪ ،‬وثانيها‬ ‫تضرر األق ــارب‪ ،‬بفعل التحرّج من تقاليد‬ ‫المجتمع‪ ،‬ومضايقاته األيديولوجية‪ ،‬الشيء‬ ‫الذي أسهم في التعجيل برحيل والد دالل‬ ‫الــذي كــان يرعى هــذا ال ــزواج‪ ،‬ويحميه من‬ ‫تهجمات األقارب؛ وثالثها الرحيل أو الهجرة؛‬ ‫إذ اضطرت دالل إلى السفر خــارج البلد؛‬ ‫هربًا من التعاسة التي سببتها لها الرقابة‬ ‫االجتماعية واأليديولوجية‪ ،‬وتدخل األهل‬ ‫واألقارب في حياتها واختياراتها الشخصية‪.‬‬ ‫تريد الكاتبة هنا‪ ،‬أن توضح كيفية زراعة‬ ‫األمل والحب هو الطريق لمقاومة الطائفية‪،‬‬ ‫م ــؤك ــد ًة عــلــى أن الــضــريــبــة الــكــبــرى التي‬ ‫دفعها أنصار الحب وأعــداء الطائفية؛ هو‬ ‫اضطرارهم الى ترك الوطن‪ ،‬والهجرة الى‬ ‫الخارج حفاظً ا على ديمومة الحبّ واالنتصار‬ ‫على الطائفية‪ ،‬والعصبية األيديولوجية‪،‬‬ ‫والتعارض من حيث التصورات‪ ،‬وعدم قبول‬ ‫الــرأي المختلف‪ ،‬في حين يشدد المحكي‬ ‫الروائي على أن الحبّ البد أن ينتصر على‬ ‫هــذه التمايزات كلها‪ ،‬لكن بعد دفــع هذه‬ ‫الضريبة الكبيرة(‪.)10‬‬ ‫تختصر األطروحة المركزية للرواية حول‬ ‫مسألة الهوية في قــول الــراوي على لسان‬ ‫حامد‪ ،‬إحدى الشخصيتين الرئيستين في‬ ‫الرواية‪( :‬أومــن بأن الهوية ليست اختيارًا‪،‬‬ ‫فهي مطبوعة على خــارطــة ال ــدم‪ ،‬كاللغة‪،‬‬ ‫والــذاكــرة‪ ،‬ومالمح الوجه‪ .‬نرثها كما نرث‬ ‫لون العينين‪ ،‬والمواصفات الجسدية‪ ،‬نعتز‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪47‬‬


‫بلهجتنا ألنها ميراثنا اإلنساني‪ ،‬وألنها تجيد الزمن‪ ،‬وما نحتاج إليه المساواة والتعايش‬ ‫المتعصبين يرفضون‪ .‬هم‬ ‫ّ‬ ‫التعبير عن أوجاعنا‪ ،‬لكن األهم أال تقيّدنا‪ ،‬والمواطنة لكنّ‬ ‫وف ــي الــوقــت ذاتـ ــه‪ ،‬يــجــب اتــبــاع ســقــراط‪ ،‬يعدّون بأن التقارب خروج عن المذهب‪ ،‬وهم‬ ‫ونكون مواطنين للعالم)(‪ .)11‬كما أن المحكيّ‬

‫مسؤولون عن شيوع ثقافة الكراهية المتبادلة‬

‫السردي يطرح رؤية الباث لمفهوم التسامح والطائفية المقيتة‪ ،‬ولم يردعهم أحد‪ .‬نحن لم‬ ‫الــذي يجب أن يسود العالم‪ ،‬فيخلّصه من نختر مذاهبنا‪ ،‬فلماذا يحارب بعضنا بعضاً‬ ‫ـصــب في بها؟ ولماذا ندفع أثمانًا باهظ ًة ألخطاء لم‬ ‫عــبــث الــفــوضــى الــتــي يبثها الــتــعـ ّ‬ ‫أرجائه‪ ،‬فيقول على لسان الراوي‪( :‬لطالما نرتكبها؟ لماذا نلتفت إلى الــوراء؛ بحثًا عن‬ ‫رفضت تسامح القوي مع الضعيف‪ ،‬تجاوزه الكراهية؟ ولماذا نسير نحو الضياع؟)(‪.)12‬‬ ‫ * ناقد وروائي من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )١‬من الروايات العربية التي تعالج هذه القضية‪:‬‬ ‫ ‪ -‬أنا سنية‪ ...‬وأنت شيعي‪ ،‬سارة مطر‪ ،‬دار مدارك‪ ،‬الطبعة األولى‪2004 ،‬م‪.‬‬ ‫ ‪ -‬فئران أمي حصة‪ ،‬سعود السعنوسي‪ ،‬دار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬منشورات ضفاف‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪2015‬م‪.‬‬ ‫ ‪ -‬ال تقصص رؤياك‪ ،‬عبدالوهاب الحمادي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء (المغرب)‪ /‬بيروت‬ ‫(لبنان)‪ ،‬الطبعة االولى ‪2014‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬محمد غازي األخرس‪ :‬الطائفية من الظاهرة إلى المفهوم في األدب‪ ،‬تحقيق كاظم خنجر‪ ،‬صحيفة‬ ‫القدس العربيّ ‪ ،‬بتاريخ ‪ 02‬مايو ‪2016‬م‪ ،‬مقال متاح التصفّح على الرّابط‪https://www.alquds.co.uk :‬‬ ‫‪/%EF%BB%BF%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%8A%D‬‬ ‫‪8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%‬‬ ‫‪D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%87%‬‬ ‫‪/D9%88%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A7‬‬

‫(‪ ) ٣‬تشارلز تايلر‪ ،‬المتخيالت االجتماعية الحديثة‪ ،‬ترجمة الحارث النبهان؛ مراجعة ثائر ديب‪ ،‬سلسلة‬ ‫ترجمان (بيروت‪ /‬الدوحة‪ :‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪2015 ،‬م)‪ ،‬ص ‪.35‬‬ ‫(‪ )٤‬عزمي بشارة‪ :‬الطائفة‪ ،‬الطائفية‪ ،‬الطوائف المتخيلة‪ :‬في إشكالية الطائفية‪ ،‬صحيفة العربي‬ ‫الجديد‪ ،‬العدد الصادر بتاريخ‪ 15 :‬أبريل ‪2018‬م‪ ،‬انظر الرابط‪https://www.alaraby.co.uk/diffah/ :‬‬ ‫(‪ )٥‬‬ ‫(‪) ٦‬‬ ‫(‪ )٧‬‬ ‫(‪ )٨‬‬ ‫(‪ )٩‬‬ ‫(‪ )١٠‬‬ ‫(‪) ١١‬‬ ‫(‪ )١٢‬‬

‫‪48‬‬

‫‪/civilisation/2018/4/13‬‬

‫أميرة المضحي‪ :‬يأتي في الربيع‪ ،‬دار الكفاح للنشر والتوزيع‪ ،‬الركة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‬ ‫األولى‪2016 ،‬م‪ ،‬ص‪ .‬ص‪.263 -262 .‬‬ ‫أميرة المضحي‪ :‬يأتي الربيع‪ ،‬مصدر سابق الذكر‪ ،‬ص‪.15 .‬‬ ‫أميرة المضحي‪ :‬يأتي في الربيع‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.224 .‬‬ ‫أميرة المضحي‪ :‬يأتي الربيع‪ ،‬مصدر سابق الذكر‪ ،‬ص‪.196 .‬‬ ‫أميرة المضحي‪ :‬يأتي الربيع‪ ،‬مصدر سابق الذكر‪ ،‬ص‪.140 .‬‬ ‫عبدالجبار العتابي‪ :‬انتصار الحب على الطائفية‪ ،‬صحيفة إيالف‪ ،‬العدد ‪ ،6423‬الصادرة بتاريخ‪ :‬السبت‬ ‫‪ 22‬ديسمبر ‪2018‬م‪ ،‬مقال متاح على الرابط‪https://elaph.com/Web/Culture/2015/1/977824. :‬‬ ‫‪.html‬‬ ‫أميرة المضحي‪ :‬يأتي الربيع‪ ،‬مصدر سابق الذكر‪ ،‬ص‪ .‬ص‪.139 -138 .‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.130 .‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫«قبطي» مقبول العلوي‬ ‫جمالية المفارقات السردية‬ ‫■ هشام بن الشاوي*‬

‫برع الكاتب مقبول العلوي في أضمومته السردية «القبطي»‪ ،‬والحائزة على‬ ‫جائزة الطيب صالح في عام ‪ 2016‬م‪ ،‬في رسم صورة بانورامية مصغرة للمجتمع‬ ‫العربي‪ ،‬تعج بالمتناقضات السوسيوثقافية في البيئة القروية‪ ،‬عبر مفارقات‬ ‫ســرديــة‪ ،‬تكاد تشكل فــي النصوص لــوحــات سخرية س ــوداء‪ ،‬تتوسل بلغة حكائية‬ ‫سلسة ومشوقة‪.‬‬ ‫«قروب» تكريم المرحوم‬

‫للمرحوم إلــى االحــتــفــال‪ ،‬بــل وافــقــوا‬

‫بعدما تمت إضافته إلــى مجموعة حتى على التعديالت الطارئة‪ ،‬كتغيير‬ ‫واتس اب‪ ،‬أشار السارد إلى أنها مأتم المكان بسبب غالء ثمنه إلى القرية‪،‬‬ ‫افتراضي لزميلهم سعد‪ ،‬الذي توفي في وإحــيــاء الليلة تحت ضــوء القمر‪ ،‬أو‬ ‫حادث مروري مأساوي‪ ،‬وهو في طريقه االكتفاء بذبيحتين بدل أربع‪ ،‬ثم ذبيحة‬

‫إلــى الــقــريــة‪ ،‬بعد متابعة مــبــاراة كرة واح ــدة العــتــذار الكثير مــن األعضاء‬ ‫القدم في مدينة جدة‪ ،‬وأشاد األعضاء عــن الــحــضــور لــظــروف خــاصــة‪ ،‬وفــي‬

‫بكل مقترحات منشئ المجموعة‪ ،‬فيما األخير‪ ،‬يفاجأ السارد برسالة مفادها‬ ‫يخص الذبائح‪ ،‬ودعــوة الشقيق األكبر أنه تمت إزالة جميع األعضاء‪ ،‬وحذف‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪49‬‬


‫المجموعة‪ ،‬فوضع هاتفه في جيبه بهدوء‪،‬‬ ‫بعدما أقفله‪.‬‬ ‫القبطي‬ ‫كان جرجس يعمل منذ ثالثة أشهر في‬ ‫الصيدلية‪ ،‬التي افتتحت في إحدى القرى؛‬ ‫ما جعل سكان البلدة والبلدات المجاورة‬ ‫يستبشرون بالصيدلية‪ ،‬التي جنبتهم عناء‬ ‫سفر طويل الــى المدن القريبة‪ ،‬بحثًا عن‬ ‫أدوية ال تتوافر في صيدلية المركز الصحي‪،‬‬ ‫ولم يكن أحد يعرف أنه من األقباط‪ ،‬سوى‬ ‫صاحب الصيدلية‪ ،‬الذي كان متسامحً ا معه‪،‬‬ ‫وأوصاه أال يبرز أي مظهر ديني يدل على أنه‬ ‫قبطي‪ ،‬ونبهه إلى عدم وضع قالدة الصليب‬ ‫حول عنقه‪ ،‬وأن يقفل الصيدلية في أوقات‬ ‫الصلوات‪ ،‬وأن يقنن كالمه مع الزبائن‪ ،‬وإذا‬ ‫سأله أي زبون عن اسمه يقول له إن اسمه‬ ‫جابر‪.‬‬

‫مقبول العلوي‬

‫كــان صاحب الصيدلية يفعل ذلــك ألنه قلب إلهام يمر عبر جرجس‪ ،‬الذي كان كل‬

‫مــغــرم بــأخــت جــرجــس‪ ،‬فــأهــمــل زوجــتــه‪ ،‬شهر‪ ،‬يزيد في راتبه‪ ،‬ولــم يكن إللهام أي‬

‫وكــثــرت رحــاتــه إلــى القاهرة لكي يراها‪ ،‬مانع في االرتباط بصاحب الصيدلية‪ ،‬بعد‬

‫ويرى عائلتها‪ ،‬وفي إحدى زياراته‪ ،‬قرر أن أن تجاوزت سن األربعين‪ ،‬بيد أن الموانع‬

‫يفاتح والدها ليتخذها زوجة على سنة اهلل االجتماعية والدينية كانت أكبر وأكثر تأثيرًا‬ ‫ورسوله‪ ،‬لكنه تذكر أنها قبطية‪ ،‬ولن يسمح من كل شيء‪.‬‬

‫لهما باالرتباط كزوجين‪ ،‬لكن األب المسن‬

‫لكن صاحب الصيدلية‪ ،‬تعرض العتداء‬

‫رفض الزيجة‪ ،‬كما توقع‪ ،‬ألن الكنيسة ستنبذه من قبطيين ملثمين في زقاق ضيق‪ ،‬وهدداه‬ ‫إلى األبد‪ ،‬وربما يتعرض لألذى أو القتل‪.‬‬ ‫بالقتل‪ ،‬في حال زواجه بإلهام‪ ،‬وحين انتشر‬

‫‪50‬‬

‫وبعد أن أضناه الجوى‪ ،‬كان الطريق إلى خبر الصيدلي فــي الــبــلــدة‪ ،‬تقاطر عليه‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫من يريده أن يدخل في اإلسالم‪ ،‬وهناك من أيدي المتصدقين والمتصدقات!‬

‫لديه شيء محتقن في صدره يريد إفراغه‪،‬‬ ‫وهناك من جاء بدافع الفضول أو التهديد‪،‬‬

‫ويطلب منه مغادرة القرية‪ ،‬وســاءت األمور‬

‫نوستالجيا‬ ‫بكثير من الحنين‪ ،‬يكتب مقبول العلوي‬

‫أكــثــر‪ ،‬بــعــد حـــادث كــســر ب ــاب الصيدلية عن القرية‪ ،‬التي كان من المحتمل أن تستمر‬ ‫الزجاجي بحجر كبير‪ ،‬ومحاولة حرق البيت الحياة فيها حالمة‪ ،‬ناعمة‪ ،‬بعيدًا عن الصخب‪،‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫األهالي في الصيدلية‪ ،‬وحتى في بيته‪ ،‬هناك يعرفه‪ ،‬فقد كان منهمكا في تلقف النقود من‬

‫المتهالك الــذي يقيم فيه‪ ،‬وبعد أن ُه ـدّد لكن السماء لم تعد تجود بالمطر والبركات‬ ‫بالقتل من طرف ملثمين‪ ،‬اضطر جرجس أن فقط‪ ،‬بل ترسل لهم الموت والفناء‪ ،‬وهي‬ ‫يغادر القرية‪ ،‬وأغلق العاشق الصيدلية إلى التي لم تكن مفعمة بالتاريخ والجغرافيا؛ فال‬ ‫أحد يعرف مكانها على الخريطة؛ وعندما‬ ‫األبد‪.‬‬ ‫تعلم‪ ،‬وأتقن القراءة والكتابة‪ ،‬توسعت قراءاته‬ ‫ضيف اهلل‬ ‫عن قريته‪ ،‬التي استغرب باحثو اآلثار وجود‬ ‫يلوذ السارد المتقاعد بزحام الحرم المكي مقبرتين في قرية صغيرة مثلها‪ ،‬ولم تكن‬

‫في موسم العمرة‪ ،‬هربا من الدائنين‪ ،‬الذين اإلجابة الوحيدة‪ ،‬سوى أن القرية كانت آهلة‬ ‫يطرقون بابه ليل نهار‪ ،‬وهو الذي يعيش في بالسكان قديمًا‪ ،‬قبل أن يهجرها األهالي في‬ ‫دوامة الديون‪ ،‬حتى قبل التقاعد‪ ،‬وألنه عانى رحالت جماعية متتالية‪ ،‬ولم يهتم الباحثون‬ ‫من الحرمان في طفولته‪ ،‬لم يشأ أن تذوق ببؤس األهــالــي‪ ،‬بل كانوا يلتقطون الصور‬

‫أسرته الصغيرة من الكأس نفسه‪ ،‬وبسبب للمقبرتين‪ ،‬ثم يتحلقون في المساء حول‬ ‫االحتياجات المعيشية‪ ،‬لم يتسن له أن يملك خــروف مشوي‪ ،‬وسرعان ما غادروها دون‬ ‫قبر الحياة؛ بيتا يأويه وأفراد أسرته‪ ،‬وقرر تلويحة وداع‪ .‬وتذكر السارد أنه رأى بعضهم‬ ‫أن يتجنب زي ــارة صــاحــب الــعــمــارة‪ ،‬الــذي في برامج تلفزيونية‪ ،‬وال يعلم إن كانوا قد‬

‫يطالبه بدفع اإليــجــار أو الرحيل‪ ،‬فتسلم عادوا إليها مرة أخرى أم ال‪ ،‬بعد أن غادرها‪،‬‬ ‫راتبه‪ ،‬وغــادر البيت‪ ،‬حتى ال يحرم زوجته هو‪ ،‬إلى األبد‪.‬‬ ‫وأوالده من فرحة العيد‪ ،‬وعند خروجه من‬ ‫الــحــرم للبحث عــن محتاج‪ ،‬كانت صدمته‬

‫كبرى‪ ،‬عند سماع صوت ذلك المسكين رث‬

‫عزلة وسط الضجيج‬ ‫يكتب مقبول العلوي في قصته القصيرة‬

‫الثياب‪ ،‬منحني الظهر‪ ،‬فقد كان هو صاحب ج ــدا‪ ،‬عــن بطله‪ ،‬ال ــذي ال يربطه بالعالم‬ ‫العمارة في قريته البعيدة‪ ،‬والذي يبدو أنه لم الــواســع ســوى صــنــدوق بريد فقط‪ ،‬يحمل‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪51‬‬


‫رقمًا مميزًا‪ ،111 :‬ولعله‬ ‫الــشــيء الــوحــيــد المميز‬ ‫ف ــي حــيــاتــه‪ ،‬فــســيــارتــه‬

‫من طــراز قديم‪ ،‬وكذلك‬

‫هاتفه الــجــوال‪ ،‬ويعيش‬ ‫ف ـ ــي عـ ــزلـ ــة ف ـ ــي قــلــب‬

‫الــضــجــيــج؛ ال تلفزيون‪،‬‬

‫وال أصدقاء‪ ،‬وال وسائل‬

‫تواصل اجتماعي‪ ،‬ويقرأ‬ ‫الصحف أحيانًا‪ ،‬مكتفيًا‬ ‫بــمــاحــقــهــا الــثــقــافــيــة‪،‬‬

‫ويمارس رياضة المشي‬

‫لمسافات طويلة‪ ،‬ثالث‬ ‫مرات أسبوعيا‪ ،‬ويستمع‬

‫إلى برنامج إذاعي يختاره‬

‫بعناية…‬

‫إن ال ــك ــات ــب‪ ،‬هــنــا‪،‬‬

‫يــرســم صــــورة حقيقية‬

‫للمثقف العربي المهزوم‪،‬‬

‫لألستاذ المحاضر في الجامعة‪ ،‬الذي عرض‬

‫ال ــذي اعــتــزل الــحــيــاة الــعــامــة‪ ،‬واخــتــار أن عليه مخطوطته الروائية «تحت الــرمــاد»‪،‬‬ ‫يلخص عالقته مع هذا العالم عبر صندوق ليبدي رأيه فيها‪ ،‬والتي أمضى ثالث سنوات‬

‫بريد‪ ،‬يتوصل من خالله‪ ،‬بالكتب التي يطلبها في كتابتها‪ ،‬وكان طالبا قرويًا فقيرًا‪ ،‬يدرس‬ ‫ال حــارس أمــن فــي مركز‬ ‫نــهــارًا‪ ،‬ويعمل لي ً‬ ‫شهريا من مكتبات بيروت!‬ ‫تحت الرماد‬

‫تــجــاري‪ ،‬وطلب منه الــدكــتــور‪ ،‬الــعــودة بعد‬ ‫شهر‪ ،‬وحين سأل عن المخطوطة‪ ،‬رمى له‬

‫ص ــورة تراجيكوميدية أخ ــرى للمثقف ربطة نقود من فئة خمسين رياال‪ ،‬فوضعها‬

‫العربي الذي قبل أن يبيع إبداعه بثمن بخس في جيبه‪ ،‬وغادر المكان سريعًا!‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫شاعر الصحراء والقوافي‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عبداهلل الصيخان‬

‫عرفناه شاعرً ا عاليًا‪ ،‬وكاتبًا فريدً ا‪ ،‬يقرؤه‬ ‫نخبة الـعــارفـيــن وعــامــة ال ـنــاس‪ ،‬كــل بذائقته‬ ‫وتجليات فكره‪.‬‬ ‫إن كنت قارئ ًا قارئاً‪ ،‬فأنت ستفرح بكلّ هذه‬ ‫التجلّيات لألحاسيس الـصــادقــه‪ ،‬وستطرب‬ ‫لهذا الشعرِ الجميل‪.‬‬ ‫للمطلِ ع على تجربته الشعرية أن يشهد له‬ ‫َّ‬ ‫بأنه فذٌّ في تعامله مع سجايا اللغة العربية‬ ‫شعرً ا ونثرً ا‪ ..‬ومضيئًا شجاعً ا على قضايا الجرح العربي الكبير‪ ..‬وأصبح له صيت عربي في‬ ‫محافل التنوير الثقافي‪.‬‬ ‫بدأ الصيخان تجربته بأسلوب فريد الطراز في توظيف أسارير البالغة الفتاكة‪ ،‬للتعبير‬ ‫العميق عن شظايا الفكرنة وتالمعات األدب العربي‪..‬‬ ‫لك أيها القارئ أن تفترض كل معاني الجمال التي يتيحها حسّ ك األدبي‪ ..‬حتى يرفرف‬ ‫فيك البياض‪ ،‬كما رفرف في أبجدية هذا الشاعر المبدع‪ ،‬فهنا متنفّ ٌس شعري واسع‪ ،‬وفضاءُ‬ ‫بالغةٍ شاسع‪ ،‬يشبع نهم المتعطشين للشعر المختلف؛ نبض ًا ومعنىً ومبنى‪.‬‬ ‫عبد اهلل الصيخان‪ ،‬شاعر من زمن يجعلك فيه شاعرً ا بالفطرة‪ ،‬وبالروح العالية المسكونة‬ ‫بداخلك دون أن تشعر‪ ،‬فتسكن لغته وجدانك‪ ،‬وتؤثّر على خارطتك اللغوية‪.‬‬ ‫وأن ــت ت ـقــرؤه‪ ..‬تعيش مــع سـ ْـجـ ِـع الـقــوافــي الجميلة المسكوبةِ فــي هــذا الـقــالــب الفنّي‬ ‫الشعري‪ ،‬التي اتخذ منها الشاعر السعودي لمواضيعه المتنوعة ما بين الغزل والوصف‬ ‫والصوفية والرسم التعبيري سلّم ًا يرتفع بالخيال إلــى فضاءٍ تجتمع فيه تلك الفنون‪،‬‬ ‫فتعكسُ قصائده حساً فنّياً وبُعد اً آخرَ للجمال‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪53‬‬


‫الصيخان وشعرية الحنين‬ ‫■ راشد عيسى*‬

‫شهدت حقبة الثمانينيات في المملكة العربية السعودية نقلة فنية عالية في فضاء‬ ‫سجلت حضور ًا إعالمي ًا وإبداعي ًا ال يقلّ حداثة جمالية عن مثيله في‬ ‫الشعر المعاصر‪ّ ،‬‬ ‫ال ـعــراق وال ـشــام ومـصــر والـمـغــرب‪ ،‬فـبــرزت أسـمــاء شعرية مهمة مـثــل‪ :‬عـبــداهلل الصيخان‪،‬‬ ‫وعبداهلل الزيد‪ ،‬ومحمد جبر الحربي وخديجة العمري‪ ،‬ومحمد الثبيتي‪ ،‬وعبد الكريم‬ ‫العودة‪ ،‬وفوزية أبو خالد‪ ..‬ثم أشجان هندي‪ ،‬وسواهم‪.‬‬ ‫وقــد أتيح لــي أن أعايشهم جميعاً بحكم‬ ‫عملي في الصحافة الثقافية‪ ..‬وال سيما في‬ ‫جريدة الرياض‪ ،‬والجزيرة‪ ،‬والشرق األوسط‪،‬‬ ‫والمدينة‪ ،‬ومجلة الفيصل‪ ،‬والمجلة العربية‪،‬‬ ‫ومجلة اقرأ‪ ،‬ومجلة اليمامة التي كان يعمل بها‬ ‫الصيخان مسئوالً ثقافياً عن صفحاتها‪ .‬غير أن‬ ‫األجواء الثقافية الناهضة ما لبثت أن ع ّكرَتها‬ ‫أصوات تنادي بوأد الحداثة الفنية‪ ،‬والتشكيك‬ ‫باتجاهات الشعراء؛ فتراجعت نوافير اإلبداع‬ ‫الشعري‪ ،‬وسببت سكوناً حزيناً بسبب هيمنة‬ ‫النداءات التقليدية المعاكسة‪ .‬ولوال ذلك لكانت‬ ‫األسماء المذكورة اآلن نجوماً المعة في سماء‬ ‫الشعر العربي المعاصر‪.‬‬ ‫نبغت الموهبة الشعرية عند الصيخان‬ ‫عندما كان طالباً في الثانوية في تبوك‪ ،‬فنال‬ ‫اهتمام الزميل د‪ .‬محمد صالح الشنطي الذي‬ ‫كتب عن شعر الصيخان مرات عدة‪.‬‬ ‫الصيخان شاعر حييّ موهوب‪ ،‬يتمتع بذائقة‬ ‫موسيقية فطرانية كبيرة‪ ،‬ولديه حساسية فائقة‬ ‫في استخدام اللغة الرشيقة العذبة الخالية‬ ‫مــن الشوائب والــعــوالــق الترابية‪ ،‬فقصيدته‬ ‫صافية مُنقّاة يغلب عليها العفوية والتلقائية‬ ‫واالنسيابية اللذيذة التي تتداعى من غير ما‬ ‫تكلّف وال تصنّع وال حذلقة‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫شهرتهم مــن خــال ديـــوان واح ــد أو اثنين‪،‬‬ ‫ولكن صاحبنا نال شهرته عبر مجموعة قليلة‬ ‫من القصائد التي كان ينشرها متفرقة بين‬ ‫األزمنة‪ ..‬فكتب عنها نخبة من النقاد كسعد‬ ‫الــبــازعــي‪ ،‬وشــاكــر النابلسي‪ ،‬ومحمد صالح‬ ‫الشنطي‪.‬‬ ‫وفي حسباني أن قصيدتيه "هواجس في‬ ‫طقس الــوطــن"‪ ،‬و"فــضــة تتعلم الــرســم" كانتا‬ ‫الدفعتين اإلبداعيتين الفريدتين في بواكير‬ ‫شعريته‪ ،‬فنالتا اهتمام المتلقين والمختصين؛‬ ‫نظراً لما تتمتعان به من صفاء شعري عذب‬ ‫يالمس أعماق الوجدان‪.‬‬ ‫وبرغم قصر عمر التجربة الشعرية حينما‬ ‫كتبها‪ ،‬إال إنه استطاع أن يحضر في الذاكرة‬ ‫الثقافية صــوت الشعرية باستحقاق جمالي‬ ‫جدير بــاالحــتــرام‪ ،‬ففي "هــواجــس في طقس‬ ‫الوطن" تشكيل معماري ذكي على صعيد البنية‬ ‫اإليقاعية وعلى صعيد الرؤية‪.‬‬

‫فــأمــا عــلــى صعيد البنية الموسيقية‪..‬‬ ‫فــقــد اســتــهــل الــقــصــيــدة بثمانية أبــيــات من‬ ‫شعر الشطرين‪ ،‬وفق بحر البسيط‪ ،‬ثم أكمل‬ ‫القصيدة بمقاطع قائمة على تفعيلة (فاعلن)‪،‬‬ ‫وهي تفعيلة كانت في الشعر العربي كله مهملة‪،‬‬ ‫إذ لم يجد الخليل بن أحمد حين وضع علم‬ ‫ومــن الــمــعــروف أن أغــلــب الــشــعــراء نالوا العروض قصيدة مكتوبة على «فاعلن فاعلن‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫فاعلن فاعلن»‪ ،‬فترك هذا البحر ليأتي بشواهد‬ ‫مؤلفة فقط‪ ،‬وبقي أمر هذه التفعيلة لألخفش‬ ‫الذي استدرك ما فات على الخليل وقال بأن‬ ‫هناك بحراً آخر متحول عن المتدارك المنسي‬ ‫وهو الخبب‪ ،‬بحيث تتناوب «فعِ لن و َفعْلن» فقط‬ ‫بغياب فاعلن األصلية‪.‬‬ ‫ولعل نازك المالئكة كانت أول من أشهرت‬ ‫هذه التفعيلة في ديوانها شظايا ورمــاد عام‬ ‫‪1948‬م كقولها‪:‬‬

‫عُ دْ بنا يا قطا ْر‬ ‫رهيب هنا والسكون ثقيلْ‬ ‫ٌ‬ ‫فالظالم‬ ‫عُ دْ بنا فالمدى شاسع‬ ‫والطريق طويلْ ‪ ..‬والليالي قصا ْر‬ ‫ثم تالها نــزار قباني وصــاح عبدالصبور‬ ‫وأدونيس ومحمود درويــش وسواهم من رواد‬ ‫الشعر المعاصر‪ .‬فلم نجد ‪ -‬فيما أعلم ‪ -‬قبل‬ ‫الصيخان (في المملكة العربية السعودية) من‬ ‫كتب شعر الشطرين والتفعيلة فــي قصيدة‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫ولما كانت «مستفعلن فاعلن» التفعيلتين‬ ‫اللتين تتناوبان في بحر البسيط‪ ،‬فإن الصيخان‬ ‫أخــذ «فــاعــلــن» ونــســج بها مقاطع القصيدة‬ ‫بعد التوطئة بأبيات مــن بحر البسيط‪ .‬وال‬ ‫شك أنه فعل ذلك لعلمه أن الذائقة في ذلك‬ ‫الوقت كانت ما تزال منحازة إلى إيقاع شعر‬ ‫الشطرين‪ ،‬فكأنه مهّد للنسيج التفعيلي بتلك‬ ‫األبيات الثمانية التي تثبت مقدرته على كتابة‬ ‫الشعر الخليلي مــن جــهــة‪ ،‬كما استطاع أن‬ ‫يحملها من الطاقة اإليحائية الجمالية ما يعيد‬ ‫الثقة إلى أن شعر الشطرين إذا أحسن توظيفه‬ ‫فإنه يالئم ذائقة المرحلة أيضاً من جهة ثانية؛‬ ‫فالشعر الجيد يثبت جدارته بصرف النظر عن‬ ‫شكله أكان خليلياً أم متفعالً‪.‬‬

‫الشاعر الصيخان مكرما في أمسية بالنادي األدبي‬ ‫بالقريات بحضور محافظ القريات عبداهلل الجاسر‬ ‫ورئيس النادي األدبي بالجوف سابقا إبراهيم الحميد‬

‫الباحثين والقراء‪ .‬إن ذلك التشكيل كان مغامرة‬ ‫محمودة وشجاعة فنية في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫والجميل أن المعمار الشكلي المذكور كان‬ ‫منسجماً جــداً مع فضاءات الرؤية الشعرية‪،‬‬ ‫ال سر ّياً‬ ‫ال في نوايا الــدالالت تداخ ً‬ ‫ومتداخ ً‬ ‫ممتعاً‪ ،‬بحيث بدت المقاطع التفعيلية استمراراً‬ ‫للدفقة الشعورية بكامل تفاصيلها وتحليقاتها‪.‬‬ ‫فقد وردت في األبيات الثمانية مفردات من مثل‬ ‫«الترحال‪ ،‬مطر‪ ،‬قيظ‪ ،‬عطش الصحراء‪ ،‬رمال‬ ‫الغضا»‪ ،‬تلك المفردات المعروفة في الحياة‬ ‫الصحراوية التي عاشها أجــداد الصيخان‪،‬‬ ‫فاستدعاها توطئة لبث أنينه وحنينه وجذوة‬ ‫انتمائه لماضيه معيشياً وجغرافياً‪ ،‬في قصيدة‬ ‫ذات انتماء وطني صادق‪.‬‬ ‫أما مقاطع التفعيلة (فاعلن)‪ ،‬فقد واصلت‬ ‫استدعاءها أيضاً لكائنات البيئة الصحراوية‬ ‫المعيشة وأخــاقــهــا وعــاداتــهــا ومكابداتها‪،‬‬ ‫فوردت فيها المفردات اآلتية «قهوة مرة‪ ،‬صهيل‬ ‫جياد مسوّمة‪ ،‬المحاميس‪ ،‬المطاريش‪ ،‬الخيمة‬ ‫العربية‪ ،‬الرمال‪ ،‬المطيّ ‪ ،‬الشعيب‪ ،‬عود الغضا‪،‬‬ ‫السَّ ري‪ ،‬القوافل‪ ،‬البدوي»‪.‬‬

‫فــإذا كانت األبيات الثمانية تمهيداً‪ ،‬فإن‬ ‫فتلك الشكالنية في تلك القصيدة أكسبت‬ ‫الصيخان ذيوع صيت‪ ،‬ووطدت شاعريته لدى المقاطع المتفعلة كــانــت شــرح ـاً لألشجان‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪55‬‬


‫ولألمنيات وللوفاء المستمر بين الشاعر وربوع يؤسس لعراقة صوته الشعري من غير أن يكون‬ ‫وطنه‪.‬‬ ‫صدى لشعراء آخرين‪ .‬على أن شاعرنا كان‬ ‫عال من‬ ‫هذه القصيدة بشكالنيتها الممتعة جاءت يصعد بالمخيال الشجاع إلى فضاء ٍ‬ ‫تدريباً للذوق السائد على تقبل هذا المعمار التصوير وبالغات االستعارة كما في قوله‪:‬‬ ‫من شعر التفعيلة‪ .‬وهــذا االسترجاع الحميم "فضة اآلن ترسم أسرارها في ذراعي‬ ‫ألنماط الحياة البدوية في الــصــحــراء‪ ..‬في وتقضم تفاحة للضحك‬ ‫الشعيب الموحش بقرب نبات الغضا المعروف ‪...‬‬ ‫في صحراء الجزيرة‪.‬‬ ‫تستحيل حصان ًا حوافره في دمي "‪.‬‬ ‫القصيدة خطاب من شاعر منتم إلى أروقة‬ ‫لقد تنامت تجربة الصيخان تنامياً هادئاً‪،‬‬ ‫أجــداده‪ ،‬ومتصل بهمومهم وأحالمهم اتصاالً وراح يشتغل على البناء الفني المجرّب ألشكال‬ ‫عميقاً‪ ،‬يوقف عرى التأصيل والمحبة من خالل‬ ‫اإليقاع والقافية‪:‬‬ ‫هسيس من العتاب والمناداة على الوطن الذي‬ ‫" ولدٌ يحسب الهوى‬ ‫بدأ يعيش تحوالته نحو المدنية والعصرنة‪.‬‬

‫" أيها الوطن المتعالي بهامات أجدادنا‬ ‫أيها المستبد بنا لهفة وهوى‬ ‫أيها المتحفز في دمنا‬ ‫كل ذراتنا‬ ‫والمتوزع في ِ‬ ‫أعطنا بصر ًا كي نراك‬ ‫وأوردة كي تمر بنا "‪.‬‬

‫مثلما شاء واشتهى‬ ‫الضعيف‬ ‫ْ‬ ‫ما درى أنه‬ ‫آمر ًا كان أو نهى "‬

‫فالمقطع السابق متواشج مع الموشحات‬ ‫الحس‬ ‫ّ‬ ‫األندلسية تواشجاً رشيقاً‪ ،‬وذلك بسبب‬ ‫الغنائي العفوي لدى الشاعر كقوله‪:‬‬

‫أما في قصيدة "فضة تتعلم الرسم"‪ ،‬فنجد ال ت ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري فـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬ ‫االستدعاء الوجداني نفسه والعودة إلى ذكريات‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع دور م ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــدّ مـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫األجداد‪ ،‬ولكن في صورة حلم ترسمه (فضة)‪..‬‬

‫الطفلة أو الصبية التي يستدعيها الشاعر يـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــض ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ف ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي مـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـم ـ ـ ــة‬ ‫لتنوب عنه في بث أحالمه الساهية‪:‬‬ ‫فضة اآلن ترسم جمجمة وحقول‬ ‫وتسألني عن أبي‬ ‫كان نهرا من الضوء واألسئلة‬ ‫كان يعشق طين الجزيرة حتى البكاء‬ ‫ويروي عن الموجة المقبلة "‪.‬‬

‫فــالــمــقــطــعــان قــائــمــان عــلــى (فــاعــاتــن‬ ‫مستفعلن) المجتث‪ ،‬وهو بحر غنائي يستطيع‬ ‫الشاعر أن يبني عليه مداميكه كما يشاء له‬ ‫إيقاعه النفسي‪.‬‬

‫وبعد‪ ،‬فالصيخان صوت شعري له فرادته‬ ‫ولعل أهم السجايا الفنية في شعر الصيخان ونكهته الخاصة‪ ..‬وال يمتح ماءه الشعري من‬ ‫أنه شعر نابع من أصالة تاريخ وطني‪ ،‬وليس بئر شاعر سبقه أو جايله‪ ،‬وتلك ميزة رفيعة‬ ‫شعراً مقلّداً أو غريباً عن بيئته‪ ،‬فهو في ذلك يسعى إليها كبار الشعراء‪.‬‬ ‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫بين اإليقاع الشعري والصوت‬ ‫■ د‪ .‬هيثم محمد طرادي*‬

‫لقد قامت العديد من الــدراســات الحديثة حــول مفهوم اإليقاع الشعري وظــواهــره في‬ ‫الشعر الـعــربــي‪ ،‬ولـعــل معظمها تـنــاول اإلي ـقــاع الـخــارجــي أو الموسيقي‪ :‬ال ــوزن والقافية‬ ‫والوقفات؛ وذلك في محاولة فهم األسس العروضية‪ ،‬وإدراك بعض الخصائص اإليقاعية‬ ‫للغة‪ ،‬من خالل االستفادة من ِعلمي اللسانيات واإليقاع‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عبداهلل الصيخان‪..‬‬

‫وقد تناول العديد من الدارسين عنصر اإليقاع الصوتي بالدراسة‪ ،‬إيقاع يعتمد على‬ ‫مسافات متقاربة بالتساوي إلحداث االنسجام‪ ،‬ضمن آلية المقاطع والتنغيم والنبر‪ ،‬في‬ ‫محاولة فهم آلية نظام اإليقاع‪ ،‬والحركة الخارجية والداخلية الناشئة في النص‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬مقام الدراسة حول الشاعر عبداهلل‬ ‫الصيخان‪ ،‬الشاعر السعودي‪ ،‬وذلــك ألهمية‬ ‫أغلب نصوصه من حيث اإليقاع المبني فيها‬ ‫على المماثلة واالختالف‪ ،‬فقد كان يوازن بين‬ ‫الكلمة وأختها بشكل هندسي يغري القارئ‬ ‫بقراءة ديوانه‪.‬‬

‫كثير من األحيان بتعريف اإليقاع الموسيقي‪،‬‬ ‫وي ــك ــون الــتــكــرار بــيــن اإلي ــق ــاع الــمــوســيــقــي‬ ‫واإليقاع الشعري على أساس أن الشعر مادته‬ ‫الحروف والكلمات (تقسيم الزمان بالحروف‬ ‫المسموعة)‪ ،‬وأن الموسيقى مادتها األنغام‬ ‫(تقسيم الزمان بالنغم أي المقاطع)‪.‬‬

‫فقد اختص تعريف اإليقاع لغ ًة بالموسيقى‪،‬‬ ‫فهو يُق ِّي ُم األلحان ويبنيها للغناء‪ ،‬وهو مالز ٌم‬ ‫لفعل اإلنسان‪.‬‬

‫وتــقــوم النظرة فــي دراس ــة شعر الشاعر‬ ‫ع ــب ــداهلل الــصــيــخــان‪ ،‬عــلــى مــجــمــوعــة من‬ ‫اإليقاعات التي تبني شعره بحكمة وقوة‪ ،‬ومن‬ ‫أهمها‪ :‬إيقاع الصوت‪ :‬فالكلمات المكتوبة فعل‬ ‫إنساني تعبر عن أصوات لغوية لموقف معين‪،‬‬ ‫فهي تبرز عند النطق أنها ذات جوانب متعددة‪،‬‬ ‫ولها خصائص متباينة‪ ،‬ومن ذلك قوله‪:‬‬

‫أمــا فــي االصــطــاح فهو‪(" :‬تــتــابــع منتظم‬ ‫لمجموعة من العناصر)‪ ،‬وهــذه العناصر قد‬ ‫تكون أصواتًا‪ ،‬مثل دقات الساعة‪ ،‬وقد تكون‬ ‫حركات مثل نبضات القلب‪ ،‬وفي الفنون يتكون‬ ‫اإليــقــاع مــن حــركــات (الــرقــص)‪ ،‬أو أصــوات قدمٌ تصعد الدرجْ‬ ‫(الموسيقى)‪ ،‬أو ألفاظ (الشعر)"‪.‬‬ ‫بخطىً مالها صدى‬

‫الباب‪ ،‬ال أحد‬ ‫ُ‬ ‫ولــقــد جــاء اإليــقــاع بتتابعه المنتظم في يُفتحُ‬ ‫الموسيقى والشعر‪ ،‬وال شك أن الشعر في قدمٌ تصعد الدرجْ‬ ‫حقيقته ضرب من الموسيقى ‪ -‬فهو مرتبط في ولمن ترتخي جديلتُ ها‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪57‬‬


‫تسقـ ـ ـ ــط الظاللْ‬ ‫نفضت أخته سنىً‬ ‫ملك يسجر السحاب‬ ‫ٌ‬ ‫كلما ذعذعت هبوبْ‬ ‫قلت في ريحها مط ْر‬ ‫ُ‬ ‫فتسامقت نخلة‬ ‫فذوى العذقُ وانكسر‪.‬‬

‫بالناس إلى كرسي وزبرجد‬ ‫سترى خيال ليس لها أعناقٌ ‪،‬‬ ‫وسيوفا ليس لها أغمادٌ ‪،‬‬ ‫ودمـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ي ـ ـن ـ ـثـ ــالُ لـ ـيـ ـش ــرب مـ ـن ــه الـ ـم ــرض ــى‬ ‫والمقهورون‬ ‫وأصحاب الفاقةِ والموهوبون‬ ‫عطايا الرب‬

‫وهنا‪" ،‬اإليقاع في الكالم كما في غيره من‬ ‫األنشطة اإلنسانية ناشئ عن التكرار المنتظم‪،‬‬ ‫لنوع ما من الحركات تكرارًا محدثًا توقعًا ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫وقــد ال ‪ -‬باستمرار اطّ ـــراد وقــوعــه"‪ ،‬ولكن‬ ‫الصوت اإلنساني معقد‪ ،‬إذ يتركب من أنواع‬ ‫مختلفة في الشدة ومن درجات صوتية متباينة‪،‬‬ ‫كما أن لكل إنسان صفة صوتية خاصة تميز‬ ‫صوته من صوت غيره من الناس‪ ،‬فليس صوت‬ ‫اإلنسان في أثناء حديثه ذا شدة واحــدة‪ ،‬أو‬ ‫درجة واحــدة‪ ،‬بل هو متعدد الشدة والدرجة‪،‬‬ ‫فــقــد أقــيــم اإليـــقـــاع ف ــي شــعــر عــبــداهلل‬ ‫أيضا ذو صفة خاصة تميزه من‬ ‫وهو مع هذا ً‬ ‫الصيخان على تالؤم وتناغم الشبكة العالئقية‬ ‫غيره من األصوات؛ فتتغير نبرة الصوت وشدته‬ ‫الخفية بين بنية اإليقاع الخارجي والداخلي‪،‬‬ ‫عند الصيخان في نصه‪:‬‬ ‫بحيث ال يمكن الفصل بينهما‪ ،‬ولكن هناك‬ ‫( كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس) بعض الظواهر المميزة‪ ،‬ظهرت في اإليقاع‬ ‫الداخلي كالنغمة اإليقاعية الناتجة من تكرار‬ ‫اِ صعد ياحبّة قلبي‪ ،‬اصعدْ‬ ‫أصــوات بعينها في إبــراز اإليقاع وإثرائه‪ ،‬من‬ ‫اِ صعد كي تنفض عن عينيك غبارهما فترى‬ ‫خ ــال اخــتــاف مــخــارج األصــــوات وتــقــارب‬ ‫وتماسك إن كنتَ ضعيفاً‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫صفاتها‪ ،‬الذي نَوّع في الحركة الصوتية التي‬ ‫َك‪،‬‬ ‫ساقُ ك تُسند ساق َ‬ ‫أنتجت تَ َموُّجات نغمية متجددة‪ ،‬نَوّعت في‬ ‫وذراعاك‬ ‫فاعلية البنية اإليقاعية‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬ ‫تمدّ انك بالعزم‪،‬‬ ‫وما الكلمات إال أصواتٌ تتكون من حروفها‬ ‫ينطقها اإلنسان‪ ،‬تتفق وتتباعد في مخارجها‪،‬‬ ‫مع تقارب بعض صفاتها وخصائصها الصوتية‪،‬‬ ‫ـام يتواصل اإلنسان به؛ ومع ذلك‬ ‫لتشكيل كـ ٍ‬ ‫"فالعميلة الذهنية التخييلية ال تنفصل عن‬ ‫بنية التراكيب والداللة‪ ،‬إذ تقوم على عالقة‬ ‫التناسب والتالؤم واالنسجام بين المسموعات‬ ‫والمفهومات‪ ،‬وينتج عن هــذه العالقة ظهور‬ ‫البنية اإليقاعية الداخلية‪.‬‬

‫ووجهُ ك ينفحُ بالماء إذا ماأصبح بين الماء انظر‬ ‫تجار الليل‪،‬‬ ‫هذا بلد يتقاسَ مُ هُ الباعه‪ّ ،‬‬ ‫وبينك قافلةً من نوق‬ ‫وذا بلد‬ ‫وتماسَ ك حين ترى‬ ‫الصاغةُ ‪،‬‬ ‫سترى ما ال عين نظرت‪ ،‬ماال أُذن سمعت يتحلق فوق يديه ّ‬ ‫مــالــم يــوصــف ف ــي الـكـتــب الـمـنـســوخــة عن هذا وطن يتقاسمه البرص عالنيةً‬ ‫فاصعد‬ ‫عاشرِ جدْ‬ ‫ـرق تفضي هذي الشمس تُناديك‬ ‫س ـتــرى نــاســا يـقـتـتـلــون عـلــى طـ ـ ٍ‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫وسيطر صوت م ّد األلف كذلك؛ ما نوّع في‬ ‫النغمة الصوتية الناتجة عن تكرار أصــوات‬ ‫الــمــد‪ ،‬وهــذا التنوّع يحكمه المد االنفعالي‬ ‫والشعوري‪ ،‬تصبغه الداللة بصبغة من األلم‪،‬‬ ‫واالستسالمِ ‪ ،‬والسكون‪.‬‬ ‫فالشاعر يعمل على تلوين النغمة اإليقاعية‬ ‫بتنوع استعماله وتنظيمه ألصــوات الحروف‪،‬‬ ‫"فالحروف توظَّ ف من خالل الطاقة اإليحائية‬ ‫ألجراسها‪ ،‬كحوامل للمعنى‪ ،‬وكــأدوات تعبير‬ ‫عنه‪ ،‬ذات قدرة على نقلها بإيقاعاتها وأبعادها‬ ‫الصوتية"؛ فجعل منها أداة توصيلية للدفقة‬ ‫صوت وحركة؛ ما جعل‬ ‫ٍ‬ ‫الشعورية المتوترة من‬ ‫للتموجات الصوتية فاعلية إيقاعية تأثيرية في‬ ‫المتلقي‪ ،‬بتكراره أصواتًا متباعدة المخارج‪،‬‬ ‫متقاربة الصفات‪" ،‬إن هناك عالقة دقيقة بين‬ ‫التكرار الصوتي‪ ،‬بشتى ضروبه‪ ،‬وبين صوت‬ ‫الشاعر الداخلي‪ ..‬إن هذا التنسيق والتقسيم‬ ‫والتكرار وسيلة من وسائل الشاعر في تشكيله‬ ‫الفني‪ .‬كما في قصيدة‪« :‬ال شيء سوى رمل‬ ‫"مرات"»‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫شواظ فتواطأ معها‬ ‫ٍ‬ ‫وقد خبّت حمراء‬ ‫مُ دَّ يديك لها‬ ‫أغمض عينيك وقلْ‬ ‫يا أيتها الشمس خذيني‪،‬‬ ‫ابن الصحراء أنا‪ٍ ،‬آت منها‬ ‫جدب‬ ‫بي ٌ‬ ‫قماش من سندس أخضر بارق‬ ‫ُ‬ ‫وعليّ‬ ‫هَ مَ ست في أذني الصحرا وأنا في المهد‬ ‫بأنّ الشمس ستمنحني‬ ‫يوما نافذة كي أصعدَ‪،‬‬ ‫أنفض عن عينيّ غبارهما‬ ‫فأرى الطاووس يتيهُ على اإلنسان ويختال‬ ‫وأرى الكابوس يُكمِّ مُ أفواه الناس على حلم‬ ‫منهم‬ ‫وأرى الـمــاشـيــن عـلــى أوج ـه ـهــم فــي الـســوق‬ ‫مناديل كآبة‬ ‫وأرى في الحَ بس مظاليما‬ ‫وأرى ظالمَهمو‪،‬‬ ‫وأرى خيطا‬ ‫ال أسود‪ ،‬ال أبيض فأصوم‬ ‫المأل ِعطاش‬ ‫هذا اليوم طويل‬ ‫واألرض سعير‬

‫التوازي الصوتي في األسطر الشعرية‪.‬‬

‫األقارب‬ ‫وضعوا آخر حجر على القبر ومضوا‬ ‫‪ ...‬وها أنت وحيد‬ ‫كما أنت منذ عشرين عاما‬ ‫تقبض في لحظات الصحو القليلة‬ ‫على بيت أردف في الذاكرة‬ ‫ثم ينتابك النسيان‬

‫ضمّن الشاعر في األسطر الشعرية أصواتًا‬ ‫بعينها‪ ،‬أسهمت في خلق تناغم صوتي بارز‪،‬‬ ‫كأصوات (الالم والميم والمد)؛ فالميم والالم‬ ‫هما الصوتان المهيمنان على المقطع الشعري‪،‬‬ ‫إذ تكررا بصورة مكثفة خالل النص كله في‬ ‫وبانتظام‪ ،‬ولو‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل مــتــوازٍ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صياغته لهما‪،‬‬ ‫تتبعنا صوت الميم‪ ..‬فقد جاء مسيطرًا على‬ ‫تنتابك قشعريرة الوقت وأنــت تم ّر مرور‬ ‫النهاية الصوتية لألسطر الشعرية‪ ،‬كما جاء في الوقت هناك بين كلمات الشاعر السعودي‬ ‫بداية معظم األسطر التي تنتهي فيها القافية عبداهلل الصيخان‪ ،‬ذاك الــذي أوقــد مشعله‬ ‫بصوت رويها (الميم)‪ ،‬ما أسهم في خلق بنية ليفني روح المعنى قبل فناء الجسد!‬ ‫* كاتب من سوريا مقيم في األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪59‬‬


‫التوازي واإليقاع في نص فاطمة‬ ‫للشاعر عبداهلل الصيخان‬ ‫■ أميرة املطروسي*‬

‫إنسان أسلوبه الخاص به في ممارسة الحياة والعيش فيها‪ ،‬وب َْصمَتُ هُ في تركيب‬ ‫ِ‬ ‫لكل‬ ‫النص وبناء جملة‪ ،‬والعالقات الخاصة بها‪ ،‬واإلشارات التي تحملها هذه البنية بكل أبعادها‬ ‫اإليقاعية والداللية والنفسية إلى المتلقي‪ ،‬وقد يفرز األسلوب إيقاعً ا معينًا‪ ،‬فاالستفهام‬ ‫في داللته األصلية لطلب الفهم لما ليس مفهومً ا؛ "ولكن طبيعة االستعمال قد تفرغ هذه‬ ‫األدوات من داللة االستفهام إلى دالالت بديلة تتخلّق من السياق الذي تغرس فيه‪ ،‬بحيث‬ ‫ـزدوجــا في الصياغة؛ وكذلك تلعب األساليب بحضورها المتنوع المتناسق‬ ‫تــؤدي دورًا مـ ً‬ ‫والمكرر في الصياغة دورًا بــارزًا في زيــادة الفاعلية اإليقاعية‪ ،‬بما تضفيه من تأثير على‬ ‫نمطا من التكرار الصوتي والمعنوي‪ ،‬ولكل‬ ‫انبثاق الداللة‪ ،‬وهذا التكرار لألساليب يمثل ً‬ ‫أسلوب إيقاعه الخاص‪ ،‬سواء أكان هذا االيقاع ظاهرً ا أم خفيًا‪ ،‬حسيًا أم معنويًا؛ ولهذا فإنه‬ ‫يمثل ضربًا من ضروب الموسيقى الشعرية‪ ،‬التي تنبثق من بنية اإليقاع الداخلي‪ ،‬وهذا‬ ‫ما نجده في إيقاع األساليب المتتابعة والمكررة؛ فتنوع كل أسلوب منها يجدد من الحالة‬ ‫الشعورية بما يثير من دالالت لدى المتلقي‪ ،‬تتالقح لتكون صورة شعرية مميزة؛ وهذا ما‬ ‫نلتقيه في الشاعر عبداهلل الصيخان الشاعر السعودي الحداثي‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫إن الــنــص األدبـــــي يــحــتــمــل الــعــديــد من‬ ‫الــقــراءات‪ ،‬وذلــك بحسب قــدرة الــقــارئ على‬ ‫التلقي‪ ،‬وما يؤسسه المبدع في البنية الداخلية‬ ‫من مقومات إيقاعية للتفاعل الدائم المتجدد‬ ‫في النص‪ ،‬لتوليد ما ال يحصى من مؤثرات‬ ‫إيقاعية ترتفع بالنص إلى الشاعرية‪ ،‬وخاصة‬ ‫الــتــوازي؛ فهو "تماثل أو تــعــادل المباني أو‬ ‫المعاني فــي ســطــورٍ متطابقة الكلمات أو‬ ‫العبارات‪ ،‬يلعب فيها االزدواج ‪ -‬أو التقابل‬ ‫ الــفــنــي ‪ -‬أحــيــا ًنــا ‪ -‬دورًا مــهـ ًمــا وترتبط‬‫ببعضها بعضاً!‪ ،-‬وهي تعرف بالمتطابقة أو‬ ‫المتعادلة أو المتوازية أو المتقابلة‪ ،‬سواءٌ في‬ ‫الشعر أم النثر‪ ،‬وأوضــح ما تكون في النص‬ ‫الشعري‪ ،‬ألنــه يقوم في طبيعة تكوينه على‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫تنظيم مكوناته اللغوية الصوتية والمعجمية‬ ‫والتركيبية والداللية بطريقة خاصة‪ ،‬أساسها‬ ‫التشاكل والتخالف بين وحداته‪ ،‬بحيث تحاكي‬ ‫كل وحدة لغوية قائمة في النص وحدة أخرى‬ ‫ سلبًا أو إيجابًا ‪ -‬في موضع آخر من مواضع‬‫بنائه اللغوي‪ ،‬وهو ما ينتج عنه نوع من التفاعل‬ ‫المستمر بين وحداته من ناحية‪ ،‬وتحقيق أكبر‬ ‫قدر من التناغم اإليقاعي والتأثير الفني من‬ ‫ناحية أخرى على المتلقي‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬وأنــت تقرأ نص الشاعر الصيخان‬ ‫(فــاطــمــة) بعض ظــواهــر الــتــوازي فــي البنية‬ ‫الداخلية في نصه‪ ،‬في قسمين متماثلين هما‪:‬‬ ‫القسم األول مــا يمثل التطابق أو التماثل‪،‬‬ ‫والقسم الثاني ما يمثل االختالف‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫من اليمين‪ :‬إبراهيم الحميد‪ ،‬عبداهلل الصيخان‪ ،‬عبدالعزيز الشعالن‪ ،‬الشاعر سليمان الفليح رحمه اهلل‪ ،‬ثم أحمد القعيد‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬التطابق أو التماثل‬ ‫ال غرابة في أن اإليقاع يعتمد على تماثل‬ ‫تركيبي نحوي على المستوى الرأسي‪ ،‬بتوزيع‬ ‫األلــفــاظ مــفــردة ومركبة فــي جمل متطابقة‬ ‫ومتماثلة في مواقع متناظرة مُحدِ ثَ ًة توقعًا‬ ‫للموسيقى الداخلية النابعة من التركيب الفني؛‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫فالقصيدة "تسعى إلى التوازن والتوازي‬ ‫ما بين جملها التي تشكّلها‪ ،‬فهي تعرض عددًا‬ ‫متنوعً ا من الصور‪ ،‬كل صورة منها تختلف عن‬ ‫األخرى في مادتها وكميتها‪ ،‬ولكنها تتوازى في‬ ‫حركتها الداخلية؛ وقد يبدو أن هذه الصور‬ ‫متباعدة‪ ،‬ولكن توازي حركتها الداخلية يؤلف‬ ‫بينها ويعمل على الترابط ‪ -‬اإليقاعي ‪ -‬عن‬ ‫طريق الموازنة والموازاة بينها‪ ،‬وهذا ما نجده‬ ‫بوضوح حين يردد صوت الوجع بأشكاله ويعبر‬ ‫ٍ‬ ‫ثائر‪ ،‬وذلك حين يقول‪:‬‬ ‫بشكل جديد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عن صوته‬

‫كأنّ النساءْ خرجن من الماءْ‬ ‫خرجت من َب َر ْد‬ ‫ْ‬ ‫وفاطمةٌ وحدها‬ ‫كأنّ ذوائبها الشهب‬ ‫إن لم تعدْ إلى بيتنا‪ ،‬لن يعود أحدْ‬ ‫أو‬

‫كأن مسا َء الثالثاء مرَّ‬

‫ّس في راحتيه نهار األحدْ‬ ‫ولم يتفر ْ‬ ‫يقول له أن ما بيننا‬ ‫يوم اثنين مسترسلٌ في بياض َنهَدْ‬ ‫ذوى فيه نعناع ظــلِّ وأغمض جفنيه حتى‬ ‫األبد‪.‬‬ ‫سطر من األولــى يطابق أو يماثل ما‬ ‫ٍ‬ ‫فكل‬ ‫يــنــاظــره فــي األســطــر األخــيــرة فــي المقطع‬ ‫السابق‪ ،‬ويعانقه في النتيجة الشعرية والتركيب‬ ‫اللغوي‪ ،‬بحيث يــتــوازى بالتطابق في الجمل‬ ‫الشعرية ووضعها المتوازي‪ ،‬وكسر من التنظيم‬ ‫التركيبي في آخر سطرين‪ ،‬لزيادة فاعلية البنية‬ ‫اإليقاعية‪ ،‬وذلك بتزويد الصياغة بمتجانسات‬ ‫لفظية متوازية متطابقة (ظل‪ /‬جفنيه) وبتوازي‬ ‫البناء المقطعي وهــو مــا يحيل إلــى تطابق‬ ‫عروضي بين (نهد‪-‬أبد)‪.‬‬ ‫إن التوازي المتتالي في األسطر‪ ،‬والمتعاقب‬ ‫بين سطر وآخر في النص‪ ،‬يؤدي إلى انسجام‬ ‫لعناصر اإليــقــاع‪ ،‬نتيجة التأسيس المنظم‬ ‫وألفاظ وتراكيبَ‬ ‫ٍ‬ ‫ـوات‬ ‫سطر من أصـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لبنية كل‬ ‫وجمل‪ ،‬والتكرار المتوقع وغير المتوقع لبعض‬ ‫العناصر‪ ،‬وذلك لتموج الدفقة الشعرية والحالة‬ ‫النفسية القلقة لحظة اإلبداع‪ ،‬يبعث في النص‬ ‫حرك ًة تحمل القارئ على اإلحساس بهذا التنوع‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪61‬‬


‫إيقاع االختالف‬

‫اإليقاعي القائم بين كل سطر وآخــر نتيجة‬ ‫التوازي موسيقيًا وتركيبيًا ومعجميًا ودالليًا‪،‬‬ ‫مزج الشاعر عند تأليفه لنصه (فاطمة)‬ ‫حين يقول في ذلك‪:‬‬ ‫ال مهمًا في إبراز‬ ‫بين المتقابالت‪ ،‬وجعلها عام ً‬ ‫وإثراء التوازي بالمخالفة في النص الشعري؛‬ ‫قيل إن الذين أتوا بعد يومين من دفنها‬ ‫وذلك ألن التقابل "رباط معنوي يجعل النسق‬ ‫وجدوا في المكان‬ ‫متماسكًا‪ ،‬يتوحّ د في الفكر والخيال‪ ،‬فوق أنه‬ ‫قمر ًا نابت ًا خلف حنّائها‬ ‫نوع من التصوير وضرب من اإليقاع‪ ،‬وشعبة‬ ‫قمر ًا من حنان‬ ‫من الفطرة وقبس من الحياة الدافئة‪ ،‬فقدم لنا‬ ‫ويد ًا نصف مسترخيه‬ ‫في النص ما يمثل فكرتين متقابلتين‪ ،‬ماذا كان‬ ‫خيط د ْم‬ ‫َ‬ ‫سحب اهلل من خضبها‬ ‫قبل دفنها وخروجهم من المقبرة‪:‬‬

‫فنما شجرٌ أخضرٌ‬ ‫اسمُ هُ فاطمهْ‪.‬‬

‫تجد التطابق التركيبي فــي تــكــرار جملة‬ ‫(قــم ـرًا) فــي األســطــر المتتالية فــي النص‪.‬‬ ‫والتماثل الكلي للسطر الشعري الــذي يمثل‬ ‫تطابقًا تركيبيًا نحويًا وعروضيًا‪ ،‬هذا حيث‬ ‫لعب التوازي دورًا في رصد الحركة اإليقاعية‬ ‫والتناغم بين العناصر على المستوى الرأسي‬ ‫ غير المتوقع أحيانًا‪ ،-‬أمــا على المستوى‬‫األفــقــي فقد جــاءت األلــفــاظ المتجاورة في‬ ‫تركيب السطر الواحد متوازية ‪ -‬متوقعة في‬ ‫بعض األحيان‪ ،-‬فظهر التطابق العروضي في‬ ‫النص الشعري‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫إن الــتــوازي جعل من المقطع لوحة فنية‬ ‫إيقاعية متميزة تموج بالحركة المتناغمة بين‬ ‫عناصر النص‪ ،‬كل تــوازٍ جــاء "يحدث فضاء‬ ‫داخــل النص فيما بين عنصر وآخــر‪ ،‬فتتمدد‬ ‫المساحة بين العناصر‪ ،‬وينشأ بينها مدى‬ ‫زمنياً يجلب معه توترًا يحت ّد حينًا ويتراخى‬ ‫حينًا‪ ،‬بصفة متوالية تقيم في نفس المتلقي‬ ‫إيقاعً ا يتناغم مع إيقاع النص‪ ،‬ويجد القارئ‬ ‫عندئذ منساقًا وراء النص‪ ،‬وقد استحوذ‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه‬ ‫عليه بإيقاعه‪ ،‬ويغفل تمامًا عــن ‪ -‬بعض ‪-‬‬ ‫لبرهة‪ ،‬تظهر بعدها لتزيد من‬ ‫ٍ‬ ‫معانيه ودالالته‪،‬‬ ‫شاعرية النص وجماليته‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫تمتمات المعزّين في آخــر البيت أهــدأ من‬ ‫كل شيءْ‬ ‫ومن أي شيء تذكره ولدٌ شاف ضحكتَها ‪-‬‬ ‫َنفْ س ضحكِ تْها ‪-‬‬ ‫في صباح مطير‬ ‫ولدٌ ويتيم‬ ‫قام من نومه باكر ًا وأعــدَّ ‪ -‬وحيد ًا ‪ -‬فطو َر‬ ‫األحد‬ ‫ثم أخرج من كتبه صورة رطبة المرأ ْه‬ ‫َتفَرَّ َس فيها قلي ًال‬ ‫بكى‬ ‫ثــم ق ـرّر أنْ يتنازل عــن درســه الـيــوم؛ يبحث‬ ‫في وحشةِ‬ ‫البيت عن ضحكة حية‬ ‫هربت خلسة‬ ‫الصور‬ ‫من كتاب ُ‬ ‫ولدٌ ويتيم‬ ‫أمّ ه فاطمه‬ ‫وتحب المطر‬ ‫ولدٌ آخرٌ اسمه خالدٌ‬ ‫ق ــال لـيــوم ال ـثــاثــاءِ وه ــو ي ـ ُل ـ َم حـكــايــاه قبل‬ ‫السف ْر‬ ‫قال أسرا َر ُه ومضى واعد ًا أمَّ ه‪:‬‬ ‫لن أكون يتيم ًا هنا ورافقَها في السفر‬ ‫نهارٌ‪..‬‬ ‫خفيض‬ ‫ْ‬ ‫بصيف‬ ‫ـض يـعـصـ ُـب ال ــرأس مـتـكــيءُ فــوق‬ ‫شـجــرٌ أب ـيـ ٌ‬


‫وقد بث حياة الحلم‪ ،‬فجعلها تجسد الفعل‬ ‫بنفسها‪ ،‬فصورة الماضي (قــام‪ -‬بكى) تتمثل‬ ‫في حياته المسالمة التي يعيش فيها بهدوء‪.‬‬ ‫ولكنه تحول إلى فتى يتيم في غربة الحياة‪.‬‬

‫ث ّم صورة الحاضر بعد ما كان في الماضي‬ ‫حلمًا ورديًا‪( ،‬لن أكون يتيمًا) في الواقع مدمرة‬ ‫ُركان ثائر‪ ،‬أصبحت سوداء كالدخان وكذلك‬ ‫كب ٍ‬ ‫قلب فاطمة‪.‬‬ ‫نهضــتْ مــن مالمحــه ذاهلــ ْه تجــد التــوازي‬ ‫صــورة الماضي تخالف صــورة الحاضر‪ ،‬بالمخالفــة الدالليــة فــي األلفــاظ التاليــة‪:‬‬ ‫وفعل الماضي مليء بالحياة والطاقة الفاعلة (نهضــت‪ /‬تســاقطت‪/‬الدم‪ /‬الحديــد)‪ ،‬وهنــاك‬ ‫لممارسة الحياة بالنسبة للشاعر‪ ،‬ويخالفه تــوازٍ فــي التركيــب النحــوي بالمخالفــة‪ ،‬يــؤدي‬ ‫فعل الحاضر‪ ..‬فجاء فعل الحاضر يمثل ردة إلــى مقابلــة دالليــة‪.‬‬ ‫فعل عن فعل متعب له‪ .‬وفعل الحاضر يخالف‬ ‫وبالمقاربة الداللية لكل من التراكيب‪ ،‬تجد‬ ‫داللة فعل الماضي الذي يمثل قوة الحب الذي‬ ‫يمارس السيطرة والقوة‪ ،‬ما كان حلمًا أصبح المخالفة والعالقة العكسية في (هو‪ -‬يقصد‬ ‫واقعًا‪ ،‬ومن كان قويًا‪ ،‬أصبح المستضعف‪ ،‬وذلك أحمد) لتؤكد الحضور الداللي وإمتاع المتلقي‬ ‫أن الحلم يخالف الواقع في ٍ‬ ‫كثير من األحيان‪ ،‬الــذي يبحث عــن االنسجام بين هــذه البنية‬ ‫عزيمة‬ ‫تصاحبه‬ ‫وما تحقيق الحلم إال بقوة فعل‬ ‫المغلقة‪.‬‬ ‫وإصرار‪.‬‬ ‫وال ريب في أن الشاعر يقوم في بنائه للنص‬ ‫برزت براعة الشاعر اإلبداعية في قدرته المحكم‪ ،‬بتوزيع الثوابت ‪ -‬األلفاظ والتراكيب‬ ‫اإليقاعية على إظهار االئتالف بين األشياء ‪ -‬بدقة‪ ،‬فقد برز إيقاع التوازي باالختالف‪،‬‬ ‫المختلفة‪ ،‬نتيجة بنية الــتــوازي بالمخالفة عــلــى الــرغــم مــن عــاقــة المماثلة المفعمة‬ ‫المؤسسة في النص‪ ،‬وإثارته دهشة واستغراب‬ ‫بالطاقة اإليقاعية الناتجة من تطابق وتماثل‬ ‫المتلقي ال ــذي ي ــدرك فــجــأ ًة أن ثمة أشياء‬ ‫لأللفاظ والتركيب في البناء الشعري‪ ،‬بارتكازه‬ ‫متباعدة‪ ،‬بال عالقة ظاهرة تربط بينها‪ ،‬قد‬ ‫تجمعت وتآلفت على نحو الفت غريب تحمل على ثنائية اإليجاب والسلب‪ ،‬الحضور والغياب‬ ‫المتلقي على أن يبحث عن العالقات الخفية‪ ،‬دالليًا‪ ،‬التي يتحقق فيها معظم أنواع التكرار‬ ‫حتى يستطيع أن يصل إلــى الــقــراءة الفاعلة الصوتي واللفظي والتركيبي والتوازي‪.‬‬ ‫بحسب قدرته‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬ ‫وقــد حــدث عــدم الشوق "لــداللــة اإليجاب‬ ‫بعد حضور صوت (اآلخر‪/‬هو) فسلبت داللة‬ ‫حديد يفارق أشكاله‬ ‫المقطع الذي عبر عن الغياب بصورة التخلي‬ ‫خيط دمٍ نزَّ من عَ رَب ْه‬ ‫ُ‬ ‫عل ثم فارق أشكاله‪..‬‬ ‫حديدٌ هوى من ٍ‬ ‫واإلنكار‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫منحدرٍ ضي ٍِّق‪..‬‬ ‫وج َه سيّدةِ العائلة‬ ‫شيلة ودعت ْ‬

‫خيط دمٍ سال من لعبة قاتله‪.‬‬ ‫وتجمَّ ع ُ‬ ‫ه ــل ك ــان أح ـمــد ي ـنــوي ال ــذه ــاب ب ـع ـيــد ًا عن‬ ‫الحلم ‪ -‬تارك ًا سره العاطفيّ معي‬ ‫نحو حضن فاله‬ ‫ندى يتساقط في وردنا‬ ‫وهل كان أحمد إال ً‬ ‫ويحب الحياه‬ ‫ّ‬ ‫ترى‪..‬‬ ‫أي شيء قرأ‬ ‫وأي فتاةٍ‬

‫ * كاتبة من سوريا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪63‬‬


‫عرية التكثيف واإلدهاش في نص (يا اهلل)‬ ‫ِش ّ‬ ‫للشاعر‪ -‬عبداهلل الصيخان‬ ‫■ خالد محسن املعال*‬

‫تـتـســم قـصـيــدة ال ـشــاعــر ال ـس ـعــودي ع ـب ــداهلل الـصـيـخــان بـخـصــوصـ ّيــةٍ ج ـل ـ ّيــةٍ ؛ سـ ــواء م ــن حـيـ ُـث‬ ‫ـوي الشديد واالخ ـتــزال‪ ،‬أم مــن جهة اختياره‬ ‫الجملة لــديــه‪ ،‬والـتــي تعتمد التكثيف الـلـغـ ّ‬ ‫تركيبة ُ‬ ‫لتقنية"المقطع"؛ ما يمنح كتابتها المزيد من المرونة والسالسة‪ ،‬ومن ثمّ سهولة التلقي‪ ،‬عدا عن‬ ‫اختياره المُ غاير والمُ ختلف لمواضيع متنوّعة لقصائده‪ ،‬تلك التي تعتني بجوانب وجوديّة عديدة‪،‬‬ ‫تذخر بمشاهد غاية في البراعةِ واإلدهاش‪.‬‬ ‫عري‬ ‫الش ّ‬ ‫الشعريّة يؤسس لقصيدةٍ تنهل ِشعريّتها من التراث الصوفيّ ‪ ،‬بشقّ يهِ ِ‬ ‫في مجموعاته ِ‬ ‫والنثري‪ ،‬وتحديد ًا تلك اللغة العرفانيّة في مخاطبة اآلخــر أو الند؛ جنب ًا إلــى جنب مع النبرة‬ ‫الخافتة والقريبة إلى حدّ ما من المناجاة‪ .‬النفحة الرومانسيّة أيض ًا لها حضو ٌر واضح‪ ،‬بما فيها‬ ‫لغوي ونقاوةٍ في التعبير؛ حين يقول في مطلعها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫من صفاءٍ‬ ‫بسم اهلل‬ ‫انهض ياخادمها واكتب‬ ‫الرحمن‪ ..‬إذ خلق اإلنسان‬ ‫علمه النسيان‬ ‫واكتبها بالنور‪..‬‬ ‫سرائر من بلّور وأباريق من الفضة‬ ‫ناصعة بالماء‬ ‫وستائر من ديباج أخضر‬ ‫فاقرأ ما يتلى وتدبر‬ ‫يفتتح الشاعر قصيدته بــشــذرة يختصر‬ ‫الشعريّة للقصائد؛ بتلك المفردات‬ ‫فيها الرؤيا ِ‬ ‫التي تحيل إلى الصوفيّة بكل تأكيد‪ ،‬فيها من‬ ‫التماهي والتوحّ د بين الذات والعالم‪ /‬اآلخر‪،‬‬ ‫سطر‬ ‫ٍ‬ ‫ح ّد الذوبان‪ ،‬وما وجودها جميعاً في‬ ‫وقصير سوى الدليل على اللجوء العلني‬ ‫ٍ‬ ‫واحد‬ ‫إلى "التصوّف"‪.‬‬ ‫انهض ياخادمها واكتب‬ ‫الرحمن‪ ..‬إذ خلق اإلنسان‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫علمه النسيان‬ ‫ال تصويريّة متتالية‪،‬‬ ‫إذ نالحظ أنّ ثمّة جُ َم ً‬ ‫وذات نَ ـ َفـ ٍـس ِشــعــريٍّ قــصــيـ ٍـر‪ ،‬فيما الجملة‬ ‫األخيرة تأتي مُغايرة ومحققة لشرط التوتّر‬ ‫في الوصول إلى ذروة الدهشة‪ ،‬حين يقول‪:‬‬ ‫رتـ ــل ك ـل ـمــات الـ ـق ــرآن كـيـمــا تـلـمــع روح ـ ــك في‬ ‫الظلماء‬ ‫وتوكل باهلل‬ ‫القادر والمتكبر‬ ‫هنا تجد أنه يطغى الجانب التصويريّ ‪/‬‬ ‫الــتــأ ّمــلــي عــلــى أجـ ــواء قــصــائــده‪ ،‬مــن حيثُ‬ ‫الشعريّة‪،‬‬ ‫سيطرة الوصف الدقيق على اللغة ِ‬ ‫وذلـــك مــا يــمـ ّهــد لــانــتــقــال بــالــقــصــيــدة إلــى‬ ‫الصيغة "المشهديّة"‪ ،‬أو ما يسمّى بالتشكيل‬ ‫البصري في مخاطبته للحاسّ ة األكثر إثــار ًة‬ ‫لدى القارئ‪ /‬المُتلقي؛ بحيثُ أن كل قصيدة‬ ‫تبدو وكأنها عبارة عن نافذة جماليّة‪ ،‬نط ّل من‬ ‫ومحبوك‬ ‫ٍ‬ ‫خاللها على مشهد ِشعريّ مختز ٍَل‬


‫جليد اللغة برؤيا جديدة لتطويع النصوص‬ ‫بالشكل المرجوّ‪ ،‬ولتقدّم نَفْسه ِبنَف ٍَس مُغاير‬ ‫ومُختلف عمّا ألفناه في نصوص مُجايلة أو‬ ‫سابقة؛ يقول‪:‬‬

‫بسم اهلل‬ ‫من طاف له من في األرض؟‬ ‫وسبح ما في الكون؟‬ ‫وسوى هذا الفلك الموزون؟‬ ‫وأجرى الفلك المشحون؟‬ ‫القائل كن فيكون‬ ‫ومايسطر في اللوح المحفوظ؟؟‬ ‫اذكر رحمة ربك عبده إذ نادى ربه‬ ‫إني مني وهن العظم‬ ‫وأن الرأس اشتعل بهذا‬ ‫الوسواس الخناس‬ ‫فاحفظني فيمن تحفظ يا ملك الناس‬

‫من يعد بنهرين وساقية من غفران‬ ‫مَ رِّر وجهك باألسماء الحسنى‬ ‫شم العطر األسنى‬ ‫قل يا أيتها النفس الوسنى‬ ‫عودي للكافي‬ ‫فسيكفيكهمو اهلل‬ ‫وللشافي يشفيك‬ ‫ويهديك صراطا‬

‫لع ّل ما هو جليّ في المقطعين السابقين‪،‬‬ ‫كما في أغلب قصائده‪ ،‬هو ســؤال اإلدهــاش‬ ‫والــرغــبــة فــي تــدويــن الــقــصــيــدة عــلــى شكل‬ ‫متتاليات نصيّة تغرف من بحر الــذات‪ ،‬على‬ ‫حالة من‬ ‫ٍ‬ ‫الرغم ممّا تخلّفه هذه العودة إلى‬ ‫وانشطار للذات‪ ،‬ما يُبرر اللجوء إلى‬ ‫ٍ‬ ‫التشظّ ي‬

‫الشفيف بقدر ما فيها من األمــل والتفاؤل‬ ‫الشعرية الصرفة مع‬ ‫بالحياة والغد‪ ،‬لتتداخل ِ‬ ‫التفاصيل اليوميّة‪ ،‬تلك المتناهية في الصغر‪،‬‬ ‫وحميم‪ ،‬ربما ألنه "ليس للشعراء‬ ‫ٍ‬ ‫الفت‬ ‫مزج ٍ‬ ‫في ٍ‬ ‫من ِ ِسيَر‪ِ ،‬شعرهم هو سيرتهم"‪ ،‬على حد تعبير‬ ‫أوكتافيو باث‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بعناية ورويّة‪ ،‬سوا ًء من حيثُ الوصف المُتقن شعرية الــشــذرة‪ ،‬ألنها تصقل تلك المرايا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والدقيق للمشهد المُلتقط أوالً‪ ،‬أو من جهة وتغربل قلق الروح‪.‬‬ ‫اللغة وسبك الجُ ملة ثــانــيـاً؛ فنجد مشاهد‬ ‫الشاعر هنا‪ ،‬يبدو أكثر التصاقاً بالذات‪،‬‬ ‫الطبيعة الصامتة كما في‪:‬‬ ‫على الرغم من محاوالته المتعددة لتكسير‬

‫إلــى جانب مشاهد أخــرى تعتمد السرد‬ ‫كما نالحظ هنا أيضاً سيطرة النمط القصير‬ ‫الدرامي‪ ،‬وذلك بتتالي المقاطع (االسكيتشات) والقصير جداً على مجمل القصائد‪ ،‬وصوالً‬ ‫ضمن القصيدة الواحدة‪:‬‬ ‫إلى النمط األكثر قصراً وهو ما اصطلح على‬ ‫بالشعر "البرقي"؛ نظراً ألنّه عبارة عن‬ ‫تسميته ِ‬ ‫يوم يفر المرء‪ ..‬والينفع مال وبنون‬ ‫قصيدة موجزة‪ ،‬بحسب مريام سوشيه‪" ،‬أشبه‬ ‫يا مبدع هذي النون‬ ‫بإضاءة البرق التي تكشف ملمحاً خاطفاً من‬ ‫وسيد ما في الكون من الجبروت‬ ‫الحياة دون أن تنزعه منها"‪ .‬وفي أماكن أخرى‬ ‫لك الملكوت‬ ‫من قصائده يحيلنا إلى النموذج العالمي من‬ ‫يفنى ال يبقى إال وجهك‪..‬‬ ‫يخص الجانب‬ ‫ّ‬ ‫الهايكو الياباني‪ ،‬وتحديداً ما‬ ‫يا اهلل‬ ‫الشعرية‪ ،‬حيثُ الطبيعة ومفرداتها‬ ‫األبرز لهذه ِ‬ ‫رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني‬ ‫تكا ُد أن تكون العنوان الرئيس لها‪.‬‬ ‫مخرج صدق‬ ‫ال يبقى إال وجهك‪..‬‬ ‫الــكــثــيــر مــن الــقــصــائــد فيها مــن الــحــزن‬

‫ * ناقد من العراق مقيم في األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪65‬‬


‫عبداهلل الصيخان‪..‬‬ ‫عالمة شعرية صافية‬

‫■ محمد العامري*‬

‫يعتريك اإليقاع الصافي حين تقرأ قصائد الشاعر السعودي عبداهلل الصيخان‪ ،‬وتقودك‬ ‫العاطفة إلى ما يخصك في تلك األشعار كما لو أنها كتبت لك‪ ،‬هذا األمر يدلك على صدقية‬ ‫القصيدة لــدى الصيخان المشفوعة بتجربته الذاتية الجريحة‪ ،‬فهي بئره الــذي ينهل منه‬ ‫صافي األلم ومتعة النأي‪ ،‬فكانت قصائده امتدادًا لموروثنا الشعري العربي الذي شكل ضمير‬ ‫التاريخ الجمالي للجزيرة العربية‪ ،‬فكان المكان حــاضــرً ا‪ ،‬وكذلك الــزمــان الــذي يتسلل إلى‬ ‫جملته الشعرية المعافاة من الثرثرة‪.‬‬ ‫ففي معجمه الشعري‪ ،‬لم ينقطع قط عن من‬ ‫سبقوه‪ ،‬فكان الساقية التي سقت نسغ القصيدة‬ ‫بمفردات تجمع بين القاموس القديم والحديث‬ ‫بصياغات ذكية وعالية‪ ،‬إذ تصعد تلك القصائد‬ ‫من خالل اشتباكها العضوي بالموروث من باب‬ ‫مواصلة رتق المؤثر الجمالي بين صياغات القديم‬ ‫من الشعر‪ ،‬وردم الهوة بينه وبين نسغ القصيدة‬ ‫الــمــعــاصــرة‪ ،‬رغ ــم تــبــدالت الــحــقــبــة المعرفية‬ ‫واألسلوبية‪ ،‬وصوالً إلى طبيعة الموضوعات التي‬ ‫نأت بنفسها عن المدح والذم لتخلِص للهم الجمعي‬ ‫والذاتي‪ ،‬فلم يكن المنجز الشعري التراثي عبئا‬ ‫على المنظومة الشعرية التي يحققها الصيخان‪،‬‬ ‫بل كانت تلك المنطقة ‪-‬أقصد التراث‪ -‬مؤونته‬ ‫لتأمالت الحاضر في موضوعة الحزن والهجر‬ ‫والحب والعزلة‪ ،‬لكن بطريقة تخص الصيخان‬ ‫نفسه؛ ف ــإذا تأملنا هــذيــن البيتين نــرى أنهما‬ ‫يَ ْمتَحانِ من الماضي الشعري التليد ولكن بصورة‬ ‫معاصرة‪ ،‬أي «عصرنة» الموروث بطرائق تتناسب‬ ‫والعصر‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬

‫فهذان البيتان يشكالن عالمة بارزة بما يخص‬ ‫التواصل بين الماضي والحاضر الشعري‪ ،‬فتغذي‬ ‫«زمكانية النص» في تحوالته البعيدة والقريبة‬ ‫على حد سواء‪.‬‬ ‫فــالــح ـدّان المكاني والــزمــانــي فــي نصوصه‬ ‫الشعرية يشكالن متناً لما تبثه القصائد من‬ ‫موضوعات وصياغات تؤشر إلى عنصر الزمكانية‪.‬‬ ‫فالتحوّل الذي طرأ على التقنيّة والبنية في‬ ‫الشعر الحديث لم يغير إجماال من بنية الضمير‬ ‫الجمعي الذي يتحرك به الشاعر عبر مرجعية‬ ‫موروثه الشعري البعيد‪ ،‬دون الثبات في تقليدية‬ ‫القصيدة‪ ،‬بل شكلت تحديا للشاعر المعاصر في‬ ‫مناكفة ما قدمه القدماء من جمالية قوية وفاعلة‬ ‫إلى يومنا هذا‪ ،‬والصيخان واحد ممن يناكفون‬ ‫الموروث إعجابا به وليس نقيضا له‪ ،‬لكنه استعان‬ ‫بماضي األلــم ليستدرجه إلى حاضر آخر مؤلم‬ ‫أيضا إذ يقول‪:‬‬

‫سأفتح نافذ ًة لبكاء البساتين‪،‬‬ ‫ب ــاألم ــس ع ـجــت ع ـلــى ال ـق ـبــاب أزورهـ ــا‬ ‫نافذة الرتحاالت وجه البالد‬ ‫وأش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم عـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــر ًا ع ـ ـ ــالـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـق ـ ـبـ ــاب معي ال تطلبي صوتي اآلن‬ ‫حنجرتي صادرتْها المسافاتُ‬ ‫ووق ـ ـ ـفـ ـ ــت ب ــالـ ـقـ ـب ــر الـ ـعـ ـظـ ـي ــم أعـ ـ ـ ــوده‬ ‫وب ـ ـ ـج ـ ـ ـيـ ـ ــرة ال ـ ـ ـصـ ـ ــديـ ـ ــق وال ـ ـ ـخ ـ ـ ـطـ ـ ــاب كوني معي اآلن يا فضة العربية‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ففي هذا النص انتقال بائن لشكل جديد من‬ ‫صياغة قصيدته غير العمودية؛ فقد تحرر هنا‬ ‫من رقة القافية ليصل إلى الشعور المفتوح بالبكاء‬ ‫والجفاء واأللم‪ ،‬إذ سيفتح باب البكاء على الفضاء‬ ‫الخارجي ليفيض من روحه إلى خارجها كداللة‬ ‫على قوة البكاء والنوح على حالة الخسارة‪.‬‬

‫فقد استطاع الصيخان أن يعفي قصيدته من‬ ‫التعقيدات اللغوية التي ركبها الشعراء الجدد‬ ‫ليعّمق صــورتــه الــشــعــريــة بالبساطة العميقة‬ ‫لي عدلي وميلي‪،‬‬ ‫والفاعلة على صعيد التعبير واإليصال‪.‬‬ ‫هذا أنا مذ رفرفت بيضاء في روحي‪..‬‬ ‫فقلة الشاعر في نشر قصائده لم يكن سوى‬ ‫وقالت لي أقل هذا السواد‪..‬‬ ‫التزاما بقوة القصيدة وتجاوزها لما هو موجود‪،‬‬ ‫من العباد‪ ..‬ومن سبيلي‪.‬‬ ‫وليس عجزا في الكتابة‪ ،‬فقد نشر أولى قصائده‬ ‫فظاهرة التماهي بين رثاء الذات واآلخر تشكل‬ ‫في العام ‪1974‬م‪ ،‬وأصدر ديوانه األول في أواخر‬ ‫الثمانينيات مــن الــقــرن الــفــارط أي فــي العام ميزة لطبيعة صياغاته الشعرية والتي تمتح من‬ ‫‪1988‬م‪ ،‬لكنه مــزق من القصائد ما ينوف عن بقعة الحزن الغائرة في الــذات واآلخــر‪ ،‬البقعة‬ ‫مجموعة من الدواوين الشعرية‪ ،‬هذا اإلخالص التي تتسع باتساع الخسارات الخاصة والعامة‪،‬‬ ‫يدلنا على جدية الشاعر في التعامل مع فعل ونرى في قصيدة «فاطمة» تلك التمثالت الرثائية‬ ‫القصيدة ومستواها الفني‪ ،‬ليحفر فيما بعد لــلــذات واآلخ ــر؛ فما قاله فــي رثــاء فاطمة هو‬ ‫اسمًا لم يزل بائنا في الساحة السعودية خاصة‪ ،‬بالتالي رثاء للذات العميقة التي ترقد في دكانة‬ ‫والساحة العربية بعامة‪.‬‬ ‫ليلها وحيدة تنظر من ثقب القلب إلى العالم‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫كوني معي لنبكي على ما جرى‪.‬‬

‫وقوة في العاطفة لهو مؤشر على تمكّن الشاعر‬ ‫من أدواته الشعرية‪ ..‬ليطوعها بموضوعة العزلة‬ ‫الذاتية‪ ،‬مستعينا بملكيته لليل كجسد يستلقي‬ ‫على شاسع الصحراء؛ فما ذكره من مفردات تدلنا‬ ‫على نص عزلوي بامتياز أقرب إلى عزلة الفناء‬ ‫الصوفي‪ ،‬إذ يورد سيل الصمت‪ ،‬والليل والقلب‬ ‫والمرعى‪ ..‬فكلها مفردات تشي بالعزلة والفضاء‬ ‫الشاسع؛ فالنزعة الوجودية تتمظهر جلية في‬ ‫التبادل بين الخارج والداخل في ذاتــه‪ ،‬وتواصل‬ ‫القصيدة تصاعدها الخفيف والرشيق إلى قوله‪:‬‬

‫لذلك‪ ،‬جاءت القصيدة في تجربة الصيخان‬ ‫صافية من غير ســوء‪ ،‬تبث فيك جمالية وقيمة‬ ‫كأنّ النساءْ خرجن من الماءْ‬ ‫لشعرية عالية مشفوعة بالقوة والتأثير‪ ،‬إذ ترافقك‬ ‫خرجت من َب َر ْد‬ ‫ْ‬ ‫وفاطمةٌ وحدها‬ ‫القصيدة في نومك من شدة لذتها وقوة معانيها‪.‬‬ ‫كأنّ ذوائبها الشهب‬ ‫يقول الصيخان‪:‬‬ ‫إن لم تعدْ إلى بيتنا‪ ،‬لن يعود أحدْ‬ ‫أو كأن مسا َء الثالثاء مرَّ ‪،‬‬ ‫لي كل هذا الليل‪..‬‬ ‫ّس في راحتيه نهار األحدْ ‪.‬‬ ‫ف ــي ال ـص ـحــراء يـسـتـلـقــي‪ ،‬ول ــي قـلـبــي عـلــى غبش ولم يتفر ْ‬ ‫دليلي‪.‬‬ ‫ففي كل قصيدة للصيخان نراه يفتح الجرح‬ ‫لي شاخب إكليل‪ ،‬ينهل من عل‪.‬‬ ‫على مصراعيه وكــذلــك يــذ ّكــر الــقــارئ بجرحه‬ ‫ويفيض في مرعى‪ ،‬إذا ما م ّر وادي الصمت سيلي‪ .‬الذاتي لتصبح حالة الرثاء والحزن متبادلة بين‬ ‫يقول الشاعر‪:‬‬

‫فما يبثه هذا المقطع من سالسة في اإليقاع الكاتب وقراّئه‪.‬‬

‫ * كاتب من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪67‬‬


‫كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس‬ ‫عبد اهلل الصيخان‪ ..‬البدوي المتمرد‬ ‫■ د‪ .‬هناء علي البواب*‬

‫إنَّ نظرية األدب بوصفها مستنبطة مــن أحـضــان الفلسفة اإلغريقية‪ ،‬وعلم الجمال‬ ‫الكالسيكي (كانت ‪ -‬كروتشه)‪ ،‬إذ نراها لم تتخلص من النظرة المثالية والنزعة الفلسفية؛‬ ‫لذا‪ ،‬فاهتمامها بالنزعة األنطولوجية لم يمنحها السعة في قراءة النصوص األدبية التي‬ ‫هي محض حقائق ماكثة خلف كيان النص من خالل النص ذاته‪ ،‬والذي جاء في طروحات‬ ‫روالن بارت‪ ،‬وقبله دوسوسير مؤكدين على نظام العالمات؛ فالنصوص األدبية لديهما تُدرَس‬ ‫على أنَّها عمل يجمع بين نظامين‪ ،‬هما‪ :‬النظام اللغوي والنظام األدبي؛ بوصف النص بنية‬ ‫دا َّلــة‪ ،‬أو هو نظام سيميائي‪ ،‬أو منظومة رمزية بالدرجة األولــى قبل كلِّ شيء‪ .‬وهنا فقط‪،‬‬ ‫وأنت تبحر في صحراء الشاعر السعودي عبداهلل الصيخان تجد نفسك متمردًا على ذاتك‪،‬‬ ‫ألنه هو فقط يريد ذلك التمرد ويسعى له‪ ،‬وألنه هو الذي أجاد في نفض غبار الصحراء‬ ‫عن حروفه؛ ولما كان النص الشعري هو ترتيلة روح تخفق لواقع الصيخان‪ ،‬لكنها تصدر‬ ‫عالم جواني معتَّق بغضاضة األحاسيس التي تضم في ثناياها حقائق كونية غاية في‬ ‫من ٍ‬ ‫االنتظام‪ ،‬ال يستوعب مداركها خيال‪ ،‬كونها تفيض وتمنح ما يختلج به القلب وما تشتعل‬ ‫به المخيلة؛ لترسم صورة الحقيقة الكامنة في نشيد من الكلمات؛ لتؤطر رسالة مرسلها‬ ‫كدهشة أو طرافة يفتتن بها سامعها أو متلقيها‪ .‬هكذا هو جوهر الشعر وحقيقته الفارقة‪،‬‬ ‫فإنك تستمع لنصه‪:‬‬

‫‪68‬‬

‫فالشعر عال ٌم مأهول بدنيا واسعة تتجه‬ ‫اِ صعد يا حبّة قلبي‪ ،‬اصعدْ‬ ‫اِ صـعــد كــي تنفض عــن عينيك غبارهما نحو صوبين األول العالم الخارجي بما فيه‬ ‫من أحياء وجمادات‪ ،‬بينما العالم اآلخر هو‬ ‫فترى‬ ‫عالم اإلنسان الداخلي المليء بالمشاعر‬ ‫وتماسك إن كنتَ ضعيفاً‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫واألحاسيس والــرؤى والبنى المغروسة فيه‬ ‫َك‪ ،‬وذراعاك‬ ‫ساقُ ك تُسند ساق َ‬ ‫مــن معتقدات وأســاطــيــر وأعـ ــراف وقيم‪،‬‬ ‫تمدّ انك بالعزم‪،‬‬ ‫ووجــهُ ــك ينفحُ بالماء إذا مــا أصبح بين وثقافة مستحصلة‪ ،‬كــل ذلــك هــو مــا يمثل‬ ‫ركــائــز أي قصيدة ينظمها الصيخان بما‬ ‫الماء‬ ‫فيها من عنفوان الرجل البدوي الصحراوي‬ ‫وبينك قافلةً من نوق‪..‬‬ ‫المختلف حين يقول‪:‬‬ ‫وتماسَ ك حين ترى‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ولــعــل شــاعــرنــا يــتــوق إل ــى دنــيــا جــديــدة‬ ‫بعيداً عن الواقع المأزوم بمشكالته‪ ،‬ليقدِّم‬ ‫لنا إرهــاصــات هــي مــأمــل ك ـ ِّل روح تبحث‬ ‫عن استشراف حياة باذخة الغنى بما فيه‬ ‫المعرفي والجمالي والحياتي‪ ،‬فهو يكتب‬ ‫بشفافية الحرف حينما يدعو في نصوصه؛‬ ‫إلى تغيير الواقع‪ ،‬والمضي لمستقبل يفتح‬ ‫بوابات لعوالم جديدة‪ ،‬فنراه يقول‪:‬‬

‫هَ مَ ست في أذني الصحرا وأنا في المهد‬ ‫بأنّ الشمس ستمنحني‬ ‫يوما نافذة كي أصعدَ‪،‬‬ ‫أنفض عن عينيّ غبارهما‬ ‫فـ ـ ــأرى الـ ـ ـط ـ ــاووس ي ـت ـي ــهُ ع ـل ــى اإلنـ ـس ــان‬ ‫ويختال‬ ‫وأرى الـكــابــوس يُ ـكــمِّ ــمُ أف ــواه الـنــاس على‬ ‫حلم منهم‬ ‫وأرى الماشين على أوجههم في السوق‬ ‫مناديل كآبة‬ ‫وأرى فـ ـ ــي الـ ــحَ ـ ـبـ ــس مـ ـظ ــالـ ـيـ ـم ــا وأرى‬ ‫ظالمَ همو‪،‬‬ ‫وأرى خيطا‬ ‫ال أسود‪ ،‬ال أبيض فأصوم‬ ‫المأل ِعطاش‬ ‫هذا اليوم طويل‬ ‫واألرض سعير‬ ‫الناس انحدروا في دارٍ مظلمة‬ ‫ُ‬ ‫والناس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ال أبواب لها صماء‬ ‫الناس انكسروا في الصدق‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والناس‪،‬‬ ‫ُ‬

‫فالشعر هــو م ــرآة ذات وج ــوه متعددة‬ ‫النعكاسات الشعور‪ ،‬فهو يستجلب المعاني‬ ‫أينما كانت وجهتها بفضل االنزياح األسلوبي‬ ‫الذي يتمطى تبعاً لها وهي تتغور في عوالم‬ ‫الشعور‪ ،‬ولغة الشعر هي المسبار الذي به‬ ‫يسبر الشاعر الصيخان غابات أعماقه؛‬ ‫ل ــذل ــك‪ ،‬نـــرى تــعــدد األســالــيــب لــديــه في‬ ‫مجمل نصوصه المبعثرة على األوراق‪ ،‬تبعاً‬ ‫الستعماالته للغة حين تتوجه ريثما تتوجه‬ ‫نبضات القلب الشعرية‪ ،‬فتبوح بمعانيها‬ ‫المرسومة بلغة إيقاعية مشفرة هــي لغة‬ ‫عوالمها الداخلية‪ ،‬فتأتي لغة الواقع‪ ،‬لتعبر‬ ‫عن تلك المعاني وتؤطرها بلغة الوعي؛ ما‬ ‫يجعلها تتميز بالطرافة والجدة واإلبداع في‬ ‫المقطع‪:‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫كل الناس ِعطاش‬ ‫فاصعد ياحبة قلبي‪ ،‬اصعد‬ ‫ْ‬ ‫وتوسد صوتي حين أُناديك لتصعد‬ ‫َّ‬ ‫اخترتك أنت‬

‫والواعي والمفكر لحكم المجتمع متناسيا كل‬ ‫المبادئ التي سَ وّد الورق وأحرق سنين العمر‬ ‫ألجلها‪.‬‬

‫اِ صعد يا حبة قلبي‪ ،‬اصعد‬ ‫س ـتــاقــي ره ـطــا ي ـس ـتــرقــون ال ـس ـمــع على‬ ‫درجات الكون‬ ‫فحادثهم‬ ‫اسمع ما يعطيك مفاتيح األشياء‬ ‫وما يمنح ساقك في الريح مدى ويديك‬ ‫نهار‬ ‫هذي آخر عتبات الكون الكامل‬ ‫أنت اآلن على لهب منها فادخل‬ ‫وتيمم بالنار وصلّ‬ ‫تأمل ما حولك‪...‬‬

‫إذ إنَّ النص يكون في مقام الجسور والدعائم‬ ‫لترجمة مــا يختلج النفس مــن شعور داخلي‬ ‫تتوارد فيه المعاني الحية واإليقاع المنتظم‪،‬‬ ‫فــمــن الــصــعــب ج ــدا أن يــنــقــاد المثقف وما الشاعر إال منظم يلبسهما ثوب الكلمات‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪69‬‬


‫ليرفعهما إلى المتلقي جليلة سامقة بطرافتها‬ ‫التي كان قد خلقها في عوالم كينونته المتعالية‪.‬‬ ‫فواحدة من بين تلك الذوات هي ذات الصيخان‬ ‫الــصــحــراويــة الــتــي تــكـ ُّن فــي دواخــلــهــا عــوالــم‬ ‫مستبطنة‪ ،‬وهو وحده القادر على اإلبحار في‬ ‫أعماق شعوره واستجالب ما هو كامن من آللئها‬ ‫في األصداف الدفينة هناك‪.‬‬

‫صــرخــة يوجّ هها الشاعر الــى الــنــاس بصورة‬ ‫عــامــة‪ ،‬ومخاطبة الضمير اإلنساني وإعــان‬ ‫الوالء للهموم العامة‪ ،‬وإشهار الكلمة بوجه هذا‬ ‫الواقع البائس كسالح يُسهم في تغييره‪ ،‬ومحاولة‬ ‫لترميم تصدّعاته‪ ،‬والنظر الى ما وصل عليه‬ ‫اإلنسان العربي وسحقه تحت وطأة حاجاته‪.‬‬ ‫إ ّن الصيخان صــاحــب القصائد النثرية‪،‬‬ ‫يمتلك البعد الــســردي بتعابيره الــدالــة‪ ،‬في‬ ‫اإليحاء والمقصد والمغزى‪ .‬في جمالية سردية‪/‬‬ ‫حوارية‪ .‬في منطلقاتها المتنوعة‪ ،‬في الصياغة‬ ‫والتركيب‪ ،‬في منصات النص المفتوح‪.‬‬

‫ويبدو أنَّ الصيخان واحد من الشعراء الذين‬ ‫يبحرون في تلك العوالم المتوالدة بفعل حركة‬ ‫الحياة الظاهرة‪ ،‬فينتج لنا عوالم جديدة كانت‬ ‫ماكثة فــي حياة اإلنــســان الداخلية‪ ،‬فالشعر‬ ‫مثل دورة الحياة في الطبيعة‪ ،‬أو كالعزف على‬ ‫أط ّل الشاعر عبداهلل الصيخان على مجاالت‬ ‫األوتار‪ ،‬إذ ال بد من مؤثرات كي تنبلج األحداث‬ ‫متنوعة‪ ،‬بما فيها اإلبــداع في استلهام الشكل‬ ‫وتنتج الدالالت‪.‬‬ ‫التعبيري‪ ،‬في سيميائية األصــوات وخلق منها‬ ‫زاوج بين الرمل وبينك‪،‬‬ ‫مساحات ضوئية متعددة ومتنوعة‪ ،‬لكشف‬ ‫بين النار وبينك‪ ،‬بين الماء وبينك‬ ‫مــرارات الــواقــع‪ ،‬بكل أهواله وويالته ونوائبه‬ ‫وادخل في جدل األشياء‬ ‫الظاهرة والــبــارزة‪ ،‬والتعبير عنها في أشكال‬ ‫أنت اآلن ترى‬ ‫متنوعة في التوظيف اإلبداعي‪.‬‬

‫أنت اآلن‬ ‫ترى‪.‬‬

‫إ ّنـ ـ ُه الــصــوتُ الــقــادم مِ ــن أعــمــاقِ الــخــذالن‬ ‫والتجزئة وويــات الحياة والتطاحن‪ ،‬والرعب‬ ‫المسكون فــي أعــمــاق ظلمة كثيفة‪ ،‬والخيبة‬ ‫الكبرى‪ ،‬وفقدان االنتماء إلى األوطان‪ ،‬ك ّل هذا‬ ‫جاء في قصيدة طويلة جدًا اعتمدت على قدر‬ ‫من الــوضــوح والبساطة واالبتعاد عن الكلفة‬ ‫فــي اللغة‪ ،‬كــي تصل الــى شريحة واســعــة من‬ ‫الجماهيرـ وكان هذا مقصودًا مِ ن قِ بل الشاعر‪.‬‬

‫الــصــيــخــان صــاحــب الــتــنــوع ف ــي الــتــنــاص‬ ‫واالستقراء والتوظيف‪ ،‬في مشاعره المرهفة‬ ‫والجياشة‪ ،‬بما فيها استخدام ذائقة وبراعة‪،‬‬ ‫م ــوج ــودات ال ــت ــراث وال ــم ــوروث ــات الشعبية‪،‬‬ ‫والمفردات الدارجة واألمثال الشعبية‪ ،‬برؤية‬ ‫فكرية مدركة تماماً واقع الحال‪ ،‬بما يجول وما‬ ‫يدور في الواقع المحسوس والملموس‪ ،‬وما ينتج‬ ‫منه من المعاناة والهموم‪ ،‬تتجسد في أنواعها‬ ‫المختلفة‪.‬‬

‫فهو ابن الصحراء‪ ...‬وشــرب ماءها وعبث‬ ‫إ ّنــهــا رحــلــة فــي تــجـلّــيــات الــواقــع البائس‬ ‫والــمــضــطــرب والــنــفــور مــن الــهــمــوم الــذاتــيــة بترابها‪ ..‬فكيف له إال أن يكون هو المجدد‬ ‫واالنغماس بين الجماهير وكشف محنته‪ ،‬إنّها لتراب األرض الشعري‪.‬‬ ‫* أكاديمية وكاتبة من األردن‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫انتماء‬ ‫■ محمد صالح*‬

‫انهمرت دمعتها التي جاهدت أال تهدرها لتبقى متماسكة‪ ،‬حين أخبرها والدها‬ ‫أن موعد االنتقال إلى الطائف قد حان‪ ،‬وأن عليها أن تودّع والدتها التي أصرّت‬ ‫على االنفصال عنه إثر خالفات مت ـ ـ ــراكمة والبقاء في الرياض‪.‬‬ ‫أرض نُفي عنها قسرً ا وقهرً ا‪.‬‬ ‫روح عن جسد‪ ،‬أو كعاشق ٍ‬ ‫كان الوداع أشبه بانتزاع ٍ‬ ‫له جبروت ال تقوى على محاورته بسببه‪،‬‬ ‫كما أنه ال يقيم للمشاعر اإلنسانية وزنًا‪،‬‬ ‫وال يوليها أدنى اهتمام‪ ،‬فكيف السبيل‬ ‫الى حــوار من كان على هذه الشاكلة‪،‬‬ ‫إن المراس على تقبّل طباع الوالدين‬ ‫المتسلطة أم ٌر ال ب ّد منه‪ ،‬واإلذعان إلى‬ ‫طاعتهم أمر مفروغ منه‪ ،‬هكذا توصلت‬ ‫مريم بفكرها بعد أن أجهدها الفكر‬ ‫وأعيتها األماني‪.‬‬

‫بدت الطرق موحشة ومريم تسير‬ ‫فــي الــحــافــلــة‪ ،‬ووالــدهــا إلــى جــوارهــا‬ ‫قد انشغل بحوارات مع أصدقائه في‬ ‫مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬غافال عنها‬ ‫وعــن صراعاتها النفسية التي تصول‬ ‫وتجول في مكنوناتها؛ تتمعن الطريق‪،‬‬ ‫ت ــودّع الــشــوارع والــحــارات‪ ،‬ترمق نور‬ ‫الشمس الذي آل إلى زوال‪ ،‬وتهذي معه‬ ‫محاجرها بدمعات رقراقة‪ ،‬لو تسنى‬ ‫لها أن تتكلم لصعقت بحزنها من كان‬ ‫وصال إلى الطائف‪ ،‬وقادها والدها‬ ‫له قلب سليم‪.‬‬ ‫مــع ابــنــه الصغير أحــمــد إلــى المكان‬ ‫فكر سرّحت الجديد الذي سيقيمون فيه‪ ،‬حيّ ريفيّ‬ ‫تنهدت مريم بعد طول ٍ‬ ‫أنحاءه شرقًا وغربًا‪ ،‬وأيقنت أن الواقع يكاد يأخذ باأللباب‪ ،‬لو نظرت يمينا‬ ‫يــفــرض نفسه عليها مهما أب ــدت من لخُ يّل إليك أنك ترتع في جنة من جنان‬ ‫حزن‪ ،‬أو تمنّعت عن فعل شيء‪ ،‬فوالدها الرحمن‪ ،‬ولــو وجهت ناظريك شماالً‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪71‬‬


‫لراعك منظر الجبال الشاهقة التي توحي جيدة!‬ ‫إليك بالشموخ واألصالة‪ ،‬مناظر خالبة تنبيك‬ ‫نعم أختي الحبيبة لكنني أشعر بفقد‪..‬‬ ‫عن عظمة الخالق وبديع صنعه‪ ،‬تأملت مريم‬ ‫وأنــا أيضا ال أخفيك يا حبيبي‪ ،‬أشعر‬ ‫هذا المكان الباهر‪ ،‬ولكن سرعان ما عاد‬ ‫بذات الفقد يتسلل إلى ثنايا قلبي‪..‬‬ ‫فكرها إلى الرياض‪ ،‬كانت تقيم في منطقة‬ ‫فقد الوطن والديار التي اعتدناها‪ ،‬وفقد‬ ‫متواضعة قليلة الخضرة‪ ،‬قيظها ال يُحتمل‪،‬‬ ‫وغبارها يُمرض ويُسقم‪ ،‬ولكنه الحنين‪ ..‬األ ّم التي هي كالوطن في حنوّه وحنانه‪.‬‬ ‫م ّد الظل فوق ناظريها‪ ،‬وأجهش الشوق في‬ ‫ال عليك أخي‪ ..‬ال عليك‪..‬‬ ‫حناياها وكأنه ينشد‪:‬‬ ‫غدا حين تذهب الى المدرسة الجديدة‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ــي وطـ ـ ـ ـ ــن آل ـ ـ ـيـ ـ ــت أال أبـ ـيـ ـع ــه‬ ‫هنا في الطائف‪ ،‬ستلتقي بأصدقاء جدد‪،‬‬ ‫وأال أرى غـيــري لــه الــدهــر مالكا وتتعرف على طالب وزمالء كثيرين‪ ،‬وستكلم‬ ‫أمي متى شئت‪ ،‬هكذا قال والدي‪.‬‬ ‫أين غرفتي يا أبي؟ سألت مريم‪.‬‬ ‫خـ ّيــم الصمت‪ ،‬وأطــبــق الليل أجفانه‪،‬‬ ‫هناك في الركن الغربي قرب الشرفة‪.‬‬ ‫وغــادر كل منهما إلــى مرقده ال يلوي على‬ ‫وغــرفــتــي أنـ ــا‪ ،‬أي ــن ه ــي؟ ق ــال أحمد‬ ‫فرح‪ ،‬يا لصعوبة هذه الليلة! وما أقسى البعد‬ ‫الصغير‪..‬‬ ‫والــفــراق! ومــا أشــد لحظات الــقــرار الــذي‬ ‫أنــت يــا بــنــي‪ ،‬ليس لــك غــرفــة خاصة‪ ،‬ينسف كل األماني واألحالم!‬ ‫ستكون معي‪ ،‬في غرفتي‪.‬‬ ‫غــفــت م ــري ــم‪ ...‬وف ــي أحــامــهــا التقت‬ ‫حسنا أبي‪ ،‬هذا أمر جميل‪.‬‬ ‫بأمها وزميالتها في الجامعة‪ ،‬يبكين فراقها‪،‬‬ ‫رتــبــت مــريــم مــابــســهــا فــي خــزانــتــهــا‪ ،‬ويتأسفن على فقدها‪!..‬‬ ‫ووضعت كتبها الجامعية فوق طاولة قريبة‬ ‫استيقظي يا مريم‪ ،‬سأذهب معك اليوم‬ ‫من سريرها‪ ،‬وفي هذه األثناء كان الوالد قد‬ ‫إلــى الجامعة الستكمال أوراق ــك لمتابعة‬ ‫خرج إلحضار طعام العشاء‪ ،‬أحست بالغربة‬ ‫دراستك هنا‪.‬‬ ‫والفقد والحرمان‪ ،‬فأمها كانت ال تنفك عن‬ ‫بأمرك أبي‪ ،‬نصف ساعة وأكون جاهزة‪.‬‬ ‫مداعبتها والحديث معها واحتضانها في كل‬ ‫نعم حبيبتي‪ ،‬جهزي أخاك أيضا للذهاب‬ ‫وقت‪ ،‬نادت أخاها أحمد وجلسا في شرفة‬ ‫البيت‪ ،‬ينتظران عــودة والــدهــمــا‪ ،‬فأطرق إلى مدرسته الجديدة‪ ،‬سنوصله في طريقنا‪..‬‬ ‫الصغير قليال ثم قال‪ :‬مريم‪ ،‬أنا حزين‪!..‬‬ ‫تناولوا الفطور على عجالة‪ ،‬وانصرفوا‬

‫‪72‬‬

‫ولماذا يا أخي؟ نحن مع والدنا وأمورنا إلى مشاغلهم‪.‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫لكن‪ ،‬كيف ترضى الطالبات بذلك؟‬ ‫من الطالبات من ال ترضى وتبقى تعيد‬ ‫المادة حتى تنجح بها‪ ،‬أو تأخذ مادة بديلة‬ ‫بعد عجزها عن النجاح‪ ..‬ومنهن من ال تفتح‬ ‫الكتاب نهائيا‪ ،‬لعلمها المسبق أن المال‬ ‫سبيلها لتجاوز المادة وعدم اإلخفاق فيها‪..‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫هــذا الــيــوم األول لمريم فــي الجامعة‪،‬‬ ‫المكان جــديــد‪ ،‬المباني متشابهة‪ ،‬الناس‬ ‫غرباء‪ ..‬تشعر أنها في غربة من فوقها غربة‬ ‫من فوقها ضياع‪ ،‬لــوال أن امتدت يد فتاة‬ ‫عالية الخلق وأمسكت بها لتدلها على كل‬ ‫ما تحتاج إليه‪ ،‬كانت لُبنى األقرب الى مريم‬ ‫من بين كثير من الطالبات اللواتي سرعان‬ ‫ما تعرفت مريم عليهن‪ ،‬وأعجبت بدماثة‬ ‫أخالقهن؛ فقد ساعدنها كثيرًا على تخطي‬ ‫الكثير من العقبات‪ ،‬وتو ّددْن إليها لما عرفنه‬ ‫عنها من طيبة ونقاء‪!..‬‬

‫نعم‪..‬‬

‫هذا ظلم!‬ ‫وهل الظلم هنا فقط؟! العالم حولنا يعج‬ ‫بالظلم‪..‬‬

‫م ــرت األيــــام ســريــعــا‪ ،‬مــريــم ستتقدم‬ ‫لكنها جامعتنا‪ ،‬وناسها منّا‪ ..‬ومفسدوها‬ ‫المتحاناتها الجامعية‪ ،‬ذاكــرت‪ ،‬استعدت‪ ،‬يجب ان يُقتلعوا من جذورهم‪..‬‬ ‫أحاطت بمحتوى المواد جيدا‪ ،‬حتى بلغت‬ ‫هس اخفضي صوتك سيسمعوننا‪..‬‬ ‫ثقتها بنفسها أنها ستكون األولــى في كل‬ ‫وليكن‪ ..‬أنا لن أسكت على هذا األمر‪،‬‬ ‫مادة‪ ،‬لقد ثابرت لتبقى على مستوى التميز‬ ‫هذه الدكتورة المستغلة الفاسدة‪ ،‬التي تبني‬ ‫الذي اعتادته في الجامعة بالرياض‪ ،‬وها هي‬ ‫مجدها على حساب أموال اآلخرين‪ ،‬وتتسلق‬ ‫تتقدم‪ ،‬وتجتاز امتحانًا تلو اآلخر‪!..‬‬ ‫عاليا على ظهور المستضعفين‪ ،‬ال بد من‬ ‫طاف الفرح أنحاء روحها حين تسلمت هــدم دعائم فسادها الممتد‪ ،‬ألست معي‬ ‫درجاتها العالية بكل فخر‪ ،‬ولكن مهال‪ ،‬هناك فيما أقول؟‬ ‫مادة لم تظهر نتيجتها بعد‪ ،‬نتيجة هذه المادة‬ ‫نعم‪ ..‬نعم‪ ،‬معك ولكن‪ ..‬كيف السبيل؟‬ ‫تأخذها من الدكتورة في مكتبها‪ ،‬هكذا قالت‬ ‫نرفع صحيفة فسادها لرئيس الجامعة‪..‬‬ ‫لُبنى لها‪..‬‬ ‫لــن يــصــدقــوا‪ ...‬ول ــن يــتــجــرأ أح ــد من‬ ‫لكن لماذا؟ أليس عليها أن تعلن النتائج‬ ‫تمس كرامة تلك‬ ‫الطالبات على التفوّه بكلمة ّ‬ ‫للطالبات جميعا‪..‬‬ ‫المستغلة‪ ،‬ألنهن إن فعلن‪ ،‬فسيحيلهن هذا‬ ‫انت ال تدرين!‬ ‫األمر الى المساءلة بتهمة التواطؤ واإلقرار‬ ‫ما قصدك؟‬ ‫بالفساد‪..‬‬ ‫هذه الدكتورة ال تُنجّ ح أحدًا إال برشوة‪..‬‬

‫وما الحل في نظرك؟‬

‫ويحها‪ ..‬رشوة؟!‬

‫نستدرجها يا مريم‪ ،‬نستدرجها حتى تقع‪.‬‬

‫ * معلم في مدارس الرحمانية للبنين ‪ -‬سكاكا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪73‬‬


‫تسريحة‬ ‫■ محمد الرياني*‬

‫قلت لها‪ :‬تسريحة شعر رأسك في غاية الروعة‪ ،‬قلت لها بلغة الصغار وكالم أهل‬ ‫الحي‪ ،‬لم تصدق ما قلته لها‪.‬‬ ‫ابتسمت بجمال‪ .‬تركتني وذهبت نحو غرفتها الصغيرة‪ ،‬نظرت في المرآة لترى‬ ‫نفسها‪.‬‬ ‫جاءت ومعها مرآة صغيرة لترى صورتها معي‪ ،‬نظرنا سويا في المرآة‪ ،‬قبلتها‬ ‫على جبينها الصغير‪ ..‬وقلت للصغيرة‪:‬‬ ‫أنت اليوم أحلى‪..‬‬ ‫استعانت بمواد تعرفها البنات‪ ،‬كي‬ ‫تناولت مشطا صغيرًا وبدأت تمشط‬ ‫شعرها ثانية‪ ..‬لتعيد بعض الخصالت تسهل عمل المشط‪.‬‬ ‫المتجعدة إلــى وضــع أفضل‪ ،‬شاركتها‬ ‫نظرنا سويا في المرأة‪ ،‬قالت لي‪:‬‬ ‫في هذا الفعل وهي في غاية السرور‪.‬‬ ‫صرت اآلن أكثر وسامة‪.‬‬ ‫شعرت أنها األجمل واألحلى على األقل‬ ‫قلت‪ :‬يا صغيرتي‪ ..‬بعد هذا العمر!‬ ‫في نظري‪.‬‬ ‫نــظــرت فــي وجــهــي وق ــد ب ــدا شعر‬ ‫رأسي كئيبا مثل ليل حزين‪.‬‬

‫رمقتني برقة ودالل وقالت‪:‬‬

‫بــعــد ه ــذا الــعــمــر‪ ،‬وضــعــت أمامنا‬ ‫بدأت تمشط شعري‪ ..‬وأنا أتعجب المرآة ثانية‪ ..‬نظرت في وجهها‪ ،‬نظرت‬ ‫من يد صغيرة ال تستطيع اللحاق برأسي في وجهي‪..‬‬ ‫إال إذا وضعته بين يديها الصغيرتين‪..‬‬ ‫أخــفــيــنــا ال ــم ــرآة‪ ،‬ابــتــســمــنــا كــثــيـرًا‬

‫تركتها تعبث كــمــا هــم األطــفــال‪ ..‬لتفاصيل العمر حتى ال نرى وجهينا في‬ ‫المرآة‪.‬‬ ‫يعبثون باألشياء ببراءة‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫ُ‬ ‫ويبحث في رمل‪..‬‬ ‫حج ُت ُه في الماء‬ ‫ّ‬ ‫نصوص قصيرة جد ًا‬ ‫■ عبداهلل السفر*‬

‫أيها الحل ُم تمهّل‪ ،‬فالعي ُن كليل ٌة والهواءُ يا صاحبَ الحانوت! النطف ُة الفاجرة‬ ‫تعرف الــســوق؛ فأغلِقِ الــبــابَ ‪ .‬البابَ‬ ‫شحيح‪.‬‬ ‫أغل ْق ُه وال تلتفت‪.‬‬ ‫***‬ ‫يتد ّب ُر الظلَّ ويسعى إليه‪ .‬ما جُ عِ َل الضوءُ‬ ‫ّإل ليهربَ منه‪.‬‬ ‫"ال تعذليه"؛ فإنّ الصحرا َء توج ُعهُ‪.‬‬ ‫***‬

‫***‬

‫***‬

‫سنوات تلك التي على ظهرك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حَ ــدَّ ْقــنــا‪ ،‬طــويـاً‪ ،‬يا بشيرَنا المزيَّف‪ .‬ليست‬ ‫إنما هي وهمُكَ مِ ن الحصون التي لم‬ ‫محض سراب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫األف ُق‬ ‫قليل‬ ‫غفلة تيبّستْ ‪ ،‬وعمّا ٍ‬ ‫ُحصها‪ ،‬وفي ٍ‬ ‫ت ِ‬ ‫***‬ ‫ّاص أبله‪ .‬حجّ تُ ُه في الماء ويبحث في سوف تتهاوى بك‪.‬‬ ‫غو ٌ‬ ‫الرمل‪.‬‬ ‫***‬ ‫للوحلِ نجو ُم ُه البرّاقة‪.‬‬ ‫***‬ ‫في شُ غ ٍُل‪ ،‬عنكَ ‪ ،‬الندماءُ‪ .‬ال تسأ ْل عمّن‬ ‫يرطِّ ب مندي َل السَّ هَر‪.‬‬ ‫جناحه المنسيّ يرفرف‪ ،‬كلّما رُفِ َع عنه‬ ‫حجرُ اليقظة‪ ،‬وأ ُغــدِ َغ عليه من حريرِ‬ ‫***‬ ‫دُقَّ المسما َر وال تحفل‪ .‬الرقب ُة الرخوة‪ ،‬النعاس‪.‬‬ ‫من يحفل بها‪.‬‬ ‫***‬ ‫***‬

‫يكن ُز ح ّب َة الكرز تحت لسانِه‪ .‬قلي ٌل من‬ ‫***‬ ‫يتخضل جمي ُعهُ! يا لَلهبوب؛‬ ‫ّ‬ ‫يا شيخَ نا شابَ ال ُهدْبُ ‪،‬؟ وما صحَّ لنا دمِ ها ينفر؛‬ ‫ودان‪.‬‬ ‫عسي ٌر ٍ‬ ‫حُ لمٌ‪ ،‬وال طُ وِ يَتْ لنا فالة‪.‬‬ ‫***‬

‫***‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪75‬‬


‫من يذكرُه هذا الذي كان الشو ُق يأتيه مِ ن ك ِّل حيران‪ .‬ليس له فجرٌ‪ ،‬ول ُه ك ُّل األسماء‪.‬‬ ‫مكان‪ .‬يطوّح به في ك ُّل مكان‪ .‬من يذك ُرهُ في‬ ‫***‬ ‫العرس وحيداً‪ ..‬وحيداً كأنّما ال شو َق‬ ‫ِ‬ ‫جمر ِة‬ ‫أذ ٌن تماري وعي ٌن تروغ‪.‬‬ ‫وال مكان‪.‬‬ ‫مناد‪:‬‬ ‫أسر َج واقتحم‪ .‬ناداه ٍ‬ ‫***‬ ‫"لن تنال حتى تنفق من هذا الجسد"‪.‬‬ ‫ال َّر ْم ُل ال يهادن‪ ،‬وال يقف في المنتصف‪ .‬إمّا‬ ‫***‬ ‫يطوي أو ينشر‪.‬‬ ‫ســنَّ تعويذتَهُ‪ ،‬وأهــر َق ما تيسّ ر من حُ مر ِة‬ ‫***‬ ‫اليأس‪.‬‬ ‫الحائكُ سحرتْ ُه ومض ُة الفراشة‪ .‬انفلتتْ البرو ُق باغتتْهُ‪ ،‬وأثقلتْ ُه بُشرَى المناديل‪.‬‬ ‫ُحس ُن النَّسْ َج وال يتذكّر‪.‬‬ ‫خيوطُ هُ‪ .‬ال ي ِ‬ ‫***‬

‫***‬ ‫دندن ٌة ال تصل إال عرجاء‪ .‬عذّبتْها التخوم‬ ‫أربــابُ اليقظة يمرّنونه على درس الجُ رْف‪.‬‬ ‫واستولى على بهجتها نزا ُل الغرباء‪.‬‬ ‫قل ُم الظالم أمضى من شفراتهم وأَحَ ُّد نظراً‪..‬‬ ‫دندن ٌة ممروعة‪ ،‬ال جل ٌد يُخاط‪.‬‬ ‫***‬ ‫دندن ٌة في ال َّنزْعِ ؛ في أبشعِ األنين‪.‬‬ ‫ليلى! شهو ُد الزورِ يمتحنو َن صبرِ ِك‪ .‬امنحيهم‬ ‫***‬ ‫شيئاً يتل ّه ْو َن به‪.‬‬ ‫ُرض ُع العين‪.‬‬ ‫زجاج ٌة تُدمِ ي القلب‪ ،‬وأخرى ت ِ‬ ‫جارف وأمانيُّهم أكاذيب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫السي ُل‬ ‫***‬

‫***‬

‫يا يعقوبُ أنت وحدَك من يعرف‪ .‬وحدك اتب ْع أال أيّها الليل! آبَ طيرُكَ وانهرستْ خيوطي‪.‬‬ ‫***‬ ‫الرائحة‪.‬‬ ‫أفل َح يعقوبُ ‪ ،‬ولّى أم َرهُ وردة‪.‬‬ ‫ركب ٌة حسيرةٌ‪ .‬ال تَس ِن ُد ذقناً‪ ،‬وال تختب ُر " ُم َّر‬ ‫الجَ مال"‪.‬‬ ‫***‬ ‫الحمْلِ ‪ ،‬تذبُ ُل في االستعارة‪.‬‬ ‫ُثخ ُن فيه األعداد‪ .‬بَرَى ِصفراً‪ ،‬وانتظ َر أزي َز ركب ٌة تذوي في ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫العدم‪.‬‬

‫***‬

‫المُضنَى ضنين‪ .‬يب ّر ُح به السِّ رُّ‪ ،‬فيدقُّ مسماراً‬ ‫***‬ ‫ـش على على مسمار‪.‬‬ ‫الـ ُمــد َّمــى فــي درس األم ــل‪َ .‬مــن يَ ـ ُهـ ُّ‬ ‫صخرته؟‬ ‫***‬ ‫منفطر والدربُ جافّة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َك ِب ٌد‬ ‫خـــاو‪ ،‬والــسُّ ــعــاةُ‬ ‫ٍ‬ ‫هــجـ َم الــنــحّ ــالــون‪ .‬القفي ُر‬ ‫***‬

‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫توزّعتْهم المفارق‪.‬‬


‫■ حليم الفرجي*‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫خائن‬ ‫عالق بين السماء واألرض‪ ،‬يتذبذب رأسه كمن علق بحبل وتُرك للريح تتالعب‬ ‫به‪ ،‬يهوي رويدً ا إلى الالشيء‪ ،‬إلى حيث الفراغ المخيف‪..‬‬ ‫يزحف تارة حامال أحشاءه المبعثرة‬ ‫حيث كان‪ ،‬وتارة يتدحرج كمجرة تائهة‬ ‫سلبت منها الحياة‪ ،‬رائحته النتنة تمأل‬ ‫الــمــكــان‪ ،‬يقتلع عينيه بــأصــابــعــه في‬ ‫محاولة منه لرؤية شيء في هذا الظالم‪،‬‬ ‫ثم يعاود إعادتها في محاجرها فتغوص‬ ‫داخل تجويف جمجمته الكبيرة‪ ،‬فتعجز‬ ‫أصابعه عن اللحاق بها مجددًا‪.‬‬ ‫ال شيء سوى الظالم‪ ،‬ذلك المحيط‬ ‫الــذي ال يرفض مريديه‪ ،‬الــســواد هو‬ ‫الــشــيء الحقيقي المحيط بــه‪ ،‬يسبح‬ ‫تــارة‪ ..‬وتــارة أخــرى يجلس القرفصاء‬ ‫ليعاود ابــتــاع أحشائه التي تقيأتها‬ ‫األرض من جديد‪.‬‬

‫يضع إصبعه في أذنيه كي ال يسمع‬

‫همسات الموتى الــصــادرة من القبور‬

‫المتناثرة هنا‪.‬‬

‫شيء ما يخرج من أذنيه كالصديد‬

‫كلما حاول سدهما‪ ،‬يغطي وجهه بكفيه‬

‫في محاولة أخيرة لالختباء‪.‬‬

‫تفر روحــه أمامه‪ ..‬فيحاول اللحاق‬

‫بها‪ ،‬مشردًا‪ ،‬منبوذًا هو حتى في حكايا‬ ‫الجدات التي تخوف بها األحفاد من‬

‫السير ليال بالقرب مــن المقابر‪ ،‬أو‬

‫الخروج بمفردهم في الظالم‪ ،‬كلما أوى‬

‫إلى جانب قبر ترددت حوله الهمسات‬

‫(هذا من باع وطنه‪.)...‬‬

‫يجلس القرفصاء بعيدا ليعد قبور‬

‫يــزحــف بــاحــثــا عــن جــيــف الــكــاب‬ ‫الضالة ليأنس بالقرب منها‪ ،‬ويعاود شــهــداء الــيــوم األخــيــر‪ ،‬بينما تتعالى‬ ‫االختباء بين القبور كلما سمع زحف أص ــوات الــقــذائــف وصــرخــات الجنود‬ ‫الجنود حاملين أحد القتلى‪.‬‬ ‫مبشرة بنصر قريب‪..‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪77‬‬


‫لماذا بكت المذيعة؟‬ ‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫اتصلت بي وعرّفتني بنفسها على أنها مُ عِ دّ ة ومقدِّ مة البرنامج الصباحي‪" :‬يا‬ ‫هال"‪ ،‬وقالت إنها تريدني في برنامجها بعد أن حقّ ق مشروعي‪" :‬دور التحدّ ي في‬ ‫لدي‪ ،‬إ ّال ان إلحاحها‬ ‫وحاولت أن أعتذر مُ تعل ًال بأن ال وقت ّ‬ ‫ُ‬ ‫صناعة المبدع" شهرته‪،‬‬ ‫فقبلت‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أخجلني؛‬ ‫وصـلـ ُـت مكان تسجيل البرنامج متأخرً ا نحو عشر دقــائــق؛ مــا أغضبها وأثــا َر‬ ‫نفورَها الواضح؛ فقد أهمل َْت وجــودي‪ ،‬وتركتني أنتظر في القاعة الصغيرة‪ ،‬ثم‬ ‫سمعتها تقول للمخرج بعصبية ونفورٍ ‪" :‬ال أريده في برنامجي"‪.‬‬ ‫أي حال؛ ال في الشكل وال في الحضور»‪.‬‬ ‫أوهَ ـ ْمـتُــنــي أنــهــا ال تقصدني‪ .‬وبعد ِّ‬ ‫نــصــف ســاعــة مــن االنــتــظــار؛ أدخلني‬ ‫صمتَتْ وتفكّرتْ في المعنى الذي‬ ‫المخرج بطريقة مرتبكة‪.‬‬ ‫تحتمله رصــاصــاتــي‪ .‬وَض ـ َعــتْ أوراقــهــا‬ ‫لــم تنتبه لــي‪ ،‬وتشاغلت بــأوراقــهــا جانبا‪ .‬سَ حَ بَت الميكروفون من تحت‬ ‫الــكــثــيــرة‪ .‬ســألَـتْــنــي أوالً عــن إعاقتي قميصها‪ ،‬وراحــت تــداري عن اآلخرين‬ ‫الموحش‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الحركية‪ ،‬فجاوبتها‪ ،‬ثم راحت تسألني بكاءَها‬ ‫عــن مــواصــفــات ال ــم ــرأة الــتــي أحبها‬ ‫خَ ــرَجَ ــتْ مــن االســتــديــو وهــي تشتم‬ ‫وأعشقها‪ ،‬بعد أن عَ ّقبَتْ ‪" :‬إن و ُِج ـدَتْ‬ ‫غاضبة مني‪ ،‬والجميع يسمع نواحها في‬ ‫امرأة تقبل بك"؟‬ ‫الردهة‪.‬‬ ‫ابتسامة ماكرة ارتَسَ مَتْ على مالمح‬ ‫تــدخّ ـ َل الــمــخــر ُج ورجــاهــا أن تكمل‬ ‫وجهي‪ُ ،‬متَفهِّماً أنها تقصد إحراجي‬ ‫اللقاء‪ ،‬فلم تقبل‪.‬‬ ‫واستفزازي‪ .‬مسّ دتُ لحيتي‪ ،‬وجاوبتها‬ ‫تبرّع إلكمال اللقاء‪ ،‬فرفضتُ بثقة‬ ‫بجديّة‪ :‬األُنثى التي أبحث عنها وتُرضي‬ ‫غروري‪ :‬هي امرأة قنوعة وتحب إعاقتي وغرور‪.‬‬ ‫الحركية‪.‬‬ ‫خرجتُ من غرفة التصوير وأنا أسأل‬

‫وأردفـــــتُ واث ــقــاً قــبــل أن تستأنف نفسي‪:‬‬ ‫أسئلتها‪:‬‬ ‫«هــل قـلـ ُـت مــا أَ َرد ُْت؟ وهــي َفــهِ ــمَ ـ ْـت ما‬ ‫«وهي بالتأكيد‪ :‬امرأة ال تشبهك على أرادتْ ؟»‬ ‫ * قاص من األردن‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρρ‬أحمد عكــور*‬

‫ُكنَّا‬ ‫على َظ َمأ اللِّقاءِ متَى أ َر ْدنا نَ ْستَقِ ي‬ ‫تَتَ َد َّف ُق ْ‬ ‫األشوا ُق‬ ‫واج يا شفتي ْ‬ ‫اغ َرقي‬ ‫كاأل ْم ِ‬ ‫وعيونُها‬ ‫َّ‬ ‫مس يف َو ْجهِ احليا ِة امل ُ ْش ِرقِ‬ ‫كالش ِ‬ ‫ُ‬ ‫والليل‬ ‫قِ َّص ُة ِ‬ ‫ِح ُروفِ ها ل ْم نَن ِْطقِ‬ ‫عاش ٍق ب ُ‬ ‫والبد ُر‬ ‫كي نلْتقِ ي‬ ‫يف َ‬ ‫ص ْد ِر الغَمامةِ ي ْرمتي ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫جل ْدرا ُن تَخْ تَ ِب ُئ العيو ُن وتتَّقي‬ ‫تَتَها َم ُ‬ ‫وتلوح‬ ‫ُ‬ ‫مِ ْن ُس ُج ِف الغرام ِحكاي ُة ا ُ‬ ‫حل ِّب النَّقِ ي‬ ‫حتَّى ُ‬ ‫اخلطا‬ ‫ِوعدِ نا كامل ُ ْشفِ قِ‬ ‫ْ‬ ‫كانت تَليــ ُن ل ْ‬ ‫والقلب‬ ‫ُ‬ ‫يخف ُق لهف ًة‪..‬‬ ‫ولغيرها ل ْم يخفقِ‬ ‫ِ‬ ‫ن َْحكي‬ ‫ُ‬ ‫فتَبْتَ ُّل‬ ‫ورقِ‬ ‫ُصنِ َر ْو ٍض ُم ِ‬ ‫احلروف كغ ْ‬ ‫يا ُ‬ ‫ليل‬ ‫ه ْل يف راحتَيْ َ‬ ‫ــــك من البق َّيةِ ما بَقِ ي؟!‬ ‫الضفَّ َتيـ ْ ِن‬ ‫يف ِّ‬ ‫مسافرانِ‬ ‫فه ْل ترى مِ ْن َز ْو َرقِ ؟!‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ــــمــــأ‪..‬‬ ‫َظ َ‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪79‬‬


‫امرأة ثكلى‬ ‫بعض جنون‬ ‫ٍ‬ ‫‪ρρ‬هناء فكـرى أحمد*‬

‫يديك وصرت حزيناً‬ ‫َ‬ ‫خلعت‬ ‫كيف‬ ‫َ‬ ‫غريب يبحث‬ ‫مثل‬ ‫ٍ‬ ‫عن منفاه األبع َد‬ ‫أحالم امرأةٍ‬ ‫يا أبع َد من‬ ‫ِ‬ ‫ُخرج من شباك أنوثتها‬ ‫ت ِ‬ ‫صبرا‪ ،‬وغيوماً‪ ،‬وطريقاً أوص َدهُ البرد‬ ‫لكــي ال تنتظــر الفرحــ َة‪ ،‬أو تنتظــر بعيــداً يتــأوه شــوقاً‪ ،‬ليدغــدغ يف‬ ‫وحدتهــا الدنيــا‪.‬‬ ‫***‬

‫بعمر‬ ‫بحلم‪ ،‬أو تختال اآلن ٍ‬ ‫ال تغتسل اليوم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الشباك ودحرج‬ ‫َمـ َّر مِ َن‬ ‫بعض جنون امرأةٍ ثكلى‪..‬‬ ‫كنت أحن إليك‬ ‫شتائي األوح َد‬ ‫وكان اللي ُل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صديقي‬ ‫الصيف‬ ‫كان‬ ‫َّ‬ ‫واألبواب الثكلى‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫أنتظ ُر كثيراً‪ ..‬ثم أفك ُّر‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫يديك؟‬ ‫كيف مير الغيم وحيداً‪ ..‬دون‬

‫وكيف يصير احللم حديق ْة؟‬ ‫ * شاعرة من مصر‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρρ‬تركية العمري*‬

‫يقولون عبرت اخلليج غيمة الزوردية‪،‬‬ ‫ابتسمت‪ ،‬فنبتت ا ُ‬ ‫خلبر (((‪،‬‬ ‫فسالم للخُ بر‪،‬‬ ‫(((‬ ‫ألصباح واجهتها البحرية ‪،‬‬ ‫أمواج الكلمات‬ ‫(((‬ ‫سالم للعقربية(((‪ ،‬للراكة‪ ،‬وللسويكت(((‪ ،‬ولنبض شارع خالد‬ ‫للمقاهي الشفيفة‪ ،‬ولرفيف احلارات‪،‬‬ ‫سالم ألشجار حديقة سامرت ضحكات أصدقاء‪ ،‬كانوا غرباء‪،‬‬ ‫وحضنت‪ ،‬حنني حكايات‪،‬‬ ‫سالم للخٌ بر‪،‬‬ ‫لطريق يسرقني منها‪،‬‬ ‫إليها‪،‬‬ ‫وجلسر (من العشق)‪ ..‬يغني لعيني املنامة‪،‬‬ ‫فترقص عناقيد النجمات‪،‬‬ ‫سالم للخٌ بر‬ ‫لنسائم تضاحك وجوه النساء‬ ‫الآللئ‪ ،‬الدانات‪،‬‬ ‫(((‬ ‫فتغار حوريات نصف القمر‬ ‫سالم للخٌ بر‬ ‫ *‬ ‫((( ‬ ‫(( (‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬ ‫((( ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫أغنية ُ‬ ‫للخبر‬

‫شاعرة وقاصة وكاتبة ومترجمة من السعودية‪.‬‬ ‫الخٌ بر‪ :‬مدينة تقع شرق المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية على الخليج‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫الواجهة البحرية‪ :‬منتزة على كورنيش الخبر‪.‬‬ ‫العقربية‪ :‬الراكة‪:‬من أحياء الخبر‪.‬‬ ‫السويكت‪ :‬شارع تجاري معروف في الخبر‪.‬‬ ‫شارع خالد‪ :‬من أقدم الشوارع التجارية الراقية في الخبر‪.‬‬ ‫نصف القمر‪ :‬شاطيء نصف القمر‪ ،‬وسماه نصف القمر الغربيون األوائل الذين‬ ‫عملوا في مجال التنقيب عن النفط بشركة أرامكو السعودية‪ ،‬وهذا االسم يعود‬ ‫لشكل المنحنى الذي يتخذه شكل الشاطئ ويشبه نصف القمر‪.‬الجسر‪ :‬جسر الملك‬ ‫فهد الذي يربط السعودية بمملكة البحرين الشقيقة‪ ،‬افتتح عام ‪1986‬م‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪81‬‬


‫ُح ُّب َ‬ ‫يـوم مولدي!!‬ ‫ـك ُ‬ ‫‪ρρ‬سما يوسف*‬

‫ال أعل ُم ِلا َذا أَ ْش ُع ُر ب َ‬ ‫وق‬ ‫ِش ٍ‬

‫َ‬ ‫إلـيـك؟‬

‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫اصيلك‬ ‫تتَاحني سماء تَ َف‬ ‫تَغْمرني مطر حِ كاياتُ ُـك‪ ،‬وميلؤني َصدى َصوتُك‪..‬‬ ‫مس َك الذي مازا َل يتر َد ُد ( هياماً)‬ ‫َ‬ ‫وه ُ‬ ‫صدري‬ ‫يف أ ْروقة َ‬

‫صوت َ‬ ‫َـك يتد َف ُق كالشالل‬ ‫أسم ُع َ‬ ‫يف أُذني‪،‬‬

‫ُ‬ ‫فيجرف معه ُحزني و َفرحي‬ ‫يغتالُني ِعط ُر َك احملموم‬

‫يَ ْحملـُني إلى ماال ِ‬ ‫أطي ُق‬

‫إلى ُجنون ْ‬ ‫ِـك!!‬

‫أشـع ُر بصـوت َ‬ ‫ِـك‪..‬‬

‫اس َك ال َدافئ ُة ( معطفي )‬ ‫وأن َف ُ‬

‫يف لَيالي ِ‬ ‫الشتَاءِ البــَاردهْ!‬ ‫ت َْسري بني َحنايَا َقلبي‬

‫َاهلِكــــ ْه!‬ ‫املُت َ‬

‫وسادتي!‬ ‫فأثم ُل وأغفُو على َ‬ ‫ * شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫َبت َو َرقـــ ًة‬ ‫َكت ُ‬ ‫َخـ َّبـأتُهـا ِباسمِ ْك!‬ ‫ل َع َ‬ ‫أحالمِ ي ونَلتَقي فيه وال نَفتَرقْ‪..‬‬ ‫لك تَأتي يف ْ‬ ‫وأنت تغفُو يف َد ِ‬ ‫اخلي‬ ‫َ‬ ‫وي ْر َع َ‬ ‫اك َقلبي!‬ ‫وأص ُم ُت‬ ‫َك ْم أَ ْحت ُ‬ ‫َاجك ْ‬ ‫َع ْن ُك ِّل شيء؟‬ ‫فإ ْن نَسيتَني‬ ‫أح َ‬ ‫بك!!‬ ‫ْس أني ُ‬ ‫ال تَن َ‬ ‫صوتُـك‬ ‫و ُكلُما نَ َط ْقتُها يأتي َ‬ ‫ابد يف َج ِ‬ ‫كتَرا ِتيلِ َع ٍ‬ ‫وف الليلِ ‪..‬‬ ‫نَع ْم َحبيبتي!!‬ ‫لت لي‪( :‬أ ُ ُح ُّب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ـك)‬ ‫وعن َدما ُق َ‬ ‫كتمت َسمـــاع َة َهاتفي‬ ‫ُ‬ ‫ألص َر َخ‬ ‫ْ‬ ‫فلــة ت َْستقب ُل ا َ‬ ‫كـ َ ِط ٍ‬ ‫حليـاهْ!!‬


‫‪ρρ‬مالك اخلالدي*‬

‫ـوخ تـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــادى‬ ‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـف الـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهِ الـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــاشـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــادى‬ ‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ الـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــاءِ رأي ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ش ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ًا فـ ـ ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـ ـ ــرق فـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورى م ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــادا‬ ‫ـات ق ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ َر عـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ٍـن ف ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ــعُ ـ ـ ــا‬ ‫وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن يـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن يُ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــدُ م ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرؤى أمـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــادا‬ ‫ـدروب رسـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــادا‬ ‫ـض قـ ـ ـل ـ ــوبـ ـ ـه ـ ــم‬ ‫ـاق‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ــو قـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـل ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون لـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــوط ـ ـ ـ ـ ـ ِـن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرامِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرادى‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ــو ق ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــةُ األح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرار‪ ،‬دفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ دم ـ ـ ــائـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم‬ ‫أروى الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ــي‪ ،‬حـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم اسـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــدادا‬ ‫هـ ـ ـ ـ ــو مـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـب ـ ـ ــرُ الـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــداءِ ‪ ،‬لـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــنُ فـ ـ ــدائ ـ ـ ـهـ ـ ــم‬ ‫إذ راح ي ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــرُ فـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودِ ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدادا‬ ‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــرام ـ ـ ـ ـ ــةِ ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـه ـ ـ ــام ـ ـ ــةِ ي ـ ـك ـ ـت ـ ـسـ ــي‬ ‫بـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــزمِ ي ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ــي‪ ،‬ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـج ـ ـ ــاع ـ ـ ــة ج ـ ـ ـ ـ ــادا‬ ‫هـ ـ ـ ـ ــو ن ـ ـ ـه ـ ـ ـضـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـل ال ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـو ِّج بـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــرؤى‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيءٌ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ األبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــرٌ إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى أم ـ ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــود‪ ،‬إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـ ــذرى‬ ‫ووح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد األض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدادا‬ ‫َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع الـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــالَ ّ‬ ‫ـاب ق ـ ـ ـ ــد اع ـ ـت ـ ـلـ ــى‬ ‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاب وبـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ــةً وودادا‬ ‫وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن م ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقَ مُ ـ ـ ـل ـ ـ ـه ـ ـ ـم ـ ـ ـ ًا‬ ‫جـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـط ـ ـ ـ ـ ـ ــم األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــادا‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــدُ ال ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ــز أتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأوقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ش ـ ـ ـم ـ ـ ـعـ ـ ــةً‬ ‫وحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد اآلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ح ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــى ّ‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ن ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــلُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ــوء أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج رؤيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعُ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ‪ ..‬إسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــادا‬ ‫ـك ي ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــارقَ م ـ ـ ـ ـ ــن ن ـ ـهـ ــى‬ ‫وطـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫أع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ــحَ ‪ ،‬لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ــارةِ شـ ـ ـ ـ ـ ــادا‬ ‫ـراب وع ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــتَ عـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ًا خـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــد ًا‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ــاش الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــددوا أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــادا‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ِق ُ‬ ‫بلة العشاق‬

‫* كاتبة وقاصة وشاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪83‬‬


‫صبي رحيقك‬ ‫‪ρρ‬علي اخلبراني*‬

‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ِّبـ ـ ـ ـ ــي رح ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــك فـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــراء أحـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ــي‬ ‫وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ص ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــتَ مـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ــه أوهـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّوفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــر قـ ـ ـ ــاف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرك ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل آالم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوَّ قِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي شـ ـ ـ ـ ــراي ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي وأوردتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواك ب ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــض إل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ــي‬ ‫مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّي ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــدي نـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى رئ ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ي يـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ــك إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـب ـ ـ ــول ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـظ ـ ـ ــام ـ ـ ــي‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــمَّ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــان بـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــض أنـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـت ـ ـ ــي‬ ‫وب ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــان الـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــس أس ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ــي‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــد ق ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا روحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وآس ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــت الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـق ـ ـ ــة ك ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ــل أح ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـوت أ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوب طـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫إذا غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـوت ف ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـي ـ ـ ـن ـ ـ ـي ـ ـ ـهـ ـ ــا إعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــدامـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وإن ص ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــد ع ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ك ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــت واتـ ـ ـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــذ إذا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان إلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ــي‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρρ‬سعاد الزحيفي*‬

‫أ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت إال الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ َد وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ْة‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــت الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــاط ـ ـ ـ ـ ــقَ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ْة‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ رم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــونُ ن ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫وزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى أرض الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫هي الجوف‪...‬‬

‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــت ش ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــوخ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوأمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َة وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ْة‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــوه ـ ـ ـ ـ ـ ــا أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ األبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّا‬ ‫وأك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرم م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ُخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة‬ ‫ـارك س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال زي ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي د ّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى قـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاده‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ُف الـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــاءِ عـ ـ ـنـ ـ ـه ـ ــا‬ ‫ـض اإلش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ــغْ بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫(ب ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــر ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا) الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ــت دال ًال‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف روّاه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداده‬ ‫و(زع ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا) ال ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــون و(س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراهُ)‬ ‫و(م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاردُ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا )الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــاده‬ ‫ـراب بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاروقُ صـ ـ ـ ـ ـ ّل ـ ـ ـ ــى‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــده ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــركـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة‬ ‫أدو ُر‬

‫وال أرى سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا س ـ ـ ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ــعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي أن ـ ـ ـ ـ ـ ــاشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــادة‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن ذُ كِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَت ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى قـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــي إلـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫وأص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح ذ ْكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــرِ عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادة‬ ‫* شاعرة من الجوف‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪85‬‬


‫ما الذي تكشفه لنا عواطفنا؟‬ ‫هيلين فريسنل ‪Hélène Fresnel‬‬ ‫■ ترجمة‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمن إكيدر*‬

‫تشير عواطفنا إلى إنسانيتنا وتمد حياتنا بنكهة خاصة‪ ،‬كما قد تشكل إشعارًا‬ ‫باإلغاثة من جهة ثانية‪ .‬لقد دُرست العواطف لعقود طويلة‪ ،‬وبقدر ما تولده من‬ ‫فـضــول‪ ،‬فهي تكشف مــن ناحية أخ ــرى العديد مــن التناقضات‪ .‬وبفضل أحــدث‬ ‫التطورات في علم األعـصــاب‪ ،‬يمكننا أن نفهم بشكل أفضل هــذه الظواهر التي‬ ‫تهزنا وتثير اضطرابنا‪.‬‬ ‫كتب هــنــري دي مــونــثــرالن‬

‫‪Henry‬‬

‫هذه العواطف‪ ،‬ألن بنيتها معقدة‪ .‬إن‬

‫‪ de Montherlant‬في دفاتر مالحظاته العلماء أنفسهم يضيعون تجاهها‪ ،‬كما‬ ‫(‪" :)Carnets, 1930 - 1944‬تبرز عواطفنا‬ ‫أن النظريات المتعلقة بهذا الموضوع‬ ‫أثناء كلماتنا مثل الطيور المحنطة"‪.‬‬ ‫تباينت واصطدمت فيما بينها لعدة‬ ‫إننا نشعر في كثير من األحــيــان أننا‬ ‫قــرون؛ فعلى سبيل المثال‪ ،‬فــإن عدد‬ ‫ال نستطيع التعبير بالكامل عن تلك‬ ‫األفعوانة التي تجعلنا نعبرها بخوف العواطف المسماة ب"األولية" يختلف‬

‫‪86‬‬

‫وارتياب‪ ،‬إنه من الصعب بمكان أن نفهم وفقا للعصور والمجاالت والباحثين‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ )Neuroscience‬الــذي ظهر‬

‫الكالم‪ ،‬لنرى الشعر‪ ،‬مثل فرالن ‪Verlaine‬‬

‫للتو في الــواليــات المتحدة‪ ،‬اقترح كل من‬ ‫رال ــف‬

‫أدولـ ــفـ ــس‪Ralph Adolphs‬‬

‫أن ــدرس ــون‬

‫‪Anderson‬‬

‫في قصيدته "البكاء الطويل"‪.‬‬

‫وديفيد‬

‫‪ ،David‬وهــمــا من‬

‫علماء األعصاب البارزين في كاليفورنيا‪:‬‬

‫في خدمة توازننا‬ ‫تعمل عواطفنا مثل قنوات مع منابعها‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫في كتاب "علم أعصاب العواطف"‬ ‫‪of Emotion‬‬

‫(‪The‬‬

‫ ¦تـلـفـظـيــا‪ :‬تجعلنا نــحــاول إع ــادة تركيب‬

‫"دعــونــا نتوقف عــن مــزج كــل شــيء! وحتى المحفزة بصريًا‪ ،‬أو شم ّيًا‪ ،‬أو سمعيًا‪...‬‬ ‫نتقدم في هذه المسألة‪ ،‬يجب علينا التمييز يمكن أن تكون حقيقية (فمشهد أسد يثير‬

‫بين اآلليات المختلفة التي تنطوي عليها الــخــوف)‪ ،‬أو عقلية (الــفــرح الــراســخ في‬ ‫هذه العواطف‪" .‬إنهما يدعوان إلى تفكيك الــذاكــرة)‪ .‬ثم تتدخل أنظمة الدماغ لتمنح‬ ‫مظاهرها‪ ،‬وتشريح مجاالتها‪ ،‬وذلك بالتركيز هــذا التحفيز قيمة إيجابية (إذا حاولنا‬ ‫الحصري على مختلف أوجهها البيولوجية‪ .‬التعامل مع هذا التحفيز)‪ ،‬أو أن يمنح قيمة‬ ‫إن خيوط عواطفنا ترتبط بالجسد والعقل سلبية (إذا فررنا منه أو رفضناه)‪ .‬ومن هنا‪،‬‬ ‫على حد سواء‪ ،‬وتتمظهر من خالل عدد من يأتي مصطلح "عاطفة إيجابية" أو "سلبية"‪،‬‬ ‫وهذا ليس بالضبط نعتًا لما هو "جيد" أو‬ ‫المجاالت المختلفة‪:‬‬ ‫ ¦الفسيولوجية‪ :‬يمكن أن تزيد في خفقان‬ ‫قلوبنا‪ ،‬واحــمــرار خــدودنــا‪ ،‬وارتــجــاف‬ ‫أجسادنا‪.‬‬ ‫ ¦المعرفية‪ :‬يتم التعرف على عدم ارتياحنا‬ ‫أو رفاهنا من قبل وعينا‪.‬‬

‫"سيء"‪.‬‬

‫تكشف بعض أنظمة الدماغ شدة الحافز‪،‬‬ ‫ويكشف بعضها اآلخر النشاط البدني الذي‬ ‫تسببه‪ .‬وأخيراً‪ ،‬هناك مناطق معينة‪ ،‬ما تزال‬ ‫مختلفة عن المنطقتين السابقتين‪ ،‬تحرك‬ ‫سلوكنا واستجابتنا‪ ،‬وبالتالي فإن العاطفة‬

‫ ¦ن ـف ـس ـيــة‪ :‬ترتبط بتاريخنا الشخصي‪ ،‬هــي حالة داخلية تحشدنا جميعًا‪ ،‬تقول‬ ‫وباألحداث التي دفناها بعناية في بعض‬ ‫عالمة األعصاب كاثرين بيلزونج ‪Catherine‬‬ ‫األحيان‪.‬‬

‫‪" Belzung‬إنها (حركة للجسم وشعور ذاتي)‪.‬‬

‫ ¦ردود األف ـعــال‪ :‬يمكن أن تسبب التراجع إن هــذا العنصر من التجربة البشرية هو‬ ‫واالنسحاب‪ ،‬إضافة إلــى إش ــارات دالة تصرف نعتقد أنه سمح ببقاء هذا الجنس‬ ‫على الخوف‪ ،‬أو المودة‪.‬‬

‫صــامـدًا‪ ،‬وذلــك بتجنب األخطار المحدقة‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪87‬‬


‫تأثير تاريخنا‬

‫به"‪ .‬ووفقا لهذه العالمة‪ ،‬فإن وجهة النظر‬ ‫هذه‪ ،‬قد دافع عنها من قبل عالم الطبيعة‬

‫كيف يمكننا أن نفسر أن عواطفنا يمكن‬

‫واألحياء القديمة البريطاني تشارلز داروين أن تعمل ضدنا؟ فهل ذلك بسبب افتقارنا‬ ‫‪ Charles Darwin‬في القرن التاسع عشر‪ ،‬للوضوح حول أنفسنا‪ ،‬ورفضنا لرؤية الواقع‬ ‫وهي وجهة نظر ما تــزال قائمة إلى يومنا كما هــو‪ ،‬أو مــا تفرضه علينا الــذكــريــات‬ ‫هذا‪ ،‬وينطبق ذلك على المشاعر األساس‪ ،‬والصدمات التي تدفعنا أحيانًا إلى إساءة‬ ‫المسماة "األولية"‪ ،‬التي نتشاركها مع أنواع تفسير إشارات محيطنا‪ .‬يبدو األمر كما لو‬ ‫أخ ــرى مــن الــحــيــوانــات‪ :‬الــخــوف والغضب أن الماضي كان يزعزع إدراكنا وتحليالتنا‬ ‫والــفــرح والــحــزن والمفاجأة واالشــمــئــزاز‪ ،‬وردود أفعالنا‪ .‬تشير كاترين بيلزنج إلى‬ ‫والتي من شأنها أن تجنبنا التسممات‪ .‬لكن أن "عواطفنا تتأثر من خالل تاريخنا‪ .‬لقد‬

‫هذه المشاعر الوظيفية ليست هي الوحيدة أظهرت دراسة أن دماغ ضحايا سوء معاملة‬ ‫األطفال قد تم تعديله بشكل دائم بسبب هذا‬ ‫التي نختبرها‪.‬‬ ‫السلوك الــذي تعرضوا لــه‪ .‬فلقد تضررت‬ ‫إننا نشعر كذلك بعواطف أخــرى‪ ،‬والتي‬ ‫أنظمة الــدمــاغ التي سمحت لهم بتنظيم‬ ‫بنت من قبل ثقافتنا والبيئة التي نعيش فيها‪ :‬عواطفهم"‪.‬‬ ‫الشعور بالذنب‪ ،‬الملل‪ ،‬الصفاء‪ ،‬الغيرة‪...‬‬

‫كما يمكن الجمع بين هــذه الــحــاالت‪ ،‬وال‬ ‫تخدم مباشرة بقاءنا على قيد الحياة‪ .‬إنها‬ ‫تسلط الضوء على سمة أخرى من المشاعر‪،‬‬

‫إن اكتشاف المرونة الشديدة لدماغنا‬ ‫يــمــدنــا بــاألمــل لحسن الــحــظ‪ .‬لــقــد أثبت‬ ‫الباحثون‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أن مجرد لمس‬ ‫الشخص الذي تحبه يمكن أن يقلل من القلق‬

‫ومشاركتها في عملية التماثل‪ .‬إذاً بماذا ويساعد في توازنه‪ ،‬يعتبر أنطونيو داماسيو‬ ‫يتعلق هذا األمر؟ يشرح ذلك عالم األعصاب ذلــك "انتصاراتنا المتواضعة جــدا"‪ ،‬فهي‬ ‫أنطونيو داماسيو ‪ Antonio Damasio‬بقوله‪ :‬تُظهر لنا مدى حجم انفتاحنا الــذي يجب‬ ‫"إنه نظام للتنظيم الداخلي الذي يسمح لكل أن يكون عند استكشاف المجهول‪ ،‬خاصة‬ ‫كائن حي بالتأكد من توازنه‪ ،‬وحفظه الذاتي عندما يتعلق األمــر بآلياتنا الميكانيكية‬ ‫الداخلية‪.‬‬

‫وتطوره"‪.‬‬ ‫ * كاتب ومترجم من ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫‪88‬‬

‫عنوان المقال‪Ce que nos émotions nous révèlent :‬‬

‫مصدر المقال‪:‬‬

‫‪Psychologies Magazines, N 390 Octobre 2018, pp 92 - 94‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬

‫الشاعرات السعوديات‬

‫يحفرن مشروعهن اإلبداعي بدأب‬ ‫■ سعاد سعيد نوح*‬

‫حققت الشاعرات السعوديات وج ــودًا الفتًا ليس فقط في المملكة العربية‬ ‫الـسـعــوديــة ف ـقــط‪ ،‬إن ـمــا تـخـطــى وج ــوده ــن اإلب ــداع ــي فــي كـثـيــر مــن الـمـهــرجــانــات‬ ‫والمؤتمرات في العالم العربي من المحيط حتى الخليج‪ .‬ومما يؤكد وجودهن‬ ‫ضمن الحركة الشعرية العربية أنهن وصلن بوجود إبداعي حقيقي‪ ،‬وليس مجرد‬ ‫وجودي تمثيلي‪ ،‬في أكبر مسابقة للشعر العربي‪ ،‬مسابقة شاعر المليون‪ ،‬فشاركت‬ ‫عيدة الجهني في الموسم الثالث للشعر النبطي‪ ،‬ووصلت إلى التصفيات النهائية‪،‬‬ ‫وحصلت على المركز الرابع‪.‬‬ ‫لقوي"‪ ،‬وقد وصلت‬ ‫ٌّ‬ ‫كــمــا ش ــارك ــت الــشــاعــرة الــراحــلــة الصور‪ ،‬وإن شعرها‬ ‫مستورة األحمدي بالموسم الرابع من حصة هــال لنهائيات الموسم الرابع‬ ‫شاعر المليون وحققت فيه نجاحات وحصلت على المركز الثالث‪ ،‬فكانت‬ ‫وحــظــيــت بــجــمــاهــيــريــة كــبــيــرة‪ .‬كما بحق شاعرة‪ ،‬وأثبتت قدرة المرأة على‬ ‫شاركت حصة هالل في الموسم الرابع‬ ‫المنافسة على البيرق‪.‬‬ ‫مــن شاعر المليون‪ ،‬وقــد أشــاد حكام‬ ‫كما أن الشاعرات السعوديات ت ّم‬ ‫وجمهور شاعر المليون بحصة وشعرِ ها‬ ‫بحماسة‪ ،‬وقــال عنها الناقد المصري اختيار بعضهن لتمثيل الشعر النسائي‬ ‫صالح فضل "إن قوَّتها تكمن في ابتكار في المملكة العربية السعودية‪ ،‬مثلهن‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪89‬‬


‫بــفــضــل‬ ‫واآلداب‪،‬‬ ‫التوجيه الــذي حدث‬ ‫م ــؤخـ ـرًا م ــن اإلرادة‬ ‫السياسية السامية‬ ‫أن ي ــك ــت ــب ــن ه ـ ــؤالء‬ ‫الشاعرات بأسمائهن‬ ‫ال ــح ــق ــي ــق ــي ــة دون‬ ‫الــخــوف مــن الرقابة‬ ‫المجتمعية؟!‬

‫مثل بقية الشاعرات‬ ‫العربيات في مختلف‬ ‫الشاعرة السعودية نجحت في أن تكون‬ ‫البلدان العربية‪ ،‬إذ‬ ‫كغيرها من الشاعرات العربيات عربيًا‬ ‫اخــتــيــرت شــاعــرات‬ ‫ودولــيًــا‪ ..‬مــا جعل لها وج ــودًا ملحوظً ا‬ ‫سعوديات ليشاركن‬ ‫وبارزًا‬ ‫فـــــي كــــتــــاب "م ــئ ــة‬ ‫شــاعــرة مــن الــعــالــم أحمد الحربي‪:‬‬ ‫ال ــع ــرب ــي"‪ ،‬للباحثة‬ ‫الــشــاعــرة الــســعــوديــة قــدمــت نفسها‬ ‫والشاعرة المغربية عــلــى الصعيد األدبـ ــي بــصــورة مشرقة‬ ‫فاطمة بوهراكة‪ ،‬إذ ومتألقة‪ ،‬وتشارك في األمسيات الشعرية‬ ‫وقـــــــــد تـــوجـــهـــت‬ ‫يــحــوي الكتاب على المشتركة‪ ،‬وتطبع نتاجها األدبي باسمها الــــــجــــــوبــــــة بــــهــــذه‬ ‫قصائد تنشر الحب الصريح‪.‬‬ ‫الــتــســاؤالت للشاعرة‬ ‫والـــــســـــام‪ ،‬وتــنــبــذ‬ ‫الــســعــوديــة خــديــجــة‬ ‫الــعــنــف واإلرهــــــاب‬ ‫السيد‪ ،‬التي صدر لها عدد من اإلصدارات‬ ‫ألكثر الشاعرات العربيات تأثيراً‪ ،‬وسيتم الشعرية منها‪ :‬ديوان (نبض العناقيد) وديوان‬ ‫ترجمته نهاية العام إلى الفرنسية واإلنجليزية (ن ــوارس ال مرئية)‪ ،‬وكتاب تربوي تعليمي‬ ‫واإلسبانية‪ .‬والشاعرات السعوديات الالتي (أ ُنمي مهاراتي مع أسرتي)‪ ،‬كما لها ديوان‬ ‫تم اختيارهن لتمثيل الشعر السعودي هن جديد يطبع قريبا‪ .‬فترى أن المملكة العربية‬ ‫«سلطانة السديري‪ ،‬ثريا العريض‪ ،‬هدى السعودية مليئة بالشاعرات‪ ..‬وكــأي دولة‪،‬‬ ‫الدغفق‪ ،‬أشجان هندي‪ ،‬خديجة العمري‪ ،‬مرّت السعودية بمراحل عدّة في تقبّل مشاركة‬ ‫خديجة الصبان‪ ،‬فاطمة القرني»‪.‬‬ ‫المرأة ثقافيًا‪ ،‬وخاص ًة المرأة الشاعرة‪ ،‬فلم‬ ‫خديجة السيد‪:‬‬

‫‪90‬‬

‫وق ــد فتحت الــجــوبــة مــلــف الــشــاعــرات‬ ‫الــعــربــيــات احــتــفــاء بــهــن‪ ،‬وبــمــا حققن من‬ ‫نجاحات شعرية في داخل المملكة العربية‬ ‫السعودية وخــارجــهــا‪ ،‬لتطرح أسئلة مهمة‬ ‫عن وضعهن مقارنة بالشاعرات العربيات‪،‬‬ ‫ولماذا تكتب بعض الشاعرات السعوديات‬ ‫بأسماء مستعارة‪ ،‬وهل آن األوان بعد الطفرة‬ ‫الثقافية واإلبداعية التي تشهدها المملكة‬ ‫العربية السعودية في االنفتاح على الفنون‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫تحظ باهتمام كبير ذلك الوقت‪ ،‬ولم تحظ‬ ‫أعمالها بالدراسة والرصد والمتابعة‪ .‬ورغم‬ ‫زيادة عدد الشاعرات‪ ،‬لم يبرز اسم شاعرة‬ ‫إال حينما أتيح للمرأة السعودية أن تُعبّر عن‬ ‫مشاعرها من خالل الصحافة‪ ،‬ومن خالل‬ ‫أنشطتها الثقافية المحدودة‪ .‬وقد ساعدها‬ ‫التطور الثقافي السريع أن تكون ذات بروز في‬ ‫المحافل الثقافية‪ ،‬وكان لها ذلك‪ ،‬فأبدعت‬ ‫وبــرزت ونجحت في أن تكون كغيرها من‬


‫التجربة الشعرية النسائية السعودية‬ ‫لــيــســت جــديــدة فــي الــمــشــهــد الثقافي‬ ‫السعودي‪ ،‬بل هي تجربة قديمة بدأت‬ ‫منذ بداية دخول التعليم في المملكة‪.‬‬ ‫أسامة البحيري‪:‬‬ ‫حققت الــشــاعــرة الــســعــوديــة نجاحا‬ ‫الفتًا من خالل الشاعرات الالتي وسَّ ْع َن‬ ‫مداركهن الثقافية والشعرية بالدراسة‬ ‫األكاديمية واالنفتاح على اآلداب العالمية‪.‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬

‫الشاعرات العربيات‬ ‫فــي الــوطــن الــعــربــي‬ ‫والــــخــــارجــــي؛ ه ــذا‬ ‫مــا جعل لها وج ــودًا‬ ‫حــقــيــقــيـاً ومــلــحــوظـاً‬ ‫وبــارزاً‪ ،‬وما جعل لها‬ ‫طابعًا مميزًا‪.‬‬

‫أحمد قران الزهراني‪:‬‬

‫تعبّر عن مشاعرها‪،‬‬ ‫وهـــذا جعلني أفكر‬ ‫ا قبل‬ ‫تــفــكــيـرًا طــوي ـ ً‬ ‫اإلقـــدام على النشر‬ ‫خجال من أن يقرأها‬ ‫أحـ ــد‪ ..‬وكـــان هناك‬ ‫مــن قــرأ وشجعني‪..‬‬ ‫والــحــمــد هلل عــبــرتُ‬ ‫ســاحــة الــشــعــر بكل‬ ‫ثــقــة‪ ،‬مــعــتــزة بكوني‬ ‫أنــثــى تسابق الرجل‬ ‫وتفخر"‪.‬‬

‫وحـــــيـــــن ســئــلــت‬ ‫خـ ــديـ ــجـ ــة ال ــس ــي ــد‬ ‫عـــــــن خ ــص ــوص ــي ــة‬ ‫تــجــربــتــهــا الــشــعــريــة‬ ‫قـــــالـــــت‪ ":‬تــجــربــتــي علي المالكي‪:‬‬ ‫الــشــعــريــة بـــدأت في‬ ‫أمــــــــا الـ ــشـ ــاعـ ــر‬ ‫ال ــره ــان اآلن أن تــخــرج الــشــاعــرة‬ ‫أســـرة ش ــاع ــرة‪ ،‬كــان‬ ‫وال ــروائ ــي السعودي‬ ‫السعودية من دور االنتصار للمرأة على‬ ‫لــهــا الــفــضــل الكبير‬ ‫أحمد الحربي‪ ،‬الذي‬ ‫الرجل‪ ،‬وأن تطور أدواتها لتنافس تلك‬ ‫ف ــي صــقــل موهبتي‬ ‫صــدرت له مجموعة‬ ‫األســمــاء العربية الــتــي مــأت الساحة‬ ‫وم ــس ــاع ــدت ــي عــلــى‬ ‫كبيرة مــن الــدواويــن‬ ‫الشعرية‪.‬‬ ‫الكتابة‪ ،‬وجعلت مني‬ ‫الشعرية والــروايــات‬ ‫صاحبة أذن موسيقية‬ ‫والقصص القصيرة‪،‬‬ ‫فــي اإللــقــاء وحــب الشعر‪ ،‬فقد كــان خالي وقد توَّجَ ها بإصدار األعمال الشعرية الكاملة‬ ‫يرحمه اهلل "سعد الغامدي" أول المؤثرين عن دار النابغة بمصر‪ ،‬فهو يرى أن الشاعرة‬ ‫فـ ــيّ ‪ ،‬فــكــتــبــت الــشــعــر وأنـ ــا ف ــي الــمــرحــلــة السعودية لم تكن بمعزل عن الثقافة العربية‬ ‫المتوسطة‪ .‬وكــنــت أع ــرض عليه كتاباتي على الرغم من هويتها االجتماعية الخاصة‪،‬‬ ‫وأنشرها باسم مستعار‪ ..‬ثم بــدأت أخرج وبحسب النقاد الــعــرب‪ ،‬فقد حقق األدب‬ ‫للمجتمع وأشــارك‪ ،‬وأصــدرت ديوانيّ شعر السعودي في السنوات األخيرة نقلة واسعة‬ ‫(نبض العناقيد) و(نوارس ال مرئيه) والثالث على ساحة اإلبداع العربي‪ ،‬وقفزات عالية‪،‬‬ ‫في طريقه للطباعة"‪.‬‬ ‫أكسبته موقعًا متقدمًا على خارطة الثقافة‬ ‫وحين سئلت عن المعوقات التي تواجه العربية‪ ،‬ولم تكن المرأة السعودية بمعزل‬ ‫الشاعرة السعودية كــامــرأة‪ ،‬قالت السيد‪ :‬عــن المشهد األدبـــي الــســعــودي والــعــربــي‪،‬‬ ‫"هناك معوقات صادفتني كأنثى‪ ،‬واألنثى فقد شاركت منذ البدء في الحركة األدبية‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪91‬‬


‫‪92‬‬

‫داخــل السعودية وخارجها‪،‬‬ ‫وب ــدون ذكــر األســمــاء‪ ..‬فهن‬ ‫ُكثْر‪ ،‬إنما هناك من رائدات‬ ‫الحركة الشعرية النسوية في‬ ‫السعودية من كتبن بأسماء‬ ‫مستعارة خــو ًفــا مــن سطوة‬ ‫المجتمع الــقــبــلــي وعــاداتــه‬ ‫وت ــق ــال ــي ــده‪ ،‬ولــكــنــهــن ُع ــدن‬ ‫للكتابة بأسمائهن الصريحة‬ ‫بـــعـــد ك ــس ــب ــه ــن ل ــل ــش ــه ــرة‪،‬‬ ‫وبــعــضــهــن صــرحــن بندمهن‬ ‫حينما انــجــرفــن وراء نظرة‬ ‫المجتمع الخاطئة‪ ،‬فهن لم‬ ‫يسئن للمجتمع‪ ،‬ولــم تُمس‬ ‫ثوابته بأي ســوء‪ ،‬فقد كانت‬ ‫قــصــائــدهــن تــحــمــل مــعــانــي‬ ‫القيم وال ـ ُمــثــل‪ ،‬وتُــســهــم في‬ ‫الــروح الحضارية واالزدهــار‬ ‫ال ــث ــق ــاف ــي‪ .‬لــعــل االنــفــتــاح‬ ‫المعرفي مع بداية اإلنترنت‪،‬‬ ‫وفــتــح الــمــجــال لــلــعــديــد من‬ ‫األقــام واألصــوات النسائية‬ ‫عبر المنتديات األدبية‪ ،‬خلق‬ ‫نوعً ا من الشجاعة األدبية‪،‬‬ ‫وأعطى المرأة فرص ًة لتقديم‬ ‫منتجها األدبي على صفحات‬ ‫مداخالت من‬ ‫ٍ‬ ‫االنترنت‪ ،‬وتلقي‬ ‫األدباء الذكور الذين أسهموا‬ ‫في تثقيف المجتمع‪ ،‬وأيضا‬ ‫اخــتــاف الــوعــي المجتمعي‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الشاعر السعودي أحمد الزهراني‬

‫الناقد أسامة البحيري‬

‫القاص السعودي علي المالكي‬

‫الناقدة المصرية نانسي إبراهيم‬

‫الحديث عن سابقه‪ ،‬كل ذلك‬ ‫أدى إلى إعطاء الفرصة كاملة‬ ‫للمرأة السعودية لتقدم نفسها‬ ‫على الصعيد األدبي‪ ،‬بصورة‬ ‫نراها اآلن مشرقة ومتألقة‪،‬‬ ‫جعلتها تشارك في األمسيات‬ ‫الشعرية المشتركة‪ ،‬وتطبع‬ ‫نتاجها األدبي محل ّيًا باسمها‬ ‫الــصــريــح‪ ،‬مــتــصــدرًا غــاف‬ ‫ديوانها أو كتابها‪.‬‬ ‫في حين أن الشاعر أحمد‬ ‫قران الزهراني‏‏‏أستاذ اإلعالم‬ ‫ كلية االتــصــال واإلعـــام‬‫بجامعة الملك عبدالعزيز‬ ‫بجدة‪ ،‬والذي صدر له أربعة‬ ‫دواوين شعرية منها‪ :‬ال تجرح‬ ‫الــمــاء‪ ،‬ودمــاء الثلج‪ ،‬بياض‪،‬‬ ‫وتفاصيل الفراغ‪ ،‬كما أصدر‬ ‫كــتــاب "الــســلــطــة السياسية‬ ‫واإلعـ ــام فــي الــوطــن"‪ ،‬فهو‬ ‫ي ــرى أن الــتــجــربــة الشعرية‬ ‫النسائية الــســعــوديــة ليست‬ ‫جديدة في المشهد الثقافي‬ ‫الــســعــودي‪ ،‬بــل هــي تجربة‬ ‫قديمة بدأت منذ بداية دخول‬ ‫التعليم في المملكة‪ ،‬إذ برزت‬ ‫أســمــاء شــعــريــة نسائية في‬ ‫البدايات‪ ..‬لعل من أهم هذه‬ ‫األسماء الشاعرة‪ :‬ثريا قابل‪،‬‬ ‫والشاعرة سلطانة السديري‪،‬‬


‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬

‫وغــيــرهــمــا‪ ..‬وت ــوال ــت األج ــي ــال الشعرية حتى وجدت نصوص المرأة نجاحها بشكل‬ ‫وتطورت بشكل الفت‪ ،‬ومرّت بمراحل شعرية ملفت‪ ،‬تناولته الدراسات واألبحاث؛ ما هيأ‬ ‫متنوعة من الشعر العمودي والشعر الغنائي لها الجو المناسب‪.‬‬ ‫إلى قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر‪ ،‬وهذه‬ ‫وحين سُ ئل‪ :‬هل ما تــزال عقبة الكتابة‬ ‫المراحل حملت أسما ًء نسائية أثرت التجربة‬ ‫باالسم الصريح موجودة‪ ،‬صرّح المالكي أن‬ ‫الشعرية السعودية‪ ،‬وامتدت إلى المحيط‬ ‫الوقت الراهن لم تعد الكتابة باالسم الحقيقي‬ ‫كتابي‪ ،‬أو من خالل‬ ‫ٍ‬ ‫نتاج‬ ‫العربي من خالل ٍ‬ ‫مشكلة حقيقية لما تعيشه المرأة من فرص‬ ‫شعرية في مهرجانات وملتقيات‬ ‫ٍ‬ ‫مشاركات‬ ‫ٍ‬ ‫ليس على المستوى الثقافي فحسب‪ ،‬فنحن‬ ‫عربية‪.‬‬ ‫نقرأ في الوقت الــراهــن أسماء مبدعات‪،‬‬ ‫هناك زخم شعري نسائي سعودي كبير‪ ،‬ونحضر أمسيات لهن دون أدنى عقبات تحد‬ ‫وهناك أسماء شاعرات سعوديات بــارزات بين المتلقي وإبداعهن‪ ،‬وهــذا يعود لنظرة‬ ‫على المستوى المحلي والــعــربــي‪ ،‬وتتمتع المملكة للمرأة‪ ،‬وأنها عض ٌو فاع ٌل مطو ٌر‬ ‫تجربتهن بالعمق والــرؤيــة والــنــضــج‪ ،‬وهو ليس على المستوى الثقافي فحسب‪ ،‬ثقة‬ ‫مــا جعلهن فــي مقدمة التجارب الشعرية المتلقي بما يقرأ ويتابع ارتفعت‪ ،‬ونظرته‬ ‫النسائية العربية‪.‬‬ ‫القاصرة للمرأة تالشت إن لم تنعدم‪.‬‬ ‫أما القاص السعودي علي المالكي‪ ..‬الذي‬ ‫يبقى الرهان اآلن على الشاعرة السعودية‬ ‫يكتب القصة القصيرة والمقاالت الثقافية‪،‬‬ ‫أن تــخــرج مــن دور االنــتــصــار لــلــمــرأة على‬ ‫في عدد من المواقع اإللكترونية‪ ،‬فيرى أن‬ ‫الرجل‪ ،‬وأن تطور أدواتها وصورها اإلبداعية‬ ‫الشاعرة السعودية في البدايات األولى كانت‬ ‫لتنافس تلك األســمــاء العربية التي مألت‬ ‫تستخدم اسـ ًمــا مستعارًا للنشر‪ ،‬ألسباب‬ ‫الــســاحــة الــشــعــريــة نــصــوصــهــن‪ ،‬ألنــنــا من‬ ‫كثيرة أبرزها اجتماعية‪ ،‬ال سيما أن بعضهن‬ ‫الصعب أن نجزم بــأن الشاعرة السعودية‬ ‫ممن تحدت وغامرت‪ ،‬كانت تنحدر من أصول‬ ‫أصبحت مــقــروءة على نطاق أوســع عربيًا‬ ‫قبلية منغلقة ثقافيًا على نفسها‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫باستثناء بعض الــشــاعــرات الــاتــي قدمن‬ ‫الموجة الدينية التي اجتاحت كثيرًا من‬ ‫إبداعً ا أستطيع أن أقول عنه إنه قليل مقارنة‬ ‫المجتمعات‪ ،‬وحاربت اإلبداع لتعارضها مع‬ ‫بإبداعات عربية نسوية في مصر وغيرها‬ ‫مبادئهم ورؤاهم‪ ،‬وما إن تحللت هذه النظرة‬ ‫من العالم العربي‪.‬‬ ‫وغامر بعضهن للنشر بأسماء صريحة‪ ،‬حتى‬ ‫فيما مضى نستطيع أن نقول إن الشاعرة‬ ‫قرأنا إبــداعً ــا ما كــان له أن يجد له مكانا‬ ‫مع ظهور أسماء ورموز ذكورية كانت تسعى السعودية كانت تواجه تحديات تح ّد من‬ ‫إلبراز وجودها على حساب المرأة وإبداعها‪ ،‬ظهورها عربيًا‪ ،‬أمــا وقــد غيرت المملكة‬

‫‪93‬‬


‫نــظــرتــهــا تــجــاه الــمــضــمــون الــثــقــافــي‪ ،‬فــإن‬ ‫الشاعرة السعودية اآلن متاح لها اإلبــداع‬ ‫والــظــهــور لــيــس عــلــى الــمــســتــوى المحلي‬ ‫فحسب‪ ،‬وإنما على المستوى العربي وحتى‬ ‫العالمي‪.‬‬ ‫كذلك للناقد واألكاديمي المصري أسامة‬ ‫البحيري‪ -‬الــذي يعد من النقاد المتابعين‬ ‫للحركة الشعرية العربية‪ ،‬إذ قضى ما يقارب‬ ‫العشر ســنــوات ي ــدرس األدب والــنــقــد في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ثم عاد إلى مصر‬ ‫ليعمل أســتــاذا لــأدب العربي فــي جامعة‬ ‫طنطا‪ ،‬ولــه العشرات مــن الكتب النقدية‬ ‫واألدبية‪-‬رأي هام‪.‬‬ ‫فهو يرى أن فن الشعر مهيم ٌن على الساحة‬

‫األدبية السعودية فترة طويلة‪ ،‬بوصفه ديوان‬

‫العرب وتأخر ظهور األجناس األدبية األخرى‪،‬‬ ‫لكن ظل الرجل في الصدارة في المشهد‬ ‫الشعري في معظم المناطق السعودية‪ ،‬وخفَتَ‬

‫صوت المرأة الشاعرة وقل حضورها وظهور‬

‫صوتها المباشر وغير المباشر‪ .‬ولم يبرز‬ ‫في المشهد الشعري إال أسماء نسائية قليلة‬ ‫حققت حضورهن المميز‪ ،‬وتميزت بصوتها‬ ‫َصمَتها المميزة‪ .‬وتعد الشاعرة‬ ‫الخاص وب ْ‬

‫"ثريا قابل" من األصوات الشعرية النسائية‬ ‫السعودية الرائدة‪ ،‬وأثبتت حضورها الشعري‬

‫بقوة في قصائدها المنشورة في ديوانها‬ ‫المنشور "األوزان الباكية"‪ ،‬وحققت انتشارًا‬

‫كبيرًا من خالل قصائدها الغنائية التي شدا‬

‫‪94‬‬

‫بها كبار المطربين السعوديين‪ .‬وقد شكَّل‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫صدور ديوان "إلى متى يختطفونك في ليلة‬ ‫العرس" للشاعرة السعودية الكبيرة فوزية‬ ‫أبو خالد‪ ،‬انطالقة قوية للصوت الشعري‬ ‫النسائي السعودي في فترة الــصــراع بين‬ ‫تيار الحداثة والم ّد الصحوي في المجتمع‬ ‫السعودي‪ .‬وقــد حققت الشعرية النسائية‬ ‫السعودية نجاحً ا الفتًا وتميزًا واضحً ا‪ ،‬من‬ ‫خــال الشاعرات الالتي وسَّ ـ ْعــن مداركهن‬ ‫الثقافية والشعرية بالدراسة األكاديمية‪،‬‬ ‫واالنفتاح على الثقافات واآلداب العالمية‪..‬‬ ‫مثل الشاعرة الكبيرة بديعة كشغري التي‬ ‫قدمت إنجازًا شعريًا مهمًا تَ َمثّل في عدد من‬ ‫الدواوين الشعرية التي تعالج هموم وآمال‬ ‫الــذات الشاعرة والمرأة السعودية‪ ،‬ومنها‬ ‫ديوانها األخير "األحرف التي هي أنا" وهو‬ ‫سيرة شعرية بديعة‪ .‬كذلك تميزت الشاعرة‬ ‫السعودية المبدعة د‪ .‬أشجان هندي بتجربة‬ ‫شعرية تتميز بالصدق الفني وتمثيل الذات‬ ‫األنثوية التي تعاني كثيرًا من اإلحباط في‬ ‫مجتمع محافظ ال يلبي رغباتها وطموحها‬ ‫ولفتت الشاعرة السعودية «هند المطيري»‬ ‫األنــظــار بقصيدتها المشهورة التي تشكو‬ ‫فيها من تحكم األعــراف والتقاليد البدوية‬ ‫الــصــارمــة فــي مصير الــمــرأة الــســعــوديــة‪.‬‬ ‫وقدمت شاعرة الجنوب «شقراء المدخلي»‬ ‫تجربة شعرية تمتاح مــن اإلرث الثقافي‬ ‫الشعبي في جازان جنوبي السعودية‪ ،‬وتنفتح‬ ‫على التجارب الشعرية الحداثية‪ ،‬وتحاول‬ ‫مــن خــال الــمــزج بينهما تلبية طموحات‬ ‫الذات األنثوية الشاعرة الراغبة في التحرر‬


‫داغر‪ ،‬في كتابه؛ «معجم األسماء المستعارة‬

‫وأصحابها»‪" :‬إنّ الرمز من األساليب التي‬ ‫عمد إليها اإلنسان منذ أقــدم العصور في‬ ‫التستّر والتخفي عند البوح بأفكاره‪ ،‬والتعبير‬ ‫عــن خلجات النفس الدفينة‪ ،‬وإن ظاهرة‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬

‫واالنعتاق من كل القيود‪ .‬ولعل المكتسبات‬ ‫السياسية واالجتماعية التي أحرزتها المرأة‬ ‫مزيد من‬ ‫السعودية مؤخرا‪ ..‬تكون دافعًا إلى ٍ‬ ‫اإلبداع الشعري النسوي السعودي؛ ليواكب‬ ‫مسيرة الشعرية النسائية العربية في المراكز‬ ‫الثقافية واألدبية العربية العريقة‪.‬‬

‫يــقــول الــبــاحــث اللبناني يــوســف أسعد‬

‫أما األكاديمية المصرية نانسي إبراهيم التخفي وراء اســم مستعار عرفها األدب‬ ‫التي أصدرت كتابين في النقد األدبي هما‪ :‬العربي القديم منه والحديث‪ ،‬إذ أخذ بعض‬ ‫"التعالق النصي" و"بنية المفارقة"‪ ،‬فهي ترى أن ُكتّابنا ومؤلفينا قديماً وحديثاً‪ ،‬يتخفّون‪،‬‬ ‫صدور معجم مهم عن الشاعرات السعوديات وبينهم الكبار‪ ،‬ينشرون بنات أفكارهم‪ ،‬وراء‬ ‫لــلــبــاحــثــة ســــارة األزوري بــعــنــوان"ديــوان أسماء قلما اتخذوها وعرفوا بها في دنيا‬ ‫الــشــاعــرات الــســعــوديــات" خير دلــيــل على األدب"‬ ‫أن الشاعرة السعودية حققت وجــودًا الفتًا‬ ‫إن الكتابة باسم مستعار ظاهرة موجودة‬ ‫يستحق التقدير‪ ،‬إذ يضم المعجم أكثر من‬ ‫في كافة البلدان واللغات منذ قديم األزل‬ ‫اسم لشاعرات سعوديات متحققات‬ ‫(‪ٍ )500‬‬ ‫وحتى اآلن‪ ،‬فقد استخدم الكثير من األدباء‬ ‫شعريا‪ ،‬وقــد تــم اختيارهن وفقا لمعايير‬ ‫وأصحاب الكلمة االســم المستعار للهروب‬ ‫ولجان تقييم لنصوصهن‪ ،‬وهو ما يؤكد على‬ ‫من كافة أشكال السلطة والرقابة االجتماعية‬ ‫أن الشاعرة السعودية حققت وجودًا إبداعيًا‬ ‫والدينية‪.‬‬ ‫وشعريًا قويًا‪ ،‬بل لها تواجد قويٌّ في المشهد‬ ‫ومن هنا‪ ،‬لجأت الشاعرات السعوديات‬ ‫األدبي السعودي والعربي‪ .‬أما كتابة الشاعرة‬ ‫السعودية تحت اسم مستعار‪ ،‬فأتصور أنه وغيرهن من الشاعرات في بلدان عربية‬ ‫ال يخص الشاعرة السعودية فقط‪ ،‬فكثير أخرى إلى تبني أسماء أدبية؛ لتكون حاجز‬ ‫من الشعراء والشاعرات والكتاب والكاتبات األمــان بينهن وبين المجتمع‪ .‬إن الظاهرة‬ ‫العرب كتبوا وكتبن تحت أسماء مستعارة نتجت عن صــراع داخلي عانت منه المرأة‬ ‫لــظــروف متنوعة ومختلفة‪ ،‬لــلــهــروب من الــطــمــوحــة فــي مجتمع ذكــــوري ال يأخذ‬ ‫الرقابة المجتمعية وربما ألسباب أخرى‪ .‬إنجازات النساء على محمل الجد‪ ،‬فلجأت‬ ‫فلم يقتصر األمر على الشاعرة السعودية‪ ،‬الــمــرأة إلــى االحتجاب وراء اســم ذكــوري‪،‬‬ ‫مستبعدةً بذلك هويتها‪.‬‬ ‫وال يخص األمر مجتمعًا بعينه‪.‬‬ ‫* كاتبة من مصر‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪95‬‬


‫محمود‬ ‫الريماوي‬

‫أكتب ما‬ ‫يشبه روحي‬ ‫من سلبيات الجوائز أنها أشاعت أجواء من الكسل في أوساط النقّ اد‬ ‫القوي هو الذي يقودك إلى التأمل وطرح االفتراضات‬ ‫ّ‬ ‫العمل السردي‬

‫وُلد الكاتب محمود الريماوي في قرية بيت ريما‪ /‬رام اهلل عام ‪1948‬م‪ ،‬وانتقل‬ ‫مــع عائلته إلــى أريـحــا مطلع الخمسينيات‪ ،‬وحصل على شـهــادة التوجيهي من‬ ‫الكلية اإلبراهيمية في القدس‪ ،‬قبل نزوح عائلته في اليوم الثالث من حرب يونيو‪/‬‬ ‫حــزيــران (‪1967‬م) إلــى عــمّ ــان‪ .‬تنقّ ل بين بغداد وبـيــروت والقاهرة حتى منتصف‬ ‫السبعينيات‪ ،‬ثم تفرغ للصحافة منذ عام ‪1974‬م عندما قصد الكويت وعمل في‬ ‫صحيفة «الوطن»‪ ،‬وعاد إلى األردن في عام ‪1986‬م ليعمل في صحيفة «الرأي» كاتبَ‬ ‫عمود‪ ،‬ومحرراً‪ ،‬ورئيس ًا للقسم الثقافي حتى عام ‪2001‬م‪.‬‬ ‫مــن كتبه فــي القصة وال ــرواي ــة والـنـصــوص‪« :‬ال ـجــرح الـشـمــالــي»‪« ،‬كــوكــب تفاح‬ ‫وأمالح»‪« ،‬ضرب بطيء على طبل صغير»‪« ،‬غرباء»‪« ،‬القطار»‪« ،‬شمل العائلة»‪« ،‬إخوة‬ ‫وحيدون»‪« ،‬كل ما في األمر»‪« ،‬حلم حقيقي»‪« ،‬من يؤنس السيدة» و«عمّ تبحث في‬ ‫مراكش»‪.‬‬ ‫تالي ًا حــوار مع الريماوي حــول تجربته في الكتابة‪ ،‬وانتقاله من القصة إلى‬ ‫الرواية‪ ،‬وانطباعاته عن صدور مختارات له مترجمَة إلى اللغة اإليطالية‪ ،‬ومبادرته‬ ‫في تأسيس موقع «قاب قوسين» الثقافي اإللكتروني‪:‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬جعفر العقيلي‬

‫‪96‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫كنت وما زلت على ثقة بأنه ليس هناك‬ ‫قــالــب قصصي أفــضــل مــن غــيــره‪ ،‬وأن‬ ‫الفيصل هو في األصالة (بمعنى أن يكون‬ ‫المبدع هو نفسه وليس على غرار أحد‬ ‫غيره) وفي اإلتيان بجديد حقاً‪ ،‬حتى لو‬ ‫بدا هذا الجديد بسيطاً‪.‬‬

‫الطرافة تستند في األســاس إلــى نزوع‬ ‫فلسفي‪ ،‬فالحياة في تفاصيلها اليومية‬ ‫حياة للكائن البشري تبدو جدية جداً‪،‬‬ ‫لكن الــحــيــاة ككل عبثية؛ فنحن نحيا‬ ‫ونمضي في طرقنا إلى الموت في الوقت‬ ‫نفسه‪ .‬هــذا النزوع الفلسفي يمتد إلى‬ ‫رؤية العالقات البشرية ومظاهر الحياة‬ ‫المختلفة‪ ،‬التي تجمع ما هو نبيل وتافه‪،‬‬ ‫وفي الوقت نفسه ما هو جميل وقبيح‪.‬‬ ‫ذلــك يثير التأمل ويحمل على النقمة‬ ‫الساخرة‪.‬‬

‫ ¦تـحـضــر ال ـم ـفــارقــات الـسـخــريــة ب ـقــوة في‬ ‫ك ـتــابــاتــك‪ ،‬لـتـصـيــب وج ـع ـ ًا مـ ــا‪ ،‬ع ــام ـ ًا أو‬ ‫شـخـصـيـاً‪ ،‬حــدثـنــا عــن رؤي ـتــك الـخــاصــة‬ ‫لهذا الـجــانــب‪ ،‬وهــل يمكن عــدّ بعض ما‬

‫أم ــا الــجــانــب األخــيــر مــن ســؤالــك عن‬ ‫ارتباط بعض قصصي بتجارب حقيقية‪،‬‬ ‫فــهــذا حـــدث ف ــي بــعــض الــقــصــص وال‬ ‫أستطيع تجنب إغـ ــراء تــجــربــة مميزة‬

‫في بعض ال ــدول‪ ،‬خاصة في المغرب‪،‬‬ ‫يقفز بعض النقاد عن كتاباتي وكتابات‬ ‫محمود شقير في مجال القصة القصيرة‬ ‫ج ــداً‪ ،‬وهــو أمــر يبعث على االستغراب‬ ‫الشديد‪.‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫والمطلع‬ ‫ّ‬ ‫ ¦أنت من المجددين في الكتابة‪،‬‬ ‫ع ـلــى م ـج ـمــوع ـتــك األولـ ـ ــى «ال ـ ـعـ ــري في‬ ‫صـ ـح ــراء ليلية» (‪1972‬م)‪ ،‬ي ـجــد أن ـهــا ‪ρ ρ‬ال أصنّف نفسي كاتباً ساخراً‪ ،‬وبصراحة‬ ‫تتضمن قصص ًا قصار ًا جد ًا كتبتَ بعضها‬ ‫ال أرغب بذلك‪ ،‬ألن إلحاق نعت السخرية‬ ‫في سن مبكرة‪ ،‬هل يمكن عــدّ ذلــك رؤية‬ ‫باألدب يقلل من شأنه‪ .‬كذلك فإن وصف‬ ‫استشرافية لرواج هذا النوع من الكتابة‬ ‫إبداع ما بأنه جاد هو أمر مضحك أيضاً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فيما بعد؟‬ ‫فالكتابة بحد ذاتها عملية جــادة جــداً‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬لقد كتبت هــذا الــلــون فــي وقــت مبكر‪،‬‬ ‫فلماذا إلحاق نعت «الجدية» بما هو جاد‬ ‫ونــشــرت بــعــض األقــاصــيــص فــي مجلة‬ ‫في طبيعته؟ هل نقول عن المعدن إنه‬ ‫«مواقف» عام ‪1969‬م‪ .‬وقادتني إلى ذلك‬ ‫صلب مثالً؟ ال‪ ،‬ألن الصالبة من طبيعة‬ ‫نزعتي التجريبية‪ ،‬وثقتي المبكرة بأن‬ ‫المعادن عموماً‪.‬‬ ‫الحداثة تعني المرونة الفائقة‪ .‬لكني‬ ‫لكن هناك ما يمكننا دعوته بـ«الطرافة»‪.‬‬ ‫حينذاك‪ ..‬حين كتبت القصة القصيرة‬ ‫أنت تقرأ لكتّاب أميركا الالتينية ولكتّاب‬ ‫جداً لم أدَّعِ لنفسي أو لغيري بأني أقوم‬ ‫غربيين‪ ،‬وتلمس مــا أسميه «الطرافة‬ ‫بفتح مبين‪ ،‬كما يفعل بعض األدباء الذين‬ ‫المتأملة»‪ ،‬التي أخذت تسري في إبداعنا‬ ‫اكتشفوا هذا اللون في تسعينيات القرن‬ ‫الــعــربــي منذ نحو عقدين بــصــورة من‬ ‫الماضي!‬ ‫الصور‪.‬‬

‫تكتبه «أدب ـ ـ ًا س ــاخ ــراً»‪ ،‬وم ــا م ــدى ارتـبــاط‬ ‫قصصك بتجارب حقيقية حدثت معك؟‬

‫‪97‬‬


‫عشتها والــتــعــبــيــر عــنــهــا‪ .‬لــكــن حياتي‬ ‫ليست غنية أبداً‪ ،‬كي أكتب عنها خمس‬ ‫عشرة مجموعة قصصية مثالً! علماً أن‬ ‫التجارب الخاصة بكل كاتب هي المرجع‬ ‫التخييلي األول له‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫فهي تتألف من مجموعة من القصص‬ ‫والحكايات ضمن حكاية أكبر ناظمة‬ ‫للعمل‪ .‬كــل منهما ‪-‬القصة والــروايــة‪-‬‬ ‫بمنزلة شجرة ونبات في غابة السرد‪.‬‬

‫ ¦ت ـت ـح ــدث رواي ـ ـتـ ــك «حـ ـل ــم ح ـق ـي ـقــي» عــن‬ ‫ ¦يرى نقاد أنك تلعب في مجمل قصصك‬ ‫استغالل مرضى من قِ بَل أطباء وباحثين‬ ‫ب ــ«ال ـم ـن ـط ـقــة الـ ــرمـ ــاديـ ــة»‪ ،‬ال ـت ــي يصعب‬ ‫فــي حقول طبية‪ ،‬وانـتــزاع بعض أنسجة‬ ‫تـصـنـيــف ال ـق ـصــة فـيـهــا وفـ ـقـ ـ ًا لـلـمـفـهــوم‬ ‫هـ ــؤالء ال ـمــرضــى وخ ــاي ــاه ــم الـجــذعـيــة‬ ‫الكالسيكي المعروف‪ ،‬هل تتفق مع هذا‬ ‫ون ـق ـل ـهــا ل ـمــرضــى آخ ــري ــن‪ .‬إنـ ــه مــوضــوع‬ ‫الرأي؟‬ ‫جديد في عالم األدب‪ .‬ما سبب تناولك‬ ‫له‪ ،‬وكيف عبّرت عنه فني ًا في الرواية؟‬ ‫‪ρ ρ‬أكتب ما يشبه روحي‪ ،‬وما يبرهن على أن‬ ‫لي طريقتي في الكتابة السردية‪ .‬أحاول ‪ρ ρ‬في واقع األمر إن انتمائي للعالم الثالث‬ ‫زحزحة التقاليد الفنية عن موضعها‪،‬‬ ‫وقضاياه (مع إيماني بقيم كونية تتعدى‬ ‫والــتــنــفــس ف ــي مــنــطــقــة بــكــر جــديــدة‪.‬‬ ‫تقسيم العالم إلى عوالم) هو ما حداني‬ ‫البورتريه قــد يشكل بحد ذاتــه قصة‪،‬‬ ‫لكتابة هذه الرواية‪ .‬فقد قرأت خبراً عن‬ ‫َصــف ـاً لتحوالت طــرأت على مكان‬ ‫أو و ْ‬ ‫إمكانية القيام بعمليات احتيال طبية‬ ‫ما‪ .‬القصة قد تكون مثل خلية الجسم‬ ‫تقصر أعمار ضحاياها وتطيل أعمار‬ ‫ّ‬ ‫الصغيرة‪ ،‬أو العضلة التي تختزن أسرار‬ ‫المستفيدين مــنــهــا‪ .‬وتخيلت أن هــذا‬ ‫هذا الجسم‪.‬‬ ‫قابل للحدوث في بلد فقير ما‪ .‬وقد وقع‬ ‫ ¦انتقلت في مرحلة متأخرة من تجربتك‬ ‫اختياري على بنغالدش‪ .‬فتقمصت كسارد‬ ‫إلــى عــالــم ال ــرواي ــة‪ ،‬مــا ال ــذي دفـعــك إلى‬ ‫شخصية صحفي بنغالي ش ــاب يقوم‬ ‫خ ــوض ه ــذه الـتـجــربــة؟ أل ــم تـعــد القصة‬ ‫بتحقيق استقصائي عن عمليات طبية‬ ‫تتسع لما تريد قوله؟‬ ‫مشبوهة‪ .‬ومن خالل هذا التحقيق يتم‬ ‫إلقاء أضواء على المجتمع البنغالي وعلى‬ ‫‪ρ ρ‬إنه مجرد انتقال من موضع إلى آخر في‬ ‫التاريخ السياسي للبالد‪ .‬الرواية مكتوبة‬ ‫عالم السرد‪ .‬غالبية الروائيين وغالبية‬ ‫بصيغة شبه بوليسية‪ .‬وقدر ما أتعبتني‬ ‫القاصين في العالم جمعوا بين الرواية‬ ‫كتابتها فقد أمدّتني بالمتعة‪ ،‬فقد قرأت‬ ‫والقصة‪ ،‬عدا استثناءات قليلة‪ .‬قد تجد‬ ‫الكثير عن هذا البلد ورأيت بعض أفالم‬ ‫فــي بعض القصص مــادة شبه روائــيــة‪،‬‬ ‫الفيديو‪ .‬وقلت لنفسي إننا كعرب ننفتح‬ ‫ال لدي‬ ‫أقصد نواة مادة روائية خام‪ ،‬مث ً‬ ‫على اآلخر‪ :‬الغرب األميركي واألوروبي‪،‬‬ ‫قصة بعنوان «الــقــطــار»‪ .‬أقــول لنفسي‬ ‫ف ِل َم ال يتم االنفتاح على آخر غيره؟ على‬ ‫بعد عشرين عاماً من نشرها إنها كان‬ ‫فقراء مثلنا‪ ،‬لكنهم يمتلكون كبرياء كبيرة‪.‬‬ ‫يجب أن تُكتب كرواية! أما الرواية عموماً‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫لــقِ ـيَــت الــروايــة أصـــداء طيبة‪ ،‬لكن لم‬ ‫تتسنّ ترجمتها إلى اإلنجليزية المقروءة‬ ‫في شبه القارة الهندية‪ .‬أشعر باألسف‬ ‫الشديد ككاتب للرواية‪ ،‬ألنها لم تصل‬ ‫بعد خمس سنوات على صدورها إلى من‬ ‫تخاطبهم‪ ،‬وهم البنغال وعموم أبناء شبه‬ ‫القارة الهندية‪.‬‬ ‫ ¦تــركــز فــي قصصك عـلــى ثـيـمـ َتــي الغربة‬ ‫والوحدة‪ ،‬وتحتفي بالحكاية التي تؤسس‬ ‫للقصة؛ إلــى أي مــدى تستقي ما تبدعه‬ ‫من الواقع‪ ،‬ومتى تنحو للرمز؟‬ ‫‪ρ ρ‬الواقع هو مصدري دائماً‪ ،‬ال أصدر إال عنه‬ ‫وال شيء غيره‪ .‬علماً أني أنظر إليه في‬ ‫أبعاده المختلفة والمتشابكة‪ ،‬التي تفيض‬ ‫عمّا نسميه عــادة «األبــعــاد االقتصادية‬ ‫واالجتماعية والسياسية»‪ .‬فاالستيهامات‬ ‫على السواء ألن يكون كذلك‪ ،‬وأن يكون‬ ‫الخاصة باألنا الجماعية والفردية هي‬ ‫أمــراً واقعياً في الوقت نفسه‪ .‬ودعني‬ ‫جــزء من الــواقــع وأحــد تجلياته‪ .‬أحالم‬ ‫أق ــول إن أشــيــاء كثيرة ال نكتبها بفعل‬ ‫المرء وكوابيسه هي أمر واقعي تماماً‪.‬‬ ‫القيود والمحرمات االجتماعية‪ .‬أحياناً‬ ‫الطبيعة بكل كائناتها وتحوالتها جزء من‬ ‫ينحو الــاوعــي فــي أثــنــاء الكتابة إلى‬ ‫الواقع‪ .‬ال أكتب شيئاً من قبيل الخرافات‪،‬‬ ‫الترميز إلربــاك من يحتسبون أنفسهم‬ ‫علماً أن هذه جزء من «تسحير» الواقع‬ ‫«ح ـ ـرّاس ال ــص ــواب»‪ .‬مــن يــقــرأ رواي ــات‬ ‫(إضفاء سحر عليه)‪ .‬أحياناً أراني واقعياً‬ ‫إيطالية عن مجتمع مشهود له بالحشمة‬ ‫أكثر من الالزم! قليل االنشغال بالطبيعة‬ ‫والحياء ويقارنها بما نكتب سيكتشف أن‬ ‫واألسطورة‪ .‬لم أكتب عن ورقة دالية عنب‬ ‫ما ال نكتبه هو أكبر بكثير مما نكتبه‪.‬‬ ‫تتأهب للسقوط‪ ،‬أو عن عصفور تسقط‬ ‫أمــه العصفورة بجانبه ببندقية صياد‪¦ ،‬ر ُّشح كتابك القصصي «مكالمة منتصف‬ ‫لصوت قطْ عِ ساق‬ ‫ِ‬ ‫أو عن شجرة تصغي‬ ‫ال ـن ــوم» لـجــائــزة «فــانـيــا كونستانتينوفا»‬ ‫جارتها الشجرة بمنشار كهربائي‪ ،‬مثالً‪.‬‬ ‫البلغارية الوطنية (‪2016‬م)‪ ،‬وكان الكتابَ‬ ‫العربي الوحيد ضمن الكتب المتنافسة‪،‬‬ ‫أما الرمز فال أنحو إليه متعمداً‪ ،‬بل إن‬ ‫حدثنا عــن تجربة ترجمته‪ ،‬وكـيــف كان‬ ‫مخاض النص قد يقودني إليه أحياناً‪.‬‬ ‫تلقّ ي الكتاب باللغة األخرى؟‬ ‫ال‬ ‫وأحب أن يكون المرموز به أو إليه‪ ،‬قاب ً‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪99‬‬


‫‪ρ ρ‬هذا الكتاب يضم مختارات قصصية من‬ ‫مجموعات متعددة لي‪ ،‬وتمت الترجمة‬ ‫‪ρ ρ‬السينما والفنون البصرية ليس لها تأثير‬ ‫بــمــبــادرة وبــتــوافــق بيني وبــيــن الصديق‬ ‫كبير على تجربتي‪ .‬أعتمد على بصري‬ ‫الكاتب العربي البلغاري خيري حمدان‬ ‫ال ــخ ــاص‪ ،‬إضــافــة إل ــى بــصــيــرتــي! أمــا‬ ‫المقيم في صوفيا منذ زهــاء ربع قرن‪،‬‬ ‫اإليحاءات المتشابكة الواردة في السؤال‪،‬‬ ‫والذي يكتب باللغتين‪ .‬لقد قمت بالتوقيع‬ ‫فذلك مما أعترف به بل وأعتز به‪ ،‬إذ إن‬ ‫على الكتاب في صوفيا في قصر الثقافة‬ ‫العمل السردي القوي هو الذي يقودك‬ ‫وقامت بتقديمي ناقدة وناشطة أدبية‬ ‫إلــى الــتــأمــل وإل ــى طــرح االفــتــراضــات‪.‬‬ ‫بارزة هناك هي السيدة سيلفيا تشوليفا‪،‬‬ ‫التأثر بإيحاءات عدة ال بإيحاء واحد هو‬ ‫وفي مرة أخرى قام ممثلون بلغار بأداء‬ ‫أمر حسن‪ ،‬وهو المطلوب بالنسبة لي‪.‬‬ ‫درام ــيّ لقصص لــي‪ .‬لم تكن هناك أي‬ ‫مؤسسة وراء ذلــك‪ ،‬بل كــان األمــر ثمرة ¦وص ـلــت مـجـمــوعـتــك الـقـصـصـيــة «ضيف‬ ‫ع ـلــى الـ ـع ــال ــم» إلـ ــى ال ـقــائ ـمــة الـقـصـيــرة‬ ‫تعاون بين صديقين‪ .‬ولمعرفة صديقي‬ ‫لـ ـج ــائ ــزة ال ـم ـل ـت ـق ــى ل ـل ـق ـص ــة ال ـع ــرب ـي ــة‬ ‫بــدور النشر هناك فقد اختار دار نشر‬ ‫بالكويت (‪2017‬م)‪ .‬م ــاذا تـقــول عــن هذه‬ ‫بعينها وتم االتفاق معها‪ .‬وال شك أنها‬ ‫الجائزة المكرسة لفن القصة؟‬ ‫تجربة مثيرة؛ أن يصدر كتاب لكاتب وهو‬ ‫ال يدري ما هو محتواه! أقصد أن الجهل ‪ρ ρ‬جــائــزة الملتقى الثقافي بالتعاون مع‬ ‫بلغة مثل البلغارية يجعل الواحد ال يدري‬ ‫ٍ‬ ‫الجامعة األمــيــركــيــة فــي الــكــويــت‪ ،‬هي‬ ‫ما الــذي يحتويه الكتاب‪ .‬لكن الناقدة‬ ‫األه ــم عــربــيـاً فــي مــجــال الــقــصــة‪ .‬وقد‬ ‫السيدة سيلفيا أشادت كثيراً بالمحتوى‬ ‫نــجــحــت فــي وق ــت قــيــاســي بــعــد مضي‬ ‫وفي مقدمة مدرجة في صدارة الكتاب؛‬ ‫عامين على إنشائها بالنظر إلــى خبرة‬ ‫ما يدلل على أن المترجم قام بدور بارع‬ ‫المشرف عليها الروائي طالب الرفاعي‪،‬‬ ‫وجبار‪.‬‬ ‫وعالقاته الثقافية الواسعة‪ .‬وقد تلطف‬ ‫الناشر (دار فضاءات) ورشح مجموعتي‬ ‫ ¦صـ ــدرت ف ــي أواخ ـ ــر ع ــام ‪2016‬م تــرجـمــة‬ ‫«ضيف على العالم» للمسابقة في دورتها‬ ‫إيطالية لمختارات من قصصك بعنوان‬ ‫األخيرة‪ .‬وكان من طرائف هذه المسابقة‬ ‫«س ـحــابــة م ــن ع ـصــاف ـيــر»‪ ،‬وه ــي اإلصـ ــدار‬ ‫أن اســمــي قــد أ ُدرج بــســبــب الترتيب‬ ‫األول فــي سلسلة «فـصــول أدب ـيــة»‪ .‬وجــاء‬ ‫األلــفــبــائــي كــخــامــس اس ــم فــي القائمة‬ ‫فــي التقديم أن قصصك تـتــداخــل فيها‬ ‫القصيرة‪ .‬فلما تم اإلعــان عن الفائز‬ ‫الـ ـع ــوال ــم ال ـم ـخ ـت ـل ـفــة ل ـت ـق ــدم إيـ ـح ــاءات‬ ‫األول وهو الزميلة شهال العجيلي‪ ،‬فقد‬ ‫م ـت ـشــاب ـكــة ال ي ـم ـكــن ف ـصــل أح ــده ــا عن‬ ‫«اجتهد» مــحــررون ثقافيون وصنّفوني‬ ‫اآلخر‪ .‬وأنها تنتمي إلى عالم سينمائي‪.‬‬ ‫الفائز بالمركز الخامس! علماً أن لوائح‬ ‫ك ـي ــف ت ـن ـظ ــر إل ـ ــى ع ــاق ـت ــك بــالـسـيـنـمــا‬ ‫والـفـنــون البصرية المختلفة‪ ،‬وهــل لها‬ ‫الجائزة تضم قائمة طويلة وقائمة قصيرة‬ ‫تأثير في تجربتك؟‬

‫‪100‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫وفائزاً أوالً‪ ..‬وال تضم فائزاً ثانياً وثالثاً‬ ‫ورابــع ـاً وخــامــسـاً! وقــد أصــدر الملتقى‬ ‫الثقافي بياناً توضيحياً بهذا الشأن‪ ،‬لم‬ ‫تنشره العديد من الصحف!‬ ‫ومن الطرائف أيضاً أني لم أتمكن من‬ ‫حضور حفل الملتقى في الكويت لتسلّم‬ ‫جــائــزة كــويــتــيــة‪ ،‬وذل ــك لــظــروف دعني‬ ‫أسمّيها هنا «ظروفاً خاصة»‪.‬‬ ‫ ¦هل تعتقد بوجود أثر للجوائز الثقافية‬ ‫على المشهد الثقافي؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال شــك أن الــجــوائــز حــركــت المشهد‬ ‫الثقافي‪ ،‬وحـ ّفــزت المبدعين‪ ،‬وعرّفت‬ ‫الــقــارئ والجمهور على أسماء لم تكن‬ ‫ذات رواج تجاري‪ .‬والمشكلة تكمن وتبدأ‬ ‫في حلول الجوائز محلَّ النقاد‪ .‬والعديد‬ ‫من النقاد باتوا يؤْثرون أن يجدوا مكاناً‬ ‫لهم في لجان التحكيم‪ ،‬بدل أن يبادروا‬ ‫لمواكبة اإلصــــدارات وظــواهــر الحياة‬ ‫الثقافية‪ .‬كما إن بعضهم ينتظر اإلعالن‬ ‫عن النتائج كي يسارع إلى اإلضاءة على‬ ‫األعمال الفائزة‪ ،‬وبهذا اختار هؤالء دور‬ ‫التابع ال « القائد»‪ .‬علماً أن هناك عدداً‬ ‫كبيراً من الكتب المهمة ال تشارك في‬ ‫المسابقات‪ ،‬أو أنها شاركت ولم يحالف‬ ‫أصــحــابــهــا الــحــظ‪ ،‬وال يــقـلّــل ذل ــك من‬ ‫أهميتها أبداً‪.‬‬ ‫وه ــك ــذا‪ ،‬ف ــإن الــجــوائــز عــلــى أهميتها‬ ‫وإيجابيتها‪ ،‬قد أشاعت أجوا ًء من الكسل‪،‬‬ ‫ومن الخطأ الفاحش والمعيب تصنيف‬ ‫المبدعين على أن هذا نال جائزة‪ ،‬وذاك‬ ‫يحظ بجائزة! فأدباء عصر النهضة‬ ‫ً‬ ‫لم‬ ‫العربية الحديثة فــي الــقــرن العشرين‬

‫أثــبــتــوا حــضــورهــم وص ــع ــدوا وأســســوا‬ ‫للحداثة وكــانــوا رواده ــا بــجــدارة‪ ،‬بغير‬ ‫جوائز مُنحت لهم أو سعوا إليها‪.‬‬ ‫ويــنــقــص ه ــذه الــجــوائــز أن تــشــرع في‬ ‫ترجمة األعــمــال الــفــائــزة‪ ،‬ففي جائزة‬ ‫الملتقى الثقافي مثالً‪ ،‬ال يُعقل أن يحظى‬ ‫كــتــاب قــصــصــي واحـ ــد بــالــتــرجــمــة في‬ ‫العام‪ .‬والمأمول في ظل فوضى النشر‬ ‫أن يحظى الــكــتــاب اإلب ــداع ــي برعاية‬ ‫أكبر من مؤسسات مختلفة في القطاع‬ ‫الخاص‪ ،‬ومــن الجامعات التي ما يزال‬ ‫معظمها منقطعاً عــن الحياة الثقافية‬ ‫وعن مجتمع الثقافة‪ ،‬وليس بالضرورة‬ ‫ال‬ ‫بتخصيص جــوائــز‪ ،‬بــل بالترجمة مث ً‬ ‫الى لغات عالمية وذلك من أجل تحرير‬ ‫الكتاب اإلبــداعــي من إكــراهــات السوق‬ ‫الضيقة‪ ،‬ومحدودية رقعة القارئين‪ ،‬وألن‬ ‫العالم أصبح مفتوحاً وعلى تواصل حيّ‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪101‬‬


‫بين مكوناته‪ ،‬فال يصح والحالة هي هذه‬ ‫أن تكون الثقافة العربية غائبة عن اللغات‬ ‫الحية‪.‬‬ ‫ ¦بادرتَ إلى إنشاء موقع إلكتروني ثقافي‪،‬‬ ‫منصة للتفاعل والتجسير بين‬ ‫ّ‬ ‫أصـبــح‬ ‫األدبــاء والكتّاب واإلعالميين في مشرق‬ ‫الوطن العربي ومغربه‪ .‬حدثنا عن هذه‬ ‫ال ـت ـج ــرب ــة‪ ،‬وك ـي ــف ت ـن ـظــر ل ـهــا ب ـعــد سبع‬ ‫سنوات على التأسيس؟‬

‫‪102‬‬

‫‪ρ ρ‬إنشاء موقع ثقافي إلكتروني تجربة صعبة‪،‬‬ ‫تتطلب مــن صاحبها أن يبذل تضحية‬ ‫هائلة مقابل ال شيء تقريباً! أعمل في‬ ‫موقع «قاب قوسين» وحيداً‪ ،‬وأعكف يومياً‬ ‫على انتقاء المواد وتحريرها والبحث عن‬ ‫صور أو مادة بصرية مناسبة‪ ،‬وال يمكنني‬ ‫أن أض ّم أحداً من الزمالء معي‪ ،‬فال أحد‬ ‫يسعه العمل متطوعاً في هذا الزمن وإلى‬ ‫أمد غير محدود‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫وق ــد اكــتــشــفــت مــن خ ــال عــمــلــي منذ‬ ‫انطالق الموقع في أكتوبر ‪2010‬م أن‬ ‫ال من المبدعين يبحثون‬ ‫هناك عدداً هائ ً‬ ‫عــن فــرصــة لــلــنــشــر‪ .‬فــالــنــشــر الــورقــي‬ ‫يخصص مساحات محدودة لإلبداع‪ ،‬وقد‬ ‫نشرنا آالف النصوص خالل سبع سنوات‬ ‫معظمها على مستوى جيد‪ .‬واألجــيــال‬ ‫الشابة تخطئ كثيراً في النحو وأحياناً‬ ‫في اإلمالء‪ ،‬ناهيك عن الترقيم‪ ،‬وهناك‬ ‫كسل غريب يحمل أدباء هذه األيام على‬ ‫تجاهل وضــع الهمزات فــي مواضعها!‬ ‫فــاألم ‪-‬وهــي الــوالــدة‪ -‬تصبح مع الرقن‬ ‫السريع «االم» (جمع ألم)! وهناك جهل‬ ‫كبير بصياغة األخــبــار‪ ،‬رغــم أن هذه‬ ‫الصياغة ميسورة التعلم‪ ،‬وال تحتاج إلى‬ ‫عبقرية‪ .‬وهــنــاك أيضا جهل بتجنيس‬ ‫الــكــتــابــات‪ ،‬فــقــد يصلني مــقــال قصير‬ ‫مكتوب على طريقة خبر‪ ،‬وال يدري كاتبه‬ ‫إن كان قد كتب مقاالً أم خبراً!‬ ‫ومع الدور الذي لعبته المواقع الثقافية‬ ‫العربية فــي العقد األخــيــر‪ ،‬مــن تقديم‬ ‫مواهب وإرساء صحافة ثقافة يومية‪ ،‬ومع‬ ‫االعتراف الواقعي بها‪ّ ،‬إل أن هذه التجربة‬ ‫تحظ بــأي اعــتــراف مؤسساتي‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫لم‬ ‫حظيت بدراسة الدارسين‪ .‬وال سأل أحد‬ ‫نفسه عن مصدر تمويل هذه المواقع؟!‬ ‫أقـــول ذل ــك لــيــس مــن ب ــاب التشكيك‪،‬‬ ‫بــل على العكس‪ ،‬بغرض التأشير إلى‬ ‫أن النسبة األكبر منها ممولة ذاتياً من‬ ‫أصحابها‪ ،‬وهؤالء ليسوا أبداً من رجال‬ ‫األعمال أو الميسورين‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫عبدالكريم واكريم‬ ‫الجيل الجديد من السينمائيين المغاربة تجاوز الروّ اد‬ ‫السينما المغربية أصبحت الثانية عربيً ا منذ عدة سنوات‪ ،‬بل إنها‬ ‫الكم الذي تُ نتجه سنويا‪،‬‬ ‫أصبحت منافسة للسينما المصرية‪ ،‬وذلك في ِّ‬ ‫شهد المغرب مؤخرا طفرة مهمة في تنظيم المهرجانات السينمائية‪،‬‬ ‫متنفسا مهمً ا لعرض األفالم أمام أكبر عدد من الجماهير‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وهي تشكل‬ ‫وفي مناطق مختلفة‪ ،‬حتى النائية منها‬ ‫هناك مخرجون مغاربة يُ بدعون أفالما ذات قيمة فكرية وجمالية‬ ‫وسينمائية يمكن لهم المنافسة بها عالميا‬

‫يبدو أن قطار الفن السابع بالمغرب ضاعف سرعته فــي السنوات األخـيــرة‪،‬‬ ‫فثمة وفرة ملحوظة في عدد المهرجانات المخصصة لألفالم‪ ،‬سواء القصيرة أو‬ ‫الطويلة أو الوثائقية‪ ،‬إلى درجة أن صار لكل مدينة مهرجان أو أكثر‪ .‬ثمة كذلك‬ ‫تــزايــد كبير فــي نسب األعـمــال السينمائية المنتَجة‪ ،‬وإقـبــال ملحوظ مــن لدن‬ ‫المستثمرين األجانب‪ ،‬مع بزوغٍ لجيل قوي ومثقف من السينمائيين‪.‬‬ ‫عن هذا التحول الملموس في السينما المغربية يتحدث الناقد عبدالكريم‬ ‫واكريم‪ ،‬عن النقط المضيئة والمظلمة في حقل الفن السابع بالمغرب‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪103‬‬


‫واكريم الــذي يواكب حركية الفن السابع بعمق وجدية‪ ،‬يــرأس تحرير مجلة‬ ‫«سينفيليا»‪ ،‬وسبق لــه أن أصــدر ع ــددًا مــن المؤلفات فــي هــذا الـصــدد مــن بينها‪:‬‬ ‫«أسئلة اإلخــراج السينمائي في المغرب»‪« ،‬كتابات في السينما»‪« ،‬تجارب جديدة‬ ‫في السينما المغربية»‪ ،‬إضافة إلى مشاركاته العديدة في المهرجانات السينمائية‬ ‫تدخ ٍل في الـنــدوات الفكرية‪ ..‬أو كعضو لجان‬ ‫داخــل المغرب وخــارجــه‪ ،‬ســواء كمُ ِّ‬ ‫التحكيم‪.‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬عبدالرحيم اخلصار*‬

‫تُشرِّف وجــه المغرب السينمائي‪ ،‬فيما‬ ‫تظل خمسة أخــرى متوسطة المستوى‪،‬‬ ‫والباقي فيه ما يمكن أن ينافس تجاريًا‬ ‫وينجح فــي شباك التذاكر فقط‪ ،‬رغم‬ ‫مستواه األقل فنيا‪.‬‬

‫ ¦مــا مــوقــع السينما المغربية الـيــوم على‬ ‫خارطة الفن السابع في العالم العربي؟‬ ‫م ـثــا ف ــي ال ـمــوســم ال ـم ـن ـصــرم كــانــت هي‬ ‫الثانية عربيًا من حيث كــمِّ اإلنـتــاج‪ ،‬هذا‬ ‫طبعا أمرٌ جيد‪ ،‬لكني أتساءل عن القيمة‬ ‫الفنية؟‬ ‫ ¦إل ــى م ــا ت ـع ــزو ارتـ ـف ــاع ح ـجــم االس ـت ـث ـمــار‬ ‫ف ــي ح ـق ــل ال ـس ـي ـن ـمــا ب ــال ـم ـغ ــرب؟ أق ـصــد‬ ‫‪ρ ρ‬يُمكن الجزم وبدون أية مبالغة أن السينما‬ ‫المستثمرين األجانب طبعا؟‬ ‫المغربية أصبحت الثانية عربيًا منذ عدة‬ ‫سنوات‪ ،‬بل إنها أصبحت منافسة للسينما‬ ‫المصرية‪ ،‬وذلــك في الك ِّم الــذي تُنتجه‬ ‫سنويا‪ ،‬والذي يراوح بين عشرين وخمسة‬ ‫وعشرين فيلما طويال‪ ،‬وما يناهز سبعين‬ ‫فيلمًا قصيرًا‪ .‬لكن يظل المشكل الحقيقي‬ ‫للسينما المغربية هــو مشكل التوزيع‬ ‫وصاالت العرض‪ ،‬إذ أنَّ كثيرًا من األفالم‬ ‫تنتظر طويال لكي تُعرض في القاعات‬ ‫السينمائية التجارية التي تتناقص سنة‬ ‫بــعــد أخــــرى‪ ،‬وتــظــل الــمــهــرجــانــات هي‬ ‫المتنفس الوحيد‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫‪ρ ρ‬يجد األجانب في المغرب ومنذ سنوات‬ ‫تسهيالت ضريبية ومالية وإدارية تجعلهم‬ ‫يختارونه كوجهة لتصوير أفالمهم‪ ،‬إضافة‬ ‫لكون المغرب يتوافر على استوديوهات‬ ‫صـــــ ِّورَت فيها أفــام‬ ‫مهمة بـ ـ ــورزازات ُ‬ ‫عالمية مهمة‪ ،‬ومع الوقت أصبح ممكنا‬ ‫ألية منطقة في المغرب إن تتحول إلى‬ ‫استوديو تصوير ألفالم عالمية‪ .‬هذا دون‬ ‫نسيان اليد العاملة الكفء من تقنيين‬ ‫وعــمــال بــاطــوهــات وكــومــبــارس‪ ،‬الذين‬ ‫تمرسوا لسنوات طويلة‪ ،‬وأصبحوا قادرين‬ ‫على مــســايــرة المستوى المهني الــذي‬ ‫يشتغل به األوروبيون واألمريكيون‪.‬‬

‫أما بخصوص القيمة الفنية‪ ..‬فيمكن القول‬ ‫إنّ السينما المغربية تُنتج سنويا أربعة إلى‬ ‫خمسة أفالم مقبولة فنيًا‪ ،‬ويمكن لها أن ¦أعتقد أن األسـمــاء الجديدة أيضا ترفع‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρ ρ‬أكيد أن أسماء كـ(فوزي بنسعيدي وهشام‬ ‫العسري ومحمد مفتكر وحكيم بلعباس)‬ ‫وآخرين هي بمثابة أمل للسينما المغربية‪،‬‬ ‫إذ إن ما أنجزوه من أفالم يُع ُّد من أهم ما‬ ‫أ ُنجز في تاريخ السينما المغربية‪ ،‬مع العلم‬ ‫أنه ما يزال لديهم ما يضيفونه للسينما‬ ‫المغربية‪ .‬هــم جيل جديد يحم ُل ه ّمًا‬ ‫فكريًا وفنيًا ورؤي ًة واضح ًة لما يصنعونه‬ ‫من أفالم‪ ،‬وقد تجاوزوا جيل الروَّاد دون‬ ‫أن يُحدثوا قطيعة معهم‪ .‬هم طالئع «موجة‬ ‫جديدة» في السينما المغربية‪ ،‬فرغم أن‬ ‫لكل واحد منهم أسلوبه الخاص‪ ،‬إال أن‬ ‫ما يجمعهم هو إعطاء األهمية للجانب‬ ‫الجمالي دون إغفال االهتمام باألفكار‬ ‫والمواضيع المتناولة‪ ،‬لكن باإلصرار على‬ ‫صياغتها في أسلوب بصري يعطي للسرد‬ ‫السينمائي واللغة البصرية األولوية في‬ ‫إيصال تلك األفكار والتيمات‪.‬‬ ‫ ¦ه ـن ــاك ُب ـع ــد ت ـي ـمــاتــي وجـ ـغ ــراف ــي يــراهــن‬ ‫ع ـل ـيــه ال ـم ـغ ــرب ع ـل ــى م ــا يـ ـب ــدو‪ :‬سـيـنـمــا‬ ‫المرأة‪ ،‬سينما المؤلف‪ ،‬سينما الشعوب‪،‬‬ ‫الـسـيـنـمــا اإلف ــري ـق ـي ــة‪ ،‬سـيـنـمــا ال ـج ـنــوب‪،‬‬ ‫الفيلم األمــازيـغــي‪ ،‬الفيلم المتوسطي‪،‬‬ ‫الفيلم الـمـغــاربــي‪ ،‬هــل يـبــدو لــك أن ثمة‬ ‫استراتيجية حقيقية مــن لــدن الجهات‬ ‫الـمـســؤولــة عــن تنظيم الـمـهــرجــانــات من‬

‫‪ρ ρ‬شهد المغرب مــؤخـرًا طــفــر ًة مهم ًة في‬ ‫تنظيم المهرجانات السينمائية‪ ،‬وهي‬ ‫تشكل متنفسً ا مهمًا لعرض األفالم أمام‬ ‫أكبر عــدد من الجماهير‪ ،‬وفــي مناطق‬ ‫مختلفة‪ ،‬حتى النائية منها‪ ..‬والــتــي ال‬ ‫توجد بها قاعات سينمائية‪ .‬لكن عَ رَفتْ‬ ‫هذه الظاهرة نوعً ا من التسيُّب خصوصا‬ ‫حينما أ ُنشئت لجنة لدعمها‪ ،‬بحيث أصبح‬ ‫بعضهم يرى في تنظيم مهرجان سينمائي‬ ‫دجاجة تبيض ذهبًا‪ ،‬وهكذا ترامى من‬ ‫ليس له صلة بالميدان السينمائي على‬ ‫تنظيم مهرجان سينمائي‪ ،‬وأصبح كثير‬ ‫مــن الــمــهــرجــانــات نسخة طــبــق األصــل‬ ‫لبعضها‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫مــن إي ـقــاع الـسـيـنـمــا الـمـغــربـيــة‪ ،‬تجعلها‬ ‫أيـضــا أكـثــر عمقا‪ ،‬أستحضر مثال فــوزي‬ ‫بنسعيدي وهشام العسري وأسماء أخرى‪.‬‬ ‫هل هــذا صحيح؟ كيف يقرأ عبدالكريم‬ ‫واكريم حركة الجيل الجديد؟‬

‫أجـ ــل إعـ ـط ــاء ص ـفــة «الـ ـن ــوع أو الـ ـج ــودة»‬ ‫للحركة السينمائية في المغرب‪ ،‬أم أن ما‬ ‫نشهده هو باألساس نتيجة مصادفات ال‬ ‫أقل وال أكثر؟‬

‫لكن هذا ال يجب أن يُخفي الدور المهم‬ ‫لكثير مــن الــمــهــرجــانــات السينمائية‬ ‫الــمــغــربــيــة‪ ..‬خصوصا كما ذكـــرتَ تلك‬ ‫المتخصصة فــي تيمات معينة‪ ،‬وتلك‬ ‫المتخصصة في سينما الهواة التي كانت‬ ‫سببًا في ظهور أسماء سينمائية موهوبة‬ ‫ستقول كلمتها في قادم األيام‪.‬‬ ‫لــكــنــي ال أرى أيـ ــة اســتــراتــيــجــيــة من‬ ‫طــرف الجهات المسؤولة عــن القطاع‬ ‫لتطوير وتقنين ظــاهــرة المهرجانات‬ ‫السينمائية؛ بــل بالعكس‪ ..‬تعمل لجنة‬ ‫دعم المهرجانات في تشكيلتها الجديدة‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪105‬‬


‫على قتل مــهــرجــانــات سينمائية مهمة‬ ‫تخصصت في سينما الهواة‪ ،‬وتزيد الدعم‬ ‫لمهرجانات وليدة لم يظهر بعد خطُّ ها‬ ‫الفني والفكري والسينمائي‪ ،‬إضافة لنفخ‬ ‫مهرجان مراكش السينمائي بدعم إضافي‬ ‫هــو ال ــذي لــيــس فــي حــاجــة لــدعــم هــذه‬ ‫اللجنة‪ ،‬ويبدو من غير العدل أن ينافس‬ ‫مهرجانات صغيرة ومتوسطة في الفُتات‬ ‫الذي يُمن ُح لها‪.‬‬ ‫ ¦بخصوص مـهــرجــان مــراكــش‪ ،‬كيف تقرأ‬ ‫إقصاء األفالم المغربية من المشاركة في‬ ‫الدورة األخيرة لهذا المهرجان؟‬ ‫‪ρ ρ‬هــذه سابقة فــي تــاريــخ الــمــهــرجــان‪ ،‬ت ّم‬ ‫اإلقصاء بدعوى أن ما أ ُنتج كان هزيال‬ ‫ورديــئــا‪ ،‬وال يستحق ال الــمــشــاركــة في‬ ‫المسابقة الرسمية لهذا المهرجان‪ ،‬وال‬ ‫حتى في فقرة «نبضة قلب» التي كانت‬ ‫تُعرض فيها أفالم مغربية خارج المسابقة‬ ‫الرسمية‪.‬‬ ‫لكن مع مــرور أيــام المهرجان تَبَيَّن أن‬ ‫هنالك أفــامــا مشاركة فــي المسابقة‬ ‫الرسمية‪ ،‬أقــل ما يقال عنها أنها دون‬ ‫مستوى المشاركة في مهرجان دولي‪ ،‬هذا‬ ‫إضافة إلى أن األفالم المشاركة عُرضت‬ ‫خــال هــذه ال ــدورة بعد أن عُرضت في‬ ‫عدَّ ة مهرجانات أخرى‪ ،‬وهو األمر الذي ال‬ ‫يمكن أن يحصل في مهرجان دولي مهم‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫وإذا علمنا أن فيلمين مغربيين على األقل‬ ‫لمخرجين متميزين عُرضا في مهرجانين‬ ‫مهمين هما برلين ودبي‪ ،‬فإن مزاعم كون‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫السينما المغربية ال تُنتج سوى الــرداءة‬ ‫مردود عليها‪ .‬إذ إننا كما يمكن أن نجد‬ ‫أفالما مغربية رديئة‪ ،‬فيمكن لنا كذلك‬ ‫أن نجد أخــرى جيدة تستحق المشاركة‬ ‫في مهرجان بحجم مهرجان مراكش أو‬ ‫مهرجان أهم منه‪.‬‬ ‫ِحين نتحدث عن ضعف األفالم المغربية‬ ‫ال يجب التعميم‪ ،‬فرغم أن هناك كثيرًا‬ ‫من الرداءة التي يتشبَّث أصحابها بنعتها‬ ‫أفالماً سينمائية‪ ،‬وما هي بذلك‪ ،‬فهناك‬ ‫مخرجون مغاربة بالمقابل يُبدعون أفالمًا‬ ‫ذات قيمة فكرية وجمالية وسينمائية يمكن‬ ‫لهم المنافسة بها عالميًا‪ .‬إضافة إلى أن‬ ‫أفالمًا مغربي ًة شاركت طيلة سنوات في‬ ‫المسابقة الرسمية لهذا المهرجان كانت‬ ‫ُقصيَت وكانت جيدة‬ ‫مُشَ رِّفة‪ ،‬وأخــرى أ ِ‬ ‫وتستحق المشاركة‪ ،‬وبعد ذلك شاركت‬ ‫في مهرجانات عالمية ونالت جوائز بها‪.‬‬ ‫وعلى ما يبدو أن مدير المركز السينمائي‬ ‫السابق نــور الــديــن الصايل كــان يُشكل‬ ‫نوعا من التوازن ضد السيطرة الكاملة‬ ‫للفرنسيين عــلــى الــمــهــرجــان‪ ،‬وحينما‬ ‫غاب‪ ..‬سيطر برونو بارد ومليتا توسكان‬ ‫دوبالنتيي ُكلِّيا وغيَّبا السينما المغربية‪.‬‬ ‫َفـ َكــونُــهــا غائبة حتى عــن فــقــرة «نبضة‬ ‫قــلــب»‪ ،‬الــتــي أ ُنــشــئــت لكي تــعــرض فيها‬ ‫األفــام المغربية خارج المسابقة‪ ،‬دلي ٌل‬ ‫واض ٌح على أن األمر ُمبَيَّت له‪ ،‬وليس وليد‬ ‫الصدفة أو يمكن إرجاعه لضعف األفالم‬ ‫ُّ‬ ‫المغربية‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعر المصري‬

‫كمال أبو النور‬ ‫قصيدة النثر تجدد نفسها باستمرار‪ ،‬والفيسبوك أدى إلى زيادة‬ ‫المتابعين للحركة الشعرية‬

‫يرى الشاعر المصري كمال أبو النور أن الفيس بوك من المستجدات العصرية‬ ‫التي منحت قبلة الحياة إلى الشعر‪ ،‬وأكد في حوار مع "الجوبة" أن قصيدة النثر‬ ‫العربية تجري بأقصى سرعة كأنها في ماراثون‪ ..‬لدرجة أنّ شعراء عرب تخطوا‬ ‫أقرانهم في أوروبا واألمريكتين‪ ،‬وأنّ السعودية تعج اآلن بالكثير من شعراء الحداثة‬ ‫الفاعلين في حركة قصيدة النثر العربية‪ .‬وكمال أبو النور شاعر مصري من جيل‬ ‫التسعينيات‪ ،‬من إصداراته "قفزة أخيرة لسمكة ميتة" و"موجات من الفوبيا"‪.‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬عصام أبو زيد‬

‫ ¦هل ترى أن قصيدة النثر تحررت من‬ ‫المعايير التي وضعتها لها الناقدة‬ ‫ال ـفــرن ـس ـيــة "سـ ـ ـ ــوزان بـ ــرنـ ــار" رائ ـ ــدة‬ ‫صياغة مصطلح "قصيدة النثر"؟‬ ‫‪ρ ρ‬أنــا ال أؤمــن بشروط ســوزان برنار‬ ‫( االختصار والتوهج والمجانية)؛‬

‫ألن قصيدة النثر ليس لها شروط‬ ‫وال حدود‪ ،‬وال أؤمن بكل النظريات‬ ‫األدبــيــة؛ ألنها تأتي بعد الكتابة‪..‬‬ ‫يــحــاول النقاد أن يسلسلوا الشعر‬ ‫فيبحثون عن سجن له‪ ،‬ويخترعون‬ ‫النظريات التي تسقط بعد أعــوام‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪107‬‬


‫قليلة‪ .‬الشعراء يبحثون كل فترة من الزمن‬ ‫عن الخروج من األطر المشتركة التي كتب‬ ‫بها مجموعة من الشعراء السابقين لهم‪.‬‬ ‫ ¦كيف ترى "الشاعر" في عالمنا المعاصر؟‬

‫‪108‬‬

‫‪ρ ρ‬الــشــاعــر صــانــع الــعــالــم‪ ..‬مـــر ًة يرسمه‬ ‫مرتبًا وأنيقًا ورومانسيًا‪ ،‬ومــر ًة يرسمه‬ ‫فوضويًا وقبيحً ا وواقعيًا‪ ،‬ومــر ًة يتخبط‬ ‫بين االثــنــيــن‪ .‬الشاعر هــو الــمــرآة التي‬ ‫نرى فيها المكان والزمان والبشر الذين‬ ‫يعيشون حوله‪ ،‬وهو جزء من هؤالء‪ ..‬فإن‬ ‫كان هــؤالء البشر تعساء وفقراء وجهلة‬ ‫والبشر الذين أعيش معهم‪.‬‬ ‫ومقهورين ومحرومين من أبسط حقوقهم ¦ك ـيــف تـنـظــر إل ــى تـجــربـتــك ف ــي ديــوانــك‬ ‫في حرية االختيار‪ ،‬وأهم هذه االختيارات‬ ‫الشعري "موجات من الفوبيا"؟‬ ‫اختيار من يدير شئون حياتهم‪ .‬الشاعر‬ ‫‪ρ ρ‬قصائد الديوان قصائد بسيطة متخففة‬ ‫هنا أمــام خيارين‪ ..‬إما أن ينأى بنفسه‬ ‫من الغموض المغلق والسريالية بمفهومها‬ ‫ويختار عالمًا وهميًا آخــر يعيش فيه‬ ‫القديم‪ .‬ال أحب اختيار األلفاظ المهمشة‪،‬‬ ‫بقناعة الرومانسيين الحالمين بواقع‬ ‫وال الصور التي ترهق المتلقي في حل‬ ‫ال يجدوه على األرض‪ ،‬ويشكل ويرسم‬ ‫شفرتها وال يصل في النهاية إلى الحل‪،‬‬ ‫عالمه باأللوان التي يعشقها‪ ،‬وبالحبيبة‬ ‫وأعشق المجاز الشفاف طــوال الوقت‬ ‫التي يتمناها‪ ،‬وإما أن ينضم إلى هؤالء‬ ‫وأبحث عن الدهشة والمفارقة‪ .‬أحيانًا‬ ‫الــذيــن يسكنون بــجــواره ويجلسون معه‬ ‫ال‬ ‫ألتقط لغة الــشــارع وأصنع منها جُ م ً‬ ‫على المقاهي‪ ،‬ويشاركونه الوجع واآلالم‬ ‫شعري ًة ال تمس فصاحة اللغة‪.‬‬ ‫واألحــــام الــكــابــوســيــة نــفــســهــا‪ ..‬هــؤالء‬ ‫ديــوان "مــوجــات من الفوبيا" يحمل في‬ ‫المحرومون من أبسط حقوق اإلنسان‬ ‫طياته همومي الــتــي تــوجــعــنــي‪ ..‬ســواء‬ ‫الطبيعية‪.‬‬ ‫ك ــان ــت شــخــصــيــة أم ع ــام ــة؛ فــشــعــري‬ ‫فال يصح أن تقرأ قصيدة لشاعر عربي‬ ‫خليطٌ بين العام والخاص‪ .‬أتحدث في‬ ‫يعاني في كل شــيء‪ ،‬ويكون مناخ كتابته‬ ‫هذا الديوان عن المعاناة التي يعانيها‬ ‫مناخً ا غربيًا أوروب ـ ًيــا ال عالقة لــه به؛‬ ‫المجتمع المصري من إحباطات وفشل‬ ‫محاوالته للخروج من كل أزماته‪ .‬أتحدث‬ ‫ولهذا اخترت أن أعبر عن زمني ومكاني‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫عن الحبيبة ( المرأة) قليال‪ ،‬وأتحدث عن‬ ‫الحبيبة التي تسكن في دمي وال تفارقه‬ ‫( كثيرًا)‪ ،‬وكثيرًا أخلط بين االثنين‪ ،‬ولكن‬ ‫يبقى وجــه أمــي يطل كثيرًا فــي بعض‬ ‫القصائد خــاصـ ًة أنني يتيم األب منذ‬ ‫التاسعة من عمري‪ ،‬فأمي تمثل محور‬ ‫العالم ومركز الدائرة‪.‬‬

‫والشعراء يقولون إن هذا الشاعر إذا لم‬ ‫يوقع على قصيدته نستطيع أن نعرف أن‬ ‫هذا هو الشاعر الفالني‪ .‬أرى أن هذا‬ ‫لــو ح ــدث‪ ..‬على الــشــاعــر أن يعلم أنه‬ ‫وضــع لنفسه قيودًا لقصيدته أصبحت‬ ‫كــل كتاباته متشابهة‪ ،‬وأصــبــح الشاعر‬ ‫غير قادر على الخروج من السياج الذي‬ ‫وضعه لقصائده‪ .‬لماذا ال يحاول الشاعر‬ ‫كل فترة أن يولد من جديد؟‬

‫عموما ديوان "موجات من الفوبيا" لشاعر‬ ‫مصري حــاول أن يعبِّر فيه عن المكان‬ ‫والزمان والبشر كما يعيشون بأحالمهم ¦كيف ترى راهــن ومستقبل قصيدة النثر‬ ‫وخــيــبــاتــهــم وآالم ــه ــم‪ ،‬وكــمــا أعــيــش أنــا‬ ‫العربية؟‬ ‫اإلنــســان الــصــوفــي بجنونه فــي العشق‬ ‫‪ρ ρ‬قصيدة النثر العربية تــجــري بأقصى‬ ‫(المرأة والمرأة والمرأة) أمي وحبيبتي‬ ‫ســرعــة‪ ،‬كأنها فــي مــاراثــون الــحــداثــة‪،‬‬ ‫وحبيبتي‪.‬‬ ‫لدرجة أنــه يوجد شعراء عــرب تخطوا‬ ‫ ¦هـ ــل ت ــؤم ــن بـ ـ ـض ـ ــرورة أن تـ ـك ــون ش ــاع ــرً ا‬ ‫أق ــران ــه ــم فـــي أوروبـــــــا واألمــريــكــتــيــن‬ ‫متميزً ا؟ أم التميز سجن؟‬ ‫ال السعودية‬ ‫(الشمالية والجنوبية)‪ ،‬فمث ً‬ ‫أصبحت اآلن تعج بالكثير مــن شعراء‬ ‫‪ρ ρ‬من حقي كشاعر أال أثبت على طريقة‬ ‫مــعــيــنــة ف ــي الــكــتــابــة؛ فــبــعــض الــنــقــاد‬ ‫الــحــداثــة الفاعلين فــي حــركــة قصيدة‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪109‬‬


‫النثر العربية أمثال (حمد الفقيه‪ ،‬ماجد‬ ‫الثبيتي‪ ،‬أحمد الــمــا‪ ،‬صالح زمــانــان‪،‬‬ ‫محمد خضر الغامدي‪ ،‬هدى الدغفق‪،‬‬ ‫عيد الخميسي‪ ،‬عبدالوهاب العريض‪،‬‬ ‫علي العامري‪ ،‬إبراهيم زولي‪ ،‬ريم فهد‪،‬‬ ‫عبداهلل العثمان‪ ،‬محمد الثقاف)‪ ،‬إضافة‬ ‫إلــى الــروايــة الــســعــوديــة‪ ..‬فيوجد اآلن‬ ‫عمالقة فــي الــروايــة السعودية لدرجة‬ ‫أن بعضهم فاز بجائزة البوكر مثل عبده‬ ‫خال‪ ،‬ورجاء عالم‪ ،‬ومحمد حسن علوان‪.‬‬ ‫ ¦كـيــف ت ــرى تــأثـيــر ازدهـ ــار "ال ــرواي ــة" على‬ ‫"الشعر"؟‬

‫‪110‬‬

‫‪ρ ρ‬الرواية لن تستطيع التأثير على الشعر‪،‬‬ ‫ألنه سيظل ديوان العرب‪ ،‬ثم إن المتلقي‬ ‫العربي تربى على الشعر في المدارس‬ ‫والجامعات‪ ،‬واآلن ثورة الفيس بوك من‬ ‫المستجدات العصرية التي منحت قبلة‬ ‫الحياة إلــى الشعر‪ ،‬فالشاعر يستطيع‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫بكبسة واحـ ــدة أن ينشر قــصــيــدتــه‪...‬‬ ‫صحيح هذا أدى إلى دخول مجال كتابة‬ ‫الشعر‪ ،‬وخاصة قصيدة النثر‪ ،‬من هم‬ ‫ال عــاقــة لــهــم بالشعر مــن قــريــب وال‬ ‫بعيد‪ ..‬ولكن الفيس بوك أدى إلى زيادة‬ ‫المتابعين للحركة الشعرية على مستوى‬ ‫العالم العربي‪ ،‬والزمن كفيل بنخل كل‬ ‫من يكتبون‪ ،‬فلندعهم يكتبون‪ ...‬يجوز‬ ‫أن يتحولوا إلى روائيين كبار‪ ،‬فكثير من‬ ‫الروائيين كانوا شعراء فاشلين أو باحثين‬ ‫عن المقابل المادي الذي يتعاظم للرواية‪،‬‬ ‫ولكن سيبقى الشعر هــو البريق الــذي‬ ‫يشد أذن المستمع العربي حتى لو كانت‬ ‫القصيدة بال وزن وال قافية‪ ..‬فقصيدة‬ ‫النثر لها موسيقاها من اللفظة الرشيقة‬ ‫إلى الدهشة والمفارقة‪ ،‬إضافة إلى عدم‬ ‫تــكــرار شــعــراء قصيدة النثر ألنفسهم‪،‬‬ ‫ودائ ــم ــا تــجــد عــنــدهــم الــجــديــد؛ ألنها‬ ‫قصيدة قابلة أن تجدد نفسها باستمرار‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الناقدة الدكتورة‬

‫منى المالكي‬ ‫"التضاريس" هي القمة التي توجت مسيرة الثبيتي‪ ،..‬فوصف بمتنبي‬ ‫هذا العصر‪!..‬‬ ‫" األدب الرقمي" هذا التطور البد من دراسته والمشاركة في‬ ‫صناعته‪!..‬‬ ‫المجتمع السعودي‪ ،‬ترتفع المشاركة النسائية من منطقة عن أخرى‪،‬‬ ‫لكن المرأة السعودية تعيش عصرها الذهبي‪.‬‬ ‫استطاع محمد الثبيتي في عناوين قصائده تأكيد خصوصية الحداثة‬ ‫مع االحتفاظ بمكونات البيئة الصحراوية في أبعادها المكانية‪!..‬‬ ‫أحب القراءة كثير ًا في علم االجتماع واالقتصاد‪ ،‬وبدأت بقراءة السير‬ ‫الذاتية‪..‬‬ ‫الثبيتي خاض معركة كان شعره هو سالحه الوحيد‪ ..‬يتوكأ عليه تارة‬ ‫ويشهره تارة أخرى‪!..‬‬

‫"عندما يحكي الثبيتي"‪ ...‬هذا هو كتابها األول الذي أهدته للمكتبة المحلية‬ ‫والعربية‪ ،‬والـصــادر عن الـنــادي األدبــي الثقافي بجدة‪ ،‬عــام ‪1434‬ه ــ‪ ،‬وقــد وضعت‬ ‫الدكتورة منى المالكي عنوانا رئيسا لموضوع الكتاب‪" ..‬دراســة نقدية للسردية‬ ‫الشعرية السعودية في الثمانينيات"‪ ،‬وكان الشاعر محمد الثبيتي "رحمه اهلل"‪،‬‬ ‫األنموذج الشعري الذي يدور حوله موضوع كتابها ومادته في فترة الثمانينيات‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪111‬‬


‫الميالدية من القرن الماضي‪ ،‬بوصفه ظاهرة شعرية منفردة جماليًا وفنيًا‪..،‬‬ ‫وتـقــول‪" :‬لــم يعش الثبيتي واقـعــه فقط‪ ،‬كــان يعرض الــوجــود على شاشة وعيه‪،‬‬ ‫مفصحا عن وعيه الذاتي بالعالم الكئيب في نظره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يحصي أماكن األلم والوجع‪،‬‬ ‫فتلتصق بذاته األشياء‪ ..‬ليقدم رؤية شعرية حاربه كثيرون عليها‪ ،‬يتهمونه تارة‬ ‫ويقصونه مرات‪ ،‬ولكنه يظل باقيا وحاضرً ا في ذاكرة وطن رسمه محمد الثبيتي‬ ‫نفسه"‪.‬‬ ‫لها الـعــديــد مــن الـمـشــاركــات على المستويين المحلي والـعــربــي‪ ،‬وهــي أيضا‬ ‫صاحبة "ماء الكالم"‪ :‬الزاوية األسبوعية بجريدة عكاظ‪.‬‬ ‫الجوبة تستضيف صاحبة هذه السيرة وهذا الكتاب المتميز في حوار تميزه‬ ‫المالكي بإجاباتها العميقة والفلسفية والجريئة‪..‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫حرب ضد الحداثة‪!..‬‬

‫‪112‬‬

‫الصادمة الخارجة عن السياق التقليدي‬ ‫صورة ولغة‪ ،‬صدمة عنيفة لم يستوعبها‬ ‫التقليديون‪ ،‬وحدث أن دخل كبار النقاد‬ ‫آنذاك هذه المعركة غير المبررة‪ ،‬فأخذتْ‬ ‫من جهدهم الكثير‪ ،‬األمر الذي أبعدهم‬ ‫عن النقد والتشريح‪ ،‬وكــان األحــرى أن‬ ‫تنصرف تلك الجهود والعقول لمجاراة‬ ‫اإلب ــداع الشعري الــذي كــان يتألق باسم‬ ‫عــظــيـ ٍـم هــو محمد الثبيتي‪ ،‬وم ــع ذلــك‬ ‫الضجيج ظهرت دراس ــات نقدية رزينة‬ ‫وجيدة‪ ،‬ولكن لم تكمل المسيرة لألسباب‬ ‫التي ذكرتها سابقاً‪.‬‬

‫ ¦حظيت الـســاحــة الثقافية بمصافحتك‬ ‫لها من خالل كتابك األول "عندما يحكي‬ ‫الثبيتي"‪ ،‬طبعا الشاعر محمد الثبيتي‬ ‫"رحمه اهلل"‪ ،‬من أهم األسماء التي يمكن‬ ‫أن تعكس مالمح المرحلة الشعرية في‬ ‫الثمانينيات عـلــى المستويين المحلي‬ ‫والعربي‪ ،‬وفــي إحــدى الصحف قــرأت لك‬ ‫ت ـصــري ـحــا ي ـت ـض ـمــن ان ــده ــاش ــك م ــن قلة‬ ‫المراجع التي تناولت التجربة الشعرية‬ ‫لـلـثـبـيـتــي ل ـت ـســانــدك ف ــي م ـش ــروع كـتــابــك‬ ‫ه ــذا‪ .‬أل ـيــس ه ــذا يـعـكــس خـيــانــة الـحــركــة‬ ‫الـنـقــديــة أو ضعفها فــي تـلــك الـمــرحـلــة‪،‬‬ ‫قصائد الثبيتي‪!..‬‬ ‫برغم وجــود الكثير من األسماء النقدية‬ ‫المعروفة‪ ،‬وكثرة اإلصــدارات التي تنتمي ¦"كنت أشعر أنني ما أن انتهي من بحثي‬ ‫لتلك المرحلة "الثمانينية"‪..‬؟‬ ‫عن (الثبيتي) حتى ألملم أوراقــي‪ ،‬وأنهي‬ ‫المناقشة بإهدائه لي درجــة الماجستير‬ ‫‪ρ ρ‬لم تكن خيانة‪ ..‬كانت حرباً ضد الحداثة‬ ‫وقــتــهــا‪ ،‬والـ ــذي مــثــل الثبيتي بشعريته‬ ‫ثم أمضي وحدي!!‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫أثناء إدارة أمسية في سوق عكاظ ‪٢٠١٨‬‬

‫حديث الروح واأللم!‬

‫مـ ــا كـ ـن ــت أعـ ـل ــم أن (م ـ ـح ـ ـمـ ــدا) سـيـبـقــى‬ ‫هناك في الذاكرة والوجدان‪ ،‬أمضي معه‬ ‫بعيدا عن عوالم الثبيتي‪!..‬‬ ‫بشخصياته تلك‪ ،‬والتي خلقت عوالم ال‬ ‫تنتهي من الدهشة والفرح واأللم والحزن ¦الثبيتي حبيس تجربة "ديوان التضاريس"‪،‬‬ ‫هــذه العبارة رددهــا بعضهم للداللة على‬ ‫على مبدعٍ ظل هناك في الصحراء يرى‬ ‫عجز أو عدم قــدرة الثبيتي كتابة قصائد‬ ‫فيها ما ال نرى"‪ ..‬هذا البوح الروحي والذي‬ ‫خ ــارج أس ــوار تجربة "دي ــوان التضاريس"‬ ‫يــدل على دخــول الــدكـتــورة منى المالكي‬ ‫فيما بـعــد‪ ،‬الــدك ـتــورة مـنــى الـمــالـكــي مــاذا‬ ‫عالم الشاعر وعوالم قصائده‪ ،‬هل قرأت‬ ‫تقول حول ما تضمنته هذه العبارة؟‬ ‫علينا مقطعا من إحدى القصائد للشاعر‬ ‫تلخص عمق هذا البوح؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال يردد مثل هذه العبارة إال من هو بعيد‬ ‫عــن عــوالــم الثبيتي وشعريته الخالدة‪.‬‬ ‫كثيرة هي قصائد الثبيتي التي وجدتني‬ ‫التضاريس هي القمة التي توجت مسيرة‬ ‫بــيــن تفعيالتها وأمــضــي إل ــى معانيها‪،‬‬ ‫فتسرقني تلك الموسيقى الشعرية التي‬ ‫الثبيتي‪ ،‬التضاريس هي "جبل األولمب"‬ ‫ال يشبهها شيء‪ ،‬للثبيتي سحر خاص في‬ ‫التي تُوج فيها الثبيتي متنبي هذا العصر؛ ثم‬ ‫قصائده‪ ..‬فهي معجونة بروحه‪ ،‬يعطيها‬ ‫أتت رائعة "موقف الرمال موقف الجناس"‪،‬‬ ‫من أنفاسه‪ ،‬فيبعث فيها حياة مختلفة‪..‬‬ ‫وهي شكل شعري مختلف عن التضاريس‪،‬‬ ‫وهذا سر الخلود عند الشعراء‪ ،‬إن لم يكن‬ ‫ميزة الثبيتي كما هم الشعراء الخالدون‬ ‫حرف‬ ‫ٍ‬ ‫الشاعر هائماً في قصيدته بكل‬ ‫"التجريب"‪ ،‬وهو ما حققه الثبيتي بشعرية‬ ‫وشطر وتفعيلة‪ ،‬ال يمكن لهذه القصيدة أن‬ ‫ٍ‬ ‫متفردة؛ وبعدها جاءت مرحلة القصائد‬ ‫تبقى عالقة في الذاكرة ومتشبثة بالروح‪.‬‬ ‫االستشرافية مثل " بوابة الريح"‪ ،‬وقصائد‬ ‫وبالنسبة لي أجدني في قصيدة "قرين"‬ ‫بوجع أو‬ ‫ٍ‬ ‫التي أرددهــا دائماً كلما شعرت‬ ‫حنين‪ ،‬كذلك قصيدة "القصيدة" وفيها‬ ‫أجــد مــحــمــداً‪ ..‬فــأتــجــاذب معه أطــراف‬

‫النفس الصوفي الذي زاوج محمد بينها‬ ‫وبين عالم الصحراء؛ وهــذا التفرد جاء‬ ‫به الثبيتي في "موقف الرمال" وقصيدة‬ ‫"الرقية المكية"‪ .‬واستطاع محمد الثبيتي‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪113‬‬


‫ال تأكيد خصوصية‬ ‫في عناوين قصائده مث ً‬ ‫الحداثة مع االحتفاظ بمكونات البيئة‬ ‫الصحراوية في أبعادها المكانية التراثية‪،‬‬ ‫ومعمار‬ ‫ٍ‬ ‫وتحويل هذه العناصر إلى بناءٍ‬ ‫وتصوف روحي تمتاح منه القصيدة‬ ‫ٍ‬ ‫فني‬ ‫وتمنحها كينونتها الفنية‪.‬‬ ‫سالحه الوحيد شعره‪!..‬‬ ‫ ¦في حــوار كنت قد أجريته أنا مع الشاعر‬ ‫م ـح ـمــد ال ـث ـب ـي ـتــي "رحـ ـم ــه اهلل" ف ــي ع ــام‬ ‫‪2007‬م‪" ،‬ق ـل ــت ل ــه‪ :‬أن ــت مُ ـ ِـق ــل ف ــي كـتــابــة‬ ‫الـشـعــر‪ ،‬وأن هـنــاك أسـمــاء شعرية عربية‬ ‫م ـث ــل سـ ـع ــدي ي ــوس ــف وم ـح ـم ــود درويـ ــش‬ ‫يكتبون بـكـثــرة‪ ،..‬ق ــال‪":‬ال أظــن أنــي مقل‬ ‫ـاســا بمعيار‬ ‫ف ــي ك ـتــابــة ال ـش ـعــر‪ ،‬ول ـكــن ق ـيـ ً‬ ‫اليوم‪ ،‬ربما أكون مقالً‪ !..‬كل شاعر يعيش‬ ‫تجربته الخاصة به‪ ،‬فمثال سعدي يوسف‬ ‫ال تجده في كل ما يكتبه‪ ،‬سعدي يوسف‬ ‫يمارس تفرغه للكتابة بحرفية يصعب أن‬ ‫يمارسها غيره‪ ،"..‬هل تتفقين مع ما قاله‬ ‫الثبيتي أم‪..‬؟‬

‫‪114‬‬

‫يعني إطالقا ُ أن الثبيتي كــان جباناً في‬ ‫المواجهة‪ ،‬ولكنه استطاع أن يعمل تحت‬ ‫معادلة حفظت له زهوه الشعري‪ ،‬وهدوءه‬ ‫النفسي‪ ،‬وبعده عن مهاترات ال تضفي‬ ‫لإلبداع شيئا‪ ..‬فاكتفى أن يكتب ولو كان‬ ‫مقالً‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬الثبيتي خــاض معركة كــان فيها سالحه‬ ‫الوحيد شعره‪ ،‬يتوكأ عليه تــارة ويشهره‬ ‫دور وسائل اإلعالم‪!..‬‬ ‫تارة أخرى‪ ،‬تعرض الثبيتي وجيله لمؤامرة‬ ‫لــم تكن متكافئة الــقــوى لــأســف! عاش ¦ظ ـهــر ف ــي ال ـس ـن ــوات األخـ ـي ــرة مـصـطـلــح‪،‬‬ ‫وأظـ ــن أن ــك ع ـلــى ع ـلــم ب ــه وه ــو "ش ـع ــر أو‬ ‫الثبيتي مرحلة التوجس والخوف القاتليْن‬ ‫شـعــراء الـنــت" م ــاذا تقولين‪ :‬هــل سيكون‬ ‫اللذين كانا في فترة من الفترات خطراً‬ ‫ه ــذا مـ ــاذً ا للقصيدة وبـخـصــائــص فنية‬ ‫يــهــدد حــيــاتــه‪ ،‬وف ــي مــثــل ه ــذه األجـــواء‬ ‫مغايرة؟‬ ‫استكان الثبيتي وارتــهــن لعزلته‪ ..‬يقرأ‬ ‫ويسبح في عوالمه الخاصة‪ ،‬زاهــداً في ‪ρ ρ‬ال يــمــكــن إنــكــار دور وســائــل الــتــواصــل‬ ‫االجتماعي في تشكيل األدب بأجناسه‬ ‫ا فــي كــتــابــة شــعـ ٍـر كــان‬ ‫الــحــضــور‪ ،‬ومــق ـ ً‬ ‫الــمــخــتــلــفــة‪ ،‬بــل ظــهــر مصطلح "األدب‬ ‫التأويل المجحف له بالمرصاد‪ ،‬وهذا ال‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ ¦لديك حضور مميز في الكثير من الندوات‬ ‫والفعاليات‪ ..‬ومشاركتك مؤخرً ا عضو ًا في‬ ‫"اللجنة اإلشــرافـيــة العليا لـســوق عكاظ‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الرقمي"‪ ،‬وهذا التطور ال ب ّد من دراسته‬ ‫واالعتناء به‪ ،‬بل والمشاركة في صناعته‪،‬‬ ‫وظــهــور شــعــراء الــنــت كــمــا أسميتهم‪..‬‬ ‫له جانب سلبي‪ ،‬وآخــر إيجابي‪ ..‬تكمن‬ ‫اإليجابية في حرية النشر واإلبداع لمن ال‬ ‫سبيل له للوصول إلى منافذ نشر تقليدية‪،‬‬ ‫والسلبي أن تكون السوشال ميديا مرتعًا ‪ρ ρ‬الخطاب الثقافي مصطلح كبير وعميق‬ ‫جداً‪ ،‬يختلف باختالف متطلبات المرحلة‬ ‫خصبًا لظهور طفيليين على اإلبداع؛ وهنا‬ ‫التاريخية والمعطيات الحضارية‪ ،‬والمرأة‬ ‫تكمن كارثة هذه الوسائل في تشكيل ذائقة‬ ‫السعودية قضاياها هي قضايا المرأة‬ ‫رديــة ال تميز الغث مــن السمين‪ ،‬وهــذا‬ ‫ينسحب على الفنون واآلداب عموماً‪.‬‬ ‫عــمــوم ـاً‪ ..‬الــعــمــل‪ ،‬األحـ ــوال الشخصية‪،‬‬ ‫وغــيــرهــا مــن قضايا تمسها اجتماعياً‬ ‫الحضور والغياب للمرأة‪!..‬‬ ‫واقــتــصــادي ـاً‪ ،‬أمــا إن كنت تعني العمل‬ ‫ ¦ربـ ـم ــا ك ـ ــان حـ ـض ــور ال ـ ـمـ ــرأة ي ـت ـف ــاوت مــن‬ ‫الثقافي للمرأة السعودية‪ ..‬فهي مشاركة‬ ‫مـجـتـمــع آلخ ـ ــر‪ ..‬ق ــد ي ـك ــون أح ــد أس ـبــاب‬ ‫إبداعياً‪ :‬فالشاعرة والروائية السعودية‬ ‫هــذا التفاوت التكوين المجتمعي‪ ،‬ولكن‬ ‫رموز مضيئة على خارطة األدب السعودي؛‬ ‫مـ ــن الـ ـم ــاح ــظ أن حـ ـض ــور الـ ـ ـم ـ ــرأة فــي‬ ‫وإن نظرنا لصناعة القرار الثقافي‪ ..‬فهي‬ ‫المنابر اإلعالمية والثقافية ومشاركتها‬ ‫مشاركة فــي الــوفــود السعودية الممثلة‬ ‫في الفعاليات في تزايد اآلن‪ ،‬مــاذا تقول‬ ‫للمملكة خــارجــي ـاً‪ ،‬وع ــض ــواً فــي كافة‬ ‫الدكتورة منى المالكي في هذا االتجاه؟‬ ‫مجالس إدارات األندية األدبية وجمعيات‬ ‫‪ρ ρ‬تــجــاوزنــا اآلن مــرحــلــة ثنائية الحضور‬ ‫الثقافة والفنون‪ ،‬لم تغب المرأة يوماً عن‬ ‫والغياب للمرأة‪ ،‬فنحن نعيش في وهج‬ ‫المشاركة الفاعلة المنتجة‪ ،‬وفــي هذا‬ ‫تــفــرد الــحــضــور دائ ــمــاً‪ ،‬أتــفــق مــعــك أن‬ ‫السياق‪ ..‬فهي مثل أي امرأة أخرى‪ ،‬وإن‬ ‫المجتمع السعودي مثل أي مجتمع آخر‪..‬‬ ‫كان هناك اختالفات طفيفة‪ ،‬فهي نابعة‬ ‫ترتفع المشاركة النسائية فــي منطقة‬ ‫مــن الــحــاجــة المجتمعية الثقافية لكل‬ ‫عن أخرى‪ ،‬ولكن بنظرة شاملة للمجتمع‬ ‫السعودي حالياً‪ ،‬نجد أن المرأة السعودية‬ ‫مجتمع على حده‪.‬‬ ‫تعيش عصرها الذهبي‪.‬‬ ‫أشعر بقسوة حرفي‪!..‬‬ ‫العمل الثقافي للمرأة‪..‬‬ ‫ ¦تعودت أن أسأل هذا السؤال‪ ..‬فهو يضيء‬ ‫" برئاسة صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫سلطان بن سلمان‪ ،‬يدعوني أن أسألك‪ ،‬ما‬ ‫الــذي يميز الخطاب الثقافي واإلبداعي‬ ‫ل ــدى ال ـم ــرأة فــي الـســاحــة الـسـعــوديــة عن‬ ‫مثيالتها في الساحات العربية األخرى؟‬

‫للقارئ الخصوصية الثقافية لدى ضيف‬ ‫"الـ ـ ـج ـ ــوب ـ ــة"‪ ،..‬ه ــل ل ـن ــا أن ن ـت ـع ــرف عـلــى‬ ‫محتويات مكتبة الدكتورة منى؟‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪115‬‬


‫الشاعر محمد الثبيتي‬

‫‪ρ ρ‬مكتبتي تحوي كتب النقد الكثيرة جداً‪ρ ρ ..‬أعكف اآلن على إصدار كتابي الثاني‪ ،‬وهو‬ ‫وعندما أشعر بقسوة حــرفــي‪ ،‬أ ُطَ ـ ِّو ُع ـ ُه‬ ‫دراســة حول "الشعر عن الشعر"‪ ،‬بمعنى‬ ‫ب ــق ــراءة مــجــمــوعــة كــبــيــرة م ــن دواويــــن‬ ‫أن يصبح الشاعر ناقداً‪ ،‬وهل يصح ذلك؟‬ ‫شعراء وشــاعــرات‪ ..‬أستمع لموسيقاهم‬ ‫ومــن هو أقــدر على نقد الشعر الشاعر‬ ‫الــتــي تــدعــونــي لــلــدخــول إلــى عــوالــم من‬ ‫أم الناقد؟ وهذا الكتاب هو رسالتي في‬ ‫جنون ولهفة‪ ،‬فأنا من الغاويات اللواتي‬ ‫الدكتوراه‪ ،‬ولكن ال يصح أن يظهر البحث‬ ‫امتهنّ السير وفي أيديهن قبس من نار‬ ‫األكاديمي كتاباً للقراءة إال بعد أن يتحول‬ ‫الــصــالــحــيــن‪ ،‬يستضئن بــه فــي غــابــات‬ ‫لغة وإضــافــات ال تسمح بها الــدراســة‬ ‫مــن لغة وص ــورة وخــيــال‪ .‬كما أن للسرد‬ ‫مكانته المميزة بتفاصيله المحتشدة‬ ‫األكاديمية‪ ،‬ولذلك أضفت الكثير وتخليت‬ ‫عجائبياً‪ ،‬كذلك أحب القراءة كثيراً في‬ ‫أكثر عن اللغة األكاديمية العلمية حتى‬ ‫علم االجتماع واالقتصاد‪ ،‬وبدأت اآلن في‬ ‫يصبح الكتاب أكثر متعة في القراءة‪.‬‬ ‫قــراءة السير الذاتية ووجــدت فيها متعة‬ ‫كــمــا أنــنــي بــصــدد نــشــر أول مجموعة‬ ‫من تاريخ وأدب‪.‬‬ ‫قصصية لي‪ ،‬وإن كانت ستتأخر قليال‪..‬‬ ‫الشاعر أم الناقد‪!..‬‬ ‫ ¦وم ــن الـمـهــم ج ــدا أن أس ــال ــك أي ـض ـ ًا هــذا‬ ‫السؤال التقليدي‪ ،‬ما هو جديدك؟‬

‫‪116‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ولكني جــادة في العمل ‪ ،‬وأدعــو اهلل أن‬

‫يوفقني والجميع لما يحبه ويرضاه‪.‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫قراءة سريعة‬ ‫في رؤية المملكة (‪)2030‬‬ ‫■ صالح بن محمد صالح اللحيد*‬

‫هذه قراءة سريعة مبسطة في رؤية المملكة العربية السعودية (‪ ،)2030‬حاولت‬ ‫قدر المستطاع تلخيصها‪ ،‬وتبسيطها بالجداول‪ ،‬كتبتها من أجل فئة الشباب‪ ،‬آثرت‬ ‫فيها شرح الركائز االستراتيجية في رائعة سمو ولي العهد حفظه اهلل‪ ،‬ومطالعة‬ ‫سريعة في أهمية رؤية المملكة (‪ )2030‬وفكرتها الرائدة‪.‬‬ ‫والهدف من هذه المقالة المتواضعة التي مهما كتبت فيها لن أوفيها حقها‪..‬‬ ‫تبسيط المعلومة إلــى أبسط ما يمكن‪ ،‬حتى تصلهم وتالمس قلوبهم وتدركها‬ ‫أذهانهم‪ ،‬فهم من سيقطف ثمارها إن شاء اهلل تعالى‪ ،‬وعدم النظر إليها على أنها‬ ‫مجرد وسيلة تنظيمية وسَ نّ قوانين وتشريعات لتنظيم الحياة االجتماعية‪.‬‬ ‫معنى كلمة رؤية‬ ‫لمعرفة معنى أي عبارة يجب الوقوف‬ ‫على تفاصيل كلماتها ومعانيها أوال‪،‬‬ ‫فمعنى الرؤية ببساطة النظ ُر والتأمل‬ ‫ْكير َوبُـ ْعــدِ‬ ‫في األم ــور‪ ،‬والتصرف بتَف ٍ‬ ‫نَظَ ٍر‪ ،‬لوضع طريق جديد للوصول للغاية‬

‫ال رَوِ ي ٍَّة والسير بال‬ ‫َّف ِب َ‬ ‫َصر ُ‬ ‫وعكسها الت َ‬ ‫هدف واضح‪.‬‬ ‫قراءة سريعة في رائعة سمو‬ ‫األمير محمد بن سلمان ورؤية‬ ‫المملكة (‪)2030‬‬ ‫تــبــذل المملكة العربية السعودية‬

‫المنشودة والــهــدف ال ــذي تــم وضعه‪ ،‬حكومة وشعبا جهودًا جبارة من خالل‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪117‬‬


‫خطتها الطموحة المتمثلة في (رؤية ‪ ،)2030‬جاهدة للصالح العام‪ ،‬والتي نظمها مجلس‬ ‫والتي ستكون بعون اهلل وتوفيقه ليس قوة الشؤون االقتصادية والتنمية برئاسة ولي‬

‫استثمارية فحسب‪ ،‬بل قوة ال يستهان بها العهد نــائــب رئــيــس مجلس الــــوزراء وزيــر‬ ‫للرقي بالمملكة فــي كــافــة الــمــجــاالت في الدفاع بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫هذا العالم‪ ،‬مسجلة قفزة هائلة في التطور‬

‫والنهوض ببالدنا الغالية لألفضل؛ فهي مما‬ ‫ال شك فيه منارة العالم على كافة األصعدة‪،‬‬

‫انعكاسات (في نفسي) على الهامش‬ ‫عندما شــرعــت فــي كتابة هــذا الشرح‬

‫ولكن الرقي والتطور نحو األفضل يحتاج إلى المبسط والخروج بهذا المقال‪ ،‬تعمقت في‬ ‫تكاتف وتماسك وجهد إنساني‪ ..‬ولو بالكلمة البحث والقراءة واالطالع‪ ،‬وال أخفيكم سرًا‬ ‫الطيبة او الدعوة الصادقة‪ .‬وبتضافر الجهود أنى أصبت بالدهشة من هذا العمل الجبار‪،‬‬ ‫وتحمل المسؤولية نــؤدي واجباتنا وندير الــذي ينم ‪ -‬صدقا ‪ -‬عــن أصــالــة وأمانة‬ ‫مواردنا بحس من المسئولية‪ ،‬ونركز على وحرص سموه على هذه البالد ومواطنيها‪،‬‬ ‫تحقيق النتائج المنشودة والسعي إلحداث وعمق الفكر والنظرة الثاقبة بعيدة األمد‪.‬‬ ‫فرق ملموس‪.‬‬

‫ووقفت وقفة تقدير واحــتــرام لهذا الرجل‬

‫لكي نستشرف المستقبل او نرسم له العظيم وما يريده لنا ولبالدنا العزيزة من‬

‫صورة في أذهاننا كهدف ٍ‬ ‫سام يسعى الجميع خير‪ .‬فأسأل اهلل العلي القدير له العون‬ ‫لتحقيقه‪ ،‬والمحافظة على مكتسباتنا وقيمنا والتوفيق والسداد‪ .‬وأن يسخر له من يعينه‬

‫الدينية من أجل الوصول للهدف المنشود‪ ..‬ال على ذلك‪.‬‬ ‫بد من استيعاب الرؤية ونتائجها المستقبلية‬ ‫مرورًا بأهدافها وكيفية تحقيقها‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬كتبت هــذه الــقــراءة السريعة على‬

‫***‬

‫البد أن نقسم الفترة الزمنية التي وضعت‬

‫شكل نقاط مبسطة‪ ،‬لعلها تفيد في تشكيل كحد أقصى إلتمام رؤيــة المملكة (‪)2030‬‬ ‫صــورة واضحة عن رؤيــة المملكة (‪ )2030‬على فترتين مهمتين‪ ،‬مع األخذ بالحسبان‬ ‫وأبرز معالمها ومالمحها‪ ،‬وتوضيح ما تطمح مــا نــريــد تحقيقه خــال هــذه الــمــدة بــإذن‬ ‫إليه المملكة العربية السعودية في ظل قيادة اهلل عز وجل‪ ،‬انطالقا من رؤيتنا‪ ،‬والتزاما‬ ‫خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن تجاه بالدنا وقيادتنا بالمسئولية واألمانة‪،‬‬

‫‪118‬‬

‫عبدالعزيز وولــي عهده األمين‪ .‬وتسعى له متطلعين أن تكون بالدنا هي األفضل‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫الفترة التاريخ‬

‫اهداف الرؤية‬

‫النــتــائج‬

‫‪ o‬‬

‫تطوير وتحسين أداء موظفي الدولة وتدريب ‪ o‬‬ ‫أكثر من (‪ )500‬ألف موظف حكومي‪.‬‬ ‫زيادة عدد المساكن المملوكة للمواطنين بنسبة ‪ o‬‬ ‫‪٪5‬‬ ‫تحسين جودة األنشطة الثقافية في الدولة‪ o .‬‬ ‫لتوسيع مدارك الفرد في مجتمعه وزيادة‬ ‫الوعي العام بتوفير المعلومة للجميع وبسهولة‪ o .‬‬ ‫تحسين وزيادة مجاالت الترفيه بالدولة‪.‬‬ ‫إحالل التقنية المهنية مكانها الصحيح وفي‬ ‫مجاالت العمل الوظيفية في قطاعات الدولة‪ o .‬‬ ‫وضع الرجل المناسب في المكان المناسب‪.‬‬ ‫التطور السريع والملحوظ بإذن اهلل تعالى في ‪ o‬‬ ‫النمط السلوكي الظاهري‪ ،‬وتحفيز المواطن‬ ‫لكسب سمات أخرى أفضل‪ ..‬هي التي سترسخ ‪ o‬‬ ‫ماهية التجمع والتماسك واأللفة في التكوينة‬ ‫السكنية في المملكة‪ .‬مع الوعي المالي في‬ ‫أسر المجتمع السعودي‪.‬‬

‫نقلة نوعيه بالفكر االجتماعي نحو‬ ‫واع مسؤول‪.‬‬ ‫مجتمع ٍ‬ ‫نهضة حقيقية واعدة جبارة بإذن اهلل‬ ‫تعالى في كافة قطاعات الدولة‪.‬‬ ‫حياة بإذن اهلل تعالى كريمة ميسرة‬ ‫للمواطن السعودي ورفاهيته‪.‬‬ ‫تطوير مدن ومناطق المملكة إضافة إلى‬ ‫إنشاء واستحداث مدن جديدة تنافس‬ ‫أفضل مدن العالم باإلمكانات‪.‬‬ ‫إحياء المناطق الحدودية واالستفادة من‬ ‫الشواطئ والجزر الخالبة‪.‬‬ ‫زيادة وعي األسر المالي وزيادة‬ ‫مدخراتها‪ ،‬فهي لبنة المجتمع األولى‪.‬‬ ‫كما تملك بالدنا الغالية بفضل اهلل تعالى‬ ‫كل مقومات النجاح التي يعول عليها‬ ‫في مجال الطاقة المتجددة‪ ،‬ابتداء من‬ ‫المدخالت مثل السليكا والبتروكيماويات‪.‬‬

‫‪ o‬‬

‫فتح المجال بشكل أكبر للحجاج والمعتمرين ‪ o‬‬ ‫وتسهيل إجراءات الدخول لهم مما يجعلهم‬ ‫بتزايد وإقبال‪.‬‬ ‫عدم الركون لمحدودية الفكر وإعطاء مساحة ‪ o‬‬ ‫واضحة للموظف لتطوير نفسه وتدريبها‬ ‫والخروج من البيروقراطية في المهن دون ‪ o‬‬ ‫تجاوز النظام‪.‬‬ ‫العمل على االستفادة من ثروات المملكة ‪ o‬‬ ‫وخاماتها (غير النفط) في رمالها وصحاريها‬ ‫وشواطئها‪.‬‬ ‫إنشاء شبكات عالمية ودولية من العالقات ‪ o‬‬ ‫الحميدة حيث ستفرض منتجاتها نفسها في‬ ‫السوق العالمية‪ .‬دون تدخل أجنبي في األيدي‬ ‫العاملة‪.‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫التركيز على األنشطة الرياضية في المجتمع‬ ‫وليس ذلك فحسب‪ ..‬بل تحقيق التميز بمشيئة‬ ‫اهلل تعالى عالميا‪.‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫السعي لتحسين البنية التحتية واالرتقاء بالنقل‬ ‫واإلسكان والصحة والتعليم‪ ،‬والرقي الحضاري‬ ‫في جميع مجاالت الحياة‪.‬‬

‫تحقيق الحراك المهني المنشود في‬ ‫قطاعات الدولة وتحسينها وتحفيزه‬ ‫لألفضل‪.‬‬ ‫عدم الركون الى مصدر واحد في اقتصاد‬ ‫الدولة واستثمار ثرواته وخاماتها‪.‬‬ ‫التطور العسكري الحتمي في (التسليح‬ ‫والصناعات العسكرية)‪.‬‬ ‫تحقيق أهداف سياسية دون الحاجة إلى‬ ‫عال (بسبب رضوخ الدول لمكانة‬ ‫إنفاق ٍ‬ ‫المملكة)‬ ‫تقليص معدالت الفقر والبطالة المتزايدة‬ ‫ليس فقط في بالدنا فقط بل بالعالم كله‬ ‫من خالل التقارير الدولية‪.‬‬ ‫تحسين دخل المرأة السعودية في‬ ‫المجتمع السعودي وزيادة وعيها‬ ‫اإلنفاقي‪.‬‬ ‫النهضة الصناعية بإذن اهلل تعالى والتي‬ ‫تضع المملكة في مصاف الدول المنتجة‬ ‫عالميا‪.‬‬

‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫الفتـــرة األولــى‬

‫‪ 1442‬هـ ـ ‪ 2020‬م‬

‫الفتـــرة الثانيــة‬

‫‪ 1452‬هـ ـ ‪2030‬م‬

‫ ‬ ‫‪o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫ ‬ ‫‪o‬‬ ‫‪ o‬‬

‫‪ o‬‬

‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬

‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫جدول لتوضيح أبرز معالم رؤية (‪)2030‬‬

‫‪119‬‬


‫استطراد‬ ‫تبسيط وإيــضــاح ألب ــرز معالم التأثير‬ ‫الــداخــلــي والــتــأثــر الــخــارجــي بــعــد نهوض‬ ‫المملكة العربية السعودية برؤية (‪ )2030‬إن‬ ‫شاء اهلل تعالى‪ ،‬وسرد مكتسباتها وما تسعى‬ ‫إليه قيادتنا حفظها اهلل جاهدة وبخطى‬ ‫ثــابــتــة‪ ،‬مــن أج ــل صــالــح الــوطــن ومصلحة‬ ‫المواطن‪ ،‬وحتى نسبر أغــوارهــا عن كثب‬ ‫ونقف على أسسها الواضحة‪ ،‬ونــرى جهد‬ ‫هذا الرجل الفذ وأمانته على مقدرات البالد‬ ‫والعباد‪ ،‬وحرصه للرقي بالوطن إلى حيث‬ ‫مــا تنقطع إليه آمــال الحاقدين والحساد‬ ‫وأمانيهم بالعبث به وبأمنه ومقدراته‪ ،‬لذا‬ ‫مما الشك فيه أنها ستترك آثارها داخليا‬ ‫وخــارجــيــا‪ ،‬فقد وضــع فيها عــصــارة فكره‬

‫بكل أمانه وإخــاص وتجرد من مصالحه‬ ‫الشخصية‪ ،‬واضــعــا نصب عينيه (مخافة‬ ‫رب عظيم)‪ ،‬وهــي أعمق‬ ‫الخالق وس ــؤال ٍّ‬ ‫وأشمل من هذه السطور التي أكتبها‪ ،‬لكن‬ ‫لعلنا بلغة السرد والمطالعة السريعة نقوم‬ ‫بتوضيح الرؤية للمواطن العادي‪.‬‬ ‫أس ــال اهلل العلي الــقــديــر بمنه وكرمه‬ ‫لبالدنا األمن واألمان‪ ،‬وأن يحفظها بحفظه‬ ‫من شر الكائدين‪ ،‬كما أساله سبحانه العون‬ ‫والتوفيق والسداد لموالي خــادم الحرمين‬ ‫الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل‬ ‫سعود وولــي عهده صاحب السمو الملكي‬ ‫األمــيــر محمد بن سلمان بــن عبدالعزيز‪،‬‬ ‫ويجعل جميع ما يقدمونه لنا وما يخططون‬ ‫له في موازين حسناتهم‪.‬‬

‫آثـارها الداخلية‬ ‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬

‫‪ o‬‬

‫‪120‬‬

‫نتائج التأثير‬ ‫إيجاد بدائل اقتصادية تزيد من دخل المملكة‬ ‫العربية السعودية لما يطرأ من تغيرات في سعر‬ ‫البترول العالمي والتأثر االقتصادي مستقبال‪.‬‬ ‫استغالل ثروات المملكة الهائلة في النهوض‬ ‫بالصناعة واإلنتاج المحلي (تجاريا وعسكريا)‬ ‫توفير فرص عمل جديدة وخلق بيئة عمل‬ ‫متطورة ألداء ذي جودة عالية‪.‬‬ ‫فهم التركيبة السكانية في المملكة وترابطها‬ ‫اجتماعيا ودينيا‪ ،‬إضافة الي وعي المواطن‬ ‫السعودي الذي حل المعادلة الصعبة في‬ ‫سلوك الجماعات رغم اتساع رقعتها وتباعد‬ ‫أطرافها مفسرًا بذلك معنى العقيدة اإلسالمية‬ ‫الصحيحة وحب الوطن‪.‬‬ ‫توطين الصناعات العسكرية وزيادة االنفاق‬ ‫عليها‪ ،‬وتطوير بعض الصناعات العسكرية (من‬ ‫ذخائر وقطع غيار وبعض المعدات الحربية)‪،‬‬ ‫وهذا المسار سوف يسهم في خلق فرص عمل‬ ‫نوعية في االقتصاد الوطني‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬ ‫‪ o‬‬

‫‪ o‬‬

‫‪ o‬‬

‫عوامل التأثير‬ ‫ثروات الوطن وهلل الحمد ال تقدر بثمن وعلى‬ ‫رأسها رأس المال البشري (المواطن السعودي)‬ ‫مساحة المملكة حفظها اهلل ورعاها من أكبر دول‬ ‫المنطقة حجما وهي أكبر دولة خليجية من حيث‬ ‫المساحة‪.‬‬ ‫التوعية المستمرة وتطوير مهارات العاملين في‬ ‫القطاعين العام والخاص‪ ،‬فهي وهلل الحمد تمتلك‬ ‫(الجامعات والمعاهد‪ .‬ومؤسسات رائدة في‬ ‫التعليم والتدريب الفني والمهني)‪.‬‬ ‫تبذل المحافل العلمية في المملكة العربية‬ ‫السعودية جهودا جبارة دون كلل او ملل في‬ ‫التوعية العامة وسهولة إيصال المعلومة للجميع‪،‬‬ ‫يقدمها أخصائيون اكفاء في مجاالتهم ومحافظة‬ ‫على تقليل المسافة بينها وبين المواطنين‪.‬‬ ‫فتح باب التراث القديم والبحث في حياة وعلوم‬ ‫الحضارات وآثارها الشامخة المبعثرة البقايا بين‬ ‫أطالل الصحراء وإنشاء المتاحف العالمية لتشهد‬ ‫وتدل على التاريخ الحقيقي ألرض مباركة عظيمة‬ ‫من أقدم الحضارات البشرية التي سادت العالم‬ ‫بأسره‪.‬‬


‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫نتائج التأثير المتوقعة‬

‫نشر ثقافة الشريعة اإلسالمية السمحة ‬ ‫المعتدلة‬ ‫رغبة دول العالم بتحسين عالقتها الدبلوماسية‬ ‫والسياسية وحرصها على تعزيز سبل التعاون‬ ‫مع المملكة العربية السعودية على كافة ‬ ‫األصعدة‬ ‫ترسيخ حب هذه البالد المباركة في نفوس‬ ‫المسلمين التصالهم الدائم بها من خالل ‬ ‫زياراتهم المستمرة ألداء شعائر الحج والعمرة‬ ‫وزيارة معالمها والوقوف على عظمة المكان‪.‬‬ ‫ترسيخ مكانة اإلسالم في قلوب زوارها ‬ ‫(فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم) فهي‬ ‫منارة اإلسالم وقبلة المسلمين بالعالم قاطبة‬ ‫ستحفز رؤية المملكة بسواعد أبنائها وقيادة‬ ‫(خادم الحرمين الشريفين وولي عهده األمير‬ ‫محمد بن سلمان بعد اكتمالها بمشيئة اهلل عز ‬ ‫وجل دول الجوار ال بل وجميع دول العالم على‬ ‫أن تحذو حذوها في أن تكون رائدة لها مكانتها‬ ‫العالمية) حيث ستكون تجربة مشرفة بين‬ ‫دول العالم إن شاء اهلل؛ ما سيبعث الحماسة ‬ ‫والمنافسة لمن أراد الرقي‪.‬‬ ‫وضع المملكة في مصاف الدول األولى في‬ ‫العالم والتي يشار إليها بالبنان متخطين‬ ‫بذلك كل الصعوبات والعقبات من حيث الدول‬ ‫المتنافسة في السيادة والرقي‪.‬‬ ‫ ‬

‫عوامل التأثير‬

‫ألن كل ما يحتاجه العالم من موارد متوافرة وهلل‬ ‫الحمد على أرضها المباركة‪ ..‬فكلما تعددت‬ ‫الصناعات وزادت المنتجات سيكون العالم بأسره‬ ‫الباحث عن تحسين العالقة والتعاون مع المملكة‪.‬‬ ‫تسهيل كافة إجراءات الحج والعمرة وزيادة عدد‬ ‫الزوار وإصدار تأشيرات الدخول‪ ،‬الراحة واألمن‬ ‫وسهولة التنقل بجوار بيت اهلل الحرام‪.‬‬ ‫أيادي المملكة وحكامها البيضاء في مساعدة‬ ‫الجميع‪ ،‬فهي السباقة للخير‪ ..‬وال ينكر ذلك إال‬ ‫جاحد متربص‪ ،‬والتاريخ أكبر شاهد على ذلك‪.‬‬ ‫هي مهبط الوحي اإللهي والقران الكريم ومن‬ ‫خالل زيادة عدد الحجاج والمعتمرين وما يلقونه‬ ‫((من حفاوة وترحيب وخدمة وتسهيالت وتنظيم‬ ‫وراحة في المكان منذ دخولهم بالد الحرمين‬ ‫الشريفين))‪.‬‬ ‫كيف وقد شرّفها اهلل سبحانه ببيتة العتيق‬ ‫والمسجد النبوي الشريف ومهبط الرسالة‪،‬‬ ‫تفرض المملكة مكانتها العالمية نظرا ألنها المنبع‬ ‫الحقيقي لألديان ومهد الحضارات السابقة‪.‬‬ ‫تعد مملكتنا بفضل اهلل من أقوى (‪ )20‬دولة‬ ‫اقتصاديا على مستوى العالم‪ ،‬فقد أنعم اهلل‬ ‫على ربوع بالدنا الحبيبة بنعم ال تحصى‪ ،‬وكذلك‬ ‫بمقدرات هائلة منها على سبيل المثال ال الحصر‬ ‫(المقدرات المعدنية كاأللمنيوم والفوسفات‬ ‫والذهب والنحاس واليورانيوم وغيرها)‪.‬‬ ‫منتجات المملكة ذات جودة عالية وأسعار مناسبة‬ ‫إضافة إلى أنها متوافرة باألسواق العالمية‬ ‫ويسهل الوصول إليها في كافة أقطار العالم (رغم‬ ‫اختالف أجناس وأذواقهم)‪.‬‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫آثارها الخارجية‬

‫* باحث إيرادات ‪ -‬السعودية‪ ،‬دبلوم إدارة مكتبة‪ ،‬بكالوريوس دراسات إسالمية‪ ،‬ومدرب معتمد في برنامج‬ ‫الذكاءات المتعددة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪121‬‬


‫الشعر العربي‬ ‫الذئب في ِ‬ ‫الصديق اللدود‬ ‫■ أحمد إبراهيم البوق*‬

‫ـارض ال ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ــحَ ه ـ ــافـ ـ ـيـ ـ ـ ًا‬ ‫غ ـ ـ ـ ـ ــدا ط ـ ـ ـ ــاويـ ـ ـ ـ ـ ًا يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـاب و َي ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ِـسـ ـ ـ ــلُ‬ ‫ـوت ب ـ ـ ـ ـ ــأذن ـ ـ ـ ـ ــاب الـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫الذئب في التراث العربي كائن ملتبس‪ ،‬فتارة يُمدح لشجاعته وقوته ودهائه‪،‬‬ ‫وتارة يذم لغدره ودناءته‪ .‬وهو شائع الذكر في التراث العالمي والعربي على وجه‬ ‫الـخـصــوص‪ .‬وفــي الـ ِـشـعــر تـحــديــد ًا مـئــات المقاطع الـتــي تصف الــذئــب وعالقته‬ ‫باإلنسان وسلوكه بشكل يدعو الــى الدهشة عند مقارنته بالعلم الحديث‪ .‬وال‬ ‫غرابة في ذلك وهذا رأي أبي عثمان الجاحظ (ت ‪255‬هـ) في كتابه "الحيوان" إذ‬ ‫يقول‪( :‬كل معنى في باب معرفة الحيوان من الفالسفة وقرأناه في كتب األطباء‬ ‫والمتكلمين إال ونحن قد وجدناه أو قريب ًا منه في أشعار العرب واألعراب)‪.‬‬ ‫أسماء الذئب‪ ..‬واألسطورة‪..‬‬ ‫وحياته‪!!..‬‬ ‫ولــلــذئــب أســمــاء كــثــيــرة ورد منها‬ ‫فــي "حــيــاة الــحــيــوان الــكــبــرى" لكمال‬ ‫الدين الدميري (ت ‪808‬ه ـــ)‪ ،‬السيد‪،‬‬

‫‪122‬‬

‫والـــســـرحـــان‪ ،‬وال ــخ ــاط ــف‪ ،‬وذؤالـ ـ ــة‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫والعملس‪ ،‬وأوي ــس‪ ،‬وكنيته أبــو مذقة‬ ‫وأبــو جعدة (والجعدة الــشــاة‪ ،‬أو اسم‬ ‫لنبات طيب الرائحة) وأبو ثمامة‪ ،‬وأبو‬ ‫جاعد‪ ،‬وأبــو رعلة‪ ،‬وأبــو سلعامة‪( ،‬أي‬ ‫طويل ودقيق األنف) وأبو العطلس‪ ،‬وأبو‬ ‫كاسب‪ ،‬وأبــو سبلة‪ .‬وكثير منها تردد‬ ‫الشعر العربي كاألغبر‪ ،‬واألجــرد‪،‬‬ ‫في ِ‬


‫وفــي األســاطــيــر اليونانية والــرومــانــيــة‬ ‫تــحــديــداً للذئب ص ــورة حسنة‪ ،‬فهو رمز‬ ‫األنــوثــة واألمــومــة‪ ،‬فأنثى الــذئــب أرضعت‬ ‫أطفال مؤسس المدينة الخالدة‪ .‬رومولوس‬ ‫وشقيقه ريموس‪ .‬ويطلق على الذئبة من باب‬ ‫النقائض كما في التراث العربي "المومس"‪،‬‬ ‫وباللغة الالتينية تسمى "لوبا" أي أم السكر‬ ‫والشهوات‪ ،‬وربما كــان هــذا مصدر االسم‬ ‫العلمي للذئب ‪ ،Canis Lupus‬وهــو ينتمي‬ ‫لرتبة المفترسات وإلــى العائلة الكلبية‪..‬‬ ‫ومنها ابن آوى والثعالب والكالب‪.‬‬ ‫ويعتقد أن استئناس الــذئــاب بــدأ في‬ ‫جنوب الجزيرة العربية‪ ،‬ألن ساللته هي‬ ‫أصغر السالالت في العالم‪ ،‬واألسهل في‬ ‫اإلستئناس‪ ،‬ومنه تفرعت مئات ســاالت‬ ‫الكالب في العالم‪ .‬ويرجع أقدم أثر لذلك‬ ‫قبل (‪ )12‬ألف عام في العراق‪ ،‬وانتشرت‬ ‫بعدها الكالب في العالم كافة‪ .‬لذلك يعتقد‬ ‫أن كل الكالب في العالم تحتوي بعضاً من‬ ‫مورثات الذئب العربي‪.‬‬

‫وفي الشعر‪!..‬‬ ‫والذئاب في تتبعها للفرائس تسير عكس‬ ‫الريح‪ ،‬لكي ال تشم رائحتها الفرائس‪ ،‬ولكي‬ ‫تتبع هي روائحها‪ ،‬وقد صور ذلك الشنفرى‬ ‫(ت‪525‬م) حين يقول في الميته الشهيرة‬ ‫ووصفه الدقيق لسلوك الذئاب فيها‪:‬‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫واألطلس‪ ،‬وذيب الغضا‪ ،‬واألمعط‪ ،‬واألسحم‪ ،‬ورثـــت الــكــاب عــن الــذئــاب ه ــذه الــقــدرة‬ ‫وغيرها كثير‪.‬‬ ‫الخارقة‪.‬‬

‫ـارض الــريــحَ هافي ًا‬ ‫غــدا طــاوي ـ ًا يُ ـعـ ُ‬ ‫ـاب و َي ـعـ ِـســلُ‬ ‫ـوت ب ــأذن ــاب ال ـش ـعـ ِ‬ ‫ي ـخ ـ ُ‬ ‫وتعيش الذئاب مفردة أو في مجموعات‪،‬‬ ‫وغالباً ما تكون مجموعات عائلية‪ ،‬إذ يتكاثر‬ ‫الــزوج السائد‪ ..‬بينما تكبح تكاثرياً اإلناث‬ ‫البالغات األخرى في المجموعة‪ ،‬إال إذا كان‬ ‫الغذاء فائضاً‪ ،‬وقد تصل المجموعات إلى‬ ‫(‪ )36‬فرداً‪،‬‬

‫ولكن المجموعات األصغر من (‪)12-5‬‬ ‫فــرداً هي األكثر شيوعاً من المجموعات‬ ‫الكبيرة‪ ،‬ويكون لديها عــادة حــدود تتحرك‬ ‫فيها‪ ،‬وتصطاد طرائدها كمجموعة تراوح‬ ‫بين (‪ )2500-75‬كــم‪ ،2‬وهــذا يعتمد على‬ ‫والــذئــب كما يقول زكريا القزويني (ت وفرة الفرائس وكثافتها‪.‬‬ ‫‪683‬هـ ـــ) فــي كتابه "عــجــائــب المخلوقات‬ ‫ويــتــم صــيــانــة حـــدود الــمــنــاطــق بــالــعــواء‬ ‫وغــرائــب الــمــوجــودات"‪( :‬أشــد الحيوانات ‪ Howling‬وبــعــامــات الــرائــحــة وبالقتال‬ ‫شماً‪ ،‬وإذا شم من اإلنسان رائحة الــدم ال الــمــبــاشــر‪ .‬وال ــع ــواء كــعــامــة أســـاس على‬ ‫ينجو منه وإن كان أشد الناس قلباً)‪.‬‬ ‫الذئاب يسمع فيما بينها من مسافة عشرة‬ ‫وبالفعل تــؤكــد ال ــدراس ــات العلمية أن كليومترات‪ ،‬ويستخدم للتواصل بين أفراد‬ ‫الذئاب تطارد فرائسها إلى (‪ )5‬كيلومترات‪ ،‬المجموعة‪ .‬وقد وصف ذلك "الشنفرى" في‬ ‫وتشم روائحها ألبعد من كيلومترين‪ .‬وقد الميته‪:‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪123‬‬


‫بحثاً عــن الــغــذاء‪ ،‬فهما ينوحان كالثكالى‬ ‫عال من شدة الجوع‪ ،‬ويواسيان‬ ‫فوق مكان ٍ‬ ‫بعضهما بالصبر إذ لم تنفع الشكوى‪ ،‬وهو‬ ‫صبر المقتدر في البيداء‪.‬‬ ‫وكعب بن زهير (ت‪645‬م) يصف اعتداء‬ ‫الــذئــاب على الغنم وطريقة صيدها إما‬ ‫جماعة أو فرادى‪:‬‬

‫إن ي ـ َغــدُ فــي شَ ـيـعــةٍ لــم يـثـنــهِ َنـ ـ َهــرُ‬ ‫الظلمَ ا‬ ‫وإن غــدا واح ــد ًا ال يتّقي ُّ‬

‫ـوت مــن ح ـيـ ُـث أمّ ــهُ‬ ‫فـلــمّ ــا ل ــواه ال ـق ـ ُ‬ ‫دعـ ـ ـ ــا فـ ــأجـ ــاب ـ ـتـ ــه نـ ـ ـظ ـ ــائ ـ ــرُ َن ـ ـ ّـح ـ ــلُ‬

‫أي إذا هجم في جماعة على الغنم لم يثنه‬ ‫الزجر‪ ،‬وإن كان مفرداً كان شديد االفتراس‪،‬‬ ‫ال يتجنب الظلماء‪.‬‬

‫وعادة ما يغطي الذئب المفرد مساحات‬ ‫في البحث عن الطرائد تصل الى (‪ )20‬ضعفاً‬ ‫***‬ ‫ما تغطية األسر والجماعات‪ .‬وهو عادة ال‬ ‫ثم يستطرد في وصف سلوك الزوج من يترك رائحة تدل عليه عكس المجموعات‪.‬‬ ‫الذئاب‪:‬‬ ‫الشعر بالخليع‪،‬‬ ‫والذئب المفرد شُ به في ِ‬ ‫فـض ـ ــجّ وضـ َّـج ـ ــت بــال ـب ـ ــراح كأنَّـه ــا‬ ‫وهــو الــرجــل المخلوع مــن القبيلة لجناية‬ ‫وإي ـ ـ ـ ـ ــا ُه ُنـ ـ ـ ــوحٌ َف ـ ـ ــوق ع ـل ـي ـ ــاء ثُ ــكَّ ـ ـ ــلُ ارتكبها‪ ،‬فيتم طرده بعيداً حتى عن أسرته‬ ‫وعياله إن كان له أســرة وعيال‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫ـضــت وات ـســى وا َّتــسَ ــت‬ ‫ـضــى وأغـ َ‬ ‫وأغـ َ‬ ‫رمـلُ يقول تأبط شراً (حوالي ‪530‬م)‪:‬‬ ‫مراميـلُ عـزاها وعَ ــزتــهُ مُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بـه‬

‫ووادٍ ك ـجــوف ال ـع ـيــر ق ـفــر قطعته‬ ‫شكا وَشَ كَت ثُ م ارْعَ وَى بَعد وَارعوت‬ ‫الذئب يعوي كالخليع المعّ يل‬ ‫ُ‬ ‫به‬ ‫َلصبر إن لَم َي ْنف َِع الشكو أجمَ لُ‬ ‫ول َ‬ ‫ويقول النجاشي الحارثي (ت بعد ‪681‬م)‪:‬‬

‫و َف ـ ـ ـ ـ ـ ــا َء و َف ـ ـ ـ ــاءت ب ـ ـ ـ ـ ـ ــادرات وَكُ ـ ُّل ـ ـ ـ ـ ـه ــا‬ ‫ـدت عـلـيــه ال ــذئ ــبَ َي ـعــوي كــأ ّنــه‬ ‫ع ـلــى ن ـك ـ ـ ٍـظ م ـمــا ي ـكــاتِ ـ ــمُ مُ ـجـ ِـمـ ــلُ وجـ ـ ُ‬ ‫ـال ومــن أهـ ِـل‬ ‫ُخليعٌ خــا مــن كــل مـ ٍ‬ ‫هــذا الــزوج من الــذئــاب أخرجها الجوع‬ ‫* باحث وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الرقمية والتنوير‬ ‫كيف تسهم الرقمية في محو األمية ونشر الوعي والمعرفة‬ ‫■ سعيد سهمي*‬

‫ال يلتفت الناس عادة إلى حسنات الرقمية في بناء الوعي اإلنساني‪ ،‬وإسهامها‬ ‫في نشر التنوير‪ ،‬ونشر الوعي‪ ،‬وبناء الفكر‪ ،‬ومحو األمية‪ ،‬ومحاربة الجهل‪ ،‬وال‬ ‫ينظرون عــادة إال إلى مساوئها وإلــى إسهامها في التضليل وتدمير القيم‪ ،‬وهي‬ ‫أمور في الواقع تعزى إلى سوء التعامل مع الرقمية بما هي أقصى ما وصلت إليه‬ ‫اإلنسانية اليوم‪ ..‬وبوصفها متغيرً ا جديدً ا من الصعب أن ينسجم معه مجتمع‬ ‫تقليدي؛ فالرقمية بــا شــك أسهمت مــن خــال مــواردهــا المعلوماتية فــي بناء‬ ‫المجتمع اإلنساني الحديث‪ ،‬وفي محاربة الجهل واألمية‪ ،‬وفي نشر الشفافية‬ ‫والديمقراطية‪.‬‬ ‫الرقمية ومحو الجهل واألمية‬

‫أو يــرفــضــون ذلــك خــو ًفــا مــن غزوها‬

‫ال جدال في أن الرقمية قد أسهمت لعالمهم التقليدي‪ .‬فقد أصبح بإمكان‬ ‫إلى حد كبير في القضاء على األمية الجميع الــيــوم‪ ،‬حتى هــؤالء الــذيــن لم‬

‫بمعناها التقليدي‪ ،‬ونقلت من يشتغلون يرتادوا المدرسة‪ ،‬أن يقرؤوا الرسائل‪،‬‬ ‫على التكنولوجيات الحديثة إلى مصاف وأن يكتبوا األرقام التي تتصل بهم على‬ ‫المعرفة والــوعــي‪ ،‬إال بالنسبة للذين الهاتف‪ ،‬وأن يشتغلوا باآللة الحاسبة‪،‬‬ ‫ـصــل على وأن يردوا على الرسائل‪ ،‬بل أصبح من‬ ‫لــم يتمكنوا بــعــد مــن الــتــحـ ُّ‬ ‫الهواتف الذكية والحواسيب وغيرها‪ ،‬هــؤالء من اشتغل بصيانة الحواسيب‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪125‬‬


‫الغزو اإللكتروني‪ ،‬عن موقع‪2018/12/26 ،meilleurtaux.com :‬‬

‫والهواتف الذكية وعالج مشاكلها‪ ،‬بشكل ال‬ ‫يجيده العلماء وخريجو المدارس العليا‪.‬‬ ‫إن هذا بالضرورة يدعو إلى طرح السؤال‪:‬‬ ‫هل ال يــزال بيننا أميون اليوم؟ والحال أن‬ ‫األغلبية العظمى إن لم نقل كلها‪ ..‬أصبح‬ ‫يمتلك القدرة على الكتابة الرقمية‪ ،‬وعلى‬ ‫تدوين االســم والتعليق على الصور‪ ،‬والرد‬ ‫بــاإلشــارات واأليقونات الــدالــة على الفرح‬ ‫والــغــضــب والــحــب والــحــزن فــي الــرســائــل‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬وما إلى ذلك من أمور تجعل في‬ ‫الواقع الجميع قــادرًا على الكتابة والقراءة‬ ‫بوسائط االتصال الحديثة‪.‬‬ ‫الرقمية وتغيرات الكتابة والقراءة‬ ‫إذا كان العرف أن األمية هي عدم القدرة‬

‫على القراءة والكتابة‪ ،‬فإننا في الواقع أمام‬ ‫أشكال جديدة للتعبير والكتابة‪ ،‬حيث إن‬

‫اإلنسان اليوم تجاوز التقليد الــذي يعتمد‬ ‫على القلم في التعبير‪ ،‬واألغلبية حتى من‬

‫‪126‬‬

‫المثقفين الذين يكتبون قد استهوتهم الرقمية‪،‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫بل إنها أصبحت ضرورية‪ ،‬بحيث إنك تجد‬ ‫الكاتب والصحفي قد ال يشغِّل القلم طيلة‬ ‫أسبوع أو أسبوعين‪ ..‬وال يوظف إال الكتابة‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬وذلــك حــال الناس الذين كنا‬ ‫نعدهم أميين‪ ،‬حيث أصبحت لديهم القدرة‬ ‫على التعبير والكتابة باستعمال أدوات كتابة‬ ‫متنوعة ومتعددة تعتمد اإليقونات والصور‬ ‫واإلش ــارات‪ ،‬فضال عن لغة استهالكية قد‬ ‫ال تحترم القواعد اللغوية‪ ،‬إال أنها معبرة‬ ‫ومفهومة من طرف المتلقي‪ ،‬وهو ما يدعو‬ ‫إلى التفاعل مع المعاني الجديدة للكتابة‪،‬‬ ‫والتي يشتغل بها األفــراد اليوم بعيدًا عن‬ ‫أيضا إلى إعادة‬ ‫األساليب التقليدية‪ ،‬ويدعو ً‬ ‫النظر في لغة الكتابة نفسها‪.‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫عن موقع‪ ،https://www.ludomag.com :‬في ‪2018/12/26‬‬

‫والواقع‪ ،‬أن هؤالء الذين كنا نعدهم أميين فــي أمــيــة التعامل مــع الرقمية مــن خالل‬

‫أصبح بإمكاننا اليوم أن نسميهم حداثيين‪ ،‬ع ــدم ال ــق ــدرة عــلــى االن ــدم ــاج مــع أشــكــال‬ ‫عكس عدد من المثقفين‪ ،‬من خالل تعاملهم التواصل اإللكترونية الجديدة‪ ،‬وعبر بواباتها‬

‫الدائم مع اآللــة الحاسبة واستثمارهم في المتعددة من قبيل الفيسبوك (‪)facebook‬‬ ‫االقــتــصــاد الــرقــمــي‪ ،‬وتعاملهم تــجــار ًيــا مع والتويتر (‪ )twiter‬واالنستغرام (‪)instagram‬‬

‫الرقمية عبر عقد الصفقات التجارية عن والواتساب (‪ ،)whatsapp‬وأشكال التراسل‬ ‫بُــعــد‪ ،‬واستثمارهم مــالـ ًيــا فــي الــبــورصــات اإللكتروني‪ ،‬والكتابة اإللكترونية واالشتغال‬

‫العالمية عن بُعد‪ ،‬واستعمالهم الحواسيب على الورد (‪ ،)Word‬واالعتماد في الحساب‬ ‫في التعامل مع الزبائن والعمالء التجاريين والمحاسبة على اإلكسل (‪ ،)Excel‬وتنظيم‬

‫والشركات التي يتعاملون معها‪ ،‬وذلــك كله اإلدارة بــاألكــســس (‪ ،)Access‬واعــتــمــاد‬ ‫دون أن يسبق لهم ولوج المدرسة‪ ،‬هذا كله تقنيات العرض بالبور بوينت (‪،)PowerPoint‬‬ ‫يدعو إلــى إعــادة النظر في مفهوم األمية والقدرة على توظيف واستثمار التكنولوجيات‬ ‫ذاته‪ ،‬ومفهوم القراءة والكتابة‪ ،‬إذا رأينا اليوم الحديثة من قبل الداتا شو (‪،)Data show‬‬

‫أن الجميع يستطيعون االشتغال على الهاتف وعلى معالجة مشكالت الحاسوب وصيانته‪،‬‬ ‫والحاسوب والتواصل بهما بشكل إيجابي في‬ ‫وعلى التحكم في برامج العقل اإللكتروني‬ ‫المعامالت وغيرها‪.‬‬ ‫(‪ ،)Logiciels‬وعلى معالجة المعلومات‪.‬‬ ‫األمية الجديدة‪ :‬أمية التعامل مع‬ ‫الرقمية‬

‫لــأســف‪ ،‬ثــمــة َم ــن مــا يـــزال غــيــر قــادر‬

‫على استعمال الحاسوب والهواتف الذكية‬

‫لقد صرنا اليوم أمام أمية جديدة تتمثل واللوحات اإللكترونية بشكل صحيح‪ ،‬بل إن‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪127‬‬


‫بعض المثقفين واألساتذة‪ ،‬يفتخرون بعجزهم لجاذبيتها وارتباطها بعالمه وواقــعــه‪ ،‬ما‬

‫عن تشغيل الحاسوب بل توظيفه في مهامهم دامــت هذه الوسائط قد أصبحت جــزءًا ال‬ ‫اإلدارية والمهنية‪ ،‬وذلك بدعوى أنه يفضل يتجزأ من حياته‪ ،‬وصارت مشاهدة شريط‬ ‫الكتاب الورقي‪ ،‬وإن كان الكتاب بــدوره قد أو االستماع إليه‪ ،‬أو مشاهدة أفالم تربوية‬ ‫تغير مفهومه‪ ،‬وأصبحت الكتب األكثر رواجً ا أجــدى بكثير من إمــاء ملخص من طرف‬

‫ومقروئية هي الكتب اإللكترونية‪ ،‬بل يمكن المدرس‪ ،‬ذلك أن الصورة تعتبر‪ ،‬دون شك‪،‬‬ ‫الحديث مستقبال عن عهد نهاية الكتاب أكثر جاذبية من غيرها‪ ،‬ولذلك فضلت كثير‬ ‫الورقي وتعويضه بالكتاب اإللكتروني الذي من الدول المتقدمة االرتقاء بالمدرسة إلى‬ ‫غزا اليوم المدارس والجامعات العالمية‪ ،‬الرقمية‪.‬‬ ‫وأصبح صديق الطالب واألستاذ والباحث‬ ‫والعامل لتوافره وسهولة حمله‪.‬‬ ‫الرقمية والتعليم‬

‫فضال عن ذلك‪ ..‬فإن الوسائط الحديثة‬

‫قــد أسهمت فــي تطوير بــنــاء الـــدرس من‬

‫خالل السيناريوهات التعليمية التي عوضت‬ ‫ج ــذاذات تحضير ال ــدروس‪ ،‬وهــو ما يمكن‬

‫فضال عن إسهام الرقمية في محو األمية‪ ،‬معه‪ ،‬االنتقال الرقمي في وسائط التعليم‬ ‫فإنها أسهمت بشكل كبير فــي النهوض والتعلم مــن خــال خلق مــا يمكن تسميته‬ ‫بالتعليم من خالل الوسائط الحديثة التي التعليم التفاعلي‪ ،‬حيت يــربــط الــمــدرس‬ ‫تُعين على تجويد التعلمات وتشغيلها‪ ،‬بحيث التعلمات المنجزة مع عوالم متعددة تجمع‬ ‫تجعل المتعلم أكثر ارتــبــاطً ــا بما يدرسه‪ ،‬وسائط متعددة تشارك في العملية التعليمية‬

‫استعمال الوسائط التكنولوجية التعليمية ‪ ،TICE‬عن موقع‪ ،https://www.forma-tice.net :‬في‪2018/12/26 :‬‬

‫‪128‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫التعلمية‪ ،‬بحيث يمكن في درس للتاريخ مثال كما عملت مواقع التواصل االجتماعي على‬ ‫أن ننقل التلميذ إلى مشاهد تاريخية حية بث فيديوهات تعلم اللغات والرسم والقرآن‪،‬‬

‫عبر الصورة‪ ،‬وإلى أفالم قصيرة تاريخية‪ ،‬وغيرها من الفنون والعلوم‪ ،‬فأصبحنا نجد‬

‫وإلى لقطات متعددة وشهادات وربورطاجات‬ ‫أطفال نابغين في إتقان اللغات األجنبية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وسيناريوهات ومشاهد تتفاعل فيها الكتابة‪ ،‬وفي تعلم الرسم والموسيقا وغيرها بفضل‬ ‫والــصــورة‪ ،‬والــصــورة المتحركة‪ ،‬والفيديو؛ الوسائط التكنولوجية الحديثة‪.‬‬ ‫وتتعدد فيها الحواس الموظفة في التعلم‪،‬‬ ‫هكذا‪ ،‬أصبحنا اليوم أمام مدرسة حقيقية‬ ‫مما يخلق إقباال أكبر على التعلم‪.‬‬ ‫لدى الطفل قبل ولوجه عالم المدرسة منذ‬ ‫التعلم الرقمي وبناء شخصية الطفل‬

‫السنوات الثالث أو األربــع األول ــى‪ ،‬بحيث‬

‫ال شك أن الرقمية رغم مخاطرها‪ ،‬قد يكون قادرًا على تكلم أكثر من لغة‪ ،‬وقادرًا‬ ‫أسهمت في تعليم األطفال الصغار من خالل على إتقان فنون متعددة‪ ،‬وأصبحت لديه‬

‫دخول الطفل عبرها إلى عوالم جديدة للتعلم القدرة على التواصل مع غيره عبر الوسائط‬ ‫قبل ولوجه المدرسة‪ ،‬بحيث إن المعينات الحديثة‪ ،‬فضال عن إتقانه الكتابة والقراءة‪،‬‬ ‫الحديثة حببت إلى األطفال التعلم ال سيما وإن كــان األمــر في الواقع يتطلب ترشيدًا‬ ‫تعلم اللغات‪ ،‬فقد أسهمت القنوات التلفزيونية لهذه العملية لتجنب المخاطر الممكنة على‬ ‫في بث الدروس اللغوية عن بعد‪ ،‬في أشكال صحة األطفال وعلى نموهم النفسي والعقلي‬

‫تنخرط فيها فنون متعددة أبرزها الموسيقا‪ ،‬والجسدي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪129‬‬


‫الرقمية ونشر الوعي‬ ‫لقد أسهمت الرقمية فــي نشر الوعي‬

‫المعلومة قصرًا على أحد مهما كانت سرية‪.‬‬ ‫بــل إن االرتــقــاء المعرفي والعلمي قد‬

‫اإلنــســانــي بشكل غير مسبوق‪ ،‬وذل ــك من صار ممكنًا للجميع بفضل الرقمية‪ ،‬فأصبح‬ ‫خالل االنفتاح على عالم المعلومة ودخوله بإمكان الجميع ولــوج العوالم اإللكترونية‬ ‫من بابه الواسع‪ ،‬فقد صار بإمكان الجميع‬ ‫اليوم التعرف على المستجدات السياسية‬ ‫واالقــتــصــاديــة والــثــقــافــيــة وغــيــرهــا‪ ،‬بــدون‬

‫تزييف أو تشويه‪ ،‬بعيدًا عن الرقابة التي‬

‫كانت ممارسة على المرء من قبل وكاالت‬ ‫األنباء الدولية‪ ،‬وأصبحت الحقيقة تتسرب‬

‫واالطالع على الفيديوهات وغيرها لمعرفة‬ ‫الــواقــع والحقائق‪ ،‬وللتعلم والمعرفة من‬ ‫خالل المحاضرات والدروس المبثوثة على‬ ‫اليوتيوب وغيره من المواقع‪ ،‬فصار بإمكان‬ ‫المرء حل مشكالته الحياتية باالنخراط في‬

‫إلى الجميع قبل أن تصل إلى وكاالت األنباء محاضرات وتوجيهات المتخصصين‪ ،‬وصار‬ ‫نفسها‪ ،‬وذلك بفضل الهواتف الذكية التي بإمكان المرء أن يطور معارفه بمشاهدة‬ ‫أصبحت الرفيق الدائم لإلنسان‪ .‬وهو ما ومتابعة الدروس عن بُعد‪ ،‬وهو ما أسهم في‬

‫يــعــزز الشفافية والديمقراطية كمبدأين نشر الوعي وفي تنمية المعرفة لدى الجميع‪.‬‬

‫أساسين من مبادئ الرقمية‪.‬‬

‫إن الرقمية‪ ،‬رغــم بعض سلبياتها التي‬

‫لــم تعد الــمــدرســة والــجــريــدة المكتوبة تسجل على مستوى تحوالت القيم‪ ،‬والتي‬ ‫والكتاب وحدها وسائل نشر المعلومات‪ ،‬ترجع بــاألســاس إلــى القصور في التوعية‬ ‫بل أصبح كل من لديه هاتف ذكي بإمكانه‬ ‫أن يصور وأن ينشر‪ ،‬وهو ما أسهم في نشر‬

‫الوعي‪ ،‬بحيث أصبح بإمكان المرء أن يتعرف‬

‫على ما يجري في العالم بضغطة زر‪ ،‬عبر‬

‫والترشيد بمخاطرها‪ ،‬إال إنها في الواقع قد‬ ‫أتاحت الفرصة للجميع بشكل ديمقراطي في‬ ‫التعلم والوعي والمعرفة‪ ،‬وهو ما يدعو إلى‬ ‫التحسيس بأهميتها‪ ،‬وترشيد التعامل معها‬

‫ولوج محركات البحث ودخول مواقع التواصل‬ ‫االجتماعي‪ .‬وبعيدًا عن المخالفات التي من خــال دروس توعوية يمكنها أن تكون‬ ‫قد يقوم بها الناشر أو المتداول للمعلومة‪ ،‬عبر الرقمية ذاتها من خالل متخصصين‪،‬‬ ‫والــتــي تتطلب وعـ ًيــا قانونيًا وتــرشــيـدًا من كما ينبغي أن تسهم الدولة في ذلك من أجل‬ ‫ذوي االختصاص‪ ،‬فإن الرقمية أسهمت في األخذ بحسناتها وترك ما يمكن أن يسيء‬

‫تعزيز الوعي اإلنساني بما يجري‪ ،‬ولم تعد إلى المجتمع وإلى قيمه وأخالقياته‪.‬‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪130‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫نيزك الصحافة الورقية‬ ‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫فــي شـهــر صـفــر ‪1439‬ه ـجــريــة توجهنا الـعــاشــرة ضـحــى إل ــى الـمــديـنــة الـمـنــورة‬ ‫انطالقا من محطة الحافالت بالقرب من كورنيش جدة بعد انتظار قصير‪ .‬وفي‬ ‫فترة االنتظار هــذه رأيــت أن أقضي الوقت بمطالعة إحــدى الصحف‪ .‬صحيفتي‬ ‫المفضلة هي األهــرام؛ ذهبت إلى مكتبة متواضعة هناك‪ ،‬فاعتذر صاحبها بأنه‬ ‫ال يبيع الـجــرائــد‪ ،‬لقد كــان ذلــك فــي الماضي‪ .‬كــان الـنــاس يشترون الجرائد ثم‬ ‫تناقص البيع؛ فقبل عشرين سنة كما قال لي البائع كان مــوزع الجرائد يقبض‬ ‫مني الغلة بمعدل (‪ )2500‬ريال كل أسبوع‪ ،‬ولما تدهور سوق الجرائد الورقية كف‬ ‫الموزع عن اإلتيان إلينا بالجرائد‪ .‬فقد كان يستكثر المشوار ما دامت المبيعات‬ ‫طيلة األسبوع ال تزيد عن خمسين رياال‪ .‬فليس عنده عكاظ وال مكة وال المدينة‬ ‫فضال عن األهرام‪.‬‬ ‫وقد اعترض معترضون قبل خمسين‬ ‫سنة على الــكــاتــب أحــمــد عبيد حين‬ ‫كان مقاله يظهر كل يوم في الصفحة‬ ‫األولى من جريدة الندوة‪ ،‬بعنوان صوت‬ ‫الشعب‪ ،‬فأضاف إليه كلمة تخفف من‬ ‫ق ـوّتــه فأصبح الــعــنــوان فــي الصفحة‬ ‫هـــذه كــلــمــات تــكــشــف هــمــوم رواد‬ ‫األولى (صوت من الشعب)‪ .‬وكما كانت‬ ‫جــريــدة الــحــيــاة تكتب تــحــت عنوانها الصحافة‪ .‬فالشرق األوسط مثال تقول‬ ‫الحياة‪ :‬إن الحياة عقيدة وجهاد‪ ،‬فقد‬ ‫اخــتــارت الــنــدوة شعار (كــفــاح مشروع‬ ‫لخير المجموع)‪ .‬أمــا مكة التي حلت‬ ‫محل الندوة‪ ،‬فقد اكتفت بالقول (متعة‬ ‫المعرفة)‪.‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪131‬‬


‫إنها جــريــدة الــعــرب الــدولــيــة‪ ،‬لكن جريدة بضرورة الدعم الحكومي للصحافة؛ ألنها لم‬ ‫اإلشعاع التي صدرت من المنطقة الشرقية تعد تستطع تحمل النفقات‪.‬‬ ‫قبل أكثر من نصف قــرن‪ ،‬كان شعارها إن‬ ‫وكنت قبل عام في لقاء مع أحد مؤرخي‬ ‫بصيصا من األمــل في‬ ‫ً‬ ‫صــدقــت ذاك ــرت ــي شــمــس مــن وراء جبل‪ .‬مدينة جدة فأشعل‬ ‫واخــتــارت جــريــدة المدينة عــبــارة صوتك نفسي بالقول‪ :‬إن وسائل التواصل االجتماعي‬ ‫قلمُنا‪..‬‬ ‫في أمريكا خدعت الناخبين فجاءت النتائج‬ ‫بفوز ترامب‪ ،‬وأن هناك اتجاها في أمريكا‬ ‫للعودة إلى الصحافة الورقية؛ ألنها وثيقة ال‬ ‫يمكن المجادلة في موثوقيتها‪ ،‬وذلك حتى ال‬ ‫يكرروا الخطأ نفسه‪.‬‬

‫ولما كنت قبل التقاعد أعمل في جريدة‬ ‫عــكــاظ‪ ،‬فقد كنت أم ــازح الصديق السيد‬ ‫محمد علوي بلفقيه أحــد أقــطــاب جريدة‬ ‫المدينة بالقول صوتك قلّمنا (بتشديد الالم)‬ ‫فكان رحمه اهلل يرفع صوته مصححا صوتك‬ ‫كــام عجيب ينفي القول الشائع (كالم‬ ‫َقلَمُنا‪.‬‬ ‫جــرايــد)‪ .‬ولــمــا اشتكى أحــد أعــضــاء كبار‬ ‫لقد كــف مـــوزّع الــجــرائــد فــي جــدة من العلماء لي قبل عشر سنوات أن عكاظ غير‬ ‫تلقاء نفسه قبل ثالث سنوات عن الوصول نافعة وال مفيدة‪ ،‬قلت له إن جريدتنا فيها‬ ‫إل ــى مــنــاطــق شــبــه مــيــئــوس مــن مبيعاتها‪ .‬ثالثون صفحة منها صفحة واحــدة وربما‬ ‫وفــي نقاط مبيعات أخــرى أوقــف أصحاب عمود صحفي واحــد يستحق من أجله أن‬ ‫البقاالت استالم الجرائد للسبب ذاته‪ .‬فهو تدفع الريالين‪ ،‬فلم يكن منه إال أن وافق‬ ‫جهد غير مربح وال مجز‪ .‬ليس ذلك عندنا على كالمي‪ .‬لكني صدمت عندما ذهبت إلى‬ ‫فحسب‪ ..‬فقد أعلنت «السفير» اللبنانية إحــدى المكتبات بعد ذلك بعام أو عامين‪،‬‬ ‫إيقاف الطباعة الورقية قبل بضعة أعوام‪ ،‬فلم أجد الجرائد فيها‪ ،‬وقال لي صاحبها‬ ‫مع أن شعارها (صوت من ال صوت له)‪ ،‬وفي بـــازدراء‪ :‬نحن ال نبيع جــرائــد‪ ،‬فهذه مهنة‬ ‫العام ‪2018‬م أوقفت الحياة الطباعة الورقية الــبــقــاالت‪ .‬اآلن الــبــقــاالت أيــضــا أصبحت‬ ‫حــســب عــلــمــي بــاســتــثــنــاء دب ــي وال ــري ــاض‪ .‬تتأفف من بيع الجرائد‪.‬‬ ‫واشتكى فــاروق جويدة الكاتب اليومي في‬ ‫هل من حل؟ هل من ضوء شمس تطل من‬ ‫األهرام في شهر فبراير ‪2019‬م من ضعف وراء جبل؟ أو كفاح مشروع لخير المجموع؟‬ ‫التوزيع واستجداء الجرائد للحكومة لكي أتــرك ذلــك لمن يقرأ هــذا المقال قبل أن‬ ‫تــدفــع روات ــب العاملين وهــم ب ــاآلالف كما يأتي زمن يقال فيه كان هناك نيزك ظهر‬ ‫قال‪ ،‬ورفع األستاذ خالد المالك شكواه على في سماء الوطن العربي يسمى الصحافة ثم‬ ‫الصفحة األولى من جريدة الجزيرة‪ ،‬ونادى اختفى!‬ ‫* مترجم ونائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ سابقا‪.‬‬

‫‪132‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ُ‬ ‫عند ُّ‬ ‫عراء‬ ‫لغة‬ ‫الش ِ‬ ‫العيون َ‬ ‫ِ‬ ‫العباسيين‬ ‫ّ‬ ‫الدهون*‬ ‫■ د‪ .‬إبراهيم مصطفى ّ‬

‫الشعرِ العبَّاسيّ ‪ ،‬بما‬ ‫تقف هذه الدراسة عن َد حضورِ صورة العين في أمثلةٍ من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫الشعراءُ أشجانَهم ورؤاهم؛‬ ‫يبث ِمنْ خاللها ُّ‬ ‫هي لغة الفتةً لالنتباه‪ ،‬وأداة تواصليّة ّ‬ ‫اعتملت به نفوسهم الممتلئة دفقات شعوريّة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫إذ جَ اءتْ أشعارُهم نَاطقةً سَ ابر ًة عمّ ا‬ ‫ورسائل عاطفيَّة‪ ،‬وتعبيرات إنسانيَّة‪.‬‬ ‫بالطرف والحاجب وغير‬ ‫ِ‬ ‫مــن هــنــا‪ ،‬فــقــد شــكـلَّـ ِـت الــعــيـ ُن عند وفي اإلشــار ِة‬ ‫ِ‬ ‫الشُّ عراءِ منفذاً مه ّماً نحو‬ ‫الكشف عن ذلــك من الــجــوارحِ مَرفق كبير ومعونة‬ ‫أمور يسترها بعض النَّاس‬ ‫حركات القلوب‪ ،‬وخبايا النَّفوس‪ .‬والنَّظر حاضرة في ٍ‬ ‫الجليس وغير‬ ‫ِ‬ ‫في فنون ترسيماتها البصريّة يقتضي من بعض‪ ،‬ويخفونها من‬ ‫إنساناً حَ اذقاً مبصراً للغتها‪ ،‬مترجماً الجليس‪ ،‬ولوال اإلشارةُ لم يتفهم النَّاس‬ ‫إلشاراتها‪ ،‬يستغلّها استغالالً جيداً في‬ ‫معنى خاص الخاص‪ ،‬ولجهلوا هذا الباب‬ ‫قراء ِة األفئدة‪ ،‬وتعرية أصحابها‪ .‬فنحن‬ ‫البتة" (الجاحظ‪1985 ،‬م)‪ .‬وأ ّك ـ َد على‬ ‫نقف مشدوهين أمــام ما يطلعنا عليه‬ ‫هذا ابن عبدربّه (ت‪328‬هـــ)‪ ،‬إذ قالَ‪":‬‬ ‫يخص لغة‬ ‫ّ‬ ‫الجاحظ (ت‪255‬هــــ) فيما‬ ‫القلب‬ ‫ِ‬ ‫إنَّ العي َن باب القلب‪ ،‬فما كَا َن في‬ ‫ال على‬ ‫اإلشــارة بالعينِ والحاجب‪ ،‬مدل ً‬ ‫ظه َر في العين"(ابن عبدربّه‪1969 ،‬م)‪.‬‬ ‫مواطن االنتفاع منها‪ ،‬وال سيما عندما‬ ‫تعبّر عن معنى‪( :‬خاص الخاص)‪ ،‬فقال‪":‬‬ ‫تكشف‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا‪ ،‬فالعي ُن مرآةُ الّنفس‪،‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪133‬‬


‫ـدور قــد امــتــأتْ صبابة ومكابدة‪.‬‬ ‫ـض‪ ،‬والــهــدوءَ‪ ،‬والطمأنينة‪ ،‬عــن ص ـ ٍ‬ ‫الــحُ ــبَّ ‪ ،‬والــبــغـ َ‬ ‫وال ــسُّ ــرور‪ ،‬والــحــبــور‪ ،‬وال ــي ــأس‪ ،‬وال ـرّضــا‪ ،‬فــالــشَّ ــاعــرةُ وظّ ــفــتْ العين لتبرز موقفها‬ ‫الحبيب الذي تَحْ مِ ُل له في‬ ‫ِ‬ ‫والسّ خرية‪ ،‬واإلبرام‪ ،‬والنَّقض‪ ،‬وهي تضحك‪ ،‬اإليجابي من هذا‬ ‫وتتحدّث‪ ،‬وتطمع‪ ،‬وتشتهي‪ ،‬وتبتهل‪ ،‬وتتضر ُع قلبها رسائل الشَّ وْقِ وال َّتوْقِ وال َميْل‪.‬‬ ‫وتتوسلُ‪ ،‬وتغفو (شلق‪1984،‬م)‪ .‬وهي بذلك‬ ‫وارتبطت العي ُن عند عبداهلل بن المعتز‬ ‫ِ‬ ‫تنبهك إلى ما في ِ‬ ‫بالكشف وتجلية العالقة بين‬ ‫ِ‬ ‫نفس صاحبها من خوالج (ت‪296‬هـــ)‬ ‫َ‬ ‫صادقة‪ ،‬وعواطف جيَّاشة‪ ،‬ولعلَّ االهتما َم العاشقينِ ‪ ،‬فهو يقرن العلم واإلفصاح عن‬ ‫المتزايد بها يسه ُم باالنفتاحِ على تأويالت هــواه لمحبوبته بعيني صاحبه‪ ،‬بوصفهما‬ ‫وتفسيرات متعددة لتلك النَّظرات‪.‬‬ ‫منفذاً حقيقياً يلمس اإلنسا ُن فيهما اإلبصار‬ ‫الخاصة‬ ‫ّ‬ ‫‪ -1‬العين واللّغة‬

‫وسبر أعماق النَّفس‪ ،‬كما رَا َح يتساءل عن‬

‫اختالس عينيه النَّظر استقصا ًء لألنثى عبر‬ ‫ِ‬

‫فعيون العشاق تملك لغة لها رموز خاصة‪،‬‬ ‫وقد جسّ َد الشُّ عراءُ العبَّاسيو َن بعيونهم لغ َة‬ ‫العين‪( :‬ابن المعتز‪1977 ،‬م)‪.‬‬ ‫الغرام‪ ،‬وأبانوا عمّا اعتلج في ذواتهم من‬ ‫ـاك بــأ ِّنــي أ ُِحــبُّ ـ َهــا‪،‬‬ ‫خلجات األسى‪ ،‬وزفرات العشق‪ ،‬حين تنبعثُ أمَ ــا عَ ــلِ ــمَ ـ ْـت عـيـنـ َ‬ ‫ـوق عَ ــلِ ـيــمٌ بِ ـ َعــاشـ ِـق‬ ‫كــمَ ــا كُ ـ ــلُّ مَ ــعْ ـ ُـش ـ ٍ‬ ‫من تلك المُقل السَّ عادةُ والــفــرحُ‪ ،‬وتتجد ُد‬ ‫الــحــيــاةُ‪ ،‬ويستم ّ ُر األمـ ـلُ؛ فهذه ُعلَيَّة بنت أ َل ــمْ َت ـ َر عَ ـيــنِ ــي‪ ،‬و َِه ــيَ َتـ ْـســرِ قُ نـ ْـظـ َر ًة‬ ‫المهدي جاءتْ عينُهَا ناطق ًة بوّاح ًة في قولها‪:‬‬ ‫إِ ل ـي ـ َهــا عَ ـ َل ــى ُب ــعْ ـ ٍـد بِ ـلـ ْـحــظَ ــةِ و َِام ـ ـ ِـق‬ ‫(الصولي‪1982 ،‬م)‬ ‫ّ‬ ‫ير ّك ُز ابن المعتز في حديثه عن العينِ على‬ ‫َّص‪ ،‬فقا َل ينط ُق‬ ‫حضورها المهيمن في الن ِّ‬

‫َتـ ـ َك ــا َتـ ـ ْبـ ـ َن ــا بِ ـ ـ ـرَمْ ـ ـ ــزٍ فِ ـ ــي ال ـ ُـح ـ ُـض ــورِ‬ ‫وَإيـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــاءٍ َي ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ــوحُ بِ ـ ـ ـ ـ ــاَ ُسـ ـ ـط ـ ــورِ تــبــدي مــا فــي نفسه مــن خلجات العشق‬ ‫والغرام‪ ،‬وتفضح تفلّت نزوعه الدَّ اخلي إزاء‬ ‫ُسـ ـ ـ ـوَى مُ ـ ـ َقـ ـ ٍـل ُت ــخَ ـ ـ ِّب ــرُ مَ ـ ــا عَ ـ َن ــاهَ ــا‬ ‫ـص ــدُ ورِ أنثى حبست روحــه‪ ،‬وسيطرت عليها‪ ،‬فلم‬ ‫بِ ـ ـ َك ـ ِّـف ال ـ ـوَهْ ـ ـ ِـم فِ ــي وَرِ ِق ال ـ ُّ‬ ‫معاني البوح ولغة التَّصريح‪ ،‬فعينا صاحبه‬

‫‪134‬‬

‫َّص السَّ ابقِ‬ ‫ترتك ُز لغ ُة التَّواصلِ في الن ِّ‬ ‫على جسرِ الشَّ راكة بين عيونِ المحبين‪،‬‬ ‫المجلس بــالــحــضــورِ ‪ ،‬والــذي‬ ‫ُ‬ ‫بعد أ ْن عــجَّ‬ ‫َارس دوراً رقابياً تتبع ّياً‪ ،‬وعم َل جَ اهداً على‬ ‫م َ‬ ‫ِحاظ هذه ال ُمقَل‬ ‫التَّضييقِ عليهما‪ ،‬غير أنَّ ل َ‬ ‫تَ َفلَّتَتْ لترسل خبراً بالمحبةِ والمودةِ‪ ،‬وتف ّر َج‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫يك ْن منه إ َّال أ ْن أخ َذ يتحسّ س جمالها بشغف‬

‫وتعلق‪ .‬وهنا‪ ،‬وظّ ف الشَّ اعر تقان َة لغة العين‬ ‫َّاس‪.‬‬ ‫إدراك إشارات لغة التَّفاهم بين الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫في‬

‫وتــتــسـ ُع وســائــل التّعبير والــبــيــان عن َد‬

‫الشُّ عراءِ لتشمل اإلشارة بالعينِ وحركاتها‪،‬‬ ‫فــتــارة تــكــون مجسّ م ًة ومــجــسّ ــد ًة لمعاني‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫ثانية‪ .‬وآية ذلك قول‬ ‫جهة ٍ‬ ‫نفس صاحبها من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫القَبول والسّ رور‪ ،‬وتــارة أخرى تصبح دالة‬ ‫على معالم الرّفض والكراهية؛ ولعلَّ هذا ما الشَّ اعر بكر بن النَّطَّ اح (ت‪200‬هـ)‪ ،‬العاشق‬ ‫ص الــمــدنــف الــمــغــرم ب ــدرّت ــه‪( :‬اب ــن الــنــطّ ــاح‪،‬‬ ‫يخص َ‬ ‫ّ‬ ‫قا َد ابن قتيبة (ت‪276‬هـــ) إلى أ ْن‬

‫ال في كتابه‪( :‬عيون األخبار) ‪1975‬م)‪.‬‬ ‫باباً مستق ً‬

‫ـضــا‬ ‫وَسَ ـ َم ـ ُه بــــ‪( :‬االســتــدالل بالعين واإلشــارة ال ـ َع ـ ْي ــنُ ُتـ ـ ْب ـ ِـدي ال ـ ُـح ـ َّـب وال ـ ُبــغْ ـ َ‬ ‫والنّصبة)‪ ،‬ذاكراً كالماً بَارعاً يتجانس مع‬ ‫ـضـ ــا‬ ‫َو ُتـ ـ ـ ْـظـ ـ ـ ِـهـ ـ ــرُ اإلِ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَا َم وال ـ ـ َنـ ــقْ ـ ـ َ‬ ‫(رب طَ ر ٍْف أفص ُح من‬ ‫لغةِ العيون‪ ،‬إذ قالَ‪َّ :‬‬

‫لسان) (ابن قتيبة‪1925 ،‬م)‪.‬‬

‫‪ -2‬العين مرآة للقلب‬

‫ـص ـ َف ــتِ ـن ــي فِ ـ ــي الـ ـ َهـ ـوَى‬ ‫دُ َّر ُة مَ ـ ــا أَن ـ َ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ـضــى‬ ‫ال ر َِح ــمْ ـ ِـت الــجَ ــسَ ـ َد الــمُ ـنـ َ‬ ‫َو َ‬ ‫إ ْذ يؤكّد ابن النَّطّ اح أنَّ للعينِ مقدر ًة كبير ًة‬

‫ولغ ُة العيون مرآة لما في القلوب‪ ،‬وممّا في التّعبيرِ عن مقاصد صاحبها سواء أكانت‬ ‫ِ‬ ‫تجد ُر اإلشــارة إليه أنَّ‬ ‫للحواس في جسمِ حُ ّباً أم بغضاً‪ ،‬ث َّم يعم ُد إلى إبرازِ ما تظهره‬

‫ِ‬ ‫اإلنسان ارتباطاً كبيراً في‬ ‫اكتساب اللّغة موافق ًة أم مخالفةً‪ .‬وواض ٌح أنَّ العي َن ال تقف‬ ‫وقدرتها على اإلبــانــةِ ومواجهةِ األحــداث وظيفتها بوصفها ملمحاً جمال ّياً فقط‪ ،‬وإنّما‬ ‫ّ‬ ‫فالحواس عامّة‪ ،‬والبص ُر‬ ‫ُ‬ ‫والمواقف‪،‬‬ ‫خاصة تتعدّ ى ذلك كلّه إلى اعتبارها تقنية تعبيريّة‬ ‫هــي السّ بب الرئيس فــي اخــتـ ِ‬ ‫ـان خــفــيــة‪ ،‬وم ــدل ــوالت خصبة‬ ‫ـاف ماهية تكتنز بــمــعـ ٍ‬

‫المعروفات‪ ،‬فــالــحـ ُ‬ ‫ـواس تعرُّفنا باألشياءِ تجسّ د مــوقــف صاحبها ورؤيــتــه‪ .‬وهكذا‬ ‫الماديّة المحسوسة‪ ،‬وتكاد تكون حاسّ ُة‬ ‫استفاض الشَّ اع ُر عَ برَها وفيها‪ ،‬السيما‬ ‫َ‬

‫البصر أرقــاهــا وأفضلها (فــــرّوخ‪1981،‬م) أنَّها "أصبحتْ ملهم ًة لإلفصاحِ والبوحِ عن‬ ‫والصور‬ ‫ّ‬ ‫الصدور لتخرج أبهى الدّ رر‬ ‫كونها تتبنّى وظيفة اإلبصار الحقيقية من مكنونِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫صادقاً‬ ‫ال َ‬ ‫جهة‪ ،‬وتقدّ م سجّ ً‬ ‫ينبض بما في النّادرة الذّ اخرة بالجمالِ ‪ ،‬واألنيقةِ باإلبداعِ‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪135‬‬


‫ـاشـ ٍـق‬ ‫َاش ــونَ ِم ــنْ عَ ـ ِ‬ ‫والغنيّةِ بالجواهرِ المعنويّة"(عبدالمجيد‪ ،‬أمَ ــا اشـ َتـ َفــى الـ ـو ُ‬ ‫‪2016‬م)‪.‬‬ ‫َيـلـ َقــى ِم ــنَ ال ـ َب ـ ْيـ ِـن ال ــذي أن ــتَ َلقْ‬ ‫وفي هذا السّ ياق‪ ،‬نستذك ُر أشعا َر صريع رَمَ ـ ـ ـ ْت ـ ــهُ ب ــال ـ َّل ـ ْـح ـ ِـظ عُ ـ ــيُ ـ ــونُ الـ ــعِ ـ ـدَا‪،‬‬ ‫الغواني مسلم بن الوليد (ت‪208‬هــــــ) في‬ ‫َبل أَنْ ي َْحظَ ى بِ طَ ي ِْب العِ ناقْ‬ ‫ِمنْ ق ِ‬

‫مضمار الحبّ وعالقاته مع النِّساء‪ ،‬فنجده‬

‫ـوق فِ ــي جَ ــفْ ــنِ ــه‪،‬‬ ‫َف ــجَ ــالَ مَ ـ ـ ــاءُ ال ـ َّـش ـ ِ‬ ‫لم يختلف كثيراً عن الشُّ عراءِ ‪ ،‬بــأنَّ العي َن‬ ‫ـاس ــهُ فِ ــي ال ــتَّ ـ ـرَاقْ‬ ‫واح ـ َت ـ َب ــسَ ـ ْـت أن ـف ـ ُ‬

‫عنده حمّال ُة أوجه للغة‪ ،‬اعتماداً على نفسية‬ ‫صاحبها‪ ،‬ومن ذلك قوله‪( :‬صريع الغواني‪،‬‬ ‫‪1985‬م)‬

‫ذَهَ ـ ـ ْب ـ ُـت َو َلـ ــمْ أُحَ ـ ـ ـ ِـد ْد بِ ـ َعـيــنِ ــيَ َن ـظ ـ َر ًة‬ ‫َوأَي ـ َق ـ ْنـ ُـت أَنَّ الـ َعـ ْيــنَ هَ ــاتِ ـ َكــةٌ ِسـ ْتــرِ ي‬ ‫ـات ال ـ ــمَ ـ ـ ـ َودَّةِ َب ـ ْي ـ َن ـ َنــا‬ ‫جَ ـ َع ـ ْل ـ َن ــا عَ ــام ـ ِ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫أخفَى ِمنَ السِّ ْحرِ‬ ‫مَصاي َد ل َْح ٍظ هُ نَّ ْ‬ ‫َفأَعْ رِ ُف ِم ْنهَا الو َْصلَ فِ ي لِ ي ِْن طَ رْفِ هَا‬ ‫(‪)3‬‬ ‫َوأَعْ ــرِ ُف ِم ْنهَا اله َْج َر بِ ال َنّظَ رِ الـ ّ َـشـزْرِ‬ ‫أضحت العي ُن وسيل ًة يلجأ إليها صريع‬ ‫ِ‬ ‫صادقاً عن مشاعره‬ ‫الغواني للتعبيرِ تعبيراً َ‬ ‫وأحاسيسه تجاه محبوبته‪ .‬فلمّا َكــا َن لي ُن‬ ‫طــرفــهــا بــاعــثـاً عــلــى ال ــم ــودةِ‪ ،‬غ ــدا بدهياً‬ ‫أنَّ نظرتَها الــشّ ــزرا َء رســالـ ٌة واضــحـ ٌة على‬ ‫الــهــجــرانِ ؛ فالعين كانت بمثابة المتنفس‬ ‫للشاعر تترجم حالته النَّفسيّة وتــدل على‬ ‫ذاته‪.‬‬

‫‪136‬‬

‫يق ّد ُم الشَّ اع ُر تفسيراً دينياً (الفلق‪)5،‬‬ ‫الضارة على نحو ما نراه في‬ ‫َّ‬ ‫فريداً للعينِ‬ ‫تسليط‬ ‫ِ‬ ‫عيونِ الــوشــاة‪ ،‬ويرصد دورهــا في‬ ‫وسهر‬ ‫ٍ‬ ‫كبد‬ ‫السُّ موم على العاشقي َن ليظلّوا في ٍ‬ ‫وبــاءٍ ‪ .‬وغاية الشَّ اعر في هذا المقطعِ أ ْن‬ ‫يبثَّ أحزانَه وأرزا َء العُشّ اقِ مع محبوباتهم‪.‬‬ ‫ومن ث َّم فإنَّ ما ألفناه في األبيات السَّ ابقة‬ ‫معان وصيحات ِإنَّما هو تأكيد على أثرِ‬ ‫من ٍ‬ ‫عين العِ دا الحاسدة‪ ،‬بوصفها منفذاً قاسياً‬ ‫قلب اإلنسان‪ ،‬وتؤدي إلى صناعةِ الضررِ‬ ‫إلى ِ‬ ‫الصور ِة‬ ‫واآلالم‪" ،‬وإ ّنــمــا الطرافة في هــذه ّ‬ ‫التي عرض الشَّ اعر فيها المعنى حين جَ َع َل‬ ‫األلــحــاظ التي ألــحّ ــتْ عليه نباالً قد ثبتت‬ ‫في قلبه‪ ،‬حتّى أصبحتْ له غشاء ووقــاء‪،‬‬ ‫وجداراً منيعاً يحول دون أن يصل إلى عناقِ‬ ‫الحبيب"(محمّد‪1997،‬م)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ -3‬العين رسول للمحبة‬

‫أيضا رسوالً للمحبة‪،‬‬ ‫ولغة العيون تكون ً‬ ‫نمط‬ ‫ـض الــشُّ ــعــراءِ إل ــى ٍ‬ ‫وق ــد أشـــار بــعـ ُ‬ ‫بخاف على أحـ ٍـد أنَّ بشَّ ار بن برد‬ ‫ٍ‬ ‫مخالف ِلمَا سب َق من لغةِ العيون‪ ،‬وهو ما وليس‬ ‫ٍ‬ ‫الصبابة من (ت‪168‬هــ) كَا َن من الشُّ عراءِ الذين توغّ لوا‬ ‫تبعثه عيون الوشاة تجاه أهل َّ‬ ‫رسائل سامّة وقاتلة‪ ،‬كما في قــولِ السَّ ريّ في استيحاءِ الحقول الدّ الليّة واألساليب‬ ‫ال َّرفَّاء (ت‪362‬هـــ)‪( :‬ال َّرفّاء‪1996،‬م)‬ ‫توظيف العين وما يتعلق بها‬ ‫ِ‬ ‫االفصاحيّة من‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ـومــي بــطَ ـرْفِ ـ َهــا‬ ‫يُ ـكـ ِّلــمُ ـ َهــا طَ ـرْفِ ــي َفــتُ ـ ِ‬ ‫الض ِميرِ ِمنَ الو َْج ِد‬ ‫فيُ ْخبِ رُ عَ مَّ ا فِ ي َّ‬

‫َض ْت‬ ‫فإنْ نَظَ َر الوَاشونَ َصدَّ تْ وأعر َ‬ ‫وإنْ غَ َفلُوا قَال َْت‪ :‬أل َْستَ عَ لَى العَهْ ِد؟‬ ‫السابقِ يــدرك أنَّ‬ ‫َّص َّ‬ ‫فالنَّاظ ُر في الن ِّ‬ ‫للغةِ العيونِ أثــراً ملموساً في أداءِ الفكرة‬ ‫التي يرمي إليها بشَّ ار في مقامهِ هذا‪ ،‬وهنا‬ ‫تبدو حركات العيون الخاطفة بين المحبينِ‬ ‫واضحة وجلية بُغية أال يفتضح أمرهما‬ ‫من الوشاة‪ ،‬فما كان من المحبّ ومحبوبته‬ ‫ال تلك االلتقاءة السّ ريعة بطرفيهما لبثِّ‬ ‫إ ّ‬ ‫عذابهما وصبابتهما الــحــارتــيــن‪ .‬ولعلّه‬ ‫من الواضح أنّ الشّ اعرَ" يكتفي بالنّظر ِة‬ ‫يحس به من توق‬ ‫ّ‬ ‫الخاطفة ليحمّلها ك ّل مَا‬ ‫وشوق ما دا َم اللِّسان عَ اجزاً عن الحديث"‬ ‫(نافع‪1986 ،‬م)‪ .‬وانطالقاً من لغةِ العيون‬ ‫وطاقاتها المنبعثة جاءتْ توظيفاتها إلخراج‬ ‫دفائن ووجدانيات تجربة الذّ ات الشّ اعرة‪،‬‬ ‫األلفاظ‬ ‫ِ‬ ‫على أنَّ ذلك ال ينفي أ ْن ننظ َر إلى‬ ‫وحــدهــا فــقــط‪ ،‬إ ّنــمــا هــنــاك "أم ــور أخــرى‬ ‫األلفاظ إلحــداث لغة صالحة‬ ‫ِ‬ ‫تشترك مع‬ ‫للبناء الفنّي للشِّ عرِ ‪ ،‬وأوّل هذه األمور هو‬ ‫طريقة تركيب هذه األلفاظ ووضعها في‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ـام معين بحيث تــقــدّ م الــهــدف الــذي‬ ‫في تجلية حالة العُشّ اق‪ ،‬وللعينِ عنده في نــظـ ٍ‬ ‫يتقصده الــشَّ ــاعــر بالطريقةِ المناسبة"‬ ‫ّ‬ ‫إيصال مقاصد صاحبها الخفية شواه ُد‬ ‫ـوس حــائــرةً‪( ،‬العبيدي‪2003،‬م)‪.‬‬ ‫عجيبةٌ‪ ،‬فحينما تــكــون ال ـ ّنــفـ ُ‬ ‫ال آخر في‬ ‫صامتةً‪ ،‬تأخذ العي ُن شك ً‬ ‫وألسنتها َ‬ ‫ّاس بن األَحنَف (ت‪192‬هــ)‬ ‫ولقد بل َغ ال َعب ُ‬ ‫ّ‬ ‫اإلبانةِ عمّا‬ ‫ـوف على لغةِ الــعــيــونِ وحركاتها‬ ‫يحس به الشَّ اع ُر ويسكن قلبه‪ ،‬فــي الــوقـ ِ‬ ‫وقد عبّر بشّ ار بقوله‪( :‬ابن برد‪1966،‬م)‪.‬‬ ‫الفاضحة بين العشّ اقِ حــدّ اً بعيد المدى‪،‬‬ ‫حتّى ِإنَّــه أخــذ يسترس َل ما يعتورهم من‬ ‫ادق وخالص ظلّوا يتعذّ بون بسببه‪،‬‬ ‫ص ٍ‬ ‫حب َ‬ ‫ٍ‬ ‫ويــتــألــمــون ألجــلــه‪ ،‬ولــكــن ال ــذي ال بــدَّ من‬ ‫اإلشــارة إليه في هذا الموضعِ أنَّ الشّ اع َر‬ ‫َص َر معظ َم شعره على الــغــزلِ ‪ ،‬فما َكــا َن‬ ‫ق َ‬ ‫ـظ إال أ ْن َق ــا َل عنه‪" :‬لــوال أنَّ‬ ‫مــن الــجــاحـ ِ‬ ‫َّاس بن األحنف أحذق النَّاس وأشعرهم‬ ‫العب َ‬ ‫وأوسعهم كالماً وخاطراً‪ ،‬ما قدر أ ْن يكث َر‬ ‫واحد ال يجاوزه‪ ،‬ألنّه ال‬ ‫ٍ‬ ‫مذهب‬ ‫ٍ‬ ‫شعره في‬ ‫يهجو وال يمدح وال يتكسب وال يتصرّف"‬ ‫(األصــفــهــانــي‪1996،‬م)‪ .‬ومــن مظاهر لغة‬ ‫العيون الــبـوّاحــة المتلفظة بالتِّعبيرِ عن‬ ‫أفكاره التَّواصليّة مع المحبوبةِ ما جَ ا َء في‬ ‫قوله‪( :‬ابن األحنف‪1954،‬م)‪.‬‬

‫يَدُ لُّ عَ لَى مَ ا بالمُ ِح ِّب ِمنَ ال َهوَى‬ ‫َت َقل ُ​ُّب عَ ْي َنيْهِ إلى شَ ْخ ِص مَ نْ يَهْ وَى‬ ‫الح َّب الذي فِ ي فُ ـؤَادِ هِ‬ ‫أضم َر ُ‬ ‫وإنْ ْ‬ ‫فإِ نَّ الذيفِ يال َعي ِْنوالو َْجهِ الي َْخفَى‬ ‫ال‬ ‫يتّخذ الشَّ اع ُر من جارحةِ العين سبي ً‬ ‫لــيــرســم لــوح ـ ًة نــابــض ـ ًة بــالــحــبِّ والــوجــدِ ‪،‬‬ ‫والختمار العشق في نفسه لم يستط ْع أ ْن‬ ‫يكتمه أو يــداري حواسه على أ ْن تبو َح به‬ ‫أو تعلن فحواه لما تبدّ ى عليه من عالئم‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪137‬‬


‫صارخة في األفقِ من خالل تقلّب واللمحات الوجدانيّة والــخــواطــر الذّاتيّة‬ ‫وأمارات َ‬ ‫عينيه نحو محبوبته ال إرادي ـاً‪ .‬وواضــح أنَّ تفوق كثيراً سواها من الجوارحِ بوصفها مرآةَ‬ ‫العب َ‬ ‫الصادقة‪ ..‬وها هو أبو الشِّ يْص في‬ ‫َّاس لَ ْم يَك ْن يقوى على إخفاءِ أو إضمارِ النَّفس َّ‬ ‫غرامه في قلبه؛ ألنَّ العي َن وإيماءات الوجه‬ ‫ـارع يكشف شغفه العارم وتعالقه‬ ‫تصوير بَـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تكشف جانباً من دخيلته الطَّ افحة‪.‬‬ ‫مع المحبوبةِ عبر نظرة حذرة عجلى أرسلها‬ ‫‪ -4‬العين حين تخاتل الرقبة‬

‫صوب وجهها لحظة غفلة الرَّقيب عنهما‪.‬‬

‫بصمت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـرات أفصحتْ‬ ‫ولــغــة عــيــون الــعــشــاق م ــراوغ ــة للرقبة غير أنَّ هــذه الـ َّنــظـ ِ‬ ‫والــوشــاة‪ ،‬إذ يطالعنا مــثــا ٌل على ذلــك أَبــو وحملتْ أحاسيس الشَّ اعر ودفقاته الدَّ اخليّة‪،‬‬ ‫الشِّ يْص الــخُ ـز ِ‬ ‫صامتاً‪ ،‬وفلسفة جماليّة‬ ‫َاعــي (ت‪196‬ه ـــ) بعين ذكيّة فكانتْ تمثّل ح ّباً َ‬ ‫عالية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بلغة حضاري ٍّة‬ ‫حكيمة تخدع الوشاة‪ ،‬وتراوغ الرُّقباء كي ال ارتقى إليها الشَّ اع ُر ٍ‬ ‫ينكشف أمر المحبين وأسرارهم الغراميّة‪،‬‬ ‫وتأسيساً على ما تقدّم‪ ،‬نلحظ أنَّ العي َن‬ ‫ّخلص‬ ‫فكا َن االلتجاءُ إلى العينِ مبنياً على الت ِ‬ ‫ـدار عــن أح ــوالِ‬ ‫استطاعتْ أ ْن تع ّب َر بــاقــتـ ٍ‬ ‫من سلطةِ الــدَّ ائــرة االجتماعيّة‪ ،‬من حيثُ‬ ‫التّتب ُع وإضما ُر الشّ ر للعاشقينِ ‪ ،‬وهذا اإلبداع العاشقي َن وما يجول بخواطرهم من أبعاد‬ ‫يتعاظم في قولِ الشَّ اعر لتبئير فاعلية لغة تأثيريّة تواصليّة تجاه معشوقاتهم‪ ،‬وفي‬ ‫قادر على المقابلِ يمك ْن للشَّ اعرِ أ ْن يعتمد عليها كفعل‬ ‫لسان ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫العيون‪ ،‬فالعي ُن تتحو ُل إلى‬ ‫للشغف بالمحبوبةِ ‪ ،‬ومهرب محقق‬ ‫ِ‬ ‫خلق ثيمة التَّواصل‪ ،‬ورســم أبعاد وجدانيّة تمريري‬ ‫تؤسس لعالمِ اللقاء والتَّقارب‪ ،‬إذ يقولُ‪( :‬أبو ومرصود من سلطةِ الرَّقيب‪" .‬فالم ُّد الثَّقافي‬ ‫الشِّ يْص‪1984،‬م)‬ ‫للفظ الرّقيب هــو للمحافظةِ على القيمِ‬ ‫ِ‬ ‫بسبب زيــارة المحب‬ ‫ِ‬ ‫الضياعِ‬ ‫الثّقافيّة من ّ‬

‫َو َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ُة عَ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ـ ٍـن ت ـ ــعْ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ْل ـ ــتُ ـ ـ ـ َه ـ ــا‬ ‫ِح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذَار ًا َكـ ـ ــمَ ـ ـ ــا َن ـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ َر ْ‬ ‫األحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَلُ لمحبوبته؛ وذلك ألنَّ الم ُِحبَيْنِ ال يخضعان‬ ‫فجاءت الرّقابة االجتماعيّة؛‬ ‫ِ‬ ‫للرقابةِ الذَّ اتيّة‪،‬‬

‫َت ـ َق ـ َّـس ــمْ ــتُ ـ َه ــا َبـ ـ ْي ــنَ و َْج ـ ـ ــهِ الــحَ ــبِ ـيـ ِـب‬ ‫وَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ِْف ال ـ ــرَّ قِ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ِـب م ـت ــى َي ــغْ ــفُ ــلُ ومــن ناحية أخ ــرى‪ ،‬يمكن تــأويــل الرَّقيب‬ ‫ـص الــسَّ ــابـ َق سيلحظ سيميائياً بأنَّه عالمة دالة على عدمِ قدرة‬ ‫إنَّ َم ـ ْن يتأمّل ال ـ َّنـ َّ‬ ‫حضوراً طاغياً لإلنسانِ العاشقِ ‪ ،‬ويظهر ذلك الم ُِحبَيْنِ على اختراق األنساق الثّقافيّة‪ ،‬فلوال‬ ‫بجالء من خالل نظرة عينه‪ ،‬فالعي ُن تستطي ُع وجود الرَّقيب لتمكّن الشَّ اعر والمحبوبة من‬ ‫أ ْن تعطي قارئها ثــرو ًة كبير ًة من المعاني الزيار ِة والكالم"(يوسف‪2014،‬م)‪.‬‬ ‫* كلية اآلداب‪ -‬الجامعة الهاشميّة‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫جمالُ الربيع في الجوف‬ ‫تعيش منطقة الجوف وشمالي المملكة أجواءً‬ ‫أرض الجوف بألوان‬ ‫ربيعيةً استثنائيةً ؛ إذ اكتست ُ‬ ‫الربيع ‪ ،‬وازدانت األرض المجدبة باللون األخضر‬ ‫والزهور الملونة‪.‬‬


‫ففي شرق سكاكا‪ ،‬انتشرت أشجار الخزامى على مدى‬ ‫مئات الكيلومترات‪ ،‬وفي شمالها تنوّعت أشجار الربيع‬ ‫على امتداد ‪ 100‬كيلو متر بين األقحوان‪ ،‬والغر‪،‬‬ ‫والصفارى‪ ،‬والشلوة‪ ،‬واليهق‪ ،‬والسليح‪ ،‬والربحال‪،‬‬ ‫والديدحان وغيرها ‪.‬‬


‫وقد ازدهت مدينة سكاكا‬ ‫وبراريها بأشكال الزهور‬ ‫والنباتات البرية بعد األمطار‬ ‫المبكرة التي شهدتها البالد‬ ‫هذا العام‪ ،‬بحمداهلل من‬ ‫عذفاء‪ ،‬إلى أبارواث‪ ،‬والقرية‪،‬‬ ‫وطلعة عمار‪ ،‬والحرة‪،‬‬ ‫والحماد‪ ،‬والظهور‪ ،‬والثرثار‪،‬‬ ‫ومغيرا ‪.‬‬

‫وكان موسم الربيع كريما؛ إذ جاد‬ ‫بأفضل أنواع الكمأ في منابته‬ ‫الواسعة شمال وشرق سكاكا‪،‬‬



‫املؤلف ‪ :‬محمد خضر‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬

‫الناشر ‪ :‬دار رواشن يف اإلمارات‬

‫الناشر ‪ :‬املؤلف نفسه‬

‫ورغم أن موضوعات الكتاب سبق نشرها يف الصحافة احمللية‪ ،‬فإن القضايا‬ ‫التي يناقشها ما تزال ساخنة ومتجددة سواء على الساحة احمللية أو اخلارجية‪،‬‬ ‫والتساؤالت التي يطرحها االقتصاديون وغير االقتصاديني بشأنها ال تنتهي‬ ‫بحسب سياقات الزمان واملكان‪ .‬واملأمول هو أن تناولها على النحو الذي مت يف‬ ‫هذا الكتاب‪ ،‬وهو أقرب إلى أسلوب «اخلواطر» السريعة‪ ،‬يتيح قراءة غير مُجهِ دة‬ ‫للقارىء العادي‪.‬‬

‫د‪ .‬عبدالواحد خالد الحميد‬

‫قضايا وتساؤالت‬ ‫في الشأن االقتصادي‬

‫قضايا وتساؤالت يف الشأن االقتصادي‬

‫ويتطرق الكتاب إلى قضايا ويطرح تساؤالت تشمل‪ :‬علم االقتصاد‪ ،‬اإلبداع‪،‬‬ ‫اإلدارة‪ ،‬التنمية االقتصادية‪ ،‬اإلنسان واآللة‪ ،‬املوارد االقتصادية‪ ،‬التلوث‪ ،‬الفقر‪،‬‬ ‫البذخ والنزعة االستهالكية‪ ،‬اخلصخصة‪ ،‬املنافسة‪ ،‬الفساد‪ ،‬التسويق‪ ،‬اإلعالن‪،‬‬ ‫الصناعة‪ ،‬رأس املال البشري‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫د‪ .‬عبدالواحد خالد احلميد‬

‫هذا الكتاب‬ ‫يناقش هذا الكتاب قضايا اقتصادية عديدة‪ ،‬لكنه أيضا يطرح تساؤالت‬ ‫بقدر ما يقدم من إجابات‪ ،‬ومن هنا جاء عنوانه‪« :‬قضايا وتساؤالت يف الشأن‬ ‫االقتصادي»‪ .‬والكتاب ينحو إلى اإليجاز يف األسلوب والتناول‪ ،‬ويبتعد عن‬ ‫املصطلحات االقتصادية أو اإلبحار يف اجلوانب األكادميية النظرية املعقدة‬ ‫ويتحاشى استخدام األرقام والصياغات الكميَّة بقدر اإلمكان؛ فهو كتابٌ أشبه ما‬ ‫يكون بـ«كبسوالت» موجزة تتناول موضوعات ذات عالقة باالقتصاد بلغة يفهمها‬ ‫غير املتخصص يف علم االقتصاد‪ ،‬بل إنه موجه يف الدرجة األولى للقارىء غير‬ ‫املتخصص‪.‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫الكتاب ‪ :‬حتميض ‪ -‬شعر‬

‫الكتاب ‪ :‬قضايا وتساؤالت يف الشأن االقتصادي‬

‫املؤلف‪ :‬د‪ .‬عبدالواحد خالد احلميد‬ ‫ دكتوراه يف االقتصاد من جامعة ويسكانسون‪ /‬ميلواكي بالواليات املتحدة األمريكية ‪١٩٨٤‬م‪.‬‬ ‫ نائب وزير العمل‪ ،‬وأمني عام مجلس القوى العاملة‪ ،‬وعضو مجلس الشورى‪،‬‬ ‫وعضو هيئة التدريس بجامعة امللك فهد للبترول واملعادن سابقاً‪ ،‬وعضو الهيئة‬ ‫االستشارية للمجلس األعلى ملجلس التعاون اخلليجي‪.‬‬

‫في مجموعة شعرية عنوانها (تحميض)‪ ،‬يكتب‬ ‫محمد خضر عن ذاكرة الصور‪ ..‬صور واقعية‪..‬‬ ‫صور مؤثرة‪ ..‬صور معنوية وأخرى خيالية‪.‬‬ ‫الكتاب جاء في ثمانين صفحة من القطع‬ ‫الصغير‪ ،‬وصدر عن دار رواشن في اإلمارات‬ ‫بغالف عليه مجموعة من الصور تتوسطها صورة‬ ‫الشاعر في طفولته‪.‬‬ ‫وهو الكتاب الحادي عشر في مسيرة محمد‬ ‫خضر بين شعر ورواية وكتب تتداخل مع الفن‬ ‫التشكيلي‪.‬‬ ‫نقرأه تارة يكتب عن صورة الجد وصورة الطفولة‬ ‫التي زين بها غالف كتابه‪ ،‬ونقرأه يكتب عن صور‬ ‫لكل من عمر المختار ودون ماكولين وكرويف‬ ‫وطه حسين‪.‬‬ ‫ونقرأه في مجموعة أخرى مع صورة الشيطان‬ ‫وصورة السعالة وصورة علبة حليب‪ ،‬عوالم‬ ‫الصور واللقطة واللغة البصرية‪،‬‬ ‫تجربة جديدة عبر مجموعة من النصوص‪ ،‬تشكل‬ ‫سيرة ذاتية لروح الشاعر‪ ،‬وتلك المؤثرات التي‬ ‫صنعته من ناحية الصورة‪.‬‬

‫صدر في الرياض مؤخرا كتاب "قضايا وتساؤالت في‬ ‫الشأن االقتصادي"‪ ،‬تأليف د‪ .‬عبدالواحد خالد الحميد‪،‬‬ ‫الذي يحمل درجة الدكتوراه في االقتصاد من جامعة‬ ‫ويسكانسون‪ /‬ميلواكي بالواليات المتحدة‪ ،‬وشغل منصب‬ ‫نائب وزير العمل‪ ،‬وأمين عام مجلس القوى العاملة‪،‬‬ ‫وأستاذًا بجامعة البترول بالظهران‪ ،‬ويعمل حاليا عضو‬ ‫الهيئة االستشارية للمجلس األعلى لمجلس التعاون‬ ‫الخليجي‪.‬‬ ‫يناقش الكتاب الذي جاء في (‪ )311‬صفحة‪ ،‬قضايا‬ ‫اقتصادية عديدة‪ ،‬لكنه أيضا يطرح تساؤالت بقدر ما‬ ‫يقدم إجابات؛ ومن هنا‪ ،‬جاء العنوان "قضايا وتساؤالت‬ ‫في الشأن االقتصادي"‪.‬‬ ‫وينحو الكتاب إلى اإليجاز في األسلوب والتناول‪ ،‬ويبتعد‬ ‫عن المصطلحات االقتصادية أو اإلبحار في الجوانب‬ ‫األكاديمية النظرية المعقدة‪ ،‬ويتحاشى استخدام‬ ‫األرقام والصياغات الكمية بقدر اإلمكان‪ ،‬إذ يتناول ما‬ ‫له عالقة باالقتصاد بلغة يفهمها غير المتخصص في‬ ‫علم االقتصاد‪ ،‬بل إنه موجه بالدرجة األولى إلى غير‬ ‫المتخصص‪.‬‬ ‫ويتطرق الكتاب إلى قضايا‪ ،‬ويطرح تساؤالت تشمل‪ :‬علم‬ ‫االقتصاد‪ ،‬االبداع‪ ،‬اإلدارة‪ ،‬التنمية االقتصادية‪ ،‬اإلنسان‬ ‫واآللة‪ ،‬الموارد االقتصادية‪ ،‬التلوث‪ ،‬الفقر‪ ،‬البذخ والنزعة‬ ‫االستهالكية‪ ،‬الخصخصة‪ ،‬المنافسة‪ ،‬الفساد‪ ،‬التسويق‪،‬‬ ‫اإلعالن‪ ،‬الصناعة‪ ،‬رأس المال البشري‪ ..‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪143‬‬


‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬

‫دور الفن‪ ..‬دور الرواية‬

‫■ صالح القرشي*‬

‫هل يمكن لناقد أن يسأل روائي‪ :‬لماذا تعتمد النماذج السلبية في أعمالك؟ لماذا أبطال‬ ‫رواياتك هم دائمً ا من قاع المجتمع ومن بؤر الضياع والفشل؟‬ ‫لماذا ال نرى في رواياتك صورًا إيجابية ومشرقة عن المجتمع بدال من التركيز على ما‬ ‫هو هامشي وال يشكل ظاهرة؟ ما هو دورك كروائي في حل مشاكل المجتمع؟ ماذا سيقول‬ ‫اآلخرون عنّا عندما نقدم لهم هذه الصور السلبية عن حياتنا؟‬ ‫االجتماعية لها من يتناولها‪ ،‬ويقدم التصورات‬ ‫واآلراء‪ ،‬ويقترح الحلول بشأنها من المهتمين‬ ‫باألبحاث والدراسات االجتماعية‪ ،‬أو من خالل‬ ‫الــمــقــاالت الصحافية‪ ،‬أو الــبــرامــج اإلذاعــيــة‬ ‫والتلفزيونية‪ ،‬أو الخطب والمحاضرات الخ‪.‬‬

‫هذه األسئلة أو ما هو قريب منها ال نلبث إال‬ ‫ونسمعها من بعض من يدّعون االهتمام باألدب‬ ‫وبالرواية تحديدًا‪ ،‬بل والمؤسف أننا نسمعها‬ ‫أيضا من بعض من يقومون بتدريس األدب في‬ ‫الجامعات‪ ،‬ومن بعض من يوصفون بأنهم نقادا‪،‬‬ ‫ويصل األمــر إلــى أن تكون هــذه األسئلة هي‬ ‫أما فن الرواية فمثله مثل بقية الفنون‪ ..‬ليس‬ ‫المدخل لتقييم العمل الروائي باعتبار أن رواية من شأنه المباشرة‪ ،‬وليس من أدواره تقديم‬ ‫ما هي روايــة سيئة ورديئة ألنها تتناول نماذج الحلول وإبراز النماذج اإليجابية وطرح اإلجابات‬ ‫سيئة ورديئة‪ .‬وألنها ال تقدم النماذج اإليجابية الجاهزة كما يعتقد بعض أولئك السادة‪.‬‬ ‫المشرقة والمضيئة!‬ ‫فن الرواية كبقية الفنون‪ ..‬هو جزء من منظومة‬ ‫هــنــا‪ ،‬البــد مــن الــقــول إن هــذه التصورات تسهم في العلو بالذوق‪ ،‬وترفع درجة اإلحساس‬ ‫وهذه األسئلة تناقض فكرة الفن الروائي جمل ًة باآلخر‪ ،‬وتعمق التجربة اإلنسانية‪ ،‬وتؤرخ للحراك‬ ‫وتفصيال‪ ،‬وتؤكد أن من يتعاطون بهذه الطريقة االجتماعي‪ ،‬كما أن من أهم أدوارها هو أن تحدث‬ ‫مع الرواية هم بعيدون تمامًا عن مطالعة النماذج المتعة لدى المتلقى تماما كما تفعل الموسيقى‬ ‫المهمة والملهمة من األعمال الروائية‪ ،‬وبعيدون والشعر والفن التشكيلي وبقية الفنون؛ فليس‬ ‫تــمــا ًمــا عــن فهم قيمة وأهــمــيــة الــفــنــون بشكل دور الفنون أن تنخرط في مزايدات اجتماعية‬ ‫عام والرواية تحديدًا‪ ،‬ذلك أنه ليس من أداور أو فكرية‪ ،‬وليس دورهــا العناية بتقديم حلول‬ ‫الــروايــة أن تقدم حلوالً للمشاكل االجتماعية‪ ،‬مباشرة للمشاكل المستعصية‪.‬‬ ‫وال أن تناقش الظواهر السلبية‪ ،‬وال أن تتحول‬ ‫مــا تفعله الــفــنــون إجــمــاال وال ــرواي ــة بشكل‬ ‫إلى نشرة سياحية أو إعالمية تركز على ما هو محدد هي أنها تصنع تراكمًا من الوعي والخبرة‬ ‫مضيء وتنطلق مما هو إيجابي ومشرق‪.‬‬ ‫والثقافة‪ ،‬وهــذا كله يصب في نهاية األمــر في‬

‫‪144‬‬

‫فالمشاكل والــظــواهــر السلبية‬

‫العدد ‪ - 62‬شتاء ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫والقضايا موضع تطور المجتمعات وتقدمها‪.‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.