¦عبدالعزيز مشري هجاء األسفلت واإلسمنت في رواية «الوسمية». ¦عبدالرحمن العكيمي ..بين فضاء المخيلة والواقع. ¦الجوف تودع الشاعر والصحفي خالد الحميد مؤرخ شعرائها وأول صحفي فيها . ¦نصوص :عبدالرحمن الدرعان، محمد الرياني ،حنان بيروتي ، أحمد النعمي ،عبدالهادي الصالح.
أحمد المال ..بين الشعر والسينما التغيير االجتماعي مرتهن بنهضة ثقافية
64
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف 1-نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية. -٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط. -٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله،واملدة املطلوبة إلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزماتاملطلوبة ،مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني يف البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. -٢أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : الجـوف 42421ص .ب 458 هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63 الرياض 11614ص .ب 94781هاتف 011 2015494 :فاكس011 2015498 :
info@alsudairy.org.sa www.alsudairy.org.sa
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي هيئة النشر ودعم األبحاث
رئيساً د .عبدالواحد بن خالد الحميد عضواً د .خليل بن إبراهيم المعيقل أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً عضواً د .علي دبكل العنزي عضواً محمد بن أحمد الراشد أسرة التحرير
إبراهيم بن موسى احلميد محرر ًا محمود الرمحي محرر ًا محمد صوانة اإلخراج الفني :خالد الدعاس
املشرف العام
هاتف)+966()14(6263455 : املراســــــالت : فاكس)+966()14(6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد ISSN 1319 - 2566 سعر النسخة 8رياالت -تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع االشتراك السنوي لألفراد 50ريا ًال واملؤسسات 60ريا ًال
فيصل بن عبدالرحمن السديري
رئيساً
سلطان بن عبدالرحمن السديري
عضواً
د .زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري
عضواً
د .سلمان بن عبدالرحمن السديري
عضواً
د .عبدالواحد بن خالد الحميد
عضواً
سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري
عضواً
طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السدير ي عضواً أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري
عضواً
قواعد النشر
-1أن تكون املادة أصيلة . -2لم يسبق نشرها ورقياً أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملوضوعية. -4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب ،على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» مناألسماءالتيكانتتُطلقعلىمنطقةاجلوفسابقاً.
املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر.
يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثفافية، ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،ويخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة (أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز ك ً ال من( :دار العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر للنساء .وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
0553308853
Alsudairy1385
www.alsudairy.org.sa
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الـمحتويــــات االفتتاحية :إبراهيم بن موسى الحميد ٤ .......................... دراسات ونقد :أحمد المال ..حين نتوه بين شاعريتك وسينمائيتك ٦ ...... أحمد المال ..العالمة الشعرية الفارقة -د.انتصار البحيري 7 ......... أحمد المال ..الشاعر الذي حفر في طبوغرافية األلم والغياب -محمد العامري ٩ .. أحمد المال ..وأربع سنوات في ماراثون الشغف -عبداهلل السفر ١٢ .. أحمد المال ..حقول شاسعة -إبراهيم الحسين١٤ ................. الشاعر أحمد المال -حاوره عمر بوقاسم١٦ ....................... أحمد المال ..بين الشعر والسينما -د .هناء بنت علي البواب ٢٢ .. أحمد المال ..يرتب فتنة الحضور - !..زكي الصدير ٢٥ ............ أحمد المال ..حياة تجري من مصب إلى آخر -محمد الحرز ٢٦ .. أحمد المال ..الصديق في الليالي المعاسير -إبراهيم الحساوي٢٨ .. شطحة مع «إياك أن يموت قبلك» -راشد عيسى ٣٠ ............... شعريّة التفاصيل في ديوان «تمارين الوحش» -أ .د .عماد الضمور ٣٣
فن الديجيتال في التجربة الفنية السعودية من خالل نموذج هناء
راشد الشبلي -إبراهيم الحجري ٣٦ .............................. عبدالرحمن العكيمي بين فضاء المخيلة والواقع -د .شيمة الشمري٤٦ .. ما وراء الشتاء إليزابيل الليندي -سمير أحمد الشريف ٥٠ ...
6.......................... أحمد المال ..حين نتوه بين شاعريتك وسينمائيتك
89.............................
الشاعرة أميرة محمد الصبياني
97.............................
الجوف تودع الشاعر والصحفي خالد الحميد لوحة الغالف :للفنانة يسرا العلي من سكاكا
الباب» لمحمد الحرز: ِ «غياب ُِك تركَ دراجت ُه الهوائ ّي َة على الحدس -عماد الدين موسى ............. الشاعر وكتابة ِ عبدالعزيز مشري في رواية «الوسمية» -هشام بنشاوي ... الحياة وإرباكاتها في "ضيوف الوجع" -نـــوّارة لــحـــرش.... نصوص :أوراق -عمار الجنيدي................................... شامة سوداء -عبدالرحمن الدرعان........................ بذور المانجو -محمد الرياني ................................... ما يشبه القتل! -حنان بيروتي.............................. خليلي زورا -أحمد المتوكل بن علي النعمي................ سفر في متاهةِ الحزن -حسين صميلي.................... جرى مدادي -سعاد الزحيفي .............................. قصة حزن -سما يُوسف.................................... ِخلٌّ وخلي ٌل -عبدالهادي الصالح ................................. أنثى السحاب -نجاة الماجد ............................... كمال الحب -عبدالعزيز موسى الحكمي ................... واحة الحب -فرح الزهراني ................................ مال ُذ العاشقين -محمد جابر مدخلي ...................... ترجمة :الشاشات كوسيلة تعليمية -د .فيصل أبو الطُّ َفيْل....... مواجهات :الشاعرة أميرة صبياني -حاورها :عمر بوقاسم...... الشاعرة الليبية عائشة المغربي -حاورها :عصام أبو زيد. نوافذ :الــجــوف تــودع الشاعر والصحفي خالد الحميد مــؤرخ شعرائها وأول صحفي فيها 97 ....................................... الشعر العربي أكثر مما يبدو -أحمد البوق103 ...... النعام في ِ تعريف للفنّ -الطاهر لكنيزي 107 .............................. ٌ الصحافة -د .سليمان الحقيوي109 ... ذا بـوســت فيلم عن ضمير ّ ال فلسفة ...وال فذلكة -محمد علي حسن الجفري113 ............. يا لهوي -فهد عواد العوذة 115 ....................................... نجاة خياط -محمد عبدالرزاق القشعمي 116 ....................... المثقف ووزارة الثقافة -صالح القرشي124 ......................... قراءات 125 ............................................................. الصفحة األخيرة :عبدالرحمن الشبيلي ..كم نفتقد حضورك البهي! -د .عبدالواحد الحميد ١٢٨ .................................. ٥٣ ٥٦ 59 64 65 69 70 72 75 76 78 79 81 82 83 84 85 89 93
■ إبراهيم بن موسى احلميد
يقول أحد العارفين :إن الشعراء "وحدهم يوقدون نــارًا يراها الجميع؛ وحدهم يحملون الشموع ،ويفتحون الكون حتى تدخل أشعة الشمس ،ويعلموننا كيف نحب ،وكيف نكون فرسانا ،وكيف نموت إذا استوجب األمر ذلك". فرضت قصيدة النثر وجودها على الساحة الثقافية ،منذ أن نشرت الدكتورة فوزية أبو خالد ديوانها الشعري األول «إلى متى يختطفونك ليلة العرس» كأول ديوان لقصيدة النثر في المملكة ،وتتابعت إصداراتها الشعرية بعد ذلك ،ثم ظهور عدد من األصوات التي تكتب قصيدة النثر حتى ظهور ثلة من شعراء النثر ،منهم :أحمد المال ،وعبداهلل السفر ،وإبراهيم الحسين ،وعلي العمري. "الشعر هو محرّكي األول في الحياة ،وبالشعر ومن خالله أعيش لحظة بلحظة ،وأنظر عبره إلى المستقبل .ربما هو الشعلة التي أضاءت لي طريقي، يوم كانت الطريق مظلمة ومحبطة من قلة سالكيها .".هكذا يقول الشاعر أحمد المال اليوم ،وهو الذي بدأ كتابة الشعر في وقت مبكر أثناء دراسته الجامعية ،عندما كتب القصيدة التقليدية والتي حظيت بتشجيع زمالئه ومن حوله .ورغم أن الشعر غمره خالل وجوده في الرياض ،إال إنه ظل مأخوذًا باإلحساء التي كانت تسكنه وتبدو على معالمه وأغصانه .يبوح في قصيدة الغض ُة لمّا تزل خضرا َء يو َم تنادتْ إلى الماء". ّ خطها بسعفه "أغصانُنا وقد بدأ بعد ذلك توهّ ج أحمد المال ،فقد برز كأحد أهم العبي قصيدة النثر السعودية من خالل إصداراته المتوالية" :ظل يتقصف -المؤسسة
6
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دراـ ـ ـ ـ ـ اف ـ ـاتـاون
العربية للدراسات والنشر -بيروت1995 -م"؛ "خفيف ومائل كنسيان -دار الجديد1997 -م"؛ "سهم يهمس باسمي -دار رياض الريس2005 -م" " ،تمارين الوحش -دار الغاوون -بيروت- 2001م"" ،كتبتنا البنات -نادي الرياض األدبي2013 -م"؛ "الهواء طويل وقصيرة هي األرض- دار مدارك ونادي تبوك األدبي2014 -م"؛ "عالمة فارقة -دار مسعى2014 -م"؛ "ما أجمل أخطائي -الكويت2016 -م"؛ "إياك أن يموت قبلك" منشورات المتوسط في إيطاليا 2018م. أحمد المال قامة ثقافية وطنية جمعت الفنون واألدب والسينما والمسرح في رجل واحد، فقد كان أبرز اإلداريين والفاعلين الثقافيين في المملكة من خالل األعمال التي تقلدها في نادي الشرقية األدبي ،أو جمعية الثقافة والفنون ،كما أنها جمعت اإلداري المحنك الذي يقود ببراعته المعهودة المشهد الثقافي المحيط به؛ فمن مهرجان بيت الشعر استطاع أن يضع له بصمة مضيئة ،والذي كرم فيه الشعراء محمد العلي وفوزية أبو خالد وعلي الدميني ،إلى مهرجان األفالم السعودية والذي عده عبداهلل السفر "ضربا من الخيال ومن الرسم على الرمل أو الماء" ،وكتكريم مستحق فقد فاز الشاعر بجائزة محمد الثبيتي للشعر عام 2015م. يقول الشاعر أحمد المال ،صاحب الحضور البهي" :منذ بداياتي في أوائل الثمانينيات، عملت على طريقين متوازيين للتعبير عن ذاتي ،الكتابة (الشعر على قمتها) واإلدارة الثقافية، بدءًا بالجامعة والصحافة الثقافية وجمعية الثقافة والفنون والنادي األدبي ،ومنها تعلمت ومارست تنشيط العديد من المبادرات الثقافية والفنية ،ولم أتوقف أو ألتفت " .وفي قرار كان في محله أصدر األمير بدر بن عبداهلل بن فرحان وزير الثقافة بتعيين أحمد المال رئيساً لمبادرة األرشيف الوطني لألفالم ،وسيتولى مركز األرشيف الوطني لألفالم مسؤولية الحفاظ على األفــام السعودية وصيانتها بوصفها مكوناً من مكونات الذاكرة ال إبداعياً إلنجازات صنّاع األفالم السعوديين منذ نحو ستين عاماً ،وذلك الوطنية ،وسج ً وفق أحدث تقنيات األرشفة المستخدمة في المراكز الدولية المشابهة ،إذ جاء في حيثيات القرار "ويعد األستاذ أحمد المال من أهم القيادات في مجال صناعة األفالم السعودية، وقد عُرف بتأسيسه وإدارته لمهرجان "أفالم السعودية" منذ العام 2008م الذي أصبح من أهم المنصات السينمائية الخليجية ". العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
7
أحمد المال حين نتوه بين شاعريتك وسينمائيتك كأننا نمضغ نجمة لنغفو على ظهر غيمة تنفلت خيوط الكلمات حين تتوه ..كيف ستبحث عن أحمد المال الشاعر الذي الصورة، خاص ًا نحو ّ ُوجه اهتمام ًا ّ السينما ت ّ قفز قفزته ليصل إلى السينما!! فإنّ ّ الشعر اهتمامه نحو جماليّة الكلمة؛ ما يبعد المسافة بين كليهما ،ويجعل ُوجهُ ّ وي ِّ ك ًّال منهما مستقالٍ بطبيعته ،على الرّغم من اتصالهما القوي ،في اعتمادهما مع ًا والصوت في البصري ّ ّ الصورة البصريّة والمسموعة ،وعلى أهميّة المشهد على فنّ ّ شاهد الشعر ،يتذوّق اللغة ،وصوره األدبيّة ،أما مُ ِ الموسيقى واإليقاع؛ فمتلقّ ي؛ ّ الصور المتحرّكة وحبكتها. السينما فيتذوّق إغراء ّ ّ الصلة ،ومــن إمكان تطويرها ،مع اإلش ــارة إلى لكنّ ذلــك ال يمنع من حضور ّ الشعوريّة. بالطاقة ّ الشعر في مدّ صورها ّ السينما .في الوقت نفسه ،قد تستفيد من ّ ّ وهذا ما تعيشه بين كلمات الشاعر الناثر الكاتب الذي يحول الكلمة إلى مشهد مرئي دونه لن تتمكن من االنفالت من سطوة روح أحمد ،الذي يثقب قلبك بحبه من نظرته األولى التي يقول لك من خاللها :إياك أن تموت قبلي! فهو الشاعر الذي حوَّ ل الكلمات إلى مشهد حركي مثل تجسيد صوت الرّيح، الطبيعة واألشخاص ،ويجعلنا نشاهد لوحةً تجسيد لون الغروب ،تجسيد شكل ّ حقيقيّة ،على الرّغم من افتراضيّة عالمها؛ ستتأكد للحظة واحدة فقط أنك أمام مبدع متوازن مع ذاته.
8
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ د.انتصار البحيري*
إنّ الوقـوف علـى ديـوان واحـد لشـاعر تمتـدّ تجربتـه إلـى نصـف قـرن مـن الكتابـة ،هـو وقـوف منقـوص فـي القـراءات النقديـة؛ فأحمـد الملا ،شـاعر سـعودي ،مـن مواليـد األحسـاء السـعودية 1961م .أصـدر ّ المجموعات الشـعرية؛ «ظل يتقصف» 1995م؛ «خفيف ومائل كنسـيان» 1997م؛ «سهم يهمس باسمي» 2005م؛ «تمارين الوحش»2011 ،م؛ «كتبتنا البنـات» 2013م« ،الهـواء طويـل وقصيـر» 2014م؛ «عالمـة فارقـة» 2014م؛ «مـا أجمـل أخطائـي» 2016م؛ وهـي مترجمـة إلـى االنجليزيـة .أسـهم فـي إعـداد كتـاب مختـارات الشـعر السـعودي ،وأنطولوجيـا الشـعر الحديـث، باإلضافـة إلـى كتابتـه لعـدة سـيناريوهات ومسـرحيات ،واإلشـراف علـى إدارة عديد من المؤسسات والجمعيات واألقسام الثقافية .كتب العديد من مقاالت الرأي الصحفية المنتظمة ،وشارك في مهرجانات شعرية محليـة ودوليـة عديـدة ،وحـاز علـى جائـزة محمـد الثبيتـي الشـعرية لعـام 2016م. وال يخفى على أحد أن أحمد المال الشاعر الــســعــودي الــحــداثــي المتمرد على حــرفــه قبل كتابته هو مختلف جدا .الشاعر له تجربة عميقة وواعية وتحمل رؤيا جديدة للعالم ،وهذه التجربة أخلصت لروح النص من جانب ،ومن جانب أخر خاضت تجربة قصيدة النثر المميزة؛ هذا من ناحية البناء أو المعمار الشعري ،أما من ناحية المضمون ،فقد فوقع في منطقة وسطى ما بين القديم والحديث ،فشعره امتداد للقصيدة العربية عبر مراحلها التاريخية في شيء من مضمونها على الــرغــم مــن مــحــاوالتــه االنــفــات منها ،إال إنه دائم التمرس مع الحداثة والبحث عما يثير تناصه وتعامله مع الــقــاريء؛ ليكون ج ــادًا فــي ّ المفردة ،كذلك معاصر في ابتكاره للصور الفنية.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أحمد المال ..العالمة الشعرية الفارقة
هذا االهتمام معروف في شعر الحداثة األميركي منذ بدايات القرن العشرين ،تبقى درجة تمثُّله في الشعر العربي بحاجة إلى التدقيق النقدي ،على رغم أننا إزاء ما يشبه «الظاهرة» في شعرنا الحديث. ومما يظهر في نصوصه ،ذلك التجلي الذاتي تجل طيفي وشبحي، للمشهد ،وهو على كل حال ٍ فهو ال ينشغل باستبصاره أو اكتناه بواطنه ،ولهذا فقصيدته قصيدة حــيــاديــة ،أو يمكن إحالتها بسهولة إلى الغرض الوصفي؛ شتَّت التسمية أم قرُبتْ . وفي ديوان المال ،نلمس كثيراً من مواضع هذا الوصف الصوري المحايد:
طفل (تلك العرب ُة ملقاةٌ على الرصيف/عرب ُة ٍ فالقاريء في ديوانه (ما أجمل أخطائي) ،يجده مدهوسة/وعام ُل الدكان/يشطفُ ال ّد َم والزجاجَ/ مختلفا باهتمامه بالمشهد والصورة .ومع أن مثل من الشارع). العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
9
سوى استذكار لتفاصيل تلك الحياة التي مرت، لكننا حين ندقِّق في تلك التفاصيل المستذكرة نجدها متمثلة في شكل أساس في عالم الطفولة وأجوائها الذهبيَّة. فمنذ عتبات نصوصه تجد رومانسية الولهان المتعب من عمر مضى بين العتاب والرضى، فيشي عنوان القصيدة بين الشك واليقين في اللقاء ،ويبقى الحلم هو حضور لألنا أو إثبات للذات؛ فما أجمل مطلع القصيدة الذي يأخذك في رومانسية عالية .وتجد روحك في القصيدة ولو تأملت بشكل خارجي وشكلي للمشاهد في بين الرجاء واليأس ،وبين الموت والحياة ،فبعدما قصيدته ،ستجدالقصائد هي التقاطات منتقاة تيأس النفس من حلم التالقي ،ويموت الهوى من مشاهد متنوعة ،كــأ ّن ثمة كاميرا محمولة ،والشوق للحبيب ،يبقى قلق الروح معلقا بالحلم. تتحرك ،وإلى جانبها لغة تصف ما يجري: هذه حال العاشق المتقلب على جمر النار أو «يــدي ممدودةٌ إلى أغصان الطريق/ثمارها على شاطئ من نــار؛ فالشاعر يستعيد المكان يانع ٌة وفــي متناول النظر/لكنّي في عجلةٍ /من والزمان الذي يحمل الصور والذكريات ،فالمكان أركض إلى شجرةٍ لستُ أراها /أسر ُع نح َو ُ أمري/ هو الحبيب والحبيب هو المكان ،كما كان في زهرةٍ ال أعرفُ اسمَها/وأم ّي ُز رائحتَها من بعيد»، الطلل عند شعراء العربية ،وهذا حال المال حين وكأن كاميرة تسرع بك لتلتقط معك كل مشهد يتجرد من ذاته ألخرى تقول عنه كل ما يريد. يحيرك ،ومــا أن يصفو ذهنك حتى تصل إلى ومما ينبغى معرفته أنــه شاعر ساخر من المشهد الذي يليه لتجد نفسك مكتنزا بحروفه األصدقاء والشعراء في أغلب نصوصه .والمطّ لع وكلماته وأفكاره متالحقة متتابعة. إنها رؤيــة العابر المتعجِّ ل ،مشاهد خاطفة على ديوانه «إياك أن يموت قبلك» ،يكتشف مدى ال تكاد تأنس إلى استبصار داخلي ،والمسافة عالقته الساخرة باآلخر؛ كما يكثف الشاعر خيار التي يخلقها المال بين حياته الشخصية ،وما الصدام بلجوئه للسخرية من الشعراء المؤمنين يتشكل مــن مشاهد يومية ،هــي تلك المسافة بما سلموا من وهْم ورثوه عن أسالفهم ،في قصيدة الحرجة بين شؤونه الصغيرة الغائبة ويوميات «الــســمــاوات الــســبــع» ،وغيرها مــن الــمــوروثــات اآلخرين الحافلة .كأنها استعادة صور بعيدة في والمعتقدات التي يرطمها بشعره عرض الحائط، ذاكرة الشاعر ،وأعني عالم الطفولة ،وما الكتابة ليشكل عالمة شعرية فارقة مميزة. * كاتبة لبنانية مقيمة في األردن.
10
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ محمد العامري*
شكّ لت نـصــوص الـشــاعــر الـسـعــودي أحـمــد الـمــا مـفــارقــة نــوعـيــة ،فيما يخص مناكفتة لتقليدية القصيدة الشائعة في السعودية بشكل عام ،مع األخذ بعين االعتبار االستثناءات هنا وهـنــاك؛ فهي مكونات لنتوء يجد نفسه في مواجهة معرفية لغنائية قوية وعذبة أيضا ،أقــرب إلى مزامير إيقاعية اعتادها اإلنسان العربي منذ عصر ما قبل اإلسالم؛ سلطة ذات بعد تاريخي متحقق كمثال للشعر، وقــالــب يـتـحـوّل بـبـعــده الـتــاريـخــي إل ــى أيــدولــوجـيــا تتمترس خـلــف عـمــود الشعر ومتطلباته التقنية وبطلها بحور الخليل بن أحمد .فقصائد أحمد المال هي حقل مــن الـشــوك تتجاوز الشكل المعتاد للشعر «عـمــود الشعر» ،وجــاء كــدّ ه من يقينيتة بأن الشعر هو الشعر بصرف النظر عن اإلناء الذي يُسكب فيه ،وقد فتح المجال للنقاد الختبار مثل هذه النصوص المناكفة ،والتي شكلت حقال خصبًا ألسئلة الشعر ومدايات مواكبته إليقاع العصر. فنرى أن مستوياته وأبــعــاده المعرفية
فانمازت نصوصه بالتوتر العالي ووعورة الولوج إلى مركبات النص ،بكونه نصا يتمثل مرجعيات فلسفية فــي مــوضــوعــة الموت اختبار ٍ والــذات والحب والحنين ،فنحن في لنصوص شعرية تمتلك عين صقر تصطاد حساسية الجملة الــصــافــيــة األقـ ــرب إلــى تقنيات النص الصوفي باختالف الصفات في الموضوع والتوجه.
تعـالق معها مــن ب ــؤرات لألسى والــخــراب،
فــي هــذه العجالة ســأتــنــاول كتابه «ما أجمل أخطائي» كنموذج يحك جوهر الذات الشعرية وموقفها من العالم ،بل هي أقرب إلــى مــواربــات ســيــرو ّيــة تفضح بمكوناتها طفولته وشبابه «وآنه» ،وسأبدأ من مفتتحات الكتاب وعتباته ،والتي تؤشر على تمجيد
قــد جــالــت فــي ذاتــيــة الشاعر الموجوعة،
كنموذج على بؤس العالم وقسواته المركبة،
المل هو مؤشر واضح فما رشح من شعرية ّ على مناخات شعرية تواكب ما يحدث للعالم؛
إذ تبدالت القيم العابرة للحدود إلى جانب تفاعالت الذات بوصفها عالمة تتحرك في
أفق من التحوالت اإلنسانية الصادمة ،وما فأحدثت بذلك خرقا وشرخا في تصوراتنا
للبنية الكلية لماهية الشعر اآلن ،بعيدًا عن الجدل الشكلي الذي أحدثته مثل هذه األنماط من الشعر ،ففي كل تحوّل جمالي
يواجه متاريس الماضي.
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أحمد المال ..الشاعر الذي حفر في طبوغرافية األلم والغياب
11
األخــطــاء كــعــنــوان الخــتــبــار الحقيقة عبر السؤال الحر ،تمامًا كما فعل آدم في ارتكابه خطأ تفاحة المعرفة ،من باب اختبار تلك الثمرة الرامزة لمدايات غموضها والدخول إلى جوفها الصطياد الرائحة ،رائحة الرفض واالستلذاذ بذوق الدهشة من خالل اختبار جوهر األشياء للوصول إلى نسغها المكثف.
نهايات مأساوية ،إذ تتكرر في هذا الكتاب مفردات الخسارة والقنوط؛ منها أتخبط، وممرا ضيقا ،وغابة يابسة وعيون بال أجفان، أغنية ٍ نــوبــات الــســعــال ،مــدَّ ذراعـــاً هزيلة، جف عض ُل النداء، حزينة ،وج ٌع سُ َّر به الندمَّ ، بابتسامات ٍ واسو َّد دمُها؛ خ َّث َرهُ األلم ،ملطّ خا جــا ّفــة ،يخنقني الــهــواء ،ال ـدُّخــان األس ــود، تجاعيد جبينك ،القبر المهجور ،مفتا ٌح رغبة ٍ مجهولٌ ،تأكل ُ ُه الوحشة ،شدّة الظالم، هَ رمَة .فهو بذلك يشيّد بنيان الخسارات في معظم مناخات الكتاب ،فاألصابع في رجفتها ال تجد مفتاح الضوء ،وهــذا ما أشــار إليه «بول ريكور» في مسألة سيادة هوية سردية وتشييدها.
فــحــيــن يــســمــي الــشــاعــر أحــمــد الــمــا مجموعته بــ«ما أجمل أخطائي» ،ال بد من قصدية داللية لهذه العتبة التي تحيلك إلى مكونات جسد الكتاب وتوجهاته في نبش المسكوت عنه أو الــمــحــرم ،كــون الخطأ اقترن بالمحرم تاريخيًا ،فتمجيد األخطاء هو تمجيد للسؤال الحر والبعيد ،السؤال ويتابع المال امتداع خساراته عبر سردية المتجاوز لكل المحذورات والتابوهات ،ففي هذا المقطع على سبيل المثال والذي يقول شعرية يصعب الفكاك منها لــدى القارئ، وذلــك لذكاء صياغاتها وتسلسلها للوصول فيه: إلى صدمة الخاتمة ،وهذا األمر ال يتأتى إال ٍ ّط ،عُ نو ًة بينَ أمسيت أتخب ُ ُ أغصان تتسلّقُ من كاتب احترف الكتابة وأوقع القارئ في الظالم، فخاخ نصوصه عبر لذة التتابع للوصول إلى أشيحها بذراعي بعزم ساطورٍ ُ نتيجة العاطفة وجريانها في جسد النص، يفتحُ مم ّر ًا ضيّق ًا في غابةٍ يابسة. ونرى إلى المقطع التالي بقوله:
وحل، تغوص قدماي في ٍ ُ أجفان تتدلَّى من السقف ٍ وعيون بال ٍ وف ــي رجـفـتـهــا ال ت ـج ــدُ أصــاب ـعــي مـفـتــا َح الضوء.
12
ففي هــذا المقطع الــذي ينسحب على طبيعة مركبات الجملة «الشعر سريدة» ،تمثل مفاتيح مهمة على طبيعة المعنى الذي يبثه الشاعر عن ذاتيته الجمعية ،تلك الذات التي تسرد نفسها في تراسل شعري يقودك إلى العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
انتبهت لهُ مبكّ ر ًا ُ ظننتُ هُ اسمي الذي وأوجـعـنــي ت ـك ــرا ُر ُه على وج ــوهٍ كثيرة مما أوهنَ ساعدي. عرفت أنّهُ الزمن ُ ومن ثم ورا َفـ َقـنــي مـثــلَ صـخــرةٍ تـتــدحــرجُ مــن قمّ ة حياتي انتبهت إلى أنّه المكان ُ والحق ًا ـوط ومـ ـج ــاز ًا يُ ـســمّ ــى الـقـبــر وه ــا ه ــو مــربـ ٌ بساقي ،وتجرُّ ني صرختي إلى القاع.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ال فــي هــذا المقطع ،سعى الشاعر الم ّ الــحــداثــي إلـــى تــثــويــر تــقــانــاتــه الــشــعــريــة وإنجازه الجمالي القائم على المغايرة عبر إتاحة الفرصة للقارئ للدخول في تأويل الجملة الشعرية التي تحمل بعدًا وجوديًا وفلسفيًا ،فقد جمع بين أكثر مــن مسألة تخص موضوعة الموت ،منها اسمه والزمان والــمــكــان ،إضــافــة إلــى الــقــنــاع األســطــوري بصفاته األبدية مثل القبر والقاع ،أي المكان الغائر المعد للمدفونات والغياب الكامل .وما يلفت االنتباه أن تلك السيروة الشعرية تحتمل الذات الشخصية ،وصفات الذات الجمعية بمحيطها الــكــونــي ،الــســرديــة التي أقصت الغنائية وانتصرت للفعل التراجيدي الدرامي؛ ليجد في القناع األسطوري السيزيفي جزءًا مــن تلك الــدرامــيــة ،درامــيــة الــغــيــاب ،حيث يرافقه الزمن مثل صخرة تتدحرج من أعلى حياته ،ويصدم القارئ لينكتشف أنه المكان، وأي مكان ،القبر والحفرة الغائرة في التراب،
خزان الغياب والدمع ،تراجيدية قاسية تؤشر إلى وعي فلسفي ووجودي لدى الشاعر في استخداماته المركبة لفكرة الخلق في تفتحه وغيابه. فتلك العوالم التي تسير باتجاه عوالم متالحمة ،تقف فيها الـــذات على حــواف التخييل المستمدة من واقع الذات وانمحائها في رحى الكون ،فهي ثنائية عجيبة تجمع بين كميرا المشهد والسرد من خزان الذاكرة. وخــاصــة الــقــول ،أن كــتــاب «م ــا أجمل أخطائي» يمثل رثــاء مغايرًا للعالم والــذات معًا ،بادئًا من قوة المفتتح الممثل بعنوان الكتاب ،والــذي يشي بطبيعة توجهاته فيما يخص الموضوعة المتناولة في الكتاب من ومعان ،وهــذا األمــر يتم بتضميد ٍ مضامين أيقوناته المعجمية ودالالتــهــا ،وصــوال إلى الرمز والمضمون الغائر في ثنايا النص، طبوغرافيا لأللم ،وتمجيداً الختبار الحياة.
* كاتب من األردن. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
13
*
أحمد المال ..وأربع سنوات في ماراثون الشغف
■ عبداهلل السفر**
أحمدُ المال.. اإلداري بار َع التخطيط. َّ قبل أن يكون اإلداري رائ َع التنفيذ. َّ قبل أن يكون القيادي البارز الذي يعرف ما يريده تماماً .وتمام ًا ُّ قبل أن يكون هذا وذاك؛ هو وحس ِّ يعرف العقبات وال يأبه لها .الهدف أمامه وال يحيد عنه ،عنده من الجرأة المغامرة العالي؛ ما يجعله ال يفرّط فيه .ولديه من فائض الحماس والكاريزما؛ ما يطلِ قُ عدوى العمل في مَن حوله؛ فإذا بالمكان خليّةٌ عامرة بالجهد واألفكار وبالنتائج الباهرة. يــقــود ..لكنه عضو ضمن فريق العمل، يوضح ودائماً ما يقول ويعني ما يقول إنه كما ّ المثل الــدارج «عود من عرض حزمة»؛ رأياً ومقترحات وإنــجــازاً .وربــمــا إش ــارة واحــدة ٍ تحمل معنى االنهماك في الشُّ غل وفي المتابعة حلقة من الدقيقة حتى إسدال الستار ،وانتهاء ٍ حلقات النجاح وإعالن استمراريّته .تراهُ في تلك الليلة ال يهدأ إلى كرسيّة في الصف األول مع ضيوفه؛ تلقاه طائفاً متفقّداً ال يستق ّر في ال من الراحة» .هي مكان ،وال يأخذ «فاص ً ٍ حال ٌة استثنائ ّي ٌة من الشغف والرغبة العميقة في مشارفة حــدود الكمال وإخ ــراج العمل بالصورة المرتجاة والمخطّ ط لها كيف تكون أمام الجمهور على المسرح ،وبمعيار رهيف يحسب للحركة ميقاتها ،وللدقيقة حسابها.
14
وربما ،بسبب هذا الشغف االستثنائي وتلك الرغبة العميقة ،نشهد هذا المدى الفارق الذي العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
يطيب لي أن أسمّيه« :التوحّ ش في النشاط»، والــذي تعجز عن مقاربته ،أو الدن ّو منه إ ْن ّات عدداً أو نوعاً ،مؤسساتٌ رسمية وبميزاني ٍ مليونية .نافورة ثقافية عارمة تتدفّق بألوانها الزاهية غالبَ أيام األسبوع ،وليس نادراً أن فعالية في الليلة نفسها. ٍ تصادف أكثر من هذا الجانب من الك ّم ال يبتعد عنه النوعي وال ينفكّ عنه ،ودليلنا المهرجانات العديدة التي صافحت الجمهور طــوال أربــع سنوات هي عُمر أحمد المال اإلداري في دفّة جمعية الثقافة والفنون بــالــدمــام .معه المهرجان يكتسي معناه الحقيقي ال مجرد لفظ وعنوان للمباهاة الفارغة .وقد تابعت عن قرب واحداً من هذه المهرجانات؛ «مهرجان بيت الشعر» في دورته األولى بتكريم محمد العلي ،والثانية بتكريم فــوزيــة أبــو خــالــد ،والـ ــدورة الثالثة ازدهت بتكريم علي الدميني .فالتكريم يأخذ
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
صبغته الفنية واالحتفالية واألدبية والتوثيقية بعيداً عن الكلمات اإلنشائية الخاوية وعن الدرع المعهود .كما أن المهرجان ينفتح على عــرس ثقافي شامل ال يحضر فيه الشعر وحده ،إنما مروحة جاذبة من الطيف الثقافي والــمــمــارســات اإلبــداعــيــة؛ فــتــغــدو قــاعــات منص ٍات ّ الجمعية ،وغرفها أثناء المهرجان، للفعل الجمالي والتفاعل الخالق ،تنبعث من الشعر والموسيقى والغناء ،ومــن التشكيل والفيديو آرت ،ومن تلك الحميمية الطالعة تبرز عالمة مضيئة وشاهقة هي «مهرجان عبر توقيع الكتب. أفالم السعودية» الذي كان ضرباً من الخيال تقول الحكمة «دع مائة زهرة تتفتّح» ،وأخال ومن الرسم على الرمل أو الماء .أحمد عرّابٌ جمعية الثقافة والفنون خالل هذه السنوات ورائي ،والصورة اآلن ال تشهد إال بذلك .في األربــع هي الحقل المواتي بانفتاح الجمعية هذه السيرة أحمد ليس بالجريء المغامر على الملتقيات األهلية ذات االهتمامات وحسب ..بل والمقامر .بال بنية تحتية ،بال األدبية واإلبداعية ،بتوفير المكان واالهتمام ،ميزانية ،بــا ضــوء أخــضــر (وه ــذا الضوء وبتسليط الضوء على فعاليّاتها ومطبوعاتها خط تحته)! وهذه البال «البلية» يحتاج مائة ٍّ من خالل الحضور الثقافي وعبر المتابعة كم تغلظ ويرتفع بها السياج إذا علمنا ممانعة الصحفية .ويكبر هــذا الحقل بالعديد من المتشددين واستنفارهم المنظّ م والمعروف األنــشــطــة تــحــت مــسـ ّمــى «بـــيـــت»...؛ «بيت للوقوف أمام هذا الفضاء الجمالي وإفشاله. الشعر»« ،بيت السرد»« ،بيت السينما»« ،بيت منتجات لدى أحمد سرديّته المثيرة عن هذه التجربة، ٍ الكوميديا» ...هذه الـ «بيوت» ليست وهميّة تُنثَر في الهواء وتُترك للريح ،بل هي وأتمنى أن يرصدها على ال ــورق ،يــومـاً ما مقترحات صلبة قابلة للتنفيذ وبأبهى صورة ،إذا ما سمح لها مارثونه المتعدّد األقطاب وسجّ ل اإلنجاز لسا ٌن ال يخذل الجمعية وال بالتقاط األنفاس. مشروعاتها. هذا هو أحمد المال الصدي ُق الذي أحب، في سيرة أحمد المال الثقافية واإلدارية ،هذا هو أحمد المال اإلداريُّ الذي به نفخر.
* مع نهاية مهرجان بيت الشعر في دورته الثالثة ،أنهى أحمد المال عمله التطوعي مديرًا إلدارة جمعية الثقافة والفنون بالدمام (ديسمبر 2013م ديسمبر 2017م). ** قاص وكاتب وناقد من السعودية.
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
15
ٌ حقول شاسعة أحمد المال..
■ إبراهيم احلسني*
أحمد أيّها الجميل إنّ حقولك الشاسعة حقولك التي حرثتها وزرعتها بقلبك ودمك ّاعات وﻻ أسوار ،فباتت معروفةً تهوي حقولك التي تركتها هكذا ،مفتوحة بال فز ٍ وتتواصى بها.. َ إليها الطيو ُر إنّ حقولك تلك يا أحمد ،ستبقى محميّةً بنظرتك وﻻ سبي َل إلى حرقها.. ستبقى محميّةً بابتسامتك الناضجة التي تقطر عسالً.
...أما أحمد فروحه في الليمون وأعضاؤه في الشجرة الخضرة يفتح عيونه في ُ يشف ّ الخضرة وفي ُ الخضرة يشعّ وجهه في ُ الخضرة تونع نبرته وفي ُ يقول للشجرة: السالم عليك يا أمي والسالم على جذعك وعلى أغصانك.. والسالم عليَّ يو َم أغمغم، كيف هي أحوالك وأحوال ظاللك، جئتك من آخر قميصي وجدت ممرّا بين شهقتين فمرقت وجدت غصنك يومئ لي فخطفت وجدت وحدتي غافية فانسللت وها أنا قد وصلت إلى رائحتك فخذيني بقوّة.. أنا في الليمون. ***
16
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
لك الجذع يجمع خضرته ولك عتمة التراب لك حرارة الطين تستوي فيها، تخطها فيه.. ّ وتسوي خطوطك اﻷولى لك هواجسك البيضاء تتجذّ ر فيها، وت ـلــمّ ح ـجــرك ،مــا يمنحك ث ـق ـ ًا ويـشــدّ إليك صوتك.. ترفع ذراعا خضراء.. وتزيح غطاءك وتشقّ سترك، لك ما يسأم إقامتك في الخفاء.. ويودُّ أن يجهر بك، يعلنك ويعلن كلماتك لك الجذع ولك اﻷوراق ولك وجهك ولك عيونك.. زهرتك مختبئة فيك زهرتك التي تربّيها وتنقّ حها زهرتك التي تنفطر وتُدلِ ي بها،
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أحمد المال ،عشق الطبيعة انعكس على شاعريته
زهرتك التي ينشقّ عنها قلبك ويشهرها لك اليد التي تهز لغتك لكي تنام، لك الهواء يرفع أسماءك ويضيء
لك حروفك الصغيرة..
ْك مرّة.. لك اﻷهلّة التي أضاءت ،حَ َبت َ
ل ــك ال ـش ـجــرة ال ـتــي تـنـشــد أغـصــانـهــا في
طوت حولك ذراعيها لما وقعت عليك.. حدّ ثتها الفراشات والنسائم، وح ــدّ ثـ ـتـ ـه ــا ال ـ ـظـ ــال عـ ــن ثـ ـي ــاب ــك وع ــن أناشيدك..
كتفيك وذراعيك.. ولك عصافيرك الصفرة تهش ُّ لك من الشجرة ما يجعلها ّ
حدّ ثتها عن شقوق ثمرتك
عن أغصانها وأوراقها
التي أحدثتها فيها شدّ ة وجهك..
ول ــك منها مــا يـمــدّ الـشـجــرة عميقا في
واحتدام فمك..
مائها ويجعلها نضرة.
* شاعر من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
17
في حوار مع الشاعر أحمد المال.. في المشهد الشعري العربي ،ثورة فنية ،عززت تعرُّ فنا عليها وسائل التقنية الحديثة الشعر العربي يتحول عميقا ويتشكل في صيغة كونية!.. المشهد الشعري في السعودية ..طاقات ملهمة ،ومنتج نوعي ،وتجارب متفردة بعض نصوصي الشعرية تذهب إلى السينما ،والفنون البصرية ،بعفوية غامضة!..
سعدت كثيرا بإنجاز هــذا الحوار مع شاعر وثَّ ــق حضوره وتميزه في المشهد الشعري السعودي منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي ،الشاعر أحمد المال، والذي يدهشك بقصيدته التي تحمل الكثير من التفاصيل المتعلقة بحياته من الذاكرة واليومي المعاش ،ومن تجربته الغنية من فضاءات عدة ،التي أكسبته لغة تشبهه كثيراً؛ فنيًا وثقافيًا وإنسانيًا ،وقدرة على أن يحاصرها بذاته الشاعرة« ،ظل يتقصف -المؤسسة العربية للدراسات والنشر -بيروت1995 -م»؛ «خفيف ومائل كنسيان -دار الجديد1997 -م»؛ «سهم يهمس باسمي -دار رياض الريس»،2005 -؛ «تمارين الوحش -دار الـغــاوون -بيروت2001 -م»؛ «كتبتنا البنات -نــادي الرياض األدب ــي2013 -م»؛ «ال ـهــواء طــويــل وقصيرة هــي األرض -دار م ــدارك ون ــادي تبوك األدبي2014 -م»؛ «عالمة فارقة -دار مسعى2014 -م»؛ «ما أجمل أخطائي -الكويت- 2016م» ..هــذه اإلص ــدارات حتما تقودك لشاعر يؤمن بقصيدته ،قصيدة النثر، بوصلة روحه ومجنونته وجنونه ..والتي قادتنا أيضا لهذا الحوار.. ■ حاوره عمر بوقاسم
الشعر هو محركي األول في الحياة!.. ¦أحـمــد الـمــا مــن أب ــرز األس ـمــاء التي تقودنا إلــى عــوالــم قصيدة النثر في ثمانينيات ال ـقــرن الـمــاضــي ،الفترة التي تشكلت فيها الحداثة الشعرية ووثـ ـق ــت ح ـض ــوره ــا ال ـح ـق ـي ـقــي ،فقد أهـ ــدى ال ـســاحــة ال ـش ـعــريــة المحلية
18
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
والعربية في عــام 1995م ،مجموعته ال ـش ـع ــري ــة «ظـ ــل ي ـت ـق ـص ــف» ،إلـ ــى أن قــاربــت إصــدارتــه الشعرية حتى اآلن الـعـشــر مـجـمــوعــات شـعــريــة .وكــذلــك أثـ ــرى الـمـكـتـبــة الـعــربـيــة بـعــديــد من ال ـك ـت ــب ،مـ ـث ــل :كـ ـت ــاب «أن ـطــولــوج ـيــا ال ـش ـع ــر ال ـح ــدي ــث -وزارة ال ـث ـقــافــة واإلع ــام 2012م» ،وش ــارك فــي إعــداد
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
كتاب مختارات الشعر السعودي عن وزارة الثقافة واإلعالم 2012م ،وحضر في فضاء المسرح بمسرحيته المعنونة بـ «الملقن»، إضــافــة لـكـتــابــة ع ــدد مــن الـسـيـنــاريــوهــات، فضال عن كتابة مقال أسبوعي في الرأي في عدد من الصحف «عكاظ ،المسائية، اليوم» .الشاعر أحمد المال ،ماذا يقول في اتجاه هذه السيرة الغنية بتنوع فضاءاتها، وهــل بكل هــذه اإلص ــدارات أكمل مشروعه مع الكلمة؟ ρ ρال يكتمل أي مشروع ثقافي ،فهو مستمر أبدا بقدر الطاقة التي يقدمها للمتلقي.. حتى بعد تــوقــف صــاحــب الــمــشــروع أو غيابه. ومنذ بداياتي فــي أوائ ــل الثمانينيات، عملت على طريقين متوازيين للتعبير عن ذاتي ،الكتابة (الشعر على قمتها) واإلدارة الثقافية ،ب ــدءًا بالجامعة والصحافة ρ ρجائزة الثبيتي وصلني خبرها وكنت في ليلة افتتاح مهرجان بيت الشعر ديسمبر الثقافية وجمعية الثقافة والفنون والنادي 2015م ،دورة محمد العلي ،تلقيت اتصاال األدبــي ،ومنها تعلمت ومارست تنشيط العديد من المبادرات الثقافية والفنية، من الدكتور سعيد السريحي ،كــان يزف ولم أتوقف أو ألتفت. الخبر من اجتماع أمناء الجائزة ،وكنت فــي قمة فرحي بتكريم األســتــاذ محمد الشعر هــو محركي األول فــي الحياة، العلي ،من جهته يبارك لي الجائزة وأنا وبــالــشــعــر ومـــن خــالــه أعــيــش لحظة أبارك له فرحتنا الكبرى باألستاذ محمد بلحظة ،وأنظر عبره إلى المستقبل. العلي ،حتى اختلط علينا وأقفلنا المكالمة ربما هو الشعلة التي أضاءت لي طريقي، للمرة األولـــى ولــم يفهم أحــدنــا اآلخــر، يوم كانت الطريق مظلمة ومحبطة من وبعدها اتــصــل ثانية واستوعبت فــوزي قلة سالكيها. بالجائزة ،واتفقنا على عدم اإلعالن عنها جائزة الشاعر محمد الثبيتي!.. حتى ينقضي المهرجان ،لئال يشغلني ذلك عن الفرح الكامل بأيام تكريم شخصية ¦ف ــي عـ ــام 2016م فـ ــزت ب ـج ــائ ــزة ال ـشــاعــر محمد الثبيتي للشعر من نادي الطائف مهرجان الشعر في دورته األولى. األدبــي ،ما موقع هذه الجائزة في نفس الشاعر أحمد المال؟
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
19
كتمت الخبر فــي صــدري ولــم يعرف به سوى زوجتي ريم وصديق عزيز ،وكانت الجائزة تشبه صاحبها الشاعر محمد في عمق تجربتي الشعرية!.. الثبيتي ،مخبأ في قلبي وأشعر أنــه لي وح ــدي ،ولــو تحدثت عنه لــن يفهم أحد ¦كتبت الـعــديــد مــن الـسـيـنــاريــوهــات ألفــام قـ ـصـ ـي ــرة ،وك ـ ــذل ـ ــك حـ ـ ـض ـ ــورك ل ـ ـعـ ــدد مــن عمق معنى كالمي عنه ومنزلته في قلبي. الـ ـمـ ـه ــرج ــان ــات ال ـس ـي ـن ـم ــائ ـي ــة ..وقـ ـ ــد تــم المسرح« ..مشروع دولة»!.. تكريمك في المهرجان السينمائي الثالث ¦المسرح يغطي مساحة مــن اهتماماتك، ل ــدول مجلس الـتـعــاون الخليجي فــي أبو م ــؤل ــف مـســرحـيــة «ال ـم ـل ـق ــن» ،ك ـمــا وسـبــق ظبي 2016م ،كما أسـســت وأدرت مهرجان أن تــرأســت المهرجان المسرحي العاشر أفــام السعودية منذ دورتــه األولــى 2008م بالدمام عام 2014م ،فضال عن مشاركاتك حـتــى دورتـ ــه الـخــامـســة 2019م ،خـلــق هــذا ف ــي ع ـ ــدد م ــن ال ـل ـج ــان ال ـت ـح ـك ـي ـم ـيــة فــي الـتــآخــي أو الـتــوأمــة بين الشعر والمسرح مـســابـقــات ل ـع ــروض م ـســرح ـيــة ..بعضهم والسينما ،برغم االختالف البيئي الواضح يقول إن المسرح لم ولن يجد مكانًا ودورًا بينهم ،حتما خصوصية تجربتك وتفردها ف ــي ح ـيــاة الـمـجـتـمــع ال ـعــربــي ،ف ـهــل حــقً ــا لها سرها ،أحمد المال ماذا يقول في هذا ه ـنــاك خـلــل ف ــي عــاقــة اإلن ـس ــان الـعــربــي االتجاه؟ بالمسرح؟ ρ ρاشتغاالتي المباشرة مع مختلف الفنون ρ ρاقــتــربــت أكــثــر مــن الــمــســرح ،مــن خــال الــتــي ذكــرتــهــا وغــيــرهــا ،أسهمت وأثــرت األستاذ عبدالرحمن المريخي يرحمه اهلل، في عمق تجربتي الشعرية؛ بل حتى على منتصف الثمانينيات ،عبر كتابة نصوص مستوياتها األسلوبية ،أعتقد أني كسبت األغاني لمسرحيته «ساق القصب» ،وبعدها خبرات المونتاج السينمائي في بناء النص ساعدت في إخراج مسرحية «أبو الخيزران الشعري ،والسرد التعبيري من المسرح، يختفي مؤقتا» للمخرج فــؤاد المحمدي، والتشكيل البصري في اللغة من الفنون وكتبت «الملقن» ثم رافقت المسرح إداريا األخرى ،والكثير من التقنيات. ومنشطا .أعتقد أن المسرح هو أكثر الفنون دائما أعتبر أن الشعر يكمن في كل الفنون، التي يناسبها توصيف «مشروع دولة» كي بل في كل شيء له عالقة باإلنسان. يتحقق؛ لهذا ،فكل الفعل المسرحي منذ كثير من نصوصي الشعرية تذهب مباشرة البدايات حتى اليوم ،هي اجتهادات أفراد إلــى السينما ،والفنون البصرية ،بعضها مبدعين ،تحملوا مسؤوليات دولة ،وعلينا يــأخــذ طريقه بعفوية غــامــضــة ،واآلخــر أن نحفظ لهم حق ذاك الدور االستثنائي، بانتباه تنطوي فيه الصدفة الموضوعية، وإعادة االعتبار للمسرح بتحقيق طموحاته والقصدية الشعرية. وبنائه بطرق حديثة كما يليق باللحظة الــراهــنــة ،وكــمــا يتناسب مــع طموحات الموجة السعودية الجديدة.
20
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
¦لـيــس ه ـنــاك أث ــر واض ــح حـتــى اآلن على مضمون الخطاب اإلبداعي أو شكله ،في ظــل الـتـغـيــرات الـسـيــاسـيــة واالقـتـصــاديــة التي يشهدها العالم العربي في السنوات األخيرة ،برأيك ما سبب غياب األثر؟ ρ ρفي قراءة محايدة لمجمل الحال الراهن لإلنسان العربي ،فهو مشهد مأساوي، يمر عبر نفق مظلم ال توجد في آخره لمعة ض ــوء ،واق ــع مقلق وال يــدل على أم ــل ل ــوال أن الــفــن يبتكر ض ــوءه ذاتــيــا حتى في أشد المراحل التاريخية عتمة. وفي اآلداب والفنون العربية المعاصرة نجد انعكاسات ذلــك؛ فالمأساة تتسيَّد المشهد ،نلمحها فــي الــروايــة والشعر الشعر في النص أيما كان شكله!.. والــقــصــة والسينما والــمــســرح ،وسائر الفنون العربية المعاصرة .أعتقد أنه على ¦قصيدة النثر لون أدبي ،وليست شعرا» .ما العكس ..الواقع العربي متمثل بوضوح رأيك في هذه المقولة؟ شديد في المشهد اإلبداعي ،ومنتجه. لست ممن يتوقف أمام التصنيفات ،ودائما ف ــي الــمــقــابــل الــعــربــي ،نــجــد الــمــوجــة أعتبر أن هذه عملية إجرائية يضطر لها السعودية الجديدة ،والتحوالت الكبرى الكائن ليدل على ما يقول ،أجــد الشعر في سائر مجاالت الحياة ،ونلمس اليقظة في النص أيما كان شكله ،في الكالسيكي األخــيــرة لالهتمام بالثقافة والــفــنــون، أو النثر ،في الشعبي والنبطي والفصيح، وتفتحها في الفضاء االجتماعي العام، أجــده في الفنون البصرية ،الموسيقى، هذه من عالمات المرحلة ،وهو يدل على الفنون المعاصرة والقديمة ،في العمارة وعي عميق بأن أي تحوالت اقتصادية، والطبيعة والعلوم والفلك .لم يسبق أن وتغيير اجتماعي لن يكون متوازنا دون تعثرت بسؤال التسمية. نهضة ثقافية وفــنــيــة ،تــواكــب األفــكــار النيرة فــي الــوجــدان الجمعي للمجتمع وترسّ خها .وكلي ثقة بأن اإلبداع الثقافي والفني السعودي ستتأثر بهذه التحوالت ¦هل لنا أن نتعرف على محتوى مكتبتك؟ والتغيرات الكبرى. ρ ρالكثير من كتب الشعر ،واآلداب العربية
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
قراءة محايدة!..
كهف صغير للعزلة واالتصال!..
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
21
والمترجمة ،إلى جانب مكتبة سينمائية، وأعـــمـــال فــنــيــة .كــهــف صــغــيــر لــلــعــزلــة واالتــصــال ،أذهــب إليه كلما ضاقت بي الحياة ،ويحضن لحظات الفرح والمتعة باكتشافات المعرفة. الساحة الشعرية السعودية مرت بمراحل!.. ¦ش ــارك ــتَ عـ ـ ــددًا م ــن ال ـش ـع ــراء الـ ـع ــرب في أمـ ـسـ ـي ــات ومـ ـه ــرج ــان ــات شـ ـع ــري ــة .ه ـنــاك تصنيف يقيّم الساحات الشعرية من بلد إل ــى آخ ــر؛ فمثال هـنــاك ش ـعــراء يصنفون ساحاتهم بأنها األكثر تألقا وجدية ،كيف تقيم أنت الساحة الشعرية السعودية؟
22
من الوجود ،بل وتصفيتهم معنويا والقضاء عليهم .هذه فترة الثمانينيات وحتى نهاية التسعينيات ،التي أصبح فيها الشاعر ً على جمره ،ويتوحد مع قصيدته؛ ما عزز الجدية فــي الكتابة الشعرية ،وصقلها لتكون قــادرة على المواجهة ،وفي سبيل دفاع الشاعر عن وجوده أسهم في حماية التجارب الالحقة ،وأتاح لها فناء تتحرك فيه لم ينتبه له حراس الصحوة النشغالهم بمواجهة الخطوط األمامية من الشعراء. وألننا في بالد واسعة وممتدة جغرافيا، فــإن الساحة الشعرية نجدها مختلفة األشكال في كل مدينة ومنطقة .وكل من ينحاز إلى شكل تعبير يتوقع الغلبة له ،في حين أن السعودية تزخر بتجارب عديدة في كل تيار شعري ،ويمكن القول أن الدنيا مشاهد شعرية متنوعة ،مختلفة ،وثرية في كل منها ،وليس مشهدًا شعريًا واحدًا.
ρ ρالساحة الشعرية السعودية مرت بمراحل مــخــتــلــفــة مــنــذ بـ ــدايـ ــات ال ــح ــداث ــة في سبعينيات الــقــرن الماضي حتى اليوم. مع الرواد المؤثرين :محمد العلي ،فوزية أبــو خــالــد ،سعد الحميدين ،حتى جيل المشهد الشعري في السعودية!.. الوسائط المتعددة مرورًا بفترة «الصحوة» التي شهدت صراعً ا ثقافيًا على أشده بين ¦ف ــي حـ ـ ــوار ل ــي م ــع الـ ـش ــاع ــر ع ـبــدال ـعــزيــز المحافظين والشعراء المجددين. المقالح ،سألته عن ما قاله الشاعر سعدي يوسف ،أيضا ضمن حوار لي كان معه ،إذ أعتقد أن مرحلة «الصحوة» ألقت بتأثير قــال« :إنـنــي متحمس للعربية وشعرائها، ق ــوي عــلــى الــســاحــة الــشــعــريــة ،إذ بــرز وأعتقد أن الشعر ،فن يؤخذ بالجد الالزم فيها الــشــعــراء :علي الدميني ،عبداهلل مــن ل ــدن الـشـعــراء ال ـعــرب ،لـكــن المقارنة الصيخان ،محمد عبيد الحربي ،غيداء بين شعرنا الحالي ،وشعر األمم األخرى، المنفى ،أحمد الصالح «مسافر» ،عبداهلل لن تجعل كفة الميزان تميل إلى صالحنا. ال ــزي ــد ،مــحــمــد جــبــر الــحــربــي ،محمد نحن ال نــزال مكبلين بأغاللنا» ،فكان رد الدميني ،عبدالمحسن يــوســف ،محمد المقالح ...»:لكنني ال أتردد عن القول إن زايد األلمعي ،خديجة العمري ،ثريا قابل، في شعرنا المعاصر نماذج تساوي إن لم أشجان هــنــدي ..وآخ ــرون أتــوا بعدهم.. تتفوق على بعض نـمــاذج مما قــرأنــاه من وجدوا أنفسهم تحت وطأة هجمة عنيفة شعر عــالـمــي ،وأرى أن األح ــداث الـتــي مر ومتواصلة تبتغي إلغاء حضورهم الشعري العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ρ ρفي المشهد الشعري العربي ،ثورة فنية، عـــززت تــعـرُفــنــا عليها وســائــل التقنية الحديثة ،والشعر العربي يتحول عميقا ويتشكل في صيغة كونية ،هذا مما أعرفه على مستوى شخصي ،رغــم عــدم زعمي باطالعي على كل ما يكتب من شعر عربي في اللحظة الراهنة.
وجها لوجه الحساوي والمال
وقليال ما أتجرأ على إهداء كتبي.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بها الشعراء العرب الحقيقيون قد صهرت أرواحـ ـه ــم وجـعـلـتـهــم يـقـتــربــون ك ـث ـيــر ًا من المعنى الحقيقي للشعر» ..ما رأيك؟
هكذا أرى في التكنولوجيا الحديثة!..
¦ي ـت ـح ــدث ــون ك ـث ـي ــرا ع ــن اإلض ـ ــاف ـ ــات ال ـتــي لكني أستطيع القول -بقدر أكبر من الثقة تضيفها الشبكة العنكبوتية وبإيجابية، بــأن المشهد الشعري فــي السعوديةأليس لهذه الشبكة أي سلبية على الشاعر يترسخ بطاقات ملهمة ،وبمنتج نوعي، أو المثقف بصفة عامة؟ وتجارب متفردة عن بعضها بعضاً ،وتغوص في عمق وجــدان اإلنــســان المعاصر في ρ ρدائما أبحث عن الجوانب اإليجابية أوال لحظته الكونية. عند تقييم أي موضوع ،وأحاول أن أتريث أعتقد أن الشعر ال ينقصه أن يوصف: عالميًا ،إال غياب الجسر /الترجمة ،فقط.
¦هناك الكثير من الـقــراءات النقدية التي سعت لقراءة قصيدة الشاعر أحمد المال، هل وصل الناقد لقصيدتك؟ ρ ρال أدري ،هناك من النقاد من تناول تجربتي الشعرية ،وأذكــر منهم األســتــاذ الدكتور سعد البازعي ،د .سعيد السريحي ،الناقد والشاعر عبداهلل السفر ،الشاعر محمد الحرز ،د .ميساء الخواجه ...لكني الى جانب سعادتي بالتفاتة الناقد لها ،أرتبك فعال ،إلى درجة االحمرار ،أشعر أن الناقد يعري النص وكأنه يعنيني شخصيا ،لم أستطع حتى اليوم أن أتخلى عن أن ما أكتبه سري الشخصي .لهذا أتفادى النقد، وأرتبك أيما ارتباك حين أقرأ أمام الناس،
كثيرًا في هذه المنطقة ،دون عجلة للقفز إلى الجهة المقابلة من السلبيات ..ولو بيدي لما عبرت إليها ..فالحديث عن الــشــيء يرسخه ويــقــويــه ،والتفكير فيه طويال يطبع علينا بطبعه.
هــكــذا أرى فــي التكنولوجيا الحديثة، ووســائــل الميديا والشبكة اإللكترونية، تأثيرًا إيجابيًا في تقريب المعرفة وتسهيل الوصول إلى المعلومة ،كما أنها خففت من الوصاية واحتكار الثقافة على فئات اجتماعية مــحــدودة ،وألغت الحدود بين البشر .الشعر كسائر الفنون يستفيد من هذه الوسائل ،وللشاعر أن يتنبه ويواكب ويعيش تحوالتها بــذات الدهشة األولــى ولذة االكتشاف. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
23
أحمد المال ..بين الشعر والسينما ■ د .هناء بنت علي البواب*
أحمد المال ..وقبل البدء بتلك الحيرة التي سأكتب لك فيها أتساءل: ما السبب وراء هذا الجنوح الغريب إلى التقاطع العجيب الشعري السينمائي، أهو تقديس الشعر إلى حد تنزيهه عن فكرة الصنع البشري ،واعتبار القصيدة إلهام ًا علويًا يتنزل على الشاعر حتى ليبدو هو نفسه وليد القصيدة؟ أم أن السينما هي صورة الروح والجسد والقلب؟ فــي الــشــعــر يــبــدأ التمييز بــيــن قصيدة وأخـ ــرى فــي ال ــدي ــوان نــفــســه ،مــادامــت كل قصيدة قد صدرت عن خبرة اختلفت شيئًا ما عن غيرها ،فنيًا ،شعورياً ،قصصياً ،جمالياً، وغيره ..فظهرت قصيدة النثر في السعودية في السبعينيات من القرن المنصرم ،ولم تتوقف التجربة عن إنجاب عدد من الشعراء الذين سجلوا تجربتهم ضمن مجموعة من الــدواويــن بين فترة وأخــرى ،بل امتدت بهم تربة الصحراء لتحرق كل أنفاس المرجعيات القديمة ،ليثوروا مدادا ،ويقوموا بكلمة واحدة متمردة قائمة حــول المشهد األدبــي الذي يستحيل مــاء في قمّة الحاجة؛ ألن يحتك الشاعر بضرع السماء ،وفي تسعينيات القرن العشرين ظهر جيل آخر من الشعراء برؤى مختلفة وجديدة ،كان من بينهم الشاعر أحمد المال الذي سرعان ما حجز مكانته المميزة في المشهد الشعري السعودي المعاصر.
24
صدور ديوانه األول «ظل يتقصف» ،فهو يعلن في تلك اللحظة عن تجربة ستكون واحدة من أهم التجارب في مشهد قصيدة النثر، ثُم جاء ديوانه الثاني« :خفيف ومائل كنيسان» ليُشعرك أن ثـ ّمــة نــب ـوّة مختلفة تشير كل األصابع أن أحمد المال هو الموجود وحده على أرض صلبة ،ربما لن تقبل بالتغيير ،وهي أرض العربية والقوة والفصاحة وحدها ،جاء المال ليكرس اسمه شاعراً ومبدعاً مهموما بالشعر ومأخوذا به.
لذلك ،كل كتابة هي من حيث المبدأ عمل مرتبط بشعورنا العميق بالفشل ،أو الشك في مغامرة سابقة ،أو على األقل ،عدم االمتالء، وبالتالي استمرار السؤال المحرّض ،أو غير ال ذلك ..مما اعتبره شعوراً بالناقص متأص ً في المبدع ،وهو ما يجعله في كل مرة يضرب سهماً في األفــق نفسه ،وكذلك كــان أحمد المال الذي اخترق حدود اإلبداع لينفلت من وهنا كــان اخــتــاف المشهدية الشعرية الشعر متوجها طائرًا إلى الجانب السينمائي، في تلك الحقبة التي ظهر نجمه المتفرّد مع الذي يظهر فيه إبداعه وقدرته على التوصيل
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
بأعراف جافة كلما توغلت توحشت أكثر».
ولــذلــك ،أيــهــا الــمــا تــم ـرّدت على رغبة الــشــاعــر بــداخــلــك؛ لــتــقــوم قــائــمــة المشهد السينمائي التي تظهر فيها طبعة اإلبــداع الذّاتيّة؛ فإ ّن الشّ اعر يبدع ،وحده ،فالقصيدة تجربة ذاتيّة فرديّة ،وإن كانت تتأث ّر بتجارب اآلخرين وخبراتهم وإبداعهم؛ لكنّ السينما عمل ّي ٌة جماعيّة ،يشارك فيها ،إضافة إلى المخرج ،الــذي يتأسس الفيلم على رؤيته، القصة، ّ مجموع ٌة من األشخاص؛ مثل :كاتب مــخــتــصــو ال ــدي ــك ــور ،والــمــونــتــاج والــصــوت والتّصوير ،ومؤلفو الموسيقى ،والممثّلون، ومصممو المالبس ،الذين لهم رؤيتهم الف ّنيّة الخاصة. ّ
الوسط الذي يعيشه.
فــحــيــن ي ــش ــرح أح ــم ــد ال ــم ــا ،رســالــتــه
السينمائية اإلبداعية ،حين يقول« :علينا أن نجهر بالفن ونرفع صوت الجمال والحب في خاف علينا أن وجه القبح والكراهية ،لم يعد ٍ
غياب الفنون أضعف قيمنا الجميلة وأبدلها إذا كانت مقولة باولو كويلو« :إذا أردت
شيئاً ،يتآمر الــكــون كله لمساعدتك على
تحقيقه» ،حقيقة ..فإن المال الرجل الذي شقّ روحــه بين شقين مهمّين وهما :الشعر
والسينما ،فهو مدير جمعية الثقافة والفنون في الدمام ،فهو ال يكف عن مصارعة رياح
الفوضى وغبار الوجع ،حتى يقف منتصفا في
روحنا ،وروح الشاعر وروح السينمائي.
ولو وقفنا موقف المجابه للمال لنسأله: أيهما يتمرّد بداخلك الــيــوم ،الشعر أم
السينما؟
ســيــقــول :الــسّ ــيــنــمــا ،أقـ ــوى تــأثــيــراً في
الحواس؛ ألنّها تخاطب الحواس مباشر ًة في
الصور الحقيقيّة والخياليّة عمليّة تجسيد ّ أمام المتلقي وأذنيه ،وألنها تملك حرية في
الحركة؛ لكنّ الشّ عر يشكّل صوره بما تثيره
الكلمات في خيال اإلنسان .والسّ ينما تتأثّر في معالجة صورها ،والسّ يناريو ،والموسيقى، والشّ خصيّة ،والــحــوار ،بالشّ عر ،من خالل
طاقاته العاطفيّة الوجدانيّة العميقة ،في
وهــنــا ،نــجــده يكتب القصيدة لتتكشف له قبل غيره طبيعة العالقات الكائنة بين النصوص .ولعل أخطر ما يفعله الشاعر هو تنظيم العالقات بين المؤتلف والمتنافر في شعره ،فالنصوص ال تأتلف بيسر ،فهي ليست كيانات مطيعة ،بل يدرك كثي ٌر من الشعراء أنها غالباً ما تتمرد؛ لذلك تحتاج القصائد إلى عالقات تجاورية مبدعة ومبتكرة ،حتى تستوي في الكتاب .أي اكتشاف «الصيغة العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الدقيق لــرؤاه المتمردة الخارجة عن حدود
بالضرورة ،لمؤثّرات ّ حين ال يخضع الشّ اعر، السّ ينما ،وقد يقتصر تأثّره على استخدام صــوره الشّ عريّة وتحريكها بما يشبه ترتيب اللقطات في المونتاج السّ ينمائيّ ؛ غير أ ّن الصلة بين الفنّين ،تشت ّد في أفالم السّ ينما ّ الصورة، البصريّة ،التي تلحّ على استخدام لغة ّ وتقلل من أهميّة الحدث والحكاية.
25
السحرية» التي تجمع بين كل هذه الكائنات الغريبة القائمة على التناقض واليتم ..والتي نسميها قصائد .إنه إتالف المختلف ،وهو ما ال في الشعر. يُ َو ِّل ُد الضو َء أص ً هنا فقط ،سنؤكد أن المال هرب من ذاته إلى ذاتــه حين هرب من الشعر للموسيقى، وهو بين خطوتين تنقالنه في تشكيل الصورة السينمائية ،ويــكــاد الشعر يــكــون المرتكز الرئيس في تشكيل الصورة ،فهذا الوسيط هو الذي يحدد إمكانات االستبدال والتحويل التي يسعى إليها المهتمون بتحويل النص الشعري إلى سينما؛ فعلى العكس من (شعرنة النص السينمائي) ،والتي تبدو عمال إبداعيا يتجاوز محددات الوسيط من خالل التحايل عليها؛ أي أن المال يستثمر إمكانات الوسيط في صياغة شعرية النص ،فإ ّن نقيض ذلك يبدو صعبًا ،أي إن تحويل النص الشعري إلى سينما ستفضي إلى تقييد الحر ،وتحجيمه تحت سطوة التقني ،فالصورة السينمائية المحولة مــن ص ــورة شعرية؛ أي المنقولة من نص شعري ستقع تحت وطــأة التحويل السمعي الخيالي إلى البصري الحسي ،وهنا تظهر قدرة اإلبداع السينمائي الشعري. بعبارة أخرى ،إن حرية المال السينمائي اإلبــداعــيــة فــي التعامل مــع قسرية التقني والتحايل على سطوته ،تفقد كثيرًا من إدهاشها وبراعتها في حال تحويلها إلى سينما لما هو خارج عنها ،وهو الشعري ،ألن حرية الشاعر * أكاديمية وكاتبة وناقدة من األردن.
26
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
في ذاته ،عندما كانت له قصيدة ،يتعامل معها بإطالقها وثرائها ،عندها فقط ال تجد إال صياغة تعبيرية واحدة ،هي الصورة المرئية المحسوسة الواجب توافر معطياتها الداللية وفق محددات الوسيط ،من إضــاءة وديكور وطبيعة ألوان وحركة كاميرا وما إلى ذلك من قيود ..ومن هنا ،تبرز بجالء صعوبة تحويل النص الشعري إلى سينما بوصفها مغامرة إبداعية معاكسة لمفهوم اإلبداع ومفارقة له في أصلها ،فإذا كان اإلبداع مشروطا بالحرية أصالة ..فإن تحويل الشعر إلى نص سينمائي يسعى عكس هــذا التيار عندما تنطلق من الحر المطلق المفتوح إلــى المقيد المغلق األســيــر داخ ــل الطبيعة التقنية لوسيطها التعبيري. ولكن على الرغم من ذاك التجاور بين إبــداع وآخــر على أرض المغامرة الشعرية لــدى شاعر ،فــإن كل نــوع إبــداعــي هو عمل فريد رغم ما له من أواصر قربى سرية مع القصائد األخ ــرى ،ما أن يكتشف الشاعر بحدسه العميق وخبرته التلقائية وذكائه الفنّي وصدقه الشعوري هذه األواصر ،أو الخيوط السرية الرهيفة ،حتى تنفتح له أبواب السر في الصنيع الشعري وفي عالقات القصائد ببعضها بعضاً ،وتلك العالقة القائمة بين السينما والشعر ،وأنت وحدك يا أحمد المال الذي تلمس طريقاً ..وحده يعرفها إلى عالم شعري هو عالمه وحده.
■ زكي الصدير*
ال يقبل أحمد المال أن يعيش مع األشياء بنصف فتنتها؛ فإما أن يعلّق أجراس الحياة على أقاصي المدى ،أو أن يتركها تذهب في حالها ،غير آسف عليها ،أو متثاقل مع ذاكرتها؛ فاللحظة -بالنسبة له -موقف وجودي يفتح األفق على الكون كله ،فإن استشعرها متماهية مع جنونه فهي له ،وإال فهي لعابر سبيل غريب ثقيل يقف في الجوار. فــي الــيــومــيــات الــتــي نبتكر تفاصيلها باختيارنا ،أو رغماً عنا ،ال يتعدد المال؛ فال يمكن أن يكون شاعراً على حدة ،وإدارياً على حدة ،أو أباً وصديقا وزوجاً على حدة ،بل هو جميع ذلك في اآلن نفسه ،لكنه يغلّب الشعر في كل شيء ،فهو الشاعر في إدارته وأبوته وصــداقــتــه وزواجـــه وحياته وعــاقــاتــه بكل عمقها وبساطتها. هذه الشاعرية ذات المزاج العالي جعلت منه عصياً ،من الصعب القبض عليه ،أو أن يُدار من قبل اآلخرين ،فهو -وحتى لو وقع تحت السلطة اإلدارية ألحدهم -سرعان ما مرؤوس ٍ يتحوّل رئيسُ ه -دون أن يشعر -إلى بين يديه بعد أن يتكشّ ف له أنه أصغر بكثير من المشروع الــذي يديره المال ،وأن أفقه مهما اتّسع -سيظل ضيقاً إزاءه.حسب علمي ،ال يوجد سواه -في المشهد الثقافي السعودي وربما العربي كله-القادر على أن يقيم مهرجاناً ربما تصل ميزانيته ألكثر من مليون ونصف المليون ريــال دون أن يكون في خزينة المهرجان ريــال واحد. لكن المال يفعل ،يقيم االجتماعات ،ويشكّل اللجان ،ويــوزع المسؤوليات ،ويضع الخطة
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أحمد المال ..يرتب فتنة الحضور!..
الزمنية بصورة تفصيلية دقيقة دون أن يكون فــي صــنــدوق الــمــهــرجــان قــرش واحـــد .إنه الشاعر واإلداري المجنون الذي ينحت من المستحيل اإليمان ،ويرتّب فتنة الحضور مع فريقه -الذي يؤمن به ويؤمن بهم -بمعزل عن غياب العالم وفوضاه. فرد في صيغة مؤسسة!.. َمــن يعمل مع المال يــدرك أنــه يعمل مع فرد في صيغة مؤسسة تؤمن بالتخصصات وبالفرص وباإلنسان؛ لهذا ،فقدرها أن تنجح حتى ولو بدا النجاح عصياً عليها .وهذا األمر أدركــه جميع مسؤولي المؤسسات الثقافية المدعومة من قبل وزارة الثقافة ،وكيف وضعها المال في مأزق غياب الرؤية والمشروع لديها، إذ اكتفت بمنصاتها الكالسيكية الباردة التي تتعامل مع الثقافة باعتباره منبراً أخالقياً معيارياً ،وعليه أن يقدّم الرسائل المفهومة لجمهوره وفق منطق «ما يجوز وما ال يجوز» دون أن يكون لــإداري المبدع حضوره في الثورة على المفاهيم ،وفي صناعة الحدث، أو تشكيل المناخ المناسب ،الذي يقفز على الجدران ليعانق بتحديه الفضاء الحر.
* شاعر من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
27
أحمد المال ..حياة تجري من مصب إلى آخر!.. ■ محمد احلرز*
إزاء شخصية مثل أحمد ال يمكنك سوى أن تسمع صخب الحياة ترتج في قــارورة جسده ،وكأنها تريد أن تخرج ،تريد أن تكسر الزجاج ،وتعيد سبكه من جديد .تلك الحياة خبرتها عن قرب ،ليس فيما يكتبه من إبداع شعري فقط، بل فيما يخفيه من بريق الحياة في عينيه ،بل في نظرته الحنونة إليك كلما شعر بأنك قريب منه حــد االلـتـصــاق ،بأنك ال تقول أو تفصح عــن الكلمات بالقدر الذي يسبقها ضحكة أو نكتة تستعيد من خاللها تفاصيل اليوم الذي مررت فيه.
28
بعض األحيان اليومي ال يفصح عن شخصية الذي أعرف أن ما يكتبه دائما ما يصاب بحمى المرء الذي تساكنه ،تحتاج تلسكوباً حتى تتكشف الحياة ،ونحن أصدقاؤه دائما ما نصاب بارتفاع مفرداتها .بالنسبة إلى «أبــي مالك» ليس األمر درجة الحرارة كلما قرأناه. كذلك ،ليس كما يظن المرء من أول وهلة ،في أحيانا ال تكفي القراءة حين تريد منها قول ما داخله نهر من الحب والعطف والرقة ،ال يتوقف ال تستطيع الكتابة قوله ،ما ال تستطيع الكلمات عن الجريان من مصب إلى آخر ،في داخله شجر حــرث نفسها حتى ينكسر النصل على صخرة يانع لم تفرغه كتبه من ثمار سالله ،ولم تفسد كلما المعنى. قطفها قارئ عابر في حقول إبداعه. قــدر المتميزين من البشر أن يظلوا الكلمة في داخله أيضا حزن تــراه مختبئا في أعمق العصية على التفسير ،التأويل الذي يتعدد معناه أعماق قصائده ،يتوارى بعيدا ،ال يمكن لمسه ،وال ينتهي ،الجدار الــذي يعلو كلما حاولت اللغة أو إضاءته بكشاف ،هناك عليك أن تنتبه ،إذا ما القفز فوقه ،الغابة التي يتساكن فيها الحيوان مررت بإحدى قصائده ،إلى ما تقوله كلماته ،إلى المفترس بجانب الحمل الوديع. ما تفصح عن حزنها في أقصى حاالت الفرح. اللحظات القصوى في التميز عند هــؤالء أن أحمد كائن يتنفس الحياة ،وال يراهن على شيء يكونوا قريبين من الناس وبعيدين عنهم في الوقت سوى ما تقوده خطاه في دروبها الوعرة ،سوى ما نفسه ،بين استسالم للحب وبين الخوف عليه، تهمس له؛ كي يكتبها كما هي ،كما هي حين تدخل وال أظــن أحمد المال يخرج من هذين الحدين وتخرج خلسة من جسده. كما صورته كاميرا الحياة ثم وضعتها في إطار ال يراهن فقط ،بل يكسر ما انحرف من جسده بارز يراه المتميزون الذين يرفعون رؤوسهم قليال عنها ،ثم يرميه في الهاوية .أحمد هو ذاك الصديق لألعلى. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
فكرة أن تكتب عن الصداقة بإطالق شيء، وعن صديق ال ترى آثار قدميه بــارزة على رمل كلماتك شيء آخر. ال معنى لــأولــى حين ال تــرى حــولــك سوى الــضــبــاب الــكــثــيــف ،وال تلمس س ــوى األشــيــاء المتشابهة في الــوزن والــطــول ،وال تقول سوى ما تريد اللغة أن تقوله على لسانك عن تاريخ الصداقة وليس الصداقة في التاريخ. ال معنى لها أيضا حين ال تجد نقشا واحدا يضيء كهف الصداقة في حياتك .وإن وجدت واحـ ـدًا بالصدفة ،فلن تجد واحـ ـدًا مــن هــؤالء المضيئين يترجم لك المبهم في الرسم ،وال من يفصل القول في اليد التي كتبت ،وال من يدل على األحاسيس التي تجمعت فوق شكله مثل الغبار. أنت المشاء الوحيد في الليل الطويل للصداقة، ولن تبصر سوى الحلكة التي تغطي حتى أرنبة أنفك .لذلك ال معنى لجلب الكلمات ،واستدعائها على عجل وكأن مياه الصداقة من فرط غزارتها قد بدأت تتدفق من شقوق الجسد. وكأن ما تخشاه من ماضيك يترسب في النقش وال تستطيع تلك المياه جرفه إلى يديك .على مهلك أيها الغزير بالمعنى ،والبعيد عن القاع، والخاوي من الصدى ..ال تسرف كثيرًا باالبتعاد عن حافة الحياة حين تجد حافتك في اللغة، فاألمر ال يتطلب سوى الرجوع أكثر من خطوتين كي يصطدم رأسك بالباب الكبير ،باب العائلة، فتعرف حينها أنك وصلت .لكن دون نقش ودون مياه وبالتالي دون صداقة.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
المشاء في الليل الطويل للصداقة
بينما كل المعنى تجده في الصديق المسرود في حكاياتك اليومية ،ليس الظاهر منه ،المبذول للناس جميعا ،الذين يؤولونه على أنه السلم الذي يأخذهم إلى األعلى ..بل هو الباطن الذي يحول ترابك إلى ذهب ،هو العالمة المسبوقة بصرخة ال أحد يسمعها سواك ،هو الواقف خلفك بمسافات ضوئية .لكنه أيضا الواقف أمامك مثل شجرة تمشي بجذورها وأغصانها وال تحدث جلبة في مشيتها. هنا ،تكمن صعوبة الفصل بين الظاهر والباطن، بين ما ينفتح حتى تراه المعا في يديك مثلما هو المــع فــي مخيلتك ،وبــيــن مــا ينغلق على سرك وأفــكــارك حتى ال يكاد يشي بنسمة هــواء ،تنبه الشارد على أن هناك عودة مشروطة باألحداث التي تؤسسها صداقتك في أكثر من اتجاه :األول منها تأويل الصديق وإعطاء رمزية لهذا التأويل؛ أي تركيب الصور والجمل والمواقف وردود األفعال في شريط سردي ال ينفك يتجدد في رأسك كلما اكتشفت الطريق إلى الجزيرة المفقودة في عالم مــا تسميه األصــدقــاء .بينما اآلخ ــر منها يأتي على شكل تفاسير متروكة على رفوف المكتبات، واضحة للعيان ،ومن دون جهد وال عناء يمكنك أن تجد ضالتك في صديق يلبي المعنى الكامل للصداقة حسب ما تمليه تلك التفاسير. سوف تجد نفسك أمام الصديق الذي تفسره الناس لك ،وتعطيك صورته بما يتوافق ورغبتها ومصالحها ،بينما أنت تمض متواطناً ومقتنعا بما يقولونه عن تلك الصورة .لكن ما ال يمكن أن تكتشفه في مثل هذه الصورة هو ما يقبع خلفها من رأي يقول :ال تمض بعيدًا عن ذاتك؛ ألن ما يظهر هو رأس الجبل فقط.
* ناقد وشاعر سعودي. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
29
أحمد المال ..الصديق في الليالي المعاسير ■ إبراهيم احلساوي*
كيف تختصر «أحمد المال» في سطور ..مهما طالت ،وهو الشاعر والسينمائي والفنان والمدير والمستشار الثقافي والمُ لهِ م؟ ينبغي عليَّ أن أعترف بأن كتابتي أو شهادتي عن «أحمد المال « متعثرة ومتأثرة بشخصيته بعض الشيء ،وفيها من المديح الذي ال يحبه وال يرغبه .أقول هذا لمعرفتي أن «أحمد المال» وبرغم سيرته الحافلة باإلنجاز فإنه يتجنب المديح واأللقاب « .المدح الزايد يضر « من مقوالت «أحمد المال «. ال أدري لــمــاذا تحضرني ذكــريــات بعض الــحــوادث التي كــان «أحمد المال» حاضرا فيها وشاهدا عليها .ربما ألن بيتاً من الشعر النبطي للشاعر «شالح بن هــدالن» ما يزال عالقا في الذاكرة من سنوات ،قبل معرفتي بأحمد المال وحتى كتابة هذه السطور:
الحادث عن طريق ولدي «محمد» ،وما كان من «أحمد المال» إال أن غ ّي َر مسار رحلته مع األصدقاء ..فكان أوّل الحاضرين والقريبين معي وإلى جانبي في غرفة العناية المركزة بمستشفى الدمام المركزي.
بقي معي إلى أن اطمأ ّن على حالتي وعلى أنا خويّك في الليالي المعاسير.. استقرارها .ظلَّ أحمد المال متواصال معي ّ وال ال ـ ـرَخَ ـ ــا كِ ـ ـ ِّل ــنْ ي ـس ــدّ بـمـكــانــي عبر الهاتف ومن خالل الزيارات الشخصية ..أم هو األثر الذي تركه الشاعر «أحمد مع األصدقاء للمستشفى حتى بعد خروجي. المال» في مجموعته الشعرية الرائعة «إيّاك في (2018م) في لوس أنجلوس بأمريكا، أن يموت قبلك»؟ وخالل فعالية أيام الفيلم السعودي هناك، المال ..اإلنسان والصديق!..
30
في 2015م ..تعرضت لحادث سير عندما كنت فــي طريقي مــن األحــســاء إلــى مطار الملك فهد بــالــدمــام ،مسافرًا إلــى بيروت لتصوير بعض األعمال الفنية .في اليوم نفسه والتوقيت ذاته ،كان أحمد المال متوجها إلى البحرين برفقة بعض األصدقاء .وصله خبر العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
أ ُصبتُ بتعب وإرهــاق ،فقدتُ معه الوعي.. كنت وقتها أتعالج من آالم في فقرات الرقبة، ومع تغيّر الجو أصبت بتلك الدوخة ،ما شعرت بعدها إال بأول الموجودين معي :أحمد المال، ومعه بعض األصدقاء «محمد الفرج ،شهد أمين ،محمد السلمان ،مجتبى سعيد». «إن قدماً ال تنتقي خطوها ،ال يحق لها أن
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
أحمد المال في المهرجان السينمائي
تفاخر بالطريق «أحمد المال».
أو فني مشترك إال وكان أحمد المال سببه.
في أهـ ّم المواقف ،في أجمل الرحالت ،يشعلنا جميعا؛ كلما فترت لدينا الحماسة في أحسن الحاالت ،في أمتع أيام العمل ،في وخبَتْ جذوتها.
أحسن سنين العمر لـ «أحمد المال» حضوره المش ّع والحميم.
أناقة التعامل!.. مــا مــن م ــرة كــنــت فــيــهــا فــي بــيــت أخــي
وصديقي «أحمد المال» إال وخرجتُ متجددا
فــي اإلدارة :مــا مــن إدارة م ـ ـرّت عليّ في العمل المشترك إال وكــان أحمد المال مهندسها وفنانها وملهمها .وهو المدير الذي ال تراه جالسا على كرسي في أول الصفوف. مــن حــســن حــظــي أن تــعـ ّمــقــت معرفتي
بالحياة ،ال توجد أبواب مغلقة باألقفال في بأحمد المال في مهرجانات نوعية كان هو المكان الذي يسكنه أحمد المال .حتى في مؤسسها ،شــاهــدت فيها حــرصــه وإرادتـــه مكتبه اإلداري عندما كــان مــديـرًا لجمعية ووعيه وحبه للفريق الــذي يعمل معه .يوزع الثقافة والفنون بالدمام ..عادة ما يكون باب علينا االبتسامات ويعيد ابتكار الحياة. اإلدارة مفتوحا حتى وإن كنّا في اجتماع.
فــي االســتــشــارة :مــا خ ــاب مــن استشار
في العمل :ما من نجاح في عمل ثقافي «أحمد المال». * فنان سعودي. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
31
شطحة مع «إياك أن يموت قبلك» ■ راشد عيسى*
تعرفت إلى شعر أحمد المال في أواسط الثمانينيات ،وكنت آنذاك محررًا في القسم الثقافي في جريدة الجزيرة في الرياض .كانت نصوصه مختلفة ،تثير نقاشا بين الزمالء حول نسبة تلك النصوص إلى الشعر .فهي تخلو من موسيقى ً التفعيلة ،وكانت قصيدة النثر ما تزال مرهوبة وغير سائدة في الذائقة المحلية فــي المملكة العربية السعودية بــالـصــورة الـمــرجـوّة .كــان النقاش ينتهي غالبًا بالموافقة على نشرها ،ألنها تحمل صورًا شعرية جديدة ،والتماعات لغوية فائقة، وتستند إلى رؤى تأملية ،يزاد على ذلك أن المال شاعر شاب تبشر موهبته بنبات شعري سيكون له شأن مستقبلي مجيد.
32
وقــد شــهــدت حقبة الثمانينيات أعظم غير الصحيحة. انفتاح أدبي يواكب تحوالت الحداثة الشعرية ومع كل ذلك ،بقي نهر الشعر جاريًا بحذر العربية والعالمية ،وكانت أسماء شعرية من وسرانية وصمت وألم ومثابرة على االنتصار. مثل :محمد العلي وأحمد الصالح واألخوين فالتمعت أسماء من مثل :أحمد المال وأشجان علي الدميني ومحمد الــدمــيــنــي ،ومحمد هــنــدي ،ولطيفة ق ــاري ،وجــاســم الصحيح، عبيد الحربي ،وعبداهلل الصيخان ،ومحمد ومحمد يعقوب ،وعبداللطيف يوسف ،وأحمد جبر الحربي ،وخديجة العمري ،وعبداهلل قــران الــزهــرانــي ،وزي ــاد السالم ،وعبداهلل الزيد ،وجار اهلل الحميد وسعد الحميدين، السفر ،وكوكبة أخــرى مــا تــزال نشطة في وعبدالكريم العودة ،ومحمد الثبيتي وغيداء اتجاهات أنهارها المتحمسة .بين يدي إحدى المنفى ،وفوزية أبو خالد وغيرهم وغيرهن... ا الــذي المجموعات الشعرية ألحمد الــمـ ّ كانت تلك األســمــاء تحمل عــبء المغامرة أظهر مواظبة استثنائية على كتابة النص والتخطي والتجريب ،واستطاعت في وقت الشعري الجديد «قصيدة النثر» بإخالص وجيز تسجيل إضافة نوعية للمشهد الثقافي فني وموهبة باسلة. فــي المملكة .غير أن مــوجــة كارثية حلّت في هــذه المجموعة الموسومة بـ «إيــاكَ بالمشهد الناهض حين تدخل الفكر التقليدي اليابس في إعاقة التنوير األدبــي الجديد ،أن يموتَ قبلك» تشتبك ذات الشاعر بأسئلة وإلحاق األذى بالصيرورة الحداثية وإقصائها الوجود ،وتصبح محورًا رئيسً ا لمعنى الحياة، بأساليب مؤسفة من المصادرات واالتهامات فكل قصيدة هنا هي موقف الشاعر نفسه العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
تمتاز المجموعة بشعرية المجاز العالي الـ ــذي يــهــنــدس الــمــفــردات بــعــفــويــة لــذيــذة وروحانية صافية ال أثر فيها للتعقيد الرمزي والمكائد المغلقة ،لذلك تتجه معظم رؤى القصائد إلى اليومي ومسمياته وإلى أنسنة الــجــمــادات والتعامل مــع كــائــنــات الطبيعة بصفتها شريكًا رئيسً ا في مشهد الحياة:
«الكرسي يتمطى في ساحة مخيم مهجور يقف ويشير لي بنهم في كل طريق مهم ًال وشاغرً ا ظننته صدفة أوّل الطريق» ثمة شفافية جارحة في منادمة األشياء، وفي خيوط التعالق مع األصدقاء الحميمين، إذ ضمت المجموعة قصائد عديدة مهداة إلى أصدقاء الشاعر وهم في غالبيتهم شعراء أو أصــدقــاء المعنى والحلم ..أسماء معروفة لها حضورها الجميل في المشهد الثقافي. وأحسب هذه اإلهداءات نوعً ا من المشاركة الوجدانية الخفية في البوح الالمرئي .وذلك ال حين يكتب القصيدة أيضا على أن الم ّ دليل ً إنما يضع العالم أمامه كوليمة شهية ولكنة ال
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
من تفاصيل المشاهد اليومية ،ومن تحركات يأكل ..بل يشفق على مكوّنات الوليمة ويتلذذ الحلم الخاص في فضاء الوجدان الحياتي بجوعه. الــعــام .القصيدة هنا نفثة شاهقة اإليــام ا تخصيبه راق لــي فــي عموم شعر الــمـ ّ تضيء موقف الشاعر من الخسارات ومن الــنــص بــإحــاالت تاريخية خــالــدة فــي نبض حمولة اإلرث الجارح الــذي رمز إليه المال الوجدان اإلنساني ،ألن قصيدته شاهد حيّ بالليل والتراث في قصيدته «طريقة ليست على مسيرة األلم الحياتي منذ جلجامش في مبتكرة» ليختمها بقوله« :ما الذي آمنّا به دون تعبيره عن تراجيديا األحالم الخائبة ،يقول: أن نراه غير الموت».
«هل نحن حقيقيون يا أبي كي نطير مثل Buzz إلى الالنهائية وما بعدها ونقاتل األشرار؟ لماذا يموت اإلنسان وال يعود إذن؟ أبي عندما تكون نجمة في السماء لمن تحكي قصة جلجامش؟ نعم سأسمعك في الليل وأنام فأنا أنكيدو وحـيــن أخ ــاف ســأذهــب إل ــى ســريــر عشتار حتى يأتي الصباح». ال مــرآة ذكية تتالمح فيها فقصيدة الم ّ
مــأســاة اإلنــســان وغربته عبر كــل األزمــنــة.
وتتالفى فيها أنهار الحكمة وطيور الضالل المعرفي وصــراخــات الــبــذور المكتومة في
أرض المعنى منذ شهقة الكون األولى.
في الديوان حداثة رؤيــا وحداثة تشكيل
بنائي متدفق كما السهو المقصود.
وكما المكر البريء .نصوص سهلة الهضم العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
33
لذيذة المذاق ،كل نص يبدو مثل قطعة جاتو فــاخــرة يقضمها ح ــادي اإلب ــل فــي صحراء الدهناء وهــو يحسب أنها نجمة مطبوخة بالسكر والزنجبيل. ال مع الكلمات على أنها كائنات يتعامل الم ّ حية أو فواكه أو طيور تتشارك في مهرجان الــذهــول وفــي احتفالية اللوعة التي تعلنها القصيدة:
«انتفخت كلماتي أزعجت رائحتها الجيران والمارّة رجموا بابي بحجر الشؤم». ومن الملحوظ جدًا أن الشاعر يتدفق برؤاه من مخزون ثقافي كبير واطالع رحيب على منمنمات الحضارة ،وعلى مكامن المعرفة وأماكنها وتوجهاتها. قصائد ناعمة المغزى ،رشيقة البناء، متسامية إلى الجمال المطلق وإلى مشارف الــحــريــة بــكــل فــضــاءاتــهــا .ال أث ــر للصراخ اإليقاعي أو التراكيب الجافة ،لكأنَّ الشاعر طفل يركب دراجة ويدور بين الغيوم ،ثم يعود يحكي ألمه ومكتبته وقطته ما رآه على األرض من مشاهد تفضح لغز الحياة وتعرَّي نوايا الموت ،يقول:
«مررت اليوم في مزاج ضيق ِسكة مسدودة وشرقت بالهواء ولم تناولني يد مفتاح الحياة». * كاتب من األردن.
34
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وأخيرًا ،أرى أن هذا الديوان أنموذج رفيع
للشعرية المعاصرة في شفافيتها النابضة بأحوال األلــم اإلنساني ،وتفاصيل الصعود على سُ ـلّــم الــقــصــيــدة ،لبلوغ ســمــاء تاسعة مقترحة.
ال بعيد عن الضجيج اإلعــامــي ،وال الم ّ
يركض خلف الكاميرات ..لكأنه ناسك جاهليّ
عــاد للت ّو مــن دارة جلجل إلــى مقهى على شاطئ في الخليج العربي ،ثم صار يصطاد
السمك ال ليأكله بل ليعلمه التكلم والحوار!
أو هو عازف قيثار حزين يعزف السعادة بين بيوت الشعر المتبقية في الصحراء العربية التي اعتادت الحزن حتى ظنته سعادة!
للشاعر السعودي أحمد المال ■ أ .د .عماد عبدالوهاب الضمور*
يمتاز األدب الـسـعــودي بالغنى ،وال ـثــراء ،والـتـنـوّع؛ فهناك كتّاب كبار في الــروايــة والشعر والمسرح والقصة ،مّ ــا يضع المتلقي أمام ظواهر إبداعية تستحق الدراسة ،واستخالص كيفية تشكّ ل الحالة اإلبداعية ،وتشظياتها الفنية رغم قلة الدراسات النقديّة التي تواكب هذا الكم الهائل من اإلنتاج اإلبداعي.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
شعريّة التفاصيل في ديوان “تمارين الوحش”
يعكس دي ــوان (تـمــاريــن الــوحــش) للشاعر الـسـعــودي أحمد الم ّال استمرار ًا للنهج الحداثي الذي غزا الحركة الشعريّة السعوديّة منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي .حيث التحرر من قيود القافية، والوزن أحياناً؛ للتعبير عن قضايا جديدة تالمس الحياة اليومية بكلّ جــراءة ،فض ًال عن النزوع إلى السرد المؤطر لتجارب ذاتية ببنى جمالية تستثمر إمكانات اللغة، وقدرتها على صياغة التجربة اإلنسانية في قالب معاصر. فأيّ تمارين تلك التي أرادهــا الشاعر ،وأيّ وضعنا الشاعر من خالل وحــش يقوم بها؟ إذ َ عنوان ديوانه أمــام حالة ذهنيّة عميقة ،تحاول إيجاد تأويل منطقي لتمارين الوحش ،أو ما يبرر قيام الوحش بتمارينه ،وما حقيقة داللة الوحش ينتظم قصائد الشاعر خيط نفسي دقيق المجازية؟ يوحّ د البنى السرديّة في تصوير مشهدي مكثف إ ّن البحث فــي عنونة النص يتجاوز فضاء يتجه نحو الغياب ،ويوسّ ع من إيحائية المعنى، النص الشعري إلى البحث في الطبيعة الشعوريّة وقدرته على االنتشار بعيداً عن قيود الواقع، الحسيّة إلدراك المعطى البصري ،والوظائف وانكساراته .كما في قصائد :مزاج للتخريب ،بدل التي يؤديها العنوان في بنية النص ،لما يمتلكه االكتئاب ،مُهجة ،المنزل. العنوان من قــدرة إيحائية ،وتأثير بصري في لــقــد دفــعــت مــجــازيــة الــعــنــوان الــشــاعــر إلــى المتلقي ،يوجّ ه فعل القراءة بوصفه داالً بصر ّياً ،مضاعفة مراوغته الداللية لعنوانات قصائده؛ يُقلّص مساحة البياض فوق النص. لتكشف النصوص الشعريّة عن تفاصيل حياته، خلف هذه التمارين التي يقوم بها الوحش ،وكأننا أمــام مشهد حكائي يشتمل الشخوص والزمان ال عن دالالت األثر الحركيّ الذي والمكان ،فض ً تعكسه التمارين.
إذ يكشف عنوان الديوان عن مشهديّة بصريّة كما في قصيدته «فيلم بطيءٌ لحياة مستعملة» تكشف عن استتار كثير من األحداث والتفاصيل التي يفك فيها العنوان جزءاً من حصار المعنى، العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
35
ويجعله أكثر تكثيفاً وإيحا ًء(:)1 الـ ــذات مــن خــالــهــا الــعــبــور إل ــى عــالــم أرح ــب، يحطني على بحركة أقل وفاعلية أكثر للذات في مغامراتها، الخشنُ ،ال الشيب ما ّ ِ التنفس ُ ونزوعها نحو الحرية ،أسهمت في عصرنة اللغة، أقرب خشبةٍ قديمةِ العهدِ ، أقضمُ الخبزَ ،بعدَّ ةٍ باليةٍ ،بنظرةٍ تسيلُ على وأنسنة األشياء لتصبح جزءاً من تفصيالت حياته المدهشة ،حيث يقول(:)3 َمه ٍَل.
ال مرآ َة لي ،وال مارّة، خياالتُ برّيةٌ وفاجرةٌ، بُدالء كثيرون خياالت حلَّقت، يُرخون صواطيِ رَهم، وبوحشيّة طوَّقت كرسيّها، يسيحُ المكياج على سواعد تغفو. هالةٌ شرسةٌ ، إذ يبرز استثمار الشاعر لحيوية اللغة اليومية حَ بَست أقدا َم الطاوالت ِالمتربِّصةِ ،
والمألوفة؛ لتصبح جــزءاً من النسيج الشعري، بعدما خرج بها من سطوة االستخدام المألوف إلى منحى تعبيري ،يصهر الواقع بمعاناة الذات ورغبتها في االنعتاق. ومثل هذا التمظهر الواضح لفن السينما في العنوان ،نجده ينعكس على بنية النص الشعري ال من السرد الذي يمعن في كشف منتجاً ك ّمًا هائ ً تفصيالت المشهد وإضاءة جوانبه المختلفة ،مّا جعل العنوان حاضراً بوصفه نصاً مستقالً ،ينفتح على المشهد الشعري ،يستدعي تنشيط فاعلية التلقي لتأويل ما لجأ إليه الشاعر من تكثيف للمشهد الشعري ،كما في قصيدة «حُ لم طوي ٌل من لقطةٍ واحدةٍ » حيث يقول(:)2
أدخلُ النومَ، الصالةُ مظلمةٌ وممتلئةٌ عن آخرِ كرسيّ ، أجلس في شرفةٍ مخصصةً ُ للممثّلين، في عرض االفتتاح، تأخرِ البطلة. مُ تذمِّ ر ًا من ُّ
36
لع ّل ما يدعم قوة اإليحاء في رسم الشاعر لتفصيالت حياته هو نزوعها السردي ،وتكثيف عناصر الطبيعة ،وتبادل الحواس ،لتعلن القصيدة عن والدتها ،كما في قصيدة (مراوغة الموت) التي يقف فيها الشاعر عاجزاً أمام قوة الموت(:)4
أنتفض مذعور ًا ُ حين أسمعُ نداءَه الخافت، ودائم ًا أتحسّ س رقبتي أُفت ُِّش عن لدغةٍ أو نقطةِ دمٍ حمراء. لــذلــك فــإن الــجــانــب الــدرامــي أصــبــح جــزءاً واضــح ـاً مــن جمالية المشهد الــبــصــري الــذي يعكسه عــنــوان الــقــصــيــدة ،وتــفــســره المشاهد البصريّة فيها ،حيث تتشكّل القصيدة من عناصر الطبيعة والمكان ،واألفعال ذات الداللة الحركيّة التي تقاوم فعل الزمن القاسي ،كما في قصيدة ٍ (سبع حركات إحداهنّ مُرتَجلة)(:)5
رَمى الجميل َة في الماءِ قالت له :أكرهُ َك، وما تلبث إيحائية العنوان(تمارين الوحش) أن فانهالَ نهرٌ ، تتكشف في قصيدة (وحــش البار) التي تحاول أسماكُ هُ تتقافزُ ، العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وتكتنز نصوص الشاعر بعالقة حميمة بالمرأة ال من تفاصيله المدهشة التي تبدو جــزءاً جمي ً والمختلفة عن المجموع ،فهي ليست امرأة عابر، أو طارئة عليه ،إنما شكّلت حالة وجد اشعلت كيانه ،وأمدته بروح جامحة تسمو بفعل الحياة، كما في قوله في القصيدة ذاتها(:)6
أحب التفاصيل كم ّ وأشمّ ها، ُ أتحسّ س بحنان الوالهِ ، لن َي َدع َِك ت َُحطينَ قطعةً لط ٍف قبل أن يمسحَ مكانَها بِ مُ ِّ ينزلقُ وال يجرح جسد َِك.
إ ّن نزوع الشاعر السردي في قصائد الديوان قاده إلى االرتباط الحميم بالواقع والحياة اليومية التي تتسع إلى ذكر كثير من التفاصيل التي شكّلها برؤى حداثيّة ذات ارتباط وثيق بالقلب ،وتعالق بالعقل الــذي أمعن في رصد انتقائي لتفاصيل مدهشة مشحونة باإليحاء وفضاء الكلمة الحالم. كما في قصيدته (أكــتــبُ حكايتي) ،التي يقول فيها(:)8
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
نحو النبعِ . تخفقُ أجنحتُها ثابتةً أو بطيئةً الوقت. ُ كي ال يعب َر
نَهِ مةٌ ُخطاي وطريقي ضيّق وقصير.
حطب ٌ تَتفتَّقُّ أسرار ٌه وتطيش. ُ شراراتُه تُفرقعُ ، وتغيب في بئرٍ مقلوبة. الدخانُ لع ّل ممّا يُعزز من شعريّة التفاصيل في ديوان حبالُ ساحرٍ ينفخُ في قصبةٍ الشاعر هو غزارة الصور الجزئية وتتاليها بشكل بأصابع تُغلق ثقوبَ السماء.
يبعث على الــلــذة الفنية ،الــتــي تنقل المشهد ال موهبة وتوهجاً لقد امتلك الشاعر أحمد الم ّ الشعري إلــى حالة ذهنية ذات معنى ،كما في قصيدته (أقـ ّل ممّا ينبغي أو أكثر ممّا يُحتمل) وجدانياً وفــضــا ًء حالماً ورصــيــداً من تفاصيل حيث يقول(:)7 حالمة ومغامرة معاً تشتبك مع عالم الشاعر الواقعي ،أبرز توظيفاً واضحاً للفن السينمائي ال يَسَ عُ النو ُم بلقطاته التصويرية ،وفضاءاته البصريّة؛ مّا أحالمي. كشف عن دفق عاطفي غزير منح قصائده اتساقاً أسبقُ الفجرَ، واختزاالً للمعنى ،موظفاً البُعد اللغوي للمفردة وأُلحُّ على الندى بوصفها بــؤرة إيحائية ،ومرتكزاً عالياً ألفكاره الشفيف ِ بالشغف الجامحة. أن يصبح مطراً. * ناقد من األردن ( )١أحمد المالّ :تمارين الوحش ،منشورات الغاوون ،بيروت ،ط2010 ،1م ،ص.19 ( )٣المصدر نفسه ،ص .56 ( )٢المصدر نفسه ،ص .52 ( )٥المصدر نفسه ،ص .85 ( )٤المصدر نفسه ،ص .73 ( )٧المصدر نفسه ،ص .108 ( )٦المصدر نفسه ،ص ص 90ـ .91 ( )٨المصدر نفسه ،ص.144 العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
37
فن الديجيتال في التجربة الفنية السعودية من خالل نموذج هناء راشد الشبلي ■ إبراهيم احلجري*
.1نظرة حول مفهوم الفن الرقمي ()Digital of Art
يعدُّ الفن الرقمي أحــدث الفنون البصرية التي ازده ــرت مــع هيمنة الشبكة العنكبوتية ،وسمي هــذا الفن رقميا العتماده لغة الحاسوب العشرية الرقمية مرجعا ،إذ نهل منها العديد مــن األشـكــال واالتـجــاهــات ،ابـتــداء مــن التوقيعات المصغرة والمعارض؛ وانتهاء بالقرى العالمية ،بالرغم من المضايقات الشديدة التي يلقاها مــن طــرف الـتـيــارات المناهضة لــه ،فقد أصبح الفن الرقمي أحد االتجاهات الحديثة المتقدمة في طرح أعمال الفن ،ويطلق على الحركة الفنية التشكيلية التي تستخدم تقنية الكمبيوتر والمؤثرات المتطورة لبرنامج آدوبي فوتوشوب Adobe Photoshopاإللكتروني أو غيره من برامج التصميم ...إذ يتم االجتهاد على مستوى آلية التفاعل بين رؤيا الفنان الذهنية و»الرؤية» الرقمية على شاشة الكمبيوتر في محاولة إليجاد بُعد رابع للصورة يمكن أن يطلق عليه «البعد الرقمي» .1»Digital Dimension وبالرغم مما حققه هذا الفن المثير للجدل من ميزات بشكل سريع ومطرد؛ إال أن أولــئــك المتعصبين لألصالة الفنية وتقليدية األدوات ،الــذيــن ال يعيرون اهتماما لهذا االتجاه ،يمتنعون عن تصنيفه ضمن «الفنون اإلنسانية الراقية» Fine Artمعتبرين إياه مجرد
38
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
إنــتــاج آلــي ال يسهم فيه اإلنــســان إال بجانب يسير ،حيث يتم تهميش الموهبة واألحاسيس والمهارات الحسية على حسب اعتقادهم .غير أن السؤال الذي يقدم نفسه بإلحاح في هــذا الصدد، هو :لماذا تقوم كبرى المتاحف العالمية باالحتفاء بهذا الفن ،وتنظم معارض
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
مستمرة للفن الرقمي أو ما يُدعى أحيانا، بالفن عبر اإلنترنت ،Online Artكما هو حال متاحف سان فرانسيسكو للفن الحديث SFMOMAومركز ووكــر Walker Center ومتحف ويتني .Whitney Museum تعددت التحديدات المفهومية لهذا الفن، واختلفت أحيانا ،إلى حد التعارض ،ويبقى من أهم التعريفات ما قدمه الفنان روبرت بورغر أستاذ فن الرسم الكمبيوتري في جامعة بنسلفانيا ،University of Pennsylvaniaإذ يقول فيه« :إنه ببساطة الفن الذي يستخدم الكمبيوتر كأداة» .أما عن تاريخ هذه الحركة الفنية فــيــقــول« :ال يرتبط الــفــن الرقمي بتاريخ معين؛ بمعنى أنه باستطاعة أي فنان صاحب موهبة ولديه المعرفة ،باستخدامات الكمبيوتر وبرنامج الفوتوشوب أن يطور تشكيالت ال نهائية مــن اللوحات الفنية، والتي تتحد فيها الــرؤيــة الفنية التخيلية بالقدرات التقنية العالية للكمبيوتر ..ليحققا معا شطحات فنية في العمل التشكيلي لم تكن لتتحقق بدون توافر هذه التكنولوجيا. وأنا من أشد المتحمسين للفن الكمبيوتري، وأبذل الوقت والجهد الالزمين من أجل خلق لوحات وتشكيل بصري يحفز الذهن البشري ويثير فيه الصور واإلسقاطات». لكن ،وبالرغم من صعوبة تحديد التاريخ الفعلي لــبــروز ه ــذا الــفــن ،إال إن الفنان األمريكي البوسكي يبقى أول مــن مــارس هذا الفن على الحاسوب بوعي؛ إذ حصل أن شــدت فرانسيس البوسكي Benjamin
الفنانة التشكيلية هناء الشبلي
،Francis Laposkyبمحض الصدفة ،بعض أشكال الترددات على شاشات الرادار .هذه الترددات ذكرته باألسلوب التجريدي للفنان فاسيلي كاندانسكي ،Vassily Kandinskyإذ تميزت هذه األشكال المرتسمة على الشاشة ببنية دائرية وهيئة حلزونية ،وكأن يداً خفية ومــاهــرة قــد رسمتها ب ــإدراك حسي دقيق ومتناسق .بناء على هذا التصوّر ،فكّر الفنان في استعمال الحاسوب كــأداة فنية ،نظرا لإلمكانية الهائلة التي تتمتع بها هذه اآللة حديثة العهد في ذاك الزمن .فقد الحظ هذا الفنان دقة هائلة في الرسم إلى درجة تفوق بكثير قدرة اإلنسان ،فقرر تطوير هذه القدرة وتوظيفها في مجال الفن التشكيلي. قام بنيامين فرانسيس البوسكي بإنجاز أول محاولة فــي الفن الرقمي فــي تاريخ الفنون البصرية مــن خــال لوحة بعنوان «تــردّدات» Oscillonsكاسم لمسمى ،يصف به التردّدات الضوئية التي تظهر على شاشة الحاسوب معلنا عن انطالق حقبة جديدة من الفنون وهي الحقبة الرقمية(.)٢ العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
39
بعد سنة 1953م ،تاريخ إنجاز أول عمل تشكيلي بــالــحــاســوب ،تــتــالــت الــمــحــاوالت الــرقــمــيــة الــفــنــيــة ،وت ــواص ــل الــســعــي إلــى تطوير وتخصيب هذه النوعية من األعمال لتستجيب إلرادة الفنانين وتقنيي الصور ومصممي الغرافيك وغيرهم .فغزت البرامج الرقمية المختصة فــي صناعة ومعالجة الــصــورة ساحة الفنون الرقمية ،وأحدثت برامج على غرار سلسلة األدوبــي والكورال نقلة مركزية في تاريخ الفنون البصرية، واعدة الفنان التشكيلي بمزيد القدرة على اإلبداع والتفنّن(.)٣
(Digital
الــفــن الرقمي أو فــن الديجتال ،)Artالتلوين الرقمي (،)Digital Painting فــن الــويــب ( ،)Web Artفــن الفوتوشوب (.)Photoshop art ٣-١تيارات الفن الرقمي وتقنياته:
على غرار الفن التشكيلي (التصوير ،أو التعبير باللون) الذي تشكلت له عبر الزمن، مــدارس وتــيــارات فنية ،فــإن الفن الرقمي أيضاً ،على مختلف أشكاله (رسوم خطية، رسوم مسطحة ،رسوم متحركة ،رسوم ثالثية األبعاد )...أنشأ مدارس وتيارات متعددة.
ويمكن القول إن مــدارس الفن الرقمي وبهيمنة الحاسوب ،وانتشار برانمه بشكل من حيث (التقنية) تنقسم إلى أربع مدارس سريع ،تعددت استخداماته لمساعدة الفنان وهي( :مدرسة البيكسل ،مدرسة المتجهات، على االبداع واالبتكار ،وإمكاناته المتطورة مدرسة الكوالج ،ومدرسة الدمج)(.)٤ المتمثلة في وجــود فالتر وفــرش متعددة، أوال« :البيكسل» pixel مع إضافة المالمس المختلفة ،واألحاسيس المتنوعة ،مثل إحساس قلم الرصاص أو يــعــرف البيكسل بــكــونــه كلمة أجنبية األحبار أو الزيت وغيرها ...فهبّ الفنانون معناها عنصر الــصــورة الــواحــدة أو وحدة من مختلف الحساسيات واألجيال لالستفادة الصورة .وهي عبارة عن مربعات صغيرة، مــن تقنياته وأدواتـــه ومبتكراته المتطورة وه ــذه المربعات تــكــون ع ــادة فــي الــصــور، والمثيرة لالهتمام! وغالبا ما تتعامل برامج البت ماب أو برامج
ومــهــمــا ك ــث ــرت الــــنــــداءات الــمــغــرضــة المعارضة للفن الرقمي ،Digital Artفقد بات له اليوم رواده ،ومقتنوه الكثر ونقاده ومعارضه االفتراضية والواقعية ..وأقيمت له المهرجانات والجوائز الدولية. ٢-١تسميات هذا الفن:
40
لعل مــن أشهر تسميات هــذا الفن هي العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الفوتوشوب والبينت بور وغيرها مع الصور أو الرسومات؛ على أســاس كونها مربعات صغيرة ...فــإذا كــان عــدد المربعات كبير، فإن وضــوح الصورة يكون عاليا ،وإذا كان عــدد المربعات قليال ،فــإن الــصــورة تبدأ بفقدان مالمحها ،وتظهر على شكل مربعات شفافة صغيرة كلما كبرت الصورة .فغالبا ما تسمع أو ترى كلمة رزليوشن في برنامج
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد اللوحة :١لوحة من #الفن_الرقمي بعنوان (ينبض فقدا) من أحد أعمال معرض الفنانة هناء الشبلي الرقمي #نبض باستخدام ادوات برنامج #فوتوشوب تم اختيار األسلوب (الصفري) وهو أحد أساليب #الرسم_الرقمي .تعبر اللوحة عن وضع األطفال بين صراع أسري يجبر األم على الرحيل.
الفوتوشوب؛ ألنها تتعامل بالبيكسل.
رســومــات بيكسلية ثالثية األبــعــاد؛ يتم
رسمها بدون استخدام برامج .D3
ويعد فن البيكسل من الفنون التي لقيت رواجا كبيرا في السنوات القليلة الماضية -2 ...غير متماثلة األبعاد (:)non-isométrique إذ نلفي اآلن ،عــددا كبيرا جــدا من فناني رســومــات بيكسلية غير ثالثية األبعاد البيكسل كل يحاول جاهدا أن يطوع مجموعة مثل رسم شكل من األمــام أو الخلف أو ال من األشكال األخاذة من النقاط لتنتج شك ً الجانب .ومــن أمثلة البيكسل مــن نوع التي تبهر المتلقي ،وتحقق عددا كبيرا من .- non-isométrique الليكات ومؤشرات اإلعجاب ،ويطور هذا برامج البكسل آرت: الفن منجزه االبــتــكــاري مــن خــال برنامج واحــد فقط ،هو برنامج Paintالــذي تجده أ .الفوتوشوب ()Adobe Photoshop في قائمة Accessoiresمن شريط البدء ،ب .الجرفيكس ()Graphics Gale وبرنامج Paintفقط يعمل به المعجزات. ج ـــ.أم أس بانت ( )MS Paintويــوجــد مع ويمكن تقسيم فَنّ البيكسل ()Art Pixel برامج نظام التشغيل ويندوز. إلى مجموعتين فرعيتين هما: د .جامب ( )GIMPبرنامج مجاني مشابه للفوتوشوب ،وله عدة إصدارات. -1متماثلة األبــعــاد ( :)isométriqueوهي العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
41
البيكسن ( )Pixenبرنامج مجاني للماك البرامج المستخدمة في فن المتجهات Mac OS Xو.البور موتشن ()Pro motion (:)Art Victor برنامج نسخة تجريبية ،غير أنك تستطيع أ .برنامج إليستراتور (:)Adobe Illustrator من خالله ،التحريك والتحكم بسهولة ،بدون أقـ ــوى بــرنــامــج لــفــن الــفــكــتــور واألكــثــر االنتقال لبرنامج آخر ،وهو خفيف الحجم. اختصاصاً. ثانياً :المتجهات «»Victor ب .برنامج الــكــورل درو (:)Corel Draw ()٥ يعد فن المتجهات ،أو (فن الفيكتور) وهــو برنامج رائــع وقــوي ومختص بفن كما هو متعارف عليه ،من الفنون الرقمية المتجهات. الشهيرة ،خاصة لعمل الزخارف والشعارات (لــوغــو) والــلــوحــات اإلعــانــيــة (البوستر) ،جـ .برنامج الفوتوشوب (:)Adobe Photoshop إضافة إلى إخراج كثير من األعمال الفنية يمكن استخدام التصميم المتجه على المتميزة. برنامج الفوتوشوب بأحد الطرق الثالث التالية:
يتميز فن المتجهات بوضوح ودقة أعماله؛ ألنــه فــن قــائــم على التعامل مــع ( Ancorاألولى :استخدام أداة الباث والبن تول. ،)Pointsفالصور فيه عالية الــجــودة ،وال تتعرض للتشويه عند تكبيرها ،بعكس الفن الثانية :عن طريق استخدام فرش الفكتور بتجميعها وتكوين الشكل أو التصميم الذي يتعامل مع البيكسل ،حيث كلما قمنا الذي نريد. بتكبير الصورة أكثر ،الحظنا تشويشاً فيها. الثالثة :وهي عن طريق استخدام األشكال shapsفــي الــبــرنــامــج بطريقة الفرش نفسها. ثالثاً :الكوالج يقصد به الفَنّ الذي يعتمد على استخدام أكــثــر مــن بــرنــامــج للتصميم ،كاستخدام الفوتوشوب مع الكورل درو. رابعاً :الدمج وهو فَنّ الذي يعتمد على أكثر من صورة إبان التصميم. الفنانة الشبلي مع إحدى لوحاتها
42
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وبخصوص م ــدارس الفن الرقمي؛ من
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد اللوحة :٢لوحة من #الفن_الرقمي بعنوان (ينبض ثقال) من أحد أعمال معرض الفنانة الرقمي #نبض باستخدام أدوات برنامج #فوتوشوب فقط .واخترت األسلوب (الصفري) وهو أحد أساليب #الرسم_الرقمي .وهي تعبر عن ثقل المسؤولية والحمل على #األب اخترتها لكم بمناسبة #يوم_االب
ناحية الموضوع أو الفكرة ،فيمكن تقسيمها -المدرسة الخيالية أو السريالية :وتهتم إلى:
بتصميم واستحداث عناصر من الخيال،
-الــمــدرســة الــواقــعــيــة :وتــشــمــل طبعا
ويكون فيها تداخالت في الصور ولمسات
المحاكاة ،بمعنى تصميم شيء موجود في الواقع يحاكي عناصر معروفة مثال: منزل ،شجرة ،جهاز كمبيوتر .حيث يتم توظيف الصور الواقعية ،ودمجها بطرق مختلفة لتمثيل الحقيقة أو جزء منها.
خيالية ليست موجودة في الواقع ،وهي بــذلــك ،تعتمد عــلــى الــفــكــر اإلبــداعــي واالبــتــكــار ،وهــذه الــمــدرســة ،كما يحب بعضهم تسميتها بـ(مدرسة الديجيتال) أو مدرسة الفن الرقمي. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
43
( -المدرسة التعبيرية) :وهي اتجاه يتم فيه أخــذ عناصر وأشياء من الطبيعة، ثم تشويهها بتغيير ألوانها أو هيئاتها أو أحجامها ،وال يقصد التشويه هنا معناه القدحي المحيل على التخريب والهدم، وتذهب هناء إلى أن الفن الرقمي «أحد بل نقصد به التغيير عن الوجه الحقيقي األساليب التي تمارس في مختلف الفنون لها. البصرية ،ومنها الفنون التشكيلية ،إذ تمارس أما من حيث تكوين العمل الرقميّ ،فيتبع بلغة العصر التي تقدمها التقنية الحديثة أحد األساليب التالية: فــي بــرامــج الــرســم والتصميم والتصوير -1األسلوب الصفري :يتم فيه فتح ملف الحاسوبية ذات البعدين أو الثالثة أبعاد، جــديــد ،ثــم بعدها خلق العناصر دون الثابتة أو المتحركة ،فتستبدل اللوحة نسخها أو قصها مــن مــكــان آخــر عبر بالشاشة والفرشاة العادية بالفأرة أو الفرشاة استخدام األشكال الهندسية والعضوية اإللــكــتــرونــيــة أو الــقــلــم الــضــوئــي ،شريطة واأللــوان والفرش والفالتر وغيرها من أن يعبر الفنان من خاللها عن أحاسيس أدوات الخلق ال ـ َف ـ ّنــي فــي أحــد برامج ومشاعر متوافقة مع القيم التشكيلية»(.)٧ التصميم. وتــســمــي الــشــبــلــي فــنــا رقــمــيــا «ك ـ ـ ُّل ما -2األسلوب التجميعي :يعتمد على تجميع ينتجه الفنان مــن رســوم أو تصميمات أو مجموعة من الصور ،ثم إحداث عالقات معالجات فنية اعتمادا على الحاسب اآللي بينهما في شكل تكويني واحد ،وهو أقرب وبــرامــجــه وبــرانــمــه وتطبيقاته الرسومية إلى الكوالج؛ دون إحداث تعديل جذري المتخصصة»(.)٨ على الصور المجمّعة. وتؤكّد الفنانة ذاتها ،في إطار التحديات -3األســلــوب الــمــشــتــرك بــيــن الصفري الــتــي تعترض مستقبل الــفــن الرقمي في والتجميعي :يــقــوم عــلــى جــمــع صــور الــعــالــم الــعــربــي ،أن هـــذا الــفــن «يشكل وتــنــســيــقــهــا وتــعــديــلــهــا حــســب الــطــابــع استمرارا للتجارب السابقة وامتدادا للفنون الشخصي .ويع ّد األسلوبان األول والثالث الكالسيكية وليس بديال عنها ،مثلما أقرت أفضل من األسلوب الثاني. أن اســتــخــدام تطبيقات وبــرامــج الــرســم .2الفنانة هناء راشد الشبلي وفنون الحاسوبي يأتي في صميم تطوير األداء الديجيتال الفني ،لكنه ال يلغي جهود الفنان ومواهبه، ترى الفنانة السعودية هناء الشبلي( )٦أن وليس بإمكانه ذلك ،ما دام العقل البشري التعامل مع الفن الرقمي بات ضرورة ملحة لدى المعلم والطالب والشخص العادي على الــســواء ،بــل وبــات الشكل األب ــرز لتمظهر الفنون الجديدة.
44
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد اللوحة :٣من أعمال الفنانة هناء الشبلي الرقمية من معرض (نبض) بعنوان :ينبض حرية عرضت في معرض #زوايا_لونية برعاية #قسم_التربية_الفنية للبنات في #جامعة_الملك_سعود بالرياض٢٠١٨ .م
هو الذي يحرك هذه التقنيات واألدوات»(.)٩
دهشته إزاء مشاهدها وعروضها الفنتازية،
ووضــحــت هناء أن استخدام المصممين لكنها القت في اآلن ذاتــه ،موجات الذعة من النقد صــدرت عن فنانين من أصحاب الفن إلمكانات الحاسوب الرقمية ،كان في البداية، الكالسيكي والذوق التقليدي. لغايات تطوير األداء المهني ،غير أن تطور وت ــرى هــنــاء أن هــذه الـــردود االحتراسية أساليب المعالجة وبرامجها الحاسوبية أفرز فن التالعب بـ Photoshopالذي القى رواجا وإقباال طبيعية ألنه ليس من اليسير على فنان أهبى
الفتين بوصفه فنا ومضمونا فكريا .وعندما ج ــذوة عــمــره فــي بنية فكرية أكــاديــمــيــة لها ت ّم عرض هذه األعمال أمام الجمهور ،أبدى خصوصيات وتقاليد وحدود أن يتقبل األمر، العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
45
اللوحة :4من أعمال الفنانة هناء الشبلي الرقمة ،باستعمال األسلوب الصفري تحت عنوان :التقوى المرجعhttps://twitter.com/hana_alshebli :
وهــو يــرى مملكته التي عمّر بها دهــرا تزول
واستناداً إلى ذلــك ،أرجعت الفنانة سبب
وتنهار تدريجيا .واألم ــر نفسه ينطبق على تأخر الفن الرقمي واستغراقه زمنا طويال في الناقد الفني الــذي لن يستسيغ رؤيــة جهازه إقناع المتلقي والنقاد الفنيين والــرأي العام النظري والمفهومي الــذي نفذه على أرض الفني إلى الممانعة التي يجدها لدى جمهور الواقع أجيا ٌل من الفنانين العمالقة. واتجهت سهام النقد فــي الفن الرقمي، حسب هناء الشبلي ،إلى مستويين: سهولة العمل فيه عكس الفن التقليديالذي يستغرق فيه صاحبه زمنا طويال.
الفنانين التقليديين ،وأتباعهم مــن النقاد السدنة الذين يستعصي عليهم تغيير نظمهم ومرجعياتهم! وتؤكد الفنانة هناء الشبلي أن الفن الرقمي ليس فــن أداة وتقنية ،بــل هــو أيضا فــن ذو
قيمة استثنائية ،يقوم على فكرة إنسانية
ســرعــة تنفيذه عكس الــفــن الكالسيكي وخيال واسع للفنان ،وهو ليس وليد الصدفةالذي كان يبذل فيه الفنان جهدا مضاعفا العشوائية ،كما يروج خصوم هذا الفن ،وأعداء ومــحــاوالت كثيرة قبل أن يستقيم عــوده ،نجاحاته ،ومــا الــحــاســوب وتطبيقاته سوى
46
ويكتمل. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
إضافات نوعية ووسائل فنية مدعمة .وللعلم،
الكالسيكي يشابه نظيره في التصور الرقمي ،للدهشة»(.)١٠ والفرق الوحيد يكمن في الوسائل واألدوات.
وتــفــنــد الــفــنــانــة الشبلي االدعـ ــاء القائل
تقول في هذا الصدد «فحين يبدأ الفنان بتعارض الفن الرقمي مع اللوحة التقليدية، في وضع افتراضاته ،وتحديد موضوعه الذي مــؤكــدة أن األخــيــرة مــا ت ــزال تحمل رسالة يريد االشتغال به وعليه ،ويهيئ مواده وفرشاته الفنان الحية والمباشرة ولمسة فرشاته وبريق
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
فإن إعداد اللوحة أو المشهد الفني في التصور الــعــاديــة إل ــى مشهد خــيــالــي غــرائــبــي مثير
الالزمة ،وخاماته وصباغاته الضرورية للعمل ،ضرباته اللونية بمستوياتها الفنية المتنوعة، يقوم الفنان الرقمي ،على شاشة حاسوبه ،ومــا مجال الفن الرقمي إال منعطف أداتــي بجمع أكبر عدد ممكن من الصور المتعلقة ووسائطي فرضه منطق العصر ،وهو إن لم بموضوعه المحدد سلفا ،ونسخها إلكترونيا ،يضف أشياء رائعة للمكتسب الجمالي والفني، وطبعها على قرص مدمج ،لتاتي ،بعد ذلك ،فهو لن يضرّه أبدا في شيء .بل على العكس مرحلة العمل عليها عبر استخدام برنامج من ذلك ،سيسهل من مأمورية الفنان ،ويقدم الرسم المختار مثل
(Photoshop
،)Adobeله خدمات جليلة ،إن هو غيّر نظرته لعالمه
مــن أجــل دمــج الــصــور وإخضاعها لعدد من الفني ،وانفتح على مجال التقنية الذي أصبح المؤثرات والتلوين الباهر الذي يحول الصورة متاحا أمام الجميع. * ناقد من المغرب. ( )١لمى عبدالرحمن الحركان :الفن الرقمي ،موقع جامعة الملك سعود ،كلية التربية، )fac.ksu.edu.sa/lalharkan/blog/24711نشرت بواسطة الباحث نفسه ،بتاريخ 30يناير 2014م. ( )٢محمد الشيخاوي :اإلبداع التشكيلي في الفنون الرقمية للفنان نور الدين الهاني ،مقال نشر بمجلة «اإلمارات الثقافية» العدد 31بتاريخ مارس (2015م) ،انظر الرابطhttp://arts-et-poesies.over-blog. : .com/2015/09/56052dbe-a4b0.html ( )٣المرجع نفسه. ( )٤آل قمّاش ،قمّاش علي (٢٠٠٨م) :تيارات الفن الرقمي وتقنياتهhttp://fac.ksu.edu.sa/lalharkan/ ، .blog/24711 ( )٥الفن الرقمي ،موقع أكاديمية التصميم الرقمي ،انظر الــرابــطhttps://artisticdesignacadmy. : /wordpress.com/page4-2بدون تاريخ. ( )٦فنانة تشكيلية رقمية من المملكة العربية السعودية ،تعمل خبيرة تربوية في وزارة التعليم ،دكتوراه تخصص تصميم فني. ( )٧خير اهلل زربان ،جريدة المدينة ،جدة ،المملكة العربية السعودية (ثقافة وفن) انظر الرابطhttp:// : ./www.al-madina.com/article/142441بتاريخ األربعاء 2012/03 /14م. ( )٨المرجع نفسه. ( )٩المرجع نفسه. ( )١٠المرجع نفسه. (Digital Art http://
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
47
عبدالرحمن العكيمي بين فضاء المخيلة والواقع في «توارت بالحجاب» ■ د .شيمة محمد الشمري*
فضاء الواقع ..سؤال اإلبداع
لعل السؤال األهم الذي تعرّض له الفن الروائي يتمثّل في الطرح اآلتي :كيف تعرض الرواية مقولتها ،أو وجهة نظرها؟ وإذا كان هذا السؤال يضمر تلميح ًا إلى التخفف من سلطة الكاتب /الروائي ،فإنه في الوقت ذاته يظهر نزوع ًا تحريضي ًا للسرد ليدخل في متاهات وأرخبيالت إبداعية غير مرتادة ،أو على األقل ليحاول التأسيس ألنـمــاط غير تقليدية فــي الـســرد ال ــروائ ــي .لقد عني الـســرد الــروائــي األوروبــي باإلجابة عن سؤال اإلبــداع الفني منذ القرن الثامن عشر حين اعتنت روايات تلك المرحلة بغاية أخالقية الفعل ،ال بغاية أدبية اإلبداع الروائي' ولذلك, نلحظ أنّ فلوبير قد سبق هنري جيمس عندما دعــا إلــى تغييب الــروائــي حتى تتخلص الرواية من نزعة المباشرة والخطابية المزمنة.
48
ولو تأملنا المنجز الروائي العربي فــي اآلونـــة األخــيــرة ،لــوجــدنــا أن مثل هـ ــذه الــنــبــرة الــخــطــابــيــة ق ــد ع ــادت للظهور ،وإن تلونت ،على خجل أحياناً، ببعض التنويعات األسلوبية ،لكن في الــوقــت نفسه حــاولــت بعض الــروايــات بمخاتلة فنية ،دمــج الرؤية األخالقية العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
أو الفكرية للرواية بلغة شعرية تخفف من برودة المقوالت الفكرية ،وتحرّض المتلقي على فعل القراءة ،وينطبق هذا التوصيف في كثير من جوانبه على رواية (توارت بالحجاب) للكاتب عبدالرحمن العكيمي .فالرواية حاولت التخفف من عبء المقوالت التي أراد السارد إيصالها
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
للمتلقين ،بإطالق العنان للمخيلة الشعرية لتفعل فعلها في ضخ حموالت جمالية على السرد ،من دون أن تفقد المتلقي القدرة على فك االشتباك بين لحظة السرد الشعري، ولحظة السرد الواقعي في الرواية ،فالرواية ال ترهق المتلقي في الوصول إلى مقوالتها الفكرية بيسر متناهٍ . فضاء الواقع ..فضاء القيم المجتمعية ال شــكّ أن المقولة الفكرية ألي منجز س ــردي تتشكّل خ ــارج العمل الــروائــي ،إذ تكون الفكرة مجرّدة ومشبعة بعواطف تزداد اشتعاالً ،فتكون المحرض األساس للروائي كي يعمل على بلورتها روائياً ،ومن ثمة ،تصبح الوسيلة الفنية لألداء الروائي ،هي العنصر الــحــامــل لها والــمــســاعــد على تحديدها، فلو نظرنا فــي الــعــنــوان المخاتل (تــوارت بالحجاب) ،الذي يحاول االنحياز للشعري في العنونة عبر استثمار مصطلحات ذات ظالل صوفية ،فإننا سنلحظ أن ذاك الجانب ما هو إال حامل لداللة جزئية من دالالت الرواية ،ولكن إذا شرعنا باب التأويل ،فإننا قد نجد في معنى الحجاب الدال على الحيرة والعمى -حسب تعبير ابن عربي -ما يجعل من العنوان ذا حموالت داللية عامة ،فهو كل ما يحجب المطلوب عن العين ،وبتعميم أفــســح هــو حــوائــل الحقيقة والــواقــع التي تدفع بشخصيات العمل إلى الضاللة عن مفاهيم المجتمع ،وهذا ما حاولت الرواية إنجازه ،فعلى الرغم مما قد يوحي به العنوان وتخف ،إال أن الكشف عن ٍ أحياناً من ستر المسكوت عنه كان هدفاً استراتيجياً للرواية بصرف النظر عن نجاح الرواية في الوصل إليه أو ال.
حاولت الــروايــة معالجة أفكار طازجة، ربما بقي الحديث الصريح عنها خجوالً في الــروايــة الخليجية ،لعل من أبرزها قضية تجييش الشباب للجهاد في العراق ،تحت ذرائــع غير مقنعة ،أو ألهــداف تسعى إليها كثير من الــدول التي تحاول تشويه سمعة اإلسـ ــام وزج ــه فــي خــانــة الــفــكــر الحامل لــإرهــاب ،وهــذا مــا مثلته شخصية عمار في الرواية (مع شخصية الشيخ /الداعية الــمــزيــف) ،التي القــت مصيراً مفجعاً لها وألســرتــهــا ،كــمــا تــقــدم لــنــا ال ــرواي ــة نمط الشخصية المترددة في قبول هذا النمط من إعمال ٍ التفكير ،ولكنها تعود إلى صوابها بعد للعقل ..وتتمثل في شخصية رائــد ،كذلك تقدم لنا الرواية نمط الشخصية المعتدلة الــتــي تحاكم األمـــور عقلياً ،فــا تقع في المحظور وتتمثل في شخصية يوسف التي تمثل بشكل خفي شخصية البطل المطلق فــي الــروايــة .كذلك تطرح الــروايــة قضية العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
49
اإللحاد التي تمثلت بشخصية الكاتبة ضحى جانباً مهماً ،يجعل من السرد أكثر منطقية من خالل التحول العجيب في شخصيتها من وفنية. حالة الكتابة المتصوفة ،إلى حالة النقيض أم ــا عــلــى صعيد الشخصية الرئيسة تماماً ،وهي حالة اإللحاد الذي برز خجوالً يوسف التي مثلت شخصية المثقف الواعي، وغــيــر مقنع فــي الــســرد؛ فعلى الــرغــم من والمعتدل ،والصحفي الذي يواجه الفساد، كثير من المسوّغات والصفات التي حاول ويدافع عن قيم المجتمع األخالقية ،فإننا الكاتب إلباسها لشخصية ضحى كي يبرر نجد في السرد ما يناقض تلك الصفات، هذا التحول ،إال أن المتلقي يشعر أنّ في فهو في الوقت الذي يمتلك فيه القدرة على جعل شخصية أنــثــويــة هــي الممثلة لهذه مواجهة عيوب المجتمع بمقاالت جريئة المقولة ،كان حاجة سردية أكثر منه تعبيراً وقــويــة ،تجعل منه صحفياً مــعــروفـاً ،نــراه عن الواقع ،فكان الخيار ألن تكون الممثل عاجزاً عن الكشف عن موهبة في العزف لهذه المقولة ،كي تصبح حجة دامغة للبطل وحبه للموسيقا ،فتظهر شخصيته مستسلمة للتخلي عنها والــتــحـوّل إلــى حبيبة أخــرى تماماً للنسق الثقافي المجتمعي ،وهو في (شخصية الصحفية األردنية أروى العلي) الوقت ذاته يسمح لنفسه بتهريب اآلثار وبيعها في نهاية الرواية. لحسابه الشخصي ،مع محاولة تلفيق حجة
50
وفي هذا السياق ،ال بد من اإلشارة إلى أنّ سيطرة مقولة الــراوي العليم (شخصية يــوســف) قــد جــعــل مــن التكنيك الــروائــي محصوراً بالصوت الواحد ،وهذا ما أفقد الرواية استراتيجيات ،كانت ستمنح الرواية بعداً أوســع في المعالجة الدرامية ،وربما هــذا مــا يمكن أن نسجله على شخصيتي عمار وشخصية ضحى اللتين تمثالن مقولة الطرف اآلخر المناقض للهدف األخالقي لــلــروايــة ،مــن خــال اعتماد تقنية الــراوي الــواصــف لتلك الشخصيات مــن دون أن يدخلنا في العوالم الداخلية والنفسية لهاتين الشخصيتين ،فــإذا كان السارد ينطلق من أن ما يمثالنه هو مخالفة لمنطق المجتمع، ـرضـ ّيــة من الــذي يــزج فعلهما بالحالة الـ َمـ ِ خالل ما تشعرنا به الرواية ،فغياب البحث عن مرجعيات نفسية من خالل تعبير تلك الشخصيات عن ذاتــهــا ،قد أفقد الرواية
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
شرعية لتسويغ فعله ،بأنه سيوزع الثلث على الفقراء ،أضف إلى ذلك تبرير عالقة الحب مع ضحى ثم مع أروى ،و ..فهي شخصية ذات طابع تسويغي تجد المبررات الدرامية لكل ما تفعله لتقنع المتلقي بصوابية الفعل؛ من هنا ،يمكن مالحظة سيطرة نزعة ذكورية سوّغها المجتمع للرجل القادر على فعل ما يشاء مع إيجاد ما يبرره ،لو ظاهرياً على األقل. فضاء المخيلة ..فضاء الشعرية: لعل أبــرز ما فعله الروائي عبدالرحمن العكيمي ،للتخلص من زج المقوالت الفكرية أمــام الــقــارئ ،هــو االنحياز للغة الشعرية في التعبير ،وهــذا ما منح الرواية جمالية تعبيرية ،وفــرادة أسلوبية ،فعلى مدار ستة عــشــر فــص ـاً ،ك ــان االنــحــيــاز إل ــى عنونة الفصول بعناوين ذات طابع شعري ،والالفت في عناوين العكيمي لفصول روايــتــه ،أنها
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
اخــتــزاالت عالية الشعرية ،تــحــاول تقديم مقولة شعرية موازية للمقولة الفكرية ،ففي اختزاله لجماليات المكان (الشمال الغربي للمملكة)؛ في الفصل األول ،نقرأ العنوان اآلتــي( :خذني إلى صحراء ال تخاتلها ريح الشمال ،خذني إلى شجر يكتظ وال يخون الظالل) إن مثل هذا العنوان وسواه يحرك شهية التأويل ،والتلقي الشعري لدى القارئ، وهو من محرضات القراءة األساس المشعرة بجمال الــمــكــان وبحساسيته فــي الــســرد؛ ومن هنا ،نقرأ تحت هذا العنوان ،أو هذه العتبة النصية إذا شئنا التخلي عن تسميتها بالعنوان:
االنفصال عن ضحى الحبيبة /الخطيبة ال السابقة ،واالنتقال إلى حب جديد متمث ً بشخصية أروى ،فــإن االخــتــزال في العتبة النصية الممهدة للفصل سيكون اختصاراً شعرياً مكثفاً لحالة الحب ،وما تخلفه من أثر في النفس عبر انزياحات لغوية الفتة، فالفعل (أغتابك) على ما يحمله من داللة سلبية في العُرف اللغوي واالجتماعي ،فإنه هنا دال على حالة مناقضة تماماً للداللة المألوفة ،عندما يتحول إلى فعل حميد بلغة الحب ،فيصبح داالً على حاالت االسترجاع والتذكر والتلفظ باسم الحبيبة وبأفعالها؛ من هنا ،يكتسب داللة اإلخصاب الجمالية الــقــادرة على تحويل يباس الــفــم /الموت المعنوي في حالة غياب الحب ،إلى حالة مورقة نابضة بالحياة.
(حين يأتي شتاء الشمال ،يغتال الذبول مساء المدينة ،تنطفئ بهجة الطرقات ،تبدو المدينة شاحبة متعبة ،مفرغة من بهجتها المعتادة ،تنكسر نضارة األشجار التي تتوزع أخيراً ،ال شك أن الروائي عبدالرحمن بانتظام على جنبات الشوارع ،األشجار تبدو مبللة برطوبة شتوية قاسية ،طقس بــارد العكيمي ،حاول في روايته طرق قضايا مهمة يثرثر بصمت كئيب ،طقس بــارد يحيل كل في السرد ،تندرج في خانة المسكوت عنه، الــذي بات كشفه ومعالجته ضــرورة ملحة، شيء إلى صمت طويل). وهذه ميزة للرواية ،يضاف إلى ذلك ميزة إن اللغة الشعرية ذات الطابع التصويري أسلوبية تتمثّل في محاولة السارد تغليف الــذي يرفل ببالغة عالية تُدخل المتلقي بطريقة بصرية شفافة ورومانسية إلى عوالم المقوالت الفكرية بأسلوبية عالية وصلت المكان الذي يطرقه السارد بلغة القلب ،وال إلــى ذروتــهــا عندما قــاربــت تــخــوم الشعر؛ تخرج مجمل العتبات /العناوين في فصول وهذا ما يجعل من منجزه السردي جديراً الرواية عن هذه االستراتيجية األسلوبية ،بالقراءة ،فمن أهم ما يحسب للرواية في ابتداء من اللحظات السردية األولى للرواية عصر الحداثة السردية ،أسئلتها الكثيرة حتى يختم الشاعر روايته في ذروة اللحظة التي تحاول إثارتها ،وترك األجوبة المتعددة الــدرامــيــة ،فنراه في الفصل األخير يضع للحوار مع المتلقين ،وبهذا الــحــوار تكون العتبة اآلتــيــة( :أغتابك حباً ألق ــاوم حالة الكتابة قد حققت هدفها التنويري ،وبعدها اليباس فوق فمي) ،فــإذا كان هذا الفصل األخــاقــي ،مــن دون التخلي عــن شرطها ســيــقــدم مـــآالت الــشــخــصــيــات ،مــن خــال الفني. * كاتبة وقاصة من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
51
ما وراء الشتاء إليزابيل الليندي*
تعرية االغتراب
■ سمير أحمد الشريف**
الكاتبة والروائية «إيزابيل إليندي» ،تشيلية الجنسية ،حصلت على الجنسية األمريكية عــام 2003م ،عمها الرئيس التشيلي «سـلـفــادور ألـيـنــدي» ال ــذي تولى الحكم بين 1973-1970م. اشتهرت رواياتها بالواقعية السحرية ،تأثرا بكتاب ألف ليلة وليلة وبالكاتب «غابريال غارسيا ماركيز» ،حصلت على الكثير من الجوائز األدبـيــة واألوسـمــة، ورُشحت أعمالها لجائزة نوبل.
52
أشهر أعمالها «بيت األرواح» ،الرواية في تكوينها أيضا ،انفصال والديها ،فقد التي جــاءت إرهاصا لمرافقتها لجدها عاشت وأخوتها في كنف والدتها إلى عام حتى وفاته ،ورواية «إبنة الحظ» ورواية 1935م ،إلى أن ارتحلت لبوليفيا ثم إلى «إيفالونا» ،وروايــة «بــاوال» التي حملت لبنان. اســم بنتها التي قضت مرضا ،وروايــة فــي عـــــــام1973م ،حــصــل االنــقــاب «صورة عتيقة» ،ورواية «مدينة الوحوش». الدموي على عمها «سلفادور أليندي» استفادت «إيزابيل» في كتاباتها من ترحال والدها بين كثير من البلدان ،إذ الذي قُتل خالل اقتحام القصر الرئاسي عمل سفيرا ،ما مكّنها من التعرف على التشيلي ،وتــم نفيها نتيجة ذلــك عام بيئات عالمية متنوعة ،ومما كان له أثر 1975م إلى فنزويال. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بتوظيف الحبكة البوليسية واستغالل مداخلها ،تقتحم الكاتبة العالمية «إيزابيل إليندي» فضاء روايتها الجديدة «مــا وراء الشتاء» التي اتخذت من بروكلين/نيويورك مسرحا لها في فترة زمنية غطّ ت العام 2016م، والتي بــدأت أحداثها ببداية عاصفة ثلجية اجتاحت نيويورك ،عندما اصطدمت سيارة األستاذ الجامعي «ريتشارد بوماستير» بسيارة «إيفلين» ،مربية األطفال ،الفتاة القادمة من «غــواتــيــمــاال» ،بعد أن تــعــرض قــط الدكتور لعارض اضطره للخروج ،فيتم اكتشاف جثة لشابّة في صندوق السيارة ،وبلجوء «ريتشارد بوماستير» لجارته التشيلية ،طالبا مساعدتها للخروج من الــورطــة ،تبدأ الكاتبة فك لغز قصتها ،ولــضــرورات التشويق ،تُحيك قصة حب بين الجارين اللذين يعمالن في جامعة «نيويورك» ،ولينعطف مسار الرواية لهدفه الرئيس :كشف مافيا االتــجــار بالمهاجرين بطريقة غير شرعية وتهريبهم في ظروف غير إنسانية لدخول أميركا -الحلم -الذي يُغري شباب العالم من بعيد ..بفعل اإلعالم واألفالم وبهرجة الميديا ،بينما يعيش واقعه الكاذب، من اضطر للهجرة وعاش ويالتها ،إنها إحدى الوسائل لتعرية القبح الذي تغطيه الدعايات، وفي اآلن نفسه ،تنهض الرواية بكشف حالة الــتــردي اإلنــســانــي ألولــئــك الــذيــن أجبرتهم ظــروف بالدهم القاسية على تجرع ويالت الغربة اإلجبارية ومكابدة ويالتها ،ولو وجد المهاجر في بلدة الطارد لشبابه ولكفاءاته الحد األدنى من متطلبات اإلنسانية فيه لما فكر في الهجرة أصال.
يحاول الجاران مساعدة إيفيلين ،المهاجرة بطريقة غير قانونية -وال تمتلك أي ورقة رسمية -في التخلص من السيارة ومن الجثة، ليبدأ كل منهما بالحديث عن نفسه وظرفه، حتى وقعا في حالة تفاهم نادرة وسقطا في شباك الحب. من يتابع شخصيات العمل بشكل دقيق، يجد أن الغربة واالغتراب القسري ما يجمعها جميعا ،وهــي التي ترسم مالمح األحــداث وتحدد مالمح الشخصيات النفسية والفكرية، فاالغتراب هو دافــع الشخصيات في جميع تصرفاتها ،يغرق «ريتشارد» في العمل لينسى مصاعب اغترابه ،وتلوذ «إيفلين» بصمتها وتــجــاهــد «لــوثــيــا» بتحقيق ظـــروف أفضل لواقعها لتتناسى فجيعة غربتها .من هنا، انطلقت الــروايــة من ثيمة الحب على تعدد تأويالته ومناخاته ليكون حال للفقر والحروب العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
53
ومصاعب االقــتــصــاد وصــراعــات السياسة ولعبة الكراسي ،وما عالقة الحب المتأخرة بين كهلين «لوثيا وريتشارد» إال نموذج النتصار الــبــشــريــة إن أحــســنــت وأخــلــصــت نــوايــاهــا، فبالحب ،مهما تباينت فــضــاءاتــه ،يتحقق الممكن ،فحب الجدة «كونثبثيون» لحفيدتها «إيفيلين» هــو ال ــذي أنقذها مــن مصيرها المجهول في جواتيماال وعلى الحدود بين المكسيك والــواليــات المتحدة ،وك ــذا حب «دانيلال» ألمها هو الذي أسهم في إنقاذ ما تبقى من «لوثيا» ودفعها للبحث عن حياتها كرّة أخــرى ،ولوال حب «ريتشارد ولوثيا» لما وجدت «إيفيلين» من يأخذ بيدها ،فالحب هو الذي يداوي أمراضنا ويرتق تشوهاتنا وندوب ماضينا.
أن تكون هي األخــرى مما اختزنته الكاتبة في طفولتها وعاصرته في شبابها من ويالت كفظائع االنقالب في بلدها الذي أطاح بعمها، وفقدانها لوليدها في مقتبل عمره. الــســؤال الــذي يُــطــرح :هــل يكون الفصل الخاص ب«إيفلين» يمثل بطريقة أو بأخرى خيوطا من سيرة المؤلفة؟ قد يستدعي األمر مقاربة لما جاء في هذا الفصل ودقائق في حياة «إيزابيل إليندي» التي إن صح سؤالنا فهي شهادة لها بتوظيف مالمح من ذاتها في عمل إنسانيّ الفت ،ولعل المثير أيضا في هــذا العمل ،قــدرة الكاتبة على الغوص في أعماق كبار السن واستنهاض مشاعر الحب لديهم ،وهم في فترة عمرية تكاد هذه العاطفة أن تذوب ،فهل حُ رمت الساردة هذه العاطفة شابة ووجدتها في سن متأخرة حتى نجحت هذا النجاح المبهر في تصويرها والكتابة عنها وطرحها بهذا الوضوح؟
بيسر س ـرّبــت الــكــاتــبــة مفهومها للحب ووعيها على نتائجه والذي رأت فيه المخلّص الوحيد لما يواجهنا من صعوبات ويتحدانا من مشكالت ،دونما تنظير ونظريات ودعايات تذهب أدراج الرياح ،وهي بذلك تخالف ما الشكر للكاتبة التي أمتعتنا بهذا النص درجــت عليه الكاتبة في أعمالها السابقة، الذي مزج التاريخ بالواقع بالفنتازيا ،ومكّنتنا والتي كرّست فيها الجانب المأسوي. من اإلطاللة على واقع قاس أليم مثّل للقارئ في روايتها الجديدة ،وظّ فت «إليندي» تقنية االســتــرجــاع FLASH BACK /وبوساطتها في لحظة ما ،الحلم القريب ،وبأسلوب ونكهة أع ــادت للمتلقي تفاصيل حــيــوات أبطالها خاصة بها ،ملونا بالتشويق واإلثــارة ،جمعت وصــنــاديــق ماضيهم وطفولتهم ،ومــا واجــه فيه ثيمات الجريمة والموت والحب والفقد كل منهم من مصاعب ومضايقات ،لنتفهم والشيخوخة وعادات وتراث الشعوب ،والحنين ونُفسّ ر تصرفاتهم في األحداث الحالية ،أما لمكان الطفولة ومــرابــع الشباب وذكــريــات توظيفها لمواقف الرعب والغرائبية فال تعدو األوطان التي غادرتنا.
54
* ما وراء الشتاء ..رواية إيزابيل إليندي ،ترجمة صالح علماني ،دار اآلداب ،بيروت2018 ،م. ** كاتب من األردن. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
«غياب ِك َ الباب» الهوائي َة على دراجته ترك ُ ُ ّ ِ الحدس لمحمد الحرز :الشاعر وكتابة ِ ■ عماد الدين موسى*
تكمن خصوصيّة وتـفـرّد قصيدة الشاعر السعودي محمد الحرز في كــلٍّ من لجملته ،تتصف بسالستها نبرتها الهادئة ولغتها المُ غايرة؛ إ ْذ ثمّ ة بناءٌ مُ حكم ُ وكثافتها الشديدة ،عدا عن أنها مليئة بالتضاد والمُ فارقات اللفظيّة المحبّبة وغايةً في اإلتقان .بدوره ،اإليقاع الداخليّ للكلمات ،تلك المنتقاة بعنايةٍ ورويّة، يُضفي المزيد من الموسيقى العذبة إلى عوالم قصيدته ،ويجعلها أشبه بقطعةٍ فنّيةٍ مُ شبعة بالمشاعر واألحاسيس. فــي مجموعتهِ الـ ِـشــعــر ّيــة الجديدة
«غــيــابُـ ِـك تــركَ دراجــت ـ ُه الــهــوائـ ّيـ َة على الباب» ،الصادرة أخيراً عن منشورات ِ
المتوسط (ميالنو 2018م) ،يمي ُل الشاعر
محمد الحرز إلى الكتابة اإلشكاليّة ،تلك المثيرة للحواس الخمس للقارئ ،الكتابة بوصفها الدرجة القصوى من اإلبــداع
الحقيقي ،حيثُ نجد لديه اإللمام بكافّة الجوانب الفنيّة ،سواء من جهةِ تدوينهِ
لــلــحــظــات الحميمة وح ــده ــا ،مـ ــروراً
الوصف وتداخلها مع الفنيّات ِ بجماليّات
تشكيل بــصــريّ للعوالم ٍ األخـــرى ،مــن والمُشاهد الملتقطة ،ومــن ثـ ّم تقطيع القصيدة إلى مقاطع متتالية ،حيثُ يبدأ الحدث بتواتر سرديّ مدروس ،وصوالً إلــى الــذروة أو ما يسمّى ببؤرة التوتّر النهايات؛ يقول: ِ واإلدهاش في
ليس لي «ما َ كان مُ ج ّر َد لُعبة صغيرة أهدتْنِ ي إيّاها أُمّ ي رفضت الذهابَ ُ حينَ إلى المدرسة. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
55
ليس لي هُ و لي ما َ فضلة!». أصبحت لُعبتَهُ المُ َّ ُ عندما الشاعر والحدس تُعد تجربة محمد الحرز (مواليد البحرين 1967م) ،من التجارب الجميلة والمُهمّة، الشعريّة، ولها مكانتها المتميّزة على خارطة ِ والشعريّة العربيّة ِ ال السعوديّة فحسب ،بل كذلك؛ إلى جانب شعراء سعوديّين آخرين، نذكر منهم -على سبيل المثال ال الحصر:- عــبــداهلل الــســفــر ،محمد الــدمــيــنــي ،أحمد المال ،علي الحازمي ،عبدالوهاب أبو زيد، إبراهيم زولي ،علي بافقيه ،هدى ياسر ،زكي الصدير ،علي الدميني ،أحمد العلي ،أبرار سعيد ،غسّ ان الخنيزي وغيرهم.
56
ولع ّل ما يميّز قصيدة محمد الحزر أكثر لنا عن ما يُراودُه وما يريدهُ أيضاً؛ حيثُ يقول: الحدس ِ ُ من غيرها، الشعري فيها أوالً ،وتالياً «ال تفعلْ عليك فِ علُه َ يوج ُب طريقة الشاعر في اختيار ِه للمشهد ،ومن ث ّم ما ال ّ تناوله لهذا المشهد من أكثر من جانب من ستمضي في حياتِ َك الصعُ و َد إلى ال ّتلّة الجوانب الجماليّة فيهِ .في قصيدة بعنوان ال أنتَ تُريدُ ُّ (العطش) ،والتي تأتي في هذا االتجاه ،ال وال النُّ زُ ولَ إلى الوادي. يكتفي الشاعر بالقلقِ والحير ِة وحدهما ،البالدُ التي هي بالدُ كَ بل يذهبُ بعيداً وغميقاً ح ّد الغرق ،ال في ستشطرُ الرغب َة السراب والغموض ،وإنّما في السرد الشيّق بسكِّ ين إلى الج َه َتيْن ِ للحدث؛ «البوصلة»« ،الف ُم المفتوح»« ،الماء»، غيرِ صالحةٍ لالستعمال «الطريق»« ،الخيوط»« ،النافذة»« ،االنفجار»، سوى مرَّ ةٍ واحدة». «البالد»« ،الرغبة»« ،السكّين»« ،قبل فوات تدوين المرئي والالمرئي األوان» ،وغــيــرهــا الكثير مــن الــمــفــردات مجموعة «غياب ُِك تركَ دراجت ُه الهوائ ّي َة والعبارات التي تختصر الحالة السيكولوجيّة ـاب» ،والتي جــاءتْ في مئة وستين للشاعر في لحظة الحدث الراهنة ،إ ْذ يكشف على الــبـ ِ
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الشاعر محمد الحرز
صفح ًة من القطع المتوسط ،هي اإلصدار عن الحزن والفرح ،األمــل واأللــم ،البشاعة ِ الشعري السادس للشاعر محمد الحرز ،إ ْذ والجمال ،الصعود والنزول ،األبيض واألسود، سُ بق ل ُه أ ْن أصد َر المجاميع ِ الشعريّة التالية :يكتب بمنتهى الرقّة والبساطة والشاعريّة، «رجل يشبهني» (1999م)؛ «أخف من الريش ربّما ألنّ «القصيدة ،بحسب روبرت فروست، بغصة في الحلق ،والشعور بأن شيئاً ما أعمق من األلم» (2002م)؛ «أسمال ال تتذكر تبدأ ّ دم الفريسة» (2009م)؛ «سياج أقصر من ليس على ما يرام ،وحنين للعودة إلى البيت، الرغبات» (2013م)؛ «قصيدة مضيئة بمجاز ورغبة في الحب»؛ يقول: واحــد» (2014م)؛ و«أحمل مسدسي وأتبع تعرف أنّي شاعر ُ الليل» (2015م)؛ إضافة إلى مجموعة كتب «أمّ ي ال قط فكرية ودراسات نقدية ،من أبرزها« :شعرية أبي لم يقرأ قصيد ًة لي ّ الكتابة والجسد» «القصيدة وتحوالت مفهوم وإذا ما رأى أحدُ إخوتي حمامةً تف ّر قفص كلماتي؛ الكتابة» «الحجر والظالل :الشعر والسرد في من ِ مختبر القراءة» ،و«الهوية والذاكرة». ظنّ أنها للجيران. في هذه المجموعةِ ؛ يكتب الشاعر الحرز عن كل ما هو بسيط ومُهمل في اآلنِ معاً، وتحديداً تلك التفاصيل اليوميّة العابرة من حياتنا ،المرئيّة منها والالمرئيّة أيضاً ،يكتب
بعد موتي القفص ذاتِ ه ِ ستعودُ الحمامةُ إلى سمعت أبي يقولُ ألُمّ ي: ْ ألنها كان جَ ُّده شاعراً».
* كاتب من سوريا. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
57
عبدالعزيز مشري هجاء األسفلت واإلسمنت! في رواية «الوسمية» ■ هشام بنشاوي*
في تظهيره لرواية «الوسمية» ،كتب عبدالعزيز الصقعبي« :هــو عوالم كثيرة تأسر من يعرفه ..هو روائي متميز ومتجاوز ومقنع ..وهو قاص ممتع وفنان شامل، حتى عالم الكاريكاتير أسهم فيه ..هو كتلة من الفن ،يقرأ كثيرا بكل الطرق ،من الكتاب أو عبر مكبر للحروف والكلمات».. هذا ليس من قبيل المدح .ولكن أنا أقدم دعوة لكل األجيال الجديدة بأن يكون ضمن أجندتهم القرائية ،االطالع على نتاج المبدع عبدالعزيز مشري. إن روايــــــــات م ــث ــل «ال ــوس ــم ــي ــة» ،من الصدق واإلخالص ..وعالم من الفن و«صــالــحــة» ،و«فـــي عــشــق حــتــى» ،أو واإلبداع ..وكثير من المحبة والود». مجموعات قصصية كثيرة ومتميزة في كتابه «مكاشفات السيف والوردة»، منها «أســفــار ال ــس ــروي» ..بمقارنتها يــعــتــرف األديــــب الــســعــودي الــراحــل، لبعض األعمال الصادرة اآلن ،نجد أنها عبدالعزيز مشري ،أحد رموز التجربة متجاوزة ،ألن من كتبها مبدع حقيقي ،ال األدبية الطليعية في السعودية ،والذي يطمح للشهرة مطلقا بل أحب الكتابة تتسم تجربته السردية بالمغايرة والجدة واإلبداع.. واألصــالــة ،بأنه ال يجد نفسه حميميا
58
عبد العزيز مشري ..ال بد أن تقرأه مع حياة المدينة كثيرا ،ولــم يتعاطف األج ــي ــال الــجــديــدة ،الــتــي استسهلت مع إيقاعاتها الذائبة ،الخرسانية ،فمنذ الكتابة بتوفر التقنية الحديثة ..إنه كتلة البدايات القصصية األولى ،والتي لم تكن العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
عبدالعزيز مشري مع بعض أصدقائه
مدركة للدوافع واألهــداف الكتابية بعمق.. «كــانــت تلك األعــمــال -وه ــي فــي المدينة، والغربة الثقافية ..-تجعل أبطالها قرويين يتعاملون بالمنطق القروي والهيئة القروية، وقد صدمتهم مطحنة المدن الرافضة لكل القيم اإلنسانية البديهية والبريئة ،لم يكونوا غير متفاهمين مع ذلك اإليقاع ..بل أوجدوا نظاما توازنيا في تعاملهم معها ونجحوا.. لكنهم في الدواخل ال يتعاطفون مع أشكال ومــن تفاصيل الحياة اليومية القاسية، معطياتها الجافة». تــمــضــي أي ـ ــام طــويــلــة وقــاســيــة ومــحــاطــة في روايته «الوسمية» (دار أثر2018 ،م) ،بالجفاف ،وتتحول فيها آمــال الــنــاس إلى يحتفي مشري ،وبشاعرية شجية ،بتفاصيل رجاء حار يستعطف رحمة السماء ،وتتصدق الحياة اليومية في قرية جنوبية ،قبل أن النساء بمالبسهن القديمة ،ويخرج الرجال يغتالها األسفلت واإلسمنت! حب الذرة المكنوز في بيوت مئونتهم ،وتجعل في اللوحات األول ــى ،يصف عبدالعزيز منه زوجاتهم طبيخا لذيذا بالملح والبهار، مشري قلق األهــالــي بسبب تأخر المطر ،يقدمنه في الغذاء والعشاء. فــي االستقاء إال البنات الــمــدركــات ..قوة وتصرفا» ،بيد أن حميدة تعتبر «شباب هذا الزمان مدلعاً ،ما فيه تعب وراء الدراهم.. واحد يسافر إلى مكة ..وواحد متعلم يشتغل فــي وظــيــفــة ..يلبسون ثــيــاب بفت بيضاء، وعمائم نظيفة ..ويشربون الدخان من «أبو بس» ،لكنها تقتنع بأن ابنتها ستروح إلى بيت آخر ،وستكون لبنتها الصغيرة حياة طيبة.
وانــتــظــارهــم الــمــتــلــهــف لــلــفــرج ،وطــقــوس االستسقاء ،وعــادات الــزواج ،وحين تمطر، تغمر الفرحة قلوب الجميع ،كبارا وصغارا، وتمنع حميدة األرملة ابنتها من مغادرة البيت، عندما جاءها خاطب من قرية «الجبل» ،لكن أمها لم تمنعها من «االستقاء»« :ال يشارك
ويرى أهالي القرية ،بعد صالة الجمعة ،أن سبب الجفاف قلوب الناس الممتلئة بالحقد والضغينة ،ويكتمونها ،ويتفقون على قراءة «الراتب» ،باعتباره السبيل الوحيد لتطهير القلوب ،بينما يعترض بعضهم بأن «الراتب» ال يقرأ إال عندما يكون في القرية خائنا أو العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
59
مخربا لم يعترف بذنبه. وبــــعــــدمــــا أمــــطــــرت، يــعــمــلــون خــلــف ثــيــرانــهــم، وعند الظهيرة ،يحين وقت القيلولة والغداء ،يربطون ثــيــرانــهــم وحــمــيــرهــم في ج ــذوع الــشــجــر ،ويتغذون تــحــت فــيــئــهــا ،ويــشــربــون الــقــهــوة الــمــمــزوجــة بحب الهيل والزنجبيل ،ويشربون ال ــش ــاه ــي ،ويــجــلــس أبــو جـ ــمـ ــعـ ــان م ــت ــك ــئ ــا عــلــى مــرفــقــه ،تــحــت الــطــلــحــة، للف التمباك ،واالستمتاع بكيفه. لكن سرعان ما يكدر صفو هذه الحياة البسيطة ،بعض المنغصات المستوردة مــن الــمــديــنــة ،إن جــاز هــذا التعبير ،مثل حادث غرق الشاب في البئر ،بعد محاولته تــشــغــيــل مــحــرك ض ــخ ال ــم ــي ــاه ،فــامــتــأت األرض الزراعية ،المحيطة بالبئر ،بالناس والفوضى ،بعد انتشار الخبر المأساوي، وغلبت الحادثة على كل تقليد ،جاء الشبان، وجاءت الشابات ،وحتى العجائز اللواتي ال يخرجن إال فيما ندر ،وجاءت أم الميت مع من جاء على داعي الصوت ،ووقعت مغشيا عليها ،واتفقوا على دفنه قبل غروب الشمس، وألن الوسمية شغلت الناس؛ فالزرع يحتاج إلى السقي والرعاية والمتابعة ،وحراسته من الغنم التي يهملها رعاتها ،أو تعدي الحمير المتسللة ،التي تأكل الجهد وتأكل الــرزق، اتفقت النسوة على أن يساعدن أم الميت، بإحضار الماء واللقمة لها بين حين وحين، * كاتب من المغرب.
60
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
بــعــد م ــوت وحــيــدهــا،ألنــهــا عجوز تحتاج إلى مساعدة يومية ،بينما اتفق الرجال على بيع الــمــحــرك ،ودفــع ثمنه ألم صاحبه. ال ــح ــدث الــرئــيــس في الــروايــة هــو شــق الطريق، حيث اعتبرها الشيخ -في مشهد اســتــبــاقــي -تقرب البعيد ،وتبعد القريب ،لكن جــاء الخير وقلت البركة، مــنــذ أن أصــبــح الــصــديــق ينسى صــديــقــه ،والرحيم ينسى رحــيــمــه ،والــقــريــب يتعادى مع قريبه ،وأصبحت الفلوس هي التي تسوي الــرجــال ..تتحكم في القريب والبعيد ..خرب الزرع وقلت البركة ..وحفت الدنيا ..وأصبح الناس يحبون حنطة أمريكا، والشاهي السيالني ،ويسافرون ويجيئون. ومن يوم صار البترول يأخذ الناس ،وينسى الشباب أراضيهم وزراعتهم ،وحــق أبائهم وأجــدادهــم ..وص ــاروا يتمسخرون بالبالد وخيرها. آخر الكالم في حواره مع جريدة «الحياة» ،استحضر الكاتب الــراحــل عبدالعزيز مشري رفقته مع أحد القرويين« ،حين نظر إلى الطريق المكسوة باألسفلت ،قــال بحسرة« :زمــان كنا نموت واألرض حية… اآلن األرض تموت أمامنا ونحن نموت بعدها» ،وكان صاحبي يشير بمرارة إلى غلبة األسفلت على العشب في هذا األفق الذي ينغلق علينا !!».
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ُ ُ الو َجع" الحياة وإرباكاتها في "ضيوف َ قصائد هايكو للشاعر المصري حسين عيسى عبدالجيد نـــوارة لــحـــرش* ■ ّ
يقدم الشاعر المصري ،حسين عيسى عبدالجيد ،في ديوانه الجديد (ضيوف الوجع) ،الصادر عن دار يسطرون بمصر ،باقة من قصائده الشعريّة المندرجة في فن الهايكو ،وهو بهذا يضيف إلى مدونة شعر الهايكو في العالم العربي ،إضافة بشكل الفت( ،رغم قول بعض ٍ مهمة ،هي مدونة بدأت في اآلونة األخيرة تتشكل النقاد بعدم وجود الهايكو في العالم العربي) ،وفوق هذا تحجز لها مكانا وحيزا، أو لنقل خارطة مُ شرقة تحت سماء الهايكو. وكــمــا ه ــو م ــع ــروف وشـــائـــع ،ف ــإنّ التقاط تفاصيل العالم :الطبيعة ،الحياة
"الهايكو" ،هو نوع من الشّ عر الياباني ،والحاالت ،وغيرها من مكنونات الكون يُــكــتــب بــألــفــاظ بــســيــطــة ومقتضبة ،واإلنسان .كما يحتاج أحيانا إلى قدرة
يــحــاول كاتبه مــن خــالــه التعبير عن على العبث والسخرية ،وزوايــا متعدّدة
مــشــاعــر وحـ ــاالت وأحــاســيــس عميقة من الرؤية الثاقبة والمتفحصة لألمور
بأقل الكلمات ،تكون غالبا ،موزعة على وأكـ ــوان وســيــاقــات الــيــومــي والمعيش أسطر ثالثة؛ كما يتميّز بتكثيف الفكرة واإلنــســانــي وال ــواق ــع ومــكــونــاتــه .وقــد واخــتــزالــهــا بــعــدد قليل مــن الكلمات ،ازدهر الـ"هايكو" في مرحلته األولى في
ويعتمد صيغا قصيرة تحتاج كتابتها القرن ال ـــ17م ،بفضل "ماتسيو باشو" إلى ذكاء كبير وبراعة لغوية وخبرة في (1694/1644م) ،المُعلم األوّل لهذا العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
61
الفن ،وهو أحد أعظم شعراء اليابان ،وقام برفع سقف قصيدة الهايكو إلى أعلى مرتبة من مراتب الفن الرفيع. تكمن الفروقات واالختالفات بين قصيدة الهايكو التقليدية وقصيدة الهايكو المعاصرة، فــي التفاصيل المُحتفى بــهــا؛ فــاألولــى، تركز وترتكز على تفاصيل وصور الطبيعة والبيئة المحيطة بحالة اإلنسان ،وتحتفي بها وتضيء عليها وحولها؛ والثانية ،تتميّز أكثر بحاالت التأمّل الـرّوحــي وبالمشاعر واإلنسان ،وبنقل األحاسيس ،بإيجاز وبصور مكثفة ،وأحيانا بحكمة ولوحة فنية تقتنص من الدهشة الكثير. والالفت والمالحظ في العالم العربي في السنوات األخيرة هو توجّ ه الكثير من الشعراء لكتابة قصائد الهايكو ،والكثير من الدواوين والمجموعات الشّ عرية ،تصدر ك ّل فترة في أكثر من بلد عربي لشعراء عرب أغلبها في شعر الهايكو .هذا الفن الياباني األصل والمنبت الحساسية ،استقطب اهتمام الكثير من الشعراء العرب ،واستحوذ على شغفهم وعواطفهم .فما الّذي يجعل الشاعر العربي يستلذ كتابة الهايكو ،ما الّذي يجعله شغوفا بهذا الفن إلى الح ّد الّذي أصبحت فيه معظم تجاربه الشّ عرية تنتمي إليه: أجواءً ،وصورا ولغة وإيحا ًء وإبحارا ورفرفة وتحليقا وأسلوبا.
62
القارئ الميدياوي (نسبة إلى الميديا) الّذي أصبح ال تستوقفه الحياة إ ّال فــي مواقع التواصل االجتماعي ،حيث هناك عالمه وعوالمه التي أصبح كثيرا ما يستغني بها عن الواقع بك ّل ما فيه من تفاصيل وحيوات ومكونات حقيقية زاخرة باإلنسان وصخبه وتفاصيله .هل هذا القارئ الميدياوي لم يعد يهتم بالشّ عر المسكوب في القصائد الطويلة والدواوين الضخمة ،وأصبح فقط يكتفي بما قل ودل من فن الكالم ومن ِش ٍعر مسكوب فــي قصائد الهايكو والــدواويــن الصغيرة التي تتوزع عليها هــذه القصائد المسكوبة باقتضاب وبمنسوب قليل من اللّغة والكالم والمجاز ،وبمنسوب أعلى من الفنية والدهشة؟ هل الهايكو هو معادلة الحياة المقتضبة في الواقع ،المُتسعة في الخيال واالفتراضي؟
من جهة ،كثيرا ما أصبح الشاعر ينتصر لقصائد الهايكو والومضة والشذرات ،ومن جهة أخرى القارئ العربي للشّ عر (وعكس ما يُقال إنّه ال يحب إ ّال المطوّالت والمعلّقات وال يحفل بالقصائد المقتضبة) ،فهو يذهب إلى قراءة هذه النماذج المختلفة من الشّ عر (الهايكو ،الومضة ،الشذرة) التي اكتسحت خــارطــة فــن الشّ عر العربي فــي السنوات القليلة األخــيــرة ،وهــي نماذج تشترك في اقتصاد اللّغة وكثافة الصور وقــوة المجاز واالســتــعــارات ،وأحيانا وفــرة الــوضــوح .ما هل الحياة العربية ومعها (حياة الفرد يمكن القول إنّ فن الهايكو ،قد وجد أرضا واإلنسان والشاعر العربي) أصبحت أضيق خصبة في تضاريس الشّ عر العربي ،وصارت مــن أن تَحتمل النصوص المطولة؟ وهل له مكانة كبيرة بين أنواع الشّ عر األخرى ،إن
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
في ديوانه (ضيوف الوجع) ،يرتكز الشاعر المصري حسين عيسى عبدالجيد ،على أجواء الهايكو ،ويفتتح تجربته الشّ عريّة على عوالم تلتقط تفاصيل الحياة والحبّ والخيبة واألفاق المشرعة على أمنيات قليلة ،بكثير من الشّ عريّة ،وبفنيّة ممزوجة بلذائذ من الــصــور التي تفاجئ الــقــارئ ،كما لــو أنّها هالل أعياد من اللّغة ،أو باقة من المفردات المقتضبة التي تدفعه للتحليق والرفرفة، والتي رغم اقتضابها تفيض منسابة بفن على لحظته الشعريّة ،خالقة له أرجوحة تذهب به بعيدا عن مآزق اليومي التعس ،لتوصله إلى ٍبر من خيال الشِّ عر والصوّر؛ فيبرأ قارئ النصوص من مآزق ومطبات اليومي ،ومن حالة السأم التي كثيرا ما تُطبق عليه بسبب وتيرة الحياة المتأججة بالقلق الوجودي الّذي أصبح هاجسا يؤرق إنسان اليوم. نــصــوص الــشــاعــر حــســيــن وُفِ ــق ــت في اســتــخــدام لــغــة حــسـ ّيــة وبــصــر ّيــة فــي ذات اللحظة ،كما وُفقت في خلق مشاهد جمالية رغم بساطة التراكيب أحيانا .الهايكو عند الشاعر حسين ،ابن دالالت وصور ومجازات وإحــاالت غنيّة بحاالت وتفاصيل إنسانية، وجدانية ،وجودية ،مُربكة أحيانا ومُرتبكة فــي أحــايــيــن أخ ــرى بسبب ضغط الــواقــع وتراكماته.
الشاعر وهو يتناول هذه الموضوعات/ المواقف .يريد أن يقول أنّ اإلنــســان ابن سياقات طبيعية عادلة ومُنصفة ومجحفة وجاحدة وجارحة أيضا ،وأنّ هذا اإلنسان مهما وصل في حياته إلى مراتب ودرجات، ومهما تفاوتت وتنوعت تخبطاته في الحياة، إ ّال أنّه يصيبه ما يصيب ك ّل الناس ،فأمام تعدّدت الموضوعات في نصوص حسين ،الغرق ،أمــام الموت ،أمــام الكوارث واأللــم، وتــع ـدّدت مستويات اللّغة والشعريّة ،كما يتساوى الغني والفقير ،ويتساوى ك ّل البشر. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
لم تكن مكانته هي األوســع واألرحــب على اإلطالق.
تعدّدت الــرؤى وتفاوتت درجة القبض على الهامشيّ واليوميّ وروح الداخلي ورحابة الخارجي .فمثال ،يصف الشاعر ،الربيع الــعــربــي بالفقاعات ال ــس ــوداء ،فــي صــورة مــوجــزة وفيها إحــالــة تفي بحالة الخراب ا ّل ــذي آلــت إلــيــه ث ــورات مــا سُ ــمــيّ بالربيع العربي" :بالونات سوداء/تفرقع ك ّل حين/ ربيع العرب" .وهو مشهد صادم يصف بأقل الكلمات وبكثافة ،ربيع العرب ا ّلــذي تحوّل إلى فقاعات سوداء وخراب يُط ُل على خراب. وفي مقطع آخر يُوثق شعريا للمأزق الدموي العربي" :كـ ّل حين ،يمتزج باألحمر ،الثرى العربي" .هذا الثرى ا ّلــذي تنفتح مواعيده ومواقيته على اللون األحمر/الدم .إذ كأنّ الــدم هو قدر الثرى العربي ،قــدره األحمر المُمتد في ك ّل الخارطة العربية من المحيط إلى الخليج .كما يعتبر في مقطع آخر أنّ القانون اإللهي ،قانون عدل يتساوى أمامه الفقير والغني" :فــوق سطح البحر ،تطفو جثتا الغني والفقير ،قانون إلهي" ،فال أحد هنا فوق الغرق ،وال جثة أفضل من األخرى طفو فوق سطح البحر.. في لحظة ٍ
63
وفي نص آخر يصف الشاعر بكثير من غير متوقعة ،وتربكك بداياتها على نهايات الكثافة واأللم حال من تبيع الحليب لكنّها صادمة .جميلة وفيها مراوغة فنيّة الفتة تموت في ال ــدروب بنقص في الكالسيوم ،ومُحببة. صــورة مُربكة ،أبــدع فيها الشاعر" :بنقص ضيوف كُثر على طاولة الهايكو ،يتشاركون ٌ في الكالسيوم /تموت في الــدروب /بائعة لــذائــذ اللّغة والــصــور واإلحــــاالت" :خصر الحليب" .هنا مفارقات الحياة وإرباكاتها ،الوطن ،الناي الحزين ،بارود األوغاد ،اإلناء فكيف لبائعة الحليب أن تموت بنقص في الفارغ ،سوط الحياة ،جوف الليل ،العناق الكالسيوم؟ كيف لحقول خصبة ال تثمر الحار بين المنديل والدموع ،الغرق ،الريح، بالنّور واألمــل وبأغنيات تلوّح بالطمأنينة إزميل الوجع ،الحب القديم ،طيور الحب، لك ّل اآلتي ،وللغد المركون على حافة القلق وشــوشــة الــنــســاء ،اســم األنــثــى التي تصير والترقب واألح ــام المعطوبة؟ فهذه التي بمثابة توقيت وأكوان وحيوات ،وشجرة فرح تموت بنقص في الكالسيوم رغم أنّها بائعة ومطر ،وحتى يدها تصير ملعقة ،فتنتفي للحليب ،تكون ميتتها غير مُنصفة ،ميتة حاجة اآلخر ألداة أخرى للطعام ،فيدها تفي جاحدة .يعني أنّ هناك "خلل" في منظومات بغرض الملعقة ،كما يصير حضنها موقِ دُه، الحياة برمتها ،وإ ّال لما حدث هذا الموت كما تصير أصابعه بمثابة شموع ،فال تحتاج بسبب نقص الكالسيوم لبائعة الحليب. للضياء في الظالم ،ألنّ أصابعه كفيلة بخلق حسين ،يذهبُ إلى تحميل الرسوب في الضياء ودحر الظالم والعتمة."... الحياة إلــى "األخ ــرى- ،هــي ،-شريكته في إنّ قصائد الهايكو عند الشاعر حسين، الكوكب"" :مــادة رسوبي في الحياة ،أنـ ِـت" .تصير حاملة لمكنونات الحياة ومشتقاتها، الــمــرأة ينبوع الــحــيــاة ،فــجــأة تصبح مــادة لمكنونات المعاناة ومشتقاتها ،بقوّة الشّ عريّ رسوب الشاعر/اإلنسان .هنا مفارقة فيها الــقــابــض عــلــى الـ ُمــنــفــلــت مــن ك ــوة حــاالت الكثير من وجع العالقات المُربكة التي تكون إنسانية وعربية وفردية ووجدانية مختلفة، جحيما لآلخر ،اآلخــر :هــو .واآلخــر :هي .هــذا االنــفــات يلتفت له الشاعر ويطوّقه فمثلما ،وربّما بالقدر نفسه الّذي قد يكون باللّغة والشّ عر وكثافة الصورة أحيانا .إنّها هو مادة رسوب الحياة ،تكون هي أيضا. تجربة تولد من تربة التفاصيل الصغيرة
64
في نصوص حسين ،نجد كائنات وحاالت كثيرة في مرتبة "الضيوف" ،ضيوف على الشِّ عر والـلّــغــة .ضيوف على وضــوح األلــم واإلربــاك ،ضيوف على تقطيبة الحياة مرّة وعلى إشراقها ولــو بمقدار أو خجل مـرّة. نــصــوص تصدمك نهاياتها على بــدايــات
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ومن هوامشها الكثيرة ومن حوافها المعتمة. تجربة تضيء على خدوش اإلنسان وشروخه وكدماته ،وعلى تناقضات العالم الداخلي والــخــارجــي .قصائد تقبض فــي كــ ّل م ـرّة على ما يفلت من الواقع ،وعلى ما يخرّبه ويزعجه ،باللّغة ،أوّال وأخيرا .اللّغة العارفة،
الــشــاعــر يــفــضـ ُح أيــضــا بــال ـلّــغــة ،ويشير إلــى األقنعة التي أصبحت لصيقة بالبشر، وأ ّن ال (بشر حقيقي) في زماننا هــذا ،وأ ّن المجنون وحــده ال يرتدي أقنعة" :وحــده ال يرتدي قناع المجنون" .وفي مقطع آخر ،يرى أ ّن أشجار بال عناء" :كاملة األوصــاف تثمر بال عناء ،أشجار الوجع" .أمــام الوجع تثمر هذه التنويعات اللغوية والشّ عرية والفلسفية، وتفاوت مستويات النظرة لمختلف سياقات األفــكــار والموضوعات والــحــاالت ،نكتشف قــدرة الشاعر على الخلق وعلى إيناعه في حضرة مرآة متشظية بشؤون الحياة واإلنسان والواقع. ومن الصور الجميلة التي حفلت بها بعض مقاطع الديوان ،صــورة يقول فيها إ ّن الّذي يسبب أو ا ّل ــذي يرتبط بحفيف األشــجــار، وشوشة النساء ،ال الريح" :حفيف األشجار/ ال يرتبط أبدا بالريح /وشوشة النساء" .هي صورة مترقرقة ورقراقة بالنعومة وبشاعرية مفرطة وفائضة بالجمال. ما يلفت القارئ لنصوص الشاعر حسين، هو قدرته على خلق ألعاب فنية في صوره الشعريّة ،إذ يالحظ القارئ الذكي هذه اللعبة وهي تتجلّى في الكثير من مقاطع الديوان، فبعض المقاطع تصلح ألن تُقرأ أيضا من أسفل إلى أعلى ،فبعد نهاية قراءتها بشكلها العادي، يمكننا إعــادة قراءتها من تحت إلــى أعلى. وهنا تكمن براعة الشاعر حسين في إتقان
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
اللّغة الضمّادة ،اللّغة المأوى والمالذ.
لعبته الفنيّة ،التي تجعل المقاطع قابلة للقراءة من األعلى لألسفل والعكس ،وهذا ال يحدث عند الشعراء إ ّال نادرا .فهذا المقطع مثال في صيغته األولى جاء هكذا" :بك ّل هدوء /يمكث منتعال قلبي /حبيب العمر" ،وفــي صيغته الثانية ،أيّ القراءة من األسفل لألعلى يكون هكذا" :حبيب العمر /يمكثُ منتعال قلبي/ بك ّل هدوء" .والشيء نفسه في هذا المقطع: "صوب الشرق /يتوجه دائما /بارود األوغاد". وتقابله القراءة الثانية" :بارود األوغاد /يتوجه دائما /صوب الشرق" .والشيء نفسه في هذا المقطع" :بنقص في الكالسيوم /تموت في الدروب /بائعة الحليب" .إذ يمكننا قراءته من تحت دون أن يختل المعنى أو تتأثر الفكرة: "بائعة الحليب /تموت في الدروب /بنقص في الكالسيوم" .أيضا يمكن قراءة هذا المقطع قــراءة معكوسة" :فــي ملعب الحياة /كــرة ال تمل ركال /شعوب العرب" ،إذ تصبح هكذا: "شعوب العرب /كرة ال تمل ركال /في ملعب الحياة". مــا يمكن قــولــه فــي األخــيــر أ ّن الشاعر حسين عيسى عبدالجيد ،قــدم لنا بفنية وإبداعية ،مجموعة قصائد هايكو ،حفلت وترقرقت بالكثير من الفن والشّ عر والخلق، وأ ّن تجليات الحياة وإرباكاتها كانت جليّة وفسيحة في هذه النصوص التي أكيد ستبهج القارئ وتفتح شهيته أكثر على ينابيع الهايكو وحدائقه وسمواته.
* كاتبة من الجزائر. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
65
أوراق ض المُ عارِ ْ طــوال فترة سجنه؛ شَ َغلَ ُه الــســؤال عمّن كان يُسَ رِّبُ تفاصيل االجتماعات التي يُجريها في بيته للدائرة األمنية. شهر؛ ف ُِص َل من الحزب ،و ُعيِّنتْ زوجتَ ُه بعد ٍ مكانَه -في الدائرة السياسية. ذوبان ما َل إلى عنفوان حَ َرنِها: كوني سيجارتي وسأكون قهوتك.ظل يقد ُح شرا َرهُ حتى ذاب فنجانَها بين أصابعه الخجولة. رخصة الشاب المصاب بالشلل الرباعي .انفرجت أسارير كآبته بعد زيارة أصدقائه مبارك حصولك على رخصة قيادة السيارات منالفئة الثالثة كابوس الزعيم أص َد َر زعي ُم القبيلة أوامِ ـ َرهُ بإتمام اإلجراءات ْ الالزمة إلعدام شعراء قَبيلَتهِ. جلس في خيمته الوثيرة مزهوّا. هطل المطر بغزارة .انتبه لوجود رجل مهلهل الثياب يقف متحفِّزا. من أنت؟ وكيف دخلت إلى هنا؟ أنا شاعر صعلوك ،وقد أمرني أمير الشعراءأن أقتلك. نظر إليه زعي ُم القبيلة مستهزئاً: لكنك ال تحمل سالحا. سأقتلك بقصيدة. * قاص من األردن.
66
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ عمار اجلنيدي*
انتفض على ُم ِّت َكئِهِ مبهوتا ،وراح يصرخ ويطلب العون والمساعدة. صفعته راقصة القبيلَةِ على وجههِ ؛ داعية اهلل أن ينقذ زعي ُم القبيلة من كابوسه اليومي. شموخ شاعر أُلْقِ ي القبض على الشاعر بتهمة مناهضة نظام الحكم واالنضمام إلى الثورة ،وحكِ َم عليه باإلعدام رمياً بالرصاص في اللحظة نفسها التي ألقي القبض عليه فيها. وبينما الجنديان يتأهّ بَان إلطــاق الرصاص عليه؛ راح يُلقي بأشعاره؛ شامخاً غير هيّاب من اإلعدام ،وينشد بصوت رجولي واثق ثابت ،وهما ينظرانه بإعجاب وهيبة: «ما اإلنسان دون حرية يا ماريانا قولي لي كيف استطيع أن أحبك إذا لم أكن حراً كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي كيف؟؟» انتظراه بتهيّب وإعجاب لحين إكمال قصيدته، دمعَا بقهر ،ثم أطلقا الرصاص. التهمة قبيل بــدء المحاكمة؛ سلّم ُه الحاجب ورقــة. تمعَّن فيها جيداً .نظر للحاجب وغمزه باليمنى. واثق: بدأ القاضي جلسة المحاكمة بصوت ٍ لقد حَ كَمنا على الــشــاعــر الــمــاثــل أمامكم:باإلعدام قهراً. ضجّ ت جنبات المحكمة بالصراخ المُستهجَ نْ. نادى القاضي على الحاجب .سأله باهتمام عن تهمة هذا الشاعر ،فقال غاضباً: -لقد كتب قصيدة عنوانها «كِ ْش َملِكْ »!
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
شامة سوداء ■ عبدالرحمن الدرعان*
«مشكلة كل قصة أننا نرويها بعد وقوع الحدث»
تشاك بوالنك كــانــت أم ــي تجلس كـعــادتـهــا فــي الـصـبــاح الـبــاكــر وح ـيــدة مـخـفــورة بالهواجس واألدويــة ،تطوّق معصمها مسبحة عتيقة ،هي كل ما تبقى من جواهرها ..تكاد لفرط استخدامها أن تردد من خلفها التسابيح .والخادمة تتحرك بشكل آلي، مثل الدمية الكهربائية ،بصوتها الحاد تثرثر وهي تناولها الدواء .ثم تعالج شاشة التلفزيون وتبحث في جهاز التحكم عن المسلسل البدوي الذي تتابعه بشغف كبير ،وتضع سماعة الهاتف في أذنهاـ وتتحرك على إيقاع أغنية آسيوية يتسلل منها خيط موسيقى خافتة ،يظهر من خريطة االنفعاالت على وجهها المدور، تتحدث عن الغياب وضــراوة األيــام واألعياد التي ال تجيء ،والمطارات البعيدة، واألطفال التائهين على أرصفة الموانئ. صــبــحــك اهلل بــالــخــيــر؟ وأجــلــس مشهدًا صامتا ،تقطعه بسؤالها اليومي قبالتها ،ألضــع الشريط النحيل في إن كنت عثرت على أي خبر عن أخي موقعه على جهاز الفحص ،وألصق الغائب .أشعر بالدمامل تتفجر بداخلي القلم الــذي ينتهي باإلبرة على باطن وأفكر :هل تشعر بدنو أجلها؟ وما هذا إبهامها ،بعد وخزة سريعة ..تنفر قطرة الــســؤال إال غــطــاء ت ــردم بــه مشاعر الدم بصعوبة بينما تك ّز أسنانها ،نقوم الخوف على ابنها الذي سوف يصارع بذلك يوميا بحركة آلية ،كأننا نمثل الدنيا عاريا ووحيدا. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
67
يعوي ذئب الحزن في أعماقها وتتنهد :مفقودة .ولكي أنقذها من هذه التراجيديا سبحان من رد يوسف إلى يعقوب .ولكي سألتها على سبيل المزاح ،إن كانت وقعت تخفي هواجسها وتــبــرر إلحاحها تعقِّب في غرام األب األرمل ،وندت عنها ضحكة قائلة :إنها رأته مجددا في منامها البارحة تحرك على أثرها جسدها بكامله. يلوِّح لها بسنابل القمح ،وأسراب من الطيور تحوم فــوقــه .وأكملت كالمها على سبيل االعــتــذار عن روايــة التفاصيل :إن روايــة الحلم على الــريــق يجلب النحس والفأل السيء. وأغمضتُ عينيّ ألرى من فوهة الجب ســمــا ًء صغيرة ،وصــبـ ًّيــا تمضغه الوحشة وينتظره السجان.
اليوم الخميس؟ سألت بصوت شاحب. وجــاءت إجابتي مصحوبة بإشارة نفي: اليوم الجمعة. ولم تعلق إال بقولها :اهلل يجمعنا على طاعته. كانت تعالج مكان الــوخــزة في إبهامها عندما سألتني عن مستوى السكر .. بينما
ع ــادت تــحــدق فــي التلفزيون وتغمغم تصوب بصرها تجاه الشاشة. بكلمات غامضة ،وأسرت بها الذكرى إلى
عوضا عن إخبارها بأن السكر تجاوز
جارتنا بتراء أم حسين قبل أن تشتتنا األيام طاقة العداد ،داعبتها بالقول :أنت عسل مع اشتعال نيران الطفرة وارتحالهم بعد يا أماه .فنحن (هي تعلم أنني عندما أقول
وفاتها .تنشط ذاكرة الماضي عندما ال يجد نحن ..فإنني أعني ذوي البشرة السوداء) المرء له عمال سوى انتظار الموت. يجب أن نقيس نسبة العسل والموسيقى في كنت يــا مــســرور أنــت وحسين تــوأمــان دمائنا! تنامان على صــدري وتتقاسمان الحليب
وقــفــت ســورانــيــا على بعد خطوتين..
معا ،أرسله اهلل ليكون الواحد اثنين ،بعد أن وأصـــدرت م ــواء صغيرا بعد أن ضبطت نهش الخبيث صدر أمه ووضعته أمانة على مستوى الــصــوت فــي التلفزيون بالدرجة صدري ورحلت.
الــكــافــيــة اللــتــقــاط الصهيل الـــذي انــدلــع
وتــنــهــدت مـ ــرة أخــــرى وهـ ــي تــذكــرنــي على الشاشة .كانت الحلقة األخــيــرة في بالشامة السوداء في وجهه ،ما جعلني أفكر المسلسل الذي ال تفوّت متابعته في قناتها
68
ال بالبحث عــن شــخــص ..بــل عــن شامة األثــيــرة قــد ب ــدأت بمشهد حــصــان يخرج العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وثمة صــورة مشوّشة لشيخ أشعث الشعر الدوامة غير المرئية. تقترب منها الكاميرا لتظهر بالتدريج نقاوة
لــو حــدقــت مــن عــلــو شــاهــق عــلــى هــذا
مالمحه وخصالت شعره الزرقاء ،يقف في المكان المربع ،لرأيت ما يشبه صورة لغرفة مقدمة الخيمة واضعا راحــة يــده كمظلة العمليات ،حيث يبتر رئــيــس الجراحين
واقية من الشمس والغبار ،يتعقب بعينيه الجزء الفاسد من جسد المريض .هذا أثر الحصان القادم ،وفي لحظات تضيع هو ما أقوم به أيضا .وكالطبيب أخرج من
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
من عاصفة غبار قاتمة عائدا بال فارس ،النوافذ المعتمة ،وتوقفت على مقربة من
مالمحه وال يبقى سوى عينيه الذاهلتين ،غرفة الجراحة وأتناول غدائي بشهية ال ويطلق من قاع حنجرته صيحة جزع سوداء يعتريها أي تقزز! ثم -بعد أن يتأكد من المعنى الذي تترجمه حركة الحصان اللولبية وهــو يــدور حول نفسه -يجثو على ركبتيه بجوار موقد النار
كان كل شيء مرتباً ،والحشود تتدافع وتــتــجــمــع عــلــى مــحــيــط الــســاحــة بعيون مشدوهة ،محدثة جلبة لم تتوقف إال عندما
ويسكب أباريق القهوة والشاي على النار ،سمعنا طقطقة مفاصل الــبــاب الخلفي لتنتقل الكاميرا إلى عمق الخيمة ،فهناك ينفتح من الداخل ..وقد حانت التفاتة من امرأة تولول وتمزق شالها على أثر الصيحة ،رجل ضئيل الجسد معصوب العينين كأنه وتحدِّ ق في الرجل المنكبّ على بيت النار .يفتش عن عينيه .بدأت والجنود المكلفون
يتوقف المشهد قليال على خيوط الرمل بالمهمة في هذه اللحظات نتبادل الحديث بالتزامن مع موسيقى جنائزية حزينة. بواسطة اإليماءات لكي ال يشعر بوجودنا. قبل أن أخرج الطفتها وأديت لها تحية يستخدم اإلنــســان اإليــمــاءات؛ ألنــه يدرك
عسكرية ،بعد أن تأبطت السيف النائم في بعكس الحيوان عبء وجــوده .وربما كانت هي الشيء المتبقي من الرقص الذي كان غمده منذ شهور. وج ــدت الــدوريــة تنتظرني ،نــزت منها وصــلــة م ــدوي ــة ،وانــطــلــقــنــا إلنــهــاء بعض
اللغة األولى لإلنسان قبل أن يخترع الكالم!
همس الضابط القريب من مؤخرة العربة
اإلجــراءات المعتادة ،ثم انتقلنا لنصل إلى بكلمات مقتضبة تصاحبها إشارة غامضة: ساحة العدل مبكرا تحت حراسة الجنود ،إنه يشعر بالصداع. وانتظرنا حتى وصلت العربة السوداء ذات
تقدم اثــنــان مــن الجنود عند الساعة العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
69
الواحدة بالضبط ،الموعد الــذي ستكون من الرأس الذي اليزال يتدحرج طريا ندت أمي عندها تغالب النعاس وتصغي إلمام زفرة أخيرة تشبه الشخير (حسين). هب الــحــرم وهــو يختم خطبة الجمعةَّ . جــنــدي ثــالــث لمساعدتهما فــي إن ــزال ما يشبه كتلة رخــوة من الباب الخلفي، يخاصرها اثنان أقل طــوال ،ومشوا بضع خطوات باتجاه الموقع المخصص .كان ثوبه ناصع البياض وعنقه األقل بياضا من جسده مكشوفا بال ياقة. ي ــدي م ــش ــدودة عــلــى مقبض السيف والصمت يشيد فوقنا قبة خرساء ويطهو المكان عــن آخ ــره إال مــن دبــيــب شاحب يجرح الصمت :معكم بنادول؟
أهو خطأ في الكتابة ،أفضى إلى خطأ في الــقــراءة انتهى بــدوره إلــى خطأ في التوقيت ،أم هو خطأ في الشخص. لست متيقنا تماما؛ ألن مشكلة القصة أنها تروى بعد وقوع الحدث .لكن المؤكد أنــنــي رأي ــت تلك الشامة الــســوداء التي وهبتها له أمي على الصدغ األيسر كانت بـــارزة ،ربما كانت وشما أو أثــرا لجرح أو وحمة أو قبلة محترقة ،ورأيــت شيئا يتدحرج ويرتطم بركبة امرأة وحيدة تجلس في وضعية التشهد األخير كزهرة األبنوس
ب ــدأت طــقــوس الحفلة بــتــاوة البيان برفقة خادمتها اآلسيوية التي كفت عن الــــذي حــفــظــه ال ــق ــارئ ع ــن ظــهــر قــلــب ،المواء في الجوال.
واقتربت بخطوات النمر ألقف على مسافة مــدروســة ،متأهبا وواثــقــا ،أجــس بعينيين مدربتين فــقــرات العنق لتعيين الخط البياني الذي سيمر عليه بعد قليل لسان السيف ..أصغي إلى الكلمات األخيرة في البيان في انتظار اللحظة التي تواطأنا
للحظات وجدت نفسي في مكان معتم، بارد ،بينما الرأس يتدحرج ،ال أعرف إن كان رأسي أم رأس حسين أو رأسا متخيال لشخص ثالث ما يزال ممعنا في الغياب. التحيات هلل ،يــتــدحــرج ،والــصــلــوات،
على أن تتزامن مــع الضربة الحاسمة .يــتــدحــرج وينفجر كــالــصــنــدوق األســـود،
راسمًا والطيبات .وفي خلفية المشهد تتناهى كنت على وشك أن أهوي بالسيف ِ قوس النهاية ،انزلقت من شفرته ومضة إلى مسامعي جوقة أصوات مترامية قادمة
البرق ،عندئذ تناهى إليّ اسمه في اللحظة من مكان بعيد« :ياحسين أنا عيني سهيرة الضائعة :حسن بن راشد بن حسين الراوي .ما تذوق المنام».
70
* قاص وكاتب من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ محمد الرياني*
أو ُّل لــيــلــة جــمــعــتــنــا ،ك ــان ــتْ غــرفــة الكأس من يدها وشربته دون الحاجة الــصــالــون الصغيرة بـــأروع مــا تكون ،إلى أنبوب الشرب. لونها األصفر الهادئ ،الطاولة الصغيرة اقــتــربــتْ مني بمقعدها وأصبحنا الــتــي أخ ــذتْ لــون الــغــرفــة ،المقعدان متجاورين ،بدأنا نستعيد الذكريات، المتقابالن اللذان توشحا لون األصيل، قالت ذات يوم جئتَ صغيرًا وبيدك حب ٌة توسط الطاولة كأسان يمتآلن بعصير َ من ثمار هذا العصير ،وكانت تشير إلى وقطع من الكعك الطازج ،بينما ٍ المانجو الكوبين الفارغين ،أنــا أحــب المانجو هي تتجمل في الغرفة المجاورة.. وأحتفل به عندما يزورنا موسمه ،كنتَ كنت أفكر في هــذا العصير؟ كيف تــأكــل ونفسي تــكــاد تــخــرج ،قــالــوا لك عرفت هذه الغريبة أنني أحب المانجو أطعمها ،وضــعــتَ يــدك خلف ظهرك أو عصيره ،لم أشأ أن أ ُعكّر أول ليلة وقلت ال ال ،ح ّــقــي ..حـ ّقــي ،انكسرتْ بسؤال ربما يكون استفزازيًا ٍ نلتقي فيها نفسي ،حفظتُها لك. أو مثيرًا. كـ ــبـ ــرتُ ..ونــبــتــتْ عــنــدنــا أشــجــار حضرتْ وجلستْ في الجهة المقابلة، المانجو ،أصبحنا نأكل ونعصر ،أعرف كنتُ أشرب العصير البارد بشراهة عبر أنك تحب المانجو بشراهة ،أردتُ أن األنبوب؛ بينما هي تنظر إليّ بابتسامة أعاقبك على طريقتي. س ــاح ــرة ،وتــتــأمــل ه ــذا الـــذي يشرب ضــحــكــتُ وبــكــيــتُ وهـــلَّ دمــعــي من بشراهة دون أن يشاركه أحد في هذه المناسبة ،أتممتُ شرب العصير حتى قولها .حملتُ الكوبين إلــى الــداخــل، أحدثتُ صوتا في قــاع الكأس وعيني وجدت ثمرتين ،عصرتهما ومألتُ بهما على الكأس اآلخــر ،وأقــول في نفسي :الكوبين ،وضعتهما على الطاولة وبدأت لوال الحياء أللحقته بصاحبه. أسقيها ،كانت تشرب وتضحك..
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
بذور المانجو
نطق لساني وقــلــت :ل ـ َم ل ـ ْم تشربي قــلــتُ لها مــعــتــذرًا :هــذا كــأس عن عصيرك؟ ضحكتْ بعمق وقالت :هنيئا .الطفولة ،والثاني طلبا للسماح .وضعتْ هو لك. بنفسها أنبوبة في جهتها ،وأنبوبة في عندما رأيتها بهذه الجرأة ،تناولتُ جهتي واقتسمنا كأس االعتذار. * قاص من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
71
ما يشبه القتل! ■ حنان بيروتي*
كــأنــي غــارقــة فــي نــوم ثقيل ،لــم أم ــت ،مستلقية على ســريــر فــي غــرفــة العناية وعرفت الحق ًا أنــي أصبت بجلطة دماغية ،ولم ُ وقعت أرضــا ُ المركزة ،أتذكر أنــي أفقت وبت أسمع ما يدور حولي، ُ أ َر غير غباش ثم ســواد ،ال أدري كم امتد ،لكني عيناي مغلقتان ال أرى إال بطرف عيني اليمنى التي ارتـخــى جفنها عــن فــراغ، يتحدثون عني بصيغة الغائب ،الطبيب يقول :هاي بعدها ما ماتت؟! أمي وأبي يأتيان وهما يبكيان؛ لماذا ك ُّل هذا الحزن؟ حتى أختي التي جاءت من أمريكا أراها ترتدي مالبس جديدة، أين هديتي؟ لماذا لم تحضر لي هدية معها كما اعتادت؟
وحدي ،أتذكر ،أفكر بكل ما حدث معي، أبكي بال صوت ..بال حركة ،أنا مشلولة ونائمة ،ال أستطيع التحرك والتعبير، أتــســاءل :مــا ال ــذي حــدث كــي تقترب الممرضة مني وبيدها مقص ،تسحب الطاقية الزرقاء الشفافة عن رأسي، أسمع صوتًا أنثويا بعيدا« :بكفِّيها اللي فيها ،حرام»!
أنــــا عــلــى قــيــد ال ــح ــي ــاة ،فــلــمــاذا يتصرفون كأني المرحومة مــع وقف التنفيذ؟ الممرضة تقترب مني ..ألمح صوت قريب :خسارة فيها هالشعر، اسمها المكتوب المعلق على صدرها وأسجله في ذهني ،أفكر بأني أتألم هي ميتة ميتة!
72
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
أســمــع صـــوت جـــ ّز ش ــع ــري ،أبــكــي وال أستطيعه والشعور بالعطش ،أحاول الطلب أستطيع الدفاع عني،عن نفسي ،لكني أبكي من الممرضة ،أشير لها بيدي التي أستطيع باختناق ..بال صوت بعمق ،ال أحد يسمعني ،بالكاد تحريكها :إني أريد ماء ..أطلب ماء، َّ يحس بي، ُّ ال أحد أحس بدمعة تسيل على لكنها تضحك بال مبرر :ماذا تريدين :قهوة؟ جانب خدي حيث ثُبِّت رأسي جانبيا ،تلقي «بدك نيجي نشرب قهوة معاً»؟ بخصلة شعري األســود الفاحم الذي ربيته تضحك تضحك ،لماذا تكثر من الضحك من عمر على األرض أمامي ،أتخيل منظر المقزز؟ الضحك من طرف واحد مع آخر شعري المجزوز على البالط.. يكابد األلم الجسدي والنفسي ..أمر مؤلم ذاكرتي تحتفظ بنثار من مشاهد متفرقة يشبه القتل ،تواصل ضحكها وأواصل ترديد تشكل في مجملها فسيفساء موجعة ،أتذكر حــروف اسمها مــن البطاقة المعلقة على كيف يغسلون المريض فــي غرفة العناية صدرها ،أنقشها في ذاكرتي ،أرددهــا كيال المركزة بالبربيش ..كما تنظف السيارة تتوه مني.. المتسخة ،وكيف كانوا يرشقونني بالماء، ك ّل شيء يتحول إلى ذكريات ،تداعيات ويتركونني منقعة بالبلل المزعج ،يلبسونني تتدفق لذاكرتي بعد استفاقتي من الغيبوبة، بخشونة كأني قطعة لحم ميتة!.. أسمعهم يتحدثون «مين مات اليوم؟ هذا أول ما استطعت لفظه هو حرف» م ممممم م ــات ،يسحبونه ويكفنونه ،ثــم بــكــاء أهله تحول ل مماما ،وكانت أمي التي استقالت وأقاربه ،تذمر الممرضات وشكوى األطباء ..من وظيفتها لمرافقتي ،وواصلت رعايتي ال كأني عــدتُ طفلة رضيعة فــي حضانتها، أنام ،ال أعــرف ..لكن النوم يأخذني طوي ً طــوي ـاً؛ ألنــي عندما أستفيق أرى موضع ربما ضاعت مني تفاصيل كثيرة في تالفيف األســـــرّة ف ــارغ ــا ،إنــهــم يــشــطــفــون األرض الجلطة الدماغية التي أصبت بها ،لكن ما ويغيرون شراشف األسرّة لعلهم يودعون أحد ال أنساه هو تقدمي بشكوى ضد الممرضة رفاقي ،الموت هو الزائر الحميم هنا ،بعض التي جزت شعري وأســاءت معاملتي كأني األمكنة تفتقد فيها الدهشة فتستعيض عن جثة ،ما أزال أذكــر محاولتها اإلنكار ،لكن الرتابة بالتكرار ،هنا يتكرر الــمــوت ،لكن اسمها منقوش في ذاكــرتــي ،ما أزال أذكر استقباله بارد ،كأنه اعتيادي قريب ومتوقع صوتي وحروفي مثقلة بلساني الثقيل ..وأنا وربما منتظر ،ال أحد يخاف منه كأنه صديق أكــرر شــكــواي ،ووجــه الممرضة المنصدم كثير الــزيــارة ،البكاء األخ ــرس أقــصــى ما بدهشة من رأى ميتا يرجع للحياة!
* قاصة من األردن. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
73
خليلي زورا ρρأحمد املتوكل بن علي النعمي*
خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــيّ زورا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــل ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ص ـ ـ ـبـ ـ ــا وإن ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا درب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ومُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّا ب ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــر س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وواسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــاه ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق ال ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا ورِ قّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دنـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه أو يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا وال ت ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ــإنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــي ألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدب ـ ـ ــا وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواري ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارك اهلل فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ــا ـدت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوال لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن آذت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــق غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادةٌ أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا تـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟ أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ــا وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــب ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوة وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء ن ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــوه ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى هـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟ أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــو إذا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره ـ ـ ـ ــا أم ال ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأس ي ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا؟ أال لـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــت ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري كـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــف جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـو َْصـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــدٍّ بـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أن ذقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــا؟ وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادت عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودة تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجّ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت تـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ضـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ــرحـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــا أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ــا أنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا بـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـط ـ ـ ــو الـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــوان ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى يـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـم ـ ـ ــل الـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا؟ 74
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ــرا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدثـ ـ ـ ــت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادرت ب ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر ح ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ــة وذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أوهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط والـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــا
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــص ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــظ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ــت أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا
أال عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ــي واعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أن ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ــي أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر وال ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن طـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــت حـ ـ ـ ـ ـ ــاضـ ـ ـ ـ ـ ــرا وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــى ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــت ي ـ ـ ـ ــأتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوءة ت ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــع أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري وت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا وإن دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي وأضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذب ـ ـ ـ ـ ــت صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ــا وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت إص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ل ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت شـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ــا ألحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــدب ـ ـ ـ ــا ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذاق شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــان حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـي ـ ـ ـبـ ـ ــة س ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا راق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـبـ ـ ــا خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــر سـ ـ ـ ــاعـ ـ ـ ــة ي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا وارت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدهـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ــا واسـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــب ْ ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــد ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ــري وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي سـ ـ ـكـ ـ ـب ـ ــا وإن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تـ ـ ـ ـ ــألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ــأم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــدع فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي رأبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذا ي ـ ـ ـ ـ ــواسـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ذا يـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون لـ ـ ــي صـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ــل أو ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوب ال ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ــا؟ العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
75
يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرِّقُ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــة ـرب ي ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــا وإن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ـ ـ ــي وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــي وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوعـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج بـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءه عـ ـ ـ ــذبـ ـ ـ ــا ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق إال مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت فـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــة والـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ـ ــا وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــت ذا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأصـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاء ب ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ــا أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو ن ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــي ومـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدً ا ول ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدم بـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــى خ ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــا ـال وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــرٍ أال إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإن أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت ض ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد أحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ضـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ــا وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًأ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ش ـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ــت أم ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــت رغ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي وع ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا وأمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــي أن ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذل لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ــة وإن ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق ل ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زرتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دوام الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب مـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــى إذا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي أوق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ركـ ـ ـ ـب ـ ـ ــا وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ي ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــاق بـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـل ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري بـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـص ـ ـ ـع ـ ـ ـبـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع األي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ذل انـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاره وي ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدو كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ده ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــره ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذن ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاه ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اشـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــى وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــاه ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه غ ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبـ ـ ـ ـ ــى لـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــى زم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّعً ـ ـ ـ ـ ــا آلت يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــا وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٍ * شاعر من السعودية.
76
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ حسني صميلي*
مُ سافرٌ .. العيس ِ درب من و الجوى ٌ ينوءُ ثق ًال بما تحوي أحاسيسي
يا ليتَما ثمَ رٌ يرجو ُه من َتع ٍَب يَذروهُ ..حَ ُّظ فؤادي نكوس!! ِ ِجدُّ مَ
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
متاهة الحزن سفر في ِ
األشواق ِ حملت من رَهَ ِق ُ مسافرٌ .. ِ الالت في أ ِّم ما عجزتْ عنهُ ال ّ َد ُ القواميس! ما الذي ألقا ُه في سَ فرٍ َنفيس! تضيقُ أحالمُ هُ عن كلِّ ت ِ ليت بهِ ماذا سأشرحُ عن بُعْ ٍد َص ُ بالدمع طو ًال ِ قاس يُ ُ عت وما جزِ ُ المقاييس؟! ِ في ولكنِّ الحيا َة قَسَ ْت مسافرٌ .. بعض أمتعتي و حنيني ُ الكراريس ِ أدسهُ قَلق ًا بينَ ُّ
َيئيس النفس عن ضعْ ٍف وت ِ َ تُراودُ الطاغي بأوردتي تجاس َر الوَجعُ ِّ ِ َّواميس ِ َنشدُ حَ َّ ًل في الن ورا َح ي ُ
متى يُ فيقُ زمانٌ عن مراوغتي يدو ُر بي في مَ سارٍ غي َر دروس! ِ مَ
ضاقت بأحرفِ ها ْ ور َُّب أسئلةٍ تدليس ِ ترومُ أجوبةً من غيرِ
أرخصت ُ أنا المَ لومُ بما من وَجَ ٍل نحوس! ِ قلبي أُدثِّ رُ ُه أفكا َر مَ
وال انعتاقَ ُلت في صبرِ ها يروِّي مُ هجةً َذب ْ األباليس ِ تتَّ قي كي َد
الحلْمُ ِ شَ رعتُ هُ الكُ برى ،وآفتُ هُ ال َنّكرا وتبخيس! ِ على َكدَرٍ يَضوي
هو القضاءُ وال مثلَ القضاءِ رضى الهواجيس! ِ أذودُ عنِّي به جم َر
* شاعر من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
77
جرى مدادي ρρسعاد الزحيفي *
جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدادي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ والحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ يـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــدُّ غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــي رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل مـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـخ ـ ـ ــرت ـ ـ ــي وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اس ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ج ـ ـ ـ ـ ــدُّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح تـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـف ـ ـ ــو وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــوق ت ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ــره وال ـ ـ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ـ ــع يـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــري ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـشـ ـ ـت ـ ــدُّ ـرأت ك ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــهِ وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ إال وأ ّرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ـزات ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت م ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـ ــرامـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاذا جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد ضـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــدُ هلل ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومٌ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــار ُتـ ـ ـ ـ ـ ــه م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادُ أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد واأل ْب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُر ت ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ــدُّ م ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومُ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرٍ وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا القـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جـ ـ ـمـ ـ ـع ـ ـ ْـت ـش ف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــه ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــدُ ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ و أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــت عـ ـ ـ ــرص ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ــه األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ق ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــري وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاورنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــزلـ ـ ـ ــي ْ ـوف ومـ ـ ـسـ ـ ـغـ ـ ـب ـ ــةٍ و خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَقَ ال ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــاس فـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ ن ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـف وال ح ـ ـ ـ ــدُّ إ ْذ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّزبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــدر ت ـ ـ ــوع ـ ـ ــده ـ ـ ــم و أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدقُ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أمـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــم وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول رس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل م ـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــةٌ ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــر مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــةٌ ب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــر تـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـت ـ ـ ــدُّ 78
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
تـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـه ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــور ي ـ ـ ـ ــرب ـ ـ ـ ــدُّ
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقُ جـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــرٍ ب ـ ـ ـبـ ـ ــرم ـ ـ ـت ـ ـ ـهـ ـ ــا
فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرقَ ال ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ــرُ ري ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ال مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ّد ل ـ ـهـ ــا و ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــره مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ًا سـ ـ ـ ـع ـ ـ ــدُ وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــة ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ــةٍ ف ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا اسـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ــوا ل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ًا وال ردُّ وا اهلل أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ واألي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامُ ت ـ ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ـ ــره ـ ـ ـ ـ ــم ـدل وال نـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ مـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــم ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ وإن ف ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــم رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول اهلل مـ ـ ـ ـ ــرشـ ـ ـ ـ ــدهـ ـ ـ ـ ــم نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٌر م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اهلل ف ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيُ مـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـت ـ ـ ــدُّ ـس مـ ـ ـ ــن َص ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ــبَ ال ـ ـ ـم ـ ـ ـخ ـ ـ ـتـ ـ ــا َر كـ ـ ـي ـ ــف ل ـه ــم يـ ـ ـ ــا ُأ ْن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ أن يـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــروا عـ ـ ـ ـن ـ ـ ــه أو ي ـ ـ ـس ـ ـ ـلـ ـ ــو لـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم وج ـ ـ ـ ـ ــدُ ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد وافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت م ـ ـ ـن ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـتـ ـ ــه وا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ــن ي ـ ـ ـش ـ ـ ـتـ ـ ــدُّ و ل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــس مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيءٌ فـ ـ ـنـ ـ ـمـ ـ ـلـ ـ ـك ـ ــه إال ال ـ ـ ـ ـ ــرض ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ْا ال ـ ـ ـ ــرحـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــن وال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــدُ * شاعرة من الجوف -السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
79
قصة حزن ρρسما ُيوسف*
تتثاءب بـيـنَ ُ دعوت الرياح َ التي ُ جـذوعِ الـشـجـرْ.. إلى غــرفـتي أتـتـني ـرأت لها :ما كـتـب ُـت أخـيرً ا ق ُ (بـكـي ُـت) ـزن روي ُـت لها قصـ َة ال ُـحـ ِ أصـغ ْـت وأصـغـى السـهـ ْر و ُرح ُـت لـها أسـردُ الـوقـتَ أغـزلُ ِمـن خـي ِـطـه الـحال ِـم ال َّل ـو ِْن ِشـعـرً ا وألـع ُـب في شَ ـعـرِ ها الكستنائيِّ والليلُ يمضي وحط على مقلتيهـا َّ الـمـنـامُ تـرك ُـت لـهـا في فـراشي مـكانـًا صـغــيرً ا َـت فأغـف ْ وأغـفـى الـقـم ـ ْر ـوت الـشـجـرْ! وقـم ُـت دع ُ فـجـا َء بـطـيـئـًا يُ ـجَ ـرجـرُ .. ـف ُخـطـا ُه لـيـالي خـل َ الـضـجـرْ! * كاتبة من السعودية.
80
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
ٌ وخليل ِخ ٌّل ρρعبدالهادي الصالح*
نـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـب ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـس ـ ـ ـي ـ ـ ـج ـ ـ ـ ًا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َـل َزخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد ـس إن ُتـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ وردُ فـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـب غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ــى إ ْذ تـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ــى ووِ رْدُ
ـاب الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ
م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ٌر
و َرص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ
أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ُث أم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ ال ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــي ـوض مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن م ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ــا ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ..؟ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم أو تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا ُه ـواق ظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــآن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ّإل ح ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ٌـب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع األي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمٌ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
81
ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وأس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه دفّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد أأروي
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً
لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـب
ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا
ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزوغُ الـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِـس إذع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ..؟ ـرح ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ــي وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ـال عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ِخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ّـل َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى شـ ـ ـ ـ ـ ــذاهـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى إص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا َره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ح ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ُّد وأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــألُ قـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــيَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّاقَ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاّ.. ـان ن ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ..؟ رأى يـ ـ ـ ـ ـ ــوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ت ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ــى إ ْذ ت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ــى ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاألف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ِث ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ عـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــهُ فـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــهِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ أ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا!.. وأيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ٌر يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــولُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردُ ـرش روحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـل ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ـروح م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ِطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـب يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـد..؟ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــلْ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ * أكاديمي وشاعر من الجوف -السعودية.
82
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ρρجناة املاجد*
ـال كـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ــان ـ ــي أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ِـت يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ذاتَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ وسـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ِـت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــدي وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وجـ ـ ـ ـ ـ ــدانـ ـ ـ ـ ـ ــي ـواك واسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ــرتـ ـ ـن ـ ــي تـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـن ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُـث م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ِ ّـك ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أح ـ ـ ـيـ ـ ــانـ ـ ــي ـال عـ ـ ـ ـ ـش ـ ـقـ ــتُ ـ ـهـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا روض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ِ ـاب كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أضـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــان ـ ــي وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ـوعـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـ ـ ــاقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـنـ ـ ــيَ األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواقُ نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ َو رب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــدّ ت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــرهـ ـ ـ ــا أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ــان ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــودِ خـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ َة ش ـ ـ ــاع ـ ـ ــرٍ ـان يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــو َر بـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـسـ ـ ـنـ ـ ـه ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ِ ـرت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ َم خـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ــاره ـ ــا وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـان فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدهـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ِ غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ َد األك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ مُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي ع ـ ـش ـ ـق ـ ـهـ ــا ـزالن ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ِ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َح ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادُ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ هِ لـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــالِ ـ ـهـ ــا ـدران ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ــت إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي رغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدان ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ــاؤنـ ـ ــا وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـان ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ــوطـ ـ ــةِ األركـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـأرضـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادي أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َخ ب ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـان ف ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـلـ ـ ـت ـ ــهُ شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ِ ـاب إذا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ِ ـان نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ونَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـوف ش ـ ـ ـ ــراب ـ ـ ـ ــهُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــلُ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ َم لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـيـ ـ ـ ِ ـان شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــد ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــوقُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـه ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ بـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َح أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ـان ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ م ـ ـ ـ ـ ـ ــوض ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـوب ع ـ ـش ـ ـقـ ــتُ ـ ـهـ ــا ـك ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــةُ فـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ِ ت ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َ ول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوتُ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذبِ األلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانِ
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
أنثى السحاب
* شاعرة من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
83
كمال الحب.. ρρعبدالعزيز موسى احلكمي*
جمال قبل وجهك ٌ كم يهونُ ! وعيش دون وصلك ال يَكُ ونُ ٌ وحب في المالمح قد تجلّى ٌّ وهل تخفى اللواعجُ والشجونُ ؟! ترتّلُ عينيَ السَ كرى كتاب ًا روا ُه الحسنُ .. قسمهُ الجنونُ ّ وينشد قلبي المشتاقُ لحن ًا تردده البالبلُ والغصونُ مفردات ٌ سنك تضيعُ أمام ُح ِ بديها التشوّقُ فيُ ِ والفتونُ حرف ٌ الحب ..حين يتو ُه ّ كمال فتحكيهِ الخوافقُ والعيونُ * شاعر من السعودية.
84
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
واحة الحب ρρفرح الزهراني*
يـ ـ ـ ـ ـ ــا واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب كـ ـ ـ ـ ـ ــم أمـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ِـت أرواح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ـرسـ ـ ـ ـ ـ ــا وأفـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ــا وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أق ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت ال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــوى عـ ـ ـ ـ ـ ـ ً ك ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ِـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار ال ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــي اعـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ــا زيـ ـ ـ ــارت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا وب ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم يـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــن يـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــاج مـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـت ـ ـ ــاح ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ــا واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب هـ ـ ـ ـ ـ ــل تـ ـ ـ ـ ـ ــرعـ ـ ـ ـ ـ ــاك أف ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ــدةٌ وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل س ـ ـ ـن ـ ـ ـب ـ ـ ـصـ ـ ــر ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك ال ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ــوق فـ ـ ـ ـ ــاحـ ـ ـ ـ ــا؟! أك ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ط ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــر ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــر أط ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت الـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـي ـ ـ ــن ف ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ــى ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــك ص ـ ـ ـ ــدّ اح ـ ـ ـ ــا ورحـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـم ـ ـ ــس مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ أودعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا أمـ ـ ـ ـل ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ــرع ـ ـ ـ ـ ـ ــاه حـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى يـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود الـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــر إصـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاح ـ ـ ــا واهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ،إذا مـ ـ ـ ـ ــا ذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـم ـ ـ ــر واس ـ ـ ـت ـ ـ ـب ـ ـ ـقـ ـ ـ ْـت نـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـس ـ ـ ــي ل ـ ـ ـت ـ ـ ـس ـ ـ ـكـ ـ ــب دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ال ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــد أقـ ـ ـ ـ ــداحـ ـ ـ ـ ــا أع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود أنـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــث ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــوى أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا ي ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ــح عـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وأتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ــا واحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ال ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ِّـب أسـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروح مـ ـ ـ ــن عـ ـط ــش وأش ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي ظ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــة األعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق م ـ ـ ـص ـ ـ ـبـ ـ ــاحـ ـ ــا * شاعرة من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
85
ُ مالذ العاشقين ρρمحمد جابر مدخلي*
ـك البواكيــا حَ زِ ْنـ ُـت ..وآوتنــي إليـ َ
ـرك شــاكيا َو َلــمْ ألتفـ ْـت يومً ــا لغيـ َ
ـك أيقظــتَ الحنــانَ بداخلــي ألنـ َ
ـرك ســاقيا وحولــتَ غيماتــي بِ قَفْ ـ َ
فأنــتَ مــاذُ العاشــقين بليلهــمْ
ـات الزهــور الشــواذيا وأنــت صباحـ ُ
وأنــتَ صديقــي بــل أنيســي بخلوتــي
إذا مــا ادْ َلهــمَّ الخطـ ُـب حولــيَ جاثيــا
الشــعرُ المُ خالـ ُـط فــي دمــي أال أيهــا ِّ
أغ ْثنــي ..فأيــامُ الحنيــن صواديــا
ـروف قصيدتــي ـك واندسـ ْـت حـ ُ حنانيـ َ
ـاب ت ُْخفــي عذابيــا بِ جَ انحــةِ األوصـ ِ
ـات بيــن ســطوره تطاردنــي اآلهـ ُ
ـكاب الدمــوع كتابيــا ويســجنُ تِ ْسـ ُ
عَ ِط ْشـ ُـت وأضن ْتنــي مــن الهجــر لوعــةٌ
ألمواجــك الخجلــى مَ خَ ـر ُْت عُ بابيــا
ـس ِشــعْ رً ا لكــي أرى ورحـ ُـت أُمَ ِّنــي النفـ َ
ـماوات أفــكاري ت ُِجيـ ُـب نِ دائيــا ِ سـ
ِلمتــا َح فــي بيـ ِـت القصيــدةِ ع ّلنــي
ـض نفســي كــي أبــو َح بمــا بيــا أرى بعـ َ
فأعصــر ُه حي ًنــا بلحــن صبابتــي
ألشــد َو فــي ليــا ُه عَ ــذْ بَ لياليــا
وحي ًنــا بــدا عصيا ُنــهُ مُ َتق َِم ًصــا
جلــو َد األفاعــي كــي يُ َبـ ِ ّـد َد ذاتيــا
وتــار ًة
يَنِ ــدُّ ..ويبقينــي أردد مــا ليــا؟!
الصــدُ يــا حَ رْفً ــا تَغلغــلَ فــي دمــي لِ ـ َم َّ
ـض العواديــا؟! فكــمْ َقــدْ تواعدنــا نُغِ يـ ُ
َولَكِ ــنْ مــع األيــام مــادت وعودُ نــا
ليحج َبهــا عــن ناظــريَ الشــوانيا
ـورك ســلوةٌ أيــا شــعرُ هــل لــي فــي بحـ َ
ُتشــاركُ ني هــمَّ الليالــي الشــواظيا
فأنــت أنــا يــا مــن أكــون ومــن أنــا
ـقتك لح ًنــا ثــم جئتــك شــاديا!! عشـ َ
أُجاذِ ُبــهُ
نحــوي
* شاعر من السعودية.
86
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
قليـ ًـا
الشاشات كوسيلة تعليمية هل يجب استخدامها أم تجنبها؟
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
كاترين دو كوبيه*:
■ ترجمة :د .فيصل أبو ُّ الطفَ ْيل**
من الحاسوب إلــى الهاتف النقال ،غــزت الشاشات الحياة اليومية لألطفال والمراهقين ،فهل بإمكانها أن تعود عليهم بالنفع في المنزل أو في المدرسة؟ معطى جديدً ا في مجال التربية ،فهي في المقام األول قبل أن تصبح الشاشات ً كلمة فضفاضة تخضع الستيهامات متكررة .وإذ ليس بإمكاننا االستغناء عنها في حياتنا اليومية ،فإن الشاشة أو الشاشات (إذا كنا نقصد بهذا الجمع التقنيات الرقمية وحواملها مثل :الهاتف الذكي ،والحاسوب ،واللوحة اإللكترونية) تقع في صميم الخطابات االستقطابية ،وذلك بمجرد أن نتساءل عن موقعها في حياة الناشئين. وهـ ــذا الــمــوقــف الــمــضــطــرب نجده على صعيد المؤسسات :فتارة يحظى استخدام التكنولوجيات الرقمية في المدارس بالتشجيع ،وتــارة يتم إهماله تبعا للخطط المتعاقبة التي تم إرساؤها.
وتــاحــظ إيلينا باسكيليني - Pasquinelliوهي باحثة في مجال العلوم اإلدراكية وعضوة في مؤسسة المان أال بات( ،)١وأستاذة مشاركة في معهد جون- نيكود التابع للمدرسة العليا لألساتذة -l’institut Jean-Nicod de l’ENSأنه «فيما التأثير في النوم وفي اللغة يتعلق بظهور التكنولوجيات الجديدة، ما يهيمن بشكل كبير خالل السنوات فنحن نتأرجح بين التفاؤل الالمحدود، وبين الخوف من خطر فقدان االنتباه ،الــقــلــيــلــة الــمــاضــيــة ه ــو عـ ــدم الــثــقــة. أو خطر آخر نتخيله وهو خطر اإلدمان» .فاستخدام الشاشات في المنزل يشكّل Elena
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
87
موضوع خطاب وقائي أرسى معالمه الطبيب مع الشاشة ينبغي أن تراعى فيه التربية عند النفسي سيرج تيسيرون ،Serge Tisseronاألبناء واآلباء معا. وروجــــت لــه ضــمــن هــيــئــات أخـ ــرى عــديــدة وال يخلو سياق الوقاية هذا ،والذي تشرف أكاديمية الطب سنة 2013م ،وكذلك مؤخرًا عليه بــصــورة مــشــروعــة هيئة األطــبــاء ،من كل من الجمعية الفرنسية لطب األطفال laتداعيات على المجال المدرسي .فبإمكان Société française de pédiatrieواالتحاد عـــدد مــن الــمــدرســيــن -بــمــن فيهم الجيل ٍ الوطني للجمعيات األسرية l’Union nationaleالشاب -أن يستوعبوا هذا الخطاب الوقائي. .)des associations familiales (Unaf ومــع ذلــك ،تظل ممارسات المراهقين في
إن «التعرض للشاشات» بشكل مبكر ومطوّل يشكّل خطرًا على نمو الطفل ،وبخاصة عند الفئة التي تقل أعمارها عن ثالث سنوات: ويشمل هــذا الخطر تأثيرًا في النوم ،وفي الــتــفــاعــات االجــتــمــاعــيــة ،واحــتــمــال تأخير القدرة على الكالم ،إلخ ..ومن بين األمور التي تقوم عليها الوقاية تطبيق القانون الموسوم بـ: « »12/9/6/3الذي يوجّ ه اآلباء والمربين إلى «استخدام عقالني للشاشات» بحسب السن. وتستند األبحاث في هذا المجال إلى سلوك اآلباء الذين يرفّهون عن أنفسهم باستخدام الشاشات خالل الزمن الذي يتقاسمونه مع أبنائهم .لقد بات من الواضح اآلن ،أن تعاملنا
الغالب أكثر ذكــاء مما قــد نعتقده ،خاصة عندما يتعلق األمر بالبحث عن معلومة ما. وقد خلصت آن كورديي - Anne Cordierوهي أستاذة محاضرة في مجال علوم المعلومات واالتــصــاالت بمدينة روان ،Rouenومؤلفة كتاب« :أن ننمو موصولين باألنترنت» Grandir connectésالصادر سنة 2015م -في بحث معمق أجرته على ( )15شابًا وشابة تابعوا دراســتــهــم مــن السنة األول ــى بــاكــالــوريــا إلى الماستر ،منذ سنة 2012م ،خلصت هذه الباحثة إلى أن الويب هو مجرد قناة واحدة للمعلومات من بين قنوات أخرى .وأن كثيرا من الشباب يستطيعون الوصول إلى محتويات
الصورة تمثل عنصراً مهماً في الشاشات اإللكترونية
88
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
األجهزة اللوحية وشاشات الجوال تستهلك جزءاً ملحوظا من أوقات قطاع الشباب
تنتجها الصحافة التقليدية ،حتى ولو اقتضى األمر أن يطّ لعوا عليها باستخدام تطبيقات رقمية.
الزمن ،فهو سيرورة طويلة األمد» .ومع ذلك، يتعامل دماغنا مع الشاشات بطريقة خاصة: إذ يمكّننا استخدامها مــن تطوير عمليات إدراكــيــة جــديــدة ،إذ يتكيّف دمــاغــنــا معها بطريقة أو بأخرى .وهناك وه ـ ٌم آخــر تجاه العالقة الموجودة بين الشاشة والذاكرة .وهنا توضح إيلينا باسكيليني أنه «تحت ذريعة أن ّ جميع المعلومات متوافرة في الويب ،يمكننا أن نستغني عن الحفظ .والــحــال أن جميع األبحاث تبيّن أنــه لكي يكون دماغنا قــادرًا على البحث عن المعلومات ،فال بد له من أن يحفظ بعضها».
ويــحــيــل ســــؤال ال ــش ــاش ــات أيــضــا على تأثيرها في التعلمات ،سواء أكان هذا التأثير إيجابيًا أم سلبياً .فهناك خيط رفيع يفصلنا عــن التفكير فــي أن الــشــاشــات قــد غيرت دمــاغــنــا »...إذ لم يتغير دماغنا كثيرا منذ ال مايزال عاجزًا عن ظهور الشاشات ،فهو مث ً التركيز على شيئين في آن واحــد باستثناء الحركات التلقائية» ،وفق ما تنص عليه إيلينا باسكيليني التي اضطلعت بتنسيق الوحدة طرائق جديدة في التدريس البيداغوجية« :الشاشات ،الدماغ ،والطفل» « »les écrans، le cerveau et l’enfantلفائدة تسائل التكنولوجيات الحديثة طرائق المدارس االبتدائية .وفي هذا الصدد يضيف التدريس .وتشير إيلينا باسكيليني إلــى أن إريك برويار Eric Bruillardما يلي« :يُبنَى التعلم «الــشــاشــة هــي شــيء مــســلٍّ ،وبــهــذا المعنى انطالقا من تنوع في التجارب ،ومن تكرار في فهي تغيّر قدرتنا على االنتباه عندما تكون العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
89
قريبة منا» .فال ينبغي إذاً ،أن نطلب منها كل شــيء ..وإنما علينا أن نتساءل عن نوع االستخدامات التي تتيح لنا إمكانية إثــراء التعلم :ففي المؤسسات المزوّدة باللوحات اإللكترونية أو بالسبورات الرقمية التفاعلية ( ،)TNIال بد من وجود نوع من المصاحبة، نظرا الحتمال االلتباس الذي يمكن أن ينشأ بين االستخدامات المتنوعة لــأداة نفسها. «فاألطفال الذين يتوفرون في المنزل على لوحات تفاعلية إنما يستخدمونها في اللعب. وهو ما استدعى القيام بعمل جبار إلقناعهم بأن هذه اللوحات تستخدم أداة للتعلم داخل الفصول الدراسية» ،وذلك حسبما تشير إليه ناتالي ديجاردان-بونيه Nathalie Déjardin- ،Bonnetوهي أستاذة بالسنة الثانية ابتدائي CE1بمدينة الروشــيــل ،la Rochelleحيث تدمج اللوحة اإللكترونية في البيداغوجيا التي استلهمت أصولها من تقنيات فريني ()٢ .Freinet وإضافة إلى ما سبق ،فغزارة المعلومات على الويب يضع ضرورة انتقاء المعلومة في قلب القضايا البيداغوجية ،إذ تؤكد كورديي
أنه «إذا كانت النصوص الرسمية في فرنسا تــدرج الوسائط الرقمية في مجال التربية، فــإن الممارسة العملية ال تواكب دومــا هذه النصوص» .فعلى المستوى التطبيقي غالبا ما يُنظر إلى الرقمي من خالل سؤال األداة (كيف ندمج الرقمي في التربوي؟) .وتؤكد ســولــيــداد غارنييه ،Soledad Garnierمن جانبها-وهي أستاذة مرجع في استخدامات الرقمي بأكاديمية بواتييه l’Académie de -Poitiersأنــه «إذا كانت المدرسة ال تكوّن فــي مــجــاالت الــهــويــة الــرقــمــيــة ،والملكية الفكرية ،ومنابع المعلومات ،فإن ذلك يهدد ـرخ اجتماعي جــديــد» .وهــكــذا ،قد بخل ْق شـ ٍ تسهم هذه األدوات الجديدة في تعزيز دور المدرس ،مع االرتقاء به من دور الناقل إلى دور المصاحب .وفي هذا الصدد تنبه كورديي إلى ما يلي« :بالنسبة للمدرسة ،يجب تطوير ثقافة رقمية طيلة مراحل الدراسة .وهذا هو الدور الحقيقي للمدرسين! فما يشكّل أهمية بالنسبة لهم ،ليس هو مجاراة العصر ،وإنما فتح فضاءات لتبادل هذه الموضوعات ،وأن يعلّموا أنفسهم ويرشدوا تالمذتهم».
* صحافية فرنسية ،ينصب مجال دراساتها على قضايا التربية والفضاء الرقمي ،ولها مقاالت في مجالت متنوعة من بينها.Sciences Humaines , Lesinrocks , Telerama : ** كاتب ومترجم من المغرب ،مصدر الترجمةCatherine De Coppet, Ecrans: Faire avec ou sans? Magazine : .Sciences Humaines, n° 307، octobre 2018, pp. 40-41
90
( )١مؤسسة La Main à la pâteبفرنسا ،وهي مختبر لألفكار والممارسات المبتكرة ،أ ُسستْ سنة 2011م على يد أكاديمية العلوم والمدارس العليا لألساتذة بباريس ،وتهدف هذه المؤسسة إلى تحسين جودة تعليم العلوم بالسل ْكيْن االبتدائي واإلعدادي(.المترجم). ( )٢نسبة إلى سيليستان فرينيه :Celestin Freinetأستاذ باحث من فرنسا .تقوم آراؤه على ضرورة انفتاح المدرسة على التقنيات الحديثة عن طريق التخلص من الروتين في التعليم وبعث الحياة في طرائق التدريس من خالل مجموعة من اإلجــراءات من بينها :طباعة نصوص التالميذ -والدة النص الحر- المراسالت بين المدارس-بيداغوجيا الشرح الزائد( .)...المترجم). العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الشاعرة أميرة محمد سعيد صبياني المرأة تستطيع مع حفاظها على هويتها الخاصة ،أن تُ شارك بإبداعها ديواني (ال تقرؤوني) كان بداية النضج الشعري لكتاباتي ،وفي مجمله وقفات مع المرأة بقوتها وضعفها!.. تكتبني القصيدة في نومي ويقظتي وفراغي وسيري في األسواق!..
الشاعرة أميرة محمد صبياني تحضر في فضاء الشعر الــذي يوثق صوتها باللغة التي تسكنها وتميزها !..حتى اآلن أص ــدرت مجموعتين شعريتين «لم تختتم بعد لم تهدأ حواشيها» ،و«ال تقرؤوني» ،كما تشير الشاعرة إلــى أن ثمة خمس مجموعات شعرية لها تحت الطبع. عملت معلمة للغة العربية في بدايتها العملية ،ثم اإلشــراف التربوي ،ولها حضور مُ عِ دّ ة ومشاركة في المحافل الثقافية. تحضر بشخصيتها وبرأيها ودون أن تعكّ ر صفو الماء وهي تختلف ..كما هي في هذا الحوار.. ■ حاورها :عمر بوقاسم العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
91
الشعر ،ثم أتركه لفترات طويلة ،ثم أعود إليه ،أصحَ بُه مرة وأتركه أخــرى ،وهي بــدايــة كتاباتي الشعرية ،وقــد جمعت بعضها في هذا الديوان ،وتخلصت من الكثير منها؛ ذلك ألن عالقتي بالشعر ذلك الوقت كانت عالقة رزينة ،فيها نوع من الحذر وعدم االستسالم له. وق ــد جمعت فــي ه ــذا ال ــدي ــوان بعض القصائد المتنوعة فــي موضوعاتها ومناسباتها .أمــا ديــوانــي الــثــانــي( :ال
خالصة تجربتي الشعرية!..
تقرؤوني) فكان بداية النضج الشعري
¦«لم تختتم بعد لم تهدأ حواشيها -دار
لكتاباتي ،وفي مجمله وقفات مع المرأة
الفكر العربي -الــدمــام 1432 -هـ ــ» و«ال
بقوتها وضعفها ،وقــد عبرت فيه عن
تـ ـق ــرؤون ــي م ــؤس ـس ــة االنـ ـتـ ـش ــار ال ـعــربــي
بعض مشاعرهن ومشاكلهن ،وكنت أكتب
1438هـ» .بهاتين المجموعتين صافحت
عني وعنهن .وما سيطبع من الدواوين
ال ـ ـشـ ــاعـ ــرة أمـ ـ ـي ـ ــرة صـ ـبـ ـي ــان ــي ال ـس ــاح ــة
القادمة ،هو ما يمثل عالقتي القوية
الشعرية .مالمح تجربتك الشعرية بدت تتشكل مــن ديــوانــك األول بخصوصية البوح وتميزه ..ولكن في ديوانك الثاني
بالشعر وبالشاعرية. الشعرُ يُ ثبت ذاته!..
«ال تقرؤوني» ،هناك خصوصية مغايرة ¦حضور المرأة يتفاوت من مجتمع آلخر، ولكن من المالحظ أن حضور المرأة في عـلــى الـمـسـتــويــات الـمــوضــوعــي والـفـنــي واللغة .هل تحدثينا عن هذه التجربة؟
المنابر اإلعالمية والثقافية ومشاركتها
ρ ρنعم ديــوانــي األول (لــم تُخْ تَتَم بع ُد لم
في الفعاليات في تزايد اآلن ،ما رأيك؟
تهدأ حواشيها) ،هو خالصة المرحلة ρ ρالمرأة تستطيع -في هذا العصر -مع حفاظها على هويتها الخاصة ،أن تُشارك األولى من تجربتي الشعرية التي كانت عبر مراحل دراستي الجامعية وعملي
الطويل في مجال التدريس واإلشــراف
92
التربوي ،وكنت في هذه المرحلة أكتب
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
بــإبــداعــهــا ،وتــوصــل كلماتها الجميلة لجميع األذواق بال حرج .والشع ُر الشع ُر يُثبت ذاته بال شك.
¦يُ ـ ــاح ـ ــظ أن قـ ـصـ ـي ــدة الـ ـنـ ـث ــر ت ـت ـصــدر الـ ـمـ ـشـ ـه ــد ال ـ ـش ـ ـعـ ــري ف ـ ــي الـ ـكـ ـثـ ـي ــر مــن المحافل الثقافية في الوقت الحالي.. ماذا تقولين؟
الكلمات والعبارات ،وزخرفات البديع
ولكل ذوقه وتوجهه األدبي. وترصيعاتهٍ ، أغرد بالجديد من شعري!..
¦ما المواقع التي تتصدر مفضلة الشبكة
ρ ρقصيدة النثر وإن كانت هي خاطرةٌ من
العنكبوتية لديك؟
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
خاطرة من نثر!..
في القالب النثري المزركش بشاعرية
نثر ربما ستنتعش أكثر ،ويتزايد كاتبوها ρ ρأكثر مشاركاتي ومتابعاتي على تويتر. وطالبوها لسبب مــا ،ولكنها مــا تــزا ُل
أغ ــرد بالجديد مــن شــعــري ،وأش ــارك
عمران يف الشعر أميرة محمد سعيد صبياني
ـران مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ا عـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى تـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــويـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر َِق عُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـك الـ ـ ـ ـ ـ ُبـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــدُ هـ ـ ـ ـ ــل ت ـ ـ ـح ـ ـ ـنـ ـ ــو عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى شـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـق ـ ـ ــي!؟؟ يـ ـ ـ ـ ــا ذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـوح م ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ــرِ حَ ـ ـ ـ ــت ف ـ ـ ـ ــي زحـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ِـت ح ـ ـ ـتـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـروف ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـج ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ ُّر الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنَ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي أُفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـ ــي حــــــــــــ ُ آوي بـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـن عـ ـ ـل ـ ــى مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ُأهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــدُ نـ ـ ـ ـ ــا أَرَقِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـوس ن ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحُ إل ـ ـ ـ ـ ــى أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ رق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب أو أروي ب ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا رَمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َضـ ـ ـ ـ ـ ـ َّي ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــرتـ ـ ـ ــي وَهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاةِ ولـ ـ ـ ــم أظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر بِ ـ ـ ـ ـ ِـعـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ٍـق ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ُأدْرِ ْك صـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى َنـ ـ ـ ـ ـ ـزَقِ ـ ـ ـ ـ ــي ـراح يـ ـ ــدي ـران ف ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـع ـ ـ ــرِ غ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ــي اج ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ عـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـزن فـ ـ ـ ـ ـ ــي َو َرقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي!! ـات ون ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـش ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ل ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــذكـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ِ العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
93
فــي الفعاليات ،والتعليقات النقدية، وأتابع األدبــاء والنقاد العرب ،وأشارك في بعض المنتديات التي تهتم باللغة والشعر والنقد .وكذلك لي مشاركات عــلــى صــفــحــة :الــفــيــس بــــوك أنــشــر بعض قصائدي .وفــي بعض الصحف والمجالت والمواقع اإللكترونية. قيمة شعرية عالية!.. ¦هناك تصنيف يقيّم الساحات الشعرية من بلد إلــى آخــر ..فمثال هناك شعراء يصنفون ساحاتهم بأنها األكـثــر تألقا وجـ ــديـ ــة ،ك ـيــف تـقـيـمـيــن أنـ ــت ال ـســاحــة الشعرية السعودية؟ ρ ρالتجربة السعودية ،تتمتع بقيمة شعرية عالية ومــتــجــذرة فــي أعــمــاق عروبتها
األصيلة ،على مستوى التجربة الرجولية أو النسائية! كيف ال؟ وقــد ترعرعت في قلب الجزيرة العربية مهد البالغة والفصاحة وفنون القول.
ستأتيه القصيدة في كل األوقات!.. ¦ب ـعــض ال ـش ـعــراء لــدي ـهــم ش ــرط الـمـكــان والــزمــن أو طقس مــا لكتابة القصيدة، هــل لــدى الـشــاعــرة أمـيــرة طقس لكتابة قصيدتها؟ كنت في بداية التجربة أتصنع طقسً ا لكتابة بعض القصائد ،ثم مع ارتباطي
94
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الشديد بالشعر ،وتحولي للشاعرية، اكــتــشــفــت أن الــشــاعــر عــنــدمــا يصبح شاعرًا ستأتيه القصيدة في كل األوقات فال طقس لها وال حالة. واآلن تكتبني القصيدة في نومي ويقظتي وفراغي وازدحامي ،وحتى عند اتصالي بصديقاتي أو خروجي من منزلي وسيري في األسواق. قليلة جدا!.. ¦هـ ـن ــاك قـ ـ ـ ــراءات ن ـق ــدي ــة س ـع ــت لـ ـق ــراءة قصيدة الشاعرة أمـيــرة الصبياني ،هل وصل الناقد لقصيدتك؟ ρ ρقــــراءات قليلة ج ـ ـدًا ،وبعضها وصــل وبعضها قرأ ظاهرِ ها. أهرب من كتب التاريخ!.. ¦هل لنا أن نتعرف على مكتبة الشاعرة أميرة الصبياني؟ ρ ρأحــب الــقــراءة فــي كــل علم ،وأحــب أن آخذ من كل شيء بطرف (ثقافة دينية، لغوية ،أدبية ،علمية) ،وتستهويني الكتب الموجهة للمرأة ،وأهرب من كتب التاريخ واألحــداث والتحليالت السياسية ،ألن خيالي واستيعابي يضيق عنها.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الشاعرة الليبية عائشة إدريس المغربي ال أؤمن بالثوابت في الشعر ألنني أنطلق من الحريّ ة أعترف بأن الفيس بوك محرض قوي على الكتابة اللغة جسد الشعر لكن الشعر يمنحها الحياة أنقذتني الكتابة مما تعرضت له من الغدر والفقد وما واجهته في الحرب يموت الشعر عندما يتحوّ ل إلى آلية ميكانيكية تعمل بالذهن والعقل ■ حاورها :عصام أبو زيد
تــرى الشاعرة الليبية (المقيمة فــي فرنسا) عائشة إدري ــس المغربي أ ّنــه «ال يمكن الكتابة من خارج التجربة الشخصية» ،وتضيف في حوار مع «الجوبة»« :ما أقصده بالتجربة هو التجربة الحياتية بمجموعها اإلنساني وما يملكه الشاعر من قــدرة على التقاط تفاصيل الحياة في داخله وحوله ومشاهدتها وقراءتها، وقدرته على السفر خارج الــذات وداخلها .إنّه اللحن الذي ينطلق منذ طفولته حتى نهاية العمر ..موسيقى الحياة بعنفها وسحرها وعشقها ومللها وجمالها وحزنها واألسى الغامر الذي يعبرنا كالموج ويتبدد على الشاطئ .إنّ الذين يرون أنّ الشعر يأتي من الخيال ،أقــول لهم إنّ الخيال ال يأتي إال من تــراب التجربة الحياتيّة بكلّ تفاصيلها». العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
95
96
وعائشة إدريــس المغربي شاعرة وكاتبة ليبية ص ــدرت لــهــا ســتــة دواويــــن شعرية، ومسرحية ،ورواي ــة وهــي :األشــيــاء الطيبة 1986م ،البوح بسر أنثاي 1996م ،أميرة ال ــورق 1999م ،صمت البنفسج 2007م، الحياة االفتراضية للسعادة 2017م ،قبلة في طابع بريد 2019م ،رواية «يحدث» عن دار أروقة في القاهرة 2013م ،ومسرحية بعنوان «بائعة الزهور» 2014م عن منشورات وزارة الثقافة في ليبيا .كما صدرت لها قصائد مترجمة إلى الفرنسية ضمن كتاب شعري يضم قصائد عن غزة ،وترجمات أخرى.
وأوضــحــت المغربي «أخ ــاف حـ ًقــا من امتالك آلية وتقنية خاصة لكتابة الشعر ستتحول إلى آلة إكــراه .هذا المستوى من الكتابة سأظل أتعثر في أخطائي وإنسانيتي بكثير من المتعة .أرتبك أمام اللغة كثيراً... أشعر دائمًا برغبة في تفكيكها وكسر عظام قواعدها .أشعر أنها لعبة من ألعاب الطفولة وعلي أن أكسرها حتى أشعر ّ التي لم أعرفها بمتعة األلفة معها .وأكــدت اإلدريــســي «إن لغة اليومي هي األقرب إلى قلبي .ال أحب الصور المعقدة والكلمات الفخمة العظيمة؛ ألنّها جوفاء مثل طبل فارغة ومليئة بالهراء».
تقنية الكتابة
دوافع الكتابة
وفــي ســؤال عن تقنية الكتابة وآلياتها؛ أجابت المغربي« :كثيرًا ما يصادفني السؤال عن تقنية الكتابة وآلياتها وأشعر بغرابة هذا السؤال؛ فالقصيدة ،ك ّل قصيدة تخلق آلياتها الداخلية حسب ما تتبدى الحالة الشعورية للحظة؛ فأحيانًا يولد الفرح من لحظة أسى عميقة ،وفي لحظة أخرى تدفعني الطبيعة بقوة تجاه الحب ،وربما تولد السعادة في النص من حزن عميق»!
وع ــن أســبــاب ودوافــــع الــكــتــابــة؛ قالت الــمــغــربــي« :رغ ــم سلطة الكتابة وقدرتها العظيمة إال أنّ أسبابها غريبة وغير مفهومة. الكتابة تشبه الحب ،فكالهما ساحر ومهيمن وقــوي ...لكن أسبابه مجهولة .ليس هناك قواعد للكتابة؛ بل ك ّل نص يخرق القواعد الجمالية التي أكتبها فــي النص السابق وكذلك تفعل قصص الحب ...هذا يجعلنا نتوقف عن الهراء الــذي يضعه النقاد عن كتابة الشعر واســتــخــراج ثــوابــت وتصنيف للشعر».
وأضافت« :ال أحترف الكتابة أبدًا ،وأبدأ كـ ّل نص جديد كأنني أكتب ألوّل م ـرّة كما نعيش حالة الحب بارتباكها وعفويتها ودهشة اكتشاف المشاعر واألحاسيس مثلما يرتبك الماء على الجلد كأنما يكتشف ملمسه ألوّل مـرّة ،فكلمة «أحبك» ال تفقد أبـدًا صدقها ودهشتها ،وال تملك قواعد مسبقة وآليات وتقنيات ثابتة ..إنها هي كما النص في قلبي حين أكتب». العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
واستطردت المغربي «ليس مقصدي أن أخترق القواعد ،لكنني ال أؤمــن بالثوابت في الشعر؛ ألنني أنطلق من الحريّة ..وهى الشعاع األوّل للشعر والكتابة عمومًا .فك ّل نص يضع قواعده الجمالية كي يخرقها في النص الالحق ،وهذا ما أداوم عليه». وكشفت المغربي «احتجت إلى سنوات
وأضــافــت المغربي «فــي رحــلــة حياتي أنقذتني الكتابة مما تعرضت له من الغدر والفقد وما واجهته في الحرب .لقد انتصرت أخيرًا للحياة ألنني شاعرة ،وصارت الحرب السخيفة مجرد لعبة أفوز في مواجهتها دون أن أملك جيشً ا وأسلحة .فالشعر له القدرة العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
كثيرة من ممارسة الكتابة حتى أعرف كيف على أن يجعل الحياة القاسية محتملة؛ ألنّه أقابل الشعر .كان موجودًا في قلبي طوال يكشف لنا قيمة وجمال الحياة في جانبها الوقت ،كان في حياتي وتاريخي وتفاصيلي .اآلخر ...هذا ما جعلني أنجو من الحرب». الكتابة عمومًا ،والشعر تحديدًا ،حين يتحوّل وعن تقنية السرد في كتابتها الشعرية؛ إلــى آلية ميكانيكية تعمل بالذهن والعقل أوضحت المغربي «السرد مهم في تجاربي يــمــوت الــشــعــر .إنّ الــقــدرة على اكتشاف التفاصيل الصغيرة في يومك هذا جزء مهم الشعرية؛ ألنّ عمتي اعــتــادت على ترديد من الكتابة حيث الذاتي أهم من الموضوع القصص على مسامعي في فترة طفولتي، ألنّ الموضوع إذا لم يتحوّل إلى ذاتي يفقد وعمتي هي األقرب إليّ في طفولتي من أمي. فقد كانت أمي سلطة قوية وجبّارة ،وكانت صدقه». تحكم العائلة الكبيرة وليس عائلتنا فقط... وتــرى المغربي «أنّ اللغة جسد الشعر، لكن الشعر يمنح الحياة للكالم ،لهذا الشعر صحيح أنّها كانت تتمتع بسلطة قويّة وسط حر في اللعب مع اللغة واختراقها وكسر مجتمع ذكوري صارم ..لكن ال أعلم األسباب التي تجعل القبيلة تمنح امرأة هذه السلطة. قواعدها»! أما أبي فقد كان األكثر حنانًا ودفئا ،ولي معه الكتابة والمعاناة ذكريات رائعة وجميلة ،وكانت لنا مغامرات وفي سؤال عن عالقة المعاناة بالكتابة؛ كثيرة ...كان يؤمن بي ويشجعني على الكتابة أجابت المغربي« :أستمتع بالكتابة حتى وأنا رغم أنّه ال يجيد القراءة أو الكتابة». أكتب عن األسى والحزن والحرب والفقد... الكتابة ال تعذبني كما يــرى بعضهم .غاية اإلنسان وهدفه في كل ما يفعله هو المتعة المطلقة؛ لهذا ال أجد هدفًا أسمى من أن تقودنا الكتابة إلى السعادة واإلحساس باللذة والمتعة حين نكتب وحين نقرأ .لقد احتجت إلى رحلة طويلة من حياتي خلف المشاكل حتى وصلت إلى هذه النتيجة».
97
الشعر والقارىء وفي سؤال عن رؤيتها للشعر وماذا يمثل لــهــا؛ أجــابــت المغربي« :الشعر فــي قلبي مثل لحن ال ينقطع .أعيش الشعر في ك ّل لحظة في حياتي ،وكم كتبت من قصائد في أحالمي ونهاري وانشغاالتي .إنّه دائمًا هنا يجعل الحياة محتملة ومبهجة .أنا ال أضع قواعد وتعريفًا للشعر .إنني أكتب عنه كما أحس عالقتي به ،وهذا ال يلزم اآلخرين بما أقوله». وعــن الــقــارئ ودوره؛ تــرى المغربي «أنّ القارئ مهم جدًا بالنسبة لي ،لكنّه ال يحضر إال بعد كتابة الــنــص ،والــثــالــوث التقليدي في النظريات الجمالية «النص -الكاتب الــقــارئ» ال يعمل لــدىّ كما تتحدث هذهالنظريات .أنــا القارئ األول لنصي وآخذ المتعة األولــــى ...أحــقــق لحظة االكتمال والنشوة ،لكنّها لحظة صغيرة وساحرة مثل عمر الــوردة تنتهي بعد لحظات من الكتابة لتبدأ الحاجة إلى الكتابة مجددًا ..حاجة ملحة ال يمكن أن تنتهي». وأضافت المغربي «النص والقارئ بينهما عالقة تبدأ متأخرة بالنسبة لي؛ حين يخرج نصي من سلطتي ويبدأ رحلته الخاصة بعيدًا عنّي ويكوّن عالقات كثيرة ومتغيّرة من الزمن حتى بالنسبة لي».
98
وعن إعادة النظر في النص الشعري بعد كتابته؛ قالت المغربي «إنّ أجمل لحظات الكتابة هــي التي تأتي فــي لحظة واحــدة كدقة القلب .ال أحب إعادة الكتابة والتدقيق وترميم وجه القصيدة .أحبها عارية ومنطلقة وعفويّة بكل عيوبها وفتنتها .فالشعر مثل الحب ال يحب التكرار ..لهذا ال يفقد سحره العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ودهشته .الشعر يرتبط بالموسيقى كثيرًا، فكالهما يــذوب فــي الــهــواء ،وال يمكن أن نلمس جسده رغــم الوسائط المادية التي يتحقق بها». حركة النشر وفي إجابتها عن سؤال حول واقع النشر في العالم العربي؛ قالت المغربي« :هناك عالقة مرتبكة مع النشر ،خاصة مع وسائل النشر اإللكتروني بجانبها اإليجابي والسلبي؛ فقد أصبح اللقاء بالقارئ مباشرًا وفور ّيًا، وأصبح الكتاب متوافرًا للجميع ..لكن النشر الورقي صار ضعيفًا ومهينًا للكاتب إال ما رحم ربي من دور النشر ،وليس هناك احترام لحقوق الكاتب من قبل الناشر حتى أصبح األمر فقط رغبة الكاتب في توثيق أعماله ال أكثر ،وأنا أتحدث عن النشر في العالم العربي بالتأكيد .وأكدت المغربي «أعترف بأن الفيس بوك محرض قوي على الكتابة».
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
الجوف تودع الشاعر والصحفي
خالد الحميد
مؤرخ شعرائها وأول صحفي فيها ■ احملرر الثقايف
بعد حياة حافلة بالخير والشعر ،والـصــداقــات الواسعة مــع مختلف أطياف مجتمع منطقة الجوف والمملكة العربية السعودية ،وبعد مسيرة شعرية حافلة ناهزت الثمانين عاماً ،انتقل إلى رحمة اهلل في مدينة سكاكا -الجوف يوم السبت 3ذي القعدة 1440هـ الموافق 6يوليو 2019م .الشاعر والصحفي الجوفي خالد بن عقال الحميد. والشاعر خالد الحميد من مواليد
يُعد الشاعر الحميد أحد كبار شعراء
مدينة سكاكا بمنطقة الجوف بالمملكة منطقة الــجــوف ،وم ــن الــرعــيــل األول، الــعــربــيــة الــســعــوديــة ،ع ــام 1349هـــــ ،وأوائــــل المتعلمين فــي جــيــلــه ،وحفظ
تعلم بالكتاتيب على يد الشيخ فيصل القرآن الكريم ،وأمضى شطرا من حياته الــمــبــارك ،ثــم التحق بالمدرسة عند موظفا في جهات حكومية عديدة حتى
افتتاحها عام 1362هـ.
طلب إحالته إلى التقاعد عام ١٤٠٨هـ.
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
99
وك ــان الحميد أول صحفي فــي منطقة الــجــوف ،وق ــد عــمــل مــديــرا لمكتب جــريــدة الجزيرة لمدة ( )38عاما ،وكان خاللها يغطي أخــبــار المنطقة ويكتب التقارير الصحفية والــمــقــاالت التي تــنــاول فيها جــوانــب الحياة االجتماعية واالقتصادية والتنموية والثقافية ومــطــالــب واحــتــيــاجــات المنطقة فــي شتى المجاالت.
البطاقة الصحفية لخالد الحميد
وق ــد كــتــب الــشــاعــر فــي جــمــيــع أغ ــراض روض ينبت الفقع فيه اكثار الشعر ،وتتداول قصائده في شتى المناسبات .في كل ٍ تـشــوف الــزبـيــدي بينات دحاميله واشــتــهــر الحميد بالشعر الــوطــنــي ،وشعر العرضات والمساجالت الشعرية ،كما اشتهر وتلقى أم سالم تزعج الصوت واألطيار الــشــاعــر بقصائده الغزلية واالجتماعية، على كــل غـصـ ٍـن ســاجـعــات بالبيله وشعر اإلخوانيات ،والقصائد التي عبّر فيها عن مشاعره تجاه أصدقائه وأفــراد أسرته دارٍ ف ــا حـبـيــت بــال ـكــون مـثـلــه دار وجماعته. دارٍ رب ـي ـن ــا ف ــي م ــراب ــع مــداه ـي ـلــه
*** ومن أبــرز قصائد الشاعر -يرحمه اهلل-
دير ًة هل الناموس والمدح واهل الكار مستارثين الطيب جيل بثر جيله
قصيدة شهيرة يمدح بها منطقة الجوف ،ومنها :لها من قديم الوقت صيت ظهر واذكار سقى اهلل بالد الجوف من وابل مدرار
علم الحيا كل المخاليق تدري له
مْ ـ ِـح ـ ٍـن مْ ـ ـ ـ ٍ ـرن مـ ـ ــرزمٍ ض ــاف ـ ٍـي سيله كرام اللحى اللي يكرمون الخوي والجار علىنقرةالجوبةعلىرافلينأشغار
واد النفاخ الضيف بالعسر ياتي له
يحدّ ر على ابو أرواث لين المعيزيله ه ــواه ــا ل ــذي ــذ ومَ ـ ـ ّيـ ـه ــا ن ــاب ــع ف ـ ـوّار سقاها من الوسمي حقوق المطر تكرار
يسقّ ي بساتين بها الــزرع وانخيله
صباح ومساء يسقيه صادق هماليله يـقــدم نماها للمسايير والخطار كما قــال ابــن ســراح يا سامع قيله يربِّع سهلها والوعر بس خط القار شبيه الزوالي يوم عينك تراعي له 100
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
***
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ حفل تكريم خالد الحميد ،بمناسبة تقاعده بعد ٣٨عاماً من العمل في الصحيفة ،ويبدو من اليمين خالد الحميد ،خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة ،عبدالرحمن فهد الراشد مدير عام مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر ،عبدالواحد الحميد
ومن شعر العرضات قال:
مـ ــرح ـ ـبـ ــا م ـ ــاه ـ ــل وبـ ـ ـ ــل ب ـس ـح ــاب ــه ع ــد م ــا ط ــب ال ــوط ــا م ــن مـطــرهــا م ــرحـ ـب ــا ي ـ ــا ربـ ــوع ـ ـنـ ــا م ــرحـ ـب ــا بــه واث ـن ــي الـ ــرده عـلــى ال ـلــي حضرها
*** وللشاعر الحميد عدد كبير من القصائد
الوطنية ،مثل:
الـ ــوغـ ــى وان حـ ــل ي ــوم ــه ص ـمــدنــا ب ــالـ ـجـ ـم ــوع ام ـ ـطـ ــوعـ ــة ك ـ ــل ع ــاي ــل
*** وفي قصيدة أخرى يقول:
حب الوطن صكَت عليه المحاني لــو زال وش ــم بـظــاهــر الـيــد مــا زال
*** وقد تميزت قصائده بالصدق والشفافية،
نـ ـحـ ـم ــد الـ ـ ـل ـ ــي ع ـ ــزن ـ ــا فـ ـ ــي ب ـل ــدن ــا رب ـن ــا ال ـم ـع ـبــود م ـن ـشــي ال ـم ـخــايــل خواتيمها ،وقد أسهب فيها في شعره ،ومن ذلك قصيدة في «حفظ الود والصداقة والصديق» ان دعـ ـ ــا داع الـ ــوطـ ــن مـ ــا ق ـعــدنــا نـ ـفـ ـت ــدي ــه وخ ـ ـ ـيـ ـ ــرة ال ـ ـع ـ ـمـ ــر زايـ ـ ــل قال فيها: وإي ــراد النصائح فــي معظمها ..خاصة في
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
101
مــن هــوى قلبك تمشيك القوايم واعرف ان الحر ما يصيد الهاليم مثل ما قال الجنيدي في لحونه عــادتــه ضــرب الـحـبــارى فــي متونه وال ت ـق ـرِّب لـلـحـنــش ل ــو ك ــان نــايــم وال ـم ــودة مــا تـجــي غـصــب ولــزايــم خل عنك الجحر واللي يحفرونه الـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــودة ب ـ ـ ـيـ ـ ــن شـ ـ ـكـ ـ ـل ـ ــه ولـ ـ ــونـ ـ ــه وال ت ـهــاون بــالـبـحــر لــو كـنــت عايم ص ــاح ـب ــك ل ــو حـ ــال دونـ ـ ــه خ ــراي ــم وال ـعــدو ال تغترك ضحكة سنونه يــدفـعــك حـبــه ونـفـســك لــه حنونه ال ـصــديــق ال ـلــي قـبــل بــال ـبــال داي ــم وانـ ـتـ ـب ــه بـ ــاكـ ــر لـ ـت ــوزي ــع ال ـغ ـن ــاي ــم ال طلب عونك تسوق الحال دونه نـ ــاس ك ـس ـبــانــه وبـ ــه نـ ــاس مـغـبــونــه الـ ـ ـص ـ ــداق ـ ــة ل ـ ــه دالالت وع ــاي ــم س ــاع ــةٍ تـقـتــص ب ــه ح ـتــى الـبـهــايــم ال ــرف ـي ــق ت ـع ــرف ح ـب ــه م ــن عـيــونــه تحضر الجمَ ى ومن طالت قرونه و َْصـ ـل ــي رب ـع ــي س ــام ــي ي ــا نـســايــم وقــولــي إن الـعـهــد مــا واهلل نخونه ال ــرك ــاي ــب دوم ل ـل ـصــاحــب هـمــايــم ن ــدم ــح ال ـ ـ ـ ــزالت عـ ـ َن ــه وال ـم ـه ــون ــة ن ـح ـش ـم ــه ون ـ ــوق ـ ــره قـ ــاعـ ــد وق ــاي ــم مثل ما قــال السديري في لحونه اف ـت ـهــم يــالـمـسـتـمــع م ـنــي نـظــايــم ن ــاظ ـم ـي ـن ــه ل ـل ـن ـش ــام ــا ي ـف ـه ـمــونــه ال ـ ـ ـمـ ـ ــازم م ـ ــا ي ـ ــوات ـ ــي ب ـ ــه ه ــزاي ــم اع ـمــل ال ــواج ــب وم ــن رب ــك معونه وال ـخــوي تلحقك بــاسـبــابــه لــوايــم ال ـخــوي وال ـجــار حــق إن ــك تصونه ومن مشى طرق المالمة والتهايم ات ــرك ــه ب ــال ـن ــاس ت ـل ـقــى غ ـيــر لــونــه اشتر الطيب إلى إنك صرت سايم رافـ ـ ــق الـ ـل ــي ك ــل ربـ ـع ــه ي ـمــدحــونــه 102
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
*** وللشاعر خالد الحميد كتاب موسوعي بعنوان «شــعــراء مــن الــجــوف» ضــم فيه إلى
الشعراء المرموقين بمنطقة الجوف. وقد صدر الكتاب في منطقة الجوف عام 1426هـ2005 -م ،بـ ( )455صفحة ،وتصدَّ ر غالفه شعر شعبي لألمير عبدالرحمن بن أحمد السديري ،يقول فيه:
م ــن ي ــزور ال ـج ــوف يـلـقــى م ــا يــريــده وي ـ ــن م ــا ي ـل ـفــي م ـض ــاف ــات وك ــرام ــه عـ ــادة م ــا ه ــي عـلــى ال ــدي ــره جــديــده م ــدرك ـي ــن امـ ـج ــادن ــا ورث وش ـهــامــه واحــتــوى الكتاب على مقدمة للمؤلف، ثم قسمين؛ األول ،تضمن قصائد المؤلف ومساجالته مــع بعض الــشــعــراء؛ والقسم الثاني ،خصصه لقصائد مختارة لشعراء من الجوف .ممن تميزت قصائدهم بالجودة ،مع ذكر معلومات تعريفية عن كل شاعر. تضمن القسم األول :قصائد المؤلف
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
جانب ديوانه وأشعاره ،فصوال شعرية لعدد من
ومساجالته مع الشعراء ثم القسم الثاني: قصائد مختارة لشعراء من الجوف ومنهم: الشاعر األمير عبدالرحمن السديري ،ودابس المرخان ،وسهو العجاج ،وعيد بن نعيم السهو، وخــالــد المسعر البليهد ،وعــبــدالــهــادي بن مريزيق النصيري ،وعيد بن عقال الخمعلي، وجــزع البديوي ،ومحمد بن عطا التيماني، وعبيداهلل بن سليم القنيفذ ،وخلف عيسى الشاعل ،ومحمد بن طراد المعيقل ،وغالب بن حطاب السراح ،ومفضي العطية ،وشهاب الجنيدي ،وعبدالمصلح البديوي. يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: «ظلت رغبة شديدة تلح عليَّ منذ سنوات طــويــلــة لجمع بــعــض أشــعــار أه ــل الــجــوف وتقديمها إلــى الــقــراء فــي كــتــاب .لكنني بقيت طيلة السنوات الماضية مترددا في تنفيذ هذا المشروع ،رغم اهتمامي بجمع مادته وتراكم عدد كبير من القصائد لديّ . ولم تكن مشاغل الحياة وحدها هي العائق الذي منعني من تنفيذ هذا المشروع ،وإنما كانت هناك أسباب أخــرى أهمها منهجية علي إتباعها في ظل ًّ االختيار التي يتعين تغير الواقع االجتماعي والثقافي واختالف المعايير والــظــروف والمعطيات ،رغــم أن بعض القصائد -من المنظور الفني البحت هي مما يمكن االتفاق على جودته وعلىعمق وغــزارة موهبة قائليها؛ وعلى سبيل المثال فإن الكثير من القصائد القديمة قد داخلها بعض التحريف ،وبعضها تداخل مع العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
103
خالد الحميد مع فيصل بن عبدالرحمن السديري وعبدالواحد بن خالد الحميد في مجلس الشاعر بالجوف
قصائد أخرى ،بينما تم نسب بعضها اآلخر مما هو مكتوب ،كما أن الساحة أصبحت إلى أشخاص غير الذين قالوها ..كما أن مكتظة جدا بمن ينتسب الى هذا النوع من
بعضها قــد ال يخلو مــن نــعــرات تجاوزها األدب الشعبي بصرف النظر عن مستوى الــواقــع الحاضر وحــتــى الــقــامــوس اللغوي عطاءاتهم ..ولهذا لم أجد حافزا للنشر» .
المستخدم في بعض القصائد ..يالحظ أنه
«والحاصل ،أن ظروفا عديدة قد أعاقت
يحتوي أحيانا على عبارات لم تعد مقبولة تنفيذ هــذا المشروع ،لكنني تحت إلحاح من منظور اجتماعي معين». األبناء وبعض األصدقاء قررت أخيرا تنفيذه، ويــضــيــف الــمــؤلــف أن «ال ــع ــدي ــد من مع تجنب كل ما قد يكون موضع اختالف
األص ــدق ــاء واإلخ ـ ــوة الــذيــن يــحــســنــون بي وخصوصا بين أهل المنطقة أنفسهم .وقد
الظن يطلبون مني بين الحين واآلخــر أن استقر الــرأي على أن يكون التركيز على
انشر أشعاري الخاصة التي فضلت دائما قصائدي التي قلتها في مناسبات مختلفة.. االحتفاظ بها لنفسي ،أو ما يردده الناس في وبــذلــك يكون هــدف الحفظ والتوثيق قد
بعض المناسبات ،وقد أحجمت عن نشرها تحقق ان شــاء اهلل ،مــع االعــتــراف بوجود
طيلة الفترة الماضية ألسباب عديدة ،منها مساحة لإلضافة والمراجعة فــي أعمال أن الشعر الشعبي كثيرا ما يتعرض للتشويه قادمة بحول اهلل سواء قمت بها أو قام بها
104
عند الطباعة والنشر؛ ألنه أدب محكي أكثر آخرون». العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
النعام في ِّ الشعر العربي أكثر مما يبدو ■ أحمد إبراهيم البوق*
االستقراء المتأني للنصوص الشعرية منذ العصر الجاهلي يثبت عكس ما يبدو للوهلة األولى من ندرة النعام ،وأنه كان وافر ًا في الطبيعة في شبه الجزيرة الشعر فأنتجت نصوص ًا غاية في الجمال. العربية ،وأن تلك الوفرة انعكست على ِ الشعر العربي وقد رصــدت في استقراء مطول ( )48مشهد ًا لتصوير النعام في ِ راو َح بين ( )25-2بيت ًا في كل منها وذلك لـ( )26شاعراً ،هذا عدا األبيات المفردة. إعادة توطين النعام!..
إلى بعض المحميات في المملكة ،وهو
والنعام حالياً انحصر وجوده في القارة النعام أحمر الرقبة الموجود في شمالي اإلفريقية ،وتصنفه الــدراســات العلمية وشرقي إفريقيا .ولعل أشهر الشعراء الى أربعة تحت أنواع ترجع جميعها الى الذين وصفوا النعام وإن لم يكن أكثرهم نوع واحد ،وإليه كان ينتمي النعام العربي كان علقمة الفحل (ت 603م) في قصيدة وتصنيفه Struthio Camelus syriacusرائعة تمتد الى ثالثة عشر بيتاً ،ويصف الذي كان أصغرها حجماً ،وقد انقرض في مطلعها ناقته ،ويشبهها بالخاضب، تماماً نتيجة لضغوط الصيد وتدهور وهــو اســم خــاص بــذكــر الــنــعــام؛ ألن له بيئاته ،ولكن الهيئة السعودية للحياة لون أحمر يميزه عن اإلنــاث في الرقبة الفطرية أعادت توطين أقرب األنواع إليه والقوائم ،ويبدو كأنه مصبوغ بالحناء، العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
105
صورة حديثة لفرخ نعام بالمحمية
ال وص ـيْــداً سهال، وهــذا اللون يــزداد حمرة ودكــونــة في موسم يبت ّل بالمطر ويصبح ثقي ً التزاوج نتيجة للتغيرات الفسيولوجية: ولذلك يجفل منه .وتأمل النعام وغذاءه يتردد في قصيدة لكعب بن زهير (ت 662م).. ـاضـ ـ ـ ٌـب ُزع ـ ـ ـ ـ ــرٌ َقـ ــوائـ ــمُ ـ ــه كـ ـ ـأَ َّنـ ـ ـه ـ ــا خـ ـ ـ ِ
106
ـري و َتـ ــنُّ ـ ــومُ أجـ ـ َن ــى ل ــه ب ــالـ ـ ِّل ــوي شَ ـ ـ ـ ٌ إذ يصف النعام بكبر حجمه ،وأن لونها يتداخل فيه األبيض واألسود ،وهذا لون ريش الخطبان يَنقُ فه ي َِظلُّ في الحَ نظَ ِل ُ وم ــا اس ـ َت ـطـ َّـف مــن ال ـ َّتــنُّ ــوم م ـخــذومُ الذكر ،أما األنثى فلونها رمــادي .ولكن كعب يصف غذا ًء آخر للنعام ،وهو المغد واللصف ولم يصف أحد من الشعراء األنثى بهذا إضافة للشري والتنوم. الــلــون ،ما يؤكد أن النعام أحمر الرقبة هو الــذي كان ينتشر في شبه الجزيرة العربيةَ .ت ـب ــرِ ي ل ــهُ ِه ـق ـ َلــةٌ خَ ــرج ــاءُ تَحسَ بُها اآلل مخلولةً في قَرطَ ٍف شَ َرفَا في ِ وينتقل الشاعر من وصــف غــذاء النعام من الــشــري والــتــنــوم الــى وصــف طريقة غذائه ،ظَ ـ ـ ـ ّـا ب ـ ـأَقـ ــريـ ــةِ ال ـ ـ َنـ ــفّ ـ ــاخ َي ــو َم ــهُ ـم ــا ووصــف حركته ،وأن المطر هيّجة فعاد الى َّصفا ـران ُأص ــولَ الــمَ ـغـ ِـد والل َ َيـحـ َتـفـ ِ «أدحيه» وهو عش النعام حيث البيض هناك. والشريَ حتى إذا اخضرّت أنوفُ هُ ما ومالحظة خوف النعام من المطر دقيقة في ـوان م ــن الـ ـ َت ــنُّ ــوم ِ م ـ ــا َن ـ َق ـفــا ال ي ـ ــأل ـ ـ ِ الشعر ،وترددت في أكثر من موضع ،لتؤكدها ِ أما ثعلبه بن صعير ..وهو شاعر جاهلي الدراسات العلمية وتفسرّها؛ ألن النعام ليس لديه غدد شمعية في ريشه ،ولذلك يمكن أن قــديــم ربــمــا يــرجــع ال ــى ( )150عــام ـاً قبل العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
طَ ـ ــرِ َفـ ــت مَ ـ ــراودُ ه ـ ــا وغَ ـ ـ ـ ــرَّ َد سَ ـق ـ ُب ـهــا ـاض ـ ٌـب ب ــال ـ ِ ّـس ـ ِ ّـي مــر َتــعُ ــهُ أذاك أم خ ـ ِ ب ـ ـ ــاآلءِ وا َل ـ ـ ـح ـ ـ ـد َِج ال ـ ـ ـ ـ ـرِّواءِ ال ـ ـحـ ــادِ رِ أبـ ــو ث ــاث ـي ــنَ أم ـس ــى ف ـه ــو مـنـقـلـ ُـب ووصف الغذاء عند النعام داللة على عمق شَ ْخ ُت ا ْلـ ُـجـزَارَة ِ ِمثْلُ ا ْل َبي ِْت سَ ائِ رُ ُه التأمل وطوله ليعرف ماذا يتخير من النباتات. خشب ُ ـدب شــوقـ ٌـب ـوح خـ ـ ٌ ّ مــن ال ـم ـسـ ِ
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
اإلســام ،فقد وصف غذاء النعام من «اآلء» عموماً والــنــعــام على وجــه الخصوص مثل وهو ثمار شجر السرح ،وكذلك من «الحدج» «الــمــرو» ،ليساعدها في طحن الحبوب في وهي ثمار الشري: قوانصها:
وقد تردد وصف غذاء النعام عند عديد من أَ ْلـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا ُه آءٌ َو َت ـ ـ ـ ـ ـ ُّنـ ـ ـ ـ ــومٌ وَعُ ـ ــقْ ـ ـ ـ َب ـ ــتُ ـ ــهُ الشعراء ،ومنهم لبيد بن ربيعة (ت 661م) من الئِ ــح المرو والمرعى له عُ ق َُب الذي وصف التنوم والحنظل كذلك:
أ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذَاكَ أم َص ـ ـعـ ــلٌ ك ـ ـ ــأنّ ِع ـ ـ ـ َفـ ـ ــا َء ُه ـص ـ ـ ـ ِـان أوزاعُ الـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ــاءٍ عـ ـ ـل ـ ــى أغ ـ ـ ـ َ ظـ ـ َّل ــت ت ـت ـ َّب ــع ِم ـ ــن نِ ـ ـهـ ــاءِ َصـ ـ َع ــائِ ـ ٍـد َب ـ ـيـ ــنَ ال ـ َّـس ـل ـي ــل َو َمـ ـ ــد َفـ ـ ــع ال ـ ـ ُّـس ـ ـ َّـا ِن سَ ـ َب ــد ًا مــن ال ـ َّتــنُّ ــومِ َيـخــبِ ـ ُـطــهُ الـ ّنــدى َو َن ـ ـ ـ ـ ـ ــوادِ ر ًا ِمـ ــن حَ ـ ـن ــظَ ـ ِـل ال ـ ُـخ ـط ـب ـ ِـان
وشخت الجزارة :أي دقيق القوائم صغير الرأس. والخدبّ :الضخم والشوقب :الطويل والخشب :الغليظ الجاف.
وقد رصدت سبعة مشاهد وصفية للنعام وذكــر موضع النعام في شعر لبيد يتكرر عند ذو الرُّمة. أمــا نابغة بني شيبان (ت 743م) فقد عند الكثير من الشعراء ،وقد رصدت ()116 الشعر للنعام في شبه الجزيرة رصدت سبعة مواقع لوصف النعام في شعره، موقعاً ذكرها ِ العربية ،وهــي إش ــارة مهمة لمعرفة بيئاته منها وصفه للبيض وهــو يفقس عن الفراخ القديمة ورس ــم ص ــورة النــتــشــاره مــن خالل والتي تسمى في النعام «رئال» :ويشبهها وكأن رؤوســهــا نتفت بغراء لقلة الريش فيها بعد الشعر. ِ أما أكثر الشعراء ذكراً ووصفاً للنعام فذو الفقس ،وأن لها أصواتاً ال يفهمها ،تتراطن الرُّمة (ت 735م) ،الذي وصفه بشكل دقيق فيها مع أمهاتها وأبائها ،والخفيدد هو السريع في قصيدة من ( )25بيتاً يقول منها يصف الخفيف من النعام ،ويصفها كــأن اعناقها ذكر النعام «الخاضب» ،وأن له ثالثين فرخاً ،معقودة إذا ما أمالتها لحك جسمها وذلك ثم يسترسل في وصفه ،وفي غذائه من ثمار لطول الرقبة:
ـال ـض ق ـ ــد َت ـ ـص ـ ـ َّيـ ــحَ ع ـ ــن رِ َئـ ـ ـ ـ ـ ٍ السرح والتنوم ،وأنه يأكل الحجارة الصغيرة ،و َب ـ ـ ـيـ ـ ـ ٌ كـ ـ ـ ـ ــأنَّ رؤوسَ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا ُن ـ ــتِ ـ ـ ـ َف ـ ــت بِ ـ ــعِ ـ ـلـ ـ ِـك وهــذه مالحظة دقيقة أذ تستخدم الطيور
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
107
ـات ـراطـ ـ ــنُ -وه ـ ــي عُ ـ ـ ـج ـ ــمٌ -أَمّ ـ ـ ـه ـ ـ ٍ ُتـ ـ ـ ِ وك ـ ـ ـ ـ ــلَّ ُخ ـ ـ ـف ـ ـ ـيـ ـ ــددٍ َيـ ـ ـ ـب ـ ـ ــري لِ ـ ـ ـ ُـصـ ـ ـ ِّـك َت ـ ـ ـقـ ـ ــولُ :أفـ ـ ــي سَ ـ ــوالِ ـ ـف ـ ـهـ ــا ان ــعِ ـ ـق ــادٌ إذا عَ ـ ــطَ ـ ـ ـ َف ـ ــت س ـ ــوالِ ـ ـ ـفـ ـ ـ َه ـ ــا بِ ـ ـحـ ـ ِّـك والنعام على ثقل وزنه فهو سريع الحركة رغــم عــدم قدرته على الطيران ،تــراوح وزن الذكر بين ()130-100كغم ،واألنثى بين (-90 )100كغم ،ولكن سرعته في الركض قد تصل الى ()70كم في الساعة .ويمكنها أن تحافظ لفترة طويلة على سرعة ()50كم في الساعة، وهــو أكــبــر وأثــقــل الــطــيــور فــي الــعــالــم .هذه الشعر كثيراً .ومن أجمل ما ذكر السرعة وثّقها ِ فيها وصــف تأبط شــراً (ت 530م) لسرعته هرباً من أعدائه بسرعة النعام «نقنق» الذي يركض عائداً لفراخه خوفاً من المطر ،وهو أســرع مــا يــكــون .وهــو قليل الــريــش «حــص»، ويعني الذكر ،وكثير الحركة « هــزروف» وأن ريشه «عفاءه» يطير اذا ما انطلق في الصحراء ومد ساقيه ركضاً .ثم في بيت عجيب يصف طريقة ركض النعام بدقة ،فهو سريع يتحرك بشكل متعرج ،وكأنه يتزلج على الماء بسرعة وخفة ..ولكن بقوة تسابق الجياد األصلية:
النعام العربي
الشعر أيضاً منذ العصر وصيد النعام وثق ُه ِ الجاهلي ،وهو ال يقتصر على العصر الحديث، ولكن شتّان بين صيد من أجل الحياة وصيد لفنائها .فهذا الحارث بن حلّزه (ت 580م) يصف سرعة ناقته بنعامة ذات فراخ فرّت من قانص قرب دخــول الليل ،ومن وقع أقدامها وسرعتها يتطاير الغبار:
غَ ـي ـ َر أ ّن ــي َق ــد أس ـتــعِ ـيــنُ عَ ـ َل ــى ال ـ َهــمِّ ـوي ال ـ ـ ـ َّنـ ـ ــجَ ـ ـ ــاءُ إذَا خَ ـ ـ ـ ـ ـ َّـف ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ َّث ـ ـ ـ ِّ
ـرت ال َي ـنـ ُـجــو َن ــجَ ــائِ ــي نِ ـقــنِ ـ ٌـق َفـ ـ ـأَد َب ـ ـ ُ ـوف كأ َّنـ ـ ـهـ ــا ِهـ ـ ـ ـ ـقـ َلـ ـ ـ ـ ــةٌ أُمُّ بـ ـ ـ ـ ِـزَفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ُي ـ َب ــادِ ُر َفــرخَ ـيــهِ شَ ــمَ ــا ًال ودَاجَ نِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ـال َد ِّويـ ـ ـ ـ ــةٌ سَ ـق ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ رِ َئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ُوف َيـطـيــرُ ِع ـ َفــاؤُ ُه ـص هُ ـ ــزر ٌ ِم ــنَ الـ ُـحـ ِّ ـاص آ َنـ ــسَ ـ ــت َن ـ ـب ـ ـأَ ًة وأف ـ ـزَعَ ـ ـهـ ــا ال ــقُ ـ ـ َّن ـ ُ إذا اس ـ َت ــد َر َج الفَيفَا َو َم ــدَّ المغَابَنا عَ ـ ـ ـص ـ ــر ًا َو َق ـ ـ ـ ــد َد َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا اإلم ـ ـسـ ــاءُ أزَجُّ َ ،ز ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوجٌ ِ ،هـ ـ ـ ــزرِ فـ ـ ـ ـ ٌّـيُ ،ز َفـ ـ ـ ـ ـ ــازِ ٌف َف ـ َت ـرَى خَ ـلـ َفـ َهــا ِم ــنَ ال ــرَّ ج ـ ِـع وَال ـ َوق ـ ِـع َمــنِ ـ ـ ـيـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا َك ـ ـ ــأ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ إه ـ َب ــاءُ ـات الـ َّـص ـوَافِ ـنــا ِه ـ ـ ـز َِّفَ ،ي ـ ُب ــذُّ ال ـ َّن ــاجَ ـي ـ ِ * باحث وشاعر سعودي.
108
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
ٌ تعريف للفن* ّ ■ الطاهر لكنيزي**
الطبيعة مثلما يَتميّز العملُ عن الفعل أو اإل ْنـجــاز عُ موما، يتميّز الفنّ عن ّ ونتاج أو حصيلة األول ،األثر ،عن آثار الثاني. في واقــع األمــر ،يجب أن ال نُسمّ ي ف ّنًا إال ما نَتج عن ُحرّية ،بمعنى عن إرادة النحل عم ًال فنّي ًا (أقراص ُؤسس تصرُّ فاتها على العقل .يَطيب لنا أن نُسمّ ي عم َل ْ ت ّ لت بإتقان) ،لكنّه ليس إ ّال قِ ياسا على ذلك؛ ألنّه عندما ننتبه إلى العسل التي ُشكّ ْ ُوجه عمل النحل ،فإنّنا نقول على الفوْرِ : خاصة من اإلدراك ت ّ أنّه ال وُجو َد لفكرة ّ إنّه إنتاجُ طبيعَتِ هم (غريزَتِ هم) ،أمّ ا العملُ الفنّيُ فَننْسبُه إلى خالقهم. عندما نبحث في مسْ تنقع ،نجدُ ،كما النّحل) ،من غير أن تكون هذه العلّة ،في
يحدثُ أحيانًا ،قطع ًة خشبي ًة منحوتةً ،واقع األمر ،قد أدركتْ هذا التأثير .بَيْد
فنقول إنّ هــذا نــتــا ُج للفنٍّ وليس من أنّه عندما نُسمّي ،بِبساطة ،شيئًا نِتاجً ا الطّ بيعة؛ إنّ علّتها الفعّال َة قد فكَّرتْ
َمل فنّيِّ ،كي نُميّزه عن أثَر للطّ بيعة، لع ٍ
حصيل َة الفنِّ في ك ّل ما هو على هذه
إنّ الــفــنّ ،مــهــارة اإلنــســان ،يَتميّز
ْسان. غاية يَدي ُن لها بها شكل ُها .إنّنا نَرى فإنّنا نَعني بذلك دائمًا أنّه عم ُل إن ٍ في ٍ
الشاكلة ،حيثُ التمثُّ ُل علّ ُة السّ بب التي كذلك عن العِ لم ،مثلما تتميّز( :القدرةُ كان عليها أن تسْ بق اإلنجاز( ،حتّى عند عن المعرفةِ ) ،والكفاءةُ التطبيق ّي ُة عن العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
109
الــكــفــاء ِة الـ ّنــظــر ّيــة ،والتّقني عــن النّظري ،في إعْ الئه إلى درجة أرْقى .أسمّي شاعرا، ـان يستطيع إدمــا َج و(المَسْ ُح مثال عن الهندسة) .الفنُّ يجعل أسمّي مبدعا ،كــلَّ إنــسـ ٍ بدرجة كافية ٍ الوعيَ أكث َر وُضوحا في طريقة مُعالجته حالتهِ الشعورية في موضوع، الــمــوضــوع ،كــيْ يَــجــد فــي العمل ال ُمنْتهي تضطرّني إلى المُرور إلى هذه الحالة من الفكرةَ األولــى الشامل َة والغامضةَ ،وغير الشّ عور ،وبالتالي تُمارس عليّ نشاطا حيويّا. المكْبوتةِ ،التي تَمثّلها في عمَله .إنّ عدم لكن هذا ال يعني أنّ كل شاعر يكون في درجة امْتالك مثلِ هذه الفكر ِة الشاملة ،الغامضة من الطراز األول .إن درجته في الكمال تعتمد هاز فنّي ،على ثَــراء المُحتوى الجوّاني الذي يمْتلكه، ولكنها قويّة ،وسابقة على ك ّل ِج ٍ فمن المستحيل أن يَنشأ أيُّ عمل شعْري؛ وبالتالي ذاك ال ــذي يــصــدر عنه خــارجــا، والــشّ ــعــر ،إذا لــم أبــالــغ ،يقتضي بالضبط وبدرجة الضرورة التي يفرضها عمله .فكلّما معرف َة التعبير عن هذا الالوعي وإيصاله؛ كانت حساسيته ذاتية ،فإنّها تكون طارئةً ،إذ بعبارة أخــرى ،أن يُـ ْد َمــج في مــوضــوع .قد أنّ قوة الموضوعية تعْتمد على ما يُشارك عمل أن يحقُّ لنا أن نطلب من ك ِّل ٍ يستطيع جيّدا ،من ليس بشاعر ،أن يتأثّر في الفكرةِ . مثل الشاعر بفكرة شعْريّة ،ولكنّه يعْجز عن يكون مُعبّرا بك ّل ما في الكلمة من معنى ،إذ إدماجها في موضوعه .قد يعجز كذلك عن يجب أن يكون له طابعٌ ،وإ ّال فإنّه أصغ ُر من عَ رْضها على الشّ كل الذي يستطيع االستئثار ال شيء ،ولكنّ الذي يُعبّر عنه الشاعر القُحَّ ، يحصل هو اإلنسانيّة في ك ّل مُجملها. ُ بخاصيّة الضرورة .كما أنّه يمكن ان للّذي ليس شاعرًا ،أن يُنتج كالشاعر عمال
ْص في الرجال الذين ال يوجد اليوم نق ٌ
عن وعْ ي بطابع الضرورة ،غير أن عمال مثل تُقدُح ثقافتهم إلى أبعد ح ّد لكي ال يَرضوا هذا ال يمتح جــذورّه من الالوعي ،كما أنّه إ ّال بما هو كام ُل االمِ تياز ،ولكنّهم ل ْن يكونوا
ال ينتهي كذلك في الالوعي ،وسيبقى دائما قادرين على إنتاج ،ولو ببساطة ،شيئا يكون ّ تآلف الالوعي َ عمال فكريّا .إنَّ والتبصرِ جيّدا .إنهم عاجزون عن اإلبداع؛ فالطريق يصن ُع الفنّا َن في الشعر.
الذي يؤدّي من الذات إلى الموضوع ممنوع
لــقــد تَ ــشــوّش مـ ْعــنــى الــشــعــر ،فــي هــذه عليهم؛ والحالة هذه أن هذه الخطوة هي السنوات األخيرة ،وذلــك من فـرْط الرّغبة بالضبط ما أريد من الشاعر أن يجتازها. *
Schiller، correspondance entre Schiller et Goethe، lettre du 27 mars 1801، trad. L. Herr. Plon ..édit. 1923
** كاتب من المغرب.
110
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
ذا بـوســـــــت
الصحافة فيلم عن ضمير ّ
■ د .سليمان احلقيوي*
كثير من نجاحات ستيفن سبيلبيرغ كانت بواسطة الدراما التاريخية ،يمكننا أن نذكر منها (إنقاذ الجندي رايــان) 1998م ،و(أمستاد) 1997م ،ولينكون 2012م، و(ميونخ) 2006م ...هو يعرف دائما كيف يجد الشكل األنسب للتعبير عن القصص التي يختارها .وعبر الدراما التاريخية صنع الكثير من إرثه واسمه ،لكن ما يجعل جديده (ذا بوست) مختلفً ا كثير ًا عن باقي أفالم الدراما التاريخية التي قدّ مها قصة عن الوضع الداخلي لبلده ،وعمله على قضية الصحافة ونضالها عودته إلى ّ من أجل الحرّية ،هو نضال يشبه معارك الصحافة اليوم ألجل إسماع صوتها. الصحافة كان أيّ فيلم عن حرّية ّ
ســيــصــدر فــي ه ــذه الــفــتــرة ك ــان ليُعد تصفية حساب مع الرئيس األمريكي
دونالد ترامب ،الــذي ال يخفي عــداءه لإلعالم في الكثير من المناسبات ،وأي
فيلم كانت ستشارك فيه مريل ستريب
سيجعلنا ننتبه كــثــيــراً لــدورهــا فيه،
في حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب في دورتــه الـــ 74بقولها :إن هناك من يتربص بالسينما والصحافة ،رد آخر من ستريب كــان أيضا بسبب سخرية الرئيس األمريكي من الصحفي سيرج كوفاليسكي ال ــذي يعاني مــن مرض مزمن يضعف حركة ذراعيه.
فقد وصفها تــرامــب فــي تدوينة على وبالعودة إلى «ذا بوست» ..فهو ليس تويتر بأنها تقدّر أكثر مما تستحق في الفيلم األوّل الذي ينبش في تحقيقات هوليود ،وردّت عليه هي خالل تكريمها الــصــحــافــة الــتــي تـ ــؤدي إل ــى الكشف العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
111
عن قضايا كبيرة ،فقبله بعامين فاز فيلم سبوتاليت (2015م) لتوماس ماكارثي بجائزة األوســكــار فئة أفضل فيلم ،هو عمل أعاد للصحافة قيمتها من خالل تطرقه للمجهود ّ الجبار ال ــذي قــام بــه فــريــق صحفي حول إنجاز تقارير صحفية عن اعتداءات جنسية تدين الكنيسة .الفيلم جعل كل من يمارس الصحافة فــي العالم يشعر بالفخر وهو يسترجع سنواتها المجيدة .وال بد أيضا ،من استحضار فيلم «كل رجال الرئيس» 1976م بما هو أحد أهم األعمال في هذا الجانب، القصة الحقيقية للصحفيين ّ وتناولت أحداثه الشهي َريْن في جريدة واشنطن بوست؛ بوب وود وارد وكــارل بيرنستين ،اللذين كشفَا فضيحة ووتــرجــيــت ،وكــانــا وراء استقالة الرئيس األمريكي ريتشارد نيكسون عام 1974م ،كما عرف عام 2014م صدور فيلم آخر مهم هو « أقتل الرسول» لمايكل كوستا، عــن قصة الصحفي (غ ــاري ووي ــب) الــذي فضح الحكومة األمريكية التي كانت تغرق
112
أحياء السود بالمخدرات وتموّل بها حروبها الخارجية ،الفيلم ركز كثيرًا على إصرار ويب كي يكشف خيوط المؤامرة وتضحيته من أجل أن تصل الحقيقة إلى الناس. كل هذه األفالم كانت في الغالب تعرض إصرا َر صحفيٍّ فرد أو فريق نشر ما يفضح الحكومة ويدينها .و(ذا بوست) لم يخرج عن قصة أثقل وزنا، هذه القاعدة ،لكنّه استعاد ّ ولم يقف عندها فقط ،فقد عالج بموازاتها قضايا أخرى عن ضمير الصحافة ومبادئها، وعن قوّة المرأة ومجابهتها للضغوطات ،حتى وإن كانت حرية التعبير فكرته المحورية، فقد عبّر ضمنها عن فكرة أخــرى أعمق.. وهي مدى قدرة الصحافة على االستمرار دون داعمين اقتصاديين ..ومــدى قدرتها على إسماع صوتها رغم ما قد يكون فيه من إزعاج ألصحاب رؤوس األموال. يعود بنا ذا بوست إلــى أحــداث واقعية بداية السبعينيات ،عندما سرّبت صحيفة «نيويورك تايمز» وثائق فائقة السرية تؤكد
فريق عمل صحيفة ذا بوست وهم يتابعون أصداء التقرير الذي نشرته الصحيفة في اإلعالم العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
توم هانكس في دور بن برادلي مدير تحرير صحيفة ذا بوست وفريقه في العمل وهنا تبدو الحيرة على الجميع قبل أن تمنحهم كاي جراهام قرار النشر
كذب الحكومة األمريكية وإخفاءها حقيقة الهزيمة في حــرب الفيتنام ،واستمرارها في الحرب عبر فترات رئاسية متتالية ،مع إخفاء حقائق صادمة وتسويق فكرة النصر ب ــدل االع ــت ــراف بــالــهــزيــمــة ،لــكــن القضاء سيصدر حكما يمنع نــيــويــورك تايمز من تسريب أي تقرير مشابه ،قبل أن تخلفها واشنطن بوست في نشر تقارير أخرى بعد أن حصلت على أزيــد من ( )4000صفحة منها ،فتحولت المسألة من مجرد تسابق في نشر هذه التقارير إلى معركة وجود وحرية بالنسبة لكل الصحافة األمريكية .تــردّدت مــديــرة الصحيفة ك ــاي جــراهــام (ميريل ستريب) وريــثــة صحيفة واشنطن بوست العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
113
كثيرًا أن توافق على نشر الوثائق رغم ما كان يعنيه ذلك من قطع عالقاتها مع البيت األبــيــض ،تبعت ضميرها وضــمــيــر مدير تحريرها بن برادلي (توم هانكس) الذي كان يصر على النشر مهما كانت العواقب ،كان يرى أن الصحافة ستدفع ثمن الصمت في ذلك الوقت ،عبر عقود قادمة إذا لم تتخذ خطوة النشر. السناريو الذي كتبه كل من (جوش سينجر) و(ليز هانا) يقتفي كثيرًا أثــر سبوتاليت، هي ربما محاولة إلعادة النجاح عن طريق وصفة مجربة .صحيح أن ذا بوست متفوق بقصته لكن سبوتاليت قوي فنيا ،وما جعل ّ «ذا بوست» يفقد إيقاعه أحيانا ،هو بحثه الــواضــح عــن إســقــاطــات زمنية تصلح أن تقابل التضييق على الصحافة في الحاضر، ووضع الصحافة اآلن وصراعها مع ترامب، والفيلم أوجــد بعض المداخل لخلق هذه اإلسقاطات ،لكنه أيضا وقع -أحيانا -في حــوارات ومشاهد مبتذلة عن الصحافة أو عن المرأة. يــعــود تــوم هانكس للعمل مــع سبيلبيرغ فــي خــامــس مناسبة تجمعهما ،فقد حقّقا معا نجاحات عظيمة آخـ ــرهـ ــا ك ـ ــان جــســر الجواسيس (2015م)، كانا معًا خياراً موفقا ـص ــة مثل لــتــقــديــم ق ـ ّ
114
فيلم ذا بوست هو فيلم ناجح وجميل ،لكنه ليس فيلما رائعًا ،هو أحد األفالم التي كان ال بد أن تُقدّم يوما ،وكان مناسبًا أن تقدّم اآلن ،وبأيدي مخرج عبقري مثل سبيلبيرغ وطاقم كبير مثل ستريب وهانكس ،رغم هذا فاإلحساس الذي ال نستطيع أن نتخلص منه القصة ،وال شيء غيرها، ّ أن األهم هنا هو القصة التي كشفت كذب رؤســاء الواليات ّ المتحدة ،في وقت صار رئيس أمريكا هو من ينعت الصحافة بالكذب.
الممثلة ميريل ستريب في دور كاي جراهام تستمع إلى اقتراحات زمالئها في الصحيفة قبل أن تقدم على نشر أحد أهم التقارير في تاريخ الصحافة األمريكية
* كاتب وناقد سينمائي من المغرب. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
هــذه ،هانكس في كل مــرة يقدم شخصية جديدة يبدي قوة كبيرة ونشاطا غير معهود، كما لو كان فيلمه األخير ،أما رفيقته في الفيلم مريل ستريب ،فقد وجــدت نفسها أحيانا وسط حوارات مصطنعة حول ضمير الصحافة ودوره ــا ،حــوارات كانت مقحمة ولم تحقّق المطلوب أبدا ،ستريب حتما لم تستطع أن تبدو حقيقة في ظل النص الذي سعى بشكل مكشوف إلى خلق صورة مثالية للصحافة دون أن ينجح في ذلك كثيرا.
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
ال فلسفة ..وال فذلكة ■ محمد علي حسن اجلفري*
حاولت أن أتتبعها ،وهي تدور حول ُ تركت لنا األعراف ذخيرة من الكالم الحلو النعمة وإيجاب القول بنعم. وفي إحدى لهجات الجزيرة العربية يلتقي صديقان فيقول أحدهما: كيف حالك؟ ليرد اآلخر :الحمد هلل. فيسأل األول :منعوم؟ أي هل أنت بنعمة؟ فيقول :منعوم. وفي كثير من البالد العربية اشتهرت عبارة كتر خيرك .تنطق بالتاء .وإذا أردنا الفصاحة قلنا كثر اهلل خيرك. لكن العبارات المتداولة ليس فيها عــلــى حــيــن أنــهــم فــي الــغــرب يكتفون فلسفة وال فذلكة .فعلى وزن منعوم ..بالقول :أوكيه. سمعت مرات عديدة المرحوم األستاذ
م ــرح ــوم أبـــــوك ..دع ـ ــاء ،وهـــو في
عــبــداهلل خياط رئيس تحرير عكاظ الــوقــت نفسه مـــرادف لقولنا عندما األسبق (وهــو مكاوي) ،إذا وافــق على نسمع شــاع ـرًا مــجــيـدًا :صــح لسانك. قول قائل يقول له :مرحوم أبوك .وهو والمرادفات هنا كثيرة على رأسها :نعم، ما يعني نعم أوافقك ،وزيادة على ذلك صدقت ،تمام .أو أوكيه على لسان كثير أدعــو لوالدك الــذي أنجبك بالرحمة .من الجيل الصاعد. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
115
وزيــر الحج واألوقـ ــاف األســبــق األستاذ الالم وربما بخطف الهاء) دليل ،وشيء دليله
محمد عمر توفيق رحمه اهلل اشتهر بالزمة منو فيه.
يقولها في مواقف كثيرة ومختلفة ،تراوح من التعبير عن الشوق إلى الموافقة على الكالم، إلى السخرية ممن يقول كالما فارغا ،إلى التعاطف مع المحتاج أو المتورط في مشكلة ما .الكلمة هي :أوحشتنا.
األستاذ محمد فدا رحمه اهلل في طليعة مثقفي مــكــة الــمــكــرمــة وج ــدة قــبــل نصف قرن .درس في مصر .وكان يحب الشيشة (األرجيلة) حبا جما .لكنه انفرد عن كافة الــمــرادفــات اإليجايبة الــمــتــداولــة ببصمة
ويقال إن الملك فيصل قال :ليت عندنا تعبيرية خاصة به فيما يتعلق بالشيشة .كان عشرة من مثل محمد عمر توفيق. يقول :من جرَّك وجرَّك أخاه ج َّر َك ُه اهللُ من (الجراك مادة تستخدم في وإذا ت ــورط إنــســان فــي مــوقــف مــا لدى ِج ـرَاكْ الجنة! ِ منطقة في جنوب الجزيرة العربية ،فعندهم األرجيلة).
تعبير جميل يلطف الجو ويرقق الجفاف. وهو مرادف للقول أنا ممنون لك .أو شكرًا حبيبي .أو بيَّض اهلل وجهك .ذلك هو :أنا فدى لك! وهو مرادف أيضا للتعبير النبوي الشهير :ال فض فوك. أمــا التعبير الشائع في عموم الجزيرة الــعــربــيــة بــاديــة وحــاضــرة فــهــو :اهلل اهلل! وبــعــضــهــم ينطقونه ه ــاهلل هـ ــاهلل! ويــقــال
والشيء بالشيء يذكر ،فقد كــان الفدا له لطائف أخرى بديعة تقترب من الفلسفة والفذلكة دون أن تقع فيها .منها قوله :يدخل الزوج إلى غرفة النوم وكأنه أسد ،ثم يخرج وكأنه خروف! بقي أن نسأل :ما معنى فذلكة؟ يقال إنــه تعبير منحوت مثل الحمدلة
للموافقة األكيدة مع ظالل من الثناء على والبسملة .مثله مثل المفاقلة ،ويعني إذا قلتم كذا ..فنحن نقول كذا .آخر ما اطلعت المتكلم. عليه أن فذلكة هي منحوتة من قولنا «فذلِكَ لكن ماذا إذا احتدم النقاش؟ وبلغ الموقف أنَّ » .ها نحن أوشكنا أن نصل للفلسفة .حتى من ارتباك المتجادلين درجة ال يحتمل معها أننا نسينا أهم عبارة وأقرب عبارة في هذا نعم كما ال يحتمل ال .المثقفون من أهل مكة لهم تعبير طريف في هــذه الحال .فيقول الوادي وهي: قائلهم بصوت مرتفع :شيء يبغا له (بضم
جزاكم اهلل خيرًا!
* مترجم ونائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ سابقا.
116
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ فهد عواد العوذة*
إس ــود ..يــا ْنـهــار أزرق) ..كــل هــذه التعابير مــن اخـتــراع الشعب (يــا ْنـهــار أبـيــض ..يــا ْنـهــار ْ المصري الشقيق ،وهي مجانية لكل من أراد أن ينتقد األيام بال مسبة أو شتيمة..
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
يا لهوي..
بداية ..لدينا النهار األبيض ،والذي يستخدم للتعقيب على األخبار البيضاء ،وهو قليل االستخدام إال عند الساسة والمسؤولين ،والذين يستخدمونه حتى في وصف أيام الحرب.. ولدينا النهار األســود واألزرق ،وكالهما ركبتها تغير كل ذلك. يستخدم للتعقيب على األخــبــار السيئة.. كتب اهلل لها -في الغالب -أن تدعك وال أدري حقيقة ما الفرق بين اليوم األسود في صباك تتقلّب من أبيض إلــى أبيض.. والــيــوم األزرق ،ولكن لعل للمسألة عالقة حتى إذا بلغت الثالثين ابتسمت لك ابتسامة بعمى األلــوان ..وعلى كل حال فهذا النهار ساخرة ..فإذا بلغت األربعين بدأت تلحسك الكحلي يستخدم بكثرة عند أهــل اللهو كما تلحس العنز مكعب الملح ..فإذا أصبحت والترفيه ..فهو لون أيامهم االفتراضي ،إال بالخمسين أخذت تقرمشك على هون كأنها إذا كانوا على لهوهم جاثمين.. األرض ــة وكــأنــك الخشبة ..فــإذا أصبحتَ وهــنــاك ل ــون رابـ ــع اخــتــرعــتــه السينما بالستين كــشــرت لــك عــن أنيابها وأخــذت وأسمته النهار البمبي -أي الزهري -وهذا تنهشك نهش الضباع للجيف.. النهار هو مثل كل أمور السينما ال يمت إلى فإذا بلغت السبعين ستكتشف انه لم يبق الواقع بصلة ،لكن الطبقة المخملية تحاول منك إال هيكل عظمي ملفوف بمشم ٍّع اسمه أن تلصق نفسها بــه وتجعله يــبــدو وكأنه الجلد ..وحينها ستبحث في مفرداتك القليلة نهارها االفتراضي ،حتى وإن كانت وصفات -التي أبقى عليها الزهايمر -عن مفردة المهدئات ومضادات االكتئاب تقول عكس تصف حالك ،فال تجد غير (يا لهوي) وهي ذلك.. اإلصــدار المصري من "يا ويلي" ..فتولول عنيفة هي األيام حتى في لونها األبيض، لكنك ال تشعر بعنفها حتى تركبها ..فكأنها أمواج البحر التي تبدو لك جميلة وأنت تقف على الشاطئ تنظر إليها وتتأملها ..فإذا
على حالك بعض الوقت ثم باقي الولولة ستكمله وأنت في قبرك ..حيث ستبدأ أولى محطات حياتك الحقيقية التي خُ لقت من أجلها ..
* شاعر وقاص من السعودية. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
117
نجاة خياط
ُ القصيرة في المملكة القصة رائدة ِ ِ ■ محمد عبدالرزاق القشعمي*
ول ــدت نـجــاة سليم إبــراهـيــم خـيــاط فــي مكة المكرمة عــام 1945م -هـكــذا ذكر الدكتور عالي القرشي في ترجمته لها (قاموس األدب العربي الحديث)( - )1رغم ()٢ أنه ذكر في ترجمتها بـ (قاموس األدب واألدباء في المملكة العربية السعودية) أن اسمها :نجاة عمر خياط ،ولدت بمكة المكرمة 1363هـ1943 /م ،وقبله ذكر في (معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية)( )٣أن اسمها نجاة عمر خياط 1363هـ1944 /م وأنها من مواليد جدة. وبــهــذا أخــذ د .محمد العوين في (صــورة المرأة في القصة السعودية) إذ ذكر في نهاية الجزء الثاني :فهرس المصادر والمراجع ص 1689أن اسمها: نجاة عمر خياط.
مــخــاض الصمت -مــرة أخ ــرى بعدنحو نصف قرن عام 1433هـ2012 /م باسم (مخاض الصمت واألقنعة) بعد إضافة قصص جديدة ،نشرتها مؤسسة األع ــم ــال الــثــقــافــيــة لــأســتــاذ محمد المنقري.
والصحيح أن اسمها الحقيقي :نجاة ال عن ابنتها سليم إبراهيم خياط ،نق ً ومما قال د .عالي سرحان القرشي الدكتورة أماني جعفر الــغــازي ،والتي في ترجمته لنجاة خياط في (قاموس تولت إعادة طبع مجموعتها القصصية األدب العربي الحديث) و(قاموس األدب
118
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ــازت نــجــاة خــيــاط بالمركز األول في مسابقة القصة القصيرة التي نظمها نادي المدينة األدبي عام 1993م. وقد اختيرت رائدة للقصة القصيرة في (موسوعة األدب العربي السعودي الحديث.. نصوص مختارة ودراسات)(.)٤
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
واألدباء في المملكة العربية السعودية)..« : وتلقت تعليمها األوَّلــي في بيروت ،ودرست في مدرسة الفتاة األهلية بمكة المكرمة، ثم أخذت ثقافتها تنمو باالطالع والتثقيف الــذاتــي ..أصــدرت نجاة خياط مجموعتها القصصية (مخاض الصمت) عام 1966م. وقــد حفظ هــذا اإلصـ ــدار المبكر مكاناً متقدماً للكاتبة فــي ري ــادة هــذا الفن في المملكة العربية السعودية من قبل المرأة. وك ــان لها بــاب فــي جــريــدة الــبــاد بعنوان (حــديــث الــقــنــديــل) .وتحفل قصص نجاة بأشواق الحب ،وجمال الوفاء .جاءت القصة األولى في المجموعة بـ(قلب الشاعر) طويلة، تأخذ حيزاً ينيف على ثالثين صفحة ،وهذا يوضح حال البدايات القصصية التي تكونت مــن رحــم الحكاية ،ولــم تنفصل عــن شكل الرواية ،وتظهر المرأة في قصص المجموعة بقيم الوفاء والصبر على االنتظار ،والشوق للحبيب».
غيره يتبلور تدريجياً لدى جيل الستينيات الذي أفاد من جهود الجيل السابق »..وقال: « ..ولعل أجلى مؤشرات هذا الوعي الجديد وأقواها تمثل في ظاهرة صدور (مجموعات قصصية) إلبراهيم الناصر ،وغالب حمزة أبو الفرج ،وسعد الــبــواردي ،وعبدالرحمن الشاعر ،وعبداهلل جفري ،ولقمان يونس، وعبداهلل سعيد جمعان ،وسباعي عثمان، ونجاة خياط ،وربما غيرهم من كتاب هذه المرحلة ،»..وقال في الهامش« :يعتبر نشر الــمــجــمــوعــات القصصية فــي الستينيات الــمــؤشــر األهـ ــم عــلــى تــكــريــس ه ــذا الفن في أدبنا ،وبغض النظر عن القيمة الفنية لهذه المجموعات (الرائدة) بمعنى تاريخي خاص ،»..واختار لنجاة خياط من مجموعتها (مخاض الصمت) قصة (ستشرق الشمس يوماً) من ص 333إلى ص.339 وتــنــاول االســتــاذ عبدالرحيم األحمدي دراسة المجموعة -مخاض الصمت -ضمن دراسة منهجية قدمت استكماالً لمتطلبات درجـــة الماجستير فــي قــســم الــدراســات االجتماعية ،كلية اآلداب ،بجامعة الملك سعود بعنوان( :االتجاهات االجتماعية في القصة القصيرة المعاصرة فــي المملكة العربية السعودية) في الفترة من -1371 1400هـ1980 -1951 /م.
و ُعدّت نجاة خياط من مرحلة التجديد، تــنــاول األحــمــدي بعض قصصها ومنها فهي المرأة الوحيدة بين ( )23كاتباً اختير لهم نــمــاذج قصصية وقـــال« :ب ــدأ الوعي قصة (لو كنت ولــداً) قائالً :إنها من أشد بخصوصية القصة كجنس أدبي مختلف عن القصص إلحاحاً حول طلب المساواة ،فهي
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
119
تبحث عن عضوية في المجتمع تعطيها حق المشاركة في أنشطته. وقال ..« :وربما عدت نجاة خياط كاتبة حــادة فــي معالجتها ،ربما أكسبتها الثقة في النفس ،والثقافة الواسعة ،والتجربة المعرفية ،هذه اللغة في الخطاب والتعبير عن معاناة في مجتمع محلي لم يألف رقابة حــادّة تعطّ ل التفكير والثقة في اإلنسان، وتخضعه للشك والحيرة في أمــره .»..كما تناول قصة (مجرد حلم) وقصة (ستشرق الشمس يوماً). وقــال د .علي جــواد الطاهر في (معجم المطبوعات الــعــربــيــة ..المملكة العربية السعودية)(« :)٥نجاة خياط آنسة من شبه الجزيرة العربية» في مبتدأ العقد الثالث من عمرها ..ولدت في جدة ونالت تحصيلها االبتدائي في بيروت ثم أخذت تنمّي ثقافتها بــالــمــطــالــعــة ..اتــجــهــت إل ــى كــتــابــة القصة الحديثة وأسهمت في نشـر بعض المقاالت االجتماعية في صحف المملكة ..وشاركت.. في مجاالت اإلذاعة».
120
ا ع ــن ج ــري ــدة الــمــديــنــة : وقــــال نــق ـ ً «أهــدانــا االستاذ محمد حسن عــواد كتاب (الــشــجــرة ذات السياج الشوكي لألستاذ رشاد سروجي ..وكتاب (مخاض الصمت).. وهــذان الكتابان قام بطبعهما مكتب الفكر للنشر والتوزيع الذي أسسه األساتذة محمد حسن عــواد وعابد مغربي وأمين ساعاتي لخدمة األدب.».. ()٦
وفــي كــام للمؤلفة -يظهر أنــه خالل مقابلة -نشر في جريدة عكاظ( :)٧قالت: كتبت أول قصة ..وعمري ال يتجاوز ()12 سنة ،وكانت طويلة ..ومنذ بداية 1383هـــ ب ــدأت كتابة القصة بــشــيء مــن التركيز، فنشـر أكثرها في جريدة البالد طوال ثالثة أعوام.»..
وقال عن مجموعتها (مخاض الصمت): «هي باكورة الكاتبة ،وباكورة القصة النسائية في المملكة ،وقال إن ثريا قابل في تقديمها للمجموعة قــالــت ..« :وه ــا هــي إحــدى مواليد الثواني تحبو ..تشق سجف الظالم وتنطلق من تحت خبائه فتاة من صحرائنا الالمتناهية ..لكن الوليدة ما تزال تحبو في وقال د .محمد العوين في (صورة المرأة ()8 عزم وثقة تشد بنيانها لتقوى.».. في القصة السعودية) » ..ومجيء (مخاض العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
« أبي:
المهم أن (مخاض الصمت) فاتحة لمرحلة كتابية جديدة في أدب القصة الذي يكتبه يا من علمتني كيف أصمت ،حينما يكون الرجل والــذي تكتبه المرأة على السواء ..الضجيج تافهاً. ومع ذلك كله يمكن ع ّد (نجاة خياط) الرائدة بتواضع الحقيقية للقصة القصيرة رغم توقفها؛ وما أهدي إليك مخاض صمتي. أعنيه هنا أن (نجاة خياط) اختصرت في نجاة». مجموعتها (مخاض الصمت) مراحل القصة القصيرة ،وعبرت بها بحر التيارات التقليدية ثمة صمت مقصود ،صمت غير قهري، البائدة ووضعتها على مشارف الحداثة». بــل اخــتــيــاري ،الصمت عــن الــكــام ظاهرة وفــي محاضرة ألقتها د .سهام صالح ثقافية ،أو مخترع ثقافي على نحو ما يصفه العبودي بالصالون النسائي -النادي الثقافي د .عبداهلل الغذامي.. األدبي بجدة( )9قالت: « ..وتجربة األستاذة نــــجــــاه خــــيــــاط فــي اإلنـ ــتـ ــاج الــقــصــصـــــي ليست تجربة عابرة، ل ــق ــد كـــانـــت تــجــربــة ذات أثـــــر مــــــزدوج: أدبــي وتاريخي ..هذا هــو الــتــاريــخ ،تاريخنا الثقافي المكتوب الذي يــقــول لــنــا :إن هناك مــر َّة أولــى لكل شيء، الــبــدايــات ال تتكرر،
تحفل قصص نجاة خياط بأشواق الحب ،وجمال الوفاء فازت بالمركز األول في مسابقة القصة القصيرة التي نظمها نادي المدينة األدبي عام 1993م عبدالرحيم األحمدي :قصة (لو كنت ولداً) من أشد القصص إلحاح ًا حول طلب المساواة (مخاض الصمت) :هي أول مجموعة قصصية تكتبها امرأة في تاريخ الحركة األدبية السعودية
وقالت :وتقابلنا بعد اإلهـــــداء (الــمــقــدمــة) التي كتبتها رائدة أخرى من رائــدات األدب في الــســعــوديــة ،ربــمــا هي مصادفة تاريخية أن تكتب الشاعرة الكبيرة ثريا قابل (صاحبة أول ديوان شعر تكتبه امرأة في المملكة) (األوزان الــبــاكــيــة) مقدمة أول مــجــمــوعــة قصصية تكتبها امرأة في تاريخ العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
الصمت) في عام 1385هـ مجيء مبكر جداً، إذ لم يبدأ تعليم المرأة بصورة رسمية إال عام 1380هـــ ،وربما كانت نجاة من المتعلمات خارج البالد ،وربما كان تعليمها تقليدياً في كتاتيب النساء.
ولذا فهي تبقى بدايات إلى األبد ،»..وقالت: « ..ينكشف عــنــوان المجموعة (مخاض الصمت) عبر اإلهداء الخاص الموجَّ ه إلى األب ،األب الفاعل في وعي اإلبنة نجاة التي تخاطبه في نص اإلهداء بقولها:
121
الحركة األدبية السعودية.. وقالت :في الطبعة الثانية تُقابلنا مقدمة مختلفة ،مقدمة تكتبها اإلبنة ،وصوت اإلبنة امتداداً ،وتجاوزاً لحالة الصمت إلى القول بل إلى الفعل ،إذ تُبعث النصوص من جديد، تستعيد وهجها في زمن آخر ،وتترك بصمة جديدة في دنيا الكتابة.
أمــانــي جعفر الــغــازي -أســتــاذة الــتــاريــخ بجامعة الملك عبدالعزيز ،والتي أمدتنا بسيرة مختصرة لوالدتها -نجاة خياط- كما كتبتها قائلة« :ولــدت في أواخــر صيف عام 1367هـ1947/م ،كنت الطفلة الوحيدة ألسرتي بعد أن اختار اهلل إخوتي الثالثة فائقة ،وزكي ،ومحمد فوزي ،في أول عام من عمرهما كنت الثانية بين إخوتي.
وق ــال ــت ف ــي حــــوار صــحــفــي ســابــق أن قــضــيــت ج ـ ــزءاً م ــن طــفــولــتــي ف ــي مكة أول قصة كتبتها بعد أن تشكلت قراءتها (وتحطمت األغ ــال) ..ففي القصة رصد المكرمة مكان عمل والدي في وزارة المالية. تلقيت دراس ــت ــي االبــتــدائــيــة فــي مكة لظاهرة الرقيق التي كانت منتشرة فيما مضى ..وتحتفل القصة عبر حبكة صاعدة بمدرسة لتعليم الفتاة «الفتاة األهلية» ،وكانت بقرار إلغاء الرقيق ،بتحطم األغالل ،والقصة هذه المدرسة إحدى مدرستين للبنات بمكة التي تأتي منشورة بجريدة البالد بعد أقل بها عدة فصول من أولى ابتدائي إلى سادسة ابتدائي ،لكن المدارس األخرى كانت كتاتيب من عام على القرار.. وتختتم المحاضرة بقولها ..« :أتوقف تتلقى فيها البنات قراءة القرآن والحروف أخيراً عن ملمح جوهري في تجربة الكاتبة :األبجدية فقط ،من ضمنها ُكتّاب السيدة ملمح اللغة الحيّة ،المتمكنة ،تمتلك الكاتبة صبرية ،وقد درست في بداية تعليمي القرآن معجماً لــغــويـاً ثـــراً ،وتمتلك ق ــدرة هائلة الكريم ومــبــادئ الكتابة لمدة قصيرة ،ثم على تشكيل اللغة ،وتطويعها عبر الصور ،انتقلت لمدرسة الفتاة األهلية ،ويجدر بي أن والــمــجــازات ،واالنــزيــاحــات ،والتشكيالت أذكر مؤسِّ سة المدرسة وصاحبتها السيدة الفريدة .إن امتالك ناصية البيان هو القدم صالحة حسن رحمها اهلل؛ وهــي جاوية الثانية التي يمشي عليها كاتب القصة ..األصل ،جزاها اهلل خيراً.
كانت مدرستها هي بداية مرحلة تطور والتجربة القصصية عند الكاتبة تجربة متميزة :حبكة قصصية مسكوبة في قوالب م ــدارس تعليم الــفــتــاة ،قــدمــت فيها العلم لغوية فريدة ،تجربة تمنح البدايات رسوخها للكثير من بنات مكة المكرمة. الالزم ،واستحقاقها للريادة». عند انــتــهــاء دراســتــي االبــتــدائــيــة مرت
122
وفــي اتــصــال ومتابعة بالصديق محمد بنا فترة تحوّل خطيرة في حياتي زلزلت المنقري بجدة الذي اتصل بدوره بالدكتورة طفولتي وعبثت بأمنها وسعادتها ،وقطعت
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ولكن والــدي رحمه اهلل فتح لي أبــواب الذي بصفة خاصة تهزني شاعريته ورقيه ال من الكتب في الكتابة ،أما األدب الروسي فهو رائع جداً المعرفة ،حيث وفر لي كماً هائ ً العلمية واألدبية والثقافية حتى كتب الشعر وقريب لألحاسيس اإلنسانية ..حقاً إن أدب والــفــلــك والــقــصــص المترجمة مــن الكتب القصة هو تاريخ حيّ للشعوب والمجتمعات. والمجالت التي لم تكن تتوافر لغيري في مــن أدبــائــنــا الــعــرب :يــوســف السباعي، ذلك الزمن. ونجيب محفوظ ،وإحــســان عبدالقدوس،
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
عليَّ دراستي اإلعدادية ،فقد أصيبت والدتي مــثــل الــبــؤســاء لــفــكــتــور هــيــجــو ،وقــصــص بمرض استوجب سفرها إلى خارج المملكة أندريه مورو ،وجان جاك روسو ،باإلضافة للعالج. لمسرحيات فولتير الساخرة وستيفان زفايج،
حينما بدأت الكتابة في الصحف ،كتبت إضافة الى عدد من الشاعرات العربيات قصصاً قصيرة ،وأذكــر أن صحيفة البالد أمثال نازك المالئكة ،وفدوى طوقان. السعودية أول صحيفة نشرت لــي ،وكانت
ومن أدباء بالدي الحبيبة األستاذ محمد
قصة قصيرة نوعاً ما بثالث حلقات اسمها حسن عواد عميد األدب السعودي ،والشاعر (تحطمت األغالل) ،كان عنواناً بارزاً لموقف محمد حسن فقي ،والشاعر حمزة شحاتة،
جديد تقفه الفتيات في وطني.
وهــؤالء جميعا منحوني أمتع شعور حينما
وكــنــت أســتــنــد عــلــى والـ ــدي رحــمــه اهلل قرأت لهم ..وأثَّروا في تكويني األدبي لفترة بتشجيعه ومــؤازرتــه ،فلم أبالي بالمواقف من الفترات. الصعبة التي كانت المرأة في بداية انفتاحها
ولكن المحرك األول ورائــي ،والــذي كان
عــلــى الــكــتــابــة فــي الــصــحــف مــن استنكار له أعظم األثر في حياتي ،هو والدي سليم وإشــاعــات ..بقيت أكتب عشرات القصص خياط رحمه اهلل ،الــذي كــان موته بمثابة القصيرة والــمــقــاالت بصفحة الــمــرأة في صدمة اقتلعت كــل طموحي ومشاعري.. عكاظ ،بإشراف ثريا قابل الشاعرة المبدعة ،وشلت يدي وفكري على أن أكتب بالغزارة
وكنا اإلثنتين في بداية عهد جديد للكتابة السابقة نفسها.
النسائية في الصحف السعودية.
وأمي «آمنة علي» كان لها الدور الكبير في
كان لدي عامود اسمه (حديث القنديل) حياتي؛ األلم الذي غلف شبابها وشجاعتها أكــتــبــه أســبــوعــي ـاً فــي عــكــاظ .فــي بــدايــة وحبها للحياة ..منحني كل ذلك قوة وأمالً،
حياتي تأثرت بأدب المنفلوطي الرومانسي وزرع في قلبي القدرة على مواجهة المصاعب وماجدولين ،وبالقصص المترجمة العالمية واألمل في غد أجمل للمرأة في مجتمعي.
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
123
كتبت كثيراً من المقاالت في الصحف المرأة اليوم التي لم تسمعه ،ولم يمر بها ما
الــســعــوديــة واللبنانية ،وفــي مجلة البيت مر بالمرأة قبل خمسين عاماً وأكثر ،وهي
السعيد التي تصدر في بيروت.
أنها من آالف الصور التي اضطهدت فيها
ربــمــا تميزت بعض قصصي بالرمزية المرأة في مجتمعنا العربي في السابق ،وكان والــحــوار الداخلي؛ فهي لوحات من بعض الظالم يلفها ،والبد للنور أن يتسلل إلى قلب الــصــور التي تحدث فــي الحياة والــتــي قد اإلنسان ..ليمأله أمالً..
تواجه أي إنسان منا.
األمل في الحياة الطبيعية الكريمة التي
«ستشرق الشمس يــومـاً» كتبتها صيف كرمها وحفظ حقوقها ديننا الحنيف..
1385هـ1965/م في بيروت ضمن مجموعة
والبد للشمس أن تشرق يوماً على ظالم
«مــخــاض الــصــمــت» مــا بين عــام 1384ه ـــ العالم فتمأله محبة وسالماً.. 1385هـ 1964/م1965-م تقريباً. كتابتي للقصة بـــدأت فــي ســن مبكرة هذه القصة بالذات أثــارت وقتها جدالً نــوع ـاً مــا ،إذ كنت فــي الثالثة عشـرة من كبيراً ،فكثيرون حاربوني ،وكثيرون وقفوا عــمــري ،كتبت روايـــة طويلة تصلح قصة إلى جانبي وشجعوني ،ومن ضمنهم عميد لفيلم سينمائي؛ ألنها مشحونة باألحداث األدب الــســعــودي األس ــت ــاذ مــحــمــد حسن واالتصاالت العنيفة. عواد ،والصحفي الالمع محمد عبدالواحد، ربما تمثل شحن العواطف والرومانسية رحمهما اهلل جميعاً ،وجزى اهلل خير الجزاء كل من وقف معي وآزرني ودافع عني.
ستشرق الشمس يوماً ..هي أمل وضعته
في قصة قصيرة ،وهي إحدى الصور التي
كــان يزخر بها مجتمعي فــي حياة زوجية
في بداية الشباب ..ولم يصدق من قرأها
أنني أنا مَن كتبها ،إذ قالوا إنك نقلتيها من إحدى القصص التي تمأل مكتبة والدك. بعدها كتبت قصة طويلة تقع أحداثها في
غير متكافئة ..حملت فيها المرأة الجزء لبنان ..وفي الرواية الثالثة أحسست بالملل التعس دون أن تحتج أو تدافع عن كرامتها من التطويل ولم أكملها ..طبعاً هذه الروايات
وإنسانيتها المسحوقة فــي بــيــوت كثيرة لم تنشر إنما كانت بداية عهدي بالكتابة. تجد هذه المرأة تنتظر النور واالنعتاق من
الظالم ..ولكن من يعلم بها!
124
ولــم أكــن أبالي بالمواقف الصعبة التي كانت تقابل المرأة في بداية انفتاحها على
أمــا األص ــوات التي نسمعها اليوم فهي الكتابة في الصحف من استنكار وإشاعات. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ولكن لم أنشر أ ّيًا منها والقليل من أصدقائي في قلبها. يعرف ذلك.
تنقلت مع زوجها الــذي عمل ملحقاً في
نشر كتابي «مــخــاض الصمت» الطبعة سفارة المملكة العربية السعودية في دمشق، األولــى عــام 1385هــــــ1966/م ،أثــنــاءه كنت لمدة أربع سنوات ،وعاصرت القاصة نجاة في لبنان أ ُراجــع مسودات الكتاب ،وغبت خياط حرب رمضان وأهوالها وحصارها ،إذ
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
كتبت كثيراً من النثر واألبيات الشعرية ،حادث أليم .وقد ترك رحيله جرحاً ال يندمل
عــن الــســاحــة األدبــيــة بسبب عــمــل زوجــي دمرت الطائرات اإلسرائيلية معظم البيوت
وتنقالته المتعددة ،ثم أعدتُ إصدار الكتاب المجارة لمسكنهم في شارع أبو رمانه. في طبعته الثانية 1433هـ2012/م ،وأضفت
عليها مجموعتي القصصية «األقنعة» التي كانت إلى ذلك الوقت حبيسة األدراج. حياتي الخاصة تزوجت من ابن عمتها عام 1389هـ1969/م ولها من األبناء ثالثة :م .نهلة الغازي وهي من
ثــم ارتــحــلــت مــعــه إل ــى أثــيــنــا عــنــد نقله سكـرتيراً أول في سفارة المملكة في اليونان لمدة سبع سنوات ،وبعدها إلى القاهرة لمدة خمس سنوات .ثم إلى غانا قائماً باألعمال هناك لمدة أربــع سنوات ،لتستقر األســرة خاللها فــي أرض الــوطــن ،بسبب دراســة
مواليد بيروت ،ود .أماني الغازي من مواليد األبناء في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة. جده ،وتعمل في جامعة الملك عبدالعزيز،
تعكف نجاة خياط اآلن على تسجيل
قسم التاريخ ،واالبن الثالث سليم الغازي من ذكرياتها الخاصة عــن أسرتها فــي كتاب مواليد أثينا في اليونان ،كان مهندسً ا في خــاص ستخصصه لألصدقاء فقط وليس الحرس الوطني ،توفي في عز شبابه إثر للنشر العام. * كاتب من السعودية. ( )1إشراف د .حمدي السكوت ط2015 ،2م القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب ،ص.817 ( )2ط ،1ج ،1الرياض :دارة الملك عبدالعزيز 1434هـ2013 /م ،ص.512 ( )3ط1413 ،2هـ1993 /م الرياض :الدائرة لإلعالم المحدودة ،ص.54 ( )٤ط 1مج 4القصة القصيرة ..إعداد الدكتور معجب الزهراني .ص 27-26و.339 - 333 ( )5ط ،1ج1985 2م. ( 7 )6شعبان 1386هـ 20 /نوفمبر 1966م. (1387/9/13 )7هـ صفحة أدب (كل خميس). ( )8ط ،1ج ،1الرياض -مكتبة الملك عبدالعزيز العامة 1423هـ 2002م. ( )9يوم السبت 1434/6/24هـ 2013/5/4 /م ونشـرت مع غيرها في كتاب (شرفات ورقية) بالرياض :دار المفردات للنشر ط1439 ،1هـ2018 /م. العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
125
المثقف ووزارة الثقافة ■ صالح القرشي*
كثيرا ما أجد بعض الكتاب والمثقفين ،وبعد كل دعوة توجهها وزارة الثقافة لمجموعة منهم ،أو مع كل مناسبة تخص هذه الوزارة يطرحون سؤالهم التقليدي! ماذا يريد المثقفون من وزارة الثقافة؟ وماذا يجب أن تقدم وزارة الثقافة للمثقفين؟ ويبدو لي أن مجرد صياغة السؤال بهذه الطريقة ال تصح ،واألوْلى أن يكون السؤال هو: ماذا يجب أن تقدم الــوزارة للمجتمع؟ وماذا يريد المجتمع من وزارة الثقافة؟ وفي كل مرة يطرح فيها ذلك السؤال على عدد من األدباء والكتاب والمثقفين ،تكون أغلب اإلجابات عبارة عن مطالب متعلقة بهذه الفئة، وتركز على العالقة بينها وبين وزارة الثقافة، وتكون أغلب االنتقادات أو المالحظات خاصة بالفعاليات التي تقيمها ال ــوزارة وتدعو لها بعض الكتاب واألدبــاء والمثقفين ،ومن زاوية لماذا اختارت أولئك ولم تختر هؤالء ،وربما ال نجد من يتحدث عن دور الوزارة األساس.. وهو الدور المتعلق بعالقة الثقافة بالمجتمع.
هي :كيف يمكن لــوزارة الثقافة أن تسهم في ربط فئات المجتمع بكل تنوعاتها بالثقافة؟ كــيــف يمكنها المساهمة فــي نــشــر الــوعــي بأهمية الثقافة لدى األجيال الجديدة؟ وما هي الخطوات المطلوبة في هذا الجانب؟ ماذا عن الــدور الــذي يمكن أن تقوم به المدارس في هذا الشأن؟ وماذا يمكن أن تقدم األحياء والبلديات في هذا المجال؟
مــاذا عــن تحويل األنــديــة األدبــيــة لمراكز ثقافية متكاملة تهتم بالمسرح الجاد والفنون التشكيلية ،وتقيم الــمــعــارض ،وتــتــعــاون مع الجهات األخ ــرى س ــواء كــانــت جــهــات أهلية أو حكومية ،ويبدو لي أن تقييم نجاح برامج الــوزارة يكمن في اإلجابة على هذه األسئلة ويبدو لي أ ّن حصر المسألة بهذا الجانب ال وليس في الدوران حول طلبات بعض المثقفين يخدم الدور األهم المنوط بالوزارة ،وهو الدور أو حتى مناكفاتهم. الذي يجب أن يتوجه نحو المجتمع. إن حاجة المجتمع لخدمات هذه الــوزارة واعتقد أن السؤال الذي يجب طرحه هو :أشد وأهم وأولى ..وما يمكن أن يقدم للمجتمع ماذا يجب أن تقدم وزارة الثقافة للمجتمع؟ ثقافيا هو ما سيشكل اإلسهام الكبير لها في وليس فقط ماذا يجب أن تقدم للمثقفين؟ رقــي المجتمع وتــطــوره ،فهي وزارة الثقافة أعتقد أن األسئلة األهم في هذا الجانب وليست وزارة المثقفين. * كاتب وقاص من السعودية.
126
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات
دليل املجموعة املتحفية مبركز عبدالرحمن السديري الثقايف
املؤلف :خليل بن إبراهيم املعيقل البراهيم، عبدالهادي خليف املعيقل ،أحمد عتيق القعيد الناشر :مركز عبدالرحمن السديري الثقايف السنة 1439 :هـ 2017 -م ρρإعداد :مرسي طاهر* المجموعات التراثية التي يتناولها هذا الدليل هي جزء من مقتنيات مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،قدمت معظمها هدايا من مواطني منطقة الجوف ،ومن مواطنين من خارج المنطقة لمعالي األمير عبدالرحمن السديري رحمه اهلل ،الذي قام بإيداعها دار العلوم بالجوف ،وتعرض معظمها اآلن في أروقة فندق النزل التابع لمؤسسة عبدالرحمن السديري بمدينة سكاكا -الجوف. تعد هذه المجموعات من المجموعات التراثية المهمة على مستوى منطقة الجوف ،وتأتي أهميتها كونها جُ معت على مــدى فترة طويلة ،إضافة إلى تنوعها؛ من متحجرات وقطع حجرية تعود لعصور جيولوجية مختلفة ،وقطع نقوش أثرية ،إضافة إلى مواد تراث تقليدي محلي يرجع تاريخ بعضها إلى أكثر من مئة عام. يقع الدليل في ( )352صفحة ،استهل بتقديم من الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري العضو
المنتدب لمؤسسة األمير عبدالرحمن السديري، تناول فيه بشيء من اإليجاز والعمق أهمية الدليل في التعريف بالمجموعة المتحفية بالمركز ،وما تمثله مــن قيم حــضــاريــة وفنية تعكس الــمــوروث الثقافي لمنطقة الجوف ،منوهاً بضرورة حماية هذا التراث واستمراره واستثماره كأحد روافــد الهوية الثقافية للوطن ،ثم تال التقديم مقدمة من المؤلف الرئيس للدليل الدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل البراهيم الذي بَيَّن أهمية المركز ودوره في الحياة الثقافية والعلمية لمجتمع منطقة الجوف ،وذكر أن من ضمن أهداف إصدار هذا الدليل التعريف باألدوار الثقافية والحضارية التي يقوم بها المركز تجاه المجتمع ،كما تناول أهمية هذه المجموعة المتحفية بالمركز وتنوعها ،والجهود التي بذلت في إعداد هذا الدليل وتصنيفه وتجهيزه بشكل يعطي صورة مناسبة ومعبرة عن تراث منطقة الجوف. يضم الدليل قاعدة بيانات علمية متكاملة عن العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
127
مجموعة المتحجرات واألحجار الطبيعية
( )274مادة متحفية وتراثية ،تم تصنيفها إلى ثالث مجموعات رئيسة هي: -1مجموعة المتحجرات واألحجار الطبيعية (وعددها 38مادة) وتــحــوي متحجرات أحيائية؛ تتمثل فــي بقايا أسماك ،وقواقع ،ورخويات ،وشعب مرجانية بحرية (متبلورة) جلب أغلبها من منطقة الجوف ،وتحديداً مــن وادي الــســرحــان ،وبعضها مجلوبة مــن خــارج المملكة: -2مجموعة القطع األثرية (وعددها 21مادة) وتحوي مواد أثرية ،تتشكل من نقوش ،وكتابات عربية شمالية ،ومسند شمالي سطرت على حجارة بازلتية ،وقد جلب أغلبها من وادي السرحان ،وتضم المجموعة أيضا نقوشاً وكتابات ،كتبت على صخور من الحجر الرملي ،كتبت بالقلم الصفوي ،والمسند الشمالي ،والثمودي ،كما تضم بعض هذه الصخور وسوماً لبادية شمالي الجزيرة العربية:
والصناعات في منطقة الجوف منذ أقدم العصور، مــثــل النخيل ومــنــتــجــاتــه؛ األخــشــاب مــن األشــجــار المختلفة كالسدر واإلث ــل؛ والمنتوجات الحيوانية كالوبر والصوف والشعر والجلود من الجمال واألغنام، واألحجار ،والطين ،والمعادن. وقد تم تصنيف مجموعات التراث الشعبي إلى عشرة مجموعات فرعية كالتالي: مجموعة أدوات القهوة (عددها 23مادة). مجموعة أدوات المطبخ (عددها 26مادة). -مجموعة مصنوعات سعف النخيل (عددها 12
مجموعة القطع األثرية
-3مجموعات التراث الشعبي (وعددها 215مادة) تحوي أدوات ومصنوعات تراثية شعبية محلية معروفة بمنطقة الجوف والمناطق األخرى بشمالي المملكة وجنوبها ،عدا الجرار الفخارية الكبيرة التي كانت تجلب من بالد الشام. وتضم المجموعة أسلحة بيضاء تقليدية عثمانية، وب ــن ــادق ،ومــســدســات ،ورش ــاش ــات مــســتــوردة من مختلف األقطار األوربية ،إضافة إلى بعض الموارد المتوافرة محليا ،والتي اعتمدت عليها معظم الحرف
128
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مجموعة أدوات القهوة
مجموعة أدوات المطبخ
مجموعة أدوات متعلقة بالمنزل
مجموعة النسيج
مجموعة أواني التخزين
مجموعة أدوات الزراعة
مجموعة األسلحة
مجموعة األسلحة
- -
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات
مجموعة مصنوعات سعف النخيل
مجموعة األسلحة
مادة). مجموعة أدوات متعلقة بالمنزل (عددها 22مادة). مجموعة أواني التخزين (عددها 14مادة). مجموعة أدوات الزراعة (عددها 30مادة). مجموعة األسلحة (عددها 32مادة). مجموعة أدوات البادية (عددها 30مادة). مجموعة المالبس وأدوات الزينة (عددها 16مادة). مجموعة النسيج عددها ( )10مواد.
تصنيف المجموعات المتحفية بهذا الدليل يُمكِّن القارئ من الوصول إلى صورة ولو جزئية عن تراث منطقة الجوف ،والتعرف على التواصل الحضاري والتبادل الثقافي بين الجوف والمناطق المحيطة بها في عصورها المختلفة. ويعد الدليل إسهاما واضحا للبحث العلمي في مــجــال الــتــراث والــثــقــافــة ،وأح ــد الــمــراجــع العلمية للباحثين والــدارســيــن وأصــحــاب العالقة فــي هذا الــشــأن ،كما يعد إضــافــة ثــريــة للمكتبة الثقافية السعودية من إصــدارات صرح علمي وثقافي شامخ أرسى دعائمه معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري رحمه اهلل.
* أمين مكتبة دار الجوف للعلوم -سابقاـ ً العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
129
الـ ـصـ ـفـ ـح ــة األخ ـ ـيـ ــرة
عبدالرحمن الشبيلي..
البهي! كم نفتقد حضورك ّ ■ د .عبدالواحد احلميد ال للطبع، حين كان هذا العدد من "الجوبة" ماث ً ُفــجــعــنــا بــرحــيــل الــدكــتــور عــبــدالــرحــمــن بــن صالح الشبيلي ،الــقــامــة الوطنية السامقة والشخصية الفكرية واألكاديمية واإلداريــة والشورية واإلعالمية واالجتماعية التي يصعب تعويضها وتكرارها ،فكان رحيله خسارة كبرى للوطن. وإذا كان الوطن يفتقد اليوم أبا طالل ،فإن أسرة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي تشعر بشكل خــاص بــمــرارة الــفــقــد؛ فعلى مــدى ســنــوات طويلة ماضية وإلى يوم رحيله المؤلم الحزين كان الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي شعلة من النشاط ضمن أسرة هذا المركز ،وبرحيله المفاجئ الصاعق تشعر أسرة المركز أن ركناً ركيناً من أركانه قد هوى تاركاً في قلوب محبيه داخل المركز وخارجه فراغاً موحشاً يصعب ملؤه. لقد أسهم أبو طالل بفكره وبوقته وبمشاعره في إثراء أنشطة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ومركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،وكــان دائم الحضور ذهنياً وجسدياً في هذه األنشطة ،سواء تلك التي أقيمت في الجوف أو الغاط أو الرياض أو في خارج المملكة.
130
ب ــدأت عــاقــة الــدكــتــور عــبــدالــرحــمــن الشبيلي بهذه المؤسسة من خــال األنشطة المنبرية التي كانت تقيمها في الجوف وفي الغاط ،فكان يحرص على حضور هذه األنشطة ويشارك فيها من خالل أوراق العمل التي يُعِ دُّها والمحاضرات التي يلقيها والمداخالت التي يثري بها الــنــدوات واألمسيات. ثم تطورت هــذه العالقة ،وأصبح عضواً في بعض لجان المركز ومناشطه مثل هيئة المنتدى التي تقوم بالتحضير للمنتدى السنوي الــذي يقام في الجوف والغاط باسم منتدى األمير عبدالرحمن بن
العدد - ٦٤صيف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
أحمد السديري للدراسات السعودية ،فكان له إسهام ملموس في اختيار الموضوعات التي يتم اختيارها للمنتديات ومحاورها والمشاركين فيها والشخصية المكرمة في كل موسم من مواسم المنتدى ،وكان في معظم مواسم المنتدى هو َم ْن يكتب كلمة هيئة الــمــنــتــدى لتقديم الشخصية الــمــكــرمــة .كــمــا كــان الشبيلي عــضــواً فــي المجلس الثقافي المناط به تخطيط وإقــرار النشاطات المنبرية التي تقام على امتداد العام في الجوف والغاط تحت مظلة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي. ال كان أبو طالل على مدى تلك السنوات عضواً فاع ً نشيطاً متحمساً رغم مشاغله الكثيرة المهمة خارج إطار المركز والتزاماته االجتماعية التي ال يتخلف عن أدائها أبــداً ،فلم يبخل بتقديم الــرأي والمشورة في كل المشروعات الثقافية التي قام بها المركز، مثل إصــدار مجلة أدوماتو ،وتحكيم بعض األعمال المقدمة للمركز ،واختيار أسماء َم ْن يتم استكتابهم لبعض الــدراســات واألعــمــال الفكرية التي يمولها ال عن تحريره وإشــرافــه على الكتاب المركز؛ فض ً المرجعي المهم الذي أصدره المركز بعنوان "فص ٌل من تاريخ وطن وسيرة رجال :عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير الجوف" .وفوق ذلك ،كان ألبي طالل إسهاماته المميزة كعضو في مجلس إدارة المؤسسة وكرئيس للجنة االستثمار في المجلس. سوف تفتقد المؤسسة والمركز أبا طالل لكننا نرضى بقضاء اهلل وقدره .نسأل اهلل تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته .وفي العدد القادم من "الجوبة" سوف يتم إن شاء اهلل تخصيص ملف عن الراحل العزيز ،كما أن المركز سوف يصدر ٍ كتاباً تذكارياً عنه ،وكتاباً آخر عن سيرته وإنجازاته، وندوة حوارية تتناول جوانب من السيرة الشخصية والعملية والفكرية لهذا الرجل الفذ االستثنائي.
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في
صدر حديثاً