¦التعدد واالنفتاح في تجربة الفنانة التشكيلية عرفات العاصمي ¦إيقاع الصورة عند الشاعر مريد البرغوثي ¦أنا راحل ،آخر رسالة كتبها تولستوي ¦حوارات :الشاعرة مها العتيبي ،الشاعر حسـن شـهــاب الدين ،األديبة لطيفة لبصير
عبدالرحمن الصالح الشبيلي أيقونة في الحضور والرحيل!
65
برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف 1-نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية
يهتم بالدراسات ،واإلبداعات األدبية ،ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة ،وتشجيع حركة اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز. ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير. مجاالت النشر: أ -الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت. ب -اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). ج -الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند « »٨من شروط النشر). شروطه: -١أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق ،وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية. -٢أن تُكتب المادة بلغة سليمة. -٣أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً ،وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق. -٤أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق ( )A4ويرفق بها قرص ممغنط. -٥أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة للنشر. -٦إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة. -٧أن يكون حجم المادة -وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه -على النحو اآلتي: الكتب :ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور. البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز :تخضع لقواعد النشر فيتلك المجالت. الكتيبات :ال تزيد على مئة صفحة( .تحتوي الصفحة على « »250كلمة تقريباً). -٨فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر ،فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات منطقة الجوف ،إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام ،أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط. -٩يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره ،إضافة إلى مكافأة مالية مناسبة. -١٠تخضع المواد المقدمة للتحكيم.
-2دعم البحوث والرسائل العلمية
يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط ،ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها وأفكارها. (أ) الشروط العامة: -١يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية ،كما يشمل البحوث الفردية ،وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية. -٢يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط. -٣يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته. -٤أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه. -٥يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث. -٦تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي. -٧للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل. -٨ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز. -٩يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية. (ب) الشروط اخلاصة بالبحوث: -١يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»). -٢يشمل املقترح ما يلي: توصيف مشروع البحث ،ويشمل موضوع البحث وأهدافه ،خطة العمل ومراحله،واملدة املطلوبة إلجناز العمل. ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع ،تشمل األجهزة واملستلزماتاملطلوبة ،مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة ،املشاركني يف البحث من طالب ومساعدين وفنيني ،مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة. حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى.(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية: إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي: -١أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية ،ويرفق ما يثبت ذلك. -٢أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل. هاتف 014 6245992 :فاكس014 6247780 : الجـوف 42421ص .ب 458 هاتف 016 4422497 :فاكس016 4421307 : الغ ـ ـ ــاط 11914ص.ب 63 الرياض 11614ص .ب 94781هاتف 011 2015494 :فاكس011 2015498 :
info@alsudairy.org.sa www.alsudairy.org.sa
مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري
ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي هيئة النشر ودعم األبحاث
رئيساً د .عبدالواحد بن خالد الحميد عضواً أ .د .خليل بن إبراهيم المعيقل أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً عضواً د .علي دبكل العنزي عضواً محمد بن أحمد الراشد أسرة التحرير
إبراهيم بن موسى احلميد محرر ًا محمود الرمحي محرر ًا محمد صوانة اإلخراج الفني :خالد الدعاس
املشرف العام
هاتف)+966()14(6263455 : املراســــــالت : فاكس)+966()14(6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـوف -اململكة العربية السعودية www.alsudairy.org.sa aljoubahmag@alsudairy.org.sa
ردمد ISSN 1319 - 2566 سعر النسخة 8رياالت -تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع االشتراك السنوي لألفراد 50ريا ًال واملؤسسات 60ريا ًال
رئيساً فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً سلطان بن عبدالرحمن السديري د .زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب عضواً عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري عضواً د .سلمان بن عبدالرحمن السديري عضواً د .عبدالواحد بن خالد الحميد أ .د .خليل بن إبراهيم المعيقل عضواً سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السدير ي عضواً أ .د .مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً قواعد النشر
-1أن تكون املادة أصيلة . -2لم يسبق نشرها ورقياً أو رقمياً. -3تراعي اجلدية واملوضوعية. -4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. -5ترتيب املواد يف العدد يخضع العتبارات فنية. -6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب ،على أن تكون املادة باللغة العربية. «اجلوبة» مناألسماءالتيكانتتُطلقعلىمنطقةاجلوفسابقاً.
املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر.
يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط ،ويقيم املناشط املنبرية الثقافية، ويتبنّى برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات ،يخدم الباحثني واملؤلفني ،وتصدر عنه مجلة (أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي ،ومجلة (اجلوبة) الثقافية ،ويضم املركز ك ً ال من( :دار العلوم) مبدينة سكاكا ،و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط ،ويف كل منهما قسم للرجال وآخر للنساء .ويصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية.
0553308853
Alsudairy1385
العدد - 65خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الـمحتويــــات االفتتاحية :إبراهيم بن موسى الحميد .......................... ملف العدد :رُبَّ ٍأخ -زياد بن عبدالرحمن السديري .............
6.......................... في وداع عبدالرحمن الشبيلي..
نقش على شاهدة -عبدالرحمن الدرعان........................ مشيْناها ..سطراً سطرا -د .عبدالواحد الحميد ............... نُـــزُل الـــنّـــعـــيـــمِ -عبدالقادر بن عبدالحي كمال................ د .الشبيلي ..مؤرخ اإلعالم السعودي -د .عائض ال َّردَّادي ...... عبدالرحمن الشبيلي :تمنيت أن أمتلك المقدرة على كتابة الرواية ألصوغ بها سيرتي -إبراهيم العوامرة ٢١ ......................... قراءة في سيرته الذاتية (مشيناها) -د .عبداهلل الحيدري 24 ..... رسالة من تلميذ لمعلمه -د .علي بن دبكل العنزي ٣٠ .............. الشبيلي صاحب الخطوة الواثقة -د .هناء بنت علي البواب ٣٢ .... عبدالرحمن الشبيلي في ذمة اهلل -نواف الراشد٣٥ ............... الشبيلي والشورى! -أحمد العسَّ اف ٣٦ ............................. د .الشبيلي ..زيارة واحدة ..أم اثنتان؟ -محمد الجفري 40 ........ الشبيلي تخرج من كليتين في وقت واحد ،وكتب سيرته بلغة الغائب محمد بن عبدالرزاق القشعمي 42 ..............................ّدة -محمد صوانة 47 ....... متفر د .عبدالرحمن الشبيلي..أيقونة ِ في وداع عبدالرحمن الشبيلي -المحرر الثقافي 49 ............... دراسات ونقد :أبعاد التعدد واالنفتاح في تجربة الفنانة التشكيلية السعودية عرفات العاصمي -إبراهيم الحجري 50 ................. إيقاع الصورة في شعر مريد البرغوثي -نضال القاسم 61 ......... اإلخوة الستة في رواية (الصيادون) -ليلى عبداهلل 70 ............. شعرن ُة األلم في ديوان "جنازة الغريب" لعبداهلل السفر -هشام بنشاوي72 .......................................................... لمعاتٌ على رواية النمر األبيض ألرافيند أديغا -محمد الهدوي78 .
نصوص :الهجرة -حليم الفرجي .................................. ورقة -حنان بيروتي ..............................................
ومضات سريعة -سميرة الزهراني ..............................
قمر - 50محمد الرياني .........................................
61..............................
إيقاع الصورة في شعر مريد البرغوثي
العَصا ميراثُ المؤمنين! -فهد أبو حميد........................ تحرير -سمر الزعبي ............................................ أصبوحة جوفية -سعاد الزحيفي ................................ ذاكرة ال تنام -نوره العبيري................................. وطني -مرضي الشمري .................................... مَن كمثلي -عبداهلل األمير....................................... إلى متى؟! -د .سعود الصاعدي ............................
ترجمة :أنا راحل! (آخر رسالة كتبها تولستوي إلى زوجته صونيا) ترجمتها عن الفرنسية :ياسمينة صالح ........................مواجهات :الشاعرة د .مها العتيبي -حاورها :عمر بو قاسم.....
100............................
حوار مع الشاعرة مها العتيبي
٤ ٦ ٩ ١١ ١٦ 17
الشاعر حسن شهاب الدين -حاوره :أسامة الزقزوق ...... األديبة لطيفة لبصير -حاورها :محمد نجيم ..............
نوافذ :شجرة السرح رمز األنوثة- !..أحمد إبراهيم البوق.......
السينـمـا بين االستـهالك والفن -منصف القرطبي ........ وادي بطحـان -د .تنيضـــب الفايدي.............................
قراءات ............................................................. الصفحة األخيرة ................................................
82 84 86 87 88 92 93 94 ٩٥ 96 97 ٩٨ ١٠٠ ١٠٧ ١١١ ١١٤ ١١٨ ١٢٠ ١٢٧ ١٢٨
■ إبراهيم بن موسى احلميد يفجعنا الرحيل المفاجئ لمن نحب ونعرف عن قرب ،هذا بالرغم من إحاطتنا بالموت من كل جانب ،ونحن نرى عن قرب أيضا أقارب وأعزاء لنا وأحباب ألهليهم وألصدقائهم يتزاحمون على مقابر الموتى لحجز أماكنهم باكرا. كنا نظن أنهم عاشوا طويال ،وعندما يفجعنا غيابهم نكتشف كم كنا مخطئين ،وأنهم لم يلبثوا إال قليال ،وأن بقاءهم كان يضيء طريقنا ،و أن رحيلهم يعجّ ل مرور األيام. من هؤالء الذين افتقدناهم مؤخرًا ،وكان غيابهم موحشً ا ومفاجئًا ،الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي الذي كان أحد مداميك مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،وكان حضوره بارزًا ومؤثرًا في الساحة الثقافية في المملكة العربية السعودية. ارتبط أبو طالل -عبدالرحمن الشبيلي -في سنواته األخيرة بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،وتوطدت عالقته بها ،وكان أحد أبرز وجوه منتدى األمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية في سنواته األخيرة. كان الشبيلي متميزًا في كتاباته للسِّ يَر ،وللمقاالت ،وفي قراءاته للكتب ،ومشاركاته في مختلف الفعاليات ،وقد كان الحضو ُر لمنتديات األمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية يُنصت بشكل مختلف عندما يبدأ الشبيلي بإلقاء كلمته التي عوّد جمهور المنتدى على إلقائها ،ولذا فإن الكثيرين سيفتقدونه ،ومنهم هذا المنتدى الرائع.
4
كانت سيرة الشبيلي حافلة وثرية ،وبقدر ما كان فيها من عمق وتجربة ..فقد كان وفيًا مع ثرائها ،فأفرغ كثيرًا من ذاكرته وتجربته في كتاباته التي نثرها في مقاالته ومؤلفاته ،وآخرها كتاب "مشيناها " لسيرة جميلة وأمينة كادت أن تأخذ صاحبها إلى كتابة الرواية التي تمنّى امتالك مستعرضا أبرز ما م ّر به في مراحل حياته. ً ناصيتها ،ولكنه آثر تسميتها "حكايات ذات" العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دراـ ـ ـ ـ ـ اف ـ ـاتـاون
بدأت قصة عبدالرحمن الشبيلي في مدينة عنيزة بالقصيم عام 1943م ،حيث وُلد فيها من أبوين هما :صالح الشبيلي ،وفاطمة ،الفتاة القادمة من تركيا ،التي تزوجها والده عام 1926م، وبقي في مسقط رأسه حتى إكمال دراسته الثانوية ،ثم انتقل إلى الرياض حتى أنهى دراسته فيها عام 1963م ،والتحاقه بوزارة اإلعالم وبروزه كمذيع وإعالمي معروف ،ومواكبته لبدايات اإلذاعة والتلفزيون ،ثم سفره إلى الواليات المتحدة األميركية لدراسة الماجستير عام 1969م ،ومن ثم إنجاز الدكتوراه في أمريكا عام 1971م. تولى الشبيلي مناصب عديدة في وزارة اإلعالم ،ثم انتقل إلى وزارة التعليم العالي ومارس العمل األكاديمي والتأليف ،ثم عُين عضوًا في مجلس الشورى من العام 1994م وحتى العام 2005م. كانت حياته حافلة باإلنجازات الثقافية ،والجوائز التقديرية ،كما كان من الشخصيات التي لها عال ،وكان يحظى قلمه باالحترام والتقدير من كافة الصحف حضور ثقافي مرموق ،ولها تقدير ٍ المحلية ،فقد كانت تبرز كتاباته في مواقع لها أهمية بارزة ،كما أنجز رحمه اهلل أكثر من ثالثين كتابًا خالل مسيرته ،منها :الملك عبدالعزيز واإلعالم ،ركائز التنمية السياسية في فكر الملك عبدالعزيز ،فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال (عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف) بمشاركة نخبة من الباحثين ،التجربة الشورية في المملكة العربية السعودية بين اإلطار والتطوير ،إبراهيم العنقري ،عبداهلل بن خميس ،عنيزة وأهلها في تراث حمد الجاسر ،حديث الشرايين ،جريدة الدستور البصرية والشؤون السعودية والكويتية فيها ،سوانح وأقالم في السياسة والثقافة واإلعالم ،محمد أسد ..هبة اإلسالم ألوروبا ،مجلس الشورى ..قراءة في تجربة تحديثه (بالمشاركة مع آخرين) ،خالد بن أحمد السديري ،تأسيس المملكة العربية السعودية بأقالم 60 مؤرخا ،وأخيرًا كتاب سيرته (مشيناها :حكايات ذات). وقد توفي الشبيلي رحمه اهلل مساء الثالثاء 28ذو القعدة 1440هـ ( 30يوليو 2019م) ،بعد بضعة أشهر من إنجازه لسيرته التي أسماها "مشيناها". خاصا بالراحل الكبير رحمه اهلل ،فهي تحاول استعادة ذكراه ،وفا ًء ً والجوبة إذ تنشر محورًا لما قدّمه لوطنه ولمركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،وكما قال الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري "إننا جميعًا في المركز سنفتقد الكثير بعد رحيل أبي طالل ،كما سيفتقده المتابعون والمستفيدون من أعماله ومناشطه ."..وكما كتب الدكتور عبدالواحد الحميد في العدد 64من الجوبة "إن أسرة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي تشعر بشكل خاص بمرارة الفقد ،فعلى مدى سنوات طويلة ماضية وإلى يوم رحيله المؤلم الحزين ..كان د .عبدالرحمن الصالح الشبيلي شعلة من النشاط ضمن أسرة هذا المركز ،وبهذا الرحيل المفاجئ الصاعق تشعر أسرة المركز أن ركنًا ركينًا من أركانه قد هوى ،تاركًا في قلوب محبيه داخل المركز وخارجه فراغً ا موحشً ا يصعب ملؤه". العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
5
ُر َّب ٍأخ ■ زياد بن عبدالرحمن السديري*
ـاق في حياتنا .الدكتور نلتقي عبر األيــام أشخاص ًا يكون لهم ،دون سواهم ،أثرٌ كبيرٌ وبـ ٍ عبدالرحمن بن صالح الشبيلي رحمه اهلل ،كان أحد هؤالء األشخاص بالنسبة لي ،وربما لكثيرٍ منكم. التقيته ألول مرة عند انضمامنا عضوين في مجلس الشورى في دورته األولى ،وكان رحمه اهلل صاحب المبادرة والفضل مع ًا في ذلك .فبعد اللقاءات العابرة ،واألخرى الرسمية ،التي كانت تجمع بين أعضاء المجلس ،شاءت األقدار أن تجمعني بأبي طالل ،وتؤسس لعالقة صداقة وأخوّة ربطت بيننا ،عندما تحدثت ومجموعة من الزمالء في المجلس عن تنظيم رحلة برية في مطلع شتاء ١٤٢٠ه ــ٢٠٠٠/م ،فعلم أبو طالل بمشروع الرحلة ،وانضم إليها، وغــدا قائدها المحرّك لها ،والمهتم األول باستمرارها في كل عــامٍ الحق بعد ذلــك ،حتى شتاء العام الماضي. وتبع انطالق الرحلة ،التي غدت حولية ،المركز الثقافي الذي كنت ،وما زلت ،أتولى وأطــلــق عليها أبــو طــال اســم الشورحالة ،متابعة أعماله ،الوالد رحمه اهلل. مشروع كنت أسعى إلكماله، حديثٌ بيننا عن فقد بــادر أبو طالل بسؤالي عما فعلناه ٍ أال وهو تدوين ما تيسر من سيرة مؤسس في هذا السبيل ،ثم شرع فاقترح خطة عمل إلنــجــاز الــمــشــروع ،واســتــعــد فتولى رئاسة د زياد بن عبدالرحمن السديري تحريره ،واستمر فتابعه حتى صدوره بعنوان: «تاريخ وطن وسيرة رجال» ،وهو العنوان الذي اختاره له. ورغب مجلس إدارة المركز تقديم مكافأة نقدية ألبي طالل نظير إكماله هذا العمل، ولكنه رفض قبول المكافأة ،موضحاً أنها ما كانت غاية له في تصديه للمشروع ،وما كان يرغب لها أن تغير في ذلك.
6
ولــم تقف عــطــاءات أبــي طــال للمركز العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي يلقي كلمة هيئة منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية ،وإلى يمينه فيصل بن عبدالرحمن السديري
ـوســعــت بعدها عند مــشــروع الــســيــرة ،بــل تـ ّ ليكون له حضوره الملموس في المناشط الثقافية األخرى للمركز؛ المنبرية منها وغير المنبرية؛ كما انخرط في عضوية المجلس الــثــقــافــي فــي الــمــركــز ،وهيئته التنفيذية المنظمة لهذه المناشط ،متقب ً ال العضوية ورافضاً الرئاسة؛ ثم انضم لعضوية مجلس إدارة المركز ،وترأس لجنة االستثمار فيه، تحت إلــحــاح المجلس عليه بقبول رئاسة اللجنة لغايات أوضحها له المجلس. وغني عن القول ،إننا جميعاً في المركز ٌّ سنفتقد الكثير بعد رحيل أبي طــال ،كما سيفتقده المتابعون للمركز والمستفيدون من أعماله ومناشطه .فكما يعلم ك ُّل َم ْن عرف أبــا طــال وعمل معه ،فهو رج ـ ٌل فري ٌد في نوعه .كريم النفس ،هــادئ الطبع ،خفيض الصوت ،بليغ الخطاب ،صادق القول ،راجح
الرأي ،إيجابي التوجه ،محب للخير ،سامي الخلق ،مؤاث ٌر على الــذات .ال يكثر الكالم، فإن تكلم أتى بما يوجب اإلنصات والقبول، إلحاح أو جــدال .ال يقصر تفكيره في دون ٍ حــدود المألوف ،بل يفكر خــارج الصندوق، دون أن يكون في تفكيره شطط أو تجاوز غير مقبول .لهذا ،أجزم أن ما من نشاط قام به المركز بعد انضمام أبي طالل إليه إال وكان ألبي طالل بصماته الخالقة الواضحة فيه. نعم ،سيفتقد مركز عبدالرحمن السديري الثقافي أبا طالل ،وسيترك أبو طالل فراغاً في المركز ليس من المتيسر تعويضه. مستوى آخ َر وسأفتقد أنا أبا طالل على ً أيضاً .فكما أشرت في مطلع هذه الورقة، وكــمــا ذكـــرت فــي مــنــاســبــات ســابــقــة؛ فقد ربطتني بأبي طالل عالقة الصديق بصديقه بــمــا انــطــوت عليه مــن حميمية وانــفــتــاح، العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
7
خالل مشاركته بمنتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية بدار الرحمانية في الغاط
وعالقة األخ بأخيه بما اتصفت به من متانة األثر البالغ الذي تركه رحي ُل أبي طالل ،كما وديمومة ،وعالقة االبــن بــوالــده بما قامت ظهر من جمهور الحضور الكبير الذي شارك عليه من احترام جم منّي له .فأبو طالل لم بالصالة على جثمانه ،وشهد دفنه ،وقـ ّدم ٍ يكن ليكتفي بإبداء الرأي لي فيما أستشي ُره العزاء فيه .وكما عبرت عنه الرثائيات الكثيرة به ،فيُس ُّره لي بصدق ،أو ُ يستجيب لما أطلبه التي كتبت فيه ،شعراً ونثراً .وكما تشهد به منه ،فيقدمه لي دون تردد ،أو يقفُ معي كلما المنتديات المتتابعة التي تناولته موضوعاً ُ احتجت له ،فيشد من ساعدي؛ وإنما كان لها ،كما في هذه الندوة .وما فعل الناس هذا علي بما ُ فوق هذا يُباد ُر فيُشي ُر َّ غفلت عنه ،اال حباً ألبي طالل ،وتقديراً لمآثره ،وتعبيراً ويُقدِّم لي ما لم أجــرؤ على طلبه ،ويح ّثني صادقاً عن فجيعتهم بفقدانه ،ليس إال. على عملِ ما كان يجد ُر بي التصدِّي له. شهدت تدفق هذه المشاعر فقلت إننا ما ـت أو ُّد أن أق ــو َل إنــهــا عــاقــة خاصة كــنـ ُ نزال بخير ما دمنا نحمل هذا الحب والوفاء ربطتني دون سواي بأبي طالل .إنما الحقيق ُة لنبيل كأبي طالل .وتأملت في ذلك ففهمت َ كذلك مع ُك ِ ّل َمن سعد أن أبا طالل كان هي َّ أن أبــا طــال ظـ َّـل فــي وفــاتــه ،كما كــان في بمعرفته ،األ ُخ الــذي يطمئ ُن لــه الجمي ُع، حياته ،محركاً ألحسن ما فينا. والصدي ُق الذي يثقو َن برأيه ،والرج ُل الذي ال يغيب عند الحاجة إليه .وال َّ رحم اهلل أبا طالل. أدل على ذلك من ُ * العضو المنتدب في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي.
8
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ عبدالرحمن الدرعان*
منذ تأسيس نواته األولــى المتمثلة في مكتبة الثقافة العامة بالجوف في منتصف الثمانينيات الهجرية كان -وما يــزال -مركز عبدالرحمن السديري الثقافي أشبه بينبوعٍ تأوي إليه الطيور من كل جهات الوطن ،وكان من حسن حظي أن عملت في هذا المركز؛ ما هيأ لي فرصة االلتقاء بعدد من الشخصيات الثقافية الفاعلة ،وكان أحد هؤالء المرحوم الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ،الــذي جمعتني به مناسبات عــديــدة ،فضال عن مشاركتي مع نخبة من الباحثين والكتّاب في كتابة فصل من كتاب (عبدالرحمن السديري :فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال) الذي عكف رحمه اهلل على تحريره ،وخالل تلك الفترة كنا استجابة لمقتضى العمل -نتواصل باستمرار؛ فآن ًا نجتمع في منزله بالرياض ،وآن ًا آخرنكتفي بالتواصل الهاتفي؛ وكانت مثابرته وجهوده ومتابعته الدؤوبة سبب ًا في نجاح الكتاب وإنجازه في الوقت المناسب ،وفقا للخطة المقررة ،منذ البدء حتى الختام؛ بيد إن العالقة الشخصية بيننا امتدت وتوثّقت فيما بعد. في زيارته األخيرة للجوف ،دعاني الصديق خليفة المسعر إلى فنجان قهوة ،بصحبة الراحل، الذي كان قادما -على الرغم من زحمة مشاغله لتلبية دعوة المركز ألمسية شعرية ،وقد أرجأدعوتي له بسبب سفره واعدا إياي أن يشرفني بالزيارة في مناسبة قادمة ،اتضح اآلن أنها مناسبة لن تجيء؛ فالموتى يتركون مواعيدهم بال رأفــة ،كما تترك العصافير أنغامها على األشجار وتهاجر.
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
ٌ نقش على شاهدة
الفراغ الذي تركه في داخلي؛ فقد شعرت حال سماع خبر ســقــوطــه م ــن شــرفــة بيته فــي ضــواحــي بــاريــس بذلك الــدوي الهائل الذي يجعلك تهرع في لحظة جزع لتتفقد نفسك في المرايا ،متسائال فزعا :هل كان ذلك مناما؟ مرددا ما قاله المتنبي:
ال أدع ــي بأنني أحــطــت بمعرفته ،لكنني ط ــوى ال ـج ــزي ــرة ح ـتــى ج ــاءن ــي خـبــرٌ ف ــزع ــت مـ ـن ــه ب ــآم ــال ــي إلـ ـ ــى الـ ـك ــذب أستطيع الزعم بــأن ما عرفته يكفي للكتابة
عن بعض سماته الشخصية؛ ولكنه بالتأكيد ال يفيه حقه من التأبين ،بل أظن أنني وجدت في شخصيته من اللطف والحن ّو والكياسة ولباقة الحديث ،ما يجعلني أؤثر -عوضا عن الكتابة -أن أهيل الدمع على الكلمات ،وأحدّق في هذا
ورأي ــت وحــش الــمــوت يعض قلبك ويــزدرد ما تبقى فيه من فرح ،ويغتال صفي أضالعك المتقابلتين كرجال متأهبين للعرضة ،فيا ترى هــل ك ــان الســمــي نصيب مــن ذل ــك االرتــطــام الهائل؟! وهل تتصادى األسماء إلى ذلك الحدّ؟
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
9
منذ تلك اللحظة ،كلما نودي باسمي الحت لي هاوية ســوداء ،واعتراني الشعور بالفقدان مجدداً وتحرّك في داخلي حطام شيء ما. منذ تلك اللحظة الــعــاصــفــة ،لــم تعترِ ني طمأنينة ،ولم يؤذن األمل في داخلي :اتئد ،فعما قليل سينهض ملء قامته ،ويقف كالمئذنة بكامل عافيته؛ فثمة صوت لم يكن سوى صوت الناعي يندلع في أصقاع روحي هاتفا( :اسمع الكلمات ولكن ال تصدق سوى الرائحة) .وهكذا يوم نقلوه إلى المستشفى التخصصي بالرياض انتشرت شائعة موته التي كذبها المقربون منه مصحوبة بدعوات متوجسة كما لو أنها تسمع صدى ما قاله المالك لي بعد أن مر بي كطيف أسود: أنا ذاهب للقبض على اسمك ،فانتبه .أنساك اليوم لئال تنساني أبدا .قلت اتئد أيهذا المالك فصاح :عرفت طريقي .وراوغني وابتعد .وهناك كان يسل روحه العابقة بالحب ،ويسل معها روح البهجة التي لم تكن أبدا تكتمل إال عندما يلقي هالل ابتسامته على حواشي لقاءاتنا المتعاقبة.
اإلعالمية ،واستحضرنا صورته متحدثا على المنصة ،فإننا على األرجح لن نتمكن من التقاط كلماته ما لم نُصغِ إليه بكل حواسنا ،فقد كانت حنجرته مدوزنة على مقام األســرار ،ويا لهول ما نكتشفه من الجمال في الكلمات التي يقولها بطبقة صوته التي تضفي عليها لونا آخر. وعبدالرحمن الشبيلي ،كما يعرف المقربون منه ،حصا ٌن مشّ اءٌ ،يمشي الهوينى أنيقا ،كما لو أنه يخرج للتو عريسا من قصيدة نزار قباني، ويجس األرض على إيقاع موسيقى أبي العالء:
خ ــفّ ــف الـ ـ ـ ـ ــوط َء مـ ــا أظـ ـ ــن أدي ـ ـ ــم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاألرض إال مـ ـ ــن هـ ـ ـ ــذه األجـ ـ ـس ـ ــاد نــعــم ،كــان يمضي فــي طــريــق الــحــيــاة على صــراط الــحــب ،ال أقــل وال أكــثــر ،ويحيا وهو يرهف السمع إلى دقــات قلبه ،مؤمنا بأن كل نبضة هي احتمال النبضة األخيرة! وقد كان إذا شئنا أن نصفه بدقة :تابوت عظام م َّر كما يم ُّر القمر على البحيرة! ولكنه سيظل حيا كالوشم األخضر بقدر ما كانت الحياة صغيرة وضيقة في عينيه.
فهل سنجرؤ بعد اآلن أن نودع أحبتنا بالجملة الــزائــفــة« :إل ــى الــلــقــاء» ،وه ــل س ــوف نستمر يــجــدر بــي أن أشــيــر إلــى أنــنــي مــذ تأكدت بالكذب ،ونحن ندرك أن القارب الذي أقله إلى من نبأ وفاته الح لي اثنان ،أجــزم أنهما كانا الضفة األخــرى لن يعود به ،ولكنه سيعود في أكثر ثكال وحزنا على رحيله :الدكتور زياد بن صيد جديدة. رحلة ٍ عبدالرحمن السديري ،والدكتور عبدالواحد ال أتــذكــر متى التقيته وجــهــا لــوجــه للمرة الحميد؛ وعندئذ لم أجد مناصا من مواساتهما، األولى ،لكن ما أتذكره جيدا أنني عثرت في تلك وبين سطور رسالتي كنت أقول لهما :قفا نبك، اللحظة على المعنى الحقيقي لتلك الكلمة التي وقد وقفنا معا ،وكنا نبكي. ظلت جامدة في القاموس (دمــاثــة) األخــاق، وعلى حدة ،وقفنا نكتب على شاهدتي قبره: وأستطيع القول بال مبالغة إنه حرّر هذه الكلمة من المعجم متمثال إياها؛ ولذا ،أظن أن أحداً سالما عليك أبا طالل. سالما على روحك ،وأنا أكاتبك حرا من قيد لن يختلف معي على ذلــك الطابع الــذي طبع شخصية الراحل ،رحمه اهلل ،فسبحان الذي المجامالت. سوّى. أبا طالل :ليتك لم تمت ،وليت أننا لم نكتب لــو ُعــدنــا ثانية إلــى محاضراته وبرامجه رثاءك.
* كاتب وقاص من السعودية.
10
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ د .عبدالواحد احلميد
ذات يوم من شهر ديسمبر عام 2012م كنا -د .عبدالرحمن الشبيلي وأنا -نأخذ مقاعدنا في صالة المغادرين بمطار الملك خالد الدولي بانتظار إقالع الطائرة التي ستُ ِقلُّنا إلى الجوف لالشتراك في ندوة نظمها النادي األدبي هناك عن المرحوم الدكتور عارف المسعر.
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
مشيناها ..سطر ًا سطرا ْ
ليلة السفر إلى الجوف مع الدكتور الشبيلي ،كنت أرتب أوراقــي وأغــوص -كالعادة -في أرشيفي القديم مستعرض ًا الصور والمجالت والجرائد والقصاصات المتراكمة على مدى عشرات السنين مما قد يكون له عالقة بالرحلة؛ فق َفزَتْ إلى ذهني صورة النجم عبدالرحمن الشبيلي الذي كنت أقرأ عنه في الصحف عندما كنت طالب ًا في المدرسة المتوسطة في الجوف في منتصف الستينيات الميالدية. كنت أقتني أعداداً كثيرة من مجلة «الجمهور الجديد» اللبنانية التي كان فريد أبو شهال يرأس تحريرها ،وكانت المجلة تهتم بأخبار المملكة وتفرد لها صفحات كثيرة ،بما في ذلك بعض األخبار المتعلقة بالتلفزيون والراديو والثقافة والفن بالمملكة ،فتذكرت أنني شاهدت ذات مرة صورة للشبيلي في أحد أعدادها القديمة وتحتها تعليق عــن نجم التلفزيون السعودي عبدالرحمن الشبيلي .لــم يكن مــن الصعب العثور على المجلة ،فهي ضمن مجموعة من المجالت األثيرة عندي الرتباطها بمرحلة من العمر وبمكان وزمان وظروف ذات خصوصية وعمق وأثر في نفسي .وعندما تصفحت بعض أعــداد المجلة عثرت في العدد 636الصادر بتاريخ 25آب (أغسطس) 1966م على موضوع منشور في الصفحة التاسعة والعشرين بعنوان «نجوم التلفزيون» جاء فيه تعريف بعبدالرحمن الشبيلي عــلــى الــنــحــو اآلتـ ــي« :عبدالرحمن
الشبيلي مدير برامج تلفزيون الرياض -يبلغ من العمر 24سنة -يحمل شهادة الليسانس من كلية اللغة العربية وشهادة البكالوريوس من قسم الجغرافيا بجامعة الرياض -انضم إلى أســرة اإلذاعــة والتلفزيون قبل ثالث سنوات- عمل أوالً مذيعاً في إذاعة جدة ،ثم انتقل إلى إذاعة الرياض حيث عمل مساعداً لمراقب عام البرامج إضافة إلى قيامه بعمله مذيعاً ،وقبل عام تقريباً انتقل إلى التلفزيون ليعمل مديراً للبرامج إلــى جــانــب تقديمه لبعض البرامج والنشرات اإلخبارية في اإلذاعــة والتلفزيون.. من برامجه التي يقدمها في التلفزيون برنامج حديث األصدقاء وبرنامج األخبار في أسبوع». صـ َوّرت الصفحة التي تتضمن الخبر ،وفي صــالــة الــمــغــادريــن بالمطار قدمتها للدكتور الشبيلي ،ورحنا نتحدث طــويـاً ،وغصنا في ذكريات الماضي عن أحداث وشخصيات طواها الزمن ،وعندما انتبهنا كانت الطائرة قد أقلعت العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
11
ودهاليز المسؤولين ،فبين عشية وضحاها أصــبــح مــعــروف ـاً مــن بــعــض شــرائــح المجتمع وانغمس مخدوعاً بـ"النجومية" الزائفة في عيون مَن عرفه ،منذ انتقل وزمالؤه الفنيون من بيئاتهم المحدودة ( )...لينصهروا في مجتمع متآلف متنوع الفئات من كل أنحاء البالد؛وليقود الــفــتــى الــقــادم مــن القصيم بــرامــج تلفزيون الــريــاض دون ســابــق معرفة ب ــه» ..ثــم يقول: «يشعر البعض من استقراء نماذج معينة ،ومن خالل استعراض اآلثار النفسية السلبية لتلك المظاهر على المتمتع بـ"النجومية" المضللة، بــأن ضررها المحتمل على المستقبل يكمن في جوانب حياتية ،منها تعطيل تقدم نجاحاته وتركتنا نتحدث في صالة المغادرين! العلمية والثقافية فيما لو انساق وراءها وهو لم تذكّرتُ تلك الواقعة حين كنت أتصفح كتاب يكمل تحصيله العلمي واكتفى بما تضيفه على السيرة الذاتية للدكتور الشبيلي الــذي صدر شخصه من تمجيد وتخدير». مــؤخــراً بعنوان« :مشيناها ..حكايات ذات». بالطبع لم يتخدر الدكتور الشبيلي ،ولم يتوقف فالشبيلي النجم التلفزيوني الذي كانت الصحف عــن التحصيل العلمي عند درجــة الليسانس تتناقل أخبار نشاطاته وبرامجه ،هو من ظلت والبكالوريوس ،وإنما واصل مشواره التعليمي صورته عالقة في خيال فتى من الجوف يعشق حتى نهايته .ولم تكن مقاومة إغراء النجومية القراءة وال يعرف عن التلفزيون إال اسمه؛ ألن أمراً سهالً ،فقد كان عليه أن يتخلى عن أشياء التغطية التلفزيونية لم تكن قد شملت الجوف كثيرة مما توفره النجومية للنجم؛ فغادر الوطن في ذلك الزمان .هذه النجومية التي ربما غبط إلى الواليات المتحدة لدراسة اإلعــام بشكل كثيرون الشبيلي عليها هي التي تُــحـدّث عن منهجي حتى حصل على درجتي الماجستير معاناته معها في الصفحة 151والصفحة 163والدكتوراه في اإلعالم .لكن الشبيلي الذي أحب وصفحات أخرى من كتابه الشيق الذي روى فيه اإلعالم من خالل الممارسة الفعلية في المملكة رحلته عبر دروب الحياة منذ والدته في مدينة قبل البعثة ،وعلمياً بعد التخصص األكاديمي في عنيزة. أمريكا عاد مجدداً إلى حقل اإلعالم األثير إلى يقول الشبيلي« :دام االرتــبــاط مع اإلذاعــة نفسه متسلحاً بما تعلمه في البعثة وبما شاهده والتلفزيون نحو أربعة عشر عاماً ،كانت على ما من تجارب إعالمية في الواليات المتحدة.
12
فيها من أضواء وشهرة ،تمثل حياة شاب عاش ي ــروي الشبيلي فــي «مشيناها» بأسلوبه منبهراً بالحظوة واالقتراب من دروب الساسة المميز الــجــاذب تفاصيل تتجاوز كثيراً في
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
أهميتها وإدهاشها جانب النجومية الفردية التي هي "مفتاح" معرفة الكثير من الناس للشبيلي، وبخاصة األجيال التي عايشت الفترة التي كان زمن كان التلفزيون يطل خاللها من الشاشة في ٍ السعودي هو القناة التلفزيونية الوحيدة المتاحة. يحكي الشبيلي قصة الخطوات األولى إلنشاء التلفزيون السعودي وجهود رجال مخلصين مثل جميل الحجيالن في حماية التجربة عندما كانت في مهدها ،وكيف مضت التجربة صعوداً وهبوطاً بين مـ ٍـد وجــزر ،ومــاذا كــان يــدور في قصص ٍ كواليس التلفزيون ووزارة اإلعــام من وتناقضات وإشاعات، ٍ عايشها بحلوها ومرها، وتقاطعات ومصالح يغطيها ويطغى عليها تعاو ُن مجموعة من اإلعالميين والفنيين الشباب من مختلف مناطق المملكة ،لتقديم أقصى ما يمكنهم تقديمه فــي ظــل مثبطات اجتماعية وفنية ورقابية .ولكن في النهاية يقرر الشبيلي أن يغادر التلفزيون ووزارة اإلعالم بعد سلسلة من المواقف ،ويصف مغادرته قــائـاً« :خرج (الشبيلي) من سنوات العمل في وزارة اإلعالم صفر اليدين ،من سيارة تنقالته التي تمتلكها الوزارة ،فأكرمه أحد معارفه بتوفير سيارة دوج من وكالتها في شارع األحساء بتقسيط مريح». أما عن اإلعالم فيقول الشبيلي" :إن كاتب هذه الخواطر يجدد التأكيد على أنه لم يشعر في سنة من السنوات بالرضا عن مضمونه ومستواه، مقتنعاً بأن دولة في مكانة المملكة وصدارتها وموقعها ،قمينة بإعالم داخلي وخارجي أفضل، وبحياة فكرية أرقــى ،لم يتسنَّ لهما الظهور". وعــن اإلع ــام الــســعــودي الــخــارجــي تــحــديــداً، يــرصــد الشبيلي ظــاهــرة الصحف والقنوات السعودية المهاجرة المدعومة بمال القطاع
الخاص ،ويرى أن نجاحاتها المهنية تتغذى على «إخفاقات اإلعــام الرسمي ،وال يوجد اليوم سبب وجيه يُبقي اإلعالم المهاجر الناجح خارج الحدود ،بينما البالد في مسيس الحاجة إليه. إنها تكاد تكون الحالة الوحيدة في العالم التي يوجد فيها إعالم مهاجر مؤثّر وإعالم رسمي داخلي ال يقوى على التأثير باعتراف حكومي صــارت بموجبه البيانات المهمة والمقابالت تُخَ ص بها القنوات المهاجرة». ومن وزارة اإلعالم إلى وزارة التعليم العالي ثــم إلــى مجلس الــشــورى امــتــدت رحلته تحت مظلة العمل الحكومي وشــبــه الحكومي ،ثم جاءت المرحلة التي أعقبت انتهاء عضويته في مجلس الشورى لثالث دورات متتالية فكانت من أجمل مراحل العمر ،وبخاصة تفرّغه شبه
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
13
التام للتأليف وإلقاء المحاضرات والمشاركة في األعمال التطوعية من خالل بعض الهيئات والجمعيات والمؤسسات. ولعل من أمتع ما يطالعه قــاري "مشيناها" ذلــك الــوصــف ال ــذي يقدمه الــمــؤلــف لبيئات العمل المختلفة التي عمل فيها ،فهو يفصح عن معلومات جديدة ال يعرفها القارئ عن بعض المشاهير وعن أساليبهم في العمل واإلدارة والتحوالت المفاجئة التي تحدث في بيئات العمل فتقلب الموازين وتعيد ترتيب األوراق بشكل غير متوقع. يمس قلب القارئ حقاً هو حديث غير أن ما ُّ الشبيلي عــن والــدتــه وعــن ابنه طــال .فبعد الوصف األخاذ لبيئة عنيزة وحاراتها وأسواقها ورجاالتها يتحدث بشفافية تنفذ إلــى شغاف القلب عن الفتاة الغريبة التي جاءت من أقصى الدنيا لتجد نفسها في عنيزة بعد رحلة طويلة قادتها من مدينتها اسطنبول ،مروراً بالقريات حتى عنيزة .لم تكن تلك الفتاة سوى «فاطمة»
14
والــدة عبدالرحمن الشبيلي التي تزوجت في القصيم ،وذابت في مجتمع عنيزة حتى صارت مثل أيّ امرأة قصيمية األصل والمنشأ والوالدة، فكانت تتحدث بلهجة قصيمية خالصة ،وتصنع األكالت والحلويات المحلية ،وتتعامل مع التمور وتــعــرف أنــواعــهــا بالرغم مــن أنها «كــانــت في األصــل نازحة من تركيا إثــر الحرب العالمية األولى أو حرب األتراك واألرمــن ،وقَدِ مَت إلى ـدد مــن بــنــات جنسها» .يقول الــجــزيــرة مــع ع ـ ٍ الشبيلي" :بعد أن وضعت الــحــرب أوزاره ــا، لم يكن لدى بعضهن من المعلومات ما يكفي لالستدالل على أسرهن بسبب صغر السن"، ويضيف" :كــان األشقاء الثمانية (أبناء وبنات السيدة فاطمة فيما بعد) يتمنون الحصول من ذاكرة الوالدة على طرف الخيط الموصل إلى أخوالهم وخاالتهم من أهلها ،من أجل االعتزاز بهم علناً أمام المجتمع ،وكثيراً ما كانوا يجثمون أمام ركبتيها الستنباط مفردة أو معلومة مفيدة يمكن أن تكمل كلماتها المتقاطعة وتقود إلى معرفة منشئها الكريم الذي وفدت منه ويغبطون غيرهم الذين يحصلون على مبتغاهم المماثل". أما طالل ،االبن الوحيد الذي رحل مبكراً في سن الرابعة واألربعين ،فقد كانت قصة رحيله التي سجّ لها المؤلف عبر التنقل بين مستشفيات المملكة والواليات المتحدة وفرنسا مؤلمة أشد األلــم ،ولكنها مليئة بالعبر ،وبخاصة شجاعة طالل -رحمه اهلل -في مواجهة المرض على مدى ستة عشر عاماً وصبر زوجته واحتسابها، والتفاف األسرة واألصدقاء ووقوفهم إلى جانب والديه وزوجته .يقول أبو طالل« :ظلت تجربة الحزن الصامت منذ وفاته جرحاً بالغ الغور في حياة أســرتــه ،ودمــوع ـاً تذرفها عند ذكره وأمــام صوره وعند زيــارة قبره ( ،)...ومنذ أن
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
ق َدّر اهلل على العائلة َف ْق َد عزيزها طالل قبل خمسة أع ــوام ،تغيرت أشياء كثيرة في حياة والــده ،بالنظرة إلى األمــور من حوله بواقعية أعــمــق ،صــار فيها يميز الــتــوافــه منها ويــرى األخرى بحجمها الطبيعي ،فالدنيا أصغر من أن تُشغَل بالتّرهات ،والوقت أثمن من أن يضيع سدىً ،يستصغر ما يراه من منافسات وحزازات في المناصب ،ومن اهتمام الناس ومبالغتهم بالمظاهر والماديات». "مشيناها" سيرة ثرية وزاخ ــرة بالمواقف لرجل تــردد كثيراً في وضعها في ٍ واألح ــداث ال في مقدمة كتابه -بكل تواضع- كتاب قائ ً إنــه «ظــل يقف موقف المتحفظ أمــام دعــوات ال عن تدوينها لعدم الحديث عن ذكرياته ،فض ً اقتناعه بالمبدأ من ناحية ،وليقينه بأن بضاعته في هذه الحياة متواضعة ليس في استحضارها قيمة تؤهل للرواية ،وهي ال تقارن بتجارب كبار، وال تتماهى مع تراجم مبدعين» .هذا الرجل هو َم ْن كتب خمساً وخمسين كتاباً ومحاضرة مطبوعة في اإلعالم والسيرة ومختلف الجوانب الثقافية ،وحــاز على جــائــزة األمــيــر (الملك) سلمان لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه ،وجائزة األمير (الملك) سلمان التقديرية للتميز في دراسات تاريخ الجزيرة العربية ،ثم ت َوّج مسيرته بالحصول على وســام الملك عبدالعزيز من الــدرجــة األولــى تقديراً إلسهاماته في مجال الفكر والثقافة؛ وهو المؤلف ،وأستاذ الجامعة، ووكيل الــوزارة ،وعضو مجلس الشورى ،ورجل المجتمع الذي يرتاد مجلسَ ه كل أسبوع عشراتُ المثقفين والمسؤولين وأعيان المجتمع.
جائزة الملك سلمان التقديرية للتم ّيز في دراسات تاريخ الجزيرة العربية و بحوثه عام 2014م
ـان مــا مــن الكتاب يلخص الدكتور فــي مــكـ ٍ عــبــدالــرحــمــن الــشــبــيــلــي مــســيــرتــه الوظيفية والعلمية والثقافية بقوله« :لقد عثر وهو في أوائل العشرين من العمر على خارطة المستقبل مــع اإلعـــام ،ووج ــد فــي التعليم العالي وهو فــي بحر الثالثين أفــقـاً واســعـاً فــي المعارف والبحوث ،وتعلم تحت قبة الــشــورى وهــو في أواســط الخمسين أدب االخــتــاف في الــرأي واحترامه ،ثم اكتشف في النشاط الثقافي بعد تقاعده المالذ الفكري الشيِّق واآلمن». في «مشيناها» ،يقدم الشبيلي لكتابه ببيت مــن الشعر (مشيناها خُ ــطــى كُتبت علينا.. و َمـ ْن ُكتِبت عليه خطى مشاها) ،ثم يمشي بنا سطراً سطرا؛ في رحلة ماتعة ال يمل القارئ من متابعتها رغم صفحاتها التي بلغت أربعمائة وأربعاً وسبعين صفحة ،وهو -بذلك -يضيف لبنة جديدة في «أدب السيرة الذاتية» المحلية.
* نائب وزير العمل سابقاً ،أستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران سابقاً ،عضو مجلس إدارة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،ورئيس هيئة النشر بالمركز. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
15
ُن ُ ـــعـــيـــم ـــزل الـــنّ ِ ■ عبدالقادر بن عبداحلي كمال*
أس ـتــاذي وزميلي وأخ ــي ،الـدّ كـتـور عبدالـرحـمن بـن صـالـح ـاضــرِ ْ ، إلــى الـغـائ ِـب ال ـحـ ِ الجنان. وأسكنه ِ ال ّـشـبـيـلـي ،رحـمـه اهللْ ، ()1
()3
ـوات ـك َن ـ ـ ِـجـ ـ ـ ّي ـ ــةُ ال ـ ـ ــدّ عَ ـ ـ ـ ِ هَ ـ ــطَ ـ ـ ـ َل ـ ـ ْـت عـ ـلـ ـي ـ َ ـك ع ـ ــالِ ـ ـ ـمـ ـ ـ ًا ومُ ـ ـ َعـ ـ ِّلـ ـم ــأ ول ـ ـ ـقـ ـ ــدْ عَ ـ ـ ـ ـرَفْ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ َ ـات ـك سَ ـ ـ ــوابِ ـ ـ ــغُ الـ ـ ـرّحَ ـ ـ ـم ـ ـ ِ وهَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْـت عـ ـلـ ـي ـ َ َوات ـك سَ ـ ـ ـ ـ َّي ـ ـ ـ ـ َد ال ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـد ِ ولـ ـ ـ ـق ـ ـ ــدْ رأ ْيـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـك مـ ـ ـ ــن اإلل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ مَ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ٌـك وت ـ ـ ـق ـ ـ ـ َّب ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ َ ـض ـ ِـل ف ــي دُ ل ـجــاتِ ـنــا َكـ ــمْ ُجـ ـ ــدْ تَ ل ــي ب ــال ـ َف ـ ْ ـات بـ ـ ــالـ ـ ــيُ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ِـن والـ ـ ـ ّت ـ ــهْ ـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ـ ِـل والـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ِ ـات وجَ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ْلـ ـ ـ َتـ ـ ـن ـ ــي فـ ـ ــي أ ْر َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع الـ ـ ـ ــدّ َرجـ ـ ـ ـ ِ ودُ ع ـ ـيـ ــتَ ف ــي ُن ـ ـ ــزُ ِل الـ ـ ّنـ ـعـ ـي ـ ِـم( )١مُ ــخَ ـ َّل ــد ًا وأ َز ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ خَ ـ ـ ـ ْوفـ ـ ــي ع ـ ـ ــنْ رُقِ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِّ مَ ـ ـنـ ــابِ ـ ــرٍ ع ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ َد ال ـ ــمُ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ْي ـ ـ ِـم ـ ـ ِـن غ ـ ـ ــافِ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزال ِّت ـوات و َد َفـ ـ ــعْ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـنـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــازِ ِل الـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ِ ـك الُّ ـ ـلـ ـ ْـطـ ـ ُـف مـ ــن مَ ـل ـك ــوتِ ــهِ وسَ ـ ـ َعـ ــى إل ـ ـيـ ـ َ وغَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْر َت ـ ـ ـنـ ـ ــي بِ ـ ـ ــال ـ ـ ــو ِّد يـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ َع ال ــوف ــا ـات ِ ـ ـ ح ـ ـ ف َ ـ ـ ن َّ ـ ـ ل ا ـرِ ـ ـ ـاط ِ ـ ـ ع ـ ـ ـ ب ـك َ ـ ي ـ ـ ل ـ ـ ع ـو ـ ـ َي ـ ـ ْـحـ ـ ـ ُن َروات ودَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــارِ ِف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذ ِ وحَ ـ ـ َل ـ ـ ْلـ ــتَ ف ــي دارِ الـ ــمُ ـ ـقـ ــامَ ـ ــةِ ( )٢ع ــالِ ـي ـ ًا ()4 ـات ْدوس وال ـ ـ ـج ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ِ فـ ـ ــي بـ ـ ــاحـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ـ ـ ـر ِ عَ ـ ـ َّل ــمْ ـ ـ َتـ ـن ــي َص ـ ــمْ ـ ــتَ ال ــمُ ـ ـهـ ـي ـ ِـب َت ـ ـرَفُّ ـ ـع ـ ـ ًا ()2 ـات وسَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـوْتَ أنْ َت ـ ـ ْـسـ ـ ـ َت ـ ـ ْـج ـ ـ ِـديَ الـ ـ َعـ ـ َتـ ـب ـ ِ يـ ــا أيُّ ـ ـهـ ــا ال ـ ـ َّنـ ـ ْـجـ ــمُ ال ـ ـ ــذي ِم ـ ـ ــنْ ُشـ ـ ـ ْر َف ـ ــةٍ أرْشَ ـ ـ ـ ــدْ َتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي أنّ ال ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ّز َه رِ فْ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ــةٌ ـات ـص بِ ـ ـ ــاآلهـ ـ ـ ِ جَ ـ ـ ـ َعـ ـ ــلَ الـ ـ ـ ُـجـ ـ ــمُ ـ ـ ــو َع َتـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ُّ ـات اس ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــا َم بِ ـ ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ةٍ و َثـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ِ لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــنْ ْ يـ ـ ــا أيُّ ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ َّـشـ ـ ــهْ ـ ـ ــمُ ال ـ ـ ـ ــذي غـ ـ ــا َد ْر َت ـ ـ ـنـ ـ ــا ـوص ـ ـ ٍـل ـك أ ْل ـ ـ ـ ـ ُـف َدر ٍْب مُ ـ ـ ِ بـ ـ ْيـ ـن ــي وبـ ـ ـ ْيـ ـ ـ َن ـ ـ َ ـات ِمـ ـ ـ ـ ـ ــنْ غ ـ ـ ـيـ ـ ــرِ َتـ ـ ـ ـ ـ ـوْدي ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع وال َبـ ـ ــسَ ـ ـ ـمـ ـ ـ ِ ـات ـال وال ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ِ ـاهـ ـ ـ ـ ِـل اآلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ِ َص أنْ ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ِّد َع جَ ــمْ ـ َع ـن ــا أحـ ـ ـ ـ ـ ـر ُ أل ْن ـ ـ ـ ـ ــتَ ْ و َ ـوات مـ ـ ـ ــاذا أق ـ ـ ـ ـ ــولُ ؟ وفـ ـ ــي ال ـ ــتَّ ـ ــراقِ ـ ــي غُ ـ ـ َّـصـ ــةٌ بِ ـ ــالُّ ـ ـ ـل ـ ـ ْـط ـ ـ ِـف وال ـ ــتَّ ـ ــقْ ـ ــدي ـ ــرِ والـ ـ ـ ــدّ عَ ـ ـ ـ ـ ِ ـرات مَ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــوءة ب ـ ـ ــال ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـز ِْن وال ـ ـ ــحَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ِ ـك ي ـ ــا َنـ ـبـ ـي ــلُ مُ ـ ـ َنـ ــزَّ ه ـ ـ ًا ولـ ـ ـ َق ـ ــدْ شَ ـ ـ ــهِ ـ ـ ــدْ ُتـ ـ ـ َ ()٥ ـرات ـوط بِ ـ ــحَ ـ ــمْ ـ ــأةِ ال ـ ـ َّن ـ ـ َعـ ـ ِ َت ـ ـ ـ ْأ َبـ ـ ــى الـ ـ ُّـس ـ ـقـ ـ َ مـ ـ ـ ـ ــاذا أق ـ ـ ـ ـ ـ ــولُ ؟ وفـ ـ ـ ــي فُ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي مَ ـ ـ ـ ـ ْأ َت ـ ـ ــمٌ مُ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـرَفِّ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـ ــنْ َز َّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ وخَ ـ ـ ـطـ ـ ـيـ ـ ـئ ـ ــةٍ ()٣ ـرات ـات وال ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِ ـص ـ ـ ـ ِ َي ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ــداحُ بِ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ّ ـوات مُ ـ ـ َتـ ـ َع ــفِّ ـ ـفـ ـ ًا عـ ــن حَ ـ ـ ـ ـ ْو َب ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ِ ـوك إلـ ــى ال ــثَّ ـ ـرَى ـصـ ـف ــوا إ ْذ أَ ْو َدعـ ـ ـ ـ ـ َ م ــا أَ ْن ـ َ ـاهـ ــلٌ ـص ـ ـ ــدَّ ى جـ ـ ِ أ ْنـ ـ ـ ـ ــتَ الـ ــحَ ـ ـل ـ ـيـ ــمُ إذا َت ـ ـ ـ ّ ـات ُت ـ ــغْ ـ ـ ـض ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاءً ع ـ ـ ـ ْنـ ـ ــد كُ ـ ـ ـ ـ ــلِّ هَ ـ ـ ـنـ ـ ـ ِ ـات ـواك فـ ـ ــي األ ْك ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــادِ والـ ـ ـ ّنـ ـ ـ َبـ ـ ـض ـ ـ ِ مَ ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ـ َ
16
* شاعر من السعودية. ( )٢(،)١نٌز ُل النعيم ،دا ُر المُقامة ،من أسماءِ الجنّة. ( )٣حَوْبَة :الحوبة أي الحاجة ،وفي الدعاء :أرفع حَوْبتي إليك أي أرفع حاجتي إليك سبحانك. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الر َّدادي* ■ د .عائض َّ
قال عبدالرحمن الشبيلي فـي سيرته عن نفسه" :تجاوز األربعين دون أن يلج فـي عالم الكتابة ،وعندما بدأ عام 1412هـ1992/م يخوض غمار التوثيق والتأليف ،صار يسابق الزمن وكأنه فـي عجلة من أمــره ،يشعر أن للوقت قيمة إنسانية ،وأن فـي عهدته واجـبـ ًا البــد أن ينجزه ،متأسف ًا على ما فات من سنين إنسانية ،قبل اكتشاف ضالّته؛ وجد أن االنشغال بالتوثيق هو أمتع ما ينتقل به المرء من صخب الوظيفة إلى حياة ذهنية هادئة منتجة؛ واكتشف فـي البحث عالم ًا شيّق ًا من ناحية ،وسياحة تسد فراغ ًا فـي المشهد الثقافـي من ناحية أخرى"(.)1
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
د .عبدالرحمن الشبيلي مؤرخ اإلعالم السعودي
هــذه بــدايــة الشبيلي فـي تــدويــن التاريخ فـي الــريــاض ،وبين هذين التاريخين عاش
اإلعالمي للمملكة العربية السعودية ،وتوثيق وصنع تاريخاً فـي اإلعالم (ممارسة وتاريخاً)
سير بعض أعالمها؛ فهو قد راوح بين تاريخ وفـي سير األعالم. اإلعـ ــام وت ــاري ــخ األع ـ ــام ،وق ــد كــتــبــتُ عن
تنوّع تكوينه الثقافـي؛ ما جعله موسوعيَّ
ذلك مقاالً بعنوان "د .عبدالرحمن الشبيلي الثقافة؛ فهو قد حصل على ليسانس من كلية مــن اإلع ــام إلــى األع ــام" ونشر فـي نشرة اللغة العربية فـي الرياض 1383هـــ1963/م،
الخميسية فـي عددها التاسع ،جمادى اآلخرة وبــكــالــوريــوس جغرافـيا مــن جامعة الملك 1432هـ(.)2 سعود فـي الرياض 1385هـــــ1965/م ،وبعد توصف المدينة السعودية ُعـنَـيْــزة بأنها أن عمل زمــنـاً مذيعاً ممارساً للغة العربية
ب ــاري ــس نــجــد ،وفـــــيــهــا ولـ ــد عــبــدالــرحــمــن ابتُعث لــلــواليــات المتحدة األمريكية ،فنال
الشبيلي ،وقد كتب فـي سيرته "كانت الوالدة الماجستير فـي اإلعالم من جامعة كانساس
على األرج ــح ،مساء السابع من شهر شوال 1388هـ1968/م ،ثم الدكتوراه فـي اإلعالم من 1363هـــــــــ1944/9/23(/م) ،تزيد عاما أو جامعة والية أوهايو 1391هـ1971/م ،ومارس
تنقص"( )3وتوفـي فـي مدينة باريس الفرنسية اإلدارة اإلعالمية فـي التلفزيون ،واإلدارة يوم الثالثاء 1440/11/27هـ 30 ،يوليو (تموز) التعليمية فـي وزارة التعليم العالي ،ثم صار وصلي عليه ودفن فـي مقبرة الشمال عضواً فـي مجلس الشورى ،الذي يتيح القراءة 2019مُ ، العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
17
فـي كثير من المجاالت لتنوع ما يعرض عليه السفـير محمد الحمد الشبيلي إلى أن قال : ويناقشه.
"أما التجربة الثالثة من تجارب كتابة السير
هذا التكوين الثقافـي له ــ إضافة إلى إلمامه والتراجم فقد مررت بها بين عامي 1417هـ باللغتين اإلنجليزية والفرنسية ــ مكّنه من سعة و 1420هـ (1997ــ 2000م) حينما كنت أعكف ال على تأليف كتابي التوثيقي عن تاريخ اإلعالم الثقافة وتنوّعها ،فجاء أسلوبه الكتابي سه ً شائقاً فـي اختيار المفردة ،وتركيب الجملة؛ السعودي الصادر عام 1421هـــ ،وقد أسفر وصياغتُه ترتقي عن األسلوب الصحفـي إلى البحث عن التطرق إلــى عشرات من رجال األسلوب األدبــي ،مع جالء فـي الفكرة التي الثقافة واإلعالم فـي المجتمع السعودي؛ ما
يعبّر عنها ،وسالمة فـي اللغة العربية :معنى شجّ ع على كتابة مــقــاالت عــن كــل شخصية على حــدة"( )٥وقد نشر هذه المقاالت مفرَّقة وقواعد. فـي الصحف ثم جمعها فـي كتب ،وتأليفُه ُقدِّر الدور الكبير لعبدالرحمن الشبيلي فـي فـي السير والتراجم يحتاج إلى تفصيل ليس كتابة التاريخ فنال: مكانه هنا ،وإن كان منها ما يتعلق بإعالميين، ـ ـــ ج ــائ ــزة األم ــي ــر (الــمــلــك) ســلــمــان بن ك ُكتُبه عن إبراهيم العنقري ،وعبد اهلل بلخير، عبدالعزيز لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه وعباس غزاوي. 1424هـ2003/م. وعنوان كتابه التوثيقي عن تاريخ اإلعالم ـ ـــ ج ــائ ــزة األم ــي ــر (الــمــلــك) ســلــمــان بن الــســعــودي "اإلعــــام فـــــي المملكة العربية عبدالعزيز 1423هـ2014/م. السعودية ــ دراسة وثائقية وصفـية تحليلية" ــ وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة األولى يقع 432صفحة من الحجم الكبير ،وفـيه فـي المهرجان الوطني الحادي والثالثين للتراث ( )13فصالً ،تلتها مالحق باألنظمة اإلعالمية، والثقافة (الجنادرية) 1438هـ2017/م(.)٤
والسجل السنوي ألبرز الحوادث والمناسبات
تخصص فـي جانبين من التاريخ؛ أولهما ،اإلعالمية فالكشافات فالمراجع.
تاريخ اإلعــام السعودي ،وثانيهما التراجم
والكتاب شمل تاريخ كل وسائل اإلعــام
والسير .والثاني خرج من جعبة األول؛ فقد السعودية إلى حين صدوره فـي طبعته األولى أشار إلى تجاربه مع كتابة التراجم التي بدأت 1421هــــــ2000/م ،واحــتــوت فصوله الثالثة عــام 1396هــــــــ1976/م حين سجل حلقات عشر على :بيئة اإلعــام السعودي وظروفه
تلفزيونية عــن أعـــام خــدمــوا الــوطــن فـي وسماته ،فالجهات الرسمية المعنية باإلعالم،
18
سبيل التأسيس ثم تجربته فـي كتابة سيرة فاإلعالم الداخلي والخارجي واإلعالم بالحج، العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
فالصحافة السعودية ،فاإلذاعة ،فالتلفزيون،
فوكالة األنباء السعودية ،فالتعاون اإلعالمي ال ــخ ــارج ــي ،ف ــاإلع ــام والــقــطــاع الــخــاص،
فدراسات اإلعالم وأبحاثه ،فوسائل اإلعالم األجنبية فـي المملكة العربية السعودية،
وفـي الختام فصل عنوانه :نحو فكر إعالمي سعودي جديد".
وق ــد أوضـ ــح فـــــي مــقــدمــتــه( )٦أن بــدايــة
فكرة الكتاب كانت أطــروحــة علمية لدرجة الدكتوراه عام 1971/1391م من جامعة والية
أوهايو األمريكية ،وترجمت مقتطفات منها، وأصبحت مــذكــرة مــقــررة على طــاب قسم اإلعالم فـي جامعة الملك سعود الذي افتتح عام 1393هـ1973/م.
خالل أبعادها الثالثة :التاريخية والوصفـية
ولشعوره بالحاجة إلــى كتاب شامل عن والتحليلية ،وخلص إلــى فكرتين أساسيتين تاريخ وسائل اإلعالم السعودية عاد إليه بعد يعدان محور الجانب التحليلي فـيه ومحط ربــع قــرن مراجعاً ومستفـيداً مما صــدر من تركيزه ،وهما :ضعف المهنية ،ونقص المرونة دراسات ومؤلفات ،ومن الوثائق الوطنية فـي المالية واإلدارية"(.)٧ مراكز الوثائق فـي الداخل والخارج ،راصداً
كــون هــذا الكتاب أشمل كتاب فـي تاريخ
تــاريــخ اإلعـ ــام ومــراحــلــه مــع قـ ــراءة ألوجــه اإلعالم السعودي إلى حين صدوره هي الميزة الضعف والقصور وجــوانــب الــقــوة والتميز، األولــى ،أما الميزة األخــرى فإن هذا الكتاب ُمتْبعاً كل فصل بقراءة تحليلية مطولة ،وأحيانا هو الوعاء الــذي تولّدت منه أعمال المؤلف يمزج التحليل فـي سياق المتن ،وقد وصف األخرى حتى فـي التراجم والسير. منهجه بأنه "ينحو منحى علمياً فـي دراسة ويكمل هــذا الــكــتــابَ كتابان صــدرا بعده اإلعالم السعودي ،ويشخّ ص حالته تشخيصاً واقعياً بعيدا عن التنظير والخيال؛ ولذلك هما" :صفحات وثائقية من تاريخ اإلعالم فـي اختصر كثيراً من هذه المقدمات ،وركّز على الجزيرة العربية و"الملك عبدالعزيز واإلعالم النظر فـي مسيرة اإلع ــام الــســعــودي ،من ــــ دراســـة توثيقية لــبــدايــة وســائــل االتــصــال العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
19
السعودية" والكتاب األول نتج عما توافر لديه من وثائق ومعلومات وحين تابعها أغرته بإلقاء محاضرات عن موضوعاتها ثم جمعها فـي هــذا الكتاب الــذي صــدر فـي طبعته األولــى فـي الرياض عام 1423هـ2002/م فـي ()346 صفحة. أمــا الــكــتــاب الــثــانــي (الــمــلــك عبدالعزيز واإلعالم) فهو دراسة توثيقية لبدايات وسائل االتصال السعودية ،صدرت طبعته األولى فـي الرياض 1424هـ ـــ2003/م ،ويقع فـي ()175 صفحة.
الحلقات تباعاً عليها بدءاً من 1433/6/27هـ، /18مايو 2012م ،وأتاح له تفريغها وطباعتها تــدارك ما أمكن من المعلومات الناقصة(،)٨ وصدر الكتاب فـي طبعته األولى فـي الرياض عــام 1425هـ ـ ـــ2014/م .وثــانــي الكتابين هو كتاب "مشيناها ــ حكايات ذات" فـيما كتبه عن سيرته فـي اإلعالم بشكل عام وهي أطول ما فـي السيرة إذ بلغت ( )126صفحة ،حاز التلفزيون منها قدرا كبيراً(.)٩ على أن العمل الذي لم يصدر ،وال أعرف إلى أي مرحلة وصل فـيه فهو "موسوعة وثائق اإلعالم" ،وقد أشار فـي كتاب "موجز تجربتي
ولقي تاريخ التلفزيون تركيزاً أكثر منه ،فهو اإلعالمية" إلى أن االنشغال بالمحاضرات فـي لم يكتف بما سبق ،بل تناوله فـي كتابين :أولهما: المناسبات والمواسم الثقافـية أدى إلى تأخير قصة التلفزيون ،وهو تاريخ لنشأة التلفزيون هذا المشروع ،حيث كتب فيه "وكتاب من أربعة الحكومي ما بين عامي 1383هـــــ1963/م ــ أجزاء بعنوان (موسوعة وثائق اإلعــام) وهو 1397هـ1977/م ،وهي الفترة التي أسهم فـيها فـي نشأة التلفزيون وإدارتــه ،والكتاب تفريغ مشروع مرتقب يعرض ويشرح خزينة الوثائق لمقابالت تلفزيونية فـي سبع حلقات أجريت الخاصة التي تم جمعها من مختلف المصادر معه فـي القناة الثقافـية السعودية وعرضت منذ مرحلة الدراسات العليا"(.)١٠
20
* عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،وعضو سابق بمجلس الشورى بالمملكة. ( )1مشيناها ...حكايات ذات ،ط1440 ،1هـ2018/م ،الرياض ،ص.8 ( )٢الخميسية :هي الندوة األسبوعية التي تعقد فـي منزل حمد الجاسر إبان حياته واستمرت فـي الموعد نفسه بعد وفاته ،وكانت تصدر نشرة بعنوان "الخميسية" فلما تغير اسم الخميسية إلى "مجلس حمد الجاسر" وصار موعدها يوم السبت تغير اسم النشرة إلى "جسور" وأعداد الخميسية وجسور على موقع حمد الجاسر .http://hamadaljasser.com/ ( )3مشيناها (سابق) ص.13 ( )٤مشيناها (سابق) ،ص 314ــ .316 ( )٥أعالم بال إعالم ،ج ،1ط1428 ،1هـ2007/م ،الرياض ،ص 11ــ .14 ( )٦انظر مقدمة المؤلف من ص 13ــ .19 ( )٧المقدمة ص.16 ( )٨انظر مقدمة الكتاب ص 7و .8 (" )٩مشيناها" (سابق) ص.101 ( )١٠موجز تجربتي اإلعالمية ،ط ،1الرياض 1434هـ2013/م ص.16 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
تمنيت أن أمتلك المقدرة على كتابة الرواية ُ ألصوغ بها سيرتي ■ إبراهيم العوامرة*
أن يكتب الدكتور الشبيلي سيرته يعني أن الخوف قد مكث في روحــه ،فهل خاف على ما يعرفه ،أو كان وف ّي ًا لما حاكتْه السنون في عباءة أيامه؛ ليقدم للقارئ مرويته المليئة باألحداث والطموحات واإلنجازات. أنــت تلك السيرة التي نالت تفاعال كبيرا من قبل مجايليه واألجيال الالحقة ،بل شكّل أنموذجً ا للعمل واستثمار الوقت في فِ عل الحياة بكل تناقضاتها؛ فقد دوّن ذلك الصراخ الساكن في أعماقه في كتاب "مشيناها" كيراع يسير ليكتب بحبر الذكريات ما وقع عليه وما فعله هو في حياة لم تعاني من فــراغ قــط! فتذكّر ودوّن واستشار فيما كتب ليقدم ذاته صافية من ماض كدر الدنيا ،مدركا أن ما يكتبه اآلن هو ٍ سيتحو ُل الى قيمةٍ ذهبيةٍ للناس فيما بعد!
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
عبدالرحمن الشبيلي:
مشاعا للقارئ ،جه ٌر وبو ٌح لتوصيل فكرةٍ ما، فكرة تشوبها صدقية عالية ،وأذكر هنا ريادة جــان جــاك روس ــو ال ــذي كتب أول كــتــاب في السيرة الذاتية بعنوان "اعترافات" ،والذي القى نجاحات كبيرة في دول أوروبا وخارجها ،كما القى قــدراً كبيراً من النجاح في قــارّة أوروبا وخارجها إلسهامه في تحريك مشاعر القرّاء فيما يخص االنفتاح والمكاشفة الجريئة ،التي تصل الى محاسبة النفس.
وانتقلت السيرة الذاتية إلى اللغة العربية فمالحقة صراخه الداخلي في كتابة سيرته ،عــلــى يــد طــه حــســيــن فــي كــتــاب األي ـ ــام ،ثم إنما يــؤ ِّثــثُ منجماٍ من الذكريات واألحــداث توالت لذاذات السيرة ،لتنتشر بين المفكرين ماض والسياسيين واألدباء. والمواقف التي تعود بقارئ كتابه إلى ٍ جميل يدركه القارئ في تصور تلك المواقف فحين يكتب الكائن سيرته بالضرورة أن وأمــاكــن حدوثها؛ فالسيرةُ كشفٌ واعــتــرافٌ يكشف عــن أس ــرار كانت نائمة فــي جوارير ٍ بجزيئيات تكون في بعضها صادمةً ،وفي مواقع خــزانــتــه الــخــاصــة ،تــلــك الــخــزانــة الــتــي كــان أخرى ماتعةً؛ المتالكها مكاشفات لذيذة؛ تلك يحمل مفتاحها في قلبه ،ليحبّر رواية الذات ٍ المكاشفات هي محض كشف نفسيٍّ وذاتــيٍّ التي كانت تروي أنهارًا من الحبر في دفاتره، يقوم على البوح الحذِ ر في بعضه ..والمنثال عبدالرحمن الصالح الشبيلي الــمــولــود في فــي مــواقــع أخــــرى .فــهــي حصيلة تــأمــات القصيم ،عنيزة سنة "2019-1944م" هو وخبرات تراكمت في حقيبة الــذات الساردة ،عالمة ناشطة فــي الثقافة واإلعـــام ،وكــان ومجازفة في االنفتاح على الخاصوص وجعله شغوفاً في تأسيس مؤسسات تسهم في الوعي العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
21
المجتمعي والثقافي ،إذ أسهم في تأسيس إذاعــة الرياض وتليفزيونها ،وقـدّم الكثير من البرامج التلفزيونية والمقاالت والكتب. سيرةٌ مليئ ٌة بالطموح والعمل ..فقد حصل على الدكتوراه في اإلعــام من جامعة أوهايو سنة 1971م ليكون أول سعودي يحصل على الدكتوراه في اإلعــام ،وعمل عضواً بمجلس الشورى في السعودية اثنتي عشرة سنة لثالث دورات متتالية ،وعــضــواً في المجلس األعلى لــإعــام .ون ــال وس ــام الملك عبدالعزيز من الدرجة األولــى ،وجائزة الملك سلمان لخدمة التاريخ الشفوي وتوثيقه ،ولديه نحو ( )51مؤلفاً. الحراك اإلعالمي فهذا االمتداد العميق في ِ والثقافي والتعليمي يجوز له أن يرتكن إلى ذاته؛ ليروي لنا تفاصيل مشفوع ًة بالصدق واألدب؛ لتشكل تلك السيرة مناخاً مليئاً بالبياض ،ولذة السريرة وآالمها كذلك. شكّلت رحلته المتنوعة في اإلعالم واألدب والتعليم مجاالً واسعًا في تأسيس مرجعيات وازنة لإلعالم السعودي ،من تأليف وتخطيط ودراســات أكاديمية ،رحلة امتدت على مدار أكثر من خمسة عقود ،تشعّبت لتنهل من العلم جوهره بما يفيد بلده واألجيال التي تليه .لقد هَ وَتْ الشرفة الباريسية به قبل أن يكمل روايته، رحل عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاما ولم يزل في فمه الكثير من الكالم ،فكانت أمنيته في كتابة الرواية لم تتحقق بعد ،لكنه روى ذاته واضح ال لبس فيه ،فمن درس وتتبع ٍ منجز ٍ عبر سيرته يدرك مباشرة أن الشبيلي لم يكن لديه ال بالعمل والطموحات وقتٌ للفراغ ،فكان منشغ ً العريضة التي ال تنتهي.
22
مهمة للتعرف عليه من الناحية اإلنسانية، إضافة إلى حياته العلمية والمهنية؛ فهو كاتب السيَرة التي استهوته كجزء من سردية الحياة السيَر المليئة بالمفارقات ،إذ سجّ ل عددًا من ِ سعودية لها قدرها ومكانتها" .مشيناها.. ٍ لرموزٍ حكايات ذات" هو هويته الذاتية التي رشحت من قلمه بكل لحظة من حياة محكومة بقلق اإلب ـ ــداع واإلنـــجـــاز؛ وق ــد تــعـلّــم اإلنجليزية والفرنسية إضافة إلى لغته العربية؛ لكي يطلع على معارف مختلفة تفيده في حياته المهنية واألدبية ،وفي برنامجه "حديث الذكريات".. إشــارة واضحة على شغفه في سرد الماضي وتجلياته اإلنسانية والعملية. ومن أهم كتبه في اإلعالم " :إعالم وأعالم"، و"الملك عبدالعزيز واإلعــام" ،و"نحو إعالم أفضل" ،فهو رائــد البدايات ومؤسسها ،كما لو أنه يتسابق مع زمن خاف أن يتفلت منه، المستشرف في تفكيره والمبتكر في رؤاه، فلم تــزل أفكاره مثل نسغ يسري في الحياة اإلعالمية السعودية والعربية ،بل هي مدار حكايات بين السياسيين والمثقفين.
هذا االحتراق في كتابة السيرة هو بمثابة القلق المُر الذي يجتاح الشبيلي ليقدم ..ليفتح صندوقه الخاص للعامة ،وقد تأثرت سيرته عبر شغفه الكبير بفعل كل شيء ،فكان يرى أن الحياة قصيرة جـ ـدًا ..فال بد من سباق يــومــي معها كــي يحقق آمــالــه ،فــكــان لصوت الحياة العالي في رأسه مدعاة ليمسك بناصية القلم ليدوّن صراخه الداخلي ،فكان يدرك تماما أن ما يكتبه اآلن هو بمثابة شهادة له ستتحول إلى أحاديث حول رحلته ،إن مالحقتة لــهــذا الــصــراخ ،إنــمــا يخلق ينبوعً ا سيسقي كان لكتابه "مشيناها ..حكايات ذات" مادة من بعده قوة اإلنجاز ،بل تدعوهم للمجازفة
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
عبدالرحمن الشبيلي في مكتبته
فــي خــوض غــمــار الــحــيــاة رغــم صعوباتها، وتدفعهم إلى المغامرة بالكشف عن دواخلهم وخصوصياتهم فيما بعد. فالسيرة وسيلة للتدوين المضمر لخلق مساحة مــن الــبــوح الثمين ،الــذي مــا يــزال الح َك ْم يتكشف أمامنا لنغترف من معينه ِ ومصائر الحياة ،تماماً كاعترافات الشاعر ميمون األعشى بتجربته في الحب. لــم يسعفه الــعــمــر كــي يكمل ســرديــاتــه الثريّة بتنوعها ،رحل وفي فمه كثير الكالم والذكريات؛ فلم يشتمل الكتاب على كثير من المواقف السياسية واإلنسانية ،فقد بقيت تلك األســرار في داخله ،ليرحل وفي قلبه الكثير من المواقف ،وكانت شرفته في باريس التي كــان ينظر عبرها الــى العالم سبباً لنهايته المؤسفة.
والــتــي نــمــت لتصبح عــامــة مــن عــامــات اإلعالم السعودي ،وكان لعائلته الدور األكبر في نجاحه واستمراره في إنجاز الكم الهائل من النجاحات الكبيرة .كما أنــه لم يخلد للكتب التي ألّفها ،إذ أسهم في اللقاء الشهري الذي كان يُعقد في مكتبة الملك عبدالعزيز، والــذي اشتمل على مناقشات ومداخالت حول القضايا اإلعالمية واألدبية الثرية، واختتم الدكتور الشبيلي بالقول: "لــم أجــد أرك ــان السيرة الــذاتــيــة كافية لما أكتب ،وتمنيتُ لو صيغ الكتاب بطريقة ( الــروايــة) ،تمنيت أن أمتلك المقدرة على ك تابة الرواية ،لكن أركانها لم تكن متكاملة عندي وال أسلوبها وال طريقتها الفنية".
حاولــتْ أن تصــور مرابــع النشــأة ،وبيئــة ـأت هــذه السيرة صــدفـةً ،فقد كان ا لدراســة ،وظــروف الزمــن ،وأن تبــوح لم تـ ِ جــادًا منذ طفولته فيما يخص التزامه في بالممكــن مــن مكنــون الصــدر ،فأبقــتْ بعــد الــدراســة ،فهي بــذرة طيبة منذ الطفولة ..ذلــك طــيّ الكتمــان مــا هــو أكثــر. * كاتب من األردن. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
23
ٌ إطاللة على ُخطى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي:
ٌ قراءة في سيرته الذاتية (مشيناها)* ■ د .عبداهلل بن عبدالرحمن احليدري**
ولد د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي في مدينة عنيزة بالقصيم عام 1363ه ــ1943/م، وتلقى تعليمه االبتدائي والمتوسط والثانوي بها ،ثم التحق بكلية اللغة العربية بالرياض وحصل منها على الشهادة الجامعية عــام 1383ه ـ ــ1963/م ،ثم نــال شهادة جامعية أخرى من جامعة الملك سعود ،تخصص جغرافيا عام 1385ه ــ1965/م ،ثم واصل دراسته العليا وهــو على رأس العمل في وزارة اإلعــام ،فحصل على الماجستير في اإلعــام من جامعة كانسس عام 1389ه ــ1969/م ،وعلى الدكتوراه في اإلعالم من جامعة أوهايو األمريكية عام 1391هــ1971/م .تولى مناصب عديدة في وزارة اإلعالم ،وفي وزارة التعليم العالي ،ثم عين عضوً ا في مجلس الشورى عام 1414هــ1994/م وحتى عام 1426هــ2005/م .له مجموعة من المؤلفات ،أبرزها :محمد الحمد الشبيلي( ،)١ونحو إعالم أفضل ،وأعالم وإعالم ،وأعالم بال إعالم ،وقصة التلفزيون ،وغيرها( ،)٢وآخر كتبه صدورًا سيرته الذاتية "مشيناها :حكاية ذات" التي صدرت عام 1440هـ٢٠١٨/م.
انتقل إلى رحمة اهلل في شهر ذي القعدة م ـش ـي ـنــاهـ ـ ـ ــا ،وت ـس ـب ــقُ ـن ــا خـطـ ـ ـ ــاكــا من عــام 1440هـــ الموافق لشهر يوليو من وت ـن ـس ـك ـ ُـب ال ـم ـش ــاع ــرُ ف ــي ثــراكـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ا م 2019م عــن عمر نيّف على السابعة
فُ ـ ـجـ ــعْ ـ ـنـ ــا ح ـ ـيـ ــن ودّعَ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا طـ ــال والسبعين ،رحمه اهلل رحمة واسعة ،وأسكنه وأجـ ـه ــش َق ـل ـبــك ال ـش ــاك ــي ارت ـبــاكــا ()٣
فسيح جناته .
وقد منحته الدولة بعد وفاته بأمر ملكي وفـ ــاضـ ــت ْع ـي ـن ــك الـ ـ ـحـ ـ ـرّى ل ـه ـي ـ ًبــا وحار الفكْ ر في الذكرى اصطكاكا وسام الملك سلمان من الدرجة الثالثة ،وكان ذلــك فــي شهر الــمــحـرّم مــن عــام 1441ه ـــ ت ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــادر ُل ـ ـل ـ ـم ـ ـص ـ ـيـ ــف بـ ـ ـ ــا وداعٍ (سبتمب ر 2019م)( ،)4وأحدثت وفاته صدى ونـ ـبـ ـح ــث ع ـ ــن نـ ـسـ ـي ــج م ـ ــن رؤاك ـ ـ ــا كبيرًا في الوسط الثقافي ،ورثاه عديد كبير
فـ ـتـ ـ ْنـ ـبـ ـئـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ــأ ّن ـ ـ ــك م ـس ـت ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح من الك تّاب والمثقفين والشعراء ،من بينهم ب ـ ـع ـ ـيـ ــداً ،كـ ــي ُتـ ـخ ــفّ ــف مـ ــن ع ـنــاكــا
24
الشاعر عبداهلل بن سالم الحميد الذي كتب فيه قصيدة وظّ ف فيها عنوان سيرته الذاتية أضـ ـ ـ ـ ــأتَ حـ ـي ــاتـ ـن ــا ب ـ ـنـ ــدى حـ ـض ــورٍ وإبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع ُتـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّز ُه ي ــداك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا "مشيناها" ،فقال: العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وأما العنوان الذي طبع الكتاب به ،وهو "مشيناها :حكاية ذات" فهو مأخوذ من بيت شعري ،وهو:
م ـش ـ ْي ـن ــاه ــا خ ـط ــى كُ ـ ـتـ ـب ـ ْـت عـلـيـنــا ومـ ــن كُ ـت ـب ـ ْـت عـلـيــه خ ـطــى مـشــاهــا والبيت لعبدالعزيز الدريني ،وقيل ألبي العالء المعري ،وأورده الشبيلي في مقدمة سيرته ومعه بيت آخر شهير ،وهو:
ـأرض وم ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ك ـ ـ ــان ـ ـ ــت م ـ ـن ـ ـي ـ ـتـ ــه ب ـ ـ ـ ـ ـ ٍ أرض س ــواه ــا ـوت فــي ٍ فـلـيــس ي ـمـ ُ
()7
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
الــدريــنــي" ،وهــو شاعر مصري ،وعــاش في ـوق وأشـ ـعـ ـ ْل ــتَ ال ـح ـن ـيــن ب ـن ـبــض ش ـ ٍ ْ وإي ـ ـ ـثـ ـ ــار ل ـص ـح ـب ــك ف ـ ــي ل ـق ـ ـ ـ ـ ــاك ـ ـ ــا القرن العاشر الميالدي. وعندما نربط بين وفــاة الشبيلي رحمه رسـ ــائ ـ ـلـ ــك الـ ـمـ ـضـ ـيـ ـئ ــةُ أ ّرق ـ ْت ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي اهلل خارج وطنه في باريس في حادث أليم وأحـ ـ ــرفـ ـ ــك ال ـب ـل ـي ـغ ــة إ ْذ تبــاكىٰ بمنزله ،وهذين البيتين نعجب أشد العجب وع ـي ــن ُ ش ـق ـي ـقــك الـ ـحـ ـ ْزن ــى ف ــراقً ــا وكــأنــه كــان يتوقع نهايته؛ ومــن هــنــا ،فقد وعـيــن حبيبك األغ ـلــى -دعــاكــا( )5استوقف العنوان ووفاته المفاجئة العديد من الكتّاب الذين رثوه ،ومنهم د .محمد العوين مشيْ ناها :حكاية ذات.. الــذي قــال" :ص ـدّر الفقيد د .عبدالرحمن كشف د .عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل الشبيلي رحمه اهلل سيرته الذاتية العصامية في ندوة أ ُقيمت عن الكتاب في مكتبة الملك (مشيناها) ببيتين أراد االستشهاد بالبيت عبدالعزيز العامة في شهر جمادى األولى األول ،بيد أن المعنى كان يستوجب اتباعه 1440هـــ (يناير2019م) عن العنوان القديم بالبيت الثاني ،فكان كالنبوءة الخفيّة بما للكتاب ،وهو "عمر بال فراغ" ،وقال :إنه عدل سيأتي ،وكأنه يتوقع أو ينتظر قدرًا لم يعلمه إال اهلل وهو وفاته بباريس"(.)8 عنه بعد التشاور مع بعض أصدقائه(.)6 على أن الشبيلي مسبوق في هذا العنوان، وإن لــم يكن مطابقًا تــمــا ًمــا ،فلقد سمّى عباس خضر (ت1407ه ـــ1987/م) كتابًا له بعنوان "خطى مشيناها"()9؛ وسمّى رؤوف عبّاس (ت1429ه ـــ2008/م) سيرته الذاتية "مشيناها خطى" ،وصدرت في القاهرة في عام 2004م؛ وربما كان الشبيلي على علم به فاقتصر على كلمة "مشيْناها" ،وأضاف لها عنوانًا شارحً ا ،وهو "حكايات ذات" ،مستفيدًا من حموالت كلمة "مشيناها" إذ تستدعي مباشرة لدى القارئ البيت الشعري كامالً:
وتقديم الشبيلي السم الدريني على اسم م ـش ـ ْي ـن ــاه ــا خ ـط ــى كُ ـ ـتـ ـب ـ ْـت عـلـيـنــا ومـ ــن كُ ـت ـب ـ ْـت عـلـيــه خ ـطــى مـشــاهــا أبي العالء يدل على أنه األرجح لديه ،وهذه النسبة هــي األقـــرب ..إذ ق ــرأتُ فــي بعض المواقع اإللكترونية ما يلي" :رغم أن هذين أيضا لشعراء آخرين ،فإن البيتين يُنسبان ً أقدم من نُسب إليه هذا الشعر هو عبدالعزيز
وأول مــا يستوقفنا فــي ه ــذه الــســيــرة المقدمة ..إذ تكشف أسباب الكتابة ودوافعها وظروفها؛ ولذلك نراه يقول" :كانت ترده مع كل مؤلَف يصدره دعوات محبين بأن األوان العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
25
قد حان لمثلها ،وصار بعضهم يقول :اكتبها الشيم بحديث ال يليق.)١٣(".. واتركها للزمن؛ كناية عن أنَّ المعنيَّ بها صار ويــعــتــرف بــأنــه أســقــط حـ ــوادث عاشها ()١٠ يسبح في خريف ال ُعمْر" ،وتكشف المقدمة وعايشها عمدًا؛ ألنه رأى محاذير في روايتها كذلك عن قراءات مكثّفة في بعض األعمال وقص أحداثها؛ ومن هنا ،رأيناه يقول" :لم تكن السيريّة التي صــدرت لدينا أو في العالم هذه الذكريات كل ما يمكن سرده ،..فهناك العربي ،إذ نــراه يــدوّن ملحوظة على بعض مواقف سياسية أو إعالمية عدّة لم تشملها األعمال التي اطلع عليها في هذا المجال، الــروايــة؛ ألن اإلفــصــاح عــن تفاصيلها كان وأنها ظهرت غير ناضجة ،ويصفها قائالً: مما سيؤدي ال محالة إلى التصريح بأسماء "يستغرب اكتظاظ معارض الكتاب بسير غير وأسرار تتعلق بالغير ،ال يُحمد كشفها"(.)١٤ ناضجة للعديد من المستعجلين ،فالسير وهذه النقطة تؤكد أن األعمال السيرية الــذاتــيــة أمــانــة تــدويــن وضمير ومسؤولية بشكل مجمل ال يمكنها رصد أحداث الحياة توثيق"(.)١١ كاملة ،بل ال بد من االنتقاء واالختيار بما ويصف عمله بأنه نحا فيه منحىً مغايرًا يتناسب مع الظروف المحيطة بكاتب السيرة. لما درجــت عليه بعض سير المشاهير في ـواضــع الشبيلي أسهم في عدوله عن وتـ ُ العالم حين يجلس إليه محرر فيدون حديثه ال أو كتابة ،ثم يعيد صياغتها ،وهو أمر الحديث عــن نفسه بضمير المتكلم ،إلى تسجي ً مألوف على مستوى العالم لمن يملك الشهرة الحديث إلى القارئ راويًا األحداث بضمير والتأثير ويفتقد القدرة على الكتابة الجيدة ،الغائب ،وكأنه يقص سيرة شخص عرفه حق أو ليس لديه وقت للكتابة ،ومن هنا رأيناه المعرفة وبينهما صحبة وصداقة حميمة؛ يقول" :انسابت هذه الحكايات من الذاكرة لذلك تــرددت في السيرة كلمة (صاحبنا)، دون وساطة من محرّر يحوّل الحديث إلى يقصد نفسه ،ومن النماذج على هذا االتجاه طرف يطرح السؤال ويدوّن لديه قوله" :كان صاحبنا حتى تجاوز الخامسة ٍ نص مكتوب ،أو ٍ عشرة يجالس والده في دكّانه في غير وقت الجواب"(.)١٢ الدراسة ،ويعينه في التواصل مع الزبائن، كما نلحظ بدءًا من المقدمة ،وفي معظم ويتعامل نيابة عنه مع أصحاب الدكاكين، صفحات الكتاب حضور شخصية المؤلف كما ويحرس البسطة وقت غياب الوالد للقيلولة عرفناها :شخصية ودودة متواضعة قريبة من ولصالة الظهر"( ،)١٥ومع ما في هذا األسلوب النفس؛ لذا نجده يقلّل من شأنه ويعتذر عن من بُعد عن األنا التي قد تبدو منفّرة لبعض الحديث عنها ويتوجس خيف ًة من الثناء عليها دون قصد ،وعن هذه الجزئية يقول" :المرجو القراء ،فإنها قلّلت من مركزية حضوره في أ ّال تكون الصفحات وهي تنداح بالذكريات السيرة.
26
وإذا كــانــت ســيــرة الشبيلي "مشيناها" وقعت عن غير قصد في حديث عن النفس، أو انزلقت في ثناء عليها ،أو بتقرير أحكام الكتاب األخير له بعد سلسلة من الكتب التي مجحفة على الغير ،أو ارتكبت محذورًا يُنافي تناولت تاريخ الشخصيات وتاريخ اإلعــام
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
مثل :صالح العبداهلل الشبيلي :حياته وشعره ،األخ األكبر عبدالرحمن.)٢٠(".. والسفير محمد الحمد الشبيلي ،واإلعــام وفــي إطــار اهتمامه بالتاريخ والتوثيق، في المملكة ،وأعالم بال إعالم ،وغيرها؛ فإنه نجده يصف وزارة اإلعــام بأنها أصبحت بدا في هذه السيرة متأثرًا بأعماله السابقة ومنذ عقود "ال تهتم بقضية التوثيق ،وتعطي وبما تتطلبه من توثيق دقيق وحضور للتواريخ ،األولوية للمطبوعات ذات الصبغة اإلعالمية وهذا ليس بالغريب إذ السيرة بوصفها جنسً ا والدعائية بشكل عام ،ولكن الكتب التاريخية أدبـ ًيــا "تشبه التاريخ في حاجتها للتحرّي نادرًا ما تصدر"(.)٢١ والصدق ،وفي اعتمادها في بعض األحيان كما أسهم اهتمامه بالتاريخ وبالتوثيق في على الوثائق والمدوّنات"(.)١٦ مراعاة التدرج الزمني في قص األحــداث ومن هنا ،وجدنا الدكتور الشبيلي رحمه وروايتها ،وجاءت موضوعات الكتاب منطقية ً اهلل حريصا على توثيق كل األحــداث التي فــي تسلسلها وتــرابــطــهــا ،وجـــاءت موجزة يتذكرها بالتاريخين الهجري والميالدي ،وتــتــنــاول جــوانــب مــتــعــددة ،واقــتــصــر على ٍ وأحيانًا بتاريخ تقريبيّ ،أو يحاول أن يقدر ثمانية عناوين رئيسة فقط لكامل الكتاب، الزمن ،وهذا بتأثير من ممارسته في التأليف وهي :الصنقر ،والعزيزية ،وبين جامعتين، والكتابة الصحفية التي اعتمد فيها على واإلعالم ،والتعليم العالي ،ومجالس ،وتوثيق، التاريخ منهجً ا وطريقة ،ومن األمثلة قوله :وذاتــيــات ،كما حفل الكتاب بملحق تضمن "كانت الوالدة على األرجح مساء السابع من صـ ــورًا عــديــدة لــه وألس ــرت ــه؛ مــمــا أضفى شــوال عام 1363هـــ (1944/9/23م) تزيد على الكتاب قيمة أخــرى ،وهي الربط بين عامًا أو تنقص مثله"( ،)١٧ثم يحلّل اختياره لهذا األحداث والصور. التاريخ مستندًا إلى روايات شفوية سمعها من وتــحــفــل ســيــرة عــبــدالــرحــمــن الشبيلي والدته إذ يقول" :فأما اليوم والشهر فمؤكدان بموجب معلومة مصدرها الوالدة ،فهي تذكر "مشيناها" بجوانب مما يسميه نقاد السيرة أن الوالدة مكّنتها من صيام ست من شوال ،الذاتية "بالغة السيرة" ،والبالغة هنا في وأما العام فهو مبنيّ على قرينة تجديد جامع هذا السياق "لم تعد تقترن بالبعد الزخرفي ـضــا"( ،)١٨وهو عام للكالم"( ،)٢٢وإنما تعني في داللتها المعاصرة عنيزة بحسب الوالدة أيـ ً لدى نقاد السيرة الذاتية تحديدًا تشخيص 1363هـ. الذات وبناء هُويّتها ،وبنا ًء على ذلك تصبح وأمــا األح ــداث التي عاصرها وشهدها هــذه المالمح فــي السيرة الــذاتــيــة "عمود بنفسه فهي موثقة بتواريخ يجزم بها مثل بالغة السيرة الذاتية وتميّزها"(.)٢٣ ال رعاه قوله" :أقامت وزارة المواصالت حف ً وربما أبرز موضع ظهر فيه هذا الملمح، الملك فيصل فــي عــام 1385هـــــــ1965/م الفــتــتــاح طــريــق ال ــري ــاض الـــطـــائـــف"( ،)١٩حديثه الصريح عن والدته وأصولها ،وأن وقــولــه" :تــم الـ ــزواج ليلة الــمــغــادرة للبعثة والــده تزوجها بعد طالقها من أحــد أسر (1387/5/15هـ ـــ1967/8/20/م) في منزل عنيزة ،وأنها تعود إلى أصول تركية ،وأنها
27
قدمت إلى المملكة بالقطار من أسطنبول مرورًا بالقريات حتى وصلت إلى عنيزة وهي صغيرة السن ،وطالب بالكشف عن الظروف الــتــي واكــبــت جلبهن مــن بــاد بعيدة إلى المملكة فقال" :لم يوثّق أحد من الباحثين الظروف التي أتت بأمثال هؤالء النسوة من جوار يُتاجر ٍ بالدهن حتى تحوّل بعضهن إلى بهن ،مع أنهن في األساس أحرار مختطفات أو سبايا حروب.)٢٤(".. ونــقــف ف ــي الــســيــرة عــلــى ج ــوان ــب من البوح عمّا تعرض له في وزارة اإلعالم من منغصات وإحــبــاطــات ظــهــرت فــي مواقف عديدة ،ومنها :تسجيل حلقات من برنامجه "شريط الذكريات" ،وإيقاف عرض معظمها دون مــسـوّغ مــقــبــول( ،)٢٥وإيــقــاف برنامجه "حديث األصــدقــاء" بعد بث حلقات قليلة، وعن البرنامج األخير يقول" :بقيت القصة غــصــة فــي نــفــســه ،لــمــا قــوبــل بــه اجــتــهــاده وماضيه من تعامل أشعره بعدم التقدير، وانتهى بإجراء شابه اللوم بدالً من أن يشاد بموقفه" ،ويعود بعد مرور السنوات فيسامح من تسبب في ذلك حين يقول" :فسامح اهلل من سارع بالوشاية دون تفهم الظرف"(،)٢٦ ولكن ظلت هذه المواقف مؤثرة في نفسيته الحساسة إذ نراه بعد ذلك يقول عن نفسه: "خرج من سنوات العمل في وزارة اإلعالم صفر اليدين"(.)٢٧
وبعد ،فهذا العمل الــذي قدّمه الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي إلى المكتبة العربية عمل جدير باالهتمام والتقدير، ويعد من أفضل األعمال السعودية في حقل السيرة الذاتية ،وتوافرت له عوامل النجاح إذ كتبه صاحبه فــي ســن تكاملت تجاربه وخبراته وأعماله ،وبلغت قدرته التأليفية أوجها وقوتها بعد أن طبع كتبًا عديدة قبله تشترك معظمها في حقل واحد ،وهو حقل السيرة بمفهومها الواسع ،وكــان أن حظي الكتاب بمقروئية عالية ،وكان مجاالً لبعض الدارسين والكتّاب الذين تناولوه معجبين به مادة وأسلوبًا وإخراجً ا ،ومن أهم القراءات التي كُتبت عنه :محاضرة األستاذ حسين بافقيه فــي نــادي جــدة األدب ــي ،ومقالة د. محمد الرميحي المنشورة في جريدة الشرق األوسط ،ومقالة د .محمد العوين المنشورة في جريدة الجزيرة ،ومقالة األستاذ أحمد العسّ اف ،ومقاالت أخــرى ليس هــذا مقام حصرها. رحم اهلل فقيدنا الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي رحمة واسعة ،وأسكنه فسيح جناته. المصادر والمراجع أوالً :الكتب: .1أع ــام بــا إع ــام ،د .عبدالرحمن بــن صالح الشبيلي ،الطبعة األول ــى ،الــريــاض :المؤلف، 1438هـ2017/م ،الجزء الثاني.
ومــن هــنــا ،يمكن الــقــول :إن مــن دوافــع الكتابة السيرية لدى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل التنفيس والــدفــاع عن .3السيرة الذاتية في األدب العربي ،تهاني عبدالفتّاح النفس. .2بالغة السيرة الذاتية ،إعداد وتنسيق :د .محمد مشبال ،الطبعة األولى ،عمّان :دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع1439 ،هـ2018/م.
28
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
للدراسات والنشر2002 ،م.
.4مشيناها :حكايات ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،الطبعة األول ــى ،الــريــاض :المؤلف، 1440هـ2019/م. .5مــوســوعــة الــشــخــصــيــات الــســعــوديــة ،الطبعة الثانية ،جدة :مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، 1434هـ2013/م. * ** ( )١
( )٢ ( )٣ () ٤ ( )٥ ( )٦ ( )٧ () ٨ ( )٩ ( )١٠ ( )١١ ( )١٢ ( )١٣ ( )١٤ ( )١٥ ( )١٦ () ١٧ ( )١٨ ( )١٩ ( )٢٠ ( )٢١ ( )٢٢ () ٢٣ ( )٢٤ ( )٢٥ ( )٢٦ ( )٢٧
.1جريدة الرياض1440/5/4 ،هـ (2019/1/10م). .2جـــــريـــــدة الـ ــمـ ــديـ ــنـ ــة1440/11/28 ،هـــــــــــــــــ (2019/7/31م). .3جريدة اليوم1441/1/24 ،هـ (2019/9/23م). .4مجلة الــيــمــامــة ،ع 1440/12/21 ،2571هـــــــ (2019/8/22م).
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
شاكر ،الطبعة األولى ،بيروت :المؤسسة العربية ثانيً ا :الدوريات
(ورقة مقدمة إلى ثلوثية د .عمر بامحسون بالرياض1441/2/2 ،هـ2019/10/1 /م). أستاذ األدب المشارك بكلية اللغة العربية بالرياض ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية األدب العربي. مــوســوعــة الشخصيات الــســعــوديــة ،الطبعة الثانية ،ج ــدة :مؤسسة عــكــاظ للصحافة والنشر، 1434هـ2013/م.515/1 ، أعالم بال إعالم ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،الطبعة األولى ،الرياض :المؤلف1438 ،هـ2017/م، الجزء الثاني. تُنظر :جريدة المدينة1440/11/28 ،هـ (2019/7/31م). تُنظر :جريدة اليوم1441/1/24 ،هـ (2019/9/23م). مجلة اليمامة ،ع 1440/12/21 ،2571هـ (2019/8/22م). تُنظر :جريدة الرياض1440/5/4 ،هـ (2019/1/10م). مشيناها :حكايات ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،الطبعة األولــى ،الــريــاض :المؤلف، 1440هـ2019/م ،ص .5وقد ورد البيتان في المستطرف لألبشيهي ،بيروت :دار القلم1401 ،هـ1981/م، .491/2 تُنظر :جريدة الجزيرة1440/12/2 ،هـ (2019/9/3م). تُنظر ترجمته في مجلة الفيصل ،ع ،123رمضان 1407هـ ،ص.111 مشيناها :حكاية ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،ص.7 المصدر نفسه ،ص.7 مشيناها :حكاية ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،ص.9 المصدر نفسه ،ص.9 المصدر نفسه ،ص.11 المصدر نفسه ،ص.24 السيرة الذاتية في األدب العربي ،تهاني عبدالفتّاح شاكر ،الطبعة األولى ،بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر2002 ،م ،ص.17 مشيناها :حكايات ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،ص.13 المصدر نفسه ،ص.13 المصدر نفسه ،ص.152 المصدر نفسه ،ص.165 المصدر نفسه ،ص.195 بالغة السيرة الذاتية ،إعداد وتنسيق :د .محمد مشبال ،الطبعة األولى ،عمّان :دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع1439 ،هـ2018/م ،ص.7 مشيناها :حكايات ذات ،د .عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ،ص.10 المصدر نفسه ،ص.42 المصدر نفسه ،ص.208 المصدر نفسه ،ص.213 المصدر نفسه ،ص.215 العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
29
ٌ تلميذ ِل ُم َع ِّل ِمه رسالة من ٍ
■ د .علي بن دبكل العنزي*
التقيت بالمرحوم األستاذ الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عام 1401هـ ،كنت وقتها طالبا في جامعة الملك سعود ،أدرس اإلعالم ،إذ درّسنا في ذلك الوقت مادة اإلعالم السعودي ،وكان وقتها وكيال لــوزارة التعليم العالي .ومنذ اللحظة األولى التي دخل علينا في المحاضرة أسرنا بلطفه وأخالقه الراقية ،وهو يتحدث معنا بكل لطف واحترام وبصوته الخافت؛ فكنا نستغرب كيف لهذه القامة الكبيرة في اإلعــام والتعليم أن يتحدث مع طالب سنة أولى جامعة بهذا التواضع ،وصرنا نشتاق لمحاضرته وهــو يسرد لنا قصة اإلعــام السعودي وقصته هو مع هذا اإلعــام ،وعمله بالتلفزيون قبل أن يُبتعث لنيل شهادة الدكتوراه في اإلعالم ،ويصبح أول دكتور سعودي في هذا المجال .كنت أرى فيه المنهج الذي يتحدث من قلب التجربة وتحديات العلم .لقد كانت عالقتي في بدايتها هي عالقة طالب بأستاذه الذي أنموذجا له ،واستمرت حتى أصبحت عالقة صداقة وأخوّة. ً يعدّ ه
30
قاس يغرب النفس ويتغرب بها، ال َف ْق ُد أم ٌر ٍ شيء ال يستقر في وطن ،وال يسكن مع األهل واألصــحــاب؛ فغياب الشبيلي بهذه القسوة على محبيه أمر جلل؛ إال أن الراحل الجميل يستعصي على هذا الغياب ،فحضوره قصة بناء ال تنتهي عند عمر أو تغيب بموت ،فهذا المشوار الطويل من اإلبداع والجهد والتعب أنتج جماالً أبدياً .فالراحل له با ٌع طويل في هــذا الحقل من خــال عمله في التلفزيون، وأصبح مديراً عامًا له ،ومن خالل بصماته التي تركها على هــذا الجهاز قبل انتقاله لـــوزارة التعليم العالي والعمل فيها ،وفي المجالين كانت له بصمات واضحة جداً؛ ما جعل الجميع يثني عليه .لقد تعززت العالقة بيني وبين الشبيلي يرحمه اهلل مــن خالل مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،فقد كان حاضراً في فعالياته الثقافية ،سواء في العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الجوف والغاط ،وكذلك مشاركته في اإلشراف على كتاب سيرة عبدالرحمن السديري أمير منطقة الــجــوف (األســبــق) ،وتقديمه لهذا الكتاب .لقد كان صديقاً للجميع ،ومستمعًا جيداً لكل اآلراء خالل الفعاليات التي يشارك فيها. كان اللقاء المؤثر الذي جمعني بأستاذي القدير في عام 2008م وضمن فعاليات قمة أوبــك الثالثة فــي الــريــاض ،فقد طلب مني صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز ،وزيــر الطاقة ،إدارة فعاليات البرامج المصاحبة للقمة ،وكــان البرنامج يتضمن دعــوة عدد من األشخاص المعروفين من كل دولة من دول منظمة أوبك، ســواء كانوا وزراء سابقين أم أمناء سابقين للمنظمة أم رؤســاء تحرير ،لــزيــارة مختلف مناطق المملكة قبل انعقاد القمة بأسبوع،
واستمرت اللقاءات مع أستاذنا القدير الــمــرحــوم عبدالرحمن الشبيلي مــن خالل مؤلفاته التي يرسلها لنا ،ولقاءاته في النادي األدب ــي ،وفــي كــل المناسبات التي يتاح لنا حضورها ويكون هو طرفاً فيها. َمــن ينظر ويــقــرأ سيرته وتــاريــخــه يقف حــائــراً أمــام قــدرتــه على العمل المتواصل في كل المناشط؛ عندما كان رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر ،وكذلك عندما كان عضواً في مجلس الشورى ..كان محاوراً بارعاً ،ومبادراً للعمل
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
وبــعــدهــا يــحــضــرون الــقــمــة ،وفــكــرة األمــيــر عبدالعزيز هو أن يتعرفوا على ثقافة المملكة وتاريخها وتطورها ،وإطالعهم على كيفية استثمار دخل البترول في تنمية الدولة .وكان من ضمن األشخاص الذين يمثلون المملكة د .عبدالرحمن الشبيلي إضــافــة إلــى عدد من زمالئه :د .عبداهلل العسكر رحمه اهلل، والدكتور يزيد العوهلي ،ود .محمد الجفري رحمه اهلل ،ود .إحسان أبو حليقة ،والدكتورة نورة اليوسف ،واألستاذ منير العكاس ،وكان لوجود د .عبدالرحمن الشبيلي األثر الكبير فــي نجاح مهمتنا فــي الجولة على مناطق المملكة ،كما أنه كان من ضمن الذين أسهموا في وضع ذلك البرنامج .لقد كان يمثل األخ الكبير للجميع في تلك الرحلة ،يشجعنا في عملنا خاللها ،يُثني على الجميع ويتحاور مع الضيوف ومع الزمالء القائمين على البرنامج، حرصا منه على نجاحنا ونجاح الوطن.
من أجل المواطن ،لقد كان مخزنا للفكر.. فألّف عشرات الكتب في اإلعــام والثقافة، وألــقــى عــشــرات بــل مئات المحاضرات في مختلف مناطق المملكة؛ فهو في الحقيقة بالنسبة للمتخصصين في اإلعــام مدرسة إعالمية تجمع بين األكاديمية والمهنية ،وله تأثير كبير جداً في تاريخ اإلعالم السعودي تدريساً وتأريخاً ،فقد كان متعاوناً مع قسم اإلعــام في جامعة الملك سعود في الوقت ـس الحاجة لمثل ال ــذي كــان القسم فــي أم ـ ّ خبراته ،فلم يبخل بعلمه ومعرفته ،لقد كان صادقاً في تقديمه للمعلومة؛ ما جعله صاحب سيرة ملهِ مة ،فلم تتوقف سيرته عند الجانب المهني واألكاديمي ،بل امتدت إلى الجانب ال في جمعية اإلنساني؛ إذ كان عضواً فاع ً ألزهايمر وغيرها من الجمعيات ذات الطابع اإلنــســانــي ،فلقد سطّ ر أروع معاني الوفاء عندما أص َّر على إقامة عزاء األستاذ ماجد الشبل رحمه اهلل في منزله .فال غرابة أن يحصل الراحل على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة األولى. وختاما :ترك لنا الراحل نحو ( )23مؤلفاً بين السير الذاتية والعلم المتخصص ،نتاج عشرات السنين ،رصد فيها الراحل مسيرة وطن وقيادة وشعب (حكاية وطن خلق وجوده واستقراره) حتى أصبحت مؤلفات الشبيلي رحمه اهلل أعالماً وإعالماً من الوطن وإلى الوطن.
* رئيس قسم اإلعالم -جامعة الملك سعود. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
31
صاحب الخطوة الواثقة الشبيلي ُ
طى ..مشاها ومن ُك ْ َ تبت عليه ُخ ً ■ د .هناء بنت علي البواب*
الشبيلي وحكاياته الذاتية التي خطها في سيرته الذاتية (مشيناها) والتي صدرها بالبيتين اآلتيين: مـشـيـنــاهــا خ ـط ــىً كُ ـت ـبــت علينا ـأرض ومـ ـ ـ ــن ك ـ ــان ـ ــت مـ ـنـ ـ ّيـ ـت ــه بـ ـ ـ ـ ٍ
ومــن كُ تبت عليه خطى مشاها أرض سواها! فليس يموت فــي ٍ
أن تكتب عــن نفسك ليس أم ــرً ا يـسـيــرً ا ،وأن ــت تعلم تماما أن هـنــاك مــن يتابعك في حياتك ..فكيف حين تـغــادر الدنيا وتـتــرك خلفك سيرة تحمل مسيرة مختلفة ،وهــذا الشبيلي ،صاحب السيرة الذاتية الصالح ّ ما حــدث مع اإلعــامــي الكاتب عبدالرّحمن ّ السعودية« :مشيناها ..حكايات ذات» ،والتي صــدرت طبعتها األولــى في صفر 1440ه ــ/ وتوشح غالفُ ها بشكل مميز بصورة عميقة لها داللة مختلفة ،وهي صورة نوفمبر ٢٠١٨مّ ، «الصنقر» ،وهو معلم تراثي أشبه ببرج المراقبة ومقصورة الحماية ،يتجاوز عمره مئة ّ سنة ،وفي عام ١٤٠٧هـ ُشيّد عليه مركز ابن صالح الثّقافي. ولك أن تدرك كيف لرجل مثله أن يتخيّر الوطن الذي سيحتضنه. تلك الصورة عمدًا ،وال يمكن أن تكون سهوا وحين تخطو أول خطوة لتمشي داخل أمام رجل بعظمة تفكيره وصالبة رأيه. الكتاب ،تجدك تتعرف على الفترة الزمنية
32
يتكون هذا الكتاب السيروي المؤلم في مسيرة إبداعية مختلفة مــن مقدّ مة ،ث ّم ثمانية أقسام ،وبعدها كشّ اف عام ،فملحق صور ،وتعريف مختصر بالمؤلف .وكأنه كان يرسم لنفسه طريقا يعرف أنه يمشيه ،وأنه سينتهي عنده .وحده عبدالرحمن الشبيلي الرجل القويّ الخطوة ،البارع في اإلعالم، المتمرّد وقت الغضب ،عرف مشي الخُ طى، فثبت نفسه على شرفة في باريس لتهوي به وتعيده إلى مسقط رأســه ،حيث تراب العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
التي قضاها وهو يدوّنه ،فقد أشار إلى أنّه قضى سنة ونصف السنة وهو يرسم بقلبه وقلمه هذه الذّ كريات؛ ابتداء من رمضان عام ١٤٣٨هـ ،وحرص على ّأل يكون سرديًا عاديا ،فالتّفرّد سمة جميلة تستحق العناء، وبما أن حياته مجبولة بالعناء والتعب ..حقه أن يرسمها في سيرة مختلفة ال شبيه لها؛ ألنه كان متفردًا وال شبيه لطريقته وأسلوبه، فجاء كتابه من طراز مختلف بين الرّواية والسّ يرة.
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
يلقي محاضرة في مركز صالح بن صالح االجتماعي بعنيزة -القصيم
غريبة بعيدة الــمــدى إلى ٍ بلغة أخَ ـ َذنَــا ٍ زاوية الرواية حينًا ،وهو يتفنّن في وصف سردي أشبه بسيروائية الكاتب الذي يبني نصه بينه وبين نفسه خطوة خطوة ،منذ ان بدأها في وصف مراحل النّشأة والتّكوين، وجعلنا نستعرض المكان في عنيزة مسقط قلبه وهــوى حياته وأنفاسها ،ونعيش معه ذكريات الوالدين واإلخوة ،وكيف كان رقيقا وهو يصف فاطمة ،والدته الجميلة القلب، ـس ،وأنــت تقرأ تشعر وكأنك رقيقة الــحـ ّ تعرفها تمامًا ،ومع أنّ والدته قدِ مت إلى عنيزة من بيئة اسطنبوليّة مختلفةّ ،إل إنّها استطاعت االندماج مع عنيزة في لهجتها وعاداتها ،ومطبخها ،وأن ــواع تمورها ،بل وفــي أنــســاب األس ــرة ومصاهراتها ،حتى حفظت رثــاء زوجها لزوجته األولــى التي توفيت سنة الرّحمة عام ١٣٣٧هـ بقصيدة تقع في نحو مئة بيت. وتسير مرحلة الحياة به وهو ال يفارق
عنيزة ،وهو يتحدث عن مسيرته أبداً؛ فهي البؤرة التي تسوق كل األحداث وكل أسباب نجاحه ،ويصف عنيزة التي تحب هؤالء الحرفيين من أهل البلد ،ويتغزّل بنشاط سوق المسوكف ،وتطوّع أهله لقراءة البريد الضروس وتجبير الكسور، وإيصاله ،وخلع ّ والصكوك ،وإطراب العابرين ّ وكتابة الوثائق بالقصيد والمِ ل َح ،ثم يصف ناديًا لألخبار وبخاصة من القادمين بالطّ ائرة من الرّياض ّ وجدّ ة إلى مطار عنيزة المحلي القديم ،الذي يعمل به موظف واحــد؛ فيحجز التّذاكر، ويوجه الطّ ائرات للهبوط واإلقالع ،كل ذلك في لغة سينمائية مشهدية معبّرة مختلفة. ولــم يغب عنه أبـــدًا الــحــديــث عــن العمل التّطوعي في عنيزة ،وعن العمل التطوعي المبكر ،وإصالح بعض الطّ رق ،ومتابعة تبرّع الوزير عبداهلل السّ ليمان الحمدان بمشروع سقيا الــمــاء ،وغير ذلــك .وهــذا االهتمام المبكر يفسّ ر لنا بروز أهل عنيزة في مجال العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
33
األعمال المجتمعيّة والخيريّة والتّطوعيّة.
بعيدًا عن األغــراض الوظيفية ومتطلبات
ولم يتغافل عن المرأة أبــداً ،كيف ذلك التّرقية ،وليس له أربــاح مادية؛ لكنّ لذة وهو يدور حول أمه التي عاشت لتربيتهم العلم ال يعدلها شــيء ،وبخاصة بعد أن على الرغم من اختالف تربيتها ،وذكر أسماء منحته عضوية الشّ ورى مزيدًا من الوقت نساء من عنيزة تزوجهن الملك عبدالعزيز ،للبحث والقراءة ،فالتفت لمكتبته المنزلية والملك سعود ،وهنّ من كبار عوائل البلدة ،ليعمرها.ث ّم تحدث عن كتبه المطبوعة وهي كما أشــاد بخمس عشرة معلّمة من نساء كثيرة ،وذكر قصة تأليف أغلبها التي تعود عنيزة ص َّيرْن بيوتهنّ كتاتيب لتعليم الفتيات إلى كتابة مقال أو إلقاء محاضرة ،والكثير قبل بداية التّعليم النّظامي؛ ومن الطّ بيعي من األوجاع التي يبثها هنا أو هناك في ثنايا أن يكثر الحديث عن المرأة في سيرة رجل كتابه. عــاش قسمًا من عمره في عالم اإلعــام وأنت تغلق آخر صفحات الكتاب تسمع والثّقافة. وتسير كثيرا داخل تلك المسيرة المميزة بكل ألــم صوته األجــش الضخم بمخارج
ليُحدثك عن تخرجه في كلية الّلغة العربيّة حــروف متميزة لم يعتليها العجز أو كبر الذي كان سببا لدخوله إلى عالم اإلذاعة ،الــســن ،وتتخيل أنــه ينعي نفسه فــي آخر ث ـ ّم اإلع ــام المرئي والمكتوب ،ثــم تولى صفحات كتابه ،فتظهر هناك كلمات مؤلمة: مهمّة تسجيل خطاب العرش بعد العصر «تنعي أسرتا الشبيلي وأبــا الخيل في في قصر الملك فيصل بالمِ عذر في ٢٧ مناطق المملكة فقيدها الغالي الدكتور جمادى اآلخرة سنة ١٣٨٤هـ بحضور األمير عبدالرحمن الصالح العبداهلل الشبيلي، سلطان ،والشّ يخ محمّد النّويصر ،ود .رشاد داعين اهلل جل شأنه أن يتواله بإحسانه فرعون ،ود .كنعان الخطيب ،ث ّم طار إلى وعــفــوه ورحمته ،ويجعل مــا أصــابــه رفعة ليل مع نشرة األخبار. جدّ ة إلذاعته ً لدرجاته ويسكنه عليين»... بألم ووجع مع ثم تقطعك اللهفة للمتابعة ٍ وحدها تلك الكلمات التي صــدرت عن مأساة وفاة ابنه طالل ،بعد معاناة طويلة وداع ومؤيد ٍ ٍ ناف غريبة التّسلسل مع المرض ،ليقف هناك أسرته هزّت اإلعالمي بين ٍ متأثرًا بعبارات تبكي وأنت تقرأها. وباك عليه ،ليس تمردًا على الموت، ومتألم ٍ ٍ ثم يعود بك سريعًا الى أهم مراحل العمر بــل خــو ًفــا مــن تصديق الخبر فــي لحظة التي كانت مع التّوثيق والتّأليف ،علمًا أنّه يتمسك بها اإلنسان بتراثه وأصالته ،وهذا كتب بعد بلوغه األربعين جُ ّل إنتاجه ،فكان الرجل أصالة التاريخ اإلعالمي السعودي. * أكاديمية وناقدة من األردن.
34
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
■ نواف الراشد*
عرفت الدكتور عبدالرحمن الشبيلي ،منذ كنت طالب ًا بكلية اللغة العربية بجامعة اإلمام بالرياض ،وكان رائــد ًا من رواد اإلعــام ،وخصوص ًا اإلذاعــة والتلفزيون ،وكان رحمه اهلل من خريجي الجامعة نفسها التي أدرس فيها؛ ولذا كنت أعده أنموذج ًا يمكن أن يحتذى به ،وكان أحد طموحاتي آِنذاك أن أكون مذيع ًا باإلذاعة والتلفزيون ،وشغل هو مدير عام التلفزيون ثم وكي ًال لــوزارة اإلعــام .كانت سيرته رائعة صافية نقية كما كان طيلة أيام عمره الحقاً، فلم يتغير ولم يتقلب ..بل ثبت على سيرته الطيبة ومبادئه التي يؤمن بها محب ًا لوطنه أينما عمل .بعد ذلك ،عمل في المجلس األعلى للجامعات ،ورئيس ًا لمجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة ،وعضو ًا في المجلس األعلى لإلعالم ،وحسب علمي أنه يتقن العربية واإلنجليزية والفرنسية. ولعل من أهم فترات حياته عمل ُه عضواً في مجلس الشورى ،لمدة اثني عشر عاماً ،في فترة كان المجلس بحاجة إلى الرجال األقوياء واألمناء الــذيــن يبنون القواعد واألســاســات لمجلس في منتهى األهمية ،ويمس الوطن والمواطن .وقد ألف مع بعض زمالئه كتاباً مهماً عن تلك الفترة ،وكان ال في مركز األمير لي شــرف أن أعمل معه زمي ً عبدالرحمن السديري الثقافي ودار الجوف للعلوم، عضو للجمعية العمومية فيه ،ولمدة طويلة ،كما قرأت له العديد من الكتب والمؤلفات التي تجاوزت الخمسين كتاباً.
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
عبدالرحمن الشبيلي في ذمة اهلل
عبداهلل المعجب الشريف ،رئيس كتابة العدل بالرياض سابقاً ،وكان أبو طالل بجواري ..نتبادل الحديث لمدة ساعة ونيّف ،سمعت فيها كثيراً من اآلراء وعــامــات التعجب حــول عــدد من األمــور الثقافية واالجتماعية.
وخالصة القول ،إنه -رحمه اهلل -كان صاحب راق رصــيــن ،لطيف المعشر، خلق رفــيــع ،وقلم ٍ عفيف القلم واللسان ،جــاداً في حياته وكتبه، وال يخلو محياه من االبتسامة الصادقة ،ورغم هــدوئــه وصمته كــان حــاضــراً بالكلمة والكتاب والبحث واإلنجازات ،وقد حصل على وسام الملك حضرت له العديد من المحاضرات والندوات عبدالعزيز من الدرجة األولى ،وهو بال أدنى شك فــي الــجــوف والــغــاط وال ــري ــاض ،وســعــدت بلقاء يستحقه. خــاص معه فــي ملتقى ومتحف ن ــواف الــراشــد رحــم اهلل الفقيد الــذي كتب سيرته في كتابه الثقافي بالجوف ،الــذي جعلته لخدمة المجتمع واألدب والثقافة والــتــراث ،كما رافقته في رحلة "مشيناها" ،وصــدق د .عبدالواحد الحميد ،حين بريه من الرياض إلى الغاط ذهاباً وإياباً برفقه كتب مشيناها ..سطراً سطراً .يقصد قراءة السيرة بعض الفضالء والمثقفين ،لحضور منتدى األمير بتمعّن ودِ قــة ،وهــا أنــا ذا أنصح الشباب المثقف عبدالرحمن السديري السنوي ،الــذي يقام سنة بقراءة تلك السيرة الطيبة العطرة واالستفادة منها. بالغاط وأخرى بالجوف. رحم اهلل الفقيد رحمة واسعة ،وأسكنه فسيح كما حضرت وإياه ملتقى سنوياً يقيمه الشيخ جناته.
* الجوف. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
35
الشبيلي والشورى!
*
العساف** ■ أحمد بن عبداحملسن َّ
هل بدأت عالقة الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي بالشورى ،منذ تعيينه عضوً ا في أول دورة بعد تكوين المجلس الجديد عام 1414هـ؟ الجواب المتبادر للذهن مباشرة أن ال عالقة له بالشورى قبل ذلك! وهو الرّد المنطقي االبتدائي؛ ألنه ال صلة مع غائب! أما ما أعتقده ،فهو وجود عالقات قديمة بينهما ،ويستيقن قارئ سيرته التي مشيناها معه من ذلك بتأمل ما يلي: أول :ارتباطه بسوق المسوكَف فــي عنيزة السليم. ً وهــو منتدى أهــل البلدة ،فيه األمير والقاضي والملمح الثاني ،أن الرج َل وقّافٌ عند حدود والتاجر والحرفي والفنان والمتسوق والمسافر ما يعلم؛ ولذلك ،طلب من أصحاب االختصاص والمستخبر والمخبر ،ومــن الطبيعي أن ينجم مساندته .وثــالــث ملمح ،هــو بُــعــده عــن الجدل عن اجتماع هؤالء نقاش واختالف وتداول آراء ،والمماحكة في إدارة الــحــوارات ..فالغاية نفع والطفل ث ّم الفتى يسمع ويرى ويتعلم. المجتمع .ورابعها ،أنه ليس إقليميًا وال فئويًا.
وتكرّرت التجربة نفسها بعد أن انتقل للدراسة وهــذه خصال أســاس ،ظهرت بــارزة في سجايا في العاصمة الرياض ،وسكن في قيصرية يغدو الشبيلي ،عضو الشورى الحقًا. ويروح إليها كبار التجار ،ولمجتمع رجال األعمال ثالثًا :مارس الكتابة في المجاالت التي له فيها تأثير يتجاوز االقتصاد ،وأحاديثهم ال تبدأ من خبرة ومعرفة وفي الشأن العام ،وهذا المسلك المال وال تنتهي عنده؛ ومن ثَمَّ ،فهي خبرة مبكرة يتقاطع مع عمل الشورى ،القائم على إبداء الرأي في مستهل عمره. وإس ــداء النصح والــدفــاع عن المصالح العامة ثانيًا :عندما دخل إلى المجال اإلعالمي عبر والعليا. اإلذاعة والتلفزيون سبق إلى برامج حوارية غير راب ـ ًعــا :بنى خــال مسيرته الوظيفية قبل معهودة ،جعلت الناس يشاهدون المسؤول وهو الشورى عالقات تقرب أو تبعد مع خمسة ملوك يُجادل ،والوزير حين يُناقش ،فكان صنيعه ً عمل وعديد من األمــراء وال ــوزراء الذين زاملهم ،أو من أعمال الشورى ،ورأى المواطنون خلف شاشته جاورهم ،أو ربطته بهم وشائج قربى؛ ومن ثَمَّ، ملوكًا وأمراء ووزراء ومسؤولين كباراً. وعى المنهج المتبع في الحكم واإلدارة ،وأدرك وفــي هــذه البرامج مالمح مهمة لشخصية دقائق المزاج الرسمي ،فانضبط لديه وبه اإليقاع الشبيلي الشورية؛ أولها ،أنه تشاركي بعيد عن فما وقع وال أوقع!
36
االستئثار ،إذ استعان بآخرين تقديمًا أو إعدادًا، خامسً ا :أوقفه عمله في اإلعالم على سؤال وغــدا بعضهم وزيــرًا مثل أصحاب المعالي د .حرِ ج يتأرجح بين االرتقاء بالمجتمع أو التبعية له، عبداهلل العمران ،د .غازي القصيبي ،د .سليمان فصنع من الفجوة بينهما منبعًا لعمل جديد مفيد.
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
سادسً ا :دُعي صاحبنا من مسؤول كبير وسأله المجلس من خبرته ُ دون إبهام أو إيهام؛ كما أفاد إلدارة أول لقاء مفتوح بين األعضاء والموظفين عمّا نمي إليه من تقليله من شرف اللقاء بالملك!
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
أما مسيرته في التعليم العالي فكشفت له مع رئيسهم الجديد معالي الشيخ د .صالح بن مجتمع النخب الفكرية وبيئة الطالب ،ث ّم ولج حميد. إلى عالم التوثيق فرأى تاريخ البالد وعراقتها، ثانيًا :اتكا ًء على المهارة الكتابية للشبيلي ،أوكل ليتسلّح بهذه المكونات تحت القبة مازجً ا بين إليه تحرير مخرجات دراســة مقاومة اإلرهــاب، مطالب المجتمع ،ورؤى النخب ،ولوازم التاريخ، وهــي مــن اجــتــهــادات المجلس الثمينة؛ وكتب وصنعت منه هذه المحطات الثالث عضو شورى مقال لتفنيد رأي بترتيب مع معالي الشيخ الجبير ً رفيع الطراز. أحد الكتّاب عن المجلس بُعيد انعقاده ،ونشر سادسً ا :من الطريف الذي ليس سرًا أن معالي مقالته باسم قلمي هو فيصل المبارك ..فابتسم قائل :ومــا يدريك أن الشيخ فيصل الشيخ إبراهيم العنقري أبلغه باختياره عضوًا ابــن جبير ً في المجلس وأوص ــاه بكتم األمــر إلــى أن يُعلن المبارك هو أحد أعضاء المجلس القديم! كالمعتاد ،وفي جلسة باريسية ضمت صاحبنا ثالثًا :استثمر د .عبدالرحمن الشبيلي رئاسته مع معالي الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل وصديق للجنة التعليم ..فاستضاف عددًا من األكاديميات ثالث لم يسمّه ..وألنه لم يصبر أخبرهما باتصال والموظفات لسماع رأيهن عن تقاعد المرأة ،في العنقري به ،فما كان من "أبا الخيل" إال أن أشعر صاحبيه بأمره ،وهكذا فعل الشبيلي ،والشيء تجربةٍ هي األولــى خــال تاريخ المجلس فيما بالشيء يــذكــر ..فألبي طــال كتاب عــن سيرة أعلم ،وبعدها توالت مشاركات المرأة فيه ،وكان العنقري يكاد فيما أعلم أن يكون المصدر الوحيد انتقاؤه للمشاركات بريئًا من التحيّز ،متنائيًا عن المستقل عن هذا الرجل الذي أبلغ جميع أو ج ّل اإلقصاء ،حصيفًا مستندًا لخبراتهن الوظيفية، وثقافتهن المتنوعة ،وطريقة نظرتهن لألمور من أعضاء أول دورة للمجلس الجديد بترشيحهم. زوايا غير مكررة. سابعًا :من الموافقات اللطيفة أن أول مرسلة راب ـ ًعــا :كــان إ ّب ــان عضويته كثير الثناء على إذاعــيــة وضــعــت فــي الــريــاض بجهود الــراحــل، وثبتت فــوق منطقة مرتفعة بُــنــي عليها مقر مداخالت زمالئه الجميلة ،قريبًا ممن استعان به مجلس الــشــورى الــحــالــي! كما سجل الشبيلي منهم ،ومرجعية مأمونة لمن أراد ،يقتبسون من وقائع انتخابات المجلس البلدي في الرياض عام هديه و ُهــداه؛ وفوق ذلك كان موضع االستشارة الخاصة من قبل الشيخ الرئيس ابن جبير في (1384هـ) وأرسلها لـ جدة كي تذاع منها. مواقف حفظتها سيرته المنشورة قبل رحيله أما خالل عمله في المجلس ،فقد كان الشبيلي بشهور. قريبًا أثيرًا من رئيسه وأكثر زمالئه ،وأستطيع خامسً ا :يُحسب للشبيلي أنــه سجّ ل اللقاء رصد هذه المواقف: الوحيد مع الشيخ محمد بن جبير ،وفيه يتحدث أول :أُســنــدت إلــيــه صياغة كلمات رئيس ً عن حياته األسرية والعائلية والعلمية والعملية، المجلس ومكاتباته؛ ألن الرجل امتاز بسالسة األلفاظ ،ووضــوح المعاني ،واختصار العبارات وصدرت الحلقتان فيما بعد بكتاب طبع مرتين.
37
فــقــال الشبيلي :لــم أقــل ذل ــك ،والــقــصــة وقعت لزميل تحاور مع الرئيس بشأن هذا اللقاء ،ولم تكن الرواية دقيقة في النقل وال صائبة في الفهم والتسجيالت تثبت ذلك! وهذا التصرف الرشيد من الشبيلي غير مستغرب ..إذ قــال الحقيقة كما وقعت ودافع عن زميله الغائب ،ولم يستثمر الفرصة لــإســاءة لــه ،أو يتخذه درعً ــا يتقي به غضب المسؤول ،علمًا أن العضو المعني صار ثالثًا :كان الشبيلي ناصحً ا أمينًا لمن سُ مّي وزيرًا فيما بعد. عضوًا في الشورى بعده ،وأذكر أني قرأت شيئًا ينس أعضاءُ الشورى وموظفوه السلة مــن هــذا بقلم األســتــاذ األدي ــب حمد العبداهلل سابعًا :لن َ األنيقة التي يحضرها مليئة بالتمر الفاخر لتكون القاضي ،إذ بادر الشبيلي لتهنئته وتقديم خالصة مع القهوة في االستراحة بين جلسات المجلس .تجربته ،كما حرص على خدمة أعضاء الشورى.. فحين أه ــداه أحــد المؤلفين كتابه عــن تجربة وبعد انتهاء عضويته عقب اثني عشر عامًا المجلس بعد ربع قرن ،سأله :وأين النسخ الخاصة أمضاها في رحــاب جامعة المجلس ،كانت له باألعضاء الباقين في أحدية الشورى؟ أعمال متعلقة بالشورى ،منها: رابعًا :ترجم الشبيلي لعدد من الشخصيات ً أول :مــشــاركــتــه مــع سبعة أعــضــاء آخــريــن الشورية ترجمة طويلة أو مختصرة ،وبعضهم قضوا الفترة ذاتها في نشر تجربتهم الشورية ال يوجد عنه شــيء مطبوع فيما أعلم ســوى ما من خــال سبعة محاور ،حتى ال يخفت حضور سطره صاحبنا ،ويحضرني منهم معالي الشيخ المجلس في المجتمع ،وأفصحوا بصدق ونصح عبدالرحمن أبا الخيل ،ومعالي د .رضا عبيد، عــن آرائــهــم؛ وأع ــاد صاحبنا تحرير مــا كتبوه ومعالي الشيخ حمود الفايز ،وســعــادة األستاذ ـض زمــاءه على تدوين وصياغته ..ث ـ ّم صــدر الكتاب بأكثر من طبعة ،عمران العمران ،كما حـ َّ وخلصت آراء األعضاء الثمانية إلى أربــع نقاط سيرهم الذاتية ،ونشر منتجاتهم األدبية والفكرية، جوهرية هي :مدى إلزامية رأي الشورى ،وطريقة وربما راجع بعضها ،أو كتب تقديمًا لها. اختيار األعضاء بين االنتخاب والتعيين ،ومراجعة خامسً ا :استضاف الشبيلي في بيته أحدية الموازنة والميزانية ،وأخيرًا مشاركة المرأة بنسبة الشورى ،وشارك في مجموعات شورية أضحت الخُ مس ،وهو الذي تحقق من هذه المقترحات نواديَ خبرة تنفع البلد في الشأن الشوري وغيره. المهمة ،وليس الربع بكثير. ســادسً ــا :شــارك الشبيلي فــي رحلة أعضاء ثانيًا :ألقى الشبيلي عــددًا من المحاضرات الشورى السنوية لمدة عشرين عامًا منها ست والكلمات عن تاريخ الشورى ،وحول تجربته في مرات وهو ما يزال عضوًا ،وغدت داره منطلقًا المجلس ،مع تعريف برئيسه األول ،كما ألقى للشورحالة ،مع أنه لم يعلم عن أول رحلة ّإل قبل كلمة األعضاء المنتهية عضويتهم ،وكلمة في حفل ساعات من انطالقتها ،ومن أسف أن تخلو رحلة تكريم خاص له. هذا العام منه ،واهلل يسعده في ضريحه ،ويسعد وأهــتــبـ ُل هــذه الــفــرصــة مقترِ حً ا على مركز عبدالرحمن السديري الذي تفرّد بالتركيز على الشبيلي شوريًا أن يجمع ما سطّ ره راحلنا عن الشورى مع مقدمته لسيرة ابن جبير ،ومقدمته لــتــجــارب األعــضــاء الــثــمــانــيــة ،إضــافــة لكلمات أصحاب المعالي والسعادة في هذه الندوة ،وفي ذلك حفظ لتاريخ الكيان واإلنسان والتجربة.
38
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
بعض مؤلفات د .الشبيلي رحمه اهلل تعالى
رفاقه في حلهم وترحالهم ،علمًا أن حكايات هؤالء الرحالة ما عُرفت ّإل بعد أن نَش َر سيرته. سابعًا :أظهر الشبيلي عراقة مؤسسة الشورى وسم َو أعضائها من خالل موقفين هما باختصار: االحتفاء به حيًا من قبل صحبة الشورى أكثر من أيّ بيئة عمل سابقة ،وتفاعلهم المهيب مع رحيله شعرًا ونثرًا ،فال تكاد تخلو منهم مجالس التأبين والرثاء. هــذه مالمح تعدادها واحــد وعــشــرون ،تماثل
عدد طلقات المدفعية الترحيبية بكبار الزعماء، وهي ليست بكثيرة تجاه رجل دولة ،عاش شغوفًا بالخدمة العامة حتى صار قدوة فيها ،ث ّم تشابه مصابه ومماته مع االستفتاء الشعبي الصادق والنزيه حول أحد النماذج المجتمعية المتوازنة المقبولة والــمــحــبــوبــة الــتــي تــصــف الشخصية الوطنية ،خاصة بعد أن بسط سيرته للناس شفافة يمشون في مناكبها ،وهل االستفتاء ّإل أداة شورية؟ وهل الشفافية ّإل نتيجة تستلزمها الشورى؟
* نص كلمة ألقيت يوم الخميس 25صفر 1441هـ= 24أكتوبر 2019م في دار الرحمانية بالغاط التابعة لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،في ندوة عنوانها" :التجربة الشورية لعبدالرحمن الشبيلي ذكريات أيضا أصحاب المعالي والسعادة :أ .محمد الشريف ،أ .د .فالح الفالح ،د .عائض ومواقف" ،تحدث فيها ً الردادي ،وأدارها د .علي الخضيري. ** باحث وكاتب من السعودية.
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
39
الدكتور عبدالرحمن الشبيلي
زيارة واحدة ..أم اثنتان؟
■ محمد علي حسن اجلفري*
زارنــا مرتين ،وزرنــاه مرتين إحداهما بعد وفاته .المرة األولــى التي زارنــا فيها الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي كانت في مركز معلومات عكاظ قبل أكثر من اثني عش َر عــامـاً .كــان الشبيلي مــلء السمع والبصر ،فقد كــان عضوا فــي المجلس األعـلــى لإلعالم برئاسة األمير نايف بن عبدالعزيز ،وزير الداخلية ،والعديد من رجاالت اإلعالم .وكانت له مناصب عليا في التلفزيون السعودي وفي جامعة الملك سعود بالرياض.
40
في المرة الثانية شرفني بزيارة في منزلي .الرياض.. وأهداني نحو عشرة من كتبه .وشدني في إهدائه انفرد رحمه اهلل بالسير التاريخية .لقد كانت أ ّن خطه جميل جــدا .وددت لو أنــي سألته مَن بصمة حياته في حياته .فقد سجل في برنامج علَّمه هذا اإلبداع في خط الرقعة .وقد فات وقت "مؤتمر صحفي" لقاء مع الملك فهد بعد تعيينه السؤال كما فات وقت الجواب .قال لي خالل نائبا ثانيا لرئيس مجلس ال ــوزراء إضافة إلى زيارته هذه إن أحد أجداده كان فقيهاً ،وقد راوده منصبه وزيراً للداخلية. الحاكم في القصيم على تولي القضاء فأبى ،وقال ومثل ذلك لقاء مع الملك سلمان الذي كان أمير تريدون أن تضعوا الشبيل (القيد) في يدي أمام اهلل يوم القيامة؟ ال أقبل .فلذلك سمي الشبيلي .الرياض وقتذاك وفي شبابه ،ويبدو لي -واهلل وبقي هذا االسم في ذريته من بعده رحمه اهلل .أعلم -أنه غير االسم من "مؤتمر صحفي" إلى "شريط الذكريات" ،وقام التلفزيون السعودي ببث ولما كانت زيــارتــه حوالي التاسعة صباحا ،هذه المقابالت الرائعة الموثقة لسنوات مهمة من فقد احترس بقوله إنــه ال يفطر إال على كأس تاريخ المملكة العربية السعودية المعاصر .وفيها من الحليب وتفاحة واحــدة .لكني حرصت على تسجيالت مع رجال عصرنا منهم األمير فهد بن تــقــديــم طــبــق الشكشوكة (بــيــض بالطماطم) ،محمد بن عبدالرحمن ،واألمير عبداهلل الفيصل، إضافة إلى وجبته من التفاح والحليب .وقال لي واألمير سعود بن هذلول أمير القصيم من عام وألخي مرتضى الذي حضر الزيارة إنه يرى أن 1389-1378ه ـــ وحمد الجاسر ،وأحمد قنديل االقتصار على التفاح في الصباح مع كأس من الشاعر الحجازي الظريف ،وأحمد محمد صالح الحليب يحفظ الجسم صحيحا سليما .أو نحو باعشن ،رجل األعمال الشهير بمدينة جدة .ومع هذه العبارة .لم يكن يدري رحمه اهلل أنه مقدور الــشــاعــر طــاهــر زمــخــشــري ،صــاحــب القصيدة على الجسم أن يهوي حسب رواية بعض الصحف الشهيرة: من شرفة شقته من الدور الثاني من عمارة في باريس في 30يوليو 2019م ،وأن يأتيه األجل بعد أه ـ ـ ـيـ ـ ــم ب ـ ـ ــروح ـ ـ ــي عـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ــراب ـ ـيـ ــة وع ـ ـن ـ ــد الـ ـ ـمـ ـ ـط ـ ــاف ف ـ ــي الـ ـم ــروتـ ـي ــن ساعات من سقوطه .ثم لما مات كنت في غاية القلق؛ ألني لن أتمكن من حضور العزاء فيه في كما أجرى مقابلة شريط الذكريات مع األمير العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
مساعد بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وزير المالية في عهد الملك فيصل ،وعبد اهلل بلخير المسؤول اإلعالمي في عهد الملك سعود ،وخالد الــفــرج الشاعر الكويتي .وذ ّك ـرَنــا ببيت الشعر الحكيم لخالد الفرج الذي قال فيه رحمه اهلل:
مـ ـ ـ ـ ــن ُحـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـق ـ ـ ــت ل ـ ـح ـ ـي ـ ــة ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارٍ ل ــه فـ ـلـ ـيـ ـسـ ـك ــب ال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــاء عـ ـ ـل ـ ــى ل ـح ـي ـت ــه وأخـ ــرج ســيــر علية الــقــوم فــي كــتــب لطيفة الحجم ،ومنها سيرة األستاذ إبراهيم العنقري، وزير اإلعالم األسبق ،والشيخ حمد الجاسر. وفي محاضرة عن الشيخ عبداهلل بلخير قال الدكتور الشبيلي: "وال يغيب عن الذهن أن عبداهلل بلخير الذي بدأ نجمه في الظهور في العقد األخير من عهد الملك عبدالعزيز في مجال الترجمة ،واستماع األنباء ،ومتابعة ما ينشر ضمن قائمة راصدي األخــبــار والــمــتــرجــمــيــن ،وم ــن خ ــال االقــتــراب تدريجيا من ولي العهد األمير سعود ،قد أصبح بــا مــنــازع رجــل اإلع ــام األول للملك سعود، وكــان الناطق باسمه أحيانا ،وربما عقد بعض المؤتمرات الصحفيــــة عندما كان مرافقا له في رحالته الخارجية ".
الملك سلمان مكرما الشبيلي رحمه اهلل
مع كثير من القناعات التقليدية السائدة .فنجح في بعض مغامراته فيها .ولعل في مقدمة أمثلة ذل ــك رف ــع حــاجــب الــســريــة عــن أخــبــار مجلس الـ ــوزراء ،ســاعــده فــي ذلــك خفة روحــه وطــاوة حديثه وجسارته في االقتراب من مجلس الملك وديوانه ،وهو أي االقتراب ميزة لم يحظ بها سوى عبداهلل بلخير في عهد الملك سعود ،الذي كان يقسم وقته بين عمله فــي الــديــوان وعمله في اإلعالم".
وقبل ســنــوات كنت فــي الــريــاض ،ولما علم وقد جمع في أسلوبه بين المعلومة والتحليل الدكتور أبو طالل بوجودي طلب مني زيارته في الــمــحــايــد حــتــى ال أقـ ــول ال ــج ــاف ف ــي تــنــاولــه منزله .وتوجهت مع أخي أحمد إلى لزيارة أبي للشخصيات .وقد هاتفته عندما كتب عن الدكتور طالل في منزله. محمد عبده يماني بعد وفاته .وكأنه لمس مني وقد حزنت عليه وشعرت بقلق بالغ أني لن عدم الرضا عن المقال ،وهو الذي عايش الرجل وعــاصــره فــي فترة تــوزيــره .فقال لــي أنتم في أتمكن من العزاء شخصيا فيه .فطلبت من أخي أحمد أن يذهب للعزاء .فكانت زيارة بعد مماته الحجاز تتناولون األمور من جانب عاطفي! رحــمــه اهلل وليست بكافية .لكني سأعوضها وهذه فقرة مما كتبه د .الشبيلي: بالدعاء له وقراءة الفاتحة على روحه رحمه اهلل. "خرج الدكتور يماني عن المألوف في إدارته واعتقد أن القرآن بنية وصول ثوابه إلى المتوفى للعمل اإلعالمي ،ومارس (الشطارة) في التعامل يصل إليه ..يصل إليه مهما شكك متشككون. * مترجم ونائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ سابقاً. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
41
تخرج من كليتين في وقت واحد الشبيلي .. ّ وكتب سيرته بلغة الغائب ■ محمد بن عبدالرزاق القشعمي*
عرفته من خالل شاشة التلفزيون ،عند بدايات بثه من الرياض ،وانقطع النتقاله فيما بعد من وزارة اإلعــام إلــى وزارة التعليم العالي ،وبــدأ يكتب في الصحافة ،ولكن عالقتي الحقيقية بدأت معه منذ عرفت طريقي إلى خميسية الشيخ حمد الجاسر بالرياض قبل عقدين من الــزمــن؛ فتوثقت عالقتي بــه ،فوجدت فيه من محاسن األخــاق واللطف في التعامل واحترام اآلخرين ،وتباسطه في الحديث ،وتواضعه الجمّ ،وحبِّه للخير ،ومبادراته االجتماعية واإلنسانية ،ما حبّبه للكثيرين؛ فلم أجد أو أسمع يوم ًا مَن ينتقده أو يقلل من بحب الجميع وتقديرهم ،بال استثناء. قيمته ،فهو يحظى ِّ عرضت عليه فكرة تسجيل التاريخ الشفهي الذي تقوم به مكتبة الملك فهد الوطنية فأشاد بالفكرة فدعوته للمشاركة فلبّى الــدعــوة.. وعلى مــدى ثــاث جلسات سجلت معه تسع ساعات في أيام 1425/3/12-3/9-3/2ه ـــ. واســتــعــرض المحطات المهمة فــي حياته، فبهرني بمعلومات دقيقة ومرتّبة ،فطلبت منه تدوينها ليستفيد منها الجميع فتمنّع ،وقال إنــه لم يفكر بهذا فهو مشغول بالكتابة عن الرجال األوائل الذين بدؤوا المجال اإلعالمي المبكر بالمملكة ،وبخاصة مَن كان لهم دور في تأسيس المملكة.
ما يستحق الكتابة ،وأنــه يتحفظ عن البوح ببعض الموضوعات الحسّ اسة ،وقد تكررت دعـــوات األصــدقــاء الــذيــن قــالــوا لــه :اكتبها واتركها للزمن ،فكتبها بلغة الغائب (صاحبنا) أو (الفتى).
قــال إنــه لــم يلج عــالــم الكتابة قبل عام 1412هـ ـــ1992/م؛ إذ إنه لم يعترف ببداياته معها ،والتي َذ ّكــرتُــه بها في جريدتي (أخبار ال ــظ ــه ــران) عـ ــام 1376هـــــــ والــيــمــامــة في 1380/5/10هـ بعنوان( :مقابر عنيزة) - ،وهو ما يزال طالباً -بكتابي (بداياتهم مع الكتابة)، وقال إنه بدأ يهتم بالتوثيق «فوجد به عالماً ـصـدَف أن يكون كتابه (مشيناها) شائقاً من ناحية ،وسياحة تسد فــراغـاً في ومــن الـ ُ هو آخر ما صدر له قبيل وفاته -رحمه اهلل -المشهد الثقافي من ناحية أخرى». بأشهر. ولكنه مــع ذلــك «ب ــدأ فــي مطلع رمضان
42
يقول في مقدمة (مشيناها ..حكايات ذات) 1438ه ـــ يونية 2017م بتدوين سطور هذه إنه تردد كثيراً قبل أن يكتب ترجم ًة لحياته ،الحكايات واختتمها في نحو عام ونصف العام رغم دعوات الكثيرين له ،بدعوى أن ليس لديه مع اهتمامه بتعزيز المعلومة بالوثائق ،إال إنه العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
فض َل الخروج بهذه الحكايات عن طابع الجفاف َّ العلميّ والهوامش الصارفة للنظر ،فآثر إضفاء السالسة والعفوية على مقروئيتها ،وكان يتمنّى أن تخرج فــي شكل روايـــة ،لكنه يفتقر إلى العناصر واألدوات الفنية لكتابتها.».. فاستقر رأيه على تسميتها (حكايات ذات)، مستعرضاً أبرز ما مر به في محطات حياته الخمس (الدراسة 15عاماً ،اإلعالم 14عاماً، التعليم العالي 17عاماً ،مجلس الشورى 12 عاماً ،النشاط الثقافي االجتماعي 12عاماً حتى تاريخه). وقال إنه يؤمن بالحكمة القائلة( :ما خاب من استشار)؛ ولهذا فقد طلب مشورةَ من يركَن إلى رأيهم ،و َذ َك ـ َر أسماءهم وشكرهم على ما أضفوه على المحتوى. ولــد في 1363/10/7ه ـ ـــ1944/9/23 ،م
تزوج والده صالح بن عبداهلل الشبيلي من والدته فاطمة عام 1345هـ 1926م والتي يقول إنها تروي نتفاً مما تذكره عن ديرتها (إسطنبول) والقطار الــذي أقلها وقت الحرب األولــى مع خالها ،وتتذكر المرور بالقريات ..وقال إنها نسيت مفردات لغتها األصل .وقال« :لم يوثق أحد من الباحثين الظروف التي أتت بأمثال هؤالء النسوة من بالدهن ،حتى تحوّل بعضهن قسراً في مجتمعاتهن الجديدة إلى جوارٍ يُتاجر بهن ،مع أنهن في األســاس أحــرار مختطفات أو سبايا ح ــروب ،واألحــســن حظاً فيهن من لقين االحترام وأصبحن زوجات معززات ،لكن أغلبهن انفصمن كلياً عن بيئتهن األصل ،وصار يطلق عليهن نعوتاً تعميمية مثل :تركيات أو أرمنيات أو شركسيات ،أو كرجيات ،»..وقال إن والدته «أندمجت بمقدرة عجيبة في المجتمع الجديد بلكنته القصيمية وعاداته ..وأجادت األكالت والحلويات الشعبية ...مع أنها كانت في األصــل نازحة من تركيا في إثــر الحرب العالمية األولــى أو حــرب األت ــراك واألرمــن، وقدِ مت إلى الجزيرة العربية مع عدد من بنات جنسها ..لم يكن لدى بعضهن من المعلومات العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
1944-2019
بمنزل طيني صغير بسوق (المعثم) في مدينة عنيزة ،وكان منذ صغره يجالس والده ويساعده في دكانه المتواضع في سوق المسوكف لبيع التمر والحبوب بالتجزئة ،وكان (صاحبنا) حتى تجاوز الخامسة عشرة يساعد والده في غير وقت الدراسة ،فيتواصل مع الزبائن ،ويحرس البسطة وقت غياب الوالد للقيلولة أو لصالة الظهر ،وقد جرّب البيع بدكان صغير مجاور لوالده ولكنه فشل وقفله.
43
ما يكفي لالستدالل على أسرهن بسبب صغر الدراسات العليا ،وقبلها أوفد لتغطية مؤتمر الــســن ،»..وقــال إن أشــقــاءه الثمانية يتمنون القمة العربي الثاني باإلسكندرية ثم مؤتمر الحصول من ذاكرة الوالدة على طرف الخيط عدم االنحياز في القاهرة عام 1964م. الموصل إلى أخوالهم وخاالتهم من أهلها ..ولم وقال إن التلفزيون بدأ البث مدة ساعة بين يفلحوا. صالتي المغرب والعشاء من الرياض وجدة في دخل المدرسة العزيزية في الخامسة من عمره مرافقاً لشقيقه عبداهلل الــذي يكبره بسنة ،قــال عــن نفسه( :لــم يكن كاتب هذه الحكايات نابهاً وال متوقد الذهن ،وال متميزًا فــي دراســتــه ،لكنه كمعظم لــداتــه منضبط المواعيد مثابر وخجول ومسالم ،وكان لصغر سنه محدود الصداقات يغلب عليه االنزواء».. ص.75 بعد إكماله الثانوية بالمعهد العلمي بعنيزة وهــو فــي الــســادســة عــشــرة مــن عــمــره انتقل للعاصمة الــريــاض لــلــدراســة فــي كلية اللغة العربية عام 1379هـ ،وتعلم في دورات مسائية اللغة اإلنجليزية ،ما ساعده على نيل شهادة الثانوية العامة لنظام وزارة المعارف وهدفه الــوصــول إلــى الــجــامــعــة ،وأصــبــح يجمع في دراسته بين كلية اللغة العربية والجامعة ،فكان يخرج من الكلية ليلحق بالدرسين األخيرين من كلية اآلداب ،وهكذا بالنسبة لالمتحانات ،تخرج عام 1383هـ 1963م في كلية اللغة العربية وفي العام التالي من جامعة الملك سعود..
44
1385/3/19هـ1965/7/17/م ،ثم بدأ إحداث برامج جديدة ،و ُمدّد وقت البث تدريجياً ،وقال إن المرأة بدأت المشاركة بصوتها «وفي صيف عام 1394هـ 1974 -م كانت هدى عبدالمحسن الرشيد المذيعة في إذاعة جدة ثم في إذاعة لندن ،في زيارة للرياض وقدَّ مت نشرة األخبار على التلفزيون هي األولى في تاريخه ،ولم يكن لها ردة فعل تذكر» ص ،133وأول أغنية سعودية نسائية على التلفزيون للمطربة المعروفة عتاب من إخراج سعد الفريح عام 1396هـ ،وقد كان صاحبنا مديراً عاماً للتلفزيون من عام 1966م حتى ابتعاثه عام 1967م لشهادة الماجستير في اإلعالم من جامعة كانساس بأمريكا عام 1388هـ 1968م ثم الدكتوراه في اإلعالم من جامعة واليــة أوهايو 1391هـ ـــ1971/م انتهى عمله باإلعالم عام 1397هـ1977/م بعد أربعة عشر عــامـاً قضاها فــي العمل اإلعــامــي.. وكــان إلــى جــوار والــدتــه بــالــريــاض بعد وفــاة والده عام 1392هـ والتي توفيت بالمستشفى التخصصي بــالــريــاض فــي 1401/2/12هــــــ 1980/12/19/م ،بعد مرور تسع سنوات على وفاة والده .وكان قد تزوج قبل بعثته للماجستير من زكية بنت عبداهلل أبا الخيل ،رزق منها ابنه الوحيد طالل وابنتاه رشا وشادن.
رشح (صاحبنا) من قبل كلية اللغة العربية لاللتحاق بوزارة اإلعالم الجديدة التي أنشئت عام 1382هـ فعمل باإلذاعة بجدة وانتقل معها للرياض بعد أشهر ،وبعد ثماني سنوات وصل انتقل عام 1397هـ 1977/م لوزارة التعليم إلى وظيفة قيادية فاختار تخصص اإلعالم في العالي .وكان قبل ذلك محاضراً بقسم اإلعالم العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي مع صاحب السمو الملكي األمير وليد بن بدر بن سعود و سبطه األمير بدر بن وليد بن بدر بن سعود وسبطه فيصل بن رائد البراهيم و حفيده عبدالرحمن بن طالل الشبيلي
بجامعة الملك سعود من عام 1392هـ1972/م، فــبــدأ رحــلــة الــتــألــيــف بــكــتــاب (اإلع ـ ــام في المملكة العربية السعودية دراس ــة وصفية توثيقية تحليلية) ،أصدر عام 1420هـ2000/م أحــد الكتب المرجعية في القسم .وكــان في ال لوزارة التعليم العالي وأميناً عاماً عمله وكي ً للمجلس األعلى للجامعات.
1981/م حتى إلغائه عــام 1424هـ ـــ2003/م عضوية مجلس الشورى لثالث دوراته األولى. عضويته لمجلس أمــنــاء الشركة السعودية لألبحاث والنشر .ومدير عام مؤسسة الجزيرة الصحفية .وعضوية اللجنة العلمية لمركز حمد الجاسر الثقافي ،وعضوية مجلس إدارة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ،وغيرها.
لقد رحل -رحمه اهلل -يوم الثالثاء 27ذي القعدة 1440هـ الموافق 30من يوليو 2019م بمدينة الرياض ،بعد نقله باإلخالء الطبي من باريس إثر إصابته بإغماءة ،وقد ترك لنا كثيرًا من األعمال الثقافية اإلعالمية.
انتقل لعضوية مجلس الشورى في دورته األولى عام 1414هـ 1994/بعد أن أمضى سبع عشرة سنة في وزارة التعليم العالي التي قال عنها« :بعد أن اكتسبت خبرة ثرية في أنظمة الجامعات ولوائحها ،وقطف صداقات عزيزة مع عدد من أعضاء هيئة التدريس في مختلف وت ــرج ــم ل ــه ف ــي مــوســوعــة الــشــخــصــيــات الجامعات السبع». السعودية ،مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر. وشــارك في كثير من اللجان والمؤتمرات ط ،2ج .1قالت:
الخاصة باإلعالم والتعليم العالي ومن أهمها: ولــد عــام 1363هــــ 1943م بعنيزة ،تلقى المجلس األعــلــى لــإعــام مــن عــام 1401هـــ تعليمه االبتدائي حتى الثانوي بها ،بكالوريوس العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
45
آداب قــســم لــغــة عــربــيــة مــن جــامــعــة اإلم ــام محمد بن سعود اإلسالمية 1383هـ1963 ،م. بكالوريوس آخر في اآلداب قسم الجغرافيا من جامعة الملك سعود بالرياض 1385هـــ ،نال الماجستير في اإلعــام من جامعة كانساس األمريكية 1389هـــ 1969 -م ،والدكتوراه في اإلعالم من جامعة أوهايو األمريكية 1391هـ 1971م .أسهم في تأسيس أول إذاعة بالرياض 1384هــــــ1964 ،م ،وأول محطة تلفزيون بالرياض في العام التاليُ ،عيِّن مديراً عاماً للتلفزيون 1397 -1391هـــــ ،عمل أســتــاذاً لإلعالم بجامعة الملك سعود 1403 -1393هـ، شغل منصب وكيل وزارة التعليم العالي ،وأمين ع ــام الــمــجــلــس األعــلــى لــلــجــامــعــات -1403 1414هـ ـــ ثــم تــقــاعــد .فعين عــضــواً بمجلس الشورى 1414هـ حتى 1426هـ ،عضو المجلس األعلى لإلعالم 1400هـ 1980م .شغل عضوية مجالس الجامعات السبع ،رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر - 1417 1421هـ ..إلخ. تــرجــم ل ــه ف ــي مــوســوعــة رواد اإلعـ ــام الــســعــودي ،جاسم الــيــاقــوت ،ط1431 ،1ه ـــ. أول سعودي يحصل على درجة الدكتوراه في اإلعالم ...أسهم في تطوير البرامج واالبتعاث والتدريب وإنشاء المحطات التلفزيونية على مستوى المملكة ،ثــم عمل أســتــاذاً لإلعالم بجامعة الملك سعود. كان رحمه اهلل محبوباً وودوداً لم أعرف ال له في حلمه وورعه وسعة صدره ،وتحمل مثي ً * كاتب من السعودية.
46
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
كــثــيــراً مــن الــمــآســي وال ــح ــوادث الشخصية والعامة ...بيته مفتوح للجميع ،حضرت مرات مع لقاءات ضحى أيام األحد في منزله بزمالئه أعضاء مجلس الــشــورى القدامى ،وسافرت معه إلى عنيزة وإلــى لبنان وقابلته بالقاهرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2019م حيث ُك ـرِّم في جناح المملكة بحضور رفيقة دربه أم طالل ،ورفض فكرة التكريم واستبدلها بإلقاء محاضرة عن أحــد مستشاري الملك عبدالعزيز الشيخ األزهري حافظ وهبة. كــان -رحــمــه اهلل -ال يحب األضـ ــواء وال المديح ،رفض إقامة ندوة لتكريمه في مركز حمد الجاسر الثقافي عام 1439هـ بعد منحه وسام الملك عبدالعزيز في الجنادرية ،وبعد إلــحــاح اقتنع ،وكــان قــد سبق أن رفــض فتح ملف عنه في ملحق الجزيرة الثقافي (المجلة الثقافية) ،رغم رجاء صديقه الدكتور إبراهيم التركي. آخر ما صدر له مذكراته (مشيناها) قبل أشهر ،يقول إنــه اعتنى بتصحيحها وتعديل طباعتها ألكثر من 14مرة؛ ولهذا ،نجده يشكر مسؤولي المطبعة لسعة صدورهم .قرأتها لم أجد بها أي نقد أو انتقاد أو ذكر أي شخص بسوء ،ولو بالهمز واللمز .كان حريصاً على القيام بــالــواجــب الــعــام والــخــاص مهما بعد المكان في حالة الفرح والترح ،وكثيراً ما يفتح بيته لتقبل العزاء في اآلخرين .ففيه تجتمع الصفات الحميدة -رحمه اهلل.
وص ـ ل صــاحــب «مـشـيـنــاهـا ..حـكــايــات ذات» إل ـى نـهــايـة رحـلـتــه ،ب ـصــورة فــاجــأت جمي ع مريديهوأصدقائهمنمختلفأطيافالمثقفينواإلعالميينوالكتّابوضيوفأحديته األسبوعية (زمالؤه من أعضا ء مجلس الشورى) ،األحدية التي ظلت عامرة بأحاديثهم، ومناقشاتهم ،ودعاباتهم في مجلس دارتــه بالرياض؛ كان أبو طالل دائــم الترحاب بهم، يفتح قلبه قبل بيته ،لحاضرهم ،مستذكر ًا غائبهم ،مضيافا ً ،ال يملِّ ،وال يكلُّ ،وال يمنُّ ، منتظرا ،مستعدا لكل ملتقى جديد بأدواته التي يحب :طرح موضوعات للنقاش ،وتوزيع إصــداراتــه الجديدة ،واستضافة عديد من الشخصيات ممن ي ــزورون الــريــاض ويتوافق وجودهم مع موعد األحدية.
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
د .عبدالرحمن الشبيلي ..أيقونة متف ِّردة
ρρمحمد صوانة*
الدكتــور عبدالرحمـن بـن صالـح الشــبيل ي «أبــو طــال » كمــا يناديــه محبــوه ،فقيــد وطــن ،بم ـا ل ـه م ـن آثــار وإســهامات إعالمي ـة وثقافيــة واجتماعيــة ،قــ َّ ل نظيرُهــا؛ كيــف ال وق ـد اشــتهر بتوثيق ـه ف ـي كتب ـه الت ـي عك ـف بعــد تقاعــده مــن العمــل علــى تصنيفهــا وإصدارهــا ،فصــارت ل ـه سلســلة م ـن الكت ـب التــي تــؤرخ لمســيرة اإلعــام واألعــام فــي المملكــة ،وعدي ـد م ـن كت ـب الســير والتراج ـم لبع ـض رجــاالت الوطــن ،إضاف ـة إل ـى كتابات ـة ف ـي مجــاالت اجتماعي ـة وتنموي ـة وتاريخيــة؛ إذ لـم يكـن يمـر عــام واحـد مـن دون إصــدارات جديــدة ،حت ـى وص ـل عدده ـا إل ـى م ـا يزي ـد ع ـن ٥٥إصــداراً ،وف ـي ســاعاته األخيــرة كان يعكــف علــى وضــع لمســاته علــى أعمــال يعدهــا للنشــر . ف ـي رســائل متبادلـة معـه بتاريـخ ٢٧يوليـو ،2019قبــل يــوم واحــد مــن الحادثــة التــي وقعــت لــه يرحمــه اهلل ،ســألته هــل أنــت بالريــاض؟ أجابنــي " :بعيــد قريــب ،أعــود بــإذن اهلل نهايــة أغســطس !"فعــاد بعــد
يوميــن مــن تلــك الرســالة .لكــن فــي قولــه «بعيــد قريــب» ،إشــارة لطيفــة منــه يرحمــ ه اهلل إل ـى أنـه مهمـا كان ف ـي مهمـة أو مشــاغ ل أو حتــى ســفر خــارج الوطــن؛ فإنــه جاهــ ٌز، ره ـن إشــارة أي خدم ـة يطلبه ـا األصدقــاء ،أو تتطلبهــا األعمــال التــي يتوالهــا معهــم! كان موســوعيّ االهتمــام ،واسـع األفـق ف ـ ي الكتابـة والتأليـف والمشــاركات المنبريـة ف ـي مختل ـف المناب ـر الثقافي ـة ف ـي المملك ـة م ـن شــرقيها إلــى غربيهــا ومــن شــماليها إلــى جنوبيه ـا عل ـى الســواء. لقــد فقــدت الســاحة الثقافيــة عَ ل َمــاً تجلَّــت بصماتــه فــي العطــاء وصنــع تجربــة ثــ ّرة وغنيــة بالمنتــج العلمــي الــذي ســيظ ل مصــدر اً رئيس ـ اً ف ـي موضوعاتــه ،ينه ـل منه ـا الباحثــون فــي اإلعــام والســير والتراجــم والثقاف ـة بوج ـه عــام .وق ـد شــهد الكثيــرون بعلــو كعــب هــذه القامــة علــى الصعيــد الثقافــي ،بــل وفــي كل عمــل أو مســؤولية أســندت إليــه أو توالهــا طواعيــة. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
47
ت مجــال اإلعــام ،مــا جعلتــه مــن أشــهر مــ ن ســتظل ألب ـي طــال ،يرحمـه اهلل ،بصمــا عديــدة فــي مختلــف المجــاالت الثقافيــة صنّــف فــي هذيــن المجاليــن فــي المملكــة واالجتماعي ـة والرســمية ف ـي المملكــة ،تفــرغ العربيــة الســعودية حتــى تاريخــه. للتصنيــف والتأليــف والمشــاركات الثقافيــة وقــد عمــل كاتــب هــذه الســطور معــ ه فــي مختلــف المحافــل الثقافيــة والتنمويــة خــال فتــرة عملــه تصنيفــه لكتــاب (فصــل بالمملكــة. مــن تاريــخ وطــن وســيرة رجــال ،األميــر إنــه رجــل فــ ّ ذ حفــر فــي الصخــر حتــى عبدالرحمــن ابــن أحمــد الســديري أميــر ي أصبــح رائــدا فــي مجالــه ،وصــار أيقونــة منطقــة الجــوف" األســبق" )الصــادر فــ فريــدة قــل نظيرهــا. طبعتـه األول ـى عــام 1428ه ـــ٢٠٠٧/م والطبعـة ترّج ـم الشــبيل ي ح ّب ـه للتصني ـف والتأري ـخ وتوثيــق الســير الذاتيــة( الغيريــة )بتدويــن الكثيــر مــن المؤلفــات فــي هــذا المجــال، فكانــت لــه مؤلفــات ســتظل مراجــع لهــا أهميتهــا وحضورهــا ســواء فــي مجــال التوثيــق لســير رجــاالت الوطــن ،ممــن لهــم بصمــات وأعمــال جليل ـة ف ـي مجــال الخدمـة العامــة ،أو تصنيــف كتــب ومؤلفــات فــي
تدوين بخط يد د الشبيلي (محرر الكتاب) يوثق رقم بروفة التعديالت على مخطوطة الكتاب قبل الطبع
* كاتب وإعالمي من األردن مقيم بالسعودية.
48
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الثانيـة عام 1437هـ2016/م؛ وشــهدتُ بنفس ـي رصـه الكبيـر عل ـى كل كلمـة وحــرف يكتبــه، ح َ ِ حت ـى إنـه ال يتوان ـى عـن ســؤال َ مـن لـه صلـة بــأي معلوم ـة للتأك ـد م ـن دقته ـا أو تاريخهــا؛ كم ـا أن ـه كان يطل ـب م ـن آخري ـن مراجع ـة م ـا كتبــه ليسترشــد بمرئياتهــم وانطباعاتهــم، وق ـد يأخ ـذ بملحوظاته ـم أو يناقشــهم فيه ـا عندمــا يكــون لــه رأي آخــر ..وعلــى الرغــم مــن طــول باعــه فــي مجــال اللغــة العربيــة، فقـد كان يرجـو مـن آخريـن تدقيـق نصوصــه، مــا يؤكــد حرصــه علــى ســامة اللغــة وتفــادي وجــود أي هفــوة لغوي ـة أو إمالئي ـة أو تصحيفيــة ..ومــا أزال أحتفــظ فــي مكتبــي بمخطوطـة النســخة رقـم )(9لكتــاب الســيرة فــي طبعتــه األولــى 2007م وعليهــا التوثيــق بخ ـط يــده ،وه ـي النســخة نفســها الت ـي ت ـم تقديمه ـا للفس ـح إل ـى وزارة اإلعــام .ووضــع عليه ـا ملحوظــة لــأخ المصمــم" :ال ب ـد م ـن توحيــد بدايــات كل فقــرة ،داخــل الكتــاب، فإمــا أن تدخــل كلهــا قليــا أو تكــون كلهــا مــع الســطور".
كتاب تأبيني صدرظ عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ρρاحملرر الثقايف
ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي
في وداع عبدالرحمن الصالح الشبيلي
مختلف المجاالت. عَّ برت المقاالت والنصوص التأبينية التي نــشــرتــهــا وســائــل اإلعـ ــام ووس ــائ ــل الــتــواصــل االجتماعي عن مدى ال َفقْدِ الذي شعر به الجميع لرحيل أبي طالل .وقد رأى مركز عبدالرحمن السديري الثقافي أن يجمع بعض ما كُتب في تأبين الفقيد العزيز وإصداره في كتاب تذكاري وفا ًء للشبيلي رحمه اهلل. يقول الكتاب إن رحيل الدكتور عبدالرحمن الشبيلي هــو خــســارة لــلــوطــن ،ورحــيــلــه يمثل بشكل خــاص خسارة يصعب تعويضها لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي؛ إذ ظل أبو طالل على مدى سنوات طويله وإلى آخر يوم في حياته يسهم في أنشطة المركز بكل حماسة. أصدر مركز عبدالرحمن السديري الثقافي كتاباً جــديــداً بعنوان "فــي وداع عبدالرحمن الصالح الشبيلي" ،ضمن برنامج النشر ودعم االبحاث بالمركز لعام 1441 - 2019هـ ،متضمنا عدداً من المقاالت والقصائد تم إخراجها وفق الترتيب الهجائي ألسماء مؤلفيها ،متزامناً مع الندوة التي أقامها المركز لتسليط الضوء على جوانب من حياة الدكتور الشبيلي وعطاءاته في
وقد جاء الكتاب في 299صفحة ،متضمنا مقدمة ونحوًا من 80مقاال لشخصيات وكتّاب ومفكرين ممن تربطهم وشــائــج الــصــداقــة أو القرابة أو العمل بالدكتور الشبيلي ،إضافة إلى تقارير صحفية وملحق خاص بصور ونشاطات الراحل الكبير ،ومــن بين المقاالت المشاركة مقال الدكتور زياد ابن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي وابــنــة الــراحــل األســتــاذة ش ــادن بنت عبدالرحمن الشبيلي. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
49
السعودية التشكيلية الفنانة تجربة واالنفتاح في التعد ِد أبعاد ِ ِ ِ ِ ُّ ُ ِ
عرفات العاصمي
■ إبراهيم احلجري*
ي ـعــرف الـمـشـهــد ال ـس ـعــودي التشكيلي حــرك ـ ّيــة مــدهـشــة عـلــى مـسـتــوى تــراكــم الـتـجــارب ،وتـنـوّع ال ـمــدارس ،واالتـجــاهــات الفنية ،وتفاعلها مــع حركية المشهد البصري العالمي؛ لكن العنصر األهــم الــذي ال يمكن للمتتبعين ،هــواة كانوا أم مختصين في مجال الفنون ،التغاضي عنه؛ هو الحضور المكثّف لإلسهام النسائي في رفد التحوّالت الفنية ،وإغنائها ،وهو إسهام يتحقق فيه معيارا الكمِّ والكيف؛ فقد سطع نجم العديد من الفنانات التشكيليات في سماء المشهد التشكيلي الـسـعــودي والـعــربــي ،مــن خــال عملهن ال ــدؤوب على تطوير تجاربهن ،والسعي لتحقيق أداء مبهر ،يستطيع زحزحة الصورة النمطية التي تشكلت حول منجز المرأة ،ويكون قادرًا على إقناع المتلقي ،وإثارة اهتمامه إلى أن المراة السعودية وحــدّ ة ذكائها ،وحسن إنصاتها للعالم المتعدد من بمواهبها الفطرية الخالقةِ ، حولها ،وتفاعلها اإليجابي مع ما يعتمل في محيطها السوسيوثقافي ،وسمو مشاعرها الوطنية والقومية واإلنـســانـيــة ،وحساسيتها المفرطة تجاه الــذات، والـجـســد ،واآلخ ــر ،وال ـكــون ،ق ــادرة على اإلس ـهــام المعطاء فــي االرت ـقــاء بــالــذوق، والنهوض بالمجتمع على مستوى الواجهات كلها. -1الخلفيات الثقافية والفنية
50
والخطوط ،والتأمل في بهاء الطبيعة،
ش ـ ّكــلــت مــنــطــقــة «عــســيــر» الملهم وتضاريسها ،وإعــجــازهــا فــي الخلق، الطبيعيّ األصــلــي للفنانة ،والــرافــد وساعدتها األنشطة الموازية التي كانت الــذي منحها شحنات التفوّق ،وفجّ ر تقام بمؤسستها التعليمية؛ بالموازاة مع ينابيع موهبتها ،فتاقت نفسها إلى التحصيل الدراسيّ اليوميّ ،في اكتشاف أشعة االبتكار ،وتأتّى لها عش ُق األلوان ذاتها ،وصقل موهبتها ،واختيار وجهتها العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد الفنانة عرفات العاصمي ،ولوحة حروفيات مع تجسيد الخيل العربي األصيل (الخيل معقود في نواصيها الخير) شاركت بها في معرض بقالري الفن النقي بالرياض بمعرض حداثة خيل
الفنية ،وصقل مكتسباتها القبلية في هذا تخصصها في مجال الجغرافيا؛ ودراســة ّ التوجّ ه؛ مستفيدة من مالحظات أساتذتها ،المجال ،ألهب إحساسها بالكون ،وزاد من ومــرتــادي معارضها ،وتشجيعات أسرتها؛ وعيها بقيمته بالنسبة للحياة؛ وطبيعة وخاصة والدها. العالقات السائدة بين عناصر الطبيعة،
غير أن أهــم تحدٍّ ،في مسار التجربة ،والتفاعالت الحاصلة على مستوى المجال خاضته الــفــنــانــة؛ هــو العمل على تطوير البيئيّ ،لكنّها لــم تكتف بــذلــك ،فصارت خبرتها التشكيلية؛ وتطوير معرفتها النظرية؛ تنفتح تدريجيّا ،على ك ّل اآلفاق التي يمكنها تخصب تجربتها التشكيلية ،فنهلت من ّ مع العمل على صقل موهبتها؛ وشحذ وعيها أن بالتجربة ،وتحوالتها ،وخصائصها ،وانتقالها التراث الفنّي العربيّ في مجال الحروفية، من مدرسة إلى مدرسة ،ومن مجال بصري والعمارة ،واألرابيسك ،والزخرفة ،لتطور إلــى آخــر .فــصــارت ترتقي ب ــاألداء الفني؛ أدائها الكاليغرافيّ ،وأغنت ثقافتها البصرية؛ لتحقّق نجاحً ا باهرًا على مستوى رسومات بموازاة مع المعرفة النقدية. ولئن كــان نشوءُها فــي طبيعة ساحرة ،البورتريه ،وراكمت؛ في ذلك ،منجزات مهمة. ألهمها عشق الجمال الذي يحيط بها؛ فإن
لقد أسهم هــذا االنفتاح على التجارب العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
51
ومع أن الوسط التربوي الذي نشأت في كنفه ،لم يتح لها التوجّ ه إلى مجالها المحبوب منذ الصغر ،لكون منطقتها األم (عسير) ال تتوافر على بنيات للتكون الفني آنذاك ،فإنها تخصصها ّ لم تستسلم ،وظلت بالموازاة مع فــي الــجــغــرافــيــا ودراســــة الــمــجــال ،ت ــزاول نشاطها الفني بشكل مستقل ،إرضاء لنزوعها
بدايات تجاربها في الخط مع التشكيل
لوحة تمثل مدائن صالح وقوم ثمود استوحت فيها صور النساء من نقوش الصخور في كهوفهم
لوحة تجسِّ ُد الرجل والمرأة العسيرية والتراث الجنوبي بالمملكة العربية السعودية
المختلفة ،والحرص على تنويع الخلفيات، والمنطلقات الثقافية ،والخوض في مختلف االتجاهات التشكيلية؛ في االرتقاء بالكفاءات المهارية والفنية لدى الفنانة عرفات ،والسمو بذوقها الجمالي بشكل عام ،واالطالع على تجارب اآلخــريــن؛ وتفجير خبرات كامنة؛
52
جعلت أفقها التشكيلي في تالقح مستمر. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
لوحة تمثل التراث الجنوبي والرقصة الجنوبية لدى الرجال
والــمــعــاكــســات ،والــمــشــوشــات ،الخارجية
والداخلية ،وما أكثرها!
ولــقــد أفـــادت الفنانة عــرفــات ،كذلك،
من الحركية الوازنة التي يعرفها المشهد الثقافي السعودي ،والتطور المطّ رد للتجارب التشكيلية ،واألهمية التي يحظى بها التشكيل
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
وقــود التجربة ،وسالحها ضد المثبطات،
بصفة خاصة ،والفنون البصرية بصفة عامة،
لوحة تجسّ د الكعبة المشرفة وحمام الحرم وشخوص تجريدية للمحرمين فازت بالمركز الثاني في مسابقة بالجمعية السعودية للفن التشكيلي بالرياض.
في برامج النوادي والمؤسسات الثقافية،
والمهرجانات الفنية ،واألدبــيــة ،إذ تتخلل المعارض الفردية والجماعية كافة األنشطة،
سواء داخل المؤسسات التعليمية والجامعية،
بداياتها في رسم الطبيعه بالزيتي
الفطري ،وموهبتها الطبيعية ،الشيء الذي
جعل تلك اإلرهاصات األولية تتحوّل ،شيئا
فشيئا ،إلى تجربة فنية رائدة ،استقام عودها بأسلوب تصاعديّ ،اعتمادًا على مقومات الــــذات ،وحــسّ ــهــا اإلب ــداع ــي ،وعصاميتها الفذة ،وتكوين شخصي متين ،كان اللقاء فيه مع الخامات ،واأللوان ،والمشاهد الطبيعية،
لوحة "الصداقة" شاركت بها في جاليري آرت الطائف العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
53
أو في الفضاءات الثقافية العامة ،ناهيك عن الورشات التكوينية التي تُستدعى لتأطيرها، والتي تشكّل محكّا للتجربة ،ورافدًا خصبًا للوعي بخصوصياتها الفكرية والنقدية، آفاق لتألقها، ومعيارًا للبحث من جديد ،عن ٍ وإشعاعها. فضال عن ذلك ،يسهم االطالع المتواصل للفنانة على المنجزات النقدية التشكيلية، سواء تلك التي ترد في الصحف والمجالت؛ بوصفها متابعات للحركية الفنية المحلية والعربية ،أم تلك الدراسات الرصينة التي تؤصل للنظريات والمدارس الفنية عربيًا، وعالميًا ،في تنوير الوعي بطبيعة األداء الفني ،وخصوصيته الجمالية ،والفلسفية، ومعايير تصنيفه في هذا االتجاه الفني أو ذاك؛ واألهم من ذلك كله ،أن هذه المتابعة تكسب الذات قدرتها على التحليل ،والتفكير
في األدوات ،واإلسناد ،والخامات ،والعناصر المؤثثة ،والحوامل ،وتمنحها أهلية التموقع ضمن االختصاصات ،والمجاالت المعروفة عــالــمـ ًيــا ،مــع الــســهــر عــلــى تــطــويــر الــوعــي بــالــتــجــربــة ،ورفــدهــا بــاألفــكــار ،والــمــوارد الــجــديــدة ،وتقويم التجربة تقويمًا ذاتـ ًيــا استناد إلــى رؤيــة متبصرة ٍ مــتــواصـاً ،فــي بالعالم الفنيّ لألعمال المنجزة ،ووعي دقيق بالحدود ،واألبــعــاد ،والمعايير ،واألدوات، والخامات المستعملة ،والرسائل المبطنة التي تمررها اللوحات الفنية. -2وعي تجريبي تمارس الفنانة عرفات تجربتها التشكيلية اس؛ فهي مهووسة بتطوير بوعيٍّ فنيٍّ حسّ ٍ أدائــهــا الفني ،وبالقدر نفسه ،تسعى إلى توسيع ثقافتها النقدية التشكيلية ،وتراهن عــلــى الــمــعــرفــة الفنية للسمو بــالــذائــقــة،
من المعرض المقام على هامش الورشة نتائج المتدربات المبدعات من تأطير الفنانة عرفات العاصمي وتنظيم هيئة الثقافة والفنون وجمعية الفنون بالطائف
54
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
والنهوض بالمنجز ،فهي تعرف أن العالم يتطور بشكل ملفت ،فتتطور معه األشكال، والبنيات ،وتتغير وسائط التعبير ،وتتنوع آفـــاق الــتــصــورات ،بــل وتــتــعــدل الــمــواقــف والرؤى والعالقات ،قدر معرفتها بخصوصية المعرفية التشكيلية التي ال يمكن التغافل عنها ،ألنها مدخل الفنان التشكيلي إلى القبض على المفاصل الــكــبــرى للمعنى، والبوابة الممكنة لولوج المدرك اإلنسانيّ ، ســـواء تعلق األمـــر بــاألحــاســيــس أو ردود األفعال ،أو االنفعاالت ،أو المنظورات ،أو اآلراء المختلفة من شخص إلى آخر ،ودون هذه المعرفة التشكيلية ،ال يمكن الحديث عن تجربة مواكبة لــروح العصر ومتغيرات الكون في عالم يسير بوتيرة سريعة ال يمكن اإلمساك بها ،أو مجاراتها.
تكريم الفنانة العاصمي من طرف صاحب السمو الملكي عبداهلل بن سعد بن عبدالعزيز آل سعود على هامش المعرض الجماعي الذي نظمته بجدة نسا آرت 2016
يمنحان الفنان التشكيليّ طاقة مضاعفة تسعف الحواس على االشتغال بإيقاع متسارع، وتضعه في قلب الصورة ،ال خارجها ،وتجعله مسكونا بالعالم ال ساكنا له؛ ومن ثَ َّم ،يمكن أن يفصح بالنيابة عنه ،والتعبير عن مشاكل إنّ الوعي بالعالم من حولنا ،وبمتغيراته ،اآلخــريــن ،وإبـ ــراز همومهم ،ومطامحهم، وأســئــلــتــهــم الــحــارقــة فــي خــصــاب بــصــريّ تعبيريّ ،يحمل مــن الجمالية واإلبداعية ما يجعله مقبول التلقي ،سلس العبور إلى الذهن .كما أن الوعي بخصوصية التجربة الفنية ،ومدارسها ،واتجاهاتها ،وأدواتها، وخاماتها ،وحــدود التصرف فيها ،ودرجــة االنفتاح على أشكال وأنماط الفنون األخرى القريبة أو البعيدة ،يُقوّي من سبل اختالق قوالب جديدة لمحكي العين ،وابتكار قنوات مخالفة لما هو معتاد ،من أجــل اإلفصاح عن المكنون التعبيريّ والشعوريّ ،وإصدار لوحة "جبل الرحمة" شاركت فيها بمسابقة الحج والعمرة مواقف وجدانية وتصورات فنية وفكرية ،من المقامة بالنادي األدبي بجدة. خالل وسيط اللوحة .ناهيك عن كون هذا العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
55
الوعي المحايث للتجربة والممارسة الفنية ،ومتى يستعمل تلك ،وبــأي أســلــوب ،ووفــق وهذه المعرفة البصرية المواكبة لدى الفنانة أي تصور؟ وإذا لم يستطع الفنان اإلجابة عرفات ،يشحذان قدراتها على التوريش ،عن هــذه األسئلة ،وغيرها مما يُثار حول وتأطير الــنــشء ،وخــوض تــجــارب تكوينية الممارسة التشكيلية ،فإنّه يكون خارج دائرة لفائدة الشباب ،من اكتشاف مواهب جديدة ،إدراك ــه الــواعــي ،منصاعً ا لسلطة لحظته وتحريض الناس على اقتراف المزيد من اإلبداعية التي يجهل خصوصياتها. البهاء والجمال ،وتهذيب الذائقة اإلنسانية وعلى هذا األســاس ،فالفنانة التشكيلية الكامنة؛ إذ ال يمكن أليّ فنان مهما شعّت تجربته في العالم ،أن يقوم بهذا النشاط إذا السعودية عرفات العاصمي ،تسعى إلدراك لم يق ِّو معرفته بمحيطه ،وبمجال اشتغاله ،مفاصل تشكل اللحظة اإلبــداعــيــة لديها، وبخصوصية أدوات ـ ــه ،وطبيعة وســائــطــه ،ول ــدى غيرها مــن مجايليها ،وأصدقائها وحوامله ،ومعيناته ،ومتى يستخدم هذه ،الفنانين وصديقاتها الفنانات ،ورصد آليات
جانب من الورشات
56
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد لحظة استقبال األمير خالد الفيصل بمعرض تشكيلي شاركت فيه الفنانة عرفات العاصمي إلى جانب عدد من الفنانات السعوديات على هامش مهرجان الورد بالطائف
االنــتــقــال مــن مفصل إل ــى آخ ــر ،وطــقــوس الــعــبــور ،والــعــاقــة مــع الــخــامــات واألدوات والحوامل ،والتقاط المسافة الفاصلة بين الحواس والقماش لحظة االشتغال ،وأوان انغماس الشعور الــاواعــي في الموضوع، أثناء االنسجام الكلّي مع عوالم اإلبــداع، والــحــديــث الــس ـرّي بين جُ ــوان ـ ّيــات الفنان وتركيبته النفسية والفكرية وبياض اللوحة، كل ذلــك من أجــل نقل التجربة إلــى الجيل الجديد ،وتنوير مواهبه ،وكفاياته الفنية الباطنية ،وكأنها تريد ،بصيغة أخــرى ،أن تفعل مع النشء ،ما افتقدته في طفولتها الفنية ،وبــدايــاتــهــا األولـ ــى ،حيث لــم يكن يتوافر المحيط السوسيوثقافي على معاهد متخصصة للتكوين والمرافقة الفنية ،والدعم ّ النفسيّ والمعنويّ . -3عوالم فنية متعددة لم تقيّد الفنانة عرفات نفسها في خندق
تخصص فنيّ واحد ،ولم تقتنع بأن تتقوقع ّ داخل خانة تصنيفية معينة ،أو اتجاه جمالي محدد ،أو مدرسة تشكيلية بذاتها ،رغم أنها تتقن العمل في كل االتجاهات والتخصصات الفنية التشكيلية على حد ســواء ،وبالقدر نفسه مــن الــدقــة ،والــمــســتــوى نفسه من االهتمام ،والدرجة ذاتها من التميز ،وعيًا ومعرفة وأداء ،انطالقا من إيمانها العميق بكون القوى اإلبداعية تتأجّ ج ضمن الغنى والتنوّع ،وتخفُت كلّما ضيّقنا عليها الخناق، خاصة في مجال فنيّ بصريّ سريع التحول، متغير األدوات ،متداخل مع وسائط كثيرة متنوعة ،وانطالقا مــن حسها االستباقي الــــذي يــهــجــس بــكــون الــفــنــان التشكيلي المستقبلي يجب أن يــنـوّع ثقافته ،ويفتح عينيه على مختلف الوسائط التي تستدعي حاسة البصر ،ويراهن على تضامن الفنون كلها؛ انسجاما مع متغيرات الوسيط الرقمي الجديد ،الذي سيضرب الوسائط التقليدية العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
57
58
وفنية ،وثقافية وازنة؛ دون أن ننسى ميولها، بوصفها امــرأة إلى التعبير الوجداني ،من خــال ابتكار لــوحــات تعبِّر عــن العواطف الجياشة ،والمشاعر المتضاربة تجاه ما يــحــدث حــولــهــا فــي الــعــالــم مــن تــمــوجــات، وأحداث ،ومنعطفات (االتجاه الرومانسيّ )، كما انفتحت مــؤخ ـرًا على الفن الرقميّ ، والــعــرض االفتراضيّ عبر وضــع لوحاتها، وجديد أعمالها رهــن إشــارة متتبعيها في كل المعمورة ،معتمدة على مواقع التواصل لوحة أنا المدينة شاركت بها بمعرض عن المدينة االجتماعي (تويتر ،فيسبوك ،انستجرام، يوتيوب ،)..من أجل تقاسم اللحظات الفنية، في مقتل. وتــبــادل اآلراء ،والنقد البنّاء ،والنقاشات آم ــن ــت عـــرفـــات ب ــاالت ــج ــاه الــطــبــيــعــي الفنية المُغنية للتجربة. (ال ــواق ــع ــي) ،وقــدمــت فــيــه لــوحــات رائــعــة بعضا مــن وقتها ً وخصصت «عــرفــات» ّ وثّقت للحظة تفاعلها مع مجالها الطبيعي الفنيّ ؛ لالشتغال على قضايا األمة العربية، (منطقة عسير) ،ومع جمال مدينة الطائف، وأســئــلــة ال ــم ــواط ــن ،وان ــش ــغ ــاالت الــنــاس وانبهارها بالخَ لق اإللهي ،واإلعجاز الرباني بالمناسبات الوطنية ،فعبّرت عن مواقفها، في هندسة الكون ،مثلما أبدعت في مجال وأفكارها تجاه هذه القضايا ،عبر رسومات، الحرفية ،وراكمت أعماال ملهمة ،عرضتها في عديد من المناسبات والفضاءات ،فضال عن كونها أبهرت متتبعيها بقدرتها على رسم عوالم تجريدية (االتجاه التجريديّ ) ،تطلق فيها العنان لخيالها الواسع ،وبنات أفكارها الــشــعــريــة ،وثقافتها المعرفية الــواســعــة، ناهيك عن كونها أسهمت بوعي ذكــيّ في إثراء المشهد التشكيليّ السعوديّ ،ومعارضه المتنوعة ،ومهرجاناته ،بمنجزات بصرية ذات هوية مختلفة تراهن على (البورتريه الفني) ،وقدمت ،من خــال هــذا األسلوب لوحة تجسد قصيدة وامعتصماة (السيف أصدق إنبا ًء من الكتب) التشكيليّ شخصيات وطــنــيــة؛ سياسية، العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ولــوحــات تجسيدية ،تــوثــق اللتحامها مع القضايا الحساسة للوطن واألمة ،وانخراطها في اهتمامات العرب والمسلمين اليومية، وبــخــاصــة فيما يتعلق بــالــحــروب المُعلنة على األمة (قضية فلسطين) ،والصراعات اإليديولوجية والفكرية ،واإلرهاب والتطرف، ـض مضجع اإلنــســان وغــيــر ذل ــك مــمــا يــقـ ّ المعاصر بصفة عامة ،حيثما وُجــد داخل على وجه األرض. وانسجاما مع خصوصية ك ّل اتجاه فني، سعت ِ وطبيعة كل مدرسة أو تيار تشكيلي، الفنانة إلى تنويع أدواتها ،وأساليبها بوعي حاد جــدا ،فهي تعرف كيف تختار اآلليات التي تشتغل عبرها فــي كــل عمل ،حسب تصنيفه ،وانتمائه ،وتــفــرق بين الحوامل الــمــمــكــنــة لــعــرض كــل تــجــربــة عــلــى حــدة، وتوظف في كل لحظة إبداعية؛ األسلوب األنــجــع لتبليغ الــفــكــرة ،والــقــنــاة المالئمة لعكس المكنونات الشعورية ،والموضوعات
اسكتش من بداياتها ،لصورة انتشرت في اإلنترنت لرجل كبير بالسن
لوحة تجسد الظلم شاركت بها في معرض أجنحه عربيه بجده
ـواز للسياق الــبــصــريــة ،فــي استحضار مــتـ ٍ
السوسيوثقافي ،وللحظة التعبيرية ،وللفضاء المحتضن للتجربة ،ومستوى المتلقين للعمل الفني.
ولــم يــتــأتّ هــذا الــتــعـدّد وه ــذا االنفتاح
داخل التجربة التشكيلية من فراغ؛ بل هما جمال الورد بتجريد لوني ،شاركت بها في مهرجان الورد بالطائف في حديقة الردف
اختياران نابعان من قناعة فنية راسخة؛ تــراهــن عــلــى االســتــمــراريــة ،والــشــمــولــيــة، العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
59
مشروع واسع المشارب ٍ وتعمل على تنفيذ والخلفيات ،واألدوات؛ فالتعدد سمة الرؤية الــشــامــلــة الــمــؤمــنــة بــإمــكــانــيــات الــتــاقــي، والــتــمــاســك ،والــتــاقــح ،وانــتــقــال األفــكــار والتجارب من مجال إلى آخر ،ومن تجربة إنسانية إلى أخرى؛ أما االنفتاح ،فهو ميزة فنية توحي باالعتقاد في الكلّيات ،والتعالي عــن الــخــصــوصــي ،والــمــحــدود فــي الــزمــان والمكان -مع أن الفنانة شديدة االلتصاق بالوطني ،والمجالي ،واإلقليمي من حيث التمظهر الــهــويــاتــي -واالشــتــغــال بــاألفــق اإلنسانيّ في جوهره المشترك ،وبخاصة مع هيمنة الوسائط والميديا الجديدة التي قربت الجغرافيا ،وقهرت المسافات ،وجعلت مــن الــعــالــم قــريــة صــغــيــرة ،بــل إ ّنــهــا محت الــحــدود والحواجز التي كانت تفصل بين الهويات الثقافية والفنية ،وصار الفنان معنيا بالسّ ؤال الوجودي لكافة البشر على اختالف
لوحة الكعبة المشرفة للفنانة العاصمي المشاركة بمعرض تواصل ٢بالرياض لعام ١٤٣٨هـ
انتماءاتهم الجغرافية ،واللغوية ،والعقدية، والثقافية. خــاصــة الــقــول ،إنّ الفنانة «عــرفــات العاصمي» تعي جيدًا خصوصيات تجربتها، وتؤمن بالخلفيات الفكرية والثقافية التي وتفان، ٍ تصدر عنها اختياراتها ،وتعمل ،بجدٍّ مــن أجــل عكسها جميعا ضمن أعمالها المتنوعة التجليات ،والمختلفة القوالب، والحوامل ،والفضاءات ،انسجامًا مع طبيعة المشروع الفني المتكامل الــذي صممته وعناية شديدين، ٍ ـرار قبليًا ،مع سبق إصـ ٍ ومع االعتقاد البالغ في أحقيّة الفنّ بخدمة الرسالة اإلنسانية السامية ،وتنقية العالم من مظاهر الكراهية ،وأشــكــال الفساد،
لوحة جمل للفنانة عرفات العاصمي المقتناة في معرض مبدعات 4معرض تجريد تنظيم هيئة الثقافة والفنون وجمعية الثقافة والفنون بالطائف
* ناقد وروائي من المغرب.
60
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ومكامن القبح ،إلح ــال قيم السماحة، والتعايش ،والنبل ،والتضامن ،والسلم، والسالم ،واألمن واألمان.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الصورة في شعر مريد البرغوثي إيقاع ِ ُ ُ والحنين إلى الجذور واأللم االغتراب شعرية ِ ِ ِ ■ نضال القاسم*
فــي الـثــامــن مــن تــمّ ــوز (يــولـيــو) ع ــام 1944م ،ول ــد الـشــاعــر الفلسطيني مريد غسانة ،قرب مدينة رام اهلل ،وأنهى فيها دراسته الثانوية، البرغوثي في قرية دير ّ ثم التحق بجامعة القاهرة ،وحصل على ليسانس اللغة اإلنجليزية سنة 1967م، وقــد عمل في التدريس وفــي الحقول الثقافية واإلعالمية ،وكــان ممث ًال التحاد كتّاب فلسطين في اتحاد الشباب العالمي لمدة عشر سنوات. وبـعــد هزيمة عــام 1967م ،منع االح ـتــال اإلســرائـيـلــي الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البالد من العودة إليها ،وقد كان مريد واحد ًا من هؤالء ،إذ كان ما يزال حينها على مقاعد الدراسة في جامعة القاهرة. وف ــي ه ــذا الــصــدد يــقــول مــريــد :وت ــزوّج من الكاتبة الروائية الدكتورة
"نــجــحــت فــي الــحــصــول عــلــى شــهــادة "رضوى عاشور" ،وهو يحدثنا في كتابه تخرّجي ،وفشلت في العثور على حائط النثري الرائع "رأيت رام اهلل" عن سيرته أعلق عليه شهادتي"! نعم فشل في العثور على جدار كما فشل بكل محاوالته بالعودة إلى الوطن ورؤية األهل واألصدقاء ،إال بعد ثالثين عاما.
الذاتية وعن تميم وأم تميم ،إذ عادت السيدة رضوى بالدكتوراه ورزقهما اهلل بتميم في 1977/6/13م؛ أي كما يقول
قبل ترحيله من مصر بخمسة أشهر. "كانت الوالدة متعسرة .رأيت بعينيّ وجع ال ــوالدة ،فشعرت أن من الظلم أن ال
من هنا ،فقد بقي مريد في مصر ،ينسب األطفال إلى األم! ال أدري كيف العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
61
اغتصب الرجل حق نسبة المولود لنفسه؟ لتبدأ بعد ذلك حركات سياسية في الشارع المصري ،احتجاجاً على زي ــارة الــســادات إلسرائيل ،ليطرد على إثرها (مــريــد) من أرض الكنانة عندما كــان ابــنــه تميم في شهره الخامس ،مخلِّفاً وراءه وطناً ثانياً وزوجة وابناً ،وقد منع بعد ذلك من العودة إلى مصر لمدة سبع عشرة سنة؛ فبدأ في هذه المرحلة مر ًة أخرى بالتنقل بين المنافي العربية واألوروب ــي ــة ،الــقــاهــرة وبودابست ومناف أخــرى ،عمل فيها وامتدت ٍ وباريس عالقاته وذاع صيت كتاباته ،وكان ال يستطيع أن يرى ابنه وزوجته إال في اإلجازات ،حين كانت (رضوى) تأخذ بيد (تميم) وتذهب به لزيارة زوجها الــذي طــرده الرئيس الراحل محمد أنور السادات من مصر.
62
ومــمــا ال شــك فــيــه ،أن الــشــاعــر مريد البرغوثي من أبرز الشعراء الذين دافعوا عن عدالة القضية الفلسطينية بالكتابة والشعر العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
واإلب ــداع الفني ،إضافة إلــى كونه شاعراً متألقاً ومستمراً في اإلبــداع وكتابة الشعر منذ خمسين عاماً ،وهو يهتم في قصائده بالمشترك اإلنساني؛ ما يجعل شعره بالغ التأثير في قارئه أي ـاً كانت جنسيته؛ فهو حسية مادية ملموسة ينقل من يكتب بلغة ِ ّ خاللها حواسّ ه ،إنّها لغة بديعة مغتربة في الجمال ،كما أنه يعمل أيضاً على ما يسميه تــبــريــد الــلــغــة ،أي إبــعــادهــا عــن البطولية والطنين .وتخلو قصيدته من التهويمات والهذيان ،فشعره عفوي الصياغة ،مطبوع العبارة ،قوامه الرمز والــصــورة ،وهــذا ما أسهم في توسيع دائــرة قرائه في العالم، وأتـ ــاح لــه الــمــشــاركــة فــي عــديــد كبير من اللقاءات الشعرية ومعارض الكتاب الكبرى فــي الــعــالــم ،وقــدم مــحــاضــرات عــن الشعر الفلسطيني والعربي في جامعات القاهرة وفاسو أكسفورد ومانشستر وأوسلو ومدريد وغيرها .فمريد من األسماء التي وجهت
بالنظر إلــى أدواتـــه المتفردة واللحظات
وفــي كتابه النثري ذائــع الصيت "رأيــت
المفصلية التي عاصرها وكتب عنها .وقد رام اهلل1997 ،م" الــفــائــز بــجــائــزة نجيب اختير في عام 2015م رئيساً للجنة التحكيم محفوظ لــإبــداع األدب ــي للعام (1997م)
لجائزة الرواية العربية.
والذي يعد سيرة وطن ،وتاريخ شعب ،والذي
صدر للشاعر البرغوثي خالل السنوات تمت ترجمته إلى العديد من اللغات ،ومنها
الــمــاضــيــة الــعــديــد مــن األعــمــال الشعرية على سبيل المثال ال الحصر :اإلنجليزية
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
مسار الخريطة الشعرية في العالم العربي ،رياض الريّس ،بيروت2018 ،م).،
والنثرية ،ومنها( :الطوفان وإعادة التكوين ،والهولندية واإلسبانية ،وثَّق البرغوثي سيرته دار العودة ،بيروت1972 ،م) ،و (فلسطيني الذاتية وتفاصيل رحلة العودة إلى موطنه
في الشمس ،دار العودة ،بيروت1974 ،م) ،بعد ثالثين عاماً من الغربة واالشتياق ،فبدأ
و (نشيد للفقر المسلّح ،اإلعــام الموحد ،الحكاية من على مشارف جسر العودة ،جسر
بيروت1977 ،م) ،و (األرض تنشر أسرارها ،الملك حسين ،الذي اجتازه قبل ثالثين عاماً دار اآلداب ،بــيــروت1978 ،م) ،و (قصائد إلنهاء سنته الدراسية األخيرة وعاد إليه بعد
الــرصــيــف ،المؤسسة العربية للدراسات طــول غياب وعــذاب وشــوق ليلملم شتاته،
والنشر ،بيروت1980 ،م) ،و (طال الشتات ،وبمشاعر متناقضة يحاول اجتيازه ،حيث دار الــكــلــمــة ،ب ــي ــروت ،نيقوسيا قــبــرص ،بدأ كتابه بوصف قصصي شاعري دقيق لكل جف ماؤه ،للجسر الخشبي 1987م) ،و (رنة اإلبــرة ،المؤسسة العربية شيء ،للنهر الذي َّ
للدراسات والنشر ،بيروت1993،م) ،و (ليلة القصير المشبع برائحة األه ــل والمترع
مجنونة ،الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة ،بالصور القديمة الساكنة فــي الــوجــدان، 1995م) ،و (منطق الكائنات ،دار المدى ،والـ ــذي عــبــر خــالــه آالف الفلسطينيين
عمان1995 ،م) ،و (الناس في ليلهم ،دار مهجّ رين وعائدين بتصريح زيــارة ،للجندي اآلداب ،ب ــي ــروت1999 ،م) ،و (منتصف اإلسرائيلي المرتبك الــذي رآه ألول مرة،
الليل ،دار رياض الريّس ،بيروت2005 ،م) ،هناك وقــف وقــال "ورائـــي العالم وأمامي و (مــجــلــد األعــمــال الــشــعــريــة ،المؤسسة عالمي" .ثم أخذنا إلى عالمه ،إلى فلسطين
العربية للدراسات والنشر ،بيروت1997،م) ،وتحديداً إلى رام اهلل ،الّتي وصفها بعمق و (األعمال الشعرية الكاملة ،الجزء األول ،في كتابه ،وأوضح طباع أهلها ،قبل هجرته،
دار الشروق ،القاهرة2013 ،م) ،و (األعمال وبعد عودته إلى الوطن بعد ثالثة عقود من
الشعرية الكاملة ،الجزء الثاني ،دار الشروق ،الخيبة والوجع ،من الحنين واالنتماء إلى
القاهرة2013 ،م) ،و (استيقظ كي تحلم ،دار مكان هو في األصل ،جغراف ّيًا ،استحقاقيّة العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
63
للفرد ،كبقعة هو ينتمي إلى حدودها !..تلك
المدينة التي تغيّرت مالمحها ،تغيّر ناسها وأهلها ،فقد كبُر الصغير وشاب فيها الكبير،
وصفها بدقة فجعل القارئ كأنه يعيش فيها،
يمرجحه بين الماضي ال ــذي انــهــال على رأســه وبين الحاضر الــذي فــاجــأه ،أخذنا
إلى شوارعها ،إلى بيوتها القديمة والحديثة، إلــى تاريخها وحــاضــرهــا ..فجعل كــل من
يقرأ الكتاب يعيش تفاصيله .بين الماضي
والحاضر .في مجمله هو نص إنساني إلى أبعد حد ،إذ نجد أن البرغوثي يصف طبيعة رام اهلل ،ويــغـرّد جمال ّيًا" :رام اهلل السرو
والصنوبر ،أراجــيــح المهابط والمصاعد الجبليّة ،اخضرارها الّذي يتحدّث بعشرين لغة من لغات الجمال.
ومن المعروف أن الشاعر مريد البرغوثي
يــمــتــاز ع ــن غ ــي ــره م ــن ال ــش ــع ــراء الــعــرب
المعاصرين بقدرته االستثنائية على وصف المشاهد اليومية ،بصياغات ذكيّة وصور عفوية تنحا ُز للحقيقة والجمال ودفق الحياة
بعيداً عن الغموض ،فهو شاع ٌر يمتّح من
الثقافة البصرية وينتصر إليقاع الصورة؛ ومما يضفي بعداً جمالياً على شعره انفتاح
الرؤية على المعجم الطبيعي المكثف الذي انعكس في أغلب األحيان على إيقاع اللغة والصورة في شعره؛ فهو يؤكد غير ما مرة أنــه صــديــق حميم لــأشــيــاء والــمــوجــودات
(األشــجــار ،الــفــراشــات ،الــزهــور ،الزنابق،
64
الــنــوارس ،النوافذ ،الــغــزالن ،الريح ،النار،
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
النجوم ،الماء ،الضوء ،)..وهي مفردات تخلق معها األلفة ما دامت تبعث فينا الحياة .ومن األمثلة على ذلك في شعره قصيدة "مشهد يومي" ،وهي قصيدة تتكامل أمام القارىء في خط تصاعديّ يتجه تدريجياً باتجاه الذرْوة، بنبرة خافتة ولغة دقيقة ،كما في قوله:
ووراء النافذة اليومي: ُّ استمرَّ المشهد أوالدٌ يعدون المقاليع ورايات ٌ وأصوات هتافات وعسكر يطلقون النار في زهوٍ وفوضى وصبي آخرٌ يهوي شهيد ًا ٌّ فوق إسفلت الطريق! لكنّه بأسلوبه الــشــعــريّ الممتع ،الــذي يقترب من قصيدة السيناريو ،والذي يتداخل فيه الشخصي مع العام والنص النثري مع الشعر ،وقدرته على صياغة الدهشة في تركيب الجملة ،جعل مــا ق ـدّمــه كتلة من الجمال ،المحمّلة بالوعي المطلوب اقتناؤه
أصابَهُ الجَ مالْ لمنزل َ ٍ عدْ ُت مُ تعباً ،كَكُ لِّ منْ يَعود للشباب الفلسطينيّ ،حول قضيّتهم ،وحول ما يواجهونه من تضليل؛ لحرف نظرهم عن الرؤية األقرب إلى الشموليّة .كما يظهر في قصيدته المشهدية "بوابة البلد" ،من ديوان "الناس في ليلهم" ،والتي تتحدث عن واقع مــؤلــم ينقل فيه الشاعر ص ــورة مــن صور عذبة ٍ بلغة عذابات وطنه الجريح ،إذ يقول ٍ سلسة:
هذا هو الغد ُر األنيقُ أناقة اإلنصاف أصواتُهم ترجني ْ عدت ُّ ُ ب ّواَبَة األْبواب ال مفتا َح في ي َِدنا ولكنا دخلنا الجئينَ على منازلنا التي كانت منازلنا
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
عتمة الــيــأس ظــل يشعل مصابيح األمــل ويغنّي للعودة ،كما في قصيدته المعنونة بـــ "دار رعد" إحدى قصائد ديوانه "الناس في ليلهم" ،يقول في هذه اللوحة الشعرية التي تصوّر أجواء المكان:
وقــد ح ــاول مــريــد فــي شــعــره أن يفضح الغربة بك ّل ما فيها من أحاسيس ،ويعرّيها لمن يطمح إليها ،وحاول أن يحاكمها ،لكنّها أمل مرضه الخبيث الّذي تكاثر وتحوّل إلى ٍ ضائع ،وهو في اغترابه عن الواقع ،مُضط ٌر دائماً للبحث عن الطمأنينة في الماضي، وها هو يرسم لنا لوحة مدهشة في واحدة من قصائد ديوانه (الناس في ليلهم) ،حيث ينتقل بنا من الحاضر إلى الماضي ليحدثنا مغرقة في ٍ بلغة عن طفولته ،ويبثّ انفعاالته ٍ الشفافية والبساطة ،ضمن صــورة شعرية رائعة ،تصف واقعاً مجبوالً باأللم واألمل، يقول:
نسيت غ ْي َم الدهْ ر لحظةً ُ وعدت للطفل الذي ُ هذا ما حاول مريد البرغوثي طرحه؛ من من مَ هْ ده القوطيّ تا َه في البالدِ مُ غْ رم ًا خالل تسليط الضوء على تجربته ،وتجربة وَمُ رْغم ًا وعا ْد
من حوله من أبناء جيله في الغربة ،حين العودة وبعدها ،ورؤيــة رام اهلل وقريته بعد ثالثة عقود من المنع اإلجباريّ عن مسقط رأسه .ولم يكن شيء ،مهما قسا بقادر على انتزاع روح األمل من نفسه الشاعرة ،فمن
ويستبد الحنين بالشاعر بسبب ابتعاده عن وطنه ،فنراه يوظِّ ف أسلوب االستفهام للتعبير عــن هــذا الحنين ،بألق تصويري وحنكة نسقية في تفعيل األنساق اللغوية، فيسأل بمهارة فنيّة عالية ونبرةٍ تجمع بين العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
65
الشجى والسخرية والــســؤال عــن الغائب يربطها الفيض الشّ عوريّ ،ويختتمها بقصيدة الغريب والمكان ليبدو المشهد الشعري مهداة للشاعر محمود درويــش .أمّا الجزء بغاية المباغتة /والتفعيل النسقي ،وهذا الثاني فقد أدرج ــه تحت عــنــوان أســاســيّ األســلــوب في التفعيل النسقي ،يزيد بؤرة وهو "منطق الكائنات مرّة أخــرى" .والجزء ـص نــثــري في التخييل الشعري عمقاً وانفتاحاً رؤيــويـاً ،الــثــالــث اختتمه الــشــاعــر بــنـ ّ وللتدليل على ذلك نأخذ قوله: استذكار زوجته الروائية والناقدة المصرية
الغريب حي ُْث كانْ ُ هلْ يْرجعُ وهل يعودُ نفسَ ه المكانْ ؟
66
ويظهر الــبــرغــوثــي مــن خــال نصوصه الحديثة كما عرفناه دائماً ،أي إنساناً يسعى باستمرار إلــى تــجــاوز نفسه ويستمد من الالنهائي المفتوح أمامنا سبباً الندفاعه، بمخيلة جامحة وأحالم ٍ مستعيناً في ذلك ليله ونهاره ،وذاكــرة صورية لألشياء ،وقد نجح البرغوثي في ديوانه األخير "استيقظ كــي تحلم" فــي نقل نبض الحياة اليومية وعذاب الناس ،فهو شاع ٌر مختلف ،يبحث في المعيش اليومي وفي كالم الناس ومفرداتهم وإيقاعات حياتهم ،وهذا ما ارتكز عليه طوال حياته ولم يتزحزح عنه قيد أ ُنمله .وقد عاد من خالل ديوانه األخير إلى حيويته النابضة والــثــابــتــة عــلــى معايير الــجــمــال المشبعة بالحنين واألمــل؛ فالديوان يسودهُ الحني ُن للماضين :ابتدا ًء بمنيف البرغوثي ،مروراً بــاألب واألم واألخ مجيد ومحمود درويــش، وقوفاً في حضرة "السيّدة" والحبيبة رضوى عاشور ،التي أهدى لها مري ُد الديوان .ويض ّم الديوان ثالثة أجزاء :يتكوّن الجزء األوّل من مجموعة قصائد تحمل عناوين مختلفة، العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الــراحــلــة الــدكــتــورة رض ــوى عــاشــور ،تحت
عنوان "افتحوا األبــواب ..لتدخل السيدة"، وفي هذا الجزء يواصل الشاعر تنغيم لحنه في دفقات متتابعة كالبلورات الصغيرة أو الورود الناضرة الشائكة ،مستحضراً رفيقة
دربه رضوى ،ومعلناً انشغاله بها لتظل حية،
وليدفئها من البرد ،كما جاء في قوله في قصيدة "خلود صغير":
مُ فرداً ،شاهقاً، شرفتي غيمة دللتها السماء، أطلّ على شاطئ جنة، قال أخضرها كل أقواله هامساً ،هادر ًا فُ ستقي الذوائب ،يوشك يلمع، أخضر يرضع ،يحبو، يكاد يشيب إلى المشمشي المضيء، ويــدخــل فــي الصدئي الموشى كما قشر رمانة أوغلت في النضوج وأخضر فيه الدخاني، يهرب من زرقة خالطته خ ـل ــف أزرار ه ـ ــذا ال ـق ـم ـيــص ال ـخ ـف ـيــف، أواصل أشغال من ظل حيا :أدفئ رضوى من البرد. كما أن قصائد الــديــوان تعبّر عن اله ّم
موسيقية تبث أنغامها بــأصــداء العبارة،
إن كتابة الشاعر مريد البرغوثي كتابة تفاعلية؛ ذات خصوصية تجريبية تقوم على التداعي ،واالنفتاح الداللي ،والجمالي بين الفنون ،واألنـــواع ،والحكايات ،واألصــوات الممتدة من المعارف ،والذاكرة الجمعية، واإليقاعات ،والمؤثرات التشكيلية المباغتة التي تسهم في تعميق فضاءات المتخيالت الشعرية ،واألصــوات التي تؤكد االختالف، والتجدد ،ودوال الكتابة نفسها في صيرورتها المستقبلية ،كما أن شعره يمتاز بفاعلية التخيل في توليد الصور الشعرية؛ ورغم أن جملته الشعرية مكثفة للغاية ،إال أنها تنحو أحياناً إلى األسلوب السردي ،الذي يروي بكلمات موجزة مثقلة بالمعاني واإلسقاطات، كقوله في قصيدة (أسْ ما ُؤهُم):
طغت عليها شعرية عالية تالمس الروح ،وهي
قصائ ُد لم ينَ ْل الحز ُن من جماليتها فنياً ،فقد
تحكّم البرغوثي بشعره ،فكان من الطّ بيعيّ
أن يستم ّد مفرداته من الواقع المعاش ،من
طين األرض ومالمح الناس البسطاء ،فاللغة طيّعة له يقودها كيفما شاء /ويشكلها كيفما بحس جماليٍّ شــعــوريٍّ عميق ،فهو ٍّ يــشــاء،
يعبر بلغة شفيفة ،تثير القارئ بسالستها، وعذوبتها ،وإيقاعها الداخلي ،وكأنها نغمات لتحولّها من نسق انسيابي إلى آخر ،لدرجة
يثير القارئ إلى األبعاد اإليحائية التي تحمله الجملة الشعرية .والمتابع لقصائد الديوان يلحظ أن البرغوثي يكتب ذاته وألمه وألم اآلخــريــن ،يصوّر الحب واألســى بعيداً عن
اإليديولوجيا البائسة التي كانت سبباً في انحطاط كثير من الشعر العالمي ،ويكفي أن نُور َد من القصيدة االفتتاحية التي جاءت
تحت عنوان "خلو ٌد صغير" هذا المقطَ ع:
الشوقَ ِمن لُغتي، ها أنا اطرُ دُ ّ المكان ِ ـراف بِ ـ َكـســرِ وهــل الـ ّـشــوقُ إال اع ــتِ ـ ٌ مكانَينْ والواح ِد اث َني ِْن؟ ِ ين سم ِجسمَ ِ والج ِ ِ ومـــا يــمــيــز الـــديـــوان ه ــو ات ــس ــاع رقــعــة
الموضوعات والقضايا التي تشغل الشاعر،
وعلى رأسها القضايا الوطنية والوجودية، والــوجــدانــيــة ،فــجــاءت الــقــصــائــد مكثفة،
ومعمّقة ،وترتفع فيها القيمة األسلوبية،
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ِصيَغِ بليغة ،وتحمل رسائل عميقة اإلنسانيّ ب ِ
وإن نحا في بعض القصائد إلى األسلوب االنــفــعــالــي ال ــذي يكشف طبيعة الشاعر الثائرة ،وهذا ليس جديداً في دواوينه .أما النصي ،فقد اعتمد الشاعر ّ على المستوى في كثير من قصائده على البنى الحوارية بصيغة المخاطب ،ولكنه في معظمه جاء حــواراً ذاتياً ،وأعتقد أن سبب ذلك يرجع إلى رغبته في ممارسة الحريّة الخاصة التي يجب أن يمارسها في النص الشعري ،حتى يمن َح لنفسه القدرة على التعبير عما يريد.
لم تعد أرقامُ هُ م تصغي لصوتي في صباح القهوة األولى وأكداس الورَق أطلب منهم أنْ ُ لم أعدْ العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
67
يالقوني على المقهى حوالي السادسة إن شعرية مريد البرغوثي واضحة الرؤى، جلية المداليل ،يستقطبها القارئ منذ الوهلة األولى ،وإن هذه السهولة لم تُفقِ د نصوصه نبضها الشعوري ،وإنما ساعدت القارئ على فهمها وتأملها بعمق في مساراتها المتنوعة، لتبدو لغته متقدة ،بالوضوح المقصدي، والــرؤيــة الجليّة الــتــي يستقطبها الــقــارئ بسهولة ويسر ،وهذا ما يحسب للشاعر في كافة أعماله الشعرية أنها ذات ألق تشكيلي، ووضــوح مقصديّ ،وإثــارة مشحونة بكثافة الـــرؤى وعــمــق الــمــدالــيــل ،فالشعرية عند مريد البرغوثي -تتألق من نص آلخر ،فالنلحظ تكراراً ممضاً في قصائده ،وإنما نجد تآلفاً نسقياً يقود حركة نصوصه الداللية، لتبدو بغاية التحفيز النسقي ،واالكتناز التشكيليّ الجماليّ ،بما يفاجىء القارىء، ويكس ُر توقّعاته ،كما في قصيدة (نزاهة) من ِ ديوان (منطق الكائنات):
68
ذات تأثير قوي في العالم الداخلي للمتلقي، كــمــا أن ص ــوره الــشــعــريــة لــهــا الــعــديــد من الخصائص المائزة لها وأهم هذه الخصائص هــي إيقاعية الــصــورة ،أو بــاألحــرى اتجاه الصورة من منطلقي الماضي والحاضر إلى استشراف المستقبل ،ومن األمثلة على ذلك في شعره قصيدة (المخبأ):
الطائر األزرق الرّيش ..خذ ّ خــذ ك ــلّ أع ـيــادنــا ال ـقــافــزات إل ــى زركـشــات القرى خذ متاحف أسالفك الغامضين والقش ..خذ قلبي الهش ّ العش ّ خذ خذ رعشة االرتباك إذا ما التقى عاشقان، الصبية القافزين إلى بركة النّضج، خذ ّ وخذ ثنية الرّكبتين ..إذا حاولت مهرةٌ أن تطير، وخذ حلو ًة حنّنتنا بذيل الحصان
ويستحضر البرغوثي في أغلب قصائده الــمــوروث الــديــنــي والشعبي واألســطــوري والتراثي والتاريخي والوقائعي ،حيث يطغى قال صندوق االنتخابات التوتر والتضاد من خــال االستحضارات عداد التاكسي الغائبة والــمــدلــوالت الحاضرة التي تكون وبائع الحليب طاقات مولدة تغذي النص ،وقد أفاد البرغوثي وأنا من تجربته الغنية الحافلة /وثقافته الواسعة لو راقبتنا المالئكة والشياطين معا في اللغة اإلنجليزية من االطالع على تراث سنغشكم الغرب الشعري ،وأساليبهم المبتكرة في إن الــشــاعــر يــرتــكــز فــي تــكــراره لبعض التشكيل النصي ،من خالل ابتداع نصوص الدالالت على إحداث األثر الجماليّ للصور ،ذات طاقات أسلوبية متجددة ،تؤكد براعته، واألص ــوات ،ومــا تحويه من نغمات مجردة وتحريكها النسقي ضمن النسق الشعري
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
..يا حبيب المحبّين: إنّا امتحنّا كثيراً ،وإنّا امتحنّا طويالً، فرحماك يا خالق الحاكمين ،ويا خالق النّاس، والسوسنه يا خالق الوحشّ .. كلّما كسر البرق بلّوره في األعالي اشتهيت أقلّ قليل الحياة، فما الح لي غير موتى.. بالد ًا أسمّ يك ..أم غولةً ..يا بالدي!!؟ فهل تركت لنا فسحةً كــي نطيل البكاء ّ قلي ًال على الميّتين!!؟ وه ـ ّـا تــركــت لـنــا فـسـحــةً كــي ن ـهــيّ ء فــوجـ ًا جديداً:
وهــو عالمة مضيئة ذات إشعاع بــاذخ بهيّ
في مجموع المدوّنة الشعريّة الفلسطينية المعاصرة ،وتبقى عوالم البرغوثي أوسع
وأغنى من أن تفتحها هذه القراءة ،كما أنها
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الواحد ،وهذه الخصيصة تعد من خصائص التجدد ،ال يستقر على حال شعريّ أبــداً، النصوص البديعة ذات التكثيف اإليحائي /فيه من العاطفة الفنية الصادقة بمقدار ما والومض الشعوري العميق ،كما في قوله: فيه من الصدق الوطني والصدق الثوري،
تتطلب المزيد من الجرأة على ارتياد آفاقها والكشف عن مرجعياتها ،وربما كان الكشف عن عالقتها بالمنفى هو األشــد إلحاحاً،
إذ ما تزال طبيعة هذه العالقة وتفاصيلها
تــنــطــوي عــلــى مــا يفتح الــمــجــال لــقــراءات واجتهادات كثيرة.
ونستخلص من هذا كله ،أنه وعلى الرغم ُ
من مــرارة المنفى فقد ظــلَّ الشاعر مريد البرغوثي عظيم التفاؤل واألمل بالعودة إلى
وطنه السليب ،آمن بذلك إيمانه بالحياة،
من الذّ اهبين إليك بأكفانهم راكضين!!؟ وصــوّر صــادقـاً في شعره ،أحاسيس أبناء
وهكذا ،فقد استطاع البرغوثي باقتدار شعبه العظيم وآمالهم في التحرر؛ ومهما ووعــي كبيرين منذ مطلع السبعينيات من يكن من أمر ،فإن شعر مريد البرغوثي بسيط القرن العشرين وإلى اآلن ،أن يشق لنفسه األلــفــاظ ،سهل التعبير ،سلس التركيب، ّ مجرىً خاصاً به في أرخبيل الشعر العربي ،واضح الداللة ،يعتمد الصورة البسيطة في وظل شعره ينبجس من نفسه سلس ً ال كما تجسيد الموقف وشــرح الفكرة ،وهو شع ٌر ينبجس الماء من النبع في قلب الصحراء يتصل فــي معظمه بالمقاومة والتضحية لينشر الحياة من حوله. والفداء واالغــتــراب والحنين إلى الجذور، صفوة القول ،إن صوت الشاعر (مريد ويمثل اللهفة الحارة للعودة إلى حضن الوطن البرغوثي) صوت ثــوريّ نقيّ وأصيل ودائم السليب. * ناقد من األردن. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
69
ُ ُ الستة في رواية (الصيادون) اإلخوة ■ ليلى عبداهلل*
األدب النيجيري لسنوات مديدة مرتبط باسم الروائي "تشينوا أتشيبي"، ُ بات أبو األدب اإلفريقي ،والواجهة األوضح لولوج عالم الثقافة النيجيرية المعاصرة، والشاعر والكاتب المسرحي" وول سوينكا" الذي حاز على جائزة نوبل في األدب، وهــو أول إفريقي تــم تكريمه فــي هــذا المجال ،ينظر إليه على أنــه أفضل كاتب مسرحي في إفريقيا ،وقد لعب دورًا فاع ًال في تاريخ نيجيريا وكفاحها السياسي. لكن األدب النيجيري وعبر الترجمات الحديثة يثبت أن هذا األدب تفرّع منه غصون مورفة ،لها صوتها ،ومالمحها ،وخصوصيتها األدبية ،وعلى رأس من برز عالم ال يؤمن بقوة النساء ،بل ال نسائي في ٍ ٌّ حكائي ٌّ صوت ٌ نوعهِ ، صوت فريدٌ في ِ ٌ يؤمن بمدى فاعلية وجودهن .وهنا ،تكمن الغرابة ..لكونها امرأة تنافس الرجال في الكتابة في مجتمعات تغدو مكانة المرأة فيها في الحضيض ،كما أشرنا آنفً ا، هذه المرأة هي الروائية "تشيماماندا نغوزي أديشي". تقول عن نفسها" :أدركت أن أشخاصا 2015م. مثلي -فتيات ،بشرتهن لها لون الشكوالتة، روايته "الصيادون" ..تتحدث عن عائلة والالتي ال يمكن عقد شعورهن المفلفلة نيجيرية من قبيلة اإلغبو؛ أبٌ يعم ُل في على هيئة ذيل حصان -يمكن أن يظهرن البنك النيجيري الوطني ،وأ ٌم تعم ُل أيضا في األدب أيضا .فبدأتُ الكتابة عن أمور في متجر ،لهما ستة أطفال ،هم :إيكينا، أعرفها". وبوجا ،وأوبمبي ،وبنجامين ،والصغيرين
70
األدب النيجيري يظل يفاجئ القارئ ،ديفيد ونكيم. هو أدب والّد وخالّق ،ها هو يدهشنا باسم أســرة تعيش بــود ،وتسود روح األخــوة جديد ،له حسّ ه الخاص ،يــروي حكايات والمحبة بين أفرادها رغم صرامة األب من صميم المجتمع النيجيري ،وتطلعات الدائمة ،لكن كل شيء ينقلب حين يسافر هذا الشعب نحو مستقبل فريد في نوعه األب للعمل فــي مــكــان بعيد عــن البيت وله خصوصيته ،هذا الصوت هو الروائي وتغدو زيارته أسبوعية مع األيــام ..تصير الشاب "تشيغوزي أوبيوما" وروايته العامرة كل أسبوعين ،فيخرج األخــوة للصيد في بالتفاصيل "الصيادون" وصلت إلى القائمة غــيــاب األب وانــشــغــال األم فــي عملها، القصيرة لجائزة مان بوكر البريطانية عام يحملون صنانيرهم للصيد في نهر تالحقه العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
الــشــائــعــات عن لــعــنــتــه ،ويــبــقــى األمــــــــــر ســــــرًا حـــتـــى يــكــشــف أم ـ ــره ـ ــم لـــأم عن طريق جارة تـــتـــعـــرف عــلــى أبنائها حيث هم قابعون للصيد، تتكشف الحكاية وي ـ ـ ــت ـ ـ ــع ـ ـ ــرض األخـــوة للعقاب عــلــى يـــد األب الصارم والسيما أكبرهم إيكينا، الـــــــــذي يــمــثــل ثقل الرواية وعقدتها األكبر ،ويستحيل من أخ طيب وحنون إلــى مسخ حقيقي بسبب نبوءة يطلقها رجــل مــعــروف بالجنون ،رجــل يدعى "أبولو" الذي يصادفونه عند النهر ،حيث كانوا يصطادون ،هــذا الرجل الــذي عــرف بالغرابة واشتهاء النساء ..حتى أنه يغتصبهن على مرأى من الجميع دون أن يجسر أحد على التعرض له خوفا من إطالق لعناته التي تصيب غايتها بمجرد ما يخرج من فمه ،هو نفسه الذي يفاجئ ايكينو بنهايته ،بموته على يد أحد الصيادين، فيعيش ايكينو على وهم أن الصيادين الذين سوف يقتلونه هم إخوته السيما " بوجا" الذي يصغره بعامين ،فهو في الخامسة عشرة وبوجا في الثالثة عشرة ،تبدأ هنا بداية المأساة التي تحيق بالعائلة كلها وتدمرها ،بدءًا من معاداة ايكينو أخيه "بوجا" ،تتملك عليه فكرة هالكه على يديه وهــذا ما سيحدث ،الخيال السيئ الذي ينهيه حقا على يد أخيه "بوجا " بعد عراك
عنيف في أحد الصباحات ،حيث ال أحد في البيت سوى "أوبمبي" و"بنجامين" اللذين يسعيان لرجل بالغ ليفك بين األخوين المتعاركين ،لكن حين يعودان مع المساعدة يكون كل شيء قد انتهى ،ايكينا يسبح في بركة من الدماء الحمراء كما تنبأ المجنون " أوبولو" ،و"بوجا" يختفي عن األنظار سرعان ما يجدون جثته المنتفخة من ماء البئر حيث أوقع نفسه! استعان الروائي لسرد حكايته بصوت واحد، الراوي هو "بنجامين" أو "بن" الذي يدفع ثمن صــراع أخوته طــوال الــروايــة ،ويدخل السجن ليقضي فيه ستة أعوام؛ فبعد موت أخوته يعزم "أوبمبي" على االنتقام ألخوته من المجنون "أب ــول ــو" ،ويمضي فــي انــتــقــامــه ،ويقنع أخيه الصغير "بن" الذي يصغره بعامين ،حيث يكون في الثانية عشرة ،وحين يتم فضح جريمتهما يختار "أويمبي" الفرار بينما يختار "بن" البقاء؛ إكراماً لوالديه ..السيما أمه المكلومة .فيقع في قبضة القضاء ،ويقضي مدة عقوبته في الحبس حتى يبلغ السن القانونية. "الــصــيــادون" رواي ــة مــروّعــة ،تعكس صــراع األخ ــوة ،وكيف أن المحبة قــد ال تشفع حين تتنامى األوهام العبثية في العقول وتتمكن منها كل ّيًا ،تجرف معها كل شيء ،فال تخلف وراءها ســوى الدمار القاتل ،الدمار المهول ،الدمار يوشم الذاكرة ندوبًا في األفئدة المحطمة. رواية تمثل الوطن وخالف أبنائه فيما بينهم رغم أنهم متوحدون في كل شــيء ،وأرضعتهم األم نفسها ،وكانوا يهتفون باسم األب نفسه، لكنها األوه ــام والمطامع التي تدمر الكيان اإلنساني وتحطم أواصر المحبة لتكون النهاية مأساوية ومدبوغة بلعنة أبدية!
* كاتبة من عُمان مقيمة باإلمارات. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
71
ُ شعرنة األلم في ديوان "جنازة الغريب" لعبداهلل السفر ■ هشام بنشاوي*
يغمر نصوص أضمومة الشاعر عـبــداهلل السفر "جـنــازة الـغــريــب" شعور أليم بــالـغـبــن واالغـ ـت ــراب ،وك ــأن صــاحــب "يـفـتــح ال ـنــافــذة ويــرحــل" يصغي إل ــى نحيبه الجوانيّ المكتوم ،وقد كتبت هذه النصوص الشعرية بــروح متمردة ،ونبرة حزن وجودي ،وقلق ّ فادح ،تتأرجح بين "قلق التجريب وطمأنينة المحاكاة" ،تشي بألم أنطولوجيّ يسكنان الذات الشاعرة ويعتصرانها؛ والسبب "لوعة الغياب" الضارية، التي يتكشف عنها رحيل األحبة ،واألشياء الجامعة مع من غادر أو بقي ،لكن زمن التحوالت جعله برسم المغادرة ،واختفاء األمكنة وعوالم الطفولة؛ كل ذلك حفر بابًا للنزيف وفتحه ،وال سبيل لرده وإحكام الرتاج" .وربما هذا ما يضرم من جهة غير معلومة روح االحتجاج و(الـحــرد) لعل غائبا يعود أو طيفه؛ يلطف جهامة الفقد والنقص الــذي يثغر الـفــؤاد والجسد" ،كما صــرح بذلك الشاعر في أحد حواراته. فـ ــي ن ــص ــوص "جــــنــــازة ال ــغ ــري ــب" األلم والوحدة ،ويطلب اللجوء الوجداني
يحتفي عــبــداهلل السفر بالتفاصيل ،إلــى الطفولة ،الزمن البكر الجميل.. التي تستوطن ذات الشاعر ،المتخمة ويرثي الزمن الحاضر ،الرتيب والكئيب،
بالحنين" ،وتحكي للعابر سيرة الجرّاح" ،بــ"لغة مسترسلة ،تقوم نواتها الداخلية وهو ينهل من معين التجربة اإلنسانية ،على ســرد نــاقــص ،تغيب فيه الحبكة
72
يهرب من رتابة اليومي ،وقتامة سجن ويحضر الترميز". العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
والعنوان العتبة يلعب هنا وظيفة اإليحاء بالطقس الشعري الــعــام ،وفــي اآلن نفسه يختزل العالم في عبارة تحفّز على البكاء، بتعبير د .إبراهيم الحجري" ،والموضوعات النصية متعددة ،لكنها في الغالب توحي بهذا اإلحساس :األثر المحزن الذي يبثه طقس إقامة جنازة لإلنسان البراني ،بعيدا عن ال على وطنه ،الــذي قد يكون مجازًا محي ً المغترب الفعلي ،وحينما يصدر الديوان بهذا الــدال الرمزي الغني ،يصبح له طعم مــرارة خاصة ،تختزل مساحات هائلة من الحزن واألسى واأللم". وبنبرته الكئيبة ،المتشائمة ،يسحبنا عبداهلل السفر إلى أتــون عالمه الداخلي، فنصغي إلى نحيبه الخافت ،المدعّ م بثراء الصورة ،وزخم العاطفة ،وكثافة الموضوع. وعلى رغم اعتماده تقنية التداعي السّ ردي الحرّ ،إ ّال أنّ بصمته كصانع استعارات ظلّت مهيمنة ،حتى إننا نظنّ أن هذا األلم الوجودي ال ــذي يعتصر األنـ ــا ،وتـ ــدور حــولــه معظم القصائد ،كما يقول عابد إسماعيل":ينب ُع أساساً من اللّغة التي تتضوّر وتبكي وتنتحب، فــي الــقــصــيــدة الــثــانــيــة "يــخــلــون سرير متجاوز ًة القلب المكلوم الذي يدقّ من خلف مــحـ ّبــتــهــم" ،يــســتــعـ ّد الــمــتــكـلّــم لطقس من الحروف". الهجران الطويل ،وتطل األشرعة الممزّقة هذا الشعور بالال إنتماء يفتتح القصيدة على الشاطئ ،إيذاناً بسفر غامض ،ويتهافت األولى "عبير النعناع" ،ويرسم طقساً فاحماً ،الــعــالــم بــر ّمــتــه إلــى مــراكــب مخلّعة ،حيث المهاجرة":ريش ٌ الغياب يطرّز شغاف الروح يقلق طمأنينة الذات في العالم: يحط .يأتيه الدّمع من ك ّل ّ ـف في الهواء .يثقلُ. "كـ ــان ل ـ ّل ـيـ ِـل كـثـيــرٌ م ــن الـجـمــر لـيـضــاعـ َ يحط". ّ المهب الجميل /كنا على مكان .يثقل. ّ الهبوب /.كنا في
هــذا الــتــكــرار للفعل الــمــاضــي الناقص ومــرادفــاتــه ،يشير إل ــى أزم ــة الــكــائــن في الــكــيــنــونــة ،حــيــث تــتــحــول الــلــحــظــة حــدث ـاً يمضي باستمرار ،ما يسهم في رفع وتيرة النوستالجيا فــي الــديــوان ،ويــع ـزّز مسافة التوتّر بين األنا وموضوعها؛ فتكثر إشارات الحنين والوحشة والفقدان" ،كأن الزّم َن لم يكن"!
ربوة مختلسة /كنّا نحضنُ أيامنا".
في قصيدة أخرى ،أكثر ذاتية ،في عنوان العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
73
"المنسي في دفتره ،وحيداً" ،يتصاعد هذا في اللفظ وتسرف في الــداللــة واإليــحــاء، الــشــجــن ،وتــبــرز رغــبــة الــنــزول إلــى قيعان بــل إن اإلحــســاس بالزمن هــو مصدر آخر الجحيم ،ورسم صورة دامية لمصير اإلنسان لشاعريتها. على األرض":الهاوية تلته ُم روحكَ ،والصورة وهي بدورها مصدر ثرٌّ للحياة بحضورها مخلوع ٌة من مائها" .هذا الدوران حول الذات ،الكثيف في نسغ المجموعة .األلم والجفاف والتشرنق حولها ،يسهم في ابتكار رومانسية وسواهما مــن الــمــفــردات التي تقترب من تشاؤمية ترى العالم جحيماً قوامه القحط معناهما عنده ،تشير بصور كبيرة إلى الصلة واليباب .تبكي الــذاتُ خسرانها لمركزها، بهذا اإلحساس ،ولكنها إشارة تح ّو ُل المفردة وترثي األرض التي هوت عن محورها ،أو إلى رؤيا تشد النص إلى نفسه ،وليس إلى سقطت عن قرنيّ الوحش ،وغرقت في ظالم مجرد لحظة عابرة؛ أي أن مفردة األلم على الخطيئة" :بــا بوصلة .بال مرفأ .يتركُنا سبيل المثال ال تتموضع في النص بوصفها الوحش" .حتى إنّ الذات تتعرض لالنشطار مفردة ال تتجاوز دالالتها الجملة الشعرية، الداخلي ،وتصبح مــطــارد ًة بالفخاخ ،حيث وإنما تتموضع بوصفها نسيجاً من المجازات أمــام كـ ّل خطوة حفرة ،وفــي كـ ّل ليل شبح: تتلون داللتها بتلون مــســار الــنــص نفسه؛ حط قدماً ،تناهبته الفخاخ .واندلعت "كلما ّ وبالتالي هنا ال يكون األلم تعبيراً عن مجرد شفة الهذيان عن أشباح يخطّ ون المراسيم". تفجّ عات ضد مثالب الحياة وقسوتها ،وإنما إن األنا المغتربة ،المفكّكة ،المنزاحة عن هو تعبير عن موقف ضد األلم نفسه بحيث مركزها ،تجد نفسها دوماً سابحة في فراغ يتخطى به من داللة األلم الجسدي إلى ما الالمعقول ،طافية على سطح الوجود ،مثل يمكن أن نسميه بـــ"داللــة األلــم الشعري". قشة في مهبّ الريح ،حيث تتفتّت الموجودات انــظــر إل ــى نــص"تــســديــد األلـــم فــي مرمى إلى صور غائمة ،ضبابية ،محكومة برحيلها األحبة" ،وكذلك نص"الجرة" فهما يشيران الوشيك ،ما يعيد إلى الذهن تلك األجواء إلى ذلك بوضوح. المكفهرّة لعوالم سارتر التي تتّسم بالعبث إن ضــغــط اإلحــســاس بــالــزمــن وم ــن ثم والقسوة ،حيث الكائن اإلنساني يولد في فراغ ،ويعي مصيره المأسوي عبر سقوطه بالحياة على اعتبار أن األول ــى هــي آلية التدريجي في وحل الالمعنى .هذا ما يشير الحركة للثانية ونبضها ،ال تكف عن العمل إليه السفر في حديثه عن بطله المهزوم ،بطرق ثالثة جميعها تفضي إلــى شاعرية األنفاس عبداهلل السفر في مجموعته سالفة الذكر. ُ قــائـاً" :يفضح ُه ال ــدوار ،تكش ُف ُه أولــى الطرق اإلحــســاس بزمن األصــدقــاء، المخذولة .تغيم الوجوه في الضباب"(.)١ ثانيها اإلحساس بزمن األمكنة والطفولة، ويــعــد محمد الــحــرز شــاعــريــة نصوص "جــنــازة الغريب" ال تُــمــدح مــن كونها فقط وثالثها اإلحساس بزمن تحوّالت الذات(.)٢
74
تشد خيط المخيلة عالياً ،بلغة تقتصد كثيراً
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
إن أنـ ــا شــعــريــة مــوصــولــة بــخــصــالــهــا
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
األونطولوجية العالية ومنذورة لزمن شعري مستحيل لتنوجد مــورّطــة في زمــن أرضي يقتضي منها اعتناق مواطنة أرضية صالحة وخانعة ال ينغّص عليها قلق كياني خالّق أو ارتجاج روحي صميم؛ مّا يصنع وجدان األنــوات األصيلة ،المتطلّبة ،مواطنة يتخذ فيها المعيش نكهة موت مقسّ ط أو باألدقّ ، دربة على موت عن اآلخر لن يفلت ميقاته المرصود ،يخبط خبط عشواء في رهافة خــزف الكينونة ويعيث فتكا فــي األب ــدان والمهج ،أنــا شعرية كهذه ليس من مخرج الصلد تلتف على زمنها ّ أمامها ،إذاً ،سوى أن ّ امتصاصا منها لسطوته ً هــذا ،أن تــنــاوره، وتــجـ ّبــره ،وذلــك باستالل بــرهــات حميمة، الصداقة الــوارفــة وتــزدهــي ببهاء تغمرها ّ االستذكار ،يؤثّتها الحلم الحبوري وتتدثّر بشجيّ الغناء ،تحفر في جسد اليومي ،الذي يلبس داخل هذه البرهات الخاطفة لبوسً ا كون ّيًا مستعرا ،إذ " ..اليومي في قصيدة النثر ( )...يمثّل الجوهر وليس العرض ()... وهو بمثابة ذلك يع ّد مدخال لقراءة الوجود بالكامل ،من زاوية كونه يحقّق مقاربة تقوم على تحويل اليومي إلــى كوني وبالعكس"، ســبــا بــديــلــة إل ــى الــطّ ــزاجــة ،االعــتــفــاف، والمحبّة ،المضمخّ ة بعبير نعناع مقتطف من نضارة فردوس الدّخيلة .ال من بوار وقحط زمــن أرض ــي .قــد يتقنّع بقناع نــادل يدمن محو الكينونات .واإلعفاء على آثارها الدّالة والجميلة:
هبطت الذكريات. ن ـع ـيــد ت ــرت ـي ــب ال ـم ـش ـه ــد .ن ــرف ــع الـقـطــع الذّ ابلة من السنوات نصب زبدة المشاعر ّ نرفو ما كان مهترئا. ليلمع المكان فتفيض أنواره ................................ إبريق الشاي يوشك على النفاد أع ــواد الـ ّنـعـنــاع تــرتـخــي أعـنــاقـهــا فــي قعر الكؤوس اب ـي ـضــاض الـفـجــر يبلغنا تـعــب ال ـن ــادل. وفوطته تكنس الرّاحلين. عبثا نقاوم دارت كؤوس الشاي .طاف عبير النّعناع .نـج ـ ّر أقــدام ـنــا .نـعـلــم ،يـقـيـ ًنــا ،أنّ الـنــادل سيكنس ما بقي ومن كلّ فجّ العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
75
76
مـ ّنــا ماكثا مــن أثــر ك ــؤوس الـشــاي وعبير والزّعتر .." ،فنصوص السّ فر تتوارى خلف النّعناع( .قصيدة "عبير النّعناع" ،ص .)8-7لغة شعرية صالتها رحيمة بالمكان وثقافة المكان والشاعر مسكون بصوت تلك اللغة وبالمثل ،ون ــزوالً عند مشيئة القصيدة ( )...صورته الشعرية طافية برماد المكان(.)٣ لمكانيّتها المستهامة ،فــإن "أن ــا" شعرية مــن قصيدة" :هــا أنــت على المشارف" مجبولة على خصالها تلك لــن تــتــورّع عن التأفّف من مكانها األرضــي الممنوح ،من نقرأ: تترجل في الغبار ّ مسقط رأسها الرمزي الذي ليس أكثر من مــاذا كنت تظن ،وأنــت صحراء مترامية ،بياض حالك ،من انفصاح وتدفع بقدميك في أرض تميد. وتلغّز فــي آن مــعـاً ،وذلــك ح ـ ّد االنصعاق، ح ـ ـ ــراس ـ ـ ــك الـ ـ ـ ــوحـ ـ ـ ــدة وبـ ـ ـضـ ـ ـع ـ ــة وج ـ ـ ــوه فتستعيد الــذات الكاتبة ،من موقف التآزر ت ـس ـت ـح ـضــرهــا م ــن ه ـم ــس ال ـ ـ ــورق بـحـبــر مــع أنــاهــا /قناعها الشعري ،عين التّمثل باهت؛ الفجائعي العتيق الذي كان أن انبثقت منه قصائد أولئك األسالف المبهرين ،النّيرين :ي ـخ ـف ــى ..ي ـت ـخ ـفــى ح ـت ــى ع ـن ــك .أتـظـنــه امــرؤ القيس ،الــحــارث بــن ح ـلّــزة ،النابغة الـعـمــر ه ــذه الـكـتـلــة ال ـتــي تــداري ـهــا وهــي الــذبــيــانــي ،زهــيــر بين أبــي سلمى ،طرفة تنفش ريشها ـصــلــت..؛ وهم ال ـ ــذاوي ال ــذاه ــب ف ــي ال ــرم ــاد واالت ـس ــاخ. ابــن العبد ،أمـ ّيــة بــن أبــي الـ ّ يموضعون الكالم الشعري موضع ندّية بإزاء سوف تعجز .يضربك العجز .هل نظرت وحشة وشراسة صحراء في هول صحراء إلـ ــى الـ ـي ــدي ــن ،شــقّ ـق ـه ـمــا س ـ ــواد ال ـت ـعــب. شبه الجزيرة ،أو األحفاد النّجباء ،من أمثال س ــددتَ السهم إليهما تحمالن الحطام الــشــاعــر اإليــطــالــي جويسيبي أونغاريتي م ــن ب ــاب ال ـع ــام إل ــى ب ــاب الـ ـع ــام .ال ـشــرخ (قــصــائــده فــي صــحــراء مــصــر) والــشــاعــر طويل وموجع. الــفــرنــســي لـ ــوران غــاســبــار (قــصــائــده في تـ ـق ــف بـ ـجـ ـن ــاحـ ـي ــن ضـ ــاوي ـ ـيـ ــن وسـ ــريـ ــرة صحراء تونس) ،وهم يستمرئون معضالت مـشـقــوقــة؛ ن ـثــارهــا ب ـعــدد أوراق التقويم راهــن الوجود اإلنساني وكبريات مؤرّقاته محقونة في تراحبها وصمتها الميثولوجيين .هكذا بالخيبات النتظار ما عاد انتظارا سوى تتراكب ،في الموقف الشعري الذي يعنينا، أنك تعوّدت على طعمه الم ّر فالتان اثنتان ،فالة مسقط الرأس الرمزي وحيث انمساخ المكان وتحوّله ،ضـ ّداً على كشايك الذي تقترفه كل صباح مخلوطا ما تودّه له الذات كموئل للذاكرة ،إلى مجرد بمرارة التكرار خراب مبهرج ،اصطناعي ،ومرسمل تلطّ خ ومـقـعــد الــوظـيـفــة س ـتــرة األوالد ولقمة فيه عفونة النّفط نــداوة النخل واليقطين الحياة. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
تدفع بالمتكأ وتهمس للريح أن تضمك تطويك إلى غير هذه األرض.
مــن ب ــرد يتفلت مــن ورق الـتـقــويــم ينيخ عليك ورقة إثر ورقة.
تـ ـق ــف ..زادك ال ـل ـع ـث ـمــة وب ـح ــر ال ـح ـيــرة ي ـص ـف ـعــك ب ـم ـل ـحــه أيـ ـ ــة حـ ـف ــرة ج ــدي ــدة ك ــأن أيــامــك لــم ُتــرصــد إال لليل يتنفس ال ـ ـعـ ــراء ي ـق ـ ّل ــب ه ـ ــذا الـ ـن ــائ ــم فـ ــي ذهـ ــول تستضيف أيامك.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
ت ـت ـع ـقــل كـ ـثـ ـي ــرً ا ق ـب ــل أن ت ــرك ــل الـمـقـعــد عـلــى ط ــاول ــة ال ـم ـنــادمــة وال ـح ـكــايــة الـتــي وت ـل ـت ـمــس هـ ـ ــواء ال ـج ـن ــون لـ ـم ــرة واحـ ــدة أزه ــرت قـبــة؛ حبستها أضــاعً ــا تقيك ما وحيدة يلي
أح ـ ًّـق ــا ب ـقــي ل ــك أيـ ــام ت ـس ـت ـضــاف .لكنها الصحوة واالنتباه؛ أنه ال يمر. حفرة وعليك أال تستمهلها وأال تطمع ..فــي هــذه الحلكة أنــت الــمُ ـبــدد فــي سرير
ت ـع ــرف مـهـمــا داورت وأبـ ـط ــأت الـخـطــى؛ الوحشة ال بريق ال رنين. فالحواف الزلقة تجذبك بدبقها ه ــو الـحـنـيــن فـحـســب ف ــي ه ــذه الـحـلـكــة، الذي حسبته يوما العسل والبهجة وحلو عبرتَ النهر مرة وإلى األبد، القطاف. كـ ـ ـ ّن ـ ــاس ال ـ ــذك ـ ــري ـ ــات ي ـت ـق ـص ــى أوراقـ ـ ـ ــك أقـمــت عند شـجــرة مسلوخة تــدعــي أنها بممسحة ومقص وبرميل
عمرك تنفض عليك صفرة األوراق
تتداعى لهبوب ال يستره ثوبك المشقوق .وتهيل وجوها قضت في النسيان. المنديل الرطب ال يجف أبدً ا من الوداع .ه ــا أنـ ــت ع ـلــى ال ـم ـش ــارف ال تـنـتـظــر من تهزه مرات تلوح به في مرارة الهواء يدفعك
ح ـ ـيـ ــث ال ـ ـ ـعـ ـ ــابـ ـ ــرون يـ ـحـ ـمـ ـل ــون شـ ـم ــوس ضحكاتهم وظالل األيدي التي استرخت النفس الفقيرة .أُلهيةُ األمل وضجره. ُ طوي ًال حفيف الورقة األخيرة. ُ ورقةُ التقويم.
* كاتب من المغرب. ( )١عابد إسماعيل ،الشاعر السعودي عبداهلل السفر في ديوان جديد" .جنازة الغريب" بين قلق التجريب وطمأنينة المحاكاة ،جريدة الحياة ،الرياض 2 ،يوليو 2008م. ( )٢محمد الحرز ،جنازة الغريب ..االرتفاع بالواقع إلى مصافي المخيلة ،جريدة الحياة ،الرياض 5 ،مايو 2009م. ( )٣بنعيسى بوحمالة ،نداء الهاويّة ،مقاربة لديوان «جنازة الغريب» لعبداهلل السّ فر ،جريدة العلم ،الرباط8 ، مارس 2011م. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
77
ٌ ٌ موضوعية على رواية لمعات
النمر األبيض ألرافيند أديغا الهندي ■ محمد منصور الهدوي*
"النمر األبيض" الرواية الهندية الحائزة على البوكر عام 2008م ،وهي بداية كتابات آرافيند أديغا الكاتب الهندي ،والتي تعد بداية موفّ قة للغاية ،وقد اختار موقعً ا من الهند وجانبا من الحياة الواقعية التي لمسها ،فأراد إخبارنا بما في الهند من مجاعات وفقر وحــرمــان ،بكلمات مستوحاة من الحقيقة تحدث عن طبقات المجتمع ،فمنهم مَن يعيش على هامش الحياة! ومنهم مَن ال يستطيع توفير وجبة واحــدة ليومه؛ في المقابل ،ثمة فئة تعيش الثراء الفاحش ،ببطل صبي يكافح من أجل العيش ...فالرواية بمثابة حكايات إنسانية تكشف عن واقع مرير وفساد مشبع بالمؤامرات، الــروايــة لها طــابــع خــاص يتميز به
الكاتب مــن تفرد فــي الــســرد ومحاكاة
األلم عبر حروف بسيطة سلسة للقارئ وإن كان صغيرًا فحسب! وهنا أحاول أن
أتجاذب أطــراف الحديث نحو أبعادها الموضوعية ومحاورها المركزية كما يأتي:
البرطلة في الهند
78
يعرض أرافيند أديغا طوال سرد بالرام العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
خالل روايته الممتازة "النمر األبيض" أو الهند في زمن التحوّالت باستمرار انــتــشــار الــفــســاد فــي جميع مؤسسات الــهــنــد؛ ف ــال ــم ــدارس والــمــســتــشــفــيــات والشرطة واالنتخابات والصناعات وكل جانب من جوانب الحكومة فاسدة تمامًا! فــي حــيــن أن مــمــارســات مــثــل الــرشــوة واالحتيال شائعة تمامًا .نهج بالرام في هذه الحقيقة ينطوي إلى حد كبير على دعابة ساخرة للغاية .ومع ذلك ،هناك
العولمة أو الوافدين األجانب الهند التي وصفها بالرام في خضم تحول كبير ،بشرت جزئيا من قبل ظهور العولمة. وتجد الهند نفسها على مفترق طرق التطورات في ميادين التكنولوجيا واالستعانة بمصادر خارجية ،حيث تتكيف البالد لتلبية احتياجات االقتصاد العالمي .يعترف بالرام ويأمل في ركوب هذه الموجة من المستقبل مع شركته البيضاء النمر سائقي تكنولوجيا األعمال فــي بنغالور ،ولكن هــذه الــقــوة مــن العولمة لديها عنصر أغمق بالنسبة له أيضا .فهو يهدد ويحرم أولئك الذين يلتزمون بالطريقة التقليدية للحياة ،مثل أسرته في الكسمانغاره. وبالتالي ،يجب عليه تغيير مَن هو من أجل المنافسة في هذا العالم الجديد .وبالتالي، يستحضر أديغا بشكل واضح التوتر بين الهند القديمة والجديدة؛ ما يشير إلى أن النجاح في هذا العالم (كما فعل بالرام) يتطلب موجة من التنازالت األخالقية والشخصية.
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
عنصر قبيح إلى قوس شخصيته .من أجل الهروب من "الظالم" والدخول في "النور"، يجب أن يصبح بالرام نفسه جــزءًا من هذا النظام؛ ومن ثَمَّ ،فإن فوزه مرموق .في حين أنه نجح في رفع وضعه االجتماعي ،فإنه ما يزال يعيش في بلد مشلول بالفساد؛ ما يحول دون حــدوث تقدم حقيقي .يبدو أن نقطة أديغا النهائية هي أن الفساد يولّد بالضرورة الفساد ،إال إذا كان هناك ثورة أكبر تستعيد المجتمع.
الــحــراك االجتماعي في التسلسل الهرمي االجتماعي الجديد في الهند .بعد أن عثر على فيجاي مــن الطفولة ،يعترف بــالــرام بإمكانية التحرك صعودًا في العالم ،ولكن عليه أن يــواجــه واق ــع هــذه الــحــركــة طــوال قصته .واحدة من القضايا الكبيرة هي كيف تغير النظام االجتماعي في الهند .في ظل نظام الطبقات ،مصير الناس كــان محدداً سلفا ،لكنها كانت سعيدة ،معتقدين أنها تنتمي إلى مكان ما .ومع ذلك ،فإن الهيكل االجتماعي الجديد يعد بإمكانية الحراك االجتماعي ،ولكنه في الواقع ال يقدم سوى قسمين اجتماعيين :األغــنــيــاء والــفــقــراء. ويحتفظ الفقراء في حالة أبدية من الخضوع والعبودية لألغنياء من قبل اآللية التي دعاها بالرام ب "الديك التعاون" .ومع ذلــك ،فهي اآلن أكثر سعادة؛ ألن هناك إمكانية للحراك االجتماعي التي ما تزال مع ذلك من متناول أيديهم .يجد بالرام في نهاية المطاف وسيلة للكسر من كوب الديك ،لكنه يتطلب منه أن يطعن في أخالقه وشخصيته -عليه أن يقتل سيده ويخون عائلته .إن الحراك االجتماعي هو شبح يتم القبض عليه فقط من خالل هذه الوسائل الصعبة ،هو تعليق على الواقع المؤسف لعالم يبنى أكثر على القيود من اإلمكانية. الهوية
النمر األبيض هو إلى حد كبير قصة من األزياء الذاتية ،كما تمر بالرام رحلة تحويلية الحراك االجتماعي لبناء هويته الــخــاصــة .مستوحاة مــن بطل يناقش بالرام في كثير من األحيان قضايا طفولته ،فيجاي ،الذي ارتفع أيضا من خلفية العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
79
80
متواضعة لتحقيق النجاح في المستويات العليا من المجتمع الهندي ،بلر يكرس نفسه لتحسين الــذات ،لدرجة أنــه على استعداد لتدمير ال ــذي كــان مــرة واحـ ــدة .وهــو يرى الهوية كسوائل وقابلة لالرتداء ،وهي حقيقة موضحة مــن خــال العديد مــن التغييرات التي يستخدمها في جميع أنحاء القصة .في نهاية المطاف ،حتى أنه يختار هوية جديدة لنفسه في التقليد من سيده ،ودعــا نفسه أشوك شارما .ومع ذلك ،فإن الرواية مليئة بالسخرية المذهلة التي تكشف عن أن بالرام ال يمكن أن ينكر تماما الشخص الــذي كان في السابق .وهو ما يزال مليئا بالذنب الذي لم يتم حله والخرافات اإلقليمية ،يذكرنا بأنه يعتقد نفسه ليكون فــوق القيود األخالقية في حين أن الهوية قد تكون مائعة تماما، والقانونية للمجتمع .أديغا يطرح سؤاال من فإنها أيضا غير منقولة تماما أيضا. خالل بالرام :هل نلوم المجرم على قراراته، األخالقيات أو أننا نحاول أن نفهم تلك القرارات كردود فــي نهاية الــمــطــاف ،النمر األبــيــض هو فعل على مجتمع قمعي وتقييد مفرط؟ على حكاية عن األخالق؛ ما يشير إلى أن األخالق افتراض أن القارئ ليس لديه إجابة نهائية، يمكن النظر إليها إما جامدة أو مرنة .تحتضن يقترح أديغا أن األخالق هو مفهوم السوائل بالرام في نهاية المطاف الخيار األخير .من وغير المثبتة. أجــل تبرير قتل أشــوك والمخاطرة بحياة أزواج وثنائيات عائلته ،يطور بالرام نظاما أخالقيًا بديال. الــنــمــر األبــيــض يــزخــر بــحــاالت األزواج وهو يفسر أن المال الذي يسرقه من أشوك هو حقه ،ألن الخدم يستغلهم األغنياء ،ويقنع المزدوجة والثنائيات ،كل منها يقابل نصف نفسه من استثنائيته باسم "النمر األبيض" من االنــقــســام الــمــركــزي :نصف الهند الغنية أجل ترشيد قراراته .االعتقاد أنه هو الوحيد والفقيرة .بالرام يطرح الهند كما كسر إلى الذي استيقظ حقا إلى حقيقة "روسر كوب" ،قسمين" ،الظالم" و"النور" .ومن أمثلة األزواج وقــال إنه يشعر مضطرًا لتغيير حياته .في التوأمة من كل من هذين النصفين" :الرجال هذا المعنى ،أصبح بالرام نسخة من نيتشه ذوو البطون الصغيرة" و"الرجال ذوو البطون "أوبيرمنشش" ،أو اإلفراط في الرجل ،الذي الكبيرة"؛ المستشفى الذي يموت فيه والد العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
بالرام ومستشفى المدينة الذي زاره اللقلق؛ الحالة األخيرة وجد السلطة لتكون ممثلة للـ عاهرة شقراء جميلة زارها أشوك والقبيح" ،ضوء" أكثر حظا. عاهرة شقراء "فو" التي استأجرها بالرام؛ األسرة والمبنى السكني في دلهي وأربابها أربــاع األسرة الهندية الممتدة تلعب دورًا مهما أدناه؛ وإصدارين من جميع األسواق في الهند (واحد لألغنياء ،وأصغر طبق األصل للخدم) .بشكل ال يصدق في الطريقة التقليدية للحياة أهم هذه األزواج التوائم هي ،بطبيعة الحال ،في الظالم .األسرة هي الوحدة االجتماعية أشــوك وبــالــرام أنفسهم .تقول إ ّن بــالــرام ،األس ــاس؛ لــذلــك ،مــن المتوقع أن يتصرف جميع أعضائها مــع التفاني نــكــران الــذات الراوي ،ينظر إلى العالم على أنه منقسم إلى لمصالحها .على الرغم من أن الفقراء ينظرون نصفين .وهو يكشف إلى أي مدى أدى القمع ظاهريًا إلى هذا البناء بوصفه قوة ،ويأتي إلى تدمير رؤيته للعالم. بالرام فيرى أنها طريقة أخــرى من خاللها وهناك وسيلة أخرى تستكشف أديغا هذا يتم احتفاظ الفقراء في "الديك التعاون". الموضوع مــن خــال مــرآة الــرؤيــة الخلفية أوال ،توقعات األسرة فرض القيود التي يمكن الرمزية ،التي تضاعف كل شيء من خالل أن تلغي الطموح الفردي (كما يفعلون تقريبا انعكاس ،وبالتالي تعمل كقناة للمواجهة بين مع بالرام) .وعالوة على ذلك ،بما أن عصيان أشــوك وبالرام .هذه الصورة بالذات تشير العبيد ي ــزور عــائــلــتــه ،ف ــإن الــخــدم يظلون إلى أن الهوية يمكن نقلها عبر االنقسام -محاصرين بأهواء أسيادهم؛ ويصبح التنقل يمكن للمرء أن ينتقل من منطقة إلى أخرى .االجتماعي مستحيال .من أجل تحرير الحياة وهــنــاك ح ــاالت أخ ــرى مــن االزدواج ــي ــة في والعيش ،حياة رجل أعمال ناجح في بنغالور، النص تسلط الضوء على مدى تحول بالرام؛ وهي مدينة تمثل الهند الجديدة ،يجب على على سبيل المثال ،فإن حادثين من السيارات بالرام التضحية بعائلته .ويبدو أن هذه العبارة (ضرب بينكي مدام ووفــاة طفل عند ركوب تشير إلى أنه من أجل أن تزدهر في العالم الدراجات) تثبت فقط أنه آن األوان ليصبح الحديث وتقبُّل إمكانات الهند الجديدة ،يجب "بالرام" رجل أعمال ناجح .وكان بالرام مرة التخلي عن هذا االرتباط التقليدي باألسرة واحدة بيدق في اللعبة ،في حين أنه في هذه لصالح التركيز الجديد على الفردية! * . ( )١أرافيند أديغا :Aravind Adigaروائي هندي ولد في مدراس عام 1974م ،ونشأ في مانغالور في جنوبي الهند ،ثم تلقى تعليما جامعيًا مرموقًا في جامعة كولومبيا األمريكية ،وواصل بعدها تعليمه في كلية ماكدالين Magdalenفي جامعة أكسفورد البريطانية .يكتب مقاالت تظهر على نحو منتظم في النيويورك والصنداي تايمز والفاينانشيال تايمز .وحازت روايته األولى «النمر األبيض» على جائزة المان بوكر عام 2008م ،ونشرت روايته الثانية «بين االغتياالت" عام 2008م ،ثم نشرت روايته الثالثة» الرجل األخير في البرج" Last Man in Towerعام 2011م. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
81
الهجرة ■ حليمة الفرجي*
أخبرتني أُمّ ي ذات مساء أنَّ هناك امرأة فارعة الطول تقطن شمال هذا العالم تسحر الرجال ،تسرقهم من بيوتهم ،أخبرتني أن تلك السيدة تملك قلب ًا كالبوصلة ذات األصبع الوحيد ،يشير دائم ًا إلى الشمال ،حيث الحياة والربيع الدائم. نسمع دائم ًا أنَّ هناك بيوت ًا مرتفعة ذات ساللم كهربائية ،وأن ــوار ًا ال تنطفئ، فالليل في المدن يصبح نهار ًا بفضلها. كان السفر هو الحلم لجميع اآلباء ،تلك الــمــرأة الــتــي حكت لــي عنها قد والـــخـــوف ال ـ ــذي يــشــتــعــل ف ــي قــلــوب سرقت أبي بينما كنت نائماً.. األمهات. هــا قــد رحــل أب ــي ..إذاً ،رحــل ولم أبي وأمي لم يكونا سعيدين كأغلب يقبِّلنِ كالعادة عند خروجه ولم يودعنِ . فقراء هذا العالم. اكــتــفــت أم ــي بالصمت وكــفــت عن كــنــت أتــنــصــت عــلــى شــجــارهــمــا كل الشجار. مساء ،تبكي أمي كثيراً في الليل وعند مضت األيام تلو األيام ؛ انقطعت كل الفجر تنهض خائرة الــقــوى ،مسلوبة األخبار التي تأتي من الشمال. اإلرادة ،مثقلة الجفن. تخبئ أمــي مشطاً تحت وسادتها وكــأغــلــب نــســاء الــقــرى الــفــقــيــرات وصورة قديمة ،كنت أغافلها كل صباح أصــبــحــت أمـــي تــعــيــســة ،فــقــد كــثــرت ألق ـ ِّبــل تــلــك الــصــورة وأعــيــدهــا تحت شكواها ودموعها أيضاً .فالمرأة في وسادتها ثانية. كل بقاع األرض ال تكثر الشكوى إال إذا سنون كثيرة مضت.. سُ لبت الحب.
82
ـارد أخبرتني أمــي أن صباح بـ ٍ ٍ ذات العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
بعض اآلبــاء عــادوا وبعضهم أرسل
صديقي مسعود أخبرني هــذا الصباح ونحن فــي طريقنا للمدرسة أن أبــاه عاد يشرق عن مقدم غائب أبــداً ،وحتى طيور في الليل ،وكان يحمل معه الحلوى ومالبس السماء العائدة ألعشاشها آثــرت الصمت كثيرة ،وحل ّياً تتزين بها أمه ،عاد وقد أبيض المحمل بالخيبات.. وجهه وأصبح يرتدي بدلة وحذاء مثل تلك مضت األعوام ،كبرت جداً.. التي يرتديها طبيب المركز ،أخبرني أيضاً أن أمه قد اغتسلت أخيراً ومشطت شعرها علمت هذا عندما صغر حذائي وقميصي واكتحلت. الــوحــيــد ،وبــدت سيقاني أكثر رشــاقــة من تمنيت أن يعود أبي ليس من أجل الحلوى طرف بنطالي ،كبرت وكبر عقلي وأدركــت فقط. حينها ل َم كان الشمال يسلب رجالنا ويترك -أميِ :ل َم ال يعود أبي؟ نساءنا أرامل وأزواجهن أحياء. مضت األعــوام تلو األعــوام والشمال ال
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
ألسرته فلحقت به.
النساء رحيل قريب.
تبك هــذه الــمــرة ،رغم نظرت إلــيّ ولــم ِ انكسار األنثى والكثير من الخيبة التي كانت تمتلئ بالكثير من الفقر ،وتصير النساء أكثر. بداخلها.. رجالنا ال يخونون نساءهم ولكن الفقر هنا لن يعود ،كنت أدرك هذا عندما عزميخون الجميع ،ويجبر الرجال على السفر على الذهاب. بعيداً لــشــراء ضحكات أطفالهم وأس ــاور ثم رفعت بصرها لألعلى حيث يختفي نسائهم.. سرب الطيور المهاجرة :تلك لن تدعه يعود. أدركت أن الحياة شجرة ،تنبت جنوباً ولها كانت أمي تشير كثيراً في حديثها إلى
أدركت أنه كلما توغلت جنوباً تجد بيوتاً
(تلك) المجهولة التي تسرق اآلباء وال تسمح فروع طويلة عاقّة ،عاقّة جداً ..دائماً ما تنمو وتمتد شماالً فتبنى بها البيوت والمصانع لهم بالعودة.
ولكني لم أعِ ما تقصده تماماً وظلت تلك التي تأخذ منا رجالنا. المجهولة تلقي بظلها األسود علينا دائماً. هنا فقط ..كلما توغلتَ جنوباً ستجد
ذات صباح لم تفق أمي ..فقد رحلت هي ال ــدفء ،بعيداً عن صقيع الغربة ،ولكنك أيضاً وإن بقيت آثار دمعتها ،مشطها وصورة حتماً ستجد نساء يفضلن الــمــوت جوعاً أبي. على أ ّال تشاركهن أخرى أزواجهن وضحكات كنت أدرك أنــهــا ســتــرحــل ،فــإن صمت أطفالهن.
* قاصة من السعودية. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
83
ورقة ■ حنان بيروتي*
ـك أن تكون فــي هــذه المكان؟ أنــت؟ مــا الــذي جــاء بــك إلــى هنا؟ ال يفترض بـ َ حي أم ميت؟ أال تعرف؟ أال يمكنك المساعدة؟ كيف أأنت ٌّ هذا المكان ليس لكّ ، شخص ٌ ال تـعــرف َمــن ال ــذي يـعــرف ،إذاً؟ مــن ال ـنــوادر طيلة إقامتي هنا أن يــأتــي بالخطأ أو بالمصادفة إلــى هــذا المكان ،مكان لمن سيموتون قريبًا وهــم على القائمة األخيرة التي أُعدت لهذه الغاية ،كيف؟ كما ترى هم ال يعرفون بعضهم، لغات مختلفةً ،ويقيمون في أماكن بعيدة ويتفاوتون في على األغلب يتحدثون ٍ األعـمــار ،أكيد الموت ال يفرِّق بين صغير وكبير ،هم ال يعرفون بالضرورة أنّهم سيموتون قريبا جدً ا وأنّهم في القائمة النهائية.
84
ربما يأتي األمر لهم كخاطر أو فكرة ،لــغــايــة أخــــرى ..ربــمــا الس ــت ــدرار عطف لكنهم يستبعدونها سريعا ويُقصونها اآلخر ،أو لقراءة وقع الكلمة عليه أو على عن مرمى التصديق وإمكانية الحدوث أنفسنا ،أو ..احتماالت عديدة كلها تعني الوشيك؛ فالموتُ أم ٌر بعي ٌد يحدث لآلخرين زيف الكلمة غير الصادقة ،لنا نحن وحدنا تحس بزيف ّ فقط .نجمعهم في الحلم أو نسرقهم من مقياس صدقها من كذبه ،أال صحوتهم فــي الحياة ،نسرق انتباههم الكلمات التي تقال أحيانًا؟ الناس تزيّف فيهيمون للحظات هي كافية لالجتماع البضائع واالبتسامات والمالمح! وتركّب هنا؛ الوقت يختلف ..يشبه المطاط الذي الشّ عر ،تستعيره من الموتى ومن الفقراء يمكنك ذهنيًا التحكم به ،ليس كما يُشاع األحــيــاء ،وتــبــدل لــون العيون واألســنــان لكم فقط أنَّ السعادة تشعرك بقصره وتنفخ الخدود والشفاه واألرداف ..حتى والــحــزن يجعله يبدو طويال ،يتصرفون المشاعر يمكن تقليدها ومحاكاتها طبق كأنّهم في بيتهم بأريحية ،هل مررت بحالة األصل ..طبق األصل! مشابهة؟ ال يمكن ،وحــده َمــن سيموت بصعوبة أفتح عينيّ ،رائــحــة القهوة قريبًا يمكنه ذلك تهيئة لخوض التجربة، لهذا تسمع مَن يقول إنه يحس بأ ّن نهايته تزكم أنفي ،وصوت زوجتي ماجدة ،أنتشل قريبة ،بعضها زائف ..الزيف يأتي عندما نفسي من النعاس ،كنتُ أحلم لكني ال ال نصدق الكلمة التي ننط ُق بها ،ننطقها أتــذكــر ،كــان ثمة صــوت يسألني عني.. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
عليّ الكثير من األمــور المعلقة واألحــام تمتصني تفاصي ُل اليوم ويضي ُع الحلم بين تالفيف الذّاكرة ،نحتاج أحيانًا للحظة صفاء قيد االنتظار ،ما أوسع األحالم وأضيق الحياة، نبض خوفها ،الحياة قصيرة يا صاحبي! نجلس فيها مع أنفسنا ونتذوق َ ربما كــان عليّ تــدويــن مــفــردات مــا رأيـتُــه أو أقــولــهــا وكــأنــي أص ــدق األح ـ ــامَ ..م ــن ال تفاصيل صغيرة حتى وإن كانت غير مترابطة يصدقها؟ كما يظهر للوهلة األولـ ــى ،لكن التفاصيل رحلت "سارة" بعد فترة قصيرة ،كان موتُها المهمشة تج ّر لتفاصيل أكثر وترسم المشهد مفاجئا رغم أنها مرضت ألسبوع قبله ،وأ ُجريت بلحظة واحــدة ،كمشهد مكان الجتماع ..أيّ لها الفحوصات ..لكن كأنما كانت األعــراض اجتماع؟ تتوارى عن أعين األطــبــاء ،فلم يكتشف أح ٌد كنا نقف في المقبرة في زيارة قبور الموتى منهم ما كانت تعانيه من مشكلة خطيرة في وقت العيد ،تلك الزيارة ال يمكنني نسيانها؛ القلب ،ماتت في صبيحة كئيبة وهــي تشرب كانت "ســارة" وهي إحدى قريباتي تقف قرب قهوة الصباح ،وتتحدث بفرح كأنما تخطط قبر أخيها وتتحدث عندما قطعت كلماتها فجأة لنهارها ،بلحظات أصابتها الجلطة الماحقة، ووجهتْ نظرها إلى السماء ،وبدت مالمحها ربــمــا هــي ذاتــهــا لــم تــصــدق خبر موتها غير تلك اللحظات مثل التائهة ،كأنّما تنظر لشيء المتوقع ،هل كان االجتماع قصيرًا جدًا ،لماذا مجهول ،سألت :أنا لم تفهم؟ لكن مَن منا يفهم ويصدق الموت ،مَن؟ ً بعيد غامض أو تتبع ندا ًء تهت ،أين نحن؟! تداعيات الحلم ما تــزال تطاردني تزعج
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
ماذا أفعل هنا و ..طبق األصل.
ومتى؟ قبل أن ...وقبل...
تلك اللحظات ربما التي سُ رقت فيها من رقدتي وصحوتي ،تنقر سكينتي مثل عصفور الواقع ليتم إخبارها أو إشعارها بأنّها ستموت جائع ،وجوعي ال يهدأ للسكون ،ليتني أرتاح من قريبًا ،وأ ّن قبرها على بعد خطوتين من المكان ك ِّل ذلك حتى لو كان الموت.. الذي تقف فيه اآلن. *** لو خطر لها أن تمشي تلك اللحظة خطوتين وزوجته "ماجدة" تعيد ترتيب الفراش بعد لوقفتْ فو َق قبرها الحالي ،كأنّها إشارة تومض الدفن بيومين ،وتش ُّم رائحته على الوسادة، لها عن موتها القريب. عثرت على أوراق كُتب عليها:
ما الذي جعلني أتذكرها اآلن؟ أهي تداعيات "ال يفترض بك أن تكون في هذه المكان؟ ما حلمت به؟ يا إلهي هل سأموت قريبًا! كيف؟ أنت؟ ما الذي جاء بك إلى هنا..؟". * قاصة وشاعرة من األردن. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
85
ومضات سريعة ■ سميرة الزهراني*
تعاويذ..
بغيره ..فاشترى البيت المالصق لمنزلها
أقام حولها تعاويذ وشراك؛ لئال يمسها وبنى ببنت عمه. سوء ،نسيها فقتلتها الوحدة. حرمان.. دَ يْ ن.. اخشوشنت في وجهه الحياة ،أذاقته جرت لدكان العم سالم لتنقده ما تبقى صنوف الحرمان وجرعته كؤوس الفقد، من ثمن العلك الذي ابتاعته منه باألمس.. عبثت بقلبه الصغير فحرمته ما يتمناه وجدته مغلقا ورجال الحي يحملون على بل وحتى ما يحتاج إليه ..سار حافيًا في أكتافهم جنازة. الطرقات حتى أن قدمه الصغيرة تعودت هدايا.. ذلك ..فلم تعد تؤثر فيها نتوءات الطرق.. دخل بيتها مسرعاً في الخفاء ،ووضع تمنى ذات ليلة أن تمطر السماء عليه فــي يــدهــا إسـ ــورة؛ كتلك الــتــي يحملها الحُ جاج هدايا من مكة لحبيباتهم ..خرج فرحً ا وأن تثمر شجرة التفاح ..تمنى أن مسرعا كما جاء.. يلتقي أمــه ،وأن يرتمي في حضنها ولو وفي صبيحة اجتماع العيد وجدت ذات لساعات ..تمنى أن يهبها وريده لتعيش، األسورة في يد مثيالتها. وأن يطعمها مــن شجرته التي أثمرت، تقاليد..
لكنها أب ــت إال الــرحــيــل ،وظـــ َّل بعدها
أحبها رغم كل أعراف القبيلة واختالف يأكل تفاحته بيدين متسختين ،وعينين النسب ..أرادها حالال له ،لكنها تزوجت مغرورقتين ،وباب تواربه الرياح. * قاصة من السعودية -الطائف.
86
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
قمر 50 ■ محمد الرياني*
نــاداهــا تعالي! اقتربت مـنــه ،قــال لـهــا :اجلسي .جلست ،الكرسي يتسع الثنين جــالـسـيــن ،قــال لـهــا فــي ليلة ب ــدر :أنــت قـمــر فــي الخمسين ،ضحكت بـصــوت يشبه عمرها ،نظرت إلى السماء والقمر مستدير ،يكاد يشق األرض إطالال ،ضحكت من قمر الخمسين ،وفي ثناياها شيء من ابتسامة منتصف الشهر. مضى الليل ،حضر السكون بقوة
تجاورا على الكرسي القديم يتذكران عــمـرًا مضى ،ســردا قصة طويلة؛ بل والهدوء يعم المكان آخر الليل ،هدأت رواية بدأت منذ الصغر. حركة المقعد الخشبي ،توقف الحديث ألول مــرة ،تشعر بإحساس غريب ،الماتع ،وضعت يدها على يده ،شعرت غزل في منتصف القرن ،وجلوس يوحي بــبــرودة عجيبة ،وضــعــت رأســهــا على بشيء ما ،بات يحدثها عن كل شيء، صدره لتستمع إلى دقات قلبه ،عرفت عن الحياة ،وعن الجمال ،وعن الدار التي احتضنت قمرين تحت طل القمر .أن النبض توقف عن الحديث ،نزعت كانت تتأمله وتتعجب من الكالم البديع ،خــمــارهــا ،هــمــرت بقية دمــوعــهــا على تضحك تــارة ،وتبكي في داخلها تارة صـــدره ،ذهــب القمر الــعــلــوي باتجاه أخرى ،وتمسح بطرف خمارها عندما الغروب ،لن تجد مَن يقول لها بعد تلك تخشى أن تفضحها دموعها ،لم ترد الليلة: على حديثه بحديث ،اكتفت بالفرجة واالستماع. يا قمر الخمسين. * قاص من السعودية. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
87
ُ ميراث المؤمنين! العصا.. َ ρρفهد أبو حميد*
ـات ع ـ ـ ـلـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ِـم مَ ـ ـ ـح ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه ـاك رواي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ـص ـ ـ ـ ـ َ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ إذا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ال ـ ـ ـ ِّت ـ ـ ـل ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــذُ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ َزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ و َل ـ ـ ـ ـ ــه أي رِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ ـش بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا! وال ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ّ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ ـرح مـ ـ ـص ـ ــقُ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه ات ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ِ َت ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـشـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذَّ ُ ـاس شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه وأي اج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازٍ لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّ ـات مَ ـ ـ ـسـ ـ ـح ـ ــول ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ــه ـف ال ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ـ ِ إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَا َو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت األف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ُه شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً! وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ل ــي حَ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ٌـث حَ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ُـث ال ـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ ِـك م ـ ـ ـ ــا ِصـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َغ لِ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــدُّ و َلـ ـ ـ ــه وأذْهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ًا ِح ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــرُ عَ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ــيَّ ! هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ رأوا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ َة أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ــارٍ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوِ مَ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه وسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوٌ هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوا ُه َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذُ َر َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ وأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــورةٍ َتـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــدو مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب مَ ـ ـ ـع ـ ـ ـقـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ـك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَاس! ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ ص ـ ـ ـ ـ ـ ــورتـ ـ ــي! أنـ ـ ـ ـ ـ ــا َذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٌـح ولـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــنَّ الـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاط ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــنَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌّـي بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ الـ ـ ـ ـ ــدِّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ و ُر َّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونُ دمـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم الـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِـب مَ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ُلـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه ـك ال ـ ـ ـ ِّتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــذُ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ َدفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــري أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ رِ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًال عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــى ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّر الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ِـديـ ـ ـ ــنَ مَ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــدو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه َت ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو أنَّ (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ اللَ ) ذَريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ ـاجـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـل) مَ ـ ـ ـ ــوصـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ــه ـوالت (الـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـك وجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ إلـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ َ ـاجـ ـ ـ ـ ٍـد ـك فـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ٍـل ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ مـ ـ ـ ـ ِ َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ٌة ِع ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ــاريـ ـ ـ ـ ـ ِـح مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه 88
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ـات الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزاءِ َره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنَّ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ِ ـاط ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن مَ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ُلـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ وأج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا َم الـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ِ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ ي ولـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ِحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ــةً وح مَ ـ ـ ـخـ ـ ــذو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ـض ـ ـ ـ ـ ـ ْـت إلـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ِ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد َّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ُتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا أف ـ ـ ـ ـ ـ َ
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
ـرغ ـ ـ ـ ــي ِمـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ــدُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ؤى َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــلُ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيُ ـ ـ ـ ـ ِ عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــوةٍ َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ َّت ـ ـ ـ ـ ــراتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـل ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه
َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَا َوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ــي ِظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ــا وهَ ـ ـ ــواجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــي ـات مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــزو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ـان ال ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ُبـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــودٌ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ــي ـاك! و َت ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــدو ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٍـد مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ َص ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ك ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــارٍ عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ مـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه ـك إال قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــد ًة حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ َك َلـ ـ ـ ـ ـ ــم َيـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـظ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـاذخ ال ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــرِ مَ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه عَ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى نَـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــةٍ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوَزتَ لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرد ًا ولـ ـ ـلـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ــا مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــامٌ ي ـ ـ ـ ـ ـ َـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ ال ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ُـب ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ َيـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــو َلـ ـ ــه طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ بـ ـ ـ ـ ِـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ــى أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقَ ُش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ـ ــوب ـ ـ ـ ـ ــي وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ــاألعـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـب أمـ ـ ـ ــثُ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ـاك!! ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ــا ُر الـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـف َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــل رأى عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـارات مَ ـ ـ ـك ـ ـ ـفـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه ح ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ــوظ ـ ـ ـ ـ ًا عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى َن ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ِـل اإلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ذاك الـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ ؟! قـ ـ ـ ـ ــد اس ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـوَى َف ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب حـ ـ ـ ـت ـ ـ ــى َر َّد لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب مَ ـ ـ ــدل ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ــه ـاط ـ ـ ـ ــرِ ي وأ َّذ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ! ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلل! جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ ولـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـا ِت مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه ـاب واألذانُ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ــةٌ ـاك رِ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ـصـ ـ ـ ـ ـ َ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـس مَ ـ ـ ـف ـ ـ ـعـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه وص ـ ـ ـ ــو ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك مـ ـ ـ ـ ــا ال ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَمُ الـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ُ العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
89
ـاض َصـ ـ ـ ـ ـ ــداقـ ـ ـ ـ ـ ــةً ـك! مـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس؟ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ و َرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ت ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ الـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ــواتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـم مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه ـك َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أزَلْ ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ أراك! وروحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه َ ـك اآلنَ سـ ـ ـ ــاكـ ـ ـ ـ ٌـن! حـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدُ َك ِطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــلٌ ! ِجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـأل َق ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــو َلـ ـ ــه! وجَ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٍـف! وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـراش َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ ـاك هـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا! قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــربَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ َ ـك ي ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ َـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ًا ع ـ ـ ـلـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّرف ـ ـ ـ ـ ـ ِـق مَ ـ ـ ـجـ ـ ـب ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه ـاجـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َ ُتـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ِ أفِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ..إنَّ َض ـ ـ ـي ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ الـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــابَ ب ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ًا ـأن حَ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــو َلـ ـ ــه! ـس فـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـك أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى! لـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َ َفـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ــا ُب ـ ـ ـ ـ َ ـك إنـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـمـ ـ ــا وح ـ ـ ـ ـ ـ ــا َول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت! َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ ـصـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ ُـت ُس ـ ـ ـ ـ ــؤال ـ ـ ـ ـ ــي َم ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــرِ بَ الـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِـس أحـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه َن ـ ـ ـ ـ َ ـأش الـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــارِ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي ـدت بـ ـ ـ ـِـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ر َ وُ ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومُ أب ـ ـ ـ ـ ـ ــي َر ّداً! فـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ َـ ــم أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ــم ُط ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ـضـ ـ ـ ــى فـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــوكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب ال ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــقِّ ! إ َّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقٍّ ي ـ ـ ـ ـ ـُ ـ ـ ــوفِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذَّ اتَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــذُ و َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ن ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـروف َتـ ـ ـ ـ ـ ـو ََّخ ـ ـ ـ ـ ــاه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دَى غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــر مَ ـ ـ ـش ـ ـ ـكـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ـات ب ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ــةٌ وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َد أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ..ل ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذِّ ك ـ ـ ـ ـ َريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ أوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غَ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرُ مـ ـ ـفـ ـ ـص ـ ــو َل ـ ــه ـك الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـص ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ــي ِ وت ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ َ ـك ك ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــت نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ًة وهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ َ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى َزن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــةِ م ـ ـ ـف ـ ـ ـتـ ـ ــو َلـ ـ ــه 90
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
عَ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ و َتـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ِـل م ـ ـ ـع ـ ـ ـسـ ـ ــو َلـ ـ ــه ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ دَربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرافِ ـ ـ ـ ـ ــئُ و َْج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد تـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــحُ الـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ َر أسـ ـ ـ ـط ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه ويـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ دَربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأذ َِان ت ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
يـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــى ت ـ ـ ـ ـ ـُـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ــةٌ
ـوت مَ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــؤو َل ـ ـ ــه عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ــا ُه ال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي َبـ ـ ـ ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن الـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي!! َقـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف مَ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً إذا طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْـت ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ رِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َويـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ــو َل ـ ــه ـاف ظ ـ ـ ـ ِـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ـاف أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً! أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا دار ًا مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ــزمِ مـ ـ ــأه ـ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه و َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ ! لـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ــالَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ ـوت َف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــا َء مَ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــولـ ـ ـ ـ َـ ـ ــه ت ـ ـ ـ ـ ُـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّل ـ ـ ــقُ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ ـان غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــا ذِ ك ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـُـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ِ ـون ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــرِ مَ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ــزو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه أرام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ ِ أذان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا! مـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــراهـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا! وكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا (أب ـ ـ ـ ـ ــو نـ ـ ـ ــاصـ ـ ـ ــرٍ ) ف ـ ـ ــي سَ ـ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ ِـغ الـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـجـ ـ ــوِ (مَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـم ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه)
()١
سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ ي سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى أب ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ــا كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ َقـ ـ ـيـ ـ ـل ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى تِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َ * شاعر من السعودية. ( )١هذه الكلمة جاءت مؤنثة حتى تالئم مؤنثاً تأنيثاً مجازياً مقدّراً مفهوماً من السياق وهي (الكنية) والمعنى (أن الكنية مشمولة). العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
91
تحرير ■ سمر الزعبي*
وجلس على مقعده الوثير .المكتب َ َظ أنفاسَ هُ األخـيــرة ،ثــمّ ترَكهم يبكونَه، لف َ قصةٍ شر َع بكتابتها قبل أن يموت، مكتظ بالحكايات؛ فتناول آخر ّ ٌ مليءٌ بــاألوراق، وراح يكملها بعدما جعل البطلين يتشاجران بسبب عــراك ابنَيهما في الحديقة العامّ ة ،هناك حيث تعارفا ،فور ما أحسّ ا بسذاجة موقفَيهما واعتذر كلٌ منهما لآلخر. كان كالهما وحيدًا ،مُطلّ ٌق وأرمل َة ،أو أرم ٌل ومطلّقة ،وغير ذلك من االحتماالت ّبض وال ُقبَ َل والتدخين ممكن ،تشاركا الن َ من سيجارةٍ واحــدة .غالى في وصف مشاعرهما تجاه بعضهما بعضاً على غير عــاد ِة ال ُكتّاب من ال ـرّجــال؛ فكان بوحُ ه رومانس ّيًا للغاية ،واستخدم صورًا فن ّي ًة تقليديّة ،فكانت مفرداته :الشّ مس بالضجر ،فعائلته مــا تــزال ّ ـس أح ـ َّ والنّجوم والبحر والــغــيــوم ..ث ـ ّم لمعت بصوت مرتفع ،وتُفقده تركيزَه، ٍ تبكيه في ذهنه فكرة أن يقي َم بينهما عالق ًة رف َع الورق َة من طرفها بإصبعين اثنَين، محرّمة ..وفعل. ّف ،ثم حذف المشهد األوّل الذي وتأف َ أسطر شع َر بفتور تجاهَ ٍ بعد ع ـدّة صار األخي َر بعد ما قلبَ الحكاية ..فلم الـ ّنــص ،فنقل َه إلــى الـمُـتحابَّين ،حتّى يلتقِ البطالن حتى هذه اللحظة. اشــت ـ ّد بهما وافــتــرقــا .قـ ـرّر أن يكتب عاد يتمدّد في فراشه يت ُّم مراسي َم النص بالمقلوب ،فتراجعت األحــداث َّ منذ جلسا على حافّتيّ السّ رير ،يولّيان موته ،وفي نيّته كتاب ُة نصوص أخرى، ظهرَيهما لبعضهما بعضاً ،يتعاتبان لكن لن تكون في المشاعر ،بعدما تيقّن على الفتور واإلهمال ،يلقي ك ٌل منهما أن كتابته عن الحب ال تق ّل رداء ًة عن اللو َم على اآلخر ،ث ّم عاد بلسانيهما إلى أدائه فيه. سنيّ الحب والشّ وق ،مبقيًا على صوره الفنيّة الكثيرة؛ لكنه حذف المفردات التقليديّة ،واستغنى عن مشاهد العالقة المحرّمة ،فقد خشي أن يُعاقَب عليها بــع ـ َد الــدّف ــن ،لــكــن لــيــس إل ــى حــ ِّد أن يشطب مشاهد السجائر التي تبادالها ذات ُقبَل.
* قاصة من األردن.
92
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ρρسعاد الزحيفي*
صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ وزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس دِ ّل
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
ٌ ٌ جوفية أصبوحة
ـات تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل زك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيٍّ وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا رِ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ـاح نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ن ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــة اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارع ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزال تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّو َع ري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــب ن ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــا ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوق مـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ك ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـف وال سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأوه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدال ـس ع ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه وخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــز الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ه ـ ـ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذٌ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ط ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ًا وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك) ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار أحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــه كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤوس ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ي ـ ـ ـ ـ ـ ــرقِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ) حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــث ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دارا وأهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا * شاعرة من الجوف. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
93
ذاكرة ال تنام ρρنوره العبيري*
أحاول النوم
لحظ ـ ال ينتهي
أو
امنحني ذاكرة تجعلني
الخلود إلى ذاكرة ال أعرفُ ها
أكتب إليك رسالة تصلك
أسألتني يوم ًا
ب ــأن ــك ال ـح ــظ ال ـج ـم ـيــل ال ـ ــذي أب ـ ــاح س ـ ّر
كيف بدلت ردائي وأسقط وجهي ُ وبت أخيط الغفلة منك فوق تجاهل أشيائي وجالست الوريد الذي أحبك ونصحني باالنتهاء.. لكنني تماديت بغبائي كم مرة مددت للمطر السريع؟ أسالتني كم مرة مددت للمطر السريع كوبي ..ومعطفي ..وشالي..؟ احترقت قهوة شوقي
ليت كل العابرين الذين مسحوا دمعي منديلك ليت كل صبح أبهجهم ببذخ جمالي عين قنديلك ليتك تطيل الوقوف مر ًة امامي كن لي مرآة.. يا مَ ن كلما استدار نهارك ليعكس ليلي أضل كفراشة ال تخاف النار ِ حول وترك المشتعل تُغني تُغني تُغني
جف منك اغترابي حتى َّ
حتى تذوب في حديقة ليلك
أنساك
وأنت نائم
وأنت بين الخطوة والخطوة
امنحني ذاكرة تجعلني أنام
* كاتبة من السعودية.
94
شتاتي
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ρρمرضي الشمري*
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
وطني وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي آت ِ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــن دف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري م ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــج ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ــرِ ص ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــو ًة دريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ــي ـرح مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدك ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزةٌ ـوخ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َح وروع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َة اإلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َدى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـف ـ ـ ــهِ أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ تـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــى ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوات ِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــر ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ص ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــةٌ ـرات ـذب فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروي ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى روح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ مـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــه اسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونُ وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ٍ ـول س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ يـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــو بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــه اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــورى بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل واآلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــراب ـ ـ ـ ـ ــه اآلت ِ ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرحٌ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ ـض قـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدت ـ ـ ــي ـزف ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذري إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ يـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ــي * شاعر من حائل -السعودية. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
95
َمن كمثلي
ρρعبداهلل األمير*
مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـب ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ــةً َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــاعُ ـف يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ انـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ؟ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدأ َُت حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًة ـأس واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـضـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاعُ حَ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ ـوب هلل ِض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ا ُ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ َزي ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ اعُ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو هَ ـ ـ ـ ـ ــاك ـ ـ ـ ـ ــي ألس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ أَص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َرغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي ا َ ـس ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ال ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ــي ـرت عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ وِ ْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراعُ هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبَ مُ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ًا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــواهـ ـ ـ ـ ـ ــا ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت و َُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ـاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونٌ خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ وَرِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ضـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ َب ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ وَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ْت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ُخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه ال ـ ـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ألمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َي ـ ـ ـك ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ـض ا َ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ زِ دتَ َرك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــاعُ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـث الـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا َيـ ـ ـ ـ ــا ال أَج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت وَال لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــري ان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ـراب ـام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ روب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاعُ وَسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ِ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َي ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ٌـح خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب وَاقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاعُ ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي أطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ را َم َقـ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َكـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ؟!! * شاعر من السعودية.
96
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ρρد .سعود الصاعدي*
اهلل يعلم أنني مشتاق حتى تكاد تشفّ ني األوراق! .. آثرت صمتي مثلما لكنني ُ آثرت أن تتكلّم األشواقُ ! ُ .. فإلى متى يهت ّز قلبي مورقً ا شوقً ا إليها وهي ال تشتاق؟! .. وإلى متى وأنا أفيض كأنما في داخلي العشاق؟! يتزاحم ّ .. فأنا إزاء الحب أعذ ُر من مشى في األرض
نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص
إلى متى؟! وانفتحت له اآلفاق! .. وإزاء حبي ليس شيءٌ في يدي إال له في داخلي أحداقُ ! .. فكأنَّ لي من كل شيءٍ فكرة حتى العناق له عليَّ عناق! .. عازف ٌ جناس ٌ لي من أحبّائي ومن الجفاة المبغضين طباق! .. ومن الحقيقة يعف عن القذى ما ّ ومن المجاز المستفيض براق! .. فإذا كتبت قصيدة أرفو بها وجعي فكل الموجعين رفاق!
* شاعر من السعودية. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
97
ٌ راحل! أنا
*
رسالة كتبها تولستوي إلى زوجته صونيا) ٍ (آخر ُ ■ ترجمتها عن الفرنسية :ياسمينة صالح**
في 20نوفمبر 1910م ،وبعد حياة طويلة وثرية أنتج فيها روايتين تعدان من أعظم ما كتب في األدب العالمي( ،الحرب والسلم ،أنا كارنينا) ،محدث ًا ثورة في فارضا نفسه كواحد من أبرز حكماء عصره، التعليم ،ومؤسس ًا مجتمعا طوبوياًً ، توفي ليو تولستوي في محطة استابوفو القريبة من بيته! عن عمر ناهز الـ 82 عام ًا بالتهاب في صدره. الرسالة اآلتية كتبها تولستوي الى زوجته صونيا معلنا فيها قراره الرحيل/ االنفصال ،بعد 48سنة من الحياة الزوجية التي أثمرت 13ابنا ،وهي مورخة في 31/30أكتوبر 1910م؛ إال إن الموت فاجأه قبل وصول الرسالة الى زوجته لتصبح هذه الرسالة ،رسالة وداع لواحد من أعظم الروائيين الذين عرفتهم البشرية. ال تكرهينني ،عليك أن تضعي نفسك مكاني .بــأال تدينينني ،إنــمــا تسعين إلى مساعدتي ألحصل على الراحة.، وإمــكــانــيــة الــعــيــش عــيــشــة إنــســانــيــة. ستحاولين مساعدتي ببذل جهد على نفسك ،لكنك أنــت نفسك ال تريدين عودتي اآلن.
بمقابلة أو مهما بــدا السبب قويا للمقابلة ،فــإن رجوعي بــات مستحيالً، أعرف أن األمر سيكون كما يقول الجميع لك ،أما بالنسبة لي فاألمر سيكون موجعاً ِ فظيعا لمعرفتي بعصبيتك ،بغضبك ووضعك الصحي .األمــر سيكون أسوأ من ذي قبل .إن جاز لي ذلك أنصحك بأن تأخذي مسؤوليتك مما جرى ،وأن حالتك الراهنة ،رغباتك ،ومحاوالت تتأقلمي مع وضعك الجديد ،وأنصحك االنــتــحــار الــتــي قــمــت بــهــا -والــتــي خصوصا أن تعالجي نفسك. تظهر أكثر مــن أي شــيء آخــر -أنك إن كنت تحبينني ،أو لنقل إن كنت فقدت السيطرة على نفسك ،كل هذا
98
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة يجعل عودتي غير واردة اآلن .وحدك ِ لك عمل ما ترغبين به .فاألمر ال يتعلق أنت يتيح ِ تستطيعين توفير كــل هــذه المعاناة على برغباتي أو عمل ما يرضيني ،بل بتوازنك، أقاربك وعليّ وخصوصا عليك أنت. بما يجعل طبيعتك معقولة ومرنة .طالما استغلي طاقتك ليس لتجعلي كل شيء األمر غير هذا فإن الحياة المشتركة بيننا يسير وفق رغباتك ،بل استغليها لتستعيدي غير واردة .الــعــودة وأنــت في هــذه الحالة هدوءك ،لتريحي روحك ،ووقتها ستحصلين معناه التخلي عن الحياة ،وال حق لي في على ما ترغبين فيه. التخلي عن الحياة! بــعــد يــومــيــن قضيتهما فــي شــمــارديــنــو وداعــا عزيزتي صونيا ،وليكن اهلل في وأوبتينا ،أنــا راح ــل .سأضع الرسالة في صندوق البريد وأنا في طريقي ،ولن أقول ِ لك عــونــك .الــحــيــاة ليست مــزحــة ،ولــيــس لنا إلى أين أنا ذاهب؛ ألني أعتقد أن االنفصال حق تركها بإرادتنا ،مثلما ال يجوز قياسها لك مثلما هو ضروري لي. صار ضروريا ِ بمدتها .الشهور التي تبقت من حياتنا ربما ال تعتقدي أنني قــررت الرحيل ألنــي ال ستكون أهــم من كل السنين التي عشناها عليك من كل قلبي، ِ أحبك وأشفق ِ أحبك .أنا وعلينا أن نحياها بكرامة. لكني ال أستطيع القيام بغير هذا .أعرف أن ليو تولستوي لكنك لست في وضع ِ رسالتك لي صادقة، ِ * المصدر :كتاب تولستوي الرسالة 2الصادر عن منشورات غاليمار بباريس .)II, Gallimard, 1986
1986م .(Tolstoï, Lettres
** كاتبة روائية جزائرية.
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
99
الشاعرة مها العتيبي: أميل في بعض القصائد الحديثة إلى كتابة قصيدة التفعيلة ذات الجمل الشعرية الطويلة التي يخفت بها اإليقاع السريع لموسيقى النص ولكن لم أكتب قصيدة النثر!.. الدكتورة مها محمد العتيبي شاعرة سعودية ،أهدت المكتبة الشعرية خمسة دواويــن شعرية ،ميّزت بها صوتها الشعري وحضورها المنبري؛ "مقام -االنتشار العربي -بـيــروت2017 -م"" ،تشرين والـحــب واألغـنـيــات االنتشار العربي -بيروت (مطبوعات نــادي تبوك األدبــي) 2016-م" ،لوعة الطين2014 -م ،جميرا للنشر، "عــرائــس الـحــب 2010-م -ال ــدار العربية للعلوم ن ــاش ــرون"" ،نـقــوش على مرايا الــذاكــرة" 2009 -م .ولها الكثير مــن المشاركات فــي األمـسـيــات الشعرية محليًا وعربيا ،طموحها يتفوق على مدى قصيدتها ،وهي تتسلّح بثقافة أصيلة ،وبروح تنتشي بإيقاعها المتفرد .تقول" :بدأت بعدها في القراءة العميقة للشعر بكافة أشكاله ،وللشعراء من ثقافات وعصور مختلفة ،لكني كثفت الـقــراءة للقصيدة المراس في الكتابة بدأت استكشف في قصيدتي متسعً ا لرهافة المعاصرة ،ومع ِ اللغة والبنية اللغوية الجيدة ،و أساليب الصياغة وابتكار الصور الشعرية ،والولوج إلى عالم التجريب الشعري في إطــار القصيدة العمودية الحديثة" ،وهنا نقف لنطل معً ا على فضاء الحوار مع ضيفة الجوبة الشاعرة مها العتيبي.. ■ حاورها :عمر بو قاسم
الشعر سمير الليالي!.. ¦"م ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــام2017م"" ،تـ ـش ــري ــن والـ ـح ــب واألغ ـن ـيــات 2016م"" ،لــوعــة الـطـيــن- 2014م"" ،ع ــرائ ــس ال ـح ــب2010 -م"،
100
"نقوش على مرايا الذاكرة2009 -م".. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
طبعاً ،مالمح تجربتك الشعرية بدت ديوانك األول بخصوصية ِ تتشكل من الـبــوح وتـمـيــزه ،وبـمـغــايــرة أيـضـ ًا على الـمـسـتــوى الـمــوضــوعــي وال ـف ـنــي .هل نـحـظــى م ـنـ ِـك ب ـبــوح خ ــاص ع ــن هــذه التجربة؟
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
ρ ρكتبت فــي مقدمة ديــوانــي األول "نقوش على مرايا الذاكرة" إنني وإذ أقدم لديواني األول ،استحضر م ــدى مــا ك ــان الشعر بالنسبة لي سمير الليالي ،ونافذة البوح، ومعبر األلم ،فكانت القصائد غناء للجرح، وتراتيل للحنين ،وزخات للفرح مكلّلة بشوق ال يتوقف وال ينتهي .كانت القصائد هي بوح خالص معبّرة عن حالة شعورية ينفث فيها الشعر فيتركها حيّة وطازجة في قالب اعتمد على بساطة اإليقاع ،وسهولة اللغة الشعرية منذ البداية في بناء شعري مُحكم.
التجريب الــشــعــري فــي إط ــار القصيدة العمودية الحديثة ،وكان ذلك في ديوانَيْ "عــرائــس الحب" و"لــوعــة الطين" ،بحيث تميّز ديوان لوعة الطين بالكثافة الشعرية، واالش ــت ــغ ــال عــلــى بــنــاء ال ــص ــورة داخ ــل القصيدة ،وكتابة القصائد الطويلة ،والتي ال تفقد وحدتها الموضوعية أو أسلوبها الشعري ولغتها الشعرية المتناغمة. فــي دي ــوان "تــشــريــن والــحــب واألغــنــيــات" وديوان "مقام" بدأت تكتمل مالمح القصيدة بعض الشيء ،وكانت مرحلة تحتوي العمق المعرفي مع الصياغة الشعرية اللغوية والــفــنــيــة ،وه ــذا مــا أرج ــو أن أكــمــلــه في الدواوين الشعرية القادمة.
لــم يكن الــهــاجــس حينها ســوى الشغف، الشغف بالشعر ،والكتابة ،والتمعّن في هــذه القصائد بما هــي نــوافــذ للمعرفة والبوح .منذ سن مبكرة أكتب الشعر ،ولكن قصائد للتلحين!.. حتى عام 2005م ،كان الشعر لديَّ شغفاً؛ ق ــراءة وكتابة؛ ولكن بــدأت أشعر حينها ¦أذك ــر أن ــي ق ــرأت ل ـ ِـك إجــابــة ضـمــن حــوار أن الشعر بالنسبة لي ليس هواية عابرة نُشر في إحدى الصحف الخليجية ،أنك ضمن هــوايــات أخــرى ،بل صــار هاجسً ا؛ ـصـيــن تـجــربـتــك ال ـج ــدي ــدة لـمـشــروع تـخـ ّ فبدأت في ذلك الوقت أتفتح على قدرتي لقصائد مغناة ،..ماذا تقصدين بقصائد على صياغة الشعر بشكل مختلف ،وبدأت أخلص للشعر وللكتابة ..فكان ديواني القصيــدة تمثلنــي فــي بنيتهــا األول "نقوش على مرايا الــذاكــرة" يمثل المعرفيــة وأفكارهــا ومــا تحملــه مــن تلك المرحلة بشكل جيد ،ثم بدأت بعدها رؤيــة ،فــإذا جــاء النقــد بعــد ذلــك في القراءة العميقة للشعر بكافة أشكاله ،فليــس هنــاك مــا أخشــاه حينهــا. وللشعراء من ثقافات وعصور مختلفة؛ المــرأة أصبحــت حاضــرة بصــورة لكني كثفت القراءة للقصيدة المعاصرة، مشــرقة فــي المنابــر الثقافيــة ومع المِ راس في الكتابة بدأت استكشف واإلعالميــة ،وهــذا ناتــج إيجابــي في قصيدتي متسعًا لرهافة اللغة والبنية للتحــوّ الت المجتمعيــة التــي نعيشــها اللغوية الجيدة ،وكذلك أساليب الصياغة فــي هــذا الوطــن ،وهلل الحمــد. وابتكار الصور الشعرية والولوج إلى عالم العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
101
مغناة؟ ρ ρطُ لب مني عدة مــرات قصائد للتلحين من قبل بعض الملحنين ،في البداية كنت أرفض الفكرة لخوفي على القصائد أن ال تنتج فــي قالب لحنيّ جميل؛ ألنني أستسيغ موسيقى القصيدة في سياق إيقاعها ،ولكن قبل نحو سنتين تم تلحين إحدى قصائد ديوان "مقام" لتكون بداية لقصائد مغناة ،تم اكتمال اللحن وإلى اآلن القصيدة لم تُ َذ ْع كأغنية. النقد األدبي ودوره!.. ¦هـنــاك ق ــراءات نقدية حــاولــت أن تدخل ع ــال ــم الـ ـش ــاع ــرة مـ ــن خ ـ ــال ال ـق ـص ـيــدة وعوالمها وفنياتها؛ فهل استطاع النقد أن يصل أو يضيء للشاعرة مها العتيبي زاوي ــة "م ــا" فــي فـضــاء الشعر ،أم أن ـ ِـك ال تهتمين أو تخشين النقد؟ ρ ρبــالــتــأكــيــد الــنــقــد األدبــــي مــهــم ،ودوره في تنشيط الحركة األدبــيــة والشعرية
السعودية والعربية مهم ..أتابع عــددًا من الكتابات النقدية التي تتناول المنتج األدبي بشكل عام ،وليس بشكل خاص ما يتعلق بكتاباتي الشعرية .النقد بالمجمل يضيء للشاعر مناطق مدهشة وإبداعية متجليّة ،وفي ذات الوقت ينتبه الشاعر إلى بعض المكرر من الكتابة أو الضعف ف ــي م ــواط ــن أخـ ــرى فــيــصــقــل إبــداعــه وتجربته ،أنا أستفيد من النقد بشكل عام في تشذيب بعض الكتابات ،ولكن النقد ليس قيدًا بالنسبة في لحظة الكتابة ،أنا ال أفكر بالنقد أبدًا حينها ،أطلق العنان للقصيدة؛ ألن صدق القصيدة وحــرارة عاطفتها ،وجــمــال بنيتها أن أتركها تأتي بدون حدود أو أن أضمنها أفكاراً تجريبية أو فلسفية ،أو قيوداً معرفية من أي نوع. وبالتالي القصيدة تمثلني فــي بنيتها المعرفية وأفكارها وما تحمله من رؤية؛ فإذا جاء النقد بعد ذلك ،فليس هناك ما أخشاه حينها. التواصل المباشر مع الجمهور!.. ¦أق ـم ـ ِـت أم ـس ـيــات ش ـعــريــة ف ــي ع ــدي ــد من المنابر في األندية األدبية والمهرجانات الثقافية ،طبعا هــذا التواصل المباشر مع الـقــارئ "الـجـمـهــور" ..،له الكثير من األه ـم ـيــة ل ـل ـشــاعــر ،ف ـهــو ي ـت ـعــرف كيفية وص ــول قصيدته لــآخــريــن وم ــدى األثــر ال ــذي تركته القصيدة مــن خــال درجــة التفاعل .هــل تــؤيــديــن وتــؤكــديــن أهمية
102
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
مثل هذه األمسيات الشعرية أم؟
¦ربما كان حضور المرأة يتفاوت من مجتمع آلخر ..قد يكون أحد أسباب هذا التفاوت
ρ ρاألمــســيــات الــشــعــريــة والــمــشــاركــة في التكوين المجتمعي ،ولكن من المالحظ المهرجانات الشعرية مهمة للشاعر أن حـضــور ال ـمــرأة فــي الـمـنــابــر اإلعــامـيــة عندما يالمس وهــو على منبر الشعر والثقافية ومشاركتها فــي الفعاليات في مدى تلقي القصيدة ،التواصل المباشر تزايد اآلن ،ما رأيك؟ مــع الــجــمــهــور كــمــا ذكـ ــرت والمتلقين ض ــروري لتعزير فرصة أكبر لحضور ρ ρالمرأة أصبحت حاضرة بصورة مشرقة الــشــعــر .رســالــتــي حينها هــو أن يجد حاليًا في المنابر الثقافية واإلعالمية، المتلقي في هذا الشعر ما يستحق أن يسمع ،وأن يشعر بشيء يعنيه من خالل مهــارات النقــد والتحليــل ،يمكــن تعلمهــا ودراســتها وتطبيقهــا فــي هذه القصيدة أو تلك؛ ومن جهة أخرى نمــاذج نقديــة علــى النصــوص وجــود التواصل المباشر بين الشاعر المختلفــة فــي المجــال األدبــي يــد ا ! . . والجمهور مباشرة هو فرصة الستكمال تحد ً ثقة الشاعر في قصيدته من جهة ،وفتح القصيــدة هــي التــي تفــرض طقوســها نوافذ جديدة للتواصل ونشر القصيدة ووقتهــا ،ال أكتــب مــن وحــي خيالــي والتعريف بها من جهة أخرى. وال مــن موقــف يومــي ،ولكــن هــي تراكمــات تتجلــى فــي لحظــة الكتابــة زادت مشاركتها لنشر ثقافتها التــي تختارهــا القصيــدة!.. وإبداعها!.. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
103
وهذا ناتج إيجابي للتحوّالت المجتمعية واإليجابية التي نعيشها في هذا الوطن، وهلل الــحــمــد ،كــانــت الـــمـــرأة مــشــاركــة وزادت مشاركتها لنشر ثقافتها وإبداعها وحــضــورهــا ودوره ــا الثقافي والمعرفي والحضاري.
ذلك على أي علم نظري آخر ،وال يقتصر تعلم هذه المهارات وإتقانها على الرجال دون النساء؛ أما لو نظرنا لواقع المشهد النقدي ،سنجد أن عدد النقاد المجيدين هو أكبر من عــدد الناقدات المجيدات، قد ال تكون العاطفة أو اللين في تناول األعــمــال األدبــيــة هي السبب ،ولكن قلة عــدد الــنــاقــدات المتمكنات مــن مهارات النقد العلمي ،متى ما أتقنت المرأة هذه الــمــهــارات تخلّصت مــن قــيــود العاطفة واتّبعت منهجً ا علميا سليما سيؤدي إلى اكتمال قدرتها النقدية.
لــلــحــزم ،وأن ال ــم ــرأة أقـــل ح ــزمـ ـاً .في الحقيقة ،مهارات النقد والتحليل يمكن تعلمها ودراســتــهــا وتطبيقها فــي نماذج نقدية أو نظريات على النصوص المختلفة في المجال األدبي تحديدًا ،كما ينسحب
ρ ρأصبحت أميل في بعض القصائد الحديثة إلــى كتابة قصيدة التفعيلة ذات الجمل الشعرية الطويلة التي يخفت بها اإليقاع السريع لموسيقى ..ولكن لم أكتب قصيدة النثر.
مهارات النقد والتحليل ،يمكن تعلمها ودراستها وتطبيقها!..
¦"م ـ ــا أجـ ـمـ ـل ــه"" ..كـ ـ ــام يـ ـجـ ـن ــن"" ..ي ـف ــوق الــوصــف ويــأخــذ ال ـع ـقــل" ..ه ــذه الـعـبــارات تخص المرأة وطبيعتها وأقصد العاطفة عندما تعجب بشيء مــا ،وهنا استحضر لم أكتب قصيدة النثر.. مقولة لروبين الك ــوف( :إن الـمــرأة تتردد وتستخدم أسلوب ًا أقل حزم ًا من الرجل)؛ ¦مـ ــن ال ـ ــواض ـ ــح أن ـ ـ ـ ِـك ت ــو ّث ـق ـي ــن ت ـجــرب ـتــك من هنا ،يستغرب بعضهم حضور المرأة الشعرية بين سماءين "القصيدة العمودية رأيك في ذلك؟ في الفضاء النقدي ،ما ِ وقصيدة التفعيلة" ،..هل لديك تجربة في فضاء قصيدة النثر؟ ال موضوعياً ρ ρال أعلم إذا كان النقد مقاب ً
104
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
تويتر الموقع األول!.. ¦ما المواقع التي تتصدر مفضلة الشبكة العنكبوتية لديك؟
الثقافية .الشاعرة مها العتيبي ،ماذا تقول في هذا االتجاه؟
ρ ρحاليًا أصبح موقع تويتر Twitterهو الموقع األول الذي تتضمنه المفضلة ،إضافة إلى مواقع التواصل األخرى مثل الفيس بوك، وكذلك مواقع تعليمية وبحثية.
برأيي أن يستهويك السرد ربما يجذبك لنقطة أبعد مما تؤمل أو مما تظن أنك كنته في يوم من األيام؛ عمقا ولغة وقدرة على الكتابة .وحينها سأقول :ومــاذا بعد الرواية؟ هل سيظل الشاعر ممسكًا بنور القصيدة كما كان؟
¦أن يكتب شاعر "ما" روايــة أو عم ًال سردياً، لم يعد شيئا غريبا ،فهذه الحالة أصبحت منتشرة فــي الـســاحــات الثقافية العربية، فمن الكتّاب مَن يرفض وصف هذه الحالة بــالـتـحـوّل ،بــل يـعــدّ ه تــواص ـ ًا طبيعيًا بين فـ ـض ــاءات ال ـك ـتــابــة ،وم ــن ح ــق ال ـشــاعــر أن يـحـضــر ف ــي أي ف ـضــاء إب ــداع ــي ،وأن هــذه الـحــالــة ليست بــالـجــديــدة عـلــى الـشــاعــر.. وم ـن ـهــم َمـ ــن يـ ــرى أن ـه ــا ع ـق ــدة الـتـصـنـيــف ولها سلبياتها التي تعاني منها الساحة
لذلك بالنسبة لي أنا مخلصة للشعر كثيرا، وليس لدي على األقل في الوقت الحالي االتجاه لكتابة الرواية أو الخوض في كتابة أخرى بأي شكل إبداعي بخالف الشعر. أما في المشهد الثقافي ..فكتابة الشاعر للرواية أو أن يظل يكتب الشعر فقط ،ليس لها عالقة بعقدة التصنيف ،وهي حرية لمن يرى ذلك ولديه القدرة واألدوات الالزمة للسرد ،وقبل ذلك الرغبة في خوض هذا المجال .وفي النهاية هذا منتجه األدبي الذي سيقدمه وفق قناعته ورؤيته.
أن يستهويك السرد!..
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
105
هذا الرأي غير دقيق في الواقع!..
باألدب والشعر على وجه الخصوص ،يضم
¦ومــن الـمــاحــظ أن قصيدة النثر هــي من تتصدر المشهد الـشـعــري فــي الكثير من الـمـحــافــل الـثـقــافـيــة ف ــي ال ــوق ــت الـحــالــي، فماذا تقولين؟
مجموعة من الدواوين الشعرية ومختارات
ρ ρال أعتقد أن هذا الرأي دقيق في الواقع، العودة للقصيدة األصيلة ما يزال في أوج وهجه ،قصيدة النثر لها مريدوها ،ولكن أعتقد أن مــا بعد األلــفــيــة تغيرت هذه الفكرة ولــم تعد قصيدة النثر هــي التي تتصدر المشهد الثقافي العربي ،والدليلت هو كثرة الشعراء المجيدين الذين ازدهرت بهم كتابة الشعر العمودي وشعر التفعيلة ما بعد األلفية في جميع أرجاء الوطن العربي، وفي المملكة على وجه الخصوص. ال أكتب من وحي خيال خالص!..
من الشعر العربي على م ِّر العصور ،وخاصة شــعــراء القصيدة الحديثة :الــجــواهــري، ودرويــش ،ونــزار قباني ،ومجموعة أخرى كبيرة من شعراء العصر الحديث وعدد من الروايات ،وكذلك الكتب التي تعنى بالثقافة واألدب. أما القسم الثاني ،فيتعلق بالعلوم واألحياء بحكم التخصص biologyكتب الفسيولوجيا والحيوان والنبات واألنسجة والبيئة وما إلى ذلك ،كما يتضمن هذا القسم كتب المناهج وتدريس العلوم وهــذا مجال دراستي في الدراسات العليا ،إضافة إلى عدد ال بأس به من البحوث والدراسات المتعلقة بهذا
¦بـعــض الـشـعــراء والـمـبــدعـيــن بصفة عامة يلتزمون بطقس معين أثناء الكتابة ،مها ¦وم ــن ال ـم ـهــم ج ــدا أن أس ــال ــك أي ـض ـ ًا هــذا العتيبي :كيف تكتب ومتى؟ المجال.
السؤال التقليدي ،ما هو جديدك؟
ρ ρليست هناك طقوس معينة للكتابة ،متى ما جاءت القصيدة هي التي تفرض طقوسها ρ ρجديدي القصيدة ،في الفترة الماضية، ووقتها ،ال أكتب من وحي خيال خالص ،وال أنــجــزت ديوانين جديدين أحدهما قدم من موقف يومي أو شعوري خالص ،ولكن للنشر في العام 2019م ،وأنتظر صدوره هي تراكمات تتجلى في لحظة الكتابة التي في األيام القريبة القادمة ،واآلخر سيتبعه تختارها القصيدة. قريبا .وهناك بمشيئة اهلل أمسيات شعرية ¦غ ــال ـب ــا أسـ ـ ــأل ه ـ ــذا ال ـ ـسـ ــؤال ف ـه ــو ي ـضــيء للقارئ الخصوصية الثقافية لدى ضيف "ال ـ ـج ـ ــوب ـ ــة" ،..هـ ــل ل ـن ــا أن ن ـت ـع ــرف عـلــى محتويات مكتبة الشاعرة الدكتورة مها؟
106
ρ ρمكتبتي منوعة في قسمين ..األول يتعلق العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
قــادمــة إحــداهــا فــي ســوق عــكــاظ ضمن
الــبــرنــامــج الثقافي بمشيئة اهلل تعالى، وما يزال للشعر نافذة الجمال والحضور والتلقي.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
الشاعر حسن شهاب الدين: ُ فتبعته! الشعر لي بعصاه أشار َ ُ الغيب ِ على ص يتلص ُ ِمنْ ِمرْآتِ ه َّ َّص سماوات به تترب ُ ٍ وسبعُ األوراق ِ يفجرُ في ِّ لـُغ َم مجازِ ه ص حال ..فيقنِ ُ وينصب فخـًّا للمُ ِ ُ صبي.. ٌّ على ماءِ األساطيرِ سائرٌ وأطفالـُها.. تشخص ُ في ُح ِلم عينيه
مالم ُحه ال تشبه ُالما َء ِ إنـ َّما.. ص مالئكة النهر التي يتقمَّ ُ له جدَّ ٌة خضراءُ .. أرضهِ قمح ِ ِمنْ ِ تقصص ُ السنابل ِ عليه حكايات وأحرفـُه.. الحزن قامة ً ِ أعلى من ألوجاعِ كلِّ المُ تعبين تلخـ ُِّص
هذه األبيات صدرت في ديوان "طفل يركض في األساطير" ،وبها يُعرِّف الشاعر خط أول حرف في كتاب الحياة. الذي يشبهُ ني نفسه منذ َّ ■ حاوره :أسامة الزقزوق
¦مــاهــي أه ــم الـمـحـطــات األدب ـي ــة في حياتك؟ ρ ρمحطاتي األدبية هي دواويني منذ الديوان األول "شُ رفة للغيم المتعب"
حتى الديوان األحدث كأوَّلِ شاعر في األرض أخــط جغرافيا الكالم حسب رؤيتي للعالم ،وال أرى لي إال القصيدة كي أُأَرِ ُخ بها ذاتي وكذلك الزمن الذي أحياه. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
107
¦كيف بدأ مشوارك األدبي؟ ولماذا الشعر بالذات؟
أنــا أح ــاول تــأريــخ الحياة التي أحياها والعصر الذي أعيشه؛ لذا ،فمشاكل كل إنسان في الحياة هي مشاكلي كأديب، فأنا أريد أن أضمِّد كل جرح ..أن أربِّت على كل قلب ..أن أنطق بكل لسان ..هذه هي مشاكلي ،وال أدري هل هذه الكلمات تصلح كإجابة على سؤالك أم ال.
¦كأديب ،ما هي المشكالت التي تواجهك؟
عامية الـتــونـســي) هــل هــذه المقولة ما
أشار الشعر لي بعصاه فتبعتُه ..هذا كل ما في األمر؛ فأنا لم أختر الشعر وال توقعت قبل قصيدتي األولى أن أكون شاعرًا ،وال أدري كيف تــم األم ــر ،ولــكــن قبل ذلك بسنوات كنت أغرق في مكتبة بيت والدي الثرية التي أتاحت لي اإلطالع على تراث ¦ما هو تقييمك لــأدب في مصر ،بصفة خاصة ،والعالم العربي ،بصفة عامة؟ إنساني ضخم من أدب (روايات خاصة) ودي ــن وتــاريــخ وســيــاســة؛ ل ــذا ،وضعت ρ ρاألدب -والــشــعــر خــاصــة -الشعر في قدمي في طريق الشعر متسلحا بثقافة مصر في توهج ،ويتسع ليشمل ويحمل تسبق عمري بكثير ،والمفارقة أن تلك قــدرًا من الثقل الفكري والحضاري ما المكتبة الخطيرة كانت تفتقر للشعر، يؤهله للريادة ،وهــو كغيره من تجارب الشعر العريقة في البالد العربية يضج ولكن تأثير ديستوفسكي ،ومحفوظ، باختالط األصوات بسبب انتشار وسائل وماركيز ،وديكنز ،والتراث اإلنساني من النشر والتواصل االجتماعي؛ ولكنني أرى المعرفة الدينية والتاريخية كان هائال. أن هذه الضجة صحية ،وال بد أن تثمر ¦ما هي طقوس الكتابة لديك؟ تجارب ناضجة ،والقارئ الواعي قادر ρ ρلــكــل شــاعــر طــقــوســه لــحــظــة اإلبــــداع، على انتقاء أصفى األص ــوات ومتابعة وطقوسي ترتبط بالحبر والورقة كثيرا.. إبداعه من وسط هذا الضجيج الجميل فــالــورقــة والقلم وبعض الــهــدوء وشــيء والــعــذب ..وأظ ــن هــذا ال ــرأي ينسحب من الموسيقى الهادئة تعني لي الكثير، أيضا على التجربة اإلبداعية في غيرها إال إنني أتعجب من قصائد أعدها من من البالد العربية. أفضل ما كتبت تخالف تلك المقاييس، فمثال هناك قصائد كتبت على الــورق ¦إن كانت لــك فرصة ألن تصرخ غاضبا، ماذا تقول؟ وفي الطريق وأمــام شاشة الكمبيوتر.. وقصائد كتبت في العمل وقد كتبت أيضا ρ ρســوف أصــرخ في وجــه العالم قائال له كفى دمـ ــاءً !!..دع فرصة ألطفالنا كي في الطائرة وفي الفنادق ،إال إنني أشعر تنبت أحالمهم البريئة. باأللفة والحنين مع الورقة والقلم ..أو قُل أشعر بالثقة أكثر فيما أكتبه على الورقة ¦أمـيــر ال ـش ـعــراء أحـمــد شــوقــي لــه مقولة وبهذا الساحر (القلم)! يقول فيها (أخـشــى على الفصحى من
108
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ρ ρأرى أن العبء األكبر يقع على مناهج الــتــعــلــيــم الــســقــيــمــة ،وطـ ــرق الــتــدريــس العقيمة ،التي ال تقدم للطالب خاصة ¦هل ترى أن هناك أزمة حقيقية في النقد في مراحل التعليم األولى أجمل إبداعات األدبي؟ وما هي أسبابها؟ لغتنا العربية الساحرة بطريقة مبسطة ρ ρالرؤى النقدية كثيرة ومختلطة ..وربما وجميلة؛ ما يُخرج لنا مبدعين أو على متناقضة ،وكثير من النقد المطروح على األقل محبين لإلبداع؛ كما أن لإلعالم الساحة هو ترجمات لصيغ نقدية توافق دورًا كبيرًا أيضا ،وال تنس كذلك دور عليها الغرب ..وربما هي بعيدة كل البعد األسرة ..ولكن أرى أن التعليم هو حجر عن طينة حضارتنا؛ لذا ،ال تثمر ،ولكن الزاوية في ذلك. النقد الذي أؤمن به هو الذي ينبع من ¦اللغة العربية هويتنا وهــي لغة القرآن النص نفسه ال مــن نظريات مقتبسة، الكريم ،فكيف نحافظ على هذه الهوية؟ وهنا تكمن المشكلة ..حيث يبدو تماما ρ ρاللغة العربية لغة إلهية ..ولها سماوات لكل متابع أن النقد واإلبداع يسيران في إبداع ال انتهاء لها .وهذا أكثر ما يميز خطين متوازيين ال يلتقبان أبدا. القصيدة العربية ..وهــو اتكاؤها على ¦بعد هذا المشوار الطويل في اإلبداع هل لــغــة إلــهــيــة مــرصــودة لــإبــداع والخلق هناك قصيدة لم تكتبها بعد؟ واإليجاد ..إنها لغة التكوين ..وصلصال للغات؛ ولذا ..هي تحمل جينات الخلود ρ ρبعد عشرة دواوين أستطيع أن أقول إنني خططت جيدا لمسودة قصيدتي األولى والبقاء ،وطالما وجد القرآن الكريم وهو باق خالد ..فسوف تبقى اللغة العربية، التي لم أكتبها بعد. وفي كل جيل يقيُّض اهلل لثلّة مبدعة أن ¦هـ ــل ت ـ ــرى أن م ــؤسـ ـس ــات ال ـ ــدول ـ ــة ت ـقــوم تؤكد ذلك بإبداعاتها المتفردة. بواجبها تجاه الثقافة والمثقفين؟ ¦حـصــدت الكثير مــن الـجــوائــز األدب ـيــة.. ρ ρالجهد األدب ــي يبدأ فــرديــا حين يكوِّن أيهما اقرب إلى قلبك؟ األديب نفسه بالقراءة واإلطالع واإلبداع، ρ ρالــقــلــوب الــتــي تــحــيــط بقصيدتي هي ثــم يــأتــي بــعــد ذل ــك دور الــمــؤســســات جائزتي األغلى. الثقافية في رعاية المواهب ،وربما تكون المؤسسات تقوم بدور ما ،ولكن أظن أن ¦حــدثـنــا عــن تجربتك مــع بــرنــامــج أمير الشباب من المبدعين يحتاجون دورًا الشعراء؟ العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
تزال قائمة؟ وما هي األسباب من وجهة ن ـظــركــم ف ــي ت ــراج ــع ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة في المجتمعات العربية؟
ρ ρتجربة ثرة منحت شعري ما كنت أريده من ضوء في تلك الفترة ،وحملته بجناحين إلى آفاق المتلقي العربي الواعي الباحث عن ِش ٍعر جيد ربما تــواريــه الجغرافيا وتحجبه المجايلة..
109
أكبر لها. ¦قـصـيــدة الـنـثــر كـيــف ت ــرى مــوقـعـهــا على خريطة األدب العربي؟
ρ ρدواويني بال شك مثل أبنائي ..لذا فلها في القلب مكانة واحدة ،ولكن االختالف يكون في إحساسك بالديوان األول الذي
ρ ρشــريــك حــيــوي ومــؤثــر ،وشــكــل إبــداعــي ساحر ال يجب أن نتهمه ،بل أن نستضيء قلمك ،أو الديوان األحدث الذي تنتظر به ونسمح له أن يأخذ بأيدينا في طريق منه أن يكون إسهامًا جادًا في الساحة التجريب الجميل ،وقصيدة النثر شريك الشعرية العربية ،أو الديوان الذي حصل لي ال ينفك عني ،وفي مؤملي أن أصنع قصيدة تنحاز لــإبــداع الكبير الــذي على جائزة ،أو هــذا الــذي تكتبه اآلن، ينتظم هذه الحياة بأسرها ،ولذا أحب وهكذا ..فكل تلك الدواوين هي أنا! التجريب في قصيدة النثر ،وأرى أنها شريك إبــداعــي لقصيدة العمود ..أما ¦ما هو النص الذي تتغنى به لنفسك أو كون قصيدة النثر تمثل شكال شعريا أو لغيرك ..ويجول بذهنك حاليا؟ ال فهذا سؤال ترد عليه األجيال القادمة، ρ ρعندما أكون في حالة إبــداع ..فعادة ما راق ال وهي بالنسبة لي شك ٌل إبداعيٌ ٍ أترنم بأبيات من نصي الجديد الذي يجب أن تخسره الحياة. أكتبه ،ولــذا ســأدع هــذه األبــيــات هدية ¦دواوينك الشعرية هل كلها على مسافة وضع اسمك على الساحة ،وحمل طفولة
واحدة من قلبك؟
110
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
لقارئ ديواني الجديد بإذن اهلل تعالى.
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
لطيفة لبصير: ما أزال بصدد تكوين رؤية عن كتابة المرأة الكاتبة والناقدة واألكاديمية المغربية الدكتورة لطيفة لبصير؛ اسم بارز في الساحة األدبية المغربية؛ أصدرت العديد من الكتب والمجاميع القصصية التي استحسنها النقاد كما القراء ،وتُرجمت أعمالها القصصية إلى عدد من اللغات. عن تجربتها في الكتابة القصصية؛ وكيف يمكن تحويل األحــداث اليومية إلى كتابة قصصية؟ وعن مجموعتها القصصية الجديدة "يحدث في تلك الغرفة"، وكتابها "الجنس الملتبس" كان لـ"الجوبة "معها هذا الحوار. ■ حوارها :محمد جنيم -املغرب
م ــازم ــا لــلــشــخــصــيــة ،ت ــح ــاول أن
¦مــاذا حــدث فــي غرفتك القصصية "يحدث في تلك الغرفة"؟
تخفيه عن كل اآلخرين .ومن هنا،
ρ ρالذي يحدث هو أن هذه األشخاص
يبدأ الــســؤال :لماذا أدّى التحوّل
وجدت نفسها أمام عطب فيزيائي
الفيزيائي إلى البحث عن أسباب
غيّر من مالمحها ،مثل الشخصية
نفسية ،وك ــان ال ــذي يــحــدث على
التي عانت من التبسم بشكل دائم،
مستوى الشكل الخارجي ال يمكن
والذي أصبح معه هذا الفرح عطبًا
أن يفسره أو يضيئه إال العطب العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
111
الداخلي الكامن ،والذي يتأتى سواء من
الطفولة أو العالم الخارجي الذي كثرت
فيه الحروب أو أشكال العنف ،أو الذات
التي تنتفض هي أيضا ضد الشخص
نفسه حين يعلن جسد طبيبة تشريح انتفاضته القصوى بعشق شفتي جسد
رجل على طاولة التشريح .الذي يحدث هو ما يحدث في ذلــك العرض اآلخر
الذي يحرك العديد من النوازع النفسية التي ال نجد لها في بعض األحيان تأويال مباشرًا في الواقع.
¦تـ ـط ــورت ال ـق ـص ــة ال ـق ـص ـي ــرة الـمـغــربـيــة بشكل كبير جــدا؛ بالنسبة للكاتبة ،هل تساير طرق التحديث التي يعمل عليها
تجد نفسها بأسلوب الحياة نفسها الذي
ال ــرج ــل ،أم أن ـهــا وج ــدت لنفسها نسقً ا
يملي على األعصاب هذا الجدل القائم
خاصاً؟
بين األفق والحياة التي تحياها .ومن حق
ρ ρأرى أن الكاتبة المغربية تخوض تيمات أخــرى رغم التشابه في بعض األحيان
بينها وبين الرجل ،لكن الرؤية مختلفة.
الكتابة أن تنزع نحو أحالم أخرى ،وأن شخوصا ظلوا لفترة حبيسي ً تشاكس ذواتهم؛ ألنهم يشعرون بالخوف.
ونحن في حاجة إلى هذه الزاوية التي ¦نـلـ ِـت الكثير مــن الـجــوائــز األدب ـيــة التي تطرق أبوابًا أخرى ظلت معتمة رغم كل تمنح في اإلمارات؛ كيف تقرأين المشهد شــيء ،وال أحصرها في الجنس؛ ألنه الثقافي هناك؟ يظل ج ــزءًا فقط مما تعيشه األنــثــى، فهناك العديد من المواقف والبناءات ρ ρقبل سنوات ،تعرفت إلى الكاتبة ميسون النفسية ما تزال معقدة ،والسبب كامن وراء ضيق أفــق الــقــواعــد الــتــي تملى
كقانون يُسيّر حيوات النساء؛ ولذا ،فإن
112
الكاتبة مهما ابتعدت عن ذاتها ،فإنها
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
صــقــر ،وقــــرأت إبــداعــاتــهــا الشعرية الجميلة ،كما قــرأت روايتها التي تعد
سيرة ذاتــيــة "ريــحــانــة" ،وأعجبت بهذا النص ،كما عرفت الكاتبة ظبية خميس،
بــدأتُ بالفعل بالقراءة لها ،و ُهــنَّ على
ضمن ما نقرأ في السير الذاتية عموما
التوالي :أسماء الزرعوني ،فتحية النمر، لولوة المنصوري ،فاطمة المزروعي..وما أزال بصدد تكوين رؤية عن الكتابة التي تكتبها المرأة ،وأرى أن هذه التجارب ستأخذ مسارًا آخر قادمًا ،عبر التنويع الكمي والنوعي. ¦ك ـتــابــك "ال ـج ـن ــس ال ـم ـل ـت ـبــس" ،الـسـيــرة الــذات ـيــة الـنـســائـيــة سـيـكــون ح ــاض ــرً ا في مـ ـع ــرض ال ـ ــري ـ ــاض ،ح ــدث ـي ـن ــا عـ ــن ه ــذا الكتاب؟ ρ ρنعم سيكون حاضرًا في جناح المركز بتوقيع له ٍ الثقافي للكتاب ،وقــد قمت
كتعاقد ضمني بيننا وبين كتاب السيرة، لكننا ال نجد مــا نتوقعه،؛ وبــاألحــرى، فنحن نقرأ عوالم أخرى تصنع سيرًا غير حقيقية بالمعنى التقليدي ،ولكنها تفسح
مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات
واآلن أتعرف إلى تجارب نسائية أخرى
الجملة المستقيمة التي نبحث عنها
المجال لكي تتدخل أساليب أخرى من قبيل القلب والتهوين والتلطيف والمجاز الــمــرســل إل ــى غــيــرهــا مــن األســالــيــب. والكتاب فيه العديد من العناصر التي تــتــحــدث عــن المحكي الــذاتــي وصنع الــروايــة األســريــة التي هــي أســاس كل إبداع وخلق وشخصية أيضا.
خــال معرض أبــو ظبي للكتاب الــذي ¦ما هو اإلبداع في نظر الدكتورة لطيفة حضرته مؤخرًا ،كما قدمت محاضرة تقترب مــن هــذه الــتــجــربــة ..وهــي عن عالقة السيرة الذاتية بالتحليل النفسي. الكتاب هو دراسة للسير الذاتية النسائية التي تكتبها النساء ،والذي يخلق جمالية خاصة ،مثل وجــود العديد من عناصر المشابهة بين الذات التي تتكلم والذات ال ــم ــوص ــوف ــة؛ م ــا جــعــل هـ ــذه الــســيــر أشبه بشخوص أخــرى غير الشخوص الحقيقية ،وهو اشتغال على األسلوب واللغة ودورانها وكيف تعمل على مستوى الشكل قبل المحتوى على إخفاء حقيقة
لبصير؟ ρ ρأتــصــور أن اإلب ـ ــداع هــو ذل ــك الكيف الهجين لمجموعة من األحــام وأحالم اليقظة واألعــطــاب النفسية والكتب التي نقرأ أيــضــا ،وأتخيل أنني أكتب مما يتشكل من أعصابي وأليافها التي تورق هذه التفاصيل دون تلك؛ لذا ،ال أتخيل أنني أختار موضوعً ا ما بمحض المصادفة ،بل هو نتاج تالقح كل هذه العناصر جميعها ،وهي مَن يتحدث عبر أشخاص آخرين. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
113
شجرة السرح رمز األنوثة!.. ■ أحمد إبراهيم البوق*
ليس غريبا أن ترتبط الشجرة بــاألنـثــى ،فكالهما مـصــدر للحياة والبهجة، وبينهما تـقــاطـعــات كـثـيــرة ليست رمــزيــة ،مـحـصــورة فــي الـظــل الـ ــوارف والـعـطــاء المستمر؛ ولكن ،أحيانا ثمة تقاطعات شكلية وصفات مشتركة .وفي الشعر كثير من الوصف المشترك بين المرأة والشجرة ،وتسرب ذلك في الغناء من القدود الحلبية و (قــدك المياس يا عمري ..يا غصين البان كاليسر) ،إلى الموشحات األنــدلـسـيــة عند أبــي بكر محمد بــن زهــر األشـبـيـلــي( :غـصــن بــان مــال مــن حيث استوى/بات مَن يهواه من فرط الجوى /خافق األحشاء موهون القوى). رمز لألنوثة والشعر!..
114
تتحمل الجفاف بكثرة وان كانت تنمو
ولكن كيف تحولت شجرة صحراوية أحيانا في الجبال ،وقد يصل ارتفاعها دائمة الخضرة كشجرة السرح إلى رمز الى ( )6أمتار أو تزيد ،وربما يرجع اسم لألنوثة فــي الشعر العربي وتحديدا السرحة الى انسراح اغصانها وذهابها فــي صــدر اإلس ــام؟ وتسمى الشجرة في الجهات .ومن أسمائها المرو ،وقد الواحدة سرحة ،وهي أشجار صحراوية استخدم هذا االسم في تصنيفها العلمي العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
عال النبت حتى طال أفنانها العال وف ـ ــي الـ ـم ــاء أص ـ ــل ث ــاب ــت وع ـ ــروق
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
،Maeruacrassifoliaوكان المصنف الفرنسي بيتر فورسكال Peter Forskalقد زار اليمن عام 1760م ،وهو من صنفها علميًا ،تحت النوع العربي .وربما تكرست رمزية شجرة السرح للداللة على األنــثــى؛ عندما حظر الخليفة عمر بن الخطاب رضــي اهلل عنه على الــشــعــراء التعريض بــأســمــاء النساء في شعرهم ،فاستعاضوا عن ذلك بشجرة الــســرح .ومــن أشهر القصائد التي رمزت للمرأة بشجرة السرح قصيدة حميد بن ثور الهاللي ،وهو من الشعراء المخضرمين (في الجاهلية وصدر اإلسالم) ،وعاصر الخليفة عمر بن الخطاب ويقول في قصيدته:
من غرام الطائفين ،فال هو قاد ٌر أن يستظل بظلها فــي الــضــحــى ،وال هــو ذائ ــق فيْأها بالعشي برغم وجــده على ظلها .وفي ذلك يقول:
ف ـي ــا ط ـي ــب ري ــاه ــا ويـ ــا بـ ــرد ظـلـهــا إذا ح ــان مــن شـمــس الـنـهــار وديــق وهــل أنــا إن عللت نفسي بسرحة م ــن ال ـس ــرح م ـس ــدود ع ـل ــيَّ طــريــق حمى ظلها شكس الخليقة خائف ع ـل ـي ـهــا غـ ـ ــرام ال ـطــائ ـف ـيــن شـفـيــق
سقى السرحة المحالل واألبطح الذي فال الظل منها بالضحى تستطيعه ب ــه الـ ـش ــري غ ـي ــث م ــدج ــن وبـ ــروق وال ال ـف ــيء مـنـهــا بــال ـع ـشــي ت ــذوق فما ذهبت عرضا وال فــوق طولها ومـ ــا وجـ ــد م ـش ـتــاق أص ـي ــب فـ ــؤاده م ـ ــن الـ ـ ـس ـ ــرح إال عـ ـش ــة وسـ ـح ــوق أخـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـهـ ـ ــوات بـ ــال ـ ـع ـ ـنـ ــاق ل ـب ـيــق
وهــو يصف هــذه الشجرة/المرأة التي يــدعــو لها بالمطر ،وب ــأن أفنانها عالية، وجذورها عميقة تصل لمنابع الماء ،وهو وصف دقيق واقعي ألشجار السرح الدائمة الخضرة ،والتي تتعمق جذوها في األرض لثالثين مترا أو تزيد .ويصف طيب ريحها وبرد ظلها في الظهيرة ،وهو كذلك وصف مشترك ودقيق؛ إذ إن لزهور أشجار السرح شذىً طيب الرائحة يجذب إليه النحل وينتج أبيض شفافًا غالي الثمن .ولكن َ منه عسال الطريق إلى سرحة حميد بن ثور مسدود، فحول سرحته رجــال أشــداء يحمون ظلها
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
115
الهندية وتــحــدي ـدًا فــي المناطق الجافة. وتستخدم أخــشــاب أشــجــار الــســرح قديمًا فــي بناء البيوت لصالبتها ،وفــي صناعة السواني .كما تستخدم أغصانها كسواك في بعض المناطق البرية .ولكنها ال تحتطب كوقود ،ألن دخان أخشابها يترك نكهة غير مستساغة في الغذاء .كما تستخدم أشجار السرح في الزينة في المناطق الجافة ،فهي ال تحتاج إلى رعاية كبيرة.
بأكثر من وجدي على ظل سرحة مــن ال ـســرح إذ أضـحــى عـلــيَّ رفيق السرح دواء!..
116
وألشجار السرح قيم طبية ،كما تداوي الــنــســاء ج ــروح الــرجــال وتجبر كسورهم، فــأوراقــهــا غنية بــمــادة الــكــالــســيــوم؛ لــذا، تستخدم في الطب الشعبي لمداواة كسور الــعــظــام .وتــســتــخــدم ب ــذوره ــا فــي الطب الشعبي قديما ،وكانت شجرة السرح مقدسة في مصر الفرعونية ،ويستخدم مسحوق األوراق في عالج الحمى واألمراض المعدية والجلدية .وللقيمة الغذائية لــأوراق يمكن أن تستخدم في أوقات الشح كغذاء ،وبعض القبائل اإلفريقية تخلط أوراق السرح مع حليب األغــنــام وتشربه كــغــذاء رئيس لها. وثمارها سائغة المذاق لإلنسان والحيوان، وتستخدم فــي إفريقيا لصناعة الحساء وأطباق أخرى .إذ تنتشر هذه األشجار من إفريقيا والشرق األوســط إلــى شبه القارة العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
الطيور الصحراوية!.. وتعشش عليها الطيور الصحراوية الكبيرة كالنسور والحدات والغربان .وتنتمي للعائلة الكبرية ،Capparaceaeوكبقية أفــراد هذه العائلة النباتية جيدة لرعي المواشي كاإلبل وآكــات األوراق كالظباء والنعام .وقد ورد في الشعر الجاهلي إشــارات لتغذي النعام على ثمارها والتي تسمى (اآلء) وواحدتها (آءة) ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي ثعلبة بن صعير يصف غذاء النعام عليه:
ط ــرف ــت م ـ ــراوده ـ ــا وغ ـ ـ ــرد سـقـبـهــا ب ـ ـ ــاآلء والـ ـ ـح ـ ــدج ال ـ ـ ـ ــرواء الـ ـح ــادر وكذلك قول ذي الرمة (ت 735م) يصف التهاء النعام بالتغذي على ثــمــار السرح وأوراقه ،وعلى نبات التنوم:
الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــاه آء وتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــوم وع ـ ـق ـ ـب ـ ـتـ ــه من الئح المرو والمرعى له عقب وم ــن أســمــاء ثــمــار ال ــس ــرح :ال ــدوال ــي، والهدال ،وفي جازان يسمى المصيص .وقد
الفيصل بن عبدالعزيز ،ومما قال فيها:
إذا ظلت العيس الخوامس والقطا مــعً ــا فــي ه ــدال يتبع الــريــح مائله ي ـ ــا سـ ــرحـ ــة ال ـف ـي ـص ــل ق ـص ــدن ــاك تـ ــدف ـ ـع ـ ـنـ ــي الـ ـ ـ ــذكـ ـ ـ ــرى ل ـ ـن ـ ـجـ ــواك وألش ــج ــار الــســرح حــضــور فــي الشعر
الشعبي في الجزيرة العربية ،وعرفت بين ي ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ــرح ـ ـ ــة بـ ـ ـ ـ ـ ــاهلل ق ـ ـ ــول ـ ـ ــي ل ــي أبناء البادية كمقيل للظباء والطيور ،ومن كـ ـي ــف اسـ ـتـ ـقـ ـم ـ ِـت ل ـ ــه إذا ج ـ ــاك؟ ذلك قول الشاعر:
سرحة وتسريحة مقيل الظبيات
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
وصف الشاعر المخضرم تميم بن أبي بن للمحمية ،ورسمها وكتب شــعـرًا يستنطق مقبل غذاء اإلبل وطيور القطا عليه: فيه السرحة التي تسأل عن ضيفها العزيز
والــســرح شجر ط ــوال ،وهــي كــذلــك من
والسرحة القصيا مقيل القماري صــفــات الــجــمــال عند الــمــرأة ،وفــي طول أشجار السرح يصف عنترة بن شداد أحد والتسريحة نوع آخر من األشجار وقريب األبطال وكأن ثيابه معلقة في سرحة: من السرح .والسرح مــاذ لبدو الصحراء لالستظالل بفيئها الوفير ،واحتساء القهوة ،ب ـ ـطـ ــل كـ ـ ـ ــأن ث ـ ـيـ ــابـ ــه فـ ـ ــي س ــرح ــة ومن ذلك قولهم: ي ـحــذى ن ـعــال الـسـبــت لـيــس بـتــوأم
يــا محال الفنجان ب ــأرض براحي ريــح العويدي ذاعــرة عقب ما فاح الشاعر إن ظلها البارد مقصد الركبان في ونعود لربط السرحة بالمرأة في قول
هجير الصحراء ،ولكن ماءها العذب ال يحل
في ظل سرحة والركايب ضواحي والبال من كثر الهواجيس من ساح لوارد:
وفي محمية محازة الصيد /اإلمام سعود ف ـيــا س ــرح ــة ال ــركـ ـب ــان ظ ـلــك ب ــارد ابــن عبدالعزيز حــالــيــا ،والــتــي تبعد نحو ـذب ال ي ـ ـحـ ــل لـ ـ ـ ــوارد وم ـ ـ ـ ـ ــاؤك ع ـ ـ ـ ـ ٌ
150كم شرق مدينة الطائف شجرة سرح شهيرة كان يستظل بفيئها الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه اهلل عندما كان نائبا للملك عبدالعزيز على الحجاز ،وكان مقناصه في تلك المنطقة المشهورة بكثرة الظباء .وقد وقــف على ســرحــة الفيصل األمــيــر خالد الفيصل قبل سنوات قليلة في إحدى زياراته
ونختم ببيت لحميد بن ثور يرى فيه أن
ال كما يفوق سرحته تفوق كل السرحات ظ ً جمال الحبيبة جمال كل النساء في عيون
عاشقها:
أب ـ ـ ــى اهلل إال أن سـ ــرحـ ــة م ــال ــك عـ ـل ــى كـ ــل أف ـ ـنـ ــان الـ ـعـ ـض ــاة تـ ــروق
* باحث وشاعر سعودي. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
117
والفن االستـهالك السينـمـا بين ِّ ِ ■ منصف القرطبي*
يجري التعامل اليوم مع السينما وماهيتها ولغتها الخاصة كما لو أنها مجال انتهى البحث في مــوارده المادية والرمزية ،وانتهت األسئلة التي يطرحها على الباحثين والسينمائيين والمهتمين بسؤال المعرفة واإلب ــداع .إذا سألت أحــد ًا يشاهد األفالم ويهتم بها -عن مفهوم السينما ،قد يجيبك -لألسف -بالقول:السينما هي لقطات ومشاهد وشخصيات وزمن و!.. وهــو ســؤال يقودنا إلــى أسئلة أخــرى :هل يكفي أن تتوافر في الفيلم لقطات ومشاهد وشخصيات وفضاءات حتى ننسبه إلى السينما وعوالمها؟ وما عالقة توظف السينما الصورة والكادر السينما بالفن؟ ما عالقة السينما بالصورة؟ كيف ِّ واإلضاءة؟ ال من األسئلة أل ــي ــس ــت ال ــش ــخ ــص ــي ــات واألزمــــنــــة هكذا ،يجد الباحث سي ً العلمية والمعرفية التي تحتاج إلى تأمل والفضاءات من خصائص السينما؟ طــويــل ،وب ــدالً مــن البحث عــن تحديد نــســألــه :أال تحضر هــذه العناصر السينما مــن الــخــارج (الــعــوامــل التي في الرواية والمسرح وباقي األجناس تحيط بالسينما ،وتؤثر فيها داخليا؛ من األدبية؟ ما الفرق بين السينما والرواية؟ عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية ...إلــخ) يجب إيجاد التعريف وهل يمكن أن نقارن بينهما؟ مــن ال ــداخ ــل ،أي مــن بنيتها ولغتها ي ــرى الــنــاقــد الــســيــنــمــائــي حــمــادي وتقنياتها ،ومــا يميّزها عــن األشكال كيروم أنــه ال يمكن أن نطرح الرواية التعبيرية والفنية األخرى ،مثل :الرواية ،والسينما للمقارنة ،والبحث فيهما عن المسرح ،القصة.. المشابهة واالختالف؛ ذلك أن للرواية وقد يطرح القارئ ســؤاالً مشروعا :نسقها الخاص الذي هو اللغة األدبية؛
118
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وهكذا ،فإن سؤال المقارنة بين السينما وأي جــنــس أدبـــي آخ ــر غــيــر وارد؛ نظرا لالختالف بين الرواية -مثال -ذات النسق الوحيد (اللغوي) والسينما (ذات األنساق المتعددة) ،وأيضا ،ألن السينما تنتمي إلى الفن وجمالياته؛ بينما الرواية جنس أدبي له
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
أي ما هو مكتوب ومدوّن ،ما خطّ ه الروائي تقنياته الخاصة. من كلمات لها داللتها الثقافية والمعجمية وبعد هذا ،يطر ُح التساؤل حول السينما؛ واالجتماعية ،في حين نجد نسق السينما متى تكون ف ّنًا ومتى تكون منتوجً ا استهالكيًا؟ مختلفًا جدًا؛ فهو نسق سيميولوجي ،نسق يقتضي هذا طرح سؤال آخر :هل غاية متعدد (أو أنــســاق صــغــرى) :نجد النسق التشكيلي :من خطوط وألوان تشكيلية ،لها الفن االستهالك والتسلية والمتعة فقط ،أم داللتها السيميائية ،من إطار وتكوينات..كما أنَّ له غايات جمالية وفكرية وفلسفية؟ يحضر النسق البصري :من خالل األيقونة ،ذلــك أنَّ أشــكــاال تعبيرية كثيرة تحقق أي شيء نبصره ويحيل على معطى خارجي ،التسلية والفرجة والمتعة (النكتة ،الكوميديا، والنسق اللساني( :من خالل الحوار والكالم الحلقة)..؛ بينما حــاول السينمائيون منذ الذي يدور بين الشخصيات)؛ أي ما يتعلق زمن أن يتجاوزوا التسلية والمتعة فقط إلى باللغة المنطوقة والمكتوبة فــي الفيلم .تحقيق غايات روحية ووجدانية وفكرية، والنسق الرمزي :الذي نجد فيه شيئا يحيل تسمو بالذوق وترتقي بالمجتمع وأفــراده. على شيء ،يحيل هو بدوره على داللة ثقافية لــذلــك ،نالحظ أن المجتمعات المتخلّفة أو سياسية أو اجتماعية ..أي أنه يخضع ال تنتج أعماال سينمائية ذات قيمة فنية للعالمة كما نظر لها السيميائي بيرس تفضل التسلية ّ وفــكــريــة؛ فهي مجتمعات (مأثول يحيل على موضوع من خالل مؤول). السطحية واالستهالك النهم لألفالم التي تــتــمــيــز الــســيــنــمــا بــلــغــتــهــا السينمائية تــحــرك بعض الــغــرائــز (األكـــل والــشــراب، أو الــبــصــريــة؛ أي "الــســيــنــمــاتــوغــرافــيــا" الجنس.).. :cinematographieتأطير اللقطة ،زاويــة للفن قيمته التاريخية والفكرية والفلسفية الكاميرا والرؤية ،اإلضاءة ..إلخ .لذلك ،فإن مجتمعات رأت في ٍ توظيف هذه العناصر في مكانها ووضعها التي رفعت مستوى وعي الداللي الموضوعي -الذي يخدم الدراما الفنّ وسيل ًة جبار ًة لتنمية األفراد ودعوتهم هو الذي يميّز السينما عن باقي األجناس إلى اإلبداع واالبتكار والنقد.األخرى. حــيــن تـجتـمع فــي الفيلم السينمائي العناصر التي ذكرناها آنفا ،ويوظف المخرج "السينـماتوغرافيا" توظيفًا خالقًا ،يمكننا أن نــتــحــدث عــن الــفــن والــجــمــال ،الـلّــذيْــن حــرص مخرجون عظماء على ابتكارهما وتأسيسهما ،بعيدًا من االستهالك األعمى والتسلية الساذجة!
* باحث في السينما من المغرب. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
119
وادي بطحـان
جزء من ثقافة شعراء محبي طيبة قديما ■ د .تنيضـــب الفايدي*
تحيط المدينة النبوية الكثير من الجبال والحرار من جميع جهاتها؛ لذا، تكثر األودية فيها ،ويمكن تصنيفها إلى قسمين(:)١ أودي ــة شـهـيــرة وه ــي :وادي العقيق أو الـ ــوادي ال ـم ـبــارك ،وادي بـطـحــان ،وادي الرانوناء ،وادي مهزور ،وادي قناة ،وادي مذينيب .وأوديــة أقل شهرة وهــي :وادي شظاه ،وادي الصرار ،وادي جفاف ،وادي العريض.
120
وت ــم ــت ــاز ت ــل ــك األوديــــــــة بــمــيــزات التاريخ والثقافة؛ لذا ،فإنها من مثيرات وخصائص جعلت اإلنسان يحرص على األشـ ــواق إليها منذ الــقــدم ،فكم من السكنى فيها .ومــن أهــم خصائصها :الشعراء تغلغل حبّها في قلوبهم فنفثوا وفرة المياه ،وخصوبة التربة ،ونظافة هذا الحب شعراً ونثراً. البيئة ،وجوّها اللطيف؛ فشهدت تلك ومن أبرز تلك األودية وادي بطحـــان األودية حضارات قديمة ،حيث سكنت على ضفافها قبائل عربية أرست دعائم الــذي يسير من جنوبها وحتى غربها، التطور الحضاري ،وبعضها ورد ذكره وهو من أشهر أوديــة المدينة المنورة في أحاديث الرسول ،وهناك أودية بعد العقيق ،إن لم يكن متساوياً معه أخــرى ارتبطت بــالــحــوادث التاريخية فــي الشهرة ،ولما قــدم اليهود اختار اإلسالمية .وتتمتع تلك األوديــة بعمق بــنــو النضير بــطــحــان ،فــاتــخــذوا بها حــضــاري بوصفها حاضن ًة لجزء من الحدائق واآلط ــام وبقوا فيها إلــى أن العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ صورة المدينة المنورة عند ما كانت تذكر أوديتها في التاريخ وتوصف بأن بعضها يقع غرب المدينة وبعضها في الشرق وبعضها ال في الشمال ،أما اآلن فإن تلك األودية تقع في قلب المدينة المنورة حيث أصبحت هذه الصورة حالياً تمثل الحرم كام ً
أجــاهــم رســـول اهلل بسبب غــدرهــم الحالتين حالتي صعب على بعد سبعة أميال وخيانتهم ونقضهم العهد ،وذلك في غزوة من المدينة تقريبا ،ثم يصل إلى وادي جفاف بني النضير(.)٢ شرقي مسجد قباء. ووادي بطحان يخترق المدينة المنورة، ويطلق عليه هذه التسمية (وادي بطحان) بدءاً من شرق مسجد قباء ،ويتشكل من أودية عديدة ،وهو يبدأ بشعب العجوز الذي يأتي من ظاهر المدينة المنورة من حرة شوران، ثم وادي مذينيب يرفده من الجنوب الشرقي ويلتقي مع وادي بطحان شرق مسجد قباء تقريباً عند تكونه ،أوله من الماجشونية(،)٣ ثم يمر كذلك إلى أن يمر غربي سور المدينة إلى طرف المصلى ،ثم يخرج إلى غربي سلع وقــرب مساجد الفتح ،ثــم يمر كذلك إلى وبين قباء وصــدر بطحان توجد العين أن يلتقي مع العقيق بالغابة ،حيث مجتمع األســيــال( .)٤وروى ابــن زبالة أنــه يأتي من الزرقاء ،و كانت العين الزرقاء تع ُّد المصدر وعلى جانبي وادي بطحان كانت منازل األوس وال ــخ ــزرج ،وتــحــدد مواقعهم بهذا الوادي ،إضافة إلى بعض المساجد الشهيرة كمسجد الفضيخ (مسجد الشمس) الذي يقع على شفير الــوادي (عندما يكون شرق قباء) ،وغير بعيد عن شاطئه الشرقي توجد آبــار مباركة عديدة ،مثل :بئر العهن ،وبئر غــرس ،وفي منتصفه (تربة صعيب) ،وهي من المواقع التي يستشفى بإذن اهلل بترابها وبغيرها من األماكن في المدينة المنورة.
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
121
وادي بطحان أثناء السيل
األساس للماء داخل المدينة المنورة من عهد معاوية بن أبي سفيان ،رضي اهلل عنه ،وحتى عهد قريب ،وقــد أجــرى مــروان بن الحكم أمير المدينة المنورة في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي اهلل عنه ،وجعل لها مناهل عديدة داخل المدينة ،ينزل إليها بدرج ،وقد أطلق على (العين) عين األزرق نسبة إليه كما ورد ذكر بطحان في حديث عقبة بن عامر رضي اهلل عنه ،قال« :خرج رسول اهلل لزرقة في عينيه(.)٥ ونحن في الصفّة ،فقال :أيكم يحب أن أما تسمية بطحان فقيل :سمي بطحان يغدو كل يوم إلى بطحان ،أو إلى العقيق، ألن القسم الذي يجري فيه داخل المدينة فيأتي منه بناقتين كوماوين ،في غير إثم ،وال سهل منبطح. قطع رحم ،فقلنا :يا رسول اهلل نحب ذلك، وقد وردت بعض األحاديث الشريفة حول قال :أفال يغدو أحدكم إلى المسجد ،فيعلم وادي بطحان ،فعن عائشة رضي اهلل عنها أو يقرأ آيتين من كتاب اهلل عز وجل خير له عن النبي قال« :بطحا ُن على ترعة من من ناقتين ،وثالث خير له من ثالث ،وأربع ترع الجنة»(.)٦ خير له من أربع ،ومن أعدادهن من اإلبل.
ْصارِ يُّ ،قال: عَ دِ ٍي أخبرني بَ ْك ُر ب ُن ُمبَشِّ ٍر اْألَن َ اب رسولِ اهلل ِإلَى َصحَ ِ كنتُ أَغْ دُو مع أ ْ َضحَ ىَ ،فنَسْ ل ُكَ ُصلَّى يَ ْو َم الْفِ طْ رِ َويْو َم األ ْ الم َ ُصلَّى َفن َُصلِّيَ مع بَطْ َن بَطْ حَ ا َن حتَّى نَ ْأتِيَ الم َ رســولِ اهلل ثُ َّم نَر ِْج ُع مِ ْن بَطْ نِ بَطْ حَ ا َن ِإلَى بُيُو ِتنَا.
122
وعــن إِسْ ــحَ ــا ُق بـ ُن سَ ــا ِلـ ٍـم َمـ ْولَــى نَـ ْو َفــلِ بنِ العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
وقــد روي أن النبي توضأ من هذا
ووادي بطحان اشتاق إليه الناس وصافوه الــود ،بل إن أحدهم يدفع أحزانه بأخرى أودي ــة المدينة استعراضا شــام ـاً ،ومنها شوقاً إلى «أهل بطحان وما يحيط به». وادي بطحان ،وركز فيه على الدور الكبير ويقول أحد الشعراء وهو يستعرض أهم
لألودية في ريّ النخيل والمزروعات ودور
أبـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـعـ ـ ـي ـ ـ ٍـد ل ـ ـ ــم أزل َب ـ ـعـ ــدكـ ــم ف ـ ـ ــي كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٍَب لـ ـ ـلـ ـ ـش ـ ــوق تـ ـغـ ـش ــان ــي األقنية والعيون في توفير مياه الشرب ألهل
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
الوادي يوم غزوة األحزاب.
في ري النخيل والمزروعات.
المدينة(:)٨
ك ـ ـ ـ ــم مـ ـ ـجـ ـ ـل ـ ــس و ّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـل ـ ـ ـذَاتـ ـ ــه ل ـ ــم َيـ ــهْ ـ ـ َن ـ ـنـ ــي إذ غ ـ ـ ــاب ُنـ ــدْ مـ ــانـ ــي أيـ ـ ــا ن ـس ـي ــم ال ـصـ ـب ــا بـ ـ ّل ــغ أح ـب ـت ـنــا أنــي مقيمٌ على "الـعـلـيــاء" أرعــاهــا سـ ـ ـقـ ـ ـيـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ٍـع ول ـ ـسـ ــاحـ ــات ـ ـهـ ــا وال ـ ـع ـ ـيـ ــش ف ـ ــي أكـ ـ ـن ـ ــاف ُب ـ ْـطـ ـح ــان حيث "العقيق" و "بطحان" وأقنية تروي النخيل ويروي الناس ريّاها أم ـ ـس ـ ـيـ ـ ُـت م ـ ــن شـ ـ ــوق إلـ ـ ــى أه ـل ـهــا ()٧ أدفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ أح ـ ـ ـ ـ ــزانـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ــأح ـ ـ ـ ـ ــزان وحـيــث وادي "قـبــا" وال ـمــاءُ يلبسهُ ـادات أل ـف ـن ــاه ــا بـ ـ ــرد الـ ــرب ـ ـيـ ـ ِـع وع ـ ـ ـ ـ ـ ٌ ويقول أحد الشعراء وهو يستعرض أهم أودية المدينة استعراضاً شامالً ،ومنها وادي وفي "العوالي" وفي "قربان" أودية بطحان ،وركّز فيه على الدور الكبير لألودية وس ـك ـنــاهــا ي ــا ح ـب ــذا ه ــي مُ ـ ــرت ـ ــاد ًا ُ
مسار وادي بطحـان العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
123
عين النقا :عين (بكسر العين) جمع عيناء أنس وادي السد يجمعنا ما أنس ال َ ـال طـ ــاب م ـثــواهــا أي :واسعات األعين حسانها ،وحسن عيد وكـ ــم ب ــه م ــن لـ ـي ـ ٍ األنــثــى يعد مجمع الحسن وأعــظــم األدلــة م ـ ـرّت ك ـح ـلـ ٍـم ول ــم ت ـبــرح معالمها فــي الـقـلــب مــاثـلــةٌ تحيا ونحياها على جمالها ،والسيما إذا كانت حوراء (حور عين) ،والحوراء التي في عينها كحل ومالحة وقال ابن ُم ْقبِل: وحسن وبهاء.
عفا َبـ ِـطــحَ ــانُ مــن ُس َليْمَ ى ف َيثْرِ ُب فملقى الرحال من ِمنَى فالمُ حَ َّص ُب
وقد قسّ م بعض الشعراء وادي بطحان إلــى (المنحنى ،النقا ،وحــاجــر) وهــذه ترد كثيراً في حب المدينة المنورة ،فالبد من ذكر بعض الكلمات حولها:
وكـــم تـ ــردد ذكــرهــمــا م ــع غــيــرهــمــا في شعر الحنين المعبر عــن أنــبــل العواطف وأرق المشاعر إلى المدينة الحبيبة ،فهذه الكلمات قيلت في تذكّر أهل وادي بطحان والسيما أهل النقا ،إذ بدأ قصيدته:
مَ ــن ع ــذي ــري ي ــوم ش ــرق ــيّ الـحـمــى المنحنى :يقابل النقا من الجهة الشرقية ـوى جـ ـ ـ ــدّ ب ـ ـق ـ ـلـ ـ ٍـب م ــزح ــا مـ ـ ــن هـ ـ ـ ـ ـ ً
من وادي بطحان ،أي :جنوب وشرق مسجد
ن ـ ـ ـظـ ـ ــرةٌ ع ـ ـ ـ ـ ــادتْ فـ ـ ـ ـع ـ ـ ــادتْ ح ـ ـسـ ــر ًة الغمامة حالياً ،وقــد تغير وضعه وأصبح َق ـ ـ ـ َتـ ـ ــلَ الـ ـ ــرامـ ـ ــي بـ ـه ــا م ـ ــن جـ ـ َرح ــا موقعه عمارات شاهقة.
النقا :الجانب األيسر لــوادي بطحان عند قـلــن يـسـتـطــردن بــي (عـيــن النقا) رجـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ ُجـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ وقـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ــان ص ـح ــا دخوله المدينة المنورة القديمة حتى باب العنبرية حالياً ،ثم تبدأ (حاجر) حتى وادي العقيق.
والنقا وحاجر مع المنحنى أكثر الكلمات
وادي بطحان بالمدينة المنورة
124
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ
سد وادي بطحان
ذكراً عند البكاء شوقاً للمدينة المنورة. اذكـ ـ ـ ـ ــرونـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـث ـ ــل ذك ـ ـ ـ ــران ـ ـ ـ ــا ل ـك ــم رب ذكـ ـ ـ ـ ـ ــرى قـ ـ ــربـ ـ ــت م ـ ـ ــن نـ ــزحـ ــا والنقا مــقــصــوراً مــا بين وادي بطحان والمنـزلة التي بها السقيا ،وهناك أشعار ورد واذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروا صـ ـ ـبـ ـ ـ ًا إذا غ ـ ـنـ ــى ب ـكــم فيها النقا فمن ذلك(:)٩ ش ـ ـ ــرب الـ ـ ــدمـ ـ ــع ،وعـ ـ ـ ــاف ال ـق ــدح ــا وقال الشاب الظريف(:)11
أال يـ ـ ــا س ـ ـ ــائ ـ ـ ــر ًا فـ ـ ــي ق ـ ـفـ ــر عُ ـ ــمْ ـ ــرٍ ي ـكــابــد ف ــي ال ـ ُّـسـ ـرَى وَعْ ـ ـ ــر ًا وسَ ــهْ ــا ول ـ ـقـ ــد رأيـ ـ ـ ــت ب ـ ــرام ـ ــةٍ بـ ـ ــان ال ـن ـقــا ف ـم ـن ـعـ ُـت ط ــرف ــي م ـنــه أن يـتـمـ ّتـعــا ب ـل ـغــتَ ن ـقــا ال ـم ـشـيــب وج ـ ــزت عنه وم ـ ـ ــا بـ ـع ــد ال ـ ـ َّن ـ ـقـ ــا إال ال ـم ـص ـ ّل ــى وم ــا ذاك م ــن َورَعٍ ول ـكــن م ــن رأى أشـ ـب ــاه ِع ـط ـف ــك ُحـ ـ ــقّ أن ي ـت ــو ّرع ــا وقال أبو محاسن الشوا(:)١٠ وقال إليها زهير(:)١٢
ـاح ربـ ـ ـ ــى ل ــعْ ـ ـل ــع هـ ــات ـ ـيـ ــك يـ ـ ــا صـ ـ ـ ـ ـ ِ ن ـ ـ ــاش ـ ـ ــد ُت ـ ـ ــك اهلل فـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــرَّ جْ م ـع ــي ولـ ـ ــي ف ـي ــه ق ـل ــب بـ ــال ـ ـغـ ــرام مُ ـق ـ ّي ــد لـ ــه خـ ـب ــرٌ يـ ــرويـ ــه ط ــرف ــي مـطـلـقــا وأن ـ ـ ـ ـ ــزل ب ـ ـنـ ــا ب ـ ـيـ ــن بـ ـ ـي ـ ــوت الـ ـ َّنـ ـق ــا فـ ـ ـق ـ ــد غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَتْ آهـ ـ ـ ـل ـ ـ ــة الـ ـ ـمـ ـ ـ ْرب ـ ــع ومن فرط و َْجــدي في لَما ُه وثغره أعـ ـ ّل ــل ق ـل ـبــي ب ــال ــعُ ــذي ــب وبــال ـ َّن ـقــا حـتــى نـطـيــل ال ـيــوم وق ـف ـ ًا عـلــى ال ـ ـ ـســاكــن أو ع ـط ـف ـ ًا ع ـلــى الـمــوضــع
وقال ابن الحُ الوي(:)١٣
وها هو الشاعر يحنُّ إلى أهل النقا بوادي يقولون :ي َْحكى البد َر في الحسن وجهُ هُ الحسن مُ نحَ ٌط ِ وبد ُر الدجى عن ذلك بطحان: العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
125
الــــوداع ،وذي ســلــم ،وشــــوران ،تــذكــر هذه كـ ـم ــا ش ـ ـ َّب ـ ـهـ ــوا غـ ـص ــن ال ـ ـ َّن ـ ـقـ ــا بـ ـق ــوام ــه وذل ــك تشبيه عــن ال ـحــقّ مُ ـ ْـشـتــط الكلمات يولّد الحبّ فيقبل الناس بقلوبهم وعواطفهم إلى المدينة وكم من محب وقف وقال آخر(:)١٤ بها ،وقد طفرت دمعة صامتة تظهر كوامن قـ ــرب ال ــدي ــار ي ــزي ــد ش ـ ــوقَ ال ــوال ــهِ النفس ومكنون الضمير وخبايا الشعور.
الس ـ ـ ّي ـ ـمـ ــا إن الح ن ـ ـ ـ ــو ُر جـ ـم ــال ــهِ
أو ب ـ ّـش ــر الـ ـح ــادي بـ ــأن الح ال ـ َّن ـقــا وبـ ـ ــدت ع ـل ــى ُبـ ـع ـ ٍـد رءوس جـبــالــه فهناك ِعيلَ الصبرُ من ذي صبوةٍ وب ـ ــدا ال ـ ــذي يـخـفـيــه م ــن أح ــوال ــه وتذكر كلمات مثل :المنحنى ،وحاجر،
والنقا ،وسلع ،وأحد ،ووادي بطحان ،ووادي
الرانوناء ،وادي العقيق ،وادي قناة ،وإضم، وقــبــاء ،والــعــوالــي ،والــجــزع ،وسليع ،ثنيات
يـ ـ ــا نـ ـسـ ـي ــم الـ ـ ــريـ ـ ــح مـ ـ ــن ك ــاظ ـم ــة ش ـ ــد م ـ ــا هـ ـج ــت األسـ ـ ـ ــا والـ ـب ــرح ــا ال ـ ـص ـ ـبـ ــا إن كـ ـ ـ ــان ال بـ ـ ــد ال ـص ـب ــا إنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ك ـ ـ ــان ـ ـ ــت ل ـ ـق ـ ـل ـ ـبـ ــي أروح ـ ـ ـ ـ ــا اختفى اآلن وادي بطحان واختفت معه األوديـــة المكوّنة لــه ،وغــابــت عــن األنظار الكثير من المآثر المرتبطة به ،فقد غُطي مجرى بطحان قبل عــدة سنوات بــدءاً من منطقة قربان.
* كاتب ومؤلف سعودي. ( )١دفاعاً عن الحبيب للدكتور تنيضب الفايدي (ص.)72
( )٢األودية واآلبار يف مدينة املختار (بني األدب والتاريخ) ،للدكتور تنيضب الفايدي ،حتت الطبع. ( )٣املاجشونية :نسبة إلى ماجشون وهو موضع بوادي بطحان من املدينة ،وبقربه تربة صعيب، ويقال :املاجشونية هي احلديقة املعروفة اليوم باملدشونية (وقد أزيلت حالياً) .املغامن املطابة يف معالم طابة للفيروزآبادي ( ،ص .)366 ( )٤نـزهة األنظار يف فضل علم التاريخ واألخبار للورثالني (ص .)526 ( )٥التعريف مبا آنست الهجرة من معالم دار الهجرة للمطري( ،ص .)162التحفة الشماء يف تاريخ العني الزرقاء :تعليق :عبيد اهلل محمد كردي (ص .)250 ( )٦التاريخ الكبير ( )51/2والبزار كما يف كشف األستار ( ،)58/2واحلديث حسن مبجموع طرقه، وانظر سلسلة األحاديث الصحيحة (.)411/2 ( )٧املغامن املطابة يف معالم طابة للفيروزآبادي.)668/2( ، ( )٨مجلة اجلامعة اإلسالمية ،العدد (.)52 ( )٩اجلواهر الثمينة يف محاسن املدينة للكبريت.)336/1( ، ( )١٠وفيات األعيان يف أنباء أبناء الزمان :البن خلكان (.)232/7 ( )١١اجلواهر الثمينة يف محاسن املدينة للكبريت ،مصدر سابق.)337/1( ، ( )١٢املصـدر السـابق (.)337/1 ( )١٣املصـدر السـابق (.)337/1 ( )١٤املصـدر السـابق (.)338/1
126
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات
الوفــــــــاء ُ
وأبعاده االجتماعية ُ ٌ ٌ ٌ موضوعية حديثية دراسة املؤلف :د .إقبال محمد الوقيد الناشر :مركز عبدالرحمن السديري الثقايف السنة ٢٠١٩ :م صــدر حديثـاً ضمــن برنامــج النشــر ودعــم األبحــاث فــي مركــز عبدالرحمــن الســديري الثقافــي كتــاب الوفــاء وأبعــاده االجتماعيــة ،لمؤلفتــه د .إقبــال الوقيــد ،وهــو فــي األصــل رســالة قدمتهــا المؤلفــة اســتكماال لمتطلبــات درجــة الدكتــوراه فــي جامعــة اليرمــوك. يتنــاول هــذا الكتــاب موضــوع الوفــاء فــي الســنة النبويــة وأبعــاده االجتماعيــة ،الــذي لــم تســبق دراســته دراســة حديثيــة مســتقلة ،تأكيــداً ألثــر الوفــاء فــي تحقيــق البعــد االجتماعــي .وجــاء الكتــاب فــي مقدمــة وتمهيــد وبابيــن ،البــاب األول، تعريــف الوفــاء وأهميتــه ،والبــاب الثانــي فــي مجــاالت الوفــاء ومنظــور الســنة النبويــة فــي تحقيــق البعــد االجتماعــي ،ومنهــا الوفــاء بالعهــود مــع اهلل ســبحانه وتعالــى ورســوله صلــى اهلل عليــه وســلم، والمعاهــدات ،والوفــاء بالعقــود والنــذور واأليمــان والوعــود ،والوفــاء بــرد الجميــل واالعتــراف بالنعمــة، وكشــفت الدراســة عــن منظــور الســنة النبويــة فــي تحقيــق الوفــاء لبعــده االجتماعــي وإحــداث التغييــر، ثــم الخاتمــة وأهــم النتائــج التــي توصلــت إليهــا
ρρكتب جهاد أبو مهنا
الدراســة. كمــا أكــدت السُّ ــ َّن ُة النبويــة علــى أهميــة الوفــاء بأســاليب متعــددة مــن خــال الترغيــب والترهيــب واإلغــراء والمــدح ،وكشــفت الدراســة عــن أهــم المعاييــر والضوابــط اإليمانيــة والســلوكية واالجتماعيــة الموجهــة لهــذا الخُ لُــق ،والتــي وضعتهــا السُّ ـ َّن ُة النبويــة وأيدتهــا اآليــات القرآنيــة ،مــن خــال تقريــر مبــدأ االســتطاعة ،والنهــي عــن تعذيــب النفــس ،وتح ـرّي النفــع المجتمعــي وشــمول الوفــاء لجميــع فئــات المجتمــع. وكشــفت هــذه الدراســة أثــر الوفــاء فــي تحقيــق البعــد المجتمعــيّ مــن خــال إزالــة المعوقــات كالكفــر والنفــاق ،ورذائــل األخــاق والســلوكيات والتدابيــر الخاطئــة ،وأثــره فــي بنــاء المجتمعــات مــن خــال تطبيــق الوفــاء مــن الشــكر واإلحســان واإلخــاص وأداء الحقــوق فــي جميــع الجوانــب. يأتــي هــذا اإلصــدار لغــرض اإلســهام فــي رفــد المكتبــة فــي المملكــة بالدراســات العلميــة الجامعيــة فــي مختلــف المجــاالت وتوفيــر مراجــع علميــة محكّمــة بيــن أيــدي الباحثيــن والمهتميــن مــن القرّاء. العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
127
الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة
بيتر هاندكه
■ صالح القرشي*
هل يستطيع القارئُ الفص َل بين إبداع الكاتب ومواقفه في الحياة العامة بكافة أشكالها؟ هل تؤثر المواقف التي يتخذها الكاتب في تفاعل القراء والنقاد مع منجزه األدبي؟ هذه األسئلة وغيرها عادت مرة أخرى ،مع منح نوبل جائزتها في األدب للروائي النمساوي بيتر هاندكه.
ويمكن تلخيص الجدل الذي دار بشأن هذا األمر إلى موقفين بارزين :فهنالك مَن يرى أن ليس من شأن جائزة أدبية أن تبحث فيما هو خارج اإلبداع األدبي مما يختلف حوله الناس.
التي تعطيها مدينة دسلدورف ،والتي تبلغ قيمتها خمسين ألف يورو؛ لكن االنتقادات ثارت ،واحتج مجلس المدينة على قــرار اللجنة المستقلة، وعندها شعر هاندكه باإلهانة وتخلى طواعية عن الجائزة ونقودها؛ ومن هنا ،تبدو صعوبة الفصل ..فالمواقف التي يتخذها الكاتب تطغى أحيانا على إبداعه األدبي ،وعندما يتخذ الكاتب موقفاً تراه الغالبية خاطئاً ،فإن هذا الموقف يــؤثــر فــي النظر إلــى أدب الكاتب مهما كان عظيماً.
وقبلها في عــام 2006م -وهــو العام الذي شــــارك فــيــه ف ــي ج ــن ــازة الــرئــيــس الــصــربــي مــيــلــوســوفــيــتــش الـ ــذي م ــات فــي ســجــنــه وهــو يحاكم كمجرم حــرب -فــي ذلــك الــعــام قــررت لجنة تحكيم مستقلة االحتفاء بالمنجز األدبي لهاندكه ،ومنحه جائزة الشاعر هاينريش هاينه
بقي أن نذكر أن صاحب «المرأة العسراء»، و«خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء» من الشخصيات التي اعتبرت أنه ينبغي إلغاء جائزة نوبل األدبية ،وقد قال عن هذه الجائزة «إنها شكل من أشكال التقديس الزائف ،الذي ال يفيد القارئ بشيء»!
ليس لها أن تنظر إلى أمثال بيتر هاندكه، وقبله غونتر غــراس وغيرهما إال مــن زاويــة اإلبداع األدبي فقط؛ فيما يرى آخرون أن هذا الفصل يبدو صعبًا بل وأحيانًا يبدو مستحيال.
وهناك مَن يعتقد أن الجائزة التي تسامحت مع هاندكه لم تفعل هذا مع األلباني إسماعيل لكن أصحاب الرأي األول يرون أن كل هذه قــادري الــذي يعتقد كثيرون أن ارتباط اسمه اإلشــكــاالت المصاحبة للجوائز ســرعــان ما بديكتاتور البانيا السابق أنور خوجة قد أسهم يتجاوزها الــزمــن وتتالشى ،فيما يبقى الفن في عدم حصوله على جائزة نوبل. حاضرًا ،وقيمة جائزة نوبل بالنسبة لروائي مهم هــؤالء يستشهدون بــأن هاندكه نفسه قد كـ «بيتر هاندكه» هي أنها تقدمه لقراء جدد في واجه هتافات تتهمه بالفاشية وهو يتجه وقتها مختلف أنحاء العالم ،وكذلك ألجيال قادمه لن الستالم جائزة الكاتب المسرحي هنريك إبسن تحكم عليه إال من خالل ما قدم من إبداع ،بعيدًا المرموقة عام 2014م. عن كل المواقف اإلشكالية.
* كاتب وقاص من السعودية.
128
العدد - ٦٥خريف ١٤٤١هـ (٢٠١٩م)
من إصدارات اجلوبة
من إصدارات برنامج النشر في
صدر حديثاً