مجلة الجوبة 65 ترثي الراحل الدكتور عبدالرحمن الشبيلي صدر العدد الجديد من مجلة الجوبة 65 ، متضم

Page 1

‫ ¦التعدد واالنفتاح‬ ‫في تجربة الفنانة‬ ‫التشكيلية عرفات‬ ‫العاصمي‬ ‫ ¦إيقاع الصورة عند‬ ‫الشاعر مريد البرغوثي‬ ‫ ¦أنا راحل‪ ،‬آخر رسالة‬ ‫كتبها تولستوي‬ ‫ ¦حوارات‪ :‬الشاعرة مها‬ ‫العتيبي‪ ،‬الشاعر حسـن‬ ‫شـهــاب الدين‪ ،‬األديبة‬ ‫لطيفة لبصير‬

‫عبدالرحمن الصالح الشبيلي‬ ‫أيقونة في الحضور والرحيل!‬

‫‪65‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضواً‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السدير ي عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬ ‫ويتبنّى برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬ويصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬


‫العدد ‪ - 65‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية‪ :‬إبراهيم بن موسى الحميد ‪..........................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬رُبَّ ٍأخ ‪ -‬زياد بن عبدالرحمن السديري ‪.............‬‬

‫‪6..........................‬‬ ‫في وداع‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي‪..‬‬

‫نقش على شاهدة ‪ -‬عبدالرحمن الدرعان‪........................‬‬ ‫مشيْناها‪ ..‬سطراً سطرا ‪ -‬د‪ .‬عبدالواحد الحميد ‪...............‬‬ ‫نُـــزُل الـــنّـــعـــيـــمِ ‪ -‬عبدالقادر بن عبدالحي كمال‪................‬‬ ‫د‪ .‬الشبيلي‪ ..‬مؤرخ اإلعالم السعودي ‪ -‬د‪ .‬عائض ال َّردَّادي ‪......‬‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي‪ :‬تمنيت أن أمتلك المقدرة على كتابة الرواية‬ ‫ألصوغ بها سيرتي ‪ -‬إبراهيم العوامرة ‪٢١ .........................‬‬ ‫قراءة في سيرته الذاتية (مشيناها) ‪ -‬د‪ .‬عبداهلل الحيدري ‪24 .....‬‬ ‫رسالة من تلميذ لمعلمه ‪ -‬د‪ .‬علي بن دبكل العنزي ‪٣٠ ..............‬‬ ‫الشبيلي صاحب الخطوة الواثقة ‪ -‬د‪ .‬هناء بنت علي البواب ‪٣٢ ....‬‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي في ذمة اهلل ‪ -‬نواف الراشد‪٣٥ ...............‬‬ ‫الشبيلي والشورى! ‪ -‬أحمد العسَّ اف ‪٣٦ .............................‬‬ ‫د‪ .‬الشبيلي‪ ..‬زيارة واحدة‪ ..‬أم اثنتان؟ ‪ -‬محمد الجفري ‪40 ........‬‬ ‫الشبيلي تخرج من كليتين في وقت واحد‪ ،‬وكتب سيرته بلغة الغائب‬ ‫ محمد بن عبدالرزاق القشعمي ‪42 ..............................‬‬‫ّدة ‪ -‬محمد صوانة ‪47 .......‬‬ ‫‪‭‬متفر ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‫د‪‭ ‬.‬عبدالرحمن‬ ‪‭‬الشبيلي‪‬..‬أيقونة‬ ِ‬ ‫في وداع عبدالرحمن الشبيلي ‪ -‬المحرر الثقافي ‪49 ...............‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬أبعاد التعدد واالنفتاح في تجربة الفنانة التشكيلية‬ ‫السعودية عرفات العاصمي ‪ -‬إبراهيم الحجري ‪50 .................‬‬ ‫إيقاع الصورة في شعر مريد البرغوثي ‪ -‬نضال القاسم ‪61 .........‬‬ ‫اإلخوة الستة في رواية (الصيادون) ‪ -‬ليلى عبداهلل ‪70 .............‬‬ ‫شعرن ُة األلم في ديوان "جنازة الغريب" لعبداهلل السفر ‪ -‬هشام‬ ‫بنشاوي‪72 ..........................................................‬‬ ‫لمعاتٌ على رواية النمر األبيض ألرافيند أديغا ‪ -‬محمد الهدوي‪78 .‬‬

‫نصوص‪ :‬الهجرة ‪ -‬حليم الفرجي ‪..................................‬‬ ‫ورقة ‪ -‬حنان بيروتي ‪..............................................‬‬

‫ومضات سريعة ‪ -‬سميرة الزهراني ‪..............................‬‬

‫قمر ‪ - 50‬محمد الرياني ‪.........................................‬‬

‫‪61..............................‬‬

‫إيقاع الصورة في شعر‬ ‫مريد البرغوثي‬

‫العَصا ميراثُ المؤمنين! ‪ -‬فهد أبو حميد‪........................‬‬ ‫تحرير ‪ -‬سمر الزعبي ‪............................................‬‬ ‫أصبوحة جوفية ‪ -‬سعاد الزحيفي ‪................................‬‬ ‫ذاكرة ال تنام ‪ -‬نوره العبيري‪.................................‬‬ ‫وطني ‪ -‬مرضي الشمري ‪....................................‬‬ ‫مَن كمثلي ‪ -‬عبداهلل األمير‪.......................................‬‬ ‫إلى متى؟! ‪ -‬د‪ .‬سعود الصاعدي ‪............................‬‬

‫ترجمة‪ :‬أنا راحل! (آخر رسالة كتبها تولستوي إلى زوجته صونيا)‬ ‫ ترجمتها عن الفرنسية‪ :‬ياسمينة صالح ‪........................‬‬‫مواجهات‪ :‬الشاعرة د‪ .‬مها العتيبي ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بو قاسم‪.....‬‬

‫‪100............................‬‬

‫حوار مع الشاعرة‬ ‫مها العتيبي‬

‫‪٤‬‬ ‫‪٦‬‬ ‫‪٩‬‬ ‫‪١١‬‬ ‫‪١٦‬‬ ‫‪17‬‬

‫الشاعر حسن شهاب الدين ‪ -‬حاوره‪ :‬أسامة الزقزوق ‪......‬‬ ‫األديبة لطيفة لبصير ‪ -‬حاورها‪ :‬محمد نجيم ‪..............‬‬

‫نوافذ‪ :‬شجرة السرح رمز األنوثة‪- !..‬‏أحمد إبراهيم البوق‪.......‬‬

‫السينـمـا بين االستـهالك والفن ‪ -‬منصف القرطبي ‪........‬‬ ‫وادي بطحـان ‪ -‬د‪ .‬تنيضـــب الفايدي‪.............................‬‬

‫قراءات ‪.............................................................‬‬ ‫الصفحة األخيرة ‪................................................‬‬

‫‪82‬‬ ‫‪84‬‬ ‫‪86‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪٩٥‬‬ ‫‪96‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪٩٨‬‬ ‫‪١٠٠‬‬ ‫‪١٠٧‬‬ ‫‪١١١‬‬ ‫‪١١٤‬‬ ‫‪١١٨‬‬ ‫‪١٢٠‬‬ ‫‪١٢٧‬‬ ‫‪١٢٨‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫يفجعنا الرحيل المفاجئ لمن نحب ونعرف عن قرب‪ ،‬هذا بالرغم من إحاطتنا بالموت من كل‬ ‫جانب‪ ،‬ونحن نرى عن قرب أيضا أقارب وأعزاء لنا وأحباب ألهليهم وألصدقائهم يتزاحمون على‬ ‫مقابر الموتى لحجز أماكنهم باكرا‪.‬‬ ‫كنا نظن أنهم عاشوا طويال‪ ،‬وعندما يفجعنا غيابهم نكتشف كم كنا مخطئين‪ ،‬وأنهم لم يلبثوا‬ ‫إال قليال‪ ،‬وأن بقاءهم كان يضيء طريقنا‪ ،‬و أن رحيلهم يعجّ ل مرور األيام‪.‬‬ ‫من هؤالء الذين افتقدناهم مؤخرًا‪ ،‬وكان غيابهم موحشً ا ومفاجئًا‪ ،‬الدكتور عبدالرحمن الصالح‬ ‫الشبيلي الذي كان أحد مداميك مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وكان حضوره بارزًا ومؤثرًا‬ ‫في الساحة الثقافية في المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫ارتبط أبو طالل ‪-‬عبدالرحمن الشبيلي‪ -‬في سنواته األخيرة بمؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫الخيرية‪ ،‬وتوطدت عالقته بها‪ ،‬وكان أحد أبرز وجوه منتدى األمير عبدالرحمن السديري للدراسات‬ ‫السعودية في سنواته األخيرة‪.‬‬ ‫كان الشبيلي متميزًا في كتاباته للسِّ يَر‪ ،‬وللمقاالت‪ ،‬وفي قراءاته للكتب‪ ،‬ومشاركاته في مختلف‬ ‫الفعاليات‪ ،‬وقد كان الحضو ُر لمنتديات األمير عبدالرحمن السديري للدراسات السعودية يُنصت‬ ‫بشكل مختلف عندما يبدأ الشبيلي بإلقاء كلمته التي عوّد جمهور المنتدى على إلقائها‪ ،‬ولذا فإن‬ ‫الكثيرين سيفتقدونه‪ ،‬ومنهم هذا المنتدى الرائع‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫كانت سيرة الشبيلي حافلة وثرية‪ ،‬وبقدر ما كان فيها من عمق وتجربة‪ ..‬فقد كان وفيًا مع‬ ‫ثرائها‪ ،‬فأفرغ كثيرًا من ذاكرته وتجربته في كتاباته التي نثرها في مقاالته ومؤلفاته‪ ،‬وآخرها‬ ‫كتاب "مشيناها " لسيرة جميلة وأمينة كادت أن تأخذ صاحبها إلى كتابة الرواية التي تمنّى امتالك‬ ‫مستعرضا أبرز ما م ّر به في مراحل حياته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ناصيتها‪ ،‬ولكنه آثر تسميتها "حكايات ذات"‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اف ـ‬ ‫ـاتـاون‬

‫بدأت قصة عبدالرحمن الشبيلي في مدينة عنيزة بالقصيم عام ‪1943‬م‪ ،‬حيث وُلد فيها من‬ ‫أبوين هما‪ :‬صالح الشبيلي‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬الفتاة القادمة من تركيا‪ ،‬التي تزوجها والده عام ‪1926‬م‪،‬‬ ‫وبقي في مسقط رأسه حتى إكمال دراسته الثانوية‪ ،‬ثم انتقل إلى الرياض حتى أنهى دراسته فيها‬ ‫عام ‪1963‬م‪ ،‬والتحاقه بوزارة اإلعالم وبروزه كمذيع وإعالمي معروف‪ ،‬ومواكبته لبدايات اإلذاعة‬ ‫والتلفزيون‪ ،‬ثم سفره إلى الواليات المتحدة األميركية لدراسة الماجستير عام ‪1969‬م‪ ،‬ومن ثم‬ ‫إنجاز الدكتوراه في أمريكا عام ‪1971‬م‪.‬‬ ‫تولى الشبيلي مناصب عديدة في وزارة اإلعالم‪ ،‬ثم انتقل إلى وزارة التعليم العالي ومارس العمل‬ ‫األكاديمي والتأليف‪ ،‬ثم عُين عضوًا في مجلس الشورى من العام ‪1994‬م وحتى العام ‪2005‬م‪.‬‬ ‫كانت حياته حافلة باإلنجازات الثقافية‪ ،‬والجوائز التقديرية‪ ،‬كما كان من الشخصيات التي لها‬ ‫عال‪ ،‬وكان يحظى قلمه باالحترام والتقدير من كافة الصحف‬ ‫حضور ثقافي مرموق‪ ،‬ولها تقدير ٍ‬ ‫المحلية‪ ،‬فقد كانت تبرز كتاباته في مواقع لها أهمية بارزة ‪ ،‬كما أنجز رحمه اهلل أكثر من ثالثين‬ ‫كتابًا خالل مسيرته‪ ،‬منها‪ :‬الملك عبدالعزيز واإلعالم‪ ،‬ركائز التنمية السياسية في فكر الملك‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال (عبدالرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة‬ ‫الجوف) بمشاركة نخبة من الباحثين‪ ،‬التجربة الشورية في المملكة العربية السعودية بين اإلطار‬ ‫والتطوير‪ ،‬إبراهيم العنقري‪ ،‬عبداهلل بن خميس‪ ،‬عنيزة وأهلها في تراث حمد الجاسر‪ ،‬حديث‬ ‫الشرايين‪ ،‬جريدة الدستور البصرية والشؤون السعودية والكويتية فيها‪ ،‬سوانح وأقالم في السياسة‬ ‫والثقافة واإلعالم‪ ،‬محمد أسد‪ ..‬هبة اإلسالم ألوروبا‪ ،‬مجلس الشورى‪ ..‬قراءة في تجربة تحديثه‬ ‫(بالمشاركة مع آخرين)‪ ،‬خالد بن أحمد السديري‪ ،‬تأسيس المملكة العربية السعودية بأقالم ‪60‬‬ ‫مؤرخا‪ ،‬وأخيرًا كتاب سيرته (مشيناها‪ :‬حكايات ذات)‪.‬‬ ‫وقد توفي الشبيلي رحمه اهلل مساء الثالثاء ‪ 28‬ذو القعدة ‪1440‬هـ (‪ 30‬يوليو ‪2019‬م)‪ ،‬بعد‬ ‫بضعة أشهر من إنجازه لسيرته التي أسماها "مشيناها"‪.‬‬ ‫خاصا بالراحل الكبير رحمه اهلل‪ ،‬فهي تحاول استعادة ذكراه‪ ،‬وفا ًء‬ ‫ً‬ ‫والجوبة إذ تنشر محورًا‬ ‫لما قدّمه لوطنه ولمركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وكما قال الدكتور زياد بن عبدالرحمن‬ ‫السديري "إننا جميعًا في المركز سنفتقد الكثير بعد رحيل أبي طالل‪ ،‬كما سيفتقده المتابعون‬ ‫والمستفيدون من أعماله ومناشطه‪ ."..‬وكما كتب الدكتور عبدالواحد الحميد في العدد ‪ 64‬من‬ ‫الجوبة "إن أسرة مركز عبدالرحمن السديري الثقافي تشعر بشكل خاص بمرارة الفقد‪ ،‬فعلى مدى‬ ‫سنوات طويلة ماضية وإلى يوم رحيله المؤلم الحزين‪ ..‬كان د‪ .‬عبدالرحمن الصالح الشبيلي شعلة‬ ‫من النشاط ضمن أسرة هذا المركز‪ ،‬وبهذا الرحيل المفاجئ الصاعق تشعر أسرة المركز أن ركنًا‬ ‫ركينًا من أركانه قد هوى‪ ،‬تاركًا في قلوب محبيه داخل المركز وخارجه فراغً ا موحشً ا يصعب ملؤه‪".‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪5‬‬


‫ُر َّب ٍأخ‬ ‫■ زياد بن عبدالرحمن السديري*‬

‫ـاق في حياتنا‪ .‬الدكتور‬ ‫نلتقي عبر األيــام أشخاص ًا يكون لهم‪ ،‬دون سواهم‪ ،‬أثرٌ كبيرٌ وبـ ٍ‬ ‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي رحمه اهلل‪ ،‬كان أحد هؤالء األشخاص بالنسبة لي‪ ،‬وربما‬ ‫لكثيرٍ منكم‪.‬‬ ‫التقيته ألول مرة عند انضمامنا عضوين في مجلس الشورى في دورته األولى‪ ،‬وكان رحمه‬ ‫اهلل صاحب المبادرة والفضل مع ًا في ذلك‪ .‬فبعد اللقاءات العابرة‪ ،‬واألخرى الرسمية‪ ،‬التي‬ ‫كانت تجمع بين أعضاء المجلس‪ ،‬شاءت األقدار أن تجمعني بأبي طالل‪ ،‬وتؤسس لعالقة‬ ‫صداقة وأخوّة ربطت بيننا‪ ،‬عندما تحدثت ومجموعة من الزمالء في المجلس عن تنظيم‬ ‫رحلة برية في مطلع شتاء ‪١٤٢٠‬ه ــ‪٢٠٠٠/‬م‪ ،‬فعلم أبو طالل بمشروع الرحلة‪ ،‬وانضم إليها‪،‬‬ ‫وغــدا قائدها المحرّك لها‪ ،‬والمهتم األول باستمرارها في كل عــامٍ الحق بعد ذلــك‪ ،‬حتى‬ ‫شتاء العام الماضي‪.‬‬ ‫وتبع انطالق الرحلة‪ ،‬التي غدت حولية‪ ،‬المركز الثقافي الذي كنت‪ ،‬وما زلت‪ ،‬أتولى‬ ‫وأطــلــق عليها أبــو طــال اســم الشورحالة‪ ،‬متابعة أعماله‪ ،‬الوالد رحمه اهلل‪.‬‬ ‫مشروع كنت أسعى إلكماله‪،‬‬ ‫حديثٌ بيننا عن‬ ‫فقد بــادر أبو طالل بسؤالي عما فعلناه‬ ‫ٍ‬ ‫أال وهو تدوين ما تيسر من سيرة مؤسس في هذا السبيل‪ ،‬ثم شرع فاقترح خطة عمل‬ ‫إلنــجــاز الــمــشــروع‪ ،‬واســتــعــد فتولى رئاسة‬ ‫د زياد بن عبدالرحمن السديري‬ ‫تحريره‪ ،‬واستمر فتابعه حتى صدوره بعنوان‪:‬‬ ‫«تاريخ وطن وسيرة رجال»‪ ،‬وهو العنوان الذي‬ ‫اختاره له‪.‬‬ ‫ورغب مجلس إدارة المركز تقديم مكافأة‬ ‫نقدية ألبي طالل نظير إكماله هذا العمل‪،‬‬ ‫ولكنه رفض قبول المكافأة‪ ،‬موضحاً أنها ما‬ ‫كانت غاية له في تصديه للمشروع‪ ،‬وما كان‬ ‫يرغب لها أن تغير في ذلك‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫‏ولــم تقف عــطــاءات أبــي طــال للمركز‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬ ‫يلقي كلمة هيئة منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية‪ ،‬وإلى يمينه فيصل بن عبدالرحمن السديري‬

‫ـوســعــت بعدها‬ ‫عند مــشــروع الــســيــرة‪ ،‬بــل تـ ّ‬ ‫ليكون له حضوره الملموس في المناشط‬ ‫الثقافية األخرى للمركز؛ المنبرية منها وغير‬ ‫المنبرية؛ كما انخرط في عضوية المجلس‬ ‫الــثــقــافــي فــي الــمــركــز‪ ،‬وهيئته التنفيذية‬ ‫المنظمة لهذه المناشط‪ ،‬متقب ً‬ ‫ال العضوية‬ ‫ورافضاً الرئاسة؛ ثم انضم لعضوية مجلس‬ ‫إدارة المركز‪ ،‬وترأس لجنة االستثمار فيه‪،‬‬ ‫تحت إلــحــاح المجلس عليه بقبول رئاسة‬ ‫اللجنة لغايات أوضحها له المجلس‪.‬‬ ‫وغني عن القول‪ ،‬إننا جميعاً في المركز‬ ‫ٌّ‬ ‫سنفتقد الكثير بعد رحيل أبي طــال‪ ،‬كما‬ ‫سيفتقده المتابعون للمركز والمستفيدون من‬ ‫أعماله ومناشطه‪ .‬فكما يعلم ك ُّل َم ْن عرف‬ ‫أبــا طــال وعمل معه‪ ،‬فهو رج ـ ٌل فري ٌد في‬ ‫نوعه‪ .‬كريم النفس‪ ،‬هــادئ الطبع‪ ،‬خفيض‬ ‫الصوت‪ ،‬بليغ الخطاب‪ ،‬صادق القول‪ ،‬راجح‬

‫الرأي‪ ،‬إيجابي التوجه‪ ،‬محب للخير‪ ،‬سامي‬ ‫الخلق‪ ،‬مؤاث ٌر على الــذات‪ .‬ال يكثر الكالم‪،‬‬ ‫فإن تكلم أتى بما يوجب اإلنصات والقبول‪،‬‬ ‫إلحاح أو جــدال‪ .‬ال يقصر تفكيره في‬ ‫دون‬ ‫ٍ‬ ‫حــدود المألوف‪ ،‬بل يفكر خــارج الصندوق‪،‬‬ ‫دون أن يكون في تفكيره شطط أو تجاوز غير‬ ‫مقبول‪ .‬لهذا‪ ،‬أجزم أن ما من نشاط قام به‬ ‫المركز بعد انضمام أبي طالل إليه إال وكان‬ ‫ألبي طالل بصماته الخالقة الواضحة فيه‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬سيفتقد مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي أبا طالل‪ ،‬وسيترك أبو طالل فراغاً‬ ‫في المركز ليس من المتيسر تعويضه‪.‬‬ ‫مستوى آخ َر‬ ‫وسأفتقد أنا أبا طالل على‬ ‫ً‬ ‫أيضاً‪ .‬فكما أشرت في مطلع هذه الورقة‪،‬‬ ‫وكــمــا ذكـــرت فــي مــنــاســبــات ســابــقــة؛ فقد‬ ‫ربطتني بأبي طالل عالقة الصديق بصديقه‬ ‫بــمــا انــطــوت عليه مــن حميمية وانــفــتــاح‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪7‬‬


‫خالل مشاركته بمنتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية بدار الرحمانية في الغاط‬

‫وعالقة األخ بأخيه بما اتصفت به من متانة األثر البالغ الذي تركه رحي ُل أبي طالل‪ ،‬كما‬ ‫وديمومة‪ ،‬وعالقة االبــن بــوالــده بما قامت ظهر من جمهور الحضور الكبير الذي شارك‬ ‫عليه من‬ ‫احترام جم منّي له‪ .‬فأبو طالل لم بالصالة على جثمانه‪ ،‬وشهد دفنه‪ ،‬وقـ ّدم‬ ‫ٍ‬ ‫يكن ليكتفي بإبداء الرأي لي فيما أستشي ُره العزاء فيه‪ .‬وكما عبرت عنه الرثائيات الكثيرة‬ ‫به‪ ،‬فيُس ُّره لي بصدق‪ ،‬أو‬ ‫ُ‬ ‫يستجيب لما أطلبه التي كتبت فيه‪ ،‬شعراً ونثراً‪ .‬وكما تشهد به‬ ‫منه‪ ،‬فيقدمه لي دون تردد‪ ،‬أو يقفُ معي كلما المنتديات المتتابعة التي تناولته موضوعاً‬ ‫ُ‬ ‫احتجت له‪ ،‬فيشد من ساعدي؛ وإنما كان لها‪ ،‬كما في هذه الندوة‪ .‬وما فعل الناس هذا‬ ‫علي بما‬ ‫ُ‬ ‫فوق هذا يُباد ُر فيُشي ُر َّ‬ ‫غفلت عنه‪ ،‬اال حباً ألبي طالل‪ ،‬وتقديراً لمآثره‪ ،‬وتعبيراً‬ ‫ويُقدِّم لي ما لم أجــرؤ على طلبه‪ ،‬ويح ّثني‬ ‫صادقاً عن فجيعتهم بفقدانه‪ ،‬ليس إال‪.‬‬ ‫على عملِ ما كان يجد ُر بي التصدِّي له‪.‬‬ ‫شهدت تدفق هذه المشاعر فقلت إننا ما‬ ‫ـت أو ُّد أن أق ــو َل إنــهــا عــاقــة خاصة‬ ‫كــنـ ُ‬ ‫نزال بخير ما دمنا نحمل هذا الحب والوفاء‬ ‫ربطتني دون سواي بأبي طالل‪ .‬إنما الحقيق ُة‬ ‫لنبيل كأبي طالل‪ .‬وتأملت في ذلك ففهمت‬ ‫َ‬ ‫كذلك مع ُك ِ ّل َمن سعد‬ ‫أن أبا طالل كان‬ ‫هي َّ‬ ‫أن أبــا طــال ظـ َّـل فــي وفــاتــه‪ ،‬كما كــان في‬ ‫بمعرفته‪ ،‬األ ُخ الــذي يطمئ ُن لــه الجمي ُع‪،‬‬ ‫حياته‪ ،‬محركاً ألحسن ما فينا‪.‬‬ ‫والصدي ُق الذي يثقو َن برأيه‪ ،‬والرج ُل الذي ال‬ ‫يغيب عند الحاجة إليه‪ .‬وال َّ‬ ‫رحم اهلل أبا طالل‪.‬‬ ‫أدل على ذلك من‬ ‫ُ‬ ‫* العضو المنتدب في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫■ عبدالرحمن الدرعان*‬

‫منذ تأسيس نواته األولــى المتمثلة في مكتبة الثقافة العامة بالجوف في منتصف‬ ‫الثمانينيات الهجرية كان ‪-‬وما يــزال‪ -‬مركز عبدالرحمن السديري الثقافي أشبه بينبوعٍ‬ ‫تأوي إليه الطيور من كل جهات الوطن‪ ،‬وكان من حسن حظي أن عملت في هذا المركز؛ ما‬ ‫هيأ لي فرصة االلتقاء بعدد من الشخصيات الثقافية الفاعلة‪ ،‬وكان أحد هؤالء المرحوم‬ ‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬الــذي جمعتني به مناسبات عــديــدة‪ ،‬فضال عن مشاركتي‬ ‫مع نخبة من الباحثين والكتّاب في كتابة فصل من كتاب (عبدالرحمن السديري‪ :‬فصل‬ ‫من تاريخ وطن وسيرة رجال) الذي عكف رحمه اهلل على تحريره‪ ،‬وخالل تلك الفترة كنا‬ ‫استجابة لمقتضى العمل‪ -‬نتواصل باستمرار؛ فآن ًا نجتمع في منزله بالرياض‪ ،‬وآن ًا آخر‬‫نكتفي بالتواصل الهاتفي؛ وكانت مثابرته وجهوده ومتابعته الدؤوبة سبب ًا في نجاح الكتاب‬ ‫وإنجازه في الوقت المناسب‪ ،‬وفقا للخطة المقررة‪ ،‬منذ البدء حتى الختام؛ بيد إن العالقة‬ ‫الشخصية بيننا امتدت وتوثّقت فيما بعد‪.‬‬ ‫في زيارته األخيرة للجوف‪ ،‬دعاني الصديق‬ ‫خليفة المسعر إلى فنجان قهوة‪ ،‬بصحبة الراحل‪،‬‬ ‫الذي كان قادما ‪ -‬على الرغم من زحمة مشاغله‬ ‫ لتلبية دعوة المركز ألمسية شعرية‪ ،‬وقد أرجأ‬‫دعوتي له بسبب سفره واعدا إياي أن يشرفني‬ ‫بالزيارة في مناسبة قادمة‪ ،‬اتضح اآلن أنها‬ ‫مناسبة لن تجيء؛ فالموتى يتركون مواعيدهم‬ ‫بال رأفــة‪ ،‬كما تترك العصافير أنغامها على‬ ‫األشجار وتهاجر‪.‬‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫ٌ‬ ‫نقش على شاهدة‬

‫الفراغ الذي تركه في داخلي؛‬ ‫فقد شعرت حال سماع خبر‬ ‫ســقــوطــه م ــن شــرفــة بيته‬ ‫فــي ضــواحــي بــاريــس بذلك‬ ‫الــدوي الهائل الذي يجعلك‬ ‫تهرع في لحظة جزع لتتفقد‬ ‫نفسك في المرايا‪ ،‬متسائال‬ ‫فزعا‪ :‬هل كان ذلك مناما؟‬ ‫مرددا ما قاله المتنبي‪:‬‬

‫ال أدع ــي بأنني أحــطــت بمعرفته‪ ،‬لكنني ط ــوى ال ـج ــزي ــرة ح ـتــى ج ــاءن ــي خـبــرٌ‬ ‫ف ــزع ــت مـ ـن ــه ب ــآم ــال ــي إلـ ـ ــى الـ ـك ــذب‬ ‫أستطيع الزعم بــأن ما عرفته يكفي للكتابة‬

‫عن بعض سماته الشخصية؛ ولكنه بالتأكيد ال‬ ‫يفيه حقه من التأبين‪ ،‬بل أظن أنني وجدت في‬ ‫شخصيته من اللطف والحن ّو والكياسة ولباقة‬ ‫الحديث‪ ،‬ما يجعلني أؤثر ‪ -‬عوضا عن الكتابة‬ ‫‪ -‬أن أهيل الدمع على الكلمات‪ ،‬وأحدّق في هذا‬

‫ورأي ــت وحــش الــمــوت يعض قلبك ويــزدرد‬ ‫ما تبقى فيه من فرح‪ ،‬ويغتال صفي أضالعك‬ ‫المتقابلتين كرجال متأهبين للعرضة‪ ،‬فيا ترى‬ ‫هــل ك ــان الســمــي نصيب مــن ذل ــك االرتــطــام‬ ‫الهائل؟! وهل تتصادى األسماء إلى ذلك الحدّ؟‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪9‬‬


‫منذ تلك اللحظة‪ ،‬كلما نودي باسمي الحت‬ ‫لي هاوية ســوداء‪ ،‬واعتراني الشعور بالفقدان‬ ‫مجدداً وتحرّك في داخلي حطام شيء ما‪.‬‬ ‫منذ تلك اللحظة الــعــاصــفــة‪ ،‬لــم تعترِ ني‬ ‫طمأنينة‪ ،‬ولم يؤذن األمل في داخلي‪ :‬اتئد‪ ،‬فعما‬ ‫قليل سينهض ملء قامته‪ ،‬ويقف كالمئذنة بكامل‬ ‫عافيته؛ فثمة صوت لم يكن سوى صوت الناعي‬ ‫يندلع في أصقاع روحي هاتفا‪( :‬اسمع الكلمات‬ ‫ولكن ال تصدق سوى الرائحة)‪ .‬وهكذا يوم نقلوه‬ ‫إلى المستشفى التخصصي بالرياض انتشرت‬ ‫شائعة موته التي كذبها المقربون منه مصحوبة‬ ‫بدعوات متوجسة كما لو أنها تسمع صدى ما‬ ‫قاله المالك لي بعد أن مر بي كطيف أسود‪:‬‬ ‫أنا ذاهب للقبض على اسمك‪ ،‬فانتبه‪ .‬أنساك‬ ‫اليوم لئال تنساني أبدا‪ .‬قلت اتئد أيهذا المالك‬ ‫فصاح‪ :‬عرفت طريقي‪ .‬وراوغني وابتعد‪ .‬وهناك‬ ‫كان يسل روحه العابقة بالحب‪ ،‬ويسل معها روح‬ ‫البهجة التي لم تكن أبدا تكتمل إال عندما يلقي‬ ‫هالل ابتسامته على حواشي لقاءاتنا المتعاقبة‪.‬‬

‫اإلعالمية‪ ،‬واستحضرنا صورته متحدثا على‬ ‫المنصة‪ ،‬فإننا على األرجح لن نتمكن من التقاط‬ ‫كلماته ما لم نُصغِ إليه بكل حواسنا‪ ،‬فقد كانت‬ ‫حنجرته مدوزنة على مقام األســرار‪ ،‬ويا لهول‬ ‫ما نكتشفه من الجمال في الكلمات التي يقولها‬ ‫بطبقة صوته التي تضفي عليها لونا آخر‪.‬‬ ‫وعبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬كما يعرف المقربون‬ ‫منه‪ ،‬حصا ٌن مشّ اءٌ‪ ،‬يمشي الهوينى أنيقا‪ ،‬كما لو‬ ‫أنه يخرج للتو عريسا من قصيدة نزار قباني‪،‬‬ ‫ويجس األرض على إيقاع موسيقى أبي العالء‪:‬‬

‫خ ــفّ ــف الـ ـ ـ ـ ــوط َء مـ ــا أظـ ـ ــن أدي ـ ـ ــم ال ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ــاألرض إال مـ ـ ــن هـ ـ ـ ــذه األجـ ـ ـس ـ ــاد‬ ‫نــعــم‪ ،‬كــان يمضي فــي طــريــق الــحــيــاة على‬ ‫صــراط الــحــب‪ ،‬ال أقــل وال أكــثــر‪ ،‬ويحيا وهو‬ ‫يرهف السمع إلى دقــات قلبه‪ ،‬مؤمنا بأن كل‬ ‫نبضة هي احتمال النبضة األخيرة! وقد كان إذا‬ ‫شئنا أن نصفه بدقة‪ :‬تابوت عظام م َّر كما يم ُّر‬ ‫القمر على البحيرة! ولكنه سيظل حيا كالوشم‬ ‫األخضر بقدر ما كانت الحياة صغيرة وضيقة‬ ‫في عينيه‪.‬‬

‫فهل سنجرؤ بعد اآلن أن نودع أحبتنا بالجملة‬ ‫الــزائــفــة‪« :‬إل ــى الــلــقــاء»‪ ،‬وه ــل س ــوف نستمر‬ ‫يــجــدر بــي أن أشــيــر إلــى أنــنــي مــذ تأكدت‬ ‫بالكذب‪ ،‬ونحن ندرك أن القارب الذي أقله إلى‬ ‫من نبأ وفاته الح لي اثنان‪ ،‬أجــزم أنهما كانا‬ ‫الضفة األخــرى لن يعود به‪ ،‬ولكنه سيعود في‬ ‫أكثر ثكال وحزنا على رحيله‪ :‬الدكتور زياد بن‬ ‫صيد جديدة‪.‬‬ ‫رحلة ٍ‬ ‫عبدالرحمن السديري‪ ،‬والدكتور عبدالواحد‬ ‫ال أتــذكــر متى التقيته وجــهــا لــوجــه للمرة الحميد؛ وعندئذ لم أجد مناصا من مواساتهما‪،‬‬ ‫األولى‪ ،‬لكن ما أتذكره جيدا أنني عثرت في تلك وبين سطور رسالتي كنت أقول لهما‪ :‬قفا نبك‪،‬‬ ‫اللحظة على المعنى الحقيقي لتلك الكلمة التي وقد وقفنا معا‪ ،‬وكنا نبكي‪.‬‬ ‫ظلت جامدة في القاموس (دمــاثــة) األخــاق‪،‬‬ ‫‏وعلى حدة‪ ،‬وقفنا نكتب على شاهدتي قبره‪:‬‬ ‫وأستطيع القول بال مبالغة إنه حرّر هذه الكلمة‬ ‫من المعجم متمثال إياها؛ ولذا‪ ،‬أظن أن أحداً سالما عليك أبا طالل‪.‬‬ ‫سالما على روحك‪ ،‬وأنا أكاتبك حرا من قيد‬ ‫لن يختلف معي على ذلــك الطابع الــذي طبع‬ ‫شخصية الراحل‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬فسبحان الذي المجامالت‪.‬‬ ‫سوّى‪.‬‬ ‫أبا طالل‪ :‬ليتك لم تمت‪ ،‬وليت أننا لم نكتب‬ ‫لــو ُعــدنــا ثانية إلــى محاضراته وبرامجه رثاءك‪.‬‬

‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫■ د‪ .‬عبدالواحد احلميد‬

‫ذات يوم من شهر ديسمبر عام ‪2012‬م كنا ‪ -‬د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي وأنا‪ -‬نأخذ مقاعدنا‬ ‫في صالة المغادرين بمطار الملك خالد الدولي بانتظار إقالع الطائرة التي ستُ ِقلُّنا إلى‬ ‫الجوف لالشتراك في ندوة نظمها النادي األدبي هناك عن المرحوم الدكتور عارف المسعر‪.‬‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫مشيناها‪ ..‬سطر ًا سطرا‬ ‫ْ‬

‫‏ليلة السفر إلى الجوف مع الدكتور الشبيلي‪ ،‬كنت أرتب أوراقــي وأغــوص ‪-‬كالعادة‪ -‬في‬ ‫أرشيفي القديم مستعرض ًا الصور والمجالت والجرائد والقصاصات المتراكمة على مدى‬ ‫عشرات السنين مما قد يكون له عالقة بالرحلة؛ فق َفزَتْ إلى ذهني صورة النجم عبدالرحمن‬ ‫الشبيلي الذي كنت أقرأ عنه في الصحف عندما كنت طالب ًا في المدرسة المتوسطة في‬ ‫الجوف في منتصف الستينيات الميالدية‪.‬‬ ‫‏كنت أقتني أعداداً كثيرة من مجلة «الجمهور‬ ‫الجديد» اللبنانية التي كان فريد أبو شهال يرأس‬ ‫تحريرها‪ ،‬وكانت المجلة تهتم بأخبار المملكة‬ ‫وتفرد لها صفحات كثيرة‪ ،‬بما في ذلك بعض‬ ‫األخبار المتعلقة بالتلفزيون والراديو والثقافة‬ ‫والفن بالمملكة‪ ،‬فتذكرت أنني شاهدت ذات‬ ‫مرة صورة للشبيلي في أحد أعدادها القديمة‬ ‫وتحتها تعليق عــن نجم التلفزيون السعودي‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي‪ .‬لــم يكن مــن الصعب‬ ‫العثور على المجلة‪ ،‬فهي ضمن مجموعة من‬ ‫المجالت األثيرة عندي الرتباطها بمرحلة من‬ ‫العمر وبمكان وزمان وظروف ذات خصوصية‬ ‫وعمق وأثر في نفسي‪ .‬وعندما تصفحت بعض‬ ‫أعــداد المجلة عثرت في العدد ‪ 636‬الصادر‬ ‫بتاريخ ‪ 25‬آب (أغسطس) ‪1966‬م على موضوع‬ ‫منشور في الصفحة التاسعة والعشرين بعنوان‬ ‫«نجوم التلفزيون» جاء فيه تعريف بعبدالرحمن‬ ‫الشبيلي عــلــى الــنــحــو اآلتـ ــي‪« :‬عبدالرحمن‬

‫الشبيلي مدير برامج تلفزيون الرياض ‪-‬يبلغ‬ ‫من العمر ‪ 24‬سنة‪ -‬يحمل شهادة الليسانس‬ ‫من كلية اللغة العربية وشهادة البكالوريوس من‬ ‫قسم الجغرافيا بجامعة الرياض ‪-‬انضم إلى‬ ‫أســرة اإلذاعــة والتلفزيون قبل ثالث سنوات‪-‬‬ ‫عمل أوالً مذيعاً في إذاعة جدة‪ ،‬ثم انتقل إلى‬ ‫إذاعة الرياض حيث عمل مساعداً لمراقب عام‬ ‫البرامج إضافة إلى قيامه بعمله مذيعاً‪ ،‬وقبل‬ ‫عام تقريباً انتقل إلى التلفزيون ليعمل مديراً‬ ‫للبرامج إلــى جــانــب تقديمه لبعض البرامج‬ ‫والنشرات اإلخبارية في اإلذاعــة والتلفزيون‪..‬‬ ‫من برامجه التي يقدمها في التلفزيون برنامج‬ ‫حديث األصدقاء وبرنامج األخبار في أسبوع»‪.‬‬ ‫‏صـ َوّرت الصفحة التي تتضمن الخبر‪ ،‬وفي‬ ‫صــالــة الــمــغــادريــن بالمطار قدمتها للدكتور‬ ‫الشبيلي‪ ،‬ورحنا نتحدث طــويـاً‪ ،‬وغصنا في‬ ‫ذكريات الماضي عن أحداث وشخصيات طواها‬ ‫الزمن‪ ،‬وعندما انتبهنا كانت الطائرة قد أقلعت‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪11‬‬


‫ودهاليز المسؤولين‪ ،‬فبين عشية وضحاها‬ ‫أصــبــح مــعــروف ـاً مــن بــعــض شــرائــح المجتمع‬ ‫وانغمس مخدوعاً بـ"النجومية" الزائفة في‬ ‫عيون مَن عرفه‪ ،‬منذ انتقل وزمالؤه الفنيون من‬ ‫بيئاتهم المحدودة (‪ )...‬لينصهروا في مجتمع‬ ‫متآلف متنوع الفئات من كل أنحاء البالد؛وليقود‬ ‫الــفــتــى الــقــادم مــن القصيم بــرامــج تلفزيون‬ ‫الــريــاض دون ســابــق معرفة ب ــه»‪ ..‬ثــم يقول‪:‬‬ ‫«يشعر البعض من استقراء نماذج معينة‪ ،‬ومن‬ ‫خالل استعراض اآلثار النفسية السلبية لتلك‬ ‫المظاهر على المتمتع بـ"النجومية" المضللة‪،‬‬ ‫بــأن ضررها المحتمل على المستقبل يكمن‬ ‫في جوانب حياتية‪ ،‬منها تعطيل تقدم نجاحاته‬ ‫وتركتنا نتحدث في صالة المغادرين!‬ ‫العلمية والثقافية فيما لو انساق وراءها وهو لم‬ ‫‏تذكّرتُ تلك الواقعة حين كنت أتصفح كتاب يكمل تحصيله العلمي واكتفى بما تضيفه على‬ ‫السيرة الذاتية للدكتور الشبيلي الــذي صدر شخصه من تمجيد وتخدير»‪.‬‬ ‫مــؤخــراً بعنوان‪« :‬مشيناها‪ ..‬حكايات ذات»‪.‬‬ ‫‏بالطبع لم يتخدر الدكتور الشبيلي‪ ،‬ولم يتوقف‬ ‫فالشبيلي النجم التلفزيوني الذي كانت الصحف عــن التحصيل العلمي عند درجــة الليسانس‬ ‫تتناقل أخبار نشاطاته وبرامجه‪ ،‬هو من ظلت والبكالوريوس‪ ،‬وإنما واصل مشواره التعليمي‬ ‫صورته عالقة في خيال فتى من الجوف يعشق حتى نهايته‪ .‬ولم تكن مقاومة إغراء النجومية‬ ‫القراءة وال يعرف عن التلفزيون إال اسمه؛ ألن أمراً سهالً‪ ،‬فقد كان عليه أن يتخلى عن أشياء‬ ‫التغطية التلفزيونية لم تكن قد شملت الجوف كثيرة مما توفره النجومية للنجم؛ فغادر الوطن‬ ‫في ذلك الزمان‪ .‬هذه النجومية التي ربما غبط إلى الواليات المتحدة لدراسة اإلعــام بشكل‬ ‫كثيرون الشبيلي عليها هي التي تُــحـدّث عن منهجي حتى حصل على درجتي الماجستير‬ ‫معاناته معها في الصفحة ‪ 151‬والصفحة ‪ 163‬والدكتوراه في اإلعالم‪ .‬لكن الشبيلي الذي أحب‬ ‫وصفحات أخرى من كتابه الشيق الذي روى فيه اإلعالم من خالل الممارسة الفعلية في المملكة‬ ‫رحلته عبر دروب الحياة منذ والدته في مدينة قبل البعثة‪ ،‬وعلمياً بعد التخصص األكاديمي في‬ ‫عنيزة‪.‬‬ ‫أمريكا عاد مجدداً إلى حقل اإلعالم األثير إلى‬ ‫‏يقول الشبيلي‪« :‬دام االرتــبــاط مع اإلذاعــة نفسه متسلحاً بما تعلمه في البعثة وبما شاهده‬ ‫والتلفزيون نحو أربعة عشر عاماً‪ ،‬كانت على ما من تجارب إعالمية في الواليات المتحدة‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫فيها من أضواء وشهرة‪ ،‬تمثل حياة شاب عاش‬ ‫‏ي ــروي الشبيلي فــي «مشيناها» بأسلوبه‬ ‫منبهراً بالحظوة واالقتراب من دروب الساسة المميز الــجــاذب تفاصيل تتجاوز كثيراً في‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫أهميتها وإدهاشها جانب النجومية الفردية التي‬ ‫هي "مفتاح" معرفة الكثير من الناس للشبيلي‪،‬‬ ‫وبخاصة األجيال التي عايشت الفترة التي كان‬ ‫زمن كان التلفزيون‬ ‫يطل خاللها من الشاشة في ٍ‬ ‫السعودي هو القناة التلفزيونية الوحيدة المتاحة‪.‬‬ ‫يحكي الشبيلي قصة الخطوات األولى إلنشاء‬ ‫التلفزيون السعودي وجهود رجال مخلصين مثل‬ ‫جميل الحجيالن في حماية التجربة عندما‬ ‫كانت في مهدها‪ ،‬وكيف مضت التجربة صعوداً‬ ‫وهبوطاً بين مـ ٍـد وجــزر‪ ،‬ومــاذا كــان يــدور في‬ ‫قصص‬ ‫ٍ‬ ‫كواليس التلفزيون ووزارة اإلعــام من‬ ‫وتناقضات وإشاعات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عايشها بحلوها ومرها‪،‬‬ ‫وتقاطعات ومصالح يغطيها ويطغى عليها تعاو ُن‬ ‫مجموعة من اإلعالميين والفنيين الشباب من‬ ‫مختلف مناطق المملكة‪ ،‬لتقديم أقصى ما‬ ‫يمكنهم تقديمه فــي ظــل مثبطات اجتماعية‬ ‫وفنية ورقابية‪ .‬ولكن في النهاية يقرر الشبيلي‬ ‫أن يغادر التلفزيون ووزارة اإلعالم بعد سلسلة‬ ‫من المواقف‪ ،‬ويصف مغادرته قــائـاً‪« :‬خرج‬ ‫(الشبيلي) من سنوات العمل في وزارة اإلعالم‬ ‫صفر اليدين‪ ،‬من سيارة تنقالته التي تمتلكها‬ ‫الوزارة‪ ،‬فأكرمه أحد معارفه بتوفير سيارة دوج‬ ‫من وكالتها في شارع األحساء بتقسيط مريح»‪.‬‬ ‫أما عن اإلعالم فيقول الشبيلي‪" :‬إن كاتب هذه‬ ‫الخواطر يجدد التأكيد على أنه لم يشعر في‬ ‫سنة من السنوات بالرضا عن مضمونه ومستواه‪،‬‬ ‫مقتنعاً بأن دولة في مكانة المملكة وصدارتها‬ ‫وموقعها‪ ،‬قمينة بإعالم داخلي وخارجي أفضل‪،‬‬ ‫وبحياة فكرية أرقــى‪ ،‬لم يتسنَّ لهما الظهور"‪.‬‬ ‫وعــن اإلع ــام الــســعــودي الــخــارجــي تــحــديــداً‪،‬‬ ‫يــرصــد الشبيلي ظــاهــرة الصحف والقنوات‬ ‫السعودية المهاجرة المدعومة بمال القطاع‬

‫الخاص‪ ،‬ويرى أن نجاحاتها المهنية تتغذى على‬ ‫«إخفاقات اإلعــام الرسمي‪ ،‬وال يوجد اليوم‬ ‫سبب وجيه يُبقي اإلعالم المهاجر الناجح خارج‬ ‫الحدود‪ ،‬بينما البالد في مسيس الحاجة إليه‪.‬‬ ‫إنها تكاد تكون الحالة الوحيدة في العالم التي‬ ‫يوجد فيها إعالم مهاجر مؤثّر وإعالم رسمي‬ ‫داخلي ال يقوى على التأثير باعتراف حكومي‬ ‫صــارت بموجبه البيانات المهمة والمقابالت‬ ‫تُخَ ص بها القنوات المهاجرة»‪.‬‬ ‫‏ومن وزارة اإلعالم إلى وزارة التعليم العالي‬ ‫ثــم إلــى مجلس الــشــورى امــتــدت رحلته تحت‬ ‫مظلة العمل الحكومي وشــبــه الحكومي‪ ،‬ثم‬ ‫جاءت المرحلة التي أعقبت انتهاء عضويته في‬ ‫مجلس الشورى لثالث دورات متتالية فكانت‬ ‫من أجمل مراحل العمر‪ ،‬وبخاصة تفرّغه شبه‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪13‬‬


‫التام للتأليف وإلقاء المحاضرات والمشاركة‬ ‫في األعمال التطوعية من خالل بعض الهيئات‬ ‫والجمعيات والمؤسسات‪.‬‬ ‫ولعل من أمتع ما يطالعه قــاري "مشيناها"‬ ‫ذلــك الــوصــف ال ــذي يقدمه الــمــؤلــف لبيئات‬ ‫العمل المختلفة التي عمل فيها‪ ،‬فهو يفصح‬ ‫عن معلومات جديدة ال يعرفها القارئ عن بعض‬ ‫المشاهير وعن أساليبهم في العمل واإلدارة‬ ‫والتحوالت المفاجئة التي تحدث في بيئات‬ ‫العمل فتقلب الموازين وتعيد ترتيب األوراق‬ ‫بشكل غير متوقع‪.‬‬ ‫يمس قلب القارئ حقاً هو حديث‬ ‫‏غير أن ما ُّ‬ ‫الشبيلي عــن والــدتــه وعــن ابنه طــال‪ .‬فبعد‬ ‫الوصف األخاذ لبيئة عنيزة وحاراتها وأسواقها‬ ‫ورجاالتها يتحدث بشفافية تنفذ إلــى شغاف‬ ‫القلب عن الفتاة الغريبة التي جاءت من أقصى‬ ‫الدنيا لتجد نفسها في عنيزة بعد رحلة طويلة‬ ‫قادتها من مدينتها اسطنبول‪ ،‬مروراً بالقريات‬ ‫حتى عنيزة‪ .‬لم تكن تلك الفتاة سوى «فاطمة»‬

‫‪14‬‬

‫والــدة عبدالرحمن الشبيلي التي تزوجت في‬ ‫القصيم‪ ،‬وذابت في مجتمع عنيزة حتى صارت‬ ‫مثل أيّ امرأة قصيمية األصل والمنشأ والوالدة‪،‬‬ ‫فكانت تتحدث بلهجة قصيمية خالصة‪ ،‬وتصنع‬ ‫األكالت والحلويات المحلية‪ ،‬وتتعامل مع التمور‬ ‫وتــعــرف أنــواعــهــا بالرغم مــن أنها «كــانــت في‬ ‫األصــل نازحة من تركيا إثــر الحرب العالمية‬ ‫األولى أو حرب األتراك واألرمــن‪ ،‬وقَدِ مَت إلى‬ ‫ـدد مــن بــنــات جنسها»‪ .‬يقول‬ ‫الــجــزيــرة مــع ع ـ ٍ‬ ‫الشبيلي‪" :‬بعد أن وضعت الــحــرب أوزاره ــا‪،‬‬ ‫لم يكن لدى بعضهن من المعلومات ما يكفي‬ ‫لالستدالل على أسرهن بسبب صغر السن"‪،‬‬ ‫ويضيف‪" :‬كــان األشقاء الثمانية (أبناء وبنات‬ ‫السيدة فاطمة فيما بعد) يتمنون الحصول من‬ ‫ذاكرة الوالدة على طرف الخيط الموصل إلى‬ ‫أخوالهم وخاالتهم من أهلها‪ ،‬من أجل االعتزاز‬ ‫بهم علناً أمام المجتمع‪ ،‬وكثيراً ما كانوا يجثمون‬ ‫أمام ركبتيها الستنباط مفردة أو معلومة مفيدة‬ ‫يمكن أن تكمل كلماتها المتقاطعة وتقود إلى‬ ‫معرفة منشئها الكريم الذي وفدت منه ويغبطون‬ ‫غيرهم الذين يحصلون على مبتغاهم المماثل"‪.‬‬ ‫‏أما طالل‪ ،‬االبن الوحيد الذي رحل مبكراً في‬ ‫سن الرابعة واألربعين‪ ،‬فقد كانت قصة رحيله‬ ‫التي سجّ لها المؤلف عبر التنقل بين مستشفيات‬ ‫المملكة والواليات المتحدة وفرنسا مؤلمة أشد‬ ‫األلــم‪ ،‬ولكنها مليئة بالعبر‪ ،‬وبخاصة شجاعة‬ ‫طالل ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬في مواجهة المرض على‬ ‫مدى ستة عشر عاماً وصبر زوجته واحتسابها‪،‬‬ ‫والتفاف األسرة واألصدقاء ووقوفهم إلى جانب‬ ‫والديه وزوجته‪ .‬يقول أبو طالل‪« :‬ظلت تجربة‬ ‫الحزن الصامت منذ وفاته جرحاً بالغ الغور‬ ‫في حياة أســرتــه‪ ،‬ودمــوع ـاً تذرفها عند ذكره‬ ‫وأمــام صوره وعند زيــارة قبره (‪ ،)...‬ومنذ أن‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫ق َدّر اهلل على العائلة َف ْق َد عزيزها طالل قبل‬ ‫خمسة أع ــوام‪ ،‬تغيرت أشياء كثيرة في حياة‬ ‫والــده‪ ،‬بالنظرة إلى األمــور من حوله بواقعية‬ ‫أعــمــق‪ ،‬صــار فيها يميز الــتــوافــه منها ويــرى‬ ‫األخرى بحجمها الطبيعي‪ ،‬فالدنيا أصغر من‬ ‫أن تُشغَل بالتّرهات‪ ،‬والوقت أثمن من أن يضيع‬ ‫سدىً ‪ ،‬يستصغر ما يراه من منافسات وحزازات‬ ‫في المناصب‪ ،‬ومن اهتمام الناس ومبالغتهم‬ ‫بالمظاهر والماديات»‪.‬‬ ‫‏"مشيناها" سيرة ثرية وزاخ ــرة بالمواقف‬ ‫لرجل تــردد كثيراً في وضعها في‬ ‫ٍ‬ ‫واألح ــداث‬ ‫ال في مقدمة كتابه ‪-‬بكل تواضع‪-‬‬ ‫كتاب قائ ً‬ ‫إنــه «ظــل يقف موقف المتحفظ أمــام دعــوات‬ ‫ال عن تدوينها لعدم‬ ‫الحديث عن ذكرياته‪ ،‬فض ً‬ ‫اقتناعه بالمبدأ من ناحية‪ ،‬وليقينه بأن بضاعته‬ ‫في هذه الحياة متواضعة ليس في استحضارها‬ ‫قيمة تؤهل للرواية‪ ،‬وهي ال تقارن بتجارب كبار‪،‬‬ ‫وال تتماهى مع تراجم مبدعين»‪ .‬هذا الرجل‬ ‫هو َم ْن كتب خمساً وخمسين كتاباً ومحاضرة‬ ‫مطبوعة في اإلعالم والسيرة ومختلف الجوانب‬ ‫الثقافية‪ ،‬وحــاز على جــائــزة األمــيــر (الملك)‬ ‫سلمان لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه‪ ،‬وجائزة‬ ‫األمير (الملك) سلمان التقديرية للتميز في‬ ‫دراسات تاريخ الجزيرة العربية‪ ،‬ثم ت َوّج مسيرته‬ ‫بالحصول على وســام الملك عبدالعزيز من‬ ‫الــدرجــة األولــى تقديراً إلسهاماته في مجال‬ ‫الفكر والثقافة؛ وهو المؤلف‪ ،‬وأستاذ الجامعة‪،‬‬ ‫ووكيل الــوزارة‪ ،‬وعضو مجلس الشورى‪ ،‬ورجل‬ ‫المجتمع الذي يرتاد مجلسَ ه كل أسبوع عشراتُ‬ ‫المثقفين والمسؤولين وأعيان المجتمع‪.‬‬

‫جائزة الملك سلمان التقديرية للتم ّيز‬ ‫في دراسات تاريخ الجزيرة العربية و بحوثه عام ‪2014‬م‬

‫ـان مــا مــن الكتاب يلخص الدكتور‬ ‫‏فــي مــكـ ٍ‬ ‫عــبــدالــرحــمــن الــشــبــيــلــي مــســيــرتــه الوظيفية‬ ‫والعلمية والثقافية بقوله‪« :‬لقد عثر وهو في‬ ‫أوائل العشرين من العمر على خارطة المستقبل‬ ‫مــع اإلعـــام‪ ،‬ووج ــد فــي التعليم العالي وهو‬ ‫فــي بحر الثالثين أفــقـاً واســعـاً فــي المعارف‬ ‫والبحوث‪ ،‬وتعلم تحت قبة الــشــورى وهــو في‬ ‫أواســط الخمسين أدب االخــتــاف في الــرأي‬ ‫واحترامه‪ ،‬ثم اكتشف في النشاط الثقافي بعد‬ ‫تقاعده المالذ الفكري الشيِّق واآلمن»‪.‬‬ ‫‏في «مشيناها»‪ ،‬يقدم الشبيلي لكتابه ببيت‬ ‫مــن الشعر (مشيناها خُ ــطــى كُتبت علينا‪..‬‬ ‫و َمـ ْن ُكتِبت عليه خطى مشاها)‪ ،‬ثم يمشي بنا‬ ‫سطراً سطرا؛ في رحلة ماتعة ال يمل القارئ‬ ‫من متابعتها رغم صفحاتها التي بلغت أربعمائة‬ ‫وأربعاً وسبعين صفحة‪ ،‬وهو ‪-‬بذلك‪ -‬يضيف‬ ‫لبنة جديدة في «أدب السيرة الذاتية» المحلية‪.‬‬

‫ * نائب وزير العمل سابقاً‪ ،‬أستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران سابقاً‪ ،‬عضو مجلس إدارة‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬ورئيس هيئة النشر بالمركز‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪15‬‬


‫ُن ُ‬ ‫ـــعـــيـــم‬ ‫ـــزل الـــنّ‬ ‫ِ‬ ‫■ عبدالقادر بن عبداحلي كمال*‬

‫أس ـتــاذي وزميلي وأخ ــي‪ ،‬الـدّ كـتـور عبدالـرحـمن بـن صـالـح‬ ‫ـاضــرِ ‪ْ ،‬‬ ‫إلــى الـغـائ ِـب ال ـحـ ِ‬ ‫الجنان‪.‬‬ ‫وأسكنه ِ‬ ‫ال ّـشـبـيـلـي‪ ،‬رحـمـه اهلل‪ْ ،‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ـوات‬ ‫ـك َن ـ ـ ِـجـ ـ ـ ّي ـ ــةُ ال ـ ـ ــدّ عَ ـ ـ ـ ِ‬ ‫هَ ـ ــطَ ـ ـ ـ َل ـ ـ ْـت عـ ـلـ ـي ـ َ‬ ‫ـك ع ـ ــالِ ـ ـ ـمـ ـ ـ ًا ومُ ـ ـ َعـ ـ ِّلـ ـم ــأ‬ ‫ول ـ ـ ـقـ ـ ــدْ عَ ـ ـ ـ ـرَفْ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـات‬ ‫ـك سَ ـ ـ ــوابِ ـ ـ ــغُ الـ ـ ـرّحَ ـ ـ ـم ـ ـ ِ‬ ‫وهَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْـت عـ ـلـ ـي ـ َ‬ ‫َوات‬ ‫ـك سَ ـ ـ ـ ـ َّي ـ ـ ـ ـ َد ال ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـد ِ‬ ‫ولـ ـ ـ ـق ـ ـ ــدْ رأ ْيـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـك مـ ـ ـ ــن اإلل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ مَ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ٌـك‬ ‫وت ـ ـ ـق ـ ـ ـ َّب ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ َ‬ ‫ـض ـ ِـل ف ــي دُ ل ـجــاتِ ـنــا‬ ‫َكـ ــمْ ُجـ ـ ــدْ تَ ل ــي ب ــال ـ َف ـ ْ‬ ‫ـات‬ ‫بـ ـ ــالـ ـ ــيُ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ِـن والـ ـ ـ ّت ـ ــهْ ـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ـ ِـل والـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات‬ ‫وجَ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ْلـ ـ ـ َتـ ـ ـن ـ ــي فـ ـ ــي أ ْر َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع الـ ـ ـ ــدّ َرجـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ودُ ع ـ ـيـ ــتَ ف ــي ُن ـ ـ ــزُ ِل الـ ـ ّنـ ـعـ ـي ـ ِـم(‪ )١‬مُ ــخَ ـ َّل ــد ًا‬ ‫وأ َز ْلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ خَ ـ ـ ـ ْوفـ ـ ــي ع ـ ـ ــنْ رُقِ ـ ـ ـ ـ ـ ــيِّ مَ ـ ـنـ ــابِ ـ ــرٍ‬ ‫ع ـ ـ ـ ْن ـ ـ ـ َد ال ـ ــمُ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ْي ـ ـ ِـم ـ ـ ِـن غ ـ ـ ــافِ ـ ـ ــرِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزال ِّت‬ ‫ـوات‬ ‫و َد َفـ ـ ــعْ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـنـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــازِ ِل الـ ـ ـ َّـص ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ِ‬ ‫ـك الُّ ـ ـلـ ـ ْـطـ ـ ُـف مـ ــن مَ ـل ـك ــوتِ ــهِ‬ ‫وسَ ـ ـ َعـ ــى إل ـ ـيـ ـ َ‬ ‫وغَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ْر َت ـ ـ ـنـ ـ ــي بِ ـ ـ ــال ـ ـ ــو ِّد يـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ َع ال ــوف ــا‬ ‫ـات‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫َّ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـرِ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـاط‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـك‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫َي ـ ـ ْـحـ ـ ـ ُن‬ ‫َروات‬ ‫ودَعَ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــارِ ِف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذ ِ‬ ‫وحَ ـ ـ َل ـ ـ ْلـ ــتَ ف ــي دارِ الـ ــمُ ـ ـقـ ــامَ ـ ــةِ (‪ )٢‬ع ــالِ ـي ـ ًا‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ـات‬ ‫ْدوس وال ـ ـ ـج ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ِ‬ ‫فـ ـ ــي بـ ـ ــاحـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ِـفـ ـ ـ ـ ـ ـر ِ‬ ‫عَ ـ ـ َّل ــمْ ـ ـ َتـ ـن ــي َص ـ ــمْ ـ ــتَ ال ــمُ ـ ـهـ ـي ـ ِـب َت ـ ـرَفُّ ـ ـع ـ ـ ًا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ـات‬ ‫وسَ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـوْتَ أنْ َت ـ ـ ْـسـ ـ ـ َت ـ ـ ْـج ـ ـ ِـديَ الـ ـ َعـ ـ َتـ ـب ـ ِ‬ ‫يـ ــا أيُّ ـ ـهـ ــا ال ـ ـ َّنـ ـ ْـجـ ــمُ ال ـ ـ ــذي ِم ـ ـ ــنْ ُشـ ـ ـ ْر َف ـ ــةٍ‬ ‫أرْشَ ـ ـ ـ ــدْ َتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي أنّ ال ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ّز َه رِ فْ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ـات‬ ‫ـص بِ ـ ـ ــاآلهـ ـ ـ ِ‬ ‫جَ ـ ـ ـ َعـ ـ ــلَ الـ ـ ـ ُـجـ ـ ــمُ ـ ـ ــو َع َتـ ـ ــغُ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫ـات‬ ‫اس ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــا َم بِ ـ ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ةٍ و َثـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ِ‬ ‫لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــنْ ْ‬ ‫يـ ـ ــا أيُّ ـ ـ ـهـ ـ ــا الـ ـ ـ َّـشـ ـ ــهْ ـ ـ ــمُ ال ـ ـ ـ ــذي غـ ـ ــا َد ْر َت ـ ـ ـنـ ـ ــا‬ ‫ـوص ـ ـ ٍـل‬ ‫ـك أ ْل ـ ـ ـ ـ ُـف َدر ٍْب مُ ـ ـ ِ‬ ‫بـ ـ ْيـ ـن ــي وبـ ـ ـ ْيـ ـ ـ َن ـ ـ َ‬ ‫ـات‬ ‫ِمـ ـ ـ ـ ـ ــنْ غ ـ ـ ـيـ ـ ــرِ َتـ ـ ـ ـ ـ ـوْدي ـ ـ ـ ـ ـ ٍـع وال َبـ ـ ــسَ ـ ـ ـمـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات‬ ‫ـال وال ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــايـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاهـ ـ ـ ـ ِـل اآلمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫لِ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َص أنْ ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ِّد َع جَ ــمْ ـ َع ـن ــا‬ ‫أحـ ـ ـ ـ ـ ـر ُ‬ ‫أل ْن ـ ـ ـ ـ ــتَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ـوات مـ ـ ـ ــاذا أق ـ ـ ـ ـ ــولُ ؟ وفـ ـ ــي ال ـ ــتَّ ـ ــراقِ ـ ــي غُ ـ ـ َّـصـ ــةٌ‬ ‫بِ ـ ــالُّ ـ ـ ـل ـ ـ ْـط ـ ـ ِـف وال ـ ــتَّ ـ ــقْ ـ ــدي ـ ــرِ والـ ـ ـ ــدّ عَ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـرات‬ ‫مَ ـ ـ ــمْ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــوءة ب ـ ـ ــال ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـز ِْن وال ـ ـ ــحَ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـك ي ـ ــا َنـ ـبـ ـي ــلُ مُ ـ ـ َنـ ــزَّ ه ـ ـ ًا‬ ‫ولـ ـ ـ َق ـ ــدْ شَ ـ ـ ــهِ ـ ـ ــدْ ُتـ ـ ـ َ‬ ‫(‪)٥‬‬ ‫ـرات‬ ‫ـوط بِ ـ ــحَ ـ ــمْ ـ ــأةِ ال ـ ـ َّن ـ ـ َعـ ـ ِ‬ ‫َت ـ ـ ـ ْأ َبـ ـ ــى الـ ـ ُّـس ـ ـقـ ـ َ‬ ‫مـ ـ ـ ـ ــاذا أق ـ ـ ـ ـ ـ ــولُ ؟ وفـ ـ ـ ــي فُ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي مَ ـ ـ ـ ـ ْأ َت ـ ـ ــمٌ‬ ‫مُ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـرَفِّ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـ ــنْ َز َّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ وخَ ـ ـ ـطـ ـ ـيـ ـ ـئ ـ ــةٍ‬ ‫(‪)٣‬‬ ‫ـرات‬ ‫ـات وال ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـص ـ ـ ـ ِ‬ ‫َي ـ ـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ ــداحُ بِ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ـ ّ‬ ‫ـوات‬ ‫مُ ـ ـ َتـ ـ َع ــفِّ ـ ـفـ ـ ًا عـ ــن حَ ـ ـ ـ ـ ْو َب ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ِ‬ ‫ـوك إلـ ــى ال ــثَّ ـ ـرَى‬ ‫ـصـ ـف ــوا إ ْذ أَ ْو َدعـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫م ــا أَ ْن ـ َ‬ ‫ـاهـ ــلٌ‬ ‫ـص ـ ـ ــدَّ ى جـ ـ ِ‬ ‫أ ْنـ ـ ـ ـ ــتَ الـ ــحَ ـ ـل ـ ـيـ ــمُ إذا َت ـ ـ ـ ّ‬ ‫ـات‬ ‫ُت ـ ــغْ ـ ـ ـض ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاءً ع ـ ـ ـ ْنـ ـ ــد كُ ـ ـ ـ ـ ــلِّ هَ ـ ـ ـنـ ـ ـ ِ‬ ‫ـات‬ ‫ـواك فـ ـ ــي األ ْك ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــادِ والـ ـ ـ ّنـ ـ ـ َبـ ـ ـض ـ ـ ِ‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـ ْثـ ـ ـ ـ َ‬

‫‪16‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )٢(،)١‬نٌز ُل النعيم‪ ،‬دا ُر المُقامة‪ ،‬من أسماءِ الجنّة‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬حَوْبَة‪ :‬الحوبة أي الحاجة‪ ،‬وفي الدعاء‪ :‬أرفع حَوْبتي إليك أي أرفع حاجتي إليك سبحانك‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫الر َّدادي*‬ ‫■ د‪ .‬عائض َّ‬

‫قال عبدالرحمن الشبيلي فـي سيرته عن نفسه‪" :‬تجاوز األربعين دون أن يلج فـي عالم‬ ‫الكتابة‪ ،‬وعندما بدأ عام ‪1412‬هـ‪1992/‬م يخوض غمار التوثيق والتأليف‪ ،‬صار يسابق الزمن‬ ‫وكأنه فـي عجلة من أمــره‪ ،‬يشعر أن للوقت قيمة إنسانية‪ ،‬وأن فـي عهدته واجـبـ ًا البــد أن‬ ‫ينجزه‪ ،‬متأسف ًا على ما فات من سنين إنسانية‪ ،‬قبل اكتشاف ضالّته؛ وجد أن االنشغال‬ ‫بالتوثيق هو أمتع ما ينتقل به المرء من صخب الوظيفة إلى حياة ذهنية هادئة منتجة؛‬ ‫واكتشف فـي البحث عالم ًا شيّق ًا من ناحية‪ ،‬وسياحة تسد فراغ ًا فـي المشهد الثقافـي من‬ ‫ناحية أخرى"(‪.)1‬‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‬ ‫مؤرخ اإلعالم السعودي‬

‫هــذه بــدايــة الشبيلي فـي تــدويــن التاريخ فـي الــريــاض‪ ،‬وبين هذين التاريخين عاش‬

‫اإلعالمي للمملكة العربية السعودية‪ ،‬وتوثيق وصنع تاريخاً فـي اإلعالم (ممارسة وتاريخاً)‬

‫سير بعض أعالمها؛ فهو قد راوح بين تاريخ وفـي سير األعالم‪.‬‬ ‫اإلعـ ــام وت ــاري ــخ األع ـ ــام‪ ،‬وق ــد كــتــبــتُ عن‬

‫تنوّع تكوينه الثقافـي؛ ما جعله موسوعيَّ‬

‫ذلك مقاالً بعنوان "د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي الثقافة؛ فهو قد حصل على ليسانس من كلية‬ ‫مــن اإلع ــام إلــى األع ــام" ونشر فـي نشرة اللغة العربية فـي الرياض ‪1383‬هـــ‪1963/‬م‪،‬‬

‫الخميسية فـي عددها التاسع‪ ،‬جمادى اآلخرة وبــكــالــوريــوس جغرافـيا مــن جامعة الملك‬ ‫‪1432‬هـ(‪.)2‬‬ ‫سعود فـي الرياض ‪1385‬هـــــ‪1965/‬م‪ ،‬وبعد‬ ‫توصف المدينة السعودية ُعـنَـيْــزة بأنها أن عمل زمــنـاً مذيعاً ممارساً للغة العربية‬

‫ب ــاري ــس نــجــد‪ ،‬وفـــــيــهــا ولـ ــد عــبــدالــرحــمــن ابتُعث لــلــواليــات المتحدة األمريكية‪ ،‬فنال‬

‫الشبيلي‪ ،‬وقد كتب فـي سيرته "كانت الوالدة الماجستير فـي اإلعالم من جامعة كانساس‬

‫على األرج ــح‪ ،‬مساء السابع من شهر شوال ‪1388‬هـ‪1968/‬م‪ ،‬ثم الدكتوراه فـي اإلعالم من‬ ‫‪1363‬هـــــــــ‪1944/9/23(/‬م)‪ ،‬تزيد عاما أو جامعة والية أوهايو ‪1391‬هـ‪1971/‬م‪ ،‬ومارس‬

‫تنقص"(‪ )3‬وتوفـي فـي مدينة باريس الفرنسية اإلدارة اإلعالمية فـي التلفزيون‪ ،‬واإلدارة‬ ‫يوم الثالثاء ‪1440/11/27‬هـ‪ 30 ،‬يوليو (تموز) التعليمية فـي وزارة التعليم العالي‪ ،‬ثم صار‬ ‫وصلي عليه ودفن فـي مقبرة الشمال عضواً فـي مجلس الشورى‪ ،‬الذي يتيح القراءة‬ ‫‪2019‬م‪ُ ،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪17‬‬


‫فـي كثير من المجاالت لتنوع ما يعرض عليه السفـير محمد الحمد الشبيلي إلى أن قال ‪:‬‬ ‫ويناقشه‪.‬‬

‫"أما التجربة الثالثة من تجارب كتابة السير‬

‫هذا التكوين الثقافـي له ــ إضافة إلى إلمامه والتراجم فقد مررت بها بين عامي ‪1417‬هـ‬ ‫باللغتين اإلنجليزية والفرنسية ــ مكّنه من سعة و ‪1420‬هـ (‪1997‬ــ ‪2000‬م) حينما كنت أعكف‬ ‫ال على تأليف كتابي التوثيقي عن تاريخ اإلعالم‬ ‫الثقافة وتنوّعها‪ ،‬فجاء أسلوبه الكتابي سه ً‬ ‫شائقاً فـي اختيار المفردة‪ ،‬وتركيب الجملة؛ السعودي الصادر عام ‪1421‬هـــ‪ ،‬وقد أسفر‬ ‫وصياغتُه ترتقي عن األسلوب الصحفـي إلى البحث عن التطرق إلــى عشرات من رجال‬ ‫األسلوب األدبــي‪ ،‬مع جالء فـي الفكرة التي الثقافة واإلعالم فـي المجتمع السعودي؛ ما‬

‫يعبّر عنها‪ ،‬وسالمة فـي اللغة العربية‪ :‬معنى شجّ ع على كتابة مــقــاالت عــن كــل شخصية‬ ‫على حــدة"(‪ )٥‬وقد نشر هذه المقاالت مفرَّقة‬ ‫وقواعد‪.‬‬ ‫فـي الصحف ثم جمعها فـي كتب‪ ،‬وتأليفُه‬ ‫ُقدِّر الدور الكبير لعبدالرحمن الشبيلي فـي‬ ‫فـي السير والتراجم يحتاج إلى تفصيل ليس‬ ‫كتابة التاريخ فنال‪:‬‬ ‫مكانه هنا‪ ،‬وإن كان منها ما يتعلق بإعالميين‪،‬‬ ‫ـ ـــ ج ــائ ــزة األم ــي ــر (الــمــلــك) ســلــمــان بن ك ُكتُبه عن إبراهيم العنقري‪ ،‬وعبد اهلل بلخير‪،‬‬ ‫عبدالعزيز لخدمة التاريخ الشفهي وتوثيقه وعباس غزاوي‪.‬‬ ‫‪1424‬هـ‪2003/‬م‪.‬‬ ‫وعنوان كتابه التوثيقي عن تاريخ اإلعالم‬ ‫ـ ـــ ج ــائ ــزة األم ــي ــر (الــمــلــك) ســلــمــان بن الــســعــودي "اإلعــــام فـــــي المملكة العربية‬ ‫عبدالعزيز ‪1423‬هـ‪2014/‬م‪.‬‬ ‫السعودية ــ دراسة وثائقية وصفـية تحليلية"‬ ‫ــ وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة األولى يقع ‪ 432‬صفحة من الحجم الكبير‪ ،‬وفـيه‬ ‫فـي المهرجان الوطني الحادي والثالثين للتراث (‪ )13‬فصالً‪ ،‬تلتها مالحق باألنظمة اإلعالمية‪،‬‬ ‫والثقافة (الجنادرية) ‪1438‬هـ‪2017/‬م(‪.)٤‬‬

‫والسجل السنوي ألبرز الحوادث والمناسبات‬

‫تخصص فـي جانبين من التاريخ؛ أولهما‪ ،‬اإلعالمية فالكشافات فالمراجع‪.‬‬

‫تاريخ اإلعــام السعودي‪ ،‬وثانيهما التراجم‬

‫والكتاب شمل تاريخ كل وسائل اإلعــام‬

‫والسير‪ .‬والثاني خرج من جعبة األول؛ فقد السعودية إلى حين صدوره فـي طبعته األولى‬ ‫أشار إلى تجاربه مع كتابة التراجم التي بدأت ‪1421‬هــــــ‪2000/‬م‪ ،‬واحــتــوت فصوله الثالثة‬ ‫عــام ‪1396‬هــــــــ‪1976/‬م حين سجل حلقات عشر على‪ :‬بيئة اإلعــام السعودي وظروفه‬

‫تلفزيونية عــن أعـــام خــدمــوا الــوطــن فـي وسماته‪ ،‬فالجهات الرسمية المعنية باإلعالم‪،‬‬

‫‪18‬‬

‫سبيل التأسيس ثم تجربته فـي كتابة سيرة فاإلعالم الداخلي والخارجي واإلعالم بالحج‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫فالصحافة السعودية‪ ،‬فاإلذاعة‪ ،‬فالتلفزيون‪،‬‬

‫فوكالة األنباء السعودية‪ ،‬فالتعاون اإلعالمي‬ ‫ال ــخ ــارج ــي‪ ،‬ف ــاإلع ــام والــقــطــاع الــخــاص‪،‬‬

‫فدراسات اإلعالم وأبحاثه‪ ،‬فوسائل اإلعالم‬ ‫األجنبية فـي المملكة العربية السعودية‪،‬‬

‫وفـي الختام فصل عنوانه‪ :‬نحو فكر إعالمي‬ ‫سعودي جديد"‪.‬‬

‫وق ــد أوضـ ــح فـــــي مــقــدمــتــه(‪ )٦‬أن بــدايــة‬

‫فكرة الكتاب كانت أطــروحــة علمية لدرجة‬ ‫الدكتوراه عام ‪1971/1391‬م من جامعة والية‬

‫أوهايو األمريكية‪ ،‬وترجمت مقتطفات منها‪،‬‬ ‫وأصبحت مــذكــرة مــقــررة على طــاب قسم‬ ‫اإلعالم فـي جامعة الملك سعود الذي افتتح‬ ‫عام ‪1393‬هـ‪1973/‬م‪.‬‬

‫خالل أبعادها الثالثة‪ :‬التاريخية والوصفـية‬

‫ولشعوره بالحاجة إلــى كتاب شامل عن والتحليلية‪ ،‬وخلص إلــى فكرتين أساسيتين‬ ‫تاريخ وسائل اإلعالم السعودية عاد إليه بعد يعدان محور الجانب التحليلي فـيه ومحط‬ ‫ربــع قــرن مراجعاً ومستفـيداً مما صــدر من تركيزه‪ ،‬وهما‪ :‬ضعف المهنية‪ ،‬ونقص المرونة‬ ‫دراسات ومؤلفات‪ ،‬ومن الوثائق الوطنية فـي المالية واإلدارية"(‪.)٧‬‬ ‫مراكز الوثائق فـي الداخل والخارج‪ ،‬راصداً‬

‫كــون هــذا الكتاب أشمل كتاب فـي تاريخ‬

‫تــاريــخ اإلعـ ــام ومــراحــلــه مــع قـ ــراءة ألوجــه اإلعالم السعودي إلى حين صدوره هي الميزة‬ ‫الضعف والقصور وجــوانــب الــقــوة والتميز‪،‬‬ ‫األولــى‪ ،‬أما الميزة األخــرى فإن هذا الكتاب‬ ‫ُمتْبعاً كل فصل بقراءة تحليلية مطولة‪ ،‬وأحيانا‬ ‫هو الوعاء الــذي تولّدت منه أعمال المؤلف‬ ‫يمزج التحليل فـي سياق المتن‪ ،‬وقد وصف‬ ‫األخرى حتى فـي التراجم والسير‪.‬‬ ‫منهجه بأنه "ينحو منحى علمياً فـي دراسة‬ ‫ويكمل هــذا الــكــتــابَ كتابان صــدرا بعده‬ ‫اإلعالم السعودي‪ ،‬ويشخّ ص حالته تشخيصاً‬ ‫واقعياً بعيدا عن التنظير والخيال؛ ولذلك هما‪" :‬صفحات وثائقية من تاريخ اإلعالم فـي‬ ‫اختصر كثيراً من هذه المقدمات‪ ،‬وركّز على الجزيرة العربية و"الملك عبدالعزيز واإلعالم‬ ‫النظر فـي مسيرة اإلع ــام الــســعــودي‪ ،‬من ــــ دراســـة توثيقية لــبــدايــة وســائــل االتــصــال‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪19‬‬


‫السعودية" والكتاب األول نتج عما توافر لديه‬ ‫من وثائق ومعلومات وحين تابعها أغرته بإلقاء‬ ‫محاضرات عن موضوعاتها ثم جمعها فـي‬ ‫هــذا الكتاب الــذي صــدر فـي طبعته األولــى‬ ‫فـي الرياض عام ‪1423‬هـ‪2002/‬م فـي (‪)346‬‬ ‫صفحة‪.‬‬ ‫أمــا الــكــتــاب الــثــانــي (الــمــلــك عبدالعزيز‬ ‫واإلعالم) فهو دراسة توثيقية لبدايات وسائل‬ ‫االتصال السعودية‪ ،‬صدرت طبعته األولى فـي‬ ‫الرياض ‪1424‬هـ ـــ‪2003/‬م‪ ،‬ويقع فـي (‪)175‬‬ ‫صفحة‪.‬‬

‫الحلقات تباعاً عليها بدءاً من ‪1433/6/27‬هـ‪،‬‬ ‫‪/18‬مايو ‪2012‬م‪ ،‬وأتاح له تفريغها وطباعتها‬ ‫تــدارك ما أمكن من المعلومات الناقصة(‪،)٨‬‬ ‫وصدر الكتاب فـي طبعته األولى فـي الرياض‬ ‫عــام ‪1425‬هـ ـ ـــ‪2014/‬م‪ .‬وثــانــي الكتابين هو‬ ‫كتاب "مشيناها ــ حكايات ذات" فـيما كتبه‬ ‫عن سيرته فـي اإلعالم بشكل عام وهي أطول‬ ‫ما فـي السيرة إذ بلغت (‪ )126‬صفحة‪ ،‬حاز‬ ‫التلفزيون منها قدرا كبيراً(‪.)٩‬‬ ‫على أن العمل الذي لم يصدر‪ ،‬وال أعرف‬ ‫إلى أي مرحلة وصل فـيه فهو "موسوعة وثائق‬ ‫اإلعالم"‪ ،‬وقد أشار فـي كتاب "موجز تجربتي‬

‫ولقي تاريخ التلفزيون تركيزاً أكثر منه‪ ،‬فهو اإلعالمية" إلى أن االنشغال بالمحاضرات فـي‬ ‫لم يكتف بما سبق‪ ،‬بل تناوله فـي كتابين‪ :‬أولهما‪:‬‬ ‫المناسبات والمواسم الثقافـية أدى إلى تأخير‬ ‫قصة التلفزيون‪ ،‬وهو تاريخ لنشأة التلفزيون‬ ‫هذا المشروع‪ ،‬حيث كتب فيه "وكتاب من أربعة‬ ‫الحكومي ما بين عامي ‪1383‬هـــــ‪1963/‬م ــ‬ ‫أجزاء بعنوان (موسوعة وثائق اإلعــام) وهو‬ ‫‪1397‬هـ‪1977/‬م‪ ،‬وهي الفترة التي أسهم فـيها‬ ‫فـي نشأة التلفزيون وإدارتــه‪ ،‬والكتاب تفريغ مشروع مرتقب يعرض ويشرح خزينة الوثائق‬ ‫لمقابالت تلفزيونية فـي سبع حلقات أجريت الخاصة التي تم جمعها من مختلف المصادر‬ ‫معه فـي القناة الثقافـية السعودية وعرضت منذ مرحلة الدراسات العليا"(‪.)١٠‬‬

‫‪20‬‬

‫* عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬وعضو سابق بمجلس الشورى بالمملكة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مشيناها‪ ...‬حكايات ذات‪ ،‬ط‪1440 ،1‬هـ‪2018/‬م‪ ،‬الرياض‪ ،‬ص‪.8‬‬ ‫(‪ )٢‬الخميسية‪ :‬هي الندوة األسبوعية التي تعقد فـي منزل حمد الجاسر إبان حياته واستمرت فـي الموعد‬ ‫نفسه بعد وفاته‪ ،‬وكانت تصدر نشرة بعنوان "الخميسية" فلما تغير اسم الخميسية إلى "مجلس حمد‬ ‫الجاسر" وصار موعدها يوم السبت تغير اسم النشرة إلى "جسور" وأعداد الخميسية وجسور على موقع‬ ‫حمد الجاسر ‪.http://hamadaljasser.com/‬‬ ‫(‪ )3‬مشيناها (سابق) ص‪.13‬‬ ‫(‪ )٤‬مشيناها (سابق)‪ ،‬ص‪ 314‬ــ ‪.316‬‬ ‫(‪ )٥‬أعالم بال إعالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪1428 ،1‬هـ‪2007/‬م‪ ،‬الرياض‪ ،‬ص‪ 11‬ــ ‪.14‬‬ ‫(‪ )٦‬انظر مقدمة المؤلف من ص‪ 13‬ــ ‪.19‬‬ ‫(‪ )٧‬المقدمة ص‪.16‬‬ ‫(‪ )٨‬انظر مقدمة الكتاب ص‪ 7‬و ‪.8‬‬ ‫(‪" )٩‬مشيناها" (سابق) ص‪.101‬‬ ‫(‪ )١٠‬موجز تجربتي اإلعالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض ‪1434‬هـ‪2013/‬م ص‪.16‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫تمنيت أن أمتلك المقدرة على كتابة الرواية‬ ‫ُ‬ ‫ألصوغ بها سيرتي‬ ‫■ إبراهيم العوامرة*‬

‫أن يكتب الدكتور الشبيلي سيرته يعني أن الخوف قد مكث في روحــه‪ ،‬فهل خاف على‬ ‫ما يعرفه‪ ،‬أو كان وف ّي ًا لما حاكتْه السنون في عباءة أيامه؛ ليقدم للقارئ مرويته المليئة‬ ‫باألحداث والطموحات واإلنجازات‪.‬‬ ‫أنــت تلك السيرة التي نالت تفاعال كبيرا‬ ‫من قبل مجايليه واألجيال الالحقة‪ ،‬بل شكّل‬ ‫أنموذجً ا للعمل واستثمار الوقت في فِ عل الحياة‬ ‫بكل تناقضاتها؛ فقد دوّن ذلك الصراخ الساكن‬ ‫في أعماقه في كتاب "مشيناها" كيراع يسير‬ ‫ليكتب بحبر الذكريات ما وقع عليه وما فعله‬ ‫هو في حياة لم تعاني من فــراغ قــط! فتذكّر‬ ‫ودوّن واستشار فيما كتب ليقدم ذاته صافية من‬ ‫ماض‬ ‫كدر الدنيا‪ ،‬مدركا أن ما يكتبه اآلن هو ٍ‬ ‫سيتحو ُل الى قيمةٍ ذهبيةٍ للناس فيما بعد!‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫عبدالرحمن الشبيلي‪:‬‬

‫مشاعا للقارئ‪ ،‬جه ٌر وبو ٌح لتوصيل فكرةٍ ما‪،‬‬ ‫فكرة تشوبها صدقية عالية‪ ،‬وأذكر هنا ريادة‬ ‫جــان جــاك روس ــو ال ــذي كتب أول كــتــاب في‬ ‫السيرة الذاتية بعنوان "اعترافات"‪ ،‬والذي القى‬ ‫نجاحات كبيرة في دول أوروبا وخارجها‪ ،‬كما‬ ‫القى قــدراً كبيراً من النجاح في قــارّة أوروبا‬ ‫وخارجها إلسهامه في تحريك مشاعر القرّاء‬ ‫فيما يخص االنفتاح والمكاشفة الجريئة‪ ،‬التي‬ ‫تصل الى محاسبة النفس‪.‬‬

‫وانتقلت السيرة الذاتية إلى اللغة العربية‬ ‫فمالحقة صراخه الداخلي في كتابة سيرته‪ ،‬عــلــى يــد طــه حــســيــن فــي كــتــاب األي ـ ــام‪ ،‬ثم‬ ‫إنما يــؤ ِّثــثُ منجماٍ من الذكريات واألحــداث توالت لذاذات السيرة‪ ،‬لتنتشر بين المفكرين‬ ‫ماض والسياسيين واألدباء‪.‬‬ ‫والمواقف التي تعود بقارئ كتابه إلى ٍ‬ ‫جميل يدركه القارئ في تصور تلك المواقف‬ ‫فحين يكتب الكائن سيرته بالضرورة أن‬ ‫وأمــاكــن حدوثها؛ فالسيرةُ كشفٌ واعــتــرافٌ يكشف عــن أس ــرار كانت نائمة فــي جوارير‬ ‫ٍ‬ ‫بجزيئيات تكون في بعضها صادمةً‪ ،‬وفي مواقع خــزانــتــه الــخــاصــة‪ ،‬تــلــك الــخــزانــة الــتــي كــان‬ ‫أخرى ماتعةً؛ المتالكها مكاشفات لذيذة؛ تلك يحمل مفتاحها في قلبه‪ ،‬ليحبّر رواية الذات‬ ‫ٍ‬ ‫المكاشفات هي محض‬ ‫كشف نفسيٍّ وذاتــيٍّ التي كانت تروي أنهارًا من الحبر في دفاتره‪،‬‬ ‫يقوم على البوح الحذِ ر في بعضه‪ ..‬والمنثال عبدالرحمن الصالح الشبيلي الــمــولــود في‬ ‫فــي مــواقــع أخــــرى‪ .‬فــهــي حصيلة تــأمــات القصيم‪ ،‬عنيزة سنة "‪2019-1944‬م" هو‬ ‫وخبرات تراكمت في حقيبة الــذات الساردة‪ ،‬عالمة ناشطة فــي الثقافة واإلعـــام‪ ،‬وكــان‬ ‫ومجازفة في االنفتاح على الخاصوص وجعله شغوفاً في تأسيس مؤسسات تسهم في الوعي‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪21‬‬


‫المجتمعي والثقافي‪ ،‬إذ أسهم في تأسيس‬ ‫إذاعــة الرياض وتليفزيونها‪ ،‬وقـدّم الكثير من‬ ‫البرامج التلفزيونية والمقاالت والكتب‪.‬‬ ‫سيرةٌ مليئ ٌة بالطموح والعمل‪ ..‬فقد حصل‬ ‫على الدكتوراه في اإلعــام من جامعة أوهايو‬ ‫سنة ‪1971‬م ليكون أول سعودي يحصل على‬ ‫الدكتوراه في اإلعــام‪ ،‬وعمل عضواً بمجلس‬ ‫الشورى في السعودية اثنتي عشرة سنة لثالث‬ ‫دورات متتالية‪ ،‬وعــضــواً في المجلس األعلى‬ ‫لــإعــام‪ .‬ون ــال وس ــام الملك عبدالعزيز من‬ ‫الدرجة األولــى‪ ،‬وجائزة الملك سلمان لخدمة‬ ‫التاريخ الشفوي وتوثيقه‪ ،‬ولديه نحو (‪ )51‬مؤلفاً‪.‬‬ ‫الحراك اإلعالمي‬ ‫فهذا االمتداد العميق في ِ‬ ‫والثقافي والتعليمي يجوز له أن يرتكن إلى ذاته؛‬ ‫ليروي لنا تفاصيل مشفوع ًة بالصدق واألدب؛‬ ‫لتشكل تلك السيرة مناخاً مليئاً بالبياض‪ ،‬ولذة‬ ‫السريرة وآالمها كذلك‪.‬‬ ‫شكّلت رحلته المتنوعة في اإلعالم واألدب‬ ‫والتعليم مجاالً واسعًا في تأسيس مرجعيات‬ ‫وازنة لإلعالم السعودي‪ ،‬من تأليف وتخطيط‬ ‫ودراســات أكاديمية‪ ،‬رحلة امتدت على مدار‬ ‫أكثر من خمسة عقود‪ ،‬تشعّبت لتنهل من العلم‬ ‫جوهره بما يفيد بلده واألجيال التي تليه‪ .‬لقد‬ ‫هَ وَتْ الشرفة الباريسية به قبل أن يكمل روايته‪،‬‬ ‫رحل عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاما ولم‬ ‫يزل في فمه الكثير من الكالم‪ ،‬فكانت أمنيته‬ ‫في كتابة الرواية لم تتحقق بعد‪ ،‬لكنه روى ذاته‬ ‫واضح ال لبس فيه‪ ،‬فمن درس وتتبع‬ ‫ٍ‬ ‫منجز‬ ‫ٍ‬ ‫عبر‬ ‫سيرته يدرك مباشرة أن الشبيلي لم يكن لديه‬ ‫ال بالعمل والطموحات‬ ‫وقتٌ للفراغ‪ ،‬فكان منشغ ً‬ ‫العريضة التي ال تنتهي‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫مهمة للتعرف عليه من الناحية اإلنسانية‪،‬‬ ‫إضافة إلى حياته العلمية والمهنية؛ فهو كاتب‬ ‫السيَرة التي استهوته كجزء من سردية الحياة‬ ‫السيَر‬ ‫المليئة بالمفارقات‪ ،‬إذ سجّ ل عددًا من ِ‬ ‫سعودية لها قدرها ومكانتها‪" .‬مشيناها‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫لرموزٍ‬ ‫حكايات ذات" هو هويته الذاتية التي رشحت‬ ‫من قلمه بكل لحظة من حياة محكومة بقلق‬ ‫اإلب ـ ــداع واإلنـــجـــاز؛ وق ــد تــعـلّــم اإلنجليزية‬ ‫والفرنسية إضافة إلى لغته العربية؛ لكي يطلع‬ ‫على معارف مختلفة تفيده في حياته المهنية‬ ‫واألدبية‪ ،‬وفي برنامجه "حديث الذكريات"‪..‬‬ ‫إشــارة واضحة على شغفه في سرد الماضي‬ ‫وتجلياته اإلنسانية والعملية‪.‬‬ ‫‏ومن أهم كتبه في اإلعالم‪ " :‬إعالم وأعالم"‪،‬‬ ‫و"الملك عبدالعزيز واإلعــام"‪ ،‬و"نحو إعالم‬ ‫أفضل"‪ ،‬فهو رائــد البدايات ومؤسسها‪ ،‬كما‬ ‫لو أنه يتسابق مع زمن خاف أن يتفلت منه‪،‬‬ ‫المستشرف في تفكيره والمبتكر في رؤاه‪،‬‬ ‫فلم تــزل أفكاره مثل نسغ يسري في الحياة‬ ‫اإلعالمية السعودية والعربية‪ ،‬بل هي مدار‬ ‫حكايات بين السياسيين والمثقفين‪.‬‬

‫هذا االحتراق في كتابة السيرة هو بمثابة‬ ‫القلق المُر الذي يجتاح الشبيلي ليقدم‪ ..‬ليفتح‬ ‫صندوقه الخاص للعامة‪ ،‬وقد تأثرت سيرته‬ ‫عبر شغفه الكبير بفعل كل شيء‪ ،‬فكان يرى‬ ‫أن الحياة قصيرة جـ ـدًا‪ ..‬فال بد من سباق‬ ‫يــومــي معها كــي يحقق آمــالــه‪ ،‬فــكــان لصوت‬ ‫الحياة العالي في رأسه مدعاة ليمسك بناصية‬ ‫القلم ليدوّن صراخه الداخلي‪ ،‬فكان يدرك‬ ‫تماما أن ما يكتبه اآلن هو بمثابة شهادة له‬ ‫ستتحول إلى أحاديث حول رحلته‪ ،‬إن مالحقتة‬ ‫لــهــذا الــصــراخ‪ ،‬إنــمــا يخلق ينبوعً ا سيسقي‬ ‫كان لكتابه "مشيناها‪ ..‬حكايات ذات" مادة من بعده قوة اإلنجاز‪ ،‬بل تدعوهم للمجازفة‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫عبدالرحمن الشبيلي في مكتبته‬

‫فــي خــوض غــمــار الــحــيــاة رغــم صعوباتها‪،‬‬ ‫وتدفعهم إلى المغامرة بالكشف عن دواخلهم‬ ‫وخصوصياتهم فيما بعد‪.‬‬ ‫فالسيرة وسيلة للتدوين المضمر لخلق‬ ‫مساحة مــن الــبــوح الثمين‪ ،‬الــذي مــا يــزال‬ ‫الح َك ْم‬ ‫يتكشف أمامنا لنغترف من معينه ِ‬ ‫ومصائر الحياة‪ ،‬تماماً كاعترافات الشاعر‬ ‫ميمون األعشى بتجربته في الحب‪.‬‬ ‫لــم يسعفه الــعــمــر كــي يكمل ســرديــاتــه‬ ‫الثريّة بتنوعها‪ ،‬رحل وفي فمه كثير الكالم‬ ‫والذكريات؛ فلم يشتمل الكتاب على كثير‬ ‫من المواقف السياسية واإلنسانية‪ ،‬فقد‬ ‫بقيت تلك األســرار في داخله‪ ،‬ليرحل وفي‬ ‫قلبه الكثير من المواقف‪ ،‬وكانت شرفته في‬ ‫باريس التي كــان ينظر عبرها الــى العالم‬ ‫سبباً لنهايته المؤسفة‪.‬‬

‫والــتــي نــمــت لتصبح عــامــة مــن عــامــات‬ ‫اإلعالم السعودي‪ ،‬وكان لعائلته الدور األكبر‬ ‫في نجاحه واستمراره في إنجاز الكم الهائل‬ ‫من النجاحات الكبيرة‪ .‬كما أنــه لم يخلد‬ ‫للكتب التي ألّفها‪ ،‬إذ أسهم في اللقاء الشهري‬ ‫الذي كان يُعقد في مكتبة الملك عبدالعزيز‪،‬‬ ‫والــذي اشتمل على مناقشات ومداخالت‬ ‫حول القضايا اإلعالمية واألدبية الثرية‪،‬‬ ‫​واختتم الدكتور الشبيلي بالقول‪:‬‬ ‫"لــم أجــد أرك ــان السيرة الــذاتــيــة كافية‬ ‫لما أكتب‪ ،‬وتمنيتُ لو صيغ الكتاب بطريقة‬ ‫( الــروايــة)‪ ،‬تمنيت أن أمتلك المقدرة على‬ ‫ك تابة الرواية‪ ،‬لكن أركانها لم تكن متكاملة‬ ‫عندي وال أسلوبها وال طريقتها الفنية"‪.‬‬

‫​حاولــتْ أن تصــور مرابــع النشــأة‪ ،‬وبيئــة‬ ‫ـأت هــذه السيرة صــدفـةً‪ ،‬فقد كان ا لدراســة‪ ،‬وظــروف الزمــن‪ ،‬وأن تبــوح‬ ‫لم تـ ِ‬ ‫جــادًا منذ طفولته فيما يخص التزامه في بالممكــن مــن مكنــون الصــدر‪ ،‬فأبقــتْ بعــد‬ ‫الــدراســة‪ ،‬فهي بــذرة طيبة منذ الطفولة‪ ..‬ذلــك طــيّ الكتمــان مــا هــو أكثــر‪.‬‬ ‫ * كاتب من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪23‬‬


‫ٌ‬ ‫إطاللة على ُخطى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪:‬‬

‫ٌ‬ ‫قراءة في سيرته الذاتية (مشيناها)*‬ ‫■ د‪ .‬عبداهلل بن عبدالرحمن احليدري**‬

‫ولد د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي في مدينة عنيزة بالقصيم عام ‪1363‬ه ــ‪1943/‬م‪،‬‬ ‫وتلقى تعليمه االبتدائي والمتوسط والثانوي بها‪ ،‬ثم التحق بكلية اللغة العربية بالرياض‬ ‫وحصل منها على الشهادة الجامعية عــام ‪1383‬ه ـ ــ‪1963/‬م‪ ،‬ثم نــال شهادة جامعية أخرى‬ ‫من جامعة الملك سعود‪ ،‬تخصص جغرافيا عام ‪1385‬ه ــ‪1965/‬م‪ ،‬ثم واصل دراسته العليا‬ ‫وهــو على رأس العمل في وزارة اإلعــام‪ ،‬فحصل على الماجستير في اإلعــام من جامعة‬ ‫كانسس عام ‪1389‬ه ــ‪1969/‬م‪ ،‬وعلى الدكتوراه في اإلعالم من جامعة أوهايو األمريكية عام‬ ‫‪1391‬هــ‪1971/‬م‪ .‬تولى مناصب عديدة في وزارة اإلعالم‪ ،‬وفي وزارة التعليم العالي‪ ،‬ثم عين‬ ‫عضوً ا في مجلس الشورى عام ‪1414‬هــ‪1994/‬م وحتى عام ‪1426‬هــ‪2005/‬م‪ .‬له مجموعة من‬ ‫المؤلفات‪ ،‬أبرزها‪ :‬محمد الحمد الشبيلي(‪ ،)١‬ونحو إعالم أفضل‪ ،‬وأعالم وإعالم‪ ،‬وأعالم بال‬ ‫إعالم‪ ،‬وقصة التلفزيون‪ ،‬وغيرها(‪ ،)٢‬وآخر كتبه صدورًا سيرته الذاتية "مشيناها‪ :‬حكاية ذات"‬ ‫التي صدرت عام ‪1440‬هـ‪٢٠١٨/‬م‪.‬‬

‫انتقل إلى رحمة اهلل في شهر ذي القعدة م ـش ـي ـنــاهـ ـ ـ ــا‪ ،‬وت ـس ـب ــقُ ـن ــا خـطـ ـ ـ ــاكــا‬ ‫من عــام ‪1440‬هـــ الموافق لشهر يوليو من‬ ‫وت ـن ـس ـك ـ ُـب ال ـم ـش ــاع ــرُ ف ــي ثــراكـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫عـ ـ ا م ‪2019‬م عــن عمر نيّف على السابعة‬

‫فُ ـ ـجـ ــعْ ـ ـنـ ــا ح ـ ـيـ ــن ودّعَ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا طـ ــال‬ ‫والسبعين‪ ،‬رحمه اهلل رحمة واسعة‪ ،‬وأسكنه‬ ‫وأجـ ـه ــش َق ـل ـبــك ال ـش ــاك ــي ارت ـبــاكــا‬ ‫(‪)٣‬‬

‫فسيح جناته ‪.‬‬

‫وقد منحته الدولة بعد وفاته بأمر ملكي وفـ ــاضـ ــت ْع ـي ـن ــك الـ ـ ـحـ ـ ـرّى ل ـه ـي ـ ًبــا‬ ‫وحار الفكْ ر في الذكرى اصطكاكا‬ ‫وسام الملك سلمان من الدرجة الثالثة‪ ،‬وكان‬ ‫ذلــك فــي شهر الــمــحـرّم مــن عــام ‪1441‬ه ـــ ت ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــادر ُل ـ ـل ـ ـم ـ ـص ـ ـيـ ــف بـ ـ ـ ــا وداعٍ‬ ‫(سبتمب ر ‪2019‬م)(‪ ،)4‬وأحدثت وفاته صدى‬ ‫ونـ ـبـ ـح ــث ع ـ ــن نـ ـسـ ـي ــج م ـ ــن رؤاك ـ ـ ــا‬ ‫كبيرًا في الوسط الثقافي‪ ،‬ورثاه عديد كبير‬

‫فـ ـتـ ـ ْنـ ـبـ ـئـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ــأ ّن ـ ـ ــك م ـس ـت ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــح‬ ‫من الك تّاب والمثقفين والشعراء‪ ،‬من بينهم‬ ‫ب ـ ـع ـ ـيـ ــداً‪ ،‬كـ ــي ُتـ ـخ ــفّ ــف مـ ــن ع ـنــاكــا‬

‫‪24‬‬

‫الشاعر عبداهلل بن سالم الحميد الذي كتب‬ ‫فيه قصيدة وظّ ف فيها عنوان سيرته الذاتية أضـ ـ ـ ـ ــأتَ حـ ـي ــاتـ ـن ــا ب ـ ـنـ ــدى حـ ـض ــورٍ‬ ‫وإبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع ُتـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّز ُه ي ــداك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫"مشيناها"‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫وأما العنوان الذي طبع الكتاب به‪ ،‬وهو‬ ‫"مشيناها‪ :‬حكاية ذات" فهو مأخوذ من بيت‬ ‫شعري‪ ،‬وهو‪:‬‬

‫م ـش ـ ْي ـن ــاه ــا خ ـط ــى كُ ـ ـتـ ـب ـ ْـت عـلـيـنــا‬ ‫ومـ ــن كُ ـت ـب ـ ْـت عـلـيــه خ ـطــى مـشــاهــا‬ ‫والبيت لعبدالعزيز الدريني‪ ،‬وقيل ألبي‬ ‫العالء المعري‪ ،‬وأورده الشبيلي في مقدمة‬ ‫سيرته ومعه بيت آخر شهير‪ ،‬وهو‪:‬‬

‫ـأرض‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ك ـ ـ ــان ـ ـ ــت م ـ ـن ـ ـي ـ ـتـ ــه ب ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫أرض س ــواه ــا‬ ‫ـوت فــي ٍ‬ ‫فـلـيــس ي ـمـ ُ‬

‫(‪)7‬‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫الــدريــنــي"‪ ،‬وهــو شاعر مصري‪ ،‬وعــاش في‬ ‫ـوق‬ ‫وأشـ ـعـ ـ ْل ــتَ ال ـح ـن ـيــن ب ـن ـبــض ش ـ ٍ‬ ‫ْ‬ ‫وإي ـ ـ ـثـ ـ ــار ل ـص ـح ـب ــك ف ـ ــي ل ـق ـ ـ ـ ـ ــاك ـ ـ ــا القرن العاشر الميالدي‪.‬‬ ‫وعندما نربط بين وفــاة الشبيلي رحمه‬ ‫رسـ ــائ ـ ـلـ ــك الـ ـمـ ـضـ ـيـ ـئ ــةُ أ ّرق ـ ْت ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫اهلل خارج وطنه في باريس في حادث أليم‬ ‫وأحـ ـ ــرفـ ـ ــك ال ـب ـل ـي ـغ ــة إ ْذ تبــاكىٰ‬ ‫بمنزله‪ ،‬وهذين البيتين نعجب أشد العجب‬ ‫وع ـي ــن ُ ش ـق ـي ـقــك الـ ـحـ ـ ْزن ــى ف ــراقً ــا‬ ‫وكــأنــه كــان يتوقع نهايته؛ ومــن هــنــا‪ ،‬فقد‬ ‫وعـيــن حبيبك األغ ـلــى ‪ -‬دعــاكــا(‪ )5‬استوقف العنوان ووفاته المفاجئة العديد من‬ ‫الكتّاب الذين رثوه‪ ،‬ومنهم د‪ .‬محمد العوين‬ ‫مشيْ ناها‪ :‬حكاية ذات‪..‬‬ ‫الــذي قــال‪" :‬ص ـدّر الفقيد د‪ .‬عبدالرحمن‬ ‫كشف د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي رحمه اهلل الشبيلي رحمه اهلل سيرته الذاتية العصامية‬ ‫في ندوة أ ُقيمت عن الكتاب في مكتبة الملك (مشيناها) ببيتين أراد االستشهاد بالبيت‬ ‫عبدالعزيز العامة في شهر جمادى األولى األول‪ ،‬بيد أن المعنى كان يستوجب اتباعه‬ ‫‪1440‬هـــ (يناير‪2019‬م) عن العنوان القديم بالبيت الثاني‪ ،‬فكان كالنبوءة الخفيّة بما‬ ‫للكتاب‪ ،‬وهو "عمر بال فراغ"‪ ،‬وقال‪ :‬إنه عدل سيأتي‪ ،‬وكأنه يتوقع أو ينتظر قدرًا لم يعلمه‬ ‫إال اهلل وهو وفاته بباريس"(‪.)8‬‬ ‫عنه بعد التشاور مع بعض أصدقائه(‪.)6‬‬ ‫على أن الشبيلي مسبوق في هذا العنوان‪،‬‬ ‫وإن لــم يكن مطابقًا تــمــا ًمــا‪ ،‬فلقد سمّى‬ ‫عباس خضر (ت‪1407‬ه ـــ‪1987/‬م) كتابًا له‬ ‫بعنوان "خطى مشيناها"(‪)9‬؛ وسمّى رؤوف‬ ‫عبّاس (ت‪1429‬ه ـــ‪2008/‬م) سيرته الذاتية‬ ‫"مشيناها خطى"‪ ،‬وصدرت في القاهرة في‬ ‫عام ‪2004‬م؛ وربما كان الشبيلي على علم به‬ ‫فاقتصر على كلمة "مشيْناها"‪ ،‬وأضاف لها‬ ‫عنوانًا شارحً ا‪ ،‬وهو "حكايات ذات"‪ ،‬مستفيدًا‬ ‫من حموالت كلمة "مشيناها" إذ تستدعي‬ ‫مباشرة لدى القارئ البيت الشعري كامالً‪:‬‬

‫وتقديم الشبيلي السم الدريني على اسم م ـش ـ ْي ـن ــاه ــا خ ـط ــى كُ ـ ـتـ ـب ـ ْـت عـلـيـنــا‬ ‫ومـ ــن كُ ـت ـب ـ ْـت عـلـيــه خ ـطــى مـشــاهــا‬ ‫أبي العالء يدل على أنه األرجح لديه‪ ،‬وهذه‬ ‫النسبة هــي األقـــرب‪ ..‬إذ ق ــرأتُ فــي بعض‬ ‫المواقع اإللكترونية ما يلي‪" :‬رغم أن هذين‬ ‫أيضا لشعراء آخرين‪ ،‬فإن‬ ‫البيتين يُنسبان ً‬ ‫أقدم من نُسب إليه هذا الشعر هو عبدالعزيز‬

‫وأول مــا يستوقفنا فــي ه ــذه الــســيــرة‬ ‫المقدمة‪ ..‬إذ تكشف أسباب الكتابة ودوافعها‬ ‫وظروفها؛ ولذلك نراه يقول‪" :‬كانت ترده مع‬ ‫كل مؤلَف يصدره دعوات محبين بأن األوان‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪25‬‬


‫قد حان لمثلها‪ ،‬وصار بعضهم يقول‪ :‬اكتبها الشيم بحديث ال يليق‪.)١٣("..‬‬ ‫واتركها للزمن؛ كناية عن أنَّ المعنيَّ بها صار‬ ‫ويــعــتــرف بــأنــه أســقــط حـ ــوادث عاشها‬ ‫(‪)١٠‬‬ ‫يسبح في خريف ال ُعمْر" ‪ ،‬وتكشف المقدمة وعايشها عمدًا؛ ألنه رأى محاذير في روايتها‬ ‫كذلك عن قراءات مكثّفة في بعض األعمال وقص أحداثها؛ ومن هنا‪ ،‬رأيناه يقول‪" :‬لم تكن‬ ‫السيريّة التي صــدرت لدينا أو في العالم هذه الذكريات كل ما يمكن سرده‪ ،..‬فهناك‬ ‫العربي‪ ،‬إذ نــراه يــدوّن ملحوظة على بعض‬ ‫مواقف سياسية أو إعالمية عدّة لم تشملها‬ ‫األعمال التي اطلع عليها في هذا المجال‪،‬‬ ‫الــروايــة؛ ألن اإلفــصــاح عــن تفاصيلها كان‬ ‫وأنها ظهرت غير ناضجة‪ ،‬ويصفها قائالً‪:‬‬ ‫مما سيؤدي ال محالة إلى التصريح بأسماء‬ ‫"يستغرب اكتظاظ معارض الكتاب بسير غير‬ ‫وأسرار تتعلق بالغير‪ ،‬ال يُحمد كشفها"(‪.)١٤‬‬ ‫ناضجة للعديد من المستعجلين‪ ،‬فالسير‬ ‫وهذه النقطة تؤكد أن األعمال السيرية‬ ‫الــذاتــيــة أمــانــة تــدويــن وضمير ومسؤولية‬ ‫بشكل مجمل ال يمكنها رصد أحداث الحياة‬ ‫توثيق"(‪.)١١‬‬ ‫كاملة‪ ،‬بل ال بد من االنتقاء واالختيار بما‬ ‫ويصف عمله بأنه نحا فيه منحىً مغايرًا‬ ‫يتناسب مع الظروف المحيطة بكاتب السيرة‪.‬‬ ‫لما درجــت عليه بعض سير المشاهير في‬ ‫ـواضــع الشبيلي أسهم في عدوله عن‬ ‫وتـ ُ‬ ‫العالم حين يجلس إليه محرر فيدون حديثه‬ ‫ال أو كتابة‪ ،‬ثم يعيد صياغتها‪ ،‬وهو أمر الحديث عــن نفسه بضمير المتكلم‪ ،‬إلى‬ ‫تسجي ً‬ ‫مألوف على مستوى العالم لمن يملك الشهرة الحديث إلى القارئ راويًا األحداث بضمير‬ ‫والتأثير ويفتقد القدرة على الكتابة الجيدة‪ ،‬الغائب‪ ،‬وكأنه يقص سيرة شخص عرفه حق‬ ‫أو ليس لديه وقت للكتابة‪ ،‬ومن هنا رأيناه المعرفة وبينهما صحبة وصداقة حميمة؛‬ ‫يقول‪" :‬انسابت هذه الحكايات من الذاكرة لذلك تــرددت في السيرة كلمة (صاحبنا)‪،‬‬ ‫دون وساطة من محرّر يحوّل الحديث إلى يقصد نفسه‪ ،‬ومن النماذج على هذا االتجاه‬ ‫طرف يطرح السؤال ويدوّن لديه قوله‪" :‬كان صاحبنا حتى تجاوز الخامسة‬ ‫ٍ‬ ‫نص مكتوب‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫عشرة يجالس والده في دكّانه في غير وقت‬ ‫الجواب"(‪.)١٢‬‬ ‫الدراسة‪ ،‬ويعينه في التواصل مع الزبائن‪،‬‬ ‫كما نلحظ بدءًا من المقدمة‪ ،‬وفي معظم‬ ‫ويتعامل نيابة عنه مع أصحاب الدكاكين‪،‬‬ ‫صفحات الكتاب حضور شخصية المؤلف كما‬ ‫ويحرس البسطة وقت غياب الوالد للقيلولة‬ ‫عرفناها‪ :‬شخصية ودودة متواضعة قريبة من‬ ‫ولصالة الظهر"(‪ ،)١٥‬ومع ما في هذا األسلوب‬ ‫النفس؛ لذا نجده يقلّل من شأنه ويعتذر عن‬ ‫من بُعد عن األنا التي قد تبدو منفّرة لبعض‬ ‫الحديث عنها ويتوجس خيف ًة من الثناء عليها‬ ‫دون قصد‪ ،‬وعن هذه الجزئية يقول‪" :‬المرجو القراء‪ ،‬فإنها قلّلت من مركزية حضوره في‬ ‫أ ّال تكون الصفحات وهي تنداح بالذكريات السيرة‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫وإذا كــانــت ســيــرة الشبيلي "مشيناها"‬ ‫وقعت عن غير قصد في حديث عن النفس‪،‬‬ ‫أو انزلقت في ثناء عليها‪ ،‬أو بتقرير أحكام الكتاب األخير له بعد سلسلة من الكتب التي‬ ‫مجحفة على الغير‪ ،‬أو ارتكبت محذورًا يُنافي تناولت تاريخ الشخصيات وتاريخ اإلعــام‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫مثل‪ :‬صالح العبداهلل الشبيلي‪ :‬حياته وشعره‪ ،‬األخ األكبر عبدالرحمن‪.)٢٠("..‬‬ ‫والسفير محمد الحمد الشبيلي‪ ،‬واإلعــام‬ ‫وفــي إطــار اهتمامه بالتاريخ والتوثيق‪،‬‬ ‫في المملكة‪ ،‬وأعالم بال إعالم‪ ،‬وغيرها؛ فإنه نجده يصف وزارة اإلعــام بأنها أصبحت‬ ‫بدا في هذه السيرة متأثرًا بأعماله السابقة ومنذ عقود "ال تهتم بقضية التوثيق‪ ،‬وتعطي‬ ‫وبما تتطلبه من توثيق دقيق وحضور للتواريخ‪ ،‬األولوية للمطبوعات ذات الصبغة اإلعالمية‬ ‫وهذا ليس بالغريب إذ السيرة بوصفها جنسً ا والدعائية بشكل عام‪ ،‬ولكن الكتب التاريخية‬ ‫أدبـ ًيــا "تشبه التاريخ في حاجتها للتحرّي نادرًا ما تصدر"(‪.)٢١‬‬ ‫والصدق‪ ،‬وفي اعتمادها في بعض األحيان‬ ‫كما أسهم اهتمامه بالتاريخ وبالتوثيق في‬ ‫على الوثائق والمدوّنات"(‪.)١٦‬‬ ‫مراعاة التدرج الزمني في قص األحــداث‬ ‫ومن هنا‪ ،‬وجدنا الدكتور الشبيلي رحمه وروايتها‪ ،‬وجاءت موضوعات الكتاب منطقية‬ ‫ً‬ ‫اهلل‬ ‫حريصا على توثيق كل األحــداث التي فــي تسلسلها وتــرابــطــهــا‪ ،‬وجـــاءت موجزة‬ ‫يتذكرها بالتاريخين الهجري والميالدي‪ ،‬وتــتــنــاول جــوانــب مــتــعــددة‪ ،‬واقــتــصــر على‬ ‫ٍ‬ ‫وأحيانًا‬ ‫بتاريخ تقريبيّ ‪ ،‬أو يحاول أن يقدر ثمانية عناوين رئيسة فقط لكامل الكتاب‪،‬‬ ‫الزمن‪ ،‬وهذا بتأثير من ممارسته في التأليف وهي‪ :‬الصنقر‪ ،‬والعزيزية‪ ،‬وبين جامعتين‪،‬‬ ‫والكتابة الصحفية التي اعتمد فيها على واإلعالم‪ ،‬والتعليم العالي‪ ،‬ومجالس‪ ،‬وتوثيق‪،‬‬ ‫التاريخ منهجً ا وطريقة‪ ،‬ومن األمثلة قوله‪ :‬وذاتــيــات‪ ،‬كما حفل الكتاب بملحق تضمن‬ ‫"كانت الوالدة على األرجح مساء السابع من‬ ‫صـ ــورًا عــديــدة لــه وألس ــرت ــه؛ مــمــا أضفى‬ ‫شــوال عام ‪1363‬هـــ (‪1944/9/23‬م) تزيد‬ ‫على الكتاب قيمة أخــرى‪ ،‬وهي الربط بين‬ ‫عامًا أو تنقص مثله"(‪ ،)١٧‬ثم يحلّل اختياره لهذا‬ ‫األحداث والصور‪.‬‬ ‫التاريخ مستندًا إلى روايات شفوية سمعها من‬ ‫وتــحــفــل ســيــرة عــبــدالــرحــمــن الشبيلي‬ ‫والدته إذ يقول‪" :‬فأما اليوم والشهر فمؤكدان‬ ‫بموجب معلومة مصدرها الوالدة‪ ،‬فهي تذكر "مشيناها" بجوانب مما يسميه نقاد السيرة‬ ‫أن الوالدة مكّنتها من صيام ست من شوال‪ ،‬الذاتية "بالغة السيرة"‪ ،‬والبالغة هنا في‬ ‫وأما العام فهو مبنيّ على قرينة تجديد جامع هذا السياق "لم تعد تقترن بالبعد الزخرفي‬ ‫ـضــا"(‪ ،)١٨‬وهو عام للكالم"(‪ ،)٢٢‬وإنما تعني في داللتها المعاصرة‬ ‫عنيزة بحسب الوالدة أيـ ً‬ ‫لدى نقاد السيرة الذاتية تحديدًا تشخيص‬ ‫‪1363‬هـ‪.‬‬ ‫الذات وبناء هُويّتها‪ ،‬وبنا ًء على ذلك تصبح‬ ‫وأمــا األح ــداث التي عاصرها وشهدها‬ ‫هــذه المالمح فــي السيرة الــذاتــيــة "عمود‬ ‫بنفسه فهي موثقة بتواريخ يجزم بها مثل‬ ‫بالغة السيرة الذاتية وتميّزها"(‪.)٢٣‬‬ ‫ال رعاه‬ ‫قوله‪" :‬أقامت وزارة المواصالت حف ً‬ ‫وربما أبرز موضع ظهر فيه هذا الملمح‪،‬‬ ‫الملك فيصل فــي عــام ‪1385‬هـــــــ‪1965/‬م‬ ‫الفــتــتــاح طــريــق ال ــري ــاض الـــطـــائـــف"(‪ ،)١٩‬حديثه الصريح عن والدته وأصولها‪ ،‬وأن‬ ‫وقــولــه‪" :‬تــم الـ ــزواج ليلة الــمــغــادرة للبعثة والــده تزوجها بعد طالقها من أحــد أسر‬ ‫(‪1387/5/15‬هـ ـــ‪1967/8/20/‬م) في منزل عنيزة‪ ،‬وأنها تعود إلى أصول تركية‪ ،‬وأنها‬

‫‪27‬‬


‫قدمت إلى المملكة بالقطار من أسطنبول‬ ‫مرورًا بالقريات حتى وصلت إلى عنيزة وهي‬ ‫صغيرة السن‪ ،‬وطالب بالكشف عن الظروف‬ ‫الــتــي واكــبــت جلبهن مــن بــاد بعيدة إلى‬ ‫المملكة فقال‪" :‬لم يوثّق أحد من الباحثين‬ ‫الظروف التي أتت بأمثال هؤالء النسوة من‬ ‫جوار يُتاجر‬ ‫ٍ‬ ‫بالدهن حتى تحوّل بعضهن إلى‬ ‫بهن‪ ،‬مع أنهن في األساس أحرار مختطفات‬ ‫أو سبايا حروب‪.)٢٤("..‬‬ ‫ونــقــف ف ــي الــســيــرة عــلــى ج ــوان ــب من‬ ‫البوح عمّا تعرض له في وزارة اإلعالم من‬ ‫منغصات وإحــبــاطــات ظــهــرت فــي مواقف‬ ‫عديدة‪ ،‬ومنها‪ :‬تسجيل حلقات من برنامجه‬ ‫"شريط الذكريات"‪ ،‬وإيقاف عرض معظمها‬ ‫دون مــسـوّغ مــقــبــول(‪ ،)٢٥‬وإيــقــاف برنامجه‬ ‫"حديث األصــدقــاء" بعد بث حلقات قليلة‪،‬‬ ‫وعن البرنامج األخير يقول‪" :‬بقيت القصة‬ ‫غــصــة فــي نــفــســه‪ ،‬لــمــا قــوبــل بــه اجــتــهــاده‬ ‫وماضيه من تعامل أشعره بعدم التقدير‪،‬‬ ‫وانتهى بإجراء شابه اللوم بدالً من أن يشاد‬ ‫بموقفه"‪ ،‬ويعود بعد مرور السنوات فيسامح‬ ‫من تسبب في ذلك حين يقول‪" :‬فسامح اهلل‬ ‫من سارع بالوشاية دون تفهم الظرف"(‪،)٢٦‬‬ ‫ولكن ظلت هذه المواقف مؤثرة في نفسيته‬ ‫الحساسة إذ نراه بعد ذلك يقول عن نفسه‪:‬‬ ‫"خرج من سنوات العمل في وزارة اإلعالم‬ ‫صفر اليدين"(‪.)٢٧‬‬

‫وبعد‪ ،‬فهذا العمل الــذي قدّمه الدكتور‬ ‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي إلى المكتبة‬ ‫العربية عمل جدير باالهتمام والتقدير‪،‬‬ ‫ويعد من أفضل األعمال السعودية في حقل‬ ‫السيرة الذاتية‪ ،‬وتوافرت له عوامل النجاح‬ ‫إذ كتبه صاحبه فــي ســن تكاملت تجاربه‬ ‫وخبراته وأعماله‪ ،‬وبلغت قدرته التأليفية‬ ‫أوجها وقوتها بعد أن طبع كتبًا عديدة قبله‬ ‫تشترك معظمها في حقل واحد‪ ،‬وهو حقل‬ ‫السيرة بمفهومها الواسع‪ ،‬وكــان أن حظي‬ ‫الكتاب بمقروئية عالية‪ ،‬وكان مجاالً لبعض‬ ‫الدارسين والكتّاب الذين تناولوه معجبين به‬ ‫مادة وأسلوبًا وإخراجً ا‪ ،‬ومن أهم القراءات‬ ‫التي كُتبت عنه‪ :‬محاضرة األستاذ حسين‬ ‫بافقيه فــي نــادي جــدة األدب ــي‪ ،‬ومقالة د‪.‬‬ ‫محمد الرميحي المنشورة في جريدة الشرق‬ ‫األوسط‪ ،‬ومقالة د‪ .‬محمد العوين المنشورة‬ ‫في جريدة الجزيرة‪ ،‬ومقالة األستاذ أحمد‬ ‫العسّ اف‪ ،‬ومقاالت أخــرى ليس هــذا مقام‬ ‫حصرها‪.‬‬ ‫رحم اهلل فقيدنا الدكتور عبدالرحمن بن‬ ‫صالح الشبيلي رحمة واسعة‪ ،‬وأسكنه فسيح‬ ‫جناته‪.‬‬ ‫المصادر والمراجع‬ ‫أوالً ‪ :‬الكتب‪:‬‬ ‫‪ .1‬أع ــام بــا إع ــام‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بــن صالح‬ ‫الشبيلي‪ ،‬الطبعة األول ــى‪ ،‬الــريــاض‪ :‬المؤلف‪،‬‬ ‫‪1438‬هـ‪2017/‬م‪ ،‬الجزء الثاني‪.‬‬

‫ومــن هــنــا‪ ،‬يمكن الــقــول‪ :‬إن مــن دوافــع‬ ‫الكتابة السيرية لدى الدكتور عبدالرحمن‬ ‫الشبيلي رحمه اهلل التنفيس والــدفــاع عن‬ ‫‪ .3‬السيرة الذاتية في األدب العربي‪ ،‬تهاني عبدالفتّاح‬ ‫النفس‪.‬‬ ‫‪ .2‬بالغة السيرة الذاتية‪ ،‬إعداد وتنسيق‪ :‬د‪ .‬محمد‬ ‫مشبال‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمّان‪ :‬دار كنوز المعرفة‬ ‫للنشر والتوزيع‪1439 ،‬هـ‪2018/‬م‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫للدراسات والنشر‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪ .4‬مشيناها‪ :‬حكايات ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح‬ ‫الشبيلي‪ ،‬الطبعة األول ــى‪ ،‬الــريــاض‪ :‬المؤلف‪،‬‬ ‫‪1440‬هـ‪2019/‬م‪.‬‬ ‫‪ .5‬مــوســوعــة الــشــخــصــيــات الــســعــوديــة‪ ،‬الطبعة‬ ‫الثانية‪ ،‬جدة‪ :‬مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر‪،‬‬ ‫‪1434‬هـ‪2013/‬م‪.‬‬ ‫ *‬ ‫** ‬ ‫(‪ )١‬‬

‫(‪ )٢‬‬ ‫(‪ )٣‬‬ ‫(‪) ٤‬‬ ‫(‪ )٥‬‬ ‫(‪ )٦‬‬ ‫(‪ )٧‬‬ ‫(‪) ٨‬‬ ‫(‪ )٩‬‬ ‫(‪ )١٠‬‬ ‫(‪ )١١‬‬ ‫(‪ )١٢‬‬ ‫(‪ )١٣‬‬ ‫(‪ )١٤‬‬ ‫(‪ )١٥‬‬ ‫(‪ )١٦‬‬ ‫(‪) ١٧‬‬ ‫(‪ )١٨‬‬ ‫(‪ )١٩‬‬ ‫(‪ )٢٠‬‬ ‫(‪ )٢١‬‬ ‫(‪ )٢٢‬‬ ‫(‪) ٢٣‬‬ ‫(‪ )٢٤‬‬ ‫(‪ )٢٥‬‬ ‫(‪ )٢٦‬‬ ‫(‪ )٢٧‬‬

‫‪ .1‬جريدة الرياض‪1440/5/4 ،‬هـ (‪2019/1/10‬م)‪.‬‬ ‫‪ .2‬جـــــريـــــدة الـ ــمـ ــديـ ــنـ ــة‪1440/11/28 ،‬هـــــــــــــــــ‬ ‫(‪2019/7/31‬م)‪.‬‬ ‫‪ .3‬جريدة اليوم‪1441/1/24 ،‬هـ (‪2019/9/23‬م)‪.‬‬ ‫‪ .4‬مجلة الــيــمــامــة‪ ،‬ع ‪1440/12/21 ،2571‬هـــــــ‬ ‫(‪2019/8/22‬م)‪.‬‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫شاكر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية ثانيً ا‪ :‬الدوريات‬

‫(ورقة مقدمة إلى ثلوثية د‪ .‬عمر بامحسون بالرياض‪1441/2/2 ،‬هـ‪2019/10/1 /‬م)‪.‬‬ ‫أستاذ األدب المشارك بكلية اللغة العربية بالرياض ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية األدب العربي‪.‬‬ ‫مــوســوعــة الشخصيات الــســعــوديــة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ج ــدة‪ :‬مؤسسة عــكــاظ للصحافة والنشر‪،‬‬ ‫‪1434‬هـ‪2013/‬م‪.515/1 ،‬‬ ‫أعالم بال إعالم‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرياض‪ :‬المؤلف‪1438 ،‬هـ‪2017/‬م‪،‬‬ ‫الجزء الثاني‪.‬‬ ‫تُنظر‪ :‬جريدة المدينة‪1440/11/28 ،‬هـ (‪2019/7/31‬م)‪.‬‬ ‫تُنظر‪ :‬جريدة اليوم‪1441/1/24 ،‬هـ (‪2019/9/23‬م)‪.‬‬ ‫مجلة اليمامة‪ ،‬ع ‪1440/12/21 ،2571‬هـ (‪2019/8/22‬م)‪.‬‬ ‫تُنظر‪ :‬جريدة الرياض‪1440/5/4 ،‬هـ (‪2019/1/10‬م)‪.‬‬ ‫مشيناها‪ :‬حكايات ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬الطبعة األولــى‪ ،‬الــريــاض‪ :‬المؤلف‪،‬‬ ‫‪1440‬هـ‪2019/‬م‪ ،‬ص‪ .5‬وقد ورد البيتان في المستطرف لألبشيهي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار القلم‪1401 ،‬هـ‪1981/‬م‪،‬‬ ‫‪.491/2‬‬ ‫تُنظر‪ :‬جريدة الجزيرة‪1440/12/2 ،‬هـ (‪2019/9/3‬م)‪.‬‬ ‫تُنظر ترجمته في مجلة الفيصل‪ ،‬ع ‪ ،123‬رمضان ‪1407‬هـ‪ ،‬ص‪.111‬‬ ‫مشيناها‪ :‬حكاية ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫مشيناها‪ :‬حكاية ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫السيرة الذاتية في األدب العربي‪ ،‬تهاني عبدالفتّاح شاكر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪:‬المؤسسة العربية‬ ‫للدراسات والنشر‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫مشيناها‪ :‬حكايات ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.152‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.165‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.195‬‬ ‫بالغة السيرة الذاتية‪ ،‬إعداد وتنسيق‪ :‬د‪ .‬محمد مشبال‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمّان‪ :‬دار كنوز المعرفة للنشر‬ ‫والتوزيع‪1439 ،‬هـ‪2018/‬م‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫مشيناها‪ :‬حكايات ذات‪ ،‬د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬ص‪.10‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.208‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.213‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.215‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪29‬‬


‫ٌ‬ ‫تلميذ ِل ُم َع ِّل ِمه‬ ‫رسالة من‬ ‫ٍ‬

‫■ د‪ .‬علي بن دبكل العنزي*‬

‫التقيت بالمرحوم األستاذ الدكتور عبدالرحمن الشبيلي عام ‪1401‬هـ‪ ،‬كنت وقتها طالبا‬ ‫في جامعة الملك سعود‪ ،‬أدرس اإلعالم‪ ،‬إذ درّسنا في ذلك الوقت مادة اإلعالم السعودي‪ ،‬وكان‬ ‫وقتها وكيال لــوزارة التعليم العالي‪ .‬ومنذ اللحظة األولى التي دخل علينا في المحاضرة‬ ‫أسرنا بلطفه وأخالقه الراقية‪ ،‬وهو يتحدث معنا بكل لطف واحترام وبصوته الخافت؛ فكنا‬ ‫نستغرب كيف لهذه القامة الكبيرة في اإلعــام والتعليم أن يتحدث مع طالب سنة أولى‬ ‫جامعة بهذا التواضع‪ ،‬وصرنا نشتاق لمحاضرته وهــو يسرد لنا قصة اإلعــام السعودي‬ ‫وقصته هو مع هذا اإلعــام‪ ،‬وعمله بالتلفزيون قبل أن يُبتعث لنيل شهادة الدكتوراه في‬ ‫اإلعالم‪ ،‬ويصبح أول دكتور سعودي في هذا المجال‪ .‬كنت أرى فيه المنهج الذي يتحدث من‬ ‫قلب التجربة وتحديات العلم‪ .‬لقد كانت عالقتي في بدايتها هي عالقة طالب بأستاذه الذي‬ ‫أنموذجا له‪ ،‬واستمرت حتى أصبحت عالقة صداقة وأخوّة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعدّ ه‬

‫‪30‬‬

‫قاس يغرب النفس ويتغرب بها‪،‬‬ ‫ال َف ْق ُد أم ٌر ٍ‬ ‫شيء ال يستقر في وطن‪ ،‬وال يسكن مع األهل‬ ‫واألصــحــاب؛ فغياب الشبيلي بهذه القسوة‬ ‫على محبيه أمر جلل؛ إال أن الراحل الجميل‬ ‫يستعصي على هذا الغياب‪ ،‬فحضوره قصة‬ ‫بناء ال تنتهي عند عمر أو تغيب بموت‪ ،‬فهذا‬ ‫المشوار الطويل من اإلبداع والجهد والتعب‬ ‫أنتج جماالً أبدياً‪ .‬فالراحل له با ٌع طويل في‬ ‫هــذا الحقل من خــال عمله في التلفزيون‪،‬‬ ‫وأصبح مديراً عامًا له‪ ،‬ومن خالل بصماته‬ ‫التي تركها على هــذا الجهاز قبل انتقاله‬ ‫لـــوزارة التعليم العالي والعمل فيها‪ ،‬وفي‬ ‫المجالين كانت له بصمات واضحة جداً؛ ما‬ ‫جعل الجميع يثني عليه‪ .‬لقد تعززت العالقة‬ ‫بيني وبين الشبيلي يرحمه اهلل مــن خالل‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬فقد‬ ‫كان حاضراً في فعالياته الثقافية‪ ،‬سواء في‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الجوف والغاط‪ ،‬وكذلك مشاركته في اإلشراف‬ ‫على كتاب سيرة عبدالرحمن السديري أمير‬ ‫منطقة الــجــوف (األســبــق)‪ ،‬وتقديمه لهذا‬ ‫الكتاب‪ .‬لقد كان صديقاً للجميع‪ ،‬ومستمعًا‬ ‫جيداً لكل اآلراء خالل الفعاليات التي يشارك‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫كان اللقاء المؤثر الذي جمعني بأستاذي‬ ‫القدير في عام ‪2008‬م وضمن فعاليات قمة‬ ‫أوبــك الثالثة فــي الــريــاض‪ ،‬فقد طلب مني‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير عبدالعزيز بن‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬وزيــر الطاقة‪ ،‬إدارة‬ ‫فعاليات البرامج المصاحبة للقمة‪ ،‬وكــان‬ ‫البرنامج يتضمن دعــوة عدد من األشخاص‬ ‫المعروفين من كل دولة من دول منظمة أوبك‪،‬‬ ‫ســواء كانوا وزراء سابقين أم أمناء سابقين‬ ‫للمنظمة أم رؤســاء تحرير‪ ،‬لــزيــارة مختلف‬ ‫مناطق المملكة قبل انعقاد القمة بأسبوع‪،‬‬


‫واستمرت اللقاءات مع أستاذنا القدير‬ ‫الــمــرحــوم عبدالرحمن الشبيلي مــن خالل‬ ‫مؤلفاته التي يرسلها لنا‪ ،‬ولقاءاته في النادي‬ ‫األدب ــي‪ ،‬وفــي كــل المناسبات التي يتاح لنا‬ ‫حضورها ويكون هو طرفاً فيها‪.‬‬ ‫َمــن ينظر ويــقــرأ سيرته وتــاريــخــه يقف‬ ‫حــائــراً أمــام قــدرتــه على العمل المتواصل‬ ‫في كل المناشط؛ عندما كان رئيس مجلس‬ ‫إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬وكذلك عندما كان عضواً في مجلس‬ ‫الشورى‪ ..‬كان محاوراً بارعاً‪ ،‬ومبادراً للعمل‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫وبــعــدهــا يــحــضــرون الــقــمــة‪ ،‬وفــكــرة األمــيــر‬ ‫عبدالعزيز هو أن يتعرفوا على ثقافة المملكة‬ ‫وتاريخها وتطورها‪ ،‬وإطالعهم على كيفية‬ ‫استثمار دخل البترول في تنمية الدولة‪ .‬وكان‬ ‫من ضمن األشخاص الذين يمثلون المملكة‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي إضــافــة إلــى عدد‬ ‫من زمالئه‪ :‬د‪ .‬عبداهلل العسكر رحمه اهلل‪،‬‬ ‫والدكتور يزيد العوهلي‪ ،‬ود‪ .‬محمد الجفري‬ ‫رحمه اهلل‪ ،‬ود‪ .‬إحسان أبو حليقة‪ ،‬والدكتورة‬ ‫نورة اليوسف‪ ،‬واألستاذ منير العكاس‪ ،‬وكان‬ ‫لوجود د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي األثر الكبير‬ ‫فــي نجاح مهمتنا فــي الجولة على مناطق‬ ‫المملكة‪ ،‬كما أنه كان من ضمن الذين أسهموا‬ ‫في وضع ذلك البرنامج‪ .‬لقد كان يمثل األخ‬ ‫الكبير للجميع في تلك الرحلة‪ ،‬يشجعنا في‬ ‫عملنا خاللها‪ ،‬يُثني على الجميع ويتحاور مع‬ ‫الضيوف ومع الزمالء القائمين على البرنامج‪،‬‬ ‫حرصا منه على نجاحنا ونجاح الوطن‪.‬‬

‫من أجل المواطن‪ ،‬لقد كان مخزنا للفكر‪..‬‬ ‫فألّف عشرات الكتب في اإلعــام والثقافة‪،‬‬ ‫وألــقــى عــشــرات بــل مئات المحاضرات في‬ ‫مختلف مناطق المملكة؛ فهو في الحقيقة‬ ‫بالنسبة للمتخصصين في اإلعــام مدرسة‬ ‫إعالمية تجمع بين األكاديمية والمهنية‪ ،‬وله‬ ‫تأثير كبير جداً في تاريخ اإلعالم السعودي‬ ‫تدريساً وتأريخاً‪ ،‬فقد كان متعاوناً مع قسم‬ ‫اإلعــام في جامعة الملك سعود في الوقت‬ ‫ـس الحاجة لمثل‬ ‫ال ــذي كــان القسم فــي أم ـ ّ‬ ‫خبراته‪ ،‬فلم يبخل بعلمه ومعرفته‪ ،‬لقد كان‬ ‫صادقاً في تقديمه للمعلومة؛ ما جعله صاحب‬ ‫سيرة ملهِ مة‪ ،‬فلم تتوقف سيرته عند الجانب‬ ‫المهني واألكاديمي‪ ،‬بل امتدت إلى الجانب‬ ‫ال في جمعية‬ ‫اإلنساني؛ إذ كان عضواً فاع ً‬ ‫ألزهايمر وغيرها من الجمعيات ذات الطابع‬ ‫اإلنــســانــي‪ ،‬فلقد سطّ ر أروع معاني الوفاء‬ ‫عندما أص َّر على إقامة عزاء األستاذ ماجد‬ ‫الشبل رحمه اهلل في منزله‪ .‬فال غرابة أن‬ ‫يحصل الراحل على وسام الملك عبدالعزيز‬ ‫من الدرجة األولى‪.‬‬ ‫وختاما‪ :‬ترك لنا الراحل نحو (‪ )23‬مؤلفاً‬ ‫بين السير الذاتية والعلم المتخصص‪ ،‬نتاج‬ ‫عشرات السنين‪ ،‬رصد فيها الراحل مسيرة‬ ‫وطن وقيادة وشعب (حكاية وطن خلق وجوده‬ ‫واستقراره) حتى أصبحت مؤلفات الشبيلي‬ ‫رحمه اهلل أعالماً وإعالماً من الوطن وإلى‬ ‫الوطن‪.‬‬

‫ * رئيس قسم اإلعالم ‪ -‬جامعة الملك سعود‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪31‬‬


‫صاحب الخطوة الواثقة‬ ‫الشبيلي‬ ‫ُ‬

‫طى‪ ..‬مشاها‬ ‫ومن ُك ْ‬ ‫َ‬ ‫تبت عليه ُخ ً‬ ‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫الشبيلي وحكاياته الذاتية التي خطها في سيرته الذاتية (مشيناها) والتي صدرها‬ ‫بالبيتين اآلتيين‪:‬‬ ‫مـشـيـنــاهــا خ ـط ــىً كُ ـت ـبــت علينا‬ ‫ـأرض‬ ‫ومـ ـ ـ ــن ك ـ ــان ـ ــت مـ ـنـ ـ ّيـ ـت ــه بـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫ومــن كُ تبت عليه خطى مشاها‬ ‫أرض سواها!‬ ‫فليس يموت فــي ٍ‬

‫أن تكتب عــن نفسك ليس أم ــرً ا يـسـيــرً ا‪ ،‬وأن ــت تعلم تماما أن هـنــاك مــن يتابعك في‬ ‫حياتك‪ ..‬فكيف حين تـغــادر الدنيا وتـتــرك خلفك سيرة تحمل مسيرة مختلفة‪ ،‬وهــذا‬ ‫الشبيلي‪ ،‬صاحب السيرة الذاتية‬ ‫الصالح ّ‬ ‫ما حــدث مع اإلعــامــي الكاتب عبدالرّحمن ّ‬ ‫السعودية‪« :‬مشيناها‪ ..‬حكايات ذات»‪ ،‬والتي صــدرت طبعتها األولــى في صفر ‪1440‬ه ــ‪/‬‬ ‫وتوشح غالفُ ها بشكل مميز بصورة عميقة لها داللة مختلفة‪ ،‬وهي صورة‬ ‫نوفمبر ‪٢٠١٨‬م‪ّ ،‬‬ ‫«الصنقر»‪ ،‬وهو معلم تراثي أشبه ببرج المراقبة ومقصورة الحماية‪ ،‬يتجاوز عمره مئة‬ ‫ّ‬ ‫سنة‪ ،‬وفي عام ‪١٤٠٧‬هـ ُشيّد عليه مركز ابن صالح الثّقافي‪.‬‬ ‫ولك أن تدرك كيف لرجل مثله أن يتخيّر الوطن الذي سيحتضنه‪.‬‬ ‫تلك الصورة عمدًا‪ ،‬وال يمكن أن تكون سهوا‬ ‫وحين تخطو أول خطوة لتمشي داخل‬ ‫أمام رجل بعظمة تفكيره وصالبة رأيه‪.‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬تجدك تتعرف على الفترة الزمنية‬

‫‪32‬‬

‫يتكون هذا الكتاب السيروي المؤلم في‬ ‫مسيرة إبداعية مختلفة مــن مقدّ مة‪ ،‬ث ّم‬ ‫ثمانية أقسام‪ ،‬وبعدها كشّ اف عام‪ ،‬فملحق‬ ‫صور‪ ،‬وتعريف مختصر بالمؤلف‪ .‬وكأنه كان‬ ‫يرسم لنفسه طريقا يعرف أنه يمشيه‪ ،‬وأنه‬ ‫سينتهي عنده‪ .‬وحده عبدالرحمن الشبيلي‬ ‫الرجل القويّ الخطوة‪ ،‬البارع في اإلعالم‪،‬‬ ‫المتمرّد وقت الغضب‪ ،‬عرف مشي الخُ طى‪،‬‬ ‫فثبت نفسه على شرفة في باريس لتهوي‬ ‫به وتعيده إلى مسقط رأســه‪ ،‬حيث تراب‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫التي قضاها وهو يدوّنه‪ ،‬فقد أشار إلى أنّه‬ ‫قضى سنة ونصف السنة وهو يرسم بقلبه‬ ‫وقلمه هذه الذّ كريات؛ ابتداء من رمضان‬ ‫عام ‪١٤٣٨‬هـ‪ ،‬وحرص على ّأل يكون سرديًا‬ ‫عاديا‪ ،‬فالتّفرّد سمة جميلة تستحق العناء‪،‬‬ ‫وبما أن حياته مجبولة بالعناء والتعب‪ ..‬حقه‬ ‫أن يرسمها في سيرة مختلفة ال شبيه لها؛‬ ‫ألنه كان متفردًا وال شبيه لطريقته وأسلوبه‪،‬‬ ‫فجاء كتابه من طراز مختلف بين الرّواية‬ ‫والسّ يرة‪.‬‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫يلقي محاضرة في مركز صالح بن صالح االجتماعي بعنيزة ‪ -‬القصيم‬

‫غريبة بعيدة الــمــدى إلى‬ ‫ٍ‬ ‫بلغة‬ ‫أخَ ـ َذنَــا ٍ‬ ‫زاوية الرواية حينًا‪ ،‬وهو يتفنّن في وصف‬ ‫سردي أشبه بسيروائية الكاتب الذي يبني‬ ‫نصه بينه وبين نفسه خطوة خطوة‪ ،‬منذ ان‬ ‫بدأها في وصف مراحل النّشأة والتّكوين‪،‬‬ ‫وجعلنا نستعرض المكان في عنيزة مسقط‬ ‫قلبه وهــوى حياته وأنفاسها‪ ،‬ونعيش معه‬ ‫ذكريات الوالدين واإلخوة‪ ،‬وكيف كان رقيقا‬ ‫وهو يصف فاطمة‪ ،‬والدته الجميلة القلب‪،‬‬ ‫ـس‪ ،‬وأنــت تقرأ تشعر وكأنك‬ ‫رقيقة الــحـ ّ‬ ‫تعرفها تمامًا‪ ،‬ومع أنّ والدته قدِ مت إلى‬ ‫عنيزة من بيئة اسطنبوليّة مختلفة‪ّ ،‬إل إنّها‬ ‫استطاعت االندماج مع عنيزة في لهجتها‬ ‫وعاداتها‪ ،‬ومطبخها‪ ،‬وأن ــواع تمورها‪ ،‬بل‬ ‫وفــي أنــســاب األس ــرة ومصاهراتها‪ ،‬حتى‬ ‫حفظت رثــاء زوجها لزوجته األولــى التي‬ ‫توفيت سنة الرّحمة عام ‪١٣٣٧‬هـ بقصيدة‬ ‫تقع في نحو مئة بيت‪.‬‬ ‫وتسير مرحلة الحياة به وهو ال يفارق‬

‫عنيزة‪ ،‬وهو يتحدث عن مسيرته أبداً؛ فهي‬ ‫البؤرة التي تسوق كل األحداث وكل أسباب‬ ‫نجاحه‪ ،‬ويصف عنيزة التي تحب هؤالء‬ ‫الحرفيين من أهل البلد‪ ،‬ويتغزّل بنشاط‬ ‫سوق المسوكف‪ ،‬وتطوّع أهله لقراءة البريد‬ ‫الضروس وتجبير الكسور‪،‬‬ ‫وإيصاله‪ ،‬وخلع ّ‬ ‫والصكوك‪ ،‬وإطراب العابرين‬ ‫ّ‬ ‫وكتابة الوثائق‬ ‫بالقصيد والمِ ل َح‪ ،‬ثم يصف ناديًا لألخبار‬ ‫وبخاصة من القادمين بالطّ ائرة من الرّياض‬ ‫ّ‬ ‫وجدّ ة إلى مطار عنيزة المحلي القديم‪ ،‬الذي‬ ‫يعمل به موظف واحــد؛ فيحجز التّذاكر‪،‬‬ ‫ويوجه الطّ ائرات للهبوط واإلقالع‪ ،‬كل ذلك‬ ‫في لغة سينمائية مشهدية معبّرة مختلفة‪.‬‬ ‫ولــم يغب عنه أبـــدًا الــحــديــث عــن العمل‬ ‫التّطوعي في عنيزة‪ ،‬وعن العمل التطوعي‬ ‫المبكر‪ ،‬وإصالح بعض الطّ رق‪ ،‬ومتابعة تبرّع‬ ‫الوزير عبداهلل السّ ليمان الحمدان بمشروع‬ ‫سقيا الــمــاء‪ ،‬وغير ذلــك‪ .‬وهــذا االهتمام‬ ‫المبكر يفسّ ر لنا بروز أهل عنيزة في مجال‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪33‬‬


‫األعمال المجتمعيّة والخيريّة والتّطوعيّة‪.‬‬

‫بعيدًا عن األغــراض الوظيفية ومتطلبات‬

‫ولم يتغافل عن المرأة أبــداً‪ ،‬كيف ذلك التّرقية‪ ،‬وليس له أربــاح مادية؛ لكنّ لذة‬ ‫وهو يدور حول أمه التي عاشت لتربيتهم العلم ال يعدلها شــيء‪ ،‬وبخاصة بعد أن‬ ‫على الرغم من اختالف تربيتها‪ ،‬وذكر أسماء منحته عضوية الشّ ورى مزيدًا من الوقت‬ ‫نساء من عنيزة تزوجهن الملك عبدالعزيز‪ ،‬للبحث والقراءة‪ ،‬فالتفت لمكتبته المنزلية‬ ‫والملك سعود‪ ،‬وهنّ من كبار عوائل البلدة‪ ،‬ليعمرها‪.‬ث ّم تحدث عن كتبه المطبوعة وهي‬ ‫كما أشــاد بخمس عشرة معلّمة من نساء كثيرة‪ ،‬وذكر قصة تأليف أغلبها التي تعود‬ ‫عنيزة ص َّيرْن بيوتهنّ كتاتيب لتعليم الفتيات إلى كتابة مقال أو إلقاء محاضرة‪ ،‬والكثير‬ ‫قبل بداية التّعليم النّظامي؛ ومن الطّ بيعي‬ ‫من األوجاع التي يبثها هنا أو هناك في ثنايا‬ ‫أن يكثر الحديث عن المرأة في سيرة رجل‬ ‫كتابه‪.‬‬ ‫عــاش قسمًا من عمره في عالم اإلعــام‬ ‫وأنت تغلق آخر صفحات الكتاب تسمع‬ ‫والثّقافة‪.‬‬ ‫وتسير كثيرا داخل تلك المسيرة المميزة بكل ألــم صوته األجــش الضخم بمخارج‬

‫ليُحدثك عن تخرجه في كلية الّلغة العربيّة حــروف متميزة لم يعتليها العجز أو كبر‬ ‫الذي كان سببا لدخوله إلى عالم اإلذاعة‪ ،‬الــســن‪ ،‬وتتخيل أنــه ينعي نفسه فــي آخر‬ ‫ث ـ ّم اإلع ــام المرئي والمكتوب‪ ،‬ثــم تولى صفحات كتابه‪ ،‬فتظهر هناك كلمات مؤلمة‪:‬‬ ‫مهمّة تسجيل خطاب العرش بعد العصر‬ ‫«تنعي أسرتا الشبيلي وأبــا الخيل في‬ ‫في قصر الملك فيصل بالمِ عذر في ‪٢٧‬‬ ‫مناطق المملكة فقيدها الغالي الدكتور‬ ‫جمادى اآلخرة سنة ‪١٣٨٤‬هـ بحضور األمير‬ ‫عبدالرحمن الصالح العبداهلل الشبيلي‪،‬‬ ‫سلطان‪ ،‬والشّ يخ محمّد النّويصر‪ ،‬ود‪ .‬رشاد‬ ‫داعين اهلل جل شأنه أن يتواله بإحسانه‬ ‫فرعون‪ ،‬ود‪ .‬كنعان الخطيب‪ ،‬ث ّم طار إلى‬ ‫وعــفــوه ورحمته‪ ،‬ويجعل مــا أصــابــه رفعة‬ ‫ليل مع نشرة األخبار‪.‬‬ ‫جدّ ة إلذاعته ً‬ ‫لدرجاته ويسكنه عليين‪»...‬‬ ‫بألم ووجع مع‬ ‫ثم تقطعك اللهفة للمتابعة ٍ‬ ‫وحدها تلك الكلمات التي صــدرت عن‬ ‫مأساة وفاة ابنه طالل‪ ،‬بعد معاناة طويلة‬ ‫وداع‬ ‫ومؤيد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ناف‬ ‫غريبة التّسلسل مع المرض‪ ،‬ليقف هناك أسرته هزّت اإلعالمي بين ٍ‬ ‫متأثرًا بعبارات تبكي وأنت تقرأها‪.‬‬ ‫وباك عليه‪ ،‬ليس تمردًا على الموت‪،‬‬ ‫ومتألم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ثم يعود بك سريعًا الى أهم مراحل العمر بــل خــو ًفــا مــن تصديق الخبر فــي لحظة‬ ‫التي كانت مع التّوثيق والتّأليف‪ ،‬علمًا أنّه يتمسك بها اإلنسان بتراثه وأصالته‪ ،‬وهذا‬ ‫كتب بعد بلوغه األربعين جُ ّل إنتاجه‪ ،‬فكان الرجل أصالة التاريخ اإلعالمي السعودي‪.‬‬ ‫ * أكاديمية وناقدة من األردن‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫■ نواف الراشد*‬

‫عرفت الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬منذ كنت طالب ًا بكلية اللغة العربية بجامعة اإلمام‬ ‫بالرياض‪ ،‬وكان رائــد ًا من رواد اإلعــام‪ ،‬وخصوص ًا اإلذاعــة والتلفزيون‪ ،‬وكان رحمه اهلل من‬ ‫خريجي الجامعة نفسها التي أدرس فيها؛ ولذا كنت أعده أنموذج ًا يمكن أن يحتذى به‪ ،‬وكان‬ ‫أحد طموحاتي آِنذاك أن أكون مذيع ًا باإلذاعة والتلفزيون‪ ،‬وشغل هو مدير عام التلفزيون‬ ‫ثم وكي ًال لــوزارة اإلعــام‪ .‬كانت سيرته رائعة صافية نقية كما كان طيلة أيام عمره الحقاً‪،‬‬ ‫فلم يتغير ولم يتقلب‪ ..‬بل ثبت على سيرته الطيبة ومبادئه التي يؤمن بها محب ًا لوطنه‬ ‫أينما عمل‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬عمل في المجلس األعلى للجامعات‪ ،‬ورئيس ًا لمجلس إدارة مؤسسة‬ ‫الجزيرة للصحافة‪ ،‬وعضو ًا في المجلس األعلى لإلعالم‪ ،‬وحسب علمي أنه يتقن العربية‬ ‫واإلنجليزية والفرنسية‪.‬‬ ‫ولعل من أهم فترات حياته عمل ُه عضواً في‬ ‫مجلس الشورى‪ ،‬لمدة اثني عشر عاماً‪ ،‬في فترة‬ ‫كان المجلس بحاجة إلى الرجال األقوياء واألمناء‬ ‫الــذيــن يبنون القواعد واألســاســات لمجلس في‬ ‫منتهى األهمية‪ ،‬ويمس الوطن والمواطن‪ .‬وقد ألف‬ ‫مع بعض زمالئه كتاباً مهماً عن تلك الفترة‪ ،‬وكان‬ ‫ال في مركز األمير‬ ‫لي شــرف أن أعمل معه زمي ً‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي ودار الجوف للعلوم‪،‬‬ ‫عضو للجمعية العمومية فيه‪ ،‬ولمدة طويلة‪ ،‬كما‬ ‫قرأت له العديد من الكتب والمؤلفات التي تجاوزت‬ ‫الخمسين كتاباً‪.‬‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫عبدالرحمن الشبيلي في ذمة اهلل‬

‫عبداهلل المعجب الشريف‪ ،‬رئيس كتابة العدل‬ ‫بالرياض سابقاً‪ ،‬وكان أبو طالل بجواري‪ ..‬نتبادل‬ ‫الحديث لمدة ساعة ونيّف‪ ،‬سمعت فيها كثيراً من‬ ‫اآلراء وعــامــات التعجب حــول عــدد من األمــور‬ ‫الثقافية واالجتماعية‪.‬‬

‫‏وخالصة القول‪ ،‬إنه ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬كان صاحب‬ ‫راق رصــيــن‪ ،‬لطيف المعشر‪،‬‬ ‫خلق رفــيــع‪ ،‬وقلم ٍ‬ ‫عفيف القلم واللسان‪ ،‬جــاداً في حياته وكتبه‪،‬‬ ‫وال يخلو محياه من االبتسامة الصادقة‪ ،‬ورغم‬ ‫هــدوئــه وصمته كــان حــاضــراً بالكلمة والكتاب‬ ‫والبحث واإلنجازات‪ ،‬وقد حصل على وسام الملك‬ ‫حضرت له العديد من المحاضرات والندوات عبدالعزيز من الدرجة األولى‪ ،‬وهو بال أدنى شك‬ ‫فــي الــجــوف والــغــاط وال ــري ــاض‪ ،‬وســعــدت بلقاء يستحقه‪.‬‬ ‫خــاص معه فــي ملتقى ومتحف ن ــواف الــراشــد‬ ‫رحــم اهلل الفقيد الــذي كتب سيرته في كتابه‬ ‫الثقافي بالجوف‪ ،‬الــذي جعلته لخدمة المجتمع‬ ‫واألدب والثقافة والــتــراث‪ ،‬كما رافقته في رحلة "مشيناها"‪ ،‬وصــدق د‪ .‬عبدالواحد الحميد‪ ،‬حين‬ ‫بريه من الرياض إلى الغاط ذهاباً وإياباً برفقه كتب مشيناها‪ ..‬سطراً سطراً‪ .‬يقصد قراءة السيرة‬ ‫بعض الفضالء والمثقفين‪ ،‬لحضور منتدى األمير بتمعّن ودِ قــة‪ ،‬وهــا أنــا ذا أنصح الشباب المثقف‬ ‫عبدالرحمن السديري السنوي‪ ،‬الــذي يقام سنة بقراءة تلك السيرة الطيبة العطرة واالستفادة منها‪.‬‬ ‫بالغاط وأخرى بالجوف‪.‬‬ ‫رحم اهلل الفقيد رحمة واسعة‪ ،‬وأسكنه فسيح‬ ‫كما حضرت وإياه ملتقى سنوياً يقيمه الشيخ جناته‪.‬‬

‫ * الجوف‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪35‬‬


‫الشبيلي والشورى!‬

‫*‬

‫العساف**‬ ‫■ أحمد بن عبداحملسن‬ ‫َّ‬

‫هل بدأت عالقة الدكتور عبدالرحمن الصالح الشبيلي بالشورى‪ ،‬منذ تعيينه عضوً ا في‬ ‫أول دورة بعد تكوين المجلس الجديد عام ‪1414‬هـ؟ الجواب المتبادر للذهن مباشرة أن ال‬ ‫عالقة له بالشورى قبل ذلك! وهو الرّد المنطقي االبتدائي؛ ألنه ال صلة مع غائب!‬ ‫أما ما أعتقده‪ ،‬فهو وجود عالقات قديمة بينهما‪ ،‬ويستيقن قارئ سيرته التي مشيناها‬ ‫معه من ذلك بتأمل ما يلي‪:‬‬ ‫أول‪ :‬ارتباطه بسوق المسوكَف فــي عنيزة السليم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهــو منتدى أهــل البلدة‪ ،‬فيه األمير والقاضي‬ ‫والملمح الثاني‪ ،‬أن الرج َل وقّافٌ عند حدود‬ ‫والتاجر والحرفي والفنان والمتسوق والمسافر ما يعلم؛ ولذلك‪ ،‬طلب من أصحاب االختصاص‬ ‫والمستخبر والمخبر‪ ،‬ومــن الطبيعي أن ينجم مساندته‪ .‬وثــالــث ملمح‪ ،‬هــو بُــعــده عــن الجدل‬ ‫عن اجتماع هؤالء نقاش واختالف وتداول آراء‪ ،‬والمماحكة في إدارة الــحــوارات‪ ..‬فالغاية نفع‬ ‫والطفل ث ّم الفتى يسمع ويرى ويتعلم‪.‬‬ ‫المجتمع‪ .‬ورابعها‪ ،‬أنه ليس إقليميًا وال فئويًا‪.‬‬

‫وتكرّرت التجربة نفسها بعد أن انتقل للدراسة وهــذه خصال أســاس‪ ،‬ظهرت بــارزة في سجايا‬ ‫في العاصمة الرياض‪ ،‬وسكن في قيصرية يغدو الشبيلي‪ ،‬عضو الشورى الحقًا‪.‬‬ ‫ويروح إليها كبار التجار‪ ،‬ولمجتمع رجال األعمال‬ ‫ثالثًا‪ :‬مارس الكتابة في المجاالت التي له فيها‬ ‫تأثير يتجاوز االقتصاد‪ ،‬وأحاديثهم ال تبدأ من خبرة ومعرفة وفي الشأن العام‪ ،‬وهذا المسلك‬ ‫المال وال تنتهي عنده؛ ومن ثَمَّ‪ ،‬فهي خبرة مبكرة يتقاطع مع عمل الشورى‪ ،‬القائم على إبداء الرأي‬ ‫في مستهل عمره‪.‬‬ ‫وإس ــداء النصح والــدفــاع عن المصالح العامة‬ ‫ثانيًا‪ :‬عندما دخل إلى المجال اإلعالمي عبر والعليا‪.‬‬ ‫اإلذاعة والتلفزيون سبق إلى برامج حوارية غير‬ ‫راب ـ ًعــا‪ :‬بنى خــال مسيرته الوظيفية قبل‬ ‫معهودة‪ ،‬جعلت الناس يشاهدون المسؤول وهو الشورى عالقات تقرب أو تبعد مع خمسة ملوك‬ ‫يُجادل‪ ،‬والوزير حين يُناقش‪ ،‬فكان صنيعه ً‬ ‫عمل وعديد من األمــراء وال ــوزراء الذين زاملهم‪ ،‬أو‬ ‫من أعمال الشورى‪ ،‬ورأى المواطنون خلف شاشته جاورهم‪ ،‬أو ربطته بهم وشائج قربى؛ ومن ثَمَّ‪،‬‬ ‫ملوكًا وأمراء ووزراء ومسؤولين كباراً‪.‬‬ ‫وعى المنهج المتبع في الحكم واإلدارة‪ ،‬وأدرك‬ ‫وفــي هــذه البرامج مالمح مهمة لشخصية دقائق المزاج الرسمي‪ ،‬فانضبط لديه وبه اإليقاع‬ ‫الشبيلي الشورية؛ أولها‪ ،‬أنه تشاركي بعيد عن فما وقع وال أوقع!‬

‫‪36‬‬

‫االستئثار‪ ،‬إذ استعان بآخرين تقديمًا أو إعدادًا‪،‬‬ ‫خامسً ا‪ :‬أوقفه عمله في اإلعالم على سؤال‬ ‫وغــدا بعضهم وزيــرًا مثل أصحاب المعالي د‪ .‬حرِ ج يتأرجح بين االرتقاء بالمجتمع أو التبعية له‪،‬‬ ‫عبداهلل العمران ‪ ،‬د‪ .‬غازي القصيبي ‪ ،‬د‪ .‬سليمان فصنع من الفجوة بينهما منبعًا لعمل جديد مفيد‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫سادسً ا‪ :‬دُعي صاحبنا من مسؤول كبير وسأله‬ ‫المجلس من خبرته‬ ‫ُ‬ ‫دون إبهام أو إيهام؛ كما أفاد‬ ‫إلدارة أول لقاء مفتوح بين األعضاء والموظفين عمّا نمي إليه من تقليله من شرف اللقاء بالملك!‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫أما مسيرته في التعليم العالي فكشفت له مع رئيسهم الجديد معالي الشيخ د‪ .‬صالح بن‬ ‫مجتمع النخب الفكرية وبيئة الطالب‪ ،‬ث ّم ولج حميد‪.‬‬ ‫إلى عالم التوثيق فرأى تاريخ البالد وعراقتها‪،‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬اتكا ًء على المهارة الكتابية للشبيلي‪ ،‬أوكل‬ ‫ليتسلّح بهذه المكونات تحت القبة مازجً ا بين‬ ‫إليه تحرير مخرجات دراســة مقاومة اإلرهــاب‪،‬‬ ‫مطالب المجتمع‪ ،‬ورؤى النخب‪ ،‬ولوازم التاريخ‪،‬‬ ‫وهــي مــن اجــتــهــادات المجلس الثمينة؛ وكتب‬ ‫وصنعت منه هذه المحطات الثالث عضو شورى‬ ‫مقال لتفنيد رأي‬ ‫بترتيب مع معالي الشيخ الجبير ً‬ ‫رفيع الطراز‪.‬‬ ‫أحد الكتّاب عن المجلس بُعيد انعقاده‪ ،‬ونشر‬ ‫سادسً ا‪ :‬من الطريف الذي ليس سرًا أن معالي مقالته باسم قلمي هو فيصل المبارك‪ ..‬فابتسم‬ ‫قائل‪ :‬ومــا يدريك أن الشيخ فيصل‬ ‫الشيخ إبراهيم العنقري أبلغه باختياره عضوًا ابــن جبير ً‬ ‫في المجلس وأوص ــاه بكتم األمــر إلــى أن يُعلن المبارك هو أحد أعضاء المجلس القديم!‬ ‫كالمعتاد‪ ،‬وفي جلسة باريسية ضمت صاحبنا‬ ‫ثالثًا‪ :‬استثمر د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي رئاسته‬ ‫مع معالي الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل وصديق‬ ‫للجنة التعليم‪ ..‬فاستضاف عددًا من األكاديميات‬ ‫ثالث لم يسمّه‪ ..‬وألنه لم يصبر أخبرهما باتصال‬ ‫والموظفات لسماع رأيهن عن تقاعد المرأة‪ ،‬في‬ ‫العنقري به‪ ،‬فما كان من "أبا الخيل" إال أن أشعر‬ ‫صاحبيه بأمره‪ ،‬وهكذا فعل الشبيلي‪ ،‬والشيء تجربةٍ هي األولــى خــال تاريخ المجلس فيما‬ ‫بالشيء يــذكــر‪ ..‬فألبي طــال كتاب عــن سيرة أعلم‪ ،‬وبعدها توالت مشاركات المرأة فيه‪ ،‬وكان‬ ‫العنقري يكاد فيما أعلم أن يكون المصدر الوحيد انتقاؤه للمشاركات بريئًا من التحيّز‪ ،‬متنائيًا عن‬ ‫المستقل عن هذا الرجل الذي أبلغ جميع أو ج ّل اإلقصاء‪ ،‬حصيفًا مستندًا لخبراتهن الوظيفية‪،‬‬ ‫وثقافتهن المتنوعة‪ ،‬وطريقة نظرتهن لألمور من‬ ‫أعضاء أول دورة للمجلس الجديد بترشيحهم‪.‬‬ ‫زوايا غير مكررة‪.‬‬ ‫سابعًا‪ :‬من الموافقات اللطيفة أن أول مرسلة‬ ‫راب ـ ًعــا‪ :‬كــان إ ّب ــان عضويته كثير الثناء على‬ ‫إذاعــيــة وضــعــت فــي الــريــاض بجهود الــراحــل‪،‬‬ ‫وثبتت فــوق منطقة مرتفعة بُــنــي عليها مقر مداخالت زمالئه الجميلة‪ ،‬قريبًا ممن استعان به‬ ‫مجلس الــشــورى الــحــالــي! كما سجل الشبيلي منهم‪ ،‬ومرجعية مأمونة لمن أراد‪ ،‬يقتبسون من‬ ‫وقائع انتخابات المجلس البلدي في الرياض عام هديه و ُهــداه؛ وفوق ذلك كان موضع االستشارة‬ ‫الخاصة من قبل الشيخ الرئيس ابن جبير في‬ ‫(‪1384‬هـ) وأرسلها لـ جدة كي تذاع منها‪.‬‬ ‫مواقف حفظتها سيرته المنشورة قبل رحيله‬ ‫أما خالل عمله في المجلس‪ ،‬فقد كان الشبيلي‬ ‫بشهور‪.‬‬ ‫قريبًا أثيرًا من رئيسه وأكثر زمالئه‪ ،‬وأستطيع‬ ‫خامسً ا‪ :‬يُحسب للشبيلي أنــه سجّ ل اللقاء‬ ‫رصد هذه المواقف‪:‬‬ ‫الوحيد مع الشيخ محمد بن جبير‪ ،‬وفيه يتحدث‬ ‫أول‪ :‬أُســنــدت إلــيــه صياغة كلمات رئيس‬ ‫ً‬ ‫عن حياته األسرية والعائلية والعلمية والعملية‪،‬‬ ‫المجلس ومكاتباته؛ ألن الرجل امتاز بسالسة‬ ‫األلفاظ‪ ،‬ووضــوح المعاني‪ ،‬واختصار العبارات وصدرت الحلقتان فيما بعد بكتاب طبع مرتين‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫فــقــال الشبيلي‪ :‬لــم أقــل ذل ــك‪ ،‬والــقــصــة وقعت‬ ‫لزميل تحاور مع الرئيس بشأن هذا اللقاء‪ ،‬ولم‬ ‫تكن الرواية دقيقة في النقل وال صائبة في الفهم‬ ‫والتسجيالت تثبت ذلك! وهذا التصرف الرشيد‬ ‫من الشبيلي غير مستغرب‪ ..‬إذ قــال الحقيقة‬ ‫كما وقعت ودافع عن زميله الغائب‪ ،‬ولم يستثمر‬ ‫الفرصة لــإســاءة لــه‪ ،‬أو يتخذه درعً ــا يتقي به‬ ‫غضب المسؤول‪ ،‬علمًا أن العضو المعني صار‬ ‫ثالثًا‪ :‬كان الشبيلي ناصحً ا أمينًا لمن سُ مّي‬ ‫وزيرًا فيما بعد‪.‬‬ ‫عضوًا في الشورى بعده‪ ،‬وأذكر أني قرأت شيئًا‬ ‫ينس أعضاءُ الشورى وموظفوه السلة مــن هــذا بقلم األســتــاذ األدي ــب حمد العبداهلل‬ ‫سابعًا‪ :‬لن َ‬ ‫األنيقة التي يحضرها مليئة بالتمر الفاخر لتكون القاضي‪ ،‬إذ بادر الشبيلي لتهنئته وتقديم خالصة‬ ‫مع القهوة في االستراحة بين جلسات المجلس‪ .‬تجربته‪ ،‬كما حرص على خدمة أعضاء الشورى‪..‬‬ ‫فحين أه ــداه أحــد المؤلفين كتابه عــن تجربة‬ ‫وبعد انتهاء عضويته عقب اثني عشر عامًا المجلس بعد ربع قرن‪ ،‬سأله‪ :‬وأين النسخ الخاصة‬ ‫أمضاها في رحــاب جامعة المجلس‪ ،‬كانت له باألعضاء الباقين في أحدية الشورى؟‬ ‫أعمال متعلقة بالشورى‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫رابعًا‪ :‬ترجم الشبيلي لعدد من الشخصيات‬ ‫ً‬ ‫أول‪ :‬مــشــاركــتــه مــع سبعة أعــضــاء آخــريــن الشورية ترجمة طويلة أو مختصرة‪ ،‬وبعضهم‬ ‫قضوا الفترة ذاتها في نشر تجربتهم الشورية ال يوجد عنه شــيء مطبوع فيما أعلم ســوى ما‬ ‫من خــال سبعة محاور‪ ،‬حتى ال يخفت حضور سطره صاحبنا‪ ،‬ويحضرني منهم معالي الشيخ‬ ‫المجلس في المجتمع‪ ،‬وأفصحوا بصدق ونصح عبدالرحمن أبا الخيل‪ ،‬ومعالي د‪ .‬رضا عبيد‪،‬‬ ‫عــن آرائــهــم؛ وأع ــاد صاحبنا تحرير مــا كتبوه ومعالي الشيخ حمود الفايز‪ ،‬وســعــادة األستاذ‬ ‫ـض زمــاءه على تدوين‬ ‫وصياغته‪ ..‬ث ـ ّم صــدر الكتاب بأكثر من طبعة‪ ،‬عمران العمران‪ ،‬كما حـ َّ‬ ‫وخلصت آراء األعضاء الثمانية إلى أربــع نقاط سيرهم الذاتية‪ ،‬ونشر منتجاتهم األدبية والفكرية‪،‬‬ ‫جوهرية هي‪ :‬مدى إلزامية رأي الشورى‪ ،‬وطريقة وربما راجع بعضها‪ ،‬أو كتب تقديمًا لها‪.‬‬ ‫اختيار األعضاء بين االنتخاب والتعيين‪ ،‬ومراجعة‬ ‫خامسً ا‪ :‬استضاف الشبيلي في بيته أحدية‬ ‫الموازنة والميزانية‪ ،‬وأخيرًا مشاركة المرأة بنسبة الشورى‪ ،‬وشارك في مجموعات شورية أضحت‬ ‫الخُ مس‪ ،‬وهو الذي تحقق من هذه المقترحات نواديَ خبرة تنفع البلد في الشأن الشوري وغيره‪.‬‬ ‫المهمة‪ ،‬وليس الربع بكثير‪.‬‬ ‫ســادسً ــا‪ :‬شــارك الشبيلي فــي رحلة أعضاء‬ ‫ثانيًا‪ :‬ألقى الشبيلي عــددًا من المحاضرات الشورى السنوية لمدة عشرين عامًا منها ست‬ ‫والكلمات عن تاريخ الشورى‪ ،‬وحول تجربته في مرات وهو ما يزال عضوًا‪ ،‬وغدت داره منطلقًا‬ ‫المجلس‪ ،‬مع تعريف برئيسه األول‪ ،‬كما ألقى للشورحالة‪ ،‬مع أنه لم يعلم عن أول رحلة ّإل قبل‬ ‫كلمة األعضاء المنتهية عضويتهم‪ ،‬وكلمة في حفل ساعات من انطالقتها‪ ،‬ومن أسف أن تخلو رحلة‬ ‫تكريم خاص له‪.‬‬ ‫هذا العام منه‪ ،‬واهلل يسعده في ضريحه‪ ،‬ويسعد‬ ‫وأهــتــبـ ُل هــذه الــفــرصــة مقترِ حً ا على مركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الذي تفرّد بالتركيز على‬ ‫الشبيلي شوريًا أن يجمع ما سطّ ره راحلنا عن‬ ‫الشورى مع مقدمته لسيرة ابن جبير‪ ،‬ومقدمته‬ ‫لــتــجــارب األعــضــاء الــثــمــانــيــة‪ ،‬إضــافــة لكلمات‬ ‫أصحاب المعالي والسعادة في هذه الندوة‪ ،‬وفي‬ ‫ذلك حفظ لتاريخ الكيان واإلنسان والتجربة‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫بعض مؤلفات د‪ .‬الشبيلي رحمه اهلل تعالى‬

‫رفاقه في حلهم وترحالهم‪ ،‬علمًا أن حكايات هؤالء‬ ‫الرحالة ما عُرفت ّإل بعد أن نَش َر سيرته‪.‬‬ ‫سابعًا‪ :‬أظهر الشبيلي عراقة مؤسسة الشورى‬ ‫وسم َو أعضائها من خالل موقفين هما باختصار‪:‬‬ ‫االحتفاء به حيًا من قبل صحبة الشورى أكثر من أيّ‬ ‫بيئة عمل سابقة‪ ،‬وتفاعلهم المهيب مع رحيله شعرًا‬ ‫ونثرًا‪ ،‬فال تكاد تخلو منهم مجالس التأبين والرثاء‪.‬‬ ‫هــذه مالمح تعدادها واحــد وعــشــرون‪ ،‬تماثل‬

‫عدد طلقات المدفعية الترحيبية بكبار الزعماء‪،‬‬ ‫وهي ليست بكثيرة تجاه رجل دولة‪ ،‬عاش شغوفًا‬ ‫بالخدمة العامة حتى صار قدوة فيها‪ ،‬ث ّم تشابه‬ ‫مصابه ومماته مع االستفتاء الشعبي الصادق‬ ‫والنزيه حول أحد النماذج المجتمعية المتوازنة‬ ‫المقبولة والــمــحــبــوبــة الــتــي تــصــف الشخصية‬ ‫الوطنية‪ ،‬خاصة بعد أن بسط سيرته للناس شفافة‬ ‫يمشون في مناكبها‪ ،‬وهل االستفتاء ّإل أداة شورية؟‬ ‫وهل الشفافية ّإل نتيجة تستلزمها الشورى؟‬

‫ * نص كلمة ألقيت يوم الخميس ‪ 25‬صفر ‪1441‬هـ=‪ 24‬أكتوبر ‪2019‬م في دار الرحمانية بالغاط التابعة‬ ‫لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬في ندوة عنوانها‪" :‬التجربة الشورية لعبدالرحمن الشبيلي ذكريات‬ ‫أيضا أصحاب المعالي والسعادة‪ :‬أ‪ .‬محمد الشريف‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬فالح الفالح‪ ،‬د‪ .‬عائض‬ ‫ومواقف"‪ ،‬تحدث فيها ً‬ ‫الردادي‪ ،‬وأدارها د‪ .‬علي الخضيري‪.‬‬ ‫** باحث وكاتب من السعودية‪.‬‬ ‫ ‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪39‬‬


‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‬

‫زيارة واحدة‪ ..‬أم اثنتان؟‬

‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫زارنــا مرتين‪ ،‬وزرنــاه مرتين إحداهما بعد وفاته‪ .‬المرة األولــى التي زارنــا فيها الدكتور‬ ‫عبدالرحمن بن صالح الشبيلي كانت في مركز معلومات عكاظ قبل أكثر من اثني عش َر‬ ‫عــامـاً‪ .‬كــان الشبيلي مــلء السمع والبصر‪ ،‬فقد كــان عضوا فــي المجلس األعـلــى لإلعالم‬ ‫برئاسة األمير نايف بن عبدالعزيز‪ ،‬وزير الداخلية‪ ،‬والعديد من رجاالت اإلعالم‪ .‬وكانت له‬ ‫مناصب عليا في التلفزيون السعودي وفي جامعة الملك سعود بالرياض‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫في المرة الثانية شرفني بزيارة في منزلي‪ .‬الرياض‪..‬‬ ‫وأهداني نحو عشرة من كتبه‪ .‬وشدني في إهدائه‬ ‫انفرد رحمه اهلل بالسير التاريخية‪ .‬لقد كانت‬ ‫أ ّن خطه جميل جــدا‪ .‬وددت لو أنــي سألته مَن بصمة حياته في حياته‪ .‬فقد سجل في برنامج‬ ‫علَّمه هذا اإلبداع في خط الرقعة‪ .‬وقد فات وقت "مؤتمر صحفي" لقاء مع الملك فهد بعد تعيينه‬ ‫السؤال كما فات وقت الجواب‪ .‬قال لي خالل نائبا ثانيا لرئيس مجلس ال ــوزراء إضافة إلى‬ ‫زيارته هذه إن أحد أجداده كان فقيهاً‪ ،‬وقد راوده منصبه وزيراً للداخلية‪.‬‬ ‫الحاكم في القصيم على تولي القضاء فأبى‪ ،‬وقال‬ ‫ومثل ذلك لقاء مع الملك سلمان الذي كان أمير‬ ‫تريدون أن تضعوا الشبيل (القيد) في يدي أمام‬ ‫اهلل يوم القيامة؟ ال أقبل‪ .‬فلذلك سمي الشبيلي‪ .‬الرياض وقتذاك وفي شبابه ‪ ،‬ويبدو لي ‪-‬واهلل‬ ‫وبقي هذا االسم في ذريته من بعده رحمه اهلل‪ .‬أعلم‪ -‬أنه غير االسم من "مؤتمر صحفي" إلى‬ ‫"شريط الذكريات"‪ ،‬وقام التلفزيون السعودي ببث‬ ‫ولما كانت زيــارتــه حوالي التاسعة صباحا‪ ،‬هذه المقابالت الرائعة الموثقة لسنوات مهمة من‬ ‫فقد احترس بقوله إنــه ال يفطر إال على كأس تاريخ المملكة العربية السعودية المعاصر‪ .‬وفيها‬ ‫من الحليب وتفاحة واحــدة‪ .‬لكني حرصت على تسجيالت مع رجال عصرنا منهم األمير فهد بن‬ ‫تــقــديــم طــبــق الشكشوكة (بــيــض بالطماطم)‪ ،‬محمد بن عبدالرحمن‪ ،‬واألمير عبداهلل الفيصل‪،‬‬ ‫إضافة إلى وجبته من التفاح والحليب‪ .‬وقال لي واألمير سعود بن هذلول أمير القصيم من عام‬ ‫وألخي مرتضى الذي حضر الزيارة إنه يرى أن ‪1389-1378‬ه ـــ وحمد الجاسر‪ ،‬وأحمد قنديل‬ ‫االقتصار على التفاح في الصباح مع كأس من الشاعر الحجازي الظريف‪ ،‬وأحمد محمد صالح‬ ‫الحليب يحفظ الجسم صحيحا سليما‪ .‬أو نحو باعشن‪ ،‬رجل األعمال الشهير بمدينة جدة‪ .‬ومع‬ ‫هذه العبارة‪ .‬لم يكن يدري رحمه اهلل أنه مقدور الــشــاعــر طــاهــر زمــخــشــري‪ ،‬صــاحــب القصيدة‬ ‫على الجسم أن يهوي حسب رواية بعض الصحف الشهيرة‪:‬‬ ‫من شرفة شقته من الدور الثاني من عمارة في‬ ‫باريس في ‪ 30‬يوليو ‪2019‬م‪ ،‬وأن يأتيه األجل بعد أه ـ ـ ـيـ ـ ــم ب ـ ـ ــروح ـ ـ ــي عـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ــراب ـ ـيـ ــة‬ ‫‏وع ـ ـن ـ ــد الـ ـ ـمـ ـ ـط ـ ــاف ف ـ ــي الـ ـم ــروتـ ـي ــن‬ ‫ساعات من سقوطه‪ .‬ثم لما مات كنت في غاية‬ ‫القلق؛ ألني لن أتمكن من حضور العزاء فيه في‬ ‫كما أجرى مقابلة شريط الذكريات مع األمير‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫مساعد بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وزير‬ ‫المالية في عهد الملك فيصل‪ ،‬وعبد اهلل بلخير‬ ‫المسؤول اإلعالمي في عهد الملك سعود‪ ،‬وخالد‬ ‫الــفــرج الشاعر الكويتي‪ .‬وذ ّك ـرَنــا ببيت الشعر‬ ‫الحكيم لخالد الفرج الذي قال فيه رحمه اهلل‪:‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ــن ُحـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـق ـ ـ ــت ل ـ ـح ـ ـي ـ ــة ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارٍ ل ــه‬ ‫فـ ـلـ ـيـ ـسـ ـك ــب ال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــاء عـ ـ ـل ـ ــى ل ـح ـي ـت ــه‬ ‫‏وأخـ ــرج ســيــر علية الــقــوم فــي كــتــب لطيفة‬ ‫الحجم‪ ،‬ومنها سيرة األستاذ إبراهيم العنقري‪،‬‬ ‫وزير اإلعالم األسبق‪ ،‬والشيخ حمد الجاسر‪.‬‬ ‫وفي محاضرة عن الشيخ عبداهلل بلخير قال‬ ‫الدكتور الشبيلي‪:‬‬ ‫‏"وال يغيب عن الذهن أن عبداهلل بلخير الذي‬ ‫بدأ نجمه في الظهور في العقد األخير من عهد‬ ‫الملك عبدالعزيز في مجال الترجمة‪ ،‬واستماع‬ ‫األنباء‪ ،‬ومتابعة ما ينشر ضمن قائمة راصدي‬ ‫األخــبــار والــمــتــرجــمــيــن‪ ،‬وم ــن خ ــال االقــتــراب‬ ‫تدريجيا من ولي العهد األمير سعود‪ ،‬قد أصبح‬ ‫بــا مــنــازع رجــل اإلع ــام األول للملك سعود‪،‬‬ ‫وكــان الناطق باسمه أحيانا‪ ،‬وربما عقد بعض‬ ‫المؤتمرات الصحفيــــة عندما كان مرافقا له في‬ ‫رحالته الخارجية "‪.‬‬

‫الملك سلمان مكرما الشبيلي رحمه اهلل‬

‫مع كثير من القناعات التقليدية السائدة‪ .‬فنجح‬ ‫في بعض مغامراته فيها‪ .‬ولعل في مقدمة أمثلة‬ ‫ذل ــك رف ــع حــاجــب الــســريــة عــن أخــبــار مجلس‬ ‫الـ ــوزراء‪ ،‬ســاعــده فــي ذلــك خفة روحــه وطــاوة‬ ‫حديثه وجسارته في االقتراب من مجلس الملك‬ ‫وديوانه‪ ،‬وهو أي االقتراب ميزة لم يحظ بها سوى‬ ‫عبداهلل بلخير في عهد الملك سعود‪ ،‬الذي كان‬ ‫يقسم وقته بين عمله فــي الــديــوان وعمله في‬ ‫اإلعالم"‪.‬‬

‫وقبل ســنــوات كنت فــي الــريــاض‪ ،‬ولما علم‬ ‫وقد جمع في أسلوبه بين المعلومة والتحليل الدكتور أبو طالل بوجودي طلب مني زيارته في‬ ‫الــمــحــايــد حــتــى ال أقـ ــول ال ــج ــاف ف ــي تــنــاولــه منزله‪ .‬وتوجهت مع أخي أحمد إلى لزيارة أبي‬ ‫للشخصيات‪ .‬وقد هاتفته عندما كتب عن الدكتور طالل في منزله‪.‬‬ ‫محمد عبده يماني بعد وفاته‪ .‬وكأنه لمس مني‬ ‫وقد حزنت عليه وشعرت بقلق بالغ أني لن‬ ‫عدم الرضا عن المقال‪ ،‬وهو الذي عايش الرجل‬ ‫وعــاصــره فــي فترة تــوزيــره‪ .‬فقال لــي أنتم في أتمكن من العزاء شخصيا فيه‪ .‬فطلبت من أخي‬ ‫أحمد أن يذهب للعزاء‪ .‬فكانت زيارة بعد مماته‬ ‫الحجاز تتناولون األمور من جانب عاطفي!‬ ‫رحــمــه اهلل وليست بكافية‪ .‬لكني سأعوضها‬ ‫وهذه فقرة مما كتبه د‪ .‬الشبيلي‪:‬‬ ‫بالدعاء له وقراءة الفاتحة على روحه رحمه اهلل‪.‬‬ ‫"خرج الدكتور يماني عن المألوف في إدارته واعتقد أن القرآن بنية وصول ثوابه إلى المتوفى‬ ‫للعمل اإلعالمي‪ ،‬ومارس (الشطارة) في التعامل يصل إليه‪ ..‬يصل إليه مهما شكك متشككون‪.‬‬ ‫* مترجم ونائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ سابقاً‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪41‬‬


‫تخرج من كليتين في وقت واحد‬ ‫الشبيلي ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫وكتب سيرته بلغة الغائب‬ ‫■ محمد بن عبدالرزاق القشعمي*‬

‫عرفته من خالل شاشة التلفزيون‪ ،‬عند بدايات بثه من الرياض‪ ،‬وانقطع النتقاله فيما‬ ‫بعد من وزارة اإلعــام إلــى وزارة التعليم العالي‪ ،‬وبــدأ يكتب في الصحافة‪ ،‬ولكن عالقتي‬ ‫الحقيقية بدأت معه منذ عرفت طريقي إلى خميسية الشيخ حمد الجاسر بالرياض قبل‬ ‫عقدين من الــزمــن؛ فتوثقت عالقتي بــه‪ ،‬فوجدت فيه من محاسن األخــاق واللطف في‬ ‫التعامل واحترام اآلخرين‪ ،‬وتباسطه في الحديث‪ ،‬وتواضعه الجمّ ‪ ،‬وحبِّه للخير‪ ،‬ومبادراته‬ ‫االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬ما حبّبه للكثيرين؛ فلم أجد أو أسمع يوم ًا مَن ينتقده أو يقلل من‬ ‫بحب الجميع وتقديرهم‪ ،‬بال استثناء‪.‬‬ ‫قيمته‪ ،‬فهو يحظى ِّ‬ ‫عرضت عليه فكرة تسجيل التاريخ الشفهي‬ ‫الذي تقوم به مكتبة الملك فهد الوطنية فأشاد‬ ‫بالفكرة فدعوته للمشاركة فلبّى الــدعــوة‪..‬‬ ‫وعلى مــدى ثــاث جلسات سجلت معه تسع‬ ‫ساعات في أيام ‪1425/3/12-3/9-3/2‬ه ـــ‪.‬‬ ‫واســتــعــرض المحطات المهمة فــي حياته‪،‬‬ ‫فبهرني بمعلومات دقيقة ومرتّبة‪ ،‬فطلبت منه‬ ‫تدوينها ليستفيد منها الجميع فتمنّع‪ ،‬وقال‬ ‫إنــه لم يفكر بهذا فهو مشغول بالكتابة عن‬ ‫الرجال األوائل الذين بدؤوا المجال اإلعالمي‬ ‫المبكر بالمملكة‪ ،‬وبخاصة مَن كان لهم دور في‬ ‫تأسيس المملكة‪.‬‬

‫ما يستحق الكتابة‪ ،‬وأنــه يتحفظ عن البوح‬ ‫ببعض الموضوعات الحسّ اسة‪ ،‬وقد تكررت‬ ‫دعـــوات األصــدقــاء الــذيــن قــالــوا لــه‪ :‬اكتبها‬ ‫واتركها للزمن‪ ،‬فكتبها بلغة الغائب (صاحبنا)‬ ‫أو (الفتى)‪.‬‬

‫قــال إنــه لــم يلج عــالــم الكتابة قبل عام‬ ‫‪1412‬هـ ـــ‪1992/‬م؛ إذ إنه لم يعترف ببداياته‬ ‫معها‪ ،‬والتي َذ ّكــرتُــه بها في جريدتي (أخبار‬ ‫ال ــظ ــه ــران) عـ ــام ‪1376‬هـــــــ والــيــمــامــة في‬ ‫‪1380/5/10‬هـ بعنوان‪( :‬مقابر عنيزة)‪ - ،‬وهو‬ ‫ما يزال طالباً ‪ -‬بكتابي (بداياتهم مع الكتابة)‪،‬‬ ‫وقال إنه بدأ يهتم بالتوثيق «فوجد به عالماً‬ ‫ـصـدَف أن يكون كتابه (مشيناها) شائقاً من ناحية‪ ،‬وسياحة تسد فــراغـاً في‬ ‫ومــن الـ ُ‬ ‫هو آخر ما صدر له قبيل وفاته ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬المشهد الثقافي من ناحية أخرى»‪.‬‬ ‫بأشهر‪.‬‬ ‫ولكنه مــع ذلــك «ب ــدأ فــي مطلع رمضان‬

‫‪42‬‬

‫يقول في مقدمة (مشيناها‪ ..‬حكايات ذات) ‪1438‬ه ـــ يونية ‪2017‬م بتدوين سطور هذه‬ ‫إنه تردد كثيراً قبل أن يكتب ترجم ًة لحياته‪ ،‬الحكايات واختتمها في نحو عام ونصف العام‬ ‫رغم دعوات الكثيرين له‪ ،‬بدعوى أن ليس لديه مع اهتمامه بتعزيز المعلومة بالوثائق‪ ،‬إال إنه‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫فض َل الخروج بهذه الحكايات عن طابع الجفاف‬ ‫َّ‬ ‫العلميّ والهوامش الصارفة للنظر‪ ،‬فآثر إضفاء‬ ‫السالسة والعفوية على مقروئيتها‪ ،‬وكان يتمنّى‬ ‫أن تخرج فــي شكل روايـــة‪ ،‬لكنه يفتقر إلى‬ ‫العناصر واألدوات الفنية لكتابتها‪.»..‬‬ ‫فاستقر رأيه على تسميتها (حكايات ذات)‪،‬‬ ‫مستعرضاً أبرز ما مر به في محطات حياته‬ ‫الخمس (الدراسة ‪ 15‬عاماً‪ ،‬اإلعالم ‪ 14‬عاماً‪،‬‬ ‫التعليم العالي ‪ 17‬عاماً‪ ،‬مجلس الشورى ‪12‬‬ ‫عاماً‪ ،‬النشاط الثقافي االجتماعي ‪ 12‬عاماً‬ ‫حتى تاريخه)‪.‬‬ ‫وقال إنه يؤمن بالحكمة القائلة‪( :‬ما خاب‬ ‫من استشار)؛ ولهذا فقد طلب مشورةَ من يركَن‬ ‫إلى رأيهم‪ ،‬و َذ َك ـ َر أسماءهم وشكرهم على ما‬ ‫أضفوه على المحتوى‪.‬‬ ‫ولــد في ‪1363/10/7‬ه ـ ـــ‪1944/9/23 ،‬م‬

‫تزوج والده صالح بن عبداهلل الشبيلي من‬ ‫والدته فاطمة عام ‪1345‬هـ ‪1926‬م والتي يقول‬ ‫إنها تروي نتفاً مما تذكره عن ديرتها (إسطنبول)‬ ‫والقطار الــذي أقلها وقت الحرب األولــى مع‬ ‫خالها‪ ،‬وتتذكر المرور بالقريات‪ ..‬وقال إنها‬ ‫نسيت مفردات لغتها األصل‪ .‬وقال‪« :‬لم يوثق‬ ‫أحد من الباحثين الظروف التي أتت بأمثال‬ ‫هؤالء النسوة من بالدهن‪ ،‬حتى تحوّل بعضهن‬ ‫قسراً في مجتمعاتهن الجديدة إلى جوارٍ يُتاجر‬ ‫بهن‪ ،‬مع أنهن في األســاس أحــرار مختطفات‬ ‫أو سبايا ح ــروب‪ ،‬واألحــســن حظاً فيهن من‬ ‫لقين االحترام وأصبحن زوجات معززات‪ ،‬لكن‬ ‫أغلبهن انفصمن كلياً عن بيئتهن األصل‪ ،‬وصار‬ ‫يطلق عليهن نعوتاً تعميمية مثل‪ :‬تركيات أو‬ ‫أرمنيات أو شركسيات‪ ،‬أو كرجيات‪ ،»..‬وقال إن‬ ‫والدته «أندمجت بمقدرة عجيبة في المجتمع‬ ‫الجديد بلكنته القصيمية وعاداته‪ ..‬وأجادت‬ ‫األكالت والحلويات الشعبية‪ ...‬مع أنها كانت‬ ‫في األصــل نازحة من تركيا في إثــر الحرب‬ ‫العالمية األولــى أو حــرب األت ــراك واألرمــن‪،‬‬ ‫وقدِ مت إلى الجزيرة العربية مع عدد من بنات‬ ‫جنسها‪ ..‬لم يكن لدى بعضهن من المعلومات‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫‪1944-2019‬‬

‫بمنزل طيني صغير بسوق (المعثم) في مدينة‬ ‫عنيزة‪ ،‬وكان منذ صغره يجالس والده ويساعده‬ ‫في دكانه المتواضع في سوق المسوكف لبيع‬ ‫التمر والحبوب بالتجزئة‪ ،‬وكان (صاحبنا) حتى‬ ‫تجاوز الخامسة عشرة يساعد والده في غير‬ ‫وقت الدراسة‪ ،‬فيتواصل مع الزبائن‪ ،‬ويحرس‬ ‫البسطة وقت غياب الوالد للقيلولة أو لصالة‬ ‫الظهر‪ ،‬وقد جرّب البيع بدكان صغير مجاور‬ ‫لوالده ولكنه فشل وقفله‪.‬‬

‫‪43‬‬


‫ما يكفي لالستدالل على أسرهن بسبب صغر الدراسات العليا‪ ،‬وقبلها أوفد لتغطية مؤتمر‬ ‫الــســن‪ ،»..‬وقــال إن أشــقــاءه الثمانية يتمنون القمة العربي الثاني باإلسكندرية ثم مؤتمر‬ ‫الحصول من ذاكرة الوالدة على طرف الخيط عدم االنحياز في القاهرة عام ‪1964‬م‪.‬‬ ‫الموصل إلى أخوالهم وخاالتهم من أهلها‪ ..‬ولم‬ ‫وقال إن التلفزيون بدأ البث مدة ساعة بين‬ ‫يفلحوا‪.‬‬ ‫صالتي المغرب والعشاء من الرياض وجدة في‬ ‫دخل المدرسة العزيزية في الخامسة من‬ ‫عمره مرافقاً لشقيقه عبداهلل الــذي يكبره‬ ‫بسنة‪ ،‬قــال عــن نفسه‪( :‬لــم يكن كاتب هذه‬ ‫الحكايات نابهاً وال متوقد الذهن‪ ،‬وال متميزًا‬ ‫فــي دراســتــه‪ ،‬لكنه كمعظم لــداتــه منضبط‬ ‫المواعيد مثابر وخجول ومسالم‪ ،‬وكان لصغر‬ ‫سنه محدود الصداقات يغلب عليه االنزواء‪»..‬‬ ‫ص‪.75‬‬ ‫بعد إكماله الثانوية بالمعهد العلمي بعنيزة‬ ‫وهــو فــي الــســادســة عــشــرة مــن عــمــره انتقل‬ ‫للعاصمة الــريــاض لــلــدراســة فــي كلية اللغة‬ ‫العربية عام ‪1379‬هـ‪ ،‬وتعلم في دورات مسائية‬ ‫اللغة اإلنجليزية‪ ،‬ما ساعده على نيل شهادة‬ ‫الثانوية العامة لنظام وزارة المعارف وهدفه‬ ‫الــوصــول إلــى الــجــامــعــة‪ ،‬وأصــبــح يجمع في‬ ‫دراسته بين كلية اللغة العربية والجامعة‪ ،‬فكان‬ ‫يخرج من الكلية ليلحق بالدرسين األخيرين من‬ ‫كلية اآلداب‪ ،‬وهكذا بالنسبة لالمتحانات‪ ،‬تخرج‬ ‫عام ‪1383‬هـ ‪1963‬م في كلية اللغة العربية وفي‬ ‫العام التالي من جامعة الملك سعود‪..‬‬

‫‪44‬‬

‫‪1385/3/19‬هـ‪1965/7/17/‬م‪ ،‬ثم بدأ إحداث‬ ‫برامج جديدة‪ ،‬و ُمدّد وقت البث تدريجياً‪ ،‬وقال‬ ‫إن المرأة بدأت المشاركة بصوتها «وفي صيف‬ ‫عام ‪1394‬هـ ‪1974 -‬م كانت هدى عبدالمحسن‬ ‫الرشيد المذيعة في إذاعة جدة ثم في إذاعة‬ ‫لندن‪ ،‬في زيارة للرياض وقدَّ مت نشرة األخبار‬ ‫على التلفزيون هي األولى في تاريخه‪ ،‬ولم يكن‬ ‫لها ردة فعل تذكر» ص‪ ،133‬وأول أغنية سعودية‬ ‫نسائية على التلفزيون للمطربة المعروفة عتاب‬ ‫من إخراج سعد الفريح عام ‪1396‬هـ‪ ،‬وقد كان‬ ‫صاحبنا مديراً عاماً للتلفزيون من عام ‪1966‬م‬ ‫حتى ابتعاثه عام ‪1967‬م لشهادة الماجستير‬ ‫في اإلعالم من جامعة كانساس بأمريكا عام‬ ‫‪1388‬هـ ‪1968‬م ثم الدكتوراه في اإلعالم من‬ ‫جامعة واليــة أوهايو ‪1391‬هـ ـــ‪1971/‬م انتهى‬ ‫عمله باإلعالم عام ‪1397‬هـ‪1977/‬م بعد أربعة‬ ‫عشر عــامـاً قضاها فــي العمل اإلعــامــي‪..‬‬ ‫وكــان إلــى جــوار والــدتــه بــالــريــاض بعد وفــاة‬ ‫والده عام ‪1392‬هـ والتي توفيت بالمستشفى‬ ‫التخصصي بــالــريــاض فــي ‪1401/2/12‬هــــــ‬ ‫‪1980/12/19/‬م‪ ،‬بعد مرور تسع سنوات على‬ ‫وفاة والده‪ .‬وكان قد تزوج قبل بعثته للماجستير‬ ‫من زكية بنت عبداهلل أبا الخيل‪ ،‬رزق منها ابنه‬ ‫الوحيد طالل وابنتاه رشا وشادن‪.‬‬

‫رشح (صاحبنا) من قبل كلية اللغة العربية‬ ‫لاللتحاق بوزارة اإلعالم الجديدة التي أنشئت‬ ‫عام ‪1382‬هـ فعمل باإلذاعة بجدة وانتقل معها‬ ‫للرياض بعد أشهر‪ ،‬وبعد ثماني سنوات وصل‬ ‫انتقل عام ‪1397‬هـ ‪1977/‬م لوزارة التعليم‬ ‫إلى وظيفة قيادية فاختار تخصص اإلعالم في العالي‪ .‬وكان قبل ذلك محاضراً بقسم اإلعالم‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬ ‫مع صاحب السمو الملكي األمير وليد بن بدر بن سعود و سبطه األمير بدر بن وليد بن بدر بن سعود وسبطه فيصل بن رائد‬ ‫البراهيم و حفيده عبدالرحمن بن طالل الشبيلي‬

‫بجامعة الملك سعود من عام ‪1392‬هـ‪1972/‬م‪،‬‬ ‫فــبــدأ رحــلــة الــتــألــيــف بــكــتــاب (اإلع ـ ــام في‬ ‫المملكة العربية السعودية دراس ــة وصفية‬ ‫توثيقية تحليلية)‪ ،‬أصدر عام ‪1420‬هـ‪2000/‬م‬ ‫أحــد الكتب المرجعية في القسم‪ .‬وكــان في‬ ‫ال لوزارة التعليم العالي وأميناً عاماً‬ ‫عمله وكي ً‬ ‫للمجلس األعلى للجامعات‪.‬‬

‫‪1981/‬م حتى إلغائه عــام ‪1424‬هـ ـــ‪2003/‬م‬ ‫عضوية مجلس الشورى لثالث دوراته األولى‪.‬‬ ‫عضويته لمجلس أمــنــاء الشركة السعودية‬ ‫لألبحاث والنشر‪ .‬ومدير عام مؤسسة الجزيرة‬ ‫الصحفية‪ .‬وعضوية اللجنة العلمية لمركز‬ ‫حمد الجاسر الثقافي‪ ،‬وعضوية مجلس إدارة‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫لقد رحل ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يوم الثالثاء ‪ 27‬ذي‬ ‫القعدة ‪1440‬هـ الموافق ‪ 30‬من يوليو ‪2019‬م‬ ‫بمدينة الرياض‪ ،‬بعد نقله باإلخالء الطبي من‬ ‫باريس إثر إصابته بإغماءة‪ ،‬وقد ترك لنا كثيرًا‬ ‫من األعمال الثقافية اإلعالمية‪.‬‬

‫انتقل لعضوية مجلس الشورى في دورته‬ ‫األولى عام ‪1414‬هـ‪ 1994/‬بعد أن أمضى سبع‬ ‫عشرة سنة في وزارة التعليم العالي التي قال‬ ‫عنها‪« :‬بعد أن اكتسبت خبرة ثرية في أنظمة‬ ‫الجامعات ولوائحها‪ ،‬وقطف صداقات عزيزة‬ ‫مع عدد من أعضاء هيئة التدريس في مختلف‬ ‫وت ــرج ــم ل ــه ف ــي مــوســوعــة الــشــخــصــيــات‬ ‫الجامعات السبع»‪.‬‬ ‫السعودية‪ ،‬مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر‪.‬‬ ‫وشــارك في كثير من اللجان والمؤتمرات ط‪ ،2‬ج‪ .1‬قالت‪:‬‬

‫الخاصة باإلعالم والتعليم العالي ومن أهمها‪:‬‬ ‫ولــد عــام ‪1363‬هــــ ‪1943‬م بعنيزة‪ ،‬تلقى‬ ‫المجلس األعــلــى لــإعــام مــن عــام ‪1401‬هـــ تعليمه االبتدائي حتى الثانوي بها‪ ،‬بكالوريوس‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪45‬‬


‫آداب قــســم لــغــة عــربــيــة مــن جــامــعــة اإلم ــام‬ ‫محمد بن سعود اإلسالمية ‪1383‬هـ‪1963 ،‬م‪.‬‬ ‫بكالوريوس آخر في اآلداب قسم الجغرافيا من‬ ‫جامعة الملك سعود بالرياض ‪1385‬هـــ‪ ،‬نال‬ ‫الماجستير في اإلعــام من جامعة كانساس‬ ‫األمريكية ‪1389‬هـــ ‪1969 -‬م‪ ،‬والدكتوراه في‬ ‫اإلعالم من جامعة أوهايو األمريكية ‪1391‬هـ‬ ‫‪1971‬م‪ .‬أسهم في تأسيس أول إذاعة بالرياض‬ ‫‪1384‬هــــــ‪1964 ،‬م‪ ،‬وأول محطة تلفزيون‬ ‫بالرياض في العام التالي‪ُ ،‬عيِّن مديراً عاماً‬ ‫للتلفزيون ‪1397 -1391‬هـــــ‪ ،‬عمل أســتــاذاً‬ ‫لإلعالم بجامعة الملك سعود ‪1403 -1393‬هـ‪،‬‬ ‫شغل منصب وكيل وزارة التعليم العالي‪ ،‬وأمين‬ ‫ع ــام الــمــجــلــس األعــلــى لــلــجــامــعــات ‪-1403‬‬ ‫‪1414‬هـ ـــ ثــم تــقــاعــد‪ .‬فعين عــضــواً بمجلس‬ ‫الشورى ‪1414‬هـ حتى ‪1426‬هـ‪ ،‬عضو المجلس‬ ‫األعلى لإلعالم ‪1400‬هـ ‪1980‬م‪ .‬شغل عضوية‬ ‫مجالس الجامعات السبع‪ ،‬رئيس مجلس إدارة‬ ‫مؤسسة الجزيرة للصحافة والنشر ‪- 1417‬‬ ‫‪1421‬هـ‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫تــرجــم ل ــه ف ــي مــوســوعــة رواد اإلعـ ــام‬ ‫الــســعــودي‪ ،‬جاسم الــيــاقــوت‪ ،‬ط‪1431 ،1‬ه ـــ‪.‬‬ ‫أول سعودي يحصل على درجة الدكتوراه في‬ ‫اإلعالم‪ ...‬أسهم في تطوير البرامج واالبتعاث‬ ‫والتدريب وإنشاء المحطات التلفزيونية على‬ ‫مستوى المملكة‪ ،‬ثــم عمل أســتــاذاً لإلعالم‬ ‫بجامعة الملك سعود‪.‬‬ ‫كان رحمه اهلل محبوباً وودوداً لم أعرف‬ ‫ال له في حلمه وورعه وسعة صدره‪ ،‬وتحمل‬ ‫مثي ً‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫كــثــيــراً مــن الــمــآســي وال ــح ــوادث الشخصية‬ ‫والعامة‪ ...‬بيته مفتوح للجميع‪ ،‬حضرت مرات‬ ‫مع لقاءات ضحى أيام األحد في منزله بزمالئه‬ ‫أعضاء مجلس الــشــورى القدامى‪ ،‬وسافرت‬ ‫معه إلى عنيزة وإلــى لبنان وقابلته بالقاهرة‬ ‫في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام ‪2019‬م‬ ‫حيث ُك ـرِّم في جناح المملكة بحضور رفيقة‬ ‫دربه أم طالل‪ ،‬ورفض فكرة التكريم واستبدلها‬ ‫بإلقاء محاضرة عن أحــد مستشاري الملك‬ ‫عبدالعزيز الشيخ األزهري حافظ وهبة‪.‬‬ ‫كــان ‪-‬رحــمــه اهلل‪ -‬ال يحب األضـ ــواء وال‬ ‫المديح‪ ،‬رفض إقامة ندوة لتكريمه في مركز‬ ‫حمد الجاسر الثقافي عام ‪1439‬هـ بعد منحه‬ ‫وسام الملك عبدالعزيز في الجنادرية‪ ،‬وبعد‬ ‫إلــحــاح اقتنع‪ ،‬وكــان قــد سبق أن رفــض فتح‬ ‫ملف عنه في ملحق الجزيرة الثقافي (المجلة‬ ‫الثقافية)‪ ،‬رغم رجاء صديقه الدكتور إبراهيم‬ ‫التركي‪.‬‬ ‫آخر ما صدر له مذكراته (مشيناها) قبل‬ ‫أشهر‪ ،‬يقول إنــه اعتنى بتصحيحها وتعديل‬ ‫طباعتها ألكثر من ‪ 14‬مرة؛ ولهذا‪ ،‬نجده يشكر‬ ‫مسؤولي المطبعة لسعة صدورهم‪ .‬قرأتها لم‬ ‫أجد بها أي نقد أو انتقاد أو ذكر أي شخص‬ ‫بسوء‪ ،‬ولو بالهمز واللمز‪ .‬كان حريصاً على‬ ‫القيام بــالــواجــب الــعــام والــخــاص مهما بعد‬ ‫المكان في حالة الفرح والترح‪ ،‬وكثيراً ما يفتح‬ ‫بيته لتقبل العزاء في اآلخرين‪ .‬ففيه تجتمع‬ ‫الصفات الحميدة ‪ -‬رحمه اهلل‪.‬‬


‫وص ـ ‬ل ‪‭‬صــاحــب ‮«‬‬‪‭‬مـشـيـنــاهـا‬‪ ‭..‬حـكــايــات‬ ‪‭‬ذات‬‪‭‬‮» ‬إل ـى‬ ‪‭‬نـهــايـة‬ ‪‭‬رحـلـتــه‪‭ ‬،‬ب ـصــورة‬ ‪‭‬فــاجــأت‬ ‪‭‬جمي ‪‭‬ع‬ ‫‬مريديه‬‪‭‬وأصدقائه‬‪‭‬من‬‪‭‬مختلف‬‪‭‬أطياف‬‪‭‬المثقفين‬‪‭‬واإلعالميين‬‪‭‬والكتّاب‬‪‭‬وضيوف‬‪‭‬أحديته‬ ‫األسبوعية (‬زمالؤه‬ ‪‭‬من‬ ‪‭‬أعضا ‬ء ‪‭‬مجلس‬ ‪‭‬الشورى)‪ ،‬األحدية التي ظلت عامرة بأحاديثهم‪،‬‬ ‫ومناقشاتهم‪ ،‬ودعاباتهم في مجلس دارتــه بالرياض؛ كان أبو طالل دائــم الترحاب بهم‪،‬‬ ‫يفتح قلبه قبل بيته‪ ،‬لحاضرهم‪ ،‬مستذكر ًا غائبهم‪ ،‬مضيافا ً‪ ،‬ال يملِّ ‪ ،‬وال يكلُّ ‪ ،‬وال يمنُّ ‪،‬‬ ‫منتظرا‪ ،‬مستعدا لكل ملتقى جديد بأدواته التي يحب‪ :‬طرح موضوعات للنقاش‪ ،‬وتوزيع‬ ‫إصــداراتــه الجديدة‪ ،‬واستضافة عديد من الشخصيات ممن ي ــزورون الــريــاض ويتوافق‬ ‫وجودهم مع موعد األحدية‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.‬‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫د‬ ‪‭.‬عبدالرحمن‬ ‪‭‬الشبيلي‬ ‪‭..‬أيقونة‬ ‪‭‬متف ِّردة‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‫‪ρρ‬محمد صوانة*‬

‫الدكتــور‬ ‪‭‬عبدالرحمـن‬ ‪‭‬بـن‬ ‪‭‬صالـح‬ ‪‭‬الشــبيل ‪‭‬‬ ‫ي‬ ‫‮«‬‬أبــو‬ ‪‭‬طــال‬ ‪‭‬‮»‬ كمــا‬ ‪‭‬يناديــه‬ ‪‭‬محبــوه‪‭ ‬،‬فقيــد‪‭‬‬ ‫‬وطــن‪‭ ‬،‬بم ـا‬ ‪‭‬ل ـه‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬آثــار‬ ‪‭‬وإســهامات‬ ‪‭‬إعالمي ـة‪‭‬‬ ‫‬وثقافيــة‬ ‪‭‬واجتماعيــة‪‭ ‬،‬قــ َّ ‬ل ‪‭‬نظيرُهــا؛‬ ‪‭‬كيــف‬ ‪‭‬ال‪‭‬‬ ‫‬وق ـد‬ ‪‭‬اشــتهر‬ ‪‭‬بتوثيق ـه‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬كتب ـه‬ ‪‭‬الت ـي‬ ‪‭‬عك ـف‪‭‬‬ ‫‬بعــد‬ ‪‭‬تقاعــده‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬العمــل‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬تصنيفهــا‪‭‬‬ ‫‬وإصدارهــا‪‭ ‬،‬فصــارت‬ ‪‭‬ل ـه‬ ‪‭‬سلســلة‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬الكت ـب‪‭‬‬ ‫‬التــي‬ ‪‭‬تــؤرخ‬ ‪‭‬لمســيرة‬ ‪‭‬اإلعــام‬ ‪‭‬واألعــام‬ ‪‭‬فــي‪‭‬‬ ‫‬المملكــة‪‭ ‬،‬وعدي ـد‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬كت ـب‬ ‪‭‬الســير‬ ‪‭‬والتراج ـم‪‭‬‬ ‫‬لبع ـض‬ ‪‭‬رجــاالت‬ ‪‭‬الوطــن‪‭ ‬،‬إضاف ـة‬ ‪‭‬إل ـى‬ ‪‭‬كتابات ـة‪‭‬‬ ‫‬ف ـي‬ ‪‭‬مجــاالت‬ ‪‭‬اجتماعي ـة‬ ‪‭‬وتنموي ـة‬ ‪‭‬وتاريخيــة؛‪‭‬‬ ‫‬إذ‬ ‪‭‬لـم‬ ‪‭‬يكـن‬ ‪‭‬يمـر‬ ‪‭‬عــام‬ ‪‭‬واحـد‬ ‪‭‬مـن‬ ‪‭‬دون‬ ‪‭‬إصــدارات‪‭‬‬ ‫‬جديــدة‪‭ ‬،‬حت ـى‬ ‪‭‬وص ـل‬ ‪‭‬عدده ـا‬ ‪‭‬إل ـى‬ ‪‭‬م ـا‬ ‪‭‬يزي ـد‪‭‬‬ ‫‬ع ـن‬ ‪‭‬‮‪‭ ‬‬٥٥‬إصــداراً‪‭ ‬،‬وف ـي‬ ‪‭‬ســاعاته‬ ‪‭‬األخيــرة‬ ‪‭‬كان‪‭‬‬ ‫‬يعكــف‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬وضــع‬ ‪‭‬لمســاته‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬أعمــال‪‭‬‬ ‫‬يعدهــا‬ ‪‭‬للنشــر‬ ‪‭.‬‬ ‫ف ـي‬ ‪‭‬رســائل‬ ‪‭‬متبادلـة‬ ‪‭‬معـه‬ ‪‭‬بتاريـخ‬ ‪‭٢٧‬يوليـو‪‭‬‬ ‫‮ ‪‭ ‬،‬‬2019‬قبــل‬ ‪‭‬يــوم‬ ‪‭‬واحــد‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬الحادثــة‬ ‪‭‬التــي‪‭‬‬ ‫‬وقعــت‬ ‪‭‬لــه‬ ‪‭‬يرحمــه‬ ‪‭‬اهلل‪‭ ‬،‬ســألته هــل أنــت‬ ‫بالريــاض؟‬ ‪‭‬أجابنــي ‪‭"‬ :‬بعيــد‬ ‪‭‬قريــب‪‭ ‬،‬أعــود‪‭‬‬ ‫‬بــإذن‬ ‪‭‬اهلل‬ ‪‭‬نهايــة‬ ‪‭‬أغســطس‬ !"‪‭‬فعــاد‬ ‪‭‬بعــد‪‭‬‬

‫‬يوميــن‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬تلــك‬ ‪‭‬الرســالة‬‪ ‭.‬لكــن‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬قولــه‬ ‫«بعيــد‬ ‪‭‬قريــب‬»‬‪ ،‬إشــارة‬ ‪‭‬لطيفــة‬ ‪‭‬منــه‬ ‪‭‬يرحمــ ‪‭‬ه‬ ‫‬اهلل‬ ‪‭‬إل ـى‬ ‪‭‬أنـه‬ ‪‭‬مهمـا‬ ‪‭‬كان‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬مهمـة‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬مشــاغ ‪‭‬ل‬ ‫‬أو‬ ‪‭‬حتــى‬ ‪‭‬ســفر‬ ‪‭‬خــارج‬ ‪‭‬الوطــن؛‬ ‪‭‬فإنــه‬ ‪‭‬جاهــ ٌز‪،‭‬‬ ‫‬ره ـن‬ ‪‭‬إشــارة‬ ‪‭‬أي‬ ‪‭‬خدم ـة‬ ‪‭‬يطلبه ـا‬ ‪‭‬األصدقــاء‪‭ ‬،‬أو‪‭‬‬ ‫‬تتطلبهــا‬ ‪‭‬األعمــال‬ ‪‭‬التــي‬ ‪‭‬يتوالهــا‬ ‪‭‬معهــم‬!‪‭‬‬ ‫كان‬ ‪‭‬موســوعيّ ‬ ‪‭‬االهتمــام‪‭ ‬،‬واسـع‬ ‪‭‬األفـق‬ ‪‭‬ف ـ ‪‭‬‬ ‫ي‬ ‫‬الكتابـة‬ ‪‭‬والتأليـف‬ ‪‭‬والمشــاركات‬ ‪‭‬المنبريـة‬ ‪‭‬ف ـي‪‭‬‬ ‫‬مختل ـف‬ ‪‭‬المناب ـر‬ ‪‭‬الثقافي ـة‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬المملك ـة‬ ‪‭‬م ـن‪‭‬‬ ‫‬شــرقيها‬ ‪‭‬إلــى‬ ‪‭‬غربيهــا‬ ‪‭‬ومــن‬ ‪‭‬شــماليها‬ ‪‭‬إلــى‪‭‬‬ ‫‬جنوبيه ـا‬ ‪‭‬عل ـى‬ ‪‭‬الســواء‬‪‭.‬‬ ‫لقــد‬ ‪‭‬فقــدت‬ ‪‭‬الســاحة‬ ‪‭‬الثقافيــة‬ ‪‭‬عَ ل َمــ‪‭‬اً‬ ‫‬تجلَّــت‬ ‪‭‬بصماتــه‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬العطــاء‬ ‪‭‬وصنــع‬ ‪‭‬تجربــة‪‭‬‬ ‫‬ثــ ّرة‬ ‪‭‬وغنيــة‬ ‪‭‬بالمنتــج‬ ‪‭‬العلمــي‬ ‪‭‬الــذي‬ ‪‭‬ســيظ ‪‭‬ل‬ ‫‬مصــدر ‬اً ‪‭‬رئيس ـ ‬اً ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬موضوعاتــه‪‭ ‬،‬ينه ـل‬ ‪‭‬منه ـا‪‭‬‬ ‫‬الباحثــون‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬اإلعــام‬ ‪‭‬والســير‬ ‪‭‬والتراجــم‪‭‬‬ ‫‬والثقاف ـة‬ ‪‭‬بوج ـه‬ ‪‭‬عــام‬ ‪ ‭.‬‭‬وق ـد‬ ‪‭‬شــهد‬ ‪‭‬الكثيــرون‪‭‬‬ ‫‬بعلــو‬ ‪‭‬كعــب‬ ‪‭‬هــذه‬ ‪‭‬القامــة‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬الصعيــد‪‭‬‬ ‫‬الثقافــي‪‭ ‬،‬بــل‬ ‪‭‬وفــي‬ ‪‭‬كل‬ ‪‭‬عمــل‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬مســؤولية‪‭‬‬ ‫‬أســندت‬ ‪‭‬إليــه‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬توالهــا‬ ‪‭‬طواعيــة‬‪‭.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪47‬‬


‫ت ‬مجــال‬ ‪‭‬اإلعــام‪‭ ‬،‬مــا‬ ‪‭‬جعلتــه‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬أشــهر‬ ‪‭‬مــ ‪‭‬ن‬ ‫ســتظل‬ ‪‭‬ألب ـي‬ ‪‭‬طــال‪‭ ‬،‬يرحمـه‬ ‪‭‬اهلل‪‭ ‬،‬بصمــا ‪‭‬‬ ‫‬عديــدة‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مختلــف‬ ‪‭‬المجــاالت‬ ‪‭‬الثقافيــة‪‬ ‭‬صنّــف‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬هذيــن‬ ‪‭‬المجاليــن‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬المملكــة‪‭‬‬ ‫‬واالجتماعي ـة‬ ‪‭‬والرســمية‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬المملكــة‪‭ ‬،‬تفــرغ‪‬ ‭‬العربيــة‬ ‪‭‬الســعودية‬ ‪‭‬حتــى‬ ‪‭‬تاريخــه‬‪‭.‬‬ ‫‬للتصنيــف‬ ‪‭‬والتأليــف‬ ‪‭‬والمشــاركات‬ ‪‭‬الثقافيــة‪‭‬‬ ‫وقــد‬ ‪‭‬عمــل‬ ‪‭‬كاتــب‬ ‪‭‬هــذه‬ ‪‭‬الســطور‬ ‪‭‬معــ ‪‭‬ه‬ ‫‬فــي‬ ‪‭‬مختلــف‬ ‪‭‬المحافــل‬ ‪‭‬الثقافيــة‬ ‪‭‬والتنمويــة‪‭‬‬ ‫‬خــال‬ ‪‭‬فتــرة‬ ‪‭‬عملــه‬ ‪‭‬تصنيفــه‬ ‪‭‬لكتــاب‬ ‪(‭‬فصــل‪‭‬‬ ‫‬بالمملكــة‬‪‭.‬‭‬‬ ‫‬مــن‬ ‪‭‬تاريــخ‬ ‪‭‬وطــن‬ ‪‭‬وســيرة‬ ‪‭‬رجــال‪‭ ‬،‬األميــر‪‭‬‬ ‫إنــه‬ ‪‭‬رجــل‬ ‪‭‬فــ ّ ‬ذ ‪‭‬حفــر‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬الصخــر‬ ‪‭‬حتــى‪‬ ‭‬عبدالرحمــن‬ ‪‭‬ابــن‬ ‪‭‬أحمــد‬ ‪‭‬الســديري‬ ‪‭‬أميــر‪‭‬‬ ‫ي‬ ‫‬أصبــح‬ ‪‭‬رائــدا‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مجالــه‪‭ ‬،‬وصــار‬ ‪‭‬أيقونــة‪‬ ‭‬منطقــة‬ ‪‭‬الجــوف‬" ‪‭‬األســبق‬"‪‬ )‭‬الصــادر‬ ‪‭‬فــ ‪‭‬‬ ‫‬فريــدة‬ ‪‭‬قــل‬ ‪‭‬نظيرهــا‬‪‭.‬‬ ‫‬طبعتـه‬ ‪‭‬األول ـى‬ ‪‭‬عــام ‪‭‬1428‬ه ـــ‪‬٢٠٠٧/‬م والطبعـة‪‭‬‬ ‫ترّج ـم‬ ‪‭‬الشــبيل ي‬ ‪‭‬ح ّب ـه‬ ‪‭‬للتصني ـف‬ ‪‭‬والتأري ـخ‪‭‬‬ ‫‬وتوثيــق‬ ‪‭‬الســير‬ ‪‭‬الذاتيــة‬( ‪‭‬الغيريــة‬ )‪‭‬بتدويــن‪‭‬‬ ‫‬الكثيــر‬ ‪‭‬مــن‬ ‪‭‬المؤلفــات‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬هــذا‬ ‪‭‬المجــال‪‭،‬‬ ‫‬فكانــت‬ ‪‭‬لــه‬ ‪‭‬مؤلفــات‬ ‪‭‬ســتظل‬ ‪‭‬مراجــع‬ ‪‭‬لهــا‪‭‬‬ ‫‬أهميتهــا‬ ‪‭‬وحضورهــا‬ ‪‭‬ســواء‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مجــال‪‭‬‬ ‫‬التوثيــق‬ ‪‭‬لســير‬ ‪‭‬رجــاالت‬ ‪‭‬الوطــن‪‭ ‬،‬ممــن‬ ‪‭‬لهــم‪‭‬‬ ‫‬بصمــات‬ ‪‭‬وأعمــال‬ ‪‭‬جليل ـة‬ ‪‭‬ف ـي‬ ‪‭‬مجــال‬ ‪‭‬الخدمـة‪‭‬‬ ‫‬العامــة‪‭ ‬،‬أو‬ ‪‭‬تصنيــف‬ ‪‭‬كتــب‬ ‪‭‬ومؤلفــات‬ ‪‭‬فــي‪‭‬‬

‫تدوين بخط يد د الشبيلي (محرر الكتاب) يوثق رقم‬ ‫بروفة التعديالت على مخطوطة الكتاب قبل الطبع‬

‫* كاتب وإعالمي من األردن مقيم بالسعودية‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‬الثانيـة‬ ‪‭‬عام ‪‭‬1437‬هـ‪‭‬2016/‬م؛‬ ‪‭‬وشــهدتُ ‬ ‪‭‬بنفس ـي‪‭‬‬ ‫رصـه‬ ‪‭‬الكبيـر‬ ‪‭‬عل ـى‬ ‪‭‬كل‬ ‪‭‬كلمـة‬ ‪‭‬وحــرف‬ ‪‭‬يكتبــه‪‭،‬‬ ‫‬ح َ‬ ‫ِ‬ ‫‬حت ـى‬ ‪‭‬إنـه‬ ‪‭‬ال‬ ‪‭‬يتوان ـى‬ ‪‭‬عـن‬ ‪‭‬ســؤال‬ ‪َ ‭‬مـن‬ ‪‭‬لـه‬ ‪‭‬صلـة‪‭‬‬ ‫‬بــأي‬ ‪‭‬معلوم ـة‬ ‪‭‬للتأك ـد‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬دقته ـا‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬تاريخهــا‪‭‬؛‬ ‫‬كم ـا‬ ‪‭‬أن ـه‬ ‪‭‬كان‬ ‪‭‬يطل ـب‬ ‪‭‬م ـن‬ ‪‭‬آخري ـن‬ ‪‭‬مراجع ـة‬ ‪‭‬م ـا‪‭‬‬ ‫‬كتبــه‬ ‪‭‬ليسترشــد‬ ‪‭‬بمرئياتهــم‬ ‪‭‬وانطباعاتهــم‪‭،‬‬ ‫‬وق ـد‬ ‪‭‬يأخ ـذ‬ ‪‭‬بملحوظاته ـم‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬يناقشــهم‬ ‪‭‬فيه ـ‪‭‬ا‬ ‫‬عندمــا‬ ‪‭‬يكــون‬ ‪‭‬لــه‬ ‪‭‬رأي‬ ‪‭‬آخــر‬ ‪‭..‬وعلــى‬ ‪‭‬الرغــم‪‭‬‬ ‫‬مــن‬ ‪‭‬طــول‬ ‪‭‬باعــه‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مجــال‬ ‪‭‬اللغــة‬ ‪‭‬العربيــة‪‭،‬‬ ‫‬فقـد‬ ‪‭‬كان‬ ‪‭‬يرجـو‬ ‪‭‬مـن‬ ‪‭‬آخريـن‬ ‪‭‬تدقيـق‬ ‪‭‬نصوصــه‪‭،‬‬ ‫‬مــا‬ ‪‭‬يؤكــد‬ ‪‭‬حرصــه‬ ‪‭‬علــى‬ ‪‭‬ســامة‬ ‪‭‬اللغــة‪‭‬‬ ‫‬وتفــادي‬ ‪‭‬وجــود‬ ‪‭‬أي‬ ‪‭‬هفــوة‬ ‪‭‬لغوي ـة‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬إمالئي ـة‬ ‪‭‬أو‪‭‬‬ ‫‬تصحيفيــة‬‪ ‭..‬ومــا‬ ‪‭‬أزال‬ ‪‭‬أحتفــظ‬ ‪‭‬فــي‬ ‪‭‬مكتبــي‪‭‬‬ ‫‬بمخطوطـة‬ ‪‭‬النســخة‬ ‪‭‬رقـم‬ )‪‭(‬9‭‬لكتــاب‬ ‪‭‬الســيرة‪‭‬‬ ‫‬فــي‬ ‪‭‬طبعتــه‬ ‪‭‬األولــى‪‭ ‬2007‬م‬ ‪‭‬وعليهــا‬ ‪‭‬التوثيــق‪‭‬‬ ‫‬بخ ـط‬ ‪‭‬يــده‪‭ ‬،‬وه ـي‬ ‪‭‬النســخة‬ ‪‭‬نفســها‬ ‪‭‬الت ـي‬ ‪‭‬ت ـم‪‭‬‬ ‫‬تقديمه ـا‬ ‪‭‬للفس ـح‬ ‪‭‬إل ـى‬ ‪‭‬وزارة‬ ‪‭‬اإلعــام‪‭ ‬.‬ووضــع‬ ‫عليه ـا‬ ‪‭‬ملحوظــة لــأخ المصمــم‪‭" ‬:‬ال‬ ‪‭‬ب ـد‬ ‪‭‬م ـن‪‭‬‬ ‫‬توحيــد‬ ‪‭‬بدايــات‬ ‪‭‬كل‬ ‪‭‬فقــرة‪‭ ‬،‬داخــل‬ ‪‭‬الكتــاب‪‭،‬‬ ‫‬فإمــا‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تدخــل‬ ‪‭‬كلهــا‬ ‪‭‬قليــا‬ ‪‭‬أو‬ ‪‭‬تكــون‬ ‪‭‬كلهــا‪‭‬‬ ‫‬مــع‬ ‪‭‬الســطور"‪.‬‬


‫كتاب تأبيني صدرظ عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫‪ρρ‬احملرر الثقايف‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وداع الشـ ـ ـ ـ ـ ـبـيـ ـ ـ ـ ـ ــلي‬

‫في وداع عبدالرحمن الصالح الشبيلي‬

‫مختلف المجاالت‪.‬‬ ‫عَّ برت المقاالت والنصوص التأبينية التي‬ ‫نــشــرتــهــا وســائــل اإلعـ ــام ووس ــائ ــل الــتــواصــل‬ ‫االجتماعي عن مدى ال َفقْدِ الذي شعر به الجميع‬ ‫لرحيل أبي طالل‪ .‬وقد رأى مركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي أن يجمع بعض ما كُتب في‬ ‫تأبين الفقيد العزيز وإصداره في كتاب تذكاري‬ ‫وفا ًء للشبيلي رحمه اهلل‪.‬‬ ‫يقول الكتاب إن رحيل الدكتور عبدالرحمن‬ ‫الشبيلي هــو خــســارة لــلــوطــن‪ ،‬ورحــيــلــه يمثل‬ ‫بشكل خــاص خسارة يصعب تعويضها لمركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي؛ إذ ظل أبو طالل‬ ‫على مدى سنوات طويله وإلى آخر يوم في حياته‬ ‫يسهم في أنشطة المركز بكل حماسة‪.‬‬ ‫أصدر مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫كتاباً جــديــداً بعنوان "فــي وداع عبدالرحمن‬ ‫الصالح الشبيلي"‪ ،‬ضمن برنامج النشر ودعم‬ ‫االبحاث بالمركز لعام ‪1441 - 2019‬هـ‪ ،‬متضمنا‬ ‫عدداً من المقاالت والقصائد تم إخراجها وفق‬ ‫الترتيب الهجائي ألسماء مؤلفيها‪ ،‬متزامناً مع‬ ‫الندوة التي أقامها المركز لتسليط الضوء على‬ ‫جوانب من حياة الدكتور الشبيلي وعطاءاته في‬

‫وقد جاء الكتاب في ‪ 299‬صفحة‪ ،‬متضمنا‬ ‫مقدمة ونحوًا من ‪ 80‬مقاال لشخصيات وكتّاب‬ ‫ومفكرين ممن تربطهم وشــائــج الــصــداقــة أو‬ ‫القرابة أو العمل بالدكتور الشبيلي‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫تقارير صحفية وملحق خاص بصور ونشاطات‬ ‫الراحل الكبير‪ ،‬ومــن بين المقاالت المشاركة‬ ‫مقال الدكتور زياد ابن عبدالرحمن السديري‬ ‫العضو المنتدب لمركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي وابــنــة الــراحــل األســتــاذة ش ــادن بنت‬ ‫عبدالرحمن الشبيلي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪49‬‬


‫السعودية‬ ‫التشكيلية‬ ‫الفنانة‬ ‫تجربة‬ ‫واالنفتاح في‬ ‫التعد ِد‬ ‫أبعاد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬

‫عرفات العاصمي‬

‫■ إبراهيم احلجري*‬

‫ي ـعــرف الـمـشـهــد ال ـس ـعــودي التشكيلي حــرك ـ ّيــة مــدهـشــة عـلــى مـسـتــوى تــراكــم‬ ‫الـتـجــارب‪ ،‬وتـنـوّع ال ـمــدارس‪ ،‬واالتـجــاهــات الفنية‪ ،‬وتفاعلها مــع حركية المشهد‬ ‫البصري العالمي؛ لكن العنصر األهــم الــذي ال يمكن للمتتبعين‪ ،‬هــواة كانوا أم‬ ‫مختصين في مجال الفنون‪ ،‬التغاضي عنه؛ هو الحضور المكثّف لإلسهام النسائي‬ ‫في رفد التحوّالت الفنية‪ ،‬وإغنائها‪ ،‬وهو إسهام يتحقق فيه معيارا الكمِّ والكيف؛‬ ‫فقد سطع نجم العديد من الفنانات التشكيليات في سماء المشهد التشكيلي‬ ‫الـسـعــودي والـعــربــي‪ ،‬مــن خــال عملهن ال ــدؤوب على تطوير تجاربهن‪ ،‬والسعي‬ ‫لتحقيق أداء مبهر‪ ،‬يستطيع زحزحة الصورة النمطية التي تشكلت حول منجز‬ ‫المرأة‪ ،‬ويكون قادرًا على إقناع المتلقي‪ ،‬وإثارة اهتمامه إلى أن المراة السعودية‬ ‫وحــدّ ة ذكائها‪ ،‬وحسن إنصاتها للعالم المتعدد من‬ ‫بمواهبها الفطرية الخالقة‪ِ ،‬‬ ‫حولها‪ ،‬وتفاعلها اإليجابي مع ما يعتمل في محيطها السوسيوثقافي‪ ،‬وسمو‬ ‫مشاعرها الوطنية والقومية واإلنـســانـيــة‪ ،‬وحساسيتها المفرطة تجاه الــذات‪،‬‬ ‫والـجـســد‪ ،‬واآلخ ــر‪ ،‬وال ـكــون‪ ،‬ق ــادرة على اإلس ـهــام المعطاء فــي االرت ـقــاء بــالــذوق‪،‬‬ ‫والنهوض بالمجتمع على مستوى الواجهات كلها‪.‬‬ ‫‪ -1‬الخلفيات الثقافية والفنية‬

‫‪50‬‬

‫والخطوط‪ ،‬والتأمل في بهاء الطبيعة‪،‬‬

‫ش ـ ّكــلــت مــنــطــقــة «عــســيــر» الملهم وتضاريسها‪ ،‬وإعــجــازهــا فــي الخلق‪،‬‬ ‫الطبيعيّ األصــلــي للفنانة‪ ،‬والــرافــد وساعدتها األنشطة الموازية التي كانت‬ ‫الــذي منحها شحنات التفوّق‪ ،‬وفجّ ر تقام بمؤسستها التعليمية؛ بالموازاة مع‬ ‫ينابيع موهبتها‪ ،‬فتاقت نفسها إلى التحصيل الدراسيّ اليوميّ ‪ ،‬في اكتشاف‬ ‫أشعة االبتكار‪ ،‬وتأتّى لها عش ُق األلوان ذاتها‪ ،‬وصقل موهبتها‪ ،‬واختيار وجهتها‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫الفنانة عرفات العاصمي‪ ،‬ولوحة حروفيات مع تجسيد الخيل العربي األصيل (الخيل معقود في نواصيها الخير)‬ ‫شاركت بها في معرض بقالري الفن النقي بالرياض بمعرض حداثة خيل‬

‫الفنية‪ ،‬وصقل مكتسباتها القبلية في هذا‬ ‫تخصصها في مجال الجغرافيا؛ ودراســة‬ ‫ّ‬ ‫التوجّ ه؛ مستفيدة من مالحظات أساتذتها‪ ،‬المجال‪ ،‬ألهب إحساسها بالكون‪ ،‬وزاد من‬ ‫ومــرتــادي معارضها‪ ،‬وتشجيعات أسرتها؛ وعيها بقيمته بالنسبة للحياة؛ وطبيعة‬ ‫وخاصة والدها‪.‬‬ ‫العالقات السائدة بين عناصر الطبيعة‪،‬‬

‫غير أن أهــم تحدٍّ ‪ ،‬في مسار التجربة‪ ،‬والتفاعالت الحاصلة على مستوى المجال‬ ‫خاضته الــفــنــانــة؛ هــو العمل على تطوير البيئيّ ‪ ،‬لكنّها لــم تكتف بــذلــك‪ ،‬فصارت‬ ‫خبرتها التشكيلية؛ وتطوير معرفتها النظرية؛ تنفتح تدريجيّا‪ ،‬على ك ّل اآلفاق التي يمكنها‬ ‫تخصب تجربتها التشكيلية‪ ،‬فنهلت من‬ ‫ّ‬ ‫مع العمل على صقل موهبتها؛ وشحذ وعيها أن‬ ‫بالتجربة‪ ،‬وتحوالتها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬وانتقالها التراث الفنّي العربيّ في مجال الحروفية‪،‬‬ ‫من مدرسة إلى مدرسة‪ ،‬ومن مجال بصري والعمارة‪ ،‬واألرابيسك‪ ،‬والزخرفة‪ ،‬لتطور‬ ‫إلــى آخــر‪ .‬فــصــارت ترتقي ب ــاألداء الفني؛ أدائها الكاليغرافيّ ‪ ،‬وأغنت ثقافتها البصرية؛‬ ‫لتحقّق نجاحً ا باهرًا على مستوى رسومات‬ ‫بموازاة مع المعرفة النقدية‪.‬‬ ‫ولئن كــان نشوءُها فــي طبيعة ساحرة‪ ،‬البورتريه‪ ،‬وراكمت؛ في ذلك‪ ،‬منجزات مهمة‪.‬‬ ‫ألهمها عشق الجمال الذي يحيط بها؛ فإن‬

‫لقد أسهم هــذا االنفتاح على التجارب‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪51‬‬


‫ومع أن الوسط التربوي الذي نشأت في‬ ‫كنفه‪ ،‬لم يتح لها التوجّ ه إلى مجالها المحبوب‬ ‫منذ الصغر‪ ،‬لكون منطقتها األم (عسير) ال‬ ‫تتوافر على بنيات للتكون الفني آنذاك‪ ،‬فإنها‬ ‫تخصصها‬ ‫ّ‬ ‫لم تستسلم‪ ،‬وظلت بالموازاة مع‬ ‫فــي الــجــغــرافــيــا ودراســــة الــمــجــال‪ ،‬ت ــزاول‬ ‫نشاطها الفني بشكل مستقل‪ ،‬إرضاء لنزوعها‬

‫بدايات تجاربها في الخط مع التشكيل‬

‫لوحة تمثل مدائن صالح وقوم ثمود استوحت فيها صور‬ ‫النساء من نقوش الصخور في كهوفهم‬

‫لوحة تجسِّ ُد الرجل والمرأة العسيرية والتراث الجنوبي‬ ‫بالمملكة العربية السعودية‬

‫المختلفة‪ ،‬والحرص على تنويع الخلفيات‪،‬‬ ‫والمنطلقات الثقافية‪ ،‬والخوض في مختلف‬ ‫االتجاهات التشكيلية؛ في االرتقاء بالكفاءات‬ ‫المهارية والفنية لدى الفنانة عرفات‪ ،‬والسمو‬ ‫بذوقها الجمالي بشكل عام‪ ،‬واالطالع على‬ ‫تجارب اآلخــريــن؛ وتفجير خبرات كامنة؛‬

‫‪52‬‬

‫جعلت أفقها التشكيلي في تالقح مستمر‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫لوحة تمثل التراث الجنوبي والرقصة الجنوبية لدى الرجال‬


‫والــمــعــاكــســات‪ ،‬والــمــشــوشــات‪ ،‬الخارجية‬

‫والداخلية‪ ،‬وما أكثرها!‬

‫ولــقــد أفـــادت الفنانة عــرفــات‪ ،‬كذلك‪،‬‬

‫من الحركية الوازنة التي يعرفها المشهد‬ ‫الثقافي السعودي‪ ،‬والتطور المطّ رد للتجارب‬ ‫التشكيلية‪ ،‬واألهمية التي يحظى بها التشكيل‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫وقــود التجربة‪ ،‬وسالحها ضد المثبطات‪،‬‬

‫بصفة خاصة‪ ،‬والفنون البصرية بصفة عامة‪،‬‬

‫لوحة تجسّ د الكعبة المشرفة وحمام الحرم وشخوص‬ ‫تجريدية للمحرمين فازت بالمركز الثاني في مسابقة‬ ‫بالجمعية السعودية للفن التشكيلي بالرياض‪.‬‬

‫في برامج النوادي والمؤسسات الثقافية‪،‬‬

‫والمهرجانات الفنية‪ ،‬واألدبــيــة‪ ،‬إذ تتخلل‬ ‫المعارض الفردية والجماعية كافة األنشطة‪،‬‬

‫سواء داخل المؤسسات التعليمية والجامعية‪،‬‬

‫بداياتها في رسم الطبيعه بالزيتي‬

‫الفطري‪ ،‬وموهبتها الطبيعية‪ ،‬الشيء الذي‬

‫جعل تلك اإلرهاصات األولية تتحوّل‪ ،‬شيئا‬

‫فشيئا‪ ،‬إلى تجربة فنية رائدة‪ ،‬استقام عودها‬ ‫بأسلوب تصاعديّ ‪ ،‬اعتمادًا على مقومات‬ ‫الــــذات‪ ،‬وحــسّ ــهــا اإلب ــداع ــي‪ ،‬وعصاميتها‬ ‫الفذة‪ ،‬وتكوين شخصي متين‪ ،‬كان اللقاء فيه‬ ‫مع الخامات‪ ،‬واأللوان‪ ،‬والمشاهد الطبيعية‪،‬‬

‫لوحة "الصداقة" شاركت بها في جاليري آرت الطائف‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪53‬‬


‫أو في الفضاءات الثقافية العامة‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫الورشات التكوينية التي تُستدعى لتأطيرها‪،‬‬ ‫والتي تشكّل محكّا للتجربة‪ ،‬ورافدًا خصبًا‬ ‫للوعي بخصوصياتها الفكرية والنقدية‪،‬‬ ‫آفاق لتألقها‪،‬‬ ‫ومعيارًا للبحث من جديد‪ ،‬عن ٍ‬ ‫وإشعاعها‪.‬‬ ‫فضال عن ذلك‪ ،‬يسهم االطالع المتواصل‬ ‫للفنانة على المنجزات النقدية التشكيلية‪،‬‬ ‫سواء تلك التي ترد في الصحف والمجالت؛‬ ‫بوصفها متابعات للحركية الفنية المحلية‬ ‫والعربية‪ ،‬أم تلك الدراسات الرصينة التي‬ ‫تؤصل للنظريات والمدارس الفنية عربيًا‪،‬‬ ‫وعالميًا‪ ،‬في تنوير الوعي بطبيعة األداء‬ ‫الفني‪ ،‬وخصوصيته الجمالية‪ ،‬والفلسفية‪،‬‬ ‫ومعايير تصنيفه في هذا االتجاه الفني أو‬ ‫ذاك؛ واألهم من ذلك كله‪ ،‬أن هذه المتابعة‬ ‫تكسب الذات قدرتها على التحليل‪ ،‬والتفكير‬

‫في األدوات‪ ،‬واإلسناد‪ ،‬والخامات‪ ،‬والعناصر‬ ‫المؤثثة‪ ،‬والحوامل‪ ،‬وتمنحها أهلية التموقع‬ ‫ضمن االختصاصات‪ ،‬والمجاالت المعروفة‬ ‫عــالــمـ ًيــا‪ ،‬مــع الــســهــر عــلــى تــطــويــر الــوعــي‬ ‫بــالــتــجــربــة‪ ،‬ورفــدهــا بــاألفــكــار‪ ،‬والــمــوارد‬ ‫الــجــديــدة‪ ،‬وتقويم التجربة تقويمًا ذاتـ ًيــا‬ ‫استناد إلــى رؤيــة متبصرة‬ ‫ٍ‬ ‫مــتــواصـاً‪ ،‬فــي‬ ‫بالعالم الفنيّ لألعمال المنجزة‪ ،‬ووعي دقيق‬ ‫بالحدود‪ ،‬واألبــعــاد‪ ،‬والمعايير‪ ،‬واألدوات‪،‬‬ ‫والخامات المستعملة‪ ،‬والرسائل المبطنة‬ ‫التي تمررها اللوحات الفنية‪.‬‬ ‫‪ -2‬وعي تجريبي‬ ‫تمارس الفنانة عرفات تجربتها التشكيلية‬ ‫اس؛ فهي مهووسة بتطوير‬ ‫بوعيٍّ فنيٍّ حسّ ٍ‬ ‫أدائــهــا الفني‪ ،‬وبالقدر نفسه‪ ،‬تسعى إلى‬ ‫توسيع ثقافتها النقدية التشكيلية‪ ،‬وتراهن‬ ‫عــلــى الــمــعــرفــة الفنية للسمو بــالــذائــقــة‪،‬‬

‫من المعرض المقام على هامش الورشة نتائج المتدربات المبدعات من تأطير الفنانة عرفات العاصمي‬ ‫وتنظيم هيئة الثقافة والفنون وجمعية الفنون بالطائف‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫والنهوض بالمنجز‪ ،‬فهي تعرف أن العالم‬ ‫يتطور بشكل ملفت‪ ،‬فتتطور معه األشكال‪،‬‬ ‫والبنيات‪ ،‬وتتغير وسائط التعبير‪ ،‬وتتنوع‬ ‫آفـــاق الــتــصــورات‪ ،‬بــل وتــتــعــدل الــمــواقــف‬ ‫والرؤى والعالقات‪ ،‬قدر معرفتها بخصوصية‬ ‫المعرفية التشكيلية التي ال يمكن التغافل‬ ‫عنها‪ ،‬ألنها مدخل الفنان التشكيلي إلى‬ ‫القبض على المفاصل الــكــبــرى للمعنى‪،‬‬ ‫والبوابة الممكنة لولوج المدرك اإلنسانيّ ‪،‬‬ ‫ســـواء تعلق األمـــر بــاألحــاســيــس أو ردود‬ ‫األفعال‪ ،‬أو االنفعاالت‪ ،‬أو المنظورات‪ ،‬أو‬ ‫اآلراء المختلفة من شخص إلى آخر‪ ،‬ودون‬ ‫هذه المعرفة التشكيلية‪ ،‬ال يمكن الحديث‬ ‫عن تجربة مواكبة لــروح العصر ومتغيرات‬ ‫الكون في عالم يسير بوتيرة سريعة ال يمكن‬ ‫اإلمساك بها‪ ،‬أو مجاراتها‪.‬‬

‫تكريم الفنانة العاصمي من طرف صاحب السمو الملكي‬ ‫عبداهلل بن سعد بن عبدالعزيز آل سعود على هامش‬ ‫المعرض الجماعي الذي نظمته بجدة نسا آرت ‪2016‬‬

‫يمنحان الفنان التشكيليّ طاقة مضاعفة‬ ‫تسعف الحواس على االشتغال بإيقاع متسارع‪،‬‬ ‫وتضعه في قلب الصورة‪ ،‬ال خارجها‪ ،‬وتجعله‬ ‫مسكونا بالعالم ال ساكنا له؛ ومن ثَ َّم ‪ ،‬يمكن‬ ‫أن يفصح بالنيابة عنه‪ ،‬والتعبير عن مشاكل‬ ‫إنّ الوعي بالعالم من حولنا‪ ،‬وبمتغيراته‪ ،‬اآلخــريــن‪ ،‬وإبـ ــراز همومهم‪ ،‬ومطامحهم‪،‬‬ ‫وأســئــلــتــهــم الــحــارقــة فــي خــصــاب بــصــريّ‬ ‫تعبيريّ ‪ ،‬يحمل مــن الجمالية واإلبداعية‬ ‫ما يجعله مقبول التلقي‪ ،‬سلس العبور إلى‬ ‫الذهن‪ .‬كما أن الوعي بخصوصية التجربة‬ ‫الفنية‪ ،‬ومدارسها‪ ،‬واتجاهاتها‪ ،‬وأدواتها‪،‬‬ ‫وخاماتها‪ ،‬وحــدود التصرف فيها‪ ،‬ودرجــة‬ ‫االنفتاح على أشكال وأنماط الفنون األخرى‬ ‫القريبة أو البعيدة‪ ،‬يُقوّي من سبل اختالق‬ ‫قوالب جديدة لمحكي العين‪ ،‬وابتكار قنوات‬ ‫مخالفة لما هو معتاد‪ ،‬من أجــل اإلفصاح‬ ‫عن المكنون التعبيريّ والشعوريّ ‪ ،‬وإصدار‬ ‫لوحة "جبل الرحمة" شاركت فيها بمسابقة الحج والعمرة مواقف وجدانية وتصورات فنية وفكرية‪ ،‬من‬ ‫المقامة بالنادي األدبي بجدة‪.‬‬ ‫خالل وسيط اللوحة‪ .‬ناهيك عن كون هذا‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪55‬‬


‫الوعي المحايث للتجربة والممارسة الفنية‪ ،‬ومتى يستعمل تلك‪ ،‬وبــأي أســلــوب‪ ،‬ووفــق‬ ‫وهذه المعرفة البصرية المواكبة لدى الفنانة أي تصور؟ وإذا لم يستطع الفنان اإلجابة‬ ‫عرفات‪ ،‬يشحذان قدراتها على التوريش‪ ،‬عن هــذه األسئلة‪ ،‬وغيرها مما يُثار حول‬ ‫وتأطير الــنــشء‪ ،‬وخــوض تــجــارب تكوينية الممارسة التشكيلية‪ ،‬فإنّه يكون خارج دائرة‬ ‫لفائدة الشباب‪ ،‬من اكتشاف مواهب جديدة‪ ،‬إدراك ــه الــواعــي‪ ،‬منصاعً ا لسلطة لحظته‬ ‫وتحريض الناس على اقتراف المزيد من‬ ‫اإلبداعية التي يجهل خصوصياتها‪.‬‬ ‫البهاء والجمال‪ ،‬وتهذيب الذائقة اإلنسانية‬ ‫وعلى هذا األســاس‪ ،‬فالفنانة التشكيلية‬ ‫الكامنة؛ إذ ال يمكن أليّ فنان مهما شعّت‬ ‫تجربته في العالم‪ ،‬أن يقوم بهذا النشاط إذا السعودية عرفات العاصمي‪ ،‬تسعى إلدراك‬ ‫لم يق ِّو معرفته بمحيطه‪ ،‬وبمجال اشتغاله‪ ،‬مفاصل تشكل اللحظة اإلبــداعــيــة لديها‪،‬‬ ‫وبخصوصية أدوات ـ ــه‪ ،‬وطبيعة وســائــطــه‪ ،‬ول ــدى غيرها مــن مجايليها‪ ،‬وأصدقائها‬ ‫وحوامله‪ ،‬ومعيناته‪ ،‬ومتى يستخدم هذه‪ ،‬الفنانين وصديقاتها الفنانات‪ ،‬ورصد آليات‬

‫جانب من الورشات‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫لحظة استقبال األمير خالد الفيصل بمعرض تشكيلي شاركت فيه الفنانة عرفات العاصمي إلى جانب عدد من‬ ‫الفنانات السعوديات على هامش مهرجان الورد بالطائف‬

‫االنــتــقــال مــن مفصل إل ــى آخ ــر‪ ،‬وطــقــوس‬ ‫الــعــبــور‪ ،‬والــعــاقــة مــع الــخــامــات واألدوات‬ ‫والحوامل‪ ،‬والتقاط المسافة الفاصلة بين‬ ‫الحواس والقماش لحظة االشتغال‪ ،‬وأوان‬ ‫انغماس الشعور الــاواعــي في الموضوع‪،‬‬ ‫أثناء االنسجام الكلّي مع عوالم اإلبــداع‪،‬‬ ‫والــحــديــث الــس ـرّي بين جُ ــوان ـ ّيــات الفنان‬ ‫وتركيبته النفسية والفكرية وبياض اللوحة‪،‬‬ ‫كل ذلــك من أجــل نقل التجربة إلــى الجيل‬ ‫الجديد‪ ،‬وتنوير مواهبه‪ ،‬وكفاياته الفنية‬ ‫الباطنية‪ ،‬وكأنها تريد‪ ،‬بصيغة أخــرى‪ ،‬أن‬ ‫تفعل مع النشء‪ ،‬ما افتقدته في طفولتها‬ ‫الفنية‪ ،‬وبــدايــاتــهــا األولـ ــى‪ ،‬حيث لــم يكن‬ ‫يتوافر المحيط السوسيوثقافي على معاهد‬ ‫متخصصة للتكوين والمرافقة الفنية‪ ،‬والدعم‬ ‫ّ‬ ‫النفسيّ والمعنويّ ‪.‬‬ ‫‪ -3‬عوالم فنية متعددة‬ ‫لم تقيّد الفنانة عرفات نفسها في خندق‬

‫تخصص فنيّ واحد‪ ،‬ولم تقتنع بأن تتقوقع‬ ‫ّ‬ ‫داخل خانة تصنيفية معينة‪ ،‬أو اتجاه جمالي‬ ‫محدد‪ ،‬أو مدرسة تشكيلية بذاتها‪ ،‬رغم أنها‬ ‫تتقن العمل في كل االتجاهات والتخصصات‬ ‫الفنية التشكيلية على حد ســواء‪ ،‬وبالقدر‬ ‫نفسه مــن الــدقــة‪ ،‬والــمــســتــوى نفسه من‬ ‫االهتمام‪ ،‬والدرجة ذاتها من التميز‪ ،‬وعيًا‬ ‫ومعرفة وأداء‪ ،‬انطالقا من إيمانها العميق‬ ‫بكون القوى اإلبداعية تتأجّ ج ضمن الغنى‬ ‫والتنوّع‪ ،‬وتخفُت كلّما ضيّقنا عليها الخناق‪،‬‬ ‫خاصة في مجال فنيّ بصريّ سريع التحول‪،‬‬ ‫متغير األدوات‪ ،‬متداخل مع وسائط كثيرة‬ ‫متنوعة‪ ،‬وانطالقا مــن حسها االستباقي‬ ‫الــــذي يــهــجــس بــكــون الــفــنــان التشكيلي‬ ‫المستقبلي يجب أن يــنـوّع ثقافته‪ ،‬ويفتح‬ ‫عينيه على مختلف الوسائط التي تستدعي‬ ‫حاسة البصر‪ ،‬ويراهن على تضامن الفنون‬ ‫كلها؛ انسجاما مع متغيرات الوسيط الرقمي‬ ‫الجديد‪ ،‬الذي سيضرب الوسائط التقليدية‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪57‬‬


‫‪58‬‬

‫وفنية‪ ،‬وثقافية وازنة؛ دون أن ننسى ميولها‪،‬‬ ‫بوصفها امــرأة إلى التعبير الوجداني‪ ،‬من‬ ‫خــال ابتكار لــوحــات تعبِّر عــن العواطف‬ ‫الجياشة‪ ،‬والمشاعر المتضاربة تجاه ما‬ ‫يــحــدث حــولــهــا فــي الــعــالــم مــن تــمــوجــات‪،‬‬ ‫وأحداث‪ ،‬ومنعطفات (االتجاه الرومانسيّ )‪،‬‬ ‫كما انفتحت مــؤخ ـرًا على الفن الرقميّ ‪،‬‬ ‫والــعــرض االفتراضيّ عبر وضــع لوحاتها‪،‬‬ ‫وجديد أعمالها رهــن إشــارة متتبعيها في‬ ‫كل المعمورة‪ ،‬معتمدة على مواقع التواصل‬ ‫لوحة أنا المدينة شاركت بها بمعرض عن المدينة‬ ‫االجتماعي (تويتر‪ ،‬فيسبوك‪ ،‬انستجرام‪،‬‬ ‫يوتيوب‪ ،)..‬من أجل تقاسم اللحظات الفنية‪،‬‬ ‫في مقتل‪.‬‬ ‫وتــبــادل اآلراء‪ ،‬والنقد البنّاء‪ ،‬والنقاشات‬ ‫‏آم ــن ــت عـــرفـــات ب ــاالت ــج ــاه الــطــبــيــعــي الفنية المُغنية للتجربة‪.‬‬ ‫(ال ــواق ــع ــي)‪ ،‬وقــدمــت فــيــه لــوحــات رائــعــة‬ ‫بعضا مــن وقتها‬ ‫ً‬ ‫وخصصت «عــرفــات»‬ ‫ّ‬ ‫وثّقت للحظة تفاعلها مع مجالها الطبيعي‬ ‫الفنيّ ؛ لالشتغال على قضايا األمة العربية‪،‬‬ ‫(منطقة عسير)‪ ،‬ومع جمال مدينة الطائف‪،‬‬ ‫وأســئــلــة ال ــم ــواط ــن‪ ،‬وان ــش ــغ ــاالت الــنــاس‬ ‫وانبهارها بالخَ لق اإللهي‪ ،‬واإلعجاز الرباني‬ ‫بالمناسبات الوطنية‪ ،‬فعبّرت عن مواقفها‪،‬‬ ‫في هندسة الكون‪ ،‬مثلما أبدعت في مجال‬ ‫وأفكارها تجاه هذه القضايا‪ ،‬عبر رسومات‪،‬‬ ‫الحرفية‪ ،‬وراكمت أعماال ملهمة‪ ،‬عرضتها‬ ‫في عديد من المناسبات والفضاءات‪ ،‬فضال‬ ‫عن كونها أبهرت متتبعيها بقدرتها على رسم‬ ‫عوالم تجريدية (االتجاه التجريديّ )‪ ،‬تطلق‬ ‫فيها العنان لخيالها الواسع‪ ،‬وبنات أفكارها‬ ‫الــشــعــريــة‪ ،‬وثقافتها المعرفية الــواســعــة‪،‬‬ ‫ناهيك عن كونها أسهمت بوعي ذكــيّ في‬ ‫إثراء المشهد التشكيليّ السعوديّ ‪ ،‬ومعارضه‬ ‫المتنوعة‪ ،‬ومهرجاناته‪ ،‬بمنجزات بصرية‬ ‫ذات هوية مختلفة تراهن على (البورتريه‬ ‫الفني)‪ ،‬وقدمت‪ ،‬من خــال هــذا األسلوب‬ ‫لوحة تجسد قصيدة وامعتصماة‬ ‫(السيف أصدق إنبا ًء من الكتب)‬ ‫التشكيليّ شخصيات وطــنــيــة؛ سياسية‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ولــوحــات تجسيدية‪ ،‬تــوثــق اللتحامها مع‬ ‫القضايا الحساسة للوطن واألمة‪ ،‬وانخراطها‬ ‫في اهتمامات العرب والمسلمين اليومية‪،‬‬ ‫وبــخــاصــة فيما يتعلق بــالــحــروب المُعلنة‬ ‫على األمة (قضية فلسطين)‪ ،‬والصراعات‬ ‫اإليديولوجية والفكرية‪ ،‬واإلرهاب والتطرف‪،‬‬ ‫ـض مضجع اإلنــســان‬ ‫وغــيــر ذل ــك مــمــا يــقـ ّ‬ ‫المعاصر بصفة عامة‪ ،‬حيثما وُجــد داخل‬ ‫على وجه األرض‪.‬‬ ‫وانسجاما مع خصوصية ك ّل اتجاه فني‪،‬‬ ‫سعت‬ ‫ِ‬ ‫وطبيعة كل مدرسة أو تيار تشكيلي‪،‬‬ ‫الفنانة إلى تنويع أدواتها‪ ،‬وأساليبها بوعي‬ ‫حاد جــدا‪ ،‬فهي تعرف كيف تختار اآلليات‬ ‫التي تشتغل عبرها فــي كــل عمل‪ ،‬حسب‬ ‫تصنيفه‪ ،‬وانتمائه‪ ،‬وتــفــرق بين الحوامل‬ ‫الــمــمــكــنــة لــعــرض كــل تــجــربــة عــلــى حــدة‪،‬‬ ‫وتوظف في كل لحظة إبداعية؛ األسلوب‬ ‫األنــجــع لتبليغ الــفــكــرة‪ ،‬والــقــنــاة المالئمة‬ ‫لعكس المكنونات الشعورية‪ ،‬والموضوعات‬

‫اسكتش من بداياتها‪ ،‬لصورة انتشرت في اإلنترنت لرجل‬ ‫كبير بالسن‬

‫لوحة تجسد الظلم شاركت بها في معرض أجنحه عربيه بجده‬

‫ـواز للسياق‬ ‫الــبــصــريــة‪ ،‬فــي استحضار مــتـ ٍ‬

‫السوسيوثقافي‪ ،‬وللحظة التعبيرية‪ ،‬وللفضاء‬ ‫المحتضن للتجربة‪ ،‬ومستوى المتلقين للعمل‬ ‫الفني‪.‬‬

‫ولــم يــتــأتّ هــذا الــتــعـدّد وه ــذا االنفتاح‬

‫داخل التجربة التشكيلية من فراغ؛ بل هما‬ ‫جمال الورد بتجريد لوني‪ ،‬شاركت بها في مهرجان الورد‬ ‫بالطائف في حديقة الردف‬

‫اختياران نابعان من قناعة فنية راسخة؛‬ ‫تــراهــن عــلــى االســتــمــراريــة‪ ،‬والــشــمــولــيــة‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪59‬‬


‫مشروع واسع المشارب‬ ‫ٍ‬ ‫وتعمل على تنفيذ‬ ‫والخلفيات‪ ،‬واألدوات؛ فالتعدد سمة الرؤية‬ ‫الــشــامــلــة الــمــؤمــنــة بــإمــكــانــيــات الــتــاقــي‪،‬‬ ‫والــتــمــاســك‪ ،‬والــتــاقــح‪ ،‬وانــتــقــال األفــكــار‬ ‫والتجارب من مجال إلى آخر‪ ،‬ومن تجربة‬ ‫إنسانية إلى أخرى؛ أما االنفتاح‪ ،‬فهو ميزة‬ ‫فنية توحي باالعتقاد في الكلّيات‪ ،‬والتعالي‬ ‫عــن الــخــصــوصــي‪ ،‬والــمــحــدود فــي الــزمــان‬ ‫والمكان‪ -‬مع أن الفنانة شديدة االلتصاق‬ ‫بالوطني‪ ،‬والمجالي‪ ،‬واإلقليمي من حيث‬ ‫التمظهر الــهــويــاتــي‪ -‬واالشــتــغــال بــاألفــق‬ ‫اإلنسانيّ في جوهره المشترك‪ ،‬وبخاصة‬ ‫مع هيمنة الوسائط والميديا الجديدة التي‬ ‫قربت الجغرافيا‪ ،‬وقهرت المسافات‪ ،‬وجعلت‬ ‫مــن الــعــالــم قــريــة صــغــيــرة‪ ،‬بــل إ ّنــهــا محت‬ ‫الــحــدود والحواجز التي كانت تفصل بين‬ ‫الهويات الثقافية والفنية‪ ،‬وصار الفنان معنيا‬ ‫بالسّ ؤال الوجودي لكافة البشر على اختالف‬

‫لوحة الكعبة المشرفة للفنانة العاصمي المشاركة بمعرض‬ ‫تواصل ‪ ٢‬بالرياض لعام ‪١٤٣٨‬هـ‬

‫انتماءاتهم الجغرافية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬والعقدية‪،‬‬ ‫والثقافية‪.‬‬ ‫خــاصــة الــقــول‪ ،‬إنّ الفنانة «عــرفــات‬ ‫العاصمي» تعي جيدًا خصوصيات تجربتها‪،‬‬ ‫وتؤمن بالخلفيات الفكرية والثقافية التي‬ ‫وتفان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تصدر عنها اختياراتها‪ ،‬وتعمل‪ ،‬بجدٍّ‬ ‫مــن أجــل عكسها جميعا ضمن أعمالها‬ ‫المتنوعة التجليات‪ ،‬والمختلفة القوالب‪،‬‬ ‫والحوامل‪ ،‬والفضاءات‪ ،‬انسجامًا مع طبيعة‬ ‫المشروع الفني المتكامل الــذي صممته‬ ‫وعناية شديدين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـرار‬ ‫قبليًا‪ ،‬مع سبق إصـ ٍ‬ ‫ومع االعتقاد البالغ في أحقيّة الفنّ بخدمة‬ ‫الرسالة اإلنسانية السامية‪ ،‬وتنقية العالم‬ ‫من مظاهر الكراهية‪ ،‬وأشــكــال الفساد‪،‬‬

‫لوحة جمل للفنانة عرفات العاصمي المقتناة في معرض‬ ‫مبدعات ‪ 4‬معرض تجريد تنظيم هيئة الثقافة والفنون‬ ‫وجمعية الثقافة والفنون بالطائف‬

‫ * ناقد وروائي من المغرب‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫ومكامن القبح‪ ،‬إلح ــال قيم السماحة‪،‬‬ ‫والتعايش‪ ،‬والنبل‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والسلم‪،‬‬ ‫والسالم‪ ،‬واألمن واألمان‪.‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الصورة في شعر مريد البرغوثي‬ ‫إيقاع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والحنين إلى الجذور‬ ‫واأللم‬ ‫االغتراب‬ ‫شعرية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫■ نضال القاسم*‬

‫فــي الـثــامــن مــن تــمّ ــوز (يــولـيــو) ع ــام ‪1944‬م‪ ،‬ول ــد الـشــاعــر الفلسطيني مريد‬ ‫غسانة‪ ،‬قرب مدينة رام اهلل‪ ،‬وأنهى فيها دراسته الثانوية‪،‬‬ ‫البرغوثي في قرية دير ّ‬ ‫ثم التحق بجامعة القاهرة‪ ،‬وحصل على ليسانس اللغة اإلنجليزية سنة ‪1967‬م‪،‬‬ ‫وقــد عمل في التدريس وفــي الحقول الثقافية واإلعالمية‪ ،‬وكــان ممث ًال التحاد‬ ‫كتّاب فلسطين في اتحاد الشباب العالمي لمدة عشر سنوات‪.‬‬ ‫وبـعــد هزيمة عــام ‪1967‬م‪ ،‬منع االح ـتــال اإلســرائـيـلــي الفلسطينيين الذين‬ ‫تصادف وجودهم خارج البالد من العودة إليها‪ ،‬وقد كان مريد واحد ًا من هؤالء‪ ،‬إذ‬ ‫كان ما يزال حينها على مقاعد الدراسة في جامعة القاهرة‪.‬‬ ‫وف ــي ه ــذا الــصــدد يــقــول مــريــد‪ :‬وت ــزوّج من الكاتبة الروائية الدكتورة‬

‫"نــجــحــت فــي الــحــصــول عــلــى شــهــادة "رضوى عاشور"‪ ،‬وهو يحدثنا في كتابه‬ ‫تخرّجي‪ ،‬وفشلت في العثور على حائط النثري الرائع "رأيت رام اهلل" عن سيرته‬ ‫أعلق عليه شهادتي"!‬ ‫نعم فشل في العثور على جدار كما‬ ‫فشل بكل محاوالته بالعودة إلى الوطن‬ ‫ورؤية األهل واألصدقاء‪ ،‬إال بعد ثالثين‬ ‫عاما‪.‬‬

‫الذاتية وعن تميم وأم تميم‪ ،‬إذ عادت‬ ‫السيدة رضوى بالدكتوراه ورزقهما اهلل‬ ‫بتميم في ‪1977/6/13‬م؛ أي كما يقول‬

‫قبل ترحيله من مصر بخمسة أشهر‪.‬‬ ‫"كانت الوالدة متعسرة‪ .‬رأيت بعينيّ وجع‬ ‫ال ــوالدة‪ ،‬فشعرت أن من الظلم أن ال‬

‫من هنا‪ ،‬فقد بقي مريد في مصر‪ ،‬ينسب األطفال إلى األم! ال أدري كيف‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪61‬‬


‫اغتصب الرجل حق نسبة المولود لنفسه؟‬ ‫لتبدأ بعد ذلك حركات سياسية في الشارع‬ ‫المصري‪ ،‬احتجاجاً على زي ــارة الــســادات‬ ‫إلسرائيل‪ ،‬ليطرد على إثرها (مــريــد) من‬ ‫أرض الكنانة عندما كــان ابــنــه تميم في‬ ‫شهره الخامس‪ ،‬مخلِّفاً وراءه وطناً ثانياً‬ ‫وزوجة وابناً‪ ،‬وقد منع بعد ذلك من العودة‬ ‫إلى مصر لمدة سبع عشرة سنة؛ فبدأ في‬ ‫هذه المرحلة مر ًة أخرى بالتنقل بين المنافي‬ ‫العربية واألوروب ــي ــة‪ ،‬الــقــاهــرة وبودابست‬ ‫ومناف أخــرى‪ ،‬عمل فيها وامتدت‬ ‫ٍ‬ ‫وباريس‬ ‫عالقاته وذاع صيت كتاباته‪ ،‬وكان ال يستطيع‬ ‫أن يرى ابنه وزوجته إال في اإلجازات‪ ،‬حين‬ ‫كانت (رضوى) تأخذ بيد (تميم) وتذهب به‬ ‫لزيارة زوجها الــذي طــرده الرئيس الراحل‬ ‫محمد أنور السادات من مصر‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫ومــمــا ال شــك فــيــه‪ ،‬أن الــشــاعــر مريد‬ ‫البرغوثي من أبرز الشعراء الذين دافعوا عن‬ ‫عدالة القضية الفلسطينية بالكتابة والشعر‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫واإلب ــداع الفني‪ ،‬إضافة إلــى كونه شاعراً‬ ‫متألقاً ومستمراً في اإلبــداع وكتابة الشعر‬ ‫منذ خمسين عاماً‪ ،‬وهو يهتم في قصائده‬ ‫بالمشترك اإلنساني؛ ما يجعل شعره بالغ‬ ‫التأثير في قارئه أي ـاً كانت جنسيته؛ فهو‬ ‫حسية مادية ملموسة ينقل من‬ ‫يكتب بلغة ِ ّ‬ ‫خاللها حواسّ ه‪ ،‬إنّها لغة بديعة مغتربة في‬ ‫الجمال‪ ،‬كما أنه يعمل أيضاً على ما يسميه‬ ‫تــبــريــد الــلــغــة‪ ،‬أي إبــعــادهــا عــن البطولية‬ ‫والطنين‪ .‬وتخلو قصيدته من التهويمات‬ ‫والهذيان‪ ،‬فشعره عفوي الصياغة‪ ،‬مطبوع‬ ‫العبارة‪ ،‬قوامه الرمز والــصــورة‪ ،‬وهــذا ما‬ ‫أسهم في توسيع دائــرة قرائه في العالم‪،‬‬ ‫وأتـ ــاح لــه الــمــشــاركــة فــي عــديــد كبير من‬ ‫اللقاءات الشعرية ومعارض الكتاب الكبرى‬ ‫فــي الــعــالــم‪ ،‬وقــدم مــحــاضــرات عــن الشعر‬ ‫الفلسطيني والعربي في جامعات القاهرة‬ ‫وفاسو أكسفورد ومانشستر وأوسلو ومدريد‬ ‫وغيرها‪ .‬فمريد من األسماء التي وجهت‬


‫بالنظر إلــى أدواتـــه المتفردة واللحظات‬

‫وفــي كتابه النثري ذائــع الصيت "رأيــت‬

‫المفصلية التي عاصرها وكتب عنها‪ .‬وقد رام اهلل‪1997 ،‬م" الــفــائــز بــجــائــزة نجيب‬ ‫اختير في عام ‪2015‬م رئيساً للجنة التحكيم محفوظ لــإبــداع األدب ــي للعام (‪1997‬م)‬

‫لجائزة الرواية العربية‪.‬‬

‫والذي يعد سيرة وطن‪ ،‬وتاريخ شعب‪ ،‬والذي‬

‫صدر للشاعر البرغوثي خالل السنوات تمت ترجمته إلى العديد من اللغات‪ ،‬ومنها‬

‫الــمــاضــيــة الــعــديــد مــن األعــمــال الشعرية على سبيل المثال ال الحصر‪ :‬اإلنجليزية‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫مسار الخريطة الشعرية في العالم العربي‪ ،‬رياض الريّس‪ ،‬بيروت‪2018 ،‬م)‪.،‬‬

‫والنثرية‪ ،‬ومنها‪( :‬الطوفان وإعادة التكوين‪ ،‬والهولندية واإلسبانية‪ ،‬وثَّق البرغوثي سيرته‬ ‫دار العودة‪ ،‬بيروت‪1972 ،‬م)‪ ،‬و (فلسطيني الذاتية وتفاصيل رحلة العودة إلى موطنه‬

‫في الشمس‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪1974 ،‬م)‪ ،‬بعد ثالثين عاماً من الغربة واالشتياق‪ ،‬فبدأ‬

‫و (نشيد للفقر المسلّح‪ ،‬اإلعــام الموحد‪ ،‬الحكاية من على مشارف جسر العودة‪ ،‬جسر‬

‫بيروت‪1977 ،‬م)‪ ،‬و (األرض تنشر أسرارها‪ ،‬الملك حسين‪ ،‬الذي اجتازه قبل ثالثين عاماً‬ ‫دار اآلداب‪ ،‬بــيــروت‪1978 ،‬م)‪ ،‬و (قصائد إلنهاء سنته الدراسية األخيرة وعاد إليه بعد‬

‫الــرصــيــف‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات طــول غياب وعــذاب وشــوق ليلملم شتاته‪،‬‬

‫والنشر‪ ،‬بيروت‪1980 ،‬م)‪ ،‬و (طال الشتات‪ ،‬وبمشاعر متناقضة يحاول اجتيازه‪ ،‬حيث‬ ‫دار الــكــلــمــة‪ ،‬ب ــي ــروت‪ ،‬نيقوسيا قــبــرص‪ ،‬بدأ كتابه بوصف قصصي شاعري دقيق لكل‬ ‫جف ماؤه‪ ،‬للجسر الخشبي‬ ‫‪1987‬م)‪ ،‬و (رنة اإلبــرة‪ ،‬المؤسسة العربية شيء‪ ،‬للنهر الذي َّ‬

‫للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1993،‬م)‪ ،‬و (ليلة القصير المشبع برائحة األه ــل والمترع‬

‫مجنونة‪ ،‬الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بالصور القديمة الساكنة فــي الــوجــدان‪،‬‬ ‫‪1995‬م)‪ ،‬و (منطق الكائنات‪ ،‬دار المدى‪ ،‬والـ ــذي عــبــر خــالــه آالف الفلسطينيين‬

‫عمان‪1995 ،‬م)‪ ،‬و (الناس في ليلهم‪ ،‬دار مهجّ رين وعائدين بتصريح زيــارة‪ ،‬للجندي‬ ‫اآلداب‪ ،‬ب ــي ــروت‪1999 ،‬م)‪ ،‬و (منتصف اإلسرائيلي المرتبك الــذي رآه ألول مرة‪،‬‬

‫الليل‪ ،‬دار رياض الريّس‪ ،‬بيروت‪2005 ،‬م)‪ ،‬هناك وقــف وقــال "ورائـــي العالم وأمامي‬ ‫و (مــجــلــد األعــمــال الــشــعــريــة‪ ،‬المؤسسة عالمي"‪ .‬ثم أخذنا إلى عالمه‪ ،‬إلى فلسطين‬

‫العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1997،‬م)‪ ،‬وتحديداً إلى رام اهلل‪ ،‬الّتي وصفها بعمق‬ ‫و (األعمال الشعرية الكاملة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬في كتابه‪ ،‬وأوضح طباع أهلها‪ ،‬قبل هجرته‪،‬‬

‫دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪2013 ،‬م)‪ ،‬و (األعمال وبعد عودته إلى الوطن بعد ثالثة عقود من‬

‫الشعرية الكاملة‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الخيبة والوجع‪ ،‬من الحنين واالنتماء إلى‬

‫القاهرة‪2013 ،‬م)‪ ،‬و (استيقظ كي تحلم‪ ،‬دار مكان هو في األصل‪ ،‬جغراف ّيًا‪ ،‬استحقاقيّة‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪63‬‬


‫للفرد‪ ،‬كبقعة هو ينتمي إلى حدودها‪ !..‬تلك‬

‫المدينة التي تغيّرت مالمحها‪ ،‬تغيّر ناسها‬ ‫وأهلها‪ ،‬فقد كبُر الصغير وشاب فيها الكبير‪،‬‬

‫وصفها بدقة فجعل القارئ كأنه يعيش فيها‪،‬‬

‫يمرجحه بين الماضي ال ــذي انــهــال على‬ ‫رأســه وبين الحاضر الــذي فــاجــأه‪ ،‬أخذنا‬

‫إلى شوارعها‪ ،‬إلى بيوتها القديمة والحديثة‪،‬‬ ‫إلــى تاريخها وحــاضــرهــا‪ ..‬فجعل كــل من‬

‫يقرأ الكتاب يعيش تفاصيله‪ .‬بين الماضي‬

‫والحاضر‪ .‬في مجمله هو نص إنساني إلى‬ ‫أبعد حد‪ ،‬إذ نجد أن البرغوثي يصف طبيعة‬ ‫رام اهلل‪ ،‬ويــغـرّد جمال ّيًا‪" :‬رام اهلل السرو‬

‫والصنوبر‪ ،‬أراجــيــح المهابط والمصاعد‬ ‫الجبليّة‪ ،‬اخضرارها الّذي يتحدّث بعشرين‬ ‫لغة من لغات الجمال‪.‬‬

‫ومن المعروف أن الشاعر مريد البرغوثي‬

‫يــمــتــاز ع ــن غ ــي ــره م ــن ال ــش ــع ــراء الــعــرب‬

‫المعاصرين بقدرته االستثنائية على وصف‬ ‫المشاهد اليومية‪ ،‬بصياغات ذكيّة وصور‬ ‫عفوية تنحا ُز للحقيقة والجمال ودفق الحياة‬

‫بعيداً عن الغموض‪ ،‬فهو شاع ٌر يمتّح من‬

‫الثقافة البصرية وينتصر إليقاع الصورة؛‬ ‫ومما يضفي بعداً جمالياً على شعره انفتاح‬

‫الرؤية على المعجم الطبيعي المكثف الذي‬ ‫انعكس في أغلب األحيان على إيقاع اللغة‬ ‫والصورة في شعره؛ فهو يؤكد غير ما مرة‬ ‫أنــه صــديــق حميم لــأشــيــاء والــمــوجــودات‬

‫(األشــجــار‪ ،‬الــفــراشــات‪ ،‬الــزهــور‪ ،‬الزنابق‪،‬‬

‫‪64‬‬

‫الــنــوارس‪ ،‬النوافذ‪ ،‬الــغــزالن‪ ،‬الريح‪ ،‬النار‪،‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫النجوم‪ ،‬الماء‪ ،‬الضوء‪ ،)..‬وهي مفردات تخلق‬ ‫معها األلفة ما دامت تبعث فينا الحياة‪ .‬ومن‬ ‫األمثلة على ذلك في شعره قصيدة "مشهد‬ ‫يومي"‪ ،‬وهي قصيدة تتكامل أمام القارىء في‬ ‫خط تصاعديّ يتجه تدريجياً باتجاه الذرْوة‪،‬‬ ‫بنبرة خافتة ولغة دقيقة‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬

‫ووراء النافذة‬ ‫اليومي‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫استمرَّ المشهد‬ ‫أوالدٌ يعدون المقاليع‬ ‫ورايات‬ ‫ٌ‬ ‫وأصوات هتافات‬ ‫وعسكر‬ ‫يطلقون النار في زهوٍ وفوضى‬ ‫وصبي آخرٌ يهوي شهيد ًا‬ ‫ٌّ‬ ‫فوق إسفلت الطريق!‬ ‫لكنّه بأسلوبه الــشــعــريّ الممتع‪ ،‬الــذي‬ ‫يقترب من قصيدة السيناريو‪ ،‬والذي يتداخل‬ ‫فيه الشخصي مع العام والنص النثري مع‬ ‫الشعر‪ ،‬وقدرته على صياغة الدهشة في‬ ‫تركيب الجملة‪ ،‬جعل مــا ق ـدّمــه كتلة من‬ ‫الجمال‪ ،‬المحمّلة بالوعي المطلوب اقتناؤه‬


‫أصابَهُ الجَ مالْ‬ ‫لمنزل َ‬ ‫ٍ‬ ‫عدْ ُت مُ تعباً‪ ،‬كَكُ لِّ منْ يَعود‬ ‫للشباب الفلسطينيّ ‪ ،‬حول قضيّتهم‪ ،‬وحول‬ ‫ما يواجهونه من تضليل؛ لحرف نظرهم عن‬ ‫الرؤية األقرب إلى الشموليّة‪ .‬كما يظهر في‬ ‫قصيدته المشهدية "بوابة البلد"‪ ،‬من ديوان‬ ‫"الناس في ليلهم"‪ ،‬والتي تتحدث عن واقع‬ ‫مــؤلــم ينقل فيه الشاعر ص ــورة مــن صور‬ ‫عذبة‬ ‫ٍ‬ ‫بلغة‬ ‫عذابات وطنه الجريح‪ ،‬إذ يقول ٍ‬ ‫سلسة‪:‬‬

‫هذا هو الغد ُر األنيقُ أناقة اإلنصاف‬ ‫أصواتُهم‬ ‫ترجني ْ‬ ‫عدت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ب ّواَبَة األْبواب‬ ‫ال مفتا َح في ي َِدنا‬ ‫ولكنا دخلنا الجئينَ على منازلنا‬ ‫التي كانت منازلنا‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عتمة الــيــأس ظــل يشعل مصابيح األمــل‬ ‫ويغنّي للعودة‪ ،‬كما في قصيدته المعنونة بـــ‬ ‫"دار رعد" إحدى قصائد ديوانه "الناس في‬ ‫ليلهم"‪ ،‬يقول في هذه اللوحة الشعرية التي‬ ‫تصوّر أجواء المكان‪:‬‬

‫وقــد ح ــاول مــريــد فــي شــعــره أن يفضح‬ ‫الغربة بك ّل ما فيها من أحاسيس‪ ،‬ويعرّيها‬ ‫لمن يطمح إليها‪ ،‬وحاول أن يحاكمها‪ ،‬لكنّها‬ ‫أمل‬ ‫مرضه الخبيث الّذي تكاثر وتحوّل إلى ٍ‬ ‫ضائع‪ ،‬وهو في اغترابه عن الواقع‪ ،‬مُضط ٌر‬ ‫دائماً للبحث عن الطمأنينة في الماضي‪،‬‬ ‫وها هو يرسم لنا لوحة مدهشة في واحدة‬ ‫من قصائد ديوانه (الناس في ليلهم)‪ ،‬حيث‬ ‫ينتقل بنا من الحاضر إلى الماضي ليحدثنا‬ ‫مغرقة في‬ ‫ٍ‬ ‫بلغة‬ ‫عن طفولته‪ ،‬ويبثّ انفعاالته ٍ‬ ‫الشفافية والبساطة‪ ،‬ضمن صــورة شعرية‬ ‫رائعة‪ ،‬تصف واقعاً مجبوالً باأللم واألمل‪،‬‬ ‫يقول‪:‬‬

‫نسيت غ ْي َم الدهْ ر لحظةً‬ ‫ُ‬ ‫وعدت للطفل الذي‬ ‫ُ‬ ‫هذا ما حاول مريد البرغوثي طرحه؛ من من مَ هْ ده القوطيّ تا َه في البالدِ مُ غْ رم ًا‬ ‫خالل تسليط الضوء على تجربته‪ ،‬وتجربة وَمُ رْغم ًا وعا ْد‬

‫من حوله من أبناء جيله في الغربة‪ ،‬حين‬ ‫العودة وبعدها‪ ،‬ورؤيــة رام اهلل وقريته بعد‬ ‫ثالثة عقود من المنع اإلجباريّ عن مسقط‬ ‫رأسه‪ .‬ولم يكن شيء‪ ،‬مهما قسا بقادر على‬ ‫انتزاع روح األمل من نفسه الشاعرة‪ ،‬فمن‬

‫ويستبد الحنين بالشاعر بسبب ابتعاده‬ ‫عن وطنه‪ ،‬فنراه يوظِّ ف أسلوب االستفهام‬ ‫للتعبير عــن هــذا الحنين‪ ،‬بألق تصويري‬ ‫وحنكة نسقية في تفعيل األنساق اللغوية‪،‬‬ ‫فيسأل بمهارة فنيّة عالية ونبرةٍ تجمع بين‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪65‬‬


‫الشجى والسخرية والــســؤال عــن الغائب يربطها الفيض الشّ عوريّ ‪ ،‬ويختتمها بقصيدة‬ ‫الغريب والمكان ليبدو المشهد الشعري مهداة للشاعر محمود درويــش‪ .‬أمّا الجزء‬ ‫بغاية المباغتة‪ /‬والتفعيل النسقي‪ ،‬وهذا الثاني فقد أدرج ــه تحت عــنــوان أســاســيّ‬ ‫األســلــوب في التفعيل النسقي‪ ،‬يزيد بؤرة وهو "منطق الكائنات مرّة أخــرى"‪ .‬والجزء‬ ‫ـص نــثــري في‬ ‫التخييل الشعري عمقاً وانفتاحاً رؤيــويـاً‪ ،‬الــثــالــث اختتمه الــشــاعــر بــنـ ّ‬ ‫وللتدليل على ذلك نأخذ قوله‪:‬‬ ‫استذكار زوجته الروائية والناقدة المصرية‬

‫الغريب حي ُْث كانْ‬ ‫ُ‬ ‫هلْ يْرجعُ‬ ‫وهل يعودُ نفسَ ه المكانْ ؟‬

‫‪66‬‬

‫ويظهر الــبــرغــوثــي مــن خــال نصوصه‬ ‫الحديثة كما عرفناه دائماً‪ ،‬أي إنساناً يسعى‬ ‫باستمرار إلــى تــجــاوز نفسه ويستمد من‬ ‫الالنهائي المفتوح أمامنا سبباً الندفاعه‪،‬‬ ‫بمخيلة جامحة وأحالم‬ ‫ٍ‬ ‫مستعيناً في ذلك‬ ‫ليله ونهاره‪ ،‬وذاكــرة صورية لألشياء‪ ،‬وقد‬ ‫نجح البرغوثي في ديوانه األخير "استيقظ‬ ‫كــي تحلم" فــي نقل نبض الحياة اليومية‬ ‫وعذاب الناس‪ ،‬فهو شاع ٌر مختلف‪ ،‬يبحث في‬ ‫المعيش اليومي وفي كالم الناس ومفرداتهم‬ ‫وإيقاعات حياتهم‪ ،‬وهذا ما ارتكز عليه طوال‬ ‫حياته ولم يتزحزح عنه قيد أ ُنمله‪ .‬وقد عاد‬ ‫من خالل ديوانه األخير إلى حيويته النابضة‬ ‫والــثــابــتــة عــلــى معايير الــجــمــال المشبعة‬ ‫بالحنين واألمــل؛ فالديوان يسودهُ الحني ُن‬ ‫للماضين‪ :‬ابتدا ًء بمنيف البرغوثي‪ ،‬مروراً‬ ‫بــاألب واألم واألخ مجيد ومحمود درويــش‪،‬‬ ‫وقوفاً في حضرة "السيّدة" والحبيبة رضوى‬ ‫عاشور‪ ،‬التي أهدى لها مري ُد الديوان‪ .‬ويض ّم‬ ‫الديوان ثالثة أجزاء‪ :‬يتكوّن الجزء األوّل من‬ ‫مجموعة قصائد تحمل عناوين مختلفة‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الــراحــلــة الــدكــتــورة رض ــوى عــاشــور‪ ،‬تحت‬

‫عنوان "افتحوا األبــواب‪ ..‬لتدخل السيدة"‪،‬‬ ‫وفي هذا الجزء يواصل الشاعر تنغيم لحنه‬ ‫في دفقات متتابعة كالبلورات الصغيرة أو‬ ‫الورود الناضرة الشائكة‪ ،‬مستحضراً رفيقة‬

‫دربه رضوى‪ ،‬ومعلناً انشغاله بها لتظل حية‪،‬‬

‫وليدفئها من البرد‪ ،‬كما جاء في قوله في‬ ‫قصيدة "خلود صغير"‪:‬‬

‫مُ فرداً‪ ،‬شاهقاً‪،‬‬ ‫شرفتي غيمة دللتها السماء‪،‬‬ ‫أطلّ على شاطئ جنة‪،‬‬ ‫قال أخضرها كل أقواله هامساً‪ ،‬هادر ًا‬ ‫فُ ستقي الذوائب‪ ،‬يوشك يلمع‪،‬‬ ‫أخضر يرضع‪ ،‬يحبو‪،‬‬ ‫يكاد يشيب إلى المشمشي المضيء‪،‬‬ ‫ويــدخــل فــي الصدئي الموشى كما قشر‬ ‫رمانة أوغلت في النضوج‬ ‫وأخضر فيه الدخاني‪،‬‬ ‫يهرب من زرقة خالطته‬ ‫خ ـل ــف أزرار ه ـ ــذا ال ـق ـم ـيــص ال ـخ ـف ـيــف‪،‬‬ ‫أواصل أشغال من ظل حيا‪ :‬أدفئ رضوى‬ ‫من البرد‪.‬‬ ‫كما أن قصائد الــديــوان تعبّر عن اله ّم‬


‫موسيقية تبث أنغامها بــأصــداء العبارة‪،‬‬

‫إن كتابة الشاعر مريد البرغوثي كتابة‬ ‫تفاعلية؛ ذات خصوصية تجريبية تقوم على‬ ‫التداعي‪ ،‬واالنفتاح الداللي‪ ،‬والجمالي بين‬ ‫الفنون‪ ،‬واألنـــواع‪ ،‬والحكايات‪ ،‬واألصــوات‬ ‫الممتدة من المعارف‪ ،‬والذاكرة الجمعية‪،‬‬ ‫واإليقاعات‪ ،‬والمؤثرات التشكيلية المباغتة‬ ‫التي تسهم في تعميق فضاءات المتخيالت‬ ‫الشعرية‪ ،‬واألصــوات التي تؤكد االختالف‪،‬‬ ‫والتجدد‪ ،‬ودوال الكتابة نفسها في صيرورتها‬ ‫المستقبلية‪ ،‬كما أن شعره يمتاز بفاعلية‬ ‫التخيل في توليد الصور الشعرية؛ ورغم أن‬ ‫جملته الشعرية مكثفة للغاية‪ ،‬إال أنها تنحو‬ ‫أحياناً إلى األسلوب السردي‪ ،‬الذي يروي‬ ‫بكلمات موجزة مثقلة بالمعاني واإلسقاطات‪،‬‬ ‫كقوله في قصيدة (أسْ ما ُؤهُم)‪:‬‬

‫طغت عليها شعرية عالية تالمس الروح‪ ،‬وهي‬

‫قصائ ُد لم ينَ ْل الحز ُن من جماليتها فنياً‪ ،‬فقد‬

‫تحكّم البرغوثي بشعره‪ ،‬فكان من الطّ بيعيّ‬

‫أن يستم ّد مفرداته من الواقع المعاش‪ ،‬من‬

‫طين األرض ومالمح الناس البسطاء‪ ،‬فاللغة‬ ‫طيّعة له يقودها كيفما شاء‪ /‬ويشكلها كيفما‬ ‫بحس جماليٍّ شــعــوريٍّ عميق‪ ،‬فهو‬ ‫ٍّ‬ ‫يــشــاء‪،‬‬

‫يعبر بلغة شفيفة‪ ،‬تثير القارئ بسالستها‪،‬‬ ‫وعذوبتها‪ ،‬وإيقاعها الداخلي‪ ،‬وكأنها نغمات‬ ‫لتحولّها من نسق انسيابي إلى آخر‪ ،‬لدرجة‬

‫يثير القارئ إلى األبعاد اإليحائية التي تحمله‬ ‫الجملة الشعرية‪ .‬والمتابع لقصائد الديوان‬ ‫يلحظ أن البرغوثي يكتب ذاته وألمه وألم‬ ‫اآلخــريــن‪ ،‬يصوّر الحب واألســى بعيداً عن‬

‫اإليديولوجيا البائسة التي كانت سبباً في‬ ‫انحطاط كثير من الشعر العالمي‪ ،‬ويكفي‬ ‫أن نُور َد من القصيدة االفتتاحية التي جاءت‬

‫تحت عنوان "خلو ٌد صغير" هذا المقطَ ع‪:‬‬

‫الشوقَ ِمن لُغتي‪،‬‬ ‫ها أنا اطرُ دُ ّ‬ ‫المكان‬ ‫ِ‬ ‫ـراف بِ ـ َكـســرِ‬ ‫وهــل الـ ّـشــوقُ إال اع ــتِ ـ ٌ‬ ‫مكانَينْ‬ ‫والواح ِد اث َني ِْن؟‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫سم ِجسمَ ِ‬ ‫والج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومـــا يــمــيــز الـــديـــوان ه ــو ات ــس ــاع رقــعــة‬

‫الموضوعات والقضايا التي تشغل الشاعر‪،‬‬

‫وعلى رأسها القضايا الوطنية والوجودية‪،‬‬ ‫والــوجــدانــيــة‪ ،‬فــجــاءت الــقــصــائــد مكثفة‪،‬‬

‫ومعمّقة‪ ،‬وترتفع فيها القيمة األسلوبية‪،‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ِصيَغِ بليغة‪ ،‬وتحمل رسائل عميقة‬ ‫اإلنسانيّ ب ِ‬

‫وإن نحا في بعض القصائد إلى األسلوب‬ ‫االنــفــعــالــي ال ــذي يكشف طبيعة الشاعر‬ ‫الثائرة‪ ،‬وهذا ليس جديداً في دواوينه‪ .‬أما‬ ‫النصي‪ ،‬فقد اعتمد الشاعر‬ ‫ّ‬ ‫على المستوى‬ ‫في كثير من قصائده على البنى الحوارية‬ ‫بصيغة المخاطب‪ ،‬ولكنه في معظمه جاء‬ ‫حــواراً ذاتياً‪ ،‬وأعتقد أن سبب ذلك يرجع‬ ‫إلى رغبته في ممارسة الحريّة الخاصة التي‬ ‫يجب أن يمارسها في النص الشعري‪ ،‬حتى‬ ‫يمن َح لنفسه القدرة على التعبير عما يريد‪.‬‬

‫لم تعد أرقامُ هُ م تصغي لصوتي‬ ‫في صباح القهوة األولى‬ ‫وأكداس الورَق‬ ‫أطلب منهم أنْ‬ ‫ُ‬ ‫لم أعدْ‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪67‬‬


‫يالقوني على المقهى‬ ‫حوالي السادسة‬ ‫إن شعرية مريد البرغوثي واضحة الرؤى‪،‬‬ ‫جلية المداليل‪ ،‬يستقطبها القارئ منذ الوهلة‬ ‫األولى‪ ،‬وإن هذه السهولة لم تُفقِ د نصوصه‬ ‫نبضها الشعوري‪ ،‬وإنما ساعدت القارئ على‬ ‫فهمها وتأملها بعمق في مساراتها المتنوعة‪،‬‬ ‫لتبدو لغته متقدة‪ ،‬بالوضوح المقصدي‪،‬‬ ‫والــرؤيــة الجليّة الــتــي يستقطبها الــقــارئ‬ ‫بسهولة ويسر‪ ،‬وهذا ما يحسب للشاعر في‬ ‫كافة أعماله الشعرية أنها ذات ألق تشكيلي‪،‬‬ ‫ووضــوح مقصديّ ‪ ،‬وإثــارة مشحونة بكثافة‬ ‫الـــرؤى وعــمــق الــمــدالــيــل‪ ،‬فالشعرية عند‬ ‫مريد البرغوثي‪ -‬تتألق من نص آلخر‪ ،‬فال‬‫نلحظ تكراراً ممضاً في قصائده‪ ،‬وإنما نجد‬ ‫تآلفاً نسقياً يقود حركة نصوصه الداللية‪،‬‬ ‫لتبدو بغاية التحفيز النسقي‪ ،‬واالكتناز‬ ‫التشكيليّ الجماليّ ‪ ،‬بما يفاجىء القارىء‪،‬‬ ‫ويكس ُر توقّعاته‪ ،‬كما في قصيدة (نزاهة) من‬ ‫ِ‬ ‫ديوان (منطق الكائنات)‪:‬‬

‫‪68‬‬

‫ذات تأثير قوي في العالم الداخلي للمتلقي‪،‬‬ ‫كــمــا أن ص ــوره الــشــعــريــة لــهــا الــعــديــد من‬ ‫الخصائص المائزة لها وأهم هذه الخصائص‬ ‫هــي إيقاعية الــصــورة‪ ،‬أو بــاألحــرى اتجاه‬ ‫الصورة من منطلقي الماضي والحاضر إلى‬ ‫استشراف المستقبل‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك‬ ‫في شعره قصيدة (المخبأ)‪:‬‬

‫الطائر األزرق الرّيش‬ ‫‪ ..‬خذ ّ‬ ‫خــذ ك ــلّ أع ـيــادنــا ال ـقــافــزات إل ــى زركـشــات‬ ‫القرى‬ ‫خذ متاحف أسالفك الغامضين‬ ‫والقش‪ ..‬خذ قلبي الهش‬ ‫ّ‬ ‫العش‬ ‫ّ‬ ‫خذ‬ ‫خذ رعشة االرتباك إذا ما التقى عاشقان‪،‬‬ ‫الصبية القافزين إلى بركة النّضج‪،‬‬ ‫خذ ّ‬ ‫وخذ ثنية الرّكبتين‪ ..‬إذا حاولت مهرةٌ أن‬ ‫تطير‪،‬‬ ‫وخذ حلو ًة حنّنتنا بذيل الحصان‬

‫ويستحضر البرغوثي في أغلب قصائده‬ ‫الــمــوروث الــديــنــي والشعبي واألســطــوري‬ ‫والتراثي والتاريخي والوقائعي‪ ،‬حيث يطغى‬ ‫قال صندوق االنتخابات‬ ‫التوتر والتضاد من خــال االستحضارات‬ ‫عداد التاكسي‬ ‫الغائبة والــمــدلــوالت الحاضرة التي تكون‬ ‫وبائع الحليب‬ ‫طاقات مولدة تغذي النص‪ ،‬وقد أفاد البرغوثي‬ ‫وأنا‬ ‫من تجربته الغنية الحافلة‪ /‬وثقافته الواسعة‬ ‫لو راقبتنا المالئكة والشياطين معا‬ ‫في اللغة اإلنجليزية من االطالع على تراث‬ ‫سنغشكم‬ ‫الغرب الشعري‪ ،‬وأساليبهم المبتكرة في‬ ‫إن الــشــاعــر يــرتــكــز فــي تــكــراره لبعض التشكيل النصي‪ ،‬من خالل ابتداع نصوص‬ ‫الدالالت على إحداث األثر الجماليّ للصور‪ ،‬ذات طاقات أسلوبية متجددة‪ ،‬تؤكد براعته‪،‬‬ ‫واألص ــوات‪ ،‬ومــا تحويه من نغمات مجردة وتحريكها النسقي ضمن النسق الشعري‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ ..‬يا حبيب المحبّين‪:‬‬ ‫إنّا امتحنّا كثيراً‪ ،‬وإنّا امتحنّا طويالً‪،‬‬ ‫فرحماك يا خالق الحاكمين‪ ،‬ويا خالق‬ ‫النّاس‪،‬‬ ‫والسوسنه‬ ‫يا خالق الوحش‪ّ ..‬‬ ‫كلّما كسر البرق بلّوره في األعالي‬ ‫اشتهيت أقلّ قليل الحياة‪،‬‬ ‫فما الح لي غير موتى‪..‬‬ ‫بالد ًا أسمّ يك‪ ..‬أم غولةً ‪ ..‬يا بالدي!!؟‬ ‫فهل تركت لنا فسحةً كــي نطيل البكاء‬ ‫ّ‬ ‫قلي ًال على الميّتين!!؟‬ ‫وه ـ ّـا تــركــت لـنــا فـسـحــةً كــي ن ـهــيّ ء فــوجـ ًا‬ ‫جديداً‪:‬‬

‫وهــو عالمة مضيئة ذات إشعاع بــاذخ بهيّ‬

‫في مجموع المدوّنة الشعريّة الفلسطينية‬ ‫المعاصرة‪ ،‬وتبقى عوالم البرغوثي أوسع‬

‫وأغنى من أن تفتحها هذه القراءة‪ ،‬كما أنها‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الواحد‪ ،‬وهذه الخصيصة تعد من خصائص التجدد‪ ،‬ال يستقر على حال شعريّ أبــداً‪،‬‬ ‫النصوص البديعة ذات التكثيف اإليحائي‪ /‬فيه من العاطفة الفنية الصادقة بمقدار ما‬ ‫والومض الشعوري العميق‪ ،‬كما في قوله‪:‬‬ ‫فيه من الصدق الوطني والصدق الثوري‪،‬‬

‫تتطلب المزيد من الجرأة على ارتياد آفاقها‬ ‫والكشف عن مرجعياتها‪ ،‬وربما كان الكشف‬ ‫عن عالقتها بالمنفى هو األشــد إلحاحاً‪،‬‬

‫إذ ما تزال طبيعة هذه العالقة وتفاصيلها‬

‫تــنــطــوي عــلــى مــا يفتح الــمــجــال لــقــراءات‬ ‫واجتهادات كثيرة‪.‬‬

‫ونستخلص من هذا كله‪ ،‬أنه وعلى الرغم‬ ‫ُ‬

‫من مــرارة المنفى فقد ظــلَّ الشاعر مريد‬ ‫البرغوثي عظيم التفاؤل واألمل بالعودة إلى‬

‫وطنه السليب‪ ،‬آمن بذلك إيمانه بالحياة‪،‬‬

‫من الذّ اهبين إليك بأكفانهم راكضين!!؟ وصــوّر صــادقـاً في شعره‪ ،‬أحاسيس أبناء‬

‫وهكذا‪ ،‬فقد استطاع البرغوثي باقتدار شعبه العظيم وآمالهم في التحرر؛ ومهما‬ ‫ووعــي كبيرين منذ مطلع السبعينيات من يكن من أمر‪ ،‬فإن شعر مريد البرغوثي بسيط‬ ‫القرن العشرين وإلى اآلن‪ ،‬أن يشق لنفسه األلــفــاظ‪ ،‬سهل التعبير‪ ،‬سلس التركيب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مجرىً‬ ‫خاصاً به في أرخبيل الشعر العربي‪ ،‬واضح الداللة‪ ،‬يعتمد الصورة البسيطة في‬ ‫وظل شعره ينبجس من نفسه سلس ً‬ ‫ال كما تجسيد الموقف وشــرح الفكرة‪ ،‬وهو شع ٌر‬ ‫ينبجس الماء من النبع في قلب الصحراء يتصل فــي معظمه بالمقاومة والتضحية‬ ‫لينشر الحياة من حوله‪.‬‬ ‫والفداء واالغــتــراب والحنين إلى الجذور‪،‬‬ ‫صفوة القول‪ ،‬إن صوت الشاعر (مريد ويمثل اللهفة الحارة للعودة إلى حضن الوطن‬ ‫البرغوثي) صوت ثــوريّ نقيّ وأصيل ودائم السليب‪.‬‬ ‫ * ناقد من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪69‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الستة في رواية (الصيادون)‬ ‫اإلخوة‬ ‫■ ليلى عبداهلل*‬

‫األدب النيجيري لسنوات مديدة مرتبط باسم الروائي "تشينوا أتشيبي"‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بات‬ ‫أبو األدب اإلفريقي‪ ،‬والواجهة األوضح لولوج عالم الثقافة النيجيرية المعاصرة‪،‬‬ ‫والشاعر والكاتب المسرحي" وول سوينكا" الذي حاز على جائزة نوبل في األدب‪،‬‬ ‫وهــو أول إفريقي تــم تكريمه فــي هــذا المجال‪ ،‬ينظر إليه على أنــه أفضل كاتب‬ ‫مسرحي في إفريقيا‪ ،‬وقد لعب دورًا فاع ًال في تاريخ نيجيريا وكفاحها السياسي‪.‬‬ ‫لكن األدب النيجيري وعبر الترجمات الحديثة يثبت أن هذا األدب تفرّع منه‬ ‫غصون مورفة‪ ،‬لها صوتها‪ ،‬ومالمحها‪ ،‬وخصوصيتها األدبية‪ ،‬وعلى رأس من برز‬ ‫عالم ال يؤمن بقوة النساء‪ ،‬بل ال‬ ‫نسائي في ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫حكائي‬ ‫ٌّ‬ ‫صوت‬ ‫ٌ‬ ‫نوعهِ ‪،‬‬ ‫صوت فريدٌ في ِ‬ ‫ٌ‬ ‫يؤمن بمدى فاعلية وجودهن‪ .‬وهنا‪ ،‬تكمن الغرابة‪ ..‬لكونها امرأة تنافس الرجال‬ ‫في الكتابة في مجتمعات تغدو مكانة المرأة فيها في الحضيض‪ ،‬كما أشرنا آنفً ا‪،‬‬ ‫هذه المرأة هي الروائية "تشيماماندا نغوزي أديشي"‪.‬‬ ‫تقول عن نفسها‪" :‬أدركت أن أشخاصا ‪2015‬م‪.‬‬ ‫مثلي‪ -‬فتيات‪ ،‬بشرتهن لها لون الشكوالتة‪،‬‬ ‫روايته "الصيادون"‪ ..‬تتحدث عن عائلة‬ ‫والالتي ال يمكن عقد شعورهن المفلفلة نيجيرية من قبيلة اإلغبو؛ أبٌ يعم ُل في‬ ‫على هيئة ذيل حصان‪ -‬يمكن أن يظهرن البنك النيجيري الوطني‪ ،‬وأ ٌم تعم ُل أيضا‬ ‫في األدب أيضا‪ .‬فبدأتُ الكتابة عن أمور في متجر‪ ،‬لهما ستة أطفال‪ ،‬هم‪ :‬إيكينا‪،‬‬ ‫أعرفها"‪.‬‬ ‫وبوجا‪ ،‬وأوبمبي‪ ،‬وبنجامين‪ ،‬والصغيرين‬

‫‪70‬‬

‫األدب النيجيري يظل يفاجئ القارئ‪ ،‬ديفيد ونكيم‪.‬‬ ‫هو أدب والّد وخالّق‪ ،‬ها هو يدهشنا باسم‬ ‫أســرة تعيش بــود‪ ،‬وتسود روح األخــوة‬ ‫جديد‪ ،‬له حسّ ه الخاص‪ ،‬يــروي حكايات والمحبة بين أفرادها رغم صرامة األب‬ ‫من صميم المجتمع النيجيري‪ ،‬وتطلعات الدائمة‪ ،‬لكن كل شيء ينقلب حين يسافر‬ ‫هذا الشعب نحو مستقبل فريد في نوعه األب للعمل فــي مــكــان بعيد عــن البيت‬ ‫وله خصوصيته‪ ،‬هذا الصوت هو الروائي وتغدو زيارته أسبوعية مع األيــام‪ ..‬تصير‬ ‫الشاب "تشيغوزي أوبيوما" وروايته العامرة كل أسبوعين‪ ،‬فيخرج األخــوة للصيد في‬ ‫بالتفاصيل "الصيادون" وصلت إلى القائمة غــيــاب األب وانــشــغــال األم فــي عملها‪،‬‬ ‫القصيرة لجائزة مان بوكر البريطانية عام يحملون صنانيرهم للصيد في نهر تالحقه‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الــشــائــعــات عن‬ ‫لــعــنــتــه‪ ،‬ويــبــقــى‬ ‫األمــــــــــر ســــــرًا‬ ‫حـــتـــى يــكــشــف‬ ‫أم ـ ــره ـ ــم لـــأم‬ ‫عن طريق جارة‬ ‫تـــتـــعـــرف عــلــى‬ ‫أبنائها حيث هم‬ ‫قابعون للصيد‪،‬‬ ‫تتكشف الحكاية‬ ‫وي ـ ـ ــت ـ ـ ــع ـ ـ ــرض‬ ‫األخـــوة للعقاب‬ ‫عــلــى يـــد األب‬ ‫الصارم والسيما‬ ‫أكبرهم إيكينا‪،‬‬ ‫الـــــــــذي يــمــثــل‬ ‫ثقل الرواية وعقدتها األكبر‪ ،‬ويستحيل من أخ‬ ‫طيب وحنون إلــى مسخ حقيقي بسبب نبوءة‬ ‫يطلقها رجــل مــعــروف بالجنون‪ ،‬رجــل يدعى‬ ‫"أبولو" الذي يصادفونه عند النهر‪ ،‬حيث كانوا‬ ‫يصطادون‪ ،‬هــذا الرجل الــذي عــرف بالغرابة‬ ‫واشتهاء النساء‪ ..‬حتى أنه يغتصبهن على مرأى‬ ‫من الجميع دون أن يجسر أحد على التعرض‬ ‫له خوفا من إطالق لعناته التي تصيب غايتها‬ ‫بمجرد ما يخرج من فمه‪ ،‬هو نفسه الذي يفاجئ‬ ‫ايكينو بنهايته‪ ،‬بموته على يد أحد الصيادين‪،‬‬ ‫فيعيش ايكينو على وهم أن الصيادين الذين‬ ‫سوف يقتلونه هم إخوته السيما " بوجا" الذي‬ ‫يصغره بعامين‪ ،‬فهو في الخامسة عشرة وبوجا‬ ‫في الثالثة عشرة‪ ،‬تبدأ هنا بداية المأساة التي‬ ‫تحيق بالعائلة كلها وتدمرها‪ ،‬بدءًا من معاداة‬ ‫ايكينو أخيه "بوجا"‪ ،‬تتملك عليه فكرة هالكه‬ ‫على يديه وهــذا ما سيحدث‪ ،‬الخيال السيئ‬ ‫الذي ينهيه حقا على يد أخيه "بوجا " بعد عراك‬

‫عنيف في أحد الصباحات‪ ،‬حيث ال أحد في‬ ‫البيت سوى "أوبمبي" و"بنجامين" اللذين يسعيان‬ ‫لرجل بالغ ليفك بين األخوين المتعاركين‪ ،‬لكن‬ ‫حين يعودان مع المساعدة يكون كل شيء قد‬ ‫انتهى‪ ،‬ايكينا يسبح في بركة من الدماء الحمراء‬ ‫كما تنبأ المجنون " أوبولو"‪ ،‬و"بوجا" يختفي عن‬ ‫األنظار سرعان ما يجدون جثته المنتفخة من‬ ‫ماء البئر حيث أوقع نفسه!‬ ‫استعان الروائي لسرد حكايته بصوت واحد‪،‬‬ ‫الراوي هو "بنجامين" أو "بن" الذي يدفع ثمن‬ ‫صــراع أخوته طــوال الــروايــة‪ ،‬ويدخل السجن‬ ‫ليقضي فيه ستة أعوام؛ فبعد موت أخوته يعزم‬ ‫"أوبمبي" على االنتقام ألخوته من المجنون‬ ‫"أب ــول ــو"‪ ،‬ويمضي فــي انــتــقــامــه‪ ،‬ويقنع أخيه‬ ‫الصغير "بن" الذي يصغره بعامين‪ ،‬حيث يكون‬ ‫في الثانية عشرة‪ ،‬وحين يتم فضح جريمتهما‬ ‫يختار "أويمبي" الفرار بينما يختار "بن" البقاء؛‬ ‫إكراماً لوالديه‪ ..‬السيما أمه المكلومة‪ .‬فيقع في‬ ‫قبضة القضاء‪ ،‬ويقضي مدة عقوبته في الحبس‬ ‫حتى يبلغ السن القانونية‪.‬‬ ‫"الــصــيــادون" رواي ــة مــروّعــة‪ ،‬تعكس صــراع‬ ‫األخ ــوة‪ ،‬وكيف أن المحبة قــد ال تشفع حين‬ ‫تتنامى األوهام العبثية في العقول وتتمكن منها‬ ‫كل ّيًا‪ ،‬تجرف معها كل شيء‪ ،‬فال تخلف وراءها‬ ‫ســوى الدمار القاتل‪ ،‬الدمار المهول‪ ،‬الدمار‬ ‫يوشم الذاكرة ندوبًا في األفئدة المحطمة‪.‬‬ ‫رواية تمثل الوطن وخالف أبنائه فيما بينهم‬ ‫رغم أنهم متوحدون في كل شــيء‪ ،‬وأرضعتهم‬ ‫األم نفسها‪ ،‬وكانوا يهتفون باسم األب نفسه‪،‬‬ ‫لكنها األوه ــام والمطامع التي تدمر الكيان‬ ‫اإلنساني وتحطم أواصر المحبة لتكون النهاية‬ ‫مأساوية ومدبوغة بلعنة أبدية!‬

‫* كاتبة من عُمان مقيمة باإلمارات‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪71‬‬


‫ُ‬ ‫شعرنة األلم‬ ‫‏في ديوان "جنازة الغريب" لعبداهلل السفر‬ ‫■ هشام بنشاوي*‬

‫يغمر نصوص أضمومة الشاعر عـبــداهلل السفر "جـنــازة الـغــريــب" شعور أليم‬ ‫بــالـغـبــن واالغـ ـت ــراب‪ ،‬وك ــأن صــاحــب "يـفـتــح ال ـنــافــذة ويــرحــل" يصغي إل ــى نحيبه‬ ‫الجوانيّ المكتوم‪ ،‬وقد كتبت هذه النصوص الشعرية بــروح متمردة‪ ،‬ونبرة حزن‬ ‫وجودي‪ ،‬وقلق‬ ‫ّ‬ ‫فادح‪ ،‬تتأرجح بين "قلق التجريب وطمأنينة المحاكاة"‪ ،‬تشي بألم‬ ‫أنطولوجيّ يسكنان الذات الشاعرة ويعتصرانها؛ والسبب "لوعة الغياب" الضارية‪،‬‬ ‫التي يتكشف عنها رحيل األحبة‪ ،‬واألشياء الجامعة مع من غادر أو بقي‪ ،‬لكن زمن‬ ‫التحوالت جعله برسم المغادرة‪ ،‬واختفاء األمكنة وعوالم الطفولة؛ كل ذلك حفر‬ ‫بابًا للنزيف وفتحه‪ ،‬وال سبيل لرده وإحكام الرتاج‪" .‬وربما هذا ما يضرم من جهة‬ ‫غير معلومة روح االحتجاج و(الـحــرد) لعل غائبا يعود أو طيفه؛ يلطف جهامة‬ ‫الفقد والنقص الــذي يثغر الـفــؤاد والجسد"‪ ،‬كما صــرح بذلك الشاعر في أحد‬ ‫حواراته‪.‬‬ ‫فـ ــي ن ــص ــوص "جــــنــــازة ال ــغ ــري ــب" األلم والوحدة‪ ،‬ويطلب اللجوء الوجداني‬

‫يحتفي عــبــداهلل السفر بالتفاصيل‪ ،‬إلــى الطفولة‪ ،‬الزمن البكر الجميل‪..‬‬ ‫التي تستوطن ذات الشاعر‪ ،‬المتخمة ويرثي الزمن الحاضر‪ ،‬الرتيب والكئيب‪،‬‬

‫بالحنين‪" ،‬وتحكي للعابر سيرة الجرّاح"‪ ،‬بــ"لغة مسترسلة‪ ،‬تقوم نواتها الداخلية‬ ‫وهو ينهل من معين التجربة اإلنسانية‪ ،‬على ســرد نــاقــص‪ ،‬تغيب فيه الحبكة‬

‫‪72‬‬

‫يهرب من رتابة اليومي‪ ،‬وقتامة سجن ويحضر الترميز"‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫والعنوان العتبة يلعب هنا وظيفة اإليحاء‬ ‫بالطقس الشعري الــعــام‪ ،‬وفــي اآلن نفسه‬ ‫يختزل العالم في عبارة تحفّز على البكاء‪،‬‬ ‫بتعبير د‪ .‬إبراهيم الحجري‪" ،‬والموضوعات‬ ‫النصية متعددة‪ ،‬لكنها في الغالب توحي بهذا‬ ‫اإلحساس‪ :‬األثر المحزن الذي يبثه طقس‬ ‫إقامة جنازة لإلنسان البراني‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫ال على‬ ‫وطنه‪ ،‬الــذي قد يكون مجازًا محي ً‬ ‫المغترب الفعلي‪ ،‬وحينما يصدر الديوان‬ ‫بهذا الــدال الرمزي الغني‪ ،‬يصبح له طعم‬ ‫مــرارة خاصة‪ ،‬تختزل مساحات هائلة من‬ ‫الحزن واألسى واأللم"‪.‬‬ ‫وبنبرته الكئيبة‪ ،‬المتشائمة‪ ،‬يسحبنا‬ ‫عبداهلل السفر إلى أتــون عالمه الداخلي‪،‬‬ ‫فنصغي إلى نحيبه الخافت‪ ،‬المدعّ م بثراء‬ ‫الصورة‪ ،‬وزخم العاطفة‪ ،‬وكثافة الموضوع‪.‬‬ ‫وعلى رغم اعتماده تقنية التداعي السّ ردي‬ ‫الحرّ‪ ،‬إ ّال أنّ بصمته كصانع استعارات ظلّت‬ ‫مهيمنة‪ ،‬حتى إننا نظنّ أن هذا األلم الوجودي‬ ‫ال ــذي يعتصر األنـ ــا‪ ،‬وتـ ــدور حــولــه معظم‬ ‫القصائد‪ ،‬كما يقول عابد إسماعيل‪":‬ينب ُع‬ ‫أساساً من اللّغة التي تتضوّر وتبكي وتنتحب‪،‬‬ ‫فــي الــقــصــيــدة الــثــانــيــة "يــخــلــون سرير‬ ‫متجاوز ًة القلب المكلوم الذي يدقّ من خلف مــحـ ّبــتــهــم"‪ ،‬يــســتــعـ ّد الــمــتــكـلّــم لطقس من‬ ‫الحروف"‪.‬‬ ‫الهجران الطويل‪ ،‬وتطل األشرعة الممزّقة‬ ‫هذا الشعور بالال إنتماء يفتتح القصيدة على الشاطئ‪ ،‬إيذاناً بسفر غامض‪ ،‬ويتهافت‬ ‫األولى "عبير النعناع"‪ ،‬ويرسم طقساً فاحماً‪ ،‬الــعــالــم بــر ّمــتــه إلــى مــراكــب مخلّعة‪ ،‬حيث‬ ‫المهاجرة‪":‬ريش‬ ‫ٌ‬ ‫الغياب يطرّز شغاف الروح‬ ‫يقلق طمأنينة الذات في العالم‪:‬‬ ‫يحط‪ .‬يأتيه الدّمع من ك ّل‬ ‫ّ‬ ‫ـف في الهواء‪ .‬يثقلُ‪.‬‬ ‫"كـ ــان ل ـ ّل ـيـ ِـل كـثـيــرٌ م ــن الـجـمــر لـيـضــاعـ َ‬ ‫يحط"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المهب الجميل‪ /‬كنا على مكان‪ .‬يثقل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الهبوب‪ /.‬كنا في‬

‫هــذا الــتــكــرار للفعل الــمــاضــي الناقص‬ ‫ومــرادفــاتــه‪ ،‬يشير إل ــى أزم ــة الــكــائــن في‬ ‫الــكــيــنــونــة‪ ،‬حــيــث تــتــحــول الــلــحــظــة حــدث ـاً‬ ‫يمضي باستمرار‪ ،‬ما يسهم في رفع وتيرة‬ ‫النوستالجيا فــي الــديــوان‪ ،‬ويــع ـزّز مسافة‬ ‫التوتّر بين األنا وموضوعها؛ فتكثر إشارات‬ ‫الحنين والوحشة والفقدان‪" ،‬كأن الزّم َن لم‬ ‫يكن"!‬

‫ربوة مختلسة‪ /‬كنّا نحضنُ أيامنا"‪.‬‬

‫في قصيدة أخرى‪ ،‬أكثر ذاتية‪ ،‬في عنوان‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪73‬‬


‫"المنسي في دفتره‪ ،‬وحيداً"‪ ،‬يتصاعد هذا في اللفظ وتسرف في الــداللــة واإليــحــاء‪،‬‬ ‫الــشــجــن‪ ،‬وتــبــرز رغــبــة الــنــزول إلــى قيعان بــل إن اإلحــســاس بالزمن هــو مصدر آخر‬ ‫الجحيم‪ ،‬ورسم صورة دامية لمصير اإلنسان لشاعريتها‪.‬‬ ‫على األرض‪":‬الهاوية تلته ُم روحكَ ‪ ،‬والصورة‬ ‫وهي بدورها مصدر ثرٌّ للحياة بحضورها‬ ‫مخلوع ٌة من مائها"‪ .‬هذا الدوران حول الذات‪ ،‬الكثيف في نسغ المجموعة‪ .‬األلم والجفاف‬ ‫والتشرنق حولها‪ ،‬يسهم في ابتكار رومانسية‬ ‫وسواهما مــن الــمــفــردات التي تقترب من‬ ‫تشاؤمية ترى العالم جحيماً قوامه القحط‬ ‫معناهما عنده‪ ،‬تشير بصور كبيرة إلى الصلة‬ ‫واليباب‪ .‬تبكي الــذاتُ خسرانها لمركزها‪،‬‬ ‫بهذا اإلحساس‪ ،‬ولكنها إشارة تح ّو ُل المفردة‬ ‫وترثي األرض التي هوت عن محورها‪ ،‬أو‬ ‫إلى رؤيا تشد النص إلى نفسه‪ ،‬وليس إلى‬ ‫سقطت عن قرنيّ الوحش‪ ،‬وغرقت في ظالم‬ ‫مجرد لحظة عابرة؛ أي أن مفردة األلم على‬ ‫الخطيئة‪" :‬بــا بوصلة‪ .‬بال مرفأ‪ .‬يتركُنا‬ ‫سبيل المثال ال تتموضع في النص بوصفها‬ ‫الوحش"‪ .‬حتى إنّ الذات تتعرض لالنشطار‬ ‫مفردة ال تتجاوز دالالتها الجملة الشعرية‪،‬‬ ‫الداخلي‪ ،‬وتصبح مــطــارد ًة بالفخاخ‪ ،‬حيث‬ ‫وإنما تتموضع بوصفها نسيجاً من المجازات‬ ‫أمــام كـ ّل خطوة حفرة‪ ،‬وفــي كـ ّل ليل شبح‪:‬‬ ‫تتلون داللتها بتلون مــســار الــنــص نفسه؛‬ ‫حط قدماً‪ ،‬تناهبته الفخاخ‪ .‬واندلعت‬ ‫"كلما ّ‬ ‫وبالتالي هنا ال يكون األلم تعبيراً عن مجرد‬ ‫شفة الهذيان عن أشباح يخطّ ون المراسيم"‪.‬‬ ‫تفجّ عات ضد مثالب الحياة وقسوتها‪ ،‬وإنما‬ ‫إن األنا المغتربة‪ ،‬المفكّكة‪ ،‬المنزاحة عن‬ ‫هو تعبير عن موقف ضد األلم نفسه بحيث‬ ‫مركزها‪ ،‬تجد نفسها دوماً سابحة في فراغ‬ ‫يتخطى به من داللة األلم الجسدي إلى ما‬ ‫الالمعقول‪ ،‬طافية على سطح الوجود‪ ،‬مثل‬ ‫يمكن أن نسميه بـــ"داللــة األلــم الشعري"‪.‬‬ ‫قشة في مهبّ الريح‪ ،‬حيث تتفتّت الموجودات‬ ‫انــظــر إل ــى نــص"تــســديــد األلـــم فــي مرمى‬ ‫إلى صور غائمة‪ ،‬ضبابية‪ ،‬محكومة برحيلها‬ ‫األحبة"‪ ،‬وكذلك نص"الجرة" فهما يشيران‬ ‫الوشيك‪ ،‬ما يعيد إلى الذهن تلك األجواء‬ ‫إلى ذلك بوضوح‪.‬‬ ‫المكفهرّة لعوالم سارتر التي تتّسم بالعبث‬ ‫إن ضــغــط اإلحــســاس بــالــزمــن وم ــن ثم‬ ‫والقسوة‪ ،‬حيث الكائن اإلنساني يولد في‬ ‫فراغ‪ ،‬ويعي مصيره المأسوي عبر سقوطه بالحياة على اعتبار أن األول ــى هــي آلية‬ ‫التدريجي في وحل الالمعنى‪ .‬هذا ما يشير الحركة للثانية ونبضها‪ ،‬ال تكف عن العمل‬ ‫إليه السفر في حديثه عن بطله المهزوم‪ ،‬بطرق ثالثة جميعها تفضي إلــى شاعرية‬ ‫األنفاس عبداهلل السفر في مجموعته سالفة الذكر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قــائـاً‪" :‬يفضح ُه ال ــدوار‪ ،‬تكش ُف ُه‬ ‫أولــى الطرق اإلحــســاس بزمن األصــدقــاء‪،‬‬ ‫المخذولة‪ .‬تغيم الوجوه في الضباب"(‪.)١‬‬ ‫ثانيها اإلحساس بزمن األمكنة والطفولة‪،‬‬ ‫ويــعــد محمد الــحــرز شــاعــريــة نصوص‬ ‫"جــنــازة الغريب" ال تُــمــدح مــن كونها فقط وثالثها اإلحساس بزمن تحوّالت الذات(‪.)٢‬‬

‫‪74‬‬

‫تشد خيط المخيلة عالياً‪ ،‬بلغة تقتصد كثيراً‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫إن أنـ ــا شــعــريــة مــوصــولــة بــخــصــالــهــا‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫األونطولوجية العالية ومنذورة لزمن شعري‬ ‫مستحيل لتنوجد مــورّطــة في زمــن أرضي‬ ‫يقتضي منها اعتناق مواطنة أرضية صالحة‬ ‫وخانعة ال ينغّص عليها قلق كياني خالّق‬ ‫أو ارتجاج روحي صميم؛ مّا يصنع وجدان‬ ‫األنــوات األصيلة‪ ،‬المتطلّبة‪ ،‬مواطنة يتخذ‬ ‫فيها المعيش نكهة موت مقسّ ط أو باألدقّ ‪،‬‬ ‫دربة على موت عن اآلخر لن يفلت ميقاته‬ ‫المرصود‪ ،‬يخبط خبط عشواء في رهافة‬ ‫خــزف الكينونة ويعيث فتكا فــي األب ــدان‬ ‫والمهج‪ ،‬أنــا شعرية كهذه ليس من مخرج‬ ‫الصلد‬ ‫تلتف على زمنها ّ‬ ‫أمامها‪ ،‬إذاً‪ ،‬سوى أن ّ‬ ‫امتصاصا منها لسطوته‬ ‫ً‬ ‫هــذا‪ ،‬أن تــنــاوره‪،‬‬ ‫وتــجـ ّبــره‪ ،‬وذلــك باستالل بــرهــات حميمة‪،‬‬ ‫الصداقة الــوارفــة وتــزدهــي ببهاء‬ ‫تغمرها ّ‬ ‫االستذكار‪ ،‬يؤثّتها الحلم الحبوري وتتدثّر‬ ‫بشجيّ الغناء‪ ،‬تحفر في جسد اليومي‪ ،‬الذي‬ ‫يلبس داخل هذه البرهات الخاطفة لبوسً ا‬ ‫كون ّيًا مستعرا‪ ،‬إذ "‪ ..‬اليومي في قصيدة‬ ‫النثر (‪ )...‬يمثّل الجوهر وليس العرض (‪)...‬‬ ‫وهو بمثابة ذلك يع ّد مدخال لقراءة الوجود‬ ‫بالكامل‪ ،‬من زاوية كونه يحقّق مقاربة تقوم‬ ‫على تحويل اليومي إلــى كوني وبالعكس"‪،‬‬ ‫ســبــا بــديــلــة إل ــى الــطّ ــزاجــة‪ ،‬االعــتــفــاف‪،‬‬ ‫والمحبّة‪ ،‬المضمخّ ة بعبير نعناع مقتطف من‬ ‫نضارة فردوس الدّخيلة‪ .‬ال من بوار وقحط‬ ‫زمــن أرض ــي‪ .‬قــد يتقنّع بقناع نــادل يدمن‬ ‫محو الكينونات‪ .‬واإلعفاء على آثارها الدّالة‬ ‫والجميلة‪:‬‬

‫هبطت الذكريات‪.‬‬ ‫ن ـع ـيــد ت ــرت ـي ــب ال ـم ـش ـه ــد‪ .‬ن ــرف ــع الـقـطــع‬ ‫الذّ ابلة من السنوات‬ ‫نصب زبدة المشاعر‬ ‫ّ‬ ‫نرفو ما كان مهترئا‪.‬‬ ‫ليلمع المكان‬ ‫فتفيض أنواره‬ ‫‪................................‬‬ ‫إبريق الشاي يوشك على النفاد‬ ‫أع ــواد الـ ّنـعـنــاع تــرتـخــي أعـنــاقـهــا فــي قعر‬ ‫الكؤوس‬ ‫اب ـي ـضــاض الـفـجــر يبلغنا تـعــب ال ـن ــادل‪.‬‬ ‫وفوطته تكنس‬ ‫الرّاحلين‪.‬‬ ‫عبثا نقاوم‬ ‫دارت كؤوس الشاي‪ .‬طاف عبير النّعناع‪ .‬نـج ـ ّر أقــدام ـنــا‪ .‬نـعـلــم‪ ،‬يـقـيـ ًنــا‪ ،‬أنّ الـنــادل‬ ‫سيكنس ما بقي‬ ‫ومن كلّ فجّ‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪75‬‬


‫‪76‬‬

‫مـ ّنــا ماكثا مــن أثــر ك ــؤوس الـشــاي وعبير والزّعتر‪ .." ،‬فنصوص السّ فر تتوارى خلف‬ ‫النّعناع‪( .‬قصيدة "عبير النّعناع"‪ ،‬ص ‪ .)8-7‬لغة شعرية صالتها رحيمة بالمكان وثقافة‬ ‫المكان والشاعر مسكون بصوت تلك اللغة‬ ‫وبالمثل‪ ،‬ون ــزوالً عند مشيئة القصيدة‬ ‫(‪ )...‬صورته الشعرية طافية برماد المكان(‪.)٣‬‬ ‫لمكانيّتها المستهامة‪ ،‬فــإن "أن ــا" شعرية‬ ‫مــن قصيدة‪" :‬هــا أنــت على المشارف"‬ ‫مجبولة على خصالها تلك لــن تــتــورّع عن‬ ‫التأفّف من مكانها األرضــي الممنوح‪ ،‬من نقرأ‪:‬‬ ‫تترجل في الغبار‬ ‫ّ‬ ‫مسقط رأسها الرمزي الذي ليس أكثر من مــاذا كنت تظن‪ ،‬وأنــت‬ ‫صحراء مترامية‪ ،‬بياض حالك‪ ،‬من انفصاح وتدفع بقدميك في أرض تميد‪.‬‬ ‫وتلغّز فــي آن مــعـاً‪ ،‬وذلــك ح ـ ّد االنصعاق‪،‬‬ ‫ح ـ ـ ــراس ـ ـ ــك الـ ـ ـ ــوحـ ـ ـ ــدة وبـ ـ ـضـ ـ ـع ـ ــة وج ـ ـ ــوه‬ ‫فتستعيد الــذات الكاتبة‪ ،‬من موقف التآزر‬ ‫ت ـس ـت ـح ـضــرهــا م ــن ه ـم ــس ال ـ ـ ــورق بـحـبــر‬ ‫مــع أنــاهــا‪ /‬قناعها الشعري‪ ،‬عين التّمثل‬ ‫باهت؛‬ ‫الفجائعي العتيق الذي كان أن انبثقت منه‬ ‫قصائد أولئك األسالف المبهرين‪ ،‬النّيرين‪ :‬ي ـخ ـف ــى‪ ..‬ي ـت ـخ ـفــى ح ـت ــى ع ـن ــك‪ .‬أتـظـنــه‬ ‫امــرؤ القيس‪ ،‬الــحــارث بــن ح ـلّــزة‪ ،‬النابغة الـعـمــر ه ــذه الـكـتـلــة ال ـتــي تــداري ـهــا وهــي‬ ‫الــذبــيــانــي‪ ،‬زهــيــر بين أبــي سلمى‪ ،‬طرفة تنفش ريشها‬ ‫ـصــلــت‪..‬؛ وهم ال ـ ــذاوي ال ــذاه ــب ف ــي ال ــرم ــاد واالت ـس ــاخ‪.‬‬ ‫ابــن العبد‪ ،‬أمـ ّيــة بــن أبــي الـ ّ‬ ‫يموضعون الكالم الشعري موضع ندّية بإزاء سوف تعجز‪ .‬يضربك العجز‪ .‬هل نظرت‬ ‫وحشة وشراسة صحراء في هول صحراء إلـ ــى الـ ـي ــدي ــن‪ ،‬شــقّ ـق ـه ـمــا س ـ ــواد ال ـت ـعــب‪.‬‬ ‫شبه الجزيرة‪ ،‬أو األحفاد النّجباء‪ ،‬من أمثال س ــددتَ السهم إليهما تحمالن الحطام‬ ‫الــشــاعــر اإليــطــالــي جويسيبي أونغاريتي م ــن ب ــاب ال ـع ــام إل ــى ب ــاب الـ ـع ــام‪ .‬ال ـشــرخ‬ ‫(قــصــائــده فــي صــحــراء مــصــر) والــشــاعــر طويل وموجع‪.‬‬ ‫الــفــرنــســي لـ ــوران غــاســبــار (قــصــائــده في تـ ـق ــف بـ ـجـ ـن ــاحـ ـي ــن ضـ ــاوي ـ ـيـ ــن وسـ ــريـ ــرة‬ ‫صحراء تونس)‪ ،‬وهم يستمرئون معضالت مـشـقــوقــة؛ ن ـثــارهــا ب ـعــدد أوراق التقويم‬ ‫راهــن الوجود اإلنساني وكبريات مؤرّقاته محقونة‬ ‫في تراحبها وصمتها الميثولوجيين‪ .‬هكذا‬ ‫بالخيبات النتظار ما عاد انتظارا سوى‬ ‫تتراكب‪ ،‬في الموقف الشعري الذي يعنينا‪،‬‬ ‫أنك تعوّدت على طعمه الم ّر‬ ‫فالتان اثنتان‪ ،‬فالة مسقط الرأس الرمزي‬ ‫وحيث انمساخ المكان وتحوّله‪ ،‬ضـ ّداً على كشايك الذي تقترفه كل صباح مخلوطا‬ ‫ما تودّه له الذات كموئل للذاكرة‪ ،‬إلى مجرد بمرارة التكرار‬ ‫خراب مبهرج‪ ،‬اصطناعي‪ ،‬ومرسمل تلطّ خ ومـقـعــد الــوظـيـفــة س ـتــرة األوالد ولقمة‬ ‫فيه عفونة النّفط نــداوة النخل واليقطين الحياة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫تدفع بالمتكأ وتهمس للريح أن تضمك‬ ‫تطويك إلى غير هذه األرض‪.‬‬

‫مــن ب ــرد يتفلت مــن ورق الـتـقــويــم ينيخ‬ ‫عليك ورقة إثر ورقة‪.‬‬

‫تـ ـق ــف‪ ..‬زادك ال ـل ـع ـث ـمــة وب ـح ــر ال ـح ـيــرة‬ ‫ي ـص ـف ـعــك ب ـم ـل ـحــه أيـ ـ ــة حـ ـف ــرة ج ــدي ــدة ك ــأن أيــامــك لــم ُتــرصــد إال لليل يتنفس‬ ‫ال ـ ـعـ ــراء ي ـق ـ ّل ــب ه ـ ــذا الـ ـن ــائ ــم فـ ــي ذهـ ــول‬ ‫تستضيف أيامك‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ت ـت ـع ـقــل كـ ـثـ ـي ــرً ا ق ـب ــل أن ت ــرك ــل الـمـقـعــد عـلــى ط ــاول ــة ال ـم ـنــادمــة وال ـح ـكــايــة الـتــي‬ ‫وت ـل ـت ـمــس هـ ـ ــواء ال ـج ـن ــون لـ ـم ــرة واحـ ــدة أزه ــرت قـبــة؛ حبستها أضــاعً ــا تقيك ما‬ ‫وحيدة‬ ‫يلي‬

‫أح ـ ًّـق ــا ب ـقــي ل ــك أيـ ــام ت ـس ـت ـضــاف‪ .‬لكنها الصحوة واالنتباه؛ أنه ال يمر‪.‬‬ ‫حفرة وعليك أال تستمهلها وأال تطمع‪ ..‬فــي هــذه الحلكة أنــت الــمُ ـبــدد فــي سرير‬

‫ت ـع ــرف مـهـمــا داورت وأبـ ـط ــأت الـخـطــى؛ الوحشة ال بريق ال رنين‪.‬‬ ‫فالحواف الزلقة تجذبك بدبقها‬ ‫ه ــو الـحـنـيــن فـحـســب ف ــي ه ــذه الـحـلـكــة‪،‬‬ ‫الذي حسبته يوما العسل والبهجة وحلو‬ ‫عبرتَ النهر مرة وإلى األبد‪،‬‬ ‫القطاف‪.‬‬ ‫كـ ـ ـ ّن ـ ــاس ال ـ ــذك ـ ــري ـ ــات ي ـت ـق ـص ــى أوراقـ ـ ـ ــك أقـمــت عند شـجــرة مسلوخة تــدعــي أنها‬ ‫بممسحة ومقص وبرميل‬

‫عمرك تنفض عليك صفرة األوراق‬

‫تتداعى لهبوب ال يستره ثوبك المشقوق‪ .‬وتهيل وجوها قضت في النسيان‪.‬‬ ‫المنديل الرطب ال يجف أبدً ا من الوداع‪ .‬ه ــا أنـ ــت ع ـلــى ال ـم ـش ــارف ال تـنـتـظــر من‬ ‫تهزه مرات تلوح به في مرارة الهواء‬ ‫يدفعك‬

‫ح ـ ـيـ ــث ال ـ ـ ـعـ ـ ــابـ ـ ــرون يـ ـحـ ـمـ ـل ــون شـ ـم ــوس‬ ‫ضحكاتهم وظالل األيدي التي استرخت‬ ‫النفس الفقيرة‪ .‬أُلهيةُ األمل وضجره‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫طوي ًال‬ ‫حفيف الورقة األخيرة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ورقةُ التقويم‪.‬‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )١‬عابد إسماعيل‪ ،‬الشاعر السعودي عبداهلل السفر في ديوان جديد‪" .‬جنازة الغريب" بين قلق التجريب‬ ‫وطمأنينة المحاكاة‪ ،‬جريدة الحياة‪ ،‬الرياض‪ 2 ،‬يوليو ‪2008‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬محمد الحرز‪ ،‬جنازة الغريب‪ ..‬االرتفاع بالواقع إلى مصافي المخيلة‪ ،‬جريدة الحياة‪ ،‬الرياض‪ 5 ،‬مايو‬ ‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬بنعيسى بوحمالة‪ ،‬نداء الهاويّة‪ ،‬مقاربة لديوان «جنازة الغريب» لعبداهلل السّ فر‪ ،‬جريدة العلم‪ ،‬الرباط‪8 ،‬‬ ‫مارس ‪2011‬م‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪77‬‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫موضوعية على رواية‬ ‫لمعات‬

‫النمر األبيض‬ ‫ألرافيند أديغا الهندي‬ ‫■ محمد منصور الهدوي*‬

‫"النمر األبيض" الرواية الهندية الحائزة على البوكر عام ‪2008‬م‪ ،‬وهي بداية‬ ‫كتابات آرافيند أديغا الكاتب الهندي‪ ،‬والتي تعد بداية موفّ قة للغاية‪ ،‬وقد اختار‬ ‫موقعً ا من الهند وجانبا من الحياة الواقعية التي لمسها‪ ،‬فأراد إخبارنا بما في‬ ‫الهند من مجاعات وفقر وحــرمــان‪ ،‬بكلمات مستوحاة من الحقيقة تحدث عن‬ ‫طبقات المجتمع‪ ،‬فمنهم مَن يعيش على هامش الحياة! ومنهم مَن ال يستطيع‬ ‫توفير وجبة واحــدة ليومه؛ في المقابل‪ ،‬ثمة فئة تعيش الثراء الفاحش‪ ،‬ببطل‬ ‫صبي يكافح من أجل العيش‪ ...‬فالرواية بمثابة حكايات إنسانية تكشف عن واقع‬ ‫مرير وفساد مشبع بالمؤامرات‪،‬‬ ‫الــروايــة لها طــابــع خــاص يتميز به‬

‫الكاتب مــن تفرد فــي الــســرد ومحاكاة‬

‫األلم عبر حروف بسيطة سلسة للقارئ‬ ‫وإن كان صغيرًا فحسب! وهنا أحاول أن‬

‫أتجاذب أطــراف الحديث نحو أبعادها‬ ‫الموضوعية ومحاورها المركزية كما‬ ‫يأتي‪:‬‬

‫‏البرطلة في الهند‬

‫‪78‬‬

‫يعرض أرافيند أديغا طوال سرد بالرام‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫خالل روايته الممتازة "النمر األبيض"‬ ‫أو الهند في زمن التحوّالت باستمرار‬ ‫انــتــشــار الــفــســاد فــي جميع مؤسسات‬ ‫الــهــنــد؛ ف ــال ــم ــدارس والــمــســتــشــفــيــات‬ ‫والشرطة واالنتخابات والصناعات وكل‬ ‫جانب من جوانب الحكومة فاسدة تمامًا!‬ ‫فــي حــيــن أن مــمــارســات مــثــل الــرشــوة‬ ‫واالحتيال شائعة تمامًا‪ .‬نهج بالرام في‬ ‫هذه الحقيقة ينطوي إلى حد كبير على‬ ‫دعابة ساخرة للغاية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هناك‬


‫العولمة أو الوافدين األجانب‬ ‫الهند التي وصفها بالرام في خضم تحول‬ ‫كبير‪ ،‬بشرت جزئيا من قبل ظهور العولمة‪.‬‬ ‫وتجد الهند نفسها على مفترق طرق التطورات‬ ‫في ميادين التكنولوجيا واالستعانة بمصادر‬ ‫خارجية‪ ،‬حيث تتكيف البالد لتلبية احتياجات‬ ‫االقتصاد العالمي‪ .‬يعترف بالرام ويأمل في‬ ‫ركوب هذه الموجة من المستقبل مع شركته‬ ‫البيضاء النمر سائقي تكنولوجيا األعمال‬ ‫فــي بنغالور‪ ،‬ولكن هــذه الــقــوة مــن العولمة‬ ‫لديها عنصر أغمق بالنسبة له أيضا‪ .‬فهو‬ ‫يهدد ويحرم أولئك الذين يلتزمون بالطريقة‬ ‫التقليدية للحياة‪ ،‬مثل أسرته في الكسمانغاره‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬يجب عليه تغيير مَن هو من أجل‬ ‫المنافسة في هذا العالم الجديد‪ .‬وبالتالي‪،‬‬ ‫يستحضر أديغا بشكل واضح التوتر بين الهند‬ ‫القديمة والجديدة؛ ما يشير إلى أن النجاح‬ ‫في هذا العالم (كما فعل بالرام) يتطلب موجة‬ ‫من التنازالت األخالقية والشخصية‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عنصر قبيح إلى قوس شخصيته‪ .‬من أجل‬ ‫الهروب من "الظالم" والدخول في "النور"‪،‬‬ ‫يجب أن يصبح بالرام نفسه جــزءًا من هذا‬ ‫النظام؛ ومن ثَمَّ‪ ،‬فإن فوزه مرموق‪ .‬في حين‬ ‫أنه نجح في رفع وضعه االجتماعي‪ ،‬فإنه ما‬ ‫يزال يعيش في بلد مشلول بالفساد؛ ما يحول‬ ‫دون حــدوث تقدم حقيقي‪ .‬يبدو أن نقطة‬ ‫أديغا النهائية هي أن الفساد يولّد بالضرورة‬ ‫الفساد‪ ،‬إال إذا كان هناك ثورة أكبر تستعيد‬ ‫المجتمع‪.‬‬

‫الــحــراك االجتماعي في التسلسل الهرمي‬ ‫االجتماعي الجديد في الهند‪ .‬بعد أن عثر‬ ‫على فيجاي مــن الطفولة‪ ،‬يعترف بــالــرام‬ ‫بإمكانية التحرك صعودًا في العالم‪ ،‬ولكن‬ ‫عليه أن يــواجــه واق ــع هــذه الــحــركــة طــوال‬ ‫قصته‪ .‬واحدة من القضايا الكبيرة هي كيف‬ ‫تغير النظام االجتماعي في الهند‪ .‬في ظل‬ ‫نظام الطبقات‪ ،‬مصير الناس كــان محدداً‬ ‫سلفا‪ ،‬لكنها كانت سعيدة‪ ،‬معتقدين أنها‬ ‫تنتمي إلى مكان ما‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الهيكل‬ ‫االجتماعي الجديد يعد بإمكانية الحراك‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ولكنه في الواقع ال يقدم سوى‬ ‫قسمين اجتماعيين‪ :‬األغــنــيــاء والــفــقــراء‪.‬‬ ‫ويحتفظ الفقراء في حالة أبدية من الخضوع‬ ‫والعبودية لألغنياء من قبل اآللية التي دعاها‬ ‫بالرام ب "الديك التعاون"‪ .‬ومع ذلــك‪ ،‬فهي‬ ‫اآلن أكثر سعادة؛ ألن هناك إمكانية للحراك‬ ‫االجتماعي التي ما تزال مع ذلك من متناول‬ ‫أيديهم‪ .‬يجد بالرام في نهاية المطاف وسيلة‬ ‫للكسر من كوب الديك‪ ،‬لكنه يتطلب منه أن‬ ‫يطعن في أخالقه وشخصيته ‪ -‬عليه أن يقتل‬ ‫سيده ويخون عائلته‪ .‬إن الحراك االجتماعي‬ ‫هو شبح يتم القبض عليه فقط من خالل‬ ‫هذه الوسائل الصعبة‪ ،‬هو تعليق على الواقع‬ ‫المؤسف لعالم يبنى أكثر على القيود من‬ ‫اإلمكانية‪.‬‬ ‫الهوية‬

‫النمر األبيض هو إلى حد كبير قصة من‬ ‫األزياء الذاتية‪ ،‬كما تمر بالرام رحلة تحويلية‬ ‫الحراك االجتماعي‬ ‫لبناء هويته الــخــاصــة‪ .‬مستوحاة مــن بطل‬ ‫يناقش بالرام في كثير من األحيان قضايا طفولته‪ ،‬فيجاي‪ ،‬الذي ارتفع أيضا من خلفية‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪79‬‬


‫‪80‬‬

‫متواضعة لتحقيق النجاح في المستويات‬ ‫العليا من المجتمع الهندي‪ ،‬بلر يكرس نفسه‬ ‫لتحسين الــذات‪ ،‬لدرجة أنــه على استعداد‬ ‫لتدمير ال ــذي كــان مــرة واحـ ــدة‪ .‬وهــو يرى‬ ‫الهوية كسوائل وقابلة لالرتداء‪ ،‬وهي حقيقة‬ ‫موضحة مــن خــال العديد مــن التغييرات‬ ‫التي يستخدمها في جميع أنحاء القصة‪ .‬في‬ ‫نهاية المطاف‪ ،‬حتى أنه يختار هوية جديدة‬ ‫لنفسه في التقليد من سيده‪ ،‬ودعــا نفسه‬ ‫أشوك شارما‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الرواية مليئة‬ ‫بالسخرية المذهلة التي تكشف عن أن بالرام‬ ‫ال يمكن أن ينكر تماما الشخص الــذي كان‬ ‫في السابق‪ .‬وهو ما يزال مليئا بالذنب الذي‬ ‫لم يتم حله والخرافات اإلقليمية‪ ،‬يذكرنا بأنه‬ ‫يعتقد نفسه ليكون فــوق القيود األخالقية‬ ‫في حين أن الهوية قد تكون مائعة تماما‪،‬‬ ‫والقانونية للمجتمع‪ .‬أديغا يطرح سؤاال من‬ ‫فإنها أيضا غير منقولة تماما أيضا‪.‬‬ ‫خالل بالرام‪ :‬هل نلوم المجرم على قراراته‪،‬‬ ‫األخالقيات‬ ‫أو أننا نحاول أن نفهم تلك القرارات كردود‬ ‫فــي نهاية الــمــطــاف‪ ،‬النمر األبــيــض هو فعل على مجتمع قمعي وتقييد مفرط؟ على‬ ‫حكاية عن األخالق؛ ما يشير إلى أن األخالق افتراض أن القارئ ليس لديه إجابة نهائية‪،‬‬ ‫يمكن النظر إليها إما جامدة أو مرنة‪ .‬تحتضن يقترح أديغا أن األخالق هو مفهوم السوائل‬ ‫بالرام في نهاية المطاف الخيار األخير‪ .‬من وغير المثبتة‪.‬‬ ‫أجــل تبرير قتل أشــوك والمخاطرة بحياة‬ ‫أزواج وثنائيات‬ ‫عائلته‪ ،‬يطور بالرام نظاما أخالقيًا بديال‪.‬‬ ‫الــنــمــر األبــيــض يــزخــر بــحــاالت األزواج‬ ‫وهو يفسر أن المال الذي يسرقه من أشوك‬ ‫هو حقه‪ ،‬ألن الخدم يستغلهم األغنياء‪ ،‬ويقنع المزدوجة والثنائيات‪ ،‬كل منها يقابل نصف‬ ‫نفسه من استثنائيته باسم "النمر األبيض" من االنــقــســام الــمــركــزي‪ :‬نصف الهند الغنية‬ ‫أجل ترشيد قراراته‪ .‬االعتقاد أنه هو الوحيد والفقيرة‪ .‬بالرام يطرح الهند كما كسر إلى‬ ‫الذي استيقظ حقا إلى حقيقة "روسر كوب"‪ ،‬قسمين‪" ،‬الظالم" و"النور"‪ .‬ومن أمثلة األزواج‬ ‫وقــال إنه يشعر مضطرًا لتغيير حياته‪ .‬في التوأمة من كل من هذين النصفين‪" :‬الرجال‬ ‫هذا المعنى‪ ،‬أصبح بالرام نسخة من نيتشه ذوو البطون الصغيرة" و"الرجال ذوو البطون‬ ‫"أوبيرمنشش"‪ ،‬أو اإلفراط في الرجل‪ ،‬الذي الكبيرة"؛ المستشفى الذي يموت فيه والد‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بالرام ومستشفى المدينة الذي زاره اللقلق؛ الحالة األخيرة وجد السلطة لتكون ممثلة للـ‬ ‫عاهرة شقراء جميلة زارها أشوك والقبيح‪" ،‬ضوء" أكثر حظا‪.‬‬ ‫عاهرة شقراء "فو" التي استأجرها بالرام؛‬ ‫األسرة‬ ‫والمبنى السكني في دلهي وأربابها أربــاع‬ ‫األسرة الهندية الممتدة تلعب دورًا مهما‬ ‫أدناه؛ وإصدارين من جميع األسواق في الهند‬ ‫(واحد لألغنياء‪ ،‬وأصغر طبق األصل للخدم)‪ .‬بشكل ال يصدق في الطريقة التقليدية للحياة‬ ‫أهم هذه األزواج التوائم هي‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬في الظالم‪ .‬األسرة هي الوحدة االجتماعية‬ ‫أشــوك وبــالــرام أنفسهم‪ .‬تقول إ ّن بــالــرام‪ ،‬األس ــاس؛ لــذلــك‪ ،‬مــن المتوقع أن يتصرف‬ ‫جميع أعضائها مــع التفاني نــكــران الــذات‬ ‫الراوي‪ ،‬ينظر إلى العالم على أنه منقسم إلى‬ ‫لمصالحها‪ .‬على الرغم من أن الفقراء ينظرون‬ ‫نصفين‪ .‬وهو يكشف إلى أي مدى أدى القمع‬ ‫ظاهريًا إلى هذا البناء بوصفه قوة‪ ،‬ويأتي‬ ‫إلى تدمير رؤيته للعالم‪.‬‬ ‫بالرام فيرى أنها طريقة أخــرى من خاللها‬ ‫وهناك وسيلة أخرى تستكشف أديغا هذا يتم احتفاظ الفقراء في "الديك التعاون"‪.‬‬ ‫الموضوع مــن خــال مــرآة الــرؤيــة الخلفية أوال‪ ،‬توقعات األسرة فرض القيود التي يمكن‬ ‫الرمزية‪ ،‬التي تضاعف كل شيء من خالل أن تلغي الطموح الفردي (كما يفعلون تقريبا‬ ‫انعكاس‪ ،‬وبالتالي تعمل كقناة للمواجهة بين مع بالرام)‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬بما أن عصيان‬ ‫أشــوك وبالرام‪ .‬هذه الصورة بالذات تشير العبيد ي ــزور عــائــلــتــه‪ ،‬ف ــإن الــخــدم يظلون‬ ‫إلى أن الهوية يمكن نقلها عبر االنقسام ‪ -‬محاصرين بأهواء أسيادهم؛ ويصبح التنقل‬ ‫يمكن للمرء أن ينتقل من منطقة إلى أخرى‪ .‬االجتماعي مستحيال‪ .‬من أجل تحرير الحياة‬ ‫وهــنــاك ح ــاالت أخ ــرى مــن االزدواج ــي ــة في والعيش‪ ،‬حياة رجل أعمال ناجح في بنغالور‪،‬‬ ‫النص تسلط الضوء على مدى تحول بالرام؛ وهي مدينة تمثل الهند الجديدة‪ ،‬يجب على‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬فإن حادثين من السيارات بالرام التضحية بعائلته‪ .‬ويبدو أن هذه العبارة‬ ‫(ضرب بينكي مدام ووفــاة طفل عند ركوب تشير إلى أنه من أجل أن تزدهر في العالم‬ ‫الدراجات) تثبت فقط أنه آن األوان ليصبح الحديث وتقبُّل إمكانات الهند الجديدة‪ ،‬يجب‬ ‫"بالرام" رجل أعمال ناجح‪ .‬وكان بالرام مرة التخلي عن هذا االرتباط التقليدي باألسرة‬ ‫واحدة بيدق في اللعبة‪ ،‬في حين أنه في هذه لصالح التركيز الجديد على الفردية!‬ ‫* ‪.‬‬ ‫(‪ )١‬أرافيند أديغا ‪ :Aravind Adiga‬روائي هندي ولد في مدراس عام ‪1974‬م‪ ،‬ونشأ في مانغالور في جنوبي‬ ‫الهند‪ ،‬ثم تلقى تعليما جامعيًا مرموقًا في جامعة كولومبيا األمريكية‪ ،‬وواصل بعدها تعليمه في كلية‬ ‫ماكدالين ‪ Magdalen‬في جامعة أكسفورد البريطانية‪ .‬يكتب مقاالت تظهر على نحو منتظم في النيويورك‬ ‫والصنداي تايمز والفاينانشيال تايمز‪ .‬وحازت روايته األولى «النمر األبيض» على جائزة المان بوكر عام‬ ‫‪2008‬م‪ ،‬ونشرت روايته الثانية «بين االغتياالت" عام ‪2008‬م‪ ،‬ثم نشرت روايته الثالثة» الرجل األخير في‬ ‫البرج" ‪ Last Man in Tower‬عام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪81‬‬


‫الهجرة‬ ‫■ حليمة الفرجي*‬

‫أخبرتني أُمّ ي ذات مساء أنَّ هناك امرأة فارعة الطول تقطن شمال هذا العالم‬ ‫تسحر الرجال‪ ،‬تسرقهم من بيوتهم‪ ،‬أخبرتني أن تلك السيدة تملك قلب ًا كالبوصلة‬ ‫ذات األصبع الوحيد‪ ،‬يشير دائم ًا إلى الشمال‪ ،‬حيث الحياة والربيع الدائم‪.‬‬ ‫نسمع دائم ًا أنَّ هناك بيوت ًا مرتفعة ذات ساللم كهربائية‪ ،‬وأن ــوار ًا ال تنطفئ‪،‬‬ ‫فالليل في المدن يصبح نهار ًا بفضلها‪.‬‬ ‫كان السفر هو الحلم لجميع اآلباء‪ ،‬تلك الــمــرأة الــتــي حكت لــي عنها قد‬ ‫والـــخـــوف ال ـ ــذي يــشــتــعــل ف ــي قــلــوب سرقت أبي بينما كنت نائماً‪..‬‬ ‫األمهات‪.‬‬ ‫هــا قــد رحــل أب ــي‪ ..‬إذاً‪ ،‬رحــل ولم‬ ‫أبي وأمي لم يكونا سعيدين كأغلب يقبِّلنِ كالعادة عند خروجه ولم يودعنِ ‪.‬‬ ‫فقراء هذا العالم‪.‬‬ ‫اكــتــفــت أم ــي بالصمت وكــفــت عن‬ ‫كــنــت أتــنــصــت عــلــى شــجــارهــمــا كل الشجار‪.‬‬ ‫مساء‪ ،‬تبكي أمي كثيراً في الليل وعند‬ ‫مضت األيام تلو األيام ؛ انقطعت كل‬ ‫الفجر تنهض خائرة الــقــوى‪ ،‬مسلوبة‬ ‫األخبار التي تأتي من الشمال‪.‬‬ ‫اإلرادة‪ ،‬مثقلة الجفن‪.‬‬ ‫تخبئ أمــي مشطاً تحت وسادتها‬ ‫وكــأغــلــب نــســاء الــقــرى الــفــقــيــرات‬ ‫وصورة قديمة‪ ،‬كنت أغافلها كل صباح‬ ‫أصــبــحــت أمـــي تــعــيــســة‪ ،‬فــقــد كــثــرت‬ ‫ألق ـ ِّبــل تــلــك الــصــورة وأعــيــدهــا تحت‬ ‫شكواها ودموعها أيضاً‪ .‬فالمرأة في‬ ‫وسادتها ثانية‪.‬‬ ‫كل بقاع األرض ال تكثر الشكوى إال إذا‬ ‫سنون كثيرة مضت‪..‬‬ ‫سُ لبت الحب‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫ـارد أخبرتني أمــي أن‬ ‫صباح بـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫بعض اآلبــاء عــادوا وبعضهم أرسل‬


‫صديقي مسعود أخبرني هــذا الصباح‬ ‫ونحن فــي طريقنا للمدرسة أن أبــاه عاد يشرق عن مقدم غائب أبــداً‪ ،‬وحتى طيور‬ ‫في الليل‪ ،‬وكان يحمل معه الحلوى ومالبس السماء العائدة ألعشاشها آثــرت الصمت‬ ‫كثيرة‪ ،‬وحل ّياً تتزين بها أمه‪ ،‬عاد وقد أبيض‬ ‫المحمل بالخيبات‪..‬‬ ‫وجهه وأصبح يرتدي بدلة وحذاء مثل تلك‬ ‫مضت األعوام‪ ،‬كبرت جداً‪..‬‬ ‫التي يرتديها طبيب المركز‪ ،‬أخبرني أيضاً‬ ‫أن أمه قد اغتسلت أخيراً ومشطت شعرها‬ ‫علمت هذا عندما صغر حذائي وقميصي‬ ‫واكتحلت‪.‬‬ ‫الــوحــيــد‪ ،‬وبــدت سيقاني أكثر رشــاقــة من‬ ‫تمنيت أن يعود أبي ليس من أجل الحلوى طرف بنطالي‪ ،‬كبرت وكبر عقلي وأدركــت‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫حينها ل َم كان الشمال يسلب رجالنا ويترك‬ ‫‏‪ -‬أمي‪ِ :‬ل َم ال يعود أبي؟‬ ‫نساءنا أرامل وأزواجهن أحياء‪.‬‬ ‫مضت األعــوام تلو األعــوام والشمال ال‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ألسرته فلحقت به‪.‬‬

‫النساء رحيل قريب‪.‬‬

‫تبك هــذه الــمــرة‪ ،‬رغم‬ ‫نظرت إلــيّ ولــم ِ‬ ‫انكسار األنثى والكثير من الخيبة التي كانت‬ ‫تمتلئ بالكثير من الفقر‪ ،‬وتصير النساء أكثر‪.‬‬ ‫بداخلها‪..‬‬ ‫رجالنا ال يخونون نساءهم ولكن الفقر هنا‬ ‫ لن يعود‪ ،‬كنت أدرك هذا عندما عزم‬‫يخون الجميع‪ ،‬ويجبر الرجال على السفر‬ ‫على الذهاب‪.‬‬ ‫بعيداً لــشــراء ضحكات أطفالهم وأس ــاور‬ ‫‏ثم رفعت بصرها لألعلى حيث يختفي‬ ‫نسائهم‪..‬‬ ‫سرب الطيور المهاجرة‪ :‬تلك لن تدعه يعود‪.‬‬ ‫أدركت أن الحياة شجرة‪ ،‬تنبت جنوباً ولها‬ ‫كانت أمي تشير كثيراً في حديثها إلى‬

‫أدركت أنه كلما توغلت جنوباً تجد بيوتاً‬

‫(تلك) المجهولة التي تسرق اآلباء وال تسمح فروع طويلة عاقّة‪ ،‬عاقّة جداً‪ ..‬دائماً ما تنمو‬ ‫وتمتد شماالً فتبنى بها البيوت والمصانع‬ ‫لهم بالعودة‪.‬‬

‫‏ولكني لم أعِ ما تقصده تماماً وظلت تلك التي تأخذ منا رجالنا‪.‬‬ ‫المجهولة تلقي بظلها األسود علينا دائماً‪.‬‬ ‫هنا فقط‪ ..‬كلما توغلتَ جنوباً ستجد‬

‫ذات صباح لم تفق أمي‪ ..‬فقد رحلت هي ال ــدفء‪ ،‬بعيداً عن صقيع الغربة‪ ،‬ولكنك‬ ‫أيضاً وإن بقيت آثار دمعتها‪ ،‬مشطها وصورة حتماً ستجد نساء يفضلن الــمــوت جوعاً‬ ‫أبي‪.‬‬ ‫على أ ّال تشاركهن أخرى أزواجهن وضحكات‬ ‫كنت أدرك أنــهــا ســتــرحــل‪ ،‬فــإن صمت أطفالهن‪.‬‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪83‬‬


‫ورقة‬ ‫■ حنان بيروتي*‬

‫ـك أن تكون فــي هــذه المكان؟ أنــت؟ مــا الــذي جــاء بــك إلــى هنا؟‬ ‫ال يفترض بـ َ‬ ‫حي أم ميت؟ أال تعرف؟ أال يمكنك المساعدة؟ كيف‬ ‫أأنت ٌّ‬ ‫هذا المكان ليس لك‪ّ ،‬‬ ‫شخص‬ ‫ٌ‬ ‫ال تـعــرف َمــن ال ــذي يـعــرف‪ ،‬إذاً؟ مــن ال ـنــوادر طيلة إقامتي هنا أن يــأتــي‬ ‫بالخطأ أو بالمصادفة إلــى هــذا المكان‪ ،‬مكان لمن سيموتون قريبًا وهــم على‬ ‫القائمة األخيرة التي أُعدت لهذه الغاية‪ ،‬كيف؟ كما ترى هم ال يعرفون بعضهم‪،‬‬ ‫لغات مختلفةً ‪ ،‬ويقيمون في أماكن بعيدة ويتفاوتون في‬ ‫على األغلب يتحدثون ٍ‬ ‫األعـمــار‪ ،‬أكيد الموت ال يفرِّق بين صغير وكبير‪ ،‬هم ال يعرفون بالضرورة أنّهم‬ ‫سيموتون قريبا جدً ا وأنّهم في القائمة النهائية‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫ربما يأتي األمر لهم كخاطر أو فكرة‪ ،‬لــغــايــة أخــــرى‪ ..‬ربــمــا الس ــت ــدرار عطف‬ ‫لكنهم يستبعدونها سريعا ويُقصونها اآلخر‪ ،‬أو لقراءة وقع الكلمة عليه أو على‬ ‫عن مرمى التصديق وإمكانية الحدوث أنفسنا‪ ،‬أو‪ ..‬احتماالت عديدة كلها تعني‬ ‫الوشيك؛ فالموتُ أم ٌر بعي ٌد يحدث لآلخرين زيف الكلمة غير الصادقة‪ ،‬لنا نحن وحدنا‬ ‫تحس بزيف‬ ‫ّ‬ ‫فقط‪ .‬نجمعهم في الحلم أو نسرقهم من مقياس صدقها من كذبه‪ ،‬أال‬ ‫صحوتهم فــي الحياة‪ ،‬نسرق انتباههم الكلمات التي تقال أحيانًا؟ الناس تزيّف‬ ‫فيهيمون للحظات هي كافية لالجتماع البضائع واالبتسامات والمالمح! وتركّب‬ ‫هنا؛ الوقت يختلف‪ ..‬يشبه المطاط الذي الشّ عر‪ ،‬تستعيره من الموتى ومن الفقراء‬ ‫يمكنك ذهنيًا التحكم به‪ ،‬ليس كما يُشاع‬ ‫األحــيــاء‪ ،‬وتــبــدل لــون العيون واألســنــان‬ ‫لكم فقط أنَّ السعادة تشعرك بقصره‬ ‫وتنفخ الخدود والشفاه واألرداف‪ ..‬حتى‬ ‫والــحــزن يجعله يبدو طويال‪ ،‬يتصرفون‬ ‫المشاعر يمكن تقليدها ومحاكاتها طبق‬ ‫كأنّهم في بيتهم بأريحية‪ ،‬هل مررت بحالة‬ ‫األصل‪ ..‬طبق األصل!‬ ‫مشابهة؟ ال يمكن‪ ،‬وحــده َمــن سيموت‬ ‫بصعوبة أفتح عينيّ ‪ ،‬رائــحــة القهوة‬ ‫قريبًا يمكنه ذلك تهيئة لخوض التجربة‪،‬‬ ‫لهذا تسمع مَن يقول إنه يحس بأ ّن نهايته تزكم أنفي‪ ،‬وصوت زوجتي ماجدة‪ ،‬أنتشل‬ ‫قريبة‪ ،‬بعضها زائف‪ ..‬الزيف يأتي عندما نفسي من النعاس‪ ،‬كنتُ أحلم لكني ال‬ ‫ال نصدق الكلمة التي ننط ُق بها‪ ،‬ننطقها أتــذكــر‪ ،‬كــان ثمة صــوت يسألني عني‪..‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫عليّ الكثير من األمــور المعلقة واألحــام‬ ‫‏تمتصني تفاصي ُل اليوم ويضي ُع الحلم بين‬ ‫تالفيف الذّاكرة‪ ،‬نحتاج أحيانًا للحظة صفاء قيد االنتظار‪ ،‬ما أوسع األحالم وأضيق الحياة‪،‬‬ ‫نبض خوفها‪ ،‬الحياة قصيرة يا صاحبي!‬ ‫نجلس فيها مع أنفسنا ونتذوق َ‬ ‫ربما كــان عليّ تــدويــن مــفــردات مــا رأيـتُــه أو‬ ‫أقــولــهــا وكــأنــي أص ــدق األح ـ ــام‪َ ..‬م ــن ال‬ ‫تفاصيل صغيرة حتى وإن كانت غير مترابطة يصدقها؟‬ ‫كما يظهر للوهلة األولـ ــى‪ ،‬لكن التفاصيل‬ ‫‏رحلت "سارة" بعد فترة قصيرة‪ ،‬كان موتُها‬ ‫المهمشة تج ّر لتفاصيل أكثر وترسم المشهد‬ ‫مفاجئا رغم أنها مرضت ألسبوع قبله‪ ،‬وأ ُجريت‬ ‫بلحظة واحــدة‪ ،‬كمشهد مكان الجتماع‪ ..‬أيّ‬ ‫لها الفحوصات‪ ..‬لكن كأنما كانت األعــراض‬ ‫اجتماع؟‬ ‫تتوارى عن أعين األطــبــاء‪ ،‬فلم يكتشف أح ٌد‬ ‫‏كنا نقف في المقبرة في زيارة قبور الموتى منهم ما كانت تعانيه من مشكلة خطيرة في‬ ‫وقت العيد‪ ،‬تلك الزيارة ال يمكنني نسيانها؛ القلب‪ ،‬ماتت في صبيحة كئيبة وهــي تشرب‬ ‫كانت "ســارة" وهي إحدى قريباتي تقف قرب قهوة الصباح‪ ،‬وتتحدث بفرح كأنما تخطط‬ ‫قبر أخيها وتتحدث عندما قطعت كلماتها فجأة لنهارها‪ ،‬بلحظات أصابتها الجلطة الماحقة‪،‬‬ ‫ووجهتْ نظرها إلى السماء‪ ،‬وبدت مالمحها ربــمــا هــي ذاتــهــا لــم تــصــدق خبر موتها غير‬ ‫تلك اللحظات مثل التائهة‪ ،‬كأنّما تنظر لشيء المتوقع‪ ،‬هل كان االجتماع قصيرًا جدًا‪ ،‬لماذا‬ ‫مجهول‪ ،‬سألت‪ :‬أنا لم تفهم؟ لكن مَن منا يفهم ويصدق الموت‪ ،‬مَن؟‬ ‫ً‬ ‫بعيد غامض أو تتبع ندا ًء‬ ‫تهت‪ ،‬أين نحن؟!‬ ‫تداعيات الحلم ما تــزال تطاردني تزعج‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ماذا أفعل هنا و‪ ..‬طبق األصل‪.‬‬

‫ومتى؟ قبل أن‪ ...‬وقبل‪...‬‬

‫تلك اللحظات ربما التي سُ رقت فيها من رقدتي وصحوتي‪ ،‬تنقر سكينتي مثل عصفور‬ ‫الواقع ليتم إخبارها أو إشعارها بأنّها ستموت جائع‪ ،‬وجوعي ال يهدأ للسكون‪ ،‬ليتني أرتاح من‬ ‫قريبًا‪ ،‬وأ ّن قبرها على بعد خطوتين من المكان ك ِّل ذلك حتى لو كان الموت‪..‬‬ ‫الذي تقف فيه اآلن‪.‬‬ ‫***‬ ‫لو خطر لها أن تمشي تلك اللحظة خطوتين‬ ‫وزوجته "ماجدة" تعيد ترتيب الفراش بعد‬ ‫لوقفتْ فو َق قبرها الحالي‪ ،‬كأنّها إشارة تومض الدفن بيومين‪ ،‬وتش ُّم رائحته على الوسادة‪،‬‬ ‫لها عن موتها القريب‪.‬‬ ‫عثرت على أوراق كُتب عليها‪:‬‬

‫ما الذي جعلني أتذكرها اآلن؟ أهي تداعيات‬ ‫‏"ال يفترض بك أن تكون في هذه المكان؟‬ ‫ما حلمت به؟ يا إلهي هل سأموت قريبًا! كيف؟ أنت؟ ما الذي جاء بك إلى هنا‪..‬؟"‪.‬‬ ‫* قاصة وشاعرة من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪85‬‬


‫ومضات سريعة‬ ‫■ سميرة الزهراني*‬

‫تعاويذ‪..‬‬

‫بغيره‪ ..‬فاشترى البيت المالصق لمنزلها‬

‫أقام حولها تعاويذ وشراك؛ لئال يمسها وبنى ببنت عمه‪.‬‬ ‫سوء‪ ،‬نسيها فقتلتها الوحدة‪.‬‬ ‫حرمان‪..‬‬ ‫دَ يْ ن‪..‬‬ ‫اخشوشنت في وجهه الحياة‪ ،‬أذاقته‬ ‫جرت لدكان العم سالم لتنقده ما تبقى‬ ‫صنوف الحرمان وجرعته كؤوس الفقد‪،‬‬ ‫من ثمن العلك الذي ابتاعته منه باألمس‪..‬‬ ‫عبثت بقلبه الصغير فحرمته ما يتمناه‬ ‫وجدته مغلقا ورجال الحي يحملون على‬ ‫بل وحتى ما يحتاج إليه‪ ..‬سار حافيًا في‬ ‫أكتافهم جنازة‪.‬‬ ‫الطرقات حتى أن قدمه الصغيرة تعودت‬ ‫هدايا‪..‬‬ ‫ذلك‪ ..‬فلم تعد تؤثر فيها نتوءات الطرق‪..‬‬ ‫دخل بيتها مسرعاً في الخفاء‪ ،‬ووضع‬ ‫تمنى ذات ليلة أن تمطر السماء عليه‬ ‫فــي يــدهــا إسـ ــورة؛ كتلك الــتــي يحملها‬ ‫الحُ جاج هدايا من مكة لحبيباتهم‪ ..‬خرج فرحً ا وأن تثمر شجرة التفاح‪ ..‬تمنى أن‬ ‫مسرعا كما جاء‪..‬‬ ‫يلتقي أمــه‪ ،‬وأن يرتمي في حضنها ولو‬ ‫وفي صبيحة اجتماع العيد وجدت ذات لساعات‪ ..‬تمنى أن يهبها وريده لتعيش‪،‬‬ ‫األسورة في يد مثيالتها‪.‬‬ ‫وأن يطعمها مــن شجرته التي أثمرت‪،‬‬ ‫تقاليد‪..‬‬

‫لكنها أب ــت إال الــرحــيــل‪ ،‬وظـــ َّل بعدها‬

‫أحبها رغم كل أعراف القبيلة واختالف يأكل تفاحته بيدين متسختين‪ ،‬وعينين‬ ‫النسب‪ ..‬أرادها حالال له‪ ،‬لكنها تزوجت مغرورقتين‪ ،‬وباب تواربه الرياح‪.‬‬ ‫* قاصة من السعودية ‪ -‬الطائف‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫قمر ‪50‬‬ ‫■ محمد الرياني*‬

‫نــاداهــا تعالي! اقتربت مـنــه‪ ،‬قــال لـهــا‪ :‬اجلسي‪ .‬جلست‪ ،‬الكرسي يتسع الثنين‬ ‫جــالـسـيــن‪ ،‬قــال لـهــا فــي ليلة ب ــدر‪ :‬أنــت قـمــر فــي الخمسين‪ ،‬ضحكت بـصــوت يشبه‬ ‫عمرها‪ ،‬نظرت إلى السماء والقمر مستدير‪ ،‬يكاد يشق األرض إطالال‪ ،‬ضحكت من‬ ‫قمر الخمسين‪ ،‬وفي ثناياها شيء من ابتسامة منتصف الشهر‪.‬‬ ‫مضى الليل‪ ،‬حضر السكون بقوة‬

‫تجاورا على الكرسي القديم يتذكران‬ ‫عــمـرًا مضى‪ ،‬ســردا قصة طويلة؛ بل والهدوء يعم المكان آخر الليل‪ ،‬هدأت‬ ‫رواية بدأت منذ الصغر‪.‬‬ ‫حركة المقعد الخشبي‪ ،‬توقف الحديث‬ ‫‏ألول مــرة‪ ،‬تشعر بإحساس غريب‪ ،‬الماتع‪ ،‬وضعت يدها على يده‪ ،‬شعرت‬ ‫غزل في منتصف القرن‪ ،‬وجلوس يوحي‬ ‫بــبــرودة عجيبة‪ ،‬وضــعــت رأســهــا على‬ ‫بشيء ما‪ ،‬بات يحدثها عن كل شيء‪،‬‬ ‫صدره لتستمع إلى دقات قلبه‪ ،‬عرفت‬ ‫عن الحياة‪ ،‬وعن الجمال‪ ،‬وعن الدار‬ ‫التي احتضنت قمرين تحت طل القمر‪ .‬أن النبض توقف عن الحديث‪ ،‬نزعت‬ ‫كانت تتأمله وتتعجب من الكالم البديع‪ ،‬خــمــارهــا‪ ،‬هــمــرت بقية دمــوعــهــا على‬ ‫تضحك تــارة‪ ،‬وتبكي في داخلها تارة صـــدره‪ ،‬ذهــب القمر الــعــلــوي باتجاه‬ ‫أخرى‪ ،‬وتمسح بطرف خمارها عندما الغروب‪ ،‬لن تجد مَن يقول لها بعد تلك‬ ‫تخشى أن تفضحها دموعها‪ ،‬لم ترد‬ ‫الليلة‪:‬‬ ‫على حديثه بحديث‪ ،‬اكتفت بالفرجة‬ ‫واالستماع‪.‬‬ ‫يا قمر الخمسين‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪87‬‬


‫ُ‬ ‫ميراث المؤمنين!‬ ‫العصا‪..‬‬ ‫َ‬ ‫‪ρρ‬فهد أبو حميد*‬

‫ـات ع ـ ـ ـلـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ِـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ِـم مَ ـ ـ ـح ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـاك رواي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـص ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫إذا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ال ـ ـ ـ ِّت ـ ـ ـل ـ ـ ـم ـ ـ ـيـ ـ ــذُ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ َزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ و َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫أي رِ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫ـش بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا! وال ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزُ ّ‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫ـرح مـ ـ ـص ـ ــقُ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ات ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ِ‬ ‫َت ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـشـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذَّ ُ‬ ‫ـاس شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫وأي اج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازٍ لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ـات مَ ـ ـ ـسـ ـ ـح ـ ــول ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ــه‬ ‫ـف ال ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ خَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَا َو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـت األف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ُه شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً! وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ل ــي‬ ‫حَ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ٌـث حَ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ُـث ال ـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ ِـك م ـ ـ ـ ــا ِصـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َغ لِ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــدُّ و َلـ ـ ـ ــه‬ ‫وأذْهَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومـ ـ ـ ـ ـ ًا ِح ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــرُ عَ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ــيَّ ! هَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ رأوا‬ ‫َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ َة أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ــارٍ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــوِ مَ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫وسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوٌ هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوا ُه َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذُ َر َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫وأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ــورةٍ َتـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــدو مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب مَ ـ ـ ـع ـ ـ ـقـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَاس! ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ ص ـ ـ ـ ـ ـ ــورتـ ـ ــي!‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـ ــا َذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٌـح ولـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــنَّ الـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاط ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــنَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌّـي بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ الـ ـ ـ ـ ــدِّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ و ُر َّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونُ دمـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ــي َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم الـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ِـب مَ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ُلـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـك ال ـ ـ ـ ِّتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــذُ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانَ َدفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــري‬ ‫أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َذل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫رِ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًال عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــى ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّر الـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ِـديـ ـ ـ ــنَ مَ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــدو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو أنَّ (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ اللَ ) ذَريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ـاجـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـل) مَ ـ ـ ـ ــوصـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ــه‬ ‫ـوالت (الـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َن ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـك وجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫إلـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـاجـ ـ ـ ـ ٍـد‬ ‫ـك فـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ٍـل ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ مـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ٌة ِع ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ــاريـ ـ ـ ـ ـ ِـح مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫‪88‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ـات الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزاءِ َره ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنَّ ُب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاط ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن مَ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ُلـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ وأج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا َم الـ ـ ـ ـ َّـسـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ ي ولـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ِحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫وح مَ ـ ـ ـخـ ـ ــذو َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـض ـ ـ ـ ـ ـ ْـت إلـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ِ‬ ‫َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد َّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ُتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا أف ـ ـ ـ ـ ـ َ‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ـرغ ـ ـ ـ ــي ِمـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ُـج ـ ـ ـ ــدُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُّ ؤى‬ ‫َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــلُ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيُ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ــوةٍ َصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوبَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ َّت ـ ـ ـ ـ ــراتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـل ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه‬

‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَا َوحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ف ـ ـ ـ ـ ــي ِظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ــا وهَ ـ ـ ــواجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــي‬ ‫ـات مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــزو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـان ال ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ُبـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــودٌ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ــي‬ ‫ـاك! و َت ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــدو ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٍـد مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َص ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ك ـ ـ ـ ــأشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــارٍ عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِّ مـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـك إال قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــد ًة‬ ‫حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ َك َلـ ـ ـ ـ ـ ــم َيـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـظ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـاذخ ال ـ ـ ـ ــعِ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــرِ مَ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى نَـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــةٍ ِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاوَزتَ لـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرد ًا ولـ ـ ـلـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ــا‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــامٌ ي ـ ـ ـ ـ ـ َـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ ال ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ُـب ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ َيـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــو َلـ ـ ــه‬ ‫طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ بـ ـ ـ ـ ِـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا حَ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ـ ــى أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقَ ُش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ‬ ‫بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ـ ــوب ـ ـ ـ ـ ــي وفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ــاألعـ ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ِـب أمـ ـ ـ ــثُ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـاك!! ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ــا ُر الـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـف َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــل رأى‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـارات مَ ـ ـ ـك ـ ـ ـفـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ح ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ــوظ ـ ـ ـ ـ ًا عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى َن ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ِـل اإلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ذاك الـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ ؟! قـ ـ ـ ـ ــد اس ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـوَى‬ ‫َف ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َ‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب حـ ـ ـ ـت ـ ـ ــى َر َّد لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـب مَ ـ ـ ــدل ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـاط ـ ـ ـ ــرِ ي‬ ‫وأ َّذ ْنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ! ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا هلل! جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ ولـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـا ِت مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـاب واألذانُ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ـاك رِ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـس مَ ـ ـ ـف ـ ـ ـعـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫وص ـ ـ ـ ــو ُت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك مـ ـ ـ ـ ــا ال ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَمُ الـ ـ ـ ـ ـ َّنـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪89‬‬


‫ـاض َصـ ـ ـ ـ ـ ــداقـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫ـك! مـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـس؟ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫و َرم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ــظَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُّ عَ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ الـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ــواتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـم مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـك َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أزَلْ‬ ‫ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫أراك! وروحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــاص ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـغ ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه‬ ‫َ‬ ‫ـك اآلنَ سـ ـ ـ ــاكـ ـ ـ ـ ٌـن!‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدُ َك ِطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــلٌ ! ِجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـأل َق ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــو َلـ ـ ــه!‬ ‫وجَ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــا كـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ٍـف! وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـراش َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫ـاك هـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا! قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــربَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـك ي ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ َـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ًا ع ـ ـ ـلـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّرف ـ ـ ـ ـ ـ ِـق مَ ـ ـ ـجـ ـ ـب ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـاجـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َ‬ ‫ُتـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ِ‬ ‫أفِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقْ ‪ ..‬إنَّ َض ـ ـ ـي ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ الـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــابَ ب ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ًا‬ ‫ـأن حَ ـ ـ ـي ـ ـ ـلـ ـ ــو َلـ ـ ــه!‬ ‫ـس فـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـك أجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدى! لـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ َ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ــا ُب ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـك إنـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـمـ ـ ــا‬ ‫وح ـ ـ ـ ـ ـ ــا َول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت! َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم أفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ُسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـصـ ـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ـ ـ ُـت ُس ـ ـ ـ ـ ــؤال ـ ـ ـ ـ ــي َم ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ــرِ بَ الـ ـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِـس أحـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه‬ ‫َن ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـأش الـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــارِ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــا َلـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـدت بـ ـ ـ ـِـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫َص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫وُ ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومُ أب ـ ـ ـ ـ ـ ــي َر ّداً! فـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ َـ ــم أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ــم ُط ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ـضـ ـ ـ ــى فـ ـ ـ ـ ــي مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــوكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـب ال ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ــقِّ ! إ َّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫إل ـ ـ ـ ـ ـ ــى كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلِّ حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقٍّ ي ـ ـ ـ ـ ـُ ـ ـ ــوفِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذَّ اتَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ــذُ و َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزَّ ن ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـروف َتـ ـ ـ ـ ـ ـو ََّخ ـ ـ ـ ـ ــاه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ دَى غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ــر مَ ـ ـ ـش ـ ـ ـكـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ـات ب ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ــةٌ‬ ‫وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َد أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‪ ..‬ل ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذِّ ك ـ ـ ـ ـ َريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫أوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غَ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرُ مـ ـ ـفـ ـ ـص ـ ــو َل ـ ــه‬ ‫ـك الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـص ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ــي ِ‬ ‫وت ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـك ك ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ــت نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ًة وهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت‬ ‫هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالِ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى َزن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َقـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ــةِ م ـ ـ ـف ـ ـ ـتـ ـ ــو َلـ ـ ــه‬ ‫‪90‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫عَ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــهِ و َتـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ــو َلـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ــةُ ال ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ِـل م ـ ـ ـع ـ ـ ـسـ ـ ــو َلـ ـ ــه‬ ‫ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ دَربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرافِ ـ ـ ـ ـ ــئُ و َْج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـد تـ ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ــحُ الـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ َر أسـ ـ ـ ـط ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه‬ ‫ويـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ قُ دَربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأذ َِان ت ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــفُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫يـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــى ت ـ ـ ـ ـ ـُـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َم َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ــةٌ‬

‫ـوت مَ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ــؤو َل ـ ـ ــه‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ــا ُه ال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي َبـ ـ ـ ـ ـ ــا َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن الـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي!! َقـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي ي ـ ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ِـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـف مَ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫إذا طَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ْـت ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ رِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ َويـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ــو َل ـ ــه‬ ‫ـاف ظ ـ ـ ـ ِـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ َـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـاف أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاً! أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫أخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وأع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا دار ًا مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َع ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ــزمِ مـ ـ ــأه ـ ـ ـ ـ ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫و َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتَ ! لـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـ ــالَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ َّـ ـ ـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ـوت َف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــا َء مَ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــولـ ـ ـ ـ َـ ـ ــه‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ُـ ـ ــحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّل ـ ـ ــقُ َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـان غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ــا والـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــا ذِ ك ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـُـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ِ‬ ‫ـون ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ ِّـشـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــرِ مَ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ــزو َل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫أرام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أذان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا! مـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــراهـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا! وكِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫(أب ـ ـ ـ ـ ــو نـ ـ ـ ــاصـ ـ ـ ــرٍ ) ف ـ ـ ــي سَ ـ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ ِـغ الـ ـ ـ َّـش ـ ـ ـجـ ـ ــوِ (مَ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـم ـ ـ ــو َل ـ ـ ــه)‬

‫(‪)١‬‬

‫سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدِّ ي سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى أب ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ــا كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ َقـ ـ ـيـ ـ ـل ـ ــو َل ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫سَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامٌ عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى تِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ َ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫(‪ )١‬هذه الكلمة جاءت مؤنثة حتى تالئم مؤنثاً تأنيثاً مجازياً مقدّراً مفهوماً من السياق وهي‬ ‫(الكنية) والمعنى (أن الكنية مشمولة)‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪91‬‬


‫تحرير‬ ‫■ سمر الزعبي*‬

‫وجلس على مقعده الوثير‪ .‬المكتب‬ ‫َ‬ ‫َظ أنفاسَ هُ األخـيــرة‪ ،‬ثــمّ ترَكهم يبكونَه‪،‬‬ ‫لف َ‬ ‫قصةٍ شر َع بكتابتها قبل أن يموت‪،‬‬ ‫مكتظ بالحكايات؛ فتناول آخر ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مليءٌ بــاألوراق‪،‬‬ ‫وراح يكملها بعدما جعل البطلين يتشاجران بسبب عــراك ابنَيهما في الحديقة‬ ‫العامّ ة‪ ،‬هناك حيث تعارفا‪ ،‬فور ما أحسّ ا بسذاجة موقفَيهما واعتذر كلٌ منهما لآلخر‪.‬‬ ‫كان كالهما وحيدًا‪ ،‬مُطلّ ٌق وأرمل َة‪ ،‬أو‬ ‫أرم ٌل ومطلّقة‪ ،‬وغير ذلك من االحتماالت‬ ‫ّبض وال ُقبَ َل والتدخين‬ ‫ممكن‪ ،‬تشاركا الن َ‬ ‫من سيجارةٍ واحــدة‪ .‬غالى في وصف‬ ‫مشاعرهما تجاه بعضهما بعضاً على‬ ‫غير عــاد ِة ال ُكتّاب من ال ـرّجــال؛ فكان‬ ‫بوحُ ه رومانس ّيًا للغاية‪ ،‬واستخدم صورًا‬ ‫فن ّي ًة تقليديّة‪ ،‬فكانت مفرداته‪ :‬الشّ مس‬ ‫بالضجر‪ ،‬فعائلته مــا تــزال‬ ‫ّ‬ ‫ـس‬ ‫أح ـ َّ‬ ‫والنّجوم والبحر والــغــيــوم‪ ..‬ث ـ ّم لمعت‬ ‫بصوت مرتفع‪ ،‬وتُفقده تركيزَه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تبكيه‬ ‫في ذهنه فكرة أن يقي َم بينهما عالق ًة‬ ‫رف َع الورق َة من طرفها بإصبعين اثنَين‪،‬‬ ‫محرّمة‪ ..‬وفعل‪.‬‬ ‫ّف‪ ،‬ثم حذف المشهد األوّل الذي‬ ‫وتأف َ‬ ‫أسطر شع َر بفتور تجاهَ‬ ‫ٍ‬ ‫بعد ع ـدّة‬ ‫صار األخي َر بعد ما قلبَ الحكاية‪ ..‬فلم‬ ‫الـ ّنــص‪ ،‬فنقل َه إلــى الـمُـتحابَّين‪ ،‬حتّى‬ ‫يلتقِ البطالن حتى هذه اللحظة‪.‬‬ ‫اشــت ـ ّد بهما وافــتــرقــا‪ .‬قـ ـرّر أن يكتب‬ ‫عاد يتمدّد في فراشه يت ُّم مراسي َم‬ ‫النص بالمقلوب‪ ،‬فتراجعت األحــداث‬ ‫َّ‬ ‫منذ جلسا على حافّتيّ السّ رير‪ ،‬يولّيان موته‪ ،‬وفي نيّته كتاب ُة نصوص أخرى‪،‬‬ ‫ظهرَيهما لبعضهما بعضاً‪ ،‬يتعاتبان لكن لن تكون في المشاعر‪ ،‬بعدما تيقّن‬ ‫على الفتور واإلهمال‪ ،‬يلقي ك ٌل منهما أن كتابته عن الحب ال تق ّل رداء ًة عن‬ ‫اللو َم على اآلخر‪ ،‬ث ّم عاد بلسانيهما إلى أدائه فيه‪.‬‬ ‫سنيّ الحب والشّ وق‪ ،‬مبقيًا على صوره‬ ‫الفنيّة الكثيرة؛ لكنه حذف المفردات‬ ‫التقليديّة‪ ،‬واستغنى عن مشاهد العالقة‬ ‫المحرّمة‪ ،‬فقد خشي أن يُعاقَب عليها‬ ‫بــع ـ َد الــدّف ــن‪ ،‬لــكــن لــيــس إل ــى حــ ِّد أن‬ ‫يشطب مشاهد السجائر التي تبادالها‬ ‫ذات ُقبَل‪.‬‬

‫ * قاصة من األردن‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρρ‬سعاد الزحيفي*‬

‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءً ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وأعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ وزه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرٌ‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس دِ ّل‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫جوفية‬ ‫أصبوحة‬

‫ـات‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫‏تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا أهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل زك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيٍّ‬ ‫‏وش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا رِ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ـاح نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ن ـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــة اإلصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارع ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزال‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّو َع ري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــب ن ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــا‬ ‫‏ون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوق مـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب ك ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـف‬ ‫‏وال سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأوه عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدال‬ ‫ـس ع ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه‬ ‫وخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــز الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫‏تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع ه ـ ـ ـ ـ ـ ْـط ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذٌ س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ط ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫‏وبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك) ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار أحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــى‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــه كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤوس ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاي ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫‏ي ـ ـ ـ ـ ـ ــرقِّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا (الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ) حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــث ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيء ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا‬ ‫‏وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا دارا وأهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫* شاعرة من الجوف‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪93‬‬


‫ذاكرة ال تنام‬ ‫‪ρρ‬نوره العبيري*‬

‫أحاول النوم‬

‫لحظ ـ ال ينتهي‬

‫أو‬

‫امنحني ذاكرة تجعلني‬

‫الخلود إلى ذاكرة ال أعرفُ ها‬

‫أكتب إليك رسالة تصلك‬

‫أسألتني يوم ًا‬

‫ب ــأن ــك ال ـح ــظ ال ـج ـم ـيــل ال ـ ــذي أب ـ ــاح س ـ ّر‬

‫كيف بدلت ردائي‬ ‫وأسقط وجهي‬ ‫ُ‬ ‫وبت أخيط الغفلة منك‬ ‫فوق تجاهل أشيائي‬ ‫وجالست الوريد الذي أحبك‬ ‫ونصحني باالنتهاء‪..‬‬ ‫لكنني تماديت بغبائي‬ ‫كم مرة مددت للمطر السريع؟‬ ‫أسالتني‬ ‫كم مرة مددت للمطر السريع‬ ‫كوبي‪ ..‬ومعطفي‪ ..‬وشالي‪..‬؟‬ ‫احترقت قهوة شوقي‬

‫ليت كل العابرين الذين مسحوا دمعي‬ ‫‏منديلك‬ ‫ليت كل صبح أبهجهم‬ ‫ببذخ جمالي عين قنديلك‬ ‫ليتك تطيل الوقوف مر ًة امامي‬ ‫كن لي مرآة‪..‬‬ ‫يا مَ ن كلما استدار نهارك ليعكس ليلي‬ ‫أضل كفراشة ال تخاف النار‬ ‫ِ‬ ‫حول وترك المشتعل‬ ‫تُغني تُغني تُغني‬

‫جف منك اغترابي‬ ‫حتى َّ‬

‫حتى تذوب في حديقة ليلك‬

‫أنساك‬

‫وأنت نائم‬

‫وأنت بين الخطوة والخطوة‬

‫امنحني ذاكرة تجعلني أنام‬

‫ * كاتبة من السعودية‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫شتاتي‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρρ‬مرضي الشمري*‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫وطني‬ ‫وطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــرُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـن فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫‏ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم إنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي آت ِ‬ ‫‏ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرِ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــن دف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري‬ ‫‏م ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــج ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ‬ ‫‏أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـل الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ــرِ ص ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــو ًة‬ ‫‏دريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن مـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـرح مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدك ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزةٌ‬ ‫ـوخ بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َح وروع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َة اإلنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ‬ ‫‏وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َدى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ــدي ـ ـ ـ ـ ـ ــن بـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـف ـ ـ ــهِ‬ ‫‏أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ تـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ــى ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى األصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوات ِ‬ ‫‏ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــر ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـخ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم ص ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــةٌ‬ ‫ـرات‬ ‫ـذب فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروي ثـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى روح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏مـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــه اسـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونُ وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَ رسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ٍ‬ ‫ـول س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ‬ ‫‏يـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ــو بـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد ط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫‏ف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــه اسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر هـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــورى‬ ‫‏بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل واآلي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ِ‬ ‫‏وط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي إبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ األم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــراب ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫اآلت‬ ‫ِ‬ ‫‏ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرحٌ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ ّـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ه الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانُ‬ ‫ـض قـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـي ـ ـ ــدت ـ ـ ــي‬ ‫ـزف ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫‏عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذري إل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّ‬ ‫‏يـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــرِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــاتِ ـ ـ ـ ــي‬ ‫* شاعر من حائل ‪ -‬السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪95‬‬


‫َمن كمثلي‬

‫‪ρρ‬عبداهلل األمير*‬

‫مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرَى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـب ِس ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ــةً َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫ـف يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرجَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــديـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ انـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ؟‬ ‫‏ َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ ابـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدأ َُت حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًة‬ ‫ـأس واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـضـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫‏حَ ـ ـ ـ ـ ــفَّ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـوب‬ ‫هلل ِض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً ِم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحَ ا ُ‬ ‫‏ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ َزي ـ ـ ـ ـ ـ ــفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدَّ اعُ‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـأَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونَ َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو هَ ـ ـ ـ ـ ــاك ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ألس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫‏حَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ أَص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َرغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي ا َ‬ ‫ـس ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ال ـ ـ ـ ــتَّ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـرت عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ــر ًا ِسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫‏وِ ْجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوَهْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ والـ ـ ـ ـ ـ ـ ــخَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراعُ‬ ‫هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبَ مُ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ًا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي هَ ـ ـ ـ ـ ـ ــواهـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫‏ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ب ـ ـ ـ ـ ـ ــاعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت و َُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــبُّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫ـاك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ُج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــونٌ‬ ‫خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫‏ وَرِ ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ضـ ـ ـ ـ ــاع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا‬ ‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َوع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُ ف ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ َب ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ‬ ‫‏وَطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َو ْت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ُخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه ال ـ ـ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫ألمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّلـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا قُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت َي ـ ـ ـك ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ـض ا َ‬ ‫َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرفُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫‏زِ دتَ َرك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا و َِمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن شَ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َم أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـث الـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا َيـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫‏ال أَج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت وَال لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــري ان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫ـراب‬ ‫ـام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي َك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاشَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫روب ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫‏وَسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ِ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َي ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــغُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــريـ ـ ـ ـ ـ ٌـح‬ ‫‏خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب وَاقْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْت ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ الـ ـ ـ ـ ـ ِّـس ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــاعُ‬ ‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا فُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤادي أطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ را َم َقـ ـ ـ ـ ـ ْتـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــي‬ ‫‏مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن َكـ ـ ـ ـ ـ ِـم ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــي لِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ َيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ؟!!‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρρ‬د‪ .‬سعود الصاعدي*‬

‫اهلل يعلم أنني مشتاق‬ ‫حتى تكاد تشفّ ني األوراق!‬ ‫‪..‬‬ ‫آثرت صمتي مثلما‬ ‫لكنني ُ‬ ‫آثرت أن تتكلّم األشواقُ !‬ ‫ُ‬ ‫‪..‬‬ ‫فإلى متى‬ ‫يهت ّز قلبي مورقً ا‬ ‫شوقً ا إليها‬ ‫وهي ال تشتاق؟!‬ ‫‪..‬‬ ‫وإلى متى‬ ‫وأنا أفيض‬ ‫كأنما‬ ‫في داخلي‬ ‫العشاق؟!‬ ‫يتزاحم ّ‬ ‫‪..‬‬ ‫فأنا إزاء الحب‬ ‫أعذ ُر من مشى‬ ‫في األرض‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫إلى متى؟!‬ ‫وانفتحت له اآلفاق!‬ ‫‪..‬‬ ‫وإزاء حبي‬ ‫ليس شيءٌ في يدي‬ ‫إال له في داخلي أحداقُ !‬ ‫‪..‬‬ ‫فكأنَّ لي من كل شيءٍ فكرة‬ ‫حتى العناق له عليَّ عناق!‬ ‫‪..‬‬ ‫عازف‬ ‫ٌ‬ ‫جناس‬ ‫ٌ‬ ‫لي من أحبّائي‬ ‫ومن الجفاة المبغضين طباق!‬ ‫‪..‬‬ ‫ومن الحقيقة‬ ‫يعف عن القذى‬ ‫ما ّ‬ ‫ومن المجاز المستفيض براق!‬ ‫‪..‬‬ ‫فإذا كتبت قصيدة‬ ‫أرفو بها وجعي‬ ‫فكل الموجعين رفاق!‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪97‬‬


‫ٌ‬ ‫راحل!‬ ‫أنا‬

‫*‬

‫رسالة كتبها تولستوي إلى زوجته صونيا)‬ ‫ٍ‬ ‫(آخر ُ‬ ‫■ ترجمتها عن الفرنسية‪ :‬ياسمينة صالح**‬

‫في ‪ 20‬نوفمبر ‪1910‬م‪ ،‬وبعد حياة طويلة وثرية أنتج فيها روايتين تعدان من‬ ‫أعظم ما كتب في األدب العالمي‪( ،‬الحرب والسلم‪ ،‬أنا كارنينا)‪ ،‬محدث ًا ثورة في‬ ‫فارضا نفسه كواحد من أبرز حكماء عصره‪،‬‬ ‫التعليم‪ ،‬ومؤسس ًا مجتمعا طوبوياً‪ً ،‬‬ ‫توفي ليو تولستوي في محطة استابوفو القريبة من بيته! عن عمر ناهز الـ ‪82‬‬ ‫عام ًا بالتهاب في صدره‪.‬‬ ‫‏الرسالة اآلتية كتبها تولستوي الى زوجته صونيا معلنا فيها قراره الرحيل‪/‬‬ ‫االنفصال‪ ،‬بعد ‪ 48‬سنة من الحياة الزوجية التي أثمرت ‪ 13‬ابنا‪ ،‬وهي مورخة في‬ ‫‪ 31/30‬أكتوبر ‪1910‬م؛ إال إن الموت فاجأه قبل وصول الرسالة الى زوجته لتصبح‬ ‫هذه الرسالة‪ ،‬رسالة وداع لواحد من أعظم الروائيين الذين عرفتهم البشرية‪.‬‬ ‫ال تكرهينني‪ ،‬عليك أن تضعي نفسك‬ ‫مكاني‪ .‬بــأال تدينينني‪ ،‬إنــمــا تسعين‬ ‫إلى مساعدتي ألحصل على الراحة‪.،‬‬ ‫وإمــكــانــيــة الــعــيــش عــيــشــة إنــســانــيــة‪.‬‬ ‫ستحاولين مساعدتي ببذل جهد على‬ ‫نفسك‪ ،‬لكنك أنــت نفسك ال تريدين‬ ‫عودتي اآلن‪.‬‬

‫بمقابلة أو مهما بــدا السبب قويا‬ ‫للمقابلة‪ ،‬فــإن رجوعي بــات مستحيالً‪،‬‬ ‫أعرف أن األمر سيكون كما يقول الجميع‬ ‫لك‪ ،‬أما بالنسبة لي فاألمر سيكون‬ ‫موجعاً ِ‬ ‫فظيعا لمعرفتي بعصبيتك‪ ،‬بغضبك‬ ‫ووضعك الصحي‪ .‬األمــر سيكون أسوأ‬ ‫من ذي قبل‪ .‬إن جاز لي ذلك أنصحك‬ ‫بأن تأخذي مسؤوليتك مما جرى‪ ،‬وأن‬ ‫حالتك الراهنة‪ ،‬رغباتك‪ ،‬ومحاوالت‬ ‫تتأقلمي مع وضعك الجديد‪ ،‬وأنصحك االنــتــحــار الــتــي قــمــت بــهــا ‪ -‬والــتــي‬ ‫خصوصا أن تعالجي نفسك‪.‬‬ ‫تظهر أكثر مــن أي شــيء آخــر ‪ -‬أنك‬ ‫إن كنت تحبينني‪ ،‬أو لنقل إن كنت فقدت السيطرة على نفسك‪ ،‬كل هذا‬

‫‪98‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬ ‫يجعل عودتي غير واردة اآلن‪ .‬وحدك ِ‬ ‫لك عمل ما ترغبين به‪ .‬فاألمر ال يتعلق‬ ‫أنت يتيح ِ‬ ‫تستطيعين توفير كــل هــذه المعاناة على برغباتي أو عمل ما يرضيني‪ ،‬بل بتوازنك‪،‬‬ ‫أقاربك وعليّ وخصوصا عليك أنت‪.‬‬ ‫بما يجعل طبيعتك معقولة ومرنة‪ .‬طالما‬ ‫استغلي طاقتك ليس لتجعلي كل شيء األمر غير هذا فإن الحياة المشتركة بيننا‬ ‫يسير وفق رغباتك‪ ،‬بل استغليها لتستعيدي‬ ‫غير واردة‪ .‬الــعــودة وأنــت في هــذه الحالة‬ ‫هدوءك‪ ،‬لتريحي روحك‪ ،‬ووقتها ستحصلين‬ ‫معناه التخلي عن الحياة‪ ،‬وال حق لي في‬ ‫على ما ترغبين فيه‪.‬‬ ‫التخلي عن الحياة!‬ ‫بــعــد يــومــيــن قضيتهما فــي شــمــارديــنــو‬ ‫وداعــا عزيزتي صونيا‪ ،‬وليكن اهلل في‬ ‫وأوبتينا‪ ،‬أنــا راح ــل‪ .‬سأضع الرسالة في‬ ‫صندوق البريد وأنا في طريقي‪ ،‬ولن أقول ِ‬ ‫لك عــونــك‪ .‬الــحــيــاة ليست مــزحــة‪ ،‬ولــيــس لنا‬ ‫إلى أين أنا ذاهب؛ ألني أعتقد أن االنفصال حق تركها بإرادتنا‪ ،‬مثلما ال يجوز قياسها‬ ‫لك مثلما هو ضروري لي‪.‬‬ ‫صار ضروريا ِ‬ ‫بمدتها‪ .‬الشهور التي تبقت من حياتنا ربما‬ ‫ال تعتقدي أنني قــررت الرحيل ألنــي ال‬ ‫ستكون أهــم من كل السنين التي عشناها‬ ‫عليك من كل قلبي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أحبك وأشفق‬ ‫ِ‬ ‫أحبك‪ .‬أنا‬ ‫وعلينا أن نحياها بكرامة‪.‬‬ ‫لكني ال أستطيع القيام بغير هذا‪ .‬أعرف أن‬ ‫‏ليو تولستوي‬ ‫لكنك لست في وضع‬ ‫ِ‬ ‫رسالتك لي صادقة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ * المصدر‪ :‬كتاب تولستوي الرسالة ‪ 2‬الصادر عن منشورات غاليمار بباريس‬ ‫‪.)II, Gallimard, 1986‬‬

‫‪1986‬م‪ .‬‏(‪Tolstoï, Lettres‬‬

‫** كاتبة روائية جزائرية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪99‬‬


‫الشاعرة مها العتيبي‪:‬‬ ‫أميل في بعض القصائد الحديثة إلى كتابة قصيدة التفعيلة‬ ‫ذات الجمل الشعرية الطويلة التي يخفت بها اإليقاع السريع‬ ‫لموسيقى النص ولكن لم أكتب قصيدة النثر‪!..‬‬ ‫الدكتورة مها محمد العتيبي شاعرة سعودية‪ ،‬أهدت المكتبة الشعرية خمسة‬ ‫دواويــن شعرية‪ ،‬ميّزت بها صوتها الشعري وحضورها المنبري؛ "مقام‪ -‬االنتشار‬ ‫العربي ‪-‬بـيــروت‪2017 -‬م"‪" ،‬تشرين والـحــب واألغـنـيــات االنتشار العربي‪ -‬بيروت‬ ‫(مطبوعات نــادي تبوك األدبــي) ‪2016-‬م"‪ ،‬لوعة الطين‪2014 -‬م‪ ،‬جميرا للنشر‪،‬‬ ‫"عــرائــس الـحــب ‪2010-‬م ‪ -‬ال ــدار العربية للعلوم ن ــاش ــرون"‪" ،‬نـقــوش على مرايا‬ ‫الــذاكــرة" ‪2009 -‬م‪ .‬ولها الكثير مــن المشاركات فــي األمـسـيــات الشعرية محليًا‬ ‫وعربيا‪ ،‬طموحها يتفوق على مدى قصيدتها‪ ،‬وهي تتسلّح بثقافة أصيلة‪ ،‬وبروح‬ ‫تنتشي بإيقاعها المتفرد‪ .‬تقول‪" :‬بدأت بعدها في القراءة العميقة للشعر بكافة‬ ‫أشكاله‪ ،‬وللشعراء من ثقافات وعصور مختلفة‪ ،‬لكني كثفت الـقــراءة للقصيدة‬ ‫المراس في الكتابة بدأت استكشف في قصيدتي متسعً ا لرهافة‬ ‫المعاصرة‪ ،‬ومع ِ‬ ‫اللغة والبنية اللغوية الجيدة‪ ،‬و أساليب الصياغة وابتكار الصور الشعرية‪ ،‬والولوج‬ ‫إلى عالم التجريب الشعري في إطــار القصيدة العمودية الحديثة"‪ ،‬وهنا نقف‬ ‫لنطل معً ا على فضاء الحوار مع ضيفة الجوبة الشاعرة مها العتيبي‪..‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بو قاسم‬

‫الشعر سمير الليالي‪!..‬‬ ‫ ¦"م ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــام‪2017‬م"‪" ،‬تـ ـش ــري ــن والـ ـح ــب‬ ‫واألغ ـن ـيــات ‪2016‬م"‪" ،‬لــوعــة الـطـيــن‪-‬‬ ‫‪2014‬م"‪" ،‬ع ــرائ ــس ال ـح ــب‪2010 -‬م"‪،‬‬

‫‪100‬‬

‫"نقوش على مرايا الذاكرة‪2009 -‬م‪"..‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫طبعاً‪ ،‬مالمح تجربتك الشعرية بدت‬ ‫ديوانك األول بخصوصية‬ ‫ِ‬ ‫تتشكل من‬ ‫الـبــوح وتـمـيــزه‪ ،‬وبـمـغــايــرة أيـضـ ًا على‬ ‫الـمـسـتــوى الـمــوضــوعــي وال ـف ـنــي‪ .‬هل‬ ‫نـحـظــى م ـنـ ِـك ب ـبــوح خ ــاص ع ــن هــذه‬ ‫التجربة؟‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫‪ρ ρ‬كتبت فــي مقدمة ديــوانــي األول "نقوش‬ ‫على مرايا الذاكرة" إنني وإذ أقدم لديواني‬ ‫األول‪ ،‬استحضر م ــدى مــا ك ــان الشعر‬ ‫بالنسبة لي سمير الليالي‪ ،‬ونافذة البوح‪،‬‬ ‫ومعبر األلم‪ ،‬فكانت القصائد غناء للجرح‪،‬‬ ‫وتراتيل للحنين‪ ،‬وزخات للفرح مكلّلة بشوق‬ ‫ال يتوقف وال ينتهي‪ .‬كانت القصائد هي‬ ‫بوح خالص معبّرة عن حالة شعورية ينفث‬ ‫فيها الشعر فيتركها حيّة وطازجة في قالب‬ ‫اعتمد على بساطة اإليقاع‪ ،‬وسهولة اللغة‬ ‫الشعرية منذ البداية في بناء شعري مُحكم‪.‬‬

‫التجريب الــشــعــري فــي إط ــار القصيدة‬ ‫العمودية الحديثة‪ ،‬وكان ذلك في ديوانَيْ‬ ‫"عــرائــس الحب" و"لــوعــة الطين"‪ ،‬بحيث‬ ‫تميّز ديوان لوعة الطين بالكثافة الشعرية‪،‬‬ ‫واالش ــت ــغ ــال عــلــى بــنــاء ال ــص ــورة داخ ــل‬ ‫القصيدة‪ ،‬وكتابة القصائد الطويلة‪ ،‬والتي‬ ‫ال تفقد وحدتها الموضوعية أو أسلوبها‬ ‫الشعري ولغتها الشعرية المتناغمة‪.‬‬ ‫فــي دي ــوان "تــشــريــن والــحــب واألغــنــيــات"‬ ‫وديوان "مقام" بدأت تكتمل مالمح القصيدة‬ ‫بعض الشيء‪ ،‬وكانت مرحلة تحتوي العمق‬ ‫المعرفي مع الصياغة الشعرية اللغوية‬ ‫والــفــنــيــة‪ ،‬وه ــذا مــا أرج ــو أن أكــمــلــه في‬ ‫الدواوين الشعرية القادمة‪.‬‬

‫لــم يكن الــهــاجــس حينها ســوى الشغف‪،‬‬ ‫الشغف بالشعر‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والتمعّن في‬ ‫هــذه القصائد بما هــي نــوافــذ للمعرفة‬ ‫والبوح‪ .‬منذ سن مبكرة أكتب الشعر‪ ،‬ولكن‬ ‫قصائد للتلحين‪!..‬‬ ‫حتى عام ‪2005‬م‪ ،‬كان الشعر لديَّ شغفاً؛‬ ‫ق ــراءة وكتابة؛ ولكن بــدأت أشعر حينها ¦أذك ــر أن ــي ق ــرأت ل ـ ِـك إجــابــة ضـمــن حــوار‬ ‫أن الشعر بالنسبة لي ليس هواية عابرة‬ ‫نُشر في إحدى الصحف الخليجية‪ ،‬أنك‬ ‫ضمن هــوايــات أخــرى‪ ،‬بل صــار هاجسً ا؛‬ ‫ـصـيــن تـجــربـتــك ال ـج ــدي ــدة لـمـشــروع‬ ‫تـخـ ّ‬ ‫فبدأت في ذلك الوقت أتفتح على قدرتي‬ ‫لقصائد مغناة‪ ،..‬ماذا تقصدين بقصائد‬ ‫على صياغة الشعر بشكل مختلف‪ ،‬وبدأت‬ ‫أخلص للشعر وللكتابة‪ ..‬فكان ديواني القصيــدة تمثلنــي فــي بنيتهــا‬ ‫األول "نقوش على مرايا الــذاكــرة" يمثل المعرفيــة وأفكارهــا ومــا تحملــه مــن‬ ‫تلك المرحلة بشكل جيد‪ ،‬ثم بدأت بعدها رؤيــة‪ ،‬فــإذا جــاء النقــد بعــد ذلــك‬ ‫في القراءة العميقة للشعر بكافة أشكاله‪ ،‬فليــس هنــاك مــا أخشــاه حينهــا‪.‬‬ ‫وللشعراء من ثقافات وعصور مختلفة؛‬ ‫المــرأة أصبحــت حاضــرة بصــورة‬ ‫لكني كثفت القراءة للقصيدة المعاصرة‪،‬‬ ‫مشــرقة فــي المنابــر الثقافيــة‬ ‫ومع المِ راس في الكتابة بدأت استكشف‬ ‫واإلعالميــة‪ ،‬وهــذا ناتــج إيجابــي‬ ‫في قصيدتي متسعًا لرهافة اللغة والبنية‬ ‫للتحــوّ الت المجتمعيــة التــي نعيشــها‬ ‫اللغوية الجيدة‪ ،‬وكذلك أساليب الصياغة‬ ‫فــي هــذا الوطــن‪ ،‬وهلل الحمــد‪.‬‬ ‫وابتكار الصور الشعرية والولوج إلى عالم‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪101‬‬


‫مغناة؟‬ ‫‪ρ ρ‬طُ لب مني عدة مــرات قصائد للتلحين‬ ‫من قبل بعض الملحنين‪ ،‬في البداية كنت‬ ‫أرفض الفكرة لخوفي على القصائد أن‬ ‫ال تنتج فــي قالب لحنيّ جميل؛ ألنني‬ ‫أستسيغ موسيقى القصيدة في سياق‬ ‫إيقاعها‪ ،‬ولكن قبل نحو سنتين تم تلحين‬ ‫إحدى قصائد ديوان "مقام" لتكون بداية‬ ‫لقصائد مغناة‪ ،‬تم اكتمال اللحن وإلى‬ ‫اآلن القصيدة لم تُ َذ ْع كأغنية‪.‬‬ ‫النقد األدبي ودوره‪!..‬‬ ‫ ¦هـنــاك ق ــراءات نقدية حــاولــت أن تدخل‬ ‫ع ــال ــم الـ ـش ــاع ــرة مـ ــن خ ـ ــال ال ـق ـص ـيــدة‬ ‫وعوالمها وفنياتها؛ فهل استطاع النقد‬ ‫أن يصل أو يضيء للشاعرة مها العتيبي‬ ‫زاوي ــة "م ــا" فــي فـضــاء الشعر‪ ،‬أم أن ـ ِـك ال‬ ‫تهتمين أو تخشين النقد؟‬ ‫‪ρ ρ‬بــالــتــأكــيــد الــنــقــد األدبــــي مــهــم‪ ،‬ودوره‬ ‫في تنشيط الحركة األدبــيــة والشعرية‬

‫السعودية والعربية مهم‪ ..‬أتابع عــددًا‬ ‫من الكتابات النقدية التي تتناول المنتج‬ ‫األدبي بشكل عام‪ ،‬وليس بشكل خاص ما‬ ‫يتعلق بكتاباتي الشعرية‪ .‬النقد بالمجمل‬ ‫يضيء للشاعر مناطق مدهشة وإبداعية‬ ‫متجليّة‪ ،‬وفي ذات الوقت ينتبه الشاعر‬ ‫إلى بعض المكرر من الكتابة أو الضعف‬ ‫ف ــي م ــواط ــن أخـ ــرى فــيــصــقــل إبــداعــه‬ ‫وتجربته‪ ،‬أنا أستفيد من النقد بشكل عام‬ ‫في تشذيب بعض الكتابات‪ ،‬ولكن النقد‬ ‫ليس قيدًا بالنسبة في لحظة الكتابة‪ ،‬أنا‬ ‫ال أفكر بالنقد أبدًا حينها‪ ،‬أطلق العنان‬ ‫للقصيدة؛ ألن صدق القصيدة وحــرارة‬ ‫عاطفتها‪ ،‬وجــمــال بنيتها أن أتركها‬ ‫تأتي بدون حدود أو أن أضمنها أفكاراً‬ ‫تجريبية أو فلسفية‪ ،‬أو قيوداً معرفية من‬ ‫أي نوع‪.‬‬ ‫وبالتالي القصيدة تمثلني فــي بنيتها‬ ‫المعرفية وأفكارها وما تحمله من رؤية؛‬ ‫فإذا جاء النقد بعد ذلك‪ ،‬فليس هناك ما‬ ‫أخشاه حينها‪.‬‬ ‫التواصل المباشر مع الجمهور‪!..‬‬ ‫ ¦أق ـم ـ ِـت أم ـس ـيــات ش ـعــريــة ف ــي ع ــدي ــد من‬ ‫المنابر في األندية األدبية والمهرجانات‬ ‫الثقافية‪ ،‬طبعا هــذا التواصل المباشر‬ ‫مع الـقــارئ "الـجـمـهــور"‪ ..،‬له الكثير من‬ ‫األه ـم ـيــة ل ـل ـشــاعــر‪ ،‬ف ـهــو ي ـت ـعــرف كيفية‬ ‫وص ــول قصيدته لــآخــريــن وم ــدى األثــر‬ ‫ال ــذي تركته القصيدة مــن خــال درجــة‬ ‫التفاعل‪ .‬هــل تــؤيــديــن وتــؤكــديــن أهمية‬

‫‪102‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫مثل هذه األمسيات الشعرية أم؟‬

‫ ¦ربما كان حضور المرأة يتفاوت من مجتمع‬ ‫آلخر‪ ..‬قد يكون أحد أسباب هذا التفاوت‬

‫‪ρ ρ‬األمــســيــات الــشــعــريــة والــمــشــاركــة في‬ ‫التكوين المجتمعي‪ ،‬ولكن من المالحظ‬ ‫المهرجانات الشعرية مهمة للشاعر‬ ‫أن حـضــور ال ـمــرأة فــي الـمـنــابــر اإلعــامـيــة‬ ‫عندما يالمس وهــو على منبر الشعر‬ ‫والثقافية ومشاركتها فــي الفعاليات في‬ ‫مدى تلقي القصيدة‪ ،‬التواصل المباشر‬ ‫تزايد اآلن‪ ،‬ما رأيك؟‬ ‫مــع الــجــمــهــور كــمــا ذكـ ــرت والمتلقين‬ ‫ض ــروري لتعزير فرصة أكبر لحضور ‪ρ ρ‬المرأة أصبحت حاضرة بصورة مشرقة‬ ‫الــشــعــر‪ .‬رســالــتــي حينها هــو أن يجد‬ ‫حاليًا في المنابر الثقافية واإلعالمية‪،‬‬ ‫المتلقي في هذا الشعر ما يستحق أن‬ ‫يسمع‪ ،‬وأن يشعر بشيء يعنيه من خالل مهــارات النقــد والتحليــل‪ ،‬يمكــن‬ ‫تعلمهــا ودراســتها وتطبيقهــا فــي‬ ‫هذه القصيدة أو تلك؛ ومن جهة أخرى‬ ‫نمــاذج نقديــة علــى النصــوص‬ ‫وجــود التواصل المباشر بين الشاعر‬ ‫المختلفــة فــي المجــال األدبــي‬ ‫يــد ا ‪! . .‬‬ ‫والجمهور مباشرة هو فرصة الستكمال تحد ً‬ ‫ثقة الشاعر في قصيدته من جهة‪ ،‬وفتح‬ ‫القصيــدة هــي التــي تفــرض طقوســها‬ ‫نوافذ جديدة للتواصل ونشر القصيدة‬ ‫ووقتهــا‪ ،‬ال أكتــب مــن وحــي خيالــي‬ ‫والتعريف بها من جهة أخرى‪.‬‬ ‫وال مــن موقــف يومــي‪ ،‬ولكــن هــي‬ ‫تراكمــات تتجلــى فــي لحظــة الكتابــة‬ ‫زادت مشاركتها لنشر ثقافتها‬ ‫التــي تختارهــا القصيــدة‪!..‬‬ ‫وإبداعها‪!..‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪103‬‬


‫وهذا ناتج إيجابي للتحوّالت المجتمعية‬ ‫واإليجابية التي نعيشها في هذا الوطن‪،‬‬ ‫وهلل الــحــمــد‪ ،‬كــانــت الـــمـــرأة مــشــاركــة‬ ‫وزادت مشاركتها لنشر ثقافتها وإبداعها‬ ‫وحــضــورهــا ودوره ــا الثقافي والمعرفي‬ ‫والحضاري‪.‬‬

‫ذلك على أي علم نظري آخر‪ ،‬وال يقتصر‬ ‫تعلم هذه المهارات وإتقانها على الرجال‬ ‫دون النساء؛ أما لو نظرنا لواقع المشهد‬ ‫النقدي‪ ،‬سنجد أن عدد النقاد المجيدين‬ ‫هو أكبر من عــدد الناقدات المجيدات‪،‬‬ ‫قد ال تكون العاطفة أو اللين في تناول‬ ‫األعــمــال األدبــيــة هي السبب‪ ،‬ولكن قلة‬ ‫عــدد الــنــاقــدات المتمكنات مــن مهارات‬ ‫النقد العلمي‪ ،‬متى ما أتقنت المرأة هذه‬ ‫الــمــهــارات تخلّصت مــن قــيــود العاطفة‬ ‫واتّبعت منهجً ا علميا سليما سيؤدي إلى‬ ‫اكتمال قدرتها النقدية‪.‬‬

‫لــلــحــزم‪ ،‬وأن ال ــم ــرأة أقـــل ح ــزمـ ـاً‪ .‬في‬ ‫الحقيقة‪ ،‬مهارات النقد والتحليل يمكن‬ ‫تعلمها ودراســتــهــا وتطبيقها فــي نماذج‬ ‫نقدية أو نظريات على النصوص المختلفة‬ ‫في المجال األدبي تحديدًا‪ ،‬كما ينسحب‬

‫‪ρ ρ‬أصبحت أميل في بعض القصائد الحديثة‬ ‫إلــى كتابة قصيدة التفعيلة ذات الجمل‬ ‫الشعرية الطويلة التي يخفت بها اإليقاع‬ ‫السريع لموسيقى‪ ..‬ولكن لم أكتب قصيدة‬ ‫النثر‪.‬‬

‫مهارات النقد والتحليل‪ ،‬يمكن تعلمها‬ ‫ودراستها وتطبيقها‪!..‬‬

‫ ¦"م ـ ــا أجـ ـمـ ـل ــه"‪" ..‬كـ ـ ــام يـ ـجـ ـن ــن"‪" ..‬ي ـف ــوق‬ ‫الــوصــف ويــأخــذ ال ـع ـقــل"‪ ..‬ه ــذه الـعـبــارات‬ ‫تخص المرأة وطبيعتها وأقصد العاطفة‬ ‫عندما تعجب بشيء مــا‪ ،‬وهنا استحضر‬ ‫لم أكتب قصيدة النثر‪..‬‬ ‫مقولة لروبين الك ــوف‪( :‬إن الـمــرأة تتردد‬ ‫وتستخدم أسلوب ًا أقل حزم ًا من الرجل)؛ ¦مـ ــن ال ـ ــواض ـ ــح أن ـ ـ ـ ِـك ت ــو ّث ـق ـي ــن ت ـجــرب ـتــك‬ ‫من هنا‪ ،‬يستغرب بعضهم حضور المرأة‬ ‫الشعرية بين سماءين "القصيدة العمودية‬ ‫رأيك في ذلك؟‬ ‫في الفضاء النقدي‪ ،‬ما ِ‬ ‫وقصيدة التفعيلة"‪ ،..‬هل لديك تجربة في‬ ‫فضاء قصيدة النثر؟‬ ‫ال موضوعياً‬ ‫‪ρ ρ‬ال أعلم إذا كان النقد مقاب ً‬

‫‪104‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫تويتر الموقع األول‪!..‬‬ ‫ ¦ما المواقع التي تتصدر مفضلة الشبكة‬ ‫العنكبوتية لديك؟‬

‫الثقافية‪ .‬الشاعرة مها العتيبي‪ ،‬ماذا تقول‬ ‫في هذا االتجاه؟‬

‫‪ρ ρ‬حاليًا أصبح موقع تويتر ‪ Twitter‬هو الموقع‬ ‫األول الذي تتضمنه المفضلة‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مواقع التواصل األخرى مثل الفيس بوك‪،‬‬ ‫وكذلك مواقع تعليمية وبحثية‪.‬‬

‫برأيي أن يستهويك السرد ربما يجذبك‬ ‫لنقطة أبعد مما تؤمل أو مما تظن أنك‬ ‫كنته في يوم من األيام؛ عمقا ولغة وقدرة‬ ‫على الكتابة‪ .‬وحينها سأقول‪ :‬ومــاذا بعد‬ ‫الرواية؟ هل سيظل الشاعر ممسكًا بنور‬ ‫القصيدة كما كان؟‬

‫ ¦أن يكتب شاعر "ما" روايــة أو عم ًال سردياً‪،‬‬ ‫لم يعد شيئا غريبا‪ ،‬فهذه الحالة أصبحت‬ ‫منتشرة فــي الـســاحــات الثقافية العربية‪،‬‬ ‫فمن الكتّاب مَن يرفض وصف هذه الحالة‬ ‫بــالـتـحـوّل‪ ،‬بــل يـعــدّ ه تــواص ـ ًا طبيعيًا بين‬ ‫فـ ـض ــاءات ال ـك ـتــابــة‪ ،‬وم ــن ح ــق ال ـشــاعــر أن‬ ‫يـحـضــر ف ــي أي ف ـضــاء إب ــداع ــي‪ ،‬وأن هــذه‬ ‫الـحــالــة ليست بــالـجــديــدة عـلــى الـشــاعــر‪..‬‬ ‫وم ـن ـهــم َمـ ــن يـ ــرى أن ـه ــا ع ـق ــدة الـتـصـنـيــف‬ ‫ولها سلبياتها التي تعاني منها الساحة‬

‫لذلك بالنسبة لي أنا مخلصة للشعر كثيرا‪،‬‬ ‫وليس لدي على األقل في الوقت الحالي‬ ‫االتجاه لكتابة الرواية أو الخوض في كتابة‬ ‫أخرى بأي شكل إبداعي بخالف الشعر‪.‬‬ ‫أما في المشهد الثقافي‪ ..‬فكتابة الشاعر‬ ‫للرواية أو أن يظل يكتب الشعر فقط‪ ،‬ليس‬ ‫لها عالقة بعقدة التصنيف‪ ،‬وهي حرية لمن‬ ‫يرى ذلك ولديه القدرة واألدوات الالزمة‬ ‫للسرد‪ ،‬وقبل ذلك الرغبة في خوض هذا‬ ‫المجال‪ .‬وفي النهاية هذا منتجه األدبي‬ ‫الذي سيقدمه وفق قناعته ورؤيته‪.‬‬

‫أن يستهويك السرد‪!..‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪105‬‬


‫هذا الرأي غير دقيق في الواقع‪!..‬‬

‫باألدب والشعر على وجه الخصوص‪ ،‬يضم‬

‫ ¦ومــن الـمــاحــظ أن قصيدة النثر هــي من‬ ‫تتصدر المشهد الـشـعــري فــي الكثير من‬ ‫الـمـحــافــل الـثـقــافـيــة ف ــي ال ــوق ــت الـحــالــي‪،‬‬ ‫فماذا تقولين؟‬

‫مجموعة من الدواوين الشعرية ومختارات‬

‫‪ρ ρ‬ال أعتقد أن هذا الرأي دقيق في الواقع‪،‬‬ ‫العودة للقصيدة األصيلة ما يزال في أوج‬ ‫وهجه‪ ،‬قصيدة النثر لها مريدوها‪ ،‬ولكن‬ ‫أعتقد أن مــا بعد األلــفــيــة تغيرت هذه‬ ‫الفكرة ولــم تعد قصيدة النثر هــي التي‬ ‫تتصدر المشهد الثقافي العربي‪ ،‬والدليلت‬ ‫هو كثرة الشعراء المجيدين الذين ازدهرت‬ ‫بهم كتابة الشعر العمودي وشعر التفعيلة ما‬ ‫بعد األلفية في جميع أرجاء الوطن العربي‪،‬‬ ‫وفي المملكة على وجه الخصوص‪.‬‬ ‫ال أكتب من وحي خيال خالص‪!..‬‬

‫من الشعر العربي على م ِّر العصور‪ ،‬وخاصة‬ ‫شــعــراء القصيدة الحديثة‪ :‬الــجــواهــري‪،‬‬ ‫ودرويــش‪ ،‬ونــزار قباني‪ ،‬ومجموعة أخرى‬ ‫كبيرة من شعراء العصر الحديث وعدد من‬ ‫الروايات‪ ،‬وكذلك الكتب التي تعنى بالثقافة‬ ‫واألدب‪.‬‬ ‫أما القسم الثاني‪ ،‬فيتعلق بالعلوم واألحياء‬ ‫بحكم التخصص ‪ biology‬كتب الفسيولوجيا‬ ‫والحيوان والنبات واألنسجة والبيئة وما إلى‬ ‫ذلك‪ ،‬كما يتضمن هذا القسم كتب المناهج‬ ‫وتدريس العلوم وهــذا مجال دراستي في‬ ‫الدراسات العليا‪ ،‬إضافة إلى عدد ال بأس‬ ‫به من البحوث والدراسات المتعلقة بهذا‬

‫ ¦بـعــض الـشـعــراء والـمـبــدعـيــن بصفة عامة‬ ‫يلتزمون بطقس معين أثناء الكتابة‪ ،‬مها‬ ‫ ¦وم ــن ال ـم ـهــم ج ــدا أن أس ــال ــك أي ـض ـ ًا هــذا‬ ‫العتيبي‪ :‬كيف تكتب ومتى؟‬ ‫المجال‪.‬‬

‫السؤال التقليدي‪ ،‬ما هو جديدك؟‬

‫‪ρ ρ‬ليست هناك طقوس معينة للكتابة‪ ،‬متى ما‬ ‫جاءت القصيدة هي التي تفرض طقوسها ‪ρ ρ‬جديدي القصيدة‪ ،‬في الفترة الماضية‪،‬‬ ‫ووقتها‪ ،‬ال أكتب من وحي خيال خالص‪ ،‬وال‬ ‫أنــجــزت ديوانين جديدين أحدهما قدم‬ ‫من موقف يومي أو شعوري خالص‪ ،‬ولكن‬ ‫للنشر في العام ‪2019‬م‪ ،‬وأنتظر صدوره‬ ‫هي تراكمات تتجلى في لحظة الكتابة التي‬ ‫في األيام القريبة القادمة‪ ،‬واآلخر سيتبعه‬ ‫تختارها القصيدة‪.‬‬ ‫قريبا‪ .‬وهناك بمشيئة اهلل أمسيات شعرية‬ ‫ ¦غ ــال ـب ــا أسـ ـ ــأل ه ـ ــذا ال ـ ـسـ ــؤال ف ـه ــو ي ـضــيء‬ ‫للقارئ الخصوصية الثقافية لدى ضيف‬ ‫"ال ـ ـج ـ ــوب ـ ــة"‪ ،..‬هـ ــل ل ـن ــا أن ن ـت ـع ــرف عـلــى‬ ‫محتويات مكتبة الشاعرة الدكتورة مها؟‬

‫‪106‬‬

‫‪ρ ρ‬مكتبتي منوعة في قسمين‪ ..‬األول يتعلق‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫قــادمــة إحــداهــا فــي ســوق عــكــاظ ضمن‬

‫الــبــرنــامــج الثقافي بمشيئة اهلل تعالى‪،‬‬ ‫وما يزال للشعر نافذة الجمال والحضور‬ ‫والتلقي‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الشاعر حسن شهاب الدين‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فتبعته!‬ ‫الشعر لي بعصاه‬ ‫أشار‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الغيب‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫ص‬ ‫يتلص ُ‬ ‫ِمنْ ِمرْآتِ ه َّ‬ ‫َّص‬ ‫سماوات به تترب ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وسبعُ‬ ‫األوراق‬ ‫ِ‬ ‫يفجرُ في‬ ‫ِّ‬ ‫لـُغ َم مجازِ ه‬ ‫ص‬ ‫حال‪ ..‬فيقنِ ُ‬ ‫وينصب فخـًّا للمُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫صبي‪..‬‬ ‫ٌّ‬ ‫على ماءِ األساطيرِ سائرٌ‬ ‫وأطفالـُها‪..‬‬ ‫تشخص‬ ‫ُ‬ ‫في ُح ِلم عينيه‬

‫مالم ُحه ال تشبه ُالما َء‬ ‫ِ‬ ‫إنـ َّما‪..‬‬ ‫ص‬ ‫مالئكة النهر التي يتقمَّ ُ‬ ‫له جدَّ ٌة خضراءُ ‪..‬‬ ‫أرضهِ‬ ‫قمح ِ‬ ‫ِمنْ ِ‬ ‫تقصص‬ ‫ُ‬ ‫السنابل‬ ‫ِ‬ ‫عليه حكايات‬ ‫وأحرفـُه‪..‬‬ ‫الحزن قامة ً‬ ‫ِ‬ ‫أعلى من‬ ‫ألوجاعِ كلِّ المُ تعبين تلخـ ُِّص‬

‫هذه األبيات صدرت في ديوان "طفل يركض في األساطير"‪ ،‬وبها يُعرِّف الشاعر‬ ‫خط أول حرف في كتاب الحياة‪.‬‬ ‫الذي يشبهُ ني نفسه منذ َّ‬ ‫■ حاوره‪ :‬أسامة الزقزوق‬

‫ ¦مــاهــي أه ــم الـمـحـطــات األدب ـي ــة في‬ ‫حياتك؟‬ ‫‪ρ ρ‬محطاتي األدبية هي دواويني منذ‬ ‫الديوان األول "شُ رفة للغيم المتعب"‬

‫حتى الديوان األحدث كأوَّلِ شاعر‬ ‫في األرض أخــط جغرافيا الكالم‬ ‫حسب رؤيتي للعالم‪ ،‬وال أرى لي إال‬ ‫القصيدة كي أُأَرِ ُخ بها ذاتي وكذلك‬ ‫الزمن الذي أحياه‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪107‬‬


‫ ¦كيف بدأ مشوارك األدبي؟ ولماذا الشعر‬ ‫بالذات؟‬

‫أنــا أح ــاول تــأريــخ الحياة التي أحياها‬ ‫والعصر الذي أعيشه؛ لذا‪ ،‬فمشاكل كل‬ ‫إنسان في الحياة هي مشاكلي كأديب‪،‬‬ ‫فأنا أريد أن أضمِّد كل جرح‪ ..‬أن أربِّت‬ ‫على كل قلب‪ ..‬أن أنطق بكل لسان‪ ..‬هذه‬ ‫هي مشاكلي‪ ،‬وال أدري هل هذه الكلمات‬ ‫تصلح كإجابة على سؤالك أم ال‪.‬‬

‫ ¦كأديب‪ ،‬ما هي المشكالت التي تواجهك؟‬

‫عامية الـتــونـســي) هــل هــذه المقولة ما‬

‫أشار الشعر لي بعصاه فتبعتُه‪ ..‬هذا كل ما‬ ‫في األمر؛ فأنا لم أختر الشعر وال توقعت‬ ‫قبل قصيدتي األولى أن أكون شاعرًا‪ ،‬وال‬ ‫أدري كيف تــم األم ــر‪ ،‬ولــكــن قبل ذلك‬ ‫بسنوات كنت أغرق في مكتبة بيت والدي‬ ‫الثرية التي أتاحت لي اإلطالع على تراث ¦ما هو تقييمك لــأدب في مصر‪ ،‬بصفة‬ ‫خاصة‪ ،‬والعالم العربي‪ ،‬بصفة عامة؟‬ ‫إنساني ضخم من أدب (روايات خاصة)‬ ‫ودي ــن وتــاريــخ وســيــاســة؛ ل ــذا‪ ،‬وضعت ‪ρ ρ‬األدب ‪-‬والــشــعــر خــاصــة‪ -‬الشعر في‬ ‫قدمي في طريق الشعر متسلحا بثقافة‬ ‫مصر في توهج‪ ،‬ويتسع ليشمل ويحمل‬ ‫تسبق عمري بكثير‪ ،‬والمفارقة أن تلك‬ ‫قــدرًا من الثقل الفكري والحضاري ما‬ ‫المكتبة الخطيرة كانت تفتقر للشعر‪،‬‬ ‫يؤهله للريادة‪ ،‬وهــو كغيره من تجارب‬ ‫الشعر العريقة في البالد العربية يضج‬ ‫ولكن تأثير ديستوفسكي‪ ،‬ومحفوظ‪،‬‬ ‫باختالط األصوات بسبب انتشار وسائل‬ ‫وماركيز‪ ،‬وديكنز‪ ،‬والتراث اإلنساني من‬ ‫النشر والتواصل االجتماعي؛ ولكنني أرى‬ ‫المعرفة الدينية والتاريخية كان هائال‪.‬‬ ‫أن هذه الضجة صحية‪ ،‬وال بد أن تثمر‬ ‫ ¦ما هي طقوس الكتابة لديك؟‬ ‫تجارب ناضجة‪ ،‬والقارئ الواعي قادر‬ ‫‪ρ ρ‬لــكــل شــاعــر طــقــوســه لــحــظــة اإلبــــداع‪،‬‬ ‫على انتقاء أصفى األص ــوات ومتابعة‬ ‫وطقوسي ترتبط بالحبر والورقة كثيرا‪..‬‬ ‫إبداعه من وسط هذا الضجيج الجميل‬ ‫فــالــورقــة والقلم وبعض الــهــدوء وشــيء‬ ‫والــعــذب‪ ..‬وأظ ــن هــذا ال ــرأي ينسحب‬ ‫من الموسيقى الهادئة تعني لي الكثير‪،‬‬ ‫أيضا على التجربة اإلبداعية في غيرها‬ ‫إال إنني أتعجب من قصائد أعدها من‬ ‫من البالد العربية‪.‬‬ ‫أفضل ما كتبت تخالف تلك المقاييس‪،‬‬ ‫فمثال هناك قصائد كتبت على الــورق ¦إن كانت لــك فرصة ألن تصرخ غاضبا‪،‬‬ ‫ماذا تقول؟‬ ‫وفي الطريق وأمــام شاشة الكمبيوتر‪..‬‬ ‫وقصائد كتبت في العمل وقد كتبت أيضا ‪ρ ρ‬ســوف أصــرخ في وجــه العالم قائال له‬ ‫كفى دمـ ــاءً‪ !!..‬دع فرصة ألطفالنا كي‬ ‫في الطائرة وفي الفنادق‪ ،‬إال إنني أشعر‬ ‫تنبت أحالمهم البريئة‪.‬‬ ‫باأللفة والحنين مع الورقة والقلم‪ ..‬أو قُل‬ ‫أشعر بالثقة أكثر فيما أكتبه على الورقة ¦أمـيــر ال ـش ـعــراء أحـمــد شــوقــي لــه مقولة‬ ‫وبهذا الساحر (القلم)!‬ ‫يقول فيها (أخـشــى على الفصحى من‬

‫‪108‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫‪ρ ρ‬أرى أن العبء األكبر يقع على مناهج‬ ‫الــتــعــلــيــم الــســقــيــمــة‪ ،‬وطـ ــرق الــتــدريــس‬ ‫العقيمة‪ ،‬التي ال تقدم للطالب خاصة ¦هل ترى أن هناك أزمة حقيقية في النقد‬ ‫في مراحل التعليم األولى أجمل إبداعات‬ ‫األدبي؟ وما هي أسبابها؟‬ ‫لغتنا العربية الساحرة بطريقة مبسطة‬ ‫‪ρ ρ‬الرؤى النقدية كثيرة ومختلطة‪ ..‬وربما‬ ‫وجميلة؛ ما يُخرج لنا مبدعين أو على‬ ‫متناقضة‪ ،‬وكثير من النقد المطروح على‬ ‫األقل محبين لإلبداع؛ كما أن لإلعالم‬ ‫الساحة هو ترجمات لصيغ نقدية توافق‬ ‫دورًا كبيرًا أيضا‪ ،‬وال تنس كذلك دور‬ ‫عليها الغرب‪ ..‬وربما هي بعيدة كل البعد‬ ‫األسرة‪ ..‬ولكن أرى أن التعليم هو حجر‬ ‫عن طينة حضارتنا؛ لذا‪ ،‬ال تثمر‪ ،‬ولكن‬ ‫الزاوية في ذلك‪.‬‬ ‫النقد الذي أؤمن به هو الذي ينبع من‬ ‫ ¦اللغة العربية هويتنا وهــي لغة القرآن‬ ‫النص نفسه ال مــن نظريات مقتبسة‪،‬‬ ‫الكريم‪ ،‬فكيف نحافظ على هذه الهوية؟‬ ‫وهنا تكمن المشكلة‪ ..‬حيث يبدو تماما‬ ‫‪ρ ρ‬اللغة العربية لغة إلهية‪ ..‬ولها سماوات‬ ‫لكل متابع أن النقد واإلبداع يسيران في‬ ‫إبداع ال انتهاء لها‪ .‬وهذا أكثر ما يميز‬ ‫خطين متوازيين ال يلتقبان أبدا‪.‬‬ ‫القصيدة العربية‪ ..‬وهــو اتكاؤها على‬ ‫ ¦بعد هذا المشوار الطويل في اإلبداع هل‬ ‫لــغــة إلــهــيــة مــرصــودة لــإبــداع والخلق‬ ‫هناك قصيدة لم تكتبها بعد؟‬ ‫واإليجاد‪ ..‬إنها لغة التكوين‪ ..‬وصلصال‬ ‫للغات؛ ولذا‪ ..‬هي تحمل جينات الخلود ‪ρ ρ‬بعد عشرة دواوين أستطيع أن أقول إنني‬ ‫خططت جيدا لمسودة قصيدتي األولى‬ ‫والبقاء‪ ،‬وطالما وجد القرآن الكريم وهو‬ ‫باق خالد‪ ..‬فسوف تبقى اللغة العربية‪،‬‬ ‫التي لم أكتبها بعد‪.‬‬ ‫وفي كل جيل يقيُّض اهلل لثلّة مبدعة أن‬ ‫ ¦هـ ــل ت ـ ــرى أن م ــؤسـ ـس ــات ال ـ ــدول ـ ــة ت ـقــوم‬ ‫تؤكد ذلك بإبداعاتها المتفردة‪.‬‬ ‫بواجبها تجاه الثقافة والمثقفين؟‬ ‫ ¦حـصــدت الكثير مــن الـجــوائــز األدب ـيــة‪..‬‬ ‫‪ρ ρ‬الجهد األدب ــي يبدأ فــرديــا حين يكوِّن‬ ‫أيهما اقرب إلى قلبك؟‬ ‫األديب نفسه بالقراءة واإلطالع واإلبداع‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬الــقــلــوب الــتــي تــحــيــط بقصيدتي هي‬ ‫ثــم يــأتــي بــعــد ذل ــك دور الــمــؤســســات‬ ‫جائزتي األغلى‪.‬‬ ‫الثقافية في رعاية المواهب‪ ،‬وربما تكون‬ ‫المؤسسات تقوم بدور ما‪ ،‬ولكن أظن أن‬ ‫ ¦حــدثـنــا عــن تجربتك مــع بــرنــامــج أمير‬ ‫الشباب من المبدعين يحتاجون دورًا‬ ‫الشعراء؟‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫تزال قائمة؟ وما هي األسباب من وجهة‬ ‫ن ـظــركــم ف ــي ت ــراج ــع ال ـل ـغــة ال ـعــرب ـيــة في‬ ‫المجتمعات العربية؟‬

‫‪ρ ρ‬تجربة ثرة منحت شعري ما كنت أريده من‬ ‫ضوء في تلك الفترة‪ ،‬وحملته بجناحين‬ ‫إلى آفاق المتلقي العربي الواعي الباحث‬ ‫عن ِش ٍعر جيد ربما تــواريــه الجغرافيا‬ ‫وتحجبه المجايلة‪..‬‬

‫‪109‬‬


‫أكبر لها‪.‬‬ ‫ ¦قـصـيــدة الـنـثــر كـيــف ت ــرى مــوقـعـهــا على‬ ‫خريطة األدب العربي؟‬

‫‪ρ ρ‬دواويني بال شك مثل أبنائي‪ ..‬لذا فلها‬ ‫في القلب مكانة واحدة‪ ،‬ولكن االختالف‬ ‫يكون في إحساسك بالديوان األول الذي‬

‫‪ρ ρ‬شــريــك حــيــوي ومــؤثــر‪ ،‬وشــكــل إبــداعــي‬ ‫ساحر ال يجب أن نتهمه‪ ،‬بل أن نستضيء‬ ‫قلمك‪ ،‬أو الديوان األحدث الذي تنتظر‬ ‫به ونسمح له أن يأخذ بأيدينا في طريق‬ ‫منه أن يكون إسهامًا جادًا في الساحة‬ ‫التجريب الجميل‪ ،‬وقصيدة النثر شريك‬ ‫الشعرية العربية‪ ،‬أو الديوان الذي حصل‬ ‫لي ال ينفك عني‪ ،‬وفي مؤملي أن أصنع‬ ‫قصيدة تنحاز لــإبــداع الكبير الــذي‬ ‫على جائزة‪ ،‬أو هــذا الــذي تكتبه اآلن‪،‬‬ ‫ينتظم هذه الحياة بأسرها‪ ،‬ولذا أحب‬ ‫وهكذا‪ ..‬فكل تلك الدواوين هي أنا!‬ ‫التجريب في قصيدة النثر‪ ،‬وأرى أنها‬ ‫شريك إبــداعــي لقصيدة العمود‪ ..‬أما ¦ما هو النص الذي تتغنى به لنفسك أو‬ ‫كون قصيدة النثر تمثل شكال شعريا أو‬ ‫لغيرك‪ ..‬ويجول بذهنك حاليا؟‬ ‫ال فهذا سؤال ترد عليه األجيال القادمة‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬عندما أكون في حالة إبــداع‪ ..‬فعادة ما‬ ‫راق ال‬ ‫وهي بالنسبة لي شك ٌل إبداعيٌ ٍ‬ ‫أترنم بأبيات من نصي الجديد الذي‬ ‫يجب أن تخسره الحياة‪.‬‬ ‫أكتبه‪ ،‬ولــذا ســأدع هــذه األبــيــات هدية‬ ‫ ¦دواوينك الشعرية هل كلها على مسافة‬ ‫وضع اسمك على الساحة‪ ،‬وحمل طفولة‬

‫واحدة من قلبك؟‬

‫‪110‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫لقارئ ديواني الجديد بإذن اهلل تعالى‪.‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫لطيفة لبصير‪:‬‬ ‫ما أزال بصدد تكوين رؤية عن كتابة المرأة‬ ‫الكاتبة والناقدة واألكاديمية المغربية الدكتورة لطيفة لبصير؛ اسم بارز في‬ ‫الساحة األدبية المغربية؛ أصدرت العديد من الكتب والمجاميع القصصية التي‬ ‫استحسنها النقاد كما القراء‪ ،‬وتُرجمت أعمالها القصصية إلى عدد من اللغات‪.‬‬ ‫عن تجربتها في الكتابة القصصية؛ وكيف يمكن تحويل األحــداث اليومية إلى‬ ‫كتابة قصصية؟ وعن مجموعتها القصصية الجديدة "يحدث في تلك الغرفة‪"،‬‬ ‫وكتابها "الجنس الملتبس" كان لـ"الجوبة "معها هذا الحوار‪.‬‬ ‫■ حوارها‪ :‬محمد جنيم ‪ -‬املغرب‬

‫م ــازم ــا لــلــشــخــصــيــة‪ ،‬ت ــح ــاول أن‬

‫ ¦مــاذا حــدث فــي غرفتك القصصية‬ ‫"يحدث في تلك الغرفة"؟‬

‫تخفيه عن كل اآلخرين‪ .‬ومن هنا‪،‬‬

‫‪ρ ρ‬الذي يحدث هو أن هذه األشخاص‬

‫يبدأ الــســؤال‪ :‬لماذا أدّى التحوّل‬

‫وجدت نفسها أمام عطب فيزيائي‬

‫الفيزيائي إلى البحث عن أسباب‬

‫غيّر من مالمحها‪ ،‬مثل الشخصية‬

‫نفسية‪ ،‬وك ــان ال ــذي يــحــدث على‬

‫التي عانت من التبسم بشكل دائم‪،‬‬

‫مستوى الشكل الخارجي ال يمكن‬

‫والذي أصبح معه هذا الفرح عطبًا‬

‫أن يفسره أو يضيئه إال العطب‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪111‬‬


‫الداخلي الكامن‪ ،‬والذي يتأتى سواء من‬

‫الطفولة أو العالم الخارجي الذي كثرت‬

‫فيه الحروب أو أشكال العنف‪ ،‬أو الذات‬

‫التي تنتفض هي أيضا ضد الشخص‬

‫نفسه حين يعلن جسد طبيبة تشريح‬ ‫انتفاضته القصوى بعشق شفتي جسد‬

‫رجل على طاولة التشريح‪ .‬الذي يحدث‬ ‫هو ما يحدث في ذلــك العرض اآلخر‬

‫الذي يحرك العديد من النوازع النفسية‬ ‫التي ال نجد لها في بعض األحيان تأويال‬ ‫مباشرًا في الواقع‪.‬‬

‫ ¦تـ ـط ــورت ال ـق ـص ــة ال ـق ـص ـي ــرة الـمـغــربـيــة‬ ‫بشكل كبير جــدا؛ بالنسبة للكاتبة‪ ،‬هل‬ ‫تساير طرق التحديث التي يعمل عليها‬

‫تجد نفسها بأسلوب الحياة نفسها الذي‬

‫ال ــرج ــل‪ ،‬أم أن ـهــا وج ــدت لنفسها نسقً ا‬

‫يملي على األعصاب هذا الجدل القائم‬

‫خاصاً؟‬

‫بين األفق والحياة التي تحياها‪ .‬ومن حق‬

‫‪ρ ρ‬أرى أن الكاتبة المغربية تخوض تيمات‬ ‫أخــرى رغم التشابه في بعض األحيان‬

‫بينها وبين الرجل‪ ،‬لكن الرؤية مختلفة‪.‬‬

‫الكتابة أن تنزع نحو أحالم أخرى‪ ،‬وأن‬ ‫شخوصا ظلوا لفترة حبيسي‬ ‫ً‬ ‫تشاكس‬ ‫ذواتهم؛ ألنهم يشعرون بالخوف‪.‬‬

‫ونحن في حاجة إلى هذه الزاوية التي ¦نـلـ ِـت الكثير مــن الـجــوائــز األدب ـيــة التي‬ ‫تطرق أبوابًا أخرى ظلت معتمة رغم كل‬ ‫تمنح في اإلمارات؛ كيف تقرأين المشهد‬ ‫شــيء‪ ،‬وال أحصرها في الجنس؛ ألنه‬ ‫الثقافي هناك؟‬ ‫يظل ج ــزءًا فقط مما تعيشه األنــثــى‪،‬‬ ‫فهناك العديد من المواقف والبناءات ‪ρ ρ‬قبل سنوات‪ ،‬تعرفت إلى الكاتبة ميسون‬ ‫النفسية ما تزال معقدة‪ ،‬والسبب كامن‬ ‫وراء ضيق أفــق الــقــواعــد الــتــي تملى‬

‫كقانون يُسيّر حيوات النساء؛ ولذا‪ ،‬فإن‬

‫‪112‬‬

‫الكاتبة مهما ابتعدت عن ذاتها‪ ،‬فإنها‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫صــقــر‪ ،‬وقــــرأت إبــداعــاتــهــا الشعرية‬ ‫الجميلة‪ ،‬كما قــرأت روايتها التي تعد‬

‫سيرة ذاتــيــة "ريــحــانــة"‪ ،‬وأعجبت بهذا‬ ‫النص‪ ،‬كما عرفت الكاتبة ظبية خميس‪،‬‬


‫بــدأتُ بالفعل بالقراءة لها‪ ،‬و ُهــنَّ على‬

‫ضمن ما نقرأ في السير الذاتية عموما‬

‫التوالي‪ :‬أسماء الزرعوني‪ ،‬فتحية النمر‪،‬‬ ‫لولوة المنصوري‪ ،‬فاطمة المزروعي‪..‬وما‬ ‫أزال بصدد تكوين رؤية عن الكتابة التي‬ ‫تكتبها المرأة‪ ،‬وأرى أن هذه التجارب‬ ‫ستأخذ مسارًا آخر قادمًا‪ ،‬عبر التنويع‬ ‫الكمي والنوعي‪.‬‬ ‫ ¦ك ـتــابــك "ال ـج ـن ــس ال ـم ـل ـت ـبــس"‪ ،‬الـسـيــرة‬ ‫الــذات ـيــة الـنـســائـيــة سـيـكــون ح ــاض ــرً ا في‬ ‫مـ ـع ــرض ال ـ ــري ـ ــاض‪ ،‬ح ــدث ـي ـن ــا عـ ــن ه ــذا‬ ‫الكتاب؟‬ ‫‪ρ ρ‬نعم سيكون حاضرًا في جناح المركز‬ ‫بتوقيع له‬ ‫ٍ‬ ‫الثقافي للكتاب‪ ،‬وقــد قمت‬

‫كتعاقد ضمني بيننا وبين كتاب السيرة‪،‬‬ ‫لكننا ال نجد مــا نتوقعه‪،‬؛ وبــاألحــرى‪،‬‬ ‫فنحن نقرأ عوالم أخرى تصنع سيرًا غير‬ ‫حقيقية بالمعنى التقليدي‪ ،‬ولكنها تفسح‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫واآلن أتعرف إلى تجارب نسائية أخرى‬

‫الجملة المستقيمة التي نبحث عنها‬

‫المجال لكي تتدخل أساليب أخرى من‬ ‫قبيل القلب والتهوين والتلطيف والمجاز‬ ‫الــمــرســل إل ــى غــيــرهــا مــن األســالــيــب‪.‬‬ ‫والكتاب فيه العديد من العناصر التي‬ ‫تــتــحــدث عــن المحكي الــذاتــي وصنع‬ ‫الــروايــة األســريــة التي هــي أســاس كل‬ ‫إبداع وخلق وشخصية أيضا‪.‬‬

‫خــال معرض أبــو ظبي للكتاب الــذي ¦ما هو اإلبداع في نظر الدكتورة لطيفة‬ ‫حضرته مؤخرًا‪ ،‬كما قدمت محاضرة‬ ‫تقترب مــن هــذه الــتــجــربــة‪ ..‬وهــي عن‬ ‫عالقة السيرة الذاتية بالتحليل النفسي‪.‬‬ ‫الكتاب هو دراسة للسير الذاتية النسائية‬ ‫التي تكتبها النساء‪ ،‬والذي يخلق جمالية‬ ‫خاصة‪ ،‬مثل وجــود العديد من عناصر‬ ‫المشابهة بين الذات التي تتكلم والذات‬ ‫ال ــم ــوص ــوف ــة؛ م ــا جــعــل هـ ــذه الــســيــر‬ ‫أشبه بشخوص أخــرى غير الشخوص‬ ‫الحقيقية‪ ،‬وهو اشتغال على األسلوب‬ ‫واللغة ودورانها وكيف تعمل على مستوى‬ ‫الشكل قبل المحتوى على إخفاء حقيقة‬

‫لبصير؟‬ ‫‪ρ ρ‬أتــصــور أن اإلب ـ ــداع هــو ذل ــك الكيف‬ ‫الهجين لمجموعة من األحــام وأحالم‬ ‫اليقظة واألعــطــاب النفسية والكتب‬ ‫التي نقرأ أيــضــا‪ ،‬وأتخيل أنني أكتب‬ ‫مما يتشكل من أعصابي وأليافها التي‬ ‫تورق هذه التفاصيل دون تلك؛ لذا‪ ،‬ال‬ ‫أتخيل أنني أختار موضوعً ا ما بمحض‬ ‫المصادفة‪ ،‬بل هو نتاج تالقح كل هذه‬ ‫العناصر جميعها‪ ،‬وهي مَن يتحدث عبر‬ ‫أشخاص آخرين‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪113‬‬


‫شجرة‬ ‫السرح رمز‬ ‫األنوثة‪!..‬‬ ‫■ ‏أحمد إبراهيم البوق*‬

‫ليس غريبا أن ترتبط الشجرة بــاألنـثــى‪ ،‬فكالهما مـصــدر للحياة والبهجة‪،‬‬ ‫وبينهما تـقــاطـعــات كـثـيــرة ليست رمــزيــة‪ ،‬مـحـصــورة فــي الـظــل الـ ــوارف والـعـطــاء‬ ‫المستمر؛ ولكن‪ ،‬أحيانا ثمة تقاطعات شكلية وصفات مشتركة‪ .‬وفي الشعر كثير‬ ‫من الوصف المشترك بين المرأة والشجرة‪ ،‬وتسرب ذلك في الغناء من القدود‬ ‫الحلبية و (قــدك المياس يا عمري‪ ..‬يا غصين البان كاليسر)‪ ،‬إلى الموشحات‬ ‫األنــدلـسـيــة عند أبــي بكر محمد بــن زهــر األشـبـيـلــي‪( :‬غـصــن بــان مــال مــن حيث‬ ‫استوى‪/‬بات مَن يهواه من فرط الجوى‪ /‬خافق األحشاء موهون القوى)‪.‬‬ ‫رمز لألنوثة والشعر‪!..‬‬

‫‪114‬‬

‫تتحمل الجفاف بكثرة وان كانت تنمو‬

‫ولكن كيف تحولت شجرة صحراوية أحيانا في الجبال‪ ،‬وقد يصل ارتفاعها‬ ‫دائمة الخضرة كشجرة السرح إلى رمز الى (‪ )6‬أمتار أو تزيد‪ ،‬وربما يرجع اسم‬ ‫لألنوثة فــي الشعر العربي وتحديدا السرحة الى انسراح اغصانها وذهابها‬ ‫فــي صــدر اإلس ــام؟ وتسمى الشجرة في الجهات‪ .‬ومن أسمائها المرو‪ ،‬وقد‬ ‫الواحدة سرحة‪ ،‬وهي أشجار صحراوية استخدم هذا االسم في تصنيفها العلمي‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫عال النبت حتى طال أفنانها العال‬ ‫وف ـ ــي الـ ـم ــاء أص ـ ــل ث ــاب ــت وع ـ ــروق‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫‪ ،Maeruacrassifolia‬وكان المصنف الفرنسي‬ ‫بيتر فورسكال ‪ Peter Forskal‬قد زار اليمن‬ ‫عام ‪1760‬م‪ ،‬وهو من صنفها علميًا‪ ،‬تحت‬ ‫النوع العربي‪ .‬وربما تكرست رمزية شجرة‬ ‫السرح للداللة على األنــثــى؛ عندما حظر‬ ‫الخليفة عمر بن الخطاب رضــي اهلل عنه‬ ‫على الــشــعــراء التعريض بــأســمــاء النساء‬ ‫في شعرهم‪ ،‬فاستعاضوا عن ذلك بشجرة‬ ‫الــســرح‪ .‬ومــن أشهر القصائد التي رمزت‬ ‫للمرأة بشجرة السرح قصيدة حميد بن ثور‬ ‫الهاللي‪ ،‬وهو من الشعراء المخضرمين (في‬ ‫الجاهلية وصدر اإلسالم)‪ ،‬وعاصر الخليفة‬ ‫عمر بن الخطاب ويقول في قصيدته‪:‬‬

‫من غرام الطائفين‪ ،‬فال هو قاد ٌر أن يستظل‬ ‫بظلها فــي الــضــحــى‪ ،‬وال هــو ذائ ــق فيْأها‬ ‫بالعشي برغم وجــده على ظلها‪ .‬وفي ذلك‬ ‫يقول‪:‬‬

‫ف ـي ــا ط ـي ــب ري ــاه ــا ويـ ــا بـ ــرد ظـلـهــا‬ ‫إذا ح ــان مــن شـمــس الـنـهــار وديــق‬ ‫وهــل أنــا إن عللت نفسي بسرحة‬ ‫م ــن ال ـس ــرح م ـس ــدود ع ـل ــيَّ طــريــق‬ ‫حمى ظلها شكس الخليقة خائف‬ ‫ع ـل ـي ـهــا غـ ـ ــرام ال ـطــائ ـف ـيــن شـفـيــق‬

‫سقى السرحة المحالل واألبطح الذي‬ ‫فال الظل منها بالضحى تستطيعه‬ ‫ب ــه الـ ـش ــري غ ـي ــث م ــدج ــن وبـ ــروق‬ ‫وال ال ـف ــيء مـنـهــا بــال ـع ـشــي ت ــذوق‬ ‫فما ذهبت عرضا وال فــوق طولها‬ ‫ومـ ــا وجـ ــد م ـش ـتــاق أص ـي ــب فـ ــؤاده‬ ‫م ـ ــن الـ ـ ـس ـ ــرح إال عـ ـش ــة وسـ ـح ــوق‬ ‫أخـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـهـ ـ ــوات بـ ــال ـ ـع ـ ـنـ ــاق ل ـب ـيــق‬

‫وهــو يصف هــذه الشجرة‪/‬المرأة التي‬ ‫يــدعــو لها بالمطر‪ ،‬وب ــأن أفنانها عالية‪،‬‬ ‫وجذورها عميقة تصل لمنابع الماء‪ ،‬وهو‬ ‫وصف دقيق واقعي ألشجار السرح الدائمة‬ ‫الخضرة‪ ،‬والتي تتعمق جذوها في األرض‬ ‫لثالثين مترا أو تزيد‪ .‬ويصف طيب ريحها‬ ‫وبرد ظلها في الظهيرة‪ ،‬وهو كذلك وصف‬ ‫مشترك ودقيق؛ إذ إن لزهور أشجار السرح‬ ‫شذىً طيب الرائحة يجذب إليه النحل وينتج‬ ‫أبيض شفافًا غالي الثمن‪ .‬ولكن‬ ‫َ‬ ‫منه عسال‬ ‫الطريق إلى سرحة حميد بن ثور مسدود‪،‬‬ ‫فحول سرحته رجــال أشــداء يحمون ظلها‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪115‬‬


‫الهندية وتــحــدي ـدًا فــي المناطق الجافة‪.‬‬ ‫وتستخدم أخــشــاب أشــجــار الــســرح قديمًا‬ ‫فــي بناء البيوت لصالبتها‪ ،‬وفــي صناعة‬ ‫السواني‪ .‬كما تستخدم أغصانها كسواك‬ ‫في بعض المناطق البرية‪ .‬ولكنها ال تحتطب‬ ‫كوقود‪ ،‬ألن دخان أخشابها يترك نكهة غير‬ ‫مستساغة في الغذاء‪ .‬كما تستخدم أشجار‬ ‫السرح في الزينة في المناطق الجافة‪ ،‬فهي‬ ‫ال تحتاج إلى رعاية كبيرة‪.‬‬

‫بأكثر من وجدي على ظل سرحة‬ ‫مــن ال ـســرح إذ أضـحــى عـلــيَّ رفيق‬ ‫السرح دواء‪!..‬‬

‫‪116‬‬

‫وألشجار السرح قيم طبية‪ ،‬كما تداوي‬ ‫الــنــســاء ج ــروح الــرجــال وتجبر كسورهم‪،‬‬ ‫فــأوراقــهــا غنية بــمــادة الــكــالــســيــوم؛ لــذا‪،‬‬ ‫تستخدم في الطب الشعبي لمداواة كسور‬ ‫الــعــظــام‪ .‬وتــســتــخــدم ب ــذوره ــا فــي الطب‬ ‫الشعبي قديما‪ ،‬وكانت شجرة السرح مقدسة‬ ‫في مصر الفرعونية‪ ،‬ويستخدم مسحوق‬ ‫األوراق في عالج الحمى واألمراض المعدية‬ ‫والجلدية‪ .‬وللقيمة الغذائية لــأوراق يمكن‬ ‫أن تستخدم في أوقات الشح كغذاء‪ ،‬وبعض‬ ‫القبائل اإلفريقية تخلط أوراق السرح مع‬ ‫حليب األغــنــام وتشربه كــغــذاء رئيس لها‪.‬‬ ‫وثمارها سائغة المذاق لإلنسان والحيوان‪،‬‬ ‫وتستخدم فــي إفريقيا لصناعة الحساء‬ ‫وأطباق أخرى‪ .‬إذ تنتشر هذه األشجار من‬ ‫إفريقيا والشرق األوســط إلــى شبه القارة‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫الطيور الصحراوية‪!..‬‬ ‫وتعشش عليها الطيور الصحراوية الكبيرة‬ ‫كالنسور والحدات والغربان‪ .‬وتنتمي للعائلة‬ ‫الكبرية ‪ ،Capparaceae‬وكبقية أفــراد هذه‬ ‫العائلة النباتية جيدة لرعي المواشي كاإلبل‬ ‫وآكــات األوراق كالظباء والنعام‪ .‬وقد ورد‬ ‫في الشعر الجاهلي إشــارات لتغذي النعام‬ ‫على ثمارها والتي تسمى (اآلء) وواحدتها‬ ‫(آءة) ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي ثعلبة‬ ‫بن صعير يصف غذاء النعام عليه‪:‬‬

‫ط ــرف ــت م ـ ــراوده ـ ــا وغ ـ ـ ــرد سـقـبـهــا‬ ‫ب ـ ـ ــاآلء والـ ـ ـح ـ ــدج ال ـ ـ ـ ــرواء الـ ـح ــادر‬ ‫وكذلك قول ذي الرمة (ت ‪735‬م) يصف‬ ‫التهاء النعام بالتغذي على ثــمــار السرح‬ ‫وأوراقه‪ ،‬وعلى نبات التنوم‪:‬‬

‫الـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــاه آء وتـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــوم وع ـ ـق ـ ـب ـ ـتـ ــه‬ ‫من الئح المرو والمرعى له عقب‬ ‫وم ــن أســمــاء ثــمــار ال ــس ــرح‪ :‬ال ــدوال ــي‪،‬‬ ‫والهدال‪ ،‬وفي جازان يسمى المصيص‪ .‬وقد‬


‫الفيصل بن عبدالعزيز‪ ،‬ومما قال فيها‪:‬‬

‫إذا ظلت العيس الخوامس والقطا‬ ‫مــعً ــا فــي ه ــدال يتبع الــريــح مائله ي ـ ــا سـ ــرحـ ــة ال ـف ـي ـص ــل ق ـص ــدن ــاك‬ ‫تـ ــدف ـ ـع ـ ـنـ ــي الـ ـ ـ ــذكـ ـ ـ ــرى ل ـ ـن ـ ـجـ ــواك‬ ‫وألش ــج ــار الــســرح حــضــور فــي الشعر‬

‫الشعبي في الجزيرة العربية‪ ،‬وعرفت بين ي ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ــرح ـ ـ ــة بـ ـ ـ ـ ـ ــاهلل ق ـ ـ ــول ـ ـ ــي ل ــي‬ ‫أبناء البادية كمقيل للظباء والطيور‪ ،‬ومن‬ ‫كـ ـي ــف اسـ ـتـ ـقـ ـم ـ ِـت ل ـ ــه إذا ج ـ ــاك؟‬ ‫ذلك قول الشاعر‪:‬‬

‫سرحة وتسريحة مقيل الظبيات‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫وصف الشاعر المخضرم تميم بن أبي بن للمحمية‪ ،‬ورسمها وكتب شــعـرًا يستنطق‬ ‫مقبل غذاء اإلبل وطيور القطا عليه‪:‬‬ ‫فيه السرحة التي تسأل عن ضيفها العزيز‬

‫والــســرح شجر ط ــوال‪ ،‬وهــي كــذلــك من‬

‫والسرحة القصيا مقيل القماري صــفــات الــجــمــال عند الــمــرأة‪ ،‬وفــي طول‬ ‫أشجار السرح يصف عنترة بن شداد أحد‬ ‫والتسريحة نوع آخر من األشجار وقريب‬ ‫األبطال وكأن ثيابه معلقة في سرحة‪:‬‬ ‫من السرح‪ .‬والسرح مــاذ لبدو الصحراء‬ ‫لالستظالل بفيئها الوفير‪ ،‬واحتساء القهوة‪ ،‬ب ـ ـطـ ــل كـ ـ ـ ــأن ث ـ ـيـ ــابـ ــه فـ ـ ــي س ــرح ــة‬ ‫ومن ذلك قولهم‪:‬‬ ‫ي ـحــذى ن ـعــال الـسـبــت لـيــس بـتــوأم‬

‫يــا محال الفنجان ب ــأرض براحي‬ ‫ريــح العويدي ذاعــرة عقب ما فاح الشاعر إن ظلها البارد مقصد الركبان في‬ ‫ونعود لربط السرحة بالمرأة في قول‬

‫هجير الصحراء‪ ،‬ولكن ماءها العذب ال يحل‬

‫في ظل سرحة والركايب ضواحي‬ ‫والبال من كثر الهواجيس من ساح لوارد‪:‬‬

‫وفي محمية محازة الصيد‪ /‬اإلمام سعود ف ـيــا س ــرح ــة ال ــركـ ـب ــان ظ ـلــك ب ــارد‬ ‫ابــن عبدالعزيز حــالــيــا‪ ،‬والــتــي تبعد نحو‬ ‫ـذب ال ي ـ ـحـ ــل لـ ـ ـ ــوارد‬ ‫وم ـ ـ ـ ـ ــاؤك ع ـ ـ ـ ـ ٌ‬

‫‪ 150‬كم شرق مدينة الطائف شجرة سرح‬ ‫شهيرة كان يستظل بفيئها الملك فيصل بن‬ ‫عبدالعزيز رحمه اهلل عندما كان نائبا للملك‬ ‫عبدالعزيز على الحجاز‪ ،‬وكان مقناصه في‬ ‫تلك المنطقة المشهورة بكثرة الظباء‪ .‬وقد‬ ‫وقــف على ســرحــة الفيصل األمــيــر خالد‬ ‫الفيصل قبل سنوات قليلة في إحدى زياراته‬

‫ونختم ببيت لحميد بن ثور يرى فيه أن‬

‫ال كما يفوق‬ ‫سرحته تفوق كل السرحات ظ ً‬ ‫جمال الحبيبة جمال كل النساء في عيون‬

‫عاشقها‪:‬‬

‫أب ـ ـ ــى اهلل إال أن سـ ــرحـ ــة م ــال ــك‬ ‫عـ ـل ــى كـ ــل أف ـ ـنـ ــان الـ ـعـ ـض ــاة تـ ــروق‬

‫* باحث وشاعر سعودي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪117‬‬


‫والفن‬ ‫االستـهالك‬ ‫السينـمـا بين‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫■ منصف القرطبي*‬

‫‏يجري التعامل اليوم مع السينما وماهيتها ولغتها الخاصة كما لو أنها مجال‬ ‫انتهى البحث في مــوارده المادية والرمزية‪ ،‬وانتهت األسئلة التي يطرحها على‬ ‫الباحثين والسينمائيين والمهتمين بسؤال المعرفة واإلب ــداع‪ .‬إذا سألت أحــد ًا‬ ‫يشاهد األفالم ويهتم بها‪ -‬عن مفهوم السينما‪ ،‬قد يجيبك ‪ -‬لألسف ‪ -‬بالقول‪:‬‬‫السينما هي لقطات ومشاهد وشخصيات وزمن و‪!..‬‬ ‫‏وهــو ســؤال يقودنا إلــى أسئلة أخــرى‪ :‬هل يكفي أن تتوافر في الفيلم لقطات‬ ‫ومشاهد وشخصيات وفضاءات حتى ننسبه إلى السينما وعوالمها؟ وما عالقة‬ ‫توظف السينما الصورة والكادر‬ ‫السينما بالفن؟ ما عالقة السينما بالصورة؟ كيف ِّ‬ ‫واإلضاءة؟‬ ‫ال من األسئلة أل ــي ــس ــت ال ــش ــخ ــص ــي ــات واألزمــــنــــة‬ ‫‏هكذا‪ ،‬يجد الباحث سي ً‬ ‫العلمية والمعرفية التي تحتاج إلى تأمل والفضاءات من خصائص السينما؟‬ ‫طــويــل‪ ،‬وب ــدالً مــن البحث عــن تحديد‬ ‫نــســألــه‪ :‬أال تحضر هــذه العناصر‬ ‫السينما مــن الــخــارج (الــعــوامــل التي‬ ‫في الرواية والمسرح وباقي األجناس‬ ‫تحيط بالسينما‪ ،‬وتؤثر فيها داخليا؛ من‬ ‫األدبية؟ ما الفرق بين السينما والرواية؟‬ ‫عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية‬ ‫ونفسية‪ ...‬إلــخ) يجب إيجاد التعريف وهل يمكن أن نقارن بينهما؟‬ ‫مــن ال ــداخ ــل‪ ،‬أي مــن بنيتها ولغتها ‏ي ــرى الــنــاقــد الــســيــنــمــائــي حــمــادي‬ ‫وتقنياتها‪ ،‬ومــا يميّزها عــن األشكال كيروم أنــه ال يمكن أن نطرح الرواية‬ ‫التعبيرية والفنية األخرى‪ ،‬مثل‪ :‬الرواية‪ ،‬والسينما للمقارنة‪ ،‬والبحث فيهما عن‬ ‫المسرح‪ ،‬القصة‪..‬‬ ‫المشابهة واالختالف؛ ذلك أن للرواية‬ ‫وقد يطرح القارئ ســؤاالً مشروعا‪ :‬نسقها الخاص الذي هو اللغة األدبية؛‬

‫‪118‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫وهكذا‪ ،‬فإن سؤال المقارنة بين السينما‬ ‫وأي جــنــس أدبـــي آخ ــر غــيــر وارد؛ نظرا‬ ‫لالختالف بين الرواية ‪ -‬مثال ‪ -‬ذات النسق‬ ‫الوحيد (اللغوي) والسينما (ذات األنساق‬ ‫المتعددة)‪ ،‬وأيضا‪ ،‬ألن السينما تنتمي إلى‬ ‫الفن وجمالياته؛ بينما الرواية جنس أدبي له‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫أي ما هو مكتوب ومدوّن‪ ،‬ما خطّ ه الروائي تقنياته الخاصة‪.‬‬ ‫من كلمات لها داللتها الثقافية والمعجمية‬ ‫وبعد هذا‪ ،‬يطر ُح التساؤل حول السينما؛‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬في حين نجد نسق السينما‬ ‫متى تكون ف ّنًا ومتى تكون منتوجً ا استهالكيًا؟‬ ‫مختلفًا جدًا؛ فهو نسق سيميولوجي‪ ،‬نسق‬ ‫يقتضي هذا طرح سؤال آخر‪ :‬هل غاية‬ ‫متعدد (أو أنــســاق صــغــرى)‪ :‬نجد النسق‬ ‫التشكيلي‪ :‬من خطوط وألوان تشكيلية‪ ،‬لها الفن االستهالك والتسلية والمتعة فقط‪ ،‬أم‬ ‫داللتها السيميائية‪ ،‬من إطار وتكوينات‪..‬كما أنَّ له غايات جمالية وفكرية وفلسفية؟‬ ‫يحضر النسق البصري‪ :‬من خالل األيقونة‪ ،‬‏ذلــك أنَّ أشــكــاال تعبيرية كثيرة تحقق‬ ‫أي شيء نبصره ويحيل على معطى خارجي‪ ،‬التسلية والفرجة والمتعة (النكتة‪ ،‬الكوميديا‪،‬‬ ‫والنسق اللساني‪( :‬من خالل الحوار والكالم الحلقة‪)..‬؛ بينما حــاول السينمائيون منذ‬ ‫الذي يدور بين الشخصيات)؛ أي ما يتعلق زمن أن يتجاوزوا التسلية والمتعة فقط إلى‬ ‫باللغة المنطوقة والمكتوبة فــي الفيلم‪ .‬تحقيق غايات روحية ووجدانية وفكرية‪،‬‬ ‫والنسق الرمزي‪ :‬الذي نجد فيه شيئا يحيل‬ ‫تسمو بالذوق وترتقي بالمجتمع وأفــراده‪.‬‬ ‫على شيء‪ ،‬يحيل هو بدوره على داللة ثقافية‬ ‫لــذلــك‪ ،‬نالحظ أن المجتمعات المتخلّفة‬ ‫أو سياسية أو اجتماعية‪ ..‬أي أنه يخضع‬ ‫ال تنتج أعماال سينمائية ذات قيمة فنية‬ ‫للعالمة كما نظر لها السيميائي بيرس‬ ‫تفضل التسلية‬ ‫ّ‬ ‫وفــكــريــة؛ فهي مجتمعات‬ ‫(مأثول يحيل على موضوع من خالل مؤول)‪.‬‬ ‫السطحية واالستهالك النهم لألفالم التي‬ ‫‏تــتــمــيــز الــســيــنــمــا بــلــغــتــهــا السينمائية تــحــرك بعض الــغــرائــز (األكـــل والــشــراب‪،‬‬ ‫أو الــبــصــريــة؛ أي "الــســيــنــمــاتــوغــرافــيــا" الجنس‪.)..‬‬ ‫‪ :cinematographie‬تأطير اللقطة‪ ،‬زاويــة‬ ‫للفن قيمته التاريخية والفكرية والفلسفية‬ ‫الكاميرا والرؤية‪ ،‬اإلضاءة‪ ..‬إلخ‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن‬ ‫مجتمعات رأت في‬ ‫ٍ‬ ‫توظيف هذه العناصر في مكانها ووضعها التي رفعت مستوى وعي‬ ‫الداللي الموضوعي ‪ -‬الذي يخدم الدراما الفنّ وسيل ًة جبار ًة لتنمية األفراد ودعوتهم‬ ‫ هو الذي يميّز السينما عن باقي األجناس إلى اإلبداع واالبتكار والنقد‪.‬‬‫األخرى‪.‬‬ ‫‏حــيــن تـجتـمع فــي الفيلم السينمائي‬ ‫العناصر التي ذكرناها آنفا‪ ،‬ويوظف المخرج‬ ‫"السينـماتوغرافيا" توظيفًا خالقًا‪ ،‬يمكننا‬ ‫أن نــتــحــدث عــن الــفــن والــجــمــال‪ ،‬الـلّــذيْــن‬ ‫حــرص مخرجون عظماء على ابتكارهما‬ ‫وتأسيسهما‪ ،‬بعيدًا من االستهالك األعمى‬ ‫والتسلية الساذجة!‬

‫ * باحث في السينما من المغرب‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪119‬‬


‫وادي بطحـان‬

‫جزء من ثقافة شعراء محبي طيبة قديما‬ ‫■ د‪ .‬تنيضـــب الفايدي*‬

‫تحيط المدينة النبوية الكثير من الجبال والحرار من جميع جهاتها؛ لذا‪،‬‬ ‫تكثر األودية فيها‪ ،‬ويمكن تصنيفها إلى قسمين(‪:)١‬‬ ‫أودي ــة شـهـيــرة وه ــي‪ :‬وادي العقيق أو الـ ــوادي ال ـم ـبــارك‪ ،‬وادي بـطـحــان‪ ،‬وادي‬ ‫الرانوناء‪ ،‬وادي مهزور‪ ،‬وادي قناة‪ ،‬وادي مذينيب‪ .‬وأوديــة أقل شهرة وهــي‪ :‬وادي‬ ‫شظاه‪ ،‬وادي الصرار‪ ،‬وادي جفاف‪ ،‬وادي العريض‪.‬‬

‫‪120‬‬

‫وت ــم ــت ــاز ت ــل ــك األوديــــــــة بــمــيــزات التاريخ والثقافة؛ لذا‪ ،‬فإنها من مثيرات‬ ‫وخصائص جعلت اإلنسان يحرص على األشـ ــواق إليها منذ الــقــدم‪ ،‬فكم من‬ ‫السكنى فيها‪ .‬ومــن أهــم خصائصها‪ :‬الشعراء تغلغل حبّها في قلوبهم فنفثوا‬ ‫وفرة المياه‪ ،‬وخصوبة التربة‪ ،‬ونظافة هذا الحب شعراً ونثراً‪.‬‬ ‫البيئة‪ ،‬وجوّها اللطيف؛ فشهدت تلك‬ ‫ومن أبرز تلك األودية وادي بطحـــان‬ ‫األودية حضارات قديمة‪ ،‬حيث سكنت‬ ‫على ضفافها قبائل عربية أرست دعائم الــذي يسير من جنوبها وحتى غربها‪،‬‬ ‫التطور الحضاري‪ ،‬وبعضها ورد ذكره وهو من أشهر أوديــة المدينة المنورة‬ ‫في أحاديث الرسول ‪ ،‬وهناك أودية بعد العقيق‪ ،‬إن لم يكن متساوياً معه‬ ‫أخــرى ارتبطت بــالــحــوادث التاريخية فــي الشهرة‪ ،‬ولما قــدم اليهود اختار‬ ‫اإلسالمية‪ .‬وتتمتع تلك األوديــة بعمق بــنــو النضير بــطــحــان‪ ،‬فــاتــخــذوا بها‬ ‫حــضــاري بوصفها حاضن ًة لجزء من الحدائق واآلط ــام وبقوا فيها إلــى أن‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫صورة المدينة المنورة عند ما كانت تذكر أوديتها في التاريخ وتوصف بأن بعضها يقع غرب المدينة وبعضها في الشرق وبعضها‬ ‫ال‬ ‫في الشمال‪ ،‬أما اآلن فإن تلك األودية تقع في قلب المدينة المنورة حيث أصبحت هذه الصورة حالياً تمثل الحرم كام ً‬

‫أجــاهــم رســـول اهلل بسبب غــدرهــم الحالتين حالتي صعب على بعد سبعة أميال‬ ‫وخيانتهم ونقضهم العهد‪ ،‬وذلك في غزوة من المدينة تقريبا‪ ،‬ثم يصل إلى وادي جفاف‬ ‫بني النضير(‪.)٢‬‬ ‫شرقي مسجد قباء‪.‬‬ ‫ووادي بطحان يخترق المدينة المنورة‪،‬‬ ‫ويطلق عليه هذه التسمية (وادي بطحان)‬ ‫بدءاً من شرق مسجد قباء‪ ،‬ويتشكل من أودية‬ ‫عديدة‪ ،‬وهو يبدأ بشعب العجوز الذي يأتي‬ ‫من ظاهر المدينة المنورة من حرة شوران‪،‬‬ ‫ثم وادي مذينيب يرفده من الجنوب الشرقي‬ ‫ويلتقي مع وادي بطحان شرق مسجد قباء‬ ‫تقريباً عند تكونه‪ ،‬أوله من الماجشونية(‪،)٣‬‬ ‫ثم يمر كذلك إلى أن يمر غربي سور المدينة‬ ‫إلى طرف المصلى‪ ،‬ثم يخرج إلى غربي سلع‬ ‫وقــرب مساجد الفتح‪ ،‬ثــم يمر كذلك إلى‬ ‫وبين قباء وصــدر بطحان توجد العين‬ ‫أن يلتقي مع العقيق بالغابة‪ ،‬حيث مجتمع‬ ‫األســيــال(‪ .)٤‬وروى ابــن زبالة أنــه يأتي من الزرقاء‪ ،‬و كانت العين الزرقاء تع ُّد المصدر‬ ‫وعلى جانبي وادي بطحان كانت منازل‬ ‫األوس وال ــخ ــزرج‪ ،‬وتــحــدد مواقعهم بهذا‬ ‫الوادي‪ ،‬إضافة إلى بعض المساجد الشهيرة‬ ‫كمسجد الفضيخ (مسجد الشمس) الذي‬ ‫يقع على شفير الــوادي (عندما يكون شرق‬ ‫قباء)‪ ،‬وغير بعيد عن شاطئه الشرقي توجد‬ ‫آبــار مباركة عديدة‪ ،‬مثل‪ :‬بئر العهن‪ ،‬وبئر‬ ‫غــرس‪ ،‬وفي منتصفه (تربة صعيب)‪ ،‬وهي‬ ‫من المواقع التي يستشفى بإذن اهلل بترابها‬ ‫وبغيرها من األماكن في المدينة المنورة‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪121‬‬


‫وادي بطحان أثناء السيل‬

‫األساس للماء داخل المدينة المنورة من عهد‬ ‫معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬وحتى‬ ‫عهد قريب‪ ،‬وقــد أجــرى مــروان بن الحكم‬ ‫أمير المدينة المنورة في عهد معاوية بن‬ ‫أبي سفيان رضي اهلل عنه‪ ،‬وجعل لها مناهل‬ ‫عديدة داخل المدينة‪ ،‬ينزل إليها بدرج‪ ،‬وقد‬ ‫أطلق على (العين) عين األزرق نسبة إليه‬ ‫كما ورد ذكر بطحان في حديث عقبة بن‬ ‫عامر رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪« :‬خرج رسول اهلل‬ ‫لزرقة في عينيه(‪.)٥‬‬ ‫ ونحن في الصفّة‪ ،‬فقال‪ :‬أيكم يحب أن‬ ‫أما تسمية بطحان فقيل‪ :‬سمي بطحان‬ ‫يغدو كل يوم إلى بطحان‪ ،‬أو إلى العقيق‪،‬‬ ‫ألن القسم الذي يجري فيه داخل المدينة‬ ‫فيأتي منه بناقتين كوماوين‪ ،‬في غير إثم‪ ،‬وال‬ ‫سهل منبطح‪.‬‬ ‫قطع رحم‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل نحب ذلك‪،‬‬ ‫وقد وردت بعض األحاديث الشريفة حول قال‪ :‬أفال يغدو أحدكم إلى المسجد‪ ،‬فيعلم‬ ‫وادي بطحان‪ ،‬فعن عائشة رضي اهلل عنها أو يقرأ آيتين من كتاب اهلل عز وجل خير له‬ ‫عن النبي قال‪« :‬بطحا ُن على ترعة من من ناقتين‪ ،‬وثالث خير له من ثالث‪ ،‬وأربع‬ ‫ترع الجنة»(‪.)٦‬‬ ‫خير له من أربع‪ ،‬ومن أعدادهن من اإلبل‪.‬‬

‫ْصارِ يُّ ‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫عَ دِ ٍي أخبرني بَ ْك ُر ب ُن ُمبَشِّ ٍر اْألَن َ‬ ‫اب رسولِ اهلل ِإلَى‬ ‫َصحَ ِ‬ ‫كنتُ أَغْ دُو مع أ ْ‬ ‫َضحَ ى‪َ ،‬فنَسْ ل ُكَ‬ ‫ُصلَّى يَ ْو َم الْفِ طْ رِ َويْو َم األ ْ‬ ‫الم َ‬ ‫ُصلَّى َفن َُصلِّيَ مع‬ ‫بَطْ َن بَطْ حَ ا َن حتَّى نَ ْأتِيَ الم َ‬ ‫رســولِ اهلل ثُ َّم نَر ِْج ُع مِ ْن بَطْ نِ بَطْ حَ ا َن‬ ‫ِإلَى بُيُو ِتنَا‪.‬‬

‫‪122‬‬

‫وعــن إِسْ ــحَ ــا ُق بـ ُن سَ ــا ِلـ ٍـم َمـ ْولَــى نَـ ْو َفــلِ بنِ‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫وقــد روي أن النبي توضأ من هذا‬


‫ووادي بطحان اشتاق إليه الناس وصافوه‬ ‫الــود‪ ،‬بل إن أحدهم يدفع أحزانه بأخرى أودي ــة المدينة استعراضا شــام ـاً‪ ،‬ومنها‬ ‫شوقاً إلى «أهل بطحان وما يحيط به»‪.‬‬ ‫وادي بطحان‪ ،‬وركز فيه على الدور الكبير‬ ‫ويقول أحد الشعراء وهو يستعرض أهم‬

‫لألودية في ريّ النخيل والمزروعات ودور‬

‫أبـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـعـ ـ ـي ـ ـ ٍـد ل ـ ـ ــم أزل َب ـ ـعـ ــدكـ ــم‬ ‫ف ـ ـ ــي كُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر ٍَب لـ ـ ـلـ ـ ـش ـ ــوق تـ ـغـ ـش ــان ــي األقنية والعيون في توفير مياه الشرب ألهل‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الوادي يوم غزوة األحزاب‪.‬‬

‫في ري النخيل والمزروعات‪.‬‬

‫المدينة(‪:)٨‬‬

‫ك ـ ـ ـ ــم مـ ـ ـجـ ـ ـل ـ ــس و ّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـل ـ ـ ـذَاتـ ـ ــه‬ ‫ل ـ ــم َيـ ــهْ ـ ـ َن ـ ـنـ ــي إذ غ ـ ـ ــاب ُنـ ــدْ مـ ــانـ ــي أيـ ـ ــا ن ـس ـي ــم ال ـصـ ـب ــا بـ ـ ّل ــغ أح ـب ـت ـنــا‬ ‫أنــي مقيمٌ على "الـعـلـيــاء" أرعــاهــا‬ ‫سـ ـ ـقـ ـ ـيـ ـ ـ ًا ل ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ ٍـع ول ـ ـسـ ــاحـ ــات ـ ـهـ ــا‬ ‫وال ـ ـع ـ ـيـ ــش ف ـ ــي أكـ ـ ـن ـ ــاف ُب ـ ْـطـ ـح ــان حيث "العقيق" و "بطحان" وأقنية‬ ‫تروي النخيل ويروي الناس ريّاها‬ ‫أم ـ ـس ـ ـيـ ـ ُـت م ـ ــن شـ ـ ــوق إلـ ـ ــى أه ـل ـهــا‬ ‫(‪)٧‬‬ ‫أدفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعُ أح ـ ـ ـ ـ ــزانـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ــأح ـ ـ ـ ـ ــزان وحـيــث وادي "قـبــا" وال ـمــاءُ يلبسهُ‬ ‫ـادات أل ـف ـن ــاه ــا‬ ‫بـ ـ ــرد الـ ــرب ـ ـيـ ـ ِـع وع ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ويقول أحد الشعراء وهو يستعرض أهم‬ ‫أودية المدينة استعراضاً شامالً‪ ،‬ومنها وادي وفي "العوالي" وفي "قربان" أودية‬ ‫بطحان‪ ،‬وركّز فيه على الدور الكبير لألودية‬ ‫وس ـك ـنــاهــا‬ ‫ي ــا ح ـب ــذا ه ــي مُ ـ ــرت ـ ــاد ًا ُ‬

‫مسار وادي بطحـان‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪123‬‬


‫عين النقا‪ :‬عين (بكسر العين) جمع عيناء‬ ‫أنس وادي السد يجمعنا‬ ‫ما أنس ال َ‬ ‫ـال طـ ــاب م ـثــواهــا أي‪ :‬واسعات األعين حسانها‪ ،‬وحسن عيد‬ ‫وكـ ــم ب ــه م ــن لـ ـي ـ ٍ‬ ‫األنــثــى يعد مجمع الحسن وأعــظــم األدلــة‬ ‫م ـ ـرّت ك ـح ـلـ ٍـم ول ــم ت ـبــرح معالمها‬ ‫فــي الـقـلــب مــاثـلــةٌ تحيا ونحياها على جمالها‪ ،‬والسيما إذا كانت حوراء (حور‬ ‫عين)‪ ،‬والحوراء التي في عينها كحل ومالحة‬ ‫وقال ابن ُم ْقبِل‪:‬‬ ‫وحسن وبهاء‪.‬‬

‫عفا َبـ ِـطــحَ ــانُ مــن ُس َليْمَ ى ف َيثْرِ ُب‬ ‫فملقى الرحال من ِمنَى فالمُ حَ َّص ُب‬

‫وقد قسّ م بعض الشعراء وادي بطحان‬ ‫إلــى (المنحنى‪ ،‬النقا‪ ،‬وحــاجــر) وهــذه ترد‬ ‫كثيراً في حب المدينة المنورة‪ ،‬فالبد من‬ ‫ذكر بعض الكلمات حولها‪:‬‬

‫وكـــم تـ ــردد ذكــرهــمــا م ــع غــيــرهــمــا في‬ ‫شعر الحنين المعبر عــن أنــبــل العواطف‬ ‫وأرق المشاعر إلى المدينة الحبيبة‪ ،‬فهذه‬ ‫الكلمات قيلت في تذكّر أهل وادي بطحان‬ ‫والسيما أهل النقا‪ ،‬إذ بدأ قصيدته‪:‬‬

‫مَ ــن ع ــذي ــري ي ــوم ش ــرق ــيّ الـحـمــى‬ ‫المنحنى‪ :‬يقابل النقا من الجهة الشرقية‬ ‫ـوى جـ ـ ـ ــدّ ب ـ ـق ـ ـلـ ـ ٍـب م ــزح ــا‬ ‫مـ ـ ــن هـ ـ ـ ـ ـ ً‬

‫من وادي بطحان‪ ،‬أي‪ :‬جنوب وشرق مسجد‬

‫ن ـ ـ ـظـ ـ ــرةٌ ع ـ ـ ـ ـ ــادتْ فـ ـ ـ ـع ـ ـ ــادتْ ح ـ ـسـ ــر ًة‬ ‫الغمامة حالياً‪ ،‬وقــد تغير وضعه وأصبح‬ ‫َق ـ ـ ـ َتـ ـ ــلَ الـ ـ ــرامـ ـ ــي بـ ـه ــا م ـ ــن جـ ـ َرح ــا‬ ‫موقعه عمارات شاهقة‪.‬‬

‫النقا‪ :‬الجانب األيسر لــوادي بطحان عند قـلــن يـسـتـطــردن بــي (عـيــن النقا)‬ ‫رجـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ ُجـ ـ ـ ـ ـ ــنَّ وقـ ـ ـ ـ ــد كـ ـ ـ ـ ــان ص ـح ــا‬ ‫دخوله المدينة المنورة القديمة حتى باب العنبرية‬ ‫حالياً‪ ،‬ثم تبدأ (حاجر) حتى وادي العقيق‪.‬‬

‫والنقا وحاجر مع المنحنى أكثر الكلمات‬

‫وادي بطحان بالمدينة المنورة‬

‫‪124‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫سد وادي بطحان‬

‫ذكراً عند البكاء شوقاً للمدينة المنورة‪.‬‬ ‫اذكـ ـ ـ ـ ــرونـ ـ ـ ـ ــا مـ ـ ـث ـ ــل ذك ـ ـ ـ ــران ـ ـ ـ ــا ل ـك ــم‬ ‫رب ذكـ ـ ـ ـ ـ ــرى قـ ـ ــربـ ـ ــت م ـ ـ ــن نـ ــزحـ ــا‬ ‫والنقا مــقــصــوراً مــا بين وادي بطحان‬ ‫والمنـزلة التي بها السقيا‪ ،‬وهناك أشعار ورد واذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروا صـ ـ ـبـ ـ ـ ًا إذا غ ـ ـنـ ــى ب ـكــم‬ ‫فيها النقا فمن ذلك(‪:)٩‬‬ ‫ش ـ ـ ــرب الـ ـ ــدمـ ـ ــع‪ ،‬وعـ ـ ـ ــاف ال ـق ــدح ــا‬ ‫وقال الشاب الظريف(‪:)11‬‬

‫أال يـ ـ ــا س ـ ـ ــائ ـ ـ ــر ًا فـ ـ ــي ق ـ ـفـ ــر عُ ـ ــمْ ـ ــرٍ‬ ‫ي ـكــابــد ف ــي ال ـ ُّـسـ ـرَى وَعْ ـ ـ ــر ًا وسَ ــهْ ــا ول ـ ـقـ ــد رأيـ ـ ـ ــت ب ـ ــرام ـ ــةٍ بـ ـ ــان ال ـن ـقــا‬ ‫ف ـم ـن ـعـ ُـت ط ــرف ــي م ـنــه أن يـتـمـ ّتـعــا‬ ‫ب ـل ـغــتَ ن ـقــا ال ـم ـشـيــب وج ـ ــزت عنه‬ ‫وم ـ ـ ــا بـ ـع ــد ال ـ ـ َّن ـ ـقـ ــا إال ال ـم ـص ـ ّل ــى وم ــا ذاك م ــن َورَعٍ ول ـكــن م ــن رأى‬ ‫أشـ ـب ــاه ِع ـط ـف ــك ُحـ ـ ــقّ أن ي ـت ــو ّرع ــا‬ ‫وقال أبو محاسن الشوا(‪:)١٠‬‬ ‫وقال إليها زهير(‪:)١٢‬‬

‫ـاح ربـ ـ ـ ــى ل ــعْ ـ ـل ــع‬ ‫هـ ــات ـ ـيـ ــك يـ ـ ــا صـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ن ـ ـ ــاش ـ ـ ــد ُت ـ ـ ــك اهلل فـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــرَّ جْ م ـع ــي ولـ ـ ــي ف ـي ــه ق ـل ــب بـ ــال ـ ـغـ ــرام مُ ـق ـ ّي ــد‬ ‫لـ ــه خـ ـب ــرٌ يـ ــرويـ ــه ط ــرف ــي مـطـلـقــا‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ــزل ب ـ ـنـ ــا ب ـ ـيـ ــن بـ ـ ـي ـ ــوت الـ ـ َّنـ ـق ــا‬ ‫فـ ـ ـق ـ ــد غَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَتْ آهـ ـ ـ ـل ـ ـ ــة الـ ـ ـمـ ـ ـ ْرب ـ ــع ومن فرط و َْجــدي في لَما ُه وثغره‬ ‫أعـ ـ ّل ــل ق ـل ـبــي ب ــال ــعُ ــذي ــب وبــال ـ َّن ـقــا‬ ‫حـتــى نـطـيــل ال ـيــوم وق ـف ـ ًا عـلــى ال ـ‬ ‫ـ ـســاكــن أو ع ـط ـف ـ ًا ع ـلــى الـمــوضــع‬

‫وقال ابن الحُ الوي(‪:)١٣‬‬

‫وها هو الشاعر يحنُّ إلى أهل النقا بوادي يقولون‪ :‬ي َْحكى البد َر في الحسن وجهُ هُ‬ ‫الحسن مُ نحَ ٌط‬ ‫ِ‬ ‫وبد ُر الدجى عن ذلك‬ ‫بطحان‪:‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪125‬‬


‫الــــوداع‪ ،‬وذي ســلــم‪ ،‬وشــــوران‪ ،‬تــذكــر هذه‬ ‫كـ ـم ــا ش ـ ـ َّب ـ ـهـ ــوا غـ ـص ــن ال ـ ـ َّن ـ ـقـ ــا بـ ـق ــوام ــه‬ ‫وذل ــك تشبيه عــن ال ـحــقّ مُ ـ ْـشـتــط الكلمات يولّد الحبّ فيقبل الناس بقلوبهم‬ ‫وعواطفهم إلى المدينة وكم من محب وقف‬ ‫وقال آخر(‪:)١٤‬‬ ‫بها‪ ،‬وقد طفرت دمعة صامتة تظهر كوامن‬ ‫قـ ــرب ال ــدي ــار ي ــزي ــد ش ـ ــوقَ ال ــوال ــهِ‬ ‫النفس ومكنون الضمير وخبايا الشعور‪.‬‬

‫الس ـ ـ ّي ـ ـمـ ــا إن الح ن ـ ـ ـ ــو ُر جـ ـم ــال ــهِ‬

‫أو ب ـ ّـش ــر الـ ـح ــادي بـ ــأن الح ال ـ َّن ـقــا‬ ‫وبـ ـ ــدت ع ـل ــى ُبـ ـع ـ ٍـد رءوس جـبــالــه‬ ‫فهناك ِعيلَ الصبرُ من ذي صبوةٍ‬ ‫وب ـ ــدا ال ـ ــذي يـخـفـيــه م ــن أح ــوال ــه‬ ‫وتذكر كلمات مثل‪ :‬المنحنى‪ ،‬وحاجر‪،‬‬

‫والنقا‪ ،‬وسلع‪ ،‬وأحد‪ ،‬ووادي بطحان‪ ،‬ووادي‬

‫الرانوناء‪ ،‬وادي العقيق‪ ،‬وادي قناة‪ ،‬وإضم‪،‬‬ ‫وقــبــاء‪ ،‬والــعــوالــي‪ ،‬والــجــزع‪ ،‬وسليع‪ ،‬ثنيات‬

‫يـ ـ ــا نـ ـسـ ـي ــم الـ ـ ــريـ ـ ــح مـ ـ ــن ك ــاظ ـم ــة‬ ‫ش ـ ــد م ـ ــا هـ ـج ــت األسـ ـ ـ ــا والـ ـب ــرح ــا‬ ‫ال ـ ـص ـ ـبـ ــا إن كـ ـ ـ ــان ال بـ ـ ــد ال ـص ـب ــا‬ ‫إنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ك ـ ـ ــان ـ ـ ــت ل ـ ـق ـ ـل ـ ـبـ ــي أروح ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫اختفى اآلن وادي بطحان واختفت معه‬ ‫األوديـــة المكوّنة لــه‪ ،‬وغــابــت عــن األنظار‬ ‫الكثير من المآثر المرتبطة به‪ ،‬فقد غُطي‬ ‫مجرى بطحان قبل عــدة سنوات بــدءاً من‬ ‫منطقة قربان‪.‬‬

‫* كاتب ومؤلف سعودي‪.‬‬ ‫(‪ )١‬دفاعاً عن الحبيب للدكتور تنيضب الفايدي (ص‪.)72‬‬

‫(‪ )٢‬األودية واآلبار يف مدينة املختار (بني األدب والتاريخ)‪ ،‬للدكتور تنيضب الفايدي‪ ،‬حتت الطبع‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬املاجشونية‪ :‬نسبة إلى ماجشون وهو موضع بوادي بطحان من املدينة‪ ،‬وبقربه تربة صعيب‪،‬‬ ‫ويقال‪ :‬املاجشونية هي احلديقة املعروفة اليوم باملدشونية (وقد أزيلت حالياً) ‪ .‬املغامن املطابة‬ ‫يف معالم طابة للفيروزآبادي‪ ( ،‬ص ‪.)366‬‬ ‫(‪ )٤‬نـزهة األنظار يف فضل علم التاريخ واألخبار للورثالني (ص ‪.)526‬‬ ‫(‪ )٥‬التعريف مبا آنست الهجرة من معالم دار الهجرة للمطري‪( ،‬ص ‪ .)162‬التحفة الشماء يف تاريخ‬ ‫العني الزرقاء‪ :‬تعليق‪ :‬عبيد اهلل محمد كردي (ص ‪.)250‬‬ ‫(‪ )٦‬التاريخ الكبير (‪ )51/2‬والبزار كما يف كشف األستار (‪ ،)58/2‬واحلديث حسن مبجموع طرقه‪،‬‬ ‫وانظر سلسلة األحاديث الصحيحة (‪.)411/2‬‬ ‫(‪ )٧‬املغامن املطابة يف معالم طابة للفيروزآبادي‪.)668/2( ،‬‬ ‫(‪ )٨‬مجلة اجلامعة اإلسالمية‪ ،‬العدد (‪.)52‬‬ ‫(‪ )٩‬اجلواهر الثمينة يف محاسن املدينة للكبريت‪.)336/1( ،‬‬ ‫(‪ )١٠‬وفيات األعيان يف أنباء أبناء الزمان‪ :‬البن خلكان (‪.)232/7‬‬ ‫(‪ )١١‬اجلواهر الثمينة يف محاسن املدينة للكبريت‪ ،‬مصدر سابق‪.)337/1( ،‬‬ ‫(‪ )١٢‬املصـدر السـابق (‪.)337/1‬‬ ‫(‪ )١٣‬املصـدر السـابق (‪.)337/1‬‬ ‫(‪ )١٤‬املصـدر السـابق (‪.)338/1‬‬

‫‪126‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫الوفــــــــاء‬ ‫ُ‬

‫وأبعاده االجتماعية‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫موضوعية‬ ‫حديثية‬ ‫دراسة‬ ‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬إقبال محمد الوقيد‬ ‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫السنة ‪٢٠١٩ :‬م‬ ‫صــدر حديثـاً ضمــن برنامــج النشــر ودعــم األبحــاث‬ ‫فــي مركــز عبدالرحمــن الســديري الثقافــي كتــاب‬ ‫الوفــاء وأبعــاده االجتماعيــة‪ ،‬لمؤلفتــه د‪ .‬إقبــال‬ ‫الوقيــد‪ ،‬وهــو فــي األصــل رســالة قدمتهــا المؤلفــة‬ ‫اســتكماال لمتطلبــات درجــة الدكتــوراه فــي جامعــة‬ ‫اليرمــوك‪.‬‬ ‫يتنــاول هــذا الكتــاب موضــوع الوفــاء فــي الســنة‬ ‫النبويــة وأبعــاده االجتماعيــة‪ ،‬الــذي لــم تســبق‬ ‫دراســته دراســة حديثيــة مســتقلة‪ ،‬تأكيــداً ألثــر‬ ‫الوفــاء فــي تحقيــق البعــد االجتماعــي‪ .‬وجــاء‬ ‫الكتــاب فــي مقدمــة وتمهيــد وبابيــن‪ ،‬البــاب األول‪،‬‬ ‫تعريــف الوفــاء وأهميتــه‪ ،‬والبــاب الثانــي فــي‬ ‫مجــاالت الوفــاء ومنظــور الســنة النبويــة فــي تحقيــق‬ ‫البعــد االجتماعــي‪ ،‬ومنهــا الوفــاء بالعهــود مــع اهلل‬ ‫ســبحانه وتعالــى ورســوله صلــى اهلل عليــه وســلم‪،‬‬ ‫والمعاهــدات‪ ،‬والوفــاء بالعقــود والنــذور واأليمــان‬ ‫والوعــود‪ ،‬والوفــاء بــرد الجميــل واالعتــراف بالنعمــة‪،‬‬ ‫وكشــفت الدراســة عــن منظــور الســنة النبويــة فــي‬ ‫تحقيــق الوفــاء لبعــده االجتماعــي وإحــداث التغييــر‪،‬‬ ‫ثــم الخاتمــة وأهــم النتائــج التــي توصلــت إليهــا‬

‫‪ρρ‬كتب جهاد أبو مهنا‬

‫الدراســة‪.‬‬ ‫كمــا أكــدت السُّ ــ َّن ُة النبويــة علــى أهميــة الوفــاء‬ ‫بأســاليب متعــددة مــن خــال الترغيــب والترهيــب‬ ‫واإلغــراء والمــدح‪ ،‬وكشــفت الدراســة عــن‬ ‫أهــم المعاييــر والضوابــط اإليمانيــة والســلوكية‬ ‫واالجتماعيــة الموجهــة لهــذا الخُ لُــق‪ ،‬والتــي وضعتهــا‬ ‫السُّ ـ َّن ُة النبويــة وأيدتهــا اآليــات القرآنيــة‪ ،‬مــن خــال‬ ‫تقريــر مبــدأ االســتطاعة‪ ،‬والنهــي عــن تعذيــب‬ ‫النفــس‪ ،‬وتح ـرّي النفــع المجتمعــي وشــمول الوفــاء‬ ‫لجميــع فئــات المجتمــع‪.‬‬ ‫وكشــفت هــذه الدراســة أثــر الوفــاء فــي تحقيــق‬ ‫البعــد المجتمعــيّ مــن خــال إزالــة المعوقــات‬ ‫كالكفــر والنفــاق‪ ،‬ورذائــل األخــاق والســلوكيات‬ ‫والتدابيــر الخاطئــة‪ ،‬وأثــره فــي بنــاء المجتمعــات‬ ‫مــن خــال تطبيــق الوفــاء مــن الشــكر واإلحســان‬ ‫واإلخــاص وأداء الحقــوق فــي جميــع الجوانــب‪.‬‬ ‫يأتــي هــذا اإلصــدار لغــرض اإلســهام فــي رفــد‬ ‫المكتبــة فــي المملكــة بالدراســات العلميــة الجامعيــة‬ ‫فــي مختلــف المجــاالت وتوفيــر مراجــع علميــة‬ ‫محكّمــة بيــن أيــدي الباحثيــن والمهتميــن مــن القرّاء‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬

‫‪127‬‬


‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬

‫بيتر هاندكه‬

‫■ صالح القرشي*‬

‫هل يستطيع القارئُ الفص َل بين إبداع الكاتب ومواقفه في الحياة العامة بكافة أشكالها؟‬ ‫هل تؤثر المواقف التي يتخذها الكاتب في تفاعل القراء والنقاد مع منجزه األدبي؟‬ ‫هذه األسئلة وغيرها عادت مرة أخرى‪ ،‬مع منح نوبل جائزتها في األدب للروائي النمساوي‬ ‫بيتر هاندكه‪.‬‬

‫ويمكن تلخيص الجدل الذي دار بشأن هذا‬ ‫األمر إلى موقفين بارزين‪ :‬فهنالك مَن يرى أن‬ ‫ليس من شأن جائزة أدبية أن تبحث فيما هو‬ ‫خارج اإلبداع األدبي مما يختلف حوله الناس‪.‬‬

‫التي تعطيها مدينة دسلدورف‪ ،‬والتي تبلغ قيمتها‬ ‫خمسين ألف يورو؛ لكن االنتقادات ثارت‪ ،‬واحتج‬ ‫مجلس المدينة على قــرار اللجنة المستقلة‪،‬‬ ‫وعندها شعر هاندكه باإلهانة وتخلى طواعية‬ ‫عن الجائزة ونقودها؛ ومن هنا‪ ،‬تبدو صعوبة‬ ‫الفصل‪ ..‬فالمواقف التي يتخذها الكاتب تطغى‬ ‫أحيانا على إبداعه األدبي‪ ،‬وعندما يتخذ الكاتب‬ ‫موقفاً تراه الغالبية خاطئاً‪ ،‬فإن هذا الموقف‬ ‫يــؤثــر فــي النظر إلــى أدب الكاتب مهما كان‬ ‫عظيماً‪.‬‬

‫وقبلها في عــام ‪2006‬م ‪-‬وهــو العام الذي‬ ‫شــــارك فــيــه ف ــي ج ــن ــازة الــرئــيــس الــصــربــي‬ ‫مــيــلــوســوفــيــتــش الـ ــذي م ــات فــي ســجــنــه وهــو‬ ‫يحاكم كمجرم حــرب‪ -‬فــي ذلــك الــعــام قــررت‬ ‫لجنة تحكيم مستقلة االحتفاء بالمنجز األدبي‬ ‫لهاندكه‪ ،‬ومنحه جائزة الشاعر هاينريش هاينه‬

‫بقي أن نذكر أن صاحب «المرأة العسراء»‪،‬‬ ‫و«خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء» من‬ ‫الشخصيات التي اعتبرت أنه ينبغي إلغاء جائزة‬ ‫نوبل األدبية‪ ،‬وقد قال عن هذه الجائزة «إنها‬ ‫شكل من أشكال التقديس الزائف‪ ،‬الذي ال يفيد‬ ‫القارئ بشيء»!‬

‫ليس لها أن تنظر إلى أمثال بيتر هاندكه‪،‬‬ ‫وقبله غونتر غــراس وغيرهما إال مــن زاويــة‬ ‫اإلبداع األدبي فقط؛ فيما يرى آخرون أن هذا‬ ‫الفصل يبدو صعبًا بل وأحيانًا يبدو مستحيال‪.‬‬

‫وهناك مَن يعتقد أن الجائزة التي تسامحت‬ ‫مع هاندكه لم تفعل هذا مع األلباني إسماعيل‬ ‫لكن أصحاب الرأي األول يرون أن كل هذه‬ ‫قــادري الــذي يعتقد كثيرون أن ارتباط اسمه‬ ‫اإلشــكــاالت المصاحبة للجوائز ســرعــان ما‬ ‫بديكتاتور البانيا السابق أنور خوجة قد أسهم‬ ‫يتجاوزها الــزمــن وتتالشى‪ ،‬فيما يبقى الفن‬ ‫في عدم حصوله على جائزة نوبل‪.‬‬ ‫حاضرًا‪ ،‬وقيمة جائزة نوبل بالنسبة لروائي مهم‬ ‫هــؤالء يستشهدون بــأن هاندكه نفسه قد كـ «بيتر هاندكه» هي أنها تقدمه لقراء جدد في‬ ‫واجه هتافات تتهمه بالفاشية وهو يتجه وقتها مختلف أنحاء العالم‪ ،‬وكذلك ألجيال قادمه لن‬ ‫الستالم جائزة الكاتب المسرحي هنريك إبسن تحكم عليه إال من خالل ما قدم من إبداع‪ ،‬بعيدًا‬ ‫المرموقة عام ‪2014‬م‪.‬‬ ‫عن كل المواقف اإلشكالية‪.‬‬

‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪128‬‬

‫العدد ‪ - ٦٥‬خريف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠١٩‬م)‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثاً‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.