صدور العدد 66 من مجلة الجوبة الثقافية ليلى الأحيدب أروى خميس، أيمن بكر، إبراهيم الحجر

Page 1

‫ ¦واحة دومة الجندل في قائمة التراث‬ ‫االسالمي‪.‬‬ ‫ ¦ليلى األحيدب‪ ..‬أديبة سعودية برؤى‬ ‫فلسفية‪.‬‬ ‫ ¦ما هي الصداقة؟ من الواقعي إلى‬ ‫االفتراضي‪.‬‬ ‫ ¦‬

‫‪ ..‬شهقة حياة‪.‬‬

‫ ¦منتدى منيرة الملحم لخدمة‬ ‫المجتمع يعقد دورته (‪ )١٢‬بالغاط‪.‬‬ ‫ ¦نصوص‪ :‬حليم الفرجي‪ ،‬فهد العوذة‪،‬‬ ‫عمار الجنيدي‪ ،‬د‪ .‬أحمد اللهيب‪ ،‬عبداهلل‬ ‫بـيـال‪ ،‬نوير العتيبي‪ ،‬حمد جويبر ‪..‬‬ ‫ ¦مواجهات‪ :‬أروى خميس‪ ،‬د‪ .‬أيمن بكر‪،‬‬ ‫األرجنتينية إلسا أوسوريو‪.‬‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري في دورته الثالثة عشرة‪:‬‬

‫‪ ‬قطاع السياحة السعودي‪:‬‬ ‫اإلنجازات والتحديات وآفاق التطوير‬

‫‪66‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السدير ي عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضواً‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬ ‫ويتبنّى برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬ويصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬


‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪6..........................‬‬ ‫منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد‬ ‫السديري في دورته الثالثة عشرة‪:‬‬ ‫‪ ‬قطاع السياحة السعودي‪:‬‬ ‫اإلنجازات والتحديات وآفاق التطوير‬

‫‪31..............................‬‬

‫القاصة والروائية‬ ‫ليلى األحيدب‬

‫‪97.............................‬‬ ‫األديبة السعودية وأستاذة التصميم‬

‫د‪ .‬أروى خميس‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية ‪٤ ...............................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (‪٦ .......)١٣‬‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع (‪24 .............. )١٢‬‬ ‫منتدى منيرة الملحم في الغاط وفكر المؤسسات اإلنسانية ‪ -‬د‪ .‬هياء‬ ‫السمهري‪٢٩ .............................................................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬ليلى األحيدب‪٣١ .............................................‬‬ ‫الخطاب الذكوري في رواية (عيون الثعالب) لليلى األحيدب ‪ -‬ميساء‬ ‫الخواجا‪٣٢ ..............................................................‬‬ ‫ليلى األحيدب‪ ..‬اإلطار الذي يلفّونه حولي ‪ -‬عبداهلل السفر ‪٣٧ .........‬‬ ‫ليلى األحيدب‪ ..‬ورحلة البحث عن اليوم السابع ‪ -‬د‪ .‬هناء بنت علي‬ ‫البواب‪٣٩ ................................................................‬‬ ‫بوح الذات األنثويّة في "قميص أسود شفاف"للقاصة ليلى األحيدب ‪-‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عماد الضمور‪٤١ ..................................................‬‬ ‫ليلى األحيدب‪ ..‬فتاة النص في زمن تبحث فيه الفتاة عن ذاتها ‪-‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬خليل نصير ‪٤٥ .......................................................‬‬ ‫شجاعة الحنين في جنّات صغيرة لليلى األحيدب ‪ -‬د‪ .‬راشد عيسى‪٤٨ .‬‬ ‫َّص" ‪ -‬محمد جميعان ‪٥٢ ................‬‬ ‫الصراعيَّة الض ِّديَّة في "فتاة الن ّ‬ ‫ِّ‬ ‫بيني وبين ليلى قصة صداقة متنازعة بين المواقف واألحاسيس ‪-‬‬ ‫هدى الدغفق ‪٥٥ ........................................................‬‬ ‫ليلى األحيدب‪ ..‬في "عــود أزرق"‪ :‬ال يُحْ بس النهر في بئر ‪ -‬محمد‬ ‫العامري‪٥٨ ..............................................................‬‬ ‫حوار مع الكاتبة ليلى األحيدب ‪ -‬حاورتها‪ :‬هدى الدعفق ‪٦٢ ............‬‬ ‫نصوص‪ :‬بياض أنثى ‪ -‬حليم الفرجي‪٦٦ ....................................‬‬ ‫المتقاعد ‪ -‬عمار الجنيدي ‪67 ............................................‬‬ ‫صاحبة القلنسوة ‪ -‬فهد عواد العوذة ‪70 ..................................‬‬ ‫شعراءُ بأقنعةٍ مستعملة ‪ -‬عبداهلل بيال‪78 ................................‬‬ ‫موس ُم المعْنى! ‪ -‬محمد سيدي‪80 ........................................‬‬ ‫ِ‬ ‫هنا الجوف ‪ -‬حمد جويبر الحربي ‪82 ....................................‬‬ ‫تكسّ ر الحياة ‪ -‬نويّر العتيبي‪83 ...........................................‬‬ ‫معزوف ُة شجن ‪ -‬د‪ .‬أحمد اللهيب‪84 ......................................‬‬ ‫حالة حرب ‪ -‬أحمد إبراهيم الحربي ‪86 ..................................‬‬ ‫حتْفٌ على الشفاه ‪ -‬إيمان محمد الحمد‪88 ..............................‬‬ ‫كبرياء وهوى ‪ -‬مشاعل عبداهلل ‪89 .......................................‬‬ ‫ثالث قصائد ‪ -‬عصام أبو زيد‪90 ....................................‬‬ ‫هجرةُ اللغة ‪ -‬عبدالهادي الصالح ‪92 .....................................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬ما هي الصداقة؟ من الواقعي إلى االفتراضي ‪ -‬ترجمة‪ :‬خديجة‬ ‫حلفاوي‪٩٣ .................................................................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬كاتبة في أدب األطفال وأستاذة التصميم د‪ .‬أروى خميس ‪-‬‬ ‫حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‪٩٧ ..................................................‬‬ ‫الناقد واألكاديمي د‪ .‬أيمن بكر‪ -‬حاوره‪ :‬نور سليمان أحمد‪104 ...........‬‬ ‫الناقد والكاتب د‪ .‬إبراهيم الحجري‪ -:‬حاوره‪ :‬هشام بنشاوي ‪113 ........‬‬ ‫الكاتبة األرجنتينية إلسا أوسوريو ‪ -‬حاورتها‪ :‬نسرين البخشونجى ‪121 ...‬‬ ‫نوافذ‪ :‬الحياة‪ ..‬شهقة حياة! ‪ -‬محمد علي حسن الجفري‪124 .............‬‬ ‫اإلعالم الرقمي واإلشاعة ‪ -‬د‪ .‬سعيد سهمي ‪128 .........................‬‬ ‫تحفة آثارية باقية حتى اليوم‪ :‬مسجد عمر بن الخطاب رضي اهلل‬ ‫عنه ‪ -‬محمود الرمحي ‪133 ..............................................‬‬ ‫سمو األمير سلطان بن سلمان يهنئ سمو أمير منطقة الجوف بتسجيل‬ ‫دومة الجندل ضمن قائمة التراث اإلسالمي‪136 ........................‬‬ ‫سمو أمير الجوف يبارك تسجيل واحــة دومــة الجندل ضمن قائمة‬ ‫التراث اإلسالمي ‪138 ...................................................‬‬ ‫ملحة عبداهلل‪ :‬سيدة المسرح السعودي ‪ -‬محمد القشعمي‪139 .......‬‬ ‫قراءات‪143 ....................................................................‬‬ ‫الصفحة األخيرة‪ :‬القصة القصيرة جدا ‪ -‬صالح القرشي ‪144 ............‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫بعد مسيرة طويلة في عالم الكتابة الصحفية واإلبداعية‪ ،‬رست قوارب ليلى األحيدب على‬

‫شاطئ الرواية الزاخر‪ ،‬وهي بذلك‪ ،‬إنما تثبت أنها أحد المبدعين الذين بنوا مداميك تجاربهم‬

‫بعرق الصبر وحرقة القلم والمعاناة والتحمل والحكمة‪.‬‬

‫عندما كتبت ليلى روايتها "عيون الثعالب"‪ ،‬لم تكن تعلم على األرجح‪ ،‬أنها بذلك تفتح صفحة‬

‫جديدة في عالم السرد الروائي المحلي‪ ،‬وأنها تكتب تاريخً ا جديدًا لتجربتها الثرية والوطنية في‬ ‫عالم اإلبداع؛ ولذلك‪ ..‬فإن كثيرا من القراء والنقاد يجدون رواية األحيدب هذه واحدة من أهم‬

‫األعمال األدبية المحلية‪ ،‬وقد شهد نخبة من النقاد والقراء لمجمل أعمالها اإلبداعية‪ ،‬ولروايتها‬ ‫على وجه التحديد‪ ..‬والتي تعد من الروايات القليلة التي حظيت بمكانة مهمة على مستوى الوطن‪.‬‬ ‫تختار األحيدب شخصياتها من واقع الحياة اليومية‪ ،‬وهي لم تخيّب قراءها يوما‪ ،‬فقد كانت‬

‫تُعبّر بصدق عن أفكارها بجرأة وشفافية‪ ،‬ولذا تمكنت من تشخيص أمراض اجتماعية خطيرة في‬

‫المجتمع ‪ ،‬خاصة على صعيد عالقة الرجل بالمرأة‪ ،‬وكون هذه العالقة يشوبها الكثير من التوتر‬ ‫والشك ‪ ،‬ولذلك "المذكر المستأذب" والصراع بين الذكورة واألنوثة في روايتها "عيون الثعالب" كما‬

‫في مجموعتها "فتاة النص"‪.‬‬

‫ونكتشف تسليط ليلى األحيدب الضوء على رؤية بعض أبطالها‪ ،‬تلك الرؤية التي "تعكس نسقًا‬

‫ثقافيًا مضمرًا يحصر المرأة في جسدها فقط" ‪ ،‬كما تكشف عن "ذكورية كامنة" ولذلك فقد‬ ‫فضحت الروائية ليلى األحيدب "ازدواجية الرجل والمثقف تحديدا‪ ..‬وتكشف عن تصور الثقافة‬

‫الذكورية للمرأة من جهة أخرى" وهي تكشف عن ثورة على الخطاب الذكوري السائد وتتمرد عليه‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫وفي قصص ليلى كثير من الحكي المفيد‪ ،‬ففي نصوص مجموعتها "عود أزرق"‪ ..‬تنشغل في‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫الحرية واالنفالت من الجاذبية بمعناها المجازي‪.‬‬

‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اف ـ‬ ‫ـاتـاون‬

‫مدارات الحرية وتجلياتها عبر جملة من النصوص المتوالدة والمتتابعة‪ ،‬ومنها تلك التي تتطلع إلى‬ ‫وفي "جنات صغيرة"‪ ،‬نكتشف أن "جميع النصوص أالهيب منقوعة بالشعرية الصافية المعتقة‬

‫في خوابيها منذ صرخة الميالد‪ ،‬وأنها "نصوص متوهجة بالشعرية‪ ،‬ولكنها ليست قصائد بالمعنى‬ ‫المعرفي الفني‪"..‬‬

‫وفي مجموعة "فتاة النص"‪ ،‬نجد أن لغة ليلى تتخذ سياقا وجوديا بسبب "صراع األنوثة مع‬

‫السطوة الذكورية على الكتابة"؛ ولذلك كان الصراع من أجل نيل الحرية في النص والتجرء على‬

‫قيود المجتمع‪.‬‬

‫ولعل براعة األحــيــدب في "قميص أســود شفاف" في اختيار العنوان واختيار النصوص‬

‫وموضوعاتها‪ ..‬حمل لغة داخلية عميقة من البوح‪ ،‬مجسِّ دة كافة تجليات وانفعاالت المرأة بما‬

‫يعكس "روحها الثائرة ووجدانها المستلب"‪.‬‬

‫ولــدت ليلى األحيدب في منطقة األحساء‪ ،‬وعرفت كقاصة وكاتبة شهيرة تكتب في مجلة‬

‫اليمامة‪ ،‬في زاوية أسبوعية بعنوان (تحوالت امرأة نهرية)‪ ،‬وقد كتبت الرواية والقصة القصيرة‪.‬‬

‫وهي عضو في نادي الرياض األدبي‪ .‬نشرت أول مجموعة قصصية لها عام ‪1997‬م‪ ،‬وتُرجمت‬ ‫أعمالها القصصية للغة اإلنجليزية في كتاب (‪ )Beyond the dunes‬ضمن مشروع (موسوعة األدب‬

‫السعودي)‪ ،‬وترجمت قصصها إلى اللغة اإليطالية ضمن كتاب (زهور عربية) إليزابيال كامرا‪ ،‬وفي‬ ‫عام ‪2009‬م نشرت روايتها األولى "عيون الثعالب"‪ .‬ومن مؤلفاتها البحث عن يوم سابع‪ ،‬مجموعة‬

‫قصصية (‪1997‬م) ‪ -‬عيون الثعالب‪ ،‬رواية (‪2009‬م) ‪ -‬فتاة النص‪ ،‬مجموعة قصصية (‪2011‬م) ‪-‬‬

‫جنات صغيرة (‪2015‬م) إضافة للرواية‪..‬‬

‫إذا كنا اليوم نتحدث عن الرواية السعودية وأنها وصلت إلى مستويات جديدة على المستوى‬

‫وفعل ووجودا جديدًا‪ ،‬خاليًا من‬ ‫ً‬ ‫العربي‪ ،‬فإننا نجد أن ليلى األحيدب منحت هذه الرواية صوتا‬

‫االفتعال واالرتجال‪ ،‬مرتكزًا إلى تجربة سردية مهمة انتهت نهايتها الطبيعية في عالم الرواية بعد‬ ‫أن كانت إحدى رواد السرد القصصي المحلي والكتابة الصحفية واإلبداعية‪ ،‬وقد استحقت ليلى‬

‫بجدارة المكانة األدبية التي وصلتها‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪5‬‬


‫الدورة الثالثة عشرة ‪ -‬الغاط‬ ‫‪ 12‬ربيع األول ‪1441‬هـ (‪ 9‬نوفمبر ‪201٩‬م)‬

‫‪" ‬قطاع السياحة السعودي‪:‬‬ ‫اإلنجازات والتحديات وآفاق التطوير‬ ‫واألمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫شخصية المنتدى لهذا العام‬ ‫■ كتب‪ :‬محمد صوانة‬

‫عقد منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية دورته الثالثة عشرة‪،‬‬ ‫في دار الرحمانية بمحافظة الغاط بعنوان‪ " :‬قطاع السياحة السعودي‪ :‬اإلنـجــازات والتحديات‬ ‫وآفــاق التطوير"‪ ،‬وكـرّم صاحب السمو الملكي األمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز شخصية‬ ‫للمنتدى في هذه الدورة‪ ،‬وذلك يوم السبت ‪ 12‬ربيع األول ‪1441‬هـ الموافق ‪ 9‬نوفمبر ‪2019‬م‪ ،‬وحضر‬ ‫المنتدى جمع من االقتصاديين والمستثمرين والمهتمين بقطاع السياحة في المملكة‪.‬‬ ‫وقد تضمن المنتدى جلستي حــوار نوقش خاللهما واقــع قطاع السياحة السعودي وإنجازاته‬ ‫والتحديات التي يواجهها‪ ،‬وسبل تعزيز إسهام السياحة في االقتصاد السعودي خالل المرحلة‬ ‫المقبلة‪ ،‬وشارك في جلستي الحوار كل من د‪ .‬عيد العتيبي‪ ،‬د‪ .‬وليد الحميدي‪ ،‬أ‪ .‬محمد إبراهيم‬ ‫المعجل‪ ،‬د‪ .‬حسين بن علي أبو الحسن‪ ،‬د‪ .‬محمد بن سلطان العتيبي‪ ،‬وأدار الجلستين كل من‬ ‫د‪ .‬عبداهلل العساف‪ ،‬واألستاذ عبداللطيف الضويحي‪.‬‬

‫تكريم شخصية المنتدى‬ ‫وقــد ك ـرّم المنتدى صاحب السمو الملكي‬

‫شخصية المنتدى‪ ،‬نظرا لما قدمه سموه خالل‬ ‫فترة توليه رئاسة الهيئة العامة للسياحة والتراث‬ ‫الوطني في المملكة‪ ،‬منذ توليه رئاسة المجلس‬

‫األمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬بوصفه االستشاري لهيئة السياحة عام ‪2001‬م‪ ،‬وحتى‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫وسلمه رئيس مجلس إدارة مركز عبدالرحمن فيها‪ :‬إن اهتمامي بالتاريخ واآلثــار انبثق من‬ ‫الــســديــري فيصل بن عبدالرحمن بن أحمد اعتزازي بوطني وبحضارته على م ِّر العصور‪.‬‬ ‫الــســديــري درع الــتــكــريــم وه ــو مجسم لخشم وإن الجزيرة العربية قد احتضنت حضارات‬ ‫العرنية‪ ،‬المعل َم الطبيعي المتشكل في مدخل متتابعة في ربوعها‪ ،‬حتى جــاء اإلس ــام‪ .‬وإن‬ ‫محافظة الغاط‪ ،‬تقديرًا لسموه الكريم‪ ،‬وتعبيرًا االنطالق بالسياحة الوطنية‪ ،‬يأتي من اعتزازنا‬ ‫عن أهمية المعالم الطبيعية والتراثية في صناعة بهذا الوطن وما احتضنه من حضارات إنسانية‬

‫السياحة في المملكة‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫انتهاء عمله فيها عام ‪2018‬م‪.‬‬

‫وقد ألقى سموه كلمة بهذه المناسبة‪ ،‬قال‬

‫متتابعة‪ ،‬وكانت أرض الجزيرة العربية التي‬

‫كلمة صاحب السمو الملكي األمير‬

‫تمثل المملكة العربية الــســعــوديــة المساحة‬

‫سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز‬

‫األكبر واألهم فيها‪ ،‬كانت موطنا ألهم الممالك‬

‫صاحب السمو الملكي األمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز يتسلم درع شخصية المنتدى‬ ‫من رئيس مجلس إدارة مركز عبدالرحمن السديري فيصل بن عبدالرحمن السديري‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫التراثية أو الصناعات التقليدية‪ ،‬أو البرامج‬ ‫السياحية التي تتولد يوما بعد يوم في مجال‬ ‫صناعة السياحة‪ ،‬فالمواطن السعودي أثبت أنه‬ ‫قادر على أن يخوض هذا المجال ويبدع فيه‪.‬‬ ‫ونحن نتطلع إلى تطور صناعة السياحة لترفد‬ ‫االقتصاد الوطني‪ ،‬وتسهم فــي زي ــادة األيــدي‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫سواء في مجاالت الفندقة أو المتاحف أو النزل‬

‫الوطنية العاملة في هذا المجال‪.‬‬ ‫وقال إن قبولي لهذا التكريم في هذا المنتدى‪،‬‬ ‫هو نيابة عن كل من عملت معهم في الهيئة‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز‬

‫العامة للسياحة والتراث الوطني‪ ،‬منذ بدايات‬ ‫التأسيس التي واجهت تحديات كثيرة‪ ،‬وحتى‬

‫والحضارات القديمة‪ ،‬وتقاطرت على أرضها استطعنا الوصول بها إلى مرحلة نزهو بها‪ ،‬مع‬ ‫طرق التجارة العالمية‪ ،‬فمثلت وسيلة تواصل أن طموحنا ال يتوقف في تطويرها باستمرار‬ ‫بين األمــم والشعوب وحضاراتهم المتنوعة‪ .‬خدمة للوطن والمواطن على حد سواء‪.‬‬ ‫وعندما نهتم اليوم بالمواقع التاريخية واألثرية‬ ‫ومنها الغاط‪ ،‬نجد أثر هذه الحضارات والنقالت‬ ‫الكبيرة على مدى التاريخ‪ ،‬شاهدًا أمامنا في‬ ‫المواقع اآلثارية والتراثية المهمة‪.‬‬

‫كلمة د‪ .‬زياد السديري‬ ‫وألــقــى الــدكــتــور زيـ ــاد الــســديــري العضو‬ ‫المنتدب لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪،‬‬ ‫كلمة رحب فيها بحضور صاحب السمو الملكي‬

‫وتــحــدث سموه عــن مشاريع تطوير الهيئة األمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز‪ ،‬قال‬ ‫العامة للسياحة والتراث الوطني والمبادرات فيها‪ :‬إن الهيئة المنظمة للمنتدى درجت على‬ ‫والمشاريع السياحية والتراثية التي قامت بها‪ ،‬اختيار شخصية المنتدى التي يتم تكريمها‪ ،‬ممن‬ ‫للتأسيس لصناعة سياحية في المملكة والنهوض يكون له عطاء مميز في مجال موضوع المنتدى؛‬ ‫بها وتطويرها‪ ،‬لتكون قــوة اقتصادية داعمة ولذا‪ ،‬جاء اختيار صاحب السمو الملكي األمير‬ ‫لالقتصاد الوطني‪ ،‬ومــو ّلــد ًة لفرص عمل على سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز نظرًا لما قدمه‬ ‫سعة الوطن واتساع المواقع السياحية والتراثية خالل مسيرة عمله في خدمة قطاع السياحة‬ ‫التي يزخر بها في مختلف مناطقه ومحافظاته‪ .‬في المملكة في التأسيس والتأصيل والتطوير‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪9‬‬


‫العديدة لخدمة المواقع السياحية المنتشرة في‬ ‫مناطق المملكة‪.‬‬ ‫وقال إن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫درج منذ تأسيسه في العام ‪1383‬هـــ (‪1963‬م)‬ ‫على اإلسهام في خدمة الثقافة على مستوى‬ ‫الوطن‪ ،‬من خالل ما توفره مكتباته العامة في‬ ‫كــل مــن الــجــوف والــغــاط‪ ،‬ومــا تقدمه برامجه‬ ‫للنشر ودع ــم األبــحــاث‪ ،‬ومــا تحييه مناشطه‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري‬

‫المنبرية‪ ،‬وأنشطة موجهة للمرأة والطفل تشرف‬ ‫عليها إدارة القسم النسائي بالمركز‪ ،‬تحقيقا لما‬

‫على مدى عشرين عاما‪ ،‬كانت حافلة باإلنجازات أراده مؤسس المركز يرحمه اهلل‪ ،‬خدمة للثقافة‬ ‫الكبيرة والمؤثرة في تطور هذا القطاع المهم‬ ‫والمعرفة‪.‬‬ ‫في المملكة‪.‬‬ ‫وفي نهاية كلمته أشار السديري إلى أن هيئة‬ ‫وأكد الدكتور زياد السديري أن سمو األمير‬ ‫المنتدى درجت على أن يكون لها كلمة تتحدث‬ ‫سلطان بن سلمان بن عــبــدالــعــزيــز‪ ،‬يُــعــد في‬ ‫عــن شخصية المنتدى الــمــكـرّمــة‪ ،‬وفــي هذه‬ ‫صناعة السياحة في المملكة أباها ومؤسسها‪،‬‬ ‫الدورة كان قد أعد الكلمة عضو هيئة المنتدى‬ ‫بذل نفسه في خدمة وطنه في مجاالت عديدة‬ ‫الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي‪ ،‬يرحمه‬ ‫ومتنوعة‪ ،‬وتشهد بذلك سيرته التي ستتناولها‬ ‫اهلل‪ ،‬الذي تربطه بالشخصية المكرمة أواصر‬ ‫كلمة هيئة المنتدى في هذا اللقاء‪.‬‬ ‫كثيرة على امتداد عقود من الزمان‪ ،‬لكن األجل‬ ‫وأش ــار الــدكــتــور الــســديــري إلــى أن األمير لم يمهله حتى يشهد فعاليات هــذا المنتدى‪،‬‬

‫سلطان كــان لــه فضل على محافظة الغاط ليلقيها بنفسه‪ ،‬لذلك فإن الهيئة أوكلت مهمة‬ ‫بتبنّي مبادرة اقترحها الدكتور سلمان السديري‪ ،‬إلقاء الكلمة نيابة عن الدكتور الشبيلي إلى‬ ‫إلعادة تأهيل بلدة الغاط القديمة‪ ،‬وجرى ترميم عضو الهيئة الدكتور عبدالواحد الحميد‪.‬‬ ‫قصر اإلمارة والسوق القديمة وانطالق مشروع‬

‫النزل التراثية‪ ،‬وهي مبادرات نالت جائزة منظمة‬ ‫السياحة العالمية‬

‫‪UNWTO‬‬

‫ألفضلِ مشروع‬

‫كلمة هيئة المنتدى‬

‫وف ــي كلمة هيئة الــمــنــتــدى‪ ،‬ق ــال الــدكــتــور‬

‫تأهيل بلدة تراثية‪ ،‬وهو إنجاز سياحي يسجل عبدالواحد الحميد إن الدكتور عبدالرحمن‬ ‫لسموه في محافظة الغاط‪ ،‬إلى جانب مبادراته الشبيلي سطّ ر بقلمه هذه الكلمة ليتحدث عن‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫بأسلوبه الشيق نظرته في التعبير عن خبرات أصدره قُبيل مغادرته كرسي السياحة واآلثار‪،‬‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير سلطان بن سلمان تضمّن قصة الكيان الذي بناه‪ ،‬من حيث كان‬ ‫وخصائصه الفكريّة المتنوعة‪ ،‬ومالمح سماته فــكــرة فــي ذه ــن األمــيــر ال ــراح ــل سلطان بن‬ ‫ومناقبه التواصليّة‪ .‬وكتب الدكتور الشبيلي عبدالعزيز أول رئيس لمجلس إدارة الهيئة‪ ،‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫أن الشغف‬ ‫المتأصل بــقــراءة التاريخ وإدراك أن صار شجرة باسقة مُورقة‪ ،‬فكسب االعتراف‬ ‫ما يتّصل به من تحوّالت السنين‪ ،‬إلى الذاكرة العالمي والتفاعل المحلّي‪ .‬ولــم ينظر إلى‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫الشخصية المكرمة فــي المنتدى‪ ،‬وبــث فيها‬

‫وأشــار إلى أن كتابه 'الخيَال الممكن' الذي‬

‫األرشيفيّة "الكريستاليّة" ميّزت شخصية األمير السياحة الوطنيّة من حيث كونها إيوا ًء ومواقع‬ ‫سلطان بن سلمان‪ ،‬فمكنته من رصد األحداث ووسائط سفر ومواسم إجــازات‪ ،‬مع أنها كلها‬ ‫والــســجـ ّـات‪ ،‬وحــقــق معها تــنـوّعــا فــي حقول مقوّماتٌ مهمة‪ ،‬ولكنه 'فلسف' السياحة‪ ،‬لتكون‬ ‫المعرفة‪ ،‬ما شكّلت مرتكزات ثقافيّة جعلته يظفر قيمة ابتكار ومنتجاً اقتصاد ّياً وطن ّياً‪ ،‬حتى‬

‫بفكر سياحي بمساحة الكون الذي حلّق فيه‪ .‬ولم‬ ‫يكن مصطلح السياحة يعبُر الذهن المحلّي وال‬ ‫يُقيم وزناً له‪ ،‬ولم يكن للوطن حضور في خريطة‬ ‫تلك الصناعة ومؤتمراتها‪ ،‬إذ كان المثقّف يتابع‬ ‫رالي داكار وتزلّج األلب‪ ،‬ولم يخطر على باله أن‬ ‫نفود حائل يمكن أن يستفيق على سباقات بمذاق‬

‫غدا لتلك الفلسفة مع األيام موقعاً في كلّيات‬ ‫السياحة وعلومها‪.‬‬ ‫وختم كلمته بقوله إن منتدى عبدالرحمن‬ ‫الــســديــري لــلــدراســات الــســعــود ّيــة‪ ،‬فــي دورتــه‬ ‫الثالثة عشرة‪ ،‬الذي ينعقد سنو ّياً بالتناوب بين‬

‫محلي وجذب عالمي‪ ،‬في الربع الخالي ونفود الــجــوف والــغــاط‪ ،‬ويتناول هــذا الــعــام موضوع‬ ‫الثويرات والدهناء والصمّان‪ .‬وكــان استثمار السياحة الوطنيّة‪ ،‬لسعيد بأن يُختار للتكريم‬

‫سواحل البحر األحمر أضغاثَ أحالم‪ ،‬ولم ‪ ‬يكن مؤسّ س السياحة السعوديّة األول‪ ،‬الذي عشق‬ ‫المرء يتصوّر وجود نُزُل صحراوي يبئى بمختلف الوطن وطاف أرجاءه‪ ،‬واحتضن اآلثار والتراث‬ ‫درجات النجوم الفندقيّة في عروق بني معارض العمراني‪ ،‬وخص الغاط بمشاعره وبمشروعاته‪،‬‬ ‫بالربع الخالي وفي العُال‪ ،‬وأن منتجعات َفرْسان وحسْ به أنه من ساللة عبدالعزيز وسلمان‪ ،‬ومن‬

‫وخلجان الصيد والغوص فيها‪ ،‬ستتماهى ‪ ‬ومذاق نسل ســارة وحصة وسلطانة السديري‪ ،‬وأنه‬ ‫السائح السعودي‪ ،‬بما شجّ ع المستثمر على سائح زادُه الدماث ُة والنُّب ُل والوفاء‪ ،‬يُنتظر منه‬ ‫التوجه في هذا المضمار‪ ،‬فكيف أسّ ــس هذا في موقعة الجديد‪ ،‬أن يضع الوطن على قائمة‬ ‫ُّ‬ ‫الفارس لتلك الصناعة سعوديّـاً منذ مطلع القرن الدول المتصدّرة في عالم الفضاء الذي ارتاده‬ ‫الحادي والعشرين؟‬

‫قبل خمسة وثالثين عاماً‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪11‬‬


‫ندوة المنتدى‬ ‫حلقة الحوار األولى ‪ /‬المحور األول‪:‬‬

‫واقع القطاع السياحي السعودي‪ :‬اإلنجازات والتحديات‬

‫المتحدثون‪ :‬د‪ .‬عيد العتيبي‪ ،‬د‪ .‬وليد الحميد‪ ،‬أ‪ .‬محمد بن إبراهيم المعجل‪.‬‬ ‫أدار الجلسة‪ :‬د‪ .‬عبداهلل العساف‪.‬‬ ‫افتتح د‪ .‬عـبــداهلل العساف الجلسة فقال إن هــذه الـنــدوة تأتي فــي ظــل االهتمام الكبير على‬ ‫المستوى الوطني بصناعة السياحة‪ ،‬بالنظر إلى دورها في االقتصاد الوطني‪ .‬فالمملكة تعد قارة‬ ‫مترامية األط ــراف‪ ،‬لديها كنوز تاريخية وأثرية وثقافية تتوزع في مختلف مناطقها في الشرق‬ ‫والغرب والشمال والجنوب‪ .‬وإن استعراض هــذه الكنوز وهــذا التنوع يستغرق من الوقت الكثير‪،‬‬ ‫لكننا في هذه الجلسة‪ ،‬سنقتصر الحديث عن واقع القطاع السياحي وأهم عناصره‪ ،‬فهو قد أضحى‬ ‫أحد مقومات االقتصاد في العديد من الدول على مستوى العالم‪ ،‬وإن الدول توليه اهتمامً ا كبيرً ا‬ ‫بالنظر إلى تأثيره الملحوظ في المجال االقتصادي والثقافي واالجتماعي‪ .‬وقال‪ :‬إننا اعتدنا أن‬ ‫نجوب العالم شرقً ا وغربًا‪ ،‬ولم نعتد على أن يكون بلدنا وجهة سياحية تستقبل األفواج السياحية‬ ‫من مختلف دول العالم‪ ،‬ونحن شعب مضياف امتاز بحسن الضيافة والبشاشة‪ ،‬وهذا له دوره في‬ ‫رفع درجــة المملكة لتكون وجهة سياحية عالمية‪ .‬وإن ترتيب المملكة حاليا (‪ )22‬على مستوى‬ ‫العالم من حيث تدفق الزوار (بما فيها السياحة الدينية)‪ ،‬وهو مستوى جيد بإمكاناتنا الحالية‪،‬‬ ‫لكن مع المشاريع الكبرى وصوال إلى (‪ ،)2030‬فإن المأمول أن يتحسن الترتيب‪ ،‬بزيادة السياحة‬ ‫على اختالف أنواعها‪.‬‬

‫حلقة الحوار األولى‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫زي ــادة الطاقة االستيعابية لــه لتسهيل حركة‬ ‫السفر‪ ،‬واستيعاب األع ــداد المتزايدة‪ ،‬سواء‬

‫السائحين القادمين من خــارج المملكة أم من‬

‫داخلها‪ .‬فالمطار هو حلقة الوصل بين السائح‬

‫والوجهة السياحية التي يبحث عنها‪.‬‬

‫وأشار د‪ .‬وليد‪ ،‬إلى أهمية حاضنات األعمال‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫وفيما يتعلق بالمطار‪ ،‬فإن من األهمية بمكان‬

‫الصغيرة في مجال السياحة لمساعدة المواطنين‬

‫على المشروعات السياحية المساندة‪ ،‬مثل‬

‫د‪ .‬وليد بن محمد الحميدي‬

‫المتحدث األول‪ :‬د‪ .‬وليد بن محمد‬ ‫الحميدي‪ :‬أمين منطقة عسير‬

‫إنشاء المطاعم السياحية التراثية التي تقدم‬ ‫األكالت الشعبية والتراثية التي تجد إقباال من‬

‫السائحين‪ ،‬والحرف اليدوية والتقليدية لما فيها‬ ‫من تأصيل للصناعات التقليدية التي تتميز بها‬

‫بــدأ حديثة بقوله إن رحــلــة السياحة في المناطق السياحية في المملكة‪ ،‬وما يميز منطقة‬ ‫المملكة كــانــت رحــلــة شــاقــة وطــويــلــة‪ ،‬حققت عسير هو أصالة تراثها الشعبي‪ ،‬سواء األكالت‬ ‫نجاحات كبيرة‪ ،‬لكنها واجهت تحديات‪ ،‬استطعنا العسيرية المميزة‪ ،‬أو الصناعات التقليدية التي‬ ‫بالصبر والحكمة مواجهتها والنهوض بالحركة يتقنها المواطن في عسير ويحافظ عليها‪ .‬كما‬ ‫السياحية‪ .‬وفيما يتعلق بمنطقة عسير كتجربة‪ ،‬أكد أهمية دعم التوجه نحو التسويق السياحي‬ ‫أقول إن هيئة تطوير عسير وضعت استراتيجية‬ ‫اإللكتروني لتسويق المنطقة سياحياً‪ ،‬لجذب‬ ‫لتنمية المنطقة وتطويرها سياحيا‪ ،‬وكان التركيز‬ ‫السائحين من خارج المملكة‪ ،‬الذين ال يعرفون ما‬ ‫على ثالثة محاور‪ ،‬أولها المواطن‪ ،‬والثاني البيئة‬ ‫تمتاز به هذه المناطق بوصفها وجهات سياحية‬ ‫الطبيعية التي تحظى بها منطقة عسير‪ ،‬والثالث‬ ‫تملك الكثير من المقومات المشوقة والمحفزة‬ ‫مجتمع منطقة عسير‪ ،‬ومــدى تفهمه ألهمية‬ ‫على زيارتها‪ ،‬واإلقامة فيها‪ ،‬واالستمتاع بأجوائها‬ ‫السياحة واهتمامه بأصالته وتراثه الوطني‪.‬‬ ‫وهذه المكونات الثالثة كانت تساندنا في عملنا وعناصرها التراثية والطبيعية‪.‬‬ ‫في التطوير والتخطيط السياحي‪ ،‬وإن قرار المتحدث الثاني‪ :‬أ‪ .‬محمد بن إبراهيم‬ ‫الدولة بشأن إتاحة التأشيرة السياحية‪ ،‬سيخدم‬ ‫المعجل رئيس مجموعة المعجل‬ ‫قطاع السياحة بشكل كبير‪ ،‬ونحن اآلن نخطط‬ ‫أما األستاذ محمد المعجل‪ ،‬فقال‪ :‬نحن في‬ ‫الفتتاح الواجهة البحرية لمنطقة عسير بطول‬ ‫سبعة كيلومترات تم تجهيزها بالبنية التحتية اللجنة الوطنية للسياحة منذ إنشائها في مجلس‬ ‫الالزمة‪ ،‬ونحن ننتظر قطف ثمار هذا اإلنجاز الغرف التجارية السعودية‪ ،‬كنا نسعى باستمرار‬ ‫لمن يدعم القطاع السياحي‪ ،‬وكان هو القطاع‬ ‫قريبا بإذن اهلل‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪13‬‬


‫للنهوض بالعمل السياحي في المملكة‪ .‬وقد‬

‫كان األمير سلطان بن سلمان بحمد اهلل قياديا‬

‫ناجحا‪ ،‬على الرغم من أن خبرته السابقة كرائد‬

‫فضاء كانت في مجال بعيد عن السياحة‪ ،‬لكن‬ ‫العمل مع سموه كانت له روح العطاء والبذل‬ ‫واالبتكار‪ ،‬لقد كنا نعمل مع صاحب فكر نيّر‬ ‫انطلق ليبني قاعدة سياحية واسعة في المملكة‪،‬‬

‫وقد واجهنا العديد من التحديات‪ ،‬ولكنها كانت‬ ‫تواجَ ه من قبلنا باإلصرار على تحقيق الطموح‬ ‫واإلنجاز‪ ،‬واستطاعت الهيئة العامة للسياحة‬

‫أ‪ .‬محمد بن إبراهيم المعجل‬

‫أن تبني جيال من أبناء الوطن امتلكوا خبرات‬

‫اليتيم بين القطاعات األخرى‪ ،‬الذي ال يحظى عملية‪ ،‬وأتــقــنــوا مــهــارات عــديــدة فــي مجال‬

‫بجهة رسمية محددة ترعاه‪ ،‬حتى تم إنشاء الهيئة السياحة‪ ،‬مــا يــؤكــد أنــنــا قـــادرون على تحمل‬ ‫العليا للسياحة‪ ،‬والتوجيه الكريم بتعيين صاحب مسؤولية هذا القطاع وتنميته وتطويره‪.‬‬

‫السمو الملكي األمــيــر سلطان بن سلمان بن‬

‫وأشار إلى الدور المهم المعوَّل على الجهات‬

‫عبدالعزيز في قيادتها‪ ،‬واستبشرنا خيرا‪ ،‬وبدأنا الــتــي ينتظر منها دعــم المنشآت السياحية‬ ‫العمل على تطوير القطاع السياحي‪ ،‬وكــان الصغيرة‪ ،‬وتقديم تسهيالت للمستثمرين الصغار‬

‫المنطلق هو وضــع تشريعات قانونية وقواعد من المواطنين الراغبين في العمل في مجال‬

‫جانب من الحضور‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫المشروعات السياحية الصغيرة‪ ،‬وسيخلق ذلك‬

‫تطويرًا في صناعة السياحة‪ ،‬ويسهم في زيادة‬ ‫إيرادات هذا القطاع‪ ،‬وتشغيل العديد من األيدي‬

‫الوطنية الباحثة عن العمل المجدي‪.‬‬

‫كما نوّه إلى ضرورة وجود تشريعات قانونية‬

‫تنظم العمل في االستثمارات السياحية‪ ،‬بما‬

‫يساعد على تشجيع االستثمار وبخاصة في‬

‫مجال اإليــواء والفندقة‪ ،‬والحرص على توفير‬

‫التنافس الــعــادل وعــديــد األســعــار المناسبة‬ ‫للخدمات السياحية بما يكفل حقوق المستثمرين‬ ‫ويشجعهم‪.‬‬

‫وق ــال إن السياحة تعد الــبــتــرول األبــيــض‪،‬‬

‫بوصفها تحقق إيـــرادات مهمة فــي االقتصاد‬

‫د‪ .‬عيد بن قعدان العتيبي‬

‫داعما لالقتصاد الوطني‪ ،‬ومستوعبًا لمئات‬ ‫اآلالف من األيدي الوطنية العاملة‪.‬‬ ‫وأكد أن النظرة للقطاع السياحي هي على‬

‫الــوطــنــي‪ ،‬والسياحة الدينية لها قسط كبير‬ ‫منها ‪ ،‬ويمكننا اإلفــادة من القادمين للمملكة أنــه القطاع الــقــائــد‪ ،‬وأن القطاعات األخــرى‬ ‫بقصد الحج والعمرة إلطالة مدة اإلقامة وزيارة هــي قطاعات مساندة‪ ،‬لذلك ال بــد مــن دعم‬

‫المناطق السياحية فيها‪.‬‬

‫المتحدث الثالث‪:‬‬ ‫د‪ .‬عيد بن قعدان العتيبي‬ ‫مستشار نائب الرئيس في الهيئة العامة‬ ‫للسياحة والتراث الوطني‬ ‫وتــحــدث الــدكــتــور عــيــد م ــؤكــدًا أن قطاع‬

‫السياحة يُعد من أكبر القطاعات االستثمارية‬ ‫التي تقود االقتصاد في العالم اليوم‪ ،‬فهو يوظف‬

‫نحو ‪ %10‬من إجمالي عدد الوظائف في العالم‪،‬‬

‫أي بحدود ثالثمائة مليون وظيفة حول العالم‬ ‫هي في القطاع السياحي‪ ،‬سواء كانت مباشرة‬

‫استراتيجية عامة لتنمية السياحة الوطنية‪ ،‬وإن‬ ‫القطاع الخاص في المملكة وكبار المستثمرين‬ ‫يترتب عليهم أدوار مهمة فــي دعــم القطاع‬ ‫السياحي‪ ،‬وكــذلــك الــحــال بالنسبة للمجتمع‬ ‫المدني ومؤسساته المتنوعة‪ .‬وإن قطاع السياحة‬ ‫في المملكة يعوّل عليه أن يكون القطاع األول‬ ‫والفاعل فيما يتعلق باإليرادات غير النفطية‪.‬‬ ‫وهــذه اإلي ــرادات تسهم حاليا بنحو ‪ %3.6‬من‬ ‫إجمالي الناتج المحلي‪ ،‬بينما المستهدف في‬ ‫رؤية (‪ )2030‬أن تسهم بما ال يقل عن ‪ %10‬من‬ ‫إجمالي ناتج المملكة غير النفطي‪.‬‬ ‫وأشـ ــار الــدكــتــور العتيبي إل ــى أن قطاع‬

‫أم غير مباشرة‪ ،‬ما يكشف أهمية التركيز على السياحة في المملكة يوظف حاليا ما ال يقل‬

‫هذا القطاع في المملكة وتطويره وتنميته ليكون عــن (‪ )600‬ألــف مــواطــن ومــواطــنــة‪ ،‬ونتطلع‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪15‬‬


‫في رؤية (‪ )2030‬أن تصل النسبة إلى مليون أكاديمية متخصصة فــي المملكة‪ ،‬لتدريب‬

‫وظيفة على األقل‪ .‬وذلك في الوظائف المتعلقة‬

‫الــكــوادر الوطنية فــي الــمــجــاالت السياحية‬

‫بالمناشط السياحية من إيواء وفندقة ومطاعم المختلفة‪ .‬كما استحدثت الهيئة منذ سنوات‬ ‫ومنتجعات وغيرها‪.‬‬ ‫بــرنــامــج تــكــامـ ٍـل لتطوير ال ــم ــوارد البشرية‬ ‫وقــال إن الخدمات المساندة فــي مجال السياحية في المملكة‪ ،‬ومع إطالق التأشيرة‬ ‫السياحة يجب أن نُحطْ ه بالعناية الالزمة‪ ،‬وهي‬ ‫تبدأ من لحظة وصــول السائح إلــى المطار‪،‬‬

‫بل قبل ذلك في كاونترات مطارات الجهات‬

‫القادمة‪ ،‬وغيرها من وسائل النقل والليموزين‬

‫السياحية عقدت العديد من الدورات التدريبية‬ ‫لموظفي االســتــقــبــال فــي منافذ الــجــوازات‬ ‫بالمطارات‪ ،‬وموظفي مكاتب سائقي التاكسي‬

‫والفنادق‪ .‬وكل ذلك له تأثيره في مستوى رضى والفنادق‪ ،‬ولكل من سيكون له احتكاك مباشر‬

‫السائح‪.‬‬

‫مع السائح أو الــزائــر‪ .‬كذلك ينبغي أن نهتم‬

‫وأكــد أن هيئة السياحة والــتــراث الوطني بتطوير قــدرة األدالء السياحيين على إتقان‬

‫وقعت اتفاقية مع منظمة سياحية دولية إلنشاء اللغات العالمية لتسهيل التواصل مع السياح‪.‬‬

‫جانب من الحضور‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫آفاق تطوير قطاع السياحة‪ ،‬وتعزيز إسهامه‬ ‫في االقتصاد السعودي خالل المرحل المقبلة‬

‫المتحدثون‪ :‬د‪ .‬حسين بن علي أبو الحسن‪ ،‬د‪ .‬محمد بن سلطان العتيبي‪،‬‬ ‫د‪ .‬محد الدغيشم‬ ‫أدار الجلسة‪ :‬أ‪ .‬عبداللطيف الضويحي‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫حلقة الحوار الثانية‪ /‬المحور الثاني‪:‬‬

‫بدأ مدير الجلسة بشكر مركز عبدالرحمن السديري الثقافي على تبنّي إقامة هذا المنتدى‬ ‫المهم في مجال قطاع السياحة في المملكة‪ ،‬لما تشكله السياحة في العصر الحديث من اهتمام‬ ‫رئيسا في اقتصادها‪ .‬وقال إن السياحة يعوّل عليها‬ ‫وعناية من الدول التي تمثل السياحة رافــدً ا ً‬ ‫الكثير في مجال توفير فرص العمل للمواطنين‪ ،‬وكذلك في دعم إيرادات المملكة‪ ،‬ونحن نطمح‬ ‫لتكون المملكة وجهة سياحية معتمدة لدى مكاتب السياحة الدولية‪ ،‬ولدى السياح الباحثين عن‬ ‫وجهات سياحية جديدة‪.‬‬ ‫متعددة‪ ،‬وإضافة إلى النفط‪ ،‬فإن المملكة تضم‬ ‫المتحدث األول‪:‬‬ ‫تنوعا واسعا من المناطق الطبيعية واآلثارية‬ ‫ً‬ ‫د‪ .‬حسين بن علي أبو الحسن‬ ‫والتراثية التي هي أهم مقومات السياحة في‬ ‫عضو المجلس العالمي للمتاحف‬ ‫العالم‪ ،‬ولذا فهي تعد خيارًا استراتيجيًا بالنسبة‬ ‫تساءل الدكتور حسين في بداية حديثه‪ ،‬لماذا للمملكة يجب التركيز عليه‪ ..‬واالنطالق به بشكل‬ ‫االهتمام بالسياحة؟ وقال إن المملكة العربية قوي وواضح‪ ،‬وقد ظهر ذلك جليا في القرارات‬ ‫السعودية حباها اهلل ثروات ومقومات طبيعية التي صدرت من الدولة‪ ،‬وأطلقت كذلك العديد‬

‫حلقة الحوار الثانية‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪17‬‬


‫د‪ .‬حسين بن علي أبو الحسن‬

‫‪18‬‬

‫د‪ .‬محمد بن سلطان العتيبي‬

‫من المشاريع والمبادرات الكبرى في المجاالت الحرص عليها‪ ،‬وبخاصة عند تسويقها سياحيا‬ ‫السياحية والترفيهية والرياضية‪ ،‬لتصنع وجهات في الخارج‪.‬‬ ‫سياحية جديدة في المملكة‪ ،‬سواء في نيوم‪ ،‬أو‬ ‫وأش ــار إلــى أن اإلع ــام الغربي أسهم في‬ ‫العال‪ ،‬أو بوابة الدرعية‪ ،‬وكل ذلك أكد حرص‬ ‫تشويه صــورة المملكة‪ ،‬وال بد من العمل على‬ ‫الدولة على اعتبار السياحة خيارًا استراتيجيا‬ ‫نشر الصورة الحقيقية لها وتعزيزها من خالل‬ ‫مهماً القتصادنا الوطني‪.‬‬ ‫إعــام شفاف‪ ،‬يُظهر ما تمتاز به المملكة من‬ ‫المتحدث الثاني‪:‬‬ ‫كنوز حضارية آثــاريــة وتراثية‪ ،‬ومــا لديها من‬ ‫مــواقــع سياحية‪ ،‬إضــافــة إلــى تميز المجتمع‬ ‫د‪ .‬محمد بن سلطان العتيبي‬ ‫السعودي بكرم العرب األصيل‪ ،‬والبشاشة في‬ ‫عضو هيئة تدريس بكلية السياحة واآلثار‬ ‫استقبال الضيف والــزائــر‪ ،‬وهــذا يحتاج إلى‬ ‫بجامعة الملك سعود‬ ‫خبراء لديهم الخبرة والمعرفة في بناء صورة‬ ‫بــدأ الدكتور محمد سلطان العتيبي كلمته‬ ‫ذهنية صحيحة وراســخــة عن صــورة المملكة‬ ‫بالحديث عن أهمية التركيز على الهوية التي‬ ‫الحقيقية المشرفة‪ ،‬التي يمكن استثمارها في‬ ‫تتميز بها المملكة العربية السعودية‪ ،‬باعتزازها‬ ‫تسويق المملكة سياحياً‪.‬‬ ‫بكونها موطن اإلسالم ومنطلقه‪ ،‬اصطفاها اهلل‬ ‫المتحدث الثالث‪:‬‬ ‫من بين باقي بقاع األرض‪ ،‬كما أن أرض الجزيرة‬ ‫العربية التي تمثل المملكة معظم بقاعها هي‬ ‫د‪ .‬محمد الدغيشم‬ ‫منبت العروبة‪ ،‬وفيها تجد عبق التاريخ وآثار‬ ‫عضو هيئة تدريس بكلية السياحة واآلثار‬ ‫الحضارات اإلنسانية العظيمة التي كانت أرض‬ ‫بجامعة الملك سعود‬ ‫المملكة حضنًا لها منذ آالف السنين‪ ،‬فهذه‬ ‫نوّه د‪ .‬الدغيشم بضرورة تهيئة المجتمعات‬ ‫الهويات الثالث تشكل صورة المملكة التي ينبغي‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫كــمــا أثــنــى الــدكــتــور الــدغــيــشــم عــلــى فكرة‬ ‫تبنّي مفاهيم جــديــدة فــي التسويق السياحي‪،‬‬ ‫لتحقيق النجاح فيما نصبو إليه عند تسويق‬ ‫المملكة سياحيا في الخارج‪ .‬وأشــار إلى أهمية‬ ‫إدخــال المشروعات السياحية الصغيرة ضمن‬ ‫الــمــشــروعــات الــتــي تستحق الــدعــم مــن جهات‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫التمويل الداخلية‪ ،‬وحاضنات األعمال لمساعدة‬ ‫الشباب الراغبين في إيجاد مشاريع خدمية أو‬ ‫منتجة في المجاالت السياحية‪ ،‬وذلــك وفق ما‬ ‫يميز كل منطقة من مناطق المملكة‪ ،‬التي ينبغي‬ ‫أن يكون لكل منها هويتها السياحية التي تميزها‬ ‫عن غيرها‪ ،‬بالنظر إلى المقومات السياحية التي‬ ‫تملكها‪ ..‬سواء أكانت دينية أم آثارية أم تراثية أم‬ ‫ترفيهية أم طبيعية‪ .‬مع الحرص على التكاملية‬ ‫بين المجموع الكلي للمناطق السياحية؛ إذ ينبغي‬ ‫التسويق للمملكة بشكل تكاملي للمواقع السياحية‪،‬‬ ‫وال يمنع ذلــك مــن تميز كــل منطقة بمقومات‬ ‫د‪ .‬محمد الدغيشم‬ ‫سياحية خاصة بها‪ ،‬فالتنوع ضــروري‪ ،‬لكن في‬ ‫المحلية في مختلف المواقع السياحية واآلثارية الصورة العامة ينبغي الحرص على التكاملية‪.‬‬ ‫بالمملكة للمرحلة المقبلة‪ ،‬بما فيها من حركة‬ ‫مداخالت وتوصيات‬ ‫سياحية مؤملة‪ ،‬يــزور المملكة خاللها أفــراد‬ ‫ومجموعات سياحية من مختلف دول العالم‪،‬‬ ‫شهدت الندوة حوارًا ومداخالت من الجمهور‬ ‫فالبعد االقتصادي للسياحة ال يغني عن النظر تناولوا العديد من القضايا المتعلقة بقطاع‬ ‫بجدية واهــتــمــام كبيرين بموضوع الضيافة‪ ،‬السياحة‪ ،‬ومنها أهمية التركيز على تسويق‬ ‫والتعامل مع السائح القادم من خارج المملكة‪ ،‬المملكة كوجهة سياحية دولية‪ ،‬للوصول إلى‬ ‫ونحن نعلم أن لكل مجتمع قِ يَمَه وعاداته‪ ،‬وإن مكاتب تنظيم المجموعات السياحية في مختلف‬ ‫التعريف بثقافات الشعوب األخــرى وعاداتها دول العالم‪ ،‬وبخاصة التي تتميز بإقبال الفت‬ ‫يعد ضــروريــاً ومــفــي ـدًا فــي التأصيل لثقافة بين شعوبها على الرحالت السياحية السنوية‬ ‫سياحية عند أبناء مجتمعنا‪ ،‬والتواصل معه أو الموسمية‪ .‬كما تناول العديد من الحضور‬ ‫بطريقة حضارية تخدم صورة المملكة وشعبها أهمية تأهيل العاملين في هذا القطاع‪ ،‬وكذلك‬ ‫المضياف‪ ،‬وبخاصة مع تنوع الثقافات واألعراق كل من سيعمل في المشاريع السياحية الصغيرة‪،‬‬ ‫والعادات لدى السياح على اختالف األماكن التي لتطوير وسائل التواصل والتعاون مع السائحين‬ ‫قدموا منها‪.‬‬ ‫والزوار‪.‬‬ ‫وأشار أحد المداخلين إلى الدور المتوقع أن‬ ‫تؤديه وزارة التعليم بالمملكة‪ ،‬من خالل إدراج مواد‬ ‫مناسبة عن السياحة في المناهج المدرسية‪.‬‬ ‫وإن ما هو موجود حاليا في الجامعات السعودية‬ ‫في مجال كليات السياحة‪ ،‬ال يفي بالغرض‪،‬‬ ‫وبخاصة أن المملكة تستهدف استقبال ما ال يقل‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪19‬‬


‫عن مائة مليون سائح‪ ،‬وهو رقم كبير يحتاج إلى للسياحة والتراث الوطني‪:‬‬ ‫جهود كبيرة جدا في مجال بناء البنية التحتية‬ ‫األول ـ ــى‪ :‬توظيف التقنية وتــطــويــر مــهــارات‬ ‫في المواقع السياحية‪ ..‬سواء الدينية أو اآلثارية‬ ‫وكفاءات الكوادر العاملة في مجال‬ ‫أو المعالم الطبيعية والشواطىء وغيرها‪.‬‬ ‫كما أكــدت الــمــداخــات أننا ‪-‬فــي الوقت‬

‫الخدمات السياحية‪،‬‬

‫الثانية‪ :‬االهتمام بالهوية الوطنية التي تميز‬ ‫نفسه‪ -‬نحتاج إلى تأهيل كل الجهات واألفراد‬ ‫المملكة العربية السعودية ومجتمعها‬ ‫العاملين في مجال الخدمات السياحية‪ .‬ويشمل‬ ‫العربي المسلم المضياف‪.‬‬

‫ذلك جميع المحطات التي سيتعامل معها الزوار‬ ‫والسياح ابتداء من لحظة تخطيطهم للقدوم إلى‬ ‫المملكة وحتى مغادرتهم لها؛ ألن ذلك هو الذي‬ ‫سيؤكد الصورة الحقيقية للمملكة من وجهة نظر‬ ‫هؤالء السياح‪ ،‬وسيكونون رسل إعالم ودعاية‬ ‫عن المملكة كوجهة سياحية دولية‪.‬‬

‫ال ـثــال ـثــة‪ :‬عــقــد ش ــراك ــات اســتــراتــيــجــيــة بين‬ ‫المؤسسات المختلفة العاملة في‬ ‫قــطــاع الــســيــاحــة‪ ،‬لــضــمــان العمل‬ ‫التكاملي فــي مــجــال تطوير قطاع‬ ‫السياحة في المملكة‪ ،‬ويشمل ذلك‬ ‫قطاعات التعليم والنقل والجوازات‬ ‫وف ــي إحـ ــدى الــمــداخــات أشــــارت إحــدى‬ ‫واإلعالم والقطاع الخاص العامل في‬ ‫الــحــاضــرات إلــى ثــاث نقاط أساسية ينبغي‬ ‫األنشطة السياحية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫أخذها بعين االهتمام من قبل الهيئة العامة‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫التوصيات‬ ‫ومن أهم التوصيات التي أوصى بها المتحدثون والمشاركون‪ ،‬ما يأتي‪:‬‬ ‫‪ -‬أهمية مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع السياحية‪.‬‬

‫‪ -‬االهتمام بتأهيل الكوادر البشرية العاملة في القطاع وتدريبهم لقيادة قطاع السياحة‪.‬‬

‫ تشييد البنى األساسية‪ ،‬والخدمات المساندة ودعمها‪ ،‬وتبني المبادرات والمشاريع‬‫التي تعُنى باالرتقاء بجودة الخدمات السياحية ودعمها‪ ،‬وتوفير سبل نجاحها‪.‬‬ ‫‪ -‬ضرورة تحديد خريطة لألماكن السياحية ونشرها على المواقع اإللكترونية‪.‬‬

‫ العمل على جذب االستثمارات وتشجيعها في مجال السياحة‪ ،‬من خالل تقديم‬‫الحوافز والتسهيالت للمستثمرين السعوديين واألجانب‪.‬‬

‫‪ -‬التركيز على توظيف العمالة الوطنية في كافة المشاريع التي تتعلق بالسياحة البيئية‪.‬‬

‫ اهتمام الجهات التدريبية وبخاصة الغرف التجارية الصناعية بتنويع أماكن عقد‬‫الــدورات التدريبية في مختلف مناطق المملكة‪ ،‬واستغالل هذه الــدورات لتعريف‬ ‫المواطنين بمقومات السياحة في المملكة؛ ما يحفزهم على اصطحاب عائالتهم‬ ‫وتكرار زيارة هذه المناطق بما يدعم اقتصادها واالقتصاد الوطني ككل‪.‬‬ ‫ إنشاء كليات سياحية في الجامعات السعودية‪ ،‬ودعــم البحث العلمي في مجال‬‫السياحة المحلية‪.‬‬

‫ نشر ثقافة االختالف‪ ،‬وتقبل اآلخر‪ ،‬وحسن استقبال الــزوار والسائحين‪ ،‬وتأهيل‬‫األسواق الشعبية وتطويرها‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪21‬‬


‫■ عبدالرحمن الشبيلي*‬

‫عبدالرحمن السديري‬

‫ت ـتــواضــع ح ــروف ــي ع ــن تـشـخـيــص ال ـك ـفــايــات ال ـف ـكــر ّيــة الـمـتـنـ ّوعــة‬ ‫للشخصيّة المكرّمة‪ ،‬وعن قــراءة مالمح سماته ومناقبه التواصليّة‪،‬‬ ‫موروثات سلوكيّةً‬ ‫ٍ‬ ‫لكن ما يمكن تقريره ابتداءً أن لديه من صفات والده‬ ‫المتأصل بقراءة التاريخ وإدراك ما يتّصل‬ ‫ّ‬ ‫مكتسبة‪ ،‬بدء ًا من الشغف‬ ‫به من تحوّالت السنين‪ ،‬إلى الذاكرة األرشيفيّة 'الكريستاليّة' لرصد‬ ‫وسجلت‪ ،‬وصو ًال إلى تنوّع حقول المعرفة‪ ،‬التي‬ ‫ّ‬ ‫ما سبق من أحداث‬ ‫شكّ لت مرتكزات ثقافيّة جعلته يظفر بفكر سياحي بمساحة الكون‬ ‫الذي حلّق فيه‪ .‬وألن حديث المنتدى عن السياحة‪ ،‬فإن السؤال الذي‬ ‫يطرح نفسه في المقام األول‪ ،‬هو عن كيفيّة نشوء هــذا المكوّن من‬ ‫جوانب حياته؟‬

‫للدراسات السعوديّة‬ ‫(‪)١٣‬‬

‫فلو نظرنا في شريط الذكريات قبل عقدين‪ ،‬لوجدنا أن مصطلح‬

‫كلمة هيئة منتدى‬

‫السياحة لم يكن يعبُر الذهن المحلّي وال يُقيم وزناً له‪ ،‬وأن ليس للوطن‬

‫سلطان بن‬

‫حضور في خارطة تلك الصناعة ومؤتمراتها‪ ،‬وربّما لم يكن العقل الباطن‬

‫سلمان‬

‫ولم يخطر على باله أن نفود حائل يمكن أن يستفيق على سباقات بمذاق‬

‫فكر سياحي‬

‫والصمّان يمكن أن تستنبت أنواعاً مبتكرة من الرياضات غير المألوفة‪.‬‬

‫بمساحة‬

‫أحالم‪ ،‬ولم يكن المرء يتصوّر وجود نُزُل صحراوي بيئي بمختلف درجات‬

‫الكون الذي‬ ‫حلّق فيه‬

‫منتجعات َفـرْســان وخلجان الصيد والغوص فيها‪ ،‬ستتماهى ومــذاق‬

‫يستوعب مقاصد الكلمة‪ ،،‬كان المثقّف يتابع رالي داكار وتزلّج األلب‪،‬‬ ‫محلي وجذب عالمي‪ ،‬وأن رمال الربع الخالي ونفود الثويرات والدهناء‬

‫وقبل عقدين من الزمن‪ ،‬كان استثمار سواحل البحر األحمر أضغاثَ‬

‫النجوم الفندقيّة في عروق بني معارض بالربع الخالي وفي العُال‪ ،‬وأن‬

‫التوجه في هذا المضمار‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫السائح السعودي‪ ،‬بما شجّ ع المستثمر على‬

‫فكيف أسّ ــس هذا الفارس لتلك الصناعة سعوديّـاً منذ مطلع القرن‬

‫الحادي والعشرين؟ كان اإلنسان الذي راودته تلك األحالم بعد أن طاف‬ ‫آفاق األرض والفضاء‪ ،‬وجال معظم أماكن العالم‪ ،‬يتخيّل يوماً ينجذب‬

‫فيه المواطن إلى مرابع بالده‪ ،‬بخيال يُـلهم باألفكار‪ ،‬كان شعوره وشعاره‬

‫‪22‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫االستراتيجيّات‪ ،‬مفرغاً من ذهنه ما أسماه 'الخيَال في أكسفورد وباريس وأبوظبي أثبت في األحدث‬ ‫الممكن' ليصير خياله مع األيّام إلى حقيقة‪ ،‬ودوّن منها على أن اإلسالم بدأ في جزيرة العرب منذ‬

‫تجربته تلك في كتاب سيبقى الوثيقة األولى في خلق اهلل اإلنسان‪ ،‬كما شهدت جامعة أكسفورد‬ ‫تحويل المملكة من قفار مجهولة إلى صقاع تأخذ في نــدوة خاصة عقدت فيها عام ‪ 2014‬بشرى‬ ‫نصيبها المبتكر من صنعة السياحة واقتصادها عــودة جــزيــرة الــعــرب لالخضرار بعد أن كانت‬ ‫في هذا العالم الفسيح‪.‬‬ ‫مــروج ـاً وأنــهــاراً‪ ،‬مــصــداقـاً للحديث الشريف‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد‬

‫'أن الحياة تبدأ كل يــوم' فرسم مع مستشاريه فيها محاضرات معمّقة كنتُ شاهداً على بعضها‬

‫تضمّن كتابه 'الخيَال الممكن' الــذي أصدره ومن المحطات التي يرويها بحنين بالغ لو أوتي‬ ‫قُبيل مغادرته كرسي السياحة واآلثـــار‪ ،‬قصة من الوقت ساعات‪ ،‬شغفه الشديد منذ الصغر‬

‫الكيان الذي بناه‪ ،‬من حيث كان فكرة في ذهن بطلعات البر وحياة الصحراء‪ ،‬كيف ال وقد ورث‬ ‫األمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز أول رئيس هذا التيم من أعمامه ووالده وأخواله في قصص‬ ‫لمجلس إدارة الهيئة‪ ،‬إلى أن صار الخيال شجرة تمت ّد لجلسات‪ ،‬وال يكاد ينافسها ســوى عشقه‬

‫باسقة مُورقة‪ ،‬كسب االعتراف العالمي والتفاعل الثاني للطيران‪ ،‬الذي ننتظر أن يصدر فيه كتاباً‬ ‫المحلّي‪ ،‬وكان أن أضفت اآلثار وتعلّقُـه بها مزيداً يحكي تجربته‪ ،‬وأحسب أن توأمة فريدة قد تكوّنت‬ ‫من االمتزاج بين االختصاصين‪ ،‬وأحسب أن حبه في قلبه بين معشوقتيه في األرض والسماء‪ ،‬بما‬ ‫لآلثار كــان من أبلغ مؤثرات تعميق اإلبــداع في فيهما من ترابط مفهوم‪ .‬وبعد‪،‬‬

‫فكره السياحي‪ ،‬تنظيراً وتطبيقاً‪ ،‬فال عجب أن‬

‫إن منتدى عبدالرحمن السديري للدراسات‬

‫يختار موقعًا للنزل الصحراوي في الربع الخالي السعوديّة‪ ،‬في دورته الثالثة عشرة‪ ،‬الذي ينعقد‬ ‫على مقربة من قرية الفاو األثريّة التاريخيّة‪ ،‬وأن سنو ّياً بالتناوب بين الجوف والــغــاط‪ ،‬ويتناول‬ ‫يقام نزل العال على ضفاف مدائن صالح‪.‬‬

‫هذا العام موضوع السياحة الوطنيّة‪ ،‬لسعيد بأن‬

‫سفر ومــواســم إج ــازات‪ ،‬مع أنها كلها مقوّماتٌ‬

‫اآلثار والتراث العمراني‪ ،‬وخص الغاط بمشاعره‬

‫لم ينظر صاحبنا إلى السياحة الوطنيّة من يختار للتكريم مؤسّ س السياحة السعوديّة األول‪،‬‬ ‫حيث كونها إيــوا ًء ووسائل نقل ومواقع ووسائط ال ــذي عشق الــوطــن وط ــاف أرجـ ــاءه‪ ،‬واحتضن‬ ‫مهمة‪ ،‬ولكنه 'فلسف' للسياحة‪ ،‬لتكون قيمة ابتكار وبمشروعاته‪ ،‬وحسْ به أنه من ساللة عبدالعزيز‬ ‫ومنتجاً اقتصاد ّياً وطن ّياً‪ ،‬حتى غدا لتلك الفلسفة وســلــمــان وم ــن نــســل سـ ــارة وحــصــة وسلطانة‬ ‫مع األيام موقع في كلّيات السياحة وعلومها‪ .‬ولم السديري‪ ،‬وأنه سائح زادُه الدماث ُة والنُّب ُل والوفاء‪،‬‬

‫يكن االقتران بين اآلثــار والسياحة لديه مجرّد يُنتظر منه في موقعة الجديد‪ ،‬أن يضع الوطن‬ ‫تــزاوج بيروقراطي‪ ،‬ولكنه وقد فهمها على أنها على قائمة الــدول المتصدّرة في عالم الفضاء‬ ‫شواهد البُعد الحضاري للجزيرة العربيّة‪ ،‬كتب الذي ارتاده قبل خمسة وثالثين عاماً‪.‬‬ ‫* كُتبت الكلمة قبل وفاته رحمه اهلل بأسبوع‪ ،‬وألقاها د‪ .‬عبدالواحد الحميد‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪23‬‬


‫مكتبة منيرة بنت محمد الملحم‬

‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع‬ ‫الدورة الثانية عشرة ‪ -‬الغاط‬ ‫‪ 2‬جمادى اآلخرة ‪١٤٤١‬هـ (‪ ٢٧‬يناير ‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫أقام ندوة بعنوان‪:‬‬

‫دور القطاع غير الربحي في االرتقاء‬ ‫بمؤشر رأس المال االجتماعي في ضوء‬

‫رؤية ‪2030‬‬ ‫■ كتب‪ :‬جهاد أبو مهنا‬

‫برعاية صاحبة السمو األمـيــرة الــدكـتــورة الـجــوهــرة بنت فهد آل سـعــود عقد‬ ‫منتدى منيرة بنت محمد الملحم لخدمة المجتمع منتداه السنوي في دورته‬ ‫الثانية عشرة في دار الرحمانية بمحافظة الغاط بعنوان‪ :‬دور القطاع غير الربحي‬ ‫في االرتقاء بمؤشر رأس المال االجتماعي في ضوء رؤية ‪ ،2030‬وذلك يوم االثنين‬ ‫‪ 2‬جـمــادى اآلخ ــرة ‪1441‬ه ـ ـ (‪ 27‬يناير ‪2020‬م)‪ ،‬وال ــذي يقيمه مركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي سنوي ًا بدار الرحمانية بالغاط‪.‬‬ ‫افتتـح المنتـدى بكلمـة لرئيسـة المنتـدى‬ ‫مسـاعدة المديـر العـام لشـؤون القسـم‬‫النسـائي ‪ -‬أ‪.‬د مشـاعل بنـت عبدالمحسـن‬ ‫السـديري‪ ،‬التـي رحبـت بصاحبـة السـمو‬ ‫األميـرة الدكتـورة الجوهـرة بنـت فهـد آل‬ ‫سـعود‪ ،‬وشـكرتها علـى رعايـة منتـدى منيـرة‬ ‫بنـت محمـد الملحـم لخدمـة المجتمـع فـي‬ ‫دورتـه الثانيـة عشـرة‪ ،‬وثمّنـت دور سـموها‬ ‫فـي دعـم العمـل الجماعـي فـي مسـارات‬ ‫ترسـيخ دور المـرأة فـي التنميـة المسـتدامة‬ ‫فـي المجـاالت االقتصاديـة واالجتماعيـة‬ ‫والتنمويـة فـي المملكـة‪ .‬كمـا رحبـت‬ ‫بالحضـور‪ ،‬وأشـارت إلـى أن هـذا المنتـدى‪،‬‬

‫مـن األنشـطة الثقافيـة لمركـز عبدالرحمـن‬ ‫السـديري الثقافـي‪ ،‬ويقـام سـنوياً بهـدف‬ ‫تسـليط الضـوء علـى موضـوع ذي أهميـة‬ ‫للقطـاع النسـائي فـي محافظـة الغاط بشـكل‬ ‫خـاص‪ ،‬والمملكـة بشـكل عـام‪.‬‬ ‫وذكـرت السـديري أنـه يشـارك فـي هـذه‬ ‫الـدورة مـن المنتـدى نخبـة مـن األكاديميـات‬ ‫والمتخصصـات مـن الجامعات والمؤسسـات‬ ‫الوطنيـة المختلفـة‪ ،‬بمـا يثـري الخبـرات‬ ‫المكتسـبة للمشـاركات مـن خلال اطالعهـن‬ ‫علـى تجـارب جديـدة وقيّمـة‪ ،‬مـن شـأنها‬ ‫تحقيـق األهـداف المنشـودة مـن هـذا‬ ‫المنتـدى‪ ،‬مـن خلال تركيزه على دور القطاع‬


‫م ـ ـن ـ ـتـ ــدى م ـ ـن ـ ـيـ ــرة املـ ـلـ ـح ــم‬

‫غيـر الربحـي لتحقيـق المكتسـبات االجتماعيـة‬ ‫وتنميتهـا‪ ،‬ودور رأس المـال االجتماعـي فـي‬ ‫تعزيـز التنميـة المسـتدامة فـي المجتمـع‪ ،‬وتعزيـز‬ ‫العالقات بين أبناء المجتمع الواحد‪ ،‬واسـتثمارها‬ ‫لخلـق فـرص النمـو والتقـدم وتحسـين قدراتهـم‬ ‫علـى اتخـاذ القـرارات‪ ،‬وقـدرة المجتمـع علـى‬ ‫تبنـي المبـادرات التـي تنهـض بالمجتمـع اقتصاديا‬ ‫واجتماعيـا وثقافيـا‪.‬‬ ‫وأشـارت السـديري إلـى أن رؤيـة ‪2030‬‬ ‫تتضمـن االهتمـام بـدور المنظمـات غيـر الربحيـة‬ ‫والعمـل التطوعـي فـي المملكـة‪ ،‬كمـا يؤكـد برنامج‬ ‫التحـول الوطنـي ‪ 2020‬علـى تفعيـل دور منظمـات‬ ‫القطـاع غيـر الربحـي وتعزيـز جهودها في مختلف ‬العقديـن‬ ‪‭‬الماضييـن‬‪‭‬باهتمـام‬ ‪‭‬كبيـر‪‭ ‬ ،‬وبخاصـة‬ ‪‭‬بعد‪‭‬‬ ‫المجـاالت التنمويـة‪ ،‬ويدعو إلـى تكامل القطاعات ‬تبنّـي‬ ‪‭‬الكثيـر‬ ‪‭‬مـن‬ ‪‭‬الحكومـات‬ ‪‭‬والمؤسسـات‬ ‪‭‬الدولية‪‭‬‬ ‫الثالثـة‪ ،‬الحكومـي والخـاص والمجتمـع المدنـي‪‬ .‬لهـذا‬ ‪‭‬المفهـوم‪‭ ‬،‬نظـر ‬اً ‪‭‬لعالقتـه‬ ‪‭‬ببعـض‬ ‪‭‬متغيـرات‪‭‬‬ ‫وأضافـت د‪ .‬مشـاعل إلـى أنـه مـن ضمـن ‬التنميـة‬ ‪‭‬االقتصاديـة‬ ‪‭‬واالجتماعيـة؛ ‬ ‪‭‬كالدخـل‪‭ ،‬‬ ‫البرامـج والفعاليـات التـي نفذتهـا مكتبـة منيـرة ‬والصحة‪‭ ‬ ،‬والتعليم‪‭ ‬،‬والفقر‪‭ ‬،‬والبطالة‪‭ ‬،‬ومستويات‪‭‬‬ ‫الملحـم لهـذا العـام فـي مجـال التنميـة المجتمعية ‬الجريمـة‪‭ ‬،‬وغيرهـا‪ ‬.‬فـرأس‬ ‪‭‬المال‬ ‪‭‬االجتماعي‬ ‪‭‬يعد‪‭‬‬ ‫المسـتدامة‪ ،‬فقـد تـم تبنّـي العديـد مـن المبـادرات ‬ضـرورة‬ ‪‭‬لخلـق‬ ‪‭‬نظـام‬ ‪‭‬اجتماعـي‬ ‪‭‬سـليم‬ ‪‭‬ومسـتقر‪‭،‬‬ ‫التطوعيـة المجتمعيـة الهادفـة إلـى خدمـة المـرأة ‬يترافـق‬ ‪‭‬مـع‬ ‪‭‬وجـود‬ ‪‭‬مؤسسـات‬ ‪‭‬مجتمعيـة‬ ‪‭‬تـؤدي‪‭‬‬ ‫والطفـل‪ ،‬واالهتمـام بمـا يعـزز مـن إمكاناتهمـا ‬دورهـا‬ ‪‭‬التنمـوي‬ ‪‭‬فـي‬ ‪‭‬رفـع‬ ‪‭‬الكفـاءة‬ ‪‭‬وتسـهيل‬ ‪‭‬تبـادل‪‭‬‬ ‫ويمكنهمـا مـن أداء أدوار ثقافيـة واجتماعيـة ‬المعلومـات‪‭ ‬،‬ومـع‬ ‪‭‬توافـر‬ ‪‭‬دعـم‬ ‪‭‬حكومـي‬ ‪‭‬ومسـاندة‪‭‬‬ ‫واقتصاديـة ومجتمعيـة‪ ،‬إسـهاماً منهـا في الحراك ‬حقيقيـة‬ ‪‭‬تشـجع‬ ‪‭‬مؤسسـات‬ ‪‭‬المجتمـع‬ ‪‭‬المدنـي‬ ‪‭‬علـى‪‭‬‬ ‫‬أداء‬ ‪‭‬دورهـا‬ ‪‭‬فـي‬ ‪‭‬هـذا‬ ‪‭‬المجـال‬‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‭.‬‬ ‫المجتمعـي العـام‪ ،‬وتعزيـزاً للمخرجات التي تطمح‬ ‫وللقطـاع‬ ‪‭‬غيـر‬ ‪‭‬الربحـي‬ ‪‭‬دور‬‪‭‬مهـم‬ ‪‭‬فـي‬ ‪‭‬اإلسـهام‬ ‪‭‬في‪‭‬‬ ‫المكتبـة لتحقيقهـا؛ إذ أطلقـت المكتبـة مبـادرات‬ ‫تطوعيـة‪ ،‬باسـم "مبـادرات منيـرة الملحـم لخدمـة ‬تحقيـق‬‪‭‬أهـداف‬ ‪‭‬التنميـة‬ ‪‭‬المسـتدامة‪‭ ‬،‬إذ‬ ‪ ‭‬إن‬ ‪‭‬التعـاون‪‭‬‬ ‫المجتمـع"‪ ،‬وانبثـق عنهـا حتـى اآلن أربـع مبـادرات ‬المشـترك‬ ‪‭‬ببنـاء‬ ‪‭‬شـراكات‬ ‪‭‬للمؤسسـات‬ ‪‭‬االجتماعيـة‪‭‬‬ ‫تطوعيـة‪ ،‬اسـتفاد منهـا هـذا العـام (‪ )450‬طفلاً ‬غيـر‬ ‪‭‬الربحيـة‪‭ ‬،‬مـع‬ ‪‭‬القطاعات‬ ‪‭‬الرسـمية‬ ‪‭‬األخرى‬ ‪‭‬ذات‪‭‬‬ ‫وطفلـة‪ ،‬والعمـل مسـتمر فـي هـذه المبـادرات‪ ،‬كما ‬العالقـة‪‭‬،‬يفعّـل‬ ‪‭‬عناصر‬ ‪‭‬التنميـة‬ ‪‭‬المجتمعية‬ ‪‭‬ويطورها‪‭‬‬ ‫سـتنطلق قريبـا أربـع مبـادرات أخـرى جديـدة‪‬ .‬بمـا‬ ‪‭‬مـن‬ ‪‭‬شـأنه‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬يسـهم‬ ‪‭‬فـ ‬ي ‪‭‬االرتقـاء‬ ‪‭‬بمسـتوى‪‭‬‬ ‫‬المعيشـة‪‭ ‬،‬وجـودة‬ ‪‭‬المنتجـات‪‭ ‬،‬ويرفـع‬ ‪‭‬مسـتوى‪‭‬‬ ‫منتدى‬‪‭‬منيرة‬‪‭‬بنت‬‪‭‬محمد‬‪‭‬الملحم‬‪‭‬لخدمة‬‪‭‬المجتمع ‪‬ 12‬الرضـى‬‪‭‬االجتماعـي‪‭ ‬،‬ويسـاعد‬ ‪‭‬فـي‬ ‪‭‬حـل‬ ‪‭‬العديـد‬ ‪‭‬مـن‪‭‬‬ ‫"دور‬‪‭‬القطاع‬‪‭‬غير‬‪‭‬الربحي‬‪‭‬في‬‪‭‬االرتقاء‪‭‬‬ ‫‬المشـكالت‬ ‪‭‬المجتمعيـة؛‬ ‪‭‬كالبطالـة‬ ‪‭‬والفقـر‬ ‪‭‬ويخفـض‪‭‬‬ ‫‬بمؤشر‬‪‭‬رأس‬‪‭‬المال‬‪‭‬االجتماعي‬‪‭‬في‬‪‭‬ضوء‪‬ ‭‬مسـتويات‬ ‪‭‬الجريمـة‪‭ ‬،‬كمـا‬ ‪‭‬لـه‬ ‪‭‬دور‬ ‪‭‬مهـم‬ ‪‭‬فـي‬ ‪‭‬تحسـين‪‭‬‬ ‫‬المسـتوى‬ ‪‭‬التعليمـي‬ ‪‭‬وحمايـة‬ ‪‭‬البيئيـة‬‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‭.‬‬ ‫‬رؤية‪"‭‬2030‬‬ ‫حظـي‬ ‪‭‬مفهـوم‬ ‪‭‬رأس‬ ‪‭‬المـال‬ ‪‭‬االجتماعـي‬ ‪‭‬خلال‪‭‬‬

‫وينبثـق‬ ‪‭‬منتـدى‬ ‪‭‬منيـرة‬ ‪‭‬بنـت‬ ‪‭‬محمـد‬ ‪‭‬الملحـم‪‭‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪25‬‬


‫‬لهـذا‬ ‪‭‬العـام‬ ‪‭‬مـن‬ ‪‭‬رؤيـة‬ ‪‭‬‮‪‭ ‬‬2030‬وبرنامـج‬ ‪‭‬التحـ ّو ‪‭‬ل‬ ‫‬الوطنـي‪‭ ‬‬‭ ‬2020‬للتنميـــة‬ ‪‭‬واالسـتدامة‪‭ ‬،‬فـي‬ ‪‭‬ظـــــل‪‭‬‬ ‫‬رؤيـــــة‬ ‪‭‬داعمـــــة‬ ‪‭‬وواعـدة‬ ‪‭‬نحـو‬ ‪‭‬مجتمـع‬ ‪‭‬حيـوي‬ ‪‭‬يتمتع‪‭‬‬ ‫‬باقتصـاد‬ ‪‭‬مزهـر‬‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‭.‬‬ ‫ويحـرص المنتـدى علـى المواءمـة بيـن النظريـة‬ ‫والتطبيق‪ ،‬وذلك عبر جلسات حوارية‪ ،‬وورش عمل‬ ‫متزامنـة معـه‪ ،‬إلثـراء محتـوى موضـوع المنتـدى‬ ‫وتحليـل عناصـره ومحـاوره‪ ،‬وتسـهم المناقشـات‬ ‫التـي تجـري بيـن المتحدثـات والمشـاركات فـي‬ ‫إيصـال المفاهيـم‪ ،‬وتشـكيل معرفـة مشـتركة‪،‬‬ ‫وتحقيـق الهـدف األسـاس لعقـد هـذا المنتـدى‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬.‬‬

‫مجتمعـه حيـوي واقتصــاده مزهـر‪ .‬ويتنـاول‬ ‫المنتـدى ثالثـة محـاور ممكنـة للقطـــــاع غيــــر‬ ‫الربحـــي‪ :‬االستثمــــــار في رأس المال االجتماعي‬ ‫واسـتراتيجيات االرتقـاء بـه‪ ،‬واألثـر االجتماعـي‬ ‫للقطـاع غيـر الربحـي وتعظيـم دوره‪ ،‬ومتطلبـات‬ ‫حوكمـة منظمـات المجتمـع المدنـي‪.‬‬ ‫المحور األول‪ :‬دور القطاع غير الربحي في مؤشر‬ ‫رأس المال االجتماعي‪.‬‬

‫صاحبة السمو األميرة‬ ‫د‪ .‬الجوهرة بنت فهد آل سعود‬ ‫(رئيسة مجلس إدارة جمعية مكين لحاضنات األعمال)‬

‫محاور الندوة‪:‬‬ ‫تحدثـت صاحبـة السـمو األميـرة د‪ .‬الجوهـرة‬ ‫ دور القطاع غير الربحي في مؤشر رأس المال بنـت فهـد آل سـعود عـن دور القطـاع غيـر الربحي‬‫االجتماعي‪.‬‬ ‫فـي االرتقـاء بمؤشـر رأس المـال االجتماعـي‪،‬‬ ‫وتوجـه حكومـة خـادم الحرميـن الشـريفين بـه‪،‬‬ ‫ متطلبات حوكمة القطاع غير الربحي‪.‬‬‫ممثلاً برؤيـة ‪ 2030‬لتحقيـق مجموعـة مـن‬ ‫ تعظيم دور القطاع غير الربحي‪.‬‬‫األهـداف أهمهـا‪:‬‬ ‫المتحدثون‪:‬‬ ‫‪ -1‬إعـــــداد جــيــل رائــــد يــمــتــلــك ال ــق ــدرات‬ ‫صاحبـة السـمو األميرة الدكتـورة الجوهرة بنت‬ ‫وال ــم ــه ــارات ال ــازم ــة لــقــيــادة مصانع‬ ‫فهـد آل سـعود (رئيسـة مجلـس إدارة جمعيـة مكين‬ ‫المستقبل‪.‬‬ ‫لحاضنات األعمال)‪،‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬فهد بن حمد المغلوث ( أمين عام جائزة ‪ -2‬تذليل العقبات وإيــجــاد الــحــلــول فــي شتى‬ ‫األميـرة صيتـة بنـت عبدالعزيـز للتميـز فـي العمـل‬ ‫المجاالت التنموية‪.‬‬ ‫االجتماعي)‬ ‫واسـتعرضت سـموها مفهـوم القطـاع غيـر‬ ‫م‪ .‬مشـاري بـن منصـور الطريّـف (مديـر عـام‬ ‫التطويـر فـي وكالـة التنميـة االجتماعيـة بـوزارة‬ ‫العمـل والتنميـة االجتماعيـة‪.‬‬ ‫أدارت الجلسة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬الجوهرة بنت فهد الزامل‬ ‫(عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سـعود)‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫افتتحـت أ‪.‬د‪ .‬الجوهـرة الزامـل النـدوة بقولهـا‪:‬‬ ‫ينبثـق المنتـدى هـذا العام من رؤية ‪ ٢٠٣٠‬وبرنامج‬ ‫التحـول الوطنـي ‪ ،٢٠٢٠‬للتنميـــة واالسـتدامة فـي‬ ‫ظـــــل رؤيـــــة داعمـــــة وواعـدة لوطــــن طمـوح‪:‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫وقالـت إن رأس المـال البشـري يركـز علـى‬ ‫القـدرات الخاصـة بـكل فـرد‪ ،‬والمهـارات التـي‬ ‫م‪ .‬مشاري بن منصور الطرّ ف‬ ‫يكتسـبها‪ ،‬أمـا رأس المـال االجتماعـي فهـو يركـز‬ ‫علـى اإلمكانـات التـي تمنحـه إياهـا العالقـات (مدير عام التطوير في وكالة التنمية االجتماعية ‪-‬‬ ‫وزارة العمل والشؤون االجتماعية)‬ ‫االجتماعيـة بيـن األفـراد أو مجموعـة مـن‬ ‫المؤسسـات‪.‬‬ ‫هدفـت الورقـة التـي قدمهـا م‪ .‬مشـاري‬ ‫وختمـت الورقـة بالحديـث عـن آليـات قيـاس الطريّـف إلـى تقديـم إحصـاءات عـن المنظمـات‬ ‫مؤشـر رأس المـال االجتماعـي ودور القطـاع غيـر غيـر الربحيـة (عـدد الجمعيـات األهليـة‪ ،‬وعـدد‬ ‫الربحـي فـي االرتقـاء بـه‪ ،‬مبينـة أهميـة قيـاس الجمعيـات التعاونيـة وعـدد المؤسسـات األهليـة‪،‬‬

‫م ـ ـن ـ ـتـ ــدى م ـ ـن ـ ـيـ ــرة املـ ـلـ ـح ــم‬

‫الربحـي‪ ،‬وقالـت إنـه منظمـات وظيفتهـا خدمـة رأس المـال االجتماعـي ومؤشـراته لألفـراد‬ ‫السـكان غيـر المخدوميـن لتوسـعة مـدى الحريـة والمؤسسـات وألصحـاب القـرار فـي الدولـة‪.‬‬ ‫وتفجيـر طاقاتهـم‪ ،‬مـن خلال الدفـاع عـن التغييـر‬ ‫المحور الثاني‪ :‬متطلبات حوكمة القطاع غير الربحي‬ ‫االجتماعـي وتقديـم الخدمـات‪ .‬أمـا مفهـوم رأس‬ ‫أ‪.‬د فهد بن حمد المغلوث‬ ‫المـال‪ ،‬فهـو مجموعة من المعايير والشـبكات التي‬ ‫(أمين عام جائزة األميرة صيتة بنت عبدالعزيز‬ ‫تمكـن العمـل الجماعـي وهـو أحـد معالـم المنظمـة‬ ‫للتميز في العمل الجماعي)‬ ‫االجتماعيـة‪ ،‬مثـل الشـبكات والمعاييـر والثقـة‬ ‫االجتماعية التي تسهل عملية التقييم والتعاون من‬ ‫قـدم أ‪.‬د‪ .‬فهـد المغلـوث ورقـة تحـدث فيهـا‬ ‫أجـل المنفعـة المتبادلة‪ ،‬وتحسـين فعالية المجتمع عـن متطلبـات حوكمـة القطـاع غيـر الربحـي‪،‬‬ ‫بواسـطة تسـهيل األعمـال المنسـقة‪ ،‬وتوضيـح وهـي حوكمـة اإلدارة العليـا والسياسـات العامـة‪،‬‬ ‫أبـرز مؤشـراته ومنهـا‪ :‬العضويـة فـي الجماعـات وحوكمـة السياسـات واإلجـراءات الماليـة‪،‬‬ ‫والشـبكات‪ ،‬والعمـل والتعـاون الجماعـي‪ ،‬والثقـة وحوكمـة سياسـات المـوارد البشـرية وإجراءاتهـا‪،‬‬ ‫المتبادلـة بيـن أفـراد المجتمـع‪ ،‬وسـهولة الوصـول وقـال إن مفهـوم الحوكمـة والشـفافية يركـز علـى‬ ‫للمعلومـة‪ ،‬والتسـهيالت الحكوميـة أو التمكيـن‪ ،‬وجـود أنظمـة وسياسـات واضحـة ومعلنـة فـي‬ ‫كل مـا يتعلـق بصالحيـات العامليـن فـي المنشـأة‬ ‫والتماسـك االجتماعـي‪.‬‬ ‫وامتيازاتهـم وحقوقهـم وواجباتهـم‪ ،‬وكذلـك مـا‬ ‫وذكـرت األميـرة الجوهـرة بنـت فهـد أن أهميـة يتعلـق بحقـوق المسـتفيدين وتحقيـق العدالـة‬ ‫موضـوع المنتـدى تنبـع فـي كونـه مـن المواضيـع بينهـم ‪.‬‬ ‫التـي تحـرص عليهـا غالـب دول العالـم ومن أبرزها‬ ‫وأكـد الدكتـور المغلـوث علـى ضـرورة تسـهيل‬ ‫المملكـة‪ ،‬فـي محاولـة لمواءمـة العمـل التطوعـي‬ ‫مـع متطلبـات التغييـر الـذي يشـهده المجتمـع‪ .‬الوصـول إلـى المعلومـات المتعلقـة بالمنشـأة‬ ‫وسـرعة التجـاوب مـع األزمـات المختلفـة‬ ‫واسـتعرضت مؤشـرات االرتقـاء بـرأس المـال‬ ‫والمحافظـة علـى الدقـة والشـفافية‪ ،‬وسلامة‬ ‫االجتماعـي فـي ضـوء تحديـد دور القطـاع غيـر‬ ‫هياكلهـا التنظيميـة‪ ،‬ووجـود أنظمـة وسياسـات‬ ‫الربحـي فيـه‪ ،‬ومتطلبـات الرقـي بمؤشـر رأس‬ ‫ماليـة موثقـة وذات مرجعيـة قانونيـة‪ .‬وشـدد علـى‬ ‫المـال االجتماعـي‪ ،‬وطـرق قيـاس مؤشـرات رأس أهميـة التـزام المنظمـات غيـر الربحيـة بالحـرص‬ ‫المـال االجتماعـي واهميتهـا‪ ،‬كمـا تحدثـت عـن علـى توافـر التـوازن والعـدل والنزاهـة وعـدم‬ ‫إنجـازات جمعيـة مكيـن ودورهـا الفاعـل‪.‬‬ ‫التمييـز فـي تقديـم الخدمـات أو التبرعـات‪.‬‬ ‫المحور الثالث‪ :‬تعظيم دور القطاع غير الربحي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪27‬‬


‫االقتصاديـة واالجتماعيـة‪ ،‬وهـو شـريك تنمـوي‬ ‫منـذ تأسـيس المملكـة العربيـة السـعودية‪.‬‬ ‫تنظيم ورش عمل تدريبية‬ ‫على هامش المنتدى‬ ‫نظمـت هيئـة المنتـدى ورشـتي عمـل تدريبـي‪،‬‬ ‫شـارك فيهـا مـا يزيـد عـن تسـعين مـن سـيدات‬ ‫المجتمع المحلي‪ ،‬وقد شملتا موضوعين أساسيين‪:‬‬ ‫‪ -1‬ورشــة التطوع ومؤسسات المجتمع المدني‪،‬‬ ‫وقدمتها د‪ .‬هدى أحمد البراك (وكيلة عمادة‬ ‫البحث العلمي وعضو هيئة تدريس بجامعة‬ ‫المجمعة)‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫تضمنـت الورشـة عـدة محـاور مهمـة‪ ،‬هـي‪:‬‬ ‫مجـاالت التطـوع‪ ،‬ومؤسسـات المجتمـع المدنـي‬ ‫والتحـول مـن الرعايـة إلـى التنميـة‪ ،‬وأهميـة التحـول‬ ‫للمؤسسـات مـن رعويـة إلـى تنمويـة‪ ،‬واهتمـام‬ ‫وعـدد لجـان التنميـة‪ ،‬وعـدد الصناديـق العائليـة مؤسسـات المجتمـع المدنـي بأمـور عديدة لمسـاندة‬ ‫التـي تـم تأسيسـها )‪ ،‬إضافـة الـى تحفيـز القطـاع المجتمـع‪.‬‬ ‫غيـر الربحـي لتطبيـق معاييـر الحوكمـة‪ ،‬وتمكيـن ‪ -2‬ورشة الشراكة المجتمعية ‪ ...‬طري ٌق للتطوع‪،‬‬ ‫وقدمتها د‪ .‬مها إبراهيم الكلثم (وكيلة عمادة‬ ‫القطـاع مـن التحـول نحـو المؤسسـية بإيجاد سـبل‬ ‫خدمة المجتمع والتعليم المستمر وعضو هيئة‬ ‫التعـاون بيـن مؤسسـات القطـاع غيـر الربحـي‪،‬‬ ‫تدريس بجامعة المجمعة)‪.‬‬ ‫وكيفيـة تسـهيل عمليـة اسـتقطاب الكفـاءات‬ ‫تضمنت الورشـة عدة محاور مهمة‪ ،‬هي‪ :‬تعريف‬ ‫وتدربيهـا‪ ،‬وبنـاء قدراتهـا لتمكينهـا مـن العمـل فـي‬ ‫القطـاع غيـر الربحـي‪ ،‬والمحفـزات المقدمـة مـن الشـراكة المجتمعيـة‪ ،‬ودور الشـراكة المجتمعيـة‬ ‫وزارة العمل والتنمية االجتماعية متمثلة في وكالة فـي خدمـة المجتمـع (جامعـة المجمعـة أنموذجـاً)‪،‬‬ ‫التنميـة االجتماعيـة‪ ،‬ومنهـا ايضاً دعم االسـتدامة والتطـوع رئـة المجتمعـات المتمدنـة‪ ،‬والتطـوع بوابـة‬ ‫المسـتقبل (فريـق رفـد التطوعـي)‪ ،‬وأهميـة التطـوع‬ ‫نـواح أبرزها إنشـاء صندوق دعم‬ ‫الماليـة مـن عـدة ٍ‬ ‫فـي تعزيـز الشـخصية‪.‬‬ ‫الجمعيـات األهليـة‪ ،‬وتفعيـل اإلسـناد مـن الجهـات‬ ‫كمـا أقيـم علـى هامـش فعاليـات المنتدى معرض‬ ‫الحكوميـة إلـى المنظمـات غيـر الربحيـة‪ ،‬إضافـة‬ ‫إلـى اسـتعراض عمـل المركز الوطنـي للقطاع غير إلصـدارات مركـز عبدالرحمـن السـديري الثقافـي‬ ‫الربحـي الـذي يسـعى بـدوره إلـى تنميـة القطـاع ضمـن برنامـج النشـر ودعـم األبحـاث التـي بلـغ‬ ‫عددهـا نحـو (‪ )200‬إصـدار‪ .‬وقـد حضـر المنتـدى‬ ‫غيـر الربحـي بالصـورة األشـمل‪.‬‬ ‫جمهـور مـن نسـاء محافظـة الغـاط والمحافظـات‬ ‫وأكـد م‪ .‬الطريّـف أن القطـاع غيـر الربحـي المجـاورة‪ ،‬وطالبـات كليـة التربيـة للعلـوم اإلنسـانية‬ ‫يعـد مـن أكثـر القطاعـات المواكبـة للمتغيـرات فـي الغـاط وطالبـات من جامعتي المجمعة والزلفي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫وفكر المؤسسات اإلنسانية‬ ‫■ د‪ .‬هياء عبدالرحمن السمهري*‬

‫م ـ ـن ـ ـتـ ــدى م ـ ـن ـ ـيـ ــرة املـ ـلـ ـح ــم‬

‫منتدى منيرة الملحم في الغاط‬

‫حازت محافظة الغاط منذ عقود منصات التنوير باقتدار؛ وما تزال تشرق في‬ ‫آفاقها! واسـتــدارتْ الغاط لتلتقي بكل القادمين إليها لجلب الثقافة واسترفاد‬ ‫معانيها بمفهومها الشامل؛ فانشق الـكــون عــن تلك المدينة الرشيقة األنيقة‬ ‫الـتــي شـهــدتْ منتدى «منيرة الملحم» فــي سـنــوات عـمــره اإلثنتي عـشــرة؛ فكانت‬ ‫فغدت الغاط ومنتداها صديقان صدوقان‬ ‫ٍ‬ ‫ُحزَما بصيرة من االنتقاءات المكتنزة‪،‬‬ ‫للمجتمع واهتماماته‪ ،‬ليس في مجتمع الغاط وحدها فحسب‪ ،‬بل امتد الوهج‬ ‫ألجــزاء من وطننا األشــم؛ ومــا تــزال تنداح من منبر منتدى منيرة الملحم رؤى‬ ‫وأفكار وتوصيات الفتة محفزة تهفو لها العقول وتزهو خاللها بحراك تنويري‬ ‫ممتد مــن شمالي الــوطــن حيث كــانـ ْـت الـبــدايــات فــي مــركــز األمـيــر عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي في «الجوف» حين حمل رحمه اهلل ممكنات الثقافة المجتمعية‬ ‫من سكاكا‪ ،‬حيث اإلمارة والتمكين‪ ،‬إلى الغاط‪ ،‬حيث المولد والحنين!‬ ‫يقينا منه رحمه اهلل أن وجها آخر‬ ‫للثقافة سوف يسطع في سماء الغاط؛‬ ‫ويمتد التنوير فـوّارا إلى الغاط الــودودة‬ ‫التي حظيت بحفاوة األمير الراحل ومن‬ ‫بعده أبنائه وبناته‪ ،‬ولكنها حفاوة من نوع‬ ‫آخــر حين اقترنت بــاســم وطــنــي أسهم‬ ‫في مــؤزارة الحراك التنموي آنــذاك في‬ ‫الــجــوف‪ ،‬ومــن ثــم الــغــاط‪ ،‬فكان منتدى‬ ‫منيرة الملحم رحمها اهلل صعودا مكينا‬ ‫للثقافة المجتمعية عندما تسلط األضواء‬ ‫على ممكنات جودة التشغيل‪ ،‬فكانتْ «دار‬ ‫الرحمانية» في محافظة الغاط ميال َد‬ ‫مؤسسة ثقافية حملتْ مجموعة من‬

‫مشاعل التنوير‪ ،‬فهي دار معرفة أصيلة‬ ‫لها معاييرها فيما تحمله وتنشره وتديره‪،‬‬ ‫وهي موقع فاخر يقام فيه «منتدى منيرة‬ ‫الملحم السنوي الثقافي المجتمعي» الذي‬ ‫يستجلي متطلبات التنمية المجتمعية في‬ ‫صــفــوف متوالية تــبــرز فيها االنتقائية‬ ‫العالية في الموضوعات‪ ،‬كما يستقطب‬ ‫المنتدى العقول المتخصصة‪ ،‬لتبسط‬ ‫في المنتدى شواهد الموضوع وممكناته‬ ‫وأدوات ـ ــه‪ ،‬وتــعــرض دروب تــطــويــره‪ ،‬من‬ ‫خالل نخبة مصطفاة من جديري الوطن‬ ‫والمبصرين في المجال المطروح؛ وفي‬ ‫مكتبة دار الرحمانية أيضا تأطير حاف ٌز‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪29‬‬


‫في صياغة التنمية المجتمعية داخــل نطاق ورؤساء عن بعض الجمعيات الخيرية التنموية‬ ‫المحافظة وما جاورها في مجاالت عديدة‪ :‬وعن جوائز وطنية تحفز لخدمة المجتمع‪.‬‬ ‫ثقافة‪ ،‬وتدريب‪ ،‬وتأهيل‪ ،‬ومعارض محفزة‪،‬‬ ‫وفي المنتدىشواهد تحمل دالالت التنوير؛‬ ‫ودع ٌم للمعرفة بكل أشكالها‪ ،‬وتحقي ٌق لممكنات وصــفــوف مــن الــحــوافــز الــداعــمــة للحراك‬ ‫النهوض من خالل المُشْ تركات مع المؤسسات المجتمعي المثمر اإليجابي الــذي يستهدف‬ ‫الحكومية فــي المحافظة وقــنــوات القطاع اإلنــســان وتنميته وال يستغلق على البصير‬ ‫الخاص؛ وتواشجا متينا مع المناسبات واأليام‬ ‫التقاط متغيراتها وتجدّدها الدؤوب‪ ،‬فالمثاقفة‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫تراسلتْ مع الغاط من الجوف فاقتربتْ الرؤى‬ ‫‪‎‬وتعزيزا لذلك السبق المؤسسي المجتمعي‪ ،‬واس ــت ــدارتْ الــزوايــا‪ ،‬أمــا المنتدى السنوي‬ ‫استضافت محافظة الغاط في يــوم االثنين الــمــكــتــنــز «مــنــتــدى مــنــيــرة الــمــلــحــم لخدمة‬ ‫الــمــوافــق الثاني مــن شهر جــمــادى الثانية‪ /‬المجتمع» فهو منصة إشراق مجتمعية ومجيء‬ ‫الــســابــع والــعــشــريــن مــن يناير ‪ ٢٠٢٠‬وعلى مدهش‪ ،‬توشحه اسمها رحمها اهلل ليصبح‬ ‫منبر منتدى «منيرة الملحم السنوي لخدمة جزءاً من الثقافة الوطنية وأتمت عائلتها رسم‬ ‫المجتمع» نسيجا إنسانيا وطنيا متينا لموضوع لوحاته النامية فعبر ذلك المنتدى المجتمعي‬ ‫حــيــوي لــصــيــق ومــتــواشــج مــع رؤيـ ــة بــادنــا مدارجه في اثنتي عشرة سنة حتى هذا العام‬ ‫العمالقة «دورالقطاع غير الربحي في اإلرتقاء ‪.١٤٤١‬‬ ‫بمؤشر رأس المال اإلجتماعي في ضوء رؤية‬ ‫‪‎‬نعم ُهنَاك في الغاط شعور جميل بالمغامرة‬ ‫‪ ،»٢٠٣٠‬وذلك اإلنتقاء أحسبه إبصار جدير‬ ‫المحمودة لفتح بوابات الثقافة وخدمة المجتمع‬ ‫بالتقدير واإلشادة من القائمين على المنتدى‬ ‫على مصراعيها لتمتد من الغاط الجميلة إلى‬ ‫نحو ممكنات المجتمع الحيوي ذي االقتصاد‬ ‫كل أرجاء بالدنا‪ ،‬فهنيئا للغاط حراكها الثقافي‬ ‫المزدهر؛ وفيما تم طرحه كانت هناك محكات‬ ‫المثمر‪ ،‬وهنيئا لها ازده ــاره ــا المجتمعي‬ ‫ممنهجة سوف تمنح بعون اهلل مفاتيح البدايات‬ ‫المشهود الذي صنعته تلك العقول العظيمة‪،‬‬ ‫لكل الراغبين في تشكيل قطاعات غير ربحية‬ ‫رحمهم اهلل وحفظ امتدادهم ليكملوا المسيرة‬ ‫ذات دافع إنساني غير ربحي داعمة للتنمية‬ ‫التنموية الثقافية‪.‬‬ ‫المجتمعية؛ وقد توشح اللقاء بفتح حوارات‬ ‫عميقة حول الموضوع انكشفت عنها بعض ‪‎‬ويستحق مركز األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫الرؤى المتطورة لقيادة العمل االجتماعي غير في منطقة الجوف ومشاعله ومنتدياته في‬ ‫الربحي في مجاالت التنمية المجتمعية‪ .‬ومن محافظة الغاط وما ينتج عنه من حراك ثقافي‬ ‫الالفت في جــدارة ذلك الموضوع للطرح أن تنموي مجتمعي تصدّر مصادر التنوير الثقافي‬ ‫المنتدى عــزز الموضوع باستضافة حيوية تأسيسا في بالدنا‪ ،‬كما منح المرأة أول نوافذ‬ ‫مبصرة لمن يمثل المرجعية النظامية الرسمية التنوير في مشروع ثقافي كبير‪ ،‬وتبنّى مفهوم‬ ‫للقطاع غير الربحي ممثال في وزارة العمل الشراكة المجتمعية قبل صياغاتها الحديثة؛‬ ‫والتنمية االجتماعية وضــوء آخــر لممثلين يستحق تكريما وطنيا في أرفع مستوياته‪.‬‬ ‫ * شاعرة وكاتبة ومؤلفة سعودية‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ليلى األحيدب‬ ‫صوت أنثوي هارب من الصحراء إلى السماء‬ ‫حين تقف عند أبــواب األنثى الكاتبة‪ ..‬فإنك تخضع لصوتها المكتوب الذي‬ ‫يأسرك رغما عنك‪ ،‬ألنها صاحبة الروح الشفافة والقلب الرقيق‪.‬‬ ‫ليلى األح ـيــدب تحيلك فــي أبـعــادهــا الــداللـيــة والمرجعية والمقصدية إلى‬ ‫مجموعة من الثيمات الموضوعية التي تعكس لنا رؤى الكاتبة السعودية التي‬ ‫تكسر نطاق الكلمة لتعبر بها إلى العالم الخارجي‪ ،‬ثم تتأرجح بين رؤى ذاتية‬ ‫ورؤى موضوعية‪ ،‬كما تمتاز فلسفتها برؤى فلسفية مأساوية قائمة على الحزن‬ ‫والـمـعــانــاة واالغ ـتــراب والــوحــدة والـتـشــاؤم والـضـيــاع حينًا‪ ،‬ورؤى أخ ــرى متفائلة‬ ‫تستشرف غــد األح ــام واألم ــل المعسول والمستقبل السعيد حينًا آخــر‪ ،‬وذلــك‬ ‫حين تنفلت من قيود الحرب النفسية التي تصفها في قصصها لتلك المرأة التي‬ ‫تبحث عن مالذ لنفسها وروحها العاشقة‪.‬‬ ‫ارتكزت األحيدب في نظرتها على‬ ‫المعالجة النصية والــتــنــاول الحكيم‬ ‫لكل مــن‪ :‬العبث‪ ،‬والــمــعــانــاة‪ ،‬واألمــل‪،‬‬ ‫والــتــلــذذ بـــاألحـــام‪ ،‬واالرتـ ــكـ ــان إلــى‬ ‫الصمت والسكون‪ ،‬والتساؤل الفلسفي‪،‬‬ ‫واالغتراب الذاتي والمكاني‪ ،‬والهروب‪،‬‬ ‫والعنف‪ ،‬والــقــســوة‪ ،‬واإلبـ ــداع‪ ،‬والفن‪،‬‬ ‫والــمــوت‪ ،‬والــقــلــق‪ ،‬والــنــفــي‪ ،‬والهجرة‪،‬‬ ‫والطبيعة‪ ،‬والحزن‪ ،‬والحيرة‪ ،‬والتفرد‪،‬‬ ‫وطرح أسئلة الــذات والذاكرة‪ ،‬والثورة‬ ‫على الحياة والواقع الموبوء!‬

‫لغتها تماست مع قصيدة النثر‪ ،‬وفن‬ ‫صياغة الحكمة‪ ،‬وربما الخبر المحكي‪..‬‬ ‫تلك ميزة المرأة القاصة التي حملت‬ ‫بداخلها روحا كروح ليلى األحيدب‪.‬‬ ‫كل مجموعاتها تحيلك إلــى مقولة‬ ‫"النفري"‪" :‬كلما اتسعتْ الرؤية ضاقت‬ ‫العبارة"‪ ،‬لكن ضيق العبارة ال يعني حتما‬ ‫صغر الحجم وقصر العبارة حتمًا‪ ،‬وهو‬ ‫ما ستشعره وأنت تتلمس حروفها في‬ ‫مشهدية مختلفة تمامًا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪31‬‬


‫الخطاب الذكوري في رواية‬ ‫(عيون الثعالب) لليلى األحيدب‬ ‫■ ميساء اخلواجا*‬

‫يمكن القول إن الرواية النسائية تحمل أنساقا مضمرة؛ ومن هنا‪ ،‬فإن دراسة رواية ليلى‬ ‫األحيدب (عيون الثعالب) كانت تهدف في المقام األول إلى دراســة النص بما هو حادثة‬ ‫ثقافية تولد جمال ثقافية ومضمرات نسقية‪ .‬فــإذا كانت الثقافة الذكورية تقدم األنوثة‬ ‫بوصفها قيمة خرساء أو كائنًا غير لغوي‪ ،‬فما هو دور الكتابة النسائية في نقض ذلك‬ ‫التصور حين تمتلك الكاتبة زمام الكتابة‪ ،‬وتنشئ خطابها الخاص لتصبح ذا ًتــا فاعلة ال‬ ‫موضوعً ا يحكى عنه؟ هل تماهت الكاتبة مع األدوار المعطاة لها أم عملت على محاولة‬ ‫نقض المفاهيم الثقافية وخلخلتها؟‬ ‫لعل االلتفات إلى الخطاب الذكوري في هذه الرواية يمكن أن يشكل أحد مداخل اإلجابة‬ ‫عن تلك األسئلة وغيرها‪ ،‬فتفكيك الخطاب والبحث عن المضمر أو المعلن فيه قد يكشف‬ ‫عن الرؤية المحركة للكاتبة وعن نصها بوصفه قيمة ثقافية وإبداعية في الوقت نفسه‪ .‬وقد‬ ‫ظهر الخطاب الذكوري في الرواية موضوع القراءة مباشر ًا وظاهرا كما يلي‪:‬‬ ‫الخطاب الذكوري المباشر‬

‫خطابها سيحمل دالالت ثقافية ورؤى ضمنية‬

‫يمكن أن تشكل الرواية النسائية مجاال يمكن أن تبني حوارية مع المجتمع والثقافة‪،‬‬ ‫خــص ـ ًبــا لــلــكــشــف ع ــن األن ــس ــاق الثقافية ويمكنها في الوقت نفسه أن تمارس نوعً ا من‬ ‫المضمرة‪ ،‬من حيث إنها تقدم خطابًا يمهد إعــادة تشكيل الثقافة عبر كشف المكبوت‬ ‫إلعــادة التفكير في المسلمات المرجعية‪ ،‬وص ــور الهيمنة وخــطــابــات الــعــنــف‪ .‬ولعل‬ ‫وإلـــى مــحــاولــة إحـ ــداث تغيير فــي البنية الخطاب الذكوري الذي صاغه الرجل عبر‬ ‫المعرفية‪ ،‬وذلك في مواجهة خطاب يحرص الــزمــن هــو المجال األول للمساجلة معه‬

‫على تأييد الوضع القائم ومحاولة تثبيته‪ ،‬أي ومحاولة نقضه‪ ،‬وقد جاء صوت الخطاب‬ ‫الخطاب الذكوري السائد‪ .‬ويمكن القول إنه الذكوري المباشر في الرواية عبر صوتين‬

‫‪32‬‬

‫عند تشكيل الروائية لعالمها الروائي‪ ..‬فإن هما صوت الرجل وصوت المرأة‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫‪ .1‬صوت الرجل ‪/‬‬

‫الشخصية الذكورية‪:‬‬ ‫لــعــل الــرجــل‪ ،‬بتمثالته الــمــتــعــددة‪ ،‬هو‬

‫المحور األول الــذي يمكن أن يمثل خطاب‬ ‫الثقافة السائد‪ .‬لذا يمكن أن يكون محورًا‬ ‫لــعــدد مــن ال ــرواي ــات النسائية‪ ،‬وبأشكال‬

‫متعددة‪ .‬والحديث عن الرجل هنا ال يعني‬

‫الحديث عن صــوره ال ــواردة‪ ،‬بل عن صوته‬ ‫الممثل للثقافة الذكورية‪ .‬فقد تتعدد صور‬ ‫الــرجــل؛ لكنها تــأتــي متماثلة فــي نسقها‬

‫الضمني وفــي صوتها المعبر عن الثقافة‬

‫المهيمنة التي تقمع الــمــرأة وتضعها في‬

‫مرتبة دونية‪ ،‬وتحصر وظائفها في تحقيق‬ ‫متعة الرجل والعمل على خدمته وإسعاده‪.‬‬

‫وإذا ما استفدنا هنا من فصل جيرار جينيت‬

‫بين الصيغة والصوت على اعتبار أن الصيغة‬ ‫هي من يرى والصوت هو من يتكلم(((‪ ،‬فإن‬

‫الصوت ‪ -‬أي من يتكلم ‪ -‬يمكن أن يكون‬

‫الرجل‪/‬الشخصية الذكورية‪ ،‬ومن يرى هي‬ ‫الثقافة التي تحرك صــوت الرجل وتحدد‬

‫وجهة نظره‪ .‬وغالبا ما يظهر اآلخر‪/‬الرجل‪،‬‬ ‫في سرد النساء العربيات‪ ،‬عائقا أمام المرأة‪،‬‬

‫قــيـدًا يكبح جماحها ويئد أحالمها؛ ذلك‬

‫أن المرأة في المجتمعات الذكورية تخضع‬ ‫لنوعين من السلطات‪ :‬السلطة االجتماعية‬

‫المباشرة ممثلة في الذكر المعين أيا كانت‬ ‫عالقته بــهــا‪ :‬زواجــيــة أو عرقية‪ ،‬والثاني‬ ‫السلطة الثقافية ممثلة في جميع الذكور(((‪.‬‬

‫اإلطار‪ ،‬ومن ثم فإن الشخصية الذكورية كانت‬ ‫عنصرًا محوريًا بنيت عليه‪ ،‬وغالبًا ما كانت‬

‫تلك الشخصية ممثلة لصوت الثقافة ورؤيتها‬ ‫للمرأة‪ .‬وإذا اعتبرنا أن بناء الشخصية ‪-‬‬

‫كما يرى فيليب هامون ‪ -‬ليس حدثًا نصيًا‬ ‫فحسب‪ ..‬بل هو جزء من سيرورة إعادة بناء‬

‫ذاكرة تتم داخل الموسوعة(((‪ ،‬فإن الروائية‬ ‫قــامــت بمحاولة فضح الــذاكــرة الجمعية‬

‫ورفضها من جهة‪ ،‬وإعادة تشكيلها من جهة‬ ‫أخــرى‪ .‬وقد عكست الشخصيات الذكورية‬

‫مفاهيم الثقافة عبر أقوالها وأفعالها على‬

‫حد سواء‪.‬‬

‫لقد جــادلــت النسويات فــي مسألة أن‬

‫ولم تخرج (عيون الثعالب) في كثير عن هذا الثقافة الذكورية تحصر المرأة في جسدها‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪33‬‬


‫وبالتالي تــراهــا مــصــدرًا للمتعة والغواية‬

‫والشر في الوقت نفسه‪ .‬وقــد أشــار بعض‬ ‫الــدارســيــن إلــى أن المعجم العربي يمدح‬

‫الرجل بالصفات النفسية في حين يمدح‬ ‫المرأة بصفاتها الجسدية‪ ،‬وقد وجد عيسى‬

‫برهومة في دراسته لمعجم المرأة أن من‬ ‫بين (‪ )1800‬صفة للمرأة لم يذكر المعجم‬

‫سوى (‪ )92‬صفة معنوية محمودة‪ ،‬في مقابل‬ ‫(‪ )197‬صفة معنوية مــذمــومــة‪ ،‬و(‪)1200‬‬

‫صفة تمحورت حــول الصفات الجسدية‪.‬‬

‫وقد استأثرت النعوت الجسدية المادية التي‬

‫تركز على معيار الجمال وحده بنسبة كبيرة‪.‬‬

‫أي إن الــمــرأة فــي المعجم تنزع منها كل‬

‫قيم الفضيلة واألخالق الحميدة في مقابل‬ ‫الصفات المتعلقة بالجمال وصفات المرأة‬

‫الــزوجــة واألم وتلبية الــرغــبــات الجنسية‬

‫للرجل(((‪ .‬هكذا يتفق المعجم العربي مع‬ ‫ما رصدته النسويات‪ ،‬ومع ما ركــزت عليه‬ ‫الروائيات في بنائهن للشخصية الذكورية‪.‬‬

‫لقد ردد عدد من أبطال الرواية مقوالت‬

‫تعكس هذه الرؤية التي تحصر المرأة في‬ ‫جسدها‪ ،‬وتراها مصدرًا للمتعة فقط‪ ،‬ومن‬

‫ثم فهي مجرد طريدة لصياد هو الرجل‪:‬‬ ‫"علي لم يخرج عن كونه رجال يقتنص أنثى‪.‬‬

‫هذا ما كان يعنيه في عالقته معي"(((‪ ،‬يمكن‬

‫اعتبار الجملة األخيرة في االقتباس السابق‬ ‫جملة ثقافية تعكس نسقا ثقافيا مضمرًا‬

‫يحصر المرأة في جسدها فقط‪ ،‬كما تكشف‬

‫‪34‬‬

‫أيضا عن ذكورية كامنة خلف مناداة البطل‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫المثقف بحرية الــمــرأة‪ ،‬فتحررها يعني‬ ‫تحررها الجنسي فقط‪ ،‬وأن تكون موضوعا‬ ‫إلشباع رغباته‪ ،‬تقول الساردة‪" :‬رأيت جانبه‬ ‫اآلخــر وتعرفت على لغة الجسد لديه‪...،‬‬ ‫تلك اللغة التي يريدني أن أهادنها وأرضيها‪،‬‬ ‫وإال ستكون لغة المبدع لديه في مــأزق‪...‬‬ ‫لن يخرج المبدع في نزهة معي ما لم تكن‬ ‫لغة الجسد لديه مشبعة"(((‪ .‬إذا كانت المرأة‬ ‫وسيلة للمتعة فإن عليها أن تحقق الصورة‬ ‫الجمالية المطلوبة‪ ،‬وأن تتمتع بالصفات التي‬ ‫صفات جوهرية ومطلوبة في‬ ‫ٍ‬ ‫عدّتها الثقافة‬ ‫المرأة حتى تحقق معنى األنوثة‪ .‬إنها األنثى‬ ‫الجريئة والمغناج‪ ،‬العاشقة المرحة التي‬ ‫تنجح دومًا في استعادة الرجل مهما تكررت‬ ‫خيانته ومهما ابتعد عنها(((‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يقول‬ ‫علي ل مريم فــي رواي ــة "عــيــون الثعالب"‪:‬‬ ‫"الـ(وومن) تظل (وومن) بالنسبة للرجل حتى‬ ‫لو كانت مثقفة"(((‪ .‬تكشف العبارة السابقة‬ ‫نسقا ثقافيا مضمرًا يرتبط بمفهوم األنوثة‪،‬‬ ‫إذ يجري حصرها في الجسد وفي أجزاء‬ ‫محددة من ذلــك الجسد‪ ،‬فما هو مطلوب‬ ‫في األنوثة فقط ما يرتبط بتحقيق المتعة‪،‬‬ ‫أما العقل والتفكير والثقافة فهي أمور زائدة‬ ‫يمكن االستغناء عنها(((‪ .‬وما يزيد في ترسيخ‬ ‫هذا النسق وإدانته أن الساردة وضعته على‬ ‫لسان بطل مثقف يــنــادي بتحرير الــمــرأة‪،‬‬ ‫ومن ثم فإنها بتلك الجملة الثقافية تفضح‬ ‫ازدواجية الرجل والمثقف تحدي ًٍدا من جهة‪،‬‬ ‫وتكشف عن تصور الثقافة الذكورية للمرأة‬ ‫من جهة أخرى‪.‬‬


‫لــلــكــون ولــأشــيــاء الــمــحــيــطــة‪ ،‬كــمــا تقوم مع الفعل‪ ،‬وقدمت الــروايــة نماذج لرجال‬ ‫أيــضــا بــإنــتــاج مفاهيمها الــخــاصــة حــول يــجــسّ ــدون الــثــقــافــة فــي أعــمــق صــورهــا‪،‬‬ ‫الــرجــل وال ــم ــرأة وف ــق مــحــددات تختلف واهــتــمــت بــازدواجــيــة الــرجــل فــي مواقفة‬ ‫مــن ثــقــافــة إل ــى أخـ ــرى‪ .‬ويــبــرز ع ــدد من وتصرفاته‪ ..‬ال سيما الرجل المثقف الذي‬

‫الدراسات السوسيولوجية واألنثروبولوجية يبدو متحررًا‪ ،‬لكن أفعاله تكشف عن تغلغل‬ ‫والــســيــكــولــوجــيــة أن مــنــظــومــات الثقافة الثقافة الذكورية فيه‪ .‬تسعى التربية إلى‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عادة ما تقوم الثقافة بإنتاج تصوراتها عن رسوخها وثباتها‪ ،‬فقد تضافر القول‬

‫وأنساقها وقيمها تؤثر بشكل كبير على غرس نظام تصنيفي وتراتبي يعطي الرجل‬ ‫تمثالت ووعــي الجنسين‪ ،‬وعلى رؤاهما المكانة العليا‪ ،‬ويعطيه حق التصرف في‬ ‫وتــصــوراتــهــمــا‪ ،‬سلبية كــانــت أم إيجابية‪ ،‬المرأة واالستمتاع بها‪ ،‬في حين يحرم المرأة‬ ‫للذات ولآلخر المختلف الجنسي‪ ،‬ولمجمل من التعبير وحق التصرف واختيار الطريق‪.‬‬ ‫حقوقهما وأدوارهما ومواقعهما ومكانتهما ويمكن عدّ شخصية (علي) أنموذجً ا على‬ ‫وصورتهما االجتماعية‪ .‬وإذا كان الخطاب ازدواجــيــة الخطاب على مستويي القول‬

‫الذكوري السابق يكشف عن أنساق ضمنية‬ ‫تحصر المرأة في جسدها‪ ،‬فإن ذلك يعكس‬ ‫مفاهيم تم غرسها وتمريرها عبر األجيال‪،‬‬

‫ومن ثم غدت مسلمات غير قابلة للنقاش‪.‬‬

‫تــحــاول الــروايــة هنا كشف هــذه األنساق‬

‫والفعل‪ ،‬فهو يبيح لنفسه ما ال يبيح للمرأة‪،‬‬

‫ويقول ما ال يفعل(‪.((1‬‬

‫‪ .2‬صوت المرأة‬ ‫تستخدم الثقافة ِحيَال متعددة لتكريس‬

‫وتعريتها عبر نماذج لشخصيات ذكورية مــفــاهــيــمــهــا‪ ،‬ولــعــل الــمــهــمــة األولــــى التي‬ ‫تتبنى مفاهيم الثقافة بصورة تامة‪ ،‬فتحدد اضطلعت بها الــروائــيــة كانت هــي الثورة‬

‫مفاهيمها للمرأة ومقاييس اختالفها عن على الخطاب الذكوري والعمل على تعريته‬ ‫الرجل‪ ..‬فما يجوز له ال يجوز للمرأة‪:‬‬ ‫وكشفه بآليات مختلفة‪ .‬وقد كان توظيف‬ ‫(قال مبتسما‪ :‬يجب أن تعودي‪- .‬‬ ‫لماذا ؟ أألنني امرأة؟ ‪-‬‬ ‫نــعــم ألن ــك امــــرأة‪ .‬هــل تعرفين مــاذا‬ ‫سيحدث إن لم تعودي؟")(‪.((1‬‬

‫الشخصية الممثلة لمفاهيم الــذكــورة‬

‫وسيلتها األولى‪ .‬إضافة إلى ذلك اعتمدت‬ ‫على السرد بضمير المتكلم‪ ،‬فكانت الساردة‬

‫وسيلة أخــرى من وسائل تعرية الخطاب‬ ‫الذكوري وهدم القهر الذكوري‪ ..‬حيث مثلت‬

‫لم تكن أقــوال الشخصية الذكورية هي صوتها الــفــردي الــخــاص وص ــوت النساء‬

‫وحدها ما يعري الثقافة الذكورية ويكشف الجمعي‪ .‬ويأتي خطاب الــســاردة مباشرًا‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪35‬‬


‫يتوجه بنقد صريح للخطاب الذكوري‪ ،‬تقول بتناقضه وزيف ادعاءاته‪ .‬وتمعن الروائية‬

‫نــدى‪" :‬المشكلة أن كل المثقفين نصوص في تعرية الثقافة من خالل هذا النموذج‪،‬‬

‫رديئة‪ ...‬نصوص مستذئبة! يبقى المثقف فقد قوبل تمرد الساردة بالهزيمة‪ ،‬وانتصر‬ ‫مثقفا محترما حتى يقتنص األنثى بداخلك‪ ،‬الرجل‪/‬علي حين قام بتهميشها وإرغامها‬ ‫عندها يتحول لــذكــر يفتض كــل بــكــارات على عيش حياة على الهامش؛ لكنه انتصار‬ ‫روحك مزهوا بنفسه‪ ،‬لذلك كنت أقايضهم مؤقت‪ ..‬حيث تعود الروائية لتنتصر لبطلتها‬

‫(‪((1‬‬ ‫بكتابتي" ‪ .‬لقد كانت ندى هي النموذج حين تتمرد‪ ،‬فتقص شعرها وتقرر اإلبقاء‬ ‫المباشر الذي حاول فضح ذكورية المثقف على حملها رغــم اعتراض علي‪" :‬لــم أعد‬

‫وازدواجيته من خالل عالقتها مع سعيد‪ ،‬امرأة يغطيها الشعر‪ ،‬لم أعد كذلك‪ ،‬صار‬ ‫ومن خالل تعبيراتها المباشرة التي توجهها لوجهي وضوح قاتل‪ ...‬كأني أرى نفسي من‬

‫لــلــســاردة نحو "الــرجــال الــذئــاب المثقف مرآة ال تعكس علي معي‪ .((1("...‬بذلك يشكل‬ ‫المزدوج" وغيرها‪.‬‬ ‫تحرر الساردة من علي تحررًا رمزًيا من‬

‫لقد كانت شخصية الــســاردة أنموذجً ا الرجل ومن قيود الثقافة‪ ،‬وانتصارًا لصوت‬ ‫واضحً ا على محاولة كسر قوانين الثقافة التمرد الواعي‪ ،‬وكان خالصها الفردي في‬ ‫ومواجهتها‪ ،‬واختارت أن تحب على طريقته استعادة وعيها بذاتها وفي امتالكها زمام‬

‫وأن تتزوج نموذجها الذي اختارته رغم علمها القرار وإرادة االختيار‪.‬‬

‫* أكاديمية وناقدة من السعودية‪.‬‬ ‫((( انظــر‪ ،‬أحمــد الســماوي‪ " ،‬التبئيــر " واالســتدراك عليــه‪ ،‬ضمــن كتــاب‪ :‬وجهــة النظــر فــي الروايــة ‪ /‬بحــوث‬ ‫محكمــة‪ ،‬إشــراف محمــد نجيــب العمامــي‪ ،‬دار محمــد علــي‪ ،‬تونــس‪ ،‬نــادي القصيــم األدبــي‪ ،‬القصيــم‬ ‫(الســعودية)‪ ،‬ط ()‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫((( انظر‪ ،‬عبدالرحيم وهابي‪ ،‬السرد النسوي العربي‪ ،‬ص ‪.87‬‬ ‫((( انظر‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫((( انظر‪ ،‬المصدر السابق‪.136-129 ،‬‬ ‫((( ليلى األحيدب‪ ،‬عيون الثعالب‪ ،‬رياض الريس للكتب والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط (‪ ،2009 ،)1‬ص ‪.148‬‬ ‫((( المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫((( يردد سعيد هذه الصفات في حديثه عن ندى‪ ،‬انظر‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬ ‫((( المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.126‬‬ ‫((( لقد أشار عبداهلل الغذامي إلى هذا المفهوم للتأنيث‪ ،‬انظر‪ ،‬ثقافة الوهم‪ ،‬ص ‪.52 ،51‬‬ ‫(‪ ((1‬ليلى األحيدب‪ ،‬عيون الثعالب‪ ،‬ص ‪ 13‬وانظر أيضا ص ‪.18‬‬ ‫(‪ ((1‬حــول هــذه االزدواجيــة‪ ،‬انظــر المصــدر الســابق‪ ،‬ص ‪167 ،166 ،160 ،155 ،149 ،148‬وتجــدر اإلشــارة‬ ‫إلــى أن جميــع الشــخصيات الرجاليــة فــي الروايــة مثــل ســعيد ويوســف وغيرهمــا كانــت نمــاذج دالــة علــى‬ ‫ذكوريــة الخطــاب وازدواجيــة الرجــل‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪ ،172‬وانظر أيضا ص ‪.177 ،174 ،170 ،169 ،148‬‬ ‫(‪ ((1‬ليلى األحيدب‪ ،‬عيون الثعالب‪ ،‬ص ‪.286‬‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫■ عبداهلل السفر*‬

‫نقرأ لـ ليلى األحيدب في قصة "صمت" من مجموعتها القصصية "البحث عن يوم سابع‪،‬‬ ‫توزيع مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة ـ ‪:"1997‬‬ ‫"أريــد أن أنام وأعــود إلى نفسي مرة أخــرى! أن أفكّ ر بنفسي قليالً! أن أحقّ ق لها رغباتها‬ ‫كنت أفعل‪ ،‬حيث ال أحد يتشبّث بي‬ ‫الصغيرة في اللهو البريء وتبديد الوقت دون قلق!! مثلما ُ‬ ‫مطالب ًا برضعته! ال أحد يصرخ في وجهي باحث ًا عن ثوبه النظيف وغترته المكوية!! ال أحد‪..‬‬ ‫إال أنا‪ .‬الوقت كل الوقت لي!! غرفتي هي الزمن‪ ،‬هي الساعة‪ ،‬هي الذاكرة الوحيدة لي ـ ص ‪."71‬‬ ‫تتبدّى هنا رغب ٌة ملحّ ة في العودة إلــى الــذات‬ ‫"الحرّة الطليقة الوحيدة" دون منغّصات تبدّد سكونها‬ ‫أو تنبّهها من أحالمها وما فيها من وداعــةٍ ترتسم‬ ‫جسد يعانق غيمةٍ ويرحل معها‪ .‬ال قيود‬ ‫في هناء ِة ٍ‬ ‫ُمسكُ بها وال أغالل تُل ْزمُها بدائرةٍ ال تتعدّاها‪ ،‬في‬ ‫ت ِ‬ ‫جميع الظروف واألحــوال‪ .‬إن هذه الرغبة الملحّ ة‬ ‫مردُّها إلى تلك األدوار المتعددة والمضغوطة في‬ ‫استحقاقات جبرية ال‬ ‫ٍ‬ ‫تتال‪ ،‬وما يترتّب على ذلك من‬ ‫ٍ‬ ‫تكتسي بطابع مؤقّت بل إن لها امتداداً يشمل العمر‬ ‫كله‪ ..‬بما ال يعطي مساح ًة وال فسحةً؛ مجاالً تتوقّف‬ ‫فيه قضبان تلك األدوار‪ ،‬ولــو قليال‪ ،‬عن الضغط‬ ‫والحصار وإصدار نفير االنضباط باستجابة موحّ دة‬ ‫متماثلة تغفل عن الذات‪ ،‬وتركّز على الهيكل الحامل‪،‬‬ ‫وال ترى فيه غير صورة مادية‪ .‬ال يهم ما تحتويه‪ ،‬وال‬ ‫ما يسري في داخلها‪.‬‬ ‫الطَّ ْر ُق المتكرّر‪ ،‬وعلى المنوال ذاته‪ ،‬يقوم بعملية‬ ‫محو للذات وإزال ــة لها‪ .‬إشاعة الشعور بالعجز‪،‬‬ ‫واالستسالم بانعدام الفاعلية والــمــبــادرة‪ .‬تتحوّل‬ ‫معها شخصية األنثى إلى آلة خاضعة للتسيير‪ .‬جرَى‬ ‫معايرتها وفقاً ألدوار محدّدة‪ .‬وبالضغط على زر‬ ‫معيّن تستجيب مباشرة‪ .‬كما هو الحال في القصة‬ ‫األول ــى "جــســد" مــن "البحث عــن يــوم ســابــع" حيث‬ ‫الجسد المقاد إلى ما يراد منه بال حول وال قوّة‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ليلى األحيدب‪ ..‬اإلطار الذي ّ‬ ‫يلفونه حولي‬

‫هكذا صار مجرد "ماكينة" مضبوطة المسار والعمل‬ ‫والمواقيت؛ في المنزل وفي الوظيفة وفي العالقة‬ ‫البينية‪ .‬استالب تام وغربة كاملة عن الجسد‪ .‬كأنما‬ ‫يخصني ـ ص‬ ‫هو آلخر‪ ..‬آلخرين‪" :‬الجسد الذي ال ّ‬ ‫‪.."13‬‬ ‫‪ ..‬وربــمــا‪ ،‬هــذا االنــخــاع مــن الجسد‪ ،‬هــو ما‬ ‫يجعله متماثالً‪ ،‬رقماً ضمن أرقام‪ .‬بال هويّة تميّزه‬ ‫وال شارة تمنحه اختالفا عمّا عداه‪ .‬تطابق األدوار‬ ‫واالنجبار لها واالنحباس فيها‪ ،‬يفرز تلك العين التي‬ ‫تغفل حضور الذات‪ ،‬وتتعلّق بـ "جسد" تستطيع‪ ،‬بكل‬ ‫جسد آخر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫سهولة وفي نظرة‪ ،‬أن تدغمه في أيّ‬ ‫دون عناء تنحذفُ األسماء والهويّات ويبقى فقط‬ ‫رداء الجسد المستخدم‪ .‬ال أحد من خارجه يميّزه‪.‬‬ ‫يــذوب في جـ ْمــعٍ اسمه "نــســاء" على النحو الذي‬ ‫تعرضه القاصة بسخرية جارحة ومؤلمة في قصة‬ ‫"نساء" المنشورة في "البحث عن يوم سابع" وأعادَتْ‬ ‫نشرها في مجموعتها "قميص أســود شفّاف‪ ،‬دار‬ ‫ميالد للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض ـ ‪ "2018‬حيث تتبادل‬ ‫امرأتان دوريهما‪ .‬كل واحدة منهما تذهب إلى منزل‬ ‫األخ ــرى بعد عودتهما مــن العمل دون انتباهٍ من‬ ‫الجميع وأولهم السائق "كلّنا في عينيه نساء"‪ .‬تمضي‬ ‫واحدتهما بقية اليوم‪ ،‬مع األوالد والزوج‪ ،‬في رتابة‬ ‫األدوار ذاتها المنطبقة على االثنتين انطباقا تغيبان‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪37‬‬


‫معه عن داخلهما؛ الجذر الخاص‪ ،‬الشخصي‪ :‬الهويّة‪.‬‬ ‫وال يخفى على القارئ التنكير في عنوان القصتين‬ ‫("جسد"‪" ..‬نساء") إلخضاعه لعموميّةٍ تنحسر معها‬ ‫مؤشّ رات الفردية والذاتية واالستقاللية‪.‬‬ ‫عبْ َر أكثر من نص ـ في "قميص أسود شفّاف"‬ ‫ـ تعود األحيدب إلى الوجود الشخصي المخذول‪..‬‬ ‫إلى الذات المغيّبة‪ ..‬إلى الجسد المعمّم في النظرة‬ ‫الــقــارّة المؤسّ سة على تــاريـ ٍـخ طــويـ ٍـل مــن الضنى‬ ‫والــعــســف؛ تــراسـ ٍـخ مــوغــل فــي التنميط والتسليع‬ ‫والحصار تبقى معه األنثى في الموضع نفسه وضمن‬ ‫األدوار ذاتها وفي المرتبة األقل‪ .‬التابعة دائماً‪:‬‬ ‫مــع نــص "ص ــورة" (ص ‪ )47‬نلفي الــمــرأة التي‬ ‫تريد أن تخرج على اإلطار الموضوع لها‪ ،‬وتململها‬ ‫منه‪ ،‬وسعيها الحثيث للفرار‪ ،‬غير أنها تظ ّل حبيسة‬ ‫ضعفها أو عجزها المكتسب على م ّر السنين حتى‬ ‫بات من المتعذّر التخلّص منه والظفر بـ "الفردية‬ ‫المنهوبة"‪ ،‬فمنسوب الثقة في الحضيض الذي يقرّب‬ ‫إلــى حظيرة اإلطــار‪ ،‬وهــذا منتهى الجرح والحرج‬ ‫والهوان‪ ،‬ال تالم عليه الضحية بقدر ما يالم الجالد‪:‬‬ ‫(الرجل الملتحي يستع ّد ليلقي موعظته‪ ،‬وأنا ألتصق‬ ‫بصورتي الذهنية عن نفسي أكثر وأكثر‪ ،‬أريــد أن‬ ‫أخــرج من اإلطــار الــذي يلفّونه حولي "‪ "...‬وكنتُ‬ ‫أدخل في الصورة بهدوء‪ .‬شاة وحيدة في ممر ينتهي‬ ‫بجدار‪ .‬وشياه أخرى تصطف حولي بعشوائية ـ ص‬ ‫‪.)47‬‬

‫واالستمرار فيه‪ ،‬التي تمر بنا مع نصوص‪" :‬شَ رَك"‬ ‫(ص ‪)23‬؛ "رصيف" (ص‪)25‬؛ "علبة" (ص‪ .)51‬في‬ ‫هذه الصورة من اشتداد الحصار والتسوير العنيد‬ ‫يتبدّى مشروع مقاومة ومحاولة تمزيق ذلك الغشاء‬ ‫الصلب‪ ،‬وإ ْن على نحوٍ حلمي (نص‪ :‬مربّع وهمي‪،‬‬ ‫ص ‪ ..)51‬أو تلمّس بذر ِة "استفاقة" تحرّرٍ تعبّر عن‬ ‫بشكل أوّلي عبر الرفض الداخلي حتى لو لم‬ ‫نفسها ٍ‬ ‫ُفصح عنه ويَعرفه الطرف اآلخر‪" :‬أر ّد على كالمه‬ ‫ي َ‬ ‫في داخلي‪ ،‬وابتسامتي فارهة أمامه‪ ،‬يتحدّث وأنا‬ ‫صامتة‪ ،‬انتقده بعباراتي الخاصة ـ نص "استفاقة"‬ ‫ص ‪.."62‬‬

‫ونطالع في نص "شهادة" (ص‪ )11‬تسليع المرأة‬ ‫‪ ..‬بــذرةُ استفاقةٍ تخرج عمّا هو مرسو ٌم وتر ُّج‬ ‫من خالل ختْمٍ في رقبتها ثابت في الجلد؛ م َ‬ ‫ُلصق شَ رَكَ االمتثالية بعزمٍ يتخطّ ى مرحلة خدر الحلم إلى‬ ‫مدوّنة فيه معلومات المنتَج‪/‬المرأة‪ .‬بيانات السلعة شمس الوقائع اليومية‪:‬‬ ‫المعتادة‪" :‬تــاريــخ الصنع‪ .‬البلد المصنِّعة‪ .‬كيفية‬ ‫"ال ألتفتُ ‪ ،‬ال أسمع وال أتكلّم‬ ‫االستخدام‪ .‬وتاريخ انتهاء الصالحية ـ ص ‪."11‬‬ ‫أتقدّم فحسب‪ ..‬أتقدّم‪ ..‬أتقدّم‬ ‫‪ ..‬العمل على تثبيت تلك الــصــورة عن المرأة‬ ‫وإدامتها ينعكس في حالة الحصار‪ ،‬لتأكيد الوضع‬ ‫* قاص وناقد من السعودية‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫وأخرج‪."...‬‬


‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫القصة القصيرة جنس أدبي مختلف‪ ،‬يعتمد على التكثيف الموحى‪ ،‬والحكاية المحبكة‪،‬‬ ‫والــوحــدة الموضوعية والعضوية‪ ،‬والمفارقة المستفزة‪ ،‬وخاصيتي االتـســاق واالنسجام‪،‬‬ ‫وهيمنة التركيب الفعلي‪ ،‬وانـبـثــاق التوتر الــدرامــي‪ ،‬والـتــأرجــح بين الواقعية والشاعرية‬ ‫والرمزية المقنعة‪ ،‬واختزال األحداث في عدد محدود من الوظائف األساس‪ ،‬فكيف وأنت‬ ‫تنظر إلى البحث عن اليوم السابع للكاتبة السعودية ليلى األحيدب‪ ،‬تلك المجموعة وهي‬ ‫من منشورات مكتبة المدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1998‬م‪ .‬وتتضمن خمس‬ ‫عشرة قصة قصيرة‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ليلى األحيدب‪ ..‬ورحلة البحث عن اليوم السابع‬

‫وتــلــك المجموعة بكل مــا تحمله مــن معان ضمن هذا القالب السردي‪.‬‬ ‫مهمة وأرقام تعبيرية‪ ،‬تقف عند تجنب الوصف‬ ‫تعددت األصوات السردية عند ليلى األحيدب‬ ‫المطنب واالســتــقــصــاء فــي الــوظــائــف الثانوية ف ــي بــحــثــهــا الــتــائــه لــانــتــظــار‪ ،‬فــتــوزعــت بين‬ ‫وتفصيلها‪ ،‬والتركيز على القصصية السردية‪ .‬استخدامها لضمير الغائب‪ ،‬فكان السارد في‬ ‫تمثل األحيدب في مجموعتها القصصية بالغة مجموعاتها من أنواع مختلفة متميزة متورطة بين‬ ‫اإليجاز واإلضمار والحذف‪ ،‬واستعمال الصور السارد أو الراوي العليم الذي يعرف كل شيء عن‬ ‫المجازية‪ ،‬واالرتكان إلى لعبة اإلدهاش واالنزياح األحداث وتطورها في القصة‪ ،‬وضمير المتكلم‪،‬‬ ‫وإربــاك المتلقي‪ ،‬وتوظيف اإلحــاالت التناصية وفي أحيان أقل ضمير المخاطب‪ ،‬ويكون السارد‬ ‫والمعرفة الخلفية‪ ،‬واستغالل التوازي الهرموني هنا من نوع السارد المشارك الذي ال يعرف عن‬ ‫والتنغيم اإليقاعي بين خمس عشرة قصة متوالفة األح ــداث في القصة أكثر مما يعرفه القارئ‪،‬‬ ‫تحت معنى واحد هو االنتظار في لحظات البحث وربــمــا استخدمت أكثر مــن ضمير فــي القصة‬ ‫واأللم‪ ،‬والتحكم الجيد في سيميائية العنوان الذي الــواحــدة‪ ،‬وقد لجأت المجموعة إلى استخدام‬ ‫يجعلك تتحكم في مغلقات النص الواهم من أول ضمير المخاطب بنوعيه المذكر والمؤنث في‬ ‫عبارات المعنى التائه في لغة األنثى‪ ،‬واستخدام أكــثــر مــن قــصــة‪ ،‬وتـ ــراوح استخدامها لضمير‬ ‫اللقطات المختلفة المميزة‪.‬‬ ‫الغائب بين الفعل المضارع الذي يدل على الحال‬ ‫فالمتأمل والقارئ لتلك المجموعة القصصية‬ ‫يتثبت تماما أن البحث عــن يــوم سابع يجسد‬ ‫أنموذجً ا الفتًا في طغيان هاجس الزمن‪ ،‬وحضوره‬ ‫الذي أوشكت معه الكتابة أن تكون إعــادة إنتاج‬ ‫له‪ ،‬ورسمًا لمحيط الساعة وفق الرؤية الكامنة‬ ‫وراء النصوص‪ ،‬بما يندر وجوده في أعمال أخرى‬

‫واالستقبال‪ ،‬وبين الفعل الماضي الذي يدل على‬ ‫انقضاء الحدث ليصبح مجرد ذكرى‪ ،‬ولكنك لن‬ ‫تتوه عن صوت األنثى العميق المتمرد داخل ابنة‬ ‫الصحراء المتمردة بقالب البداوة واأللم الموجع‬ ‫لتلك الحدود التي تضبطنا دون أن نعرف لها‬ ‫فكاكا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪39‬‬


‫البحث عن اليوم السابع نمط مختلف من‬ ‫السرد القصصي للقصص القصيرة المختلفة‬ ‫التي تحمل نمطا بصوت بالغ األنوثة‪ ،‬وصرخة لن‬ ‫تسمعها حتى تقرأ حياة الكاتبة األحيدب‪.‬‬ ‫الــزمــن النفسي هــو المسيطر على أجــواء‬ ‫المجموعة القصصية‪ ،‬وهــو يتسم باالنتظار‬ ‫والقلق‪ ،‬فاالنتظار وحــده الــذي يجعلها تبحث‬ ‫عن اليوم السابع في دورة حياتية أسبوعية ال‬ ‫يمكن معها أن تفقد ذاك اليوم‪ ،‬ولكنك في تلك‬ ‫المجموعة القصصية تجد صوت المرأة المتمردة‬ ‫الباحثة عن ذاتها في آخــر أيــام األســبــوع‪ ،‬وفي‬ ‫حالة االنتظار يبدو الزمن طويال‪ ..‬ســواء أكان‬ ‫د‪ .‬هناء بنت علي البواب‬ ‫هذا االنتظار متعلقا بحبيب أو بأي شيء مبهج‪،‬‬ ‫في نهايات النص القصصي تنكسر وينكشف‬ ‫أو كان متعلقا بانتظار شر أو بالء يمكن أن يحط لك المعنى الحقيقي لما تريده القاصة‪ ،‬أي ما‬ ‫على اإلنسان في أية لحظة‪ ،‬لذاك دنيا القصيدة كــان مجهوال‪ ،‬فالقصة منذ البداية مبنية على‬ ‫يفضحها الموت وتسترها الوالدة‪.‬‬ ‫انفجار الشيء المكشوف‪ ،‬والشيء المنتظر من‬ ‫يستفز القارئ في مجموعة "البحث عن يوم لغة الحوار القصصي‪.‬‬ ‫ســابــع" العمل فــي اللغة‪ ،‬خصوصا فيما يتعلق‬ ‫فــالــكــتــابــة لــحــظــة يــمــتــزج فــيــهــا ال ــذات ــي‬ ‫بالتلوين األسلوبي الماتع‪ ،‬إذ استعملت ليلى لغة بــالــمــوضــوعــي‪ ،‬فــتــأخــذ ال ـ ــذات األنــثــويــة في‬ ‫شفوية ال تخلو فــي أدبيتها مــن تالعب لفظي مجموعتها رموزا لوصف الموضوع‪ ،‬كما يأخذ في‬ ‫حــريــف‪ ،‬ومــن الــوقــوف عند لغة مختلفة مثل تلك المجموعة الموضوع صفة الذات المختنقة‬ ‫التحريف الصوتي لبعض الكلمات واالنتقال في زمن تبحث فيه عن الخالص‪ ،‬وكاتب النص هو‬ ‫العفوي بين الضمائر وإف ــراغ الــمــدلــوالت من المحرك والصانع للغة‪ ،‬فتضفي الموضوعية على‬ ‫محتوياتها المألوفة‪ ،‬والكتابة داخل الكتابة‪.‬‬ ‫(األنا) في مجموعتها متابعة وتدرجا نحو سياق‬ ‫‏فمجموعتها القصصية هــي لغة الكشف‪،‬‬ ‫هذا الكشف هو اللغة‪ ،‬ألنك وأنــت تقرأ النص‬ ‫القصصي لديها تحلل اللغة‪ ،‬وفي نهايات قراءتك‬ ‫تجد نفسك كنت في مشهد تصويري مختزل‪،‬‬ ‫وكأنك كنت تتابع مشهدًا معرفيًا مختلفا‪ ،‬وعندها‬ ‫ترى النص مرسوما رسمًا سينيمائيا‪.‬‬ ‫ * أكاديمية وكاتبة وناقدة من األردن‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫الــذات المختبئة في سطور القصص المكتنزة‪،‬‬ ‫فالمجموعة تتم كتابتها بالتأكيد بدافع الرغبة في‬ ‫التعبير عن األوضاع االجتماعية والنفسية؛ لذلك‬ ‫سلكت الكاتبة في عموم نصوصها طريق الرفض‬ ‫للواقع المعاش‪ ،‬حاملة في طياتها االحتجاج‪،‬‬ ‫وناظرة إلى المستقبل بأمل وخوف وقلق!!‬


‫■ أ‪ .‬د‪ .‬عماد الضمور*‬

‫ثمة قوة تعبيرية يمتلكها عنوان المجموعة القصصية "قميص أسود شفاف" للقاصة‬ ‫السعودية ليلى األحـيــدب؛ فالقميص يعكس ملمح ًا جسدي ًا ال تلبث القاصة أن تنعته‬ ‫بــاألســود‪ ،‬ثــم تعمّ ق هــذا الوصف بنعته بشفاف؛ مــا خلق منذ العتبة األولــى للمجموعة‬ ‫القصصية فضاء تخييل ّي ًا يحاول فك االشتباك الداللي الذي أفرزه التتابع النعتي لمنعوت‬ ‫جمالي يخفي تحته جسد ًا ثائراً‪ ،‬وروح ًا حائرة‪ ،‬ووجد ًا دافئاً‪.‬‬ ‫ل ــعــ ّل هـ ــذا الــفــهــم الــظــاهــر لـ ــدالالت‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بوح الذات األنثويّة في "قميص أسود شفاف"‬ ‫للقاصة ليلى األحيدب‬

‫ولما كانت القصة القصيرة في األدب‬

‫(القميص) المعجمية ال يُخرجه عن داللته العربي نشأت لحاجة اجتماعية قبل أن‬ ‫الرمزيّة التي تعكس معنى التستر واإلخفاء تــكــون حــاجــة فنية‪ ،‬فــإن معايشة الــواقــع‬ ‫لما هو أعمق وأبلغ بصر ّياً وذهن ّياً‪ ،‬ممّا ومعالجة قضاياه من أبرز دوافع كتابتها؛ إذ‬ ‫يجعل مرجعيات اللون األسود قابلة للتشكّل ما زالت التغيّرات االجتماعية واالقتصادية‬ ‫اإليحائي في عملية تحفيز ذهني واشتعال من أبرز المؤثرات في هذا الفن اإلبداعي‪،‬‬ ‫وجــدانــي ال تنتهي؛ لتمنح الــنــص طاقة وبخاصة في الفترة األخيرة عندما ولدت‬ ‫إيحائية ورؤية فكرية خصبة‪.‬‬

‫القصة القصيرة جداً من رحم المتغيرات‬

‫إنّ التمييز بين األنثوية والنسائية أمر المعاصرة التي شهدها العالم في كافة‬ ‫مهم؛ فاألنثوية ليست مــرادفــة للنسوية؛ مجاالت الحياة‪.‬‬ ‫ألن األنثوية تتصل بالتعبير عن رؤية المرأة‬

‫داللــة العنوان وإيــحــاءات لوحة غالف‬

‫للحياة وما يجري فيها‪ ،‬وتصوير مشاعرها المجموعة القصصية (قميص أسود شفاف)‬ ‫ال تمهدان لبوح أنثوي يمكن أن تكشفه قصص‬ ‫ال للرجل‪ ،‬وبوصفه مكم ً‬ ‫بوصفها مكم ً‬ ‫لها‪ .‬أمّا النسوية فتتصل بالتعبير عن رؤية ليلى األحــيــدب؛ فــاألســود اكتناز وابتالع‬ ‫المرأة بوصفها عنصراً نقيضاً للذكورة؛ لآلخر‪ ،‬وهو في الوقت نفسه يكشف عن‬ ‫وهنا نلمس حال ًة صدامية نادرة مع اآلخر سلطة وأناقة لون يمتلك من القوة والوضح‬ ‫ال إلقصائه‪ ،‬بل النتزاع بعض ما تظنه حقاً ما يمكنه من االقتراب من اآلخر بثقة‪ ،‬وهو‬ ‫مكتسباً‪.‬‬

‫من ناحية أخرى من أكثر األلوان اقتراباً من‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪41‬‬


‫وجدان المرأة وأحاسيسها‪ ،‬يسرد معاناتها‬

‫وأحالمها في الوقت نفسه؛ ما جعل الحفر‬ ‫المعرفي في ما يبعثه من رموز يحفّز على‬ ‫قــراءة كاشفة للرغبات النفسيّة‪ ،‬وباعثة‬ ‫لآلالم واألحزان‪.‬‬

‫لع ّل وصــف الكاتبة للون األس ــود بأنه‬

‫شفاف لم يكن اعتباط ّياً أو عفو ّياً‪ ،‬إنما‬

‫إع ــان مبكر عــن رغــبــة جامحة بالبوح‪،‬‬ ‫وما أجمل أن تبوح األنثى! وما أصعب أن‬

‫تعترف! إنّه البوح‪ ..‬لغة األنثى عندما تتعسّ ر‬ ‫لغة الكالم‪ ،‬تُلقي من خالله لؤلؤاً‪ ،‬أو تقذف‬

‫مكنون ذاتها المستعر‪ ،‬وفي كلتا الحالتين‬ ‫تُمارس حقها في إبداء الحبّ الجامح‪ ،‬أو‬

‫الرفض لقيود اآلخر الطامح بامتالكها‪.‬‬

‫اإلبــداعــيــة بــعــداً إنــســانـ ّيـاً عــام ـاً؛ فالس ّر‬

‫هــكــذا تــتــحــول الــعــنــاويــن م ــن مــجــرد الدفين قابع في أعماق ك ّل نفس بشريّة‪،‬‬ ‫ملفوظات عابرة إلى نصوص موازية تشكل وهو س ّر موغل بقسوة الواقع والرغبة في‬

‫إض ــاءة للمتلقي‪ ،‬ومفتاحاً لالستشراف‪ ،‬االنفكاك من أســره‪ ،‬فهي تقول مخاطبة‬ ‫فتغدو العناوين رقيق َة اإليــقــاع‪ ،‬محاط ًة اآلخــر‪" :‬وستشعرون حتماً بثقل الصخرة‪،‬‬

‫ولغة ناطقة لباطن الذات مهما ادَّعيتم أنكم ال تعلمون ِسرّي! يكفي أن‬ ‫بشاعرية رامزة‪ٍ ،‬‬ ‫المبدعة‪ ،‬كما في العناوين‪ :‬رغبة‪ ،‬وغرفة‪ ،‬تواف َق على معرفة الس ِّر لتحمل الصخرة‪،‬‬ ‫وحيّز‪ ،‬وقمر‪ ،14‬وكأس‪ ،‬وأحبك‪ ،‬وانكسار‪ ،‬هذه الصخرة لن تغادرَك مهما فعلت"(‪.)1‬‬

‫وخيبة‪ ،‬ومطر‪ ،‬ونساء‪.‬‬

‫لع ّل هذا التحوّل في الخطاب السردي‬

‫لم تتأخر ليلى األحيدب كثيراً في التعبير الذي ينتقل من ضمير المتكلم إلى ضمير‬ ‫عن كينونة المرأة‪ ،‬وبعث ما تعانيه من هموم الغائب يكشف عــن رغبة تعميق لمعاناة‬ ‫وآالم في كتابة إبداعية منتشية بقوة األنثى األنثى‪ ،‬وجعلها بؤرة مركزية للسرد‪ ،‬تنبعث‬ ‫وقــدرتــهــا على الــصــمــود‪ ،‬فهي فــي قصة منها آالم الــذات إلــى المجموع‪ ،‬وهــي في‬

‫(البئر) التي تبدأ بها مجموعتها القصصية الوقت نفسه ترسيخ للهويّة األنثوية في‬

‫‪42‬‬

‫(قميص أس ــود شــفــاف)‪ ،‬تمنح تجربتها الكتابة‪ ،‬وهي هوية جديرة باالهتمام‪ ،‬إذ لم‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫إنّ الس ّر الدفين القابع في أعماق األنثى عالم ذكوري ال يرحم‪ ،‬فكان وصفها لحال‬ ‫ما هو إال مقدمة لسلسلة من االنكسارات األنثى التي ذهب الرجل إلى متعة ظاهرة‬ ‫وإخــفــاقــات الــوجــدان‪ ،‬لتبدأ صراعها مع‬

‫تخفي في طياتها ألماً مضاعفاً‪:‬‬

‫"بينما تدربتْ هي على ابتالع الملح في‬ ‫اآلخر‪ ،‬وهو الرجل الذي يفشل مراراً بفعل‬ ‫(‪)3‬‬ ‫االمــتــاك لــلــذات األنــثــويــة؛ ألنــه ال يُــدرك ك ّل مرةٍ يصحبها للبحر كي تشرب!" ‪.‬‬

‫طبيعة الــذات األنثوية التي تطمع بقليل‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫تعدّ هذه اآلالم منفصلة عن معاناة اآلخرين‪ .‬الراغبة في تصوير مــرارة واقعها في ظل‬

‫فــي قصة (شــهــادة) تتخذ معاناة ليلى‬

‫من االهتمام وكثير من الحبّ ‪ ،‬ففي قصة األحيدب طابعاً إنسانياً؛ لتُظهر أن المرأة‬ ‫(اعــتــراف) تستحضر ليلى األحــيــدب ما مضطهدة فــي كــ ّل مــكــان‪ ،‬لكن بــدرجــات‬ ‫خطته األيام في ذاكرتها من مواقف مؤلمة‪ ،‬تختلف من منطقة إلى أخرى‪.‬‬ ‫وذلك عبر تحوّل في الخطاب إلى ضمير‬ ‫لع ّل براعة الكاتبة في التصوير‪ ،‬وبعث‬ ‫الغائب؛ لكنه تحوّل لم يخرج عن الصراع‬ ‫إحــســاســاتــهــا جعلتها تــوغــل فــي أنسنة‬ ‫ال أن تنجح في‬ ‫المألوف مع آخر ال يعبأ بمشاعر األنثى‪ ،‬المعنوي‪ ،‬وبعث المكنون أم ً‬

‫ورغباتها واحتياجاتها‪ ،‬وال يعترف بوجودها بعث معاناتها وإيصال صوتها إلى أكبر قدر‬ ‫أصــاً‪ ،‬إذ جــاءت هــذه القصة مكثفة في ممكن من اآلخرين‪ ،‬فهي تشعر بأنها تحمل‬

‫ال وروحاً ما تزال تبحث عن جسد‬ ‫عباراتها‪ ،‬معبّرة في مضمونها عن مشهد عبئاً ثقي ً‬ ‫مؤلم ألنثى مستلبة اإلرادة‪ ،‬يُمارس ضدها لتستقر فيه‪ ،‬وليس أبلغ وأرســخ من فكرة‬ ‫المكر والخداع‪:‬‬

‫تنبعث جسداً تبوح بــروح متمردة منتشية‬

‫"أجلسها في أقصى زاويــة اليسار في بعالمها‪ ،‬كما في قصة (عبث)‪:‬‬

‫المقهى‪ ،‬طلب لها شاياً وكأس ماءٍ ‪ ،‬وقال لها‬

‫"الفكرة التي جعلت لها قدمين‪ ،‬ولساناً‬

‫ٍ‬ ‫مترابطة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫جمل‬ ‫ٍ‬ ‫عدة‬ ‫وواضحة‪ ،‬حين رفعت وشفتين‪ ،‬تعي جيداً إمكانية أن تتعثّر واردة‪،‬‬ ‫كأس الماء إلى شفتيها تحول لكتلة ٍ‬ ‫رمل كان أمراً مقبوالً أن تتحوّل لحروف تعوم في‬ ‫سدت حلقا"(‪.)2‬‬

‫إنّ تجسيد الكاتبة إلحساساتها النفسيّة‪،‬‬

‫جمجمتي"(‪.)4‬‬

‫البوح لغة داخلية عميقة‪ ،‬ومناجاة الذات‬

‫وكأنها تنسج ثوباً من األحزان‪ ،‬تبعثه انفعاالً لروحها‪ ،‬ووجــد معتّق ال تجيده إال امــرأة‬ ‫حاداً وروحاً ثائرة في قالب إبداعي قوامه محملة باالنكسارات واآلمال معاً‪ ،‬لذلك فإن‬ ‫الــصــورة‪ ،‬وجوهره مــرارة الــواقــع‪ ،‬كما في ليلى األحيدب تخرج في إبداعها من جسد‬

‫قصة (خروج) التي تبوح فيها بلسان األنثى القصة القصيرة بنسقها التعبيري؛ لتنطلق‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪43‬‬


‫في فضاء النثر باعثة صرختها‪ ،‬كما في خالل مشهد مكاني يعكس سجناً معتماً‪،‬‬ ‫قصة (هدف)‪ ،‬وقصة (انكسار) حيث تقول وشاهداً جديداً على معاناة أنثوية متجددة‪،‬‬ ‫في القصة األولى‪:‬‬ ‫إذ تقول‪:‬‬

‫الكرة لم تعد في ملعبي‬ ‫وال ملعبك‬ ‫الكرة مذ سدَّ دتها نحوي‬ ‫وهي تبحث عن شباك(‪.)5‬‬ ‫في قصة (قميص أسود شفاف) تجسّ د‬

‫الــكــاتــبــة خــصــوصــيــة األن ــث ــى وهــمــومــهــا‪،‬‬

‫وعالقتها بالرجل‪ ،‬ورصد واقعها الوجداني‪،‬‬

‫ضيقة‬ ‫ٍ‬ ‫"هكذا أط ُّل على العالم من غرفة‬ ‫ج ــداً‪ ،‬جدرانها األربــعــة مطلية بالسواد‪،‬‬ ‫شباكها الوحيد في أقصى زاويــة اليسار‪،‬‬ ‫صغير ومغلق بإحكام‪ ،‬الباب غير مرئيّ ‪،‬‬ ‫مخفي في طيات السواد‪ ،‬ليس هناك نتوء‬ ‫يدل عليه وال أكروات عتبة تسرب الضوء أو‬

‫حيث نلمس صــورة مشهديّة ذات هيمنة الهواء‪ ،‬مشقو ٌق في منتصف أحد الجدران‬ ‫إيحائية‪ ،‬وبراعة تصويرية‪ ،‬تلتقط القاصة كل ما يدل عليه خارج الغرفة‪ ،‬أما داخلها‬ ‫ٍ‬ ‫من واقعها ما يعكس روحها الثائرة ووجدانها فسواد‬ ‫مستو وأملس!"(‪.)6‬‬ ‫المستلب‪.‬‬

‫إنّ الــتــعـرّف إلــى مــاهـ ّيــة الــخــطــاب في‬

‫لذلك فإن محاولة القبض على المعنى قصص ليلى األحيدب أم ّر ضروري لم تغفله‬ ‫تجعل سلطة السرد تتراجع لصالح شفافية القاصة في معظم قصصها‪ ،‬كما أنها في‬ ‫البوح‪ ،‬وذلك في مشهديّة واضحة‪ ،‬تنفلت‬

‫الذات من خاللها بشكل يمنح القصة قدراً‬ ‫من التفصيل‪ ،‬ويبعث فيه رؤى متمردة ال‬

‫تقبل االستكانة‪ ،‬ما سمح للصور باالحتشاد‪،‬‬

‫الوقت نفسه لم تُغفل كيفية تشكّل الخطاب‬ ‫بعدما عمدت إلى توظيف قدراتها الفنية‬ ‫في التقاط الفكرة وصياغتها بــرؤى فنية‬

‫وللغة بالتشكّل وفق منظومة جديدة توحّ د ذات وتيرة اتّصاليّة قادرة على إذكاء وتيرة‬ ‫الــذات في مدركات حسيّة نازفة‪ ،‬كما في التلقي‪ ،‬وحمل المتلقي إلى معانقة مضمون‬ ‫قصة (علبة) التي تتبدّ ى الــذات فيها من قصصها‪ ،‬والتأثر ببوحها الشفيف‪.‬‬

‫ * ناقد من األردن‪.‬‬ ‫(‪ )١‬ليلى األحيدب‪ ،‬قميص أسود شفاف‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ميالد للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪1440 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫(‪ )٢‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫(‪ )٣‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫(‪ )٤‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫(‪ )5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫(‪ )6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.51‬‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫■ د‪ .‬خليل نصير*‬

‫الرواية العربية السعودية هي روايــة نسائية بامتياز‪ .‬والسبب في ذلك كثرة النصوص‬ ‫الروائية التي كتبتها المبدعات السعوديات‪ .‬وجاءت ليلى األحيدب لتظهر بينهن بوصفها‬ ‫روائية وقاصة من زمن تبحث فيه الفتاة عن ذاتها داخل النص الهرم الذي ينبش الخراب‬ ‫فيه بالروح‪ ،‬والــذي يشكّ ل معصمً ا قويًا حول يد أي امــرأة يجعلها تغني (أعطني حريتي‬ ‫ـدي)‪ ،‬فلو لم تكن تلك الكلمات لتلك األغنية موجودة الستطاعت المرأة الكاتبة‬ ‫أطلق يـ ّ‬ ‫السعودية أن تبتكر جملة جديدة تقول فيها‪ :‬ها |أنا هنا‪ ،‬فال تبحثوا عن غيري‪ ،‬وال تكونوا‬ ‫األجرأ في اجتياز حاجز النص إلى األنثى التي تستطيع أن تكون‪.‬‬ ‫إن الرواية السعودية النسائية أكثر تراكمًا بجميع الطرائق الممكنة والمتاحة‪.‬‬ ‫وإنتاجً ا في الساحة الثقافية العربية بأكثر‬ ‫عــنــدهــا ظــهــرت ليلى األحــيــدب والــتــي‬ ‫من مائتي رواية في الفترة األخيرة‪ .‬ويشكل‬ ‫ولدت عام (‪1965‬م)‪ ،‬تفوقت ككاتبة وروائية‬ ‫هذا الرقم الكبير ‪ -‬مقارنة بالمنتج الروائي‬ ‫ســعــوديــة‪ ،‬وهــي مــن الكاتبات الملتزمات‬ ‫في السعودية حجمًا مهمًا يحتاج إلى دراسة‬ ‫بكتابة الرواية والقصة القصيرة‪ ،‬نشرت أول‬ ‫خاصة؛ فهذا الهوس الروائي النسائي هو‬ ‫مجموعة قصصية عام ‪1997‬م‪ ،‬وتُرجمت‬ ‫الطفرة المادية التي تحققت في الثمانينيات‬ ‫أعمالها القصصية للغة اإلنجليزية في كتاب‬ ‫مــن الــقــرن الــمــاضــي‪ ،‬وانــتــشــار التعليم‬ ‫(‪ )Beyond the dunes‬ضمن مشروع (موسوعة‬ ‫والتثقيف‪ ،‬وكــثــرة الــمــدارس والجامعات‪،‬‬ ‫وتفوق النساء في ميدان التعليم والتحصيل األدب السعودي)‪ ،‬وترجمت قصصها إلى‬ ‫الــدراســي‪ ،‬ورغبة األنثى في االنعتاق من اللغة اإليطالية ضمن كتاب (زهور عربية)‬ ‫القيود االجتماعية‪ ،‬والبحث عن الشهرة إليزابيال كامرا‪ ،‬وفــي عــام ‪2009‬م نشرت‬ ‫والمجد والتحرر‪ ،‬والميل نحو فرض الذات روايــتــهــا األولـــى (عــيــون الــثــعــالــب)‪ ،‬والتي‬ ‫األنثوية شعوريًا وال شعوريًا‪ ،‬ومواجهة الرجل تناولها عدد من النقاد السعوديين وغيرهم‪،‬‬ ‫بما لديها من طاقات في مجال اإلبــداع‪ ،‬وكانت تكتب على مدى (‪ )18‬عامًا في مجلة‬ ‫والدفاع عن نفسها بكل ما أوتيت من قدرات اليمامة‪ ،‬في زاوية أسبوعية بعنوان (تحوالت‬ ‫وكفايات تخييلية وإبداعية إلسماع صوتها امرأة نهرية)‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ليلى األحيدب‪..‬‬ ‫فتاة النص في زمن تبحث فيه الفتاة عن ذاتها‬

‫‪45‬‬


‫فتاة النص‪ ،‬تلك المجموعة المختلفة في‬ ‫لغتها عن بقية مجموعاتها تخبرنا أن الكتابة‬ ‫أصبحت هــي التي تطلبها‪ ،‬ولــم تعد هي‬ ‫تطلب الكتابة‪ ،‬ولكن وعلى رغم ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫فحوى هذه العملية التي تطلب فيها الكتابة‬ ‫الكاتبة‪ ،‬تكون العملية صعبة وشاقة‪ ،‬ينتج‬ ‫عنها تمزق وجــراح‪ ،‬على رغــم االستسالم‬ ‫وعدم المقاومة تنتزع ليلى الحروف من فم‬ ‫األفعى انتزاعاً‪ ،‬وكأنها هنا تعبّر عن معضلة‬ ‫األنثى مع النص‪ ،‬ألن األنثى تخبئ ما تكتب‬ ‫في أدراجها‪ ،‬وكما فرض عليها المجتمع أن‬ ‫تخبئ حبها في قلبها‪ ،‬وأن تخبئ نظرتها‬ ‫في حدقاتها‪ ،‬وأن تخاف من الكلمة قبل أن‬ ‫تنطقها‪ ،‬وأن تقيسها بمقياس المجتمع قبل‬ ‫كل شــيء‪ ،‬هنا فقط ليلى األحيدب تحمل‬ ‫على األبجدية التصاقها بالذكورة‪ ،‬وتعبّر عن‬ ‫صعوبة انتزاع هذه األداة من مكوّن الثقافة‬ ‫السائدة لتؤكد أن الكاتبة تسعى إلى عذابات‬ ‫اقتناص التعبير‪ ،‬وتنشر مكابدة األلم بغية‬ ‫تسطير الكلمات‪ ،‬بحيث يقرر النص أن‬ ‫الــكــاتــبــة لــم تــخــرج بــعــد مــن فــوهــة بــركــان‬ ‫الــصــراع من أجــل نيل الحرية في النص‪،‬‬ ‫فالحرية ليست كلمة فقط‪ ،‬بل الحرية عبادة‬ ‫وتصرف وتجرؤ على قيود المجتمع‪ ،‬لغتها‬ ‫السردية في (فتاة النص) والتي تتخذ سياقاً‬ ‫وجودياً عبر منافذ التحدي والنزاع‪ ..‬ما هي‬ ‫إال صراع األنوثة مع السطوة الذكورية على‬ ‫الكتابة‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫يصر على تدوين التجربة األولــى‪ ،‬وأنه لم‬ ‫يستطع حتى اآلن‪ ،‬الــخــروج مــن مواضيع‬ ‫تعزيز الحضور األنثوي‪.‬‬

‫ويمكن الــقــول كــذلــك إن األحــيــدب قد‬

‫تفوقت على نفسها في نصها هــذا بشكل‬

‫كبير‪ ،‬بتمثلها لكتابة تجريبية متميزة وفريدة‬ ‫في نوعها في الرواية العربية‪ .‬ومن الصعب‬

‫على القارئ العادي أن يستوعب ما تكتبه‬

‫وتخطه إذا لــم يكن م ــزودًا بثقافة عالية‬ ‫وعالمة وموسوعية‪ ،‬ولم يكن أيضا متسلحا‬ ‫بمعرفة خلفية كافية فــي مــجــال العلوم‬

‫والمعارف وتقنيات الكتابة الروائية‪.‬‬

‫فقد ركزت في (فتاة النص) كثيرا على‬

‫خصوصيات الــمــرأة وهويتها وكينونتها‬

‫كما يظهر أيضاً ومــن خــال النصوص باعتبارها أ ًّمــا‪ ،‬وزوجــة‪ ،‬وبنتا‪ ،‬ومعشوقة‪.‬‬ ‫المنثورة في المجموعة‪ ،‬أن الصوت األنثوي ومــن ثــم‪ ،‬فقد دافعت المبدعة عن تعليم‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫والمتأمل مجموعتها يتأكد أنها تضمنت‬ ‫عــدداً من القصص القصيرة التي كتبتها‬ ‫الــقــاصــة فــي الــفــتــرة مــا بــيــن ع ــام ‪2006‬‬ ‫‪2010‬م وهــي (فتاة النص‪ ،‬مــرآة‪ ،‬قــرار‪،‬‬‫هو‪ ،‬امرأة النشيج المر‪ ،‬لعنة‪ ،‬حرائق‪ ،‬إدانة‪،‬‬ ‫نساء‪ ،‬عصا‪ ،‬حـ‪....‬ل‪ ،‬صحراء الجنة‪ ،‬شرك‪،‬‬ ‫ج ــدران قصيرة‪ ،‬حــافــة‪ ،‬حــريــة‪ ،‬قــاع‪ ،‬سر‪،‬‬ ‫ورقــة‪ ،‬بــاب‪ ،‬مــرآة الصوف‪ ،‬فتى اإلنترنت‪،‬‬ ‫مفتاح‪ ،‬عباءة‪ ،‬لوحة)‪.‬‬

‫فــحــيــن تــقــرأ فــقــط ه ــذا الــمــقــطــع من‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الــمــرأة‪ ،‬وناضلت كثيرًا مــن أجــل تثقيفها الــذات‪ ،‬والتغني بالحب والحرية والحياة‪،‬‬ ‫وتنويرها وتوظيفها‪ .‬ثم‪ ،‬ركزت كثيرًا ريشتها والــثــورة على الــرجــل الــقــاســي المستبد‪،‬‬ ‫المخنوقة على وصف معاناتها المأساوية والتمرد عن العادات والتقاليد والقوانين‬ ‫من جــراء تألمها من االضــطــراب النفسي‬ ‫المحافظة‪ ،‬واستعمال كتابة روائــيــة لها‬ ‫والجسدي والقلق الجواني الذي تتعرض له‬ ‫خصوصيات أسلوبية نسوية‪..‬‬ ‫يوميا بشكل مباشر أو غير مباشر‪.‬‬ ‫المجموعة‪:‬‬ ‫"له سحنة طفل في مجاعة‪ ،‬وطول قزم‬ ‫في سيرك‪ ،‬وروح شيطان في قمقم يتوكأ‬ ‫على عصا مــن الشمع يوقدها ليستطيع‬ ‫المشي على الضوء الشحيح الــذي تمنحه‬ ‫لطريقه‪ ،‬وكلما أوقدها دنا من األرض أكثر‪.‬‬ ‫كثيرون يتأملون العصا‪ ..‬كثيرون يعلمون أنها‬

‫أيضا‪ ..‬يوهمونه أنها‬ ‫وتنوعت القصص ما بين قصص قصيرة ستنطفئ‪ ..‬وكثيرون ً‬ ‫إلى قصص قصيرة جدا‪ ،‬بلغة سردية شديدة تشبه عصا سليمان‪ ..‬وأن الريح ما تزال‬ ‫األناقة‪ ،‬اعتمدت فيها القاصة على تقنيات‬ ‫بعيدة عن شعلته"‪.‬‬ ‫سردية متنوعة‪.‬‬ ‫تتأكد أن خلف األكمة ما خلفها من إبداع‬ ‫كــمــا تــطــفــح هـ ــذه الـ ــروايـ ــة الــنــســائــيــة‬ ‫بمجموعة من الظواهر الموضوعية والفنية‪ ،‬وتعبير ليس له نظير أو مثيل‪.‬‬ ‫االكتئاب والحزن والقلق والوحدة والغربة‬ ‫ولن ننسى أن نؤكد ختاما أن األحيدب‬ ‫الذاتية والمكانية‪ ،‬واستعمال ضمير المتكلم‬ ‫تعد من أهم كاتبات القصة في السعودية‬ ‫والــمــنــولــوج بــكــثــرة للتعبير عــن الــتــذويــت‬ ‫والــعــالــم الــعــربــي‪ ،‬وقــد قــال عنها المبدع‬ ‫الــصــامــت والــنــاطــق‪ ،‬ورصـ ــد االنــفــعــاالت‬ ‫الذاتية‪ ،‬واإلفصاح عن المشاعر الوجدانية‪ ،‬عبداهلل باخشوين قبل سنوات بأنها أفضل‬ ‫والتقاط األهواء الداخلية‪ ،‬واالسترسال في مــن تكتب القصة القصيرة مــن الكاتبات‬ ‫العواطف المنسابة والمشاعر النابعة من عربيًا‪.‬‬ ‫ * ناقد من فلسطين‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪47‬‬


‫شجاعة الحنين في جنّات صغيرة‬ ‫لليلى األحيدب‬ ‫■ د‪ .‬راشد عيسى*‬

‫إيماءة‬

‫مستني قشعريرة تشبه الشجن السعيد‪ ،‬وذهبت‬ ‫أعترف أنني حين قرأت "جنّات صغيرة" َّ‬ ‫بي نسمات الذكريات إلى أواخر الثمانينيات عندما كنت مع كوكبة من الشباب والشابات في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬نحاول فهم الحياة برؤى جديدة‪ ،‬ونتقافز بين المتاح والمحذور‬ ‫بخفّ ة السمك الطيار‪ .‬لذلك أزعم أني أوّل من سَ بَر قصص ليلى وتشوّف مرائيها الكامنة‬ ‫ومراقيها المؤجلة بشغف أديــب شــاب رأى في كتاباتها ما لم ينتبه له اآلخ ــرون‪ ،‬وصــدرت‬ ‫رؤيتي النقدية عام ‪1994‬م في كتاب "معادالت القصة النسائية السعودية"‪ .‬وقد كان الكتاب‬ ‫وتحس ًسا مغامرً ا لمالمح اإلبداع عند القاصات الشابات‪ .‬كانت رؤيتي بسيطة‬ ‫ّ‬ ‫اجتهادًا مني‬ ‫األدوات في ذلك الوقت لكنها ‪ -‬ولي أن أزعم ‪ -‬بعيدة الرصد صادقة التكهّ ن‪.‬‬ ‫شجاعة الحنين‬

‫التي وَعَ ــتْ مكائد الضوء‪ ،‬فاشتبكت معه‬

‫ليلى أديبة متنوعة المواهب‪ ،‬مثل شجرة لتفهم أســراره‪ ،‬ال لتطفئه بالضرورة‪ ،‬بل‪،‬‬ ‫وبرتقال وعنبًا وتـ ّمـرًا في آن لتجرّب قدرتها على صناعة الحياة في أثناء‬ ‫ً‬ ‫تنبت كــرزًا‬ ‫واحد‪ .‬فهي مثقفة وموهوبة وصاحبة رؤيا‪ ،‬رفيفها حول الضوء المخادع‪.‬‬

‫مسة و ّقــادة‪،‬‬ ‫تصدر كتاباتها عن نفس مُشّ ِ‬

‫وهــي في هــذا البوح إنما توقظ زوابــع‬

‫وعــن شفافية حــزن يضاهي ألــم ال ــوردة الشعرية المؤجّ لة فــي موهبتها‪ ،‬بعد أن‬ ‫لحظة مشاهدة المنجل الذي سيقطعها‪.‬‬ ‫جرّبت الكتابة في أنماط متعددة من األدب‪.‬‬ ‫لذلك ســأحــاول بجسارة استثنائية أن وأرى أن هــذا اإليــقــاظ أمــ ّر طبيعي لمن‬ ‫أتنَحّ ى عن الناقد األدبي‪ ،‬إلى قارئ مرتبك يمتلكون األسئلة التي تحرج أسرار الحياة‬

‫نص‪.‬‬ ‫نصا على ّ‬ ‫يكتب ًّ‬

‫وطبائعها‪ ،‬ويبحثوا عن حصة اإلنسان من‬

‫إنّ ما جاء في جنات صغيرة من نصوص كعكة الرضا‪ ،‬تلك الكعكة المزّيفة‪ ،‬فطحين‬ ‫لهو مَواكبُ الفراشات التي نجت من إغواء الكعكة يشبه الرمل‪ ،‬وسكّر الكعكة يشبه‬

‫‪48‬‬

‫المصابيح‪ ،‬أو هو سرب الفراشات الجسورة نوايا الحنظل‪ ،‬وألوان الكعكة فاهية مراوغة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫نهضت طيور التخييل في ملكة ليلى لتعاتب‬ ‫الهواء واألشجار والشمس والبحار واألنهار‬ ‫والحب والصيادين والفخاخ عتابًا يشبه‬ ‫لذة األلم ومسرّات األنين‪ ،‬ال بل هو عتاب‬

‫تجيد التّحدي وترسمُ بالضوءِ‬ ‫لونَ السؤال»‬ ‫فالمقطع السابق سليم الوزن مكتوب وفق‬

‫الحطب للنار‪ ،‬وعــتــاب القمر على غيوم تفعيلة (فعولن)‪ .‬وال أتوقّع أن ليلى قصدت‬ ‫ـص ـدًا‪ ،‬إنــمــا تقاطرت عليها‬ ‫الشتاء‪ .‬إنه شهقات المواجيد المخنوقة‪ ،‬أو إلــى ال ــوزن قـ ّ‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫شمسا‬ ‫ً‬ ‫أمــام قحط اإلجــابــات عن تلك األسئلة األمانيِّ يختار‬

‫زفرات البحر الذي حُ بس في قارورة ‪ -‬كما موسيقى فعولن بعفوية خالصة‪ .‬وتبدو‬ ‫مقاصد الكتابة أو البوح المسنون في مغزى‬ ‫تقول ليلى ‪.-‬‬ ‫فــجــمــيــع الــنــصــوص أاله ــي ــب منقوعة‬

‫بالشعرية الصافية المعتّقة في خوابيها منذ‬ ‫صرخة الميالد‪ .‬ذلك ألن الكون كله حالة‬ ‫شعرية‪ .‬وأي قاص أو روائي أو موسيقيّ أو‬ ‫رسّ ام أو خطاط‪ ..‬أي فنان أصيل‪ ..‬فإنما‬ ‫يحجب في كينونته السّ رانية العميقة حالة‬ ‫شعرية خجولة‪ .‬كــل الفنانين شــعــراء في‬

‫الدالالت المنتشرة كالعناقيد الناضجة في‬ ‫الكروم المنسية‪ ،‬كقولها‪:‬‬

‫أكف عن‬ ‫«أخاف فقط‪ ،‬أن أستسلم‪ ،‬أن َّ‬ ‫الركض عكس الريح وأترك الماء يجري‬ ‫تصب في ما‬ ‫ُّ‬ ‫بي كما يريد البحر‪ ،‬لكنها‬ ‫ال تريد»‪.‬‬ ‫لذلك‪:‬‬

‫األصــل‪ ،‬لكن ظــروف منابتهم تحيلهم إلى‬

‫«للنهر الحق بأن يضحك جداً عند المنبع‪،‬‬ ‫هو أعلم منا‪،‬‬ ‫إن وصل البح َر فلن يرجع» (من قصيدة لي)‪.‬‬

‫ليست قصائد بالمعنى المعرفي الفني‪.‬‬

‫هكذا هو النهر‪ ..‬أقصد اإلنسان يبحث‬

‫فنون أخرى‪.‬‬ ‫هذه النصوص متوهّ جة بالشعرية‪ ،‬لكنها‬

‫فالقصيدة طراز معماريّ تظهر فيه قصدية عن مجراه وهــو ال يعلم أن هــذا المجرى‬ ‫الــبــنــاء الــلــغــوي الموسيقي‪ ،‬وأم ــا الشعر يؤدّي به إلى نهاية محزنة‪.‬‬

‫بمعناه الصافي الطوطمي‪ ،‬فهو موجود في‬

‫من هنا‪ ،‬تجيء بعض المعاني المشعّة‬

‫تفاصيل الحياة اليومية‪ ،‬أو في غابات الحلم عند ليلى لتسوّغ احتجاجها بوجبة تعبيرية‬ ‫الشديد‪ ،‬ومع ذلك لم تن ُج بعض النصوص تشبه طعم األسف أو نكهة الندم‪ ،‬لكأنها هنا‬ ‫من الموسيقى‪:‬‬

‫«والث ـ ـن ـ ـيـ ــن م ـن ـك ـس ــري ـ ِـن ي ـه ـب ــط ظ ــلُّ‬

‫رثّاءة رفّاءة للخيوط المنسولة المتمزقة في‬ ‫ثوب الحلم الخائب‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪49‬‬


‫تلك لعمري كتابة ذات شفافية داللية‬ ‫جارحة النعومة‪ ،‬فاتكة الخفّة والتسامي‪،‬‬ ‫تشبه متعة طفل غريب بريّ حَ ِسبَ نجوم‬ ‫الــســمــاء فــواكــه‪ ،‬فأحضر سلّته ليمألها‬ ‫بالنجوم ثم يوزّعها على عشاق العتمة‪.‬‬ ‫فللعتمة والليل حضور كثيف في شرفات‬ ‫النصوص ونوافذها‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫«لـ ــم نـخـتــر ال ـع ـت ـمــة‪ ،‬ولـ ــم ن ـس ـتــدل على‬ ‫الـضــوء بأنفسنا‪ ،‬لــم نكن نملك نـعــم‪ ،‬ولم‬ ‫نملك ال‪ ..‬كنا فقط نقطع الـطــريــق نحو‬ ‫النصف الذي ُخلِ قنا منه»‪.‬‬ ‫ففي العبارة وميض الهــب يكشف عن‬ ‫قناصة لألنسنة والتشخيص‬ ‫ّ‬ ‫آالم األنوّثة أمام جبروت الذكورة‪ ،‬أو يبين محزونًا‪ .‬فهي‬ ‫عن إشكالية التعالق غير اآلمن بين المرأة حين تقول‪ :‬صباح هــرِ م‪ ،‬وظهيرة شائخة‪.‬‬ ‫والــرجــل‪ ،‬فالحب أن تــشـ ّم عطر ال ــوردة‪ ،‬تعلن عن أسلوبها الفني بوضوح حين تقول‬ ‫والزواج أن تمضغ الوردة‪ .‬وقد مسّ ت ليلى‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫ً‬

‫هــذه القضية بمكر فني لطيف‪ ،‬وبإيماء‬ ‫أعــمــق مــن التصريح‪ ،‬وتــلــك مهمة النص‬ ‫األدبي العظيم‪.‬‬

‫نصوص ليلى في "جنات صغيرة" تؤكد‬ ‫رأي غاستون باشالر بأن الشعر نوع من‬ ‫أحــام اليقظة‪ ،‬وهــي لوحات تتماس مع‬

‫«أشـ ــارك الـمـجــاز سـمــاواتــه كــي ال تجرح‬ ‫سكين المعنى صيامي‪ ،‬أراوغ الوقت‪ ،‬ألوّ نه‬ ‫يكف صقر‬ ‫باألحمر واألصفر واألخضر كي ّ‬ ‫االنتظار عن خمش قلبي»‪.‬‬ ‫فالمجاز هنا ليس ما هو عكس الحقيقة‬

‫تماسا رشيقًا خفيفًا‪ ،‬فحسب‪ ،‬ال بــل هــو فجيعة اإلنــســان أمــام‬ ‫ًّ‬ ‫الفكر والفلسفة‬ ‫من خالل مخيّلة نشطة محبوكة بالمجاز خيبة اإلجابة عن سؤال الطمأنينة أو عن‬ ‫العالي والتصوير الفني الذي خدم فائض سؤال المصير‪ .‬فالنصوص تحمل قيمًا فنية‬

‫فضل عن حملها قيمًا فكريّة‬ ‫ً‬ ‫الداللة‪ ،‬لوحات تشبه ماء فاض عن الكأس متجاوزة‪،‬‬

‫‪50‬‬

‫الممتلئة من ماء سال على حوافها نادمًا رشيقة منسوجة بحياء باهظ‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫الشديد والمتوسط‪ ،‬فالعبارات القصيرة منه في ظ ّل إصرار البحر على ابتالعه‪.‬‬ ‫جدًا كقولها‪:‬‬

‫هنا تعود ليلى إلى حقول براءتها األولى‬

‫«ال تقصر المسافات إال بوعد»‪ ،‬فإنما كما يعود كل العظماء إلى طفوالتهم وإلى‬ ‫هي من ساللة النقوش األبيجرافية التي الحنين ليعيش بين أخــاق الطبيعة‪..‬‬

‫غــــار بــعــيــد ال أصــدقــاء‬ ‫ٍ‬ ‫كان يتركها المطاردون الغرباء والقساوسة والــســكــن ف ــي‬ ‫الــهــاربــون على الــحــجــارة والــصــخــور في ســوى هسهسات الريح وتغاريد الطيور‬ ‫الجبال في إحدى الحقب األوروبية‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫وقــد تــراوحــت الــنــصــوص بين القصر إلى مرحلة الينبوع‪ ،‬أو إلى الجبل الذي نبع‬

‫المهاجرة‪ .‬وهذه العودة تمناها األلماني‬

‫«من يستطيع أن يجفّ ل غزالة على بعد نيتشة حين كتب «ه ـكــذا تكلم زرادشـ ــت»‬ ‫أيضا حين دعا‬ ‫ري الـمــاء!؟» تلك عبارة عميقة وتمناها زميله شوبنهاور ً‬ ‫همسة من ّ‬

‫الصلة بالدفاع عن حق الكائن في االستمتاع إلى البرية من خبث المدنية وعواطفها‬ ‫ّ‬ ‫التجارية‪.‬‬ ‫بالحياة وبالمطالبة بحقوقه المشروعة‪.‬‬ ‫(جنّات صغيرة) واجهات أدبية مشعة‬

‫(جــنــات صــغــيــرة)‪ ..‬قــطــرات مــن ماء‬

‫بأنوار قلبانية‪ ،‬متوهجة بما هو إنساني الشغف الساخن تنتصر بها الكاتبة على‬ ‫وروحــانــي‪ ،‬فهي واجــهــات تــقــاوم البؤس ِخــدع الدنيا‪ ،‬وأكــاذيــب الحلم‪ ..‬ومــراوح‬ ‫مثل شتم الشجرة جرّافة العزلة‪ ،‬وسلطة آدم‪.‬‬ ‫حين تعرّيه‪ً ،‬‬

‫تنوي اقتالعها‪ .‬نصوص فنية تدافع عن‬

‫أعترف بأنني لم اكتب نقدً ا أدبيًا بل‬

‫الحياة باألسئلة وتقليب فاكهة المعنى‪ ،‬كتبتُ تخاطرًا حــ ّرًا‪ ،‬فلم أشــأ أن أكون‬ ‫وتفضح رائحة الهواء المشويّ على حطب مهندسً ا زراعيًا لما تكتبه وتزرعه فالّحة‬

‫الخديعة‪ .‬لذلك تنحو ليلى إلــى أمنية أدبية نبيهة كَ "ليلى األحيدب"‪ ،‬فاألرض‬ ‫مشروعة مختنقة في كهوف الروح الحييّة‪ :‬تعرف وتشهد أن المزارع أعرف "بأخالق"‬ ‫«يغمرني ورد الـ َّـسـ ِـكـيـنــة‪ ..‬أن ينمو لي نباتاته أضعاف معرفة المهندس الزراعي‪.‬‬ ‫جناحان‪ ،‬وينبت ريش كثيف وأحلّق»‪.‬‬

‫شكرًا للمجلة الميمونة الشجاعة التي‬

‫فهي تسعى إلى التماهي بحياة الطير تجيد اختيار المكرَّمين مــن األديــبــات‬

‫بعيدً ا عن أكذوبة اإلنسان‪ ..‬وعن رقابة واألدبــــاء وشــك ـرًا لليلى األحــيــدب وهي‬

‫العقل الصارم‪ ،‬وتلك أمنية النهر للعودة تستصلح األرض البور فنيًا‪.‬‬ ‫ * ناقد من األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪51‬‬


‫ص"‬ ‫الصراعيَّة الض ِّديَّة في "فتاة النَّ ّ‬ ‫ِّ‬ ‫■ محمد سالم جميعان*‬

‫ُعشش فيها الرغبة المقموعة‪،‬‬ ‫النص" متواليةٌ سرديَّة تكشف حاالت األنثى حين ت ِّ‬ ‫ّ‬ ‫"فتاة‬ ‫فثمَّ ة رُهاب من الواقع المُ لتبس‪ .‬لهذا يبدو الصراعُ حا ّد ًا بين الرَّ غبة واإلرادة‪ ،‬ممّ ا ولَّد عالقةً‬ ‫ضدِّ يَّة صراعية بين الذات والذات‪ ،‬وبين هذه واآلخر‪ .‬فالوتيرة النفسية المحرِّكة للساردة‬ ‫تتذبذب بين اإلِ قــدام واإلِ حجام‪ ،‬والجرأة والخوف‪ ،‬فتبدو معادلة األلم واللذّ ة حاضرة في‬ ‫مواقف متعددة في هذه المتوالية القصصية‪.‬‬ ‫ّص" مُ ستقطب ًا لكل حاالت النفي واإلثبات التي تُحرِّك أبعاد‬ ‫َّص األوّل " فتاة الن ّ‬ ‫يبدو الن ّ‬ ‫ّص يُعدُّ بمثابة تكثيف و َم ْر َكزَة لكلِّ ما يليه من نصوص جاءت شارحة‬ ‫الشخصيات‪ ،‬فهذا الن ّ‬ ‫لــه‪ ،‬فهو المتنُ والنصوص األخ ــرى حاشية لــه‪ ،‬بالمعنى التفسيري؛ مــا شكَّ ل بنية ف ّنيَّة‬ ‫للحدث؛ فثمة تصعيد للحدث وإيغال في تكريسه‪ ،‬وتوتير للعالقة الملتهبة بصمت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫"فتاة‬ ‫النص" هنا هي نفسها فتاة الحياة بالنيابة عنها‪ ،‬باستثناء "يحيى" و"هيا"‪،‬‬ ‫دالن على الذُّكورة القامعة‬ ‫المتأرجحة بين برودة الواقع بما هو حالة وهما نموذجان ّ‬ ‫سلب‪ ،‬وبين ْ‬ ‫دفء الجنة المُشتهاة والمُتمنّاة‪ ،‬واألنوثة المقموعة‪ .‬فيحيى عبر النصوص‬ ‫النص‪ /‬خارج الفعل=‬ ‫ّ‬ ‫فتقع أخيراً في جحيم اإلهمال والنَّبذ‪ ،‬وهذه جميعها يحيا خارج‬ ‫هي خالصة العالقة الملتبسة بين الذكورة ففي قصة "نساء" يأتي (األب) ويسأل عن‬ ‫واألنوثة حين يستشرس ذئب الواقع‪.‬‬ ‫موعد الغداء فيتناوله‪ ،‬ويخل ُد إلى قيلولة‬

‫لكنَّ الكاتبة تــراو ُغ واقعها بــروح ثعلبيّة لينام بــأوامــر عــدم إزعــاجــه‪ ،‬ثــم يستيقظ‬ ‫لتمرير خطابها‪ ،‬فما بين مــا هــو داخــل من رقاده ويطلب شاياً مُنعنعاً ثم يستدني‬ ‫ّ‬ ‫النّص وما هو خارج‬ ‫ال‬ ‫النص‪ ،‬مساح ٌة مملوءة الهاتف ويثرثر طويالً‪ ،‬ثم يخرج متسل ً‬ ‫بالمسكوت عنه‪ ،‬وهذا المسكوت عنه هو خوفاً من تعلُّق أطفاله به‪ ،‬ويعود في المساء‬ ‫ّ‬ ‫ما يُمثّل فتاة‬ ‫ال أمام التلفاز‪،‬‬ ‫النص التي ال تعبأ باألسئلة ويطلب عشا ًء ثم يتثاءب طوي ً‬ ‫الجارحة التي يمتلئ بها اآلخر سوا ًء أكان ثم ينام‪ ،‬فيما تبقى هيا تحدِّ ق في الفراغ!‬ ‫شخصاً أم منظومة من القيم الكابحة‪.‬‬ ‫هذه الصورة لعالم الذكورة تُماثلها صورة‬

‫‪52‬‬

‫ما يلفت في هذه المتوالية القصصية الزوج غير المبالي بالرغبة الموؤودة ألنثاه‬ ‫غياب األسماء الدالة على الشخصيات التي في السردية التي حملت عنوان "حرائق"؛ إذ‬ ‫النص‪ ،‬وحضور الضمائر ينشغل بالضرب بأصابعه على لوحة مفاتيح‬ ‫ّ‬ ‫تتحرَّك في فضاء‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫الــحــاســوب‪ ،‬وينتقل إلــى مــوقــع (جــوجــل) مولعاً بالتَّنظير (حروف جامدة) لم تفهم بع ُد‬ ‫للدخول على "الشات"‪ ،‬وبعد أن يفرغ منه (حمّى األبجدية)؛ ولهذا نجد المُذكَّر في‬ ‫يخلع نظارته ويتنهد وينقلب للطرف اآلخر! قصة "عصا"‪" :‬له سحنة طفل في مجاعة‪،‬‬ ‫ويعطيها ظــهــره ويطلب منها أن تُطفئ وطــول قــزم في سيرك‪ ،‬وروح شيطان في‬ ‫الشموع ألنَّ رائحتها تثير حساسيته‪ ،‬ثم "لو قمقم‪ ،‬يتوكأ على عصا من الشمع‪ ،‬يوقدها‬ ‫سمحت أطفئي (األباجورة)‪ ،‬أريد أن أنام‪ ،‬ليستطيع المشي على الضوء الشحيح الذي‬ ‫لديَّ عمل كثير غداً" وينام‪ ،‬فتُطفئ جسدها تمنحه لطريقه‪ ،‬وكلما أوقدها دنا من األرض‬ ‫وتنام‪.‬‬ ‫أكثر‪ ،‬كثيرون يتأملون العصا‪ ..‬كثيرون يعلمون‬

‫النص في داللته العميقة هو الفعل خارج أنها ستنطفئ‪ ..‬وكثيرون أيضاً‪ ..‬يوهمونه‬ ‫ّ‬ ‫النص من مجموعة أنها تشبه عصا سليمان‪ ..‬وأن الريح ما تزال‬ ‫ّ‬ ‫التَّنظير‪ .‬فكما يتألَّف‬ ‫من الكلمات‪ ،‬تتألف العالقة بين الذكورة بعيدة عن شعلته!" وهذه أوصاف تبخيسيّة‬ ‫واألنوثة بيولوجياً من مجموعة من األفعال في حقّ الذكورة الجبانة؛ الذكورة التي تُؤْثر‬ ‫النص فال تجرؤ على أن تكون‬ ‫ّ‬ ‫الجسدية‪ .‬وتبدو العالقة بين "هو" و"هي" البقاء خارج‬ ‫متنافرة كما تبدو في السياق العام للحدث جزءاً من حروفه المحمومة‪.‬‬ ‫كما فــي قصة "فــتــاة الــنــص" على نحو ما‬ ‫في ضوء ما سبق‪ ..‬فللقارئ أ ْن يتأوَّل‬ ‫تُجلّيها المفردات الدالة على الفعل‪ ،‬في الثمانية وعشرين ناباً مُسنَّنا في قصة "حلّ"‬ ‫المتقابالت الضدِّ يَّة التالية‪:‬‬ ‫بأنَّها حــروف األبجدية الجامدة‪ ،‬الرامزة‬ ‫خارج النص‬ ‫حروف جامدة‬ ‫العفّة‬ ‫التخيُّل‬ ‫إطفاء الجهاز‬ ‫مشيئته هو‬ ‫المصلوب في‬ ‫سطور قديمة‬

‫داخل النص‬ ‫حمّى األبجدية‬ ‫اإلغواء‬ ‫الواقع‪ /‬الفعل‬ ‫إشعال الجهاز‬ ‫مشيئتها هي‬ ‫نص جميل‪ /‬نص‬ ‫حي‬

‫في مآلها األخير إلى الذُّكورة القامعة التي‬

‫النص وتأبى أن‬ ‫ّ‬ ‫ال تجرؤ على الدخول في‬ ‫نصاً جــديـاً‪ ،‬لهذا ال تخشاها وال‬ ‫تتشكَّل َّ‬

‫تُقاومها‪ ،‬فمع أنَّ يدها في ك ّل فعل تخرج‬

‫بيضاء من دون سوء‪ ،‬إال أنها ما تزال تأمل‬ ‫أن تقبض قبضة من صدر يحيى لع ّل "حمّى‬

‫األبجدية" تقوده إلى غابة البنفسج‪ .‬إنها‬

‫ـص غير مكتمل‪ ،‬والحالة هذه تتقاطع مع داللة "الباب" كما‬ ‫وألنَّ مــا هــو خــارج الــنـ ّ‬ ‫النص تؤشِّ ر على خــروج "يحيى" تتبدّ ى صورته في هذه المتتالية القصصية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فــإنَّ فتاة‬ ‫نصها‪ ،‬إنها تُموضعه خارج إذ نلحظ أن الباب يكون مغلقاً ثم يكون‬ ‫وأشباهه من ّ‬ ‫ال ثم ينفتح‪ .‬إنه ال يستق ُّر على‬ ‫النص وتحكم عليه باإلقصاء والنَّبذ‪ ،‬فهو موارِ باً قلي ً‬ ‫ال يستحق الدخول إلى غابة البنفسج‪ ،‬كونه حالة واح ــدة‪ ،‬فالعواطف المتقلِّبة كحال‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪53‬‬


‫ال إلى الثعالب"‪ ،‬من صراع بين الذكورة واألنوثة‪،‬‬ ‫الباب تقود أخيراً لمواقعة اإلثم سبي ً‬

‫التحرُّر من إرث األبجدية الجامدة كما في فالمذكَّر المستذئِب مخادع لذاته ولآلخر‪،‬‬ ‫قصة "ح ِّريَّة"‪ ،‬وهي حريّة منقوصة؛ ألنَّها لم ومثقوب بالرغبة المجّ انية الخالية من‬

‫تتحقّق في سياقها الطبيعيّ الذي ينبغي أن مسؤولية االلتزام‪ ،‬إنه الصراع بين التقليدية‬ ‫يكون؛ منقوصة للمؤنَّث كما هي للمذكَّر‪ :‬والــحــداثــة تجاه قضية الــمــرأة‪ .‬إنَّ داللــة‬

‫"تعرف أنه يستلقي على السرير مناصفة مع المرآة كافية لعكس كل الدالالت المخبوءة‬ ‫األخرى! يعبرها ذلك كل ليلة يودعها فيها في هــذه المتوالية القصصية التي تقول‬ ‫ويتوجه لألخرى فقد كانت غيورة وبكّاءة‬ ‫وسريعة العطب"‪.‬‬

‫قضيتها بجرأة مُشبعة باأللم والخُ سران‪،‬‬ ‫حين يكون التنظير لتحرير المرأة صوتاً بال‬

‫األنــثــى فــي هــذه المتوالية القصصية صدى في عالم الذكورة الخشن بتقاليده‬ ‫تبدو معجونة بالقلق والسُّ هد والمصير ونمطيَّته الساكنة والباردة‪.‬‬ ‫المعلَّق بين رؤيتها جنّة محفوفة بالشهوات‪،‬‬ ‫ومزهوداً فيها‪ ،‬تُعاني النبذ واإلهمال‪ .‬وقد‬ ‫احتالت الكاتبة على المعجم اللغوي للفرار‬

‫بهواجسها المكبوتة‪ ،‬فتكتفي بالعبارات‬

‫فطبيعة السرد الذي لجأت إليه الكاتبة‬ ‫يُخلي مسؤوليتها من تبنّي موقف مُعلن من‬ ‫القضية المطروحة في النص‪ ،‬إنها ترسم‬

‫خال من األحكام‬ ‫ٍ‬ ‫ـص‪ ،‬وحتّى الشخصية بحياد سرديّ‬ ‫الوامضة حتى تظلَّ داخــل الــنـ ّ‬ ‫النص الواقعية بكل هواجسها القيمية‪ ،‬فالحدث وتفاعالته عبر التصوير‬ ‫ّ‬ ‫تظلَّ فتاة‬

‫ومخاوفها وحَ ذَرها الموغل في العبارات السردي هو ما يُملي على القارئ في أن‬ ‫المُكنّاة‪ ،‬فالكناية سبيل أبلغ في التعبير عن يكون نصيراً لـ "هــي" أو "هــو"‪ ،‬فكلٌّ منها‬

‫المراد المخبوء بفعل أنياب األفعى الثمانية تُعرّي الكاتبة حقيقته وتفضح مشاعره على‬ ‫مأل من اللغة التصويرية الواصفة إلقدامه‬ ‫ٍ‬ ‫النص هي المرأة العربية‬ ‫ّ‬ ‫والعشرين‪ .‬ففتاة‬ ‫المخبّأة ثمر ًة محرَّمة في الجغرافيا الباردة‪ ،‬أو إحجامه‪ ،‬وهــي الذريعة النفسية التي‬ ‫تتكئ في سبيل تحقيق وجودها على عصا تتقنّع بها الكاتبة لتمرير خطابها‪ ،‬حين‬ ‫بـــأدوات تقليدية‬ ‫ٍ‬ ‫من الشمع للخروج من القمقم‪ .‬إنها والمذكَّر يــؤول التنظير للحداثة‬ ‫مستل َبان لمشيئة خارجة عن مشيئتهما‪.‬‬ ‫كما تعكسها شخصيات هــذه المتوالية‬ ‫إنَّ ليلى األ ُحيدب في مجموعتها هذه لم القصصية‪ ،‬التي جاءت قصيرة في حجمها‬

‫تُفارق ما رسمته في روايتها األولى "عيون لكنّها غنية وباذخة في مدلوالتها‪.‬‬ ‫* شاعر وناقد من األردن‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫قصة صداقة متنازعة بين المواقف واألحاسيس‬ ‫■ هدى الدغفق*‬

‫برغم مرور نحو الثالثين عاما على صداقتنا التي عاصرت شبابها وأدركت كهولتها فلم‬ ‫تشخ بفضل خبرتها الخاصة وبوحها السري المتبادل‪ .‬وبرغم ما في مراهقتها من تقلبات‪،‬‬ ‫فلم تكن مراهقة عابرة بفضل تجاربها االجتماعية واإلبداعية‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫بيني وبين ليلى‬

‫لعل لِ ما كان يحصل لنا من صدامات قاسية أحيانا نتيجة الرفض العائلي الذي يحدث‬ ‫لنا إزاء ممارساتنا لبعض التجارب الثقافية أو الشخصية عواقب؛ فقد أثمرت تلك التجارب‬ ‫نتائجها فيما بعد‪ ،‬حيث استشعرت عائلتانا حماسنا الواضح في مغامراتنا المتواصلة‬ ‫للتعبير عن مواقفنا الفكرية الخاصة والعامة‪.‬‬ ‫عرفتنا الكتابة ببعضنا بعضاً‪ ،‬وجمعتنا‬ ‫الدراسة الجامعية‪ ،‬فقد انتقلت من كليتي‬ ‫التي التحقت بها قبل أن ألتقي بليلى؛‬ ‫أللحق بليلى في كليتها‪ ،‬وتكثر فرص اللقاء‬ ‫فيما بيننا بشكل دائــم على مــدى ثالث‬ ‫سنوات تقريبا‪.‬‬ ‫لم تكن بدايتنا في التعارف كبداية أية‬ ‫عالقة معرفية‪ ،‬بل كانت لها مرتكزاتها‬ ‫ذات الصلة بالفكر والقراءة لما كانت تدفع‬ ‫به حركة النشر والصحافة الثقافية في‬ ‫أواخر الثمانينيات الميالدية لذلك‪ ،‬فقد‬ ‫كان لصداقتنا أســاس متين يقومها كلما‬ ‫انحرفت عن مساره لسبب طارئ‪ .‬فذكريات‬ ‫أيامنا المتزاحمة لــم تــزل تُعلم وتُعرف‬ ‫بأدواتها وعالمات تأثيرها وتأثرها‪ .‬كانت‬ ‫بدايتنا الزاخرة كفيلة بدحض كل المواقف‬

‫السلبية والمعارك الهوجاء التي قد توقعنا‬ ‫الــظــروف المحيطة فيها‪ ،‬وســرعــان ما‬ ‫تسامح إحــدانــا األخــرى وتتسامح معها‪،‬‬ ‫من أجل تلك الصداقة التي تعرضت إلى‬ ‫االختراق كثيرًا ليتجاوزها الهاكرز بعد أن‬ ‫يعرف أن لها مفاتيحها وأسرارها التي لم‬ ‫تكشف عن خباياها إحدانا‪ ،‬ولم يكتشفها‬ ‫ثالث ليحتلها ويحل رباطنا‪ .‬فبيننا من‬ ‫األسرار ما يربو على ثالثين عاما‪ ..‬كوننا‬ ‫متفقتين على غاياتنا ومبادئنا حتى مع‬ ‫اخــتــاف قــنــاعــات إحــدانــا عــن األخ ــرى؛‬ ‫فالخالف ما بيننا هو ما اختلفنا عليه‪ .‬ال‬ ‫تشترط صداقتنا عتباً‪ ،‬وال تتطلب تقديم‬ ‫مبررات أو صكوك غفران‪ ،‬كل واحدة منا‬ ‫تتفهم األخرى دون اعتذار أو شكوى‪.‬‬ ‫كانت لنا لقاءاتنا الزاخرة بالمفاجآت‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪55‬‬


‫المكتنزة بــلــحــوم الــمــشــاريــع والــكــتــابــات‬

‫واألفكار المشتركة والحوارات المتبادلة‪.‬‬

‫مـــيـــراث مـــن ال ــح ــك ــاي ــات لـــه رمــــوزه‬

‫وشفراته التي تعود خزائنها إلى أرشيف‬

‫من األساطير التي أرخناها في كراريس‬ ‫الدراسة‪.‬‬

‫أول رحلة سفر قمت بها بمعزل عن‬

‫عائلتي كانت مع ليلى‪ ،‬وحينذاك غضب‬

‫والدي رحمه اهلل عليّ ‪ ،‬وكانت تلك المرة‬

‫األولى التي أشهد فيها مقدار غضب أبي‬ ‫عليّ ‪.‬‬

‫كانت أمي تسمح لي أن أخرج مع ليلى‬

‫الــتــي ال ألتقي بها إال أوقـــات الــدراســة‬

‫الجامعية‪ ،‬وكــان ذلك أوائــل أيــام دراستي‬ ‫الجامعية؛ إذ كنت أقيم في بيت خالتي‬ ‫ويصعب عليّ الخروج من بيتها برغم موافقة‬

‫أمي‪ ،‬ولكن صرامة خالتي كانت تغنيني عن‬

‫مالقاة ليلى مقابل عدم التعرض للتوبيخ‪.‬‬

‫قبل شهور كان لقاؤنا متزامنا مع مناسبة‬

‫ثقافية كبرى هي معرض الرياض الدولي‬ ‫للكتاب ‪2019‬م‪ ،‬حيث كــان الفرح يطوق‬

‫ليلى ويطوقني‪ ،‬كذلك بطباعة إصداريْنا‬

‫الجديدين‪ ،‬ليفتح ذلك األمر بابا جديدًا من‬

‫الذكريات فيما بيننا بعد غيبة عام ونصف‬ ‫تقريبا‪.‬‬

‫وبــرغــم بــعــض الــمــشــاعــر الــمــمــزوجــة‬

‫بالتنافس وروح الندية‪ ،‬فما يميز صداقتنا‬

‫‪56‬‬

‫أنا وليلى استثمار ذلك التنافس المشروع‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫ليصير حافزنا لخوض مغامرة جديدة تؤتي‬ ‫ثمارها في عمل إبداعي جديد‪ .‬قد توجزنا‬ ‫الخيبات وتغمسنا ظــروفــهــا فــي واقعنا‬ ‫الصعب‪ ،‬فمع مرحلة زواجــي وزواج ليلى‬ ‫اضطررنا الى الغياب‪ ،‬وربما حصلت شبه‬ ‫قطيعة بيننا بسبب بعض الظروف الزوجية‬ ‫التي مررنا بها‪.‬‬ ‫ال استطيع تذكر األسباب بالضبط‪ ،‬ومن‬ ‫وجهة نــظــري‪ ..‬فلعل حاجتي الشخصية‬ ‫البحتة إل ــى اكــتــشــاف حــيــاتــي ومعالجة‬ ‫بعض تغيراتها المفاجئة وتغيري تبعا لها؛‬ ‫اضطرني الى الخلوة والتفكير في نمط‬ ‫حياتي الجديدة‪.‬‬ ‫لم تترك الحياة بتناقضاتها وظروفها‬ ‫وأح ــوال ــه ــا صــداقــتــنــا عــلــى نــقــائــهــا‪ ،‬بل‬ ‫َصمت في جسمها بعض اآلثــار‪ ،‬ولكنها‬ ‫و َ‬ ‫آثار لم تقطع ما بيننا من أواصر احترام‬ ‫وصلنا‪ ،‬لتظهر عالقتنا‬ ‫ومحبة‪ ،‬وظللنا على ْ‬ ‫لكلتينا كالشمس حيث تفيض بكل أحوالها‬ ‫الساطعة‪ ،‬وطاقاتها المضيئة‪ ،‬وأل ــوان‬ ‫خبراتها المغرية‪ ،‬وشتى عزاءاتها ودهشاتها‬ ‫وأساليب مواساتها وسبل عالجها؛ حين‬ ‫تحتاج إحدانا إلى األخرى تجدها معها‪.‬‬ ‫لم تكن لدينا وجهات النظر ذاتها تجاه‬ ‫بعض القضايا اإلبداعية‪ ،‬وربما اختلف‬ ‫موقف إحدانا اإلبداعي األدبــي والفكري‬ ‫من بعض األسماء الثقافية عن األخــرى؛‬ ‫ذلك األمر لم يُحدث بيننا فرقة أو يدفع‬ ‫بإحدانا إلى قطيعة األخرى‪.‬‬


‫التي يقرها مجلس إدارة النادي‪ .‬وربما ال يبدو حرفها مرتدًا إلــى قلب كلمته‪ .‬وال‬ ‫أتفق مع بعض الــقــرارات أو االقتراحات يستوقفني خط األحيدب؛ ألنه أنيق وفخم‬ ‫التي كانت تــنــادي بها األحــيــدب‪ ،‬وتفعل أو لفنيته‪ ،،‬فهو ال يتسم بذلك‪ .‬ولكن لخط‬ ‫الشيء ذاتــه ليلى حين ال تتفق معي في األحيدب استقاللية وخصوصية وجموح‬ ‫بعض آرائي‪.‬‬

‫ولقد دارت بعض السجاالت األدبية‬

‫الثقافية بيني وبين األحيدب‪ ،‬وكم فاجأتني‬

‫بعض ردودها النقدية وانتقاداتها الموجهة‬ ‫لــي شخصيا ال إل ــى مــوقــفــي األدبـ ــي أو‬

‫الثقافي! ولقد كنت أتجاوز ذلك وأتوقف‬

‫عن السجال الذي لن يضيف ما يستحق‪.‬‬ ‫ألنني أكــنّ لألحيدب التقدير واالحــتــرام‬

‫ككاتبة قبل أن تكون صديقة‪.‬‬

‫أكــاد أعــرف ذوق ليلى الفني جيدا‪،‬‬

‫فهي تحب مشاهدة األفالم األجنبية‪ ،‬تحب‬ ‫األغــانــي األجنبية‪ ،‬تهوى الرقص وتحب‬

‫الشاي ساخنا والقهوة العربية‪.‬‬

‫يعبر عن ليلى نفسها وليس سواها‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫مع تجربتينا اإلدارية في النادي األدبي يشبه بقية الــخــطــوط‪ .‬فخطها الــيــدوي‬ ‫بحركة بعض دائرية‬ ‫ٍ‬ ‫بالرياض كنا نختلف على معظم القرارات منكفئ على نفسه‬

‫ولــلــيــلــى أحــزانــهــا الــطــويــلــة وأزمــاتــهــا‬ ‫الــمــتــتــابــعــة‪ ،‬فــهــي عــنــدمــا تكتب قصتها‬ ‫فإنها تحس بها وكأنها تعيش تفاصيلها‬ ‫وأحداثها‪ ..‬حتى أنه بانتهاء كتابتها لقصتها‬ ‫يصيبها الشجن‪ .‬لذلك لم يجانبني الصواب‬ ‫إذا ذكــرت بــأن كتاباتنا اإلبداعية بشكل‬ ‫خاص قد تتداخل مع شخصياتنا‪ ،‬وربما‬ ‫كانت نبوءات لمستقبلنا‪ .‬من أحالمنا ما‬ ‫تحقق‪ ،‬وأهدينا ما لم يتحقق منها لألجيال‬ ‫الجديدة لتعتني به‪.‬‬ ‫بيننا من الذكريات ما يصعب نسيانه‪،‬‬ ‫ولنا من الخبرات المشتركة ما سوف يظل‪.‬‬

‫تميل األحيدب إلى العاطفي في كتاباتها‬ ‫وف ــي قــراءاتــهــا‪ ،‬وأزعـ ــم ب ــأن ليلى تقرا فبليلى غامرت ومعها سأمضي‪.‬‬

‫الشعر أكثر مما يقرؤه الشعراء أنفسهم‪.‬‬ ‫فــي الــحــب كما فــي الــكــراهــيــة‪ ،‬ال تعرف ليلى من كواكب لها وشائجها وروابطها‬ ‫ليلى المرحلة أو الحالة الوسطى في أي المتشابكة بين أمــور وش ــؤون لكل منها‬ ‫شيء‪ .‬تخنقها المجامالت برغم إجادتها إطار وركن واتجاه خاص‪ .‬كما إنه ال يصح‬ ‫ولذلك ال يجوز إحصاء ما بيني وبين‬

‫لمراسمها أحيانا‪.‬‬

‫تعداد أفالك ذكرياتنا أيضا‪ ،‬كي ال تتناقص‬

‫طالما استوقفني خط ليلى‪ ..‬فهو ال وتدوم فضائلها وبركاتها‪.‬‬ ‫* قاصة وشاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪57‬‬


‫ليلى األحيدب‪ ..‬في "عود أزرق"‪:‬‬

‫ال ي ُ ْحبس النهر في بئر‬ ‫■ محمد العامري*‬

‫تنشغل نـصــوص "ع ــود أزرق" للكاتبة الـسـعــوديــة ليلى األح ـيــدب فــي مـ ــدارات الحرية‬ ‫وتجلياتيها السيميولوجية‪ ،‬عبر جملة من النصوص المتوالدة والمتتابعة في موضوعة‬ ‫انـعـتــاق ال ــذات مــن واقـعـهــا الـقــاســي‪ ،‬الـنـصــوص الـتــي تتشح بـعـنــاويــن جانبية تــؤشــر على‬ ‫هواجس رئيسة ترتبط بمفاهيم التفلت والتحرر اللذين ينتابان الشاعرة بوصفها امرأة‬ ‫في مجتمعات محافظة‪ ،‬وذلك عبر بناء سردي متواصل ومحكوم بخيط واحد ينتظم في‬ ‫لظم ألم الذات المحبوسة خلف قضبان اجتماعية مركبة‪ ،‬ويعود ذلك بِ كوْن تلك النصوص‬ ‫نبتت في ظل أجواء حزينة وكئيبة‪ .‬فإذا نظرنا إلى نصوص "عود أزرق"‪ ،‬نستطيع أن نقبض‬ ‫على جملة من اآلالم والهواجس الكابوسية ومكابدات تكاد تكون مستحيلة تجاه ما تتمناه‬ ‫الذات الشاعرة في الحصول على حرية ال حدود لها‪ ،‬إذ تقول في نص "تحليق"‪:‬‬

‫حرة كطائر‪،‬‬ ‫كقفص بال باب‪،‬‬ ‫كبيت بال جدران‪،‬‬ ‫وحدي مع نفسي‪،‬‬ ‫مع أخطائي وأسهمي اإلجبارية‪،‬‬ ‫ال أرض تحتي‪،‬‬ ‫ال سماء فوقي‪،‬‬ ‫وحدي ال (آخر) وال (آخرون)‪.‬‬ ‫فالسرد النثري هنا قائم في جوهره‬

‫على فكرة الصراع بين الذات المتحررة‬

‫والــذاكــرة الجمعية المكبلة بتقاليدها‬ ‫المتكلسة‪ ،‬تلك الجمل التي انتصرت‬

‫‪58‬‬

‫لداللة المعنى وإقصاء غنائية المقطع‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫الــشــعــري لتحقيق الجملة التعبيرية‬ ‫الفاعلة‪ ،‬كما فتحت النصوص مغاليق‬ ‫مــثــالــب محيطها الــمــحــافــظ كنقيض‬ ‫لطموحات الذات الحرة كحرية الطائر‬ ‫الذي يحلق في السماء‪ .‬هذه المقاطع‬ ‫التي جــاءت بعنوان "تحليق" تبين مدى‬ ‫طموح الذات في االنفالت من الجاذبية‪،‬‬ ‫فال تريد بيتًا بال أبواب‪ ،‬وتريد كونًا بال‬ ‫أرض وال سماء‪ ،‬كما لو أنها تنتهج كونا‬ ‫"صفْرياً" ال بداية له وال نهاية‪ ،‬فهي دعوة‬ ‫ِ‬ ‫جلية لنفي كل ما يعيق حريتها‪ ،‬وهي‬ ‫صــورة مــن صــور المبالغة فــي التمني‬ ‫إلعطاء الجملة الشعرية وتسلسالتها‬ ‫قوة هائلة في تحقيق ما تتمناه ولو كان‬


‫ففي "عــود أزرق" يمنح النص نفسه‬

‫طــاقــة تعبيرية وتكثيفا فــي التصوير‬ ‫والبوح‪ ،‬إضافة إلى البعد الداللي بوصف‬

‫األنثى مسلوبة الحرية والوجود‪ ،‬وحينئذ‬ ‫تــتــمــرأى أحــامــهــا بــســيــاقــات صريحة‬ ‫وصــارخــة‪ ،‬فهي تــمــزج بين االستلذاذ‬

‫بالمتخيل والواقع المرير كثنائية ضدية‬ ‫تنتظم فــي مــقــاربــات ومــفــارقــات بين‬ ‫موضع وآخــر‪ ،‬فالعالقة العضوية بين‬

‫الشعر والحرية‪ ،‬عالقة وجــود‪ ،‬بدونها‬ ‫"الــحــريــة" تصبح القصيدة فــي سياق‬ ‫الــمــوت واالنــجــمــاد‪ ،‬فــا بــد مــن حرية‬

‫في التعامل مع الموضوعة اإلنسانية‬ ‫فــي مناخ الشعر وتقنياته وصــوال إلى‬

‫األسلوبية التي تتقمص تلك النصوص‪،‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ذلك من ضرب الخيال‪.‬‬

‫فهي وسيط تعبيري ال يمكن أن ينتظم‬ ‫دون إطالق الخيال في أي موضع تتخلق‬ ‫فيه القصيدة‪ ،‬فهي شرط لقيام النص‬ ‫ومغذيات رئيسة لحياته واستمرايته‪،‬‬ ‫ومــن زاويــة أخــرى نستطيع االستدالل‬ ‫من خالل عتبات النصوص على ظاهرة‬ ‫تتابع األلم في مجمل النصوص وتكريس‬ ‫اإلح ــس ــاس بــالــعــزلــة واالغـ ــتـ ــراب عن‬ ‫المحيط والحيز المعيش؛ فنرى في تلك‬ ‫العناوين والمفتتحات دالالت تنسرب‬ ‫بشكل مباشر بين شرايين النص لتعلن‬ ‫فضح الواقع ومآسيه تارة؛ وتارة أخرى‬ ‫نراه مواربًا فيما يخص هواجس األنثى‬ ‫العربية وطبيعة وجــودهــا المستلب‪،‬‬ ‫ومن تلك العتبات‪" :‬مرايا‪ ،‬وصية‪ ،‬آدم‪،‬‬ ‫الحبر السري للحياة‪ ،‬تحليق‪ ،‬احتماالت‪،‬‬ ‫إيقاع‪ ،‬سيناريو‪ ،‬وعــد‪ ،‬تعليل‪ ،‬حقيقة‪،‬‬ ‫سؤال‪ ،‬منحوتة‪ ،‬نيجاتيف‪ ،‬قبر‪ ،‬وحشة‪،‬‬ ‫انبجاس‪ ،‬متاهة‪ ،‬غيم أســود‪ ،‬عقوبة‪...‬‬ ‫الــخ‪ ،‬تلك العتبات تقودنا إلــى مواضع‬ ‫مؤلمة فــي تمثالت النص وشخصيته‬ ‫المناكفة والمقاوِ مة والمتألمة والحزينة‪،‬‬ ‫للبرهنة واالستدالل على خصائص "عود‬ ‫أزرق" الشعرية‪ ،‬التي تتميز بالكشف عن‬ ‫مسببات نضوب الحرية‪ ،‬وفضح الوحشة‬ ‫والعزلة حد البكاء‪ ،‬في كتابة انتهجت‬ ‫التحلل من األوزان والبحور الشعرية‬ ‫التقليدية‪ ،‬لذلك جاء النص بفيوضات‬ ‫تنثال بألم اللحظة الشعرية‪ ،‬ففي نص‬ ‫"غيم أسود" تقول‪:‬‬

‫‪59‬‬


‫في كل مرة نختلف فيها‬ ‫أسـتـيـقــظ مثقلة بغيم أسـ ــود‪ ،‬صلب‬ ‫كالزجاج وحاد كشفرة موسى‬ ‫في كل مرة نفترق فيها‬ ‫يراودني الشعور ذاته‬ ‫أل ـ ــم ي ـش ـبــه ال ـت ـح ـل ـيــق ووجـ ـ ــع يـشـبــه‬ ‫الحرية‪.‬‬

‫الحسي) وتدفقاته النفسية والعاطفية‬ ‫والذهنية‪ ،‬مساران يكشفان عن عوالم‬ ‫الــذات الداخلية ومكونها االجتماعي‪،‬‬

‫وسياق آخر يتمظهر في استالب القارئ‬

‫وانتباهاته لمناخات جمعية تخصه في‬ ‫جسد النص‪.‬‬

‫وكــــون "عــــود أزرق" يــطــلــق أســئــلــة‬

‫فــحــيــن يــتــحــول الــغــيــم الـ ــذي يحمل ضاغطة على روح ُمنْتِج النص بوصفه‬ ‫الخير والحياة والماء إلى سواد ودَكانة‪ ..‬الحاضنة البيئوية لمؤثرات وتداعيات‬ ‫يعني ذلــك أننا أمــام يــأس هائل ينتاب البيئة الحاضنة المعنوية منها والمادية‬ ‫الكاتبة؛ اليأس الذي يحيط بها من كل الحسية كذلك‪ ،‬بل هي إشارات سيميائية‬ ‫جانب ليشكل موقفا سلبيًا مــن فكرة لــروافــد ومغذيات النص ذاتــه‪ .‬وهناك‬

‫العيش في حياةٍ شاع سوادها‪ ،‬بل نب ٌذ أكثر من مرجعية لمغذيات النص تتمثل‬ ‫للحياة ومحيطها من "تــابــوهــات" تحد في مفردات وجمل منها‪ :‬حرة كطائر‪/‬‬ ‫من قدرة الكائن على التخيل‪ .‬وتتحرك قفص بال أبــواب‪ /‬فمي حر‪ /‬ال يحبس‬ ‫فــي جــســد ه ــذا الــنــص مــفــردات دالــة النهر فــي بئر‪ /‬أطير كريشة ناعمة‪/‬‬ ‫وجلية فــي نكوصها تجاه واقــع معتم‪ ،‬أحلق‪ ،‬تلك المفردات التي تدلنا على‬

‫غيم أســود وصلب كالزجاج وهشاشته طموحات فردية في اقتناص الحرية بكل‬ ‫ووجع الحرية‪ ،‬جمل ومفردات تتابع في تجلياتها اإلنسانية؛ وبالتالي شكلت تلك‬

‫رئيسا من جسد‬ ‫ً‬ ‫سياقات متنوعة لتؤكد هشاشة الواقع العبارات والكلمات جزءًا‬ ‫وبؤسه منها‪ ،‬كماشة تشطرك‪ /‬الواحد النصوص وتــصــورات الكاتبة عنه‪ ،‬من‬

‫معزول في عزلته‪ /‬أنا بدونك‪ /‬منحوتتان خالل التشبيه والتصوير واإليحاء‪ ،‬فهي‬ ‫لخنجر‪ /‬تتوه منك مدينتك‪ /‬مصباح "الكاتبة" تصور محيطها وتداخالته بين‬ ‫االنتظار‪ /‬أهــوي في قــاع الجسد‪ /‬وال الفردي والجمعي عبر جرعة تعبيرية لها‬ ‫يأتي المطر‪ /‬وبمقدار ما تحمل تلك تأثيرها المباشر على القارئ‪ ،‬فالتصوير‬ ‫المفردات من دالالت وعالمات تختص هنا يمتلك حواسً ا تجمع بين المقطع‬ ‫بالعزلة واليأس‪ ،‬فهي رفض صارخ لواقع الــدرامــي والــصــورة السينمائية‪ ،‬وأذكــر‬

‫يتحرك باليومي المعيش‪ ،‬واقع يتحرك هنا قــول الشاعر اليوناني سيونيدس‬

‫‪60‬‬

‫بين مسارين (الخيال والمخيال) و(الواقع الكيوسي‪:‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫"الشعر صورة ناطقة‪،‬‬ ‫أو رسم ناطق‬ ‫وإن الرسم أو التصوير شعر صامت‪.‬‬

‫تندمج فيها مجمل العناصر المغذية‬

‫وسبقه إلى ذلك الجاحظ حين قال‪:‬‬

‫للنص‪ ،‬الــذي يمنحه مساحة مفتوحة‬

‫بمشاهده المتداخلة‪ ،‬يقودنا إلى صيرورة‬

‫"إن الـ ـشـ ـع ــر ص ـ ـنـ ــاعـ ــة‪ ،‬وضـ ـ ـ ــرب مــن على األلـــم‪ ،‬مــن خــال تفجير طاقته‬

‫النسيج‪ ،‬وجنس من التصوير"‪.‬‬

‫الكامنة في شرايين الصياغات القاسية؛‬

‫فقد جاءت الدوافع الالشعورية كمادة وأذكر هنا قول أونوريه دي بلزاك‪" :‬األلم‬ ‫لــايــحــاء المتناقض والــمــتــوافــق معًا‪ ،‬ال نهائي‪ ،‬أما الفرح فمحدود"‪.‬‬ ‫سياق‬ ‫ٍ‬ ‫إذ يتجسد الرفض والتمرد في‬ ‫نــصــوص تــحــك األلـــم حــتــى الــجــص‪،‬‬ ‫تعبيري متدافع وجارف معلنًا عن تصوير‬ ‫وتشيع في قارئها قوة اإلنشاد والمقاومة‬ ‫عتمة الــواقــع نفسه‪ ،‬لذلك أتــت القوة‬ ‫رغم ارتكاسها إلى ذاتنا الجمعية؛ فقد‬ ‫التعبيرية بحجم األوجاع واألحالم معًا‪.‬‬ ‫نبشت المرئي والمعيش لتحوله إلى‬ ‫ففي "عود أزرق" تتدفق صرخة النفس‬ ‫لغة جمالية مؤلمة كالمفردات العصرية‬ ‫معيش يوميٍّ ال فكاك منه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الصادمة تجاه‬ ‫منها‪ :‬النيون‪ ،‬والشوكوالته‪ ،‬والدانتيال‪،‬‬ ‫فالمكان أيضا هو صــورة أخــرى لعتمة‬ ‫وال ــف ــات ــر‪ ،‬واإلس ــم ــن ــت‪ ،‬والــكــمــاشــة‪،‬‬ ‫الذات والبدن‪ ،‬إذ تصبح مدينة الرياض‬ ‫كــمــمــيــزات فــنــيــة وعــصــريــة مــتــداولــة‪،‬‬ ‫شاشة سوداء في قولها‪:‬‬ ‫مــؤشــرات وعــامــات لطبيعة المكان‬

‫الرياض شاشة سوداء مغلقة‬ ‫ال زر فيها‬ ‫وال إعدادات تغيّر شفرتها السرية‬ ‫التي برمجتها معيّة الحب‬ ‫تتوه منك مدينتك األثيرة‬ ‫تتحول إلرم المهجورة بال عمد‪.‬‬

‫هنا‪ ،‬يتحول‬ ‫أخــرى لليأس‬ ‫الكاتبة القناع‬ ‫مقارباتها بين‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫وإرم المهجورة بال عمد‪ ،‬فسياق النص‬

‫وعصريته‪ ،‬من شأنه أن يراكم حصيلة‬ ‫مهمة في معطيات النص ومغذياته التي‬ ‫تمكّننا مــن تــأويــل مضاعف فــي قــراءة‬ ‫ظواهر النص وبواطنه‪ ،‬بوصف الكاتبة‬ ‫لسان حالها ومجتمعها‪ ،‬فثنائية األلم‬

‫الحيز المكاني إلى جملة والعزلة شكلتا واقعًا جمعيًا يتحرك فيه‬ ‫والتشكي‪ ،‬إذ استخدمت اإلنسان‪ ،‬حتى أضحى الواقع المحرك‬ ‫الميثولوجي والديني في األساس في طبائع النص الشعري لليلى‬ ‫شاشة الرياض المعتمة األحيدب‪.‬‬

‫* كاتب من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪61‬‬


‫الكاتبة ليلى األحيدب‪:‬‬ ‫مبيعا‬ ‫الكتب األكثر‬ ‫ً‬ ‫عبارة مخادعة ال يلتفت المبدع الحقيقي إليها‬ ‫كاتبة سـعــوديــة‪ ،‬وعـضــو فــي مجلس ن ــادي الــريــاض األدب ــي‪ ،‬شغلت منصب مــديــرة إدارة‬ ‫اإلعالم التربوي بتعليم الرياض للفترة ‪2015-2000‬م‪ ،‬نشرت أول مجموعة قصصية لها عام‬ ‫‪1997‬م‪ ،‬وتُرجمت أعمالها القصصية للغة اإلنجليزية في كتاب (‪ )Beyond the dunes‬ضمن‬ ‫مشروع (موسوعة األدب السعودي)‪ ،‬وترجمت قصصها إلــى اللغة اإليطالية ضمن كتاب‬ ‫(زهور عربية) إليزابيال كامرا‪ ،‬وفي عام ‪2009‬م نشرت روايتها األولى (عيون الثعالب)‪ ،‬وقد‬ ‫تناولها عدد من النقاد السعوديين وغيرهم‪ ،‬وكانت تكتب على مدى (‪ )18‬عامً ا في مجلة‬ ‫اليمامة‪ ،‬في زاوية أسبوعية بعنوان (تحوالت امرأة نهرية)‪.‬‬ ‫لها العديد من المؤلفات منها‪" :‬البحث عن يوم سابع"‪ ،‬مجموعة قصصية (‪1997‬م)‪.‬‬ ‫"عيون الثعالب" رواية (‪2009‬م)‪" ،‬فتاة النص"‪ ،‬مجموعة قصصية (‪2011‬م)‪" ،‬جنات صغيرة"‬ ‫‪2015‬م‪" ،‬قميص أسود شفاف" و"عود أزرق"‪٢٠١٩‬م‪.‬‬ ‫كان للجوبه معها هذا الحوار حول بعض القضايا الثقافية مؤلفاتها‪.‬‬ ‫■ حاورتها‪ :‬هدى الدعفق‬

‫‪62‬‬

‫ ¦يــاحــظ م ــن ي ـقــرا قـصـصــك ونـصــوصــك ‪ρ ρ‬أعتقد أن خلق النص حالة خاصة جدا‬ ‫األخ ـي ــرة م ـقــارنــة بـمـقــاالتــك ال ـتــي كنت‬ ‫تنمو بعيدًا عن اآلخرين‪ ،‬بينما المقاالت‬ ‫تكتبينها وال ـحــوارات التي أجريت معك‬ ‫والحوارات تحديدًا تأتي برفقة آخرين‪.‬‬ ‫ِح ــدّ ة لغتك فــي الـصـحــافــة‪ ،‬بينما تأتي‬ ‫خُ لق النص ليتخمر وينضج بهدوء‪ ،‬بينما‬ ‫لـغـتــك اإلب ــداع ـي ــة شــاعــريــة‪ .‬ف ـ ّـس ــري لنا‬ ‫يــبــدو الــحــوار تفاعليا يتطلب شجاعة‬ ‫هذا االختالف بين ما هو مقالي وما هو‬ ‫ذكرت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الحدّة كما‬ ‫تقترب من ِ‬ ‫إبداعي‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫الجوائز األدبية بال شك محفزة‬ ‫على اإلبداع إذا ما ابتعدت عن‬ ‫العشوائية والمجاملة وكسب‬ ‫المواقف‪.‬‬

‫كتابة المقال الثقافي الذي يلقي الضوء‬ ‫عــلــى الــحــالــة اإلبــداعــيــة مــن جوانبها‬ ‫المختلفة ضــــرورة‪ .‬غــالــبــا مــا تشدني‬ ‫نصا أو‬ ‫كتابات المبدعين حينما يتناولون ً‬ ‫يقرأون مشهدا ككتابات عبداهلل السفر‬ ‫ومحمد الحرز مثال‪ ،‬فانا أجد في كتابتهم‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ ¦مـ ــا رأي ـ ـ ــك ب ـب ـع ــض الـ ـظ ــواه ــر ال ـحــال ـيــة ‪ρ ρ‬ال أحبذ أي منهما البتة‪ ،‬فأنا أفضل أن‬ ‫انعت بالكاتبة وحــســب‪ ،‬حيث أن هذا‬ ‫الـتــي يـقـ َّيــم اإلبـ ــداع عـلــى أســاسـهــا مثل‪:‬‬ ‫الوصف ال يقيد وال يحد‪.‬‬ ‫الـكـتــب األك ـثــر مـبـيــعً ــا‪ /‬الـجــوائــز األدبـيــة‬ ‫‪/‬الـمـســابـقــات الـشـعــريــة وال ـســرديــة؟ ومــا ¦ماذا أضافت إليك تجربة كتابة الرواية؟‬ ‫تأثير تلك األفكار على الحالة الثقافية‬ ‫‪ρ ρ‬ال أدري إن كانت أضافت لي شيئا جديدا‬ ‫وعلى نظرة األجيال األدبية الشابة؟‬ ‫غــيــر مــا يمكن أن يضيفه كــتــابــة نص‬ ‫‪ρ ρ‬الــكــتــب األكــثــر مبيعًا عــبــارة مخادعة‬ ‫قصصي أو نص مفتوح‪ ،‬فالرواية تجربة‬ ‫ال يلتفت المبدع الحقيقي إليها‪ ،‬وال‬ ‫أتعايش فيها مع الشخوص وقتا طويال‪،‬‬ ‫يسعى إلى متابعتها‪ ،‬وال تحبطه نتائجها‬ ‫وأشعر بحيواتهم بين يدي‪ ..‬خالف النص‬ ‫المعروفة مسبقا‪ ،‬فتلك دعاية ترويجية‬ ‫القصصي‪ ،‬فهو ومضة بالكاد تمسك‬ ‫واضحة ومكشوفة‪.‬‬ ‫فيها بالنص‪ ،‬في ظني أن كتابة النص‬ ‫القصصي أكثر متعة وإث ــارة مــن كتابة‬ ‫أمـــا الــجــوائــز األدب ــي ــة فــهــي ب ــا شك‬ ‫نص روائــي طويل‪ ،‬مع األخــذ باالعتبار‬ ‫محفزة على اإلبــداع إذا ما ابتعدت عن‬ ‫أن تجربتي في كتابة الرواية محدودة‪،‬‬ ‫العشوائية والمجاملة وكسب المواقف‪،‬‬ ‫وقد أغير من رأيي الحقًا لو اتسعت هذه‬ ‫وقد تبدو المسابقات اإلبداعية مطلوبة‬ ‫التجربة وخضت غمارها ثانية‪.‬‬ ‫ومهمة للفرز المبدئي كعتبة أولى تقدم‬ ‫لنا مواهب شابة خاصة حين تصدر عن ¦ك ـت ـب ــت الـ ـمـ ـق ــال ــة ال ـث ـق ــاف ـي ــة فـ ــي بـعــض‬ ‫الـصـحــف وال ـم ـجــات الـمـتـخـصـصــة في‬ ‫المؤسسات التعليمية‪ ،‬ويفترض أن ال‬ ‫األدب‪ .‬ت ـ ــرى ب ـ ـمـ ــاذا خ ــرج ــت مـ ــن تـلــك‬ ‫تتعدى ذلك‪.‬‬ ‫التجربة؟‬ ‫ ¦قاصة وروائية‪ ،‬ما أقرب اللقبين األدبيين‬ ‫‪ρ ρ‬في ظل ندرة النقد وتواري النقاد خلف‬ ‫إلى نفسك؟ ولماذا؟‬ ‫نظريات معلبة مخصصة لقاعات الدرس‪،‬‬ ‫أفضل أن انعت بالكاتبة وحسب‪،‬‬ ‫وتحول هؤالء النقاد للكتابة االستهالكية‬ ‫فهذا الوصف غير مقيد‪.‬‬ ‫التي ال تثمر وال تواكب النصوص‪ ،‬فإن‬

‫‪63‬‬


‫الصحافة الورقية تحتضر‪ ،‬وال‬ ‫جدوى من إنعاشها مالم تتحول‬ ‫رقميً ا‪ ،‬وتواكب االنفتاح الكبير في‬ ‫التقنية وتنوع مصادر معلوماتها‪.‬‬ ‫ما يسمى بالقصة التويترية عبث‬ ‫في عبث‪ ،‬وال يمكن ان تقود إلى‬ ‫شيء حقيقي؛ ألنها مدفوعة باللعب‬ ‫على عداد الكلمات‪ ،‬والقصة لها‬ ‫شهقتها التي ال يمكن تحجيمها ب‬ ‫(‪ )١٤٠‬حرفا‪.‬‬ ‫الشرارة التي تحفز أو تطمئن‪ ،‬بينما أجد‬ ‫صعوبة كبيرة في تتبع ما يكتبه النقاد‬ ‫اآلن‪ ..‬فهو بعيد وغير مؤثر بالنسبة لي‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫تلك الفترة لم تشهد انفتاحا تقنيا‪ ،‬إال‬ ‫أنها شهدت صراعً ا فكريًا بين تيارين‪،‬‬ ‫وهو صراع برغم عنفه أورث لنا عقوال‬ ‫مستنيرة‪ ،‬وخلق لنا حالة إبداعية شديدة‬ ‫الخصوصية‪ ،‬وغير قابلة للكسر‪ ..‬علمتنا‬ ‫الترميز والكتابة بلغة تحمي نفسها‪ ،‬وال‬ ‫شك في أن هــذه الوسائل أسهمت في‬ ‫نضج تجاربنا كتابا وصحفيين‪.‬‬ ‫أما اآلن فالصحافة الورقية تحتضر‪ ،‬وال‬ ‫جدوى من إنعاشها مالم تتحول رقميًا‪،‬‬ ‫وتواكب هذا االنفتاح الكبير في التقنية‬ ‫وتــنــوع مــصــادر معلوماتها مــع طغيان‬ ‫الصورة واللقطة على الكلمة التي كانت‬ ‫عصب الصحافة الثقافية‪.‬‬

‫ ¦هل تعتقدين أن المقال ما يزال يحتفظ ¦كعضو مجلس إدارة في نادٍ ادبي ومسؤولة‬ ‫بــأهـمـيـتــه وتــأث ـيــره ال ـقــرائــي ف ــي العصر‬ ‫في لجنة اإلصدارات‪ .‬ماذا أضافت إليك‬ ‫الراهن؟‬ ‫هاتان التجربتان في العمل على خدمة‬ ‫الثقافة واألدب؟‬ ‫‪ρ ρ‬المقال يحتفظ بأهميته باستمرار‪ ،‬فهو‬ ‫كالضوء ينير عتمة المشهد‪ ،‬خاصة إن ‪ρ ρ‬ال أستطيع أن أحكم على تجربتي اآلن‬ ‫كــان الكاتب واعيًا ونزيهًا وصــاد ًقــا في‬ ‫من حيث نجاحها أو فشلها‪ ،‬فهي حلقة‬ ‫تشريح وتفكيك ما يــدور من حوله في‬ ‫من سالسل عديدة‪..‬‬ ‫هذا العالم‪.‬‬ ‫لكنني أستطيع أن أقول إنني اجتهدت كي‬ ‫ ¦وأنـ ــت م ـمــن كـتـبــن ف ــي ال ـص ـحــافــة؛ كيف‬ ‫أحفظ للمبدع حصته في النشر‪ .‬وهي‬ ‫تـ ـنـ ـظ ــري ــن إل ـ ـ ــى الـ ـصـ ـح ــاف ــة ال ـث ـق ــاف ـي ــة‬ ‫حصة تتراجع في ظل الطلب المتزايد‬ ‫الــورق ـيــة مـقــارنــة بـمــا كــانــت عليه أواخ ــر‬ ‫على نشر الرسائل األكاديمية التي في‬ ‫الثمانينيات؟‬ ‫رأيــي مكانها الجامعات وكراسي األدب‬ ‫فيه‪ ،‬وليس النوادي األدبية التي يفترض‬ ‫‪ρ ρ‬الحالة في الثمانينيات ال تتكرر أبــدا‪،‬‬ ‫أن تكون نافذة إبداعية‪ ،‬فما يزال كاتبو‬ ‫وال يمكن مــقــارنــتــهــا بــمــا ينشر اآلن‪،‬‬ ‫الرسائل األكاديمية ينافسون المبدع‬ ‫فللثمانينيات وه ــج أخـ ــرج لــنــا كـ ّتــابـاً‬ ‫في مكانه‪ ،‬بينما أمكنتهم في الجامعات‬ ‫متميزين وصحفيين متمرسين‪ ،‬ومع أن‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫من التجارب التي تخرجها عن إطارها‬ ‫كومضة قصصية حرة نوعا ما‪ .‬من وجهة‬ ‫نظرك ما أكثر ما يميز القصة القصيرة‬ ‫ج ــدا‪ ،‬أو بالمعنى االف ـتــراضــي الـســائــد‪:‬‬ ‫الـقـصــة الـتــويـتــريــة؟ وم ــا ال ــذي يعيبها؟‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫محفوظة لهم‪ ،‬وال يستطيع المبدع الولوج‬ ‫إليها‪ .‬هل سمعت بجامعة نشرت كتبا‬ ‫إبداعية؟ وبرغم أن األكاديميين يقتاتون‬ ‫على نص المبدع دراســة وتحليال‪ ،‬فهم‬ ‫يزاحمونه على مكانه في النوادي األدبية‪.‬‬ ‫وهــي ظــاهــرة تسترعي االلــتــفــات إليها‬ ‫ومعالجتها ووضع حد لها‪.‬‬

‫لخصائصها‪ ،‬ولكنها تتعرض إلــى كثير‬

‫وإلــى أي حد تتفقين مع من يــرى بأنها‬

‫ ¦ص ــدر لــك ه ــذا ال ـعــام كـتــابــان إبــداع ـيــان‪:‬‬ ‫(عــود أزرق) نصوص‪ ،‬ثــم‪( :‬قميص أسود‬ ‫والمؤقت‪ .‬وأنه لن يبقى طويال؟‬ ‫شفاف) قصص‪ ،‬فلماذا أصــدرت كتابين‬ ‫معً ا هذه المرة؟‬ ‫‪ρ ρ‬مــا يسمى بالقصة التويترية عبث في‬

‫أسـ ـل ــوب م ــن الـ ـس ــرد اإلبـ ــداعـ ــي ال ـط ــارئ‬

‫‪ρ ρ‬لــم أتعمد إصــدارهــمــا معا‪ ،‬تأخر نشر‬ ‫مجموعتي القصصية كثيرا‪ ،‬وبالتالي كان‬ ‫(عود أزرق) جاهزًا للنشر‪ ،‬فنشرتهما معا‪.‬‬

‫ ¦لـ ـ ـم ـ ــاذا ت ـ ــأخ ـ ــرت ف ـ ــي نـ ـش ــر م ـج ـمــوع ـتــك‬ ‫القصصية (قميص أسود شفاف)؟‬ ‫‪ρ ρ‬لــم يــكــن األمـــر بــيــدي‪ ،‬حــاولــت نشرها‬ ‫عبر األندية األدبية ولم أوفق‪ ،‬لم أتقدم‬ ‫لنشرها في نادي الرياض؛ ألننا كمجلس‬ ‫إدارة توافقنا على عــدم نشر إنتاجنا‬ ‫كأعضاء ما دمنا في المجلس‪ ،‬مع أن‬ ‫الالئحة ال تنص على عدم نظامية ذلك‪.‬‬ ‫لكنني أرى أن من النبل والنزاهة أن ال‬ ‫يستغل األعضاء عضويتهم لنشر كتبهم‪،‬‬ ‫وقد يدخل في ذلك المحاباة والمجاملة‬ ‫ـواد تنشر كتب‬ ‫أيــضــا‪ ..‬مــع أن هــنــاك ن ـ ٍ‬ ‫أعضائها‪ ،‬وهي كتب ال تستحق النشر مع‬ ‫األسف‪.‬‬ ‫ ¦ت ـكــاد الـقـصــة الـقـصـيــرة ج ــدا أن تؤسس‬

‫عــبــث‪ ،‬وال يــمــكــن أن تــقــود إل ــى شــيء‬ ‫حقيقي؛ ألنها مدفوعة باللعب على عداد‬ ‫الكلمات‪ ،‬أنــت كمبدع ال تدخل لطقس‬ ‫الكتابة كما تدخل الى لعبة وتحدٍّ مرسوم‬ ‫الحواف‪ ،‬القصة لها شهقتها التي ال يمكن‬ ‫تحجيمها بـ(‪ )١٤٠‬حرفا‪ ،‬قد تكتب قصة‬ ‫بعدد حروف أقل‪ ..‬لكنه سيظل خيارك‬ ‫أنــت ال تحدي عــداد تويتر‪ .‬مع األسف‬ ‫القصة القصيرة جدا التي أقرأها تجارب‬ ‫بعض مَن يسمون أنفسهم أبطاال في هذا‬ ‫الفن قصة (روبوت)‪ ،‬إنها قصة آلية بال‬ ‫روح وال حــس وال حــيــاة‪ .‬بينما القصة‬ ‫الحقيقة نص حي يقرر عدد كلماته بذاته‬ ‫يبدأ حين تلح عليك فكرة أو مشهد أو‬ ‫صــورة‪ ،‬وينتهي حين تكمل شهقتك‪ ،‬ال‬ ‫تبدأ القصة بحشرها في علبة الـ(‪)١٤٠‬‬ ‫حرفا‪ ،‬أما هذه فليست قصة بل غصة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪65‬‬


‫بياض أنثى‬

‫■ حليم الفرجي*‬

‫عجل فــي فجرٍ مــاطــرٍ ونهضت لترعى إخــوتــي‪ ،‬ويـبــدو أيـضـ ًا أن أبي‬ ‫ٍ‬ ‫وضعتني أمــي على‬ ‫أرسلني إلى رحمها على عجل‪ ،‬حيث كانت الحياة قديم ًا ال تمهلهم كي يلموا بالتفاصيل‬ ‫الجميلة للعالقات‪ .‬فخلقت عجولة‪ ،‬يضيق صــدري من التفاصيل المسهبة‪ ،‬كنت طفلة‬ ‫مزعجة دائمة البكاء‪ ،‬كثير ًا ما تعرضت للسخرية كلما خرجت للعب مع أطفال القرية‪ ،‬فإذا‬ ‫فملت للوحدة‪.‬‬ ‫دت للمنزل‪ ..‬تعرضت للعقاب دون سبب مقنع‪ ،‬أصبحت دائمة االنزواء‪ِ ،‬‬ ‫ما عُ ُ‬ ‫كانت أمي تردد على مسامعي كلما بدأت تبديل بجانبي وتظاهرت بالنوم‪ ،‬وال تفتح عينيها حتى‬ ‫مالبسي بلهجتها القروية (هذا حق الناس)‪ ،‬وتشير أقبلها‪ ..‬فتبتسم كمالك‪ ..‬وتنهض لتكمل لعبها‪.‬‬ ‫إلى كامل جسدي مشمئزة‪ ،‬كنت أشعر بأني أحمل‬ ‫صحوت هــذا اليوم بمزاج ســيّ ء‪ ،‬ال رغبة لي‬ ‫خطيئة وأتنقل بها أينما ذهبت‪ ،‬فالجميع يراقب‬ ‫باللعب مع طفلتي‪ ،‬هناك شــيء يدفعني ألتذكر‬ ‫هذا الجسد وكأنه خُ لق للنار‪.‬‬ ‫أحــداث ـاً مثقلة مضت في طفولتي‪ ،‬تقترب مني‬ ‫كبرتُ وأنــا اخشى النظر أو التعامل مع (حق‬ ‫كي نلعب سويا‪ ،‬أشيح بوجهي عنها‪ ،‬أحاول الهرب‬ ‫الناس) الذي أودعوه لدي‪ .‬دفنتُ أنوثتي‪ ..‬وكرهت‬ ‫النظر في المرآة لجسد ال أملكه‪ ،‬ولم أجرؤ على بعيداً‪ ،‬أغمض عينيَّ ‪ ،‬فتقلدني ببراءتها المعتادة‪،‬‬ ‫لمس معالمه التي اعتبرتها قبيحة‪ ،‬وحاولت دفن مددت يديّ نحوها وأحكمتها حولها بقوة‪ ،‬ابتسمت‬ ‫وأنا أرى أمي وخاالتي وجدتي ونساء الجيران وكل‬ ‫تلك التغيرات المتتابعة‪.‬‬ ‫كرهت جسدي‪ ،‬فوهبته ألول متسلق جاء يطلبني نساء العالم يضحكن لــي‪ ،‬فككت قيوداً كبلتني‪،‬‬ ‫للزواج‪ ،‬كي يحمل عني عبء هذه (الخطيئة)‪ ،‬وبدالً يتساقط المطر غزيراً كيوم مولدي‪ ،‬فصول عدة‬ ‫من أن يحررني منها‪ ..‬قيدني لرغباته الدائمة‪ .‬تتتابع عليّ ‪ ،‬أحــاول فتح عينيَّ ‪ ،‬شيء ما يخنقني‬ ‫فنزع عني تاج أنوثتي على عجل‪ ،‬نعم مضى كل وأي ــادٍ عــدة تمتد لعنقي‪ ،‬أحــاول الــفــرار فتتفرق‬ ‫شيء على عجل تماماً كمجيئي للحياة‪.‬‬ ‫الطرق أمامي ويواصل المطر النقر على النافذة‪.‬‬

‫لم أستوعب صدمة وجودي معه كأنثى يتسلقها‬ ‫استيقظت أخيراً‪ ،‬حملت طفلتي وقبلتها ككل‬ ‫كلما أراد متعة أو تغيير رتابة ليله‪.‬‬ ‫مــرة نلعب فيها‪ ،‬ولكنها لــم تستجب لقبالتي‪،‬‬ ‫مضت األيام تباعاً‪ ،‬أصبحت أ ّمًا‪ ،‬وها أنا أيضاً أخبرتها بأن اللعبة انتهت‪ ..‬ولكنها استسلمت للنوم‬ ‫أتجنب النظر لجسد طفلتي وهــي تكبر أمامي‪ .‬الطويل‪.‬‬ ‫أيعقل أن تحمل هــي خطيئتي نفسها الــتــي لم‬ ‫سيدي القاضي‪ :‬أقسم لك أنه لم يكن خطئي‪،‬‬ ‫أرتكبها! أنظر إلى براءتها وهي تلعب أمامي‪ ،‬أسرح‬ ‫بعيدًا‪ ،‬أهرب من كابوس مزعج بات يتكرر عليّ كلما فقط طفلتي آثرت أن تنام باكراً ذلك الصباح‪ ،‬باكراً‬ ‫لجأت للنوم‪ .‬وكلما رأتني مغمضة عينيَّ ‪ ،..‬تكورت جداً‪ ..‬وتركتني بمفردي أنتظر أن تستيقظ ثانية‪.‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫المتقاعد‬ ‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫ت ّ َغ َيرَتْ عاداته اليومية وانقلبت على عَ ِقبِ ها‪ ،‬بعد أن تقاعد من عمله؛ فصار‬ ‫َعيب عليهم سلوكياتهم‪،‬‬ ‫يصحو باكر ًا على غير عادته‪ ،‬وينتقد ت َ​َصرُّ فات األبناء‪ ،‬وي ُ‬ ‫ويتدخل في طرائق مالبسهم وألوانها‪ ،‬وحالقةِ رؤوسـهــم‪ ،‬وسَ هَرهم‪ ،‬ومتابعتهم‬ ‫َّ‬ ‫لكرة القدم اإلسبانية‪.‬‬ ‫كثُ رَتْ انتقاداتُهُ وصار دائم التشكّ ي والمزاجية‪ ،‬حتى وصل االنتقاد لزوجته؛‬ ‫َض ٍب وهي تقوده من‬ ‫مُ َت َبرِّم ًا من ضيقها من وجوده الطويل في البيت‪ .‬هَ مْ َهم َْت بِ غ َ‬ ‫يده أمام أوالده وأخذته إلى غرفتهما‪ .‬أغلقت الباب وقالت بانفعال‪:‬‬ ‫َس‪".‬‬ ‫‪" -‬لح ّد هون وب ْ‬

‫وب ّررَت مطلبها مُؤ ِّك َدةً‪:‬‬

‫ـأهُ‬ ‫لم ينبس بكلمة واح ــدة؛ ما جَ َعل َها ‪" -‬يجب ان تس ّد الــفــراغ الــذي َم ـ َ َ‬ ‫فاع‪:‬‬ ‫تُ َع ِّب ُر عن ضيقِ ها باندِ ٍ‬ ‫التقاعد‪".‬‬ ‫ "منذ أن تقاعدت وأنــتَ ال هَ ـ َّم لك‬‫سوى التذمُّرِ ‪ ،‬والتشكّي‪ ،‬وانتقادنا‬ ‫أي عمل‪ ،‬المهم أن ال تشتغل‬ ‫"ج ـ ْد َّ‬ ‫جميعاً‪ ،‬حتى كــادت انتقاداتك أن ‪ِ -‬‬ ‫فينا‪".‬‬ ‫تقلب البيت جحيماً‪".‬‬ ‫شَ َع َر بأنها ت َو ِبّخهُ‪:‬‬

‫انْ َف َعل َتْ أكثر وهي تتخذ قراراً صارما‪:‬‬

‫هَ َّز رأسه موافقا‪ ،‬وكأن ما يسمَع ُه‬

‫َس‪ .‬منذ الغد ستذهب هو الح ُّل لمشكلة الفراغ التي تسبَّبَ‬ ‫ "لح ّد هون وب ْ‬‫للبحث عن عمل‪".‬‬ ‫فيها التقاعد‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪67‬‬


‫ب ــدأ يــتــعـرّف إل ــى بعضهم‪ ،‬انــســجــم مع‬ ‫ثالثة‪ ،‬وتبادلوا أرقام هواتفهم الخلوية؛ بُغية‬ ‫التواصل والتواعد أينما كانت المحاضرة‬ ‫التالية‪.‬‬

‫في الصباح انطلق في رحلة البحث عن‬ ‫عمل‪ .‬اشترى جريدة‪ ،‬وراح يبحث بجد عن‬ ‫فــرصــة عمل تناسبه‪َ .‬مـ ـ َّر على صفحات‬ ‫الجريدة تباعاً‪ ،‬ألكثر من مــرَّةٍ ‪ .‬انتبه الى‬ ‫خبر في الصفحة الثقافية عن محاضرة‬ ‫ٍ‬ ‫صا َر وجهاً مألوفاً في المؤتمرات الثقافية‪،‬‬ ‫عن "األسلوبية في الشعر المعاصر"‪ .‬ق َّر َر وال ــم ــح ــاض ــرات‪ ،‬واألم ــس ــي ــات الــشــعــريــة‪،‬‬ ‫الــذهــاب الــى المحاضرة لتقضية الوقت والقصصية‪ ،‬وبمزاجية ينتقي األماكن التي‬ ‫هناك بَ َد َل توبيخ زوجته‪.‬‬ ‫َض ـ َع أولوية خاصة‬ ‫تُ ـ َو َز ُع فيها الضيافة‪َ .‬وو َ‬ ‫وصل قبل الوقت المحدَّ دِ وانتقى مكاناً للفعاليات التي يُ َو ِّز ُع فيها المؤلفون ُكتُبَ َهمْ‪.‬‬ ‫الصف األول‪ ،‬وبعد مضي عشر دقائق يَذهبُ ُمتَأنّقاَ‪ .‬يَض ُع نظار ًة تميل الى األسود‬ ‫ِّ‬ ‫في‬ ‫من المحاضرة‪ :‬بدأ الملل يتسلّ ُل اليه‪ .‬وضع المُحْ مرِّ‪ ،‬وي ُِص ّ ُر على المؤل ِ​ِّف أن يكتُبَ له‬ ‫خاصاً باسمه‪ .‬صــا َر جــزءاً من تلك‬ ‫ّ‬ ‫يــده تحت ذقنه وراح يكبو‪ ،‬وال يوقظه إ ّال إهــداء‬ ‫تصفيق الجمهور حين يستشهد المحاضر الفعاليات‪ ،‬ال يتزحزح من مكانه إ ّال عندما‬ ‫موع ُد الضيافة‪ ،‬أو لتوقيع الكتاب‬ ‫يقترب ِ‬ ‫بأبيات من الشعر‪.‬‬ ‫مجّ اناً‪.‬‬ ‫ُحاضر رغم أنه لم‬ ‫أعجَ بَ ُه االحتفاء بالم ِ‬ ‫لم يكن من ُقرّاء الشعر وال القصص وال‬ ‫يستوعب شيئاً مما قاله‪.‬‬ ‫ـصـ ُّر على‬ ‫الــروايــات يوما‪ ،‬ومــع ذلــك فهو يُـ ِ‬ ‫تأ ّم َل الجمهو َر العريض‪:‬‬ ‫أن يأخذ الكتاب المُحتفى بــه‪ ،‬ال ليقرأهُ‪،‬‬ ‫ "يـــاااااااه‪ُ ،‬كـ ُّل هــؤالء يُعانون من فراغ ولكن لكي ال يعود الى البيت فارغ اليدين‪،‬‬‫التقاعد‪"!.‬‬ ‫وصفحته الفيسبوكية الــتــي تــضـ ّم مئات‬ ‫بعد االنتهاء من المحاضرة لَ َم َح الجمهور الكُتاب واألدباء ‪ -‬من الجنسين‪ -‬كأصدقاء‬ ‫ضجَّ تْ باألصدقاء والصديقات‬ ‫يغادر الى صالة مجاورة‪َ ،‬فل َِح َقهُم على خجل‪ .‬افتراضيين؛ َ‬ ‫تناول فنجان قهوة بدون سكر وقطعتين من مِ مَّن يحترفون مهنة الكتابة‪ ،‬وعندما يقبَل ُ ُه‬ ‫الكيك ووقــف مع الواقفين‪ ،‬وهم يتحدَّ ثون أح ُدهُم يأخّ ُذ بالبحث في قائمة أصدقائه‬ ‫خاصة النساء‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫عن ارتفاع أسعار السيارات‪ .‬شعر بالذهول وينتقي منهم العشرات‪-‬‬ ‫ألنهم لم يتحدَّ ثوا ولم يُناقِ شوا ما جاء في ويبعث لهم‪ /‬لهنَّ بطلبات الصداقة‪ ،‬حتى‬ ‫المحاضرة‪.‬‬ ‫امتألت صفحته بهم‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫تب َّي َن له أن الكثير من الحضور يأتون‬ ‫أعــجَ ـبَ ـ ُه االحــتــفــاء بالمؤلفين خــاصــة‪:‬‬ ‫ألسباب مختلفة‪ ،‬لكنها تقترب من مشكلته‪ .‬الــشــعــراء‪ ،‬والــروائــيــيــن‪ .‬را َو َدهُ إحــســاس‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫بالضآلة وقِ لَّة احترام اآلخرين له وآلرائــه‪،‬‬ ‫فقبل تقاعده سارت وظيفته بشكل روتيني‪ ،‬في البيت؟"‬ ‫ال جديد مؤثر فيها‪ ،‬وال تَ َميُّز يُؤَشَّ ُر إليه حتى‬ ‫ "أبيعها‪".‬‬‫زوجته وأوالده كانوا يرونه عبئاً على حياتهم‬ ‫الخاصة‪ .‬تمنَّى لــو كــان روائــي ـاً أو شاعراً‬ ‫فوجئ بالجواب‪:‬‬ ‫يُحتَفى به‪ .‬تناول ديواناً من الكتب المركونة‬ ‫ "أال تقرأها؟"‬‫على طاولة الشاشة الكبيرة‪ .‬فتح الكتاب‬ ‫وراح يتص َّف ُح على مضض قصائد الديوان‪:‬‬ ‫ "أنا أقرأ هذا العبث‪!.‬؟"‬‫ "ما هذا؟‪ ،‬أنا أستطيع الكتابة مثل هذه‬‫القصائد‪".‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ّس عندك‬ ‫‪" -‬ماذا تفعل بالكتب التي تتكد ُ‬

‫"ص َد ْمتَني يا صديقي‪".‬‬ ‫ َ‬‫سمع تبريرا؛ لم يحفظه‪ ،‬ولم يستوعبه‪،‬‬

‫أحضر دفتراً وقلمًا من غرفة ابنه‪ ،‬وراح‬ ‫يُجَ رِّبُ في جَ سَ دِ الدفتر بعض الخربشات؛‬ ‫ِص من األخرى‪ ،‬حياة مترفة‪ ،‬وأنهم يكتبون من رَغَ ٍد ومن بَذَخ‪.‬‬ ‫ِص من هذه القصيدة‪ ،‬ويَل ُّ‬ ‫فيَل ُّ‬ ‫وتارة يَقلِبُ الصورة الشعرية ويَعْكِ ُ‬ ‫س الكلمات ­‪" -‬ه ــؤالء يــا صديقي لــم يعيشوا حياة‬ ‫ويتعالق مع المعنى‪ ،‬حتى لو بدَت ُمنَ ِّف َر ًة وغير الكفاح مثلما عشناه‪".‬‬ ‫ُمغْرِ ي ٍَة في مآلها الشعري‪ .‬لم يهتم الى ما‬ ‫َد َف َعتْ ُه المكالمة لِحَ مْلِ كرتونتين متروستين‬ ‫َكتَبْ ‪ ..‬لكنه فَرِ ح ألنه َكتَبَ ن ََّصاً‪.‬‬ ‫بــالــكــتــب وال ــذه ــاب بهما ألح ــد األكــشــاك‬ ‫آ َم َن وتَباهى ِبن َِّصهِ ور َّد َدهُ حتى حفظهُ‪.‬‬ ‫لكن مجمله يشي بأن هؤالء ال ُكتَّاب يعيشون‬

‫الــمــنــتــشــرة فــي "رأس الــعــيــن"‪ ،‬ومــســاومــة‬

‫سَ ـ ِـخـ َر األوال ُد مِ ـ ْن أبيهم وهــو يقرأ ُ لهم‬ ‫ن ََّصهُ‪ ،‬وينفع َل مع الكلمات كما كان يراهُ من صاحب الكشك على ثمنها‪ ،‬بعد أن بخَّ س‬ ‫كثيرا في قيمتها‪.‬‬ ‫األمسيات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الشُ عراءِ في‬ ‫ضــاقــت زوجــتــه بالكتب المتكدِّسة في‬ ‫كراتين تحت السرير وخلف األحذية‪ ،‬وعلى واشترى أوقيتين من "الكنافة"‬ ‫الخزانة‪ .‬وتَ َذمّرتْ من إشغالها للمكان بال‬ ‫تحسس على كرشه‪ .‬نظر في ساعته‪:‬‬ ‫فائدة‪:‬‬

‫مــشــى بــعــدهــا صــوب"حــلــويــات حبيبة"‪،‬‬

‫* ‬

‫‪" -‬لماذا ال تُهديها ِل َم ْن يستفيد منها‪".‬‬

‫­‪" -‬أوووه‪ ،‬يجب أن ال أتأخّ ر‪".‬‬

‫اتصل بصديقه ِليَستفتيه باألمر‪:‬‬

‫وانطلق مسرعاً صوب المركز الثقافي‪.‬‬

‫كاتب وقاص من األردن‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪69‬‬


‫صاحبة القلنسوة‬ ‫■ فهد عواد العوذة*‬

‫هل بحثتَ يوما عن شــيءٍ أنــت ال تعرف كنهه؟ هل مــددت لسانك باألثير كي‬ ‫تذوق طعمه؟ هل حفرت بالكثيب تبحث عن صخرة؟ هل تحسست قاع البحر تريد‬ ‫جمرة؟ وهل أوقفت النهر لكي تختبر صبره؟ كل هذا هين أمام تقليبك صفحات‬ ‫ذاكرتك تبحث عن شيءٍ أنت ال تملك عنه أدنى فكرة‪.‬‬ ‫بعد وفــاة أبــي رحمه اهلل‪ ،‬أخــذت أفتش في ذاكــرتــي عن مواقف من حياته قد‬ ‫تجعلني أنعم بشيء من الطمأنينة‪ ،‬حين أفكر بمستقبله في حياته اآلخرة‪ ،‬وكيف‬ ‫هي أحواله في أول ليلةٍ له بالقبر‪.‬‬ ‫كثيرة مواقفه رحمه اهلل‪ ،‬فقد كانت‬ ‫حياته مزدحمة كجزيرةٍ تحتلها الطيور؛‬ ‫وهذا على العكس تماما من حياتي التي‬ ‫لم تعرف الزحام إال كما عرفه مسجد‬ ‫قصر بارد األروقة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫في فناء‬

‫‪70‬‬

‫لألسف ‪ -‬أو ربما لحسن الحظ ‪-‬‬ ‫ليس لدى جوجل محرك بحث أستطيع‬ ‫ربطه مباشرة بذاكرتي‪ ،‬وليس عندي‬ ‫فهرس بالمحتويات‪ ،‬أو نس ٌخ احتياطية‬ ‫على السحابة أو بالعليّة‪ .‬ليس عندي‬ ‫إال أن أ ُطــــــرِ ق إلـ ــى األرض وأنــظــر‬ ‫مــاذا سيطرق ذهني‪ .‬ولذلك الذكرى‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫تستدعيك وال تستدعيها؛ وه ــذا ما‬ ‫حدث حين فجأة تذكرت هذه القصة‬ ‫التي لم أحدّث بها أحدا من قبل؛ ألنها‬ ‫محيت تمامًا من ذاكرتي‪ ،‬ولم يحدث‬ ‫لها استعادة (ريكفري) إال في اليوم‬ ‫التالي من وفاته رحمه اهلل‪ ،‬حين فجأ ًة‬ ‫لمع في ذهني مشهد تلك الدمعة على‬ ‫ضوء ذلك (التريك)(((‪ ،‬لتتوالى بعدها‬ ‫المشاهد وكأنهن على خط انتاج‪.‬‬ ‫مرابع الطفولة‬ ‫حدث هذا في بداية سبعينيات القرن‬


‫يقع هــذا المكان إلــى الشرق من مدينة شالالت منفصلة عن بعضها‪ ،‬تمر سيولها‬ ‫سكاكا‪ ،‬ويعد حي (اليابس) التجمع السكاني من غرب البيت وشرقه تجاه الجنوب‪ ،‬فكأن‬ ‫األقرب له‪ ،‬والذي يبعد عنه أكثر من ميل‪ ،‬البيت في بالد الرافدين‪.‬‬ ‫فكنت أستطيع رؤية قمم نخيل (اليابس) من‬ ‫كان واح ٌد من تلك الشالالت يرتفع نحو‬ ‫مكاني وهي تلوح باألفق‪ ،‬كأنها أعالم مدينة ثالثة أمتار‪ ،‬ويبلغ عرضه نحو مترين‪ .‬كان‬ ‫الــمــاهــي الــخــضــراء‪ ،‬والمشكلة فقط أن شكل الماء وهو ينساب منه بِرِ قة‪ ،‬والشمس‬ ‫هذه المالهي كانت بعيدة جدًا بعيون طفل‪ ،‬تلمع عليه مع لونه األصفر المائل للحمرة‬ ‫وكأنها كانت في أفق البحر‪.‬‬ ‫قد بــدا وكأنه شعر دهني أشقر؛ منسدل‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫الماضي الميالدي‪ ،‬حين كنت ال أعرف من شاهدت فيه للمرة األولــى في حياتي تلك‬ ‫هذا العالم إال سهل واسع ‪ -‬كصدر أبي ‪ -‬الشالالت والسيول وهي على رأس العمل‪.‬‬ ‫فيه بيت شعبي‪ ،‬بجواره إلى الشرق بستان‪،‬‬ ‫يوجد إلى الشمال وإلى الشمال الغربي من‬ ‫وتحيط به الصحراء من كل الجهات؛ فكان البيت هضبة كبيرة تحتضن المنزل وكأنها‬ ‫الواحة‪ ..‬وكان كل العالم الذي أعرفه‪.‬‬ ‫منجل مقبضه باتجاه الــغــرب‪ ،‬فيها ثالث‬

‫على الظهر ويلمع بالشمس‪ .‬كان هذا شالل‬ ‫(إنجل) الخاص بي‪ ،‬والذي كنت أقف تحته‬ ‫وأنــا ال أشعر بالخوف من أن يسقط علي‬ ‫(وِ رع) وخلفه (جيب) ربع‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬كانت العزلة محتّمة عليّ ‪ .‬لكن‬ ‫ لألمانة ‪ -‬لم تكن المسافة هي وحدها‬‫المسؤول األول عــن هــذه العزلة‪ ،‬بــل كان‬ ‫بالجوار شيء آخر أكثر رعبا منها‪ ،‬ويفرض‬ ‫عليّ اللعب بدائرة ال يزيد قطرها عن ‪200‬م‬ ‫فــي ذلــك الــوقــت كنت ال أفعل فــي هذا‬ ‫حــول الــمــنــزل‪ ،‬وعــدم تــجــاوز هــذه الــدائــرة العالم إال شيئين؛ إمــا أن أكــون نائما أو‬ ‫تحت أي ظرف من الظروف إلى األراضي أن اكــون الهيا؛ وهــذا األخير كــان له اسم‬ ‫المحرمة بعدها؛ أراضي (حمار القايله)(((‪ .‬آخر أكثر دقة عند أهلي‪ ،‬إذ كانوا يسمونه‬ ‫كان أهلي قد نزلوا هذا المكان حديثا‪ ،‬التخريب‪ .‬وهذا التخريب رافقني في بقية‬ ‫عمري؛ لكنه بدل أن يكون في ممتلكات أهلي‬ ‫فكان جــديــداً ونظيفاً‪ ،‬وكأنهم قــد نزعوا‬ ‫أصبح في نفسي‪.‬‬ ‫الكيس عنه للتو‪ .‬فكنت أركــض مع السيل‬ ‫ال أخشى الزجاج المكسور‪ ،‬وال األســاك‬ ‫أبي‪ ..‬يرحمه اهلل‬ ‫(المتلولصه)‪ ،‬وال علب المرطبات‪ ،‬وال أي‬ ‫ال أدري كيف أصف أبي‪ ،‬ولكن سأكتفي‬ ‫نــوع مــن الــنــفــايــات‪ .‬فقط الــرمــال؛ فكأني بكلمة واحــدة تصفه وهي أنه كان مختلفاً‪.‬‬ ‫أركض على أحد شواطئ المالديف‪.‬‬ ‫نعم‪ ..‬كان مختلفاً وكأنه من كوكب آخر‪ ،‬كان‬ ‫بعد كل هذه السنين ما أزال أذكر رائحة يبتسم لي في الوقت الذي يتوقع فيه الجميع‬ ‫ذلــك الصباح المثير حد الهلوسة‪ ،‬والــذي انــه سيغضب مني؛ وكــان يغضب مني في‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪71‬‬


‫الوقت الذي يتوقع فيه الجميع أنه سيضحك‬ ‫لي‪ .‬وكان يحضر لي معه من أسفاره هدايا‬ ‫كوكب آخر في‬ ‫ٍ‬ ‫هي األخــرى كانت تبدو من‬ ‫ذلك الوقت‪.‬‬

‫لن يمنحك البالستيك ذيّاك المذاق الذي‬ ‫كنتَ تجده في (ملقاطة)((( التمر‪ .‬لن يمنحك‬ ‫تلك الظالل التي تبدو وكأنها هبطت من‬ ‫الجنة‪ .‬لن يمنحك ذكرى أمك وهي تفتح الماء‬ ‫بالجدول وتجعلك تسابق الماء‪ .‬ولن يمنحك‬ ‫ذكــرى كل تلك العصافير التي كانت توجد‬ ‫متر مربع منه وكأنها األزهــار‪ .‬وقد‬ ‫في كل ٍ‬ ‫اختفت كلها اآلن وحل محلها ثالثة أصناف‬ ‫دخيلة هي اليمام والدوري والنغري(((‪.‬‬

‫الجالد الصغير‬

‫تناولت الحبة‪ ..‬ثم لم أحتج للكثير من‬ ‫الذكاء كي أفهم إنها بحجم الخردق نفسه‪.‬‬ ‫وحين جربتها مع المسدس وجدتها تفي‬ ‫بــالــغــرض تــمــامــا‪ ،‬وكــانــت بالطبع متوفرة‪،‬‬ ‫فاستأنفت حملة اإلبادة والتصفية‪.‬‬

‫كنت قد ناهزت السابعة أو الثامنة من‬ ‫عمري حين أخــرج لي من متاعه في ذلك‬ ‫الصباح تلك الهدية التي كان أول ما رأيت‬ ‫منها اللمعة؛ ال‪ ..‬بل كانت لمعتان؛ لمعة‬ ‫الهدية ولمعة ابتسامة أبي يرحمه اهلل‪ .‬كان‬ ‫فقط قال أبي ‪(:‬انتبه)‪ ،‬ثم تركني أنطلق‬ ‫كالهما يلمع أشد من فالش (ساهر)‪ .‬ثم في‬ ‫النهاية انتصرت لمعة الهدية‪ ،‬فصرفت إليها بالمسدس إلى البستان‪ ،‬وهناك على الفور‬ ‫(تــدعــشــنــت) وبــــدأت بــإطــاق الــنــار على‬ ‫كل انتباهي‪.‬‬ ‫من عاهدت وعلى من لم أعاهد من تلك‬ ‫كــانــت عــبــارة عــن مــســدس ه ــواء فضي‬ ‫العصافير البريئة حتى جاءها الفرج‪ .‬فبعد‬ ‫بدا وكأنه مسدس (ماغنوم ‪ )357‬بسبطانة‬ ‫ساعات نفذ مني الخردق وأصبح المسدس‬ ‫طويلة ومطلي بالنيكل‪ .‬قــام أبــي بكسره‬ ‫(فشنك)((( عديم الجدوى‪ ،‬وكأنه مسبحة في‬ ‫أمامي ولقّمه وأطلق في الهواء ثم ناولنيه‬ ‫يد فاسق‪.‬‬ ‫وقال‪ :‬جرب؛ هل تستطيع تلقيمه؟‬ ‫في ذلك الوقت‪ ..‬كانت فرص الحصول‬ ‫كان نابض المسدس أقوى من كل عضالتي‬ ‫على نيزك أصله من حلقات زحل أكبر بكثير‬ ‫مجتمعة‪ ،‬فكنت وأنا أحاول كسره أبدو كمن من فرص الحصول على علبة خردق جديدة‪.‬‬ ‫يحاول كسر حديدة على فخذ دجاجة‪ .‬ثم فضاقت بي السبل وشعرت بالهزيمة‪ ،‬وبدأت‬ ‫في النهاية ‪ -‬وبعد أن حشرته بيني وبين أجرّب أشيا ًء كاألعواد وأوراق الشجر والقش‬ ‫الجدار ‪ -‬تمكنت منه‪ .‬وعلى الفور انطلقت دون جدوى‪ ،‬ثم فجأة وقعت على حبة بامية‬ ‫به إلى البستان انطالقة سجين أ ُخليَ سبيله‪ .‬جافة‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫سيبقى البستان الــذي استبدل جــداول‬ ‫الماء بأنابيب البالستيك يقدّم ثماره‪ ،‬لكنه‬ ‫لن يمنحك ذلك العبق وتلك الرطوبة وذاك‬ ‫الخرير وتلك األجواء الطبيعية التي أدمنت‬ ‫مُصاحَ بة الماء على طول دربه‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫اقــتــرب الــمــســاء وأن ــا لــم أصــطــد شيئا‪،‬‬


‫في ذلك الوقت لم يوجد حولي من التقنية‬ ‫إال ثالثة أشياء؛ ثالجة تعمل على الغاز‪ ،‬لكنها‬ ‫لألسف لم تكن تعمل إال كخزانة‪ .‬ومذياع‬ ‫أبــي الــذي كــان ال ينفك يتحدث‪ ،‬فكنت ال‬ ‫أستمتع معه بشيء إال حين أسمع دقــات‬ ‫ساعة (بيج بن)((( التي كانت تُثيرني أكثر من‬ ‫النشرة‪ ،‬فكنت أدلدل رأسي مع دقاتها يمينًا‬ ‫النزيل الغامض‬ ‫وشماالً كما يفعل (النغري) برأسه وهو يقف‬ ‫يقع إلى الشمال الشرقي من البيت‬ ‫ ‬ ‫أمام مرآة السيارة الجانبية‪.‬‬ ‫تلٌّ مستدير كأنه زير ماء مقلوب يبلغ ارتفاعه‬ ‫وكان هناك شيءٌ ثالث كان أكثر تعقيدًا‬ ‫أكثر من عشرة أمتار‪ .‬في الجهة الجنوبية‬ ‫من هذا التل غارٌ‪ ،‬حين تنظر إليه من الغرب بكثير من الخزانة ومن مذياع أبي ومن كل‬ ‫يبدو لك كفم ضفدع عمالق‪ .‬وفي هذا الغار ما كان يوجد في جزيرة العرب حينها‪ .‬وال‬ ‫شــيء يميزه عن باقي الغيران التي كانت تؤاخذوني بهذا‪ ..‬فالمسألة كلها كانت خيال‬ ‫طفل‪ ..‬وال أظنكم ستحاسبون طفال على‬ ‫تحاصرني وكأنهن أفواهٌ تريد أن تبتلعني‪.‬‬ ‫خياله الذي يفرض عليه أن يعتبر كل ما يراه‬ ‫كــان أبــي يرحمه اهلل كثيرا مــا يــردد ‪-‬‬ ‫ملكه‪ ،‬وهــذا ما جعل طفلة أخــي الصغيرة‬ ‫وخصوصاً بعد نكباتي ‪ -‬قول القائل‪( :‬نرفأ‬ ‫تقول لي يوما‪( :‬يا وِ وِ وِ وِ وِ يلك تقول إن البَر‬ ‫خماله رفية العش بالغار‪ ..‬ونودع له النفس‬ ‫حق اهلل) فهو ملكها‪ .‬ولذلك فهذا الشيء‬ ‫القوية ضعيفة)(((‪ ،‬وكان يرحمه اهلل يعد هذا‬ ‫أيضاً كان ملكي حتى ولو كان يحمل العلم‬ ‫البيت من أشعر األبيات النبطية‪ ،‬وكان يقول‬ ‫األمريكي‪.‬‬ ‫‪( :‬مــن لم يشاهد كيف يُخفي الغار العش‬ ‫كان هذا الشيء يمر من فوق رأسي كل‬ ‫ويستره في سقفه‪ ،‬لن يفهم مدى روعة هذا‬ ‫البيت)‪ .‬وبالفعل‪ ..‬فقد كان في سقف هذا ليلة‪ ،‬يوم كانت أمي تضع مضاجعنا بالفناء‪،‬‬ ‫وكــانــت السماء التي فوقي لــم تعرف بعد‬ ‫الغار عش بعيد المنال‪.‬‬ ‫كانوا في ذلك الوقت يتحدثون عن وصول التلوث الضوئي؛ فكنت أنام وأنا أنظر إلى‬ ‫اإلنسان للقمر فالخبر ما يزال طازجاً‪ ،‬أما تلك النجمة التي تمشي مسرعة بين النجوم‪،‬‬ ‫أنا فكان حديثي عن كيف سأصل إلى هذا والتي أخبرني عمي العائد من أمريكا أنها‬ ‫الساكن فــي سقف الــغــار؟ لــكــن‪ ..‬قبل أن ليست نجمة‪ ،‬بل هي من صنع اإلنسان‪ ،‬وأن‬ ‫أكشف سره عليّ أوالً أن استعرض تاريخي اسمها هو (سكاي الب)(‪.((1‬‬ ‫السيء مع تلك العصافير‪.‬‬

‫ه ــذا كــل مــا ك ــان حــولــي إذا استثنينا‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫فمحاولة التصويب بــهــذا المسدس على‬ ‫تلك الكائنات الصغيرة التي ال تتوقف عن‬ ‫الحركة‪ ،‬يشبه محاولة التصويب على هدف‬ ‫(((‬ ‫متحرك أثناء الجلوس بحوض (شــاص)‬ ‫يمشي بطيئاً على (البطناج)(((‪ .‬ثم ازدادت‬ ‫األم ــور س ــوءًا حين بــدأت هــذه العصافير‬ ‫ترحل شيئاً فشيئاً؛ حينها هممت بأمر سوء‪.‬‬

‫الحاجة أم اإلختراع‬

‫‪73‬‬


‫(ددســـن)(‪ ((1‬أبــي و(دب ــاب) عمي و(ماطور)‬ ‫البستان‪ .‬وألني مثل باقي األطفال بحاجة‬ ‫للعب وليس حولي أطفال ‪-‬ليس حولي إال‬ ‫حمار القايله وغــيــران العهد الجوراسي‪-‬‬ ‫فأبناء عمومتي كلهم كانوا بالخفجي؛ وأختي‬ ‫تحبو واألخرى رضيعة؛ فكان محتمًا علي أن‬ ‫اخترع وسائل لهوي‪.‬‬

‫وحتى اآلن ال أدري كيف كانت تفعل ذلك‪،‬‬ ‫ببساطة كانت تمسكهن بيدها وكأنها‬ ‫ٍ‬ ‫فهي‬ ‫تستخدم التنويم المغناطيسي‪ .‬فكانوا في‬ ‫ذلك الوقت يتحدثون عن سرعة لكمة محمد‬ ‫علي كالي‪ ،‬أما أنا فكنت أتحدث عن سرعة‬ ‫قبضة أمي للعصفور‪.‬‬ ‫مضت خمسة عــقــود‪ ..‬ومــا ي ــزال بريق‬ ‫أساور أمي يلمع في ذهني وهي تمد يدها‬ ‫وتناديني وتضحك وتشير بإصبعها إلى‬ ‫الرمانة‪ .‬وحين انطلقت كالصاروخ فوجئت‬ ‫بالعصفور ينتظرني أســفــل الــرمــانــة وقد‬ ‫ربطت أمي ساقه بساق الرمانة‪.‬‬

‫فــبــدأت بمضغ أي شــيء قابل للمضغ؛‬ ‫ثم حين لم يبق أمامي إال أن اتــحـوّل إلى‬ ‫(ك ــواال)(‪ ((1‬على (كينة)(‪ ((1‬بــدأت بكسر أي‬ ‫شــيء قــابــل للكسر؛ وحــيــن لــم يبق إال أن‬ ‫أحوّل المكان إلى مقلع حجارة‪ ،‬بدأت بتسلق‬ ‫أي شــيءٍ قابل للتسلق بما في ذلــك ظهور‬ ‫كم كانت دهشتي كبيرة حين رأيته! كان‬ ‫غُنيمات جدي وجدتي يرحمهما اهلل‪ .‬لكن‬ ‫أكبر من كل العصافير التي خنقت قبله‪،‬‬ ‫متعتي الحقيقية كانت بشيءٍ آخــر‪ ..‬شيء‬ ‫كان بحجم السمان‪ ،‬كان لونه األعلى رمادي‬ ‫كان أكثر جدية من مجرد امتطاء صهوة عنز‪.‬‬ ‫وجـــزؤه األســفــل أحــمــر! يــا إلــهــي! كــم كان‬ ‫الطرف الخامس‬ ‫جديدا! مع أن أمي لم تخرجه لي من علبة‬

‫في ذلك الزمن الغابر كانت أمي هي من كــرتــون! وأظــن المسكين كــان مهاجراً قبل‬ ‫يسقي البستان‪ ،‬لكنها لم تكن مجرد شخص أن يسقط في ثقبي األســود‪ ،‬ثم لم يُشاهد‬ ‫يفتح الماء بالجدول‪ ..‬بل كانت أكثر من ذلك؛ بعدها أبداً‪.‬‬ ‫لقد كانت حقاً تفهم البستان وتنتمي إليه‪.‬‬ ‫حتى هذا الوقت كنت ال احظى بعصفور‬

‫بــاخــتــصــار‪ ..‬وكــمــا وصــفــت أبــي بكلمة إال عن طريق أمــي‪ ،‬لكن كل هذا كان على‬ ‫ســأحــاول أن اصــف أمــي بــثــاث كلمات‪ ..‬وشك أن يتغير بعد أن وصلتني هدية غير‬ ‫فــأقــول؛ أمــي كانت النخلة التي تستطيع متوقعة من أمي‪.‬‬ ‫مغادرة البستان والــعــودة إليه متى شــاءت‪،‬‬ ‫أعطتني أمــي فخاً للعصافير ودربتني‬ ‫وهذا ال يعني أبدا أنني كنت الفسيلة التي عليه‪ ،‬فتمكنت منه بسرعه‪ .‬وعلى الفور‬ ‫تتبعها بل ربما الشوكة‪.‬‬ ‫أصبح هذا الفخ طرفي الخامس‪ .‬وكان هذا‬

‫‪74‬‬

‫وكانت أمي تتمتع بمهارات تخدم البستان‪ ،‬هو كل ما ينقصني لكي افتح على العصافير‬ ‫لكني لم أكــن مهتما إال بمهارةٍ واحــدة من أبواب الجحيم‪ ،‬وأفعل بهن أكثر مما فعلته‬ ‫مهاراتها‪ .‬فأمي ماهرة بصيد العصافير‪ .‬الجرذان بـ(كيوي)(‪ ((1‬نيوزيلندا‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫ن ــع ــم‪ ..‬هـــذا م ــا كـــان ال ــغ ــار يحتضن؛ تنظر إلي‪.‬‬ ‫(رميصية) جميلة‪ ،‬كــان حظها العاثر قد‬ ‫يقولون‪( :‬ال تنظر في عين شــيء تريد‬ ‫أوقعها في طريقي‪ .‬وكان أبي يعلم بأمرها قتله) لكني فــي تلك اللحظة لــم أجــد من‬ ‫ألنــنــي أخــبــرتــه عنها وع ــن مــوقــعــهــا‪ .‬وقــد الشفقة إال كما تجد السنارة على السمكة‪،‬‬ ‫فقد كان للمسدس سكرة‪ ،‬وكان األدرينالين‬ ‫أوصاني بها خيراً‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫كانت تلك (الرميصية) قد اعتادت على‬ ‫م ــع ذلـــك الــفــخ اص ــط ــدت تــقــريــبــا كل‬ ‫األصناف باستثناء تلك األصناف الكبيرة وجود هذا المخلوق ‪ -‬شبه العاري ‪ -‬معها‬ ‫التي كانت ال تعرف فخاً غير (ش ــوزن)(‪ ((1‬بالغار‪ ،‬فأصبحت ال تطير منه‪ ،‬إذ لم يخطر‬ ‫عمي؛ وباستثناء طبعا ذلك الساكن بالغار‪ .‬ببال المسكينة أنها كانت تتشارك الغار‬ ‫مع زومبي‪ .‬ربما ألنها كانت تنظر لحجمي‬ ‫صاحبة القلنسوة‬ ‫وحجم الغار فتشعر باألمان‪ ،‬لكن كل هذا‬ ‫كان هذا الذي بالغار حذرًا بمعنى الكلمة‪ .‬سيتغير مع الطرف السادس‪.‬‬ ‫وال أدري هل كانت العرب تعنيه يوم قالت‪:‬‬ ‫الشيطان األول‬ ‫(كــن أحــذر مــن قِ ـــــرِ ّال(‪)((1‬؟ وليت المسائل‬ ‫وقفت ذلك األصيل مع مسدسي الفضي‬ ‫توقفت مع قرال؛ لكنه أيضاً كان نادر الظهور‪.‬‬ ‫بالبستان مثل حــارس محمية فقد عقله‪.‬‬ ‫كان كأبي مختلفاً‪ ..‬وكان أكثر ما يشدني‬ ‫وقفت‪ ..‬وكنت كلما فشلت باصطياد عصفور‪،‬‬ ‫إليه أو إليها منقارها‪ ..‬نعم منقارها! كان جاءني شيطاني الصغير يقول لي‪ :‬قد ضاع‬ ‫منقارها مختلفاً تماما عن كل تلك المناقير وقتك وضاعت ذخيرتك‪ ،‬ولن تصيب شيئاً‬ ‫التي فتحتها تلك العصافير وهي تستغيث مع كل هذا البعد عنك فدونك (الرميصية)‬ ‫مــنــي‪ ،‬فمنقارها كــان معقوفا بــشــدة إلى بالغار قريبة وال تتحرك كأنها النيشان‪.‬‬ ‫األسفل‪ ،‬وكان لونه وردياً‪ ،‬فكانت تبدو وكأنها‬ ‫قــاومــت تــلــك الــفــكــرة مــقــاومــة الطالب‬ ‫حسناء تعتمر قلنسوة رومانية وتضع أحمر‬ ‫الكسول لفكرة الغياب وهــو مــا يــزال في‬ ‫شفاهٍ زهري‪ ،‬وهذا طبيعي؛ ألن أخوالها على‬ ‫فراشه‪ ،‬ثم في النهاية ذهبت‪ ..‬نعم ذهبت‬ ‫ما أظن من ببغاوات استراليا‪.‬‬ ‫بعد أن تحججت بحجة أنــي لن أجدها ‪-‬‬ ‫حين سألت أبي عن اسمها قال‪ :‬هذه يا فلطالما كــنــت شــاطــرًا بالحجج ‪ -‬لكني‬ ‫بُني أحد أجمل شركاء الحياة هنا‪ ،‬هذه هي وجدتها‪ ،‬وأيــن عساها تذهب؟ فهي ليست‬ ‫السيدة (ال ُرمَيصية)‪ ،‬والتي فشلت تماما في مدعوة عند مجانين في مهرجان (مزايين)‪.‬‬ ‫بحثي عن اسمها العلمي‪ .‬فحتى قوقل لم‬ ‫ارتقيت بزهو على تلك الصخرة في جنب‬ ‫ينل شرف لقائها والتعرف إليها كما حدث الغار والمسدس بيدي‪ ،‬وكأني قد ارتقيت‬ ‫لمُحَ دثكم‪.‬‬ ‫على منصة تتويج‪ ،‬وأخذت أنظر إليها وكانت‬

‫‪75‬‬


‫يعمل بي عمل (التربو) بمحرك البنزين‪،‬‬ ‫والفضول أجهز على ما بقي من العواطف‪،‬‬ ‫(هنقر)‬ ‫ٍ‬ ‫ثم في النهاية أصبح صدري أبرد من‬ ‫في الشتاء‪ .‬وأصبحت مسألة إطالق البامية‬ ‫ال تُقاوم‪.‬‬ ‫ومـــرة أخـــرى تحججت بحجة أن ــي لن‬ ‫أصيبها‪ ،‬فهذا المسدس ال يصيب إال الهواء‪.‬‬ ‫عندها رفعت السالح وصوبت بكلتي يدي‬ ‫عليها‪ .‬كــان كل ما يفصلني عنها أقــل من‬ ‫مترين‪ ،‬فاغمضت عينيّ وأطلقت رصاصة‬ ‫البامية‪ .‬وحين فتّحت‪ ..‬كانت (الرميصية)‬ ‫جثة هامدة على أرض الغار‪.‬‬

‫(الرميصية) فكان وضعها مختلفاً تمامًا‬ ‫مثلما كانت هي نفسها مختلفة تمامًا‪ .‬كانت‬ ‫تلك هي المرة األولــى التي أقتل فيها مع‬ ‫سبق اإلص ــرار والــتــرصــد‪ ،‬وليت المشاكل‬ ‫وقفت هنا‪ ..‬ولكن كانت النكبة الحقيقية في‬ ‫أني قتلتها وقد أوصاني أبي أن ال أؤذيها أو‬ ‫حتى أزعجها‪ .‬فكان أبي هو كل المشكلة‪.‬‬

‫رح ــل الــحــمــاس ‪-‬وتــــرك الــنــدم عندي‬ ‫يفترسني‪ -‬وتبعت ُه الشمس‪ ،‬فبدأ الظالم‬ ‫يزحف كأنه تنين (كومودو)(‪ .((1‬فعزمت على‬ ‫أن ال أخبر أحــداً بالجريمة‪ ،‬وتخلصت من‬ ‫الجثة‪ ،‬وعدت إلى البيت وكأن شيئاً لم يكن‪،‬‬ ‫ساد الصمت إال من وصوصة صغارها ثم لم ألتقِ بأبي حتى جاء مساء اليوم التالي‪.‬‬ ‫التي أصبحت في أذني أقوى من صراخ أختي‬ ‫قلب أبي‬ ‫الرضيعة‪ .‬فتسمرت لحظة على صخرتي‬ ‫رحم اهلل أبي؛ فقد ضرب باألرض كثيرًا‪،‬‬ ‫أنظر إليها وقد تقاسمني الخوف والحماس‪،‬‬ ‫وأصبحت األفكار تتزاحم على نافذة عقلي وهذا ‪ -‬أيضاً ‪ -‬على العكس من حياتي التي‬ ‫الصغير تزاحم األوالد على نافذة المقصف؛ لم تعرف الضرب إال مع جدول الضرب‪.‬‬ ‫ثــم بــعــد بــرهــة قــفــزت مــن عــلــى الصخرة‬ ‫كان قد جاء من أحد مشاويره في مساءٍ‬ ‫وتقدمت نحوها وجلست القرفصاء عندها‪ .‬اليوم التالي متأخرًا على عادته‪ ،‬وكنت ما‬ ‫لم تدرِ المسكينة ما حل بها‪ ،‬فقد أزالت أزال مستيقظً ا أو أنني استيقظت على صوت‬ ‫رصاصة البامية مؤخرة رأسها‪ .‬حملتها بيدي مذياعه‪ ..‬الحقيقة لم أعد أذكر‪.‬‬ ‫أتأملها وكانت ما تزال دافئة‪ .‬تأملت منقارها‬ ‫أذكر أنه كان يجلس في الليوان على ضوء‬ ‫الجميل‪ ،‬فردت جناحها الصغير‪ ،‬هززتها مع (التريك) يتناول عشاءه مباشرة من الطاسة‪،‬‬ ‫ساقها النحيل‪ ،‬لكن ال حياة‪ ،‬وكأنها تجلس والمذياع يعمل إلى جانبه‪ .‬وقفت على مقربة‬ ‫على كرسي في جامعة الدول العربية‪.‬‬ ‫منه أحــاول انتهاز فرصة أخبره فيها عن‬ ‫اكتشافي لفعالية حبوب البامية‪ .‬فكنت كلما‬ ‫بداية الندم‬ ‫بالطبع‪ ..‬لم تكن تلك جريمتي األولى مع قلت‪( :‬يبه)‬

‫‪76‬‬

‫تلك العصافير‪ ،‬إال أن كل الجرائم السابقة‬ ‫كانت أقــرب للحادث منها للجريمة‪ .‬أما‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫(شش)‬ ‫قال‪ِ :‬‬ ‫‪ :‬يبه‬

‫(‪((1‬‬


‫(منصووووور‪ ..‬هات التريك وتعال)‪.‬‬ ‫ ‬

‫فانفجرت بالبكاء وتبعتهما إلى باب‬

‫حتى انتهت الــنــشــرة‪ ،‬وحينها أخبرته‬ ‫فقال‪( :‬بس يمكن يسدّن الماسورة)‪ ،‬فقلت‬ ‫واختلس النظر إلى مشية أبي وعمي في تلك‬ ‫على الــفــور كــاألبــلــه‪( :‬ال يبه طخيت بهن‬ ‫الظلمة تجاه الغار‪ ،‬وضوء (التريك) يحيط‬ ‫أمس الرميصية)‪ ..‬ولم انتبه إال والكلمة قد‬ ‫بهما وكأنهما في وسط هالة من السماء‪.‬‬ ‫تجاوزت نقطة الالعودة‪.‬‬ ‫تــابــعــت الــبــكــاء قــلــيــا‪ ..‬ثــم ج ــاءت أمــي‬ ‫فتغير وجه أبي على الفور وأعاد عليّ ما‬ ‫الفناء‪ ،‬وهناك وقفت مع خيبتي أفرك عيوني‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫‪ِ :‬شش‬ ‫‪ :‬يبه‬ ‫‪ِ :‬شش‬

‫حافتها‪ ،‬ونهض وهو ينادي على عمي ويقول‪:‬‬

‫قلت‪ ،‬فهززت رأسي بنعم‪ ،‬فبدأ الدمع يلمع وأخذتني إلــى صالة عــرض (سكاي الب)‪،‬‬ ‫في عينيه وقال‪( :‬كيف يا بُني تقتلها وفراخها وحين بدأ العرض نسيت كل شيء وغرقت‬ ‫تحتها؟ لماذا على األقل لم تخبرنا؟ فمن لهم في النوم‪ ،‬ثم لم أزل نائمًا حتى أيقظوني ذات‬ ‫يوم‪ ،‬فإذا بي قد أصبحت بالثالثين‪ ،‬وإذا بهم‬ ‫ٍ‬ ‫يطعمهم من يــوم أمــس؟)‪ .‬ثم ألقى اللقمة‬ ‫ونفض يده بالطاسة‪ ،‬وقشط ما علق بها على يقولون‪( :‬لقد مات أبوك)‪.‬‬ ‫* شاعر وقاص من السعودية‪.‬‬ ‫((( فانوس يعمل على الغاز‪.‬‬ ‫((( فزاعة كانت تستخدمها األمهات قدميا إلخافة األوالد من اللعب بعيداً عن املنزل‪.‬‬ ‫((( علبة حليب نيدو كانت قدميا تستخدم جلني الرطب‪.‬‬ ‫((( عصفور دخيل على البيئة اسمه العلمي بلبل التمر‪.‬‬ ‫((( مصطلح يطلق على الرصاص الغير احلي الذي فقط يحدث صوت‪.‬‬ ‫((( شاحنة دفع رباعي‪.‬‬ ‫((( متوجات تظهر على الطرق الترابية‪.‬‬ ‫((( البيت من قصيدة عرفت بشيخة القصيد للشاعر مقحم النجدي يرحمه اهلل‪.‬‬ ‫((( ساعة شهيرة يف لندن لها جرس عمالق‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬أول محطة فضاء تطلقها الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬شاحنة بك أب صغيرة‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬نــوع مــن الثدييــات يتبــع جنــس الــدب اجلرابــي يعيــش يف اســتراليا يعيــش علــى أشــجار الكــن ويتغــذى‬ ‫علــى أوراقهــا‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬وتسمى ايضا نبتة الكافور أو األوكالبتوس وموطنها األصلي استراليا‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬طائر ال يطير مهدد باالنقراض‪ .‬فتكت به اجلرذان بعد أن وصلت ملوطنة مع السفن التجارية‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬بندقية صيد‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬طائر صغير احلجم‪ ،‬حاد البصر‪ ،‬سريع االختطاف‪ ،‬شديد احلذر‪ ،‬وهو مُالعب ظله‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬ورل كومــودو هــو نــوع مــن الســحالي مقصــور وجودهــا علــى بضعــة جــزر إندونيســية‪ ،‬ضخــم قــد يتجــاوز‬ ‫حجمــه ‪ 3‬أمتــار‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬إش‪ ،‬يعني‪ :‬صِه‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪77‬‬


‫بأقنعة مستعملة‬ ‫شعراء‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫■ عبداهلل بيال‬

‫يا صديقي‪..‬‬ ‫الدروب التي‪ ..‬ال تزال بعيد ْة‬ ‫ُ‬ ‫الطريق‬ ‫ِ‬ ‫باقتراف‬ ‫ِ‬ ‫كنتَ تدهشني‬ ‫للح ِلم أجنحةً في سمائي‬ ‫وتفرش ُ‬ ‫أغانيك‬ ‫َ‬ ‫ببياض‬ ‫ِ‬ ‫كنت تنقذني‬ ‫تتقطر في داخلي‬ ‫ّ‬ ‫إذ‬ ‫في عماءِ دمائي‪.‬‬ ‫جميل‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وهم‬ ‫قلت لي ذات ٍ‬ ‫الكلمات‬ ‫ِ‬ ‫ستشقى برحلتك األبديةِ في غربةِ‬ ‫ستنفيك تلك البالد التي لم تزرها‬ ‫َ‬ ‫وطن لم يؤثث مواقيتَه بعدُ‬ ‫إلى ٍ‬ ‫قل لي إذن‪:‬‬ ‫رؤاك‬ ‫الهب في َ‬ ‫ٍ‬ ‫كيف تمعن في سفرٍ‬ ‫وتمضي بال أثرٍ في مداك وحيدا‪.‬‬ ‫هكذا خارج ًا من مجازك‬ ‫تمضي‬ ‫وتفقأ عينَ البصيرةِ حتى ترى‬ ‫بعينيك هذا المدى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ويشف‬ ‫َّ‬ ‫الدروب التي لم تدنّس خطاها القصيد ُة يوم ًا‬ ‫ُ‬ ‫أراها كما برأتها يد اهللِ‬ ‫ساذجةً ناضجة‪.‬‬ ‫المجازات‬ ‫ُ‬ ‫كلما حا َولْتها‬ ‫أرهقها الخجلُ المطمئنُ‬ ‫‪78‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫فلم تقترف إث َم تعميدها‬ ‫تركَتها كما أفلتتها يدُ اهلل‬ ‫في مرجها المستحيل سماءً‬ ‫تهدهدُ في حضنها األغنياتْ ‪.‬‬ ‫قلبك‬ ‫َ‬ ‫فردوس‬ ‫ِ‬ ‫كلمّ ا م ّر بي خاطري نحو‬ ‫نازعني فيك هذا البهاءُ األنيقُ‬ ‫الغموض العميقُ‬ ‫ُ‬ ‫وذاك‬ ‫وأدركت أنّك تعرى رويد ًا رويد ًا من الشعرِ‬ ‫المجازات‬ ‫ِ‬ ‫تخلع كلَّ‬ ‫عنك‬ ‫الخياالت َ‬ ‫ِ‬ ‫تطرد سربَ‬ ‫قلبك‬ ‫َ‬ ‫َّاك‬ ‫وتفتحُ ُشب َ‬ ‫للوحشةِ ‪ /‬الدهشةِ الصامتة‪.‬‬ ‫ربما يا صديقي‪..‬‬ ‫ستدنو إليك ولو مر ًة‬ ‫الدروب التي ال تزالُ بعيدة‬ ‫ُ‬ ‫أقرب منها إليها‬ ‫أنت ُ‬ ‫النابتات عليها‬ ‫ِ‬ ‫نبضات الخطى‬ ‫ِ‬ ‫أحن على‬ ‫ُّ‬ ‫قلبك آث َر في لحظةٍ‬ ‫َ‬ ‫ولكنّ‬ ‫سكون التأملِّ‬ ‫ِ‬ ‫ّض وحش َة أحالمهِ في‬ ‫أن يرو َ‬ ‫منك‬ ‫َ‬ ‫محتف ًال بالفرا َغ الذي نزفته القصائدُ‬ ‫تقول لها‪:‬‬ ‫مرَّ عمرٌ جميلٌ مذ افترقت ضفتانا‬ ‫الكلمات التي لم نقلها‬ ‫ِ‬ ‫على ُشرفةِ‬ ‫َين‬ ‫وها نحن نخرج منها بريئ ِ‬ ‫نخلع عن صوتنا األوج َه المستعار َة‬ ‫يلقفَها "شاعرٌ "‬ ‫خجل‬ ‫ٍ‬ ‫قد أراق بال‬ ‫ما َء وجه القصيدة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪79‬‬


‫المعنى!‬ ‫ِ‬ ‫موس ُم ْ‬ ‫■ محمد سيدي‬

‫(‪)1‬‬ ‫الغيب‬ ‫َ‬ ‫تقرأ‬

‫الحزن‬ ‫ِ‬ ‫لجةِ‬ ‫بعض التفاصيل في ّ‬ ‫َ‬ ‫تكتب‬ ‫ُ‬ ‫تضحك للماءِ‬ ‫ُ‬ ‫المتراقص فوق الهواءِ‬ ‫ِ‬ ‫للنورس‬ ‫ِ‬ ‫لحزنك‬ ‫َ‬ ‫تغنّي‬ ‫الخوف‬ ‫ِ‬ ‫تفتحُ بابًا إلى األفُ ق المتواري لدى‬ ‫الوجد‬ ‫ِ‬ ‫تصرخُ يا قومُ هذا أوانُ ارتحالي عن‬ ‫الموت‬ ‫ِ‬ ‫هذا أوانُ دخولي إلى‬ ‫غائب فاقرؤونِ ي‬ ‫ٌ‬ ‫هذا أنا‬ ‫األمس بهجته واسكبُوني‬ ‫ِ‬ ‫وردّوا إلى‬ ‫توق ميقاتِ كم واتركُ ونِ ي‬ ‫على ِ‬ ‫سوف أكونُ عليكم سديمً ا‬ ‫َ‬ ‫‪ ..‬مع الفجرِ‬ ‫بالظنون‬ ‫ِ‬ ‫وسوف أظلّلكم‬ ‫َ‬ ‫يا سرابي ومائِ ي‬ ‫ويا وحشتِ ي في المنافي‬ ‫الجفون‬ ‫ِ‬ ‫ودم َع‬ ‫‪ ..‬إنني عائدٌ فاقتلونِ ي‪..‬‬ ‫‪80‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫(‪)2‬‬ ‫الوجد‬ ‫ُ‬ ‫أزِ َف‬

‫السنين‬ ‫ِ‬ ‫وارتحلت فوق ماءِ الترقب كلُّ‬ ‫ْ‬ ‫القرون‬ ‫ِ‬ ‫أريج‬ ‫ونام المساءُ على أيْكةٍ من ِ‬ ‫بالليل‬ ‫ِ‬ ‫وجاء الرّفاقُ القدامى حفيّينَ‬ ‫رمل أجداِ دهمْ ‪..‬‬ ‫منسدلينَ على ِ‬ ‫ومرتكِ بينَ التوق َد في هبّة البردِ‬ ‫الجنون‬ ‫ِ‬ ‫مبتكِ رين نشي َد‬ ‫وخلف ُخطاهم رمادُ البرارِ ي‬ ‫َ‬ ‫الغصون‬ ‫ِ‬ ‫وشوك‬ ‫ُ‬ ‫وها قد أطلَّ على الماءِ توْقُ همُ للمراثي‪،‬‬ ‫للمنون‬ ‫ِ‬ ‫وشوْقُ همُ‬ ‫فإمَّ ا ترامى عليكم نشيدُ ُخطاهم‬ ‫القلب دوّامةً للمعانِ ي‬ ‫ِ‬ ‫فصوغوا من‬ ‫ُ‬ ‫بأحالمكم واكتبُونِ ي‬ ‫ِ‬ ‫ثمّ ِجيئوا‬ ‫الصخرِ ‪،‬‬ ‫على َّ‬ ‫فانقشوني‬ ‫ُ‬ ‫أو‬ ‫وإمَّ ا تلوَّ نَ موسمكُ م باألغاني‬ ‫فقوموا اقرؤوني‪،‬‬ ‫الليل حين يلوحُ حزينًا‪ ،‬ويبكي‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫مع‬ ‫‪ ..‬ثمّ اقتلونِ ي!!‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪81‬‬


‫هنا الجوف‬ ‫■ حمد جويبر احلربي*‬

‫للوصال‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫هنا الجوف القريبة‬ ‫تسافر للمسافات‬ ‫القديمةْ‪..‬‬ ‫وتطمح أن تكون لها‬ ‫حبيباً‪..‬‬ ‫فتسعد بالتفاصيل الحليم ْة‬ ‫تفيض‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫نعم ذكرى الجمال بها‬ ‫و((مارد))‪..‬‬ ‫قلعة الشوق العظيمة‪..‬‬ ‫ويبقى ((للرجاجيل))‬ ‫افتخارٌ‪..‬‬ ‫تجلى فرحةً ‪ ..‬في كل قيمة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫جندل تشدو‬ ‫ٍ‬ ‫ودومة‬ ‫وتشدو‪..‬‬ ‫مالمات أليمة‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫لتُ شفى من‬ ‫تناغمني طبرجل‬ ‫في نقاءٍ ‪..‬‬ ‫فترسم حسنها ذاتاً‪ ..‬سليمة‬ ‫وحلمي بالقريات كبيرُ‬ ‫تجذّ رُ‪ ..‬والشواهد مستقيمة‪..‬‬ ‫السم الجوف‬ ‫في قلبي مكانُ ‪..‬‬ ‫يناجيني‪ ..‬فلن أبقى خصيمه‪..‬‬ ‫* ‬

‫‪82‬‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫نوير العتيبي*‬ ‫■ ّ‬

‫يسيل الليل من عيني‪ ،‬وأغزل بيدي نهارا أعمى‪..‬‬ ‫تنبجس الدروب السراب‬ ‫وأوغل في الضياع‬ ‫تكسر الحياة‬ ‫و القلب المنهك‪ ..‬يلملم ّ‬ ‫ليضمّ د الخراب‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫تكسر الحياة‬ ‫ّ‬

‫ال شيء يمضي‪ ..‬ال خطة إنقاذ‬ ‫و أنت‪..‬‬ ‫ُدس في التراب‬ ‫ال ميت‪ ..‬كي ت ّ‬ ‫تذوب األيام‬ ‫وتصير عمرا ال يذاب‬ ‫يعمّ ر فينا الحزن‪ ..‬وتلتهمنا حرائق األيام‬ ‫ال خراطيم ألمل‪ ..‬وال أمل أن نغاث‬ ‫لم نعتد الشكوى‬ ‫نحن من أولئك‪ ..‬عاقدوا الرجاء‪ ..‬نهادن الجراح‬ ‫و نرمّ م الندوب‪..‬‬ ‫تمر بنا األمنيات األولى‪ ..‬نسامرها لحظة شتاء‪ ..‬نربي القلق‬ ‫و نحشو العمر بالوعود‪..‬‬ ‫نكرر نظرنا للسماء‪ ..‬فــي إش ــارة واضـحــة‪ ..‬لتفقد بريد مــا‪..‬‬ ‫أرسلناه منذ عرفنا الدعاء‪..‬‬ ‫وف ــي داخ ـل ـنــا‪ ..‬نـكــابــر إح ـســاس شــك بـنــزاهــة الـســاعــي وتجلّي‬ ‫األولياء‬ ‫ونتحسس قلبا صار تمثاال‬ ‫ّ‬ ‫فنمسد النهارات الكفيفة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ونتخير االبتسامة من وجوه المارة‬ ‫كي ننفي أننا صرنا من حجر‪ ..‬وأننا لم نزلّ في زمرة األحياء‪..‬‬ ‫أتراه يضيء الدرب‪ ..‬أم يعود الليل البارد لنحتطب الصبر‪..‬‬ ‫ونعود نجفف أحزاننا‪ ..‬بدموع األصدقاء‪..‬‬ ‫* ‬

‫شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪83‬‬


‫ُ‬ ‫معزوفة شجن‬ ‫■ د‪ .‬أحمد اللهيب*‬

‫م ـ ـ ـ ـ ـ ــن أي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ي ـ ـ ـ ـ ــأت ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر س ـ ـ ـيـ ـ ــدتـ ـ ــي‬ ‫وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي؟‬ ‫ـش كـ ـ ـ ـ ــآب ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــي ْ‬ ‫وأن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـس األن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا َر صـ ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫درب مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ــوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫وأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرُ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ٍ‬ ‫ال نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو َر أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ فـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــرش ـ ـ ـ ـ ــدُ ن ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ــد ض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َع ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ظـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ــه ر ُْش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي‬ ‫ـرق ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـخ ـ ـ ـي ـ ـ ـل ـ ـ ـتـ ـ ــي‬ ‫كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ ال َح ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا رع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ِـد مـ ـ ـ ـ ـ ــا س ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ْـت يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫ج ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــت بـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ُس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ـرت فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي دن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــايَ رائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـاب فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا و ِّد‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــلُ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ حـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ــه ُس ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ْـت عـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــى آث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارِ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــدي‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ْـت رواحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــى ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدرًا‬ ‫إذ خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــابَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن آمـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــا وعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي‬ ‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ـ ــرتْ جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا َح ال ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ِـب ض ـ ـ ــاحـ ـ ـ ـك ـ ـ ــةً‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــى تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزّقَ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــدي‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــردُ ظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدً ا‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـح فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َة ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوردِ‬ ‫ُأنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ثُ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــت يُ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـ ُب ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬ ‫امـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلٌ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األوه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ ال يُ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــدي‬ ‫أث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ــدنـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــركـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ب ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــدي‬ ‫‪84‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫ـوطـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬ف ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــهُ‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــلُ يـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــن مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّوح والـ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫اآللُ‬

‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ُرن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ويُ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ُئـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي‬ ‫إ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي بـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـ ُـت مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن األسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى و ْكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدي‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ـال ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي خـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــدي‬ ‫أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــآمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ذكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــددُ ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا عَ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬

‫أخـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ُح ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــن أوردتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا ُه ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــيّ كـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ق ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ أم ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫وأضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت ب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــن ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهِ جـ ـ ـ ـه ـ ـ ــدي‬ ‫ـدت مُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًأ ع ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــى أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـل‬ ‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـرح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ ،‬ولـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــن خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ل ـ ـ ـ ـ ـ ــي قـ ـ ـ ـص ـ ـ ــدي‬ ‫فـــــــ ً‬ ‫ح ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــى م ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ُـت وخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ٌـق‬ ‫ورح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقُ آم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا رِ فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ـدث‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــزوف ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ــي ُبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرتْ ع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرّوح بـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــن أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ــقْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ـات ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـن م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍـف‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـات أن ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـ ـ ــي م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارْا مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاؤهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدٌ‬ ‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُرهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ــو ُر ال يـ ـ ـ ـه ـ ـ ــدي‬ ‫وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعٌ ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد َم فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــا ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـزن ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادقُ ال ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـث ـ ـ ـ ـ ــاقُ ُح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬ ‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُر م ـ ـ ـ ـ ـ ــذ ُخ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ْـت يـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ُـب ل ـ ـهـ ــا‬ ‫ق ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ـ ــأيـ ـ ـ ـ ـ ــنَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازلُ الـ ـ ـ ـ ـ ُـخ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ِـد؟‬ ‫* ‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪85‬‬


‫عندما آخذ جرعة كيماوي أكون في حالة حرب معه‪،‬‬ ‫فولد هذا النص‪..‬‬

‫حالة حرب‬ ‫■ أحمد إبراهيم احلربي*‬

‫تعبت مشاعرُ نا‬ ‫ْ‬ ‫وماتت في الشفاهِ المفرداتْ ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫لواعج صمتنا‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫النا ُر تخرج من‬ ‫بالتباريح المليئةِ بالبقايا‬ ‫ِ‬ ‫تهرب‬ ‫ُ‬ ‫والريحُ‬ ‫تهاويم السباتْ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫الريح المريض َة‬ ‫ِ‬ ‫من ذا يساعدُ مهج َة‬ ‫كي تحمّ لَ ما يخلفهُ الرمادُ من الكالمْ‪..‬‬ ‫القائمونَ على الحدودِ‬ ‫ناب الخيانةْ‪..‬‬ ‫يعضهم ُ‬ ‫ّ‬ ‫األرض‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يغرس مخلب ًا في‬ ‫ُ‬ ‫والجوعُ‬ ‫السؤال‬ ‫ِ‬ ‫وجع‬ ‫والملقى على ِ‬ ‫التراب‬ ‫ِ‬ ‫التراب على‬ ‫ُ‬ ‫عض‬ ‫وكلّ ما ّ‬ ‫تأوهت نا ُر السالمْ‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫‪86‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫الفتنةُ الكبرى‬ ‫اإلنسان‬ ‫ِ‬ ‫وبعض دعاتِ ها كفروا بإنسانيةِ‬ ‫ُ‬ ‫اإليمان‬ ‫ِ‬ ‫فاستعصت عليهم قو ُة‬ ‫ْ‬ ‫وارتدّ تْ قوافلهمْ‬ ‫إلى كلّ الشياطين ال‪ ...‬تعربدُ في الخيامْ‪..‬‬ ‫األرض يسرقها الطغاةْ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫األرض أن‬ ‫ِ‬ ‫بلّغْ حما َة‬ ‫والبنادق والرماةْ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫المدافع‬ ‫ِ‬ ‫عليك من‬ ‫َ‬ ‫ماذا‬ ‫أشعلْ فتيلَ الهمةِ المثلى وعدْ بالمنجزاتْ ‪..‬‬ ‫الموت سيدُ يومنا‬ ‫ُ‬ ‫الوقت األثيرِ ومستبدّ المرحلة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫بل سيد‬ ‫طعنات الرماحْ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫األرامل غير‬ ‫ِ‬ ‫ال شيء يزرعُ في‬ ‫جوف الليالي واأليامى النائحاتْ ‪..‬‬ ‫والدمعُ في ِ‬ ‫برق تألأل وانبالجُ الضوءِ في صدرِ الظالمْ‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫وغد ًا سننشدُ (فوق هام السحب)‬ ‫كالقلوب‬ ‫ِ‬ ‫والرايات تخفقُ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل أكبرُ‬ ‫هذهِ األضواءُ ملحمةُ األسودْ‪..‬‬ ‫بالعزمِ والحزمِ األبيّ‬ ‫تحرس مجدَهمْ‬ ‫ُ‬ ‫التوحيد‬ ‫ِ‬ ‫ورايةُ‬ ‫والع ّز في الحدّ الجنوبي استقامْ‪..‬‬ ‫ *‬

‫شاعر من السعودية ورئيس نادي جازان األدبي سابقا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪87‬‬


‫حت ٌف على الشفاه‬ ‫ْ‬ ‫■ إميان محمد احلمد*‬

‫ـك سـ ــال وج ــدُ‬ ‫إذا س ـ ِـم ـ َع ـ ْـت ح ــروف ـ َ‬

‫عـ ـل ــى خـ ــد ال ـح ـن ـي ــن وم ـ ـ ــال وردُ !‬

‫ـك ال ي ــراه ــا‬ ‫خـ ـط ــرتَ ك ـ ــأن ص ـب ــحَ ـ َ‬

‫وقـ ـ ـ ـ ْب ـ ـ ــلَ الـ ـ ـ ـض ـ ـ ــوءِ قـ ـ ّبـ ـلـ ـه ــا وب ـ ـعـ ــدُ‬

‫ـات حـتـفـ ًا‬ ‫ـض ال ـك ـل ـم ـ ُ‬ ‫تـ ـح ــا ُر وتـ ــركـ ـ ُ‬

‫ع ـ ـلـ ــى فـ ـمـ ـه ــا وي ـ ـس ـ ـكـ ــت م ـ ـ ــا ت ـ ـ ــودُّ‬

‫وأنـ ـ ـ ـ ــت حـ ـ ــديـ ـ ـ ُـث أم ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــارٍ ‪ ،‬وروحٌ‬

‫ـات واألوجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ رع ـ ــدُ‬ ‫م ـ ــن الـ ـغـ ـيـ ـم ـ ِ‬

‫أمـ ـ ــا زالـ ـ ـ ــت تـ ـك ــاب ــر والـ ـحـ ـن ــاي ــا ا ْر‬

‫ـاش لـ ـي ــس حـ ـ ـبـ ـ ـ ًا ذاك ب ـ ـ ــردُ !‬ ‫تِ ـ ـ ـعـ ـ ـ ٌ‬

‫أمـ ـ ـ ــا زال ـ ـ ـ ــت تـ ـغـ ـط ــي شـ ــوق ـ ـهـ ــا كـ ــمّ‬

‫ت ـ ـجـ ــور الـ ـشـ ـم ــس إذ يـ ـحـ ـمـ ـ ّر خ ــدُّ‬

‫ومـ ــا ج ـ ــارت سـ ــوى األضـ ـ ــاع تعلو‬

‫وت ـ ـ ـه ـ ـ ـبـ ـ ـ ُـط والـ ـ ـصـ ـ ـب ـ ــاب ـ ــة تـ ـسـ ـتـ ـب ــدُّ‬

‫وصـ ــوتـ ــك م ـن ـت ـهــى الـ ـن ــاي ــات كـ ــونٌ‬

‫ي ـ ـ ـ ــرنّ ب ـ ـق ـ ـبـ ــةٍ ‪ ،‬فـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــروح ي ـع ــدو‬

‫وص ـ ـ ــوت ـ ـ ــك آهِ ل ـ ـ ـ ــوال أن تـ ـن ــاه ــى‬

‫إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيّ ب ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــلّ أنـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـم ـ ـ ــه َيـ ـ ـ ـج ـ ـ ــدُّ‬

‫ل ـ ـغ ـ ـ ّل ـ ـقـ ـ ُـت ال ـ ـ ـنـ ـ ــوافـ ـ ــذ ع ـ ـ ــن غ ـ ـ ـ ــرامٍ‬

‫ل ـي ـخ ـب ــو داخ ـ ـ ـ ــل الـ ـعـ ـيـ ـنـ ـي ــن وقْ ـ ـ ــدُ‬

‫ـان‬ ‫ونـ ـ ــكّ ـ ـ ـسـ ـ ـ ُـت الـ ـ ـكـ ـ ـم ـ ــان ف ـ ـ ــا أغ ـ ـ ـ ـ ٍ‬

‫ل ــرقـ ـصـ ـتـ ـن ــا ال ـ ـ ـفـ ـ ــريـ ـ ــدةِ ت ـس ـت ـع ــدُّ‬

‫وي ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـغ ـ ــراب ـ ــة ال ـ ـ ـحـ ـ ــب اقـ ـت ــربـ ـن ــا‬

‫فـ ـبـ ـعـ ـ َثـ ـ َرن ــا عـ ـل ــى الـ ـغـ ـيـ ـم ــات ُبـ ـع ــدُ‬

‫ويـ ـ ـ ــا لـ ـ ـغ ـ ــراب ـ ــة الـ ـ ـح ـ ــب ابـ ـتـ ـع ــدن ــا‬

‫فـ ـ ـ ــدار بـ ـك ــوك ــب ال ـ ـسـ ــاعـ ــات ُسـ ـه ــدُ‬

‫وي ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـغ ـ ــرابـ ـ ـت ـ ــي م ـ ـ ــا ق ـ ـ ـلـ ـ ـ ُـت أ ّن ـ ـ ــي‬

‫ولـ ـ ـك ـ ــن ال ـ ـق ـ ـص ـ ـيـ ــدة ك ـ ـيـ ــف تـ ـب ــدو‬

‫ـك ال ت ـج ـب ـه ــا‬ ‫إذا قـ ـ ــالـ ـ ــت ت ـ ـح ـ ـبـ ـ َ‬

‫وخـ ـ ـ ــلِّ الـ ـلـ ـي ــل بـ ـ ــاألشـ ـ ــواق ي ـح ــدو‬

‫* ‬

‫‪88‬‬

‫شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫■ مشاعل عبداهلل*‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫كبرياء وهوى‪..‬‬ ‫فـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ــل ي ـ ـ ـ ـ ـ ــومٍ أرى فـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــب مـ ـ ـعـ ـ ـج ـ ــز ًة‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــس قـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـب ـ ـ ــي وأوت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاري وأق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداري‬ ‫ت ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ــيء روحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ــيءٍ ل ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ُـت أع ـ ـ ــرف ـ ـ ــه‬ ‫ت ـ ـ ـف ـ ـ ـيـ ـ ــض مـ ـ ـ ـن ـ ـ ــه أح ـ ـ ــاسـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـس ـ ـ ــي وأش ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــاري‬ ‫ي ـ ـ ـخ ـ ـ ـي ـ ـ ـف ـ ـ ـنـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــه أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ل ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ُـت واث ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــةً‬ ‫أك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد أه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرب م ـ ـ ـ ـ ـ ــن أفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــار أفـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ــاري‬ ‫ح ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ًا ي ـ ـ ـ ـ ــران ـ ـ ـ ـ ــي!‪.‬ي ـ ـ ـ ـ ــرى ك ـ ـ ـ ــم ك ـ ـ ـنـ ـ ــت غـ ـ ـ ــارقـ ـ ـ ــةً‬ ‫ح ـ ـ ـقـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ــى!‪ .‬ولـ ـ ـ ـ ـ ــم يـ ـ ـعـ ـ ـل ـ ــم بـ ـ ــأخ ـ ـ ـبـ ـ ــاري‬ ‫إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا الـ ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ــوق يـ ـ ـع ـ ــرفـ ـ ـن ـ ــي‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ــذنـ ـ ـ ـ ـ ــب ذن ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــيَ واألسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرار أس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراري‬ ‫أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ضـ ـ ـ ــوئـ ـ ـ ــي وأحـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــا داخـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــي ش ـ ـف ـ ـق ـ ـ ًا‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال إن الـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــوى دا ٌر ب ـ ـ ـ ـ ــا دارِ‬ ‫لـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـن ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـ ـ ــوف يـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـش ـ ـ ــان ـ ـ ــي ع ـ ـ ــانـ ـ ـ ـي ـ ـ ــةً‬ ‫أخ ـ ـ ـ ـ ــاف ح ـ ـ ــزنـ ـ ـ ـ ًا ط ـ ـغـ ــى ف ـ ـ ــي خ ـ ـ ــوف ـ ـ ــيَ ال ـ ـ ـعـ ـ ــاري‬ ‫ـدي عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدري مـ ـ ـ ـك ـ ـ ــاب ـ ـ ــر ًة‬ ‫أطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوي يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬ ‫ل ـ ـ ــم يـ ـحـ ـمـ ـن ــي ف ـ ـ ــي ل ـ ـيـ ــالـ ــي الـ ـ ـ ـش ـ ـ ــوق إن ـ ـ ـكـ ـ ــاري‬ ‫إن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي اكـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــوي ـ ـ ـ ــت بـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــارٍ ك ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــت أح ـ ـ ـ ــذره ـ ـ ـ ــا‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ُـت ي ـ ـ ـ ــا رب أقـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى ُحـ ـ ـ ـ ــرق ـ ـ ـ ـ ـ َة الـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــارِ ‪.‬‬ ‫* ‬

‫شاعرة من السعودية‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪89‬‬


‫ثالث قصائد‬

‫■ عصام أبو زيد*‬

‫‪-1-‬‬

‫وأنت أجمل الكائنات في الدنيا‬ ‫ِ‬ ‫أجمل من الكواال والحوت األزرق ومونيكا بيلوتشي‬ ‫أجمل من السمكة الراقصة بطولها الفارع ‪ 46‬سنتيمترًا‬ ‫رأسها‬ ‫حيث تخطو قبالة الساحل وخياشيمها تتحرك فوق ِ‬ ‫وتتدلى من صدرِ ها ثالثة قلوب ألوانها زاهية وبديعة‬ ‫وأنت أجمل من جميع أفالم الكارتون التي أحببتها معك‬ ‫ِ‬ ‫أحببنا "شركة المرعبين المحدودة" وأحببنا "العلبة الوردية"‬ ‫أنت أجمل من بط الماندارين وثعالب البحر ونجوم البحر‬ ‫ِ‬ ‫أجمل من النمر األبيض والذئب األبيض والباندا الحمراء‬ ‫أجمل من السهول المضيئة في الليل بين الجبال‬ ‫أجمل من السنوات الطويلة والسنوات القصيرة‬ ‫أجمل من الكورال الشرقيّ في أغانينا العاطفية‬ ‫أنفسنا‬ ‫وأجمل من أفكارِ نا الحزينة والجريئة عن ِ‬ ‫وقت ما ‪-‬‬ ‫ال وجريئًا في ٍ‬ ‫ ربما كان الحز ُن جمي ً‬‫وأنت أجمل من فكرتي عنك‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪-2-‬‬

‫‪90‬‬

‫هناك رجل اسمه فينسنت فان جوخ‬ ‫لم يكن هولند ّيًا ألنّه لم تعد هناك هولندا‬ ‫فينسنت كان اسم سيارتي الكاديالك القديمة‬ ‫وكان الهاتف الذي أجريت عبره مكالم ًة سريعة‬ ‫بكلمة واحدة‬ ‫ٍ‬ ‫مكالم ًة كا َن ال ب ّد أن تنتهي‬ ‫ولكنّ الكلم َة تحجّ رت في عيوني‪ ،‬وبكيت‪.‬‬ ‫وفينسنت علبة صغيرة يض ُع الغرباءُ فيها الهدايا‬ ‫األبواب ويهربون‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ويتركونها أما َم‬ ‫وفينسنت ال وجو َد له على اإلطالق‬ ‫ليس الباخرة الفاخرة الكبيرة‬ ‫وليس المستشفى الوحيد القريب الذي‬ ‫يحترق بال سبب‬ ‫وليس الشوارع الرئيسية التي‬ ‫بعربات اإلطفاءِ والبوليس‬ ‫ِ‬ ‫تمتل ُئ‬ ‫إنّه مجرد فكرة لطيفة‬ ‫تخطر على بالي‬ ‫في الصباح‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫‪-3-‬‬

‫أحبُّ شاعرة من مكان صعب وقاحل‬ ‫أحبُّها من يدي المضمومة على حبّةِ قمح فوق أنفِ ها القويّ‬ ‫وأغمض عينيّ وأسم ُع صوتَ األعاصير‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫أض ُّم الحبّة‬ ‫هناك أعاصير وكوارث وسقوط حر لألشياء‬ ‫أحبُّ ك ّل األشياء في الشاعرة وأحبُّ طولَها الفارع‬ ‫قامتَها العالية فوق قمم الجبال‬ ‫أحبُّ انحناءة بسيطة في كتفيها من أثر القراءة‬ ‫من أثر السهر في الليالي الباردة‬ ‫وأحبُّ النور والسرور في عينيها‬ ‫أحبُّ عينيها الجميلتين جدًا‬ ‫مثل دكان ألعاب مفتوح قبل العيد‬ ‫ومفتوح طوال نهار العيد وما بعده من نهارات‬ ‫أحبُّ مهارتها في السباحة لتنقذني‬ ‫أحبُّ الشمس معها‪،‬‬ ‫والقمر فوق حبّة القمح فوق أنفِ ها‬ ‫أحبُّ أنفَها المائل كشجرة بلوط‬ ‫ال‬ ‫كباب قديم وعظيم‪ ...‬باب الزمان مث ً‬ ‫أحبُّ "مثالً" التي ال أحبها إال عندما أكتب عنها‬ ‫كيف يمكنني أن أكتبَ عنها؟!‬ ‫عن مؤسسة الحنان الكبرى‬ ‫والعنف الجميل؟!‬ ‫أحبُّ صورتها في الطفولة‬ ‫وصورتها في السرير وهي تبكي‬ ‫أحبُّ دموعها العصافير ودموعها التماسيح‬ ‫أحبُّ األساور الملوّنة في يدها اليمنى‬ ‫وأحبُّ السيارة الكهربائيّة التي تقودها فوق ذراعي‬ ‫وفوق ظهري وبطني وبين الرئتين‬ ‫أحبُّ عنقَها الراسخ‪ ،‬وعنقها المشدود‪،‬‬ ‫وعنقها الطريَّ الناعم‬ ‫أحبُّ العقود الكثيرة حول عنقِ ها‬ ‫عقود األحالم والكالم‬ ‫أحبُّ الخوخ‪.‬‬ ‫* ‬

‫شاعر من مصر‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪91‬‬


‫ُ‬ ‫هجرة اللغة‬ ‫■ عبدالهادي الصالح*‬

‫ن ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــوى وش ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــوى مـ ـ ـ ـ ــن ظ ـ ـ ـ ـ ـ ــال عـ ــري ـ ـن ـ ـهـ ــا‬ ‫ـاول أجـ ـ ـلـ ـ ـب ـ ــوا‬ ‫ح ـ ـ ـيـ ـ ــث األعـ ـ ـ ـ ـ ــاجـ ـ ـ ـ ـ ــمُ بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاب ع ـ ـ ـن ـ ـ ـهـ ـ ــم م ـ ـ ــوص ـ ـ ــدٌ‬ ‫فـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـم ـ ـ ــوا وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫وإذا تـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـق ـ ـ ــهُ بـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ــائـ ـ ـ ـ ِـب يـ ـ ـثـ ـ ـع ـ ـ ُـب‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّلُ الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـن ـ ـ ــى بـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــد ًا خَ ـ ـ ـ ـ ــا َل ـ ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـاس م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزّقَ وال ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ــي يـ ـ ــرقـ ـ ــب‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ــرط ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـاس شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذو َذ ُه‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ َد ت ـ ـ ـب ـ ـ ـ ّنـ ـ ــى ف ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـرب‬ ‫وأت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ب ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ٍـظ ال يُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاغُ ويُ ـ ـ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـامـ ـ ـه ـ ــم‬ ‫ـات الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ وا َة وذر ْ ص ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ــلَ ك ـ ـ ِ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـاق يُ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـر ُّب‬ ‫ح ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ُـث الـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــاق ـ ـ ـ ــةُ بـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫يـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـي ـ ـ ــتَ شـ ـ ـ ـع ـ ـ ــري أي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ أي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ لـ ـ ـغ ـ ــاتـ ـ ـن ـ ــا‪..‬؟‬ ‫ـرف يُ ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ُـب‪...‬؟‬ ‫أيـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـحـ ـ ـمـ ـ ـي ـ ــةُ أي ـ ـ ـ ـ ـ ــنَ ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫أق ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْر وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّيـ ـ ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ـ ــا ول ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد لـ ـ ـس ـ ــانـ ـ ـه ـ ــم‬ ‫ـرب‬ ‫ـاش ل ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ٌـن بـ ـ ـ ـ ــاألعـ ـ ـ ـ ــاجـ ـ ـ ـ ـ ِـم يـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ُ‬ ‫مـ ـ ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ول ـ ـ ـ ـ ـئـ ـ ـ ـ ــنْ رأي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ تـ ـ ـ ـ ــدفّ ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ـ ًا لـ ـ ـ ـك ـ ـ ــامـ ـ ـ ـه ـ ـ ــم‪!..‬‬ ‫ـس غ ـ ـ ـ ـ ّربـ ـ ـ ــوا‬ ‫ـرف أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ف ـ ـ ــاعـ ـ ـ ـل ـ ـ ــمْ ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأنّ الـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـول وج ـ ـ ـر ِْس ـ ـ ـهـ ـ ــا‬ ‫وإذا بـ ـ ـكـ ـ ـي ـ ــتَ عـ ـ ـل ـ ــى الـ ـ ـ ـ ّـط ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـرب‬ ‫عـ ـ ـ ـ ــاثـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذّ كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى ويـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومٌ يـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ *‬

‫‪92‬‬

‫أكاديمي وشاعر من الجوف‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫ما هي الصداقة؟‬

‫*‬

‫من الواقعي إلى االفتراضي‬ ‫■ ترجمة‪ :‬خديجة حلفاوي**‬

‫ميشيل إيرمان (‪،)Michel Erman‬‬ ‫كاتب وفيلسوف وأستاذ بجامعة بورغون (‪.)Université de Bourgogne‬‬ ‫من مؤلفاته‪:‬‬ ‫"رابط الصداقة‪ :‬قوة رو‪22‬حية" ))‪(Le Lien d'amitié. Une force d’âme (Plon, 2016‬‬ ‫تعد الصداقة شكال فرديا من أشكال الفيلسوف الفرنسي "ميشيل دو مونتين"‬ ‫التعلق (‪ )L'attachement‬الــذي يستند‬

‫(‪de Montaigne‬‬

‫‪ )Michel‬حول "إتيان‬

‫إلــى جدلية األخــذ والعطاء‪ .‬ما الذي دي البويسيه" (‪:)Étienne de La Boétie‬‬ ‫يميز الصداقة عن العالقات العاطفية؟ "ألنه هو‪ ،‬وألنني أنا" (من اختار اآلخر)‪.‬‬ ‫ماذا عن "الصداقة االفتراضية؟‬

‫ولكن ما هي طبيعة هذا السند المميز‬

‫في اختالف عن الروابط العائلية أو الذي هو أيضا شعور؟‬ ‫المهنية‪ ،‬تتميز الصداقة بكونها موضوع‬

‫حققت الملحمة الروائية "الصديق‬

‫اخــتــيــار يعتمد عــلــى بــعــض الصفات الــرائــع"‬

‫(‪prodigieuse‬‬

‫‪ )L'amie‬إليلينا‬

‫الــغــريــبــة أحــيــانــا كــمــا يــذكــرنــا تعليق فيرانتي (‪ )Elena Ferrante‬نجاحا منقطع‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪93‬‬


‫أهلها ألن تتحول إلى مسلسل تلفزيوني‪،‬‬ ‫النظير ًّ‬ ‫ما فاجأ الناشرين والنقاد الذين ظلوا يراهنون‬

‫ترابط اختياري وحر‬ ‫في أصل الصداقة‪ ،‬هناك اختيار ينشأ‬

‫عوضا عن الحب‬ ‫ً‬ ‫بشكل عام على "الرومانسيات" للمنافسة على عن جرعة من التعاطف‪،‬‬ ‫أفضل المبيعات (‪.)best-sellers‬‬ ‫من النظرة األولى‪ ،‬ال يحول دون وجود رابطة‬ ‫في الــواقــع‪ ،‬ومنذ الحقبة الرومانسية‪ ،‬عاطفية قوية‪ ،‬لكنه يبقى لصيق الجمع بين‬

‫شكل الحب شأنًا وجوديًا يدرك ويزدهر من إرادتــيــن مختلفتين‪ :‬نحب بعضنا بعضاً‪،‬‬ ‫قبل األفــراد‪ ،‬في حين أن الصداقة انبثقت بحيث تصبح العاطفة الودية مرتبطة جوهريا‬ ‫منذ القدم بوصفها شعورًا إنسانيًا خالصا‪ .‬بأخالقيات المعاملة بالمثل‪ .‬تناشد الصداقة‬

‫لــكــن‪ ،‬أال يشكل االنــزعــاج ال ــذي نالحظه الروح وتختلف عن النداءات التي تدعو إلى‬ ‫اليوم بخصوص المشاعر ‪-‬من تمدد لمجال اختيار القلب (الــحــب)‪ .‬مع ذلــك‪ ،‬يجب أن‬ ‫الــطــاق إلــى حــرب الــجــنــدر‪ -‬إعــانــا عن نتذكر أنه في هذه الحالة يغلف العقل القلب‬

‫مركزية الطابع اإليروسي" وقوته ضمن هذه لدرجة تجعله يدرك الرغبة التي تشغل جميع‬ ‫الترابطات‪ ،‬والــذي نلحظه في "الحب"‬

‫(‪la‬‬

‫األفــراد‪ :‬أن يكون محط تقدير لذاته‪ ،‬مهما‬

‫‪ ،)philia‬والثقة والمعاملة بالمثل التي تنطوي كانت صفاته‪ ،‬التي يعرف بها كشخص‪ .‬يكون‬

‫‪94‬‬

‫على هذه المشاعر؟‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫الصديق إذاً ذاك الشخص الــذي يستقبلنا‬


‫ودون أن يــحــاول الظهور بشكل مصطنع‪،‬‬

‫نحترمه ونقدره ويبادلنا الشعور نفسه‪.‬‬

‫تختلف الــصــداقــة بــاخــتــاف درجــاتــهــا‪،‬‬ ‫فمنها السطحية‪ ،‬ومنها العميقة‪ .‬على سبيل‬

‫تحمل الصداقة فكرة االختيار الحر بين المثال‪ ،‬حينما يتعلق األمر بلحظات "التواطؤ"‪،‬‬ ‫فردين متطابقين‪ ،‬ما يجعلهما متطابقين آن ــذاك نتحدث عــن الــرفــقــاء‪ .‬يضعف أثر‬ ‫دون إلغاء اختالفاتهما‪ .‬تعتمد على المعاملة مصطلح "الصديق" في حالة استعماله في‬ ‫بالمثل فــي الــتــبــادالت الــتــي تغذيها وعلى صيغة الجمع‪ ،‬ألنه حينما يصف شخص ما‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫دون تحامل ويظهر نفسه على ما هو عليه‪،‬‬

‫األصدقاء "االفتراضيون" المزيفون‬

‫المتعة التي توفرها‪ .‬في معظم األحيان‪ ،‬مجموعة من األشخاص بكونهم أصدقائه‪،‬‬ ‫ال تنشأ اإليماءات الودية عن أفعال مادية يتبادر إلــى أذهاننا "الــرفــاق" نظرًا لكونه‬

‫أو مباشرة‪ ،‬بــل عــن مــواقــف‪ ،‬اهتمام‪ ،‬ثقة صديق الجميع وليس ألحد‪.‬‬ ‫ومشروع ذي طابع حميمي مشترك‪ .‬تشير‬ ‫مــن أج ــل تمييز الــرفــيــق عــن الصديق‬ ‫أيضا الصداقة إلى روح الكرم؛ تلك الفضيلة‬ ‫الحقيقي‪ ،‬يجب أن نستذكر االنبثاق الطوعي‬ ‫القادرة على تحرير األفراد من ميلهم إلى أن‬ ‫لهذا األخير‪ ،‬في مقابل المحددات الخارجية‬ ‫يصيروا أنانيين‪.‬‬ ‫المتحكمة في حاجة األفــراد لرفقاء وإلى‬ ‫يتبادل األصــدقــاء كياناتهم وال يبحثون بعضهم بعضاً في الشغل‪ ،‬والغرفة‪ ،‬وفي‬

‫عــن جــعــل ال ــراب ــط الـــذي يــوحــدهــم مليئاً لعبة كرة القدم‪ ...‬ويمكن مضاعفتهم بتعدد‬ ‫بلحظات حية‪ ،‬وتكاثف العالقات اإلنسانية ضروريات الحياة‪.‬‬ ‫يُعوّض الضعف المحتمل للترابط القائم‪،‬‬ ‫وال ينفصلون عن بعضهم بعضاً‪ ،‬ويربطون‬

‫بين الرعاية الحرة للذات ورعاية اآلخرين‪،‬‬ ‫واح ــت ــرام تــفــرد كــل مــنــهــم دون الــمــســاس‬

‫بالمبادئ األخالقية المتوافق حولها‪ .‬وبما‬ ‫أن كل عالقة وُدية تتطلب الوعي باآلخرين‬ ‫حينما يكون التعلق داخليًا‪ ،‬سريعًا ومدمرًا‬

‫في نهاية المطاف‪ ،‬ففي الصداقة ال ننسلخ‬

‫في خضم مجتمعاتنا‪ ،‬حينما نعيش جنباً‬ ‫إلــى جنب مع اآلخــريــن بــدالً من أن نعيش‬ ‫مجتمعين‪ ،‬تمثل "الرفقة" أنموذجً ا لرابط‬ ‫الصداقة ‪-‬بفعل التضامن الــذي تجسده‪-‬‬ ‫وملجأ من مخاطر العالم وصعوبات الوجود‪،‬‬ ‫وربما استجابة لتوترات الهوية التي نعايشها‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬نجد الصداقة تدفع أكثر في اتجاه‬

‫عن أنفسنا‪ ،‬ونادرًا ما نتحدث بال"نحن"‪ ،‬كما الرفقة‪ ،‬منها في اتجاه التواصل‪.‬‬ ‫في حضرة العشاق‪ ،‬وتصير ال"أن ــا" الزمة‬ ‫أساس‪.‬‬

‫هـــل يــمــكــن ال ــح ــدي ــث عـــن ص ــداق ــات‬

‫افتراضية عبر الشبكات االجتماعية؟ لنتفق‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪95‬‬


‫على القول بأن هذا النمط من الصداقات يتحدث "األصدقاء الرقميون" بصيغة "األنا"‪،‬‬

‫ال يــعــدو أن يــكــون شكال مزيفا للصداقة وإنما يقولون "ذاتي أنا" مع إظهار حاجتهم‬ ‫الحقيقية‪ .‬تــعــود ج ــذور ه ــذا الــنــمــط من إلى التواصل مع اآلخرين‪ ،‬وبعبارة أوضح‬ ‫الصداقة إلى بدايات ظهور شبكات التواصل "الحاجة إلى الوجود"‪.‬‬ ‫االجــتــمــاعــي األمــريــكــيــة‪ ،‬الــتــي ســعــت إلــى‬

‫ختاما‪ ،‬بين النرجسية والنفعية‪ ،‬تكاد‬

‫الترويج لمواقعها من خالل اإلشارة إلى أن العالقات الرقمية تقارب الرفقة في الحاالت‬ ‫العالقات الرقمية حاملة لفكرة "الصداقة" التي يتم التعبير فيها عن نوع من التضامن‪،‬‬

‫ال حاصالً‪.‬‬ ‫وفقًا لنموذج التعاطف المعمم الذي يسود وهي النتيجة التي تظل تحصي ً‬ ‫في األخالقيات ال"ما وراء أطلسية" كمرادف لكن‪ ،‬حينما نتحدث عن التعلق‪ ،‬آنذاك يجوز‬ ‫ألخالق المنافسة‪ .‬فضال عن هذا‪ ،‬نلحظ أن ربطه باألشياء والتكنولوجيات‪ ،‬مثل الهاتف‬ ‫مستخدمي موقع "فيسبوك"‪ ،‬والذين يمتلكون الذكي‪ ..‬هذا الكائن االنتقالي الجديد‪ ،‬أكثر‬ ‫(‪ )160‬صديقًا في المتوسط‪ ،‬ال يجمعهم من غيره‪...‬‬

‫أي اتصال واقعي بين بعضهم بعضاً‪ ،‬حتى‬ ‫وإن تضمنت شبكتهم االجتماعية أقــار ًبــا‬ ‫أشخاصا التقوا بهم بالفعل‪ ،‬ويعتقدون‬ ‫ً‬ ‫أو‬ ‫أنهم على اتصال فيما بينهم‪ .‬يتفوق هنا‬ ‫منطق التسيير (االفتراضي) على التجربة‬ ‫االختيارية التي تجمعنا بشخص آخر؛ نظرا‬ ‫لعدم إمكانية توسيعها وفتحها على الجمهور‪:‬‬ ‫التبادل الــودي فريد‪ ،‬في حين أن التبادل‬ ‫الــرقــمــي اجــتــمــاعــي‪ ،‬وحــتــى جمعي‪ .‬ينشأ‬ ‫عــن هــذا الــوضــع منافسة بين األصــدقــاء‪.‬‬ ‫على سبيل الــمــثــال‪ ،‬مــا هــي الــصــورة التي‬ ‫ستعطى لشخص لديه عدد قلي ٌل جـدًا من‬ ‫المتابعين أو اإلعجابات أو المشاركات؟ ال‬ ‫* ‬

‫نشــر هــذا المقــال فــي‪:‬‬

‫** كاتبة وباحثة من المملكة المغربية‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪96‬‬

‫‪John Bowlby, Attachement et perte, 3 vol., Puf,‬‬ ‫‪2002-2007.‬‬ ‫‪Nicole et Antoine Guedeney, L'attachement:‬‬ ‫‪approche théorique, 4' éd,, Elsevier Masson,‬‬ ‫‪2016.‬‬ ‫‪Nicole et Antoine Guedeney, L'attachement:‬‬ ‫‪approche clinique et thérapeutique, 2' éd.,‬‬ ‫‪Elsevier Masson, 2016.‬‬ ‫‪Michel Delage, La Vie des émotions et‬‬ ‫‪l’attachement dans la famille, Odile Jacob,‬‬ ‫‪2013.‬‬ ‫‪Yvane Wiart, L'Attachement, un instinct‬‬ ‫‪oublié, Albin Michel, 2O11.‬‬ ‫‪Anne-Sophie BARBEY-MINTZ, Odile Faure‬‬‫‪Fillastre et Romain Dugravier, L'attachement,‬‬ ‫‪de la dépendance à l'autonomie, Érès, 2017.‬‬ ‫‪raphaële miljkovitch, Les fondations du lien‬‬ ‫‪amoureux, Puf, 2009.‬‬

‫‪Michel Erman, Qu'est-ce que l'amitié ? Magazine sciences humaines, Mensuel N° 314 - mai‬‬

‫‪.2019 L'attachement, un lien vital, pp: 60-61‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫المراجع‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫كاتبة في أدب األطفال وأستاذة التصميم الدكتورة‬

‫أروى خميس‪:‬‬

‫كتب األطفال باب لألدب الخلفي على حديقة مدهشة‬ ‫أتمنى أن أجد في صحفنا وفي منصاتنا الثقافية‬ ‫مراجعات نقدية لكتب األطفال‬ ‫الدكتوره أروى خميس‪ ،‬أستاذ مشارك في كلية التصاميم والفنون بجامعة الملك‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬من أبرز الكتّاب في أدب الطفل على المستوى المحلي والعربي‪ ،‬تؤمن‬ ‫بأن عالم الطفل عالمها الذي تشخص من خالله األفكار‪ ،‬وتشخص الحلم ودوره‬ ‫في حياتنا المثالية‪ .‬أثرت المكتبة الثقافية بإصداراتها التي تتجاوز ال‪ 25‬كتاباً‪،‬‬ ‫ومعظم هذه اإلصــدارات في فضاء أدب الطفل‪ ،‬ولديها دار للنشر تم تأسيسها في‬ ‫عام ‪2012‬م‪« ،‬دار أروى العربية للنشر»‪ ،‬مختصة في نشر كتب أدب الطفل‪..‬‬ ‫وبثقة تبوح لنا بسر من أسرار عالمها‪ ،‬تقول‪« :‬أبوح بسر أردده كثيرً ا حتى أنه لم‬ ‫يعد سرا‪« ،‬كتب األطفال ليست لألطفال فقط‪ ،‬إنها باب األدب الخلفي على حديقة‬ ‫مدهشة»‪..‬أنا دومـ ًا أشكر حــراس هذا العالم الصغار الذين سمحوا للكبار أمثالي‬ ‫بالدخول إلى مدينتهم السحرية‪ ،‬ترافقني الدهشة أينما حللت فيها»‪.‬‬ ‫ه ــذا ال ـح ــوار تـمـيــزه الــدك ـتــوره أروى خميس بــإجــابــاتـهــا الـمـبــاشــرة والفلسفية‬ ‫والصادقة‪..‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪97‬‬


‫طفلنا العربي كنز‪!..‬‬ ‫ ¦من ضمن ما يميز فضاء الدكتوره أروى‪،‬‬ ‫ح ـضــورهــا الـمـمـيــز والـكـبـيــر ف ــي الكثير‬ ‫من الـنــدوات والفعاليات محلي ًا وعربي ًا‬ ‫وعــالـمـيـاً‪ ،‬وه ــذا مــا يــدعــونــي أن أســألــك‪،‬‬ ‫ما الذي يميز الطفل العربي عن الطفل‬ ‫فــي ال ـب ـلــدان األخـ ــرى عـلــى المستويين‬ ‫التعليمي والتربوي؟‬ ‫‪ρ ρ‬تتميز دولــنــا الــعــربــيــة ذات المساحة‬ ‫الكبيرة مجتمعة‪ ،‬أن اللغة العربية توحد‬ ‫بينها خاصة في الكتابة والــقــراءة؛ ما‬ ‫يجعل خصوصية أي من الدول العربية‬ ‫في متناول الجميع‪ ..‬لدى طفلنا العربي‬ ‫كنز مــن الــتــاريــخ والــثــقــافــة والقصص‬ ‫واألدب‪ ،‬وإذا عدنا إلى مأثوراتنا الشعبية‬ ‫والتاريخية‪ ،‬سنجدها زاخرة بالكثير الذي‬ ‫يتوحد فيه العالم العربي‪ ،‬والذي يمكن‬ ‫استخالص الكثير من القصص التي ال‬ ‫تموت وإظهارها بطريقة عصرية‪ ،‬كما أن‬ ‫نقاط التشابه الثقافية المختلفة بين دول‬ ‫الخليج وبين العالم العربي الكبير كفيل‬ ‫بالتوحيد والمشاركة في هذه العناصر‪،‬‬ ‫خاصة أن وسائل اإلعالم العربية موجهة‬ ‫للعالم العربي ككل‪.‬‬ ‫المزيد من الحراك‪..‬‬ ‫فيما يخص أدب الطفل‪!..‬‬

‫الكتاب الذهبي في المهرجان القرائي‬ ‫األول لألطفال عام ‪1426‬هـ‪ ،‬في الشارقة‬ ‫عن قصة «عربة سديل ودميتي»‪ ،‬وهناك‬ ‫الـ ـع ــدي ــد مـ ــن الـ ـج ــوائ ــز ال ـم ـه ـم ــة ال ـتــي‬ ‫حصلت عليها مــن خــال أعـمــالــك‪ ،‬هل‬ ‫ه ــذا الـتـكــريــم والـمـهــرجــانــات دلـيــل على‬ ‫الوعي بقيمة الطفل ودوره المجتمعي‬ ‫لدينا؟‬ ‫‪ρ ρ‬االهتمام بــأدب الطفل توجه ناشئ في‬ ‫دول الخليج على الرغم من القفزة التي‬ ‫حدثت في العشر سنوات األخيرة‪ ..‬إال‬ ‫إنني ما أزال أتمنى المزيد من الحراك‬ ‫على مستوى الــمــدارس والمؤسسات‬ ‫الثقافية والجهات الحكومية واألنشطة‬ ‫المجتمعية‪ ،‬فيما يخص أدب الطفل‬ ‫وكتبه‪ .‬الجوائز مــن أكثر الــطــرق التي‬ ‫تجوّد اإلنتاج‪ ،‬وترفع سقف المنافسة‪،‬‬ ‫وتشجع العاملين في الكتب من كتّاب‬ ‫ورسامين ودور نشر على إظهار أفضل‬ ‫ما لديهم‪ ،‬وعلى الجانب اآلخر ال بد من‬ ‫استغالل المناسبات الثقافية المختلفة‪..‬‬ ‫مثل مواسم المملكة‪ ،‬والمهرجانات في‬ ‫تسويق جانب ثقافي مهم ورفــع الوعي‬ ‫تجاهه وهو الكتاب؛ ما يسهم في تنمية‬ ‫حــب الكتاب والــقــراءة كعنصر ثقافي‬ ‫أصيل‪.‬‬ ‫لدعم نهضة كتاب الطفل‪!..‬‬

‫ ¦ح ـظ ـيــت الـمـكـتـبــة ال ـعــرب ـيــة والـعــالـمـيــة‬ ‫بعدد من الكتب واألبحاث المهمة التي ¦هـ ـ ـ ـن ـ ـ ــاك عـ ـ ـ ـ ــدد مـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـك ـ ـ ـتـ ـ ــاب ال ـ ــذي ـ ــن‬ ‫يقومون بنهضة كتاب الطفل في العالم‬ ‫قــدمـتـهــا الــدك ـتــوره أروى خـمـيــس‪ ،‬وكــان‬ ‫العربي‪ ،‬وأنــت أحــد هــؤالء الـكـ ّتــاب‪ ،‬فمَ ن‬ ‫لها األثــر الــائــق‪ ،‬وتــم تكريمك بجائزة‬

‫‪98‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫‪ρ ρ‬إن كنت تتحدث عن «أفالم الكرتون» في‬ ‫مرحلة الثمانينيات‪ ،‬فأنت تتحدث إما عن‬ ‫محتوى يستخدم اللغة العربية الفصحى‬ ‫ب ــص ــورة مــمــتــازة‪ ،‬مــمــا يــعــلــم األطــفــال‬ ‫المتابعين اللغة ويسهل عليهم القراءة‬ ‫بالفصحى‪ .‬أو عــن أفــام ومسلسالت‬ ‫أطفال أصولها أدب كالسيكي عالمي‬ ‫مثل جزيرة الكنز (رواية أوروبية)‪ ،‬وفلونة‬ ‫(روبنسون كــروزو) وسندريال‪ ،‬وقصص‬ ‫األمــيــرات (اإلخـــوان جريمز)‪ ،‬وهايدي‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ِمن األسماء يلفت انتباهك على الساحة‬ ‫األدبية اليوم؟‬ ‫‪ρ ρ‬نظن أحيانا أن المرأة هي المؤهلة فقط‬ ‫للكتابة للطفل بحكم التصاقها به أكثر‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬في الساحة األدبية الخليجية والسعودية‬ ‫ولعل النسبة األكبر تكون من النساء‪..‬‬ ‫عـــدد م ــن األس ــم ــاء كــكــتــاب ونــاشــريــن‬ ‫ولكن هــذا ال يعني انفراد المرأة بهذا‬ ‫ال‬ ‫ومبادرات لدعم نهضة كتاب الطفل‪ ،‬مث ً‬ ‫ال ـ ــدور‪ ،‬فعلى مــســتــوى الــعــالــم‪ ،‬هناك‬ ‫فــي اإلمـــارات الشيخة بــدور القاسمي‬ ‫الكثير من الكتاب الرجال والذين احتفظ‬ ‫ومـــا تــقــوم ب ــه م ــن مـــبـــادرات مختلفة‬ ‫التاريخ بأسمائهم ككتّاب ورواد في عالم‬ ‫خــاصــة بــدعــم وتحسين كــتــاب الطفل‪.‬‬ ‫كتاب الطفل‪ .‬وهــنــاك عــدد مــن أسماء‬ ‫في السعودية لدينا عدد من الدارسات‬ ‫الرجال إضافة لألسماء النسائية التي‬ ‫والكتّاب في مجال أدب الطفل مثل د‪.‬‬ ‫ظهرت في العالم العربي ككتّاب في أدب‬ ‫صباح عيسوي‪ ،‬د‪ .‬هند خليفة‪ ،‬د‪ .‬وفاء‬ ‫األطفال‪ .‬كالهما ‪-‬طالما باستطاعتهما‬ ‫السبيّل‪ .‬وعلى مستوى العالم العربي‪..‬‬ ‫روايــة الحكاية‪ -‬لهما دور مهم في أدب‬ ‫األسماء كثيرة مثل الكاتب والرسام وليد‬ ‫األطفال‪.‬‬ ‫طاهر من مصر‪ ،‬والكاتبة تغريد النجار‬ ‫من األردن‪ ،‬والرسامة حنان قاعي من‬ ‫أفالم الكرتون‪!!..‬‬ ‫لــبــنــان‪ ..‬وغــيــرهــم الكثير مــن األســمــاء‬ ‫ ¦«أفالم الكرتون» هي أحد الروافد وأقربها‬ ‫الملهمة والمهمة‪.‬‬ ‫ل ـل ـط ـفــل‪ ،‬وت ــدخ ــل ض ـم ــن أدب ال ـط ـفــل‪،‬‬ ‫كيف يمكن توظيف هــذا األدب المرئي‬ ‫المرأة هي المؤهلة فقط‪!!..‬‬ ‫واالستفادة منه‪ ،‬واالبتعاد عن مخاطره‬ ‫ ¦هــل هـنــاك دور تتفرد بــه ال ـمــرأة فــي أدب‬ ‫أو سلبياته؟‬ ‫الطفل؟‬

‫‪99‬‬


‫(رواية من األدب السويسري)‪ ،‬وسندباد‬ ‫(من ألف ليلة وليلة)‪.‬‬ ‫فــي عــصــرنــا الــحــالــي لــو عــدنــا لــأدب‬ ‫الــمــكــتــوب واســتــلــهــمــنــا مــنــه م ــا يــقــدم‬ ‫لألطفال‪ ..‬فحتماً ستكون نافذة يتعرف‬ ‫منها الطفل على روائع هذا العالم وباللغة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫استخدام أساليب حديثة في الرسم‪!..‬‬ ‫ ¦م ــا ه ــي األدوات ال ـتــي اكـتـسـبـهــا الطفل‬ ‫العربي‪ ،..‬أو األسباب التي جعلته يتطور‬ ‫‪ρ ρ‬لم يكن الدخول في تجربة النشر قراراً‬ ‫ليتماشى مع العصر؟‬ ‫جــاء بين يــوم وليلة‪ ،‬بل هو نتيجة عدد‬ ‫‪ρ ρ‬لعل النظرة إليه اختلفت وخرج من عباءة‬ ‫من التجارب في هذا الحقل‪ ،‬فقد بدأت‬ ‫الوصاية وأنه أداة تربوية فقط إلى فضاء‬ ‫بكاتبة نشرت عند دار نشر سعودية‪ ،‬ثم‬ ‫األدب الرحب‪ ..‬النظر ألدب الطفل بهذا‬ ‫دار نشر لبنانية‪ ،‬ثم صرت شريكة في دار‬ ‫المفهوم جعله ينمو ويتسع مــن ناحية‬ ‫نشر سعودية‪ ،‬ثم جربت النشر الخاص‪،‬‬ ‫النصوص واألفكار والرسم والتعبير‪.‬‬ ‫ثم افتتحت دار نشر خاصة‪.‬‬ ‫كما أن استخدام أساليب حديثة ومتطورة‬ ‫كان قرار فتح دار النشر بعد أن حضرت‬ ‫من الرسم واإلنتاج جعلت كتاب الطفل‬ ‫عــدة مــعــارض كتب عالمية‪ ،‬وتعرضت‬ ‫منتجاً ثقافيًا عصريًا يجمع ما بين األدب‬ ‫لتجارب وخــبــرات ناشرين من مختلف‬ ‫والرسم بشكل متمازج عصري‪ .‬هذا ال‬ ‫دول الــعــالــم‪ ،‬وأخـــذت عـــدداً مــن ورش‬ ‫يجعل من الكتاب منتجاً غريباً عن الطفل‪،‬‬ ‫العمل في النشر والكتابة اإلبداعية‪ ،‬كل‬ ‫وال يضعه في مرتبة أقل من الوسائط‬ ‫هذه العوامل جعلتني مستعدة ألكوّن دار‬ ‫المختلفة التي تحيط به‪ ،‬والعالم العربي‬ ‫نشر مستقلة‪.‬‬ ‫بشكل عام‪ ،‬والمملكة بشكل خاص بدأت‬ ‫هذه الخطى‪ ،‬وإن كانت على استحياء‪،‬‬ ‫ذات الجوهر من حيث الكتابة‬ ‫وتحتاج للمزيد من االلتفات‪.‬‬ ‫والتأليف‪!..‬‬ ‫والكتّاب وأيضا مع الساحة الثقافية‪..‬؟‬

‫‪100‬‬

‫ ¦م ــا م ــدى مـنــافـســة ال ـك ـتــاب اإلل ـك ـتــرونــي‬ ‫قرار فتح دار النشر‪!..‬‬ ‫للكتاب الورقي أو الكتاب التقليدي؟‬ ‫ ¦«أروى ال ـعــرب ـيــة» لـلـنـشــر والـ ـت ــوزي ــع‪ ،‬هل‬ ‫حدثتنا عن تجربتك كناشر مع الكتاب ‪ρ ρ‬المنافسة بال شك قائمة‪ ،‬ولكني أحب‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫لم يعد سراً‪!..‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫أن أنظر للموضوع بسالم أكبر‪ ..‬فسواء‬ ‫أكان الكتاب منشوراً ورقيا أم إلكترونيا‬ ‫أم صوتياً‪ ،‬فإن الوسائط هي التي تعددت‬ ‫واختلفت‪ ،‬ولكنه يملك ذات الجوهر من‬ ‫حيث الكتابة والتأليف‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬أبــوح بسر أردده كثيرًا حتى أنه لم يعد‬ ‫سـ ـرًا‪« ،‬كــتــب األطــفــال ليست لألطفال‬ ‫فــقــط‪ ،‬إنــهــا ب ــاب األدب الخلفي على‬ ‫حديقة مدهشة»‪..‬أنا دوماً أشكر حراس‬ ‫هذا العالم الصغار الذين سمحوا للكبار‬ ‫أمثالي بالدخول إلى مدينتهم السحرية‪،‬‬ ‫ترافقني الدهشة أينما حللت فيها‪.‬‬

‫ ¦«جــربــوا أن تشاركوا قــراءة كتب األطفال‬ ‫مع األطـفــال حولكم‪ ،‬أو أن تختبئوا في‬ ‫ركن ما وتقرأوا كتب األطفال الجميلة‪،‬‬ ‫س ـيــوقــظ ذل ــك ف ــي داخ ـل ـكــم ط ـف ـ ًـا ن ــام‪،‬‬ ‫سـيـثـيــر ب ـعــض ال ـش ـغ ــب‪ ،‬ول ـك ـنــه سينشر‬ ‫الكثير مــن ال ـفــرح‪ ،‬سيفتح كــل الـنــوافــذ‬ ‫ويكسر حــدة الحياة وصخبها»‪ ..‬هــذا ما‬ ‫إجحاف بحق المرأة‪!..‬‬ ‫ت ــردده أروى خميس‪ ،‬أظــن أنــك تراهنين‬ ‫بـشــيء مــا بــدعــوتــك لـلـعــودة ل ـقــراءة كتب ¦«األدب ال ـن ـس ــوي»‪ ،‬أو «أدب ال ـ ـمـ ــرأة»‪ ،‬أو‬ ‫األطفال‪ ،‬ماذا تبوحين في هذا االتجاه؟‬ ‫«أدب األن ـثــى»‪ ..‬بين االخـتــاف والقبول‬ ‫وال ــرف ــض‪ ،‬عـلــى أي ضـفــة تقفين‪ ،‬وم ــاذا‬ ‫توثَّ ق من أسطرٍ خلف سؤالي هذا؟‬ ‫ومن خالل تجربة‪ ..‬أدرك أن من يعود‬ ‫ليقرأ ‪-‬وهو كبير‪ -‬قصصاً كتبت لألطفال‬ ‫بعناية‪ ،‬يبتسم قلبه‪ ..‬وقــد يفهم منها‬ ‫طبقات أخــرى من المعاني تختلف عن‬ ‫تلك التي كان قد فهمها من القصة ذاتها‬ ‫حين قرأها وهو طفل!‬

‫الدكتورة أروى مع األطفال‬

‫ل ــو كـ ــان الــمــقــصــود بـــــاألدب الــنــســوي‬ ‫تخصيص الــمــواضــيــع‪ ..‬فــهــذا إجحاف‬ ‫بحق المرأة التي تستطيع أن تكتب عن‬ ‫أي شيء‪ ،‬كذلك هو إجحاف بحق الرجل‬ ‫لو كنا نريد اعتبار أدب الطفل أدباً نسوياً‬ ‫بحكم األمومة وقرب المرأة من الطفل‪،‬‬ ‫ألن لدينا في العالم العربي والغربي كتابًا‬ ‫رجــاالً في أدب الطفل أصحاب أسماء‬ ‫مميزة‪ ،‬بــاإلضــافــة إلــى الــســيــدات‪ ،‬إذاً‬ ‫هذه الفكرة تنطبق على كل التخصصات‬ ‫األدبية وجود النساء والرجال جنبًا إلى‬ ‫جنب‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪101‬‬


‫بشكل عــام‪ ،‬ذلــك ربما يحفز المهتمين‬ ‫بــالــشــأن الــثــقــافــي والــمــهــتــمــيــن بــشــأن‬ ‫األطــفــال تعليما وتربية لاللتفات لهذه‬ ‫الكتب‪ ،‬وأخذها بجدية‪ ،‬والحرص على‬ ‫إظهار الجيد والمختلف منها‪.‬‬ ‫ظهور أشكال مختلفة‪!..‬‬ ‫ ¦مــن الــواضــح تــوجــه الكثير مــن األسـمــاء‬ ‫في السعودية لكتابة الرواية في السنوات‬ ‫األخيرة‪ ،‬هل لهذا التوجه تفسير لديك؟‬ ‫‪ρ ρ‬يقول غازي القصيبي‪ ،‬رحمه اهلل‪« ،‬الرواية‬ ‫ديوان العرب اآلن كما كان الشعر ديوان‬ ‫العرب قديما»‪ ..‬ولعله لألنماط األدبية‬ ‫دورة حــيــاة وتفضيالت تختلف بتغير‬ ‫الــزمــان‪ ،‬واآلن نحن نعيش دورة حياة‬ ‫الرواية‪ .‬وحتى في الرواية‪-‬وكما حدث‬ ‫في الشعر قديما‪ -‬ظهرت أنماط وقوالب‬ ‫في معرض الكتاب الدولي بالرياض‬ ‫روائــيــة عديدة جــديــدة‪ .‬ولعله حتى في‬ ‫كتب األطفال إن شئنا اعتباره أحد روافد‬ ‫النقد‬ ‫األدب‪ ،‬فقد ظهرت عدة أشكال عصرية‬ ‫ ¦هل يزعجك الناقد أو «النقد»؟‬ ‫متماشية مع التطور والتغير السريع في‬ ‫‪ρ ρ‬ال يزعجني‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬يزعجني‬ ‫كل مناحي الحياة‪.‬‬ ‫ع ــدم وج ــود حــركــة نــقــديــة ومــراجــعــات‬ ‫أحب مكتبتي‪!..‬‬ ‫مختلفة لكتب األطــفــال الــصــادرة‪ ،‬مما‬ ‫ال يــســلــط الــضــوء عــلــى الــمــمــيــز منها ¦هل لنا أن نتعرف على محتويات مكتبة‬ ‫الدكتوره أروى؟‬ ‫والمستحق‪ .‬وال يجعلها فــي أي دائــرة‬ ‫للضوء أب ـدًا‪ .‬وال يدفع الكتاب للتنافس ‪ρ ρ‬هــذا س ــؤال أحــبــه‪ ،‬أحــب مكتبتي‪ ،‬هي‬ ‫الذي يجوّده‪..‬‬ ‫مكتبة كل البيت وهي في الغرفة األحب‬

‫‪102‬‬

‫أتمنى أن أجد في صحفنا أو في منصاتنا‬ ‫الثقافية مراجعات نقدية لكتب األطفال‬ ‫الصادرة في المملكة أو في العالم العربي‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫إلي وتغطي رفوفها الخشبية البنية اللون‬ ‫والتي تصل للسقف جدران كل الغرفة‪ ،‬مع‬ ‫وجود سلم خشبي للوصول إلى األرفف‬


‫أنتظر الشعور باالمتالء وبالحاجة للبقاء‬ ‫في البيت والكتابة‪ ،‬وحتى امتلئ‪ ،‬أسافر‬ ‫وأقرأ وأسمع كثيرًا من الموسيقى‪.‬‬ ‫«لقد اصطدت قمراً»‪!..‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ليس لــدي طقس مُعيّن للكتابة‪ ،‬لكني‬

‫ ¦وم ــن الـمـهــم ج ــدا أن أســالــك أي ـض ـ ًا هــذا‬ ‫السؤال التقليدي‪ ،‬ما هو جديدك؟‬ ‫‪ρ ρ‬لــديَّ كتابان جــديــدان‪ ،‬أحدهما اسمه‬ ‫«لقد اصطدت قمراً» وهو كتاب أهديه‬ ‫لكل الشعراء والرسامين وكل من يلهمهم‬ ‫القمر‪ ،‬والثاني اسمه «يــالــل‪ »..‬ويحكي‬ ‫الــعــلــيــا‪ ،‬أح ــب فــي مكتبتي ال ــرواي ــات‪،‬‬ ‫والكتب األدبية‪ ،‬وكتب الفلسفة‪ ،‬والكتب‬ ‫الفكرية‪ ..‬وكتب األطفال‪.‬‬

‫عن طفل يصادف مفاجآت جميلة «يا‬ ‫للعجب»!‪.‬‬

‫كنت ذات يوم طفلة‪!..‬‬ ‫ ¦«ه ــل أت ـق ـمــص شـخـصـيــة ال ـط ـفــل وأف ـكــر‬ ‫بطريقته‪ ،..‬ألكتب عن عالمه‪ .»!..‬بعض‬ ‫الكتاب والمبدعين بصفة عامة يلتزمون‬ ‫بطقس معين أثناء الكتابة‪ ،‬كيف ومتى‬ ‫تكتبين؟‬ ‫‪ρ ρ‬ربما ال أحتاج لتقمص شخصيته‪ ،‬فقد‬ ‫كنت ذات يوم طفلة‪ ،‬أنا فقط آتي بهذه‬ ‫الطفلة للعصر الحاضر‪ ،‬أخرجها من‬ ‫داخــلــي وأراقــبــهــا كيف تتصرف؟ كيف‬ ‫تفكر وماذا تقول؟ وال أطلب منها أبداً أن‬ ‫تكون مثالية‪.‬‬

‫في معرض الكتاب الدولي بالرياض‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪103‬‬


‫الناقد واألكاديمي‬

‫د‪ .‬أيمن بكر‬ ‫«المثقف» مفهوم إشكالي‪ ،‬وكلما اشتعلت‬ ‫األحداث العالمية يعود الجدل حول هذا المفهوم‬ ‫الدكتور أيمن بكر ناقد وأكاديمي مصري حاصل على الدكتوراه من جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬يعمل حاليا أستاذا مساعدا لــأدب والنقد في جامعة الخليج للعلوم‬ ‫والتكنولوجيا بالكويت؛ لــه عــدة كتب مهمة فــي النقد األدب ــي منها‪ :‬الـســرد في‬ ‫مقامات الهمذاني‪ ،‬سلسلة دراسات أدبية‪ ،‬أزمة النقد التطبيقي في مصر‪ ،‬تشكالت‬ ‫الوعي وجماليات القصة‪ ،‬السرد المكتنز‪ ،‬انفتاح النص النقدي‪ ،‬وغيرها(((‪.‬‬ ‫حول المشهد النقدي العربي وموقف النقاد من اإلبداع وقضايا نقدية كثيرة‪،‬‬ ‫لها من األهمية ما يجعلنا نعيد تشكيل وعينا النقدي واإلبداعي من جديد‪ ،‬كان‬ ‫لي معه هذا الحوار الثري والممتع‪..‬‬

‫■ حاوره‪ :‬نور سليمان أحمد‬

‫ ¦مــا أه ــم الـمـحـطــات الـتــي تظنها قد‬ ‫أسهمت في تشكيل وعيك النقدي؟‬ ‫‪ρ ρ‬المرحلة األولى في الصبا والشباب‬ ‫المبكر‪ ،‬تشكلت عبر نــوادي األدب‬ ‫فــي بــنــي س ــوي ــف وال ــف ــي ــوم‪ ،‬حيث‬ ‫مجموعة من الشباب المبدعين من‬

‫‪104‬‬

‫شعراء وكتاب قصة ومشاريع نقاد‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫تلتئم بصورة مستمرة‪ ،‬لتطرح أسئلة‬ ‫عاصفة ملكنا ساعتها القدرة على‬ ‫تتبعها فــي نقاشات هــادئــة أحيانا‬ ‫وحادة غالبا‪ ،‬لكنها كانت مرانًا عقليًا‬ ‫مخلصا وعميقا‪ .‬في هذه المرحلة‬ ‫ً‬ ‫أحسب أن القراءة تحولت إلى جزء‬ ‫أصيل من أسلحة التعرف على العالم‬ ‫واقتراح إجابات لألسئلة الوجودية‬


‫فــي ه ــذه الــمــرحــلــة وحــتــى الــتــخــرج في‬ ‫الــجــامــعــة‪ ..‬قـ ــرأت بــكــل مــا مــلــكــت من‬ ‫تــركــيــز ساعتها عـ ــددًا مــن الفالسفة‪:‬‬ ‫هيجل وسارتر وفيشته واألفكار األساس‬ ‫للماركسية‪ ،‬كما عكفت على مؤلفات‬ ‫فرويد‪ ..‬وتحديدا تفسير األحــام الذي‬ ‫قرأته أكثر من مرة‪ .‬أنهيت قــراءة كل ما‬

‫‪ρ ρ‬بداية أحسبنا نتحدث عن ثقافات عربية‬ ‫وليس ثقافة واحــدة‪ ،‬فاالختالفات كبيرة‬ ‫ويبدو أنها تــزداد اتساعا‪ .‬نحن بحاجة‬ ‫إلعادة تعريف مفهومنا للثقافة‪ /‬الثقافات‬ ‫العربية‪ ..‬لنعرف عن أي شــيء نتحدث‬ ‫بالتحديد‪ .‬بالطبع‪ ،‬يمكننا أن نقول كالمًا‬ ‫مكرورًا عن التبعية الثقافية التي تعاني‬

‫تــقــاطــع مــع ه ــذه الــحــالــة الــتــي تميزت‬ ‫بدرجة كبيرة من حرية الفكر‪ ،‬الوجود في‬ ‫الجامعة‪ ..‬وأظنني كنت محظوظا بصورة‬ ‫خــاصــة؛ ألنــي قضيت سبع ســنــوات في‬ ‫قاعات الدرس‪ ،‬ثالث سنوات منها في كلية‬ ‫المرحلة الثالثة أحسبها ممتدة ما بين‬ ‫التربية بالفيوم‪ ..‬وكنت أدرس الرياضيات‬ ‫الــبــدء فــي رســالــة الماجستير واالنتهاء‬ ‫التي أحسب أنها أسهمت بصورة كبيرة في‬ ‫من رسالة الدكتوراه‪ ،‬وقد أتيح لي فيها‪،‬‬ ‫إضفاء طابعها التحليلي على عقلي‪ .‬بعدها‬ ‫إضافة إلعــداد رسالتين علميتين‪ ،‬الفوز‬ ‫توجهت لكلية اآلداب قسم اللغة العربية‪..‬‬ ‫بجائزة الشارقة للنقد‪ ،‬وإصدار أكثر من‬ ‫وقـ ــد ســعــدت كــمــا ســعــد جــيــلــي بــكــبــار‬ ‫مؤلف‪ .‬لقد كانت فترة مشتعلة بالتحصيل‬ ‫األســاتــذة الذين وضــع كل منهم بصمته‬ ‫والتساؤل وبناء التصورات‪ ،‬وكذلك اإلنتاج‬ ‫على تكويني المعرفي‪ ،‬ولك أن تتخيل أنك‬ ‫النقدي التطبيقي تحديدا‪ .‬تعرفت على‬ ‫تتنقل في قاعات الدرس لتجلس متعلمًا‬ ‫فوكو‪ ،‬ودريــدا‪ ،‬وجيرار جينيت‪ ،‬وإدوارد‬ ‫ومتحاورًا مع أسماء مثل نصر أبو زيد‪،‬‬ ‫سعيد‪ ،‬وجــاك الك ــان‪ ،‬وق ــرأت بعمق طه‬ ‫ومحمد بــريــري‪ ،‬وحــســن حنفي‪ ،‬وسعد‬ ‫حسين‪ ،‬ونصر أبــو زيــد‪ ،‬وحسن حنفي‪،‬‬ ‫مصلوح‪ ،‬وسيد حنفي‪ ،‬وسيد البحراوي‪،‬‬ ‫وعابد الجابري‪ ،‬وحسين مروة‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وعبد المنعم تليمة‪ ،‬وأحمد مرسي‪ ،‬وجابر‬ ‫لقد كانت مرحلة تتصف باالنتقائية في‬ ‫عصفور‪ .‬وتخيل أنهم لمحوا فيك بذرة‬ ‫التحصيل المعرفي الرتباطها برسالتي‬ ‫قابلة للنمو‪ ..‬فمنحك بعضهم (وأخــص‬ ‫الماجستير والدكتوراه‪.‬‬ ‫الدكتورين محمد بريري ونصر أبو زيد)‬ ‫عناية خاصة‪ ،‬ولم يبخل باقوهم بالنقاش ¦ك ـي ــف ت ـ ــرى ال ـم ـش ـه ــد ال ـث ـق ــاف ــي ال ـعــربــي‬ ‫والنقدي تحديدا؟‬ ‫والحوار كلما تيسر لهم الوقت‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الــمــوجــعــة والــمــهــددة لــلــتــوازن الــداخــلــي‬ ‫أحيانا‪.‬‬

‫كتب نجيب محفوظ‪ ،‬وتوفيق الحكيم‪،‬‬ ‫ومحمد عبدالحليم عبداهلل‪ ،‬وأدونيس‪،‬‬ ‫وعفيفي مــطــر‪ ،‬والــســيــاب‪ ،‬والــبــردونــي‪،‬‬ ‫وغيرهم‪ .‬كنت مفتونا بأبي العالء‪ ،‬وقرأت‬ ‫بــدقــة "رســالــة الــغــفــران"‪ ،‬وهــي قادتني‬ ‫للكوميديا اإللهية لدانتي‪.‬‬

‫‪105‬‬


‫منها تلك الثقافات للغرب االستعماري‪،‬‬ ‫الذي لم يتوقف عن تعويق حاالت النهوض‬ ‫في المجتمعات العربية لصالح رفاهيته ¦ه ــل ه ـن ــاك أزم ـ ــة ث ـقــاف ـيــة ف ــي الـمـجـتـمــع‬ ‫الــتــي تعتمد عــلــى المنطقة الــعــربــيــة‪..‬‬ ‫العربي بشكل عام؟ وما هي مشكلة القارئ‬ ‫كسوق‪ ،‬وكمصدر للمواد الخام‪ ،‬وأخص‬ ‫الـعــربــي؟ بـمـعـنــى‪ ..‬ل ـمــاذا يـتـهــرب الـقــارئ‬ ‫الطاقة‪ .‬لكن هناك تحوالت كبيرة على‬ ‫العربي من القراءة؟!‬ ‫مستوى العالم تنبئ بأن الغرب مضطر‬ ‫‪ρ ρ‬طالما ربطنا بين الثقافة والمجتمع‪ ،‬فمن‬ ‫لالنفتاح على ثقافات العالم بكل المعاني‪،‬‬ ‫المناسب أن نعرف الثقافة كما عرفها‬ ‫حتى يــواجــه الــفــجــوة االقــتــصــاديــة التي‬ ‫عــلــمــاء األنــثــروبــولــوجــيــا بوصفها الكل‬ ‫تتسع بينه وبين دول الجنوب (إفريقيا‪/‬‬ ‫المركب من األفكار‪ ،‬والعادات والتقاليد‪،‬‬ ‫أمــريــكــا الــاتــيــنــيــة‪ /‬بــعــض دول جنوب‬ ‫والقيم‪ ،‬وأنماط السلوك والفنون واآلداب‬ ‫شرقي آسيا ومنها الهند)‪ ،‬والتي تسببت‬ ‫الــتــي تصنع خصوصية جماعة معينة‪،‬‬ ‫في تسونامي من الهجرات التي توجهت‬ ‫وتحرص تلك الجماعة على تمثلها ونقلها‬ ‫لــلــغــرب الــقــانــع بــســامــه الــمــوهــوم‪ .‬لم‬ ‫عبر األجــيــال‪ .‬هنا سيبدو تعبير األزمــة‬ ‫يعد لمقوالت االنــعــزال والتبعية والغزو‬ ‫الثقافية لصيقًا بثقافات العالم كلها على‬ ‫الثقافي والعالمين األول والثالث وجود‬ ‫اختالفها عبر التاريخ‪ ،‬أي إن هناك دومًا‬ ‫في عالم السماوات المفتوحة‪ ،‬كما يبدو‬ ‫أزمة ثقافية تطل برأسها طبقا لظروف كل‬ ‫أن هذه المقوالت أصبحت عاجزة على‬ ‫ثقافة‪ .‬نحتاج إذاً أن نتعرف إلى خصوصية‬ ‫تفسير الوضع الثقافي العالمي‪ .‬أحسب‬ ‫األزمة الثقافية‪ ،‬وإلى أي مدى زمني يمكن‬ ‫أن مقوالت التبعية والهيمنة الثقافية قد‬ ‫تتبع أزمــات الحاضر؟ أحسب أن أزمتنا‬ ‫ورثها الشرق العربي دون سواه‪ .‬الصراع‬ ‫الكبرى هي التعريفات األولى التي تغيب‬ ‫الثقافي يبدو عالميا ويبدو أيضا أننا نمر‬ ‫عن وعينا العام‪ ،‬أو لنقل عن الثقافات‬ ‫داخل منحنىً تاريخي ال يقل خطورة عن‬ ‫العربية؛ بل يبدو في كثير من األحيان‬ ‫منحنى الحربين العالميتين‪.‬‬ ‫أننا ثقافات عاجزة عن تعريف نفسها‬ ‫الــنــقــد األدبـ ــي والــثــقــافــي الــعــربــي ليس‬ ‫ومفردات عالمها‪ .‬علينا بداية أن نعرف‬ ‫بمعزل عن حراك ثقافي ومعرفي عالمي‬ ‫أنفسنا واضعين في حسباننا االختالفات‬ ‫عــلــى مــســتــوى األف ـ ــراد‪ ،‬لــذلــك ستسمع‬ ‫الثقافية القائمة بين المجتمعات العربية‪.‬‬ ‫عــن مــنــجــزات فــرديــة هنا وهــنــاك‪ ،‬لكن‬ ‫نحتاج أيضا الوقوف بالتحديد الصارم‬ ‫المؤسسات المنتجة للمعرفة في الثقافات‬ ‫أمــام المشكالت االجتماعية والمعرفية‬ ‫العربية في حالة انهيار حقيقي‪ ،‬ويبدو‬ ‫والــســيــاســيــة والــديــنــيــة الــتــي تواجهها‬ ‫ثقافاتنا‪.‬‬ ‫أننا فشلنا في استنباتها في تربتنا التي‬ ‫تغلي بالفساد‪ ،‬والتعصب الديني والعرقي‬ ‫والطائفي‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫األزمة لدينا متجذرة في منظومات القيم‬ ‫العربية التي تعفن جانب كبير منها‪ ،‬وتآكل‪،‬‬ ‫ويجد من يدافع عنه ويحافظ على انهياره‬ ‫ألنه صاحب مصلحة‪ .‬نحن ثقافات منكرة‬ ‫للواقع‪ ،‬تعيش خياالت ماضوية منفصلة‬ ‫عــن حــركــة الــتــاريــخ‪ ،‬نــتــحــرك فــي عالم‬ ‫معقد بتصورات نيئة ساذجة مفضوحة‬ ‫لكل القوى المستعدة الستغالل المنطقة‬ ‫العربية بأكملها‪ ،‬لكننا نرفض في الوقت‬ ‫نفسه االعتراف بسقوط ورقة التوت التي‬ ‫كانت تستر تلك التصورات الهشة قبل‬ ‫حرب الخليج األولى‪.‬‬ ‫ ¦يقول أحــد شـعــراء الحداثه إنــه ال توجد‬ ‫حــداثــه نقديه ت ــوازي المنتج اإلبــداعــي‪،‬‬ ‫وق ــد وض ــع ال ـن ـقــد نـفـســه ف ــى مـ ــأزق ألنــه‬ ‫يتعامل مع النص بفوقية عالية‪ ..‬مدى‬ ‫قناعتك بذلك‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬مرة أخــرى يطل ســؤال التعريف برأسه‪:‬‬ ‫ما الذي نقصده بالنقد وبحداثته؟ أفضل‬ ‫دوما فهم النقد األدبي كما يقترح جوناثان‬ ‫كلر بوصفه صيغة من صيغ إنتاج المعرفة‪،‬‬ ‫فهو ليس محصورًا في مالحقة النصوص‬ ‫بالتفسير أو التأويل أو بلورة الجماليات‬ ‫كما نفهم ما يسمى "النقد التطبيقي"‪.‬‬ ‫النقد األدبي بصورة أو بأخرى من الورثة‬ ‫الشرعيين للفلسفة‪ ،‬يتأسس على مقوالتها‬ ‫ويــطــورهــا عبر التفاعل مــع النصوص‪.‬‬ ‫أفضل استخدام كلمة التفاعل مع النص‬ ‫األدبي؛ ألن النقد ليس تاليا للنص األدبي‬ ‫أو تابعا له‪ .‬هناك أزمة مضحكة في مسألة‬ ‫النقد التطبيقي‪ ،‬وهي أن من يمارس هذا‬ ‫الــنــوع مــن ال ــق ــراءات يلغي دور الــقــارئ‬ ‫أو يــكــاد‪ ،‬أو هــو كمن يوفر على القراء‬ ‫اآلخرين الوقت والجهد وإعمال العقل‪،‬‬ ‫وهو توفير يلغي الفائدة من عملية القراءة‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪107‬‬


‫ككل بإغالق مساحات التفاعل المحتملة‬ ‫مع وعي كل قــارئ؟ النقد بهذه الطريقة‬ ‫ليس مسألة تقييم للنصوص أو ترتيب‬ ‫لطبقات فحول الكتاب‪ ،‬ولذلك ال مجال‬ ‫هنا لفكرة التعالي‪ .‬وفي ظني حتى اآلن‬ ‫أن أزمة النقد هي أزمة الفكر الفلسفي‬ ‫كله فــي الثقافة العربية ال ــذي لــم يزل‬ ‫يسعى الكتساب المشروعية‪ ،‬وإنقاذ نفسه‬ ‫من رياح التكفير المتوطنة في الثقافات‬ ‫العربية‪ .‬المفتقد في الثقافة العربية هو‬ ‫النقد الذي يطرح أسئلة على النصوص‪،‬‬ ‫تخرجها مــن دائ ــرة التلقي الساكن إلى‬ ‫دائــرة الفعل الثقافي الواعي بذاته‪ .‬لقد‬ ‫اجتهدت أن أقدم هذا النمط من النقد‪،‬‬ ‫لكنه مرهق وال يرضي طموح الكتاب في‬ ‫تركيز الضوء كامال على كتاباتهم‪.‬‬ ‫أما عن عالقة اإلنسان العربي بالقراءة‪،‬‬ ‫فاألمر معقد حقا‪ ،‬هناك اجتياح بربري‬ ‫مــن وســائــل التواصل لعقليات لــم تنشأ‬ ‫على القراءة كعادة يومية‪ ،‬أي إننا نعاني‬ ‫باألساس من فقدان العالقة المنتظمة‬ ‫بفعل القراءة بحكم الملمح الشفوي القوي‬ ‫في الوعي العربي‪ ،‬ثم زاد على هذا ما‬ ‫غذته وسائل التواصل من شعور موهوم‬ ‫باقتراف المعرفة‪.‬‬ ‫ ¦يمر الــوطــن الـعــربــي بـتـحــوالت مختلفة؛‬ ‫سياسية وفـكــريــة واجـتـمــاعـيــة‪ ،‬فهل على‬ ‫المثقف أن يتبنى موقفً ا معينا تجاه ما‬ ‫تـمــر بــه األم ــة مــن أحـ ــداث‪ ،‬أم أن الكاتب‬ ‫يجب أن يكون حياديًا؟‬

‫‪108‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪"ρ ρ‬المثقف" مفهوم إشكالي‪ ،‬وكلما اشتعلت‬ ‫األحداث العالمية يعود الجدل حول هذا‬ ‫المفهوم‪ ،‬مثلما حدث بعد الحرب العالمية‬ ‫الثانية‪ .‬يمكن أن يشير "المثقف" إلى كل‬ ‫مبدع في مجاالت الفكر والفن واألدب‬ ‫وكــذلــك الــشــخــص الــقــادر عــلــى الــوعــي‬ ‫بالوعي‪ ،‬أي إنه قادر على االنعكاس على‬ ‫وعيه والتعبير عما يدور فيه من عمليات‬ ‫وأفكار‪ .‬هنا يمكن للمثقف أن يعيش من‬ ‫أجل إنتاجه النوعي‪ ،‬ثم يترك ما ينتجه‬ ‫للتفاعل مع من يتلقون إنتاجه الفكري‬ ‫أو األدبي أو اإلبداعي‪ .‬لكن األمر يتخذ‬ ‫شكال أكثر تفاعال مع العالم في طروحات‬ ‫بعض المفكرين مثل أنطونيو جرامشي‬ ‫ومن بعده إدوارد سعيد‪ .‬طرح جرامشي‬ ‫مفهوم المثقف العضوي الــذي ال بد أن‬ ‫ينخرط فــي فعل اجتماعي يعمل على‬ ‫تغيير الواقع المتردي باتجاه المزيد من‬ ‫العدالة ودعم الفئات المهمشة واألضعف‪.‬‬ ‫ومن بعده أصر سعيد على الدور اإلنساني‬ ‫للمفكر بوصفه مسؤوال بصورة أخالقية‬ ‫دور تــجــاه قيم الــحــق والــعــدل‬ ‫عــن لعب ٍ‬ ‫والــمــســاواة ومــســانــدة األضــعــف صــو ًتــا‪.‬‬ ‫تفاعل المثقف غالبا يكون مدفوع الثمن؛‬ ‫ألنــه يتعارض غالبًا مع أشكال السلطة‬ ‫المختلفة‪ ،‬ومع جماعات المصالح التي‬ ‫تنشأ حولها‪ .‬وفي ثقافاتنا العربية هناك‬ ‫نماذج حديثة للمثقف المنطوي على ذاته‪،‬‬ ‫المنشغل بمالحقة الزمن‪ ..‬كي يتمكن من‬ ‫إنتاج ك ٍّم كبير وذي مواصفات رفيعة مما‬ ‫يبدع مثل جمال حمدان‪ ،‬وهناك نموذج‬


‫ ¦هناك من يرى أنه إذا أراد المثقف العربي‬ ‫أن يلحق بالثقافات العالمية‪ ..‬عليه أن‬ ‫يـتــرك عــالـمــه الـعــربــي هــاربــا إل ــى أحـضــان‬ ‫الـثـقــافــات الغربية بحثً ا عــن مساحة من‬ ‫الحرية‪ ،‬فما رأيك؟‬ ‫‪ρ ρ‬هــنــاك الــكــثــيــر مــن األوهـــــام المرتبطة‬ ‫بالثقافات الغربية في ثقافاتنا العربية‪.‬‬ ‫بال شك توجد درجــات أعلى من الحرية‬ ‫واحترام حقوق اإلنسان بدرجات مختلفة‬ ‫في الــغــرب‪ ..‬وأخــص أوروب ــا‪ .‬لكن هناك‬ ‫أنواعا أخرى من القمع الفكري والسياسي‬ ‫يعرفها من عاش في الغرب‪ .‬االندماج في‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫للمثقف الذي قرر االنخراط في صراعات‬ ‫ثقافته ومقاومة جماعات المصالح والنفوذ‬ ‫مثل نصر أبو زيد الــذي دفع ثمنًا فادحً ا‬ ‫بسبب وقوفه أمام سماسرة الدين‪ .‬بالنسبة‬ ‫لي أحسب أن المنحنى التاريخي الخطير‬ ‫الـــذي نعيش بــداخــلــه اآلن بــحــاجــة إلــى‬ ‫المثقف العضوي اإلنساني المنخرط في‬ ‫عمليات التحول بقوة‪ ،‬وهو ما ال ينفصل عن‬ ‫تركيزه فيما يبدع أو يقدم من منتج فكري‬ ‫وفني‪ ..‬بوصف هذا اإلنتاج هو أثره الباقي‬ ‫األصــيــل‪ .‬لكن ال بــد مــن إعــان الموقف‬ ‫والتحيز أيا كان الثمن اآلن؛ ألنه كما قال‬ ‫مارتن لوثر كينج "أسوأ مكان في الجحيم‬ ‫محجوز لهؤالء الذين يبقون على الحياد‬ ‫في أوقات المعارك األخالقية العظيمة"‪.‬‬ ‫وبصرف النظر عن المنطلق الديني لكينج‪،‬‬ ‫فإن السكوت خوفًا أو طمعًا أو كليهما في‬ ‫لحظتنا التاريخية الملتبسة والفارقة هو‬ ‫جرم ال يمكنني تخيل مدى قبحه‪.‬‬

‫الثقافات الغربية يتطلب من المثقف قدراً‬ ‫من التنازالت التي يقدمها الكثيرون كي‬ ‫يحصلوا على منابر يمكنهم من خاللها‬ ‫إيصال صوتهم‪ ،‬إن بقيت لديهم حنجرة‬ ‫قــادرة على النطق بعد ما سيقدمونه من‬ ‫تــنــازالت ُمــذلــة‪ .‬وهــنــاك المثقف الــذي‬ ‫ينطوي على مشروعه اإلبداعي في الغرب‬ ‫تماما كما كان حاله في الثقافات العربية‪،‬‬ ‫لكن مع مساحة ضرورية ومهمة من الحرية‬ ‫الشخصية في الغرب‪ .‬هناك نماذج عرفتها‬ ‫عــن قــرب للنوعين‪ ،‬وحــدثــونــي بصراحة‬ ‫صدمتني عن عنصرية الغرب تجاه العالم‬ ‫الثالث‪ ،‬وقيودها الخفية غير المعلنة حول‬ ‫كل عقل مهاجر يظن نفسه قد وصل إلى‬ ‫الجنة الموعودة‪ .‬الغرب يبقى شهيًا براقًا‬ ‫بمساحات من الحرية الشخصية والدينية‬ ‫والسياسية تبدو لنا حلما في ثقافاتنا التي‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪109‬‬


‫تعاني من غياب هذه الحريات تحديدًا‪.‬‬ ‫لكن كما يقول عفيفي مطر‪:‬‬ ‫ف ــك ــل بـ ـ ــاد ت ــرت ــج ــي ــه ــا إق ــام ــة‬ ‫فجيعتها فــيــهــا ومــنــهــا ال ــن ــوازل‬ ‫ولعل األوفق واألشرف للمثقف العربي أن‬ ‫يخوض معارك ثقافته حتى إن كان مقيما‬ ‫في الغرب‪ .‬هناك كما أشرت من ينخرط‬ ‫فــي الثقافات الغربية‪ ،‬ويجعل مــن خده‬ ‫"مداسً ا" بحسب التعبير الشعبي؛ كي يأخذ‬ ‫مكانه طبقا للشروط الغربية؛ ليكتشف‬ ‫بعدها أن الثقافة الغربية قد حوّلته بقوة‬ ‫انتظامها ووعيها بذاتها إلى تنويعة لحنية‬ ‫ضمن سيمفونيتها الخاصة‪ ،‬ال يكاد بعدها‬

‫يميز صوته الثقافي المم ِيّز‪ .‬وهناك من‬ ‫ينغلق انغالقا مرضيًا على ذاته‪ ،‬ويرفض‬ ‫التفاعل مع الثقافات الغربية بأي معنى أو‬ ‫درجة‪ ،‬فيتحول إلى كيان هزيل أعمى وأكثر‬ ‫تعصبًا‪ .‬وهناك الموقف الذي أحسبه أكثر‬ ‫توازنا‪ ،‬وهو موقف المثقف الذي اضطرته‬ ‫ظروفه للهجرة‪ ،‬لكن عينه تبقى على ثقافته‬ ‫التي تمثل هويته‪ ،‬كما يبقى وعيه منفتحً ا‬ ‫على قــضــايــاهــا‪ ،‬مستغال مــا أش ــار إليه‬ ‫إدوارد سعيد؛ وهو قدرة المثقف المغترب‬ ‫مكانيًا من رؤيــة العالقات بين األحــداث‬ ‫في ثقافته‪ ،‬والحكم بدرجة أكبر من العمق‬ ‫والتفهم الــهــادئ ال ــذي ينتج عــن البعد‪،‬‬ ‫وشحذ طاقات الفهم المحملة بأحاسيس‬ ‫انتماء متوهجة في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ ¦ب ــرأي ــك‪ ..‬مــا الـمـشــاكــل ال ـتــي يـعــانــي منها‬ ‫ال ـك ــات ــب أو األديـ ـ ــب ال ـع ــرب ــي ب ـش ـكــل ع ــام‪،‬‬ ‫والمصري بشكل خاص؟‬ ‫‪ρ ρ‬الحرية‪ ،‬الحرية‪ ،‬الحرية‪ .‬المسألة ليست‬ ‫رفاهية أو مفردة يمكن االستغناء عنها‬ ‫بديل لها‪ .‬لكن تبقى الحرية في‬ ‫أو إيجاد ٍ‬ ‫حد ذاتها من جانب آخر موضوعا للكتابة‬ ‫ومحفزًا عليه‪ .‬الحرية غاية وطريق وصول‬ ‫في الوقت نفسه‪ ،‬إنها مسألة جدل عميق‬ ‫ونشط بين قوى التحرر‪ ..‬وضمنها الكتاب‬ ‫والمبدعين وقــوى إبــقــاء الــوضــع كما هو‬ ‫عليه بكل صالبتها وعنفها في الدفاع عن‬ ‫مصالحها‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫ما يمكن أن يكون مدهشا هو أن الحرية‬ ‫تظل هي أيضا الغاية في الثقافات الغربية‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫المبدع أو المفكر المصري تحديدًا‪ ،‬وهو‬ ‫تعميم أعتذر عنه‪ ،‬يعاني مشكلة الحرية‬ ‫نفسها إلــى جانب مشكالت أخــرى أكثر‬ ‫إلحاحً ا‪ ،‬وأقصد بالتحديد أز َمتَيْ االكتفاء‬ ‫االقــتــصــادي‪ ،‬وغــيــاب الــتــقــديــر‪ .‬المبدع‬ ‫المصري كذلك ينوء بحمل ثقيل من تراثه‬ ‫المعاصر فــي مختلف مــجــاالت اإلب ــداع‬ ‫األدبــي والموسيقي والتشكيلي والفكري ¦أي الـمـفـكــريــن أو الـنـقــاد مــن غـيــر الـعــرب‬ ‫أقرب إليك؟ وبمن تأثرت؟‬ ‫مما تحقق في النصف األول من القرن‬ ‫العشرين تحديدًا؛ ألنه مطالب بالتفاعل ‪ρ ρ‬األكثر قربا إلــيّ بصورة عامة هو إدوارد‬ ‫مع هذا التراث بهدف تجاوزه والبناء عليه‪.‬‬ ‫سعيد وميشيل فوكو وجــاك دري ــدا‪ ،‬لكن‬ ‫مسألة اإلضافة للتراث النوعي والوصول‬ ‫مسألة التأثر هــذه معقدة بعض الشيء‪،‬‬ ‫إل ــى مــكــانــة مــرمــوقــة تـ ــزداد صــعــوبــة مع‬ ‫فهي ترتبط بالبحث الــذي أقــوم به‪ ،‬فكل‬ ‫انفجار وسائل النشر واالتصال واختالط‬ ‫بحث هو حركة في الزمن واألفكار معًا‪،‬‬ ‫األصوات للدرجة التي يصبح بها متوسطو‬ ‫بسياقاتهما المختلفة‪ .‬وال أبالغ إذا قلت‬ ‫القيمة والــمــوهــبــة نــجــومــا فــقــط؛ ألنهم‬ ‫إنني ال أذكــر بمن كنت متأثرا في بداية‬ ‫أذكياء في قراءة العقل الجمعي لينتجوا ما‬ ‫حياتي‪ ،‬بل لعلي ال أذكر الكثير من األفكار‬ ‫يدغدغ عقول الناس ويمنحها وهمًا عميقا‬ ‫التي كنت أناقشها‪ ،‬فالمهم هــو ماكينة‬ ‫باقتراف المعرفة دون أن تتحرك عقولهم‬ ‫الــتــفــكــيــر‪ ،‬ولــيــس مــا يــصــدر عــنــهــا‪ .‬لكن‬ ‫خطوة واحدة من مكانها‪ .‬هؤالء يسهمون‬ ‫يمكنني القول إنني اآلن في حالة تفاعل‬ ‫بقوة في إغالق أبواب التأثير المتبادل بين‬ ‫وتأثر بكتابات زيجمونت بومان‪ ،‬وميشيل‬ ‫الجمهور والمبدع المجدد‪.‬‬ ‫فوكو‪ ،‬ومحمد حيان السمان‪ ،‬والجاحظ‪،‬‬ ‫وبــديــع الــزمــان الهمذاني‪ ،‬والنيسابوري‬ ‫ ¦ه ــل ي ـص ـلــك أثـ ــر م ــا ت ـك ـتــب ع ـل ــى ال ـق ــارئ‬ ‫صاحب كتاب "عــقــاء المجانين"؛ ألني‬ ‫العربي والثقافة العربية عموما؟‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫التي يظنها مــن يجهلها قــد وصلت إلى‬ ‫الغاية في الحريات‪ .‬صحيح هناك خطوات‬ ‫واسعة تقدمت بها أوروبا والغرب عن حالة‬ ‫القمع البدائية التي نشهدها في الثقافات‬ ‫العربية‪ ،‬لكن القيود الخفية وإرغــامــات‬ ‫المجتمعات الرأسمالية العنيفة تمثل قيودًا‬ ‫دامية على حركة الفكر واإلبداع في الغرب‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬غالبا ال يصلني أثر كتاباتي بصورة منتظمة‪،‬‬ ‫لكن هناك إشارات تقول بأن لألفكار أجنحة‬ ‫مهما طالت دورة قراءتها والتفاعل معها‪.‬‬ ‫هناك من يتصل بي من دول عربية مختلفة‬ ‫ليطلب بعض كتبي كجزء من إعداد رسائل‬ ‫علمية‪ ،‬وهناك من يصلني سؤاله عن كتبي‬ ‫من داخل المنطقة العربية وخارجها بسبب‬ ‫بعض المفاهيم التي اقترحتها‪ ،‬مثل مفهوم‬ ‫"السرد المكتنز" أو "المفكر الرقاصة"‪.‬‬ ‫وهي كلها أمور تسعدني بعمق‪ ،‬لكني دربت‬ ‫نفسي أال أنشغل بتحري أثر ما أكتب بحثًا‬ ‫عن الشعور بالتقدير‪ .‬صحيح هو شعور‬ ‫يحتاجه كــل كــاتــب‪ ،‬لكنه ربما يغيب في‬ ‫ثقافاتنا لما بعد موت هذا الكاتب‪.‬‬

‫‪111‬‬


‫أعمل على بحث حول "خطاب الجنون في‬ ‫الثقافة العربية في العصور الوسطى"‪.‬‬ ‫ ¦كيف ترى الفرق الــذي يصر عليه كثيرون‬ ‫بين الكتابة النسوية والكتابة الذكورية؟‬ ‫‪ρ ρ‬لقد أتيح لي االشتراك في ترجمة كتاب عن‬ ‫"النسوية والمواطنة"‪ ،‬صدر عن المجلس‬ ‫األعلى للثقافة في مصر عام ‪٢٠٠٤‬م‪ ،‬وهو‬ ‫ما فتح لي عالم الفكر النسوي بموجاته‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫الكتابة النسوية ليست مختلفة بحكم‬ ‫الــفــوارق البيولوجية إال بــقــدر ضئيل ال‬ ‫يصنع فجوة‪ ،‬إال حين تكون تلك الفوارق‬ ‫البيولوجية هي موضوع التجربة اإلبداعية‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫لكن ما ال فكاك منه‪ ..‬هو تلك المسافة‬ ‫التي يصنعها التمييز ضد المرأة‪ ،‬والقمع‬ ‫الذي تعاني منه بدرجات في مختلف أنحاء‬ ‫العالم‪ ،‬وأخص ثقافتنا التي يعد فيها قمع‬ ‫المرأة بسبب الفزع من جسدها واشتهائه‬ ‫بصورة مرضية في الوقت نفسه أمــرا ال‬ ‫ينكره المراقب المنصف‪ .‬الكتابة النسوية‬ ‫لها تــاريــخ يعالج نفسه بنفسه ليتجاوز‬ ‫الخطاب العنصري المضاد الذي مارسته‬ ‫نسويات الموجة األولى‪ ،‬وصوال إلى خطاب‬ ‫أدبــي وفكري نسوي يعبر عن خصوصية‬ ‫تجربة الــمــرأة ومعاناتها فــي ظــل تسيد‬ ‫الثقافة الذكورية‪ ،‬دون الوقوع في التضاد‬ ‫الفج والعنصري مع الرجل‪.‬‬

‫((( كتب المؤلف‪:‬‬ ‫‪ -1‬السرد في مقامات الهمذاني‪ ،‬سلسلة دراسات أدبية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬أزمــة النقــد التطبيقــي فــي مصــر (تحريــر ومشــاركة)‪ ،‬الهيئــة العامــة لقصــور الثقافــة‪ ،‬مؤتمر بنــي‬ ‫ســويف األدبــي األول‪1999 /‬م‪.‬‬ ‫‪ -3‬تشــكالت الوعــي وجماليــات القصــة‪ ،‬دائــرة الثقافــة واإلعــام بالشــارقة‪ ،‬مطبوعــات جائــزة‬ ‫الشــارقة لإلبــداع العربــي‪ ،‬دولــة اإلمــارات العربيــة‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬السرد المكتنز‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬سلسلة كتابات نقدية ‪2002 /‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬المفكر الرقَّاصة‪ :‬من تفاصيل ثقافة منهارة‪ ،‬الدار للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -6‬أصــداء الشــاعر القديــم‪ :‬تعــدد الروايــة فــي الشــعر الجاهلــي‪ ،‬دائــرة الثقافــة واإلعــام بالشــارقة‪،‬‬ ‫‪2008‬م‪.‬‬ ‫‪ -7‬قصيــدة النثــر العربيــة‪ :‬مالمــح النــوع وحــدود التجريــب‪ ،‬أرابيســك للنشــر والتوزيــع‪ ،‬القاهــرة‪/‬‬ ‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬اآلخــر فــي الشــعر العربــي‪ :‬المتنبــي ‪ -‬شــوقي ‪ -‬العريــض‪ ،‬صفصافــة للنشــر والتوزيــع‪ ،‬القاهــرة‪/‬‬ ‫‪2010‬م‪.‬‬ ‫‪Thorsten Botz-Bornstein and Ayman Bakr (editors), The Crisis of the Human Sciences: Proceedings of the -9‬‬ ‫‪.Conference held at the Gulf University for Science and Technology, March 6-8, 2011.Gust Publications, 2011‬‬ ‫‪ -10‬مقدمــات الثــورة المصريــة فــي السياســة واإلعــام والفــن‪ ،‬صفصافــة للنشــر والتوزيــع‪ ،‬القاهــرة‪،‬‬ ‫‪2011‬م‪.‬‬ ‫‪ -11‬انفتــاح النــص النقــدي‪ :‬نحــو تحليــل ثقافــي لــأدب‪ ،‬مســعى للنشــر والتوزيــع‪ ،‬مملكــة البحريــن‪،‬‬ ‫‪2013‬م‪.‬‬ ‫‪ -12‬متون الساحر (ديوان شعر)‪ ،‬األدهم للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2013 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -13‬قالت أميمة‪ :‬تأمالت في التراث‪ ،‬دار العين للنشر‪ ،‬القاهرة‪2016 ،‬م‪.‬‬ ‫ترجمات‪:‬‬ ‫ ‬ ‫أيمــن بكــر وســمر الشيشــكلي‪ ،‬النســوية والمواطنــة‪ ،‬تأليــف‪ :‬ريــان فــوت‪ ،‬المشــروع القومــي للترجمــة‪،‬‬ ‫ ‬ ‫المجلــس األعلــى للثقافــة‪ ،‬القاهــرة‪2004 ،‬م‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الناقد والكاتب د‪ .‬إبراهيم الحجري‪:‬‬ ‫المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية بخير‪،‬‬ ‫وأنا معجب بالحراك األدبي والثقافي في المملكة‬ ‫كتابة تقديم حوار تبدو لي مهمة شاقة جدا‪ ،‬كما أنني محرج للغاية‪ ،‬ألن ضيف‬ ‫هذه المواجهة صديقي الغالي‪ ،‬وأخي الذي لم تلده أمي‪ :‬د‪ .‬إبراهيم الحجري‪،‬‬ ‫أحــد الــوجــوه التي شرفت ‪-‬وتـشــرف دومــا‪ -‬مدينتنا ووطننا‪ ،‬كاتب‪ ،‬ناقد ومبدع‪،‬‬ ‫غزير اإلنتاج في مجاالت شتى‪ ،‬القاسم المشترك فيها هو عشق الحرف‪ ،‬وسالح‬ ‫الكلمة‪..‬‬ ‫عـمــل الـحـجــري مــراســا ثـقــافـيــا لـجــريــدة «ال ـع ــرب» الـقـطــريــة‪ ،‬وكــذلــك موقع‬ ‫«الجزيرة‪ .‬نت»‪ ،‬ومجلة «اليمامة» السعودية‪ ،‬وموقع «الشارقة» ‪ ،24‬ونشر مقاالته‬ ‫األدب ـيــة ودراس ــات ــه الـنـقــديــة فــي الـعــديــد مــن الـمـنــابــر الـعــربـيــة‪ ،‬مــن بينها مجلة‬ ‫«الجوبة»‪ ،‬التي رحبت بإجراء إحدى مواجهات هذا العدد مع أحد كتابها البارزين‪،‬‬ ‫وهو حاصل على عدة جوائز عربية‪ ،‬من بينها جائزة الطيب صالح‪ ،‬وجائزة كتارا‪.‬‬ ‫ور ُّشح غير مرة للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد في فرع الدراسات النقدية‪.‬‬ ‫■ حاوره‪ :‬هشام بنشاوي‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪113‬‬


‫ ¦من هو إبراهيم الحجري؟ ولمن يكتب؟ ¦هل تــرى أنــك استطعت أن تحقق بعض‬ ‫أح ــام ــك ال ـمــؤج ـلــة ف ــي م ـش ـهـ ٍـد ثـقــافــي‬ ‫‪ρ ρ‬عــبــد م ــن عــبــيــد اهلل الــمــتــواضــعــيــن‪،‬‬ ‫تحول إلى ما يشبه المستنقع؟‬ ‫إنــســان ق ــروي‪ ،‬أحــب الـ ــوادي‪ ،‬والبحر‪،‬‬ ‫والحقول الخصبة‪ ،‬والمراعي الممتدة؛ ‪ρ ρ‬عندما بــدأت أكتب لم أطــرح البتة هذا‬ ‫الــســؤال‪ :‬ســؤال األح ــام الكبرى‪ .‬كنت‬ ‫أكــره الضجيج‪ ،‬والكسل‪ ،‬والغوغائية‪،‬‬ ‫سلوك عشقته‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فقط‪ ،‬أروض نفسي على‬ ‫والفضاءات المغلقة؛ أميل للبساطة‪ ،‬وال‬ ‫وكل ما جاء أو حصل من أشياء جميلة‬ ‫أجد نفسي في البذخ‪ ،‬والرخاء الفاحش؛‬ ‫لــم أكــن أفــكــر فيها‪ ،‬أو أتــمــنــاهــا‪ .‬لقد‬ ‫أرتاح أكثر بين الناس البسطاء‪ ،‬يحكون‬ ‫حصل َت بالصدفة‪ ،‬ولم أخطط لها‪ .‬كنت‬ ‫َ‬ ‫لي حربهم الشرسة مع الفقر‪ ،‬والحاجة‪،‬‬ ‫أعد الكتابة‪ ،‬منذ البدء‪ ،‬أو لنقل الثقافة‬ ‫والــمــرض‪ ،‬والــحــفــاء‪ ،‬والــفــاقــة‪ ،‬بعفوية‬ ‫عــمــو ًمــا‪ ،‬ال تجلب ســوى المتاعب‪ ،‬في‬ ‫وصدق‪ ،‬فتحس أنهم محايدون في هذا‬ ‫بلد تتبوأ فيه الثقافة المركز األخير في‬ ‫العالم‪ ،‬ال يحملون ِغـ ًّـا ألحــد‪ ،‬وال أمل‬ ‫دائرة االهتمامات‪ .‬وكل ما جنينا من ثمار‬ ‫لهم سوى في السماء‪ ،‬وال يرهبهم أبدا‪،‬‬ ‫الكتابة كان يهب علينا من خارج الحدود‪،‬‬ ‫أن يأتي مالك الموت فيقبض أرواحهم‬ ‫ورغم كثرة الستائر التي تحجب عنا نور‬ ‫حينئذ‪.‬‬ ‫الشمس‪ ،‬فإننا نخطو‪ ،‬ونسير ونواصل‬ ‫التسلق‪ ،‬غير عابئين بالجراح‪.‬‬ ‫أكتب أحيانا لنفسي‪ ،‬دون إحساس بأية‬ ‫نرجسية‪ :‬أن أقنع نفسي أوال بما أكتبه‪¦ ،‬د‪ .‬إبراهيم‪ ،‬كيف تــرى العالقة الجدلية‬ ‫وأطرب له‪ ،‬وآنس فيه نورًا ما‪ ،‬ثم أتركه‬ ‫بين النقد واإلبــداع في عالمنا العربي؟‬ ‫للزمن‪ .‬ال تغريني عبارة أكتب لآلخرين‪،‬‬ ‫وهل الناقد مبدع فاشل‪ ،‬كما يشاع؟‬ ‫من أجل نيل إعجابهم‪ ،‬أو من أجل إبالغ‬ ‫‪ρ ρ‬ال أومــن بهذه الفكرة‪ ،‬ولست أدري من‬ ‫رسالة ما؛ يبدو األمر مطمحً ا بعيدًا في‬ ‫هو هــذا األحمق الــذي وضعها‪ .‬الناقد‬ ‫مجتمعنا؛ لذلك‪ ،‬من األجــدى أن يكتب‬ ‫واع بتشكل السيرورة‪،‬‬ ‫ببساطة هو كاتب ٍ‬ ‫المرء ليجدد صفاء نفسه‪ ،‬ليغير ذاته‪،‬‬ ‫وعـ ــارف بخبايا طــقــوســهــا‪ ،‬ومــســارات‬ ‫ويرقيها‪ ،‬قبل أن ينظر في تأثير ما يكتبه‬ ‫ـاك لشفرات معانيها‬ ‫تحولها ذهنيا‪ ،‬وفـ ّ‬ ‫على اآلخرين في زمن ينعدم فيه القراء‪،‬‬ ‫ودالالتها المتعددة‪ .‬واألدلّ على ذلك‪ ،‬أن‬ ‫وعشاق الكلمة الجادة‪ ،‬ثم يترك األشياء‬ ‫األخ ــرى للزمن‪ ،‬هــو كفيل بــأن يحركها‬

‫‪114‬‬

‫حسب السياقات والتحوالت‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫كثيرًا من ال ُكتّاب نجحوا في االختيارين‬ ‫مــعــا‪ ،‬لكن هــنــاك أدب ــاء لــم يفلحوا في‬ ‫ممارسة النقد حتى بعد أن حصلوا على‬


‫يفلح نقاد في إبداع نص حقيقي يستحق‬

‫الذكر‪ ،‬تبقى الموهبة‪ ،‬في اإلبداع‪ ،‬شيئًا‬ ‫مفصليًا‪ ،‬ويبقى التكوين فــي العملية‬

‫النقدية أمرًا ضروريا‪.‬‬

‫ ¦رغــم إكــراهــات الـحـيــاة الـيــومـيــة‪ ،‬تحرص‬ ‫على متابعة األصــدقــاء المبدعين هنا‬ ‫وهناك‪ ،‬ما هو تقييمك للمشهد األدبي‬ ‫والثقافي في المملكة العربية السعودية‬ ‫الشقيقة؟‬ ‫‪ρ ρ‬المشهد الثقافي السعودي بخير‪ ،‬وأنا‬ ‫بكل ص ــدق‪ ،‬معجب بالحركية العامة‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫شهادات عليا‪ ،‬والعكس صحيح أيضا‪ ،‬لم‬

‫الــتــي تعرفها المملكة أدب ـ ًيــا وثقافيا‪،‬‬ ‫رغــم العوائق والتحديات‪ ،‬بل واألدهــى‬ ‫من ذلك‪ ،‬فالمشهد يقدم خدمات كبيرة‬ ‫للثقافة العربية خارج المملكة من خالل‬ ‫المنشورات‪ ،‬واإلصــــدارات‪ ،‬والجوائز‪،‬‬ ‫والمهرجانات الثقافية‪ ،‬وبحكم أن لي‬ ‫أصدقاء أدباء ومثقفين كثرًا من المملكة‪،‬‬ ‫وأحرص على متابعتهم بانتظام‪ ،‬ونتبادل‬ ‫األعمال والمنشورات‪ ،‬فأنا أسجل تطورًا‬ ‫ملموسً ا سوا ًء على مستوى اإلنتاج األدبي‬ ‫والفني أو على المستوى النقدي‪ ،‬وهذا‪،‬‬ ‫كما هو معروف‪ ،‬نتيجة حــراك األندية‬ ‫والــجــامــعــات‪ ،‬والمهرجانات المحفزة‪،‬‬ ‫والجوائز المتنوعة التي تحتضن زبدة‬ ‫األعمال على مستوى كل التخصصات‪.‬‬ ‫ ¦تطرقت فــي إح ــدى دراســاتــك إلــى تأثير‬ ‫العالم الرقمي وعوالمه االفتراضية على‬ ‫الــروايــة العربية‪ ،‬هــل يمكن أن تحدثنا‪،‬‬ ‫باقتضاب‪ ،‬عــن اسـتـفــادة روائيينا العرب‬ ‫من هذا الوسيط الجديد؟‬

‫حفل توقيع إصدار جديد‬

‫‪ρ ρ‬بكل صدق‪ ،‬ليست هناك روايــات عربية‬ ‫تفاعلية بالمعنى الــذي تقره التقاليد‬ ‫الغربية‪ ،‬بل هناك مجرد محاوالت قام‬ ‫بها بعض األدباء من قبيل محمد سناجلة‪،‬‬ ‫ومحمد شويكة وغيرهما‪ ،‬فأنت تعرف‬ ‫أنه لتكون لديك رواية تفاعلية بالمعنى‬ ‫الحقيقي للكلمة‪ ،‬ال بد من إرساء بنيات‬ ‫ثقافية رقمية‪ ،‬ال تتوقف عند مستوى‬ ‫اإلنتاج والرغبة فيه‪ ،‬بل تمتد على مستوى‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪115‬‬


‫القناعات الرسمية‪ ،‬فتتخلل بنيات النشر‪،‬‬

‫والتلقي‪ ،‬والبرمجة‪ ،‬وكل العناصر مؤثرة‪،‬‬ ‫ال على مستوى‬ ‫وال يكفي أن تنتج عم ً‬ ‫الــوســيــط الــجــديــد لــتــقــول إن ــك روائ ــي‬

‫رقمي أو تفاعلي‪ .‬وللعلم‪ ..‬فكل الذين‬ ‫قــامــوا بتجارب تفاعلية‪ ،‬فــقــدوا ثقتهم‬

‫في الوسيط الجديد‪ ،‬وعــادوا ليطبعوا‬ ‫األعمال نفسها ورقيًا حتى تجد طريقها‬ ‫إلى القارئ‪ .‬في ظل عدم وجود بنيات‬

‫نشر‪ ،‬وذائقة تلقي رقميتين‪ ،‬ال تكفي رغبة‬ ‫الكاتب ومحاوالته إلنتاج أدب رقمي‪ ،‬لكن‬ ‫مع ذلك‪ ،‬تحسب لهؤالء الساعين للتجديد‬

‫مبادراتهم المجيدة لتجريب ثقافة الكتابة‬

‫الرقمية الجديدة على المجتمع العربي‪.‬‬

‫ ¦ف ــي اآلون ـ ـ ــة األخـ ـ ـي ـ ــرة‪ ،‬أوص ـ ـ ــدت الـكـثـيــر‬ ‫مــن الصحف الـسـيــارة أبــواب ـهــا‪ ،‬حتى أن‬ ‫صحيفة «االكسبرس» األمريكية عنونت‬ ‫خبر نعيها بما يشبه الشتيمة‪« :‬ابقوا مع‬ ‫هواتفكم الحقيرة»‪ ،‬هل سيلقى الكتاب‬ ‫ال ــورق ــي ال ـم ـص ـيــر ال ـت ــراج ـي ــدي الـمــؤلــم‬ ‫نفسه؟‬

‫ويعمل بجد على التصدي لهذه التحوالت‪،‬‬ ‫ويهيئ األرضية لها‪ ،‬التراجيديا ستعلق‬ ‫بالعرب ومن معهم من األمم المتخلفة عن‬ ‫الركب‪ ،‬ألنهم سيظلون تابعين‪ ،‬وال موقف‬ ‫لهم ضمن هذا الحراك القوي‪ ،‬األهوج‪،‬‬ ‫العواصف‪ ،‬الذي ال يرحم الضعاف‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬هذا مسار حتمي يا صديقي‪ ،‬وال مجال ¦بـ ـم ــاذا ت ـش ـعــر ح ـيــن ت ـتــذكــر رائـ ـح ــة ورق‬ ‫الصحيفة ال ـطــازجــة‪ ،‬فــي التسعينيات‪،‬‬ ‫للرثاء أو الوقوف على األطــال‪ ،‬الزمن‬ ‫الرقمي قادم بقوة‪ ،‬وسيمتد صداه ليهيمن‬ ‫على كل شيء‪ ،‬فكما انتقل البشر تاريخيا‪،‬‬

‫حين كنا نتصفحها بحثا عن نصوصنا‬ ‫البكر؟‬

‫مــن المخطوط إلــى المطبوع‪ ،‬سينتقل ‪ρ ρ‬نحن نحنّ لهذه األشياء بقوة‪ ،‬ونستعيد‬

‫‪116‬‬

‫العمل من المطبوع إلى الوسيط الجديد‪،‬‬

‫طعمها الجميل‪ ،‬مثل أي شيء طفولي‪،‬‬

‫كيفما كانت تسمياته‪ ،‬وهذه الحركية لن‬

‫ألنــه يرتبط بكفاحنا األول‪ ،‬وبتشكل‬

‫واع بهذا األمر‪،‬‬ ‫تتوقف إطالقا‪ ،‬والغرب ٍ‬

‫وعينا البدئي‪ ،‬وهو شعور سيخالج أيضا‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫والمواقع الرقمية‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬ ‫ ¦س ـن ـحــاول أن ن ـت ــرك ال ـجــانــب اإلب ــداع ــي‬ ‫ق ـل ـيــا‪ ،‬ألن ف ــي ال ـق ـلــب غ ـص ــة‪ ،‬ون ـغــوص‬ ‫أك ـث ــر ف ــي م ــا ي ـع ــرف ب ــوس ــائ ــل ال ـتــواصــل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬التي استلبت أفــراد األســرة‬ ‫ال ــواح ــدة‪ ،‬وحــولـتـهــم إل ــى ج ــزر متباعدة‬ ‫ع ـل ــى ضـ ـف ــاف الـ ـه ــوات ــف ال ــذكـ ـي ــة‪ ،‬وق ــد‬ ‫يتواصلون عبر ال ـ «واتساب» أو «مسنجر»‬ ‫ت ـحــت س ـقــف ب ـيــت واحـ ـ ــد!! م ــا ذا يـقــول‬ ‫الحجري في ذلك؟‬ ‫‪ρ ρ‬على اعتبار أني رب أسرة‪ ،‬ورجل تعليم‪،‬‬ ‫فاألمر يعني لي الشيء الكثير‪ ،‬وفي القلب‬

‫غصة‪ ،‬نحن نشاهد هذا االنعكاس السلبي‪،‬‬

‫ونرى آثاره الفاضحة على أبنائنا‪ ،‬ونعمل‬ ‫ما في وسعنا لتجنب الكارثة‪ ،‬لكن على‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫من فتحوا أعينهم على العالم األزرق‪،‬‬

‫ما يبدو‪ .‬فالعاصفة أقوى من إمكاناتنا‪.‬‬ ‫فالميديا عــالــم افــتــراضــي ســاحــر‪ ،‬له‬ ‫مقومات عجيبة على اإلثــارة‪ ،‬ويستميل‬ ‫الكبار قبل الصغار‪ ،‬وله انعكاسات سلبية‬ ‫على القيم‪ ،‬والهوية‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والعادات‬ ‫السلوكية‪ ،‬وبحكم هذا التخدير األسود‪،‬‬ ‫الذي يعمي الجميع‪ ،‬مؤسسات وأفراداً‪،‬‬ ‫فالكل غافل أو متغافل‪ ،‬وسننهض يوما‬ ‫ما على حافة الجنون بعد أن نكتشف أننا‬ ‫صرنا كائنات افتراضية ال أثر لها في‬ ‫هذا الوجود‪ .‬ينصرم العمر بين أيدينا‪،‬‬ ‫فال نحس به‪ ،‬ونفقد من نحب دون أن‬ ‫ننتبه إلى أنهم كانوا باألمس بيننا‪ ،‬دون‬ ‫أن نولي حضورهم أدنى قيمة‪ ،‬وفضلنا‬ ‫عليهم آالت صماء‪ ،‬وعوالم ال وجود لها‬ ‫أصــا‪ ،‬وهــكــذا لــن ينفع الــنــدم‪ ،‬وتــزداد‬ ‫الخيبة خيبات‪.‬‬ ‫ ¦وماذا عن إساءة استخدام الشباب العربي‬ ‫لهذه الهواتف الذكية‪ ،‬إذ تحول كــل من‬ ‫ودب إلـ ــى ص ـح ــاف ــيّ إل ـك ـت ــرون ــي‪ ،‬أو‬ ‫هـ ـ ّـب ّ‬ ‫بمعنى أص ــح‪« :‬م ـج ــرم» إل ـك ـتــرونــي يبتز‬ ‫اآلخرين‪ ،‬بعد التطفل على خصوصياته؟‬ ‫بل حتى إن بعض األنظمة الدكتاتورية‪،‬‬ ‫ت ـص ـف ــي خ ـص ــوم ـه ــا ال ـس ـي ــاس ـي ـي ــن‪ ،‬عـبــر‬ ‫ثغرة إلكترونية‪ ،‬وتتغاضى عن مجانين‬ ‫«السوشيال ميديا»‪ ،‬الــذيــن تحولوا إلى‬ ‫مشاهير بين عشية وضحاها‪ ،‬ودمروا كل‬ ‫ما هو جميل ونبيل…‬

‫عند تسلم جائزة الطيب صالح‬

‫من يقف وراء كل هذا الهراء؟ ما جدوى‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪117‬‬


‫مع طالب الرفاعي‬

‫ما نكتب؟ ما هو دورنا؟‬ ‫كما تعرف‪ ،‬فالميديا سيف ذو حدين‪:‬‬ ‫وبما أن السوشيال ميديا قضت على‬ ‫الخصوصية‪ ،‬وانتهكت كافة الــحــدود‪،‬‬ ‫وسطت على العوالم الحميمية لألفراد‬ ‫والمجتمعات‪ ،‬فــإن األنظمة السياسية‬ ‫واالقــتــصــاديــة المهيمنة عــلــى الــعــالــم‪،‬‬

‫ستعمل‪ ،‬كما في كل مرة‪ ،‬على استثمار‬

‫هذه المكتسبات لصالحها‪ ،‬خاصة في ما‬

‫يتعلق بالحفاظ على حضورها‪ ،‬وتطوير‬ ‫تجذرها‪ ،‬والقضاء على خصومها‪ ،‬ونشر‬ ‫القيم التي تمدد أعمارها‪ ،‬وهي طبعًا‪،‬‬

‫غالبا ما تكون مجانية‪ ،‬فيستغل أصحابها‬ ‫ضعف مستندات التعاقد بين الشركة‬ ‫والــمــوقــع والــمــشــتــرك‪ ،‬لبيع البيانات‪،‬‬

‫وجعلها متاحة أمام كل من يقدم المال‪،‬‬ ‫ويصبح الناس عرايا أمــام عالم ينتهك‬ ‫حرماتهم‪ ،‬وفي الوقت الذي يعتقد كثيرون‬ ‫أنهم يسبحون في الخفاء‪ ،‬ويمارسون‬ ‫أنــشــطــتــهــم فــي الــتــكــتــم‪ ،‬نــجــد آخـــرون‬

‫يتفرجون على توهمهم هــذا‪ ،‬ويتغذون‬ ‫منه‪ ،‬ويراكمون من ورائــه ثرواتهم‪ ،‬وفي‬ ‫الواقع‪ ،‬فاألمر أصبح مفضوحا أكثر من‬ ‫أي زمن مضى‪.‬‬

‫تــرصــد لــذلــك‪ ،‬م ــوارد مــاديــة ومالية ال ¦أنا أديــن المثقف… أال ترى كيف يتسلق‬

‫يمكن توقع قيمتها‪ ،‬ولألسف‪ ،‬فالشركات‬

‫المشرفة على السوشيال ميديا ال تؤمّن‬

‫‪118‬‬

‫بيانات متصفحيها ومشتركيها‪ ،‬ألنها‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫م ـج ـمــوعــة م ــن ال ـط ـف ـي ـل ـي ـيــن‪ ،‬ال ـن ـك ــرات‪،‬‬ ‫الـمـنـبـطـحــون الـمـشـهــد األدبـ ــي والـفـنــي‪،‬‬ ‫عبر تعليق مجاملة في «فيسبوك» لمدير‬


‫الكتابة عن كتبه‪ ،‬وبضربة حظ‪ ،‬قد تجد‬

‫اآلمرين والناهين‪ ،‬وأحيانا بدون منجزات‬

‫نفسك عضوا في لجنة تحكيم جائزة ما‪،‬‬ ‫أو تصبح كاتبًا قارا في إحدى المجالت‪،‬‬ ‫يتوسط اسمك كبار كتاب العالم العربي؟‬ ‫هل هذا المثقف مثل أعلى؟‬ ‫‪ρ ρ‬لم يخل العالم من طفيليات بشرية في‬ ‫أي تــاريــخ‪ .‬وهــي كــائــنــات تعتاش على‬ ‫الــبــرك اآلســنــة المتوافرة هنا وهناك‪،‬‬ ‫وه ــم لــأســف كــثــرة فــي ه ــذا الــزمــن‪،‬‬

‫تذكر‪ ،‬وإن وجدت فهي ضعيفة‪ ،‬ومسروقة‪،‬‬ ‫ومفتعلة‪ .‬لكن التاريخ ال يحتفظ بهؤالء‪،‬‬ ‫فهو ال يعترف سوى باألعمال اإلنسانية‬ ‫الجادة‪ ،‬وال يدون غير األسماء الخالدة‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ت ـحــريــر م ـج ـلــة ع ــرب ـي ــة‪ ،‬أو م ـح ــاورت ــه أو‬

‫والمكتوبة واالفتراضية‪ ،‬ويصبحون هم‬

‫التي تركت دمها على القرطاس والقلم‪.‬‬ ‫ ¦كيف ننتشل أنفسنا من هذا المستنقع‬ ‫اآلسن؟‬

‫ويعرقلون مسار الثقافة الجادة‪ ،‬خاصة ‪ρ ρ‬بالعمل ثم العمل ثم العمل‪ ،‬وتجنب التفكير‬ ‫في هذا الوضع‪ ..‬ألنه يشعر باإلحباط‪،‬‬ ‫أنهم بسرعة كبيرة‪ ،‬تتهيأ لهم الظروف‪،‬‬ ‫فينالون مــواقــع حساسة فــي الهيئات‬ ‫والــمــنــظــمــات‪ ،‬والــمــؤســســات الثقافية‪،‬‬

‫والمنابر اإلعالمية المرئية والمسموعة‬

‫واإلفـــاس‪ ،‬ويجعل الــمــرء يطرح بحدة‬

‫جدوى الكتابة والثقافة والحياة أصال‪،‬‬ ‫بين هذه الكائنات‪.‬‬

‫إبراهيم الحجري وهشام بن الشاوي‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪119‬‬


‫ ¦بحكم مشاركاتك في العديد من الجوائز‬ ‫العربية‪ ،‬بينها جوائز مرموقة‪ ،‬هل تتفق‬ ‫مع من يقصفون بعضها‪ ،‬ويشككون في‬ ‫مصداقيتها؟‬ ‫‪ρ ρ‬ال أريـــد أن أنــخــرط فــي ه ــذا الــجــدل‬ ‫العقيم‪ .‬وأعمل وفــق منطقي الخاص‪:‬‬ ‫فكرة الجوائز فكرة رائــدة‪ ،‬تشكر عليها‬ ‫الهيئات الوطنية واإلقليمية والدولية التي‬ ‫تشرف عليها وتحتضنها‪ ،‬لما لها من دور‬ ‫ريادي في تنمية اإلبداع‪ ،‬والفن‪ ،‬والكتابة‬ ‫بكل أشكالها‪ ،‬خاصة لما تنبثق عن رؤى‬ ‫تنويرية خالية مــن اإليديولوجيا‪ ،‬وما‬ ‫دون ذلك‪ ،‬من تفاصيل‪ ،‬يخص المعايير‪،‬‬ ‫واألجندات‪ ،‬واألولويات‪ ،‬واللجان العلمية‪،‬‬ ‫ودوائـ ــر األمــانــات‪ ،‬واالخــتــيــارات‪ ،‬فهي‬ ‫تخص الجهة المنظمة‪ ،‬ويبقى الحق‬ ‫للكتاب والمبدعين في إبداء مالحظاتهم‬

‫أن يعلم أنه يسهم في قصف تاريخه مهما‬ ‫عال شأنه‪ ،‬وطفا نجمه‪ ،‬فموقف الكاتب‪،‬‬ ‫ونزاهته‪ ،‬وصرامته العلمية‪ ،‬وخصاله‬ ‫الرفيعة‪ ،‬ووقوفه مع الحق‪ ...‬أمور تصير‬

‫شريطة أن تكون بناءة‪ ،‬وتخضع لمنطق‬

‫أحيانا‪ ،‬أهم بكثير مما يكتبه‪ .‬لكن فكرة‬

‫الذوق الرفيع‪ ،‬وعلى المشرفين اإلنصات‬

‫الجوائز أنا أشجعها‪ ،‬وأدعو للمزيد من‬

‫لها‪ ،‬وتطوير عملهم داخل برامج الجوائز‪.‬‬ ‫وأنا أرى أن المشكل ال يأتي من الجوائز أو‬ ‫دوائرها المحتضنة في الغالب األعم‪ ،‬بل‬ ‫يأتي من جهة اللجان المفرزة‪ .‬فلألسف‪،‬‬ ‫المثقف الــعــربــي ال يملك فــي الغالب‬ ‫استقالليته‪ ،‬وليست له تلك الكاريزما‬

‫المراهنة عليها‪ ،‬وبالتأكيد مــع تراكم‬ ‫التجارب سوف تنزاح الكثير من السحب‬ ‫الطفيلية‪ ،‬وتــزهــر النتائج عــن أزهــار‬ ‫الكتابة الفواحة‪.‬‬ ‫ ¦ما هو جديدك؟‬

‫القوية القادرة على فرض رأيه‪ ،‬وغالبا ما ‪ρ ρ‬لــدي كتاب نقدي أنتظر خبر صــدوره‪،‬‬ ‫ولــدي مخطوطات روائــيــة ونقدية قيد‬ ‫يستسلم أمام أهوائه‪ ،‬ورغبات اآلخرين‪،‬‬

‫‪120‬‬

‫فيصير ألعوبة ضمن لوبيات مهيمنة‪ ،‬دون‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫التنقيح‪.‬‬


‫إلســــــــــا‬ ‫أوسـوريو‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الكاتبة األرجنتينية‬

‫إقامتي في العاصمة األسبانية‬ ‫منحتني مساحة لكتابة الرواية بال خوف أو قلق‬ ‫تعد الكاتبة إلسا أوســوريــو واح ــدة مــن أشهر كاتبات األرجنتين حاليا‪ ،‬حيث‬ ‫نالت العديد من الجوائز األدبية من بينها الجائزة الوطنية باألرجنتين‪ ،‬وجائزة‬ ‫منظمة العفو الدولية‪.‬‬ ‫ولدت في بوينس أيريس عام ‪1952‬م‪ ،‬وترجمت روايتها «أسمى نور» التى صدرت‬ ‫فى األرجنتين عام ‪1998‬م إلى عشرين لغة من بينها العربية‪ ،‬حيث صدرت طبعتها‬ ‫العربية فى القاهرة‪.‬‬

‫■ حاورتها‪ :‬نسرين البخشوجنى‬

‫ ¦«أسمى نور»‪ ..‬رواية تاريخية فى إطار‬ ‫اجتماعى‪ ،‬تتناول الحرب القذرة فى‬ ‫األرجنتين أثناء فترة السبعينيات‪،‬‬ ‫حدثينا عن مرحلة التحضير لهذا‬ ‫الـعـمــل‪ ..‬خــاصــة أنــك عــاصــرت هذه‬ ‫الفترة‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬كتبت ه ــذه ال ــرواي ــة بــعــد عشرين‬ ‫عاما من سقوط الديكتاتورية فى‬ ‫األرجنتين‪ ،‬وهي بالفعل عمل أدبي‬ ‫ذو إطــار تاريخي‪ ،‬يتناول موضوع‬

‫اختطاف األطفال بعد اختفاء أهلهم‬ ‫قسريا‪ ،‬بعد سقوط الديكتاتورية‪،‬‬ ‫بدأ األحفاد في البحث عن ذويهم‬ ‫مــن خالل بنك وطني ت ـ ّم تأسيسة‬ ‫لهذا الغرض‪ ،‬وهو بنك يعمل بنظام‬ ‫الــجــيــنــات الــوراثــيــة‪ ،‬كــي يعثر كل‬ ‫شخص على عائلته الحقيقية‪ .‬ومع‬ ‫ذلــك لــم أقــم بالبحث عــن قصص‬ ‫حقيقية فى هــذا الشأن‪ ،‬بل كتبت‬ ‫بإحساسي كمواطنة عــاشــت هذه‬ ‫الحقبة من الزمن‪ .‬الجميل أن بعض‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪121‬‬


‫األحــداث كانت خيالية‪ ..‬ولكنها صارت‬ ‫حقيق ًة فشعرت بالسعادة‪.‬‬

‫ال يمكن ان يؤخذ باعتباره جــرى ِب ِنيّة‬ ‫طيبة‪.‬‬

‫ ¦هل اخترت أن يــدور الحدث األســاس في ¦ميريام شخصية طموحة وأنانية‪ ،‬لكنها‬ ‫ال ــرواي ــة «ل ـق ــاء االب ـن ــة واألب» ب ـمــدريــد؛‬ ‫تحولت فجأة إلى شخص عطوف‪ ،‬فنست‬ ‫ألنك عشت منذ عام ‪1994‬م ولمدة أربعة‬ ‫ك ــل أح ــام ـه ــا وت ـت ـب ـعــت ع ــواط ـف ـه ــا‪ ،‬كــان‬ ‫عشر عاما في أسبانيا؟‬ ‫مدهشا جدً ا تصرفها مع خطيبها الذي‬ ‫ً‬ ‫تركته من أجل «نور»؟‬ ‫‪ρ ρ‬ليس تمامًا‪ ،‬لكن يمكنني أن أقــول إن‬ ‫مريام تغيرت حين قابلت السجينة األم‪،‬‬ ‫اإلقامة في العاصمة اإلسبانية أعطتني‬ ‫وسألت نفسها سؤاالً بسيطاً‪ ،‬لماذا أخذ‬ ‫مساحة لكتابة الرواية بال خوف أو قلق‪.‬‬ ‫الطفلة وأمها تحبها؟ كذلك هي أكتشفت‬ ‫شخصا فــاســدً ا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ ¦الـجـنـيــرال ألفنسو كــان‬ ‫واقعاً مريراً خاصة بعدما تم قتل األم‬ ‫ولكنه حين تبنى «نور»‪ ،‬فعل ذلك بغريزة‬ ‫أمام عينها‪.‬‬ ‫أبويه‪..‬هل تتفقين معي؟‬ ‫مــيــريــام إنــســانــة بسيطة لــم تــكــن يوما‬ ‫‪ρ ρ‬ما حدث لألطفال لم يكن تب ّنيًا نبيال‪ ،‬بل‬ ‫مناضلة سياسية وال حتى مثقفة‪ ،‬هي‬ ‫هو اختطاف وطمس للهوية‪ .‬هناك فر ٌق‬ ‫مجرد إنسانة طيبة‪ .‬وهي الشخصية التي‬ ‫كبي ٌر بين الكلمتين «اختطاف» و«تبني»‪،‬‬ ‫استطاع «إدواردو» تغييرها خالل أحداث‬ ‫الفرق هو الحد الفاصل بين العمل النبيل‬ ‫الرواية‪ ،‬وهي من الشخصيات التي لديها‬ ‫والعمل اإلجرامي‪ .‬اتفهَّم أن وجهة نظري‬ ‫القابلية للتغير‪ ..‬وهذا أمر جيد‪.‬‬ ‫ربما ال تكون مفهومة بالنسبة للقراء‪،‬‬

‫ولكن الكذب على أشخاص طوال حياتهم ¦أثناء قــراءة النص الروائي‪ ،‬شعرت بأنك‬

‫إلسا أوسوريو ندوة الشارقة‬

‫‪122‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫ ¦«اسمي نور» هي روايتك السادسة‪ ،‬ولكنها‬ ‫أول عـمــل أدب ــي يـتــم تــرجـمـتــه ل ــك‪ ،‬متى‬ ‫بـ ــدأت ال ـك ـتــابــة؟ وك ـيــف تـقـ ّيـمـيــن تجربة‬ ‫تـقـصــديــن ال ـك ـشــف ع ــن ب ـعــض األحـ ــداث‬ ‫الترجمة؟‬ ‫قـبــل األوان‪ ،‬مـثــل الـقـصــة المفبركة عن‬ ‫موت «ليليانا» التي تم سردها مرتين فى ‪ρ ρ‬بالفعل‪« ،‬اسمي نــور» هى الــروايــة التى‬ ‫تسببت فى شهرتي‪ ،‬ونلت عنها أول جائزة‬ ‫النص الروائي من خالل شخصيتي «نور»‬ ‫أدبية «جائزة منظمة العفو الدولية»‪.‬‬ ‫و«ميريام»‪.‬‬ ‫بالنسبة للكتابة‪ ،‬فأنا أكتب منذ تعلمت‬ ‫‪ρ ρ‬أنا مؤمنة أنه من المهم أن يحافظ الكاتب‬ ‫القراءة والكتابة‪ ،‬ومن وقتها لم أتوقف‬ ‫على عنصر التشويق في النص‪ ،‬وأعتقد‬ ‫أبدا‪ .‬أما عن الترجمة فهي أم ٌر مه ٌم جدًا‬ ‫أني نجحت في ذلك‪.‬‬ ‫بالنسبة ألي كاتب‪ ،‬وبالطبع بالنسبة لي‪،‬‬ ‫فــي الــمــقــدمــة‪ ..‬ســيــعــرف ال ــق ــاريء أن‬ ‫ألن هذه التجربة أظهرت لي أن القاريء‬ ‫«نــور» عثرت على والــدهــا‪ ،‬ورغــم ذلك‪،‬‬ ‫رغم اختالف المجتمعات واللغات‪ ..‬إال‬ ‫يظل القارئ متشوقا الستكمال الرواية؛‬ ‫انــه مهتم بمعرفة تــاريــخ بــلــدي‪ .‬فهناك‬ ‫ألن بناءها سمح بذلك منذ البداية‪ .‬المهم‬ ‫بــعــض ال ــق ــراء ســألــونــي كــيــف يمكنني‬ ‫بالنسبة لي‪ ،‬ليست النهاية بحد ذاتها‪..‬‬ ‫مساعدة هؤالء األشخاص فى العثور على‬ ‫ولكن كيف يصل السارد لهذه النقطة‪.‬‬ ‫أهلهم؟‬ ‫ ¦ه ــل سـمـيــت الـبـطـلــة «نـ ــور» لـتـصـبــح رم ــزا ¦يود القاريء العربي أن يتعرف أكثر على‬ ‫لألمل والمستقبل؟‬ ‫الكاتبة األرجنتينية إلسا أوسريو‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬بالفعل‪ ..‬هــي كــذلــك‪ ،‬وهــي أيــضــا رم ـ ٌز‬ ‫للحقيقة والــشــفــافــيــة‪ .‬فــاســم الــروايــة‬ ‫باإلسبانية هو «‪20‬عاما‪ ،‬لــوث»‪ ،‬و«لوث»‬ ‫يعني «ن ــور»‪ ،‬وهــو أوال اســم الشخصية‬ ‫األساس في العمل‪ ،‬كانت تبلغ من العمر‬ ‫عشرين عامًا حين قررت أن تبحث عن‬ ‫أهلها‪ .‬ثانيا‪« ،‬نور» التى تسلط الضوء على‬ ‫أحــداث تاريخية بعد عشرين عامًا من‬

‫‪ρ ρ‬أحب ما أفعله‪ ،‬وأنا محظوظة جدًا بذلك‪.‬‬ ‫أحب القراءة وأمضي أوقاتاً طويلة في‬ ‫أمــاكــن مختلفة مــع أشــخــاص مختلفين‬ ‫لغات ال أفهمها‪ ،‬وأكتب‪ .‬أعيش‬ ‫يتحدثون ٍ‬ ‫فى بوينس أيريس‪ ،‬وهناك في بيتي مكتبة‬ ‫ضخمة‪ .‬صرت أ ُ ّمًا لثالثة أطفال في وقت‬ ‫مبكر‪ ،‬فكبرنا معًا‪ .‬لديهم اآلن عائلتهم‪..‬‬ ‫وهذا ما أعطاني الفرصة للسفر كثيرا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫حدوثها‪ .‬ثالثا‪ ،‬طلبت من أحد األصدقاء‬ ‫أن يخبرني كيف يمكن حساب عشرين‬ ‫سنة ضوئية؟! وكان الرد أن الرقم أكبر‬ ‫من أن يتم حسابه‪ ،‬وهو ما يفسر بشاعة‬ ‫اختطاف األطفال‪.‬‬

‫‪123‬‬


‫الحياة‪ ..‬شهقة حياة!‬ ‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫في عام ‪1966‬م‪ ،‬دخل شاب على مؤسس جريدة "الحياة" كامل مروّة في مكتبه‬ ‫في بيروت‪ ،‬وأطلق عليه رصاصة واحدة من مسدس كاتم للصوت‪ .‬تحامل مروة‪،‬‬ ‫وتشاجر مع الجاني حتى تهشم زجاج النافذة القريبة‪ ،‬لكن النزيف اشتد عليه‪..‬‬ ‫فسقط ميتا‪ ،‬وتسلل القاتل هاربا‪.‬‬ ‫بــدأ كامل مــروّة ‪ -‬رحمه اهلل الجريدة‪ -‬عــام ‪1946‬م‪ ،‬وســط (‪ )55‬جريدة أخرى‬ ‫منافسه في لبنان‪ ،‬ورفعت شعارًا‪" :‬إن الحياة عقيدة وجهاد"‪ ،‬من بيت ألحمد شوقي‬ ‫يقول‪:‬‬

‫قف دون رأيك في الحياة مجاهدا‬

‫يا جارة الوادي طربت وعادني‬

‫إن ال ـح ـي ــاة ع ـق ـيــدة وج ـهــاد‬

‫ما يشبه األحالم من ذكراك‬

‫وكان الشاعر أحمد شوقي قد توفي‬

‫وبــقــيــت (الــحــيــاة) طيلة عمرها‬

‫عام ‪1932‬م‪ ،‬لكنه‪ ..‬لما زار لبنان ألقى محافظة على شعرة معاوية بينها وبين‬ ‫في مدح لبنان غرر القصائد‪ ،‬ومنها الشعر العربي‪ ،‬بل كانت تنشر قصائد‬

‫‪124‬‬

‫قصيدته الشهيرة المغناة في زحلة‪:‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫لنزار قباني‪ ،‬وغــازي القصيبي‪ ،‬في‬


‫وتزدان مكتبتي بكتاب أو قل موسوعة إلى أكثر من المبلغ الالزم إلصدار األعداد‬ ‫بعنوان "قل كلمتك وامش"‪ ،‬وفي آخر الجزء األولــى‪ .‬وعلى كل حــال لم أجــد أكثر من‬ ‫الــرابــع‪ ،‬روى المغدور كامل م ــروّة قصة عشرة آالف لــيــرة‪ ،‬فكان عليّ أن أتدبر‬ ‫أمري بها‪.‬‬ ‫(الحياة) اقتبس منها هذي الفقرات‪:‬‬ ‫كــان في بيروت يومئذ (‪ )55‬صحيفة‬

‫قضينا األيــام األولــى من كانون الثاني‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫صدر صفحتها األولى‪.‬‬

‫كنت أعتقد أن الجريدة ستروّج‪ ،‬ولن أحتاج‬

‫يومية‪ ،‬صدر أكثرها ال من أجل الصحافة‪( ،‬يناير‪1946‬م) نعمل بمعدل (‪ )16‬ساعة‬ ‫بل لإلفادة من كميات الــورق التي كانت في اليوم‪ ،‬وكثيرًا ما كنت أنام الساعات‬

‫السلطات الفرنسية توزعها بسعر (‪ )7‬األخرى على مقعدي وراء المكتب بانتظار‬ ‫ليرات للماعون‪ ،‬بينما يباع الماعون في الــصــبــاح‪ ،‬حين يأتي زمــيــان لــي وثالثة‬ ‫الــســوق الــحــرة بأكثر مــن سبعين ليرة‪ .‬إداريين‪.‬‬

‫وكانت شكوى الحكومة اللبنانية والجمهور‬ ‫من هذا الدفق الصحفي المزيف عارمة‪.‬‬

‫أم ــا قــصــة الــمــكــتــب‪ ،‬فــقــد استقدمت‬ ‫بعض طــاوالتــه مــن مخلفات أســرتــي في‬

‫مع ذلــك‪ ،‬قــررتُ اإلقــدام على إصــدار صيدا‪ ،‬واشتريت األخرى من باعة حطام‬ ‫الــصــحــيــفــة الــســادســة والــخــمــســيــن في‬ ‫بيروت‪ ،‬وليس لدي من وسائلها غير العزم‪،‬‬ ‫وقد شجعني المرحوم جبران التويني على‬ ‫المضي في مسعاي‪ ،‬وأفرد لي في مكتب‬ ‫"النهار" في سوق الطويلة غرفة إلصدار‬ ‫جريدتي منها‪.‬‬ ‫بعد المكتب‪ ،‬بقيت أمامي مشكلتان‪:‬‬ ‫تدبير رأس المال‪ ،‬وتدبير امتياز‪ .‬أما رأس‬ ‫المال‪ ..‬فقد وجدته في قرض قدره عشرة‬ ‫آالف لــيــرة‪ ،‬عقدته مــع أحــد المرابين‪،‬‬

‫بكفالة التاجر السيد محمود صفا‪ ،‬وكان‬ ‫وسيط العقد السيد محمد قرة علي‪.‬‬ ‫والمبلغ في حد ذاته زهي ٌد جدا‪ ،‬ولكني‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪125‬‬


‫األثاث في سوق سرسق الشعبي‪ ،‬وانتزعت ‪1966‬م‪ .‬وفــي الساعة التاسعة ليل ‪16‬‬

‫الكراسي من بيتي‪ ،‬ونقلت الراديو القديم مايو (أيار) ‪1966‬م‪ ،‬سقط مروّة مضرجا‬ ‫الموجود فيه منذ سنة ‪1934‬م‪ .‬وما عدا بدمائه رحمه اهلل‪.‬‬ ‫ذلك كان الرياش من الكرتون وصناديق‬

‫ثــم شــاء اهلل أن يتدخل سمو األمير‬

‫الفاكهة العتيقة‪.‬‬

‫خالد بن سلطان‪ ،‬فيشتري امتياز جريدة‬

‫إلى بيتي ألنام من شدة التعب‪.‬‬

‫‪1990‬م‪ ،‬حتى اجــتــاحــت ق ــوات عراقية‬

‫وفــي ‪ 28‬كــانــون الثاني ‪1946‬م دارت الحياة لتصدر مــن جديد عــام ‪1988‬م‪.‬‬ ‫رام‪ ،‬وفي‬ ‫وكانت الصفقة رمي ًة من غير ٍ‬ ‫مطبعة السيد عمر ميمنة في سوق إياس‪،‬‬ ‫الوقت نفسه ضربة معلم‪.‬‬ ‫لتخرج العدد األول من جريدة الحياة‪،‬‬ ‫فــمــا أن جـــاء الــثــانــي م ــن أغسطس‬ ‫ورأيت الناس يتخاطفونه بعد قليل‪ .‬وذهبت‬ ‫لقد قطعت عهدا عند صــدور العدد‬ ‫األول بأن تكون "الحياة" (جريدة نظيفة‬ ‫بأيدي نظيفة في خدمة غايات نظيفة)‪.‬‬

‫الكويت باعتبارها المحافظة العراقية‬ ‫التاسعة عــشــرة‪ ،‬وأصبحت على مرمى‬

‫حجر من الخفجي والــحــدود السعودية‪.‬‬

‫وكانت المملكة بحاجة إلى قوات عسكرية‬

‫هذه القصة كتبها كامل مروّة في يناير للدفاع عن حدودها من ناحية‪ ،‬وإلى قوة‬

‫‪126‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫االستاذة سناء البلبيسي ‪-‬الكاتبة المصرية‬ ‫في جريدة األهرام في ‪ 27‬يناير ‪2019‬م إذ‬ ‫قالت‪:‬‬ ‫"ماذا حدث للصحافة المصرية؟ ولماذا‬ ‫فقد القارئ ثقته في الصحيفة؟ ولماذا‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫تــمــا ًمــا‪ ،‬وعــبــرت عــن ذل ــك خــيــر تعبير‬

‫سقطت المؤسسات الصحفية القومية‬ ‫في مستنقع اإلفالس والفساد‪ ،‬وأصبحت‬ ‫اليوم تمد يديها للحكومة لدفع مرتبات‬ ‫العاملين؟"‬ ‫إن انهيار الصحف القومية والمستقلة‬ ‫ليس قضية األهرام وحدها‪ ،‬ولكنها مسألة‬ ‫ناعمة لتهيئة الصورة الحسنة في أذهان عالمية تعاني منها كافة الصحف الورقية‪.‬‬ ‫ال ــرأي الــعــام العربي واإلســامــي‪ .‬وكــان وقد توقفت الحياة ورقيًا قبل نحو عامين‪،‬‬ ‫األمــيــر خــالــد بــن سلطان قــائــد الــقــوات وأصبحت ضوئية على الفضاء العنكبوتي‪-‬‬ ‫العربية الشقيقة والــصــديــقــة وصاحب اإلنترنت أو الشابكة كما عرّبها اللغويون‪.‬‬ ‫جــريــدة الحياة ذات الــصــورة المستقلة‪ ،‬لكنها مع ذلك لم تستمر إال أقل من عشرين‬ ‫شهرًا ثم وصلت إلى نهاية الحياة!‬ ‫بكوادر معظمها لبنانية‪ ،‬لتجفيف شبهة‬ ‫وإنا هلل وإنا إليه راجعون‪.‬‬ ‫االنحياز والمحاباة‪.‬‬ ‫وما أدراك ما تفعل القوة الناعمة‪ ،‬ثم‬ ‫ما أدراك ما تفعل القوة الناعمة! فقد قال‬ ‫الشاعر قبل مائة عام‪:‬‬

‫ل ـ ـكـ ــل زم ـ ـ ـ ــان فـ ـيـ ـم ــا م ـ ـضـ ــى آيـ ــة‬ ‫وآي ـ ـ ـ ــة ه ـ ـ ــذا الـ ـ ــزمـ ـ ــان ال ـص ـح ــف‬ ‫لكن الفلك دار‪ ،‬وانعكست اآليــة هذه‬ ‫* مترجم ونائب مدير مركز معلومات مؤسسة عكاظ سابقا‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪127‬‬


‫اإلعالم الرقمي واإلشاعة‬ ‫كيف تسهم الشائعات في التضليل‬ ‫وصناعة الشخصية األسطورية؟‬

‫■ د‪ .‬سعيد سهمي*‬

‫السلطة الرابع َة في العُ رف السياسي‪ ،‬لكونه قادرًا على أن يفعل وأن‬ ‫يعدّ اإلعالمُ ُّ‬ ‫يغيِّر في المجتمع‪ ،‬وأن لديه سلط َة القرار وتغيير االتجاه؛ غير إننا في المجتمع‬ ‫الرّقمي الذي يعتبر المتغير األســاس أو البراديغم (‪ )le paradigme‬الجديد في‬ ‫األلفية الثالثة‪ ،‬قد نوه السلطة األولــى‪ ،‬لما لديه من قدرة على تغيير كثير من‬ ‫األمــور والحقائق لدى المتلقي‪ ،‬وجعله منسجما مع رغبة اإلعالمي وتوجهاته‬ ‫اإليديولوجية‪ ،‬وهو ما يمكن معه التأثير على باقي السلطات األخرى‪ :‬التشريعية‬ ‫والتنفيذية والقضائية؛ إذ إن األخبار التي تنتقل كالنار في الهشيم‪ ،‬تقوم على‬ ‫التضليل في غالب األحيان بما يقع في الــواقــع‪ ،‬فيتعاطف معها الماليين من‬ ‫حرجا في تصديق كل شيء؛ ما يجعل المعلومة تنتشر‪،‬‬ ‫الناس الذين ال يجدون ً‬ ‫ويجعل السلطة أو المشرّع في كثير من األحيان يستجيب إلخماد نار اإلشاعة‪.‬‬ ‫وإذا كــان لإلعالم الرقمي الفض ُل المنشورات المكتوبة‪ ،‬أو الفيديوهات‬ ‫في التنوير ونشر الحقائق والمعلومات‪ ،‬السمعية البصرية التي تنتشر كالنار‬ ‫مــن خــال إيــصــال المعلومة والخبر في الهشيم‪.‬‬ ‫للجماهير فــي وقــت قــيــاســيٍّ عندما‬ ‫‪ -1‬من يصنع اإلشاعات؟‬ ‫يتعلق األمـــر بــمــا ينفع الــنــاس‪ ،‬فــإن‬ ‫الواقع أن اإلشاعة أو الشائعة‪ ،‬ال‬ ‫المشكل كل المشكل في التضليل الذي‬

‫اكتشاف‬ ‫ُ‬ ‫يخلقه اإلعالم الرقمي غير المسؤول‪ ،‬أصل لها‪ ،‬أو على األقل ال يمكن‬ ‫وفــي اإلشــاعــة الــتــي ينشرها‪ ،‬والتي هذا األصل‪ ،‬غير أنها تعود عمومًا إلى‬

‫‪128‬‬

‫تخلق كثيرًا من التفاعل السلبي مع ذلك الفرد الراغب في خلق البلبلة أو‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬ ‫الفوضى في المجتمع‪ ،‬أو التشويش على للتعامل مــع األخــبــار الكاذبة التي تنتشر‬

‫الصورة في ذهن المتلقي عن فرد آخر‪ ،‬أو بشكل سريع ومتغير‪ ،‬وإنــمــا يعمدون الى‬ ‫عن جماعة من الجماعات؛ فقد تنتج عن تصديق اإلشاعة وترويجها‪ ،‬فيت َّم تحقيق‬

‫السياسي الذي يرغب في تحطيم خصمه األهداف التي رسمها لها مروِّجها في غياب‬ ‫ِ‬ ‫في االنتخابات‪ ،‬فينش َر‬ ‫اإلشاعات المضلل َة ثقافة التعامل مع اإلشاعة‪ ،‬ثم في غياب‬ ‫التي تمس بشخصية غريمه‪ ،‬عبر الحزب العقاب الــزجــري‪ ..‬خــاصــة إذا علمنا أن‬ ‫أو النقابة أو جمعيات المجتمع المدني‪ ،‬اإلشاعة تفتقد إلى المصدر‪ ،‬فغالبا ما يكون‬

‫مجهول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وذلــك بهدف تشويه صورته أمــام العامة؛ مصدُرها‬ ‫وقد تنتج عن المنتِج التجاري الذي يريد أن‬ ‫يبخس سلعة غيره‪ ،‬فيصن َع حولها األقاويل ‪ -2‬اإلشاعة والدعاية وثقافة "البوز"‬ ‫واإلش ــاع ــات لجعلها دون قيمة فــي نظر‬

‫من أشكال اإلشاعة ما نالحظه اليو َم مِ ن‬

‫العمالء‪ ،‬ومن ثم تتحطم قيمتها انطالقا من‬ ‫دعايات تعمل على خلق نوع من التضامن‬ ‫ٍ‬ ‫أباطي َل تتخذ من الدين أو األخالق أو القيم االجتماعي الذي ينتقل من العالم االفتراضي‬ ‫مادتها لتشويه صورتها في متخيل المتلقي‪ .‬إلى الواقع مع بعض األفــراد؛ فنانين كانوا‬ ‫والمشكل فــي الــواقــع أن الــنــاس الذين أم سياسيين أم أدبــاء (‪ ،)...‬عبر الرسائل‬

‫يصدقون اإلشاعة ال يمتلكون الوعي الكافي اإللكترونية والنشر اإللكتروني الذي يلعب‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪129‬‬


‫التفاعل مع ما ينشر أو يبث إلكترونيا‪.‬‬ ‫‪ -3‬الرقمية المضللة ونهاية العبقرية‬ ‫كــان الــمــرء مــن قبل يصنع عبقريته أو‬ ‫شخصيتَه األسطوريَّة اعتمادًا على مُنجزه‬ ‫األدبي أو العلمي أو السياسي أو الرياضي‪،‬‬ ‫وذلــك فــي زمــن طويل قــد يتطلب عــقــودًا‪،‬‬ ‫على أوتار العاطفة لدى العامة‪ ،‬من خالل‬ ‫مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬حيث أصبحنا‬ ‫أمــام شخصيات شبه أســطــوريــة صنعتها‬ ‫ثقافة ما يسمى بالبوز (‪ ،)buzz‬وهي ثقافة‬ ‫الصورة التي تستطيع أن تخلق لدى المتلقي‬ ‫صــورة مثالية لفرد مــن األف ــراد فــي وقت‬ ‫قياسي‪ ،‬من خالل بريق الصور التي ينشرها‬ ‫مناصروه من أجل الظفر باالنتخابات‪ ،‬أو‬ ‫ثقافية‪ ،‬أو من أجل تحسين‬ ‫ٍ‬ ‫الفوز بجوائ َز‬ ‫صورته أمام الناس للتضامن معه اجتماعيا‬

‫حيث يتناقل الناس أفكاره وكتبه وإنجازاته‬ ‫العلمية أو النضالية‪ ،‬ومن ثم يخلق لشخصه‬ ‫األسطورة التي تناسبه‪ ،‬أو يصبح هو بعد‬ ‫مــوتــه أســطــورة مــن خــال مــا يحكى حول‬ ‫سيرته‪.‬‬ ‫أما اليوم فقد أصبح من السهل جدا أن‬ ‫نخلق من أي شخصية تافهة في المجتمع‬ ‫أسطورةً‪ ،‬وذلك عبر نشر األكاذيب واألباطيل‬ ‫واإلنجازات الوهمية حول شخصية سياسية‬ ‫أو ثقافية أو فنية اعتمادًا على الحكاية‪ ،‬أو‬ ‫انطالقا من نسبة إنجازات وهمية له‪ ،‬أو عن‬

‫أو ماديا‪ ،‬من قبيل نشر األخبار المزيفة‬ ‫حول شخص ما تعرض للظلم االجتماعي طريق الخيال من خالل إلصاق أمور خرافية‬ ‫أو السياسي أو األكــاديــمــي رغــم كفاءته‪ ،‬بشخصية من الشخصيات‪.‬‬ ‫مما يحقق له تعاطف العامة‪ ،‬ويصنع له‬

‫فكم رفعت الدعاية واإلشاعة من أناس‬

‫مكانة اجتماعية او سياسية بفعل التضامن كانوا ال يساوون شيئا في مجال معين إلى‬ ‫االجتماعي‪ ،‬فيأتي الناس للتضامن معه مصاف العالميَّة‪ ،‬وكم وضعت من أناس كبار‬

‫ماديا أو معنويا‪ ،‬وبذلك تتحقق له الشخصية بفعل نشر معلومة كاذبة أو تلفيق صورة من‬ ‫األسطورية من خالل الشائعات التي تجعل الصور المضللة‪ ،‬والتي مهما كانت مفبركة‬

‫وسائل اإلعالم تتوافد عليه ألهداف مادية ومصطنعة‪ ..‬فإنها مع الزمن تظل راسخ ًة‬ ‫محضة‪ ،‬اعتبارا للمداخيل المادية الهائلة في متخيَّل المتلقي‪ .‬بل إن كثيرًا من الصور‬

‫‪130‬‬

‫التي تجنيها المواقع اإللكترونية بفضل واألفـــام المُغرضة جــرّت أشخاصا إلى‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫ظلمًا‪ ،‬بسبب اإلشاعة‪.‬‬

‫الشخصية ورفع مكانتها في عين المتلقي‬

‫لقد تنبأ بعض المراقبين للرقمية بأنها ومخيلته‪ ،‬حتى يتحول مع الزمن إلى ما يشبه‬ ‫األسطورة السياسية‪ ،‬ويضمن له النجاح في‬ ‫ستؤدي حتما إلى نهاية العبقرية‪ ،‬من خالل‬ ‫االنتخابات‪ ،‬أو االرتقاء في مجال السياسة‪،‬‬ ‫كــون العباقرة الحقيقيين لن يكون لديهم‬ ‫لما تتركه الــصــورة مــن سلطة رمــزيــة في‬ ‫مكان في مجتمع اليوم الــذي يتحكم فيه‬ ‫المتخيل الشعبي‪.‬‬ ‫اإلعالم الرقمي وتتغوَّل فيه مواقع التواصل‬ ‫لقد خلقت الرقمية شخصيات سياسية‬ ‫االجتماعي اإللكترونية‪ ،‬إذ إن العباقرة من‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫المحاكم‪ ،‬وربما أوقعت بهم في السجون يديره متخصصون من أجل تلميع صورة تلك‬

‫فالسفة وعلماء وأبطال لم يعد لديهم مكان ال بريق لها إال على مستوى الصورة‪ ،‬ومن‬ ‫في المجتمع الرقمي الذي صن َع عبقريات ثم كانت لها آثــار خطيرة على التحوالت‬

‫أخرى من خالل ثقافة "البوز" التي تصنع االجتماعية وعلى الديمقراطية‪ ،‬وهــو ما‬ ‫شخصيات كبيرة حتى بدون أي إنجاز مُهمّ‪ ،‬يدعو على ضرورة تقنين التعامل الرقمي مع‬ ‫فكم من أديب تم رفعه عبر مواقع التواصل الصورة بشكل خاص‪ ،‬إذ إن صراعا محتدما‬ ‫االجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب يبدو على األفق‪ ،‬وذلك أدى ويؤدي إلى تمييع‬

‫إلى مصاف العالمية بفضل حكاية تافهة العمل السياسي والــمــشــاركــة السياسية‪،‬‬ ‫جنس له وال انتماء‪ ،‬إذ فتحت الرقمية الــبــاب للجميع لولوج‬ ‫َ‬ ‫بسيط ال‬ ‫ٍ‬ ‫نص‬ ‫كتبها‪ ،‬أو ٍّ‬

‫أو قصة تافهة‪ ،‬أو سيرة ترضي الجمهور العمل السياسي مشاركة وتنظيرا بــدون‬ ‫البسيط الــذي ال يمتلك ذو ًقــا أدبيًا راقيا‪ ،‬تأطير سياسي‪ ،‬ولعل من تجليات ذلك هذه‬ ‫ولكن بفعل تواتر القراءات وغزارة التفاعل الفوضى التي نشاهدها اليوم في العالم‬ ‫معها أصبح في درجة العالمية‪ .‬وكم من فنان العربي‪ ،‬من انتفاضات شعبية ال مؤطر لها‪،‬‬

‫دخل العالمية بفضل أعماله السوقية التي‬

‫وال بوصلة‪ ،‬تطالب بالحرية دون فهم معنى‬

‫ترضي الجماهير‪ ،‬ولعل ذلك يطرح أسئلة‬ ‫أخــرى عميقة حــول جماليات التلقي في‬ ‫عصر الرقمية‪.‬‬ ‫‪ -4‬السياسة اليوم وثقافة الصورة‬ ‫ال نستغرب اليوم إذا وجدنا لكل شخصية‬ ‫سياسية موقعا على فيسبوك أو تويتر‪،‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪131‬‬


‫والسرقة وغيرها من الجرائم التي تدخل‬ ‫فــي خــانــة الــجــنــايــات‪ ،‬خــاصــة مــا يتعلق‬ ‫بالتصوير والتسجيل السمعي والسمعي‬ ‫البصري‪ ،‬خاصة وأن الجميع اليوم أصبح‬ ‫يتوفر على الهاتف الذكي الذي يمكّنه في أيّ‬ ‫لحظة من التقاط صورة أو شريط فيديو‪،‬‬ ‫ومن ثمة كان دور المحاكم اإللكترونية البث‬ ‫في المنازعات المرتبطة بهذا التصوير دون‬ ‫إذن الشخص صاحب الصورة أو الفيديو‪،‬‬ ‫إذن صحافي‪.‬‬ ‫ودون مشرّع قانوني أو ٍ‬ ‫والواقع أن تفعيل المحاكم اإللكترونية‬ ‫بالشكل السليم مــا ي ــزال غير وارد‪ ،‬وال‬ ‫تــزال األحــكــام المرتبطة بنشر الشائعات‬ ‫التي تمس بالحقوق المدنية لألشخاص‬ ‫غير مفعلة‪ ،‬أو ال يتم تنفيذها بشكل فوري‪،‬‬ ‫لصعوبة هذه العملية‪ ،‬ولكونها تتطلب جحافل‬ ‫من المتخصصين في المجال اإللكتروني‪.‬‬ ‫الحرية‪ ،‬وتدعو إلى التغيير دون وعي فلسفي‬

‫بأبجديات التغيير وبأهدافه وغاياته‪.‬‬

‫هكذا تبقى اإلشاعة إحدى أبرز مساوئ‬ ‫الرقمية‪ ،‬فالنشر اإللكتروني الغزير يصعب‬

‫‪ -5‬المحاكم اإللكترونية بين تطبيق‬

‫التحكم فيه‪ ،‬وهو ما قد يدعو إلى إنشاء‬

‫القانون وإكراهات الواقع‬

‫محكمة دولية في المجال اإللكتروني‪ ،‬ما دام‬

‫لقد وجدت المحاكم الرقمية اإللكترونية األمر يرتبط بشبكات التواصل االجتماعي‬ ‫في ج ّل الدول المتحضرة‪ ،‬من أجل مواكبة العالمية‪ ،‬والتي ينبغي أن تحترم قوانين‬

‫الــجــرائــم اإللــكــتــرونــيــة الــتــي تــتــجــاوز نشر اإلعالم والنشر وأخالقيات العمل الصحفي‬

‫الشائعات العادية‪ ،‬إلى النصب واالحتيال في بُعدها العالمي‪.‬‬ ‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪132‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫تحفة آثارية باقية حتى اليوم‪:‬‬

‫وأقدم مئذنة في تاريخ اإلسالم‬ ‫■ محمود الرمحي‬

‫مسجد عمر بن الخطاب‪ ،‬أحد أهم المواقع األثرية في شمالي الجزيرة العربية‬ ‫فــي دوم ــة الجندل بمنطقة الـجــوف‪ ،‬وال ــذي ينسب بناؤه إلــى الخليفة الــراشــد‬ ‫عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪ .‬ويتميز بمئذنته الفريدة في نوعها‪ ،‬والتي يقول‬ ‫بعض المؤرخين عنها إنها أول مئذنة في اإلسالم‪ ،‬وهذا ما يؤكده المؤرخ حسين‬ ‫مؤنس في بحث نشره بمجلة الفيصل عام ‪1996‬م‪.‬‬ ‫وقــد وصفها أحــد الرحالة الذين زاروا المنطقة في القرن التاسع عشر أنها‬ ‫تشبه المسلة‪ ،‬ولها ارتفاع (‪ )15‬متراً‪ .‬وقد أعيد ترميم بناء المسجد مؤخراً‪ ،‬إال‬ ‫أن المئذنة بقيت محافظة على شكلها منذ أن بنيت قديماً‪.‬‬ ‫أهمية المسجد‬

‫أحد أقدم المساجد التاريخية القديمة‬

‫وت ــرج ــع أهــمــيــة مــســجــد عمر بن التي لم يتبدل نظام تخطيطها وبنائها‪.‬‬ ‫الــخــطــاب الــتــاريــخــيــة إلـــى تصميم‬

‫وتخطيطه‪ ،‬إذ بنائه‪ ،‬حيث يمثل بناؤه‬ ‫نمط البناء للمساجد األولى في عهد‬

‫تأسيسه و بناؤه‬ ‫تم بناء المسجد في منطقة الجوف‬

‫اإلســام‪ ،‬ويشبه نمط بنائه نمط بناء على يد الخليفة الراشد الفاروق عمر بن‬ ‫المساجد في عهد الرسول صلى اهلل الخطاب رضي اهلل عنه‪ ،‬إذ تقول كتب‬

‫عليه وسلم‪ .‬ومما يزيد من أهميته كونه التاريخ إن عمر بن الخطاب بناه أثناء‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪133‬‬


‫توجهه إلى بيت المقدس في فلسطين‪ ،‬ويعود ذلك‬ ‫إلى عام (‪ )17‬للهجرة النبوية‪.‬‬ ‫موقعه ومكانه‬ ‫بني المسجد وسط دومة الجندل‪ ،‬بجانب حيّ‬

‫يسمى حــيّ ال ــدرع فــي الجهة الجنوبية‪ .‬ودومــة‬ ‫الجندل هــي إحــدى محافظات منطقة الجوف‬ ‫الواقعة شمالي المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫تخطيط بناء المسجد‬ ‫إن تخطيط بناء المسجد وتصميمه يماثل‬

‫نمط بناء المساجد في عهد الرسول الكريم ‪،‬‬

‫وتخطيطه يشابه تخطيط بناء مسجد الرسول‬ ‫في المدينة المنورة‪ ،‬في المراحل األولــى لبناء‬

‫المسجد‪ ،‬وقد تم بناء سقف المسجد من اإلثل‬ ‫وسعف شجر النخيل المغطى بالطين‪ ،‬وهــو ما‬ ‫يعدُّه الخبراء استمرارًا لنمط بناء المساجد األولى‬

‫لظهور اإلسالم‪.‬‬

‫وقد بُني على شكل يقارب المستطيل‪ ،‬ويبلغ‬

‫طــولــه مــن جهة الــغــرب إلــى الــشــرق (‪)32.5‬م‪،‬‬

‫‪134‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫وبعرض (‪)18‬م تقريبا‪ ،‬وتم تصميمه من الداخل‬ ‫من‪ :‬رواق القبلة‪ ،‬ومحراب‪ ،‬ومنبر‪ ،‬وصحن‪ ،‬وساحة‬ ‫المسجد‪ ،‬والمصلى‪ ،‬ومما يميز المسجد أيضا‬ ‫الجزء الخلفي منه‪ ،‬وهو مكان خلوة للتعبد والصالة‬ ‫في الشتاء‪ ..‬حيث البرد القارس‪.‬‬ ‫مئذنة المسجد‬ ‫ويتميز المسجد بمئذنة فريدة في نوعها‪ ،‬مئذنة‬ ‫رائعة في تصميمها‪ ،‬يبلغ طولها (‪ )12.7‬متراً‪ ،‬بني‬ ‫الجزء األسفل منها على شكل مربع طول ضلعه‬ ‫(‪ )3‬أمتار‪ ،‬وكلما ارتفعت تضيق‪ ..‬لتأخذ جدرانها‬ ‫كلما ارتفعت شكل الهرم‪ ،‬وتصل في النهاية إلى‬ ‫شكل مخروطي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتتكون المئذنة من الداخل من أربع طوابق بنيت‬ ‫على سقف ممرّ المسجد المؤدي للخروج‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪135‬‬


‫سمو األمير سلطان بن سلمان‬ ‫يهنئ سمو أمير منطقة الجوف‬

‫بتسجيل دومة الجندل ضمن قائمة التراث اإلسالمي‬

‫*‬

‫هنأ صاحب السمو الملكي األمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مؤسسة التراث‬ ‫الخيرية صاحب السمو الملكي األمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف‬ ‫بمناسبة تسجيل واحة دومة الجندل ضمن قائمة التراث اإلسالمي‪.‬‬ ‫وعدّ سموه هذا التسجيل إنجا ًز ًا وطن ًي ًا لموقع متميز يضاف إلى مئات المواقع التاريخية‬ ‫في المملكة‪ ،‬مؤكدً ًا سموه أن موقع واحة دومة الجندل مرشح للتسجيل في قائمة التراث‬ ‫العالمي اليونسكو ‪-‬إن شاء اهلل ‪. -‬‬ ‫وقــــال ســمــو رئــيــس مــؤســســة الــتــراث التوفيق‪.‬‬ ‫الخيرية‪ :‬إن سمو أمــيــر منطقة الجوف‬ ‫ويذكر أن واحــة دومــة الجندل بمنطقة‬ ‫وأمانة المنطقة وفريق اآلثار بذلوا جهوداً الجوف تحتضن مسجد عمر بن الخطاب‬ ‫كبيرة أدت لتحقيق هذا اإلنجاز‪ ،‬متمنياً لهم وقلعة مارد‪ ،‬وسوق دومة الجندل التاريخي‪،‬‬

‫‪136‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫وتسهم مؤسسة الــتــراث الخيرية‪ ،‬التي أسسها‬ ‫ويرأسها صاحب السمو الملكي األمير سلطان بن‬ ‫سلمان بن عبدالعزيز في خدمة الــتــراث الوطني‬ ‫السعودي‪ ،‬والتراث العربي واإلسالمي منذ تأسيسها‬ ‫سنة ‪1417‬هـ ـــ‪ ،‬وتسعى إلــى المحافظة على هذا‬ ‫التراث‪ ،‬وتأكيد أهميته الخيرية سواء كان سعود ًياً أم‬ ‫عربياً أم إسالمياً ‪ ،‬وتسعى لزيادة االهتمام والوعي‬ ‫بالتراث لجعله من اهتمامات اإلنسان في حياته‪،‬‬ ‫ليكون مصدراً لثقافته الحضارية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫وحي الــدرع‪ ،‬ومتحف الجوف اإلقليمي‪ ،‬ومقومات‬ ‫سياحية متنوعة‪ ،‬كالتراث الوطني والسياحة الزراعية‬ ‫والبيئية التي تجذب أعداداً كبيرة من الزوار الباحثين‬ ‫عن األصالة والتراث‪.‬‬

‫‪137‬‬


‫سمو أمير الجوف‬

‫يبارك تسجيل واحة دومة الجندل‬ ‫ضمن قائمة التراث اإلسالمي**‬ ‫بارك صاحب السمو الملكي األمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف‪،‬‬ ‫تسجيل واحة دومة الجندل ضمن قائمة التراث في العالم اإلسالمي‪ ،‬بالمنظمة اإلسالمية‬ ‫للتربية والعلوم والثقافة‪ ،‬وذلك في استقباله للمدير العام للهيئة العامة للسياحة والتراث‬ ‫الوطني بمنطقة الجوف ياسر بن إبراهيم العلي‪ ،‬يرافقه رئيس قسم المحافظة على التراث‬ ‫العمراني بفرع الهيئة أحمد بن عبدالكريم الهذلول في مكتب سموه بديوان اإلمارة‪.‬‬ ‫وأبلغ العلي سموه أن تسجيل واحة دومة بشكل خاص‪ ،‬ومن شأنه إعطاء دفعة قوية‬

‫الجندل تمت الموافقة عليه بإجماع من دول للجهود التي تبذلها الدولة في إبراز مواقع‬ ‫منظمة التعاون اإلسالمي التي تضم في التراث بالمملكة وحمايتها‪ ،‬وتسجيل المزيد‬ ‫عضويتها (‪ )57‬دولة‪.‬‬

‫من المواقع التراثية في منطقة الجوف‪.‬‬

‫وأكد العلي أن هذا التسجيل يأتي تتويجاً وأشار العلي إلى أن واحة دومة الجندل تعد‬ ‫للمكانة التاريخية والحضارية التي تحظى من المواقع المرشحة للتسجيل في قائمة‬ ‫بها المملكة بشكل عــام ومنطقة الجوف التراث العالمي في اليونسكو بإذن اهلل‪.‬‬ ‫* الرياض ‪ ٩‬جمادى اآلخرة ‪ 1441‬هـ الموافق ‪ 03‬فبراير ‪ 2020‬م واس ‪ -‬االثنين‪.‬‬ ‫* سكاكا ‪ ٤‬جمادى اآلخرة ‪ 1441‬هـ الموافق ‪ 29‬يناير ‪ 2020‬م واس ‪ -‬األربعاء‪.‬‬

‫‪138‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ملحة عبداهلل‬

‫"سيدة المسرح السعودي"‬ ‫■ محمد عبدالرزاق القشعمي*‬

‫ولدت الدكتورة ملحة بنت عبداهلل آل مزهر في أبها‪ ،‬وتلقت تعليمها األولي بها‪،‬‬ ‫ثم انتقلت إلى القاهرة لتلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية‬ ‫الفنون‪ ،‬وتخرجت في قسم الدراما والنقد عام ‪1412‬هـ‪1992 /‬م‪ ،‬وواصلت دراساتها‬ ‫العليا حـتــى نــالــت الماجستير وال ــدك ـت ــوراه فــي الـمـسـ ــرح مــن جــامـعــة دينيسون‬ ‫البريطانية‪ ،‬وتعتبر أول سعودية تحصل على الدكتوراه في المسرح‪ ،‬ولذلك لقبت‬ ‫بـ (سيدة المسرح السعودي)‪.‬‬ ‫تقول عند استضافتها في اثنينية‬ ‫عبدالمقصود خوجة بجدة في‬ ‫‪1430/1/29‬هـ ‪2009/1/25 /‬م بعد أن‬ ‫أعادت الفضل لوالدها‪ ..« :‬والدي الذي‬ ‫سبق عصره كان هو من أدخلني المدرسة‬ ‫في الستينيات‪ ،‬وكنت أنا من أول الدفعات‬ ‫التي دخلت المدرسة في أبها وكان يالم‬ ‫بشدة لماذا أدخلت البنت للمدرسة؟‬ ‫بكرة تتعلم كيف تخاطب الناس بالرسائل‬ ‫الغرامية‪ ..‬وكان يتحدى كل هذه األشياء‬ ‫ُخف بأن أكمل‬ ‫هو ووالدتي‪ ،‬ولكنني لم أ ِ‬ ‫تعليمي‪ ،‬وكنت أحلم بأن أكون طبيبة‪،‬‬ ‫وكنت دائماً األولى ومتفوقة‪ ،‬وأ ُخذت كرهاً‬ ‫من المدرسة وانتزعت انتزاعاً‪ ،‬وكانت‬

‫حقيبة كتبي فيها مصروفي اليومي ريال‬ ‫واحد‪ ،‬وكنت ذاهبة للمدرسة يوم فرحي‪،‬‬ ‫ألن الدراسة كانت عالمي الخاص‪ ،‬ولكن‬ ‫الفضل يرجع هلل ثم لوالدي‪ ،‬ألنه كتب في‬ ‫عقد الزواج أن تتم هذه البنت تعليمها‬ ‫تحت أي ظروف‪ ،‬وكان لزوجي فضل‬ ‫كبير؛ ألنني حينما طالبته بعد الزواج‬ ‫بست سنوات أن أكمل تعليمي‪ ،‬ساعدني‬ ‫وأوفدني إلى القاهرة ألحصل على‬ ‫الشهادة االبتدائية‪ ،‬ألنه كان لدي ستة‬ ‫أطفال‪ ..‬وحصلت على الشهادة االبتدائية‬ ‫ثم الثانوية من القاهرة‪ ،‬ثم مضيتُ إلى‬ ‫األكاديمية ثم إلى إنجلترا للحصول على‬ ‫الماجستير والدكتوراه‪ ..« ،»..‬عندما‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪139‬‬


‫توجهت للملحق الثقافي ألحصل على ترشيحي التاريخ ‪.»..‬‬ ‫ألكاديمية الفنون لدراسة المسرح‪ ،‬رفض‬ ‫وسبق حديثها تقديم صاحب اإلثنينية‬ ‫وبكل شدة‪ ..‬وهذا منذ عشـرين سنة‪ ،‬وكان عبدالمقصود خوجة الذي قال‪ ...« :‬وقد‬ ‫يصنف المسرح في الملحقية الثقافية ضمن اشتهرت ضيفتنا الكريمة بلقب (سيدة المسرح‬ ‫الدراسات الالأخالقية‪ ،‬فأصررت وبعنف السعودي) ‪ ..‬وهو لقب أحسبه لم يخلع عليها‬ ‫شديد جداً لدراسة المسرح‪ ..‬أوالً‪ :‬ألنني كنت‬ ‫ترفاً‪ ..‬بل كافحت وأنجزت ثمرات نسعد بها في‬ ‫أحب الكتابة وكنت أكتب قصصاً‪ .‬وكنت أقرأ‬ ‫مجال المسـرح‪ ،‬ما جعلها تتبوأ هذه المنزلة‪،‬‬ ‫كثيراً‪ ،‬منذ الطفولة‪ ،‬كنت أتمنى أن أصبح كاتبة‪،‬‬ ‫وأهلّها لتقتعد مقعد التكريم في هذا المنتدى‬ ‫ولم أكن أعلم أن هناك قسماً في أكاديمية‬ ‫الذي يمد يده لكثير من المبدعين إعراباً عن‬ ‫الفنون يؤهل للتخرج ألن تكون هناك مؤلفة أو‬ ‫كلمة شكر مستحقة لهم‪ .»..‬وقال‪ ..« :‬لقد‬ ‫ناقدة‪ ،‬هذا من الناحية الثانية؛ أما من الناحية‬ ‫قدمَت ضيفتنا الكريمة أعماالً مسـرحية نالت‬ ‫األولى فأنا وجدت المسرح السعودي غائباً‬ ‫تقدير الكثيرين‪ ،‬وأسهمت في إثراء الساحة‬ ‫عن الساحة الثقافية العربية‪ ،‬لوجود عقبات‬ ‫بمؤلفاتها التي تناولت المسرح كأداة تثقيف‬ ‫كثيرة‪ .»..‬وقالت‪ ..« :‬كتبت واحترفت الكتابة‬ ‫وحوار متقدم على مستوى الفرد والجماعة‪..‬‬ ‫المسـرحية بعد تخرجي من أكاديمية الفنون‪،‬‬ ‫كما اهتمت بثقافة الطفل كرافد أساس في‬ ‫وكتبت مسرحية (أم سعد)‪ ،‬و(البذخ) وهما أول‬ ‫مسرحيات كتبتهما‪ ،‬قدمت في مسـرح الشمال منظومة العمل المسرحي‪ ،‬وقد أعملت مبضعها‬ ‫بالقاهرة‪ ،‬وقدمت مسرحية (أم الفاس) في جسم المسرح السعودي من خالل كتابين‬ ‫لجائزة أبها الثقافية عام ‪1994‬م‪ ،‬وحظيت على درجة كبيرة من األهمية‪( :‬أثر البداوة‬ ‫المسـرحيتان بنجاح باهر جداً‪ ،‬وقد شاركت على المسرح في السعودية) و(أثر الهوية‬ ‫في المهرجان التجريبي‪ ،‬وكانت المسرحية اإلسالمية على المسـرح في السعودية)‪..‬‬ ‫األخرى (أم الفاس)‪ ،‬وحظيت بالجائزة األولى وأحسب أنها وفقت بدرجة كبيرة في اختيار‬ ‫في جائزة األمير خالد الفيصل أو مهرجان هذين المحورين‪ »..‬وقال أحد الحضور ‪-‬‬ ‫أبها الثقافي آنذاك‪ ،‬وكان هذا هو الحافز أو الدكتور مدني عالقي ‪ ..« :-‬تحية لهذه السيدة‬ ‫ال في‬ ‫الدافع‪ ،‬ثم توالت كتاباتي المسـرحية بالتشجيع الفاضلة التي شقت طريقها علماً وعم ً‬ ‫فن من فنون الحياة وفنون الثقافة واألدب‪.‬‬ ‫من بلدي الحبيب‪.‬‬ ‫ذلك هو فن المسرح‪ ،‬لقد تأخر المسـرح في‬ ‫نصاً مسرح ًياً‬ ‫كتبت إلى اآلن خمسين ً‬ ‫المملكة العربية السعودية كما تأخرت أنشطة‬ ‫وبعض كتب الدراسات‪ ،‬وكان همي الوحيد‬ ‫أخرى‪ ،‬ولكن بعد صراع وتفكير وتمحيص ظهر‬ ‫أن أثري المكتبة السعودية بنصوص سعودية‪،‬‬ ‫ألنني عانيت كثي ًراً أثناء الدراسة‪ ،‬ألنه ال يوجد أن أبواب الثقافة ال يمكن أن تقفل‪ ،‬وأن ما هو‬ ‫نص مسرحي مطبوع‪ ،‬حتى تلك النصوص ممنوع سيصبح مفتوحاً وحقاً للجميع‪.»..‬‬

‫‪140‬‬

‫المسرحية التي كانوا يمثلونها على المسرح‬ ‫كانت األوراق تمزق أو تهمل‪ ،‬وبالتالي حين‬ ‫تكون هناك دراسات ال يوجد هناك نص‬ ‫مطبوع في المكتبة السعودية‪ .‬وبالتالي يضيع‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫وقال يحيى باجنيد‪ ..« :‬كانت بدايتها‬ ‫كبيرة‪ ،‬وهي كبيرة اآلن‪ ،‬بدءاً بها وبمتابعتها‪،‬‬ ‫وبتقصيها هذه المعلومات تتثبت عندي حينما‬ ‫كانت لنا عالقة عمل‪ ،‬كانت تراسل جريدة‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫(المدينة) التي كنت رئيس تحريرها‪ ،‬ومجلة‬ ‫(اقرأ) أيضاً‪ ،‬وكان لون كتابتها كله يتعلق بهذا‬ ‫الطرح التخصصي النادر الذي لم نكن قط ال‬ ‫أقول ألفناه‪ ،‬ولكن لم نكن تعمقنا فيه بمعنى‬ ‫الكلمات‪ ،‬فقد كانت دراسة المسـرح يوم كان‬ ‫المسـرح غائباً‪.»..‬‬ ‫وقالت الدكتورة هانم ياركندي ‪-‬راعية‬ ‫األمسية‪ ..« :-‬وبعد سنوات من االنتظار ها‬ ‫نحن نقف معكن هذا المساء المشرق موقفاً‬ ‫واحداً لنرحب بضيفة غالية‪ ..‬ضيفة لقبت‬ ‫بسيدة المسـرح السعودي‪.‬‬ ‫في الوقت الذي يتوارى مسرحنا خلف‬ ‫السحاب ويظهر أحياناً باستحياء‪ ،‬بينما‬ ‫الدكتورة ملحة بنت عبداهلل مزهر تُزهر‬ ‫وتسطع بأعمالها سماء الدول العربية‬ ‫بمسـرحيات متعددة وبعناوين هادفة جميلة‪،‬‬ ‫بل وتنال الجوائز العربية مثل‪ :‬جائزة األزهر‬ ‫بحضور عميد كلية الدراسات اإلسالمية‬ ‫والعربية وآالف من الطلبة والطالبات»‪.‬‬

‫د‪ .‬ملحة العبداهلل‬

‫العربية‪ ،‬وحظيت بالتكريم لكوني سعودية‪ ..‬وإن‬ ‫لهذه الليلة طعماً خاصاً يفوق كل المنطق‪ ،‬أو‬ ‫كل منصة اعتليتها بما فيها دراستي أو نيلي‬ ‫لجائزة‪ ،‬لعاملين أساسيين‪ ،‬العامل األول كوني‬ ‫في وطني الحبيب‪ ،‬وعلى تراب الوطن بعد‬ ‫مرارة الغربة‪ ،‬وأنتم تعلمون الحنين للمغترب‪،‬‬ ‫كما شاركت ضيفتنا الفاضلة في مهرجانات لقد قمت بتأليف ملحمة شعرية من ثماني مائة‬ ‫مصرية وعربية مثل مهرجان ملتقى المسـرح بيت رائية‪ ،‬كلها تصف القرية في أبها والعادات‬ ‫العربي األول بعرض مسرحية المسخ‪،‬‬ ‫والتقاليد في الجنوب‪.»..‬‬ ‫ومهرجان القاهرة الدولي للمسـرح التجريبي‪،‬‬ ‫وقالت ضمن المداخالت والتعليقات في‬ ‫ومهرجان المسـرح العربي التابع للجمعيات‬ ‫المصرية‪ ،‬ونالت شهادة عرض متميزة مع نهاية الحفل‪ ..« :‬هناك رسالة تجريها طالبة‬ ‫شهادة تقدير‪ ،‬ومهرجان الرواد بالقاهرة بعرض اسمها رندا الحربي في جامعة مكة بعنوان‬ ‫مسرحية «سر الطلسم»‪ ،‬وقد فازت المسرحية (مسرح ملحة عبداهلل رواسب واتجاهات)‪.‬‬ ‫بعدة جوائز منها‪ :‬جائزة أحسن عرض متميز‪ ،‬وضمن المداخالت الكثيرة جاءت ابنتها سميرة‬ ‫وجائزة أحسن إخراج‪ ،‬وجائزة أحسن ديكور‪ ،‬الشهراني الباحثة في القسم اإلعالمي بوزارة‬ ‫وجائزة أحسن ممثل وغيرها‪ ،‬كما شاركت في الخارجية قائلة‪« :‬لقد تعلمنا منك الكثير نحن‬ ‫أبناؤك‪ ،‬ونفتخر بك وبمسيرتك‪ ،‬واآلن انتهز‬ ‫مهرجان البتراء للمسرح العربي باألردن‪.»..‬‬ ‫وقالت ملحة‪« :‬إنني كرمت من مشرق الوطن الفرصة ألسألك كوني متلقية ما هو أثر أبنائك‬ ‫العربي إلى مغربه‪ ،‬من الشارقة إلى المغرب الستة على مسيرتك بما لهم من مسؤوليات؟‬

‫إلى تونس إلى مصر إلى الجزائر إلى كل البالد‬

‫فأجابتها والدتها ملحة قائلة‪ ..« :‬أعتبر‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪141‬‬


‫سميرة ثمرة من ثمرات كفاحي‪ ،‬الحمد هلل والجامعية‪ ،‬ثم الدكتوراه في نقد الدراما‪ ،‬وما‬ ‫هي اآلن من أوائل من اعتمدوا في الخارجية تزال تقيم هناك‪.‬‬ ‫السعودية‪ ..‬سميرة سألت عن أوالدي؛ ألنهم‬ ‫وطبعت لها الهيئة العامة المصرية للكتاب‬ ‫كانوا العقبة الكبيرة بالنسبة لتوفيقي ما بين مجموعتين‪ ،‬فيما لم يعرض لها في السعودية‬ ‫تربية األطفال وما بين ملحة المفكرة والكاتبة سوى مسرحية (حكاية الجدة)‪ ،‬ولم تطبع‬ ‫التي لها مكتب خاص تجلس فيه وتبدع فيه لها إال مسرحيتان هما‪( :‬شق المبكي)‬ ‫لوحدها‪ ،‬وعندما أدخل المكتب أكون ال أمتّ و(سر الطلسم) عن نادي أبها األدبي‪ ،‬من‬ ‫لألمومة بصلة‪ ،‬واحدة ثانية في شكلها‪ ،‬أنا ما بين خمسين مسرحية‪ .‬ولهذا فإن وصفها‬ ‫عندي انفصام في الشخصية‪ ،‬لكني أستطيع بالكاتبة العربية أدق من وصفها بالسعودية‪،‬‬ ‫ما يسمى بالفصل في التمثيل‪ ،‬عندنا الممثل وهو ما ترتاح له‪ ،‬كما يظهر من أسلوبها‬ ‫ال بد أن يفصل ما بين شخصيته والممثل األقرب إلى المسرح الذهني‪ ..‬ولكن جمعية‬ ‫الذي يتقمصه‪ ،‬فأنا أمثل شخصية الكاتبة المسرحيين السعوديين اختارتها للتكريم‬ ‫في مكتبي‪ ..‬أقابل ضيوفي‪ ،‬وأكتب وأتصرف‪ ،‬في ملتقى النص األول في الرياض‪ ،‬يوليو‬ ‫وعندما أدخل البيت أخلع عباءة الكاتبة‪2010 ..‬م؛ ألهميتها في توثيق دور المرأة‬ ‫أكون األم التي تحزن وتربي وتكافئ وتعاقب السعودية في الحركة المسرحية‪.‬‬ ‫وتواصل المجتمعات‪ ..‬أنا أم بالفطرة وأربي‬ ‫كذلك ترجم لها في (موسوعة الشخصيات‬ ‫أبنائي كما تعودنا في بالدنا وفي الريف‪ ،‬ولم‬ ‫يكونوا عقبة‪ ،‬كانوا يساعدوني‪ ،‬ولما كبروا السعودية لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشـر)‪..‬‬ ‫ووصلوا لهذا السن‪ ،‬كانوا هم الذين يجهزون وقالت عنها‪ ..« :‬لها مشاركات صحفية متعددة‬ ‫بجريدة الرياض‪ ،‬وكتبت عشـرات المقاالت‬ ‫لي الجو ألتفرغ لعملي فشكراً لهم‪.»..‬‬ ‫النقدية عن المسرح والسينما نشرتها مجلة‬ ‫وقد ترجم لها (موسوعة األدب العربي اليمامة على مدى أربع سنوات‪ ،‬وكان لها باب‬ ‫السعودي الحديث‪ ..‬نصوص مختارة ثابت بعنوان‪( :‬شاشة سلوت) في مجلة اقرأ‪،‬‬ ‫ودراسات) في المجلد التاسع‪ ،‬واختار لها تعمل مديرة لمكتب مجلة السراج العمانية‬ ‫الدكتور معجب الزهراني معد المجلد بالقاهرة‪ ..‬كما شاركت في عدة مؤتمرات‬ ‫السابع المخصص لـ(المسرحية) واعتبرها دولية بأوراق عمل مثل‪ :‬اإلعالم وأثره في الرأي‬ ‫من مرحلة التجديد‪ ،‬واختار لها مسرحية العام في األردن‪ ،‬إبداعات الجزر المنعزلة‬ ‫(سر الطلسم)‪.‬‬ ‫(مؤتمر رابطة األديبات العربيات) بمهرجان‬ ‫كما ترجم لها في (قاموس األدب واألدباء المرأة بتونس‪ ،‬مهرجان المسرح التجريبي‪،‬‬ ‫في المملكة العربية السعودية) وقال عنها تولت رئاسة لجنة تحكيم في مهرجان عربي‬ ‫األستاذ محمد بن رشيد السحيمي إنها كاتبة (مهرجان البتراء العربي باألردن)‪ ،‬صدرت‬ ‫مسرحية‪ ،‬وباحثة‪ ،‬اشتهرت بـ (ملحة عبداهلل) أعمالها المسرحية كاملة عن الهيئة المسرحية‬ ‫ولدت في أبها‪ ،‬وانتقلت إلى القاهرة في العامة للكتاب ‪1422‬هـ‪2001/‬م وتضم ‪22‬‬ ‫مرحلة مبكرة‪ ،‬حيث اتمت دراستها الثانوية مسرحية‪.‬‬ ‫* باحث من السعودية‪.‬‬

‫‪142‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬


‫املؤلف ‪ :‬محمد صوانه‬

‫الناشر‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫الكتاب ‪ :‬ه ّيا نل ّون‬

‫مجلة أدوماتو‪ :‬العدد (‪.)٤٠‬‬

‫■ كتب جهاد أبو مهنا‬ ‫ضمن سلسلة اإلصدارات الموجهة لألطفال‪ ،‬صدر‬

‫صدر العدد ‪ 40‬من مجلة أدوماتو المتخصصة‬

‫حديثاً عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي كتاب‬

‫بالدراسات والبحوث اآلثارية في الوطن العربي‪ .‬ضم‬

‫(هيّا نلوّن)‪ ،‬تحرير أ‪ .‬محمد صوّانة‪.‬‬ ‫يتكون الكتاب من ‪ 28‬صفحة بحجم ‪ ،A4‬كل صفحة‬ ‫تحتوي على صورة مصغرة وملونة مع رسمة كبيرة‬ ‫مفرغة لغايات التلوين من قبل الطفل‪.‬‬ ‫يسعى الكتاب إلى تحريك أذهان النشء منذ نعومة‬ ‫أظفارهم للتعامل مع الرسومات التي تنمي خزينة‬

‫العدد ستة أبحاث‪ ،‬هي‪ :‬خزف موقع فيد بمنطقة‬ ‫حائل‪ ،‬ونقوش عربية شمالية (بحثان)‪ ،‬وعقد شراكة‬ ‫بين بني بوس وبني جدن باليمن في ضوء نقش بخط‬ ‫الزبور‪ ،‬ومسكوكات بالس في العصر الطولوني‪،‬‬ ‫وتاريخ مدينة مريمة بوادي حريب باليمن في ضوء‬ ‫نقوش المسند‪.‬‬ ‫تناولت افتتاحية العدد دور فتح باب التأشيرات‬

‫المعرفة لديهم‪ ،‬من خالل الرسم والنصوص الهادفة‬

‫السياحية‬

‫المرافقة لها؛ وذلك لما يحققه من متعة حقيقية‬

‫والتاريخية واألثرية بالمملكة‪ ،‬ومنها المواقع الخمسة‬

‫لدى األطفال‪ ،‬كما هو وسيلة نافعة لشغل أوقاتهم‬ ‫بين الحين واآلخر‪ ،‬بدالً من هدر ساعات طويلة أمام‬ ‫شاشات التلفاز أو غيرها‬ ‫يأتي هذا الكتاب من مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي‪ ،‬إسهاماً منه في كشف مواهب األطفال‪،‬‬ ‫وبخاصة إذا تابع األهل معهم هذا النشاط‪ ،‬بالتشجيع‬

‫في‬

‫التعريف‬

‫بالمناطق‬

‫السياحية‬

‫التي سجلت ضمن الئحة اليونسكو‪ ،‬وهي‪ :‬الدرعية‬ ‫التاريخية‪ ،‬ومدينة جدة التاريخية‪ ،‬ومدائن صالح‪،‬‬ ‫وواحة األحساء‪ ،‬وموقعي جبة والشويمس في حائل‪.‬‬ ‫أشارت االفتتاحية إلى الجائزة السنوية التي أطلقتها‬ ‫المجلة‪ ،‬ألفضل بحث وملصق بحثي طالبي‪ ،‬في‬ ‫ندوة الدراسات العربية‪ ،‬باسم‪ :‬جائزة مجلة أدوماتو‬ ‫ألفضل ثالثة أبحاث وثالثة ملصقات طالبية تقدم‬

‫والتحفيز‪ ،‬ومشاركتهم وإثارة تفكيرهم‪ ،‬وأن يغرس‬

‫في الندوة‪ ،‬بهدف تعزيز حضور المجلة في الفعاليات‬

‫فيهم حب الكتاب‪ ،‬منذ سنوات أعمارهم األولى‪.‬‬

‫البحثية‪ ،‬وتعريف الباحثين الشباب بالمجلة‪.‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫‪143‬‬


‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬

‫القصة القصيرة جدا‬

‫■ صالح القرشي*‬

‫في واحدة من األمسيات القصصية‪ ،‬وبعد قراءة مجموعة من القصص القصيرة جداً‪،‬‬ ‫وأثناء التعليقات على األمسية‪ ..‬سأل أحد الحضور قائال‪ :‬ما هو الداع لكتابة قصة قصيرة‬ ‫جدا؟ هل هو الميل لالختصار فقط؟‬ ‫ومثل هذا السؤال يمنح داللــة على أن القصة‬ ‫القصيرة جدا‪ ،‬ورغم مضي ما يقارب النصف قرن‬ ‫على حضورها الكتابي‪ ،‬تبدو غائبة وملتبسة لدى‬ ‫الكثير من القراء‪.‬‬

‫ضعيفة جدا تستسهل كتابة هذا النوع من السرد‪،‬‬ ‫وتعتقد أنه مجرد خاطرة عابرة‪ ،‬أو لحظة شاعرية‬ ‫خالية مما يميز الفنون السردية جميعا عن غيرها‪..‬‬ ‫وهو عنصر الصراع‪ .‬وربما تواجه القصة القصيرة‬ ‫جــدا هنا ما واجهته قصيدة النثر عندما اعتقد‬ ‫بعض من يكتبونها‪ ،‬أنها مجرد كلمات خالية تماما‬ ‫مما يمكن أن يسمى بروح الشعر‪.‬‬

‫أجبت وقتها بأن المسألة ال عالقة لها بالرغبة‬ ‫في االختزال أو االختصار‪ ،‬وال بد من النظر إلى‬ ‫القصة القصيرة جــدا كفنٍّ مستقل تمامًا‪ ،‬وهذه‬ ‫االستقاللية يجب أن تــكــون واضــحــة لــدى كاتب‬ ‫وبالعودة إلى تجربة شخصية‪ ،‬فإنني أعتقد أن‬ ‫القصة القصيرة جــدا‪ ،‬ولــدى الــقــارئ في الوقت كتابة القصة القصيرة جدا هو أمر صعب جدا‪،‬‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫ألن المسألة أشبه برصاصة‪ ..‬إما أن تنطلق نحو‬ ‫ويبدو لي أنه في هذا األمر تحديدًا‪ ،‬يواجه هذا هدفها‪ ،‬أو تذهب بعيدا عنه‪ ،‬ويرى الناقد الدكتور‬ ‫صعب‬ ‫ٍ‬ ‫(كفن‬ ‫النوع من الكتابة معضلته‪ ..‬سواء من خالل بعض من جابر عصفور القصة القصيرة جدا‪ٍ :‬‬ ‫يمارس كتابته‪ ،‬أو لدى بعض من يطالعه‪ ،‬هنالك من ال يبرع فيه سوى األكفاء من الكتاب القادرين على‬ ‫ينظر للقصة القصيرة جدًا على اعتبار أنها تشويه اقتناص اللحظات العابرة قبل انزالقها على أسطح‬ ‫للقصة القصيرة ال أكثر‪ ،‬أو أنها مجرد استسهال الذاكرة‪ ،‬وتثبيتها للتأمل الذي يكشف عن كثافتها‬ ‫لكتابة شيء يسمى في النهاية قصة قصيرة جدا‪ .‬الشاعرية بقدر ما يكشف عن دالالتها المشعة في‬

‫والحق أن هنالك من يكتب القصة القصيرة جدا أكثر من اتجاه)‪.‬‬ ‫باستسهال كبير‪ ،‬فيمارس بدون قصد تأكيد تلك‬ ‫وهــنــا‪ ،‬ال بــد مــن التذكير بــأن أي حديث عن‬ ‫النظرة‪.‬‬ ‫االهــتــمــام الــنــقــدي‪ ،‬ال ــذي مــن دوره أن يمحص‬ ‫وتــحــلــيــل ه ــذه اإلشــكــالــيــة م ــن وجــهــة نــظــري‬ ‫المتواضعة‪ ..‬هو أنها ناجمة عن ضعف االطالع‬ ‫على التجارب العالمية والعربية‪ ،‬واألمر هنا يتعلق‬ ‫بالكتاب وبالقراء معا‪ ،‬ويبدو لي أن ضعف إطالع‬ ‫الكتاب هو األخطر؛ ألنه يؤسس في النهاية لتجارب‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫العدد ‪ - ٦٦‬شتاء ‪١٤٤١‬هـ (‪202٠‬م)‬

‫التجارب الكتابية‪ ،‬ويسهم في خلق الوعي الفني‬ ‫المرتجى بهذا النوع من الكتابة‪ ،‬هو الكالم المكرر‪..‬‬ ‫ذلك أن القراءات النقدية تكاد تكون غائية تجاه‬ ‫كافة الفنون‪ ،‬وبالتالي فال مناص من أن يبقى الحكم‬ ‫في النهاية للزمن‪.‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثاً‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.