من �إ�صدارات م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية
اجلـوبــة
قراءة في الساحة
التشكيلية مبنطقة اجلوف أهمية التأسيس للمتحق التعليمي بالوطن العربي
الكتابة النسوية تصنيف أدبي أم جندرية؟
كاتب ياسني :املساءلة بني الكتابة والهوية والوطن ثنائية احللم والواقع في
قصصية “رائحة الطفولة”
ملف العدد عن األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري ،مبشاركة:
د .عبدالفتاح أبو مدين ،د .فهد الهوميل ،د .فوزيـة أبو خالد ،أ .عبدالرحمن الدرعـــان د .عبدالرحمن الشبيلي ،د .عبدالواحد احلميد ،د .عبدالعزيز الغزي .د .سعد البازعي
15
اجلـوبــة
مالب�س ن�سائية قدمية مبنطقة اجلوف
مئذنة م�سجد عمر الأثري بدومة اجلندل
الأمري تركي بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع والأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري �أمري اجلوف خالل حفل �إفتتاح مطار اجلوف عام 1975م
اجلوبة -خريف 1427
1
العدد 15 خريف 1427هـ 2006 -م
ملف ثقافي نصف سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
رئيس التحرير إبراهيم الحميد المراسالت توجه باسم رئيس التحرير ّ
هاتف)966+( )4( 6245992 : فاكس)966+( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@yahoo.com ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
قواعد النشر -1أن تكون المادة أصيلة. -2لم يسبق نشرها. -3تراعي الجدية والموضوعية. -4تخضع المواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. -5ترتيب المواد في العدد يخضع العتبارات فنية. -6ترحب الجوبة بإسهامات المبدعين والباحثين والكتّاب ،على أن تكون المادة باللغة العربية.
الناش ـ ـ ـ ــر مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وكذلك أنشأت جامع الرحمانية. 2
اجلوبة -خريف 1427
احملتويــــات
االفتتاحية :هاجس ثقافي مبكر 4..................... قصائد :ملهاة الكـائـن -زيـاد عبدالكريم السالم56.... على مشارف الوجع ..عمار الجنيدي 57...............
سيرة األمير 6.............. ملف العدد: 6 >......................... هل نكتب عنه؟ -د .زياد السديري9...............
ريادة لمؤسس طامح -عبدالفتاح أبو مدين 10..... بعض غرس األمير -أ .د سعد البازعي15........ رحلة حياتية -د .فوزية أبو خالد 17.............. الحياة مرتين -عبدالرحمن الدرعان19........... في رثاء رجل الوفاء -د .أحمد العيسى21........ السديري ومؤسسته -د .حسن الهويمل 22....... وقفة مع سيرة أمير -إبراهيم السطام24......... الشعر والسياسة -د .عبدالرحمن الشبيلي 26...... مسيرة حافلة -د .عبدالواحد الحميد 29......... الفكر الثاقب -سالم بن حمود الظاهر 31........ في وداع والدي -ريم السديري 32................ مواقف إنسانية وعبر -عـلي الراشــد 34.......... أمير الحكمة والعطاء -فارس الروضان 36....... من مواقف األمير -د .عبدالعزيز الغزي38....... جائزة التفوق العلمي -المبتعث بندر الشمري 40.... ليرحمك الله أبا فيصل -ثامر المحيسن 42...... دور رائد في خدمة الثقافة -محمد صوانه 43......
ار ِت ـب ـ ــاكٌ -ســعدي يوس ــف 58......................... قصائد -عبدالرحيم الماسخ 61....................... قصص :الطريق إلى العدم -سعيد أحباط 62........... الرجل الذي ال ينام أبدا -محمد المزديوي 64........ حلوى النعناع -طفول العقبي 66....................... هوس بنكهة القهوة -زياد العطية70................... ُ تور مدين ًة من نور -نادر الغنام 74..................... أمشاط الضوء -نوال الجبر 75....................... شمس غشت -أحمد الفطناسي78.................... نشاطات ثقافية :األسهم ما لها وما عليها 80......... النقد األدبي والنقد الثقافي81......................... نوافذ :مصطلح الكتابة النسوية -د .سناء شعالن 82............ الحلم والواقع (رائحة الطفولة) -نور الدين بازين 85... كاتب ياسين :الكتابة والهوية ..ياسمينة صالح91...... الموت واأللم في خائنة الشبه -عبدالحق ميفراني94... بين علم العقل والعاطفة -نبيل شبكة 98.............. تنمية القراءة لدى األطفال -محمد صوانه 100....... المتحف التعليمي -د .جميل الحميد103..............
> 43...............................
قراءات :رواية :وطن من زجاج -حازم إلياس 106..... فن تشكيلي :الساحة التشكيلية بالجوف -مؤيد منيف112... اجلوبة -خريف 1427
3
هاجس ثقافي مبكر > رئيس التحرير بقدر سعادتنا باستئناف صدور مجلة الجوبة ،ابتداء من عددها الرابع عشر ،بقدر ما أثلجت صدورنا تلك الحفاوة التي قوبل بها هذا الصدور ،من مختلف األوساط الثقافية واإلعالمية محلياً وعربياً .فقد حظيت المجلة بأوسع تغطية لصدورها ،وكان لها شرف أن تحظى باهتمام بعض المبدعين الذين وصلت إليهم ،إضافة إلى عشرات المطبوعات الثقافية والصحفية ومواقع االنترنت األدبية من المحيط إلى الخليج ،ما يضيف إلى مسؤولياتنا مهمة شاقة ،وهي أن نسعى للحفاظ على ثقة محبينا من مبدعين وقراء .لم تكن رعشة ،وال إحساساً مفاجئاً بالدهشة ،فحسب بل معان أخرى تلك التي احتلتني ،وأنا أراقب الرسائل التي بدأت تصل إلى المجلة عقب توزيعها من أطياف مختلفة حلّقت في فضاءات الجوبة. وإذ يتضمن هذا العدد مساحة مناسبة للمواد اإلبداعية :قصة ،وشعراً ،ونثراً ،ونقداً؛ وإذ تتشرف الجوبة أن تقدم لقرائها وجبة متنوعة من الكتابات ،التي تمثل أطيافاً متعددة من كتّاب ومثقفي المملكة والعالم العربي ،تجد الجوبة أنه من الوفاء الحديث عن مؤسسها ،ومؤسس مؤسسة عبدالرحمن بن أحمد السديري الخيرية ،وأمير منطقة الجوف األسبق معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري ،رحمه الله؛ إذ توثّق الجوبة بعضاً من صفحات سيرته ،رحمه الله ،بمناسبة رحيله عن دنيانا الفانية ،بعد حياة حافلة بالعطاء .وإن مجلة الجوبة إذ تخصص هذا الملف للمؤسس الراحل ،فإنها تقوم بهذا العمل إيماناً منها بالدور الوطني الكبير ،الذي أسداه الراحل الكبير لوطنه من خالل وجوده على رأس منطقة من مناطق المملكة العربية السعودية العزيزة ،التي حقق فيها بعضاً من طموحه في سبيل االرتقاء بها وتنميتها.
ا فتتا حيــــة 4
إن سيرة األمير الراحل تستحق أن تدرس ،ألنها تمثل مرحلة زمنية عبّر فيها ،خالل مراحل كثيرة ،عن تقدّمه على عصره بفكره ومشاريعه ،التي تأتي في مقدمتها «مؤسسة عبدالرحمن ال السديري الخيرية» ،وهي على أي حال سيرة رجل ،امتزجت حياته الشخصية امتزاجاً كام ً بالحياة العامة؛ نتيجة ُق ْربِهِ من أهالي المنطقة ،وزيارته لكل بيت فيها. وإذا كان عبدالرحمن السديري قد رحل عنا بحضوره ،فإنه بال شك قد نحت له وشماً في سجل الخالدين ،من خالل مؤسسته الثقافية العمالقة التي يتمنى كثير من أهالي المناطق وجود نظير لها في مناطقهم ،لما تقوم به هذه المؤسسة من جهود ثقافية .وصلت أصداؤها إلى مختلف البلدان.
اجلوبة -خريف 1427
إن مؤسسة عبدالرحمن السديري ليست مجرد كيان خيري ،يتوقف على دور معين تقوم به كثير من المؤسسات األخ��رى ،بل تعدى دوره��ا إلى االعتناء باإلنسان ،واإلسهام في بناء ثقافته من خالل األدوار التي تقوم بها ،ببرامجها الثقافية المميزة ومكتبتها الرائدة؛ لذا فقد أضفت هذه المؤسسة نكهة ثقافية على مدينة تاريخية موغلة في أعماق التاريخ ،وإذا كانت كثير من المشروعات الثقافية التي تقام بالنيات الحسنة ،تتكسر على صخرة التمويل واإلدارة ،على المدى البعيد؛ فإن ثاقب بصيرة األمير عبدالرحمن السديري ،قد بادرت إلى تبني عدد من المشروعات االستثمارية ،التي يعود ريعها على المؤسسة لتمكينها من أداء عملها ،وفقاً لما خطط له مؤسسها دون انتظار لمعونة ،أو مساعدات ،تأتي وقد ال تأتي ،ما مكّن هذه المؤسسة أن تجتاز عقدين من الزمان، بكل تقدم وازده��ار في برامجها الثقافية والعلمية، بحمد الله. ك��م��ا أن خ��ط��ة ال��ن��ش��اط ال��ث��ق��اف��ي ال��ت��ي تبنتها المؤسسة ،بدءاً من سلسلة المحاضرات والندوات التي تقيمها ،وليس انتهاء بالمعارض التشكيلية، والندوات العلمية ،والتظاهرات الثقافية ،لهي أبلغ تأكيد على دور المؤسسة الحضاري الكبير ،الذي أغلق باباً مشرعاً من الفراغ الثقافي ،لم يكن ليغلق لو لم تتوفر ه��ذه المؤسسة الثقافية ال��رائ��دة .كما أن اش���راك نخبة م��ن أب��ن��اء المنطقة ف��ي نشاطات المؤسسة واالستعانة بخبراتهم ،كان له أبلغ األثر في تكوين أجيال من الشباب المنظّ م ،القادر على إدارة مختلف النشاطات الوطنية ،وخير مثال على ذل��ك ما ك��ان يقوم به أسبوع الجوف ،بوصفه أبرز نشاط ثقافي شهدته المنطقة في تاريخها ،من خالل دوره في التعريف بتراث المنطقة وثقافتها ،وبمثقفي المنطقة والمملكة. وال ننسى للمؤسس م��ب��ادرات��ه المبكّرة للتكوين الثقافي وإق��ام��ة المهرجانات ف��ي مرحلة مبكرة، مقارنة بما شهدته بقية مناطق المملكة ،ومنها بناء
المكتبة العامة ،التي كانت نواة لمكتبة دار الجوف للعلوم ،وتنظيم سباقات الهجن السنوية ومعارض المنسوجات ،في ستينيات القرن الفائت ،إضافة إلى برامج تشجيع التفوق العلمي ،من خالل جائزة التفوق العلمي ،التي كان لها األثر األكبر في تشجيع الطالب وتحفيزهم على التفوق ،والتي وصلت اليوم إلى ابتعاث عدد من الطالب المتفوقين إلى الواليات المتحده وغيرها. ل��ق��د ام��ت��زج��ت س��ي��رة ع��ب��دال��رح��م��ن السديري بمسيرة الوطن منذ تأسيسه ،فقد عاصر المراحل الكبرى لتوحيد المملكة وتوطيد أركانها ،وعاصر فترات واجهت الدولة فيها عواصف شتى من حروب إقليمية ،ومحاوالت بعض ال��دول الخارجية التأثير على الداخل بالدعاية ،إضافة إلى تفاعله مع قضايا أمته العربية واإلس�لام��ي��ة ،ويتضح ه��ذا م��ن بعض أشعاره التي تؤكد حسه العروبي اإلسالمي المتفاعل مع محيطه. إن مسيرة األمير عبدالرحمن السديري ،تختصر المسافة التي يمثلها رج��ل آم��ن بالوطن والتنمية؛ فأصبح جزءاً من هذا الوطن ليحكي سيرته لألجيال. وإننا ال يمكننا الحديث عن عبدالرحمن السديري اال كشخصية كان هاجسها الثقافي مبكراً ،وخاصة عندما نتقصى الظرفين الزماني والمكاني؛ ففي حين كانت مشروعات توطين البادية ومحو األمية طابع تلك المرحلة نجد أن معاليه ،رحمه الله ،كان كمن يستدرج المستقبل إلى تخوم الحاضر؛ فنواة هذه المؤسسة كما ال يعرف ذلك إال القليلون ،بدأت في الثمانينيات الهجرية (الستينات الميالدية) ،من خالل مكتبة دار الجوف للعلوم ،التي أصبحت اليوم منارة فكرية كبيرة ،يُشار إليها على مستوى الوطن، تعد الجوبة إحدى ثمراتها ،التي تمتد إلى مختلف النشاطات الفكرية والمنبرية والعلمية والثقافية، إضافة إلى مشروعها الرائد «برنامج النشر ودعم األبحاث». اجلوبة -خريف 1427
5
ملف العدد
صفحــات مـن ســيـرة
األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري
أمير منطقة اجلوف السابق ومؤسس مؤسسة
عبدالرحمن السديري اخليرية
س���ي���رة األم���ي���ر 6
عبد الرحمن ب��ن أحمد ال��س��دي��ري ..ول��د ف��ي ال��غ��اط سنة 1338ه����ـ ،وتلقى تعليمه على ي��د الشيخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز بن منيع ،ومن بعده الشيخ سلمان بن عبدالله بن إسماعيل ،ونشأ في غمرة أحداث بناء الدولة السعودية على يد موحدها الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله .تولى إمارة منطقة الجوف في الخامس من رمضان لعام 1362هـ، وهو في الرابعة والعشرين من عمره ،واستمر في هذا المنصب إلى أن تقاعد في 1410/07/01ه��ـ .وفي أثناء فترة إمارته في الجوف ،قام بتمثيل حكومة المملكة العربية السعودية في اللجان التي شكّ لت لمعالجة مسائل الحدود ،ومشاكل القبائل السعودية والعراقية ،وذلك فيما بين 11368/07/05ه��ـ و /12 1375/11ه��ـ .كما تولى إدارة مفتشية الحدود الغربية ،وإمارة القريات بالوكالة. اجلوبة -خريف 1427
ي��ت��ح��دث ال���ذي���ن ع���رف���وا األم���ي���ر عبدالرحمن السديري وعملوا معه عن حنكته وتواضعه وحلمه، وع��ن فعالية أسلوبه ف��ي معالجته ل�لأم��ور العامة، وتفانيه في سبيلها ،وعن نذره كل وقته للعمل ،وفتحه أبواب مكتبه ومجلسه للمواطن والمقيم ،دائماً دون ق��ي��ود؛ كما يتحدثون ع��ن نهجه ف��ي كسب القلوب والعقول ،بالحكمة واح��ت��رام اإلن��س��ان ،والمحافظة على حقوقه أي��اً ك��ان .ويصف ه��ذا الحال؛ الدكتور أحمد اللهيب خالل تعليق له على ديوان «القصائد»، الذي ضم بعض أشعار األمير فقال« :المهم الذي لم
ملف العدد إدارة وتمويل مكتبة «دار الجوف للعلوم» ،التي كان
األمير المؤسس قد وضع لبناتها األولى سنة 1383هـ،
وسعى ألن تكون بمجموعتيها العامة والخاصة مركزاً
ل��ل��دراس��ة والبحث وال��ن��ش��ر ،تسهم ف��ي ب��ث الثقافة في منطقة الجوف ،ونشر الدراسات المتعلقة بها،
وحفظ تراثها األدب��ي واألث��ري .وقد حرص األمير،
على أن تكون ال��دار مكونة من مكتبتين متماثلتين، مكتبة عامة للرجال ،وأخرى عامة للنساء ،هي أول مكتبة نسائية عامة في المملكة العربية السعودية.
وفي مجال التعليم ،عُني األمير بمتابعته افتتاح
أقرأه حسب إطالعي المحدود في الشعر الشعبي،
المدارس في منطقة الجوف ،وحث المواطنين ،سواء
واالجتماعية ،بين األمير ورعيته ،فهو يشكو ألم فراق
إلحاق أبنائهم وبناتهم في هذه المدارس ،ومتابعة
العاطفية ،كأنه يرسلها ألبنائه ،وال يخص أحداً دون
األم���ور على تقّبل تعليم البنات وتفهّمهم ل��ه ،حث
إال لهذا األمير ،هو ما يتعلق بالناحيتين السياسية
كانوا من أهل الحاضرة ،أو من أهل البادية ،على
الجوف وأهله ،إذا سافر عنهم ،ويرسل لهم القصائد
تحصيلهم العلمي فيها .وفي سبيل مساعدة أولياء
أحد ،ويجيبونه بالمثل؛ فأهل الجوف في مساجالت شعرية ودية مع أميرهم ،في حين أن كثيراً غيرهم مشغولون بالمساجالت الخالفية .والحق يقال ،أن هذه الناحية السياسية الهامة فريدة جداً ،وهي صفة فعّالة وناجحة ،استطاع األمير من خاللها أن ينتقل
معاليه كريماته على العمل في أول مدرسة للبنات،
افتتحت في الجوف ،وبادر في لقاءاته مع المواطنين بالحديث ع��ن ف��ائ��دة تعليم ال��ب��ن��ات ،والتأكيد على
أهميته ،ما كان له أثره في تلك المرحلة المبكرة من
مسيرة التعليم في المنطقة.
من قصر اإلمارة ولغتها إلى عطف األبوة وشفقتها،
كما حرص األمير على تشجيع أهل البادية على
عُرف األمير عبدالرحمن السديري بحبه للعلم،
في تحقيق هذا الهدف ،ومن ذلك على سبيل المثال:
والمجتمعات في أزمة من هذا النوع». والزراعة ،والرياضة ،واهتمامه بتراث المنطقة ،إلى جانب اهتمامه بنهضتها ورقيها .وتعكس مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،التي صدر بها األمر الملكي الكريم رقم أ 442/وتاريخ 1403/09/09هـ
االستيطان ،وشارك في اقتراح المشاريع التي تسهم مشروع توطين البادية في وادي السرحان ،إدراكاً تحضر أهل البادية ،وتمكّينهم من تعليم ّ منه ألهمية
أبنائهم وبناتهم ،وتحّ ولهم إلى مصالح وأعمال توفر قدراً أكبر من استقرار الحال ورغد العيش.
األهمية التي يوليها األمير لنشر الثقافة والعلم في
وي��ع��ك��س وع���ي األم��ي��ر ب��ه��ذا ال��ج��ان��ب واهتمامه
مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،هو تولي
وتخصيصها في باديء األمر لحديثي االستيطان من
منطقة الجوف .فقد كان الغرض األساسي من تكوين
ب��ه مسابقة المزارعين التي ب��دأه��ا ع��ام 1385هـ، اجلوبة -خريف 1427
7
ملف العدد أهل البادية ،ثم عممها لتشمل كل مزارعي المنطقة،
تنفذه المؤسسة من أعمال خيرية بالمنطقة.
وأرادها أن تكون من خالل الجوائز والمعلومات التي
وقد نعى الديوان الملكي معالي األمير عبدالرحمن
ودع��م المهمتين بصناعتها من خالل الجوائز التي
الصفحات اآلتية ملفاً يتضمن ش��ه��ادات لعدد من
تقدم فيها ،وسيلة لتعريف المستفيدين من المسابقة السديري رحمه الله بالبيان التالي: بوسائل الزراعة الحديثة وتقنياتها المتجددة ،وتعد بيان من الديوان الملكى /انتقل إلى رحمة الله تعالى مسابقة ال��م��زارع��ي��ن ب��ال��ج��وف ،أول برنامج منظم فجر هذا اليوم األحد 26صفر 1427هـ (الموافق 26 للمسابقات الزراعية بالمملكة. مارس 2006م) معالي االمير عبدالرحمن بن أحمد كما بدأ األمير منذ 1385هـ بتنظيم سباق الهجن بن محمد السديرى ،خال خادم الحرمين الشريفين بالمنطقة ،كان هدفه األول منه جمع أهل المنطقة الملك فهد بن عبدالعزيز ،رحمه الله ،وأمير منطقة في هذه المناسبة للجلوس معهم ،واالستماع إليهم، الجوف سابقاً ،بعد مرض عضال .وسوف يصلى على ومعالجة بعض الظواهر التي تؤثر فيهم ،والمسائل جثمان معاليه عصر هذا اليوم فى جامع اإلمام تركى التي تهمهم ،وخلق جواً من التآلف والتعارف يسمح في الرياض ثم يدفن في الغاط .والفقيد ،رحمه الله، بتنامي العالقات االجتماعية واالقتصادية بينهم، عمل مدة طويلة فى خدمة دينه وبالده ومليكه ،حيث إضافة إل��ى تشجيع أبناء المنطقة على االحتفاظ عين أميراً للجوف عام 1362ه��ـ ،حتى تقاعد بناء بسالالت الهجن األصيلة ،التي يملكونها ،والمحافظة على طلبه عام 1409هـ ،كما أسهم ،رحمه الله ،فى على هذه الرياضة العربية القديمة ،التي يحبونها. العديد من األعمال الخيرية واالجتماعية .تغمده الله ويعد سباق الهجن ،أول سباق منظم للهجن يقام في بواسع رحمته ومغفرته وأسكنه فسيح جنته.إنا لله المملكة .ويرافق هذا السباق إقامة معرض للسجاد وإنا اليه راجعون. والمنسوجات ،التي تصنعها أيدي نساء بادية المنطقة، ووف���اء لمعاليه ،رح��م��ه ال��ل��ه ،تُ��ق��دِّم ال��ج��وب��ة في استهدف منه األمير التعريف بهذه الصناعة المحلية، توزع فيها ،وسوق البيع المصاحب لها .وقد أسهمت
المعارض العديدة ،التي أقيمت لهذا الغرض ،في استمرارية هذه الصناعة التراثية المميزة وتطورها.
واألمير عبدالرحمن السديري ،شاعر مرهف،
يحب األدب والتاريخ والتراث ،ويعشق الفروسية بكل معانيها .صدر له «ديوان القصائد» مطبوعاً ومسجالً.
كما ص��در له كتاب عن تاريخ منطقة ال��ج��وف ،هو كتاب «ال��ج��وف وادي النفاخ» ،وج��رت ترجمته إلى
اللغة اإلنجليزية .وقد خصص األمير ريع هذه الكتب
لصالح مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،فيما
8
اجلوبة -خريف 1427
المهتمين ،ممن ك��ان��وا على صلة ومعرفة باألمير الراحل ومؤسسته الكبيرة ،ومادة عن المؤسسة التي أسسها .مؤكدين أننا لن نستطيع أن نوفي األمير الراحل ولو جزءاً يسيراً مما قدّ مه للثقافة والعلم في وطنه؛ فما الجوبة ,ومكتبة دار الجوف للعلوم ,ومركز الرحمانية الثقافي في الغاط ,وغيرها كثير من فروع المؤسسة إال غ��راس يديه ،وم��ا هي إال ثمرات ما بناه األمير عبدالرحمن السديري ،رحمه الله رحمة واسعة.
أسرة التحرير
ملف العدد
هل نكتب عنه؟
()1
> د .زياد بن عبدالرحمن السديري
«عندما يكتفي أه��ل ال��ج��وف م��ن ال��م��اء ،عندها وشعوره نحوهم. أكتفي منه». وبعد؛ فأنا لست خي َر َم ْن يكتب عن أبي فيصل أو
هذا ما أجابني به أبو فيصل رحمه الله ،باسماً ومداعباً ،عندما سألته -بعد أن أفاق من الغيبوبة التي ألمت به على أثر مرضه العضال سنة 1411هـ (1991م) ،وك��ان ال يقدر على شرب الماء ،فأقدمه ل��ه بملعقة صغيرة ،وي��ح��ذرن��ي األط��ب��اء م��ن خطورة اإلف����راط ف��ي ذل���ك ،ف��أك��ون بين خشية ال��وق��وع في المحظور والشفقة عليه .وقد أمضى عدة أشهر ال يعرف الشرب إال بوسيلة األنابيب -إن كان قد اكتفى من الماء فأمنعه عنه. وقبل ذل��ك بنحو عقدين من ال��زم��ان ،أوص��ى أبو فيصل أبناءَه ،عشية عملية القلب التي أجراها في شتاء سنة 1394ه���ـ (1974م) ،فكتب لهم« :رغبتي أن تهتموا ببناء المكتبة العامة بالجوف ،وتنفذوها بموجب مخططاتها الموجودة ضمن المكتبة ،وهذا كل ما أطلبه منكم ...كما أرغب أن تصدروا الكتاب ()2 الذي نحن بصدد إخراجه عن منطقة الجوف» .
يُق ّو َم عمله ،ولكني أرى أن طرق هذا السبيل جدير باهتمام القادرين عليه ،ليس من باب الحرص على تبجيل الشخص تعظيماً لذاته ،وإنما من باب الرغبة باستنباط القيم التي تصلح ألن تكون نبراساً لنا. ال من فقد أمضى أبو فيصل في الجوف ردحاً طوي ً الزمن أميراً لها ،وكانت له سيرته التي عرفها كثيرنا، وأعماله التي ما زالت تمثُل أمامنا ،فما هو رأينا في ذلك كله؟ وما هي العبر التي نستوحيها؟ .هل مكتبه الذي كان مفتوحاً في كل وقت ،ومجلسة الذي اختاره أن يكون غير ذي باب أو ح��ارس ،ومائدته التي كان يشترك فيها مع كل زائر وضيف في كل وجبة غداء داع ،صغر منزله أم كبُر ،نأت أو عشاء؛ وإجابته لكل ٍ خيمته أم دنت؛ وموقفه من المواطن ،أياً كان موقف المواطن منه أو تاريخه معه ،ودوره ف��ي المنطقة وأسلوبه في التعامل مع قضاياها ،ومنهجه في متابعة متطلباتها ،واستقباله لصغار ضيوفها وكبارهم، وم��ب��ادرات��ه التي ق��اده��ا ،وج��وائ��زه التي وضعها ،هل في هذه وغيرها فوائد نستقيها ،فنذكرها وننادي باإلقتداء بها ،أم هي مما هو غير ذلك؟
وهكذا ،كانت الجوف وأهلها هاجس أبي فيصل الدائم .ربطته بهما عالقة تجاوزت ح��دود واجبات العمل ،فصارا دون سواهما – حتى مسقط رأسه األمر لنا ،والبحث في حقيقته ليس له أو عنه .فهو المحبب له – مضرب مثله في كل وق��ت ،وموضوع شعره عند االغتراب ،ومقر مؤسسته الخيرية التي رحمه الله ،لم يرهن عمله بالشكر أو عطاءَه بالتقدير. ط��ال��م��ا ع��م��ل ع��ل��ى إن��ش��ائ��ه��ا .أق���ول ه���ذا م��ن جانب عمل ألنه أحب عمله وبذل ألنه جبل على ذلك. الشهادة بما أعرفه عن عالقة هذا الرجل – الذي رحمك الله يا أبا فيصل وأجزل لك الثواب وأسكنك أمضى نحو نصف قرن في الجوف – بأهل الجوف فسيح جناته بإذنه ،إنه سميع مجيب. 1كتبت هذا النص استجابة لطلب رئيس تحرير الجوبة الزميل إبراهيم الحميد الذي أشعرني أن الملف الرئيس في هذا العددمن المجلة سيكون عن معالي األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري يرحمه الله .فشكراً للزميل على هذه المبادرة وعلى إتاحة الفرصة لي للمشاركة فيها. 2-وصية مكتوبة بخط أبي فيصل ،وجدتها بين أوراقه ،كتبها ليلة خضوعه لعملية القلب.
اجلوبة -خريف 1427
9
ملف العدد
ريادة معرفية ملؤسس طامح
> عبد الفتاح أبو مدين
تدفقت إلىّ المعاني حين حاولت أن أتحدث عن األمير عبدالرحمن السديري -أمير منطقة الجوف األسبق -رحمه الله ،وبدءاً لهذه الكلمة التي أكتبها اليوم مشاركة في الملف ال��ذي سيصدر في مجلة الجوبة الثقافية ،اخترت« :رؤية ريادية ثقافية لمؤسس استقرأ آف���اق المستقبل» ،لكني رأي���ت أن��ه عنوان طويل ،على الرغم من أنه شامل وخليق بأن يكون، لكني آثرت اإليجاز ،فاخترت ما رأيت ،ولعل الحديث يتعرض لجوانب شتى من جهود رجل طموح في وقت مبكر ،وفي منطقة نائية ،إال أن العاملين الجادين ،ال يفت في سواعدهم المكان ،سواء نأى أو قرب ،وال الموقع مهما تواضع ،ألن األعمال الطموحة تكبر بهِّم أصحابها وتوجهاتهم؛ ألن نفوسهم كبار ،وقد وصفها المتنبي بأنها« :تتعب في مرادها األجسام».
الحسن للناس .وكان األمير عبدالرحمن السديري، فيه تلك السمات والسجايا الحميدة .وق��د تحدث عنه الدكتور أحمد اللهيب ،فيما يخص الجوانب السياسية واالج��ت��م��اع��ي��ة ،بينه وب��ي��ن مواطنيه في الجوف ،إلى الحد الذي يحس بأنه إذا سافر ،أدركه ألم البُعد؛ ولذلك ،فهو يعالج حال الفراق بقصائد من الشعر الشعبي ،ويتحدث عنهم وإليهم ،وكأنهم أبناؤه وخاصته ،وهذا اإلحساس المتدفق على لُحمة الترابط القوية ،بين الحاكم واألمة التي وليّ عليها، وهذه خصائص قد تكون نادرة عبر التاريخ .والحب واإلي��ث��ار مالمح وف��اء ،وخصال كريمة ،وه��ي مروءة وتالحهم غال وطيد .والوفاء يثمر وفاءً؛ فالمواطنون ال��ذي��ن ربطتهم عالئق بأميرهم ،يدخلون معه في مساجالت شعرية ،شيمتها ال���وداد ،م��ن خ�لال بث العواطف الصادقة .وه��ذه ال���روح ،حين تنداح في أمة ،تخلق مناخاً غالياً من المودة وااللتحام ،والوفاء ال��داف��ق ،وح��ي��ن يشيع ه��ذا الخلق ف��ي أم���ة ،يسعد الراعي والراعية ،وتصبح للحياة قيمة ومعنى ومغنى. واألم��ة اإلسالمية عنوانها ه��ذا الترابط منذ فجر حياتها ،وقد صوّر الكتاب العزيز ذلك أجمل تصوير، حين آخى رسول الله [ بين المهاجرين واألنصار، فأعطى األنصا ُر إلخوانهم أع َز ما عندهم وأع ّز ما يملكون ،فقال عنهم الكتاب العزيز« :والذين تبوأوا الدار واإليمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم وال يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».
ق����رأت ل��م��ح��ة ع��ن م��ع��ال��ي األم��ي��ر عبدالرحمن بن أحمد السديري ،أمير منطقة الجوف السابق، ومؤسس ورئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،الذي ولد في الغاط سنة 1338هـ، وتلقى تعليمه ،ثم نشأ في غمرة أحداث بناء الدولة السعودية على يد موحدها ،الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله -وتولى إم��ارة منطقة الجوف، في مطلع شهر رمضان من عام 1362هـ ،وظل فيها ثمانية وأربعين ع��ام��اً ،ث��م تقاعد .وك��ان ال��رج��ل ذا خصال حميدة وكريمة ،تواضعاً وحلماً ،وقد عرك الدهر وعركه؛ فنال خبرة واسعة في مدرسة الحياة. والذين يتولون المناصب ويفرغون للبناء واإلصالح، وتفان ،يتحقق على أيديهم بتوفيق الله ٍ بهمة وعزيمة ون��ج��د ع��ن��د األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ال��س��دي��ري - نجاح ما يمارسون ،السيما حين يتحلون بخصائص رطب الله ثراه – مطامح أوحاها عقله ،ونمت فيه جميلة ،تعينهم على أداء أعمال تشبه المستحيل ،ومعه ،وه��ي خصائص يهبها الخالق لمن يشاء من وفي مقدمة ذلك الخلق الحسن ،ثم الدراية ،والقول عباده البناة ،وال تختص بالذين يعيشون في المدن
10
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد للعلوم» ،وك��ان��ت ف��ي ب��داي��ة التأسيس ،لكني رأيتها في عام 1426ه��ـ ،وقد أصبحت مرجعية للباحثين والدارسين ،وعشاق الكتاب ،ألنه خير جليس .ولن أبالغ إذا قلت إن أثرياءنا في مدننا الكبرى ،لم يُنشئوا مثل مكتبة مؤسسة السديري الخيرية .فأين الذين يعملون للوطن من األغنياء واألثرياء؟ أين هم؟
وال��ع��واص��م ،وإن��م��ا ف��ي ن��م��اذج م��ن خلق ال��ل��ه ،فتبدو مشروعاتهم اإلنمائية حتى مع القل وضيق الجدوى والعوز ،ذلك أن النفوس الكبار تتعب في طموحاته، وفعالياتها ليس لها ح���دود ،وال��ب��ن��اء طموح نفوس خلقت لتكون ك��ذل��ك ف��ي ك��ل زم���ان وم��ك��ان .وبذلك يعمر الكون ،وتنمو الحياة وتزيّن وترقى .فاألمير عبدالرحمن السديري ،كما قرأت عن بعض سيرته، األم��ي��ر عبدالرحمن ال��س��دي��ري وأب���ن���اؤه ،موّلوا أنه محبٌ للعلم والزراعة والرياضة ،كما أنه كان له المكتبة ومشروعات المؤسسة ،التي تتوسع مشروعاته اهتمام بتراث منطقة الجوف ،التي حل فيها في وقت ك��ل ع��ام م��ن عطاء صاحبها وح���ده ،وال��ذي��ن حملوا مبكر قبل نهضة الوطن. األمانة جديرين ،وإنه لوفاء بنوة ألوبة خلفت ،بفضل وال��رج��ل ال��م��ت��دف��ق ح��ي��وي��ة للعمل وال��ب��ن��اء ،أخذ الله ،من يرعى وينمّي مشروعاً ليس ريعه المعنوي ع��ل��ى نفسه أن ينهض بالمنطقة ال��ت��ي اخ��ت��ي��ر أن المعرفي ألصحابه ،وإنما هو لمواطنين ،بينهم وبين يكون أميرها .وكانت لبنة من لبناته هناك ،تأسيس أميرهم وخلفه ود وإيثار ووف��اء .عالقة خليقة بأن «مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية» ،لنشر تثمر وتؤتي خيرها كل حين بإذن ربها ،ألنها أ ُنشئت الثقافة ،والعلم في الجوف .ولم يتوجه إلى تشييد ال ليقال إن فالناً عمل وقدّم ،وإنما لنفع الناس ،وهو العقارات أو االتجار بالمال ،ليدر ماالً ،لكن الرجل ما يمكث في األرض ،كما جاء في الكتاب العزيز، رأى ب��ث��اق��ب ف��ك��رة أن رق����يّ ال��ح��ي��اة ل���ن ي��ك��ون إال «أما الزبد فيذهب جفا ًء وأما ما ينفع الناس فيمكث بالمعرفة .وال��ذي يقرأ هذا التوجّ ه ،الذي بدأ منذ في األرض» .ولبنات هذه المكتبة الرائدة ،بدأت في رب��ع ق��رن في قرية أو مدينة متواضعة شبه نائية ،عام 1383هـ؛ فهي مركز للدراسة ،والبحث والنشر، يتمنى أن يرى القادرين في وطنه ،وهم كثر ،فيكون «لإلسهام في بث الثقافة في منطقة الجوف» ،وكذلك عندهم هذا التوجه والحماسة واإلنفاق ،لرقي الحياة نشر الدراسات المتعلقة بها ،وحفظ تراثها األدبي َ واألمة ،وع ّد المتنبي أن نقص القادرين على التمامِ واألث��ري .وهذه المكتبة من خالل حرص صاحبها، عيبٌ ...فأي َن أثرياؤها وأغنياؤها في األمس واليوم ،ه��ي مكتبتان :إحداهما للرجال ،والثانية للنساء. وحتى الغد ،ليعمل كل منهم عمل األمير عبدالرحمن والذي يُفرح بحق ،أن المكتبة النسائية العامة هناك، السديري في الجوف ،وقد أثمر العمل ،ألنه أريد به هي أول مكتبة نسائية في المملكة العربية السعودية. وأنا حين أزور بعض مكتبات جامعاتنا التي أنشئت إفادة المواطن ،ورقيّه في حياته كلها! زرت م���ع ب��ع��ض األص����دق����اء ق��ب��ل ع��ق��دي��ن هذه منذ عقود ،أجدها حفيلة باإلهمال ،لذلك ال أرى المؤسسة الخيرية ،فرأينا طموحاً يريد أن يحقق لها رواداً من الجنسين ،وبعض هذه الجامعات ،فيها طالب وطالبة ،ولعل خواءها، ٍ أشيا ًء ذات قيمة لشرائح كثيرة من المواطنين ،ومع أكثر من أربعين ألف الجد الذي غرسه األمير ،وتولى أبناؤه الحرص على أن الطلبة من الجنسين ،ال يكلفون بشيء من أمور تحقيق آمال الوالد الباني البار ومطامحه ،الذي لم البحث ،حتى يتوجهوا إلى المكتبة لالستفادة منها! ومن جوانب التعليم ،رأينا أن األمير عبدالرحمن تشغله نفسه وبنوه ،قبل أن ينشىء في البلد الذي أحب أهله وأحبوه ،ما ينهض بحياتهم ،مشاركة منه السديري ،عُني بافتتاح المدارس في منطقة الجوف، خاصة .رأينا يومئذ هناك المكتبة« ،مكتبة دار الجوف وح��ثَّ المواطنين من أهل الحاضرة والبادية ،على
اجلوبة -خريف 11 1427
ملف العدد إل��ح��اق أبنائهم م��ن الجنسين إل��ى ه��ذه المدارس. وليس ه��ذا فقط ،إنما أمتد اهتمام الرجل الباني الجاد الحريص على اإلف��ادة والنتائج المثمرة ،إلى متابعة تحصيلهم العلمي في هذه المدارس .ونرى من خالل نباهة األمير عبدالرحمن السديري ،وبُعد نظره ،لكي يقتدي به أولياء أمور البنات في تعليمهن، اختار كريماته للعمل في أول مدرسة للبنات ،افتتحت في الجوف .ولم يتوقف عند هذا الحد ،بل إنه سعى إلى لقاء المواطنين ،ليعلمهم بجدوى تعليم البنات، والحث على االقتناع بذلك ،ألن تعليم المرأة قيمة، وأن طالب العلم كما قال َم ْن ال ينطق عن الهوى :العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ،وأن النساء شقائق الرجال .وربما قال أحدنا :عجيب توجه األمير الباني واهتمامه بنمو قطاع من أمة في كل مرافق الحياة، الجادة المتطورة .لقد أدرك األمير بثقافته ووعيه «أن األم مدرسة إذا أعددتها ،أع��ددت شعباً طيب األعراق» ،كما قيل .ما أحوجنا إلى نماذج مثل األمير عبدالرحمن ال��س��دي��ري ،ليكونوا رواف���د للمجتمع ليرقوا به وينموه ويصلحوه ،ليحقق طموحات ولي األمر حفظه الله ،واألمة بعامة؛ ألن التعليم في حاليه رق ّياً أو هبوطاً ،عنوان األمة ،أي أمة.
والحياة الكريمة؛ فالحياة عمل جاد ،وسعي ،ورقي، وتقدم ،وطموح ،وتحقيق أه��داف ،وكما قيل :اعمل لدنياك كأنك تعيش أب���داً ,واع��م��ل ألخ��رت��ك كأنك تموت غداً.
كما عمل األمير الطموح ,مسابقة للمزارعين في عام 1385ه��ـ ,كانت من نصيب حديثي االستيطان، ثم عممت لتشمل كل مزارعي المنطقة .ويعد هذا البرنامج األول في الجوف قبل أربعين سنة ونيف. وط��ف��ق ال���رج���ل ال��ط��م��وح م���ن خ�ل�ال س��ب��اق الهجن بالمنطقة ,يسعى إل���ى ج��م��ع أه��ل��ه��ا ل�لال��ت��ق��اء بهم واالستماع إليهم ,ومعالجة القضايا التي تعترض سبلهم وما يهمهم في شؤون حياتهم وشجونها بعامة , إلى جانب إتاحة فرص التآلف والتعارف ,يرمي إلى تنامي العالقات االجتماعية واالقتصادية بينهم. إضافة إل��ى أن سباق الهجن ال��ذي اهتم به األمير السديري وأقيم في الجوف ،كان أول سباق منظم للهجن في المملكة ،ويصاحب ه��ذا السباق إقامة معرض للسجاد والمنسوجات التي تنتجها النسوة في بادية المنطقة ,أراد األمير بذلك إيجاد إنتاج في منطقته لصناعة السجاد المحلي ،دعماً للمهتمين بجوائز ينالها وسوقاً للبيع ,ونجحت التجربة وساعدت وهذا الرجل الطموح ،أحسن الله جزاءه على ما عمل في استمرار هذه الصناعة التراثية وتطورها. ال في وأسّ س وأنجز وسعى ،ما استطاع إلى ذلك سبي ً إن ال�����ذي ي��ت��اب��ع ط���م���وح���ات م��ؤس��س��ة األمير مسيرة البناء المتقن الجاد ،ألنه مدرك لرقي الحياة عبدالرحمن السديري ,يكبر ذل��ك وي��ق��دره ،ويشيد وأدواتها ،وحوافزها ،وكيف تكون .هذه األلمعية قليلة بهذه ال��روح ،وبالفكر الباني العامل القوي اإلرادة , في حياتنا ،وهو توفيق الله عز وجل؛ لذلك نرى هذا وال��ب��دء ك��ان مفتاح نهضة ه��ادف��ة رائ����دة ,ه��و نشر األمير الدؤوب ،يسعى إلى إقناع البادية في منطقته الوعي والمعرفة من خالل ركائز العلم والثقافة في إلى االستيطان ،وذلك بإسهامه في مشروعات تحقق مختلف توجهاتها .والذي يقرأ نص النظام األساسي هذا التوجّ ه .وهذه الرؤية الحضارية ،تجعل من أميّة لهذه المؤسسة ,يقف ويرى أهدافاً عالية رائدة ,ربما البادية المعزولة عن الحياة ،والقانعة بما تنال في ال ينهض بها ف��رد ,وإنما مجموعة من أه��ل الرأي حياتها بسبلها المحدودة الضيقة ،تتجه إلى االرتقاء ،والعزيمة والثراء ..أقرأوا معي بعض تلك المالمح: حين يتعلم أبناؤها ،ويمارس شطر من األسرة أنماطاً «إدارة وتمويل مكتبة دار الجوف للعلوم ,والعمل على من األعمال في المدينة التي في منطقتهم ،ليخدموا تطويرها لتكون م��رك��زاً علمياً وثقافياً متميزاً في أنفسهم ووطنهم ،حين يدركون وتهيأ لهم سُ بل النمو المنطقة ,واإلسهام في حفظ التراث األدبي واألثري
12
اجلوبة -خريف 1427
في منطقة الجوف ,والتعريف بهما ,ودعم النهضة العلمية في منطقة الجوف ,وإص��دار مجلة شهرية في المنطقة وإنشاء دار للحضانة ,وروضة لألطفال , ومسجد ج��ام��ع» .ه��ذه ال��م��ش��روع��ات ليس بالسهل إقامتها ورعايتها والحفاظ على رقيها ونجاحها ,غير أن العزيمة تصنع المستحيل .وأقول بال مبالغة ,لو كان في كل مدينة ومحافظة من هذا الوطن العزيز الكريم مثل األمير عبدالرحمن السديري ,لكان عندنا خي ٌر وفير يُضرب به المثل ,وصدق المتنبي القائل: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم». إن السطور والكلمات التي وقفت عليها ,أراه توثبًا , بدأه المؤسس الكريم ,ثم دعمه ورعاه أبناؤه الذين ورثوا هذا الطموح المتميز ،الذي ينفع اللّه به شرائح من المواطنين ,ويدفعهم إلى التزود من المعارف , وقد هيئت لهم بين ديارهم ,وما عليهم إال أن يقبلوا عليها مسرعين ,لينالوا حظهم منها ,بقدر طموحاتهم وتوجههم ,وقد دعمت حكومة خادم الحرمين لبنات التأسيس نحو النور بإنشاء جامعة في الجوف ,أرجو أن تكون في مستوى أمير الجوف الراحل ,وأميرها الحالي ,وال تكون نمطية ال تضيف جديداً ومفيداًً، ألمة فتحت عيونها منذ عقود بلغت الخمسة على نور المعرفة في منطقة نائية شبه معزولة ,فأصبحت م��وئ��ل أص��ح��اب ال��م��ش��روع��ات ال��زراع��ي��ة ,يقصدها المستثمرون ,إذ توفرت فيها لبنات التفتح البصري والذهني على يد رج��ل وع��ى قيمة المعرفة ,وإنها السبيل لحياة أرق��ى وأفضل ألي أمة تنشد الحياة الحقة الطامحة ,التي ترى الغد ,ال بعين األمس الذي مضى وانقضى ,وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء ,واللّه ذو الفضل العظيم. وق����د زرت ك��م��ا أش����رت آن���ف���اً م��ؤس��س��ة األمير عبدالرحمن ال��س��دي��ري ف��ي وق��ت مبكر ,م��ع بعض الرفاق في النادي األدبي الثقافي بجدة :د .عبداللّه الغذامى ,ود .سعيد السريحي وآخرون ,فقّدرنا ذلك التوثب لبث المعرفة في تلك المنطقة شبه النائية ,
ملف العدد وه��ذا دليل على أن المعرفة ليست محصورة في المدن المزدحمة بسكانها وتجارها وأموالها ,وفي أكثر األحيان ال نجد في هذه المدن الغاصة بسكانها وثرواتها توجهات إلى دعم المعرفة وسبلها ,من إنشاء مكتبات ودعمها بما يُرى أننا نسير في نهضة ،يسهم فيه األثرياء من كل نمط ،بجانب الدولة التي لم تجنح إلى فرض ضرائب متصاعدة ،لتعينها على االرتقاء بالوطن وطموحات أهله ،وأثرياؤنا ليس كأمثالهم من رج��ال الغرب ،يسعون إلى إنشاء المنشآت العلمية والصحية وأمثالها؛ أثرياؤنا لم يتعودوا العطاء ،وإنما تعودوا األخذ وحـده ،وهذه سبيل أمة أنانية خاملة. إن ه��ذا ال��ص��رح المعرفي المتجدد والمتطور، يدل على أن صاحبه استقرأ آف��اق المستقبل ،ألنه لم يتوقف عند حـد ،ولكنه يتجدد مع الزمن والحياة، وفق دأب األيام وتجددها ،مركز إذا قلت إنه متكامل وقليل نظرائه في بالدنا ،فإني ال أعدوا والواقع ،ولو مد الله في حياة ،صاحبة ألصبحت هذه المؤسسة شيئاً آخر ،غير أني أقول إن أنجال الفقيد لم يتخلوا ولم يتوقفوا عن التجديد والدعم والتوسع في هذا الصرح أو الدوحة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فالبرامج الثقافية شقت طريقها منذ عقدين على مستوى متميز ،وه��ذه الخطوات تجذب المبدعين والدارسين إلى اإلقبال على هذا الصرح. وقد عجبت حين ذهبت للجوف قبل عام ونيف، ظننت أنني سأجد النادي األدب��ي ال��ذي نشأ هناك منافساً لهذه المؤسسة الطموح ،غير أنه لم يخط نحو المنافسة ،وال المزاحمة والعطاء ،لذلك أدركت أن الطموح يولّد العمل والعطاء واإلن��ج��از؛ فالعمل أي عمل ال��ذي ينطلق م��ن تخطيط وأداء مدروس ومتابعة ،هو الذي يحالفه النجاح بإذن الله .وحين حضرت الملتقى الذي كان عن دور األندية األدبية في بالدنا ،قبل عام ونيف ،رأيت صالة محاضرات م�لأى بالحضور ،فأدركت أن الذين يخططون ألي عمل يقدمون ويجددون وينجزون .وهذه المؤسسة
اجلوبة -خريف 13 1427
ملف العدد التي تنجز ب��رام��ج ثقافية وبحوثاً علمية وتمولّها، خليقة أن تنفرد بعطاء ذي قيمة ،ألن من جـد وجد، كما يقول المثل السائر .والكتب والرسائل الجامعية، التي تعنى بها هذه المؤسسة ،هو عمل مؤسساتي كبير ،ال تنهض بعه إال جامعات ودور علمية كبيرة، هنا أو هناك.
وثماره ،وهدفه الطموح ،الذي يراد به وجه الله.
الحديث يطول ،حين أريد أن أمضي في فجاجه فيمتد ،ولكنه شائق ماتع ،ألن أي إنجاز في حياة أي إنسان ،وألجل وطن غال ،ال يمل ،فالحياة عمل وإخ�لاص وتضحية ،ب��ورك في كل عمل كهذا ،وإذا ذكر أي عمل ناجح ،يفتش ويبحث من وراءه .ورجل وحين أرى أعماالً وإن��ج��ازات ذات قيمة ،ال أرد م��ث��ل األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ال��س��دي��ري ،ه���ذا الرجل ذلك إلى وف��رة المال ،وإنما إلى الجهود التي وراء الطموح ،بعيد النظر ،حفل بالمعرفة وأهلها ،ألنها هذا العمل الطموح ،ذلك أن المال وح��ده ال يحقق قيمة ،وألنها الطريق إلى ارتقاء الشعوب واألمم. إن��ج��ازات ،إال إذا ك��ان الذين بأيديهم ذل��ك عندهم وقد استوعب األمير المؤسس معاني -أقرأ – أول الحس الدافق للعمل والعطاء ،وأنهم يتحدون أنفسهم نزول الوحي على خاتم الرسل [ ،في غار حراء. قبل أن يتحدوا اآلخرين ،ولذلك فإن أعمالهم بتوفيق واستوعب صاحب الرؤى المتوثبة قول الحق« :يرفع الله تنجح وترقى ،والحق يقول« :إن الله ال يضيع الله الذين آمنوا منكم ،والذين أوتوا العلم درجات»، أج��ر م��ن أح��س��ن ع��م�لاً» .ل���ذا ،حين ي��رى أي زائر وق��ول��ه« :ق��ل ه��ل يستوي ال��ذي��ن يعلمون وال��ذي��ن ال للجوف ،ويدلف إل��ى المؤسسة المتوهجة الدائبة يعلمون»؛ فاستقراء آفاق المستقبل ،ال يسعى إليه وال في عطائها ،وبرامجها المعرفية ،يبهره ذلك الذي ينهض به إال إنسان ذو تطلعات إنتمائية وإنمائية ،في ال يجده في المدن الكبرى من ب�لاده .ألن األعمال مقدمتها المعرفة بكل معانيها وتوجهاتها ،رغبة في تتحدث عن نفسها كما يقال ،قلت وأك��رر :ليت في إثمارها ومعطياتها الواعدة. بالدنا الكثير من هذا الرمز الطامح الذكي العامل وبعد :فإن هذا الرجل الثاقب ال��رأي ،لم تشغله األمير عبدالرحمن السديري ،ألننا نفتقر إلى هذا االنجاز ،وألننا في حاالت كثيرة نقول ونسمع أقواالً ،ال��دن��ي��ا ب��م��ال��ه��ا وج��اه��ه��ا ،وإم���ارت���ه ،وال��س��ع��ي نحو ولكنها تشبه ما قاله المثل السائر« :أسمع جعجعة المصالح ال��خ��اص��ة ،ول��و ت��وجّ ��ه إل��ى ذل��ك الستطاع وال أرى طحناً» .ليت ما في الجوف نجده ونراه في أن يحقق المزيد ،لكنه رحمه الله ورطّ ب ثراه ،أراد بتوفيق الله عز وجل ،أن ينفع غيره ،وهذا هو الحرث مدننا وقرانا. وأق��ول :كما قال :رسولنا محمد بن عبدالله [ للدار اآلخرة ،وأكرر قول رسولنا عليه السالم – ربح لف المبارك ،ال��ذي حافظ لصهيب الرومي ،حين أعطى قريشاً ما يملك من مال البيع ،-وب��ورك في الخَ َ كوّنه بعمله وجهده ،حتى ال يحولوا بينه وبين الهجرة على منجز الوالد الكريم ،وإنهم ألبناء بررة ،حراص إلى المدينة ،قال :من ال ينطق عن الهوى [« ،ربح على االرتقاء وتطوير هذا اإلرث الشامخ ،في جزء البيع يا أبا عبدالرحمن» ،وأقول :عن هذه المؤسسة :غال من الوطن العزيز الكريم .رحم الله المنشيء لف الصالح للمضي أثمرت الجهود حين صح العزم ،وصدقت النيات ،والمؤسس ،وغفر له ،وأعان الخَ َ وب��ذل اإلن��ف��اق ،من أج��ل المعرفة ،ثقافة ،وتعليماً ،بهذا الصرح المتجدد العطاء والناجح ،ألنه أنشئ وع��ل��وم��اً .وه��ذا عمل رج��ل ه��و أم��ة ،يتطلع إل��ى غد للخير ،ولنفع الناس واالرتقاء بمعارفهم ،وهذه رسالة مشرق ،طموح واع��د ،وال ريب أن العمل الذي ينفع المصلحين من أي أمة شامخة طموحة .أسأل الله الناس أياً كان لونه ،وأهدافه الخيرة ،يحقق نتائجه مزيد التوفيق والسداد ،والحمد لله رب العالمين.
14
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد
بعض غرس األمير ..بعض أثر املكتبة > أ .د سعد البازعي
<
ف��ي أواس���ط الثمانينيات الهجرية ،الستينيات الميالدية ،كانت سكاكا بلدة صغيرة ال يتجاوز سكانها بضعة آالف ،وليس فيها من السيارات سوى القليل الذي يعد على األصابع ،ولم يكن فيها شارع واحد مسفلت .المدارس قليلة جداً ،والمستشفى الوحيد كان أقرب إلى مستوصف .كانت المباني طينية ،في في تلك األج���واء ،وضمن تلك ال��ظ��روف الجافة ٍ األغلب ،سوى قصر اإلمارة المبني من الحجر ومبان تنموياً ،فوجئ سكان سكاكا بنبتة غريبة ،بمكتبة محدودة أخرى ،منها مدرسة ابتدائية قريبة من قصر عامة تفتتح مقابل قصر اإلمارة آنذاك ،في مكان كان اإلمارة اسمها «المدرسة الجنوبية». يمكن أن يتحول إلى مجرد دك��ان .وكان أن فوجئتُ في تلك المدرسةَ ،درَسْ تُ معظم السنة السادسة بالمكتبة عند زي��ارت��ي لسكاكا مع العائلة ،فقررت االبتدائية سنة 1382ه��ـ ألنتقل إل��ى الرياض نهاية زيارتها مع عدد من أصدقائي األوالد ،وكنت حينها ال��س��ن��ة ،وأك��م��ل متطلبات «ش��ه��ادة إت��م��ام الدراسة في المرحلة المتوسطة .ولم يكن يدفعني إلى تلك االب��ت��دائ��ي��ة» هناك ف��ي وق��ت ك��ان بعض الحاصلين الزيارة سوى اعتداد بالنفس تولّد عن اكتشافي أنني على تلك الشهادة من «الكبار» – قياساً إلينا نحن الوحيد بين مجموعة األوالد المحيطين بي ،الذي األطفال -يعلقونها في ص��دور مجالسهم اعتزازاً لديه ما كنت أسميه «مكتبة منزلية» ،لم تكن أكثر ٍ وفخراً بنيلها .فقد كانت البالد، حينئذ ،تجتاز ببطء من مجموعة قصص وكتب تناسب سني ،أذكر منها مرحلة ،كان أقصى ما يحققه الفرد فيها من العلم «قصص جحا» وج��زءاً واح��داً من «أمثالنا الشعبية» هو ختم القرآن الكريم و «فك الخط» ،أي القدرة لعبد الكريم الجهيمان .شعرت أنني أقوم بزيارة إلى على القراءة .كان نيل الشهادة االبتدائية يعادل نيل مكان أعرف ما يعنيه ،كأنني أقوم بزيارة إلى مكتبة الشهادة الجامعية في أواسط التسعينيات الهجرية ،شقيقة أو م��وازي��ة ،فأتباهى أم��ام األوالد بأنني إذ الفترة التي دخلت فيها التعليم الجامعي مع كثير من أج��يء من الرياض بمكتباتها وبما لدي في المنزل أبناء جيلي. من «ذخائر» المعرفة ،لم أكن مثلهم غريباً على الكتب كانت الثمانينيات الهجرية مرحلة مبكرة نسبياً والمكتبات. ف��ي التنمية بمراحل ع��دي��دة .كانت جامعة الملك س��ع��ود ق��د افتتحت سنة 1377ه����ـ (1957م) ،ولم يكن في الرياض سوى مكتبة عامة واح��دة متهالكة البنيان ،قديمة الكتب ،ومحصورة ضمن موضوعات تراثية في الغالب.
من مراحل التنمية في المملكة؛ فلم تكن الرياض حينذاك أكثر من مدينة صغيرة ،إن لم نقل قرية كبيرة قياساً إلى المدن العربية الكبرى ،التي سبقتها
لكن مفاجأة ما لبثت أن بددت كل ذلك االعتداد بالنفس حين وجدت في المكتبة الوليدة -المكتبة التي كان قد افتتحها الخال األمير عبد الرحمن بن
اجلوبة -خريف 15 1427
ملف العدد أحمد السديري غفر الله له -ما لم أعتد أن أجده في المكتبات التي كان يأخذني إليها في الرياض أخي األكبر محمد أطال الله في عمره ،وكانت تلك مكتبات تجارية كنت أظنها قد بلغت أقصى ما بلغته المكتبات في موجوداتها .ومع أنني لم أكن أعرف المكتبة العامة بالرياض ،فإنني تبينت ،فيما بعد، أن مكتبة الجوف الوليدة لم تكن تقل عنها من حيث نوعية الكتب ،إن لم تفقها. ف��ي تلك المكتبة بسكاكا ،رأي��ت وأن��ا الطالب ف��ي المرحلة المتوسطة ،كتباً ل��م أره��ا م��ن قبل، ومجالت أطالع عناوينها للمرة األولى في حياتي. رأيت «األغاني» و»العقد الفريد» ،ورأيت كتباً لطه حسين ،والعقاد وغيرهم .وأهم من ذلك ،بالنسبة لتكويني ،رأيت أعداداً من مجلة «العربي» الكويتية. أم��ا أهمية «ال��ع��رب��ي» ،فمما تكشّ ف ل��ي بعد أن أسترجعته بعد سنوات ألتبين الدور المفصلي الذي لعبته تلك المجلة في توجيه اهتماماتي ،على النحو الذي يذكر بالدور الذي لعبته مجالت ثقافية وأدبية أخ��رى في حياة آخ��ري��ن ،من أبناء الجيل السابق وال�لاح��ق ،مجالت مثل «ال��رس��ال��ة» و»المقتطف» المصريتين ،و»األديب» و»اآلداب» اللبنانيتين ،وغير ذلك كثير.
جاء قرار التخصص في الجامعة .ومع أن عوامل أخرى تدخلت في اختياري لقسم اللغة اإلنجليزية ف��ي جامعة ال��ري��اض آن����ذاك ،ف��إن��ي ال أش��ك اآلن أن المحرضات األول��ى تعود إلى تلك المطالعات المبكرة ،وأي���ن :ف��ي سكاكا ،ف��ي مكتبتها العامة ال��رائ��دة والفريدة في نوعها ،في ما أسسه عبد الرحمن السديري ،أجزل الله له المثوبة. إن ما أروي��ه هنا ،ال يعدو بكل تأكيد أن يكون قصة فردية ،أنموذجاً لتأثر شخص واحد بظروف ثقافية م��ح��ددة .ل��م يكن ح��دث��اً وطنياً أو عظيماً لآلخرين؛ لكنه كان ،في الوقت نفسه ،ذا أثر يتجاوز الفرد ،يتجاوزه إلى أف��راد آخرين ،تماماً كما كان قرار تأسيس المكتبة في سكاكا ،فقد كان قراراً فردياً اتخذه مؤسسها رحمه الله ،وانتقل أثره إلى أجيال من الرواد ،ال أدري كم عددهم وال عن عمق تأثرهم ،لكن أث��راً ما قد تأسس ،أث��راً يعرفه بين آخرين طالبي الذين درسوا األدب اإلنجليزي معي، ط��وال ما يزيد على العقدين ،فقرأ معظمهم تلك القصيدة التي قرأتها مترجمة في مجلة «العربي» بمكتبة عبد الرحمن السديري العامة بسكاكا في أوائل الثمانينيات الهجرية .الفرق هو أنهم قرأوها بلغتها األصلية وواجهوا ثقافة اآلخر ،كما نسميها اآلن ،وإن كنت ال أدري كيف ج��اء معظمهم إلى دراسة تلك الثقافة .هل كان وراء أحد منهم مكتبة أخرى أو مجلة أخ��رى؟ ذلك ما أتمناه في ظروف جعلت معظم الطالب يذهبون إلى العلوم والمعارف المختلفة ،مدفوعين بالبحث عن الوظيفة ليس إال.
كان لمجلة «العربي» التي طالعت أعدادها للمرة األولى في مكتبة سكاكا دوراً مفصلياً ،أتبينه اآلن وأنا أتذكر على سبيل المثال مقالة بعنوان «شعراء البحيرة» ،تضمنت قصيدة من الشعر اإلنجليزي ق��رأت��ه��ا مترجمة ،وك��ان��ت أول ن��ص أدب���ي أجنبي أطالعه في حياتي ،على ما أذكر .كان بالتأكيد أول نص شعري من أدب أجنبي .كانت القصيدة للشاعر رحم الله األمير عبد الرحمن السديري وأجزل الرومانسي وليم وردزورث وعنوانها «نحن سبعة» ،م��ث��وب��ت��ه ،وع��م��م ف���وائ���د م��ن��ج��زات��ه ع��ل��ى األجيال ترجمها ،فيما أذكر ،الباحث والكاتب السوري وليد المختلفة ،فيما ينفع هذه البالد وغيرها من بالد إخالصي .أما أهمية ذلك فلم تتضح لي إال حين المسلمين. < أ.د .سعد البازعي :عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود ,أمين عام جائزة الملك خالد ,رئيس نادي الرياض األدبي
16
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد
رحلة حياتية إلى اجلوف > د .فوزية عبدالله أبو خالد
<
قبل عشر س��ن��وات ،وصلتني م��ع مجموعة من بين برزخ الرمل وبرزخ الماء. الصديقات الكاتبات واألكاديميات بالرياض ،دعوة م��ن ال��س��ي��دة ال��ف��اض��ل��ة لطيفة ال��س��دي��ري ،لزيارة السبب النسوي: إن منطقة الجوف في الدعوة المعنية الموجهة إلي منطقة الجوف .ومع أنني شخصياً لست كلفة بتلبية الدعوات الرسمية ،ليس لموقف ممن يتفضلون بها ،والزميالت ،تناديني للقاء سالالت ملكات الشمال من بقدر ما يرجع ذلك إلى الطابع الرسمي ،الذي عادة نساء الجوف في ثلة من النساء المكلالت بعرق العمل، ما يرافق مراسم مثل تلك المناسبات ،فيصيبني ممن يعملن على النول اليدوي في صناعة النسيج بالفتور والنفور معاً من أجوائها العامة ،نظراً لما والمفروشات ،فيفرشن المنطقة بمخمل المخيلة، تتطلبه م��ن مجامالت وب��روت��وك��والت ،ال تعرف أن ويصدرن بساتين أرواحهن إلى أنحاء المملكة ،لتوازن تتقنها تلك الشاعرة المتمردة على أنماط الحياة بحنان العمل النسوي قسوة الصحراء. الروتينية ،فقد ج��اءت تلك الدعوة تحمل ما يُغري السبب الشعري: بتغيير العادات .وك��ان ذلك لسببين رئيسين :األول ك��ان ذل��ك هو السبب الكامن ال��ذي ل��وال ذهابي سبب تاريخي ،والثاني سبب نسوي ،وثمة سبب ثالث وقد يكون إفشائه مثيراً للدهشة ،هو سبب شعري! إل��ى ال��ج��وف ،ما ك��ان لي أن أكتشفه .ب��دأ ذل��ك من عسل ابتسامات صباياها ،من ضفائرهن الممتدة من فبالنسبة للسبب األول ،قلت لنفسي كيف لي أن أعلى أعناقهن العالية إلى كعوب أقدامهن ،وكأن أياً أفرط في رحلة تحملني من هضبة نجد إلى مشارف منهن لم تسمح لمقص قط أن يعتدي على خصلة الشمال ،ألشهد على سعة عيوني ،تلك الوشائج من من شعرها. العشق القدري بين الجغرافيا والتاريخ ،التي تتدخل ولم تنته تلك اللحظة الشعرية عند ذلك الخشوع في نسج الحياة االجتماعية للمجتمعات اإلنسانية ول�لأف��راد ،ضمن مثلث ع�لاق��ات المكان واإلنسان المعمر بعمر ال��ت��اري��خ ،ال���ذي يجتاح الضيف عند والزمان .وبالنسبة للسبب الثاني ،سألت نفسي كيف مسجد سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ,فقد لي أن أق��اوم اللقاء بشريحة من نساء هذا الوطن؟ كانت هناك لحظة إلهام خاطفة وطويلة ،تنبجس من ما سيتيح لي اكتشاف المزيد من المشتركات ،في بلح الحلوة ،ومن أخيلة الرجاجيل ،تلك المنحوتات الطبيعية ،الواقفة كفرسان ال تريد ان تترجل على أوجاع النساء وأفراحهن ،وفي صبرهن وحلمهن. مر الزمان ،وكذلك من غرز تلك النمنمات الرقيقة السبب التاريخي: المطرزة بتلك األلوان البدوية والغجرية ،الصارخة إن منطقة الجوف في التاريخ الموغل في مجد على جسد المفروشات. التجربة االجتماعية م��ن ال��ك��ف��اح ال��ي��وم��ي ألهلها، البعد الثقافي للرحلة: على م��ر ال��ع��ص��ور ،ليست مجرد منطقة نائية عن ما لم يكن في الحسبان ،هو أن ألتقي بعدد من العواصم ،التي تعاقبت على أرض الجزيرة العربية؛ بل هي معراج القبائل من مضائق الجفاف إلى فضاء األصدقاء القدامى على أرض الجوف. الخصب؛ ومعبر التجار والمستشرقين والفاتحين لقد فوجئت والزميالت ب��أن من ضمن برنامج
اجلوبة -خريف 17 1427
ملف العدد الرحلة زي��ارة إل��ى مكتبة دار الجوف للعلوم ،حيث ك��ان فيها ع��دد كبير م��ن الكتب ال��ن��ادرة ف��ي جميع المجاالت ،من كتب األدب والعلوم االجتماعية ،حيث أصدقاء عمري المهني ،إلى كتب في التاريخ والتراث وال��ج��غ��راف��ي��ا ،وم��خ��ط��وط��ات ت��اري��خ��ي��ة ،وموسوعات علمية ،وسواها من أوعية المعرفة التقنية الحديثة. وكانت المفاجأة أن نعرف أن هذه المكتبة تستقبل نساء المنطقة م��ن مختلف االهتمامات المعرفية واألعمار ،كأول مكتبة عامة يجري إعدادها لتستقبل النساء بالمملكة العربية السعودية .حيث تعود نشأة تلك المكتبة العامة في عام 1383هـ (1962م) ،وكانت نواتها األولى تضم ما يزيد على ثالثة آالف كتاب. وهي تضم اليوم كما جددت معلوماتي الحقاً «ما يزيد عن مائة وستين ألف كتاب ومجلد .إضافة إلى قسم ل��ل��دوري��ات ،يفتح أب��واب��ه لقراء الصحف والمجالت والدوريات العربية واألجنبية في مختلف أصنافها واتجاهاتها ،ويشتمل القسم على ما يزيد عن 250 صحيفة ومجلة ودوري��ة ،تستقطب ع��دداً كبيراً من القراء والقارئات يومياً .كما تضم ال��دار مجموعة خاصة من أوعية المعلومات ذات القيمة المرتبطة بآثار المنطقة ،وصوراً لمخطوطات يصل عددها إلى أكثر من خمس وستين مخطوطة ،إضافة إلى وثائق ونقود تاريخية قديمة ،وطوابع ،وكتب نادرة وقيّمة، تتعلق بالمنطقة وتتصل بها بشكل خاص ،وبالجزيرة العربية بشكل ع��ام ،كما تضم أيضاً مجموعة من ال��وس��ائ��ل السمعية وال��ب��ص��ري��ة ،إل��ى ج��ان��ب العديد من الوسائل االلكترونية المتنوعة .وتتيح المكتبة، للراغبين من رواده���ا ،استخدام شبكة المعلومات (اإلنترنت) ،التي بدىء باستخدامها منذ مطلع عام 1997م .وجرى اآلن توفير خدمات الـ ( »DSLتقرير خاص عن المؤسسة1427 ،هـ2006 /م).
لشغف أهلها بالعلم والثقافة. ل��ق��د ن���ص ال��ن��ظ��ام األس�����اس ل��م��ؤس��س��ة األمير عبدالرحمن السديري على تنوّع وتعدد في األهداف والنشاطات ،التي تخدم طموح األهالي ومنها :إنشاء وإدارة وتمويل مكتبة «دار الجوف للعلوم» ،والعمل على تطويرها لتكون مركزاً علمياً وثقافياً متميزاً في المنطقة ،والعمل على استعادة و حفظ التراث األدب���ي واألث���ري ف��ي منطقة ال��ج��وف ،ونشر الوعي لتوسيع االهتمام بهذا النوع من الثقافة التراثية، إضافة إلى االهتمام بالجانب الحديث من الثقافة، بشقيها العلمي واألدبي؛ وذلك لربط ماضي الجوف الثقافي بالنهضة العلمية الحديثة ،ودفعها لإلسهام في اإلنتاج الثقافي حاضراً ،كما فعلت ماضياً .ومن هنا جاءت إقامة نشاط ثقافي دائم في رحاب المكتبة من الندوات والمحاضرات. وم��ن هنا ،ج��اء أيضا إص���دار مجلة ثقافية في المنطقة ،وهي مجلة الجوبة راف��دا من رواف��د هذا الجهد الثقافي؛ لتكون المجلة حلقة وصل بين مثقفي الجوف وبين مثقفي بقية مناطق المملكة ،وبينهم وبين المثقف العربي على امتداد الخارطة العربية. ويبدو لي ،أن ما عمل المجلة على تخصيص ملف خاص عن شخصية األمير عبدالرحمن السديري، إال وقفة وف��اء على ما قدمه ذلك الرجل المستنير ل��ه��ذه المنطقة .فشكراً لله ال���ذي إذا أراد بأرض
وقد علمت وقتها من مجموعة من نساء الجوف ،خير ،قيّض لها ثلة من األبناء والبنات من داخلها الناشطات والمهتمات بالقراءة ،أن الريادة إلنشاء وخارجها ،ليحملوا شعلة الفكر ،ومعول العمل فيها ه��ذه المكتبة ت��ع��ود للمؤسس األم��ي��ر عبدالرحمن بإيديهم العارية ،ليزيدوا نهارها ض���وءاً ،وليزيدوا السديري يرحمه الله ويسكنه جنة الخلد ,إذ لم تكن عملية إنشاء مكتبة عامة إال واح��دة فقط من أمجادها عزة ،ويجددوا عهد إعمار األرض بمزيد طموحاته الثقافية والوطنية ،تجاه المنطقة وتقديرا من اإلعمار.
18
< استاذة الدراسات اإلجتماعية بكلية األداب جامعة الملك سعودFowziyah@maktoob.com .
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد
عبدالرحمن السديري ..احلياة مرتني > عبدالرحمن الدرعان
<
قبل أكثر من ثالثين عاماً ،كتب األمير الشاعر فيها أميراً ،عرف خاللها أهلها فرداً فرداً ..قرأ نُواح
عبدالرحمن السديري في ديوانه المنشور «القصائد» أشجارها حين يشح عنها الماء ،وحفظ األغاني التي قصيدة شهيرة ،ال أبالغ إذا قلت إنها واحدة من عيون تجعل نخيلها يثب من أدي��م األرض باتجاه السماء، الشعر النبطي ،يرثي فيها نفسه على طريقة مالك بن وعرف كيف يشيم بروقها ،وأتقن ترصيع الصفوف الريب ،في قصيدة بقوله: المتأهبة على ضفة الغناء بملء صوته ،في مناسبة أن����ا م���ن ال��دن��ي��ا خ��ل��ص��ت اعذروني
تحرير الجزائر ف��ي احتفال أق��ام��ه أه��ال��ي الجوف
ل��ي ج��ان��ب ال��ل��ه ع��ن ح��ي��اة وضيعة آنذاك:
رب��م��ا نتفق ،م��ج��ازاً ،على أن البيت م��ن الشعر ال��م��ج��د األول ع���اد ك��ل��ه م��ن جديد أح��ف��اد ط���ارق ش��م��روا واب���ن الوليد النبطي غير أنه فصيح ،بما يتضمنه من الدالالت،
إضافة إلى أنه ال يحتاج إلى أي تعديل ليقرأ كما لو
الحديث عن الفقيد من جهة الشعر واألدب -
ال أنه مجزوء من قصيدة عربية ،أنشدها الشاعر في وهو شخصية متعددة الوجوه تشبه موشوراً هائ ً سوق عكاظ ،،قبل ألف عام. يقودنا بالضرورة إلى نزهة صغيرة في دار الجوفظ��ل ي��س��ت��درج غيمة ب��ي��ض��اء ،ينسج منها كفنه للعلوم ،المنبثقة عن مؤسسة عبدالرحمن السديري
لسنوات طويلة ،حتى وافاه األجل ،بعد أن بقي رحمه الخيرية ،وهي مؤسسة ثقافية رائدة ،وضع مؤسسها الله على حافة الموت ،في حالة احتضار موغلة ،فإذا الراحل لبناتها األولى في الثمانينيات الهجرية .فلم
بموته لم يكن مباغتاً وحسب ،بل تحّ ول إلى لحظة تكن في ذلك الوقت ،سوى مكتبة صغيرة ،تعّهدها أكثر من تراجيدية ،تشبه لحظة االنبعاث والوالدة! برعايته ،حتى أصبحت مؤسسة ثقافية فريدة على
إذا ك��ان ال��ن��اس ي��ول��دون ،بالمعنى البيولوجي ،مستوى المملكة ،تضم آالف الكتب ،وتتوافر على ويموتون م��رة واح��دة ،ف��إن القليلين منهم ،بالمعنى أوعية المعرفة المختلفة ،وتحتضن ك��أول مؤسسة
ال لقسم الرجال في سعي ال��س��ي��ك��ول��وج��ي ،يعيشون حياتهم م��ض��اع��ف��ة« ،ظل قسماً خاصاً بالنساء ،مماث ً ي��س��ت��درج غيمة بيضاء ينسج منها كفنه لسنوات دؤوب من أج��ل جعل الثقافة حقاً مشاعاً للجميع، طويلة» ،عدة مرات ،ويولدون مرة أخرى بعد موته .لتسد الفراغ الذي شيّده غياب المؤسسات الثقافية وإذا كان الوطن ،برحيل هذا الرجل ،فقد شخصية
استثنائية؛ فإن منطقة الجوف وحدها التي انكسرت
الحكومية في منطقة الجوف ،طوال عشرين عاماً.
لحسن حظي أنني في تلك الفترة ،كنت أرافق
من جهاتها األربع ،وثكلت مساحة من عمرها ،تقدر عمي الذي كان يعمل آن��ذاك أميناً لمكتبة الثقافة،
بنحو نصف ق��رن ،قضاها عبدالرحمن السديري حيث هناك وقف الطفل الذي كنت مأهوالً بالدهشة
اجلوبة -خريف 19 1427
ملف العدد بإزاء عالم من كتب وروايات وقصص ودواوين شعر ال���رائ���دة .وم���ن يتقصى س���ي���رورة ه���ذه ال����دار منذ متنوعة ومجالت وجرائد ،لم ولن يكون من اليسير بداياتها ،ويقرأ السياق الزماني والمكاني ،فسوف الوصول إليها ،وكانت الساعات تمضي كما لو كنت يُصاب بالذهول من الهمة العالية ،في رجل يراهن أقوم بنزهة فاتنة ،تعرفت فيها على اآلالف من العوالم على مشروع حضاري وثقافي ،في الوقت الذي كان التي هدمت مساحات كبيرة من الفراغ في داخلي ،توطين أبناء الصحراء وتعليمهم هاجساً حاضراً في ال يضج بالحياة ،وعرفت كم ذهنه ،فهو أحد األول��وي��ات التي كانت تعمل الدولة وشيّدت مكانها كوناً هائ ً على تحقيقها آنذاك .ولم يكن يسيراً ،على اإلطالق، كان كتاب الجغرافيا المدرسي جافاً وبخيالً. في تلك الممرات الصغيرة بين الرفوف كنت أ ُطل
فأرى الكرة األرضية أوسع بكثير مما نتصور .وهناك
تعرفت على أح��دب نوتردام ،وبائعة الخبز ،ومجلة
ال��ع��رب��ي ،ون���ورة ال��ح��وش��ان ،وم��رش��د ال��ب��ذال ،وحمد الجاسر ،وياقوت الحموي.
ك��ان عمي يدربني على أع��م��ال المكتبة ،وكنت
أتغافله وأنحني كخياط مبتدىء أم��ام اآلل��ة الكاتبة
المدهشة ،بضع ضربات على تلك األزرار ليشرق
مرصعة ،أتأملها بدهشة وما ّ بياض الورقة بحروف زال حبرها في ذاكرتي لم يجف.
ال ال يني م��ن أجمل المفارقات أن ضيفاً جمي ً
اسمه يتجدد كوشم أخضر هو (بندر السهيان) ،على
الرغم من أنه كان أمياً وبسيطاً ،كان يزور المكتبة
بشكل مستمر ،ويطلب إلي أن أقرأ له قصائد شعر
وإن تعجبه قصيدة ما ،أقرأ في عينيه أمنية صغيرة وأب���ادره :هل أكتبها لك؟ فيزهر حقل الفل المنثور
على حواف ذقنه :إي والله يابن أخي!! ذلك الرجل
األمي الذي تعلمت على يديه الكثير وحفظت دواوين
ال حصر لها آن��ذاك كلما فتحت اآلن كتاباً سمعت
حفيف خطواته على حواف الغالف ،وصوته األخضر يمر بأوقاتي كعيدان النعناع!
تلك الدكان الصغيرة ،كانت نواة هذه المؤسسة < abdsmile@hotmail.com
20
اجلوبة -خريف 1427
أن يقبل التحدي ويتصدى لهذه المعادلة المعقدة، بكل ما فيها من مفارقات ،سوى شخص يستطيع أن يطل من أكثر من شرفة ،وعلى أكثر من فضاء ،وكأن عبدالرحمن السديري ه��و ذل��ك الشخص الوحيد ال��ذي ك��ان في مقدوره أن يطل من أكثر من شرفة على أكثر من زمن أيضاً.
ال عن الصعيد الثقافي؛ فإن ما وإذا خرجنا قلي ً تجدر اإلش��ارة إليه تلك المدينة االفتراضية ،التي شيدها األمير عبدالرحمن السديري في المنطقة ال��وس��ط��ى بين ال��ج��وف وال��غ��اط ،المدينتين األشد ال به ،إنها مدينة شاهقة ممزوجة برائحة الحب ثك ً والنخيل والماء والتربة الطيبة والزيتون ،تحيط بها أس���وار ش��اق��ة م��ن ع�لاق��ات وث��ي��ق��ة ،وط���دت أواصر القربى بين الكثيرين من أهالي الجوف والغاط؛ ففي الجوف نصف ق��رن من مدينة ال��غ��اط ،وف��ي الغاط نصف ق��رن م��ن ال��ج��وف ،وكلتاهما تتقاطعان معاً في قلب إنسان ووجدانه ،أكثر بكثير مما هو نفسه، إنسان عاش أكثر من حياة ولم يمت ،بل ظل باقياً في بصماته المنحوتة حتى بعد أن أصبح في ذمة الله، وإذاً فهو بهذا المعنى يمثل مساحة شاسعة هي هذه المدينة االفتراضية ،العصية على االندثار .لقد مات مرة واحدة ،لكنه اآلن أكثر إلحاحاً في الحضور ،كما لو أنه ولد من جديد.
ملف العدد
في رثاء رجل الوفاء
األمير الراحل عبدالرحمن بن أحمد السديري
الدكتور أحمد بن محمد العيسى
ارتبطت معرفتي القصيرة باألمير الشاعر ،صاحب القلب الكبير والمعدن األصيل والحكمة ،عبدالرحمن بن أحمد السديري ،رحمه اللّه ،بذكرى عزيزة على قلبي، قادتني لها المصادفة ليس إال؛ فعلى الرغم من أني ولدت وقضيت سنوات عمري األول��ى في مدينتي الغاط وهي مدينة أسرة السديري العريقة ،إال إن والدي ،رحمه اللّه، انتقل وأنا على مشارف الدراسة في المرحلة اإلبتدائية إل���ى ال��ع��م��ل ف��ي منطقة ال��ب��اح��ة ،م��ع أح���د رج���ال أسرة السديري ،وهو األمير سعود بن عبدالرحمن السديري، حتى عاد إلى الرياض واستقرت أسرتي فيها؛ لذا كانت صلتي بمدينة الغاط ضعيفة أثناء مراحل الدراسة .وكان األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري أميراً لمنطقة الجوف في تلك الفترة ،حيث خدم في موقعه القيادي لسنوات طويلة قاربت نصف قرن من الزمان ،ولكن يسر اللّه لي في منتصف ع��ام 1408ه���ـ ،وكنت حينها طالباً بالدراسات العليا في الواليات المتحدة ،أن أتقدم لخطبة ابنة أح��د أع��ي��ان مدينة ال��غ��اط ،وك��ان صديقاً ومرافقاً لألمير ال��راح��ل ،ع��اش وأس��رت��ه معه ف��ي مدينة سكاكا ألعوام طويلة ،وكان شاعراً مجيداً توفي ،رحمه اللّه ،في حادث سيارة ،قبل خطبتي البنته بأشهر قليلة. وما أن علم األمير عبدالرحمن السديري وكان ما يزال أميراً لمنطقة الجوف بموعد زواج ابنة صديقه ،حتى أصر رحمه اللّه ،وفاء للرجل ،الذي عمل معه لسنوات، ّ على أن يقيم حفل ال���زواج ويستضيف المدعوين على ال نفقته وفي قصره العامر في مدينة سكاكا؛ فكان حف ً ال عابقاً بهيجاً ال تزال ذكراه تجلجل بين أضلعي ،كان حف ً بكل معاني الوفاء والكرم والسماحة ،شاركت في إحيائه فرقة الفنون الشعبية في منطقة الجوف ،التي أتحفت الحضور بألوان من األهازيج ،والرقص الشعبي األصيل. تعرفت على األمير في تلك المناسبة العزيزة وفي < عميد كلية اليمامة بالرياض.
<
زي��ارات قصيرة للمنطقة ،قبل أن يضطره المرض إلى التقاعد والراحة ،فكنت أرى فيه تلك اللمحات اإلنسانية العظيمة ،تلك السماحة وال��دم��اث��ة ،والمعاملة الرقيقة لمن حوله ،والفخر بمشروع الوحدة وتأسيس الدولة، واالن��ش��راح عند ال��ح��دي��ث ع��ن م��ش��اري��ع ال��دول��ة وخدمة المجتمع .وكان الحديث في مجلسه يزخر بقصص الرواد، وشهامة الرجال ،وشظف العيش في األيام الخوالي ..كان االستنتاج ال��ذي خرجت به من أول لقاء به في مجلسه واستماعي لحديثه مع المحاضرين ،أن المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه اللّه لم يكن بحاجة إلى كثير من السالح والجنود إلنجاز مشروع توحيد الجزيرة ،وإنما عرف كيف يختار الرجال ،فكانت قيادتهم وسيرتهم كفيلة بالتفاف الناس ح��ول ذل��ك المشروع الجبار ،ال��ذي لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيالً .بعد ذلك ،تعّرفت على إنجازات األمير ال��راح��ل في منطقة ال��ج��وف ،وتعّرفت على حبه للعلم والمعرفة؛ فكان من مشاريعه التي ما تزال تؤدي دوراً حضارياً بالغ األهمية ،إنشاء مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في مدينة سكاكا ،وتضم مكتبة عريقة باسم دار الجوف للعلوم ،ولها نشاطات ثقافية مهمة في دراسات شبه الجزيرة العربية.
وكان لي لقاء آخر مع الراحل الكبير قبل وفاته بأيام قليلة ،ولكنه لم يكن لقاء شخصياً ،وإنما كان لقا ًء معرفياً وسياحياً ،خ�لال رحلة سياحية ،ش��ارك فيها خمسين شخصاً ونيّف من أعضاء هيئة التدريس وأسرهم في كلية اليمامة بالرياض ،ومن جنسيات عربية وأجنبية إلى مدينة الغاط ومنطقة القصيم ،فكانت أولى محطات الرحلة في مكتبة الرحمانية بمدينة الغاط التي تكتسب اسمها نسبة إلى األمير الراحل عبدالرحمن السديري ،والتي شيدها أبناؤه تكريماً ووفاء لوالدهم ،فكان الوفد منبهراً بفكرة المكتبة وتصميمها المتميز ،وبدورها الحضاري الرائد، في مدينة تتوسط صحراء الجزيرة.
اجلوبة -خريف 21 1427
ملف العدد
السديري من خالل مؤسسته
> بقلم د /حسن بن فهد الهوميل
<
عندما قضى األمير عبد الرحمن السديري نحبه ،لم طالبها ،ويضيء عتمة الحياة ،وينجز موائد المعرفة تطو صفحات حياته ،ولم ترفع أقالمها ،بل ظلت كما هي للعقول المتعطشة لها في زمن يتنافس أهله في إشاعة تكتب سيرة حياة أخرى ،حافلة بجالئل األعمال ،وبما حضاراتهم ،وتوهين حضارة اآلخرين. أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ،فإن المحسنين ومؤسسة كتلك التي نشهد بما علمنا فيها تبذل أحياء بمآثرهم عند من ينتفعون بصدقاتهم الجارية ،من الجهد والمال ما يستجيب لكل متطلبات الثقافة كما قال الرسول [ « :إذا مات ابن آدم أنقطع عمله المعاصرة ،إذ ال يقرب المعارف لطالبها إال المؤسسات إال من ثالث» ،وأحسب أن لألمير النصيب األوفى من القائمة على أحدث األساليب. هذه البشارة ،وال أزكي على الله أحداً ،وكيف يموت من ل��ق��د ق��ل��ت ب��ع��ض م��ا أع���رف ع��ن ال��ح��اض��ر الغائب قامت مآثره تصل ما أنقطع دون منٍّ وال أذى. األم��ي��ر ع��ب��د ال��رح��م��ن ال��س��دي��ري – رح��م��ه ال��ل��ه ،يوم وم��ن ب���وادر التوفيق ،أن يستبق األب��ن��اء بالخيرات المستجيبة ل��ح��اج��ات ال��ع��ص��ر ،وك���م م��ن محسن ظل مرتهناً ألنماط الصدقات التقليدية ،وفات األكثرين أن ما يبذلونه في سبيل الله يتسع ألكثر مما هو متداول، ومعهود عند الناس من وجوه الصدقات ،ومن مخارج الزكاة المفروضة (في سبيل الله) ،ولقد اختلف الفقهاء والمفسرون حول مشموالت هذا الصنف ،ولما كانت متطلبات العصر مواكبة لمتغيراته ،فقد أدرك ذلك الراصدون لها ،وسبقوا إلى وجوه النفع التي عجز عنها األك��ث��رون وإش��اع��ة العلم ،والثقافة ،وبناء المؤسسات العمالقة ،بعض تلك ال��وج��وه ،وق��د ال يمر بخلد أحد م��ن أص��ح��اب ال��دث��ور م��ا نشهده ال��ي��وم م��ن وج��وه البر واإلح��س��ان المتنوعة ،مما عمد إليها المستشرفون للمستقبل المستجيبون لمتطلبات العصر الحديث من مكتبات زاخرة بأنواع المعارف ،ومطبوعات ،ودوريات، ومنتديات ،ومؤسسات عمالقة ،تستوعب ذلك كله ،وتهيأ فيها أمكنة للقراءة ،وخلوات للبحث ،وأجهزة للتواصل مع مكتبات العالم ،تنطلق فيها المطبوعات لتصل إلى طالب لمعرفة ،حيث كانوا في آفاق المعمورة.
وفاته ،وكانت الرغبة تراودني لالستكمال الحديث عن مآثره المتعددة المهمات ،والمواقع لنرد له بعض ما له علينا وبخاصة أنني من ورث المعرفة من أبيه ،ثم وصلها بمعرفة مباشرة ،إذ كان لي شرف التواصل مع معاليه عن طريق تلك المنشأة المتعددة المهمات ،وما كان لمثلي أن يقطع صلته ،وقد ترك رحمه الله حبال التواصل ممتدة لمن شاء أن يفيد أو يستفيد ،وكل من حمل هم الكلمة الطيبة ،بكل ما تنطوي عليه من جمال وجالل ،وإمتاع ونفع ال يجد ب ّداً من التواصل مع تلك المؤسسة المستجيبة لمتطلبات المرحلة المعاشة ،وكل ما تعج به من مؤسسات ثقافية ،ذات أهداف متعددة، ولئن كانت المؤسسة في منطقة أحبها الفقيد ،وأنفق فيها زهرة شبابه ،وترك فيها ما يحفظ الذكر الحسن، إال أنها من الجميع للجميع ،فهي مشرعة األبواب لكل من أراد النفع ،واالنتفاع ،والمؤسسة وإن انتمت زماناً أو مكاناً ،فإنها بتسبيل المنفعة ،وتحبيس األصل تملك القدرة على االنطالق في اآلفاق ،متخلصة من محدودية ال��زم��ان وال��م��ك��ان ،وذل���ك عبر االس��ت��ق��ط��اب للكفاءات المعرفية واختراق كافة األجواء بالمطبوعات اإلعالمية والمعرفية.
إن مؤسسة عبد الرحمن السديري الفكرية تمارس ال حضارياً يستجيب لرغبات العلماء ،والمفكرين، عم ً لقد حفظت لنا المخطوطات والمطبوعات ،جهود واألدباء ،وتسد حاجاتهم ،ولست أعرف أشرف أو أعز علماء احترمتهم يد المنون قبل مئات السنين ،عاشوا من ال��ذي يبني وينشئ الثقافة والمعرفة ويقربها إلى في أزمنة وأمكنة متباينة ،وما استطاعت يد النسيان أن
22
اجلوبة -خريف 1427
تطمس معالمهم ،وال أن تحول دون انطالقة أعمالهم عبر األمكنة واألزم��ن��ة ،لتكون ح��اض��رة ف��ي ك��ل مكتبة وب��ي��ت ،وم��درس��ة ،وج��ام��ع��ة ،والمسكونون بهم الكلمة يعرفون آالف العلماء والمفكرين واألدب���اء م��ن خالل آث��اره��م المخطوطة ،والمطبوعة ،والمعنيون بإشاعة المعرفة من خ�لال المطبعة ،أو المكتبة ،يصلون ما أنقطع ويمكّنون طالب العلم من التواصل مع من سلف من العلماء واألدباء.
ومؤسسة ال��س��دي��ري ستظل كما ل��و ك��ان صاحبها حياً يأكل الطعام ،ويمشى في األسواق ،تؤدي رسالتها ال��ح��ض��اري��ة ك��ل ح��ي��ن ب��أم��ر رب��ه��ا ،فالمكتبة مشّ رعة األبواب والمطبوعات اإلعالمية ،والمعرفية ،والدورية، تجد طريقها إلى آفاق البالد ،لتكون حاضرة عند كل ع��ال��م ،وم��ف��كّ��ر ،وأدي���ب ،وك��ل ال��ذي ب��وده المؤسس أن تمتد يد المحتاج إلى ثمر المؤسسة الداني ،وهو ثمر ال يقاس بالمحسوس م��ن م��أك��ل ،وم��ش��رب ،إن��ه غذاء األفكار ،والمعقول ،ومن ذا الذي ال يعرف قيمة الكتب، والدوريات ،والمكتبة الحديثة ،بكل ما تتوافر عليه من كتب في مختلف المعارف ،وأجهزة حديثة تصل المنتفع بآفاق المعمورة ،وتطوف به مكتبات العالم ،وتهيئ له من المستجدات ما ال يقدر على توفيره بنفسه ،ولقد أدت المكتبات العامة في عواصم العالم اإلسالمي أدواراً إيجابية ،عرفها العلماء المهتمون ،وإسهام األفراد في إشاعة المعرفة ،ال يقاس بإسهام المؤسس ،ومن ثم فإن قيام المشاريع الثقافية مؤذن بتواصل العطاء واستيفاء متطلبات العصر.
ملف العدد بها من ناشئة األمة التي هي أحوج ما تكون إلى تجسير الفجوات بينها وبين ق�لاع المعرفة وم��ص��ادر الثقافة المأمونة العواقب ،والسيما أن دع��اة الفتنة والظالل يقعدون للشباب كل مرصد ،ويهيئون لهم من الوسائل، ما يشدهم ويثير غرائزهم وفضولهم ،وهذه المؤسسات التي يشرف عليها األك��ف��اء الناصحون ،لله ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم ،تحول دون إضاعة الجهد والوقت والمال ،للتهافت على مصادر الفتنة والتضليل. فالعناية بالكتاب ،وال��دوري��ة ،واألم��ك��ن��ة ،واألجهزة الموصلة إل��ى ال��م��ع��رف��ة ،وتيسير ذل��ك لطالبها ،من المهمات الجسام ،التي ال يقدر عليها إال أولو العزمات القوية المستشرفون للمستقبل ،والتعهد بالعطاء ،ال يلقاه إال الرجال األوفياء لعقيدتهم ،ووطنهم ،ومواطنيهم ،وما كنت أعرف صدقة تنازع إشاعة الثقافة ،وتهيئتها لمن أرادها.
والذين تواصلوا مع مآثر الفقيد ،يدركون أنه الحريص على العطاء ،السبّاق إلى اإلحسان ،المتعددة الوجوه، ومن وجد اإلحسان ،قيداً تقيداً ،لقد م ّر بالحياة خلق كثير ،ومضوا دون أن يبقى لهم ذكر حسن مع إمكانية أن يعيشوا بالذكر الحسن ،وما دروا أن الذكر لإلنسان عمر ��ان ،وأن الصدقة الجارية ،والعلم ال��ذي ينتفع به من ث ٍ ثوابت الذكر الحسن ،بل ال بد من التحريض ،والتحفيز لمزيد من العطاء ،وما أكثر األثرياء المترددين ،الذين يحبون الخير ويستبقون إليه ،ولكنهم ال يتقنون من المبادرة ،وال يجدون الثقة في المغامرة المحسوبة، ومثل ه��ذه المؤسسة بكل م��ا تعج ب��ه م��ن اإلمكانيات إن أج���واء المؤسسة مغرية لكل م��ن عايشها عن كافية ،لكي تكون قوة للخيرين من أهل الدثور. قرب ،وتلك المؤسسة بما هي عليه ،وبما هي لها من لقد ك��ان ل��ي ش��رف ال��ت��واص��ل ،م��ع تلك المؤسسة إمكانيات مادية ،وفنية ،لمّا تزل في حراك متواصل ،الثقافية ،في بواكير إنشائها .وقد أدركت من خالل ذلك وتجديد مستمر ،واستثمار لكل مستحداث العصر ،التواصل ،أنها تمتلك القدرة على االستمرار ،والتطور؛ ووجودها بهذه اإلمكانيات يضيف إلى المنطقة مزيداً فاإلمكانات المادية ،ضمنت لها االستمرار واإلمكانيات من العلم والثقافة ،كما أنها تخلق أجواء معرفية تغري المعرفية ضمنت لها التطور ،ومواكبة الحياة المتغيرة، الهوات والشدات ،وتهيئ لهم مكاناً قصياً يخلون فيه مؤشر وح��ي ث��اق��ب ،يستشرف المستقبل ،ويستوعب بما يريدون من الكتب ،واألجهزة الحديثة ،التي تختصر تجارب من سبق .والمؤمل من ذوي الثراء ،أن يستبقوا الجهد والوقت. الخيرات قبل أن يسبق إليهم العجز أو الموت ،فيحول وال��ح��دي��ث ع��ن المشاريع الثقافية العمالقة ،يقّر بينهم ،وبين ما يشتهون .وما أكثر الذين فوّتوا الفرص
اجلوبة -خريف 23 1427
وال��م��ؤس��س��ات ال��ث��ق��اف��ي��ة ،إن ل��م تمتلك المرونة، واالستجابة للمتغيرات ،تظل أثراً بعد عين.إن الحضور الفاعل لكثير من المؤسسات ،مرده إلى مرونة الحركة، والتواصل االيجابي مع كل المستجدات .قد توفرت تلك لمؤسسة العرقية ،على المبادرة ،والعمل الناجز، واستوعبت كل المستجدات التنظيمية. ومؤسسة السديري من ذلك النوع ،إنها كما لو كانت بنت ساعتها ،تستجيب لمتطلبات المرحلة ،وإذا كان أبناء الفقيد ،قد استجابوا لنداء الوطن ،وبذلوا المال والجهد والوقت ،فإن واجب النخبة شد أزرهم وتبادل المنافع مع تلك المؤسسة الحضارية ،فما هي بكل امكانياتها إال ملتقى لتالقح األفكار. واس��ت��ج��اب��ة ال��ع��ل��م��اء ،وال��م��ف��ك��ري��ن ،واألدب�����اء ،تمكن المؤسسة م��ن الحضور ال��ف��اع��ل ،وم��ا دام���ت مشرعة األب���واب لكل ق��اص��د ،ف��إن م��ن الخطأ التسويف ،إنها قائمة الستيعاب أكثر عدد من طالب المعرفة. وحق المحسنين ،أن نُعّرف بهم ،وأن نمهد الطريق للوصول إلى منشآتهم ،هنا وهناك ،فالتواني والعزوف يعطالن المنافع المتداولة لكل منتفع ،واالستفادة تسعد المؤسس في قبره ،وتسعد أبناءه الذين يودون أن يمتد نفع المؤسسة ،وماذا علينا وعليهم ،وقد قامت المؤسسة بقاعاتها ،وكتبها ،ومجالتها ،ومواسمها الثقافية ،أن نواصل التواصل ،حسب الطاقة ،ووفق اإلمكانيات. ف���إن ق��ام��ت ح��اج��ات��ن��ا إل��ي��ه��ا ،ف�لا ض��ي��ر أن نسعى إليها ،وإن قامت حاجاتها إلينا ،فمن حق المحسن أن تستجيب ل��ه ،وبخاصة أن مواسمها الثقافية بحاجة إلى المشاركين .إننا في زمن المجتمع المدني القائم على المؤسسات ،واستجابة القادرين يعطيه مزيداً من القدرة على استكمال متطلباته ،ول��ن يأخذ المجتمع زينته حتى يكون العمل فيه على قدر الطاقة .رحم الله الفقيد ،وجعل ما ق��دّم في ميزان حسناته .وش�� ّد أذر عقبه ،ومنحهم القوة لمزيد من العطاء. < رئيس النادي األدبي بالقصيم -سابقاً.
24
اجلوبة -خريف 1427
> إبراهيم خليف مسلم السطام
وقفة مع سيرة أمير
ملف العدد على أنفسهم ،وعلى من يحبون بالتسويف والتردد.
أث���ن���اء زي�����ارة ج�ل�ال���ة الملك سعود ,رحمه الله ,إل��ى منطقة ال��ج��وف ع���ام 1373ه���ـ ،حضر إل��������ى م���خ���ي���م ج��ل�ال����ت����ه أح����د المواطنين ،وه��و يحمل شكواه ض���د أم��ي��ر ال��م��ن��ط��ق��ة ،وبسبب ت��زاح��م ال��م��راج��ع��ي��ن ت��ع��ذر على هذا الرجل الوصول إلى مكتب ال��م��ل��ك ف��ي ال��م��خ��ي��م ،وتصادف م��رور األمير بجوار هذا الرجل فتناول شكواه ،وسلمها لجاللة ال��م��ل��ك س��ع��ود ،ف��ق��ال ل��ه الملك ه���ذه ال��ش��ك��وى ِض����دَّ ك ،فأجاب األمير أعلم ذلك جيداً .فإذا كان له حق عندي ،فخذوه مني ،وإن لم يكن فاألمر لجاللتكم. عن هذا الرجل أحدثكم ،ذلكم هو األمير عبد الرحمن بن أحمد السديرى أمير منطقة الجوف سابقاً ,رحمه الله ،وهذه إضاءة سريعة على صفاته اإلنسانية , ال��ذي يستعصى علينا ف��ي هذا العصر ،أن نجد منافساً له في ميدان الحكمة والتواضع .ومن العسير أيضاً أن ينتزع أحد منه ��ات عُ��رِ َف بها بين الخاصة ِص�� َف ٍ والعامة من سكان ه��ذه البالد، ع��ل��ى م���دى س��ن��وات ن��ح��و نصف ق��رن قضاها بيننا .لقد كانت ش��ع��ارات��ه وم��درس��ت��ه األخالقية مضرب المثل للجميع ،وإذا تعذر اإلتيان عليها بالتفصيل فلنذكر
ملف العدد ما تيسر منها بإيجاز:
من يلوذ به من أبناء هذه البالد ،ولعله من النادر أن يخلو مجلسه أو مكتبه من واحد أو أكثر من الوافدين إليه من ب��وادي المملكة وح��واض��ره��ا ,يطلبون منه العون والشفاعة أمام والة األمر ،ومن العسير عليه أن يرد أحداً خائباً.
يشاطر ال��ن��اس أفراحهم وأت��راح��ه��م ،ويستجيب لدعواتهم ويحضر مناسباتهم ،ويقضى ساعات من وق��ت��ه إلص�ل�اح ذات البين؛ لكي يَ��حُ ��لَّ ال��وئ��ام محل الخصام بين األسر وأهل الخصومات .كان عوناً لكل
وننتظر ت��دوي��ن سيرة األم��ي��ر ,و إص��داره��ا في ال وافياً لتاريخ األمير عبدالرحمن كتاب ,يضم سج ً السديري ,يوّثق أعماله ومبادراته خالل حياته ,التي أمضى نحو نصف قرن منها أميراً لمنطقه الجوف.
الحلم سيد األخالق :نعم لقد و ُِهبَ األمير ِحلماً وعاطفة و َِسعَتْ الجميع ،حتى أولئك الذين جَ هِ لوا أو أس���اؤا بجانبه وم��ا أك��ث��ره��م .ول��و ك��ان ف��ي هذا المقام متسع للحديث المتألت الصفحات بالروايات واألخبار ,التي تتكرر على ألسنة الناس ,هنا وهناك , كان يصغى إلى اآلخرين من حوله ،من ذوي الرأي ع��ن مناقبه وم���آث���ره ,وح��س��ن تعامله م��ع الخاصة والحكمة وم��ن ذوي االخ��ت��ص��اص ،ول��م يكن يبخل والعامة. النصيحة يسديها لمن هو بحاجة إليه أو يطلبها وفي جميع األح��وال ،وفى أيامه ولياليه ،لم نَلْقَه منه. غاضباً ،وال منفعالً ،وال متعجالً ،مهما كان الخطب وحتى في جانب العمل الرسمي ،فقد كانت تَ ْغلُبُه ج��ل�لاً ،وال��م��وق��ف ع��س��ي��راً ،ف��ك��ان حظه عظيماً في النزعة اإلنسانية في تصرفاته وفى قراراته؛ َف ُق َبيْ َل حياته ،ونرجو له ذلك في آخرته .أما شعاره اآلخر إحداث البلديات في المنطقة ،كان يحث الناس على فهو: توثيق تَ َمل ُِك أراضيهم تحسباً للتعقيدات اإلدارية من تواضع لله رفعه :لقد ك��ان من اليسير على المنتظرة .وعندما حلت السنوات العجاف بالمنطقة الشيخ والمرأة والضعيف وذي الحاجة ،أن يوقفه أو خالل الفترة من 1370إلى 1380هـ سعى إلى إقامة يخلو به على إنفراد ,وهو في طريقه أو في مكتبه ،مشروع توطين البادية في وادي السرحان وصوير ِليُفْضى إليه بشكواه ،و ِل َيبُثَّه ما يجيش في خاطره، وغيرهما ،كما سعى إل��ى ص��رف مكافآت لطالب وم���ا أك��ث��ر أول��ئ��ك ال��ذي��ن حُ ��لَّ��ت مشاكلهم وق ُِضيَت المدارس بهدف تشجيعهم على مواصلة التعلم .وكان حاجاتهم بفضل الله عليه ،إذ منحه قلباً كبيراً يتسع رائ��داً للنهضة الزراعية ,ومشجعاً للعلم والرياضة، لهموم اآلخرين. وم��ا أكثر مساعيه وم��ب��ادرات��ه اإلنسانية في خدمة أما عصاه السحرية :فهي الصبر والصفح وهما أمته ووطنه. من ع��زم األم��ور ،وبهما يَح ُّل المعضل من القضايا ولمن يريد التعرف إلى شخصية هذا األمير عن والشائك من األمور .كان صاحب مدرسة فريدة في تعامله مع مواطنيه ،كان أب��اً وأخ��اً للجميع؛ ينشغل قرب ,فسوف يجد بُ ْغيَته في ديوانه (القصائد) وفى بقضية العاجز والضعيف ،ويتابعها بنفسه حتى تُحَ لْ ،قصيدته (الرفيق) ،وسيجدهما مشحونان بالحكمة ويعفو ع��ن ال��ج��اه��ل ،ويستجيب للشفاعة ف��ي غير والعاطفة ،و تقطران بالوجدان واألحاسيس الفياضة نحو مجتمعه ،ونحو محبيه ،وذوى قرباه. الحدود.
اجلوبة -خريف 25 1427
ملف العدد
عبد الرحمن بن أحمد السديري..
الذي أحب الشعر والسياسة ..واالخضرار > د .عبد الرحمن الشبيلي أراد له ال��ق��در ،منذ شهر ش��وال 1410ه���ـ ابريل السعودية األولى. 1991م ،أن يبقى فاقد الوعي ،طريح الفراش ،تحت كما اشتهر من هذه العائلة حفيده أحمد السديري رقابة األجهزة الطبية ،تغذي عروقه ،وتنظم نبضات (الثاني) ،وهو والد األمير عبد الرحمن (شخصية قلبه؛ فال هو الذي ارت��اح ،وال هو الذي فتح عينيه، هذا الموضوع) وجد الملك فهد وإخـوانه لوالدتهم، كي تقر بالمحيطين بحبهم حوله ،ويرى كيف تحولت وق��د اسند إليه الملك عبدالعزيز مسؤوليات عدة الحياة طيلة فترة مرضه األخير. في الوشم والقصيم واألف�لاج والغاط ،وتوفي عام وفي الوقت ال��ذي يتعذر على كاتب مراقب مثل 1354هـ 1934م ،وخلف من األبناء ثمانية وهم :تركي محرر هذه السطور ،أن يكتب في عجلة عن إنسان وعبد العزيز وخالد ومحمد وعبد الرحمن ومساعد ل��م يجالسه ،أو يعش قريباً م��ن��ه ،لكن زم��ال��ة ابنه وسليمان وبندر ،ومن البنات خمس عشرة ،من بينهن األوس���ط (د .زي���اد) ف��ي مجلس ال��ش��ورى ،وصداقة حصة بنت أحمد السديري وال��دة األمير عبد الله إخوته ،قد أتاحت لي فرصة ق��راءة بعض صفحات بن محمد بن عبد الرحمن والملك فهد وأشقائه سيرته ،والتعرف على منهجه وتفكيره ،وسماع شيء وشقيقاتهم. م��ن ش��ع��ره ،وزي���ارة معشوقتيه( :ال��ج��وف والغاط)، ولد عبد الرحمن السديري في بلدة الغاط عام ومتابعة نشاط مؤسسته الخيرية ،والتنزه في مزرعته 1328هـ (1918م) ،وتلقى تعليمه في الكتاتيب ،على (الفاخرة) ،وتذوق انتاجها من التمر الفاخر ،والتجول يد عدد من مشايخ بلدته ،والوافدين إليها من أقاليم مشياً على األقدام في المناطق المحيطة بالغاط ،من م��ج��اورة ،ث��م سعى لتطوير نفسه ف��ي زم��ن ل��م يكن سهل الحمادة ونفوذ الثويرات وعروقه ،إلى المستوى يوجد في نجد أي ل��ون من أل��وان التعليم الحديث غرباً. (حتى منتصف الخمسينيات الهجرية الثالثينيات إن أسرة السديري المعروفة في محافظة الغاط الميالدية). (بإقليم سدير التابع لمنطقة الرياض) ،نزحت منذ لكنه ،وقد نشأ ،شأنه في ذلك شأن كل إخوانه قرون من جنوبي نجد .وقد اشتهر منها جد معظم السبعة ،في بيت منهمك مع المؤسس الراحل (الملك أفرادها الحاليين :أحمد السديري (األول) وهو جد عبد العزيز) في جهوده المظفرة لتوطيد أركان الدولة الملك عبد العزيز لوالدته ،وقد تولى إمارة اإلحساء الفتية ،وتأمين أسباب األمن في إرجائها ،وجد في في عهد اإلمام تركي بن عبد الله آل سعود ،مؤسس بيئة أسرته المعروفة بالفروسية واألدب واالنفتاح الدولة السعودية الثانية ،ثم أوكل إليه إمارة البريمي ال��ف��ك��ري تعويضاً ع��ن السير ف��ي مناهج الدراسة (وساحل عُمان) في حدود عام .1853وتذكر بعض كتب التاريخ أن صلة هذه العائلة باألسرة المالكة النظامية ،المحرومة منها نجد أساساً. وفي الخامس من شهر رمضان المبارك 1326هـ السعودية ربما كانت قد ب��دأت منذ أواخ��ر الدولة
26
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد ( 1943/9/5أي خالل عهد الملك عبد العزيز) عُين والمرجو ،بالمنهج نفسه ،أن يسعى إلعادة إصداره أميراً لمنطقة الجوف ،الواقعة شمال غربي المملكة إلضافة كل ما جد عليه من قصائد أو مساجالت ،مع العربية السعودية ،وكان قد بلغ الرابعة والعشرين ،استدراك ما قد يكون لوحظ عليه من تصويبات. واستمر في هذا المنصب ثمانية وأربعين عاماً ،إلى صنفت في وقد تضمن الديوان نحو مائة قصيدةُ ، أن تقاعد في 1410/7/1ه����ـ 1990/1/27م .وقد خمسة فصول هي :الشوارد ،والوجدانيات ،والغزل، شارك في بداية عمله بنشاط سياسي وأمني استمر والرثائيات ،والعرضات ،مع فصل إضافي خصص نحو سبع سنوات ،يتعلق بمفاوضات الحدود الشمالية الغربية مع جيرانها .وقد أقام له أهالي الجوف مساء للقصائد المتبادلة (الردود) ،وقد قامت مؤسسة عبد ال الرحمن السديري الخيرية بنشره ،وخصصت ريعه يوم الخميس 1410/10/29هـ ( )1990/5/24حف ً تكريمياً حضره األمير أحمد بن عبد العزيز ،نائب لألهداف الخيرية. وزير الداخلية. ويمكن في هذا المقام أن يُستشهد بأبيات من لكن ال��ق��در ل��م يمهله ط��وي�لاً ،بعد ت��رك العمل( ،وصيته) التي يقول فيها موجها حديثه إل��ى ابنه ليستمتع ب��راح��ة ب��ع��ي��دة ع��ن ال��ت��زام��ات الوظيفة ،األكبر فيصل (وهي من تسعة أبيات): وليسعد ب��أوق��ات يقضيها ق���رب أوالده وأحفاده ،ال م��ت ف��ي رأس الشعيب ادفنوني فعاجله المرض ،ليفرض عليه إقامة إلزامية دامت ب��ال��رج��م ف���وق ال��م��ال��ح��ة والبديعة خمسة عشر عاما .وقد أنجب من األبناء خمسة هم: اض���ف���وا ع���ل���يّ ت��راب��ه��ا واحفظوني فيصل ،وسلطان ،ود .زياد ،وعبد العزيز ،ود .سلمان، وح��ط��وا ع��ل��ى ق��ب��ري ح��ص��اة رفيعة ومن البنات ثمان هن :دليل ،وحصة ،وجهير ،ولطيفة، أن����ا م���ن ال��دن��ي��ا خ��ل��ص��ت اعذروني وشيخة ،وجواهر ،ومشاعل ،وريم. ل��ي ج��ان��ب ال��ل��ه ع��ن ح��ي��اة وضيعة إن من الصعب أن يوجز التاريخ في سطور ،كما ويقصد بالبيت األول مزرعة له أخرى على ضفاف أن المقام أيضا ال يتسع لإلطالة ،فنكتفي بلمحات شعبي الغاط. موجزة من حياته:
األولى:
الثانية:
لم يشتهر عبد الرحمن السديري كثيرًا بين الناس بشاعريته ،لكن م��ن يتأمل ف��ي دي��وان��ه (القصائد) المطبوع عام 1403هـ 1983م سيجد أنه أمام شعر رق��ي��ق ال��ك��ل��م��ات ،ج���زل األس���ل���وب ،عميق المعاني، وأن ديوانه لم يأخذ نصيبه الجدير به من التوزيع وال��دراس��ة النقدية ،وربما ك��ان ع��زوف الشاعر عن نشر إنتاجه في حينه قد أسهم في عدم شهرته.
أن األمير عبدالرحمن السديري ،الذي أمضى كما سلف ،قرابة نصف قرن أميراً على منطقة الجوف، قد نشأت بينه وبين المنطقة حميمية خاصة ،بلغ بها األمر أنه ال يكاد يغيب عنها عدة أيام ،حتى يبث لهفته نحوها شعراً للعودة إليها ،ثم يبادله األهالي تحاياه بأحسن منها.
على أن الديوان قد أعد بمنهجية عالية الجودة وهوامش مستوفية ،وقّدم له ابنه (د .زياد) بمقدمة حلل فيها شعر وال���ده ،وضمنها دراس��ة عن الشعر ال��ن��ب��ط��ي ،وع���ن األغ����راض ال��ش��ع��ري��ة ال��ت��ي طرقها،
ولقد ص��وّر أح��د األدب���اء وه��و د .احمد اللهيب حالة المنطقة م��ع أميرها ،بأنها حالة ف��ري��دة من األلفة والتآخي ،وتبادل المساجالت المليئة بالود والمشاعر النبيلة من الطرفين ،في وضع استطاع من خالله أن ينتقل من قصر اإلم��ارة ولغة السطوة
اجلوبة -خريف 27 1427
ملف العدد إلى عطف األبوة وشفقتها ،وإن المجتمعات في أزمة البالد) ،كما اهتم بإقامة سباقات الهجن التي كان من هذا النوع ،وقد تضمن ديوانه ،فص ً ال مستقال لمنطقة الجوف أسبقية التفكير فيها ،مع ما يرافقها لهذه المساجالت أطلق عليه اسم «الجوفيات». من أنشطة تراثية ،كمعارض السجاد والمنسوجات التي تتم بأيد نسائية محلية ،فأصبحت تلك األنشطة الثالثة: من أهم المهرجانات السنوية التي يترقبها األهالي أنه كان من أوائل من سعى إلى تجسيد رغبته في وتجتذب إليها السائحين والزوار. تنمية منطقته ثقافياً بشكل مؤسسي باق لألجيال، ومن الجدير بالذكر ،أنه قد دّون تاريخ منطقة فأنشأ عام 1403ه��ـ 1983م في أثناء توليه اإلمارة الجوف (ودومة الجندل) ،التي تعد إحدى أبرز مخازن مؤسسة خيرية وقفية تحمل اسمه ،وتعمل على نشر اآلث��ار في المملكة ،وتضم معالم تاريخية إسالمية ال��وع��ي المعرفي والثقافة العامة ،وخ��دم��ة التراث وثمودية ونبطية ،وش��واه��د حضارية تمثل امتدادا الشعبي النابع من المنطقة ،وكان من أبرز انجازات آلثار البتراء ومدائن صالح ووادي النيل وفلسطين، هذه المؤسسة مكتبة عامة عامرة للرجال وأخرى فألف كتاباً توثيقياً بعنوان« :الجوف :وادي النفاخ»، للنساء (دار الجوف للعلوم). صدر عام 1406هـ ،1986وتمت ترجمته إلى اللغة إن ه��ذه المكتبة التي ك��ان قد أس��س نواتها عام االنجليزية مع تخصيص ريعه لألهداف الخيرية، 1882ه���ـ 1962م ،ل��م تكن مكتبة تقليدية ،ب��ل داراً التي أنشئت المؤسسة من أجلها ،وقد صدرت الطبعة حقيقية للبحوث المتعلقة بتاريخ المنطقة وتراثها ،الثانية (المزيدة والمنقحة) عام 1426هـ 200٥م. وتدوين ما يتعلق بدراسات الرحالة والمستشرقين وكانت جريدة «الشرق األوسط» في عددها الصادر التي تحدثت عنها. يوم ،1982/8/2قد استعرضت أبرز محتويات هذا ول��ع��ل م��ن أب���رز ان��ج��ازات ه��ذه المؤسسة أيضاً الكتاب ،كما تطرق إليه كتّاب آخ��رون في الصحف جامعاً ومدارس ونزالً فندقيا بنيت على أحدث الطرز السعودية المحلية. المعمارية المستمدة من تراث المنطقة. لقد تطرقت م��راج��ع ع��دة إل��ى ذك��ر األم��ي��ر عبد الرحمن بن احمد بن محمد السديري ،ومن بينها الرابعة: ك��ت��ب ب��ع��ض ال��رح��ال��ة ال��م��ع��اص��ري��ن األج��ان��ب الذين وكان عبد الرحمن السديري من أمراء المناطق م��روا بالشمال الغربي م��ن ال��ج��زي��رة العربية ،مما الذين حرصوا على إقامة مزرعة نموذجية ،تكون قامت مؤسسته الخيرية برصد كتاباتهم الجغرافية مدرسة تطبيقية تخدم التجارب الزراعية المناسبة التاريخية. لبيئة الجوف .وقد أردف إنشاء هذه المزرعة بإقامة وه��ك��ذا ،ف��ان اس��ت��ع��راض��اً س��ري��ع��اً لسيرة األمير مسابقة محكّمة ل��ل��م��زارع��ي��ن ،م��ن��ذ ع���ام 1385ه���ـ 1965م ،تُقدم فيها الجوائز لألفضل في كل جوانب عبد الرحمن السديري ،آخر أخوال خادم الحرمين اإلن��ت��اج ال��زراع��ي ،وتنظيم البساتين ،واالبتكارات الشريفين الملك فهد ،رحمه الله ،وأشقائه وشقيقاته، يكشف عن كثير من أوجه التشابه بينه وبين إخوته الخاصة بالمهنة. ولم يتوقف تفكيره عن االهتمام بأمور الزراعة ،السبعة أبناء احمد السديري ،وبخاصة في النشأة بل شملت كذلك قضايا تنموية اجتماعية أوسع ،مثل :والمسؤوليات والشاعرية ،وأمور أخرى. مشروع توطين البادية في وادي السرحان (شمالي < إعالمي سعودي.
28
اجلوبة -خريف 1427
رحمه الله رحمة واسعة
ملف العدد
عبدالرحمن السديري
أمير اجلوف :مسيرة حافلة > د.عبد الواحد احلميد فقدت المملكة أح��د رجاالتها البارزين :األمير
ح��������������������اذور ل���������ي���������اك ت����خ����ف����ي����ه����ا
عبدالرحمن بن أحمد السديري ،ال��ذي انتقل إلى دار ورا ال�������ع�������رق م�������ن غ�������ادي ل��������و غ������ب������ت م������ان������ي������ب ن����اس����ي����ه����ا رحمة الله ،بعد حياة حافلة بالعطاء واإلنجازات. وقد قضى معظم سني حياته أميراً لمنطقة الجوف ،دار ب�����ه�����ا ال�������ج�������ود واج��������������وادي وارتبط تاريخه الشخصي بتاريخ هذه المنطقة ،حيث ظل أميراً لها من عام 1362هـ إلى عام 1410هـ.
غ����ي����ر ال������وف������ا ،ال����ض����ي����ف يغليها وك��ان األمير عبدالرحمن شاعراً كبيرا ً،يرتجل
وعلى مدى تلك السنوات الطويلة ،كان ارتباطه القصائد في المناسبات والعرضات الشعبية ويتغنى الوثيق بالمنطقة ،فلم يكن مجرد حاكم إداري للمنطقة بالجوف ..وحتى في سفره للعالج خارج المملكة ،كان
وإنما ارتبط ارتباطاً حميمياً بها وبأهلها ..فقد كتب يكتب القصائد عن الجوف ،ويرسلها مع المسافرين عنها كتابه الشهير «الجوف :وادي النفاخ» ،الذي يُعد الذين يزورونه ،ومنها قصيدة «المطراش» ،التي كان
أهم وأشمل كتاب مرجعي عن المنطقة ..كما كتب من ضمن أبياتها قوله: العديد من القصائد ،التي يتغنى فيها بالجوف وأهلها هيه ياللي ن��وي��ت��وا على المطراش وكرمهم ،ومنها «هجينية» شهيرة متداولة بعنوان «بلغ
خ����ب����رون����ي ع����ل����ى ال����������درب وادلّ��������ه
سالمي» ،يخاطب فيها أحد مرافقيه وسائقه واسمه جسمي ال��ل��ي على شوفكم معتاش إن رح�����ل�����ت�����وا ت���ب���ي���ن ع����ل����ى خله «قادي» يقول فيها: ������وص������ل ال������ق������ول ي������ا ق������ادي م������ا ت ّ ل��������ل��������دار وال��������ل��������ي س�����ك�����ن ف���ي���ه���ا ج���م���ل���ة ه�����ل ال�����ج�����وف وال����������وادي ل����ل����ح����ض����ر وال���������ب���������دو ت����ه����دي����ه����ا ب������لّ������غ س���ل��ام������ي ب����ل���ا اع������������دادي
خ����ب����رون����ي ع�����ن ال���������دار ي�����ا ه���نّ���اش وارف����ع����وا ل���ي ص����دى ص��وت��ك��م كله ج��ع��ل وب���ل ال��ح��ي��ا ال ن��ش��ا واهتاش ي��س��ق��ي ال���ج���وف م���ن ب��ي��ط لمظله دارن������ا ح��ب��ه��ا م���ن ص��م��ي��م الجاش
اجلوبة -خريف 29 1427
ملف العدد م���ن ن��س��اه��ا ع��س��ى ال���ن���ار م��ث��وى له النشر ودع��م األبحاث ،تشرف عليه «هيئة النشر»، وف��ي مسيرة األمير السديري ،استهواني دائماً وقد صدرت عنه كتب عديدة في مختلف المجاالت. اهتمامه بالجانب الثقافي؛ فقد أنشأ في الثمانينيات كما يوجد برنامج لتمويل البحوث الميدانية والرسائل الهجرية من القرن الماضي المكتبة العامة بالجوف العلمية ،ال��ت��ي ت���درس م��وض��وع��ات تتعلق بمنطقة من حسابه الشخصي ,ووفّر لها الكتب والمطبوعات الجوف .كما تصدر عن المؤسسة مجلتان« :الجوبة»، وال��ص��ح��ف ..ف��أص��ب��ح��ت م��رك��ز إش��ع��اع ث��ق��اف��ي في وهي مجلة ثقافية؛ ومجلة «أدوم��ات��و» ،المتخصصة المنطقة .وال زلت أذك��ر كيف كنت في فترة مبكرة م��ن العمر ،أت���ردد على تلك المكتبة ،وأم��ك��ث فيها في مجال اآلثار ،التي تعد اآلن في طليعة المجالت الساعات الطويلة لقراءة الروايات العالمية ،ودواوين اآلثارية المتخصصة المحكّمة على المستوى العربي، الشعر ،والمجالت األدبية والثقافية. وحققت ش��ه��رة ف��ي األوس���اط األجنبية ،م��ن خالل وق��د ت��ط��ورت ه��ذه المكتبة إل��ى مؤسسة ثقافية البحوث التي تنشر في القسم االنجليزي منها .وقد ال في الجوف في ديسمبر كبرى ,هي دار الجوف للعلوم ,وهي جزء من مؤسسة نظمت مؤتمراً علمياً حاف ً عبدالرحمن ال��س��دي��ري الخيرية .وق��د ح��دد نظام 2005م بعنوان «المدينة العربية» ،حضره علماء المؤسسة أهدافها األس��اس��ي��ة ،المتمثلة ف��ي جعل ب��ارزون في مجال اآلثار من داخل المملكة ،والعالم دار الجوف للعلوم «مركزاً للبحث العلمي واألدبي، العربي ،وأوروبا ،واليابان. تتوفر فيه وسائل الدراسة واألبحاث العصرية ،قادراً على اإلسهام في هذا المجال على مستوى البالد وتقيم دار الجوف للعلوم نشاطات منبرية ،بشكل السعودية والدول العربية المجاورة» ،و«حفظ التراث مستمر ،يدعى لها أدباء وعلماء ومثقفون بارزون من األدب��ي واألث��ري في منطقة الجوف ،وإنشاء متحف داخ��ل المملكة وخارجها .كما إعتمدت المؤسسة لهذا الخصوص ،ودعم الدراسات ونشر المعلومات ب��رن��ام��ج��اً الب��ت��ع��اث المتفوقين م��ن أب��ن��اء المنطقة المتعلقة بمنطقة ال���ج���وف ،و«اإلس���ه���ام ف��ي دعم النهضة العلمية في منطقة ال��ج��وف ،والعمل على للدراسة في الخارج .إضافة إلى العديد من األنشطة رفع مستوى الفرد فيها :ثقافياً ،وصحياً ،واجتماعياً ،االجتماعية التي تهدف إل��ى إث��راء الحياة الثقافية واقتصادياً». واالجتماعية بالجوف. ومع مرور الزمن تطورت دار الجوف للعلوم ،حتى أصبحت اآلن واحدة من أبرز المكتبات العامة الرائدة في المملكة .وقد أنشأت منذ البداية قسماً للنساء ال لقسم الرجال .وتحتوي على أكثر من مائة مماث ً وخمسين ألف كتاب وأكثر من مائتين وخمسين دورية، إضافة إلى أوعية المعلومات األخرى ،والمخطوطات، والوسائل السمعية والبصرية ،واألفالم ،واألشرطة.
وال يمكن اإلحاطة بكل عطاءات األمير عبدالرحمن السديري وإسهاماته ،رحمه الله ،في مقالة صحفية سريعة؛ فهي متعددة تتوزع عبر مجاالت كثيرة ،ربما يحين الوقت لرصدها في كتاب عن سيرة الرجل، تصدره المؤسسة الثقافية التي أسسها واهتم بها كثيراً ..رحم الله األمير عبدالرحمن السديري ،الذي
وم��ن ضمن ب��رام��ج المؤسسة الثقافية ،برنامج رحل عن دنيانا ،بعد حياة حافلة وثرية.
30
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد
معالي األمير عبد الرحمن بن أحمد السديري الفكر الثاقب والرأي الصائب
> سالم بن حمود الظاهر عبد ال��رح��م��ن ب��ن أح��م��د ال��س��دي��ري ،رج��ل سبق عصره بكل ما تحمله ه��ذه الكلمة من معنى ،فقد كانت شفافية أف��ك��اره مدعمة بواقعية أق��وال��ه في كل المجاالت التي عمل بها منذ مطلع شبابه ,فهو األدي��ب والمؤرخ والشاعر ،الذي وضع نصب عينيه أهمية التربية والتعليم ألبناء الجوف ،وفي الوقت نفسه ،حثهم على مصادر الثقافة المتنوعة بوصفها المكمل األساس للحياة ،مؤمناً تماماً بأن المدرسة تعطي مقومات التعليم بشتى صوره وألوانه ،وتهيئ الطالب ليستمر بعد اجتيازه كافة مراحل تعليمه إلى مدرسة الحياة ،التي تستمر كشعلة ال تنطفيء، وقودها الثقافة والكتاب والمكتبة .وكذلك كانت نظرة معاليه إلى المرأة ،بوصفها النصف الثاني والمكمل للمجتمع السليم الناهض ،ولألبناء والبنات الذين هم رجال ونساء المستقبل. ف���ي ع����ام 1403ه������ـ ك��ان��ت دار ال���ج���وف للعلوم بقسميها ،فكرة يتوق معاليه إل��ى تنفيذها ،ويضع ثقافة األسرة بكاملها أمام حقيقة ساطعة .ربما رأى البعض أن الوقت كانت مبكراً لتنفيذها ،وكانت رؤية معاليه ثاقبة ،ألن الثقافة ال يمكن أن تؤجل أو يوضع لها ج��دول زمني .وك��ان معاليه يؤمن ب��أن االهتمام بالثقافة هو سبيل األم��ة إلى القوة ،ودع��مٌّ لها على البقاء ،وسال ٌح للتفوق ،ورم ٌز لعزة المواطن السعودي وكرامته ،بل وللمجتمع بأكمله.
وهكذا أصبحت دار الجوف للعلوم امتداداً لمكتبة الثقافة العامة ،التي أنشأها معاليه ع��ام 1383هـ واستمرت حتى عام 1403ه��ـ ،إذ تأسست مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية وانتقلت مجموعاتها من الكتب والمصادر ،إلى مبناها الحالي ،واستمرت ط��وال ه��ذه السنوات تمثل عظمة رج��ل ،ك��ان بعيد النظر حريصاً على الثقافة . فقد كان معاليه – يرحمه الله – يرى في الكتب مؤنساً في الوحشة ،وصاحباً ونديماً في الغربة، ومعيناً ومسانداً عند الضراء ،وسالحاً قاطعاً ضد األع��داء ،وعلى دربه سار كل أبنائه ومحبيه ،تغمده الله بواسع رحمته. وال يفوتنا أن نذكر مجلسه الذي ظل عامراً طوال حياته باستقبال القاصي وال��دان��ي يومياً ،متميزاً بالود ،والزهد ،والعلم ،والتواضع ،واألخالق الحميدة، والكرم ،والذي ذكرنا بقول الشاعر: وذكّرني حلـو الزمان وطيبه مجالس قوم يملئون المجالسا حديث ًا وإشعار ًا وفقه ًا وحكمةً وبر ًا ومعروف ًا وإلفـ ًا مؤنسا
اجلوبة -خريف 31 1427
ملف العدد
في وداع والدي عبدالرحمن بن أحمد السديري يرحمه الله
> رمي بنت عبدالرحمن أحمد السديري وقفت عاجزة أمام شجرة الحياة ..ألملم أجزائي المبعثرة،
ألجمعها في ص��رّة الحياة ،وأحكم إغالقها ،وأحملها على ظهري ألتابع المسير.
مددت يدي لتلتقط حزني ..فيهتف بي صارخاً ..ويحك
ريم ..انتهى ماضيك! ..انتهى حزنك!...
فصرخت بألم ،جاثية على ركبتي ..وق��د انحنى ظهري
وعجز ع��ن حملي ،لجلل ال��م��ص��اب ..مطلقة لدمعي العنان ليجري منهمراً ح ّراً ..غير عابئة بحجمه أو غزارته..
ال يطرق ص��دري ..يريد أن وألمي يهتف صارخاً مجلج ً
يتفلّت ،ومحاولة كبحه يعقبها زل��زال يهزني ..وصرخة بعد
صرخة ..مكتومة بين حنايا صدري ...و كتمان األلم يعتصرني.. يؤلمني ..فألملم كلتا يديّ حول صدري ،أحاول تهدئة روعي..
فأعجز ..فأنظر حولي ،فأرى عيوناً تائهة حزينة ،ووجوهاً شاحبة صامتة يعتصرها األل���م ..ف��ي��زداد أل��م��ي؛ فهي إذن
حقيقة ماثلة ..يحاول فكري الهروب منها إلى الخيال ،وأبتعد عن الواقع األليم ..لكن المصاب أكبر؛ فأفيق على الحقيقة
المرة ثانية ..ويزداد ألمي ..إنه قضاء الله وقدره ..نستقبله بالتسليم والرضا ..ولكن ألم الفقد يخيم علينا كشبح أسود
أمام العيون بالغبش ،فتمتد لتنتزع من قلوبنا الصبر والرضا،
غير عابئ أو راحم عبرة محب..
وال���دي ،بكيتك وتمنيت أال أبكيك ..حزنت وتمنيت أال
أح���زن ..وتمنيت أال أت��أل��م ..فالله سبحانه وتعالى أكرمنا
بك ..فوهبك ما لم يهب إال القلة من عباده ..ميّزك بصفات
جليلة ..قديرة .لقد حملت لواء التقى والهدى؛ ففتح أمامك
32
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد طريق الخير لتكون نبراساً يقتدي به ،ويستظل تحته األص��ي��ل��ة الجميلة ..فوقفت بجانبها ح��اض��ن��اً لها الكثيرون ..فكنت خير القائد وخير المعلم ،وخير وداعماً ..لترى النور من جديد؛ فيسلط عليها الضوء القدوة ،وخير الحكيم ..وهبك الله صفات جليلة ..وعلى مميزاتها التي تبعث على الفخر. تستمد طاقتها من ديننا اإلسالمي الحنيف ..فكنت فكانت المدينة الفاضلة ..هداها أجمل هدية مرشداً لنا إلى هدي الرسول الكريم ..وآخذاً بأيدينا ت��ه��دى ..هدية العلم والثقافة؛ ف��ب��رزت دار العلوم إلى واحة اإليمان لنرتع في رحابها.. شامخة ل��ت��ؤدي دوره���ا عبر ال��زم��ن ..ليرتقي على ب��دأت مسيرة حياتك صالحاً مصلحاً ..حاضناً أعتابها المتميزون ،وليكونوا ه��دي��ة عبدالرحمن معلماً ..باراً مب ّراً عطوفاً داعماً ..وسمو أخالقك ..أحمد السديري للوطن وألنفسهم ..فقد كان دائماً وال����دي ..يعكس معدنك األص��ي��ل ..ففعلك موافق يؤمن بأبناء الجوف وقدراتهم.. لفكرك.. ولم تكن الجوف محط اهتمام الوالد يرحمه الله شققت طريقك ..ون��ور اإلل��ه ي��رع��اك ..والرؤية ويسكنه فسيح جناته -فحسب .فقد التفت إلىالواضحة تمهد مسيرتك ..والهدف السامي يوصل الغاط ،وفاء لها ولشعابها ..فأعاد اإلهداء لها بمجال من حولك إل��ى الطريق القويم ..فعملت وأجدت.. ثقافي علمي ..وبدعم من حرمه منيرة بنت محمد وب��ذل��ت واج��ت��ه��دت ..وك��ان همّك إس��ع��اد اآلخرين.. الملحم ..فتقف الرحمانية شامخة بين نخيلها لتؤدي وتيسير أمورهم وحمايتهم ..وإط�لاق ما لديهم من دورها في مجال العلم والثقافة ..آثارك والدي ..ما طاقات ..وكانت هذه سعادتك ..بأن ترى اآلخرين تزال شامخة ..تنبض بروحك النبيلة ..إنها عزائي س��ع��داء ..استقبلت الكبير وال��ص��غ��ي��ر ..واحترمت إلى أن ألقاك.. واحتويت الجميع ..وحنوت عليهم ..وقدمت لهم يد ها أن��ذا أم�� ّد ي��دي ألقبض على تميمة الحياة.. الضال.. العون ..قدرت الفاضل ..وأدبت ّ ألع��ي��د لقلبي رض���اه ب��ال��ق��ض��اء ..وص��ب��ره ع��ل��ى ألم ال يقتدى ..ويحتذى ..خططت وبنيت.. كنت مث ً الفراق ..ألخ��رج من كهف أحزاني وظلمته ..رافعة وك��ن��ت ح��ري��ص��اً على مصالح ال��ج��وف داع��م��اً لها.. فاستخرجت أجمل ما في ال��ج��وف ..وكانت روضة رأس���ي ..شامخة ..أح��ث الخُ طى .فيكفيني فخراً غ�� ّن��اء ..يسودها األم���ن واألم�����ان ...وحلّقت فوقها أنك وال��دي ..وأني أحمل اسمك ..سأسير في هذه حمائم ال��س�لام ..ف��ت��م��ددت واستلقت وغ��ف��ت تنعم الحياة ..ون��ور اإلي��م��ان يضيء طريقي ..وأملي أن بالهدوء والسكينة ..تسود فيها فضائل األخالق ،يكتب الله لقيانا تحت ظله يوم ال ظل إال ظله ..وأن وتحكمها أج��م��ل ال��رواب��ط اإلن��س��ان��ي��ة .حميتها من يغفر الله لك والدي ..ويغدق عليك شآبيب رحمته.. الدخيل والمستغل ..فالت ّم حولك أف��راده��ا كأسرة ويدخلك فسيح جناته ،مع الصالحين والمتقين من واحدة بألفة ومحبة ..كانت السعادة تغمرهم ،واأللم عباده ..وإنا لله وإنا إليه راجعون... يوحّ دهم. ومددت يدي أللتقط حزني ،وأضعه في الصرّة مع أحييت من التراث ما حاولت الحضارة الحديثة شديد ألمي ،وخوفي من المجهول ..وتوكلت على رب أن تنهيه ..فوقفت بفخر واع��ت��زاز لدعم موروثاتنا العباد ،ألتابع المسير في خضم هذه الحياة.
اجلوبة -خريف 33 1427
ملف العدد
مواقف إنسانية وعبر من سيرة األمير
عبد الرحمن بن أحمد السديري رحمه الله
> عـلي الراشــد
كان اللقاء األول مع معالي األمير ،رحمه الله في إحدى ليالي شعبان من عام 1403هـ الموافق يناير1983م ،وبدعوة كريمة من الدكتور زياد بن عبد الرحمن السديري ،لمناقشة تجهيزات ،مكتبة دار الجوف للعلوم .لقد كانت ليلة جميلة، وعلى الرغم من ب��رودة طقسها ،فقد أضفى عليها األمير عبد الرحمن دفئاً لطيفاً ،ومرحاً ،من خالل اهتمامه وفرحه بقرب تحقيق حلمه ،الذي راوده طويالً ،وهو افتتاح مكتبة دار الجوف للعلوم للرجال والنساء.
وجلس ،وفي تلك األثناء حضر عامل باكستاني له مشكلة �لا في المجلس نفسه .ثم انتقلنا مع كفيله ،فوجد لها ح ً إلى البستان -مكان إقامة األمير – وعلى الغداء ،جلست مجموعة من الرجال ،فسألني الضيف :هل هم من أسرة األمير وأقاربه؟ .فأجبته بأنهم من المواطنين والمقيمين؛ فباب سفرته مفتوح مثل مجلسه ومكتبه .وأثناء الغداء، حضر شاب غير سعودي ومعه أوراق ،وكان يوم أربعاء وهو نهاية أسبوع عمل ،فطلب من الشاب أن يجلس ليتناول طعام الغداء ،لكنه كان على عجل؛ فما كان من األمير إال أن طلب من مدير ضيافته االتصال مع رئيس المحكمة ،وإبالغه أن يطلع على األوراق التي مع الشاب؛ فإن كانت كافيه إلطالق س��راح وال��ده من السجن فليفعل .كل ه��ذا والضيف يتابع ويسأل عن بعض الكلمات التي لم يفهمها ،إذ ك��ان لديه إلمام باللغة العربية – وعندما ودّع األمير ،قال له «بالحرف الواحد»« :والله إننا في بريطانيا بحاجة إلى حاكم مثلك»!
زيارة أستاذ جامعي بريطاني من جامعة لندن – رافقتهكالعادة -إلى مكتب األمير المفتوح للجميع ،إذ ال تحتاج موعداً لزيارة األمير ،فما عليك سوى الذهاب إلى مكتب األمير ثم تدخل وتجلس منتظراً دورك لعرض موضوعك الذي حضرت من أجله ،ويتم ذلك بيسر وسهولة دون تدخّ ل من مدير مكتب أو حاجب؛ المهم سلّم الضيف على األمير
وموقف ثالث ،أثناء االحتفال في أحد األعياد التيرعتها مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية ،وفتحت مجال المشاركة بها ،وبناء على توجيه األمير للجاليات، وقد حدث خالف بين أفراد إحدى الجاليات العربية على قصيدة تقال في أحد عروضها وتصاعد الخالف ،فعرضت األمر على األمير فما كان منه إال أن أعد لهم قصيدة من
وأق��ول بصدق ،أني لم أتمكن من تمييز األمير عندما رأيته للوهلة األول��ى ،إذ حضر مع أخوياه (مرافقيه)؛ فال فرق بينهم ،ثم عرفته من خالل حركة الدكتور زياد وتعريف معاليه بالحضور – عندها بدأت رحلتي مع األمير على مدى الفترة الممتدة من ع��ام 1403ه���ـ ،إل��ى أن أقعده المرض، رحمه الله ،عام 1411هـ .وقد كان لي شرف اللقاء اليومي معه ،حيث أقدم لمعاليه ما يتم إنجازه في المكتبة ،وأرافق زوار المكتبة القادمين من خ��ارج المنطقة لزيارة األمير؛ وموقف آخر شهدته ،كتبت محضر الصلح الخاصفهم في حقيقة األمر زوار األمير وضيوفه ،وهو يستقبلهم ،به ،وهو يتمثل في خالف على أرض مضت عليه سنوات في ويشاركوه وجبات الطعام ويسكنون ضيافته حتى مغادرتهم المحاكم ،بين جماعتين من كبار أهالي الجوف – إذ حضر الجوف. أطراف القضية إلى مجلس األمير ،وهم في غاية االنفعال وقد كان الهتمام األمير بضيوف المؤسسة األثر البالغ والغضب ،فتحدث معهم بلغة نابعة من قلبه الكبير ،فهدأ في نفوسهم .وأود أن أع��رض لبعض األمثلة ،والتي كانت خالفهما ،فما كان منهم إ ّال أن تركوا األمر لمعاليه؛ فطلب مؤثرة إلى حد كبير ،لكنها عادة األمير التي ال يستغربها من مني أن أكتب اتفاقهم ،ووقع عليه الطرفان برضى ،وانتهى الخالف ،فهذا يعكس النهج القرآني الذي تربى عليه. عرفه ،ومن هذه المواقف:
34
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد رحمه الله ،وكانت سعادته غامرة في تسليمهم الجوائز والشهادات.
نظمه رحمه الله منها: م����ن ي�������زور ال����ج����وف ي���ل���ق���ي م����ا ي���ري���ده وي������ن م�����ا ي���ل���ف���ي م���ض���ـ���اف���ات وك����رام����ة وكان رحمه الله ،يفرح بكل مبدع من أبناء هذا الوطن ع����ـ����ادة م����ا ه����ي ع���ل���ى ال�����دي�����رة بعيدة ويهتم به؛ فقد احتفى بشكل كبير ،بصاحب السمو الملكي ك���اس���ب���ي���ن أم����ج����اده����ا ورث وش���ه���ام���ة األمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز بعد عودة سموه كان اهتمامه رحمه الله ،عظيماً بإعطاء المرأة فرصة من رحلة إلى الفضاء ،وأق��ام معاليه احتفاالت عديدة في للتعبير عن نفسها ،وإسهامها في خدمة مجتمعها؛ وخير المنطقة لسمو األمير سلطان ،وحث الشباب على اإلبداع شاهد على ذلك ،حرصه على أن يكون للمرأة مكتبة متكاملة ،وأخ��ذ العبرة .واحتفى معاليه كذلك بتميز الدكتور نايف مماثلة تماماً لمكتبة الرجال في دار الجوف للعلوم ،وحرص ال��روض��ان في مجال طب األع��ص��اب وال��دم��اغ ،و ّك��رم��ه في على تجهيز المكتبة النسائية بكل م��ا يلزمها م��ن الكتب دار الجوف للعلوم ،وطلب من الدكتور نايف أن يتحدث عن والوسائل والمواد السمعية والبصرية واإلدارة النسائية .تميزه العلمي لحث الشباب أيضاً على التميز .وال أنسى فقد وكّل إدارة القسم النسائي عند إنشائه البنته السيدة اهتمام معاليه بحفل تكريم الدكتور عارف مفضي المسعر مشاعل العبد الرحمن السديري ،وهي مؤهلة تأهي ً ال عالياً عند حصوله على درجة الدكتوراه ،فقد كانت محل سعادة م��ن ال��والي��ات المتحدة األمريكية ،وتابعت ب��داي��ات إنشاء غامرة لمعاليه. المكتبة النسائية وإدارة أنشطتها ،التي كانت وم��ا تزال كما كان رحمه الله يفرح عندما يرى زوار المكتبة في محل اإلعجاب والتقدير ،وقد حققت الريادة ،نظراً ألنها تزايد ،ويهتم بكل ما يقدم للمؤسسة من تبرعات عينية ،أو أول مكتبة عامة نسائية ف��ي المملكة – كما أن المكتبة نقدية ،أو معنوية ،على شكل مقالة أو حتى خبر في صحيفة، اس��ت��ض��اف��ت وف���ي وق���ت مبكر س��ي��دات م��ن خ���ارج الجوف وك��ان يحرص على ال��رد على الجميع وش��ك��ره��م ،وتوجيه إلقامة األنشطة الثقافية ،و هي تعد اآلن من أبرز المكتبات الدعوة لمن هم من خارج الجوف لزيارة الجوف والتعرف العامة الخاصة بالمرأة ،وأصبحت مركزاً لألنشطة الثقافية والتدريبية ،تديرها السيدة لطيفة العبدالرحمن السديري ،على مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية وأنشطتها، واألمثلة على ذلك كثيرة ال يتسع المجال لذكرها. وهي الخبيرة في مجال التربية. لقد كان معاليه ،رحمه الله ،بحق مدرسة في السلوك ال عن معاليه ،رحمه الله ،ولألمانة وأسجل هنا كلمة نق ً – ب��أن��ه كلما كنت أع���رض عليه أم����راً ،وب��ع��د أن ي��ك��ون قد المهذب والتعامل الراقي ،فلم أشهد خالل فترة تجاوزت اطلع عليه الدكتور زي��اد بن عبد الرحمن السديري مدير التسع سنوات أن سلم على شخص ،كبر هذا الشخص أو عام المؤسسة -كان يلفت نظري بكلماته اللطيفة وصوته صغر ،وه��و جالس ،أو ن��ادى شخصاً باسمه المجرد ،بل بأفضل وأحب األساليب ،وهو األخ أو أبو فالن – ولم أسمعه الهاديء« :احرصوا على رأي لطيفة ،ما لكم غنوة عنه». وكان الهتمام معاليه وحرصه على مشاركته الشخصية ،ينادي أو يناقش بصوت مرتفع أو غاضب. رحمه الله ،في جميع أنشطة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية الثقافية -م��ا ل��م يكن م��وج��وداً خ��ارج المنطقة، حافزاً ومشجعاً للمشاركين في النشاط .وقد كان رحمه الله يشارك أحياناً بمداخلة في بعض األنشطة – وكم كان سروره عظيماً ،رحمه الله ،في حفل تخريج أول مجموعة من براعم روضة الرحمانية ،عام 1407هـ ،وقد تحلّق األطفال حوله ،وكانت صورة جماعية معبّرة وجميلة لألطفال معه
ثمة م��واق��ف كثيرة شهدتها ،تفيض إنسانية ومحبة، وتواضعاً ،وستراً على عباد الله ،وهو استمرار للنهج القرآني، الذي نشأ وتربى عليه ،وكان هو ديدنه رحمه الله ،فمن ستر مسلماً في الدنيا وأقال عثرته ،ستره الله وأقال عثرته يوم المشهد العظيم يوم ال ينفع مال وال بنون إ ّال من أتى الله ال الله عز وجل أن تكون سيرته وأعماله بقلب سليم ،سائ ً الخيّرة شفيعاً له وستراً ومغفرة ..إنه سميع مجيب.
اجلوبة -خريف 35 1427
ملف العدد
عبدالرحمن السديري أمير احلكمة والعطاء > فارس الروضان ي��ق��ول ال��ش��اع��ر األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن السديري رحمه الله-م��ا ي��ن��ف��ع ال��م��ح��روم ك��ث��ر الفصاحة وال ي���درك ال��م��ي��ت م��ص��وت وملواح ف��اج��ت��ن��ي ال���دن���ي���ا ب��غ��ل��ظ وشفاحة وال���ح���م���د ل���ل���ه ع����د م����ا ب�������ارق الح
هذا ما قاله األمير الراحل لحظة حزن ورثاء..
أما نحن فهل لدينا ألسنة لنقول غير ذلك؟! إذاً ..رحل الفارس.. رحل الحكيم.. رحل القائد المحنك..
رح����ل م��ع��ال��ي األم���ي���ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب���ن أحمد
السديري ،أمير منطقة الجوف السابق..
تاريخ طويل طويل ..ومجد ال يتكرر إال للرجال
العظماء ،ال��ذي��ن حباهم الله م��ن المزايا والصفات االستثنائية..
أبو فيصل كان مجموعة من القدرات..
فكلما تحدث شخص ما عن الحكمة وبعد
النظر يتمثل بحكمته -رحمه الله -في
فن اإلدارة ،كان له صوالت وجوالت ..وكم
من تلميذ تعلّم ونهل من علمه ،خاصة في فنون التعامل..
ربما ل��م أك��ن ممن ع��اص��روه كثيراً، ولكن يكفيني ما سمعته عنه من
وال����دي -حفظه ال��ل��ه -الذي
ي��ذك��ر ل��ه ال��ع��دي��د م��ن السمات القيادية والقصص ،التي تنم عن مدى ما يتمتع به الفقيد -رحمه الله -من شموخ..
36
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد إن شئتم فهو أمير ،وإن شئتم فهو شاعر ،ومثقف ،وحتى الندامة ل��و تجرع احممها وهو فارس ،وهو كريم ،ومجدد ،وحليم ..تروى عنه
ما فات مات وساعة الغيب بالغيب
الكثير من القصص ،التي تنم عن بعد النظر وحكمة أوصيك نفسك قبل ما اتالم لمها التعامل ،ومن هذه الحكم :يقال انه إذا ج��اءه رجل بديوان االم��ارة وبفراسته -رحمه الله -يعرف ما عنده قبل أن يصله الرجل ..وبحكمة القادة ،يعرف ال��غ��اض��ب المحشو ب��ال��ك�لام فيعاكس م��ا ف��ي نفس الغاضب فيزيد له من الترحيب ..وكلما حاول النطق يسكته ،إما بطلب القهوة له أو بالسؤال عن أحواله وأح���وال الطقس ..وكلما مر الوقت يبدأ الغاضب بالتخلي عن غضبه ،ويعيد التفكير ملياً ،يريد أن يقول فتتحسن لغته ويصغر ما في نفسه ،ثم يخرج الكلمات منه أكثر حكمة وأقل حدة ،ويخرج راضياً
احسب احسابك يا عريب المجاذيب قد تكون شهادتي مجروحة في الحديث عن الوالد عبدالرحمن السديري -رحمه الله -ولكن كلمة الحق يجب أن تقال وال أظن مقالي هذا قادراً على إبراز مناقبه أو إحصاء تاريخه الطويل ،ولكنه واجب ووفاء لرجل ميزه الله بالكثير ،وقدم الكثير، وهو لي بمثابة الوالد وأجزم أن هناك غيري من يرغب في الحديث عن مناقبه ،رحمه الله . وبكوني أحد أبناء الجوف المهتمين بالثقافة؛
وفي يده الحل لكل ما يريد ..وبهذا األسلوب الحكيم فإني أق��در لمعاليه -رحمه الله -تبنيه إلنشاء ن��درك بُعد نظر أبي فيصل -رحمه الله -في فن أول مكتبة ثقافية متكاملة للرجال والنساء ترعاها
التعامل مع الناس ألنه يعلم أن الغاضب ال يخضع مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ..فقد جاءت دار الجوف للعلوم لتكون منبراً ثقافياً ،تميزت للمنطق ،وال يرى األمور كما يجب أن ترى.. بقدرتها على إبراز تراث المنطقة ومعالمها ،وكانت وتبرز حكمته -رحمه الله -في قصائده المليئة وال ت��زال المنبر الثقافي الكبير لنا ،أسهمت في بالكنوز ،والوصايا ،والتي تنم عن تجربة طويلة ومنها إبراز الجوف بشكل يثلج الصدر.. قوله: أخ��ي��راً ..رح��ل أب��و فيصل ول��ن ي��رح��ل ..فهو باق دن����ي����اك ي����ا م���ش���ك���اي ك����ل عدمها م��ن ش��ب فيها ش��اب واق��ف��ا ابترتيب بتاريخه وب��اق بوجوه أبنائه ال��ك��رام ،الذين واصلوا سيرة والدهم العطرة؛ فنسأل الله أن يجعل قبره وت���رى ال��رج��ال اف��ع��ول��ه��ا م��ن اهمها
وك��ل ال��دروب إل��ى المراجل طنابيب روض��ة من ري��اض الجنة ،وأن يغسله بالماء والثلج، وال��ب��رد ،وأن ينقيه م��ن الخطايا كما ينقى الثوب م��ن ج���اد س���اد وم���ن ت��دان��ا حرمها وم��ن ال بنا مجده عدته المواجيب األبيض من الدنس ،وأن يلحقه العلي القدير باألنبياء وم���ن ال ت��ن��دم ق��ب��ل ي��ل��ح��ق ندمها
والصالحين والشهداء ،وأن يثبته على الحق ،بإذنه
ي��ف��وت��ه ال��ف��اي��ت وع����ذب المشاريب تعالى ،ويسكنه الفردوس األعلى..
اجلوبة -خريف 37 1427
ملف العدد
من مواقف األمير
عبدالرحمن بن أحمد السديري > د /عبدالعزيز بن سعود الغزي لمعالي األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري
<
وهكذا ك��ان االمير عبدالرحمن السديري يفعل
فضائل كثيرة ،وله باع طويل في خدمة العلم وفروعه ،الخير ال يريد من وراءه جزا ًء وال شكوراً ،ولكن فاعل وال��ت��ي منها علم األث���ار ،ال���ذي أواله معاليه عناية الخير ال ينسى .فالخير يُذكّر بأهله وإن طال الزمان.
خاصة ،من خالل الجمعية التي أسسها لتخدم في وذك��رت��ن��ي مجلتا أدوم��ات��و وال��ج��وب��ة بمعالي االمير مجاالت شتى ،ومنها برنامج النشر ودعم األبحاث ،الراحل ،الذي يعد بحق من الشخصيات السياسيه وإصدار المجالت ،والتي من ضمنها ما يعني باآلثار .والثقافيه المرموقة في بالدنا ،خالل النصف الثاني ويبقى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري علماً من القرن المنصرم. في هامة التاريخ ،وله من المآثر الشيء الكثير ،الذي
يجب أن يسجل في دفاتر ال��زم��ن ،ليبقى لألجيال القادمة ،تتلقى منه الدروس في كيف يكون اإلنسان البناء.
قال الشاعر:
رجل عرف اإلدارة فأجادها ،وعرف الرجال فاختار
الصفوة منهم .وع��رف الشعر فقال أج��وده ،وعرف
الكرم فجاد بما يعجز أن يجود به الكثيرون .ومن
قصص الكرم التي سمعتها عن االمير عبدالرحمن
السديري أنه ذات مرة دعي إلى وليمة أقيمت على
الخير يبقى وإن طال الزمان بـه والشر أخبث ما شرفه ،ومعه عدد من الوجهاء ،وقدمت على وجبة أوعيت من زاد ال��غ��داء ق��ع��دان م��ن اإلب���ل ،وأغ��ن��ام ،وش��يء كثير من يبقى ه��ذا البيت من أص��دق أبيات الشعر التي المآكل ،وبعد الفراغ من الوليمه تحدث معاليه في قيلت ،وأن كان قائله غير معروف ،ولذا نسبه البعض المجلس ع��ن الشعر وفنونه ،ث��م تحدث ف��ي الكرم إلى الجن قي قصة قراءتها مشوقة ،ال يسمح المجال وضروبه ،فأشاد بكرم أهل البلده التي يتنمي اليها ب��س��رده هنا .وينطبق معنى ه��ذا البيت على منهج مضيفه ونصح مضيفه ،إن ال يبالغ فيما يقدر وبعد
معالي االمير عبدالرحمن بن أحمد السديري ،ذلك أن فرغ معاليه أجابه المضيف ،ما شاهده معاليه ال المنهج ال��ذي جعله ينظر إلى الخير وفعله دون أن يرقى لما يقدمه هو ،وذكره بأنه ذات مرة وفي مأدبه ينتظر مقابل من أحد ،فسعى ،رحمه الله ،إلى فعل أقامهـا معاليـه قدم الجمال واألغنام للضيوف ،بل الخير ،فسطّ ر مواقف نبيلة سيذكرها التاريخ.
38
اجلوبة -خريف 1427
لم يقتصر على ذلك فحشى أجوفة االبل باألغنام،
ملف العدد وأجوفة األغنام باألرانب ،وال شك أنه بهذا بلغ النهاية إلى العمل الخيري ،وتخدم نواحي عدة في منطقة القصوى للكرم.
الجوف ،التي تولى إمارتها لمدة طويلة ،فأنشأ فيها
أروي ه��ذه القصة كما سمعتها ،ولكنني أؤكد مراكز ثقافية ،وأص��در عنها العديد من الكتب ،بل للقارئ الكريم أنني ال أعلم علم اليقين إن كانت قد أل ـ ّف هو عنها كتاباً بنفسه تُرجم إلى اللغة اإلنجليزية،
ال أم ال ،وحتى وإن لم تقع بهذه الكيفية ،وأسس مجلة ثقافية باسم «الجوبة» ،وبعد أن صدر وقعت فع ً منها عدة أعداد ،وانقطعت عن الصدور لمدة ،لتحل تبقى رمزاً لكرم معاليه المتناهي. محلها مجلة علمية محكمه بمسمى أدوماتو ما زالت ولمعالي األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري تصدر حتى اآلن ،ثم عادت مجلة الجوبة إلى الصدور صداقات واسعة مع العلماء والشعراء والمثقفين، من جديد ،وفي ثوب جديد. وم��ن أق��رب أصدقائه عمي مساعد بن جارالله بن وب���ان���ج���ازات���ه ال��م��ت��ع��ددة ف���ي م��ن��ط��ق��ة الجوف، ح��م��د ال��غ��زي ،ي��رح��م��ه ال��ل��ه ،فيجمع االث��ن��ي��ن صفة الكرم ،وقول الشعر ،وحب الخير للناس .وكان أول وبخاصه تلك التي لها صلة بالعلم والبحث ،أصبح لقاء لي بمعاليه ليلة زواجي عندما دعاه عمي فلبى اسم عبدالرحمن بن أحمد السديري ،شامخاً في ال��دع��وة وك��ان على رأس المدعوين ،ول��ف��ارق السن المحافل العلمي ،ألنه أحب العلم وخدمه .حقاً لم يكن
لم احتك به كثيراً ،ولكن مواقفه المشرفة تذكرنا عبدالرحمن السديري باحثاً متخصصاً ،أو قاصراً به دوم��اً .فمن مواقفه التي يجب أن تسجل لتبقى وقته على البحث والعلم ،فقد كانت لديه مسؤوليات
في التاريخ ،موقفه رحمه الله في السعي السقاط تستنفذ وقته ،ومع ذلك لم يثنيه ذلك عن عشقه للعلم قرض البنك العقاري عن أسرة من عشيرتي عندما فأنشأ صروحاً لخدمته .بل تجده من القالئل الذين علم بوفاة عائلها ،فبعد أن أت��اه الساعي وبلّغه أن أن��ش��اوا المجالت ،وأق��ام��وا ال��ن��دوات لخدمة تاريخ الرجل مات وت��رك أبنا ًء قاصرين ،وط��رح بين يديه بالده .فكثير هم أولئك الذين يملكون أمواالً أضعاف صك منزلهم ،وبيّن له أنه مرهون للبنك العقاري ،أضعاف ما يملك عبدالرحمن السديري ،وكثير أولئك
لبى األمير النداء ،وتذكّر الصداقة ،وبحث عن األجر الذين انشأوا جوائز ومراكز بحثية ،ولكنهم لم ينالوا والمثوبة من الله ،فذهب بالصك مباشرة إلى الملك من الشهرة بين مجتمع المثقفين والباحثين ،كما نال فهد بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين ،يرحمه األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري ألن المسالة الله ،ولم يخرج من مجلسه إال والصك بيده يحمل ليست ماالً ،بل عشقاً ،فالسديري عشق العلم ،والعلم
أمر الملك باسقاط القرض ف��وراً ،فجعل الله ذلك أذاع صيته في أرجاء الكون نظير إخالصه في عشقه، في حسنات الملك ال��راح��ل ،والساعي ،وم��ن سعى وأخيراً نتمنـى لمعالي األمير الراحل عبدالرحمن بن لمساعدة تلك األسرة.
أحمد السديري العفو والرحمة والمغفرة ،وأن ينفعه
ومن محاسنه إنشاء جمعية ثقافية خيرية تهدف بما خلّف إنه القادر على كل شىء. < أستاذ اآلثار والتاريخ بجامعة الملك سعود.
اجلوبة -خريف 39 1427
ملف العدد
جائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي
حلم طالب املنطقة
> املبتعث :بندر بن مزعل الشمري
<
كنت قد أنهيت امتحان الثانوية العامة بالمملكة عام 1421ه��ـ ،عندما علمت
بإعالن مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية للطلبة الحاصلين على المراكز األولى بالجوف ،من أجل التقدم بطلب لجائزة األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للتفوق العلمي .وكان أن تم اختياري ألكون أول مبتعث الستكمال دراستي الجامعية،
خارج المملكة في إحدى الجامعات األمريكية على حساب الجائزة.
وخ�لال السنوات التي أمضيتها من سنوات االبتعاث حتى اآلن في الدراسة،
شعرت كم كانت نظرة األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري رحمه الله ثاقبة،
وكم كان حبه للعلم وأهله عندما أطلق الجائزة في بداية عام 1410هـ التي انطلقت
وقتئذ بهدف تشجيع طالب وطالبات منطقة الجوف على مواصلة التفوق العلمي، ٍ واستمرت الجائزة منذ ذلك التاريخ ،إذ قرّر مجلس االدارة في عام 1421هـ ،أن تمنح
الجائزة سنوياً ألحد الطلبة المتفوقين في الدراسة الثانوية على مستوى مدارس
منطقة الجوف( ،وهناك أيضاً جائزة سنوية مشابهة للطالبة األولى على مستوى
المنطقة) .
لقد كان لحب األمير عبدالرحمن للعلم وأهله ،أكبر األثر في إنشاء الجائزة .
وبفضل دعم مجلس إدارة المؤسسة تحولت من جائزة تشجيعية الى مشروع بناء
أجيال من ط�لاب منطقة الجوف ،ليأخذ المتفوقون منهم فرصهم في التعليم
والتدريب في أعرق الجامعات العالمية ،ويعودون لخدمة الوطن ،كل في تخصصه، متسلحين بتعليم حديث ومتطور .وقد كان لبعد نظر القائمين على الجائزة ،وإيمانهم
بدورها العلمي الكبير ،بالغ األث��ر في تذليل المعوقات التي كانت أحياناً تواجه
المبتعثين خالل دراستهم.
عندما انطلقت الجائزة كانت الوحيدة على مستوى جوائز مناطق المملكة للتفوق
العلمي ،التي تقدم للفائز بعثة للدارسة في إحدى الجامعات األمريكية ،مع تكفّل
40
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد المؤسسة بنفقات المبتعث الشخصية والدراسية .إلى الواليات المتحدة ولذلك اضطر بعض المبتعثين
ومما يدعو إل��ى الفخر أن ه��ذه الجائزة أق��رت في الستكمال دراسته في الجامعات األسترالية بدالً من وق���ت ق��د ت��وق��ف��ت ف��ي��ه ال��ب��ع��ث��ات الحكومية لدرجة الجامعات األمريكية .وعلى الرغم من ذلك استمر
البكالوريوس ،والذي كان له األثر في تحفيز الكثيرين دع��م المؤسسة إيماناً من القائمين عليها بأهمية من أبناء المنطقة على االجتهاد في الدراسة من هذا البرنامج ،الذي سوف يؤتي ثماره في المستقبل
أج��ل ال��ف��وز ب��ه��ا .أض��ف ال��ى ذل��ك ارت��ب��اط الجائزة القريب إن شاء الله. باسم رائد النهضة العلمية في منطقة الجوف األمير وكان من أهم أولويات جائزة األمير عبدالرحمن عبدالرحمن السديري غفر الله له .وك��ان ذلك من السديري للتفوق العلمي إيجاد كفاءات متخصصة أهم محفزات الفائز بالجائزة على مواصلة التفوق �لا علمياً متقدماً م��ن أب��ن��اء منطقة وم��ؤه��ل��ة ت��أه��ي ً العلمي الذي بدأه. الجوف؛ ليكونوا قادرين على العمل في المؤسسات وكان لي الشرف ألصبح أول من فاز بهذه الجائزة المختلفة الحكومية والخاصة ،ما سوف ينتج أجياالً
عام 1421ه��ـ ،ومنذ ذلك اليوم والمؤسسة ال تدّخر قادرة على االعتماد على النفس والتحدي والمثابرة جهداً في سبيل توفير كل ما نحتاجه أثناء الدراسة ،والثقة بالنفس ،وسينعكس ذلك إيجابياً على الوطن. وكم كنا وما زلنا نسعد بذلك التواصل األخوي بين وهذا مما ال شك فيه سوف ينتج كفاءات قيادية في أعضاء المؤسسة والمبتعثين. المستقبل القريب .أم��ا الجانب األخ��ر وه��و ال يقل
ولعل أبرز ما شد انتباه زمالئنا الطلبة السعوديين أهمية ،وهو «البحث العلمي» ،و ال يخفى على الكثير المبتعثين في أمريكا ،بعد أن تم ابتعاثنا ،هو تلك أن الجامعات العاليمة العريقة توجد لديها مراكز
الجهة األهلية التي ابتعثتنا لدراسة البكالوريوس بحث متخصصة ،وإن من أهم أهداف تلك المراكز نظراً ألن بعثات البكالوريوس الحكومية كانت قد ه��و إي��ج��اد ج��ي��ل م��ن خريجيها ق���ادر ع��ل��ى البحث توقّفت من زمن ،واقتصرت على المبتعثين للدراسات واالكتشاف ،ف��إذا ما حصل مبتعث المؤسسة على العليا فقط .ومن تلك اللحظة أصبح اسم المنطقة تلك الفرصة فأنه سوف يكتسب كثيراً من الخبرة
مقروناً بجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق في مجال البحث العلمي أثناء فترة دراسته في تلك الجامعة ،وسيرفد ذلك جامعاتنا بالخبرات المؤهلة العلمي لدى كثير من السعوديين هناك. تعد الجائزة لالبتعاث الخارجي من أهم البرامج
العلمية ،وه���ي ف��ري��دة ف��ي ن��وع��ه��ا .وق��د استمرت ال��ج��ائ��زة على ال��رغ��م م��ن الصعوبات ال��ت��ي واجهت
والمتخصصة في مجال البحث العلمي في الجامعات
والمراكز البحثية بالمملكة . جزى الله القائمين على الجائزة خير الجزاء وغفر
المبتعثين ،ومنها صعوبة الحصول على التأشيرات الله لمؤسس هذا الصرح وأسكنه فسيح جناته. < المبتعث األول في برنامج الجائزة ،وهو في المرحلة األخيرة من دراسة ماجستير هندسة الحاسب الي واتصاالت -جامعة كوينزالند للتقنية – أستراليا
اجلوبة -خريف 41 1427
ملف العدد
ليرحمك الله أبا فيصل > ثامر احمليسن
يخضع اإلنسان في حياته لتقلب الزمن وحوادث كلمات صادقة مغسولة .من كل زيف ونفاق؛ فمعاليه األي��ام؛ فالحياة :فرح وح��زن ،سعادة وشقاء ،شروق استحق أوسمة اإلنسانية بكافة مزاياها ،وهو أحق وأف��ول .قال الحق سبحانه وتعالىُ { :ك�� ُّل َم ْن عَ لَيْهَا بها وصاحبها .نعم ذابت تلك الشخصية المتوهجة ف ٍَان َويَبْقَى وَجْ ُه َربِّكَ ذُو الْجَ اللِ وَاإل ْكرَامِ }.
النزيهة على منصة الضيافة والكرم ،وانطفأ السراج
باألمس القريب ،افتقدنا معالي األمير عبدالرحمن بعد أن أضاء الكثير من المعالم الحضارية في دار األح��م��د ال��س��دي��ري ،رح��م��ه ال��ل��ه ،فقد أص��اب��ه سهم الجوف ،ودور العبادة والعلم ،وفي شتى الميادين. القضاء؛ فغربت شمسه ،واستكملت ساعاته دقاتها،
نعم انتقل األمير والمفكر واألديب والشاعر إلى
بعد أن ك��رّس حياته وطاقته لخدمة دينه ومليكه ،جوار ربه ،يرقد جسده في مسقط رأسه في مدينة ووطنه؛ فكان ،يرحمه الله ،مثاالً للوطنية وأنموذجاً الغاط ،ولكن روحه ستظل ترفرف في حنايا أرواحنا، للوالء ،ورم��زاً لإلخالص والقدوة الحسنة ،وينبوعاً تحثنا على التشبث بمكارم األخالق ،وهذا ما نتذكره متدفقاً ،من الفكر التنظيمي والعطاء السخي ،يحترم دائماً ،عند قراءة ديوانه (القصائد) حين يقول: المواطنين ويقدّرهم ،ويتحسس مشاكلهم. أن���ا رف��ي��ق��ي ل��و غ��ل��ط م��ق��در أجزيه مكانته ومنصبه لم يُغيرا من أخالقياته وتواضعه؛
إال ب���ص���ف���ح وع����ف����ة ع�����ن شناته
يقابل المواطنين ببشاشة ،ويصغي ألحاديثهم ،ويتبادل
أميرنا ووالدنا ،قر عيناً وأخلد للراحة األبدية في
معهم ال��رأي والمشورة ،ويدفع بهم ،ويشجعهم إلى جنات الخلد ،بإذن الله ،والله أسأل أن يلهم الجميع طلب العلم والتفاني في العمل ،ويحثهم على الزراعة الصبر وال��س��ل��وان ،وكفى فيصل وإخ��وان��ه وأخواته والعمل النافع .كان رحمه الله ،فارساً من فرسان فخراً ما تركت لهم من (إرث) ،ال يقيّم بمال ،إنه المجتمع السعودي ،عرف بفصاحة بيانه ،وسرعة العمل الطيب ،الذي سيظل ذكرى عطرة على مدى
ْس الْمُطْ َم ِئ َّن ُة ار ِْجعِ ي ِإلَى َرب ِِّك بديهته ،وقوة رأيه وحكمته ،ال يقف أمامه في سبيل الحياة{ .يَا أَ َّيتُهَا ال َّنف ُ الحق عائق. َاض َي ًة َّمر ِْض َّي ًة فَادْخُ لِي فِ ي ِعبَادِ ي وَادْخُ لِي جَ َّنتِي} ر ِ َاجعونَ}. هذا قليل من كثير ،لكن عزائي أنني ال زلت أمسك و{ ِإنَّا ِللّهِ َو ِإنَّا ِإلَيْهِ ر ِ قلماً عاجزاً ،هدّته الفاجعة ،وحركني واجبي ألسطر
42
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
دور رائد في خدمة الثقافة والتنمية في منطقة اجلوف > كتب :محمد صوانه
في الساحة الثقافية بالمملكة العربية السعودية اليوم مؤسسات ثقافية أهلية أصبحت مراكز إشعاع حضاري ،ومحاضن لنهضة رائدة ترعي العديد من البرامج والنشاطات الثقافية والعلمية ،في مختلف مناطق المملكة .وق��د ج��اء تأسيس مثل هذه المؤسسات بمبادرات فردية يقف وراءها رواد قياديون عُ رِ فوا بحبهم للعلم والعمل الثقافي المؤسسي. وفي هذا التحقيق سنلقي الضوء على واحدة من المؤسسات الثقافية الرائدة في المملكة ،أسسها معالي األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري ،وجعل مركزها في الجوف بشمالي المملكة ،لتكون مركز إشعاع ثقافي وحضاري متعدد الجوانب. يعجب ال��زائ��ر ألول م��رة لمؤسسة عبدالرحمن ال��س��دي��ري��ن ال��خ��ي��ري��ة وه���و ي��ش��اه��د ب��ن��اء مؤسسياً متكامالً ،ف��ي وس��ط مدينة سكاكا بالجوف ،يضم مكتبة عامة ضخمة "دار الجوف للعلوم" ،ومركزاً للنشاطات الثقافية العامة واحد للرجال وآخر للنساء بمدخل مستقل لكل منهما.
دار الجوف للعلوم التابعة للمؤسسة ،حضرها حشد كبير م��ن المهتمين والمثقفين م��ن أه��ال��ي الجوف، وعلى هامش الندوة ،أقام أعضاء المجلس الثقافي بالمؤسسة أمسية تراثية حفلت بفقرات جميلة ومعبّرة عن جوانب من الحياة الشعبية في منطقة الجوف.
وغ��ي��ر بعيد إل��ى الجنوب الغربي م��ن مبنى المؤسسة تقع مباني مدارس الرحمانية األهلية بفروعها االبتدائية والمتوسطة والثانوية ،التي تتميز ب��م��راف��ق��ه��ا التعليمية وأنشطتها المتميزة. ك����ان����ت زي�����ارت�����ي األول������ى للمؤسسة لحضور فعاليات ن��دوة علمية عقدت في قاعة
اجلوبة -خريف 43 1427
ملف العدد وق��د أوض��ح فيصل ب��ن عبدالرحمن السديري، رئيس مجلس إدارة المؤسسة أن مثل هذه الملتقيات الثقافية تأتي انسجاماً مع أه��داف المؤسسة في اإلسهام في دعم الحركة الثقافية في منطقة الجوف، وانطالقاً من أهداف المؤسسة المنصوص عليها في نظامها األساس ،بتبني نشر وتشجيع الحركة العلمية والثقافية واستنهاض همم المبدعين والباحثين.
مؤسسة ثقافية ترعى النشاطات الثقافية بالجوف تكون متنفساً ألبناء وبنات الجوف ،المتطلعين إلى التعرف على ثقافات المجتمعات األخرى والمحبين للعلم والمطالعة ،فأنشأ في البداية المكتبة العامة في عام 1383هـ (1962م) وبمجهود شخصي فريد، استطاع أن يجعلها مركزاً لمحبي العلم والمعرفة والمطالعة من أبناء الجوف ،وزوده��ا باستمرار بما هو جديد من مطبوعات .ووصف أحد أبناء الجوف ،تلك المكتبة، > رؤية ريادية ثقافية أي���ام ك���ان ط��ال��ب��اً ف��ي المدرسة، ل����م����ؤس����س اس���ت���ق���رأ بقوله" :لقد كانت المكتبة العامة ب��ال��ج��وف م��ت��ن��ف��س��اً ح��ق��ي��ق��ي��اً لي آف���������اق ال��م��س��ت��ق��ب��ل لإلطالع على الكتب ،في وقت لم تكن الكتب أو الصحف متوافرة ���ي�ل�ا ف�������أراده�������ا ت���أص ً في الحياة العامة في منطقة نائية ل����ل����ب����ن����اء ال���ث���ق���اف���ي مثل الجوف آن��ذاك ،وكنت أتردد عليها بشكل شبه ي��وم��ي ،وأقرأ ً وم ���وئ�ل�ا للمبدعين بنهم وش��غ��ف ك��ب��ي��ري��ن ،وأم���ارس ال��ك��ت��اب��ة للصحف ال���ص���ادرة في والمتفوقين المدن السعودية ،وكان لذلك شأن في حياتي فيما بعد".
وخ��ل��ال زي���ارت���ك ل��م��ب��ن��ى دار ال����ج����وف ل��ل��ع��ل��وم ت��ل��ح��ظ أيضاً العديد من أبناء منطقة الجوف، وه��م ي��ت��واف��دون إل��ى المكتبة في زرافات ووحداناً ٍ ساعات المساء، وجماعات؛ لينهلوا من معين أمهات الكتب والمصادر والمراجع العلمية واألدب����ي����ة ،وي��ط��ال��ع��ون الصحف والدوريات المحلية والعربية ،التي توفرها إدارة المكتبة لمرتادي ال��دار بقسميها .وفي لقاء مع أ. د .عبدالرحمن الطيب األنصاري رئ���ي���س ت��ح��ري��ر م��ج��ل��ة أدوم���ات���و وصف "دار الجوف للعلوم" بأنها دوحة من دوحات العلم والمعرفة رؤية صائبة بالجزيرة العربية! مشيراً إلى ما تضمه من أمهات ت���ب���دو ال���م���واق���ف ال���ري���ادي���ة ل��ل��م��ؤس��س األمير الكتب والمصادر والمراجع القديمة والحديثة التي عبدالرحمن السديري جلية في مبادرته لتأسيس وضعتها الدار في خدمة الباحثين والقراء في منطقة المكتبة العامة ،إذ بادر لتأسيس أول مكتبة للنساء الجوف. في المملكة العربية السعودية؛ إدراك��اً منه ألهمية وك��ان األم��ي��ر عبدالرحمن ب��ن أحمد السديري ،تنشئة الفتاة السعودية وإتاحة المجال أمامها ،ولتنهل منذ أن قدم إلى منطقة الجوف بعد أن والّه الملك من معين الثقافة بطواعية؛ وإيماناً من المؤسس عبدالعزيز أم��ي��راً ف��ي منطقة ال��ج��وف ،يتطلع إلى ببصيرته الثاقبة بأهمية ال��دور الذي تلعبه الثقافة تنميتها ثقافياً وتعليمياً ،إلى جانب اهتمامه بالقضايا في حياة المرأة أسوة بالرجل ،في بناء مجتمع قويم االجتماعية واإلداري����ة ،فكان م��ا يشغله ه��و إيجاد ومثقف .وكانت ه��ذه ال��م��ب��ادرات تنبع من إحساس
44
اجلوبة -خريف 1427
عميق بالواجب تجاه أبناء منطقة الجوف ومن إدراكه
ألهمية العلم والثقافة في بناء المجتمع .حقاً لقد
كانت المكتبة العامة التي أنشأها األمير المؤسس مفهوماً ف��ري��داً وج��دي��داً ف��ي ال��وق��ت والمكان الذي
نشأت فيهما.
ومع األيام تنامى لدى األمير عبدالرحمن السديري
اهتمامه بالشأن الثقافي والعلمي بالجوف فسعى
إلى تجسيد رغبته في تنمية منطقته ثقافياً بشكل
باق لألجيال ،فأنشأ عام 1403هـ1983 -م، مؤسسي ٍ
أث��ن��اء توليه اإلم���ارة ،مؤسسة خيرية وقفية تحمل اسمه ،وتعمل على نشر الوعي المعرفي والثقافة العامة وخدمة التراث الشعبي األصيل في منطقة
ال��ج��وف ،وك���ان م��ن أب���رز إن��ج��ازات ه��ذه المؤسسة
تطوير مكتبة الثقافة العامة التي كان قد أسس نواتها
عام1383هـ1962 -م؛ فأصبحت مكتبة عامة عامرة،
ملف العدد وف���ي ه���ذا التحقيق سنلقي م��زي��داً م��ن الضوء على نشأة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية، وأه��داف��ه��ا وب��رام��ج��ه��ا ،المتنوعة وال��ت��ي تتركز في المجاالت الثقافية والتعليمية على وجه التحديد:
نشأة المؤسسة وأهدافها مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية مؤسسة خاصـ ــة ،ذات شخصية اعتبارية مستقلة بموجب األم��ر الملكي رقم (أ )442/عام 1403هـ1983/م، وق���د أراده����ا ال��م��ؤس��س أن ت��ك��ون ح��اض��ن��ة للمكتبة العامة ،ما يشير إلى مدى االهتمام والتفكير الذي كان يوليهما األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للمكتبة ،والدور المهم الذي تؤديه في مجتمع ناشىء يتطلع إلى المستقبل بأعين ملؤها األم��ل ،ومتلهفة لتنهل من معين العلم والمعرفــة.
بل داراً حقيقية للبحث العلمي والدراسات المتعلقة أهداف ريادية تستقرئ آفاق المستبقل بتاريخ المنطقة وتراثها ،وتدوين ما يتعلق بكتابات
إن نظرة فاحصة أله��داف مؤسسة عبدالرحمن ال���س���دي���ري ال��خ��ي��ري��ة ،ت��ج��ع��ل��ك ت�����درك أن األمير عبدالرحمن إنما كان يؤسس صرحاً ثقافياً رائداً، أراده مركز إشعاع علمي وثقافي ،ووف��ر له السند القانوني ،ووض��ع له أهدافاً سامية ،تستقرئ آفاق المستقبل الذي يتطلع له كل محب لوطنه ومجتمعه.
التأصيل الثقافي ،والتفاعل مع المجتمع المحلي
وتترجم أهداف المؤسسة بوضوح مدى االهتمام والعناية بنشر الوعي والمعرفة والحث على العلم والثقافة بكل أب��ع��اده��م��ا؛ إذ ن��ص النظام األساس للمؤسسة على عدد من األهداف ،منها :إدارة وتمويل مكتبة "دار الجوف للعلوم" والعمل على تطويرها لتكون مركزاً علمياً وثقافياً متميزاً في المنطقة؛ واإلسهـام في حفظ التراث األدبي واألثري في منطقة الجوف والتعريف بهما؛ ودع��م النهضة العلمية في منطقة الجوف؛ وإصدار مجلة شهرية في المنطقة؛ وإنشاء
الرحالة والمستشرقين ،الذين زاروا الجوف وسجّ لوا
مشاهداتهم ومالحظاتهم ،عن مختلف أوجه الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية آنذاك.
من هنا أدركت مدى الدور الريادي الذي تضطلع
ب��ه ه���ذه ال��م��ؤس��س��ة ال���رائ���دة -ب��ح��ق – ف��ي مجال
بمختلف فئاته ،في منظومة متكاملة من األنشطة والبرامج الثقافية والتعليمية والتدريبية المتنوعة، المخصصة لفئات الرجال والنساء واألطفال وطالب
المدارس؛ إذ تجد البرامج الثقافية الموجهة للرجال والنساء على ح ٍ��د س��واء ،وتجد م��دارس الرحمانية األهلية ،التي تقدم خدماتها للبنين وال��ب��ن��ات ،بلغ
ع��دده��م ف��ي ال��ع��ام ال��دراس��ي الحالي ( )877طالباً وطالبة من مختلف المراحل الدراسية.
اجلوبة -خريف 45 1427
ملف العدد دار للحضانة وروضة لألطفال ومسجد جامع.
طور اإلنتاج والعطاء ،وعبر سنوات من الجهد والبذل وال يخفى أن العمل م��ن أج��ل تحقيق مثل هذه والتخطيط ،تمكنت هذه المؤسسة من تحقيق قفزة نوعية كبيرة على هذا الطريق؛ فتطورت خدماتها األهداف والتطلعات الرائدة ،يتطلب جهوداً متواصلة بشكل متسارع ،فبعد أن كانت نواتها المكتبة العامة س��واء في التخطيط والعمل أو في توفير التمويل المتواضعة التي ك��ان قد أنشأها األمير المؤسس الالزم؛ فهذا المشروع الخيري االجتماعي والثقافي، قبل نيف وأربعين ع��ام��اً ،وك��ان��ت تضم ثالثة آالف الذي أ ُسس لخدمة المنطقة ،يحتاج إلى اهتمام أبناء كتاب ،أصبحت اليوم مركزاً ثقافياً حيوياً ،يشهد، المنطقة وتعاونهم وتفاعل طاقاتهم ،حتى تتحقق تلك إلى جانب خدماته المكتبية التي األهداف السامية. نشاطات ٍ > دار ال���ج���وف للعلوم يقدمها ألبناء المنطقة، واس��ت��ن��اداً إل��ى األس��ت��اذ سالم اجتماعية وثقافية وعلمية متجددة ب����ن ح����م����ود ال����ظ����اه����ر مساعد م��رك��ز ث��ق��اف��ي أصبح في كال القسمين :قسم الرجال، ال��م��دي��ر ال���ع���ام ل��ل��م��ؤس��س��ة؛ فقد وقسم النساء. ج���رى ت��م��وي��ل أع��م��ال المؤسسة دوح������ة م����ن دوح�����ات ويشير األستاذ سالم الظاهر وأن��ش��ط��ت��ه��ا ال��م��خ��ت��ل��ف��ة م���ن ريع ال����ع����ل����م وال���م���ع���رف���ة م��س��اع��د ال��م��دي��ر ال���ع���ام إل���ى أن وإي��رادات األم��وال المنقولة وغير ال���ن���ش���اط���ات ت���ت���ن���وع؛ إذ تشمل المنقولة التي وهبها لها مؤسسها ،بالمملكة المحاضرات والندوات واألمسيات، وكذلك من استثمارات أموالها في التي تنظمها إدارة المؤسسة على أوج���ه االستثمار ال��م��أم��ون ،ومن > ال����م����ؤس����س����ة تنفذ م��دار العام ،ويحضرها ويشارك التبرعات التي تردها باستمرار فيها حشد كبير من المهتمين من من أهل الخير من داخل الجوف ب��������رام��������ج ث����ق����اف����ي����ة أبناء الجوف وضيوف الدار .كما وخ���ارج���ه���ا ،م��م��ن أح���سّ ���وا بنبل ودراس������������ات وت����م����وّ ل تشمل المراكز والدورات التعليمية الهدف ،وسمو الغاية التي يرفعها والتدريبية ،والمعارض الثقافية ه��ذا ال��م��ش��روع الثقافي الكبير ،أبحاث ًا علمية والعلمية التي تقام في قاعة دار ويعمل من أجل تحقيقها. الجوف للعلوم.
46
مراحل البناء واإلنجاز
مكتبة دار الجوف للعلوم
خطت المؤسسة خطوات واسعة متقدمة باتجاه تحقيق تلك األه��داف الكبيرة ،ولعل في اإلنجازات المتالحقة والمشهودة التي تمكنت المؤسسة من تحقيقها ما يشير إل��ى ذل��ك الجهد المتواصل في السعي نحو تطوير األداء وبلوغ الغاية؛ فالمؤسسة استطاعت أن تنتقل من ط��ور البناء واإلن��ش��اء إلى
يقول السيد نبيل المنجي األمين المسؤول في دار الجوف للعلوم ،أن عدد رواد الدار شهرياً يصل إلى حوالي أربعة آالف زائر من الرجال والنساء ،من الباحثين والقراء ،يستفيدون من خدمات المطالعة والبحث العلمي وتقنية المعلومات التي توفرها الدار لهم ،في قسمي الرجال والنساء .كما تستقبل الدار
اجلوبة -خريف 1427
ملف العدد
أيضاً مجموعات من طالب وط��ال��ب��ات الكليات العلمية وال��ج��ام��ع��ات ،ي��أت��ون بهدف اإلفادة من المصادر العلمية والمراجع المهمة المتوافرة ف���ي ال�����دار؛ وي���ؤك���د السيد المنجي أن جميع العاملين ب��ال��دار ال ي��أل��ون ج��ه��داً في خدمة ال��ق��راء والمطالعين ال والباحثين؛ فالمكتبة أص ً ج���اءت م��ن إح��س��اس عميق < لقطة داخلية في مكتبة دار الجوف للعلوم ب��ال��واج��ب ل���دى مؤسسها األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن بن باستخدامها منذ مطلع ع��ام 1997م .وج��رى اآلن أحمد السديري ،ومن إدراكه بأهمية العلم في بناء توفير خدمات الـ .DSL المجتمع. كما استطاعت الدار أن تؤسّ س مجموعة الوسائل ويشير األمين المسؤول إلى أن مكتبة دار الجوف السمعية وال��ب��ص��ري��ة ،وه��ي مكتبة سمعية بصرية للعلوم تضم اآلن ما يزيد عن مائة وستين ألف كتاب وثائقية تحتوي رفوفها على عدد من أشرطة األفالم ومجلد .إضافة إلى قسم للدوريات يفتح أبوابه لقراء السينمائية وأف�لام الفيديو في موضوعات ثقافية الصحف والمجالت والدوريات العربية واألجنبية في وتعليمية وعلمية متنوعة ،ويتولى القائمون على هذه مختلف أصنافها واتجاهاتها ،ويشتمل القسم على المجموعة مهمة تسجيل وأرشفة أنشطة المؤسسة، ما يزيد عن 250صحيفة ومجلة ودورية ،تستقطب وبخاصة األنشطة الثقافية منها م��ن محاضرات عدداً كبيراً من القراء والقارئات يومياً. ولقاءات وندوات وغيرها. ك��م��ا ت��ض��م ال����دار م��ج��م��وع��ة خ��اص��ة م��ن أوعية وي��ج��ري ال��ت��زوي��د بالكتب وال��م��ط��ب��وع��ات بشكل المعلومات ذات القيمة المرتبطة بآثار المنطقة، مستمر من خالل الشراء المباشر من معارض الكتب وصوراً لمخطوطات يصل عددها إلى أكثر من خمس والمكتبات التجارية ،ومن خالل اإله��داء والتبادل. وستين مخطوطة ،إضافة إلى وثائق ونقود تاريخية وتتوافر في المكتبة أمام الباحثين والدارسين والقراء قديمة ،وطوابع ،وكتب نادرة وقيّمة ،تتعلق بالمنطقة أمهات الكتب والمصادر وعدد غير قليل من الكتب وتتصل بها بشكل خاص ،وبالجزيرة العربية بشكل النادرة الصادرة منذ تاريخ تأسيس المكتبة قبل نحو عام ،كما تضم أيضاً مجموعة من الوسائل السمعية 45ع��ام��اً؛ ما يجعلها مقصد الباحثين والمثقفين والبصرية ،إلى جانب العديد من الوسائل االلكترونية والمهتمين داخ��ل منطقة ال��ج��وف ،فأصبحت بحق المتنوعة .وتتيح المكتبة ،للراغبين م��ن روادها، منارة للمعرفة والعلم. استخدام شبكة المعلومات (اإلنترنت) التي بدىء تبلغ مساحة دار ال��ج��وف للعلوم ح��وال��ي 2350
اجلوبة -خريف 47 1427
ملف العدد
عبدالعزيز للعلوم والتقنية والمركز الوطني للكلى، وأخيراً عبر االشتراك بشبكة اإلنترنت وحصول الدار على موقع دائم على الشبكة باسم المؤسسة ،واتاحة الفرصة أمام من يرغب من رواد المكتبة لالستفادة من هذا النوع من الخدمة المتقدمة.
ويشير أمين الدار المسؤول إلى أن خطة التزويد يتم تطويرها سنوياً من خالل تقييم المجموعات، ومن ثم إشراك كافة الجهات ذات العالقة من قراء، وباحثين ،وهيئات حكومية ،وخاصة ،باستبيان سنوي، يعرض على الجميع المشاركة في اختيار المطبوعات والوسائل السمعية والبصرية وااللكترونية ،كذلك تتلقى الدار من كافة الناشرين عربياً ومحلياً وعالمياً قوائم الجديد في عالم النشر ،إل��ى جانب متابعة وحضور المعارض الدولية للكتب واالتصال بالوزارات < بعض إصدارات برنامج النشر بالمؤسسة والمؤسسات الحكومية ،والجامعات ومراكز البحث متراً مربعاً وتضم قسمين كبيرين منفصلين أحدهما والمكتبات الكبرى ،لتفعيل برنامج تبادل اإلصدارات للرجال واآلخ��ر للنساء ،وه��ي ليست مجرد مكتبة من الكتب على مدار السنة. عامة ،بل هي اآلن ،وبتوفيق من الله ،مركز ثقافي يشهد مع خدماته المكتبية نشاطاً اجتماعياً وثقافياً برنامج النشر متجدداً في كال القسمين .وتفتح الدار أبوابها للرواد منذ أن بدأت المؤسسة أعمالها اهتمت بنشر عدد لمدة ثماني ساعات يومياً ،جميع أي��ام األسبوع ما من الكتب التي تتصل بمنطقة الجوف تاريخاً وتراثاً عدا يوم الجمعة. وحضارة ،كان من أبرزها كتاب وبالنظر إل��ى تطلع المؤسسة دوماً إلى ما هو حديث ومتطور ،فقد استخدمت ال��دار أح��دث الوسائل والتقنيات ،ب��دءاً من أجهزة قراءة ال��م��ص��غ��رات الفيليمة واستخدام أج��ه��زة ال��ح��اس��وب ف��ي الفهرسة وال��ب��ح��ث ،م����روراً ب��إت��اح��ة الفرصة أم���ام الباحثين ل�لات��ص��ال بمراكز المعلومات محلياً ودولياً عبر خط طرفي يربط ال��دار بمدينة الملك
48
اجلوبة -خريف 1427
> ت��ت��ب��ن��ى المؤسسة ب��رن��ام��ج ن��ش��ر علمي ت��ص��در عنه دراس���ات علمية وكتب ورسائل ج��ام��ع��ي��ة ب��م��ع��دل 6 مطبوعات سنوي ًا
"ال��ج��وف وادي ال��ن��ف��اخ" لمؤلفه األم��ي��ر ع��ب��دال��رح��م��ن ب��ن أحمد السديري ،وقد ص��درت الطبعة األول��ى ع��ام 1403ه��ـ (1984م)، ث��م ص���درت الطبعة االنجليزية للكتاب ب��ع��ن��وان (The Desert Frontier of Arabia: Al-Jawf
،)through the Agesكما نشر دي���وان القصائد للمؤسس ،ثم أشرفت المؤسسة على ترجمة
ك��ت��اب ال��ص��ح��راء العربية لمؤلفه االي��ط��ال��ي الويس
موسيل.
كما ب��دأت المؤسسة بتعريب ونشر بعض كتب
الرحالة ال��ذي��ن م��روا بالمنطقة ف��ي ال��ق��رن التاسع
عشر ،إذ ترجمت خمسة كتب منها ،نشرت المؤسسة أحدها وهو كتاب" :الصحراء العربية -المالحق"
لمؤلفه ألويس موسيل .كما أصدرت سنة 1411هـ/
1990م دوري��ة ثقافية نصف سنوية أطلقت عليها اسم "الجوبة" تعنى بالشئون الثقافية واالجتماعية
صدر منها 13عدداً ثم توقفت لعدة سنوات ،وارتأت المؤسسة إع���ادة إص��داره��ا لما تمثله م��ن دور في
رعاية األقالم الشابة بالجوف ،واستكتاب المبدعين والموهوبين في مجاالت األدب والشعر والمقالة من
أبناء المنطقة ،واستأنفت المؤسسة إص��دار العدد
ملف العدد وأصبحت تحظى باهتمام معظم الجامعات العربية والعالمية ومراكز البحث العلمي الغربية ،فيما يتعلق بالبحوث المنشورة عن آثار الجزيرة العربية والوطن العربي .ويشير رئيس تحرير مجلة أدوماتو إلى أن قائمة المشتركين بمجلة أدوم��ات��و تضم جامعات ومراكز بحوث عالمية وأساتذة ومختصين ومهتمين ال عن من مختلف األقطار العربية والعالمية ،فض ً المشتركين من داخل المملكة. وم���ع ت��ط��ور ب��رن��ام��ج ال��ن��ش��ر ارت�����أت المؤسسة تشكيل هيئة اس��ت��ش��اري��ة ل�ل�اش���راف ع��ل��ى برنامج "نشر الدراسات واإلبداعات األدبية وتمويل البحوث والرسائل العلمية" مكونة من ثالثة أساتذة أكاديميين من أبناء الجوف برئاسة الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد وعضوية الدكتور ميجان الرويلي والدكتور
الرابع عشر من الجوبة مع بداية عام 2006م ،وخرج
بثوب جديد ،يمثل خطوة واع��دة؛ وي��رأس تحريرها ٍ األستاذ إبراهيم موسى الحميد.
وفي يناير عام 2000م بدأت المؤسسة بإصدار
مجلة نصف سنوية محكّمة تعنى بآثار الوطن العربي أطلقت عليها اسم (أدوماتو) ،وهي متخصصة بنشر الدراسات والبحوث المتعلقة بآثار وحضارة الجزيرة العربية والوطن العربي بشكل عام ،وشكلت المؤسسة
للمجلة هيئة استشارية ضمت مختصين من مختلف أق��ط��ار العالم ،وي���رأس تحريرها األستـاذ الدكتور
عبدالرحمن الطيب األنصاري ،صدر منها حتى اآلن
أربعة عشر ع��دداً وتنشر أبحاثها باللغتين العربية
واإلنجليزية ،وقد القت اهتماماً ملحوظاً في مختلف
األوس����اط العلمية ف��ي داخ���ل المملكة وخارجها،
واستناداً إلى أ .د .عبدالرحمن األنصاري أستاذ اآلثار فإن مجلة أدوماتو أصبح لها روا ٌد من المتخصصين
والمهتمين بآثار الجزيرة العربية والوطن العربي،
< غالف العدد الرابع عشر من مجلة أدوماتو
اجلوبة -خريف 49 1427
ملف العدد خ��ل��ي��ل ال��م��ع��ي��ق��ل ،وبدأت ال��ه��ي��ئ��ة ب��ت��ن��ظ��ي��م أعمال النشر ووضع الئحة تحدد ش���روط ال��ن��ش��ر ،تتضمن استقبال األعمال المقدمة للنشر وتحويلها للتحكيم وال��ت��ق��وي��م ،ث��م يطلب من ص����اح����ب المخطوطة تنفيذ التوصيات الخاصة بالتحكيم ،قبل أن يدفع العمل إلى المطبعة ويأخذ طريقه للنشر والتوزيع.
< قاعة الدوريات بدار الجوف للعلوم
خالد السعدون ،وقصتان لألطفال "ري��م والصياد"
وق��د أص��درت هيئة النشر منذ توليها مسؤولية للدكتور أسد محمد ،و"مفاجأة ماجد" لألستاذ محمد برنامج النشر 15كتاباً في مجاالت العلوم والتاريخ ص��وان��ه .وم��ن أح���دث اإلص����دارات ك��ت��اب "تخطيط واآلثار واألدب ،ومن هذه الكتب" :حي الدرع بدومة المدينة المنورة في العهد النبوي والخالفة الراشدة: الجندل – دراسة معمارية أثرية " لمؤلفته د .حصة دراسة حضارية في ضوء المصادر التاريخية" ،تأليف الشمري ،والمجموعة القصصية "رائحة الطفولة" د .حصة الشمري .واستناداً إلى مكتب هيئة النشر لعبدالرحمن الدرعان ،وكتاب "بحوث في آثار منطقة بالمؤسسة ،ثمة ع��دد من المخطوطات والرسائل الجوف" للدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل ،وكتابان العلمية ،ما تزال في مرحلة التحكيم والفسح اآلن، للدكتور سليمان الذييب "نقوش قارا الثمودية بمنطقة ينتظر صدورها قريباً. الجوف"و "نقوش صفوية من شمالي المملكة العربية السعودية " .وكتاب "التنظيمات العسكرية النبطية" تمويل األبحاث العلمية الميدانية لمؤلفة صالح الدغيم .وكتاب "تقويم أداء مديري والبرنامج الثاني الذي تشرف عليه هيئة النشر مراكز التدريب المهني في المملكة من وجهة نظر وت��ول��ي��ه المؤسسة اه��ت��م��ام��اً م��ل��ح��وظ��اً ،ه��و برنامج المختصين بالتدريب" لدخيل الله الشمدين ،وكتاب تمويل ودع��م البحوث العلمية ،وهو يتعلق بالبحوث "اقتصاديات منطقة الجوف -نموذج جديد للتنمية والدراسات الميدانية التي تدرس قضايا مهمة في المحلية" لمؤلفه الدكتور محمد عبدالعال صالح، منطقة الجوف ،من خالل البحث المبني على قواعد وك��ت��اب "دوم���ة الجندل م��ن عصر م��ا قبل اإلسالم" علمية ب��إش��راف متخصصين أكاديميين تساندهم لمؤلفه عبيد ال��ج��اب��ري ،وك��ت��اب "ظ��ه��ور الخطوط الحديدية وآثارها في المشرق العربي" لمؤلفته نوف فرق فنية. بنت رزق الروضان ،وكتاب "أنواع العقارب والثعابين وقد موّلت المؤسسة حتى اآلن أربعة بحوث علمية السامة في منطقة الجوف" لمؤلفه أ.د محمد بن هي :دراسة بيئية وسمّية وإكلينيكية ألنواع العقارب
50
اجلوبة -خريف 1427
والثعابين السامة في منطقة الجوف بإشراف الباحث
أ .د .محمد بن خالد السعدون من كلية العلوم بجامعة الملك سعود واستمرت الدراسة لمدة سنتين ،وقامت الهيئة بطباعة ونشر نتائج الدراسة في كتاب صدر
في ع��ام 2004م بعنوان" :أن��واع العقارب والثعابين السامة في منطقة الجوف".
والبحث العلمي الميداني الثاني ال���ذي موّلته
ملف العدد الحيوانات والطيور المتواجدة في منطقة الجوف ،ما يشكل دراسة غير مسبوقة ستكون لها أهميتها .وأما البحث الرابع ،فهو ما يزال في بدايته وهو دراسة علمية في مجال علم النفس االجتماعي ،باشراف الباحث بجامعة الملك سعود د .فالح بن محروت العنزي ،وسيكون ميدان البحث في الهجر البدوية والمدن الصغرى والكبرى بالمملكة.
المؤسسة ك��ان ب��إش��راف ب��اح��ث م��ن جامعة الملك مدارس الرحمانية
ف��ه��د ل��ل��ب��ت��رول وال��م��ع��ادن أ .د .م��ح��م��د الجارالله
بعنوان" :دراس��ة تركيز غاز ال��رادون المشع طبيعيا
في المساكن بمنطقة الجوف" وانجز البحث الذي
استغرق 12شهراً في صيف عام 2005م ،ويجري اآلن االعداد إلصدار كتيب عن نتائج الدراسة يتوقع صدوره قريباً.
كما موّلت المؤسسة بحثاً ثالثاً بعنوان" :دراسة
ال��ت��ن��وع األح��ي��ائ��ي (ال��ح��ي��وان��ي) ف��ي منطقة الجوف
ب��اش��راف ال��ب��اح��ث د .محمد ال��س��ع��دون ،وتستمر ال��دراس��ة لمدة ثالثين ش��ه��راً ،ويتوقع االن��ت��ه��اء من
الدراسة في شهر ديسمبر المقبل ،ومن المنتظر أن
تكون من نتائج الدراسة إعداد أطلس مصور عن أهم
< زوار لدار الجوف للعلوم
ومن منطلق اهتمام المؤسس األمير عبدالرحمن ال��س��دي��ري بالتعليم ،أن��ش��أت ال��م��ؤس��س��ة ف��ي عام 1407ه���ـ داراً للحضانة وروض���ة لألطفال ،والقت التجربة نجاحاً واهتماماً كبيراً من أهالي مدينة سكاكا ،فأبدوا رغبتهم في التوسع في هذه التجربة وتأسيس مدرسة ابتدائية ،فجرى افتتاح مدرسة اب��ت��دائ��ي��ة للبنين وأخ���رى للبنات ع��ام 1410ه����ـ ثم توسعت لتضم المرحلتين المتوسطة والثانوية، وأصبحت أول مدرسة أهلية بالمنطقة ،وأسهمت ف��ي ت��ط��ور التعليم ،وخ�� ّرج��ت أف��واج��اً متتالية من الطالب والطالبات ،المتسلحين بالعلم والخبرات المتميزة ،التي اكتسبوها من خالل برامج المدرسة الالمنهجية التي ترعى المواهب والنشاطات اإلبداعية. وتتمتع م��دارس الرحمانية ب��س��م��ع��ة ط��ي��ب��ة ف����ي مجتمع ال����ج����وف ،ن����ظ����راً ل���م���ا توليه المؤسسة من عناية واهتمام وم���ت���اب���ع���ة ل���ه���ا ،وم�����ن حرص على انتقاء ال��ك��وادر التعليمية المؤهلة والراغبة في ممارسة مهنة التعليم لتكون قادرة على العطاء واإلبداع .وتضم مدارس
اجلوبة -خريف 51 1427
ملف العدد
< مبنى مدارس الرحمانية األهلية
الرحمانية (بنين) في العام الدراسي الحالي 623الواحد بمائتي ألف ريال. طالباً موزعين كما يلي ( 330ابتدائي 1٠6 ،متوسط، 187ثانوي) يشرف على تدريسهم 56معلماً ،أما
م����دارس ال��ب��ن��ات فتضم 254ط��ال��ب��ة ( 40روضة،
97ابتدائي 42 ،متوسط 75 ،ثانوي) باشراف 30
معلمة.
جائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي واستكماالً للدور الريادي الذي اختطته المؤسسة
ف��ي م��ج��ال التعليم ،اس��ت��ح��دث مجلس اإلدارة في ع��ام 1410ه��ـ جائزة األمير عبدالرحمن السديري
للمتفوقين علمياً ف��ي م��س��ارات التعليم المختلفة،
وت��ق��رر تقديمها ع��ل��ى ش��ك��ل بعثة دراس��ي��ة للطلبة
المتفوقين في مدارس منطقة الجوف ،تمنح سنوياً
ألحد أبناء الجوف المتفوقين في الثانوية العامة ،وفق
الئحة الجائزة ،وقد بلغ عدد الحاصلين على الجائزة
ستة مبتعثين ،يتابعون دراستهم في جامعات الواليات المتحدة األمريكية واستراليا ،والتحق بعضهم في معاهد تعليم اللغة اإلنجليزية بالواليات المتحدة
األمريكية تمهيداً الستكمال تسجيله في الجامعات
52
اجلوبة -خريف 1427
األم����ري����ك����ي����ة؛ كما تمنح ج��ائ��زة نقدية ق����دره����ا 25.000 ري��ال للحاصلة على ال���م���رك���ز األول في الثانوية العامة على م����س����ت����وى منطقة ال�����ج�����وف ،لمتابعة دراس���ت���ه���ا باشراف ول��ي أم��ره��ا .وتقدر ت���ك���ل���ف���ة االب����ت����ع����اث ال���س���ن���وي���ة للطالب
وت��ح��رص إدارة المؤسسة على متابعة مراحل دراس�����ة ال��ط��ال��ب ال��م��ب��ت��ع��ث ع��ل��ى ح��س��اب الجائزة وتحصيله ال��ع��ل��م��ي ،وت��س��اع��ده ف��ي ال��ح��ص��ول على التأشيرة الالزمة والقبول في الجامعة التي يرغب الدراسة فيها ،كما تصرف له مخصصات الدراسة والسكن والسفر والمصاريف طيلة فترة دراسته الجامعية ،حسب شروط الئحة الجائزة.
المجلس الثقافي ويشرف على نشاطات المؤسسة الثقافية مجلس ثقافي مكون من عدد من أبناء الجوف ،وهو هيئة تطوعية تضم نخبة من المثقفين من أبناء وبنات م��ن��ط��ق��ة ال���ج���وف ال��م��ت��ط��وع��ي��ن ب��ج��ه��ده��م ووقتهم، لإلسهام في إثراء الحركة الثقافية بالمنطقة ،تعمل على اقتراح البرامج والنشاطات الثقافية بما فيها تنظيم الندوات والمحاضرات الثقافية العامة حول الموضوعات التي تهم مختلف القطاعات األهلية ب��ال��ج��وف ،ويعقد المجلس اجتماعات دوري���ة لهذا ال��ش��أن ،وي��ت��ك��ون المجلس م��ن هيئة ع��ام��ة وهيئة
ملف العدد تنفيذية. والمسابقات ،التي من شأنها إبراز أصحاب المواهب وق���د أق���ام���ت ال��م��ؤس��س��ة ال��ع��دي��د م���ن الندوات والصناعات اليدوية التراثية والمشروعات الزراعية والمحاضرات والمعارض المتنوعة المواضيع زادت الناجحة ورعايتهم وتشجيعهم. وقد بادر األمير عبدالرحمن إلى تنظيم مسابقة ع��ل��ى 300ن��ش��اط بقسم ال��رج��ال ومثلها بالقسم النسائي .وأسهمت ه��ذه النشاطات ف��ي التعريف للهجن ع��ام 1383ه���ـ ،وك��ان��ت أول مسابقة منظمة بالمنطقة ،من خ�لال ل��ق��اءات أبناء المنطقة بكبار تجرى للهجن على مستوى المملكة في ذلك الوقت. المسؤولين والمفكرين والكتاب والمثقفين من جميع واستمر األمير عبدالرحمن السديري على اهتمامه بإقامة هذا السباق ،وقد أسهمت هذه السباقات في أنحاء المملكة والدول العربية أيضاً. حفظ هذه الرياضة العربية وتنميتها ،وزيادة االهتمام الجمعية العمومية بها من قبل أهالي منطقة الجوف وما حولها. ول��ل��م��ؤس��س��ة ج��م��ع��ي��ة ع��م��وم��ي��ة ت��ج��ت��م��ع سنوياً ك���ان األم��ي��ر ال��م��ؤس��س ،ينظر بعين ث��اق��ب��ة وهو للنظر في التقارير اإلدارية والمالية ،وتقرير مدقق يرعى ه��ذه التظاهرة الثقافية السنوية ،فقد آتت الحسابات المعتمد عن أعمال ونشاطات المؤسسة ثمارها ،فاجتمع أهالي المنطقة وترسخت أواصر خالل العام ،وتملك الجمعية التي تتشكل من نخبة العالقة والتعاون فيما بينهم ،وازداد تشجيع هذه من أبناء الجوف وم��ن أصحاب الخبرة واالهتمام الرياضة العربية األصيلة ،وزاد اهتمام أبناء البادية بالعمل ال��ع��ام – صالحيات واس��ع��ة تتضمن تعديل ب��االح��ت��ف��اظ ب��س�لاالت الهجن ال��م��م�� ّي��زة ال��ت��ي كانوا النظام األساسي ،وتعيين األعضاء ،واق��رار مشروع يقتنونها ،وسعوا إلى تنميتها؛ كما أسهم المهرجان الميزانية للسنة المالية الجديدة ،وتعيين مراقب السنوي لسباق الهجن ف��ي جلب أن��ظ��ار المهتمين الحسابات ،وتصدر قراراتها باألغلبية المطلقة. لزيارة المنطقة وحضور السباق ،واالستمتاع بهذه وتمثل الجمعية العمومية بأعضائها رافداً معنوياً الرياضة األصيلة. مهماً في تفعيل نشاطات المؤسسة ،واقتراح ما يراه كما أقام المؤسس مسابقات للمزارعين رغبة في أعضاؤها م��ن فعاليات ثقافية ،لتتولى المؤسسة تنمية هذا القطاع ،وإطالع المزارعين على تقنيات دراستها وتنفيذها. الزراعة الحديثة ،من خالل الجوائز والمعلومات التي مبادرات تراثية تقدم في مناسبة المسابقة. ك��ان الهتمام المؤسس األم��ي��ر عبدالرحمن بن أح��م��د ال��س��دي��ري ،رح��م��ه ال��ل��ه ،ب��ال��ت��راث المحلي لمنطقة الجوف ،دور في أن تتبنى المؤسسة الخيرية العناية بالتراث الوطني األصيل ،ورعاية المهتمين به وتشجيعهم على النهوض بهواياتهم وإبداعاتهم، وتطويرها ،فقد نص نظامها األس��اس على إقامة أس���ب���وع ل��ل��ج��وف ،ت��ق��ام ف��ي��ه ال��ن��ش��اط��ات التراثية
وأق���ام المؤسس األم��ي��ر عبدالرحمن السديري أيضاً معرضاً للسجاد اليدوي المصنوع في المنطقة بهدف إبراز هذه الصناعة ،وعرض ما تنتجه منطقة الجوف أمام زوار المعرض ،وتحفيز من يمارسونها على حفظها وتشجيعهم على التنافس لتطويرها واالب��داع فيها ،من خالل الجوائز التي كان يقدمها لهم.
اجلوبة -خريف 53 1427
ملف العدد ومن المبادرات األخرى التي رعتها المؤسسة ونشطت جامع الرحمانية في تنظيم برامجها ،مركز تحفيظ القرآن الكريم ،الذي سعت المؤسسة منذ وقت مبكر إلى إنشاء مسجد كان يستقبل الطالب والطالبات منذ عام 1405هـ بواقع ج��ام��ع ح��دي��ث ف��ي م��دي��ن��ة س��ك��اك��ا ،وق���د خ���رج هذا حلقتين في كل قسم ،وكانت تشرف على التدريس به المشروع الحيوي إلى النور بدعم كريم من العديد الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في الجوف ،من المتبرعين وفاعلي الخير ،وفي مقدمتهم المغفور وقدمت المؤسسة مكافآت لطالب وطالبات المركز له بإذن الله تعالى الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود
قبل أن يتوقف المركز ويقتصر العمل على الفرع المقام – طيب الله ث��راه – وأقيمت فيه أول ص�لاة جمعة بالقسم النسائي بدار الجوف للعلوم. بتاريخ 1415/12/20هـ. كما بادرت المؤسسة أيضاً إلى تنظيم دورات تدريبية
في مجاالت الحاسب اآللي والخياطة ،ودورات أخرى كلما دعت الحاجة مثل :دورات تعليم اللغة اإلنجليزية،
وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها .وكانت المؤسسة
تقوم بتلك المبادرات نظراً لعدم توافر من ينظمها في منطقة الجوف ،وقد تخرج منها العديد من أبناء وبنات
الجوف ،وبعد انتشار المراكز الخاصة التي تقوم بمثل هذه ال��دورات بالجوف ،رأت إدارة المؤسسة التوقف
صمّم جامع الرحمانية ،بأسلوب جمع بين األصالة ُ وال��ح��داث��ة ،إذ أ ُدخ���ل ف��ي تصميمه استخدام نظام األبراج الهوائية للتبريد ،وهو أسلوب قديم معروف جرى تحديثه مؤخراً ،ويعد مسجد الرحمانية أول مسجد تستخدم فيه ه��ذه الطريقة للتبريد ،كما تجري تدفئة المسجد خالل فصل الشتاء بوساطة نظام ضخ المياه الساخنة عبر شبكة ممتدة تحت أرضية المسجد.
وتبلغ المساحة اإلجمالية للمسجد ( )2702متر مربع، عن تنظيمها ،واالهتمام بالنشاطات الثقافية المنبرية منها ( )1600متر مربع للمصلى الرئيسي ،الذي يتكون األخرى. م����ن ص���ال���ة مربعة ال��ش��ك��ل تتوسطها أرب������ع������ة أع�����م�����دة؛ ومصلى للنساء تبلغ مساحته ( )502متر مربع ،وه��و الطابق ال��ع��ل��وي للمسجد، ول��������������ه م�������داخ�������ل م��س��ت��ق��ل��ة ،وملحق ب��ه ح���وض للوضوء ودورات م����ي����اه، وي���ت���س���ع المسجد ب��ق��س��م��ي��ه (مصلى < جامع الرحمانية بسكاكا
54
اجلوبة -خريف 1427
ال�����رج�����ال ومصلى ال���ن���س���اء) لحوالي مصل. ٍ ()3400
ملف العدد
وتعلو المسجد م��ن ال��خ��ارج قبتان مكسوتان بموازييك برونزي اللون ،يبلغ ارت���ف���اع أحداهما ( )20.75متراً ب��ق��ط��ر ()14.30 م��ت��راً ،أم��ا الثانية ف��ي��ب��ل��غ ارتفاعها < فندق النزل بالجوف جمع بين عناصر التصميم المعمارية :النجدية والخليجية واالندلسية. ( )17.35متراً وقطرها ()9.65 مركز الرحمانية الثقافي بالغاط م��ت��راً ،وللمسجد مئذنتان يبلغ ارت��ف��اع ك��ل منهما واستمراراً لنهج األمير عبدالرحمن السديري، ( )37.20متراً. ف��ي تأسيس محاضن ثقافية وري��ادي��ة ،إي��م��ان��اً منه
فندق النزل
بأن المكتبات روافد مهمة للعلم والمعرفة والبحث
تمشياً مع السياسة االستثمارية ألموال المؤسسة العلمي ،ج��رى تأسيس م��رك��ز الرحمانية الثقافي الهادفة إلى اإلسهام في التنمية االقتصادية لمنطقة بمدينة الغاط ،وهو فرع من المؤسسة التي أنشأها الجوف ،ونظراً لحاجة المنطقة إل��ى توافر فندق بالجوف .ويتكون مركز الرحمانية من مكتبة األمير بمواصفات الدرجة األولى ،رغب المؤسس أن تبادر عبدالرحمن السديري للرجال ومكتبة منيرة الملحم المؤسسة إل��ى إق��ام��ة ف��ن��دق ح��دي��ث ف��ي المنطقة؛ للنساء ،وقاعة سمو األمير سلطان بن عبدالعزيز فتبنت المؤسسة فكرة إنشاء الفندق ،واستثمرت للمحاضرات ،ومسجد ،وحديقة ،وبستان .وتضم في إقامته جزءاً من المال الموقوف عليها .وتحقق المكتبة أمهات المصادر والمراجع التي تهم المثقفين لها ذلك في عام 1995م ،وأطلقت على الفندق أسم وط�لاب العلم من أبناء الغاط ،وقد فتحت المكتبة "ال��ن��زل" ،وهو يستقبل نزالئه من زوار الجوف منذ أبوابها في يونيو 2003م ،وتم افتتاحها رسمياً في ذلك الوقت ،ويقدم لهم خدمات فندقية متكاملة. 1425/11/17ه��ـ (2004/12/29م) برعاية صاحب وقد روعي في تصميم الفندق البساطة والجمال ،السمو الملكي األمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود. ويحتوي الفندق على صالة للمناسباتٍ ، وناد صحي ،وقد القى افتتاح المركز ترحيباً واسعاً من قبل أهالي ومطعم خارجي ،وصاالت جلوس عديدة ،كما يعتمد الغاط ،وتفاعل أبناء وبنات الغاط مع مختلف برامج استخدام نظام األبراج الهوائية للتبريد. المركز وأنشطته الثقافية المتنوعة.
اجلوبة -خريف 55 1427
ملهاة الكـائـن
> زيـاد عبدالكرمي السالم
<
خُ ْذ الزنبي َل وعلّقه على الشجرة. حتى إذا مر به أول الطيور اصطفاه لنفسه وأغ��واه بخواتم زئبق يتسل ُل إل��ى نومنا ليحرس ساعته النيروز. ُك�� ْن حَ ��ذق��اً مثل ٍ اللزجة ،حيث الحلم وأشكاله الالهية ،إذ يتكون عال ٌم بال تهمّل إذاً. تأريخ. تمهل قبل أن تتهمه بدمية شمع ملقاة على الساحل.
ُك ْن عري المرآة وأكشف مكيدة األزل ،حين يموّه الموت مبتدعاً حمامات منسية في ملهاة الكائن. ألتمس مهدك المائي أيّها المداهم في خلوة التابوت. قربك حجر ينزف في العتمة.
«««
مرايا النهر بادهتني الريح ُفوضعت ثيابي على شعر شقيقتي الممتد من قرية قصية تكاد تختفي اآلن.
ه��و ال��ذي ن��زع عنك وحشتك وآن��س��ك بالمسير وأوحى رأي���ت م��ن عيني ال��واق��ع��ة على ق��رن ح��ل��زون ذاه���ب في إليك أ ْن انتبذ مكاناً .أهله يربّون عبّاد الشمس في حقولهم النعاس ،رأيت صبية أشبه بذباب الفاكهة ،يلعبون في النهر ويعرون تحت صارية المدينة .عرائس أكثر طيشاً من مجون كأنهم يلهون في دمي. المياه ...دليلهم الغواية ،يمضون مهرقين الصاعقة برقاً برقاً قلت :خلقت من هذا المكان ولن أبرح حتى يُريني الكلب على حجر الروح. زرقة قدميه!
«««
«««
ليس للنعامة إال أن تحنو عليك كلما ع��وى الذئب من لقطة زجاجيه /مرايا البحر .المالّحون نائمون على ورائك نفشت ريشها أو باضت في النهر .حتى إذا أويت إلى خرائطهم الليلية. صخرة ترضع الغمام خفّ إليك توتي تترلق الشرانق بين يديه يرعون أعشاب البحر في قمرة أحالمهم. يُبلل الليل بلعابه ينتحل نفسك األليفة. يكتشفون فناراً يضيء نايات تنتحب في زوارق الليل. فيما يُسميك زجاجة المدى .
قلت :هذه السفينة مخلّعة األل��واح آن ألهلها أن يتأملوا وعند شجرة األغاني يُلمّع نايه بالحصى مأخوذاً بأطفال القطن وهو يدخل فترة الظل. يعقدون األعشاب على رؤوسهم ويرقصون.
ق���ص���ائ���ـ���د 56
«««
طالما أن النوارس ترفو زرقة األماكن!؟
«««
ي��ا م��ن تلتقط ب��ق��ف��ازك بيضه ال��ه��ب��اء ث��م ت��ه��وي بها في األق��اص��ي.ت��م��ه��ل قبل أن ت���ؤذي النسناس النائم ف��ي خالء كنت مطارداً وموشكاً ،مثل بالون يحاول التفلت من دائرة مشمس .ذاك الذي كلما غنى أخضر ما حوله .أال تراه يسرح القطط. دنانه متوس ًال بعين أخرى دالية تلوذ بها شهوة العنب.ستراه، نفرت إلى كوخ بين جذوع النخل ،يغزل اللهو ألشخاص وسترى مالكاً يندلق الضحى من ثدييه. غامضين ذوي معاطف تثير الريبة ،وغاليين مضيئة تتدلى إما رأيته رأيت المكان مزيناً بأباريق الظالل. من شفاههم ،إال إنها مشغولة بغزالن فقدت قرونها ثم تاهت لكنه ك��ال��ورد ي���ذوب ف��ي ال��ت��ره��ة مرتشفاً حبر األنثى .في البرية. < شاعر وقاص سعودي.
اجلوبة -خريف 1427
على مشارف الوجع.. تهويمة..
مالي، جواد ٍ كلّما راهنتُ على كبا. صديق؛ ٍ وكلّما راهنتُ على حاد عن جادة الوفاء وانتحى. وكلّما جاءني حاقدٌ؛ نضوتُ غبار الحقد عن وجهه وسكبتُ في روحه أشجاني، والمنى.. وكلّما رنوتُ إلى حظّ ي في صقيع الفنجان، يخرج مارد الذهول من غفوته الطويلة يبحث عن حظي المزعوم في جبال عجلون ()1 في (تالل الصوان) (والمحافير) وكلّما أوغ َل في الفشل؛ عاد، وهو ينسج للفجر من السواد كفناً.. خيولي: خيولي التي َر َم َح الجنو ُن صهوتها؛ ترثيني.. فما عاد الفر ُق جل ّياً بين الصهيل ورجع الصدى …
عينيك.. ِ على رموش ()1
لم يكن الفرا ُق أغنية ٍ مجرد ردّدناها معاً. أو دمعتين تساتلتا من مقلتينا … ال؛ وال كان الودا ُع شراعاً، طواه الموج وراء البعيد ..البعيد: الغارق في التيه والضياع.. ()2 لم يكن بالبال رحيلك … ففي القلب خطايا كثيرة، محراب الروحِ ِ وفي ابتهاالت مؤجلة … غير أني: عينيك ِ من أجل أنزف شعراً، ُ من أجل وشم الكبرياء المرسوم: فوق أهدابك.. وأستحلفك، ِ يا محزونة العينين، بأن ال ترحلي، قبل أن أنصب عينيك: ِ على رموش مشنقتي!!..
> عمار اجلنيدي <
عـبث..
مرّي: على سنابل تمرّدي ودعي غيث السماء يتهاطل سخيّا على حقولي وأسكري صهيل انتصاراتي بلفتة من مهجة الشوق فما زال في العمر متسع لك ّل هذا العبث..
جنـون..
أنت: ِ والغول الذي يالحق الرعاة في غابات األرق، صرخة في زمن الثرثرة. ٍ مجرد تهويمة ٍ مجرد يشدو بها حادي الفصولِ الخمسةِ .. عنك فاخلعي ِ عباءة الندمِ المجنون.. ثم اهبطي من علّية الوجومِ على عجل؛ كيما نتصالح ونتف َق على المزيد من الجنون..
< شاعر من األردن. ( )1أشهر األماكن الزراعية في جبال عجلون..
اجلوبة -خريف 57 1427
ارت ِ ٌ ــبـــــاك > ســعدي يوس ــف
تنهب السـَّـهْ بَ مَ ـنْـ َهــب ًا الناس حتى إذا دجا بيَ الليلُ هَ ـب ّْت ُ ِ نهاري نها ُر جناح فراش ــةٍ ِ ـس هفيف ًا من عواصف ش ـ ّتــى :الثلجُ والنا ُر ؛ بينما أ ُِحـ ُّ ُ على هُ ــدُ بي .ما أضيقَ ال��ك��ونَ ! إنني أُسَ ��ـ��ـ��رِّحُ طَ ـرْفي في المـيــاهِ فال أرى س��ـ��ـ��وى ص������ورةٍ ُب��ـ��ـ�� ِّن��ـ��ـ�� ّي��ـ��ـ��ةٍ .أه���ـ���يَ ص��ـ��ـ��ورت��ي أَم األص�������لُ ؟ ه���ل ك����ان الصباحُ ّـاك الش ـب ِ ـرت من ُ ـلع الفجرِ عندما نظ ُ ��اس؟ في مَ ْـطـ ِ حـقيقةً ؟ وأي��ن نها ُر ال��ن ِ الندي ُّ والعشب ُ األرض. ِ الخريف وثِ ــيرةٌ على ِ ��رت ،بغــتةً ،غ���زاالً .وأوراقُ أب��ص ُ ����ون ،أَنفاســي. ��ت ،مُ ��ـ��ص��ـ ِ��غ��ـ��ي�� ًا إل����ى ال����ك ِ ���ات .و َك��ـ��ـ�� ّت��ـ��مْ ُ َي����ـ����رِ ُّف ف���ي م���راي���ا ره���ي���ف ٍ ـيرات مَ ��ـ��رْسَ ��ـ��ـ��مٌ .وم��ا أف��ص��ح ْ��ت عـنـه الشــجَ ـ ُ التماثيلُّ . ِ ال��غ��زالُ ك��أن��ه غ���زالُ كعهدها – تريدُ ح ــيا ًة ؛ ِ منطق لــغيرِ العصــافيرِ .الحيــا ُة – ٌ العصافيرُ والج ـر ُْف الذي ليس دانياً ،ولو ُحلُـماً؟ ُ أينَ ِم ـ ّنــا مياهُ ـها العمــيقةُ ، يا َلـ ـل ـغ ـ ـ ـ ـ ــزال! لندن 2005/11/13
58
اجلوبة -خريف 1427
حلظة ُ شـــرود > د .عبد البديع عراق ����ط����اَن����ي السـكونُ َذه�������بَ ال���س���م���عُ وغ ّ
����أس ت��ك��ـ��وي��ن��ي الظنونُ ���ت ال����ي َ واف���ت���رش���ـ ُ
واألوج�������ـ�������ة عَ ���ـ���لّ���ي ُ ���������ب األف�������ـ�������وا َه أرق ُ
����ت عُ ���ـ���ي���ونُ أف����ه����مُ ال���م���ق���ص���ـ���وَد ل����و الح����ـ ْ
ق���ي���لَ :هَ ���ـ���يّ���ا ،ع��ن��د (دك�����ت�����ورٍ ) قري ٍـب
�����ي أم����ـ����ي����نُ ه����ـ����ـ����و ل���ل���س���ـ���م���ع نَ�����ط�����ـ�����اس�����ـ ٌّ
َ��ل��ا إن���ن���ي ف���ي وح��ـ��دت��ي هذي ���ت :ك ّ ق���ل ُ
���س ل������يَ ال����ـ����ي����ـ����و َم مُ عــينُ س����ع����ي����دٌ ،ل���ي���ـ َ
ك����ل ي����ـ����ومٍ ن����ش����ر ُة األخ����ـ����ب����ارِ ُتلـقي
���ل���ال ،ك�����ـ�����لُ م������ا ت����ح����ـ����وي ح���ـ���زي���ـ���ـ���نُ ب�������ت ٍ
وب�������ـ���ل���ادي ف������ي ح����ـ����ري����ق يتـل ّـظى
����ل ف����ـ����ي أه����ـ����ل����ي ف����ـ����ن����ونُ وب����ه����ـ����ا ل����ل����ق����ت ِ
����دس ت���ش���ك���و ده���� َره����ا ������اب ال����ق����ـ ِ ورح������ـ ُ
����ج����ـ����ف����ونُ وي���ـ���ن���ـ���ـ���زُّ ال�����دم�����ـ�����عُ ت���غ���ـ���ل���ي���هِ ال ُ
����ف ُج����ـ����لُ����ود ًا �����ال قَ����بِ ����ل����وا ال����زي����ـ َ ورج�����ـ ٌ
������ص������دقَ ،وم������ا ف���ي���ه���مُ رزي������نُ ح����ـ����ا َرب����وا ال ِّ
���ف أو لسانٌ ل����م يَ���عُ ���ـ���دْ ل���ل���ح���قَّ س���ـ���ي ٌ
ه�����ا ه���ـ���ـ���و ال����ع����ـ����دلُ ش�����ري�����دٌ أو طعيـنُ
ه�����ـ�����ذه األي�����������ام تُ����س����ـْ����قَ����ى ب���ظ���ـ���ـ�ل�امٍ
�����م ،إن���������ه ده�����ـ�����ـ�����رٌ خَ �����ـ�����ئ�����ـُ�����ونُ �����ظ�����ل�����ـ�����ـ�����ـ ٍ وب ُ
ه���ـ���ي دن����ي����ا ل��ل�أف����اع����ي وال���خ���ـ���ن���ازي���رِ
����وت ق���ـ���ري���نُ �����ت ،ف���ـ���ـ���ه���ي ل����ل����م����ـ ِ فَ�����بِ �����ئ�����ـْ�����سَ ْ
ف��اتْ��رك��ون��ي ل ِ��ش��ق��ائ��ي ،ال أري���د السمْ ع
وال�����دن�����ـ�����ي�����ا ،ف����ه����ل ه����ـ����ـ����ذا ج����ـ����ـ����ن����ونُ ؟!
<<< أي���ه���ا ال���ش���اع���رُ ال ت���ك���ف���رْ ،ب���ل اشـك ْر
���ون ع���ل���ى م����ا ك�������انَ ق����ـَ����دَّ ْر خ����ـ����ال����قَ ال���ـ���ك���ـ ِ
ْض ب����األق����دارِ وال���م���ق���س���ومِ دوم���� ًا و أر َ
����ظ يُ ���غ���ـ���ن���ي ،أو َت��� َع���ـ���ـ���ـ���ثّ��� ْر أق����ب����ـ����لَ ال����ح����ـ ُ
����د ال����راح����ـ���� َة وال����بُ����ش����رى ج����ـ����زاءٌ ت����ج ِ
����ان ك���وثَ��� ْر ف���ال���رض���ا ك���ـ���ن���زٌ ،ع���ل���ى اإلن����س����ـ ِ
����ت وولّ���������ى خـيـرُ ها ن���ع���م���ةُ ض����ـ����اعَ ْ
����وف ي�� ْب��ـ��ق��ى م����ن ع���ط���ـ���اء ال���ل���ه أكُ ����ثَ���� ْر س����ـ َ
وام���ت���ح���ـ���انُ ال����ل����هِ ل��ل��خ��ـ��ل ِ��ق ابْ���تِ ���ـ�ل�اءٌ
ه��ل ستطغي ؟! أم س��ت��ن��س��اه��ا وت��ص��ب�� ْر ؟
وف���ل���س���ـ���ط���ي���نُ ف������ـ������ـِ������دّ اءٌ وعَ ����ـ����ـ����طَ ����اءٌ
بَ�������يْ�������ر ٌَق ل���ل���ح���ـ���قِّ يَ���عُ ���ـ���ل���ون���ا فَ���نَ���فْ ���ـ���خَ ���ـ���ـ��� ْر
<<< ����ف���� ْر ل���ي ُش�����رودي ���وك ال���ل���ه���مَّ ،واغْ ِ ع���ف َ
�������ك ال���ح���ـ���م���دُ ،أن������ا ال زل����ـ����ت ُأبْ���ص���ـ���ـِ��� ْر ول َ
اجلوبة -خريف 59 1427
إلى توم هانكس باكرا ً > محمد احلميد
"منذ شاهدت فلم (شيفرة دافنشي) وأنا أصارع الجدار ،أينُّ ا يتأخر". يتعينُ للعين أن تكشط السقف ،تفتح فيه ال��دروب ،لتسري األصابع، تمتص هذا السديم المُ َغبَّش ،تطرقه في بياض الجدار ،لتفسح في الدم اآلخرون بأسالفهم .تستعير الكنائس أصواتها في الخلود.. أول ما يلتقي ِ لتعرى. الممثل لم يذكر النحل في حرفه ،تجرد حتى يكاد الزجاج المهيب على متحف (اللوفر) يدنو ليلمس أدنى النوايا ،يعد الطالسم يكشف عن قاتل الجد (سينير). (توم هانكس): أبوء بعيني ،ترف عليك كما البرق ،تخطف أحراش تيك الحشائش، تقرفص فيك الديانات ،تُجاوب أصدائها في الوجيب الممل ،أال تترك الباب ،تصعد فيك تآويلهم في الضحى ،وأنت بـ (باريس ) تصرخ: صاعدون باتجاه (األنثروبولوجيا) ،ولتكن فيكمُ بحة الفوت ،يا أيها الناسكون بملح التأخر .صباح (التشرذم) يا أيها الفلم ،تكسو صباح (ال��ري��اض) بهذا الضباب المفخخ ،أن��ادم بعدك ه��ذا الجدار الفسيح؟ أسائله ،من تراه على ضفة الصدق يفنى ،ومن يتأخر؟
60
اجلوبة -خريف 1427
> عبدالرحيم املاسخ
هدنة
ق ص ا ئـ د
لروحك شرنقةٌ ِ مسامُ الحرير وأنا في حنيني أسير بال وتر تتوزَّعُ ه ثقة في الزوايا تدور تمزِّق أقبية الصمت ينصب أجراسه في ندى نشوتي ُ والوقت ُ مهب الغرور في ِّ ُتحيطين فجرا بأغنيةٍ وأنت ِ ِ وتفيضين من وَترِ القمر الُمن ِْص ِت الشجرِ المتلفِّ ِت والتشتت ِ بحرِ اللقا أنت وأنت وأنت ِ انسحبت فرحتي ْ ومن لوعتي احتضنت يقظتي غفوتي ْ فاحتجبت بقوس انتظاري ُ أهادِ نُ ثورة مائي وناري اقترابك يا حلوتي! ِ بوهم
إيغال
في وجوهِ الصبايا سقى الوردُ نايًا فنايا فأخر َج للعاشقين ثياب المرايا زالت الطيرُ ترعى خياال وعَ ى وما ِ للرحيل الوصايا والرياحين ِ أنا شوق دفين والصمتٌ : ُ يرفرف ع ْب َر الحنايا ُ تتثاءب ُ وأغنية كالغيمة انكسرتْ العجائب ُ واحتوتْ مقلتيها معْ روقً ة بالثنايا أحبك ِ تنفلت الريح بي ُ الكوكب المستريح الخبايا ِ وتحط على ُّ أحبك ِ
<
فتنتفض ُ تسمعني الذكريات ض فيه الحياة بآمالها توم ُ الظلُّ ِ وتطلُّ على شجر يستعيد الزوايا ِ وأرحلُ معتصمً ا بانكساري أسوقُ على الماءِ داري إلى مُ نتهَى منتهايا!
إصرار
حائط الصمت أغنيتي ِ تستديرُ إلى مسدُ شع َر النسيم والخالء يُ ِّ ألملِ مُ وقتي همسات النجوم ُ وتهرب من حيرتي وأنت تطوفين يا نحلًة باألزاهير ِ موجة .............بالخرير يا ً ويا قمرً ا .......بالمساء الضرير موعد ٍ وال تحملين الوصايا إلى تتراكب أغصانه :شجر ًا في مسام الحرير ُ الصمت أغنيتي ِ تدور إلى حائط يرجع موتي الخالءُ ِّ أنت وأنت كما ِ ِ وعدت الشذى بالخالء النضير ِ منذ الصبا بالغدير ريا َح َّ رياض السنا بالعصافير َ واخترت بيت ًا على ربوة الحلم ِ الليلُ يهمي األلم وتشتعل الذكريات على جمرة ِ المحتمي بالخالء المطير رف الغمامةِ تمسك الريحُ عُ َ ِ ولم والبرقُ تاه عن السريان /العالمةِ بين الهُ دى والمسير أنت وأنت كما ِ ِ غبت لم تطلعي منذ ِ خلفك أوردتي ِ وأرسلت ُ موج المصير!! عكس ِ َ
< شاعر من مصر.
اجلوبة -خريف 61 1427 ·
الطريق إلى العدم > سعيد أحباط
<
تكسيراً للرتابة والملل ،عزمت أنا و صديقي السفر إلى إحدى المناطق .حبذ صديقي الفكرة ،وبدأ متحمساً ،أعددنا أمورنا وانطلقنا ،بعد يومين من السفر عبر الحافلة وصلنا للمكان المقرر ..استقبلنا الهواء الساخن بتحّ ية حارّة؟ في اليوم الثاني ،استأجرنا سيارة تاكسي ،خرجنا لنستكشف معالم الفضاء الصحراوي. ابتعدنا عن المنطقة التي كنا نتنزه فيها .أثارت رؤية المناظر الرملية نشوة فينا. كانت منحوتات تقدم للعين دون استئذان. تبادل معي صديقي كلمات هامسة ،مبدياً سعادته الفائقة لالختيار. سررت لسعادة صديقي ،الحظ السائق همساتنا ،وكأنه أدرك ما يدور بيننا. فأقترح علينا أن يأتي صباح الغد يأخذنا في رحلة أبعد ،وباألجرة نفسها ،مؤكداً رغبته في مساعدتنا ،لمزيد في اكتشاف خبايا هذا الفضاء الصحراوي..
ق�����ص�����ص 62
بعد وصولنا ألحد المطاعم ،طلبنا من السائق أن يتوقف لنتناول طعام الغذاء. استحسن السائق الفكرة ،وقال إنه سيشاركنا الطعام إذا ما وافقنا على ذلك ،أردت أن أدفع ثمن الوجبتين ،إال أن السائق اعترض ،ودفع ثمن الوجبات الثالث!. في اليوم الثالث ،وف��ور خروجي من باب الفندق ،رأي��ت السائق يقف بجانب سيارته ،حييته ،ر َّد التحية بأحسن منها وصافحنا .ركبنا "التاكسي" ،أدار المحرك، و كعادته أخفض "طاقيته" على جانبه .استرق بعض النظرات إلينا ،مر بنا بإحدى "المداشر" الجميلة .لدرجة أن صديقي كان يرد « ياه!».. كان السائق صامتاً طيلة الوقت ،يتطلع إلينا من المرآة ،حين نسأله يجيب إجابات دقيقة ،لم يكن سائقاً "ثرثارا" كالسائقين اآلخرين .بعد مضي فترة قصيرة اجلوبة -خريف 1427
م��ن السفر ،همس ل��ي صديقي أن صمت السائق غ��ري��ب ،أخ��ب��رت��ه أن م��ن األف��ض��ل لنا أن نصطحب سائقاً صموتاً على أن نصطحب سائقاً كثير الكالم. أدرك السائق ما يدور بيننا .ولكي ينفي تهمة الهدوء المريب التي ألصقناها به .شرع يتكلم ولكي يهدئ من حدة انفعالنا ،ويلفت انتباهنا إلى المناطق الخارجية، اقترح علينا الذهاب إلى مناطق أخرى أكثر جماالً، قال ببساطه إنه يستحسن أن نستغل ضوء النهار. وضحك ،وهو يقول لنا إن الفرصة ال تطرق أبواباً بحياتنا دائماً ،ووافقنا السائق على الفكرة ،وطلبنا منه أن يسرع ويأخذنا إل��ى األم��اك��ن األخ���رى التي يجدر بنا ،أن نراها ،أبدى استعداده التام بهمزة من رأسه ،وابتسم ابتسامة شاحبة. انحرف بنا في اتجاه آخر ،كانت تظهر في أوقات متباعدة س��ي��ارات ع��ادي��ة قليلة ،وس��ي��ارات أخرى عسكرية ،شعر بقلقنا ،ابتسم وقال إن ثمة معسكرات موجودة في هاته المنطقة ،لكنه أكد لنا أنه يعرف المنطقة ،مثلما يعرف إصبع يده ،كانت المنطقة التي دخلناها قاحلة وشديدة الحرارة ،لدرجة تشعر معها أن الصخر والرمل وكل شيء سيشتعل ،أشرت إليه أن الطريق مليئة بالخطر وتبعث القلق والرهبة ،فهم صديقي ما يدور في داخلي ،فقال إنه هو األخر قلق من هذه المنطقة القاحلة.
جبلي ضيق غير معبد ،ثم ابتسم ابتسامة عريضة، وقال إن العجلة أصيبت بعطب ،دب الذعر فينا ،طلب منا بلطف أن ننزل لنساعد على تغيير العجلة قلنا له ،إننا ال نستطيع أن نقضي ثانية واحدة في هذا الخالء الصحراوي ،قال مبتسماً أننا سنتحّ مل ذلك، أكد لنا أن تغيير العجلة ال يستغرق أكثر من دقيقتين أطراف أصابع َ ل��م أع���د أط��م��ئ��ن إل���ى ك�لام��ه واب��ت��س��ام��ت��ه ،لزمنا نزلنا من السيارة ،لسع الرم ُل الحا َر الصمت وس���ارت بنا السيارة بسرعة ،أدار مفتاح قدمينا ،وانصبت أشعة الشمس الحارة على رأسينا. المسجل ،انبعثت منه موسيقى خافية ،طلبت منه ف��ي أث��ن��اء انشغالنا ب��ح��رارة ال��رم��ل ،ع�لا صوتُ أن يغلقه .الح��ظ م��دى قلقنا الظاهر على وجهينا فأخذ ي��ح��اول تبديده بمجاذبتنا أط���راف الحديث محرك السيارة ه���ادراً في صمت الصحراء ،أطلَّ بصوت عال مودعاً ٍ مع االحتفاظ بابتسامته الشاحبة .المنطقة تزداد السائق برأسه من النافذة ،وصرخ وعورة وقسوة كان لسانه ال يهدأ وعيناه تنظران إلى إيانا متمينا لنا حظاً سعيداً في هذا العراء المخيف، الطريق وإلينا ،والسيارة تنحدر بسرعة في طريق وقهقهاته الحارة تردد في الصدى!.....
< قاص من المغرب ،صدرت له سنة 2003م مجموعة قصصية موسومة بـ "صباح سوريالي" ،وسيصدر له قريباً مجموعة قصصية ثانية" :ال أرى وجوهاً".
اجلوبة -خريف 63 1427
الرجل الذي ال ينام أبدا ً > ترجمة محمد املزديوي/باريس
إنه من نوع الرجال القادر على فعل كل شيء، وهو ال أحد .هو من النوع الذي قام بكل شيء، تلقى دراسات وأشغاالً وضربات .هو اآلن يدير معمالً ،ولكن إدارة المعمل ليست هي الكلمة المناسبة .أوساط األعمال تشبه باقي األوساط األخرى .دائماً ثمة القانون األولي والبذيء ذاته. في كل مكان يوجد تعطش نحو اإلدارة ورغبة في اإلفناء ،هو يعرف هذا القانون من دون أن يخضع لها .إنه يشبه المغناطيس ،الذي يجذب َصالِح والوضاعات الضرورية في إليه سُ حالة الم َ كل شُ غل .هو يرى ويمرّ .ال يُفس ُدهُ أبداً ما يقترب منه .الكبرياء هو من يقوده .كبرياء ال حدّ له، ه��و ال��ذي ح��دده بنفسه .الكبرياء ال��ذي يجعله ال يتخلى عن أناقة العيش ،كبرياء اإلفالت إلى حالته. يسير ف��ي ال��ع��ال��م مثل اختصاصي ف��ي علم الهندسة .يقيس المسافات بغريزته ،ويعرف، دف��ع��ة واح����دة ،ال��م��رك��ز واألط�����راف .حين يصل إلى مكان ما ،يستمع ،قبل األوان ،إلى الكلمات التي س��وف يُتلفَّظ بها .ي��رى ما س��وف يحدث، ويرى ما ل ْن يحدث .يتجول في كل مكان .يعاشر النبالء وثقيلي الظل وواسعي النفوذ .يُرَحَّ ب به على موائدهم ،ويَستَمع إلى أحاديثهم .يقترب إلى أقصى درجة من هذه الرّجاالت مثلما نميل في الفراغ ويخاطر أن يسقط فيه .يم ّر قريباً
64
اجلوبة -خريف 1427
جداً من مرحلة موت الروح وقريباً جداً من نهاية طفولة .يفلت في آخر دقيقة من القهقهة ومن الوقاحة .ثم يعود ،في الثانية األخيرة ،إلى ما ال يتوقف عن أن يكونه أال وهو ذلك الطفل الال مُحْ تَمل ،والفُضولي لمعرفة كل شيء. الثعلب المهووس بالطريدة .يعود أدراجه ،في ضحكة ويبتعد .األحداث الحقيقية نادرة في حياةٍ ما ،كما أن األشياء الحقيقية نادرة هي األخرى في الحياة .العالم ضيق وال يحتمل طموحه ،إذ ْن فما الذي يتوجب فعله بالزمن المتبقي ،بل ماذا يتوجّ ب أن يُفعَل بك ّل الزمن؟ يمتلك ،اليوم ،هذا المصنع ،وغ��داً سيمتلك شيئاً آخر .يمنح لمن يو ّد أن يرى رؤية ال يمكن استبدالها ع��ن ع��الَ��م األع��م��ال :مقاطعة ،أرض أرض من دون سماء ،ومن دون أمل .يصنع واطئةٌ ، فيها البالستيك والصلب والكارتون .وتخترع فيها النفايات .هذه هي الصناعة السائدة ،مغامرة الصناعة الكبرى ،وهو أال نعرف أب��داً ما نحن بصدد فعله ،وأن ه��ذا ال يستحق الوقت الذي يُفعَل فيه ،وه��و أيضا إقناع اآلخ��ري��ن بفعل ما هو أكثر ،ثماني ساعات في اليوم ،ثمانية قرون في الساعة! العالَم الصناعي هو العالم بأسره، خرافة س��وداء من أجل األطفال ،أ َر ٌق سيء في النهار .حضور المال ،في هذا العالم ،ها ّم جداً.
إنه (حضور المال) الذي يتوهّ ج دائماً. يسيطر على حركات األفكار كما على حركات الوجوه .من يُصدرون األوامر يخدمونه .ينفقون م���ن وق��ت��ه��م م���ن دون ح���س���اب .ي��ع��ت��ق��دون أنهم يشتغلون في حين أنهم ال يفعلون سوى التمتّع. يعتقدون أنهم يحققون اللذة في الوقت الذي ال يفعلون فيه سوى طاعة رؤسائهم .إنهم فخورون بهذه العبودية .هم يعتقدون أن��ه من دونهم ما ك��ان يمكن توفر ث���روات ،ال خبز وال معنى ،وال أي شيء من العجائب على هذه األرض .بمعنى ما ،هم مُحقّون .بمعنى ما ،هم ضروريون لحالة األشياء.
أهمية له .هو ينجح ألن األمر ال أهمية له .وكان في مقدروه أيضاً أن ينجح في عالم اإلجرام ،كما في عالم الصناعة .هو الفوز نفسه ،في نهاية المطاف ،والعقبات نفسها ،وقد تُ��جُ ��ووِ زَتْ أمام اآلخرين وأمام نفسه .الناس تنظُ ُر إلى ما يُحيط به ،تنظر إلى ما يجتازه وإلى ما يُضيءُ مرو َرهُ. بفضل الكتب ،يمكن تعلّم ما هو خالد وما ال يتزحزح .ولكن العالَم ال يمكن معرفته إال عبر هذه الطريقة ،التي تقتضي اإلقامة فيه مع الهروب منه ،إال عبر هذا الذكاء المحسوس والغاطس في ما يلتقطه ،مثلما الماء مع الماء .عند رؤيته نتعلم كل شيء عنه ،ولكننا ال نعرف شيئاً عما نتعلمه ،هو متحرك ورشيقٌ ،هو موهوب بذكاء كبير ج��داً ،أي ذكاء الغريزة .هو ال يخاف على نفسه من أي شيء ،سوى العزلة؛ عزلة تتجاوز يوماً واحداً تجعله يذوي مثل مصباح دون زيت. إنه يعيش من ما يتلقاه من العالم ،ومن ما يأخذ منه ،يتغذى منه جسدياً وذهنياً .هي الحاجة الضرورية الوحيدة التي تنظم الباقي.
إنهم موجودون هنا ،مكلفون باألموال ،كما هو الحال في بعض القبائل ،مع ه��ؤالء األشخاص المنبوذين والمنذورين لتجارة الموتى .منظر حالهم كما ل��و ك��ان منظر ك�� ّن��اس��ي ال��م��ال ،مثل عبيد من نوع جديد ،عبيد مليونيريون .يعطون أوام���ر ،وي��ق��ررون ويحسمون األش��ي��اء ويتكلمون كثيراً .الكال ُم هو مادتهم األولية .يتكلمون كثيراً ولكن كالمهم ليس ،بالمرة ،كالماً شخصياً .إنهم من وجهة نظركم أنتم ،الذين تحتاجون إلى يتحدثون تبعاً لما يعملونه ،تبعا لفكرة عامة عن العزلة كي تكتبوا ،ولكن أيضاً كي ال تكتبوا كما ما يتوجب فعله في الحياة ،فكرة تعلموها. ه��و ش��أن الجميع؛ ف��إن ه��ذه الحاجة لديه هي إن��ه��م ال��رج��ال ال��ج��دّ ّي��ون ،ال��رج��ال ال��ذي��ن ال نقطة عمياء ،تُتيح له أن يرى العالَم في الضوء، َميض المال يُعادل قسماتهم .حتى ولكنها تحرمه م��ن ك��ل ض��وء آخ��ر .ه��و بطبيعة ظ�� ّل لهم .و ُ يمكن ال��ق��ول إن��ه��م ال��رج��ل نفسه ف��ي ك��ل مرة ،الحال ،ينفي وجود شيء آخر في العالَم باستثناء الغياب المُتعالي ذاته ،الخراب ذاته لكل مغامرة هذه اللعبة ،التي يعشق كثيراً ممارستها إلى درجة شخصية متفردة .نجدهم باآلالف في المكاتب الفوز بها .إنه يتحدث ويُدهش ويستميلُ. وفي المطارات وفي المطاعم الباذخة. ه��و يحب ص��داق��ة ال��رج��ال اآلخَ ��ري��ن ،ولكنه
هو يخترق كل هذا ،بسهولة .هو ليس من هنا .ليس على صلة ،في معرفته عن نفسه ،سوى مع هو ال مكان له .هو ينجح أينما كان ،ولكن هذا ال النساء .اإلغواء عنده يشبه فناً قديماً جداً ورِ قّة
اجلوبة -خريف 65 1427
خشنة .اإلغواء كما يفعل ،هو القتل من دون جراح .يتحدث بكالم فضيّ وبرّاق وحييّ .كالمه الالمع يفرض االستماع ،وعقله الطيّار َفرض المشاهدة .كلماته على صورته ،إنها تنفلت في المفارقة، ي ُ بشيء. إن من يصدر األوامر لآلخَ رين يضع نفسه في مكانة الربّ .من يُصدر أوامر ويضحك من أوامره ،يضع نفسه في مكانة الشيطان. إنه شيطان من دون سواد ،شيطان طفولي .إنه يتصرف تبعاً لفكرة هزيلة .يتصرف تبعاً لفكرة هاربة جداً من نفسه ،تبعاً لفكرة تفرض عليه أال يتذوق الرّاحة أبداً ،اللهم إال في الحركة .ينطبق األمر عليه وعلى كل الرجال الذين يحبون القوة المضيئة ل�لإرادة ،إذ يمكن أن نعتقد أن��ه ال ينام أب���داً .ال ش��يء يخفف م��ن سرعته ،وال نوم يثقل كاهله .يقول المرء حين يراه ،حتى وهو نائم ،أنه يظل يقظاً، بالمرصاد ،تحت أوراق نومه الميتة. في المساءات السيئة يغرق في التفكير العقلي .يستسلم للتعب وللصفاقة .إنها حصته من السخافة ،وه��ي دون ش��كّ ،مستحيلة االجتناب .يستعيد ذكاءه عبر الحركة .يبني فكره عبر العمل .إنه في لجة قوة عمره .وهو سيظل على هذه الحال طوال عمره ،في قوّة الفراغ .ليس هذا ما نطلق عليه تعبير الشخصية ،ألنه ال يلعب دوراً
حلوى النعناع
وتُدمّر نفسها ،ملغومة بضحك صامت .يحرص على أن ال يؤمن
ال عابراً ،من معيناً ،وال يبقى في مكان ما .إنه يجهل من حياته عم ً دون أرشيف وال بقايا .إنها حياة في طريق االنقراض ،إنّها بصدد اإلمّحاء .هو رجل دون وجه .هو موديل أسرع من الرسّ ام ،أسرع من ريشته على قُماشَ ة الرسم. < قصة «كريستيان بوببين» Christian Bobinيعد الكاتب الفرنسي بوبان من أهم كتّاب القصة القصيرة في فرنسا اليوم ..كاتب يبتعد عن األضواء ويكتفي بممارسة الكتابة واالستمتاع بهواء الريف الفرنسي الرائع.
66
اجلوبة -خريف 1427
> طفول العقبي
<
تحمل بسطتها المعتقة برائحة ح���ل���وى ال���ن���ع���ن���اع ..ال����ل����وز ..السدر وال��ب��خ��ور ،قبل أن ت��ش��رق الشمس، وتمضي من بيتها في (الغبيرة،).. وقد بدأت البيوت الرثة ذات الجدران المتالصقة و األبواب الضيقة تخرج أرواحاً كانت منحنية تحتها؛ لتبحث عن سبل عيش غير مأمونة بكفاح جديد .تركب مع ابنها في السيارة (الوانيت) ،ترقب وجهه الغض طوال ال��ط��ري��ق ال��ط��وي��ل م��ن خلف برقعها األس�����ود ..تسمي عليه ف��ي نفسها وهي تنظر إلى تلك القطرات التي تناثرت على خضرة شاربه ،فتترقرق في مخيلتها قطرات حليبها على فمه الصغير قبل فطامه من حوالي اثنا عشر عاماً. في قلب شمال الرياض النابض.. في (العليا) ،تقف عند باب المدرسة المترامية األطراف ببنائها الحديث؛ ال��ذي يتناسب مع ما تحتاجه بنات األس��ر المترفة ال��ي��وم .تنتظر حتى يحضر ال��ب��واب وينطلق اب��ن��ه��ا إلى (ع��ت�� ّي��ق��ة) ليساعد أم��ه ف��ي مشوار الكفاح.
حلوى غزل البنات ،وهي تهلل تارة.. وتترنم أخرى بتلك األهازيج البدوية الحزينة. م��ا أن تصبح الساعة التاسعة، وي��ن��ط��ل��ق ال���ج���رس ب��ب��ه��ج��ة معلنا" الفسحة ،حتى تنطلق الصغيرات إلى الخالة أم ريان .كانت بسطة الخالة أم ريان كصندوق العجائب بالنسبة لهؤالء الفتيات الصغار ،رغم اختالف بيئاتهن فمنهن من توصيها أمها بأن ال تشتري من تلك الخالة ،ومنهن من ال ت��ع��رف أم��ه��ا أص�ل�اً ع��ن صندوق العجائب ،و ال تكترث مربيتها إلى قصصها البريئة عنه. ل��م تكن ال��خ��ال��ة أم ري���ان تجذب الصغيرات فقط بحلّواها و حنانها، ولكن حتى المدّرسات و المراقبات كنَّ يتسللن إليها ليأخذن نصيبهن من الفصفص ..الديرم ،وبعض الوصفات النسائية العتيقة ،و ال��دع��وات التي تبعث األمل في مهاراتهن المدرسية الطويلة .بابتسامتها الحييّة ،تمتد يد الخالة أم ريان المعطرة برائحة ال��ح��ن��اء و نقشها ال��س��ري��ال��ي؛ لتلون فضاءات الفتيات و الصبايا بألوان شفقية شفيفة.
تدخل هي ..تضع بصمة إصبعها على دفتر الحضور ثم تأخذ جانباً رن ج��رس الفسحة ،و انطلقت م���ن م��ق��ص��ف ال����م����درس����ة ..تفرش ال��ص��غ��ي��رات ،ول��ك��ن م��ك��ان الخالة م��ف��رش��ه��ا األخ����ض����ر ذي ال���زه���ور أم ري��ان ك��ان ف��ارغ��ا" .أي��ن مفرشها البيضاء المنثورة في أنحائه ،وتبدأ األخ��ض��ر ال���ذي ت��ط��ل م��ن بينه تلك بترتيب بضاعتها البسيطة ..العلك ..الزهور البيضاء؟ أين كفها األرجواني حلوى المصاص و النعناع ..اللوز ..الذي يمتد إلى الصغيرات؟ أين رائحة
حلوى النعناع؟ أين صوت تهليلها و دعواتها؟ أين ابتسامة عينيها؟! كان مكان الخالة أم ريان صامتاً.. الطاولة الخشبية المهترئة ..الكرسي الجلدي األس���ود ،و ذل��ك الصندوق المعدني الصغير ،الذي كانت تجمع فيه رياالتها .األشياء مكانها ولكنها ال ت��ش��ب��ه ت��ل��ك األش���ي���اء القديمة.. الركن هو نفسه ،ولكنه ال يشبه ذلك الركن ..أين هو صندوق العجائب و األح�لام ،الذي كان يصدر موسيقى وتغريداً في ساحة المدرسة؟! لم يعد جرس الفسحة ينطلق بالبهجة ذاتها للصغيرات ..وبالحماسة نفسها.. ليركضن جميعاً إلى الخالة أم ريان. بعد أسبوع ،تأتي الخالة أم ريان إل���ى ال��م��درس��ة ال��ت��ي اس��ت��غ��ن��ت عن خ��دم��ات��ه��ا ب��خ��دم��ات أك��ث��ر ت��ق��دم��اً و حداثة لتأخذ معاشها األخير هنا. تلتفت الصغيرة لترى الخالة أم ريان تقف في ردهة المدرسة ،بابتسامتها العذبة ..بعينيها العسليتين السمحة.. تهرع إليها الصغيرة فتدخل الخالة أم ريان يدها في جيبها لتناولها حلوى النعناع. ال���ي���وم س��ت��ك��م��ل ت��ل��ك الصغيرة العشرين و تستعد ألن تنتقل إلى ح���ي���اة ج���دي���دة م���ع زوج����ه����ا ..تفتح ص��ن��دوق ال���ذك���ري���ات ..ت��ط��ل حلوى النعناع التي احتفظت بها كذكرى للخالة أم ري��ان ،فتلمع في ذاكرتها تلك العيون المبتعدة.
< قاصة سعودية.
اجلوبة -خريف 67 1427
قــداســة > مفلح العدوان أحبَّ حجراً ،فنقله معه!!
<
م����رة ،رآه����م متحلقين ح���ول ص���خ���رة ،يريدون
كان يدري أن ال حول له وال حضور ،ويعلم أنه ال زحزحتها …. يضر وال ينفع ،ولكن بال إرادة منه صار يحمله بين
تأمّل العرق وهو ين ّز من جباههم ،واللهاث ،وهو
يديه أنّى سار ،وحيثما اتجه ،حتى ما عاد أحد يراه يحرق شفاههم!! إ ّال وهو يتلمّس الحجر ويداعبه ،كأنه رفيق حميم!! في البدء استهزأوا به …..
ضحك كثيراً ،فالتفتوا إليه ….. َضوا م��ن ح��ول الصخرة ….. أش��ار لهم ب��أن يَنف ّ
قالوا( :أي مهووس هذا الذي يترك البشر ويعشق واقترب منها!! الحجر؟!)
وضع حجره على الصخرة ،فابتسموا …..
وكانوا يضحكون من طريقته في تحسّ س نتوءات حجره الذي كان يطنب في وصفه .كلما سألوه عن سر قداسة الحجر؛ يسرح بعيداً ويجيب( :مهيب، جميل ،وه��و م��رج��ع البشر وال��ش��ج��ر؛ ح��ج��ر ،جدّه
أخذ يطرق الصخرة بالحجر … ..فاندهشوا!! قال( :تأملوا فعل الحجر). وأكمل الطرق ،فاخذت المساحات التي تالمسها
التراب ،وأبوه الطين ،وأول جذره غبار وماء …… روح الحجر بالتفتّت حجارة صغيرة ،تَ��وائ��م تشبه كتلة من غائب علم النبض ،حجري!!) .ويكثر في الوصف ،الحجر التي بين يديه!! كأنه مالك أسراره وحافظ ناموسه!! يبتعدون ع��ن��ه ،ويبقى ه��ائ��م��اً ف��ي ذك��ر محاسن حجره!!
68
«««
اجلوبة -خريف 1427
تساءلوا( :أيّة معجزة تسكن الحجر؟!). إس��ت��ع��ادوا ص���ورة ال��ص��خ��رة حين ك��ان��ت باشقة، سامقة ،وطاغية ككهل يحلم بأبد الخلود… ..وأخذوا يتذّكرون الحجر أي��ام كان بين يديه وادع��اً ،ساكناً،
كعصفور يشكو من طول السكون!! همسوا بال إرادة( :سبحان رب الحجر!!) تهافتوا إليه ش��اك��ري��ن ،فوضع الحجر أمامهم،
ص َف َق الصخرةَ بالحجر ،فصفقت عيونهم وقلوبهم َ الصخرة معه!! تأمّلوا األثر ،فرأوا ش ّقاً على ما تبقى من مساحة
وأشار إليه منبّهاً( :ال تكلّموني … واستنطقوا الذي الصخرة. كنتم عنه غافلون!!)
نظر إليهم ،وزجرهم قائالً( :لم تُرضوا الحجر
تلمّسوا الحجر ،وهم يتقربون منه بدفء اندهاشهم!! بكامل قلوبكم ،ولم تؤمنوا به بكل حضوركم ،فامتنعت الصخرة أمامه ،وأبت!) ت��أمّ��ل ط��واف��ه��م ح��ول الكتلة ال��ص��م��اء؛ فابتسم، تدافعوا بلهفة ،وأخذوا يُقبّلون الحجر ،ويتلمّسونه، وتداعت في ذاكرته مالمح وجوههم الساخرة منه في أول طواف له بالحجر بينهم … .همس لروحه« :الله ،ويُصفّقون له ،ويصرخون ممجّ دين بقاءه ،فزاد حجم كيف تدور االبتسامات على الشفاه كما األيام؟!!». تلمّسوا الحجر باستالب ،فأخذ يكبر ويتضخّ م
رأسه ،وأطرافه ،واتضحت أمامهم على فمه كشرة ال
تسر الناظرين!!
م��ن كثرة مدحهم ل��ه ،ولمسهم لسطحه ،وتقبيلهم
أخذتهم الرهبة ،فخرّوا للحجر ساجدين ….
الستدارته … ..ص��ارت النتوءات تنمو على جسده،
خافوا ،فانكمشوا متكتلين على بعضهم ،متقاربين
أيد ،وأرجل ،ورؤوساً ،بدل أن يصير أملساً وتتشكّل ٍ مصقوالً كجدران البيوت!! بُ��ه��ت��وا م��م��ا رأوا ،ف��ص��اروا ي��ص��رخ��ون م��ن هَ ول المعجزة( :حجر ويكبر!!) اقترب من حجره ،وحمله مثل طفل بين يديه … حدّقوا به …. ق��ال وه��و يشير إل��ى ال��ص��خ��رة( :م��ن أراد منكم حجراً فليتبعني؟!). تبعوه ،قطيعاً من الحجّ ارين …. رف��ع حجره عالياً ،فارتفعت أعينهم معه كأنهم ينتظرون برق البشارة من بين أصابعه!!
ومتراصين خشية سطوة حضوره!! ص���اروا ي��دع��ون للحجر ب��ط��ول العمر وبالبقاء، فاكتمل ال��رأس واألط��راف ،وباقي الجسد ،واستوى أمامهم عمالقاً أعظم من كل أحالم نومهم …. ازدادوا خ��وف��اً ل��مّ��ا رأوه ،وت�لاش��ى نبضهم وهم متراصين كالصخرة أمامه … تركهم جامدين ،والتفت إلى الصخرة التي فتتّها... تأملها وم ّد لها يداً ،فصارت تنبض ..لمسَ هَا ،فتشكّلت أجساداً برؤوس وأطراف … ابتسم لها؛ فنهضت وتبعته بإجالل ،أمام جحوظ أعين األجساد المتحجرة خوفاً!!
< قاص من األردن.
اجلوبة -خريف 69 1427
هوس بنكهة القهوة ُ > زياد العطية
<
كان الطقس رائعاً في ذلك العصر ،أظنه عصر
ك��ان��ت الجملة طبيعية ف��ي سياقها إال الكلمة
منزو من شارع ال يعرف اسمه إال البلدية وصاحب ٍ
" سيدكَ ،م ْن سيدك؟ أنا لست بسيدك ،إنني وبكل
اشتريت الصحف الثالث التي اقرأها يومياً ،بعد
ه��ذا ال��رد ال��ذي كنت أود أن أق��ول��ه ل��ه ،ل��وال أن
ركن األخيرة منها ،استفزتني على نحو لم أتوقعه. يوم األربعاء ،عرّجت على بقالة صغيرة تقبع في ٍ
تلك البقالة ،وإن لم تخنِ ذاكرتي السيئة والتي تشبه فخر موظف محدود الدخل ،ولم أكمل بعد أقساط قربة مثقوبة ،إن اسمه كان "شارع األزهار الملونة" .سيارتي الكورية حتى أ ُصبح سيدك!!". أن أجبرني البائع على االستماع منه لفاصل إعالني مجموعة من الزبائن دخلوا دفعة واحدة ،فانصرف عن علب الفول الجديدة ،خرجت منزعجاً من ثرثرته ،من أمامي بسرعة ،ولم يعطني الفرصة ألحتج على
وتوجهت إلى مقهاي المعتاد حيث أتناول هناك قهوتي ك�لام��ه ،قلت لنفسي بحزم عليَّ أن انقل ل��ه وجهة الكولومبية اللذيذة ،فقد كنت معتاداً قراءة الصحف نظري هذه في كالمه غير الدقيق عني ،وعليه أن
في المقهى ،لئال انشغل عن قراءتي المؤجلة دوماً يختار المفردات التي تناسب شخصي. بالمنزل ،وألكون أكثر صراحة في هذه النقطة ،كان شدني البخار المنبعث من كوب القهوة ،عندها هناك سبب أخر ،وهو صراخ أوالدي األربعة ،الذين ب��دأت أم��ارس طقوسي الخاصة في ش��رب القهوة، يجوبون شقتنا الصغيرة جيئة وذهابا كأنهم موظفون تلك الطقوس التي لم ألحظها أبداً ،ولم انتبه لنفسي في دائرة حكومية تنعم ببطالة مقنعة. وأنا أمارسها ،لوال تعليق ساخر من صديق لي دعوته كان نادل المقهى يقيم لي وزناً ال بأس به ،ويبش للمقهى منذ زم��ن ،ون��دم��ت على دع��وت��ي تلك ،ألنه
بوجهي حين يلمحني ق��ادم��اً م��ن بعيد ،وف��ي ذلك لم تعجبه القهوة وال المقهى ،ونعتني أنا ومرتاديه العصر ،قام بما جرت عليه العادة من مراسم ،ورسم بـ"المتفرنجين" ،ال أعلم بالضبط لماذا؟
على شفتيه ابتسامته المعهودة عند دخ��ول��ي إلى المقهى ،وذهب من فوره يمسح طاولتي النظيفة التي تقبع في أخر الصالة!.
قد يكون السبب أنني قلت له إنها ألذ من قهوتنا
العربية! وعلى الرغم من ثقوب ذاكرتي الكثيرة ،إال أنني أتذكر بدقة ،ردود فعله ،تغيّرت مالمحه كلياً،
وبعد أن وض��ع ك��وب القهوة على طاولتي ،قال حتى أنفه أصبح مثل مسدس الماء ال��ذي يلهو به
لي":كيف حالك اليوم ،يا سيدي"؟
70
اجلوبة -خريف 1427
األط���ف���ال ،وف��م��ه اس��ت��ح��ال ل��ف��م ت��ن��ي��ن ي��ت��ط��اي��ر منه
اللهب ،وشَ ��� َرعَ ،سامحه الله ،في اتهاماته
النادل عندما راءه قادماً ،هب من مكانه لفتح
نصبح كالخواجات ،أنت ..أنتم ."..وأزبد،
التَفّتُ للحظات ألشاهد عملية الدخول الكبرى
ل���ي ":أن��ت ال تحترم تقاليدنا ،وت��ري��د أن وأرع���د ه��ك��ذا ،ث��م خ��رج غ��اض��ب��اً .وتركني
وح��ي��داً ،أمسح رذاذ لعابه ال��ذي ت��وزع بين وجهي والطاولة.
رفعت الكوب بكلتا يدي ،وأخذت أتلذذ
بارتشاف القهوة ،وأبقيته بين يدي للحظات، والبخار يتصاعد منه على نحو متتابع ،ثم
وضعته على ال��ط��اول��ة ،وتأملته لثوان م��ع��دودات ،سحبت الصحيفة األول������ى وشرعت
ب���ال���ق���راءة ،كنت م���ص���اب���اً بعادة
سيئة في قراءة ا لصحف ،
الجزء الثاني من الباب ،ليسهل عملية دخوله!
تلك ،وبعد نجاح العملية دون خسائر تذكر، عدت لصحيفتي مرة أخرى.
اتجه الرجل البدين نحو جهتي ،ولم يكن في
الجهة التي أجلس فيها غيري أنا ،و جلس على
الطاولة الكائنة أمامي ،ال أعرف لماذا اختار
تلك الطاولة ب��ال��ذات ،على الرغم من وجود
أماكن شاغرة في الناحية األخرى من
المقهى .حدقت في وجهه ،كان
كما قلت آنفا بديناً ،ويلبس
ن��ظ��ارة ذات إط��ار سميك، وعدساتها محدبة على نحو لم أره في
ح�����ي�����ات�����ي.
وه�������������������ي
ول����م����ح����ت
أن����ي أقرأ
ك������ل ش����يء
با لصحيفة ،
ح��ت��ى زاوي������ة أخبار
الناس.
أن الشيب
غ�����زا شعر
رأس��ه ،وأجزا ًء
م�������ن ل����ح����ي����ت����ه غير
ال��م��ح��ل��وق��ة أي���ض���اً ،ي��ب��دو أن���ه في
شربت الكوب األول باسترخاء كامل ،وبمجرد أن الخمسينات من عمره ،وقد أعطته البدانة نوعاً ما رفعت رأسي ،رأيت النادل قادماً نحوي وبيده إبريق من الهيبة ،أبعدت عيني عنه بسرعة ،عندما تالقت القهوة ليمأل كوبي ،وهكذا مر الوقت ،كوب بعد كوب ،عيوننا وجهاً لوجه ،كانت نظراته حادة ،وبدت عيناه وصفحة بعد صفحة ،وبينما كنت استمتع باستراحة كأنهما مضغوطتان على وجه عدسة مكبر .شعرت محارب قصيرة ،إذ كنت قد فرغت للتو من قراءة بتوجس ينذر بكارثة على وشك أن تقع. صحيفتين على التوالي ،وقبل أن اشرع بالثالثة ،دخل
و أنا في غمرة انشغالي في القراءة ،سمعت نحنحة
رجل بدين جداً ،ربما كلمة بدين جداً ،ال تفي بالغرض قادمة من جهة طاولته ،تلتها أصوات غريبة .عندها
هنا ،لكني ال أملك غيرها اآلن ،كان بديناً لدرجة أن داهمني ذاك الهاجس مرة أخرى ،وإن كان ممزوجاً
اجلوبة -خريف 71 1427
بخوف حقيقي هذه المرة ،حاولت أن أسيطر على وأمشي كطاووس ،لكن سرعان ما تأكد لي حمق تلك مشاعري وأن اطمئن نفسي ،لكنني لم أفلح. قلت لنفسي" :إن���ه ال يعنيك ،فقط ان��ظ��ر إليه
النصيحة ،فليأت ذلك المعالج هنا ،ويأخذ مكاني.
ل��م يكن ل��ي ب��د م��ن التظاهر ب��ال��ق��راءة ،ركزت
وأنت تعرف" .أص��درت ق��راري باستجماع ما تبقى عيني على الصفحة التي في يدي ،كانت الصفحة ل��ديّ من شجاعة ،وأن انظر إليه خلسة .بسملت ،الثانية والعشرين على ما أظن ،وما أذكره جداً ،هي وأخذت أخفض صفحتي الجريدة المفتوحتين على الزاوية التي حاولت قراءتها ،كان عنوانها " إعالنات مصراعيهما ،وأنفاسي تتابع كأني في سباق للمائة فردية" .وحين ما ب��دأت أق��رأ جملة كان مطلعها": متر ،بدا رأسه يظهر لي رويداً ،رويداً حتى وصلت يعلن السيد /همام بن كريم المستريح بأن مكفولته
إلى مستوى عينيه ،وإذا به يحدّ ق بي أنا بنظرات السيدة تاتي توفيق الله ،اإلندونيسية الجنسية ،قد بلهاء ،كان موجهاً عينيه لي ،تجاهي أنا ،ألنه لم يكن ف��رت م��ن منزله ،ويُ���رج���ى ."...هنا ض��اع ك��ل شيء هناك من يجلس خلفي. ك��ان��ت ن��ظ��رات��ه م��ري��ب��ة ،وي��ت��ف��رس ف��ي عناوين الصحيفة ،عندها ،لم أستطع أن أضبط أعصابي، فدقات قلبي تتدافع الواحدة تلو األخرى .يا ربي، ح��ت��ى ي���داي ت��ج��م��دت بمكانهما ،ول���م أق���در على تحريكهما ال ذات اليمين وال ذات الشمال ،ومما زاد حالي سوءاً ،هو تكرار األصوات السابقة وعلى نحو متقطع ومخيف في الوقت نفسه .عرفت ،أن ال��رج��ل هنا م��ن أجلي ال غير ،إن��ه مرسل ل��ي أنا خصيصاً.
الكلمة والسطر ،والصفحة وكلما حاولت أن أ ُه َّم
بالمواصلة ،تفلت مني الكلمات ،وتختلط األسطر مرعب، ٍ كصفير ٍ بعضها مع بعض ،يأتي إليَّ صوتُه
وأحياناً نحنحة مجلجلة ،فيزداد خوفي ،بل هلعي،
لكني كلما عزمت على تجاهل األمر ،تزداد حدة تلك
األصوات.
انتابتني حالة رهاب شاملة ،وبدأ العرق بتصبب،
ويتجمع على ح��دود شعر رأس��ي وعلى ق��ف��اي ،لم
أعد أطيق المكوث تحت وطأة هذا العذاب النفسي
الرهيب ،ندت مني ضحكة غبية ،قد يكون سببها هو خلق حالة من التوازن النفسي في ظل هذا المأزق،
يا ويحي ،شعرت أن الكرة األرض��ي��ة كلها فوق شعرت بأزيز شيطاني بقرب أذني ،يقول لي ":أهرب رأسي ،أه يا رأسي هل مازلت مكانك؟ اآلن ،ال تخف ". أصواته كانت تصلني بانتظام كأنها مضبوطة
استحوذ هذا األم��ر على كل اهتمامي ،كان كل
على وق��ع س��اع��ة منبه ج��دي��دة ،ف��ي تلك اللحظة ،ما أحتاجه في تلك اللحظة هو أن استنهض بقايا تذكرت نصيحة غبية قرأتها لمعالج نفسي معتوه ،شجاعتي ،وأن أنسل بهدوء ،وبالتالي سأجعله يحرج
ح���ول كيفية ال��س��ي��ط��رة ع��ل��ى ال��ش��ع��ور ف��ي حاالت من تعقبي مباشرة ،طويت الصحيفة بخفة ،وأنا ال��ط��وارئ المفزعة ":تحكم بفعلك ،تظاهر بالقوة مطرق الرأس ،لملمت الصحيفتين الباقيتين ،وأخذت
حتى تتحكم ب��ش��ع��ورك"؛ ل���ذا ،ح��اول��ت أن أتصنع أرفع رأسي على نحو تدريجي ،في تلك اللحظات، تعابير فروسية زائفة ،وأن أنهض بثقة فارس شجاع ،مررت بنظري على شباب كثر فكهين وملتفين حول
72
اجلوبة -خريف 1427
طاولتهم ،وس��ح��ب دخ��ان��ي��ة متلبدة ف��وق��ه��م ،وكلما
و فيما أنا أغادر قسراً كوب قهوتي ،كنت استمع
اقتربت من النظر إليه ،كلما كانت دقات قلبي أسرع ،لشخير ال��رج��ل البدين بلذة استماعي لموسيقى
وأخيراً ،أدركته ،ووقع نظري عليه ،يا إلهي ،يا أمان شعبية .توجهت للنادل ببطء واض��ح ،وكأني أعد الخائفين ،كان رأسه منسدال على صدره ،ويصدر بالط المقهى. منه صوتاً غريباً ،كالصوت الذي استخدمه إلخافتي
وعندما وقفت أم��ام منضدة ال��ن��ادل ،تبسم لي
قبل قليل ،حتى توقيت الصوت كان كالسابق تماماً ،كالعادة ،لكن هذه المرة بملء شدقيه .أومأت إليه حمدت الله أنه كان نائماً. بأن يقترب .وضع رأس��ه بجانب رأس��ي ،وأن��ا انظر
اعتقدت بأنه تعب م��ن مراقبتي وسقط في ب��ات��ج��اه ال��رج��ل ال��ب��دي��ن .س��أل��ت��ه ":ه��ل ت��ع��رف ذلك
ل��ذة ال��ن��وم ،ه��ن��ا ،ان��ت��ه��زت ال��ف��رص��ة ،وب��م��ج��رد ما ال��رج��ل؟" .ه��ز رأس���ه مباشرة وأخ���ذ ي��واص��ل الهز
نهضت ،أسقط في يدي ،وحدث ما كنت أخشاه ،حتى نهرته قائال" :من هو؟" استغرب سؤالي ،ولكنه فبينما كنت على وش��ك التسلل ،ك��ان هناك شيئاً الحظ شغفي بمعرفته .اقترب مني أكثر ،وهمس
ما ممسكاً بي من الخلف ،ويشدني نحوه كل ما بأذني وبعد أن تلفت أكثر من م��رة كأنه سيفشي خطوت خطوة ل�لأم��ام ،حسناً ،إن��ه ه��و ،لقد كان سراً نووياً ،قال" :أنه العم خميس ،السائق الخاص
ٍ يتصنع النوم ،وها هو اآلن يقبض عليّ في كمين لسيدي صاحب المقهى" .صعقت من إجابته تلك،
قذر وخسيس .شعرت بدوار كاد يطرحني أرضاً ،وم��ن ه��وي��ة ال��رج��ل .ش��ع��رت بنسمات ب���اردة تلفح ولم أجرؤ على أن ألتفت أو حتى أن أرفع رأسي .وجهي ،واستعادت ركبتيّ مرونتهما ،واعترتني رغبة في تلك األثناء ،كان شاباً يافعاً يجلس وحيداً وعلى مجنونة في أن أطبع قبلة امتنان على جبين النادل، مقربة من موقع المواجهة .تبسم لي ،وهو يحرك ولكني تناسيت تلك الرغبة في الحال ،خشية أن
يديه خلف ظهره وكأنه مضيف جوي يشرح لركاب تخدش صورتي الرزينة أمامه .أخرجت محفظتي
رحلة طريقة ربط الحزام .حدقت فيه ،وحاولت بسرعة من جيبي ،ولم أحفل بالوريقات الصغيرة
أن أفهم مقصده ،لكن لم أع��رف م��اذا يريد ،وكل التي تناثرت منها .انتفض النادل ،وأخذ من فوره
ما فهمته منه ،أنه يحثني على النظر خلفي .إذن ،يجمعها من األرض .لم انتظره كثيراً ،دن��وت منه، ال مناص .سأستسلم لذلك الرجل بشرف وكبرياء ودسست في يده عشرين رياالً دفعة واحدة ،وبزهو
مقاتل نبيل .نظرت خلفي ،وكانت المفاجأة أنني ف��ارس منتصر همست بأذنه ":الباقي ل��ك" .عرف
لم أجد الرجل البدين ،وتنفست الصعداء عندما دون تصريح مني بأن البخشيش هذه المرة أكثر من
اكتشفت أن ما كان يعيقني هو بضع خيوط منسلة أي مرة سابقة .ناولني الوريقات ،وشيعني إلى الباب
من عمامتي ،التفت على ذراع كرسيي .ومن فوري ،وهو يقول ":مع السالمة يا سيدي" .عندها لم التفت قمت بتقطيع تلك الخيوط اللعينة ،والتي كادت أو انتبه لكلماته تلك ،وكل همي كان أن اذهب إلى
تفسد خطة هروبي.
البيت وأن أغط في نوم ع م ي ق........
< ziadalatiyah@yahoo.com
اجلوبة -خريف 73 1427
ً مدينة من نور تور > نادر الغنام
<
فوضى ال��ح��واس اجتاحتني من ُذ حطت ش���ارع م��ا ،أو محطة ق��ط��ارات ،أو محطة ق���دم���اي ب��م��ح��ط��ة ال���ق���ط���ارات ف���ي مدينة باص ،أو ميدان ما ،أو مقهى ما. ت���ور ال��ف��رن��س��ي��ة ،ض��ج��ت ال��ح��ي��اة بالنشاط فيها أجمل مقاهي العالم ،بين كل مقهى وال���ح���ي���وي���ة ،وت���ش���اب���ك���ت ف��ي��ه��ا أح���ادي���ث ومقهى مقهى. ال��م��س��اف��ري��ن ،واب��ت��س��ام��ات المتواجدين، وللمقاهي فيها نكهة خاصة ،ال يمكن أن وص��اف��رات ال��ق��ط��ارات ،لتشكل سيمفونية رائعة ،يفقد المرء فيها نفسه ،ويسّ لم ذاته تتلذذ بها خارج حدودها. لالرتفاع والتأرجح والدوار في هذه الفوضى تور ..إنها المدينة الخالدة ،أكثر خلوداً الجميلة. من روم��ا ،إنها المدينة الرائعة ،أكثر روع ًة لم أستطع فهم ذلك الشعور الذي غمرني من باريس أو لندن أو جنيف أو اله��اي أو وأصبح مالزماً لي في هذه المدينة .شعور بروكسيل. باالنتماء تخّ لق ،وشعور بالغربة تبّدد .كأني من هنا ،أو كأني أنا هي ،أو هي أنا .شعرت باالنتماء لكل األش��ي��اء ...المكان ،والمطر، والبشر ،والهواء ،وحتى لكأس الماء.
فلتغفر لي كل المدن ،فأنا لم أعرف إال مدينة واحدة ،زرعت بي مالمحها ألكره بعد ذلك كل المدن بعدها ،فكل مدن العالم ما ع��دت أراه���ن ،ب��ات��ت م��دن��اً ب�لا رائ��ح��ة وبال مالمح.
مدينة ،كأني أعرفها من ُذ القدم ،كأني أعرف ما سوف أراه بعد كل منعطف وخلف مد ٌن من دمى ،ومد ٌن من ملح ومد ٌن من كل باب وفي كل مقهى. حجر .أما تور فهي مدين ًة من نـ ـ ــور. ال��ن��اس واألط���ف���ال ،أش��ع��ر أن���ي أعرفهم جميعاً ..حيثما سرت وأينما كنت ،لم أكن غريباً عنهم ،ولم تكن غريبة عني (أي تور)، ذه��ب��ت ل��ك��ل م��ك��ان ،وص��اف��ح��ت ك��ل الناس، حفظت كل الوجوه ،كل بائعي السكاكر ،كل ت���ور ..م��ا زال��ت رائحتك ف��ي أن��ف��ي ،وما المتسولين ،وكل المسافرين والقادمين. زال��ت مالمحك أم��ام عيني ،وم��ا زال طعم ت��ور ..كل ش��يء فيها يشدني لها ،اسم فناجين قهوتك بفمي.
م��دي��ن��ة ك��ال��م��ن��ارة ال��ت��ي ت��ه��دي السفن، تجذب فراشات الليل باآلالف .وترتطم بها العصافير اآلتية من عرض البحار ،مفضلة غالباً الموت على البقاء في الظلمة
< nrhgk@yahoo.com
74
اجلوبة -خريف 1427
أمشاط الضوء > نوال اجلبر
<
تحت أقدامي تموتُ البتالتُ قبل أن أخر َج من خجلي ،وبعد أن فقدتُ وجو َدهُم حولي ..فقدتُ قدرتي على أمتص صور ًة للذاكرة. َّ التركيز ،في أن الغياب ،بين يده الغليظةِ ، ِ غابت أصواتُهُم عند خروجي ،وأمشاطُ الضوء تلو ُح في كيف تخر ُج العذراءُ من الهروب ،وصوتُ عقلي يقولُِ : ِ يقو ُد خطواتي كأن ُه يحثُني على الوقت توقّف عن َد عينيَّ ،حتى هالني غضبُهُ، ِ أعرف كم مِ نّ ُ بخطوات سريعة؟ ٍ جنتِها والعربة تُقودنا في صمت؟! المباني العالي ُة والجبا ُل تلو ُح خلفْها ،والطرقاتُ الملتوي ُة تخفي سراً أكا ُد أجهلَهُ.. لفرط دهشتي ،إلى أي َن سيأخذُني؟ ال ضو َء وال حتى بشر ،حيثُ الصمتُ ال ِ بكيتُ زا َل مستمراً.. توقف عن القياد ِة والسيارةُ ال زالت تعملُ! َ رعشات بي َن أطرافي الباردةِ.. ٍ والخوف يأك ُل دهشتي ،ويسري ُ الصعداء ..ألقى بغـترتهِ البيضاء في وتنفس ُ َّ حاو َل أن يُزي َح أزرا َر ثوبهِ األبيض، المرتبةِ الخلفيةِ ،نظر إليَّ شزراً وقال: ال وأعود.. انتظريني هنا ،سأذهب قلي ًأجابته فور أن أنهى جملته: أشعر بالخـوف!عنك ،تحدثّي وستسمعين صوتي.. ببعيد ِ ٍ -ال بأس ،أنا لستُ
اجلوبة -خريف 75 1427
مكان نحن ؟ ٍ ذه��بَ ،والكو ُن المظل ُم يُطْ ب ُق على حواسي ،ماذا وفي أيِّ بيدي أن أفعل؟ أ َِعدني إلى عائلتي ..أعدُكَ أ ْن ال أ ُخبرهم عن ما ٍ مظلم ،مع ٍ مكان ٍ في شخص ال تعر ُف ُه حواسي ،حدث ،فقط أعدني.. ول��م تعتد عليه كلماتي ..لفظت اسمه م��رات عدة، ستذهبين معي ..قالها صارماً. كشخص سيسرقني لحياةٍ جديدة ،أكو ُن فيها سيدة، ٍ مكان ال أعرفهُ، قلتُ لهُ ،لكنني ال أري ُد الذهابَ إلى ٍ ولكنني هنا وحيدةُ.. لون للفرح سيتبقى من ليلتي األولى معه من أري ُد أن أعو َد إلى أمي ..أرجوكَ .. أيُّ ٍ
الوقت ؟ ماذا ِ حياتي الجديدة؟ وأين ذهبَ ك ُّل هذا ساعة متأخرةٍ كهذهِ؟! ٍ يفع ُل في جواب لها.. ٍ تحرقُني األسئلةُ ،وأتوهُ بحثاً عن
بالقرب من السيارةِ. ِ بكيت ،وألقى بعباءَتي ويدي ال زالت تنتح ُر بين كفيهِ ..
ك��ان هناك حائطٌ ق��دي��مٌ ،ليس مرتفعاً ج��داً وال
بكيتُ كثيراً ه��ل ع��ل��يَّ أن أتعل ّم ق��ي��ادةَ السيارةَ منخفضاً .. موحش ؟! ..تل ُح عليَّ فكرةُ ٌ في وق ِ��ت كهذا ومكا ٌن والبوابة مفتوحةٌ ،كأنها تنتظ ُر قدومَنا ،غابت الهروب ..أن أبتعدَ ..أنق َذ نفسي ..أعو ُد لتلك القاعة، ِ أجسادُنا في الظالمِ ..وتشبثتُ به وجسدي يرتجف وبالفستان األبيض نفسه ،وبفارس قتل َ ُه الظالمُ! أكثر ،حتى أن كلماتي تسقطُ ميت ًة قبل أن تخرجَ! جهشت نفسي ب��ال��ب��ك��اءِ ،حتى ع�لا ص���وتُ بكاءٍ دمو ُع ُه الساخن ُة تغم ُر يدي ،وأن ُف ُه يسي ُل بشدةٍ .. على صوتي ،خلتُّ ُه جنيُّ ..توقفت عن البكاء ،كأنني الصوت الذي يعلو حيناً ويخفتُ حيناً ِ أبحثُ عن ذلكَ التراب ،لم تعد قدماي قادرتان على ِ سقطتُ على آخر.. أن تحمالني ،وكفي بي َن يديهِ ،ال زا َل يشدُها بقوةٍ ،
أقتربَ مني ذلك الصوتُ ،أحسستُ به يالمسُ ني وفستاني األبيض تح َّو َل إلى رم��ادي ..فقدتُ فردةَ تلتف ُّ حتى هج َم عليَّ ،وصرخاتي تعلو .أكا ُد أفقأ عينيَّ ،حذائي األبيض ،واألخ��رى بشريطها األبيض كلما أخفيتهما بشدةٍ تحتَ كفي البارد! على ساقي .. ُصمتي! جاوبني صارخاً :أ ْ
توقف فجأةً ،وحملني بين ذراعيه ،بعد أن تمزقت َ
نظرتُ إليه ،ه��ذا هو إذنَّ ..ك��ان جسدي يغتالُ ُه ساقي ،وعلت صرخاتي من خلعِ ذراعي األيمن .. الخوف ،وصمتُ قلبي يتساب ُق مع أضلعي.. ُ الباب المفتوحِ ،وأنيني ال ينقطعُ، ِ وضعني عند جديد ،وضع رأسي على ٍ حاو َل أن يدف َع بابَ السيار ِة بقدمهِ ،بع َد أن فتحَ ُه سافرتُ في البكاء ..عا َد من جديد يبكي.. ٍ بيدِ ه قادني إلى الخارجِ ،حاولتُ أن أعو َد ولكنَّ يدي صدرِ ه ،واحتضنني بشدةٍ ،وانها َر من بالخوف. ِ شُ لَّت أَخَ َذ رأسي بين يديهِ ،وقبَّلني قُبل ًة طويلةً ،ثم قال :أال صرختُ ب��هِ ..أرج��وكَ تريثْ ،إل��ى أي�� َن تأخذُني؟ ترغبينِ برؤيةِ أمي! ؟ < قاصـة سعودية
76
اجلوبة -خريف 1427
مقـايضـة > خالد ربيع السيد فتى صغير ًا في سنه ،هادئ ًا في طبعه ،ذو هيئة وتفكير محايد. ً ك��������ان ي����ق����ف ك�����ث�����ي�����ر ًا ع����ل����ى ش������اط������يء ال�����ب�����ح�����ر؛ فتمنى ل��������و أن�����������ه ت�����ع�����ل�����م ف��������ن ال��������غ��������وص ف��������ي أع��������م��������اق ال����م����ح����ي����ط. ذه��������ب ذات ن�����ه�����ار إل��������ى م����ت����ج����ر ل����ب����ي����ع م����س����ت����ل����زم����ات ال�����غ�����وص، و ه�����ن�����اك ت�����ع�����رف ع����ل����ى أح��������د ال�������زب�������ائ�������ن ..ك��������ان ش����ي����خ���� ًا ح���ق���ي���ق���ي���اً. أخ��������������������������������������������������������������������������������ذا ي��������������������������������ت��������������������������������ح��������������������������������دث��������������������������������ان.. وخ��ل��ال دق��ي��ق��ة واح������دة ف���ق���ط ،ش���ع���را أن��ه��م��ا ص��دي��ق��ان ح��م��ي��م��ان م��ن��ذ زم���ن. ك�������ان ل���ل���ش���ي���خ خ����ب����رة واف����������رة ف�����ي ال�������غ�������وص ..وح����م����اس����ة زائ����������دة للحياة بدأ الفتى الهادي يسائله بصفته غواص ًا عتيد ًا ريثما يفرغ البائع من زبون أمامه ـ إستمر نقـاشهما دائر ًا حول :كيف يمكن للمرء المجازف أن يكون حيادي ًا في تفكيره.؟ بقي الشاب ال��ه��ادئ ساكناً ،وب��دأ مطمئن ًا يبتسم في دع��ه؛ بينما راح الغواص ال��ع��ج��وز ي����روي ع��ن ب��ط��والت��ه وم��غ��ام��رات��ه ،ال��ت��ي خ��اض��ه��ا ف��ي ع���رض البحر. ك���ان م��س��ال��م�� ًا وم��زدح��م��اَ ب��األف��ك��ار ،وب����دت ت��ج��ارب��ه عميقة ح��د الحكمة. لحظة إلتفت إليهما البائع .كان الفتى الهادئ قد أخذ رداء الغواص المطاطي ،والزعانف البالستيكية ،وأنبوب التنفس ،ونظارة الغوص من الرجل العجوز .ومنحه في المقابل سنين شبابه وعمره الغض. ثم غ��ادر الرجالن المتجر دون أن يشتريا شيئاً.
اجلوبة -خريف 77 1427
شمس غشت مَ�� ْن ال��ذي يقوم برحلة ال��ع��ب��ور؟؟ أن��ا أم شخص آخر؟ هل الجسد أم العقل وحده ،حين أختار أقصى عبور زمني كي يعيش لحظة ع��ب��وره ،دون الحاجة للتفكير في الجسد؟ هذا األخير الذي طالما رغب أن يعيش حقيقة وجوده هنا واآلن ،مستشعراً حالة العبور والحركة ..،كيف يمكن أن نكون هنا على هذا المجسم ال��ح��دي��دي ،وال���ذي قيل أن��ه ال يطفو على الماء؟ ِل َم يطفو إذن اآلن؟ في الرقعة ..على يميني.. على يساري ..أمامي ..ورائي ..طنجة الجبل ،وجبل طارق أهو الجبل بالتأكيد؟ يظلون هنا على امتداد مسافة العبور التي تصل إل��ى ساعتين ونصف من عمر هذا المجسم الحديدي ،حتى يتسنى للنظرة أن تكتشف الوهم .وثمة حقيقة أخرى ،فكلما حفرت ال��ذاك��رة ن��واف��ذ البحث داخ��ل وعينا م��ن أج��ل تأمل اللحظة ،لحظة العبور تلك ،تزاحمت صور الوقائع، أو هكذا يبدو .وضجيجها مع الحلم ،ص��ور نخطو تجاهها عابرين تفاصيلها ،كي ندرك هامش الوهم العريض..عبوري اآلن ،هل هو عبور لهذا الفضاء اآلخ��ر؟ وحينها هل سأكون أن��ا أم اآلخ��ر؟ هو حين يعبر ،أم أنا العابر اآلن؟ وهل سأصل إلى نفسي حين أعبر لضفة اآلخر؟. ألهذا الحد يُعد عبوري حدثاً عظيماً؟!تعميق لسؤال عبوري ٍ تزيد لحظة التفتيش من االس��ت��ث��ن��ائ��ي ،رج��ل األم���ن ال���ذي يتفحص األوراق، وجسدي ،ومالمحي ،وعيني ..وكأنها لحظة استنطاق للحظتي ،كالمه أشبه بالحجر ،همهماته تالعب أعصابي ،ماذا لو تغيّر لون بشرتي عن بشرة الصورة المثبتة بجواز السفر.. االسم؟؟ -العمل؟؟
78
اجلوبة -خريف 1427
> أحمد الفطناسي<
ما هو اتجاهك؟؟......؟؟؟؟؟؟كنت أجيب وعيوني على مرفأ السفن ،في لحظة استثنائية ،جعلتني أت��س��اءل"..:ه��ل عبوري يستحق هذا االستنطاق؟؟" وألول مرة بدت ابتسامة خفيفة على محياه ،قام مقاطعاً لحظة اندهاشي.. هل أنت ابن هذه القبيلة؟؟ ال..ع��ادت صالبة وجهه إلى وضعها المعتاد اآللي، حينها أع����دت التفكير ف��ي ه���ذا االس����م العائلي، وتساءلت في ق��رارة نفسي :أحياناً يترك لنا اآلباء واألجداد وصايا نحملها ،دون أن يكون لنا الحق في تغييرها أو حتى معرفة جذورها .ظل بصري يحوم على بوابات المرور في الميناء ،كنت على وجه رؤية الضفة األخرى ،لكنني اآلن ال أهتم بهذا اآلخر إنه شبيه بالذي أمامي.. تحرك ..خذ جوازك.. آهأمسكت ج��واز سفري ،خطوت خطوتين ،أدرت بصري للوراء .تبدو طنجة كامرأة بحرية ،كانت رغبتي أن أزورها من بوابة مقهى صاحب "الخبز الحافي"، كنت سأجلس على طاولة المقهى ،وسأطلب شاياً في كأس ،وسأنتظر قدومه ألسلم عليه ،وألعبر له عن امتناني ،وكالعادة سأغادر المقهى ألنه لم يأت ..ولن يأتي أبداً!!. عادت خطواتي ترسم أفق عبوري ،أنا المتأبط لحرقة األسئلة ،نصل السيوف الحادة تعيد عقارب الرغبة لحياة نخاف أن نحياها ألن آالتنا صدئة..
يتحول العبور آلفاق جديدة لمغامرة اكتشاف صورة، ال تبدو ثابتة إال من خالل الصورة األخرى الوسيطة ولعلها ص��ورة ثابتة غير متحولة؛ ثابتة إل��ى الحد الذي تسكن فيه الوريقات البيضاء أو فيلماً تافهاً. ال زالت دقات ونبضات قلبي تعيد تركيب المشهد. أنا اآلن قائد خطواته ،أنا الذي أعدت لحظة الشك لجسدي أت��س��اءل م��ا ه��و ثابت اآلن ،ه��و أنني هنا، أما هو ،فيوجد في الجهة المقابلة هناك ..أمامي طنجة ،على قمة الجبل تبتعد اآلن ك��ي ت��ول��د في األفق ،وفي لحظة لالكتشاف بالنسبة لي ولها موعد ثابت في هذا اليوم من أيام غشت؛ حيث تكون طنجة جسراً وعشاً للعابرين إلى الوطن والحالمين بأوطان أخرى ..اتجهت لمحطة العبور في الساعة الواحدة والنصف ،أما هو فاختار الثالثة والنصف بعد الزوال، وحينما أص��ل سأتجه عبر مسالك ع��ب��وره نفسها. أرمق ببصري ساعتي المثبتة في معصمي ،ستكون الساعة حينها الرابعة بعد الزوال ،علماً أن الساعة في الميناء تشير إلى السادسة ،أما هو ،فحين يرفع عينيه إلى ساعة مفتشية شرطة الحدود ،فسيكتشف أنها الرابعة فقط بعد الزوال من توقيت بالد الشمس. وللعبة الزمن ،حكاية شد وج��ذب بيني وبينه .لكن "أنا" رسمتها من عالم شفاف ،متخيلي الباقي أمامي بكل نتوءاته ال��ع��اب��رة ،ه��و العابر م��ن "النحن" وفي عبوري إعادة ترسيم لهوية "أنا" و"النحن" ،وهو اآلخر المتشكك الحضور .هنا بين حدود الشمال والجنوب، أنا الصدى لريحهما معا ،أنا الحامل لحبيبات الماء والرمل ،رمل الجنوب ،الحار الساخن ،والبحر هنا وسيظل لماء الشمال البارد ،وكأنها تقاطعات نفسية لحاالت الحصار ،كالنا امتطى سفينة العبور .هو في قربي اآلن يشعر ب��وج��ودي .ي��دي الساخنة الخشنة تالعب بضوء الشمس الالفح قسمات هذه البرودة، ولعلها إحدى أولى لحظات الصدام ،صدام الجسد واللون والجيولوجيا ،وما تبقى يكمله هذا العبور..
كنت هنا وكانت الباخرة التي تنقله إل��ى هناك ،ال أراه وال يراني ،أشعر بوجوده كشكل ظاهر للعيان، هو اآلن في الجهة الغربية من سطح الباخرة ،ونظره في اتجاه الشرق ،يتحسس بيديه رطوبة نقط الماء التي تكسو الحبال الغليظة للباخرة وفكره مشغول بسؤال هام: لماذا تشرق الشمس دائما من هناك؟وج���ودي ف��ي الجهة الشرقية للباخرة ،ونظري اتجاه الغروب .وكعادتي ،اختلفت مع نعلي الصيفي وتركته حراً طليقاً ،كقدمي العاريتين ،اللتين تجوبان سطح السفينة ذهاباً وإياباً كالنا ينظر إلى اآلخر، يستشعر وجوده ،يتحسسه ،كالنا سيصل إلى هنالك، هل كان مثلي يساءل حبيبات رذاذ البحر المنعكسة ف��ي فضاء السفينة؟ ه��و اآلن يعيد س��ؤال "هرقل" األس��ط��ورة ،مثلي ،كالنا ف��ي لحظة الصفر ،ومنذ أن اجتاح "ه��رق��ل" حبيبات ال��م��اء ،قاطعاً فضاءات عالمين ملتحمين ،كانا امتداداً طبيعياً لتربتي ،أنا اآلن مجبر على تشفير لغة الريح كي يظل هو بقربي، معي ،وكي أظل قرب نفسي حتى ال يضطر "هرقل" للرحيل ..وعلى باب الجزيرة الخضراء نزلنا كالنا ف��ي أول الخطو على أرض ت��رك ل��ي أج����دادي بها رسوماً لمعبر خطاي ،أع��دت نعلي الريفي لقدمي كي ال أخال نفسي مجذوباً بطرف أبواب األندلس، الشرطي يتفحص جواز سفري ،ويتحدث بلغة موليير التي كنت أرد عليه بها بطالقة ،إلى أن أرغمني تكرار جملته ،والتي تحمل إيقاعاً لحنياً خاصاً من الصمت، نهرني هو من الخلف قائال: إنه يطلب منك أن تدلي له بدليل يزكي سببعبورك؟!! فافعل إذن!!..
< كاتب ومسرحي من المغرب ،ص��در ل��ه :محكيات "ملح دادا" :سنة 2003م ،رواي��ة "الخطايا" سنة 2006م ،كتب ع��دداً من المسرحيات وتولّى إخراجها ،أقام عدة معارض تشكيلية ،ومعرضاً للصور الفوتوغرافية.
اجلوبة -خريف 79 1427
املؤسسة تنظم ندوة:
األسهم ما لها وما عليها وكيف ميكن فهم أسس تداولها؟
ضمن البرنامج الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،عقدت محاضرة في قاعة المحاضرات بمكتبة دار الجوف للعلوم ،بعنوان« :األسهم ما لها وما عليها وكيف يمكن فهم أسس تداولها؟» للدكتور سعيد الشيخ ،كبير االقتصاديين في البنك األهلي، وذلك يوم الخميس/17محرم1427/هـ الموافق 2006 /2/16م ،قدم لها وأدارها وشارك فيها األستاذ نبيل المبارك ،مدير عام شركة سمة ،الذي قدم للدكتور الشيخ مبيناً أنه يعد من العالمات االقتصادية الكبيرة في المملكة ،كما أجاب على كثير من أسئلة الجمهور بالتحليل والرد. وم��ن أه��م ما ج��اءت به المحاضرة تحذير الدكتور سعيد الشيخ كبير االقتصاديين بالبنك األهلي من األسهم التي يعد ارتفاع أسعارها غير مبرراً؛ ألنها قد تُفقد كثير من المستثمرين ثرواتهم ،مشيراً إلى أن الشخص الذي يستثمر في مجال األسهم وال يتابع السوق ،معرض لفقد أمواله في حالة حصول هبوط حاد في السوق نتيجة لما يحدث من مضاربات في هذه األسهم. وقد بدأ الدكتور سعيد الشيخ محاضرته مشيراً إلى أن سوق األسهم السعودي أصبح يُشغِ ُل معظم السعوديين ،وأن جميع المهتمين باألسهم يدركون التقلبات التي تحدث فيه، ومدى ضخامة السوق وإلى أين يتجه.
نشاطات ثقافية 80
وأوضح في محاضرته بعض المؤشرات التي تهم المتابعين للشأن االقتصادي بالمملكة والعاملين بالبنوك ،وكيفية قراءة السوق. وبيّن أنه ال بد لمن يريد الدخول إلى سوق األسهم السعودي من النظر إليه على أنه مجموعة من الشركات العاملة ،تؤدي وظيفة اقتصادية تقدم خدمات أو سـلعاً (وليست أوراق) تتبادلها في الصاالت مفيداً أنه منذ عام 2003م ،تم تسجيل 12489شركة باستثناء الشركات المسجلة باسم شخص واحد .وقال إن الشركات المساهمة في عام 2003م كانت 121شركة لترتفع خالل الفترة من عام 2003م إلى عام 2005م إلى 388شركة ،وقد وصل عدد هذه الشركات ،مؤخراًً ،إلى 425شركة.
اجلوبة -خريف 1427
«النقد األدبي والنقد الثقافي» ندوة عقدت بدار اجلوف للعلوم
ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية لهذا العام ،عقدت
المؤسسة بدار الجوف للعلوم ندوة بعنوان« :النقد األدبي والنقد الثقافي» ،حضرها جمع من
المثقفين والمهتمين ،بمشاركة كل من :د .سعد بن عبدالرحمن البازعي ،أستاذ الشعر والنقد األدبي في جامعة الملك سعود ،ود .سعيد بن مصلح السريحي ،الناقد المعروف ونائب رئيس
تحرير جريدة عكاظ ،ود .ناصر بن سعد الرشيد ،أستاذ اللغة العربية بجامعة الملك سعود،
وأدارها األستاذ الناقد حسين بن محمد بافقيه ،مستشار وزير الثقافة واإلعالم.
وقد بدأت الندوة بكلمة األستاذ حسين الذي عرّف بالمشاركين ،موضحاً أن النقد الثقافي
في السنوات العشر األخيرة أخذ يتلمس طريقه ،من خالل الدقة في تطبيقه ،أما مفهوم النقد
األدبي فهو معروف منذ القدم ،ثم طرح عدة أسئلة حول موضوع الندوة تضمنت المفاهيم
والمصطلحات السائدة ،ثم بدأت مداخالت المشاركين.
أوضح د .ناصر الرشيد ،أن النقد األدبي مصطلح مختلف ،وينظر إليه على أنه مكون من
مقطعين هما( :النقد ،واألدبي) .النقد بدأ من علم الحديث ثم عاد إليه ،وهو علم العلل (علل الحديث).
أما د .سعد البازعي ،فقال إن النقد األدبي يجب أن ال يفهــم من وجــه واحد ،ولكن من
عدة أوجــه ،وأشار إلى أن هنــاك تيــارات ومدارس كثيــرة؛ فمنها ما وقف عند الحدود النقدية فقط ،ومنها ما يربط األدب بالثقافة االجتماعية ،ومنها ما يربط األدب بالحالة االقتصادية. ومن الصعب أن نقول أن النقد استنفذ أغراضه ألن له وجوهاً مختلفة.
وطالب د .سعيد السريحي بتخليص النقد من النقد ،مشيراً إلى أنه آن األوان لكي يسمى
التحليل؛ فالنقد يحلل النصوص ،ويكتشف العالقة الكامنة بين النص ومجموعة جمل ،من
خالل تحليل العالقات داخل النص ،فاالنغالق على النص أدى إلى قطع حبل المشيمة التي تربطه مع المجتمع.
اجلوبة -خريف 81 1427
مصطلح الكتابة النسوية:
الكتابة النسوية تصنيف أدبي أم عنصرية جندريّة ذات تبخيسية؟
> د .سناء شعالن
<
يظهر مصطلح أو صفة الكتابة النسوية قطعة فسيفسائية واضحة في املشهد اإلبداعي املعاصر ،ال سيما إذا كان في معرض تقييم املنتج اإلبداعي الذي أنتجته املرأة ،وهذا املصطلح الذي كاد يصبح حالة تصنيفية ثابتة للتمييز بني األدب الذي تنتجه املرأة ،واألدب الذي ينتجه الرجل ،بات من امللّح التوقف عنده ملياً؛ ألنه يجزم بأن األدب/اإلبداع يغدو متغيراً كبيراً في معادلة اجلنس ،فهو يفترض بك ّل صراحة ّ أن له خصائص فارقة مسبقاً قبل إخضاع املنتج ملعايير اجلنس األدبي املنتمي إليه ّ مت ّيزه ،أو لنقل تسمه بالنقص؛ أل ّنه أدب أنتجته املرأة ،وبذا يصبح مصطلح الكتابة النسوية حكماً معيارياً مسبقاً على أدب املرأة ،وهذا يجعله ذا أبعاد تبخيسية من وجهة نظر عنصرية جندرية ،حت ّل أدب املرأة مواطناً ثانياً في دنيا اإلبداعَ ،و ْف َقاً جلنسها دون التو ّقف بعني احلياد عند عملها ،ليُستنطق من ذاته ،ويُحاكم بأدوات
ن�����واف�����ذ 82
نقدية تنبع من جنسه األدبي. فمصطلح الكتابة النسوية محاولة جديدة بأسلوب عصري مقصود ،يزاوج بفكر ذكوري عجيب بني هيمنة سلطة الرجل ،وبني إرضاء احلركات التحريرية النسوية، بإضفاء صفة الشرعية املكتسبة على ما يكتنب داخل عباءة الرجل؛ وبذلك يغدو ّ الصف الثاني مصطلح الكتابة النسوية قيمة تبخيسية ملا تنتجه املرأة ،ويجعلها في
اجلوبة -خريف 1427
بعد ال��رج��ل ،ويسم منتجها ب��األن��وث��ة ،ال��ع��دو األ ّول
كلّه تستطيع امل��رأة املبدعة أن تفرض منوذجاً على
لهيمنة الذكورة ،في مجتمع وضع الرجل فيه معايير
الدراسات النقدية ،يلغي الفروق بني الذكر واألنثى
وشروط احلكم والتلقي بل واإلنتاج.
مبا يسمى باجلنسوية ،وتصرف االنتباه إلى الهوية
وهذا كلّه يقودنا إلى بدايات خروج املرأة عن قيود سعت حركات حترير الرجل وقهره ،فمنذ الستينات ْ
الثقافية األدبية للمنتج ،بصرف النظر عن كونه ذكراً أو أنثى.
املرأة في العالم ،التي قادتها فرجينيا وولف وسيمون
أن مصطلح وفي ضوء ذل��ك ،نستطيع أن ن��درك ّ
دي بوفوار اللتان هاجمتا املجتمع األبوي الغربي ،الذي
الكتابة النسوية هو حتريف خبيث ملصطلح اخلطاب
مينع املرأة من حتقيق طموحاتها األدبية ،فض ً ال عن
النسوي؛ ففي حني يتم ّثل األ ّول التمييز العنصري في
حرمانها اقتصادياً وثقافياً ،إلى وضع املرأة في سياق
األدب وفق جنس مبدعه ،ينطلق الثاني من خصوصية
هوية خاصة ،تهدف إلى حترير اخلطاب النسوي من
النسق اللغوي الثقافي في دراسة ما يصدر عن النساء
سمة هيمنة الرجل .وتع ّد سنة 1969م بداية لهذه
وفهمه ،كما قد يصدر عن الرجال.
الثورة في الغرب ،التي ج��اء ظهور التفكيكية على يد جاك ديريدا داعماً لها؛ أل ّنه ش ّكك مببدأ األدب
فما تكتبه امل���رأة ،وإن ك��ان منتجاً نسائياً يُعنى بتصوير جتارب النساء اليومية ،ومطالبهن ووعيهن
النظري للنقد األدب��ي ،وأك�� ّد العالقة اخلالفية بني
ال��ف��ك��ري وال��ذات��ي واالج��ت��م��اع��ي ف��ي إط���ار شرطهن
فإن املجال احلضور والغياب ،وما دام األمر كذلكّ ،
االجتماعي واالقتصادي ،إال أ ّنه ال ميكن أن ينفصم
مفتوح على مصراعيه أمام امل��رأة ،لتتجاوز املعايير
عن اإلدراك اجلمعي؛ وبذلك ال تغدو جزءاً من هيمنة
والقوالب اجلامدة ،وتشتق معايير أخرى جديدة.
الرجل اإلدراك��ي��ة ،بل ج��زءاً فاع ً ال فيها ،وف��ي رسم
أن امل��رأة اخلارجة عن نير الرجل ،الذي وال ب ّد ّ قمع منتجها ق��رون��اً طويلة ،ق��د بغت ف��ي تأكيدها على خصوصية أدب��ه��ا أن تبرز جتربتها العاطفية واإلنسانية ،ومن ثم تُعنى باكتشاف التاريخ األدبي امل���وروث للمرأة ،وه��و ت��اري��خ لطاملا ه ّمشته سطوة الرجل املبدع ،ومن ثم تسعى بعد ذلك إلى حتديد سمات خاصة للغة املرأة وألسلوبها ،وذلك من خالل
مح ّددتها ،فاملرأة قادرة ،دون شك ،واعتماداً على ما كتبته ،على أن تنحاز لقضايا املجتمع ،دون الوقوع في فخ الذاتية ،والصدور عن مشاكله ومعاناته ،شأنها في ذل��ك ش��أن الرجل ،دون أن تستبعد إمكانية أن تفوقه في ذلك؛ فهي حالة إدراكية ليست دون حالة بأي شكل من األشكال إذا تساوت الشروط الرجل ّ الثقافية واالجتماعية.
التكامل املوصول في األعمال التي تبدعها املرأة،
واإلصرار على مصطلح الكتابة النسوية ،واتهامها
سواء كانت هذه األعمال قدمية أم معاصرة ،وبذلك
بالرغبة في البقاء حتت عباءة الرجل ،وفي حمايته
اجلوبة -خريف 83 1427
ورفضت تبخيس إن رفضته ،وحاولت اخلروج عليه، ْ
أن ت��ب�� ّن��ي م���ا ي��س��م��ى بجنس ف��ل��ي��س خ��ف��ي��اً َّ
أدبها ،ما هو إال صورة من صور التق ّبل السلبي ملنتج األدي����ب ،ه��و بُ��ن��ي��ة ثقافية أنتجتها التحيزات وبلت الذكورية السائدة في الثقافات التي تسم املذ ّكر املرأة؛ فهو ال يختلف كثيراً عن الرفض الذي ُق ْ
به امل��رأة في منتصف القرن امل��اض��ي ،مثل اتهامها بااليجابية ،بينما تصف األنثى بالسلبية ،وفق بأن رجاالً يكتبون لها ،كما جرى مع وردة اليازجي ،تصنيف جنسوي قصده تبخيس منتج املرأة، ّ بأن أباها وأخاها يكتبان الشعر لها ،أو واحل��ف��اظ ع��ل��ى م��رك��زي��ة ال��رج��ل ال��ق��ائ��م��ة على تهمت ّ التي أ ُ ْ وعدها ثانوية أو مضادة ملؤسسات تزهيدهما في الكتابة وتخويفها منها ،أو تعريضها تهميش املرأة، ّ لليأس من الكتابة ،أو اتهامها بالتطفّل على الكتابة ،الرجل ولرغباته ،وإقصائها عن دورها اإلنساني وأن كتابتها دلع ،أو إيصالها إلى حافة اجلنون ،كما والفكري واإلبداعي. ّ حدث مع مي زيادة.
فاملرأة قادرة على االتصال مبجتمعها ،بعيداً عن
إذن ،فالرجل مطالب ب��االع��ت��راف ب��أدب املرأة تلك األسئلة التي يبقيها الرجل في أتون اجلدل ،حول صنواً له ،ال تابعاً ،يتق ّبله على مضض ،ويعطيه قيمة إن كانت تكتب بشكل مختلف عن الرجل ،وافتراض
تبخيسية مسبقة مبصطلح "الكتابة النسوية" ،واملرأة .ذل��ك ج��دالً ،ثم ر ّد ذل��ك االخ��ت�لاف إل��ى البيولوجيا أي جندرية في تصنيف أدبها ،والتجربة واخلطاب والالوعي والبعد االجتماعي؛ األديبة مطالبة برفض ّ أن أن اخلطاب النسوي يؤكد فكرة مفادها ّ إنمّ ا إخضاعه وفق تصنيف يعتمد على جنس األدب في حني ّ خطاب مستق ٌل بذاته، ذات���ه ،ال جنس كاتبه ،وإح�ل�ال مصطلح اخلطاب التجربة النسوية للمبدعة هي ٌ
النسوي بدي ً درس من داخله ال عن مصطلح الكتابة النسوية ،وذلك شأنه في ذلك شأن خطاب الرجل ،يُ ُ يستوجب مسبقاً العمل على تأكيد دخ��ول املرأة ومن داللته دون التوقف عند جنس كاتبه ،فال فرق
املبدعة تاريخ اإلب��داع العاملي ،واسترداد األصوات بني ما تكتب امل��رأة وال��رج��ل ،إال مبقدار الفرق بني شت عبر التاريخ ،والتشاور والتنسيق بني ما يكتبه رجل وآخ��ر ،وفق ما أعطي ك ّل منهما من التي ُه ّم ْ املبدعات واملفكرات ،ثم ايجاد حوار ولغة مشتركة موهبة ،وسانح ثقافة ،وعميق إطالع؛ وبذلك يصبح ب�ين امل���رأة وال��رج��ل ،تعمل على التح ّرر م��ن جميع اخل��ط��اب ال��ن��س��وي منتجاً ل��ه م��ي��زات��ه ال��ب��ع��ي��دة عن املوروثات املتخلّفة ،التي ك ّبلت إب��داع امل��رأة لقرون العنصرية اجلنسية ،التي يطرحها مصطلح "الكتابة طويلة ،وص��والً إلى ربط امل��رأة بشروط ومعطيات النسوية" ،فاملبدع إنسا ٌن بالدرجة األولى أرج ٌل كان واقعها وحياتها وحاجاتها. < محاضرة بالجامعة األردنية وقاصة وكاتبة.
84
اجلوبة -خريف 1427
أم امرأة.
ثنائية احللم والواقع:
نوستاجليا تعبق بـ" رائحة الطفولة " في املجموعة القصصية
للقاص السعودي عبد الرحمن الدرعان > نور الدين بازين " ال أحد في شرق المدينة أو غربها إال يعرفها، ام���رأة ب�لا اس��م تعتل على كتفيها الناحلتين كفناً متأهباً لالنقضاض على بقية جسمها ،وتمضي ف��ي ال��ط��رق ال��ش��ائ��خ��ة ك��أن��ه��ا تبحث ع��ن م��وق��ع ما يالئم ضريحها"( ..)1بهذه الجملة الالقطة ،واصفاً حالة إنسانية ،استهل المبدع القاص السعودي عبد الرحمن الدرعان إضمامته "رائحة الطفولة". وهذا المدخل الذي ابتدأ بال النافية ،جاء ضمن قصة "رسالة" وهي القصة األولى في اإلضمامة ،وبما أن للرسالة قوالب محددة في الكتابة ،ال تشبه غيرها من أنواع األجناس األدبية ،وال بد لها أن تحافظ على قالب وعالمات التراسل :أي من مرسل إلى مرسل إل��ي��ه ،لكن المالحظ ف��ي رس��ال��ة ال��ق��اص الدرعان، أنها تمردت على قانون كتابة الرسائل؛ وزاغت عن األسلوب المتعارف عليه في كتابة الرسائل ،فالقاص لم ينضبط للخصائص الفنية في كتابة الرسالة، ال ككتابة التاريخ أو ذيلها بتوقيع أو طابع ما، مث ً فنراه بذلك يريد تمويه القارئ والتحايل عليه ،حين ب��دأ األض��م��ام��ة بقصة "رس��ال��ة" .فهو بتناوله لهذا العنوان المثير ،يريد أن يشد القارئ إليه منذ الوهلة األولى ،نافياً ،ومستغرباً ،ومعرفاً ،وبانياً شكل القصة للمجهول ،يقول" :ال أحد في شرق المدينة أو غربها
<
إال يعرفها"( .)2فالمتأمل لتركيبة هذه الجملة ،سيجد أن معنى التراسل حضر بقوة ،لكن ه��ذا الحضور أضمره الكاتب عن قصد ،إذ عمّم معنى الرسالة وجعلها تكتب بلغة أدبية متعارف عليها ومستهلكة، لكن بأسلوب مميز يحرض على القراءة .المفارقة الغريبة المحصل عليها في تناولنا التحليلي هذا، نجد أن القصة كتبت بنوع من الغموض الناصح، فهو يثير فينا التساؤل ،ويجعل المتلقي ينغمس في تقاطعات جدلية ..فقصة "رسالة"– الرسالية تستفز قارئها وتجعله يتابع خاتمة المرأة بإحساس خجول، وكأنه يتلقى رسالة من صديق ما ..تضطره كلماتها إلى المشاركة في إب��داء ال��رأي والجواب عن أسئلة كثيرة لم يضعها كاتبها. لنتسائل ونحلل قصة "رسالة" ،من خالل ما تحبل ب��ه م��ن ال��رم��وز وال����دالالت ،فالكاتب ش��فّ��ر رسالته المحكية ،وترك للقارئ الحاذق حرية التأويل ،فرمز المرأة في قصة "رسالة" هي ،في اعتقادنا ،البالد العربية؛ فليس المرأة هي المرأة بالمعنى المتداول.. ولنا الحق أن نستحضر هذا المعنى االفتراض ،ما دام أن النص أصبح ملكاً للقرّاء .فالمرأة /األمة العربية تعيش حالة بئيسة ،فهي امرأة:
اجلوبة -خريف 85 1427
بال اسم بال زعيم حقيقي. تنتعل على كتفيها الناحلتين :أي المشرق والمغرب العربيين. متأهبة ل�لان��ق��ض��اض ع��ل��ى بقية جسمها :أي التناحر فيما بين األقطار العربية(.)3 فالقاص عبد الرحمن الدرعان ،برع في تصوير حال األمة بهذه االستعارة ،وال عمري ،أنه قرب بها الحالة التي يعيشها العرب ال��ي��وم :وه��ي حالة أمة تشهد موتها في حياتها ،ليبقى السؤال الجوهري، الذي رافقنا منذ قراءتنا األولى للقصة – الرسالة، هو :لمن وجّ ه الكاتب رسالته التي يريد بها االلتفات نحو هذه المرأة /األمة العربية ،التي كان ماضيها ينعم باألمجاد واالنتصارات..؟ يقول " :فكرت ذات ضحى – بدافع الخوف على الماضي الجميل ال��ذي ش��رع ينقرض -أن ألتقط ص���ورة"( .)4الصورة التي فكّر الكاتب في التقاطها لهذه المرأة ،لن تكتمل؛ فهو يأتي في آخر الرسالة القصة ،ويعترف أن هذه المرأة ماتت ،ودليله فيذلك ،تلك الرائحة التي فاحت من جنازتها يقول:
ناضجة ،فألنه يكتسب حدساً وخياالً ،وإذا كانت قصة (رسالة) حدثتنا عن حالة احتضار األمة العربية (في نظري) من خالل المرأة ،فإن قصة (ليلة الحشر) هي ص��ورة مليئة بالفساد والضياع والتسلط .ومن البديهي أن القاص الدرعان ينسج ذلك بكتابة أدبية متداخلة ،تبرز ص��وراً من المجتمع ،وخاصة فساد اإلدارة العربية ،التي تنخرها الرشوة المتفشية بشكل الفت ..وها هي قصة (ليلة الحشر) ،توغل بالقارئ في صور الحشر الذي نعيشه .القاص يعيد مالمح رحلة قصيرة في ليلة واح��دة ،جعل القارئ يسافر معه بحذر كبير ،استنزف جهده للفهم ،فالقاص رغ��م الغموض ال��ذي ألبسنا في ه��ذه القصة ،فقد بعث إشارات واضحة ورموزا تنم عن أشياء وأسماء ���ور معيشية ،يحتك بها اإلن��س��ان ف��ي ك��ل زمان وص ٍ ومكان عربيين.
يبدأ عبد الرحمن ال��درع��ان كتابة قصة (ليلة الحشر) بسؤال يصاحبه التعجب ،عكس قصته األولى (رسالة) ،التي بدأها بالنفي ،فهو يقول في مستهل قصة (ليلة الحشر)" :هل ستتأخر عندهم..؟( ،)6وهو بهذا المدخل يقدم لنا حالة استثنائية ،تؤدي بنا إلى فهم معنى القصة ،منذ البداية ،رغم الضمور الذي "رائحة صالة ما تفوح من جنازتها ..وعلى شفتيها يريد أن يُلبسه لها الكاتب عن قصد مسبق منه. جملة لم تكتمل"( .)5والمالحظ ،أن الكاتب حاول، فهو قسّ م القصة إلى أربعة أبواب حضيت بتقسيم مرة أخ��رى ،استعمال المجاز ،حين يقول إن هناك محكم وبناء جيد؛ فهناك ثالثة أبواب منها احتكمت صالة لها رائحة ..وهل للصالة رائحة..؟ مداخلها إلى أسئلة مباشرة )1 :هل ستتأخر عندهم؟. ربما يرمز إلى طهارة المرأة أو دنسها ..لنالحظ )2أعتقوك أخـيراً..؟ )3أليس غريباً هذا الزحام في جيداً ،فهو لم يعرف كلمة (صالة) ،حيث قال" :رائحة البرد؟ .وهناك باب آخر يوشي مدخله بالمفاجأة )4 صالة ". فجأة ألمحت السائق ..ال��خ .)7(.وإذا أعدنا تفكيك أي صالة..؟ وأي رائحة..؟ فهو من كل ذلك يريد النص (ليلة الحشر) ،فإن األب��واب األربعة المكّونة التأكيد على وج��ود صالة خاصة بهذه المرأة التي ل��ه ،س��ت��ك��وَن لنا قصصاً قصيرة ج���داً ،وف��ي حالة تركت لنا رسالة غير مؤرخة وغير موقعة ،وتنتظر التفكيك وإعادة بناء النصوص األربعة في قصة (ليلة منا أن نتممها… إذا ك��ان ال��ق��اص ه��و ال���ذي يصور الحشر) ،فإن هذا التفكك سوف ال يظهر للقارئ، أحوال الواقع بعناية أدبية راقية ،ويرى األشياء برؤية فقد عمل الكاتب على تركيب القصة بعين محترفة
86
اجلوبة -خريف 1427
ال��دالالت واإلش��ارات ،لتحيلنا إلى ال��ذات ،ونستعيد معها اللحظات الهاربة من بين أناملنا الصغيرة ،في فترة هي من أجمل وأروع فترات عمرنا ،وهي مرحلة الطفولة؛ فمن خاللها ،نسترجع ذكريات نمتحها من صور اليومي؛ فلذة الحلم والخـيال يمتزجان بالواقع المعـيشي ،وهـذا ما تحـاول قصـة "رائحة الطفولة " الحاملة لعنوان المجموعة القصصية ،وهي موسومة بأشجان الماضي، مهداة إلى رجل كث اللحية يسمى جار الله الحميد أن تبوح به.
وسلسلها بأسلوب سردي راق ،يمكن تفكيكه دون أن يظهر ذلك في أبواب القصة األربعة ،فالباب األول يجسد لنا مالمح الخوف والتسلط ،يقول الكاتب فيه" :سأعتقلك حتى تتبول ف��ي م�لاب��س��ك ،"..أما الباب الثاني فهو يجسد مالمح الظلم والذل" :أيعقل أن أقتل أحداً أو أنسف مصلحة حتى يوقفوني زهاء ساعة للتحقيق معي أمام المأل ،إن ارتداء القميص، ي���ش���ك���ل بالنسبة ل����ي أح�����د األعمال الشاقة" ..أما الباب فيصور ال����ث����ال����ث ّ م��ل�ام����ح الفوضى وال����ف����س����اد ي���ق���ول": ك��م��ا أن هناك أل���ي���س غ��ري��ب��اً هدا ت���ج���اذب ق����وي بين ال��زح��ام ف��ي البرد؟ ال���زم���ن وب���ي���ن ذات وك��ذل��ك" :ف��ف��ي هذا القاص ،حيث يعيد ال��م��ك��ان ادف���ع بالتي صور الماضي: ه���ي أح���س���ن وتوكل " ..وع����اب����ث����ت ع��ل��ى ال���ل���ه" ،ويقول خ����ي����ط عصابتها م����رة أخ������رى" :عند ال���ط���وي���ل المتدلي رك�����وب�����ن�����ا خ���رج���ت على كنفها اليابس، بحساب ذهني ثمن وحشرتني الرائحة ال��رش��وة ،ومصاريف ف����ي م��ض��ي��ق مليء ال�����ط�����ري�����ق»..؛ أما ب���أش���ج���ار الحناء، ال���ب���اب ال���راب���ع فهو �لا أرك����ض فوق ط��ف ً ������وض������ح ال���ض���ي���اع ي ّ ت���راب القرية خلف حيث يقول الكاتب: األغ����ن����ام السائبة "فجأة لمحت السائق يحاول أن يوقظ شاباً مرمياً في زاوية الصالة مثل مليئاً بالغبطة واألحالم والخوف المسن من عفاريت ال��ظ��ه��ي��رة"( .)9إن المتأمل في نصوص المجموعة، بالة التبن.)8( ".. حركات وأفعاالً يبدع فيه القاص ،بطريقة ٍ سيرصد ك��ل ه���ذه األب����واب تنسجم م��ع بعضها البعض ،تنم عن إمكانية وجود إحساس كبير لديه ،والمبدع لتترك مساحة ح��رة للتسلسل أو التفكك .تضمر مأخوذ بصور الماضي ،وم��ش��دوه بصور الحاضر؛ المجموعة القصصية "رائ��ح��ة الطفولة" كثيراً من يقتنص ك��ل لحظة م��ن حياته الماضية ،لكي يعيد
اجلوبة -خريف 87 1427
توازنه النفسي من خ�لال القصص الخمسة ،التي احتوتها المجموعة ،والتي اختار لها عنواناً يتغذى من طبق غني بذكريات الطفولة الموزعة بين الزمان والمكان والعائلة واألص��دق��اء ،واضعاً أسئلة كثيرة حول المصير:
لوجدانه ووج��وده منذ أن كان طفالً ،يواجه أحالمه الصغيرة بالتي هي أحسن .كما أن وجود األب في المجموعة القصصية هو تأكيد ضمني على تأثيره في نفسية قاصنا ،وكذلك تحديد مصيره ،مع تبيان مفضوح للسلطة األبوية ،يقول في نص "الصعلوك":
"في الممر كنا وحدنا ،أمي وأنا وأخي ،ولم يكن "أخ���ي األك��ب��ر ال���ذي ك��ان مبتعثاً قبل أن يفتتح في الممر ثمة أحد غيرنا،أجلت عيني في خارطة الصندوق العقاري ،يقول مخاطباً أبي: العائلة ..ثم زويت عيني إلى أخي األصغر ،فإذا به – بل هو االب��ن الشرعي ل�لأرض ال��ذي بقى وفياً يحدق بعينين تفيضان باإلحساس بالفقدان ..لكني لها ،لم يتخل عنها ولم يخجل من سمائها ،ولم يشارك شعرت في هذه اللحظة ،أنه أنا ذلك الطفل الصغير، في والئم الحزاب ،وال في سرقة أموال المناقصات ال���ذي يتعين عليه أن يبحث ف��ي م�لام��ح أخ��ي��ه عن واالنتدابات الوهمية ،أسوة بكم أيها الموظفون .أبي مالمح أبيه. يفتح عينيه على اتساعهما ،وبعد أن يبصق عليه واب��ت��ل��ع��ت ال����س����ؤال :م���ا ال�����ذي س����وف يبقى ويحاكمه بالطرد من البيت ،متذرعاً بأنه وافق على()10 لنا؟!! بعثته من أجل العلم الغانم ،ال من أجل أن يعود من وفي النص نفسه يقول:
ديار الكفار لكي يربينا هذا العاق". ويقول كذلك في النص نفسه:
" كل الصور قد تذبل ،ال تموت ،لكنها لربما ذبلت لتتفتح من جديد ،ولكن أي قوة في الكرة األرضية " -بعد العشاء بقليل ،سيعود أب��ي من الصالة، تستطيع أن تمحو من خاطره صورة الوداع المقعرة وينهرني: في تجاويف دماغه ،والمرتدة على قبة روحه ..في ()12 صليت؟" والقاص يعيد تراكيب صور الحياةلحظة ينخلع الغصن فيها عن أمه ،تحت وحشية ريح الماضية ،فإنه يتأثر بالنزعة العائلية ،ويحدثنا عن ()11 صرصر طائشة وعمياء". .. أخ��ي��ه وأم���ه وأب��ي��ه وج��دت��ه واأله���ل واألس����رة؛ لذلك إن ك��ث��اف��ة األح��ل�ام ال��ت��ي ت��زخ��ر ب��ه��ا المجموعة نجد في قصصه لغة مختلفة إلى حد ما ،نجد نوعا ال��ق��ص��ص��ي��ة ،وال���ت���ي ت��ه��ط��ل ك��ق��ط��رات ال��م��ط��ر بين من الحنين إلى الماضي المجسد في ذكره ألسماء سطورها ،ج��اءت لتطمس آث��ار الواقع المر ،وتعيد األشخاص واألماكن. مالمح العربدة والصعلكة ،وطقوس الماضي التي وي��ق��ول" :ه��و صديقنا جميعاً" صديق األشجار أسستها وج��وه��اً وش��خ��وص��اً م��رت ف��ي الحلم مرور والقطط العائدة من ط��واف النهار وم�لاذ األطفال الكرام ،حيث نمضي برفقة المجموعة القصصية إلى الهاربين من المدرسة ،خاصة عندما تمطر السماء، جدائل النخيل ،ونصنع معه تصويراً دقيقاً للحاالت وتنادينا الغيوم البيضاء ،لنعرف أغنيتنا األثيرة التي ال��ت��ي تنقشها ال��وج��وه وال��ك��ائ��ن��ات ب���م���رارة ،تمتزج حفظناها بالتلقين ،نستدعي الماء ،ونؤلب األرض، بلذة تعيد القاص إلى طفولته وصعلكته .إن وجود شخصية األم في المجموعة ،له حضور قوي ،إذ إنها أن تقوم من يأسها إلى الربيع القريب.)13(".. يقول كذلك ..." :يناديه المؤذن واإلمام ،وصاحب المدد عند اإلحساس بالضياع والتيه ،وهي مرجع
88
اجلوبة -خريف 1427
()16 البقالة البخيل ،الذي ال تستطيع نملة أن تسرق منه بكثير من سنها. ".. ()14 حبة سكر. "... ثم يسترسل وصفاً فلنتأمل معه ه��ذه الصورة إن التجاور المتناسق في قصص عبد الرحمن الدالة على كثافة رمزية: الدرعان ،بين الحلم والواقع ،في استرجاع الذكريات، "وح���دي كنت أراق���ب الحلقة المرصعة بالنساء يضعنا أم��ام كاتب يتقن حرفته بالوصف الدقيق ،ب���اس���ت���غ���راب ..وأص���غ���ى إل���ى ص���وت ال��ع��ص��ي التي والتصوير ذو النبرة الحزينة ،يخلع تقاليد حياة تتحكم تهوى على الطبول في ال��خ��ارج ..أتحسس ظهري، بها أعراف األجداد واآلباء ،وهو مع ذلك يحاول أن وأحول بكل ما أوتيت من خوفي من الغد ..أن أجد يتجرد منها بصعلوكيته وتمرده ،ولو بممارسة الحلم خالتي،التي لم تكن إال خالتي من الرضاعة ،لعلي أجد واكتشاف ذاته ،كما يدل حديثه هذا: في عباءتها المضرجة برائحة البرسيم خيطاً أرتق
"في الظل المنكسر عن الحائط الشرقي ،جلسنا نحن الثالثة نراقب جدي ،وهو يضع مزيداً من التبن على رغوة الطين ،ويكلم نفسه بكلمات تفوح برائحة ال��رث��اء وال��ي��أس .ك��ان الفناء م��م��ل��وءاً بالجلود التي تنتظر ،الدبغ ،طفت حواليها قليالً ،ثم دلفت إلى غرفة أمي ،فاستحسنت أن أجرب فستانها المعلق على ظهر الباب ،وأفاجيء الجميع بأن أتقمص دور ام���رأة تتسول ،لكنني أحجمت بسبب ال��ج��وع ،من الخارج جاءني صوت أمي وهي تناديني ألول مرة في ()15 حياتي. "..
به آثار الجروح ،التي ستتفتح عندما يتنزه السوط على طول جسمي وأنا تحت قدمي أبي أرقب السماء البعيدة ،ومن حدقتيه يتقادح شرر أحمر ممدداً على ()17 بعد سيف أو شاهدة من موتي" .
إن ثنائية الحلم وال��واق��ع تبقى ح��اض��رة داخل نصوص المجموعة "رائحة الطفولة"؛ فقد تعايشت الصفتان منذ أول نص فيها ،وخلقت لنا نظريات وخالصات استمتعنا بها كل ما كررنا القراءة وأعدنا اكتشاف النصوص .وقد كان في هذا التعايش حمولة للدالالت والرموز ،يفطن لها من يدرك مغزى الرسائل ال يكاد القاص عبد الرحمن الدرعان ،يجد ذاته داخل نصوص المجموعة ،وخصوصاً في قصة" :دم الهائمة بين الحلم وال��واق��ع ،حتى يحس من جديد الجمعة" مصوراً لنا صراعه مع األحالم يقول: بالضياع ،ومع ذلك فهو يقاوم لكي يسترجع توازنه " ذلك اليوم – هو الجمعة بال ريب – ساعة ما ال��م��س��روق ،ث��م يسيل ف��ي وص��ف ال��ح��ي��اة والطبيعة قبل المغيب تحديداً ،ثمة شيء ما ،ربما يد إنسان واإلنسان ،حيث يسري في وصفه الجميل لألشياء تتحرش بك أن تخلد إلى نومك ،لتصحو في الحلم بدقة ،قد تخلو من مبالغة في الزيادة أو النقصان من على أث��ر ارت��ط��ام��ك بالمشهد ال��ب��ع��ي��د ..تنتبه إلى زاوية اللغة ،ثم يزرع في عقول القراء صوراً يكون قد الرضوض فإذا إنها قد كبرت وغارت بعيداً إلى الحد ()18 خاضها في طفولته ،ليجد نفسه في القصة ،وال أدل العصي على االندمال" . على ذلك من هذه الفقرة: ولعل وصف الشغب الطفولي ،واكتشاف الذات "كانت النساء يشيدن أغنيات صغيرة ذات إيقاع والذكورة ،هي من أبلغ الصور التي تبقى في مخيلة سريع واسم أمي يلتمع خطفاً بين الكلمات ثم يغيب ،اإلن��س��ان ،فال يجد اإلنسان من ذل��ك مهرباً ،فيبدأ ووحدها كانت منكّسة الرأس داخل الزفة ،والنظرات يحاول البحث عن صيد ثمين يزرع فيه أنيابه ،ويبدأ تتجه إليها ،ت��رت��دي ثياباً زاه��ي��ة ،وق��د ب��دت أصغر ف��ي االه��ت��م��ام بشكله ،وإث����ارة ف��ض��ول ب��ن��ات الحي،
اجلوبة -خريف 89 1427
وتنغمس عيناه في جسم إح��داه��ن ،وتبدأ المناورة ولفت النظر ..لكن حين ينفرد الذئب بصيده ،تغيب ال��روم��ان��س��ي��ة وال��ل��ط��ف ،ويغيب األدب واإلنسانية، وتحضر ب���دالً عنها الوحشية ال��ت��ي تسكن البشر وتظهر في وقتها ،وهذا ما يريد القاص عبد الرحمن أن يوضحه في صورة خيالية حين يتحدث عن الفتاة " مريم" يقول:
تعلّقه الجميل بالمرأة من خالل أمه وجدته وأخته، وكذلك بنت الجيران التي يكشف عن حبها له ،ذلك ال��دم وه��ي إحالة على زواجها من غيره ،والصبر الذي لقيه من أمه ..فحب الطفولة له لذة خاصة وجميلة ،يحتل القلب ب��دون إذن من م��واله ،وينزل بالجسم تغييراً كبيراً ،فيبدل شكل صاحبه ،وربما في بعض األحيان تصيبه حمى ،فيتيه العقل في ال بصدمة أو حادثة، أحالم ال حدود لها ،وال يفيق إ ّ تعيده إلى الواقع ،يقول" :تصل إليك أسرارهن التي تمجّ د حالوة عينيها ..ضحكتها الدافئة ..شعرها الهارب سبطاً ناعماً ،للدرجة التي تجعل الماشطة ت��ف��رش ل��ه��ا ب��س��اط��اً أث��ن��اء ال��ت��س��ري��ح ،ت��ت��ذك��ر حتى أكاذيبها العذبة ،وأن��ت تسترق السمع لكي تتخيل ()21 هذه األسطورة ،وتتمنى أن تراها. "..
< كاتب مغربيbazinenoureddine@yahoo.fr . – 1المجموعة القصصية "رائحة الطفولة" ،نص "رسالة". 2،3،4،5النص نفسه. 6-نص ليلة الحشر من نفس المجموعة.
- 8 ،7النص نفسه. 11- ،9،10نص رائحة الطفولة. 12،13،14،15،16،17نص الصعلوك. 18،19،20،21-نص دم الجمعة
"ما كان يخطر ذلك في بالك أبداً وحين شاهدت "مريم" تتعثر في حاشية عباءتها ،في ذلك اليوم الذي لن تنساه كمنعطف خطير في تاريخك الشخصي، وفسرت األم��ر على أنه من قبيل التجريب ،وهكذا عانقتها مكباً على أطرافك األربعة ،وشرعت تعوي ال في الحال مسرحية ،أنت تستحوذ على خلفها مرتج ً دور الذئب الجائع إلى عنزته الجميلة ،وكنت بالفعل مصمماً على أن تنضغ عباءتها ،فلم يدر في خلدك إن القاص عبد الرحمن الدرعان يثير كثيراً من أنها سوف تختفي إلى األبد إال عندما انتهرتك أمك المشاهد في نصوصه ،كما أن تجربته في نصوص بقسوة وكأنها تتقمص دور الراعي ،لوال تلك الجدية " رائحة الطفولة " ،تجربة تستحق أكثر من قراءة التي تعرفها جيداً قائلةً :إن البنت كبرت (!!)"(.)19 ووق��ف��ة؛ فهو على الرغم من تميزه بالوصف ،فإنه وكذلك ":عبود! هل يمكنني أن ألد كالنساء بسبب يكتنز بلغة تمتح من الرموز والدالالت ،تورّط القارئ والناقد معاً وتجعلهما يبديان اجتهاداً في االقتراب الدم؟ -أي دم ،هل جرحت أيضاً؟ أكثر من نصوصه ،وخلق حميمية معها؛ فهو ينهج في لكنها أجفلت حينما أفاقت على فضاعة السلوك ،كتاباته لعبة السهل الممتنع ،بلغة بسيطة وقريبة من الذي قامت به، واختفت إلى األبد تارك ًة الولد يلعق الواقع ،يعتمد على محيطه وبيئته مختصراً الحياة ()20 األسئلة تلو األسئلة" . ف��ي ش��خ��وص ت��ع��د ع��ل��ى رؤوس األص���اب���ع ،ل��ك��ن مع من الممتع حقاً أن نجد حضور المرأة في جميع خلق تغيّر في األسلوب والفكرة ،كما يضع كثيراً من قصص المجموعة ،فكل م��ا نالحظه ه��و منحها األسئلة والعناصر ليشركنا في عالمه الطفولي ،وهو مكانة ج��ي��دة داخ���ل ال��ن��ص��وص ،واح��ت��رام وضعها عالم البراءة والتلقائية ،وكنز اإلنسان الذي ال يفنى، األن��ث��وي ،وم��ن هنا يتجلى ب��وض��وح كبير النَفَس والرائحة التي تنبعث من الذاكرة ،وبدون ذاكرة ليس الرومانسي ل��دى عبد الرحمن ال��درع��ان ،وكذلك هناك طفولة وال تاريخ.
90
اجلوبة -خريف 1427
«أعتقد أنني ألّفتُ كتاباً واحداً فقط .كان في األصل شعراً تحّ ول إلى > ياسمينة صالح
<
روايات ثم إلى تمثيليات مسرحية ،ولكنه بقي الكتاب ذاته ،ولسوف أتركه كما «تنتهي من شيء تصنعه؛ فالمرء يحس في ق��رارة نفسه أن عمله لم يكتمل والجزائر لم تستكمل قدومها في العالم بعد».
ك���ات���ب ي��اس�ين: املساءلة ب����ي���ن ا لكتا بة و ا لهو ية والوطن..
بهذا التعريف البسيط والعميق ،لخّ ص «كاتب ياسين» ذات مقال تجربته اإلبداعية كلّها ،تجربة تحّ ولت من عطاء إبداعي وإنساني إلى رؤية سياسية محضة ،تبنتها عروش جزائرية تطلق على نفسها اسماً مشتركاً« :األمازيغية ال��ح��رة» ،Le berbérisme libre ..وه��و المصطلح نفسه ،ال��ذي أطلقه كاتب ياسين في تحليل رؤيته السياسية ،كواحد من أهم األدباء المبدعين الجزائريين ،الذين كتبوا بالفرنسية دون أن يفقدوا خاصيتهم الجزائرية الدقيقة والمميزة .هو ال��ذي ق��ال عنه ال��روائ��ي الفرنسي الكبير «دانيال فرامون» :حين أقرأ لكاتب ياسمين ،و على الرغم من أنه يكتب بالفرنسية فهو يكتب عن الجزائر ،ونحن بالتالي نقرأ عن الجزائر. قبل أكثر م��ن عشرين سنة ،تبنّى األدي���ب وال��روائ��ي ال��ج��زائ��ري كاتب ياسين مطالبه التي صارت سياسية فجأة ،وصارت تعني إلى اليوم ماليين من الجزائريين ،على اختالف توجهاتهم .إنه المطلب الجلي في الحوار، والتعبير ،والحق في االختالف اللغوي الجزائري (اللغة األمازيغية التي تغطي أكثر من ثلث سكان الجزائر) ،والحال أنه التغيير الذي حدث في الواجهة السياسية الجزائرية ،وهو نفسه التغيير ال��ذي أخ��رج تشكيالت أمازيغية معتدلة ،ومثلما أخرج تشكيالت متطرفة ،وأحياناً راديكالية جداً، تطالب بالحق ،ليس في الحرية فقط ،بل وف��ي التحرر ،كصيغة أخرى لالنفصال عن الدولة ،ما أثار غضب السلطات التي عدَّ ت مجرد الكالم عن االنفصال خيانة كبرى (كما هو واضح في الجريدة الرسمية الجزائرية)؛ وهو بالتالي ما عرف بالردع المناوئ لفكرة التشكيالت السياسية والفكرية األمازيغية المتطرفة ،والتي تعرف في الجزائر باسم «العروش». كان ذلك قبل أكثر من عشرين سنة ..أيام كان كاتب ياسين يتكلم عن األمازيغيين ،كما لو كانوا يعيشون مواطنين من الدرجة الثانية ،وكما لو
اجلوبة -خريف 91 1427
كانوا «أكراداً في الجزائر»! وربما كانت تلك الواجهة تراكمات األزم��ة البليدة والراكدة» ،التي يقصد بها الثقافية األكثر معارضة للنظام نفسه ،إلى درجة دخل آليا المنظومة السياسية في إطار ما كان يصطلح كاتب ياسين نفسه في صف المحظورين ،إزاء سلطة على تسميته آنذاك بـ« :سياسة الحزب الواحد». كانت ترى فيه زعيماً ثقافياً عرقياً غير مرغوب به !
ولد كاتب ياسين عام 1929م ،في منطقة القبائل
بهذا التقاطع والتشابك ،يعود الجدال الفكري في الجزائرية .كان ذكياً ومشاغباً ،وكان حاضراً ومصراً الجزائر عن «كاتب ياسين» األديب الروائي والشاعر في ظروف استثنائية ،كان فيها اإلنسان الجزائري
والسياسي ،داخل فكرة المساءلة بين اللغة والهوية ضحية آلية استعمارية رهيبة .كانت الحقبة الزمنية والوطن .وتعد تلك المساءلة ،في حد ذاتها ،شك ً ال في الثالثينات تدفعه إلى ذلك الخيار المدهش الذي
من أشكال الحوار الفكري في إطار االعتراف باآلخر ،جعله ينحاز إل��ى الكتابة وه��و بعد في العاشرة من واالعتذار له على سنوات التغييب التي مورست ضد العمر .بالنسبة إليه ،ظلت الجزائر المحتلة هاجساً
جيل بأكمله؛ بيد أن ذلك اآلخر ،الذي ربما أقصي حقيقياً فجّ ر قريحته ،فتحّ ول من شخص بال قضية دوره طويالً ،في السنوات التي أعتقد فيها السياسي إلى شخص يحمل الوطن على عاتقه؛ ومن مواطن أن بناء دولة ج��دران أهم من دولة الفكر والثقافة؛ فقط إلى كاتب ارتبط الوطن عنده بجملة من الرموز ال في الجزائر ،إذ وألن إشكالية الهوية مطروحة فع ً واإلي��ح��اءات داخ��ل قصائده األول���ى ،ومقاالته ذات إنها تتحدد اليوم على أساسين أيديولوجي وسياسي الطابع السياسي الالذع ،فكانت روايته :نجمة.. أكثر مما تتحدد على أس��اس ديني ،والتي أري��د بها «نجمة» الرواية التي صدرت ألول مرة ،في باريس «اإلصرار» على الدفاع عن ذاكرة أديب ،أحب الوطن وكتب عنه في أجمل رواي��ة ما زالت تحتل المراتب ع��ام 1956م ،ه��ي نفسها نجمة المدينة والوطن األولى من الكتب األكثر مبيعاً في أوروبا ،وفي فرنسا والحلم ،ال��ذي يسكنه الناس البسطاء والمتعبين.. تحديداً ،نظراً ألن كاتب ياسين ك��ان يكتب باللغة نجمة ال��م��رأة أيضاً في زم��ن متناقض بين المنفى
الفرنسية فقط. لم يكن «كاتب ياسين» مبدعاً فقط ،كان التقاء
الذاتي والمنفى العام.
كانت نجمة هي الحرب التي حاصرتها ورمتها
ثقافتين أيضاً ،وتقاطع حلم وحلم مضاد داخل فكرة في اللّغة األخرى ،وفي الخيار الصعب ،على مشارف
واحدة« :الكتابة واألنا الجماعية» وليس األنا الفردية تاريخ غامض جلي في الوقت نفسه ،أم��ام قراءات
فحسب ،ربما ألنه من مواليد مدينة هي قلب الفكر وترجمات كثيرة منحتها هذا التألق إلى يومنا هذا؛ ما األمازيغي الراهن (مدينة بجاية)؛ وبالتالي فهو من جعل المقاربة مدهشة في األدب الفرنسي الحديث، سكان األم��ازي��غ ال��ذي��ن ق��ال عنهم ذات م��رة« :إنهم ب��ي��ن م��ا ص��ن��ع��ه ك��ات��ب ي��اس��ي��ن ،وم���ا ص��ن��ع��ه األديب
الحقيقة المقبلة في جزائر أخرى سوف تنظف من األمريكي «فوكنر» ،بالرموز واإليحاءات والتداخالت
92
اجلوبة -خريف 1427
نفسها التي أحدثت التقارب فكريا وإبداعيا وإنسانياً يصنع انقساماً فكرياً وأيديولوجياً عميقاً ،أمام راهن بينهما ،كما كتب الناقد الفرنسي « جيل سانتان» في صعب وخطير .ولعل األزمة البربرية التي انفجرت كتابه « الحوار والبناء الفكري» ،الصادر في باريس للمرة الثالثة في نحو عشرة أعوام ،تبقى هي البركان السنة الماضية. يقول كاتب ياسين في مدخل رواية «نجمة»: «سالم أيها الباب المغلق يا غالف كتاب علينا أطبق يا صفحات كتاب ممزق نجمة ..يا نجمة افتحي بابك أو نافذتك أو اهربي من دهاليز دارك تكلمي أو اهتفي أو غني أو ابكي القي علينا الكذب الذي يستحقه المؤمنون أو دلو الماء على رؤوس المجانين أرسلي إلينا كلبك أو قطتك أو إحدى ذبابات بيتك انفضي على رؤوسنا سجادتك العتيقة فال طاقة لي بهذه الوحدة امرأة واحدة تشغلنا غيابها يجمعنا و حضورها يغرقنا»
الهوية واللّغة:
ال��ذي يهدد الهوية الجزائرية فعلياً ،وم��ا يصطلح على تسميته حالياً بـ «الربيع األمازيغي» ،هو في في الحقيقة القشة التي قصمت ظهر البعير ،والتي ربما يعدها اآلخرون سبباً ألجل نقاش فكري ،ال تعترف به السلطة الجزائرية كثيراً ،بدليل أن اسم «كاتب ياسين» ظل مختفياً طوال أكثر من عشرين سنة ،بوصفه أنه يمثل للجزائريين ولسكان القبائل تحديداً ،نافذة فكرية على كل الحريات التي حُ رموا منها داخلياً، وعلى هوية بقيت رهن الخطب السياسية البراغماتية والبليدة ،ورهن المساومات الكبيرة ،التي أدت إلى ذل��ك ال��واق��ع ال��ج��زائ��ري ال��ض��ارب ف��ي العنف وفي التصفيات الجسدية والفكرية؛ ومن ثم في التطرف الفكري واللغوي ،بين معربين وفرانكفونيين. لكن عودة الكالم عن األديب والروائي الجزائري ك��ات��ب ياسين ف��ي ال��س��اع��ة األدب��ي��ة ال��ج��زائ��ري��ة ،هو العودة إل��ى ال��وراء رب��ع ق��رن ،إذ يجب االع��ت��راف أن الكتابة ال يمكنها أن تتوقف بموت الكاتب ،بل تستمر ألن رواي���ة نجمة لكاتب ياسين ،تتجدد ال��ي��وم في واقع يعترف أن األمازيغية حقيقة صار من الصعب تجاوزها اآلن ،على الرغم من أن الوطن في النهاية
لم يعد طرح تساؤل اللغة عفوياً في جزائر اليوم ،هو الهوية الوحيدة المتبقية للجزائريين جميعاً .ما ص��ار مرتبطاً باألزمة السياسية ذاتها ،وبالتيارات يهم في الحقيقة هو أن ملتقى «كاتب ياسين» الفكري الموجودة على أرض الواقع ،وهي تيارات متشعبة :سينطلق هذه الصائفة في مدينة «تيزي وزو» ،بوصفه ال لعالقة فكرية متصالحة مع الجميع. وطنية وأصولية ،وبربرية ،والئكية ،أدت إلى ما صار مدخ ً < كاتبة روائية من الجزائر
اجلوبة -خريف 93 1427
شعرية املوت واأللم في ديوان "خائنة الشبه" للشاعر السعودي حسن الصلهبي
> عبداحلق ميفراني
<
يمثل ديوان الشاعر السعودي حسن الصلهبي "خائنة الشبه" نموذجاً صارخاً لحالة االنكسار ،التي مست عمق بعض التجارب الشعرية العربية .وبعيداً عن تحديد اإلطار األجناسي لتأمل هذه التجربة ،اقترحنا تتبع الجانب التوليدي للمعجم الشعري ،الذي بدأ لنا غنياً إلى الحد الذي يمكنه أن يشكل نافذة حقيقية الستجالء البناء الداللي العام. يضم الديوان عشرين نصاً شعرياً تنقسم إلى فرعين :األول بعنوان" :خائنة الشبه" ،ويحتوي على خمس عشرة قصيدة ،بما فيها قصيدة خائنة الشبه؛ والثاني بعنوان" :وطن للعابرين" ،ويضم خمس قصائد ،بما فيها قصيدة وطن للعابرين. الديوان الصادر عن نادي جازان األدبي ،هو في األصل طبعة ثانية ،إضافة إلى أنه متوّج بجائزة أدبية، بما يعني أن عوالم القائد في الديوان تقدم نفسها تحث هذا الوضع االعتباري ،لكننا نتخلص كلياً من هذا الحافز ( )Motifعندما نلج جسد هذه القصائد ..ثمة وعي بحالة الشعر كإيقاع ،ولعل جمالة الترتيب الكتابي والطباعي وتسلسلها ،قدمت بُعداً استقرائياً آخر ،ليس مجال هذه الدراسة بحثه. النصوص في ديوان خائنة الشبه تستجيب لهذا التركيب الشعري األولي: لماذا أحرفي قلقة؟ قصيدة شهوة النار ،ص.11 والقلق هنا يتعرى في بعده الوجودي األنطولوجي ،ليتسع ألفق الكتابة ووجعها ،الذي هو توصيف تحديدي؛ ما يجعل قصائد خائنة الشبه ،خائنة حقيقية ألي شبه ..إنها تعبر عن ذاتها وأفقها ،خصوصاً إذا كان الشاعر "تسكنه حمى أبي تمام ": «حمى أبي تمام تسكنني» ،قصيدة شهوة النار ،ص .12 ولعل إشارة الشاعر إلى تجربة أبي تمام الشعرية دعوة صريحة لخصوصية المغامرة الشعرية؛ فالكتابة ترفض التنميط ووصاية النموذج ،وهنا وعي بقدرة القصيدة على التجاوز واتساع أفق الشعر ،الذي يتحول معه ديوان "خائنة الشبه" الستجابة صريحة لمقولة شيلنغ:
94
اجلوبة -خريف 1427
"الشعر تمثيل للمطلق والشمولي في ما هو خاص". فمغامرة القصائد األنطولوجية مفتاح للعبور لهذا التعدد ،وهنا تستطيع القصيدة أن تتحرر من تراث ال ترتضيه ،ومن تحجّ ر النمط ،فحتى التسلسل االختياري للشاعر في "خائنة الشبه" لقصائده ،وبالشكل الذي ارتضته هذه القصائد ،وحين يمتلك الشاعر لغته ،فإنه يمارس انزياحاته عبر اللعب على طرائق التوظيف للغة الشعرية ،وعبر إحدى أهم أسس هذا االنزياح ونقصد هنا الصورة الشعرية ،وحتى وإن قدم الديوان" "سالسة" ملحوظة في هذا المنحى ،نمثل إلشارتنا بهذا النموذج: أوق�������������ظ ال�����ل�����ي�����ل ب�������ال�������ح�������روف وأط�����ه�����و
ص�����ح�����وة ال����ص����ب����ح ف�������وق ن�������ار ال���ق���ص���ي���دة
قصيدة "انتحال القصيدة" ،ص .25 و على الرغم من هذا "اللعب" اللغوي المزدوج ،فإن حصر ثنائية الكتابة في الحرف والقصيدة والليل والصباح ،كفيل بتوضيح هذا التعامل السلس مع "الصورة الشعرية" ،ومع تقنية الخرق اللغوي. وعودة للحقل المعجمي ،الذي ينضبط ديوان "خائنة الشبه " داخله ،فإننا نشير لوحدة داللية أساسية التي نعتنا بها قراءتنا هاته ،أي شعرية الموت واأللم ،والتي هي معادلة جامعة للتوصيف الرؤيوي للقصائد العشرين .وعبرها نكتشف حقول الرؤية الشعرية في الديوان. ثمة فضاء سوداوي يلف جميع حقول الداللة في الديوان ،وحسب الجرد الذي سنقدمه ،يفاجئنا هذا االنكسار والوجع الموحد في شعرية مفتوحة ،تنفتح عبر حقلين دالليين :شعرية الموت ،وشعرية األلم: صفحة
القصيدة
الحقل المعجمي
9
السواد
السواد – العراء -الليل – أشالء – الظمأ – اللغو – الفراغ – الموت
11
شهوة النار
القلق – الصمت – اليأس – األلم – الذوبان – النار – الجنون – اختناق – الجراح – الدم – الموت – الليل – الشرخ – العري
15
خائنة الشبه
السراب – الكآبة – الرعب -الخوف – الموت – الجراح – الوجع – العذاب – الرحيل – الغياب
18
ثرثرات الغبار
أنين – العقم – الفراغ – الصحراء – الغياب – العري – التيه – الجراح – الموت – الحزن -
21
عنق الزجاجة
القلق – اغتيال – الشقوق – الجراح – الجنون -الموت – البكاء – الوجع – هزائم
23
انتحال القصيدة
تالشي – الزحام – الليل – العطش
اجلوبة -خريف 95 1427
26
الحطام – العراء – أوجاع – األلم – الحرقة – احتضار – العذاب – الدم في يدي يبرد الماء – الفراغ
31
حالة اشتباه
الجرح – السواد – الليل – الرماد – انكسار – الموت – الظمأ – الغياب – الجوع
34
هلع يغمس في شبه الهلع – العري – الحزن – الرمل – السراب – البؤس – الموت – الظالم – الهلع – الجنون – الفراغ – الغياب – األلم كالم
38
حطامك في ماء
انكسار – الموت – الخنوع – الشجون – احتضار – التواء – اللظى – العراء – الجرح – اللظى – الشوك – النار – الكدر – الفرار
41
وردة ال يكورها الليل – الميتون – الشك – النهاية – الشجون -الحزن – الخيانة – الليل – انكسار – ضياع الزمن المستدير
45
دفء البياض
الدم – الظالم – الليل – عجاف
47
نشوة الالءات
الحزن الصمت – الشك – الجرح – البؤس – الصدأ -النهاية – انتحار – الليل
51
الوجع الثاني
الوجع – القبح – عذاب – جراح – الخيانة – الصمت – الحزن
54
ال أحد
الوجع – الموت – الضيم – العري – الرمل – الحزن – التيه – الوهم – الليل – الظالم – الجراح – الجمر
59
النوى – تشظي – ص��دع – المساء – الليل – األل��م – السأم – الرحيل أخيرا سقط القمر – الفراغ – الجمر – الموت الليل – الوهم – احتراق – الدم
63
إذ أحرق في الماء
66
ع��ل��ى ج��س��د األرض الليل – الهم – القتل – الليل – الصمت – الجرح – الوجع – الحرب – البكاء أورقت
70
وطن للعابرين
الليل – التيه – الجراح
72
غيمة البرتقال
جريح – الجراح – الحزن – الوجع – الولع – القلق
ونضيف لهذا الجرد عناوين القصائد ،التي نحصر حقلها المعجمي في: السواد – النار – الخيانة – الهلع – الوجع – الحريق. كما أننا نعُد اإلهداء عتبة أساسية تضاف لهذا الجرد ،من خالل اآلتي:
الذبول – األثقال تُ َع ُّد شعرية الموت واأللم وحدة إنتاجية ،ليس الحقل المعجمي إال مظهراً قوياً لتجليها ،إذ إن توصيف الرؤية بهذا العمق االنكساري السوداوي ،ال يمثل استثناء بحكم حضور هذا البعد في متن ممتد من المغرب
96
اجلوبة -خريف 1427
في أقصى المحيط الى التجربة الشعرية العراقية في حاضرها المزدوج :المنفى والوجع.
لهذا تمثل مجموعة متجانسة ،توصيف دقيق لوجع القصيدة قبل ولحظة التشكل وال���والدة ،لكن يبقى هذا الحقل المعجمي أشد ارتباطاً بالكتابة الشعرية، أما م 2فهي بوابة عوالم النصوص الشعرية إذ إنها مراكز داللية ومداخل لتوليد شعرية الموت واأللم التي تتلخص م 3في إبراز حقولها.
ويكتسي هذا التوصيف ال��ذي يبدو قدرياً عمق اللغة الشعرية ف��ي انكشافها وتجليها ،خصوصاً حين يحضر هذا االستدالل في المنحى الوجودي ال��ذي يبدو ق��دري��اً .ويعمق ه��ذا المنحى استجالء حضور سؤال الكتابة الشعرية التي وسمناها بالقلق وفي هذا المنحى ،تتعمق اختيارات نصوص ديوان األنطولوجي ،وهنا يمتزج البعدان في ترسيمة دالة" :خائنة الشبه" ،والتي تبرز عوالمها في مستويات ال��خ��رق ال��س��وداوي��ة ال��رؤي��ة ،ال��ت��ي ه��ي منتهى ألفق معجم االنكسار مفتوح على األلم ،وتعد م 4ضوابط وفضاءات تجلي، شعرية الموت واأللم تنكشف عبرها مجاالت اإلخصاب الشعري. رحب الرؤية إن حصر المستوى المعجمي ،بهذا الشكل في قلق القصيدة ديوان "خائنة الشبه" ،يقدم لنا في النهاية مستويات ونستدرج مقوالت الحقل المعجمي ،ونأمل عبر ال��رؤي��ا وتجلياتها ،إذ عبر ه��ذه المغامرة ،تمارس ه��ذا التمحيص ،إدراك نقط االرت��ك��از المقوالت الكينونة صيرورتها ،كموقع شعري داخل النصوص، المحددة الجامعة لهذا الحصر المعجمي .إننا عبر والتي أياً كانت قيمتها اإلبداعية ما هي إال تمرين هذا االشتغال ،نتمكن من تلمّس جوانب ومحددات إيحائي ل��ه��ذا ال��م��وت ،ال���ذي اخ��ت��ارت��ه كما اختارت وأوجه شعرية الديوان ،إذ إن األساس العام يظل هو المعنى ،قصد تحفيز وجع الداللة وجرحها للتجلي. ثنائية الموت واأللم ،لكن وفق أية استراتيجية تقدم وه��و تجلي تتحكم فيه م��ق��والت ال��ش��ك والقلق هذه الرؤية: أس���اس���اً إن���وج���اد إح��س��اس ال��ظ��م��أ ل��ل��ق��ول الشعري م :1القلق ،الصمت ،الجنون ،العطش ،الفراغ ،كخالص وتحرر من لعنة الكتابة. الشك. يكشف الشاعر السعودي حسن الصلهبي .في
م :2ال��ي��أس ،ال���ذوب���ان ،ال��ش��رخ ،اخ��ت��ن��اق ،كآبة، الرعب ،الخوف. م :3األل���م ،ال��ج��راح ،ال��ع��ري ،ال��ع��ذاب ،الحرقة، الوجع. م :4النار ،الدم الموت ،الليل ،السراب ،الرحيل، الغياب. ترتبط م 1بحاالت الكتابة ،ح��االت الشعر ذاته،
ديوانه ،على قدرة تمثّل الموت واأللم كإحدى الثيمات األك��ث��ر خ��ص��وص��ي��ة ف��ي ال��ت��وظ��ي��ف ال���دالل���ي ،ووفق هذا المنحى تنكشف رؤية الشاعر للعالم والوجود المحكومة بهذه ال��رؤي��ة السلبية ،التي م��ا ه��ي إال ال تحفيزياً إلغناء عوالم المعنى وإخصابه ،وإنتاج حق ً توليدي يمكننا من انتظار وتأمل تجربة هذا الشاعر، ال��ذي عمّق إضافة إلى شعراء آخرين وعياً شعرياً للقصيدة في الجسد الشعري السعودي.
< شاعر وناقد من المغرب
اجلوبة -خريف 97 1427
بني علم العقل 000وأدب العاطفة > نبيل شبكة
<
معان؛ استُخدِ مت كلمتا األدب والعلم في لغتنا العربية ،على مر العصور ،للتعبير عن عدة ٍ فاستخدمت كلمة األدب ،أحياناً ،للداللة على األخالق الحميدة والنفس المهذبة ،واستعملت هذه الكلمة أيضاً بمعنىً أوسع ،في أحيان أخرى ،لتدل على االنتاج الشعرى لكبار الشعراء في مختلف العصور ،بصرف النظر عما إذا كان هذا الشعر جيداً وملتزماً أم شعراً يتناول -أموراً وموضوعات من الفسق والفجور ،كما ورد في بعض أشعار جرير والفرزدق ،وما نظمه أبو نواس في الخمريات والغلمانيات؛ وكذلك كانت كلمة العلم في بداية استخدامها ،يقصد منها العلم الدينى فقط ،ثم اتسعت في معناها لتشتمل على كل ما ينتجه العقل والفن. وفي عصرنا الحديث ،أصبح هناك انفصال بين اللفظين ،فهناك صحيفة أو مجلة أو برنامج أدبى محض ،وهناك أيضاً ما يوصف بالعلمي فقط وبين االثنين نجد ما يطلق عليه لفظ األدبي العلمي في تعريفه 0ولكن ما حدود ذلك؟ ليس هناك تعريف واضح؛ وذلك ألن كلمة األدب وكلمة العلم من األلفاظ الغامضة التى نفهمها جيداً ولكننا إذا أردنا تحديدهما وتعريفهما بالضبط ،وجدنا أنفسنا في حيرة من أمرنا .ومثل هذه الكلمات مثل الكثير من الكلمات األخرى ،التي نعرفها وال نستطيع تعريفها كالجمال والعدل والخيال ...إلخ ،فكل فرد تبعاً لثقافته وميوله وأغراضه يضع تعريفه الخاص به لمثل هذه الكلمات وغيرها. وكذلك الحال بالنسبة لألديب والعالم ،فكثيراً ما نرى أطباء وعلماء برعوا في كتابة األدب بمختلف أنواعه من شعر وقصة ومقالة ،بينما نرى أيضاً في المقابل أدباء قدموا الكثير من األعمال الشهيرة للساحة األدبية بينما عملوا أيضاً في مجاالت علمية بحتة. األدب دوماً يخاطب العاطفة ،أما العلم فإنه يخاطب العقل؛ فإذا قلنا إن المستقيم هو خط يصل بين نقطتين ،فإننا نخاطب العقل وال نمس العاطفة ،بينما لو قرأنا بيت أقصر ٍ
98
اجلوبة -خريف 1427
الشعر التالي للبارودي:
يقرؤها إال من أراد التعرف على تاريخ علم الهندسة،
س������ل������وا ع��������ن ف���������������ؤادي ق�����ب�����ل ش��������د ال�����رك�����ائ�����ب وكذلك الحال بالنسبة لكتب الرياضيات والفيزياء ف�����ق�����د ض����������اع م�����ن�����ى ب�����ي�����ن ت�����ل�����ك ال�����م��ل��اع�����ب والكيمياء ...الخ. لوجدناه يمس العاطفة وليس له أي صلة بالعقل. فالعالم يقوم باجراء التجارب الستكشاف ظواهر وقوانين ،وليضع أمام العالم القوانين التى ال تحتمل الشك .بينما األدي��ب ينظر إل��ى األش��ي��اء من خالل تأثيرها على العواطف البشرية ،ف��ال��وردة الجميلة يقوم العالم بدراستها من حيث فصيلتها وموطنها وطريقة زراعتها ،ولكن األدي��ب يتغزل في جمالها ويذهب خياله إلى ما يعانيه مع محبوبته ،وقد ينظم قصيدة رائ��ع��ة أوح���ت ل��ه بها ه��ذه ال���وردة الجميلة وجعلت بينها وبين قلبه وعاطفته نسباً .كذلك يرى ع��ال��م األح��ي��اء المحبوبة كمجموعة م��ن العمليات واألب��ح��اث البيولوجية .بينما ي��رى األدي��ب في تلك المحبوبة كل هذا العالم وكل النعيم إذا واصلته ،وكل الجحيم إذا صدته وهجرته!!
وربما يرجع السبب في ذل��ك إل��ى أن العواطف لم تتقدم بالسرعة نفسها ،التى تقدمت بها عقول البشر .فعاطفة اإلحسان إل��ى الفقير متأصلة في نفوس الناس منذ قديم الزمان ،وستظل وهى تأخذ أشكاالً متعددة من العطاء بدءاً بمنح الفقير درهماً وم���روراً باإلسهام في إنشاء المستشفيات للفقراء وتأسيس المالجىء لليتامى وكبار السن ،بينما العقل تواق دائماً إلى األفضل في الشكل والمضمون ،فهو يخترع األح��دث ويلغي القديم ،وخير مثال نلمسه في حياتنا المعاصرة ما ح��دث ويحدث في مجال الحاسبات والهاتف المحمول وتكنولوجيا المعلومات، التى تتقدم بشكل فاق الكثير من التوقعات ،بل إننا على وشك أن نرى الحاسب الذى سيكون من الذكاء بحيث يشاركنا في التفكير واختيار األفضل! وال ننسى أنه من الصعب أحياناً أن نفصل بين
لذلك ،نرى أن ارتباط العاطفة باألدب ،هو الذي العلم المتأدب وبين األدب المتعلم؛ فهناك ،على يمنح هذا األدب صفة الخلود ،على مر العصور؛ فال سبيل المثال ،الكثير من كتب التاريخ التى لم تكتف
زلنا نعجب ون��ردد الكثير من قصائد ام��رؤ القيس ب��س��رد ال��وق��ائ��ع وتحديد زم��ن وق��وع��ه��ا .ب��ل صاغته والمتنبي وجرير والفرزدق وغيرهم ،دون الحاجة إال بصيغة أدبية رائعة ،جعلت له وقعاً خاصاً في نفس إلى التعرف على ما غمض من األلفاظ والمعاني ،كما من يقرأه وشعوره ،لتولد لديه اإلعجاب أو الكراهية. إننا ال نمل من تكرار هذه األعمال الشعرية الخالدة ،كما نجد أعماال فلسفية صيغت في قالب قصصي،
بل نحفظها ونشعر بالسرور في كل مرة نقرأها ،بينما وهناك كيمياء وفيزياء قام بصياغتها أدباء وفنانون نجد نقيض ذلك في حالة العلم؛ فالعلوم وحقائقها ف��خ��رج��ت للعالم م��وض��وع��ات محببة .شيقة تثير وقوانينها خالدة ،بينما إنتاجها العلمي المكتوب غير عواطف الجمال وتنتزع اإلعجاب كل اإلعجاب بما خ��ال��د ،فكتب نظريات الهندسة مث ً ال ألقليدس ال في عالمنا من إبداع وفن وسحر وجمال.
< األمين المسئول لدار الجوف للعلوم ،مؤسسة عبدالرحمن السديرى الخيرية بالجوف .
اجلوبة -خريف 99 1427
نظرة في تنمية فاعلية القراءة لدى األطفال > محمد صوانه
<
يضطلع اآلب��اء واألم��ه��ات بمسؤولية كبيرة تجاه أبنائهم ،نحو توجيههم لالعتياد على المطالعة ،وتنمية ملكة القراءة لديهم باستمرار منذ سنواتهم األولى ،وال يتحقق ذلك بكفاءة إال إذا كان اآلباء واألمهات أنفسهم مقتنعين بأهمية المطالعة وممارسين لها بشكل يومي في البيت على مرأى من أطفالهم ،بل لعلهم يقومون أحياناً بمشاركة أبنائهم في قراءة بعض النصوص المختارة من كتب مفيدة ومالئمة ألعمار أبنائهم ،ومناقشة بعض األفكار والمعاني في هذه الكتب. فالمطالعة كنز ثمين لمن اعتاد عليها ،بل هي معين ال ينضب ،يتيح وسائل وأدوات المعرفة لكل من يطلبها بين ثنايا الكتب النفيسة على تنوعها؛ فيحصل على نتاج ما كتبه العظماء من العلماء والمفكرين وكبار األدباء والكتّاب والباحثين ،الذين بذلوا جهوداً كبيرة استغرق بعضها سنوات عديدة ،فيجنيها القارئ في عدة أيام أو ساعات ،وربما خالل دقائق معدودة ،استناداً يحرص دائماً على أن يُدلي ُ إلى نوعية المعلومات التي يبحث عنها القارئ .والقارئُ الف َِطن وعلوم ال غنى له ٍ ومعلومات ٍ بخبرات جديدةٍ ، ٍ دلوه في هذا المعين المتاح؛ ليتزود في كل يوم عنها في حياته .قال أح ُد العلماء كنا في الصغر نقرأ كل كتاب يقع بين أيدينا لمجرد القراءة، نقرأ ثم نقرأ ثم نقرأ… وقال أحد األساتذة الجامعيين كنت أقرأ في صباح كل يوم قبل أن أذهب إلى الجامعة سبعين صفحة ،ألذهب وقد تزودت بمعلومات وثقافة جديدة ( المقصود غير المقررات الجامعية التي يدرسّ ها لتالميذه )! نحن أمة «أقرأ « ومتهمة بأنها ال تقرأ !! وقد يكون ذلك صحيحاً إلى درجة كبيرة ،بشكل عام ! سألت طالباً في الجامعة :كم تُ َقدِّر عدد الكتب التي قرأتها خارج المناهج الدراسية؟ فأجاب :قرأت في حياتي كتاباً واحداً فقط !! تخيّلوا ،كيف يصل طالب إلى مستوى المرحلة الجامعية ،وال يكون للمطالعة نصيب ضمن اهتماماته أو نشاطاته الحياتية! إن ذلك بالتأكيد 100اجلوبة -خريف 1427
نتيجة ع��دم وج��ود أدن��ى اهتمام مبكر ل��دى أسرته أن ال يكون ذلك على حساب المقررات والواجبات بتعويده على المطالعة منذ الصغر ،فض ً ال عن دور المدرسية ،مع األخ��ذ بعين االعتبار األوق��ات التي المدرسة المهم في هذا المجال. ومن الحكمة أن نستدرك م��ا ف��ات��ن��ا ،ون��ب��دأ م��ن��ذ اآلن بتخصيص ج���زء م��ن وقتنا – الذي يضيع معظمه هدراً – ل��ل��م��ط��ال��ع��ة .وف���ي الوقت نفسه نبدأ بإكساب أبنائنا ع����ادة ال���ق���راءة م��ن��ذ نعومة أظ��ف��اره��م ،ون��ش��ج��ه��م علـى ذلك ونختار لهم ما يناسبهم م����ن ال��ك��ت��ي��ب��ات المالئمة ألع��م��اره��م وال��م��ف��ي��دة لهم، ون���ج���ري م��ن��اق��ش��ات داخل ال��ب��ي��ت ح���ول م���ا يطالعونه م��ن ك��ت��ب ،وي��م��ك��ن أن نقدم لهم هدايا وجوائز على كل ن��ش��اط ف���ي ه���ذا المجال. وستجد أنك بعد فترة ،ونظراً للحاجة الملّحة لتنمية عادة المطالعة ،ستقوم بتأسيس مكتبة صغيرة ف��ي البيت ،تضم مجموعة متنوعة ومفيدة من الكتب؛ لتكون في متناول جميع أفراد األسرة؛ فتترسخ مع األيام هذه العادة الحميدة ،ولكن ذلك بحاجة إلى الصبر والمثابرة.
تضيع ه��دراً في الجلوس أمام التلفاز في مشاهدة ب���رام���ج وم��س��ل��س�لات قليلة ال��ف��ائ��دة ،ب��ل ق��د ت��ك��ون غير ال عن عدم مالئمة لهم فض ً القدرة على التحكّم بها لكثرة الغث فيها ،وصعوبة أن نتوقع محتواها بشكل دق��ي��ق قبل مشاهدتها من قبل أطفالنا، فأحياناً تعرض برامج تحتوي م����ف����ردات وع���ن���اص���ر رديئة المستوى ،أو ذات مضامين غير مرغوبة اجتماعياً داخل األسر المحافظة. وتضطلع المدرسة بدور مهم في تنمية توجّ ه الطلبة ن��ح��و ال��م��ط��ال��ع��ة ،وذل����ك من خ��ل��ال ن���ش���اط���ات وب���رام���ج متنوعة؛ مثل إجراء مسابقات بين المطالعين ،وتخصيص ساعة أسبوعية ،أو يوماً في الشهر للمطالعة ،داخل المكتبة بإشراف معلم قدير ،وتشجيع الطالب على ق��راءة كتيب أو جزء معين من كتاب وتلخيصه أمام زمالئه في الفصل ،وإج���راء مناقشة قصيرة حول الموضوع بمشاركة المعلم ،ما يركّز وي��رسّ ��خ عادة
وال ب��د لكل أس��رة م��ن تعهّد أبنائها ،فتحفزهم القراءة عند األطفال منذ سنواتهم الدراسية االولى على المطالعة ،باستمرار ،دون أن تثقل عليهم ،وعلى ال��ت��ي يتعرفون فيها على ال��ك��ت��اب ،وي��ع��ت��ادون على
اجلوبة -خريف 101 1427
ممارسة القراءة .ويمكن في هذه المرحلة بسهولة،
كل م��رة؛ حتى يتمكن القارئ من اكتساب ثقافة
أن نجعلهم يدركون أن المطالعة ينبغي أن تكون من
في مختلف المعارف والعلوم ،إذ ال يخلو كتاب من
أه��م وسائل المعرفة والتثقيف ال��ذات��ي ،وأن ننمي
ص على تثقيف نفسه بالقراءة، فائدة .ومن حَ ��رِ َ
فيهم القناعة بضرورة أن تصبح جزءا من نشاطاتهم
أخذ من كل علم طَ رَفاً.
اليومية.
.5النصيحة الذهبية للقاريء أثناء المطالعة ،هي
إن القارئ يحقق ذاته كفاعل ال منفعل ،إذ أن له
«اق���رأ بأعين مفتوحة» ،وال تأخذ ك��ل م��ا تقرأه
دوراً يؤديه أثناء المطالعة ،ولكل قارئ قراءته الخاصة
كمسلّمات؛ فأحياناً تجد بعض المؤلفين يشتطون
به ،وتحليالته الذهنية أثناءها ،ولو طلبنا من عشرة
ويحيدون عن الصواب وخاصة في الكتب المؤلفة
أشخاص قراءة نص واحد لخرج كل منهم بانطباعات
من قبل كتّاب غير متخصصين أو ذوي مصالح
ومعاني وتأثيرات متباينة عن اآلخرين ،بتباين الدور
شخصية.
ال��ذي قام به كل منهم أثناء قراءته .فالقراءة عم ٌل .6استثمار أوقات الفراغ الطارئة ،بمطالعة ما ينفع ينطوي على ب��ذل جهد عقلي يستهلك م��ق��داراً من من الكتب. الطاقة بقدر الجهد المبذول فيها ،فيكون التحصي ُل
والتأ ّث ُر بقدر الجهد المبذول ،وبتأثير وتفاعل مع ما يختزنه العقل الباطن من معلومات سابقة تشكّل إطاراً مرجعياً لكل إنسان. نصائح مهمة في مسألة المطالعة: .1إعلم أنك إذا قرأت كتاباً فإنك تكون قد حصلت على خبرات سنوات طويلة لعقل مؤلف الكتاب بجهد قليل؛ فانظر كيف تستثمر تلك الخبرات في حياتك وتنمية معلوماتك ومهاراتك. .2إن مطالعة الكتاب تعد رحلة مهمة في المعارف والخبرات توفّر الجهد والمال.
.7ال��ت��ن��وي��ع ف��ي المطالعة لتوسيع دائ����رة الثقافة العامة. .8المناقشة م��ع أف����راد األس����رة ف��ي ال��ك��ت��ب التي يطالعونها. .9اعتماد الكتاب إحدى الهدايا التي يمكن تقديمها لألصدقاء ،لما يكتسبه الكتاب من فائدة وديمومة، بدالً من بعض الهدايا ذات القيمة األقل. وخالصة األمر أن نتعلم كيف نقرأ وماذا نقرأ ؟ كما ينبغي أن نولي أطفالنا االهتمام الالزم لكي يعتادوا القراءة منذ نعومة أظفارهم ،ونرعاهم باستمرار، ال للترسخ لديهم ملكة القراءة وحب المطالعة .فض ً
.3تحديد وق��ت (ساعة أو أكثر) في اليوم أو في عن تعليمهم كيف يقرأون وم��اذا ي��ق��رأون ،فالقراءة األسبوع للمطالعة. صنعة يجب أن نمارسها يوميا وهي شرط أساسي .4حسن اختيار الكتاب ،مع الحرص على التنوّع في من شروط الكتابة.
<
إعالمي sswaneh@yahoo.com
102اجلوبة -خريف 1427
أهمية التأسيس للمتحف التعليمي في الوطن العربي
> الدكتور :جميل بن موسى احلميد يعد المتحف التعليمي في كثير من دول العالم المتطور أحد أهم مصادر
التعليم والتثقيف للمواطنين .تقول )Green-Hill (1994أن مهمة المتحف هي إيجاد أفضل الطرق المناسبة والفعالة لتثقيف العامة .ويؤكد )Green (1998
أن األطفال في الفترة العمرية من 4إلى 12سنة ،ينبغي إشراكهم في برامج
تثقيفية تعدها المتاحف المختلفة؛ لما لها من دور كبير في تثقيف هؤالء الطلبة
وتعليمهم ،وإكسابهم خبرات ومهارات ،تفيدهم في حياتهم الدراسية وبعدها .إن
المتحف التعليمي يوفر بيئة علمية مناسبة ،من خالل برامج مدروسة تهدف إلى خبرات علمية عملية ،تعتمد على تفاعل الفرد مع برامج المتحف ٍ إكساب زواره
التعليمي بأكثر من حاسة ،وهو ما يجعل للتعلم بالمتحف خاصية تمتاز بالمتعة
والتشويق ،تختلف عن غيرها من البيئات التعليمية األخرى.
وال يختلف المتحف التعليمي هنا عن غيره من المتاحف ،من حيث سبب
الوجود .فهو المكان الذي يحتوي على األدوات والتحف والمقتنيات الصناعية والطبيعية ،التي أنتجها واستعملها اإلنسان عبر العصور؛ إضافة إلى أن القائمين
على المتاحف التعليمية يحرصون على إيجاد بيئات علمية وعملية تمكِّن الزوار،
وهم غالباً من األطفال وط�لاب المدارس ،من االحتكاك المباشر مع مختلف
ال تجد البيئات البحرية والبرية والغابات , الخبرات النظرية منها والعملية؛ فمث ً
وكذلك الفضاء والفنون والصناعة واأللعاب والخيال العلمي ،حيث يتاح للزائر
فرصة التعامل والعيش ،وتجريب هذه البيئات ،لدرجة أن الزائر يمكنه أن يعود بفكره وتأمله إل��ى الماضي مئات بل آالف السنين ،عندما يتجول بين هياكل
الديناصورات ،كما هو الحال في متحف كليفالند بوالية أوهايو بالواليات المتحدة
األمريكية ،حيث يشاهد الزائر عن ق��رب الحجم الطبيعي لهذة المخلوقات،
اجلوبة -خريف 103 1427
نحتاج إل��ى أن نؤسس لهذا النوع من المتاحف، والتي أثبتت الدراسات العلمية قيمة هذا النوع من المؤسسات المدنية كأحد مصادر التعلم .تؤكد جرين هيل )Green-Hill (1994أن األطفال ال بد أن
يُعطوا فرصاً للنمو واالكتشاف واكتساب الخبرات، وذلك عن طريق بعض األنشطة من خالل مصادر غير المدارس االعتيادية .إن التعلّم داخل أروقة المتحف له مزايا وخصوصيات تختلف عنه في المدارس؛ فهذا النوع من التعلّم ينتج تاثيراً يختلف عن تأثير التعلّم بالمدرسة ،وذل��ك نظراً لطبيعة العالقة بين الطالب والمكان ،وكذلك بينه وبين المرشد وأمين المتحف .ويثير التعليم داخل أروقة المتحف الخيال عند الطالب ،كما أنه يقوي ملكة المالحظة لالشياء من حولة ويثري الذكاء .كما أن التعليم داخل المتحف يشجع على تقدير الثقافات األخرى ،ويساعد على فهمها ،وكذلك فهم الحياة الطبيعية والفنون التشكيلية وتقديرهما. وف��ي ال��وق��ت ال��ح��اض��ر ،ي��رى كثير م��ن العلماء المختصين والمهتمين بالتعليم في المتاحف أن نتيجة التعلّم بالمتحف ت��أت��ي مختلفة عنها في المدارس االعتيادية ،وذلك لعدة أسباب منها: .1أن التعليم بالمتحف يرتكز على الموجودات بالمتحف من أعمال فنية أو تحف ومقتنيات. .2توفر هامش كبير من الحرية عند الطالب، وم��واط��ن��ه��ا الطبيعية ،وأس��ل��وب حياتها ،وأسباب الخ��ت��ي��ار م��ا يناسبة م��ن م��وض��وع��ات ،أث��ن��اء زيارة ان��ق��راض��ه��ا .ك��ل ه��ذة المعلومات ت��ع��رض بطريقة المتحف ال في مسلّية ومشوّقة ،تجعل للمعلومة أث��راً طوي ً
.3التعلم بالمتحف طوعي وليس جبرياً.
سلوك الزائر ،وكذلك في إكسابه خبرة مباشرة ،قد .4التعلم بالمتحف غير مرتبط بمنهج متسلسل، ال تتوافر في أي موقف تعليمي آخر. وال يترتب على هذا النوع من التعلم اختبارات. وفي المملكة العربية السعودية والوطن العربي، 104اجلوبة -خريف 1427
ل�لأس��ب��اب آن��ف��ة ال��ذك��ر ،يشجع
Gartenhaus
المختلفة ،وال��ت��ع��رف بشكل أكبر على منطقتهم، وتعلم سلوكيات جديدة في األماكن العامة ،وتعلم التاريخ وفهمه ،وتعلم مهارات في عرض األعمال الفنية المختلفة ،وممارسة بعض األشغال واألعمال اليدوية ،واستخدام العلوم ،والشعور بالمتعة والمرح أثناء الزيارات. وال يلغي المتحف التعليمي ،حسب هذا الطرح، ال ال وعام ً دور المدارس االعتيادية ولكنه يُعد مكم ً مساعداً على جعل التعليم في المملكة وأكثر فاعلية، إذ يتعرض الطالب خالل زيارة هذه المتاحف إلى خ��ب��رات م��ب��اش��رة م��ع م���وج���ودات ال��م��ت��ح��ف ،سواء باللمس أو الشم أو التذوق أو السمع أو اإلدراك البصري والذهني ،وه��ذا هو الفرق بين من سمع ومن رأى .فهذه دعوة لنبدأ عصراً تعليمياً جديداً )(1984المدرسين على اصطحاب طالبهم إلى من خالل التأسيس لمتاحف تعليمية في المملكة المتاحف واألم��اك��ن المشابهة لها ،المتوافرة في وفي وطننا العربي. مجتمعاتهم ال��م��ح��ل��ي��ة ،ح��ي��ث يمكنهم التدريس باستخدام األعمال الفنية والمقتنيات المختلفة ،ما يجعل للتعلم معنىً أكبر ،وقيم ًة أكثر. وخ��ل��ال ت��ج��رب��ت��ي ال��ش��خ��ص��ي��ة ف���ي أطروحتي للدكتوراه المعنونة" :األثر التربوي لزيارة الصفوف المدرسية لمتحف كينيدي للفنون" ،خلصت إلى أن هناك مجموعة مهارات وقدرات ،اكتسبها الطالب خالل زياراتهم الميدانية لذلك المتحف؛ بعضها يتعلق بالمهارات الذهنية والعملية ،وبعضها اآلخر يتعلق بالجانب النفسي والخبرات االجتماعية.
وم��ن نتائج تلك ال��دراس��ة ،اآلت��ي :تعلم مهارات جديدة ،في الكتابة ،والتعبير عن الذات ،ومهارات في القيادة ،والتعرف على بعض الثقافات والحضارات < رئيس قسم تكنولوجيا التعليم والتربية الفنية بكلية المعلمين بالجوف
اجلوبة -خريف 105 1427
رواية :وطن من زجاج > حازم إلياس
<
للروائية الجزائرية ياسمينة صالح المؤلفة : الدار العربية للعلوم بيروت. الن ــاش ــر : سنة النشر1427 :هـ (2006م). عندما قرأت ،قبل نحو عامين ،روايتها األولى «بحر الصمت» ،فوجئت كثيراً بتلك اللغة الغارقة في الشعر والثورة واإلدانة الصريحة ،وبذلك النَفَس األدبي الذي أدخلني ،مرة أخ��رى ،عالم األدب الجزائري الحديث المكتوب باللغة العربية .ياسمينة ص��ال��ح م��ن جيل االستقالل ،جيل «ال يعرف االعتذار» ،كما تقول على لسان بطلها السابق في رواية بحر الصمت؛ جيل يتيم ج��داً في وط��ن ينهار ويتكسر أم��ام أعين أبنائه ،كما تقول على لسان بطلها الثاني في روايتها الجديدة «وطن من زجاج».
ق���������راءات
ياسمينة صالح ال تعترف بالمقدمات أيضاً ،وتعد التاريخ قالباً جاهزاً للتزوير والتشويه ،إذ ليس هنالك حقيقة مجردة داخل تاريخ يكتبه أولئك الذين يزيفون ال��وط��ن أس��اس��اً ،ويضحكون على ال��ش��ع��وب ويقتلون أحالمهم بالجملة أو بالتقسيط .والتاريخ الذي يكتبه الشهداء ،ال يمكن قراءته خارج الشهادة التي يختارونها. بهذه التلميحات الثورية ،وبلغة شاعرية وثائرة ،تفتح لنا األديبة الروائية الجزائرية ياسمينة صالح باب الدخول إلى األدب الجزائري الراهن ،بنص :وطن من زجاج!
106اجلوبة -خريف 1427
لعل القارئ ،في المشرق العربي تحديداً التقى عبر االنترنت بنصوص متفرقة للكاتبة الجزائرية ياسمينة صالح ،وال أنكر شخصياً أنني توقفت كثيراً ذات مرة أما نصها ،ال��ذي احترت أين أضعه ضمن التصنيف األدبي ،فهو بين الشعر والنثر ،وهي التي أسمته «لوحة أدب��ي��ة» ،كي ال تتورط في الدخول إل��ى معارك أدبية مجانية .ولكن نصها «رسالة اعتذار إلى الرئيس بوش» كان لوحة أدبية مدهشة ،يعكس حالة الثورة والصراع الداخلي ،بين ما هو كائن وبين ما هو مفروض ،إذ إنها صرخة امرأة في واقع سلبي ومستسلم وانهزامي أيضاً. ك��ان ذل��ك النص األدب��ي نافذة دخولي إل��ى عوالم ياسمينة صالح األدب��ي��ة ،قبل أن أق��رأ رواي��ت��ه��ا بحر ال��ص��م��ت ،ال��ت��ي س��م��ع��ت أن��ه��ا ت��رج��م��ت إل���ى اللغتين الفرنسية واالسبانية. ما يجب التوقف عنده هو أن لياسمينة صالح حضور أدبي ملفت ومدهش ،وغير صاخب في الوقت نفسه. هي األديبة الجزائرية التي تعي أنها تكتب في وطن استثنائي ،في انكساراته منذ االستقالل السياسي إلى
يومنا هذا .وطن يأكل مبدعيه بكل األشكال ومع ذلك تصر على «لعنة الكتابة» ،وتعد أن البقاء داخل الوطن ج��زءاً من تلك اللعنة ،التي تشبه القدر والتي ال يمكن التخلص منها إال بالموت! لذلك تبدو عناوين ياسمينة ص��ال��ح م��رادف��ة لكل تلك التناقضات ال��ت��ي ت��ح��اول أن تطرحها أمامنا؛ فبحر الصمت ك��ان حالة ص��راع بين جيلين ،جيل الثورة وجيل االستقالل الجزائري .صراع نكتشف متعته في تفاصيل الرواية ،بحيث أننا ال نملك غير االنتباه إل��ى تلك اللعبة الخطيرة ،التي تمارسها أمامنا األديبة ،حين تعلن أن ال مكان لغير الوطن ،وأن الوطن سرقوه منا .فهي صورة تعكس اإلسقاطات التي تحرق أصابع الكاتبة وأنفاس القارئ معاً ،وتصر في كل رواي��ة على نص« :نحن أيتام هذا الزمن الكئيب» .إنه النص الذي تكرر في الكثير من النصوص التي كتبتها ال صورة جميلة وحزينة ياسمينة صالح .بحر الصمت مث ً لواقع الجزائر بعد االستقالل ،لصراع بين جيلين ،جيل الثورة وجيل االستقالل ،وبين حلم وسلطة قمعية ،ال تعترف سوى بالقوة واإلره��اب السياسي ،وديكتاتورية البقاء في السلطة ،على جثث البسطاء والفقراء .ولهذا ال أحد ينتصر في النهاية ،بل يتحّ ول المشهد إلى واقع بعينه ضمن خارطة مرادفة للجرح المزمن .هذه التراكيب ال��ت��راج��ي��دي��ة ف��ي ع��ال��م ال���رواي���ة ل���دى ياسمينة صالح نكتشفها ،بشكل مغاير اليوم ،في روايتها الجديدة« :وطن من زج��اج» الصادرة عن ال��دار العربية للعلوم ببيروت؛ فالعنوان يبدو مركباً :الوطن والزجاج .وألن الراهن يميل إلى االعتقاد أن العنوان واقعي إلى أبعد الحدود ،نجد أنفسنا ندخل إلى ذلك الوطن الزجاجي ،لنكتشف مالمح جيل آخر ،أكثر تعبا وفقداناً للهوية واألمان ،جيل تقول عنه ياسمينة صالح إنه جيل المجزرة والقتل اليومي، وس��رق��ة األح��ل�ام ،واإله��ان��ة ال��رس��م��ي��ة ،ال��ت��ي تمارسها الدولة ضد البسطاء والفقراء .فكيف نطلب من العالم أن يحترمنا حين ال يحترمنا حكامنا ،وحين ال يحترمنا جيراننا ،وحين ال نحترم أنفسنا أساساً؟! تقولها بلغتها المدهشة .إنها المقاربة الجميلة بين الواقع والموت؛
بين الخير وال��ش��ر ،أم��ام أعين ه��ذا الجيل ال��ذي تعده السلطة» غاشي» وه��و مصطلح يستعمله الجزائريون ليعنون به «قطيع األغنام» وألن الضغوطات الداخلية كبيرة ،ح��دث ال��ص��دام بين الحياة في قمة عريها من جهة ،ومن جهة أخرى ،بين الوطن في قضية سياسية معقدة ،يثيرها بطل الرواية ،وهو صحفي يعايش موت زمالئه وأصدقائه وكل أحبابه. ألول مرة تبدو الرواية بعيدة عن إدانة اإلسالميين، فياسمينة ال تتهم َم ْن يصفون أنفسهم ،باإلسالميين ،بل تذهب إلى حد إدان��ة السلطة نفسها ،بأنها تقف وراء ذل��ك الجحيم إلب��ادة ه��ذا الشعب تحت تسمية األرض المحروقة ،ألجل أال يكون ثمة من يطالب بحقوقه ،ومن يطلب بالمساواة على أرضه ،ولتذهب إيرادات البترول إلى القتلة الرسميين دون أن يحاسبهم أحد! فاإلرهابي في منظور ال��رواي��ة هو السلطة ،بكل ما تعنيه الكلمة من مؤسسات هشة ،ومن سياسة قمعية وديكتاتورية، تحاسب الفقير على بقائه حياً ،وتسعى إلى نشر الموت بين البسطاء! الرواية تطرح الكثير من األسئلة ،ولكنها ترد على بعضها ،وتعد الحرب على اإلرهاب حرباً على الفقراء، ألن أسباب اإلره��اب تظل قائمة ببقاء الفقر والجهل، والتسيب السياسي ال��ذي أس��س إيديولوجية «حاميها حراميها» ،كما تقول الروائية. هذه ق��راءة أولية لرواية غارقة في الحزن والدموع والرحيل والغياب واليتم ،الذي يجمع بين جيلين :جيل الثورة (عمي العربي) ،وجيل االستقالل (النذير) .رواية تفوح منها رائحة الوطن المغتال ،ونزيف الجرح الجزائري ط���وال س��ن��وات ال��م��وت ال��م��ج��ان��ي .إن��ه��ا رواي���ة تستحق التوقف أكثر ،وتستحق القراءة من جديد؛ ألنها ترسم بأنامل كاتبة جزائرية مرحلة سوداء من مراحل الجزائر الحديثة ،وألنها وهذا هو األهم تؤكد أن ياسمينة صالح روائية مبدعة ،بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
< طبيب عيون ومثقف سوري مقيم في باريس.
اجلوبة -خريف 107 1427
تخطيط املدينة املنورة في
العهد النبوي واخلالفة الراشدة
دراسة حضارية في ضوء املصادر التاريخية
المؤلفة :حصة بنت عبيد بن صويان الشمري تلقت تعليمها االبتدائي والمتوسط والثانوي بالجوف. أستاذ مساعد في قسم التاريخ والحضارة بكلية التربية للبنات/األقسام األدبية-الرياض.الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية. 1427هـ (2006م). سنة النشر : يناقش الكتاب الموضوعات المتعلقة بتخطيط المدينة المنورة في العهد النبوي ،منذ هجرة النبي [ إل��ى المدينة ال��م��ن��ورة ،وال��ب��دء ببناء المسجد النبوي ،والحجرات الشريفة ،وعالقاتها بالمسجد، وخطط األنصار ،والمهاجرين. اس��ت��ع��رض��ت ال��م��ؤل��ف��ة ن��م��و ال��م��دي��ن��ة المنورة وت��ط��وره��ا ف��ي عهد الخلفاء ال��راش��دي��ن رض��ي الله عنهم؛ وتناولت بالدراسة مرافق المدينة المنورة العمرانية :كالمنازل ،ومساجد الخطط ،والطرقات واألزقة ،والمرافق العامة بأنواعها المتعددة. كما استعرضت أث��ر تخطيط المدينة المنورة على المدن اإلسالمية المبكرة ،كالبصرة ،والكوفة، والفسطاط ،والقيروان ،و واسط.
أهمية الدراسـة
1الكشف عن التغيير الجذري ,الذي أحدثه النبي [في تخطيط المدينة المنـورة ,بعد هجرته إليهـا. 2بيان ابرز مالمح الحجرات الشريفة ،و توضيحعالقتها بالمسجد النبوي. 3معرفة الطريقة ،التي اتبعهـا النبي [ في تنظيمخطط األنصار والمهاجرين. 4الكشف عن التطور العمراني ،الذي حدث للمدينةالمنورة خالل عهد الخلفاء الراشدين. 5التعرف على أنواع المرافق العمرانية الموجودةف���ي ال��م��دي��ن��ة ال���م���ن���ورة ،خ�ل�ال ال��ع��ه��د النبوي والخالفة الراشدة. 6إب��راز أصالة تخطيط المدينة المنورة ,ومدىتأثيره على تخطيط المدن اإلسالمية األولـى التي نشأت بعدها.
تنبع أهمية هذه الدارسة من سعيها إلى توضيح كما ض��م الكتاب تعريفات بأهم المصطلحات األمور ،التي واكبت الفترة التالية لهجرة النبي [ ال���واردة فيه ،إضافة إل��ى ملحق للخرائط والرسوم إلى المدينة ،ومن بينها اآلتي: التوضيحية. 108اجلوبة -خريف 1427
اقتصاديات التعليم: استثمار في أمة
المؤلف :الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد. (عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران -سابقا -وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير حالياً). الناشر :دار مصر للطباعة.
والجامعات تُخَ ِّر ُج بشراً يحملون الشهادات، ولكنهم لن يكونوا قادرين على اإلسهام في تنمية مجتمعاتهم ،والخسارة هنا ال تقتصر على األموال التي صرفت على هؤالء الناس أثناء دراستهم ،وإنما تتجاوز ذلك إلى اآلثار السلبية التي تنعكس على المجتمع من جراء دخول عناصر غير منتجة إلى ميادين العمل المختلفة .
يُ��عِ �� ُّد االق��ت��ص��ادي��ون اإلن��ف��اق على التعليم استثماراً ف��ي رأس ال��م��ال ال��ب��ش��ري ،ويفوق ال���ع���ائ���د م��ن��ه ال���ع���ائ���د م���ن االس���ت���ث���م���ار في المشروعات الصناعية واإلنتاجية عموماً، إال إن المشكلة تتمثل ف��ي أن ال��ع��ائ��د من االستثمار في رأس المال البشري ال يتحقق – في الغالب – إال في المدى الطويل ،األمر ال��ذي ي��ؤدي ،في بعض األحيان ،إلى تأجيل ال��ت��وسّ ��ع ف��ي اإلن���ف���اق ع��ل��ى ال��ت��ع��ل��ي��م بسبب وقد يؤدي النقص في الموارد المخصصة االحتياجات االجتماعية الملحّ ة ،التي يصعب للتعليم ،إل���ى اإلخ��ل�ال ب��ال��ش��روط الواجب على الحكومات تأجيلها. توافرها في العملية التعليمية والتربوية . يؤكد المؤلف أن االستثمار في اإلنسان وبعكس االستثمار في اآلالت والمعدات، يختلف عن االستثمار في اآلالت والمعدات؛ التي يكون عمرها اإلنتاجي م��ح��دوداً ،فإن فاإلنسان ليس آلة ،يتم التخلص منها إذا ثبتت خ��ري��ج��ي ال��م��ؤس��س��ات التعليمية يستمرون أنها غير منتجة أو غير صالحة لالستخدام .ف��ي عملهم م��دى ال��ع��م��ر؛ فينعكس أداؤهم واإلنسان ليس محايداً كاآللة ،فهو يملك الضعيف على المجتمع كله ،حينما يعجز فكراً ومشاعر ،وعندما تُرتكب األخطاء في النظام التعليمي عن تقديم النوعيّة والكميّة، االستثمار التعليمي؛ فإن المدارس والمعاهد المالئمتين من التعليم للطلبة .
اجلوبة -خريف 109 1427
املنقول واملعقول
في التفسير الكبير لفخر الدين الرازي
المؤلف :د .عارف بن مفضي المسعر. -مدير عام التعليم بمنطقة الجوف سابقا.
الناشر :مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية.
يقول المؤلف ف��ي مقدمة كتابه «المنقول وال��م��ع��ق��ول ف��ي التفسير الكبير لفخر الدين الرازي» :إن االهتمام بفكر الرازي يأتي بوصفه ص��اح��ب م��درس��ة توفيقية ف��ي التفسير ،وهو ما يعني االهتمام بشأن األم��ة اإلسالمية في حاضرها وبمحاوالتها الجادة للتقدم على طريق الخير ،وهو شأن تحتاج معه األمة الى اجتماع الكلمة ووضوح الرؤية أكثر من أي وقت مضى.
وي��رى الباحث أن مشكلة العالم اإلسالمي المعاصرة تتمثل في جمعه بين الجانب النقلي الذي يمثل التراث اإلسالمي بأصالته وعمقه وقيمته التاريخية و الروحية ،وبين االتجاه العقلي المتمثل في التيارات العلمية الثقافية الغربية، حيث تبدو مالمح القضية الحديثة بارزة على شكل ح��وارات بين األصالة والمعاصرة ،وتلك هي قضية المسلم المعاصر ،مؤكداً أن قضايا اليوم في جوهرها شبيهة بعصر ال��رازي حين هب للم شتات األفكار المتناقضة. قسّ م الكتاب ال��ذي جاء في 589صفحة
110اجلوبة -خريف 1427
ال��ى ثالثة أب���واب رئيسية مقسمة ال��ى عدة فصول لكل باب ،تحدث في الباب األول عن شخصية فخر ال��دي��ن ال����رازي وم��وق��ع��ة بين المفسرين متحدثا عن حياته وعصره وكتبه وأث���اره ،تحدث فيه أيضا ع��ن التفسير في القرن السادس الهجري. وت��ح��دث ف��ي ال��ب��اب ال��ث��ان��ي ع��ن االتجاه النقلي في تفسير الرازي ،وقسمه الى فصول تحدث فيها عن المنقول من الحديث النبوي وكالم الصحابة والتابعين ،وعن المنقول من الشعر الجاهلي واألمثال والحكم والمنقول من غير التراث اإلسالمي .وفي الباب الثالث تحدث الباحث عن االتجاه العقلي في تفسير الرازي ،وقسمه الى عدة فصول تحدث فيها عن أهمية التأويل وقانونه الكلي ،وعن مدى اعتماده على العقل في تفسيره ومنهجه في ذل��ك ،وعن قيمة العقل ،وعن ح��دود العقل، وعن واقعيته وتحفظه ،اضافة الى الخاتمة وقائمة بالمراجع والكشافات.
بحوث في آثار منطقة اجلوف
المؤلف :الدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل. (عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود) . الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية .
يعد البحث في تاريخ الجزيرة العربية وآثارها المليون عام ،والمواقع األثرية العربية ،التي مجاالً خصباً ،وجديداً فهو ما يزال في مراحله تعود لفترات تاريخية مختلفة تعكس تسلسل األولى .كما أن معلوماتنا المتوافرة عن التاريخ التاريخ الحضاري العام في الجزيرة العربية. القديم واإلسالمي المبكر ،يشوبها كثير من النقص؛ نتيجة قلة اهتمام العرب في عصر ما يشمل هذا الكتاب خمس دراس��ات :األولى قبل اإلسالم بالتدوين التاريخي ،إضافة إلى تناولت االستيطان ف��ي ال��ج��وف منذ أقدم أن ما ورد في المصادر التاريخية اإلسالمية العصور ،وتناولت الدراسة الثانية المواقع غير دقيق وناقص ويعتمد على مراجع غير األث���ري���ة ب���ال���ج���وف ،وركّ������زت ع��ل��ى تحديد عربية؛ لذا فإن كتابة التاريخ القديم للجزيرة الفترات التاريخية المختلفة؛ أما الدراسة العربية لن تتأتى إال من بوابة اآلث��ار ،التي الثالثة فكانت عن وادي السرحان في ضوء تعد المصدر الوحيد لهذه المرحلة المهمة اإلكتشافات األث��ري��ة ،مع مسح ع��ام للوادي من تاريخ الجزيرة العربية. وف��ت��رات��ه ال��ت��اري��خ��ي��ة؛ وع��ال��ج��ت الدراسة وسوف يضيف البحث في آثار منطقة الجوف معلومات ج��دي��دة إل��ى السجل ال��ع��ام لتاريخ الجزيرة .لقد أسهمت الجوف إسهاماً كبيراً في تاريخ التحضر في الجزيرة العربية ،بل إن تاريخ الجوف الذي يمتد ألكثر من مليون وربع
الرابعة اآلثار اإلسالمية بالجوف؛ والدراسة الخامسة جاءت عن مسجد عمر بن الخطاب بدومة الجندل ،وهي أول دراسة تنشر باللغة ال��ع��رب��ي��ة ع��ن المسجد وع��م��ارت��ه وأهميته األثرية.
اجلوبة -خريف 111 1427
قراءة في
الساحة التشكيلية مبنطقة اجلوف > مؤيد منيف
<
ت��ش��ك��ي��ل
ف����ي ن���ظ���رة م��ت��ف��ح��ص��ة ع���ل���ى مشهد الساحة التشكيلية بمنطقة الجوف ،خالل العشر سنوات الماضية ،يأخذنا التساؤل عن األسباب التي رسمت الهوّة بين تلك ال��س��اح��ة وب��ي��ن ن��ظ��ي��رات��ه��ا ف���ي المناطق األخ����رى ،وه��ي وإن ك��ان��ت ام���ت���داداً لواقع ال��س��اح��ة التشكيلية بالمملكة م��ن حيث غياب المتلقي ،وقلة وعيه في أهمية هذا الركن من أركان الحالة الثقافية ألي بلد أو منطقة ،إال أن ثمة عوامل من أهمها غياب الداعم الرئيسي ،سواء من القطاع الخاص أو غ��ي��ره لرعاية ال��م��ع��ارض والمسابقات والملتقيات التشكيلية ،ال��ت��ي ك��ان��ت تقام برعاية جهات حكومية على هامش فعاليات ثقافية ،أو برامج أخ��رى ،أو بجهود ذاتية من الفنانين أنفسهم .إضافة إلى ذلك ،قد يكون من الجهات ذات العالقة ال عن عدم كجمعية الثقافة والفنون ،مثالً ،دور في عدم تبني تلك الفعاليات ،فض ً وجود فرع لها في المنطقة .وعلى الرغم من ذلك إال أنه ظهرت أسماء لفنانين من المنطقة أسهمت في دفع عجلة تلك الحركة التشكيلية ،وكان لها دور ملموس في ذاك الحراك الثقافي الخجول. وبالوقوف على تجارب ه��ؤالء الفنانين ،نجد أن هناك تنوعاً في األساليب ال الفنان والكاتب والمدارس الفنية والقضايا في األعمال التي طرحت؛ فنجد مث ً
112اجلوبة -خريف 1427
والقاص عبدالرحمن الدرعان ،وبتجريديته الغائبة الحاضرة ق��دّم أعماالً ناضجة ،بألوانها الصريحة المباشرة والتي كان اإلنسان -وبكل أبعاده اإلنسانية هو محورها األساسي .على الرغم من ابتعاد الفنانعن الساحة التشكيلية منذ حين. أما الفنان نصير السمارة ،فقد تناول في أعماله تراث منطقة الجوف وآثارها ،بواقعية بسيطة ورتم ب��ط��يء ،عكسا تلقائية ال��م��ك��ان وج��م��ال��ي��ات��ه ومدى إنعكاسه وتأثيره على الفنان. وإلى المدرسة ذاتها تنتمي أعمال الفنان سلمان الغنام .وبتصويرية رسمت طبيعة الصحراء بالجوف وآثارها ،ساعد ذلك اهتمام الفنان بتفاصيل الحالة، لتصل إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور. وبموتيفاته ذات ال��ط��اب��ع ال��ش��رق��ي ،يطل علينا الفنان معجب حواس ،حيناً ،وبطبيعته الصامتة حيناً آخر ،ليسبغ على المكان روح الصمت ،عند لقاء تلك اللحظة بأبجديات جميلة. أما الفنان نواف الربيع فقد قدّم تجربته الفنية بسورياليته المعهودة ،وشخوصه ،المتواجدة دائماً، الضوئي ،ثَ َّبتَت نفسها بقوة في هذا المجال ،وشكّلت في أغلب أعماله ،التي شكلت المرأة فيها أهم تلك دع��ام�� ًة أس��اس��ي��ة ،ال تقل ع��ن غيرها ف��ي النهوض العناصر ،تاركاً المجال أمام المشاهد ليغوص في بالحركة الثقافية بالمنطقة؛ فالفنان الفوتغرافي عواد جدلية تلك األل��وان الحارّة ،والراسمة لعالمات من فالح ،جلب زه��وره البرية -في أعماله – وقدّ مها اإلستفهام! للمتلقي؛ فهو دائماً يأخذنا في رحالت استكشافية وعندما نتناول تجربة الفنان ج�لال الخيرالله؛ ماتعة ،في صحراء منطقة الجوف يقطف لنا بعضاً فال بد أن نشير لذلك التنويع في التجربة بين فنه من زهور (شقائق النعمان) ،ونبات (القيصوم). التشكيلي وبين فن الكاريكاتير المثير للجدل ،الذي دائماً ما يأخذه من عوالمه التشكيلية ،التي يغلب أم��ا الفنان محمد غصاب ،فغالباً ما تستوقف عليها اإلطار السوريالي . عدستُه المبدعة المشاه َد ألعماله ،حينما يوقفنا وإضافة إلى ذلك ،وعلى جانب آخر من الساحة ف��ي لحظة ،على معاني إنسانية مكلوبة ،ورغيف خبز داخل بيوت قديمه ،خرج التاريخ منها ،فأعادنا ٍ التشكيلية بالمنطقة ،برزت أسماء مبدعة في التصوير
اجلوبة -خريف 113 1427
وب�����اس�����ت�����ع�����راض تلك ال��ت��ج��ارب ،يتبقى لنا القول ب���ض���رورة زي����ادة اإلحتكاك ب��ت��ج��ارب ال��ف��ن��ان��ي��ن ،وفتح ق��ن��وات اإلت��ص��ال م��ع اآلخر بشكل أكثر فاعلية ،مما هو عليه اآلن؛ وذل��ك من خالل ال��م��ش��ارك��ة ف��ي المعارض، وال���م���ن���اس���ب���ات الثقافية، وال��م��س��اب��ق��ات ال��ف��ن��ي��ة في سواء في داخل المملكة ،أو الفنان إليها. خارجها؛ لنقف على محك التجربة والتقييم ،ولزيادة وترك الفنان أحمد مبرد انطباعات جميلة لدى ال��وع��ي ب��األس��ال��ي��ب األخ����رى ،واإلف����ادة م��ن األقالم جمهور اللقطة التصويرية ،مستخدماً جميع أدواته النقدية ،بما يعود بالنفع على الحركة التشكيلية ال��ب��ص��ري��ة ،وح��س��ه ال��ف��ن��ي ع��ل��ى ال��رغ��م م��ن حداثة والثقافية. التجربة.
< مؤيد منيف :فنان تشكيلي
114اجلوبة -خريف 1427
رس���ال���ة ال����ى احمل���رر
األستاذ رئيس التحرير تحية طيبة من هنا ،من باريس في البداية أشكركم جزيل الشكر على تلبية طلبي برسالتي لكم بموافاتي بالعدد 14من مجلتنا الغراء الجوبة ،وأعبر لكم عن مدى إعجابي بموادها انصب اهتمامي وجذلي على مادتين ّ التي قرأتها من دون توقّف .وقد ْ أمدتاني بما سماه السيميولوجي الفنسي الراحل «روالن عاودت قراءتهما؛ إذ ّ بارث» بـ «متعة النص» ،تلك المتعة التي كثيرًا ما تغيب عن نصوصنا الراهنة؛ أقصد بالمادتين حواركم الشيق مع علم من أعالم الشعر العربي والسعودي :الشاعرة الدكتورة فوزية أبو خالد ،أطال اهلل عمرها ،حتى تتحفنا وتمتعنا بدفق الشعر وعذوبته ..والمادة الثانية كانت أيضاً ،بالنسبة لي ،سبب ًا لسعادة غامرة ،وهي مادة الدكتور عوض البادي عن أهمية كتابة الرحالة األوروبيين لتاريخ منطقة الجوف المحلي ،وهو رصد شامل :أنثروبولوجي، وسوسيولوجي ،وتاريخي ،وأدبي ،لمنطقة ال يعرفها العرب... قرأت موادًا جميلة ومغرية ،وهذا هو الهدف الحقيقي من ُ المهم إصدار المجالت ..كما أن شوقي بدا كبيرًا لالطالع على منشورات مؤسسة عبدالرحمن السديري ،وعلى األخص منها :كتاب :دومة الجندل ،وكتاب: ظهور الخطوط الحديدية في المشرق العربي ،اللذان أتصور أنهما في غاية األهمية والرصانة ،وأتمنى إرشادي لكيفية الحصول عليهما لقراءتهما كي ال «أموت غبياً» ،كما يقول المثل الفرنسي.. األستاذ الفاضل ،أعاود شكركم وأتمنى لكم كل الصحة والعافية وقمة النجاح واالستمرارية بعون اهلل. محمد المزديوي/باريس
اجلوبة -خريف 115 1427
اجلـــوبــة في الصحـافة الجوبة تستحوذ على اهتمام عدد من المطبوعات المحلية والعربية ومواقع االنترنت الثقافية استحوذت الجوبة على اهتمام ع��دد م��ن المطبوعات
ال��م��ح��ل��ي��ة و ال��ع��رب��ي��ة ،ب��ع��د ص����دور ال��ع��دد 14ف��ي شكله
الجديد.
وتابعت تلك المطبوعات صدور المجلة باالهتمام
والعرض لمواد المجلة مع صورة لغالف المجلة ،مثمنة
دور مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية في خدمة
الثقافة والعلم في المملكة.
وفيما يلي أهم المطبوعات التي نشرت تقارير عن
صدور العدد الرابع عشر من الجوبة: جريدة الجزيرة
جريدة التواصل المغربية
جريدة الرياض
جريدة القدس العربي – لندن
جريدة عكاظ
منبر الحوار واإلبداع
جريدة المدينة
جريدة إيالف االلكترونية
جريدة الوطن
موقع جهة الشعر – قاسم حداد
جريدة اليوم
ديوان العرب
جريدة الحياة
نسيج االخبارية
جريدة المستقبل اللبنانية
مفكرة االسالم
جريدة الخليج اإلماراتية
محيط االخبارية
جريدة الدستور األردنية
عرب ستان
116اجلوبة -خريف 1427