من �إ�صدارات م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية
اجلـوبــة
حوار مع د .فوزية أبو خالد عن جتربتها الشعرية
أهمية كتابات الرحالة األوروبيني لتاريخ منطقة اجلوف
جتربة الشبيلي في كتابة الترجمة والسيرة
قصص لعبدالرحمن
الدرعان وبدرية البشر هاشم اجلحدلي في غزل شمالي
املؤسسة تستضيف علماء عرب وأجانب في ندوة املدينة في الوطن العربي
14
اجلـوبــة
مبنى دار اجلوف للعلوم
تكوين �صخري من منطقة اجلوف يقع �شمايل مدينة �سكاكا
�سجادة من �صنع ن�ساء منطقة اجلوف :وكانت �صناعة ال�سجاد �إحدى �أهم ال�صناعات وامل�شغوالت اليدوية التي كانت تبدعها ن�ساء املنطقة
اجلوبة -صفر 1427
1
العدد 14 محرم 1427هـ -يناير 2006م
ملف ثقافي نصف سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
رئيس التحرير إبراهيم الحميد المراسالت توجه باسم رئيس التحرير ّ
هاتف)966+( )4( 6245992 : فاكس)966+( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@yahoo.com ردمد ISSN 1319 - 2566
قواعد النشر
-1أن تكون المادة أصيلة. -2لم يسبق نشرها. -3تراعي الجدية والموضوعية. -4تخضع المواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. -5ترتيب المواد في العدد يخضع العتبارات فنية. -6ترحب الجوبة بإسهامات المبدعين والباحثين والكتّاب ،على أن تكون المادة باللغة العربية.
الناش ـ ـ ـ ــر مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وكذلك أنشأت جامع الرحمانية. 2
اجلوبة -صفر 1427
ندوة المدينة العربية
احملتويــــات
االفتتاحية 4.................................................... ندوة :المدينة في الوطن العربي 6.............................. دراسات :كتابات الرحالة لتاريخ الجوف -د .عوض البادي 18....
>6......................... الشاعرة فوزية أبو خالد
قصائد :حاالت األثر -هاشم الجحدلي30......................... قتامة الثالثين -عيد الخميسي33............................... نُبلِّل أقدامَنا ...بالحديث -علي الحازمي34..................... تصو ْر -طارق ناصر35........................................... هجرات القبائل العربية -إبراهيم خليف السطام 36........... نوافذ :أدب الخيال العلمي العربي -د .أسد محمد38.............
تنمية التفكير عند األطفال -محمد صوانه42.............
>50...................... أنفلونزا الطيور
نزارية تحرض على الحب -فارس الروضان44.................. وقفات -عمر محفوظ 46........................................ بين حب العمل وواقعه -عقال الفهيقي 48.......................
علوم :أمراض ناتجة عن ملوثات المنزل -د .بشير جرار65.. األهمية االقتصادية للبحث العلمي -د .محمد القحطاني 68...
شخصيات :مع الشاعر طاهر زمخشري -فهد الكريع72..... تشكيل :طه صبان وإستحضار األماكن -مؤيد منيف 74.....
>60...................... تشكيل
قصص :المكنسة السحرية -بدرية البشر76.................. شمس مبكرة -عبدالرحمن الدرعان81.......................... حياة على جرف -عواض العصيمي84..........................
شهادات :تجربتي في كتابة السيرة -د .عبدالرحمن الشبيلي 86... قراءات96.......................................................
لوحة الغالف:
>73......................
للفنان التشكيلي :مؤيد منيف الغنام من سكاكا -الجوف. اسم العمل :خروج. المقاس150*70 :سم. الخامة :زيت +معاجين على قماش. اجلوبة -صفر 1427
3
اإلفتتاحية > رئيس التحرير
حينما تقرر استئناف صدور مجلة الجوبة ،بدأت األفكار تترى لتشكيلها من جديد ،فبأي صورة ستكون؟ وإلى أي المدارس تنتمي؟ وهل ستحافظ على خطها الرصين ،الذي درجت عليه أيام صدورها؟ ..كانت األفكار تتقافز في أذهاننا حتى استطعنا اصطيادها وترويضها ،لتكون بالشكل الذي بين أيدي القراء اآلن .
ا فتتا حيــــة 4
كنا ن��ود ال�خ��روج من رتابة المجالت التي تمتليء بها أرف��ف المكتبات ال أو منافساً ألحد؛ ولكن والمتاجر اليوم .ال ندعي أننا نقدم أنفسنا بدي ً لنصل إل��ى إص��دار ثقافي يواصل مسيرة الجوبة ويعززها ،وكلنا ثقة في مشاركة ش��رائ��ح ثقافية كبيرة ال �ي��وم ،ف��ي تشكيل مستقبل ه��ذه المجلة، وإثرائها من خالل متابعتها أو الكتابة فيها ..ولذا كانت خطة التحرير أن تكون المجلة مجلة ثقافية ال تتجزأ ..تتسع لتشمل كافة اإلبداعات اإلنسانية، حتى وإن لم تكن على القدر نفسه من التوازن على صفحاتها؛ إال أننا نؤكد أننا سنحرص في كل مرة على أن نحقق ما يلبي حاجتنا جميعا إلى الثقافة والمعرفة واإلبداع .والمجلة تراهن على مستقبل الثقافة بالمملكة العربية السعودية والمنطقة التي تصدر منها؛ وال سيما أنها تطلع من رحم مؤسسة بشكل ٍ عبد الرحمن السديري الخيرية ،التي ما فتئت تعنى بالبعد الثقافي قلَّ نظيرُة .وإن صدور هذه المجلة من منطقة الجوف يعني إضافة مساح ًة ثقافية جديدة تتسع ألبناء الوطن بكل جهاته. لذا ،فإن أمنياتنا في هيئة تحرير المجلة أن تكون منبراً ،تتواصل من خالله أطياف ع��دي��دة ،من مثقفي الوطن ومبدعيه؛ لتلتقي على ضفاف الجوبة ،فكراً ورؤىً تحم ُل ه َّم اإلبداع وه َّم الفكر وه َّم الوطن في ٍأن معاً..
اجلوبة -صفر 1427
رحاب المؤسسة بدار الجوف للعلوم ،كما يحفل العدد بباقة من المواد الثقافية واإلبداعية ،التي نرجو أن تؤكد اتساع صفحات الجوبة ،بقدر سعة أف��ق سماء الوطن ،التي ستبقى تظللنا بدفئها وحنانها؛ لتشمل كل المبدعين والموهوبين.
سنسعى ب�ك��ل ط��اق��ات�ن��ا ،ل�ل��وص��ول إل��ى كافة المبدعين والموهوبين والمهتمين ،وال��ى جميع جسور من التواصل ٍ محبي الثقافة واإلبداع؛ لمد معهم ،وخلق حوار فكري وثقافي ،من خالل كافة اإلبداعات التي ستسعى الجوبة إلى احتضانها ونشرها؛ لتترسّ خ ثقافة ال�ح��وار ف��ي مجتمعنا وق��د حرصنا على وج��ود ع��دد م��ن األسماء الغالي؛ ولتكون الجوبة واحدة من أوعية النشر ،الثقافية واإلبداعية الرائدة ..فال تبخلوا علينا التي تسهم في نشر الثقافة وتعزيزها ورعاية ب��إب��داع��ات�ك��م وم�ش��ارك��ات�ك��م ،ون �ح��ن م��ن جهتنا، اإلبداع األدبي. سنحاول ق��در استطاعتنا ال��وص��ول إليكم في أث �ن��اء إع ��داد م��واد ال �ع��دد ،وج��دن��ا أن كثيراً كل مكان ،لعلنا نخرج في كل عدد وقد حققنا من القضايا ،التي تحفل بها الساحة الثقافية َق�� � � ْد َراً ،م�م��ا ي�ط�م��ح إل �ي��ه ك�ث�ي��ر م��ن المبدعين وال �ف �ك��ري��ة ف��ي ب�ل�ادن ��ا ،ج��دي��رة ب ��أن تخصص والمثقفين والناشئين ،الذين نأمل أن يعيشوا لها م�ج�لات ومطبوعات ج��ل صفحاتها ،بدءاً معنا هذه التجربة ،التي تطمح أن تزدان بقرائها م��ن ال�ح��وار الفكري ،وانتهاء باألندية األدبية ،ومبدعيها. وال�ق��رارات الجديدة التي حركت سكونها الذي إن إص��دار مجلة ثقافية اليوم ،ليس ترفاً.. استمر زم�ن�اً .وم��ن حسن الحظ أو الطالع أن وإنما هو محاولة لخلق مزيد من التوازن في بحر واقعنا الثقافي ،غنيٌ بالقضايا والهواجس والرؤى أصبح يعج بكافة األلوان ،التي تتطلب من كل ذي والتطلعات ،ليس بما يكفي فقط ،بل لدرجة أننا رأي أن يكون له دور في نشر الذائقة الثقافية وجدنا أنفسنا حيالها على حافة الحيرة :من أيها ق��ارئ�اً وكاتباً ،والتي تحاول أن تسد حاجة كل نبدأ وأي الضفاف نختار ؟! العطشى إلى الثقافة الجادة.. وعلى الرغم من أهمية طرق هذه القضايا، إال أن مساحة الصفحات التي ازدحمت بالمواد، والتزامنا بالصدور جعلتنا نؤثر أن يأتي العدد ال معه بعضاً من شهد اإلبداع؛ على سجيته ،حام ً ولنغذ السير قدماً لنلتقي على ضفاف الجوبة ف��ي أع��داده��ا ال�ق��ادم��ة لمتابعة رس��ال��ة الجوبة الطموحة.
ال بتغطية جاء عدد الجوبة الرابع عشر حاف ً الندوة العلمية المهمة التي نظمتها مجلة أدوماتو (ال�ش�ق�ي�ق��ة األخ� ��رى ال �ت��ي ت �ص��در ع��ن مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية) ،التي عقدت في
إننا ونحن نشهد والدة الجوبة ،من جديد ،وإذا كانت المجلة لظروف ما قد توقفت لسنوات؛ فإننا في المقابل نشهد ثرا ًء في النشاطات التي دأب��ت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية على رعايتها ،خالل فترة توقف الجوبة ...فهل ال ل��والدة الجوبة في ثوبها تأخر المخاض طوي ً الجديد؟ ربما نتفق مع من يقول بذلك؛ بيد أن طموحنا الكبير ،في الوفاء لمتطلبات المرحلة، التي نعيشها في وطننا ،ال يبرر تأخرنا وحسب، بل يدعو إليه في سبيل انتظار مشروع يتناغم مع معطيات هذه المرحلة. اجلوبة -صفر 1427
5
برعاية أمير منطقة اجلوف:
مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية تستضيف أكبر حشد من علماء اآلثار العرب واألجانب في ندوة أدوماتو:
«املدينة في الوطن العربي في ضوء
االكتشافات األثارية :النشأة والتطور» > كتب :محمد صوانه شهدت دار الجوف للعلوم بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية عقد ندوة علمية عالمية بعنوان" :المدينة في الوطن العربي في ضوء االكتشافات األثرية: النشأة والتطور" ،وذلك خالل الفترة 5-3ذو القعدة 1426هـ ،الموافق 7-5ديسمبر 2005م ،نظمتها مجلة أدوماتو التي تصدر عن المؤسسة ،وش��ارك فيها باحثون وعلماء آثار يمثلون جامعات عالمية ومؤسسات أكاديمية تحظى بسمعة طيبة في مجال البحث العلمي والدراسات اآلثارية من دول أوروبية وآسيوية وعربية ،إضافة إلى باحثين ومتخصصين من المملكة.
ندوة أدوماتــو
ندوة 6
وقد رعى حفل افتتاح الندوة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الجوف األمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز .وألقى كلمة االفتتاح األستاذ فيصل بن عبدالرحمن السديري ،رئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،رحب فيها بالمشاركين ،وأشار فيها إلى أن هذا الملتقى العلمي يأتي انسجاماً مع أهداف المؤسسة ف��ي اإلس �ه��ام دع��م الحركة الثقافية ف��ي منطقة ال �ج��وف ،واالهتمام بالدراسات والبحوث العلمية ،انطالقاً من أهداف المؤسسة المنصوص عليها في النظام األساسي التي تدعو إلى اإلسهام في نشر وتشجيع الحركة العلمية والثقافية واستنهاض همم المبدعين والباحثين .وأكد أن إصدار مجلة أدوماتو جاءت تحقيقاً ألهداف المؤسسة التي ينص نظامها األساسي على اإلهتمام بآثار المنطقة ،وجاء تسمية المجلة أدوماتو ،من اإلسم القديم لدومة الجندل ،إحدى المواقع األثرية أدوماتــو المهمة في منطقة الجوف والمملكة بشكل عام ،وقد صدر من المجلة ،حتى تاريخ
اجلوبة -صفر 1427
انعقاد هذه الندوة ،اثنا عشر عدداً أسهمت في إرساء التواصل العلمي في مجال اآلثار بين الباحثين العرب واألجانب ،وأصبحت المجلة من أوعية النشر المهمة على مستوى العالم.
علوم اآلثار من مختلف دول العالم ،المهتمين بدراسة المدينة العربية نشأة وتطوراً.
وأك� ��د أن ع �ق��د ه ��ذه ال� �ن ��دوة ف��ي ال��ج��وف كان فرحة كبرى كنا متلهفين إليها ونحن نؤمل أن يقدم ثم ألقى أ .د .عبدالرحمن الطيب األنصاري ،ال�ب��اح�ث��ون ال �م��دع��وون ال�م�م��ارس��ون للبحث العلمي رئيس هيئة تحرير مجلة أدوماتو ،كلمة أكد فيها أن والتنقيب األثري أبحاثًا جديدة ،في مجملها ،عميقة هذه الندوة العلمية كانت أمنية نحلم بعقدها انسجاماً في عرضها ،محاولين الجمع بين التاريخ واآلثار في م��ع رس��ال��ة أدوم��ات��و ف��ي االه�ت�م��ام بتاريخ المنطقة دوحة من دوحات العلم والمعرفة بالجزيرة العربية العربية وآث��اره��ا قبل اإلس�ل�ام ،بهدف الكشف عن هي "دار الجوف للعلوم". جوانب مهمة من تطور الحضارات العربية القديمة، ف�ق��د ج ��اء اإلس �ل�ام وق �ط��ف ال �ح �ض��ارات القديمة أهداف الندوة: وأك��د الدكتور األنصاري أن ن��دوة أخ��رى ستعقد وخلّصها من الوثنية وكل ما يرتبط بالشرك ،وجعلها حضارة توحيد إل��ه ال توحيد معبودات ،وم��ن هنا ،بعد سنتين بإذن الله في المكان نفسه ،وفي موضوع كانت الضرورة إلى كشف الغطاء عن تلك الحضارات سوف يعلن عنه الحقاً سيكون مرتبطً ا بالتنقيبات األث��ري��ة ألن�ن��ا ال ن��ري��د اج �ت��رار معلومات معروفة، التي يزيد عمرها عن عشرة آالف عام. ولكننا نهدف ،دائمًا ،إلى الجديد لنعيد كتابة تاريخنا وقال إن استجابة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية إلقامة الندوة األول��ى في منطقة من أعز بمنطلقات جديدة من المعرفة والمكتشفات التي المناطق األثرية في بالدنا هو تحقيق لهذا الحلم ،تضيف جديدًا ،وتغير كثيرًا من المفاهيم المغلوطة وال��ذي زاد من غبطتنا هو الصدى القوي من قبل عن التاريخ والحضارة العربية. هذه الكوكبة من العلماء البارزين والمتخصصين في
ثم ألقى أ .د .يوسف محمد عبدالله ،من اليمن، اجلوبة -صفر 1427
7
كلمة ن�ي��اب��ة ع��ن ال�م�ش��ارك�ي��ن ،ع � ّب��ر فيها ع��ن شكره لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية على رعايتها ل�ه��ذه ال �ن��دوة ،وج�ه��وده��ا ف��ي جمع ه��ذه الكوكبة من العلماء والباحثين المتخصصين في آثار الوطن العربي من مختلف الدول األوروبية واآلسيوية والدول العربية، إضافة إلى المشاركين من المملكة العربية السعودية. واستناداً إلى هيئة تحرير مجلة أدوماتو ،الجهة المنظمة للندوة ،فإن أهداف الندوة تشمل التعريف بأبرز النشاطات والتنقيبات األثرية الميدانية ،التي تنفذها المؤسسات والجامعات والمعاهد العلمية، التي تُعنى بالمدن األثرية في الوطن العربي؛ وكذلك مناقشة عدد من القضايا العلمية المهمة ،التي تهم المختصين في مجال الدارسات والبحوث األثرية، ودور القطاعات المختلفة ومدى إسهامها في دعم األعمال األثرية ومساندة العاملين فيه؛ كما تشمل أهداف الندوة إيضاً ،إثارة الوعي بالقضايا األثرية، والنتائج التي تدعم إعادة كتابة التاريخ على أسس تعتمد الحقائق العلمية ،المنية على االكتشافات األثرية ،بدالً من اإلعتماد على األساطير.
علي أحد المشاركين في الندوة قال إن هذه الندوة اتسمت بأمرين أساسيين :أوالهما ،أنها انبثقت عن مؤسسة خيرية ،وهي بادرة حميدة ومسلكاً لم تعهده القطاعات المالية الخاصة ،التي ظلت بعيدة عن دعم النشاطات العلمية ،اآلثارية وغيرها ،والتفاعل معها؛ واألمر الثاني ،أنها ركزت على مناقشة موضوع آث��اري واح��د ه��و "ن�ش��أة المدينة العربية ف��ي ضوء االكتشافات اآلث��اري��ة الحديثة" .وك��ان ذل��ك ،أيضاً، خروجاً على المألوف ،الذي درجت عليه المؤتمرات اآلثارية العربية ،في تناول قضايا متباينة تحت مظلة المؤتمر الواحد. أما أ .د .زي��دون المحيسن من جامعة اليرموك ب��األردن ،أحد المشاركين بالندوة فقال :أن تنظيم الندوة كان موفقاً ،وقد أحسن اإلخوة المنظمين في إخراج الندوة على أفضل وجه.
وقد عبّر المشاركون عن ج��ودة التنظيم وحسن األداء ال��ذي��ن لمسوهما ف��ي ه��ذه ال �ن��دوة ،ب��دءاً من التواصل مع الباحثين المرشحين للندوة في بلدانهم، حتى دعوتهم للمشاركة بأبحاث علمية حديثة ضمن وف��ي ل�ق��اء م��ع أ .د .ع�ب��اس سيد أح�م��د محمد م�ح��اور ال �ن��دوة ،وترتيب قدومهم إل��ى مقر الندوة
8
اجلوبة -صفر 1427
< من افتتاح الندوة رئيس مجلس اإلدارة د .عبدالرحمن األنصاري ود .يوسف عبدالله
وحسن االستقبال ،واالستضافة ،وترتيب جلسات الندوة والزيارات الميدانية المصاحبة لها ،ومتابعة كافة اإلج��راءات المتعلقة بتأمين ع��ودة المشاركين إلى بلدانهم بعد نهاية فعاليات الندوة .كل ذلك تم في سالسة من الترتيب والتنظيم وتعامل ودي ال نظير ل��ه ،يسجل ف�خ��راً للقائمين على ال�ن��دوة والعاملين في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،راعية الندوة.
أمسية تراثية بدعوة من أعضاء المجلس الثقافي بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بالجوف، حفلت بفقرات تراثية جميلة ومعبّرة عن جوانب من الحياة الشعبية في منطقة الجوف ،واختتمت الندوة بحفل كريم في مدينة الرياض ،دعا إليه مدير عام مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري.
وفيما يلي نستعرض ب��إي�ج��از ألب �ح��اث الندوة، ورأينا أن يكون االستعراض على أساس جغرافي دون أبحاث الندوة : االل�ت��زام بترتيب إلقاء أوراق العمل خ�لال فعاليات ُع��رض في ال�ن��دوة نحو من ثالثين بحثاً علمياً، الندوة ،التي أملتها ظروف ومواعيد وصول ومغادرة قدمها آث��اري��ون أكاديميون ينتمون إل��ى ثالثة عشر بعض المشاركين ،وذل��ك ليكون أع��م للفائدة ،ومن بلداً عربياً وأربعة بلدان أوروبية ،إلى جانب اليابان أجل إلقاء الضوء على نشأة المدينة وتطورها في والواليات المتحدة األمريكية .وقد توزعت األبحاث كل منطقة: على جلسات صباحية ومسائية ،كما أُع��دت ورشة المملكة العربية السعودية: عمل على ه��ام��ش جلسات الندوة. وك� ��ان م��ن ض �م��ن ف �ع��ال �ي��ات الندوة ح��ض��ر ال��م��ش��ارك��ون قدم الباحث األلماني البوفسور زي� ��ارات ل�م��واق��ع أث��ري��ة ف��ي منطقة ب�����ال�����ن�����دوة أم���س���ي���ة ري �ك��اردو إي�خ�م��ان ب�ح�ث�اً ،ب �ع �ن��وان" : ال �ج��وف ،وه��ي م��وق��ع الشويحطية ،تراثية عرضت فيها ت �ي �م��اء :واح���ة وم��رك��ز ت �ج��اري على أحد أق��دم المواقع األثرية في قارة ط��ري��ق ق��واف��ل ال �ب �خ��ور" ،استعرض آس �ي��ا ،وم��وق��ع ال��رج��اج �ي��ل ،وقصر ف���ق���رات م���ن الحياة فيها نتائج الحفريات اآلثارية التي م��ارد وح��ي ال ��درع ب��دوم��ة الجندل .ال��ش��ع��ب��ي��ة بالجوف تمت عامي 2004و2005م ،وخلصت كما حضر ال�م�ش��ارك��ون ف��ي الندوة اجلوبة -صفر 1427
9
والمتاحف وكشفت تلك التنقيبات ،خالفاً لما كان يُعتقد ،أن الموقع لم يكن محطة تجارية فحسب ،بل مستوطناً نبطياً مأهوالً بالسكان .وعرض الباحث فيه مقابر ذات طرز معمارية متنوعة ،ونقوشاً أثرية تعد مصدراً مهماً لدراسة الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية لألنباط. إل��ى أن تيماء كانت موقعاً مهماً مع بداية األلفية الثانية قبل الميالد على أق��رب تقدير .وأش��ار في ورقته إلى أنه من المحتمل أن يكون لتيماء 1500 عاماً من ال�م��وروث ،عندما اتخذها الملك البابلي "نابونيد" مقرا له لمدة عشر سنوات .وبيّن الباحث أن الدراسات البيئية والمسوحات في محيط تيماء تؤكد أن تيماء كانت مركزاً للقوافل في شمال غربي المملكة العربية السعودية .كما عرضت الورقة إلى حقائق آثارية ترتبط بالخصائص المعمارية األساسية لمنطقة تيماء. أما الدكتور سامر سحلة ،من قسم اآلثار بجامعة ال �م �ل��ك س��ع��ود ،ف �ق��د ت �ق��دم ورق� ��ة ع�ل�م�ي��ة بعنوان: "العُال :الموقع واالستمرار الحضاري" ،عالجت دور الموقع الجغرافي من نشأة مدينة دادان وتطورها، واستمرارها على مدى حقب حضارية متعاقبة بفضل ما توافر للموقع من مخزون المياه ،إضافة إلى التربة الزراعية والحماية الطبيعية؛ كما أن الموقع يقوم على طريق ت�ج��اري ،وق��د أسهم ذل��ك كله ف��ي نشأة العُال وتطورها واستمرارها مركزاً مهماً عبر التاريخ الحضاري للجزيرة العربية. وف��ي بحث ع��ن م��دائ��ن ص��ال��ح ،أح��د أه��م مواقع اآلث��ار النبطية في المملكة ،قدَّ مه الدكتور ضيف الله الطلحي ،من وكالة اآلث��ار والمتاحف بالمملكة العربية السعودية ،بعنوان" :مدائن صالح في ضوء االكتشافات األثرية الحديثة" ،ع��رض فيه الباحث نتائج أع�م��ال التنقيب ،ال�ت��ي أج��رت�ه��ا وك��ال��ة اآلثار
10
اجلوبة -صفر 1427
أم��ا أ .د .عبدالرحمن الطيب األن�ص��اري رئيس تحرير مجلة أدوم��ات��و ،فقدم بحثاً بعنوان" :قرية: مدينة المعابد" ،عرض فيه لقرية الفاو "ذات كهل" أو "قرية الحمراء" أو "ذات الجنان" كما يسميها سكانها أي��ام ع��زه��ا ،وه��ي ال�ف��او ح��ال�ي�اً ،أح��د أه��م المواقع القديمة في الجزيرة العربية ،التي سادت بين القرنين الرابع ق .م .والرابع الميالدي .وتميزت الفاو بأنها شكّلت همزة وص��ل بين ح��واض��ر الجزيرة العربية والخليج العربي القديمة .وأش��ار األنصاري إلى أن توافر العديد من المعابد واألنصاب التي تحويها ، يشهد على الدور الذي لعبته قرية في الحياة الدينية لمجتمع الجزيرة العربية قبل اإلسالم ،وكيف تمتعت بتسامح ديني ،سمح بتواجد معابد متنوعة لمعبودات عديدة لحيانية وآرام�ي��ة ونبطية وغيرها ،ما جعل قرية م�ق��راً لمعبودات تجذب القبائل م��ن مختلف أصقاع الجزيرة العربية. ك�م��ا ق��دم ال �ب��روف �س��ور ف��ران �س��وا ف�ي�ل�ي�ن��وف ،من جامعة باريس األولى في فرنسا ،بحثاً بعنوان" :نقش عسكري التيني مكتشف حديثا في جزيرة فرسان: روم��ا واالسكندرية والبتراء ،والتجارة الشرقية في منتصف القرن الثاني الميالدي" ،استعرض فيه نقشا أ ُكتشف في أواخر التسعينيات الميالدية من القرن الماضي ،ق��رب قصار على جزيرة فرسان الكبير، الواقعة جنوبي البحر األحمر .وأوض��ح الباحث أن النقش يمثل نصاً عسكرياً رومانياً ،يعود إلى عام 144ميالدي؛ ويكشف أن ق��وات رومانية من مصر احتلت ،آنذاك ،ذلك الجزء البعيد من البحر األحمر. وق��د أدار ه��ذه المنطقة نائباً ،حملت الجزر اسمه
الصخرية المتنوعة ،التي تشمل مصورات بشرية، ورسوم للجمال والبقر والوعول والنعام والخيل ،نظراً لكونها كانت محطة للقوافل .وقد أكدت الكشوفات إمكانات المنطقة ودوره��ا الحضاري ،إضافة إلى مركزها الديني.
"ف�ي��رس��ان" .ون��اق��ش الباحث االكتشاف ف��ي سياقه ال إلى االرتباطات التجارية التاريخي األوس��ع ،محي ً والعسكرية بين روما واالسكندرية والبتراء وأدوليس وشمال غربي الهند. أما البروفسر جون هيلي ،من جامعة مانشستر في بريطانيا ،فقدم بحثاً عنوانه" :مؤسسات المدينة في شمالي الجزيرة العربية في العصر الروماني"، استعرض فيه مجموعة من النقوش المختارة ،التي عثر عليها في م��دن شمالي الجزيرة العربية مثل البتراء (األردن) ،والحجر (مدائن صالح -السعودية)، وبالميرا (تدمر -سوريا) ،والرها (أورف��ا -تركيا)، وهترا (الحضر -العراق) .وأش��ار الباحث إلى أنها ت�ق��دم معلومات مهمة وأك �ي��دة ع��ن تنظيم المدينة ف��ي تلك ال�ف�ت��رة؛ ف�ه��ي ،إض��اف��ة إل��ى المصطلحات األساسية المرتبطة بالمدن ،تكشف أيضا جوانب مهمة لمؤسسات المدينة ،مثل :اإلدارة السياسية، والعسكرية ،والضرائب ،والمحاكم ،وأرشيف المدينة، كما تشير إل��ى مفهوم ال��والء القومي ودور المدينة بوصفها مركزا للسلطة القانونية.
أما البحث المعنون" :نتائج االستكشافات األثرية الحديثة ف��ي مدينة فيد التاريخية بمنطقة حائل بالمملكة العربية السعودية" ،فقد قدمه الدكتور فهد بن صالح الحواس ،من قسم اآلث��ار بجامعة الملك سعود .وهدف الباحث في ورقته إلى التعريف باآلثار اإلسالمية المبكرة في مدينة فيد ،الواقعة على طريق الحج الكوفي (درب زب�ي��دة) ،وم��ا تشمله من معالم معمارية ومرافق ومعثورات ،أبرزت دورها الحضاري الكبير ف��ي الفترة اإلسالمية المبكرة ،وعالقاتها بالمناطق المجاورة ،كما تناول أهم المعالم األثرية والمعمارية الباقية ،م��ن خ�لال أع�م��ال الكشوفات األثرية الحديثة. أما الدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل ،من قسم اآلثار بجامعة الملك سعود ،فقد قدم ورقة بعنوان: "نتائج الموسم الثاني لحفريات جامعة الملك سعود في موقع قرح (المابيات)"( ،باالشتراك مع كل من د .عبدالله بن إبراهيم العمير ،ود .مشلح بن كميخ المريخي) عرضت لنتائج الحفريات ،التي بدأها قسم اآلث��ار بجامعة الملك سعود في الموقع منذ ال�ع��ام 1425ه � � �ـ2004/م ،لتلك المدينة ال�ت��ي يعود
وش��ارك الدكتور خالد اسكوبي من وكالة اآلثار والمتاحف بالمملكة بورقة علمية بعنوان" :المدينة المنورة معبر ال�ق��واف��ل" ،ع��رض فيها لنتائج ثالثة مواسم من المسح الذي نفذته وكالة اآلثار والمتاحف السعودية في المنطقة .وأشار الدكتور اسكوبي إلى أن التنقيبات كشفت عن العديد من مواقع المنشآت الحجرية ،والسدود ،والقنوات ،والنقوش ،والرسوم
اجلوبة -صفر 11 1427
تاريخها إلى فترات تسبق العصر اإلسالمي ،وربما بدأت في أعقاب نهاية الحكم النبطي للعُال ،كمحطة تجارية على طريق القوافل ،ثم تطورت إلى مدينة عاشت حتى القرن السادس الهجري .وقد كشفت عن أسوار ومبنى كبير ،وأعمدة وبقايا سكنية ،لثالث مراحل معمارية ،إلى جانب ٍكم كبير من المعثورات. ولم تظهر التنقيبات عن أية أدلة تعود إلى العصر األموي أو عصر ما قبل اإلسالم.
سوريا: قدم البروفسور بول فانبرج ،من جامعة بروكسل، (باالشتراك مع نيكوالس ك��اوي ،وكريستوفا كوالر، وسيرجي ليمتري ،ومارك فاندر ليندن) بحثاً بعنوان: "المستوطنات والرسوم الصخرية في هضبة حماة السورية إبان الحقبة اآلشورية الجديدة " ،تناول فيه المنشآت الحجرية والدوائر والمذنبات الحجرية التي تميز آثار الشرق األدنى .وكذلك تناول البحث الرسوم الصخرية التي تزخر بها المنطقة ،في محاولة لربط تلك الرسوم الصخرية بالظواهر األثرية من الهضبة. وأشار الباحث إلى أن أصالة مواقع الحمة تنبع من أمرين؛ األول :أن علماء اآلث��ار العاملين في سوريا ركزوا في الغالب على حفريات المباني الطينية على ال�ت�لال .وهنا نجد الطيور الصحراوية ،والدوائر الصخرية ،والقبور ،والمستوطنات الزراعية .واألمر الثاني :أن تكتالت الرسومات الصخرية في الحمة هي مواقع الفن الصخري األولى ،التي تمت دراستها بطريقة منظّ مة في س��وري��ا .كما أن مجمع الحمة األث��ري يمثّل فرصة ن��ادرة لمقارنة الفن الصخري بالخصائص اآلثارية.
الحجري الحديث ،مستعرضاً نماذج من ذلك التحوّل ف��ي بعض ال �ق��رى ال��زراع �ي��ة ف��ي ش��رق��ي المتوسط. وأش��ار الباحث إلى أن المجتمعات الزراعية األولى حققت سو َّي ًة حضارية متميزة في مجاالت العمارة والبناء ،والفنون ،وإنتاج الطعام ،وممارسة الشعائر، والنظم االجتماعية واإلداري��ة واالقتصادية ،وغيرها م��ن اإلن �ج��ازات التي ب��دأت ف��ي األل��ف التاسع ق.م. واس�ت�م��رت بالتطور ،ممهدة الطريق لظهور المدن األولى .وتعد مواقع المرابيط وحرف األحمر وحبوبة الكبيرة في سورية ،وأريحا وبيسامون في فلسطين، والبسطة وعين الغزال وتليالت الغسول في األردن، وحبيل في لبنان ،وحلرمو وتل الصوان في العراق، وغيرها ،الشاهد األهم على هذا التحول الحضاري الكبير الذي أصبح يعرف بإسم "الثورة الزراعية" ،دليل نشوء الحضارة اإلنسانية بمفهومها الواسع والمركب.
أم��ا الباحث األستاذ جمال سعد عمر ،من قسم اآلث ��ار بجامعة الملك س �ع��ود ،ف�ق��دم بحثاً بعنوان: "أورك�ي��ش (ت��ل م��وزان) العاصمة الحورية المقدسة: أهميتها كمركز ديني وسياسي" ،ع��رض في بدايته لنتائج التنقيبات التي بدأت منذ عام 1984م ،و يشارك الباحث فيها ضمن بعثة أمريكية .وق��د بيّنت نتائج العمل أن أوركيش ،التي تعود إلى األلف الثالث ق .م. كانت المركز الديني والسياسي األس��اس للحوريين، وق��د كشفت الحفريات عن البداية األول��ى للمدينة ونشأتها ومراحل تطورها ،كما كشفت عن جوانب تلك الحضارة ،وعن دور الحوريين في حضارات الشرق ال�ق��دي��م .فقد أنشأ ال�ح��وري��ون ح�ض��ارة عريقة ،من المُثبت عنها أنها كانت ذات تأثير كبير على منطقة الشرق األدن��ى القديم كلها .وأورك�ي��ش هي المدينة كما قدم الباحث أ .د .سلطان محيسن ،من جامعة الوحيدة ،من بين حواضر األلف الثالث قبل الميالد، دمشق ب�س��وري��ا ،بحثاً ب�ع�ن��وان" :ال �م��زارع��ون األوائل التي تعد مركزاً دينياً وسياسياً رئيساً للحوريين. من المشرق العربي القديم" ،ر ّك��ز فيه على التحوّل الحضري من مجتمعات الصيد والجمع في العصر األردن: الحجري القديم ،إلى مجتمعات الزراعة والرعي في تحت عنوان" :تخطيط القرى الزراعية وعمارتها
12
اجلوبة -صفر 1427
خ�لال العصر الحجري الحديث قبل الفخاري في بالد الشام" ،قدم الدكتور خالد أبو غنيمة ،من جامعة اليرمول ب��األردن ،بحثاً ،استعرض فيه بداية نشوء القرى ال��زراع�ي��ة ،مبيناً أن تطور الفكر المعماري إلنسان العصر الحجري الحديث يتناسب والتحول االقتصادي ،ال��ذي شهدته المرحلة بإنتاج الغذاء. وتمثّلت العمارة في ه��ذا العصر بتوافر المساكن، وال�م�ب��ان��ي ال�ع��ام��ة ك��ال�م�خ��ازن وال�م�ش��اغ��ل وغيرها، فوضعت هذه التصاميم األساس للمرحلة الحضارية التالية .ويستنتج الباحث فرضية ترجيح أن بداية التخصص في العمل والملكية الفردية ،ظهرت في العصر الحجري الحديث قبل الفخاري "ب" وليس كما يرى العديد من الباحثين في العصر الحجري النحاسي ،نظراً لما امتازت به من تقنية عالية في العمارة ،والتطور في الصناعات األخ��رى كاألدوات الصوانية والحجرية والعظمية وأدوات الزينة والفنون ذات التقنية العالية ،التي تظهر التخصص المهني لبنان: لصانعها ،وهذه العوامل جميعها استندت إلى تطور ق��دم د .حسن ب��دوي ،من الجامعة اللبنانية في اقتصادي في مجاالت الزراعة والتدجين والتجارة .ب �ي��روت ،بحثاً ب�ع�ن��وان" :مدينة عنجر األم��وي��ة بين كما قدم الباحث أ .د .معاوية إبراهيم من األردن ،إشكالية ال �م��وروث البيزنطي واحتياجات المدينة باالشتراك مع د .خالد دغلس ،من الجامعة الهاشمية ال�ع��رب�ي��ة اإلس�لام �ي��ة" ،ت �ن��اول ف�ي��ه ،اخ�ت�ي��ار الموقع ب���األردن ،ورق��ة ب�ع�ن��وان" :خ��رب��ة ال��زي��رق��ون بشمالي على الطريق التجاري بين العاصمة األموية دمشق األردن :مدينة م��ن األل��ف الثالث ق .م ،".لخصت ومدن ساحل المتوسط ،ثم عرض إلشكالية محاولة أعمال بعثة جامعتي اليرموك وتيوبنجن المشتركة ،المسلمين التوفيق بين التخطيط الروماني والبيزنطي التي كشفت عن مركز ديني وسياسي وإداري من للمدينة ،وما تتطلبه المدينة اإلسالمية من إدخال العصر البرونزي المبكر .وأشار الباحث إلى أن مدينة عناصر معمارية دينية وإداري��ة ،متخذاً منها مثاالً خربة الزيرقون (الواقعة على وادي الشاللة-حوالي ل�ن�ش��أة ال�م��دي�ن��ة ال�ع��رب�ي��ة اإلس�لام �ي��ة .واستعرض 12كم شمال شرقي مدينة أربد) ،ضمت معالم مهمة ال�ب��اح��ث أس ��وار ال�م��دي�ن��ة ،وش��وارع �ه��ا ،وساحاتها، ومرافق مختلفة :من بينها معابد ،وقصر ،وأماكن وأبنيتها اإلداري� ��ة (ال��س��راي) ،والدينية (المسجد تخزين ،وأحياء سكينة ،يحيط بها سور ضخم من والكنيسة) ،والعامة (الحوانيت والحمامات) ،وأبنيتها الحجارة ،تتخلله أبراج دفاعية .كما تتصل بالمدينة الخاصة (القصور والمساكن) ،والطرز الفنية والمواد مرافق للمياه على أعماق بعيدة تحت سطح األرض ،المعمارية المستعملة في أنظمة البناء ومصادرها؛ تصل إلى مستوى المياه الجوفية ،وكشفت المعثورات وخلص البحث إلى استنتاجات تشير إلى أهمية نشأة هذه المدينة العربية اإلسالمية في إطارها الجغرافي عن صالت تجارية واسعة للمدينة. أم��ا الباحث أ .د .زي��دون المحيسن من جامعة اليرموك ب��األردن ،فقدم ورقة بعنوان" :موقع خربة الذريح في ضوء التنقيبات اآلثارية ،كحالة للمدينة العربية القديمة بعيداً عن المركز السياسي (البتراء)"، تناول فيها البحث ،ال��ذي أج��ري ضمن بعثة أردنية فرنسية مشتركة ،تنقيبات في الموقع ،أسفرت عن تطور الموقع من قرية قديمة ،خالل الفترة النبطية ال��روم��ان�ي��ة ،إل��ى مستوطنة ح��وت أض��رح��ة ومدافن ومعاصر للزيت ،والكثير من المعالم المعمارية .وأكد الباحث أن خربة الذريح ال تقتصر في أوابدها على األبنية ذات الطابع الديني ،كما هو األمر في جارتها خربة التنور ،بل تتجاوز ذل��ك إل��ى منشآت سكنية وصناعية ،من شأنها اإلجابة على أسئلة تتعلق بحياة األن�ب��اط الدينية واالجتماعية واالقتصادية ،خارج عاصمتهم البتراء.
اجلوبة -صفر 13 1427
الفلسطينيين في العصر البرونزي؛ وميوماس الميناء الروماني؛ وبالخيه المدينة الكالسيكية) تحكي ك ٌل منها ال �ظ��روف االق�ت�ص��ادي��ة والسياسية السائدة، وق �ت �ه��ا ،ال �ت��ي أدت إل ��ى ازده ��اره ��ا واضمحاللها. وع��رض الباحث ف��ي ورق�ت��ه لثالثة أنظمة دفاعية مختلفة لموقع بالخية كشفتها الحفريات الحديثة. فهناك حاجز بحري هائل من الطوب الطيني كان يحمي مستوطنة العصر الحديدي التي كانت بدورها كمدخل لتطور المدن العربية اإلسالمية ،فيما بعد .تحيط بمدينة أو حصن .وفي العصور الهيلينية ،طور الغزاويون مستوى عالياً من الحياة الحضرية المحلية، فلسطين: عندما تبنّوا نماذج أغريقية .ولذلك احتاجوا جدراناً وف��ي ب�ح��ث ب �ع �ن��وان" :ال�م��دي�ن��ة الكنعانية خالل جديدة لتحمي ثروتهم ،في وقت عاشت المدينة أعلى العصر البرونزي المتأخر" ،قدّم أ .د .زيدان كفافي درجات االزدهار االقتصادي. من كلية اآلث��ار بجامعة اليرموك ب��األردن ،بحثاً عن عمارة المدن الكنعانية ،كما عُرفت من موقعي مجدو سلطنة ُعمان واإلمارات العربية المتحدة: وحازور ،التي حوت تحصينات ومعابد ومدافن .كما ق��دم الباحث اإليطالي البروفسور ب��اول��و بياجي كشفت المعثورات عن تأثيرات خارجية ،وعن حصن ورق��ة بعنوان" :مخلفات األص��داف على بحر العرب مصري .وناقش الباحث خصائص المدينة الكنعانية والخليج والعالقات البحرية خالل األلف السابع ق. إبان العصر البرونزي المتأخر (حوالي 1200-1550م ،".ع��رض��ت إلم�ك��ان��ات االت �ص��ال بين س��واح��ل بحر قبل الميالد)؛ كما ق��دَّ م دراس��ة لمصطلحي كنعان العرب خالل العصر الحجري الحديث ،حيث تتقارب والكنعانيين ،وخلفية تاريخية ،وسمات محددة للمدينة نتائج التأريخ من مواقع أثرية على تلك السواحل في الكنعانية .وخلص البحث إلى أنه يمكن افتراض أن حقبة الهولوسين األوسط .وقد عكست هذه المواقع ال�م��دن الكنعانية إب��ان العصر ال�ب��رون��زي المتأخر طُ رق التكيّف والصالت الحضارية ،على امتداد الخليج كانت شحيحة السكنى (قصر منفرد في الغالب) ،وسواحل بحر العرب .واستدل الباحث على إمكانية وت�ض��م معبداً أو أك�ث��ر ،ومساكن خ��اص��ة ،ومخزن ،وجود نشاطات تجارية ،عبر المنطقة الجنوبية لشبه وحفر نفايات ،وحصون مصرية أو مقرات للحكام .الجزيرة العربية ،حوالي نهاية األلفية السابعة غير أما البنية االقتصادية واالجتماعية لمن عاشوا في ال�م��وزون��ة (قبل ال��زم��ن ال�ح��ال��ي) .ودع��ا الباحث إلى المدن الكنعانية فيبدو أنها تأثرت بجماعات أثنية االستمرار في دراسة هذه المواقع وتحديد تاريخها، غير كنعانية ،خاصة إبان الوجه األخير من العصر باالشعاع الكربوني ،ما سيطوّر معرفتنا ببداية ظهور البرونزي المتأخر. صائدي االسماك في المنطقة ،إبان العصر الحجري ك�م��ا ق��دم ال �ب��اح��ث ال�ف��رن�س��ي ال �ب��روف �س��ور جين الحديث ،وتحركاتهم على ط��ول وعبر ساحلي بحر همبرت ،بحثاً بعنوان" :غ��زة القديمة داخ��ل أسوار العرب والخليج الفارسي. المدينة" ،حيث كشفت األع�م��ال األث��ري��ة عن ثالث أما البحث الذي قدمه أ .د .علي التجاني الماحي مدن مسوَّرة ومستقلة عن بعضها( :تل هروبا ،عاصمة بعنوان" :االس�ت�ق��رار والتأقلم ف��ي البيئات العمانية
14
اجلوبة -صفر 1427
ص�ن�ع��اء ب��ال�ي�م��ن ،ب�ح�ث�اً ب �ع �ن��وان" :م� ��وروث العصور ال�ح�ج��ري��ة ف��ي ال �ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة وح �ض��ارة جنوبي ال�ج��زي��رة بين األص ��ول المحلية واألف��ري�ق�ي��ة وبالد الشام" ،استهله بقضية ربط الحضارة اليمنية في بعض جوانبها بأصول خارجية ،بسبب الظواهر غير المتجانسة فيها .وحاول تأصيل هذا التباين فأشار الباحث إلى أن العصر الحجري الحديث في المنطقة شهد تبايناً نوعياً وتقنياً ،تأرجح بين األصول المحلية وتأثيرات من شرقي أفريقيا وبالد الشام.
الجافة :جدل الدليل األثري والنموذج التقليدي" ،فقد تناول ،من خالل استعراض أدلة أثرية ،أنماط التكيف والمصادر المتاحة ،مستنتجاً أن اتجاهات التكيف في عمان رسمت مالمح تكوين المجتمعات في الواحات وال �م��دن ال�ع�م��ان�ي��ة .وم��ن خ�ل�ال اس�ت�ع��راض��ه للدليل األثري وأنماط العيش التقليدية والمصادر الطبيعية واقتصاديات االستقرار ،يستنتج الباحث أن التباين البيئي واتجاهات التأقلم في عمان ،قد رسمت مالمح تكوين المجتمع المدني في الواحات والمدن العمانية قديماً .ومن أمثلة ذلك إسهام الواحة ،بوصفها وحدة وف ��ي ورق ��ة ب �ع �ن��وان" :ب��داي��ة االس �ت �ق��رار ونشأة بيئية ومدنية ،ونوَّة إلى االستقرار والمجتمع المدني المدن األولى في اليمن" عرض الدكتور عبده غالب في دفع االستقرار وتطوره في عُمان. لمجتمعات اليمن خ�لال الفترة بين األلفين الرابع كما قدم الباحث الدكتور جيفري كنغ ،من جامعة لندن واألول ق .م ،.حيث تمكّنت تلك المجتمعات من في بريطانيا ،بحثاً بعنوان “ :ميناء جلفار برأس الخيمة اإلقامة في مستوطنات دائمة ،وعرفت إنتاج غذائها، في اإلمارات العربية المتحدة ،مدينة تجارية إسالمية وخطت نحو نشوء المدن األول��ى ،التي تزامنت مع على الخليج العربية" ،استعرض فيه الباحث النشاطات تحوّالت في أنماط االستيطان .وفيها نشطت التجارة التجارية واالجتماعية ،وال��دور المهم ال��ذي لعبه هذا وت�ع��ددت الوظائف ،وقفزت بالمجتمع إل��ى العصر البرونزي ثم الحديدي. الميناء بالنسبة للمسلمين على الخليج العربي. وفي بحث بعنوان" :المدن الساحلية في جنوب ش��رق��ي ال�ج��زي��رة العربية ودوره���ا االق �ت �ص��ادي في الفترة من القرن الثالث ق .م .إل��ى القرن السابع الميالدي" ،قدم د .حمد محمد بن صراي ،من جامعة مدن ساحلية في عمان ،هي: اإلمارات ،عرضاً ألربع ٍ عمانا وجلفار ودبا وصحار ،ازده��رت خالل الفترة بين القرنين الثالث ق .م والسابع الميالدي ،وتوارثت األدوار كموانىء لعبت دوراً في التواصل الحضاري، وتبادل السلع على الساحل العماني .وأشار الباحث إلى أن كثرة استيطان هذه المدن الساحلية عرّض آثارها للزوال ،ووقوعها تحت المباني المقامة في فترات الحقة ،وه��ذا ما تكشف عنه التنقيبات بين فترة وأخرى.
"العاصمة السبئية مأرب :دراسة في بنيتها اإلدارية واالجتماعية في ضوء النقوش السبئية" ،كانت عنوان ورقة أ .د .محمد مرقطن التي عالجت النظم اإلدارية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية لمدينة مأرب، من خ�لال مجموعة النقوش السبئية ،التي كشفت عنها البعثات اآلثارية األمريكية واأللمانية المتعاقبة على المواقع .كما رسمت صورة للحياة اليومية في مدينة م��أرب ،وذل��ك م��ن خ�لال دراس��ة المئات من
اليمن: ق��دَّ م الدكتور ع�ب��دال��رزاق المعمري ،من جامعة
اجلوبة -صفر 15 1427
النقوش السبئية المكتشفة ،وأك��د الباحث أن هذه النقوش السبئية تعد المصدر األس��اس حالياً في دراسة عاصمة عربية قبل اإلسالم ،إذ ذكرت مأرب عشرات المرات في تلك النقوش.
مصر: قدم الباحث الياباني ،البروفسور موتسو كواتوكو، بحثاً بعنوان" :ميناء ريا وميناء الكيالني في الطور في شبه جزيرة سيناء" ،استعرض فيه تاريخ العالقات بين الشرق والغرب من خالل نتائج الحفريات في موقعي رايا وكيالني ،وهما مدينتا الميناءين الرئيسين في الجزء الجنوبي الغربي من شبه جزيرة سيناء .كما عرض دور هذين الميناءين في االتصال بين المحيط الهندي والبحر المتوسط عبر البحر األحمر ،وكيف ازده��ر دورهما في الفترة اإلسالمية؟ حين امتدت الصالت التجارية لتصل إلى الصين ،وتشكلت شبكة م��ن االت �ص��االت ،لتشمل المنطقة م��ن الصين إلى البحر المتوسط وأفريقيا .وكشف عن تفاصيل هذه الصالت ،عبر التنقيبات اآلثارية ،التي أجرتها البعثة اليابانية في مواقع الميناءين.
السودان: "على حافة المدينة :ظهور واضمحالل القرى ال��زراع �ي��ة ف��ي سهل البطانة (ش��رق��ي السوادن)"، ك��ان ذل��ك موضوع البحث ال��ذي قدمه أ .د .عباس سيد أحمد محمد علي ،ع��رض فيه نتائج المسح والتنقيبات ،التي أجرتها بعثة سودانية-أمريكية مشتركة ،كشفت عن ق��رى زراعية تعود إل��ى األلف الرابع ق .م .يصل امتداد الواحدة منها إلى عشرة ه �ك �ت��ارات ،بعمق طبقي ي�ص��ل إل��ى م�ت��ري��ن ،وثراء في معثوراتها .وعند حافة بلوغها مرحلة المدن، اضمحلت ت�ل��ك ال �ق��رى وت�لاش��ى ث��راؤه��ا المادي. ولمعالجة ه��ذه الظاهرة ،تطرق البحث للنظريات التي تعالج قضية ظهور المدن.
الجزائر: قدم الباحث أ .د .عبدالعزيز لعرج ،من جامعة الجزائر ،بحثاً بعنوان " :دور المدن الساحلية في
16
اجلوبة -صفر 1427
ال�ح��رك��ة ال�ت�ج��اري��ة للدولتين ال�ح�م��ادي��ة والزيانية بالمغرب المتوسط :بجاية وهنين نموذجاً" ،عرض فيه لما شهده الحوض الغربي للبحر المتوسط في ال�ق��رن الخامس الهجري م��ن ت�ح��والت اقتصادية، انتقلت فيه الحركة التجارية من المراكز البرية إلى الموانىء الساحلية ،حيث تحولت بجاية وهنين إلى بوابتين للتجارة مع السواحل الجنوبية ألوروبا حتى سقوط األندلس.
باحثون تغيبوا عن الندوة ألسباب طارئة: ك��ان من المقرر أن يشارك في ال�ن��دوة باحثون آخ��رون لكنهم وألسباب وطارئة تغيّبوا عن حضور الندوة .فقد كان من المقرر أن يشارك الباحث د. حسين أبو الحسن ،من المملكة العربية السعودية. وك��ان��ت ورق�ت��ه بعنوان" :دادان :مدينة المعبود ذي غيبة" خالل الفترة من القرن الخامس إلى الثاني ق .م" .كما تغيب أ .د .سعد بن عبدالعزيز الراشد من السعودية ،وكانت ورقته بعنوان" :موقع الصويدره (الطرف) تاريخها وآثارها الكتابية" .وتغيب كذلك عن جلسات الندوة البروفسور ميشيل بيكيريلو من إيطاليا ،وكانت ورقته المقدمة للندوة بعنوان" :مدينة ميفعه في منطقة مأدبا باألردن" ،والبروفسور فريد ويندورف ،من الواليات المتحدة األمريكية ،وكانت ورقته بعنوان" :ظهور قرى المستوطنات خالل العصر ال�ح�ج��ري ال�ح��دي��ث المبكر ف��ي ال�ص�ح��راء الغربية المصرية" ،كما تغيب أ .د .محمد حسين فنطر من تونس ،وكانت ورقته بعنوان" :مدينة كركوان البونية في (تونس)" ،وتغيب كذلك البروفسور هانس نيسن
من ألمانيا .وقد أكدت الهيئة المنظمة للندوة أن هذه
به .أما أ .د .عباس سيد أحمد محمد علي ،من جامعة الملك سعود ،فقد تناول في مشاركته إشكاالت العمل اآلثاري في العالم العربي ،مُعدداً جوانب القصور التي تمثلت في ضعف الجانب النظري وغيابه كثيراً في األعمال اآلث��اري��ة ،وغياب الموقف الفكري لآلثاري العربي ،والتزام بعض المتخصصين بالمنهج التاريخ وعدم مواكبة المستجدات النظرية والمنهجية التي طرأت على العلم.
األبحاث ستنشر ضمن السِّ جل الذي يحوي أبحاث توصيات الندوة:
الندوة ،والمتوقع صدوره خالل العام 2006م.
ورشة العمل: عقدت اللجنة المنظمة للندوة ورشة عمل بعنوان: "إشكالية البحث األثري في العالم العربي" ،ترأسها أ. د .عبدالرحمن الطيب األنصاري رئيس تحرير هيئة أدوم��ات��و ،تحدث فيها ع��دد من المشاركين ،تناولوا ع��دداً من القضايا اآلثارية المهمة .فقد طرح أ .د. يوسف عبدالله "إشكالية ملكية اآلث��ار وحمايتها"، ت�ن��اول فيها قضية حماية ال�ت��راث ال�ح�ض��اري ،وحق الملكية وتعميق هذا المفهوم ،وأهمية تغيير النظرة ت�ج��اه اآلث ��ار المكتشفة والنظر إليها كملكية عامة وليست ملكية خ��اص��ة .وت �ن��اول د .عبدالله دحالن (رجل أعمال) دور رجال األعمال في تشجيع العمل األثري وتمويله ،ودعا المؤسسات الخاصة والتجارية إل��ى دع��م ال��دراس��ات والبحوث العلمية اآلث��اري��ة لما فيها من خدمة جليلة للمجتمع .وف��ي ب��ادرة حميدة لتفاعل رجال األعمال مع اآلثاريين ،تقدم د .دحالن بدعوة الستضافة جلسات الندوة الثانية (تحت مظلة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية منظِّ مة الندوة األولى) .وقد رحب المشاركون بتلك الدعوة الكريمة. أما الدكتور عبدالله بن محمد الشارخ ،من قسم اآلثار والمتاحف بجامعة الملك سعود ،فتحدث في ورقته ع��ن "إش �ك��االت العمل األث ��ري ف��ي المملكة العربية ال�س�ع��ودي��ة" ،واس�ت�ع��رض بشكل م��وج��ز ت��اري��خ العمل اآلثاري في المملكة ،واإلنجازات التي تمت في مجال فصل بعض اإلش �ك��االت التي المسح والتنقيب ،ث��م ّ يعاني منها العمل اآلثاري ،ووسائل تطويره والتعريف
وق ��د ح�ف�ل��ت ال� �ن ��دوة ب�م�ن��اق�ش��ات وح� � ��وارات بين المشاركين والحضور ،أثرت الموضوعات مدار البحث، وأظهرت تفاعل الباحثين مع مقدمي أوراق العمل.
وفي ختام الندوة ،عُقدت جلسة طُ رح فيها عدد من المقترحات ،خل ُصت إلى توصيات أبرزها: .1الحاجة إلى تحديد مفهوم المدينة القديمة. .2عقد الندوة العلمية القادمة بعد عامين في مجال آثار الوطن العربي ،وتكون الندوات بصفة دورية. .3نشر األوراق العلمية التي قدمت في الندوة في مجلد خاص بأعمال الندوة. .4العناية بالمدن األثرية والتاريخية والمحافظة عليها. .5حث أمانات وبلديات المدن العربية على االهتمام باألحياء والمباني التاريخية ،وفق النظم العالمية المرعية. .6تطوير التشريعات المتعلقة باآلثار وخاصة ما يرتبط بالمدن األثرية والتاريخية. .7إق��ام��ة مشاريع آث��اري��ة مشتركة لتدعيم العمل األثري في البلدان العربية. .8تضمين المناهج ال��دراس �ي��ة م��وض��وع��ات تعنى ب��اآلث��ار وال��وع��ي األث ��ري ف��ي ال��وط��ن ال�ع��رب��ي ،ما يوسع مدارك الطالب ويعزّز إحساسهم بتراثهم وهويتهم العربية واإلسالمية. .9فتح أسواق العمل في القطاعين العام والخاص لخريجي أقسام اآلثار ،خاصة في مجاالت التربية والتعليم والسياحة والبلديات.
اجلوبة -صفر 17 1427
أهمية كتابات الرحالة األوروبيني لتاريخ منطقة اجلوف احمللي
> د .عوض البادي إن الحديث عن أهمية كتابات الرحالة األوروبيين للتاريخ الحديث لمنطقة الجوف ،يستدعي أوالً التطرق إلى شيء من تاريخ المنطقة ،لنعرف أهمية ما كتبه أولئك الرحالة عنها ،ولنقّدر تلك األهمية في ضوء السياق العام لتاريخها ال سيما في القرنيين الماضيين .وال أخالني مجافياً للحقيقة ،لو بدأت بالقول أن منطقة الجوف كانت محظوظة ،بسبب موقعها المهم ،كنقطة عبور لدخول وسط الجزيرة العربية للرحالة األجانب ،الذين سجلوا ما رأوه وسمعوه وفعلوه؛ ليورّثوا لنا معلومات أوليّة ،بدونها سيظل تاريخ حقبة مهمة من حقب تاريخها مجهوالً إلى األبد ،النعدام ثقافة التوثيق والتسجيل بين أبناء المنطقة ،وغلبة ثقافة البدأة الشفوية حول تاريخها.
دراس��������ات 18
يعود االستيطان البشري في منطقة ال�ج��وف ،كما هو م�ع��روف ،إل��ى عصور سحيقة في القدم .وتبين الشواهد األثرية والنقوش القديمة المكتشفة حتى اآلن، أن السجل التاريخي للمنطقة يحتوي على فجوات عميقة ،تفصل بين عصور و أزمان مختلفة ،تجعل من المستحيل تكوين صورة متكاملة حول تاريخها .ولو أخذنا، على سبيل المثال ،العهد األشوري أو الفترة المبكرة من التاريخ اإلسالمي ،لوجدنا معلومات مهمة عن المنطقة ،تسمح بتكوين صورة عنها في تلك المراحل. أما الفترات التي سبقت األشوريين ،والفترة الممتدة من القرن السابع قبل الميالد وحتى ظهور الدين اإلسالمي ،فإننا ال نجد معلومات تسمح بالجزم حول < باحث وكاتب أكاديمي من أبناء منطقة الجوف.
اجلوبة -صفر 1427
واقع المنطقة في تلك الفترة .وكذلك كانت الحال مع الفترة التي تلت ظهور اإلس�لام؛ فبينما شهدت المنطقة أحداثاً مهمة في العهد اإلسالمي األول، إال إن�ه��ا ف�ج��أة خ��رج��ت م��ن ال �ت��اري��خ ،وال ت��وج��د إال إش��ارات قليلة ،بين حين و آخ��ر ،غير كافية للبناء عليها لكتابة تاريخ ما يزيد عن ألف عام ،من القرن األول وحتى القرن الثاني عشر الهجري .وفي هذا الصدد يمكن قول الشيء نفسه ،عن معظم مناطق الجزيرة العربية؛ إذ إن انتقال الخالفة اإلسالمية إلى دمشق أوالً وبغداد ثانياً؛ ثم توزعت سلطة الخالفة إل��ى مراكز أخ��رى ،أفقد الجزيرة العربية أهميتها السياسية على الرغم من استمرار أهميتها الدينية لكافة الدول اإلسالمية.
االن �ط�لاق م��ن أح��داث�ه��ا ،للتأسيس لسجل تاريخي متصل الحلقات لمنطقة الجوف ،يغطي ج��زءاً من تاريخها الحديث.
يعود تاريخ وص��ول الدولة السعودية األول��ى إلى منطقة الجوف ووادي السرحان إلى سنة 1793م/ 1208ه �ـ ،حيث وصلت إلى المنطقة قوة عسكرية، استطاعت أن تخضع بعض بلدان المنطقة .وتشير المصادر التاريخية التي تناولت تلك المرحلة ،إلى أن دومة الجندل عاصمة المنطقة كانت منقسمة على ذاتها وكانت تسيطر عليها عائلتان من سكانها .وبعد حصار وقتال ،وافقت عائلة آل درع على الخضوع للدولة السعودية ،ودفع الزكاة لها .أما العائلة الثانية، وهي عائلة آل سراح فقد استعصت على المهاجمين، أدت ه��ذه العزلة السياسية إل��ى فقدان مناطق ولم توافق على الدخول تحت سلطة الدولة ،فتركت عدة من الجزيرة العربية ارتباطها الفعلي بالمراكز وشأنها ،واستمرت حرب أهلية لمدة ثماني سنوات، الحضارية ،ولكنها بقيت اسمياً مرتبطة بها .ولم تكن انتهت بخضوع كافة المنطقة للدولة ،وتكليف رئيس منطقة الجوف استثناء من هذا الوضع ،إذ فقدت عائلة ابن درع بإدارتها باسم ابن سعود. أهميتها التاريخية السابقة ،على الرغم من تبعيتها عند ه��ذا الخبر ،ب��دأ وانتهى أم��ر المنطقة في أسمياً للمراكز الحضارية اإلس�لام�ي��ة ف��ي دمشق المصادر التاريخية المكتوبة حول تلك الدولة ،وإن وبغداد والقاهرة وإستانبول .ولكن كل األدلة القليلة ك��ان يمكن استنتاج استمرار تبعية منطقة الجوف المتوافرة تؤكد بقاءها م��رك��زاً م��ن م��راك��ز التجمّع للدولة السعودية األولى حتى نهايتها سنة 1818م/ واالستيطان للقبائل العربية ال��رحّ ��ل ،التي تجوب 1233هـ بغزو خارجي. شمالي الجزيرة العربية من جنوبي دمشق شماالً قد ال يختلف أمر منطقة الجوف عن أمر مناطق إل��ى حائل جنوباً نظراً لموقعها المهم وس��ط هذه الجزيرة العربية التي كانت تابعة للدولة السعودية الصحراء الكبرى ،ولخصوبة أرضها ووفرة مائها. األولى ،بعد غياب الدولة المركزية ،من حيث عودتها وه �ك��ذا ظلت المعلومات ال�م�ت��واف��رة ع��ن تاريخ سيرتها األول��ى ،من التنازع والصراعات الداخلية ق ��رون م��ن ت��اري��خ المنطقة ن� ��ادرة ج� ��داً ،ال تسمح بين العائالت والقرى واألحياء المختلفة.ولم تتمكن بكتابة حلقات ه��ذا التاريخ ،حتى تغير الوضع في الدولة السعودية الثانية ،التي أسسها على أنقاض وس��ط الجزيرة العربية ،ب��دءاً م��ن منتصف القرن ال��دول��ة األول��ى اإلم��ام تركي بن عبدالله بن محمد الثامن عشر الميالدي /الثاني عشر الهجري ،حين بن سعود في نجد من مد سيطرتها إلى المنطقة، ب��دأت حركة ال��دع��وة اإلصالحية للشيخ محمد بن و بقيت على حالها حتى تأسست أمارة جديدة في ع�ب��دال��وه��اب ،وق��ام��ت ال��دول��ة السعودية األولى.مع ح��ائ��ل ،ب��دءاً م��ن سنة 1251ه� � �ـ1835/م ،على يدي قيام هذه الدولة وامتداد نفوذها من قاعدتها نجد عبدالله بن رشيد بتوليه من اإلمام فيصل بن تركي. إلى شمالي الجزيرة في أخر القرن وتسجيل بعض اس�ت�ط��اع��ت ه��ذه اإلم� ��ارة ال �ج��دي��دة أن ت�م��د خالل المؤرخين لهذا االمتداد ،بدأت مرحلة جديدة ،يمكن خمسة سنين نفوذها إلى منطقة الجوف وتخضعها
اجلوبة -صفر 19 1427
بالكامل لسلطتها .استمرت تبعية منطقة الجوف لهذه اإلمارة ،عدا فترة قصيرة حاول األتراك حكمها مباشرة م��ن والي��ة دم�ش��ق ،حتى اع�ت��راه��ا الضعف فاستقلت كإمارة بذاتها بداً من سنة 1809م1327/هـ إلى سنة 1919م1338/ه�ـ ،ثم استعادت إمارة حائل السيطرة عليها من جديد ،وأخيراً انضمامها سنة 1340ه�ـ1922/م إلى الحكم السعودي بقيادة الملك عبدالعزيز. ق��د ال يتجاوز م��ا ه��و مكتوب ع��ن ت��اري��خ منطقة الجوف ،عبر هذه المراحل سطور قليلة في المصادر التاريخية المحلية .وم��ا ه��و متاح م��ن أش�ع��ار ومن رواي��ات ،وهي أشعار ورواي��ات مهمة حول المنطقة وأح��داث�ه��ا ،غير كافية لكتابة تاريخ ه��ذه المراحل كسلسلة متصلة الحلقات ،عالوة على أن أغلبها غير موثق من الناحية الزمانية ،وتوارثته األجيال شفوياً مع ما يعتريه من زي��ادة أو نقص ،كما أنها ال تبين واقع األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والسكانية السائدة عبر هذه المراحل. من هنا ،تكتسب كتابات الرحالة األوروبيين أهمية خاصة لتاريخ عدد من مناطق الجزيرة العربية ،وال سيما المناطق الشمالية منها ،الفتقادها ألي مصدر مكتوب آخ��ر ح��ول أوض��اع�ه��ا وظ��روف�ه��ا وتركيبتها السكانية وعالقاتها بمحيطها ،خ�لال الفترة التي جابوا فيها ربوع هذه المناطق.وال أظن إنني مبالغ، لو قلت أنه بدون ما كتبه هؤالء الرحالة ،لبقي تاريخ منطقة الجوف في مراحله الحديثة مجهوالً ،كما هو الحال مع تاريخها األق��دم ،ولبقي محصوراً في الخطوط العامة التي ذكرت آنفاً حول تبعيتها ألي من اإلمارات التي قامت في وسط الجزيرة العربية.
الرحالة األوروبيون في منطقة الجوف يؤرخ دارسو أدب الرحالت األوروبية إلى الجزيرة ال�ع��رب�ي��ة ب��داي��ات �ه��ا ب �ب��داي��ة ال �ق��رن ال��س��ادس عشر الميالدي ،منذ رحلة الرحالة اإليطالي لويس فارثيما، إل��ى مكة والمدينة سنة 1503م.إال أنهم يؤرخون
20
اجلوبة -صفر 1427
بداية االكتشاف العلمي الحقيقي للجزيرة العربية برحلة كارستن نيبور ،أح��د اعضاء البعثة العلمية الدنماركية ،التي أرسلها ملك الدنمارك الكتشاف اليمن سنة 1761م.كتب هذا الرحالة ،وهو الناجي الوحيد من أعضاء البعثة ،الذين لقوا حتفهم خالل رحلتهم ،وصفاً لرحلته ولمناطق الجزيرة العربية كما أنه نقل معلومات هي األولى حول ظهور الدعوة الوهابية في نجد إلى أوروب��ا .وأش��ار هذا الرحالة إلى منطقة الجوف باسم "جوف السرحان"؛ كمنطقة جغرافية شمالي الجزيرة العربية ،وإنها تضم سكاكة ودوم��ة ،ولم يورد معلومات أخ��رى .وعلى خطا هذا الرحالة ،ومع مطلع القرن التاسع عشر الميالدي، بدأ الرحالة األوروبيون بالتوافد إلى مناطق الجزيرة العربية ،وال سيما الحجاز واليمن والخليج ،ولكن وسط الجزيرة العربية بقي هدفاً بعيد المنال ،ولم يجرؤوا على اختراقه ألسباب مختلفة ،ليس أقلها خوفهم من المجهول .وأكثر ما رووه من معلومات ح��ول وس��ط الجزيرة وأوضاعها في تلك المرحلة، كانوا قد استقوه مما سمعوه في المناطق األخرى من الجزيرة أو في العراق أو في سورية أو في مصر. كانت المحاولة األولى للوصول إلى وسط الجزيرة العربية ،عبر منطقة ال �ج��وف ،ق��د ج��رت ف��ي سنة 1808م1223 /هـ؛ إذ بعث الرحالة األلماني أورليخ سيتزن ،ال��ذي ك��ان يقيم ف��ي ال�ق��دس ،أح��د العرب العاملين معه واسمه يوسف المالكي ،برحلة إلى الجوف ليحاول الوصول منها إلى الدرعية وليكتشف ال��وض��ع ل��ه ليغامر بنفسه ،إال أن��ه قفل ع��ائ��داً من الجوف ،بعد أن أدرك صعوبة عبور صحراء النفود. ولكن سيتزن ذكر أن يوسف أبلغه أن بلدة الجوف تابعة لنجد ،وتضم عدة أحياء ،عرف سبعة منها لكنه لم يتذكر إال أسماء ثالث منها :سوق الدرع؛ وسوق السعيديين؛وسوق عين أم سالم .و أن المسافات قصيرة بين ه��ذه األح�ي��اء ،والمنازل الطينية لهذه األح�ي��اء مقامة إل��ى حد كبير على شكل دائ��ري له مدخل واحد .وخلف كل منزل بستان نخيل صغير. ووسط هذه األحياء يقوم بناء حجري قديم .وفيها
برج رباعي الشكل مبني بحجارة كبيرة رباعية األبعاد ،حولها ،حيث يمكن اإلطالع على ذلك .ولكن سأعرض قمته مستدقة ،ويشبه المسلة ،وهو عالي االرتفاع إذ ألهم ما أوردوه ،حول المنطقة وأبيّن أهميته العلمية، يزيد ارتفاعه عن ضعف أو ثالثة أضعاف أعلى منارة لكتابة تاريخها الحديث بتسلسل وترابط في حلقاته. ولكن قبل البدء بالحديث حول موضوعنا أرى أنه ال في البلدة. بد من اإلشارة أوالً إلى أن المنطقة لم تكن مقصداً ولم تسجل أية محاولة جديدة ألي رحالة أوروبي بحد ذاتها ألغلبية الرحالة الذين زاروها وكتبوا عنها، لزيارة مناطق شمالي ووسط الجزيرة العربية إال في بل كانت محطة في طريقهم جنوباً إلى نجد أو شماالً أربعينيات القرن التاسع عشر الميالدي/ستينيات إلى سورية .وثانياً إلى أن ما كتبوه ،كان موجهاً في القرن الثالث عشر الهجري ،عندما بدأ التركيز على األص��ل لقرائهم بلغاتهم ،ومعلوماتهم حولنا وحول هذه المناطق؛ ألنها كانت تموج بأحداث وتطورات بالدنا كانت لتعريف أولئك القراء بها ،ولم يقصدوا سياسية مختلفة؛ ولكونها الوحيدة من بين مناطق أن يؤرخوا تاريخنا أو يتصوروا أنها ستكون مصدراً الجزيرة ،التي لم يتيسر للرحالة األوائ��ل زيارتها و من مصادره. معرفة جغرافيتها وواق��ع أوضاعها .وب��دأت موجة كان الرحالة الفنلندي جورج أوغست وال��ن ،أول جديدة من الرحالة الساعين الختراق هذه المنطقة، أسوة بالمناطق األخرى ،وسد الفجوة في معلوماتهم رح��ال��ة أوروب ��ي ي��زور منطقة ال�ج��وف ويكتب عنها. حولها جغرافياً ودينياً وسياسياً واجتماعياً وسكانياً كان والن رحالة علم تؤكد كافة المعلومات المتوافرة وثقافياً .ويمكننا التأريخ لبدء هذه الموجة الجديدة ،حوله وح��ول رحالته وتمويلها أن العلم ك��ان هدفه ب��رح�لات ال��رح��ال��ة وال�م�س�ت�ش��رق ال�ف�ن�ل�ن��دي جورج وأن اللغة والثقافة العربية وولعه بهما كانا دافعاً أوغ �س��ت وال���ن ،ال ��ذي ق��ام برحلتين :األول���ى سنة له للقيام برحالته .بدأ وال��ن رحالته إلى الجزيرة 1845م1261/ه�� � �ـ؛ والثانية 1848م1264/ه� � ��ـ إلى العربية ،بعد أن حصل على منحة علمية من جامعة مناطق شمالي وشمال وسط وشمال غربي الجزيرة هلسنكي ،ل�م��دة خمسة أع� ��وام ،الك�ت�ش��اف مناطق الجزبرة العربية ،غير المكتشفة حينها ،ولتتبع تطور العربية. اللغة العربية وعالقتها باللغة الحميرية؛ وليدرس مع "والن" كانت البداية الحقيقية لعالقة الرحالة الفرق بين اللغة العربية الفصحى واللهجات العربية األوروبيون بمنطقة الجوف ،واستمرت تلك العالقة العامية .وقبل أن يبدأ رحلته في الجزيرة العربية ح�ت��ى س�ن��ة 1922م1340/ه� � �ـ.وخ��ل��ال ه��ذه الفترة مكث في القاهرة ما يقارب السنتين؛ ليتقن اللغة الممتدة من سنة 1845م1261/هـ1922 -م1340/هـ ،العربية ويتحدثها كأهلها وليدرس العلوم الشرعية زار منطقة الجوف خمسة عشر رحالة أوروبياً،ثالثة بوصفه طالب علم من بخارى ،وكان يسمي نفسه في منهم قاموا بأكثر من رحلة ،وهؤالء جميعاً كتبوا عن القاهرة ولي.بعد أنه نجح في تقّمص شخصية شيخ رحالتهم في منطقة الجوف وضمّنوا ما كتبوه معلومات بخاري ،وأن أحداً ال يمكن أن يظن أنه أوروبي أو غير مختلفة حول أوضاع المنطقة وقت ،زياراتهم وتوسع مسلم ،أنطلق في رحلته بعد أن تسمى باسم عبد بعضهم في وصف كثير من المواضيع و القضايا. الولي ليبدو االسم أكثر قبوالً عند الوهابيين،حسب وإذ سبق ل��ي أن ق� ّدم��ت ل�ه��ؤالء ال��رح��ال��ة معظم نصيحة بعض أص��دق��ائ��ه ،وك��ان��ت ال�ج��وف محطته نصوصهم المتعلقة بالمنطقة مترجمة إل��ى اللغة األول .أق��ام وال��ن في دوم��ة الجندل ،قاعدة منطقة العربية ف��ي ك�ت��اب :الرحالة األوروب��ي��ون ف��ي شمال الجوف في حينه ،حوالي ثالثة شهور ،من يوم 25 الجزيرة العربية :منطقة الجوف ووادي السرحان مايو إلى 30أغسطس 1845م1261/هـ. 1845م-1922م؛ فإنني ال أرى حاجة لتكرار ما قالوه
تناول وال��ن ،فيما كتبه عن إقامته في الجوف،
اجلوبة -صفر 21 1427
تاريخ المنطقة وال��رواي��ات التاريخية التي تناولتها ال�م�ص��ادر التاريخية ،وجغرافية وادي السرحان. واستعرض أحوالها االجتماعية والسياسية ،وطبيعة ال�ت�ح��ال�ف��ات ال �س��ائ��دة ب�ي��ن س �ك��ان عاصمتها دومة الجندل .وذكر أن دومة الجندل تتكون من اثني عشر حياً ،وأن أه��ل الجوف ي��ردون ج��ذوره��م إل��ى قبائل وقرى عربية مختلفة .وإن مالمحهم وأسلوب عيشهم وعاداتهم وطريقة هندسة منازلهم ،وطريقة زراعتهم تغلب عليها السمة السورية .وأن سكان بعض أحيائها ي �ب��دون متأخرين ف��ي ال�ه�ج��رة إل�ي�ه��ا .وأن السكان يتمتعون بعالقات نشطة مع سورية أكثر مما هو مع العراق .وإن التجار المتجولون الذين يزورون الجوف أحياناً ي��أت��ون م��ن س��وري��ة ،على عكس م��ا ه��و عليه الحال في نجد ،حيث يندر أن تقابل أحداً منهم .وأن أهل الجوف يدفعون الزكاة إلى شيخ شمر في حائل، وهناك خمس من شيوخ األحياء مكلفين بجمع الزكاة من بلدان المنطقة ،وأن ليس البن رشيد أمير حائل نائب في الجوف ،وكل حي خاضع لشيخه .كما يذكر أن كل حي خاضع إلحدى القبائل البدوية المجاورة حيث يدفعون "خ ��اوة" ،وه��ي ع��ادة ما تكون كميات محدودة من التمر .وأنَّ القبائل الرئيسة التي تحصل على هذه الخاوة الشرارات والجالس من الرولة. وذك��ر وال��ن ،أن سكاكا تضم أربعة أحياء سكنية هي :العمران ،والسهيان ،والحركان ،والفياض؛ وتضم حوالي أربع مئة عائلة .وأن قصر الطوير يضم عشرة عائالت ،وأن قارا تضم حوالي عشرين عائلة.وجميع هذه األماكن تابعة لحكم شيخ شمر ،وتدفع له الزكاة التي يجمعها الرجال أنفسهم المكلفين بجمعها في العاصمة دومة الجندل. ووصف والن أهل الجوف بأنهم من أكرم العرب الذين عرفهم ،وأنهم كانوا على قدر من التعليم ،وأن الشقاق والنزاع والتمرد سمة طاغية عندهم. إن ما كتبه حول رحلته إلى الجوف ،جاء في سياق محاضرة علمية كان قد كتبها إللقائها في لندن ،حول كامل رحلته األولى إلى الجزيرة العربية ،لذلك غابت
22
اجلوبة -صفر 1427
تفاصيل كثيرة عنها كان يخطط لنشرها في مرحلة الحقة ،وبعد أن يكمل كل الرحالت التي كان ينوي القيام بها داخ��ل الجزيرة العربية .ولكن القدر لم يمهله فقد توفي فجأة سنة 1852م ،وهو يعد لرحلة جديدة بعد أن عين بروفسوراً للدراسات الشرقية في جامعة هلسنكي ،وكان في الواحدة واألربعين من عمره. ترك والن الكثير من األوراق الخاصة والمذكرات التي تحتوي على تفاصيل كثيرة ،لو أ ُتيح له إعدادها للنشر قبل وفاته ،لعّد من أعظم الرحالة األوروبيون الذين وطأت أقدامهم الجزيرة العربية. وكما ذك��ر آن�ف�اً ،ك��ان م��ن أه��داف رحلته معرفة الفروق بين اللغة العربية الفصحى واللهجات العامية، لذلك ك��ان يجمع األشعار والقصائد خ�لال رحلته، ويلتقي الشعراء ليسمع منهم قصائدهم مباشرة، ليضبطها لفظاً وشكالً ،لتسهل له دراستها الحقاً. و يظهر لي أنه وجد في الجوف شيئاً من ضالته، فأطال المقام بين أهلها لكرمهم ،وكثرة الشعراء من بينهم .لذلك جمع فيها قصائد كثيرة لعدد من شعراء الجوف وغيرهم من شعراء البادية ،التي يحفظها شعراء الجوف .وق��د ق��ام وال��ن قبل وفاته ،بإعداد بعض هذه القصائد للنشر ،وقد نشرت بعد وفاته بسنتين باللغة األلمانية .كانت القصائد التي أعدها والن للنشر ،قصائد ذات دالالت مهمة من النواحي: السياسية واالجتماعية والثقافية والتاريخية.وتنبع أهمية هذه القصائد من تسجيلها ألحداث مهمة من أحداث تاريخ المنطقة ،ومن المعلومات التي قدمها وال��ن ،ح��ول تلك األح��داث واألش �خ��اص وه��و يفسّ ر معانيها اللغوية. من القصائد التي قدمها والن في دراساته قصيدة نعتز بها جميعاً في الجوف ،وتتوارثها األجيال ،ولكننا جميعاً نختلف حول تاريخها و قائلها ومناسبتها وهي القصيدة المعروفة (الشكل .)1 وح��ول ه��ذه القصيدة ذك��ر وال���ن ":سمعت هذه األب �ي��ات م��ن س�ل�م��ان ،وه��و ش��اع��ر م��ن ح��ي خذما،
< الشكل ()1
اجلوبة -صفر 23 1427
وهي جزء من قصيدة طويلة ،تمتدح الجوف وتصف العالقات المختلفة بين أحيائها؛ و أنني برغم الجهد الكبير الذي بذلته ألسجل كامل القصيدة التي يعتز بها أهل الجوف كثيراً ويرددونها ،إال أنني فشلت في ذلك وهذه األبيات الخمسة هي كل ما كان يحفظها أص��دق��ائ��ي ف��ي خ��ذم��ا .وقائلها ش��اب م��ن الجوف، نسيت اسمه ،كان قد هاجر مع والديه إلى مدينة الكرك ،وقد جاء في زيارة قصيرة إلى مسقط رأسه خالل إقامتي في الجوف ،وتردد كثيراً رغم إلحاحي عليه بأن يذكرها لي .والقصيدة عموماً غير بعيدة عن الواقع لكرم أهلها واريحيتهم ولتمورها الطيبة ومياهها العذبة الجارية ،وطقسها الرائع .وهي بلدة محبوبة تدور حولها قصائد كثيرة ،وان من يزورها مرة فالبد أن يعود إليها".
ك��ان ي�س��ود م��ن ع�لاق��ات بين الحيين المتجاورين خذما والدلهمية.كانت دار مساعد تقع عند طرف حي خذما ،وكان موقعها مناسباً النطالق الهجمات على العابرين إلى حي الدلهمية؛ لذلك اتخذ سكان الدلهمية قراراَ بتدمير تلك الدار ،ولكن سر قرارهم عرف فتشاور مساعد مع أصدقائه فشاروا عليه بان يرحل ،لكنه لم يأخذ بالمشورة وق��رر الصمود في داره. يذكر والن أن قصيدة مساعد قوبلت بالترحاب، وانتشر خبرها خ�لال فترة قصيرة ،وص��ارت تغنى على الربابة في كل المنطقة والصحاري المجاورة، ويتغنى بها الناس .وذكر أنه سمعها تغنى عدة مرات من قبل أشخاص مختلفين ،وذهب لمقابلة مساعد نفسه ،وطلب منه تمليتها عليها وقد كتبها بمساعدة الخطيب في خذما.
وه��ذا ما أخذناه مما ذك��ره وال��ن وزم��ن نقله لها، أما القصيدة الثانية ،وهي قصيدة مهمة وذات نجد أنها تتعلق بأحداث تسبق األحداث التي يوردها عالقة بقصيدة مساعد السابقة ،إذ ت��ؤرخ لكيفية الكتاب والباحثين والناس كمناسبة لها. خضوع الجوف إلم��ارة اب��ن رشيد وأسبابها .وكان وحول الصراعات بين األحياء المختلفة في دومة قائلها الشاعر سالم العوض وه��و من حي خذما. ال�ج�ن��دل أورد وال��ن قصيدتين ووض��ح مناسبتهما وقد أورد والن مناسبة القصيدة بقوله":أدى العداء بمعلومات تاريخية مهمة .القصيدة األولى من نظم المستحكم بين حيي خ��ذم��ا والدلهمية إل��ى وقوع مساعد العبد ،وهو أحد سكان حي خذما ،ويناجي حرب بينهما .وكانت أسباب الحرب المباشرة ،هو أن سكان حي الدلهمية قد دع��وا أح��د عشر شاباً بها داره (الشكل .)2 م��ا أورده وال��ن ح��ول ه��ذه القصيدة ومناسبتها من شباب حي خذما بزعم رغبتهم بإنهاء العداوة يُظهران طبيعة األوضاع التي كانت سائدة في البلدة؛ القديمة بينهم ،وإج��راء مصالحة بين الحيين.ذهب إذ ذكر والن ":كانت أحياء الجوف قبل إخضاع شيخ شباب خذما بكل ثقة إلى مضيفهم وسلموا أسلحتهم شمر عبدالله ابن رشيد سنة 1840م1256/ه��ـ لها ،لمضيفيهم أثناء المأدبة ،ولكن مضيفيهم غدروا بهم تعيش حياة نزاع ،والخالفات فيما بينها ال تنقطع ،وسقط أربعة قتلى وهرب ثالثة واحتفظوا باألربعة وكانت السرقات والنهب والقتل من مجريات الحياة الباقين رهائن .وكان من بين القتلى اب� ًُن لمساعد. اليومية .وكان أهل البلدة منقسمين في والئهم بين وألنَّ أهل الدلهمية كانوا مدعومين من قبل حلفائهم شيخين من شيوخ األحياء الكبيرة ال��درع والسراح .السراح ،فقد اشترطوا على سكان خذما دفع فدية وكانت الحركة بين األحياء خطرة ج��داً ،فال يأمن وأن يرحل أهل الجرعاوي وهم حلفاء ألهل خذما من األفراد أو المجموعات التحرك حتى إلى بساتينهم ،حيهم ،ذي الموقع الممتاز ،والذي ترعى حوله قطعان فقد ينقض عليهم أعدائهم دونما سابق إنذار .وكان أغنام السراح. قبل أهل خذما الشروط إلنقاذ أرواح رهائنهم، النموذج األوض��ح لمثل ه��ذه ال�ظ��روف يتجلى فيما
24
اجلوبة -صفر 1427
< الشكل ()2
اجلوبة -صفر 25 1427
وج�م�ع��وا ال�ف��دي��ة وأق �ن �ع��وا أه��ل ال �ج��رع��اوي وكانوا صندوق من القصائد التي كتبها وجمعها .وقد خط ثماني عائالت باالنتقال إلى حي خذما .وتم إطالق بيده قصيدتين لنمر بن عدوان أعدهما والن ضمن سراح الرهائن لكن أهل الدلهمية لم يكتفوا بذلك ،القصائد المعدة للنشر. بل دم��روا حي الجرعاوي تدميراً كامالً .ك��ان أهل أما الشاعر اآلخر سكران ،فقد قال عنه والن أنه الجرعاوي من جبة ويعودون بنسبهم إلى شمر لذلك من سكان حي الرحيبيين وإنه أحد أشهر الشعراء طلبوا مساعدة عبدالله بن رشيد؛ فأرسل أخاه عبيد في شمال الجزيرة العربية رغم أنه أمي ،وكان يحفظ بقوة من شمر لينهي النزاعات السائدة في الجوف، كثيراً من األشعار .وذكر أنه شاعر مديح ،إذ يجول وال سيما بين حيي خ��ذم��ا والدلهمية .ف��رض ابن بين القبائل يمدح شيوخها ،و أنه قد قابله في الجوف رشيد شروطاً على أهل الدلهمية منها إع��ادة مبلغ وفي حائل وجلس معه ساعات ،ليستمع إلى قصائده. الفدية ودف��ع الدية عن قتلى خذما .وق��د تم ذلك، وأنه كان يذهب سنوياً إلى حائل مع جامعي الزكاة، ول �ك��ن أه��ل ال��دل�ه�م�ي��ة أض �ط��روا ل�ل��رح�ي��ل إل��ى حي وليمدح ابن رشيد الذي كان يكرمه. السراح فدمر حيهم بالطريقة نفسها ،التي دمروا عالوة على هذه القصائد لهؤالء الشعراء ،توجد فيها حي الجرعاوي .وخّ ير اب��ن رشيد أه��ل خذما بين االحتفاظ بمبلغ الفدية وبناء حي الجرعاوي أو قصائد أخ��رى لشعراء آخ��ري��ن م��ن ال �ج��وف ،منهم إعطاء المبلغ ألهل الجرعاوي لبناء حيهم بأنفسهم ،الشاعر طعمه الجباب ،لكن والن لم يتمكن من إكمال فاختار أهل خذما الخيار األول .ويذكر والن أنه عند دراسته لكل القصائد التي جمعها ،وبقيت القصائد مغادرته للجوف كان حي الجرعاوي قد ا ُعيد بناؤه ،محفوظة ضمن أوراقه الخاصة الموجودة في مكتبة وأنّ حي الدلهمية كان على حاله من الدمار .وقد جامعة هلسنكي. أورد والن نص القصيدة (الشكل .)3 شكل ماكتبه ونشره وال��ن ح��ول ال�ج��وف ،خلفية
ومن القصائد األخ��رى التي جمعها والن وتمكن من إعدادها للنشر ،قصيدتين لشاعرين صديقين كهلين ،هاما ف��ي ح��ب فتاة اسمها سوير وك��ان كل منهما يريد الزواج منها ،ولكنهما لم يكونا يعرفا نوايا بعضهما .كانت الفتاة قريبة ألحدهما وهو سلمان من أهل خذما ،لذلك كان األخر وأسمه سكران من أهل الرحيبيين يتوسط بسلمان للزواج من قريبته ولكنه لم يفعل شيئاً ألنه يريدها لنفسه.
قد ال تكون قصيدتاهما مهمتين ،بحد ذاتهما، على الرغم من أبعادهما االجتماعية المهمة ،لكن وال��ن يزودنا بمعلومات ح��ول الشاعرين .و ذك��ر أن سلمان شاعر من خذما وكان قد تجاوز الستين من عمره ،وعلى قدر من التعليم ،لذلك اختاره أهل عالج ليكون خطيباً ف��ي مسجدهم .وك��ان مغرماً بجمع األش �ع��ار ب�ق��در م��ا ه��و ش��اع��ر ب�ن�ف�س��ه.وأن نموذجه الشاعر المعروف "نمر ب��ن ع ��دوان" ،و أن��ه يقتفي أثره ويحفظ له أشعاراً كثيرة .وأنه أكد له أن عنده
26
اجلوبة -صفر 1427
مهمة حول أوضاع المنطقة وسكانها ،استفاد منها الرحالة الذين تبعوه ،ولكن لم يقتف أثره أحد ،إال بعد ستة عشر عاماً إذ قام الرحالة اإلنجليزي وليم جيفورد بلغريف بزيارة الجوف واإلق��ام��ة بها لمدة ثمانية عشر يوماً خالل سنة 1962م ،1278/وكان ف��ي طريقه إل��ى وس��ط نجد.كان ه��ذا الرحالة في مهمة سرية ،كلف بها من إمبراطور فرنسا نابليون ال�ث��ال��ث؛ ل��دراس��ة أوض ��اع ال�ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة ،وكان متخفياً بشخصية طبيب من سورية.
كتب هذا الرحالة حول تجربة إقامته في الجوف، ولكن ما كتبه كان في معظمه انطباعات أكثر منه معلومات .ولكن إذا ما ربطنا ما كتبه حول الجوف بما كتبه والن نستطيع أن ندرك مدى التغير الذي حصل في منطقة الجوف خالل الستة عشر عاماً الفاصلة بين الرحلتين .فحكم حائل للمنطقة أصبح حكماً مباشراً وك��ان لألمير ابن رشيد نائب مقيم. وهذا االستنتاج مهم ،ألنه يسمح لنا بتحديد اإلطار
< الشكل ()3
الزمني ألحداث مهمة ،يتحدث عنها أهل المنطقة دون تحديد زمن حدوثها. وه��و ل��م يختلف ع��ن وال��ن ب��وص��ف أه��ل الجوف بالكرم والشجاعة وقابليتهم للتمسك بنواصي التقدم إذا ما اتيحت الفرصة.
وقدر عدد سكانها بستة أالف نسمة .قدم غوارماني معلومات مهمة تتعلق بتاريخ حدوث تمرد حطاب بن س��راح في الجوف ،وح��رب ابن رشيد معه إلخضاع الجوف النهائي لحكم ابن رشيد المباشر لها .و ذكر أن هذا التمرد قد حصل سنة 1853م1270/هـ وأن حطاب كان وقت زيارته مسجوناً في حائل .هذا وقد ذكر بلغريف وهو يتحدث عن زيارته إلى حائل بأنه رأى شخصين ،أحدهما من زعماء الجوف ،بقيودهما في قهوة ابن رشيد إذ كان يسمح لهما بتناول القهوة فيها وهما بقيودهما .وحيث أن زيارة بلغريف كانت قبل غوارماني بسنتين ،فقد يكون حطاب هو من رأه بلغريف في حائل.
بعد هذا الرحالة بسنتين ،زار الجوف الرحالة اإليطالي كارلو غوارماني ،متنكراً بشخصية مسلم من تركيا .ولم يمكث فيها إال عدة أيام ،إذ كان في طريقه إلى سورية بعد انتهاء رحلته التي كانت بهدف شراء خيول عربية أصيلة.و حسب ما ذكر فإنه قد سبق و زار الجوف سنة 1851م1268/ه� �ـ ،لكنه لم يذكر أية تفاصيل حول رحلته األولى هذه .ذكر غوارماني ب�ع��د ه ��ذا ال��رح��ال��ة ل��م ي ��زر ال �ج��وف أي رحالة الجوف باسم جوف العمرو ،وعدد أحياءها وقراها أوروب��ي حتى سنة 1879م1295/ه��ـ ،إذ عبر منطقة
اجلوبة -صفر 27 1427
الجوف الرحالة اإلنجليزي ويلفريد بلغريف و زوجته أح��د مرافقيه بقرب راب��ع ،وه��و في طريقه عائداً الليدي آن بلنت ،وهما في طريقهما إلى حائل بهدف إل��ى حائل من زي��ارة ق��ام بها إل��ى ج��دة .وهنا تجدر ش��راء خيل عربية أصيلة .وق��د نشرت الليدي آن اإلش��ارة إلى أن هوبر جمع في مخطوط ،وهو غير وصفاً لرحلتها ،التي تنبع أهميتها أنها أول رحلة م�ن�ش��ور ،قصائد عبيد اب��ن رش �ي��د ،ومنها قصائد بعد انقطاع الرحالة األورب�ي��ون لمدة خمسة عشر خاصة بأوضاع المنطقة وقصائد أخرى متبادلة مع عاماً ،لذلك يستنتج من وصفها التغيرات اإلدارية شعرائها .ومن هذه القصائد قصائد تتعلق بظروف التي حدثت في المنطقة خالل هذه الفترة الطويلة .سيطرة إمارة حائل على المنطقة ،ومنها قصيدتان فقدمت لنا شخصية نائب أمير حائل في المنطقة متبادلتان بين غالب بن حطاب السراح وناصر بن ج��وه��ر .وأش� ��ارت إل��ى م�ح��اول��ة األت� ��راك السيطرة ق��ادر ،ح��ول طبيعة ما كانت تموج به المنطقة من المباشرة على المنطقة ،والى محسن ابن درع أحد احداث .والقصيدتان فيهما اختالف عما يردد منهما الشيوخ الرئيسين في الجوف الذي لم يكن راضياً بين الناس .وال يتسع المجال هنا لذكرهما كما وردا عن التحوالت السياسية في المنطقة ،لكنه مستسلم في المخطوطة. للوضع ألن ابن رشيد يحتفظ بابنه في حائل رهينة رافق هوبر في رحلته األخيرة الرحالة والمستشرق لضمان استمرار والء ح��ي ال��درع.وت�ن�ب��ع أهمية ما األلماني يوليوس أويتنغ ،الذي كتب حول رحلته ورسم كتبته الليدي آن بلنت أيضاً ،من أنها زارت ووصفت البلدات األخرى في منطقة الجوف وصفاً مباشراً .معالم البلدة كقصر مارد وقصر خزام ورسم شخصية فقد وصفت بلدة كاف ،و بلدة سكاكا ،وهي البلدة جوهر .ولكن اهم ما أورده هو قصة المحاولة التركية ال الرئيسة الثانية في المنطقة وقتها وقدمت وصفاً لحكم الجوف مباشرة وربطها بوالية دمشق ،نق ً مباشراً لهما .وقد ذكرت أن سكاكا أكبر من دومة عن أحد المشاركين فيها.وقد حدد تاريخها بسنة ال�ج�ن��دل ،وفيها ح��وال��ي سبع مئة م �ن��زل ،ونخيلها 1870م1286/هـ. ضعف نخيل دومة الجندل ،وتشمخ فوق قمة مرتفع بعد أويتنغ زار الجوف الرحالة ال�ب��ارون إدوارد من مرتفعاتها قلعة قديمة (قلعة زعبل).وأن بيوتها ن��ول��ده ،وه��و م��ن التفيا ،وم��ن أص��ل ألماني ويعمل أكثر تنظيماً وأحدث ،وليست خربة مثل ما هو عليه لحساب روسيا .كان نولده حينما زار الجوف يقوم الحال في دومة الجندل. بمهمة سياسية ل��دراس��ة أوض���اع وس��ط الجزيرة في العام التالي ،قام الرحالة الفرنسي تشارلز العربية ،ومقابلة محمد ابن رشيد .لم يذكر نولده هوبر ب��زي��ارة إل��ى ال�ج��وف ،وك��ان أي�ض�اً ف��ي طريقه شيئاً كثيراً ع��ن ال�ج��وف ،إال أن��ه أش��ار إل��ى أهمية إل��ى حائل ،وع��دد أحيائها ووص��ف بعض التغيرات موقعها ،وقدر عدد سكانها ما بين 10000و12000 فيها وفي اسمائها ،كما عدّد قراها ،وقدر سكانها نسمة. بما ال يزيد عن اثنا عشر ألف نسمة.كما أنه أشار وفي سنة 1901م1318/ه��ـ ،زار الجوف المبشر إلى حرب 1853م1270/ه �ـ ،والحصار الذي سبقها اإلن �ج �ل �ي��زي آرت �ش �ي �ب��ال��د ف � ��ورد ،ب��ه��دف التبشير واستخدام قوات حائل للمدافع ،لكسر مقاومة إهل بالنصرانية وك��ان يحمل نسخ م��ن اإلنجيل باللغة الجوف ،وأشار إلى أنه رأى أثار الدمار بنفسه. العربية لتوزيعها على السكان .وصف هذا المبشر وقد عاد هذا الرحالة إلى الجوف مرة أخرى ،وكان في طريقه إلى حائل أيضاً عام 1883م1300/هـ .لم يتسن لهوير كتابة مذكراته أو تقديم دراس��ات حول مشاهداته وانطباعاته إذ قتل عام 1984م ،على يد
28
اجلوبة -صفر 1427
رحلته التي قد ال تكون مهمة من الناحية التاريخية، لكنه استخدم الكمرة (الكاميرا) وق��دم أول صور فوتوغرافية لمعالم الجوف .كما أن ما كتبه كان يشير إلى استقرار األوض��اع في الجوف إداري �اً كما كانت
عليه منذ زيارة أخر رحالة ،فجوهر كان ما يزال هو نائب أمير حائل في الجوف. وف� ��ي س �ن��ة 1908م1325/ه � � � � � �ـ ،زار ضابطان إنجليزيان هما اس.اس بتلر و ل .إيلمر الجوف وكانا في طريقهما من بغداد إلى دمشق ،وقدّما معلومات مهمة؛ إذ وصفا ما كان يحدث في حائل من صراع سياسي داخل العائلة الحاكمة في حائل .وأن فيصل ب��ن ح�م��ود ال��رش�ي��د ق��د أص�ب��ح أم �ي��راً ل�ل�ج��وف قبل شهر من زيارتهما ،وقد قاباله شخصياً .ولم يضيفا جديداً حول الجوف من النواحي األخرى إال أنهما أيضاً قدّما صوراً فوتوغرافية جيدة. بعد جميع هؤالء الرحالة الذين تبعوا والن ،جاء دور أه��م وأع�ظ��م رح��ال��ة على اإلط�ل�اق ممن زاروا منطقة الجوف ،وهو الرحالة والمستشرق التشيكي الويس موسيل .فقد قدّم ما لم يقدمه أحد غيره حول شمالي الجزيرة العربية جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً وسياسياً ،بشكل عام ،ومنطقة الجوف بشكل خاص. لقد قام موسيل بزيارتين إلى الجوف؛ األولى وكانت سنة 1909م1327/ه �ـ ،وكان في رحلة شاملة يرسم خريطة شمالي الجزيرة العربية ،ويجول مع قبيلة الرولة .وفي وصفه لرحلته هذه قدم موسيل معلومات تاريخية مهمة ،تتعلق بتطور األوضاع السياسية فيها؛ فقد وصف انتقال حكم الجوف من ابن رشيد إلى نواف الشعالن .فبعد تدهور الحالة السياسية داخل عائلة الرشيد ،ترك فيصل بن حمود الرشيد أمير الجوف المنطقة ،مخلفاً وراءه فراغاً سياسياً فأراد نواف ملئه بطلب من بعض شيوخ البلدة؛ فاندلعت حرب أهلية في دومة الجندل وسكاكا بين المؤيدين والمعارضين للحكم الجديد .وقد وصف موسيل هذه األحداث ،وبيّن الدور الذي لعبه فيها ،والدور الذي لعبه في تأسيس األمارة الجديدة والمحافظة عليها. كما وصف موسيل شخصيات البلدتين الرئيستين ف��ي المنطقة ،دوم ��ة ال�ج�ن��دل وس�ك��اك��ا والعدوات القائمة بين أحيائهما .وكبفية حسم األمور لصالح الحكم الجديد بعد سنتين من الصراعات بين الحكم الجديد وبعض شيوخ المنطقة.
أم ��ا رح �ل��ة م��وس �ي��ل ال �ث��ان �ي��ة ،ف �ق��د ج� ��اءت سنة 1915م1333/ه � � �ـ ،وفيها وص��ف موسيل األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية في إمارة الجوف المستقلة ،وعدّها إمارة من إمارات الجزيرة العربية، ذات الكيان الخاص بها ،بعلمها وجيشها وسياستها الداخلية والخارجية .ووصف موسيل معاناة أهلها خالل فترة زيارته الستمرار حروبهم مع إمارة حائل والقبائل المجاورة ،وتوقهم للسالم مع جيرانهم. اس�ت�ح��وذت منطقة ال�ج��وف على حيز كبير في كتابات موسيل العلمية ،ولكن كثيراً من المعلومات ال سيما الموجودة في أوراق��ه الخاصة ومذكراته، ال تقل أهمية عما نشره ،وقد أطلعت شخصياً على بعض هذه الوثائق وحصلت على نسخ منها ،خالل زي��ارات متكررة إلى المتحف المحفوظ فيه أوراقه الخاصة في جمهورية التشيك ،ستبين الكثير مما خفي حول تاريخ إمارة الجوف خالل الفترة الواقعة من عام 1909م1327/هـ وحتى عام 1919م1337/هـ تاريخ نهاية هذه األمارة. وفي عام 1922م1340/ه �ـ ،زار الجوف الضابط السياسي البريطاني في عمان جون سانت فيلبي، الجوف لدراسة أوضاعها السياسية ،وق��دم وصفاً ألحداثها وأوضاعها ،مبيناً لحالة الصراع السائدة فيها ،والظروف التي سبقت انضمامها لحكم الملك عبدالعزيز. ك��ان فيلبي أخ��ر الرحالة األوروبيين في منطقة الجوف ،خالل الفترة التي تحدثنا عنها ،إذ دخلت الجوف في مرحلة جديدة وعهد جديد الدور لمعرفة تفاصيله للوثائق أكثر مما هي للرحالة. وأخ� �ي ��راً ،أوج� ��ز ال �ق��ول ب ��أن م��ا ك�ت�ب��ه الرحالة األوروبيون كان مهما جداً ألي كتابة لتاريخ المنطقة االجتماعي والسياسي والثقافي والسكاني ،وأنه بدون ما كتبوه كانت ستبقى ثغرات كثيرة في تاريخ المرحلة التي وصفوها من تاريخ المنطقة.
اجلوبة -صفر 29 1427
حاالت األثر ...
> هاشم اجلحدلي
حاالت األثر
أمضي إلى حتفي
ق���ص���ائ���د 30
كأني غارق في تيه أسئلتي
فاكتبوا مرثيتي بدمي
صحراء ذاكرتي
ودعوا ظاللي ..تستفيق على الضالل
وصحراء حياتي كلها
وتستجير بحزن نايْ
وكأنني الصبار
أمضي ..وأمضي ..ثم أمضي
ال الليل يرحمه ..وال نوح الغما ّم
ال شيء يشبهني سوايْ
أمضي إلى حتفي وحيداً ..موحشاً
لغتي عناق النار
ولن أقول سوى
للمطر الصباحي الندي
على اآلتي السال ّم
وبهجتي سوداء ..مهملة
أمضى ..وأمضي ..ثم أمضي
مزاجي غائم
ال األرض أرضي
وك��أن��ن��ي ل �ل �ت��و أخ � ��رج م ��ن ع � ��زاء أعز
وال السماء للوعتي كانت مالذاً
أشيائي
وال معي ..إاليْ
وأسكن في فنائي .
في تغريبة النفي الجديدة نحو آخرة القصيدة
اجلوبة -صفر 1427
قصيدة المحبة
هلت لتغمرني بفيض داللها فأكاد من فيض الدالل أذوب تيهاً وأكاد اكتب سيرتي األولى من موت قافيتي إلى ميالد أجمل ما كتبت لها ...وفيها فكأنني ما قلت حرفاً قبلها وال نثرت حريق أشعاري إال عليها وكأنها ....ما أشرقت لغة وال كانت حياة ،
اال ببهجة روحها .. وبهاء رؤياها كأنها " كلي" يحل مدوزناً في عمق أعماق القصيدة دونما وزن وقافية ودونما معنى، سوى معناها فأقول :يا الله علمني المحبة ثم زدني لوعة وخذ بروحي نحو فتنتها لتكون آخرتي بآخر منتهاها كي ال أحب أنا سواها
اجلوبة -صفر 31 1427
غزل شمالي دائما باتجاه الشمال كان الهوى بوصلة . أو كأني أجي لها واحد و أعود وحيدا ومزدحما بالتي في دمي أو كأن القصيدة تورق بين األصابع كالسنبلة دائماً باتجاه الشمال وال شيء غير الرمال فهل يأوي الرمل من هدهدته السواحل واصطخبت في يديه المويجات هل يأوي الرمل ؟ دائماً باتجاه الشمال وتشتاق للركض نحو مالذ الشمال ألن الهوى بوصلة دائماً باتجاه الطفولة نشتاق للركض نحو مالذ الطفولة كي ال نشيخ 32
اجلوبة -صفر 1427
قتامة الثالثين ..محاطة بالرغبات المقيتة باألنياب الزرقاء الالمعة لعصافير تتخبط في السوائل السوداء قتامة الثالثين . السوائل التي تتماصل في الجوف بانتباه لئال يفضحها االندهاش ،حين تمر عليها السنوات بريش منفضتها وهي تزيح الغبار عن نظرة ثقيلة... تحد ،أو تساؤل.. يهدم مالمحها الرملية أنها ال تحمل ٍ تتابع المنفضة عملها لتلحس القتامة ،بعد ذلك ،وجهها الكثيف الرخو ... الذي لم تجد له طعماً .
> عيد اخلميسي
<
غير ظاهر
فتق غير ظاهر في الحذاء... يدفعك أال ترفع قدمك كثيراً ، أن تقصر خطوتك ، تضع ثقلك أكثر على الحذاء السليمة تتأنى وتحاذر االندفاع ..البد أن تدرس ما ستضع عليه قدمك في الخطوة التالية أال تقترب من األراضي الزلقة وتجمعات المياه ليس مهماً أن يلحظ اآلخرون ذلك فلقد رأيتَ الفتق وتفحصته هذا الصباح .. لكنك لم تلحظ ما حدث بعد ذلك ،حين انتقل للجلد والوجه حبات العرق الصغيرة التي نزت منه مسحتها اليد الباردة وتفوّه اللسان الجاف بتعليق صغير لم يكف ،كعزاء . مناظر مبالغ فيها عرفوا أنك تمر على نظرتك الثقيلة بمنشفة مبللة ليجف الصمغ وال تلتصق بالمناظر الجميلة للعتبات والجسور والكلمات ... أنك سكبت عليها الماء الساخن وحككتها بأظافرك أن شفاهك السوداء مجّ ت دخاناً كثيراً وهي تُطبق وأنها ال تطبق على مناظر جميلة... عرفوا ذلك وسيعرفون األمر مهما بالغت في انتظارك . < شاعر سعودي
اجلوبة -صفر 33 1427
أقدامنا ...بالحديث َ نُبّلِل
> علي احلازمي
جنوب َّي ًة ...كانت ال��ري� ُح تحمِ ل ُنا في على دفَّةِ البحر
ق���ص���ائ���د 34
الشراعِ
الوقت ِ جَ لسنا إلى غُربة
ُم ْذ رَكِ بْنا على زُرقةِ البحرِ
بالحديث ِ رُحنا نُبلِّ ُل أَقدامَنا
والمو ُج مُعتد ٌل في خُ طاه
َفير بفجر و ٍ ٍ عن العائِدين
مراكبُنا أطلقتْ صدرَها للرياحِ
ألحداقِ أطفالِهم
بأمان من البُعدِ كان لها ٍ ولم تكترثْ
لم نَش ْأ أَ ْن نعو َد بخيبةِ أحالمِ نا
ُك ُّل شيءٍ مُعدٌّ بهذا الصباحِ
بالشباك ِ عندما عَ لِقتْ وحدَها
ألَ ْن نَسْ تَرِ َّد مِ َن البحرِ
ال على صمتِنا انتظرنا مسا ًء طوي ً
بعض أَناشيدِ نا الساحلية َ
والريا ُح جنوب َّي ٌة في ِشراعِ الجوانحِ
مَضينا م َع الريحِ ...
تَأخُ ذُنا لمهبِّ الحنينِ المقِ يمِ
تد َفعُنا في المدى غبط ٌة
على اليابِسة
والموَاوي ُل تطفو على فِ َّضةِ الماءِ
ال الشواطيءِ مُنشغ ً ِ كان لي ُل
المراكب ، ِ َغبة في جَ ناح تُلهِ بُ من ر ٍ
روحنا بالصال ِة على ِ
ُربَّما لم يَ ُك ْن حُ لْمُنا ُم ْوثَقاً
وزهو ُر األَماني الصغير ِة
بالشباك كما ينبغي ِ
احلِ العُمرِ ظَ لَّتْ هُناك ...على سَ ِ
بَيْ َد أنَّ الحياةَ تط ِّو ُق ك ََّف المحالِ
ظَ لَّتْ ...
بأرواحنا وتُس ِّم ُر كُلَّ األَيادي ِ
مُجَ فَّف ًة كالغِ ياب
اجلوبة -صفر 1427
تصو ْر ..
> طارق ناصر
حسبتُ القلب تصح ْر وأن العمر مضى حزناً وأنا بالفرح أجد ْر ظننتُ -ظن السوء - أنَّ الحبَّ ..عن َد قدمي تعث ْر لكن ُه ، داهمني الحبُ يا صاحبي وأدركتُ أنه فقط ..تأخر! تصور هو الحبُ إذن يصلح بداخلنا ما تكسر وينثني مبتسماً ويم ُد يداً النازف ِ لهذا الجرحِ لتدركَ يا صاحبي أنك حين تُحب فإن الماضي حتى الماضي ! قد تغيّر .. اجلوبة -صفر 35 1427
هجرات القبائل العربية > إبراهيم بن خليف السطام اختلف العلماء في تعيين مهد الشعوب العربية ،لكن الرأي السائد بين معظم الباحثين ،أن شبه الجزيرة العربية هي المهد والمنشأ األول لإلنسان العربي ،ومنها ب��دأت الهجرات العربية المتواصلة منذ األل��ف الرابع قبل الميالد ،ومن هؤالء: األكاديون ،واآلشوريون ،والكنعانيون ،والفينيون ،والعموريون ،واآلراميون ،واألنباط، والمناذرة ،والغساسنه ،والهالليون،والطائيون،والعتريون( .)1ويعزون ذلك إلى حلول الجفاف التدريجي في شبة الجزيرة العربية ،بعد أن كانت منطقة مطيرة ،في عصور تعود إلى ما قبل عشرة آالف ع��ام ،إب��ان االنحسار الجليدي عن أوروبا، وعندها كانت األمطار في الجزيرة العربية منتظمة في جميع فصول السنة ،بدالً من أن تكون مقصورة على فصل الشتاء. وعندما حل الجفاف بالجزيرة العربية ،اختفت كثي ٌر من األنهار واألودية الجارية ()2 مثل :وادي الحمض ،وادي سرحان ،وادي الرمة ،وادي حنيفة ،وادي الجبلين وقد ورد في السنُّنة المطهرة ما يشير إلى أن بالد العرب كانت وستعود مروجاً وأنهاراً.
ن�����واف�����ذ 36
واألصل في ذلك ما جاء في القران الكريم بقول الله تعالى{ :ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّناهم في األرض مالم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا األنهار تجرى من تحتهم}( .)3وفي هذه اآلية الكريمة مايشير إلى أن بالد العرب كان يسودها عص ٌر مطير ،وأنهار ذات مروج وأنهار. وعلى مر العصور كانت القبائل العربية في ترحال وتنقّل مستمر ،بين أنحاء الجزيرة العربية. ويقول بعض الباحثين ،أنة في حاالت الحروب بين القبائل العربة والشعوب
اجلوبة -صفر 1427
وكان لهم دور معروف في هذه المنطقة ،وفي بادية
ال�م�ج��اورة ف��ي ب��اب��ل وآش ��ور ،أو م��ع ال ��روم ،الفرس وحلفائهم م��ن ال �ع��رب ،ك��ان��ت ال�ه�ج��رة م��ن الشمال الشام ،وال يتسع المقام للحديث عن ذلك. إل��ى ال�ج�ن��وب؛ ألن ال�ص�ح��اري العربية تمثل عمقاً وفي القرن الثالث عشر أيضاً ،أي عام 1205هـ إس�ت��رات�ي�ج�ي�اً يستعصي ع�ل��ى األع� ��داء ال�ت��وغ��ل في تقريباً ،هاجرت بطون من قبيلة شمر من منطقة داخلها. الجبلين ،ومن شمالي الجزيرة العربية إلى العراق، أما في حاالت األمن والرخاء ،فإن هجرة القبائل ك��ان��ت وال ت ��زال م��ن ال�ج�ن��وب إل��ى ال�ش�م��ال باتجاه ومنهم فخذ الجربا ،وذلك في أعقاب منازلهم بينهم، الهالل الخصيب ،حيث األج��واء المعتدلة واألنهار وبين اإلمام سعود بن عبدالعزيز آل سعود ( ،)7وقيل أن هجرتهم بسبب الجدب ال��ذي حل بأرضهم ،ثم واألمطار. وعندما نقرأ في تاريخ منطقة الجوف ،وقبائلها ،تبعهم كثيرون من عشائر شمر ،إلى أن استقر بهم نجد أن أفواجاً وهجرات بشرية من القبائل العربية المقام في أنحاء مختلفة من العراق وسوريا ،ومع م��رت ب�ه��ا ،ع�ب��ر ال�ع�ص��ور المتالحقة ب��ات�ج��اه بالد أن التراع وغ��زوات النهب والسب كانت سائدة بين الرافدين ،أو بالد الشام. العتريين والطائيين ح��ول الماء وال�ك�لاء .فقد حل
وف ��ي ال� �ق ��رون األخ� �ي ��رة ،ك��ان��ت ه �ن��اك قبيلتين الوئام والتفاهم بينهما،وذلك عندما تحولت فروع عظيمتين في بالد العرب ،هما الطائيون والعتريون، من القبياتين من حياة البداوة والترحال ،إلى حياة يمثلون ذروة الهجرات التاريخية في القرون األخيرة، التحضر واالستقرار. وك��ان��ت منطقة ال�ج��وف إح��دى محطات ال�ع�ب��ور أو والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن :ماذا ستكون عليه االستقرار لهاتين القبيلتين. ف�م�ن��ذ ال �ق��رن ال��س��ادس ال �ه �ج��ري ،وب �ع��د تفّرق الحال بعد أن توقفت الهجرات العربية المتواصلة من
الجزيرة العربية ؟ -حيث كانت القبائل العربية حرة
الكلبيين وتوغلهم في ب�لاد ال�ش��ام ،ظهر الطائيون في هذه المنطقة.فقامت اإلم��ارة الطائية في بالد الشام ،وفي تلك الفترة ظهر آل عمرو وآل سرحان على مسرح الحياة و ُع��رف الجوف باسمهم( ،)4وفي أوائل القرن الثاني عشر كانت أفخاذ من عنزة ،ما تزال في الحجاز ومنازلها قرب خبير ويجاورها من الشمال بنى صخر( ،)5وعند ذلك هاجرت الجالس (الرولة والمحلف) وهم آخر أفواج هجرة العنزيين إلى الشمال(.)6
المملكة إل��ى التخطيط المبكر الستيعاب النمو
1الهجرات العربية القديمة (د .محمود عبدالحميد أحمد) 2المصدر نفسه. 3اآلية 6من سورة األنعام 4-عبدالرحمن السديري الجوف وادي النفاخ.
5دكتور علي شواح الشعبي (القشعم). 6محمود محسن مهيدات عشائر شمال األردن. 7أبو عبدالرحمن بن عقيل مجلة العرب العمود 1.2س 17رجب 1402هـ
في تنقّلها ،وفي اختيار أماكن ترحالها وإقامتها في
كل أرجاء الوطن العربي.وذلك قبل أن تفرض عليهم الحدود ،والوثائق ،والجنسية ،في ظل التنظيمات
االستعمارية الحديثة – مما يعني أن الجزيرة العربية
-المملكة العربية السعودية – سوف لن تدفع بأفواج
من رحمها إلى دول الجوار ،وهذا يقتضي أن تبادر
وعلى إثر ذلك استقر قسم من الرولة في منطقة السكاني والبشري المتزايد والمنتظر خالل العقود الجوف ،وقسم آخر واصل الترحال إلى بالد الشام ،القادمة.
اجلوبة -صفر 37 1427
أدب اخليال العلمي العربي بني اجلذور واحلاضر
> د .أسد محمد ظهر الخيال العلمي ك��أدب ،مع تطور العلم واإلن�ج��ازات التقنية الكبيرة التي
رافقته ،في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،التي تمخض عنها
الكثير من االكتشافات والتقنيات التي أثرت على الحياة بمجملها؛ ومنها األدب ،الذي
تفرّع عنه نوع جديد جاء تحت مسمى أدب الخيال العلمي كرديف لتلك التطورات.
وإذا كان كتّاب هذا النوع من األدب قد رسخّ وا هذا الشكل الفني ،ووضعوا له أسساً واضحة ،و تنبؤوا بفطنة وذك��اء منذ البداية ،بنبوءات مهمة كالصعود إلى القمر
وشكل المركبة الفضائية ،فقد ظل هذا األدب وال يزال يثير جدالً كبيراً بين القراء
والنقاد على حد سواء؛ وأهم مرتكز لهذا الفرع صلته الوطيدة مع العلم ،سواء من حيث الركون إلى االكتشافات في سرد النصوص أو الجنوح وراء الفنتازيا ،إلى
أقصى حد لكتابة حكايات ،ال تتفق ومفهوم الخيال العلمي.
يعرّف الخيال العلمي ( )science fictionبأنه إبداع يمتزج فيه العلم مع الخيال
ن�����واف�����ذ 38
واالنتقال عبر آفاق الزمن ،على أجنحة الحلم المطعم بالمكتسبات واالكتشافات
العلمية .ويطرق مؤلفوه أب��واب المستقبل ،بتنبؤاتهم دون زمن محدد؛ فهو نظرة
واسعة على العالم يدخل فيها العلم ،فيمتزج بحقائقه مع خيال الكاتب ،ترسم
أحداثاً تنقلك عبر الزمن إلى المستقبل ،أو الماضي السحيق ،وعبر المكان إلى
الفضاء الخارجي وأعماق البحار ،ومستفيداً من الدراسات االجتماعية والنفسية
ولج أدب الخيال العلمي إلى داخل النفس البشرية عبر منظومتي العلم والخيال. جذور أدب الخيال العلمي في األدب العربي:
اجلوبة -صفر 1427
ع��ن ال�م��ؤث��رات البشرية ،فهي غنية بصور الخيال العلمي الخالق.
كان ال بد من الوقوف عند تعريف الخيال العلمي، كي نجد التباين والتطابق بين ما أنتجه األدباء العرب في قديم الزمان وفي حاضره ،ووفق التعريف ،ومن وتوجد أعمال أخرى ،مثل " :تكاذيب اإلعراب". دون شك ،نجد الكثير من األعمال األدبية في التراث وق��د وردت نصوص منها في كتاب الكامل للمبرد العربي ،تندرج تحت هذه المسمى .ومع اإلشارة أن 268هـ ،وكتاب " الفرج بعد الشدة " للتنوخي 384هـ، المصطلح بالتأكيد لم يكن معروفاً ،يحفل تراثنا وفيها إش��ارات واضحة ح��ول اختراق الزمن ،مثل: العربي القديم بالكثير من الشواهد ،التي ارتكزت القول التالي" :لقد رميت ظبيا مرة فعدل الظبي، على الخيال في رؤيتها لما يحيط بها. ف�ع��دل السهم خلفه ،ث��م ع�لا الظبي ،فعال السهم وتبدأ قصص الخيال مع ملحمة جلجامش ،التي خلفه ثم عدل الظبي ،فانحدر الظبي فانحدر السهم ق��دم��ت لنا ب�ط� ً لا على هيئة رج��ل ثلثاه م��ن اآللهة عليه" ،وهذه الصورة توضح تفكير اإلنسان ،في كيفية وث �ل��ث م��ن ال�ب�ش��ر ،وس �ع��ى ف��ي األرج� ��اء ب��اح�ث�اً عن السيطرة على مسار السهم والتحكم بالزمن. نبتة الخلود ،وعندما وجدها سرقت منه فأيقن أن وهناك أعمال أخرى قامت على الخيال الجامح، الموت ال مفر منه؛ وال يكون الخالص إال باألعمال الخيّرة ،ف��راح يبني أس��وار أوروك لكي يخلد ذكراه مثل :قصة رأس الغول ،وكتاب ضياء األنوار للمؤلف أم��ام شعبه ،ك��ذل��ك تحفل ال�ع�ص��ور الجاهلية بكم أحمد بن عبد الله البكري من القرن الثالث الهجري، كبير م��ن األس��اط �ي��ر وال �ق �ص��ص ،ال �ت��ي اح �ت��ل فيها ورسالة الغفران للمعري ،وقصص ألف ليلة وليلة. الخيال بعداً تكوينياً مهماً ،وتميزت بفنتازيا جامحة ح���اض���ر أدب ال���خ���ي���ال ال��ع��ل��م��ي ف����ي األدب تعكس م�خ��اوف ال�ن��اس وأح�لام�ه��م ،وط��رق الدفاع العربي: عن أنفسهم؛ كحكايات الجن والعفاريت ،والحصان بدأ أدب الخيال العلمي على يد مؤسسيه الفرنسي الطائر ،والبساط السحري ،ومصباح عالء الدين، ج��ول ف�ي��رن (م��وال�ي��د ،)1828واإلن�ك�ل�ي��زي هربرت وطاقية اإلخفاء ،واإلنسان المجنح ..الخ جورج ويلز (مواليد 1866م) ،ودشنا مرحلة التأسيس ثم بدأت مرحلة أكثر نضوجاً ،من حيث الوضوح التي استمرت حتى ع��ام ،1938وأه��م ميزات هذه وبلورة مفاهيم قربت الخيال من التأسيس على وقائع المرحلة اعتمادها على الرحالت ،عبر الزمن إلى معرفية ،ومن هذه األعمال التراثية "رسالة حي بن عوالم مجهولة ،وأبطال مغامرون ،وتناقض بين سير يقظان" ،الشهيرة ،للعالم الفلكي ابن الطفيل ،كتبها األبطال وأفعالهم ،وعدم االستفادة بما فيه الكفاية ف��ي ال�ق��رن 12م ،ف��ي منطقة م��راك��ش األندلسية ، من االكتشافات العلمية الحاصلة. وتعد الندرة األول��ى في مقل أدب الخيال العلمي؛ ما يهمنا هو بداية كتّاب الخيال العلمي العربي، فهي قصة تحكي حياة غالم عاش في جزيرة نائية، معزوالً عن البشر ،أرضعته ظبية ،تربى وتعلم بفطرته ال��ذي تأخر ما يقارب نصف ق��رن ،حتى صدر أول وسلوكه الفردي حتى اهتدى إلى اإليمان بالخالق عز عمل إبداعي متأثراً بأدب الخيال العلمي األوربي، وجل ،فهذه الرسالة تحوي مقومات الخيال العلمي ،فحتى في أمريكا تأخر األدباء في تمثيل هذا اإلبداع وتتحدث عن عملية التكوين اإلنساني والنشأة وأثر إلى ما بعد عام ،1838مع تسلم كامبل رئيس تحرير البيئة والعوامل الطبيعية على اإلنسان وحياته ،بعيداً مجلة " الخيال العلمي الصاعق" ،لكنها انطلقت مع
اجلوبة -صفر 39 1427
ادوارد سميث وال تزال في المقدمة ،أما العرب ،فلم يتمثلوا هذا النوع من اإلب��داع إال في الخمسينيات من القرن العشرين ،بسبب التخلف التقني والعلمي، وع��دم إنجاز التواصل اإلبداعي بين العلم واألدب، إلى أن قدم الكاتب المصري توفيق الحكيم أول قصة له ،عام 1953بعنوان" :في سنة مليون" ،ثم مسرحية عام 1958بعنوان" :رحلة إلى الغد". ثم كتب د .مصطفى محمود روايته " العنكبوت " (1964م) ،و"رجل تحت الصفر" (1967م) ،ومن بعده كتب نهاد شريف روايته " قاهر الزمن" (1966م)، والتي تلتها 6رواي��ات أخ��رى و 8مجامـيع قصصية ومسرحيتان ،إلى جانب عــدد من الدراسات النقدية في هذا األدب. وف��ي السبعينيات :كتب سعد م�ك��اوي مسرحية "الميت الحي" (1973م) وقصتين ضمن مجموعته "الفجر يزور الحديقة" (1975م)،
(1989م) ،ومهندس صالح عبد الغنى روايته "شجرة العائلة األفقية" (1990م) ،وأميمة خفاجي روايتها "جريمة عالم" (1992م) ،والسيد القماحي قصته "الميكروصوت" (1993م). كل هذه األسماء من مصر ،أما من الدول العربية األخرى ،فقد كتب محمد عزيز الحبابي من المغرب رواي��ة "إكسير الحياة" (1974م) ،ود .طالب عمران من سوريا روايته "العابرون خلف الشمس" (1987م)، تلتها أربع روايات وأربع مجموعات قصصية وخمس مجموعات لألطفال ،وزادت أعماله عن األربعين عمالً ،كما كتب عبد السالم البقالي من المغرب رواية "الطوفان األزرق" (1979م) ،ومجموعتين قصصيتين لألطفال ،وقاسم الخطاط من العراق رواية "البقعة الخضراء" (1984م)؛ وطيبة أحمد اإلبراهيم من الكويت رواي��ة "اإلنسان الباهت" (1992م)؛ وجمال عبد الملك من السودان -مجموعة قصص "الجواد األس��ود" (1994م) .ولينا الكيالني من سوريا التي كتبت رواي��ة المستقبل 1997وسندريال عام 2000؛ وق��اس��م قاسم م��ن لبنان ف��ي عمله " لعنة الغيوم " إضافة إلى أسماء أخرى يزيد عددها عن األربعين كاتبا عربيا.
وك �ت��ب األدي���ب محمد ال �ح��دي��دي رواي���ة بعنوان "شخص آخر في المرآة" (1975م) ،ثم جاءت كتابات رؤوف وصفي ،فبدأ بمجموعته القصصية "غزاة من الفضاء" (1979م) ،وتلتها ثالث مجموعات للكبار، ما هي سمات أدب الخيال العلمي العربي؟ وواحدة أخرى للصغار.
هذا السؤال يمكن اإلجابة عنه بعد اإلطالع على وف��ي الثمانينيات والتسعينيات :ق ��دَّ م الكاتب إب��راه�ي��م أس�ع��د محمد مجموعته "ق�ص��ص أخرى" تجارب اآلخرين ال��رواد ،الذين قطعوا شوطاً كبيراً (1980م) ،وحسين قدري روايته "هروب إلى الفضاء" في هذا المجال. (1981م) ،كما كتب صبري موسى رواي�ت��ه "السيد -1حجم اإلنتاج ما زال متواضعاً ،والجدية في التعامل مع هذا األدب من قبل الكتاب ال تزال ضعيفة، من حقل السبانخ" (1986م) ،ثم قدم صالح معاطي إضافة إلى عدم الفصل بين ما هو علمي وما هو مجموعته القصصية "أنقذوا هذا الكوكب" (1986م)، فنتازي؛ فال يمكن القبول بالخطأ الفادح عندما فمجموعته الثانية "العمر خمس دقائق" (1992م)، كتب أحدهم عن رحلة محطة عربية إلى كوكب وكتب عمر كامل روايته "ثقب في قاع النهر"(1987م)، المشتري ،وهو كوكب سائل غازي ،أو أن تحلق ود .علي حسن روايته "السرطان وابتسامة سليمان" طفلة في فقاعة صابون حول العالم. (1987م) .وإيهاب األزهري روايته "الكوكب الملعون" (1987م) ،وعادل غنيم روايته "نادي من عظام فتاة" -2ضعف األداء ف��ي ه��ذا ال�م�ج��ال ،وث�م��ة قلة من
40
اجلوبة -صفر 1427
الكتاب العرب الذين أخلصوا لهذا األدب ،أي كتبوا أعماالً محدودة ضمن أعمالهم األخرى، مثل توفيق الحكيم وغيره ،والذين أخلصوا قلة أمثال :نهاد شريف من مصر ود.طالب عمران من سوريا. -3عدم بلورة هذا األدب ،ليأخذ مكانه بين بقية فروع اإلبداع ،وعدم اهتمام النقاد والمؤسسات به. -4زي���ادة ال �ك��م المتخيل ف��ي األع �م��ال ع�ل��ى الكم العلمي ،ول��م تظهر اآلل ��ة ف��ي األع �م��ال كبطلة شريكة تساعد اإلنسان ،وتدفع به نحو بطوالت تمكنه من اختراق المجهول .ويعود السبب إلى عدم معرفة الكاتب العربي بميادين االكتشافات العلمية ومعايشتها ،فاستخدم فقاعة الصابون بدل المنطاد ،أو أن يصعد إلى القمر عن طريق مصعد من بناية بعشرة طوابق ،بعد أن كتب جول فيرن روايته "من األرض إلى القمر" عام ،1865 وتخيل فيها رحلة إنسان إلى القمر باستخدام مركبة فضائية تطلق بواسطة مدفع ضخم ،ثم ع��ودة ال ��رواد إل��ى األرض وهبوطهم ف��ي مظلة في البحر ،وهذا ما حدث بعد مئة عام في أب 1969على متن مركبة أبوللو. -5ع��دم اس�ت�ف��ادة بقية وس��ائ��ل اإلع�ل�ام (سينما، تلفاز ،رادي ��و )..من تحويل أعمال الكتّاب إلى أف�لام ومسلسالت ،مع استثناءات قليلة ،مثل: تحويل رواية "قاهر الزمن" لنهاد شريف على يد المخرج كمال الشيخ إلى فيلم سينمائي" ،وبعض األعمال المشهدية في التلفزيون السوري لـ د. طالب عمران؛ بينما أصبح أدب الخيال العلمي في الغرب مادة أساسية لكثير من األفالم للكبار وال�ص�غ��ار ،ب��دءا م��ن ع��ام ، 1902عندما جرى تصوير الفيلم ال�ص��ام��ت ال ��ذي أخ��رج��ه جورج ميليس لرواية " من األرض إلى السماء" وال يزال تنتج مثل هذه األعمال بغزارة.
إليهم ،على ما يبدو ،ولم يؤسسوا لمدرسة قادرة على التأثير ،ونشر الفكر العلمي بين القراء خاصة الناشئة منهم. إذن ما يزال أمام هذا النوع من األدب في عالمنا العربي الكثير من الجهد ،خاصة بعد تنوع المعارف ومصادر المعلومات ،وطرق إيصالها للمتلقي ،وظهور فروع جديدة للعلوم ،مثل :علم الوراثة ،واالستنساخ، وعلم األجنة والسالالت ،وعلوم الفضاء ،والزراعة ال�م�ع��دل��ة وراث��ي��اً ،وع�ل��م ال�ن�ف��س واالج �ت �م��اع ..كلها مجاالت جديدة يمكن اإلفادة منها في اقتحام هذا المجال الذي يتزايد االهتمام به يوما بعد يوم.
أهم المراجع: -1آف��اق أدب الخيال العلمي – روب��رت سكولز – ترجمة حسن حسين شكري – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1969 -2الخيال العلمي في األدب – محمد عزام – دار طالس – 1994 -3علم الخيال ومستقبل اإلنسان ،الطيب الجويلي – تونس – .1996 < صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
-6لم يتمكن كتّاب الخيال العلمي من اجتذاب القراء
اجلوبة -صفر 41 1427
تنمية التفكير واملوهبة عند األطفال > محمد صوانه أي��ن يكمن السر في تنمية ط��رق التفكير والكشف عن المواهب الكامنة لدى األطفال؟ إنه االبتــداء! فالخطوات األولى للطفل في اكتشاف وتلمّس ما يشاهده، تعطيه االنطباع األول عما حوله؛ فإذا تابعه والداه ،ووفّرا له البيئة المناسبة للتعبير عما في نفسه ،ودفعاه نحو إثبات قدراته ،وإطالق العنان لطاقاته؛ فإنه سيستمر في االرتـقاء. يولد اإلنسان ،وهو يحمل تشكيلة متنوعة من الصفات الوراثية من والديه ،مع اختالفات بين شخص وآخر ،حتى بين األشقاء في األسرة الواحدة .ويعد الذكاء، من أهم الصفات المرغوبة لدى اآلباء واألمهات ويتمنون أن يولد لهم أبناء أذكياء. ومن الطبيعي أن يكتسب كل مولود نسبة معينة من الذكاء ،ولكن المؤكد أن القدرة على التفكير لدى الطفل يمكن تنميتها وتعهدها بالرعاية من قبل الوالدين أو من قبل القائمين على رعاية الطفل وتعليمه.
ن�����واف�����ذ 42
وألهمية أن يمتاز األبناء بالذكاء والفطنة ،والقدرة على تحليل األم��ور والربط بينها ،وتدبّر أمورهم بأنفسهم ،برع علماء الرياضيات في ابتكار المسائل الرياضية، التي تدرّب التالميذ على إعمال تفكيرهم وإطالق طاقاتهم الذهنية .ولذا ،نجد في الفصول الدراسية أن التالميذ يتفاضلون في معظم المواد الدراسية ،ولكن مادة الرياضيات ،تكتسب األهمية األكبر في تحديد مستويات الذكاء والفطنة ،والقدرة على التفكير ،وإيجاد الحلول والبدائل للمسائل الرياضية المتنوعة. لقد تنبّه العلماء اليابانيون ألهمية ذلك؛ فاعتمدوا وسائل عديدة لتعليم األطفال طرائق العصف الذهني ،وأخذوا يعقدون لهم جلسات خاصة في الفصول الدراسية، لتعلم الوسائل واألساليب ،التي من شأنها أن تسهم في تنمية طالقة التفكير لديهم منذ الصغر .و َم َن ْمِ نَّا يُنكر مدى التقدم العلمي الهائل ،الذي حققه اليابانيون في مختلف مجاالت العلم والصناعة اإللكترونية؟ وما كان ذلك ليتحقق لوال وجود تقنية تعليمية متقدمة في المدارس والمعاهد العلمية والجامعات.
اجلوبة -صفر 1427
إن مؤسسات التربية والتعليم الحكومية منها واألهلية في الوطن العربي ،مدعوة إلى األخذ باألسباب المؤدية إلى تنمية الميول اإلبداعية عند األطفال ،وإي�لاء هذه المهمة إلى مؤسسات وهيئات متخصصة تعنى بتوفير ال��وس��ائ��ل واإلم�ك��ان�ي��ات ال�لازم��ة ل�لأط�ف��ال ،بشكل عام، والموهوبين ،بشكل خاص؛ فاالهتمام ينبغي أن ال يقتصر على الموهوبين ،فال يمكن معرفة متى تتطور المواهب؟ ومتى تبرز عند األطفال؟ لذا ،فان التركيز على فئة دون أخرى ،يحرم المجتمع من مواهب ،قد تضمحل أو تخبو إذا أهملت ،وبالتأكيد فإنها ستنضج وتثمر ،إذا وجدت العناية الالزمة. وم��ن التوصيات التي يجدر أخذها بعين االهتمام والرعاية ،في هذا المجال ما يأتي: .1أن يتكامل دور البيت مع المدرسة ،في رعاية وتنمية طالقة التفكير لدى األطفال منذ سنوات عمرهم .6تأسيس هيئة رسمية خاصة تتولى رعاية األطفال المتميزين والموهوبين وتشجيعهم ،من خالل االهتمام األولى ،ويمكن عقد برامج موجهة لآلباء واألمهات بإبداعاتهم وتوفير المناخ المالئم لتطويرها ،وتقديم في هذا المجال. الحوافز المناسبة لهم. .2توفير برامج تدريبية للمعلمين ،متخصصة في وسائل تطوير اإلبداع عند األطفال.
.3أن تتولى المؤسسات العلمية ابتكار الوسائل واألدوات الالزمة لتهيئة المناخ المالئم لهذا التوجّ ه ،وتتعهده بالرعاية والدعم المادي والمعنوي.
.7تنظيم مهرجانات سنوية ،للمبدعين من األطفال .تعرض فيها إبداعاتهم ،ويدعى لحضورها طلبة المدارس في المراحل العمرية ،ويجري التحضير لها بشكل متكامل .ويمكن إقامة محاضرات ون��دوات يشارك فيها متخصصون ف��ي مختلف ال�ع�ل��وم ذات الصلة باإلبداع واالختراعات ،واستضافة بعض المبدعين الكبار لعرض تجاربهم الشخصية أمام األطفال.
.4قيام المؤسسات ذات العالقة بدور ريادي ،في تطوير برامج متلفزة لألطفال ،يشرف عليها متخصصون في مجال تنمية التفكير واإلبداع ،وتوفير آليات التواصل إن إنتاج وإدارة برامج ريادية تُعنى بتنمية التفكير الفاعل مع األطفال في هذه البرامج الهادفة ،نظراً إلقبال األطفال على متابعة البرامج الموجهة لهم ،وإشاعة روح اإلبداع عند األطفال؛ من شأنها ،بإذن الله، لما فيها من ترفيه وتشويق. أن تسهم في إخراج أجيال أقدر على مواجهة تحديات .5تشجيع نشر الكتب المصورة ،وقصص أدب األطفال المستقبل ،ال بل أقدر على صناعة الحياة ،أجيال فاعلة، التي تعنى بتنمية التفكير ،والكتيبات الخاصة بعرض تضم مبتكرين ومبدعين ومبادرين ،ال منفعلين مقلدين قصص المبتكرين والمتميزين من العلماء ،بأسلوب يكتفون بالتلقي .والفرق -بال شك -كبير بين الحالتين؛ شيّق ومناسب لمرحلة الطفولة ،وتوفيرها بأسعار كما أن الجهد المبذول في االت�ج��اه الجديد لن يكلف ال عن توفيرها في المكتبات المدرسية ،الكثير ،إذا توافر اإليمان ب�ج��دواه ،جنباً إل��ى جنب مع مناسبة ،فض ً المبادرة والحكمة في التنفيذ. ومكتبات األطفال العامة.
اجلوبة -صفر 43 1427
ماذا أقول له؟!!
نزارية حترض على احلب
> فارس الروضان
لشعر ن��زار قباني نكهة ،كنكهة ال�ب��ن ..وعطر، كأريج الخزامى ..حين تقرأ له نصاً تشعر أنك أمام بناء أندلسي ..احترنا أي نص سنقرأ إذ إن الخيارات أكثر من التصور ،ولكن مركبنا رسى فجأة على رائعته "ماذا أقول"؛ فكانت هذه المحاولة ،لقراءة المعاني ال قراءة اللغة ..محاولة لتبسيط النص.. بداية ،يتميز ه��ذا النص الجميل اإلب��داع��ي ،إذ كان ن��زار ينقل شعور الحبيبة التي تعاني الهجر.. ويستعرض الصراعات المتتالية التي تعيشها ،قبل أن تصل إلى القرار ..ثم يختتم النص برأي استثنائي عن الحب.. ماذا أقول له لو جاء يسألني... إن كنت أكرهه أو كنت أهواه؟
ن�����واف�����ذ 44
(ماذا أقول له؟) بداية استفهامية مملؤة بالبراءة.. ماذا أقول له لوجاء يسألني ..وأي سؤال (إن كنت اكرهه أو كنت أهواه) ..حيرة محب غارق في الهوى ال في ال �ك��ره ..وحتى وان تسرب شك في الهوى، هناك محطات يخشاها هذا المحب ،إن عاشها فال مجال لغير الهوى ومنها.. ماذا أقول ،إذا راحت أصابعه
المحب يعيش لحظة صعبة التخاذ أي قرار !! ..ثم تتواصل األسئلة.. وكيف أسمح أن يدنو بمقعده؟ وأن تنام علي خصري ذراعاه؟ االستفهام (وكيف اسمح) إب��راز لحجم الحيرة، فأحيانا نملك القرار ،ولكننا ال نملك القدرة على اتخاذه! ثم يتواصل الوصف (وأن تنام علي خصري ذراعاه) الحظوا هنا التالعب في األلفاظ وتصوروا رس��م المعنى( ..ذراع) يغفو على خصرها فكلمة (تنام) إبهار في المعنى وعمق في الخيال غداً إذا جاء ..أعطيه رسائله ونطعم النار أحلي ما كتبناه هنا يحدث تحوّل ..وإصرار على اتخاذ القرار.. في محاولة للخروج من المؤثرات بإبعاد الرسائل ثم (ونطعم النار أحلى ما كتبناه) أنها محاولة غير صادقة ،وإال لماذا ال تطعم النار من دون حضوره؟ غير أن�ه��ا ح�ي��رة وق ��رار يتوهمان بالميل إل �ي��ه ،ثم تتواصل األسئلة.. حبيبي ! هل أنا حقا حبيبته؟ وهل أصدق بعد الهجر دعواه؟
تلملم الليل عن شعري وترعاه؟ اذاً ..بدأت األسباب تتضح ..إنها تعاني الهجر.. هنا أول المحطات( ..إذا راحت أصابعه ..تلملم وم��ع ذل��ك هي تقول (حبيبي) ،ولكن هل حقا هي الليل عن شعري وترعاه) ويبرز هنا اإلبداع اللفظي ..حبيبته؟ وإن كانت كذلك هل سيسمح لها الهجر واالس �ت �ع��ارة المدهشة ..وك��ل ذل��ك تأكيد على أن بتصديق هذا االدعاء؟
اجلوبة -صفر 1427
أما انتهت من سنين قصتي معه؟ ألم تمت كخيوط الشمس ذكراه؟ ويستمر سيل األسئلة في الجريان ..بيد أن الحبيبة، وهي تتساءل إلقناع نفسها بانتهاء القصة ،تتجه لضرب مثل هش ..مثل يبعث األمل وال يقطع الرجاء ..فخيوط الشمس ال تموت فهي ،وان خنقها الظالم ،ما تلبث أن تمتد وتشرق وتبسط حرارتها على الكون.
وتنهار الحبيبة ،بعد كل المحاوالت الهشة للهروب.. فما فات من مقدمات ليس سوى حديث اللسان ،وليس حديث القلب وها هي تستسلم وتتفقد نفسها للقاء !!.. أأدعي أنني أصبحت أكرهه؟ وكيف أكره من في الجفن سكناه؟
إذا انتهى زمن التلميح وجاء اإلعالن الصادق كسيل أما كسرنا كؤوس الحب من زمن ه��ادر( ..أأدع��ي أنني أصبحت أك��ره��ه) ،نعم فكل ما فكيف نبكي علي كأس كسرناه؟ تقدم هو ادعاء وتعترف أنها (كيف تكره من في الجفن ثم تحاول الحبيبة التأكيد على أن الحب قد كسر ،سكناه)؟ وما الفائدة من البكاء على ذكرى كأس كسرت؟ وكل وكيف أهرب منه؟ إنه قدري ذلك محاولة للتعلق بعذر هش!!.. هل يملك النهر تغييرا لمجراه؟.. رباه ..أشياؤه الصغرى تعذبني وتبدأ بإيجاد المبررات ،باعتبار أن الحب هذا، فكيف أنجو من األشياء رباه؟ ليس س��وى ق��در ،ال يمكن لها التحرر منه .ولزيادة وهنا يبدأ ال �ص��دق ..رب ��اه ..استعانة بالله وعلى اإلقناع ك��ان أن ج��اءت بمثل (ه��ل يملك النهر تغييراً ماذا ..على األلم الذي يقتلها أو يكاد ..فبافتراض أن لمجراه)؟!!.. كل الرغبات ،كانت جادة للرحيل والنسيان ..ما العمل أحبه ..لست أدري ما أحب فيه باألشياء الصغيرة التي تشعل حبها كجمرة يوقدها حتى خطاياه ما عادت خطاياه الريح؟ ..استجداء للنجاة ولكن أين النجاة؟! بيت ال يحتاج إلى مزيد من التعليق وإن كان ما يليه هنا جريدته في الركن مهملة يملك اإلجابة هنا كتاب معاً ..كنا قرأناه الحب في األرض ..بعض من تخيلنا ويبدأ الحصر ..جريدته ،والح��ظ كيف الوصف: لو لم نجده عليها ..ال اخترعناه (في الركن مهملة) ..كأنك تشاهد صورة حية ،لموقع تشير إليه( ..هنا كتاب) معاً كنا قرأناه ..إنها حالة نعم ..وهذا البيت هو من أجمل ما كتب في الحب تلبس واستسالم على األقل برأيي الشخصي.. علي المقاعد بعض من سجائره وبهذا اإلبداع والمطر ،ينهي نزار ملحمة الحب أو وفي الزوايا ..بقايا من بقاياه.. ملحمة الصراع ،بين القلب والعقل ..بين الحب والال وي�ت��واص��ل الحصر ،وتعقب أش �ي��اؤه كلها ..بعض حب ..بين الممكن والمستحيل.. السجائر ..وفي الزوايا بقايا من بقاياه ..وصف في إن��ه ن��ص أعظم م��ن أن نقف عند أط��راف��ه ..نص غاية العذوبة ،وتالعب خطير في المفردات ..وتصوير خ�ل�اق ..مبهر ..يجعل ال�ش�ع��راء يعيدون النظر في تكتف بالبقايا بل بحتى بقاياه.. ِ حالة الحب التي لم شعرهم ،كلما فكر أحدهم أن يكتب عن الحب كما كتب هذا الدمشقي.. مالي أحدق في المرآة ..أسألها بأي ثوب من األثواب ألقاه
اجلوبة -صفر 45 1427
وقفات .. > عمر محفوظ
مع اإلبداع األدبي مع التجربة الشعرية في المملكة العربية السعودية ،تكون العالقة بين اإلبداع
والثقافة والمجتمع ،عالقة متداخلة ومعقدة ،ال ت��درك ،إال بحاسة نقدية نافذة
ومدربة .وبما أن العمل األدبي هو إدراك جمالي للواقع ،الذي نعيشه من طفرات اقتصادية وأدبية واجتماعية غيّرت تغييراً جذرياً في بنية الحياة المجتمع وما
قادت إليه من أنماط سلوكية واتجاهات في التفكير واإلبداع ،فإن أي إبداع أدبي، ال بد أن يتحرك في مجاالت ثالثة :المجال الزمني ،والمجال المكاني ،والمجال
الجمالي .ويجب أن يكون ه ُّم الناقد ،التركيز على تجليات الوعي الكلي والتشكيل
الجمالي لهذه الرؤية ،التي تتفاعل مع ثقافة العصر ال��ذي يعيشه ،ومع نسيجه
االجتماعي الذي يحياه
ولعلنا نلمس أن التجربة الشعرية ،منذ بدايات العصر الحديث ،قد مرت بمراحل
ن�����واف�����ذ 46
ثالث؛ من اإلحياء والبعث ،إلى الرومانسية والوجدان ،إلى التجديد والتغيير .ونرى أنه ليس ثمة فواصل كبيرة بين هذه المراحل.
أما الدراسات ،التي عُنيت بالتركيز على جماليات القصيدة العربية؛ فإنها تناولت
قصيدة التفعيلة؛ منظّ رة لها ومحدّدة أشكالها ،كما هو الحال عند نازك المالئكة أو
عز الدين إسماعيل وصالح فضل؛ ونالحظ في كتاب جماليات القصيدة المعاصرة
للدكتور طه وادي ،أنه قارب بين اإلحيائيين والرومانسيين والحداثيين ،عبر نماذج
اجلوبة -صفر 1427
شعرية ،تبدأ من الزبيري في اليمن ،وتنتهي بأمل
دنقل في مصر،
وم��ن الجدير بالذكر هنا ،فيما يتعلق بالتجربة
الشعرية السعودية ،دراسة الدكتور عبد الله الحامد،
وال��دك�ت��ور عبد ال�ل��ه ال�غ��ذام��ي ،ود حسن الهويمل، ود محمد صالح الشنطي في كتابه القيم التجربة
الشعرية الحديثة ف��ي المملكة العربية السعودية
دراسة نقدية رؤية وشهادة ،وهو من ثالثة مجلدات، ولعلها ال��دراس��ة المتكاملة حتى اآلن من النواحي الثالث :المنهج واألسلوب والهدف.
وكانت بداية الحداثة ،مع األستاذ محمد حسن
العواد ،من خالل تجربته المبكرة ،لكسر عمود الشعر في بداية العشرينات (1924م) ،بعنوان" :خطوة الى االتجاه العربي":
لقد آن أن تستحيل المدامع لنعش روح األمل ثم الق بها نظرة للنجوم نريك أشعة نجم يضئ بليل بهيم أم��ا مخاض السبعينات ،فنرى الشاعر محمد
العلي ،حيث توافرت عوامل عدة ،ساعدت على والدة
تيار جديد في استقبال التجربة الشعرية ،من الطالب
العائدين من الدراسة في الخارج ،أمثال :د .منصور
الحازمي ،ود .عزت خطاب ،ود .محمد الشنطي. وفي توسيع دائرة تقبّل القاريء للنص األدبي ،عند
الشاعر د .غازي القصيبي ،والشاعرة د .فوزية أبو
خالد وعند الشاعر سعد الحميدين ،وأحمد الصالح،
أهم مركز تأثير محلي ،لتطور القصيدة السعودية.
مع الغذامي رائد النقد العربي الحديث ال يمكن لنا أن نغفل مع التجربة الشعرية الحديثة
في المملكة ،رائد النقد وشيخ النقاد العرب الدكتور عبد الله الغذامي ،صاحب اإلنتاج الغزير ،بداية من
الخطيئة والتكفير ،إلى النقد الثقافي؛ إذ حدّ د في مقدمة كتابه األول"الخطيئة والتكفير" منهجه ونَفَسَ ه،
في تناوله ألعمال التجربة الشعرية؛ فيقول:
(ولذلك احترت أمام نفسي ،وأمام موضوعي،
ورح��ت أبحث عن نموذج أستظل بظله ومحتمياً
بهذا الظل ،عن وهج اللوم المصطرع في النفس، ك��ي ال أج�ت��ر أع�ش��اب األم ��س ،وأج�ل��ب التمر إلى
هجر.)..
إلى أن قال( :وخير وسيلة للنظر في حركة النص
األدب ��ي وس�ب��ل ت �ح��رره ،ه��ي االن �ط�لاق م��ن م�ص��در ه
اللغوي).
دون إغ �ف��ال ثقافة المتلقي للنص األدب���ي ،أي
ال�ق��راءة الحرة القائمة على النظام السيميولوجي المختلف ،والتي تتحرك داخ��ل النص كالسراب" :
نظريته التشريحية " ،إلى أ ن وصل بالتجربة الشعرية
بالمملكة ،إل��ى النقد الثقافي ف��ي كتابه " :النقد الثقافي قراءة في األنساق الثقافية "؛ حيث أوضح
فيه د .الغذامي أن النقد الثقافي فرع من فروع نقد
النصوص العام ،ومن ثَ َّم فهو أحد علوم اللغة ،التي تقوم بنقد األن�س��اق المضمرة ،الني ينطوي عليها
الخطاب الثقافي ،بكل تجلياته وأنماطه وصيغه
ومهمة النقد الثقافي ،كشف المخبوء من تحت
وعلي الدميني ،ومحمد الثبيتي ،وغيرهم من جيل أقنعة الكلمات ،ومجاله النص ،الذي يحمل النسق السبعينات .وحقا كان لألديب الناقد محمد العلي ،الثقافي للمجتمع
اجلوبة -صفر 47 1427
بني حب العمل وواقعه
> عقال فالح الفهيقي -اجلوف العمل أمر مقدس ،حثت ورغّ بت به جميع الشرائع واألديان السماويه ..وقد جاء اإلسالم وجعل العمل من أقدس واجبات المسلم الحياتية؛ وأمراً يتعبد به العب ُد الصالح ربه تبارك وتعالى .قال تعالى(( :وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)) .وهذه اآلية الكريمة ،فيها حث ليس فقط على العمل ،بل على إتقانه ال يقوم به المرء ،ليقتات منه ال بالعبادات ،أم عم ً ال روحانياً متص ً سواء كان عم ً وينفع به المجتمع.. وقد رغّ ب اإلسالم بالعمل وحث عليه بآيات كريمة ،ونصوص من السنة المطهرة، قال [( :من بات كاالً من عمل يده بات مغفوراً له)؛ فأي كرامة بعد هذه الكرامة للمرء المسلم.
ن������واف������ذ 48
وفي العمل والمحافظة على وقته نهضة األمم وبناء الحضارات؛ وال عجب فقد كان شعار الثورة الصناعية في أوائل القرن التاسع عشر هو (دعه يعمل دعه يمر) وبالتالي فنحن كمسلمين أولى بأن نكون مثاالً يحتذى به في حب العمل والمحافظة على وقته؛ ونعد ذلك عباده نتعبد الل َه بها ..ونحصل على أجري الدنيا واآلخرة. إال أن المالحظ ،وبكل أس��ف ،هو غياب هذا المفهوم لدى بعض الناس في مجتمعاتنا ،والربط الدائم بين واق��ع العمل وحبه ..فكثيراً ما نبرر ،في عالمنا العربي ،الغياب المتكرر عن العمل ،وعدم اإلنتاجية أثناء التواجد في مقر العمل، والتذمر ،أقول كثيرا ما نبرر ذلك بالوضع الوظيفي ،والراتب المتدني ،أو الدرجة الوظيفية ،أو التأخّ ر في الترقية ..وغير ذلك من التبريرات ،التي ال يقرها الدين
اجلوبة -صفر 1427
الحنيف ،وال يجب أن يقبلها المسلم على نفسه؛ فمن أخذ األجر حاسبه الله على العمل ...ولو عمل أحدنا في صخرة صماء ،ألظهر الله عمله للناس وهذا يعزز مفهوم اإلخالص في العمل ،وكيف يرتقي بصاحبه إلى مواقع متقدمه؟ وال ننكر أن هناك بعض األخطاء والممارسات تقع هنا وهناك على بعض العاملين ،في مختلف مواقع العمل ،التي تكون غير مقصودة غالباً ..وال ننكر أن كل عامل أو موظف لديه طموح ،وهو غالباً يقارن نفسه باآلخرين ،وهذا حق مشروع للجميع؛ ولكن المؤكد أن تلك المطالب ،ال يجب أن تكون أبداً مبرراً للكسل والتراخي ،وإهدار الوقت وضعف االنتماء للعمل ..فك ٌل ميس ٌر لما خلق له ولكن يجب بذل األسباب. ويكفي العامل في شركه أو الموظف في قطاع التثقيف المركز من الجميع ،من خالل وسائل إعالم حكومي شرفاً وع��زة ،أن يشعر بالرضا عن نفسه ،مرئية ومسموعة وكتب علميه..لنشر ثقافة حب أوالً وق �ب��ل ك��ل ش ��يء ،وش �ع��وره ب��أن��ه إن �س��ان منتج العمل كقيمة ،والتفريق بين واقع العمل وحبه. في منظمته (مؤسسته) ،وأن��ه إنسان فاعل ،وذوا ونالحظ أن بعض الناس يمارس مهنة بسيطة، إسهامات إيجابية ،وبهذا فقط ستشعر أنك معادله لا قليالً ،ولكنه يحبها ويبدع فيها! وت��در عليه دخ� ً صعبه ف��ي ع �م �ل��ك!!! ول�ي��س م�ج��رد رق��م ج��ام��د ال يُفاد منه ..وهنا مطلبنا دائما وأب��دا بالتفريق بين وقد ينبثق من هذا الحب شيء مهم يفيد المجتمع، حب العمل وواقعه؛ فأنت تحب العمل لقيمته في وم��ا أحوجنا لذلك في وق��ت تقدم علينا اآلخرون أي شركة أو مؤسسة؛ فالحب هو الحب أينما كان ،بترسيخ هذا المفهوم ومأسسته في ثقافتهم ،ونحن وإذا ترسخ هذا المفهوم في أي منظومة مجتمعيه أول��ى بذلك؛ إذ إننا أمه ذات حضارة ومجد تليد، سيكون له أبلغ األثر في رقيها وتقدمها نحو التطور وما علينا هو فقط استشعار المسؤولية ،وأن يعلم واإلنتاجية ..وبهذا ننافس اآلخرين بأناس يحبون كل فرد في هذا المجتمع أنَّ عليه مسؤوليه أمام العمل ويقدسونه ويعتبرونه قيمه ف��ي أي مكان .الله وأم��ام والة أم��ره ،في تعجيل المركبة وإسراع وبهذا فقط سنرتقي وسنكون ذوي فاعليه وكفائه ال�م�س�ي��رة ن�ح��و ال �ت �ق��دم ،م��ن خ�ل�ال إخ�لاص��ه في في األداء. عمله وتنمية الرقابة الذاتية النابعة من استشعار
والمورد البشري المحب للعمل والمتشبع بهذه المسئولية بضمير حي وي�ق��ظ ..وه��ذا كله بفضل الثقافة هو خير سالح للتقدم الحضاري والمنافسة الحب؛ فالحب أينما تضعه فهو جميل وينبت ويثمر ال�ح�ق��ة وال ي�ت��أت��ى ذل��ك إال ب�خ�ط��وات ج �ب��ارة نحو وروداً وأزهاراً ونهضة كبرى..
اجلوبة -صفر 49 1427
الشاعرة فوزية أبو خالد:
قصيدة النثر أثبتت أن شكال ً شعريا ً جديدا ً طاملا جرى التشكيك في مشروعيته استطاع استيعاب املوروث الشعري
> حوار /رئيس التحرير لم تُثر تجربة شعرية في المملكة العربية السعودية والخليج العربي لبساً ،في تلقيها ،وتبايناً ،في نقدها ،مثلما أثارته تجربة الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد، وعبّرت عنه في مسيرتها الشعرية ،التي تمتد ألكثر من ثالثين عاماً. إذ بقدر ما تعبّر تجربة الدكتورة فوزية أبو خالد عن نفسها بكثير من الصور، انطالقاً من تجربتها المميزة في الكتابة واإلبداع لمختلف أشكال الكتابة اإلبداعية، بقي الشعر هو الغواية األولى ،واللون األدبي المفضل للشاعرة فوزية. فمنذ انطالقتها الشعرية ،عبر مولودها الشعري األول ،ظلت فوزية وفيّة للشعر، تُخرج من خزانتها المليئة باألسرار واألسئلة ،قصائدها التي تل ّو ُن المشه َد الشعري، وتزيده تألقاً.
م��واج��ه��ات 50
غنَّت في قصائدها ،وفاجأت قراءَها ،بلغة رشيقة معبرة في بعض قصائدها، وج��اءت بقصائد مكثفة ،حيناً وبقصائد مطولّة أحياناً أخ��رى .تجيء حاملة في قصائدها كل الذكريات الحميمة ،لتستعي َد الخنسا َء وكأنها ترثي بقصائدها كل األع��زاء ،الذين افتقدناهم في مرحلة ما من حياتنا ،لنعود معها نتذكرهم ،ونعيش معهم في حلم ال ينتهي مع قصائدها. وعلى الرغم من تجارب الشاعرة اإلبداعية ،التي تتجاوز الشعر ،إلى كتابة المقاالت السياسية واإلبداعية والكتابة لألطفال؛ آثرنا أن نتحدث في حوارنا إلى الشاعرة الكبيرة الدكتورة فوزية أبو خالد ،عبر مفاصل تجربتها الشعرية وتحوالتها ،والمرحلة
اجلوبة -صفر 1427
الفاصلة بين ديوانها األول" :إلى متى يختطفونك ليلة العرس" وديوانها األخير "شجن الجماد" ،بوصفهما من أهم التجارب في حياة الشاعرة ،ويمثالن السمة التي ميزت مسيرتها اإلبداعية ،وطبعت صورتها على خارطة الشعر ،وعلى الخارطة الثقافية في المملكة والوطن العربي ،كرائدة لشعر النثر. وفيما يلي نص الحوار: < مفاصل التجربة الشعرية وتحوالتها عند فوزية أب��و خالد ،كيف تنقّلت؟ وكيف ترين ه��ذه المرحلة الفاصلة بين ديوانك األول" :إل��ى متى يختطفونك ليلة العرس" وديوانك األخير "شجن الجماد"؟. > اسمح لي أن أسمي ما تسميه أن��ت بتمرحل تجربتي ال�ش�ع��ري��ة م��ن دي��وان��ي األول إل��ى ديواني األخير ،الذي ليس بأخير بإذن الله ،بتحوالت الريح، أو رحلة الحفر في جوف الصحراء ورمالها ،بحثاً عن مفاجأة ال�م��اء .وإال ،م��اذا يعني أن تتجرأ بنت في الرابعة عشرة ،لم تمد رأسها بعد خ��ارج حجر هضبة نجد وجبروت سلسلة سروات الحجاز ،لتسأل ذلك السؤال الوجودي واالجتماعي االشكالي :إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟ لو لم تكن أحصنتها قد اكتسبت ملكة الجموح ،في ذلك العمر المبكر، عبر مواجهة االرتحال ،في فلوات غير مأهولة إال بالمخاطر وشجاعة غرة ،لمخالفة قانون الجاذبية، ولمخاتلة جبروت الجفاف! لعل منّا م��ن يتنكر ،أو يستسلم لمكر الذاكرة، عندما نحاول أن ننسى أو نتجنب قيافة أث��ر تلك العالقة المشيمية ،بين ما يحمله الشعر في مراحله وأشكاله المتعددة من شهوة الماء ،وبين إرثنا في حفريات االرت �ح��ال ،حيث الهبوب وليس االناخة، والسفر وليس االستقرار ،والقافلة وليس القبيلة هي الوطن .وحيث السؤال وليست اإلجابات المسبقة أو الالحقة ،هو بوصلة قياس سرعة الريح واتجاهاتها،
إن أمكن ،ودرجة الندى في التراب. فلوال دهشة ال�س��ؤال ،التي ت��زداد أوراً وتوهجاً تعرضت عربة العمر ّ وحرقة ،كالزيت في النار ،كلما لمزيد من المالحقات .م��اذا ك��ان سيدفع أو يشفع الم��رأة صهرتها حرائق الحبر إلى اقتراف شيطنة البنات واستراق السمع لشجن الجماد؟ كانت مرحلة "إل��ى متى يختطفونك "..مرحلة األح�لام التحررية ال�ك�ب�ي��رة ،ال �ت��ي ح��اول��ت ب�ج�س��دي ال�ط�ف��ل النحيل، المزاحمة للمشاركة ف��ي حملها م��ع جيل األمهات واآلب�� ��اء ،م��ع م��ا ح���اول ج�ي�ل��ي إض��اف �ت��ه م��ن الملح والجرح على تلك األح�لام .ولهذا ،فلربما يمكنني، وق��د ص��ارت تفصلني عن ذل��ك ال��دي��وان العديد من السنوات ،أن أحمل نفسي على التأمل ،فأميل إلى الظن ،أن قصائد ذل��ك ال��دي��وان ،ربما لم تخ ُل من التنكّر ،حينها ،لمرحلتي العمرية ،بانشغالها بأسئلة المرحلة التاريخية ،في بعديها الثقافي والسياسي؛
اجلوبة -صفر 51 1427
ولهذا ،فلربما لم يكن االختيار المتعمد والمعاند لكتابة قصيدة النثر ،في ذلك الوقت الذي كانت تعد كتابتها ،وخاصة في مجتمع مثل المجتمع السعودي، خ��روج �اً على المقبول والمستتب ،إال تعبيراً عن انحيازي في الشكل الشعري ،على األق��ل ،لرؤية ال تصدع لغير طموح أو باألحرى جموح ذلك الجيل، ال��ذي ودّع طفولته على فجيعة النكسة .وإذا كان دي��وان "ق��راءة في السر" قد خرج من معطف رعب االجتياح اإلسرائيلي للبنان وبركان الحرب اللبنانية وذهول العالم العربي وصمته أمام وقع الكارثة؛ فجاء يحمل هذيا َن وصمتَ الصدمة ،بتشظي تلك األحالم الكبيرة ،وانشكاك شظاياها في حبالنا العصبية؛ فإن ديوان "ماء السراب" حاول االستشفاء من الخيبات وهيبتها ،التي حاصرتنا ،من احتالل الكويت ،إلى إط �ب��اق التحالف على رق��اب�ن��ا ،ف��ي محطات أسلو وملحقاتها ،بالترياق المستحيل ،وهو حرية الشعر ليس إال؛ فهل تظن أفدح من مطلب تلك الحرية؟
لم ألحظ يوم ًا أن شعري كان ليتسم بالغموض!!..
ال مما أبيح من دم شعري .وهذا كما تعلم ،ليس فع ً يليق بطيش الشعر ،إذ إنني ال أرى في الحداثة تهمة، يجب دفعها أو التنصل منها .وموضوع الحداثة ،سواء ما اقتصر اخ�ت��زاالً على الحداثة اإلبداعية ،أو ما شمل الحداثة بمعناها االبستمولوجي واالجتماعي، وس���واء اق�ت�ص��رن��ا ت�ن��اول��ه كمنتج غ��رب��ي ،أو فكّكنا بعض مكوناته ،كمنتج ذا بعد حضاري ،في عالقتنا اإلشكالية ب��ه؛ فهو موضوع ال يمكن تضييق زاوية طرحه ،في الغموض الشعري .ثم إن هناك التحوالت التنظيرية لما بعد الحداثة ،التي تتأسس على عملية المحو المتعمد للحدود الفوقية التي طالما حكمت وحاكمت الفضاءات الثقافية المختلفة .ولست أدعي محايدة محوها .على أن��ه وبعيداً عن كل ذل��ك ،أو < يالحظ المتابع لنصوص فوزية خالل مسيرتها قريباً منه ،أسمح لي أن أسجّ ل إف��ادت��ي المباشرة ال�ش�ع��ري��ة ،م��ا يمكن تسميته ب��ال�غ�م��وض الشعري على سؤالك ،وه��ي أنني لم ألحظ يوماً أن شعري ف��ي ال �ب��داي��ات ،م��ن خ�لال دي��وان��ك األول "إل��ى متى في دواويني األولى ،كان يتسم بالغموض؛ كما أنني ال يختطفونك ليلة العرس" ثم "ماء السراب" ثم "مرثية الماء" وصوال إلى "شجن الجماد" ،إذ يفاجأنا الديوان، بيز بحميمية ولغة شفافة ،تصالن بشكل واضح للقاريء.. ليس إال القلة سمعوا باسمي فهل تولّد هذا نتيجة نضج شعري ،وهدم يقين كان قبل أن أدخل القصيدة متأثراً بشعارات الحداثة ،في مراحل سابقة؟ أم أن وأصير راية ترف ذلك نتاج تجربة حياتية؟ أم ماذا؟! فلستُ إال بقايا قصاصات > هل يحاول هذا السؤال أن يمكر لي أو بي؟ أم أقمشة ملونة أنه يُسائل العبور العابر للحداثة اإلبداعية بمضارب جمعتني الصدفة القبائل المنقسمة بين االس�ت�ق��رار وبين االرتحال ألقي أكف النساء المتأرجحة بين ما كان وبين ما قد يكون؟ كأنك بهذا اشتعال األوعية السؤال ،تقدّم لي صكاً مفتوحاً ،على طريقة الشيك بعد ابتعادها عن النار المفتوح ،ألوقّع براءتي من الحداثة ،أو براءة الحداثة،
52
اجلوبة -صفر 1427
أظن أن شعري في دواويني الالحقة ،يتسم بالوضوح، أو حتى بتلك الشفافية ،التي قد ترشي القارىء ،ألول وهلة ،ولكنها ،كأي غاللة رقيقة لفعل عشق شرس، ما يلبث أن يجرفنا على حين غرة في اللحظة التي قد نظن أننا نمسك بزمامه ،بينما ليس من زمام له. وفي هذا السياق ،فإن شعري في السابق والالحق، يكف عن إن صح أن أق��ول رأي��ي حوله ،يُ�ح��اول أال َّ التحوالت ،وأال يُفرط في حس المغامرة ومباهجها، الشفيفة والغامضة معاً. < للماء حضوره عند كثير من الشعراء ،كما هو لدى سعدي يوسف بحيرات وأنهار ،وعند بعضهم يأتي الماء بصور مختلفة ..إلى أي المصبات تفيض المياه عند فوزية أبو خالد من ماء السراب إلى مرثية الماء؟!..
في تجربة من التجارب القليلة ،إن لم تكن النادرة، في إدخال باب الرثاء بهذا النفس التفجعي الطويل، إلى شعر قصيدة النثر .فهل أردت بقصيدة النثر أن تضاهي شعر الخنساء العامودي الجزيل ،في القدرة على الرثاء كما فعلت الخنساء مع أخيها صخر؟ وهل يمكن أن تكشفي لنا موقع أم محمد ،ف��ي قصيدة مرثية الماء ،حيث لم يفارق محياها ذلك الديوان ،من صفحة الغالف األولى إلى ما بعد الصفحة األخيرة؟ كنت ترثين محمداً في قصيدة مطولة غير مصدقة أنه غ��ادر إلى مكان أخ��ر ،وفي شجن الجماد ،كتبت قصائدك وكأنك صدقت أخ�ي��راً عن طريق محاكاة اشيائه وترجمة مشاعرها ..كيف تولدت لديك هذه القصيدة الطويلة التي تشكل الديوان؟
> أحمد الله أن هذا السؤال السيامي ،من أسئلتك > منذ طفولتي ،يتكرر الماء في أحالمي وفي المسنونة ،قد ال يكون من الممكن فصله جسدياً، كوابيسي في الصحو والمنام ،بعدة أح��وال؛ فمرة دون ضمانات أن ال تعمل أي جراحة يتعرض لها على يكون ينابيع عسل ،ومرة يكون سماً فواراً ؛ مرة يكون فصل التعالق الروحي بين حدَيّ السؤال. شالالت لبن ،تخرج من جوف الصحراء ،ومرة يكون إنك في الشق األول من السؤال تطرح تساؤالً، غديراً خجوالً ؛ مرة يكون طوفاناً خطافاً ،ومرة يكون كثيراً ما وجّ هه إليَّ عدد ممن ق��رأوا الديوان قراءة بحراً؛ ومرة يكون بئراً ليس لها قرار أو قربة ماء؛ ن �ق��دي��ة ،ل��م ي�ك�ف�ه��ا االن �ش �غ��ال ب��ال��دي��وان كقصيدة ومرة يكون مطراً ،ومرة يكون نوافي َر تندف ُع تار ًة من وح�س��ب؛ ب��ل ح ��اوره ،على م��ا ي�ب��دو ،كحالة شعرية الصخر وتتلوى ت��ار ًة أخ��رى مع تموّجات السراب! محملة باحتماالت ج��دي��دة ،الك�ت�ش��اف مجاهل لم وأستطيع أن أُح �دّد ،بالصوت والصورة ،ارتباط كل تكن مطروقة من قبل ،كالرثاء مثال .بما يفصح عن شاردة وواردة في حياتي ،من مشيي األول ،إلى يومي طاقات كامنة في قصيدة النثر ،ال تحد فضاءاتها األول بالمدرسة ،إلى ليلة عرسي ،وأشهر حملي ،إلى على تعاطي اليومي والعادي ،وتحويله إلى شعر ،كما صباحات انتصاراتنا العربية الشحيحة ،أو لواعجي أكتفى بكتابتها وقراءتها في ذل��ك الحيز ع��دد من الشخصية ،أو عتمة الهزائم العامة بانهمار الماء. الشعراء والنقاد. فالماء أمراة ،والماء وطن ،والماء دورتي الدموية، في شعر امرأة ،ال تستطيع ،وإن عاشت في المدن ،أن تخرج على عشق المفاوز والفلوات وأفالك البيداء.
< ف��ي م��رث�ي��ة ال �م��اء ك�ن��ت ت��رث�ي��ن أخ ��اك محمداً بتلك القصيدة الطويلة ،التي شكّلت كامل الديوان
وقد يكون السؤال مردّه نوع من السرور السري، ال شعرياً الذي قد يساور بعضنا حين نحس أن شك ً جديداً ،طالما جرى التشكيك في مشروعيته ،استطاع أو يستطيع ،استيعاب بعض من موروثنا الشعري، باستيعابه لبعض أو كل أغ��راض الشعر التقليدية
اجلوبة -صفر 53 1427
ملكة الشعر ليست حكر ًا على الرجال أو النساء المعروفة تاريخيا كالمديح والهجاء أو الرثاء؛ على أنه ال بد من مالحظة أن السؤال ليس سؤال مضاهاة قصيدة الخنساء العامودية في الرثاء بقصيدة نثر في الغرض نفسه؛ ولكنه السؤال الوجودي والشعري واإلنساني ،الذي دون أن يأبه كثيراً بمواقف النقاد الموضوعي أو حراب الحراس المنحازة ،ليس له إال أن يعيد طرح نفسه ،ممتشقاً رؤىً وأشكاال جديدة للسؤال .أما ما أتطوع ألجيبك عليه ،مما لم تسألني عنه مباشرة ،ولكنه ج��اء س��ؤاالً مفخخاً ،ف��ي هذا الفرع من السؤال ،فهو السؤال النسوي في قصيدة
دلة القهوة
أستمتع برائحة البن والهيل بكل حواسي أترك عبيرها النفاذ ينكّل بالذاكرة فتشقني نصفين أنفاس اليد التي شقت التربة واألفواه التي اشتهت الفاكهة السوداء وأحضان األثواب الرثة التي التقطت القطاف والنار التي ح ّوَّلت الحبات الخضراء عيون داعجة تلتمع في ظالم الوعاء ٍ إلى بينما ال يحتسون من جروح تلك لرائحة إال رشفة المرارة
54
اجلوبة -صفر 1427
الرثاء ،س��واء ما كتبته الخنساء ،أو ما كتبته فوزية أبوخالد ،في مرثية الماء. ودون أن أخ��وض ف��ي فلسفة ال �س��ؤال وفروضه المضمرة ،أق��ول لك ببساطة :إن ملكة الشعر في الرثاء بما يتعلق بهذا السؤال ،تحديداً ،ليست حكراً على النساء أو الرجال؛ ألن حس الفقد وقسوة الفراق ليست مشاعرا تخضع لمعايير ال�ن��وع االجتماعي (أن��وث��ة وذك ��ورة) ،ولكنه قد يكون في ه��ذا الموضع بالذات من التمييز االيجابي الذي أنعم به الله على ال�م��رأة ،على الرغم من ما تتعرض له ط��وال دهور من التاريخ االجتماعي من تمييز عنصري سلبي ،إذ حباها الله وحدها بأن تنعم بملذات وعذابات الحمل وال��والدة ،والقدرة على البكاء أو التفجع ،والتعبير بحرية عن الذات ،على ما في ذلك من فعل إنساني جميل ونبيل .و"ألزي��دك من الشعر بيت" ،فإن هذه القصيدة لم يكتف بمقارنتها بقصيدة الخنساء ،بل جرى ربطها بمراثي ف��دوى طوقان ألخيها إبراهيم طوقان ،كما سمتني بها الصحافة العُمانية "خنساء الجزيرة العربية الجديدة" ،عندما ألقيت ألول مرة ب�م�ه��رج��ان ال�خ�ن�س��اء ال�ش�ع��ري بمسقط ف��ي عُمان 1999م ،وكان مهرجاناً شعرياً ضم عدداً كبيراً من الشاعرات العربيات ،ف��دوى طوقان /فلسطين ، ولميعة عمارة /العراق ،وملك عبدالعزيز وعلية الجيار /مصر ،وفوزية السندي/البحرين ،/وسعيدة خ��اط��رُ /ع�م��ان؛ وح�ض��ور ع��دد آخ��ر م��ن الشاعرات وال �ش �ع��راء .وق��د ط��رح��ت تلك ال�م�ق��ارب��ة والتسمية يستعص على النساء ف��ي أي من ِ ب�س��ؤال :كيف ل��م القصيدة العامودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر تحويل الرثاء إلى حالة شعرية إنسانية؟ أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال ،فاعلم أن أم محمد هي من كتب هذه القصيدة بأعقد وأشف وأقسى وأصعب وأش��رس وأرق مما جاء في ديوان
لقبتني الصحافة العمانية «خنساء الجزيرة العربية» مرثية الماء بماليين المرات .وأم محمد لم تكتب هذه القصيدة بعتمة الحبر ،أو ضوء شاشة الكمبيوتر كما فعلت ،ولكنها كتبتها بمطر عيونها وبدماء أوردتها وشرايينها الدقيقة .كتبتها بشموخها وبسجودها ، كتبتها بنخاع عظمها وبهواء رئتيها ،كتبتها بصحوها وسهرها ،بسواد يأسها وببوارق آمالها في الشاب المسجى على حجرها عشرين عاماً ،الناهض من أح�لام�ه��ا ب�ع��دد أوق ��ات ال �ش��روق ط��وال عقدين من ال��زم��ان .فهل رأي��ت ريشة يُكتب بها الشعر أمضى وأشد رهافة من ريشة النزال السرمدي الشرس بين الموت والحياة. لقد كتبت في أحد قصائد ديواني ماء السراب اهداء ألمي قلت فيه" :إلى نور التي انتحلتُ شعرها < ف��ي قصائدك وج � ٌع دف�ي�نٌ ،وإي �ح��اءات بعيدة، وحزنها وأحالمها لنفسي وكتبتها قصائد باسمي". تختزل تجربة عميقة ،وحياة متعددة ومعاناة ..من ولذا فلربما كان نوعاً من القصاص الذاتي أنني أين تنطلق هذه القصائد؟ أصبت بعد مصاب محمد بجمود حجر أصم، > تنطلق هذه القصائد من ملح األخيلة ،ومن خبز فلم استطع أن أم��ارس مع أم��ي العاب الخفة ،تلك التي كنت اسطو بها على شاعريتها ،وأنسبها لي الحياة ،وبعض التوابل السرية الممزوجة بماء .كما فلم أبكي ولم أكتب شعرا ط��وال ثالث سنوات بعد تنطلق من كثير من تمارين ال��روح الشاقة ،ورياضة رحيله ،غير بعض المسوّدات البائسة .ولهذا ففي ال�ك�ت��اب��ة المهلكة .ه��ذا ع��دا ع��ن ق�ب��س الرمضاء، دي ��وان مرثية ال �م��اء ،ل��م أستطع إال أن أت��رك أمي وسموم السياسة ،وشهد الدهشة من حيوات وحاالت تحرك روحي وأوراقي وأصابعي كما تحرك عاصفة عشق لم نعشها بعد ،كأن تلمح جناح فراشة مغموس طاغية األشرعة ،في محيط مائج متجبر؛ فتجري في الشمع أو في حوض زهر؛ فهل ال تظن أن هذه جسدها واندالعات روحها في األبجدية وتذهب بي الخلطة المحيرة ليست كافية لتعطينا أرغفة الشعر أبعد مني .ومع ذلك لم تكن قصيدة مرثية الماء على أو توهم وهجه. رمزية موت الماء إال تشبهاً بأم محمد في ملحمة < ب��دات تجربتك الشعرية ف��ي مرحلة عمرية صبرها وزهوها وهي تهاتفني بعد أن أغمضت عينيه مبكرة ،وأظهرت نبوغاً قل نظيره..ما الذي أوصلك بيدها وتقول بصوت يحمل رهجة الهزيمة والفوز إلى ذلك؟ معاً :لقد حرّر الل ُه محمداً فاحضروا لتزفوه معي!
اجلوبة -صفر 55 1427
لم أنسى تشجيع محمد حسن عواد وحسن آل الشيخ
> أس �ت �ح��ي م��ن ج� ��رأة ه ��ذا ال� �س ��ؤال ع �ل��ى هذا اإلط� ��راء ،ول�ك��ن رب�م��ا م��ا أوص�ل�ن��ي ل��ذل��ك ،ف��ي ذلك الوقت المبكر ،هو أسرة لم تمنعني ،إن لم يكونوا نور وعبدالله وعمتي طرفة وموضي وعمي محمد وعمي عبدالعزيز وأخوالي :هاشم ،وعلي ،وحمزة ،وجدتيَّ : سارة ،وعائشة ،وإخواني وأخواتي :محمد ،وفيصل، وحسن ،وأحمد ،ونوال ،ونها ،ومشاري ،وأنوار ،و"بؤبؤ عيني" عبدالرحمن ،وحسناء ،قد أجتمعوا جميعاً، على تشجيعي على كل أشكال العشق الضارية .فمن عشق تراب هذه األرض ،وعشق الجمال والعدل ،إلى عشق الكلمة والقراءة ،وعدم التردد في التمرد على الجمود أو البقاء على الحياد ،من حركة الحياة .كما ال أنسى دور معلماتي في مدرستي "المدرسة االبتدائية الخامسة" بحي الرويس بجدة (أبلة نها العبوة) ،ومن مدرستي "المتوسطة األولى" (أبله مواهب وأبلة مهجة من مصر ،وأبلة ابتسام السقا ونبيلة الخماش من سوريا ،وأبلة أحالم عزب من فلسطين) .وكذلك دور
56
اجلوبة -صفر 1427
صديقات الطفولة ومطلع الشباب ،وإ ْن بشكل غير مباشر ،ولكن تلك العالقات كانت تمدني بمساحات للركض البكر ،في فلوات الحب والصداقة والعالقات اإلنسانية الحميمة ،التي هي نسغ الشعر ،وخميرة االش �ت �ع��االت ،وم��ن رفيقات ال�م��درس��ة :أم��ل خوجة، وفاتن كيال ،ون��ورة الجميح ،ون��وف ومنيرة الفارس، وسميرة أسعد ،وفريال جاد الحق ،ون��ور المحضار، وأميمة الجوهري ،وعفاف باحارث ،ولميا باعشن، ونورة السديري ،و"زينة طفولتي" مزنة المحمود .ولن أنسى في عمري الكتابي المبكر ،تشجيع محمد حسن ع��واد ،لي ،والشيخ حسن آل الشيخ ،ومحمد حسين زي��دان ،وحسين سرحان ،وعبدالله جفري ،ومحمد ال��ش��دي ،وف��ات��ن ش��اك��ر ،وخ �ي��ري��ة ال �س �ق��اف ،وحمد الجاسر؛ ففي الصندوق القديم ،ال��ذي تحتفظ لي فيه أمي بعدد من دفاتر التعبير ومقاالتي األولى في اإلبتدائي والمتوسط ،توجد رسائل سخيّة ،كتبوها لي بخطوطهم السامقة ،قبل أن أغادر مقاعد المدرسة. ول�ي��س ل��ي إال أن أش�ك��ر ه��ذا ال �س��ؤال ال�ل� ّم��اح أو الفضاح ،ال��ذي جرّني وو ّرط �ن��ي ،من حيث ال أدري، ّ في الدخول الحميم إلى سجل صفحة خلتها طويت؛ فإذا بها حية مورقة بماء الذكريات األولى ،لمسيرتي الشعرية والكتابية. < كيف تفسرين العالقة بين شعرك ،وبين الصور التي تنحتينها على شكل قصائد ،وما هي العالقة بينها؟ > ه��ل تظن أن هناك عالقة بين "وادي عبقر"، وتلك األطياف واألشباح واألرواح الشريرة ،أو الهامات المتظلمة ،التي تهيم ف��ي بطاحه ،فتزعزع سكونه بأزاميلها ومزاميرها ،وتحوّل صمته إلى ورش عمل،
الصورة الشعرية أعقد من تلك اللقطات التي ال يظهرها إال التحميض في الظالم!!.. متحركة ،في أقل من لمح البصر ،دون أن يجرؤ ضوء
أو عتمة على محوها.
< ماالفارق ال��ذي كان به دي��وان ق��راءة في السر
يحمل شعراً صارخاً متفجعاً في قصائد طويلة ،بينما
جاء ديوان ماء السراب يحمل قصائد مكثفة ،تتدفق برفق وعمق ،وكأنه شعر ال يريد أكثر من أن يهمس بهمسة الرمال؟
> ال�ف��رق ،على المستوى الشخصي ،ه��و فارق
ع�م��ري ،وعلى المستوى ال�ع��ام ه��و ف��ارق تاريخي،
وعشق صاخبة أو هامسة ،تقيم على وقعها بين عرائش ال�ع�ش��رق وال �خ��زام��ى وال �ع��رف��ج ،ف��ي ق��اع��ه السحيق، كما أن��ه ف��ارق ف��ي أف��ق وأدوات اإلب ��داع الشعري، مواكب األع��راس والجنائز ،تلك التي يتسامع الناس عنها بين مكذب ومصدق ،بينما ال يعرف حقيقتها وال السبحة يطّ لع على أسرارها ،إال القوافل العابرة لكمين ذلك أك ُر وأف ُر بين باطن األكف مس ،أو المكان ،بعد منتصف الليل ،أو بعض من بهم ٌ وبين األصابع عندهم طاقات خارقة على مآخات الجن؟ في حركة دائرية وكأنني كواكب لو كان أي كان يستطيع أن يجيب بإيجاب نهائي، تدور في فلك كروي أو يعطي إجابة قاطعة ،على هذا السؤال؛ فإنه عندها على ظهور أفراس فقط ،سيكون ليس لي إال أن أحمل سؤالك محمل ال تكف عن الركض الجد ،وأبدأ في محاولة البحث في السؤال. نحو المجهول إن س��ؤال��ك ،س��ؤال ص�ع��ب؛ ف��ال�ص��ورة الشعرية، ومن فرط االنهماك أعقد من تلك اللقطات التي ال يظهرها إال التحميض في تجنب الوصول إلى نهاية في الظالم ،وإن كان ال يمكن تبسيطها ،أيضاً ،بتلك قلَّ من ينتبه إلى حرماني من العملية الخاطفة التي تقوم بها الكاميرا الرقمية ،في التسبيح تحويل مقاطع الصورة لوناً وحركة ،إلى منحوتات
بمعناهما االبستمولوجية واالجتماعي السياسي.
اجلوبة -صفر 57 1427
كان ديواني قراءة في السر خارج ًا من لحظة تحوالت صادقة على المستوى العربي كتعبير عن االستقالل النسبي للتجربة اإلبداعية نفسها عن محددات المكان والزمان وفي اشتباكه النازع إلى الحرية في العالقة بهما ،وعدم التسليم بضيق شروطهما .فعلى مستوى تاريخي كان ديوان ق��راءة في السر خارجاً من لحظة تحوالت صادمة على المستوى ال �ع��رب��ي ،شكّلت درام �ي��ة التشظي واالنكسار العربي فيه سنة 1982م ،إضافة نوعيّة مرعبة ،على ما عرف بنكسة حزيران عام 67م ،بما تمثل في االجتياح اإلسرائيلي لبيروت ،وفي توسيع مساحة ذبح الحلم العربي من الوريد إلى الوريد، أي من المحيط إلى الخليج ،وفي تحويل بيروت من عاصمة للثقافة العربية الحديثة ،وواحة من حرية وبحر للمثقفين العرب ،بمختلف التيارات الفكرية
الخنجر
على هيئة هالل رهيف في سالم مع نفسه كنت سأكون لوال هذا النصل الذي أصابني في مقتل فأخرجني من سكينتي مثل ما خرج آدم وحواء من الجنة وصار عليَّ ارتكاب الجرائر والبطوالت ألجد معنىً لوجودي
58
اجلوبة -صفر 1427
واإلبداعية ،إلى مدينة للكوابيس والقناصة وأشباح تلوّح ببشاعات الحرب األهلية على الهوية .كما أن دي��وان ق��راءة في السر على مستوى شخصي كان منبعثاً من أتون مرحلة عمرية ،كانت ال تزال مشبوبة بالتجربة الطالبية لتلك المرحلة م��ن االعتصام والمظاهرات والعنفوان والرؤى المتمردة. أما ديوان ماء السراب؛ فعلى الرغم من أنه صدر بعد حرب الخليج الثانية ،وتلك االنقسامات القاصمة، التي ضربت العالم العربي ،ورغم أنه جاء بعد تجربة اجتماعية وسياسية وثقافية موجعة ،تعرضت لها شخصياً ،وتعرض لها جيل عقد كامل من المثقفين، ك��ادت تحيل ت�ع��دد طيف األص ��وات اإلب��داع�ي��ة لتلك المرحلة إلى لون الرماد أو إلى رماد ،فإنه قد جاء أيضاً بعد تجربة األمومة والعمل االكاديمي والبحثي وبعد أن صهرتني التجربة بأسئلة العالقة بين الحرية االجتماعية لإلبداع وبين حرية اإلبداع نفسه .فلم أفعل في ماء السراب إال محاولة جارحة ،الستعادة تلك البنت التي كان يلبسها القرين ،إلى القرين وأطلق أفراسها بغير س��روج في ب��راري الصحراء ،تسابق حلمها في الحرية .وإذ يقولون أن شدة القتال تصقل األسلحة، فقد كان لي بعد تجربة ديواني األول والثاني أن أدخل حواسي في أف��ق جديد لقصيدة النثر .وال اظ��ن أنه يصعب على المتابع لتجربتي الشعرية أن يلحظ ولعي بالتجريب ،بمعناه الفني وشغفي المتعمد في طرق أفاق ،ودق أبواب من الصور والمواضيع والموسيقى، لم يجر دخ��ول قصيدة النثر إليها من قبل .فهل من يلومني إذا كتبت فأفليت ،وأن��ا بنت الفيافي ورفيقة رشا شاردة وشموس معاندة. < من الشعراء الذين أحببت شعرهم؟ وما هي التجارب الشعرية التي استوقفتك؟ .....وفي رأيك من هو الشاعر الذي لم يأخذ حقه؟ > كثير جداً جداً الشعراء الذين أ ُحب شعرهم.
أستطيع أن أعد بدر بن عبدالمحسن شاعر ًا من شعراء الشعر الحديث وإن كان يعد شاعر ًا نبطي ًا من طرفة بن العبد ،الذي اكتشفت به مبكراً حرقة ظلم ذي القرب ،والخنساء التي ج��رى دمعها إلى ركبتيها م��دراراً ،وعنترة ال��ذي ود تقبيل السيوف، وامرؤ القيس ،وعمر بن أبي ربيعة ،وزهير بن أبي سلمى ،وال�ش��ري��ف ال��رض��ي ،ناهيك ع��ن المتنبي الذي تعلًق قلبي بشعره ،تعلّق فتاة غرة ،فلم تعلمني األي��ام ،والتعرف على التجارب الشعرية الفارعة عندما شببت عن ال�ط��وق ،إال م��زي��داً من االفتتان ب��ه ،إل��ى ه�م��وروس ،وعمر الخيام ،وناظم حكمت، وبوشكين ،ولوركا ،ويتييس ،ونيرودا ،وسلفيا بالث، وفولتير ،ووليم وليم ،واليزبيث م��وزرال ،ورستاال، إلى عدد من شعراء الشعر الحديث بالوطن العربي وبالمجتمع السعودي .ومن نازك المالئكة ،وفدوى طوقان ،وسلمى الجيوسي ،ولميعة عمارة ،وحمدة خميس ،وأندريه شديد ،وأمل جراح ،وجمانه حداد، وأشجان هندي ،وأمل موسى ،ولينا الطيبي ،وظبية خميس ،وسعدية مفرح ،وه��دى الدغفق ،ووغيداء المنفى ،وميسون صقر ،إل��ى السياب ،وأدونيس، ومحمود دروي��ش ،وأحمد دحبور ،وغسان زقطان، وراشد عيسى ،وممدوح عدوان ،ومحمد الماغوط، وع�ب��اس بيضون ،وأم�ج��د ن��اص��ر ،ون ��وري الجراح، وس�ل�ي��م ب��رك��ات ،وع�ي�س��ى م�خ�ل��وف ،وع �ب��ده وازن، وس�ي��ف ال��رح �ب��ي ،وزاه ��ي وه �ب��ه ،وع�ل��ي الدميني، ومحمد الدميني ،وأحمد فقيه ،وعلي فقيه ،وغسان الخنيزي ،والثبيتي ،وعبدالله الصيخان ،وآخرين
بطبيعة الحال .هذا إضافة إل�� ��ى ال� �ش ��اع ��ر ب�� ��در بن عبدالمحسن ،ال��ذي وإن ك��ان يعد ش��اع��راً نبطياً؛ ف��إن�ن��ي أع ��ده ش��اع��راً من ش �ع��راء الشعر الحديث، إن لم يكن بطبيعة الحال ع��ل��ى م��س��ت��وى اإلي� �ق���اع، فبدون شك على مستوى العالقة باللغة ،والقدرة ال�م�ب��دع��ة ع�ل��ى مباغتتها ب ��ال� �م� �ف ��ردات وال � �ص� ��ورة وال �ع�لاق��ات ال�ج��دي��دة بها وبما تعبّر عنه. والحقيقة أن��ه قد يبدو من المضحك ل��ي ،على األقل ،أن يورطني هذا السؤال في أن أعدد كل هذه األسماء "المعروفة" ،وكأنني أستعد لنعي ذاتي؛ ولكن لتكن نوع من التحية لمن ذك��رت ،ولمن لم أذكر من الزمالء األموات منهم واألحياء. هناك بطبيعة الحال ،عدد وإن كان ليس كبيراً، من التجارب الشعرية التي استوقفوني وتستوقفني (كتجارب شعرية وليس كقصائد وحسب) ،وبعضها يمتد عبر العصور ،وقد نمى بعضها معي وفي داخلي، في تداخل وتشابك حميم لألزمنة ،ولعدد من الشعراء، ممن لم أكتفي بقراءة شعرهم ،بل عكفت على الشغف بها ،ومنها تجربة الشاعر قاسم حداد في تجلياتها المتعددة بما فيها إطاللتها اإللكترونية المبكرة. أما سؤال من من الشعراء لم يأخذ حقه فإن هذا السؤال من تلك األسئلة التي إما إنها تريد ان تقض مضاجع النقاد ،أو أنها تريد أن تخوض في جروح الشعراء ،وأرى أن أق��رر به أن أض��ع ح��داً وأتوقف عن المضي في التواطأ مع وس��واس ه��ذه األسئلة
اجلوبة -صفر 59 1427
أنفلونزا الطيور ( )Avian fluأسبابها وطرق الوقاية منها
()1
> د .ماهر مفضي العنزي > د .حسني إبراهيم البلبيسي
()2
(Influenza
يعد انفلونزا الطيور مرض معدياً تسببه فيروسات األنفلونزا (ايه) .)A Virusesتشكل الطيور المائية المهاجرة -بشكل خاص البط البري -مستودعاً طبعيا ُ لكل فيروسات األنفلونزا (ايه). وقد ظهر المرض ألول مرة في ايطاليا عام 1878م ،كمرض خطير يصيب الدجاج، وسمي بأنفلونزا الطيور أو طاعون الطيور .ثم ظهر بحالة وبائية لإلنسان (فيروس إتش 1إن )1عام 1918م ،وسمي باألنفلونزا األسبانية .ثم ظهرت األنفلونزا اآلسيوية عام 1957م( ،فيروس إتش 2إن )2ثم أنفلونزا هونج كونج عام (1968فيروس إ تش 3إن .)2وأخيرا ُ من عام 1997حتي يومنا هذا ،ظهر فيروس األنفلونزا بصفة وبائية بين الطيور وسمي باسم (إتش 5إن .)1
ع������ل������وم 60
وهو فيروس قاتل لإلنسان .وقد ظهرت أول حالة بشرية قاتلة في هونج كونج عام 1997م .ويمكن القول أن حاجز األنواع قد سقط إلى غير رجعة؛ ففي الماضي كان يعتقد أن الفيروسات تراعي حاجز األن��واع ،بمعني أال تتعدي على خصوصية مضيفها اإلنسان أو الحيوان ،الذي ترغب في النمو والتطور لديه؛ إذ إن فيروس ( )1وكيل كلية العلوم والمشرف على قسم علوم المختبرات الطبية بكلية العلوم الطبية التطبيقية جامعة الجوف.( )2أستاذ مشارك بقسم علوم المختبرات الطبية وعضو هيئة التدريس بكلية العلوم الطبية التطبيقية -جامعة الجوف
اجلوبة -صفر 1427
أنفلونزا الطيور له القدرة على التبدل السريع ،وهذا ما يمكنها م��ن ت�غ�ي�ي��ر أش �ك��ال �ه��ا بأقصى سرعة ،وهذه هي الطريقة التي استطاع بها ف�ي��روس أنفلونزا الطيور (إتش 5إن )1في شرق آسيا أن يتعرف بها على الخاليا البشرية ويدخل إليها. فهذا الفيروس ف��ي األصل لم يكن فتاكاً ،بل كان يتضاعف عند البط البري دون أن يجعلها تصاب بأي مرض ،وفجأة ودون سابق إنذار أصاب هذا وقد تمكّن العلماء من إماطة اللثام ،عن الكيفية الفيروس الدجاج ،وبدأ يتغير ويتطور في خالياها. التي استطاع بها فيروس األنفلونزا أن يقتل خمسين ويمكن لهذا الفيروس أن يحدث له طفرة جينية ،مليوناً من البشر ،في أنحاء مختلفة من العالم سنة ويصيب اإلن �س��ان بالطريقة ال�ت��ي أص��اب��ت الدجاج 1918م .ويعتقد العلماء أن ه��ذا الفيروس استطاع نفسها ،وربما يكون لهذا الفيروس طريقة أسرع من تجاوز ما يعرف بالحاجز النوعي ،لينتقل من الطيور ذلك تتمثل في التزاوج بين هذا الفيروس وفيروس إلى اإلنسان. األنفلونزا ،الذي يصيب اإلنسان عند أحد األشخاص؛ وهناك ستقع الكارثة.
ويمكن للفيروس أيضاً أن يقوم بهذه العملية عند الخنازير ،حيث يمكن للخنزير أن يحتضن الفيروسين على شكل فيروس من نوع آخر أشد خطراً منهما؛ ويتم ذلك عن طريق انصهار الفيروسين في خلية واحدة، ثم يقوم كل فيروس بإطالق مادته الوراثية ،األمر الذي يؤدي في النهاية إلى إمكانية تبادل الجينات من خالل كسر األغشية ال�ن��ووي��ة لكل منهما وتكوين فيروس جديد ،يصعب على النظام المناعي لجسم اإلنسان التعرف عليه. ولكن متى يمكن أن يحدث ذلك؟ الله أعلم .ومن هنا ت �ح �ذّر منظمة الصحة العالمية م��ن أن ظهور فيروس جديد ناتج من تمازج بين الفيروسين البشري والحيواني ،سيكون سبباً في وقوع ماليين الضحايا من البشر ،بشكل خاص ،وتلك هي الكارثة بعينها.
وتعد المرحلة األولي والمحورية للعدوى ،هي تمكن فيروس األنفلونزا من التعلق بالخاليا التي سينمو فيها مستقبالً؛ ويتمكن الفيروس من ذلك باالستعانة بجزيئات متناهية الدقة تشبه اإلبر ،يطلق عليها علمياً جزيئات الهيماجلوتينين .وال�ت��ي تتعلق بمستقبالت معينة على سطح الخاليا ف��ي جسم الكائن الحي، وق��د أج ��رى ال�ع�ل�م��اء ف�ح�ص�اً دق�ي�ق�اً لهيماجلوتينين ف�ي��روس األنفلونزا القاتل ،ال��ذي اج�ت��اح العالم عام 1918م ،واكتشفوا أن تغيرات طفيفة فحسب على هيكل الفيروس لزمت ليبدأ التعلق بالخاليا البشرية، بدالً من خاليا الطيور؛ وهذا ما جعل الفيروس قادراً على االنتقال من الطيور لإلنسان .وبعد ذلك انتقلت العدوى من اإلنسان لإلنسان ،مما أسقط أعداداً هائلة من الضحايا ،ومن شأن هذا العمل أن يساعد على تحسين رصد الفيروس الحالي (إت��ش 5إن .)1فإذا وجدنا أن هيكل هذا الفيروس يشبه هيكل فيروس عام 1918م ،الذي أمكننا رصده؛ فسنعرف أن بإمكان هذا
اجلوبة -صفر 61 1427
الفيروس الجديد أن يشكل تهديداً للبشر ،وسيتعين أن يوضع تحت رصد ومتابعة نشطة تفوق المعتاد. وه �ن��اك دراس���ة تكشف ت�ح��ور ف �ي��روس أنفلونزا الطيور لساللة خطرة ،إذ اكتشفت حدوث تحور في جين ))B.B.-2في عينة من الفيروس (إتش 5إن ،)1 تم أخذها من مريض في دون��ج ث��اب ،جنوب فيتنام، ك��ان قد م��ات في أوائ��ل العام الحالي ،ويسمح هذا التحور بالتكاثر النشط للفيروس في الثدييات.
درجة مئوية لمدة 6أيام. وفيروسات أنفلونزا الطيور بإمكانها أن تصمد أيضاً على السطوح ،مثل بيت الدواجن لعدة أسابيع، وبسبب هذه القابلية للبقاء ،فإن طرق حفظ الغذاء العادية مثل التجميد والتبريد لن تخفض تركيز أو نشاط الفيروس بصورة جوهرية في اللحوم الملوثة، ولكن الطبخ الطبيعي (درج��ات ح��رارة في ح��دود أو فوق 70درجة مئوية) تعطل الفيروس.
وحتى اآلن ليس هناك دليل على إصابة البشر عوامل انتقال المرض خالل استهالك لحم الدجاج الملوث ،والمطبوخ بشكل وم��ن ال �ع��وام��ل ال��رئ�ي�س��ة ال�ت��ي تنقل ال �م��رض من جيد .ويمكن أن يستنتج بأن لحم الدجاج المطبوخ المناطق الموبوءة إلى المناطق السليمة ،اآلتي: جيداً آمن ،لكن المشكلة تكمن في أن التعامل مع لحم .1الطيور المهاجرة. الدجاج المجمد أو المذاب قبل طبخه يمكن أن يكون خطراً .وباإلضافة إلى ماسبق ،فإن أسلوب تسويق .2العاملون بتربية وبيع الدواجن وطيور الزينة. الطيور الحية ي��ؤدي إلى تعرض شامل وبشكل أكبر .3عن طريق المعدات واألقفاص ،التي ينتقل المرض إلى األجزاء الملوثة من الطيور ،ابتداء بالذبح ،ونزع بوساطتها من مزرعة إلى أخرى. الريش ،ونزع األحشاء ،إلخ ،ما يشكل خطراً ضخماً .4من خالل وسيط كبعض الحيوانات ،مثل :القوارض على الشخص المشترك في هذه النشاطات؛ حيث إن كل أجزاء الطير المصاب ملوثة بالفيروس تقريباً. والقطط والكالب والخنازير. وف�ي��روس أنفلونزا الطيور يمكنه التواجد داخل .5استنشاق الغبار الملوث بالفيروس. البيض وع�ل��ى ق �ش��وره ،على ال��رغ��م م��ن أن الطيور .6تناول الطعام الملوث. المريضة ستتوقف عن الوضع عادةً ،والبيض المنتج ويستطيع فيروس أنفلونزا الطيور البقاء على لحم في مرحلة المرض المبكرة هذه ،يمكن أن يحتوي على ال��دج��اج المذبوح ،ويمكن أن ينتشر عبر المنتجات الفيروسات في الزالل والمح ،إضافة إلى تواجده على الغذائية الملوثة (اللحم المجمد)، سطح القشرة الخارجية. وتزيد درج��ات ال�ح��رارة المنخفضة حصد مرض وإن وق��ت صمود الفيروس على استقرار الفيروس. �اف لنشر س �ط��ح ق �ش��رة ال �ب �ي��ض ك� � ٍ ويستطيع الفيروس أن يبقي في انفلونزا الطيور ال �م��رض ب �ص��ورة وب��ائ �ي��ة .والطبخ غ��ائ��ط ال�ط�ي��ور ل�م��دة 35ي��وم �اً على الجيد فقط سيكون قادراً على تعطيل عام 1918 األقل ،في درجات الحرارة المنخفضة الفيروس داخل البيض ،وليس هناك (4درج � ��ة م �ئ��وي��ة) ،وف ��ي اختبارات خمسني مليون دليل طبي حتى اآلن على أن البشر االستقرار التي أجريت على العينات أصيبوا بالمرض باستهالك منتجات ال�ب��رازي��ة ،استطاع فيروس (إت��ش 5 البيض أو البيض نفسه. شخص إن )1الصمود في درجة ح��رارة 37
62
اجلوبة -صفر 1427
أعراض المرض عند الطيور
.6حدوث نزيف من األنف واللثة.
ومن أعراض أنفلونزا الطيور في الدواجن احتقان .7 ،إحساس باإلعياء والتقيؤ واإلسهال. وبقع دموية بالمفاصل ،وان�ع��دام النشاط والشهية .8 ،آالم في البطن. وتورّم الرأس واألجفان والعرف والداليات ،وزرقة في وف ��ي ال� �ح ��االت ال �ش��دي��دة ت �ح��دث م �ش �ك�لات في العرف ،وإفرازات من األنف والفم ،والسعال والعطس واإلسهال ،والموت المفاجئ .وتصل في أيام محدودة التنفس ،تتضمن التهابات رئ��وي��ة ش��دي��دة .وتتطور اإلصابة إلى قصور في التنفس ،يستدعي االستعانة إلى .100% بأجهزة التنفس الصناعي .وتتطور األع ��راض إلى ول �ل �ت��أك��د م��ن ال �م��رض ف��ي ال �ط �ي��ور ،ي �ت��م إج ��راء قصور كلوي ،وقصور قلبي ،والتهاب كبدي ،ونزف التشريح لمعرفة التغيرات الجهازية ،والتي تظهر في رئوي ،ثم الوفاة. أنفلونزا الطيور ،مثل التهاب في األكياس الهوائية. والطيور التي تكون في فترة إنتاج البيض ،توجد بها وسائل الوقاية من المرض آفات في قناة المبيض ،وفي الحاالت الحادة للمرض وللوقاية من مرض أنفلونزا الطيور ،يجب -أوالً - تنتشر آفات في الجسم ،وتوجد اإلفرازات الليفية في اتباع اإلجراءات الوقائية: التامور ،والبريتون ،واألكياس الهوائية ،وقناة المبيض، .1غسل اليدين بشكل متكرر بالماء الصابون. وقد تتصلب الرئة بااللتهاب ،كما يوجد النخر البؤري في الكبد والكلي والطحال ،ويوجد أيضاً الدوالي في .2االبتعاد عن األشخاص الذين يسعلون وحرارتهم مرتفعة ،وسافروا حديثاٍ إلى الدول الموبوءة. الكبد والطحال والكلي ،كما يكون النزف منتشراً في الجسم و تحت المجهر يمكن أيضاً مالحظة تكهفات .3اس �ت �خ��دام األق �ن �ع��ة ال �م �ت��واف��رة ل�ح�م��اي��ة الجهاز في المخ ،ونخر في األعضاء الداخلية .وللتأكد من التنفسي ،ونظارات للوقاية ،وقفازات للقائمين التشخيص معملياً يمكن إج��راء اختبار ت�لازن الدم، على العالج أو غيرهم من المهنيين المعرضين واختبار االنتشار على الغراء الجيالتيني ،واختبار نيور النتقال العدوى. أميدنيز للكشف عن األنتيجينات السطحية. .4تجنب مخالطة الطيور البرية ،وخاصة البرمائية؛ أعراض المرض عند اإلنسان المصاب ألنها مصدر رئيس النتقال العدوى. وبالنسبة ألع��راض أنفلونزا الطيور في اإلنسان وف��ي حالة ظهور المرض يجب التخلص الفوري فإنها تتمثل في: بطريقة علمية ووقائية من الدواجن المصابة ،وغير
.1ارتفاع في درجة الحرارة تصل إلى 38درجة مئوية ال�م�ص��اب��ة ،مهما ك��ان ع��دده��ا؛ وح�ج��ره��ا ،وتعويض المتضررين؛ حسب اتفاقية منظمة الصحة العالمية، أو أكثر. ومنع دخ��ول العاملين ،والمعدات ،في دائ��رة ال يقل .2السعال. قطرها عن 15كم من المنطقة المصابة ،وكذلك يجب التوعية الصحية للمواطنين القاطنين قريباً من أماكن .3تقرح الحنجرة. توافد الطيور المهاجرة ،والتنسيق والتعاون الدولي .4صعوبة التنفس. واإلق�ل�ي�م��ي والمحلي بين ال�ج�ه��ات المختصة لمنع وصول هذا الوباء الخطير. .5التهاب العيون.
اجلوبة -صفر 63 1427
.3تحسين حاالت كشف اإلصابة بالبشر ،وذلك يستلزم وسائل تجنب انتقال الفيروس مختبرات مجهزة تجهيزاً خ��اص�اً ويتسم عملها ويجب اتباع اإلرش ��ادات الصحية التالية لتجنب بمستوي عال من األمن البيولوجي. انتشار الفيروس خالل الغذاء: .1فصل اللحم النئ عن األطعمة المطبوخة أو الجاهزة .4التعاون مع الشركات العالمية الستيراد اللقاح في حال توافره. لألكل؛ لتفادي التلوث. .2عدم استعمال لوح التقطيع نفسه ،أو السكين ذاته. .3عدم لمس األطعمة النيئة ثم المطبوخة بدون غسل اليدين جيداًً. .4تجنب إعادة وضع اللحم المطبوخ على نفس الصحن الذي وضع عليه قبل الطبخ. .5تجنب استعمال بيض نيئ أو مسلوق بدرجة خفيفة في تحضير طعام لن يعالج بحرارة عالية فيما بعد (الطبخ). .6االستمرار بغسل وتنظيف اليدين بعد التعامل مع الدجاج المجمد ،أو الذائب ،أو البيض النيئ ،مع غسل كلتا اليدين وجميع األسطح واألدوات التي كانت على اتصال باللحم النيئ بالصابون.
.5ت�ك��وي��ن م �خ��زون اح�ت�ي��اط��ي م��ن األدوي� ��ة المضادة للفيروسات. ولعالج أنفلونزا الطيور يجب تحصين الدواجن السليمة بلقاح فيروس المرض (إت ��ش5إن ،)1وذلك لتكوين أج�س��ام مناعية للوقاية م��ن وق��وع المرض. وبالنسبة لإلنسان يجب إعطاء لقاح فيروس المرض ( )D-R-3ل�لإن�س��ان السليم ،وذل��ك لتنشيط جهاز المناعة ،وخيار اللقاح يثير عدة مشكالت منها :أن اللقاح المتوافر حالياً ضد هذا الفيروس يعمل فقط ضد نسخة الفيروس القائمة ،ولكن قد يكون هذا اللقاح غير فعال في التعامل مع نسخة أخرى متحورة وقادرة على االنتقال بين البشر. وفي حالة اإلنسان المصاب يتم عالجه باستخدام دواء مضادات الفيروسات؛ ويوجد منها نوعان:
.7الطبخ الجيد للحم الدجاج سيعطل الفيروسات، النوع األول عبارة عن كبسوالت تسمي (تاميفلو) ويقتلها ،وذلك بضمان وصول لحم الدجاج إلى 70 وهو أكثر فاعلية وتأثيراً على الفيروس ،وخاصة إذا درجة مئوية أو أكثر أ. استعملت في اليومين األوليين لظهور األعراض (خالل وال توجد دولة في العالم في كامل االستعداد لمنع 48ساعة وكلما ك��ان ذل��ك أس��رع كلما كانت النتائج حدوث جائحة األنفلونزا ،ولكن هناك توصيات لمنظمة أفضل) ،كما يساعد أيضاً في الوقاية من الفيروس الصحة العالمية والتي يمكن تلخيصها في التالي: في حال استخدامها قبل اإلصابة؛ وبذلك فإن هذا .1تحسين النهج المتبع في الكشف عن الفيروس في الدواء هو الصالح في حالة انتشار الوباء العام. البيئة ،وخاصة الكشف الدوري على مزارع الدواجن وال� �ن���وع ال��ث��ان��ي ع� �ب ��ارة ع ��ن ن �ق��ط ف ��ي األن ��ف وأم��اك��ن الطيور المهاجرة وال�م��راق�ب��ة البيطرية، تسمي(ريلينزا) .وه��و أق��ل ت��أث�ي��راً على الفيروس وضرورة تكوين فهم كاف للعالقة بين المرض الذي م��ن ال�ن��وع األول .وح��ال�ي�اً تتسابق م��راك��ز األبحاث يصيب الحيوان والمرض الذي يصيب اإلنسان. وال�ج��ام�ع��ات العالمية على إن�ت��اج أم�ص��ال (أجسام .2تنشيط وتنمية التعاون بين قطاع الصحة العامة مناعية جاهزة) الستخدامها في حالة حدوث وباءٍ - وقطاع صحة الحيوان. ال قدر الله.-
64
اجلوبة -صفر 1427
أمراض ناجتة عن ملوثات املنزل > د .بشير جرار
<
متالزمة المسكن الممرض :متالزمة المسكن الممرض عبارة عن ظهور أعراض مرضية على الشخص عند دخوله لمنزل ثم تختفي هذه األعراض عند مغادرة هذا < قسم علوم المختبرات الطبية – كلية العلوم الطبية التطبيقية -جامعة الجوف
ع������ل������وم
تشير ال��دراس��ات البيئية والصحية إل��ى إح�ت��واء أج��واء منازلنا على عشرات الملوثات المسؤولة عن العديد من أمراض الجهاز التنفسي والقلب والحساسية واألورام السرطانية المتنوعة .فعلى سبيل المثال دلت الدراسات حول مستويات المنازل في كل من الهند والصين على أنه مقابل كل حالة وفاة بسبب ملوثات البيئة الخارجية هنالك حالتي وفاة بسبب ملوثات المنازل .وتذكر تقارير منظمة الصحة العالمية بأن حوالي 2.8مليون شخص من البالغين يموتون سنوياً بسبب ملوثات المنازل التي تضع جميع قاطنيها خاصة األطفال والنساء الذين يقضون معظم وقتهم داخل منازلهم تحت طائلة مخاطر هذه الملوثات .وكما أدخلت التقنيات الحديثة العديد من الملوثات عبر أجهزة الميكرويف والهاتف النقال واألجهزة األخرى إلى منازلنا مستويات مرتفعة من الضوضاء واإلشعاع .وبالمقابل ما زال نصف سكان العالم يستخدم الفحم أو الخشب أو روث الحيوانات كوسيلة للطهي والتدفئة على مدافي ومطابخ غير فعالة وف��ي منازل سيئة التهوية .وال غرابة فيما أعلنته منظمة الصحة العالمية بأن 1.9مليون شخص يموتون سنوياً بسبب جسيمات الغبار العالقة في أجواء المنازل مقابل نصف مليون يموتون بسبب هذه الجسيمات في البيئات الخارجية .ومن المؤسف أن تدني مستويات الخدمات الصحية والوعي البيئي يجعل مهمة التصدي لملوثات المنازل ومخاطرها أمراً ليس باليسير .وفيما يلي استعراض ألهم األمراض التي تسببها ملوثات المنازل:
اجلوبة -صفر 65 1427
وتتفاقم المشكلة في المنازل سيئة التهوية .كما أن غازات الطبخ قد تصل إلى مستويات مرتفعة تسبب نوبات الربو ,يضاف إلى ذلك األبخرة المتصاعدة من مواد التجميل ومحاليل الدهان وسوائل التنظيف التي تفاقم من المشكلة .وكما هو معلوم فالربو من األمراض التي ال يتوفر لها حالياً عالج وإنما أدوية مسكنة للسيطرة على أعراضه وللحد من تفاقمه. وهنالك العديد من ملوثات المنازل التي تفاقم حالة المصابين بالربو وأهمها: دخ���ان ال �س �ج��ائ��ر ,ج�س�ي�م��ات ال �غ �ب��ار المنزلي , حلم الغبار ,رذاذ الشعر ,أج��زاء حيوانات المنزل المتساقطة مثل الشعر والريش والقشور,الصراصير المنزل ,حيث تظهر األعراض بعد دقائق من دخول وأج��زائ�ه��ا وفضالتها ,حبوب لقاح بعض النباتات المنزل لكنها قد تستمر لعدة ساعات أو أي��ام بعد المنزلية واألبخرة المصاحبة لعمليات الطهي. مغادرته .وتشاهد هذه الظاهرة في المباني التي يكون ح��ي��وان��ات ال��م��ن��زل م��ن مسببات ال��ع��دي��د من بها تدوير مركزي يمرر بها هواء التكييف خصوصاً األمراض إذا كانت نسبة التبادل مع الهواء الخارجي ضعيفة. حمى الهواء الرطب :حمى الهواء الرطب مرض ومن أع��راض متالزمة المسكن الممرض:الصداع , جفاف األغشية المخاطية بالفم واألنف والحنجرة ,غير معروف األسباب تماماً إال أنه يعتقد أنه ينتج عن تحرش العيون ,دوخة وإغماء ,غثيان ,عدم الراحة استخدام أجهزة ترطيب الهواء في المنازل كوسيلة والعصبية ,األرق المصاحب للنوم ,متاعب بالجيوب للتخفيف من بعض المتاعب الناتجة عن جفاف األنف األن�ف�ي��ة ,ال�ت�ه��اب األن ��ف التحسسي ,طفح جلدي ,والحنجرة والشفاه والجلد .تعمل هذه األجهزة خاصة احتقان أنفي مزمن. المتسخة منها على نشر بعض الملوثات الكيميائية الــربـــو :أظهرت الدراسات الصحية والبيئية أن هنالك عالقة وثيقة بين الربو ووج��ود الصراصير والحلم الغباري والفطريات في المنازل .وكما أن بعض أن ��واع السجاد وال��ده��ان��ات ال�ج��دي��دة وبعض ملوثات ال�ه��واء في المنازل من المسببات األخرى لظهور أع ��راض ال��رب��و .وم��ن أه��م ملوثات المنازل المسببة للربو دخان السجائر واألبخرة المتصاعدة م��ن الطهي واألب �خ��رة الكيميائية ل �م��واد التنظيف والمستحضرات الرذاذية داخل المنازل .ولعل دخان السجائر من أخطر مسببات الربو عند األطفال ,
66
اجلوبة -صفر 1427
والحيوية في أج��واء المنزل .تظهر على المصابين بهذا المرض أع��راض االلتهاب الرئوي التحسسي مصحوب بالحمى .ويعتقد أن ه��ذه األجهزة تنشر مع ال�ه��واء الرطب بعض مسببات ال�ع��دوى ,خاصة الفطريات وحلم ال�غ�ب��ار .وتظهر أع��راض المرض بشكل مبكر على فئات معينة من قاطني المنازل , خاصة المدخنين ومدمني الخمور بسبب خفض المناعة لديهم ,إضافة إلى كبار السن فوق عمر 50 سنة .ومن أعراض هذا المرض اآلتي :صداع ,حمى قشعريرة ,ضعف العضالت ,ضعف عام.
مـــرض الليوجنيير (ح�م��ى ال�ب��ون�ت�ي��اك) :عرف نسبة اإلص��اب��ة بين النساء ال�لات��ي يستخدمن غاز مرض الليوجنييرألول مرة عام 1968م عندما أصاب االسطوانات الذي يطلق مستويات أقل من الملوثات. نزالء أحـد الفنادق في مدينة بونتياك بوالية متشغن ويعد التدخين مسؤول عن انتشار أنواع متعددة األمريكية مـرض غامض وأطـلق عليه حين ذلك حمى م��ن ال �س��رط��ان ,وت�ص��ل مسؤووليته حتى 90٪من بونتياك .وقد اتـضح أن سبـب إصابة نزالء الفندق ح��االت س��رط��ان ال��رئ��ة و 35٪م��ن ح��االت سرطان هو تلوث هواء غرف هذا الفندق ببكتيريا معينة كان المثانة و 30٪من كل حاالت السرطان. مصدرها أجهزة التكييف المركزي ,ومن ذلك الحين داء الســل :ينتشر م��رض ال�س��ل بين القاطنين يطلق هذا المرض على األشخاص الذين يصابون بالمنزل أو العاملين به ,وينتقل من المصابين بهذا ب��أع��راض ال�ت�ه��اب رئ ��وي مصحوبة بحمى كنتيجة المرض إلى اآلخرين بسبب الظروف البيئية للمنزل , الستنشاق ه��واء رط��ب ملوث بـالبكتيريا .وترتبط خاصة االزدح��ام باألشخاص وسوء التهوية .يسبب اإلصابة بهذا المرض بالمنازل الفخمة والقصور هذا المرض المعدي جرثومة تخرج مع البلغم لتصل التي تشتمل على أنظمة التكييف المركزية ,وحمامات إالى إنسان آخرعبر االتصال مع أدوات المصاب. الدردور (دوامات الماء).
والسعال أول أع��راض هذا المرض ويكون حاداً م��ل��وث��ات ال��م��ن��زل م��ن أه��م مسببات سرطان وربما مصحوباً بالبلغم تليه حمى مرتفعة ودوخة الرئة وق��يء وص��داع وأل��م العضالت وال�ص��در وضيق في التنفس .وكما أن اإلسهال صفة مميزة لهذا المرض. كذلك يعاني المصابون الذين يعانون من مشاكل في الجهاز المناعي والمصابين بأمراض الرئة من مزيد من التعقيدات لهذا المرض قد ت��ؤدي إل��ى الوفاة. ال حتى يعود ويستغرق في ال�ع��ادة األم��ر وقتاً طوي ً المريض إلى وضعه السابق .وعلى المصاب المدخن االنقطاع عن التدخين تماماً خالل فترة النقاهة لمدة قد تصل حتى عام .وأبرز األعراض خالل هذه الفترة هو ضعف المقدرة على التركيز عند المصاب.
ال�ح�س��اس�ي��ة :ي �ص��اب س �ك��ان ال �م �ن��ازل بأمراض التحسس كنتيجة لتفاعالت مناعية بسبب تلوث أجواء المنزل بالعديد من الملوثات .ويفاقم المشكلة وجود عوامل أخرى تساعد على اإلصابة بالحساسية المفرطة لهذه الملوثات ,كارتفاع الرطوبة إلى أكثر من 50٪ووجود تسريب للمياه بشكل دائم بالمنزل , إضافة إلى أجهزة التكييف المركزي التي تعتمد على تدوير الهواء المغلق داخل المباني.
وم��ن أش�ه��ر مسببات التحسس داخ��ل المنزل: جسيمات ال �غ �ب��ار ,أب ��واغ ال�ف�ط��ري��ات المنبعثة من س��رط��ان ال��رئ �ـ �ـ��ة :ال �ع��دي��د م��ن م �ل��وث��ات المنازل ج��دران المنازل التي تتعرض لتسريب دائم للمياه , مسرطنة ,خاصة للجهاز التنفسي ومسببة لسرطان حبوب اللقاح ،حلم الغبار ,بعض الجلود والمطاط , الرئة .وأظهرت الدراسات أن الغازات المنبعثة من المطهرات والمنظفات المنزلية ,المستحضرات الطهي ودخ��ان السجائر والمنظفات داخ��ل المنازل الرذاذية في المنزل كالرذاذ المضاد للتعرق والمواد تؤدي إلى العديد من األمراض وفي مقدمتها سرطان الرذاذية المنعشة ,السجاد والموكيت المصنع حديثاً , الرئة .وعلى سبيل المثال في الصين الشعبية فإن الصراصير والقوارض من جرذان وفئران بالمنزل , نسبة سرطان الرئة بين النساء الالتي يستخدمن وجود حيوانات أليفة من كالب وقطط وطيور وأرانب الفحم كوسيلة للطهي في منازلهن هي ستة أضعاف تشارك اإلنسان منزله.
اجلوبة -صفر 67 1427
األهمية االقتصادية للبحث العلمي > د .محمد بن فهد القحطاني
ع������ل������وم 68
يُع ُّد البحث العلمي في غاية األهمية من الناحية االقتصادية ،السيما في الدول النامية ،التي تعاني من عجز كبير في المعرفة العلمية ،وكذلك من نقص حاد في مستوى اإلنفاق على البحث العلمي .وتنبع هذه األهمية من قناعة الدول النامية، في أن السبب المباشر في عدم لحاقها بركب الدول المتطورة ،هو تخلفها التقني، وبالتالي تراجع مستويات النمو ،في العديد من بلدان العالم الثالث .إن العالقة بين اإلنفاق على البحث العلمي ومستويات النمو االقتصادي ،تُعد عالقة وثيقة ال ُعرَى، ومؤكدة ،بالنظر إلى واقع الدول النامية والدول الصناعية؛ فكلما زاد اإلنفاق على البحث العلمي كنسبة من الناتج القومي ،كلما ارتفعت معدالت النمو االقتصادي. والمثال الواضح في هذا المجال هو روسيا ،حيث أدت األزمة االقتصادية الخانقة، إلى تقليص نسبة اإلنفاق على األبحاث والتطوير من 2%في العام ،1990إلى أقل من 1%في العام 1999وقد نجم عن ذلك انهيار اقتصادي كامل ،ما ترتبت عليه مشكالت أخرى؛ كاألزمات المالية ،وتخلف تقنية اإلنتاج ،وتراجع في عدد البحوث العلمية المنشورة ،وتناقص أعداد براءات االختراع والبطالة في صفوف العلماء والباحثين ،والذي دفع بهم إلى الهجرة إلى بلدان أخرى. يزدهر البحث العلمي في البلدان المتطورة ،التي تتمتع اقتصادياتها بطابع تنافسي ،إذ يُنظر إلى البحث العلمي على أنه الوسيلة األكثر فعالية في تحقيق < أستاذ االقتصاد المساعد -معهد الدراسات الدبلوماسية
اجلوبة -صفر 1427
mqahtani@ids.gov.sa
التنمية المستدامة على مستوى االقتصاد الوطني .التعليم الجامعي ،كنوع من الرفاهية ،التي تؤدي إلى ولتحقيق ذلك الهدف تقوم الحكومة بوضع السياسات هدر الموارد المادية النادرة في الدول النامية. العامة ،الكفيلة ببث الوعي العلمي على المستوى الشعبي ،من خ�لال إنشاء مراكز البحوث ،وتقديم
الدعم المادي للمشاريع العلمية والبحثية ،وتصميم المناهج التعليمية الكفيلة بخلق "العقول المتدبرة".
على مستوى القطاع الخاص ،تتنافس الشركات
الصناعية المنتجة ،في مجال تطوير تقنية اإلنتاج ،ما يتطلب إنشاء أقسام األبحاث والتطوير
(Research
،)and Development، R&Dإذ يقوم الباحثون
بتحديث وسائل اإلنتاج ،وتحسين جودة السلع ،ألجل
إقناع المستهلكين بارتفاع مستوى ال�ج��ودة ،مقارن ًة
ب��ال�س�ل��ع ال�م�ن��اف�س��ة األخ� ��رى .ف ��إذا أف�ل�ح��ت الشركة في الحصول على أح��دث تقنيات اإلن�ت��اج؛ ف��إن ذلك يضمن لها ميزة تنافسية ،مقارنة بالمنتجين اآلخرين،
ويحافظ على حصتها في السوق ما يترتب عليه بقائها
واستمرارها .أما على مستوى العلماء والباحثين ،فإنهم يحصلون على الكثير من الدعم المادي والمعنوي ،ألجل
تشجيعهم على االنخراط في إعداد البحوث والتقارير
العلمية المهمة .إن تقديم الجوائز التشجيعية ،يؤدي
إل��ى خلق جو مفعم ب��ال��روح التنافسية ،التي تنعكس إيجاباً على البحث العلمي من خالل إقناع الباحثين بأن قيامهم بالبحث العلمي ،هو عبارة عن استثمار في
مستقبلهم الوظيفي في المقام األول.
يأتي الوضع في الدول النامية على طرف النقيض
منه ف��ي ال ��دول المتقدمة ،حيث التخلف العلمي،
وال �ن��درة ف��ي تقنية اإلن �ت��اج ،وت��دن��ي ف��ائ��دة المناهج ال��دراس �ي��ة؛ وم ��ر ُّد ذل��ك نتيجة طبيعية لسياسات
خاطئة ،من قبل صنّاع القرار ،أو عدم جدية األجهزة الحكومية ،ب�ض��رورة البحث العلمي ،إذ يُنظر إلى
اإلنفاق على المشاريع البحثية والتعليمية ،بما فيها
إن المناهج التعليمية ،سواء في المراحل المبكرة أو ف��ي ال�م��راح��ل العليا ،ق��د ُوض �ع��ت بشكل سريع وغير مدروس ،لحل مشاكل وقتية ،أال وهي مشكلة األمية ،المنتشرة في أكثر ال��دول النامية (بما فيها الدول العربية) .فتلك المناهج تركّز على المهارات األساسية :كالكتابة ،والقراءة؛ وتعتمد على أسلوب التلقين ،بينما تغفل التفكير العلمي اإلبداعي ،وتهمل التدريب على التحليل الخالّق! يشتكي العلماء والباحثون في الدول النامية من قلة الدعم المادي والمعنوي الكتشافاتهم العلمية؛ بل ومن قلة اإلنفاق على المعدات ،والمراجع الضرورية، التي تُعد شرطاً ضرورياً للقيام بأي بحث علمي؛ فعلى سبيل المثال ،تفتقر المكتبات الجامعية للدوريات العلمية المتخصصة ذات الكلفة الباهظة التي تتجاوز قيمة اشتراكاتها الميزانية المحددة للمكتبة ،في حين يُوجّ ه ج ّل اإلنفاق إلى نشاطات بعيدة كل البعد عن النشاطات األكاديمية! وحتى اإلدارات الحكومية المستقلة التي تٌعنى بتقديم الدعم المادي للباحثين، تضع العديد من الشروط والعراقيل ،التي تُحبط المشاريع البحثية ،التي قد تكون في غاية األهمية في نشر الوعي العلمي؛ بل وتعاني ميزانياتها من تحكّم األفراد ذوي الميول البيروقراطية ،الذين قد ال يؤمنون بجدوى تبنّي تلك اإلبداعات .وكنتيجة لذلك التوجه ،يُنفق أغلب الموارد المالية المرصودة على أمور ال تمت بأي صلة لنشاطات البحث العلمي. إن غياب نظام الحوافز للباحثين المتميزين ،أدى إلى فقدان العلماء الرغبة في اإلقبال على البحث العلمي السيما وأن قوانين الوظائف العمومية تقف حاجز في سبيل إعطاء النشيطين في الحقول العلمية
اجلوبة -صفر 69 1427
معاملة خاصة ،وهذه الخاصية األخيرة دفعت األفراد المتحدة األمريكية ،بشكل خ��اص ،حيث بلغ هذا لشغل الوظائف البحثية ،بهدف الحصول على دخل الرقم 85،000باحث في العام .1991 الوظيفة فقط ،دون القيام بالنشاطات العلمية ،التي هناك العديد من ال��دراس��ات االقتصادية ،التي تتطلب جهداً فكرياً مضنياً. تنظر بعين األه�م�ي��ة ل�لأب�ح��اث وال �ت �ط��وي��ر ،كقرار تنبع أه�م�ي��ة ال�ب�ح��ث العلمي ب��وص�ف��ه المصدر استراتيجي لدى صنّاع القرار ،من أجل المحافظة األس��اس للمعرفة التقنية ،المرتبطة بشكل مباشر على القدرة التنافسية ،ومن ثم المقدرة على النمو بعملية اإلنتاج .هذه المعرفة التقنية تُع ُّد المحرك والبقاء .هذه األهمية أيضاً صحيحة ،على مستوى األس��اس لعملية النمو االقتصادي ،كما هو معروف المنشأة ،حيث تتخذ العديد من ال�ق��رارات لتعزيز في أدب�ي��ات علم االقتصاد .وم��ن المالحظ كذلك ،مقدرتها التنافسية ،مثل :جودة اإلنتاج ،والتسعير، وجود رقم ضخم جداً من الباحثين والمتخصصين واالستثمار في الطاقة اإلنتاجية ،واالستثمار في في العلوم البحتة في البلدان المتقدمة بينما على مجال البحوث والتطوير. العكس من ذلك هو الوضع في الدول النامية ،التي هناك العديد من الدراسات التي وجدت عالقة تعاني من نقص حاد في عدد القادرين على القيام وثيقة بين مستوى اإلنفاق على البحوث والتطوير بالبحوث العلمية الضرورية في التنمية الصناعية .في واالختراعات العلمية ،ومستوى التقنية التي تمتلكها الواليات المتحدة األمريكية ،تقوم اإلدارة الحكومية المنشأة ،كما وجدت أيضاً عالقة وطيدة وإيجابية بجهود ج��ادة لتشجيع البحث العلمي ،مثل إنشاء بين مستوى اإلنفاق على البحث العلمي (ال��ذي هو جهة علمية حكومية مستقلة ،تتولى تقديم الدعم موضح ّ الوجه اآلخ��ر للمخترعات العلمية كما هو المادي للباحثين ،فقد أنشأت المنظمة األمريكية من العالقة السابقة) واألرباح المتوقعة .فعلى سبيل المعنية بالبحث العلمي (National Science المثال ،أثبت الباحثون االقتصاديون أن مصدر ثلثي )Foundation، NSFفي العام ،1950بعد تقرير االختراعات العلمية هو األبحاث والتطوير بينما يُعزى وض��ح ذل��ك التقرير أهمية أُع��د للبيت األب�ي��ض ،إذ ّ الثلث الباقي إلى عدة عوامل ،مثل :نقل التكنولوجيا العلوم في الوصول إلى أهداف ،ال يمكن أن تتحقق من المنافسين في السوق ،واقتراحات العمالء ،وغير إال من خالل االعتناء بالبحث العلمي .تقدر المنظمة ذلك من المصادر األخرى. األمريكية المعنية بالبحث العلمي ع��دد العاملين إن المتتبع للتنمية الصناعية في الدول المتقدمة، النشيطين في مجال البحث العلمي بحولي 800،000 شخص في العام ،1995وفي العام نفسه ،تبيّن تقارير يجد أن ه�ن��اك نسقاً لقيام الصناعة ف��ي منطقة اإلح�ص��اءات العمالية ،أن عدد العاملين في مجال ج�غ��راف�ي��ة دون أخ� ��رى .وه �ن��اك ق��ائ�م��ة ط��وي�ل��ة من العلوم الطبيعية والهندسية ما يقارب 1،722،000العوامل االقتصادية التي ت��ؤدي إلى قيام المناطق موظف .ومن اإلحصاءات المهمة كذلك ،يتبين وجود الصناعية ،إال أن أه��م تلك األس �ب��اب ال �ق��رب من عدد كبير من حملة الدكتوراه ،في المجاالت العلمية مراكز البحوث والتجمعات العلمية؛ ففي الواليات والهندسية البحتة ،المنخرطين في البحث العلمي المتحدة األمريكية على سبيل المثال ،هناك تجمعات في الدول المتقدمة ،على وجه العموم ،وفي الواليات للصناعة ف��ي منطقة وادي السليكون (Silicon
70
اجلوبة -صفر 1427
)Valleyفي والي��ة كاليفورنيا وذل��ك بسبب القرب
من جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا (بيركيلي)، وهناك تجمع صناعي كبير جداً في منطقة بوسطن
( ،)Boston، Massachusetts، Route 128الذي يعود إلى وجود جامعة هارفرد ()Harvard University ومعهد ماسشوستس التقني.
(Massachusetts
)Institute of Technology، MITإن م��ن أهم
األسباب التي أسهمت في نجاح وانتشار الصناعة
في الواليات المتحدة األمريكية ،هو إنشاء الجامعات
ومراكز البحوث لمكاتب ارتباط مع رجال الصناعة،
حتى يتحقق تفعيل نتائج البحوث التي تم التوصل إليها ،واالستفادة منها.
تنخرط الشركات متعددة الجنسيات ،ذات الحجم
الكبير ،في القيام باألبحاث والتطوير لتقديم مخترعات
جديدة ،كفيلة بتعزيز مقدرتها التنافسية .المنشآت
في الصناعات عالية التقنية ،والدواء وااللكترونيات، ت�ق��وم بعمليات ال�ب�ح��وث ف��ي معاملها المنتشرة في
العديد من الدول؛ فعلى سبيل المثال شركة موتوريال
( )Motorolaتقوم بعملية البحوث في 14مختبراً منتشرة في سبع دول .والمثال اآلخ��ر ،شركة كانون
( )Canonتقوم بعمليات األبحاث والتطوير في ثمانية
مراكز متخصصة في هذا النوع من النشاطات منتشرة
في خمسة بلدان مختلفة.
هناك سببان أساسيان في قيام الشركات عبر
القومية بالبحوث والتطوير لمنتجاتها في عدة دول
خالفاً لالتجاه السائد ب��أن تركز الشركة عمليات
األب �ح��اث وال�ت�ط��وي��ر ف��ي معامل قريبة م��ن المركز
الرئيسي للشركة ،ه��ذان السببان ه�م��ا :أوالً ،أن تستفيد المنشأة م��ن م��راك��ز المعلومات والبحوث
المتوافرة في ال��دول األخ��رى ،كالجامعات ،ومراكز األبحاث التابعة للشركات المنافسة .ثانياً ،تحاول
الشركات العالمية التقرّب من ذوق المستهلك ،من خ�لال دراس ��ات ال�س��وق المحلي حتى تحافظ على قدرتها التنافسية ،ألجل استمرار التحكم في السوق المحلي وحرمان المنافسين اآلخرين من الدخول إلى تلك األس��واق .على سبيل المثال قامت العديد من الشركات العاملة في قطاع االتصاالت (Siemens، NEC، Matsushita، and
)Toshibaبتأسيس ف��روع لها قريبة م��ن جامعة برينستون ( )Princeton Universityالواقعة في والي��ة نيوجيرسي األمريكية .وفي المضمار نفسه، قامت العديد م��ن الشركات العالمية (على سبيل المثال ( Texas Instruments and HPبإنشاء ف��روع لألبحاث والتطوير التابعة لها في المناطق المحيطة بمدينة طوكيو ال�ي��اب��ان�ي��ة .وم��ن األمثلة المشهورة كذلك ،قيام شركة توشيبا ()Toshiba اليابانية بالدخول ف��ي م�ش��روع مشترك م��ع شركة سيمنز ( )Siemensاألل�م��ان�ي��ة ح�ت��ى تتمكن من ال �ح �ص��ول ع �ل��ى ال�ت�ق�ن�ي��ة ال��ض��روري��ة ف��ي صناعة الحاسبات ،حيث قامت الشركتان بتأسيس مركز لألبحاث والتطوير في مدينة ريجنزبيرج األلمانية (.)Regensburg، Germany
اجلوبة -صفر 71 1427
مع الشاعر الكبير ..
طاهر زمخشري > فهد الكريع
ثمة رموز في هذا البلد ،خاصة ،وفي أنحاء العالم العربي ،عامة ..أثرو عقولَنا وقدَّ مو تجارب في منتهى اإلبداع ،ولكن لظروف وقتهم ،فقد غاب عنهم اإلعالم ،وظل إبداعهم وإنتاجهم األدبي محصوراً في تكريم مبسط ،ضمن حفل ما ،بينما غابت ِس ّيرُهم عن أعين األجيال ..ومن ه��ؤالء المبدعين ،الشاعر الكبير األستاذ طاهر زمخشري ،رحمه الله ،ونحن نحاول في األسطر اآلتية إلقاء الضوء على جزء من سيرته العطرة..
طاهر زمخشري ( 20 - 1906يوليو )1987 أديب وشاعر سعودي .ولد بمكة المكرمة عام 1906م ،وتوفي في 20يوليو عام .1987ول��د األستاذ طاهر زمخشري أو "بابا طاهر" كما يحب أن يُلقّب في مكة المكرمة ،وتلقى تعليمه بمدارس الفالح .عمل في مختلف أنشطة الدولة والدوائر الحكومية ،تدرج بالعمل في الصحافة والطباعة ،ابتداء بمصحح ووصل إلى وظيفة مراقب عام .كما أشرف على جريدة "أم القرى".
شخصيــا ت 72
ثم عمل في شؤون الجمارك في وزارة المالية ،سكرتيراً للديوان ،وأسهم في تنظيم اللوائح واألنظمة األساسية .كما شارك في تأسيس اإلذاعة السعودية ،وكان من أوائل الذين عملوا فيها .وقدَّ م مختلف البرامج اإلذاعية ،والتمثيليات ،وبرامج األطفال ،وكل ما يتعلق باإلنتاج اإلذاعي ،حتى أصبح مراقباً عاماً لها. انشأ أول مجلة سعودية خاصة باألطفال ،كما شارك في إنشاء وتحرير معظم يكتف بتشجيعه األدبي ِ المجالت والجرائد في بلده .نظم الشعر العمودي والحر ،ولم للموهوبين ،بل أنفق من جيبه الخاص ،على كل موهبة فنية ،تنبأ لها بالمستقبل ال��واع��د ...وك��ان يُعد نفسه لكل فنان أو فنانة أو أدي��ب أو مثقف تربطه به أواصر
اجلوبة -صفر 1427
الصداقة -الترجمان له والمحامي ،الذي ال يك ُّل وال يملُّ .ص��ارع األي��ام وصارعته ،وص��ارع المرض حتى صرعه ،وعلى الرغم من ذلك ،لم يشكُ ،ولم يَ ُهنْ ،ولم يغصب ولم ييأس. أص��در طاهر ديوانه األول ”:أح�لام الربيع “ عام 1946م .وكان أول ديوان يصدر في السعودية ،بعد فترة طويلة من غياب المطبوعات عنها وعن منطقة الخليج .عُرف بلقب "بابا طاهر" الهتمامه بأدب الطفل .انشأ أول مجلة أطفال سعودية " -مجلة الروضة" ،و وصدر أول ع��دد لها بتاريخ 17سبتمبر 1959م ،ولكنها لم تستمر طويالً ،فقد توقفت بعد 27عدداً بتاريخ 12 مايو 1960م .كما رأس تحرير صحيفة البالد.
أحالم. ورمضان كريم. عبير الذكريات. من الخيام. أصداء الربيع. مع األصيل ،وهي مجموعة من التأمالت والدراساتالنفسية مع بعض الرباعيات الشعرية. العين بحر ،بحث يتضمن ما قاله بعض الشعراءفي العين. ليالي ابن الرومي ،دراسة لبيئة ابن الرومي وعصره،مع عرض نماذج من أشعاره -حبيبي على القمر.
عاش الزمخشري حياة المعاناة والبؤس والغربة ،وأقام مقتطفات من شعره
ال في مصر ثم انتقل إلى تونس ،حيث كرَّمته الحكومة طوي ً التونسية ،ومنحته وساماً رفيعاً .وكان الزمخشري أحد الذين حملوا مشعل تجديد الرسالة الفكرية في الجزيرة العربية ،ونجح ف��ي إخ��راج الشعر السعودي م��ن دائرة المحلية ،وأطلقه إلى مصر ،ولبنان ،وسوريا ،والعراق ،ثم إلى المغرب العربي ،عندما أقام في تونس
تقسوا علـي بال ذنـب أتيـت بـه تبرمـت لكـن خاننـي النـغـم وم� ��ا أع � �ـ� ��اده ش � �ج � �ـ� ��ن ب � �ـ� ��اح األن � �ي� ��ن بـه فهـل يـال م محـب حا لـه عــد م لـه حسبي من الحب أني بالوفـاء أ مشي و أ حمل جر حـاً ليـس يلتئـم ألن� ��ي إن ظ�� �ـ�� �ل�� �ـ�� �م�� �ـ� ��ت ف�� �ـ�� �ك�� �ـ�� �ـ� ��م قبلي من الناس في شرع الهوى ظلم اظلم كما شئت ال أر جـوك مرحمـة إ نا إ لـى ا لله يـو م ا لحشـر نحتكـم
قال عن نفسه:
ومن إبداعاته أيضاً:
الجوائز
ح�ص��ل ع�ل��ى ج��ائ��زة ال��دول��ة ال�س�ع��ودي��ة التقديرية.1983 -كرمته الحكومة التونسية بمنحه وساماً رفيعاً.
ل � �ي� ��س ف� ��ي األرض ل � �ل� ��ذل � �ي� ��ل دي� ��ار “أنا كوم ٌة من الفحم سوداء تلبس ثياباً بيضاء ،تقو ُل و فـلـسـطـيـن لـلـعـر و بـة د ا ر شعراً قصائده حمراء وخضراء وصفراء”. وق� �ـ� �ـ���رار ال� �ـ� �ت� �ق� �س� �ي���م أس� �ـ���ود داج و جـــال ء ا لـيـهو د عـنـها نـهـا ر من أعماله: أ عـلـو ج تــر ي ا د عــا ء حـمـا نا أحالم الربيع 1946م وهو الديوان األول.خواريا صـيحة العلج إن توارت أنفاس الربيع.ال � �ـ � �ث� ��ارات م � �ـ � �ج� ��دن� ��ا وه � �ـ� ��و ص� ��رح أغاريد الصحراء.الفجار لـم يـصدع ولـو طغي على الضفاف.إ ن تــنـا سـو ا فـــي حـمـا هـا ألحان مغترب.سـو ف يـحمي حقو قنا ا لبتا ر -لبيك.
اجلوبة -صفر 73 1427
طه صبان ...وإستحضار األماكن > مؤيد منيف
<
أزقة متراصة ،مركاز العمدة ،صبية وبنات يلهون ،مقهى شعبي ،رواشين ،ساقي الماء وبعض المقامات الحجازية ...ال��خ قد تطل كل ه��ذه المشاهد العفوية الجميلة أو أي منها – ببساطة وبعبق تراثي أصيل – حين يستحضرها لنا الفنان التشكيلي الجميل /طه صبان. يستوقفك تأمل عالمه ،المنحاز دائماً لمدنه التاريخيه ،المركّبة بفطرة فنية، تعكس صدق انتماء هذا الفنان إلنسانيته ولفنه.
ت��ش��ك��ي��ل 74
فالفنان ،الذي ولد ونشأ بمكة المكرمة ،عام 1948م ،استهل أول مشاركاته عام 1970م ،وأقام أول معارضه الشخصية عام 1975م ،بمدينة كولشيستر البريطانية؛ تبعه المعرض الشخصي الثاني ع��ام1976م بجالسكو /بريطانيا ،ثم توالت بعد ذلك المشاركات والمعارض الشخصية ،على الصعيدين المحلي والدولي؛ يغري المشاهد دائماً بمواصلة السير معه قدماً داخل مساحاته ،الممتدة بشكل أفقي ال عدم اإللتفات للوراء ،تلك المساحات التي ما هي إال باتجاه الالنهاية ،مفض ً مخططات هندسية ،شيدها بتفرد ،وأراد من خاللها – الفنان -تصميم مدنه الخاصة ،وعالمه المسكون بحياة المدينة البسيطة. في العام 1992م ،كان أحد األعضاء المؤسسين لبيت الفنانين التشكيليين بجده ، حيث جرى ترشيحه رئيساً للبيت ،الذي كان متنفساً لكثير من الفنانين التشكيليين، ِلبَثِّ إبداعاتهم الفنية ،منذ ذلك العام وحتى اليوم . أخلص صبان في حُ به للمدرسة التعبيرية ،إذ شكّلت عبر فترة طويلة – وما زالت
اجلوبة -صفر 1427
< فنان تشكيلي
– وسيلته المفضلة للتخاطب مع جمهوره .فعند الوقوف عند تجربتة البصرية ،يالحظ ذلك التناغم الواضح بين شخوص الفنان ومساحاته اللونية ،من جهة وبين فكرته التعبيرية ،من جهة أخ��رى ،بخبرة تشكلت عبرعمر فني ليس بالقصير في مجال تلك المدرسة ؛ وال يخفى تأثر صبان ببعض الفنانين التشكيليين الرواد ،المحليين والعرب والعالميين ،منهم صديقه الفنان التشكيلي الكبير /عبدالحليم رضوي ،رحمه الله ،أحد رواد الحركة التشكيلية بالمملكة العربية السعودية ،الذي كان له دور واضح – كما يقول الفنان نفسه – في تمسكه بمدرستة التعبيرية . "ج ��دة وال �ب �ح��ر" ع �ن��وان ل�ق�ص�ي��دة ع �ش��ق ،أه��داه��ا صبان لمعشوقته الجميلة نثرها على (ج��داري��ة) ،ام�ت��دت 16متراً وارتفاع ثالثة أمتار ،شكّلت نصاً جميالً ،يُضاف إلى نصوص جدارياته األخرى ،التي تقرأ كل يوم ،وقد ضمتها قاعات مطار الملك عبدالعزيزالدولي بجده ،ومطار الملك خالد الدولي بالرياض ،ومطار الملك فهد الدولي بالظهران. التناسب اللوني بشكل طولي ،يقابله عنصر التكوين ،إضافة إلى لغة التعبير المميزة ،شكّلت هذه العناصر الثالثة ،هوية النصوص التشكيلية لطه صبان ،فقد قيل عنها" :إنها تصف إنشطار عناصر المدينة إل��ى ش��رائ��ح ع�م��ودي��ة ،تكشف عن معاناته ،كسائر أبناء المدن ،من هاجس اغتيال هذه المدن بالمخططات التنظيمية المتراكبة ،ف��وق أح ��داث وأنفاس المدينة القديمة ،وت��دل على سعيه إل��ى استرجاع تخطيط مدينته الروحي العريق ،وإحياء ذاكرتها الغابرة" . كان لصبان ،العديد من المشاركات في البيناليات والمعارض الخارجية ،على المستويين العربي والعالمي ،منذ عام 1970م وحتى ع��ام 2005م ،في إيطاليا ،والهند ،ول�ن��دن ،والقاهرة، ومدريد ،ولبنان ،والكويت ،وجمهورية التشيك ،والشارقة ،وأمريكا ،وجنيف ،صقلت تجربته وأثرت مشواره الفني. نالت أعمال صبان العديد من الجوائز الداخلية والدولية ،في المسابقات والمناسبات التشكيلية. وجرى اقتناء أعماله من قبل العديد من الجهات الحكومية ،والخاصة والمتاحف ،والمعجبين بفنه من األفراد.
اجلوبة -صفر 75 1427
قصة قصيرة:
املكنسة السحرية > بدرية البشر
عندما تقدمت لطلب الوظيفة المعلن عنها في الصحف ،كانت غرفة االنتظار تغص بالنساء المتقدمات مثلها لنفس الوظيفة ،في زاوية الغرفة جلست فتاة في السابعة عشرة عمرها ،تعالج قلقها بالنظر إلى مرآة مدورة في يدها ،تطل منها على زينتها ،ثم تمرر إصبع الروج على شفتيها بلون رملي باهت .تغيّرت الموضة، لم تعد األلوان الفاقعة ،هي مصدر اإلثارة على الشفاه عند النساء ،بل صارت ألوان الرمل والوردي الباهت ،هي األلوان المفضلة لدى فتيات اليوم .لو رأت أمها هذه الفتاة الصغيرة وهي تتجمل بينهن بجرأة ودون مباالة لقالت قولتها الشهيرة" :أن الشيطان ال يجد طريقة إلى الرجل إ ّال عن طريق المرأة فهي مكمن الغواية ،والرجل هو صيدها السهل "! صاح طفل صغير في الغرفة ،يتعلق بزجاجة حليب باردة بين يدي سيدة ،سمعتها تقول بلهجة مصرية مختلطة بمفردات سعودية:
ق����ص����ص 76
" من اللي جزاها خير تمسك الولد الزغير لحد مخلص من المقابلة "؟ لم يتبرع أحد بالرد على سؤالها ،دخلت مع طفلها وهي تبرطم بكالم كله حنق على غياب الخير من النفوس هذه األيام .عندما جاء دورها طلبت منها السيدة التي عند الباب أن تسدل غطاء وجهها ،ألن اللجنة كلها من الرجال ،شهقت الفتاة التي كانت تصلح من زينتها كل وقت بصوت ممتلئ بالغنج: يووه يا ربي فيه رجال!
اجلوبة -صفر 1427
جلستُ قبالة الرجال الثالثة ،اثنان منهم يلبسان الذي شعر بالحرج ثم قال:
ثوباً سعودياً ،فيما كان الثالث سوداني الجنسية يلبس قميصاً أبيض وب�ن�ط��االً ،تحدث ال��رج��ل المتوسط
بينهم عن ش��روط الوظيفة ،وأن العمل هنا يعتمد
حسناً ،انتظري اتصاالً منا! شعرت أن مساحة عريضة اعترضت الطريق
على الجهد ،وال �ك �ف��اءة ،ول�ي��س على ع��دد ساعات بينها وبين العشرة آالف ،لسعت دمعة ساخنة خدها، العمل ،وحين جاء الحديث عن الراتب بادر الرجل وهي التي تجيد عادة مسح الدموع ،سمعت صوت السوداني بالقول ،إن الراتب بسيط ،لكنه عتبه أولى كبير اللجنة الرجل الذي يلبس ثوبا سعوديا يقول: يضع عليها الموظف قدمه ليعلو إلى أرقام ال حدود
ال بأس ال بأس يا سحر ال تبكي المؤسسة ستؤمن
بسبب الخبرة التي وفَّرتها له مهنة البيع وصار يحقق
تتوسدها ،بل صارت هذه الكلمات ،طرزان ،يقبض
لها ،وال سقف ،فهذه الوظيفة من الممكن أن تحقق لك المواصالت بس أنتي شدي حيلك! لصاحبها األل��وف ،والذهب ،حسب جهد الموظف (شدي حيلك) تشبثت بتلك الكلمة ،التي أنقذت وذك��ائ��ه ألن ال��رات��ب الصغير ه��و ق��اع��دة االنطالق روحها من يأسها ،أسندت عليها قدميها ،مشت بها لألرقام العظيمة ،ألن كل قطعة يقوم ببيعها ،يحصل إلى البيت ،علقتها على كتفيها مثل قربة ماء ساخنة، م��ن ثمنها على نسبة عشرة بالمائة ،صحيح إنها تدفئ بها عضالتها المتوترة ،خوفاً وجزعاً ،وضعتها نسبة بسيطة ،لكن المؤسسة توفر له الدخول لعالم تحت رأس �ه��ا م �خ��دة ،م��ن ري��ش ح �م��ام ،يطير بها، ال بأنه ال على نفسه قائ ً التجارة والبيع ،وضرب مث ً بدأ العمل مندوب مبيعات بسيط ،ثم تدرج في البيع ويهبط في جنة العشرة آالف ،نامت ظهيرة طويلة الكثير ،وق��د وص��ل راتبه وه��و مندوب مبيعات إلى
عشرة آالف ،شهق قلبها عندما سمعت هذا الرقم،
وراحت تحسب كم ألفا تحتاج إلصالح طالء البيت،
والمروحة ،الثالجة ،وشراء تلفزيون ،ملون ،وجديد،
قطع الرجل المتوسط الذي يلبس الثوب السعودي أفكارها بسؤال:
هل لديك مواصالت؟ تلعثمت لم تدر ما تجيبه؟ خافت من ق��ول ،إنه
ليس لديها م��واص�لات فيحول جوابها بينها وبين
العشرة آالف ،قالت:
في الحقيقة ال ،ولكن سأتعاقد مع سائق أجرة
حتى يصل راتبي لعشرة آالف ثم أحضر سائقاً!
نظر الرجالن السعوديان إلى الرجل السوداني،
على خصرها ويقفز بها فوق األشجار ،والمرتفعات، وفوق المحبطات التي عادة تصحو معها ،عند كل قيلولة متأخرة ،لتذكرها بأنه ال مفر م��ن تعاسة أيامها القاحلة ،لمح لها عقلها بالفتاة التي كانت تصلح زينتها ،ربما سيغلب غنجها رأي اللجنة وتفوز بالوظيفة دون��ا عنها ،ربما السيدة المصرية قد سفكت دمعتين مثلما فعلت هي ،أو أكثر لتحصل على الوظيفة ،لكن كلمة "شدي حيلك !" التي خصها بها كبير اللجنة عادت وشدتها من خصرها ،هبطت بها فوق سماء زرق��اء ،ركبت بها أرجوحة من غيم، وح�ل��م ،شعرت أنها خفيفة ال ��وزن ،والعقل أيضا، كنست وق�ت�ه��ا ال �ب �ط��يء ،بقشة م��ن غ��زل مخدات التريكو ،وتشاهد التلفزيون ،مثل امرأة تنتظر عودة زوج ،ال تعرف موعده.
اجلوبة -صفر 77 1427
دق الهاتف تحدث معها الرجل السوداني بصوته
محاوالت العرض ،ربما ألنها هي نفسها تجد أن
مبروك ،الوظيفة لك ،يا سحر بس جيبي معاك
فمها بالسعر ،حتى يبدأ الزبون برفع قطع المكنسة
الخفيض قائالً:
الشهادات ومري عليَّ غداً!
في الشهر األول ،قبضت أل��ف وخمسائة ريال
فقط ،لكن عقلها ذكّرها ،بالثمانية آالف وخمسائة،
التي ستقبضها الحقاً ،كان عقلها ب��ارداً ،إلى الحد
الذي أصبح يؤلف أشياء من عنده ،الدورة التدريبية
التي التحقت بها لتدريبها على تعلم قواعد العرض،
والبيع ل��م تفلح ف��ي ن��زع تلك القشرة الغبية التي أح��اط��ت بعقلها ،م��ن ج ��راء جلوسها ال�ط��وي��ل في
البيت ،بعد خيبتها بعدم االلتحاق بالجامعة ،ازدادت هذه القشرة سماكة ،بسبب مسلسالت التلفزيون
الطويلة ،والمباشرة التي لم تترك لعقلها مساحة
خمسة آالف ،مبلغاً مرتفعاً لمكنسة ،فما أن تفتح
المفككة على األرض ،لمساعدتها على الرحيل عاجال دون إبطاء.
أقنعت نفسها بأن الفئة التي تستلم مرتباً بألف
وخمسائة ريال ،لن تدفع هذا المبلغ لشراء مكنسة،
فهم ال شك أناس مثلها ،يكتفون بمكانس الخوص،
أو مكانس الكهرباء البسيطة التي ال تشفط إ ّال الغبار ،لكن بعد خط العشرة أالف سيفكرون ،مرة
بشرائها ،ف��ذوو فئة األل��ف وخمسائة ال يفكرون
بتنظيف ف��رش�ه��م م��ن ال �ك��آب��ة ،ألن �ه��م ي �ع��رف��ون أن الكآبة ال تأتي من ال�ف��راش ،بل تأتي من النافذة،
ومن الجيب الخالي ،ومن األمطار ،وأسعار الدواء
للتأمل ،والتخمين .دربوها على حفظ جميع مميزات
المرتفعة ،واألحالم التي انتهت صالحيتها فرموها
السجاد ،وتنفض الغبار ،وتقتل الحشرات وتمتص
في شفط الكآبة من هوائهم الذي يتنفسونه .قالت
والفرش الليلية ،شرحوا لها أن هذا الدود الغريب،
مثلهم ،بل صنعت لتقضي على فراغ ربات البيوت
شهية ال� ��زوج ،ويجعله خ��ام�لاً ،كئيباً ،وه��و الذي
المكنسة السحرية التي ،ستشفط دود الكآبة من
المكنسة العجيبة ،ال�ت��ي تشفط ال �ت��راب ،وتغسل
الدود الصغير الذي يعشش وسط قطن المخدات،
هو الذي يمتص طاقة الجسد ،ويغرس قرونه في
في نفاية األحالم المستحيلة ،ولن تفلح مكنسة ما،
لنفسها :إن هذه المكنسة ليست مصنوعة للغالبة
اللواتي يتسلين بالشفط والكنس ،هن من سيشتري
يعلم النساء البكاء طوال الليل ،ويصيبهن بأحزان
فراشهن ،وتقضي على كآبتهن دون حاجة اللتهام
تدربت على قواعد لعبة البيع ،وتمرين النفس
تتجمد فيه مشاعر بؤسهن ،وفرحهن ،وإحساسهن
غامضة ،عسيرة على التفسير!
دواء ( البروزاك) ،الذي يحولهن ألل��واح من الثلج،
على الصبر ،وفن المحاورة ،وإبقاء الزبون متابعاً بالحياة ،وجعل أعينهن تلمع مثل ك��رات زجاجية م�ت�ش��وق�اً للمعلومات ال �ج��دي��دة ،ط ��وال س��اع��ة من ملونة ،بالضوء المنعكس عليها بينما تظل أعماقهن
ال��وق��ت ،م��ع االح�ت�ف��اظ بالسعر س ��را ،حتى نهاية العرض ،فال تهبط عزيمة المشتري قبل أن تقنعه
ان �ق �ض��ى ش �ه��ره��ا ال� �ث ��ان ��ي ،ض���ام���راً بورقات
ظل الرقم المرتفع للبيع يفسد على ال��دوام كل
يائسات من تطهير بيوتهن من الحشرات ،وأرواحهن
الشروط السحرية للمكنسة.
78
مظلمة ومنطفئة.
اجلوبة -صفر 1427
الخمسمائة ال�ث�لاث ،مما جعلها تتأكد أن النساء
م��ن ال�ك��آب��ة؛ فقد دفعن بمكنستها ل�ل�خ��ارج ،ألنهن
ق��ال��ت ل��ه :ال �ل��ه يسامحك وه��ل ه �ن��اك مكنسة
بخمسة آالف يضعنها بين يدي خادمتهن ،لتلهو بها،
قال لها :نعم مكنسة الساحرات ؟وأنت قلت أن
غير متحمسات لشراء مكنسة سحرية المفعول ،تطير؟!
وتخربها ،وتأكدن أن كآبتهن ال مفر منها ،ألن قدر مكنستكم سحرية! النساء أن يلدن كل عامين وأن لعبة الهرمونات في كادت تنهي الحوار ،عندما أدركت أنه يتسلى بها، أجسادهن ،لها سطوة ال تحلّها مكنسة ،وال عقار، لوال أنها تذكرت أن اليوم هو الثامن والعشرين من بعضهن رفض حتى أن يفتحن لها الباب ،وبعضهن الشهر وأنها لم تبع وال مكنسة ،فقررت أال تستعجل، تعللن بأن أزواجهن ال يسمحون للغرباء والغريبات وأن تجرب مالحظات زودت�ه��ا بها صديقتها ،قد ب��ال��دخ��ول ،ف��أدرك��ت أن�ه��ا أخ��ذت االت �ج��اه الخاطئ تساعد على رفعها من بالط األلف وخمسمائة. حين أغفلت الرجل من حساباتها ،لبيع المكنسة، حدّثت المدير صاحب الصوت الذهبي وطلبت فهو صاحب القرار ،وصاحب النقود ،ول��ذا أدارت منه ،م��وع��داً ف��ي البيت وحصلت على م��ا أرادت. عجلتها نحو بوصله الرجل بسرعة مائتين وثمانين اعتبرت أن هذا النجاح هو حصيلة خبرتها لثالثة درج��ة ،وهذا على ما يبدو ما جعلها ،تفقد بوصلة أشهر ،وأن اإلنسان ال يولد عارفاً ،وأن الصبر هو الطريق كله. مفتاح األبواب المغلقة ،لو لونت صوتها بطيف من في المرة األول��ى ،استقبلها الرجل وح��ده دون فرح ،وبعض ضحك لطيف.
امرأة شرحت له الفكرة ،وعندما تأكد أن األمر كله ال يتعدى مكنسة قال لها:
فتح الخادم الباب لها ودخلت منزلاً صقيالً ،يلمع
كل ش��يء فيه بالرفاهية ،فتوجست ،خوفاً من أن
قولي لمؤسستكم إن ( المهابيل) فقط هم من منزال كهذا ليس بحاجة لمكنسة ،وأن الكآبة ال تزور
يشترون مكنسة بخمسة آالف!
نصحها الرجل السوداني في الشهر الثالث أن تختار زبائنها من ذوي األسماء المتخمة بالمال، فبدأت تقلب في دليل الهاتف ،وجدت أرقاماً تخص أصحاب المؤسسات الكبيرة ،وعلى الفور اتصلت بهم ،وطلبت الحديث مع المدير ،الرجل األول كان يملك اسماً ذهبياً ،وصوتاً ذهبياً أيضاً! لكن ضحكته الذهبية رنّت في أذنها ـ حين قالت له :أنها تريد أن تقابله لبيع مكنسة ،ظن أنها تمزح ثم حولها على السكرتير ،حاولت مع رجل ذهبي آخرا فسألها: هل مكنستكم تطير؟!
فرش هذا المنزل ،وال يجد الدود اللعين بقعة له ،في
أجساد نسائه الرخوة ،الصور المعلقة على جدران
الحائط مفضوحة بالعري ،مما أوحى لها بأن هذا
المنزل ال يزوره ناس كثيرون ،أدخلها الخادم ،غرفة
ممتلئة ب��أث��اث غ��ري��ب ،مقاعد ب�لا مساند ،ليست
كرسيا وال ف��راش ،ومخدات صغيرة مرسوم عليها نساء ورج��ال يلهون ويلعبون ،وعشاق غارقون في
سكرة الحب ،وامرأة تطير في الهواء على أرجوحة
من أزه��ار ح�م��راء ،وس��ط غابة من الحب والعناق ال��داف��ئ ،استيقظ ف��ي عقلها ح��زن غ��ري��ب ،وتنهد
قلبها ،وهو يلمس أطراف الجنة ،سمعت هرير قط
في قلبها يدعك فروته بجلدها ،انتشرت حبوب برد
اجلوبة -صفر 79 1427
على جسدها ،شعرت بقشعريرة من ش��وق ،وفرح،
وخوف ،دخل الرجل صاحب الصوت الذهبي ،كان
وجهه ذهبياً أيضاً ،ومالمحه تفيض بالبريق ،حياها
كما ل��و كانت ضيفاً ع��زي��زاً عليه ،احضر الخادم
عصيراً ملوناً ،ال تختلط األل��وان فيه ،ت��رددت في
شربة خوفا من أن تكون واحدة من ضحايا العصير المخدر كما في األفالم المصرية ،طلبت ماء لتغسل
حلقها وخوفها ،اختصرت الحديث عن مكنستها كثيراً ألنها أدركت أنها بحضرة رجل ذهبي ال يحتاج
مكنسة لتنظيف ف��راش��ه ،وال سجاجيده العجمية ال�غ��ال�ي��ة ،لكنه ف��اج��أه��ا وه��و يفتح دف �ت��ر شيكاته ويسألها:
ما اسم اآلنسة ؟ ب�ل�ع��ت ري �ق �ه��ا وق ��ال ��ت :ال �ش �ي��ك س �ي �ك��ون باسم
المؤسسة نحن نأخذ نسبة بسيطة من ثمن البيع!
ترك القلم في قلب دفتر الشيكات الضخم وقال
لها :خسارة أن يضيع جهدك بثمن بخس.
ل��م تسمع م��ا قاله الح�ق�اً ،ألن قطً ا شقياً قفز
من قلبها ،وأن��دس في صدر دفتر الشيكات ،أخذ
يمسح ج��دران��ه الناعمة ب�ف��روة ،ح��اول��ت أن تنادي
قلبها الشقي ليعود ،أخذت أنفاسها تتصاعد للحاق
به ،خافت أن ينتبه لها الرجل الذهبي ويرتاب في أمرها ،ربتت له بأصابعها على رأس الطاولة ،كلما
ربتت بإبهامه القريب منه انكمش أكثر ،قال الرجل الذهبي:
المكتب بحنان فسحبتها بسرعة ،اصطدمت بدفتر الشيكات فسقط الدفتر في قاع الدرج ،ركض قلبها وراءه ،عادت أصابعها تناديه ،فاصطدمت مرة أخرى بيد الرجل الذهبي ،ألتقط يدها بسرعة ،ضغط عليها بشدة ،انصهرت أصابعها في يده واعتصرت قبضته كل القشعريرة ،التي تتجول في جسدها، منذ دخلت هذا البيت ،وأخ��ذت تسبح بها في نهر من الدفء ،أوصل قلبها لجنة سحرية ،صمت الجنة أطبق على عقلها ولسانها ،سحب ستارة الضوء على جفونها ،كانت ورقة التقويم على المكتب تنبئ باليوم األخير للشهر ،وأوراق الخمسمائة الثالث تنام في أيامه الماضيات ،حين أرخى جفنيها ستارتهما ،غفا قلبها ،ثم نام. ح�ي��ن ذه �ب��ت ل�ت�ق��دم اس�ت�ق��ال�ت�ه��ا ،م��ن مؤسسة المكانس السحرية ،وجدت السيدة المصرية التي رأتها يوم تقدمت بالوظيفة تحمل ابنها على يدها وتقول :للرجل السوداني: هي دي يا خوي عيشة ،هي األل��ف وخمسمية، بتعمل إيه النهاردة! سمعت ص��وت أظ��اف��ر قلبها تخمش البالط، تتزحلق على بالط المؤسسة ،ثم يهرب ،خرج قبلها إلى السيارة ،وأقفل بابها وجلس ينتظرها هناك، حين وصلت إليه ،فتح سائقها الزنجي ،باب سيارة
لماذا ال تعملين لحسابك الخاص؟ أليس حراماً الفورد ،ورنّ جهاز الموبايل في حقيبتها ،حين أجابت أن تعملي ،وهم يقبضون ،بالمناسبة ،كم تقبضين؟ سمعت صوتا ذهبيا يقول: انشغلت بمتابعة قلبها ال �ه��ارب ،وض��ع الرجل
ي��ا ه��ووه ه��ي المكنسة السحرية تطير وال ما
أصابعه الذهبية على أصابعها التي رقدت على طاولة تطير!
80
اجلوبة -صفر 1427
قصة قصيرة:
شمس مبكرة > عبدالرحمن الدرعان
في تلك الظهيرة الطاعنة في السواد ،كان علينا أن نقف بالباب بضع دقائق (مرت كأنها بضع سنوات) بانتظار أن يُفرجوا عن أشواقنا ،ويسمحوا لنا بالدخول.. وكان خيال قاماتنا ،الذي تعكسه مرايا الباب ،كافياً لمضاعفة الشعور باألسى والقنوط. الحت لي على الزجاج صورة امرأة ،جاءت من الخلف الهثة تخترق الصفوف، وثمة أصوات مدبية تتطاير مع أنفاسها ،كأن دزينة من عصافير محبوسة داخل قفص صدرها ..راحت تحاول دفع الباب ،بكف منخولة بالنمش ،ومن تحت عباءتها فاحت رائحة حساء بقصد تهريبه إلى أحد المرضى. تكدسنا كالتالميذ ..وشرعت األصوات تستغيث بالرجل المكلّف بفتح الباب، وهو يتنزه فوق البالط البارد ،وبعد أن دبت الفوضى بالمكان ،التفت إلينا وحدّ ق في ساعته ،مبتسماً بسادية ،ال تليق بمهنته؛ لكي نطمئن على أننا تحت وصايته.
وكانت الصور تتداعى على سقف مخيلتي تباعاً :رأيته وهو يسوي طاقيتي المشغولة بالقصب عائداً من الحج ،ورأيته ي��زرر قميصي بعدما أجلسني أمام عدسة المصور ،استعداداً لدخول المدرسة ..ورمقته بأسى يوم أن تركني ارتجف في حجرة المدير ،بعدما وضع ملفي األخضر في الدوالب. وعانقني خارجاً في المغيب ،يتقطر من ذراعيه ماء الوضوء ..وإذ يُسدِّ ُد نحوي
ق����ص����ص
سألني الواقف إلى جواري عن الساعة ،ولم ينتظرني ألجيب ،لكنه بادر على الفور قائال :لقد حان وقت المباراة؟! وبدأ على رغم الزحام واالختناق -يدخن تعبيراً عن شعوره باالضطهاد.
اجلوبة -صفر 81 1427
التي علق الدبس على مواضعها ،وبدوره ينكب الطفل كالضأن الصغير -ويلعقها بلهوجة .لم أنتظر أنيجيء المصعد ..ل��م يكن ف��ي م�ق��دوري أن أنتظر حتى يجيء ،حين أبصرت العجوز تدلف إلى الداخل بعدما انغلق الباب من تلقائه عليها ،تعزَّز لديَّ يقي ٌن بأنها ما جاءت إال لتلفظ بقية أنفاسها هنا.
نظرةً ،أعرف معناها ،أهبُّ أل ُحضر له عباءة الوبر، بعد أن آخ��ذ نزهة في شعرها الدافئ ال يقطعها إال صوتُه ،الذي يفاجئني في ليالي الشتاء الباردة، موحشاً ومخيفاً“ :انجز قبل ما أخلي أذاني وأذانك أربع” .وهالتني شجاعته حين رأيته حاسر الرأس تحت عريشة الخوص ج��راء ضربة شمس لئيمة، والطبيب الشعبي يحبس عنقه اليابس بأصابعه وفكَّرت :هل سينجو أبي من العملية؟ وهل سيعود ال��زاح�ف��ة كعنكبوت س� ��وداء ،بعد أن اط �م��أن على إلى مبخرته التي أصبحت من بعده أرملة ويتيمة؟! قضيب الحديد ،المغروس في المجمرة. أم أن طائرة اإلخ�لاء أقلته عبثاً ..وأن أخي الذي عند اللحظة الحاسمة ،أش��ار إلينا بعينيه أن رافقه هاتفني باألمس الشاركه طقوس الوداع؟!
ال ثم أوقفنا الفضول لتحلي نبتعد ،لكننا تراجعنا قلي ً المشهد ..فوقفنا نتملقه بصمت أن يتركنا ..حتى رأي�ن��ا خيط ال��دخ��ان ال��ذي ينفجر م��ن قمة رأسه، لينهض كحصان بري ،ال يقبل بأقل من المجازفة.
منذ أن فشلت أدوية العطارين ووصفات الطب الشعبي ف��ي ان �ق��اذه م��ن ن��وب��ات ال �م��رض ،وأصبح ينقاد إلى المستشفيات بسهولة ،أدركت أن فجيعة ما س��وف تحل بنا عما قليل ..ونشأت بيني وبين أخي من يومها أزمة ثقة ،صار كالنا يُ ِل ُّح على اآلخر أن يعيد اإلجابة مرة أخرى ،قبل أن يتنفس أحدنا الصعداء.
وفي صباح العيد ،نهرع خلفه حالما يفتح باب غرفته ،المبللة برائحة ع��ود الند ،يحشو جيوبنا الصغيرة بالحلوى وال�ن�ق��ود ،ث��م ينس ُّل إل��ى الفناء بسرواله الطويل ،مخبئاً يده القابضة على السكين أقول :يا إلهي كم كان كابوساً مرعباً ،وأبدأ بسرد وراء ظهره ،ينتظر أن يرفع الخروف رأسه من طاسة المنام ،الذي فزعني. الماء ،فيتلُّه من قرنيه ..ويجهز عليه في لحظات ولكنه هاتَفَكَ للتو ،لقد هاتَفَكَ فعالً ،سيُجرونخاطفة ويتركه بقعه من الصوف ،ترتعش على بقعة العملي َة غداً!! هل أ ُحضر لك ماء ،تقول زوجتي. من الدم. أشهق ببالهة :هاتفني?!. ورأي ��ت ص��ورت��ه العالقة ك��ال��وش��م ،يمتطي فرع فيجيء الصوت هادئاً لتفادي االنكسار :ولكن النخلة العالية في مواسم الجذاذ ويهيجن فاتحاً رئتيه عن أقصاهما بذلك اللحن القروي الموغل غرفة العمليات ليست مقبرة?!. في الوجد: <<<
(ي��ا ع�ي��ن ل��ك ب��ال�ه��وى لفتة م��ا ان �ت��ي ع�ل��ى دين لقد مكث عدة سنوات ،يقاوم السُّ كَّر والضغط االخوان) ونوبات الربو المفاجئة ،وفجأة ،فضحته المضاعفات وبعد أن يجرد نخلته ج��رداً ،ينزل من أعالها الخطيرة ،وغيّرت الكثير من عاداته اليومية. زاحفاً على يديه ،كدواب الحقول ..ثم ينحني على في ذل��ك المساء ،تأبط مخدته ،بعد أن افتعل أخي الذي بدأ يدّب بخطوات ثقيلة ويناوله أصابعه ،شجاراً مع الجميع أثناء تناول طعام العشاء ،ونام
82
اجلوبة -صفر 1427
في المجلس .وفي اليوم التالي ،بدأ يأنف من وجود الخادمة ،وعندما هدد أمي بالطالق ،أصبح السر ال للتداول. عارياً إال أنه لم يكن قاب ً س��أل��تُ الممرضة ،بلغة إنجليزية مكسَّ رة ،عن غرفته ،فأجابتني بعد أن ن ّقبَت في جهاز الكمبيوتر، بلغة عربية هزيلة ،لكنها محايدة ،وفي الممر ،عادت الصور تومض من جديد. ناعماً ،وتلوح لي خلف السديم ،نخلة شاهقة ،تكمن ف��ي ف��رع�ه��ا غيمة م��ن عصافير ال �ح �ق��ول ،وبضع سعفات ،تتهادى على إيقاع من مقام الوجد (بالك من واحد شفته عوده من الزين رويان).
رأيته يتشبث بجذع (منيفة) نخلته األثيرة ،بعدما أوقف طلعها للفقراء نفقة ألمي التي ماتت فجأ،ة كأنما كانت تفتديه بروحها ،وتهديه بقية أيامها، رأيته يتشبث بكرانفها ،ويجدف على لجنة البلدية، التي ج��اءت مع ب��داي��ات الطفرة ،لتخطط القرية، نتأهب لنحمله ،أن��ا وأخ ��ي ،لكي نُجلسه على وتقتلع ج���زءاً م��ن ال�ب�س�ت��ان ،وح�ي��ن رأى العربات الكرسي ذي ال�ع�ج�لات( ،ي�ب��دو خفيفاً كسلة تمر الصفراء تمضغ ج��دار الطين ،وتحيله ،في لحظة ف ��ارغ ��ة) ،ف �ت��وم��ض ،ف��ي ال�ل�ح�ظ��ة ن�ف�س�ه��ا ،عدسة خاطفة ،إلى حفنة غبار ،بكى ،كما لم يفعل من قبل، المصور ،على ذلك الولد المحفوف بغربته وخوفه وأقسم أنها إحدى عالمات الساعة. لا ألص��اب��ع ت���زرر ي��اق �ت��ه ،وتسوي واس �ئ �ل �ت��ه ،م�م�ت�ث� ً ورأي�ت��ه م��رة أخ��رى بعد أن أذع��ن للمرض يبتلع طاقيته .على طول الممر أدفع الكرسي (يبدو خفيفاً األق��راص ،وقبل أن يخلد إلى النوم ينادي بصوته وخالياً) ،أتأمل رأسه المأهول بزهور الفل ،وأ ُوغل ال��واه��ن( :س��ال��وم��ي)؛ فتهرع ال�خ��ادم��ة ،التي تفهم في أسئلتي :أهذا هو أنت؟ إشارته ،وتضع له سطل الماء في مكانه المعتاد، أنت الذي كانت تكفيه قدم واح��دة ،ليتسلق بها بعد أن تمهد له الفراش. أعتى جبل وأطول نخلة؟! <<< من ثقب السؤال ،تتسلل ثالث شموس صغيرة، أفاق للحظات ،من أثر المخدر ،ونادى( :سالومي.. تتربص بي كلما عَ نَّ لي الخروج من البيت ( :بابا.. سالومي)؛ ثم عاد لينهدم كمئذنة شائخة .ولما فتح بحب؛ فيتحرك ٍّ بابا) أنحني على آنية الورد ،وأقبّلها عينيه الكابيتين ،بعد قليل ،سألني عن راك��ان :هل رأس أبي ويستأنف أحالمه في اليقظة. ُ عاد من جلوته? يا الله!! نظرتُ إلى أخي لعله يسعفني بالجواب ،فإذا أن كم أب��دو قاصراً وصغيراً؛ فلماذا نتبادل ،اآلن، راكان هو بطل المسلسلة البدوية? أدوارنا أن أكون ،بهذه السرعة ،أباك ،وتكون شمساً تغرز الممرضة إبرتها في ذراع��ه العاري ،فيكز رابعة ،تشرق قبل أوانها. أسنانه على األل��م ،وأب��ادر ألسند ذراع��ه إلى كفي، على سبيل المواساة؛ فتنث من كل مساماتها رذاذاً لكن ،ال .إنه ليس أبي تماماً ،بل هو أنا بعد قليل.
اجلوبة -صفر 83 1427
قصة قصيرة:
حياة على جرف > عواض العصيمي
الثالثاء ،بينه وبين المغيب ساعة نحاسية األفق.أما أنا ،فبيني وبين سكني ليلة كاملة ،ستمتص دمي على جرف ناتئ في شاطئ البحر .البعوض مثالً… ..سوف تنشق شهوته العارمة للدم عن قدمين مثل مزهريتين محطمتين في الركام .يداي ستهرشهما أيضاً ،وأنا تحت سجادة الصالة ،ستلفحني رطوبة البحر في وجهي، وفي ظهري ..أيضاً ستأكل كتفي أرضية الجرف الخشنة ..أما قلبي فهو وحيد، ولن يدعني أنام.
ق����ص����ص 84
بعد أن خرجت من عملي ،وعند اإلشارة األخيرة ،كان أمامي طفالن في سيارة يلعبان في المقعد الخلفي ،مع أحدهما مفتاح بسلسلة طويلة تنتهي بحلقة معدنية المعة مثل التي معي ..أقصد مثل التي نسيتها في المكتب أو الكوخ الحقير ،الذي ال بد منه لكي أتحدث مع رئيسي بالهاتف كل يوم ،وأرسل إليه التقارير ،وأسجل اإلنجازات الصغيرة بخط أنيق كما يحدث كل يوم أو كما حدث اليوم عندما كتبت استقالتي ..الحظت على أحد الطفلين عاصفة من البكاء بينما يضحك الذي ال بالسلسلة دوائر مترادفة في وجه اآلخر معه المفتاح ويرقص على المقعد مشك ً …… .شكراً أيها الشقي الصغير .لقد نسيت مفتاحي وهذا يكفي .حتى لو مضى الطفالن بعيداً ،وهذا ما سوف يحدث ،حتى لو أعطى الطفل الذي يضحك ذلك المفتاح إل��ى أخيه ال��ذي يبكي ،فصنع دوائ��ر مترادفة أخ��ر ،ثم راح يرقص على المقعد ،ثم راح يضحك ،ثم أخذ األب المفتاح بعد أن تقف السيارة أمام البيت، وفتح الباب ،فدخلوا ،وغاصت الشمس في حمأة المغيب ،وامتشقت المصابي َح الغرف ،وجلس الرجل إلى جوار زوجته ،وتشمم رائحة النهار على رأسها ،فلن أنسى السلسة في يد الطفل أمامي ..دوائر في إثر دوائر ،دونما غاية محددة ،سوى أن
اجلوبة -صفر 1427
اللعبة راقت للطفل ..لكن ،لو لم يكن معه المفتاح هل سوف يقدر على ذلك ؟! .ولو لم تكن السلسة طويلة ومرنة ترى ،كم دائرة ستصنع بريقها وسلطتها ومجدها ،كما حدث أمامي ؟! .لقد كتبت استقالتي وه��ذا يكفي ..ومفتاحي الوحيد ال��ذي يفتح باب سكني نسيته في الكوخ ! .ولن أعود إلى العمل فيه بينما هو يتمتع بمزايا رجل مهم ! .أخبرته في المرة األولى أن الشمس حارة في التاسعة صباحاً ،لكنها بدءاً من العاشرة تجلدني بالسياط ،وتمتلئ النافذة المفتوحة ب��ال��ذب��اب وال��رم��ل ،وتصعد إل��ي دمدمة األرض ،وبقع القار في وجه اإلسفلت .وأخبرته في المرة الثانية أن مكيّف الهواء ،لم يعد ثمة فرق بينه وبين المروحة اليدوية التي في يدي .وأخبرته أن المطر على قميصي ،أصفر بلون خشب السقف، وإذا هطلت السماء بغزارة ،صار بلون القا،ر ووخزت كتفي مسامير صدئة ،كريهة الرائحة .وأخبرته أن مكتبه الواسع الفخم ،ال يشير إلى أن الحياة صعبة بالفعل ،كما يقول .وفي كل مرة ،كان يضحك ،كنت أنا اضحك .اليوم كتبت استقالتي بخط أنيق ،والليلة أنام على جرف ناتئ في شاطئ البحر.
تدفقت ن�ح��وي .وعندما همزت سيارتي خلفه ال مستني .أحسست بالضربة في يدي ..كان المفتاح حاداً ،وفوق قدرتي على استيعاب أن الحياة صعبه.. لقد طلبت منه أن يمكث معي في ذلك الكوخ ثالثة أيام في عز الصيف ،وقلبت له الموكيت المهترئ، ث��م رح��ت أس��رد عليه ال��ري��اح ال�ت��ي هبت م��ن جهة ال �ج �ب��ال ،وال��ري��اح ال�ت��ي ه�ب��ت م��ن ج�ه��ة الصحراء التي دون البحر ،وأدخلت يدي في التجاويف ،ثم أخرجت له عقارب ميتة وخنافس س��وداء مهشمة ج��اء ت مع ال��ري��اح من صحاري بعيدة ..ذك��رت له أن ثمة أنفاس ما تلبث أن تتكسر تحتي وتموت في الرمل الناعم ،كلما ارتفعت أنفاسي من شدة الحر.. نتقت أمامه السقف ،فتساقطت منه أمطار قديمة في دورتها األخيرة ،ارتطمت السلسة والمفتاح صفراء وسوداء تضج برائحة خشب متعفن ،يمشي بيد الطفل الذي يبكي ..توجع وزاد بكاؤه .استدار فيه الدود.. كان طفله يبكي في السيارة الفخمة التي أمامي، ناحيتي ،وأوغ��ل في دمعتين سخيتين ف��اغ��راً فاه، مصوباً بريق عينيه إلى عيني الحجريتين ،قبل أن وكان هو يحادث زوجته بوقار رجل مهم ..كان يبتسم تبتعد السيارة ..في البيت سوف يسكت بالتأكيد .كلما التفتت إليه مندهشة ..آه ،إنها نفس االبتسامة ه �ن��اك غ��رف��ة ص�غ�ي��رة مكتظة ب��ال�ل�ع��ب سيدخلها الماكرة وهو يقول لي أن الحياة صعبة …. مهروال..ستضيء بضغطة زر عند الباب ،وحالما الثالثاء ،يضرم النار حمراء قانية ف��وق البحر تضيء سترتبك طيور معلقه بجوار النافذة ..سيمر وظ �ه��ره إل ��ي ..ك��ان يكفي أن أم��د رج�ل��ي م��ن فوق المساء حافياً صغيراً مغموس اليدين في اللعب ال �ج��رف ليتلبسهما غ�س��ق ن��اب��ت م��ن ت�ح��ت الماء وسينكر الطفل أنه بكى.. كالنفط ..ال رذاذ على الحواف يخصني س��وى أن حين آلمته الضربة سحب ي��ده جهتي ووضعها الريح مضرجة برطوبة غير عادية ،والجرف ينوء بيني وبينه ..كانت السيارة تبتعد ،بيد أن أصابعه بوحشة البحر..
اجلوبة -صفر 85 1427
جتربتي في كتابة الترجمة
والسيرة<
> د .عبدالرحمن الشبيلي
مقدمـ ــة: ال أبلغ من أن يحترف اإلنسان مهنة من المهن ،أو يمارس فناً من الفنون ،ثم يقف
مع نفسه بعض الوقت اللتقاط األنفاس ،والتأمل في طريقه ،ليرى إذا كان يسير
ال لمسيرته ،وليعود إلى ما سجله غيره في االتجاه الصحيح ،وليجري تقويماً شام ً
من الممارسين ،وإلى ما كتبه المنظّ رون من قبله ،فيستفيد من ارائهم وخبراتهم.
تلكم هي نظرتي للحديث عن تجربة هي إلى الهواية أقرب من االحتراف ،إذ لم
يسبق من قبلُ أن نظرت في تجربة اآلخرين ،أو فتشت عما سلكه األسبقون ،أو
قرأت فيما كتبه أساتذة األدب عن أصول هذا الفن وقواعده وتاريخه.
فالكتابة في السير والتراجم ،بشقيها :سير الذات وسير الغير ،هي في الواقع،
ميدان فسيح من ميادين األدب ،له أصوله وأنماطه ،وق��د كُتبت فيه دراسات وأطروحات ،وعرفته الثقافة العربية منذ أمد بعيد ،حيث يزخر التراث بالمئات
من الكتب التي سجلت سير الزعماء والمصلحين وطبقاتهم ،وسبرت مكامن القوة
في شخصياتهم.
وف��ي عصرنا الحديث ،ش��اع مصطلح ال�ت��راج��م،وه��و تعبير م��و ّل��د يطلق على
ش���ه���ادات 86
السير الموجزة ،ثم انتشر منذ عقود قليلة نمط السير الذاتية (بما فيه اليوميات
والذكريات واالعترافات ونحوها) ،وهو ما يحكي فيه المرء قصة حياته بأسلوب
ضمير الغائب (الرواية) أو باستخدام ضمير المتكلم ،وسواء أكتبه بقلمه أم أذن لغيره بالكتابة عنه.
< ألقيت في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية -سكاكا بالجوف يوم الخميس 1426/10/15هـ الموافق 2005/11/17م.
اجلوبة -صفر 1427
يقول د .عبدالله الحيدري في كتابه المتميّز: السيرة ال��ذات�ي��ة ف��ي األدب ال�س�ع��ودي (دار طويق 1424هـ) والذي كان في األساس رسالة ماجستير، وعلّق عليه الشيخ حمد الجاسر" :والنوع األول هو المعروف بالسير الغيرية ،أو ما يعرف لدى الغرب بتعبير ،Biographyوهو البحث عن الحقيقة في ح�ي��اة إن �س��ان ف� �ذّ ،وال�ك�ش��ف ع��ن م��واه�ب��ه وأسرار عبقريته من ظروف حياته التي عاشها واألحداث ال�ت��ي واجهها ف��ي محيطه واألث ��ر ال��ذي خلقه في جيله ...،وإن النقد العربي قد استوعب التفرقة بين المصطلحين المركّبين فأطلق تعبير Biography لسير الغير ومصطلح Autobiographyللسير الذاتية التي يتحدث فيها الكاتب عن نفسه " أ .هـ .في كتابة السير ،لكنني استذكر هنا خطوة مرحلية قديمة يعود تاريخها إل��ى ع��ام 1396ه��ـ (1976م)، ومع حداثة هذه التجربة في مجتمعنا ،فإن المتتبع وكانت بمثابة التمهيد الهتماماتي التوثيقية في هذا لما صدر من سير ،من أمثال ما كتبه عزيز ضياء في المجال. سيرته الذاتية :حياتي مع الحب والجوع والحرب، ففي أواخ��ر س�ن��وات عملي ف��ي وزارة اإلعالم، ود .غازي القصيبي في كتابه :حياة في اإلدارة وفي سيرته الشعرية ،واألستاذ أبو عبدالرحمن بن عقيل جالت في خاطري فكرة تنشيط ذاكرة المشاهدين في تباريحه ،أو الدكتور عبدالعزيز الخويطر في بتاريخ أبرز أعالم الوطن الذين قدموا خدمات جليلة لمحات من ذكرياته،وإبراهيم الحسون في خواطره ،في سبيل تأسيسه وتوحيده ونهضته ،وقد قمت ،من وهي جميعها من نوع السير الذاتية ،وليست تراجم ثمّ ،بتسجيل حلقات تلفزيونية توثيقية مع بعضهم، للغير – موضوع هذه المحاضرة ،فإنها – في ظني تتحدث عن مراحل حياتهم ،وعن شهاداتهم الشفوية – قد بلغت من الجودة ما يضاهي ما تضمه المكتبات حول األح��داث التي عاشوها أو شاركوا فيها ،وقد من نتاج عربي ،وهي تتفوق بشكل ملحوظ على ما استمرت محاوالتي التوثيقية تلك حتى اآلن. أنتجته المكتبة السعودية من كتب وتراجم للغير. كان من تلك المقابالت ،ما عرض في حينه وما وال �م��رج��و ،م��ع اس�ت�ع��راض ه��ذه ال�ت�ج��رب��ة ،على تواضعها ومحدوديتها ،أن تضيء الطريق لكاتب ناشيء ،وتكون فيها الفائدة لمتحفّز يمتلك الفكرة ومقدرة الصياغة لكنه يبحث عن الميدان.
البدايات: لم يكن لي قبل عام 1414هـ (1994م) سابق خبرة
لم يعرض ،ما حوى مادة ثرية معمقة ،فعملت منذ وفاة الشيخ محمد بن جبير عام 1421هـ (2003م) على تحويل تلك التسجيالت إلى سلسلة كتب توثيقية شملت ح�ت��ى اآلن ال�ش�ي��خ ح�م��د ال�ج��اس��ر واألمير مساعد ب��ن عبدالرحمن واألم�ي��ر خالد السديري وكانت الحوارات التلفزيونية تمثل المتون الرئيسية لتلك الكتب ،ثـــــم
اجلوبة -صفر 87 1427
بالكتاب يرى النور في شوال عام 1414هـ (1994م)، كتاب من ( 500صفحة ) ،يتحدث عن سيرة طيب الذكر ،السفير الشيخ محمد الحمد الشبيلي ،ويلقى من الحفاوة ما لم يحلم به مؤلفه.
التجارب الالحقة:
أض �ف��ت إل �ي �ه��ا ق� � ��راءات م ��ن ب �ع��ض عارفيهم، وص��وراً جعلت من سيرهم م��واد وثائقية متكاملة، مع وضع هوامش تتضمن تراجم موجزة للتعريف بالشخصيات األخرى التي عرض لها كل حوار ،حتى إن كتابي األخير عن األمير مساعد بن عبدالرحمن حمل أربعين تعريفاً بآخرين ،ورد ذكرهم في ثنايا مقابالتي التي كنت أجريتها مع سموه قبل ثالثين عاماً.
التجربة الرائدة: ل�ك�ن�ن��ي ق �ب��ل أن أق� ��رر ت �ح��وي��ل ه ��ذه الحلقات التسجيلية القديمة إلى كتب ،بدءاً بكتاب الشيخ ابن جبير الصادر عام 1421ه��ـ (2003م) ،كنت مررت بالتجربة األثرى واألكثر تميّزاً حتى اآلن. فلقد كنت منذ عام 1407هـ (1987م) أرسم في الذهن – كما يفعل المعماريون – تصوّراً لكتاب يوثق سيرة أحد أقاربي ممن اتفق المجتمع على تقدير أع�م��ال��ه وخ��دم��ات��ه ،وك�ن��ت أب�ح��ث ع��ن متعهد ينفذ الرسومات والتصاميم ،ويحيل الفكرة إل��ى واقع، أو كما يتمنى إنسان تحوك في خاطره مشاعر ،أن يتحول إلى شاعر يصوغ أفكاره في قصيدة معبرة. وبعد طول انتظار حاولت خالله جهتان التصدي لتنفيذ الفكرة ،كان على المصمم نفسه أن يتحول إل��ى مقاول ،وأن يقوم بتنفيذ أفكاره بنفسه ،فإذا
88
اجلوبة -صفر 1427
أم��ا التجربة الثالثة ،م��ن ت�ج��ارب كتابة السير وال�ت��راج��م ،فقد م��ررت بها بين عامي 1417ه ��ـ و 1420ه� ��ـ (2000 – 1997م) حينما كنت أعكف على تأليف كتابي التوثيقي -السالف ذكره -عن ت��اري��خ اإلع�ل�ام ال�س�ع��ودي ،وق��د أس�ف��ر البحث عن التطرق إلى عشرات من رجال الثقافة واإلعالم في المجتمع السعودي ،مما شجع على كتابة مقاالت عن كل شخصية على ح��دة ،نُشرت مجّ زأة في جريدة الجزيرة ،ثم مجتمعة في كتاب (إع�لام وأعالم)، الصادر بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة 1419هـ (1999م). ثم دخلت في تجربة رابعة من ن��وع أكثر عمقاً في مجال كتابة التراجم الموجزة ،عندما التزمت لجريدة عكاظ في مطلع شهر شعبان عام 1424هـ (سبتمبر 2003م) – تحت عنوان :تحية وبعد -بكتابة سلسلة مقاالت عن شخصيات متوارية عن األضواء عازفة عن الظهور ،مع أنها بلغت مكانة عالية في المجتمع ،وقدمت جهوداً مشكورة في خدمة الوطن، وقد أفاد نشر تلك المقاالت سلفاً في الصحافة في تلقي بعض التعليقات والتصويبات عليها ،ومع األيام ال وطوالً ،وأصبحت صارت تلك الحلقات أكثر تفصي ً تشمل شخصيات قديمة ومعاصرة ،أحيا ًء أو أمواتاً، كما توسَّ ع نشرها صحفياً ليشمل جريدتي الحياة والشرق األوس��ط ومجلتي الشورى والمجلة ،وهي حلقات تنتظر الظهور قريباً بإذن الله – بعد جمعها -في كتاب بعنوان :أعالم بال إعالم.
إن ما يجمع بين هاتين التجربتين األخيرتين ،على التجانس في نسق الكتاب وصياغته وأسلوبه، على اختالفهما النسبي من حيث اإلطالة والعمق ،رغم تنوع أقالم المشاركين في التأليف واختالف هو سمة االختصار وتجنب اإلغ��راق في تفاصيل طريقتهم وأنماطهم في الكتابة ،كما تشمل التأكد ال� �ح���وادث ،وس �ه��ول��ة ال �ل �غ��ة وال �ت��راك �ي��ب وبساطة من اتساق معلوماته التاريخية. األسلوب ،مع االنعتاق من التشدد في شروط البحث وقفات للتأمل: األكاديمي وق�ي��وده ،ذل��ك أن تلك السير والتراجم وألن التجربة،التي م��ررت بها في أثناء إعداد قد أعدت أساساً للنشر الصحفي ،وكانت موجهة إلى جمهور المثقفين والمتخصصين وإلى السواد سيرة السفير الشبيلي كانت األكثر ثرا ًء بين كتب السير التي أصدرتها ،فإنني أرجو أن تسمحوا لي حد سواء. األعظم من القراء على ٍ بالوقوف عدة وقفات عند أب��رز مالمحها للتعرف وقد رك��زت تلك السير والتراجم على الجوانب على أسباب التميز فيها: الطريفة وال �م �ش � ّوق��ة ،ورب �م��ا المجهولة م��ن حياة ال��وق�ف��ة األول� ��ى :ك��ان��ت شخصية ذل��ك الكتاب شخصياتها ،وروعي في انتقاء األسماء أن تكون لها مكانة شعبية في المجتمع أو ذات ماض مؤثر وناجح ،أحد السفراء السعوديين ،المشهود لهم بالشمائل وبالتالي ،تجتذب القارئ وتغريه على االستزادة من الكريمة ،التحق في مطلع الخمسينيات الهجرية (أوائ��ل الثالثينات الميالدية) بالديوان الملكي ،ثم المعلومات اإلنسانية عنها. خدم بالده ومواطنيه سفيراً في خمس دول ،وأمضى أما الصنف الخامس واألخير من هذه التجارب، نحواً من ستة عقود في الوظيفة العامة ،مكرساً وقته فهو اإلشراف على تأليف تراجم لشخصيات عامة، وجهوده وإمكاناته في إسعاد غيره ،وص��ون سمعة في شكل مشروعات كتب تقوم بها جهات خاصة وطنه ،وعُرضت عليه الوزارة فاعتذر ،فكان احتفاء أو حكومية ،يقتصر دوري فيها ،مع التنسيق بين المجتمع بصدور الكتاب بمستوى منزلة الرجل، ال�م�ع� ّدي��ن ،على التحرير ال �ع��ام م��ن ن��اح�ي��ة ،وعلى اإلس �ه��ام ف��ي كتابة بعض فصولها بالمشاركة مع لدرجة غفرت كون مؤلفه أحد األقربين. فأهمية الشخصية التي يكتب عنها ،والتوافق في كتاب آخرين ،وتشمل وظيفة المحرر هنا المحافظة
الدكتور عبدالرحمن الشبيلي:
من مواليد عنيزة بالقصيم سنة 1363هـ (1944م) ،له ابن وبنتان. دكتوراه في اإلعالم 1391هـ (1971م) من جامعة والية أوهايو. أسهم في تأسيس إذاعة الرياض وتلفزيون الرياض ،وقدم برامج إعالمية حوارية ،ونشر مقاالت ومحاضرات توثيقية. عمل مديراً عاماً للتلفزيون وأستاذاً لإلعالم في جامعة الملك سعود. وكيل وزارة التعليم العالي وأمين عام المجلس األعلى للجامعات األسبق. -عضوية مجلس الشورى والمجلس األعلى لإلعالم .
اجلوبة -صفر 89 1427
شهادة المجتمع على منزلته فيما تميز ب��ه ،كانت دون شك ،العامل األول في نجاح المؤلَّف ،واإلقبال على اقتنائه والحفاوة به ،ومفتاح تعليقات وسائل اإلعالم عليه. الوقفة الثانية :كان الكتاب في مسوداته المبكرة يضم ثالثة فصول ،وكانت صياغته تتسم بالعمومية، ومعلوماته غير موثقة ،ولكن ما أن انفتحت أمام المؤلف خزينة األوراق الخاصة ،وألبومات الصور التي كانت تزخر بها غرفة المقتنيات الشخصية للسفير الشبيلي ،حتى تغيّرت صورة الكتاب ،وتحول حجمه من فصول ثالثة إلى ثمانية ،وزادت الصور إلى عشرة أضعاف ،وحظي بالكثير من األسانيد وال��وث��ائ��ق ال�خ��اص��ة ،وص ��ارت المعلومة ت��دل على المعلومة ،والصورة توحي بالفكرة ،والوثيقة تقود إلى مصادر المعلومات ،وقد تعلمت من تلك التجربة أن البحث عن القرائن والدالئل والتواريخ غاية تستحق شد الرحال ،مهما كانت القيمة أو كان التأخير. وب �ي��ن م��ا ت��م ال �ع �ث��ور ع�ل�ي��ه ،ش��واه��د وإثباتات أصيلة للعديد من القصص والروايات التي وردت على ألسنة روات �ه��ا ،وم��ع ذل��ك فقد حالت ظروف أفغانستان والعراق في تلك الفترة وما تزال ،وهما من البلدان التي عمل فيها سفيراً ،دون أن يحصل المؤلف منهما على ما يخدم أغراضه.
ومن الطبيعي ،أن يشكّل العثور على صورة تخدم موضوعها ،وتوضع في مكانها المناسب في الكتاب، سعادة ال توصف ألي مؤلف ،وأن ترد قصة في ثنايا الروايات وقد مضى على حدوثها نصف ق��رن ،ثم يجد الباحث بين أوراق شخصية الكتاب ما يؤكد تفاصيل الواقعة وشخصياتها وتواريخها ،وأن تحتل صورة مكاناً بارزاً في إخراج الكتاب ،ثم يجد مؤلفه، والكتاب ماثل للطبع ،من يعرّف باسم صاحبها ،فهي مواقف تمثل متعة في عالم مؤلف السير والتراجم ال يقدر مدى اإلحساس بها إال من م ّر بها أو جرّبها، بل إن استذكارها ،مع مضي الزمن ،ال يقل نشوة وإسعاداً عن تذكر مطاردة قنص عاشها هواته. ال��وق �ف��ة ال �ث��ال �ث��ة :وه ��ي ت�ت�ص��ل ب��ض��رورة إلمام المؤلف بخلفية الموضوع ،وبالمعلومات التاريخية المتعلقة به ،وبالشخصيات الواردة فيه ،إذ ال أتخيل مؤلفاً يمكنه أن يكتب عن شخصية ال يعرف عنها لا ع��ن أن ي�ك��ون ق��د ت��أث��ر بها أو إال القليل ،ف�ض� ً تشبعّ بمعرفتها أو تفاعل معها من قبل ،وإن من نافلة القول :إن أفضل أنواع الكتابة وأكثرها صدقاً وبالغة هو ما يصدر عن عاطفة ،مهما بلغ احتراف المؤلف وقدرته على الصياغة والتعبير. وما من شك في أن القراءة المكثفة في الموضوع الذي يراد التأليف فيه ،وزيارة المواقع التي سيتم
مؤلفاته في مجال اإلعالم:
نحو إعالم أفضل (طبعتان) 1412هـ (1992م). إعالم وأعالم 1420هـ (1999م). اإلعالم في المملكة العربية السعودية – دراسة توثيقية 1421هـ (2000م). صفحات وثائقية من تاريخ اإلعالم في الجزيرة العربية 1423هـ (2002م). حمد الجاسر 1424هـ (2003م). -الملك عبدالعزيز واإلعالم 1424هـ (2003م).
90
اجلوبة -صفر 1427
التطرق إليها ،وااللتقاء م��راراً مع الشخصية التي سيكتب عنها ،هي بعض الوسائل التي تعزز من قدرة الكاتب على استيعاب موضوعه وإجادة الكتابة فيه. ال��وق �ف��ة ال��راب �ع��ة :وت �ت �ح��دث ع��ن م��رح�ل��ة يمكن تسميتها :مرحلة التدقيق والمقارنة ،إذ ال بد لكل مؤلف في موضوع ذي صلة بالتاريخ ،أال يأخذ مأخذ التسليم كل ما يقع عليه ناظراه من معلومات دون ال عن ضرورة أن يعرضها للتحقيق والمقارنة ،فض ً أن يراجع مسوداته ويقارن بين تواريخ تخص واقعة بعينها وردت في مواضع مختلفة من كتابه ،حتى ال يحصل تنافر في الكتاب نفسه.
المذكور ال يمت إلى الموضوع بصلة ،وأن األصح هو – ما عاشه معظمنا -أمر ملكي آخر صدر برقم ( )57في العام الذي تاله ،وهو ما أ ُثبت في كتابي عن تاريخ اإلع�لام السعودي الصادر عام 1421هـ (2000م) ،لكن أح��د كتب السيرة حديثة الصدور إن المعلومات الخطأ التي ترد في بعض الكتب، رجّ ح الرأي األول ألسبقيته ،دون التثبت من دقته . ال تشوه الكتاب نفسه بقدر ما تربك الكتب واألبحاث وم ��ن ال�ل�اف��ت ل �ل �ن �ظ��ر ،أن ه �ن��اك ال �ع��دي��د من التي تبنى عليه ،وما لم يقم الناقل بالتثبت من كل معلومة ينقلها ،ف��إن الخطأ ق��د ي�ت��راك��م ،ويصبح السير والتراجم التي ص��درت في المملكة ،وهي جرثومة (فيروساً) يلوّث جميع ما يصدر بعده من تمتلئ بالمعلومات الجديدة والموضوعات األصيلة الجيدة ،لكنها ال تُسند بتواريخ أحداثها ،وال تختم كتب أو نقوالت. بالفهارس والكشافات التي تساعد الباحث والقارئ كنت ذات م��رة أق��رأ ف��ي رس��ال��ة قديمة حررها على تحديد مواضع المعلومات عند العودة إليها ، أح��د األش�خ��اص الذين ألفت عنهم ،وك��ان يتحدث وفي ظني أن توثيق التواريخ وتكشيف المعلومات، فيها عن موضوع يفهم منه أنه يتعلق بوفاة الملك هما أهم عناصر الكتابة التاريخية ،ويمثالن عصب خالد وتولي الملك فهد مقاليد الحكم في البالد، ال على تمكّن التأليف في مجال السير والتراجم ،ودلي ً وبالعودة إل��ى أح��د الكتب اإلعالمية التي صدرت الكاتب ومثابرته وجدّيته في البحث والتنقيب. عن تلك المناسبة للتثبت من التاريخ ،تبين أن خطأ ال��وق��ف��ة ال �خ��ام �س��ة :وت� �ت� �ن ��اول م��رح �ل��ة النقد مطبعياً في تلك السنة (1402هـ) قد وقع في الكتاب اإلعالمي نفسه ،ولم يكن مؤلفه قد اكتشفه قبل تلك والتقويم ،وه��ي مرحلة ال يوليها بعض المؤلفين م ��ا ت �س �ت �ح �ق��ه م ��ن اه� �ت� �م ��ام ،م ��ع أن� �ه ��ا ي �م �ك��ن أن المقارنة. وفي مثال آخ��ر ،تضمن كتاب عن تطور الحكم تكشف ل�ه��م ع�ي��وب�اً ال ي �ك��ون ف��ي م �ق��دور المؤلف واإلدارة في المملكة ،صدر عام 1385هـ(1956م). ،أن ي�ك�ت�ش�ف�ه��ا ب��م��ف��رده ،وق���د ق �ي��ل ف �ي �م��ا مضى: معلومات تشير إل��ى أن وزارة اإلع�لام قد أ ُنشئت إن المؤلف ي�ق��رأ نفسه ،وبالتالي فقد يمر عليه استناداً إلى األم��ر الملكي رقم ( )43الصادر عام الخطأ المطبعي وغيره دون أن يلحظه. 1381هـ (1961م) ،وبتحقيق ذلك ،اتضح أن المستند
ولعل أفضل طريقة لنقد الكتاب وتقويمه قبل
اجلوبة -صفر 91 1427
طبعته النهائية أن يعقد المؤلف ندوة للمتخصصين في موضوعه ،أو لمجموعة من النقاد المحتملين لمعرفة آرائهم في مسوداته األخيرة ،فقد تكفل هذه الخطوة تخفيف الملحوظات التي تبدى على الكتاب فيما بعد ( وقديماً قيل :من ألف فقد استهدف). وهنا ينبغي على المؤلف أال يتأفف من أي رأي، وال يتذمر من التأخير ،أو من كثرة التعديالت وإعادة الصياغة ،فالتصويبات التي ت��رد إليه قبل الطبع تفضل بمراحل ما يتلقاه بعده ،وخير له أن يتلمس ُ عيوب كتابه قبل الصدور من أن يُلفت نظره إليها بعد فوات األوان ،وعندما يحظى المؤلف بمساعدة من محترف في التصحيح والمراجعة والصياغة، ال لذلك ،فإنها قمة أو عندما يكون هو نفسه مؤه ً الحظ في عالم الكتابة والتأليف ،وإن ما يقضيه المؤلف من جهد ووقت في هذه المرحلة خير وسيلة ال إلتقان العمل وتحري كماله وضمان تميّزه ،ودلي ً على احتراف المؤلف وثقته بنفسه. إن كل ما أصدرته حتى اآلن من كتب في مجال اإلع�لام أو في مجال السير ،قد استغرق ما بين عشر إل��ى خمس عشرة مسودة (ب��روف��ة) طباعية، مارست فيها أقصى درجات المراجعة والتمحيص الممكنة ،ومع ذلك فلم يخل واحد منها من األخطاء بأنواعها .
على المعايير العلمية وتطبق عليها ،فإن من غير المحتمل أن يحافظ كتاب السير على موضوعيتهم وحيدتهم في كتابات أعدت لألغراض اإلعالمية، أو الستكشاف جوانب التميز في األشخاص ،وإن أح��رى ما قد يلتزمون به هو موقف االع�ت��دال في الطرح ،وتجنب المبالغات في الثناء واأللقاب. السؤال الثاني الذي يرد في هذا المقام ،هو عن مدى تقبّل تلك الشخصيات لما يُكتب عنهم ،خاصة أن الكثيرين قد ال يعرفون محتوى تلك الكتابات قبل نشرها ،وهو ما يتم في الغالب مع معظم ما كتبت، ولعل في استشارة المحيطين بالشخصيات المترجم لها ما يضمن دقة المعلومات الواردة فيها ،وضمان رضا صاحب الشأن عما ورد عنه من معلومات. الوقفة السابعة :وتتصل – باختصار – باشكالية ما يواجهه بعض كتب السير والتراجم في بالدنا خاصة ،من بعض الحساسيات االجتماعية ،نتيجة إيراد كلمات أو معلومات أو قصص قد تثير النعرات القبلية واإلقليمية ،وربما يلحق بها مسألة الدخول في قضية األعمار وأمثالها ،وهي أمور يحتاج التطرق إليها كثيراً من الحذر والحيطة ،فلقد تسببت إثارة مثل هذه الموضوعات في إيقاف العديد من مؤلفات السير والتراجم حتى بعد فسحها وتداولها.
الوقفة الثامنة :وإن من عوامل التشويق في مثل الوقفة السادسة :هل يمكن الحكم على ما يكتبه هذه الكتابات ،هو التوسع فيما يمكن تسميته عنصر كاتب السير والتراجم بالموضوعية والحيدة ؟ ،أو "الشخصنة" ،وه��و الغوص في أعماق الشخصية، بعبارة أخرى :هل تتوافر شروط النزاهة في كل ما والتطرق في السياق نفسه إلى أسماء شخصيات أخرى ذات عاقة بالشخصية الرئيسية. يكتبه مؤلفو التراجم ؟ أستطيع ال�ق��ول :إن من الصعب على أي كاتب س�ي��رة المحافظة ع�ل��ى ذل ��ك ،خ��اص��ة إذا م��ا كان اختياره لألشخاص مبنياً على اإلعجاب المسبق ب �ه��م ،وأض��ي��ف :إن ��ه م��ال��م ت �ع��رض ك �ت��اب��ات السير
92
اجلوبة -صفر 1427
لقد سبق اإلخ ��وة م��ن ك�ت��اب ال�ح�ج��از ،قديمهم وحديثهم ،إل��ى األخ��ذ بهذا العنصر واالهتمام به، حتى ال تكاد مقالة أو كتاب سيرة تخلو من الحديث ع��ن مأكل اإلن �س��ان ،وع��ن رف��اق��ه ،وع��ن اهتماماته
األسرية ،وعن اإلتيان بأسماء من حوله من أقاربه ،وتاريخها ثم بسرد المراحل العلمية والعملية وعدد مع رفع الكلفة عند الكتابة عن الدواخل النفسية ذريته وتنتهي بذكر تاريخ وف��ات��ه ،بل نحت منحى واإلنسانية. متحرراً يركز في بدايته على أبرز مالمح الشخص
فمتى ما توافر عنصر "الشخصنة" ،وه��و أمر أو خصاله وما هو معروف أو مجهول عنه ،وغالباً أس��اس��ي ف��ي كتابة السير ،ضمن ع��وام��ل الظرف ما توضع المعلومات البيوغرافية في نهاية المقال والتشويق وسهولة العبارة واإلي �ج��از ،فإنها – في أو البحث ،وهناك سي ُر أخذت نمط استعراض عمل فكري قام به ،وذلك كما حصل عند استعراض سيرة ظني – مدعاة إلمتاع القارئ وجذبه وارتياحه. خليل ال��رواف وابراهيم الحسون ،وعلى كل حال،
وبع ــد:
فإنه عندما يأتي األمر إلى تقويم منهج الكتابة ونقد
ه ��ذه ،ف��ي ال ��واق ��ع ،خ�لاص��ة ت�ج��رب��ة متواضعة اسلوبها فإنه شأن ينبغي أن يصدر من غير كاتبها. امتدت اثني عشر عاماً ،من االنشغال في فن لم والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته يكن لي سابق خبرة فيه أو دراسة أو تخصص ،ومن الطبيعي أن تكون عرضة للنقد واختالف الرأي ،لقطات من محاضرة الدكتور الشبيلي: خاصة إذا ما عرفنا أن تلك التراجم -على تباين قدم للمحاضرة وأدارها الدكتور عبدالله الحيدريأصنافها -قد التزمت منهجاً مبسطاً في األسلوب، أستاذ األدب غير المتفرغ بجامعة اإلمام محمد يجتذب القارئ العادي ،لكنه يتحرر من وثاق البحث بن سعود اإلسالمية. العلمي المتشدد. ش��ارك ف��ي ال�ح��وار ك��ل م��ن الدكتور عبدالواحدومع تواضع هذه التجربة القصيرة التي مررت الحميد وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير و بها ،والتأكيد على أنها ال تتعدى الهواية وال تدخلني الكاتب المعروف ،و الدكتور زياد بن عبدالرحمن بين المؤرخين ،فلقد اتخذت المحاوالت التي قمت ال��س��دي��ري م��دي��ر ع���ام م��ؤس �س��ة عبدالرحمن بها للكتابة في السير قوالب وأنماطاً فنية مختلفة، السديري الخيرية. لكنها – بأي حال من األح��وال – لم تأخذ الشكل التقليدي لكتابة السير ،التي تبدأ عادة بمكان الوالدة -تضمنت ال�م�ح��اض��رة رص ��داً لتجربة الشبيلي،
مؤلفاته في التراجم والسير:
صالح العبد الله الشبيلي – حياته وشعره 1414هـ (1994م). محمد الحمد الشبيلي (أبو سليمان) 1414هـ (1994م). محمد بن جبير (طبعتان) 1421هـ (2001م). مساعد بن عبد الرحمن آل سعود 1425هـ (2004م). أعالم بال إعالم( :تحت اإلعداد) 1426هـ (2005م). -خالد بن أحمد السديري ( تحت اإلعداد) 1427هـ (2006م) .
اجلوبة -صفر 93 1427
على مدى اثني عشر عاماً ،في تأليف كتب يؤرخ عام نعتقد أن كتابة السيرة في مجتمع كمجتمعنا
فيها لحياة بعض المشاهير ،الذين ذكرهم في تنطوي على حساسية اجتماعية ،ي�ب��دو أن هذه
محاضرته.
المعادلة صعبة التحقيق .وثمة مشكلة إذا كان من
وفي ختام المحاضرة ،فتح باب النقاش للحضور ،ضمن األشياء التي بذهن كاتب السيرة أن يُرضي وقد قدم الدكتور عبدالواحد الحميد مداخلة وأبدى صاحب السيرة؛ فالسيرة هي سيرة هذا اإلنسان
عدداً من المالحظات النقدية ومن ضمنها ما ذكره بايجابياته. أما التجربة الرابعة المتعلقة بسلسلة مقاالت عن الشبيلي أن أفضل أن��واع الكتابة هو ما يصدر عن
عاطفة ،وربطها الدكتور الحميد بالوقفة األخرى شخصيات متوازية الطباع سوف تعرض في كتاب ال �ت��ي ت �ح��دث ف�ي�ه��ا ال �م �ح��اض��ر ع��ن الموضوعية تحت عنوان" :أعالم بال إعالم" ،فلها أهميتها ،لقد
والحيدة ،وشروط النزاهة في كتابة السيرة ،إذ ال بد قرأت سلسلة المقاالت التي نشرتها في الصحافة من تطبيق معايير كتابة السيرة في محاولة إليجاد المحلية ،وربما كانت من أجمل ما ُكتِب في موضوع
نوع من االعتدال بل إن المحاضر قال إن أقصى السيرة ألنها تتحدث عن أشخاص غير معروفين ما يمكن أن يحققه كاتب السيرة هو عدم المبالغة .كثيراً ،ولكن كانت لهم إسهامات كبيرة ،وك��ان لهم
وف��ي ال��وق�ف��ة السابعة تحدثت ع��ن م��دى التقبل ،دور في مسيرة اإلع�لام ،كل بحسب الموقع الذي وضمان رضا صاحب الشأن ،عما ورد عنة ثم في عمل فيه .ونتمنى عندما يصدر هذا الكتاب وأمثاله
الوقفة الثامنة تحدثت عن الحساسيات االجتماعية ،أن الناس الذين أسسوا اإلعالم القوي في بالدنا أن هذه الخلطة تضعنا أمام إشكالية فمن ناحية أصدق يأخذوا نصيبهم من اإلنصاف ،وبالتالي في ظني
أنواع كتابة السيرة هي ما يصدر عن العاطفة وأنا أن التجربة الرابعة ال تقل أهمية عن التجربة التي ال أعتقد أن العاطفة محايدة ،إذ يصعب أن تكون تفضلتم وقلتم أنها االث��رى وه��ي كتبت عن محمد محايدة عندما تكون متعلقة بشخص ما ،العاطفة الشبيلي "رحمة الله".
قد تغلب ومن ثم قد يأتي ذلك على حساب شروط النزاهة.
وأض��اف الدكتور الحميد لقد كتب المحاضر
عن اآلخرين وفي ظني في مسيرته الشيء الكثير
واآلن ع�ن��دم��ا ن�ت�ح��دث ع��ن ال �م��وض��وع بشكل الذي يمكن أن يقدم للناس من خالل سيرته الذاتية التي يقدمها بقلمه .وأن��ا أع��رف وق��رأت كثيراً عن مسيراتك اإلعالمية ف��ي التلفزيون وف��ي اإلذاعة والجامعة وأن��ت اختلطت بكثير من الرجال الذين
أسسوا اإلع�لام السعودي س��واء كان الشيخ جميل
ال�ع�ج�لان أو رج ��االت التعليم ال�ع��ال��ي مثل الشيخ حسن آل الشيخ ،عندما كنت وكيل وزارة التعليم
العالي ،والشيخ محمد حبيل وغيرهم ،وكانت لك
ان�ط�ب��اع��ات��ك ع�ن�ه��م .وف��ي ظ�ن��ي ه�ن��اك الكثير من
94
اجلوبة -صفر 1427
السديري ،وقال :تبعاً لما قاله الدكتور عبدالواحد
بإمكانية الجمع بين العاطفة والموضوعية ،وتناول القول الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بأن العاطفة
مهمة لدفع الكاتب للكتابة؛ أليس هناك أيضاً فارق
بين سيرة وسيرة؛ سيرة يكتبها المعاصر ،ويكون
الغرض منها هو الرصد فقط؛ وسيرة يكون هدفها التحليل ،وهذه قد تأتي بعد وقت طويل .نحن نرى
الس َي َر التي تكتب اآلن عن أشخاص عاشوا كثيراً من ِ
قبل قرون ،ولو أن أحداً كتب أو رصد سيرهم في
وقت توافر هذه المعلومة ألمكن حفظها وتناولها بالتحليل ،من قبل أطراف ال تربطهم أي عوامل أو
روابط عاطفية بالمتحدث عنة ،أنا أقول أليس من
الس َي َر إذ ربما كثير من الواجب التمييز بين أنواع ِ
القياديين المؤثرين ،عندما يتركون مناصبهم ال يكتبون عن تجاربهم وذكرياتهم وما عاصروه ،على
الرغم من أهمية توثيق تجربتهم وخبراتهم.
السير التي تناولها الدكتور عبدالرحمن الشبيلي واآلخ ��رون ه��ي م��ن ال�ن��وع األول ،ال��ذي يقصد منه
الرصد ،وتأتي استشارة صاحب السيرة أو المعني بها للتأكد م��ن صحة المعلومة ،أم��ا عندما يكون
أذكر عندما انتهى عمل الدكتور بكر بن بكر مدير األمر مجال تحليل ودراسة أقرب منها إلى الجانب جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ،وكنت عضواً التاريخي؛ فعندها أعتقد أن االستقاللية التامة
في هيئة التدريس في وقتها كتبت مقاالً ورجوته والموضوعية الكاملة تكونان عنصرين أساسيين. أن يوثّق تجربته في الجامعة التي قدمت نموذجاً وربما يجب أن يكون شرطاً أن ال يكتب في هذا
مختلفاً ع��ن بعض النماذج ال�م��وج��ودة ف��ي التعليم المجال إال من يتحلى بالموضوعية الكاملة . العالي ولكن لألسف لم يتحقق ه��ذا .ول��ذا أتمنى وعلق الدكتور الشبيلي أنه ال يُعد نفسه راصداًمن الدكتور الشبيلي أن يتحفنا بكتابة القادم عن بل باحثاً هاوياً يكتب ما يؤمن به عن الشخصيات سيرته الذاتية. التي يتصدى للكتابة عنها ،مشيرا الى الفرق بين وقد علق الدكتور الشبيلي على مداخلة الدكتور ال��راص��د المحترف ال��ذي يكتب ع��ن أي شخصيةالحميد أنه لم يقصد من العاطفة أال تأتي كتابته بهدف العمل واألحتراف فقط وبين الباحث الذي موضوعيه علمية نزيهه ،ب��ل ك��ان المقصود منها يكتب بهدف عاطفي مؤمن بما يكتب عنهم.
اإليمان بما يكتب عنه مشيراً الى أنه لم يكتب عن
شخص لم يكن مؤمناً بالكتابة عنه.
-الفنان التشكيلي مؤيد الغنام تحدث عن لغة
كتابة السيرة وبين أن تكون لغة شعرية أو لغة سردية
وبعد ذلك تحدث الدكتور زياد بن عبدالرحمن عادية..
اجلوبة -صفر 95 1427
اجلوف وادي النفاخ الطبعة الثانية
المؤلف :معالي األمير عبدالرحمن السديري أمير منطقة الجوف سابقا مراجعة :د .خليل بن ابراهيم المعيقل رئيس قسم األثار والمتاحف بجامعة الملك سعود سابقا الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية الطبعة الثانية :مزيدة ومحدثة 1426هـ 2005 -م. كتب الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري ،مدير عام مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،مقدمة الطبعة الثانية للكتاب ،ال��ذي يعد اليوم أه��م مرجع تاريخي عن منطقة الجوف قائال:
ق����������راءت 96
"ص��درت الطبعة األول��ى من هذا الكتاب عام 1986م ،وتولت نشرها مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،بالتعاون مع دار ماكميالن لما وراء البحار – لندن. ومن دواعي السرور أن الكتاب ،في طبعته األولى القى قبوالً جيداً من لدن الباحثين والقراء ،الذين عدّوه أهم مرجع عن تاريخ منطقة الجوف ،يصدر باللغة العربية. ونظراً الهتمام الكثيرين من غير الناطقين باللغة العربية بمادة الكتاب ،سواء كانوا أفراداً أو هيئات ،اقترحت إدارة المؤسسة إصدار طبعة باللغة اإلنجليزية، ووافق معالي األمير عبدالرحمن السديري على ذلك .وتولت دار استاسي إنترشيونال للنشر – لندن نشر الكتاب .وصدرت الطبعة باللغة اإلنجليزية تحت عنوان: ( )The Desert Frontier of Arabia "AL-JAWF" Through the Ages
اجلوبة -صفر 1427
وم��ن دواع��ي السرور ،أيضاً ،أن طبعته باللغة اإلنجليزية الق��ت فبوالً جيداً ،وحظيت بتعليقات إيجابية ،أبرزت القيمة المرجعية لهذا الكتاب ،حتى وصف في مقالة بمجلة الشؤون األسيوية ( ،)ASIAN AFF AIRSالتي تصدر عن الجمعية الملكية للشؤن اآلسيوية – لندن، بأنه يُعد مرجعاً من الدرجة األولى ’ عن المنطقة الشمالية بالمملكة العربية السعودية. ونظراً ألهمية هذا الكتاب ،وقيمته المرجعية العالية ،ونفاد طبعته األولى باللغة العربية، والحاجة إلى توفيره للباحثين والقرّاء وتمشياً مع رغبة معالي األمير عبدالرحمن السديري، رأت إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية إعادة طبعه باللغة العربية،بعد مراجعة المتن والصور والخرائط ،وتحديث المعلومات اإلحصائية ،واإلفادة من بعض الملحوظات، التي وردت على الطبعة األولى. وقررت إدارة المؤسسة أن تعهد بهذه المهمة إلى األخ الدكتور خليل المعيقل ،رئيس قسم اآلثار والمتاحف بجامعة الملك سعود (سابقاً) ،وعضو هيئة تحرير مجلة أدوماتو ،التي تصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،وقبل هذا هو أحد أبناء منطقة الجوف ،الذين واكبوا مسيرة المؤسسة منذ انطالقها في عام 1403هـ (1983م).وق��د راجع الدكتور خليل النصوص وتولّى تقييمها وتجهيزها من النواحي الفنية. ويسرّني أن أسجل الشكر الجزيل ل��ه ،على كل ما قدمه من عمل في ه��ذا المضمار. كما أشكر الزمالء في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،الذين قدموا اإلسناد الالزم للدكتور خليل في مهمته ،كما أسهموا ك ٌل في مجاله ،في سبيل إنجاز هذا العمل. كما ال يفوتني أن أشيد بجهود كل األخوة واألصدقاء ،الذين شاركوا في إعداد الطبعة األول��ى من الكتاب ،شاكراً لهم جهودهم وتعاونهم ،وه��م :الدكتور ع��ارف مفضي المسعر، والدكتور جيوفري كينج ،واألستاذ صالح العلي الصالح ،واألستاذ علي محمود الراشد ،والعقيد كولن بادوك ،واألستاذ ياسر مصطفى جابر ،والدكتور أحمد عبدالله السالم ،ومحمديو نس الهذيل (رحمة الله) ،ويوسف ناصر الحشاش (رحمة الله) ،واألستاذ يوسف أبو عواد ،والشيخ عبدالرحمن نصر الله. ال المولى – ع ّز وجل ّ – أن يوفق الجميع لما يُحب ويرضى ،إنه سميع مجيب". سائ ً تضمن الكتاب 339صفحة من القطع الكبير اشتملت على ثمانية فصول الفصل األول عن أهمية تاريخ منطقة الجوف والفصل الثاني عن منطقة الجوف في عصور ماقبل التاريخ و الفصل الثالث عن منطقة الجوف في عصور ماقبل اإلسالم والفصل الرابع عن تاريخ منطقة الجوف من ظهور اإلسالم حتى بداية الدولة السعودية األولى والفصل الخامس عن التاريخ الحديث لمنطقة الجوف و الفصل السادس عن رحالت الرحالة األوربيون الى منطقة الجوف والفصل السابع عن سكان منطقة الجوف وعاداتهم و الفصل الثامن عن مالمح النهضة الحديثة في منطقة الجوف
اجلوبة -صفر 97 1427
أنواع العقارب
والثعابني السامة
في منطقة اجلوف
المؤلف :أ.د .محمد بن خالد السعدون كلية العلوم – جامعة الملك سعود الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية. يأتي ه��ذا الكتاب ثمرة بحث ميداني موّلته مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ،قام به المؤلف لدراسة أنواع العقارب والثعابين السامة بمنطقة الجوف، وهو أول كتاب يصدر عن هذا الموضوع في منطقة الجوف .ونأمل أن يسهم الكتاب بإذن الله سد الفراغ الموجود في المكتبة العربية عن العقارب والثعابين السامة، ومساعدة المتخصصين في استخراج األمصال الطبية إضافة إلى خدمة الباحثين والمهتمين بالحياة الفطرية بالمملكة العربية السعودية.
ق����������راءت 98
اشتمل هذا الكتاب ستة فصول ؛ تناول الفصل األول مقدمة عن المفاهيم األساسية لبيولوجية العقارب والثعابين السامة ،وتوزيعها الجغرافي ،وتناول الفصل الثاني منطقة الدراسة بالجوف ،بينما عالج الفصل الثالث أنواع العقارب والثعابين في منطقة الجوف .وتناول الفصل الرابع سموم العقارب والثعابين ودرجة سميتها وتأثيراتها .وخصص الفصل الخامس لعرض إحصائيات لدغات العقارب وعضات الثعابين السامة بالجوف ؛ أما الفصل السادس فقد تناول توعية المواطنين بعالج التسمم من العقارب والثعابين السامة. كما تضمن الكتاب عدداً كبيراً من الصور الفوتوغرافية وخرائط تواجد العقارب والثعابين في المملكة وفي منطقة الجوف.
اجلوبة -صفر 1427
ظهور اخلطوط
احلديدية وآثارها في املشرق العربي
(في القرن الثالث عشر الهجري – التاسع عشر امليالدي)
المؤلف :نوف بنت رزق الروضان محاضرة في كلية التربية للبنات بالجوف الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية الطبعة األولى 1427هـ 2006 -م. كان لظهور الخطوط الحديدية في مصر وبالد الشام ،في القرن الثالث عشر الهجري – التاسع عشر الميالدي ،آثار مهمة في المجاالت السياسية والعسكرية، واالقتصادية ،واالجتماعية .و ُع ّد اختراع الخطوط الحديدية حدثاً عالمياً مهماً، أسهم في تطور وسائل النقل البري وبدء عهد جديد في تاريخ الحضارة العالمية، كما كان له دور في توجيه أهداف الدول الصناعية وسياستها ؛ للتغلغل األوربي في بلدان المشرق العربي ،طوال القرن التاسع عشر الميالدي.
وقد تضمنت هذه الدراسة عدداً من الوثائق المهمة بالغات العربية والتركية واالنجليزية، المتعلقة بالعقود الخاصة بتنفيذ الخطوط الحديدية في مصر وبالد الشام. وقد نشرت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية هذا الكتاب ضمن برنامج النشر ودعم األبحاث ،من تأليف باحثة من بنات الجوف.
ق����������راءت
الكتاب يُلقي الضوء على تنافس الدول المتقدمة صناعياً بهدف الحصول على حقوق امتياز إقامة مشاريع الخطوط الحديدية في المشرق العربي ،خالل القرن التاسع عشر الميالدي ؛ إضافة إلى تقييم التبديالت التي تحققت من وراء إنشاء الخطوط الحديدية ،في المشرق العربي ،في المجاالت السياسية ،والعسكرية، واالقتصادية ،واالجتماعية ؛ على الرغم من كل ما اعترى تنفيذها من تعقيدات.
اجلوبة -صفر 99 1427
اقتصاديات منطقة اجلوف منوذج جديد للتنمية احمللية المؤلف :د .محمد عبالعال صالح – خبير اقتصادي عمل في وزارة االقتصاد والتخطيط ،واألمانة العامة لمجلس القوى العاملة بالمملكة العربية السعودية. كما عمل خبير ًا في منظمة الخليج لالستشارات الصناعية – الدوحة – قطر. الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية يقدم هذا اإلص��دار تطبيقاً للمفاهيم الجديدة للتنمية المحلية على منطقة
الجوف ،تلك المفاهيم التي تنادي بضرورة التكامل بين الموارد المتاحة للمنطقة،
بطاقاتها وقدراتها الكامنة لتحقيق أه��داف التنمية .وذلك بطرح مفهوم جديد،
يستند على المشاركة األفقية للفعاليات الرسمية واألهلية في إع��داد وتنفيذ اإلستراتيجية التنموية للمنطقة ،ضمن إطار إستراتيجية التنمية.
خصص ال�ج��زء األول قسّ م المؤلف كتابة إل��ى ج��زأي��ن تضمنا تسعة فصول ّ
لمفاهيم ونظريات التنمية المحلية واستعرض تجربة التخطيط اإلقليمي بالمملكة
أما الجزء الثاني فقد خصص للحديث عن منطقة الجوف ،والمؤشرات االقتصادية
ق����������راءت
واالجتماعية والبيئية ،والقطاعات الصناعية والتجارية ونشاط القوى العاملة.
ال عن صناعة السياحة بالجوف وأسس تطويرها ،وقدّ م تصوراً وتضمن الكتاب فص ً للرؤية المستقبلية لمنطقة الجوف في ضوء الفرص وتحديات ،واستعرض المؤلف
أسس تحقيق الشراكة بين القطاعات الرسمية واألهلية بالمنطقة ،التي من شأنها
تمكين كافة الفعاليات من أداء أدوارها على الوجه األمثل ،وإطالق الطاقات الكامنة فيها،بما يحقق أهداف التنمية المحلية .كما تضمن الكتاب مالحق إحصائية حديثة، ورسومات بيانية توضيحية ،تبرز مؤشرات النمو االقتصادي بمنطقة الجوف.
100اجلوبة -صفر 1427 100