مجلة الجوبة العدد 14 Aljoubah magazine 14 Issu

Page 1

‫من �إ�صدارات م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬

‫اجلـوبــة‬

‫حوار مع د‪ .‬فوزية أبو خالد‬ ‫عن جتربتها الشعرية‬

‫أهمية كتابات الرحالة‬ ‫األوروبيني لتاريخ‬ ‫منطقة اجلوف‬

‫جتربة الشبيلي في كتابة‬ ‫الترجمة والسيرة‬

‫قصص لعبدالرحمن‬

‫الدرعان وبدرية البشر‬ ‫هاشم اجلحدلي‬ ‫في غزل شمالي‬

‫املؤسسة تستضيف علماء عرب وأجانب‬ ‫في ندوة املدينة في الوطن العربي‬

‫‪14‬‬


‫اجلـوبــة‬

‫مبنى دار اجلوف للعلوم‬

‫تكوين �صخري من منطقة اجلوف‬ ‫يقع �شمايل مدينة �سكاكا‬


‫�سجادة من �صنع ن�ساء منطقة اجلوف‪ :‬وكانت �صناعة‬ ‫ال�سجاد �إحدى �أهم ال�صناعات وامل�شغوالت اليدوية‬ ‫التي كانت تبدعها ن�ساء املنطقة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫‪1‬‬


‫العدد ‪14‬‬ ‫محرم ‪1427‬هـ ‪ -‬يناير ‪2006‬م‬

‫ملف ثقافي نصف سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫رئيس التحرير‬ ‫إبراهيم الحميد‬ ‫المراسالت‬ ‫توجه باسم رئيس التحرير‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)966+( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)966+( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا‬ ‫اجلـ ــوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪aljoubah@yahoo.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ -1‬أن تكون المادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ -2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ -3‬تراعي الجدية والموضوعية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تخضع المواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ -5‬ترتيب المواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ -6‬ترحب الجوبة بإسهامات المبدعين والباحثين‬ ‫والكتّاب‪ ،‬على أن تكون المادة باللغة العربية‪.‬‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وكذلك أنشأت جامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫ندوة المدينة العربية‬

‫احملتويــــات‬

‫االفتتاحية ‪4....................................................‬‬ ‫ندوة‪ :‬المدينة في الوطن العربي ‪6..............................‬‬ ‫دراسات‪ :‬كتابات الرحالة لتاريخ الجوف ‪ -‬د‪ .‬عوض البادي ‪18....‬‬

‫>‪6.........................‬‬ ‫الشاعرة فوزية أبو خالد‬

‫قصائد‪ :‬حاالت األثر ‪ -‬هاشم الجحدلي‪30.........................‬‬ ‫قتامة الثالثين ‪ -‬عيد الخميسي‪33...............................‬‬ ‫نُبلِّل أقدامَنا‪ ...‬بالحديث ‪ -‬علي الحازمي‪34.....................‬‬ ‫تصو ْر ‪ -‬طارق ناصر‪35...........................................‬‬ ‫هجرات القبائل العربية ‪ -‬إبراهيم خليف السطام ‪36...........‬‬ ‫نوافذ‪ :‬أدب الخيال العلمي العربي ‪ -‬د‪ .‬أسد محمد‪38.............‬‬

‫تنمية التفكير عند األطفال ‪ -‬محمد صوانه‪42.............‬‬

‫>‪50......................‬‬ ‫أنفلونزا الطيور‬

‫نزارية تحرض على الحب ‪ -‬فارس الروضان‪44..................‬‬ ‫وقفات ‪ -‬عمر محفوظ ‪46........................................‬‬ ‫بين حب العمل وواقعه ‪ -‬عقال الفهيقي ‪48.......................‬‬

‫علوم‪ :‬أمراض ناتجة عن ملوثات المنزل ‪ -‬د‪ .‬بشير جرار‪65..‬‬ ‫األهمية االقتصادية للبحث العلمي ‪ -‬د‪ .‬محمد القحطاني ‪68...‬‬

‫شخصيات‪ :‬مع الشاعر طاهر زمخشري ‪ -‬فهد الكريع‪72.....‬‬ ‫تشكيل‪ :‬طه صبان وإستحضار األماكن ‪ -‬مؤيد منيف ‪74.....‬‬

‫>‪60......................‬‬ ‫تشكيل‬

‫قصص‪ :‬المكنسة السحرية ‪ -‬بدرية البشر‪76..................‬‬ ‫شمس مبكرة ‪ -‬عبدالرحمن الدرعان‪81..........................‬‬ ‫حياة على جرف ‪ -‬عواض العصيمي‪84..........................‬‬

‫شهادات‪ :‬تجربتي في كتابة السيرة ‪ -‬د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي ‪86...‬‬ ‫قراءات‪96.......................................................‬‬

‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫>‪73......................‬‬

‫للفنان التشكيلي‪ :‬مؤيد منيف الغنام من سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬ ‫اسم العمل‪ :‬خروج‪.‬‬ ‫المقاس‪150*70 :‬سم‪.‬‬ ‫الخامة‪ :‬زيت ‪ +‬معاجين على قماش‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫‪3‬‬


‫اإلفتتاحية‬ ‫> رئيس التحرير‬

‫حينما تقرر استئناف صدور مجلة الجوبة‪ ،‬بدأت األفكار تترى لتشكيلها‬ ‫من جديد‪ ،‬فبأي صورة ستكون؟ وإلى أي المدارس تنتمي؟ وهل ستحافظ‬ ‫على خطها الرصين‪ ،‬الذي درجت عليه أيام صدورها؟ ‪ ..‬كانت األفكار تتقافز‬ ‫في أذهاننا حتى استطعنا اصطيادها وترويضها‪ ،‬لتكون بالشكل الذي بين‬ ‫أيدي القراء اآلن ‪.‬‬

‫ا فتتا حيــــة‬ ‫‪4‬‬

‫كنا ن��ود ال�خ��روج من رتابة المجالت التي تمتليء بها أرف��ف المكتبات‬ ‫ال أو منافساً ألحد؛ ولكن‬ ‫والمتاجر اليوم‪ .‬ال ندعي أننا نقدم أنفسنا بدي ً‬ ‫لنصل إل��ى إص��دار ثقافي يواصل مسيرة الجوبة ويعززها‪ ،‬وكلنا ثقة في‬ ‫مشاركة ش��رائ��ح ثقافية كبيرة ال �ي��وم‪ ،‬ف��ي تشكيل مستقبل ه��ذه المجلة‪،‬‬ ‫وإثرائها من خالل متابعتها أو الكتابة فيها‪ ..‬ولذا كانت خطة التحرير أن‬ ‫تكون المجلة مجلة ثقافية ال تتجزأ‪ ..‬تتسع لتشمل كافة اإلبداعات اإلنسانية‪،‬‬ ‫حتى وإن لم تكن على القدر نفسه من التوازن على صفحاتها؛ إال أننا نؤكد‬ ‫أننا سنحرص في كل مرة على أن نحقق ما يلبي حاجتنا جميعا إلى الثقافة‬ ‫والمعرفة واإلبداع‪ .‬والمجلة تراهن على مستقبل الثقافة بالمملكة العربية‬ ‫السعودية والمنطقة التي تصدر منها؛ وال سيما أنها تطلع من رحم مؤسسة‬ ‫بشكل‬ ‫ٍ‬ ‫عبد الرحمن السديري الخيرية‪ ،‬التي ما فتئت تعنى بالبعد الثقافي‬ ‫قلَّ نظيرُة‪ .‬وإن صدور هذه المجلة من منطقة الجوف يعني إضافة مساح ًة‬ ‫ثقافية جديدة تتسع ألبناء الوطن بكل جهاته‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬فإن أمنياتنا في هيئة تحرير المجلة أن تكون منبراً‪ ،‬تتواصل من‬ ‫خالله أطياف ع��دي��دة‪ ،‬من مثقفي الوطن ومبدعيه؛ لتلتقي على ضفاف‬ ‫الجوبة‪ ،‬فكراً ورؤىً تحم ُل ه َّم اإلبداع وه َّم الفكر وه َّم الوطن في ٍأن معاً‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫رحاب المؤسسة بدار الجوف للعلوم‪ ،‬كما يحفل‬ ‫العدد بباقة من المواد الثقافية واإلبداعية‪ ،‬التي‬ ‫نرجو أن تؤكد اتساع صفحات الجوبة‪ ،‬بقدر سعة‬ ‫أف��ق سماء الوطن‪ ،‬التي ستبقى تظللنا بدفئها‬ ‫وحنانها؛ لتشمل كل المبدعين والموهوبين‪.‬‬

‫سنسعى ب�ك��ل ط��اق��ات�ن��ا‪ ،‬ل�ل��وص��ول إل��ى كافة‬ ‫المبدعين والموهوبين والمهتمين‪ ،‬وال��ى جميع‬ ‫جسور من التواصل‬ ‫ٍ‬ ‫محبي الثقافة واإلبداع؛ لمد‬ ‫معهم‪ ،‬وخلق حوار فكري وثقافي‪ ،‬من خالل كافة‬ ‫اإلبداعات التي ستسعى الجوبة إلى احتضانها‬ ‫ونشرها؛ لتترسّ خ ثقافة ال�ح��وار ف��ي مجتمعنا‬ ‫وق��د حرصنا على وج��ود ع��دد م��ن األسماء‬ ‫الغالي؛ ولتكون الجوبة واحدة من أوعية النشر‪ ،‬الثقافية واإلبداعية الرائدة‪ ..‬فال تبخلوا علينا‬ ‫التي تسهم في نشر الثقافة وتعزيزها ورعاية ب��إب��داع��ات�ك��م وم�ش��ارك��ات�ك��م‪ ،‬ون �ح��ن م��ن جهتنا‪،‬‬ ‫اإلبداع األدبي‪.‬‬ ‫سنحاول ق��در استطاعتنا ال��وص��ول إليكم في‬ ‫أث �ن��اء إع ��داد م��واد ال �ع��دد‪ ،‬وج��دن��ا أن كثيراً كل مكان‪ ،‬لعلنا نخرج في كل عدد وقد حققنا‬ ‫من القضايا‪ ،‬التي تحفل بها الساحة الثقافية َق�� � � ْد َراً‪ ،‬م�م��ا ي�ط�م��ح إل �ي��ه ك�ث�ي��ر م��ن المبدعين‬ ‫وال �ف �ك��ري��ة ف��ي ب�ل�ادن ��ا‪ ،‬ج��دي��رة ب ��أن تخصص والمثقفين والناشئين‪ ،‬الذين نأمل أن يعيشوا‬ ‫لها م�ج�لات ومطبوعات ج��ل صفحاتها‪ ،‬بدءاً معنا هذه التجربة‪ ،‬التي تطمح أن تزدان بقرائها‬ ‫م��ن ال�ح��وار الفكري‪ ،‬وانتهاء باألندية األدبية‪ ،‬ومبدعيها‪.‬‬ ‫وال�ق��رارات الجديدة التي حركت سكونها الذي‬ ‫إن إص��دار مجلة ثقافية اليوم‪ ،‬ليس ترفاً‪..‬‬ ‫استمر زم�ن�اً‪ .‬وم��ن حسن الحظ أو الطالع أن وإنما هو محاولة لخلق مزيد من التوازن في بحر‬ ‫واقعنا الثقافي‪ ،‬غنيٌ بالقضايا والهواجس والرؤى أصبح يعج بكافة األلوان‪ ،‬التي تتطلب من كل ذي‬ ‫والتطلعات‪ ،‬ليس بما يكفي فقط‪ ،‬بل لدرجة أننا رأي أن يكون له دور في نشر الذائقة الثقافية‬ ‫وجدنا أنفسنا حيالها على حافة الحيرة‪ :‬من أيها ق��ارئ�اً وكاتباً‪ ،‬والتي تحاول أن تسد حاجة كل‬ ‫نبدأ وأي الضفاف نختار ؟!‬ ‫العطشى إلى الثقافة الجادة‪..‬‬ ‫وعلى الرغم من أهمية طرق هذه القضايا‪،‬‬ ‫إال أن مساحة الصفحات التي ازدحمت بالمواد‪،‬‬ ‫والتزامنا بالصدور جعلتنا نؤثر أن يأتي العدد‬ ‫ال معه بعضاً من شهد اإلبداع؛‬ ‫على سجيته‪ ،‬حام ً‬ ‫ولنغذ السير قدماً لنلتقي على ضفاف الجوبة‬ ‫ف��ي أع��داده��ا ال�ق��ادم��ة لمتابعة رس��ال��ة الجوبة‬ ‫الطموحة‪.‬‬

‫ال بتغطية‬ ‫جاء عدد الجوبة الرابع عشر حاف ً‬ ‫الندوة العلمية المهمة التي نظمتها مجلة أدوماتو‬ ‫(ال�ش�ق�ي�ق��ة األخ� ��رى ال �ت��ي ت �ص��در ع��ن مؤسسة‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية)‪ ،‬التي عقدت في‬

‫إننا ونحن نشهد والدة الجوبة‪ ،‬من جديد‪ ،‬وإذا‬ ‫كانت المجلة لظروف ما قد توقفت لسنوات؛‬ ‫فإننا في المقابل نشهد ثرا ًء في النشاطات التي‬ ‫دأب��ت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫على رعايتها‪ ،‬خالل فترة توقف الجوبة‪ ...‬فهل‬ ‫ال ل��والدة الجوبة في ثوبها‬ ‫تأخر المخاض طوي ً‬ ‫الجديد؟ ربما نتفق مع من يقول بذلك؛ بيد أن‬ ‫طموحنا الكبير‪ ،‬في الوفاء لمتطلبات المرحلة‪،‬‬ ‫التي نعيشها في وطننا‪ ،‬ال يبرر تأخرنا وحسب‪،‬‬ ‫بل يدعو إليه في سبيل انتظار مشروع يتناغم مع‬ ‫معطيات هذه المرحلة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫‪5‬‬


‫برعاية أمير منطقة اجلوف‪:‬‬

‫مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫تستضيف أكبر حشد من علماء اآلثار‬ ‫العرب واألجانب في ندوة أدوماتو‪:‬‬

‫«املدينة في الوطن العربي في ضوء‬

‫االكتشافات األثارية‪ :‬النشأة والتطور»‬ ‫> كتب‪ :‬محمد صوانه‬ ‫شهدت دار الجوف للعلوم بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية عقد ندوة‬ ‫علمية عالمية بعنوان‪" :‬المدينة في الوطن العربي في ضوء االكتشافات األثرية‪:‬‬ ‫النشأة والتطور"‪ ،‬وذلك خالل الفترة ‪ 5-3‬ذو القعدة ‪1426‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 7-5‬ديسمبر‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬نظمتها مجلة أدوماتو التي تصدر عن المؤسسة‪ ،‬وش��ارك فيها باحثون‬ ‫وعلماء آثار يمثلون جامعات عالمية ومؤسسات أكاديمية تحظى بسمعة طيبة في‬ ‫مجال البحث العلمي والدراسات اآلثارية من دول أوروبية وآسيوية وعربية‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى باحثين ومتخصصين من المملكة‪.‬‬

‫ندوة أدوماتــو‬

‫ندوة‬ ‫‪6‬‬

‫وقد رعى حفل افتتاح الندوة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الجوف األمير‬ ‫فهد بن بدر بن عبدالعزيز‪ .‬وألقى كلمة االفتتاح األستاذ فيصل بن عبدالرحمن‬ ‫السديري‪ ،‬رئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬رحب فيها‬ ‫بالمشاركين‪ ،‬وأشار فيها إلى أن هذا الملتقى العلمي يأتي انسجاماً مع أهداف‬ ‫المؤسسة ف��ي اإلس �ه��ام دع��م الحركة الثقافية ف��ي منطقة ال �ج��وف‪ ،‬واالهتمام‬ ‫بالدراسات والبحوث العلمية‪ ،‬انطالقاً من أهداف المؤسسة المنصوص عليها في‬ ‫النظام األساسي التي تدعو إلى اإلسهام في نشر وتشجيع الحركة العلمية والثقافية‬ ‫واستنهاض همم المبدعين والباحثين‪ .‬وأكد أن إصدار مجلة أدوماتو جاءت تحقيقاً‬ ‫ألهداف المؤسسة التي ينص نظامها األساسي على اإلهتمام بآثار المنطقة‪ ،‬وجاء‬ ‫تسمية المجلة أدوماتو‪ ،‬من اإلسم القديم لدومة الجندل‪ ،‬إحدى المواقع األثرية‬ ‫أدوماتــو‬ ‫المهمة في منطقة الجوف والمملكة بشكل عام‪ ،‬وقد صدر من المجلة‪ ،‬حتى تاريخ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫انعقاد هذه الندوة‪ ،‬اثنا عشر عدداً أسهمت في إرساء‬ ‫التواصل العلمي في مجال اآلثار بين الباحثين العرب‬ ‫واألجانب‪ ،‬وأصبحت المجلة من أوعية النشر المهمة‬ ‫على مستوى العالم‪.‬‬

‫علوم اآلثار من مختلف دول العالم‪ ،‬المهتمين بدراسة‬ ‫المدينة العربية نشأة وتطوراً‪.‬‬

‫وأك� ��د أن ع �ق��د ه ��ذه ال� �ن ��دوة ف��ي ال��ج��وف كان‬ ‫فرحة كبرى كنا متلهفين إليها ونحن نؤمل أن يقدم‬ ‫ثم ألقى أ‪ .‬د‪ .‬عبدالرحمن الطيب األنصاري‪ ،‬ال�ب��اح�ث��ون ال �م��دع��وون ال�م�م��ارس��ون للبحث العلمي‬ ‫رئيس هيئة تحرير مجلة أدوماتو‪ ،‬كلمة أكد فيها أن والتنقيب األثري أبحاثًا جديدة‪ ،‬في مجملها‪ ،‬عميقة‬ ‫هذه الندوة العلمية كانت أمنية نحلم بعقدها انسجاماً في عرضها‪ ،‬محاولين الجمع بين التاريخ واآلثار في‬ ‫م��ع رس��ال��ة أدوم��ات��و ف��ي االه�ت�م��ام بتاريخ المنطقة دوحة من دوحات العلم والمعرفة بالجزيرة العربية‬ ‫العربية وآث��اره��ا قبل اإلس�ل�ام‪ ،‬بهدف الكشف عن هي "دار الجوف للعلوم"‪.‬‬ ‫جوانب مهمة من تطور الحضارات العربية القديمة‪،‬‬ ‫ف�ق��د ج ��اء اإلس �ل�ام وق �ط��ف ال �ح �ض��ارات القديمة أهداف الندوة‪:‬‬ ‫وأك��د الدكتور األنصاري أن ن��دوة أخ��رى ستعقد‬ ‫وخلّصها من الوثنية وكل ما يرتبط بالشرك‪ ،‬وجعلها‬ ‫حضارة توحيد إل��ه ال توحيد معبودات‪ ،‬وم��ن هنا‪ ،‬بعد سنتين بإذن الله في المكان نفسه‪ ،‬وفي موضوع‬ ‫كانت الضرورة إلى كشف الغطاء عن تلك الحضارات سوف يعلن عنه الحقاً سيكون مرتبطً ا بالتنقيبات‬ ‫األث��ري��ة ألن�ن��ا ال ن��ري��د اج �ت��رار معلومات معروفة‪،‬‬ ‫التي يزيد عمرها عن عشرة آالف عام‪.‬‬ ‫ولكننا نهدف‪ ،‬دائمًا‪ ،‬إلى الجديد لنعيد كتابة تاريخنا‬ ‫وقال إن استجابة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫الخيرية إلقامة الندوة األول��ى في منطقة من أعز بمنطلقات جديدة من المعرفة والمكتشفات التي‬ ‫المناطق األثرية في بالدنا هو تحقيق لهذا الحلم‪ ،‬تضيف جديدًا‪ ،‬وتغير كثيرًا من المفاهيم المغلوطة‬ ‫وال��ذي زاد من غبطتنا هو الصدى القوي من قبل عن التاريخ والحضارة العربية‪.‬‬ ‫هذه الكوكبة من العلماء البارزين والمتخصصين في‬

‫ثم ألقى أ‪ .‬د‪ .‬يوسف محمد عبدالله‪ ،‬من اليمن‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫‪7‬‬


‫كلمة ن�ي��اب��ة ع��ن ال�م�ش��ارك�ي��ن‪ ،‬ع � ّب��ر فيها ع��ن شكره‬ ‫لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية على رعايتها‬ ‫ل�ه��ذه ال �ن��دوة‪ ،‬وج�ه��وده��ا ف��ي جمع ه��ذه الكوكبة من‬ ‫العلماء والباحثين المتخصصين في آثار الوطن العربي‬ ‫من مختلف الدول األوروبية واآلسيوية والدول العربية‪،‬‬ ‫إضافة إلى المشاركين من المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫واستناداً إلى هيئة تحرير مجلة أدوماتو‪ ،‬الجهة‬ ‫المنظمة للندوة‪ ،‬فإن أهداف الندوة تشمل التعريف‬ ‫بأبرز النشاطات والتنقيبات األثرية الميدانية‪ ،‬التي‬ ‫تنفذها المؤسسات والجامعات والمعاهد العلمية‪،‬‬ ‫التي تُعنى بالمدن األثرية في الوطن العربي؛ وكذلك‬ ‫مناقشة عدد من القضايا العلمية المهمة‪ ،‬التي تهم‬ ‫المختصين في مجال الدارسات والبحوث األثرية‪،‬‬ ‫ودور القطاعات المختلفة ومدى إسهامها في دعم‬ ‫األعمال األثرية ومساندة العاملين فيه؛ كما تشمل‬ ‫أهداف الندوة إيضاً‪ ،‬إثارة الوعي بالقضايا األثرية‪،‬‬ ‫والنتائج التي تدعم إعادة كتابة التاريخ على أسس‬ ‫تعتمد الحقائق العلمية‪ ،‬المنية على االكتشافات‬ ‫األثرية‪ ،‬بدالً من اإلعتماد على األساطير‪.‬‬

‫علي أحد المشاركين في الندوة قال إن هذه الندوة‬ ‫اتسمت بأمرين أساسيين‪ :‬أوالهما‪ ،‬أنها انبثقت عن‬ ‫مؤسسة خيرية‪ ،‬وهي بادرة حميدة ومسلكاً لم تعهده‬ ‫القطاعات المالية الخاصة‪ ،‬التي ظلت بعيدة عن‬ ‫دعم النشاطات العلمية‪ ،‬اآلثارية وغيرها‪ ،‬والتفاعل‬ ‫معها؛ واألمر الثاني‪ ،‬أنها ركزت على مناقشة موضوع‬ ‫آث��اري واح��د ه��و "ن�ش��أة المدينة العربية ف��ي ضوء‬ ‫االكتشافات اآلث��اري��ة الحديثة"‪ .‬وك��ان ذل��ك‪ ،‬أيضاً‪،‬‬ ‫خروجاً على المألوف‪ ،‬الذي درجت عليه المؤتمرات‬ ‫اآلثارية العربية‪ ،‬في تناول قضايا متباينة تحت مظلة‬ ‫المؤتمر الواحد‪.‬‬ ‫أما أ‪ .‬د‪ .‬زي��دون المحيسن من جامعة اليرموك‬ ‫ب��األردن‪ ،‬أحد المشاركين بالندوة فقال‪ :‬أن تنظيم‬ ‫الندوة كان موفقاً‪ ،‬وقد أحسن اإلخوة المنظمين في‬ ‫إخراج الندوة على أفضل وجه‪.‬‬

‫وقد عبّر المشاركون عن ج��ودة التنظيم وحسن‬ ‫األداء ال��ذي��ن لمسوهما ف��ي ه��ذه ال �ن��دوة‪ ،‬ب��دءاً من‬ ‫التواصل مع الباحثين المرشحين للندوة في بلدانهم‪،‬‬ ‫حتى دعوتهم للمشاركة بأبحاث علمية حديثة ضمن‬ ‫وف��ي ل�ق��اء م��ع أ‪ .‬د‪ .‬ع�ب��اس سيد أح�م��د محمد م�ح��اور ال �ن��دوة‪ ،‬وترتيب قدومهم إل��ى مقر الندوة‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫< من افتتاح الندوة رئيس مجلس اإلدارة د‪ .‬عبدالرحمن األنصاري ود‪ .‬يوسف عبدالله‬

‫وحسن االستقبال‪ ،‬واالستضافة‪ ،‬وترتيب جلسات‬ ‫الندوة والزيارات الميدانية المصاحبة لها‪ ،‬ومتابعة‬ ‫كافة اإلج��راءات المتعلقة بتأمين ع��ودة المشاركين‬ ‫إلى بلدانهم بعد نهاية فعاليات الندوة‪ .‬كل ذلك تم في‬ ‫سالسة من الترتيب والتنظيم وتعامل ودي ال نظير‬ ‫ل��ه‪ ،‬يسجل ف�خ��راً للقائمين على ال�ن��دوة والعاملين‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬راعية‬ ‫الندوة‪.‬‬

‫أمسية تراثية بدعوة من أعضاء المجلس الثقافي‬ ‫بمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بالجوف‪،‬‬ ‫حفلت بفقرات تراثية جميلة ومعبّرة عن جوانب من‬ ‫الحياة الشعبية في منطقة الجوف‪ ،‬واختتمت الندوة‬ ‫بحفل كريم في مدينة الرياض‪ ،‬دعا إليه مدير عام‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية الدكتور زياد‬ ‫بن عبدالرحمن السديري‪.‬‬

‫وفيما يلي نستعرض ب��إي�ج��از ألب �ح��اث الندوة‪،‬‬ ‫ورأينا أن يكون االستعراض على أساس جغرافي دون‬ ‫أبحاث الندوة‪ :‬‬ ‫االل�ت��زام بترتيب إلقاء أوراق العمل خ�لال فعاليات‬ ‫ُع��رض في ال�ن��دوة نحو من ثالثين بحثاً علمياً‪،‬‬ ‫الندوة‪ ،‬التي أملتها ظروف ومواعيد وصول ومغادرة‬ ‫قدمها آث��اري��ون أكاديميون ينتمون إل��ى ثالثة عشر‬ ‫بعض المشاركين‪ ،‬وذل��ك ليكون أع��م للفائدة‪ ،‬ومن‬ ‫بلداً عربياً وأربعة بلدان أوروبية‪ ،‬إلى جانب اليابان‬ ‫أجل إلقاء الضوء على نشأة المدينة وتطورها في‬ ‫والواليات المتحدة األمريكية‪ .‬وقد توزعت األبحاث‬ ‫كل منطقة‪:‬‬ ‫على جلسات صباحية ومسائية‪ ،‬كما أُع��دت ورشة‬ ‫المملكة العربية السعودية‪:‬‬ ‫عمل على ه��ام��ش جلسات الندوة‪.‬‬ ‫وك� ��ان م��ن ض �م��ن ف �ع��ال �ي��ات الندوة ح��ض��ر ال��م��ش��ارك��ون‬ ‫قدم الباحث األلماني البوفسور‬ ‫زي� ��ارات ل�م��واق��ع أث��ري��ة ف��ي منطقة ب�����ال�����ن�����دوة أم���س���ي���ة ري �ك��اردو إي�خ�م��ان ب�ح�ث�اً‪ ،‬ب �ع �ن��وان‪" :‬‬ ‫ال �ج��وف‪ ،‬وه��ي م��وق��ع الشويحطية‪ ،‬تراثية عرضت فيها ت �ي �م��اء‪ :‬واح���ة وم��رك��ز ت �ج��اري على‬ ‫أحد أق��دم المواقع األثرية في قارة‬ ‫ط��ري��ق ق��واف��ل ال �ب �خ��ور"‪ ،‬استعرض‬ ‫آس �ي��ا‪ ،‬وم��وق��ع ال��رج��اج �ي��ل‪ ،‬وقصر ف���ق���رات م���ن الحياة‬ ‫فيها نتائج الحفريات اآلثارية التي‬ ‫م��ارد وح��ي ال ��درع ب��دوم��ة الجندل‪ .‬ال��ش��ع��ب��ي��ة بالجوف تمت عامي ‪2004‬و‪2005‬م‪ ،‬وخلصت‬ ‫كما حضر ال�م�ش��ارك��ون ف��ي الندوة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫‪9‬‬


‫والمتاحف وكشفت تلك التنقيبات‪ ،‬خالفاً لما كان‬ ‫يُعتقد‪ ،‬أن الموقع لم يكن محطة تجارية فحسب‪ ،‬بل‬ ‫مستوطناً نبطياً مأهوالً بالسكان‪ .‬وعرض الباحث فيه‬ ‫مقابر ذات طرز معمارية متنوعة‪ ،‬ونقوشاً أثرية تعد‬ ‫مصدراً مهماً لدراسة الحياة السياسية واالقتصادية‬ ‫واالجتماعية لألنباط‪.‬‬ ‫إل��ى أن تيماء كانت موقعاً مهماً مع بداية األلفية‬ ‫الثانية قبل الميالد على أق��رب تقدير‪ .‬وأش��ار في‬ ‫ورقته إلى أنه من المحتمل أن يكون لتيماء ‪1500‬‬ ‫عاماً من ال�م��وروث‪ ،‬عندما اتخذها الملك البابلي‬ ‫"نابونيد" مقرا له لمدة عشر سنوات‪ .‬وبيّن الباحث‬ ‫أن الدراسات البيئية والمسوحات في محيط تيماء‬ ‫تؤكد أن تيماء كانت مركزاً للقوافل في شمال غربي‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ .‬كما عرضت الورقة إلى‬ ‫حقائق آثارية ترتبط بالخصائص المعمارية األساسية‬ ‫لمنطقة تيماء‪.‬‬ ‫أما الدكتور سامر سحلة‪ ،‬من قسم اآلثار بجامعة‬ ‫ال �م �ل��ك س��ع��ود‪ ،‬ف �ق��د ت �ق��دم ورق� ��ة ع�ل�م�ي��ة بعنوان‪:‬‬ ‫"العُال‪ :‬الموقع واالستمرار الحضاري"‪ ،‬عالجت دور‬ ‫الموقع الجغرافي من نشأة مدينة دادان وتطورها‪،‬‬ ‫واستمرارها على مدى حقب حضارية متعاقبة بفضل‬ ‫ما توافر للموقع من مخزون المياه‪ ،‬إضافة إلى التربة‬ ‫الزراعية والحماية الطبيعية؛ كما أن الموقع يقوم‬ ‫على طريق ت�ج��اري‪ ،‬وق��د أسهم ذل��ك كله ف��ي نشأة‬ ‫العُال وتطورها واستمرارها مركزاً مهماً عبر التاريخ‬ ‫الحضاري للجزيرة العربية‪.‬‬ ‫وف��ي بحث ع��ن م��دائ��ن ص��ال��ح‪ ،‬أح��د أه��م مواقع‬ ‫اآلث��ار النبطية في المملكة‪ ،‬قدَّ مه الدكتور ضيف‬ ‫الله الطلحي‪ ،‬من وكالة اآلث��ار والمتاحف بالمملكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬بعنوان‪" :‬مدائن صالح في ضوء‬ ‫االكتشافات األثرية الحديثة"‪ ،‬ع��رض فيه الباحث‬ ‫نتائج أع�م��ال التنقيب‪ ،‬ال�ت��ي أج��رت�ه��ا وك��ال��ة اآلثار‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫أم��ا أ‪ .‬د‪ .‬عبدالرحمن الطيب األن�ص��اري رئيس‬ ‫تحرير مجلة أدوم��ات��و‪ ،‬فقدم بحثاً بعنوان‪" :‬قرية‪:‬‬ ‫مدينة المعابد"‪ ،‬عرض فيه لقرية الفاو "ذات كهل" أو‬ ‫"قرية الحمراء" أو "ذات الجنان" كما يسميها سكانها‬ ‫أي��ام ع��زه��ا‪ ،‬وه��ي ال�ف��او ح��ال�ي�اً‪ ،‬أح��د أه��م المواقع‬ ‫القديمة في الجزيرة العربية‪ ،‬التي سادت بين القرنين‬ ‫الرابع ق‪ .‬م‪ .‬والرابع الميالدي‪ .‬وتميزت الفاو بأنها‬ ‫شكّلت همزة وص��ل بين ح��واض��ر الجزيرة العربية‬ ‫والخليج العربي القديمة‪ .‬وأش��ار األنصاري إلى أن‬ ‫توافر العديد من المعابد واألنصاب التي تحويها ‪،‬‬ ‫يشهد على الدور الذي لعبته قرية في الحياة الدينية‬ ‫لمجتمع الجزيرة العربية قبل اإلسالم‪ ،‬وكيف تمتعت‬ ‫بتسامح ديني‪ ،‬سمح بتواجد معابد متنوعة لمعبودات‬ ‫عديدة لحيانية وآرام�ي��ة ونبطية وغيرها‪ ،‬ما جعل‬ ‫قرية م�ق��راً لمعبودات تجذب القبائل م��ن مختلف‬ ‫أصقاع الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫ك�م��ا ق��دم ال �ب��روف �س��ور ف��ران �س��وا ف�ي�ل�ي�ن��وف‪ ،‬من‬ ‫جامعة باريس األولى في فرنسا‪ ،‬بحثاً بعنوان‪" :‬نقش‬ ‫عسكري التيني مكتشف حديثا في جزيرة فرسان‪:‬‬ ‫روم��ا واالسكندرية والبتراء‪ ،‬والتجارة الشرقية في‬ ‫منتصف القرن الثاني الميالدي"‪ ،‬استعرض فيه نقشا‬ ‫أ ُكتشف في أواخر التسعينيات الميالدية من القرن‬ ‫الماضي‪ ،‬ق��رب قصار على جزيرة فرسان الكبير‪،‬‬ ‫الواقعة جنوبي البحر األحمر‪ .‬وأوض��ح الباحث أن‬ ‫النقش يمثل نصاً عسكرياً رومانياً‪ ،‬يعود إلى عام‬ ‫‪ 144‬ميالدي؛ ويكشف أن ق��وات رومانية من مصر‬ ‫احتلت‪ ،‬آنذاك‪ ،‬ذلك الجزء البعيد من البحر األحمر‪.‬‬ ‫وق��د أدار ه��ذه المنطقة نائباً‪ ،‬حملت الجزر اسمه‬


‫الصخرية المتنوعة‪ ،‬التي تشمل مصورات بشرية‪،‬‬ ‫ورسوم للجمال والبقر والوعول والنعام والخيل‪ ،‬نظراً‬ ‫لكونها كانت محطة للقوافل‪ .‬وقد أكدت الكشوفات‬ ‫إمكانات المنطقة ودوره��ا الحضاري‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مركزها الديني‪.‬‬

‫"ف�ي��رس��ان"‪ .‬ون��اق��ش الباحث االكتشاف ف��ي سياقه‬ ‫ال إلى االرتباطات التجارية‬ ‫التاريخي األوس��ع‪ ،‬محي ً‬ ‫والعسكرية بين روما واالسكندرية والبتراء وأدوليس‬ ‫وشمال غربي الهند‪.‬‬ ‫أما البروفسر جون هيلي‪ ،‬من جامعة مانشستر‬ ‫في بريطانيا‪ ،‬فقدم بحثاً عنوانه‪" :‬مؤسسات المدينة‬ ‫في شمالي الجزيرة العربية في العصر الروماني"‪،‬‬ ‫استعرض فيه مجموعة من النقوش المختارة‪ ،‬التي‬ ‫عثر عليها في م��دن شمالي الجزيرة العربية مثل‬ ‫البتراء (األردن)‪ ،‬والحجر (مدائن صالح‪ -‬السعودية)‪،‬‬ ‫وبالميرا (تدمر‪ -‬سوريا)‪ ،‬والرها (أورف��ا‪ -‬تركيا)‪،‬‬ ‫وهترا (الحضر‪ -‬العراق)‪ .‬وأش��ار الباحث إلى أنها‬ ‫ت�ق��دم معلومات مهمة وأك �ي��دة ع��ن تنظيم المدينة‬ ‫ف��ي تلك ال�ف�ت��رة؛ ف�ه��ي‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى المصطلحات‬ ‫األساسية المرتبطة بالمدن‪ ،‬تكشف أيضا جوانب‬ ‫مهمة لمؤسسات المدينة‪ ،‬مثل‪ :‬اإلدارة السياسية‪،‬‬ ‫والعسكرية‪ ،‬والضرائب‪ ،‬والمحاكم‪ ،‬وأرشيف المدينة‪،‬‬ ‫كما تشير إل��ى مفهوم ال��والء القومي ودور المدينة‬ ‫بوصفها مركزا للسلطة القانونية‪.‬‬

‫أما البحث المعنون‪" :‬نتائج االستكشافات األثرية‬ ‫الحديثة ف��ي مدينة فيد التاريخية بمنطقة حائل‬ ‫بالمملكة العربية السعودية"‪ ،‬فقد قدمه الدكتور فهد‬ ‫بن صالح الحواس‪ ،‬من قسم اآلث��ار بجامعة الملك‬ ‫سعود‪ .‬وهدف الباحث في ورقته إلى التعريف باآلثار‬ ‫اإلسالمية المبكرة في مدينة فيد‪ ،‬الواقعة على طريق‬ ‫الحج الكوفي (درب زب�ي��دة)‪ ،‬وم��ا تشمله من معالم‬ ‫معمارية ومرافق ومعثورات‪ ،‬أبرزت دورها الحضاري‬ ‫الكبير ف��ي الفترة اإلسالمية المبكرة‪ ،‬وعالقاتها‬ ‫بالمناطق المجاورة‪ ،‬كما تناول أهم المعالم األثرية‬ ‫والمعمارية الباقية‪ ،‬م��ن خ�لال أع�م��ال الكشوفات‬ ‫األثرية الحديثة‪.‬‬ ‫أما الدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل‪ ،‬من قسم‬ ‫اآلثار بجامعة الملك سعود‪ ،‬فقد قدم ورقة بعنوان‪:‬‬ ‫"نتائج الموسم الثاني لحفريات جامعة الملك سعود‬ ‫في موقع قرح (المابيات)"‪( ،‬باالشتراك مع كل من‬ ‫د‪ .‬عبدالله بن إبراهيم العمير‪ ،‬ود‪ .‬مشلح بن كميخ‬ ‫المريخي) عرضت لنتائج الحفريات‪ ،‬التي بدأها‬ ‫قسم اآلث��ار بجامعة الملك سعود في الموقع منذ‬ ‫ال�ع��ام ‪1425‬ه � � �ـ‪2004/‬م‪ ،‬لتلك المدينة ال�ت��ي يعود‬

‫وش��ارك الدكتور خالد اسكوبي من وكالة اآلثار‬ ‫والمتاحف بالمملكة بورقة علمية بعنوان‪" :‬المدينة‬ ‫المنورة معبر ال�ق��واف��ل"‪ ،‬ع��رض فيها لنتائج ثالثة‬ ‫مواسم من المسح الذي نفذته وكالة اآلثار والمتاحف‬ ‫السعودية في المنطقة‪ .‬وأشار الدكتور اسكوبي إلى‬ ‫أن التنقيبات كشفت عن العديد من مواقع المنشآت‬ ‫الحجرية‪ ،‬والسدود‪ ،‬والقنوات‪ ،‬والنقوش‪ ،‬والرسوم‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪11 1427‬‬


‫تاريخها إلى فترات تسبق العصر اإلسالمي‪ ،‬وربما‬ ‫بدأت في أعقاب نهاية الحكم النبطي للعُال‪ ،‬كمحطة‬ ‫تجارية على طريق القوافل‪ ،‬ثم تطورت إلى مدينة‬ ‫عاشت حتى القرن السادس الهجري‪ .‬وقد كشفت‬ ‫عن أسوار ومبنى كبير‪ ،‬وأعمدة وبقايا سكنية‪ ،‬لثالث‬ ‫مراحل معمارية‪ ،‬إلى جانب ٍكم كبير من المعثورات‪.‬‬ ‫ولم تظهر التنقيبات عن أية أدلة تعود إلى العصر‬ ‫األموي أو عصر ما قبل اإلسالم‪.‬‬

‫سوريا‪:‬‬ ‫قدم البروفسور بول فانبرج‪ ،‬من جامعة بروكسل‪،‬‬ ‫(باالشتراك مع نيكوالس ك��اوي‪ ،‬وكريستوفا كوالر‪،‬‬ ‫وسيرجي ليمتري‪ ،‬ومارك فاندر ليندن) بحثاً بعنوان‪:‬‬ ‫"المستوطنات والرسوم الصخرية في هضبة حماة‬ ‫السورية إبان الحقبة اآلشورية الجديدة "‪ ،‬تناول فيه‬ ‫المنشآت الحجرية والدوائر والمذنبات الحجرية التي‬ ‫تميز آثار الشرق األدنى‪ .‬وكذلك تناول البحث الرسوم‬ ‫الصخرية التي تزخر بها المنطقة‪ ،‬في محاولة لربط‬ ‫تلك الرسوم الصخرية بالظواهر األثرية من الهضبة‪.‬‬ ‫وأشار الباحث إلى أن أصالة مواقع الحمة تنبع من‬ ‫أمرين؛ األول‪ :‬أن علماء اآلث��ار العاملين في سوريا‬ ‫ركزوا في الغالب على حفريات المباني الطينية على‬ ‫ال�ت�لال‪ .‬وهنا نجد الطيور الصحراوية‪ ،‬والدوائر‬ ‫الصخرية‪ ،‬والقبور‪ ،‬والمستوطنات الزراعية‪ .‬واألمر‬ ‫الثاني‪ :‬أن تكتالت الرسومات الصخرية في الحمة‬ ‫هي مواقع الفن الصخري األولى‪ ،‬التي تمت دراستها‬ ‫بطريقة منظّ مة في س��وري��ا‪ .‬كما أن مجمع الحمة‬ ‫األث��ري يمثّل فرصة ن��ادرة لمقارنة الفن الصخري‬ ‫بالخصائص اآلثارية‪.‬‬

‫الحجري الحديث‪ ،‬مستعرضاً نماذج من ذلك التحوّل‬ ‫ف��ي بعض ال �ق��رى ال��زراع �ي��ة ف��ي ش��رق��ي المتوسط‪.‬‬ ‫وأش��ار الباحث إلى أن المجتمعات الزراعية األولى‬ ‫حققت سو َّي ًة حضارية متميزة في مجاالت العمارة‬ ‫والبناء‪ ،‬والفنون‪ ،‬وإنتاج الطعام‪ ،‬وممارسة الشعائر‪،‬‬ ‫والنظم االجتماعية واإلداري��ة واالقتصادية‪ ،‬وغيرها‬ ‫م��ن اإلن �ج��ازات التي ب��دأت ف��ي األل��ف التاسع ق‪.‬م‪.‬‬ ‫واس�ت�م��رت بالتطور‪ ،‬ممهدة الطريق لظهور المدن‬ ‫األولى‪ .‬وتعد مواقع المرابيط وحرف األحمر وحبوبة‬ ‫الكبيرة في سورية‪ ،‬وأريحا وبيسامون في فلسطين‪،‬‬ ‫والبسطة وعين الغزال وتليالت الغسول في األردن‪،‬‬ ‫وحبيل في لبنان‪ ،‬وحلرمو وتل الصوان في العراق‪،‬‬ ‫وغيرها‪ ،‬الشاهد األهم على هذا التحول الحضاري‬ ‫الكبير الذي أصبح يعرف بإسم "الثورة الزراعية"‪ ،‬دليل‬ ‫نشوء الحضارة اإلنسانية بمفهومها الواسع والمركب‪.‬‬

‫أم��ا الباحث األستاذ جمال سعد عمر‪ ،‬من قسم‬ ‫اآلث ��ار بجامعة الملك س �ع��ود‪ ،‬ف�ق��دم بحثاً بعنوان‪:‬‬ ‫"أورك�ي��ش (ت��ل م��وزان) العاصمة الحورية المقدسة‪:‬‬ ‫أهميتها كمركز ديني وسياسي"‪ ،‬ع��رض في بدايته‬ ‫لنتائج التنقيبات التي بدأت منذ عام ‪1984‬م‪ ،‬و يشارك‬ ‫الباحث فيها ضمن بعثة أمريكية‪ .‬وق��د بيّنت نتائج‬ ‫العمل أن أوركيش‪ ،‬التي تعود إلى األلف الثالث ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫كانت المركز الديني والسياسي األس��اس للحوريين‪،‬‬ ‫وق��د كشفت الحفريات عن البداية األول��ى للمدينة‬ ‫ونشأتها ومراحل تطورها‪ ،‬كما كشفت عن جوانب تلك‬ ‫الحضارة‪ ،‬وعن دور الحوريين في حضارات الشرق‬ ‫ال�ق��دي��م‪ .‬فقد أنشأ ال�ح��وري��ون ح�ض��ارة عريقة‪ ،‬من‬ ‫المُثبت عنها أنها كانت ذات تأثير كبير على منطقة‬ ‫الشرق األدن��ى القديم كلها‪ .‬وأورك�ي��ش هي المدينة‬ ‫كما قدم الباحث أ‪ .‬د‪ .‬سلطان محيسن‪ ،‬من جامعة الوحيدة‪ ،‬من بين حواضر األلف الثالث قبل الميالد‪،‬‬ ‫دمشق ب�س��وري��ا‪ ،‬بحثاً ب�ع�ن��وان‪" :‬ال �م��زارع��ون األوائل التي تعد مركزاً دينياً وسياسياً رئيساً للحوريين‪.‬‬ ‫من المشرق العربي القديم"‪ ،‬ر ّك��ز فيه على التحوّل‬ ‫الحضري من مجتمعات الصيد والجمع في العصر األردن‪:‬‬ ‫الحجري القديم‪ ،‬إلى مجتمعات الزراعة والرعي في‬ ‫تحت عنوان‪" :‬تخطيط القرى الزراعية وعمارتها‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫خ�لال العصر الحجري الحديث قبل الفخاري في‬ ‫بالد الشام"‪ ،‬قدم الدكتور خالد أبو غنيمة‪ ،‬من جامعة‬ ‫اليرمول ب��األردن‪ ،‬بحثاً‪ ،‬استعرض فيه بداية نشوء‬ ‫القرى ال��زراع�ي��ة‪ ،‬مبيناً أن تطور الفكر المعماري‬ ‫إلنسان العصر الحجري الحديث يتناسب والتحول‬ ‫االقتصادي‪ ،‬ال��ذي شهدته المرحلة بإنتاج الغذاء‪.‬‬ ‫وتمثّلت العمارة في ه��ذا العصر بتوافر المساكن‪،‬‬ ‫وال�م�ب��ان��ي ال�ع��ام��ة ك��ال�م�خ��ازن وال�م�ش��اغ��ل وغيرها‪،‬‬ ‫فوضعت هذه التصاميم األساس للمرحلة الحضارية‬ ‫التالية‪ .‬ويستنتج الباحث فرضية ترجيح أن بداية‬ ‫التخصص في العمل والملكية الفردية‪ ،‬ظهرت في‬ ‫العصر الحجري الحديث قبل الفخاري "ب" وليس‬ ‫كما يرى العديد من الباحثين في العصر الحجري‬ ‫النحاسي‪ ،‬نظراً لما امتازت به من تقنية عالية في‬ ‫العمارة‪ ،‬والتطور في الصناعات األخ��رى كاألدوات‬ ‫الصوانية والحجرية والعظمية وأدوات الزينة والفنون‬ ‫ذات التقنية العالية‪ ،‬التي تظهر التخصص المهني لبنان‪:‬‬ ‫لصانعها‪ ،‬وهذه العوامل جميعها استندت إلى تطور‬ ‫ق��دم د‪ .‬حسن ب��دوي‪ ،‬من الجامعة اللبنانية في‬ ‫اقتصادي في مجاالت الزراعة والتدجين والتجارة‪ .‬ب �ي��روت‪ ،‬بحثاً ب�ع�ن��وان‪" :‬مدينة عنجر األم��وي��ة بين‬ ‫كما قدم الباحث أ‪ .‬د‪ .‬معاوية إبراهيم من األردن‪ ،‬إشكالية ال �م��وروث البيزنطي واحتياجات المدينة‬ ‫باالشتراك مع د‪ .‬خالد دغلس‪ ،‬من الجامعة الهاشمية ال�ع��رب�ي��ة اإلس�لام �ي��ة"‪ ،‬ت �ن��اول ف�ي��ه‪ ،‬اخ�ت�ي��ار الموقع‬ ‫ب���األردن‪ ،‬ورق��ة ب�ع�ن��وان‪" :‬خ��رب��ة ال��زي��رق��ون بشمالي على الطريق التجاري بين العاصمة األموية دمشق‬ ‫األردن‪ :‬مدينة م��ن األل��ف الثالث ق‪ .‬م‪ ،".‬لخصت ومدن ساحل المتوسط‪ ،‬ثم عرض إلشكالية محاولة‬ ‫أعمال بعثة جامعتي اليرموك وتيوبنجن المشتركة‪ ،‬المسلمين التوفيق بين التخطيط الروماني والبيزنطي‬ ‫التي كشفت عن مركز ديني وسياسي وإداري من للمدينة‪ ،‬وما تتطلبه المدينة اإلسالمية من إدخال‬ ‫العصر البرونزي المبكر‪ .‬وأشار الباحث إلى أن مدينة عناصر معمارية دينية وإداري��ة‪ ،‬متخذاً منها مثاالً‬ ‫خربة الزيرقون (الواقعة على وادي الشاللة‪-‬حوالي ل�ن�ش��أة ال�م��دي�ن��ة ال�ع��رب�ي��ة اإلس�لام �ي��ة‪ .‬واستعرض‬ ‫‪12‬كم شمال شرقي مدينة أربد)‪ ،‬ضمت معالم مهمة ال�ب��اح��ث أس ��وار ال�م��دي�ن��ة‪ ،‬وش��وارع �ه��ا‪ ،‬وساحاتها‪،‬‬ ‫ومرافق مختلفة‪ :‬من بينها معابد‪ ،‬وقصر‪ ،‬وأماكن وأبنيتها اإلداري� ��ة (ال��س��راي)‪ ،‬والدينية (المسجد‬ ‫تخزين‪ ،‬وأحياء سكينة‪ ،‬يحيط بها سور ضخم من والكنيسة)‪ ،‬والعامة (الحوانيت والحمامات)‪ ،‬وأبنيتها‬ ‫الحجارة‪ ،‬تتخلله أبراج دفاعية‪ .‬كما تتصل بالمدينة الخاصة (القصور والمساكن)‪ ،‬والطرز الفنية والمواد‬ ‫مرافق للمياه على أعماق بعيدة تحت سطح األرض‪ ،‬المعمارية المستعملة في أنظمة البناء ومصادرها؛‬ ‫تصل إلى مستوى المياه الجوفية‪ ،‬وكشفت المعثورات وخلص البحث إلى استنتاجات تشير إلى أهمية نشأة‬ ‫هذه المدينة العربية اإلسالمية في إطارها الجغرافي‬ ‫عن صالت تجارية واسعة للمدينة‪.‬‬ ‫أم��ا الباحث أ‪ .‬د‪ .‬زي��دون المحيسن من جامعة‬ ‫اليرموك ب��األردن‪ ،‬فقدم ورقة بعنوان‪" :‬موقع خربة‬ ‫الذريح في ضوء التنقيبات اآلثارية‪ ،‬كحالة للمدينة‬ ‫العربية القديمة بعيداً عن المركز السياسي (البتراء)"‪،‬‬ ‫تناول فيها البحث‪ ،‬ال��ذي أج��ري ضمن بعثة أردنية‬ ‫فرنسية مشتركة‪ ،‬تنقيبات في الموقع‪ ،‬أسفرت عن‬ ‫تطور الموقع من قرية قديمة‪ ،‬خالل الفترة النبطية‬ ‫ال��روم��ان�ي��ة‪ ،‬إل��ى مستوطنة ح��وت أض��رح��ة ومدافن‬ ‫ومعاصر للزيت‪ ،‬والكثير من المعالم المعمارية‪ .‬وأكد‬ ‫الباحث أن خربة الذريح ال تقتصر في أوابدها على‬ ‫األبنية ذات الطابع الديني‪ ،‬كما هو األمر في جارتها‬ ‫خربة التنور‪ ،‬بل تتجاوز ذل��ك إل��ى منشآت سكنية‬ ‫وصناعية‪ ،‬من شأنها اإلجابة على أسئلة تتعلق بحياة‬ ‫األن�ب��اط الدينية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬خارج‬ ‫عاصمتهم البتراء‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪13 1427‬‬


‫الفلسطينيين في العصر البرونزي؛ وميوماس الميناء‬ ‫الروماني؛ وبالخيه المدينة الكالسيكية) تحكي ك ٌل‬ ‫منها ال �ظ��روف االق�ت�ص��ادي��ة والسياسية السائدة‪،‬‬ ‫وق �ت �ه��ا‪ ،‬ال �ت��ي أدت إل ��ى ازده ��اره ��ا واضمحاللها‪.‬‬ ‫وع��رض الباحث ف��ي ورق�ت��ه لثالثة أنظمة دفاعية‬ ‫مختلفة لموقع بالخية كشفتها الحفريات الحديثة‪.‬‬ ‫فهناك حاجز بحري هائل من الطوب الطيني كان‬ ‫يحمي مستوطنة العصر الحديدي التي كانت بدورها‬ ‫كمدخل لتطور المدن العربية اإلسالمية‪ ،‬فيما بعد‪ .‬تحيط بمدينة أو حصن‪ .‬وفي العصور الهيلينية‪ ،‬طور‬ ‫الغزاويون مستوى عالياً من الحياة الحضرية المحلية‪،‬‬ ‫فلسطين‪:‬‬ ‫عندما تبنّوا نماذج أغريقية‪ .‬ولذلك احتاجوا جدراناً‬ ‫وف��ي ب�ح��ث ب �ع �ن��وان‪" :‬ال�م��دي�ن��ة الكنعانية خالل جديدة لتحمي ثروتهم‪ ،‬في وقت عاشت المدينة أعلى‬ ‫العصر البرونزي المتأخر"‪ ،‬قدّم أ‪ .‬د‪ .‬زيدان كفافي درجات االزدهار االقتصادي‪.‬‬ ‫من كلية اآلث��ار بجامعة اليرموك ب��األردن‪ ،‬بحثاً عن‬ ‫عمارة المدن الكنعانية‪ ،‬كما عُرفت من موقعي مجدو سلطنة ُعمان واإلمارات العربية المتحدة‪:‬‬ ‫وحازور‪ ،‬التي حوت تحصينات ومعابد ومدافن‪ .‬كما‬ ‫ق��دم الباحث اإليطالي البروفسور ب��اول��و بياجي‬ ‫كشفت المعثورات عن تأثيرات خارجية‪ ،‬وعن حصن ورق��ة بعنوان‪" :‬مخلفات األص��داف على بحر العرب‬ ‫مصري‪ .‬وناقش الباحث خصائص المدينة الكنعانية والخليج والعالقات البحرية خالل األلف السابع ق‪.‬‬ ‫إبان العصر البرونزي المتأخر (حوالي ‪ 1200-1550‬م‪ ،".‬ع��رض��ت إلم�ك��ان��ات االت �ص��ال بين س��واح��ل بحر‬ ‫قبل الميالد)؛ كما ق��دَّ م دراس��ة لمصطلحي كنعان العرب خالل العصر الحجري الحديث‪ ،‬حيث تتقارب‬ ‫والكنعانيين‪ ،‬وخلفية تاريخية‪ ،‬وسمات محددة للمدينة نتائج التأريخ من مواقع أثرية على تلك السواحل في‬ ‫الكنعانية‪ .‬وخلص البحث إلى أنه يمكن افتراض أن حقبة الهولوسين األوسط‪ .‬وقد عكست هذه المواقع‬ ‫ال�م��دن الكنعانية إب��ان العصر ال�ب��رون��زي المتأخر طُ رق التكيّف والصالت الحضارية‪ ،‬على امتداد الخليج‬ ‫كانت شحيحة السكنى (قصر منفرد في الغالب)‪ ،‬وسواحل بحر العرب‪ .‬واستدل الباحث على إمكانية‬ ‫وت�ض��م معبداً أو أك�ث��ر‪ ،‬ومساكن خ��اص��ة‪ ،‬ومخزن‪ ،‬وجود نشاطات تجارية‪ ،‬عبر المنطقة الجنوبية لشبه‬ ‫وحفر نفايات‪ ،‬وحصون مصرية أو مقرات للحكام‪ .‬الجزيرة العربية‪ ،‬حوالي نهاية األلفية السابعة غير‬ ‫أما البنية االقتصادية واالجتماعية لمن عاشوا في ال�م��وزون��ة (قبل ال��زم��ن ال�ح��ال��ي)‪ .‬ودع��ا الباحث إلى‬ ‫المدن الكنعانية فيبدو أنها تأثرت بجماعات أثنية االستمرار في دراسة هذه المواقع وتحديد تاريخها‪،‬‬ ‫غير كنعانية‪ ،‬خاصة إبان الوجه األخير من العصر باالشعاع الكربوني‪ ،‬ما سيطوّر معرفتنا ببداية ظهور‬ ‫البرونزي المتأخر‪.‬‬ ‫صائدي االسماك في المنطقة‪ ،‬إبان العصر الحجري‬ ‫ك�م��ا ق��دم ال �ب��اح��ث ال�ف��رن�س��ي ال �ب��روف �س��ور جين الحديث‪ ،‬وتحركاتهم على ط��ول وعبر ساحلي بحر‬ ‫همبرت‪ ،‬بحثاً بعنوان‪" :‬غ��زة القديمة داخ��ل أسوار العرب والخليج الفارسي‪.‬‬ ‫المدينة"‪ ،‬حيث كشفت األع�م��ال األث��ري��ة عن ثالث‬ ‫أما البحث الذي قدمه أ‪ .‬د‪ .‬علي التجاني الماحي‬ ‫مدن مسوَّرة ومستقلة عن بعضها‪( :‬تل هروبا‪ ،‬عاصمة بعنوان‪" :‬االس�ت�ق��رار والتأقلم ف��ي البيئات العمانية‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫ص�ن�ع��اء ب��ال�ي�م��ن‪ ،‬ب�ح�ث�اً ب �ع �ن��وان‪" :‬م� ��وروث العصور‬ ‫ال�ح�ج��ري��ة ف��ي ال �ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة وح �ض��ارة جنوبي‬ ‫ال�ج��زي��رة بين األص ��ول المحلية واألف��ري�ق�ي��ة وبالد‬ ‫الشام"‪ ،‬استهله بقضية ربط الحضارة اليمنية في‬ ‫بعض جوانبها بأصول خارجية‪ ،‬بسبب الظواهر غير‬ ‫المتجانسة فيها‪ .‬وحاول تأصيل هذا التباين فأشار‬ ‫الباحث إلى أن العصر الحجري الحديث في المنطقة‬ ‫شهد تبايناً نوعياً وتقنياً‪ ،‬تأرجح بين األصول المحلية‬ ‫وتأثيرات من شرقي أفريقيا وبالد الشام‪.‬‬

‫الجافة‪ :‬جدل الدليل األثري والنموذج التقليدي"‪ ،‬فقد‬ ‫تناول‪ ،‬من خالل استعراض أدلة أثرية‪ ،‬أنماط التكيف‬ ‫والمصادر المتاحة‪ ،‬مستنتجاً أن اتجاهات التكيف في‬ ‫عمان رسمت مالمح تكوين المجتمعات في الواحات‬ ‫وال �م��دن ال�ع�م��ان�ي��ة‪ .‬وم��ن خ�ل�ال اس�ت�ع��راض��ه للدليل‬ ‫األثري وأنماط العيش التقليدية والمصادر الطبيعية‬ ‫واقتصاديات االستقرار‪ ،‬يستنتج الباحث أن التباين‬ ‫البيئي واتجاهات التأقلم في عمان‪ ،‬قد رسمت مالمح‬ ‫تكوين المجتمع المدني في الواحات والمدن العمانية‬ ‫قديماً‪ .‬ومن أمثلة ذلك إسهام الواحة‪ ،‬بوصفها وحدة‬ ‫وف ��ي ورق ��ة ب �ع �ن��وان‪" :‬ب��داي��ة االس �ت �ق��رار ونشأة‬ ‫بيئية ومدنية‪ ،‬ونوَّة إلى االستقرار والمجتمع المدني المدن األولى في اليمن" عرض الدكتور عبده غالب‬ ‫في دفع االستقرار وتطوره في عُمان‪.‬‬ ‫لمجتمعات اليمن خ�لال الفترة بين األلفين الرابع‬ ‫كما قدم الباحث الدكتور جيفري كنغ‪ ،‬من جامعة لندن واألول ق‪ .‬م‪ ،.‬حيث تمكّنت تلك المجتمعات من‬ ‫في بريطانيا‪ ،‬بحثاً بعنوان ‪“ :‬ميناء جلفار برأس الخيمة اإلقامة في مستوطنات دائمة‪ ،‬وعرفت إنتاج غذائها‪،‬‬ ‫في اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬مدينة تجارية إسالمية وخطت نحو نشوء المدن األول��ى‪ ،‬التي تزامنت مع‬ ‫على الخليج العربية"‪ ،‬استعرض فيه الباحث النشاطات تحوّالت في أنماط االستيطان‪ .‬وفيها نشطت التجارة‬ ‫التجارية واالجتماعية‪ ،‬وال��دور المهم ال��ذي لعبه هذا وت�ع��ددت الوظائف‪ ،‬وقفزت بالمجتمع إل��ى العصر‬ ‫البرونزي ثم الحديدي‪.‬‬ ‫الميناء بالنسبة للمسلمين على الخليج العربي‪.‬‬ ‫وفي بحث بعنوان‪" :‬المدن الساحلية في جنوب‬ ‫ش��رق��ي ال�ج��زي��رة العربية ودوره���ا االق �ت �ص��ادي في‬ ‫الفترة من القرن الثالث ق‪ .‬م‪ .‬إل��ى القرن السابع‬ ‫الميالدي"‪ ،‬قدم د‪ .‬حمد محمد بن صراي‪ ،‬من جامعة‬ ‫مدن ساحلية في عمان‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫اإلمارات‪ ،‬عرضاً ألربع ٍ‬ ‫عمانا وجلفار ودبا وصحار‪ ،‬ازده��رت خالل الفترة‬ ‫بين القرنين الثالث ق‪ .‬م والسابع الميالدي‪ ،‬وتوارثت‬ ‫األدوار كموانىء لعبت دوراً في التواصل الحضاري‪،‬‬ ‫وتبادل السلع على الساحل العماني‪ .‬وأشار الباحث‬ ‫إلى أن كثرة استيطان هذه المدن الساحلية عرّض‬ ‫آثارها للزوال‪ ،‬ووقوعها تحت المباني المقامة في‬ ‫فترات الحقة‪ ،‬وه��ذا ما تكشف عنه التنقيبات بين‬ ‫فترة وأخرى‪.‬‬

‫"العاصمة السبئية مأرب‪ :‬دراسة في بنيتها اإلدارية‬ ‫واالجتماعية في ضوء النقوش السبئية"‪ ،‬كانت عنوان‬ ‫ورقة أ‪ .‬د‪ .‬محمد مرقطن التي عالجت النظم اإلدارية‬ ‫والسياسية واالقتصادية واالجتماعية لمدينة مأرب‪،‬‬ ‫من خ�لال مجموعة النقوش السبئية‪ ،‬التي كشفت‬ ‫عنها البعثات اآلثارية األمريكية واأللمانية المتعاقبة‬ ‫على المواقع‪ .‬كما رسمت صورة للحياة اليومية في‬ ‫مدينة م��أرب‪ ،‬وذل��ك م��ن خ�لال دراس��ة المئات من‬

‫اليمن‪:‬‬ ‫ق��دَّ م الدكتور ع�ب��دال��رزاق المعمري‪ ،‬من جامعة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪15 1427‬‬


‫النقوش السبئية المكتشفة‪ ،‬وأك��د الباحث أن هذه‬ ‫النقوش السبئية تعد المصدر األس��اس حالياً في‬ ‫دراسة عاصمة عربية قبل اإلسالم‪ ،‬إذ ذكرت مأرب‬ ‫عشرات المرات في تلك النقوش‪.‬‬

‫مصر‪:‬‬ ‫قدم الباحث الياباني‪ ،‬البروفسور موتسو كواتوكو‪،‬‬ ‫بحثاً بعنوان‪" :‬ميناء ريا وميناء الكيالني في الطور في‬ ‫شبه جزيرة سيناء"‪ ،‬استعرض فيه تاريخ العالقات بين‬ ‫الشرق والغرب من خالل نتائج الحفريات في موقعي‬ ‫رايا وكيالني‪ ،‬وهما مدينتا الميناءين الرئيسين في‬ ‫الجزء الجنوبي الغربي من شبه جزيرة سيناء‪ .‬كما‬ ‫عرض دور هذين الميناءين في االتصال بين المحيط‬ ‫الهندي والبحر المتوسط عبر البحر األحمر‪ ،‬وكيف‬ ‫ازده��ر دورهما في الفترة اإلسالمية؟ حين امتدت‬ ‫الصالت التجارية لتصل إلى الصين‪ ،‬وتشكلت شبكة‬ ‫م��ن االت �ص��االت‪ ،‬لتشمل المنطقة م��ن الصين إلى‬ ‫البحر المتوسط وأفريقيا‪ .‬وكشف عن تفاصيل هذه‬ ‫الصالت‪ ،‬عبر التنقيبات اآلثارية‪ ،‬التي أجرتها البعثة‬ ‫اليابانية في مواقع الميناءين‪.‬‬

‫السودان‪:‬‬ ‫"على حافة المدينة‪ :‬ظهور واضمحالل القرى‬ ‫ال��زراع �ي��ة ف��ي سهل البطانة (ش��رق��ي السوادن)"‪،‬‬ ‫ك��ان ذل��ك موضوع البحث ال��ذي قدمه أ‪ .‬د‪ .‬عباس‬ ‫سيد أحمد محمد علي‪ ،‬ع��رض فيه نتائج المسح‬ ‫والتنقيبات‪ ،‬التي أجرتها بعثة سودانية‪-‬أمريكية‬ ‫مشتركة‪ ،‬كشفت عن ق��رى زراعية تعود إل��ى األلف‬ ‫الرابع ق‪ .‬م‪ .‬يصل امتداد الواحدة منها إلى عشرة‬ ‫ه �ك �ت��ارات‪ ،‬بعمق طبقي ي�ص��ل إل��ى م�ت��ري��ن‪ ،‬وثراء‬ ‫في معثوراتها‪ .‬وعند حافة بلوغها مرحلة المدن‪،‬‬ ‫اضمحلت ت�ل��ك ال �ق��رى وت�لاش��ى ث��راؤه��ا المادي‪.‬‬ ‫ولمعالجة ه��ذه الظاهرة‪ ،‬تطرق البحث للنظريات‬ ‫التي تعالج قضية ظهور المدن‪.‬‬

‫الجزائر‪:‬‬ ‫قدم الباحث أ‪ .‬د‪ .‬عبدالعزيز لعرج‪ ،‬من جامعة‬ ‫الجزائر‪ ،‬بحثاً بعنوان‪ " :‬دور المدن الساحلية في‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫ال�ح��رك��ة ال�ت�ج��اري��ة للدولتين ال�ح�م��ادي��ة والزيانية‬ ‫بالمغرب المتوسط‪ :‬بجاية وهنين نموذجاً"‪ ،‬عرض‬ ‫فيه لما شهده الحوض الغربي للبحر المتوسط في‬ ‫ال�ق��رن الخامس الهجري م��ن ت�ح��والت اقتصادية‪،‬‬ ‫انتقلت فيه الحركة التجارية من المراكز البرية إلى‬ ‫الموانىء الساحلية‪ ،‬حيث تحولت بجاية وهنين إلى‬ ‫بوابتين للتجارة مع السواحل الجنوبية ألوروبا حتى‬ ‫سقوط األندلس‪.‬‬

‫باحثون تغيبوا عن الندوة ألسباب طارئة‪:‬‬ ‫ك��ان من المقرر أن يشارك في ال�ن��دوة باحثون‬ ‫آخ��رون لكنهم وألسباب وطارئة تغيّبوا عن حضور‬ ‫الندوة‪ .‬فقد كان من المقرر أن يشارك الباحث د‪.‬‬ ‫حسين أبو الحسن‪ ،‬من المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫وك��ان��ت ورق�ت��ه بعنوان‪" :‬دادان‪ :‬مدينة المعبود ذي‬ ‫غيبة" خالل الفترة من القرن الخامس إلى الثاني‬ ‫ق‪ .‬م"‪ .‬كما تغيب أ‪ .‬د‪ .‬سعد بن عبدالعزيز الراشد‬ ‫من السعودية‪ ،‬وكانت ورقته بعنوان‪" :‬موقع الصويدره‬ ‫(الطرف) تاريخها وآثارها الكتابية"‪ .‬وتغيب كذلك‬ ‫عن جلسات الندوة البروفسور ميشيل بيكيريلو من‬ ‫إيطاليا‪ ،‬وكانت ورقته المقدمة للندوة بعنوان‪" :‬مدينة‬ ‫ميفعه في منطقة مأدبا باألردن"‪ ،‬والبروفسور فريد‬ ‫ويندورف‪ ،‬من الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وكانت‬ ‫ورقته بعنوان‪" :‬ظهور قرى المستوطنات خالل العصر‬ ‫ال�ح�ج��ري ال�ح��دي��ث المبكر ف��ي ال�ص�ح��راء الغربية‬ ‫المصرية"‪ ،‬كما تغيب أ‪ .‬د‪ .‬محمد حسين فنطر من‬ ‫تونس‪ ،‬وكانت ورقته بعنوان‪" :‬مدينة كركوان البونية‬ ‫في (تونس)"‪ ،‬وتغيب كذلك البروفسور هانس نيسن‬


‫من ألمانيا‪ .‬وقد أكدت الهيئة المنظمة للندوة أن هذه‬

‫به‪ .‬أما أ‪ .‬د‪ .‬عباس سيد أحمد محمد علي‪ ،‬من جامعة‬ ‫الملك سعود‪ ،‬فقد تناول في مشاركته إشكاالت العمل‬ ‫اآلثاري في العالم العربي‪ ،‬مُعدداً جوانب القصور التي‬ ‫تمثلت في ضعف الجانب النظري وغيابه كثيراً في‬ ‫األعمال اآلث��اري��ة‪ ،‬وغياب الموقف الفكري لآلثاري‬ ‫العربي‪ ،‬والتزام بعض المتخصصين بالمنهج التاريخ‬ ‫وعدم مواكبة المستجدات النظرية والمنهجية التي‬ ‫طرأت على العلم‪.‬‬

‫األبحاث ستنشر ضمن السِّ جل الذي يحوي أبحاث توصيات الندوة‪:‬‬

‫الندوة‪ ،‬والمتوقع صدوره خالل العام ‪2006‬م‪.‬‬

‫ورشة العمل‪:‬‬ ‫عقدت اللجنة المنظمة للندوة ورشة عمل بعنوان‪:‬‬ ‫"إشكالية البحث األثري في العالم العربي"‪ ،‬ترأسها أ‪.‬‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن الطيب األنصاري رئيس تحرير هيئة‬ ‫أدوم��ات��و‪ ،‬تحدث فيها ع��دد من المشاركين‪ ،‬تناولوا‬ ‫ع��دداً من القضايا اآلثارية المهمة‪ .‬فقد طرح أ‪ .‬د‪.‬‬ ‫يوسف عبدالله "إشكالية ملكية اآلث��ار وحمايتها"‪،‬‬ ‫ت�ن��اول فيها قضية حماية ال�ت��راث ال�ح�ض��اري‪ ،‬وحق‬ ‫الملكية وتعميق هذا المفهوم‪ ،‬وأهمية تغيير النظرة‬ ‫ت�ج��اه اآلث ��ار المكتشفة والنظر إليها كملكية عامة‬ ‫وليست ملكية خ��اص��ة‪ .‬وت �ن��اول د‪ .‬عبدالله دحالن‬ ‫(رجل أعمال) دور رجال األعمال في تشجيع العمل‬ ‫األثري وتمويله‪ ،‬ودعا المؤسسات الخاصة والتجارية‬ ‫إل��ى دع��م ال��دراس��ات والبحوث العلمية اآلث��اري��ة لما‬ ‫فيها من خدمة جليلة للمجتمع‪ .‬وف��ي ب��ادرة حميدة‬ ‫لتفاعل رجال األعمال مع اآلثاريين‪ ،‬تقدم د‪ .‬دحالن‬ ‫بدعوة الستضافة جلسات الندوة الثانية (تحت مظلة‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية منظِّ مة الندوة‬ ‫األولى)‪ .‬وقد رحب المشاركون بتلك الدعوة الكريمة‪.‬‬ ‫أما الدكتور عبدالله بن محمد الشارخ‪ ،‬من قسم اآلثار‬ ‫والمتاحف بجامعة الملك سعود‪ ،‬فتحدث في ورقته‬ ‫ع��ن "إش �ك��االت العمل األث ��ري ف��ي المملكة العربية‬ ‫ال�س�ع��ودي��ة"‪ ،‬واس�ت�ع��رض بشكل م��وج��ز ت��اري��خ العمل‬ ‫اآلثاري في المملكة‪ ،‬واإلنجازات التي تمت في مجال‬ ‫فصل بعض اإلش �ك��االت التي‬ ‫المسح والتنقيب‪ ،‬ث��م ّ‬ ‫يعاني منها العمل اآلثاري‪ ،‬ووسائل تطويره والتعريف‬

‫وق ��د ح�ف�ل��ت ال� �ن ��دوة ب�م�ن��اق�ش��ات وح� � ��وارات بين‬ ‫المشاركين والحضور‪ ،‬أثرت الموضوعات مدار البحث‪،‬‬ ‫وأظهرت تفاعل الباحثين مع مقدمي أوراق العمل‪.‬‬

‫وفي ختام الندوة‪ ،‬عُقدت جلسة طُ رح فيها عدد‬ ‫من المقترحات‪ ،‬خل ُصت إلى توصيات أبرزها‪:‬‬ ‫‪ .1‬الحاجة إلى تحديد مفهوم المدينة القديمة‪.‬‬ ‫‪ .2‬عقد الندوة العلمية القادمة بعد عامين في مجال‬ ‫آثار الوطن العربي‪ ،‬وتكون الندوات بصفة دورية‪.‬‬ ‫‪ .3‬نشر األوراق العلمية التي قدمت في الندوة في‬ ‫مجلد خاص بأعمال الندوة‪.‬‬ ‫‪ .4‬العناية بالمدن األثرية والتاريخية والمحافظة‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫‪ .5‬حث أمانات وبلديات المدن العربية على االهتمام‬ ‫باألحياء والمباني التاريخية‪ ،‬وفق النظم العالمية‬ ‫المرعية‪.‬‬ ‫‪ .6‬تطوير التشريعات المتعلقة باآلثار وخاصة ما‬ ‫يرتبط بالمدن األثرية والتاريخية‪.‬‬ ‫‪ .7‬إق��ام��ة مشاريع آث��اري��ة مشتركة لتدعيم العمل‬ ‫األثري في البلدان العربية‪.‬‬ ‫‪ .8‬تضمين المناهج ال��دراس �ي��ة م��وض��وع��ات تعنى‬ ‫ب��اآلث��ار وال��وع��ي األث ��ري ف��ي ال��وط��ن ال�ع��رب��ي‪ ،‬ما‬ ‫يوسع مدارك الطالب ويعزّز إحساسهم بتراثهم‬ ‫وهويتهم العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ .9‬فتح أسواق العمل في القطاعين العام والخاص‬ ‫لخريجي أقسام اآلثار‪ ،‬خاصة في مجاالت التربية‬ ‫والتعليم والسياحة والبلديات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪17 1427‬‬


‫أهمية كتابات الرحالة األوروبيني‬ ‫لتاريخ منطقة اجلوف احمللي‬

‫> د‪ .‬عوض البادي‬ ‫إن الحديث عن أهمية كتابات الرحالة األوروبيين للتاريخ الحديث لمنطقة‬ ‫الجوف‪ ،‬يستدعي أوالً التطرق إلى شيء من تاريخ المنطقة‪ ،‬لنعرف أهمية ما‬ ‫كتبه أولئك الرحالة عنها‪ ،‬ولنقّدر تلك األهمية في ضوء السياق العام لتاريخها ال‬ ‫سيما في القرنيين الماضيين‪ .‬وال أخالني مجافياً للحقيقة‪ ،‬لو بدأت بالقول أن‬ ‫منطقة الجوف كانت محظوظة‪ ،‬بسبب موقعها المهم‪ ،‬كنقطة عبور لدخول وسط‬ ‫الجزيرة العربية للرحالة األجانب‪ ،‬الذين سجلوا ما رأوه وسمعوه وفعلوه؛ ليورّثوا‬ ‫لنا معلومات أوليّة‪ ،‬بدونها سيظل تاريخ حقبة مهمة من حقب تاريخها مجهوالً‬ ‫إلى األبد‪ ،‬النعدام ثقافة التوثيق والتسجيل بين أبناء المنطقة‪ ،‬وغلبة ثقافة البدأة‬ ‫الشفوية حول تاريخها‪.‬‬

‫دراس��������ات‬ ‫‪18‬‬

‫يعود االستيطان البشري في منطقة ال�ج��وف‪ ،‬كما هو م�ع��روف‪ ،‬إل��ى عصور‬ ‫سحيقة في القدم‪ .‬وتبين الشواهد األثرية والنقوش القديمة المكتشفة حتى اآلن‪،‬‬ ‫أن السجل التاريخي للمنطقة يحتوي على فجوات عميقة‪ ،‬تفصل بين عصور و‬ ‫أزمان مختلفة‪ ،‬تجعل من المستحيل تكوين صورة متكاملة حول تاريخها‪ .‬ولو أخذنا‪،‬‬ ‫على سبيل المثال‪ ،‬العهد األشوري أو الفترة المبكرة من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬لوجدنا‬ ‫معلومات مهمة عن المنطقة‪ ،‬تسمح بتكوين صورة عنها في تلك المراحل‪.‬‬ ‫أما الفترات التي سبقت األشوريين‪ ،‬والفترة الممتدة من القرن السابع قبل‬ ‫الميالد وحتى ظهور الدين اإلسالمي‪ ،‬فإننا ال نجد معلومات تسمح بالجزم حول‬ ‫< باحث وكاتب أكاديمي من أبناء منطقة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫واقع المنطقة في تلك الفترة‪ .‬وكذلك كانت الحال‬ ‫مع الفترة التي تلت ظهور اإلس�لام؛ فبينما شهدت‬ ‫المنطقة أحداثاً مهمة في العهد اإلسالمي األول‪،‬‬ ‫إال إن�ه��ا ف�ج��أة خ��رج��ت م��ن ال �ت��اري��خ‪ ،‬وال ت��وج��د إال‬ ‫إش��ارات قليلة‪ ،‬بين حين و آخ��ر‪ ،‬غير كافية للبناء‬ ‫عليها لكتابة تاريخ ما يزيد عن ألف عام‪ ،‬من القرن‬ ‫األول وحتى القرن الثاني عشر الهجري‪ .‬وفي هذا‬ ‫الصدد يمكن قول الشيء نفسه‪ ،‬عن معظم مناطق‬ ‫الجزيرة العربية؛ إذ إن انتقال الخالفة اإلسالمية إلى‬ ‫دمشق أوالً وبغداد ثانياً؛ ثم توزعت سلطة الخالفة‬ ‫إل��ى مراكز أخ��رى‪ ،‬أفقد الجزيرة العربية أهميتها‬ ‫السياسية على الرغم من استمرار أهميتها الدينية‬ ‫لكافة الدول اإلسالمية‪.‬‬

‫االن �ط�لاق م��ن أح��داث�ه��ا‪ ،‬للتأسيس لسجل تاريخي‬ ‫متصل الحلقات لمنطقة الجوف‪ ،‬يغطي ج��زءاً من‬ ‫تاريخها الحديث‪.‬‬

‫يعود تاريخ وص��ول الدولة السعودية األول��ى إلى‬ ‫منطقة الجوف ووادي السرحان إلى سنة ‪1793‬م‪/‬‬ ‫‪1208‬ه �ـ‪ ،‬حيث وصلت إلى المنطقة قوة عسكرية‪،‬‬ ‫استطاعت أن تخضع بعض بلدان المنطقة‪ .‬وتشير‬ ‫المصادر التاريخية التي تناولت تلك المرحلة‪ ،‬إلى أن‬ ‫دومة الجندل عاصمة المنطقة كانت منقسمة على‬ ‫ذاتها وكانت تسيطر عليها عائلتان من سكانها‪ .‬وبعد‬ ‫حصار وقتال‪ ،‬وافقت عائلة آل درع على الخضوع‬ ‫للدولة السعودية‪ ،‬ودفع الزكاة لها‪ .‬أما العائلة الثانية‪،‬‬ ‫وهي عائلة آل سراح فقد استعصت على المهاجمين‪،‬‬ ‫أدت ه��ذه العزلة السياسية إل��ى فقدان مناطق ولم توافق على الدخول تحت سلطة الدولة‪ ،‬فتركت‬ ‫عدة من الجزيرة العربية ارتباطها الفعلي بالمراكز وشأنها‪ ،‬واستمرت حرب أهلية لمدة ثماني سنوات‪،‬‬ ‫الحضارية‪ ،‬ولكنها بقيت اسمياً مرتبطة بها‪ .‬ولم تكن انتهت بخضوع كافة المنطقة للدولة‪ ،‬وتكليف رئيس‬ ‫منطقة الجوف استثناء من هذا الوضع‪ ،‬إذ فقدت عائلة ابن درع بإدارتها باسم ابن سعود‪.‬‬ ‫أهميتها التاريخية السابقة‪ ،‬على الرغم من تبعيتها‬ ‫عند ه��ذا الخبر‪ ،‬ب��دأ وانتهى أم��ر المنطقة في‬ ‫أسمياً للمراكز الحضارية اإلس�لام�ي��ة ف��ي دمشق المصادر التاريخية المكتوبة حول تلك الدولة‪ ،‬وإن‬ ‫وبغداد والقاهرة وإستانبول‪ .‬ولكن كل األدلة القليلة ك��ان يمكن استنتاج استمرار تبعية منطقة الجوف‬ ‫المتوافرة تؤكد بقاءها م��رك��زاً م��ن م��راك��ز التجمّع للدولة السعودية األولى حتى نهايتها سنة ‪1818‬م‪/‬‬ ‫واالستيطان للقبائل العربية ال��رحّ ��ل‪ ،‬التي تجوب ‪1233‬هـ بغزو خارجي‪.‬‬ ‫شمالي الجزيرة العربية من جنوبي دمشق شماالً‬ ‫قد ال يختلف أمر منطقة الجوف عن أمر مناطق‬ ‫إل��ى حائل جنوباً نظراً لموقعها المهم وس��ط هذه‬ ‫الجزيرة العربية التي كانت تابعة للدولة السعودية‬ ‫الصحراء الكبرى‪ ،‬ولخصوبة أرضها ووفرة مائها‪.‬‬ ‫األولى‪ ،‬بعد غياب الدولة المركزية‪ ،‬من حيث عودتها‬ ‫وه �ك��ذا ظلت المعلومات ال�م�ت��واف��رة ع��ن تاريخ سيرتها األول��ى‪ ،‬من التنازع والصراعات الداخلية‬ ‫ق ��رون م��ن ت��اري��خ المنطقة ن� ��ادرة ج� ��داً‪ ،‬ال تسمح بين العائالت والقرى واألحياء المختلفة‪.‬ولم تتمكن‬ ‫بكتابة حلقات ه��ذا التاريخ‪ ،‬حتى تغير الوضع في الدولة السعودية الثانية‪ ،‬التي أسسها على أنقاض‬ ‫وس��ط الجزيرة العربية‪ ،‬ب��دءاً م��ن منتصف القرن ال��دول��ة األول��ى اإلم��ام تركي بن عبدالله بن محمد‬ ‫الثامن عشر الميالدي‪ /‬الثاني عشر الهجري‪ ،‬حين بن سعود في نجد من مد سيطرتها إلى المنطقة‪،‬‬ ‫ب��دأت حركة ال��دع��وة اإلصالحية للشيخ محمد بن و بقيت على حالها حتى تأسست أمارة جديدة في‬ ‫ع�ب��دال��وه��اب‪ ،‬وق��ام��ت ال��دول��ة السعودية األولى‪.‬مع ح��ائ��ل‪ ،‬ب��دءاً م��ن سنة ‪1251‬ه� � �ـ‪1835/‬م‪ ،‬على يدي‬ ‫قيام هذه الدولة وامتداد نفوذها من قاعدتها نجد عبدالله بن رشيد بتوليه من اإلمام فيصل بن تركي‪.‬‬ ‫إلى شمالي الجزيرة في أخر القرن وتسجيل بعض اس�ت�ط��اع��ت ه��ذه اإلم� ��ارة ال �ج��دي��دة أن ت�م��د خالل‬ ‫المؤرخين لهذا االمتداد‪ ،‬بدأت مرحلة جديدة‪ ،‬يمكن خمسة سنين نفوذها إلى منطقة الجوف وتخضعها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪19 1427‬‬


‫بالكامل لسلطتها‪ .‬استمرت تبعية منطقة الجوف‬ ‫لهذه اإلمارة‪ ،‬عدا فترة قصيرة حاول األتراك حكمها‬ ‫مباشرة م��ن والي��ة دم�ش��ق‪ ،‬حتى اع�ت��راه��ا الضعف‬ ‫فاستقلت كإمارة بذاتها بداً من سنة ‪1809‬م‪1327/‬هـ ‬ ‫إلى سنة ‪1919‬م‪1338/‬ه�ـ‪ ،‬ثم استعادت إمارة حائل‬ ‫السيطرة عليها من جديد‪ ،‬وأخيراً انضمامها سنة‬ ‫‪1340‬ه�ـ‪1922/‬م إلى الحكم السعودي بقيادة الملك‬ ‫عبدالعزيز‪.‬‬ ‫ق��د ال يتجاوز م��ا ه��و مكتوب ع��ن ت��اري��خ منطقة‬ ‫الجوف‪ ،‬عبر هذه المراحل سطور قليلة في المصادر‬ ‫التاريخية المحلية‪ .‬وم��ا ه��و متاح م��ن أش�ع��ار ومن‬ ‫رواي��ات‪ ،‬وهي أشعار ورواي��ات مهمة حول المنطقة‬ ‫وأح��داث�ه��ا‪ ،‬غير كافية لكتابة تاريخ ه��ذه المراحل‬ ‫كسلسلة متصلة الحلقات‪ ،‬عالوة على أن أغلبها غير‬ ‫موثق من الناحية الزمانية‪ ،‬وتوارثته األجيال شفوياً‬ ‫مع ما يعتريه من زي��ادة أو نقص‪ ،‬كما أنها ال تبين‬ ‫واقع األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬ ‫والثقافية والسكانية السائدة عبر هذه المراحل‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬تكتسب كتابات الرحالة األوروبيين أهمية‬ ‫خاصة لتاريخ عدد من مناطق الجزيرة العربية‪ ،‬وال‬ ‫سيما المناطق الشمالية منها‪ ،‬الفتقادها ألي مصدر‬ ‫مكتوب آخ��ر ح��ول أوض��اع�ه��ا وظ��روف�ه��ا وتركيبتها‬ ‫السكانية وعالقاتها بمحيطها‪ ،‬خ�لال الفترة التي‬ ‫جابوا فيها ربوع هذه المناطق‪.‬وال أظن إنني مبالغ‪،‬‬ ‫لو قلت أنه بدون ما كتبه هؤالء الرحالة‪ ،‬لبقي تاريخ‬ ‫منطقة الجوف في مراحله الحديثة مجهوالً‪ ،‬كما‬ ‫هو الحال مع تاريخها األق��دم‪ ،‬ولبقي محصوراً في‬ ‫الخطوط العامة التي ذكرت آنفاً حول تبعيتها ألي من‬ ‫اإلمارات التي قامت في وسط الجزيرة العربية‪.‬‬

‫الرحالة األوروبيون في منطقة الجوف‬ ‫يؤرخ دارسو أدب الرحالت األوروبية إلى الجزيرة‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة ب��داي��ات �ه��ا ب �ب��داي��ة ال �ق��رن ال��س��ادس عشر‬ ‫الميالدي‪ ،‬منذ رحلة الرحالة اإليطالي لويس فارثيما‪،‬‬ ‫إل��ى مكة والمدينة سنة ‪1503‬م‪.‬إال أنهم يؤرخون‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫بداية االكتشاف العلمي الحقيقي للجزيرة العربية‬ ‫برحلة كارستن نيبور‪ ،‬أح��د اعضاء البعثة العلمية‬ ‫الدنماركية‪ ،‬التي أرسلها ملك الدنمارك الكتشاف‬ ‫اليمن سنة ‪1761‬م‪.‬كتب هذا الرحالة‪ ،‬وهو الناجي‬ ‫الوحيد من أعضاء البعثة‪ ،‬الذين لقوا حتفهم خالل‬ ‫رحلتهم‪ ،‬وصفاً لرحلته ولمناطق الجزيرة العربية‬ ‫كما أنه نقل معلومات هي األولى حول ظهور الدعوة‬ ‫الوهابية في نجد إلى أوروب��ا‪ .‬وأش��ار هذا الرحالة‬ ‫إلى منطقة الجوف باسم "جوف السرحان"؛ كمنطقة‬ ‫جغرافية شمالي الجزيرة العربية‪ ،‬وإنها تضم سكاكة‬ ‫ودوم��ة‪ ،‬ولم يورد معلومات أخ��رى‪ .‬وعلى خطا هذا‬ ‫الرحالة‪ ،‬ومع مطلع القرن التاسع عشر الميالدي‪،‬‬ ‫بدأ الرحالة األوروبيون بالتوافد إلى مناطق الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬وال سيما الحجاز واليمن والخليج‪ ،‬ولكن‬ ‫وسط الجزيرة العربية بقي هدفاً بعيد المنال‪ ،‬ولم‬ ‫يجرؤوا على اختراقه ألسباب مختلفة‪ ،‬ليس أقلها‬ ‫خوفهم من المجهول‪ .‬وأكثر ما رووه من معلومات‬ ‫ح��ول وس��ط الجزيرة وأوضاعها في تلك المرحلة‪،‬‬ ‫كانوا قد استقوه مما سمعوه في المناطق األخرى من‬ ‫الجزيرة أو في العراق أو في سورية أو في مصر‪.‬‬ ‫كانت المحاولة األولى للوصول إلى وسط الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬عبر منطقة ال �ج��وف‪ ،‬ق��د ج��رت ف��ي سنة‬ ‫‪1808‬م‪1223 /‬هـ؛ إذ بعث الرحالة األلماني أورليخ‬ ‫سيتزن‪ ،‬ال��ذي ك��ان يقيم ف��ي ال�ق��دس‪ ،‬أح��د العرب‬ ‫العاملين معه واسمه يوسف المالكي‪ ،‬برحلة إلى‬ ‫الجوف ليحاول الوصول منها إلى الدرعية وليكتشف‬ ‫ال��وض��ع ل��ه ليغامر بنفسه‪ ،‬إال أن��ه قفل ع��ائ��داً من‬ ‫الجوف‪ ،‬بعد أن أدرك صعوبة عبور صحراء النفود‪.‬‬ ‫ولكن سيتزن ذكر أن يوسف أبلغه أن بلدة الجوف‬ ‫تابعة لنجد‪ ،‬وتضم عدة أحياء‪ ،‬عرف سبعة منها لكنه‬ ‫لم يتذكر إال أسماء ثالث منها‪ :‬سوق الدرع؛ وسوق‬ ‫السعيديين؛وسوق عين أم سالم‪ .‬و أن المسافات‬ ‫قصيرة بين ه��ذه األح�ي��اء‪ ،‬والمنازل الطينية لهذه‬ ‫األح�ي��اء مقامة إل��ى حد كبير على شكل دائ��ري له‬ ‫مدخل واحد‪ .‬وخلف كل منزل بستان نخيل صغير‪.‬‬ ‫ووسط هذه األحياء يقوم بناء حجري قديم‪ .‬وفيها‬


‫برج رباعي الشكل مبني بحجارة كبيرة رباعية األبعاد‪ ،‬حولها‪ ،‬حيث يمكن اإلطالع على ذلك‪ .‬ولكن سأعرض‬ ‫قمته مستدقة‪ ،‬ويشبه المسلة‪ ،‬وهو عالي االرتفاع إذ ألهم ما أوردوه‪ ،‬حول المنطقة وأبيّن أهميته العلمية‪،‬‬ ‫يزيد ارتفاعه عن ضعف أو ثالثة أضعاف أعلى منارة لكتابة تاريخها الحديث بتسلسل وترابط في حلقاته‪.‬‬ ‫ولكن قبل البدء بالحديث حول موضوعنا أرى أنه ال‬ ‫في البلدة‪.‬‬ ‫بد من اإلشارة أوالً إلى أن المنطقة لم تكن مقصداً‬ ‫ولم تسجل أية محاولة جديدة ألي رحالة أوروبي‬ ‫بحد ذاتها ألغلبية الرحالة الذين زاروها وكتبوا عنها‪،‬‬ ‫لزيارة مناطق شمالي ووسط الجزيرة العربية إال في‬ ‫بل كانت محطة في طريقهم جنوباً إلى نجد أو شماالً‬ ‫أربعينيات القرن التاسع عشر الميالدي‪/‬ستينيات‬ ‫إلى سورية‪ .‬وثانياً إلى أن ما كتبوه‪ ،‬كان موجهاً في‬ ‫القرن الثالث عشر الهجري‪ ،‬عندما بدأ التركيز على‬ ‫األص��ل لقرائهم بلغاتهم‪ ،‬ومعلوماتهم حولنا وحول‬ ‫هذه المناطق؛ ألنها كانت تموج بأحداث وتطورات‬ ‫بالدنا كانت لتعريف أولئك القراء بها‪ ،‬ولم يقصدوا‬ ‫سياسية مختلفة؛ ولكونها الوحيدة من بين مناطق‬ ‫أن يؤرخوا تاريخنا أو يتصوروا أنها ستكون مصدراً‬ ‫الجزيرة‪ ،‬التي لم يتيسر للرحالة األوائ��ل زيارتها و‬ ‫من مصادره‪.‬‬ ‫معرفة جغرافيتها وواق��ع أوضاعها‪ .‬وب��دأت موجة‬ ‫كان الرحالة الفنلندي جورج أوغست وال��ن‪ ،‬أول‬ ‫جديدة من الرحالة الساعين الختراق هذه المنطقة‪،‬‬ ‫أسوة بالمناطق األخرى‪ ،‬وسد الفجوة في معلوماتهم رح��ال��ة أوروب ��ي ي��زور منطقة ال�ج��وف ويكتب عنها‪.‬‬ ‫حولها جغرافياً ودينياً وسياسياً واجتماعياً وسكانياً كان والن رحالة علم تؤكد كافة المعلومات المتوافرة‬ ‫وثقافياً‪ .‬ويمكننا التأريخ لبدء هذه الموجة الجديدة‪ ،‬حوله وح��ول رحالته وتمويلها أن العلم ك��ان هدفه‬ ‫ب��رح�لات ال��رح��ال��ة وال�م�س�ت�ش��رق ال�ف�ن�ل�ن��دي جورج وأن اللغة والثقافة العربية وولعه بهما كانا دافعاً‬ ‫أوغ �س��ت وال���ن‪ ،‬ال ��ذي ق��ام برحلتين‪ :‬األول���ى سنة له للقيام برحالته‪ .‬بدأ وال��ن رحالته إلى الجزيرة‬ ‫‪1845‬م‪1261/‬ه�� � �ـ؛ والثانية ‪1848‬م‪1264/‬ه� � ��ـ إلى العربية‪ ،‬بعد أن حصل على منحة علمية من جامعة‬ ‫مناطق شمالي وشمال وسط وشمال غربي الجزيرة هلسنكي‪ ،‬ل�م��دة خمسة أع� ��وام‪ ،‬الك�ت�ش��اف مناطق‬ ‫الجزبرة العربية‪ ،‬غير المكتشفة حينها‪ ،‬ولتتبع تطور‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫اللغة العربية وعالقتها باللغة الحميرية؛ وليدرس‬ ‫مع "والن" كانت البداية الحقيقية لعالقة الرحالة الفرق بين اللغة العربية الفصحى واللهجات العربية‬ ‫األوروبيون بمنطقة الجوف‪ ،‬واستمرت تلك العالقة العامية‪ .‬وقبل أن يبدأ رحلته في الجزيرة العربية‬ ‫ح�ت��ى س�ن��ة ‪1922‬م‪1340/‬ه� � �ـ‪.‬وخ��ل��ال ه��ذه الفترة مكث في القاهرة ما يقارب السنتين؛ ليتقن اللغة‬ ‫الممتدة من سنة ‪1845‬م‪1261/‬هـ‪1922 -‬م‪1340/‬هـ‪ ،‬العربية ويتحدثها كأهلها وليدرس العلوم الشرعية‬ ‫زار منطقة الجوف خمسة عشر رحالة أوروبياً‪،‬ثالثة بوصفه طالب علم من بخارى‪ ،‬وكان يسمي نفسه في‬ ‫منهم قاموا بأكثر من رحلة‪ ،‬وهؤالء جميعاً كتبوا عن القاهرة ولي‪.‬بعد أنه نجح في تقّمص شخصية شيخ‬ ‫رحالتهم في منطقة الجوف وضمّنوا ما كتبوه معلومات بخاري‪ ،‬وأن أحداً ال يمكن أن يظن أنه أوروبي أو غير‬ ‫مختلفة حول أوضاع المنطقة وقت‪ ،‬زياراتهم وتوسع مسلم‪ ،‬أنطلق في رحلته بعد أن تسمى باسم عبد‬ ‫بعضهم في وصف كثير من المواضيع و القضايا‪.‬‬ ‫الولي ليبدو االسم أكثر قبوالً عند الوهابيين‪،‬حسب‬ ‫وإذ سبق ل��ي أن ق� ّدم��ت ل�ه��ؤالء ال��رح��ال��ة معظم نصيحة بعض أص��دق��ائ��ه‪ ،‬وك��ان��ت ال�ج��وف محطته‬ ‫نصوصهم المتعلقة بالمنطقة مترجمة إل��ى اللغة األول‪ .‬أق��ام وال��ن في دوم��ة الجندل‪ ،‬قاعدة منطقة‬ ‫العربية ف��ي ك�ت��اب‪ :‬الرحالة األوروب��ي��ون ف��ي شمال الجوف في حينه‪ ،‬حوالي ثالثة شهور‪ ،‬من يوم ‪25‬‬ ‫الجزيرة العربية‪ :‬منطقة الجوف ووادي السرحان مايو إلى ‪ 30‬أغسطس ‪1845‬م‪1261/‬هـ‪.‬‬ ‫‪1845‬م‪-1922‬م؛ فإنني ال أرى حاجة لتكرار ما قالوه‬

‫تناول وال��ن‪ ،‬فيما كتبه عن إقامته في الجوف‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪21 1427‬‬


‫تاريخ المنطقة وال��رواي��ات التاريخية التي تناولتها‬ ‫ال�م�ص��ادر التاريخية‪ ،‬وجغرافية وادي السرحان‪.‬‬ ‫واستعرض أحوالها االجتماعية والسياسية‪ ،‬وطبيعة‬ ‫ال�ت�ح��ال�ف��ات ال �س��ائ��دة ب�ي��ن س �ك��ان عاصمتها دومة‬ ‫الجندل‪ .‬وذكر أن دومة الجندل تتكون من اثني عشر‬ ‫حياً‪ ،‬وأن أه��ل الجوف ي��ردون ج��ذوره��م إل��ى قبائل‬ ‫وقرى عربية مختلفة‪ .‬وإن مالمحهم وأسلوب عيشهم‬ ‫وعاداتهم وطريقة هندسة منازلهم‪ ،‬وطريقة زراعتهم‬ ‫تغلب عليها السمة السورية‪ .‬وأن سكان بعض أحيائها‬ ‫ي �ب��دون متأخرين ف��ي ال�ه�ج��رة إل�ي�ه��ا‪ .‬وأن السكان‬ ‫يتمتعون بعالقات نشطة مع سورية أكثر مما هو مع‬ ‫العراق‪ .‬وإن التجار المتجولون الذين يزورون الجوف‬ ‫أحياناً ي��أت��ون م��ن س��وري��ة‪ ،‬على عكس م��ا ه��و عليه‬ ‫الحال في نجد‪ ،‬حيث يندر أن تقابل أحداً منهم‪ .‬وأن‬ ‫أهل الجوف يدفعون الزكاة إلى شيخ شمر في حائل‪،‬‬ ‫وهناك خمس من شيوخ األحياء مكلفين بجمع الزكاة‬ ‫من بلدان المنطقة‪ ،‬وأن ليس البن رشيد أمير حائل‬ ‫نائب في الجوف‪ ،‬وكل حي خاضع لشيخه‪ .‬كما يذكر‬ ‫أن كل حي خاضع إلحدى القبائل البدوية المجاورة‬ ‫حيث يدفعون "خ ��اوة"‪ ،‬وه��ي ع��ادة ما تكون كميات‬ ‫محدودة من التمر‪ .‬وأنَّ القبائل الرئيسة التي تحصل‬ ‫على هذه الخاوة الشرارات والجالس من الرولة‪.‬‬ ‫وذك��ر وال��ن‪ ،‬أن سكاكا تضم أربعة أحياء سكنية‬ ‫هي‪ :‬العمران‪ ،‬والسهيان‪ ،‬والحركان‪ ،‬والفياض؛ وتضم‬ ‫حوالي أربع مئة عائلة‪ .‬وأن قصر الطوير يضم عشرة‬ ‫عائالت‪ ،‬وأن قارا تضم حوالي عشرين عائلة‪.‬وجميع‬ ‫هذه األماكن تابعة لحكم شيخ شمر‪ ،‬وتدفع له الزكاة‬ ‫التي يجمعها الرجال أنفسهم المكلفين بجمعها في‬ ‫العاصمة دومة الجندل‪.‬‬ ‫ووصف والن أهل الجوف بأنهم من أكرم العرب‬ ‫الذين عرفهم‪ ،‬وأنهم كانوا على قدر من التعليم‪ ،‬وأن‬ ‫الشقاق والنزاع والتمرد سمة طاغية عندهم‪.‬‬ ‫إن ما كتبه حول رحلته إلى الجوف‪ ،‬جاء في سياق‬ ‫محاضرة علمية كان قد كتبها إللقائها في لندن‪ ،‬حول‬ ‫كامل رحلته األولى إلى الجزيرة العربية‪ ،‬لذلك غابت‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫تفاصيل كثيرة عنها كان يخطط لنشرها في مرحلة‬ ‫الحقة‪ ،‬وبعد أن يكمل كل الرحالت التي كان ينوي‬ ‫القيام بها داخ��ل الجزيرة العربية‪ .‬ولكن القدر لم‬ ‫يمهله فقد توفي فجأة سنة ‪1852‬م‪ ،‬وهو يعد لرحلة‬ ‫جديدة بعد أن عين بروفسوراً للدراسات الشرقية‬ ‫في جامعة هلسنكي‪ ،‬وكان في الواحدة واألربعين من‬ ‫عمره‪.‬‬ ‫ترك والن الكثير من األوراق الخاصة والمذكرات‬ ‫التي تحتوي على تفاصيل كثيرة‪ ،‬لو أ ُتيح له إعدادها‬ ‫للنشر قبل وفاته‪ ،‬لعّد من أعظم الرحالة األوروبيون‬ ‫الذين وطأت أقدامهم الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫وكما ذك��ر آن�ف�اً‪ ،‬ك��ان م��ن أه��داف رحلته معرفة‬ ‫الفروق بين اللغة العربية الفصحى واللهجات العامية‪،‬‬ ‫لذلك ك��ان يجمع األشعار والقصائد خ�لال رحلته‪،‬‬ ‫ويلتقي الشعراء ليسمع منهم قصائدهم مباشرة‪،‬‬ ‫ليضبطها لفظاً وشكالً‪ ،‬لتسهل له دراستها الحقاً‪.‬‬ ‫و يظهر لي أنه وجد في الجوف شيئاً من ضالته‪،‬‬ ‫فأطال المقام بين أهلها لكرمهم‪ ،‬وكثرة الشعراء من‬ ‫بينهم‪ .‬لذلك جمع فيها قصائد كثيرة لعدد من شعراء‬ ‫الجوف وغيرهم من شعراء البادية‪ ،‬التي يحفظها‬ ‫شعراء الجوف‪ .‬وق��د ق��ام وال��ن قبل وفاته‪ ،‬بإعداد‬ ‫بعض هذه القصائد للنشر‪ ،‬وقد نشرت بعد وفاته‬ ‫بسنتين باللغة األلمانية‪ .‬كانت القصائد التي أعدها‬ ‫والن للنشر‪ ،‬قصائد ذات دالالت مهمة من النواحي‪:‬‬ ‫السياسية واالجتماعية والثقافية والتاريخية‪.‬وتنبع‬ ‫أهمية هذه القصائد من تسجيلها ألحداث مهمة من‬ ‫أحداث تاريخ المنطقة‪ ،‬ومن المعلومات التي قدمها‬ ‫وال��ن‪ ،‬ح��ول تلك األح��داث واألش �خ��اص وه��و يفسّ ر‬ ‫معانيها اللغوية‪.‬‬ ‫من القصائد التي قدمها والن في دراساته قصيدة‬ ‫نعتز بها جميعاً في الجوف‪ ،‬وتتوارثها األجيال‪ ،‬ولكننا‬ ‫جميعاً نختلف حول تاريخها و قائلها ومناسبتها وهي‬ ‫القصيدة المعروفة (الشكل ‪.)1‬‬ ‫وح��ول ه��ذه القصيدة ذك��ر وال���ن‪ ":‬سمعت هذه‬ ‫األب �ي��ات م��ن س�ل�م��ان‪ ،‬وه��و ش��اع��ر م��ن ح��ي خذما‪،‬‬


‫< الشكل (‪)1‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪23 1427‬‬


‫وهي جزء من قصيدة طويلة‪ ،‬تمتدح الجوف وتصف‬ ‫العالقات المختلفة بين أحيائها؛ و أنني برغم الجهد‬ ‫الكبير الذي بذلته ألسجل كامل القصيدة التي يعتز‬ ‫بها أهل الجوف كثيراً ويرددونها‪ ،‬إال أنني فشلت في‬ ‫ذلك وهذه األبيات الخمسة هي كل ما كان يحفظها‬ ‫أص��دق��ائ��ي ف��ي خ��ذم��ا‪ .‬وقائلها ش��اب م��ن الجوف‪،‬‬ ‫نسيت اسمه‪ ،‬كان قد هاجر مع والديه إلى مدينة‬ ‫الكرك‪ ،‬وقد جاء في زيارة قصيرة إلى مسقط رأسه‬ ‫خالل إقامتي في الجوف‪ ،‬وتردد كثيراً رغم إلحاحي‬ ‫عليه بأن يذكرها لي‪ .‬والقصيدة عموماً غير بعيدة‬ ‫عن الواقع لكرم أهلها واريحيتهم ولتمورها الطيبة‬ ‫ومياهها العذبة الجارية‪ ،‬وطقسها الرائع‪ .‬وهي بلدة‬ ‫محبوبة تدور حولها قصائد كثيرة‪ ،‬وان من يزورها‬ ‫مرة فالبد أن يعود إليها‪".‬‬

‫ك��ان ي�س��ود م��ن ع�لاق��ات بين الحيين المتجاورين‬ ‫خذما والدلهمية‪.‬كانت دار مساعد تقع عند طرف‬ ‫حي خذما‪ ،‬وكان موقعها مناسباً النطالق الهجمات‬ ‫على العابرين إلى حي الدلهمية؛ لذلك اتخذ سكان‬ ‫الدلهمية قراراَ بتدمير تلك الدار‪ ،‬ولكن سر قرارهم‬ ‫عرف فتشاور مساعد مع أصدقائه فشاروا عليه بان‬ ‫يرحل‪ ،‬لكنه لم يأخذ بالمشورة وق��رر الصمود في‬ ‫داره‪.‬‬ ‫يذكر والن أن قصيدة مساعد قوبلت بالترحاب‪،‬‬ ‫وانتشر خبرها خ�لال فترة قصيرة‪ ،‬وص��ارت تغنى‬ ‫على الربابة في كل المنطقة والصحاري المجاورة‪،‬‬ ‫ويتغنى بها الناس‪ .‬وذكر أنه سمعها تغنى عدة مرات‬ ‫من قبل أشخاص مختلفين‪ ،‬وذهب لمقابلة مساعد‬ ‫نفسه‪ ،‬وطلب منه تمليتها عليها وقد كتبها بمساعدة‬ ‫الخطيب في خذما‪.‬‬

‫وه��ذا ما أخذناه مما ذك��ره وال��ن وزم��ن نقله لها‪،‬‬ ‫أما القصيدة الثانية‪ ،‬وهي قصيدة مهمة وذات‬ ‫نجد أنها تتعلق بأحداث تسبق األحداث التي يوردها عالقة بقصيدة مساعد السابقة‪ ،‬إذ ت��ؤرخ لكيفية‬ ‫الكتاب والباحثين والناس كمناسبة لها‪.‬‬ ‫خضوع الجوف إلم��ارة اب��ن رشيد وأسبابها‪ .‬وكان‬ ‫وحول الصراعات بين األحياء المختلفة في دومة قائلها الشاعر سالم العوض وه��و من حي خذما‪.‬‬ ‫ال�ج�ن��دل أورد وال��ن قصيدتين ووض��ح مناسبتهما وقد أورد والن مناسبة القصيدة بقوله‪":‬أدى العداء‬ ‫بمعلومات تاريخية مهمة‪ .‬القصيدة األولى من نظم المستحكم بين حيي خ��ذم��ا والدلهمية إل��ى وقوع‬ ‫مساعد العبد‪ ،‬وهو أحد سكان حي خذما‪ ،‬ويناجي حرب بينهما‪ .‬وكانت أسباب الحرب المباشرة‪ ،‬هو‬ ‫أن سكان حي الدلهمية قد دع��وا أح��د عشر شاباً‬ ‫بها داره (الشكل ‪.)2‬‬ ‫م��ا أورده وال��ن ح��ول ه��ذه القصيدة ومناسبتها من شباب حي خذما بزعم رغبتهم بإنهاء العداوة‬ ‫يُظهران طبيعة األوضاع التي كانت سائدة في البلدة؛ القديمة بينهم‪ ،‬وإج��راء مصالحة بين الحيين‪.‬ذهب‬ ‫إذ ذكر والن‪ ":‬كانت أحياء الجوف قبل إخضاع شيخ شباب خذما بكل ثقة إلى مضيفهم وسلموا أسلحتهم‬ ‫شمر عبدالله ابن رشيد سنة ‪1840‬م‪1256/‬ه��ـ لها‪ ،‬لمضيفيهم أثناء المأدبة‪ ،‬ولكن مضيفيهم غدروا بهم‬ ‫تعيش حياة نزاع‪ ،‬والخالفات فيما بينها ال تنقطع‪ ،‬وسقط أربعة قتلى وهرب ثالثة واحتفظوا باألربعة‬ ‫وكانت السرقات والنهب والقتل من مجريات الحياة الباقين رهائن‪ .‬وكان من بين القتلى اب� ًُن لمساعد‪.‬‬ ‫اليومية‪ .‬وكان أهل البلدة منقسمين في والئهم بين وألنَّ أهل الدلهمية كانوا مدعومين من قبل حلفائهم‬ ‫شيخين من شيوخ األحياء الكبيرة ال��درع والسراح‪ .‬السراح‪ ،‬فقد اشترطوا على سكان خذما دفع فدية‬ ‫وكانت الحركة بين األحياء خطرة ج��داً‪ ،‬فال يأمن وأن يرحل أهل الجرعاوي وهم حلفاء ألهل خذما من‬ ‫األفراد أو المجموعات التحرك حتى إلى بساتينهم‪ ،‬حيهم‪ ،‬ذي الموقع الممتاز‪ ،‬والذي ترعى حوله قطعان‬ ‫فقد ينقض عليهم أعدائهم دونما سابق إنذار‪ .‬وكان أغنام السراح‪.‬‬ ‫قبل أهل خذما الشروط إلنقاذ أرواح رهائنهم‪،‬‬ ‫النموذج األوض��ح لمثل ه��ذه ال�ظ��روف يتجلى فيما‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫< الشكل (‪)2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪25 1427‬‬


‫وج�م�ع��وا ال�ف��دي��ة وأق �ن �ع��وا أه��ل ال �ج��رع��اوي وكانوا صندوق من القصائد التي كتبها وجمعها‪ .‬وقد خط‬ ‫ثماني عائالت باالنتقال إلى حي خذما‪ .‬وتم إطالق بيده قصيدتين لنمر بن عدوان أعدهما والن ضمن‬ ‫سراح الرهائن لكن أهل الدلهمية لم يكتفوا بذلك‪ ،‬القصائد المعدة للنشر‪.‬‬ ‫بل دم��روا حي الجرعاوي تدميراً كامالً‪ .‬ك��ان أهل‬ ‫أما الشاعر اآلخر سكران‪ ،‬فقد قال عنه والن أنه‬ ‫الجرعاوي من جبة ويعودون بنسبهم إلى شمر لذلك‬ ‫من سكان حي الرحيبيين وإنه أحد أشهر الشعراء‬ ‫طلبوا مساعدة عبدالله بن رشيد؛ فأرسل أخاه عبيد‬ ‫في شمال الجزيرة العربية رغم أنه أمي‪ ،‬وكان يحفظ‬ ‫بقوة من شمر لينهي النزاعات السائدة في الجوف‪،‬‬ ‫كثيراً من األشعار‪ .‬وذكر أنه شاعر مديح‪ ،‬إذ يجول‬ ‫وال سيما بين حيي خ��ذم��ا والدلهمية‪ .‬ف��رض ابن‬ ‫بين القبائل يمدح شيوخها‪ ،‬و أنه قد قابله في الجوف‬ ‫رشيد شروطاً على أهل الدلهمية منها إع��ادة مبلغ‬ ‫وفي حائل وجلس معه ساعات‪ ،‬ليستمع إلى قصائده‪.‬‬ ‫الفدية ودف��ع الدية عن قتلى خذما‪ .‬وق��د تم ذلك‪،‬‬ ‫وأنه كان يذهب سنوياً إلى حائل مع جامعي الزكاة‪،‬‬ ‫ول �ك��ن أه��ل ال��دل�ه�م�ي��ة أض �ط��روا ل�ل��رح�ي��ل إل��ى حي‬ ‫وليمدح ابن رشيد الذي كان يكرمه‪.‬‬ ‫السراح فدمر حيهم بالطريقة نفسها‪ ،‬التي دمروا‬ ‫عالوة على هذه القصائد لهؤالء الشعراء‪ ،‬توجد‬ ‫فيها حي الجرعاوي‪ .‬وخّ ير اب��ن رشيد أه��ل خذما‬ ‫بين االحتفاظ بمبلغ الفدية وبناء حي الجرعاوي أو قصائد أخ��رى لشعراء آخ��ري��ن م��ن ال �ج��وف‪ ،‬منهم‬ ‫إعطاء المبلغ ألهل الجرعاوي لبناء حيهم بأنفسهم‪ ،‬الشاعر طعمه الجباب‪ ،‬لكن والن لم يتمكن من إكمال‬ ‫فاختار أهل خذما الخيار األول‪ .‬ويذكر والن أنه عند دراسته لكل القصائد التي جمعها‪ ،‬وبقيت القصائد‬ ‫مغادرته للجوف كان حي الجرعاوي قد ا ُعيد بناؤه‪ ،‬محفوظة ضمن أوراقه الخاصة الموجودة في مكتبة‬ ‫وأنّ حي الدلهمية كان على حاله من الدمار‪ .‬وقد جامعة هلسنكي‪.‬‬ ‫أورد والن نص القصيدة (الشكل ‪.)3‬‬ ‫شكل ماكتبه ونشره وال��ن ح��ول ال�ج��وف‪ ،‬خلفية‬

‫ومن القصائد األخ��رى التي جمعها والن وتمكن‬ ‫من إعدادها للنشر‪ ،‬قصيدتين لشاعرين صديقين‬ ‫كهلين‪ ،‬هاما ف��ي ح��ب فتاة اسمها سوير وك��ان كل‬ ‫منهما يريد الزواج منها‪ ،‬ولكنهما لم يكونا يعرفا نوايا‬ ‫بعضهما‪ .‬كانت الفتاة قريبة ألحدهما وهو سلمان من‬ ‫أهل خذما‪ ،‬لذلك كان األخر وأسمه سكران من أهل‬ ‫الرحيبيين يتوسط بسلمان للزواج من قريبته ولكنه‬ ‫لم يفعل شيئاً ألنه يريدها لنفسه‪.‬‬

‫قد ال تكون قصيدتاهما مهمتين‪ ،‬بحد ذاتهما‪،‬‬ ‫على الرغم من أبعادهما االجتماعية المهمة‪ ،‬لكن‬ ‫وال��ن يزودنا بمعلومات ح��ول الشاعرين‪ .‬و ذك��ر أن‬ ‫سلمان شاعر من خذما وكان قد تجاوز الستين من‬ ‫عمره‪ ،‬وعلى قدر من التعليم‪ ،‬لذلك اختاره أهل عالج‬ ‫ليكون خطيباً ف��ي مسجدهم‪ .‬وك��ان مغرماً بجمع‬ ‫األش �ع��ار ب�ق��در م��ا ه��و ش��اع��ر ب�ن�ف�س��ه‪.‬وأن نموذجه‬ ‫الشاعر المعروف "نمر ب��ن ع ��دوان"‪ ،‬و أن��ه يقتفي‬ ‫أثره ويحفظ له أشعاراً كثيرة‪ .‬وأنه أكد له أن عنده‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫مهمة حول أوضاع المنطقة وسكانها‪ ،‬استفاد منها‬ ‫الرحالة الذين تبعوه‪ ،‬ولكن لم يقتف أثره أحد‪ ،‬إال‬ ‫بعد ستة عشر عاماً إذ قام الرحالة اإلنجليزي وليم‬ ‫جيفورد بلغريف بزيارة الجوف واإلق��ام��ة بها لمدة‬ ‫ثمانية عشر يوماً خالل سنة ‪1962‬م‪ ،1278/‬وكان‬ ‫ف��ي طريقه إل��ى وس��ط نجد‪.‬كان ه��ذا الرحالة في‬ ‫مهمة سرية‪ ،‬كلف بها من إمبراطور فرنسا نابليون‬ ‫ال�ث��ال��ث؛ ل��دراس��ة أوض ��اع ال�ج��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة‪ ،‬وكان‬ ‫متخفياً بشخصية طبيب من سورية‪.‬‬

‫كتب هذا الرحالة حول تجربة إقامته في الجوف‪،‬‬ ‫ولكن ما كتبه كان في معظمه انطباعات أكثر منه‬ ‫معلومات‪ .‬ولكن إذا ما ربطنا ما كتبه حول الجوف‬ ‫بما كتبه والن نستطيع أن ندرك مدى التغير الذي‬ ‫حصل في منطقة الجوف خالل الستة عشر عاماً‬ ‫الفاصلة بين الرحلتين‪ .‬فحكم حائل للمنطقة أصبح‬ ‫حكماً مباشراً وك��ان لألمير ابن رشيد نائب مقيم‪.‬‬ ‫وهذا االستنتاج مهم‪ ،‬ألنه يسمح لنا بتحديد اإلطار‬


‫< الشكل (‪)3‬‬

‫الزمني ألحداث مهمة‪ ،‬يتحدث عنها أهل المنطقة‬ ‫دون تحديد زمن حدوثها‪.‬‬ ‫وه��و ل��م يختلف ع��ن وال��ن ب��وص��ف أه��ل الجوف‬ ‫بالكرم والشجاعة وقابليتهم للتمسك بنواصي التقدم‬ ‫إذا ما اتيحت الفرصة‪.‬‬

‫وقدر عدد سكانها بستة أالف نسمة‪ .‬قدم غوارماني‬ ‫معلومات مهمة تتعلق بتاريخ حدوث تمرد حطاب بن‬ ‫س��راح في الجوف‪ ،‬وح��رب ابن رشيد معه إلخضاع‬ ‫الجوف النهائي لحكم ابن رشيد المباشر لها‪ .‬و ذكر‬ ‫أن هذا التمرد قد حصل سنة ‪1853‬م‪1270/‬هـ وأن‬ ‫حطاب كان وقت زيارته مسجوناً في حائل‪ .‬هذا وقد‬ ‫ذكر بلغريف وهو يتحدث عن زيارته إلى حائل بأنه‬ ‫رأى شخصين‪ ،‬أحدهما من زعماء الجوف‪ ،‬بقيودهما‬ ‫في قهوة ابن رشيد إذ كان يسمح لهما بتناول القهوة‬ ‫فيها وهما بقيودهما‪ .‬وحيث أن زيارة بلغريف كانت‬ ‫قبل غوارماني بسنتين‪ ،‬فقد يكون حطاب هو من رأه‬ ‫بلغريف في حائل‪.‬‬

‫بعد هذا الرحالة بسنتين‪ ،‬زار الجوف الرحالة‬ ‫اإليطالي كارلو غوارماني‪ ،‬متنكراً بشخصية مسلم من‬ ‫تركيا‪ .‬ولم يمكث فيها إال عدة أيام‪ ،‬إذ كان في طريقه‬ ‫إلى سورية بعد انتهاء رحلته التي كانت بهدف شراء‬ ‫خيول عربية أصيلة‪.‬و حسب ما ذكر فإنه قد سبق‬ ‫و زار الجوف سنة ‪1851‬م‪1268/‬ه� �ـ‪ ،‬لكنه لم يذكر‬ ‫أية تفاصيل حول رحلته األولى هذه‪ .‬ذكر غوارماني‬ ‫ب�ع��د ه ��ذا ال��رح��ال��ة ل��م ي ��زر ال �ج��وف أي رحالة‬ ‫الجوف باسم جوف العمرو‪ ،‬وعدد أحياءها وقراها أوروب��ي حتى سنة ‪1879‬م‪1295/‬ه��ـ‪ ،‬إذ عبر منطقة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪27 1427‬‬


‫الجوف الرحالة اإلنجليزي ويلفريد بلغريف و زوجته أح��د مرافقيه بقرب راب��ع‪ ،‬وه��و في طريقه عائداً‬ ‫الليدي آن بلنت‪ ،‬وهما في طريقهما إلى حائل بهدف إل��ى حائل من زي��ارة ق��ام بها إل��ى ج��دة‪ .‬وهنا تجدر‬ ‫ش��راء خيل عربية أصيلة‪ .‬وق��د نشرت الليدي آن اإلش��ارة إلى أن هوبر جمع في مخطوط‪ ،‬وهو غير‬ ‫وصفاً لرحلتها‪ ،‬التي تنبع أهميتها أنها أول رحلة م�ن�ش��ور‪ ،‬قصائد عبيد اب��ن رش �ي��د‪ ،‬ومنها قصائد‬ ‫بعد انقطاع الرحالة األورب�ي��ون لمدة خمسة عشر خاصة بأوضاع المنطقة وقصائد أخرى متبادلة مع‬ ‫عاماً‪ ،‬لذلك يستنتج من وصفها التغيرات اإلدارية شعرائها‪ .‬ومن هذه القصائد قصائد تتعلق بظروف‬ ‫التي حدثت في المنطقة خالل هذه الفترة الطويلة‪ .‬سيطرة إمارة حائل على المنطقة‪ ،‬ومنها قصيدتان‬ ‫فقدمت لنا شخصية نائب أمير حائل في المنطقة متبادلتان بين غالب بن حطاب السراح وناصر بن‬ ‫ج��وه��ر‪ .‬وأش� ��ارت إل��ى م�ح��اول��ة األت� ��راك السيطرة ق��ادر‪ ،‬ح��ول طبيعة ما كانت تموج به المنطقة من‬ ‫المباشرة على المنطقة‪ ،‬والى محسن ابن درع أحد احداث‪ .‬والقصيدتان فيهما اختالف عما يردد منهما‬ ‫الشيوخ الرئيسين في الجوف الذي لم يكن راضياً بين الناس‪ .‬وال يتسع المجال هنا لذكرهما كما وردا‬ ‫عن التحوالت السياسية في المنطقة‪ ،‬لكنه مستسلم في المخطوطة‪.‬‬ ‫للوضع ألن ابن رشيد يحتفظ بابنه في حائل رهينة‬ ‫رافق هوبر في رحلته األخيرة الرحالة والمستشرق‬ ‫لضمان استمرار والء ح��ي ال��درع‪.‬وت�ن�ب��ع أهمية ما‬ ‫األلماني يوليوس أويتنغ‪ ،‬الذي كتب حول رحلته ورسم‬ ‫كتبته الليدي آن بلنت أيضاً‪ ،‬من أنها زارت ووصفت‬ ‫البلدات األخرى في منطقة الجوف وصفاً مباشراً‪ .‬معالم البلدة كقصر مارد وقصر خزام ورسم شخصية‬ ‫فقد وصفت بلدة كاف‪ ،‬و بلدة سكاكا‪ ،‬وهي البلدة جوهر‪ .‬ولكن اهم ما أورده هو قصة المحاولة التركية‬ ‫ال‬ ‫الرئيسة الثانية في المنطقة وقتها وقدمت وصفاً لحكم الجوف مباشرة وربطها بوالية دمشق‪ ،‬نق ً‬ ‫مباشراً لهما‪ .‬وقد ذكرت أن سكاكا أكبر من دومة عن أحد المشاركين فيها‪.‬وقد حدد تاريخها بسنة‬ ‫ال�ج�ن��دل‪ ،‬وفيها ح��وال��ي سبع مئة م �ن��زل‪ ،‬ونخيلها ‪1870‬م‪1286/‬هـ‪.‬‬ ‫ضعف نخيل دومة الجندل‪ ،‬وتشمخ فوق قمة مرتفع‬ ‫بعد أويتنغ زار الجوف الرحالة ال�ب��ارون إدوارد‬ ‫من مرتفعاتها قلعة قديمة (قلعة زعبل)‪.‬وأن بيوتها ن��ول��ده‪ ،‬وه��و م��ن التفيا‪ ،‬وم��ن أص��ل ألماني ويعمل‬ ‫أكثر تنظيماً وأحدث‪ ،‬وليست خربة مثل ما هو عليه لحساب روسيا‪ .‬كان نولده حينما زار الجوف يقوم‬ ‫الحال في دومة الجندل‪.‬‬ ‫بمهمة سياسية ل��دراس��ة أوض���اع وس��ط الجزيرة‬ ‫في العام التالي‪ ،‬قام الرحالة الفرنسي تشارلز العربية‪ ،‬ومقابلة محمد ابن رشيد‪ .‬لم يذكر نولده‬ ‫هوبر ب��زي��ارة إل��ى ال�ج��وف‪ ،‬وك��ان أي�ض�اً ف��ي طريقه شيئاً كثيراً ع��ن ال�ج��وف‪ ،‬إال أن��ه أش��ار إل��ى أهمية‬ ‫إل��ى حائل‪ ،‬وع��دد أحيائها ووص��ف بعض التغيرات موقعها‪ ،‬وقدر عدد سكانها ما بين ‪ 10000‬و‪12000‬‬ ‫فيها وفي اسمائها‪ ،‬كما عدّد قراها‪ ،‬وقدر سكانها نسمة‪.‬‬ ‫بما ال يزيد عن اثنا عشر ألف نسمة‪.‬كما أنه أشار‬ ‫وفي سنة ‪1901‬م‪1318/‬ه��ـ‪ ،‬زار الجوف المبشر‬ ‫إلى حرب ‪1853‬م‪1270/‬ه �ـ‪ ،‬والحصار الذي سبقها اإلن �ج �ل �ي��زي آرت �ش �ي �ب��ال��د ف � ��ورد‪ ،‬ب��ه��دف التبشير‬ ‫واستخدام قوات حائل للمدافع‪ ،‬لكسر مقاومة إهل بالنصرانية وك��ان يحمل نسخ م��ن اإلنجيل باللغة‬ ‫الجوف‪ ،‬وأشار إلى أنه رأى أثار الدمار بنفسه‪.‬‬ ‫العربية لتوزيعها على السكان‪ .‬وصف هذا المبشر‬ ‫وقد عاد هذا الرحالة إلى الجوف مرة أخرى‪ ،‬وكان‬ ‫في طريقه إلى حائل أيضاً عام ‪1883‬م‪1300/‬هـ‪ .‬لم‬ ‫يتسن لهوير كتابة مذكراته أو تقديم دراس��ات حول‬ ‫مشاهداته وانطباعاته إذ قتل عام ‪1984‬م‪ ،‬على يد‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫رحلته التي قد ال تكون مهمة من الناحية التاريخية‪،‬‬ ‫لكنه استخدم الكمرة (الكاميرا) وق��دم أول صور‬ ‫فوتوغرافية لمعالم الجوف‪ .‬كما أن ما كتبه كان يشير‬ ‫إلى استقرار األوض��اع في الجوف إداري �اً كما كانت‬


‫عليه منذ زيارة أخر رحالة‪ ،‬فجوهر كان ما يزال هو‬ ‫نائب أمير حائل في الجوف‪.‬‬ ‫وف� ��ي س �ن��ة ‪1908‬م‪1325/‬ه � � � � � �ـ‪ ،‬زار ضابطان‬ ‫إنجليزيان هما اس‪.‬اس بتلر و ل‪ .‬إيلمر الجوف وكانا‬ ‫في طريقهما من بغداد إلى دمشق‪ ،‬وقدّما معلومات‬ ‫مهمة؛ إذ وصفا ما كان يحدث في حائل من صراع‬ ‫سياسي داخل العائلة الحاكمة في حائل‪ .‬وأن فيصل‬ ‫ب��ن ح�م��ود ال��رش�ي��د ق��د أص�ب��ح أم �ي��راً ل�ل�ج��وف قبل‬ ‫شهر من زيارتهما‪ ،‬وقد قاباله شخصياً‪ .‬ولم يضيفا‬ ‫جديداً حول الجوف من النواحي األخرى إال أنهما‬ ‫أيضاً قدّما صوراً فوتوغرافية جيدة‪.‬‬ ‫بعد جميع هؤالء الرحالة الذين تبعوا والن‪ ،‬جاء‬ ‫دور أه��م وأع�ظ��م رح��ال��ة على اإلط�ل�اق ممن زاروا‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬وهو الرحالة والمستشرق التشيكي‬ ‫الويس موسيل‪ .‬فقد قدّم ما لم يقدمه أحد غيره حول‬ ‫شمالي الجزيرة العربية جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً‬ ‫وسياسياً‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬ومنطقة الجوف بشكل خاص‪.‬‬ ‫لقد قام موسيل بزيارتين إلى الجوف؛ األولى وكانت‬ ‫سنة ‪1909‬م‪1327/‬ه �ـ‪ ،‬وكان في رحلة شاملة يرسم‬ ‫خريطة شمالي الجزيرة العربية‪ ،‬ويجول مع قبيلة‬ ‫الرولة‪ .‬وفي وصفه لرحلته هذه قدم موسيل معلومات‬ ‫تاريخية مهمة‪ ،‬تتعلق بتطور األوضاع السياسية فيها؛‬ ‫فقد وصف انتقال حكم الجوف من ابن رشيد إلى‬ ‫نواف الشعالن‪ .‬فبعد تدهور الحالة السياسية داخل‬ ‫عائلة الرشيد‪ ،‬ترك فيصل بن حمود الرشيد أمير‬ ‫الجوف المنطقة‪ ،‬مخلفاً وراءه فراغاً سياسياً فأراد‬ ‫نواف ملئه بطلب من بعض شيوخ البلدة؛ فاندلعت‬ ‫حرب أهلية في دومة الجندل وسكاكا بين المؤيدين‬ ‫والمعارضين للحكم الجديد‪ .‬وقد وصف موسيل هذه‬ ‫األحداث‪ ،‬وبيّن الدور الذي لعبه فيها‪ ،‬والدور الذي‬ ‫لعبه في تأسيس األمارة الجديدة والمحافظة عليها‪.‬‬ ‫كما وصف موسيل شخصيات البلدتين الرئيستين‬ ‫ف��ي المنطقة‪ ،‬دوم ��ة ال�ج�ن��دل وس�ك��اك��ا والعدوات‬ ‫القائمة بين أحيائهما‪ .‬وكبفية حسم األمور لصالح‬ ‫الحكم الجديد بعد سنتين من الصراعات بين الحكم‬ ‫الجديد وبعض شيوخ المنطقة‪.‬‬

‫أم ��ا رح �ل��ة م��وس �ي��ل ال �ث��ان �ي��ة‪ ،‬ف �ق��د ج� ��اءت سنة‬ ‫‪1915‬م‪1333/‬ه � � �ـ‪ ،‬وفيها وص��ف موسيل األوضاع‬ ‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية في إمارة الجوف‬ ‫المستقلة‪ ،‬وعدّها إمارة من إمارات الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫ذات الكيان الخاص بها‪ ،‬بعلمها وجيشها وسياستها‬ ‫الداخلية والخارجية‪ .‬ووصف موسيل معاناة أهلها‬ ‫خالل فترة زيارته الستمرار حروبهم مع إمارة حائل‬ ‫والقبائل المجاورة‪ ،‬وتوقهم للسالم مع جيرانهم‪.‬‬ ‫اس�ت�ح��وذت منطقة ال�ج��وف على حيز كبير في‬ ‫كتابات موسيل العلمية‪ ،‬ولكن كثيراً من المعلومات‬ ‫ال سيما الموجودة في أوراق��ه الخاصة ومذكراته‪،‬‬ ‫ال تقل أهمية عما نشره‪ ،‬وقد أطلعت شخصياً على‬ ‫بعض هذه الوثائق وحصلت على نسخ منها‪ ،‬خالل‬ ‫زي��ارات متكررة إلى المتحف المحفوظ فيه أوراقه‬ ‫الخاصة في جمهورية التشيك‪ ،‬ستبين الكثير مما‬ ‫خفي حول تاريخ إمارة الجوف خالل الفترة الواقعة‬ ‫من عام ‪1909‬م‪1327/‬هـ وحتى عام ‪1919‬م‪1337/‬هـ ‬ ‫تاريخ نهاية هذه األمارة‪.‬‬ ‫وفي عام ‪1922‬م‪1340/‬ه �ـ‪ ،‬زار الجوف الضابط‬ ‫السياسي البريطاني في عمان جون سانت فيلبي‪،‬‬ ‫الجوف لدراسة أوضاعها السياسية‪ ،‬وق��دم وصفاً‬ ‫ألحداثها وأوضاعها‪ ،‬مبيناً لحالة الصراع السائدة‬ ‫فيها‪ ،‬والظروف التي سبقت انضمامها لحكم الملك‬ ‫عبدالعزيز‪.‬‬ ‫ك��ان فيلبي أخ��ر الرحالة األوروبيين في منطقة‬ ‫الجوف‪ ،‬خالل الفترة التي تحدثنا عنها‪ ،‬إذ دخلت‬ ‫الجوف في مرحلة جديدة وعهد جديد الدور لمعرفة‬ ‫تفاصيله للوثائق أكثر مما هي للرحالة‪.‬‬ ‫وأخ� �ي ��راً‪ ،‬أوج� ��ز ال �ق��ول ب ��أن م��ا ك�ت�ب��ه الرحالة‬ ‫األوروبيون كان مهما جداً ألي كتابة لتاريخ المنطقة‬ ‫االجتماعي والسياسي والثقافي والسكاني‪ ،‬وأنه‬ ‫بدون ما كتبوه كانت ستبقى ثغرات كثيرة في تاريخ‬ ‫المرحلة التي وصفوها من تاريخ المنطقة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪29 1427‬‬


‫حاالت األثر ‪...‬‬

‫> هاشم اجلحدلي‬

‫حاالت األثر‬

‫أمضي إلى حتفي‬

‫ق���ص���ائ���د‬ ‫‪30‬‬

‫كأني غارق في تيه أسئلتي‬

‫فاكتبوا مرثيتي بدمي‬

‫صحراء ذاكرتي‬

‫ودعوا ظاللي ‪ ..‬تستفيق على الضالل‬

‫وصحراء حياتي كلها‬

‫وتستجير بحزن نايْ‬

‫وكأنني الصبار‬

‫أمضي‪ ..‬وأمضي‪ ..‬ثم أمضي‬

‫ال الليل يرحمه ‪ ..‬وال نوح الغما ّم‬

‫ال شيء يشبهني سوايْ‬

‫أمضي إلى حتفي وحيداً ‪ ..‬موحشاً‬

‫لغتي عناق النار‬

‫ولن أقول سوى‬

‫للمطر الصباحي الندي‬

‫على اآلتي السال ّم‬

‫وبهجتي سوداء ‪ ..‬مهملة‬

‫أمضى ‪ ..‬وأمضي ‪ ..‬ثم أمضي‬

‫مزاجي غائم‬

‫ال األرض أرضي‬

‫وك��أن��ن��ي ل �ل �ت��و أخ � ��رج م ��ن ع � ��زاء أعز‬

‫وال السماء للوعتي كانت مالذاً‬

‫أشيائي‬

‫وال معي ‪ ..‬إاليْ‬

‫وأسكن في فنائي ‪.‬‬

‫في تغريبة النفي الجديدة‬ ‫نحو آخرة القصيدة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫قصيدة المحبة‬

‫هلت‬ ‫لتغمرني بفيض داللها‬ ‫فأكاد من فيض الدالل‬ ‫أذوب تيهاً‬ ‫وأكاد اكتب سيرتي األولى‬ ‫من موت قافيتي‬ ‫إلى ميالد أجمل ما كتبت‬ ‫لها ‪ ...‬وفيها‬ ‫فكأنني ما قلت حرفاً قبلها‬ ‫وال نثرت حريق أشعاري‬ ‫إال عليها‬ ‫وكأنها ‪ ....‬ما أشرقت لغة‬ ‫وال كانت حياة ‪،‬‬

‫اال ببهجة روحها ‪..‬‬ ‫وبهاء رؤياها‬ ‫كأنها " كلي"‬ ‫يحل مدوزناً في عمق أعماق القصيدة‬ ‫دونما وزن وقافية‬ ‫ودونما معنى‪،‬‬ ‫سوى معناها‬ ‫فأقول ‪ :‬يا الله‬ ‫علمني المحبة‬ ‫ثم زدني لوعة‬ ‫وخذ بروحي نحو فتنتها‬ ‫لتكون آخرتي بآخر منتهاها‬ ‫كي ال أحب أنا سواها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪31 1427‬‬


‫غزل شمالي‬ ‫دائما باتجاه الشمال‬ ‫كان الهوى بوصلة ‪.‬‬ ‫أو كأني أجي لها واحد‬ ‫و أعود وحيدا‬ ‫ومزدحما بالتي في دمي‬ ‫أو كأن القصيدة تورق بين األصابع كالسنبلة‬ ‫دائماً باتجاه الشمال‬ ‫وال شيء غير الرمال‬ ‫فهل يأوي الرمل من هدهدته السواحل‬ ‫واصطخبت في يديه المويجات‬ ‫هل يأوي الرمل ؟‬ ‫دائماً باتجاه الشمال‬ ‫وتشتاق للركض نحو مالذ الشمال‬ ‫ألن الهوى بوصلة‬ ‫دائماً باتجاه الطفولة‬ ‫نشتاق للركض نحو مالذ الطفولة‬ ‫كي ال نشيخ‬ ‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫قتامة الثالثين‬ ‫‪ ..‬محاطة بالرغبات المقيتة‬ ‫باألنياب الزرقاء الالمعة‬ ‫لعصافير تتخبط في السوائل السوداء‬ ‫قتامة الثالثين ‪.‬‬ ‫السوائل التي تتماصل في الجوف بانتباه‬ ‫لئال يفضحها االندهاش‪ ،‬حين تمر عليها السنوات‬ ‫بريش منفضتها‬ ‫وهي تزيح الغبار عن نظرة ثقيلة‪...‬‬ ‫تحد‪ ،‬أو تساؤل‪..‬‬ ‫يهدم مالمحها الرملية أنها ال تحمل ٍ‬ ‫تتابع المنفضة عملها‬ ‫لتلحس القتامة‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬وجهها الكثيف الرخو ‪...‬‬ ‫الذي لم تجد له طعماً ‪.‬‬

‫> عيد اخلميسي‬

‫<‬

‫غير ظاهر‬

‫فتق غير ظاهر في الحذاء‪...‬‬ ‫يدفعك أال ترفع قدمك كثيراً ‪،‬‬ ‫أن تقصر خطوتك ‪،‬‬ ‫تضع ثقلك أكثر على الحذاء السليمة‬ ‫تتأنى وتحاذر االندفاع‬ ‫‪ ..‬البد أن تدرس ما ستضع عليه قدمك في الخطوة التالية‬ ‫أال تقترب من األراضي الزلقة وتجمعات المياه‬ ‫ليس مهماً أن يلحظ اآلخرون ذلك‬ ‫فلقد رأيتَ الفتق وتفحصته هذا الصباح ‪..‬‬ ‫لكنك لم تلحظ ما حدث بعد ذلك‪ ،‬حين انتقل للجلد والوجه‬ ‫حبات العرق الصغيرة التي نزت منه مسحتها اليد الباردة‬ ‫وتفوّه اللسان الجاف بتعليق صغير لم يكف‪ ،‬كعزاء ‪.‬‬ ‫مناظر مبالغ فيها‬ ‫عرفوا أنك تمر على نظرتك الثقيلة بمنشفة مبللة‬ ‫ليجف الصمغ وال تلتصق بالمناظر الجميلة للعتبات‬ ‫والجسور والكلمات ‪...‬‬ ‫أنك سكبت عليها الماء الساخن وحككتها بأظافرك‬ ‫أن شفاهك السوداء مجّ ت دخاناً كثيراً وهي تُطبق‬ ‫وأنها ال تطبق على مناظر جميلة‪...‬‬ ‫عرفوا ذلك وسيعرفون األمر مهما بالغت في انتظارك ‪.‬‬ ‫< شاعر سعودي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪33 1427‬‬


‫أقدامنا ‪ ...‬بالحديث‬ ‫َ‬ ‫نُبّلِل‬

‫> علي احلازمي‬

‫جنوب َّي ًة ‪ ...‬كانت ال��ري� ُح تحمِ ل ُنا في على دفَّةِ البحر‬

‫ق���ص���ائ���د‬ ‫‪34‬‬

‫الشراعِ‬

‫الوقت‬ ‫ِ‬ ‫جَ لسنا إلى غُربة‬

‫ُم ْذ رَكِ بْنا على زُرقةِ البحرِ‬

‫بالحديث‬ ‫ِ‬ ‫رُحنا نُبلِّ ُل أَقدامَنا‬

‫والمو ُج مُعتد ٌل في خُ طاه‬

‫َفير‬ ‫بفجر و ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عن العائِدين‬

‫مراكبُنا أطلقتْ صدرَها للرياحِ‬

‫ألحداقِ أطفالِهم‬

‫بأمان من البُعدِ كان لها‬ ‫ٍ‬ ‫ولم تكترثْ‬

‫لم نَش ْأ أَ ْن نعو َد بخيبةِ أحالمِ نا‬

‫ُك ُّل شيءٍ مُعدٌّ بهذا الصباحِ‬

‫بالشباك‬ ‫ِ‬ ‫عندما عَ لِقتْ وحدَها‬

‫ألَ ْن نَسْ تَرِ َّد مِ َن البحرِ‬

‫ال على صمتِنا‬ ‫انتظرنا مسا ًء طوي ً‬

‫بعض أَناشيدِ نا الساحلية‬ ‫َ‬

‫والريا ُح جنوب َّي ٌة في ِشراعِ الجوانحِ‬

‫مَضينا م َع الريحِ ‪...‬‬

‫تَأخُ ذُنا لمهبِّ الحنينِ المقِ يمِ‬

‫تد َفعُنا في المدى غبط ٌة‬

‫على اليابِسة‬

‫والموَاوي ُل تطفو على فِ َّضةِ الماءِ‬

‫ال‬ ‫الشواطيءِ مُنشغ ً‬ ‫ِ‬ ‫كان لي ُل‬

‫المراكب ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َغبة في جَ ناح‬ ‫تُلهِ بُ من ر ٍ‬

‫روحنا‬ ‫بالصال ِة على ِ‬

‫ُربَّما لم يَ ُك ْن حُ لْمُنا ُم ْوثَقاً‬

‫وزهو ُر األَماني الصغير ِة‬

‫بالشباك كما ينبغي‬ ‫ِ‬

‫احلِ العُمرِ‬ ‫ظَ لَّتْ هُناك ‪ ...‬على سَ ِ‬

‫بَيْ َد أنَّ الحياةَ تط ِّو ُق ك ََّف المحالِ‬

‫ظَ لَّتْ ‪...‬‬

‫بأرواحنا وتُس ِّم ُر كُلَّ األَيادي‬ ‫ِ‬

‫مُجَ فَّف ًة كالغِ ياب‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫تصو ْر ‪..‬‬

‫> طارق ناصر‬

‫حسبتُ القلب تصح ْر‬ ‫وأن العمر مضى حزناً‬ ‫وأنا بالفرح أجد ْر‬ ‫ظننتُ ‪ -‬ظن السوء ‪-‬‬ ‫أنَّ الحبَّ ‪ ..‬عن َد قدمي تعث ْر‬ ‫لكن ُه ‪،‬‬ ‫داهمني الحبُ يا صاحبي‬ ‫وأدركتُ‬ ‫أنه فقط ‪ ..‬تأخر!‬ ‫تصور‬ ‫هو الحبُ إذن‬ ‫يصلح بداخلنا ما تكسر‬ ‫وينثني مبتسماً‬ ‫ويم ُد يداً‬ ‫النازف‬ ‫ِ‬ ‫لهذا الجرحِ‬ ‫لتدركَ يا صاحبي‬ ‫أنك حين تُحب‬ ‫فإن الماضي‬ ‫حتى الماضي !‬ ‫قد تغيّر ‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪35 1427‬‬


‫هجرات القبائل العربية‬ ‫> إبراهيم بن خليف السطام‬ ‫اختلف العلماء في تعيين مهد الشعوب العربية‪ ،‬لكن الرأي السائد بين معظم‬ ‫الباحثين‪ ،‬أن شبه الجزيرة العربية هي المهد والمنشأ األول لإلنسان العربي‪ ،‬ومنها‬ ‫ب��دأت الهجرات العربية المتواصلة منذ األل��ف الرابع قبل الميالد‪ ،‬ومن هؤالء‪:‬‬ ‫األكاديون‪ ،‬واآلشوريون‪ ،‬والكنعانيون‪ ،‬والفينيون‪ ،‬والعموريون‪ ،‬واآلراميون‪ ،‬واألنباط‪،‬‬ ‫والمناذرة‪ ،‬والغساسنه‪ ،‬والهالليون‪،‬والطائيون‪،‬والعتريون(‪ .)1‬ويعزون ذلك إلى حلول‬ ‫الجفاف التدريجي في شبة الجزيرة العربية‪ ،‬بعد أن كانت منطقة مطيرة‪ ،‬في‬ ‫عصور تعود إلى ما قبل عشرة آالف ع��ام‪ ،‬إب��ان االنحسار الجليدي عن أوروبا‪،‬‬ ‫وعندها كانت األمطار في الجزيرة العربية منتظمة في جميع فصول السنة‪ ،‬بدالً‬ ‫من أن تكون مقصورة على فصل الشتاء‪.‬‬ ‫وعندما حل الجفاف بالجزيرة العربية‪ ،‬اختفت كثي ٌر من األنهار واألودية الجارية‬ ‫(‪)2‬‬ ‫مثل‪ :‬وادي الحمض‪ ،‬وادي سرحان‪ ،‬وادي الرمة‪ ،‬وادي حنيفة‪ ،‬وادي الجبلين‬ ‫وقد ورد في السنُّنة المطهرة ما يشير إلى أن بالد العرب كانت وستعود مروجاً‬ ‫وأنهاراً‪.‬‬

‫ن�����واف�����ذ‬ ‫‪36‬‬

‫واألصل في ذلك ما جاء في القران الكريم بقول الله تعالى‪{ :‬ألم يروا كم أهلكنا‬ ‫من قبلهم من قرن مكّناهم في األرض مالم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً‬ ‫وجعلنا األنهار تجرى من تحتهم}(‪ .)3‬وفي هذه اآلية الكريمة مايشير إلى أن بالد‬ ‫العرب كان يسودها عص ٌر مطير‪ ،‬وأنهار ذات مروج وأنهار‪.‬‬ ‫وعلى مر العصور كانت القبائل العربية في ترحال وتنقّل مستمر‪ ،‬بين أنحاء‬ ‫الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫ويقول بعض الباحثين‪ ،‬أنة في حاالت الحروب بين القبائل العربة والشعوب‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫وكان لهم دور معروف في هذه المنطقة‪ ،‬وفي بادية‬

‫ال�م�ج��اورة ف��ي ب��اب��ل وآش ��ور‪ ،‬أو م��ع ال ��روم‪ ،‬الفرس‬ ‫وحلفائهم م��ن ال �ع��رب‪ ،‬ك��ان��ت ال�ه�ج��رة م��ن الشمال الشام‪ ،‬وال يتسع المقام للحديث عن ذلك‪.‬‬ ‫إل��ى ال�ج�ن��وب؛ ألن ال�ص�ح��اري العربية تمثل عمقاً‬ ‫وفي القرن الثالث عشر أيضاً‪ ،‬أي عام ‪1205‬هـ ‬ ‫إس�ت��رات�ي�ج�ي�اً يستعصي ع�ل��ى األع� ��داء ال�ت��وغ��ل في‬ ‫تقريباً‪ ،‬هاجرت بطون من قبيلة شمر من منطقة‬ ‫داخلها‪.‬‬ ‫الجبلين‪ ،‬ومن شمالي الجزيرة العربية إلى العراق‪،‬‬ ‫أما في حاالت األمن والرخاء‪ ،‬فإن هجرة القبائل‬ ‫ك��ان��ت وال ت ��زال م��ن ال�ج�ن��وب إل��ى ال�ش�م��ال باتجاه ومنهم فخذ الجربا‪ ،‬وذلك في أعقاب منازلهم بينهم‪،‬‬ ‫الهالل الخصيب‪ ،‬حيث األج��واء المعتدلة واألنهار وبين اإلمام سعود بن عبدالعزيز آل سعود (‪ ،)7‬وقيل‬ ‫أن هجرتهم بسبب الجدب ال��ذي حل بأرضهم‪ ،‬ثم‬ ‫واألمطار‪.‬‬ ‫وعندما نقرأ في تاريخ منطقة الجوف‪ ،‬وقبائلها‪ ،‬تبعهم كثيرون من عشائر شمر‪ ،‬إلى أن استقر بهم‬ ‫نجد أن أفواجاً وهجرات بشرية من القبائل العربية المقام في أنحاء مختلفة من العراق وسوريا‪ ،‬ومع‬ ‫م��رت ب�ه��ا‪ ،‬ع�ب��ر ال�ع�ص��ور المتالحقة ب��ات�ج��اه بالد أن التراع وغ��زوات النهب والسب كانت سائدة بين‬ ‫الرافدين‪ ،‬أو بالد الشام‪.‬‬ ‫العتريين والطائيين ح��ول الماء وال�ك�لاء‪ .‬فقد حل‬

‫وف ��ي ال� �ق ��رون األخ� �ي ��رة‪ ،‬ك��ان��ت ه �ن��اك قبيلتين الوئام والتفاهم بينهما‪،‬وذلك عندما تحولت فروع‬ ‫عظيمتين في بالد العرب‪ ،‬هما الطائيون والعتريون‪،‬‬ ‫من القبياتين من حياة البداوة والترحال‪ ،‬إلى حياة‬ ‫يمثلون ذروة الهجرات التاريخية في القرون األخيرة‪،‬‬ ‫التحضر واالستقرار‪.‬‬ ‫وك��ان��ت منطقة ال�ج��وف إح��دى محطات ال�ع�ب��ور أو‬ ‫والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن‪ :‬ماذا ستكون عليه‬ ‫االستقرار لهاتين القبيلتين‪.‬‬ ‫ف�م�ن��ذ ال �ق��رن ال��س��ادس ال �ه �ج��ري‪ ،‬وب �ع��د تفّرق الحال بعد أن توقفت الهجرات العربية المتواصلة من‬

‫الجزيرة العربية ؟ ‪ -‬حيث كانت القبائل العربية حرة‬

‫الكلبيين وتوغلهم في ب�لاد ال�ش��ام‪ ،‬ظهر الطائيون‬ ‫في هذه المنطقة‪.‬فقامت اإلم��ارة الطائية في بالد‬ ‫الشام‪ ،‬وفي تلك الفترة ظهر آل عمرو وآل سرحان‬ ‫على مسرح الحياة و ُع��رف الجوف باسمهم(‪ ،)4‬وفي‬ ‫أوائل القرن الثاني عشر كانت أفخاذ من عنزة‪ ،‬ما‬ ‫تزال في الحجاز ومنازلها قرب خبير ويجاورها من‬ ‫الشمال بنى صخر(‪ ،)5‬وعند ذلك هاجرت الجالس‬ ‫(الرولة والمحلف) وهم آخر أفواج هجرة العنزيين‬ ‫إلى الشمال(‪.)6‬‬

‫المملكة إل��ى التخطيط المبكر الستيعاب النمو‬

‫‪ 1‬الهجرات العربية القديمة (د‪ .‬محمود عبدالحميد أحمد)‬‫‪ 2‬المصدر نفسه‪.‬‬‫‪ 3‬اآلية ‪ 6‬من سورة األنعام‬‫‪ 4-‬عبدالرحمن السديري الجوف وادي النفاخ‪.‬‬

‫‪ 5‬دكتور علي شواح الشعبي (القشعم)‪.‬‬‫‪ 6‬محمود محسن مهيدات عشائر شمال األردن‪.‬‬‫‪ 7‬أبو عبدالرحمن بن عقيل مجلة العرب العمود ‪ 1.2‬س ‪17‬‬‫رجب ‪1402‬هـ‬

‫في تنقّلها‪ ،‬وفي اختيار أماكن ترحالها وإقامتها في‬

‫كل أرجاء الوطن العربي‪.‬وذلك قبل أن تفرض عليهم‬ ‫الحدود‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والجنسية‪ ،‬في ظل التنظيمات‬

‫االستعمارية الحديثة – مما يعني أن الجزيرة العربية‬

‫‪ -‬المملكة العربية السعودية – سوف لن تدفع بأفواج‬

‫من رحمها إلى دول الجوار‪ ،‬وهذا يقتضي أن تبادر‬

‫وعلى إثر ذلك استقر قسم من الرولة في منطقة السكاني والبشري المتزايد والمنتظر خالل العقود‬ ‫الجوف‪ ،‬وقسم آخر واصل الترحال إلى بالد الشام‪ ،‬القادمة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪37 1427‬‬


‫أدب اخليال العلمي العربي‬ ‫بني اجلذور واحلاضر‬

‫> د‪ .‬أسد محمد‬ ‫ظهر الخيال العلمي ك��أدب‪ ،‬مع تطور العلم واإلن�ج��ازات التقنية الكبيرة التي‬

‫رافقته‪ ،‬في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬التي تمخض عنها‬

‫الكثير من االكتشافات والتقنيات التي أثرت على الحياة بمجملها؛ ومنها األدب‪ ،‬الذي‬

‫تفرّع عنه نوع جديد جاء تحت مسمى أدب الخيال العلمي كرديف لتلك التطورات‪.‬‬

‫وإذا كان كتّاب هذا النوع من األدب قد رسخّ وا هذا الشكل الفني‪ ،‬ووضعوا له أسساً‬ ‫واضحة‪ ،‬و تنبؤوا بفطنة وذك��اء منذ البداية‪ ،‬بنبوءات مهمة كالصعود إلى القمر‬

‫وشكل المركبة الفضائية‪ ،‬فقد ظل هذا األدب وال يزال يثير جدالً كبيراً بين القراء‬

‫والنقاد على حد سواء؛ وأهم مرتكز لهذا الفرع صلته الوطيدة مع العلم‪ ،‬سواء من‬ ‫حيث الركون إلى االكتشافات في سرد النصوص أو الجنوح وراء الفنتازيا‪ ،‬إلى‬

‫أقصى حد لكتابة حكايات‪ ،‬ال تتفق ومفهوم الخيال العلمي‪.‬‬

‫يعرّف الخيال العلمي (‪ )science fiction‬بأنه إبداع يمتزج فيه العلم مع الخيال‬

‫ن�����واف�����ذ‬ ‫‪38‬‬

‫واالنتقال عبر آفاق الزمن‪ ،‬على أجنحة الحلم المطعم بالمكتسبات واالكتشافات‬

‫العلمية‪ .‬ويطرق مؤلفوه أب��واب المستقبل‪ ،‬بتنبؤاتهم دون زمن محدد؛ فهو نظرة‬

‫واسعة على العالم يدخل فيها العلم‪ ،‬فيمتزج بحقائقه مع خيال الكاتب‪ ،‬ترسم‬

‫أحداثاً تنقلك عبر الزمن إلى المستقبل‪ ،‬أو الماضي السحيق‪ ،‬وعبر المكان إلى‬

‫الفضاء الخارجي وأعماق البحار‪ ،‬ومستفيداً من الدراسات االجتماعية والنفسية‬

‫ولج أدب الخيال العلمي إلى داخل النفس البشرية عبر منظومتي العلم والخيال‪.‬‬ ‫جذور أدب الخيال العلمي في األدب العربي‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫ع��ن ال�م��ؤث��رات البشرية‪ ،‬فهي غنية بصور الخيال‬ ‫العلمي الخالق‪.‬‬

‫كان ال بد من الوقوف عند تعريف الخيال العلمي‪،‬‬ ‫كي نجد التباين والتطابق بين ما أنتجه األدباء العرب‬ ‫في قديم الزمان وفي حاضره‪ ،‬ووفق التعريف‪ ،‬ومن‬ ‫وتوجد أعمال أخرى‪ ،‬مثل‪ " :‬تكاذيب اإلعراب"‪.‬‬ ‫دون شك‪ ،‬نجد الكثير من األعمال األدبية في التراث‬ ‫وق��د وردت نصوص منها في كتاب الكامل للمبرد‬ ‫العربي‪ ،‬تندرج تحت هذه المسمى‪ .‬ومع اإلشارة أن‬ ‫‪268‬هـ‪ ،‬وكتاب " الفرج بعد الشدة " للتنوخي ‪384‬هـ‪،‬‬ ‫المصطلح بالتأكيد لم يكن معروفاً‪ ،‬يحفل تراثنا‬ ‫وفيها إش��ارات واضحة ح��ول اختراق الزمن‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫العربي القديم بالكثير من الشواهد‪ ،‬التي ارتكزت‬ ‫القول التالي‪" :‬لقد رميت ظبيا مرة فعدل الظبي‪،‬‬ ‫على الخيال في رؤيتها لما يحيط بها‪.‬‬ ‫ف�ع��دل السهم خلفه‪ ،‬ث��م ع�لا الظبي‪ ،‬فعال السهم‬ ‫وتبدأ قصص الخيال مع ملحمة جلجامش‪ ،‬التي خلفه ثم عدل الظبي‪ ،‬فانحدر الظبي فانحدر السهم‬ ‫ق��دم��ت لنا ب�ط� ً‬ ‫لا على هيئة رج��ل ثلثاه م��ن اآللهة عليه"‪ ،‬وهذه الصورة توضح تفكير اإلنسان‪ ،‬في كيفية‬ ‫وث �ل��ث م��ن ال�ب�ش��ر‪ ،‬وس �ع��ى ف��ي األرج� ��اء ب��اح�ث�اً عن السيطرة على مسار السهم والتحكم بالزمن‪.‬‬ ‫نبتة الخلود‪ ،‬وعندما وجدها سرقت منه فأيقن أن‬ ‫وهناك أعمال أخرى قامت على الخيال الجامح‪،‬‬ ‫الموت ال مفر منه؛ وال يكون الخالص إال باألعمال‬ ‫الخيّرة‪ ،‬ف��راح يبني أس��وار أوروك لكي يخلد ذكراه مثل‪ :‬قصة رأس الغول‪ ،‬وكتاب ضياء األنوار للمؤلف‬ ‫أم��ام شعبه‪ ،‬ك��ذل��ك تحفل ال�ع�ص��ور الجاهلية بكم أحمد بن عبد الله البكري من القرن الثالث الهجري‪،‬‬ ‫كبير م��ن األس��اط �ي��ر وال �ق �ص��ص‪ ،‬ال �ت��ي اح �ت��ل فيها ورسالة الغفران للمعري‪ ،‬وقصص ألف ليلة وليلة‪.‬‬ ‫الخيال بعداً تكوينياً مهماً‪ ،‬وتميزت بفنتازيا جامحة ح���اض���ر أدب ال���خ���ي���ال ال��ع��ل��م��ي ف����ي األدب‬ ‫تعكس م�خ��اوف ال�ن��اس وأح�لام�ه��م‪ ،‬وط��رق الدفاع العربي‪:‬‬ ‫عن أنفسهم؛ كحكايات الجن والعفاريت‪ ،‬والحصان‬ ‫بدأ أدب الخيال العلمي على يد مؤسسيه الفرنسي‬ ‫الطائر‪ ،‬والبساط السحري‪ ،‬ومصباح عالء الدين‪،‬‬ ‫ج��ول ف�ي��رن (م��وال�ي��د ‪ ،)1828‬واإلن�ك�ل�ي��زي هربرت‬ ‫وطاقية اإلخفاء‪ ،‬واإلنسان المجنح‪ ..‬الخ‬ ‫جورج ويلز (مواليد ‪1866‬م)‪ ،‬ودشنا مرحلة التأسيس‬ ‫ثم بدأت مرحلة أكثر نضوجاً‪ ،‬من حيث الوضوح‬ ‫التي استمرت حتى ع��ام ‪ ،1938‬وأه��م ميزات هذه‬ ‫وبلورة مفاهيم قربت الخيال من التأسيس على وقائع‬ ‫المرحلة اعتمادها على الرحالت‪ ،‬عبر الزمن إلى‬ ‫معرفية‪ ،‬ومن هذه األعمال التراثية "رسالة حي بن‬ ‫عوالم مجهولة‪ ،‬وأبطال مغامرون‪ ،‬وتناقض بين سير‬ ‫يقظان"‪ ،‬الشهيرة‪ ،‬للعالم الفلكي ابن الطفيل‪ ،‬كتبها‬ ‫األبطال وأفعالهم‪ ،‬وعدم االستفادة بما فيه الكفاية‬ ‫ف��ي ال�ق��رن ‪12‬م‪ ،‬ف��ي منطقة م��راك��ش األندلسية ‪،‬‬ ‫من االكتشافات العلمية الحاصلة‪.‬‬ ‫وتعد الندرة األول��ى في مقل أدب الخيال العلمي؛‬ ‫ما يهمنا هو بداية كتّاب الخيال العلمي العربي‪،‬‬ ‫فهي قصة تحكي حياة غالم عاش في جزيرة نائية‪،‬‬ ‫معزوالً عن البشر‪ ،‬أرضعته ظبية‪ ،‬تربى وتعلم بفطرته ال��ذي تأخر ما يقارب نصف ق��رن‪ ،‬حتى صدر أول‬ ‫وسلوكه الفردي حتى اهتدى إلى اإليمان بالخالق عز عمل إبداعي متأثراً بأدب الخيال العلمي األوربي‪،‬‬ ‫وجل‪ ،‬فهذه الرسالة تحوي مقومات الخيال العلمي‪ ،‬فحتى في أمريكا تأخر األدباء في تمثيل هذا اإلبداع‬ ‫وتتحدث عن عملية التكوين اإلنساني والنشأة وأثر إلى ما بعد عام ‪ ،1838‬مع تسلم كامبل رئيس تحرير‬ ‫البيئة والعوامل الطبيعية على اإلنسان وحياته‪ ،‬بعيداً مجلة " الخيال العلمي الصاعق"‪ ،‬لكنها انطلقت مع‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪39 1427‬‬


‫ادوارد سميث وال تزال في المقدمة‪ ،‬أما العرب‪ ،‬فلم‬ ‫يتمثلوا هذا النوع من اإلب��داع إال في الخمسينيات‬ ‫من القرن العشرين‪ ،‬بسبب التخلف التقني والعلمي‪،‬‬ ‫وع��دم إنجاز التواصل اإلبداعي بين العلم واألدب‪،‬‬ ‫إلى أن قدم الكاتب المصري توفيق الحكيم أول قصة‬ ‫له‪ ،‬عام ‪1953‬بعنوان‪" :‬في سنة مليون"‪ ،‬ثم مسرحية‬ ‫عام ‪1958‬بعنوان‪" :‬رحلة إلى الغد"‪.‬‬ ‫ثم كتب د‪ .‬مصطفى محمود روايته " العنكبوت "‬ ‫(‪1964‬م)‪ ،‬و"رجل تحت الصفر" (‪1967‬م)‪ ،‬ومن بعده‬ ‫كتب نهاد شريف روايته " قاهر الزمن" (‪1966‬م)‪،‬‬ ‫والتي تلتها ‪ 6‬رواي��ات أخ��رى و‪ 8‬مجامـيع قصصية‬ ‫ومسرحيتان‪ ،‬إلى جانب عــدد من الدراسات النقدية‬ ‫في هذا األدب‪.‬‬ ‫وف��ي السبعينيات‪ :‬كتب سعد م�ك��اوي مسرحية‬ ‫"الميت الحي" (‪1973‬م) وقصتين ضمن مجموعته‬ ‫"الفجر يزور الحديقة" (‪1975‬م)‪،‬‬

‫(‪1989‬م)‪ ،‬ومهندس صالح عبد الغنى روايته "شجرة‬ ‫العائلة األفقية" (‪1990‬م)‪ ،‬وأميمة خفاجي روايتها‬ ‫"جريمة عالم" (‪1992‬م)‪ ،‬والسيد القماحي قصته‬ ‫"الميكروصوت" (‪1993‬م)‪.‬‬ ‫كل هذه األسماء من مصر‪ ،‬أما من الدول العربية‬ ‫األخرى‪ ،‬فقد كتب محمد عزيز الحبابي من المغرب‬ ‫رواي��ة "إكسير الحياة" (‪1974‬م)‪ ،‬ود‪ .‬طالب عمران‬ ‫من سوريا روايته "العابرون خلف الشمس" (‪1987‬م)‪،‬‬ ‫تلتها أربع روايات وأربع مجموعات قصصية وخمس‬ ‫مجموعات لألطفال‪ ،‬وزادت أعماله عن األربعين‬ ‫عمالً‪ ،‬كما كتب عبد السالم البقالي من المغرب رواية‬ ‫"الطوفان األزرق" (‪1979‬م)‪ ،‬ومجموعتين قصصيتين‬ ‫لألطفال‪ ،‬وقاسم الخطاط من العراق رواية "البقعة‬ ‫الخضراء" (‪1984‬م)؛ وطيبة أحمد اإلبراهيم من‬ ‫الكويت رواي��ة "اإلنسان الباهت" (‪1992‬م)؛ وجمال‬ ‫عبد الملك من السودان ‪ -‬مجموعة قصص "الجواد‬ ‫األس��ود" (‪1994‬م)‪ .‬ولينا الكيالني من سوريا التي‬ ‫كتبت رواي��ة المستقبل ‪1997‬وسندريال عام ‪2000‬؛‬ ‫وق��اس��م قاسم م��ن لبنان ف��ي عمله " لعنة الغيوم "‬ ‫إضافة إلى أسماء أخرى يزيد عددها عن األربعين‬ ‫كاتبا عربيا‪.‬‬

‫وك �ت��ب األدي���ب محمد ال �ح��دي��دي رواي���ة بعنوان‬ ‫"شخص آخر في المرآة" (‪1975‬م)‪ ،‬ثم جاءت كتابات‬ ‫رؤوف وصفي‪ ،‬فبدأ بمجموعته القصصية "غزاة من‬ ‫الفضاء" (‪1979‬م)‪ ،‬وتلتها ثالث مجموعات للكبار‪،‬‬ ‫ما هي سمات أدب الخيال العلمي العربي؟‬ ‫وواحدة أخرى للصغار‪.‬‬

‫هذا السؤال يمكن اإلجابة عنه بعد اإلطالع على‬ ‫وف��ي الثمانينيات والتسعينيات‪ :‬ق ��دَّ م الكاتب‬ ‫إب��راه�ي��م أس�ع��د محمد مجموعته "ق�ص��ص أخرى" تجارب اآلخرين ال��رواد‪ ،‬الذين قطعوا شوطاً كبيراً‬ ‫(‪1980‬م)‪ ،‬وحسين قدري روايته "هروب إلى الفضاء" في هذا المجال‪.‬‬ ‫(‪1981‬م)‪ ،‬كما كتب صبري موسى رواي�ت��ه "السيد ‪ -1‬حجم اإلنتاج ما زال متواضعاً‪ ،‬والجدية في التعامل‬ ‫مع هذا األدب من قبل الكتاب ال تزال ضعيفة‪،‬‬ ‫من حقل السبانخ" (‪1986‬م)‪ ،‬ثم قدم صالح معاطي‬ ‫إضافة إلى عدم الفصل بين ما هو علمي وما هو‬ ‫مجموعته القصصية "أنقذوا هذا الكوكب" (‪1986‬م)‪،‬‬ ‫فنتازي؛ فال يمكن القبول بالخطأ الفادح عندما‬ ‫فمجموعته الثانية "العمر خمس دقائق" (‪1992‬م)‪،‬‬ ‫كتب أحدهم عن رحلة محطة عربية إلى كوكب‬ ‫وكتب عمر كامل روايته "ثقب في قاع النهر"(‪1987‬م)‪،‬‬ ‫المشتري‪ ،‬وهو كوكب سائل غازي‪ ،‬أو أن تحلق‬ ‫ود‪ .‬علي حسن روايته "السرطان وابتسامة سليمان"‬ ‫طفلة في فقاعة صابون حول العالم‪.‬‬ ‫(‪1987‬م)‪ .‬وإيهاب األزهري روايته "الكوكب الملعون"‬ ‫(‪1987‬م)‪ ،‬وعادل غنيم روايته "نادي من عظام فتاة" ‪ -2‬ضعف األداء ف��ي ه��ذا ال�م�ج��ال‪ ،‬وث�م��ة قلة من‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫الكتاب العرب الذين أخلصوا لهذا األدب‪ ،‬أي‬ ‫كتبوا أعماالً محدودة ضمن أعمالهم األخرى‪،‬‬ ‫مثل توفيق الحكيم وغيره‪ ،‬والذين أخلصوا قلة‬ ‫أمثال‪ :‬نهاد شريف من مصر ود‪.‬طالب عمران‬ ‫من سوريا‪.‬‬ ‫‪ -3‬عدم بلورة هذا األدب‪ ،‬ليأخذ مكانه بين بقية فروع‬ ‫اإلبداع‪ ،‬وعدم اهتمام النقاد والمؤسسات به‪.‬‬ ‫‪ -4‬زي���ادة ال �ك��م المتخيل ف��ي األع �م��ال ع�ل��ى الكم‬ ‫العلمي‪ ،‬ول��م تظهر اآلل ��ة ف��ي األع �م��ال كبطلة‬ ‫شريكة تساعد اإلنسان‪ ،‬وتدفع به نحو بطوالت‬ ‫تمكنه من اختراق المجهول‪ .‬ويعود السبب إلى‬ ‫عدم معرفة الكاتب العربي بميادين االكتشافات‬ ‫العلمية ومعايشتها‪ ،‬فاستخدم فقاعة الصابون‬ ‫بدل المنطاد‪ ،‬أو أن يصعد إلى القمر عن طريق‬ ‫مصعد من بناية بعشرة طوابق‪ ،‬بعد أن كتب جول‬ ‫فيرن روايته "من األرض إلى القمر" عام ‪،1865‬‬ ‫وتخيل فيها رحلة إنسان إلى القمر باستخدام‬ ‫مركبة فضائية تطلق بواسطة مدفع ضخم‪ ،‬ثم‬ ‫ع��ودة ال ��رواد إل��ى األرض وهبوطهم ف��ي مظلة‬ ‫في البحر‪ ،‬وهذا ما حدث بعد مئة عام في أب‬ ‫‪1969‬على متن مركبة أبوللو‪.‬‬ ‫‪ -5‬ع��دم اس�ت�ف��ادة بقية وس��ائ��ل اإلع�ل�ام (سينما‪،‬‬ ‫تلفاز‪ ،‬رادي ��و‪ )..‬من تحويل أعمال الكتّاب إلى‬ ‫أف�لام ومسلسالت‪ ،‬مع استثناءات قليلة‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫تحويل رواية "قاهر الزمن" لنهاد شريف على يد‬ ‫المخرج كمال الشيخ إلى فيلم سينمائي"‪ ،‬وبعض‬ ‫األعمال المشهدية في التلفزيون السوري لـ د‪.‬‬ ‫طالب عمران؛ بينما أصبح أدب الخيال العلمي‬ ‫في الغرب مادة أساسية لكثير من األفالم للكبار‬ ‫وال�ص�غ��ار‪ ،‬ب��دءا م��ن ع��ام ‪ ، 1902‬عندما جرى‬ ‫تصوير الفيلم ال�ص��ام��ت ال ��ذي أخ��رج��ه جورج‬ ‫ميليس لرواية " من األرض إلى السماء" وال يزال‬ ‫تنتج مثل هذه األعمال بغزارة‪.‬‬

‫إليهم‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬ولم يؤسسوا لمدرسة قادرة‬ ‫على التأثير‪ ،‬ونشر الفكر العلمي بين القراء‬ ‫خاصة الناشئة منهم‪.‬‬ ‫إذن ما يزال أمام هذا النوع من األدب في عالمنا‬ ‫العربي الكثير من الجهد‪ ،‬خاصة بعد تنوع المعارف‬ ‫ومصادر المعلومات‪ ،‬وطرق إيصالها للمتلقي‪ ،‬وظهور‬ ‫فروع جديدة للعلوم‪ ،‬مثل‪ :‬علم الوراثة‪ ،‬واالستنساخ‪،‬‬ ‫وعلم األجنة والسالالت‪ ،‬وعلوم الفضاء‪ ،‬والزراعة‬ ‫ال�م�ع��دل��ة وراث��ي��اً‪ ،‬وع�ل��م ال�ن�ف��س واالج �ت �م��اع‪ ..‬كلها‬ ‫مجاالت جديدة يمكن اإلفادة منها في اقتحام هذا‬ ‫المجال الذي يتزايد االهتمام به يوما بعد يوم‪.‬‬

‫أهم المراجع‪:‬‬ ‫‪ -1‬آف��اق أدب الخيال العلمي – روب��رت سكولز –‬ ‫ترجمة حسن حسين شكري – الهيئة المصرية‬ ‫العامة للكتاب – ‪1969‬‬ ‫‪ -2‬الخيال العلمي في األدب – محمد عزام – دار‬ ‫طالس – ‪1994‬‬ ‫‪ -3‬علم الخيال ومستقبل اإلنسان‪ ،‬الطيب الجويلي‬ ‫– تونس – ‪.1996‬‬ ‫< صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري اخليرية‬

‫‪ -6‬لم يتمكن كتّاب الخيال العلمي من اجتذاب القراء‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪41 1427‬‬


‫تنمية التفكير واملوهبة عند األطفال‬ ‫> محمد صوانه‬ ‫أي��ن يكمن السر في تنمية ط��رق التفكير والكشف عن المواهب الكامنة لدى‬ ‫األطفال؟ إنه االبتــداء! فالخطوات األولى للطفل في اكتشاف وتلمّس ما يشاهده‪،‬‬ ‫تعطيه االنطباع األول عما حوله؛ فإذا تابعه والداه‪ ،‬ووفّرا له البيئة المناسبة للتعبير‬ ‫عما في نفسه‪ ،‬ودفعاه نحو إثبات قدراته‪ ،‬وإطالق العنان لطاقاته؛ فإنه سيستمر في‬ ‫االرتـقاء‪.‬‬ ‫يولد اإلنسان‪ ،‬وهو يحمل تشكيلة متنوعة من الصفات الوراثية من والديه‪ ،‬مع‬ ‫اختالفات بين شخص وآخر‪ ،‬حتى بين األشقاء في األسرة الواحدة‪ .‬ويعد الذكاء‪،‬‬ ‫من أهم الصفات المرغوبة لدى اآلباء واألمهات ويتمنون أن يولد لهم أبناء أذكياء‪.‬‬ ‫ومن الطبيعي أن يكتسب كل مولود نسبة معينة من الذكاء‪ ،‬ولكن المؤكد أن القدرة‬ ‫على التفكير لدى الطفل يمكن تنميتها وتعهدها بالرعاية من قبل الوالدين أو من قبل‬ ‫القائمين على رعاية الطفل وتعليمه‪.‬‬

‫ن�����واف�����ذ‬ ‫‪42‬‬

‫وألهمية أن يمتاز األبناء بالذكاء والفطنة‪ ،‬والقدرة على تحليل األم��ور والربط‬ ‫بينها‪ ،‬وتدبّر أمورهم بأنفسهم‪ ،‬برع علماء الرياضيات في ابتكار المسائل الرياضية‪،‬‬ ‫التي تدرّب التالميذ على إعمال تفكيرهم وإطالق طاقاتهم الذهنية‪ .‬ولذا‪ ،‬نجد في‬ ‫الفصول الدراسية أن التالميذ يتفاضلون في معظم المواد الدراسية‪ ،‬ولكن مادة‬ ‫الرياضيات‪ ،‬تكتسب األهمية األكبر في تحديد مستويات الذكاء والفطنة‪ ،‬والقدرة‬ ‫على التفكير‪ ،‬وإيجاد الحلول والبدائل للمسائل الرياضية المتنوعة‪.‬‬ ‫لقد تنبّه العلماء اليابانيون ألهمية ذلك؛ فاعتمدوا وسائل عديدة لتعليم األطفال‬ ‫طرائق العصف الذهني‪ ،‬وأخذوا يعقدون لهم جلسات خاصة في الفصول الدراسية‪،‬‬ ‫لتعلم الوسائل واألساليب‪ ،‬التي من شأنها أن تسهم في تنمية طالقة التفكير لديهم‬ ‫منذ الصغر‪ .‬و َم َن ْمِ نَّا يُنكر مدى التقدم العلمي الهائل‪ ،‬الذي حققه اليابانيون في‬ ‫مختلف مجاالت العلم والصناعة اإللكترونية؟ وما كان ذلك ليتحقق لوال وجود تقنية‬ ‫تعليمية متقدمة في المدارس والمعاهد العلمية والجامعات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫إن مؤسسات التربية والتعليم الحكومية منها واألهلية‬ ‫في الوطن العربي‪ ،‬مدعوة إلى األخذ باألسباب المؤدية‬ ‫إلى تنمية الميول اإلبداعية عند األطفال‪ ،‬وإي�لاء هذه‬ ‫المهمة إلى مؤسسات وهيئات متخصصة تعنى بتوفير‬ ‫ال��وس��ائ��ل واإلم�ك��ان�ي��ات ال�لازم��ة ل�لأط�ف��ال‪ ،‬بشكل عام‪،‬‬ ‫والموهوبين‪ ،‬بشكل خاص؛ فاالهتمام ينبغي أن ال يقتصر‬ ‫على الموهوبين‪ ،‬فال يمكن معرفة متى تتطور المواهب؟‬ ‫ومتى تبرز عند األطفال؟ لذا‪ ،‬فان التركيز على فئة دون‬ ‫أخرى‪ ،‬يحرم المجتمع من مواهب‪ ،‬قد تضمحل أو تخبو‬ ‫إذا أهملت‪ ،‬وبالتأكيد فإنها ستنضج وتثمر‪ ،‬إذا وجدت‬ ‫العناية الالزمة‪.‬‬ ‫وم��ن التوصيات التي يجدر أخذها بعين االهتمام‬ ‫والرعاية‪ ،‬في هذا المجال ما يأتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن يتكامل دور البيت مع المدرسة‪ ،‬في رعاية وتنمية‬ ‫طالقة التفكير لدى األطفال منذ سنوات عمرهم ‪ .6‬تأسيس هيئة رسمية خاصة تتولى رعاية األطفال‬ ‫المتميزين والموهوبين وتشجيعهم‪ ،‬من خالل االهتمام‬ ‫األولى‪ ،‬ويمكن عقد برامج موجهة لآلباء واألمهات‬ ‫بإبداعاتهم وتوفير المناخ المالئم لتطويرها‪ ،‬وتقديم‬ ‫في هذا المجال‪.‬‬ ‫الحوافز المناسبة لهم‪.‬‬ ‫‪ .2‬توفير برامج تدريبية للمعلمين‪ ،‬متخصصة في وسائل‬ ‫تطوير اإلبداع عند األطفال‪.‬‬

‫‪ .3‬أن تتولى المؤسسات العلمية ابتكار الوسائل واألدوات‬ ‫الالزمة لتهيئة المناخ المالئم لهذا التوجّ ه‪ ،‬وتتعهده‬ ‫بالرعاية والدعم المادي والمعنوي‪.‬‬

‫‪ .7‬تنظيم مهرجانات سنوية‪ ،‬للمبدعين من األطفال‪ .‬تعرض‬ ‫فيها إبداعاتهم‪ ،‬ويدعى لحضورها طلبة المدارس‬ ‫في المراحل العمرية‪ ،‬ويجري التحضير لها بشكل‬ ‫متكامل‪ .‬ويمكن إقامة محاضرات ون��دوات يشارك‬ ‫فيها متخصصون ف��ي مختلف ال�ع�ل��وم ذات الصلة‬ ‫باإلبداع واالختراعات‪ ،‬واستضافة بعض المبدعين‬ ‫الكبار لعرض تجاربهم الشخصية أمام األطفال‪.‬‬

‫‪ .4‬قيام المؤسسات ذات العالقة بدور ريادي‪ ،‬في تطوير‬ ‫برامج متلفزة لألطفال‪ ،‬يشرف عليها متخصصون في‬ ‫مجال تنمية التفكير واإلبداع‪ ،‬وتوفير آليات التواصل‬ ‫إن إنتاج وإدارة برامج ريادية تُعنى بتنمية التفكير‬ ‫الفاعل مع األطفال في هذه البرامج الهادفة‪ ،‬نظراً‬ ‫إلقبال األطفال على متابعة البرامج الموجهة لهم‪ ،‬وإشاعة روح اإلبداع عند األطفال؛ من شأنها‪ ،‬بإذن الله‪،‬‬ ‫لما فيها من ترفيه وتشويق‪.‬‬ ‫أن تسهم في إخراج أجيال أقدر على مواجهة تحديات‬ ‫‪ .5‬تشجيع نشر الكتب المصورة‪ ،‬وقصص أدب األطفال المستقبل‪ ،‬ال بل أقدر على صناعة الحياة‪ ،‬أجيال فاعلة‪،‬‬ ‫التي تعنى بتنمية التفكير‪ ،‬والكتيبات الخاصة بعرض تضم مبتكرين ومبدعين ومبادرين‪ ،‬ال منفعلين مقلدين‬ ‫قصص المبتكرين والمتميزين من العلماء‪ ،‬بأسلوب يكتفون بالتلقي‪ .‬والفرق ‪ -‬بال شك ‪ -‬كبير بين الحالتين؛‬ ‫شيّق ومناسب لمرحلة الطفولة‪ ،‬وتوفيرها بأسعار كما أن الجهد المبذول في االت�ج��اه الجديد لن يكلف‬ ‫ال عن توفيرها في المكتبات المدرسية‪ ،‬الكثير‪ ،‬إذا توافر اإليمان ب�ج��دواه‪ ،‬جنباً إل��ى جنب مع‬ ‫مناسبة‪ ،‬فض ً‬ ‫المبادرة والحكمة في التنفيذ‪.‬‬ ‫ومكتبات األطفال العامة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪43 1427‬‬


‫ماذا أقول له؟!!‬

‫نزارية حترض على احلب‬

‫> فارس الروضان‬

‫لشعر ن��زار قباني نكهة‪ ،‬كنكهة ال�ب��ن‪ ..‬وعطر‪،‬‬ ‫كأريج الخزامى‪ ..‬حين تقرأ له نصاً تشعر أنك أمام‬ ‫بناء أندلسي‪ ..‬احترنا أي نص سنقرأ إذ إن الخيارات‬ ‫أكثر من التصور‪ ،‬ولكن مركبنا رسى فجأة على رائعته‬ ‫"ماذا أقول"؛ فكانت هذه المحاولة‪ ،‬لقراءة المعاني ال‬ ‫قراءة اللغة‪ ..‬محاولة لتبسيط النص‪..‬‬ ‫بداية‪ ،‬يتميز ه��ذا النص الجميل اإلب��داع��ي‪ ،‬إذ‬ ‫كان ن��زار ينقل شعور الحبيبة التي تعاني الهجر‪..‬‬ ‫ويستعرض الصراعات المتتالية التي تعيشها‪ ،‬قبل‬ ‫أن تصل إلى القرار‪ ..‬ثم يختتم النص برأي استثنائي‬ ‫عن الحب‪..‬‬ ‫ماذا أقول له لو جاء يسألني‪...‬‬ ‫إن كنت أكرهه أو كنت أهواه؟‬

‫ن�����واف�����ذ‬ ‫‪44‬‬

‫(ماذا أقول له؟) بداية استفهامية مملؤة بالبراءة‪..‬‬ ‫ماذا أقول له لوجاء يسألني‪ ..‬وأي سؤال (إن كنت‬ ‫اكرهه أو كنت أهواه)‪ ..‬حيرة محب غارق في الهوى‬ ‫ال في ال �ك��ره‪ ..‬وحتى وان تسرب شك في الهوى‪،‬‬ ‫هناك محطات يخشاها هذا المحب‪ ،‬إن عاشها فال‬ ‫مجال لغير الهوى ومنها‪..‬‬ ‫ماذا أقول‪ ،‬إذا راحت أصابعه‬

‫المحب يعيش لحظة صعبة التخاذ أي قرار !!‪ ..‬ثم‬ ‫تتواصل األسئلة‪..‬‬ ‫وكيف أسمح أن يدنو بمقعده؟‬ ‫وأن تنام علي خصري ذراعاه؟‬ ‫االستفهام (وكيف اسمح) إب��راز لحجم الحيرة‪،‬‬ ‫فأحيانا نملك القرار‪ ،‬ولكننا ال نملك القدرة على‬ ‫اتخاذه! ثم يتواصل الوصف (وأن تنام علي خصري‬ ‫ذراعاه) الحظوا هنا التالعب في األلفاظ وتصوروا‬ ‫رس��م المعنى‪( ..‬ذراع) يغفو على خصرها فكلمة‬ ‫(تنام) إبهار في المعنى وعمق في الخيال‬ ‫غداً إذا جاء‪ ..‬أعطيه رسائله‬ ‫ونطعم النار أحلي ما كتبناه‬ ‫هنا يحدث تحوّل‪ ..‬وإصرار على اتخاذ القرار‪..‬‬ ‫في محاولة للخروج من المؤثرات بإبعاد الرسائل‬ ‫ثم (ونطعم النار أحلى ما كتبناه) أنها محاولة غير‬ ‫صادقة‪ ،‬وإال لماذا ال تطعم النار من دون حضوره؟‬ ‫غير أن�ه��ا ح�ي��رة وق ��رار يتوهمان بالميل إل �ي��ه‪ ،‬ثم‬ ‫تتواصل األسئلة‪..‬‬ ‫حبيبي ! هل أنا حقا حبيبته؟‬ ‫وهل أصدق بعد الهجر دعواه؟‬

‫تلملم الليل عن شعري وترعاه؟‬ ‫اذاً‪ ..‬بدأت األسباب تتضح‪ ..‬إنها تعاني الهجر‪..‬‬ ‫هنا أول المحطات‪( ..‬إذا راحت أصابعه‪ ..‬تلملم وم��ع ذل��ك هي تقول (حبيبي)‪ ،‬ولكن هل حقا هي‬ ‫الليل عن شعري وترعاه) ويبرز هنا اإلبداع اللفظي‪ ..‬حبيبته؟ وإن كانت كذلك هل سيسمح لها الهجر‬ ‫واالس �ت �ع��ارة المدهشة‪ ..‬وك��ل ذل��ك تأكيد على أن بتصديق هذا االدعاء؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫أما انتهت من سنين قصتي معه؟‬ ‫ألم تمت كخيوط الشمس ذكراه؟‬ ‫ويستمر سيل األسئلة في الجريان‪ ..‬بيد أن الحبيبة‪،‬‬ ‫وهي تتساءل إلقناع نفسها بانتهاء القصة‪ ،‬تتجه لضرب‬ ‫مثل هش‪ ..‬مثل يبعث األمل وال يقطع الرجاء‪ ..‬فخيوط‬ ‫الشمس ال تموت فهي‪ ،‬وان خنقها الظالم‪ ،‬ما تلبث أن‬ ‫تمتد وتشرق وتبسط حرارتها على الكون‪.‬‬

‫وتنهار الحبيبة‪ ،‬بعد كل المحاوالت الهشة للهروب‪..‬‬ ‫فما فات من مقدمات ليس سوى حديث اللسان‪ ،‬وليس‬ ‫حديث القلب وها هي تستسلم وتتفقد نفسها للقاء‬ ‫!!‪..‬‬ ‫أأدعي أنني أصبحت أكرهه؟‬ ‫وكيف أكره من في الجفن سكناه؟‬

‫إذا انتهى زمن التلميح وجاء اإلعالن الصادق كسيل‬ ‫أما كسرنا كؤوس الحب من زمن‬ ‫ه��ادر‪( ..‬أأدع��ي أنني أصبحت أك��ره��ه)‪ ،‬نعم فكل ما‬ ‫فكيف نبكي علي كأس كسرناه؟‬ ‫تقدم هو ادعاء وتعترف أنها (كيف تكره من في الجفن‬ ‫ثم تحاول الحبيبة التأكيد على أن الحب قد كسر‪ ،‬سكناه)؟‬ ‫وما الفائدة من البكاء على ذكرى كأس كسرت؟ وكل‬ ‫وكيف أهرب منه؟ إنه قدري‬ ‫ذلك محاولة للتعلق بعذر هش‪!!..‬‬ ‫هل يملك النهر تغييرا لمجراه؟‪..‬‬ ‫رباه‪ ..‬أشياؤه الصغرى تعذبني‬ ‫وتبدأ بإيجاد المبررات‪ ،‬باعتبار أن الحب هذا‪،‬‬ ‫فكيف أنجو من األشياء رباه؟‬ ‫ليس س��وى ق��در‪ ،‬ال يمكن لها التحرر منه‪ .‬ولزيادة‬ ‫وهنا يبدأ ال �ص��دق‪ ..‬رب ��اه‪ ..‬استعانة بالله وعلى اإلقناع ك��ان أن ج��اءت بمثل (ه��ل يملك النهر تغييراً‬ ‫ماذا‪ ..‬على األلم الذي يقتلها أو يكاد‪ ..‬فبافتراض أن لمجراه)؟!!‪..‬‬ ‫كل الرغبات‪ ،‬كانت جادة للرحيل والنسيان‪ ..‬ما العمل‬ ‫أحبه‪ ..‬لست أدري ما أحب فيه‬ ‫باألشياء الصغيرة التي تشعل حبها كجمرة يوقدها‬ ‫حتى خطاياه ما عادت خطاياه‬ ‫الريح؟‪ ..‬استجداء للنجاة ولكن أين النجاة؟!‬ ‫بيت ال يحتاج إلى مزيد من التعليق وإن كان ما يليه‬ ‫هنا جريدته في الركن مهملة‬ ‫يملك اإلجابة‬ ‫هنا كتاب معاً‪ ..‬كنا قرأناه‬ ‫الحب في األرض‪ ..‬بعض من تخيلنا‬ ‫ويبدأ الحصر‪ ..‬جريدته‪ ،‬والح��ظ كيف الوصف‪:‬‬ ‫لو لم نجده عليها‪ ..‬ال اخترعناه‬ ‫(في الركن مهملة)‪ ..‬كأنك تشاهد صورة حية‪ ،‬لموقع‬ ‫تشير إليه‪( ..‬هنا كتاب) معاً كنا قرأناه‪ ..‬إنها حالة‬ ‫نعم‪ ..‬وهذا البيت هو من أجمل ما كتب في الحب‬ ‫تلبس واستسالم‬ ‫على األقل برأيي الشخصي‪..‬‬ ‫علي المقاعد بعض من سجائره‬ ‫وبهذا اإلبداع والمطر‪ ،‬ينهي نزار ملحمة الحب أو‬ ‫وفي الزوايا‪ ..‬بقايا من بقاياه‪..‬‬ ‫ملحمة الصراع‪ ،‬بين القلب والعقل‪ ..‬بين الحب والال‬ ‫وي�ت��واص��ل الحصر‪ ،‬وتعقب أش �ي��اؤه كلها‪ ..‬بعض حب‪ ..‬بين الممكن والمستحيل‪..‬‬ ‫السجائر‪ ..‬وفي الزوايا بقايا من بقاياه‪ ..‬وصف في‬ ‫إن��ه ن��ص أعظم م��ن أن نقف عند أط��راف��ه‪ ..‬نص‬ ‫غاية العذوبة‪ ،‬وتالعب خطير في المفردات‪ ..‬وتصوير خ�ل�اق‪ ..‬مبهر‪ ..‬يجعل ال�ش�ع��راء يعيدون النظر في‬ ‫تكتف بالبقايا بل بحتى بقاياه‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫حالة الحب التي لم‬ ‫شعرهم‪ ،‬كلما فكر أحدهم أن يكتب عن الحب كما‬ ‫كتب هذا الدمشقي‪..‬‬ ‫مالي أحدق في المرآة‪ ..‬أسألها‬ ‫بأي ثوب من األثواب ألقاه‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪45 1427‬‬


‫وقفات ‪..‬‬ ‫> عمر محفوظ‬

‫مع اإلبداع األدبي‬ ‫مع التجربة الشعرية في المملكة العربية السعودية‪ ،‬تكون العالقة بين اإلبداع‬

‫والثقافة والمجتمع‪ ،‬عالقة متداخلة ومعقدة‪ ،‬ال ت��درك‪ ،‬إال بحاسة نقدية نافذة‬

‫ومدربة‪ .‬وبما أن العمل األدبي هو إدراك جمالي للواقع‪ ،‬الذي نعيشه من طفرات‬ ‫اقتصادية وأدبية واجتماعية غيّرت تغييراً جذرياً في بنية الحياة المجتمع وما‬

‫قادت إليه من أنماط سلوكية واتجاهات في التفكير واإلبداع‪ ،‬فإن أي إبداع أدبي‪،‬‬ ‫ال بد أن يتحرك في مجاالت ثالثة‪ :‬المجال الزمني‪ ،‬والمجال المكاني‪ ،‬والمجال‬

‫الجمالي‪ .‬ويجب أن يكون ه ُّم الناقد‪ ،‬التركيز على تجليات الوعي الكلي والتشكيل‬

‫الجمالي لهذه الرؤية‪ ،‬التي تتفاعل مع ثقافة العصر ال��ذي يعيشه‪ ،‬ومع نسيجه‬

‫االجتماعي الذي يحياه‬

‫ولعلنا نلمس أن التجربة الشعرية‪ ،‬منذ بدايات العصر الحديث‪ ،‬قد مرت بمراحل‬

‫ن�����واف�����ذ‬ ‫‪46‬‬

‫ثالث؛ من اإلحياء والبعث‪ ،‬إلى الرومانسية والوجدان‪ ،‬إلى التجديد والتغيير‪ .‬ونرى‬ ‫أنه ليس ثمة فواصل كبيرة بين هذه المراحل‪.‬‬

‫أما الدراسات‪ ،‬التي عُنيت بالتركيز على جماليات القصيدة العربية؛ فإنها تناولت‬

‫قصيدة التفعيلة؛ منظّ رة لها ومحدّدة أشكالها‪ ،‬كما هو الحال عند نازك المالئكة أو‬

‫عز الدين إسماعيل وصالح فضل؛ ونالحظ في كتاب جماليات القصيدة المعاصرة‬

‫للدكتور طه وادي‪ ،‬أنه قارب بين اإلحيائيين والرومانسيين والحداثيين‪ ،‬عبر نماذج‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫شعرية‪ ،‬تبدأ من الزبيري في اليمن‪ ،‬وتنتهي بأمل‬

‫دنقل في مصر‪،‬‬

‫وم��ن الجدير بالذكر هنا‪ ،‬فيما يتعلق بالتجربة‬

‫الشعرية السعودية‪ ،‬دراسة الدكتور عبد الله الحامد‪،‬‬

‫وال��دك�ت��ور عبد ال�ل��ه ال�غ��ذام��ي‪ ،‬ود حسن الهويمل‪،‬‬ ‫ود محمد صالح الشنطي في كتابه القيم التجربة‬

‫الشعرية الحديثة ف��ي المملكة العربية السعودية‬

‫دراسة نقدية رؤية وشهادة‪ ،‬وهو من ثالثة مجلدات‪،‬‬ ‫ولعلها ال��دراس��ة المتكاملة حتى اآلن من النواحي‬ ‫الثالث‪ :‬المنهج واألسلوب والهدف‪.‬‬

‫وكانت بداية الحداثة‪ ،‬مع األستاذ محمد حسن‬

‫العواد‪ ،‬من خالل تجربته المبكرة‪ ،‬لكسر عمود الشعر‬ ‫في بداية العشرينات (‪1924‬م)‪ ،‬بعنوان‪" :‬خطوة الى‬ ‫االتجاه العربي"‪:‬‬

‫لقد آن أن تستحيل المدامع‬ ‫لنعش روح األمل‬ ‫ثم الق بها نظرة للنجوم‬ ‫نريك أشعة نجم‬ ‫يضئ بليل بهيم‬ ‫أم��ا مخاض السبعينات‪ ،‬فنرى الشاعر محمد‬

‫العلي‪ ،‬حيث توافرت عوامل عدة‪ ،‬ساعدت على والدة‬

‫تيار جديد في استقبال التجربة الشعرية‪ ،‬من الطالب‬

‫العائدين من الدراسة في الخارج‪ ،‬أمثال‪ :‬د‪ .‬منصور‬

‫الحازمي‪ ،‬ود‪ .‬عزت خطاب‪ ،‬ود‪ .‬محمد الشنطي‪.‬‬ ‫وفي توسيع دائرة تقبّل القاريء للنص األدبي‪ ،‬عند‬

‫الشاعر د‪ .‬غازي القصيبي‪ ،‬والشاعرة د‪ .‬فوزية أبو‬

‫خالد وعند الشاعر سعد الحميدين‪ ،‬وأحمد الصالح‪،‬‬

‫أهم مركز تأثير محلي‪ ،‬لتطور القصيدة السعودية‪.‬‬

‫مع الغذامي رائد النقد العربي الحديث‬ ‫ال يمكن لنا أن نغفل مع التجربة الشعرية الحديثة‬

‫في المملكة‪ ،‬رائد النقد وشيخ النقاد العرب الدكتور‬ ‫عبد الله الغذامي‪ ،‬صاحب اإلنتاج الغزير‪ ،‬بداية من‬

‫الخطيئة والتكفير‪ ،‬إلى النقد الثقافي؛ إذ حدّ د في‬ ‫مقدمة كتابه األول"الخطيئة والتكفير" منهجه ونَفَسَ ه‪،‬‬

‫في تناوله ألعمال التجربة الشعرية؛ فيقول‪:‬‬

‫(ولذلك احترت أمام نفسي‪ ،‬وأمام موضوعي‪،‬‬

‫ورح��ت أبحث عن نموذج أستظل بظله ومحتمياً‬

‫بهذا الظل‪ ،‬عن وهج اللوم المصطرع في النفس‪،‬‬ ‫ك��ي ال أج�ت��ر أع�ش��اب األم ��س‪ ،‬وأج�ل��ب التمر إلى‬

‫هجر‪.)..‬‬

‫إلى أن قال‪( :‬وخير وسيلة للنظر في حركة النص‬

‫األدب ��ي وس�ب��ل ت �ح��رره‪ ،‬ه��ي االن �ط�لاق م��ن م�ص��در ه‬

‫اللغوي)‪.‬‬

‫دون إغ �ف��ال ثقافة المتلقي للنص األدب���ي‪ ،‬أي‬

‫ال�ق��راءة الحرة القائمة على النظام السيميولوجي‬ ‫المختلف‪ ،‬والتي تتحرك داخ��ل النص كالسراب‪" :‬‬

‫نظريته التشريحية "‪ ،‬إلى أ ن وصل بالتجربة الشعرية‬

‫بالمملكة‪ ،‬إل��ى النقد الثقافي ف��ي كتابه‪ " :‬النقد‬ ‫الثقافي قراءة في األنساق الثقافية "؛ حيث أوضح‬

‫فيه د‪ .‬الغذامي أن النقد الثقافي فرع من فروع نقد‬

‫النصوص العام‪ ،‬ومن ثَ َّم فهو أحد علوم اللغة‪ ،‬التي‬ ‫تقوم بنقد األن�س��اق المضمرة‪ ،‬الني ينطوي عليها‬

‫الخطاب الثقافي‪ ،‬بكل تجلياته وأنماطه وصيغه‬

‫ومهمة النقد الثقافي‪ ،‬كشف المخبوء من تحت‬

‫وعلي الدميني‪ ،‬ومحمد الثبيتي‪ ،‬وغيرهم من جيل أقنعة الكلمات‪ ،‬ومجاله النص‪ ،‬الذي يحمل النسق‬ ‫السبعينات‪ .‬وحقا كان لألديب الناقد محمد العلي‪ ،‬الثقافي للمجتمع‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪47 1427‬‬


‫بني حب العمل وواقعه‬

‫> عقال فالح الفهيقي ‪ -‬اجلوف‬ ‫العمل أمر مقدس‪ ،‬حثت ورغّ بت به جميع الشرائع واألديان السماويه‪ ..‬وقد جاء‬ ‫اإلسالم وجعل العمل من أقدس واجبات المسلم الحياتية؛ وأمراً يتعبد به العب ُد‬ ‫الصالح ربه تبارك وتعالى‪ .‬قال تعالى‪(( :‬وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله‬ ‫والمؤمنون))‪ .‬وهذه اآلية الكريمة‪ ،‬فيها حث ليس فقط على العمل‪ ،‬بل على إتقانه‬ ‫ال يقوم به المرء‪ ،‬ليقتات منه‬ ‫ال بالعبادات‪ ،‬أم عم ً‬ ‫ال روحانياً متص ً‬ ‫سواء كان عم ً‬ ‫وينفع به المجتمع‪..‬‬ ‫وقد رغّ ب اإلسالم بالعمل وحث عليه بآيات كريمة‪ ،‬ونصوص من السنة المطهرة‪،‬‬ ‫قال [‪( :‬من بات كاالً من عمل يده بات مغفوراً له)؛ فأي كرامة بعد هذه الكرامة‬ ‫للمرء المسلم‪.‬‬

‫ن������واف������ذ‬ ‫‪48‬‬

‫وفي العمل والمحافظة على وقته نهضة األمم وبناء الحضارات؛ وال عجب فقد‬ ‫كان شعار الثورة الصناعية في أوائل القرن التاسع عشر هو (دعه يعمل دعه يمر)‬ ‫وبالتالي فنحن كمسلمين أولى بأن نكون مثاالً يحتذى به في حب العمل والمحافظة‬ ‫على وقته؛ ونعد ذلك عباده نتعبد الل َه بها‪ ..‬ونحصل على أجري الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫إال أن المالحظ‪ ،‬وبكل أس��ف‪ ،‬هو غياب هذا المفهوم لدى بعض الناس في‬ ‫مجتمعاتنا‪ ،‬والربط الدائم بين واق��ع العمل وحبه‪ ..‬فكثيراً ما نبرر‪ ،‬في عالمنا‬ ‫العربي‪ ،‬الغياب المتكرر عن العمل‪ ،‬وعدم اإلنتاجية أثناء التواجد في مقر العمل‪،‬‬ ‫والتذمر‪ ،‬أقول كثيرا ما نبرر ذلك بالوضع الوظيفي‪ ،‬والراتب المتدني‪ ،‬أو الدرجة‬ ‫الوظيفية‪ ،‬أو التأخّ ر في الترقية‪ ..‬وغير ذلك من التبريرات‪ ،‬التي ال يقرها الدين‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫الحنيف‪ ،‬وال يجب أن يقبلها المسلم على نفسه؛‬ ‫فمن أخذ األجر حاسبه الله على العمل‪ ...‬ولو عمل‬ ‫أحدنا في صخرة صماء‪ ،‬ألظهر الله عمله للناس‬ ‫وهذا يعزز مفهوم اإلخالص في العمل‪ ،‬وكيف يرتقي‬ ‫بصاحبه إلى مواقع متقدمه؟‬ ‫وال ننكر أن هناك بعض األخطاء والممارسات‬ ‫تقع هنا وهناك على بعض العاملين‪ ،‬في مختلف‬ ‫مواقع العمل‪ ،‬التي تكون غير مقصودة غالباً‪ ..‬وال‬ ‫ننكر أن كل عامل أو موظف لديه طموح‪ ،‬وهو غالباً‬ ‫يقارن نفسه باآلخرين‪ ،‬وهذا حق مشروع للجميع؛‬ ‫ولكن المؤكد أن تلك المطالب‪ ،‬ال يجب أن تكون‬ ‫أبداً مبرراً للكسل والتراخي‪ ،‬وإهدار الوقت وضعف‬ ‫االنتماء للعمل‪ ..‬فك ٌل ميس ٌر لما خلق له ولكن يجب‬ ‫بذل األسباب‪.‬‬ ‫ويكفي العامل في شركه أو الموظف في قطاع التثقيف المركز من الجميع‪ ،‬من خالل وسائل إعالم‬ ‫حكومي شرفاً وع��زة‪ ،‬أن يشعر بالرضا عن نفسه‪ ،‬مرئية ومسموعة وكتب علميه‪..‬لنشر ثقافة حب‬ ‫أوالً وق �ب��ل ك��ل ش ��يء‪ ،‬وش �ع��وره ب��أن��ه إن �س��ان منتج العمل كقيمة‪ ،‬والتفريق بين واقع العمل وحبه‪.‬‬ ‫في منظمته (مؤسسته)‪ ،‬وأن��ه إنسان فاعل‪ ،‬وذوا‬ ‫ونالحظ أن بعض الناس يمارس مهنة بسيطة‪،‬‬ ‫إسهامات إيجابية‪ ،‬وبهذا فقط ستشعر أنك معادله‬ ‫لا قليالً‪ ،‬ولكنه يحبها ويبدع فيها!‬ ‫وت��در عليه دخ� ً‬ ‫صعبه ف��ي ع �م �ل��ك!!! ول�ي��س م�ج��رد رق��م ج��ام��د ال‬ ‫يُفاد منه‪ ..‬وهنا مطلبنا دائما وأب��دا بالتفريق بين وقد ينبثق من هذا الحب شيء مهم يفيد المجتمع‪،‬‬ ‫حب العمل وواقعه؛ فأنت تحب العمل لقيمته في وم��ا أحوجنا لذلك في وق��ت تقدم علينا اآلخرون‬ ‫أي شركة أو مؤسسة؛ فالحب هو الحب أينما كان‪ ،‬بترسيخ هذا المفهوم ومأسسته في ثقافتهم‪ ،‬ونحن‬ ‫وإذا ترسخ هذا المفهوم في أي منظومة مجتمعيه أول��ى بذلك؛ إذ إننا أمه ذات حضارة ومجد تليد‪،‬‬ ‫سيكون له أبلغ األثر في رقيها وتقدمها نحو التطور وما علينا هو فقط استشعار المسؤولية‪ ،‬وأن يعلم‬ ‫واإلنتاجية‪ ..‬وبهذا ننافس اآلخرين بأناس يحبون كل فرد في هذا المجتمع أنَّ عليه مسؤوليه أمام‬ ‫العمل ويقدسونه ويعتبرونه قيمه ف��ي أي مكان‪ .‬الله وأم��ام والة أم��ره‪ ،‬في تعجيل المركبة وإسراع‬ ‫وبهذا فقط سنرتقي وسنكون ذوي فاعليه وكفائه ال�م�س�ي��رة ن�ح��و ال �ت �ق��دم‪ ،‬م��ن خ�ل�ال إخ�لاص��ه في‬ ‫في األداء‪.‬‬ ‫عمله وتنمية الرقابة الذاتية النابعة من استشعار‬

‫والمورد البشري المحب للعمل والمتشبع بهذه المسئولية بضمير حي وي�ق��ظ‪ ..‬وه��ذا كله بفضل‬ ‫الثقافة هو خير سالح للتقدم الحضاري والمنافسة الحب؛ فالحب أينما تضعه فهو جميل وينبت ويثمر‬ ‫ال�ح�ق��ة وال ي�ت��أت��ى ذل��ك إال ب�خ�ط��وات ج �ب��ارة نحو وروداً وأزهاراً ونهضة كبرى‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪49 1427‬‬


‫الشاعرة فوزية أبو خالد‪:‬‬

‫قصيدة النثر أثبتت أن شكال ً شعريا ً جديدا ً‬ ‫طاملا جرى التشكيك في مشروعيته‬ ‫استطاع استيعاب املوروث الشعري‬

‫> حوار‪ /‬رئيس التحرير‬ ‫لم تُثر تجربة شعرية في المملكة العربية السعودية والخليج العربي لبساً‪ ،‬في‬ ‫تلقيها‪ ،‬وتبايناً‪ ،‬في نقدها‪ ،‬مثلما أثارته تجربة الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد‪،‬‬ ‫وعبّرت عنه في مسيرتها الشعرية‪ ،‬التي تمتد ألكثر من ثالثين عاماً‪.‬‬ ‫إذ بقدر ما تعبّر تجربة الدكتورة فوزية أبو خالد عن نفسها بكثير من الصور‪،‬‬ ‫انطالقاً من تجربتها المميزة في الكتابة واإلبداع لمختلف أشكال الكتابة اإلبداعية‪،‬‬ ‫بقي الشعر هو الغواية األولى‪ ،‬واللون األدبي المفضل للشاعرة فوزية‪.‬‬ ‫فمنذ انطالقتها الشعرية‪ ،‬عبر مولودها الشعري األول‪ ،‬ظلت فوزية وفيّة للشعر‪،‬‬ ‫تُخرج من خزانتها المليئة باألسرار واألسئلة‪ ،‬قصائدها التي تل ّو ُن المشه َد الشعري‪،‬‬ ‫وتزيده تألقاً‪.‬‬

‫م��واج��ه��ات‬ ‫‪50‬‬

‫غنَّت في قصائدها‪ ،‬وفاجأت قراءَها‪ ،‬بلغة رشيقة معبرة في بعض قصائدها‪،‬‬ ‫وج��اءت بقصائد مكثفة‪ ،‬حيناً وبقصائد مطولّة أحياناً أخ��رى‪ .‬تجيء حاملة في‬ ‫قصائدها كل الذكريات الحميمة‪ ،‬لتستعي َد الخنسا َء وكأنها ترثي بقصائدها كل‬ ‫األع��زاء‪ ،‬الذين افتقدناهم في مرحلة ما من حياتنا‪ ،‬لنعود معها نتذكرهم‪ ،‬ونعيش‬ ‫معهم في حلم ال ينتهي مع قصائدها‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من تجارب الشاعرة اإلبداعية‪ ،‬التي تتجاوز الشعر‪ ،‬إلى كتابة المقاالت‬ ‫السياسية واإلبداعية والكتابة لألطفال؛ آثرنا أن نتحدث في حوارنا إلى الشاعرة‬ ‫الكبيرة الدكتورة فوزية أبو خالد‪ ،‬عبر مفاصل تجربتها الشعرية وتحوالتها‪ ،‬والمرحلة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫الفاصلة بين ديوانها األول‪" :‬إلى متى يختطفونك ليلة‬ ‫العرس" وديوانها األخير "شجن الجماد"‪ ،‬بوصفهما‬ ‫من أهم التجارب في حياة الشاعرة‪ ،‬ويمثالن السمة‬ ‫التي ميزت مسيرتها اإلبداعية‪ ،‬وطبعت صورتها على‬ ‫خارطة الشعر‪ ،‬وعلى الخارطة الثقافية في المملكة‬ ‫والوطن العربي‪ ،‬كرائدة لشعر النثر‪.‬‬ ‫وفيما يلي نص الحوار‪:‬‬ ‫< مفاصل التجربة الشعرية وتحوالتها عند فوزية‬ ‫أب��و خالد‪ ،‬كيف تنقّلت؟ وكيف ترين ه��ذه المرحلة‬ ‫الفاصلة بين ديوانك األول‪" :‬إل��ى متى يختطفونك‬ ‫ليلة العرس" وديوانك األخير "شجن الجماد"؟‪.‬‬ ‫> اسمح لي أن أسمي ما تسميه أن��ت بتمرحل‬ ‫تجربتي ال�ش�ع��ري��ة م��ن دي��وان��ي األول إل��ى ديواني‬ ‫األخير‪ ،‬الذي ليس بأخير بإذن الله‪ ،‬بتحوالت الريح‪،‬‬ ‫أو رحلة الحفر في جوف الصحراء ورمالها‪ ،‬بحثاً‬ ‫عن مفاجأة ال�م��اء‪ .‬وإال‪ ،‬م��اذا يعني أن تتجرأ بنت‬ ‫في الرابعة عشرة‪ ،‬لم تمد رأسها بعد خ��ارج حجر‬ ‫هضبة نجد وجبروت سلسلة سروات الحجاز‪ ،‬لتسأل‬ ‫ذلك السؤال الوجودي واالجتماعي االشكالي‪ :‬إلى‬ ‫متى يختطفونك ليلة العرس؟ لو لم تكن أحصنتها‬ ‫قد اكتسبت ملكة الجموح‪ ،‬في ذلك العمر المبكر‪،‬‬ ‫عبر مواجهة االرتحال‪ ،‬في فلوات غير مأهولة إال‬ ‫بالمخاطر وشجاعة غرة‪ ،‬لمخالفة قانون الجاذبية‪،‬‬ ‫ولمخاتلة جبروت الجفاف!‬ ‫لعل منّا م��ن يتنكر‪ ،‬أو يستسلم لمكر الذاكرة‪،‬‬ ‫عندما نحاول أن ننسى أو نتجنب قيافة أث��ر تلك‬ ‫العالقة المشيمية‪ ،‬بين ما يحمله الشعر في مراحله‬ ‫وأشكاله المتعددة من شهوة الماء‪ ،‬وبين إرثنا في‬ ‫حفريات االرت �ح��ال‪ ،‬حيث الهبوب وليس االناخة‪،‬‬ ‫والسفر وليس االستقرار‪ ،‬والقافلة وليس القبيلة هي‬ ‫الوطن‪ .‬وحيث السؤال وليست اإلجابات المسبقة أو‬ ‫الالحقة‪ ،‬هو بوصلة قياس سرعة الريح واتجاهاتها‪،‬‬

‫إن أمكن‪ ،‬ودرجة الندى في التراب‪.‬‬ ‫فلوال دهشة ال�س��ؤال‪ ،‬التي ت��زداد أوراً وتوهجاً‬ ‫تعرضت عربة العمر‬ ‫ّ‬ ‫وحرقة‪ ،‬كالزيت في النار‪ ،‬كلما‬ ‫لمزيد من المالحقات‪ .‬م��اذا ك��ان سيدفع أو يشفع‬ ‫الم��رأة صهرتها حرائق الحبر إلى اقتراف شيطنة‬ ‫البنات واستراق السمع لشجن الجماد؟ كانت مرحلة‬ ‫"إل��ى متى يختطفونك‪ "..‬مرحلة األح�لام التحررية‬ ‫ال�ك�ب�ي��رة‪ ،‬ال �ت��ي ح��اول��ت ب�ج�س��دي ال�ط�ف��ل النحيل‪،‬‬ ‫المزاحمة للمشاركة ف��ي حملها م��ع جيل األمهات‬ ‫واآلب�� ��اء‪ ،‬م��ع م��ا ح���اول ج�ي�ل��ي إض��اف �ت��ه م��ن الملح‬ ‫والجرح على تلك األح�لام‪ .‬ولهذا‪ ،‬فلربما يمكنني‪،‬‬ ‫وق��د ص��ارت تفصلني عن ذل��ك ال��دي��وان العديد من‬ ‫السنوات‪ ،‬أن أحمل نفسي على التأمل‪ ،‬فأميل إلى‬ ‫الظن‪ ،‬أن قصائد ذل��ك ال��دي��وان‪ ،‬ربما لم تخ ُل من‬ ‫التنكّر‪ ،‬حينها‪ ،‬لمرحلتي العمرية‪ ،‬بانشغالها بأسئلة‬ ‫المرحلة التاريخية‪ ،‬في بعديها الثقافي والسياسي؛‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪51 1427‬‬


‫ولهذا‪ ،‬فلربما لم يكن االختيار المتعمد والمعاند‬ ‫لكتابة قصيدة النثر‪ ،‬في ذلك الوقت الذي كانت تعد‬ ‫كتابتها‪ ،‬وخاصة في مجتمع مثل المجتمع السعودي‪،‬‬ ‫خ��روج �اً على المقبول والمستتب‪ ،‬إال تعبيراً عن‬ ‫انحيازي في الشكل الشعري‪ ،‬على األق��ل‪ ،‬لرؤية ال‬ ‫تصدع لغير طموح أو باألحرى جموح ذلك الجيل‪،‬‬ ‫ال��ذي ودّع طفولته على فجيعة النكسة‪ .‬وإذا كان‬ ‫دي��وان "ق��راءة في السر" قد خرج من معطف رعب‬ ‫االجتياح اإلسرائيلي للبنان وبركان الحرب اللبنانية‬ ‫وذهول العالم العربي وصمته أمام وقع الكارثة؛ فجاء‬ ‫يحمل هذيا َن وصمتَ الصدمة‪ ،‬بتشظي تلك األحالم‬ ‫الكبيرة‪ ،‬وانشكاك شظاياها في حبالنا العصبية؛ فإن‬ ‫ديوان "ماء السراب" حاول االستشفاء من الخيبات‬ ‫وهيبتها‪ ،‬التي حاصرتنا‪ ،‬من احتالل الكويت‪ ،‬إلى‬ ‫إط �ب��اق التحالف على رق��اب�ن��ا‪ ،‬ف��ي محطات أسلو‬ ‫وملحقاتها‪ ،‬بالترياق المستحيل‪ ،‬وهو حرية الشعر‬ ‫ليس إال؛ فهل تظن أفدح من مطلب تلك الحرية؟‬

‫لم ألحظ يوم ًا أن شعري كان‬ ‫ليتسم بالغموض‪!!..‬‬

‫ال‬ ‫مما أبيح من دم شعري‪ .‬وهذا كما تعلم‪ ،‬ليس فع ً‬ ‫يليق بطيش الشعر‪ ،‬إذ إنني ال أرى في الحداثة تهمة‪،‬‬ ‫يجب دفعها أو التنصل منها‪ .‬وموضوع الحداثة‪ ،‬سواء‬ ‫ما اقتصر اخ�ت��زاالً على الحداثة اإلبداعية‪ ،‬أو ما‬ ‫شمل الحداثة بمعناها االبستمولوجي واالجتماعي‪،‬‬ ‫وس���واء اق�ت�ص��رن��ا ت�ن��اول��ه كمنتج غ��رب��ي‪ ،‬أو فكّكنا‬ ‫بعض مكوناته‪ ،‬كمنتج ذا بعد حضاري‪ ،‬في عالقتنا‬ ‫اإلشكالية ب��ه؛ فهو موضوع ال يمكن تضييق زاوية‬ ‫طرحه‪ ،‬في الغموض الشعري‪ .‬ثم إن هناك التحوالت‬ ‫التنظيرية لما بعد الحداثة‪ ،‬التي تتأسس على عملية‬ ‫المحو المتعمد للحدود الفوقية التي طالما حكمت‬ ‫وحاكمت الفضاءات الثقافية المختلفة‪ .‬ولست أدعي‬ ‫محايدة محوها‪ .‬على أن��ه وبعيداً عن كل ذل��ك‪ ،‬أو‬ ‫< يالحظ المتابع لنصوص فوزية خالل مسيرتها قريباً منه‪ ،‬أسمح لي أن أسجّ ل إف��ادت��ي المباشرة‬ ‫ال�ش�ع��ري��ة‪ ،‬م��ا يمكن تسميته ب��ال�غ�م��وض الشعري على سؤالك‪ ،‬وه��ي أنني لم ألحظ يوماً أن شعري‬ ‫ف��ي ال �ب��داي��ات‪ ،‬م��ن خ�لال دي��وان��ك األول "إل��ى متى في دواويني األولى‪ ،‬كان يتسم بالغموض؛ كما أنني ال‬ ‫يختطفونك ليلة العرس" ثم "ماء السراب" ثم "مرثية‬ ‫الماء" وصوال إلى "شجن الجماد"‪ ،‬إذ يفاجأنا الديوان‪،‬‬ ‫بيز‬ ‫بحميمية ولغة شفافة‪ ،‬تصالن بشكل واضح للقاريء‪..‬‬ ‫ليس إال القلة سمعوا باسمي‬ ‫فهل تولّد هذا نتيجة نضج شعري‪ ،‬وهدم يقين كان‬ ‫قبل أن أدخل القصيدة‬ ‫متأثراً بشعارات الحداثة‪ ،‬في مراحل سابقة؟ أم أن‬ ‫وأصير راية ترف‬ ‫ذلك نتاج تجربة حياتية؟ أم ماذا؟!‬ ‫فلستُ إال بقايا قصاصات‬ ‫> هل يحاول هذا السؤال أن يمكر لي أو بي؟ أم‬ ‫أقمشة ملونة‬ ‫أنه يُسائل العبور العابر للحداثة اإلبداعية بمضارب‬ ‫جمعتني الصدفة‬ ‫القبائل المنقسمة بين االس�ت�ق��رار وبين االرتحال‬ ‫ألقي أكف النساء‬ ‫المتأرجحة بين ما كان وبين ما قد يكون؟ كأنك بهذا‬ ‫اشتعال األوعية‬ ‫السؤال‪ ،‬تقدّم لي صكاً مفتوحاً‪ ،‬على طريقة الشيك‬ ‫بعد ابتعادها عن النار‬ ‫المفتوح‪ ،‬ألوقّع براءتي من الحداثة‪ ،‬أو براءة الحداثة‪،‬‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫أظن أن شعري في دواويني الالحقة‪ ،‬يتسم بالوضوح‪،‬‬ ‫أو حتى بتلك الشفافية‪ ،‬التي قد ترشي القارىء‪ ،‬ألول‬ ‫وهلة‪ ،‬ولكنها‪ ،‬كأي غاللة رقيقة لفعل عشق شرس‪،‬‬ ‫ما يلبث أن يجرفنا على حين غرة في اللحظة التي‬ ‫قد نظن أننا نمسك بزمامه‪ ،‬بينما ليس من زمام له‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬فإن شعري في السابق والالحق‪،‬‬ ‫يكف عن‬ ‫إن صح أن أق��ول رأي��ي حوله‪ ،‬يُ�ح��اول أال َّ‬ ‫التحوالت‪ ،‬وأال يُفرط في حس المغامرة ومباهجها‪،‬‬ ‫الشفيفة والغامضة معاً‪.‬‬ ‫< للماء حضوره عند كثير من الشعراء‪ ،‬كما هو‬ ‫لدى سعدي يوسف بحيرات وأنهار‪ ،‬وعند بعضهم‬ ‫يأتي الماء بصور مختلفة‪ ..‬إلى أي المصبات تفيض‬ ‫المياه عند فوزية أبو خالد من ماء السراب إلى مرثية‬ ‫الماء؟!‪..‬‬

‫في تجربة من التجارب القليلة‪ ،‬إن لم تكن النادرة‪،‬‬ ‫في إدخال باب الرثاء بهذا النفس التفجعي الطويل‪،‬‬ ‫إلى شعر قصيدة النثر‪ .‬فهل أردت بقصيدة النثر أن‬ ‫تضاهي شعر الخنساء العامودي الجزيل‪ ،‬في القدرة‬ ‫على الرثاء كما فعلت الخنساء مع أخيها صخر؟ وهل‬ ‫يمكن أن تكشفي لنا موقع أم محمد‪ ،‬ف��ي قصيدة‬ ‫مرثية الماء‪ ،‬حيث لم يفارق محياها ذلك الديوان‪ ،‬من‬ ‫صفحة الغالف األولى إلى ما بعد الصفحة األخيرة؟‬ ‫كنت ترثين محمداً في قصيدة مطولة غير مصدقة‬ ‫أنه غ��ادر إلى مكان أخ��ر‪ ،‬وفي شجن الجماد‪ ،‬كتبت‬ ‫قصائدك وكأنك صدقت أخ�ي��راً عن طريق محاكاة‬ ‫اشيائه وترجمة مشاعرها‪ ..‬كيف تولدت لديك هذه‬ ‫القصيدة الطويلة التي تشكل الديوان؟‬

‫> أحمد الله أن هذا السؤال السيامي‪ ،‬من أسئلتك‬ ‫> منذ طفولتي‪ ،‬يتكرر الماء في أحالمي وفي المسنونة‪ ،‬قد ال يكون من الممكن فصله جسدياً‪،‬‬ ‫كوابيسي في الصحو والمنام‪ ،‬بعدة أح��وال؛ فمرة دون ضمانات أن ال تعمل أي جراحة يتعرض لها على‬ ‫يكون ينابيع عسل‪ ،‬ومرة يكون سماً فواراً ؛ مرة يكون فصل التعالق الروحي بين حدَيّ السؤال‪.‬‬ ‫شالالت لبن‪ ،‬تخرج من جوف الصحراء ‪ ،‬ومرة يكون‬ ‫إنك في الشق األول من السؤال تطرح تساؤالً‪،‬‬ ‫غديراً خجوالً ؛ مرة يكون طوفاناً خطافاً‪ ،‬ومرة يكون كثيراً ما وجّ هه إليَّ عدد ممن ق��رأوا الديوان قراءة‬ ‫بحراً؛ ومرة يكون بئراً ليس لها قرار أو قربة ماء؛ ن �ق��دي��ة‪ ،‬ل��م ي�ك�ف�ه��ا االن �ش �غ��ال ب��ال��دي��وان كقصيدة‬ ‫ومرة يكون مطراً‪ ،‬ومرة يكون نوافي َر تندف ُع تار ًة من وح�س��ب؛ ب��ل ح ��اوره‪ ،‬على م��ا ي�ب��دو‪ ،‬كحالة شعرية‬ ‫الصخر وتتلوى ت��ار ًة أخ��رى مع تموّجات السراب! محملة باحتماالت ج��دي��دة‪ ،‬الك�ت�ش��اف مجاهل لم‬ ‫وأستطيع أن أُح �دّد‪ ،‬بالصوت والصورة‪ ،‬ارتباط كل تكن مطروقة من قبل‪ ،‬كالرثاء مثال‪ .‬بما يفصح عن‬ ‫شاردة وواردة في حياتي‪ ،‬من مشيي األول‪ ،‬إلى يومي طاقات كامنة في قصيدة النثر‪ ،‬ال تحد فضاءاتها‬ ‫األول بالمدرسة‪ ،‬إلى ليلة عرسي‪ ،‬وأشهر حملي‪ ،‬إلى على تعاطي اليومي والعادي‪ ،‬وتحويله إلى شعر‪ ،‬كما‬ ‫صباحات انتصاراتنا العربية الشحيحة‪ ،‬أو لواعجي أكتفى بكتابتها وقراءتها في ذل��ك الحيز ع��دد من‬ ‫الشخصية‪ ،‬أو عتمة الهزائم العامة بانهمار الماء‪.‬‬ ‫الشعراء والنقاد‪.‬‬ ‫فالماء أمراة‪ ،‬والماء وطن‪ ،‬والماء دورتي الدموية‪،‬‬ ‫في شعر امرأة‪ ،‬ال تستطيع‪ ،‬وإن عاشت في المدن‪ ،‬أن‬ ‫تخرج على عشق المفاوز والفلوات وأفالك البيداء‪.‬‬

‫< ف��ي م��رث�ي��ة ال �م��اء ك�ن��ت ت��رث�ي��ن أخ ��اك محمداً‬ ‫بتلك القصيدة الطويلة‪ ،‬التي شكّلت كامل الديوان‬

‫وقد يكون السؤال مردّه نوع من السرور السري‪،‬‬ ‫ال شعرياً‬ ‫الذي قد يساور بعضنا حين نحس أن شك ً‬ ‫جديداً‪ ،‬طالما جرى التشكيك في مشروعيته‪ ،‬استطاع‬ ‫أو يستطيع‪ ،‬استيعاب بعض من موروثنا الشعري‪،‬‬ ‫باستيعابه لبعض أو كل أغ��راض الشعر التقليدية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪53 1427‬‬


‫ملكة الشعر ليست حكر ًا على‬ ‫الرجال أو النساء‬ ‫المعروفة تاريخيا كالمديح والهجاء أو الرثاء؛ على‬ ‫أنه ال بد من مالحظة أن السؤال ليس سؤال مضاهاة‬ ‫قصيدة الخنساء العامودية في الرثاء بقصيدة نثر‬ ‫في الغرض نفسه؛ ولكنه السؤال الوجودي والشعري‬ ‫واإلنساني‪ ،‬الذي دون أن يأبه كثيراً بمواقف النقاد‬ ‫الموضوعي أو حراب الحراس المنحازة‪ ،‬ليس له إال‬ ‫أن يعيد طرح نفسه‪ ،‬ممتشقاً رؤىً وأشكاال جديدة‬ ‫للسؤال‪ .‬أما ما أتطوع ألجيبك عليه‪ ،‬مما لم تسألني‬ ‫عنه مباشرة‪ ،‬ولكنه ج��اء س��ؤاالً مفخخاً‪ ،‬ف��ي هذا‬ ‫الفرع من السؤال‪ ،‬فهو السؤال النسوي في قصيدة‬

‫دلة القهوة‬

‫أستمتع برائحة البن والهيل‬ ‫بكل حواسي‬ ‫أترك عبيرها النفاذ ينكّل‬ ‫بالذاكرة‬ ‫فتشقني نصفين‬ ‫أنفاس اليد التي‬ ‫شقت التربة‬ ‫واألفواه التي اشتهت‬ ‫الفاكهة السوداء‬ ‫وأحضان األثواب الرثة‬ ‫التي التقطت القطاف‬ ‫والنار التي ح ّوَّلت الحبات الخضراء‬ ‫عيون داعجة تلتمع في ظالم الوعاء‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬ ‫بينما ال يحتسون من جروح تلك لرائحة‬ ‫إال رشفة المرارة‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫الرثاء‪ ،‬س��واء ما كتبته الخنساء‪ ،‬أو ما كتبته فوزية‬ ‫أبوخالد‪ ،‬في مرثية الماء‪.‬‬ ‫ودون أن أخ��وض ف��ي فلسفة ال �س��ؤال وفروضه‬ ‫المضمرة‪ ،‬أق��ول لك ببساطة‪ :‬إن ملكة الشعر في‬ ‫الرثاء بما يتعلق بهذا السؤال‪ ،‬تحديداً‪ ،‬ليست حكراً‬ ‫على النساء أو الرجال؛ ألن حس الفقد وقسوة الفراق‬ ‫ليست مشاعرا تخضع لمعايير ال�ن��وع االجتماعي‬ ‫(أن��وث��ة وذك ��ورة)‪ ،‬ولكنه قد يكون في ه��ذا الموضع‬ ‫بالذات من التمييز االيجابي الذي أنعم به الله على‬ ‫ال�م��رأة‪ ،‬على الرغم من ما تتعرض له ط��وال دهور‬ ‫من التاريخ االجتماعي من تمييز عنصري سلبي‪ ،‬إذ‬ ‫حباها الله وحدها بأن تنعم بملذات وعذابات الحمل‬ ‫وال��والدة‪ ،‬والقدرة على البكاء أو التفجع‪ ،‬والتعبير‬ ‫بحرية عن الذات‪ ،‬على ما في ذلك من فعل إنساني‬ ‫جميل ونبيل‪ .‬و"ألزي��دك من الشعر بيت"‪ ،‬فإن هذه‬ ‫القصيدة لم يكتف بمقارنتها بقصيدة الخنساء‪ ،‬بل‬ ‫جرى ربطها بمراثي ف��دوى طوقان ألخيها إبراهيم‬ ‫طوقان‪ ،‬كما سمتني بها الصحافة العُمانية "خنساء‬ ‫الجزيرة العربية الجديدة"‪ ،‬عندما ألقيت ألول مرة‬ ‫ب�م�ه��رج��ان ال�خ�ن�س��اء ال�ش�ع��ري بمسقط ف��ي عُمان‬ ‫‪1999‬م‪ ،‬وكان مهرجاناً شعرياً ضم عدداً كبيراً من‬ ‫الشاعرات العربيات ‪ ،‬ف��دوى طوقان ‪ /‬فلسطين ‪،‬‬ ‫ولميعة عمارة ‪ /‬العراق ‪ ،‬وملك عبدالعزيز وعلية‬ ‫الجيار‪ /‬مصر‪ ،‬وفوزية السندي‪/‬البحرين‪ ،/‬وسعيدة‬ ‫خ��اط��ر‪ُ /‬ع�م��ان؛ وح�ض��ور ع��دد آخ��ر م��ن الشاعرات‬ ‫وال �ش �ع��راء‪ .‬وق��د ط��رح��ت تلك ال�م�ق��ارب��ة والتسمية‬ ‫يستعص على النساء ف��ي أي من‬ ‫ِ‬ ‫ب�س��ؤال‪ :‬كيف ل��م‬ ‫القصيدة العامودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر‬ ‫تحويل الرثاء إلى حالة شعرية إنسانية؟‬ ‫أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال‪ ،‬فاعلم أن‬ ‫أم محمد هي من كتب هذه القصيدة بأعقد وأشف‬ ‫وأقسى وأصعب وأش��رس وأرق مما جاء في ديوان‬


‫لقبتني الصحافة العمانية‬ ‫«خنساء الجزيرة العربية»‬ ‫مرثية الماء بماليين المرات‪ .‬وأم محمد لم تكتب‬ ‫هذه القصيدة بعتمة الحبر‪ ،‬أو ضوء شاشة الكمبيوتر‬ ‫كما فعلت‪ ،‬ولكنها كتبتها بمطر عيونها وبدماء أوردتها‬ ‫وشرايينها الدقيقة‪ .‬كتبتها بشموخها وبسجودها ‪،‬‬ ‫كتبتها بنخاع عظمها وبهواء رئتيها ‪ ،‬كتبتها بصحوها‬ ‫وسهرها‪ ،‬بسواد يأسها وببوارق آمالها في الشاب‬ ‫المسجى على حجرها عشرين عاماً‪ ،‬الناهض من‬ ‫أح�لام�ه��ا ب�ع��دد أوق ��ات ال �ش��روق ط��وال عقدين من‬ ‫ال��زم��ان‪ .‬فهل رأي��ت ريشة يُكتب بها الشعر أمضى‬ ‫وأشد رهافة من ريشة النزال السرمدي الشرس بين‬ ‫الموت والحياة‪.‬‬ ‫لقد كتبت في أحد قصائد ديواني ماء السراب‬ ‫اهداء ألمي قلت فيه‪" :‬إلى نور التي انتحلتُ شعرها‬ ‫< ف��ي قصائدك وج � ٌع دف�ي�نٌ‪ ،‬وإي �ح��اءات بعيدة‪،‬‬ ‫وحزنها وأحالمها لنفسي وكتبتها قصائد باسمي"‪.‬‬ ‫تختزل تجربة عميقة‪ ،‬وحياة متعددة ومعاناة‪ ..‬من‬ ‫ولذا فلربما كان نوعاً من القصاص الذاتي أنني‬ ‫أين تنطلق هذه القصائد؟‬ ‫أصبت بعد مصاب محمد بجمود حجر أصم‪،‬‬ ‫> تنطلق هذه القصائد من ملح األخيلة‪ ،‬ومن خبز‬ ‫فلم استطع أن أم��ارس مع أم��ي العاب الخفة‪ ،‬تلك‬ ‫التي كنت اسطو بها على شاعريتها‪ ،‬وأنسبها لي الحياة‪ ،‬وبعض التوابل السرية الممزوجة بماء‪ .‬كما‬ ‫فلم أبكي ولم أكتب شعرا ط��وال ثالث سنوات بعد تنطلق من كثير من تمارين ال��روح الشاقة‪ ،‬ورياضة‬ ‫رحيله‪ ،‬غير بعض المسوّدات البائسة‪ .‬ولهذا ففي ال�ك�ت��اب��ة المهلكة‪ .‬ه��ذا ع��دا ع��ن ق�ب��س الرمضاء‪،‬‬ ‫دي ��وان مرثية ال �م��اء‪ ،‬ل��م أستطع إال أن أت��رك أمي وسموم السياسة‪ ،‬وشهد الدهشة من حيوات وحاالت‬ ‫تحرك روحي وأوراقي وأصابعي كما تحرك عاصفة عشق لم نعشها بعد‪ ،‬كأن تلمح جناح فراشة مغموس‬ ‫طاغية األشرعة‪ ،‬في محيط مائج متجبر؛ فتجري في الشمع أو في حوض زهر؛ فهل ال تظن أن هذه‬ ‫جسدها واندالعات روحها في األبجدية وتذهب بي الخلطة المحيرة ليست كافية لتعطينا أرغفة الشعر‬ ‫أبعد مني‪ .‬ومع ذلك لم تكن قصيدة مرثية الماء على أو توهم وهجه‪.‬‬ ‫رمزية موت الماء إال تشبهاً بأم محمد في ملحمة‬ ‫< ب��دات تجربتك الشعرية ف��ي مرحلة عمرية‬ ‫صبرها وزهوها وهي تهاتفني بعد أن أغمضت عينيه مبكرة‪ ،‬وأظهرت نبوغاً قل نظيره‪..‬ما الذي أوصلك‬ ‫بيدها وتقول بصوت يحمل رهجة الهزيمة والفوز إلى ذلك؟‬ ‫معاً‪ :‬لقد حرّر الل ُه محمداً فاحضروا لتزفوه معي!‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪55 1427‬‬


‫لم أنسى تشجيع محمد حسن‬ ‫عواد وحسن آل الشيخ‬

‫> أس �ت �ح��ي م��ن ج� ��رأة ه ��ذا ال� �س ��ؤال ع �ل��ى هذا‬ ‫اإلط� ��راء‪ ،‬ول�ك��ن رب�م��ا م��ا أوص�ل�ن��ي ل��ذل��ك‪ ،‬ف��ي ذلك‬ ‫الوقت المبكر‪ ،‬هو أسرة لم تمنعني‪ ،‬إن لم يكونوا نور‬ ‫وعبدالله وعمتي طرفة وموضي وعمي محمد وعمي‬ ‫عبدالعزيز وأخوالي‪ :‬هاشم‪ ،‬وعلي‪ ،‬وحمزة‪ ،‬وجدتيَّ ‪:‬‬ ‫سارة‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وإخواني وأخواتي‪ :‬محمد‪ ،‬وفيصل‪،‬‬ ‫وحسن‪ ،‬وأحمد‪ ،‬ونوال‪ ،‬ونها‪ ،‬ومشاري‪ ،‬وأنوار‪ ،‬و"بؤبؤ‬ ‫عيني" عبدالرحمن‪ ،‬وحسناء‪ ،‬قد أجتمعوا جميعاً‪،‬‬ ‫على تشجيعي على كل أشكال العشق الضارية‪ .‬فمن‬ ‫عشق تراب هذه األرض‪ ،‬وعشق الجمال والعدل‪ ،‬إلى‬ ‫عشق الكلمة والقراءة‪ ،‬وعدم التردد في التمرد على‬ ‫الجمود أو البقاء على الحياد‪ ،‬من حركة الحياة‪ .‬كما ال‬ ‫أنسى دور معلماتي في مدرستي "المدرسة االبتدائية‬ ‫الخامسة" بحي الرويس بجدة (أبلة نها العبوة)‪ ،‬ومن‬ ‫مدرستي "المتوسطة األولى" (أبله مواهب وأبلة مهجة‬ ‫من مصر‪ ،‬وأبلة ابتسام السقا ونبيلة الخماش من‬ ‫سوريا‪ ،‬وأبلة أحالم عزب من فلسطين)‪ .‬وكذلك دور‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫صديقات الطفولة ومطلع الشباب‪ ،‬وإ ْن بشكل غير‬ ‫مباشر‪ ،‬ولكن تلك العالقات كانت تمدني بمساحات‬ ‫للركض البكر‪ ،‬في فلوات الحب والصداقة والعالقات‬ ‫اإلنسانية الحميمة‪ ،‬التي هي نسغ الشعر‪ ،‬وخميرة‬ ‫االش �ت �ع��االت‪ ،‬وم��ن رفيقات ال�م��درس��ة‪ :‬أم��ل خوجة‪،‬‬ ‫وفاتن كيال‪ ،‬ون��ورة الجميح‪ ،‬ون��وف ومنيرة الفارس‪،‬‬ ‫وسميرة أسعد‪ ،‬وفريال جاد الحق‪ ،‬ون��ور المحضار‪،‬‬ ‫وأميمة الجوهري‪ ،‬وعفاف باحارث‪ ،‬ولميا باعشن‪،‬‬ ‫ونورة السديري‪ ،‬و"زينة طفولتي" مزنة المحمود‪ .‬ولن‬ ‫أنسى في عمري الكتابي المبكر‪ ،‬تشجيع محمد حسن‬ ‫ع��واد‪ ،‬لي‪ ،‬والشيخ حسن آل الشيخ‪ ،‬ومحمد حسين‬ ‫زي��دان‪ ،‬وحسين سرحان‪ ،‬وعبدالله جفري‪ ،‬ومحمد‬ ‫ال��ش��دي‪ ،‬وف��ات��ن ش��اك��ر‪ ،‬وخ �ي��ري��ة ال �س �ق��اف‪ ،‬وحمد‬ ‫الجاسر؛ ففي الصندوق القديم‪ ،‬ال��ذي تحتفظ لي‬ ‫فيه أمي بعدد من دفاتر التعبير ومقاالتي األولى في‬ ‫اإلبتدائي والمتوسط‪ ،‬توجد رسائل سخيّة‪ ،‬كتبوها لي‬ ‫بخطوطهم السامقة‪ ،‬قبل أن أغادر مقاعد المدرسة‪.‬‬ ‫ول�ي��س ل��ي إال أن أش�ك��ر ه��ذا ال �س��ؤال ال�ل� ّم��اح أو‬ ‫الفضاح‪ ،‬ال��ذي جرّني وو ّرط �ن��ي‪ ،‬من حيث ال أدري‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫في الدخول الحميم إلى سجل صفحة خلتها طويت؛‬ ‫فإذا بها حية مورقة بماء الذكريات األولى‪ ،‬لمسيرتي‬ ‫الشعرية والكتابية‪.‬‬ ‫< كيف تفسرين العالقة بين شعرك‪ ،‬وبين الصور التي‬ ‫تنحتينها على شكل قصائد‪ ،‬وما هي العالقة بينها؟‬ ‫> ه��ل تظن أن هناك عالقة بين "وادي عبقر"‪،‬‬ ‫وتلك األطياف واألشباح واألرواح الشريرة‪ ،‬أو الهامات‬ ‫المتظلمة‪ ،‬التي تهيم ف��ي بطاحه‪ ،‬فتزعزع سكونه‬ ‫بأزاميلها ومزاميرها‪ ،‬وتحوّل صمته إلى ورش عمل‪،‬‬


‫الصورة الشعرية أعقد من تلك‬ ‫اللقطات التي ال يظهرها إال‬ ‫التحميض في الظالم‪!!..‬‬ ‫متحركة‪ ،‬في أقل من لمح البصر‪ ،‬دون أن يجرؤ ضوء‬

‫أو عتمة على محوها‪.‬‬

‫< ماالفارق ال��ذي كان به دي��وان ق��راءة في السر‬

‫يحمل شعراً صارخاً متفجعاً في قصائد طويلة‪ ،‬بينما‬

‫جاء ديوان ماء السراب يحمل قصائد مكثفة‪ ،‬تتدفق‬ ‫برفق وعمق‪ ،‬وكأنه شعر ال يريد أكثر من أن يهمس‬ ‫بهمسة الرمال؟‬

‫> ال�ف��رق‪ ،‬على المستوى الشخصي‪ ،‬ه��و فارق‬

‫ع�م��ري‪ ،‬وعلى المستوى ال�ع��ام ه��و ف��ارق تاريخي‪،‬‬

‫وعشق صاخبة أو هامسة‪ ،‬تقيم على وقعها بين عرائش‬ ‫ال�ع�ش��رق وال �خ��زام��ى وال �ع��رف��ج‪ ،‬ف��ي ق��اع��ه السحيق‪،‬‬ ‫كما أن��ه ف��ارق ف��ي أف��ق وأدوات اإلب ��داع الشعري‪،‬‬ ‫مواكب األع��راس والجنائز‪ ،‬تلك التي يتسامع الناس‬ ‫عنها بين مكذب ومصدق‪ ،‬بينما ال يعرف حقيقتها وال‬ ‫السبحة‬ ‫يطّ لع على أسرارها‪ ،‬إال القوافل العابرة لكمين ذلك‬ ‫أك ُر وأف ُر بين باطن األكف‬ ‫مس‪ ،‬أو‬ ‫المكان‪ ،‬بعد منتصف الليل‪ ،‬أو بعض من بهم ٌ‬ ‫وبين األصابع‬ ‫عندهم طاقات خارقة على مآخات الجن؟‬ ‫في حركة دائرية‬ ‫وكأنني كواكب‬ ‫لو كان أي كان يستطيع أن يجيب بإيجاب نهائي‪،‬‬ ‫تدور في فلك كروي‬ ‫أو يعطي إجابة قاطعة‪ ،‬على هذا السؤال؛ فإنه عندها‬ ‫على ظهور أفراس‬ ‫فقط‪ ،‬سيكون ليس لي إال أن أحمل سؤالك محمل‬ ‫ال تكف عن الركض‬ ‫الجد‪ ،‬وأبدأ في محاولة البحث في السؤال‪.‬‬ ‫نحو المجهول‬ ‫إن س��ؤال��ك‪ ،‬س��ؤال ص�ع��ب؛ ف��ال�ص��ورة الشعرية‪،‬‬ ‫ومن فرط االنهماك‬ ‫أعقد من تلك اللقطات التي ال يظهرها إال التحميض‬ ‫في تجنب الوصول إلى نهاية‬ ‫في الظالم‪ ،‬وإن كان ال يمكن تبسيطها‪ ،‬أيضاً‪ ،‬بتلك‬ ‫قلَّ من ينتبه إلى حرماني من‬ ‫العملية الخاطفة التي تقوم بها الكاميرا الرقمية‪ ،‬في‬ ‫التسبيح‬ ‫تحويل مقاطع الصورة لوناً وحركة‪ ،‬إلى منحوتات‬

‫بمعناهما االبستمولوجية واالجتماعي السياسي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪57 1427‬‬


‫كان ديواني قراءة في السر‬ ‫خارج ًا من لحظة تحوالت‬ ‫صادقة على المستوى العربي‬ ‫كتعبير عن االستقالل النسبي للتجربة اإلبداعية‬ ‫نفسها عن محددات المكان والزمان وفي اشتباكه‬ ‫النازع إلى الحرية في العالقة بهما‪ ،‬وعدم التسليم‬ ‫بضيق شروطهما‪ .‬فعلى مستوى تاريخي كان ديوان‬ ‫ق��راءة في السر خارجاً من لحظة تحوالت صادمة‬ ‫على المستوى ال �ع��رب��ي‪ ،‬شكّلت درام �ي��ة التشظي‬ ‫واالنكسار العربي فيه سنة ‪1982‬م‪ ،‬إضافة نوعيّة‬ ‫مرعبة‪ ،‬على ما عرف بنكسة حزيران عام ‪67‬م‪ ،‬بما‬ ‫تمثل في االجتياح اإلسرائيلي لبيروت‪ ،‬وفي توسيع‬ ‫مساحة ذبح الحلم العربي من الوريد إلى الوريد‪،‬‬ ‫أي من المحيط إلى الخليج‪ ،‬وفي تحويل بيروت من‬ ‫عاصمة للثقافة العربية الحديثة‪ ،‬وواحة من حرية‬ ‫وبحر للمثقفين العرب‪ ،‬بمختلف التيارات الفكرية‬

‫الخنجر‬

‫على هيئة هالل رهيف‬ ‫في سالم مع نفسه‬ ‫كنت سأكون لوال هذا النصل‬ ‫الذي أصابني في مقتل‬ ‫فأخرجني من سكينتي‬ ‫مثل ما خرج آدم وحواء‬ ‫من الجنة‬ ‫وصار عليَّ‬ ‫ارتكاب الجرائر‬ ‫والبطوالت‬ ‫ألجد معنىً لوجودي‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫واإلبداعية‪ ،‬إلى مدينة للكوابيس والقناصة وأشباح‬ ‫تلوّح ببشاعات الحرب األهلية على الهوية‪ .‬كما أن‬ ‫دي��وان ق��راءة في السر على مستوى شخصي كان‬ ‫منبعثاً من أتون مرحلة عمرية‪ ،‬كانت ال تزال مشبوبة‬ ‫بالتجربة الطالبية لتلك المرحلة م��ن االعتصام‬ ‫والمظاهرات والعنفوان والرؤى المتمردة‪.‬‬ ‫أما ديوان ماء السراب؛ فعلى الرغم من أنه صدر‬ ‫بعد حرب الخليج الثانية‪ ،‬وتلك االنقسامات القاصمة‪،‬‬ ‫التي ضربت العالم العربي‪ ،‬ورغم أنه جاء بعد تجربة‬ ‫اجتماعية وسياسية وثقافية موجعة‪ ،‬تعرضت لها‬ ‫شخصياً‪ ،‬وتعرض لها جيل عقد كامل من المثقفين‪،‬‬ ‫ك��ادت تحيل ت�ع��دد طيف األص ��وات اإلب��داع�ي��ة لتلك‬ ‫المرحلة إلى لون الرماد أو إلى رماد ‪ ،‬فإنه قد جاء‬ ‫أيضاً بعد تجربة األمومة والعمل االكاديمي والبحثي‬ ‫وبعد أن صهرتني التجربة بأسئلة العالقة بين الحرية‬ ‫االجتماعية لإلبداع وبين حرية اإلبداع نفسه‪ .‬فلم أفعل‬ ‫في ماء السراب إال محاولة جارحة‪ ،‬الستعادة تلك البنت‬ ‫التي كان يلبسها القرين‪ ،‬إلى القرين وأطلق أفراسها‬ ‫بغير س��روج في ب��راري الصحراء‪ ،‬تسابق حلمها في‬ ‫الحرية‪ .‬وإذ يقولون أن شدة القتال تصقل األسلحة‪،‬‬ ‫فقد كان لي بعد تجربة ديواني األول والثاني أن أدخل‬ ‫حواسي في أف��ق جديد لقصيدة النثر‪ .‬وال اظ��ن أنه‬ ‫يصعب على المتابع لتجربتي الشعرية أن يلحظ ولعي‬ ‫بالتجريب‪ ،‬بمعناه الفني وشغفي المتعمد في طرق‬ ‫أفاق‪ ،‬ودق أبواب من الصور والمواضيع والموسيقى‪،‬‬ ‫لم يجر دخ��ول قصيدة النثر إليها من قبل‪ .‬فهل من‬ ‫يلومني إذا كتبت فأفليت‪ ،‬وأن��ا بنت الفيافي ورفيقة‬ ‫رشا شاردة وشموس معاندة‪.‬‬ ‫< من الشعراء الذين أحببت شعرهم؟ وما هي‬ ‫التجارب الشعرية التي استوقفتك؟‪ .....‬وفي رأيك‬ ‫من هو الشاعر الذي لم يأخذ حقه؟‬ ‫> كثير جداً جداً الشعراء الذين أ ُحب شعرهم‪.‬‬


‫أستطيع أن أعد بدر بن‬ ‫عبدالمحسن شاعر ًا من شعراء‬ ‫الشعر الحديث وإن كان يعد‬ ‫شاعر ًا نبطي ًا‬ ‫من طرفة بن العبد‪ ،‬الذي اكتشفت به مبكراً حرقة‬ ‫ظلم ذي القرب‪ ،‬والخنساء التي ج��رى دمعها إلى‬ ‫ركبتيها م��دراراً‪ ،‬وعنترة ال��ذي ود تقبيل السيوف‪،‬‬ ‫وامرؤ القيس‪ ،‬وعمر بن أبي ربيعة‪ ،‬وزهير بن أبي‬ ‫سلمى‪ ،‬وال�ش��ري��ف ال��رض��ي‪ ،‬ناهيك ع��ن المتنبي‬ ‫الذي تعلًق قلبي بشعره‪ ،‬تعلّق فتاة غرة‪ ،‬فلم تعلمني‬ ‫األي��ام‪ ،‬والتعرف على التجارب الشعرية الفارعة‬ ‫عندما شببت عن ال�ط��وق‪ ،‬إال م��زي��داً من االفتتان‬ ‫ب��ه‪ ،‬إل��ى ه�م��وروس‪ ،‬وعمر الخيام‪ ،‬وناظم حكمت‪،‬‬ ‫وبوشكين‪ ،‬ولوركا‪ ،‬ويتييس‪ ،‬ونيرودا‪ ،‬وسلفيا بالث‪،‬‬ ‫وفولتير‪ ،‬ووليم وليم‪ ،‬واليزبيث م��وزرال‪ ،‬ورستاال‪،‬‬ ‫إلى عدد من شعراء الشعر الحديث بالوطن العربي‬ ‫وبالمجتمع السعودي‪ .‬ومن نازك المالئكة‪ ،‬وفدوى‬ ‫طوقان‪ ،‬وسلمى الجيوسي‪ ،‬ولميعة عمارة‪ ،‬وحمدة‬ ‫خميس‪ ،‬وأندريه شديد‪ ،‬وأمل جراح‪ ،‬وجمانه حداد‪،‬‬ ‫وأشجان هندي‪ ،‬وأمل موسى‪ ،‬ولينا الطيبي‪ ،‬وظبية‬ ‫خميس‪ ،‬وسعدية مفرح‪ ،‬وه��دى الدغفق‪ ،‬ووغيداء‬ ‫المنفى‪ ،‬وميسون صقر‪ ،‬إل��ى السياب‪ ،‬وأدونيس‪،‬‬ ‫ومحمود دروي��ش‪ ،‬وأحمد دحبور‪ ،‬وغسان زقطان‪،‬‬ ‫وراشد عيسى‪ ،‬وممدوح عدوان‪ ،‬ومحمد الماغوط‪،‬‬ ‫وع�ب��اس بيضون‪ ،‬وأم�ج��د ن��اص��ر‪ ،‬ون ��وري الجراح‪،‬‬ ‫وس�ل�ي��م ب��رك��ات‪ ،‬وع�ي�س��ى م�خ�ل��وف‪ ،‬وع �ب��ده وازن‪،‬‬ ‫وس�ي��ف ال��رح �ب��ي‪ ،‬وزاه ��ي وه �ب��ه‪ ،‬وع�ل��ي الدميني‪،‬‬ ‫ومحمد الدميني‪ ،‬وأحمد فقيه‪ ،‬وعلي فقيه‪ ،‬وغسان‬ ‫الخنيزي‪ ،‬والثبيتي‪ ،‬وعبدالله الصيخان‪ ،‬وآخرين‬

‫بطبيعة الحال‪ .‬هذا إضافة‬ ‫إل�� ��ى ال� �ش ��اع ��ر ب�� ��در بن‬ ‫عبدالمحسن‪ ،‬ال��ذي وإن‬ ‫ك��ان يعد ش��اع��راً نبطياً؛‬ ‫ف��إن�ن��ي أع ��ده ش��اع��راً من‬ ‫ش �ع��راء الشعر الحديث‪،‬‬ ‫إن لم يكن بطبيعة الحال‬ ‫ع��ل��ى م��س��ت��وى اإلي� �ق���اع‪،‬‬ ‫فبدون شك على مستوى‬ ‫العالقة باللغة‪ ،‬والقدرة‬ ‫ال�م�ب��دع��ة ع�ل��ى مباغتتها‬ ‫ب ��ال� �م� �ف ��ردات وال � �ص� ��ورة‬ ‫وال �ع�لاق��ات ال�ج��دي��دة بها‬ ‫وبما تعبّر عنه‪.‬‬ ‫والحقيقة أن��ه قد يبدو من المضحك ل��ي‪ ،‬على‬ ‫األقل‪ ،‬أن يورطني هذا السؤال في أن أعدد كل هذه‬ ‫األسماء "المعروفة"‪ ،‬وكأنني أستعد لنعي ذاتي؛ ولكن‬ ‫لتكن نوع من التحية لمن ذك��رت‪ ،‬ولمن لم أذكر من‬ ‫الزمالء األموات منهم واألحياء‪.‬‬ ‫هناك بطبيعة الحال‪ ،‬عدد وإن كان ليس كبيراً‪،‬‬ ‫من التجارب الشعرية التي استوقفوني وتستوقفني‬ ‫(كتجارب شعرية وليس كقصائد وحسب)‪ ،‬وبعضها‬ ‫يمتد عبر العصور‪ ،‬وقد نمى بعضها معي وفي داخلي‪،‬‬ ‫في تداخل وتشابك حميم لألزمنة‪ ،‬ولعدد من الشعراء‪،‬‬ ‫ممن لم أكتفي بقراءة شعرهم‪ ،‬بل عكفت على الشغف‬ ‫بها‪ ،‬ومنها تجربة الشاعر قاسم حداد في تجلياتها‬ ‫المتعددة بما فيها إطاللتها اإللكترونية المبكرة‪.‬‬ ‫أما سؤال من من الشعراء لم يأخذ حقه فإن هذا‬ ‫السؤال من تلك األسئلة التي إما إنها تريد ان تقض‬ ‫مضاجع النقاد‪ ،‬أو أنها تريد أن تخوض في جروح‬ ‫الشعراء‪ ،‬وأرى أن أق��رر به أن أض��ع ح��داً وأتوقف‬ ‫عن المضي في التواطأ مع وس��واس ه��ذه األسئلة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪59 1427‬‬


‫أنفلونزا الطيور (‪ )Avian flu‬أسبابها‬ ‫وطرق الوقاية منها‬

‫(‪)1‬‬

‫> د‪ .‬ماهر مفضي العنزي‬ ‫> د‪ .‬حسني إبراهيم البلبيسي‬

‫(‪)2‬‬

‫(‪Influenza‬‬

‫يعد انفلونزا الطيور مرض معدياً تسببه فيروسات األنفلونزا (ايه)‬ ‫‪ .)A Viruses‬تشكل الطيور المائية المهاجرة‪ -‬بشكل خاص البط البري‪ -‬مستودعاً‬ ‫طبعيا ُ لكل فيروسات األنفلونزا (ايه)‪.‬‬ ‫وقد ظهر المرض ألول مرة في ايطاليا عام ‪1878‬م‪ ،‬كمرض خطير يصيب الدجاج‪،‬‬ ‫وسمي بأنفلونزا الطيور أو طاعون الطيور‪ .‬ثم ظهر بحالة وبائية لإلنسان (فيروس‬ ‫إتش ‪ 1‬إن ‪ )1‬عام ‪1918‬م‪ ،‬وسمي باألنفلونزا األسبانية‪ .‬ثم ظهرت األنفلونزا اآلسيوية‬ ‫عام ‪1957‬م‪( ،‬فيروس إتش ‪ 2‬إن ‪ )2‬ثم أنفلونزا هونج كونج عام ‪(1968‬فيروس إ تش‬ ‫‪ 3‬إن ‪ .)2‬وأخيرا ُ من عام ‪ 1997‬حتي يومنا هذا‪ ،‬ظهر فيروس األنفلونزا بصفة وبائية‬ ‫بين الطيور وسمي باسم (إتش ‪ 5‬إن ‪.)1‬‬

‫ع������ل������وم‬ ‫‪60‬‬

‫وهو فيروس قاتل لإلنسان‪ .‬وقد ظهرت أول حالة بشرية قاتلة في هونج كونج‬ ‫عام ‪1997‬م‪ .‬ويمكن القول أن حاجز األنواع قد سقط إلى غير رجعة؛ ففي الماضي‬ ‫كان يعتقد أن الفيروسات تراعي حاجز األن��واع‪ ،‬بمعني أال تتعدي على خصوصية‬ ‫مضيفها اإلنسان أو الحيوان‪ ،‬الذي ترغب في النمو والتطور لديه؛ إذ إن فيروس‬ ‫(‪ )1‬وكيل كلية العلوم والمشرف على قسم علوم المختبرات الطبية بكلية العلوم الطبية التطبيقية‬ ‫ جامعة الجوف‪.‬‬‫(‪ )2‬أستاذ مشارك بقسم علوم المختبرات الطبية وعضو هيئة التدريس بكلية العلوم الطبية‬ ‫التطبيقية ‪ -‬جامعة الجوف‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫أنفلونزا الطيور له القدرة على‬ ‫التبدل السريع‪ ،‬وهذا ما يمكنها‬ ‫م��ن ت�غ�ي�ي��ر أش �ك��ال �ه��ا بأقصى‬ ‫سرعة‪ ،‬وهذه هي الطريقة التي‬ ‫استطاع بها ف�ي��روس أنفلونزا‬ ‫الطيور (إتش ‪ 5‬إن ‪ )1‬في شرق‬ ‫آسيا أن يتعرف بها على الخاليا‬ ‫البشرية ويدخل إليها‪.‬‬ ‫فهذا الفيروس ف��ي األصل‬ ‫لم يكن فتاكاً‪ ،‬بل كان يتضاعف‬ ‫عند البط البري دون أن يجعلها‬ ‫تصاب بأي مرض‪ ،‬وفجأة ودون سابق إنذار أصاب هذا‬ ‫وقد تمكّن العلماء من إماطة اللثام‪ ،‬عن الكيفية‬ ‫الفيروس الدجاج‪ ،‬وبدأ يتغير ويتطور في خالياها‪.‬‬ ‫التي استطاع بها فيروس األنفلونزا أن يقتل خمسين‬ ‫ويمكن لهذا الفيروس أن يحدث له طفرة جينية‪ ،‬مليوناً من البشر‪ ،‬في أنحاء مختلفة من العالم سنة‬ ‫ويصيب اإلن �س��ان بالطريقة ال�ت��ي أص��اب��ت الدجاج ‪1918‬م‪ .‬ويعتقد العلماء أن ه��ذا الفيروس استطاع‬ ‫نفسها‪ ،‬وربما يكون لهذا الفيروس طريقة أسرع من تجاوز ما يعرف بالحاجز النوعي‪ ،‬لينتقل من الطيور‬ ‫ذلك تتمثل في التزاوج بين هذا الفيروس وفيروس إلى اإلنسان‪.‬‬ ‫األنفلونزا‪ ،‬الذي يصيب اإلنسان عند أحد األشخاص؛‬ ‫وهناك ستقع الكارثة‪.‬‬

‫ويمكن للفيروس أيضاً أن يقوم بهذه العملية عند‬ ‫الخنازير‪ ،‬حيث يمكن للخنزير أن يحتضن الفيروسين‬ ‫على شكل فيروس من نوع آخر أشد خطراً منهما؛ ويتم‬ ‫ذلك عن طريق انصهار الفيروسين في خلية واحدة‪،‬‬ ‫ثم يقوم كل فيروس بإطالق مادته الوراثية‪ ،‬األمر الذي‬ ‫يؤدي في النهاية إلى إمكانية تبادل الجينات من خالل‬ ‫كسر األغشية ال�ن��ووي��ة لكل منهما وتكوين فيروس‬ ‫جديد‪ ،‬يصعب على النظام المناعي لجسم اإلنسان‬ ‫التعرف عليه‪.‬‬ ‫ولكن متى يمكن أن يحدث ذلك؟ الله أعلم‪ .‬ومن‬ ‫هنا ت �ح �ذّر منظمة الصحة العالمية م��ن أن ظهور‬ ‫فيروس جديد ناتج من تمازج بين الفيروسين البشري‬ ‫والحيواني‪ ،‬سيكون سبباً في وقوع ماليين الضحايا‬ ‫من البشر‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬وتلك هي الكارثة بعينها‪.‬‬

‫وتعد المرحلة األولي والمحورية للعدوى‪ ،‬هي تمكن‬ ‫فيروس األنفلونزا من التعلق بالخاليا التي سينمو‬ ‫فيها مستقبالً؛ ويتمكن الفيروس من ذلك باالستعانة‬ ‫بجزيئات متناهية الدقة تشبه اإلبر‪ ،‬يطلق عليها علمياً‬ ‫جزيئات الهيماجلوتينين‪ .‬وال�ت��ي تتعلق بمستقبالت‬ ‫معينة على سطح الخاليا ف��ي جسم الكائن الحي‪،‬‬ ‫وق��د أج ��رى ال�ع�ل�م��اء ف�ح�ص�اً دق�ي�ق�اً لهيماجلوتينين‬ ‫ف�ي��روس األنفلونزا القاتل‪ ،‬ال��ذي اج�ت��اح العالم عام‬ ‫‪1918‬م‪ ،‬واكتشفوا أن تغيرات طفيفة فحسب على‬ ‫هيكل الفيروس لزمت ليبدأ التعلق بالخاليا البشرية‪،‬‬ ‫بدالً من خاليا الطيور؛ وهذا ما جعل الفيروس قادراً‬ ‫على االنتقال من الطيور لإلنسان‪ .‬وبعد ذلك انتقلت‬ ‫العدوى من اإلنسان لإلنسان‪ ،‬مما أسقط أعداداً هائلة‬ ‫من الضحايا‪ ،‬ومن شأن هذا العمل أن يساعد على‬ ‫تحسين رصد الفيروس الحالي (إت��ش‪ 5‬إن ‪ .)1‬فإذا‬ ‫وجدنا أن هيكل هذا الفيروس يشبه هيكل فيروس عام‬ ‫‪1918‬م‪ ،‬الذي أمكننا رصده؛ فسنعرف أن بإمكان هذا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪61 1427‬‬


‫الفيروس الجديد أن يشكل تهديداً للبشر‪ ،‬وسيتعين أن‬ ‫يوضع تحت رصد ومتابعة نشطة تفوق المعتاد‪.‬‬ ‫وه �ن��اك دراس���ة تكشف ت�ح��ور ف �ي��روس أنفلونزا‬ ‫الطيور لساللة خطرة‪ ،‬إذ اكتشفت حدوث تحور في‬ ‫جين ‪ ))B.B.-2‬في عينة من الفيروس (إتش ‪ 5‬إن ‪،)1‬‬ ‫تم أخذها من مريض في دون��ج ث��اب‪ ،‬جنوب فيتنام‪،‬‬ ‫ك��ان قد م��ات في أوائ��ل العام الحالي‪ ،‬ويسمح هذا‬ ‫التحور بالتكاثر النشط للفيروس في الثدييات‪.‬‬

‫درجة مئوية لمدة ‪ 6‬أيام‪.‬‬ ‫وفيروسات أنفلونزا الطيور بإمكانها أن تصمد‬ ‫أيضاً على السطوح‪ ،‬مثل بيت الدواجن لعدة أسابيع‪،‬‬ ‫وبسبب هذه القابلية للبقاء‪ ،‬فإن طرق حفظ الغذاء‬ ‫العادية مثل التجميد والتبريد لن تخفض تركيز أو‬ ‫نشاط الفيروس بصورة جوهرية في اللحوم الملوثة‪،‬‬ ‫ولكن الطبخ الطبيعي (درج��ات ح��رارة في ح��دود أو‬ ‫فوق ‪ 70‬درجة مئوية) تعطل الفيروس‪.‬‬

‫وحتى اآلن ليس هناك دليل على إصابة البشر‬ ‫عوامل انتقال المرض‬ ‫خالل استهالك لحم الدجاج الملوث‪ ،‬والمطبوخ بشكل‬ ‫وم��ن ال �ع��وام��ل ال��رئ�ي�س��ة ال�ت��ي تنقل ال �م��رض من‬ ‫جيد‪ .‬ويمكن أن يستنتج بأن لحم الدجاج المطبوخ‬ ‫المناطق الموبوءة إلى المناطق السليمة‪ ،‬اآلتي‪:‬‬ ‫جيداً آمن‪ ،‬لكن المشكلة تكمن في أن التعامل مع لحم‬ ‫‪ .1‬الطيور المهاجرة‪.‬‬ ‫الدجاج المجمد أو المذاب قبل طبخه يمكن أن يكون‬ ‫خطراً‪ .‬وباإلضافة إلى ماسبق‪ ،‬فإن أسلوب تسويق‬ ‫‪ .2‬العاملون بتربية وبيع الدواجن وطيور الزينة‪.‬‬ ‫الطيور الحية ي��ؤدي إلى تعرض شامل وبشكل أكبر‬ ‫‪ .3‬عن طريق المعدات واألقفاص‪ ،‬التي ينتقل المرض إلى األجزاء الملوثة من الطيور‪ ،‬ابتداء بالذبح‪ ،‬ونزع‬ ‫بوساطتها من مزرعة إلى أخرى‪.‬‬ ‫الريش‪ ،‬ونزع األحشاء‪ ،‬إلخ‪ ،‬ما يشكل خطراً ضخماً‬ ‫‪ .4‬من خالل وسيط كبعض الحيوانات‪ ،‬مثل‪ :‬القوارض على الشخص المشترك في هذه النشاطات؛ حيث إن‬ ‫كل أجزاء الطير المصاب ملوثة بالفيروس تقريباً‪.‬‬ ‫والقطط والكالب والخنازير‪.‬‬ ‫وف�ي��روس أنفلونزا الطيور يمكنه التواجد داخل‬ ‫‪ .5‬استنشاق الغبار الملوث بالفيروس‪.‬‬ ‫البيض وع�ل��ى ق �ش��وره‪ ،‬على ال��رغ��م م��ن أن الطيور‬ ‫‪ .6‬تناول الطعام الملوث‪.‬‬ ‫المريضة ستتوقف عن الوضع عادةً‪ ،‬والبيض المنتج‬ ‫ويستطيع فيروس أنفلونزا الطيور البقاء على لحم في مرحلة المرض المبكرة هذه‪ ،‬يمكن أن يحتوي على‬ ‫ال��دج��اج المذبوح‪ ،‬ويمكن أن ينتشر عبر المنتجات الفيروسات في الزالل والمح‪ ،‬إضافة إلى تواجده على‬ ‫الغذائية الملوثة (اللحم المجمد)‪،‬‬ ‫سطح القشرة الخارجية‪.‬‬ ‫وتزيد درج��ات ال�ح��رارة المنخفضة‬ ‫حصد مرض‬ ‫وإن وق��ت صمود الفيروس على‬ ‫استقرار الفيروس‪.‬‬ ‫�اف لنشر‬ ‫س �ط��ح ق �ش��رة ال �ب �ي��ض ك� � ٍ‬ ‫ويستطيع الفيروس أن يبقي في انفلونزا الطيور‬ ‫ال �م��رض ب �ص��ورة وب��ائ �ي��ة‪ .‬والطبخ‬ ‫غ��ائ��ط ال�ط�ي��ور ل�م��دة ‪ 35‬ي��وم �اً على‬ ‫الجيد فقط سيكون قادراً على تعطيل‬ ‫عام ‪1918‬‬ ‫األقل‪ ،‬في درجات الحرارة المنخفضة‬ ‫الفيروس داخل البيض‪ ،‬وليس هناك‬ ‫(‪4‬درج � ��ة م �ئ��وي��ة)‪ ،‬وف ��ي اختبارات خمسني مليون دليل طبي حتى اآلن على أن البشر‬ ‫االستقرار التي أجريت على العينات‬ ‫أصيبوا بالمرض باستهالك منتجات‬ ‫ال�ب��رازي��ة‪ ،‬استطاع فيروس (إت��ش ‪5‬‬ ‫البيض أو البيض نفسه‪.‬‬ ‫شخص‬ ‫إن ‪ )1‬الصمود في درجة ح��رارة ‪37‬‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫أعراض المرض عند الطيور‬

‫‪ .6‬حدوث نزيف من األنف واللثة‪.‬‬

‫ومن أعراض أنفلونزا الطيور في الدواجن احتقان‪ .7 ،‬إحساس باإلعياء والتقيؤ واإلسهال‪.‬‬ ‫وبقع دموية بالمفاصل‪ ،‬وان�ع��دام النشاط والشهية‪ .8 ،‬آالم في البطن‪.‬‬ ‫وتورّم الرأس واألجفان والعرف والداليات‪ ،‬وزرقة في‬ ‫وف ��ي ال� �ح ��االت ال �ش��دي��دة ت �ح��دث م �ش �ك�لات في‬ ‫العرف‪ ،‬وإفرازات من األنف والفم‪ ،‬والسعال والعطس‬ ‫واإلسهال‪ ،‬والموت المفاجئ‪ .‬وتصل في أيام محدودة التنفس‪ ،‬تتضمن التهابات رئ��وي��ة ش��دي��دة‪ .‬وتتطور‬ ‫اإلصابة إلى قصور في التنفس‪ ،‬يستدعي االستعانة‬ ‫إلى ‪.100%‬‬ ‫بأجهزة التنفس الصناعي‪ .‬وتتطور األع ��راض إلى‬ ‫ول �ل �ت��أك��د م��ن ال �م��رض ف��ي ال �ط �ي��ور‪ ،‬ي �ت��م إج ��راء قصور كلوي‪ ،‬وقصور قلبي‪ ،‬والتهاب كبدي‪ ،‬ونزف‬ ‫التشريح لمعرفة التغيرات الجهازية‪ ،‬والتي تظهر في رئوي‪ ،‬ثم الوفاة‪.‬‬ ‫أنفلونزا الطيور‪ ،‬مثل التهاب في األكياس الهوائية‪.‬‬ ‫والطيور التي تكون في فترة إنتاج البيض‪ ،‬توجد بها وسائل الوقاية من المرض‬ ‫آفات في قناة المبيض‪ ،‬وفي الحاالت الحادة للمرض‬ ‫وللوقاية من مرض أنفلونزا الطيور‪ ،‬يجب ‪ -‬أوالً ‪-‬‬ ‫تنتشر آفات في الجسم‪ ،‬وتوجد اإلفرازات الليفية في اتباع اإلجراءات الوقائية‪:‬‬ ‫التامور‪ ،‬والبريتون‪ ،‬واألكياس الهوائية‪ ،‬وقناة المبيض‪،‬‬ ‫‪ .1‬غسل اليدين بشكل متكرر بالماء الصابون‪.‬‬ ‫وقد تتصلب الرئة بااللتهاب‪ ،‬كما يوجد النخر البؤري‬ ‫في الكبد والكلي والطحال‪ ،‬ويوجد أيضاً الدوالي في ‪ .2‬االبتعاد عن األشخاص الذين يسعلون وحرارتهم‬ ‫مرتفعة‪ ،‬وسافروا حديثاٍ إلى الدول الموبوءة‪.‬‬ ‫الكبد والطحال والكلي‪ ،‬كما يكون النزف منتشراً في‬ ‫الجسم و تحت المجهر يمكن أيضاً مالحظة تكهفات ‪ .3‬اس �ت �خ��دام األق �ن �ع��ة ال �م �ت��واف��رة ل�ح�م��اي��ة الجهاز‬ ‫في المخ‪ ،‬ونخر في األعضاء الداخلية‪ .‬وللتأكد من‬ ‫التنفسي‪ ،‬ونظارات للوقاية‪ ،‬وقفازات للقائمين‬ ‫التشخيص معملياً يمكن إج��راء اختبار ت�لازن الدم‪،‬‬ ‫على العالج أو غيرهم من المهنيين المعرضين‬ ‫واختبار االنتشار على الغراء الجيالتيني‪ ،‬واختبار نيور‬ ‫النتقال العدوى‪.‬‬ ‫أميدنيز للكشف عن األنتيجينات السطحية‪.‬‬ ‫‪ .4‬تجنب مخالطة الطيور البرية‪ ،‬وخاصة البرمائية؛‬ ‫أعراض المرض عند اإلنسان المصاب‬ ‫ألنها مصدر رئيس النتقال العدوى‪.‬‬ ‫وبالنسبة ألع��راض أنفلونزا الطيور في اإلنسان‬ ‫وف��ي حالة ظهور المرض يجب التخلص الفوري‬ ‫فإنها تتمثل في‪:‬‬ ‫بطريقة علمية ووقائية من الدواجن المصابة‪ ،‬وغير‬

‫‪ .1‬ارتفاع في درجة الحرارة تصل إلى ‪ 38‬درجة مئوية ال�م�ص��اب��ة‪ ،‬مهما ك��ان ع��دده��ا؛ وح�ج��ره��ا‪ ،‬وتعويض‬ ‫المتضررين؛ حسب اتفاقية منظمة الصحة العالمية‪،‬‬ ‫أو أكثر‪.‬‬ ‫ومنع دخ��ول العاملين‪ ،‬والمعدات‪ ،‬في دائ��رة ال يقل‬ ‫‪ .2‬السعال‪.‬‬ ‫قطرها عن ‪15‬كم من المنطقة المصابة‪ ،‬وكذلك يجب‬ ‫التوعية الصحية للمواطنين القاطنين قريباً من أماكن‬ ‫‪ .3‬تقرح الحنجرة‪.‬‬ ‫توافد الطيور المهاجرة‪ ،‬والتنسيق والتعاون الدولي‬ ‫‪ .4‬صعوبة التنفس‪.‬‬ ‫واإلق�ل�ي�م��ي والمحلي بين ال�ج�ه��ات المختصة لمنع‬ ‫وصول هذا الوباء الخطير‪.‬‬ ‫‪ .5‬التهاب العيون‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪63 1427‬‬


‫‪ .3‬تحسين حاالت كشف اإلصابة بالبشر‪ ،‬وذلك يستلزم‬ ‫وسائل تجنب انتقال الفيروس‬ ‫مختبرات مجهزة تجهيزاً خ��اص�اً ويتسم عملها‬ ‫ويجب اتباع اإلرش ��ادات الصحية التالية لتجنب‬ ‫بمستوي عال من األمن البيولوجي‪.‬‬ ‫انتشار الفيروس خالل الغذاء‪:‬‬ ‫‪ .1‬فصل اللحم النئ عن األطعمة المطبوخة أو الجاهزة ‪ .4‬التعاون مع الشركات العالمية الستيراد اللقاح في‬ ‫حال توافره‪.‬‬ ‫لألكل؛ لتفادي التلوث‪.‬‬ ‫‪ .2‬عدم استعمال لوح التقطيع نفسه‪ ،‬أو السكين ذاته‪.‬‬ ‫‪ .3‬عدم لمس األطعمة النيئة ثم المطبوخة بدون غسل‬ ‫اليدين جيداً​ً‪.‬‬ ‫‪ .4‬تجنب إعادة وضع اللحم المطبوخ على نفس الصحن‬ ‫الذي وضع عليه قبل الطبخ‪.‬‬ ‫‪ .5‬تجنب استعمال بيض نيئ أو مسلوق بدرجة خفيفة‬ ‫في تحضير طعام لن يعالج بحرارة عالية فيما بعد‬ ‫(الطبخ)‪.‬‬ ‫‪ .6‬االستمرار بغسل وتنظيف اليدين بعد التعامل مع‬ ‫الدجاج المجمد‪ ،‬أو الذائب‪ ،‬أو البيض النيئ‪ ،‬مع‬ ‫غسل كلتا اليدين وجميع األسطح واألدوات التي‬ ‫كانت على اتصال باللحم النيئ بالصابون‪.‬‬

‫‪ .5‬ت�ك��وي��ن م �خ��زون اح�ت�ي��اط��ي م��ن األدوي� ��ة المضادة‬ ‫للفيروسات‪.‬‬ ‫ولعالج أنفلونزا الطيور يجب تحصين الدواجن‬ ‫السليمة بلقاح فيروس المرض (إت ��ش‪5‬إن‪ ،)1‬وذلك‬ ‫لتكوين أج�س��ام مناعية للوقاية م��ن وق��وع المرض‪.‬‬ ‫وبالنسبة لإلنسان يجب إعطاء لقاح فيروس المرض‬ ‫(‪ )D-R-3‬ل�لإن�س��ان السليم‪ ،‬وذل��ك لتنشيط جهاز‬ ‫المناعة‪ ،‬وخيار اللقاح يثير عدة مشكالت منها‪ :‬أن‬ ‫اللقاح المتوافر حالياً ضد هذا الفيروس يعمل فقط‬ ‫ضد نسخة الفيروس القائمة‪ ،‬ولكن قد يكون هذا‬ ‫اللقاح غير فعال في التعامل مع نسخة أخرى متحورة‬ ‫وقادرة على االنتقال بين البشر‪.‬‬ ‫وفي حالة اإلنسان المصاب يتم عالجه باستخدام‬ ‫دواء مضادات الفيروسات؛ ويوجد منها نوعان‪:‬‬

‫‪ .7‬الطبخ الجيد للحم الدجاج سيعطل الفيروسات‪،‬‬ ‫النوع األول عبارة عن كبسوالت تسمي (تاميفلو)‬ ‫ويقتلها‪ ،‬وذلك بضمان وصول لحم الدجاج إلى ‪70‬‬ ‫وهو أكثر فاعلية وتأثيراً على الفيروس‪ ،‬وخاصة إذا‬ ‫درجة مئوية أو أكثر أ‪.‬‬ ‫استعملت في اليومين األوليين لظهور األعراض (خالل‬ ‫وال توجد دولة في العالم في كامل االستعداد لمنع‬ ‫‪ 48‬ساعة وكلما ك��ان ذل��ك أس��رع كلما كانت النتائج‬ ‫حدوث جائحة األنفلونزا‪ ،‬ولكن هناك توصيات لمنظمة‬ ‫أفضل)‪ ،‬كما يساعد أيضاً في الوقاية من الفيروس‬ ‫الصحة العالمية والتي يمكن تلخيصها في التالي‪:‬‬ ‫في حال استخدامها قبل اإلصابة؛ وبذلك فإن هذا‬ ‫‪ .1‬تحسين النهج المتبع في الكشف عن الفيروس في الدواء هو الصالح في حالة انتشار الوباء العام‪.‬‬ ‫البيئة‪ ،‬وخاصة الكشف الدوري على مزارع الدواجن‬ ‫وال� �ن���وع ال��ث��ان��ي ع� �ب ��ارة ع ��ن ن �ق��ط ف ��ي األن ��ف‬ ‫وأم��اك��ن الطيور المهاجرة وال�م��راق�ب��ة البيطرية‪،‬‬ ‫تسمي(ريلينزا)‪ .‬وه��و أق��ل ت��أث�ي��راً على الفيروس‬ ‫وضرورة تكوين فهم كاف للعالقة بين المرض الذي‬ ‫م��ن ال�ن��وع األول‪ .‬وح��ال�ي�اً تتسابق م��راك��ز األبحاث‬ ‫يصيب الحيوان والمرض الذي يصيب اإلنسان‪.‬‬ ‫وال�ج��ام�ع��ات العالمية على إن�ت��اج أم�ص��ال (أجسام‬ ‫‪ .2‬تنشيط وتنمية التعاون بين قطاع الصحة العامة مناعية جاهزة) الستخدامها في حالة حدوث وباءٍ ‪-‬‬ ‫وقطاع صحة الحيوان‪.‬‬ ‫ال قدر الله‪.-‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫أمراض ناجتة عن ملوثات املنزل‬ ‫> د‪ .‬بشير جرار‬

‫<‬

‫متالزمة المسكن الممرض‪ :‬متالزمة المسكن الممرض عبارة عن ظهور أعراض‬ ‫مرضية على الشخص عند دخوله لمنزل ثم تختفي هذه األعراض عند مغادرة هذا‬ ‫< قسم علوم المختبرات الطبية – كلية العلوم الطبية التطبيقية ‪ -‬جامعة الجوف‬

‫ع������ل������وم‬

‫تشير ال��دراس��ات البيئية والصحية إل��ى إح�ت��واء أج��واء منازلنا على عشرات‬ ‫الملوثات المسؤولة عن العديد من أمراض الجهاز التنفسي والقلب والحساسية‬ ‫واألورام السرطانية المتنوعة‪ .‬فعلى سبيل المثال دلت الدراسات حول مستويات‬ ‫المنازل في كل من الهند والصين على أنه مقابل كل حالة وفاة بسبب ملوثات البيئة‬ ‫الخارجية هنالك حالتي وفاة بسبب ملوثات المنازل‪ .‬وتذكر تقارير منظمة الصحة‬ ‫العالمية بأن حوالي ‪ 2.8‬مليون شخص من البالغين يموتون سنوياً بسبب ملوثات‬ ‫المنازل التي تضع جميع قاطنيها خاصة األطفال والنساء الذين يقضون معظم‬ ‫وقتهم داخل منازلهم تحت طائلة مخاطر هذه الملوثات‪ .‬وكما أدخلت التقنيات‬ ‫الحديثة العديد من الملوثات عبر أجهزة الميكرويف والهاتف النقال واألجهزة‬ ‫األخرى إلى منازلنا مستويات مرتفعة من الضوضاء واإلشعاع‪ .‬وبالمقابل ما زال‬ ‫نصف سكان العالم يستخدم الفحم أو الخشب أو روث الحيوانات كوسيلة للطهي‬ ‫والتدفئة على مدافي ومطابخ غير فعالة وف��ي منازل سيئة التهوية‪ .‬وال غرابة‬ ‫فيما أعلنته منظمة الصحة العالمية بأن ‪ 1.9‬مليون شخص يموتون سنوياً بسبب‬ ‫جسيمات الغبار العالقة في أجواء المنازل مقابل نصف مليون يموتون بسبب هذه‬ ‫الجسيمات في البيئات الخارجية‪ .‬ومن المؤسف أن تدني مستويات الخدمات‬ ‫الصحية والوعي البيئي يجعل مهمة التصدي لملوثات المنازل ومخاطرها أمراً‬ ‫ليس باليسير‪ .‬وفيما يلي استعراض ألهم األمراض التي تسببها ملوثات المنازل‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪65 1427‬‬


‫وتتفاقم المشكلة في المنازل سيئة التهوية‪ .‬كما أن‬ ‫غازات الطبخ قد تصل إلى مستويات مرتفعة تسبب‬ ‫نوبات الربو‪ ,‬يضاف إلى ذلك األبخرة المتصاعدة‬ ‫من مواد التجميل ومحاليل الدهان وسوائل التنظيف‬ ‫التي تفاقم من المشكلة‪ .‬وكما هو معلوم فالربو من‬ ‫األمراض التي ال يتوفر لها حالياً عالج وإنما أدوية‬ ‫مسكنة للسيطرة على أعراضه وللحد من تفاقمه‪.‬‬ ‫وهنالك العديد من ملوثات المنازل التي تفاقم‬ ‫حالة المصابين بالربو وأهمها‪:‬‬ ‫دخ���ان ال �س �ج��ائ��ر‪ ,‬ج�س�ي�م��ات ال �غ �ب��ار المنزلي‪ ,‬‬ ‫حلم الغبار‪ ,‬رذاذ الشعر‪ ,‬أج��زاء حيوانات المنزل‬ ‫المتساقطة مثل الشعر والريش والقشور‪,‬الصراصير‬ ‫المنزل‪ ,‬حيث تظهر األعراض بعد دقائق من دخول وأج��زائ�ه��ا وفضالتها‪ ,‬حبوب لقاح بعض النباتات‬ ‫المنزل لكنها قد تستمر لعدة ساعات أو أي��ام بعد المنزلية واألبخرة المصاحبة لعمليات الطهي‪.‬‬ ‫مغادرته‪ .‬وتشاهد هذه الظاهرة في المباني التي يكون‬ ‫ح��ي��وان��ات ال��م��ن��زل م��ن مسببات ال��ع��دي��د من‬ ‫بها تدوير مركزي يمرر بها هواء التكييف خصوصاً‬ ‫األمراض‬ ‫إذا كانت نسبة التبادل مع الهواء الخارجي ضعيفة‪.‬‬ ‫حمى الهواء الرطب‪ :‬حمى الهواء الرطب مرض‬ ‫ومن أع��راض متالزمة المسكن الممرض‪:‬الصداع‪ ,‬‬ ‫جفاف األغشية المخاطية بالفم واألنف والحنجرة‪ ,‬غير معروف األسباب تماماً إال أنه يعتقد أنه ينتج عن‬ ‫تحرش العيون‪ ,‬دوخة وإغماء‪ ,‬غثيان‪ ,‬عدم الراحة استخدام أجهزة ترطيب الهواء في المنازل كوسيلة‬ ‫والعصبية ‪,‬األرق المصاحب للنوم‪ ,‬متاعب بالجيوب للتخفيف من بعض المتاعب الناتجة عن جفاف األنف‬ ‫األن�ف�ي��ة‪ ,‬ال�ت�ه��اب األن ��ف التحسسي‪ ,‬طفح جلدي‪ ,‬والحنجرة والشفاه والجلد‪ .‬تعمل هذه األجهزة خاصة‬ ‫احتقان أنفي مزمن‪.‬‬ ‫المتسخة منها على نشر بعض الملوثات الكيميائية‬ ‫الــربـــو‪ :‬أظهرت الدراسات الصحية والبيئية أن‬ ‫هنالك عالقة وثيقة بين الربو ووج��ود الصراصير‬ ‫والحلم الغباري والفطريات في المنازل‪ .‬وكما أن‬ ‫بعض أن ��واع السجاد وال��ده��ان��ات ال�ج��دي��دة وبعض‬ ‫ملوثات ال�ه��واء في المنازل من المسببات األخرى‬ ‫لظهور أع ��راض ال��رب��و‪ .‬وم��ن أه��م ملوثات المنازل‬ ‫المسببة للربو دخان السجائر واألبخرة المتصاعدة‬ ‫م��ن الطهي واألب �خ��رة الكيميائية ل �م��واد التنظيف‬ ‫والمستحضرات الرذاذية داخل المنازل‪ .‬ولعل دخان‬ ‫السجائر من أخطر مسببات الربو عند األطفال‪ ,‬‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫والحيوية في أج��واء المنزل‪ .‬تظهر على المصابين‬ ‫بهذا المرض أع��راض االلتهاب الرئوي التحسسي‬ ‫مصحوب بالحمى‪ .‬ويعتقد أن ه��ذه األجهزة تنشر‬ ‫مع ال�ه��واء الرطب بعض مسببات ال�ع��دوى‪ ,‬خاصة‬ ‫الفطريات وحلم ال�غ�ب��ار‪ .‬وتظهر أع��راض المرض‬ ‫بشكل مبكر على فئات معينة من قاطني المنازل‪ ,‬‬ ‫خاصة المدخنين ومدمني الخمور بسبب خفض‬ ‫المناعة لديهم‪ ,‬إضافة إلى كبار السن فوق عمر ‪50‬‬ ‫سنة‪ .‬ومن أعراض هذا المرض اآلتي‪ :‬صداع‪ ,‬حمى‬ ‫قشعريرة‪ ,‬ضعف العضالت‪ ,‬ضعف عام‪.‬‬


‫مـــرض الليوجنيير (ح�م��ى ال�ب��ون�ت�ي��اك)‪ :‬عرف نسبة اإلص��اب��ة بين النساء ال�لات��ي يستخدمن غاز‬ ‫مرض الليوجنييرألول مرة عام ‪1968‬م عندما أصاب االسطوانات الذي يطلق مستويات أقل من الملوثات‪.‬‬ ‫نزالء أحـد الفنادق في مدينة بونتياك بوالية متشغن‬ ‫ويعد التدخين مسؤول عن انتشار أنواع متعددة‬ ‫األمريكية مـرض غامض وأطـلق عليه حين ذلك حمى م��ن ال �س��رط��ان‪ ,‬وت�ص��ل مسؤووليته حتى ‪ 90٪‬من‬ ‫بونتياك‪ .‬وقد اتـضح أن سبـب إصابة نزالء الفندق ح��االت س��رط��ان ال��رئ��ة و ‪ 35٪‬م��ن ح��االت سرطان‬ ‫هو تلوث هواء غرف هذا الفندق ببكتيريا معينة كان المثانة و ‪ 30٪‬من كل حاالت السرطان‪.‬‬ ‫مصدرها أجهزة التكييف المركزي‪ ,‬ومن ذلك الحين‬ ‫داء الســل‪ :‬ينتشر م��رض ال�س��ل بين القاطنين‬ ‫يطلق هذا المرض على األشخاص الذين يصابون‬ ‫بالمنزل أو العاملين به‪ ,‬وينتقل من المصابين بهذا‬ ‫ب��أع��راض ال�ت�ه��اب رئ ��وي مصحوبة بحمى كنتيجة‬ ‫المرض إلى اآلخرين بسبب الظروف البيئية للمنزل‪ ,‬‬ ‫الستنشاق ه��واء رط��ب ملوث بـالبكتيريا‪ .‬وترتبط‬ ‫خاصة االزدح��ام باألشخاص وسوء التهوية‪ .‬يسبب‬ ‫اإلصابة بهذا المرض بالمنازل الفخمة والقصور‬ ‫هذا المرض المعدي جرثومة تخرج مع البلغم لتصل‬ ‫التي تشتمل على أنظمة التكييف المركزية‪ ,‬وحمامات‬ ‫إالى إنسان آخرعبر االتصال مع أدوات المصاب‪.‬‬ ‫الدردور (دوامات الماء)‪.‬‬

‫والسعال أول أع��راض هذا المرض ويكون حاداً م��ل��وث��ات ال��م��ن��زل م��ن أه��م مسببات سرطان‬ ‫وربما مصحوباً بالبلغم تليه حمى مرتفعة ودوخة الرئة‬ ‫وق��يء وص��داع وأل��م العضالت وال�ص��در وضيق في‬ ‫التنفس‪ .‬وكما أن اإلسهال صفة مميزة لهذا المرض‪.‬‬ ‫كذلك يعاني المصابون الذين يعانون من مشاكل في‬ ‫الجهاز المناعي والمصابين بأمراض الرئة من مزيد‬ ‫من التعقيدات لهذا المرض قد ت��ؤدي إل��ى الوفاة‪.‬‬ ‫ال حتى يعود‬ ‫ويستغرق في ال�ع��ادة األم��ر وقتاً طوي ً‬ ‫المريض إلى وضعه السابق‪ .‬وعلى المصاب المدخن‬ ‫االنقطاع عن التدخين تماماً خالل فترة النقاهة لمدة‬ ‫قد تصل حتى عام‪ .‬وأبرز األعراض خالل هذه الفترة‬ ‫هو ضعف المقدرة على التركيز عند المصاب‪.‬‬

‫ال�ح�س��اس�ي��ة‪ :‬ي �ص��اب س �ك��ان ال �م �ن��ازل بأمراض‬ ‫التحسس كنتيجة لتفاعالت مناعية بسبب تلوث‬ ‫أجواء المنزل بالعديد من الملوثات‪ .‬ويفاقم المشكلة‬ ‫وجود عوامل أخرى تساعد على اإلصابة بالحساسية‬ ‫المفرطة لهذه الملوثات‪ ,‬كارتفاع الرطوبة إلى أكثر‬ ‫من ‪ 50٪‬ووجود تسريب للمياه بشكل دائم بالمنزل‪ ,‬‬ ‫إضافة إلى أجهزة التكييف المركزي التي تعتمد على‬ ‫تدوير الهواء المغلق داخل المباني‪.‬‬

‫وم��ن أش�ه��ر مسببات التحسس داخ��ل المنزل‪:‬‬ ‫جسيمات ال �غ �ب��ار‪ ,‬أب ��واغ ال�ف�ط��ري��ات المنبعثة من‬ ‫س��رط��ان ال��رئ �ـ �ـ��ة‪ :‬ال �ع��دي��د م��ن م �ل��وث��ات المنازل ج��دران المنازل التي تتعرض لتسريب دائم للمياه‪ ,‬‬ ‫مسرطنة‪ ,‬خاصة للجهاز التنفسي ومسببة لسرطان حبوب اللقاح‪ ،‬حلم الغبار‪ ,‬بعض الجلود والمطاط‪ ,‬‬ ‫الرئة‪ .‬وأظهرت الدراسات أن الغازات المنبعثة من المطهرات والمنظفات المنزلية‪ ,‬المستحضرات‬ ‫الطهي ودخ��ان السجائر والمنظفات داخ��ل المنازل الرذاذية في المنزل كالرذاذ المضاد للتعرق والمواد‬ ‫تؤدي إلى العديد من األمراض وفي مقدمتها سرطان الرذاذية المنعشة‪ ,‬السجاد والموكيت المصنع حديثاً‪ ,‬‬ ‫الرئة‪ .‬وعلى سبيل المثال في الصين الشعبية فإن الصراصير والقوارض من جرذان وفئران بالمنزل‪ ,‬‬ ‫نسبة سرطان الرئة بين النساء الالتي يستخدمن وجود حيوانات أليفة من كالب وقطط وطيور وأرانب‬ ‫الفحم كوسيلة للطهي في منازلهن هي ستة أضعاف تشارك اإلنسان منزله‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪67 1427‬‬


‫األهمية االقتصادية للبحث العلمي‬ ‫> د‪ .‬محمد بن فهد القحطاني‬

‫ع������ل������وم‬ ‫‪68‬‬

‫يُع ُّد البحث العلمي في غاية األهمية من الناحية االقتصادية‪ ،‬السيما في الدول‬ ‫النامية‪ ،‬التي تعاني من عجز كبير في المعرفة العلمية‪ ،‬وكذلك من نقص حاد في‬ ‫مستوى اإلنفاق على البحث العلمي‪ .‬وتنبع هذه األهمية من قناعة الدول النامية‪،‬‬ ‫في أن السبب المباشر في عدم لحاقها بركب الدول المتطورة‪ ،‬هو تخلفها التقني‪،‬‬ ‫وبالتالي تراجع مستويات النمو‪ ،‬في العديد من بلدان العالم الثالث‪ .‬إن العالقة بين‬ ‫اإلنفاق على البحث العلمي ومستويات النمو االقتصادي‪ ،‬تُعد عالقة وثيقة ال ُعرَى‪،‬‬ ‫ومؤكدة‪ ،‬بالنظر إلى واقع الدول النامية والدول الصناعية؛ فكلما زاد اإلنفاق على‬ ‫البحث العلمي كنسبة من الناتج القومي‪ ،‬كلما ارتفعت معدالت النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫والمثال الواضح في هذا المجال هو روسيا‪ ،‬حيث أدت األزمة االقتصادية الخانقة‪،‬‬ ‫إلى تقليص نسبة اإلنفاق على األبحاث والتطوير من ‪ 2%‬في العام ‪ ،1990‬إلى أقل‬ ‫من ‪ 1%‬في العام ‪ 1999‬وقد نجم عن ذلك انهيار اقتصادي كامل‪ ،‬ما ترتبت عليه‬ ‫مشكالت أخرى؛ كاألزمات المالية‪ ،‬وتخلف تقنية اإلنتاج‪ ،‬وتراجع في عدد البحوث‬ ‫العلمية المنشورة‪ ،‬وتناقص أعداد براءات االختراع والبطالة في صفوف العلماء‬ ‫والباحثين‪ ،‬والذي دفع بهم إلى الهجرة إلى بلدان أخرى‪.‬‬ ‫يزدهر البحث العلمي في البلدان المتطورة‪ ،‬التي تتمتع اقتصادياتها بطابع‬ ‫تنافسي‪ ،‬إذ يُنظر إلى البحث العلمي على أنه الوسيلة األكثر فعالية في تحقيق‬ ‫< أستاذ االقتصاد المساعد ‪ -‬معهد الدراسات الدبلوماسية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫‪mqahtani@ids.gov.sa‬‬


‫التنمية المستدامة على مستوى االقتصاد الوطني‪ .‬التعليم الجامعي‪ ،‬كنوع من الرفاهية‪ ،‬التي تؤدي إلى‬ ‫ولتحقيق ذلك الهدف تقوم الحكومة بوضع السياسات هدر الموارد المادية النادرة في الدول النامية‪.‬‬ ‫العامة‪ ،‬الكفيلة ببث الوعي العلمي على المستوى‬ ‫الشعبي‪ ،‬من خ�لال إنشاء مراكز البحوث‪ ،‬وتقديم‬

‫الدعم المادي للمشاريع العلمية والبحثية‪ ،‬وتصميم‬ ‫المناهج التعليمية الكفيلة بخلق "العقول المتدبرة"‪.‬‬

‫على مستوى القطاع الخاص‪ ،‬تتنافس الشركات‬

‫الصناعية المنتجة‪ ،‬في مجال تطوير تقنية اإلنتاج‪ ،‬ما‬ ‫يتطلب إنشاء أقسام األبحاث والتطوير‬

‫(‪Research‬‬

‫‪ ،)and Development، R&D‬إذ يقوم الباحثون‬

‫بتحديث وسائل اإلنتاج‪ ،‬وتحسين جودة السلع‪ ،‬ألجل‬

‫إقناع المستهلكين بارتفاع مستوى ال�ج��ودة‪ ،‬مقارن ًة‬

‫ب��ال�س�ل��ع ال�م�ن��اف�س��ة األخ� ��رى‪ .‬ف ��إذا أف�ل�ح��ت الشركة‬ ‫في الحصول على أح��دث تقنيات اإلن�ت��اج؛ ف��إن ذلك‬ ‫يضمن لها ميزة تنافسية‪ ،‬مقارنة بالمنتجين اآلخرين‪،‬‬

‫ويحافظ على حصتها في السوق ما يترتب عليه بقائها‬

‫واستمرارها‪ .‬أما على مستوى العلماء والباحثين‪ ،‬فإنهم‬ ‫يحصلون على الكثير من الدعم المادي والمعنوي‪ ،‬ألجل‬

‫تشجيعهم على االنخراط في إعداد البحوث والتقارير‬

‫العلمية المهمة‪ .‬إن تقديم الجوائز التشجيعية‪ ،‬يؤدي‬

‫إل��ى خلق جو مفعم ب��ال��روح التنافسية‪ ،‬التي تنعكس‬ ‫إيجاباً على البحث العلمي من خالل إقناع الباحثين‬ ‫بأن قيامهم بالبحث العلمي‪ ،‬هو عبارة عن استثمار في‬

‫مستقبلهم الوظيفي في المقام األول‪.‬‬

‫يأتي الوضع في الدول النامية على طرف النقيض‬

‫منه ف��ي ال ��دول المتقدمة‪ ،‬حيث التخلف العلمي‪،‬‬

‫وال �ن��درة ف��ي تقنية اإلن �ت��اج‪ ،‬وت��دن��ي ف��ائ��دة المناهج‬ ‫ال��دراس �ي��ة؛ وم ��ر ُّد ذل��ك نتيجة طبيعية لسياسات‬

‫خاطئة‪ ،‬من قبل صنّاع القرار‪ ،‬أو عدم جدية األجهزة‬ ‫الحكومية‪ ،‬ب�ض��رورة البحث العلمي‪ ،‬إذ يُنظر إلى‬

‫اإلنفاق على المشاريع البحثية والتعليمية‪ ،‬بما فيها‬

‫إن المناهج التعليمية‪ ،‬سواء في المراحل المبكرة‬ ‫أو ف��ي ال�م��راح��ل العليا‪ ،‬ق��د ُوض �ع��ت بشكل سريع‬ ‫وغير مدروس‪ ،‬لحل مشاكل وقتية‪ ،‬أال وهي مشكلة‬ ‫األمية‪ ،‬المنتشرة في أكثر ال��دول النامية (بما فيها‬ ‫الدول العربية)‪ .‬فتلك المناهج تركّز على المهارات‬ ‫األساسية‪ :‬كالكتابة‪ ،‬والقراءة؛ وتعتمد على أسلوب‬ ‫التلقين‪ ،‬بينما تغفل التفكير العلمي اإلبداعي‪ ،‬وتهمل‬ ‫التدريب على التحليل الخالّق!‬ ‫يشتكي العلماء والباحثون في الدول النامية من‬ ‫قلة الدعم المادي والمعنوي الكتشافاتهم العلمية؛ بل‬ ‫ومن قلة اإلنفاق على المعدات‪ ،‬والمراجع الضرورية‪،‬‬ ‫التي تُعد شرطاً ضرورياً للقيام بأي بحث علمي؛ فعلى‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬تفتقر المكتبات الجامعية للدوريات‬ ‫العلمية المتخصصة ذات الكلفة الباهظة التي تتجاوز‬ ‫قيمة اشتراكاتها الميزانية المحددة للمكتبة‪ ،‬في‬ ‫حين يُوجّ ه ج ّل اإلنفاق إلى نشاطات بعيدة كل البعد‬ ‫عن النشاطات األكاديمية! وحتى اإلدارات الحكومية‬ ‫المستقلة التي تٌعنى بتقديم الدعم المادي للباحثين‪،‬‬ ‫تضع العديد من الشروط والعراقيل‪ ،‬التي تُحبط‬ ‫المشاريع البحثية‪ ،‬التي قد تكون في غاية األهمية‬ ‫في نشر الوعي العلمي؛ بل وتعاني ميزانياتها من‬ ‫تحكّم األفراد ذوي الميول البيروقراطية‪ ،‬الذين قد ال‬ ‫يؤمنون بجدوى تبنّي تلك اإلبداعات‪ .‬وكنتيجة لذلك‬ ‫التوجه‪ ،‬يُنفق أغلب الموارد المالية المرصودة على‬ ‫أمور ال تمت بأي صلة لنشاطات البحث العلمي‪.‬‬ ‫إن غياب نظام الحوافز للباحثين المتميزين‪ ،‬أدى‬ ‫إلى فقدان العلماء الرغبة في اإلقبال على البحث‬ ‫العلمي السيما وأن قوانين الوظائف العمومية تقف‬ ‫حاجز في سبيل إعطاء النشيطين في الحقول العلمية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪69 1427‬‬


‫معاملة خاصة‪ ،‬وهذه الخاصية األخيرة دفعت األفراد المتحدة األمريكية‪ ،‬بشكل خ��اص‪ ،‬حيث بلغ هذا‬ ‫لشغل الوظائف البحثية‪ ،‬بهدف الحصول على دخل الرقم ‪ 85،000‬باحث في العام ‪.1991‬‬ ‫الوظيفة فقط‪ ،‬دون القيام بالنشاطات العلمية‪ ،‬التي‬ ‫هناك العديد من ال��دراس��ات االقتصادية‪ ،‬التي‬ ‫تتطلب جهداً فكرياً مضنياً‪.‬‬ ‫تنظر بعين األه�م�ي��ة ل�لأب�ح��اث وال �ت �ط��وي��ر‪ ،‬كقرار‬ ‫تنبع أه�م�ي��ة ال�ب�ح��ث العلمي ب��وص�ف��ه المصدر استراتيجي لدى صنّاع القرار‪ ،‬من أجل المحافظة‬ ‫األس��اس للمعرفة التقنية‪ ،‬المرتبطة بشكل مباشر على القدرة التنافسية‪ ،‬ومن ثم المقدرة على النمو‬ ‫بعملية اإلنتاج‪ .‬هذه المعرفة التقنية تُع ُّد المحرك والبقاء‪ .‬هذه األهمية أيضاً صحيحة‪ ،‬على مستوى‬ ‫األس��اس لعملية النمو االقتصادي‪ ،‬كما هو معروف المنشأة‪ ،‬حيث تتخذ العديد من ال�ق��رارات لتعزيز‬ ‫في أدب�ي��ات علم االقتصاد‪ .‬وم��ن المالحظ كذلك‪ ،‬مقدرتها التنافسية‪ ،‬مثل‪ :‬جودة اإلنتاج‪ ،‬والتسعير‪،‬‬ ‫وجود رقم ضخم جداً من الباحثين والمتخصصين واالستثمار في الطاقة اإلنتاجية‪ ،‬واالستثمار في‬ ‫في العلوم البحتة في البلدان المتقدمة بينما على مجال البحوث والتطوير‪.‬‬ ‫العكس من ذلك هو الوضع في الدول النامية‪ ،‬التي‬ ‫هناك العديد من الدراسات التي وجدت عالقة‬ ‫تعاني من نقص حاد في عدد القادرين على القيام‬ ‫وثيقة بين مستوى اإلنفاق على البحوث والتطوير‬ ‫بالبحوث العلمية الضرورية في التنمية الصناعية‪ .‬في‬ ‫واالختراعات العلمية‪ ،‬ومستوى التقنية التي تمتلكها‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬تقوم اإلدارة الحكومية‬ ‫المنشأة‪ ،‬كما وجدت أيضاً عالقة وطيدة وإيجابية‬ ‫بجهود ج��ادة لتشجيع البحث العلمي‪ ،‬مثل إنشاء‬ ‫بين مستوى اإلنفاق على البحث العلمي (ال��ذي هو‬ ‫جهة علمية حكومية مستقلة‪ ،‬تتولى تقديم الدعم‬ ‫موضح‬ ‫ّ‬ ‫الوجه اآلخ��ر للمخترعات العلمية كما هو‬ ‫المادي للباحثين‪ ،‬فقد أنشأت المنظمة األمريكية‬ ‫من العالقة السابقة) واألرباح المتوقعة‪ .‬فعلى سبيل‬ ‫المعنية بالبحث العلمي (‪National Science‬‬ ‫المثال‪ ،‬أثبت الباحثون االقتصاديون أن مصدر ثلثي‬ ‫‪ )Foundation، NSF‬في العام ‪ ،1950‬بعد تقرير‬ ‫االختراعات العلمية هو األبحاث والتطوير بينما يُعزى‬ ‫وض��ح ذل��ك التقرير أهمية‬ ‫أُع��د للبيت األب�ي��ض‪ ،‬إذ ّ‬ ‫الثلث الباقي إلى عدة عوامل‪ ،‬مثل‪ :‬نقل التكنولوجيا‬ ‫العلوم في الوصول إلى أهداف‪ ،‬ال يمكن أن تتحقق‬ ‫من المنافسين في السوق‪ ،‬واقتراحات العمالء‪ ،‬وغير‬ ‫إال من خالل االعتناء بالبحث العلمي‪ .‬تقدر المنظمة‬ ‫ذلك من المصادر األخرى‪.‬‬ ‫األمريكية المعنية بالبحث العلمي ع��دد العاملين‬ ‫إن المتتبع للتنمية الصناعية في الدول المتقدمة‪،‬‬ ‫النشيطين في مجال البحث العلمي بحولي ‪800،000‬‬ ‫شخص في العام ‪ ،1995‬وفي العام نفسه‪ ،‬تبيّن تقارير يجد أن ه�ن��اك نسقاً لقيام الصناعة ف��ي منطقة‬ ‫اإلح�ص��اءات العمالية‪ ،‬أن عدد العاملين في مجال ج�غ��راف�ي��ة دون أخ� ��رى‪ .‬وه �ن��اك ق��ائ�م��ة ط��وي�ل��ة من‬ ‫العلوم الطبيعية والهندسية ما يقارب ‪ 1،722،000‬العوامل االقتصادية التي ت��ؤدي إلى قيام المناطق‬ ‫موظف‪ .‬ومن اإلحصاءات المهمة كذلك‪ ،‬يتبين وجود الصناعية‪ ،‬إال أن أه��م تلك األس �ب��اب ال �ق��رب من‬ ‫عدد كبير من حملة الدكتوراه‪ ،‬في المجاالت العلمية مراكز البحوث والتجمعات العلمية؛ ففي الواليات‬ ‫والهندسية البحتة‪ ،‬المنخرطين في البحث العلمي المتحدة األمريكية على سبيل المثال‪ ،‬هناك تجمعات‬ ‫في الدول المتقدمة‪ ،‬على وجه العموم‪ ،‬وفي الواليات للصناعة ف��ي منطقة وادي السليكون (‪Silicon‬‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫‪ )Valley‬في والي��ة كاليفورنيا وذل��ك بسبب القرب‬

‫من جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا (بيركيلي)‪،‬‬ ‫وهناك تجمع صناعي كبير جداً في منطقة بوسطن‬

‫(‪ ،)Boston، Massachusetts، Route 128‬الذي يعود‬ ‫إلى وجود جامعة هارفرد (‪)Harvard University‬‬ ‫ومعهد ماسشوستس التقني‪.‬‬

‫(‪Massachusetts‬‬

‫‪ )Institute of Technology، MIT‬إن م��ن أهم‬

‫األسباب التي أسهمت في نجاح وانتشار الصناعة‬

‫في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬هو إنشاء الجامعات‬

‫ومراكز البحوث لمكاتب ارتباط مع رجال الصناعة‪،‬‬

‫حتى يتحقق تفعيل نتائج البحوث التي تم التوصل‬ ‫إليها‪ ،‬واالستفادة منها‪.‬‬

‫تنخرط الشركات متعددة الجنسيات‪ ،‬ذات الحجم‬

‫الكبير‪ ،‬في القيام باألبحاث والتطوير لتقديم مخترعات‬

‫جديدة‪ ،‬كفيلة بتعزيز مقدرتها التنافسية‪ .‬المنشآت‬

‫في الصناعات عالية التقنية‪ ،‬والدواء وااللكترونيات‪،‬‬ ‫ت�ق��وم بعمليات ال�ب�ح��وث ف��ي معاملها المنتشرة في‬

‫العديد من الدول؛ فعلى سبيل المثال شركة موتوريال‬

‫(‪ )Motorola‬تقوم بعملية البحوث في ‪ 14‬مختبراً‬ ‫منتشرة في سبع دول‪ .‬والمثال اآلخ��ر‪ ،‬شركة كانون‬

‫(‪ )Canon‬تقوم بعمليات األبحاث والتطوير في ثمانية‬

‫مراكز متخصصة في هذا النوع من النشاطات منتشرة‬

‫في خمسة بلدان مختلفة‪.‬‬

‫هناك سببان أساسيان في قيام الشركات عبر‬

‫القومية بالبحوث والتطوير لمنتجاتها في عدة دول‬

‫خالفاً لالتجاه السائد ب��أن تركز الشركة عمليات‬

‫األب �ح��اث وال�ت�ط��وي��ر ف��ي معامل قريبة م��ن المركز‬

‫الرئيسي للشركة‪ ،‬ه��ذان السببان ه�م��ا‪ :‬أوالً‪ ،‬أن‬ ‫تستفيد المنشأة م��ن م��راك��ز المعلومات والبحوث‬

‫المتوافرة في ال��دول األخ��رى‪ ،‬كالجامعات‪ ،‬ومراكز‬ ‫األبحاث التابعة للشركات المنافسة‪ .‬ثانياً‪ ،‬تحاول‬

‫الشركات العالمية التقرّب من ذوق المستهلك‪ ،‬من‬ ‫خ�لال دراس ��ات ال�س��وق المحلي حتى تحافظ على‬ ‫قدرتها التنافسية‪ ،‬ألجل استمرار التحكم في السوق‬ ‫المحلي وحرمان المنافسين اآلخرين من الدخول إلى‬ ‫تلك األس��واق‪ .‬على سبيل المثال قامت العديد من‬ ‫الشركات العاملة في قطاع االتصاالت‬ ‫(‪Siemens، NEC، Matsushita، and‬‬

‫‪ )Toshiba‬بتأسيس ف��روع لها قريبة م��ن جامعة‬ ‫برينستون (‪ )Princeton University‬الواقعة في‬ ‫والي��ة نيوجيرسي األمريكية‪ .‬وفي المضمار نفسه‪،‬‬ ‫قامت العديد م��ن الشركات العالمية (على سبيل‬ ‫المثال (‪ Texas Instruments and HP‬بإنشاء‬ ‫ف��روع لألبحاث والتطوير التابعة لها في المناطق‬ ‫المحيطة بمدينة طوكيو ال�ي��اب��ان�ي��ة‪ .‬وم��ن األمثلة‬ ‫المشهورة كذلك‪ ،‬قيام شركة توشيبا (‪)Toshiba‬‬ ‫اليابانية بالدخول ف��ي م�ش��روع مشترك م��ع شركة‬ ‫سيمنز (‪ )Siemens‬األل�م��ان�ي��ة ح�ت��ى تتمكن من‬ ‫ال �ح �ص��ول ع �ل��ى ال�ت�ق�ن�ي��ة ال��ض��روري��ة ف��ي صناعة‬ ‫الحاسبات‪ ،‬حيث قامت الشركتان بتأسيس مركز‬ ‫لألبحاث والتطوير في مدينة ريجنزبيرج األلمانية‬ ‫(‪.)Regensburg، Germany‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪71 1427‬‬


‫مع الشاعر الكبير ‪..‬‬

‫طاهر زمخشري‬ ‫> فهد الكريع‬

‫ثمة رموز في هذا البلد‪ ،‬خاصة‪ ،‬وفي أنحاء العالم العربي‪ ،‬عامة‪ ..‬أثرو عقولَنا‬ ‫وقدَّ مو تجارب في منتهى اإلبداع‪ ،‬ولكن لظروف وقتهم‪ ،‬فقد غاب عنهم اإلعالم‪ ،‬وظل‬ ‫إبداعهم وإنتاجهم األدبي محصوراً في تكريم مبسط‪ ،‬ضمن حفل ما‪ ،‬بينما غابت‬ ‫ِس ّيرُهم عن أعين األجيال‪ ..‬ومن ه��ؤالء المبدعين‪ ،‬الشاعر الكبير األستاذ طاهر‬ ‫زمخشري‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬ونحن نحاول في األسطر اآلتية إلقاء الضوء على جزء من‬ ‫سيرته العطرة‪..‬‬

‫طاهر زمخشري (‪ 20 - 1906‬يوليو ‪)1987‬‬ ‫أديب وشاعر سعودي‪ .‬ولد بمكة المكرمة عام ‪1906‬م‪ ،‬وتوفي في ‪ 20‬يوليو عام‬ ‫‪ .1987‬ول��د األستاذ طاهر زمخشري أو "بابا طاهر" كما يحب أن يُلقّب في مكة‬ ‫المكرمة‪ ،‬وتلقى تعليمه بمدارس الفالح‪ .‬عمل في مختلف أنشطة الدولة والدوائر‬ ‫الحكومية‪ ،‬تدرج بالعمل في الصحافة والطباعة‪ ،‬ابتداء بمصحح ووصل إلى وظيفة‬ ‫مراقب عام‪ .‬كما أشرف على جريدة "أم القرى"‪.‬‬

‫شخصيــا ت‬ ‫‪72‬‬

‫ثم عمل في شؤون الجمارك في وزارة المالية‪ ،‬سكرتيراً للديوان‪ ،‬وأسهم في تنظيم‬ ‫اللوائح واألنظمة األساسية‪ .‬كما شارك في تأسيس اإلذاعة السعودية‪ ،‬وكان من أوائل‬ ‫الذين عملوا فيها‪ .‬وقدَّ م مختلف البرامج اإلذاعية‪ ،‬والتمثيليات‪ ،‬وبرامج األطفال‪ ،‬وكل‬ ‫ما يتعلق باإلنتاج اإلذاعي‪ ،‬حتى أصبح مراقباً عاماً لها‪.‬‬ ‫انشأ أول مجلة سعودية خاصة باألطفال‪ ،‬كما شارك في إنشاء وتحرير معظم‬ ‫يكتف بتشجيعه األدبي‬ ‫ِ‬ ‫المجالت والجرائد في بلده‪ .‬نظم الشعر العمودي والحر‪ ،‬ولم‬ ‫للموهوبين‪ ،‬بل أنفق من جيبه الخاص‪ ،‬على كل موهبة فنية‪ ،‬تنبأ لها بالمستقبل‬ ‫ال��واع��د‪ ...‬وك��ان يُعد نفسه لكل فنان أو فنانة أو أدي��ب أو مثقف تربطه به أواصر‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫الصداقة ‪ -‬الترجمان له والمحامي‪ ،‬الذي ال يك ُّل وال‬ ‫يملُّ‪ .‬ص��ارع األي��ام وصارعته‪ ،‬وص��ارع المرض حتى‬ ‫صرعه‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬لم يشكُ ‪ ،‬ولم يَ ُهنْ‪ ،‬ولم‬ ‫يغصب ولم ييأس‪.‬‬ ‫أص��در طاهر ديوانه األول‪ ”:‬أح�لام الربيع “ عام‬ ‫‪1946‬م‪ .‬وكان أول ديوان يصدر في السعودية‪ ،‬بعد فترة‬ ‫طويلة من غياب المطبوعات عنها وعن منطقة الخليج‬ ‫‪ .‬عُرف بلقب "بابا طاهر" الهتمامه بأدب الطفل‪ .‬انشأ‬ ‫أول مجلة أطفال سعودية ‪" -‬مجلة الروضة"‪ ،‬و وصدر‬ ‫أول ع��دد لها بتاريخ ‪ 17‬سبتمبر ‪1959‬م‪ ،‬ولكنها لم‬ ‫تستمر طويالً‪ ،‬فقد توقفت بعد ‪ 27‬عدداً بتاريخ ‪12‬‬ ‫مايو ‪1960‬م‪ .‬كما رأس تحرير صحيفة البالد‪.‬‬

‫ أحالم‪.‬‬‫ ورمضان كريم‪.‬‬‫ عبير الذكريات‪.‬‬‫ من الخيام‪.‬‬‫ أصداء الربيع‪.‬‬‫ مع األصيل‪ ،‬وهي مجموعة من التأمالت والدراسات‬‫النفسية مع بعض الرباعيات الشعرية‪.‬‬ ‫ العين بحر‪ ،‬بحث يتضمن ما قاله بعض الشعراء‬‫في العين‪.‬‬ ‫ ليالي ابن الرومي‪ ،‬دراسة لبيئة ابن الرومي وعصره‪،‬‬‫مع عرض نماذج من أشعاره‬ ‫‪ -‬حبيبي على القمر‪.‬‬

‫عاش الزمخشري حياة المعاناة والبؤس والغربة‪ ،‬وأقام مقتطفات من شعره‬

‫ال في مصر ثم انتقل إلى تونس‪ ،‬حيث كرَّمته الحكومة‬ ‫طوي ً‬ ‫التونسية‪ ،‬ومنحته وساماً رفيعاً‪ .‬وكان الزمخشري أحد‬ ‫الذين حملوا مشعل تجديد الرسالة الفكرية في الجزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬ونجح ف��ي إخ��راج الشعر السعودي م��ن دائرة‬ ‫المحلية‪ ،‬وأطلقه إلى مصر‪ ،‬ولبنان‪ ،‬وسوريا‪ ،‬والعراق‪ ،‬ثم‬ ‫إلى المغرب العربي‪ ،‬عندما أقام في تونس‬

‫تقسوا علـي بال ذنـب أتيـت بـه‬ ‫تبرمـت لكـن خاننـي النـغـم‬ ‫وم� ��ا‬ ‫أع � �ـ� ��اده ش � �ج � �ـ� ��ن ب � �ـ� ��اح األن � �ي� ��ن بـه‬ ‫فهـل   يـال م   محـب   حا لـه   عــد م‬ ‫لـه‬ ‫حسبي من الحب أني بالوفـاء‬ ‫أ مشي   و أ حمل   جر حـاً   ليـس   يلتئـم‬ ‫ألن� ��ي إن ظ�� �ـ�� �ل�� �ـ�� �م�� �ـ� ��ت ف�� �ـ�� �ك�� �ـ�� �ـ� ��م‬ ‫قبلي من الناس في شرع الهوى ظلم‬ ‫اظلم كما شئت ال أر جـوك مرحمـة‬ ‫إ نا   إ لـى   ا لله   يـو م   ا لحشـر   نحتكـم‬

‫قال عن نفسه‪:‬‬

‫ومن إبداعاته أيضاً‪:‬‬

‫الجوائز‬

‫ ح�ص��ل ع�ل��ى ج��ائ��زة ال��دول��ة ال�س�ع��ودي��ة التقديرية‬‫‪.1983‬‬ ‫‪ -‬كرمته الحكومة التونسية بمنحه وساماً رفيعاً‪.‬‬

‫ل � �ي� ��س ف� ��ي األرض ل � �ل� ��ذل � �ي� ��ل دي� ��ار‬ ‫“أنا كوم ٌة من الفحم سوداء تلبس ثياباً بيضاء‪ ،‬تقو ُل‬ ‫و فـلـسـطـيـن   لـلـعـر و بـة   د ا ر‬ ‫شعراً قصائده حمراء وخضراء وصفراء”‪.‬‬ ‫وق� �ـ� �ـ���رار ال� �ـ� �ت� �ق� �س� �ي���م أس� �ـ���ود داج‬ ‫و جـــال ء   ا لـيـهو د   عـنـها   نـهـا ر‬ ‫من أعماله‪:‬‬ ‫أ عـلـو ج   تــر ي   ا د عــا ء   حـمـا نا‬ ‫ أحالم الربيع ‪1946‬م وهو الديوان األول‪.‬‬‫خواريا‬ ‫صـيحة العلج إن توارت‬ ‫ أنفاس الربيع‪.‬‬‫ال � �ـ � �ث� ��ارات م � �ـ � �ج� ��دن� ��ا وه � �ـ� ��و ص� ��رح‬ ‫ أغاريد الصحراء‪.‬‬‫الفجار‬ ‫لـم يـصدع ولـو طغي‬ ‫ على الضفاف‪.‬‬‫إ ن   تــنـا سـو ا   فـــي   حـمـا هـا‬ ‫ ألحان مغترب‪.‬‬‫سـو ف   يـحمي   حقو قنا   ا لبتا ر‬ ‫‪ -‬لبيك‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪73 1427‬‬


‫طه صبان‪ ...‬وإستحضار األماكن‬ ‫> مؤيد منيف‬

‫<‬

‫أزقة متراصة‪ ،‬مركاز العمدة‪ ،‬صبية وبنات يلهون‪ ،‬مقهى شعبي‪ ،‬رواشين‪ ،‬ساقي‬ ‫الماء وبعض المقامات الحجازية‪ ...‬ال��خ قد تطل كل ه��ذه المشاهد العفوية‬ ‫الجميلة أو أي منها – ببساطة وبعبق تراثي أصيل – حين يستحضرها لنا الفنان‬ ‫التشكيلي الجميل‪ /‬طه صبان‪.‬‬ ‫يستوقفك تأمل عالمه‪ ،‬المنحاز دائماً لمدنه التاريخيه‪ ،‬المركّبة بفطرة فنية‪،‬‬ ‫تعكس صدق انتماء هذا الفنان إلنسانيته ولفنه‪.‬‬

‫ت��ش��ك��ي��ل‬ ‫‪74‬‬

‫فالفنان‪ ،‬الذي ولد ونشأ بمكة المكرمة‪ ،‬عام ‪1948‬م‪ ،‬استهل أول مشاركاته عام‬ ‫‪1970‬م‪ ،‬وأقام أول معارضه الشخصية عام ‪1975‬م‪ ،‬بمدينة كولشيستر البريطانية؛‬ ‫تبعه المعرض الشخصي الثاني ع��ام‪1976‬م بجالسكو‪ /‬بريطانيا‪ ،‬ثم توالت بعد‬ ‫ذلك المشاركات والمعارض الشخصية‪ ،‬على الصعيدين المحلي والدولي؛ يغري‬ ‫المشاهد دائماً بمواصلة السير معه قدماً داخل مساحاته‪ ،‬الممتدة بشكل أفقي ‬ ‫ال عدم اإللتفات للوراء‪ ،‬تلك المساحات التي ما هي إال‬ ‫باتجاه الالنهاية‪ ،‬مفض ً‬ ‫مخططات هندسية‪ ،‬شيدها بتفرد‪ ،‬وأراد من خاللها – الفنان ‪ -‬تصميم مدنه‬ ‫الخاصة‪ ،‬وعالمه المسكون بحياة المدينة البسيطة‪.‬‬ ‫في العام ‪1992‬م‪ ،‬كان أحد األعضاء المؤسسين لبيت الفنانين التشكيليين بجده‪ ،‬‬ ‫حيث جرى ترشيحه رئيساً للبيت‪ ،‬الذي كان متنفساً لكثير من الفنانين التشكيليين‪،‬‬ ‫ِلبَثِّ إبداعاتهم الفنية‪ ،‬منذ ذلك العام وحتى اليوم‪ .‬‬ ‫أخلص صبان في حُ به للمدرسة التعبيرية‪ ،‬إذ شكّلت عبر فترة طويلة – وما زالت‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫< فنان تشكيلي‬


‫– وسيلته المفضلة للتخاطب مع جمهوره‪ .‬فعند الوقوف عند‬ ‫تجربتة البصرية‪ ،‬يالحظ ذلك التناغم الواضح بين شخوص‬ ‫الفنان ومساحاته اللونية‪ ،‬من جهة وبين فكرته التعبيرية‪ ،‬من‬ ‫جهة أخ��رى‪ ،‬بخبرة تشكلت عبرعمر فني ليس بالقصير في‬ ‫مجال تلك المدرسة ؛ وال يخفى تأثر صبان ببعض الفنانين‬ ‫التشكيليين الرواد‪ ،‬المحليين والعرب والعالميين‪ ،‬منهم صديقه‬ ‫الفنان التشكيلي الكبير‪ /‬عبدالحليم رضوي‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬أحد‬ ‫رواد الحركة التشكيلية بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬الذي كان‬ ‫له دور واضح – كما يقول الفنان نفسه – في تمسكه بمدرستة‬ ‫التعبيرية ‪.‬‬ ‫"ج ��دة وال �ب �ح��ر" ع �ن��وان ل�ق�ص�ي��دة ع �ش��ق‪ ،‬أه��داه��ا صبان‬ ‫لمعشوقته الجميلة نثرها على (ج��داري��ة)‪ ،‬ام�ت��دت ‪16‬متراً‬ ‫وارتفاع ثالثة أمتار‪ ،‬شكّلت نصاً جميالً‪ ،‬يُضاف إلى نصوص‬ ‫جدارياته األخرى‪ ،‬التي تقرأ كل يوم‪ ،‬وقد ضمتها قاعات مطار‬ ‫الملك عبدالعزيزالدولي بجده‪ ،‬ومطار الملك خالد الدولي‬ ‫بالرياض‪ ،‬ومطار الملك فهد الدولي بالظهران‪.‬‬ ‫التناسب اللوني بشكل طولي‪ ،‬يقابله عنصر التكوين‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى لغة التعبير المميزة‪ ،‬شكّلت هذه العناصر الثالثة‪ ،‬هوية‬ ‫النصوص التشكيلية لطه صبان‪ ،‬فقد قيل عنها‪" :‬إنها تصف‬ ‫إنشطار عناصر المدينة إل��ى ش��رائ��ح ع�م��ودي��ة‪ ،‬تكشف عن‬ ‫معاناته‪ ،‬كسائر أبناء المدن‪ ،‬من هاجس اغتيال هذه المدن‬ ‫بالمخططات التنظيمية المتراكبة‪ ،‬ف��وق أح ��داث وأنفاس‬ ‫المدينة القديمة‪ ،‬وت��دل على سعيه إل��ى استرجاع تخطيط‬ ‫مدينته الروحي العريق‪ ،‬وإحياء ذاكرتها الغابرة"‪ .‬‬ ‫كان لصبان‪ ،‬العديد من المشاركات في البيناليات والمعارض‬ ‫الخارجية‪ ،‬على المستويين العربي والعالمي‪ ،‬منذ عام ‪1970‬م ‬ ‫وحتى ع��ام ‪2005‬م‪ ،‬في إيطاليا‪ ،‬والهند‪ ،‬ول�ن��دن‪ ،‬والقاهرة‪،‬‬ ‫ومدريد‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والكويت‪ ،‬وجمهورية التشيك‪ ،‬والشارقة‪ ،‬وأمريكا‪ ،‬وجنيف‪ ،‬صقلت تجربته وأثرت مشواره‬ ‫الفني‪.‬‬ ‫نالت أعمال صبان العديد من الجوائز الداخلية والدولية‪ ،‬في المسابقات والمناسبات التشكيلية‪.‬‬ ‫وجرى اقتناء أعماله من قبل العديد من الجهات الحكومية‪ ،‬والخاصة والمتاحف‪ ،‬والمعجبين بفنه من‬ ‫األفراد‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪75 1427‬‬


‫قصة قصيرة‪:‬‬

‫املكنسة السحرية‬ ‫> بدرية البشر‬

‫عندما تقدمت لطلب الوظيفة المعلن عنها في الصحف‪ ،‬كانت غرفة االنتظار‬ ‫تغص بالنساء المتقدمات مثلها لنفس الوظيفة‪ ،‬في زاوية الغرفة جلست فتاة في‬ ‫السابعة عشرة عمرها‪ ،‬تعالج قلقها بالنظر إلى مرآة مدورة في يدها‪ ،‬تطل منها‬ ‫على زينتها‪ ،‬ثم تمرر إصبع الروج على شفتيها بلون رملي باهت‪ .‬تغيّرت الموضة‪،‬‬ ‫لم تعد األلوان الفاقعة‪ ،‬هي مصدر اإلثارة على الشفاه عند النساء‪ ،‬بل صارت ألوان‬ ‫الرمل والوردي الباهت‪ ،‬هي األلوان المفضلة لدى فتيات اليوم‪ .‬لو رأت أمها هذه‬ ‫الفتاة الصغيرة وهي تتجمل بينهن بجرأة ودون مباالة لقالت قولتها الشهيرة‪" :‬أن‬ ‫الشيطان ال يجد طريقة إلى الرجل إ ّال عن طريق المرأة فهي مكمن الغواية‪ ،‬والرجل‬ ‫هو صيدها السهل "!‬ ‫صاح طفل صغير في الغرفة‪ ،‬يتعلق بزجاجة حليب باردة بين يدي سيدة‪ ،‬سمعتها‬ ‫تقول بلهجة مصرية مختلطة بمفردات سعودية‪:‬‬

‫ق����ص����ص‬ ‫‪76‬‬

‫" من اللي جزاها خير تمسك الولد الزغير لحد مخلص من المقابلة "؟‬ ‫لم يتبرع أحد بالرد على سؤالها‪ ،‬دخلت مع طفلها وهي تبرطم بكالم كله حنق‬ ‫على غياب الخير من النفوس هذه األيام‪ .‬عندما جاء دورها طلبت منها السيدة‬ ‫التي عند الباب أن تسدل غطاء وجهها‪ ،‬ألن اللجنة كلها من الرجال‪ ،‬شهقت الفتاة‬ ‫التي كانت تصلح من زينتها كل وقت بصوت ممتلئ بالغنج‪:‬‬ ‫يووه يا ربي فيه رجال!‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫جلستُ قبالة الرجال الثالثة‪ ،‬اثنان منهم يلبسان الذي شعر بالحرج ثم قال‪:‬‬

‫ثوباً سعودياً‪ ،‬فيما كان الثالث سوداني الجنسية يلبس‬ ‫قميصاً أبيض وب�ن�ط��االً‪ ،‬تحدث ال��رج��ل المتوسط‬

‫بينهم عن ش��روط الوظيفة‪ ،‬وأن العمل هنا يعتمد‬

‫حسناً‪ ،‬انتظري اتصاالً منا!‬ ‫شعرت أن مساحة عريضة اعترضت الطريق‬

‫على الجهد‪ ،‬وال �ك �ف��اءة‪ ،‬ول�ي��س على ع��دد ساعات بينها وبين العشرة آالف‪ ،‬لسعت دمعة ساخنة خدها‪،‬‬ ‫العمل‪ ،‬وحين جاء الحديث عن الراتب بادر الرجل وهي التي تجيد عادة مسح الدموع‪ ،‬سمعت صوت‬ ‫السوداني بالقول‪ ،‬إن الراتب بسيط‪ ،‬لكنه عتبه أولى كبير اللجنة الرجل الذي يلبس ثوبا سعوديا يقول‪:‬‬ ‫يضع عليها الموظف قدمه ليعلو إلى أرقام ال حدود‬

‫ال بأس ال بأس يا سحر ال تبكي المؤسسة ستؤمن‬

‫بسبب الخبرة التي وفَّرتها له مهنة البيع وصار يحقق‬

‫تتوسدها‪ ،‬بل صارت هذه الكلمات‪ ،‬طرزان‪ ،‬يقبض‬

‫لها‪ ،‬وال سقف‪ ،‬فهذه الوظيفة من الممكن أن تحقق لك المواصالت بس أنتي شدي حيلك!‬ ‫لصاحبها األل��وف‪ ،‬والذهب‪ ،‬حسب جهد الموظف‬ ‫(شدي حيلك) تشبثت بتلك الكلمة‪ ،‬التي أنقذت‬ ‫وذك��ائ��ه ألن ال��رات��ب الصغير ه��و ق��اع��دة االنطالق‬ ‫روحها من يأسها‪ ،‬أسندت عليها قدميها‪ ،‬مشت بها‬ ‫لألرقام العظيمة‪ ،‬ألن كل قطعة يقوم ببيعها‪ ،‬يحصل‬ ‫إلى البيت‪ ،‬علقتها على كتفيها مثل قربة ماء ساخنة‪،‬‬ ‫م��ن ثمنها على نسبة عشرة بالمائة‪ ،‬صحيح إنها‬ ‫تدفئ بها عضالتها المتوترة‪ ،‬خوفاً وجزعاً‪ ،‬وضعتها‬ ‫نسبة بسيطة‪ ،‬لكن المؤسسة توفر له الدخول لعالم‬ ‫تحت رأس �ه��ا م �خ��دة‪ ،‬م��ن ري��ش ح �م��ام‪ ،‬يطير بها‪،‬‬ ‫ال بأنه‬ ‫ال على نفسه قائ ً‬ ‫التجارة والبيع‪ ،‬وضرب مث ً‬ ‫بدأ العمل مندوب مبيعات بسيط‪ ،‬ثم تدرج في البيع ويهبط في جنة العشرة آالف‪ ،‬نامت ظهيرة طويلة‬ ‫الكثير‪ ،‬وق��د وص��ل راتبه وه��و مندوب مبيعات إلى‬

‫عشرة آالف‪ ،‬شهق قلبها عندما سمعت هذا الرقم‪،‬‬

‫وراحت تحسب كم ألفا تحتاج إلصالح طالء البيت‪،‬‬

‫والمروحة‪ ،‬الثالجة‪ ،‬وشراء تلفزيون‪ ،‬ملون‪ ،‬وجديد‪،‬‬

‫قطع الرجل المتوسط الذي يلبس الثوب السعودي‬ ‫أفكارها بسؤال‪:‬‬

‫هل لديك مواصالت؟‬ ‫تلعثمت لم تدر ما تجيبه؟ خافت من ق��ول‪ ،‬إنه‬

‫ليس لديها م��واص�لات فيحول جوابها بينها وبين‬

‫العشرة آالف‪ ،‬قالت‪:‬‬

‫في الحقيقة ال‪ ،‬ولكن سأتعاقد مع سائق أجرة‬

‫حتى يصل راتبي لعشرة آالف ثم أحضر سائقاً!‬

‫نظر الرجالن السعوديان إلى الرجل السوداني‪،‬‬

‫على خصرها ويقفز بها فوق األشجار‪ ،‬والمرتفعات‪،‬‬ ‫وفوق المحبطات التي عادة تصحو معها‪ ،‬عند كل‬ ‫قيلولة متأخرة‪ ،‬لتذكرها بأنه ال مفر م��ن تعاسة‬ ‫أيامها القاحلة‪ ،‬لمح لها عقلها بالفتاة التي كانت‬ ‫تصلح زينتها‪ ،‬ربما سيغلب غنجها رأي اللجنة وتفوز‬ ‫بالوظيفة دون��ا عنها‪ ،‬ربما السيدة المصرية قد‬ ‫سفكت دمعتين مثلما فعلت هي‪ ،‬أو أكثر لتحصل‬ ‫على الوظيفة‪ ،‬لكن كلمة "شدي حيلك !" التي خصها‬ ‫بها كبير اللجنة عادت وشدتها من خصرها‪ ،‬هبطت‬ ‫بها فوق سماء زرق��اء‪ ،‬ركبت بها أرجوحة من غيم‪،‬‬ ‫وح�ل��م‪ ،‬شعرت أنها خفيفة ال ��وزن‪ ،‬والعقل أيضا‪،‬‬ ‫كنست وق�ت�ه��ا ال �ب �ط��يء‪ ،‬بقشة م��ن غ��زل مخدات‬ ‫التريكو‪ ،‬وتشاهد التلفزيون‪ ،‬مثل امرأة تنتظر عودة‬ ‫زوج‪ ،‬ال تعرف موعده‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪77 1427‬‬


‫دق الهاتف تحدث معها الرجل السوداني بصوته‬

‫محاوالت العرض‪ ،‬ربما ألنها هي نفسها تجد أن‬

‫مبروك‪ ،‬الوظيفة لك‪ ،‬يا سحر بس جيبي معاك‬

‫فمها بالسعر‪ ،‬حتى يبدأ الزبون برفع قطع المكنسة‬

‫الخفيض قائالً‪:‬‬

‫الشهادات ومري عليَّ غداً!‬

‫في الشهر األول‪ ،‬قبضت أل��ف وخمسائة ريال‬

‫فقط‪ ،‬لكن عقلها ذكّرها‪ ،‬بالثمانية آالف وخمسائة‪،‬‬

‫التي ستقبضها الحقاً‪ ،‬كان عقلها ب��ارداً‪ ،‬إلى الحد‬

‫الذي أصبح يؤلف أشياء من عنده‪ ،‬الدورة التدريبية‬

‫التي التحقت بها لتدريبها على تعلم قواعد العرض‪،‬‬

‫والبيع ل��م تفلح ف��ي ن��زع تلك القشرة الغبية التي‬ ‫أح��اط��ت بعقلها‪ ،‬م��ن ج ��راء جلوسها ال�ط��وي��ل في‬

‫البيت‪ ،‬بعد خيبتها بعدم االلتحاق بالجامعة‪ ،‬ازدادت‬ ‫هذه القشرة سماكة‪ ،‬بسبب مسلسالت التلفزيون‬

‫الطويلة‪ ،‬والمباشرة التي لم تترك لعقلها مساحة‬

‫خمسة آالف‪ ،‬مبلغاً مرتفعاً لمكنسة‪ ،‬فما أن تفتح‬

‫المفككة على األرض‪ ،‬لمساعدتها على الرحيل‬ ‫عاجال دون إبطاء‪.‬‬

‫أقنعت نفسها بأن الفئة التي تستلم مرتباً بألف‬

‫وخمسائة ريال‪ ،‬لن تدفع هذا المبلغ لشراء مكنسة‪،‬‬

‫فهم ال شك أناس مثلها‪ ،‬يكتفون بمكانس الخوص‪،‬‬

‫أو مكانس الكهرباء البسيطة التي ال تشفط إ ّال‬ ‫الغبار‪ ،‬لكن بعد خط العشرة أالف سيفكرون‪ ،‬مرة‬

‫بشرائها‪ ،‬ف��ذوو فئة األل��ف وخمسائة ال يفكرون‬

‫بتنظيف ف��رش�ه��م م��ن ال �ك��آب��ة‪ ،‬ألن �ه��م ي �ع��رف��ون أن‬ ‫الكآبة ال تأتي من ال�ف��راش‪ ،‬بل تأتي من النافذة‪،‬‬

‫ومن الجيب الخالي‪ ،‬ومن األمطار‪ ،‬وأسعار الدواء‬

‫للتأمل‪ ،‬والتخمين‪ .‬دربوها على حفظ جميع مميزات‬

‫المرتفعة‪ ،‬واألحالم التي انتهت صالحيتها فرموها‬

‫السجاد‪ ،‬وتنفض الغبار‪ ،‬وتقتل الحشرات وتمتص‬

‫في شفط الكآبة من هوائهم الذي يتنفسونه‪ .‬قالت‬

‫والفرش الليلية‪ ،‬شرحوا لها أن هذا الدود الغريب‪،‬‬

‫مثلهم‪ ،‬بل صنعت لتقضي على فراغ ربات البيوت‬

‫شهية ال� ��زوج‪ ،‬ويجعله خ��ام�لاً‪ ،‬كئيباً‪ ،‬وه��و الذي‬

‫المكنسة السحرية التي‪ ،‬ستشفط دود الكآبة من‬

‫المكنسة العجيبة‪ ،‬ال�ت��ي تشفط ال �ت��راب‪ ،‬وتغسل‬

‫الدود الصغير الذي يعشش وسط قطن المخدات‪،‬‬

‫هو الذي يمتص طاقة الجسد‪ ،‬ويغرس قرونه في‬

‫في نفاية األحالم المستحيلة‪ ،‬ولن تفلح مكنسة ما‪،‬‬

‫لنفسها‪ :‬إن هذه المكنسة ليست مصنوعة للغالبة‬

‫اللواتي يتسلين بالشفط والكنس‪ ،‬هن من سيشتري‬

‫يعلم النساء البكاء طوال الليل‪ ،‬ويصيبهن بأحزان‬

‫فراشهن‪ ،‬وتقضي على كآبتهن دون حاجة اللتهام‬

‫تدربت على قواعد لعبة البيع‪ ،‬وتمرين النفس‬

‫تتجمد فيه مشاعر بؤسهن‪ ،‬وفرحهن‪ ،‬وإحساسهن‬

‫غامضة‪ ،‬عسيرة على التفسير!‬

‫دواء ( البروزاك)‪ ،‬الذي يحولهن ألل��واح من الثلج‪،‬‬

‫على الصبر‪ ،‬وفن المحاورة‪ ،‬وإبقاء الزبون متابعاً بالحياة‪ ،‬وجعل أعينهن تلمع مثل ك��رات زجاجية‬ ‫م�ت�ش��وق�اً للمعلومات ال �ج��دي��دة‪ ،‬ط ��وال س��اع��ة من ملونة‪ ،‬بالضوء المنعكس عليها بينما تظل أعماقهن‬

‫ال��وق��ت‪ ،‬م��ع االح�ت�ف��اظ بالسعر س ��را‪ ،‬حتى نهاية‬ ‫العرض‪ ،‬فال تهبط عزيمة المشتري قبل أن تقنعه‬

‫ان �ق �ض��ى ش �ه��ره��ا ال� �ث ��ان ��ي‪ ،‬ض���ام���راً بورقات‬

‫ظل الرقم المرتفع للبيع يفسد على ال��دوام كل‬

‫يائسات من تطهير بيوتهن من الحشرات‪ ،‬وأرواحهن‬

‫الشروط السحرية للمكنسة‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫مظلمة ومنطفئة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫الخمسمائة ال�ث�لاث‪ ،‬مما جعلها تتأكد أن النساء‬


‫م��ن ال�ك��آب��ة؛ فقد دفعن بمكنستها ل�ل�خ��ارج‪ ،‬ألنهن‬

‫ق��ال��ت ل��ه‪ :‬ال �ل��ه يسامحك وه��ل ه �ن��اك مكنسة‬

‫بخمسة آالف يضعنها بين يدي خادمتهن‪ ،‬لتلهو بها‪،‬‬

‫قال لها‪ :‬نعم مكنسة الساحرات ؟وأنت قلت أن‬

‫غير متحمسات لشراء مكنسة سحرية المفعول‪ ،‬تطير؟!‬

‫وتخربها‪ ،‬وتأكدن أن كآبتهن ال مفر منها‪ ،‬ألن قدر مكنستكم سحرية!‬ ‫النساء أن يلدن كل عامين وأن لعبة الهرمونات في‬ ‫كادت تنهي الحوار‪ ،‬عندما أدركت أنه يتسلى بها‪،‬‬ ‫أجسادهن‪ ،‬لها سطوة ال تحلّها مكنسة‪ ،‬وال عقار‪،‬‬ ‫لوال أنها تذكرت أن اليوم هو الثامن والعشرين من‬ ‫بعضهن رفض حتى أن يفتحن لها الباب‪ ،‬وبعضهن‬ ‫الشهر وأنها لم تبع وال مكنسة‪ ،‬فقررت أال تستعجل‪،‬‬ ‫تعللن بأن أزواجهن ال يسمحون للغرباء والغريبات‬ ‫وأن تجرب مالحظات زودت�ه��ا بها صديقتها‪ ،‬قد‬ ‫ب��ال��دخ��ول‪ ،‬ف��أدرك��ت أن�ه��ا أخ��ذت االت �ج��اه الخاطئ‬ ‫تساعد على رفعها من بالط األلف وخمسمائة‪.‬‬ ‫حين أغفلت الرجل من حساباتها‪ ،‬لبيع المكنسة‪،‬‬ ‫حدّثت المدير صاحب الصوت الذهبي وطلبت‬ ‫فهو صاحب القرار‪ ،‬وصاحب النقود‪ ،‬ول��ذا أدارت‬ ‫منه‪ ،‬م��وع��داً ف��ي البيت وحصلت على م��ا أرادت‪.‬‬ ‫عجلتها نحو بوصله الرجل بسرعة مائتين وثمانين‬ ‫اعتبرت أن هذا النجاح هو حصيلة خبرتها لثالثة‬ ‫درج��ة‪ ،‬وهذا على ما يبدو ما جعلها‪ ،‬تفقد بوصلة‬ ‫أشهر‪ ،‬وأن اإلنسان ال يولد عارفاً‪ ،‬وأن الصبر هو‬ ‫الطريق كله‪.‬‬ ‫مفتاح األبواب المغلقة‪ ،‬لو لونت صوتها بطيف من‬ ‫في المرة األول��ى‪ ،‬استقبلها الرجل وح��ده دون فرح‪ ،‬وبعض ضحك لطيف‪.‬‬

‫امرأة شرحت له الفكرة‪ ،‬وعندما تأكد أن األمر كله‬ ‫ال يتعدى مكنسة قال لها‪:‬‬

‫فتح الخادم الباب لها ودخلت منزلاً صقيالً‪ ،‬يلمع‬

‫كل ش��يء فيه بالرفاهية‪ ،‬فتوجست‪ ،‬خوفاً من أن‬

‫قولي لمؤسستكم إن ( المهابيل) فقط هم من منزال كهذا ليس بحاجة لمكنسة‪ ،‬وأن الكآبة ال تزور‬

‫يشترون مكنسة بخمسة آالف!‬

‫نصحها الرجل السوداني في الشهر الثالث أن‬ ‫تختار زبائنها من ذوي األسماء المتخمة بالمال‪،‬‬ ‫فبدأت تقلب في دليل الهاتف‪ ،‬وجدت أرقاماً تخص‬ ‫أصحاب المؤسسات الكبيرة‪ ،‬وعلى الفور اتصلت‬ ‫بهم‪ ،‬وطلبت الحديث مع المدير‪ ،‬الرجل األول كان‬ ‫يملك اسماً ذهبياً‪ ،‬وصوتاً ذهبياً أيضاً! لكن ضحكته‬ ‫الذهبية رنّت في أذنها ـ حين قالت له‪ :‬أنها تريد أن‬ ‫تقابله لبيع مكنسة‪ ،‬ظن أنها تمزح ثم حولها على‬ ‫السكرتير‪ ،‬حاولت مع رجل ذهبي آخرا فسألها‪:‬‬ ‫هل مكنستكم تطير؟!‬

‫فرش هذا المنزل‪ ،‬وال يجد الدود اللعين بقعة له‪ ،‬في‬

‫أجساد نسائه الرخوة‪ ،‬الصور المعلقة على جدران‬

‫الحائط مفضوحة بالعري‪ ،‬مما أوحى لها بأن هذا‬

‫المنزل ال يزوره ناس كثيرون‪ ،‬أدخلها الخادم‪ ،‬غرفة‬

‫ممتلئة ب��أث��اث غ��ري��ب‪ ،‬مقاعد ب�لا مساند‪ ،‬ليست‬

‫كرسيا وال ف��راش‪ ،‬ومخدات صغيرة مرسوم عليها‬ ‫نساء ورج��ال يلهون ويلعبون‪ ،‬وعشاق غارقون في‬

‫سكرة الحب‪ ،‬وامرأة تطير في الهواء على أرجوحة‬

‫من أزه��ار ح�م��راء‪ ،‬وس��ط غابة من الحب والعناق‬ ‫ال��داف��ئ‪ ،‬استيقظ ف��ي عقلها ح��زن غ��ري��ب‪ ،‬وتنهد‬

‫قلبها‪ ،‬وهو يلمس أطراف الجنة‪ ،‬سمعت هرير قط‬

‫في قلبها يدعك فروته بجلدها‪ ،‬انتشرت حبوب برد‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪79 1427‬‬


‫على جسدها‪ ،‬شعرت بقشعريرة من ش��وق‪ ،‬وفرح‪،‬‬

‫وخوف‪ ،‬دخل الرجل صاحب الصوت الذهبي‪ ،‬كان‬

‫وجهه ذهبياً أيضاً‪ ،‬ومالمحه تفيض بالبريق‪ ،‬حياها‬

‫كما ل��و كانت ضيفاً ع��زي��زاً عليه‪ ،‬احضر الخادم‬

‫عصيراً ملوناً‪ ،‬ال تختلط األل��وان فيه‪ ،‬ت��رددت في‬

‫شربة خوفا من أن تكون واحدة من ضحايا العصير‬ ‫المخدر كما في األفالم المصرية‪ ،‬طلبت ماء لتغسل‬

‫حلقها وخوفها‪ ،‬اختصرت الحديث عن مكنستها‬ ‫كثيراً ألنها أدركت أنها بحضرة رجل ذهبي ال يحتاج‬

‫مكنسة لتنظيف ف��راش��ه‪ ،‬وال سجاجيده العجمية‬ ‫ال�غ��ال�ي��ة‪ ،‬لكنه ف��اج��أه��ا وه��و يفتح دف �ت��ر شيكاته‬ ‫ويسألها‪:‬‬

‫ما اسم اآلنسة ؟‬ ‫ب�ل�ع��ت ري �ق �ه��ا وق ��ال ��ت‪ :‬ال �ش �ي��ك س �ي �ك��ون باسم‬

‫المؤسسة نحن نأخذ نسبة بسيطة من ثمن البيع!‬

‫ترك القلم في قلب دفتر الشيكات الضخم وقال‬

‫لها‪ :‬خسارة أن يضيع جهدك بثمن بخس‪.‬‬

‫ل��م تسمع م��ا قاله الح�ق�اً‪ ،‬ألن قطً ا شقياً قفز‬

‫من قلبها‪ ،‬وأن��دس في صدر دفتر الشيكات‪ ،‬أخذ‬

‫يمسح ج��دران��ه الناعمة ب�ف��روة‪ ،‬ح��اول��ت أن تنادي‬

‫قلبها الشقي ليعود‪ ،‬أخذت أنفاسها تتصاعد للحاق‬

‫به‪ ،‬خافت أن ينتبه لها الرجل الذهبي ويرتاب في‬ ‫أمرها‪ ،‬ربتت له بأصابعها على رأس الطاولة‪ ،‬كلما‬

‫ربتت بإبهامه القريب منه انكمش أكثر‪ ،‬قال الرجل‬ ‫الذهبي‪:‬‬

‫المكتب بحنان فسحبتها بسرعة‪ ،‬اصطدمت بدفتر‬ ‫الشيكات فسقط الدفتر في قاع الدرج‪ ،‬ركض قلبها‬ ‫وراءه‪ ،‬عادت أصابعها تناديه‪ ،‬فاصطدمت مرة أخرى‬ ‫بيد الرجل الذهبي‪ ،‬ألتقط يدها بسرعة‪ ،‬ضغط‬ ‫عليها بشدة‪ ،‬انصهرت أصابعها في يده واعتصرت‬ ‫قبضته كل القشعريرة‪ ،‬التي تتجول في جسدها‪،‬‬ ‫منذ دخلت هذا البيت‪ ،‬وأخ��ذت تسبح بها في نهر‬ ‫من الدفء‪ ،‬أوصل قلبها لجنة سحرية‪ ،‬صمت الجنة‬ ‫أطبق على عقلها ولسانها‪ ،‬سحب ستارة الضوء على‬ ‫جفونها‪ ،‬كانت ورقة التقويم على المكتب تنبئ باليوم‬ ‫األخير للشهر‪ ،‬وأوراق الخمسمائة الثالث تنام في‬ ‫أيامه الماضيات‪ ،‬حين أرخى جفنيها ستارتهما‪ ،‬غفا‬ ‫قلبها‪ ،‬ثم نام‪.‬‬ ‫ح�ي��ن ذه �ب��ت ل�ت�ق��دم اس�ت�ق��ال�ت�ه��ا‪ ،‬م��ن مؤسسة‬ ‫المكانس السحرية‪ ،‬وجدت السيدة المصرية التي‬ ‫رأتها يوم تقدمت بالوظيفة تحمل ابنها على يدها‬ ‫وتقول‪ :‬للرجل السوداني‪:‬‬ ‫هي دي يا خوي عيشة‪ ،‬هي األل��ف وخمسمية‪،‬‬ ‫بتعمل إيه النهاردة!‬ ‫سمعت ص��وت أظ��اف��ر قلبها تخمش البالط‪،‬‬ ‫تتزحلق على بالط المؤسسة‪ ،‬ثم يهرب‪ ،‬خرج قبلها‬ ‫إلى السيارة‪ ،‬وأقفل بابها وجلس ينتظرها هناك‪،‬‬ ‫حين وصلت إليه‪ ،‬فتح سائقها الزنجي‪ ،‬باب سيارة‬

‫لماذا ال تعملين لحسابك الخاص؟ أليس حراماً الفورد‪ ،‬ورنّ جهاز الموبايل في حقيبتها‪ ،‬حين أجابت‬ ‫أن تعملي‪ ،‬وهم يقبضون‪ ،‬بالمناسبة‪ ،‬كم تقبضين؟ سمعت صوتا ذهبيا يقول‪:‬‬ ‫انشغلت بمتابعة قلبها ال �ه��ارب‪ ،‬وض��ع الرجل‬

‫ي��ا ه��ووه ه��ي المكنسة السحرية تطير وال ما‬

‫أصابعه الذهبية على أصابعها التي رقدت على طاولة تطير!‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫قصة قصيرة‪:‬‬

‫شمس مبكرة‬ ‫> عبدالرحمن الدرعان‬

‫في تلك الظهيرة الطاعنة في السواد‪ ،‬كان علينا أن نقف بالباب بضع دقائق‬ ‫(مرت كأنها بضع سنوات) بانتظار أن يُفرجوا عن أشواقنا‪ ،‬ويسمحوا لنا بالدخول‪..‬‬ ‫وكان خيال قاماتنا‪ ،‬الذي تعكسه مرايا الباب‪ ،‬كافياً لمضاعفة الشعور باألسى‬ ‫والقنوط‪.‬‬ ‫الحت لي على الزجاج صورة امرأة‪ ،‬جاءت من الخلف الهثة تخترق الصفوف‪،‬‬ ‫وثمة أصوات مدبية تتطاير مع أنفاسها‪ ،‬كأن دزينة من عصافير محبوسة داخل‬ ‫قفص صدرها‪ ..‬راحت تحاول دفع الباب‪ ،‬بكف منخولة بالنمش‪ ،‬ومن تحت عباءتها‬ ‫فاحت رائحة حساء بقصد تهريبه إلى أحد المرضى‪.‬‬ ‫تكدسنا كالتالميذ‪ ..‬وشرعت األصوات تستغيث بالرجل المكلّف بفتح الباب‪،‬‬ ‫وهو يتنزه فوق البالط البارد‪ ،‬وبعد أن دبت الفوضى بالمكان‪ ،‬التفت إلينا وحدّ ق في‬ ‫ساعته‪ ،‬مبتسماً بسادية‪ ،‬ال تليق بمهنته؛ لكي نطمئن على أننا تحت وصايته‪.‬‬

‫وكانت الصور تتداعى على سقف مخيلتي تباعاً‪ :‬رأيته وهو يسوي طاقيتي‬ ‫المشغولة بالقصب عائداً من الحج‪ ،‬ورأيته ي��زرر قميصي بعدما أجلسني أمام‬ ‫عدسة المصور‪ ،‬استعداداً لدخول المدرسة‪ ..‬ورمقته بأسى يوم أن تركني ارتجف‬ ‫في حجرة المدير‪ ،‬بعدما وضع ملفي األخضر في الدوالب‪.‬‬ ‫وعانقني خارجاً في المغيب‪ ،‬يتقطر من ذراعيه ماء الوضوء‪ ..‬وإذ يُسدِّ ُد نحوي‬

‫ق����ص����ص‬

‫سألني الواقف إلى جواري عن الساعة‪ ،‬ولم ينتظرني ألجيب‪ ،‬لكنه بادر على‬ ‫الفور قائال‪ :‬لقد حان وقت المباراة؟! وبدأ على رغم الزحام واالختناق‪ -‬يدخن‬ ‫تعبيراً عن شعوره باالضطهاد‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪81 1427‬‬


‫التي علق الدبس على مواضعها‪ ،‬وبدوره ينكب الطفل‬ ‫ كالضأن الصغير‪ -‬ويلعقها بلهوجة‪ .‬لم أنتظر أن‬‫يجيء المصعد‪ ..‬ل��م يكن ف��ي م�ق��دوري أن أنتظر‬ ‫حتى يجيء‪ ،‬حين أبصرت العجوز تدلف إلى الداخل‬ ‫بعدما انغلق الباب من تلقائه عليها‪ ،‬تعزَّز لديَّ يقي ٌن‬ ‫بأنها ما جاءت إال لتلفظ بقية أنفاسها هنا‪.‬‬

‫نظرةً‪ ،‬أعرف معناها‪ ،‬أهبُّ أل ُحضر له عباءة الوبر‪،‬‬ ‫بعد أن آخ��ذ نزهة في شعرها الدافئ ال يقطعها‬ ‫إال صوتُه‪ ،‬الذي يفاجئني في ليالي الشتاء الباردة‪،‬‬ ‫موحشاً ومخيفاً‪“ :‬انجز قبل ما أخلي أذاني وأذانك‬ ‫أربع”‪ .‬وهالتني شجاعته حين رأيته حاسر الرأس‬ ‫تحت عريشة الخوص ج��راء ضربة شمس لئيمة‪،‬‬ ‫والطبيب الشعبي يحبس عنقه اليابس بأصابعه‬ ‫وفكَّرت‪ :‬هل سينجو أبي من العملية؟ وهل سيعود‬ ‫ال��زاح�ف��ة كعنكبوت س� ��وداء‪ ،‬بعد أن اط �م��أن على إلى مبخرته التي أصبحت من بعده أرملة ويتيمة؟!‬ ‫قضيب الحديد‪ ،‬المغروس في المجمرة‪.‬‬ ‫أم أن طائرة اإلخ�لاء أقلته عبثاً‪ ..‬وأن أخي الذي‬ ‫عند اللحظة الحاسمة‪ ،‬أش��ار إلينا بعينيه أن رافقه هاتفني باألمس الشاركه طقوس الوداع؟!‬

‫ال ثم أوقفنا الفضول لتحلي‬ ‫نبتعد‪ ،‬لكننا تراجعنا قلي ً‬ ‫المشهد‪ ..‬فوقفنا نتملقه بصمت أن يتركنا‪ ..‬حتى‬ ‫رأي�ن��ا خيط ال��دخ��ان ال��ذي ينفجر م��ن قمة رأسه‪،‬‬ ‫لينهض كحصان بري‪ ،‬ال يقبل بأقل من المجازفة‪.‬‬

‫منذ أن فشلت أدوية العطارين ووصفات الطب‬ ‫الشعبي ف��ي ان �ق��اذه م��ن ن��وب��ات ال �م��رض‪ ،‬وأصبح‬ ‫ينقاد إلى المستشفيات بسهولة‪ ،‬أدركت أن فجيعة‬ ‫ما س��وف تحل بنا عما قليل‪ ..‬ونشأت بيني وبين‬ ‫أخي من يومها أزمة ثقة‪ ،‬صار كالنا يُ ِل ُّح على اآلخر‬ ‫أن يعيد اإلجابة مرة أخرى‪ ،‬قبل أن يتنفس أحدنا‬ ‫الصعداء‪.‬‬

‫وفي صباح العيد‪ ،‬نهرع خلفه حالما يفتح باب‬ ‫غرفته‪ ،‬المبللة برائحة ع��ود الند‪ ،‬يحشو جيوبنا‬ ‫الصغيرة بالحلوى وال�ن�ق��ود‪ ،‬ث��م ينس ُّل إل��ى الفناء‬ ‫بسرواله الطويل‪ ،‬مخبئاً يده القابضة على السكين‬ ‫أقول‪ :‬يا إلهي كم كان كابوساً مرعباً‪ ،‬وأبدأ بسرد‬ ‫وراء ظهره‪ ،‬ينتظر أن يرفع الخروف رأسه من طاسة المنام‪ ،‬الذي فزعني‪.‬‬ ‫الماء‪ ،‬فيتلُّه من قرنيه‪ ..‬ويجهز عليه في لحظات‬ ‫ ولكنه هاتَفَكَ للتو‪ ،‬لقد هاتَفَكَ فعالً‪ ،‬سيُجرون‬‫خاطفة ويتركه بقعه من الصوف‪ ،‬ترتعش على بقعة‬ ‫العملي َة غداً!! هل أ ُحضر لك ماء‪ ،‬تقول زوجتي‪.‬‬ ‫من الدم‪.‬‬ ‫أشهق ببالهة‪ :‬هاتفني?!‪.‬‬ ‫ورأي ��ت ص��ورت��ه العالقة ك��ال��وش��م‪ ،‬يمتطي فرع‬ ‫فيجيء الصوت هادئاً لتفادي االنكسار‪ :‬ولكن‬ ‫النخلة العالية في مواسم الجذاذ ويهيجن فاتحاً‬ ‫رئتيه عن أقصاهما بذلك اللحن القروي الموغل غرفة العمليات ليست مقبرة?!‪.‬‬ ‫في الوجد‪:‬‬ ‫<<<‬

‫(ي��ا ع�ي��ن ل��ك ب��ال�ه��وى لفتة م��ا ان �ت��ي ع�ل��ى دين‬ ‫لقد مكث عدة سنوات‪ ،‬يقاوم السُّ كَّر والضغط‬ ‫االخوان)‬ ‫ونوبات الربو المفاجئة‪ ،‬وفجأة‪ ،‬فضحته المضاعفات‬ ‫وبعد أن يجرد نخلته ج��رداً‪ ،‬ينزل من أعالها الخطيرة‪ ،‬وغيّرت الكثير من عاداته اليومية‪.‬‬ ‫زاحفاً على يديه‪ ،‬كدواب الحقول‪ ..‬ثم ينحني على‬ ‫في ذل��ك المساء‪ ،‬تأبط مخدته‪ ،‬بعد أن افتعل‬ ‫أخي الذي بدأ يدّب بخطوات ثقيلة ويناوله أصابعه‪ ،‬شجاراً مع الجميع أثناء تناول طعام العشاء‪ ،‬ونام‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫في المجلس‪ .‬وفي اليوم التالي‪ ،‬بدأ يأنف من وجود‬ ‫الخادمة‪ ،‬وعندما هدد أمي بالطالق‪ ،‬أصبح السر‬ ‫ال للتداول‪.‬‬ ‫عارياً إال أنه لم يكن قاب ً‬ ‫س��أل��تُ الممرضة‪ ،‬بلغة إنجليزية مكسَّ رة‪ ،‬عن‬ ‫غرفته‪ ،‬فأجابتني بعد أن ن ّقبَت في جهاز الكمبيوتر‪،‬‬ ‫بلغة عربية هزيلة‪ ،‬لكنها محايدة‪ ،‬وفي الممر‪ ،‬عادت‬ ‫الصور تومض من جديد‪.‬‬ ‫ناعماً‪ ،‬وتلوح لي خلف السديم‪ ،‬نخلة شاهقة‪ ،‬تكمن‬ ‫ف��ي ف��رع�ه��ا غيمة م��ن عصافير ال �ح �ق��ول‪ ،‬وبضع‬ ‫سعفات‪ ،‬تتهادى على إيقاع من مقام الوجد (بالك‬ ‫من واحد شفته عوده من الزين رويان)‪.‬‬

‫رأيته يتشبث بجذع (منيفة) نخلته األثيرة‪ ،‬بعدما‬ ‫أوقف طلعها للفقراء نفقة ألمي التي ماتت فجأ‪،‬ة‬ ‫كأنما كانت تفتديه بروحها‪ ،‬وتهديه بقية أيامها‪،‬‬ ‫رأيته يتشبث بكرانفها‪ ،‬ويجدف على لجنة البلدية‪،‬‬ ‫التي ج��اءت مع ب��داي��ات الطفرة‪ ،‬لتخطط القرية‪،‬‬ ‫نتأهب لنحمله‪ ،‬أن��ا وأخ ��ي‪ ،‬لكي نُجلسه على‬ ‫وتقتلع ج���زءاً م��ن ال�ب�س�ت��ان‪ ،‬وح�ي��ن رأى العربات‬ ‫الكرسي ذي ال�ع�ج�لات‪( ،‬ي�ب��دو خفيفاً كسلة تمر‬ ‫الصفراء تمضغ ج��دار الطين‪ ،‬وتحيله‪ ،‬في لحظة‬ ‫ف ��ارغ ��ة)‪ ،‬ف �ت��وم��ض‪ ،‬ف��ي ال�ل�ح�ظ��ة ن�ف�س�ه��ا‪ ،‬عدسة‬ ‫خاطفة‪ ،‬إلى حفنة غبار‪ ،‬بكى‪ ،‬كما لم يفعل من قبل‪،‬‬ ‫المصور‪ ،‬على ذلك الولد المحفوف بغربته وخوفه‬ ‫وأقسم أنها إحدى عالمات الساعة‪.‬‬ ‫لا ألص��اب��ع ت���زرر ي��اق �ت��ه‪ ،‬وتسوي‬ ‫واس �ئ �ل �ت��ه‪ ،‬م�م�ت�ث� ً‬ ‫ورأي�ت��ه م��رة أخ��رى بعد أن أذع��ن للمرض يبتلع طاقيته‪ .‬على طول الممر أدفع الكرسي (يبدو خفيفاً‬ ‫األق��راص‪ ،‬وقبل أن يخلد إلى النوم ينادي بصوته وخالياً)‪ ،‬أتأمل رأسه المأهول بزهور الفل‪ ،‬وأ ُوغل‬ ‫ال��واه��ن‪( :‬س��ال��وم��ي)؛ فتهرع ال�خ��ادم��ة‪ ،‬التي تفهم في أسئلتي‪ :‬أهذا هو أنت؟‬ ‫إشارته‪ ،‬وتضع له سطل الماء في مكانه المعتاد‪،‬‬ ‫أنت الذي كانت تكفيه قدم واح��دة‪ ،‬ليتسلق بها‬ ‫بعد أن تمهد له الفراش‪.‬‬ ‫أعتى جبل وأطول نخلة؟!‬ ‫<<<‬ ‫من ثقب السؤال‪ ،‬تتسلل ثالث شموس صغيرة‪،‬‬ ‫أفاق للحظات‪ ،‬من أثر المخدر‪ ،‬ونادى‪( :‬سالومي‪..‬‬ ‫تتربص بي كلما عَ نَّ لي الخروج من البيت ‪( :‬بابا‪..‬‬ ‫سالومي)؛ ثم عاد لينهدم كمئذنة شائخة‪ .‬ولما فتح‬ ‫بحب؛ فيتحرك‬ ‫ٍّ‬ ‫بابا) أنحني على آنية الورد‪ ،‬وأقبّلها‬ ‫عينيه الكابيتين‪ ،‬بعد قليل‪ ،‬سألني عن راك��ان‪ :‬هل‬ ‫رأس أبي ويستأنف أحالمه في اليقظة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عاد من جلوته? ‬ ‫يا الله!!‬ ‫نظرتُ إلى أخي لعله يسعفني بالجواب‪ ،‬فإذا أن‬ ‫كم أب��دو قاصراً وصغيراً؛ فلماذا نتبادل‪ ،‬اآلن‪،‬‬ ‫راكان هو بطل المسلسلة البدوية? ‬ ‫أدوارنا أن أكون‪ ،‬بهذه السرعة‪ ،‬أباك‪ ،‬وتكون شمساً‬ ‫تغرز الممرضة إبرتها في ذراع��ه العاري‪ ،‬فيكز‬ ‫رابعة‪ ،‬تشرق قبل أوانها‪.‬‬ ‫أسنانه على األل��م‪ ،‬وأب��ادر ألسند ذراع��ه إلى كفي‪،‬‬ ‫على سبيل المواساة؛ فتنث من كل مساماتها رذاذاً‬ ‫لكن‪ ،‬ال‪ .‬إنه ليس أبي تماماً‪ ،‬بل هو أنا بعد قليل‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪83 1427‬‬


‫قصة قصيرة‪:‬‬

‫حياة على جرف‬ ‫> عواض العصيمي‬

‫الثالثاء‪ ،‬بينه وبين المغيب ساعة نحاسية األفق‪.‬أما أنا‪ ،‬فبيني وبين سكني ليلة‬ ‫كاملة‪ ،‬ستمتص دمي على جرف ناتئ في شاطئ البحر‪ .‬البعوض مثالً…‪ ..‬سوف‬ ‫تنشق شهوته العارمة للدم عن قدمين مثل مزهريتين محطمتين في الركام‪ .‬يداي‬ ‫ستهرشهما أيضاً‪ ،‬وأنا تحت سجادة الصالة‪ ،‬ستلفحني رطوبة البحر في وجهي‪،‬‬ ‫وفي ظهري‪ ..‬أيضاً ستأكل كتفي أرضية الجرف الخشنة‪ ..‬أما قلبي فهو وحيد‪،‬‬ ‫ولن يدعني أنام‪.‬‬

‫ق����ص����ص‬ ‫‪84‬‬

‫بعد أن خرجت من عملي‪ ،‬وعند اإلشارة األخيرة‪ ،‬كان أمامي طفالن في سيارة‬ ‫يلعبان في المقعد الخلفي‪ ،‬مع أحدهما مفتاح بسلسلة طويلة تنتهي بحلقة معدنية‬ ‫المعة مثل التي معي‪ ..‬أقصد مثل التي نسيتها في المكتب أو الكوخ الحقير‪ ،‬الذي‬ ‫ال بد منه لكي أتحدث مع رئيسي بالهاتف كل يوم‪ ،‬وأرسل إليه التقارير‪ ،‬وأسجل‬ ‫اإلنجازات الصغيرة بخط أنيق كما يحدث كل يوم أو كما حدث اليوم عندما كتبت‬ ‫استقالتي‪ ..‬الحظت على أحد الطفلين عاصفة من البكاء بينما يضحك الذي‬ ‫ال بالسلسلة دوائر مترادفة في وجه اآلخر‬ ‫معه المفتاح ويرقص على المقعد مشك ً‬ ‫……‪ .‬شكراً أيها الشقي الصغير‪ .‬لقد نسيت مفتاحي وهذا يكفي‪ .‬حتى لو مضى‬ ‫الطفالن بعيداً‪ ،‬وهذا ما سوف يحدث‪ ،‬حتى لو أعطى الطفل الذي يضحك ذلك‬ ‫المفتاح إل��ى أخيه ال��ذي يبكي‪ ،‬فصنع دوائ��ر مترادفة أخ��ر‪ ،‬ثم راح يرقص على‬ ‫المقعد‪ ،‬ثم راح يضحك‪ ،‬ثم أخذ األب المفتاح بعد أن تقف السيارة أمام البيت‪،‬‬ ‫وفتح الباب‪ ،‬فدخلوا‪ ،‬وغاصت الشمس في حمأة المغيب‪ ،‬وامتشقت المصابي َح‬ ‫الغرف‪ ،‬وجلس الرجل إلى جوار زوجته‪ ،‬وتشمم رائحة النهار على رأسها‪ ،‬فلن أنسى‬ ‫السلسة في يد الطفل أمامي‪ ..‬دوائر في إثر دوائر‪ ،‬دونما غاية محددة‪ ،‬سوى أن‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫اللعبة راقت للطفل‪ ..‬لكن‪ ،‬لو لم يكن معه المفتاح‬ ‫هل سوف يقدر على ذلك ؟!‪ .‬ولو لم تكن السلسة‬ ‫طويلة ومرنة ترى‪ ،‬كم دائرة ستصنع بريقها وسلطتها‬ ‫ومجدها‪ ،‬كما حدث أمامي ؟!‪ .‬لقد كتبت استقالتي‬ ‫وه��ذا يكفي‪ ..‬ومفتاحي الوحيد ال��ذي يفتح باب‬ ‫سكني نسيته في الكوخ !‪ .‬ولن أعود إلى العمل فيه‬ ‫بينما هو يتمتع بمزايا رجل مهم !‪ .‬أخبرته في المرة‬ ‫األولى أن الشمس حارة في التاسعة صباحاً‪ ،‬لكنها‬ ‫بدءاً من العاشرة تجلدني بالسياط‪ ،‬وتمتلئ النافذة‬ ‫المفتوحة ب��ال��ذب��اب وال��رم��ل‪ ،‬وتصعد إل��ي دمدمة‬ ‫األرض‪ ،‬وبقع القار في وجه اإلسفلت‪ .‬وأخبرته في‬ ‫المرة الثانية أن مكيّف الهواء‪ ،‬لم يعد ثمة فرق بينه‬ ‫وبين المروحة اليدوية التي في يدي‪ .‬وأخبرته أن‬ ‫المطر على قميصي‪ ،‬أصفر بلون خشب السقف‪،‬‬ ‫وإذا هطلت السماء بغزارة‪ ،‬صار بلون القا‪،‬ر ووخزت‬ ‫كتفي مسامير صدئة‪ ،‬كريهة الرائحة‪ .‬وأخبرته أن‬ ‫مكتبه الواسع الفخم‪ ،‬ال يشير إلى أن الحياة صعبة‬ ‫بالفعل‪ ،‬كما يقول‪ .‬وفي كل مرة‪ ،‬كان يضحك‪ ،‬كنت‬ ‫أنا اضحك‪ .‬اليوم كتبت استقالتي بخط أنيق‪ ،‬والليلة‬ ‫أنام على جرف ناتئ في شاطئ البحر‪.‬‬

‫تدفقت ن�ح��وي‪ .‬وعندما همزت سيارتي خلفه ال‬ ‫مستني‪ .‬أحسست بالضربة في يدي‪ ..‬كان المفتاح‬ ‫حاداً‪ ،‬وفوق قدرتي على استيعاب أن الحياة صعبه‪..‬‬ ‫لقد طلبت منه أن يمكث معي في ذلك الكوخ ثالثة‬ ‫أيام في عز الصيف‪ ،‬وقلبت له الموكيت المهترئ‪،‬‬ ‫ث��م رح��ت أس��رد عليه ال��ري��اح ال�ت��ي هبت م��ن جهة‬ ‫ال �ج �ب��ال‪ ،‬وال��ري��اح ال�ت��ي ه�ب��ت م��ن ج�ه��ة الصحراء‬ ‫التي دون البحر‪ ،‬وأدخلت يدي في التجاويف‪ ،‬ثم‬ ‫أخرجت له عقارب ميتة وخنافس س��وداء مهشمة‬ ‫ج��اء ت مع ال��ري��اح من صحاري بعيدة‪ ..‬ذك��رت له‬ ‫أن ثمة أنفاس ما تلبث أن تتكسر تحتي وتموت في‬ ‫الرمل الناعم‪ ،‬كلما ارتفعت أنفاسي من شدة الحر‪..‬‬ ‫نتقت أمامه السقف‪ ،‬فتساقطت منه أمطار قديمة‬ ‫في دورتها األخيرة‪ ،‬ارتطمت السلسة والمفتاح صفراء وسوداء تضج برائحة خشب متعفن‪ ،‬يمشي‬ ‫بيد الطفل الذي يبكي‪ ..‬توجع وزاد بكاؤه‪ .‬استدار فيه الدود‪..‬‬ ‫كان طفله يبكي في السيارة الفخمة التي أمامي‪،‬‬ ‫ناحيتي‪ ،‬وأوغ��ل في دمعتين سخيتين ف��اغ��راً فاه‪،‬‬ ‫مصوباً بريق عينيه إلى عيني الحجريتين‪ ،‬قبل أن وكان هو يحادث زوجته بوقار رجل مهم‪ ..‬كان يبتسم‬ ‫تبتعد السيارة‪ ..‬في البيت سوف يسكت بالتأكيد‪ .‬كلما التفتت إليه مندهشة‪ ..‬آه‪ ،‬إنها نفس االبتسامة‬ ‫ه �ن��اك غ��رف��ة ص�غ�ي��رة مكتظة ب��ال�ل�ع��ب سيدخلها الماكرة وهو يقول لي أن الحياة صعبة …‪.‬‬ ‫مهروال‪..‬ستضيء بضغطة زر عند الباب‪ ،‬وحالما‬ ‫الثالثاء‪ ،‬يضرم النار حمراء قانية ف��وق البحر‬ ‫تضيء سترتبك طيور معلقه بجوار النافذة‪ ..‬سيمر وظ �ه��ره إل ��ي‪ ..‬ك��ان يكفي أن أم��د رج�ل��ي م��ن فوق‬ ‫المساء حافياً صغيراً مغموس اليدين في اللعب ال �ج��رف ليتلبسهما غ�س��ق ن��اب��ت م��ن ت�ح��ت الماء‬ ‫وسينكر الطفل أنه بكى‪..‬‬ ‫كالنفط‪ ..‬ال رذاذ على الحواف يخصني س��وى أن‬ ‫حين آلمته الضربة سحب ي��ده جهتي ووضعها الريح مضرجة برطوبة غير عادية‪ ،‬والجرف ينوء‬ ‫بيني وبينه‪ ..‬كانت السيارة تبتعد‪ ،‬بيد أن أصابعه بوحشة البحر‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪85 1427‬‬


‫جتربتي في كتابة الترجمة‬

‫والسيرة<‬

‫> د‪ .‬عبدالرحمن الشبيلي‬

‫مقدمـ ــة‪:‬‬ ‫ال أبلغ من أن يحترف اإلنسان مهنة من المهن‪ ،‬أو يمارس فناً من الفنون‪ ،‬ثم يقف‬

‫مع نفسه بعض الوقت اللتقاط األنفاس‪ ،‬والتأمل في طريقه‪ ،‬ليرى إذا كان يسير‬

‫ال لمسيرته‪ ،‬وليعود إلى ما سجله غيره‬ ‫في االتجاه الصحيح‪ ،‬وليجري تقويماً شام ً‬

‫من الممارسين‪ ،‬وإلى ما كتبه المنظّ رون من قبله‪ ،‬فيستفيد من ارائهم وخبراتهم‪.‬‬

‫تلكم هي نظرتي للحديث عن تجربة هي إلى الهواية أقرب من االحتراف‪ ،‬إذ لم‬

‫يسبق من قبلُ أن نظرت في تجربة اآلخرين‪ ،‬أو فتشت عما سلكه األسبقون‪ ،‬أو‬

‫قرأت فيما كتبه أساتذة األدب عن أصول هذا الفن وقواعده وتاريخه‪.‬‬

‫فالكتابة في السير والتراجم‪ ،‬بشقيها‪ :‬سير الذات وسير الغير‪ ،‬هي في الواقع‪،‬‬

‫ميدان فسيح من ميادين األدب‪ ،‬له أصوله وأنماطه‪ ،‬وق��د كُتبت فيه دراسات‬ ‫وأطروحات‪ ،‬وعرفته الثقافة العربية منذ أمد بعيد‪ ،‬حيث يزخر التراث بالمئات‬

‫من الكتب التي سجلت سير الزعماء والمصلحين وطبقاتهم‪ ،‬وسبرت مكامن القوة‬

‫في شخصياتهم‪.‬‬

‫وف��ي عصرنا الحديث‪ ،‬ش��اع مصطلح ال�ت��راج��م‪،‬وه��و تعبير م��و ّل��د يطلق على‬

‫ش���ه���ادات‬ ‫‪86‬‬

‫السير الموجزة‪ ،‬ثم انتشر منذ عقود قليلة نمط السير الذاتية (بما فيه اليوميات‬

‫والذكريات واالعترافات ونحوها)‪ ،‬وهو ما يحكي فيه المرء قصة حياته بأسلوب‬

‫ضمير الغائب (الرواية) أو باستخدام ضمير المتكلم‪ ،‬وسواء أكتبه بقلمه أم أذن‬ ‫لغيره بالكتابة عنه‪.‬‬

‫< ألقيت في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية ‪ -‬سكاكا بالجوف‬ ‫يوم الخميس ‪1426/10/15‬هـ الموافق ‪2005/11/17‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫يقول د‪ .‬عبدالله الحيدري في كتابه المتميّز‪:‬‬ ‫السيرة ال��ذات�ي��ة ف��ي األدب ال�س�ع��ودي (دار طويق‬ ‫‪1424‬هـ) والذي كان في األساس رسالة ماجستير‪،‬‬ ‫وعلّق عليه الشيخ حمد الجاسر‪" :‬والنوع األول هو‬ ‫المعروف بالسير الغيرية‪ ،‬أو ما يعرف لدى الغرب‬ ‫بتعبير ‪ ،Biography‬وهو البحث عن الحقيقة في‬ ‫ح�ي��اة إن �س��ان ف� �ذّ‪ ،‬وال�ك�ش��ف ع��ن م��واه�ب��ه وأسرار‬ ‫عبقريته من ظروف حياته التي عاشها واألحداث‬ ‫ال�ت��ي واجهها ف��ي محيطه واألث ��ر ال��ذي خلقه في‬ ‫جيله‪ ...،‬وإن النقد العربي قد استوعب التفرقة بين‬ ‫المصطلحين المركّبين فأطلق تعبير ‪Biography‬‬ ‫لسير الغير ومصطلح ‪ Autobiography‬للسير‬ ‫الذاتية التي يتحدث فيها الكاتب عن نفسه " أ‪ .‬هـ‪ .‬في كتابة السير‪ ،‬لكنني استذكر هنا خطوة مرحلية‬ ‫قديمة يعود تاريخها إل��ى ع��ام ‪1396‬ه��ـ (‪1976‬م)‪،‬‬ ‫ومع حداثة هذه التجربة في مجتمعنا‪ ،‬فإن المتتبع‬ ‫وكانت بمثابة التمهيد الهتماماتي التوثيقية في هذا‬ ‫لما صدر من سير‪ ،‬من أمثال ما كتبه عزيز ضياء في‬ ‫المجال‪.‬‬ ‫سيرته الذاتية‪ :‬حياتي مع الحب والجوع والحرب‪،‬‬ ‫ففي أواخ��ر س�ن��وات عملي ف��ي وزارة اإلعالم‪،‬‬ ‫ود‪ .‬غازي القصيبي في كتابه‪ :‬حياة في اإلدارة وفي‬ ‫سيرته الشعرية‪ ،‬واألستاذ أبو عبدالرحمن بن عقيل جالت في خاطري فكرة تنشيط ذاكرة المشاهدين‬ ‫في تباريحه‪ ،‬أو الدكتور عبدالعزيز الخويطر في بتاريخ أبرز أعالم الوطن الذين قدموا خدمات جليلة‬ ‫لمحات من ذكرياته‪،‬وإبراهيم الحسون في خواطره‪ ،‬في سبيل تأسيسه وتوحيده ونهضته‪ ،‬وقد قمت‪ ،‬من‬ ‫وهي جميعها من نوع السير الذاتية‪ ،‬وليست تراجم ثمّ‪ ،‬بتسجيل حلقات تلفزيونية توثيقية مع بعضهم‪،‬‬ ‫للغير – موضوع هذه المحاضرة‪ ،‬فإنها – في ظني تتحدث عن مراحل حياتهم‪ ،‬وعن شهاداتهم الشفوية‬ ‫– قد بلغت من الجودة ما يضاهي ما تضمه المكتبات حول األح��داث التي عاشوها أو شاركوا فيها‪ ،‬وقد‬ ‫من نتاج عربي‪ ،‬وهي تتفوق بشكل ملحوظ على ما استمرت محاوالتي التوثيقية تلك حتى اآلن‪.‬‬ ‫أنتجته المكتبة السعودية من كتب وتراجم للغير‪.‬‬ ‫كان من تلك المقابالت‪ ،‬ما عرض في حينه وما‬ ‫وال �م��رج��و‪ ،‬م��ع اس�ت�ع��راض ه��ذه ال�ت�ج��رب��ة‪ ،‬على‬ ‫تواضعها ومحدوديتها‪ ،‬أن تضيء الطريق لكاتب‬ ‫ناشيء‪ ،‬وتكون فيها الفائدة لمتحفّز يمتلك الفكرة‬ ‫ومقدرة الصياغة لكنه يبحث عن الميدان‪.‬‬

‫البدايات‪:‬‬ ‫لم يكن لي قبل عام ‪1414‬هـ (‪1994‬م) سابق خبرة‬

‫لم يعرض‪ ،‬ما حوى مادة ثرية معمقة‪ ،‬فعملت منذ‬ ‫وفاة الشيخ محمد بن جبير عام ‪1421‬هـ (‪2003‬م)‬ ‫على تحويل تلك التسجيالت إلى سلسلة كتب توثيقية‬ ‫شملت ح�ت��ى اآلن ال�ش�ي��خ ح�م��د ال�ج��اس��ر واألمير‬ ‫مساعد ب��ن عبدالرحمن واألم�ي��ر خالد السديري ‬ ‫وكانت الحوارات التلفزيونية تمثل المتون الرئيسية‬ ‫لتلك الكتب‪ ،‬ثـــــم‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪87 1427‬‬


‫بالكتاب يرى النور في شوال عام ‪1414‬هـ (‪1994‬م)‪،‬‬ ‫كتاب من (‪ 500‬صفحة )‪ ،‬يتحدث عن سيرة طيب‬ ‫الذكر‪ ،‬السفير الشيخ محمد الحمد الشبيلي‪ ،‬ويلقى‬ ‫من الحفاوة ما لم يحلم به مؤلفه‪.‬‬

‫التجارب الالحقة‪:‬‬

‫أض �ف��ت إل �ي �ه��ا ق� � ��راءات م ��ن ب �ع��ض عارفيهم‪،‬‬ ‫وص��وراً جعلت من سيرهم م��واد وثائقية متكاملة‪،‬‬ ‫مع وضع هوامش تتضمن تراجم موجزة للتعريف‬ ‫بالشخصيات األخرى التي عرض لها كل حوار‪ ،‬حتى‬ ‫إن كتابي األخير عن األمير مساعد بن عبدالرحمن‬ ‫حمل أربعين تعريفاً بآخرين‪ ،‬ورد ذكرهم في ثنايا‬ ‫مقابالتي التي كنت أجريتها مع سموه قبل ثالثين‬ ‫عاماً‪.‬‬

‫التجربة الرائدة‪:‬‬ ‫ل�ك�ن�ن��ي ق �ب��ل أن أق� ��رر ت �ح��وي��ل ه ��ذه الحلقات‬ ‫التسجيلية القديمة إلى كتب‪ ،‬بدءاً بكتاب الشيخ ابن‬ ‫جبير الصادر عام ‪1421‬ه��ـ (‪2003‬م)‪ ،‬كنت مررت‬ ‫بالتجربة األثرى واألكثر تميّزاً حتى اآلن‪.‬‬ ‫فلقد كنت منذ عام ‪1407‬هـ (‪1987‬م) أرسم في‬ ‫الذهن – كما يفعل المعماريون – تصوّراً لكتاب يوثق‬ ‫سيرة أحد أقاربي ممن اتفق المجتمع على تقدير‬ ‫أع�م��ال��ه وخ��دم��ات��ه‪ ،‬وك�ن��ت أب�ح��ث ع��ن متعهد ينفذ‬ ‫الرسومات والتصاميم‪ ،‬ويحيل الفكرة إل��ى واقع‪،‬‬ ‫أو كما يتمنى إنسان تحوك في خاطره مشاعر‪ ،‬أن‬ ‫يتحول إلى شاعر يصوغ أفكاره في قصيدة معبرة‪.‬‬ ‫وبعد طول انتظار حاولت خالله جهتان التصدي‬ ‫لتنفيذ الفكرة‪ ،‬كان على المصمم نفسه أن يتحول‬ ‫إل��ى مقاول‪ ،‬وأن يقوم بتنفيذ أفكاره بنفسه‪ ،‬فإذا‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫أم��ا التجربة الثالثة‪ ،‬م��ن ت�ج��ارب كتابة السير‬ ‫وال�ت��راج��م‪ ،‬فقد م��ررت بها بين عامي ‪1417‬ه ��ـ و‬ ‫‪1420‬ه� ��ـ (‪2000 – 1997‬م) حينما كنت أعكف‬ ‫على تأليف كتابي التوثيقي ‪ -‬السالف ذكره ‪ -‬عن‬ ‫ت��اري��خ اإلع�ل�ام ال�س�ع��ودي‪ ،‬وق��د أس�ف��ر البحث عن‬ ‫التطرق إلى عشرات من رجال الثقافة واإلعالم في‬ ‫المجتمع السعودي‪ ،‬مما شجع على كتابة مقاالت عن‬ ‫كل شخصية على ح��دة‪ ،‬نُشرت مجّ زأة في جريدة‬ ‫الجزيرة‪ ،‬ثم مجتمعة في كتاب (إع�لام وأعالم)‪،‬‬ ‫الصادر بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة‬ ‫‪1419‬هـ (‪1999‬م)‪.‬‬ ‫ثم دخلت في تجربة رابعة من ن��وع أكثر عمقاً‬ ‫في مجال كتابة التراجم الموجزة‪ ،‬عندما التزمت‬ ‫لجريدة عكاظ في مطلع شهر شعبان عام ‪1424‬هـ ‬ ‫(سبتمبر ‪2003‬م) – تحت عنوان‪ :‬تحية وبعد ‪ -‬بكتابة ‬ ‫سلسلة مقاالت عن شخصيات متوارية عن األضواء‬ ‫عازفة عن الظهور‪ ،‬مع أنها بلغت مكانة عالية في‬ ‫المجتمع‪ ،‬وقدمت جهوداً مشكورة في خدمة الوطن‪،‬‬ ‫وقد أفاد نشر تلك المقاالت سلفاً في الصحافة في‬ ‫تلقي بعض التعليقات والتصويبات عليها‪ ،‬ومع األيام‬ ‫ال وطوالً‪ ،‬وأصبحت‬ ‫صارت تلك الحلقات أكثر تفصي ً‬ ‫تشمل شخصيات قديمة ومعاصرة‪ ،‬أحيا ًء أو أمواتاً‪،‬‬ ‫كما توسَّ ع نشرها صحفياً ليشمل جريدتي الحياة‬ ‫والشرق األوس��ط ومجلتي الشورى والمجلة‪ ،‬وهي‬ ‫حلقات تنتظر الظهور قريباً بإذن الله – بعد جمعها‬ ‫‪ -‬في كتاب بعنوان‪ :‬أعالم بال إعالم‪.‬‬


‫إن ما يجمع بين هاتين التجربتين األخيرتين‪ ،‬على التجانس في نسق الكتاب وصياغته وأسلوبه‪،‬‬ ‫على اختالفهما النسبي من حيث اإلطالة والعمق‪ ،‬رغم تنوع أقالم المشاركين في التأليف واختالف‬ ‫هو سمة االختصار وتجنب اإلغ��راق في تفاصيل طريقتهم وأنماطهم في الكتابة‪ ،‬كما تشمل التأكد‬ ‫ال� �ح���وادث‪ ،‬وس �ه��ول��ة ال �ل �غ��ة وال �ت��راك �ي��ب وبساطة من اتساق معلوماته التاريخية‪.‬‬ ‫األسلوب‪ ،‬مع االنعتاق من التشدد في شروط البحث‬ ‫وقفات للتأمل‪:‬‬ ‫األكاديمي وق�ي��وده‪ ،‬ذل��ك أن تلك السير والتراجم‬ ‫وألن التجربة‪،‬التي م��ررت بها في أثناء إعداد‬ ‫قد أعدت أساساً للنشر الصحفي‪ ،‬وكانت موجهة‬ ‫إلى جمهور المثقفين والمتخصصين وإلى السواد سيرة السفير الشبيلي كانت األكثر ثرا ًء بين كتب‬ ‫السير التي أصدرتها‪ ،‬فإنني أرجو أن تسمحوا لي‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫األعظم من القراء على ٍ‬ ‫بالوقوف عدة وقفات عند أب��رز مالمحها للتعرف‬ ‫وقد رك��زت تلك السير والتراجم على الجوانب‬ ‫على أسباب التميز فيها‪:‬‬ ‫الطريفة وال �م �ش � ّوق��ة‪ ،‬ورب �م��ا المجهولة م��ن حياة‬ ‫ال��وق�ف��ة األول� ��ى‪ :‬ك��ان��ت شخصية ذل��ك الكتاب‬ ‫شخصياتها‪ ،‬وروعي في انتقاء األسماء أن تكون لها‬ ‫مكانة شعبية في المجتمع أو ذات ماض مؤثر وناجح‪ ،‬أحد السفراء السعوديين‪ ،‬المشهود لهم بالشمائل‬ ‫وبالتالي‪ ،‬تجتذب القارئ وتغريه على االستزادة من الكريمة‪ ،‬التحق في مطلع الخمسينيات الهجرية‬ ‫(أوائ��ل الثالثينات الميالدية) بالديوان الملكي‪ ،‬ثم‬ ‫المعلومات اإلنسانية عنها‪.‬‬ ‫خدم بالده ومواطنيه سفيراً في خمس دول‪ ،‬وأمضى‬ ‫أما الصنف الخامس واألخير من هذه التجارب‪،‬‬ ‫نحواً من ستة عقود في الوظيفة العامة‪ ،‬مكرساً وقته‬ ‫فهو اإلشراف على تأليف تراجم لشخصيات عامة‪،‬‬ ‫وجهوده وإمكاناته في إسعاد غيره‪ ،‬وص��ون سمعة‬ ‫في شكل مشروعات كتب تقوم بها جهات خاصة‬ ‫وطنه‪ ،‬وعُرضت عليه الوزارة فاعتذر‪ ،‬فكان احتفاء‬ ‫أو حكومية‪ ،‬يقتصر دوري فيها‪ ،‬مع التنسيق بين‬ ‫المجتمع بصدور الكتاب بمستوى منزلة الرجل‪،‬‬ ‫ال�م�ع� ّدي��ن‪ ،‬على التحرير ال �ع��ام م��ن ن��اح�ي��ة‪ ،‬وعلى‬ ‫اإلس �ه��ام ف��ي كتابة بعض فصولها بالمشاركة مع لدرجة غفرت كون مؤلفه أحد األقربين‪.‬‬ ‫فأهمية الشخصية التي يكتب عنها‪ ،‬والتوافق في‬ ‫كتاب آخرين‪ ،‬وتشمل وظيفة المحرر هنا المحافظة‬

‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪:‬‬

‫ من مواليد عنيزة بالقصيم سنة ‪1363‬هـ (‪1944‬م)‪ ،‬له ابن وبنتان‪.‬‬‫ دكتوراه في اإلعالم ‪1391‬هـ (‪1971‬م) من جامعة والية أوهايو‪.‬‬‫ أسهم في تأسيس إذاعة الرياض وتلفزيون الرياض‪ ،‬وقدم برامج إعالمية‬‫ حوارية‪ ،‬ونشر مقاالت ومحاضرات توثيقية‪.‬‬‫ عمل مديراً عاماً للتلفزيون وأستاذاً لإلعالم في جامعة الملك سعود‪.‬‬‫ وكيل وزارة التعليم العالي وأمين عام المجلس األعلى للجامعات األسبق‪.‬‬‫‪ -‬عضوية مجلس الشورى والمجلس األعلى لإلعالم ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪89 1427‬‬


‫شهادة المجتمع على منزلته فيما تميز ب��ه‪ ،‬كانت‬ ‫دون شك‪ ،‬العامل األول في نجاح المؤلَّف‪ ،‬واإلقبال‬ ‫على اقتنائه والحفاوة به‪ ،‬ومفتاح تعليقات وسائل‬ ‫اإلعالم عليه‪.‬‬ ‫الوقفة الثانية‪ :‬كان الكتاب في مسوداته المبكرة‬ ‫يضم ثالثة فصول‪ ،‬وكانت صياغته تتسم بالعمومية‪،‬‬ ‫ومعلوماته غير موثقة‪ ،‬ولكن ما أن انفتحت أمام‬ ‫المؤلف خزينة األوراق الخاصة‪ ،‬وألبومات الصور‬ ‫التي كانت تزخر بها غرفة المقتنيات الشخصية‬ ‫للسفير الشبيلي‪ ،‬حتى تغيّرت صورة الكتاب‪ ،‬وتحول‬ ‫حجمه من فصول ثالثة إلى ثمانية‪ ،‬وزادت الصور‬ ‫إلى عشرة أضعاف‪ ،‬وحظي بالكثير من األسانيد‬ ‫وال��وث��ائ��ق ال�خ��اص��ة‪ ،‬وص ��ارت المعلومة ت��دل على‬ ‫المعلومة‪ ،‬والصورة توحي بالفكرة‪ ،‬والوثيقة تقود إلى‬ ‫مصادر المعلومات‪ ،‬وقد تعلمت من تلك التجربة أن‬ ‫البحث عن القرائن والدالئل والتواريخ غاية تستحق‬ ‫شد الرحال‪ ،‬مهما كانت القيمة أو كان التأخير‪.‬‬ ‫وب �ي��ن م��ا ت��م ال �ع �ث��ور ع�ل�ي��ه‪ ،‬ش��واه��د وإثباتات‬ ‫أصيلة للعديد من القصص والروايات التي وردت‬ ‫على ألسنة روات �ه��ا‪ ،‬وم��ع ذل��ك فقد حالت ظروف‬ ‫أفغانستان والعراق في تلك الفترة وما تزال‪ ،‬وهما‬ ‫من البلدان التي عمل فيها سفيراً‪ ،‬دون أن يحصل‬ ‫المؤلف منهما على ما يخدم أغراضه‪.‬‬

‫ومن الطبيعي‪ ،‬أن يشكّل العثور على صورة تخدم‬ ‫موضوعها‪ ،‬وتوضع في مكانها المناسب في الكتاب‪،‬‬ ‫سعادة ال توصف ألي مؤلف‪ ،‬وأن ترد قصة في ثنايا‬ ‫الروايات وقد مضى على حدوثها نصف ق��رن‪ ،‬ثم‬ ‫يجد الباحث بين أوراق شخصية الكتاب ما يؤكد‬ ‫تفاصيل الواقعة وشخصياتها وتواريخها‪ ،‬وأن تحتل‬ ‫صورة مكاناً بارزاً في إخراج الكتاب‪ ،‬ثم يجد مؤلفه‪،‬‬ ‫والكتاب ماثل للطبع‪ ،‬من يعرّف باسم صاحبها‪ ،‬فهي‬ ‫مواقف تمثل متعة في عالم مؤلف السير والتراجم‬ ‫ال يقدر مدى اإلحساس بها إال من م ّر بها أو جرّبها‪،‬‬ ‫بل إن استذكارها‪ ،‬مع مضي الزمن‪ ،‬ال يقل نشوة‬ ‫وإسعاداً عن تذكر مطاردة قنص عاشها هواته‪.‬‬ ‫ال��وق �ف��ة ال �ث��ال �ث��ة‪ :‬وه ��ي ت�ت�ص��ل ب��ض��رورة إلمام‬ ‫المؤلف بخلفية الموضوع‪ ،‬وبالمعلومات التاريخية‬ ‫المتعلقة به‪ ،‬وبالشخصيات الواردة فيه‪ ،‬إذ ال أتخيل‬ ‫مؤلفاً يمكنه أن يكتب عن شخصية ال يعرف عنها‬ ‫لا ع��ن أن ي�ك��ون ق��د ت��أث��ر بها أو‬ ‫إال القليل‪ ،‬ف�ض� ً‬ ‫تشبعّ بمعرفتها أو تفاعل معها من قبل‪ ،‬وإن من‬ ‫نافلة القول‪ :‬إن أفضل أنواع الكتابة وأكثرها صدقاً‬ ‫وبالغة هو ما يصدر عن عاطفة‪ ،‬مهما بلغ احتراف‬ ‫المؤلف وقدرته على الصياغة والتعبير‪.‬‬ ‫وما من شك في أن القراءة المكثفة في الموضوع‬ ‫الذي يراد التأليف فيه‪ ،‬وزيارة المواقع التي سيتم‬

‫مؤلفاته في مجال اإلعالم‪:‬‬

‫ نحو إعالم أفضل (طبعتان) ‪1412‬هـ (‪1992‬م)‪.‬‬‫ إعالم وأعالم ‪1420‬هـ (‪1999‬م)‪.‬‬‫ اإلعالم في المملكة العربية السعودية – دراسة توثيقية ‪1421‬هـ (‪2000‬م)‪.‬‬‫ صفحات وثائقية من تاريخ اإلعالم في الجزيرة العربية ‪1423‬هـ (‪2002‬م)‪.‬‬‫ حمد الجاسر ‪1424‬هـ (‪2003‬م)‪.‬‬‫‪ -‬الملك عبدالعزيز واإلعالم ‪1424‬هـ (‪2003‬م)‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫التطرق إليها‪ ،‬وااللتقاء م��راراً مع الشخصية التي‬ ‫سيكتب عنها‪ ،‬هي بعض الوسائل التي تعزز من قدرة‬ ‫الكاتب على استيعاب موضوعه وإجادة الكتابة فيه‪.‬‬ ‫ال��وق �ف��ة ال��راب �ع��ة‪ :‬وت �ت �ح��دث ع��ن م��رح�ل��ة يمكن‬ ‫تسميتها‪ :‬مرحلة التدقيق والمقارنة‪ ،‬إذ ال بد لكل‬ ‫مؤلف في موضوع ذي صلة بالتاريخ‪ ،‬أال يأخذ مأخذ‬ ‫التسليم كل ما يقع عليه ناظراه من معلومات دون‬ ‫ال عن ضرورة‬ ‫أن يعرضها للتحقيق والمقارنة‪ ،‬فض ً‬ ‫أن يراجع مسوداته ويقارن بين تواريخ تخص واقعة‬ ‫بعينها وردت في مواضع مختلفة من كتابه‪ ،‬حتى ال‬ ‫يحصل تنافر في الكتاب نفسه‪.‬‬

‫المذكور ال يمت إلى الموضوع بصلة‪ ،‬وأن األصح هو‬ ‫– ما عاشه معظمنا ‪ -‬أمر ملكي آخر صدر برقم‬ ‫(‪ )57‬في العام الذي تاله‪ ،‬وهو ما أ ُثبت في كتابي‬ ‫عن تاريخ اإلع�لام السعودي الصادر عام ‪1421‬هـ ‬ ‫(‪2000‬م)‪ ،‬لكن أح��د كتب السيرة حديثة الصدور‬ ‫إن المعلومات الخطأ التي ترد في بعض الكتب‪،‬‬ ‫رجّ ح الرأي األول ألسبقيته‪ ،‬دون التثبت من دقته‪ .‬‬ ‫ال تشوه الكتاب نفسه بقدر ما تربك الكتب واألبحاث‬ ‫وم ��ن ال�ل�اف��ت ل �ل �ن �ظ��ر‪ ،‬أن ه �ن��اك ال �ع��دي��د من‬ ‫التي تبنى عليه‪ ،‬وما لم يقم الناقل بالتثبت من كل‬ ‫معلومة ينقلها‪ ،‬ف��إن الخطأ ق��د ي�ت��راك��م‪ ،‬ويصبح السير والتراجم التي ص��درت في المملكة‪ ،‬وهي‬ ‫جرثومة (فيروساً) يلوّث جميع ما يصدر بعده من تمتلئ بالمعلومات الجديدة والموضوعات األصيلة‬ ‫الجيدة‪ ،‬لكنها ال تُسند بتواريخ أحداثها‪ ،‬وال تختم‬ ‫كتب أو نقوالت‪.‬‬ ‫بالفهارس والكشافات التي تساعد الباحث والقارئ‬ ‫كنت ذات م��رة أق��رأ ف��ي رس��ال��ة قديمة حررها‬ ‫على تحديد مواضع المعلومات عند العودة إليها‪ ،‬‬ ‫أح��د األش�خ��اص الذين ألفت عنهم‪ ،‬وك��ان يتحدث‬ ‫وفي ظني أن توثيق التواريخ وتكشيف المعلومات‪،‬‬ ‫فيها عن موضوع يفهم منه أنه يتعلق بوفاة الملك‬ ‫هما أهم عناصر الكتابة التاريخية‪ ،‬ويمثالن عصب‬ ‫خالد وتولي الملك فهد مقاليد الحكم في البالد‪،‬‬ ‫ال على تمكّن‬ ‫التأليف في مجال السير والتراجم‪ ،‬ودلي ً‬ ‫وبالعودة إل��ى أح��د الكتب اإلعالمية التي صدرت‬ ‫الكاتب ومثابرته وجدّيته في البحث والتنقيب‪.‬‬ ‫عن تلك المناسبة للتثبت من التاريخ‪ ،‬تبين أن خطأ‬ ‫ال��وق��ف��ة ال �خ��ام �س��ة‪ :‬وت� �ت� �ن ��اول م��رح �ل��ة النقد‬ ‫مطبعياً في تلك السنة (‪1402‬هـ) قد وقع في الكتاب‬ ‫اإلعالمي نفسه‪ ،‬ولم يكن مؤلفه قد اكتشفه قبل تلك والتقويم‪ ،‬وه��ي مرحلة ال يوليها بعض المؤلفين‬ ‫م ��ا ت �س �ت �ح �ق��ه م ��ن اه� �ت� �م ��ام‪ ،‬م ��ع أن� �ه ��ا ي �م �ك��ن أن‬ ‫المقارنة‪.‬‬ ‫وفي مثال آخ��ر‪ ،‬تضمن كتاب عن تطور الحكم تكشف ل�ه��م ع�ي��وب�اً ال ي �ك��ون ف��ي م �ق��دور المؤلف‬ ‫واإلدارة في المملكة‪ ،‬صدر عام ‪1385‬هـ(‪1956‬م)‪. ،‬أن ي�ك�ت�ش�ف�ه��ا ب��م��ف��رده‪ ،‬وق���د ق �ي��ل ف �ي �م��ا مضى‪:‬‬ ‫معلومات تشير إل��ى أن وزارة اإلع�لام قد أ ُنشئت إن المؤلف ي�ق��رأ نفسه‪ ،‬وبالتالي فقد يمر عليه‬ ‫استناداً إلى األم��ر الملكي رقم (‪ )43‬الصادر عام الخطأ المطبعي وغيره دون أن يلحظه‪.‬‬ ‫‪1381‬هـ (‪1961‬م)‪ ،‬وبتحقيق ذلك‪ ،‬اتضح أن المستند‬

‫ولعل أفضل طريقة لنقد الكتاب وتقويمه قبل‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪91 1427‬‬


‫طبعته النهائية أن يعقد المؤلف ندوة للمتخصصين‬ ‫في موضوعه‪ ،‬أو لمجموعة من النقاد المحتملين‬ ‫لمعرفة آرائهم في مسوداته األخيرة‪ ،‬فقد تكفل هذه‬ ‫الخطوة تخفيف الملحوظات التي تبدى على الكتاب‬ ‫فيما بعد ( وقديماً قيل‪ :‬من ألف فقد استهدف)‪.‬‬ ‫وهنا ينبغي على المؤلف أال يتأفف من أي رأي‪،‬‬ ‫وال يتذمر من التأخير‪ ،‬أو من كثرة التعديالت وإعادة‬ ‫الصياغة‪ ،‬فالتصويبات التي ت��رد إليه قبل الطبع‬ ‫تفضل بمراحل ما يتلقاه بعده‪ ،‬وخير له أن يتلمس‬ ‫ُ‬ ‫عيوب كتابه قبل الصدور من أن يُلفت نظره إليها‬ ‫بعد فوات األوان‪ ،‬وعندما يحظى المؤلف بمساعدة‬ ‫من محترف في التصحيح والمراجعة والصياغة‪،‬‬ ‫ال لذلك‪ ،‬فإنها قمة‬ ‫أو عندما يكون هو نفسه مؤه ً‬ ‫الحظ في عالم الكتابة والتأليف‪ ،‬وإن ما يقضيه‬ ‫المؤلف من جهد ووقت في هذه المرحلة خير وسيلة‬ ‫ال‬ ‫إلتقان العمل وتحري كماله وضمان تميّزه‪ ،‬ودلي ً‬ ‫على احتراف المؤلف وثقته بنفسه‪.‬‬ ‫إن كل ما أصدرته حتى اآلن من كتب في مجال‬ ‫اإلع�لام أو في مجال السير‪ ،‬قد استغرق ما بين‬ ‫عشر إل��ى خمس عشرة مسودة (ب��روف��ة) طباعية‪،‬‬ ‫مارست فيها أقصى درجات المراجعة والتمحيص‬ ‫الممكنة‪ ،‬ومع ذلك فلم يخل واحد منها من األخطاء‬ ‫بأنواعها‪ .‬‬

‫على المعايير العلمية وتطبق عليها‪ ،‬فإن من غير‬ ‫المحتمل أن يحافظ كتاب السير على موضوعيتهم‬ ‫وحيدتهم في كتابات أعدت لألغراض اإلعالمية‪،‬‬ ‫أو الستكشاف جوانب التميز في األشخاص‪ ،‬وإن‬ ‫أح��رى ما قد يلتزمون به هو موقف االع�ت��دال في‬ ‫الطرح‪ ،‬وتجنب المبالغات في الثناء واأللقاب‪.‬‬ ‫السؤال الثاني الذي يرد في هذا المقام‪ ،‬هو عن‬ ‫مدى تقبّل تلك الشخصيات لما يُكتب عنهم‪ ،‬خاصة‬ ‫أن الكثيرين قد ال يعرفون محتوى تلك الكتابات قبل‬ ‫نشرها‪ ،‬وهو ما يتم في الغالب مع معظم ما كتبت‪،‬‬ ‫ولعل في استشارة المحيطين بالشخصيات المترجم‬ ‫لها ما يضمن دقة المعلومات الواردة فيها‪ ،‬وضمان‬ ‫رضا صاحب الشأن عما ورد عنه من معلومات‪.‬‬ ‫الوقفة السابعة‪ :‬وتتصل – باختصار – باشكالية‬ ‫ما يواجهه بعض كتب السير والتراجم في بالدنا‬ ‫خاصة‪ ،‬من بعض الحساسيات االجتماعية‪ ،‬نتيجة‬ ‫إيراد كلمات أو معلومات أو قصص قد تثير النعرات‬ ‫القبلية واإلقليمية‪ ،‬وربما يلحق بها مسألة الدخول‬ ‫في قضية األعمار وأمثالها‪ ،‬وهي أمور يحتاج التطرق‬ ‫إليها كثيراً من الحذر والحيطة‪ ،‬فلقد تسببت إثارة‬ ‫مثل هذه الموضوعات في إيقاف العديد من مؤلفات‬ ‫السير والتراجم حتى بعد فسحها وتداولها‪.‬‬

‫الوقفة الثامنة‪ :‬وإن من عوامل التشويق في مثل‬ ‫الوقفة السادسة‪ :‬هل يمكن الحكم على ما يكتبه هذه الكتابات‪ ،‬هو التوسع فيما يمكن تسميته عنصر‬ ‫كاتب السير والتراجم بالموضوعية والحيدة ؟‪ ،‬أو "الشخصنة"‪ ،‬وه��و الغوص في أعماق الشخصية‪،‬‬ ‫بعبارة أخرى‪ :‬هل تتوافر شروط النزاهة في كل ما والتطرق في السياق نفسه إلى أسماء شخصيات‬ ‫أخرى ذات عاقة بالشخصية الرئيسية‪.‬‬ ‫يكتبه مؤلفو التراجم ؟‬ ‫أستطيع ال�ق��ول‪ :‬إن من الصعب على أي كاتب‬ ‫س�ي��رة المحافظة ع�ل��ى ذل ��ك‪ ،‬خ��اص��ة إذا م��ا كان‬ ‫اختياره لألشخاص مبنياً على اإلعجاب المسبق‬ ‫ب �ه��م‪ ،‬وأض��ي��ف‪ :‬إن ��ه م��ال��م ت �ع��رض ك �ت��اب��ات السير‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬

‫لقد سبق اإلخ ��وة م��ن ك�ت��اب ال�ح�ج��از‪ ،‬قديمهم‬ ‫وحديثهم‪ ،‬إل��ى األخ��ذ بهذا العنصر واالهتمام به‪،‬‬ ‫حتى ال تكاد مقالة أو كتاب سيرة تخلو من الحديث‬ ‫ع��ن مأكل اإلن �س��ان‪ ،‬وع��ن رف��اق��ه‪ ،‬وع��ن اهتماماته‬


‫األسرية‪ ،‬وعن اإلتيان بأسماء من حوله من أقاربه‪ ،‬وتاريخها ثم بسرد المراحل العلمية والعملية وعدد‬ ‫مع رفع الكلفة عند الكتابة عن الدواخل النفسية ذريته وتنتهي بذكر تاريخ وف��ات��ه‪ ،‬بل نحت منحى‬ ‫واإلنسانية‪.‬‬ ‫متحرراً يركز في بدايته على أبرز مالمح الشخص‬

‫فمتى ما توافر عنصر "الشخصنة"‪ ،‬وه��و أمر أو خصاله وما هو معروف أو مجهول عنه‪ ،‬وغالباً‬ ‫أس��اس��ي ف��ي كتابة السير‪ ،‬ضمن ع��وام��ل الظرف ما توضع المعلومات البيوغرافية في نهاية المقال‬ ‫والتشويق وسهولة العبارة واإلي �ج��از‪ ،‬فإنها – في أو البحث‪ ،‬وهناك سي ُر أخذت نمط استعراض عمل‬ ‫فكري قام به‪ ،‬وذلك كما حصل عند استعراض سيرة‬ ‫ظني – مدعاة إلمتاع القارئ وجذبه وارتياحه‪.‬‬ ‫خليل ال��رواف وابراهيم الحسون‪ ،‬وعلى كل حال‪،‬‬

‫وبع ــد‪:‬‬

‫فإنه عندما يأتي األمر إلى تقويم منهج الكتابة ونقد‬

‫ه ��ذه‪ ،‬ف��ي ال ��واق ��ع‪ ،‬خ�لاص��ة ت�ج��رب��ة متواضعة اسلوبها فإنه شأن ينبغي أن يصدر من غير كاتبها‪.‬‬ ‫امتدت اثني عشر عاماً‪ ،‬من االنشغال في فن لم‬ ‫والسالم عليكم ورحمة الله وبركاته‬ ‫يكن لي سابق خبرة فيه أو دراسة أو تخصص‪ ،‬ومن‬ ‫الطبيعي أن تكون عرضة للنقد واختالف الرأي‪ ،‬لقطات من محاضرة الدكتور الشبيلي‪:‬‬ ‫خاصة إذا ما عرفنا أن تلك التراجم ‪ -‬على تباين‬ ‫ قدم للمحاضرة وأدارها الدكتور عبدالله الحيدري‬‫أصنافها ‪ -‬قد التزمت منهجاً مبسطاً في األسلوب‪،‬‬ ‫أستاذ األدب غير المتفرغ بجامعة اإلمام محمد‬ ‫يجتذب القارئ العادي‪ ،‬لكنه يتحرر من وثاق البحث‬ ‫بن سعود اإلسالمية‪.‬‬ ‫العلمي المتشدد‪.‬‬ ‫ ش��ارك ف��ي ال�ح��وار ك��ل م��ن الدكتور عبدالواحد‬‫ومع تواضع هذه التجربة القصيرة التي مررت‬ ‫الحميد وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير و‬ ‫بها‪ ،‬والتأكيد على أنها ال تتعدى الهواية وال تدخلني‬ ‫الكاتب المعروف‪ ،‬و الدكتور زياد بن عبدالرحمن‬ ‫بين المؤرخين‪ ،‬فلقد اتخذت المحاوالت التي قمت‬ ‫ال��س��دي��ري م��دي��ر ع���ام م��ؤس �س��ة عبدالرحمن‬ ‫بها للكتابة في السير قوالب وأنماطاً فنية مختلفة‪،‬‬ ‫السديري الخيرية‪.‬‬ ‫لكنها – بأي حال من األح��وال – لم تأخذ الشكل‬ ‫التقليدي لكتابة السير‪ ،‬التي تبدأ عادة بمكان الوالدة ‪ -‬تضمنت ال�م�ح��اض��رة رص ��داً لتجربة الشبيلي‪،‬‬

‫مؤلفاته في التراجم والسير‪:‬‬

‫ صالح العبد الله الشبيلي – حياته وشعره ‪1414‬هـ (‪1994‬م)‪.‬‬‫ محمد الحمد الشبيلي (أبو سليمان) ‪1414‬هـ (‪1994‬م)‪.‬‬‫ محمد بن جبير (طبعتان) ‪1421‬هـ (‪2001‬م)‪.‬‬‫ مساعد بن عبد الرحمن آل سعود ‪1425‬هـ (‪2004‬م)‪.‬‬‫ أعالم بال إعالم‪( :‬تحت اإلعداد) ‪1426‬هـ (‪2005‬م)‪.‬‬‫‪ -‬خالد بن أحمد السديري ( تحت اإلعداد) ‪1427‬هـ (‪2006‬م) ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪93 1427‬‬


‫على مدى اثني عشر عاماً‪ ،‬في تأليف كتب يؤرخ عام نعتقد أن كتابة السيرة في مجتمع كمجتمعنا‬

‫فيها لحياة بعض المشاهير‪ ،‬الذين ذكرهم في تنطوي على حساسية اجتماعية‪ ،‬ي�ب��دو أن هذه‬

‫محاضرته‪.‬‬

‫المعادلة صعبة التحقيق‪ .‬وثمة مشكلة إذا كان من‬

‫وفي ختام المحاضرة‪ ،‬فتح باب النقاش للحضور‪ ،‬ضمن األشياء التي بذهن كاتب السيرة أن يُرضي‬ ‫وقد قدم الدكتور عبدالواحد الحميد مداخلة وأبدى صاحب السيرة؛ فالسيرة هي سيرة هذا اإلنسان‬

‫عدداً من المالحظات النقدية ومن ضمنها ما ذكره بايجابياته‪.‬‬ ‫أما التجربة الرابعة المتعلقة بسلسلة مقاالت عن‬ ‫الشبيلي أن أفضل أن��واع الكتابة هو ما يصدر عن‬

‫عاطفة‪ ،‬وربطها الدكتور الحميد بالوقفة األخرى شخصيات متوازية الطباع سوف تعرض في كتاب‬ ‫ال �ت��ي ت �ح��دث ف�ي�ه��ا ال �م �ح��اض��ر ع��ن الموضوعية تحت عنوان‪" :‬أعالم بال إعالم"‪ ،‬فلها أهميتها‪ ،‬لقد‬

‫والحيدة‪ ،‬وشروط النزاهة في كتابة السيرة‪ ،‬إذ ال بد قرأت سلسلة المقاالت التي نشرتها في الصحافة‬ ‫من تطبيق معايير كتابة السيرة في محاولة إليجاد المحلية‪ ،‬وربما كانت من أجمل ما ُكتِب في موضوع‬

‫نوع من االعتدال بل إن المحاضر قال إن أقصى السيرة ألنها تتحدث عن أشخاص غير معروفين‬ ‫ما يمكن أن يحققه كاتب السيرة هو عدم المبالغة‪ .‬كثيراً‪ ،‬ولكن كانت لهم إسهامات كبيرة‪ ،‬وك��ان لهم‬

‫وف��ي ال��وق�ف��ة السابعة تحدثت ع��ن م��دى التقبل‪ ،‬دور في مسيرة اإلع�لام‪ ،‬كل بحسب الموقع الذي‬ ‫وضمان رضا صاحب الشأن‪ ،‬عما ورد عنة ثم في عمل فيه‪ .‬ونتمنى عندما يصدر هذا الكتاب وأمثاله‬

‫الوقفة الثامنة تحدثت عن الحساسيات االجتماعية‪ ،‬أن الناس الذين أسسوا اإلعالم القوي في بالدنا أن‬ ‫هذه الخلطة تضعنا أمام إشكالية فمن ناحية أصدق يأخذوا نصيبهم من اإلنصاف‪ ،‬وبالتالي في ظني‬

‫أنواع كتابة السيرة هي ما يصدر عن العاطفة وأنا أن التجربة الرابعة ال تقل أهمية عن التجربة التي‬ ‫ال أعتقد أن العاطفة محايدة‪ ،‬إذ يصعب أن تكون تفضلتم وقلتم أنها االث��رى وه��ي كتبت عن محمد‬ ‫محايدة عندما تكون متعلقة بشخص ما‪ ،‬العاطفة الشبيلي "رحمة الله"‪.‬‬

‫قد تغلب ومن ثم قد يأتي ذلك على حساب شروط‬ ‫النزاهة‪.‬‬

‫وأض��اف الدكتور الحميد لقد كتب المحاضر‬

‫عن اآلخرين وفي ظني في مسيرته الشيء الكثير‬

‫واآلن ع�ن��دم��ا ن�ت�ح��دث ع��ن ال �م��وض��وع بشكل الذي يمكن أن يقدم للناس من خالل سيرته الذاتية‬ ‫التي يقدمها بقلمه‪ .‬وأن��ا أع��رف وق��رأت كثيراً عن‬ ‫مسيراتك اإلعالمية ف��ي التلفزيون وف��ي اإلذاعة‬ ‫والجامعة وأن��ت اختلطت بكثير من الرجال الذين‬

‫أسسوا اإلع�لام السعودي س��واء كان الشيخ جميل‬

‫ال�ع�ج�لان أو رج ��االت التعليم ال�ع��ال��ي مثل الشيخ‬ ‫حسن آل الشيخ‪ ،‬عندما كنت وكيل وزارة التعليم‬

‫العالي‪ ،‬والشيخ محمد حبيل وغيرهم‪ ،‬وكانت لك‬

‫ان�ط�ب��اع��ات��ك ع�ن�ه��م‪ .‬وف��ي ظ�ن��ي ه�ن��اك الكثير من‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫السديري‪ ،‬وقال‪ :‬تبعاً لما قاله الدكتور عبدالواحد‬

‫بإمكانية الجمع بين العاطفة والموضوعية‪ ،‬وتناول‬ ‫القول الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بأن العاطفة‬

‫مهمة لدفع الكاتب للكتابة؛ أليس هناك أيضاً فارق‬

‫بين سيرة وسيرة؛ سيرة يكتبها المعاصر‪ ،‬ويكون‬

‫الغرض منها هو الرصد فقط؛ وسيرة يكون هدفها‬ ‫التحليل‪ ،‬وهذه قد تأتي بعد وقت طويل‪ .‬نحن نرى‬

‫الس َي َر التي تكتب اآلن عن أشخاص عاشوا‬ ‫كثيراً من ِ‬

‫قبل قرون‪ ،‬ولو أن أحداً كتب أو رصد سيرهم في‬

‫وقت توافر هذه المعلومة ألمكن حفظها وتناولها‬ ‫بالتحليل‪ ،‬من قبل أطراف ال تربطهم أي عوامل أو‬

‫روابط عاطفية بالمتحدث عنة‪ ،‬أنا أقول أليس من‬

‫الس َي َر إذ ربما كثير من‬ ‫الواجب التمييز بين أنواع ِ‬

‫القياديين المؤثرين‪ ،‬عندما يتركون مناصبهم ال‬ ‫يكتبون عن تجاربهم وذكرياتهم وما عاصروه‪ ،‬على‬

‫الرغم من أهمية توثيق تجربتهم وخبراتهم‪.‬‬

‫السير التي تناولها الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‬ ‫واآلخ ��رون ه��ي م��ن ال�ن��وع األول‪ ،‬ال��ذي يقصد منه‬

‫الرصد‪ ،‬وتأتي استشارة صاحب السيرة أو المعني‬ ‫بها للتأكد م��ن صحة المعلومة‪ ،‬أم��ا عندما يكون‬

‫أذكر عندما انتهى عمل الدكتور بكر بن بكر مدير األمر مجال تحليل ودراسة أقرب منها إلى الجانب‬ ‫جامعة الملك فهد للبترول والمعادن‪ ،‬وكنت عضواً التاريخي؛ فعندها أعتقد أن االستقاللية التامة‬

‫في هيئة التدريس في وقتها كتبت مقاالً ورجوته والموضوعية الكاملة تكونان عنصرين أساسيين‪.‬‬ ‫أن يوثّق تجربته في الجامعة التي قدمت نموذجاً وربما يجب أن يكون شرطاً أن ال يكتب في هذا‬

‫مختلفاً ع��ن بعض النماذج ال�م��وج��ودة ف��ي التعليم المجال إال من يتحلى بالموضوعية الكاملة‪ .‬‬ ‫العالي ولكن لألسف لم يتحقق ه��ذا‪ .‬ول��ذا أتمنى‬ ‫ وعلق الدكتور الشبيلي أنه ال يُعد نفسه راصداً‬‫من الدكتور الشبيلي أن يتحفنا بكتابة القادم عن‬ ‫بل باحثاً هاوياً يكتب ما يؤمن به عن الشخصيات‬ ‫سيرته الذاتية‪.‬‬ ‫التي يتصدى للكتابة عنها‪ ،‬مشيرا الى الفرق بين‬ ‫ وقد علق الدكتور الشبيلي على مداخلة الدكتور ال��راص��د المحترف ال��ذي يكتب ع��ن أي شخصية‬‫الحميد أنه لم يقصد من العاطفة أال تأتي كتابته بهدف العمل واألحتراف فقط وبين الباحث الذي‬ ‫موضوعيه علمية نزيهه‪ ،‬ب��ل ك��ان المقصود منها يكتب بهدف عاطفي مؤمن بما يكتب عنهم‪.‬‬

‫اإليمان بما يكتب عنه مشيراً الى أنه لم يكتب عن‬

‫شخص لم يكن مؤمناً بالكتابة عنه‪.‬‬

‫‪ -‬الفنان التشكيلي مؤيد الغنام تحدث عن لغة‬

‫كتابة السيرة وبين أن تكون لغة شعرية أو لغة سردية‬

‫وبعد ذلك تحدث الدكتور زياد بن عبدالرحمن عادية‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪95 1427‬‬


‫اجلوف‬ ‫وادي النفاخ‬ ‫الطبعة الثانية‬

‫المؤلف‪ :‬معالي األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫أمير منطقة الجوف سابقا‬ ‫مراجعة‪ :‬د‪ .‬خليل بن ابراهيم المعيقل‬ ‫رئيس قسم األثار والمتاحف بجامعة الملك سعود سابقا‬ ‫الناشر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫الطبعة الثانية‪ :‬مزيدة ومحدثة ‪1426‬هـ ‪ 2005 -‬م‪.‬‬ ‫كتب الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري‪ ،‬مدير عام مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية‪ ،‬مقدمة الطبعة الثانية للكتاب‪ ،‬ال��ذي يعد اليوم أه��م مرجع‬ ‫تاريخي عن منطقة الجوف قائال‪:‬‬

‫ق����������راءت‬ ‫‪96‬‬

‫"ص��درت الطبعة األول��ى من هذا الكتاب عام ‪1986‬م‪ ،‬وتولت نشرها مؤسسة‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬بالتعاون مع دار ماكميالن لما وراء البحار – لندن‪.‬‬ ‫ومن دواعي السرور أن الكتاب‪ ،‬في طبعته األولى القى قبوالً جيداً من لدن الباحثين‬ ‫والقراء‪ ،‬الذين عدّوه أهم مرجع عن تاريخ منطقة الجوف‪ ،‬يصدر باللغة العربية‪.‬‬ ‫ونظراً الهتمام الكثيرين من غير الناطقين باللغة العربية بمادة الكتاب‪ ،‬سواء‬ ‫كانوا أفراداً أو هيئات‪ ،‬اقترحت إدارة المؤسسة إصدار طبعة باللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫ووافق معالي األمير عبدالرحمن السديري على ذلك‪ .‬وتولت دار استاسي إنترشيونال‬ ‫للنشر – لندن نشر الكتاب‪ .‬وصدرت الطبعة باللغة اإلنجليزية تحت عنوان‪:‬‬ ‫(‪ )The Desert Frontier of Arabia "AL-JAWF" Through the Ages‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫وم��ن دواع��ي السرور ‪ ،‬أيضاً‪ ،‬أن طبعته باللغة اإلنجليزية الق��ت فبوالً جيداً‪ ،‬وحظيت‬ ‫بتعليقات إيجابية‪ ،‬أبرزت القيمة المرجعية لهذا الكتاب‪ ،‬حتى وصف في مقالة بمجلة الشؤون‬ ‫األسيوية (‪ ،)ASIAN AFF AIRS‬التي تصدر عن الجمعية الملكية للشؤن اآلسيوية – لندن‪،‬‬ ‫بأنه يُعد مرجعاً من الدرجة األولى ’ عن المنطقة الشمالية بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫ونظراً ألهمية هذا الكتاب‪ ،‬وقيمته المرجعية العالية‪ ،‬ونفاد طبعته األولى باللغة العربية‪،‬‬ ‫والحاجة إلى توفيره للباحثين والقرّاء وتمشياً مع رغبة معالي األمير عبدالرحمن السديري‪،‬‬ ‫رأت إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية إعادة طبعه باللغة العربية‪،‬بعد مراجعة‬ ‫المتن والصور والخرائط‪ ،‬وتحديث المعلومات اإلحصائية‪ ،‬واإلفادة من بعض الملحوظات‪،‬‬ ‫التي وردت على الطبعة األولى‪.‬‬ ‫وقررت إدارة المؤسسة أن تعهد بهذه المهمة إلى األخ الدكتور خليل المعيقل‪ ،‬رئيس قسم‬ ‫اآلثار والمتاحف بجامعة الملك سعود (سابقاً)‪ ،‬وعضو هيئة تحرير مجلة أدوماتو‪ ،‬التي تصدر‬ ‫عن مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬وقبل هذا هو أحد أبناء منطقة الجوف‪ ،‬الذين‬ ‫واكبوا مسيرة المؤسسة منذ انطالقها في عام ‪1403‬هـ (‪1983‬م)‪.‬وق��د راجع الدكتور خليل‬ ‫النصوص وتولّى تقييمها وتجهيزها من النواحي الفنية‪.‬‬ ‫ويسرّني أن أسجل الشكر الجزيل ل��ه‪ ،‬على كل ما قدمه من عمل في ه��ذا المضمار‪.‬‬ ‫كما أشكر الزمالء في مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬الذين قدموا اإلسناد الالزم‬ ‫للدكتور خليل في مهمته‪ ،‬كما أسهموا ك ٌل في مجاله‪ ،‬في سبيل إنجاز هذا العمل‪.‬‬ ‫كما ال يفوتني أن أشيد بجهود كل األخوة واألصدقاء‪ ،‬الذين شاركوا في إعداد الطبعة‬ ‫األول��ى من الكتاب‪ ،‬شاكراً لهم جهودهم وتعاونهم‪ ،‬وه��م‪ :‬الدكتور ع��ارف مفضي المسعر‪،‬‬ ‫والدكتور جيوفري كينج‪ ،‬واألستاذ صالح العلي الصالح‪ ،‬واألستاذ علي محمود الراشد‪ ،‬والعقيد‬ ‫كولن بادوك‪ ،‬واألستاذ ياسر مصطفى جابر‪ ،‬والدكتور أحمد عبدالله السالم‪ ،‬ومحمديو نس‬ ‫الهذيل (رحمة الله)‪ ،‬ويوسف ناصر الحشاش (رحمة الله)‪ ،‬واألستاذ يوسف أبو عواد‪ ،‬والشيخ‬ ‫عبدالرحمن نصر الله‪.‬‬ ‫ال المولى – ع ّز وجل ّ – أن يوفق الجميع لما يُحب ويرضى‪ ،‬إنه سميع مجيب‪".‬‬ ‫سائ ً‬ ‫تضمن الكتاب ‪ 339‬صفحة من القطع الكبير اشتملت على ثمانية فصول الفصل األول عن‬ ‫أهمية تاريخ منطقة الجوف والفصل الثاني عن منطقة الجوف في عصور ماقبل التاريخ و‬ ‫الفصل الثالث عن منطقة الجوف في عصور ماقبل اإلسالم والفصل الرابع عن تاريخ منطقة‬ ‫الجوف من ظهور اإلسالم حتى بداية الدولة السعودية األولى والفصل الخامس عن التاريخ‬ ‫الحديث لمنطقة الجوف و الفصل السادس عن رحالت الرحالة األوربيون الى منطقة الجوف‬ ‫والفصل السابع عن سكان منطقة الجوف وعاداتهم و الفصل الثامن عن مالمح النهضة‬ ‫الحديثة في منطقة الجوف‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪97 1427‬‬


‫أنواع العقارب‬

‫والثعابني السامة‬

‫في منطقة اجلوف‬

‫المؤلف‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد بن خالد السعدون‬ ‫كلية العلوم – جامعة الملك سعود‬ ‫الناشر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪.‬‬ ‫يأتي ه��ذا الكتاب ثمرة بحث ميداني موّلته مؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫الخيرية‪ ،‬قام به المؤلف لدراسة أنواع العقارب والثعابين السامة بمنطقة الجوف‪،‬‬ ‫وهو أول كتاب يصدر عن هذا الموضوع في منطقة الجوف‪ .‬ونأمل أن يسهم الكتاب‬ ‫بإذن الله سد الفراغ الموجود في المكتبة العربية عن العقارب والثعابين السامة‪،‬‬ ‫ومساعدة المتخصصين في استخراج األمصال الطبية إضافة إلى خدمة الباحثين‬ ‫والمهتمين بالحياة الفطرية بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫ق����������راءت‬ ‫‪98‬‬

‫اشتمل هذا الكتاب ستة فصول ؛ تناول الفصل األول مقدمة عن المفاهيم‬ ‫األساسية لبيولوجية العقارب والثعابين السامة‪ ،‬وتوزيعها الجغرافي‪ ،‬وتناول الفصل‬ ‫الثاني منطقة الدراسة بالجوف‪ ،‬بينما عالج الفصل الثالث أنواع العقارب والثعابين‬ ‫في منطقة الجوف‪ .‬وتناول الفصل الرابع سموم العقارب والثعابين ودرجة سميتها‬ ‫وتأثيراتها‪ .‬وخصص الفصل الخامس لعرض إحصائيات لدغات العقارب وعضات‬ ‫الثعابين السامة بالجوف ؛ أما الفصل السادس فقد تناول توعية المواطنين بعالج‬ ‫التسمم من العقارب والثعابين السامة‪.‬‬ ‫كما تضمن الكتاب عدداً كبيراً من الصور الفوتوغرافية وخرائط تواجد العقارب‬ ‫والثعابين في المملكة وفي منطقة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬


‫ظهور اخلطوط‬

‫احلديدية وآثارها في‬ ‫املشرق العربي‬

‫(في القرن الثالث عشر الهجري‬ ‫– التاسع عشر امليالدي)‬

‫المؤلف‪ :‬نوف بنت رزق الروضان‬ ‫محاضرة في كلية التربية للبنات بالجوف‬ ‫الناشر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫الطبعة األولى ‪1427‬هـ ‪ 2006 -‬م‪.‬‬ ‫كان لظهور الخطوط الحديدية في مصر وبالد الشام‪ ،‬في القرن الثالث عشر‬ ‫الهجري – التاسع عشر الميالدي‪ ،‬آثار مهمة في المجاالت السياسية والعسكرية‪،‬‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ .‬و ُع ّد اختراع الخطوط الحديدية حدثاً عالمياً مهماً‪،‬‬ ‫أسهم في تطور وسائل النقل البري وبدء عهد جديد في تاريخ الحضارة العالمية‪،‬‬ ‫كما كان له دور في توجيه أهداف الدول الصناعية وسياستها ؛ للتغلغل األوربي في‬ ‫بلدان المشرق العربي‪ ،‬طوال القرن التاسع عشر الميالدي‪.‬‬

‫وقد تضمنت هذه الدراسة عدداً من الوثائق المهمة بالغات العربية والتركية واالنجليزية‪،‬‬ ‫المتعلقة بالعقود الخاصة بتنفيذ الخطوط الحديدية في مصر وبالد الشام‪.‬‬ ‫وقد نشرت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية هذا الكتاب ضمن برنامج‬ ‫النشر ودعم األبحاث‪ ،‬من تأليف باحثة من بنات الجوف‪.‬‬

‫ق����������راءت‬

‫الكتاب يُلقي الضوء على تنافس الدول المتقدمة صناعياً بهدف الحصول على‬ ‫حقوق امتياز إقامة مشاريع الخطوط الحديدية في المشرق العربي‪ ،‬خالل القرن‬ ‫التاسع عشر الميالدي ؛ إضافة إلى تقييم التبديالت التي تحققت من وراء إنشاء‬ ‫الخطوط الحديدية‪ ،‬في المشرق العربي‪ ،‬في المجاالت السياسية‪ ،‬والعسكرية‪،‬‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية ؛ على الرغم من كل ما اعترى تنفيذها من تعقيدات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صفر ‪99 1427‬‬


‫اقتصاديات منطقة‬ ‫اجلوف منوذج جديد‬ ‫للتنمية احمللية‬ ‫المؤلف‪ :‬د‪ .‬محمد عبالعال صالح – خبير اقتصادي‬ ‫عمل في وزارة االقتصاد والتخطيط‪ ،‬واألمانة العامة لمجلس القوى‬ ‫العاملة بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫كما عمل خبير ًا في منظمة الخليج لالستشارات الصناعية – الدوحة – قطر‪.‬‬ ‫الناشر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫يقدم هذا اإلص��دار تطبيقاً للمفاهيم الجديدة للتنمية المحلية على منطقة‬

‫الجوف‪ ،‬تلك المفاهيم التي تنادي بضرورة التكامل بين الموارد المتاحة للمنطقة‪،‬‬

‫بطاقاتها وقدراتها الكامنة لتحقيق أه��داف التنمية‪ .‬وذلك بطرح مفهوم جديد‪،‬‬

‫يستند على المشاركة األفقية للفعاليات الرسمية واألهلية في إع��داد وتنفيذ‬ ‫اإلستراتيجية التنموية للمنطقة‪ ،‬ضمن إطار إستراتيجية التنمية‪.‬‬

‫خصص ال�ج��زء األول‬ ‫قسّ م المؤلف كتابة إل��ى ج��زأي��ن تضمنا تسعة فصول ّ‬

‫لمفاهيم ونظريات التنمية المحلية واستعرض تجربة التخطيط اإلقليمي بالمملكة‬

‫أما الجزء الثاني فقد خصص للحديث عن منطقة الجوف‪ ،‬والمؤشرات االقتصادية‬

‫ق����������راءت‬

‫واالجتماعية والبيئية‪ ،‬والقطاعات الصناعية والتجارية ونشاط القوى العاملة‪.‬‬

‫ال عن صناعة السياحة بالجوف وأسس تطويرها‪ ،‬وقدّ م تصوراً‬ ‫وتضمن الكتاب فص ً‬ ‫للرؤية المستقبلية لمنطقة الجوف في ضوء الفرص وتحديات‪ ،‬واستعرض المؤلف‬

‫أسس تحقيق الشراكة بين القطاعات الرسمية واألهلية بالمنطقة‪ ،‬التي من شأنها‬

‫تمكين كافة الفعاليات من أداء أدوارها على الوجه األمثل‪ ،‬وإطالق الطاقات الكامنة‬ ‫فيها‪،‬بما يحقق أهداف التنمية المحلية‪ .‬كما تضمن الكتاب مالحق إحصائية حديثة‪،‬‬ ‫ورسومات بيانية توضيحية‪ ،‬تبرز مؤشرات النمو االقتصادي بمنطقة الجوف‪.‬‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬صفر ‪1427‬‬ ‫‪100‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.