-العدد - 20صيف 1429هـ 2008 -م
من �إ�صدارات م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية
الكتابة قنطرة من ذهب شهادة لليلى األحيدب إشكاليات قصيدة النثر نازك املالئكة بني غربتني عبدالوهاب املسيري سيرة حافلة بالعلم
ISSUE NO. 18 July 2008
قصص هويدا صالح فاطمة الناهض إبراهيم احلميد
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ -ﺭﺟﺐ ١٤٢٩ﻫـ -ﻳﻮﻟﻴﻮ ٢٠٠٨ﻡ
ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ -ﺭﺟﺐ ١٤٢٩ﻫـ -ﻳﻮﻟﻴﻮ ٢٠٠٨ﻡ
شعر محمد بنيس ميسون أبو بكر يوسف العارف
July 2008
مواجهات مع:
ISSUE NO. 18
20
أحمد السالم ،وكمال أبو ديب ،وعائشة الدوسري ,وسناء شعالن
20
تنتشر النقوش الثمودية ،والنبطية وغيرها في منطقة اجلوف ،والصورة لنقش رسم صخري تظهر فيه صورة بقر وحشي يعود إلى آالف السنني
اجلوبة -صيف 1429هـ
1
العدد 20 صيف 1429هـ 2008 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
املشرف العام
-العدد - 20صيف 1429هـ 2008 -م
من اإ�سدارات م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية
الكتابة قنطرة من ذهب شهادة لليلى األحيدب إشكاليات قصيدة النثر نازك املالئكة بني غربتني عبدالوهاب املسيري سيرة حافلة بالعلم قصص هويدا صالح فاطمة الناهض إبراهيم احلميد
ISSUE NO. 18 July 2008
شعر محمد بنيس ميسون أبو بكر يوسف العارف
إبراهيم احلميد املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail. com ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
مواجهات مع:
20
أحمد السالم ,وكمال أبو ديب ,وعائشة الدوسري ,وسناء شعالن
20
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -صيف 1429هـ
الـمحتويــــات
>
62.
كمال أبو ديب وشعرية النقد
أستاذ كرسي األدب العربي في جامعة لندن, شعرية النقد.. كمال أبو ديب :أسعى إلى ِ ُ أصبح ألعوبة والتراث َ
>
حوار مع الشاعر أحمد السالم
65
الشاعر أ .د .أحمد بن عبدالله السالم من ال يشعر باالنتماء للوطن في كل حلظة من حلظات حياته يبقى بال هوية
>
د .املسيري وسيرة حافلة
74...
الدكتور عبدالوهاب املسيري سيرة حافلة بالعلم لوحة الغالف:
لقطة ضوئية ملقطع من حجارة قلعة مارد باجلوف ،بعدسة منار احلميد.
االفتتاحية 4......................................................... دراسات :االنسياب في رواية «خاتم» -عبدالعزيز الراشدي 6....... المنهج الجمالي :عرض وتحليل -رامي أبو شهاب11................ دراسة أدبية لمجموعة «مدن العزلة» -د .عدنان الظاهر16......... قصص قصيرة :ال شيء هنا -هويدا صالح 24..................... ذاكرة لالرتزاق -سهام الدهيم26..................................... ثالث قصص قصيرة جدا -إبراهيم الحميد29...................... غافة عليا -فاطمة الناهض 31....................................... الصاعدون على جثث األغاني -زهرة بو سكين 33................... استغالل العشق -خالد األحمد34.................................... شعر :البريق -شعر د .يوسف حسن العارف 36..................... إلى ذات الوجه المستدير -محمود مغربي 37........................ حب محال -ميسون أبو بكر 38....................................... حياتي ..زورق مثقوب -عماد الدين موسى 39....................... محمود درويش سالماً -حمدى هاشم حسانين 40................... غافلتني روحي وهفت إليك -فاتن محمود 41........................ الروح المهجورة شعر -ترجمة :محمد أحمد بنيس42............... مُكاشفة -أسامة رابعة43............................................. نص مفتوح? -جعفر العقيلي 44............. نقد :هل قصيدة النثر ّ قراءة في قصة إستغالل العشق -صالح الحسيني49................ نازك المالئكة بين غربتين -دجلة أحمد السماوي 53............... جدلية النقد واإلبداع -عالء الجابري56............................. حفر ما ردمه األوصياء -محمد البشير 58........................... قراءة في ديوان «لزمن لن يراني» -سعيد نوح60..................... مواجهات :حوار مع أ .د .كمال أبو ديب -عصام أبو زيد62........ حوار مع أ .د .أحمد السالم -محمود الرمحي65.................... حوار مع األديبة سناء شعالن -دعاء صابر 68....................... حوار مع الروائية عائشة الدوسري -ياسر عبدالباقي72............ نوافذ :عبدالوهاب المسيري سيرة حافلة بالعلم 74................. المسيري الذائد عن حياض األمة -عمار الجنيدي88............... كــلمــة في الح ــرف العـربـي -د .خ ــيرالله س ـ ــعيد90................. صنارة األفكار -محمد صوانه92..................................... حتى ال ننسى محمود درويش -صالح مفلح الطراونه94............. ترجمة أمهات الكتب -د .حامد الوردة الشراري95.................. نجيب محفوظ :عمالق الرواية العربية -حواس محمود98.......... شهادات :الكتابة :قنطرة من ذهب -ليلى إبراهيم األحيدب 100.... شؤون زراعية :دراسة «قطاع التربة» -زامل الحميد 104........... م ـ ــال واقتصـاد :المصارف اإلسالمية -د .نضال الرمحي ود. حسين سمحان106................................................... قراءات112...........................................................: نشاطات ثقافية118................................................. رسالة إلى المحرر :حنا ميخائيل سالمة119........................
اجلوبة -صيف 1429هـ
3
عبد الوهاب املسيري :املفكر النموذج > إبراهيم احلميد
نستعيد اليوم في ذاكرتنا ،وفي يومياتنا ،المفكر العربي الراحل عبدالوهاب المسيري .ونتوقف عند رجل نذر جل حياته في خدمة األمة العربية واإلسالمية، يقصر غالبيتنا عن اإلحاطة بها ،أو قراءتها والتمعّن من خالل كتاباته -التي ِ ّ فيها -ما يجعل منه نموذجاً فريداً للعالم الموسوعي ،والذي بقدر ما يمثل فخراً ألمتنا ،نجده يشكّل تحدياً لألجيال القادمة الحتذاء نهجه. ظلَّ هذا المفكر الموسوعي ،وف ّياً لما انتهى إليه في تفكيره من مبادئ ،قادته إلى قناعة ,وأوصلته إلى أن التقدم الغربي هو ثمرة النتهاك العالم الثالث ,والحداثة الغربية ال يمكن إال أن تكون نتاجاً لذلك. ولم يتوقف المسيري عند حد ما ،فقد تنقّل في كتاباته كما أفكاره ،من األدب إلى الفكر إلى السياسة ،فهو ينتقل بنا من كتاب «مقدمة لدراسة بنية الفـكر الصهيوني» ،إلى كتاب «ال��فِ �� ْردَوس األرض��ي :دراس��اتٌ وانطباعات عن الحضارة األمريكية» ،ال��ذي يخلص فيه إلى أن اإلنسان األمريكي إنسان م��ادي بالمعنى الفلسفي ،يحلم بأن يؤسس فِ ْردَوساً أرضياً ،يتحكم في كل جوانب حياته األرضية أو الزمنية ،وينتهي في نهاية المطاف إلى العيش في الجحيم ،وصوالً إلى كتاب «مختاراتٌ من الشعر الرومانتيكي اإلنجليزي» وإلى كتاب «دراس��ات في الشعر» الذي تناول فيه إشكاليات مختلفة؛ من بينها كيفية استجابة بعض األدب��اء في الشرق والغرب إلى قضية تحديث المجتمع ،وعالقة األدب بالسياسة والصراع العربي اإلسرائيلي ،واإلشكاليات الفلسفية التي يواجهها األدباء األمريكيون؛ ثم إلى كتاب «صمويل تايلور كوليردج» ،الذي نقرأ فيه قصيدة المالح القديم للشاعر االنجليزي صمويل تايلور ،وانتهاء بكتابه الشهير «الموسوعة الصهيونية».
ا فتتا حيــــة 4
ويمكننا القول إن مسيرة ذلك المفكر الكبير الذي رحل عن عالمنا بجسده ال بفكره ،تمثل كنزاً معرفياً ،يمكن أن يكون أنموذجاً لكل طالب علم ومعرفة ،من خالل مراحل حياته الفكرية ،خاض خاللها تيارات فكرية عديدة ،انتهت به في نهاية المطاف،إلى أن ينحاز ألمته وقضيتها األس��اس ،وهي محاربة الصهيونية واإلمبريالية ،واألفكار الهدامة التي تحاول النيل من هذه األمة ،وتثبط عزيمتها، لتواصل كفاحها لنيل حقوقها المشروعة. ��ري بنا أن نستذكر تلك الحادثة التي أشار إليها في كتابه ،وتواترت في وح ّ ٌ
اجلوبة -صيف 1429هـ
كثير من الكتب والدراسات ،فـ (أثناء تعرفه على إحدى زميالته في الدراسة سألها عن جنسيتها، فقالت إن��ه��ا ي��ه��ودي��ة ,ف��أك��د لها أن��ه ي��س��أل عن جنسيتها ال ع��ن دينها ,ولكنها ك��ررت اإلجابة نفسها) .ب��دأ يبحث عن تفسير لتلك اإلجابة، وأخ���ذ ي��ق��رأ الكثير ع��ن الصهيونية واليهودية واليهود واإلسرائيليين ,وكان ذلك عام 1963م، ويغادر المسيري أمريكا إلى وطنه مصر ،حامال ف��ي رأس��ه «إدراك وثنية الصهيونية وبدائيتها وواحديتها الهستيرية وانتمائها إل��ى التقاليد الحضارية الغربية» ,وعرف أن «وحشا صهيونياً معرفياً» بداخله ،حسب وصفه في كتابه «رحلتي ال��ف��ك��ري��ة» .إض��اف��ة إل���ى ع��ن��اص��ر أخ���رى كثيرة أسهمت في أن يتخصص في دراسة الصهيونية, انتهت بإصدار موسوعته الشهيرة. ونتساءل :كم منا مر -في حياته اليومية ،وفي مختلف مناحي الحياة -بمواقف مشابهه ،فعزم على تصحيح مساره أو تغييره ،كما فعل الدكتور المسيري ؟! وعلى ال��رغ��م مما ك��ان يمثله المسيري من خطر كبير على أع��داء األم��ة ،وعلى الصهيونية وحلفائها ،فإنهم لم يستطيعوا النيل منه ،بسبب التزامه أساليب البحث العلمي والموضوعي، وإدراج الحجج والوقائع التي تثبت األفكار التي صدح بها طويالً ،وتكللت بكتبه الموسوعية. وإذا كنا اليوم -ومع كل التداعيات على أمتنا العربية واإلسالمية -ال نتمكن من ق��راءة كتبه العديدة ،وموسوعاته المتعددة ،فال يسعنا إال نثر الزهور على قبره والترحم عليه ،بقراءة كتاب «رحلتي الفكرية ..في البذور والجذور والثمر»، الذي يلخص فيه مسيرته الفكرية الرائعة ،التي
يقول في مقدمتها« :الصفحات التالية هي قصة حياتي ,أو رحلتي الفكرية كمثقف عربي مصري, ت��رص��د تحوالتي ال��ف��ردي��ة ف��ي الفكر والمنهج, ولكنها ت��ؤرخ في الوقت نفسه لجيلي أو لقطاع منه ,كما أن الجزء الثاني هو محاولة لعرض بعض أفكاري األساسية ,كما تتمثل في معظم أعمالي». وإن رح���ل ال��م��س��ي��ري ،ف��إن��ه ب���اق ف��ي قلوب الماليين وعقولهم من أبناء أمتنا ..وإننا لنخجل ك��ث��ي��راً ع��ن��دم��ا ن���رى ح���ال ه���ذه األم����ة ،وحالتها الثقافية والفكرية ،وح��ال شبابها الذين ذهبت بهم ظاهرتي التسطيح والفراغ ،فأخذتا منهم كل مأخذ ،دون أن نجد من يحفل بنتاج المفكرين وم��ن��ه كتابات ال��دك��ت��ور المسيري ،إال م��ن رحم رب��ي .وإن��ه لحري بكل مخطط ،وصاحب قرار على ام��ت��داد وطننا ال��ع��رب��ي الكبير ،أن يجعل م��ن المسيري أن��م��وذج��ا يتم ت��دري��س��ه ويحتذى بسيرته ومسيرته العلمية ،وإن لم يكن بجميع مؤلفاته فليكن ببعضها ،ومنها كتاب «رحلتي الفكرية ..في البذور والجذور والثمر» ،كما أن على م��راك��ز البحوث والفكر والجامعات تبنّي كتبه وأثاره وطباعتها ونشرها ،وقد نفدت أغلب طبعاتها ،خاصة القديمة منها ،وحسناً ما فعلته بعض المراكز الفكرية التي تبنت كتباً تتحدث عن مسيرة الراحل قبل وفاته .كما أن شهادتي مجروحة في وقفة المملكة العربية السعودية معه ،ممثلة في استجابة سمو ولي العهد األمير سلطان ب��ن عبدالعزيز للدعوتين الخاصتين بعالجه ،واللتين أطلقهما في وقتين مختلفين كل من الدكتور عبدالواحد الحميد والدكتور سعد البازعي للوقوف إلى جانبه في مرضه ودعوته للعالج داخل المملكة قبيل وفاته. اجلوبة -صيف 1429هـ
5
االنسياب في رواية «خامت» لرجاء عالم > عبدالعزيز الراشدي* رواية خاتم للروائية السعودية رجاء عالم ،هي رواية اللغة والتصوف والحكاية؛ رواية الماضي الذي يتلبس الحاضر ويكوّنه .إنها كذلك ،وبالضرورة ،سيرة حواء العالم العربي المختلفة ،التي ُقدِّر لها أن تسافر عبر عالم مغلق ،ماسحة بعين النقد الكاشفة صور العالم المهتز ،الذي قُدِّر لنا أن نعيش فيه ،حيث المرأة عالمة زائدة مكمّلة ،والذكر أساس! لقد بنت الروائية عالمها بمقومات نصية جديدة تاوية داخل النص ،فالتفكيك ال يظهر مباشراً، ما يبدو كمهادنة للشكل ،على عكس ما فعلت مع نصوص أخرى .والتفكيك الذي اتبعته رجاء عالم هنا ،تفكيك منهجي داخلي ،يبتغي الثورة على المألوف ،وخلخلة البناء العام للنص والمجتمع. تكسير النمط بصيغة هادئة ،توصل للقارئ ما تريد ،دون صراخ أو إدّعاء ،بل على العكس من ذلك ،ال تستفز القارئ ،وإنما تخلق معه عالقة حميمة ،من خالل استدعاء الفن والموسيقى وكل ما يتصل بالروح .وقد حافظت رجاء عالم في روايتها هذه ،على خاصية أساسية ،هي االنسياب الذي يجعلها واحدة من الروايات التي تستحق القراءة بعشق مضاعف.
درا��������س�������ات 6
رواية رجاء تعاند الخراب والموت ،من خالل شخصية أساس هي «خاتم» ،نموذج البراءة، الطفلة التي ولدت مكان الولد المنتظر .وألن الذكر يحظى بعظيم االهتمام ،فقد تلبست بالولد كما تمنى الشيخ نصيب «أبوها» ،لقد ألبسها ثوب الذكورة ،وتركها تحلّق في فضاء ،ال يردعها انتماؤها لبنات حواء ،هكذا عاشت وسط الرجال ،كأي فتى كامل الحقوق ،وألنها أيضا أنثى حين تخلو إلى ذاتها -فقد تمكّنت من التواجد دائما إلى جانب النسوة ،حيث أسرار الحريموطقوسهن. تنتقل «خاتم» بين عالمين فتكون الرواية تجربتها؛ لكن «خاتم» تتشعب مع الزمن لتصبح
اجلوبة -صيف 1429هـ
خواتم كثيرة ،داخل الرواية :نساء ألقت بهن الحياة بين دهاليزها ،حتى لم يعد لهن غير الخيال والفن ملجأ للنجاة ،والتوحّ د بأجسادهن المسلوبة.
-1إنسياب المكان تبدأ الرواية بهذه الجملة( :في المنعطف العشرين للدرب الضيق الذي تتخلله ساللم متآكلة يقوم البيت الكبير «بيت نصيب») ..هكذا ينزل القارئ درجات السُ لَّم ،رفقة سارده منذ الوهلة األولى ،كأنما هو سلم الحكي ،وكأنما يغوص في بئر ينحدر به ،تتراقص تحت أقدامه وهو يقتحم الرواية .سلسلة طويلة من األلغاز والحكايات والتاريخ في بيت شيّد أركانَه تاري ٌخ من الطاعة واالنضباط. ال ج��دران في الصحراء ،لذلك ك��ان من السهل على الساردة في الرواية أن تدفع بشخوصها لتعبر األمكنة ،وتكتشف -ويكتشف معها القارئ -الثراء الذي تزخر به فضاءات ،تبدو للبعيد عنها قاتمة وغير مجدية وفارغة ،لكن للمكان تاريخ وسطوة تتغذى من الذاكرة ،والمحكي الشعبي والعالقات الصارمة التي يعرفها الصغير والكبير ،ويحفظها الجميع ،كفاتحة الكتاب .إن ات��خ��اذ فضاء الصحراء مكاناً للرواية ساعد شخوصها على االنسياب والتنقّل والتعبير عما ي��رد ف��ي ك��ل األمكنة ،س��واء م��ن خ�لال الرحلة األولى بحثا عن المرضع ،أو في جموح «خاتم» ،بحثا عن المعرفة ،أو في غيرها من أشكال الجموح ،التي تطوح بشخوص النص رغم كوابح الزمن والتقاليد.
بؤس وموت وانحالل؛ ثم ،في الوقت ذاته ،ستكتشف الموسيقى مع ه�لال المشاغب ،ال��ذي يشبهها في التمرد واالنسياب ،في اتجاه ما ترغب روحه ،ال ما يرسمه اآلخرون ،والذي أصاب دماغها بحجر ،يفتح عينيها هالل على زاوية من العالم المختلف ،ويكسر الميت يَخر ُج الحي-فمن ِ خوفها من ذاك العالم -من المنحدر -عالم البؤس الذي ضجت به تلك األنواء، حيث اندفع بها هالل -اختمر في صدر «خاتم» حب ال��ع��ود فحنت عليه ب��وج��د ص��وف��ي أف���زع أم��ه��ا حين اكتشفت ما حصل؛ وتجيء «خاتم» للعود على الدوام باندفاع ،يُعانق إيقاعه جسدها عارية ،يُقرّبها من اآلخرين ويصلها بأعماقها. هي لم تكن ترغب سوى اكتشاف العالم من حولها، فقد كانت تعيش بين عالمين :عالم الغربان والجوع والموت والخراب والعبودية وأناس يبيعون أبناءهم م��ن إم�ل�اق ،وع��ال��م يفيض بالجواهر وال��ن��ق��اء! لعل الموسيقى مكان نركض فيه حين تضيق بنا األمكنة، مكان هالمي عميق ووردي ،ننسى خالله كل التعب والحواجز؛ فكم هو مُتعِ بٌ هذا التنقل ،وكم هو صعب على جسد نحيل كجسد «خاتم» أن يتنقل بين العوالم المتناقضة في رمشة عين .والمعرفة حزن كما يقول بايرون ،لذلك قال لها الجواهرجي سفر ياقوت ،حين أغراها مكان آخر هو روح الجوهرة« :جوف الجوهرة مثل متاهة ،إن سلكت من غير بصيرة انهارت على رأس��ك ،وتقوضت ،وقوضت جسدك وفرصتك في كشف عروش تلك المملكة المخيفة» ،فهل تستطيع «خاتم» أن تسلك بين الشوك طريقها ،وأن تكتشف المكان دون أن يتقوض على رأسها؟!
لقد تربت «خاتم» داخل البيت الذي يحرس حياتها، وتحرس بالمقابل طقوسه ،وطبعا لن يتسنى لها تغيير نظرة أبيها ،وال رغبته وال حسرته على الولد الذي جاءت بدالً عنه؛ لكنها -في المقابل -ستكتشف ذات -2إنسياب الحكاية ي��ع��رف ال��ن��اس أن ب��ي��ت ال��ش��ي��خ نصيب (أب��وه��ا) صدفة ما يضج به المكان البعيد عن ديارها خلف ُ المسجد -حيث العالم ال��ذي لم تَ��تَ��ربّ فيه -من تدور أس��راره حول المفاتيح ،والمفاتيح تخلق نوعاً اجلوبة -صيف 1429هـ
7
بانغالق ما؛ وربما هو االنغالق ذاته ٍ من اإلحساس الذي يتوالى في الحكاية الشعبية العربية ،حتى أن البيت الموصد األخير الذي ينتظر من يفتحه يظهر في العديد من النصوص التراثية ،ومنها ألف ليلة وضح بورخيس وكيليطو هذا جيداً في وليلة .ولقد ّ دراساتهما عن أشهر نص عربي؛ الحكاية إذاً في هذه الرواية ،تنظر خلفها لتتّعض وتستعين بما سلف، وتستوعب كل الزخم ،وال تبدأ من الصفر. وحين سافر نصيب وأس��رت��ه في اتجاه المدينة بحثاً ع��ن ال��ص��در المرضع ،طلع ال��غ��ول م��ن نظرة. إن الغول هنا يلعب دوراً أساسيا في تأزيم مسار األح���داث وم��ح��اول��ة رف��ع اإلي��ق��اع ،ثمة غ��ول ف��ي كل مقطع من مقاطع الرواية ،العين والحسد في بدايتها، المرأة التي تبيع جسد النسوة في وسطها ،وهالل ال��ذي يهدد سكينة جسد «خاتم» مع العود والغزاة في نهاية الرواية؛ لكن مسار الشخوص دائماً على األرض ،تهديء انسيابية الحكاية من روع الموقف ب����األوراد واألدع��ي��ة وال��س��ك��ون والموسيقى ،وأيضا بالعراك من أجل تفريغ الطاقة ،أو حتى الموت كما حدث في الختام ،ما دام الموت نوعاً من السكون وإعادة األشياء إلى نصابها.
وعيون الزوار .فناجين الشاي المحزمة بالذهب، م��ص��ف��وف��ة ع��ل��ى األرض ت��غ��وص م��ف��رش ال��ت��ل، المالعق المذهبة غ��ارق��ة ف��ي مطبقية السكر الشفافة والمنقوشة بطيور خرافية ،)..كل ذلك يعطي للحكاية أصالتها وقوتها ،ويجعل من بصمة رجاء عالم واحدة من أكبر البصمات ،التي تتقن فن اكتشاف العالم الصحراوي (الصالة والسالم عليك يا رسول الله محمد ،صيحة تعقبها زخة من الزغاريد ،بدأت على إثرها أم العروس تبكي، وتبعتها قريباتها .طقس البكاء مقصود ،لإلشعار بقيمة العروس ،وعزتها في أهلها).
-3إنسياب اللغة منذ ال��ب��داي��ة تفاجئنا ال��رواي��ة بمقاطع شعرية
مبثوثة داخل السرد ،تسقينا الحيرة ،وتجعلنا نعيد قراءتها م��رات وم��رات ،لنكتشف الجمال النابع في اللغة (لم يعتن بانفراج باب الدهليز إال الماء .برجفة في مياه البركة ر ُِصد االنفراج ولم يُثر أي اهتمام)،
لكن هذا االنسياب اللغوي يتبع انسياب الماء والناس
والحياة ،وانسياب المكان والجسد؛ وانسياب الماء
يتبعه انسياب «خاتم» ،فقبل أن تخرج من طفولتها
كانت قد تمردت على ما تواطأ الناس عليه ،وخرجت
تلقي بنا الكاتبة في يم المغامرة والحدس ،والترقّب (تتبع الميازيب ..تتبع الموسيقى الجامحة في جريان ص��ح��ي��ح ،لكنها س��رع��ان م��ا ت��ع��ي��د األم����ور إل��ى الماء في الجدران ،تضحك تلك الضحكة المُرسلة نصابها ،وتتجه بنا نحو ال��ه��دف .وف��ي خضم المبهورة األنفاس). ال��ح��ك��ي ،نعبر ال��ع��وال��م ال��ش��رق��ي��ة ال��ت��ي تذكرنا كانت «خ��ات��م» تؤمن باألغنية (ت��ؤم��ن ب��أن أغنية ب��أل��ف ليلة ول��ي��ل��ة -ك��م��ا أس��ل��ف��ت -بمتاهاتها وبانسيابها على الخصوص ،وذاك الخليط من مخباة لها في كل الموجودات) لكنها في المقابل، الروائح والموسيقى ،واإلحساس بالفرح والحزن ،كما لو تدرك الكوابح (تخاف أال ترجع لو تبعت أغنية وال��ت��رقّ��ب ،وأح��م��ال الحمير المنقوشة بالحناء كهذه الجوامح) ،ماذا تخفي داللة اللغة؟ ولماذا يرتبط وال��ه��وادج (ال��ش��اي من مهام ال��س��ادة في البيوت جمال اللغة وصوفيتها وعمقها بعالم الصحراء؟هل الكبيرة ،وبمهارة أوق��دت السماور ،وب��دأ بخار يرجع ذلك إلى سيادة المعنى والروح على المادة في رق��ي��ق يصعد ،وي��ح��اول التعلّق بسقف الحجرة هذا الفضاء البهي؟ ف ـ «خاتم» تنساب إلى األغنية
8
اجلوبة -صيف 1429هـ
بقلب واج��ف يخاف الكوابح لكنها كانت قد عرفت يخبيء جوهراً أساسياً ،وحكمة ،انتقلت إلى اللغة طريقها في أقوى لحظات الرواية ،أعني أن روحها لم المحكية عبر عصور من التجربة. تعد تهتم للحواس والعقل ،كما يحدث لشيوخ الطريقة -4إنسياب الجسد وأتباعها حين يسيل الوجد من أرواحهم ،فيتعلقون حين سقط جسد «خاتم» باتجاه األرض ،انساب بالفكرة وضبابها ،وال تعود الحواس تشتغل. معه كثير من الدماء ,والرائحة التي مألت حواس ث��م تنساب «خ��ات��م» ب��ات��ج��اه المسجد المهجور, األبوين ,ونفذت إلى الحجر والشجر .وحين خرجت فتهمس الريح :صلوا على أبينا آدم .أما هي ،فـ (تقع على حين غفلة من أهلها ،انسكب الماء على جسدها, شفتاها على الحجر ,وتهمس :صلوا على أمنا حواء)! فعانقته ,والتحمت به ،ثم ها هي تمارس الركض في هل هناك عالقة ضرورية بين المكان واللغة؟ أعني األقبية( :ما إن يغادر جسد «خاتم» أنوثته يأخذه توق هل يصنع المكان لغته الخاصة به؟ فلغة الصحراء للتجسد في أتم البساطة واالختزال) ,فتنطلق دون عامرة بالزخرف ,كامرأة جميلة بكامل حليها ،على أن تلتفت خلفها.. عكس لغة المدينة السهلة البسيطة العجولة ،التي ال ال مع لغة رجاء عالم وح��ي��ن تكبر ق��ل��ي�لاً ،تنساب عبر ال���درج إل��ى حيث يغريها الخلود ..ثم أن توقفاً قلي ً مجلس الشيوخ ،وتحمل معها في انسيابها فكرة في هذه الرواية ،يجعلنا نكتشف جدة على مستويات االكتشاف ،التي عمّرت قلبها (لها شحوب لؤلؤة عدة؛ لغتها صحراوية ،لكنها أيضا «مقشرة» وعارية، يبرق تحت لمعان الشعر القصير) ..لقد سمح م��ش��ذب��ة ،ت��ت��وجّ ��ه إل��ى ال��م��وض��وع م��ب��اش��رة؛ إن��ه��ا لغة لها أبوها بحضور دروس الدين ،فأضربت صفحاً الكاتبة التي أف���ادت مما ت��راك��م لديها م��ن تجربة، ع��ن ال��ت��ري��ث ،ث��م غ��ام��رت ب��دخ��ول مجامع اللهو لتؤسس م��س��اره��ا ال��ل��غ��وي ال��خ��اص ..تسترسل في تبحث أي��ن تختبيء األغنية .ول��م تكتف بذاتها، وص���ف ال��ف��ض��اء ال��ب��دوي بلغة س��ن��ق��ول إن��ه��ا ب��دوي��ة ال يسكنها السؤال لوحدها ،فقد صدّ رت روحها صافية ،تسير دون توقّف؛ إذ لم تكن ثمة كوابح أمام المنفلتة لسند ،إذ أمرته بالبحث عن جلد آللة اللغة الراكضة في الصحراء ،تستكشف ما يحدث، النقر ،وأصرت إص��رارا ،ثمة شيء بداخلها وُلد خصوصا م��ع شخصية روائ��ي��ة ،همها الوحيد هو ف��ي غفلة م��ن المعتاد (ه��ن��اك بقايا مدهشة ال االنطالق .هكذا يُعين هذا المكان المفتوح الروائية تعرف أصلها ،قادمة بذاكرة أمكنة بعيدة ،ذاكرة على االسترسال والتوجّ ه نحو الحكي دون فواصل، جوالة تعطي للنقر دنيا ،تمنحه من دهشتها).. وأيضا يُعينها على مواجهة كل الكوابح ،التي تقف لكن مَن هي «خاتم»؟ بنت أم ولد؟ أم كائن ثالث؟ ضد األغنية واالنطالق. وما هذا الكائن الثالث؟ هل ُول��د ثالثاً حين مد اللغة في الرواية قوية ،ومفرداتها منتقاة ،وزاخرة الشيخ يديه بين رجلي الوليد ليستطلع األمر ،آن باألمثال والحكم التي ال تفسد بساطتها المرجوة؛ جاء زوجته الطلق؟ أم تبدل مع مرور الزمن بفعل وحين تقتحم بعض المفردات العامية نسيج السرد انتقاله من حال إلى أخرى ،عبر حياة طويلة من ال تعقّده ،بل تزيده بهاء؛ إنها تكسر الخطية الطاغية التناقض والشك؟ من حال الولد ولباسه إلى حال للغة الشعر المنثور ،كأنما تذكّرنا بحالوة ما نقرأ، البنت ولباسها ،والعكس؟ وما أهمية الجسد حين وال��ك�لام ال��ع��ام��ي ال يقل ج��م��اال ع��ن الفصيح ،ألنه نخفيه؟ وما داللة «خاتم»؟ هل لها عالقة بالخاتم اجلوبة -صيف 1429هـ
9
الذي نلبسه في أي إصبع نختاره؟ يلبسه الرجل الرواية رغم العقبات ،فهذه المغنية الحلبية «زرياب» والمرأة؟ ما داللة انفتاحها على عوالم متنافرة :مسكونة هي كذلك بالسفر مع الذكريات ،واالنسياب عالم النساء وعالم ال��رج��ال ..عالم العز وعالم وراء روحها ،التي أغواها العشق الذي ال يفنى (زرياب الفقر؟ من يتحمّل ذنب هذا االنفتاح؟ من يتحمّل تقودها للتخاطب مع جسدها ،دون وجل ،تقول منه وزر انحباس الجسد بين لغتين؟ ونحن نعرف األعمق واألف���دح) وزري���اب تقول( :ال��ع��ود جسدي)، كيف تبدأ الحكايات ،لكننا ال نضمن كيف تنتهي وتقول( :حين أمسك بالعود ال أعود ،أعرف أيُّنا يغني، (لم تعرف تلك الصغيرة كيف توقف األغنية ،كما أوتاره أم عروقي…)! لكن «زرياب» وطّ نت نفسها على ال تعرف اآلن كيف تظل تتسلقها وتأكل منها.. النسيان ،ولم تشأ أن تعاند التاريخ والقدر ،واحترمت «أنا طبطاب جنة ،وقدم هالل زنجبيل»). رغ��ب��ة أبيها ،رغ��م عشق الموسيقى تبقى الكوابح ربما أفرطت «خاتم» في التفاؤل حين كانت (تؤمن وأولها اإلسم «زرياب» ،الذي لم تختره ،ولم تعجب به؛ بأن أغنية مخبأة لها في كل الموجودات) ،فانطالق لكنه اختيار أبيها .ولننظر لما حدث للشيخة (تحفة)، جسد البطلة ال يستمر كما ينبغي ،ألن الزمان يصنع التي ظلت طوال ربع قرن تقطع وتقاوم هواجس عودة الكوابح على ال���دوام :ك��ان أبوها ينظر فترى حزناً الحبيب (روحها تدربت ،وطوال ربع قرن من الهجر عميقاً في عينيه ،وتقرأ انكساراً ورغبة ال تفصح كيف تميل للسالم ،حتى م��ا ع��اد فيها ن���ار) ..كما في أن تكون ولداً ،والرغبة في الولد تتعدى القدرة دربت «خاتم» نفسها على المماراة ،لتعيش بعد أن اإلنسانية ،إنها تنظم كيمياء ال��روح والفكر ..وحين تنظر إلى ما وراء المسجد تحذوها رغبة اكتشاف عرفت سر الحياة ،واستكانت ،ومع ذلك لم تتركها العالم المترامي ،حيث المختلف هناك ،مما ال تعرف األيام تهنأ ،فعرفت مصيرها في النهاية ..أما سند، فانساب إلى داخل اللؤلؤ وغاب ،لكن الحياة لم تمهله وتتوق إلى اكتشافه ،لكن تتربص بها المحاذير.. في عُرس إحدى الصبايا ،استرسلت دموع «خاتم»
وأقسمت أال تمنح نفسها لرجل ،ك��ان لقا ًء جديداً مع كوابح الجسد ،فقد تبيّن لها أن العرس طقس
أيضاً فقتله الغزاة ،وهالل سرقته المعارك ورفض
كل شيء ،فسار يبحث عن أسطورته ولم ينج. ونخلص إلى القول :ثمة رؤيتين تتقاسمان الرواية،
للذبيحة (حين رجعت النسوة للبيت كانت «خاتم» رؤية االنسياب واالنفالت ،ورؤية الكبح ..هناك نوع من ملمومة لعودها ،كانت على يقين من أن بنت الجيران الجدل الضروري لبناء جسد الرواية ،لصياغة حياة قد سيقت الليلة ،وتحت أبصار الجميع ،لمذبح) ..ضرورية ،تفتقدها الكثير من النصوص المطروحة الكوابح كالعادة تتبع انسياب البطلة ،يختل التوازن على قارعة النشر ،نوع من كيمياء االنسياب والجمال ثم يعود..
التي تسحر روحنا ،وتجعلنا نقرأ الرواية مرات رغم
ليست «خاتم» لوحدها المسكونة باالنطالق في مرور سنوات على إصدارها.. * ما هو داخل األقواس مقاطع من الرواية (رواية خاتم) للكاتبة السعودية رجاء عالم ،الطبعة األولى ،المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء 2001م ** كاتب من المغرب.
10
اجلوبة -صيف 1429هـ
املنهج اجلمالي :عرض وحتليل > رامي أبو شهاب*
مدخل من المؤكد أن المناهج النقدية دائمة الحضور في قانون اإلزاحة واإلحالل الممارس في
الدراسات اإلنسانية؛ ولكن هذا النمط ال يعني انفكاك عملية النقد من هذه المناهج ،بشكل قاطع ونهائي؛ إذ تبقى المناهج حاضرة عند كل عملية تهدف إلى سبر أغوار النص ،وتبقى االستعانة بجزئيات ومقوالت بعض تلك المناهج مبررة ،وأحيانا تفرض بعض النصوص منهجا
بعينه ،وال سيما إذا ما تم التطرق إلى جزئية محددة تحتاج إلى آلية ما ،فيتم استدعاء منهج معين للعمل عليه بغية الوصول إلى أفضل النتائج.
وفي مجال النقد المعاصر ،غالباً ما يلجأ النقاد إلى المنهج التكاملي ،بغية تحقيق شمولية متكاملة في عملية الدراسة النقدية؛ فهناك الكثير من الدارسين الذين يتخففون من منهجية أكاديمية صارمة ،فينتقلون ما بين المناهج ،بحثاً عن فضاء أكثر حرية ،في تعزيز النتائج التي يسعون إليها .وم��ن ه��ذه المناهج المتعددة التي عملت على صياغة وح��دة المناهج :المنهج الجمالي ،الذي يعد من أكثر المناهج حيوية واستمراراً وتجدداً ،بوصفه منهجاً دائ َم الحضور، وكيف ال؟! وللنصوص األدبية سحر خاص ،عماده التشكيالت الجمالية التي تصطنع أدبية األدب، تمهيداً لتحقيق تميّزه وخصوصيته ،ومن هذا المنطلق ،تبقى األسس الجمالية في الدرس النقدي حاضرة ،شئنا أم أبينا ،وتبقى مسطرة يستعان بها ،كلما يممنا شطر النص لنمارس متعة القراءة واالكتشاف. في هذه الدراسة ،محاولة للبحث في ماهية المنهج الجمالي ومفهومه ونشأته ،والعالئق
التي يقيمها مع عدد من القضايا ،كأخالق المجتمع ،وجذوره في النقد العربي القديم ،وآلياته
اجلوبة -صيف 1429هـ 11
في التعاطي مع النص األدبي ،وقد اعتمدت في هذه خ��اص ،ف��أي معنىً يمكن أن يكتنهه اإلن��س��ان في الدراسة أسلوب العرض والتحليل ،وصوالً إلى رؤية الطبيعة ،فإن الطبيعة ذاتها ال تعبّر عنه كما يعبّر
واضحة لهذا المنهج ،وقد استعنت ببعض المراجع الفنان عن معناه في فنه .إن الجمال في الطبيعة التي تناولت هذا الموضوع ،وقد أثبتها في نهاية يختلف من حيث النوع عن الجمال المعبر عنه في الدراسة ،لمن يبحث عن استزادة.
المفهوم يقصد ب��ال��ج��م��ال ،ف��ي رؤي���ة المنهج الجمالي،
الجمال في الفن ،وليس الجمال المطلق ،أي معرفة العلل التي تثير فينا الشعور به عند هذا الفنان أو
ذاك؛ فالجمال موجود في الطبيعة ،ومن ثم ال تعيره الفلسفة الجمالية أهمية بوصفه منجزاً ،وبناء على ذلك ،يتطلع الجماليون إلى ما يضيفه الفنان إلى
موضوعه ،بحيث يثير عواطف ومشاعر مختلفة
الفن ،ويقارب «شوبنهور» تلك المقولة من منطلق أن الفن تأمل صوفي تكاد تنمحي فيه اإلرادة مستغرقا
في الوجود أو في المثال المطلق.
ومما ال شك فيه ،أن فلسفة الجمال تعد أعم
وأشمل من فلسفة الفن ،التي نقاربها هنا ،ففلسفة الفن تنطلق في قراءتها من مدار أضيق ،إذ تقصر
نفسها على المفاهيم والمسائل التي ترتبط باألعمال الفنية ،وم��ن ه��ذا ال��م��دار تنبثق آلية النقد الفني
المعني بتحليل األعمال الفنية وتقويمها فقط.
ل��دى المتلقي .إن موضوع الفلسفة الجمالية هو تاريخية المنهج الجمالي الجمال الفني الذاتي ،ال��ذي يتكون من عنصرين: الطبيعة والفنان ،وإنطالقاً من ذلك ،فهي ال تتجه
للبحث في الفنانين وبيئاتهم وعصورهم وظروفهم، فذلك مناط بمؤرخي الفن.
ي��رى د .ع��ز ال��دي��ن إسماعيل أن الجمال عند
اإلغريق كان مقتصراً على الجمال المطلق؛ فهم لم يضعوا نظرية في الجمال ،وكان الجمال -بالنسبة
لهم -يمثل الخير أو الحق ،ومن ذلك نظرية اإللهام
ت��ت��ح��دد الفلسفة ال��ج��م��ال��ي��ة ك��ون��ه��ا تبحث في عند أفالطون ،التي تنطلق من محاكاة المثل العليا إدراكها للجمال ومقاييسه وأحكامها عليه ،إذ يرى أو صورة الجمال المطلق ،وهكذا حمل على مالحم « بومجارتن» أن المقصود بها علم المعرفة الحسية هوميروس بوصفها ال تحمل أي مثل أخالقية أو والمعرفة البسيطة ،وفن التفكير االستداللي. تعليمية أو تربوية ،لينتهي الشعراء خارج جمهوريته
ويعرفها «باركر» بأنها الكشف عن الخصائص الفاضلة ،بينما نجد أن أرسطو هو أول من تحدث النوعية للفن الجميل ،وتحديد العالقة بين الفن عن اللذة والمأساة ،التي تطهرنا وتطلق االنفعاالت
وال��م��ظ��اه��ر ال��ح��ض��اري��ة ،بينما ي���رى « ك��ن��ت» أنها المكبوتة ،وحدد أهمية الفن بقدرته على تحقيق أكبر اإلدراكات التي يصحبها في العقل إحساس باللذة ،قدر من المتعة للمتلقي ،محيّدا مقولة أن للفن هدفاً دون أي شعور بعالقة أو اتصال ما ،وهي وحدها تعليمياً أو تربوياً ،وتبرز آراء الفيلسوف «لونجينوس» مشاعر الجمال الحرة؛ فالفن بالنسبة إليه متعة متفقة تماما بما جاء به أرسطو ،ومفادها أن غاية
جمالية؛ وعلى ذلك ،ال ينبغي للعمل الفني أن يكون الفن جمالية بحتة ،وال ينبغي أن يسعى وراء غاية
تقليداً ،إنما عليه أن يفسر األشياء ولكن بأسلوب تربوية أو أخالقية أو نفسية ،وبذلك ،فإنه انطلق
12
اجلوبة -صيف 1429هـ
من القيمة التأثيرية لألثر الجمالي ،مع اإلسقاط وضعت أسسها المدرسة الجمالية األلمانية ،وخاصة
المباشر لمضامين النص األدبي ،وقيمها الخلقية.
«ك��ن��ت» ،وج��اءت ك��ردة فعل على النزعة الواقعية،
أول ظهور للمنهج الجمالي بشكل اصطالحي وتنطلق من مقولة أن الفن يميزنا بالسرور ،أما غيره ب��دأ على يد «بومجارتن» األلماني ،وتحديداً في فيزودنا بالمعرفة؛ ولذا ،فإن الحكم على الفن بما النصف الثاني من القرن الثامن عشر ،وركّ��ز فيه يزودنا به من عظات هو حكم خاطئ ،فـ «أوسكار على المعرفة ال��ح��س�� ّي��ة ،ع��وض��اً ع��ن أن��ه صاحب وايلد» و«ولتر بانز» يريان أن الفن معاد لألخالق. الفضل في شيوع كلمة «الجمالية» في قالب ذاتي وهما هنا يناقضان «أف�لاط��ون» حين اتخذ حكمه
خاص بها ،إذ اتخذت هذه القيمة واألثر في أدبيات بطرد الشعراء من جمهوريته المثالية ألخالقهم المناهج النقدية التي تدين في معظمها لفلسفات ال��م��زري��ة ،وم��ن هنا ن��ؤس��س للتساؤل ال��ت��ال��ي :هل
تؤسس ظهورها كما هو في استناد المنهج الجمالي ،يطلب من الفن أن يمثل فضيلة؟ يرى علماء الفلسفة إلى النزعة المثالية في الفن ،وعلى نحو ما ،نجد الجمالية أن الفن ال غاية له وراء الغايـة ،وكما يقال
البراجماتية في أمريكا ،والتجريبية في انكلترا ،فإن «الوردة ليست بحاجة إلى تبرير الشذى الصادر والعقلية في فرنسا ،والمثالية في ألمانيا ،والواقعية عنها» ،ليبرز الصراع فيما بعد ،وال سيما بعد ظهور في االتحاد السوفيتي سابقاً.
عوامل الظهور
ديوان «أزهار الشر» للشاعر الفرنسي بودلير ،الذي مجّ د تلك القيم الجمالية في نصوصه ،وبالتالي حقق رد الجماليين على الذين يرون أن الفن أصبح
هناك من يرى أن الجمالية جاءت كرد فعل على أداة للرذيلة ،من خالل أن الفن يجب أن يمثل الحياة المدرسة الرومانسية ،وال سيما أنها قد وجدت بطهرها وإثمها ،والحكم عليه -أي (الفن) -عبر
ضالتها في الفلسفة الفنية ،التي صاحبت المدرسة مقاييس جمالية ،ال م��ن خ�لال القيم األخالقية، الرومانسية ف��ي ألمانيا وفرنسا؛ فالرومانسيون وفلسفة الفن الجمالية ،ت��رى أن وظيفة الفن أن يؤمنون بالفائدة في الشعر إلى جانب المتعة ،وبناء ينسينا الحياة عن طريق اللهو والمتعة. على ذلك عملت الرومانسية على االشتغال على قيمة
المتعة ،وإسقاط قيمة الفائدة .وهناك من يرى أنها الفن والمجتمع جاءت كرد فعل لظهور المعسكر االشتراكي ،الذي
فرض االلتزام على الفنان تجاه مجتمعه وفنه.
عالقة المنهج الجمالي بالمجتمع واألخالق نظرية الفن للفن
قد يعكس الفن صورة المجتمع ،ولكن ال يسمح له
بالتدخل في خلق العمل الفني؛ فالفنان يستمد من
الفن أكثر مما يستمد من الطبيعة؛ لذلك ،فإن نقّاد المنهج الجمالي يعزلون الغرض أو المعنى عن قيمة
العمل الفني ،ومن أمثلة ذلك ،غزل أبي نواس في الغلمان ،فنحن غير معنيين بمناقشة غرض منكر،
قامت نظرية «الفن للفن» في القرن التاسع عشر إنما يعنينا دراسة شعره ،وكيف كشف التطور الذي
ام��ت��داداً للفلسفة االستاطيقية ( )Aestheticsالتي أحدثه هذا التعبير في التقاليد الجمالية الشعرية.
اجلوبة -صيف 1429هـ 13
المنهج الجمالي في النقد العربي القديم
البديع أصوال فنية.
كما هو شائع في وقائع النقد ،من أن المالحظات األسس الجمالية :بين نظرة النقد العربي النقدية الجمالية في النقد العربي ،كانت ترتكز القديم والمفهوم الغربي
في معظمها ،على مالحظات طفيفة ،تكتفي بتتبع الصفات الحسية في الشعر ،كمحاسن المحبوبة،
إل��ى غير ذل��ك؛ ول���ذا ،ك��ان التركيز على الجوانب الجمالية ينصب على ل��ذة ال��ح��واس ،كما نلمحه
ل��دى «اب��ن طباطبا» في تناوله نماذج من الحسن والقبيح.
ولكن هذه النظرة ال تعدم التطور كالذي أحدثه
الغزالي حين أض��اف إل��ى الحواس عناصر أخرى
كالقلب أو الخلق الحسن أو السيرة الحسنة؛ وتكمن
الشعر عند العرب صناعة ،وعند الغربيين تجربة،والتجربة تختلف كثيراً عن جمالية الصنعة.
النظرة الغربية تحدد المعاني وال مجال للحدسأو التخمين ،بينما يرى العرب فيها الكثير من االتساع واإلبهام.
النظرة الغربية تصور العمل الفني كامال في جميعمراحله وعناصره ،على حين عند النقاد العرب
تغلب عليه الجزئية.
أهمية مالحظاته حين قسّ م الجمال إلى قسمين - :ال��ن��ظ��رة ال��غ��رب��ي��ة ت���وحّ ���د اإلح���س���اس ال��ج��م��ال��ي للغة والتجربة الشعرية ،وتنظر للغة ككائن له الجمال الظاهر ش��أن ال��ح��واس ،والجمال الباطن
شأن البصيرة ،ما يعني ابتعاداً عن سذاجة التحليل لمفهوم الجمال كما كان آنفا.
شخصية ،بينما نجد ال��ع��رب لديهم تصور أن اللغة منفصلة غالباً عن التجربة.
وللمضي في تتبع تطور النظرة الجمالية لدى -ال��ن��ظ��رة ال��غ��رب��ي��ة تنظر للشعر ب��وص��ف��ه ظ��اه��رة إنسانية ،وللقصيدة بأنها عمل فني متكامل، الناقد العربي القديم ،ال بد من الوقوف عند آراء أبي حيان التوحيدي ،في رؤيته لألسس الجمالية
في النص ،إذ اتكأ على عناصر متعددة ،كالناحية
النسبية؛ أي العناصر الحسية ،إضافة إلى األثرين
االجتماعي والشرعي ،ليصل في النهاية إلى الفكري والجنسي.
بينما نجد أن ابن سينا ينطلق من ثالث غايات،
هي :خير ونافع ولذيذ .واللذيذ ال تصدر عنه غاية
نفعية ،وهذا يوازي ما عند «كروتشه» -أحد أهم أع��م��دة الفلسفة الجمالية -لتتحقق ف��ي النهاية مقولة الفن للفن عملياً ،السيما لدى كتّاب القرن
الرابع الهجري ،حين اعتمدوا على النثر المصنوع،
إض��اف��ة إل��ى تأمل م��واق��ع األل��ف��اظ ،واعتماد فنون
14
اجلوبة -صيف 1429هـ
بينما لدى العرب تقل العناية بالقصيدة وتنظر لألجزاء فقط.
المنهج الجمالي وحركة النقد الشكل والمضمون ننطلق في هذه الجزئية من تساؤلنا حول الكيان الفني ،هل يكون في المضمون ،أو في المادة ،أم في الشكل؟ وبناء على ذلك يجب أن نفرّق بين المضمون والموضوع ،فالموضوع يظل واح��داً وتتغير صورته تبعا للفنان ،فهو استجابة الفنان ل��م��وض��وع معين ،وق��ي��ل إن��ه م��وق��ف ال��ف��ن��ان من موضوعه ورؤيته للحياة ،وتقابله عملياً الصورة أو الشكل وال��ق��ال��ب ال���ذي ي��ص��اغ ف��ي��ه؛ فبدون
األل��ف��اظ ال يكون ال��ن��ص ،فالكاتب ال��ذي يفكر فالفنان يمتلك حرية كاملة ،ويجب أال تطغى عليه في الموضوع منفص ً ال عن الشكل أو العكس - ،أي الفنان -أي فكرة نفعية؛ لذا ،عليه أن يتخفف ل��ن يكتب ل��ه النجاح؛ ف��ـ «ب��رن��اردش��و» تناقصت من االلتزام .ومن األدباء العرب مَن يؤيد هذا الرأي، أهميته بعد أن فقدت أفكاره جدتها ،ألنه كان كعباس محمود العقاد ،وتوفيق الحكيم ،وطه حسين، يركز على الفكرة دون الشكل أو الوسيلة ،بينما ومحمد مندور ،وخاصة في كتاباتهم المبكرة. نجد شكسبير خالداً إلى اآلن. الجمالية ال تؤمن بالتفسير المادي أو التاريخي
الحكم على القصيدة
لألدب؛ ألنه يخضع العمل لعوامل خارجية ،وهي ال
يرى «برادلي» أن الحكم على القصيدة من الداخل تنظر إلى قضية الصدق الفني ،أو أخالق الكاتب،أمر مضلل؛ فنحن نقترب إليها من خارجها .ومن بل إلى الخلق الفني.
أمثلة ذلك شعر «دانتي» و«بيرون» وشعر الهجاء .اللغة والجمالية
-اتخذ المنهج الجمالي صورة النقد الموضوعي،
اللغة عندهم هي رمز ،ال تعبير عن ذات األديب.
ورائ��ده « ت س اليوت» ،و«إدج��ار ألن بو» الذي وينبغي أن تكون قريبة من الشيء الذي ترمز إليه، رف��ض ف��ك��رة أن ال��ف��ن تعبير ع��ن النفس ،ومن حتى تطابقه مطابقة تامة ،ويجب أال يزيد الرمز ال��ذي��ن تبنوا ه��ذا األس��ل��وب ف��ي العالم العربي عن اإلحساس أو العكس؛ ألن النتيجة في الحالة رشاد رشدي ،وفاطمة موسى ،وفايز اسكندر. األولى عاطفة مفتعلة ،وفي الحالة الثانية غموض
بروز مدرسة النقد الشارح ،الذي يحصر نفسه وإبهام.ف��ي ال��ن��ص األدب���ي ،ليتناوله م��ن خ�لال الشرح
والتفصيل والكشف عن نواحي اإلب��داع ،ويمثل المراجع
ه���ذا االت��ج��اه ك��ل م��ن ش��وق��ي ض��ي��ف ،وعائشة عبدالرحمن.
الجماليون ال يريدون للناقد األدبي أن يجول فياألعمال األدبية ،ليسجل إحساساته ومشاعره إزاءه����ا ،أو ق��ي��اس األع��م��ال بمقاييس خارجة عنه ،أو طبقا لقواعد موضوعة ،أو نظريات ،بل للقوانين األدبية.
حرية األديب الجمالية تعمد إلى تحقيق حرية األديب المطلقة،
فهي ال تحده وال تلزمه كما يقول «سنت بيف»؛
عبد المنعم الحفني :موسوعة الفلسفة والفالسفة،ط ،2مكتبة مدبولي1999 ،م. ع��ز ال��دي��ن إسماعيل :األس��س الجمالية ف��ي النقدالعربي :عرض وتفسير ومقارنة ،دار الفكر العربي، القاهرة2000 ،م. عصام الشنطي :الجمالية والواقعية في نقدنا األدبيال��ح��دي��ث ،المؤسسة العربية ل��ل��دراس��ات ،ب��ي��روت، 1979م. نبيل راغب :موسوعة النظريات األدبية ،ط ،1مكتبةلبنان ناشرون ،بيروت2003 ،م.
* شاعر وناقد.
اجلوبة -صيف 1429هـ 15
عاشق في فرنسا
دراسة أدبية لمجموعة «مدن العزلة» د.شريف بقنه الشهراني
> د.عدنان الظاهر*
عنوان الدراسة كيف ,ولماذا وقع اختياري على عنوان هذه الدراسة (عاشق في فرنسا)? ألنَّ شريف وألول
مرة يكتب غزالً وحباً مشوبين بلوعة المحبين ،وما يعاني المحب من حرقة الفراق بعد اللقاء.
الموضوع يغريني ألنه -في رأيي -المحك الدقيق والمرآة األمينة لرصد مصداقية الشاعر واإلنسان عموماً ،والبرزخ أو المعبر ،الذي يصب الشاعر خالله أصدق مشاعره ،وما يعانيه من
محب حبه فكيف بشاعر؟! من هي رشا؟ االسم عربي ألنثى ٌّ عذاب الحب والفرقة .ال يخفي التقاها ،في مدينة أنسي شرقي فرنسا .كتب القصيدة في شهر آب «أغسطس» عام 2005م.
المهم أن نعرف أنَّ السيد شريف بقنة يتورط في عالقة حب ،من النوع الذي يحصل ويتكرر كل يوم ،هنا وهناك ،في هذا البلد األوربي أو غيره .ما الذي جعل الطبيب شريف يخترق الشرنقة ويتجاوز الخطوط ،لينغمر في رومانس سياحي قصير األجل ،ال تترتب عليه أي مسؤوليات أو
التزامات.
طفرة ،أجلْ ،إنها طفرة أو قفزة على مانع ،كما يحصل في ميادين الرياضة والمباريات األولمبية.
ما تكلم شريف في كتابه األول ال عن امرأة وال عن رومانس ،لعل من المناسب أن أذك َر أنَّ شريفاً
كان حين نشر كتابه األول مجرد طالب في كلية الطب ،في حين غدا طبيباً عندما نشر كتابه الثاني
«موضوع البحث» .ترتب على هذا التحول التدريجي في سلّم حياة شريف ،تغيّر شديد الوضوح ،في
16
اجلوبة -صيف 1429هـ
تركيبة مزاجه وتفكيره ،ثم التزاماته االجتماعية ،وربما
قناعاته السياسية .كان شاباً ثورياً ومصلحاً اجتماعياً
قصيدة انتحارات الماء ما قال شريف المتيّم في رشا؟ هل أغامر بالجزم
واضح الصوت ،عالي النبرة ،ناقداً جريئاً ألحوال ناسه أنَّ رش��ا هي أول قصة حب في حياة شريف بقنة ومجتمعه ،حتى أنني عبّرت له عن خوفي عليه من الشهراني؟ لو كانت هناك أخرى في حياته ألفصح َ النتائج ،وشبّهته بـ «مارتن لوثر» و«نلسون مانديال»؛ ثم أو لتسرّب َ خبرها جهاراً أو رمزاً وتوري ًة أو حتى بزلة تساءلتُ :أيبقى شريف على ثوريته وتمرده ،بعد أن يبلغ لسان ..وما في القلوب نجده على اللسان أو يظهر
الخمسين من العمر ،وبعد أن يشبع طباً وخبر ًة وماالً؟ في األحالم .هل ننسى ما قاله شاعر قبل اإلسالم؟ وك��ان تساؤلي في محله؛ إذ بعد مضي ثالثة أع��وام ومهما تكنْ عند ام��رئ ٍ من خليقة ٍ
ال أكثر (2007 -2004م) خفّتْ ثورية شريف ،بدرجة كبيرة ،وخفتت نبرة صوته المحتج وحدّته ،كما النت حياته الشخصية والعامة ،بعد أن أصبح طبيباً جرّاحا
يعمل في مستشفى ،ويتمتع بإجازات يقضيها في بلدان
أوربية جميلة ،مثل فرنسا ،وغيرها.
وإنْ خالها تُخفى على الناس ِ تُعلم ِ رش��ا هي حب شريف األول .ال نعرف هل كتب
فيها وعنها ،بعد لقائه بها ،أشعاراً أخرى؟ بالتأكيد
ستكون رقيقة غزلية ،تميل إلى شيء من التصوف والروحانية ،كشأن أغلب أشعار الهوى بين الشباب،
ل��ك��ي أك���ون ص��ادق��اً م��ع��ه وم���ع ن��ف��س��ي ،ال ب���دَّ أن وخاص ًة إذا ما كانت تلك هي تجربتهم األول��ى في
أق��و َل إنَّ اإلنسان الثائر في شريف احتفظ بشيء عالم ال��ح��ب .وأك��ي��د سينأى أكثر بنفسه ع��ن عالم
من روحه الثائرة ،وبآثار من حقده ونقمته على عالم التمرد والسياسة ،وسيميل بقوة إلى توظيف ألفاظ الرأسمالية الظالم ،وعالم البرجوازية ،وإ ْن جاءت في ٍ أكثر رق�� ًة وأع��ذب بياناً وأبعد عن األلفاظ القوية موضع واحد في قصيدة واحدة اسمها (أناشيد موت المكشوفة ال��ت��ي ظ��ه��رت ف��ي كتابه األول .وإه���داء منفرد) .أنقل ثورة شريف بألفاظه من الصفحة :62شريف قصيدته (إنتحارات الماء) يعزز الكثير من «البرجوازيون ..رعاة البقر ..طغاة األرض ..هكذا
مزاج عبثي ..يُنعشني اليوم ،هؤالء البشر! أحتاج إلى غضب ع��ارم للبقاء بينهم ،أ ْن تتعلم َ من أي��ن تؤكل
الكتف! وعلى الجوعى نقمة السماء».
تكهناتي واستنتاجاتي عندما قال «إلى رشا ..فقط».
إذاً فهي حبه األول حتى اللحظة ،وال نعرف طبيعة تقلبات اإلنسان في قلبه أو معه ،فالقلب قلَّب ،مشتق
من التقلب .وهنا ,إلى رشا فقط ..تفرّد بها وعزلها عن باقي النساء .بعد مقامة التفرد هذه مباشرةً،
ال يحتاج مثل هذا الكالم إلى شروح وإضافات .استعار الشاعر ق��والً للشاعر الفيلسوف (طاغور) الكل يعرف مَن هم البرجوازيون ،رعاة البقر وطغاة ق��ال فيه« :كلمة واح��دة تبقى لي في صمتك َ أيها
األرض!! تعلّم شريف من المتنبي فلسفة التكيّف العالم حين أموت :هي أنني قد أحببتُ » .كلمة جميلة والتعايش مع الظالم ومَ��ن ال يستحق المعاشرة أو تتطابق تماماً مع حال شريف العاشق ،وتستجيب لما الصداقة:
ومن نَكد الدنيا على الحر ِّ أنْ يرى
في داخله من لواعج .كان صادقاً مع نفسه ،وكان جريئاً ,إذ فتح صدره كطبيب جرّاح ،ليكشف لنا عما
ع����دو ًا ل��ه م��ا ِم���ن ْ ص��ـ��ـ��داق��ت��هِ ب ــد ُّ فيه ..ها أنذا يا عالم! ليس لديَّ ما أ ُخفيه عنكم،
اجلوبة -صيف 1429هـ 17
وليس فيَّ ما أخشاه وأتجنبه!!
غموض ما يريد التعبير عنه .الصراع المرير بين
(إنتحارات الماء) قصيدة طويلة من 17صفحة م��ا ي��ري��د أن يقوله وم��ا ال ي��ري��د ق��ول��ه؛ بين شعوره ( )96-79و 22مقطعاً ،سأختار أجم َل ما وجدتُ فيها الذي يعرفه ،وعواطفه التي يجهل كنهها ،أو يخشى ترجمتها إلى ألفاظ يكتبها ويقرأها الناس .صراع من مقاطع؛ المقطع رقم :2 مرير ،يشق طريقه من خ�لال إلتباسات مختلطة، ضجيج ٌ وفوضى يع ُّج بهما المكان. ما بين الغيب والحضور ،الباطن والظاهر ،المباح كنت بينهم ذات صبيحةٍ صائمةٍ . ُ والمحظور. لكأنَّ الحيا َة كانت كلها تكتفي بأرقها في تلك مقطع ناجح ،كل ما فيه ينضح توتراً ،يفهم قارئه الغرفة الملغّ مة. طبيعة الجو السائد فيه بإشارات ،ال تتكلم من جنس أتسرب بهدوءٍ ُ وما أن تحلينَ برد ًا وسالماً ..أُراني (البنتوميما) .يحس بهذه األج��واء ،وال يعرف كيف بين شقوق البالط.. ال ليس بحاجة إلى تفسيرات. يفسرها؛ بل إنه أص ً نتماس على حواف ماء ٍ عطشى. يحس بمجسّ ات الكثير من الحواس المجهولة األصل؛ نتالسعُ عن شفاهٍ تُتوّجُ .. فيستوعب ما يريد هو استيعابه ،ال ما يريد الشاعر شفا ُه متعَبة ٌ تلفظ ُ انتقامات أسفار ٍ ِعجاف.. أن يمليه عليه .ال يتطابق القارئ والشاعر بالضرورة. التباسات.. ٍ قُ بلتها أضغاث ُ األفضل أن ال يتطابقا ،وأن يظال مختلفين؛ ففي تجتاح ُ أوصالي رغبة ٌ جامحة ٌ لتدمير الطبيعة. االخ��ت�لاف ج��م��ال وس��ح��ر وخ��ل��ق وق���وة .ن��ع��م ،الجو، في هذا المقطع ،نجد بُغيتنا فنرتاح كثيراً ،ونحمد الطقس واإلي��ح��اء .قلتُ وأظ�� ُّل أق��ول إنَّ السريالية ال��ش��اع�� َر ك��ث��ي��راً ونطالبه بالمزيد .وه��ن��ا ال يفصح ليست قانوناً واحداً أو ح ّداً مقنناً ،إنما هي وسائل ال��ع��اش��ق ع��ن تفاصيل لقائه بمحبوبته ،بتعبيرات وآليات شتى ،منوَّعة ومتفاوتة ،تختلف من شاعر إلى مباشرة مستقيمة الخطوط ،ظاهرة المغازي ،وإنما آخر ،وتتنوّع وتثرى بتنوّع الشعراء ،وتعتمد على ثقافة يسلك ال���دروب السريالية وال��رم��زي��ة ،وي��غ��وص في الشاعر ودرجة وعيه الشعري ،ومكنته اللغوية وعمق أعماق عقله الباطن؛ فيقلب ويتقلّب ،وال يتسرّب منه معرفته بنفسه وثقته بوسائله الخاصة ،للتعبير عما ومن عقله الواعي .إال إش��ارات خاطفة .وانتقاالت يجول في عوالمه العميقة الغور ،ثم قدرته على ترجمة رشيقة .وإيماءات ألوانها خافتة الضوء ،وقد أجاد إذ ما في هذه العوالم إلى أشياء ملموسة؛ لكنها عديمة عبّر عن ذلك كله بقوله: الملمس؛ ومرئية ،لكنها ال تُ��رى؛ وناطقة ،لكنها ال «أُراني أتسرّب بهدوءٍ ،بين شقوق البالط». تتكلم ..وإذا تكلمت ،فبلغتها الخاصة ،التي يتجاوب ليس هو مَن يتسرب بين الشقوق حسب ُ ،إنما وكل القارئ معها ويتأثر بها؛ لكنه ال يفهمها وال يفهم ما المدفون عميقاً فيه من مشاعر الحب وهوس التوله يريد الشاعر منها .لكل شاعر سرياليته الخاصة به وضربة العشق «النووية» .التسرب واالنسياب غير كآلية للتعبير الشعري ،ولغة غامضة لترجمة األكثر ��از لتحويل ال��ص��وت إل��ى ض��وء ي��راه الواعي ،مع قدر قليل من الضبط والمراقبة ،ونوبة غ��م��وض��اً ،وج��ه ٍ من الحراسة المخففة على طوفان فكره ،وجيشان القارئ؛ لكنه يجهل ما وراءه من أص��وات .لشريف
18
اجلوبة -صيف 1429هـ
بقنة سرياليته الخاصة ،كشأن باقي الشعراء؛ هي
أعود من سياحتي لشريف الشهراني ،ألقرأ ما قال
بصمات أصابع يديه ،التي ال تتكرر وليس لها من في سطور هذا المقطع ،وما تسرب بين السطور ،وما شبيه أو نظير؛ هي جيناته الخاصة به. المقطع رقم ()5 «جبلت ِ من ضلعي، ُ يا أناي..
فاته أن يقول ،وما خشي َ أ ْن يقول .من نافلة القول أن أذكر أنَّ الشاع َر يُحيلنا لما قرأناه في تراثنا ،وغيره من
قصة خلق حواء أمنا األولى أو جدتنا من أحد أضالع بلت من ضلعي» ..هي إذاً حواء زوج آدم جدنا آدم «جُ ِ خرجت منه .شريف يريد أو يتمنى أن تكون (رشا)
أحبّك ِ قلَق ًا وجودي ًا يحققني كل َّ مرّة..
زوجه وبعضاً منه ،وهذا شيء جميل ونبيل« ،أحبّك
بك وأتصو ُّف ِ
الوجودي ،وفض ُل شيوعه وانتشاره يعود كما هو معلوم
أحبّك ِ وجد ًا أصلي ًا
قلق ًا وجودياً» ..شاع كثيراً في زماننا تعبير القلق
للوقت والفراغ.. ِ في هذا التوفر األبدي
لجان بول سارتر وغيره من فالسفة الوجودية .القلق
ال أجدُ عم ًال أفضل َ من بقائي جالساً»»
الوجودي ما هو إال قلق اإلنسان نفسه ،مكبّراً مئات
ّات ،مع الكثير من المبالغة وبعض تتجلى ،هنا ثانيةً ،شعرية شريف الشهراني ،وتفرّد أو ربما آالف المر ٍ أساليب نهجه السريالي ،التي لوال هذا التفرد ،لما النرجسية ،ومحاولة التخلص من مشاكلنا الخاصة، كان الشاعر شاعراً أبداً ،ولن يكون .شريف ،شاعر بتعليقها على مشجب الزمان أو الكون والوجود ،أو التفعيلة ،ال يمكن أن يكون سرياليا أبداً؛ ألنه مقيد ترحيلها لمكان وزم���ان آخ��ري��ن ،للتخفيف م��ن ثقل
بقالب وصفيحة (تنكة) التفعيلة المعدنية المحددة وطأتها على كواهلنا الضعيفة .إنه قلق الشاعر الغارق المساحة والزوايا واألضالع ،التفعيلة سجن فسيح ،في عشقه حتى إلى ما فوق أذنيه ..قلقه عليها عند وليس زنزانة سجن إنفرادي ،ونزيلها ليس محكوماً أي ف��راق! محنة حقيقية يعايشها الشاعر الطبيب بالشنق حتى ال��م��وت؛ فيها فتحة دائ��ري��ة صغيرة ال��ش��اب .ثالثية :القلق ال��وج��ودي +ال��وج��د األصلي
للتنفس ،وإمكانية متواضعة لرؤية الشمس والسماء + .التصوف .ليس من باب العبث أن يجمع الشاع ُر أقرر هذا الكالم ،وأتحمل عتاب أصدقائي ،وهم كُث ٌر عناصر هذا الثالوث ،وهو يستحضر طقوس عالقته من شعراء التفعيلة ،الذين كانوا ثوريين ج��داً ،يوم برشا ،وجميل أي��ام��ه .راح يدخل رأس��ه في دهاليز الممضة ّ ت��م��ردوا ،وأعلنوا العصيان على بحور الفراهيدي؛ روحية ،لعله يجد فيها بلسماً وط ّباً لمعاناته
فهدموها تفعيل ًة تفعيلةً ،وفتحوا أسوارها العالية ،الموجعة .ه��ذا سبيل م��ع��روف منذ ال��ق��دم ،للهرب
وصفق لهم شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية ،مما نواجه من مشاكل وإشكاالت ،الهرب من خطر حيث انتصرت ه��ذه ال��م��درس��ة بشكل س��اح��ق ،وإ ْن غير قاتل شاخص ٍ أمامنا ،واللجوء إلى خطر موت
س��م��ح��ت للشعر ال���م���وزون ال��م��ق��فّ��ى ب��ه��ام��ش ضيق أكيد ،غير شاخص أو ال نراه .هذا الكالم لشكسبير
محدود للتنفس ،ثم للتأريخ والعرض في المتاحف ،وليس لي .التصوف هو االنكفاء على الذات الواعية، من باب تقديس الذكريات الجميلة ،والمحافظة على وااللتفاف على شبكة الحواس البشرية ،في مسعى
الموروث!!
ليس بريئاً تماماً ،لتعطيلها كما يعطل طيرا ُن العدو
اجلوبة -صيف 1429هـ 19
شبكة رادارات ع��دوه .نعطل حواسنا للتخلص من اإلحساس بالمعاناة .تخدير الجلد والعصب بالترياق
لجة النور بعد السماء التاسعة في ّ ترقص ُ قدماك ِ على سقف الجنّة
والحشيش الصوفي .مصيبة العشاق كبيرة األمد ِ «يخشون من جزع ٍ للذتهم أن ال تكونَ طويل َة
رشو.. إيه ٍ ّ
/لألخطل الصغير».
جسدك!.. ِ ذهل في يا لهذا الكسل المُ ِ
أج����د م���ص���داق م���ا س������ردتُ ل��ل��ت��و م���ن ت��ك��ه��ن��ات
واس���ت���ط���رادات ،ف��ي ال��س��ط��ور األرب��ع��ة األخ��ي��رة من
المقطع الخامس:
«كنت أبحث ُ عن وعي ٍ ما.. ُ أتفحص ُّ أداة َ وعي ِّ.. أُطمئن ُ سريرتي.. ..لكنني دائماً ..أغووور». يبحث الشاعر ,ال��ذي التجأ لعالم الروحانيات
والتصوف ,عمّا فقد من وعي ,لكنه ال يجد ضالته؛
فيشكك في وسائل بحثه عن وعيه ،لكي يريح ضميره ويبرئ ذمته أمام نفسه؛ فتداهمه الصدمة القاسية :ال
يجد شيئاً باقياً من وعيه فينزلق في أعماق التيه أكثر
فأكثر ،ويظل يغور حتى بلوغ حدود العدم الوجودي ،ما يلفت النظر إلى الكيفية التي بها كتب الفعل (أغور..
أغووور) ،الغور ثم الغور حتى األعماق!
وتسيل ُ أنفال أفالك..
سَ كَن ٌ يشبه ُ ثمل السماء ،قبل الغروب.. عند األفول. وتنعسين.. أي فضول ٍ يمألني ألعرف َ فقط.. كيف تفكِّ ر ُ تلك العينان في هذه الدنيا..؟!». «ي���ا ب��ع��د ع��م��ري» ،تعبير غ���ارق ف��ي العاطفية
��ال ونفيس ،من أجل واالستعداد للتضحية بكل غ ٍ المعشوق .يقول العراقيون «ي��ا بعد ع��ي��ن��ي» ..يا
عزيز ال��روح يا بعد عيني ..التي تعني -من بين
ما تعني -أني أفدي المخاطب بعيني ،أو أنها فدا ًء
له .وه��ذا تماماً ما ذهب إليه الشاعر السعودي، في قوله القريب من العراقي ،من حيث المغزى
والمعنى .كذلك تقوله األمهات لألبناء في العراق،
أو يقوله الواحد منا لعزيز عليه« .يا بعد عمري».. تعبير ي��أخ��ذ بمجامع ال��ق��ل��وب لبساطته وب��راءت��ه
وعفويته ،وما فيه من حرارة صادقة ،وانفتاح صدر
ه��ل عرفنا ل��م��اذا ذه��ب الشاعر م��ن ال��ح��ب إلى في مخاطبة المعشوق .ال يكتفي شريف بتقديمه ال���ت���ص���وّف؟ ه���ل ه���و م���ن ق��ب��ي��ل ع��ش��ق ال��م��ت��ص��وف��ة ،عمره قرباناً لحبيبته رشا ،إنما يقرِّب لها أكثر من
ومحاوالت االندماج والحلول المتبادلة فيه؟ أقول تقدمة :يضيف لعمره حزنه فيها ومن أجلها ونهاره نعم .حقق الشاعر ما يروم من نجاح .ربط ٌ محكم والنجوم..
ومحاولة موفّقة ،من حيث الفكر والمنحى والشعر.
نشهد في السطور األخرى من المقطع الثامن
أنقل ُ أج��زا ًء جيدة ،تخدم أغراض دراستي ،من تعبيرات واض��ح��ة ،ت��دل على إنتقال الشاعر إلى المقطعين السادس والثامن: ملكوت الليل ،وفي الليل يهجع الناس وي��أوون إلى «يا بعد عمري.. بعد حزني ،بعد النهار.. بعد النجوم العذارى الفارعات..
20
اجلوبة -صيف 1429هـ
ف��راش��ه��م .ك��ل��م��ات قليلة واض��ح��ة ال����دالالت مثل: الكسل ،وال��سَ ��ك��ن أو ال��س��ك��ون ،وال��ثَ��مَ��ل ،واألف���ول،
والنعاس .الحبيبة في فراشها ،يحوم العاشق حول
�لا ع��ن محبوبته ,إذ خاطبها سريرها محاوالً معرفة «كيف تفكّ ر تلك العينان ال��م��ح��ب نفسه ق��ل��ي ً في هذه الدنيا!» .النائم كذلك يفكر ويحلم ،والحلم بالقول« :يا بنتُ »,خاطبها باللفظ غير المُعرَّف..
تفكير ،والنائم يتكلم ،ويجهر في كالمه أحياناً.
المقطع 13
بدل أيتها البنتُ .أفسر ذلك بأنه يتأهب إلحساس
ما قد يقع من أذى أو فراق .وضع فضا ًء مكانياً بينه وبين رشا ،فسحة نفسية مكانية خالية ,لكنها ليست
ف��ي ه���ذا ال��م��ق��ط��ع ،يبلغ ال��س��ه��م المنطلق م��داه من الفراغ على أي حال ،بقعة محايدة ،قد يتدخل األق��ص��ى .ي��ت��وحّ ��د ال��ش��اع��ر ال��ع��اش��ق م��ع المعشوق؛ الزمن فيردم هوة المكان ه��ذه .فيلتئم الجمعان، والمعشوق بشرٌ ،أنثى إسمها رش��ا« ،رش��و» تدليالً .للتصوف هنا حضور ق��وي ج��داً ,وه��و امتداد لما يتوحّ د أو يتح ّد بها إتحاداً سرمدياً إفنائياً ،والفناء هو رأينا في مقاط َع سابقة .يتكلم الشاعر هنا عن
الموت .لكأنَّما قال الشاعر فيما سبق تمهيد ٌ وتوطئة الغيب والنزول .ذكر ال��روح والتوحّ د ،بل والتوحّ د لمضمون هذا المقطع .إنه يتدرج في خطوات مقننة السرمدي .ثم ذكر الموتَ فتذكّر جنة حيث المست محسوبة بدقة ،يعرف أواخرها كما يعرف أوائلها .سقفها أقدا ُم حبيبته في المقطع السادس. وال من عجب؛ فالشاعر طبيب ..والطب علم ..والعلم جُ لَّ المقطع الرابع عشر كالم مقتبس من الشاعر تفكير وتخطيط وبرمجة ثم تنفيذ. األلماني راينر ماريا ريلكة ،وجد الشاعر فيه ما سأكتب المقطع م��ع إه��م��ال الكثير م��ن النقاط يتطابق مع أوضاعه النفسية وما في قلبه من حب
التي حرص الشاعر على وضعها في الكتاب وال أرى ووجد الذي «من فرط خشيته من الفقدان ،يبدو للغالبية العظمى منها أي أهمية. عاجزاً عن امتالك سعادته» ،هذا كالم ريلكة. بنت.. «يا ُ
يبدأ فراق الشاعر لمن أحب في المقطع الثامن
إنني أحبك ِ غيب ًا أتقمصهُ
عشر وما بعده .مقابلة ستكون دون ريبَ طريفة.
توحد ٌ ناجزٌ أحبكّ .. ِ
ينقلب الشاعر من حال العشق االندماجي الصوفي
أحسست فيها ُ أحبك لدرجةٍ ِ
العالم .وضع في مقاطع الفراق كل حزنه وقنوطه
خَ دَر ٌ تسرّب َ من الجنةِ ،فأبا َد كلَّ حواسي
وت��أث��ي��رات سبعة عشر مقطعاً ،خصصها للحب
ِ رأيت روحي في أحبك ،حتى ُ ِ نُزُ ًال حميد ًا روحك وجه الحياة الثاني األسود في مقابل الوجه األبيض. إنتحارات الماء الفراق وم��ا أقتله وأصعبه على قلوب المحبين!! توحد ٌ سرمدي ٌّ ّ أموت ُ أنني ..كان َ مهرُ ها إوزّة ٌ من زجاج!».
بالمحبوب ،إلى حال الالطم الباكي ،وكأنها نهاية
وس��واد لياليه ،فجاءت بالحق ،تعادل وتلغي آثار والرومانس .سأختار أج��زا َء قصيرة من المقاطع
مقطع جميل مفع ٌم باإليحاءات والصور الشعرية 18 ,و 22المتبقية ألنني ال أستطيع احتمال ما وجزَع .كيف ينهار م��رس��وم��ة ب��ري��ش��ة وض���رب���ات أص��اب��ع ال��ش��اع��ر ,ال جاء فيها من حسرات ثقيلة وه ٍّم َ بأصاب َع غيره من البشر .بصمات أصابعه واضحة الطبيب الجرّاح ،وفي مشارطه ِجراح ودماء البشر
تدل عليه ,وترسم في اللوحة كل ما فيه هو .أبعد م��ن م��رض��اه؟ س��أدم��ج األج���زاء القصيرة ببعضها
اجلوبة -صيف 1429هـ 21
ليكو َن وقعها أكبر وأشد إيالماً. طاعن في النيل ِ ٌ «صمت ٌ مر ًة أخرى في حجرتي، أُراني أعرّبدُ وحيد ًا
بقسوة ٍ ..تسحقني نفحة ُ روح ٍ خامدة»! جموع وم��رارة وموت غير م��رّة .ذكريات الحبيبة ال
تفارق مخيلة الشاعر .يتهيأ له أنَّ رائحة عنقها ما زالت عالق ًة أو متخلل ًة نسيج كوفيته .لعلها جففت دموع الوداع
أنفث في أنايَ ماءَها خفقت ُ ُ
بهذه الكوفية ،أو ألقت برأسها على كتفه - ،والكوفية
بوهج رتيب ٍ ٍ الشمس تشرقُ َ غي َر أنَّ
كل ُّ شيء حوله .كل شيء ..بينما وع َد «هاملت» ،أمير
أرقدَ ..قفر ًة أخرى
وليس كل َّ شيء .ليتَ أم َر شاعرنا ينتهي بالدموع حسبُ ،
أُبلل كلَّ شيء ٍ حولي
تتدلى على الكتفين عاد ًة -والدموع تغرق المكان ،فيبتّل
تبخرُ ما بقيَ منها ّ
الدنمارك ،مهدداً أ ْن يُغر َق المسر َح بالدموع ،المسرح
رائحةُ عُ نقها في كوفيته،
لَ ُكنّا جففناها بمناديل الحرير ب��دل كوفيات القطن،
مرات». فيموت سبع ِ ُ يتلثّمها
وواسيناه وخففنا عنه من وطأة مصابه .لكنه يرى نفسه
الدجال ّ «مشهدُ جنازتي يمشي وراءها أعو ُر
إثر الفراق ميتاً محموالً في تابوت ،واألع��ور الدجّ ال
«يا ابن عُ رْس!
المسيحي وهناك األعور الدجّ ال في التراث اإلسالمي،
ك ٌ َفن من غزل ِ دودةِ قز ٍّ خنثى ،يرفعُ رف��اتَ أمنيتي أح�� ُد مشيعيه .م��ا رم��ز ه��ذا األع���ور بالنسبة لشريف الوحيدة». الشاعر المقتول حباً؟ هناك المسيح الدجّ ال في التراث وألتمس، ُ وجهك َ ولتحرق النا ُر ما َء
الذي يعني المهدي المزيّف ،ال المهدي الحقيقي ،الذي
لدي أية ُ حيلة ٍ أو وسيلة ٍ أو احتمال.. ليس َّ
في األرض .وكثرة أولئك الذين ادعوا النبوة في سالف
تباريح أحالمي ِ في
أو شانئيه أو غرمائه ،أو إنه رجل بعينه ال يوده الشاعر؟
أعاودُ النكاية َ كلَّ فينة ٍ وضحاها «حتى في انحرافات ال وعيي
الزمان وكلهم كانوا عوراً دجالين .هل هو أحد حاسديه
الموت.. ِ في أثير خَ دَري ،على حافة
لقد ذكره شريف بصيغة (أعور الدجّ ال) ،وهي صيغة
ال يمكنُ لهبائي أنْ يحوم حول أُنثى سواها! كم تخبّلني عندما تخرجُ عن النص بعفوية الحاذقة .. وتبر ُأ زجاجة ُ روحها أحبك يا بعدْ عمري) ْ تترقرق ُ (من جَ د وأنا أبتهلُ إلى الله عشقك ِ أنا أستحي إلى اللهِ عشقك ِ لت قح ْ فما قلبي غير صبخة ملح ٍ قد ُ تنبتين منها كزهرة ِ توليب تحبينني ..تحبينني بكل تلك القسوة ِ !
22
ينهض في نهاية التاريخ ،إلحقاق الحق ،وإقامة العدل
اجلوبة -صيف 1429هـ
مخطوءة في نظري.
ُرس! هكذا يرى الشاعر نفسه ،وقد فارق يا ابن ع ٍ
معشوقته .ال شيء .حيوان بائس بسيط من فصيلة الجرذان أو الفئران أو السناجب يتنقل بين باسقات
النخيل ،سعياً وراء رزقه .استعار هذا الحيوان رمزاً
لبؤس حاله ،وقد فارق الحبيب.
أحبك يا بعد عمري /المقطع 21في ْ «من جَ د ِ
الصفحة ..»95كررها للمرة الثانية؛ فجاءت دافئ ًة صادقة ،كما في المرة األولى .يا بعد عمري ..تعبير
شعبي جميل ،شائع على ما يبدو ،يضع الشاعر فيه ال يزا ُل يعيش ُ غُرب ًة مأساوي ًة مع الله والكون). كلَّ ما في قلبه من طاقات الحب والوفاء والحنين
نفهم من هذا الكالم شديد التركيز أن َّ الشاعر
ب��راءات اختراع؛ يكتبها ،كأنه يغنيها ،والغناء طربٌ
الكعبة ،ألداء فريضة الصالة ،أو ألداء مناسك الحج
للمحبوبة .إنه بهذا المثال وغيره القليل من أمثاله ،واإلنسان فيه محافظان على أداء الشعائر والواجبات في الكتاب سجلَّ الشاعر ،ماركات مسجّ لة باسمه ،المفروضة على الرجل المسلم .فهو يتجه صوب وال��ط��ربُ أق��ص��ى درج���ات ال��س��رور .ح��ب��كَ ووف���اؤك أو ال�� ُع��م��رة ،بخشوع واب��ت��ه��ال وت��واض��ع ،ف��ي حضرة يدهشني ي��ا ش��ري��ف ال��ش��ه��ران��ي ،وق��د أب��دع��تَ في خالقه ،ينتصب هذا المسلم المثالي ،وقد فرغ من
التعبير عنهما معاً ،وبجدارة رغم صعوبة الموضوعات ص�لات��ه ومناسكه أم��ام��ن��ا ف��ج��أةً ،ليعلن بكل ج��رأة وعسرة الوسائل للتعبير عنها ،فالشعور بالشيء أمرٌ ،ووض���وح أن��ه ف��ي ش���كّ ٍ،وإن��ه يشعر بالعزلة والبعد والتعبير عنه باأللفاظ أم�� ٌر آخ��ر .هذه هي معضلة عن ال��ك��ون!! صرخة عميقة خافتة الجرس رهيبة الشعراء ومحنتهم :كيف يحوِّلون مشاعرهم ورؤاهم النتائج.
إلى ألفاظ ،هي كلمات من ح��روف صائنة تلتقطها آذان ُ البشر ،وصوت الحرف ظاهرة فيزيائية محددة، لك ْن كيف مطابقته باإلحساس الذي ال يتكلم وليس له
حروف مسموعة ..تلك هي المشكلة.
العزلة /الغربة /الفراغ /التشاؤم
المثال الثاني على تشاؤمية هذا الشاعر :وجدته
كذلك كمقدمة وضعها لقصيدة (تدليس الرتابة/ الصفحة .)101هذه المقدمة ،اقتباس حرفي من
«كولن ويلسون»
(وما الذي يمكن أنْ نطلبه من هذا الكوكب الشقي
بعد سياحتنا الطويلة م��ع (رش���ا) و(إن��ت��ح��ارات ال��ذي تتسكع فيه سوداويتنا وكآبتنا ع��دا األفكار ال��م��اء) ،رأي��تُ أن ألخّ ص َ أب��رز دفائن روح الشاعر الشاحبة التي قد تساورنا عن هذه اللحظة؟)، وهواجسه ،فوجدتها ُ تتلخص في :الشعور بالعزلة/ الغربة /الفراغ /التشاؤم .ثمّة َ أم ٌر آخ ُر ال عالقة َ له
بهذه الموضوعات ،أال وهو كثرة االقتباسات.
السوداوية والكآبة وشحوب األفكار ..تلكم أعباء
الشاك ،المنقسم ّ ثقيلة ينوء بها كاهل الشاعر ،المفكر
على نفسه ،بين مؤمن ومرتاب .الكآبة والسوداوية،
س��أذك��ر ن��م��وذج��ي��ن ق��وي��ي��ن ي��ع��ب��ران ع��ن ع��م��ق روح هما طبياً المالينخوليا التي يعرفها األط��ب��اء قبل ال��ت��ش��اؤم ف��ي ال��ش��اع��ر ،ج��اء األول كمقدمة لقصيدة غيرهم وأفضل منهم.
(إستسقاء لقلبي /الصفحة .)68وضع هذه المقدمة
ف��ي كتاب (م��دن العزلة) الكثير م��ن اإلش���ارات،
بين أقواس لكنه لم يبين هل هي مُقتبسة عن غيره أم الدالّة على الحزن والغربة والتشاؤم ،أجد كفايتي إنها خاصة به؟ فيما قدمتُ من أق��وال للشاعر نفسه ،أو فيما قد (ع��ل��ى ال��رغ��م م��ن دم��ع��ات ِ ن��اع��م��ات ٍ ن��اع��س��ات ٍ
اقتبس من س��واه .وع��ن��وان الكتاب ليس ببعيد عن
تترقرق ُ على وجنتيه ِ كلما استقبل َ الكعبة ..إال أنه مضمون هذه األقوال والمقتبسات. * د .وناقد عربي في ألمانيا
اجلوبة -صيف 1429هـ 23
ال شيء هنا حتما ستعرفين كيف تُبعدين األشياء الحارقة عن ُكوّرين ك��رات لهبك وتزيحينها السطح .تعرفين كيف ت ِ للجوف ..ال ..بل ألقصى نقطة هناك في الداخل ،ربما بجانب الرحم الذي شال صغيرتك يوما .ربما تتمرد تلك األشياء وتتكور على نفسها بعنكبوتية شديدة ،وتصنع من نفسها خاليا تتمدد وتستطيل .حتما ستفعل ذلك .تجيد وادعيت واهمة ِ التَّكور تلك األشياء التي تجاهلتها دوما، أال شيء هناك ..هناك ال ش��يء ..فستان العيد القديم الذي أصلحته لك أم��ك ..وهللتْ بفرح :شفتي بقى زي امتعضت في يأس وأخذته من يدها وارتدته ِ الجديد.. بضيق ال يليق بجمال وبهجة العيد .دموع أمك أمام الفرن تكوّر كرات اللهب وتُلقيها في العين الملتهبة ..وتُعدد وهي ِ عدودة حزنها المقدس. أم��ي تغطيني بشعر ال���راس وت��خ��اف علي م��ن كالم الناس.
قصص قصيرة 24
ي��ده��ا الضعيفة وه��ي تتحسس ال���ورم ال���ذي يأكل جوفها ،وبكاؤها ألبيك أن يذهب بها إل��ى الطبيب في المدينة .وانكساره ألن��ه يفتح محفظته ذات الكباسين الفضية الالمعة فال يجد فيها نقودا تكفي للسفر؛ فترتد النظرة خائبة وي��ق��وم م��ن أمامها .األل��م الرهيب ال��ذي صاحب أيامها األخيرة .حاالت تقلص المعدة التي تنتابك وأنت تغسلين لها جسدها من أثر التغوط والتبول .ضغط عماتك على أبيك أن يتزوج بامرأة أخرى تحمي شبابه الذي ما زال غضا. بكاؤك الليلي وأنت تتسمعين لصوت امرأة أبيك وهي تحرضه ض��دك ،وتقول له :البنت كبرت وممكن تجيب لكم العار. وردة ذابلة وسط كتاب النصوص الذي لم يَ ُه ْن عليك إلقاؤها بعد أن دسها لك الولد النحيل. سطور بعينها في رواية أنا كارنينا ،حين أخذها منك
اجلوبة -صيف 1429هـ
> هويدا صالح*
ذاك الشاب الذي رافق دراستك ولم يستطع أن يرافق روحك ،وأبعدته بعند ال يليق برهافة امرأة ا َدّعتْ أال شيء هناك. حزنك الدائم الذي سكن روحك ألنك لم تعطه فرصة يوما للبوح؛ فاكتفى بوضع خطوط باهتة بقلم رصاص أسفل سطور؛ لتخبرك عن خجله ،واحتراقه من أجلك. ال شيء هناك ،سوى تنهيدة حارقة ،وأنت تتذكرين أمك ،واألعياد تمر ،والمرأة زوجة أبيك تتسسل بهدوء إلى كل المساحات التي تركتها أمك. ال شيء هناك وصوت عماتك يتآمرن ضدك؛ حتى يدفنك أبوك داخل حظيرة ابن عمك. ال شيء هناك سوى صوت أبيك ،وهو يوصيك أال فظللت قيدا ورقيبا على ذاتك، ِ تمرّغي شاله في الوحل؛ ِ حتى ال يشعر ه��و بالهزيمة أم��ام إخ��وت��ه ال��ذي��ن كرهوا خروجك للمدرسة والجامعة. تزوجك، ِ ال شيء هناك ،هناك ال شيء سوى رجل وأغرقك بحنانه وعطفه ،واعترف بحقك في الحياة ،لكن روحه سلبتها كائنات ما تسللت إليه عبر القسوة والقهر؛ فلم يزد على الصمت .ما ذنبه هو .فقط هو أصابه صمت لك ،لكنه صمت؛ ففقدت بقية وحزن .ربما غير مبررين ِ روحك أمام عطفه وصمته غير المبرر. ال شيء سوى صغيرة تظل تتعلق في جلبابك البيتي كلما فكرت بينك وبين نفسك أن تذهبي بعيدا بروحك التي أصابها العطب ،أن تهربي من رتابة وموت محققين إلى عالم أشد رحابة. وم��ا ه��ذه األش��ي��اء المنسية ال��ت��ي ل��م تتسرطن مع الخاليا التي تكونت؟! آه ..هي رعشتك البكر وأنت تجلسين أمام الرجل ال��ذي أغرقك بجرأة عينيه ،واح��ت��واك بصوت هامس،
وحدثك عن جدله مع ذات��ه ،وع��ن تفكيره الدائم أن البنات كائنات ال تعرف الحب؛ ألن��ه داوم على رؤيتهن في األف�لام القديمة وهن يمارسن التجاهل المتعمد ويرفضن توسالت الرجال إليهن ويمزقن خطاباتهن. كم أربكك بعيونه السوداء الواسعة ،وهو يردد مثلك النبي محمد [! ك��م تهللت روح��ك وأن��ت تستمعين إل��ي��ه ،وتكتشفين أنه شاركك نفس األوه��ام واألح�لام رغم الفارق الواضح بينكما في الزمان والمكان! ال شيء هناك سوى روحك التي كانت تقفز ،وهو يحكي لك عن طفولته التي تشبه طفولتك رغم أنه أتى في زمن غير زمنك ،وكأن حياتكما تطابقت في زمن ما! ال شيء سوى رعشتك البكر ،وهو يمد يده؛ ليأخذ كوب الشاي وتلمس أصابعه ي��دك؛ فترتعشين ،وتهربين بعينيك بعيدا ألن��ك تدركين جيدا الفارق بينكما ،وألن رج�لا -هو زوجك -يجلس هناك في اطمئنان بانتظارك كي تعودي ،وأن بنتا يتشكل وعيها وتخشين أن تسمع صوتك المرتعش في الهاتف وأنت تسألينه: انت فين... ستجلسين أمامه ،وتقولين ب��ذات الرقابة التي أتقنتها، وذات الهروب ال شيء هناك؛ فأنت مجرد صديق عرف كيف ومتى ينظر داخلي. ستدعين أنك ال تشتهين جزيرته التي تخيلك فيها ،وأنه جالس تحت قدميك يغسلهما بماء النهر ،ثم يتسلل إليك من الخلف ،ويقبلك في موضع الرعشة التي ال يعرفها أحد عنك. ستفعلين هذا ألنك تجيدين تكوير األشياء وإلقاءها في الجوف هناك.. ولكن أبدا ال تدركين أن هذه األشياء المبعدة قسرا تتحد ضدك اآلن ،وأنها تتكورلتصنع كائنا آخر يلتهم روحك. اذهبي اآلن ،واجلسي في شرفتك المظلمة ،اغلقي بابك جيدا؛ حتى ال ترى ابنتك دموعك المنسابة. يمكن لك أن تداري الدموع بظهر يدك ،وأنت تتظاهرين بعرك عينيك حين تطرق فتاتك الصغيرة الباب ،وتعطيك كوب
الشاي الساخن. تنتظر برهة ،وتتردد قليال ،ثم تقول :ماما أنت بتعيطي.. تستجلبين ابتسامة متعبة ،وتقولين في صوت خافت: ال يا ماما عيني أطرفت. يمكنك أن تتظاهري بالسعادة ؛فتسألينها عن حلقة (هانا مونتانا) التي تحبها .يمكنك أن ِتدّعي االهتمام ،وتستمعين لها بشغف ،وهي تحكي عن مغامرة هانا مونتانا في المدرسة. تظاهري بالدهشة والفرح ،وهي تخبرك أنها وجدت صورة لهانا على النت وأنها سوف تجعلها خلفية لهاتفها المحمول... ث��م تسمعين ص���وت زوج���ك ق��ادم��ا يحمل أك��ي��اس الفاكهة والطعام. تجففين عيونك وتسرعين إليه .تهمسين في مشقة: معلش يا بابا السلم طويل. يضع أحماله ،ويجلس على الكنبة دون أن ينتبه للشعيرات الدموية الملتهبة داخ��ل عينيك ،رغ��م أن��ك جهزت سيناريو محكم ع��ن فزعك إث��ر ك��اب��وس داه��م��ك ،وأن��ك تكرهين نوم المغربية ؛ألن الكوابيس تهاجمك بضراوة. الهواء الذي يحتل المساحة بينك وبين زوجك الجالس بجانبك على الكنبة يعرف أنك تكذبين؛ فيتسلل إلى عيونك ويزيد من حمرتها. ت��واص��ل��ي��ن دع���ك عينيك ب��ك��ف��ك ،وه���و يقلب ف��ي ق��ن��وات التلفزيون دون أن يعي ما يعتصرك من أفكار. ال ش��يء هناك ،وعليك أن تكوني أق��وى من عيون رجل جرئ يعرف أن يباغتك ،وأق��وى من أشياء غاضبة أهملتها يوما وأزحتها للداخل. نعم ال شيء هناك ..هناك ال شيء ..رددي معي بصوت يسمعه المالك الجالس يحرسك هناك ؛ كي يعينك على طرد بقية األشياء للداخل. ال شيء هناك وأنا بخير .رددي بصوت أعلى :لدي طفلة جميلة تتفتح مثل زهرة يانعة. زيدي من الترديد ورائي؛ فالمالك يعرف حاجتك للدعم، لدي زوج محب وعطوف علي أن أواصل العناية به ..ها ..هل عرفت اآلن أال شيء هناك؟!.
* كاتبة من مصر.
اجلوبة -صيف 1429هـ 25
ذاكرة لالرتزاق > سهام الدهيم* يغريها الضجر بأن تقصد َمنْحتها ،علّها تجد شيئا ينسيها وحدتها.. تقف مل ّياً تتأمل منحوتاتها المترامية.. كل هذه األشياء ال تبهجها؛ فلكل واحدة منها ظروفها التي خلقت/نحتت بها.. فذاك القلم ُق ّد ذات ألم!.. وتلك الشجرة ُقدّت ذات خطيئة؛ لتطفق عليها من ورقها!.. وتلك الوردة ُقدّت للقاء فراق!.. عندما نؤرخ ذاكرتنا بمحسوسات ،فليس ثمة ثقب للنسيان.. جمعت كل منحوتاتها ووضعتها في صندوق قصي ،ورمقتها بنظرة ساخرة ،لتلقي معها ذاكرتها ،فال شيء يستحق تخليده!.. فبعض من العري حرية!.. ٌ ارتدت فستاناً كحلياً بال أكمام ،ويكشف عن ساقيها.. دست سماعة صغيرة في أذنها ،لتهمس لها وحدها بتلك الموسيقى ،التي تحلق بروحها.. لتعتق من ظالم الجسد.. لن تفكر ،ولن تقرر فيما ستنحت ،بل ستجعل روحها من تنحت بأناملها.. فعندما ندع الذاكرة هي التي تسيرنا ..ستقودنا إلى ذكريات في غياهب النسيان ،كبلورات صغيرة متواصلة ،تلك الذكريات التي تسكننا ،لتكوّن في مجموعها جوهر الروح.. في كل دروب حياتنا نترك ذكريات /أرواحاً ..حتى نقتفي أثرها ساعة ألم وغربة!.. فابتسمت حينما بدأت تلك األنامل تعبث وتنحت..
26
اجلوبة -صيف 1429هـ
ال في منحتها حتى أعياها التعب ..فابتسمت ،وهي تنظر إليه ..ثمة سعادة نؤثثها لذواتنا بقيت طوي ً فأغلقت اإلضاءة وعادت إلى غرفتها ،وارتمت فوق لنسكنها.. سريرها ،قبل أن تعرف األوهام واآلالم لها طريقاًً!.. (ي����اااااه ..أك��ان��ت ه��ذه األن��ث��ى التي تبتسم ليفعناء الجسد يُصمت ضجيج الذاكرة.. كدلو في بئر ٍ هي مَن تقاسمني روحها ..واتخذتني ألقت بكتابها جانباً ،وخطت نحو منحتِها ،علَّها ذاكرتها؟)؛ فالروح عندما تجوع تنوح بوحاً!.. ترى ذاك الذي ارتأته لها ذاكرتها باألمس.. (-صوت الباب ينبيء بأنها قادمة.)!..
أضاءته فإذا برجل معرّى يقف في تلك الزاوية دخلت إلى مَنحتها ،وفي يدها أكياس تنبيء بأنها ال باألمس.. التي بقيت فيها طوي ً بقيت نهارها تتسكع في األس���واق ..رم��ت أكياسها وبدأت تفرغ محتوياتها لتستر عريه.. أدهشها ذاك النحت.. (ه���ذا البنطلون الجينز ،والقميص الصوفيرمقته بسخرية( :تعجبني لعبة التخفي القدرية، فبعد االنتهاء منك سأجد ذاكرتي ترتديك ،فأذكر ال��رم��ادي ،وال��وش��اح األس���ود ،وال��ج��وارب ،والجزمة، وهذا الشعر المستعار األسود سيهبك جماالً ..وهذه بعضاً مما في قعرها.)!.. القبعة السوداء ..وهذا العطر الباريسي ،كان أغلى فابتسمت وارت��دت فستانها ،لتكمل روحها ذاك ما اشتريته ،لتجعل ذاكرتك معطرة ..ما رأيك بكل الواقف أمامها بال مالمح تميّزه.. هذه األشياء!! رسمت وجهه في نصف التفاته ،تكره البحلقة.. أوه ..نسيت أن أخبرك بأنك ستقاسمني فقري.. تقلقها ت��ل��ك ال��ن��ظ��رات ال��م��وج��ه��ة إل��ي��ه��ا م��ب��اش��رة، آآآه ..شيء من السعادة يختلجني ..ألول مرة أتعرى المتجولة ف��ي مالمحها ..تخشى دوم���اً أن يتسلق من فقري أل ُلبسه غيري ..هكذا نحن عندما نلقي أحدهم أسوارها بحلقة!.. بهمومنا على اآلخرين. فبدأت بنحت أنفه.. هوسنا بالماديات جعلنا ال نُلقي ل��ل��روح ب��االً.. األنف كبوصلة تشير دوماً إلى جهة التفاتنا!.. دجالون أولئك الذين قالوا إن الهموم واألحزان ال ثقل (رائحة عطرها تنبيء بأن من تنحتني أنثى ،)!..لها ..بل لها ثقل؛ ولكن بمكيال ال��روح ..ولكن عجزحاجتها ألن يصغي إليها أح��د دون تأفف ،جعلتها اإلنسان عن اإللمام بالشيء يغريه بأن ينفيه ولو موتاً، الفقر يُعرّي األشياء ،فتبصرها على حقيقتها .أليس تتجه إلى نحت أذنيه.. حكماء وفالسفة الكون من ثدي الفقر تغذوا..؟!). (دفء أنفاسها ف��ي أذن����ي ..وموسيقى تمأليسْ َمعُها ويشكرها على تلك النظرة التي ارتأتها المكان تتسلل إليّ ..أأسمع أنا حقاً..؟!). لعينيه ،وكأنها تعلم مسبقاً بأنه سيتحدث سراً. ث��م ع���ادت إل��ى وج��ه��ه لتكمل م�لام��ح��ه ..رسمت (يا لهذه الطفلة بقلب أنثى.)!!.. عينيه بنظرة إعجاب ودهشة.. تحلم دوماً بنظرة كتلك ،لها وحدها ال تتخطاها..
بقيت تنظر إليه ملياً ،فابتسمت وأغلقت الباب
اجلوبة -صيف 1429هـ 27
خلفها..
في كتابة بحثها ،بعد م��دة اختطفها النوم من بين
مرت أيام وأيام ،قبل أن يتجرأ صباحاً -بعد أن أوراقها ..ليدسها بين أغطيتها ويكمل عنها بحثها.. سمعها توصد بابها خارجة -على أن يتسلل إلى ويؤقّت المنبه لها.. غرفتها.. استيقظت صباحاً وجمعت أوراقها المبعثرة.. وقف ينظر إليها من نافذتها ،وهي تتالشى في أتون الضباب.. الصراخية ..وه��ذا م��ا سيكون عليه صباحي هذا ( -أووه يا لهذا النوم اللعين ..أك��ره الصباحات
اقترب من منضدتها ..ليجدها بين أشيائها ..اليوم!). فكل ما هو لنا هو نحن!.. يرمقها بفرح ..فقد استطاع إنقاذها من صباح عطرها برائحة الياسمين ..بقايا من خصالت صراخ وضجر.. شعرها األشقر في مشطها الخشبي.. حملت حقيبتها ،وعند الباب نظرت إليه بابتسامة صورتها وهي صغيرة مع مجموعة من األطفال ساخرة.. ال��ذي��ن يقاسمونها عمرها وبهجتها ،ول��وح��ة تلفهم (عذراً أيها الصديق الذي أغرمت به حد العشق،كما الحزن قد ُكتِب عليها جمعية األطفال األيتام.. برزخ الفقر سيحول دون لُقيانا ،فمصروفات دراستي ودميتها المرقعة النائمة في سريرها.. تبيح لي عرضك في معرض للمبيعات ،لم يمت من ورقة من مذكراتها وقد ذيلت بتاريخ اليوم ،ودقائق أمتهن االرتزاق من ذاكرته.)!!.. ماتت قبل ه��ذه ال��دق��ائ��ق( ..ب��داي��ة ي��وم م��ن انتظار أرست إليه قبلة ..وأغلقت الباب خلفها.. على الرصيف لسائح يأتي ليهبني بعضاً من المال ومالمحه ،ألرتزق منها رسماً). خرجت ،قبل أن تفضحه دمعته بأنه يسمعها.. كل أشيائها تشي بطهرها وجمالها..
بعد شهر م��ن إيمانها بأنه سُ ���رِ ق ،ه��ا ه��ي تقرأ
عاد إلى غرفته /منحتها ،بعد أن رآها وقد لفظها رسالة و ُِسدَت عتبتها.. الضباب مرة أخرى.. (ال تكوني ك��أم تقاسم أبناءها حزنهم ،فرحهم, أضاءت منحتها وهي تبتسم. جوعهم وب��رده��م ،ال لشيء بقدر إحساسها بذنب (عمت مسا ًء أيها الرجل؛ فمنذ زمن لم نلتق ..توريطهم في الوجود ،فأنا أتحسس الحياة بأناملِ عذراً ،لدي أوراق بحث دراسي لم أنته منها ،بل على ذاكرتك، األصح لم أبدأ بها بعد ،ما رأيك أن تشاركني غرفتي؟ أظن أن حاجتك ألن يصغي إليك أحدهم سولت فالوحدة قد نخرت عظام حياتي!). لك جعلي بال لسان وشفتين ،فقدري كذاكرة أن ال ِ وض��ع��ت��ه ب��ق��رب ن��اف��ذت��ه��ا واب��ت��س��م��ت ل���ه ،وب���دأت أتحدث إال صمتاً!.. * قاصة من السعودية.
28
اجلوبة -صيف 1429هـ
ثالث قصص قصيرة جدا > إبراهيم احلميد*
سمين الشحيمان! عندما التهم المواطن سمين الشحيمان وجبة العشاء الدسمة ،طبطب على كرشه البارزة كنتوء جبل في هضاب الحرة ،وشكر الله على نعمه ،التي ال تعد وال تحصى ،وتمدد تحت فتحة التكييف في ليلة حارة من ليالي شهر آب ،وطلب لبناً ومشروباً غازياً لهضم ما التهمه. ولما انتهى م��ن ذل��ك ،ل��م يبال أن يطلب من زوجته التي يتدلى كرشها -هي األخرى �لا ف��ي شهرها التاسع ،أن تقطِّ ع له ح��ام ًالبطيخة الكبيرة شرائح تمأل اليدين ،وأن تحضر له من العنب الحلواني ،والتين األسود الذي أوصى عماله اليوم بجنيه.. وفي الصباح كان سمين الشحيمان يطلق الشتائم على أم العيال ،ألن أوالده��ا يأكلون «الهميم والرميم» ،وال يدعون شيئاً لهذا الذي يسمونه أب��وه��م؛ ك��ان يحسدها على كرشها الذي ستتخلص منه قريباً.. وفي المساء كان سمين الشحيمان على م��وع��د م��ع الشحم وال��ل��ح��م ف��ي ع��رس أحد الجيران ،ولم ينس بالطبع أن يأخذ أوالده - أفواه جبلت على أن تفتح أبوابها لكل صنوف الموائد -ممنياً إي��اه��م بوجبة تليق بشهر آب.
التوأمان! ترجل األخوان التوأمان من سيارة الجيب
العتيقة ،بصق كل منهما تحت قدميه وبدءا
المسير باتجاه السوق..
اتجه األول ش��رق��اً ،ويمم األخ��ر غ��رب��اً..
وواص�ل�ا مسيرهما إل��ى ال��س��وق المركزي.. توقفا عند أك��ش��اك الباعة ال��ذي��ن افترشوا
أرضية السوق اإلسمنتية.
أخذا يفاوضان الباعة كل على طريقته..
من بعيد أرى أيديهم تلوح إليهم معبرين لهم عن تذمرهم من غ�لاء األس��ع��ار ،وأن جميع
األصناف كانت متوافرة قبل يومين ،وبسعر
ال يقارن مع أسعار اليوم..
يواصل التوأمان مسيرهما بين صفوف
ال��ع��ل��ب ال���ك���رت���ون���ي���ة ،ال���ت���ي ص��ف��ه��ا ال��ب��اع��ة المصريون والهنود بعناية ،بعد أن ألزمتهم
البلدية بذلك قبل أيام..
ف��ي منتصف ال���س���وق ،ال��ت��ق��ى األخ����وان،
وأش�����ار األول إل���ى إح����دى ج��ه��ات ال��س��وق، فيما أبدى األخر تبرماً واضحاً مما حوله..
انحرف االثنان وس��ارا مبتعدين ..بصق كل منهما تحت قدميه ،واتجها إلى سيارة الجيب
العتيقة.
اجلوبة -صيف 1429هـ 29
مطبات صناعية أدي��ر محرك سيارتي ،وأسير في طريقي اليومي ،فتبدأ في إصدار أصوات جديدة كل ي���وم ..ف��ي ك��ل م��رة أعبر مطباً ج��دي��داً ،يصر المطب على ترك بصماته على مؤخرة سيارتي وعلى محركاتها على شكل صرير مزعج..
مميزة لكل منها ..قام جارنا القريب مؤخرا بوضع مطبين جديدين أمام منزله الذي نعبر الطريق أمامه يومياً ..المطبات كانت مزعجة لدرجة أن كثيراً من الجيران يقومون بوضع وسائد لحماية ظهورهم من قفزاتها ..لم يكن جارنا في حاجة لهذه المطبات ،اال أن��ه كان ي��رغ��ب ف��ي ح��م��اي��ة أط��ف��ال��ه ال��ذي��ن ي��م��ارس��ون متعتهم األزلية في اللعب بكروزاتهم ودراجاتهم وسط الطريق..
يأتي صوت المذيع محيياً مستمعيه بالورد والياسمين ..فأتلفت ألبحث عن لون أخضر يبعد شحوب المكان ..فأصحو على الواقع المرير..
في متاهة الطريق الطويل عبر المدينة ما يسميه الرسميون الطريق االقليمي ،ويتندر عليه الناس بالطريق األليمي ،تنتشر المطبات الصناعية ،تستوقفني مأساوية الطريق ،في إح��دى المرات أجهضت سيدة مسافرة على ظهر إحدى المطبات ،وفي مرة أخرى تحطمت سيارة مرسيدس من أسفلها وأفرغت زيوتها بعد ارتطامها بها ليال!
تستوقفني أرتال النفايات ،وبقايا المباني المهدّمة :طوب مكسر ،وبقايا أعتاب ،وأبواب تالفة ،وأج���زاء متناثرة من حديد لم يستطع اللصوص االستفادة منها ،وإط��ارات متهرئة.. ال بأطفال من أعمار يعبر باص المدارس محم ً عندما بنى جارنا عمارة جديدة ،قام بشق شتى ..أراقب حركاتهم من وراء زجاج الباص الطريق إلى منتصفه ليسرق ماسورة ماء من الخلفي؛ فيثير فضولي الصمت الرهيب الذي م��ش��روع البلدية ..بعد م��رور أكثر م��ن أربعة يبدو عليهم ..ألتفت إلى الشارع وإلى األراضي أع���وام كانت الحفرة الممتدة م��ا ت��زال ماثلة المحيطة ..وإلى النفايات ومظاهر البؤس.. للعيان ،لم تأت فرقة البلدية بعد لردمها..
طالما تساءلت عن سر انتشار المطبات الصناعية ،وش��وارع كلها حفر وشقوق مضت عليها س��ن��وات ..ثمة أح��د ال��ش��ق��وق والحفر ردمته البلدية بعد ستة أع��وام ..أقسم جارنا أن��ه شاهد فرقة البلدية للصيانة تقوم بردم الحفرة..
بعد رسائل عديدة للبلدية ،ولكل الجهات التي يمكن االحتجاج إليها ،ق��ررت البلدية بعد خروجي من منزلي بأقل من مائتي متر ،بناء مطب صناعي لكل مواطن ،وبناء نصب يبدأ مسلسل المطبات الصناعية ..تعودت تذكاري يتوسط المدينة ألقدم مطب صناعي سيارتي عليها ،حتى أصبحت تصدر أصواتا فيها!!..
* قاص من السعودية.
30
اجلوبة -صيف 1429هـ
غافة عليا > فاطمة الناهض* استطيع أن أتذكر بوضوح شديد ،تفاصيل ذاك المساء ،وكيف لحقتنا سيارة الشرطة -مستفزين إلى أقصى حد -بتلك األضواء الحمراء والزرقاء التي تعمي البصر .شيء ما ضرب في أفئدتنا ،ذلك الغروب المرير ،حين رأينا سيارة اإلسعاف في ذيل الدورية ،تنعطف صوب المزارع .مكان لم يقربه لبالب الحياة .ال أطفال يتراكضون في هدأة العصر بين ال��زرع ،وال بنات يتلصصن على الشارع من فتحات األبواب ،وال نساء يتزاورن في النهارات الطويلة في غياب رجالهن ،وال مجالس تنادي الكسالى والمتعبين حين تعتلي النجوم دكة الليل. هنا يتعايش حراس المزارع اآليلة إلى زوال .زرّاع محبطون النحسار الماء .ذكور فقط ..قلقون على ما سيؤول إليه الغيب ،فالشارع سيشق المزارع ،كوحش أسطوري ،فارداً جناحيه من إسفلت وحجر، وسيشردهم قاطعاً أرزاقهم ،كسيف سلط على رقابهم ليقطعها. كنت هناك حين ربط مصبّح نفسه بجذع شجرة الغاف! «غافة» .ال هي نخلة وال هي سدرة. ال تكاد تختلف عما ينبت من شجر ،إال بظلها الوارف .وبمثلها تمتلىء األرض دون رغبة .لكن «مصبّحً » ربط نفسه إليها بحبال من ليف النخل ،وقال اقطعوني معها! حاول أفراد الدورية أن يُفهموه بأنها تعيق الشارع الذي سيجعل الحياة أسهل وأرحب .لكن الناظر إلى وجه مصبّح يدرك عدم استماعه لهم لما أصابه من هَ لَعٌ ،وكأنه رجفة الموت تغيبه عما يقال ،وتجعله يردد بال وعي :غافة عليا .غافة عليا! ولم يعرف أحد من هي عليا ،صاحبة الغافه!! جاء مندوب البلدية ،وأحمد الركبي ،ابن المنطقة ،ومهندس المشروع ،وجاء ضابط المخفر القريب ومعه شرطيان ،ومسعف ،وممرض ،من المستوصف الوحيد ،والطبيب المناوب ،وكان عائدا من نوبته ،وتجمع الباكستانيون الذين يحرسون المزارع ،ثم استدعي صاحب األرض ،الذي تقع الغافة في أمالكه والتي سيقطعها الشارع الجديد ،وجاء أوالده وأصدقاؤهم الذين تصادف وجودهم معهم ،وارتفع اللغط وتوالت المحاوالت ،وطارت الشائعات ،وحط األسى ،ولكن ..دون أن يتحرك مصبح شبراً واحدا عن الغافه. ومع سدول الليل ..كان ال بد من أن «يُسلخ» مصبح عن الجذع ولو بالقوة ،وفيما انقض عليه كل من أعتقد أن بإمكانه السيطرة عليه ،انغرزت إبرة التخدير بقوة في ذراعه النحيل ،ودارت عيناه المغادرتان على الوجوه وسقطت نظرته الحزينة قبل أن تغيب على وجه الركبي ،من سيشق الشارع فيما بعد ،ولربما قلب مصبّح أيضا. القليلون الذين يعرفون مصبّح الذي تجاوز الستين مطلع العام ،يقولون إنه ليس -في األصل -من هنا .لكنه اختار العيش معهم وبينهم منذ آخر رحلة لجماعته ،الذين كانوا يهبطون ليروجوا منتجاتهم
اجلوبة -صيف 1429هـ 31
الغذائية ،ثم يتابعون سيرهم إلى أماكن أخرى. كبر مصبح -بعيداّ عنهم ..يفلح ويداري األرض في إحدى المزارع ،وحيداً دون أسره ،ال يغادر إلى أهله في الجبال القريبة إال من شتاء آلخر. لكن القليلين الذين يعرفونه ،ال يعرفونه حق المعرفة، فهم ال يدرون لماذا اتخذ قراره بالبقاء هنا؟ وصوال إلى حادثة الغافة الغريبة. ومن بين ذلك الجمع ال��ذي ح��اول إقناع مصبّح بفك ارتباطه بالغافة ،رج��ل سبعيني ف��ارع ،صقري النظرة، ح��ازم العبارة ،تشاركه الكالم خيزرانة رفيعة يؤشر بها شارحاً ،وتدب معه في الطرقات ،وجاهة ال سنداً ،والذي يعرف الكثير الكثير عن مصبح وبقائه هنا.. غير أنهم حين اخ��ذوا مصبّحاً كخرقة بال روح ،بعد أن أرخ���وا حباله الملتصقة بالغافة ،وغ����ادروا المكان في المساء ،وتفرّق الجمع ،تكلم الشيخ في تلك الليلة، تدحرجت في ص��دره حصاة الخوف من الموت ،وثبوت تهمة الجنون على مصبّح ،وإدراك مفاجيء بتناقص أسباب الحياة ،وسقطة الرجاء. أمسك بالركبي الذي تخلّف عنهم يحوم حول الغافة ف��ي ح��ي��رة ،وي���ذرع محيطها تحت قمر ارت��ف��ع ف��ي غمرة الفوضى ،ورج��ع األس��ى ..سحبه إلى جذع الغافة ،وبدأ يقص عليه حكاية مصبّح.. «كان الناس يتركون بيوت الجص والحجر في المدينة، وي��أت��ون لقضاء الصيف هنا ق��رب النخيل ..فتقيم كل أس���رة ع��ري��ش��اً م��ن ج��ري��د ال��ن��خ��ل ،وم��ن��ام�� ًة ف��ي ال��ع��راء.. يشاكسون بالدة األيام وينتهكون جالفة التكرار؛ بل كانوا يجلبون معهم أحيانا دوابهم مؤونة ورعاية ،وال يغادرون إال باعتدال الجو وانطفاء القيظ ..والغافة هذه ..كانت عالمة مميزة ..حضن األطفال ،وم�لاذ الطير ،وأحيانا تصبح مجلساً للرجال ،وأحيانا أخرى ،ينزل تحتها باعة يتحلق حولهم الناس .وعندها رأيت مصبح ألول مره. انظر هناك ،وأش��ار بخيزرانته جهة الشمال وسط * قاصة من اإلمارات.
32
اجلوبة -صيف 1429هـ
ال��ظ�لام ،هنا ك��ان عريش أه��ل عليا! وتحت ه��ذه الغافة نبضت فراشة قلب مصبّح أول مرة ،حين لمح عليا في ظل العريش ،وتحت هذه الغافة اكتمل جناحاها ،فطارت صوب عليا وحطت على زهرة قلبها ،وهنا جاءه وعد منها بالعودة في صيف قادم ،لتحلِّق الفراشة بالوردة ،صوب الجبال ،وأقسمت عليا على ذلك ما دامت الغافة ولو بعد مئة عام ،وعلى القسم حفر حروف اسمها على الشجرة. وه��ن��ا ،ب��دا كما ل��و أن غصة نشبت ف��ي حلق الشيخ فمنعته من االسترسال ،في حين أن اللهفة أخذت بتالبيب الركبي ،فقاوم كثيراً ليترك الرجل المهيب ينتقي الكالم: لكن عليا لم تعد ،كان ذلك آخر صيف يرتفع فيه عريش عن التراب .لم يعد الناس يأتون ال صيفاً وال شتاء ،أكلتهم المدينة ،واستغنوا عن حفيف النسيم يدور بين البراجيل، افتتنوا بحياة معبأة بوفرة األضداد. حاولت أن أقنع مصبّح أن يمضي في حياته ..فالبنات ال يمكثن طويال في بيوت آبائهن ..لكنه ظل ينتظر ،وكان يشعر أن قطع الغافة سيقتلع أمله في رؤية عليا من جديد، فربط نفسه بالرجاء. مرت على حادثة الغافة أربعة أصياف مسعورة ،قضت على سالالت كاملة من النخيل واألشجار ،تاركة أشالء حروب البقاء ،شواهد تبعث القشعريرة في جلود المارّة. ومَحَ َل المكان ،واستسلم للهواء العابر أمام ربوة السنين يحمل غموض الذكريات ،ولم يعد أحد يسمع عن مصبح الذي دخل فجوة النسيان في الجبال الحجريه. وال��ق��ادم اآلن م��ن جهة الجنوب نحو المنطقة، لن يعرف سبب انحناء الشارع الذي يخترق البلدة، انحناءة ناعمة جهة اليسار على هيئة هالل قبل أن يستأنف استقامته من جديد .تاركاً حضن الهالل لشجرة غاف عظيمه ،تحرس خصر الشارع وتحرث أخيلة العابرين ،لكنه لو توقف ليستريح في ظلها كما أفعل اآلن ،سيلمح اسم عليا محفوراً على الجذع بكل وضوح ،كأنه كُتب هذا الصباح.
الصاعدون على جثث األغاني > زهرة بو سكني* كان من كبار مثقفي المدينة ..ال أحد يستطيع أن ينكر ذلك ،حتى األرصفة التي احتضنت خطاه ،نفسه ،بأن يركن إلى زاوي��ة ما ..ويكتفي؛ فالله حتى ذلك المقهى الذي كان يجلس فيه كل مساء ..يمنح كل طائر طعامه ..حتى الطيور الصغيرة، وذلك الفنجان الذي يعانق بنه ..وشلة الطيبين حتى الطيور الجارحة ،حتى الطيور الحمراء! الذين يحتويه حبهم ..كان -ككل المثقفين الذين لم يكن يسأل عنه أحد ..لقد صار «المثقف جاءوا في زمن غير زمنهم -يحترق كفتيل قديم أنهكه ال��وق��ت ،وص��ار ينهكه ال��م��رض والبطالة ،الكبير» ..ذل��ك المنسي الكبير ..حتى جماعة ليشعر أنه مجرد لعبة عبثت بها أيدي األق��دار ،الطيبين ،ال��ذي��ن ك��ان��وا يشاركونه المقهى وبن الزوال ..تفرّقوا واندثروا في غبرة هذه المدينة. وحين كلت رمتها في زاوية مهملة.. بألم آخر ..بوجع أكبر ..لتوقفه؛ فاقتنع في قرارة
قد تكون اللعبة مكسورة أو مشوّهة ..ال يهم؛ فكل المعاني ت���ؤدي إل��ى ف��وت��وغ��راف��ي��ا واح���دة، وت��ص��ور م�لام��ح ه��ذا «ال��م��ث��ق��ف» الكبير ،ال��ذي ال قضى كل أيامه يضيء ،يحمل الحرف قندي ً في الظلمات والمغارات ،ويشد القلم سالحاً لكل األزمنة المتعبة.. ه��ا ه��و اآلن تقتله كهرباء ال��واق��ع ال���رديء.. الواقع النيلوني ،بعد أن أنهكه المرض والبطالة، ولم يعد يطعمه الحرف وال القلم ..لم يعد يمنحه خبزاً ،يؤمنه من جوع أو خوف. ط��رق الكثير م��ن األب����واب ال��ت��ي ك��ان��ت تبدو مفتوحة أمامه على مصراعيها في زمن ما ..إنه ال يريد الكثير ..ال يطلب سوى خبزاً..وكومة حب تهدهده ..ويداً تش ّد على يده وتقول له« :لست وحدك» .لكن األقفال تآكلت بفعل الصدأ ،لتوخزه
ذات صباح ،أذيع خبر موت «المثقف الكبير»، وكتبت الصحف ذلك بالبنط العريض ،وهرعوا كلهم لحضور جنازته ،ونظم القصائد عنه ..وكان آخر العراجين ،أن خصصت الدولة جائزة ثقافية وطنية معتبرة باسمه. فتشت في الدفاتر القديمة فسمعت صدى ما يردد: يا أيها الصاعدون على جثث األغاني أمهلوا موتي قليال.. أللم بقايا الحياة بأجنحتي.. فالرحيل ثقافة عصفور.. يفتش عن مرفأ في الفصول.. بعد أن فقد على أرصفة المدينة خبزه.
* قاصة من المغرب
اجلوبة -صيف 1429هـ 33
استغالل العشق > خالد األحمد* ..حتى وهو يسعى القتناص الفرص لتحسين وضعه؛ يتوقع أن الحظ سيبتسم له؛
لكنها ابتسامة الساخر الشامت به! لم يحقق مكانة اجتماعية في قريته الصغيرة ،حظيَ
بتعليم متوسط ،وتنقل في وظائف عدة .كان يعتقد أن هذه المنطقة ال يعرفها إال نو ٌع
واحد من الحظ ،أما النوع األفضل منه ،فهو في بالد أخرى؛ رحل إلى العاصمة باحثاً
عنه ،لكنه شعر أن سوء الطالع توأمه الذي لن ينفصل عنه ،فلربما هو الذي يقوده إلى
المشاريع الفاشلة!
بوظيفة حكومية في مدينة مجاورة، ٍ لم يشأ أن يعود إلى قريته الصغيرة ،فالتحق
تحسّ ن وضعه قليالً ،لكن مشكلة فريد هي الطمع المبالغ به ،وحتى يشبع تلك النزعة
القذرة ،تعلّم سبل النفاق والتملّق لرؤسائه في العمل ،بل وفي كل مكان ،على الرغم من غبائه ،الذي يكاد أن يضيّع عليه مكاسبه أحياناً؛ إال أنه أجاد في تلبّس النفاق ،ذلك أن
هذه الصفة ليست صنعة ،إنما بذرة في النفس ،تُغذى بالطمع والحسد!
أصبح زمالؤه يلقبونه -سراً « -غراب األخبار» ،إذ أنه ينقل فضائح الرؤساء الذين
يتمسح بهم إلى الموظفين ،طمعاً بأن يحظى بنظرة احترام منهم ،لطالما حل ُم أن يراها في قريته الصغيرة.
عاش فريد بداية حياته وحيداً ،متشرداً في شقق ال ُعزّاب ،وغرف العمالة الوافدة،
فبات حاقداً على المجتمع ،خاص ًة والده ،الذي ضاق ذرعاً بمشاكله المخلّة بالشرف، فطرده – مجبراً -في لحظة غضب ،إلبعاده عن جاره الذي توعّ ده بالقتل ،جرّاء ما فعله بابنته!
34
اجلوبة -صيف 1429هـ
ث��ورة اإلنترنت هيأت لفريد لبس األقنعة ،على
اسمه الذكاء! ميساء التي خرجت مؤخراً من تجربة
الرغم من أنها لم تستطع أن تخفي حماقته التي
عشق كانت تأمل أن تكون نهايتها زواج��اً ،متناسية
حيث ك��ان يستخدمها ألغ��راض��ه الشخصية ،حتى
يصلها عاشق مع عشيقته .بعد كل ذلك التقت ميساء
تظهر كزوائد من تحت القناع ،مثلما تحمل مبالغ كل األع��راف والتعاليم الدينية التي نجح عشيقها طائلة لفاتورة خدمة اإلنترنت ب��إدارت��ه الحكومية ،اإليطالي في إغفالها عنها فوصل إلى أعمق نقطة
تم كشفه وإلزامه بدفع الفاتورة ،سبب تعلّق فريد بفريد ال��ذي خلّصها من تلك األزم��ة ببركة خواطر بعالم النت هو تلك الفرصة التي أوجدها له عالم متعثرة ،وكالم معسول أنساها تجربتها المريرة .ولم
المنتديات في تمكينه (بشكل أكبر) لممارسة النفاق ،يكن فريد يفعل كل ذلك الجهد ،إال بعد أن تأكد أن وتجربة مختلف اللحوم البيضاء ،من الدول العربية لديها أنهاراً من األرصدة البنكية النابعة من شركات كافة .اختار فريد قناع الثقافة واألدب ،وبات يسرق
والدها .وفي المقابل ،كانت ميساء ترى في فريد
ليطرحها باسمه فيمتلئ جدوله بالمواعيد الغرامية،
االرتباط بعربي ،أو حتى الدخول لمنتدياتهم ،لكنها
فترةٍ ممكنة.
بضحكة أو قُبلة عبر الهاتف؛ لتطلب منه ما تريد،
األفكار من المنتديات واألس��م��اء القليلة االنتشار،
لعبة تتسلى بها ،فتنسيها ما حدث ،فلطالما رفضت
التي يطرّزها بوعود الزواج ليبقي على العالقة أطول
وج���دت فيه ذل��ك ال��س��اذج ال���ذي تستطيع تحريكه
كان فريد يتطلع إلى أبعد من المتعة الوقتية مع
فباع أصدقاءه وأهله ،من أجل صبيّة ما تزال تتعثر
تلك العشيقات ،فهو متزوج ،ومستقر إال من الوضع
المادي ،الذي تدهور بعد أن خسر في تجارته خسار ًة
مفاجئة ،قصمت ظهره! العالقة الغريبة تثير األسئلة طريق ٍ دائ��م��اً ،خاصة إذا ك��ان ك��ل ط��رف يسير ف��ي
بعيد عن اآلخر ،لكن هذا الفضاء يجمع القلوب التي ٍ يفرقها ال��واق��ع! التقى فريد بميساء ،الصبية التي
بخطواتها في هذه الحياة .تمادى فريد في أحالمه، فصدق هو وميساء كل ما يقوالنه لنفسيهما ،وفجأة يجد فريد نفسه يطرق باب منزل والدها طالباً يد
ميساء ،بعد أن حدّثه عن نفسه وأصله .كان والدها بحاجة إلى الضحك في تلك اللحظة ،فظنَّ فري ٌد أنه
وضع أول خطوة على طريق المال والثراء ،مودعاً بها
ال عاشت معظم حياتها في المجتمع الغربي ،وهي التي الفقر وسخرية الناس ..لكن الحلم لم يستمر طوي ً
فشلت في تجارب العشق ،وخسرت أعز ما تخسره حتى وجد نفسه في منزله يخفي وجهه عن زوجته
الفتاة ،وه��ي التي برهنت أن الجمال ليس الهدف وأبنائه ،كي ال يسألوه عن سبب وج��ود أث��ر ضربة األول ،الذي يبحث عنه الرجل الغربي ،فهناك شيء حذاء على وجهه!
* قاص من السعودية.
اجلوبة -صيف 1429هـ 35
البريق > شعر د .يوسف حسن العارف*
ش��������ع��������ر 36
شـ ـ ـ ــفتاك ..أم ه��ذا ال��ف��ؤاد المل َهمُ!! ال فض ف��وك ..قصيدة منســوج ـ ـ ـ ــة.. قال ـ ــت :أن��ا (أن��ث��ى ال��س��ح��اب) فليتني ق��ال��ت ..وق��ال��ت ..واس��ت��ب��دَّ بها الجوى أن ال���ه���وى ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��درٌ ..أرق م���ن ال��ه��وا وأس��ـ��ـ��ـ��ـ��اه يفتـ ــك ب���ال���ف���ؤاد ..فينجلي ق��د ذقتـ ـ ـ ـ ــه ..ف��وج��دت فيه ح�ل�اوة.. ووج����دتُ ف��ي نفسـ ـ ـ ــي اليقين بأنني ي��ا ش ـ ـ ــاعري ال��ف��ت��ان ..ليتك زرت��ن��ي.. ورأي��ت��ن��ي ف��ي البحـ ــر أغ���ر ُق باحـ ـ ـ ــثا ورأي����ت عيني والش ـ ـ ــرو ُد يحفهـ ـ ـ ــا حتى اسـ ـ ــتوت ألَ��قَ��اً ي��ف��وح عبي ُرهـ ــا َك��تَ�� َب��ت (ب��م��اء الش ـ ـ ــعر) ك��ل قصيدَها ففتح ـ ـ ـ ـ ــتُ ص����دراً ب��ال��م��ودة أحتفي * شاعر من السعودية
اجلوبة -صيف 1429هـ
نطقا بماء الش ـ ـ ــعر ..أم هو ينـ ـ ِـظم؟! م��ن وحـ ـ ــي أن��ث��ى تستبين ..وتعجـ ــم م��ن ك��ل م��ا حمـ ــل ال��س��ح��ابُ أ ُترج ـ ــم ي��ا شـ ــاعري الفت ــان ..ليتـ ــك تعلم.. ـف م��ن جُ ��ن��ح ال���ظ�ل�ام ..وأظ��ل��م وأش ـ ـ ـ ُّ ع��ن ص ـ ــادق الخـفق ـ ــان ..ال يتظلّم ه��ي ل��ل��ف��ؤاد سـ ـ ــكينةٌ ..ه��ي بلس ـ ــم ف��ي العشق أص���د ُح بالقصيد ..وأحلم وأن��ا على (البحـ ــر البس ـ ـ ــيط) أ ُسَ ��لِّ��م ع���ن (ب��ن��ت م��ع��ن��ى) ال ي���راه���ا المغ ــرم والعق ـ ــل ال يصـ ــفو ..وال يتــلعثـ ـ ــم ك���ال���ورد أو هـ ــي ص��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اد ٌح يترن ـ ـ ــم ومض ـ ـ ــت إلـ ـ ــيَّ بري ُقهـ ــا يتكلـ ــم وقبل ـ ــتُ قلبـ ـ ـ ـاً جـ ـ ـ ــاءني يستسلم
إلى ذات الوجه املستدير > محمود مغربي* وجهك المستدير ِ شمس ٍ كَعبّاد يُحدّثُ عشب البراءة عن األمنيات اللّواتى تَقاعس َن في رحلةِ التوق عن غُربة الياسمين، وعن سوسنات تقافز َن في الجوع العاطفي وهيأ َن لي أيك ًة جامحة وجهك المستدي ْر ِ كعباد شمس يُعان ُق فى رعشةِ الصبح وجهي يَه ُّز نعاس نوافذي المغلقة يأخذني نخلك ِ حيثُ نَخْ ل ُِك يرقص ُ ها هو ملتحفاً بالخجلِ القروي. عيناك ترف ُل في غبشي وته ُّز غطيط عصافيري
تُسكن كل أنوثة هذا العالم في عينيهَا
وبعينيهَا تبارزني
أستحلف رقّة هدُبيها ُ أن تمطرني شعراً تمنحني ثوباً فضفاضاً
مغزوالً بخيوط الفجرْ.
أوقف زمن الكون ُ وأم ّر ُغ عيني
فى سُ مرة عينيها
فى خُ صل حقيقة كوثرها.. وتك ص ِ َ
يخر ُج مخضوضراً
كالحدائقِ .. كالظلَّ
يستقطبُ المتعبين
ويُهدي لسرب الفراشات ما تشتهيه
يُعي ُد لهذي النوارس
تغريدة الموج..
نبض السويعات..
إطالل ًة للفنار المشو ْق
* شاعر من مصر
اجلوبة -صيف 1429هـ 37
حب محال ٌ > ميسون أبو بكر* ومللت من شعر الغرام حب تسلَّ َق أسطري كالياسمين.. ومللت من ٍّ كم من دمِ يّ َر َّويْتُ ُه كل القصائد ليتها عادت به بعد الغياب.. إنا نحب ونسير في درب الهيام بال حساب.. ونسير رغم الشوك واألحزان والموج المسالم للرياح.. ونسير نحو اللحد ..نعرف ما بأيدينا عشقنا لكنه الحب المشعوذ قادنا والحب أعمى ما بأيدينا رأينا لكنه قدر وصاب. هو تلني نحو الجبين.. يا ليت أني لم أعش رهن العذاب ومشيت في درب الحياة بال اغتراب.. يا ليتني ما كنت أطلقت أشرعتي وركبت لج الموت يقذفني إلى شط الغواية والقصيد ولحون حب عن بثينة أو رباب.. عن عنتر العبسي ..عن قيس وعن بلقيس عن حبنا المكتوب في وضح النهار.. فمتى أحب المرء يخذله القرار ويعود يجهل ما يراه.. إنا سقينا الروح أحزا َن الفرات إنا حرقنا جثة الماضي لنسعد بالحياة.. إنا ركبنا البحر لم نخش القرار.. * شاعرة وإعالمية عربية.
38
اجلوبة -صيف 1429هـ
واغتربنا عن طفولتنا وعن أبهى الديار.. إنا بفعل الحب ذبنا مثلما تهمي على األغصان دمعات المطر.. ولقد رأينا كيف يأخذنا الجنون إلى سقر.. ال فرار من القرار وال خيار إذا ركبنا الريح أغرانا الشمال قالوا هناك العشق معبود كآلهة الجمال.. والشمس تشرق ال تغيب حباً ليستتر الظالم.. فالصبح صبح العاشقين والليل تاه بال مكان.. كنا هناك.. نغزل األحالم في وادي الجمال ونطرز اآلمال أثواباً ليلبسها الغرام.. لكنه القلب المُعنّى بالجراح والعشق إذ سكن الفؤاد كالنسر فوق القمة الشمّاء تهواه الجبال.. فلقد عشقنا هكذا ..وقد اغتربنا في مفازات الخيال.. الحب أغرانا فسرنا يا ويحنا ..طال السفر عدنا من الدرب الطويل بال أمل لكننا بجراح أنفسنا رجعنا يبست على ظمأ سنابلنا وأعيانا المسير ..وال أمل هذا هو الحب المحال هذا هو الحب المحال..
حياتي ..زورق مثقوب -1هوامش أولى: ()1 وجهك مرآةٌ ِ وأنا حزين.
()2
تعذبني الريح حين تمر بي قبل أن تمر بك.
()3
حياتي.. زور ٌق مثقوب.
()4
وطني قطا ٌر م ّل من السـفر.
()5
حـنيني كوقع خطى الفجر على زجاج نافذتك. ***
-2خطوات السمك: فـج ـرٌ..
> عماد الدين موسى*
عشرون شجرة
قمر يبحثُ عن ٍ
شارداً
بعصافيرها ،وأغصانها
في السماء.
في األعالي.
وعشاقها..
-ف���ي ال���ح���دي���ق���ة ،بين
()2
قلي ٌل من الحبِّ
وال��ظ�لال تطوي أشرعة األغصان السفن،
تماماً ،حيث الماءُ
كي نجعل الذكريات
بعين واحدة
قم ٌر
مسوّد ًة للقصيدة ْ،
ينظر البحر إلى األزل.
ينظ ُر إلى قمر السماء.
وننسى المواعي َد
خ���ط���وات ال��س��م��ك على -بين األغصان
طيـراً..
المـاء
في الحديقة ،قي الماء
ع��ل��ى ش���رف���ة االن��ت��ظ��ار
وعربة النوارس تجري
قم ٌر
البعيدة ْ.
باتجــاه الشمس.
يعشق قمر السماء.
-2-
..
قلي ٌل من الحزنِ
غروب ٌ..
قليل -ع َّم ٍ
ح���ت���ى ن����ظ���� ّل إل������ى أول
وضوء الحكاية يخفت
قمر السماء يختفي،
الفجر،
خمس وعشرون قندي ً ال بينما القمر اآلخر
()3
نبكي
مطفأ /عمري
ينتحر..
ونمسـ ُح عنـ ّا غبار الرثاءِ
والبحر ذو العين الخفيّة
إلى ماء.
رح���ي���ل ال���ق���رن���ف���ل ن��ح��و
حياتنا.
***
-3قمرٌ في الماء:
إلى آخر الموج:()1
قلي ٌل من الدمع يكفي
الذبول.. وم��وت العصافير حزنـاً على مفردات الحقول.
()4
-ف�������ي ال��������م��������اء ،ف���ي
لنبقى
الحديقة
إلى آخر الحزن ِ
قلي ٌل لدي ِـك
ع���ش���رون ش��ج��رة أس��ف��ل
بين األغصان
نمضي.
ألبقى إلى آخر الموج
الخريف..عمري،
قم ٌر
قلي ٌل ليبقى القمـ ْر
أغـرقْ.
والضوء يشي بالبداية. ***
* شاعر من سوريا.
اجلوبة -صيف 1429هـ 39
محمود درويش سالما > حمدى هاشم حسانني* أسافرتَ حقا؟ إلى سدرة من عبير القرنفلْ؟ وغادرتنا قمرا سندسيا وكنا نظنك ال لست تأفلْ. عرجتَ إلى الشمس ِ فاحترق الوقتُ واختج َل الصمتُ والموتُ كان خجوال وقبلك ما كان يخجلْ. حملت نواقيس حزن البالد وسافرت في مفردات الرماد تفتش عن وطن ٍ للقصيدة للحب ِّ للغزل المريمي تنادي الربيع الجميل المؤَجلْ. أدرويش طي ُر المدائن يبكي وحيدا يفتش عنك الغمام البعيد ويسأل عنك العصافير: شاهدت محمود ِ كالمالك حسنا ِ ذاك األمير الحزين الذي وأجمل ْ. أرى الريح والماء والورد حتى النسيم أتى عنك يسألْ. وأنت الذي َسكبَ العط َر في المفردات وعلمتنا كيف يشدو السحاب وكيف تطير البحيرات * شاعر من مصر.
40
اجلوبة -صيف 1429هـ
كيف نراقص بالليل حورية البحر كيف ننسق دمع العيون على المزهرية وكيف نصادق تلك الفراشات حين تهل العشية. أدرويش كل الفراشات والسوسنات دقت على الباب فافتح وعانق. أحباء عمرك جاءوك بالزهر والفل باقاتهم قد كستها الزنابق. ُسجى وأنت الم َّ فكم طاردتك المشانق. لذا فادخل اآلن عرسك عرس الهوى والمدام. تظللك البسمات العِ ذاب ويرنو إليك الغمام. وطر في العُلى طر في الفراديس طر في قصيدتك المخملية. فبعدك ال يستقيم الكالم. لتبقى كما أنت أنشودة البوح ترنيمة الشوق تبقى من البدء حتى الختام. كتاريخ عشق تساقط بالحب بل والغرام سالم عليك عليك السالم.
غافلتني روحي وهفت إليك > فاتن محمود*
غافلتني روحي وهفت إليك نقضت معي كل العهود باالبتعاد عن كل ما يذكرني بك. اليوم وأنا أتجول بين أوراقي، تسللت إلى صورتك أصابعي جالت عيناي تلثم مالمحك، وددت لو استنطق الصمت الجاثم فوق صدرك ليخبرني كيف حالك يحدثني قلبي أنك قريب تسكن الدم في الوريد، تسافر روحي إليك تتخطى كل الحدود في لحظة يتوقف فيها الزمن وتتعثر بين ثوانيها الساعات. تغريني تلك النظرة في عينيك، لإلبحار نحو أعماقي، ألبحث عنك من جديد ،بين الذكريات يا ساكن األجفان، في يوم ما سيخبو النور في عيني، وتم ّل روحي قيود جسدي، فتفارقه؛ ليبلى وحيداً، ويظل حبك بعد موتي يقاسمني األكفان. * شاعرة من مصر.
اجلوبة -صيف 1429هـ 41
الروح املهجورة > شعـر :بالوم ـ ــا ِف ْرنـانْديث غوما* > ترجمة :محمد أحمد بنيس**
تغدو الروح مهجورة. أتنفس. ُ بعيد قد اجْ تا َح الجبين. صدى حزن ٍ ربما أكون هشة كانت الخطوات تمرق في اندفاعها مثل مهور نافرة؛ ي��رو ُق لي أن أحتفظ بقطع فكان الصدر يخفق مثل شعلة تستعر باستماتة، الخزف مكسورةً، لكن بعد قليل ستطفئها آخر ريح. وأن أرى ،وأنا متكئٌة ،كيف تخبو النار كانت قطعة الرماد تَتَكوم عساها تعود. حين تبدأ أوراق الزمن في لكن الوقت كان قد فات، التساقط على مهل؟ وصار على الفكرة الناضجة على مهل يقترب البحر من شَ فتَي، أن تنبثق ومع انكسار الموجة تتالشى استيهاماتي. دون رجعة. ترحل حواسي على حُ َبيْبات الرمل. سمائي ليست هذه يغمرُني تأثيركَ . نهاري يبدو مختلفاً دِ فْؤكَ يخلع عني البردَ. وليالي صيفي ٌة نسيمك الهادئُ يُطَ وق جسدي، وذكرياتي خريفيةٌ. إلى أن يتالشى في العاصفة فليسامحني الماءُ، ولتسامحني الري ُح مطيحاً بأفكاري، ألني لم أستجب لحنانها، تاركاً ذهني مضطرباً ويَدَي باردتين. وبقيت واجمة في مكاني تنبعثُ الذكريات جنب األثر. بعيداً عن النوارس المحلقة عالياً. ربما يجيء سربُ نوارس إلى روحي بعيداً عن البرد، وي��ح��دثُ��ن��ي ع���ن ال��م��س��اف��ة ال��ق��ص��ي��رة ال��ت��ي ت��ك��ون أتأمل داخل عزلتي. للرغبة، حين يزحف البحر ببطء نحو شَ َفتََي. تتقطع أنفاسي. * بالوما فِ رْنانْديث غوما ( :)Paloma Fernández Gomáشاعرة وكاتبة إسبانية من مواليد عام 1953م بمدريد .صدر لها العديد من المجاميع الشعرية منها :أفول عباد الشمس 1991م ،واستهالالت 1993م ،وسوناطا األزهار 1999م ،ومالئكة الصحراء 2007م .تشرف بالوما على مجلة « الضفاف الثالث» ( ,)Tres Orillasوهي إحدى أهم المجالت اإلسبانية - تصدر من الجزيرة الخضراء ،وتضطلع بدور هام في تشجيع التبادل الثقافي بين المغرب وجبل طارق واألندلس .وهذا النص مأخوذ من مجموعتها «استهالالت» (.)CALENDAS ** شاعر من المغرب.
42
اجلوبة -صيف 1429هـ
مكاشفة ُ
> أسامة رابعة*
��ت ع���ل���ي ّ َم������ع ال��م��س��ـ��ـ��ـ��ـ��اء ب�لائ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي أل��ق��ـ��ـ��ـ��ـ ْ ف��ـ��ت��ـ��ط��ـ��ـ��اع��ـ��ـ��ـ��نَ ال���ع���ش���ـ ّ َ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���اقُ دون ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��داءِ رق ث���ـ���ـ���ـ���اوٍ ب��اك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي�� ًا ل��ـ��ـ��ـ��وال ال��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��وى م��ـ��ـ��ا ّ َ ف���ـ���ـ���ي رِ ع��ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ةٍ أ ْده���ـ���ـ���ـ���ـ���ى م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��نَ األدْواءِ م��� ّ َزق���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ ِ���ت ج����رح���� ًا ال ي�������زال م��م��ـ��ـ�� ّ َزق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ًا ي��ـ�� ْب��ـ��ـ��ـ��ـ��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ه�������دا ُه ب�� َدم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ع��ةٍ ح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��م��راءِ ي��ص��ـْ��ـ��ـ��ـ��ب��و ال��ح��ـ��ـ��ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ي��مُ إذا ي��راس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ ورد ًة ���ك ب��ط��ل��ـ��ـ��ْـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ع��ةٍ ح��س��ـ��ْـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ن��اءِ ت��غ��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دو إل���ي َ َاش ب��ك��ـ��ـ��ا ُه ي���ـُ���ـ���دْ م���ي ص��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دْ ر ُه ����ف����ـ����ر ِ ف��ـ��ـ��ـ��وقَ ال ِ وال��دم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��عُ أغ����ـْ����ـ����رقَ ف�� ْرش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��هُ ب��ال��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��م��اءِ ّس ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ذا ال��ن��ـ��ح��ي��لُ ع��ل��ى األس���ـ���ـ���ى م��ت��م��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��ر ٌ ل��ك��ـ��ن��ـّ��َـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��هُ ي��ـ�� ْب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ك��ي م�����نَ األن��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��واءِ ���دى وال���دي���ـ���ـ���ن س���ـ���م���ـ ّ َ��� َم درب��ـ��ـ��ـ��ه��ا ت��ه��ـ��ـ��ـ��وى ه���ـ���ـ���ـ ً ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ع��ض��ـّ��َـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ةٍ م�����نْ ح���ي���ـ ّ َ���ـ���ـ���ةً رق���ـْ���ـ���ـ���ط���اءِ ���ت ب����ـ����ـ����دْ ري ب��ال��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ل��وم م���ض��� ّ َرج��� ًا و ّ َدع���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ ُ وأس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ُّ��ل ن��ف��س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي م����ن ب��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��اء ب��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ائ��ي ����واك ب��ـ��ـ��ـ�لا دِ م��ـ��ـ��ا ��ت ج���رح���ي ف����ي ه����ـ ِ ع��ـ��ت��ـّ��َق��ـْ��ـ��ـ ُ ف��ص��ـَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��در ُْت م��ن��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��ك ك��ن��ب��ت��ـ��ـ��ـ��ةٍ ص���ـ���ف���راءِ درب ت��ك��اث��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� َر ق��ـ��ت��ـْ��ـ��ل��هُ درب ال���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���وى ٌ ُ أص���ـ���دائ���ي آهٍ ت��غ��ن��ـِّ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ف����ي ال��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وى ْ أب��ـ��ـْ��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي وح��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دً ا ف����ي ب���ـَ���ـ�ل�اي���ـ���ا غ�� ْرب��ـ��ت��ي ال ش���مْ ���س ت��ـ ُ ْ��ح��ـ��ـ��ي��ي ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ال��ف��ض��ـ��ـ��ـ��ا أج��ـ��ـ��ـ��وائ��ي م��ـ��ـ��نْ ل��ل��م��ـ��ـ��ت��ـ��ي��ـ ِ ّ ِ��م ف���ي س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�لاس ِ��ل ق��ـ�� ْي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دهِ ش����ـُ����دّ ت إل��ي��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ف���ي ال���دج���ى أع��ـ��ْـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ض��ائ��ي ���ف أنْ ي��ع��ـ��ـ��ـ��ان��قَ ي��ائ��س��ـ��ـ��ـ��ـ�� ًا ���وت ي���أن���ـ���ـ���ـ ُ وال���م���ـ���ـ���ـ ُ ي��ه��ـ��ـ��ـ��وى ل��ـ��ـ��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُه ب��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ت��م��ةِ األ ْن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ح��اءِ ��������واك ع���ل���ى ال���ه���ـ���م���ـ���ومِ م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ؤازر َ م���ال���ـ���ـ���ـ���ي س ��������زّقْ ب��ال��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ل��ى أش��ـ��ـ��ـ��ـ�لائ��ي ��وت م ِ ي����ا م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ُ واج���ع���ـ���ـ���لْ هُ ���ـ���ـ���دايَ م���ع ال��رم��ـ��ـ��ي ِ��م م��ؤان��ـ��ـ��س��ـ��ـ�� ًا ط��ي��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ر ًا ي���غ���ـ���ـ ِ ّ���ر ُد ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ف���ـَ���ـ�ل�ا ص��ح��رائ��ي * شاعر سوري مقيم في السعودية.
اجلوبة -صيف 1429هـ 43
نص مفتوح عابر لألنواع.. هل قصيدة النثر ّ «نصاص»? وكاتبها ّ
> جعفر العقيلي*
تكتسب كتابات الشاعر عز الدين المناصرة حول قصيدة النثر وإشكالياتها أهمية
خاصة ،تنبع من كونه جرّب كتابة هذا الجنس األدب��ي أوالً منذ منتصف الستينيات ،إذ نشر عام 1969م قصيدته النثرية الشهيرة« :مذكرات البحر الميت» ،كما أصدر مجموعة بعنوان« :كنعانياذا» عام 1983م تتضمّن قصائد نثر .ولكن يبدو أنه ظ ّل قلقاً تجاه هذا الجنس األدبي ،حتى أطلق عليه وصفاً تفرّد به« :قصيدة النثر جنس كتابي خنثى»! في
كتابه الذي يحمل االسم نفسه ،والذي أعقبه وصف آخر هو «نص مفتوح عابر لألنواع»، تضمنه كتابه« :إشكاليات قصيدة النثر» ،الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات
والنشر.
والكتاب – كما يصفه د .محمد ناصر الخوالدة فيما كتبه على غالفه – هو األه ّم في
مجاله ،حتى اآلن ،في الوطن العربي كله .إنه كتاب الخالف واالختالف ،فقد روّج المناصرة لمشروعية قصيدة النثر بذكاء ودهاء ،وبدأت أطروحته( :الجنس األدبي المستقلّ) تلقى تجاوباً من النقاد العرب منذ عام 1997م ،حتى أنه يمكننا مقارنة كتاب المناصرة األخير
بكتاب نازك المالئكة« :قضايا الشعر المعاصر – 1962م» ،وكتاب أدونيس« :زمن الشعر
1972م» ،من حيث الفاعلية فقط ،وبعيداً عن أساليب الجمود واإلنكار.
ويخصص المناصرة الفصل األول لبحث إشكاليات التسمية والتجنيس والتأريخ
لقصيدة النثر ،متناوالً كتاب «سوزان برنار» الشهير« :قصيدة النثر من بودلير إلى زماننا»
1959م ،وتنظيرات أدونيس وأنسي الحاج ،النقدية ،ثم النبر ،في النثر والشعر وقصيدة
ن��������ق��������د 44
النثر ،مروراً بتنظير بول شاءول في الثمانينيات والتسعينيات حول القضايا آنفة الذكر، وعالقة مجلة «فراديس» بقصيدة النثر ،وانتها ًء بوقفة مع أحمد بزّون في كتابه« :قصيدة النثر العربية».
ويشتمل هذا الفصل ،كذلك ،على أفكار وسجاالت متعلّقة بقصيدة النثر ،شارك فيها
شربل داغر ،ومحمود درويش ،وعبد المعطي حجازي ،وسميح القاسم ،وعباس بيضون،
وعبده وازن ،ود .بسام قطوس ،إضافة إلى المناصرة نفسه.
اجلوبة -صيف 1429هـ
ويخلص المناصرة في هذا الفصل إلى أن حركة الشعر المنثور ظهرت اب��ت��دا ًء م��ن «ه��ت��اف األودي���ة» (1910م) ألمين الريحاني ،بينما بدأت حركة النثر الشعري بصدور «دمعة وابتسامة» (1914م) لجبران خليل ج��ب��ران .واس��ت��م��رت ه��ذه الحركة ف��ي كتابات مصطفى الرافعي ،وألبير أديب ،وإلياس زكريا ،وثريا ملحس ،ثم تريز عواد ،وحسين مردان ،وليلى كرنيك وغيرهم؛ لتؤكد أن الشعر المنثور ،والنثر الشعري خصوصاً ،في النصف األول من القرن العشرين ،كان إمّا تمهيداً لقصيدة النثر ،أو أنه كان مرحلة أولى من مراحلها في التطور. ويرى المناصرة في هذا السياق أن قصيدة النثر التي ظهرت عام 1954م وحُ كمت بمرجعيتين هما: المرجعية األوروأمريكية «بودلير ،ورامبو ،وويتمان» الشاعر عز الدين المناصرة م��ن جهة ،والمرجعية العربية «الكتابات الصوفية وي��رى المناصرة أن قصيدة النثر م��ن منتصف كالنفري ،وأسفار التوراة واللغة اإلنجيلية ..الخ» ،من الثمانينيات هي «قصيدة العولمة» ،وهو تعبير طبيعي جهة أخرى. عن حالة التشظي العربية منذ نهاية الحرب الباردة،
وظل الجدل قائماً ،بعد أن ترجم أدونيس مصطلح وهو أيضاً تعبير عن «حالة التجريد» و«تبريد اللغة «قصيدة النثر» عن الفرنسية «1960م» حول التسمية ،الشعرية» ،الذي ترغبه السلطة ،ألنه يلتقي مع مفهوم فأُطلقت أسماء فرعية كثيرة؛ ولكن الخطأ الشائع «محو األمية» الذي تريده العولمة. «قصيدة النثر» ظ ّل هو المسيطر طيلة أربعين سنة، وفي الفصل الثاني ،الذي جاء بعنوان« :تبريد اللغة وألن خطأ شائعاً خي ٌر من تسميات فرعية غير معترف بها ،يتوقّع المناصرة أن يبقى مصطلح «قصيدة النثر» الشعرية» يختار الشاعر المناصرة عيّنة عشوائية من «نصاصون» ،بعضهم ترسّ خ في قصائد النثر ،كتبها ّ هو المسيطر ،ألنه أخذ شرعية واقعية. مجال الكتابة ،وبعضهم اآلخ��ر في الطريق ،منهم: ويؤكد المناصرة أن هاجس التصاق قصيدة النثر عباس بيضون ،وأنسي الحاج ،وفاضل العزّاوي ،وبول بالجنس القديم الحديث «الشعر» ظ ّل هاجساً مركزياً لدى كتّاب قصيدة النثر ،وإذا كانت قصيدة النثر قد شاءول ،وشربل داغر ،وبسام حجّ ار ،وزكريا محمد، اعتراف بشرعيتها كجنس ثالث مستق ّل وقاسم ح��داد ،ون��وري الجراح ،ورفعت س�لام ،وزياد ٍ حصلت على بعد الشعر وال��س��رد ،إ ّال أن االع��ت��راف بها -كشعر العناني ،ونجوان دروي��ش ،ووف��اء العمراني ،وسلوى كامل على الرغم من شاعريتها العالية أحياناً -ظ ّل النعيمي ،ورانة نزال ،وغادة الشافعي ،وعبده وازن، في دائرة الشكّ ،حتى هذا التاريخ. وأحمد الشهاوي وخليل صويلح.
اجلوبة -صيف 1429هـ 45
وه���ذه ال��ن��ص��وص ال��م��خ��ت��ارة ،تمثّل اإلط���ار العام ال لقصيدة النثر ف��ي الثالثين سنة األخ��ي��رة ،تمثي ً توضح الخطوط الرئيسة في األساليب صادقاً؛ فهي ّ التركيبية المستخدمة في واقع قصيدة النثر ،مثلما توضح تعددية «المنظور» إلى العالم ،وترصد محطّ ات ّ التحوّالت في األساليب ،وأول سماتها هي التعددية.
النباتات والحيوانات والبحار» ،و«السطور الهامشية التفسيرية» و«الخطاب التقريري المباشر» ..هناك سرد نثري عقالني خالص ،وهناك جمل سردية تأخذ شاعريتها من التشكيل الجديد لها ،أو من طريقة استخدامها في السياق. ويالحظ المناصرة تطورات جديدة مثل «الكثافة الشعرية» ،التي تَنْوَجد في السطر وفي الفقرة وفي النص كله أح��ي��ان��اً ،م��ا ي��و ّل��د الصفاء الشعري ،لكن ن��ص��وص��اً كثيرة ال ع�لاق��ة لها بالكثافة ،انسيابية م��ت��رهّ ��ل��ة ،وت��ق��ت��رب م��ن ال��ه��وام��ش ال��ت��ف��س��ي��ري��ة ،كما الحظ وضوح ظاهرة التكرار األسلوبي في كثير من النصوص ،وق��د لعب ه��ذا التكرار ع��دة أدوار منها إشباع اإليقاع بأسلوب يركّز على السطر أو الكلمة، ومنح الصور الشعرية تعددية تنويعية.
ويرى المناصرة أن «ضعاف النصوص» من كتّاب قصيدة النثر هم الذين يرفعون الشعارات التي تعلن القطيعة ،تحت اسم المغايرة واالختالف واالنشقاق وال��ت��ج��اوز وال��ت��خ��طّ ��ي ،لكن نصوصهم ركيكة لغوياً النصي، وأسلوبياً إلى درجة عدم االتساق واالنسجام ّ بينما تصبح «نصوص األقوياء» نموذجاً ،يُحتذى إلى درجة «االستنساخ» .فالمغايرة واالختالف -والكالم هنا للمناصرة -يحدثان في المفاصل التاريخية ،مثل الموشحات وحركة الشعر الحديث «التفعيلة» وظهور ويتابع المناصرة أن نصوص البياض م��ا زال��ت قصيدة النثر نفسها في الخمسينيات. تجريبية ،حيث يتم الخلط بين «بنية المكان» في وقد ت ّم التأسيس لقصيدة النثر كتركيب أسلوبي الصفحة ،بما يتعلّق بشكل الصفحة ،أي «المتخيّل»، وكنمط في الخمسينيات ،ثم تولّدت وقفة جديدة في وبين «الفضاء» خارج الصفحة ،أي «المتخيّل» ،حين السبعينيات ،مضيف ًة بعض األساليب الجديدة بتعميق يصبح ال��ق��ارئ شريكاً ف��ي ال��ن��ص ..وف��ي النصوص ما سبق ،ثم كانت الدفعة الثالثة في التسعينيات ،المختارة تبرز «الالفتة الشعرية» التي غالباً ما تكون بإيصال التجريب اللغوي إل��ى ال��ح�� ّد األق��ص��ى ،إلى سطراً شعرياً مكثفاً ،له مالمح الحكمة والخالصة، بعد تأمل عصارة تجربة ما ،لكن االنزياح في بعض درجة اإلشباع. ويقول المناصرة أن أبرز ظاهرة في قصيدة النثر النصوص «الالفتة» لم يصل ،فظلّت الالفتة أحياناً هي الميل إلى ما يسميه «تبريد اللغة الشعرية» ،أي «ما قبل شاعرية» ،أي في منطقة «الفكرة الفلسفية الميل إلى التأمل الهادئ لألشياء ،بسبب االهتمام الشعرية». باللغة السردية التي تجعل النص يميل إلى النثرية.
ك��ذل��ك ه��ن��اك ظ���اه���رة االن��ف��ص��ال ع���ن األش��ي��اء التي تسهم ف��ي تبريد ال��ن��ص ،وطغيان ال��س��رد على النصوص الجديدة؛ فنجد «نموذج القصة القصيرة ج����داً» ،و«ال��ت��ح��ل��ي��ل الفلسفي ل�لأش��ي��اء» ،و«م��ع��اج��م
46
اجلوبة -صيف 1429هـ
وتسيطر على ال��ن��ص��وص أس��ال��ي��ب «ال��دف��اع عن ال���ذات النرجسية» ف��ي مقابل «قطيعة الجماعة»، وعلى الرغم من أن بعضها ال يستخدم االستعارات أو اللغة الشعرية ال��م��وروث��ة ،إال أننا نشعر بأجواء شاعرية عندما نقرأ ُها ،وهذا ما يسمّيه المناصرة «نص الحاالت الشاعرية» .كما أن في بعض النصوص ّ
ص��وف��ي��ة (إس�لام��ي��ة وم��س��ي��ح��ي��ة) ،ل��ك��ن الكثير منها يعبر بلغة صوفية مصطنعة ،أو يعيد إنتاج صوفية موروثة.
المناصرة بأنها أسئلة القراء والواقع؛ مؤكداً عدم اتفاقه م��ع بعض األسئلة ،ولكن ال��ه��دف منها نقل الحوار السطحي السائد في الصحافة ،واستبدال مستوى علمي أكثر دقة به ،واستخراج «المسكوت عنه» بإيصال الحوار إل��ى ح��دّ ه األقصى من خالل جمع األسئلة األكثر واقعية من ال��واق��ع ،بعيداً عن االنفصال بين النص والتنظير.
وي�لاح��ظ ال��ش��اع��ر ع��ز ال��دي��ن ال��م��ن��اص��رة أن في ن��ص��وص التسعينيات اه��ت��م��ام��اً أك��ب��ر بالتعبير عن «الجسد» ،بتجلياته السطحية والعميقة (الشهوة، والبوح الداخلي ،وسوء الفهم ،والولع النسائي) ،بما وفي إجاباتهم عن أسئلة المناصرة ،يخلص شيخ يعني تغيّر معاني الحب؛ لكن تعبيرات ال��م��رأة في التراث عن نفسها أكثر ثورية من التعبير المعاصر ،النقاد العرب الدكتور إحسان عباس إلى أنه لم يعثر كما أن بعض كاتبات قصيدة النثر أكثر جرأة من كثير على اإليقاع الداخلي في قصيدة النثر ،ويؤكد الناقد الجزائري عبدالملك مرتاض أن قصيدة النثر ليست من كتّاب قصيدة النثر (الذكور). وهناك في النصوص تبلور ما يسميه المناصرة شعراً ،فيما يرى الناقد المغربي نجيب العوفي أنها «ال��ن��ص -اللقطة السينمائية» ،وه��و ن��ص مشهدي ُول���دت م��ن رح��م قصيدة التفعيلة ،وي��ش��دّ د الناقد دائ���ري يستخدم لغة السيناريو السينمائي بفعله السعودي د .محمد مريسي الحارثي أن هذه القصيدة المضارع ،وهناك أيضاً «النص التوقيعة» المكثف لم تخرج عن جنس النثر ،ويصفها الشاعر زهير أبو شايب بـ»الكتابة البرزخية» ،ويعدّ ها الشاعر حكمت جداً. النوايسة جنساً نثرياً أو مستقالً ،وي��ذكّ��ر الباحث وتشتمل ب��ع��ض ال��ن��ص��وص ع��ل��ى س��خ��ري��ة س���وداء اللبناني د.عبد المجيد زراقط بالمرجعية الفرنسية سريالية عبثية ،تعبّر ع��ن االس��ت��رخ��اء العبثي تجاه لقصيدة النثر ،بينما تبدو في نظر الشاعر العراقي العالم ،حيث يجري قلب األشياء بواسطة االستعارة.. شاكر لعيبي ن��وع��اً شعرياً م��خ��ادع��اً ،ويعتقد كاتب كما أن ف��ي النصوص عموماً ح��ض��وراً للغة الحياة قصيدة النثر العراقي رسول عدنان بفكرة أن الشعر اليومية ورسم الصور التفاصيلية ،واهتماماً بأسطرة بدأ في الحضارات القديمة من قصيدة النثر ،وهو اليومي أو تحويل األسطوري والتاريخي إلى عادي، يعود إليها اآلن ،ويؤكد الباحث الجزائري د .حبيب فالشاعرية ال تنبع من المعجم بح ّد ذاته ،وإنّما من ال عن مونسي أن «النثيرة» ليست شعراً ،وليست بدي ً السياق. الشعر ،ويكتفي كاتب قصيدة النثر التونسي حاتم ويتضمن الفصل الثالث نتائج االستفتاء الميداني النقاطي بوصفها كتابة إبداعية وكفى ،في الوقت الذي قام به المناصرة ،وشارك فيه أربعة وأربعون الذي يطالب فيه الشاعر السوري محمد عبدالمولى ش���اع���راً ون���اق���داً وم��ث��ق��ف��اً وب��اح��ث��اً م���ن :فلسطين ،أن تنض ّم قصيدة النثر إلى النثر «العظيم»! واألردن ،وال��ج��زائ��ر ،وال��م��غ��رب ،وال��ع��راق ،وس��وري��ا، وتتوالى اإلج��اب��ات التي راوح��ت في طولها وفي ولبنان ،والسعودية ،وتونس ،وأجاب هؤالء عن أسئلة دقّتها وشموليتها ،حتى يخلص الشاعر عز الدين ي��راوح عددها بين السبعة والخمسة عشر ،وصفها مناصرة إل��ى ع��دد من النتائج ،أب��رزه��ا :أن الشعر
اجلوبة -صيف 1429هـ 47
المنثور أو النثر الشعري مهّد لظهور قصيدة النثر النصوص أحياناً .فقد ص��درت آالف المجموعات منذ أوائ���ل الخمسينيات ،فقد ص���درت مجموعة من نوع قصيدة النثر ،ما يوحي ويقرّر أن «االحتياج» «ثالثون قصيدة» لتوفيق صايغ (1954م) ،كما كان للظاهرة متوافر لدى المثقفين العرب ،لكن الصراع لترجمة الكتاب المقدّس تأثير على تجلّيات قصيدة بين «الشفهي الصوتي» وبين «الصامت المقروء» ظ ّل النثر ،كذلك كتابات الصوفية والنصوص الكنعانية عائقاً أمام وصولها إلى الجماهير. والمصرية وملحمة جلجامش ،إض��اف��ة لترجمات ويؤكد المناصرة أن الجدل التفاضلي بين «شكل» ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر الفرنسية وال��ش��ع��ر األوروك�����ي ،وأن و«شكل» جعل «الشكل» مقولة مقدّ سة!! والصحيح قصيدة النثر ب���دأت م��ن «وح���دة السطر» و«وح���دة – فيما يرى المناصرة – أن «الشكل» ألي نوع أدبي الفقرة» ،حتى وصلت إل��ى «التدوير الكامل» ،وفي ال يمنحه صفة القداسة وال شرعية المفاضلة.. التسعينيات وصلت قصيدة النثر إلى درجات عالية وي��د ّل��ل الشاعر المناصرة على أط��روح��ت��ه بوصف م��ن الشاعرية ،ودرج���ات عالية أي��ض��اً م��ن النثرية، قصيدة النثر جنساً مستقالً ،بمجموعة من الدالئل حتى إنه يمكن تسميتها «النص المفتوح» و«الكتابة أبرزها اإليقاعات التي ال تحصى في هذا الجنس الحرة». األدبي ،والتداخل بين األنواع الشعرية والنثرية ،ما ��ص األن����واع» أو النص وبالنسبة لمسألة التجنيس ،فقد اتسعت قصيدة يوصل قصيدة النثر إل��ى «ن ّ النثر ،من حيث كمية المنجز منها ونوعه ،حتى باتت المفتوح ،والمنجز النصي الواسع جداً بصدور آالف تشكّل ظاهرة كبرى ،تميل إلى االستقالل عن الشعر المجموعات المطبوعة ،مما جعله ينتقل من مرحلة بمفهومه الموروث ،وعن النثر أيضاً؛ وهي في ذات «التبعية للشعر» و«التبعية للنثر» إلى مرحلة وضوح الوقت تميل إلى الجمع بين السرد والشعر .ولم تعد مالمح الهوية الخاصة ،إضافة إلى السردية النثرية، مواصفات «سوزان برنار» قائمة في واقع النصوص؛ وهي نوعان :نثري يوغل في النثرية ،وشعري يحقق فالقصدية ليست ش��رط��اً ،والكثافة بوجود السرد درجة أولى أو ثانية من االنزياح. المهيمن تكاد تتضاءل ،ويغيب التوتر الشعري في ظ ّل ويختتم المناصرة الكتابَ بتأكيده على أن قصيدة تبريد اللغة الشعرية ،ومع انهيار الحيطان الحديدية ونص مفتوح على األنواع وعلى بين األن��واع ،تكاد قصيدة النثر ،تشكّل نصاً يجمع النثر جنس مستقلّ ، اآلخر «هجين» .أما أيديولوجيتها فهي أيديولوجيا األنواع األدبية. العولمة «التشظّ ي» بجمالياتها الشكلية ووحشيتها ويضيف المناصرة أن قصيدة النثر طيلة األعوام ال��م��رع��ب��ة ..إن��ه��ا التعبير ع��ن «ال���ح���وار م��ع اآلخ���ر» الخمسين الماضية لم تحصل على «الشرعية» من بشروط غير مثالية. التنظير النقدي ،ألن ه��ذا التنظير ك��ان شعاراتياً ومثلما ي��ق��ت��رح د.ع���ز ال��دي��ن تعبير «ن���ص عابر متناقضاً ،وبسبب وج��ود فجوة بين التنظير وبين ال��ن��ص��وص .لكن قصيدة النثر اكتسبت شرعيتها لألنواع» للتدليل على قصيدة النثر ،فهو يقترح لكاتب «نصاص» بدالً من شاعر! ��ص��ي ال��م��ت��ن��وع وال��ن��وع��ي في هذا النص وصف ّ م��ن كمية ال��م��ن��ج��ز ال��ن ّ * كاتب من األردن.
48
اجلوبة -صيف 1429هـ
قراءة في
قصة*
(إستغالل العشق خلالد األحمد) قراءة أدبية نقدية
> صالح احلسيني** ابتدأ النص بنقطتين ،كمدخل استفهامي من ذات الكاتب ,يمثل بهذا الـ ُُمفتتح بداية جيدة ,تتوافق -بشكل نسبي -مع استهالالت الُكتّاب ذوي التجارب الناضجة ،أعقبها بـ (حتى) ,كومضة مبكرة توحي بنسبة تهكم؛ تعاظم هذا التهكم ضمن مسافات جزئية ( ..أن الحظ سيبتسم له ،لكن ..ابتسامة الساخر الشامت به .)..ثم أخذ الكاتب ينحى منحى التعريف بفريد (العنصر األساسي) في نصه ،من خالل اإلخبار عن حياته« ..ال مكانة اجتماعية له في القرية الصغيرة»( ،وتكراره لكلمة الصغيرة) التي وظّ فت توظيفاً جيداً كداللة أخرى أتت بعد (ال مكانة اجتماعية له) مؤشر حي على وضاعة (فريد)، حتى في بيئته البسيطة ،وكناية عن فشل شخصيته حتى في العالقات القريبة( ،فطنة) أدبية ُتحسب لخالد األحمد إن كان تعمد إقحام مفردة (صغيرة) في أعلى صدر النص.. ولتعليمه البسيط (المتوسط) ..سببية أخرى ..نحو ضعف اإلدراك ..والجهل بالعالم. ويستمر الكاتب في تبيان تزعزع النفس عند فريد « ..تنقل في عدة وظائف ،»..ضياع متواصل متسلسل من بيئته غير الرسمية (القرية) ،وحتى البيئة الرسمية (الوظيفة) األكثر جدية؛ هنا لمعة (فالش) قوية تفضح عمق تردي حالته ،كحلقة ثانية من مسلسل ضياعه ..إشارة الكاتب إلى ما ظنه (لعبة حظ) ،إدعاء من فريد بأنه قوي ،وال عالقة لفشله بسوء شخصه ..ثم بعد ارتحاله للعالم الجديد اصطدم بواقعه الحقيقي ..تبدّ ت في داخله نتوءات تكبر « ..أغرق في التشاؤم ،»..وهنا يتضح مدى الدور الفاعل للمنولوج الداخلي الدرامي غير المرئي ،حين يتحكم في السلوك إجماالً ..« ،لم يشأ أن يعود،»..
اجلوبة -صيف 1429هـ 49
كبرياء لكنها في ذات الوقت قرار شجاع ،يحمل نوعاً من اليقظة اآلنية التي قد تخبو جذوتها ،توازياً مع مقولة «سحابة صيف» ،مع اختالف النفعية من العام إل��ى ال��خ��اص ..وم��ن الكلي إل��ى الجزئي « ..ب��دأ.. يعمل ..فتعلم ُسبل النفاق» ،نما في أسوأ األنماط، وحين لهبته نار الطمع رأى فرص االستغالل تكثر.. يصور لنا الكاتب أج��واء المدينة وما ُتحدثه في النفس س��وا ًء كانت النفس صافية نقية ،أو تعودت ع��ل��ى ت��ص��رف��ات غ��ي��ر م��ح��م��ودة ،ك��إش��ارة إل���ى ت��ردي الحياة المدنية وان��زالق إنسان ابن الريف فيها إلى مهاو ٍعدة« ،تعلم ُطرقُ ..سبل النفاق ..مع الرؤساء في العمل ..في كل مكان.».. سندخل بدءاً من أول مواطن القصور في النص، لنسلط الضوء على البنية الفنية له ،جنباً إلى جنب مع ال��ق��راءة وتجليات الصور المحققة لهذه الرؤية البسيطة ،الموضحة لما أسميته (حقيقة الضياع في القصة) عوداً على منتصف «إن جاز التعبير»؛ وللعبور إلى تفكيك المسرود ،كبناء فني ،من الضرورة بمكان التوقف عند لبناته( :عبارات ُ -جمل -دالالت) لم ُيحسن القاص تهيئتها وتركيبها؛ ففي السطر األخير من الفقرة الثانية يقع الكاتب في خطأ ،عندما أشار إل��ى أن «تلبس النفاق في شخصيته» ليست صفة مكتسبة ،قد تكون من األقران أو من منشأ التربية، أو أي عامل م��ن ال��ع��وام��ل الداخلية أو الخارجية، المكونة للشخصية والمؤثرة فيها ،ويصمها بقوله: « ..إنها بذرة في النفس ُتغذى بالطمع والحسد،».. ربما نسيَ أن اإلنسان لم ُتبذر فيه إال بذور الخير من خالقه ،والبذور هي ما تتشكل منها الكينونة الكبرى كنواة للشيء (نونه) ،كما يقول عبدالله ن��ور ،رحمه الله ،في أحد أبحاثه بما معناه لكل شيء نون( ،كل ُ مولود ٍ يولد ُ على الفطرة)..؛ فالفطرة صفاء ٌ ناصعٌ،
50
اجلوبة -صيف 1429هـ
إن أحببنا إحالتها إلى البياض تعبيراً للوصول إلى المعنى ..أي أن اإلنسان لم يبذر فيه شر ..والبذرة أو الشيء قبل النماء كالنطفة تماماً ،ولو أن الكاتب اكتفى بعبارة« :أن هذه الصفة التي تلقاها في سيرة حياته تغذت بالطمع/الجشع ..والحسد» ،لكان أجدر قبولها عقلياً ..كما ينحدر المستوى الفني للفقرة ال��ت��ي تضمنت التعاطي م��ع ال��زم�لاء ،عندما أش��ار الكاتب إلى أن (زمالءَه) -ومن سياق الكالم -يتضح (أنهم جمع ٌ كثير بين الثالثة والعشرة أو أكثر) ويقرر بعبارة (ُيلقبونه ُ سراً بُغراب األخبار) ال يمكن قبول أن السر يبقى سراً في هذا الحالة فقد بزغت في أول البال مقولة العرب (إذا تجاوز ..اإلثنان شاع)؛ ك��ذل��ك م��ف��ردة ال��غ��راب ،وم��ا يكتنفها م��ن دالل���ة ،ال ُنغفل صفة المراوغة في حركته وسكونه ،وال داللة الغموض في لونه ،عند الرجوع إلى طبيعة الغراب فاألخبار التي ينقلها فريد (كغراب) ،ال يصلح الحكم وال الجزم بحقيقتها. نعود إلى مسارب الشخصية وتحليلها ،لنكتشف أيضاً مدى رداءة شخصية فريد أكثر في ( ..تمسّ ح بهم )..كتعبير سلبي عن دور التمدن في بيئة غير ناضجة ثقافياً ،وما يتأثر به اإلنسان وبمن حوله من خصال غير حميدة الختالط البشر وتباين سلوكياتهم، والوصول بمرحلة االنحدار إلى حد الدونية .يستمر فريد ف��ي ص��راع��ه م��ع نفسه والبحث ع��ن ال��ذات/ (ال��ذات المتمصلحة) من كل شيء حوله بين عالم القرية وعالم المدينة ،والمسافات الرؤيوية بينهما، والخيالية على أقصى تقدير ..ن��وازع نفس مشبعة باله ِّم األوح��د له (الثراء بأي طريقة) ،نكوص ثالث لبنية النص في ُمبتدأ الفقرة ( ..« :)3عاش فريد بداية حياته وحيداً في شقق العزاب ،وغرف العمالة الوافدة ،»..يعيب هذه الجزئية من النص أن الكاتب نسي َ أنه قال :أن فريد بدأ حياته الوظيفية في قريته
الصغيرة (السطر ،)2والتي غالباً ما يقطنها ُسكانها
والمبادئ اإلنسانية المغروسة فيهم ،كالكرم والوفاء
عمالة « ..عاش بداية حياته وحيداً ،»..لو حذف في
نشاز) في هذه البيئة الصغيرة ،فلو اكتفى الكاتب بـ
األصليون ،وال مكان في القرى لشقق عزاب أو غرف والشهامة والنخوة ..الخ .نستطيع القول أن (فريد رأيي عبارة (بداية) ،لتصبح الجملة( :بدأ حياته بعد
(مشكلته المخلّة بالشرف) وصورها كمشكلة واحدة
ال بين ..و )..لردم الهوة التي ربما كانت مقبولة ،أو أتى بغير هذه المشكلة لقبول انتقاله إلى المدينة متنق ً انكشفت في طريقة بنائه للنص.
في مجمل القول ،امتألت الفقرة ( )3بعدة أخطأ
بنائية وفنية ،مثل ..« :حاقداً خاصة على والده،»..
تصرف األب بعد تحمله لمتاعبه.
ف��ي ال��ف��ق��رة ( )4ب��دأ ال��ك��ات��ب ف��ي تقطيع النص
بالقفز إل��ى ع��دة مفاهيم « ..اإلن��ت��رن��ت ..تأثيره..
إذا كان هناك موقف من األب جرّاء فعل معين غالباً ال��م��ن��ت��دي��ات ،»..واإلش�����ارة إل���ى حمله ع��ل��ى سرقة
ما يكون القرار الوجداني لإلنسان قرار رضا ولو بنية
ال��ن��ص��وص األدب���ي���ة ال��خ��اص��ة ب���اآلخ���ري���ن ،ونسبها
النص عبارة (حاقداً) ،لكبر حجم الفعل الصادر من
على سطح ورق .من الجميل في فقرة ( )4اللفتة
ايجابية بسيطة ،ففريد فعل ما فعل ،لذا فال يخدم فريد ،والذي يجدر به أن يتقبل قرار والده بإبعاده
كقرار يحمل الرحمة في ثناياه ،رغب ًة في الهجرة
لنفسه ،لتكوين شخصية جذابة متخفّية شخصيات السريعة من الكاتب حول ما أسماه (وع��ود زواج)،
في ظل عالقات نمت تحت خيوط الشبكة العنكبوتية
والعيش بسالم ،فكيف «يكون االب��ن حاقداً» واألب «اإلنترنت كميدان ضخ للعواطف المختمرة» ،قد رحوماً؟ كلمة (حاقداً) كبيرة جداً ..ال تليق أن توظف
لمتلق معين، ٍ يكون جلب هذه الفكرة لمجرد التيقظ
بين األعداء ،ممن ال تربطهم صلة قرابة أو نسب..
إع��ادة النظر في مجرد كونه فكرة تحوم في بعض
بين األصل وفروعه (األب/االب��ن ..الخ) ،فهي ُتذكر
يبحث عنه ال��ك��ات��ب ،إلي��ض��اح س��ل��وك مشين ،يجب
كان هذا الجزم وبهذه الطريقة عملية ال تتوافق مع عقول صغيرة ساذجة.
المنطق االجتماعي السائد وال ُعرف وطبيعة البشر
(عند المتلقي االفتراضي ت��ح��دي��داً) ،ال��ذي يتمناه
ف��ي منتصف ال��ن��ص ت��ح��دي��داً يفاجئنا الكاتب،
دون أي مقدمات ،بأن فريدا متزوج ومستقر!! وقد
القاص.
كان يعيش في شقق العزاب وغرف العمالة ..أليس
حد قول الكاتب أن ُه « ..ضاق ذرعاً ،»..هل يسكت اآلباء
تأثير ايجابي على النفس ،ولو لفترة قصيرة ،كُمعّدل
المخلّة بالشرف فطرده» ..وأي قرية صغيرة يجد
اإلش����ارة إل��ي��ه ك��اس��ت��ق��رار مستمر ،وت��أت��ي إال (أداة
مقبولة في النص؛ فالمعروف عن مجتمعات القرى
الفقرة يدل على (اعتدال فريد) في سلوكه «إال من
ومكشوف ،أكثر من حيث النوايا ،نظراً لتقارب ثقافة
ونقطة أخرى ،ذُكرت التجارة في حياة فريد في زمن
ومن الخلل الفني أيضاً وصفه لسلوك األب على للمراحل األولى من فترة الزواج واالقتران العاطفي
عند أول مشكلة من هذا النوع؟! الشرف «بمشاكله للسلوك ح��ي��ن ن��ذك��ر ( ُوم��س��تِ��ق��ر) ..اس��ت��ق��رار تمت
فيها غير السوي مالذاً لنزواته ..جزئية ضعيفة غير االستثناء) لتعزز ذل��ك؛ وج��ود ه��ذه األداة في جزء
غير ذلك ..وألن النسيج االجتماعي في القرى شفاف حُ بّه الجَ م للمال ،حب بطمع أفضى بِه إلى جشع»؛ وتأصل القيم فشلها مباشرةٌ ،دون أي إشارة إلى مراحل بنائه لها.. ّ ال عن التقارب في الُسكنى، أفراده ،فض ً
اجلوبة -صيف 1429هـ 51
أو مجرد لمحة من سيرته المتقدمة!
بعض المواضع من النص ،تجلت في اآلتي..« :
في الفقرة ( )5ج��زء من النص مبتور ُعنو ًة من الكاتب ،حين التقى فريد بميساء (ث�لاث��ة أسئلة) ُتفتّش عن إجابات (متى؟ وأين؟ وكيف؟) أخّ ر الكاتب اإلجابات عنها حتى السطر السابع من تلك الفقرة، بعد أن مهّد لها ج��ي��داً ،فال ي��زال ال��داف��ع (الطمع) ُيسيطر على الشخصية ،مطلب قديم متجدد ،حفّزهُ على اللقاء ،كعشق لمصلحة أول���ى .ث��م ينقلنا إلى تأثُر ميساء بالخواطر المتعثرة والكالم المعسول، والذي يتناسب مع رغباتها «معسول» ..وفريد ُمتجه نحو هدفه األول :الحصول على ال��م��ال ..وتستمر العالقة حتى ينتهي به األمر نهاية مناسبة مع ضعف فني تأويلي ..يخالف في بعض جزئياته النمطية ال��م��ع��ه��ودة ..مناسبة ف��ي شكلها الفعلي – ضربة حذاء – ضعيفة في منطقيتها وفنيتها كردة فعل.. سؤال يتقدم« :هل اكتفى والد ميساء بالضرب؟» ،هل الغيرة عند مناوشة الشرف ضعيفة عند والد ميساء، حتى يكتفي بالحذاء؟ كذلك هل يعقل أن يصل إنسان غريب ويتقدم ل��ل��زواج دون توطئة محسوبة بدقة؟ متى سافر فريد..؟ إلى أي بلد..؟ هنا نلمس عملية القفز إلى األمام في عنصرين مهمين ،في كل نص قصصي هما الزمان والمكان ،يجب أن ُيشبع بهما النص الحكائي.
النوع األفضل من الحظ ..« ،»..توأمه الذي لن ينفصل عنه ..« ،»..أجاد في تلبس النفاق..« ».. لبس األقنعة /حماقته التي تظهر كزوائد من تحت القناع ..« ،»..العالقات الغريبة ُتثير األسئلة،».. « ..لكن هذا الفضاء (اإلنترنت) يجمع القلوب ويفرقها ،»..هذه الصور جعلت النص يرتقي في لحظتها. -2النص يحتاج إل��ى تماسك أكثر ،وتكثيف أكثر، وإلى توظيف المعلومة المحفّزة على ربط األفكار، وتوظيف المكان بوضوح ،ووص��ف القرية/بيت فريد ،والطبيعة ،والشارع. -3اختزال عامل الزمن بشكل كبير أثر على القصة بشكل ملحوظ. وأخيراً.. احتوت القصة على الكثير من المبادئ الحميدة والرؤى الثقافية ،المعبرة عن جزء نسبي من الواقع، القابل للقبول أو الرفض ..تجربة جيدة في القص؛ لكنها احتاجت إلى السرد ،الذي قد يقرب المسافات في حياة النص .أتمنى أن أكون قد وفقت فيما أبديت ال من قيمة هذه التجربة؛ فهي من نقاط ،لست مقل ً
ترك الكاتب أسئلة مهمة ،ربما تعمد من خاللها إفساح المجال للقارئ لممارسة التوقع ،وبقاء الفكرة يستعمل جميع ما تعلم استعماله من أدوات .أعتذر في المتناول الذهني ،أهم تلك األسئلة ..ماذا حلَّ عن اإلسهاب وتواضع أدوات��ي النقدية ،لكن حسبي بميساء مع والدها؟ أنني حاولت .بعد اإللحاح المتواصل من األخ خالد نظرة عامة لتقديم رأي��ي ..أشكر له ثقته ..وأن يتسع صدره - تجربة ،وعادة التجارب تجعل من يتعرض للنصوص
–1هناك صور فنية جميلة ،تجدر اإلشارة إليها في كما عهدته -لهذه األسطر. العدد. * القصة منشورة ص 34من هذا
52
اجلوبة -صيف 1429هـ
** ناقد من السعودية.
نازك املالئكة بني غربتني > دجلة أحمد السماوي*
أطفئ الشمع َة واتركنا غري َبي ِْن هنـا الليل فما معنى السنا ِ زءان من نحنُ ُج ِ فن المساءْ وهمين في جَ ِ ِ يسقط الضوءُ على ُ بعض شظايا من رجاءْ يسقط الضوءُ على ِ ُ يت نحنُ وأدعوها أنا: ُسمّ ْ ملالً .نحن هنا مثلُ الضياءْ غُ ربَاءْ الباهت الباردُ كاليومِ المطيـرِ ُ اللقاء كان قت ًال ألناشيدي وقبرً ا لشعـوري دقّ ِت الساعةُ في الظلمةِ تسعً ا ثم عشرا وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي .كنت حَ يرى أسألُ الساع َة ما جَ دْ وى حبوري إن نكن نقضي األماسي ,أنتَ أَدْرى, غُ ربَاءْ غشيها الذُّ بولُ الساعات كالماضي يُ ّ ُ مر ِّت المجهول ال أدري أفجرٌ أم أصيلُ ِ كالغد ِ والصمت كأجواءِ الشتاءِ ُ الساعات ُ مر ِّت خلتُ هُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي خلتهُ يَنبِ ُس في نفسي يقولُ أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ غُ ربَاءْ كثيف ِ ليل وحان في ٍ ِ أطفئ الشمع َة فالرُّ وجهين في لون الخريف ِ يسقط النو ُر على ُ ـول وبـرودٌ أو ال ُتبْصرُ ? عينانا ذب ٌ وخمـودُ أوَال تسمعُ ? قلبانا انطفاءٌ ُ مخيف ِ صمتنا أصداءُ إنذارٍ
سوف نعودُ َ ساخرٌ من أننا غُ ربَاءْ نحن من جاء بنا اليو َم ? ومن أين بدأنـا األمس رفيقين ..فدَعنـا ُ لم يكنْ يَعرفُ نا تك يومً ا من ِصبانا نطفرُ الذكرى كأن لم ُ طاف بنا ثم سالنا َ نزق بعض ح ٍّـب ٍ ُ حيث كنا آهِ لو نحنُ رَجَ عنا ُ قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كالنا غُ ربَاءْ .. ي��ت��س��اءل ال��ن��ق��اد ع��ن س��ر ن��ب��رة ال��ح��زن في شعر نازك؟ وتساؤلهم غاية في المنطقية! ألن نازك سليلة عائلة منسجمة سعيدة ،نشأت في بيئة هادئة قليلة التقلبات والعثرات؛ فمن أين اجتاحها الحزن ،ومتى ،وكيف ،ولماذا؟! الجواب -بسهولة -إن نازك ليست إنسانة إعتيادية ،لكي نعاملها كما نعامل األرق��ام من البشر! المبدعة الكبيرة مثل نازك ،تستشعر أنها ضمير األمة! فأي جرح في أقصى الدنيا جرحها ،وأي دم��ع��ة ليتيم ج��ائ��ع م��ق��رور هي دمعتها! فلنقل إن غربتها ب���دأت م��ن خالل جميل مثل ٍ بعراق ٍ المسافة البعيدة بين حلمها مزر جعل العراق عراق المالئكة ،وبين واق ٍ��ع ٍ كأنه عراق عفاريت وأشباح! فوجدت «حضناً ثانياً» بعد حضن أمها ،وأعني الطبيعة التي وجدتها معيناً شعرياً ال ينضب .إنها تمنح
اجلوبة -صيف 1429هـ 53
ال��ش��ع��ر ط��اق�� ًة وح��ي��وي�� ًة للحب وال��ح��ن��ان وال��م��ن��ح ال وهناك صورة استعارية ،وبينهما صورة كنائية. يضاهى! وكثيراً ما تأتي صور القصيدة عند نازك مصطبغة
من هنا ،عشقت ن��ازك المالئكة الليل والنهار، والربيع والخريف ،عشقت الزمان وأحبته ،وكرهت المكان واستوحشته؛ فكانت تعيش داخ��ل ج��دران ال��زم��ان ،وتخرج بخيالها عن ج��دران المكان! نعم حاولت ن��ازك في قصائد كثيرة مصالحة المكان؛ ال ذريعاً انعكس حتى على إيمانها، لكنها فشلت فش ً كما تقول هي عن نفسها! كانت تضفي على المكان ط��اب��ع��ه��ا ال��م�لائ��ك��ي ،وأس��ل��وب��ه��ا ال��ن��ازك��ي ،وسمتها األصيلة؛ فرسمت ل��وح��ات شعرية قلقة .لوحاتها الشعرية كانت تغني للطبيعة وتبكي للمكان ،وفر ٌق بين المكان المحدود بالجدران والجيران واألعراف، وبين الطبيعة الحنون المنفتحة على جمال هائل! مع الطبيعة الساحرة تستل الشاعرة ريشتها فترسم الطيور وال��زه��ور والسواقي والفالحات والعشاق، وتغمسها ريشتها بطيب روحها المتمردة.
بايحاءات الحواس الخمس! أي إنها تقلل من طغيان ال عن أن الشاعرة تبني اللوحات التجريدية! فض ً صورها الشعرية باستعمال الكوالج الفني (التلصيق)، فثمة الليل ممتزجاً بالمطر ،وهما ممتزجان بالسنا البعيد ،في مساحة من األلم الحسي حتى ليمكنني القول إن الصورة المالئكية تخلق -أحيانا -معادالت موضوعية تشي بفقدان األمل والغوص في العتمات! وإال فمن ح��دا ب��ن��ازك ك��ي ت��ن��ادي :أط��ف��يْ ء الشمعة واتركنا غريبين هنا! نحن جزءان فما معنى السنا؟
وم��ن خ�لال ق���راءة قصيدة غ��رب��اء ،نكتشف أن مجموعة م��ن ال��ص��ور الشعرية وال��ل��وح��ات الفنية المستمدة من الليل والسنا والممتزجة بهما يوصالن خيال المتلقي إلى غربتي ن��ازك ،غربة مع المكان ال وغربة مع النفس ،فيكون الخطاب الحسي مدخ ً لإلرسال والتعبير؛ لكنها لم تلق مفردات التجريد، فهي خطابها إلى نفسها ،حين يرتد إليها خطابها الحسي ،مثل الصدى ال��ذي يعثر بجدار كونكريتي أصم! كما أن نازك ولوعة بتقديم وجبات شعرية ،يأنس لها المتلقي مثل الصور التجسيمية والتشخيصية والتراسلية ،فهي كنز ممتليء بجماليات القصيدة من خالل أدوات فنية ثقفتها وخبرتها خالل تجربتها الشعرية المديدة.
نازك المالئكة -لمن يحصي مفردات الطبيعة في شعرها -جعلت معجمها الشعري كأنه معجم للطبيعة! أكثر من نحو ربع قصائدها له أسماء مستمدة من الطبيعة( :الليل ..النجوم ..الريح ..العتمة ..الضوء.. الشجر ..الطير ..الجبل ..والسهل) .لقد مزجت معظم موضوعاتها بمظاهر الطبيعة فكأن الطبيعة عن وعي أو عن ال وعي تتسلل إلى قصائدها برفق، وتتوغل في عالمها ،من خالل كونها مادة فنية مهمة، أما اللوحات المحسوسة فإن من أكثرها وضوحاً تسهم ف��ي رس��م تضمين ال��ص��ورة الشعرية هموماً لوحات كوالجية هي :الروح /الليل /الداكن/والسنا عظيمة منتقاة من طبيعة الشاعرة! األزلي ..وما يبرز منها وعنها مثل الحنين إلى الوطن وال يهم نازك إذا كانت أمسكت القضية الوجودية المفقود ،واألح�ل�ام التي يبست وب��ات��ت مستحيلة، كيف سيكون شكل تعبيرها بالشعر التقليدي أو وذك��ري��ات الطفولة ال��ت��ي ب���دأت ت��ت�لاش��ى! والحس التفعيلي! نازك مكتفية بذاتها؛ فهي شاعرة ،وهي اإلنساني قبالة الحس النفعي الدموي المتدفق ،بما ن��اق��دة ،وه��ي جمهور أيضا! فال غرابة أن تتقارب يشكل بانوراما بهيئة لوحة كبيرة ،تضم في جنباتها األساليب في قصائدها ،فنجد هنا صورة تشبيهية ،كثيراً من الصور البيانية الصغيرة ،فتحرك سماء
54
اجلوبة -صيف 1429هـ
القصيدة وتتنفس بحيث تبدو الكائنات االنسانية في في البحث عن الرفقة والدفء ،وهما ما أخفقت في ظل التشخيص البياني شاناً مشدوداً إلى االقتران! الوصول إليهما .وترصد نازك مجيء الليل وحلول ويرى العقاد أن الملكة الشعرية الخالقة هي التي الظالم وئيدا لألحالم والسنا! «كان قتال ألناشيدي «تستمد قوتها من سعة الشعور حيناً ومن دفقه حيناً وقبراً لشعوري». وتعزف الشاعرة على الوتر ذات��ه ،حين تستبد آخر؛ فالشعور الواسع يستوعب كل من في األراضين والسموات من األجسام والمعاني .فإذا هي حياة كلها بفؤادها الغربة وال��وح��دة ،ويستحيل اللقاء ،ويكون �لا أزل��ي��اً لطائر ال��ح��ب ،وق��ب��راً ل��دف��ن المشاعر جزء من تلك الحياة المستوعبة الشاملة»؛ فتعين ق��ت ً الوظيفة األس��اس��ي��ة للتشخيص ال��ش��اع��رة على أن المرتقبة المتوهجة تحت خيمة اإلستعارة المكنية. تسقط آمالها وآالمها ما حولها من مظاهر الطبيعة؛ الشعر يترك سفنه المعتمة ،ليخيم بظالله الكئيبة ألن الشاعرة تنطلق من ذاتها نحو ذات��ه��ا ،ومنهما على وحشة الكون وبهائه ،وتمنح األلفاظ المستعارة نحو الطبيعة ،لتعود ال��ذوات الثالث إلى الشاعرة؛ معجماً كالحاً للقتل ووأداً لألناشيد وقبراً للمشاعر! فيكون التشخيص (األنسنة) متوهجاً باآلمال وصوره هي صور وهمية تشبه العالج المسكّن أو المخدّ ر المفعمة ب��ال��م��خ��اوف واألح�����زان ،المنعكسة على ح��ي��ن ي��ح��ض��ر ش��ب��ح ال���م���وت ،وت��ح��ت��ض��ر األن��اش��ي��د الطفولية ،بل حين يتكرر مشهد الوالدة أمام مشهد الطبيعتين الميتة والحية. ويرى د .أحمد مطلوب أن ظالل الليل السوداء االنتحار ،ضمن اتساق حركتين متمازجتين في آن: في أكثر من ص��ورة بيانية صنعتها الشاعرة تقرن الساعة والظالم ،والضربات السريعة للزمن وتسابق الليل بالغربة ،كما تقرن الوحدة باختناق المشاعر!! اآلالم ،والحوارات الداخلية والخارجية ،إضافة إلي ومن هنا ،جاء حوارها الداخلي شجياً؛ ألنه حوار الحيرة التي تمتلك حاالت األلم واإلصغاء واإلحصاء ال����ذات ال��ح��ال��م��ة م��ع ال����ذات ال��ج��ري��ح��ة! وال���ذات���ان واألسئلة المطروحة ،السنا والضوء وأقاليم الليل، أضنتهما رحلة البحث عن األم��ان والسكينة بحيث الصورة مع االستعارية ،التي أحالت دقات الساعة تفصح ال��ص��ورة التشبيهية البليغة (اللقاء الباهت في الظلمة تسعاً ثم ع��ش��راً ،كأنه إع��دام حلزوني البارد كاليوم المطير) عند انصهار المشبه والمشبه يجتاح الروح والزمن! به في متخيل مركب ينم عنه اللقاء الباهت البارد، لتكون أداة التشبيه (الكاف) أداة غير ضرورية! إن اليوم المطير يمنح المشبه به (المطير) مرجعيات بعيدة ال��غ��ور ف��ي التاريخ الشعري ،ولنتذكر رائية المنخل اليشكري: ولقد أمرُّ على الفتاة الخدر في اليوم المطير هي إذاً سمات العتو والرهبة واإلختناق؛ فيبدو ال مخيفاً يسدل أستاره الكثيفة على تلك الزمن لي ً الرحلة الخائبة ودروبها الشائكة ،ليبزر عظم المعاناة
وت��رص��د ن��ازك األج���واء المحيطة بها لتكتشف الالجدوى من االنتظار المعدم ،في آليات الساعة الذي كان محاكاتها في الظلمة الموحشة ..واالنتظار ال من الشغف بالنور البهيج الذي يحمل قبساً ضئي ً وأج���وائ���ه ال��م��ق��ت��رن��ة بالخير وال��ح��ب ،ف��ق��د جعلت األماسي إنساناً لكي تبثه ما يعتلج بروحها ،فجاءت ال��ص��ورة االستعارية التشبيهية مثل لمسة الفنان األخيرة للوحته المكتملة! لوحة حزينة تتنقل من خاللها الشاعرة من غربة الروح إلى غربة المكان.
* كاتبة عربية مقيمة في أمريكا.
اجلوبة -صيف 1429هـ 55
جدلية النقد واإلبداع > عالء اجلابري* يندُر أن تجد مبدعً ا في وقتنا الحالي يبدو راضياً عن النقد المجايل له ،فتراه يفيض في اللوم على النقد والنقاد، ويرميهم بالكسل واإلهمال ،والشللية والمصلحة ،وغيرها من التهم التي يسوقها في سياق الوصف المجرد لحال النقد؛ دون أن يبدأ بتساؤل بديهي ،حول إمكانية أن يحيط ثلة من النقاد بطوفان من المبدعين ،أو أن يحيط النقد القليل بالزخم اإلبداعي ،الذي تقذفه المطابع ليل نهار. ال ومراجعاً ،يختار إن التاريخ اإلبداعي والنقدي دليل أكيد على حاجة النقد دائماً إلى فترة ،يتوقف خاللها متأم ً وينتقي فيبرز -غالباً -ما يستحق التفرّد ،وقد يغبن في مسيرته ما كان بحاجة إلى المراجعة تارة أو التعاطف تارة أخرى؛ فالظاهرة قديمة ،غير أن كثيراً من االنتظار لكلمة تقديم أو إشارة مدح يجعل الحملة على النقد أكثر ضراوة، وبخاصة أن هذه اللفتات ربما كانت حظ كثير من المبدعين من إبداعه الذي ال تحتفي به مفردات العصر. غير أن التجرُّد المفترض يقدح في قيمة االنتظار لكلمة النقد ،من جهة ،ويلفت النظر ،من جهة أخرى ،عن قيمة النقد ،بوصفه إنار ًة لمدارات جديدة ،عوض أن يقتصر دوره على خيال الظل ،أو دوارة الرياح التي تدور مع المبدعين حيث داروا. النقد ليس لعبة أطفال نضغط على بطنها فتصفق أو تخرج لسانها .وينبغي أن نحترز عن مظنة تقديم النقد على اإلبداع؛ فهو وضع للعربة أمام الحصان ،ومخالفة لمنطقه الداخلي من حيث كونه محكوماً بالنظرية والعقل واالنتظام ،بعيداً عن اإلبداع الذي تحكمه الفردية. النقد إذاً ،يعيش أزمة .قد ال نحتاج إلى تقديم مسوغات لهذا الظن ،وال نحتاج إلى أدلة ،غير أن النقد في أزمته تلك ال يعدو أن يكون فرعاً من األزمات المحيطة بالفكر والثقافة العربية .إنه مظهر ووجه ونتاج لألزمة وليس سبباً لها ،وهي ذات األزمة -في بعض وجوهها -التي تحيط باإلبداع؛ فالعالقة بين النقد واإلبداع جدلية بامتياز، تماماً -وإن كان تشبيهاً مستهلكا -كاألواني المستطرقة .إنهما محكومان بالمشاكل ذاتها وأبرزها النشر ،الذي ال يتيح أحكاماً محيطة ،أو دقيقة ،وسطورنا ال تطمح إلى اختبار حال النقد أو اإلبداع ،أما العالقة بينهما فهذا جهد فوق الطاقة ،ولكننا نلفت األنظار إلى ما نراه من انعكاس المثالب بين طرفي العملية ،أما دور المتلقي بوصفه طرفاً ثالثا فهو أمر يحتاج إلى وقفة خاصة. يقول المثل« :الثعلب يعرف أشياء صغيرة كثيرة ،والقنفذ ال يعرف غير شيء كبير واحد» .والنقد يقترب من اإلبداع في روح الثعلب تلك ،فقد يغيّم التجرد أحيانا؛ فنجد الكتابة في فنون كثيرة تراوح حظوظها من الرواية ،ثم الشعر ،ثم قصيدة النثر ،وإهمال للمسرح ،وإهمال أكبر لقصيدة العامية .ومعظم المبدعين يحاولون العزف على أكثر من آلة! وأغلب نقادنا يحشرون أنوفهم في كل األنواع ،في استمرار لغياب التخصص الذي يبهت معه المفهوم؛ فناق ٌد يهتم بالسرد يُدعى لمناقشة ديوان شعري ،فال يعتذر على الرغم من بضاعته المزجاة فيه ،ويروح يبحث عن السرد في
56
اجلوبة -صيف 1429هـ
الشعر؛ وهو في ذلك قد يتكلف مقوالت ويحاول البرهنة عليها( ،وعلى الرغم من قابلية األمر نقدياً ،فالتعويل عليه دائماً هو موطن الشاهد)؛ فال يبتعد عن التلفيق – أحياناً - في استنطاق النص ،حتى يتجاوب مع سطوره التي يصدرها للمفارقة بأن لكل نص أدواته.
ذات النسق يفرط النقد في نبذ الذوق بوصفه مفضياً إلى االنطباعية والشخصية وسواها من التهم الجاهزة ،غير أن الذهاب في العلمية إلى حدودها القصوى يفضي إلى الحائط المسدود ،كما ترى جوليا كريستيفا. ويلتقي النقد مع اإلب��داع في قلة التجرّد ال��ذي يدفع للتحكيك والمراجعة؛ وهى مشكلة تواجه اإلبداع أوال؛ فقد طغى (فقه الجوائز) ومحاولة اصطيادها ،بحيث صار اإلب��داع مدفوعاً بمطاردتها ،وص��ارت المراجع األجنبية والمقدمة النظرية الملغزة أساساً لتزيين النص النقدي.
تشيع ال��ج��م��ل ال��م��س��ك��وك��ة بشكل الف���ت ،ي���ت���وازي مع تعمد الغموض ،وحشد المصطلحات ،وتوجيه النظر إلى مناطق بعينها ،صار بعضها مقتوال بحثاً فيلعب المبدعون بتيمات أساسية ،يغازلون النقد بها .اإلنطالق من األحكام المسبقة والتصورات الجاهزة أدى إلى العدوانية في بعض إن ال��ن��ص ال��ن��ق��دي ل��م ي��ق��دم -ف��ي أغ��ل��ب األح��ي��ان - األحيان ،والتملق في أحيان أخ��رى بما أضفى نوعاً من البوصلة الحقيقية التي تجيب على تساؤالت أولية؛ فصار ال عن تحوّل ال صعباً ،فض ً النمطية في التقييم ،وجموداً يتوازي مع جمود اإلبداع في الوقوع على مفهوم للشعر عم ً بعض األحيان. أسماء بعض النقاد إلى ما يشبه (الماركات) التي يكفي و يفرّط النقد الحالي -بفضل شيوع مناهج معينة -وجودها على (المنتج) لضمان قبوله و(تسويقه) ،ناهيك في البحث عن آليات الداللة وط��رق إنتاج المعنى بعيداً عن السلوك الشائن الذي يصرف أغلب األقالم إلى التسلق ع��ن ماهية ال��دالل��ة أو مساءلة المعنى .فقد غ��دا حكم للوصول إلى أعمدة الصحف والمجالت على جثث دواوين القيمة سوءة مشينة .وللمبدعين أن يقولوا ،وعلى النقد أصحاب الحظوة؛ فصارت بعض األق�لام محسوبة على أن يتأوّل ،ما يدفع النقاد إلى االنحراف عن المعنى الذي متعهدي الدواوين على غرار متعهدي الحفالت. يرتبط البحث فيه بالتراثية والتقليدية ..وغيرها من التهم ت��ب��دو اإلشكالية ف��ي ن��ظ��ري ف��ي ان��ح��ص��ار النقد بين الجاهزة؛ فسار النقد في جوقة اإلبداع ولم تعد مناوشة ج��ف��اف األك��ادي��م��ي��ة وت��س��رع ال��ص��ح��اف��ة؛ ف��األك��ادي��م��ي��ون اللغة وجمالياتها أو القيمة وبهائها أمراً ذا بال ،على الرغم مشغولون بأبحاثهم ونظرياتهم بعيداً عما يدور في الساحة من أن فقدان المعنى أو المتوقع -بتعبير يوري لوتمان -اإلبداعية ،فصارت المحاوالت النقدية ذات رائحة معملية، يجعل النص عديم الفائدة أو القيمة .لقد كانت هيمنة وليس هناك خروج إلى قارعة اإلب��داع إال بعض األعمال االجتماعي على الفردي هي فرضية باختين األساسية البسيطة ،بحكم الصداقة ت��ارة ،أو تطبيق فكرة نظرية، التي جعلته -تبعاً ل��رأي ت��ودروف -أهم مفكر سوفيتي صادف وجودها دي��وان شاعر جديد ،أو رواي��ة السم غير في مجال العلوم اإلنسانية ،وأهم منظر لألدب في القرن م��ع��روف ،ف�لا ن���زال نقلب دواوي����ن ال��س��ي��اب وأم���ل دنقل، العشرين ،ولكن االجتماعي غائم للغاية في أغلب النقد وصالح عبدالصبور -وغيرهم ،من الجيل األول -بحثًا، ال��ح��ال��ي .وال ري��ب أن ل�لإب��داع ي���داً ف��ي ذل��ك ف�لا يجتمع ونُعرض عن المعاصرين بما ينذر بتصلب شرايين النقد اإلبداعي واالجتماعي إال على مائدة الظروف الطارئة ،على تلك الفترات .إن العالقة جدلية بامتياز بين غياب فيروح النقد يقرأ النصوص الجديدة على ضوء اللحظة الصوت الفرد الذي يغير واجهة اإلبداع وبين فتور النقد الراهنة ،وقد يغذّي اإلب��داع ذلك التوجُّ ه ويغازله ،وعلى تجاه التبشير بالجديد. * كاتب وناقد مصري.
اجلوبة -صيف 1429هـ 57
حفر ما ردمه األوصياء > محمد البشير* رواي��ة األوص��ي��اء لفهد المصبح ال��ص��ادرة عن دار االنتشار العربي في 181 صفحة .غالفها صقيل يحمل لوحة جميلة تحتضن بيتاً حديثاً يشي بحداثة الرواية أو مكانها ،وما أن تدلف إلى الرواية عبر حجرة شبيب ووالدته في (حارة الفراوي) مسرح الرواية ترى خالف ذلك البتة ! لتلك الحارة بعدان :زماني ومكاني .أما البعد الزماني فيبدأ من قبيل (سنة الرحمة) ص ،39وتقدر ببداية القرن المنصرم ،وتمتد أحداث الرواية المسكونة بالتاريخ والتراث حتى (الستينيات) ص – 163حسب تصريح الروائي -من خالل عرس ساري .أي أننا أمام فترة زمنية تقترب من األربعين عاماً على أقل التقادير، من بداية الرواية حتى نهايتها ،أو تزيد عن ذلك حسب اختالف التأريخ لسنة الرحمة. وأحداث الرواية تسير بطريقة سردية انسيابية متسلسلة دون عودة للخلف، بتقنية االرتجاع الفني ،أو استخدام تقنيات سينمائية تنقلك من زمن آلخر ،فتقنية الرواية السردية تبدأ من سرد األم لصغيرها بطل الرواية (شبيب) حكاية سرور، ونموه الطبيعي حتى فحولته وبحثه عن (منور) في الصحراء البكر .فالقارئ ال يجد تدويراً في هذه الرواية إال عبر نشيده بعد تغيير األسماء (منور ما في البيت نور إال بك يا منور)ص.180 وأما البعد المكاني فهو محصور باإلحساء ،خصوصاً من خالل ما نقرأه من عادات وتقاليد وبيئة ،وما تأثثت به الرواية من أدوات ،وكذلك ميالد الروائي ! ويقلص ذلك البعد المكاني بدائرة أضيق وهي الهفوف ،من خالل ذكر األماكن المتناثرة كعين (الخدود) ص 61مثالً ،و(قافلة الهفوف) ص 177التي لم تَعُد. وال شك أن من يعمل في الحفريات األثرية سيصاب بزكام من أثر الغبار ،وال عجب ! فهو يقوم بدور التأريخ أو شبهه ؛ لوصف جملة مما اتصفت به حقبة زمنية ،وهذا ما قام به فهد المصبح في روايته (األوصياء) ،وكأنك أمام عمل استخدم فيه الروائي عدة الحفر ؛ لترى بعينيك ما استخرجه من أدوات عياناً من تحت التراب كالسراج وفتيلته ،وفلقة المطوع، وبضاعة علي الدوار من أمشاط ومشابك. والمصبح بدوره كراصد لحقبة زمنية عاش طرفها األخير يافعاً ،وحاول وصلها بعمر أبيه من خالل إهدائه له في أول الرواية ،وربما هذا ما جعله ينزلق بذكر الستينيات تصريحاً ،وكان جديراً بإخفائها ؛ ليقترب من الواقعية أكثر بانتفاء أحدث السلب في مثل هذه المرحلة الزمنية من جانب ،وللتقدير العمري -من جانب آخر -لِسن بطل الرواية (شبيب) كشاب ال شيخ حين التقى بمنور ،فهو في الثالثة عشرة من عمره ص 10قبل الطاعون ،وإن أصر على التأريخ باعتبار أن الرواية ال تخضع لتاريخ حقيقي ،بقدر ما هي إسقاط لألحداث دون اعتبار لزمنها .حين ذاك سنطمع بمزيد من تأريخ حقبة الستينيات بذكر مطرب حقيقي أو أغنية شهيرة لتلك الحقبة كشاهد على العصر ،فال أظنه أهمل الحفر في ذاكرة من هو أكبر منه ؛ لتأريخ ذلك ،فـ (الذاكرة ..مخادعة ال يعول عليها في كل األحوال ..وقليلون من يمكنهم استعادة حياتهم الباكرة
58
اجلوبة -صيف 1429هـ
بوضوح) على حد قول « جدن « ،ولكننا أمام عمل ال نستطيع إنكار ذلك الجهد الذي قام به من خالل نبش ذاكرة الشيوخ، والتأريخ لحقبة زمنية مصيرها ال��درس كغيرها من الحقب، وتغييبها كمكان دون ذكر على غرار ما غيبه الدارسون ؛ لتواري اإلحساء كمكان في الرواية السعودية أكاديمياً ،عدا ما جاء على استحياء كماً إذا ما قورنت بغيرها من المدن. ويكفي أن فهد المصبح إح��س��ائ��ي ال��م��ول��د ،وق���ام ب��دور التأريخ روائ��ي��اً لحقبة من حقب التاريخ اإلحسائي ،وحسب الدكتور جونسون (ال يوجد من هو أقدر على كتابة حياة المرء من المرء نفسه) ،فال أحد أقدر من كتابة تاريخ اإلحساء من اإلحسائيين أنفسهم ،وألن اإلحساء أخذت نصيبها من التأريخ إال أن الحياة تضم الهامشي ال��ذي ال يرعى له المؤرخ باالً، فال أقدر من الروائي للعب هذا ال��دور ،فاألوصياء دوم��اً هم كتبة التاريخ ،والواقع تحت سطوتهم ليس له سوى التسليم بما يملونه ،فمن لشبيب وساري ومنور وأبي علي وشيخ الحمارة شافي وغيرهم من شخوص ؟! أولئك الشخوص الذين غصت بهم الرواية لكثرتهم في واقعية من حارة مكتظة. تعبر عدسة الروائي بتلقائية ؛ لتذكر من يمر ،وتركز على من تلحقه العدسة بقصد ،فمن لهؤالء العابرين في الطرقات سوى الروائي لكتابة سيرهم دون ت��ورع ،كأبي سمرة وهذال ومثليتهم على غرار مثلية نور وسهى في (مسك الغزال) لحنان الشيخ ؟! فمن سيخلد ن��اي أب��ي سمرة ويبقي لحنه الجالب لمن يريد ؟!. وال��وص��اي��ة تختلف م��ن فعل ف���ردي ،كوصاية وال���ده حين أخ��ذه إلى المطوع بعد أن وبخه ؛ لتعريه في الحفرة ،ونقل هذه الوصاية الفردية إلى المطوع في سلسلة طويلة ال تذكر، ووصاية جماعية كأولئك األوصياء حين ردموا الحفرة ،فحمل المصبح على كاهله عدته ؛ لحفرها وإخراج ما فيها من كنوز روائية. األوصياء سمموا الكالب ونجت (حجول) كلبة شبيب فاحمة السواد ؛ لتظل روحاً تخفق في األفق .تروي الحادثة ،وتسرها في أذن السارد حين تآخى شبيب والكالب في الحفرة حَ َّد التعري ككلب ! وهذا يذكرنا بالروائي التونسي جمال العش في روايته (محاكمة كلب) حين مسخ كلباً بفنتازية ؛ إليصال صورة
المهمش من خاللها ،والمصبح دون أن يلج هذه الدهاليز بلغ رسالته بصورة بعيدة عن الفنتازيا وأقرب إلى الواقعية؛ ألننا أم��ام عمل تأريخي .حتى أن األس��ط��ورة التي رسمها القراء بحفرة الفراوي ال أظنها إال حقيقة تاريخية ال أستبعدها لما تحويه اإلحساء من هذه المظاهر بسقوط النيازك ،وإن لم تكن كذلك فمن الممكن إسقاطها دون إج��ح��اف ،فما (بين الذاكرة واألرشيف تواصل وتفاصل في آن ..فمخالفة الحقيقة في سياقها التاريخي قائمة) على حَ ِ ّ��د قول إبراهيم محمود في تعليقه على محاضرة أركيولوجيا التوهم انطباع فرويدي لجاك دريدا ،وألن العمل الروائي قائم على االستعانة بالتاريخ ال كتابته ،وهذا حقيقة ما قام به المصبح في روايته ،فهو ذكر التفاصيل مطعمة بمخيال روائي يربط من خالله األحداث في نسيج طرزه بيديه دون تطرف ال أخالقي إلى حد التخمة ،وإنما هو مرور بعدسة ال تحاول القفز على الحقيقة بتصوير جائر لمثالية أفالطونية أو انحاللية غربية .إنما هو الواقع المعاش، فما بين خطيئة شبيب ومنور ،وقيام المجتمع بمظاهر التعبد خالل مواسم الخيرات كرمضان والحج بكل تفاصيلها ،نرى خيطاً رقيقا ما بين الصواب والخطأ. فهي رواي��ة حكتها سعفات النخيل حين توشوش في أذن السامر ،فالنخلة التي كرعت من عرق شبيب حين تشبث بها محموماً بعد الخطيئة .هي ذاتها من روت حكايته حين صعد (بالكر) متتلمذاً على ي��د عيسى زوج م��ن��ور ،وه��ي الصغيرة المعوجة التي (احتضنها بلهفة النوى) ،فهي أمينة في سردها ال تخفي سراً ،فكافكا يقول( :كم عدد الكلمات المحفورة في شجرة الزان؟ إنها تريد تذكيرنا! كما لو أن الكلمات لها القدرة ال على التذكير !) ،ونحن أبصرنا في رواية المصبح عدداً هائ ً من الكلمات التي كتبت على جذوع النخيل ،وتذكرنا عصراً لم نعشه إال من خالل ذاكرة الحكواتية ،وألن الحكاية تغرب غير مؤذنة بإشراق ما لم توثقها األوراق ،فها نحن أمام سفر يحفظ طرفاً من حكاية لم تكتمل ،وألن المصبح ثري برصيد قصصي قدره سبع مجاميع قصصية ورواية يتيمة ،وعبر قفزة نوعية ما بين أول مجموعة قصصية (صاحب السيارة البرتقالية) وآخرها (المعلقة) ،فتفاؤلنا يحدونا إلى ترقب ست روايات مقبلة ،فهل يفعل ؟
* كاتب من السعودية.
اجلوبة -صيف 1429هـ 59
الذات بني الهمني العام واخلاص
وسؤال الهوية في ديوان «لزمن لن يراني» للشاعر عبدالوهاب أحمد
> سعيد نوح* ي����ع����م����د ال����ش����اع����ر وإن لم يره الشاعر. عبدالوهاب أحمد في يقول في صفحة :17 بنائه للنص في ديوانه « لك لون الملح ..طعم الريح «لزمن لن ي��ران��ي» إلى صوت الماء في عين البكاء تحريك موقف ال��ذات لك طاحونة من رم��ل ..وقناديل ثكلى ..وعصافير م��ن س��ك��ون��ي��ة ال��راص��د حصاد.. إل��ى حركية المسائل؛ وشظايا ..لزغاريد وراء الباب فالماضي بالنسبة له خلف الستر» ق��اف��ل��ة ت��س��ي��ر ك��ال��م��اء، وت��ظ��ل ال��ع�لاق��ة ملتبسة ب��ي��ن ال��ش��اع��ر وفضائه كلما سد في وجهه مجرى بحث عن مجرى آخر. الشعري ،تتعين ه��ذه العالقة بسؤال ملح -بشكل و إذا كان الشعر العربي المعاصر في بداياته دائ��م -على ال��ذات الشاعرة ،ما دور الكلمة ،ولماذا األول��ى قد أف��اد من الماضي ،ف��إن مستقبل هذا أكتب؟ سؤال شديد البساطة ،إال أنه يشي أن المسألة الشعر ليس ش��رط��ا أن يتحدد ف��ي ت��زاوج��ه بين ليست ي��س��ي��رة ؛ فالشعر بالنسبة ل��ه ح���اض على الماضي والحاضر ،بل ينبغي أن نبحث عن روافد التمرد،أفق يحلق في عوالم تخيلية ورؤية للعالم: هذين الزمنيين :الماضي والحاضر ،في زمن آخر «وجدتني على غصن حرف أنام آت هو المستقبل ؛ فالشاعر منذ العتبة األول��ى ٍ وأفيق على مطر ..قطرة منه.. للديوان يخبرنا عن زمنه ال��خ��اص ..ال��ذي يهديه كلمة بعض روح��ه ،ذلك الزمن المقرر سلفاً أال ي��راه.. هي مثلك مفعمة بالخالص يهدي الشاعر ديوانه لزمن سيأتي حتما دون أن تسير به نحو خيط الضياء تراه الذات الشاعرة. سفينة نوح يعود فالشاعر الحقيقي هو القادر على تقديم رؤية على هامه وهج كالزمرد واعية للعالم ،وواع بأهمية تخطي حدود الماضي ،في ردهات الصباح ومفارقة ظالله ..والتجربة الشعرية المبدعة هي وتعود تعود تعود التي تقفز بالحاضر قفزة جريئة إلى زمن قادم ،حتى تطفئ الشمع أفواه حب
60
اجلوبة -صيف 1429هـ
وتفرح بالعمر المر م ّر وفي كفه نتف من ضمائرنا هي تضحك ..كيف نزف جنازتها وأنا أقطف الحرف من شجر الماء» كما يعمد الشاعر إلى بناء معادل موضوعي جديد للمأثور الفكري والروحي ،يعيد فيه البعد التاريخي وفق منظومات فكرية حديثة؛ فهو يجيد توظيف المرجعيات المعرفية والثقافية لتحمل رؤاه وفكره ،ها هو يخاطب عبلة الحسناء التي تحضر في ذهن القارئ في تلك اللحظة ،ويحضر صوت عنترة وهو يسائلها هال تسأل الخيل عنه في بيت عنترة الشهير « :هال سألت الخيل يا ابنة مالك « ،ولكن عبلة الحسناء عند الشاعر الحداثي يأتيها عنترة مكبال ً بالحديد ..ويتساءل الشاعر عما جرى ،وكيف ضاعت رجولته ونخوته ،فعنترة صار رمزاً ال لدالالت حداثاوية: حام ً «طفالن جاءا من بعيد.. من مضارب عبلة الحسناء ..عنترة المكبل بالحديد ماذا جرى ؟ « هال سألت الخيل « يا ابنة أمنا إن كنت جاهلة بما فعل الظالم»
على اجتياز برزخ يكتم على أحاسيس الذات الشاعرة، وال يعطها فرصة للبوح ..فقط ذات ترغب في أن تراوغ التابو ،تتحايل عليه ،ال تقدر على التصادم معه مباشرة، بل تراوغه في صور شعرية دالة وعميقة: «حرس الفضيلة حين جاءوا كان نبض يقرأ األحالم ..يفتلها شموعا في عروق الليل ..يقطر بين كفيه الظالم وتفوح رائحة التراب ..تنز كالينبوع بين القلب والرئتين»
كما يتجلى وعي الذات القومية في عالئقها بوعي اآلخ��ر ،هو السبيل إل��ى متابعة استكمال المشروع الحضاري العربي ،فيطرح سؤال الذات والهوية ،رؤية قومية ،ترى الجرح واحداً من النيل إلى الفرات ،ترى النخيل والزيتون وزمزم والمقام ،كل يخيط رتق الكل، لو توحدت األرواح وتاقت لعصر كانت فيه العروبة مستضاءة ،والحلم واحد ال يفرقه محيط أو خليج: «على مشارف حرفك الزيتي ..يختل لوني يستحيل دمي فراتا ..في عروق العاص يجري يرتوي من شال مريم ..تاج عيسى يحضن التوباد ..طيبة ..عند صدر النيل يغفو من كبل فحولة عنترة وكسر تاريخه هو الظالم ..في أثير المغرب المخضر ذلك الظالم الذي جعل الوطن يباع واألح�لام تستباح ي��رس��م وج��ه��ه ح��م��ام��ت��ي��ن ..وغ��ص��ن زي���ت���ون ..وزم����زم.. والمقام يقول: يخيط رتقا في المحيط ..خيوطه ماء وطين «الشمس غير الشمس ..في وطن يباع على مشارف حرفك المسفوح الناس غير الناس بين سحابة نشوى» عنترة الشجاع ..شيبوب ضلع
وتظل عنترة احتالم ل��ق��د ع����رف ع��ب��دال��وه��اب أح���م���د ،ذل����ك ال��ش��اع��ر لوال حريم الحي ما رفعوك السعودي ،كيف يعبر عن أسئلة الذات والهوية ،وكيف لوال عبلة السمراء ما عرفوك» يعبر عن الهمَّين العام والخاص ،في لغة دالة وموحية، يتكون التوهج الشعري في تجلي أزمة الروح المتقدة وصور فيها جدية ومشهدية ،مع توظيف المرجعيات ليخرج عن كونه ليس اجتراح قناع وجداني يساعده الثقافية والمعرفية. * كاتب من مصر.
اجلوبة -صيف 1429هـ 61
أستاذ كرسي األدب العربي في جامعة لندن ,كمال أبو ديب:
ِ شعرية النقد.. أسعى إلى ُ أصبح ألعوبة والتراث َ
> حاوره عصام أبو زيد يرى الناقد السوري كمال أبوديب أنه في ثقافة متفتحة حيّة, ومليئة بالحركة وقلق المعرفة ,ال تطغى مثل هذه الدرجة من الوعي بالتراث واالهتمام بمشكالته التي نعانيها اآلن في العالم العربي. ويقول أبوديب أستاذ كرسي األدب العربي في جامعة لندن أ .د كمال أبو ديب في حوار مع «الجوبة» -إنه كما عانى أدونيس من صدمةالحداثة « فأنا شخصياً أعاني من صدمة التراث» .وأشار إلى أنه «من السذاجة أن نتصور أن لدينا تراثاً منسجماً ( )...وأن التراث عالم معقد ووهم كبير تصعب تنقيته». وفيما يلي نص الحوار: > كيف اكتسبت الثقافة الغربية المزيد من القوة والهوية بتضادها مع الثقافة الشرقية بوصفها ذات ًا بديلة؟
م����واج����ه����ات 62
< من الصعب أن نناقش هنا هذا السؤال ،بما يستحقه من التفاصيل ،وقد ناقشه مفصل ،في ع��دد من دراس��ات��ه ومنها « االستشراق»؛ لكن ّ إدوارد سعيد في شكل في خطوة عامة يمكن أن نرى موضعة الغرب لنفسه بإزاء الشرق عملية زادت من تماس ـ ـ ـ ـ ــك «الهوية الغربية» ،وأنا أضع الهوية الغربية بين قوسين ،ألنها جملة عامة تحوي داخلها درجة عالية من الالتجانس التي تفرضها الكلمة ،لكن مع ذلك ،ومع التحفظ ،يصل المرء إلى أن يقول إن هذه الموضعة للذات مع ما تصورته الذات حد بعيد في خلق نمط من التماسك والصالبة الداخلية ال أسهمت إلى ٍ نقيضاً وبدي ً اجلوبة -صيف 1429هـ
على مستوى الهوية ،واإلح��س��اس ب��األن��ا ،وتبدو هذه العملية تاريخياً عملية مكررة؛ بمعنى أنها ليست سمة للغرب في شكل خاص ،لكنها مكررة في الثقافات والمجتمعات األخ��رى؛ وق��د يكون هذا قانوناً من قوانين تشكّل ال��ذات ،واكتسابها اإلحساس بالتماسك والصفاء ،وأن تضع نفسها إزاء ذات أخ��رى تتصورها أحياناً دونية؛ لكنها في شكل أو بآخر تمثل اآلخر؛ بمعنى أن عملية تحديد الذات ال يمكن أن تتم إال في شرط من تصور ضدي للعالقة بين األنا واآلخر.
صدمة التراث > أال يمكننا في غمار ما نرى أن نقول إن أبحاث ًا تعد في مجال التراث يمكنها أن تعيد تنقية هذا التراث؟
عناصر كثيرة من محاولة إع��ادة إنتاج الماضي؛ فإن ذلك يبدو لي حالة مرضية تماماً.والخطورة هنا ،تكمن في أن التراث أصبح ألعوبة ،بمعنى أن كل ذي مرض ،يبحث عن شفاء له في ما يسميه التراث .والمشكلة األساسية هي أن التراث ليس متجانساً ،فنحن ال نملك تراثاً جاهزاً ،ألن التراث تاريخ مليء باإلشكاليات والمتناقضات أيضاً؛ فالماضي كالحاضر ،ال يملك ه��ذه الدرجة من الدرجات التي ننسبه إليها أو نتوهمه بها .انظر إلى تاريخنا الثقافي العربي ،ستجد في الشعر ال أطرافاً متناقضة متعددة :تناقض أبي نواس مث ً مع المتنبي ،ستجد شعراء الجسد ،وستجد شعراء األخ�ل�اق الرصينة وال��ح��ك��م ،وش��ع��راء التصوف وشعراء اإللحاد؛ بهذا المعنى يبدو من السذاجة أن نتصور أن لدينا تراثاً منسجماً ،وبهذا المعنى ال أن التراث عالم معقد ،ووهم ينبغي أن ندرك فع ً كبير ،تصعب تنقيته.
< أعتقد أنه كما عانى أدونيس من صدمة الحداثة، فأنا شخصياً أعاني من صدمة التراث؛ بمعنى أن العديد من المفكرين يبدون وكأنهم اكتشفوا قصيدة النقد فجأة أن لدينا تراثاً ،وبدؤوا ينظرون في جوانب ال اكتشفوا جديداً .بهذا المعنى > لك رأي عن «زوال ال��ف��ارق بين اإلب���داع والنقد» منه وكأنهم فع ً أال ت��رى أن ه��ذا غير دقيق على إط�لاق��ه؟ أم أن تبدو اآلن ردة فعل حادة جداً ،وقد أسميتها سابقاً للمسألة وجه ًا آخر؟ حالة مرضية ،بمعنى أن وع��ي الثقافة بالتراث إلى هذه الدرجة الحادة ،حالة مرضية وليست < أنا ال أقول بزوال الفارق بين اإلبداع والنقد ،وإنما حالة طبيعية؛ فالثقافة المتفتحة الحيّة المليئة أقول إن النشاط النقدي في جوهره نشاط إبداعي، بالحركة وقلق المعرفة ال تطغى بهذه الدرجة من ال تفسيرياً يتوسط بين النص والقارئ، وليس عم ً الوعي بالتراث واالهتمام بمشكالته. كما اعتاد الناس أن يقولوا ،وليس تعميقاً شارحاً للنص ،أو تعميقاً على أبعاد مسيرة مؤلف النص، التراث قائم في حياتنا ،فينا ،بمعنى أن تتابع أو الواقع االجتماعي ال��ذي يحيط بالنص ،وليس الماضي العرقي والثقافي والسياسي واالجتماعي ال آل��ي��اً ج��ام��داً ،ب��ل ه��و ف��ي ج��وه��ره يصدر عن عم ً واالقتصادي في وضع متزن للمجتمعات يكون جزءاً هاجس إب��داع��ي ،وع��ن تعامل إب��داع��ي م��ع النص؛ طبيعياً ومكوّناً طبيعياً من مكوّنات وجود المجتمع وحين يتعامل ناقد هذا التعامل اإلبداعي مع لغة واإلن��س��ان ،أما حين يتجاوز األم��ر ذل��ك ،ويصبح النص ،ومع المكونات التي تشكّل بنية النص ،ومع هماً شاغالً ،وينتج عنه عملية بحث تبدو فيها
اجلوبة -صيف 1429هـ 63
نقدي إل��ى نقد انطباعي ،من األنماط التي كانت سائدة ،بل يظل ممتلكاً لمقومات النقد التحليلي البنيوي الذي أمارسه.
64
المكونات التي تظهر النص حين يكون «ال مبنياً» أيضاً وتكتشف مكوناته ..حين يمتلك هذه المقدرة ال ��ارس عم ً اإلبداعية على التعامل مع النص ،ي��م ُ تكوينياً ،عم َل خلق وتحليل للعالم ،وللنص ،وللغة تغيير مستمر ال ل��رؤي��ة معينة للنص ،يخلق بها ول��ذات��ه ،وتشكي ً > من المالحظ كثرة المصطلحات في أبحاثك طريقة ال تختلف في الجوهر عن الطريقة التي ودراس���ات���ك ،وك��ذل��ك ع��دم اس��ت��ق��راره��ا بتغييرك ال مع العالم ،من خالل وعيه يتعامل بها الشاعر مث ً المستمر لها ،فلماذا تغير آراءك باستمرار؟ أال ألبعاد متعددة في بنية الوجود اإلنساني ،ولضغوط يُ حدث ذل��ك خل ًال في تفكيرك ورؤي��ت��ك؟ أم أن ذاتية ..إلى آخر ذلك مما هو معروف. المصطلحات ال تفي بما تبحث عنه معرفياً؟ هذان التعامالن ،تعامالن إبداعيان؛ فكما أن هناك < اسمح لي أن أقول لك إن ما تقوله ليس دقيقاً، الشاعر السيئ ال��ذي ينظم وال يكتب ش��ع��راً ،أي هناك كثرة ف��ي المصطلحات لكن ليس هناك أن نصه يخلو من روح الشعرية ،فإن هناك الناقد تغيير فيها ،وحين أغيّر استخدامي للمصطلح السيئ الذي ينظم نقداً وال يكتب شعر النقد؛ أي ال يحدث ذلك نتيجة تفكير طويل جداً ،بعد اكتشاف يكتب ما يمكن أن أسميه «قصيدة النقد» أو يكشف أشياء تمنع مقدرتي على استخدام المصطلح شعرية النقد؛ لكن في الجوهر -كما قلت -النقد ذاته بطريقة وافية في كل السياقات ،ولذلك قد نشاط إبداعي ،وحين أقول ذلك ،أعرف أن معظم ما أغيّر مصطلحاً ،وحين أفعل ذلك أشير إليه؛ لكن ينتج من نقد ال يمتلك هذه الخصيصة ،وذلك جزئي تغييري للمصطلحات قليل جداً. بسبب ما ارتبط بتاريخ النقد من مقيّدات ومحكّات، تفرض هيمنة القواعد على النص النقدي ،كما > أخيراً ،يقال إنك تحوّلت إلى ناقد متخصص في أدونيس ،ما تعليقك على ذلك؟ تفرض هيمنتها على النص الشعري أو الروائي؛ لكن ما أحاول أن أنجزه في عملي ،هو أن أكسر أطواق < أنا أعلم أن هذا شيء يقال عن عملي ،لكن إذا هذه القواعد ،التي علمتنا أن النص النقدي يتشكل ال إل��ى عملي المنشور ،ستجد أن ما نظرت فع ً في أطر معينة ،ويحقق شروطاً معينة ،من أجل أن يحتله « أدونيس» فيه ليس كبيراً إلى الحد الذي يكون موضوعاً مثالً ،ويمتلك مقومات أدبية معينة، تتصوره ويتصوره الناس ،والصحيح أن أدونيس ويكون ذا لغة تتسم بسمات خاصة. يرد بشكل أو بآخر ،في كثير من دراساتي المتعلقة أنا أسعى إلى كسر هذه األط��واق ،والخروج منها، والسماح لنفسي باكتناه العالم والنصوص والثقافات واإلنسان ،بدرجة أعلى من الحرية ،التي تعي في الوقت نفسه أخطار االنزالق وراء ذاتية مغرقة في العمل النقدي ،غير ممتلكة لدرجة عالية من الوعي، وه���ذا عمل صعب ج���داً ،ول��ذل��ك أل��ج��أ إل��ى طرق مختلفة في محاولة تحقيقه ،من دون أن يتحول
اجلوبة -صيف 1429هـ
بالشعر ال��ح��دي��ث أو بالثقافة العربية والنظر إليها في تاريخها ،وعالقة التراث بها ،والسبب البسيط هو أن أدونيس قدّ م نتاجاً ضخماً في كل هذه المجاالت ،وإنتاجاً جوهرياً جداً في الفعالية اإلبداعية العربية ،وألن له مثل هذه اإلنجازات، ال أستطيع إال أن أدرج��ه في أي ش��يء أناقشه تقريباً ،حتى في قضايا تقنيّة صرف.
الشاعر أ .د .أحمد بن عبدالله السالم
من ال يشعر باالنتماء للوطن في كل حلظة من حلظات حياته يبقى بال هوية
> حاوره محمود الرمحي
إنه أبو خالد ..شاعر العراقة واألصالة، النابعة من عراقة وأصالة مسقط رأسه ،دومة الجندل في منطقة الجوف.. الوطن هاجسه ،ال يستبدله أو يتوه عنه، أو يضع ل��ه ال��ب��دائ��ل ..خ��ال�� ٌد م��ا بقي الرمل والحجر ،أو ما بقيت الصحراء بنقائها ..وإذا ما أردنا تلّمس حُ ب الوطن شعراً وبهاءً ،قرأنا ديوانه «بوح الخاطر»؛ فهو الذي يقول:
الشاعر في أمسية شعرية في الجوف
ح����ب س������رى ب���ي���ن ال���ض���ل���وع وت���اه���ا
رف�����ق����� ًا ب���ه���ا ي�����ا ح�����ب م�����ن أه����واه����ا
ك����ل ي���ؤم���ل م��ك��س��ب�� ًا ف����ي ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��غ��ل��ه
إال أن��������ا ف����ال����ش����غ����ل ك��������ان ه����واه����ا
وإذا ت����ف����اخ����رت ال�����دي�����ار ف����دارك����م
ي���س���م���و ب������أل������وان ال����ف����خ����ار ب���ن���اه���ا
وادي ال���ن���ف���اخ وال ت���س���ل ع����ن س���ره
إن ال����م����س����مّ ����ى س�����ر م�����ن س���مّ ���اه���ا
وهو نفسه ،الذي انسكب الدمع من عينيه مرارة وألماً ،على فلسطين وشعبها وقدسها ،فيقول: م��ا ب��ال عيني منها ال��دم��ع ينسكب
ت��ب��ك��ي وت����رم����د م���م���ا ي��ب��ك��ي ال���ع���رب
ال��ك��ل ي��ع��ل��م أن ال���ق���دس غاليـ ـ ـ ــة
وال ت���ح���رره���ا اآله��������ات وال���خ���ط���ب
وهو الذي يدافع عن النحو العربي ..المادة التي عشقها فتخصص فيها؛ فيقول: فيه ما في البس ـ ـ ـ ـ ــتان ش��وك وورد
ف���ان���ت���خ���ب ول���ي���ك���ن ك��ل�ام����ك وردا
أيها النحو إن ت��داع��ت إل��ى الضعف
ع����ل����وم ك���ن���ت ال�����ق�����وي األش���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���دا
فمع بلبل من بالبل الجوف الغِ رِّيدة ،وذات الطابع المميز في تغريدها ..مع الشاعر أ .د .أحمد السالم ،عميد كلية اللغة العربية بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ،كان لنا هذا الحوار ،الذي حاولنا من خالله الغوص في أعماقه ،لنكتشف سره وجديده:
اجلوبة -صيف 1429هـ 65
> أحمد السالم الشاعر األص��ي��ل ال��م��ع��روف ..متى كان أول عهده بالشعر ..وهل يتذكر لنا مطلع أول قصيدة نظمها ،وفيم قالها؟ < كانت بداياتي الشعرية عام 1390ه��ـ ،حينما كنت طالبا ف��ي المرحلة المتوسطة ،وك���ان يدرسني آن��ذاك م��درس فاضل -س��وري الجنسية -كنيته (أبو صالح) ،لفت نظره اهتماماتي الشعرية ،فقام ب��دوره بتنمية تلك الموهبة ،وشجعني على كتابة الشعر الذي تولى اإلشراف عليه بنفسه ..وكانت أول قصائدي بعنوان (المعاهد) ،وأقول فيها:
إحدى أمسياته في المغرب
أسلحة التميز.
> ك��ل إن��س��ان ل��ه أح��اس��ي��س��ه وب��وح��ه ال���خ���اص ..أل��م ش��ـ��ـ َ��كَ�� ْرن��ا م��ن أق��ـ��ـ��ـ��ام لنــا المعاهــد يترجم أحمد السالم بوحه وأحاسيسه الخاصة ب��ع��زت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ه تجنبن ـ ـ ـ ــا ال��ش��ـ��ـ��دائ��ـ��ـ��ـ��د شعراً ..وإن حصل فَلِ َم لم ينشره كسائر شعره. ت�لام��ـ��ـ��ـ��ذة أكَ���ب���ـُّ���ـ���وا ال��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��وم سـ ــعيا < ه��ذا كله جسدته ف��ي دي���وان (ص���دى ال��وج��دان)، وك��ـ��ـ��ـ��لٌّ ف���ي غ��ـ��ـ ٍ��د ل��ل��م��ج��ـ��ـ��د ح��اص��ـ��ـ��د وديوان (عندما كنت هناك) الذي لم يصدر بعد. ���ص���غَ���رِ اح��ت��ك��امٌ وأخ��ـ��ـ��ذ ال��ع��ل��م ف���ي ال ِّ ف��خ��ذ م��ا اس��ط��ع��تَ م��ن ع��ل ٍ��م وع��ان��ـ��د > صدر ديوانك األول «ب��وح الخاطر» عام 1418ه��ـ.. وبعد سبع سنوات تقريبا وعلى وجه التحديد عام > من يطلع على ديوانك «بوح الخاطر» يجد أن ُجلّ 2005م ص��در دي��وان��ك الثاني «ق��ب�لات على الرمل قصائدك من باب ما يسمى «شعر المناسبات» ،وال والحجر» ،فما سبب هذه الجفوة بين اإلصدارين؟ حرج في ذلك ،فالشعر كله -بال استثناء -وليد < لكل إنسان ظروفه الشخصية ،وأنا لم أتوقف عن المناسبات ..ولكن هل هي البداية أم القناعة بلون قول الشعر ،لكني توقفت عن النشر ،ألن لدي تركيز معين تنتهجه في شعرك؟! على نشر بحوثي العلمية الثمانية في المجالت < كال ،وإنما ألن البدايات يكون الشاعر فيها أكثر العربية المختلفة كشرط للترقية إلى درجة أستاذ، استجابة ألي مناسبة؛ لكن في الدواوين الخمسة وهذا يحتاج إلى مراجعة دقيقة لطباعتها األولى التي ج��اءت بعده ،أكثر ما فيها من الوجدانيات، قبل إرسالها للنشر. باستثناء ديوان (قبالت على الرمل والحجر) ،وهو > أح��م��د ال��س��ال��م ش��اع��ر األص��ال��ة وص��اح��ب الشعر الديوان الوطني. التراثي األصيل .هل كانت له تجربة مع الشعر > م��ن ي��ق��رأ قصيدة ح��ق ال��وط��ن يجد فيها منهاج ال��ح��دي��ث ..وم���ا ال���ذي ت��ق��ول��ه ف��ي ش��ع��ر ال��ح��داث��ة أحمد السالم ،وفيها قوله: بمختلف أشكاله؟ ف��ل��ا دام ح�����ب ق�����د ت���ع���ل���ق غ��ي��ره��ا < لي قصيدة حداثية بعنوان «عالم آخر» ،لكني أظن وال ط����اب ش��ع��ر م���ا ت��غ��ن��ى ب���أوط���ان من يكتب القصيدة العمودية ال يمكن أن يهجرها أأن���ظ���م���ـ���ـ���ـ���ه ح���ت���ى أب��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ن أن��ه��ـ��ـ��ـ��ا إلى غيرها .أما الشعر الحداثي فله مريدوه ،ولست ف��ت��ـ��ـ��ـ��اة ل��ه��ا خ��ـ��ـ��ـ��دٌّ وق�����دٌّ وع��ي��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ان منهم ،ألن الشعر كالم العرب الموزون المقفّى. فهل ذلك حقاً منهجه؟! > ولم شذَّ ت هذه القصيدة بالذات عن المألوف عند السالم ..أهي التجربة أم ماذا؟! < م��ن ال يشعر باالنتماء للوطن ف��ي ك��ل لحظة من لحظات حياته ،يبقى ب�لا ه��وي��ة مهما أوت���ي من < لم تكن تجربة ..لكنها فرضت عليّ فرضا ،فقد
66
اجلوبة -صيف 1429هـ
لطلب م��ن م��دي��ر أمسية شعرية ٍ ك��ان��ت استجابة دعيت إليها ..وكان ذلك قبل أسبوع من إقامتها، وبناء عليه؛ كتبتها وألقيتها في األمسية ذاتها ..مع أنها لم تَ ْر َق إلى مستوى قصائدي العمودية. > ه��ل كانت أص��ال��ة شعرك م��ن حبك للنحو ال��ذي تخصصت فيه ودافعت عنه ..أم من حبك للشعر الفصيح المتوارث ،المتميز بموسيقاه وبالغاته ال��ش��ع��ري��ة ،ف��ان��ط��ب��ع ف���ي ع��ق��ل��ك وق��ل��ب��ك ،لتأتي انعكاساته على نهجك وشعرك؟!
< السبب – في نظري – يعود إلى أن تذوق الشعر األصيل يحتاج إل��ى ثقافة معجمية ،وث��روة لغوية ض��خ��م��ة ،وح���س م��وس��ي��ق��ي ،وأذن م��ره��ف��ة ،وه��و م��ا يفتقر إليه أكثر المثقفين ال��ي��وم؛ أم��ا الشعر الحداثي ،ففيه شيء من المباشرة والسهولة؛ ألن لغته تميل إلى اللغة الدارجة ،وإن كانت ضعيفة كما هي لغة الصحافة؛ لكن الشيء المؤكد أن الشعر العربي األصيل والحداثي متى ما جمعا في منبر واحد ،فإن الكلمة الفصل هي لألصالة ال للحداثة، وأكبر دليل مسابقة الشعر في قناتي (أبو ظبي) و(المستقلة).
< م��ط��ال��ع��ات��ي ال��ح��رة ك��ان��ت م��ق��ص��ورة ع��ل��ى الشعر الجاهلي وشعر صدر اإلسالم واألموي والعباسي وكتب األدب األصيلة ،وهو ما كان له األثر الكبير في تشكيل هويتي األدبية. > أبيات قلتها ولها وقع في نفسك ..وتحب أن تنشرها عبر هذا الحوار > هل كونك أستاذا للنحو والصرف له تأثير على شكل القصيدة ع��ن��دك؟! بمعنى آخ��ر؛ هل تشعر < هناك أبيات من قصيدة بعنوان :على لسان أب بمطرقة النحو أثناء والدة القصيدة لديك؟! عقه أبناؤه: < أبداً ..علما بأن موازين الشعر الخليلية (العروض والقافية) من أهم أسلحتها علوم اللغة؛ لكني إبان كتابة الشعر أنسى أنني نحوي.
> لوحظ ف��ي اآلون���ة األخ��ي��رة قلة اهتمام المتلقي بالشعر العربي الفصيح ،حتى أن بعضهم أصبح ال ي��ت��ذوق��ه أو يستسيغه؛ ف��ي ال��وق��ت ال���ذي ن��رى فيه إقبا ًال شديد ًا على شعر الحداثة حتى على الضعيف أو الساقط م��ن��ه!! فهل مَ���ردُّ ذل��ك إلى ثقافة المتلقي نفسه أم للشاعر أم لإلثنين معاً؟! وهل من وسيلة للخروج به من هذا المأزق؟
م��اذا أق��ول وق��د ضاقت ب ــي السـ ــبل وع����ن ح�����رارة ب��ث��ي ض���اق���ت ال��ج��م��ل؟ أفنيــت عم ــري ف��ي ك ــد وف���ي نكـد ح��ت��ى ي��ن��ي��ر خ��ط��ى أوالدي األم��ـ��ـ��ـ��ل ك��أن كفي إل��ى العلي ـ ـ ـ ــاء ق��د ثبتت وخلفه ــا الف ـ ــم ب���اإلذك���ار يبتهـ ــل وق��د مضت سنة الرحمن ف��ي ول��دي أن ي��ك��ب��روا وب��ن��ف��س��ي ي��ك��ب��ر األمـ ـ ــل ف��ك��م س��ك��ب��ت دم���وع���ي م���ن شكايتهم وال���ن���اس إالي ق���د أب��ك��اه��م ال��ط��ل��ل؟ > كلمة أخيرة يقولها شاعرنا أحمد السالم لمتلقيه عبر هذا الحوار..
خالل أمسية شعرية بدار الجوف للعلوم
< أه���دي إل��ى ك��ل متلق دي��وان��ي ال��س��اب��ع (دم���وع في مواجهة الطوفان) ..هذا أوالً؛ وثانياً ،إلى اللقاء على منبر من منابر اإلب��داع؛ أما ثالثاً ،فأقول له «طاب سماعك وشرفني لقاؤك».
* كاتب وشاعر أردني مقيم في السعودية.
اجلوبة -صيف 1429هـ 67
حوار مع األديبة سناء شعالن
أضخم مشروع أدبي للطفل العربي في العصر احلديث
> حاورتها دعاء صابر* سناء شعالن أديبة أردنية شابة ،تحمل درجة الدكتوراه تخصص «النقد الحديث» ،بدرجة امتياز من الجامعة األردنية ،وتعمل حالياً أستاذة في الجامعة ذاتها؛ ناقدة وقاصة وروائية ،ولها إصدارات نقدية وروائية وقصصية ومسرحية متنوعة؛ كما أ ّن لها محاوالت إخراجية لمسرح الطفل ،ومشروع قصصي لألطفال انبثقت عنه سبع قصص مصوّرة لألطفال .التقينا بها فكان لنا هذا الحوار: > الكتابة للطفل ،دّرب وعر يتحاشاه كثير من األدب��اء؛ ألنّ له شروط ًا خاصة ،ومعايير صعبة .لماذا اقتحمته األديبة سناء شعالن؟ < ألنّني أملك قلب طفلة ،وعقل امرأة ،وفكر فنان ملتزم؛ فقلب الطفلة هو الذي يجعلني أحبّ ك ّل النّاس ،وأحلم مع ك ّل الحالمين السيما األطفال منهم ،وأفكر بقلوبهم النقية التي ال تعرف من الدّنيا إ ّال انتظار ك ّل جميل ،وعشق ك ّل ح ّر محلّق في عالمه دون قيود ،وقلبي هذا هو قلب الطفلة التي داعبتها أميّ الحانية ،بقصصها التي ال تنتهي ،فما زلتُ أذكر ،حتى اآلن ،ولعي الطفولي الشديد بالقصص الخرافيّة ،التي كنت أعدّها وما أزال كنزاً ال ينضب ،تغرف أمّي منه في ك ّل ليلة ،وتهبني منه بسخاء ،وترسلني بقصصها وقبلها إلى عالمه السحري الرائع؛ ولطالما ظننت أ ّن هذا الكنـز لي وحدي ،أليست أمّي هي القيّمة عليه؟! د .سناء شعالن
ال أو طفلة يحفظان ما أحفظ من القصص؛ ظ ّنًا منّي أنّها تعود وكنت أتميّز غيظاً إذا علمتُ أ ّن طف ً لي وحدي؛ فـ «سندريالّ» صديقتي المسكينة ،و«عقلة األصبع» صديقي القزم المشاكس ،و«عروس البحر» تبوح لي بأسرارها ،و«األمير الوسيم» قد يخطبني عندما أكبر ،و«السّ احرة الشرّيرة» كم أتمنّى أعضها ،و«شهرزاد» تملك -مثل أمّي -الكثير من القصص ،و«عنترة» ليس أقوى من أبي!! أن ّ وما كنتُ ألتسامح مع أيّ رواي��ة تغيّر كلمة ممّا أحفظ ،العتقادي الطفولي الراسخ أ ّن حكاياتي مقدّسة ،ال تحتمل أيّ تحريف .فيما بعد سلّمت بأ ّن شركائي في هذا الكنز كثر ،وال طاقة لي باالستئثار به دونهم ،وقبلتُ بالعشق الشديد لقصصي غنيمة في هذه القسمة.
68
اجلوبة -صيف 1429هـ
وعقل ال��م��رأة ال��ذي فطره الله على الحبّ الشّ ديد يخصهم ّ لألطفال ،والحرص عليهم ،والقلق إزاء ك ّل ما هو ما جعلني أتجه إلى أدب األطفال؛ ألقدّمه عبر ما أتمنى أن يقرأه ابني وأب��ن��اء غير ي ،فيرتقي بمداركه وحواسه ،ويخاطب عقله وخياله .أمّا فكر الفنان الملتزم الذي يحاصرني ،فهو ما جعلني أخطو تجاه هذه األدب الصعب الممكن؛ ألق��دّم أدب��اً أزع��م أنّه السّ هل الممتنع ّ يربط الطّ فل بعالمه وحضارته وموروثه وواقعه ،ويرتقي به عن الخرافات واألوهام واألكاذيب والعنف والتحيّز. > هل المرأة مضطهدة أدبياً؟ < المرأة مضطهدة إنسانياً ،وهذا االضطهاد له أشكاله األوسع واألخطر ،من رفض أو إقصاء أو إبعاد أديبة، أو إعدام قلم ،أو حصار فكرة؛ والمرأة منذ شرعت تكتب قوبلت بالرّفض واالضطهاد ،وتعرّضت النساء اللواتي وقعن في غواية الكتابة لضغوط كبيرة في سبيل إبعادهن عن هذا العالم ،ومن وسائل الضغط تلك :اتهامها بأ ّن رجاالً يكتبون لها ،كما جرى مع وردة اليازجي التي أُتهمت بأ ّن أباها وأخاها يكتبان الشّ عر لها ،وتزهيدها بالكتابة وتخويفها منها ،وتعريضها لليأس من شباة القلم ،وإيصالها إلى حافة الجنون، كما حدث لباحثة البادية ومي زيادة ،واتهامها بالتطفّل على الكتابة ،وأ ّن العلم والثقافة ليسا للمرأة ،وأ ّن كتابتها دلع! وأعتقد أ ّن مشكلة المبدعة تكون أكبر إن كانت جميلة أو متميّزة أو ناجحة اجتماعياً أو صاحبة موهبة كبيرة ،عندها سيجيّر إبداعها إلى غيرها، وسيشكّك بنزاهة منجزها ،وس��وف تتعرّض للكثير م��ن ع��روض النّخاسة وال�� ّرق��ي��ق األب��ي��ض ،وستدخل في الكثير من الحروب التي تشغلها عن إبداعها، وتدخلها في دوامة عي وضياع ،إ ّال إن استطاعت أن تنتبذ بنفسها مكاناً قصياً ،وتخلص إلبداعها دون غيره.
هي حقيقة ندرة تشمل الرّجل المبدع أيضاً ،فاإلبداع للطفل في الوطن العربي يعاني من الندرة والتخبّط، وغ��ي��اب المنهجية ،وال��رق��اب��ة ،والخطط الواضحة، والتفرّغ ،وتدنّي السّ وية ،وتذبذب اإلنتاج ،وغيرها من المشاكل التي تجعل أدب الطفل ميداناً خالياً يطرقه أيّ هاو أو فضولي بجملة ما يطرق من أبواب، ��رب سهلة أرض ممهّدة ،وح ًٌ معتقداً أ ّن هذا األدب ٌ الخوض ،وال يجد من يراقبه ويحاسبه على أدائ��ه يمس بالدرجة األولى في هذا األدب المهم ،ال��ذي ّ مستقبل األمة ،ويوجّ ه الناشئة إلى الطريق التي قد تكون الدّرب إلى الهاوية إن أساء في ما يقدّم. الكتابة للطفل ه��ي أدب خطير وصعب بحق ،هي باختصار أص��ع��ب ف��ن إب��داع��ي؛ أل ّن���ه ف��ن ل��ه م��ح��دّدات��ه وشروطه وفنياته العالية وتقنياته الدّقيقة الحسّ اسة، ول��ي��س ف��ن��اً س��ه�لاً ،ي��ط��رق��ه ك��� ّل م��ن ال ي��ج��د ل��ه م��ك��ان��اً، مستبيحاً فيه األخطاء والضعف والوهن والالمنهجية بل والالإبداع أصالً. > من البدهي أنّ الكتابة لألطفال فن راق يصنع جي ًال عربي ًا جديداً .فهل تقدم سناء شعالن الجديد في قصصها الموجهة للطفل العربي ،من خالل أفكار جديدة يتمّ طرحها؟ < ي��روق لي أن أتبنّى مقولة الجاحظ ال��ذي يعتقد أنّ ال أفكار جديدة ،ولكن هناك تعبير وعبارات وأش��ك��ال وق��وال��ب ج��دي��دة ،وأن���ا ال أراه���ن أب��داً على األفكار الجديدة ،بل أراه��ن على األشكال الجديدة واالستراتيجيات المدروسة ،والخطط البناءة المثمرة.
أدب الطّ فل عندي ليس ألعوبة أو تسلية للطّ فل، ب��ل ه��و متعة م��دروس��ة ،محمّلة بالتربية والتكوين، والتشكيل لوعي الطفل وإدراك��ه وفهمه وأحاسيسه وضميره واهتماماته؛ لذلك عندما أكتب للطفل، > يعاني وطننا العربي -على الرّغم من رحابته -من أح���رص أن ي��ك��ون م��ا أق�� ّدم��ه ل��ه درس���اً ف��ي التربية ّ ندرة في اإلب��داع النسائي الموجه للطفل.فهل هذا المشكّلة على شكل ممتع ،فأبطال قصصي مسلمون تقصير أم حذر من صعوبة هذا الفن؟ خيّرون بانون ومحبون للحياة ،متصالحون مع ذاتهم < هذه النّدرة ليست حكراً على إبداع المرأة للطّ فل ،بل محبون لمجتمعاتهم ،ال مجرد كائنات خيالية خارقة
اجلوبة -صيف 1429هـ 69
تدمّر وتقتل وتنتقم ،وليس لها عالقة بمجتمعها، وال تعي واقعها ومعضالته ،وال تحاول أبداً أن تجد مخرجاً إيجابياً ألزماتها. > قصة ال ّ��ط��ف��ل م��ن األج��ن��اس األدب��ي��ة المهمة.كيف تستطيع سناء شعالن توظيف اللغة واختيار المعجم المناسب للفئة العمرية التي تكتب لها ،فتخاطب قدراتهم اللغوية والعقلية في آن واحد؟
للغاية والوظيفة؛ ول��ذا فأنا مستسلمة تماماً لنداء الحالة اإلبداعية عندي ،ومنساقة لشكل الدفقة التي تأخذ شكلها دون إرادت��ي ،ولكن ب��إدراك لخصوصيتها وم��ح��ددات جنسها ولتجليات حالتها .وعندما أكتب قصة على سبيل المثال ،فهذا يعني أ ّن الدفقة الشعورية عندي ال يمكن التعبير عنها في لحظتها إال في القصة دون غيرها من األشكال اإلبداعية ،وهذا ينطبق على ك ّل األشكال األدبية والنقدية التي أكتبها وفق إمالءات الحالة.
< قبل أن أكتب أيّ قصة أح��دّد المرحلة العمرية التي سأكتب ل��ه��ا ،وف��ي ال��غ��ال��ب أك��ت��بُ للمرحلة الوسطى والثالثة ،وعندما أشرع في كتابة القصة أوجّ ه اهتمامي وقضية ال��وق��ت هنا ليست قضية وظيفة ،بقدر م��ا هي استجابة زمنية لحاجة ال��ك��ت��اب��ة ،وي��غ��دو م��ن السّ هل إلى استعارة المعجم التاريخي للفترة التي أكتب عنها، عند وجود التدفق إيجادها وتوفيرها .وهي من تخلق والسيما عندما أكتب قصصاً مستوحاة من التاريخ؛ الحميمة في تلك اللحظة ،فعندما أكتب القصة تكون ولذلك أعمل على تكوين معجم مقتبس من تاريخ أبطال ه��ي األث��ي��رة ع��ن��دي ،وعندما أكتب ال��رواي��ة تكون هي ال��ق��ص��ة ،وم��ن وح��ي مجتمعاتهم وحياتهم وأعمالهم األخرى األثيرة حينها ،وعندما أكتب النقد يكون كذلك وحضارتهم ،وبذلك يتوافر للطفل معجم جديد ،أوفّر قي تلك اللحظة. ل��ه معناه ضمن سياق القصة عبر أق���واس تفسيريه بألوان مختلفة ،فال يجد الطفل مناصاً من أن يتوقّف > ح��ص��ل��ت س��ن��اء ال��ش��ع�لان ع��ل��ى ع��ش��رات ال��ج��وائ��ز في عند معاني الكلمات حتى يعرف معانيها؛ ليكمل قراءة مجاالت القصة والمسرح والرواية ،وكان آخرها جائزة القصة ،وبذلك يتوسّ ع معجم الطفل دون أن يعاني من المسرح من وزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية الدروس الجافة أو من عبء الحفظ االعتباطي. عن مسرحية دعوة للعشاء لهذا العام ،وجائزة شرحبيل ب��ن حسنة ألدب األط��ف��ال للعام 2008م ع��ن قصتك كما أنّني معنية باللغة الرشيقة الخالصة من الهنات لألطفال «زرياب» ،فهل يمكن أن تحدثينا عن تجربتك واللحن واألخطاء ،ولذا فإن قصصي مضبوطة الحروف، اإلبداعية من بدايتها؟ مشكولة األواخر. والخبرة والمراس وممارسة التّدريس هيأت لي أن أكون موفّقة في اختيار المعجم ومستوى اللغة الموظّ فة، وأل��ج��أ إل���ى اخ��ت��ب��ار ال��ق��ص��ص ق��ب��ل ن��ش��ره��ا م��ن قبل الفئة العمرية المستهدفة؛ فأقرأها على مسمع بعض األطفال ،وأدرس ردود أفعالهم وانطباعاتهم وأسئلتهم. > س��ن��اء ش��ع�لان لها ال��ع��دي��د م��ن ال��م��ؤل��ف��ات ف��ي حقول القصة والنقد والمسرح وأدب الطفل وال��رواي��ة .كيف تجدين الوقت للتوفيق بينها جميعاً؟ وما هو الحقل المحبّب لك من هذه الحقول؟ < التوفيق بين هذه الفنون ليس غاية أو وسيلة ،ولكنه ض���رورة مرتبطة ل��زوم��اً بالدفقة الشعورية والشّ كل التعبيري والحالة االنفعالية ومن ثم بمالءمة الشكل
70
اجلوبة -صيف 1429هـ
< أع��ت��ق��د أ ّن ت��ج��رب��ت��ي اإلب���داع���ي���ة م��رت��ب��ط��ة بتجربتي األكاديمية وتجربتي اإلنسانية والنفسية والروحانية، وهي تجربة يطول الحديث عنها ،ولكن يمكن اختزالها في أنّني شخصية جادّة ،تمضي معظم وقتها في العمل والقراءة واإلنتاج والتواصل والدراسة ،فأنا قليلة النّوم واالن��خ��راط في الحياة االجتماعية الخاصة ،وأصف نفسي بالنشيطة والمتواصلة والمتفاعلة والمتابعة. كما أنّني صاحبة فضول عمالق ،يجعلني ال أم ّل من ال��ق��راءة وال��ت��ع��رّف على ت��ج��ارب اآلخ��ري��ن وإبداعاتهم وعلى حضاراتهم ومنتجاتهم وأفكارهم ورؤاهم.وحلمي ال��م�لازم المقيم هو البحث عن عالم أجمل في هذا الكون المنشغل بخالفاته وحروبه.
> الفنان س��واء ك��ان ش��اع��ر ًا أو أدي��ب�� ًا أو روائ��ي�� ًا يحاول إخ����راج ال��ج��دي��د م��ن ج��ع��ب��ت��ه .ف��م��ا ال��ج��دي��د ال��ذي للطفل العربي؟ تستطيع سناء الشعالن تقديمه ّ < الجديد هو مشروعي العمالق سلسلة «الذين أضاءوا ال��دّرب» ال��ذي أحلم بأن يكون بصمة خالدة لي في عالم أدب الطفل العربي والمسلم. > سلسلة «الذين أضاءوا الدرب « مشروع ضخم يحسب لألديبة سناء شعالن .فهل تلقين قلي ًال من الضوء على هذا المشروع الرائع؟
والسلسلة تطمح إلى أن تقدّم في مرحلتها األول��ى أل���ف ق��ص��ة عبر خطة زمنية تمت ّد إلى سنوات ،أخذ ن������ادي ال��ج��س��رة على عاتقه إنتاج جميع قصصها، ال�������ت�������ي ت���ح���ف���ل ب��ال��ش��ك��ل األن��ي��ق وال�� ّرس��م الجميل ال��ذي يجذب الطفل إل��ى المجموعة ،ويفتحه على التخيّل ،فهي قصص مقدّمه ضمن ش��روط طباعة ورسم وإخراج ومونتاج عالية الجودة.
< مشروع سلسلة «ال��ذي��ن أض���اءوا ال���درب» ال��ذي رأى ال��ن��ور أخ��ي��رًا ت��ح��ت مظلة ن���ادي ال��ج��س��رة الثقافي االج��ت��م��اع��ي ف��ي ق��ط��ر ،ي��ق��دّم أد ًب���ا غير م��ل��وث ،وال مسمم للناشئة العرب والمسلمين ،وذلك ٍ مشوهٍ وال عبر قصص منفصلة تتضمن شخصيات من التاريخ اإلسالمي كان لها فضل حمل نبراس العلم ،وإضاءة > هل تؤمنين بما يسمّ ى بـ «طقس الكتابة»؟ ال���دّرب لإلنسانية في شتّى حقول المعرفة والعلم وال��ف��ن��ون واإلب����داع وال��ت��م�� ّي��ز .وه���ذه القصص تُ��ق��دّم < أؤمن بأ ّن الكتابة حالة ذاتية مفتوحة -قبل ك ّل شيء- على الرّوح والعالم الداخلي للمبدع ،وعلى ك ّل أسراره ممتع ومبسّ ط ،يالئم األطفال تحت بأسلوب حكائي ٍ ٍ وعوالمه وأحالمه وإرثه اإلنساني الذاتي والخبراتي، سن السادسة عشرة. وأكاد أجزم أ ّن لك ّل مبدع طقوساً إبداعية ،حتى الذين وقد حرصت السّ لسلة على تقديم شخصيات خالدة يزعمون أن ال طقوس لهم ،فهم بإصرارهم على عدم ق�� ّدم��ت الكثير والمميز ف��ي حقول المعرفة والعلم وجود طقوس إنّما يجعلون ذلك طقساً في ح ّد ذاته. والريادة اإلنسانية ،ولكنّها لم تُكرّس كما يجب في قصص لألطفال ،وبات من الواجب أن تُقدّم لألطفال طقوس كتابتي مقدّسة والزمة عندي ،وأكاد أعدّها ٍ البوابة لتحوّل الحالة الذهنية والشعورية والذاتية في قصص تراعي ذوق األطفال وفهمهم وإدراكهم، عندي إلى كتابة ،ال أستطيع أن أكتب أيّ عمل إبداعي وتمدّهم بما يحتاجون إليه من معلومات دقيقة متكئة إال على ورق أزرق وبقلم حبر سائل أزرق أو أحمر.. على أم��ه��ات الكتب وم��ص��ادره��ا ،ف��ه��ذه المجموعة ال يمكن أن أكتب إال إذا كنت أسمع موسيقى واضع القصصية تعمل على الحفاظ على ذاكرتنا القومية، وأفضله. ّ العطر الذي أحبّه حيث تستعرض قصص حياة علماء قلّما يتناولهم > أخيراً :بماذا تحلم سناء الشعالن؟ البحث ،ويجهلهم الكثير من أطفالنا الناشئة.
كما تُعنى قصص السّ لسلة بتعزيز الكثير من القيم االيجابية ،وتحّ ث عليها ،مثل :اإليمان بالله ،والصبر، واإلخ�ل�اص ،والشجاعة ،والتصميم واإلرادة ،والعمل ال���ص���ادق ،وح����بّ ال��ع��ل��م وال���وط���ن واأله�����ل ،وال��ت��ع��اون، والمغامرة ،واالكتشاف..،الخ.
< أحلم بعالم ليس فيه دمعة أو صرخة أو سجون أو أسوار أو جياع أو ظلم أو ظلمة ،أحلم بجنّة الله على األرض ،إ ّال أنّني أعرف أ ّن جنّة الله في السّ ماء ،ولن تكون أبداً في األرض مهما حلم الحالمون ،واجتهد المجتهدون.
* كاتبة من مصر.
اجلوبة -صيف 1429هـ 71
حوار مع الروائية السعودية
عائشة الدوسري ذات ال 22عاما
معلمة لغة إجنليزية حتلم بأن تصبح روائية مشهورة > حوار :ياسر عبدالباقي * تحلم عائشة الدوسري ،معلمة اللغة االنجليزية ،بأن تصبح روائية مشهورة ،من خ�لال روايتها األول��ى «موعد مهم ج��داً» ،وه��ي ت��رى أن الرواية السعودية أصبح لها رواج وانتشار كبيران ،وتالقي اهتماماً في معارض الكتب على المستويين المحلي والعالمي .كما تؤمن الدوسري بأنها تستطيع أن تفرض نفسها؛ ألنها تحاكي هموم المجتمع وأحالمه.. وللتعرف أكثر على هذه الروائية ،كان لنا معها هذا الحوار: > كيف تقدمين نفسك للقارئ؟ < أقدم نفسي للقارئ من خالل ما أكتب .ففي روايتي «موعد مهم جداً» قد يراني القارئ بشخصية «حسين» طوال الوقت ،إذ تجري أحداث القصة على لسانه ,وقد يراني بشخصية «ف��رج» المرحة ،أو «مريم» الغلبانة ،أو حتى «عبادي» االنتهازي؛ وقد أجمع ما بين كل تلك الصفات ،وقد تسيطر عليّ واحدة منها .وبعيداً عن الرواية أقدم نفسي للقارئ كاتبة جديدة قادمة للساحة األدبية ،تمارس الكتابة كهواية وعشق ،منذ الطفولة وحلم تراه حقيقة .وبعيداً عن الساحة األدبية أقدم نفسي معلمة للغة اإلنجليزية ومهتمة بالترجمة. > ماهي وقائع روايتك «موعد مهم جداً»؟ < «موعد مهم جداً» إنها الرغبة الحقيقية في التغير دون الفهم الحقيقي لماهيته .تدور أحداثها حول األستاذ (حسين الراضي) ،المدرس في إحدى المدارس الثانوية ،والذي عُدَّ يوما ما قدوة، راض إلى ليس فقط لطالبه ،ولكن ألهالي الحي كافة؛ يثور على وضعه ومجتمعه ويتحول من ٍ ساخط .تكالبت عليه ظروف الحياة؛ فهو المعيل الوحيد ألخواته البنات ووالدته ،بعد وفاة أبيه، تأزمت حياته بعد أن انسحبت منها الحبيبة (نوارة) ،لتتزوج بأخر ميسور الحال ..فيقرر حينها التمرّد على ظروفه متخذاً من (عبادي) ،الذي ترك الحارة وأصبح من األثرياء قدوة له.
سنرى بين طيات القصة الصراع النفسي ،داخل حسين ورغبته في التغير ..وكيف تكون النهاية؟ وكيف سيصل حسين إلى مبتغاة؟ وهل سيصل ويكون راضيا في النهاية؟
> برأيك هل ساعد األعالم في انتشار الرواية السعودية؟ < إلى حد ما ..نعم أسهم من خالل معارض الكتب ،التي تقام داخل المملكة وخارجها ،وقد شاهدنا
72
اجلوبة -صيف 1429هـ
مؤخراً معرض الرياض الدولي للكتاب الذي ضم العديد من الكتب من جميع أنحاء العالم.
ويسهم اإلعالم السعودي كذلك من خالل إعالمه المرئي والمسموع والمقروء ،ومن خالل المواقع وال��م��ن��ت��دي��ات ،وح��ت��ى المقاهي األدب��ي��ة ،ورص��د الجوائز األدبية وتشجيع بعض دور النشر للكتاب المبتدئين ،م��ن خ�لال تقسيط ال��دف��ع لتسهيل عملية طبع الكتاب ونشره وتوزيعه.
> وأنت هل ساعدك األعالم على األقل في الدعاية لروايتك األولى؟
ال يهمني التنميق ف��ي األس��ل��وب ،وال الزخرفة ال��ل��غ��وي��ة ال��ت��ي ي��ن��ص��رف إل��ي��ه��ا ب��ع��ض ال��ك��ت��اب، متخذين م��ن ال��رواي��ة أس��ل��وب إن��ش��اء ووص��ف. ومن منطلق «خاطبوا الناس على قدر عقولهم» آم��ل أن أف��رض نفسي وأن��ا متأكدة من حسهم األدبي ،ووعيهم لما يقرؤون .ليس بهذه السهولة تفرض رأيك ونفسك ،ولكن كن كما أنت مؤمن بنفسك ،وبجمهور القراء الذين تكتب لهم ,فلتكن أفكارنا واقعية ،وأسلوبنا بسيطاً وواضحاً حتى نصل إليهم .ولكي نصل إليهم ،علينا أن ندخل عالمهم.
< إلى حد ما أستطيع اإلجابه بنعم ,فككاتبه مبتدئة لم يصدر لي س��وى رواي��ة واح���دة ،منذ أق��ل من أربعة أشهر ,فقد وجدت دعماً ال بأس به ،سواء < طبعا ..تعد ال��رواي��ة وسيلة من وسائل التعبير, تحكي حال المجتمع وحيثياته ،وفي الوقت نفسه، من دار الكفاح للطباعة والنشر أو من الصحافة تنفّس عن مكنونات صاحبها ويشارك بها جمهور المحلية ،أوال��ن��وادي األدبية التي أب��دت تعاونها القراء. ودعمها. > كيف تنظرين إلى واقع الرواية اليوم في السعودية > فتاة سعودية عمرها 22سنه تعرف نفسها بأنها خاصة ،والوطن العربي عامة؟ روائية ولديها 12رواي��ة ،وصدر لها مؤخرا رواية (أنسية) .هل أصبح من السهل في السعودية أن < في ظل العولمة الحاصلة اليوم ،والعالم الذي أصبح قرية صغيرة ،وانصراف الناس إلى وسائل تصبح روائي ًا ؟ الترفيه والتقنية الحديثة ،المتمثلة بالشبكة < يقول أحد الزمالء من يقرأ 500قصه قصيرة و50 العنكبوتية والهواتف النقالة والفضائيات ,انحسر رواية فهو روائي! وإن كنت أختلف معه في الرأي. دور الرواية كوسيلة للمتعة وقتل أوقات الفراغ، في رأيي المتواضع أن تكون روائيا؛ يعني أن تملك ح��ت��ى أن م��ن ي��ق��رأ ال��ي��وم ف��إن��ه ي��ق��رأ م��ن النت ثالثة أسس وهي الفكرة واألسلوب والحبكة .وأرى والمنتديات .ولكن ه��ذا لم يمنع وج��ود مهتمين من السهل أن تصبح روائياً سواء في السعودية أو بالقراءة .والرواية السعودية تالقي اليوم رواجاً غيرها ,أذا امتلكت الموهبة. وصدىً أسهمت فيهما وسائل اإلعالم المختلفة، > «موعد مهم ج��داً» هو كتابك األول ،لم أج��د لك وظهر العديد من الروائيين السعوديين ،ومنهم أي كتابات أخرى من خالل شبكة اإلنترنت ..كيف مبدعون قادمون للساحة بقوة؛ والرواية السعودية ستفرضين نفسك في الساحة األدبية ؟ ال تختلف عن مثيلتها العربية من حيث االنتشار < هذه الرواية هي أولى إصداراتي األدبية ،ولن وإقبال القراء عليها ،وإن كانت الرواية السعودية تكون األخيرة بإذن الله .أنا ابنة المجتمع احكي تالقي الدعم الواضح واالهتمام الكبير من قبل همومه ،وأش��ارك��ه أح�لام��ه ،وأت��ح��دث بلسانه.. معارض الكتب محليا وعالميا. > في رأيك هل الرواية وسيلة من وسائل التعبير ؟
* كاتب وقاص من اليمن.
اجلوبة -صيف 1429هـ 73
الدكتور عبدالوهاب املسيري سيرة حافلة بالعلم
> احملرر الثقافي بعد معاناة مع مرض السرطان ،وعن عمر ناهز الـسبعين عاما، وف��ي اليوم الثاني والعشرين من شهر يوليو ع��ام ألفين وثمانية ميالدية ،رحل عن عالمنا أ .د ،عبدالوهاب المسيري ،أحد أهم المفكرين في عالمنا اإلسالمي ،بعد أن أضاف إلى المكتبة العربية ع��ش��رات الكتب وال��م��وس��وع��ات؛ نسأل الله ع��ز وج��ل أن يغفر له ويرحمه ويُعلي منزلته .وتقدم «الجوبة» في هذا العدد إطاللة على سيرته الذاتية وتعريفاً بأهم أعماله الثقافية والفكرية.
ن��������واف��������ذ 74
وُلد المسيري في دمنهور بمصر عام 1938م ،وتلقى فيها تعليمه االبتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور) ،والتحق عام 1955م بقسم اللغة اإلنجليزية بكلية اآلداب بجامعة اإلسكندرية ،وعُين معيدًا فيها بعد تخرجه ،وسافر إلى الواليات المتحدة عام 1963م ،حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964م (من جامعة كولومبيا) ،ثم درجة الدكتوراة عام 1969م من جامعة َرتْجَ رز (( )Rutgersمرحلة الجذور) .وبعد عودته إلى مصر عمل بالتدريس في جامعة عين شمس ،وفي عدة جامعات عربية منها جامعة الملك سعود (1988 – 1983م) ،كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية ،وجامعة ماليزيا اإلسالمية ،وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية واالستراتيجية باألهرام (– 1970 1975م) ،ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة األمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979م) .وكان عضو مجلس األمناء لجامعة العلوم اإلسالمية واالجتماعية بليسبرج بوالية فرجينيا بالواليات المتحدة األمريكية ،ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والواليات المتحدة وإنجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر). نال عدة جوائز من بينها «جائزة أحسن كتاب» في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام2000م عن موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» ،ثم عام 2001م عن كتاب «رحلتي الفكرية» ،وجائزة العويس عام 2002م عن مجمل إنتاجه الفكري .وحصل على جائزة الدولة التقديرية في اآلداب لعام 2004م.
اجلوبة -صيف 1429هـ
كما نال عدة جوائز محلية وعالمية عن قصصه وعن ديوان الشعر لألطفال. تزايد االهتمام بأعمال الدكتور المسيرى ،فصدرت عدة دراسات عن أعماله ،من أهمها« :فى عالم عبدالوهاب المسيرى :كتاب ح���واري» من جزأين (2004م) ،وكتاب تكريمي بعنوان «األستاذ الدكتور عبدالوهاب المسيرى في عيون أصدقائه ونقاده» ،ضمن سلسلة «علماء مكرمون» لدار الفكر بسوريا يضم أعمال مؤتمر «المسيرى :الرؤية والمنهج» ،الذي عُقد في المجلس األعلى للثقافة في فبراير عام 2007م .كما ظهر عدد خاص من مجلة أوراق فلسفية عام 2008م ضم العديد من دراس��ات العلماء والباحثين العرب في الجوانب المتعددة للدكتور المسيرى.
(م��ا بعد ال��ح��داث��ي) ،إذ يفضل المسيري أن يتعامل مع الشكل في النقطة التي يتقاطع فيها مع المضمون بحيث يعبر المضمون عن نفسه من خ�لال الشكل ،وال يمكن فصل الواحد عن اآلخر إال كضرورة تحليلية .ويتناول كل فصل من فصول الكتاب موضوعا مختلفا ،فهناك فصل عن «الشعراء والموت» وآخر عن «الشعراء والزمن» وثالث عن «نزع القداسة عن العالم». ف��ي األدب وال��ف��ك��ر :دراس���ات ف��ي الشعر والنثر ( -مكتبة الشروق ،القاهرة 2007م).
يضم ه��ذا الكتاب مجموعة م��ن ال��دراس��ات األدب��ي��ة المتنوعة على مستوى الشكل والمضمون بل والمنهج ،وإن كان ينتظمها خيط واحد ،فجميعها يتناول قضايا فكرية متنوعة؛ كما أنها جميعاً تلتزم بعدم إطالق أي تعميمات أهم مؤلفاته ونستعرض هنا أهم مؤلفات المفكر الراحل تكريما نقدية دون ق���راءة متمعنة ف��ى ال��ن��ص��وص ودون تجريد النموذج اإلدراكى الكامن فى كل جزئيات النص وتفاصيله، له: ثم تحويله إل��ى نموذج تحليلي يستخدم فى ق��راءة هذا دراسات في الشعر ( -مكتبة الشروق ،القاهرة 2007م). النص فى كليته وتكامله. يضم ال��ك��ت��اب مجموعة م��ن ال��دراس��ات النقدية في صمويل ت��اي��ل��ور ك��ول��ي��ردج ،قصيدة ال��م�لاح ال��ق��دي��م فى الشعر (تخصص الدكتور المسيري األك��ادي��م��ي) ،وهي سبعة أقسام ،باللغتين العربية واإلنجليزية ترجمة وتعليق كلها تتبع منهج ( )explication de texteوباإلنجليزية د .عبدالوهاب المسيرى ولوحات الفنانة د .رباب نمر، ( )explicationأو ( )close readingأي «ال��ق��راءة (أويكننج ،لندن -كاليفورنيا 2007م). النقدية المتمعنة»؛ وهو منهج يقتضي أال يصدر الناقد الّح يحوي هذا الكتاب النص اإلنجليزي لقصيدة «الم َ أي تعميم بدون أن يقوم بتحليل عميق لبنية النص ولغته وصوره المجازية ،وبدون أن يأتي بشواهد .وعلى الرغم من ال��ق��دي��م» للشاعر االن��ج��ل��ي��زى صمويل ت��اي��ل��ور ك��ول��ي��ردج، أنه ركّز على النصوص والبنية والصور المجازية بالدرجة وترجمتها إلى العربية .وتَعقُب الترجم َة محاول ٌة لتقديم األول����ى ،إال أن��ه��ا ال تسقط قراءة نقدية متمعنة موجزة ،تبين تالقى الرؤية المسيحية بأية حال في الشكالنية ،أي اإلنسانية م��ع ال��رؤي��ة اإلسالمية اإلنسانية .وق��د قامت أن يركز الناقد على الشكل الفنانة رباب نمر برسم تسع لوحات تصويرية للترجمة، وي��ه��م��ل ال��م��ض��م��ون ت��م��ام��اً؛ مُقدِّمة بذلك رؤية فنانة عربية للقصيدة. وه��و ات��ج��اه س��اد ف��ي اآلون��ة دراس���ات معرفية ف��ي الحداثة الغربية (مكتبة الشروق األخ��ي��رة ووص��ل إل��ى ذروت��ه الدولية ،القاهرة 2006م). ف��ي ال��ن��ق��د ال��ب��ن��ي��وي ،وإل��ى يضم ه��ذا ال��ك��ت��اب دراس����ات ع��ن ال��ح��ض��ارة الغربية ه��وت��ه ف��ي النقد التفكيكي ال��ح��دي��ث��ة وال��ن��م��وذج ال��م��ع��رف��ي ال��ك��ام��ن وراء نظرياتها
اجلوبة -صيف 1429هـ 75
وم��ن��ت��ج��ات��ه��ا ال���ح���ض���اري���ة، ويتناول بعض قضايا المنهج ال��م��ت��ص��ل��ة ب��ق��ض��ي��ة دراس����ة الحضارة ،وعالقة األفكار بالواقع. ال����ص����ه����ي����ون����ي����ة وخ����ي����وط ال��ع��ن��ك��ب��وت (دار ال��ف��ك��ر، دمشق 2006م). يضم هذا الكتاب عدة مقاالت تتناول طائفة متنوعة من األح��داث والظواهر المتعلقة باليهودية والصهيونية، وبمسار الصراع العربي الصهيوني .ويمكن القول إن هذه ال��دراس��ة ه��ي محاولة الس��ت��خ��دام ال��ن��م��اذج التي طورها المؤلف في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية :نموذج تفسيري جديد لتفسير األحداث والوقائع ،التي يتعرض لها الكتاب بالتحليل والمعلومات التي ترد فيه .ويحاول الكاتب -قدر استطاعته -أن يضع الحدث والمعلومات داخ��ل نمط متكرر ،م��ت��ج��اوزاً ال��ح��دث نفسه والمعلومة ذاتها ،ليكون أكثر عمومية منهما ،إضافة إلى وضعهما في سياقهما التاريخي والثقافي ،حتى يمكن فهمهما في أبعادهما المركبة. ال��م��وس��وع��ة ال���م���وج���زة :م��وس��وع��ة ال��ي��ه��ود وال��ي��ه��ودي��ة والصهيونية ،مجلدان (دار الشروق ،القاهرة ،2004طبعة ثانية 2005م). وهذه الموسوعة تلخيص لموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية التي صدرت في ثمانية مجلدات .وقد احتفظ المسيري بالمادة األساسية في موسوعته الموجزة ،ولكنه حاول تقريب موضوعاتها لتكون في متناول القارئ غير المتخصص. ِّ
«ح��دث ساخن» ،كما يقولون في عالم اإلع�لام؛ وهو يمثل جزءًا من توقعات القارئ من جريدته اليومية. ولكن مؤلف هذا الكتاب ال يؤمن بجدوى ما يسميه «الموضوعية المادية المتلقية» ،التي تتلقى تفاصيل ال��واق��ع ث��م تسجلها دون تصنيف أو ترتيب ،بهدف مراكمة المعلومات؛ ولذا فقد حاول أن يضع الحدث داخل نمط متكرر متجاوزاً الحدث نفسه وأكثر عمومية منه ،كما كان يضعه في سياقه التاريخي واالجتماعي والثقافي ،حتى يمكن فهمه في أبعاده المركبة؛ ولهذا تم تطبيق بعض المفاهيم التحليلية األساسية التي وردت في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية على األحداث اآلنية .وقد جمع المؤلف هذه المقاالت في كتاب ،بعد أن قام بإعادة تصنيفها حسب الموضوع األس��اس��ي الكامن ،وداخ���ل النمط المتكرر .وبذلك يمكن للقارئ أن ي��رى ال��ح��دث «ال��س��اخ��ن» ف��ي إط��ار النمط «الدافئ» والسياق الحي ،الذي يعطي الحدث معناه وأبعاده الحقيقية .فهناك مجموعة من المقاالت عما يسمى «القومية اليهودية» وأخ��رى عما يسمى «الشخصية اليهودية» وثالثة ع��ن الهيكل المزعوم ومحاوالت إعادة بنائه. الحداثة وم��ا بعد الحداثة باالشتراك مع د .فتحيالتريكي) (دار الفكر ،سلسلة لقرن جديد ،دمشق ٍ حواراتٌ 2003م).
ي��ت��ض��م��ن ه����ذا ال��ك��ت��اب ت��ل��خ��ي��ص��اً آلراء ال���دك���ت���ور ال���م���س���ي���ري ال����ت����ي ت��ت��ع��ل��ق بفلسفة م��ا ب��ع��د ال��ح��داث��ة. التجانس اليهودي والشخصية اليهودية ( -دار الهالل ،كما أنه يقدم دراسة مستفيضة لعالقة اليهود واليهودية كتاب الهالل2004 ،م). بها ،وسرداً للمواجهة التي حدثت في القاهرة بينه وبين يضم عدة مقاالت نُشرت في عدة جرائد عربية .الفليسوف الفرنسي جاك دريدا. وال��م��ق��ال األس��ب��وع��ي ي���دور -ع����ادةً -ح��ول ح��دث ما،
76
اجلوبة -صيف 1429هـ
ال��ب��روت��وك��والت وال��ي��ه��ودي��ة والصهيونية (دار الشروق، القاهرة يناير – 2003طبعة ثانية إبريل – 2003طبعة ثالثة م��اي��و – 2003طبعة رابعة يناير 2005م). تب ِيّن الدراسة أن الجذور الحقيقية للصهيونية هي االستعمار الغربي وم��ع��اداة السامية .وتخل ُص الدراسة إلى أن ترويج البروتوكوالت ويقوّض روح الجهاد .ويختتمها بفصل يبث روح الهزيمة ِ عن إبداعات انتفاضة 1987م وانتفاضة األقصى ،وكيف أن مثل ه��ذا اإلب����داع ل��م يكن ممكناً إال بعد أن نَفَض المنتفضون عن أنفسهم غُبا َر الخوف والهزيمة. الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة ( -دار الهالل، كتاب الهالل ،القاهرة2003م). ش��اع ف��ي ال��خ��ط��اب التحليلي ال��ع��رب��ي أن الصهيونية تضرب بجذورها في التوراة والتلمود والتقاليد الدينية ال واإلثنية اليهودية .وي��ذه��ب المسيري إل��ى أن ثمة خل ً تصنيفياً أساسياً هنا ،فالصهيونية ،كما تحاول أن تبين هذه الدراسة ،ذات جذور غربية ،ثم أضيفت لها ديباجات يهودية .فالبعد اليهودي في معظم األحيان بُعد زخرفي تبريري ،أضيف من أجل مقدرته التعبوية .وقد أدى هذا الخلل التصنيفي إلى خطأ االفتراضات التي تبدأ بها كثير من البحوث في العالم العربي ،وهذا يحدد -بطبيعة الحال المجال ال��ذي ترصده هذه البحوث ،وطريقة تصنيفالمعلومات والنتائج التي يصل إليها الباحث؛ فهي في معظم األحيان ليس لها قيمة تفسيرية أو تنبؤية عالية. وت��ت��ن��اول ه��ذه ال��دراس��ة تلك اإلشكالية ،وت��ح��اول أن توضح العناصر الغربية األساسية (المادية والمعنوية) ّ التي دخلت في تكوين الرؤية الصهيونية للواقع ،وأن تبين أن الصهيونية ليست مجرد انحراف عن الحضارة الغربية
الحديثة ،كما يحلو للبعض القول ،وإنما هي إفراز عضوي ل��ه��ذه ال��ح��ض��ارة ول��م��ا نسميه بالحداثة ال��داروي��ن��ي��ة ،أي الحداثة التي ترمي إلى تحويل العالم إلى مادة استعمالية، توظف لصالح األقوى (في مقابل الحداثة اإلنسانية التي ترمي إل��ى تحقيق ال��ت��وازن بين ال��ذات والطبيعة ،والتي تطالب بتكاتف كل أبناء الجنس البشري إلعمار األرض لصالح البشرية جمعاء بما في ذلك األجيال القادمة). دف��اع عن اإلنسان :دراس��ة نظرية وتطبيقية في النماذج المركبة( ،دار الشروق ،القاهرة 2003م). يتضمن الكتاب تعريفاً بالنماذج المعرفية ،وعالقة اإلدراك بالواقع ،ومقارنة بين النماذج االختزالية والنماذج المركبة ،كما يتضمن ج��زءاً عن عالقة المؤشر بكل من هذه النماذج .ويحاول الكتاب تطبيق المنهج التفسيري من خالل نماذج مركبة على ظواهر حضارية مختلفة ومتنوعة مثل الماسونية والرأسمالية ومعاداة السامية. ف��ي ال��خ��ط��اب والمصطلح الصهيوني( ،دار ال��ش��روق، القاهرة - 2003طبعة ثانية 2005م ). ه��ذا الكتاب محاولة للتأكيد على قضية محورية، هي قضية المصطلحات أو تسمية الظواهر واألشياء. فالمصطلحات تخبئ مفاهيم ،وهذه المفاهيم قد تكون صكَّ المصطلح معادياً لنا ورؤيته متحيزة ضدنا إن كان من َ للواقع تغيبنا وتهدر حقوقنا؛ فحينما يشير الصهاينة إلى «فلسطين» باعتبارها «إسرائيل» وإلى «القدس» باعتبارها «أورش��ل��ي��م» ،وحينما يتحدثون ع��ن «أم���ن إس��رائ��ي��ل» أو «ح��دوده��ا» فإنهم ع���اد ًة م��ا يعطون ه��ذه المصطلحات مضموناً متحيزاً ضدنا ،بل ومعادياً لنا .ومن هنا تبرز ضرورة إدراك هذا البعد في المصطلحات والتصدي له، وهذا ما تحاول أن تنجزه هذه الدراسة عن طريق تقديم خطوط نظرية منهجية عريضة مع بعض التطبيقات. اإلدراك الصهيوني للعرب والحوار المسلح( ،دار الحمراء، بيروت 2003م ). من أعقد القضايا التي يواجهها المحللون السياسيون
اجلوبة -صيف 1429هـ 77
ه��ي قضية ع�لاق��ة إدراك اإلن��س��ان ل��ل��واق��ع المحيط به وبسلوكه ،ومدى تأثير اإلدراك (والوعي واألفكار والرموز) في السلوك اإلنساني ،وكيف تكون استجابة اإلنسان الذي يتم تحدي خريطته اإلدراك��ي��ة؛ كما يحدث فى فلسطين المحتله حين يتحدى المنتفضون خريطة الصهاينه اإلدراك����ي����ه ال��ت��ي ت��س��ت��ن��د إل���ى م��ج��م��وع��ة م���ن األس��اط��ي��ر والديباجات التوراتية من خالل المقاومة أو ما نسميه الحوار المسلح .وهذه القضية ال تختلف كثيراً عن مشكلة الذاتية والموضوعية في العلوم اإلنسانية واالجتماعية بل والطبيعية .وهذا الكتاب يحاول أن يلقي بعض الضوء على ه��ذه القضية :ه��ذا هو هدفه ،وه��ذا ما يرمي إلى تحقيقه. م��ن االنتفاضة إل��ى ح��رب التحرير الفلسطينية :أث�� ُر على جائزة منظمة ( )IBBYالعالمية عام 2004م. االنتفاضة على الكِ يان اإلسرائيلي (عدة طبعات :القاهرة ان��ه��ي��ار إس��رائ��ي��ل م��ن ال��داخ��ل( ،دار ال��م��ع��ارف ،القاهرة دمشق -برلين -نيويورك -نشر إلكتروني ،حقوق2002م ). الطبع لل ُق َرّاء 2002م). الكتاب يضم دراس��ات متنوعة في الكيان الصهيوني، أراد المسيري أن تكون ه��ذه ال��دراس��ة عن انتفاضة تغطي ال��م��وض��وع��ات األس��اس��ي��ة التالية :الديموجرافيا مكمّلة لدراسته السابقة عن انتفاضة 1987م األقصى ِ ال��ي��ه��ودي��ة ،وال��ن��ب��وءات الصهيونية ،والعنف الصهيوني، االن��ت��ف��اض��ة الفلسطينية واألزم����ة ال��ص��ه��ي��ون��ي��ة :دراس��� ٌة وإعادة بناء الهيكل .ثم تتوجه الدراسة إلى قضية «انهيار ف��ي اإلدراك وال��ك��رام��ة .وفيها يب ِيّن االن��ت��ق��ال�� َة النوعي َة إسرائيل من الداخل» ،وكيف أن عوامل األزمة آخذة في التي حققها الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الكيان مقوّمات حياة التفاقم ،ولكنها لن تؤدي إلى االنهيار؛ ألن ِ الصهيوني ،واألث َر العمي َق الذي تركه هذا النضال عليه؛ الكيان الصهيوني ليست من داخله ،وإنما من خارجه ،فهو اب��ت��دا ًء بالخسائر االقتصادية التي ألحقتها االنتفاضة ال يحقق لنفسه االستمرار من خالل جهد المستوطنين بالتج ُمّع الصهيوني ،وم��روراً بالعوامل النفسية ،وانتها ًء ال��ص��ه��اي��ن��ة ،وإن��م��ا م��ن خ�ل�ال ال��دع��م األم��ري��ك��ي الغربي بظاهرة الفرار من الخدمة العسكرية وسقوط اإلجماع السياسي واالقتصادي والعسكري المستمر ،ولذا ،ال بد بخصوص االستيطان. من استمرار الجهاد ضد هذا العدو. أغنيات إل��ى األش��ي��اء الجميلة( ،دار ال��ش��روق ،القاهرة ٌ اإلنسان والحضارة والنماذج المر َكّبة :دراس���اتٌ نظري ٌة 2002م) وتطبيقية( ،دار الهالل ،كتاب الهالل ،القاهرة 2002م). دي��وان شعر (ح��ر) لألطفال ،يتحدث عن موضوعات ينطلق المسيري في هذا الكتاب من الفكرة المحورية الحياة األساسية؛ مثل الميالد والزواج واكتساب الخبرة األس��اس��ي��ة ف��ي ف��ك��ره :اخ��ت�لاف اإلن��س��ان ع��ن الطبيعة/ والموت .وقد حصلت هذه المجموعة الشعرية على جائزة ال���م���ادة ،وم���ن ثَ���� َّم ض����رورة اس��ت��خ��دام ال��ن��م��اذج المركبة س��وزان مبارك ألدب األطفال ع��ام 2002م ،كما حصلت لتفسير الظواهر اإلنسانية ،خاص ًة الظواهر التي تتجاوز
78
اجلوبة -صيف 1429هـ
المستوى السياسي أو االجتماعي أو االقتصادي ،وصوالً إلى المستوى الحضاري والمعرفي .فدراسة أي ظاهرة متعد َد األبعاد على هذا المستوى تتطلب نَموذجاً تحليلياً ِ ّ والمستويات ،مر َكّباً إلى أقصى درج��ات التركيب ،حتى يمكنه اإلحاط ُة بمعظم جوانب الظاهرة موضع الدراسة. فلسطينيةً كانت ولم َتزَلْ :الموضوعاتُ الكامن ُة المتواترةُ ف��ي شعر المقاومة الفلسطيني (نشر خ��اص ،القاهرة 2002م). مختارات من شعر المقاومة الفلسطيني ٍ يضم الكتاب حتى عام 1980م .وقد قسمت إلى عدة موضوعات رئيسة: جماليات ال��م��ق��اوم��ة ،ف��ي ال��م��راث��ي ،ف��ي ح��ب فلسطين، الصمود والمقاومة ،االنتصار .وتتناول مقدمة المسيري النقدية الطويلة ك َّل هذه الموضوعات ،وخصوصاً جماليات المقاومة ،التي تدور حول إشكالية الشاعر الذي يتطلع إلى تغيير المجتمع وتحطيم الظلم ،ولكنه يع ِبّر عن نفسه من خالل شكل جمالي ثابت ،متسق مع نفسه (وقد نُشرت هذه المقدمة من قبل باللغة اإلنجليزية في كتاب ال ُعرْس الفلسطيني ( ،)The Palestinian Weddingالذي تولى لوحات للفنان كمال ٍ المسيري تحريره) .ويضم الكتاب بالطة ،رسمها لهذا الكتاب ولكتاب آخر ،حرره الدكتور المسيري أيضاً (وهو كتاب عاش ٌق من فلسطين A Lover .)from Palestine مقدمةٌ ل��دراس��ة ال��ص��راع العربي -اإلسرائيلي :ج��ذورُه ومسارُه ومستقبُله (دار الفكر ،دمشق 2002م).
تشكّل الفلسفة المادية ال ِبنْي َة الفكرية التحتية ،أو ِ النموذج المعرفي الكامن للعديد من الفلسفات الحديثة: الماركسية والبرجماتية والداروينية وغيرها .كما أنها المرجعي الكام َن لرؤيتنا للتاريخ والتق ُدّم َّ تشكّل اإلط��ا َر ِ والعالقات الدولية ،بل وأحياناً ألنفسنا .وق��د ارتبطت الفلسفة المادية في عقول الكثيرين بالعقالنية والتق ُدّم والتسامح ...إلخ ،مع أن الواقع أبع ُد ما يكون عن ذلك! وي��ذه��ب المسيري ف��ي ه��ذه ال��دراس��ة إل��ى أن��ه ق��د حان الوقت لفتح باب االجتهاد بخصوص هذه الفلسفة؛ نظراً ألهميتها وهيمنتها على بعض أعضاء النُّخَ ب الثقافية والفكرية عندنا. اللغة والمجاز :بين التوحيد وو َْحدة الوجود( ،دار الشروق، القاهرة 2002؛ طبعة ثانية 2006م) ت��ت��ن��اول ه��ذه ال��دراس��ة م��وض��وع��اً ج��دي��داً ن��وع��اً ،وهو ع�لاق��ة اللغة وال��م��ج��از ب��رؤي��ة اإلن��س��ان ل��ل��ك��ون ،وت��ص��وره لعالقة الخالق بالمخلوق ،أي أنها تربط بين عدة مجاالت م��ن النشاط اإلنساني (ال��دراس��ات اللغوية وال��دراس��ات الدينية وال��دراس��ات النفسية)؛ وه��ي تنقسم إل��ى بابين، يتناول األول منهما الصو َر المجازية بوصفها تعبيراً متعيناً عن رؤي��ة اإلنسان للكون؛ إذ ترصد الدراسة الصورتين المجازيتين األساسيتين في الحضارة الغربية الحديثة: الصورة اآللية والصورة العضوية؛ كما يتم فيه تطبيق منهج تحليل الصورة المجازية كمدخل لفهم النموذج الكامن المهيمن على العقل الصهيوني ،سواء في عالقته بذاته أو في عالقته مع اآلخ��ر .أما الباب الثاني من الدراسة فيتعامل مع موضوع أكثر تجريداً ،وهو عالقة رؤية الكون الدال (المصطلح اإلشارة االسم) ِّ باللغة ،وإشكالية عالقة بالمدلول (المفهوم المشار إليه المس َمّى).
ي��ض��م ه���ذا ال��ك��ت��اب ستة فصول ،تحاول تقديم رؤية ش���ام���ل���ة ل����ج����ذور ال���ص���راع العربي اإلسرائيلي ومساره العَلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (ج���زآن ،دار ومستقبله. الشروق ،القاهرة 2002؛ طبعة ثانية 2005م). الفلسفة المادية وتفكيك أهمية ه��ذه ال��دراس��ة م��وازي�� ٌة تماماً ألهمية دراس��ة اإلنسان( ،دار الفكر ،دمشق المسيري للصهيونية واليهودية ،وتشكّل جزءاً من دراسة 2002م).
اجلوبة -صيف 1429هـ 79
أوس���ع ع��ن ال��ع��ل��م��ان��ي��ة .وت��ت��ن��اول قضية العلمانية (ف��ي عمقاً من اإلرهاب ،وهو العنف الصهيوني ،الذي يتب َدّى في جانبيها النظري والتطبيقي) من منظور مختلف نوعاً أكثر األشياء عمومية (نظرية األمن) ،وأيضاً في أكثرها التعريفات الشائعة ،خصوصية (الطرق االلتفافية). ِ عما هو سائد وشائع؛ فهي ال تتبنى بل ِ تفسيري جديد ٌّ تفرّق بين «العلمانية الجزئية» و«العلمانية الشاملة» ،الجماعات الوظيفية اليهودية :نموذجٌ كما يطلق عليها المسيري؛ والفرق بينهما أن العلمانية (دار الشروق ،القاهرة 2001؛ طبعة ثانية 2003م). الجزئية تطالب بفصل الدين عن الدولة وحسب ،بينما ي��ح ِ��دّد المسيري مفهوم الجماعة الوظيفية بأنها تلزم الصمت بخصوص القيم النهائية والمطلقة ،والحياة جماعة يستوردها المجتمع من خارجه أو يج ِنّدها من ال��خ��اص��ة ،وال��م��رج��ع��ي��ة ال��ن��ه��ائ��ي��ة ل��ل��ق��رارات السياسية داخله ،تُع َرّف في ضوء وظيفتها ،ال في ضوء إنسانيتها واالقتصادية والتربوية؛ أما العلمانية الشاملة فهي ليست وظائف ال يضطلع بها عاد ًة َ الكاملة ،ويَكِ ل المجتمع إليها فص َل الدين عن الدولة وحسب ،وإنما فصل القيم الدينية أع��ض��اءُ المجتمع ،إم��ا ألنها مُشينة (البغاء وال��رب��ا) ،أو واألخالقية واإلنسانية ،ال عن الدولة وحسب وإنما عن متم ِيّزة وتتطلب خبرة خاصة (الطب والترجمة) ،أو أمنية مجمل حياة اإلنسان في جانبيها العام وال��خ��اص ،وعن صيان المماليك) ،أو ألنها تتطلب الحياد (الخ ْ وعسكرية ِ المرجعية النهائية للدولة ولكل ق��رارات اإلنسان؛ بحيث الكامل (التجارة وجمع الضرائب) .ويتسم أعضاء الجماعة ت��ن��زع ال��ق��داس��ة ع��ن ال��ع��ال��م ،فتصبح ك��ل األم���ور نسبية، الوظيفية بالحياد ،وبأن عالقتهم بالمجتمع عالقة نفعية ويتحول اإلنسان والطبيعة إلى مادة استعمالية يوظفهما تعاقدية ،وهم عاد ًة عناص ُر حركية ال ارتباطَ لها وال انتماء، األقوى لصالحه؛ ونتيج ًة لهذا يظهر العلم المنفصل عن تعيش على هامش المجتمع ف��ي حالة اغ��ت��راب ،ويقوم القيمة ،والجس ُد المنفصل عن القيمة ،والحياةُ المنفصلة المجتمع بعزلها عنه ليحتفظ بمتانة نسيجه المجتمعي. ع��ن القيمة ،وتظهر المنظومة «ال��داروي��ن��ي��ة» باعتبارها وأعضاء الجماعة الوظيفية عاد ًة من حَ مَلة الفكر الحلولي منظومة القيم الوحيدة الممكنة في مثل هذا العالم .وإذا والعلماني الشامل .وقد استخدم الدكتور المسيري هذا كان من الممكن تقبّل العلمانية الجزئية ،أي فصل الدين النموذج في تحليل تاريخ الجماعات اليهودية ووضعها عن السياسة وربما االقتصاد (بمعنى اإلجراءات السياسة وانتماءاتها الثقافية .كما درس الدولة الصهيونية بوصفها واالقتصادية) ،فالعلمانية الشاملة أمر من العسير تقبُّله، دول�� ًة وظيفيةً ،استيطاني ًة إحاللية .وعلى الرغم من أن ألنها أيديولوجية كاسحة ال يوجد فيها مجال لإلنسان أو بوجه ٍ هذا الكتاب يتناول الجماعات الوظيفية اليهودية للقيم ،ومن ثَ َّم فهي ال تتصالح مع الدين وال مع اإلنسان، خاص من التركيز ،إال أنه مع ذلك يقدم مفهوم «الجماعة ٍّ مسلماً كان أم مسيحياً أم يهودياً ،وتحاول أن تختزل حياة الوظيفية» بوصفه أدا ًة تحليلية أكث َر تفسيري ًة وتركيبي ًة من اإلنسان للبُعد المادي وحسب! مفهوم «الطبقة» التقليدي. الصهيونية والعنف من بداية االستيطان إلى انتفاضة َّ العالم م��ن منظور غربي -دار ال��ه�لال ،كتاب الهالل، األقصى (دار الشروق ،القاهرة 2001م). القاهرة 2001م وهي دراسة في عَ القة العنف بالصهيونية ومدى ارتباط يؤكد المسيري في هذا الكتاب أن لكل مجتمع رؤيتَه الواحد باآلخر؛ فالصهيونية إن هي إال شكل من أشكال المتم ِيّزة للكون والتحيزات الناجمة عنها ،ولكن ما حدث االستعمار االستيطاني اإلحاللي .ويحاول المسيري في هو أن كثيراً من شعوب العالم ب��دأت تتخلى عن رؤيتها الس ْر َد المعلوماتي هذا الكتاب -كعادته دائما ً -أن يتجاوز َّ وت��ح��ي��زات��ه��ا ،ال��ن��اب��ع��ة م��ن واق��ع��ه��ا ال��ت��اري��خ��ي واإلن��س��ان��ي ألحداث اإلرهاب الصهيوني ،ليُب ِيّن أن هناك نمطاً أكث َر
80
اجلوبة -صيف 1429هـ
ال��ف��ك��ري ،وت��ج��ي��ب ف��ي ال��وق��ت نفسه ع��ن ه���ذه األسئلة وغيرها .ولذا ،فقد أطلق عليها عبارة «سيرة غير ذاتية»، وهي ليست حياة فرد ،بل هي سيرة مفكر عربي إسالمي. ولكنها في الوقت نفسه تتضمن الحقائق الخاصة بفرد مع َيّن له أبعاده الخاصة جداً ،ولذا ،فهي كذلك «سيرة غير موضوعية» .وقد حصلت هذه السيرة على جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2001م.
والوجودي ،وبدأت تتبنى عن وعي أو عن غير وعي الرؤي َة والتحيزات الغربية ،وب��دأت تنظر إلى نفسها من وجهة ِ نظر الغرب .وتتصدى هذه الدراسة ،وهي تطوي ٌر للمقدمة التي كتبها المسيري لكتاب إشكالية التحيز ،لهذه القضية بمزيد من التفصيل ،وتحاول أن تتجاوز عملية التفكيك وصوالً إلى الجانب التأسيسي ،وذلك عن طريق تحديد بعض المنطلقات األساسية للنموذج البديل وبعض األمثلة على محاوالت تطبيقه. الم ْجهر (باالشتراك مع الدكتور عزيز العَلمانية تحت ِ األكاذيب الصهيونية من بداية االستيطان حتى انتفاضة العَظْ مة) (دار الفكر ،دمشق 2000م). األقصى( ,دار المعارف ،سلسلة اقرأ ،القاهرة 2001م). صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة كتب «ح��وارات لقرن ج��دي��د» التي تصدرها دار الفكر بدمشق ،وه��ي تأخذ شكل حوار مع الدكتور عزيز العظمة ،وهو واح ٌد من أهم منظري العلمانية في العالم العربي .ويلخص المسيري ِّ في هذا الكتاب رؤيتَه للعلمانية ،وهي الرؤية التي وضحها ال في كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية بشكل أكثر تفصي ً الشاملة.
ي��ح��اول ه���ذا ال��ك��ت��اب تفكيك وإع�����ادة ت��رك��ي��ب بعض المفاهيم وال��م��ص��ط��ل��ح��ات الصهيونية األس��اس��ي��ة مثل «الشعب اليهودي» و«الخصوصية اليهودية» و«الصهيونية المسيحية»؛ حتى تتعمق رؤيتُنا للعدو الصهيوني ،وحتى ندرك مواطن قوته وضعفه ،ومن ثَ َّم يُمكننا تحسي ُن مقدرتنا على التنبؤ بسلوكه والتصدي له .كما يتناول الكتاب جانباً تفسيري ٌّ مه ّماً من الظواهر اليهودية والصهيونية ،لم يتم التصدي موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية :نموذ ٌج له بما فيه الكفاية ،وهو البُعد الديموجرافي ،وكيف يوظف جديد ( 8أجزاء)؛ (دار الشروق ،القاهرة 1999م). الصهاينة األرق��ام لترويج مفاهيمهم .كما يح ِلّل الكتاب وهي عمل المسيري األب��رز ،الذي استغرق من عمره أزمة الصهيونية على مستوى النظرية والتطبيق. نحو ثالثين ع��ام��اً إلن��ج��ازه .وه��ذه الموسوعة ال تكتفي رحلتي الفكرية :في البذور والجذور والثمر :سيرةٌ غي ُر بالتفكيك ،أي نقد المصطلحات الصهيونية ،وإنما تنتقل ذات��ي��ة غي ُر موضوعية (الهيئة العامة لقصور الثقافة ،إلى التأسيس ،أي محاولة طرح رؤية عربية بديلة للظواهر القاهرة 2000م). اليهودية والصهيونية واإلسرائيلية ،ووض��ع مصطلحات كثيراً ما تُطرح على الدكتور المسيري أسئل ٌة خاصة جديدة لوصف هذه الظاهرة. ب���ح���ي���ات���ه ال���ف���ك���ري���ة ،وع���ن قضية ال��م��رأة بين ال��ت��ح ُ��رّر انتقاله م��ن دراس���ة الشعر وال���ت���م���رك���ز ح�����ول األن���ث���ى ال��روم��ان��ت��ي��ك��ي إل���ى دراس���ة (دار نهضة م��ص��ر ،سلسلة الصهيونية وتاريخ األفكار ،التنوير اإلسالمي ،القاهرة وم���ن ال���رؤي���ة ال��م��ادي��ة إل��ى 1999م). الرؤية اإلنسانية اإليمانية. ق��ض��ي��ة ت��ح��ري��ر ال���م���رأة ولهذا كتب سيرته «الذاتية» من القضايا األساسية التي التي تحاول أن تؤرخ لتطوره ت��واج��ه اإلن��س��ان ف��ي العصر
اجلوبة -صيف 1429هـ 81
الحديث ،حيث ظهرت حركات تحرير ال��م��رأة ،ثم ظهر األنثى مجرد تج ِلّ َييْن لنموذج العلمانية الشاملة؛ فقد حول ما يس َمّى «الفيمينيزم» ( ،)feminismوالتي يترجمها الدراستين السابقتين إل��ى فصلين في كتابه العلمانية المسيري بـ «التمركّز حول األنثى» ،وهو يذهب في هذا الجزئية والعلمانية الشاملة (جزآن2002 ،م). الكتيب إلى أنه يجب التفريق بينهما .فبينما تحاول حركات نور والذئب الشهير بالمكار ،سندريال وزينب هانم خاتون، تحرير المرأة ،انطالقاً من مفهوم األسرة ،أن ِ ّ تحسن وضع رحلة إلى جزيرة الدويشة ،معركة كبيرة صغيرة،سر اختفاء المرأة داخل المجتمع ،تحاول حركات التمركز حول األنثى الذئب الشهير بالمحتار ،ما هي النهاية؟ (باالشتراك مع انطالقاً من مفهوم الفرد المطلق أن تفصلها عنه ،ولذا ،د .جيهان ف��اروق) قصة خيالية وسريعة ج��داً لألطفال، فهي تطرح برنامجاً يطالب بتغيير اللغة وإع��ادة دراسة (دار الشروق ،القاهرة 1999م). راعي بين الرجال والنساء. الص َّ التاريخ ،مؤكد ًة الجانبَ ِ ّ تصدر هذه القصص في إطار سلسلة تس َمّى حكايات وهي في هذا ال تختلف عن الصهيونية ،التي ال تحاول هذا الزمان ،وهي تع ِبّر عن األفكار وال��رؤى نفسها التي حماية حقوق أعضاء الجماعات اليهودية في أوطانهم، تنطلق منها وتع ِبّر عنها أعمال المسيري األخرى (بما في وإن��م��ا تؤكد انفصالهم ع��ن المجتمعات اإلنسانية التي ذلك موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية). ��ركّ��ز ًة على وقائع الظلم الذي يعيشون بين ظهرانَيْها ،م ِ لحق بهم عبر التاريخ ،متجاهل ًة ما حققه بعضهم من ثراء إشكالية التحيز :رؤي�� ٌة معرفي ٌة ودع��وةٌ لالجتهاد .تأليف وبروز ،وما حققوه من اندماج وانصهار في مجتمعاتهم ،كل وتحرير (مجلدان كبيران)( ،نقابة المهندسين ،القاهرة ذلك من أجل أن يتسنى نقل ُهم إلى فلسطين ،فيتحولوا من 1993ـ المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،واشنطن 1996 مستوطنين في وطننا .وتدعو سبعة أج��زاء ،المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،القاهرة ِ مواطنين في أوطانهم إلى الدراسة إلى استخدام األس��رة كوِ حْ دة تحليلية ب��دالً من 1998م). بدأت فكرة هذا الكتاب أثناء تأليف كتابه «موسوعة الفرد. فكر حركة االستنارة وتناقضاته( ،دار نهضة مصر ،سلسلة اليهود وال��ي��ه��ودي��ة والصهيونية» ،إذ اكتشف المسيري أن المفاهيم وال��م��ف��ردات المستخدمة لوصف العقيدة التنوير اإلسالمي ،القاهرة 1999م). اليهودية وال��ظ��اه��رة الصهيونية متحيزة ،وال تع ِبّر عن الفلسفي للحداثة َّ األساس َ يشكل فكر حركة االستنارة التجربة العربية من قريب أو بعيد .ول��ذا دعا مجموع ًة كل من المنظومتين الرأسمالية الغربية ،التي تب َدّت في ٍ ّ من ال ُكتَّاب العرب (أوالً في الرياض بالمملكة العربية واالش��ت��راك��ي��ة ،وه��ي اإلط���ار المرجعي للعلوم اإلنسانية السعودية ،ثم في القاهرة) وغير العرب ،ليكتب ك ّ ٌل منهم واالج��ت��م��اع��ي��ة ف��ي ال��غ��رب .وي��ح��اول المسيري ف��ي هذا دراسة في حقل تخصصه عن التحيزات التي وجدها أثناء الكتيب إظهار بعض التناقضات األساسية الكامنة في هذا بحثه ،وإمكانية تجاوز هذا التحيز .وكانت الثمرة مؤتمراً الفكر ،الذي يبدأ بتمجيد اإلنسان والعقل والتاريخ والفرد، عُقد في القاهرة عام 1992م في نقابة المهندسين ،وكتاباً وينتهي بإنكار العقل ،وإعالن نهاية التاريخ وعدم مقدرة من مجلدين ضخمين صدر في القاهرة عام 1993م (في اإلنسان على تجاوز سقفه المادي ،واألسبقية المطلقة طبعة محدودة) ثم في واشنطن (الطبعة العالمية) عام للمجتمع والطبيعة/المادة على اإلنسان .ويرجع هذا إلى 1996م. أن فكر حركة االستنارة فكر مادي ال بد وأن يسقط في الواحدية المادية في نهاية األمر .وبما أن المسيري يرى اليهود ف��ي عقل ه���ؤالء -دار ال��م��ع��ارف ،سلسلة اق��رأ، �لا من فكر حركة االستنارة وحركة التمركز حول القاهرة ،1998دار العين ،القاهرة 2008م). أن ك ًّ
82
اجلوبة -صيف 1429هـ
يضم هذا الكتاب عدة دراسات :واحدة عن اليهود في ثالثة 2001م – طبعة رابعة 1997م).
عقل األدباء من أعضاء الجماعات اليهودية الذين يرفضون
ويتناول الكتاب الظاهرة النازية انطالقاً من مستوى
التاريخي والمستوى َّ الصهيونية أو ال يكترثون بها (أيزاك بابل فرانز كافكا ..تحليلي حضاري معرفي ،يتجاوز السر َد إلخ) ،وعقل األدباء الذين يهتمون بالصهيونية ويرون فيها السياسي ،كما يتجاوز منط َق مراكمة المعلومات والحقائق، َّ ح ً ال للمسألة اليهودية (جوردون وبرنر) .كما يضم دراس ًة ويستخدم منهج دراسة الظواهر التاريخية الحضارية من في فكر جمال حمدان االستراتيجي ،ال��ذي وضع مصر خالل النماذج التفسيرية.
(وم��ن ثَ��� َّم فلسطين) ف��ي ال��م��رك��ز ،وف��ي منهجه ال��ذي ال يرفض العام ولكنه ال يكتفي به ،إذ يصل إلى الخاص ويع ِبّر
عنه .وأخيراً يضم الكتاب الدراسة التي كتبها المسيري
من هو اليهودي؟ (دار الشروق ،القاهرة 1997م – طبعة
ثانية – 2001طبعة ثالثة 2002م).
يواجه المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة منذ
بمناسبة زيارة المفكر الفرنسي روجيه جاوردي القاهرة وتقديمه للمحاكمة ،ويب ِيّن فيها ال��ف��رق بين األس��ط��ورة تأسيسه ع��ام 1948م قضية دينية اجتماعية أساسية، بالمعنى اإليجابي واألسطورة بالمعنى السلبي ،ويحاول أن مركّبة األب��ع��اد ،متعددة المستويات ،هي قضية الهُوية يب ِيّن «منطقية» تحول ج��اوردي لإلسالم ،فهو يبحث عن اليهودية وتعريف اليهودي ،التي يُشار إليها في الخطاب نظام يؤكد مقدرة اإلنسان على تجاوز عالم المادة وسوق ال��س��ي��اس��ي واإلع�ل�ام���ي ،اإلس��رائ��ي��ل��ي وال��غ��رب��ي ،بصيغة السـل َع ،وقد وجد ضا ّلَتَه في التوحيد اإلسالمي (مقابل التساؤل« :من هو اليهودي؟» .وقد حاول المسيري في هذا ِّ الكتاب إلقاء الضوء عليها ،فتناولها من منظور تاريخي «واحدية السوق»). واجتماعي وسياسي وديني.
ال�� َي��دُ الخفية :دراس��� ٌة ف��ي الحركات اليهودية اله َدّامة والسرية (دار الشروق ،القاهرة 1998م -مكتبة األسرة ،موسوعة تاريخ الصهيونية (ثالثة أج��زاء ،دار الحسام، القاهرة 1997م). القاهرة 2000م -دار الشروق ،القاهرة 2001م). يستند هذا الكتاب إلى رؤية جديدة لتاريخ الصهيونية؛
يتناول الدكتور المسيري في هذا الكتاب ما يُس َمّى «العقلية ال��ت��آم��ري��ة» ال��ت��ي تنظر إل���ى ال��ع��ال��م م��ن خ�لال إذ ي��رى المسيري أن الصهيونية ال تعود بجذورها إلى النموذج االختزالي ذي البُعد الواحد ،ومن ثَ َّم تسقط في التوراة والتلمود ،وإنما إلى حَ رَكيات التاريخ الغربي وإلى
تبسط الواقع ،وتجعل التعامل معه والتنبؤ الرؤية اإلمبريالية العلمانية الشاملة ،ومع ذلك ال يهمل العنصرية ،التي ِ ّ والدّيباجات اليهودية الخاصة. به مسألة صعبة ..إن لم تكن مستحيلة .ويطرح المسيري الكتاب األبعا َد ِ
مقابل هذا ما يسميه «النموذ َج المر َكّب» .وقد استخدم أسرار العقل الصهيوني (دار الحسام ،القاهرة 1996م).
ع��دة ح��االت ل��ل��دراس��ة ،منها :ال��ب��روت��وك��والت ،والتلمود،
تدور فكرة هذا الكتاب حول قضية المنحنى الخاص
والسحر ،والماسونية ،والبهائية ،والفرانكية ،والسبئية ،ل�لإدراك وعالقته بالسلوك ،وأث��ر كل هذا على التحليل والجاسوسية ال��ي��ه��ودي��ة ،وال��ج��ري��م��ة ال��ي��ه��ودي��ة ،واللوبي السياسي بشكل عام .وعلى الرغم من أن كل األمثلة التي اليهودي والصهيوني .كما تناول الكتاب إشكالية العبقرية تناولها الكتاب مستمدة من عالم الجماعات اليهودية اليهودية واللوبي اليهودي الصهيوني. وال��ص��ه��ي��ون��ي��ة (اإلدراك اإلس��رائ��ي��ل��ي ل��ل��ع��رب ،وال��دول��ة الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ :رؤي ٌة حضاري ٌة جديدة الفلسطينية ،واالنتفاضة ،واإلدراك الغربي لليهود ،وحادثة (دار الشروق ،القاهرة 1997م طبعة ثانية 1998م طبعة دري��ف��وس ،وتهمة ال���دم ،وح��ادث��ة دم��ش��ق) ،إال أن الكتاب
اجلوبة -صيف 1429هـ 83
يحاول أن يب ِيّن أن التعامل مع الحقائق ّ ُ الصلبة خارج «عملية التطبيع» .ويتناول القسم الثاني موضوعات أخرى السياق التاريخي ،ودون دراس��ة البُعد اإلدراك��ي والمعنى مثل «القومية اليهودية» و«التوسعية الصهيونية» ،كما الداخلي ،يجعل ه��ذه الحقائق بال معنى ،أو يجعل من يتناول بعض الممارسات والظواهر اإلسرائيلية ،مثل:
ُ الممكن فرض أي معنى عليها .وأهمية الكتاب المنهجية الجريمة واإلره���اب ،والهجرة الصهيونية إل��ى فلسطين تفوق بمراحل مضمونَه المباشر وسائ َر األمثلة ،اليهودية المحتلة ،والهجرة منها. والصهيونية ،التي وردت فيه.
ه��ج��رة ال��ي��ه��ود ال��س��وف��ي��ي��ت :م��ن��ه�� ٌج ف��ي ال��رص��د وتحليل
األم��ي��رة وال��ش��اع��ر :قصة لألطفال (دار الفتى العربي ،المعلومات (دار الهالل ،كتاب الهالل ،القاهرة 1990م). القاهرة 1993م).
ظهر هذا الكتاب أثناء الحديث عن «جريمة العصر»
يكتب الدكتور المسيري ،منذ السبعينيات ،قصصاً (أي هجرة اليهود السوفييت) والهلع الذي صاحب ذلك
��وف م��ن ه��ذه الهجرة ،التي قيل وقتها إنها ستكون ل�لأط��ف��ال ان��ط�لاق��اً م��ن اع��ت��ب��اره ه��ذه الكتابة ج���زءاً من ال��خ َ ستحوّل الدولة الصهيونية إلى قوة ِ مشروعه المعرفي األكبر في رفض التحيزات (أ ّي��اً كان هجرة بالماليين ،وأنها مصدرها) ،وتأكيد الهُوية العربية اإلسالمية .ولذا فبطل عظمى! وقد تح َدّت هذه الدراسة هذه الرؤية االختزالية قصص األطفال التي يكتبها الدكتور المسيري جَ َم ٌل (ليس السطحية والمتسرعة ،ف��ق�� َّدم��ت ب���دالً م��ن ذل��ك دراس��ة
ُد ّب��اً) يُس َمّى «الجمل ظريف» ،ويشترك معه في البطولة لهجرة اليهود السوفييت بوصفها حركة جذب إلسرائيل
نور وياسر (أوالد الدكتور المسيري ،واآلن انضم إليهما وط��رد م��ن االت��ح��اد السوفيتي .كما تناولت ت��اري��خ يهود حفيده نديم) .ويمكن ألي طفل أن يصبح بط ً ال في القصة ،روسيا وبولندا ،منذ القرن التاسع الميالدي حتى الوقت األمر الذي يقوض نمط البطولة التقليدي .والجمل ظريف الحاضر ،وأن��واع الجماعات اليهودية في هذين البلدين
يظن نفسه عضواً في األس��رة وال ي��درك «جَ مَليتَه» (إن وثقافاتهم وتواريخهم و«مسائلهم» اليهودية المختلفة .وقد
صح التعبير) .ويحاول المسيري أن ِ يطوّر فن القصة في تنبأت الدراسة بأن عدد المهاجرين الصهاينة من االتحاد قصص األطفال التي يرويها ،ويجعلهم يدركون أن هناك السوفيتي لن يزيد على نصف مليون ،وأنهم إن زادوا عن
ق��واع��د للقصص يمكن اتباعها أو تغييرها ،كما يمكن ذلك فستكون من بينهم أعداد كبيرة من غير اليهود وأنهم رفضها.
سيسببون مشاكل اجتماعية عديدة في إسرائيل ،من بينها
اإلسرائيلية (مركز األبحاث العربية ،بيروت 1990م).
هذه إلى تآكُل النسيج المجتمعي في إسرائيل.
االس��ت��ع��م��ار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية :تزايد الصراع بين المتدينين والسفارد من جهة ،وبين دراس���اتٌ ف��ي بعض المفاهيم الصهيونية والممارسات العلمانيين واإلشكناز من جهة أخرى ،كما ستؤدي هجرتهم ينقسم الكتاب إل��ى قسمين؛ يتناول أولهما الظاهرة افتتاحيات الهادئ :Pacific Overturesتأليف ستيفن الصهيونية في سياقها الغربي ،السياسي واالقتصادي سوندايم وج��ون وي��دم��ان (ترجمة ب��االش��ت��راك) (سلسلة وال��ث��ق��اف��ي ،ك��ج��زء م��ن التشكيل االس��ت��ع��م��اري ال��غ��رب��ي ،المسرح العالمي ،الكويت 1988م). وبوصفها ظاهر ًة استيطاني ًة إحاللية .كما يتناول هذا
مسرحية موسيقية غنائية موضوعها تحديث اليابان.
القسم مفهوم تطبيع الشخصية اليهودية ،أي تحويل يهود وتتناول المسرحية اليابان القديمة في أيام حكم الشوجن
المنفى ّ ُ الطفَيليين حسب الرؤية الصهيونية إلى مواطنين «اإلق��ط��اع العسكري» (جميل ًة وغي َر حقيقية) ،واليابان
منتجين ذوي انتماء قومي محدد ،وه��ذا ما يُطلق عليه الحديثة (جديد ًة وثريةً ..ومل َوّثة أيضاً) .واستخدم الكاتب
84
اجلوبة -صيف 1429هـ
األن��واع األدبية المسرحية والشعرية اليابانية المختلفة وإنما تقدم رؤية عالمية حقة ،يتنقل صاحبها بسهولة ويسر (النو الكابوكي الهايكو) في تقديم رؤيته المسرحية .وقد من المدينة إلى القرية ،ومن الحاضر إلى المستقبل ،ومن كتب المسيري مقدمة طويلة تناول فيها األن��واع األدبية عالم اآللة إلى عالم الفن. اليابانية ،كما ت��ن��اول قضية تحديث اليابان وحسابات األيديولوجية الصهيونية :دراس��ةُ حالةٍ في علم اجتماع المكسب والخسارة الناجمة عن هذه العملية .وقد ترجم ال��م��ع��رف��ة (ج����زآن ،المجلس ال��وط��ن��ي للثقافة وال��ف��ن��ون المسيري النص نفسه باالشتراك مع يسري حلمي ،وكتب واآلداب ،عالم المعرفة ،الكويت 1981م طبعة ثانية في مقدمته. جزء واحد 1988م).
االنتفاضة الفلسطينية واألزمة الصهيونية :دراس ٌة في اإلدراك والكرامة (منظمة التحرير الفلسطينية ،تونس 1987م طبعة خاصة ،القاهرة 1988م). كان المسيري قد كتب مقاالً بعنوان :إلقاء الحجارة في الضفة الغربية (إب��ري��ل 1984م ،ال��ري��اض) تنبأ فيه بوقوع االنتفاضة الفلسطينية قبل وقوعها بأربعة أعوام تقريباً ،كما تنبأ أن سالحها األساسي سيكون الحجارة. وحين اندلعت االنتفاضة بالفعل كتب هذه الدراسة التي يحلل فيها النموذج االنتفاضي بوصفه نموذج التكامل غير العضوي (نموذج مركزه ضعيف وأطرافه قوية) .وقد درس ��ركّ��زاً على معنى فيها الجوانب المختلفة لالنتفاضة ،م ِ االمتالء الفلسطيني مقابل أزمة المجتمع الصهيوني (ط َوّر المسيري هذه الرؤية في مدخل مستقل في المجلد األول من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية بعنوان :نموذج التكامل غير العضوي).
وه����ي أول دراس������ة م��ت��ك��ام��ل��ة ب��ال��ل��غ��ة ال��ع��رب��ي��ة في توصل إليه األيديولوجية الصهيونية ،وتضم خالصة ما َّ الكاتب في دراساته السابقة .تذهب هذه الدراسة إلى أن لكل األيديولوجية الصهيونية أيديولوجية عنصرية ،معادية ٍ ّ من العرب واليهود ،وأنها نمط من االستعمار االستيطاني اإلحاللي .والكتاب يضم عدة فصول من أهمها الفصول ال��ت��ي ت��ت��ن��اول الخلفية ال��ف��ك��ري��ة للصهيونية وعالقتها بالنازية. أرض الميعاد :دراسةٌ نقديةٌ للصهيونية السياسية (سلسلة كُتب مترجمة رق��م ،247الهيئة العامة لالستعالمات، القاهرة 1980م).
وه��و ترجمة لكتاب ()The Land of Promise ال���ذي كتبه المسيري باإلنجليزية ون��ش��ر ف��ي ال��والي��ات المتحدة .والترجمة الصحيحة للعنوان هي أرض الوعد. أنظر وصف الكتاب في الجزء الخاص بالكتب المنشورة الغرب والعالم :The West and the Worldتأليف كافين باللغة اإلنجليزية. راي��ل��ي (ترجمة ب��االش��ت��راك) (ج���زآن ،المجلس الوطني ال ِ��ف�� ْردَوس األرض���ي :دراس���اتٌ وانطباعات عن الحضارة للثقافة والفنون واآلداب ،عالم المعرفة ،الكويت 1985م). األمريكية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت كافين رايلي ،مؤرخ أمريكي معاصر يهتم بتاريخ األفكار 1979م). وعلم اجتماع المعرفة ،وه��و صديق للدكتور المسيري دراس���ة ف��ي الحضارة األمريكية ،ه��ي ف��ي واق��ع األم��ر وزوجته ،الدكتوره هدى حجازي ،اللذين ترجما الكتاب دراس���ة ف��ي ال��ح��داث��ة الغربية ومفهوم التقدم واليوتوبيا إلى العربية .والكتاب يتناول تاريخ الحضارة من خالل التكنولوجية .وترى الدراسة أن اإلنسان األمريكي إنسان موضوعات (ال من خالل السرد التاريخي المألوف) ،ومن ٍ مادي بالمعنى الفلسفي يحلم بأن يؤسس فِ ْردَوساً أرضياً خالل رؤية مركبة ال تَ ُر ّ ُد عالم التاريخ واإلنسان إلى عالم بحيث يتحكم في كل جوانب حياته األرضية أو الزمنية، المادة والطبيعة ،وال تعطي للحضارة الغربية أي َة مركزية، ولكن ينتهي به األم��ر إلى أن يعيش في الجحيم ،ألن من
اجلوبة -صيف 1429هـ 85
يحاول التحكم في كل جوانب الواقع هو إنسان إمبريالي ،كتبه المسيري باللغة اإلنجليزية (باالشتراك) ونشر في يحاول أن يتألَّه .وألن هذا مستحيل إذ إن الواقع دائماً أكثر الواليات المتحدة .أنظر وصف الكتاب في الجزء الخاص ثرا ًء وتركيباً من تصورنا له؛ فمثل هذا اإلنسان يحكم على بالكتب المنشورة باللغة اإلنجليزية. نفسه بالتعاسة والبؤس الشديدين .ويضم الكتاب دراسة The Land of Promise: A Critique of Political Zionism في التشابه بين الوجدان األمريكي والوجدان الصهيوني، (New Brunswick, N. J: North American, 1977). 1977 وأخ��رى في حياة الزعيم األمريكي األس��ود الحاج مالك بعد أن عُ�� ِ ّي��ن ال��دك��ت��ور المسيري م��س��ت��ش��اراً إعالمياً الشباز (مالكولم إكس) .كما يضم الكتاب دراسات مطولة وثقافياً لوفد الجامعة العربية لدى هيئة األمم المتحدة، عن حركة تحرير المرأة ،التي تنبأ المسيري آن��ذاك أنها وجد أنه ال يوجد أي نص إنجليزي علمي مطول يمكن أن ستكتسب مركزية متزايدة في حياة اإلنسان الغربي. يُد َرّس كنص دراسي يتناول تاريخ الصهيونية .فكل التواريخ ٌ مختارات من الشعر الرومانتيكي اإلنجليزي :النصوص المتداولة كتَبَها متعاطفون مع وجهة النظر الصهيونية األساسية ،وبعض الدراسات التاريخية والنقدية (المؤسسة الغربية؛ فكتب هذه الدراسة (التي تُرجمت إلى العربية العربية للدراسات والنشر ،بيروت 1979م). في كتاب بعنوان أرض الموعد (وصحتها أرض الوعد) .ثم هذا الكتاب محاولة من جانب المسيري لتقديم النصوص أعد المسيري دراسة من جزأين نُشرت في سلسلة «عالم األساسية للحركة الرومانتيكية في الشعر اإلنجليزي حتى المعرفة» الكويتية بعنوان األيديولوجية الصهيونية ،ويحتوي يمكّن القارئ العربي الذي ال يعرف اإلنجليزية أن يُل َّم إلماماً هذا الكتاب على أه َّم ما ورد في هذه الدراسة المنشورة ِ تا ّماً بها ،وذلك نظراً إلى مدى تأثير الحركة الرومانتيكية باإلنجليزية من آراء ومعلومات). في األدب العربي في الثالثينيات .وكان المسيري قد ترجم ال��ي��ه��ودي��ة والصهيونية وإس��رائ��ي��ل :دراس���� ٌة ف��ي انتشار بعض النصوص األساسية في كتاب بعنوان الرومانتيكية وانحسار ال��رؤي��ة الصهيونية للواقع (المؤسسة العربية في األدب اإلنجليزي نُشر في القاهرة ع��ام 1965م في للدراسات والنشر ،بيروت 1976م). سلسلة األلف كتاب .ويقدم المسيري في كتابه هذا منهجاً هذا الكتاب محاولة لدراسة بعض الجوانب الالعقالنية لترجمة النصوص الشعرية ،كما يضم تعليقاً نقدياً على كل في الصهيونية وعالقتها بالفلسفات المختلفة في أوربا القصائد. الغربية في القرن التاسع عشر .كما يتناول الكتاب بعض العنصرية الصهيونية (وزارة الثقافة وال��ف��ن��ون ،العراق االتجاهات اليهودية المتحفظة على الصهيونية (ال الرافضة 1979م). لها) .ومن أهم الدراسات التي يضمها هذا الكتاب :دراسة ي��ب�� ِ ّي��ن ه��ذا الكُتيب أن العنصرية الصهيونية ليست ف��ي أس���ط���ورة م���اس���ادا :أس���ط���ورة االن��ت��ح��ار الصهيونية، انحرافاً عن الرؤية الصهيونية ،وإنما هي نتيجة حتمية والحسيدية ،وفكر ناحوم جولدمان (صهيونية الدياسبورا) لمنطلقاتها اإلقصائية .ويدرس الكُتيب التبديات المختلفة وأوري أفنيري (القومية اإلسرائيلية والفكر الكنعاني). لهذه الرؤية. األقليات اليهودية بين التجارة واالدع��اء القومي (معهد إسرائيل وجنوب أفريقيا :باالشتراك (سلسلة كُتب مترجمة البحوث والدراسات العربية ،القاهرة 1975م). رقم ،427الهيئة العامة لالستعالمات ،القاهرة ،بال تاريخ) ينقسم ه��ذا الكتاب إل��ى ج��زأي��ن رئيسيين :أحدهما 1979م يعالج تاريخ اليهود في أوربا ،واآلخر يبحث في االدعاءات وهو ترجمة لكتاب ( .)Israel and South Africaالذي القومية الصهيونية .وعلى الرغم من اختالف الموضوعين،
86
اجلوبة -صيف 1429هـ
وإع����داده����م����ا ك���دراس���ت���ي���ن بيروت 1979م). منفصلتين ،إال أن ثمة ارتباطاً دراس��ة في فلسفة التاريخ الصهيوني ،تذهب إل��ى أن بينهما ،ف��وض��ع الجماعات الفلسفات الفاش َيّة تحاول دائ��م��اً أن تضع نهاي ًة للتاريخ اليهودية وعالقتها الخاصة (الزمان والمكان) ،لتبدأ من نقطة الصفر؛ وهذا ما يصنعه ب��م��س��ار ال���ت���اري���خ األورب�����ي، لكل من الفلسطينيين ويهود العالم ،إذ هما اللذان أ َدّيا -في نهاية الصهاينة بالنسبة ٍ ّ األمر -إلى ظهور االدعاءات تتحول فلسطين العربية إلى إرتس يسرائيل أو صهيون ،أي القومية الصهيونية. «أرض بال شعب» ،أما يهود العالم ،فهم أشخاص مقتلعون م������وس������وع������ة ال����م����ف����اه����ي����م ال وطن لهم ،فهم «شعب بال أرض» .ويتوقف تاريخ فلسطين والمصطلحات الصهيونية :رؤي ٌة نقدية( ،مركز الدراسات (التي تنتظر أصحابها األصليين ،أي اليهود) ،كما يتوقف السياسية واالستراتيجية باألهرام ،القاهرة 1975م). تاريخ يهود العالم (الذين يعيشون في «المنفى» ،ويتوقون هذا العمل هو بداية الجهد الموسوعي للمسيري؛ للعودة لوطنهم القومي األص��ل��ي!) .وحين يضع الصهاينة إذ اكتشف ما سماه «جيتوية المصطلح الصهيوني»، نهاية للتاريخ فهم ال يختلفون كثيراً في هذا عن النازيين وهي أن كل المصطلحات بل المفردات التي ترد في الكتابات الصهيونية لها معنى محدد يختلف عن معناه ال��ذي��ن أوق��ف��وا ت��اري��خ ك��ل العناصر التي ق���رروا أنها تَعوق في النصوص األخرى .فـ «الحزب السياسي» في الكيان تطور الشعب العضوي (الفولك) .وم��ن أه��م فصول هذا الصهيوني يختلف عنه في الدول غير االستيطانية في الكتاب الفصل األول ال��ذي يتناول قضية حلول اإلل��ه في بنيته ومفهومه ،وكلمة «الشعب» كما ترد في المعاجم التاريخ .ويظهر نموذج الحلولية بوصفه النموذج التحليلي السياسية يختلف معناها عن معنى كلمة «الشعب» كما يعرّفها األس��اس��ي ف��ي كتابات المسيري .والحلولية كما ِ ترد في المعجم الصهيوني .وهذه الموسوعة محاول ًة هي إلغاء المسافة بين الخالق والمخلوق بحيث يصبحان أ َّول��ي��ة لحصر المصطلحات وال��م��ف��ردات والمفاهيم الصهيونية ،وتحديد معناها ومضمونها ،واسترجاع جوهراً واحداً ،ومن ثَ َّم يستحيل التجاوز ،وتسود الحتميات، البُعد العربي/النقدي لها .وتقدم الموسوعة تعريفاً وتُص َفّى الثنائيات ،وتصبح الظواهر ذاتَ بُعد واحد ..وفي مستفيضاً لمعظم المصطلحات الصهيونية الشائعة كلمةٍ :تسود الواحدية (الروحية والمادية) بدالً من الثنائية حتى تاريخ صدورها ،ابتدا ًء بـ «الصهيونية العمالية»، والجدل والتدافع. ع��ل��ى س��ب��ي��ل ال��م��ث��ال ،وان��ت��ه��ا ًء ب��ـ «ال��ك��ي��ب��وت��س» .وق��د ب��دأ المسيري ف��ي كتابة موسوعة اليهود واليهودية Israel, Base of Western Imperialism (Committee of Supporting Middle East Liberation, New York, 1969). 1970 والصهيونية عام 1976م ،كمحاولة لتحديث موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية. ي��ت��ن��اول ه��ذا الكُتيب (إس��رائ��ي��ل ،ق��اع��دة االستعمار نهاية التاريخ :مقدمة لدراسة بنية الفـكر الصهيوني (مركز الغربي) جانبين في الكيان الصهيوني إسرائيل كقاعدة ال��دراس��ات السياسية واالستراتيجية ب��األه��رام ،القاهرة؛ لالستعمار الغربي ،وموقف دول العالم الثالث وحركات المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت القـاهرة 1972 التح ُرّر الوطني منها في الستينيات.
اجلوبة -صيف 1429هـ 87
عبدالوهاب املسيري الذائد عن حياض األمة
> عمار اجلنيدي* اشتهر المفكر العربي اإلسالمي الدكتور عبدالوهاب المسيري ،وعُرِ َف بموسوعته« :اليهود واليهودية والصهيونية» ،التي قضى في تأليفها نحو ربع قرن؛ رغم إص��داره مجموعة من المؤلفات ،توازي الموسوعة بأبعادها الثقافية المختلفة ،ومنها «العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة» ،و«إشكالية التحيز :الحرية المعرفية دعوه لالجتهاد» ،و«دراسات في الشعر وفي اآلداب والفكر» ،ودي��وان شعر بعنوان« :أغاني الخيرة والحيرة والبراءة» .ومع هذه الثقافة الموسوعة أفقياً ،فقد استأثر الصراع العربي مع كل ما يحيط به من مؤثرات خارجية وداخلية ،بمقاالته وعطائه الفكري؛ فظل هاجسه األكثر غوراً في نفسه وكتاباته حتى الرمق األخير من صراعه مع مرض السرطان ،الذي فتك به في 2008/7/22م ،في مستشفى صغير استشف منه الكثيرون معنى االرتباط المعنوي الذي يجمع بين ّ يدعى «مستشفى فلسطين»، األسماء. وفي مقالة له بعنوان« :فلسطين المحتلة والعقل األمريكي» ،ينتقد من خاللها العقلية األمريكية التي تنظر إلى األمور من موقعها المادي مباشرة ،وتقع ضمن ما سماه المسيري بـ «الخريطة اإلدراكية» ،وهي مجموعة األساطير والذكريات والرؤى والمقوالت التي تسيطر على تلك العقلية ،والتي تحدد رؤيتها اإلدراكية تجاه الواقع. أما عن الرؤية األمريكية للصراع العربي اإلسرائيلي ،فان هذه السياسة تعرض صوراً للظلم الذي يلحق بالفلسطينيين ،وكما يؤكد المسيري ،فإن هذه الصور ال ولم تُغيّر في واقع الموقف األمريكي إال قليالً ،على مدى سنوات االحتالل اإلسرائيلي الطويل لألراضي العربية؛ ومع ذلك فقد ظل هذا الموقف مثاالً صارخاً لالمباالة األمريكية إزاء النظام اإلسرائيلي وتشجعه وتناصره في كل حاالته. ِّ القمعي في األراضي المحتلة ،الذي تدفعه والمسيري إذ يفضح وينتقد سياسات إسرائيل في تقطيع األراض��ي المحتلة وتشتيتها وضمها ،وتحويلها إلى مناطق فلسطينية -مملوءة بالمستوطنات -يفصلها الجدار العازل، تعمد إسرائيل إل��ى قيام (دول��ة) كيان فلسطيني مقطع األوص���ال ،يزدحم بالجدار العازل والحواجز ونقاط التفتيش ،وبيوت الفلسطينيين المهدّمة ،وبؤر المستعمرات ،المتناثرة هنا
88
اجلوبة -صيف 1429هـ
وهناك ،على نحو %10من أراضيها ،مستثنية القدس من هذا الكيان (الدولة). ويشير بوضوح إلى الالمباالة التي تمكنت من عقلية الشعب األمريكي وتصرفاتهم الالمسئولة تجاه ما تفعله إس��رائ��ي��ل ،وم��ن دور مساند ومشجع تقدمه ال��والي��ات المتحدة األمريكية لها لتدمير الشعب الفلسطيني وتطلعاته القومية والوجودية ،وكل َم ْن يتجرأ على فضح الممارسات اإلسرائيلية تلك ،يتهم مباشرة بمعاداته للسامية؛ فالتهمة ج��اه��زة ،على ال��رغ��م م��ن شيوعها وجدّيتها وتوقع إلصاقها.
احتاللها لألراضي العربية م��ن��ذ ال��ع��ام 1967م ،وه��و رصد يتناقض مع األضواء االح��ت��ف��ال��ي��ة ال��م��ص��اح��ب��ة ل���ل���ذك���رى ال���س���ت���ي���ن ع��ل��ى ق��ي��ام ال��دول��ة الصهيونية، والحديث عن االنتصارات واالن��ج��ازات المرافقة في مثل هكذا احتفال.
و يرى المسيري أن ما يوضحه التقرير عن انعكاسات االنتفاضتين :األولى عام 1987م والثانية عام 2000م على اقتصاديات الدولة الصهيونية ،إنما جرّت مشاكل عانت منها القطاعات االجتماعية والتعليمية والصحية ،خاصة بعد تزايد األعباء العسكرية واألمنية ،وتضخم المبالغ المرصودة إلحكام السيطرة على األراضي الفلسطينية المختلفة، ما أدى إلى الوقوع تحت وطأة ركود ثقيل؛ ستظل تعاني منه لزمن قادم طويل.
ويوضح المسيري ،أن العقلية األمريكية تحاول دوماً تبرير ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين ،والدفاع عنها وأن اليهود لم يفعلوا كل هذا ،ولم يكونوا البادئين به ،فيكون لزاما علينا تحريرهم من هذا الوهم ،بشرح بعض التفاصيل التاريخية لألمر .وهنا ال بد من اإلشارة إلى وعد بلفور الصادر عام 1917م ال��ذي روّج لوطن قومي لليهود في فلسطين ،والذين لم يمثلوا آنذاك أكثر من %10من عدد سكانها ،ثم يكون التعريج لزاما على ويخلص المسيري إلى أن الدولة الصهيونية لم تنجح قرار التقسيم عام 1947م القاضي بتخصيص %55من «في ترسيخ وجودها في المنطقة ،وفي إخضاع الشعب فلسطين للدولة اليهودية ،ويعد ذلك جواباً على« :من الفلسطيني والشعوب العربية لمشيئتها ،رغم ما حققته بدأ األمر؟»؛ ثم يأتي شرح البرنامج الصهيوني للتطهير من توسع بقوة ال��س�لاح»؛ فالباحثون اإلسرائيليون ال العرقي ضد السكان الفلسطينيين ،باعتراف المؤرخين ي��ن��ك��رون أن ال��ن��زاع م��ع الفلسطينيين «ي��ق��وّض النمو اإلسرائيليينس. االقتصادي في إسرائيل ويثقل كاهل ميزانيتها ،ويحد وي��خ��لُ��ص ال��م��س��ي��ري م���ن ذل����ك إل����ى أن ال���ص���ورة م��ن ت��ط��وره��ا االج��ت��م��اع��ي ،وي��ش��وّش رؤي��ت��ه��ا ،ويضرب ع��ن المثقف األم��ري��ك��ي وموقفه م��ن ال��ص��راع العربي بمكانتها الدولية ،ويستنزف جيشها ويفتت ساحتها اإلسرائيلي ،هي صورة سلبية قاتمة كئيبة ،ال تبدو معها السياسية ويهدد وجودها كدوله قومية لليهود». الحقيقة واضحة ونزيهة في التعامل مع هذا الصراع. ه��ذا هو العالمة الموسوعي الدكتور عبدالوهاب وف��ي تعليق له على تقرير ص��در عن أح��د المراكز المسيري :المدافع عن قضايا األمة ومعاناتها ،تعددت البحثية اإلسرائيلية بعنوان« :ثمن االح��ت�لال ..عبء اهتماماته ،كموسوعي ومفكر ومترجم وشاعر وناقد النزاع اإلسرائيلي الفلسطيني» ،يذكّر المسيري بما وأديب وكاتب لألطفال وباحث وسياسي، رص��ده التقرير ع��ن معاناة ال��دول��ة الصهيونية ج��رّاء * كاتب من األردن.
اجلوبة -صيف 1429هـ 89
كــلمــة في احلـــرف
العـربـي* > د .خ ــيرالله س ـ ــعيد**
تتشاكـس لحظات والدته األولـ ــى مع الرح ــم ال��ذي انبجـ ــس عن ــه ،مـع ــززاً والدت ــه بِسَ ْمْت عربي كامل الهـ ــيئة ،رافضاً التـ ـمـاث ــل والت ــبع ــية للح ــرف الحم ــيري ال��ذي س ــبقه وك��ان ســبباً لوجــوده ،يس ـ ـ ــير الهـ ــوينا في م ــدارج العـ ـقـ ــول، وينبــش الذاك ــرة العربيــة لتجـ ــد ل ــه الفضـ ــاء النف ــسي وال��ح��س��ـ��ي وال��ج��ـ��غ��ـ��ـ��ـ��راف��ي والبيئي والث ــقافي ،ح ــتى يعـ ـبـ ّر ب ـهــا ع ــن نـف ـ ـســه. س ــطى على المخـ ـيّـلــة الع ــربية في زم ــن الصحـ ــراء ،وأب ــدل يـ ــنابيع التــأم ـ ـ ــل الفكري ال اسـ ـمـه عـ ــالم ــة مم ـيّـزة بقحـ ـطـهـ ــا ،جاعـ ـ ً لـق ــوم أرشـ ـفــوا أدب ـهــم في المـع ـ ـ ـ ـلـقـ ـ ـ ــات، وأرج ــزوا بن ــبرات ــه ف ـ ــي أسـ ــواق الجـ ــاهـلـ ــية، فـك ــان وتــر الق ـ ــوس الذي رمــوا بـ ـ ـ ــه ســهام المع ــرفة من كـنانـة التــأصيـل. ك���ان مف ــتاح الفص ــاحة ع ــند أع��ـ��ـ��ـ��راب البـ ــوادي ،وأه ــل الحـض ــر إل ــيه يـشـ ـدّون الرحـ ـ ــال ،بــه عــرفــت األس ــماء األول ــى، واألبـ ـجـدية األول ــى ،وأش ــار إليه المـس ــيح عــند الـ ــوالدة األول ــى ،م ــوح ــياً إلى حـ ــمامة نـ ــوح والج ــبل ال ــذي إليه رســت السـ ــفينة. بــه دوّنت األسـ ــفار األول ــى للع ـ ـقـل الع ــربي، وب��ـ��ـ��ه ن��ـ��ـ��زل الكـ ـ ـ ــلم المـقـ ـ ّدس ،وعــليـ ـ ـ ــه مـ ـ ــدار القـســم الـرب ــاني في الــتن ــزيل ،وهو مفتاح «الـسـ ــور» ،وب ـ ـ ـ ـ ــه تـش ـ ــاكـلت الع ـ ــقول, واخـ ــتلفت فـي التـفـ ـسـير والتـ ــأويـل ،حـ ـتــى ال ــيوم. أ ّم بــه األمـ ــوي ـ ــون شـ ـ ـعـوب الش ــرق ،وإلى مـ ــدارس ــه شـ ـدّت المـط ــايا ،وبه جال الحـ ــديث وعــرفت «الصـ ــحاح» وت ـمـايـ ّزت «الــرجـ ــال». حـ ـ ـمـل ــه الـعـ ـ ـبّـاسـ ـيّـون على ه ــاماتـ ـهـم
90
اجلوبة -صيف 1429هـ
ب ــنداً ،وتـ ـفـاخــروا بــه على أع ــدائ ـهـم عـهـ ــداً. احــتضـن ــه الـف ــكر اإلسالمي فــأسـس بــه مــدارس للع ـ ـقـول ،ومـ ــذاهـ ــب لألدب فـ ـ ـ ـ ــي المـ ـنـ ــزل والمـ ـن ـ ــقول ،وب ــه ص ــال الشـ ــعر، ـط وع ــلى ه ــدي ــه تـم ــايز النثـ ــر ،ب ــه خـ ـ ّ الجاح ــظ بي ــانـه «وأع ــلى الـت ــوح ــيدي سـ ــنانـه، وعل ــى تـ ــأويـلـه كان الـت ـص ـ ــوف اإلسالمي يـش ــد أرك ــانـه ،ويخ ــوض صــراع ــات ــه بـوحـ ــدة بي ــانـه، وب ــه تـ ـ ـ ـ ــوالــى األق ـ ـطـاب فـي الـشـ ـطـح ـ ــات» وفي اخـ ـ ــتالف رس ــوم ـ ـ ــه كانت الـبي ّـ ــنات: «بــين التـذلـ ّل والتــدلـ ّل نـقـ ـطــة ( ).فـي ف ـه ــمهـ ــا يتـحـ ـيـ ّر الـنـحـ ـ ــريـر! هــي نـقـ ـطــة األكــوان إن جاوزتها ،فـه ــو الم ــراد وع ـ ــنده األكسـ ـ ـيــر»(.)1 وه ــو عـن ــدهم «حــرف لـغـ ــات وتص ــريف، وتـف ــرق ــة وت ــأليف ،وم ــوصـ ــول ومـقـط ـ ــوع، ومـ ــبهـم ومـعـ ـ ــجم ،وأش ـ ــكال وه ـ ــيئـ ـ ـ ــات»(.)2
والح ــروف عـ ــند الش ــيخ األكـ ــبر« :أئـ ـمــة األلـ ـ ـفـاظ» وتجـ ــليـ ـاً للملك والملـ ـ ــكوت وال��ج��ـ��ب��روت ف���ي «أ ل م» ه��ـ��ـ��ـ��ـ��نّ المنـ ـتــهى والم ــبت ــدأ ،وبالحـروف سـ ــارت األقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم وش ــدى الوجـد في الوجـود عندهم. مــع ال ـف ــتح ,ف ــتح لبقـ ــية الشـ ــعوب طــاقـات ال ــنور ,وسـ ـيّـد رس ــمه على بق ــية الحـ ــروف واللـ ـ ـغـات ،فـعـ ـشـقـتـ ــه أع ــين األق ــوام ،وم ــالت ال��ـ��ـ��ي��ه نفـوســهم ،وب��ـ��ـ��ه س��ـ��ـ��ط��ـ�� ّـ��روا معـ ـ ــاجم وجـ ــدهــم ،ولغـ ــات أس ــالفـهم.
الحـ ــرف ،ه ــو نـقـطـ ــة ال ــبدء في عـلـ ــوم ـف الك ــفاية ل ــهم للتخ ــلص الــوراّقـ ــين ،وهـ ــو ك ّ مـ ــن ربق ــة الس ــلطان ،وس ــيطرة الـ ــوالي، وعـنج ـه ــية الـ ــوزير ،ب ــه حـ ـرّروا العـقـ ـ ــل من
ده ــاليز الظـ ــالم ،وص ــانوا النـفـ ــس عن ذل ـ ــة الس ــؤال في طـلـب الـنوال؛ فكفكف عيش ــهم وصـ ــان مــروءت ــهم ،وحف ــظ إبـ ــداعــهم وإب ــداع غ ـ ــيرهم؛ فنش ــروا على المأل عـ ــلوم ـ ــه، وت ـ ــدارسـوا فـ ـنـ ّه ورس ــوم ــه ،ووضـ ـعـوا األص ــول لكتابت ــه وحج ــوم ــه؛ وعـقـ ّـ ـ ــله ابـن مـق ـ ــلة، وه ــندس أص ــله وسـ ـقـله ،وأخ ــذ ال ــناس عـ ـن ــه منهـ ــاجـه وفصـ ــله؛ وف ـت ــح أبـ ــوابـ ـ ــه ابن ال ـب ـ ـ ـ ـ ـوّاب، وأزال ع���ـ���ن غ��ـ��ـ��ـ��وام��ض��ـ��ـ��ـ��ه ك��ل حـج ـ ــاب؛ فـأشرقـت أن ــواره على مشـ ـ ـ ـ ــارق الدن ــيا ومغارب ـ ـ ـ ــها، فـت ــغن ـّـت بأق ــالم ــه ن ــوادي األدب، وعرف ب ــه أصـحــاب الكـفـ ـ ــاءة في ال ــرتب ،وبـه خـط الق ـ ـ ـ ــرآن كـ ـ ــتاباً للع ــرب.
تح ــاقبت عـ ـل ــيه العـ ـهـ ــود ،وم ــا زال في الف ــكر يجـ ــود، ل ــه مع ــالم اإلش ـ ـ ــراق ت ــبدو ،وإلــيه نفـ ــوس الم ــبدعين تـغـ ــدو ،تنـق ّــلت بــه الم ـ ــدارس ،وتــرس ـّمـت بــه أس ــماء المـ ــدن وأزالت الغـبار عــن كل دارس.
في الـك ـ ـ ـ ـ ــوفـة عـ ـلّـم خطــاه ،وتـ ــوشـّـحت بــه بغ ـ ـ ـ ــداد فــي «مـ ــأمـ ــونــها» ،وب ـ ــه ازدان��ت األمص ــار في رس ــومــه على المـع ــابد ،وعلى شرف ــات الم ــآذن ومح ـ ــاريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب المـس ــاجـد ،فك ـ ـ ــان الش ــاخص الثق ــافي األبــرز في ثقــاف ــة اإلسالم ،والفـ ـ ــن المميز في عبقــرية األع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم.
ه ـ ــو نقط ـ ــة الفص ــل في الفـنـ ـ ــون ،وه ــو أداة الق ـسـ ــم في «ال ـنـ ــون» ،وهـ ـ ــو الث ــابت ال��ذي تج ــلي ــه ح ــدقـات العـ ــيون ،وهــو المتح ـ ـوّل اليــه في ن ــزوات الف ـ ـتـون ،ه ــو الــوت ـ ــد الذي نص ــب عليــه األوائـ ــل خ ــيم المـعـ ــارف ،وهـ ــو الط ـ ــنب الذي ش ـ ّد األواخ ــر ب ـ ـ ـ ـ ــه ص ــيوان الت ـع ــارف ،هــو ق ــبلة الكتـ ـ ـّـاب في س ـفـر الحجـ ــيج ،هــو اله ــوية التي تفصح عن ذات ــها في كــل فــج ،ه ـ ـ ـ ــو اللس ـ ـ ــان المت ــرجم عن ذوات حـ ــام ـل ــيه في تف ــاصـ ـ ـ ـ ــح األج ـ ــناس ،وه ــو العــالمــة التي ال تنــدرس في صفح ــات الحج ـ ــر أو القـ ــرط ــاس.
هــو المع ــادل المـوضـوعي ف��ي تـ ـمــايز الثق ــافات، واإلش ــارة التي ال ت ــدانيهـ ــا كل الع ــالمــات.
هــو القـ ـ ــوة في التعـ ــبير ،والباع ــث على الت ـمــاسك في التـ ــدوير ،هـ ــو الم ــرونــة ف ـ ـ ـ ــي ريشـ ــة الخـطـ ــاط. ه ــو المـطـ ــاوعـ ــة في اس ــتدارة الي ــد في الرس ــم على الم ــرامـر والبـ ــالط ،ه ــو الجمـ ـ ــال فـ ـ ـ ــي ال��م��ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ردات ال��ع��ـ��ـ��ـ��رب��ي��ة ،وهـ ــو المقـ ــياس الفنـ ــي ف��ي رســوم األب��ج��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دي��ة ،ه��ـ��ـ��و ص��ـ��ـ��ـ��اح��ـ��ب الق ــابلي ــة على التشكيـ ــل ،ه ــو الس ـ ـ ـ ّنـة التي ليـس لـه ــا ت ــبديل، ه ــو الظ ــاهــر والب ــاط ــن في كل حـ ـ ــروف « التن ـ ـ ــزيل». ه ــو اآلي ـ ـ ـ ـ ــة التــي م ـيـ ـ ّزت لس ــان الع ــرب في س ـ ـ ـ ــورة الحض ــارة ومـواقع التفضيل .ه ــو الح ــقّ الذي حص ـحــص في عـق ــول المسـ ــتشرقـ ــين ،فأشاروا ل ــه في البي ــان ،وه ــو الصـ ــورة األوضح في وجـ ــدانه ــم عنــد الك ــالم على مع ــارج الع ــرف ـ ـ ـ ــان ،ه ــو رن ــين الم ــاضي التـ ــليد ،وايــقاع الح ــاضر المج ـ ــيد. ل ــم تتج ــاوزه ح ــروف الطـ ــباعة ك ــما تج ــاوزت غ ــيره من الحـ ــروف ،وظــل شامخ ـاً في مخـيــلة اإلب ـ ــداع ،رغ ــم تـبـ ــاعد سـ ــني الم ــألــوف ،ألـ ّــفت في ــه األبح ــاث الط ــويلـ ـ ـ ــة وأنش ــدت في ـ ـ ـ ـ ــه القصـ ــائـد الج ــليل ــة.
ه ــو الب ــاعث على اإللـ ـه ــام ف��ي «التشكـ ــيل» وه ــو النقط ــة والس ــطر في لوحــات الف ــن الجم ـ ــيل ،تعشـ ـقـه عيــون الن ــاظر ،وتشــرئبّ لــه األعن ــاق والن ــواظر .هــو س ـ ـيّد المسـ ــاحات على ال ــورق ،وهــو نب ــض الكـل ـم ــات في ميـ ــادين القـ ـلـق ،هــو المي ــل واالنسياب في زخ ـ ـ ــارف الع ـشـ ـ ـ ــق ،وهــو الج ــدائ ــل المـضـ ـفــورة في مقــرنص ــات األفـ ــاري ــز ،وحــامـ ــل الكلمات المط ـ ـرّزة باإلبريز ،هــو درّة تـاج الفن ــون اإلسالمية ،الذي ال ي ــدانيـ ــه ت ــاج آخ ــر في مسارات الثقافة العربيـ ــة.
* الفصل الخامس من الباب السادس المعنون« :شخصية الحــرف العربي» من الجزء الرابع من موسوعـتنا «الــوراقــة وال ـ ــورّاقــون في الحضارة لعــربية االس ــالمي ـ ــة( ،قــيد النشر). ** أكاديمي عراقي مقيم في ك ــندا. -1أخ ــبار الح ــالج – ألبن الساعي علي بن أنج ــب -تحقيق لوبس ماســنيون وبـول كراوس -منشورات مطبعة العــلم ،بيروت 1936م -2المواقف والمخ ــاطبات – للنـفـ ـ ّري ،ن المخ ــاطبــة .23-
اجلوبة -صيف 1429هـ 91
صنارة األفكار..
كيف تلتقط اخلاطرة وتستثمرها؟ > محمد عيسى صوانه*
ثمة أفكار جميلة وثمينة تخطر على أذهان األدباء والمفكرين وأصحاب األقالم الذهبية، ورج��ال األع��م��ال وأص��ح��اب المشروعات ،في لحظات انشغال أو تأمل ،ولربما في أوق��ات استرخائهم .والناجح من يسجلها ويوثقها ف��وراً ،فتنشأ منها مبادرات ناجحة أو مشروعات كبيرة ،عادت على صاحبها بالنفع الكبير. وهذه األفكار تخطر على البال بصورة عاجلة ،بل تأتي أحياناً كوميض البرق الخاطف؛ لذا، ينبغي تداركها وتسجيلها قبل أن تتالشى َوتُنسى في غمرة اإلنشغال بأمور الحياة واألعمال اليومية ،وعند محاولة استرجاعها فإن الذاكرة تخوننا -مع األسف -في كثير من األحيان؛ ومن جميل مأثور القول« :العلم صيدٌ والكتابة قيد»! فعلينا التقاط الفكرة أو الخاطرة ،وتدوينها قبل أن تطير ،فيتعذر اصطيادها! هناك مَن يملكون ذاكرة قوية ،تحفظ لهم خواطرهم فيتذكرونها الحقا ،ومع ذلك تفوتهم بعض التفصيالت والعناصر المهمة ،التي لو تداركوا تسجيلها منذ البداية ،ألدّت دورها في تفعيل الفكرة وتعظيم نتائجها؛ فما علينا إال اإلفادة من الخاطر السريع مهما كان لونه األدبي أو مجاله العملي ،حفاظاً عليه من النسيان أو الذوبان. فكم من فكرة رائعة خطرت ألديب أو مفكر أو حتى إنسان عادي فاستغلها وبادر إلى تنميتها وتغذيتها بفكره وبحثه؛ فأثمرت عن مشروع كبير ،وعادت على صاحبها بالنفع العظيم! وفي المقابل ..آخرون راودتهم خواطر قيمة في أوقات انشغالهم ،أو فراغهم فلم يعيروها اهتماماً، ظناً منهم أنهم سيتذكرونها الحقاً ،لكنها تبخرت واستحال عليهم استرجاعها،
92
اجلوبة -صيف 1429هـ
قال ابن الجوزي« ،إنه لما كانت الخواطر تجول في تصفح أشياء تعرض لها ثم تعرض عنها فتذهب؛ كان من أولى األمور حفظ ما يخطر لكيال يُ نسى!». وقد جلس أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي طيلة حياته يتصيّد الخواطر ويسجلها حتى تكون عبرة لمن اعتبر ،ويعم نفعها ،فكتابه «صيد الخاطر» ،ما زال يتداوله ال��ق��رّاء على مر الزمان فينتفعون من فوائده وعجائبه ويتندرون بالكثير منها. مفتاح تنمية الخاطرة
ومن باب المكسب والخسارة ..لن نخسر ش��ي��ئ��اً ،ب���ل سنكسب ال��ك��ث��ي��ر ب������إذن ال���ل���ه؛ ف���رب���م���ا ك����ان����ت ت��ل��ك األفكار إن لم تدوَّ ن ال����ف����ك����رة ال���خ���اط���رة فهي عرضة للضياع ال����س����ري����ع����ة ب����داي����ة ل��م��ش��روع اق��ت��ص��ادي كبير ،أو ميالداً لقصيدة شعرية ،أو قصة قصيرة، أو مقالة أو أي إب��داع أدب��ي ،نحلّق من خالله في آفاق األدب والثقافة. الخاطرة صيد والكتابة قيد!
ال��ف��ك��رة ت��أت��ي -اب����ت����دا ًء -ك��وم��ي��ض ال��ب��رق؛ حقيقة ثابتة تؤكدها ذاكرتي وذاكرتك ،سجالتي وس��ج�لات��ك ..المترامية على أرف���ف مكاتبنا ،أو فلنبادر الغتنام الفكرة أو الخاطرة أينما جاءت أوراقنا المتناثرة هنا وهناك ،تنتظر منا البحث وكيفما كانت ،وفي أي حين عنّت لنا .وال شك أن فيها وتنميتها واستثمارها.. في ذلك دليل الفطنة والجدية ،في توظيف المثمر فثمة أف��ك��ار ع��دي��دة وم��ه��م��ة ع�� ّن��ت ل��ن��ا ف��ي أف��ق من تلك الخواطر . مخيلتنا في سيرنا أو أثناء عملنا وانشغالنا أو حتى وبعد، قبيل نومنا فلم نعرها اهتماماً بالتوثيق والتسجيل كثيرة هي الخواطر واألفكار التي تأتي سريعة النشغالنا عنها ناسين أو متجاهلين أهمية تدوينها أثناء انشغال فكرنا ،وإن تسجيل كل خاطرة في ولو كرموز أو كلمات تكون أشبه بمفاتيح توصلنا إلى غاية لم تكن مدرجة في جدول أعمالنا أو مشاريعنا؛ حينها يعد استثماراً لنتاج ذهني سريع ،حتى ال فتطايرت ولم نعد قادرين على التقاطها أو تذكرها .تفوت الفرصة ويضيع «الصيد» ،ال��ذي قد يكون ثميناً! ومن هنا ،كانت لي همسة في أذن القارئ: إن ت��واف��ر قصاصة ورق ف��ي جيبك أو سيارتك ما الذي نخسره لو احتفظ الواحد منا بدفتر أو على مكتبك تتيح لك تسجيل مفاتيح أو «رؤوس صغير للمالحظات ،أو أوراق الصقة ،في جيبه أقالم» لما هو مهم من األفكار السريعة ،التي تخطر أو في سيارته .وإذا ما جاءتنا الفكرة واقفين أو ف��ي ذهنك أث��ن��اء انشغالك .كما يمكن اإلف���ادة من جالسين منشغلين في مكاتبنا ،فينبغي أن ندوّنها بسرعة ،كما خ��ط��رت بسرعة؛ وإن خ��ط��رت لنا التسجيل في صفحة التقويم المتوافرة في بعض أثناء قيادة السيارة نتغنى بها حتى أول وقفة نقف أجهزة الهاتف المتنقل (الجوال) ،أو تدوينها كرسالة عندها ،لنقوم بتسجيلها مختصرة حتى يمكن نصية أو صوتية ,عند الحاجة .ولنعلم أن ما بين نجاح المرء وفشله بدء التفكير وحسن التدبير. الرجوع إليها الحقاً.. * كاتب وإعالمي من األردن.
اجلوبة -صيف 1429هـ 93
حتى ال ننسى محمود درويش
> صالح مفلح الطراونه*
محمود درويش من سجن إلى منفى ،ومن منفى إلى سجن ..هو من كتب (حكاية وطن). باألبيض كفنّاه ..باألبيض كفنّاه ..إنه استثنائي.. أح����ب ال���ق���اه���رة وع���مّ���ان وب���ي���روت وب����اري����س ..إن��ه استثنائي..
رحل محود درويش ف��أث��ق��ل��ن��ا ب���ال���ح���زن.. بمعنى الفراق الحقيقي لشاعر بحجم درويش، ال��ذي استفاق بلحظة، فما وج��د القلب الذي ح��م��ل ال��ق��ض��ي��ة طيلة ع���م���ره ال������ذي مضى، حمل في شعره الحب ل���ف���ل���س���ط���ي���ن؛ ف����أوق����د مصباح الحرية في كل تلك القصائد الماثلة للتجربة وال��ق��راءة والتمحيص والتحليل ،فهل آن اآلوان لنعيد ق��راءة دروي��ش من جديد؟ أم أنها كانت م��ق��روءه منذ البداية لتكوين درويش؟ يحتاج درويش أن نخلد ذكراه في شوارعنا الماثلة أمام المارة ،ليكون جسر عبور في ذاكرة جيل قادم ممن يقرأ كُتب درويش ..أم أننا نردد:
وأخيراً ،قهر الموت ذاك الذي كان يؤمن بالحياة والجمال .كان آخر الشعراء الكبار ..لم يكن وفياً لفلسطين وحسب ،بل كان مسكوناً بفلسطين .كان شفافاً إلى أبعد الحدود ،إنسانيته ورقتها كلها عادت إلى فلسطين ،دون أن يعود إليها .عشق بيروت عشقه لفلسطين ،ف��رف��ض م��غ��ادرت��ه��ا حتى بعد األح��ت�لال اإلسرائيلي لها عام 1982م ،بقي صامداً يتنقل من مقهى إلى آخر في مرحلة ما بعد انحسار االحتالل عن ش��وارع المدينه ،لم يرحل عن بيروت ،وال عن شقته الواقعه في ش��ارع محاذ لشارع بلس ،حيث الجامعه األمريكيه ،إال بعد تلقيه تهديدات مباشرة أحن إلى خبزِ أمّ ي ُّ من اإلسرائيليين ومَن كان يمثلهم في تلك المرحله المشؤومه ،غادر على أمل العودة ،لكن غيابه طال ،وقهوةِ أمّ ي ولمسةِ أمّ ي فعادت بيروت ولم يعد هو إليها ،ولن يعود. وتكبرُ فيَّ الطفولةُ َ يقول محمود درويش« :ال أعرف الشخص الغريبَ يوم ًا على صدرِ يومِ وال مآثرهُ ..رأيتُ ِجناز ًة فمشيت خلف النعش ،مثل وأعشقُ عمري ألنّي مت اآلخ��ري��ن مطأطئ ال���رأس اح��ت��رام��اً .ل��م أج��د سبباً إذا ُّ ُ ألسألَ :م ْن هُو دمع أمّ ي الشخص الغريبُ ؟ وأين عاش ،وكيف أخجلُ من ِ عدت يوم ًا مات؛ فإن أسباب الوفاة كثيرةٌ؛ من بينها وجع الحياة .خذيني ،إذا ُ ُ سألتُ نفسي :هل يرانا أم يرى عَ دَماً دبك ويأسف للنهاية؟ وشاح ًا لهُ ْ َّعش ال ُمغَطَّ ى بالبنفسج كي كنت أعلم أنه لن يفتح الن َ بعشب ٍ وغطي عظامي ّ ويقول.. بالحقيقة ويهمس َ يُودِّعَ نا ويشكرنا كعبك ْ تعمّ د من ُطهرِ البيت ،في الستّي َن من ُعم ٍْر وشدّ ي وثاقي.. اآلن ،في المنفى ..نعم في ِ سريع يُوقدون الشَّ م َع لك فافرح ،بأقصى ما استطعتَ من بخصلةِ شَ عر.. ٍ ثوبك ْ ذيل بخيط يلوّحُ في ِ ٍ الهدوء ،ألنَّ موتاً طائشاً ض َّل الطريق إليك. * كاتب من األردن.
94
اجلوبة -صيف 1429هـ
ترجمة أمهات الكتب العلمية والتقنية إن المتتبع لحركة الترجمة في الوطن العربي يجد أنها عانت من ضعف واضح ,منذ زمن طويل. والتقرير اإلحصائي المنشور ضمن أحد تقارير التنمية اإلنسانية العربية تأكيد لذلك ،والذي فيه أن متوسط ع��دد الكتب المترجمة ( )4.4كتاب لكل مليون من سكان الوطن العربي ،بينما بلغ ( )519كتاباً في المجر و( )920كتاباً لكل مليون في إسبانيا. يقال أيضا إن م��ا يترجم ف��ي ال���دول العربية مجتمعة ،وما ترجمه العرب منذ أيام المأمون حتى عصرنا الحالي يبلغ نحو ( )100.000كتاب ،أي العدد نفسه الذي تترجمه أسبانيا ذاتها في سنة واحدة!! وبصرف النظر عن صحة هذا البيانات، وعلى أي أساس بنيت؛ فإننا نريد أن تكون هذه ال��ب��ي��ان��ات ح��اف��زاً ل��ن��ا ،وأن ي��ج��ري تعظيم جهود الترجمة العربية -مع التعريب عند الحاجة -هي ألمهات الكتب (أفضل كتاب شامل ،معتمد عالميا، في مجال علمي معين يُختار من قبل متخصصين في المجال نفسه). ل��م��اذا ال��ت��رج��م��ة؟ إن ال��ت��رج��م��ة ه��ي مقدمة ل�لإب��داع والبحث العلمي ،أل��م يبدأ العرب أوالً بترجمة ثقافات وعلوم اآلخرين إلى لغتهم ،قبل أن ينتقلوا إلى اإلبداع والبحث ،أضف إلى ذلك هناك مسلّمة مفادها أن اإلنسان ال يمكن أن يبدع ويخترع دون أن يفكر باللغة التي يعرفها جيداً. وفي هذا المجال يقول (فارتان غريغوريان) «لم يكتف العباسيون بالترجمة ،ولكن جمعوا المعرفة وأض���اف���وا إل��ي��ه��ا ..ب��ح��ي��ث ك��ان��ت ه���ذه الحقبة اإلسالمية بحق؛ بوتقة للثقافات واألديان والتعلم والمعرفة ،حقبة أنشأت حضارات عظيمة وأثرت على أخرى من أفريقيا حتى الصين». قبل أن ابدأ بعرض المقترحات حول الترجمة
> د .حامد الورده الشراري* دع���ون���ا ن��ت��م��ع��ن ب��ه��ذا ال���م���ث���ال ال��ح��س��اب��ي ال�����ت�����ق�����دي�����ري ح����ول ت����ك����ال����ي����ف إخ���������راج ت��رج��م��ة ك��ت��اب علمي م���ت���خ���ص���ص (600 ص��ف��ح��ة م���ن ال��ح��ج��م ال��م��ت��وس��ط) ب��ص��ورة نهائية وبجودة عالية، م��ع مالحظة أن هذه األرقام مبنية على افتراض أن المترجم (العلمي) والمراجع من خيرة المتخصصين: المثال: لتكن تكلفة الترجمة لهذا الكتاب = 90000ريال سعودي ( 150رياالً لكل صفحة) تكلفة المراجعة ( ٪40من تكلفة الترجمة) = 36000ريال سعودي. تكلفة اإلخراج بصورة نهائية وبجودة عالية = 30000ريال سعودي. التكلفة الكلية = 156000ريال سعودي.إذا رغبنا بترجمة ( )15ك��ت��اب��اً مرجعياً في الطب و( )15كتاباً مرجعياً ف��ي الهندسة ،م��اذا تكون التكلفة؟ بطريقة حسابية بسيطة تكون التكلفة الكلية لترجمة ( )30ك��ت��اب��اً ت��ق��ري��ب��اً ( )5م�لاي��ي��ن ري��ال سعودي ،ماذا يعني هذا الرقم مقابل خدمة أمة في توطين علم متطور بلغتها؟! سؤال ألهل الخير من أثريائنا. ف��ي ه��ذا ال��م��ق��ال ،أق��ت��رح أرب���ع ن��ق��اط موجزة للمسئولين عن الترجمة ،في سبيل دعم الترجمة
اجلوبة -صيف 1429هـ 95
محلياً ،وهي:
أوال :ن��ق��اط أك��ث��ر ل��ل��ت��رج��م��ة ف��ي الترقية اجلامعية
الجهة المسئولة عن الترجمة على الكتاب ،لكي ال يتشتت الجهد في ترجمة كتاب ال يعد مرجعاً قيّماً من قبل اآلخرين ،واالختيار للكتاب من قبل عدة متخصصين أفضل من واح��د ،وب��دون البيروقراطية اإلداري��ة التي رب��م��ا تحبط ح��م��اس ال��م��ت��رج��م .إن ت��ح��دي��ث الكتاب المترجم (إعادة طبعه) مع ما يطرأ من تحديث وتطوير في الكتاب األص��ل��ي ،يجب أن يستمر إيكالها لفريق الترجمة نفسه إن أمكن ذلك .أخيراً ..إن المترجم أو فريق الترجمة (العلمي) ليس متخصصاً باللغة األجنبية المراد ترجمتها ،وإنما كانت وسيلة لحصوله على هذا العلم ،ولربما عنده بعض القصور في جانب التعريب وقواعد اللغة العربية ،وهذا يحتم وجود فريق علمي مؤهل يوفر من قبل الهيئة (انظر الركيزة الرابعة عند الحاجة) ،والحمد لله فإن الكفاءات المؤهلة متوافرة بكليات ومعاهد اللغات العربية المنتشرة ف��ي هذا الوطن المعطاء.
ال شك أن الترجمة علم بحد ذاته ،ومن ثم فإن ترجمة كتاب علمي متقدم ال تقل صعوبة عن البحث والتأليف، وربما تحتاج لجهد أكبر ووقت أطول .وتؤكد ذلك نصيحة أحد اإلخوة لي في أحد مراكز البحث بأن اتجه للبحث بدالً عن الترجمة لسرعة النشر وقلة المجهود ،وكالهما له ال��وزن نفسه من النقاط المحتسبة للترقية (نقطة واح���دة للبحث ونقطة مثلها للترجمة!)؛ ل��ذا ،أرى أن نقاط أكثر للترجمة بضوابط -تعتمد أساساً ٍ إعطاء على صعوبة ال��م��ادة العلمية وحجم الكتاب -سيكون أحد عوامل التحفيز للعمل بجد من أجل الحصول على الترقية .كما أرى أن ترجمة كتاب علمي جيد سيخدم المجتمع أفضل من بحث ينشر في دورية أو مجلة علمية دولية ،قد يخدم جهة أجنبية لعدم إمكانية تطبيقه محلياً ثالثا :دعم رجال األعمال وأصحاب املكتبات (على سبيل المثال). إنني أدعو وزارات التعليم العالي العربي إلى إعادة النظر بنظام الترقية المعمول به حالياً في الجامعات.
ثانيا :تكوين فريق للترجمة أرى ان تكون الترجمة بتشكيل فريق عمل (Team
واملؤسسات ذات العالقة
إن تحمّل رج��ال األعمال لتكاليف الترجمة والدعم الفني لذلك ،وإسهام أصحاب المكتبات في طباعتها بجودة عالية ،وإخراجها بصورة متطورة جذابة متوافقة م��ع ال��ك��ت��اب األص���ل���ي ،ون��ش��ره -إن أم��ك��ن ذل����ك -لهي مسؤولية دينية ووطنية ،تسجل الؤلئك الذين يسهمون في توطين العلم الحديث .وإلعطاء ج��زء من حقوقهم التاريخية وم��دى مشاركتهم في نشر العلم ،فإنني أرى أن ت��دون أسماء الممولين إل��ى جانب أسماء المؤلفين والمترجمين.
)Workبدالً من الترجمة الفردية .وهو من األساليب الحديثة في العمل العلمي؛ ألن المجموعة (أو الفريق) تعطي عمقاً أكثر من الترجمة الراقية ،التي ربما تعتمد على الترجمة بالمفهوم المعتمد على القواعد العربية أكثر من الترجمة الحرفية .والفريق يكون أكثر تشجيعاً بعضه لبعض بسبب االلتزام باجتماعات دورية لمتابعة وال أعتقد أن أهمية دعم ترجمة كتاب قيّم تقل عن ما توصل إليه بالترجمة ومعالجة القصور إن وجد ،كما أهمية بناء قاعة في جامعة ،أو بناء كلية تعليمية تبقى يكون إدارة ذاتية ألعضائها. ذات سمعة ومنفعة داخلية محدودة -وربما داخل أسوار إن تكوين الفريق الجيد ودعمه ،لتتراكم خبراته مع المؤسسة التعليمية -إ ّال نادراً ،أما الكتاب المترجم ذو الوقت ،وم��ع إدخ��ال أعضاء ج��دد بشكل دائ��م للفريق القيمة والجودة العاليتين ،فإنه سيجتاز حدود المملكة، المترجم المتخصص في ترجمة كتاب معين يضمن وينتشر ف��ي معظم ال���دول العربية .ويمكن أن تكون االستمرارية والنجاح .ربما تتوافر لدى بعض العلماء أيضاً مبادرة من رجال األعمال الخيرين إلنشاء مبنى ال لوحده ،وفي أو تأسيس هيئة للترجمة تكون ن��واة لعمل مؤسسي المبدعين اإلمكانية لترجمة الكتاب كام ً هذه الحالة أرى انه تجب الموافقة المسبقة من قبل منتظم.
96
اجلوبة -صيف 1429هـ
تعتز بلغتها ،وفي هذا السياق يشير د .محمد عصفور رابعا :هيئة مستقلة للترجمة بقوله( :إننا األمة الوحيدة التي تدرس المواد العلمية في إن وج����ود ه��ي��ئ��ة م��ؤه��ل��ة م��س��ؤول��ي��ت��ه��ا التنسيق بين كلياتها بلغة غير لغتها العربية ..ال أتوقع أن ينشأ عندنا المترجمين ودور النشر والداعمين له -محلياً أو خليجياً أو عربيا -والمؤلفين األصليين مطلب رئيسي ،ولتكن علم بدون أن نفكر باللغة العربية.). تحت مظلة إحدى مؤسسات الدولة العامة أو الخاصة كما أن ال��ه��دف م��ن الترجمة لكتاب متخصص في ذات العالقة ،وأن تكون هذه الهيئة مبنية على قواعد علم معين ربما ال يبنى على حاجة السوق اآلنية ،وإنما علمية واضحة خالية من البيروقراطية اإلدارية ،ولتكون ليسهم في عجلة العلم العربية ،لتكوين قاعدة علمية بيت خبرة مع الزمن وتصبح مشاركاً رئيساً باحتضان لألجيال القادمة ،وإثرا ًء للمكتبة العربية لزيادة الثقافة العلم وت��وط��ي��ن��ه .الهيئة ملزمة ب��إن��ش��اء ق��اع��دة بيانات المعرفية للمجتمع ،وخير دليل على ذلك وجود كتب عفا مربوطة بالجهات األكاديمية والمكتبات العامة والخاصة ،عليها الزمن في المكتبات العلمية وقد خدمت حقبة من واالستفادة من التقنية الحديثة في مجال الترجمة اآللية التاريخ ،وربما تخدم في المستقبل. واألساليب المعاصرة ،في النهوض بالترجمة وتجارب إني أرى أن مجال الترجمة يجب أن يقتصر على أمهات اآلخرين في مجال الترجمة كاليابان وسوريا. الكتب العلمية (المرجعية) أوالً في وقتنا الحاضر ،ومن وم��ن مهام الهيئة المقترحة أن تتولى تنسيق عقد ثم ترجمة الكتب المصاحبة والتأليف والبحث لمستقبل المؤتمرات والندوات وورش العمل ،لتبادل الخبرات بين أمة متطورة تقنياً ،ليكون متوافقاً لما نسمع عنه في هذه المختصين ،والتنسيق مع الجمعيات العربية األخ��رى األي���ام ح��ول توطين التقنية ،ومطالبة مجلس الشورى للترجمة ،لتالفي االزدواج���ي���ة ف��ي ال��ت��رج��م��ة ،وتشتت السعودي بفتح جامعات ذات اختصاصات علمية وفنية. الجهود .ولوضع خطة زمنية كافية لذلك ،مع مراعاة إن أمامنا جهوداً كبيرة ينبغي تداركها لترجمة العلوم ظ���روف المترجمين وارت��ب��اط��ات��ه��م األخ�����رى ،واق��ت��راح المبالغ المجزية لتكون حافزاً للترجمة .وإنشاء موقع العلمية حتى نستطيع فهم الحضارة القائمة ،لردم الفجوة لها على الشبكة العنكبوتية ألنظمتها وقواعدها ،والكتب العلمية والمعرفية العميقة بين ال��دول العربية وال��دول المترجمة (مكتبة الكترونية) ،سيكون من األمور المهمة الصناعية ،وبناء اقتصاديات المعرفة .إن بعض الدول لتسهيل سبل التواصل .وأرى أن وج��ود مركز أو هيئة النامية ،في عصر القدرات العلمية أصبحت هي العنصر للترجمة محلية او إقليمية أو عربية لهو خطوة أولى الحاسم في تحقيق السيطرة االقتصادية والعسكرية. الحتضان العلم وتوطينه ،ومن ثم اإلسهام بشكل كبير في أخيراً ال شك أن التقدير من قبل المسئولين للترجمة، إنتاج المعرفة وصنع الثقافة. بشكل ع���ام ،وخ��ص��وص��اً ف��ي ال��م��ج��االت العلمية المتمثلة إن االهتمام بالترجمة ال ينحصر فقط على اإلضافة العلمية والمعرفية كم ّاً وكيفاً لألدبيات العلمية العربية، وإنما يمتد ليشمل عنصراً مهماً ومفصلياً يتناول تعميق الثقافة العلمية ،أعني تبيئة المفاهيم العلمية في العلوم والهندسة والطب ،وإخضاعها للتفكير اللغوي العربي؛ أي جعل اللغة العربية لغة قادرة على التعبير عن المفاهيم العلمية بشكل سلس ،ولعل ذلك يساعد على فتح المجال في تدريس العلوم العلمية باللغة العربية ،والتأليف بها، بوصفها لغة قوية وحيّة؛ وهذا ما تفعله جميع األمم التي
بالحوافز المادية المجزية والمعنوية في الترقية ستكون دافعاً لبذل الجهد من قبل أساتذة الجامعات ،وم��ا جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة إال خطوة رئيسة ف��ي التواصل الثقافي والعلمي بين شعوب الشرق والغرب ،وفهم صحيح لموروثنا الديني والثقافي الحقيقي ،وفرصة لتوطين العلوم العلمية والتقنية ،وستسهم -بإذن الله -في التنوير الفكري والعلمي الوطني والعربي ،وهي دليل على االهتمام من قبل لدن القيادة السعودية وعلى رأسها ،خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود -حفظه الله.
* أكاديمي وعميد كلية الهندسة بجامعة الجوف السعودية.
اجلوبة -صيف 1429هـ 97
جنيب محفوظ :عمالق الرواية العربية
> حواس محمود*
ال بالتأكيد ،أنا شخص ما يحب األدب، « لست بط ً شخص ما يؤمن بعمله ويخلص له ،ويحبه أكثر من حب المال أو الشهرة ،لو أتى المال وأتت الشهرة فمرحباً بهما ،لكنهما لم يكونا غايتي أبداً ،فأنا أحب الكتابة أكثر من أي شيء آخ��ر» .بهذه الكلمات المتواضعة، ودّع الراحل العظيم نجيب محفوظ الدنيا في ضحى الثالثين من آب (أغسطس) عام 2006م. ك��ان يعلم جيداً أن الحياة في مصر صعبة ،وأن األمر يحتاج إلى صبر وجلد كبيرين حتى يتمكن من المواصلة؛ بهذا اإلحساس من التقشف والزهد عاش حياته التي امتدت إلى 95عاماً ،شاهد فيها الشطر األكبر أحداث القرن العشرين. كان نجيب محفوظ من أكثر كتاب مصر في التقائه مع الحياة اليومية وأكثرهم معرفة لمعاناة وآالم الرجل البسيط؛ فقد ع��اش موظفاً ف��ي الشطر األك��ب��ر من عمره ،وأفادته الوظيفة ،إذ أمدته بعشرات من النماذج اإلنسانية ،ول��م ينعزل يوماً عن الناس فظل المقهى بالنسبة له المكان األمثل للجلوس والمسامرة ولقاء األصدقاء. تدفق سردي
األس���������رة« ،ال��س��ي��د أح��م��د عبدالجواد» وأس��رت��ه عبر ثالثة أجيال ،وبينما تمدنا ب��م��ق��دار ه���ائ���ل من التفاصيل السياسية واالجتماعية ،وتعد الثالثية أيضاً دراسة نجيب محفوظ للعالقات الحميمة بين ال��رج��ال والنساء .وبعد فترة صمت تزامنت مع السنوات الخمسين األولى التي تلت الثورة المصرية ع��ام 1952م ب���دأت أع��م��ال محفوظ تتدفق بتعاقب متواصل ..روايات ،قصص قصيرة ،صحافة ،مذكرات، مقاالت وسيناريوهات؛ ومنذ محاوالته األولى لتقويم العالم القديم أصبح نجيب محفوظ كاتباً استثنائياً غزير اإلن��ت��اج ،وأح��د المرتبطين بتاريخ عصره ،ومع ذلك كان مصمماً على استكشاف مصر القديمة مرة أخرى ،ألن تاريخها سمح له بأن يكتشف مالمح عصره منعكسة ومقطرة ،كي تالئم غايات معقدة تخصه هو. تأمالت في عالم جنيب محفوظ يقسّ م الناقد د .محمود أمين العالم ف��ي كتابه (تأمالت في عالم نجيب محفوظ) التأمالت إلى ثالثة أق��س��ام :أولها وأكبرها يحمل عنوان (ث�لاث مراحل متداخلة في روايات نجيب محفوظ) ،وهو في حقيقته تطبيق لمنهج نقدي وضع للعالم أسسه النظرية .ويؤكد ال حاسماً، الناقد أوالً وعيه بأن المراحل ليست فاص ً وإنما تحدد طوابع أساسية ،ثم نراها وهي تتداخل بدرجات في األعمال اإلبداعية التي انتظمت في:
ي��ق��ول الكاتب والمفكر إدوارد سعيد ع��ن نجيب محفوظ« :ومثل شخصياته ،التي يتم التعرف عليها دائ��م��اً ف��ور ظ��ه��وره��ا ،يصل إل��ي��ك محفوظ مباشرة، يغمرك في تدفق سردي كثيف ،ثم يتركك تسبح فيه وحدك طوال العمل مواجهاً تيارات ودوامات وأمواج حيوات شخصياته ،وتاريخ مصر تحت حكم رؤس��اء وزارات مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس ،وعشرات التفاصيل األخ��رى حول األح��زاب السياسية العائلية - 1المرحلة التاريخية ،وفيها روايات :عبث األقدار وما إلى ذلك بمهارة استثنائية». 1939م ثم رادو بيس وكفاح طيبة. الثالثية ودراسة األجيال -2المرحلة االجتماعية ،وتضم :القاهرة الجديدة 1946م ،وخان الخليلي ،وزقاق المدق ،والسراب، الثالثية -بحسب أدوارد سعيد -ه��ي ت��اري��خ رب
98
اجلوبة -صيف 1429هـ
وبداية ونهاية ،وم��ا يعرف بالثالثية :بين القصرين ،نصير الفصحى الذي ال يلني قصر الشوق ،والسكرية. و كما قدم روايات خالدةُ ،ع َّد إزاءها عمالقا للرواية -3المرحلة الفلسفية ،وفيها :أوالد حارتنا 1959م ،واللص العربية ،ونال جائزة نوبل لألدب عام 1988م ،قدَّم أيضاً وال��ك�لاب ،وال��س��م��ان وال��خ��ري��ف ،وال��ط��ري��ق ،والشحاذ مواقف مشرّفة؛ فمنذ بدأ الكتابة سنة 1928م ،وعلى مدى سبعين عاما ،اختار أن تكون كتاباته بالعربية الفصحى، 1995م. وظ��ل متمسكاً ب��ه��ذا الموقف حتى النفس األخ��ي��ر ،ولم وأم����ا ال��ق��س��م ال��ث��ان��ي فيتضمن م��ق��ال��ت��ي��ن ح��ول يستجب للدعوات الكثيرة التي كانت تطالبه ب��أن يكتب عملين روائيين ،كانتا قد نشرتا قبل دراسة المعمار ح���وار رواي��ات��ه وقصصه القصيرة ومسرحياته باللهجة الفني (بين القصرين 1957م) ،و(الطريق 1964م) .العامية المصرية. ويستفيد القارئ من تفاصيل وجوانب من األحكام وكان من هؤالء الذين انتقدوا إصراره على الفصحى أحد النقدية السريعة المقترنة بصدور الروايتين ،كما مترجمي رواياته إلى اإلنكليزية وهو المستشرق ديزموند نطالع تحلي ً ال ألح��دث رواي��ة في تلك المرحلة وهي ستيوارت ال��ذي علّق على موقفه من العامية بقول يعكس (ميرامار 1967م) ،مع إشارة إلى رواية (ثرثرة فوق الغيظ والغضب «إن التزام نجيب محفوظ بالعربية في كتابة ال أو الحوار مخل بمطلب الواقعية ،وهو عند نجيب محفوظ نوع النيل 1966م) ،فيكون الناقد قد عرض تفصي ً من العناد الطارئ ال يؤدي وظيفة فنية صحيحة»! إشارات متفاوتة لثماني عشرة رواية لمحفوظ ،هي وق��د داف���ع نجيب محفوظ م���رارا ع��ن ه��ذا الموقف كل ما أبدعه ونشره. أي عن اختياره العربية الفصحى -في أعماله األدبيةأم��ا القسم الثالث :فيتناول ثالثاً من مجموعات المختلفة ،فذكر أن اللغة العامية من جملة األمراض التي القصص القصيرة ،وهي (بيت سيئ السمعة 1965م) ،يعاني منها الشعب ،والتي سيتخلص منها حتماً عندما و(خمارة القط األسود) ،و(تحت المظلة1969م) .وفي يرتقي ،وأنا اعتبر العامية من عيوب مجتمعنا مثل الجهل أثناء تحليلها يشير ويقارن بالمجموعتين السابقتين وال��ف��ق��ر وال��م��رض ت��م��ام��اً ،وال��ع��ام��ي��ة م��رض أس��اس��ه عدم الدراسة ،والذي وسع الهوة بين العامية والفصحى عندنا (ه��م��س ال��ج��ن��ون 1948م) ،و(دن��ي��ا ال��م��ال 1963م)، هو ع��دم انتشار التعليم في البالد العربية ،وي��وم ينتشر فيتمكن ال��ق��ارئ م��ن تكوين تصور مجمل ع��ن أج��واء التعليم سيزول هذا الفارق ،أو سيقل كثيرا ،ألم تر تأثير القصص وأساليبها الفنية. انتشار الراديو في لغة الناس حيث بدؤوا يتعلمون الفصحى جنيب محفوظ واملقاهي
ويفهمونها ويستسيغونها؟ أنا أحب أن ترتقي العامية ،وأن تتطور الفصحى لتتقارب اللغتان وهذه هي مهمة األدب.
إذا ك��ان محفوظ ق��د قضى نصف ع��م��ره ف��ي مصر الملكية ،ونصفه اآلخر في مصر الجمهورية ،فقد قضى المراجع -1ادوارد سعيد – قسوة الذاكرة – ترجمة والء فتحي مجلة العربي عمره بالكامل في المقاهي! إذ ظل يتردد ألكثر من عشرين عدد 577ديسمبر 2006 ,صفحة .88 سنة على مقهى «عرابي» في حي الجمالية ،وأكثر من عشر -2تأمالت في عالم نجيب محفوظ – تأليف محمود أمين العالم عرض سنوات أخرى يتردد على «كازينو األوب��را» وسنوات عشر فايز الداية مجلة العربي عدد 577ديسمبر 2006صفحة .128 مثلها على مقهى «ريش» ،و ال نعلم كم سنة تردد على مقهى -3نجيب محفوظ ( )2006 1911-رحيل البسيط العظيم ،مجلة العربي «بابا» في ميدان التحرير ،وعلى مقهى «كازينو قصر النيل»؛ عدد 577ديسمبر 2006 ,صفحة .28 وهما المقهيان اللذان التقى فيهما الناقد جهاد فاضل مع -4جهاد فاضل «ما الذي بقي من نجيب محفوظ» مجلة القافلة عدد نجيب محفوظ لمدة ال تقل عن خمس عشرة سنة. سبتمبر أكتوبر 2006 ,صفحة .81 * كاتب من سوريا.
اجلوبة -صيف 1429هـ 99
الكتابة :قنطرة من ذهب > ليلى إبراهيم األحيدب* عندما كنت أكتب ،كنت أشعر أن بحور العالم ستقرؤني ُمن ِْصتة!! كانت الكتابة تحدي للذائقة المطروحة! كانت سباق راليات من التحدي ،وكانت غيمات اإلبداع ,تنهمر في سمائي من كل اتجاه؛ من ملحق اليوم الثقافي الذي كان يزدهر بحضور الدمينين وخالد المحاميد وغيرهما؛ إلى ملحق عكاظ وعثمان صيني ،فملحق الرياض والجزيرة ،إلى الملحق األهم في مسيرتي ..ملحق أصوات!! هذا الملحق الذي أسس لروح اإلبداع لدي؛ وجعلها مشروعاً قائماً. حينما كنت أقرأ لمحمد العلي ،كنت أشعر أن أصابعي تريد أن تكتب من أعمق نقطة في قلبي، فأكتب بغرف القلب األربع أصدق ما لدي من كتابة ،محمد العلي -عراب الحركة الجديدة في عهدي -حينما يكتب نصاً ،نجد أذرعنا تمتد من خالله إلى السنابل والحقول؛ وحينما كنت أسمع صوته يهدر كالموج (ال ماء في الماء) ..كنت أشعر أن بحور العالم تنسكب في قارورة واحدة ،فتلون كتاباتي بلون البحر!! أي تأثير أعمق من هذا؟ ربما لم يستشعر محمد العلي أن له هذا الحضور في داخلي؛ لكنني كنت أعلم ذلك ،وكنت أعوّل عليه!!
�����ش����ه����ادات
حضور محمد العلي في المشهد الثقافي في الثمانينيات كان حضوراً مؤثراً وفاعالً ،فهو لم يترك لنا كتاباً مطبوعاً واحداً نتأبطه ،وليس له مجاميع شعرية أو نثرية ،لكنه حاضر في المخيلة كوحي!! بينما هناك كتاب آخرون تمأل كتبهم أرفف المكتبات ،بل تعلو ثرثرتهم لساعات طويلة فوق المنابر؛ لكنهم ال يثيرون في القلب أي رائحة!! تقرأ لهم؛ فتشعر بأصابعك تتحول إلى مخالب، مخالب من حديد تريد أن تصحح لهذا الكون رؤيته!! لديهم القدرة على إثارة كراهيتك للكون الذي يمنحهم هذه النوافذ ،تقرأ لهم فتزداد طاقتك السلبية ،وتبدد وقتك في نصوص تراشقية ال تثري أحداً! هؤالء أسميهم «المثقفين الضفادع» ..فهم مثقفون برمائيون يؤمنون دائماً بالحلول الوسط! وباللون الرمادي المحايد! ويقفزون من اليابسة إلى الماء! ومن الماء إلى اليابسة! لزجين ال هوية لهم ،وغير فاعلين على الرغم من ضجيجهم ،وغير منتجين على الرغم من قعقعتهم! ه��ؤالء أف��س��دوا المشهد الثقافي -آن��ذاك -بالترهات التي كانوا ي��روج��ون لها – وم��ازال��وا يفعلون!! لكن أشخاصاً فاعلين كمحمد العلي وعبدالله باخشوين ،وجارالله الحميد ،وعبد العزيز مشري.. كانوا يؤسسون للركن البهيج في داخلك ،يملئونه بطاقة إيجابية ،تجعلك تستدير للعالم بباقة ورد، مفتشاً في ثنايا روحك عن مزيد من الجمال! نعم ،في بداياتي كنت – وغيري كثيرون – متواصلة مع الجيل السابق ،تواصل (األستذة) ال تواصل
100اجلوبة -صيف 1429هـ
الندية أو العدائية ،كنت أقرأ نصاً لجارالله الحميد أكثر من مرة ،مرة قراءة لهفة واستكناه ،وأخرى لمزيد من االستكناه ،ومرات عديدة ألكتشف كيف كتب نصا سلساً دون أن يترك فيه فجوة واح��دة! فالقصة لدى جارالله ليست تقليدية ،وال يمكنك اقتناص حدث بارز أو عقدة واضحة ،لكنه يهديك نصاً تقرؤه لتقول (ما أسهل أن نكتب قصة)؛ ولكن ،عندما تشرع في الكتابة تكتشف أن ما التقطه الجارالله ليس متاحا لك! ومن هنا ،كنت أقرأ وأتعلم!!
عبدالله ال��س��ال��م��ي؛ ق��رأت ل��ه ك��ث��ي��راً ،وت��أث��رت بمكعباته، تعلمت منه كيف تجلس القصة ف���ي م��ق��ه��ى ل��ت��ث��رث��ر!! قصص المقاهي عند السالمي تروق لي ألنها ال تتكئ على الشعبية المغرقة في القرف اليومي، ال��ذي ن��ق��رؤه لكتّاب المقاهي ال���ي���وم!! ق��ص��ة ال��م��ق��ه��ى عنده قصة مثقفة ت��رت��دي الجينز، وع��ل��ي أن أع��ت��رف أن قصص المقاهي التي ترتدي الجالبية ال تروق لي أبداً!
عبدالعزيز مشري
تجربة عبدالعزيز مشري أدخلتني ف��ي ح��وارات داخلية مع ذات��ي ،حول التجريب والصدق والمحلية. فوزية ابو خالد كتب مشري مجموعته (م��وت على الماء) مستخدماً فيها كل أل��وان التجريب ،ثم عاد وكتب بلغة بسيطة؛ ق��ص��ص ال��س��ال��م��ي ت��ذك��رن��ا هذا التحول أضاف لتجربتي بعداً جديداً ،وكان مشري جريئاً كفاية ،ليقول (أنا أريد االقتراب من قارئي) .بزمن المقاهي الجميل الذي ه���ذا ال��ت��ح��ول ال��م��ب��رر ع��ن��د م��ش��ري جعلني أم���ارس يجمع مثقفي البلد مع عامتهم ب���ع�ل�اق���ة ال�������ود ،أم�����ا ق��ص��ص التجريب بوعي. ال��م��ق��اه��ي اآلن ف��ت��ح��ك��ي عن جارالله الحميد عبدالله ب��اخ��ش��وي��ن ،ت��واص��ل��ت معه منذ بداياتي طبقة متنورة تخلق ع��داءاً مع األولى وعبر رسائل بريدية ،كنت أقتات مما يقوله لي واقعها وتتعالى عليه!! وعندما حول الكتابة .تلك الرسائل جعلت مني «ليلى» مختلفة، كتبت مقاال تأبينا في عبدالله ولو أردت أن أسمي «عرابي الحقيقي» في الكتابة لكان ال��س��ال��م��ي أح��زن��ن��ي أن ك�� ّت��اب��اً عبدالله باخشوين! فمنه تعلمت كيف يكون الصدق كث ٌر ال يعرفونه!! ول��م يقرءوا الفني في الكتابة ،وكيف أقفز متخطية جحيم اآلخرين، ل��ه!! وال أدري كيف يؤسسون محمد العلي وكيف أن��زع عصابة الرقيب وأكتب بصدق وج��رأة؟! للوحي واإلل��ه��ام ف��ي داخلهم ويعلم باخشوين جيدا أنني ما زلت أقتات من رسائله دون أن يقرءوا للسالمي! حتى هذه اللحظة؛ فعندما تخونني لحظة الكتابة أعود كنت ف��ي ب��داي��ات��ي أب��ح��ث ع��ن ك��ل اس��م ألق���رأ له، إلى رسائله ،فأجده يقول لي (أكتبي وأغلقي عينيك عند الكتابة) وت��ج��اوزي جحيمهم!! وأه��م ب��اب فتحه فأستبعد من أستبعد ،وأبقي على من يثري في داخلي لي باخشوين ب��اب النقد والنقاد؛ فمنه تعلمت كيف سنابل اإلب���داع .حينما ق��رأت -ألول م��رة -لقاءا مع أغض الطرف عن أي ناقد ليس بمبدع!! بمعنى أن ال فوزية أب��و خالد -ول��م أك��ن أعرفها آن��ذاك -بحثت ألتفت لكتابات نقاد النظرية الذين يلبسون النصوص عن أرشيفها في مكتبة معهد اإلدارة ،حيت يحتفظون نظرياتهم ،وأن أتّبع الناقد المبدع الذي يدخل للنص بصور من الصحف القديمة ،ولم يكن األمر يسيراً كما هو اليوم -بضغطة زر في جوجل تحصل على ما تريد - من بابه الذي طرقته أنا؛ ناقد ليس له هوية إبداعية قرأت ما كتبت ،وتواصلت معها بريديا وشخصياً .ومن غير الكتابة النقدية ،ال يمكن أن يكون ناقداً أستفيد فوزية أبو خالد تعلمت كيف تحلق المفردة بأجنحة من منه.
اجلوبة -صيف 1429هـ 101
شعر ،دون عكازي القافية والوزن0
وق��د ح��دث ه��ذا ال��ل��ق��اء م��ؤخ��راً .وق��د كنت أشعر دوماً أنني ال بد أن ألتقيها وأشعرها كم سكنت روحي وأشعلت لؤلؤة قلبي وأنا مراهقة غضة ،وأهديها إضبارة قصائدها التي صممتها وأخرجتها ،وكنت أهديها لكل عاشق للشعر! ٍ
ق��رأت لخديجة العمري ،وحرصت على التواصل الشخصي معها ،وكانت شخصية ثرية جداً تكتب بنبض مختلف وق��وي .وحينما تقرأ لخديجة العمري فأنت تناطح هذا الكون بروحك!! نصوصها تعلمك التحدي الجميل ،خديجة العمري ضد التلون واألقنعة ،وضد كل ق��ص��ائ��د غ��ي��داء ال��م��ن��ف��ى ك��ان��ت سيمفونية عذبة المثقفين الضفادع ،الذين حدثتكم عنهم سابقاً؛ وهذه أعزف على أنغامها شجني ،أثرت بي -وهذا ال شك الحدة لدى خديجة العمري جعلتها حالة استثنائية ال فيه -ولربما جعلت مفرداتها للغتي هذه الثراء وهذا تشبه أحداً!! أفتقد حضور خديجة العمري اآلن وافتقد الجمال! طلتها على مشهدنا الثقافي 0 نعم ،أقولها عن لغتي وأعرف أنها كذلك؛ ألنني لم وم������ن ج���ي���ل���ي ك���ن���ت أق�����رأ أخلق هذه اللغة وحدي ،بل خلق جمالها كل هذا اإلرث للجميع وأتواصل مع من يروق اإلبداعي ألناس بصموا بجمالهم دواخلي. لي منهم .وقد جمعتني بهدى إنني أدين بالوالء للجيل الذي سبقنا كتاباً وشعراء، الدغفق صداقة من نوع خاص ،فقد كانوا لنا وحياً وإلهاماً ،القنطرة مع الجيل السابق جعلتنا نكتب نصوصاً مشتركة؛ ل��م تكن أب��دا مثقوبة ،وع��ن نفسي؛ كنت أت��واص��ل مع صداقتي مع هدى كانت إلهاما الجميع بدون استثناء ،فكنت أقرأ للجميع ،وكنت أتعلم عبدالمحسن يوسف للشقاوة الجميلة في داخلي ،من الجميع! نتغنى الجامعة ضحى في كنا فهل الجيل الذي تالنا كذلك؟ هل ينظرون لتجاربنا بقصائد غ��ي��داء ال��م��ن��ف��ى ،ثم كما كنا ننظر نحن لتجارب من سبقونا؟ ال أظن ذلك! قررنا أن نبحث عن تلك المرأة أظن أن القنطرة لم تحملنا إليهم ،وربما ال ذنب لهم وال التي أوجدت لنا عالماً موازياً لنا ،لكن الوقت لم يشرع لهم بحوره ،كما فعل معنا نحن من العشق! كتّاب الثمانينيات. سعيد السريحي
عبدالله السالمي
هاشم الجحدلي
فتشنا عن نصوصها في كل فقد كان المشهد الثقافي (في الثمانينيات) أشبه مكان ول��دى كل معارفنا ،وقد ما يكون باألرض الخصبة ،كان أرضا مهيأة لإلبداع، زودنا سعد الدوسري بنصوص وكان المد الحداثي في أوجه ،وفي طلته األولى؛ لذا، كثيرة لها ،جمعتُ قصائدها في كان لإلبداع وهجه الذي ال يخبو ،كنا ننتظر المالحق إض��ب��ارة واح���دة وأخ��رج��ت كل الثقافية لنقرأ بعضنا ،ال لنتسقط الزالت أو نجرح أو قصيدة على حدة ،وكنت أنتقي نحطم؛ بل كنا نتشوق أن نعرف إلى أين وصلنا ،وما لكل قصيدة صورة تعبيرية. الذي فاتنا؟ كنا نقرأ بعضنا لنتواصل إبداعيا ،لنتناقش كنت أحلم دوما أن ألتقي ح��ول أف��ق تلك القصة أو جماليات تلك القصيدة؛ ت��ل��ك ال����م����رأة ال���ت���ي أش��ع��ل��ت كانت القراءة فناً قائماً بحد ذاته؛ لذا ،ازده��رت تلك قلبي بحرائق من نوع مختلف اآلونة بقراءة القصص والقصائد ،بل وحتى اللوحات؛ وم��م��ي��ز ،وس��ك��ن��ت غ��ي��م��ات��ه��ا فالفن التشكيلي وقتها ك��ان لصيقاً بموجة اإلب���داع، ردائي زمنا طويال! وك��ان التشكيليون يرسمون القصائد الحداثية ،وكان الكتّاب يقرؤون اللوحات والصور ..كان اإلبداع آنذاك
102اجلوبة -صيف 1429هـ
إبداعا متكامال ،وكان سياقاً فنياً واحداً ال يهدأ ،وكانت المالحق الثقافية تتنافس في تقديم هذا المد الحداثي الجديد نسبياً-مثل ملحق جريدة (ال��ي��وم) الثقافي، وملحق (ال��ج��زي��رة) ،وملحق (ال��ري��اض)؛ أم��ا الملحق األه���م –في مسيرتي اإلب��داع��ي��ة -فهو ملحق مجلة اليمامة (ملحق أص���وات) ،إذ تجلت في ه��ذا الملحق الصورة المثالية لتكامل اإلب��داع على األق��ل بالنسبة لمبتدئة مثلي؛ فقد كنا نكتب القصص والقصائد وكنا نقرأ ما ننشره ،وكانت اللوحات التشكيلية الحديثة هي خلفية هذا اإلب��داع وك��ان القاص يقرأ القصيدة، والشاعر يقرأ اللوحة ،كنا كبارا وصغارا ..نتواجد في هذا الملحق.
ال���س���ري���ح���ي ف����ي (ع����ك����اظ) و(اليمامة) ،وخالد المحاميد في (اليوم) ،ومن األسماء التي جايلتني أتذكر :عبدالرحمن الدرعان ،ويوسف المحيميد، وه������دى ال���دغ���ف���ق ،وه���اش���م ال���ج���ح���دل���ي ،وع���ب���ده خ���ال، وعبدالمحسن يوسف ،ووفاء ال��ط��ي��ب ..وأس��م��اء أخ���رى ال تحضرني اآلن .وقتها كانت ال��ح��داث��ة تهمة ،وك���ان ملحق الندوة األسبوعي متخصصاً في الرد عليها ،وكانت الكتب التي تدين هذا االتجاه رائجة ولها م��ؤي��دوه��ا ،ومنها كتاب (الحداثة في ميزان اإلسالم) وال���ذي فيه ت��ج��نٍّ كبير على أس���م���اء ك��ث��ي��رة ،وأت��م��ن��ى أن يكون صاحب هذا الكتاب قد أدرك خطأه؛ فالحداثة كما أفهمها ،وكما كانت تستفزني، ه��ي ال��م��ف��ردة ال���ح���رة ..هي التركيب الحر ..هي النقطة ال��ت��ي ال ع�لاق��ة ل��ه��ا بجمود السطر..هي النظرة الجديدة للكون ولألشياء من حولنا.. ه��ي ال��ك��ت��اب��ة ال��ت��ي تعيد لك حماسك للقراءة!
كنا نشعر بحمَّ ى اإلب��داع ،تعترينا مع كل ملحق ثقافي يصدر .كنا نقرأ القصة والقصيدة والنص المفتوح ،كنا نتشوق إل��ى ت��ج��ارب بعضنا بعضا.. نقرؤها لنتفهم اإلبداع ..ونقرؤها ليفهمها اآلخرون. ك���ان ال��م��ب��دع��ون ي���ق���رؤون اإلب�����داع ،ول��ي��س ال��ن��ق��اد األكاديميون! كان علي الدميني في (اليوم) ،وسعيد
باختصار ،ك��ان المشهد القصصي واإلب��داع��ي بشكل عام ،مشهداً حياً ،يناضل لكي ينمو في ظل هجمات شرسة ،تستعدي اآلخرين عليه؛ لذا ،أحمد الله أن ش��رارت��ي األول���ى انطلقت ف��ي ذل��ك الوقت ال���ذي ك��ان اإلب����داع فيه ق��ض��ي��ة ..ال م��ج��رد إثبات حضور ووجاهة كما يحدث اآلن.
كان محمد الحربي مشرفا مبدعا على ذلك البحر من اإلبداع ،وفتح أمام األصوات الجديدة أبواب التجربة بكافة جهاتها .كان ملحق (أصوات) نافذة بحجم الدنيا بالنسبة لنا -نحن األص��وات الجديدة -لذا ما زلت أشعر بمرارة الفقد كلما تذكرت أن ملحق (أص��وات) ألغي فجأة ودون مبرر!! لكأننا فقدنا األرض التي نقف عليها شامخين! أنتزع منا الحلم ال��ذي كان اآلخ��رون يحسدوننا عليه ،أولئك الذين لم تسمح ظروفهم أن يكونوا ج���زءاً م��ن «أص����وات» إم��ا الرتباطهم بصحف أخ��رى ،أو النشغالهم بالهم الصحفي؛ لذا ،كنا نشعر بالغبن إللغاء «أص��وات» ،هذا الحدث ال��ذي لم يفسر لي ،ولعل د .فهد العرابي الحارثي يجيبني عليه اآلن، فقد كان ربان السفينة آنذاك ،وبالمناسبة هو أول من منحني زاوية باسمي ،مع أني وقتها كنت ما أزال أدرس في الجامعة؛ فكنت أصغر كاتبة تحصل على زاوي��ة أسبوعية ،وهذا بالتأكيد أعطاني دفعة إلى األمام.
محمد جبر الحربي
عبدالرحمن الدرعان
علي الدميني
أحد أعداد مجلة أصوات
* كاتبة من السعودية.
اجلوبة -صيف 1429هـ 103
دراسة وتصنيف « قطاع التربة» في منطقة اجلوف املالمح اجلغرافية للمنطقة
> زامل عايد احلميد*
تقع ه��ذه المنطقة بين خطي الطـول ( 37و)42 شـرقاً ،ودائرتي العرض ( 29و )31شماالً .ويحدها من الشمال والشمال الشرقي منطقة الحدود الشمالية، ومن الشمال الغربي الحدود األردن��ي��ة ،ومن الجنوب والجنوب الشرقي منطقة حائل ،ومن الجنوب الغربي منطقة تبوك .وتبلغ مساحتها نحو 425108كم .2أما عدد سكانها فيقدر بنحو ( )415ألف نسمة. ويالحظ على ه��ذه المنطقة مظهرها الهضابي، رغ��م ت��ن��وع مظاهر السطح فيها بين ه��ض��اب وت�لال وج��روف شديدة االنحدار يطلق عليها الحافات ،إلى ج��ان��ب المنخفضات وال��س��ب��خ��ات وال��ك��ث��ب��ان الرملية المختلفة األش��ك��ال وال��ح��ج��وم.إض��اف��ة إل���ى األودي���ة المتعددة فيها(.)1
���ش���ؤون زراع��ي��ة
وت��ق��ع ال��م��دن الرئيسة وال��ق��رى ف��ي المنخفضات وبطون األودي���ة ،بينما تخلو هضبتا الحماد والحرة شمالي المنطقة ،وص��ح��راء النفود الكبير جنوبيها، من أي مراكز عمرانية ،بسبب عمق المياه الجوفية في هضبتي الحماد والحرة ،وعدم صالحية صحراء النفود الكبير لالستقرار البشري ،وهذا ما ميز منطقة الجوف عن سائر مناطق المملكة .وتشير الخرائط الجيولوجية العامة ،إلى قدم صخور المنطقة ،حيث تتكون تربتها من حجرين أساسيين هما الحجر الرملي وال��ح��ج��ر ال��ج��ي��ري ،وق���د يغلب ال��ح��ج��ر ال��رم��ل��ي على تربتها. وت��م��ت��از ه��ذه المنطقة بمناخها؛ فكثيراً م��ا تظهر الخصائص والصفات القارية عليها ،ويغلب عليها المناخ الصحراوي الحار صيفا البارد شتاء ،والحار نهاراً البارد ليالً .وتتميز بخلوها وبعدها عن المسطحات المائية التي كثيراً ما تؤثر في مناخ أي منطقة،
104اجلوبة -صيف 1429هـ
تتعرض المنطقة ش��ت��ا ًء للمنخفضات الجوية ال��ق��ادم��ة من ال��ب��ح��ر ال��م��ت��وس��ط، ال����ت����ي ق�����د ت��ص��ح��ب م�����ع�����ه�����ا األم�������ط�������ار الرعدية ،وق��د تصل درجات الحرارة فيها شتا ًء إلى نحو ( )6درج��ات مئوية تحت الصفر ،وترتفع صيفاً إلـى ( )45درجة مئوية .أما األمطار فتراوح بيــن 50 و200ملـم فــي العــام .والرطوبــة النســبية نحو 5و.%36 ه��ذه العوامل مجتمعه جعلت من الجوف منطقة زراعية ،صالحة لمختلف أنواع الزراعة ،بدءاً بالنخيل، الذي تقدر أشجاره بنحو (000ر )550شجرة .وانتها ًء بأشجار الزيتون ،التي وصل تعدادها إلى نحو أربعة ماليين ش��ج��رة .إض��اف��ة إل��ى ال��ل��وزي��ات والتفاحيات والحمضيات والخضار ،كما تمتاز المنطقة بارتفاع معدالت إنتاجها من محاصيل القمح والشعير. وق��د أثبتت ج��ذوع الزيتون المتحجرة ،التي عثر عليها في المنطقة ،أصالة هذه الشجرة وقدمها في منطقة ال��ج��وف ،التي تتميز حاليا – كما أسلفت – بزراعتها ووفرة إنتاج زيتها. وصف منطقة الدراسة (تربة) -1على مسافة ( )14كم شرق مدينة سكاكا ،وعلى الطريق المؤدي إلى قرية خوعاء ،وقد تم تحديده ب��واس��ط��ة GPSوه���ي ك��ال��ت��ال��ي N=، 2957677 =04019839E
-2يصل ارتفاعها عن سطح البحر نحو 588مترا، وتتكون حدودها الطبيعية من كثبان رملية وتالل
واضحاً ،وشبه مستوٍ ودرجة تماسكه هشة.
صخرية. -3تقدر مساحتها بنحو ( )500دونم. -4سطح منطقة الدراسة متموج بانحدار ال يزيد عن ،%8 وغطاؤها النباتي بعض األعشاب والشجيرات البرية، مثل :الرمث ،والسبط ،والقضقاض .وتصل نسبة هذا الغطاء نحواً من %15من المساحة اإلجمالية .كما يوجد في الموقع نسبة قليلة من الحصى واألح��ج��ار ،التي ال تتجاوز %25وهي غير منتظمة األشكال. -5صرف الماء في هذه المنطقة جيد ،وانجراف التربة قليل بسبب قلة االن��ح��دار ،والنفاذية الجيدة للتربة .ويتضح وجود بعض األمالح البسيطة في المنطقة المرورية. -6توجد ف��ي منطقة ال��دراس��ة بعض ال��ب��روزات الصخرية القليلة والمتباعدة.
-5وعن درجة فوران التربة مع الحامض ،فلم يظهر فوران في الطبقتين األولى والثانية ،وقد كان طفيفاً في الطبقتين الثالثة والرابعة. نتائج الدراسة اتضح من نتائج التحليالت المعملية ،وباالستعانة بمثل القوام أن التربة رملية؛ إذ أن نسبة الرمل تزيد في كل الطبقات عن ،%90كما اتضح أن نسبة الكالسيوم قليلة ومنخفضة في الطبقات األربعة. كما اتضح أن الرقم الهيدروجيني PHيتراوح بين - 7.5 7.7؛ أي أن التربة تميل إلى التربة القاعدية .واتضح أيضا أن التوصيل الكهربائي جيد ،وال توجد أي مشاكل بالنسبة لألمالح فيها.
وصف قطاع التربة ي���������وم األرب���������ع���������اء ال�����م�����واف�����ق 2006/5/31م تم حفر القطاع ،حتى عمق 120سم ،وتم تقسيمه إلى أربع طبقات بناء على تغير اللون والحد الفاصل بينها.
ويوضح التحليل انخفاض نسبة البوتاسيوم والفوسفور في التربة، ك��م��ا أن ال��م��ادة ال��ع��ض��وي��ة ال توجد فيها. لقطة من إحدى المزارع في الجوف
أوال :لون التربة الطبقة األولى :اللون أصفر وسمكها (20 )20-1سم. الطبقة الثانية :اللون أصفر محمّر وسمكها (20 )40-20سم. الطبقة الثالثة :اللون بني وسمكها (18 )58-40سم. الطبقة الرابعة :اللون بني غامق وسمكها (52 )120- 58سم. -2قوامها :أخذت عيّنة من كل طبقة ،وأرسلت إلى مختبرات التربة في المنطقة لمعرفة قوامها ..وقد تم ذلك وأشير إليه في نتائج الدراسة. -3البناء :بالنسبة للطبقات ال��ث�لاث األول���ى ،فهي عديمة البناء ،أما الطبقة الرابعة فهي متوسطة البناء ،ونوعه كتلي تحت زاوية. -4أم��ا ع��ن ال��ح��د الفاصل بين الطبقات :فقد ك��ان الحد
تصنيف التربة في منطقة الدراسة
تم التصنيف وفقاً للتصنيف األمريكي ،ومنه يتضح أن التربة تقع ضمن رتبة الترب حديثة التكوين ( )Entisolsورتبة الترب الرملية ( ،)Pasmmentsوضمن مجموعة العظمى األراض��ي الجافة ( )Torripasamntsتحت مجموعة الترب العميقة ( ،)Typicوعليه فإن تصنيف هذا القطاع هو (Typic .)Tirri Pasamaents ويتضح من الدراسة المورفولوجية والتحليالت المخبرية أن األرض صالحة ل��ل��زراع��ة ،على أن ت��ض��اف إليها بعض األسمدة البوتاسية والفوسفاتية لنقص تلك العناصر فيها.. وينصح أيضا بإضافة المادة العضوية لتحسين خواص التربة الفيزيائية والكيميائية .كما نوصي باستخدام الري بالتنقيط لألشجار ،ن��ظ��راً ل��زي��ادة نفاذية التربة م��ع مالحظة تقريب فترات الري.
* الجوف -السعودية ( )1خالد مفلح مريح الجوفي منطقة الجوف دراسة في الجغرافية اإلقليمية.
اجلوبة -صيف 1429هـ 105
املصارف اإلسالمية
ماهيتها وواقعها الذي فاق كل التوقعات > د .نضال الرمحي ،د .حسني سمحان* إن المحاوالت الجادة في العصر الحديث للتخلص من المعامالت المصرفية التقليدية التي ال تناسب من يلتزمون بأحكام الشريعة اإلسالمية،وإقامة مصارف تقوم بالخدمات واألعمال المصرفية بما يتفق معها ،بدأت منذ عام 1963م عندما أنشئت بنوك االدخار المحلية بإقليم الدقهلية في مصر على يد الدكتور أحمد عبدالعزيز النجار ،حيث كانت بمثابة صناديق ادخار تـوفير لصغار الفالحين. ثم جاء إنشاء بنك ناصر االجتماعي عام 1971م بالقاهرة ،وعمل في مجال جمع وصرف الزكاة والقرض الحسن ،ثم كانت محاولة مماثلة في الباكستان ،ثم البنك اإلسالمي للتنمية بالسعودية ع��ام 1974م ،ت�لاه بنك دب��ي اإلسالمي ع��ام 1975م ،ثم بنك فيصل اإلسالمي السوداني عام 1977م ،فبيت التمويل الكويتي عام 1977م ،فبنك فيصل اإلٍ سالمي المصري عام 1977م ،وفي األردن كانت البداية بالبنك اإلسالمي األردني للتمويل واالستثمار الذي تأسس عام 1978م فالبنك العربي اإلسالمي الدولي عام 1997م. وحاليا انتشرت البنوك اإلسالمية في جميع أنحاء العالم ،حتى أن البنوك التقليدية العالمية عملت على فتح نوافذ أو فروع أو بنوك إسالمية لها مثل سيتي بنك ولويدز وغيرهما مما يؤكد صالحية النظام االقتصادي الخالي من الفائدة للتطبيق ،وإمكانية تفوقه على األنظمة االقتصادية السائدة.
مـــــال واقت�صـاد
آلية عمل المصارف اإلسالمية إن المهتم في شؤون البنوك اإلسالمية يدرك أهمية عقد المضاربة ودوره في قيام هذه البنوك ووصولها إلى ما هي عليه اآلن .فالمعروف أن البنوك مهما كان نوعها -إسالمية أو تقليدية -أو المبدأ الذي تعمل على أساسه ،ال بد لها من الحصول على كم هائل من األموال لتستطيع القيام بالدور الذي قامت من أجله. فالبنك يعتمد بالدرجة األولى على أموال الناس في تحقيق الجزء األكبر من أرباحه ،لذا فانك تجد أن رأسمال البنك ال يتجاوز في كثير من األحيان عُشر ودائعه.ومن هنا كان ال بد
106اجلوبة -صيف 1429هـ
للمصارف اإلسالمية من البحث عن أسلوب تستطيع من خالله تجميع األموال من الناس وإغرائهم باستثمار أموالهم معها ،فكان عقد المضاربة الشرعية هو العقد المناسب للقيام بهذه المهمة .فما هو هذا العقد وكيف ساهم في نشوء وتطور المصارف اإلسالمية.
أن ي��ك��ون ال��ع��م��ل م��ش��روع��اً م��م��ا ت��ج��وز فيه ال يجوز المضاربة؛ وحسب شروط عقد المضاربة؛فمث ً أن يعمل المضارب في التجارة وما ينتج عنها كالرهن واإليجار واالستئجار وتأخير الثمن إلى أجل متعارف عليه إال إذا نص العقد على عدم القيام بأحد األعمال السابقة،كأن يشترط رب المال على المضارب عدم تأخير الثمن إل��ى أج��ل م��ع��روف .وال يجوز للمضارب أن ي��ق��رض م��ال ال��م��ض��ارب��ة أو العتق وال��ه��ب��ة م��ن مال المضاربة.
أوال :الشروط الخاصة برأس المال
ال يصح أن يشترط أحد المتعاقدين لنفسه كمية محدده من الربح.
تعرف المضاربة بأنها عقد بين طرفين يقدم أحدهما المال للطرف اآلخ��ر ليعمل فيه بهدف الربح على أن يتم توزيع هذا الربح بينهما بنسب متفق عليها ابتداء. أم��ا الخسارة فيتحملها صاحب ال��م��ال وح��ده بشرط عدم تقصير الطرف اآلخر أو تعديه .ويسمى صاحب ثالثاً :الشروط الخاصة بالربح المال «رب المال» ويسمى الطرف اآلخ��ر «العامل أو تحديد نصيب كل من رب المال والمضارب المضارب» .وفي المصارف اإلسالمية يكون أصحاب من الربح عند التعاقد. الحسابات االستثمارية هم أرب��اب األم��وال والمصرف أن يكون نصيب كل طرف نسبة شائعة من - هو المضارب. الربح وليس مقداراً محدداً. وه��ذا المفهوم يختلف عن المضاربة في األس��واق اشترطت الشافعية أن يكون الربح مشتركاً المالية ( )Speculationالتي ينصرف إليها ذهن االق��ت��ص��ادي��ي��ن ع��ن��د ال��ت��ح��دث ع��ن ال��م��ض��ارب��ة .فهذه ب��ي��ن ال��ط��رف��ي��ن .ف�لا ي��ج��وز أن ي��خ��ت��ص ب��ال��رب��ح أح��د المتعاقدين دون اآلخر. المضاربة لها شروط شرعية منها: أن يكون رأس المال من النقود المضروبة كالدنانير مثال .أما األموال غير النقدية (العروض أو األصول الملموسة) ففيها اختالف بين الفقهاء.
أه����م أدوات ال��ت��م��وي��ل واالس��ت��ث��م��ار في المصارف اإلسالمية:
ت��ق��وم ال��م��ص��ارف اإلس�لام��ي��ة ب��اس��ت��ث��م��ار األم����وال أن ي��ك��ون رأس ال��م��ال معلوماً لكل م��ن رب المال والمضارب علماً نافياً للجهالة .من حيث الجنس المتجمعة لديها من اجل تحقيق الربح لها وللمستثمرين معها (أصحاب حسابات االستثمار) من خالل أدوات والصفة والقدر. تتناسب مع ما أفتى به علماء المسلمين ،مما يرفع أن ال ي���ك���ون رأس ال���م���ال دي���ن���اً ف���ي ذم��ة الحرج عنها وعن المستثمرين معها إذا التزمت بهذه المضارب. الفتاوى ،ومن أهم هذه األدوات:
ثانياً :الشروط الخاصة بالعمل
-تمويل المضاربة
أن يتم تسليم رأس مال المضاربة للمضارب حيث يقوم المصرف اإلسالمي بدفع مبلغ معين من وإطالق يده فيه على أن ال يكون قبض المال من قبل المال ألحد المتعاملين معه حسب ش��روط المضاربة المضارب قبض ضمان إال في حال تعدي المضارب السابق ذكرها .وفي هذا حل لكثير من مشاكل االقتصاد على هذا المال أو تقصيره بالتصرف فيه. والتجار ال مجال لذكرها هنا.
اجلوبة -صيف 1429هـ 107
-ال���م���راب���ح���ة ال���م���رك���ب���ة(ال���م���راب���ح���ة ل�لآم��ر تصرف المالك.
بالشراء) ويعرّفها آخرون بأنها :تعاقد بين أثنين أو أكثر على هي قيام من يريد ش��راء سلعة معينة بالطلب من العمل للكسب بواسطة األموال أو األعمال أو الوجاهة. طرف آخر (البنك اإلسالمي مثال) بان يشتري سلعة ليكون الغُنم بالغُرم بينهم حسب االتفاق. معينة ويعده بأن يشتريها منه بربح معين .ويسمى من وم����ن أه����م أن������واع ال���م���ش���ارك���ات ف���ي ال��م��ص��ارف يريد السلعة باآلمر بالشراء أما الطرف اآلخر (البنك اإلسالمية: اإلس�لام��ي) فيسمى المأمور بالشراء أو البائع .هذا وق��د يقوم اآلم��ر بالشراء بدفع الثمن للبنك ح��االً أو أوالً :المشاركة الدائمة مقسطاً أو مؤجالً .وع��ادة ما يتم دف��ع الثمن بموجب وهي اشتراك البنك في مشروع معين بهدف الربح أقساط شهرية أو سنوية متساوية أو دفعة واحدة بعد دون أن يتم تحديد أجل معين النتهاء هذه الشركة ،ومثال أجل محدد .وبهذا فإن بيع المرابحة لآلمر بالشراء ذل��ك اشتراك البنوك اإلسالمية في إنشاء الشركات (المرابحة المركبة) يتم على مراحل هي: المساهمة ،أو المساهمة فيها بهدف السيطرة عليها المرحلة األولى :وعد من اآلمر بالشراء للمأمور بأن أو البقاء فيها ألسباب معينه. يشتري منه السلعة التي أمره بشرائها بعد أن يمتلكها.
ثانيا :المشاركة المؤقته
المرحلة الثانية :إبرام عقد البيع األول بين المأمور وهي اشتراك البنك في مشروع معين بهدف السرعة بالشراء والبائع األول. مع تحديد أجل أو طريقة إلنهاء مشاركة البنك في هذا المرحلة الثالثة :إبرام عقد البيع الثاني بين اآلمر المشروع في المستقبل ،وهذه المشاركة على نوعين: بالشراء والمأمور بالشراء. أ-المشاركة في تمويل صفقه معينه :وهي اشتراك وتتعامل البنوك اإلسالمية ببيع المرابحة لآلمر البنك اإلسالمي مع أحد التجار أو إحدى المؤسسات ب��ال��ش��راء على أس���اس اإلل����زام ب��ال��وع��د لكل م��ن اآلم��ر في تمويل صفقه معينه على أن يقتسما الربح بنسب بالشراء والبنك اإلسالمي( .اآلمر بالشراء ملزم بشراء معينه ،فيتم تصفية الصفقه واحتساب حصة كل طرف السلعة إذا اشتراها البنك اإلسالمي .والبنك ملزم ببيعه من األرباح وتسليمها له بعد إعادة رأسماله ،وبهذا تنتهي الشركة ،ومثال ذلك اشتراك البنك مع أحد المقاولين هذه السلعة إذا اشتراها). في تنفيذ عطاء بناء مجمع تجاري أو اشتراكه مع أحد تمويل المشاركةتجار المواد الغذائية في استيراد مواد غذائية معينة تعتبر المشاركة إحدى مجاالت االستثمار الهامة في تحتاجها البلد لصالح الحكومة أو لصالح المؤسسات ال ناجحاً في كثير االستهالكية المدنية أو العسكرية. المصارف اإلسالمية .كما تعتبر بدي ً من األحيان لتمويل المرابحة المثير للجدل. ب -ال��م��ش��ارك��ة ال��م��ن��ت��ه��ي��ة ب��ال��ت��م��ل��ي��ك (ال��م��ش��ارك��ة الشركة .المتناقصة) :وهي اشتراك البنك اإلسالمي مع طرف وف��ي اللغة يرتبط لفظ المشاركة بلفظ َّ ���ش��� ْرك���ة ه���ي االخ���ت�ل�اط أو مخالطة أو أط���راف أخ��رى ف��ي إن��ش��اء م��ش��روع معين برأسمال ���ش���رِ ك���ة أو ال َّ وال َّ معين وب��ه��دف ال��رب��ح ،بحيث يسهم البنك والشركاء الشريكين. في رأسمال هذا المشروع بنسب معينه ،على أن يقوم أما في االصطالح فهي استقرار ملك شيء له قيمة الطرف اآلخر(الشريك اآلخر أو أحد الشركاء) بشراء مالية بين مالكين فأكثر لكل واح��د أن يتصرف فيه
108اجلوبة -صيف 1429هـ
حصة البنك تدريجيا من األرباح التي يحصل عليها إلى (ال��م��واد ال��خ��ام) م��ن عند ال��ص��ان��ع .وذل��ك مقابل ثمن أن تنتقل حصة البنك في رأسمال المشروع بالكامل معين يدفعه المستصنع للصانع إما ح��االً أو مقسطاً وبشكل تدريجي للطرف اآلخر ،بحيث يصبح الشريك أو مؤجالً. اآلخر هو مالك المشروع ويخرج البنك من الشركة. السـلَـمْ بـَيْ ـع َّوقد أفتى مؤتمر المصارف اإلسالمية األول المنعقد السلم لغة ه��و التقديم والتسليم ،وأس��ل��م بمعنى بدبي عام1979م بجواز هذه المشاركة. أسلف ،أي قدم وسلم.
مزايا المشاركة أما في االصطالح فهو البيع الذي يتم فيه تسليم -1صيغة غير مثيرة للجدل من النواحي الشرعية الثمن في مجلس العقد وتأجيل تسليم السلعة الموصوفة كما هو حال المرابحة ،وهي خالية من العيوب بدقة إلى وقت محدد في المستقبل. الشرعية ومن الربا. ويعرفه فقهاء الشافعية والحنابلة بأنه عقد على -2تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية مجزية .فهي موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس تعمل على معالجة األمراض االقتصادية من خالل العقد. ويمكن للمصارف اإلسالمية استغالل عقد السلم زي��ادة الناتج القومي والدخل القومي وتخفيض فيما يلي: البطالة وتقليل اآلثار السلبية للتضخم....الخ.
-3استغالل السيولة ال��زائ��دة ع��ادة في المصارف -1تمويل عمليات الزراعة للمزارعين الذين يتعاملون معها ،مما يمكنهم من زرع أراضيهم ومساهمتهم اإلسالمية مع تحقيق عوائد مرتفعة في العادة. في اإلنتاج. -4توزيع المخاطر بين أصحاب رؤوس األموال وتوفير -2تمويل النشاط التجاري والصناعي خاصة تمويل الجهود بسبب توزيع المسؤوليات بين الشركاء. المراحل السابقة إلنتاج وتصدير السلع والمنتجات تمويل االستصناعالرائجة من خالل شرائها سلما وإعادة بيعها بأسعار أعلى بعد استالمها. اإلستصناع لغة هو طلب الصنعة ،واستصنع الشيء دعا إلى صنعه. -3ت��م��وي��ل الحرفيين وص��غ��ار المنتجين ع��ن طريق أما اصطالحاً فقد وردت له تعريفات كثيرة منها:
إمدادهم بمستلزمات اإلنتاج كرأسمال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها.
أن��ه «عقد على مبيع في الذمة وش��رط عمله على التأجيرالصانع».
يعتبر عقد التأجير من العقود المفعلة في المصارف أو أنه »:طلب شخص من آخر صناعة شيء ما له، على أن تكون المواد من عند الصانع نظير ثمن معين» اإلسالمية ،فهو يمكّن المصرف وعمالءه من الحصول على مزايا تتناسب وأهداف كل منهم كما سنرى. ف��ه��و ع��ق��د ب��ي��ن ط��رف��ي��ن ي��ق��وم أح��ده��م��ا (ال��ص��ان��ع) اإلجارة لغة مشتقة من األجر ،وهو العِ وَض.أمـ ــا في بموجب هذا العقد بصنع شيء محدد الجنس والصفات (ب��ش��ك��ل ي��م��ن��ع أي ج��ه��ال��ة م��ف��ض��ي��ة ل��ل��ن��زاع) للطرف الشرع فهي (بيع منفعة معلومة بعوض معلوم) أو هي اآلخر(المستصنع) ،على أن تكون المواد الالزمة للصنع عقد يتم بموجبه تمليك منفعة معلومة ألصل (عين)
اجلوبة -صيف 1429هـ 109
معلوم من قبل مالكها لطرف آخر مقابل عوض(ثمن) معلوم لمدة معلومة ،وعرفها القانون المدني األردني بأنها(تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينه لقاء عوض معلوم).
أنواع التأجير في البنوك اإلسالمية أوالً :التأجير التشغيلي
ويتميز ه��ذا النوع من التأجير بطول مدته نسبياً وبارتفاع بدل اإليجار ،ويتحمل فيه المستأجر جميع المصروفات التشغيلية ،أما المصروفات الرأسمالية فيتحملها المستأجر إذا تمت بناءاً على رغبته ،مثل إضافة س��ور للمنزل أو مصعد للبناية ،أم��ا إذا كانت ه��ذه المصروفات ض��روري��ة لحصول المستأجر على منفعة األصل التي تم االتفاق عليها عند توقيع العقد فيتحملها المؤجر ،مثال ذلك :انهيار جزء من المنزل المؤجر نتيجة ظروف طبيعية(زلزال مثالً) فيكون ثمن ترميم هذا الجدار على المؤجر.
وه��و التأجير ال���ذي ي��ق��وم على تمليك المستأجر منفعة أصل معين لمدة معينة على أن يتم إعادة األصل لمالكه(البنك اإلسالمي) في نهاية مدة اإليجار ،ليتمكن المالك من إعادة تأجير األصل لطرف آخر أو تجديد نمو المصارف اإلسالمية فاق كل التوقعات العقد مع نفس المستأجر إذا رغب الطرفان بذلك. إن أكثر المتفائلين بالبنوك اإلسالمية لم يكن يتوقع وع����ادة م��ا ي��ك��ون ه���ذا ال��ن��وع م��ن ال��ت��أج��ي��ر قصير أن تصل إلى ما وصلت إليه في اقل من خمس عقود، األجل نسبياً ،ويتميز بتحميل المصروفات الرأسمالية فقد أصبح يشار إلى هذه التجربة بالبنان وأصبحت على األصل للمؤجر ،أما المصروفات التشغيلية مثل تنافس بشدة ال��م��ص��ارف التقليدية التي مضى على مصروف الكهرباء والماء فيتحملها المستأجر. فكرتها ق���رون م��ن ال��زم��ان ،ب��ل وأصبحت ق���دوة لتلك كما أن ه��ذا التأجير يتم ألص���ول امتلكها البنك البنوك ومنارة لها بسبب رواج فكرتها،مما جعل البنوك ألسباب خاصة به قد يكون أحدها الطلب على استئجار التقليدية تنشيء بنوكا أو فروعا أو نوافذ لها لتقديم ه��ذا األص��ل في السوق بشكل ع��ام ،وال يتم امتالكها الخدمات المصرفية كما يريدها المسلمون ،أو كما وتأجيرها بناءاً على طلب المستأجر(أي ال يتم شراؤها تقدمها المصارف اإلسالمية ،ليس إعجابا بالفكرة بل إيمانا بأنها ستحقق لهم أرباحا أكثر وهذا يعزى إلى: لتأجيرها لشخص محدد). ثانياً :التأجير المنتهي بالتمليك(التأجير -الصحوة الدينية التي عاشتها وتعيشها امة اإلسالم ال��ت��ي تمتلك ث����روات ه��ائ��ل��ة ت��ل��ه��ث األم����م األخ���رى التمويلي) وراءها. في هذا النوع من التأجير يتم تمليك منفعة األصل خالل مدة التأجير للمستأجر مع وعد من المالك بتمليك -النجاح الذي حققته المصارف اإلسالمية على صعيد تجميع األموال واستثمارها بأساليب مبتكرة لتجمع األصل للمستأجر في نهاية مدة التأجير بسعر السوق بين عوامل اإلنتاج بأسلوب أثار إعجاب الغرب. في وقته ،أو بسعر يحدد في الوعد،أو بسعر رمزي أو بدون مقابل.والوعد بتمليك األصل للمستأجر في نهاية -العوائد التي تحققها أساليب االستثمار اإلسالمي مدة التأجير بدون مقابل هو المقصود هنا (التأجير على صعيد االقتصاد الكلي أو على صعيد المصرف التمويلي) وهو المطبق في المصارف اإلسالمية ،ألن نفسه. ال��م��ص��رف ي��ك��ون ق��د اس��ت��وف��ى ثمن األص���ل م��ن خالل ويمكننا الوقوف على ما وصلته المصارف اإلسالمية أقساط التأجير التي كان قد حصل عليها أثناء فترة التأجير ،ل��ذا يكون ب��دل اإليجار في ه��ذا النوع أعلى اآلن من خالل اإلحصائية المختصرة التالية التي أعدتها شركة مكنزي اند كو األمريكية: بكثير منه في التأجير التشغيلي. 110اجلوبة -صيف 1429هـ
حجم قطاع التمويل اإلسالمي بلغ أكثر من - 750العائد على األصول في المصارف اإلسالمية فيمليار دوالر. دول مجلس التعاون /الخليج العربي %2.45مقابل %1.61في البنوك التقليدية حسب دراس��ة معهد أصول المصارف اإلسالمية مجتمعة بلغت أكثر منالدراسات المصرفية هناك. 265مليار دوالر.
المراجع
استثمارات المصارف اإلسالمية 450مليار دوالر. معدل نمو استثمارات المصارف اإلسالمية يبلغ %23سنويا.
)1
االسس النظرية والتطبيقات العملية ،ط ،2دار المسيرة،
-ال���ودائ���ع ال��م��ص��رف��ي��ة اإلس�لام��ي��ة ل���دى ال��م��ص��ارف اإلسالمية بلغت أكثر من 200مليار دوالر. )2 يوجد حاليا أكثر م��ن 270مصرفا إسالميا فيال��ع��ال��م ،وق���د ي��ك��ون ال��رق��م ق��د ب��ل��غ 300مصرف قول للدكتور محمد عبدالحليم عمر إسالمي حسب ٍ )3 في األزهر. ي��زي��د ع��دد ال��ن��واف��ذ اإلس�لام��ي��ة للبنوك التجاريةالتقليدية على 300نافذة.
)4
عمان 2008 الشعار ،نضال ،أسس العمل المصرفي االسالمي والتقليدي، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية االسالمية، المنامة .2005 ارشيد ،محمود ،الشامـل فـي معامـالت وعمليات المصارف اإلسالمية،الطبعة األولى ،عمان:دار النفائس 2001 ،م. خـان وأحمد ،ط��ارق الله وحبيب ،إدارة المخاطر :تحليل قضايا فــي الصناعة المالية اإلس�لام��ي��ة،د.ط ،ترجمة
ستكون ال��م��ص��ارف اإلس�لام��ي��ة مسئولة ع��ن إدارةنصف م��دخ��رات ال��ع��ال��م اإلس�لام��ي خ�لال العشر سنوات المقبلة.
عثمان بابكر احمد ،جدة ،المملكة العربيـة السعودية:البنك اإلسالمي للتنمية :المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب، 2003م.
تم إنشاء مؤشرات مالية في البورصة األمريكيةلألسواق المالية اإلسالمية عام 1999م مثل مؤشر داو جونز ومؤشر ايفاننشال تيمز.
)5
ناصر ،سليم ــان ،تطوير صيغ التمويل قصير األجل للبنوك اإلسالمية ،الطبعة األولى ،الجزائر:جمعية التراث.2002 ،
)6
في منطقة الخليج العربي وحدها تتولى المصارفاإلسالمية إدارة م��دخ��رات بقيمة 60مليار دوالر )7 أمريكي. أصدرت 20دولة حتى اآلن قوانين خاصة بتنظيمالعمل المصرفي اإلس�لام��ي ،وه��ن��اك دول حولت النظام المصرفي فيها بالكامل إلى نظام مصرفي إسالمي مثل السودان وإي��ران .وهناك دول أخرى تستعد ل��ذل��ك -حسب م��ا نشر ف��ي بعض مواقع اإلنترنت -مثل السعودية.
ال��وادي ،محمود وسمحان،حسين ،المصارف االسالمية،
)8 )9
مجلة البنوك في األردن – عمان ،العدد األول ،المجلد الثاني والعشرون ،تشرين ثاني 2003 ،م. التقارير السنوية للبنك اإلسالمي األردني التقارير السنوية للبنك العربي اإلسالمي الدولي التقارير السنوية لبنك دبي االسالمي
)10التقارير السنوية لبيت التمويل الكويتي )11التقارير السنوية لشركة الراجحي المصرفية )12م������وق������ع ال����م����ج����ل����س ال�������ع�������ام ل����ل����ب����ن����وك االس��ل��ام�����ي�����ة
www.islamicfi.com
* جامعة الزرقاء الخاصة – األردن.
اجلوبة -صيف 1429هـ 111
الكتاب :من هنا يبدأ التغيير املؤلف :تركي احلمد
ق���������������راءات
> مهند صالحات* يطرح الكاتب والمفكر السعودي تركي الحمد في يشكل (ماسترو) اللحن االجتماعي ،والتنظيم الذي هذا الكتاب الصادر في طبعته الثانية حديثاً ،وفي 350يحكم الدولة والمجتمع وعالقتهما معاً ،ليحافظا على صفحة ،وم��ن خ�لال المقدمة ،دع��وات ع��دة العتماد قيمته واستمراريته. المنهجية الوسطية في مناحي الحياة اإلنسانية ،على كما يناقش في فصول الكتاب أزمة الفكر والثقافة كافة الصعد السياسية واالجتماعية والدينية والفكرية؛ وال��ح��ري��ة وال��ه��وي��ة ف��ي المجتمعات ال��ع��رب��ي��ة .وعبر بوصفها النهج األكثر عقالنية ومنطقية؛ منطلقًا في استرشاد في التاريخ ،يعود المؤلف إلى حادثة الخليفة ذل��ك ،من أن الفضيلة ال تعني الوصول إلى المثالية علي بن أبي طالب ،رضي الله عنه ،مع الخوارج الذين المطلقة بقدر ما هي «تحقيق أقصى كمال ممكن» ،ما أرادوا من وراء مطالبتهم بتطبيق حكم الله ،وهي كلمة يمكّنها من الوقوف بوجه التطرف والتعصب. حق ،لكن أُري��د بها باطل؛ وكيف أن علي رغم تكفير رس���م ال��م��ؤل��ف م��ن��ذ ال��ب��داي��ة منهجية ت��ب�� ّن��ي وجهة الخوارج له ومن قبله عثمان بن عفان لم يمنع عنهم نظر الوسطية في كل ش��يء :الحب ،والحق ،والحرية ،الفيء ،ولم ي��ر ّد عليهم التكفير بالمثل ،ولم يقاتلهم، وال��ج��م��ال ،واالق���ت���ص���اد ،وال��ب��ن��ي��ة الطبقية للمجتمع ،وهو أيضاً ما حدث بينهم وبين الخليفة األموي عمر وال��دس��ات��ي��ر ووس��ط��ي��ت��ه��ا ال��ت��ي ت����ؤدي إل���ى االس��ت��ق��رار بن عبدالعزيز. السياسي ..مؤكدًا أنه يستند في تلك الوسطية لمنهجية وم��ن خ�لال ه��ذه ال��ح��وادث التاريخية ،يريد تركي اإلس�لام ،التي ال يتخلف فيها فعل ونقل .وداعمًا تلك الرؤية باإلسناد القرآني والسيرة النبوية الشريفة ،كما الحمد أن يبين خطأ فكرة التطرف ،التي تقوم على في اآلية القرآنية «وال تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وال تكفير األخ��ر ،من منطلق أن الطوائف اإلسالمية لها تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً» (اآلية - 29مرجعية واحدة هي الدين الواحد ،وأن االختالف فيما سورة اإلسراء) ،والعديد من األحاديث النبوية الشريفة .بينها هو مجرد اختالف في طريقة تفسير النص. وفي السياق ذاته يرى أن الوسطية شكّلت األساس ال���ذي ق��ام��ت عليه ال��ح��ض��ارات ال��ك��ب��رى ف��ي ال��ع��ال��م، وتأسست عليه المجتمعات السليمة؛ فالوسطية في الحضارة والمجتمع ،هي تلك المعادلة الدقيقة بين الحرية والضبط الذي يقوم على القانون الناظم ،أو
* كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في األردن.
112اجلوبة -صيف 1429هـ
لكن المؤلف -الذي أراد من هذا الكتاب توضيح أهمية الوسطية ودورها في معالجة العقل العربي -لم يكن وسطياً في تناوله للكثير من القضايا في الكتاب والحكم عليها ،فقدم العديد من االحكام الجائرة ،التي خرجت أحيانًا عن منطق الوسطية والعقالنية!
الكتاب « :قصة سنغافورة ،مذكرات لي كوان يو» املترجم :هشام الدجاني
> احملرر الثقافي يعالج كتاب قصة سنغافورة ال��ص��ادر حديثاً ع��ن دار العبيكان للنشر ،ف��ي 672صفحة م��ن ال��ق��ط��ع الكبير، وترجمه إلى العربية د .هشام الدجاني ،نشأة هذا البلد، وال��س��ن��وات الهادئة لحكم االح��ت�لال البريطاني ،وصدمة الحرب والسنوات القاسية لالحتالل الياباني والعصيان الشيوعي المسلح منذ ع���ودة بريطانيا ،واالض��ط��راب��ات الطائفية في ماليزيا ،التي انتهت باالستقالل المفاجئ لسنغافورة عن ماليزيا عام 1965م ،واصفًا المؤلف ،وهو «لي كوان يو» ،رئيس وزراء سنغافورة سابقًا ،والذي تسلم في بداية تسعينيات القرن الماضي منصب الوزير األول، الصعود الشاق على مدى 25عاما من الفقر واالحتالل إلى الرخاء واإلزده��ار ،وذلك من خالل سرد يحمل بعضه الطابع القصصي عن حياته الشخصية ،والمواقف األكثر تأثيرًا به ،مازجً ا األحداث الكبرى التي حدثت في سنغافورة وجنوب شرقي أسيا ،وبعض األحداث العالمية المؤثرة في دائرة الجغرافيا السياسية التي يتحدث عنها. يفسر المؤلف في مقدمة كتابه -الذي يفترض أنه سيرة ذاتية ،لكنها أخذت مفهومًا أشمل ،بسبب الدور الذي لعبه المؤلف في رحلة االستقالل -كيفية اقتطاع دولة صغيرة تفتقر إلى الموارد الطبيعية من أرضها الخلفية الطبيعية، ��اس من عالم ق ٍ وكيف عليها أن تحافظ على وجودها في ٍ الدول القومية الجديدة في جنوب شرقي أسيا؛ مشيرًا إلى اعتياد العالم على أن يعيد البنك الدولي تصنيف سنغافورة في أقل من 40عامًا ،من دول��ة دون مستوى التطور إلى دول��ة متطورة ،وأه��م التحديات الكبرى التي واجهها هذا
البلد ليصل إل��ى مرحلة متقدمة من ال��رخ��اء واالزده���ار، والعوامل التي أسهمت في وصوله ،وذلك من خالل العديد من القصص الذاتية ،وخاصة في مراحل االستقالل ،وأهم العقبات والحروب التي واجهته. ويوضح الكاتب كيف لم يس َع السنغافوريون أب��دًا إلى االستقالل ،ففي استفتاء جرى قبل عام 1962م صوت %70 من المقترعين السنغافوريين لصالح االندماج مع ماليزيا، ومنذ ذلك الحين لم تتغير حاجة سنغافورة في أن أن تكون ج��زءًا ال يتجزأ من االتحاد في دول��ةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ واح��دة .لم يتغير شيء «عدا أننا كنا مبعدين، كنا نقول إن كانت سنغافورة مستقلة ،فهي ببساطة غير قابلة للحياة ،ففيها مهاجرون من الصين والهند وماليزيا وأندونيسيا وأجزاء أخرى عديدة من أسيا». مشيرًا بذات الوقت إلى أن سنغافورة ،الجزيرة الصغيرة ال مربعًا على المد التي ال تزيد مساحتها ع��ن 214مي ً المنخفض ،ك��ان سبب انتعاشها ،يعود لوقوعها في قلب اإلمبراطورية البريطانية في جنوب شرقي أسيا؛ بمعنى أن ه��ذه الجغرافيا التي تحولّت لسياسية بسبب امتداد اإلم��ب��راط��وري��ة البريطانية التي كانت توصف ف��ي حينها باإلمبراطورية التي ال تغيب عنها الشمس ،التساعها الهائل حول العالم ،قد أصبحت مع االنفصال قلبًا بال جسد ،إذ إن %75من سكان سنغافورة البالغ عددهم مليوني شخص، كانوا من الصينيين المهاجرين ،شكلوا أقلية ضئيلة وسط أرخبيل من 30ألف جزيرة يقطنها أكثر من 100مليون مسلم من الماليو وأندونيسيا.
اجلوبة -صيف 1429هـ 113
الكتاب :االنسداد التاريخي :ملاذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي؟ املؤلف :هاشم صالح
> احملرر الثقافي
يطرح المفكر العربي هاشم صالح في ه��ذا الكتاب نتيجة إنتهاء صالحية الفكرة أو تحجرها أو تكلسها؛ وهنا الصادر عام 2007م عن دار الساقي في 304صفحات ،يبدأ البحث عن وسائل وسبل التغيير واالنقالب عليها. عدداً من القضايا اإلشكالية في أزمة الفكر العربي؛ وهي وه���و ي���رى أن سبيل ال��خ�لاص ال���ذي أوص���ل أوروب���ا واح���دة م��ن مجمل قضايا مهمة شكلت ال��م��أزق العربي لالتحاد األوروبي بفهمه العميق الفلسفي اليوم ،هو نتاج الحالي بأشكاله التاريخية والفكرية والسياسية والثقافية، ذلك االشتغال للذات على ذاتها ،بشكل جدلي خالّق أوصل وجعلت تلك القضايا من نفسها الشغل الشاغل للمفكرين أوروبا إلى مرحلة عدم تعارض الدين مع العلم والعقل ،في والمحللين اإلستراتيجيين والقراء والمتابعين العرب. حين ال ي��زال هذا االشتغال غير واقعي في المجتمعات ي��ح��اول المؤلف -وه��و أح��د تالميذ المفكر العربي العربية واإلسالمية. اإلسالمي محمد أركون ،والذي تولى ترجمة أهم كتبه التي وي��ش��ت��رط ه��اش��م ص��ال��ح ع��ل��ى ال��م��ج��ت��م��ع��ات العربية ناقشت فكرة التنوير ،ويعد كذلك أح��د مؤسسي رابطة العقالنيين العرب -أال يخرج في هذا الكتاب من رؤى واإلسالمية ،كما في المجتمع األوروبي وخاصة الفرنسي، وتطلعات أعضاء الرابطة ،وكذلك رؤى أركون في مفهوم للوصول للحداثة ،ب��أن يتم تأسيس علم جديد هو علم التنوير وأزمته وإشكاليته ،وأسباب فشله كمشروع عربي .األص��ول��ي��ات كما أس��م��اه ،وال���ذي ي��دع��و إل��ي��ه منذ فترة، والذي يرمى لدراسة أصول الصراع بين األصولية الدينية وكما هي منهجية أستاذه محمد أركون ،يسترشد هاشم وصراعها مع فالسفة التنوير للوصول إلى الحداثة ،حيث صالح بالتجارب األوروبية في البناء والتغيير ،ومنطلقًا ع��رّف الحداثة بأنها الخالصة أو ال��زب��دة النهائية التي كذلك من رؤيته للفكر بأنه يقوم على التجديد والتغيير، فيرى -كما يقول على لسان بعض المفكرين« -بأنه لوال تتمخض عن هذا الصراع الطويل ،وبما أن هذا الصراع ت��ردي المسيحية في القرون الوسطى إلى أسفل وهدة ،لم يحدث حتى اآلن في المجتمعات العربية اإلسالمية، ول��وال جفاف نسغها وتحولّها إل��ى ق��وال��ب ج��ام��دة فاقدة فإنه يجيب على السؤال الذي طرحه في بداية الكتاب عن ال��روح ،لما كان انفجار لوثر ،ووالدة اإلصالح الديني في أسباب عدم وصول هذه المجتمعات لمرحلة التنوير التي تسبق مرحلة الحداثة. بداية القرن السادس عشر. فالواقع أن اإليمان المسيحي كان قد وصل في ذلك الحين إلى درجة هائلة من التحجر؛ بحيث إنه لم يعد ينفع معه أي ترقيع أو مجاملة أو أنصاف حلول ،بمعنى آخر يريد المؤلف أن يوضح ،وعبر مجموعة من الشواهد من التاريخ يأت إال األوروبي ،أن اإلصالح والتغير الذي يعني الفكر ،ال ِ 114اجلوبة -صيف 1429هـ
يعود المؤلف م��رة أخ��رى للتذكير بالحضارة العربية –اإلسالمية الكالسيكية ،وأس��ب��اب انهيارها المفاجئ، والنظريات التي وضعت لتحليل هذا االنهيار من اقتصادي أو سياسي أو غ��ي��ره ،وه��و ال ينفي أو يؤكد أ ًي��ا م��ن تلك النظريات.
الكتاب :دراسة تربوية في «األسس الفسيولوجية للسلوك» املؤلف :محمد محمود بني يونس
> احملرر الثقافي
يقدم د .محمد محمود بني يونس ،في كتابه األكاديمي، ال���ص���ادر ح��دي��ث��اً ع��ن دار ال���ش���روق ،ف��ي 620صفحة، ال لعدد من المفاهيم السلوكية شروحات وافية ،وتأصي ً في علم النفس؛ منطلقاً من أن دراسة السلوك اإلنساني هي دراسة قديمة قدم اإلنسان ذاته. لكن مُنطَ لق الكتاب يأتي م��ن خ�لال ض���رورة دراس��ة المستجدات على سلوكيات اإلنسان النابعة من التغيرات ال��س��ري��ع��ة ف��ي ش��ك��ل ح��ي��ات��ه وم��ض��ام��ي��ن��ه��ا ،وخ��اص��ة في العالم المعاصر ،الذي يصفه المؤلف بأنه عالم متغير، تنوّعت فيه سلوكيات األفراد والجماعات في مدخالتها وإجراءاتها ومخرجاتها ،بحيث بدت هذه السلوكيات على خارطة العالم المعرفية منتشرة بشكل تكتالت مقسومة إلى ثالث فئات :الفئة األولى منها تتركز في بؤر التأثير؛ بينما تتركز الثانية في بؤر االستجابة؛ وأما الفئة الثالثة فتتركز في بؤر التأثر واالستجابة معاً. وعلى الرغم من اللغة األكاديمية الجامدة للكتاب، إال أنه قدم رؤية واضحة ومبسطة للمهتمين في مفاهيم السلوك اإلنساني ،المتفرّع عن علم النفس ،رؤية شاملة ومفصلة عن مضامين دراسة السلوك ،بدأها في تأصيل مفهوم السلوك ذاته لغوياً وإجرائياً ،وإخراج المفهوم من ال��خ�لاف وال��ج��دل وال��ن��ق��اش ال��ذي دار حوله بين علماء النفس والميادين المعرفية األخ��رى .وقد خرج المؤلف بنتيجة في تأصيل ه��ذا المفهوم بأنه لغة :يعني سيرة اإلنسان ومذهبه واتجاهه الذي يحدد آلية سير حياته؛ أم��ا إجرائياً -وعلى الرغم مما يقوله المؤلف من عدم
وج��ود تعريف جامع -يمكن اعتماده كمعيار ثابت لدى علماء الميادين المعرفية ،لعدة أسباب يبدو أهمها عدم الثبات في نسب المكونات الداخلة في تركيبته ،وتغيرها الدائم بتغير الظروف الذاتية والموضوعية معاً ،إال أنه خ��رج بجملة تعريفات توفيقية ل��ه تتناسب وال��ظ��روف اإلنسانية الحالية. فقد قام بتقسيم مكنونات التعريف ،كل واح��دة على ال منها ليصل إلى تعريف تفصيلي توفيقي انفراد ،وعرّف ك ً لكل واحدة؛ فقسّ م المكنونات إلى :السلوك ،والتصرفات، وردود ال��ف��ع��ل ،واألف���ع���ال .وب���دأ بتعريف ال��س��ل��وك ال��ذي يعني النشاط الفيزيقي الخارجي المُالحظ؛ بينما عُني بالتصرفات :األفعال الواعية الهادفة التي يتم التفكير بانجازها مسبقاً .وأما األفعال فهي جملة من ردود الفعل المترابطة فيما بينها لمواقف معينة .أما ردود األفعال فهي أفعال بسيطة تتألف من حركات عدة ،تُنجز تماماً بشكل عفوي ،وال يوجد فيها قصد مسبق. ويختم المؤلف الكتاب بفصل بعنوان« :علم النفس الفسيولوجي التمايزي» ،وه��و بحث استكمالي للبحوث السابقة ال��ت��ي وردت ف��ي ف��ص��ول ال��ك��ت��اب ،ك��ون الكتاب مجموعة أب��ح��اث منفصلة ،نجد ف��ي معظمها وخاصة من الفصل الرابع إلى التاسع بعض اإللتقاء والتواصل؛ ال بذاته، بينما نجد في فصول أخرى كل بحث منها مستق ً ويجمعها فقط الموضوع المشترك .كما وكأن لكل فصل، مراجعه وم��ص��ادره وآلية التعامل معه ،وأحياناً مفاتيح قراءته وتدريسه.
اجلوبة -صيف 1429هـ 115
الكتاب :تقييم نظام اخلدمات املقدمة لألطفال في منطقة اجلوف باململكة العربية السعودية املؤلف :فهد بن عبدالله الفياض الناشر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية 2008م > محمد صوانه
ض��م��ن ب��رن��ام��ج ال��ن��ش��ر ال����ذي ت���رع���اه م��ؤس��س��ة دراسته الميدانية. عبدالرحمن السديري الخيرية ،صدر حديثاً ،كتاب وي��م��ث��ل ال��ف��ص��ل األول م���دخ�ل�اً ع���ام���اً ل��دراس��ة بعنوان« :تقييم نظام الخدمات المقدمة لألطفال في الموضوع ،ويتضمن أه��داف ال��دراس��ة ومفاهيمها، منطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية» ،تأليف ويعرض الدراسات ذات الصلة بموضوع الدراسة. الباحث فهد بن عبدالله الفياض. وف��ي الفصل الثاني يتحدث المؤلف ع��ن الطفولة جاء الكتاب خالصة دراسة ميدانية على عيّنات واألس����رة ،وم��راح��ل نمو الطفل وأث���ر البيئة عليه، من أولياء األمور الذين رافقوا أطفالهم خالل عالجهم في مستشفيات منطقة الجوف ،للوقوف على وجهات وعن نظام الخدمات الصحية في المملكة العربية نظرهم المبنية على معايشة واقعية لواقع الخدمات السعودية وبرامجه ،كما يستعرض مظاهر االهتمام الصحية التي تقدمها المستشفيات لألطفال .كما العالمي والعربي وال��س��ع��ودي بالطفولة ،والبرامج شملت ال��دراس��ة عيّنة شملت جميع العاملين في الموجهة لصحة الطفل ،والنمو السكاني وعالقته أقسام األطفال ،والمسؤولين في المستشفيات مدار بالخدمات الصحية في المملكة. البحث ،ويشير المؤلف إلى أن أفراد العيّنة األولى أم����ا ال��ف��ص��ل ال���ث���ال���ث وع���ن���وان���ه« :ال��ط��ري��ق��ة تم اختيارهم بطريقة عشوائية ،من خالل االستعانة واإلج���راءات» فقد تضمن منهجية التقويم ومنهج بالسجالت اإلحصائية للمراجعين. ال��دراس��ة وبياناتها ،ومجتمع ال��دراس��ة واألساليب وق��د هدفت ال��دراس��ة إل��ى التعرّف على ماهية اإلح��ص��ائ��ي��ة المستخدمة ف��ي ال��ب��ح��ث .واخ��ت��ص الخدمات الصحية المقدمة لألطفال في مستشفيات المنطقة ،ومدى كفاءتها من وجهة نظر المرافقين ال��ف��ص��ل ال���راب���ع ب��ت��ح��ل��ي��ل ال��ب��ي��ان��ات اإلح��ص��ائ��ي��ة والعاملين على السواء ،وكذلك خصائص األطفال ومناقشتها؛ ليخلص الباحث إلى النتائج والتوصيات التي ضمنها فصل الكتاب الخامس واألخير ،التي المرضى ومرافقيهم والعاملين فيها. يشتمل الكتاب على مقدمة وخمسة فصول ،أظ��ه��رت ت��واف��ر ال��خ��دم��ات الطبية ال��م��س��ان��دة في ومالحق لالستمارات المستخدمة في الدراسة ،المستشفيات ب��ص��ورة ك��ب��ي��رة ،وت��واف��ر الخدمات إض��اف��ة إل��ى نحو ( )50ج���دوالً تحليلياً للبيانات الطبية بصورة متوسطة ،وحسن معاملة المرضى اإلح��ص��ائ��ي��ة ال��ت��ي ح��ص��ل عليها ال��ب��اح��ث ،خ�لال وذويهم من قبل العاملين فيها. 116اجلوبة -صيف 1429هـ
الكتاب :رؤى وآفاق املؤلفة :فهدة محمود احلسن الكريع الطبعة :األولى 1428هـ 2007 -م
> محمود الرمحي اسم على مسمى «رؤى وآف��اق» تجربة حياتية ،اجتماعية، تعليمية تربوية تربو على الثالثين عاماً ..جاءت في شكل خواطر وأفكار ومقاالت؛ منها ما سبق نشره في الصحف المحلية ،ومنها ما هو وليد الساعة .تجارب تنم عن وعي كاتبتها ،وتفهمها ألمور الحياة العامة وألمور وطنها ومجتمعها بشكل خاص ،وال غرو في ذلك؛ فالكاتبة تربوية نضجت تجاربها من خالل سني عمرها التي قضتها في التعليم في المجالين الفني واإلداري؛ فجاءت تلك التجارب نقداً وبنا ًء وتحليالً ،تدعو للتساؤل والتفاهم ال للقطيعة والتمسك ب��ال��رأي ،تؤرقها القضايا التي ته ّم بنات جنسها أو مجال عملها ..فجنّدت قلمها استشعاراً منها بأهمية المرحلة التي تمر فيها المرأة السعودية ،والقضايا المصيرية التي ت��دور حولها ..إلى جانب تناولها القضايا التربوية التي تهم الطالبة والمعلمة والمنهج والبنية التربوية ،تناوال منصفاً ال إجحاف فيه .فكانت بذلك أنموذجاً لألقالم النسائية المتميزة؛ خاصة المثقفة والواعية منها. كتاب يتضمن العديد من الزوايا األدبية ..وص��فٌ ينم عن وطنية صادقة أظهرت من خالله حبها لبلدها ،فتطرقت إلى معطياته اإليجابية بهدف تقويتها ،وإلى سلبياته بغية تالفيها أو على األقل إضعافها ..ونق ٌد ألولئك الذين ينظرون إلى كثير من األمور بعين واحدة ،وال تتعدى نظرتهم موطئ أقدامهم ..وتحلي ٌل لما يدور في مجتمعها سلباً وإيجاباً. هي التي وجهت سهامها إلى أولئك األزواج الذين ينظرون إلى المرأة وكأنها قطعة من أثاث المنزل ،متناسين أنها نصف المجتمع الذي تبنيه بإنسانيتها ..والمفترض قيامه على الود والتفاهم. كما تناولت هموم المعلمة بآمالها وآالم��ه��ا؛ لتبحث عن
تكريمها وراحتها. وه��ي التي تهاجم تلك الجامعات التي سهلت نيل شهادة الدكتوراة بالمراسلة ،وعدّته أسلوب التفاف باختيار موضوعات واهية ال تفيد الباحث وال بلده ..وف��ي رأيها أن��ه تذكرة مرور لوضع حرف الدال أمام اسم حاملها.. وهي التي تتغنى بالجوف ..وكم يحلو الجوف في عينيها، وتتمنى أن يكون بالحالوة نفسها في عيون اآلخرين الذين يتركوه مسافرين إلى أماكن خارجية منفقين األم��وال ومبعثرينها هنا وهناك؛ تاركين حقيقة الجمال وسحره في ربوع الجوف ،اللؤلؤة التي ال يملها التاريخ. وهي التي تتناول افتتاح جامعة الجوف وتعدها خطوة مهمة ف��ي الطريق السليم نحو التنمية الشاملة حيث تقاس األم��م بكوادرها المؤهلة. ولم يخل كتابها من رثاء لبنات جلدتها من زميالت مسيرتها التعليمية ,أو من سيدات مجتمع الجوف؛ ممن تركن في نفسها دمعة حزن حتى يومنا هذا. ه��ي التي تقول إن الكاتب الناجح ي��رى المشكلة فيبحث عن الحل ..تحدد البوصلة اتجاهه ليقود السفينة نحو الهدف بصرف النظر عن عدد المبحرين معه أو عدد من سيقذفون سفينته بالبيض الفاسد أو حتى بالحجارة ..وفي هذا إصرار على الوصول إلى بر األمان. لقد سمت بتواضعها وصراحتها وتفهمها لمجتمعها الذي تعيشه حين تقول في تقديمها إن كتابها هذا -وفي رحلته األخيرة قد تحول إلى شأن عام ،يتفق حوله المتلقون أو يختلفون ..ولكنهاتأمل أن ال يفسد االختالف للود قضية ..فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ..وفي هذا قمة الفهم والتواضع..
اجلوبة -صيف 1429هـ 117
األزمة املالية العاملية ندوة بدار اجلوف في 26نوفمبر
الجوبة -خ��اص :ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية للعام 1429هـ ينظم «منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية» ندوة علمية تناقش األزمة المالية العالمية وتداعياتها على اإلقتصاد السعودي ،وذلك من 26إلى 28نوفمبر 2008م. يشارك في الندوة نخبة من اإلقتصاديين واألكاديميين المتخصصين في مجال اإلقتصاد والمال ،وتتضمن فعاليات الندوة جلستين يديرهما كل من معالي الدكتور عبدالواحد الحميد، والدكتور محمد القنيبط ،لمناقشة مختلف جوانب األزمة وأسبابها وتداعياتها والحلول الممكنة لتجاوزها .وسيقدم الخبراء المشاركون أوراقاً علمية ضمن محاور الندوة .وقد دعي لحضور فعاليات المنتدى عدد من المهتمين من داخل منطقة الجوف وخارجها.
اجلامعات اجلديدة..
التحديات واملعوقات
ن�شاطات ثقافية
ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية للعام 1429/1428ه����ـ ,وفي قاعة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم ,أقيمت مساء يوم الثالثاء 1429/5/22ه���ـ الموافق 2008/5/27م, وبعد صالة المغرب مباشرة ,ندوة بعنوان« :الجامعات الجديدة ..-التحديات والمعوقات» ,شارك فيها كل من د .عبدالغفار بن سعيد بازهير -وكيل جامعة جازان، ود .طارش بن مسلم الشمري – وكيل جامعة الجوف وأدارها د .ماهر العنزي – عميد كلية العلوم بجامعة ال��ج��وف ،وق���دم لها بكلمة ترحيبية عضو المجلس الثقافي األستاذ إبراهيم بن موسى الحميد. وح��ض��ر ال��ن��دوة ج��م��ع م��ن رج���ال التعليم وأه��ال��ي المنطقة ،وع��دد من نساء المنطقة الالئي شاهدنها عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة ،في القسم النسائي بالدار.
118اجلوبة -صيف 1429هـ
أمسية شعرية
أقيمت ب��دار ال��ج��وف للعلوم ض��م��ن خ��ط��ة ال��ن��ش��اط الثقافي بالمؤسسة أمسية شعرية مساء ي����وم ال���ث�ل�اث���اء 1429/6/6ه���������ـ الموافق 2008/6/10م ،شارك فيها الشاعر األستاذ أحمد بن صالح الصالح (مسافر) والشاعر أ .د .أحمد بن عبدالله السالم، وق����د أدار األم���س���ي���ة األس���ت���اذ ع��ب��دال��رح��م��ن ال���درع���ان ،أمين المجلس الثقافي بالمؤسسة. ح���ض���ر األم���س���ي���ة ج���م���ع م��ن محبي الشعر ،الذين استمتعوا ب��م��ا ح��ف��ل��ت ع��ل��ي��ه األم��س��ي��ة من قصائد شعرية بمختلف ألوانها، كما نقلت إلى القسم النسائي عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة.
األرب األدب وغايـَة جوهرة ْ ْ اجلوبةَ ... > حنا ميخائيل سالمة* تجاوباً ملحوظاً .يتأتى هذا ،لجمعها رجاحة ال��رأي إلى سالسة اللغة ،وسم ِّو التفكير إلى ب�لاغ��ة ال��ت��ع��ب��ي��ر .ف��م��ن ال��ب��ح��وث وال���ح���وارات األدبية والنقدية التي توقظ إحساس القارئ، مشعة من الشعر والنثر والرواية ٍ صفحات ٍ إلى والقصة وفن السيرة وغيرها من الموضوعات الشائقة .التي تفتح العقل على مخزون المكتبة العربية الغنيـ َّةِ بالذخائر والنفائس .هذه المجلة ��أق�لام واع��ي ٍ��ة على أس��اس أنَّ «القلم ٍ خـُطـ َّت ب وس��راجُ �� ُه هو عـ ُدَّ ة األدي��ب ،وه��و ص��وتُ الحق ِ ال��وض��اء .وخ��ي�� ُر األق�ل�امِ م��ن ج��ان��ـ َ��بَ اإلغ���را َق والمغاالة وجَ ـنـ َ َح إلى الحقيقة».
ر�سالة �إىل املحرر
في زحمة األعاصير التي تجتاح العالم من وصوب ،وفي الوقت الذي تحتقن فيه دب َ ك ِّل حَ ٍ الساحة الثقافية بآالف اإلنتاجات التي انحرف الكثير منها ع��ن رس��ال��ة الثقافة ومقتضيات وتعصف بفكره، ِ الحياة ،وباتت تخذل القارئ ُرصف ُ وتـ ُضع ِْضعـُهُ ،لعقم مضامينها ،حيث ي كالم -رصفاً ،تبزغ ُ علينا ٍ فيها الكال ُم -أيُّ ِمات بطلعتها المشرقة كالشمس ،مجل ٌة ذاتُ سـ ٍ إب��داع��ي ٍ��ة م���ائ���زة ،ت��زده��ي ال��س��اح��ة الثقافية والتربوية واالجتماعية بإشراقتها .إنها مجلة الجوبة الثقافية ال��زاه��رة ،التي بسبب ِحكمة ودراي����ة و َدف��ـَ��قِ محبة القائمين عليها ،وق��وة دفعهم لمسيرتها ،ودوام رعايتهم لشؤونها، «إن معرفة الخير تؤدي إلى فِ علهِ » هذا ما ارت��ف��ع��ت ل��ت��ك��ون م��ص��در إش���ع ٍ ���اع ،وف��ي��اض��ات تعلمناه من الفيلسوف سقراط قبل أكثر من فكر. معرفية ،ومنارة ٍ ٍ ألفين وخمسمائة سنة .وفع ُل الخير هذا ،كان لقد أخ���ذت مجلة الجوبة موقعها ،فكان نهج حياة المغفور له بإذن الله األمير األديب لها مركزها ال�لائ��ق ف��ي حلقات األدب وبين األري���ب ،وال��ش��اع��ر المُجيد ،عبدالرحمن بن أه��ل القلم ،الذين رأوا فيها ع��ودة إل��ى مرفأ أح��م��د ال��س��دي��ري ،ص��اح��ب ال���رؤي���ة ال��ث��اق��ب��ة، النفس ال��ه��ادئ ..لتجاوب أص��داء الفكر فيها والبصيرة الواعية ،والثقافة الواسعة ،ومـ ُحَ ر ِِّك
اجلوبة -صيف 1429هـ 119
الكثير من اإلنجازات واألعمال الثقافية والتربوية والخيرية والعلمية ،وروحها ،وحاملِ همـ ِّها.
في معقِ لِ الفضيلة والهداية ،ومنار ِة العلم والمعرفة
«المملكة العربية السعودية» ،ألن الهدف الكامن من وراء هذا الحديث هو إنارة األفكارِ ،وإضاءة األذهان ،بغزير
وال يَسعنا هنا -ونحن نتبصر اإلنجازات الكبيرة التي هي امتدا ٌد لفكر ِه النيّر طيَّب الله ث��راه ،يقوم ما قدموه ألمتهم ،وليغرف جيل الحاضر والمستقبل ُلص األمناء في إدارة مؤسسة عبدالرحمن من بحرهم الطامي ،أحلى الدُّر ْر وأبهى الآلليء. عليها الخـ ُ ابن أحمد السديري الخيرية -إال أن نـ ُشي َد بفضله ج��ا َء على لسانِ الشاعرِ اإلسباني فرانسيسكو على األدب العربي ،وبـ ِ ِيض أياديه على لغة الضاد فيال سبازا الذي كان متوطناً البرازيل« :يولد العرب التي ك��ان يُـكِ ُّد ذهنـ َه ،ويُـسْ هـ ِ ُر جَ فنـ َه عليها لتبقى فيخلق معهم ال��ن��ض��وج وت��واك��ب��ه��م ال��ح��ك��م��ة ،وإن��ك محلقة إلى أسمى الذرى .يقول الشاعرْ: لتستشف في نظرات أطفالهم العذراء ،روحاً قديماً،
بعض الوجوهِ تـُحَ ُّب وهي بعيدة ٌ ُ
ـراب تـَهـمُّ أن تتكـشـَّفا ـلف الت ِ خ َ
تجول الخبرة فيه ،فال تلبث أن تقول :ما ذلك من هذا العالم بل من قوةٍ وراء هذا العالم»! ويجو ُل في
وثمة شيءٌ يـ ُ ِل ُّح علينا ،نرى الفرصة مواتية لطرحهِ ،الخاطر في الوقت عينه ما أكدهُ األديب الكبير طه فقد آن األوان ،أن يأخذ روا ُد الفكر ،وحـَمـ َلة األقالمِ ،حسين« :أنَّ األدبَ العربي ليس أقل حياة من اآلداب وأربابُ العلم والفضل ،الذين كانوا النواةَ التي انطلقت األجنبية ،مهما ت��ك��ن ...وليس األدب العربي أقل منها النهضة األدب��ي��ة في المملكة العربية السعودية صالحاً للبقاء ،واستحقاقاً للعناية الخصبة والدرس العامرة ،موقعهم على رأس قائمة روادِ وأعالم النهضة المنتج من اآلداب األجنبية». الثقافية العربية ،فمن المُستـ َغرَب أن تـُقـَلـ ِّبَ المؤلفات بقي أن نقول ،إنَّ األدب الحق هو ال��ذي يص ِّو ُر الصادرة عن بعض األقطار واألمصار ...والمتخصصةِ ال��ح��ي��اة ،ماضيها وح��اض��ره��ا ومستقبلها ،القريب بدراسات عن روّادِ النهضة الثقافية العربية ،وال تج ُد ٍ والبعيد ،ويضع مخطط الصرح الحضاريِّ الذي تراه ذِ ك��راً ألع�لامِ الجيلِ األول من نوابغ ال��دي��ارِ السعودية مخيلة األديب المن َّز ِه الموهوب مُثمراً نافعاً. العامرة الذين يـُمـَثـ ِّلو َن ط��وراً مهماً من أط��وارِ نهضتنا وال يُخامرنا شك بأنه سيأتي ي��و ٌم ن��رى فيه هذا األدبية ،والذين جمعوا بين ذكاء الفطرة واحتشادِ النبوغ واستنصروا جهدهم الذاتي وطاقاتهم الفكرية ،ففاضت المِ لـ َْف الثقافي الرائد الرائع «الجوبة» متداوالً بأيدي بإبداعات ق َّل نظيرُها في األدب العربيّ . ٍ قريحتهم عبقات أزاهيره ِ القراء مرة ً كـ ُلَّ شهر ،لينش َق من شذى ما و َِسعَه النشوق .وللحق نقول ،إنَّ هذا المِ لـ َْف جعلنا
قناعة ،أنَّ سلسلة روادِ النهضةِ األدبية ٍ ونحن على والثقافية العربية ،ستبقى غير مكتملة الحلقات ،في نقتربُ أكث َر فأكثر من فكرِ وعَ الـ َمِ سادة القلم وأعالمِ األدب وق��اد ِة ال��رأي في السعودية ال��زاه��رة ،التي ما ِ كوكبة ممن امتلكوا ناصية اللغة وتجاهلِهم ٍ حجب ِ ظ ِّل ونكرانهم ،واستوثقوا من أص��ول البيان ،وأبدعوا في انفكت تهيئ الترب َة الصالحة ،والريَّ المناسب ،والهواء فنون األدب سواءٌ في روائع شعرهم ،أم بليغ نثرهم ،أم الطلقْ ،واألشعة الدافئة ،لينمو ويـ ُزهِ ر ويُـثمر األدبُ مأثور ِحكـ َمِ هـِم وخـطـَب ِـه ِـمْ ،من اآلباء واألجداد الكرام الذي هو قـ ُوا ُم الحياةِ ،وهو الذي يسمو بضمير األمة. * كاتب وباحث من األردن.
120اجلوبة -صيف 1429هـ