-العدد - 23ربيع 1430هـ 2009 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
مواجهات مع: مفلح العدوان ثريا العريض عبدالرحمن الدرعان الشويحطية أقدم موقع أثري غربي آسيا ظاهرة التمرد والعصيان عند املراهقني بني الترجمة والتعريب السفر موضوع روائي قصص وقصائد مختارة
ملف العدد :الطيب صالح
مبشاركة :محمد جميل أحمد – ظافر اجلبيري 23
خالد ربيع السيد – مأمون التلب
23
من إصدارات اجلوبة
صورة من احلياة البرية في ربيع منطقة اجلوف
شجرة غضاة أو الغضى؛ تقف وحيدة في نفود اجلوف ،بعد أن اقتطع احلطابون رفيقاتها! تصوير :سلطان الزيد.
اجلوبة -ربيع 1430هـ
1
-العدد - 23ربيع 1430هـ 2009 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
مواجهات مع: مفلح العدوان ثريا العريض عبدالرحمن الدرعان الشويحطية أقدم موقع أثري غربي آسيا ظاهرة التمرد والعصيان عند املراهقني بني الترجمة والتعريب السفر موضوع روائي قصص وقصائد مختارة
ملف العدد :الطيب صالح
مبشاركة :محمد جميل أحمد – ظافر اجلبيري 23
خالد ربيع السيد – مأمون التلب
23
من إصدارات اجلوبة
صورة من احلياة البرية في ربيع منطقة اجلوف
العدد 23 ربيع 1430هـ 2009 -م
ملف ثقافي ربع سنوي يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
-العدد - 23ربيع 1430هـ 2009 -م
صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية
مواجهات مع: مفلح العدوان ثريا العريض عبدالرحمن الدرعان الشويحطية أقدم موقع أثري غربي آسيا
املشرف العام
ظاهرة التمرد والعصيان عند املراهقني بني الترجمة والتعريب السفر موضوع روائي
إبراهيم احلميد
قصص وقصائد مختارة
ملف العدد :الطيب صالح
مبشاركة :محمد جميل أحمد – ظافر اجلبيري
املراسالت توجه باسم املشرف العام ّ
هاتف)+966( )4( 6245992 : فاكس)+966( )4( 6247780 : ص .ب 458سكاكا اجلـ ــوف -اململكة العربية السعودية aljoubah@gmail.com www.aljoubah.com
ردمد ISSN 1319 - 2566
سعر النسخة 8رياالت تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع
23
خالد ربيع السيد – مأمون التلب
23
قواعد النشر
- 1أن تكون املادة أصيلة. - 2لم يسبق نشرها. - 3تراعي اجلدية واملوضوعية. - 4تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها. - 5ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية. - 6ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب، على أن تكون املادة باللغة العربية. اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا
الناش ـ ـ ـ ــر :مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من 1362/9/5هـ 1410/7/1هـ املوافق 1943/9/4م 1990/1/27 -م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامةالتي أنشأها عام 1383هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم .وتتضمن برامج املؤسسة نشر الدراسات واإلبداعات األدبية ،ودعم البحوث والرسائل العلمية ،وإصدار مجلة دورية ،وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي ،كما أنشأت روضة ومدارس الرحمانية األهلية للبنني والبنات ،وجامع الرحمانية. 2
اجلوبة -ربيع 1430هـ
الـمحتويــــات
6....................... الطيب صالح ..سرد من أفق آخر
90..................... الدرعان :الكتابة كوصلة الرعد
108.................... الشويحطية أقدم موقع آثري غربي آسيا
101 ................... ظاهرة التمرد والعصيان عند املراهقني لوحة الغالف:
زه���رة ال��رب �ح�لا أو «ال��رب �ح �ل��ى» م��ن ربيع اجلوف ,تصوير :سلطان ضيف الله الزيد.
االفتتاحية4............................................................. ملف العدد :الطيب صالح -محمد جميل أحمد6................... دراسات :التعايش واالندماج بين الشاعر والقارئ عند سعد سعيد الرفاعي -د .نادية لطفي ناصر 22................................. روايات السفر (دراسة لنماذج مختارة) -سيد الوكيل 34............. قصص قصيرة :جميل ...ألنـه ...بعيـــــد! -حنان الرويلي 45....... الباب في مهمة خاصة -فهد المصبح 46............................ قصص قصيرة جداً -محمد صوانه48............................... قصص قصيرة جداً -عبير المقبل50................................ شتاء السارد -محمد النجيمي 51.................................... قصص قصيرة جداً -د.جميل حمداوي52........................... وطن الخلود - ..فيصل الدغماني53.................................. نحن ...غربة وطــن! -المغيرة الهويدي54............................ فصل من رواية :الشمس التي رحلت -محمد عطيف 55........... شعر :األرض المتخيلة -إبراهيم حسو 60........................... عاهدته -أحمد عكور62.............................................. حبيبي ..وطني -السيد موسى البدري 63............................ دروب الكرى -سماره غازي الفرطوسي 64........................... رحلة -د .حافظ المغربي65.......................................... قصيدتان -عبدالرحيم الخصار66................................... على وشك االختباء - ! ..عبدالله الزماي67.......................... من قصيدة (خفقات قلب) -دكتور عبدالرحيم مراشدة68........... هواجس -جاك صبري شماس 69.................................... نقد :قراءة في مجموعة هالل الحجري الشعرية «هذا الليل لي» كتابة الليل ..ليل الكتابة -إبراهيم الحجري70....................... النقد وتنقية الواقع الشعري العربي -حسين محي الدين سباهي75. وقوفا حيال غابة ذات مساء متجمد -ترجمة :خلف القرشي 78.... مواجهات :حوار مع القاص مفلح العدوان -محمد البشتاوي80.... حوار مع الشاعرة الدكتورة ثريا العريض -محمد نجيم 85.......... حوار مع القاص السعودي عبدالرحمن الدرعان ،محمود الرمحي90...... نوافذ :البعد السوسيولوجي للعولمة الثقافية -محمد قدس 94.... األعمال األدبية بين الترجمة والتعريب -محمود خلف الله 97....... ظاهرة التمرد والعصيان عند المراهقين -خوله مناصرة 101....... «حلوة» الجـوفــي -فواز بن صالح الجعفر 103........................ من روائع األدب األندلسي -نورا علي 105............................ الشويحطية -د .خليل إبراهيم المعيقل 108.......................... فنون :التصوير الفوتوغرافي ..عل ٌم وفن -أيمن السطام110........ مسرح :النص المسرحي العربي -مهند صالحات 113.............. مال واقتصاد :حقائق غائبة يكشفها اإلقتصاد اإلسالمي في ضوء األزمة المالية الراهنة -أحمد محمد نصار116............ قراءات :عصام أبو زيد ،د .علي هنداوي ،د .نواف الذويبان 118.... األنشطة الثقافية بالمؤسسة -عماد المغربي 128..............
اجلوبة -ربيع 1430هـ
3
من دومة اجلندل إلى دومة الطيب صالح > إبراهيم احلميد كثير من معجبي الطيب صالح ،رحمه الله ،لم يكن مَدخلي إلى عوالمه على عكس ٍ «موسم الهجرة إلى الشمال» بل «دومة ود حامد». شدني إلى الرواية تعلقي بمدينتي التوأم ،دوم��ة الجندل ،تلك المدينة التي لها في وجداني ووج��دان كل ساكني ه��ذه األرض ،عشق ووشائج ت�ج� َّذرت في األرض، بعمق جذور نخيلها ،وزيتونها ،و كينها ،وحورها ،وبقوة بأس جندلها الذي يُ َز ِ ّي ُن قلعتها الشهيرة منذ ثالثة أالف عام. يتنقل قارئ «دومة ود حامد» بين حمير محجوب وحسين ..والنخلة التي يرغب في شرائها مقابل عشرين جنيها .في نخلة على الجدول ،إحدى القصص السبعة التي يشكلها الكتاب ،م��رورا بتفاصيل الحياة في القرية ،ونبوءة الشيخ دوليب بالقحط، وتوقف الفيضان من النيل الذي كان موارا في ماضي األيام.. وتتابع القصص التي تأتي تباعا :نخلة على الجدول؛ حفنة تمر؛ رسالة إلى إيلين؛ حتى يصل إلى «دومة ود حامد» -القصة المركزية التي تجلى فيها الطيب صالح ساردا -حتى نصل إلى «إذا جاءت»« ،هكذا يا سادتي»« ،مقدمات». في «دومة ود حامد» ،تتشابه الظروف مع حياة الناس في «دومة الجندل» ،ولهذا أسرتني بالحياة حولها ،فالهم الذي يشغل أهالي «دوم��ة الجندل» ،هو نفسه الذي يشغل بطلنا في «دوم��ة ود حامد» ،حيث تتنازعه رغبات الرحيل والهجرة ،كما أن نشأة «دومة ود حامد» بأسطوريةِ وغرائبية حكايتها التي بدأها ود حامد ،تتشابه مع الظروف التي و ُِجدت في «دومة الجندل» :واحة وفيرة المياه وسط صحراء شاسعة، حتى يصل إلى ذروة النشوة التي استثارت كل أهالي «دوم��ة الجندل» ،حينما يقول البطل « والله لو كانت دومتكم هذي «دومة الجندل» ..وكنتم المسلمين ..تقاتلون مع علي ومعاوية « ..في إشارة إلى حادثة التحكيم الشهيرة التي وقعت بين اإلمام علي بن أبي طالب ،والخليفة معاوية بن أبي سفيان. وحتى عندما يأتي من تستصرخ فيه الرغبات في التعلق بـ «دومة ود حامد» ،تأتي
4
اجلوبة -ربيع 1430هـ
إلى جذعها المكتنز الممتلئ ،كقامة المرأة البدينة ،وإلى الجريد في أعالها ،كأنه عرف المهر الجامحة»« . ..حين تصعد الشمس وقت الضحى ،يمتد ظل الدومة فوق األرض المزروعة». تشاب ٌه عمي ٌق جَ م َع بين تفاصيل الحياة ،والمكان ،واألرض ،والماء ،وبين «دومة الجندل» ..ما أبهج فِ َّي زهو المكان ،وجعلني أسير في آفاق «دومة الجندل» ،التي جعل منها الطيب صالح ،تيمة لـ «دومة ود حامد».
اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة
العبارات ،وكأنها تتحدث عن «دومة الجندل»« :أنظر إليها ،ضاربة بعروقها في األرض ،أنظر
بسرد غاي ًة في اإلتقان و البساطة، ٍ ال تنتهي حكايات « دومة ود حامد» ،حتى تبدأ من جديد مما يحير قارئ الطيب صالح ،كيف تطوعت له هذه اللغة الشفيفة ،التي عبر بها آفاق العالمية.. فوصل إلى قلوب عشاقه في كل مكان. في خاتمة مجموعة «دومة ود حامد» ،تأتي قصة (مقدمات) ..مكونة من سبعة نصوص أو قصص قصيرة جدا ،تصلح ألن يكون كل منها حكاية لوحدها ،أو قصيدة تحكي حكايات إنسانية مختلفة ،تعبر كل منها عن حالة قد تصادفنا في أي شارع ،أو مكتب ،أو حي ،ولكن أسلوبه الساحر، جعل منها أيقونات تحولت في يده إلى أقمار ،على شكل قصص قصيرة. وجدتني أستعيد «دومة ود حامد» بعدما خصصنا ملف هذا العدد للراحل الكبير ،ليكتب عنه بعض من عرفوه ،أو عشقوا لغته ..وتتلمذوا على يديه ،وهنا البد من توجيه الشكر وأجزله إلى الصديق الشاعر ..والناقد الجميل محمد جميل أحمد ،على جهوده في إعداد هذا الملف ،والذي يكتب مفتتحه في ذات الوقت (عوليس األسود) مستعيدا جيمس جويس .،بمشاركة األصدقاء خالد ربيع السيد ..تحت عنوان (الطيب صالح ..منادمة في الحكي عنه ومعه) ،بانوراما سريعة عن محطات هامة لسيرة الراحل الكبير ،من خالل رصد إبداعه ،عبر الكثير من شهادات النقاد والمبدعين ،و ظافر الجبيري ،عن (الطيب صالح ..ألوان من الصراع) ،كاشفا عن وجوه الصراع المتعددة في النص السردي للطيب صالح ،ومستعرضا طبيعة ذلك الصراع بين المجموعات القصصية والروايات ،والشاعر السوداني مأمون التلب ،تحت عنوان (أطياف مصطفى سعيد: الحياة في مكان آخر) ..عن سر جرثومة الكتابة وقناعها الخطير الذي طالما فسر مغزى عزوف الطيب صالح ..وهروبه من مأزقها ،مستبدال بها حياة في ال��واق��ع ..هي أكثر أمنا من حياة الكتابة. وهذا الملف ..أقل ما يمكن أن يقدم إلى كاتب بقامة الطيب صالح ..وهو الرجل الذي عشق هذه األرض ،وظل يتردد عليها سنوات عديدة مكرما معززا ،رحم الله الطيب صالح حيا في كتبه.. و ميتا في لحده. اجلوبة -ربيع 1430هـ
5
سرد من أفق آخر :
الطيب صالح :منادمة في احلكي عنه ومعه مبناسبة رحيله
أحمد*
> أعد امللف الشاعر :محمد جميل ش��ارك فيه :خالد ربيع السيد( - )1ظافر اجلبيري( - )2مأمون التلب (.)3
ربما لم يتفق لكاتب أن وجد من الذيوع والشهرة في حياته رغم أعماله القليلة ،مثلما اتفق للكاتب والروائي السوداني الطيب صالح؛ ولهذا ،حين رحل كاتبنا الكبير ف��ي ش��ب��اط فبراير الماضي ع��ن عمر يناهز الثمانين عاما ،كان قد عرف الكثير من ألوان التكريم واالحتفاء في الشرق والغرب .ويأتي رحيله الفاجع مناسبة أخرى للحديث عن الكثير الكثير مما يختزنه إبداعه السردي، الذي مأل الدنيا وشغل الناس ،ال سيما روايته (موسم الهجرة إلى الشمال). ل��ق��د خ��ل��ق ال� ��راح� ��ل ال �ك �ب �ي��ر م��ج��ازا لكن الفريد فيما حدث للطيب صالح في إنسانيا لتجربة إبداعية محايثة ،وعابرة تجربته الروائية ،لم يحدث ،ال لجوزيف لخصوصيتها في الوقت نفسه .وقد أضمر ك��ون��راد (ال� ��ذي ت�م��اه��ى ت�م��ام��ا م��ع وطنه عبر رواي �ت��ه حياتين ،ل��م ت��زل طبيعتهما الجديد) ،وال لنجيب محفوظ (ال��ذي لم ال �ظ�ل�ال ال�خ�ف�ي��ة ل�ل�ع�لاق��ة ال �م��رك �ب��ة بين يغادر مكانه أصال) من ناحية ،وال للتجارب ال��ش��رق وال� �غ ��رب ،ض �م��ن ب�ن�ي��ة ح�ض��اري��ة الروائية التي تأتي في وارد المقارنة بين ثابتة ومتجددة للغرب في تلك العالقة، الشرق والغرب ،كرواية ،قنديل أم هاشم كما بين المنفى وال��وط��ن ،وب�ي��ن األزم�ن��ة ليحيى حقي ،من ناحية أخرى. الحديثة واألزم �ن��ة القديمة؛ بمعنى آخر فاإلبداع السردي للطيب صالح ال تنبع إن الزمن المحايث لألزمنة كلها سيبقى طيفا متجددا قي حيثيات ه��ذه الرواية .فتنته من التعبير الجمالي للغة فحسب ،بل
6
اجلوبة -ربيع 1430هـ
عوليس األسود ذات مرة شكا الطيب صالح لصديق سوداني بالمجازفة في ما ال طاقة له به إزاء آفاق غير ف��ي لحظة ب��وح ن� ��ادرة ،ع��ن ورط ��ة ح�ي��ات��ه التي متناهية. عاشها ،وما إذا كانت الصدف التي لعبت دورا لقد كان الصدام قويا وحرجا في فعل النفي كبيرا في تلك الحياة قناعا لمصير ،ربما لم يكن المزدوج؛ كان أقوى من قدرة النفس البرية على في يوم من األيام يرغب فيه في قرارة نفسه؟ احتمال طاقة الحضارة ،وهي تهب كالعواصف ثمة حدود مضنية لتجربة الحياة حين تكون العاتية بتناقضاتها على ال��ذات وتمزيقها شر أشبه بعاصفة أو لعبة مرايا في مخيلة المبدع؛ ممزق. فهي إذ تتعذب من تقاطعات متناقضة ك��ان مصطفى سعيد بالنسبة بين األنا واآلخر ،والظن واليقين ،ال ل�ل�ط�ي��ب ص��ال��ح ش�ب�ح��ا ف��ي م�ك��ان تلعب مع تلك المخيلة لعبة الوجه م��ا م��ن ح�ي��ات��ه؛ ول �ه��ذا ف��إن ضغط وال �ق �ن��اع ف�ح�س��ب ،ب��ل ت�ج��ره��ا إل��ى التناقضات الذي جعل من مصطفى إق �ح��ام مستمر ف��ي عين العاصفة سعيد خليقة خائبة ومعطوبة في وراء ق �ن��اع ال ي�ك��ف ع��ن االل�ت�ص��اق ال�خ�ي��ال ال �س��ردي للطيب ص��ال��ح، بالوجه ،دون أن يكون بديال عنه. ظ ��ل ب��اس �ت �م��رار ال �ظ��ل ال ��وج ��ودي هكذا تبتعد الحياة األولى لتستعيد محمد جميل أحمد الذي يعكس روحا شقية ومدفوعة، وج��ودا في المخيلة.ويظل القناع إغ��واء يجرف أمامه الحقائق األولى ،وهي ترتطم بوجود مغاير بحيرة عريضة جرفت معها الطيب إل��ى مسار في حيوات أخرى ،إلى نهايات وحاالت وتجارب عكس بريقها باستمرار ،بين الذاكرة والزمن في اتجاهين متناقضين، تبتعد عنها السماء وب �ط��ري �ق��ة ال تعين األول� � ��ى ف ��ي نقطة على تفكيك شفرتها متالشية في األفق. المعقدة التي قذفت إن � � � �ه� � � ��ا ح � ��ال � ��ة ب��ه ف��ي ال �م �ت��روب��ول االغتراب التي تقتلع اللندني. الذات من أعماقها، ولعلنا ال نجازف وه���ي ت ��واج ��ه ح�ي��اة ف� � ��ي ال� � � �ق � � ��ول :إن ت� � �غ � ��ري ال� �م� �ص� �ي ��ر الطيب صالح حينما ال � � �ف� � ��ردي ل��ل��وع��ي اجلوبة -ربيع 1430هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أيضا من تلك العالقات والوحدات التي حطمت البنية ال�س��ردي��ة ،وجعلت م��ن صناعة الدهشة طاقة متجددة من المعجزات الصغيرة في مخيلة القاريء ،شرقيا كان هذا القارئ أم غربيا.
7
غمر مصطفى سعيد تحت مياه النيل ،عند قرية ود حامد بعد حياة صاخبة في المتروبول ،إنما أراد أن يرمم الشرخ الذي شطر ذاته مرة وإلى األب��د من أثر تلك العاصفة القاسية .كان ذلك تعويضا مركبا في الخيال ،لكنه كان مستحيال في الواقع؛ ذلك أن استحالة الواقع فاضت على وجود كاتبنا الكبير ،وشكلت مع الزمن ما يشبه ع��ازال زجاجيا شفافا ،يعكس باستمرار ذلك الشبح الرهيب الذي هجره الطيب صالح ،وإن ظل معه قرينا عصيا على الفراق ،فلم يستطع مفارقته إال عندما جعل منه طيفا يمسك به حياته المشطورة بكل تقاطعاتها الرهيبة.
عجزه بتلك التناقضات التي وقع فيها مصطفى سعيد بالضرورة؛ كان هو المظهر األسمى لمعنى االقتالع .ومن هنا أيضا يرتبط ما هو شخصي بما هو موضوعي بطريقة مركبة. كانت الحيرة في قلب الحياة والمصير ،وكان كل ذل��ك يمتح من إغ��واء متعالي يضمر بريقا خ�لاب��ا ،تصاحبه ق�س��وة ع��ات�ي��ة ،وب�ي��ن البريق والقسوة ك��ان مصير المواجهة المتكافئة أقل بكثير من إمكانات المصير الفردي .ونجد ذلك واضحا في وصف وجه مصطفى سعيد (نظرت إلى فمه وعينيه فأحسست بالمزيج الغريب من القوة والضعف في وجه الرجل).
وإذا ك��ان��ت (م��وس��م ال�ه�ج��رة إل��ى ال�ش�م��ال) تعبيرا عن ذلك الشرخ الذي ال يلتئم إال في حياة متخيلة؛ فإن سيرة الواقع في تلك الحياة كانت قد حسمت المعنى األكثر حضورا في تفاصيل ال متناهية ،من أثر تلك العاصفة التي خمدت في حياة مصطفى سعيد ،وهي الحياة التي تطهر منها الطيب صالح ،عبر كتابة سردية استدعت كل التقاطعات الممكنة والمستحيلة ،لكنها في فما ح��دث ف��ي المخيلة ج��رى نقيضه في ال��واق��ع ك��ان��ت الحياة ال��وح�ي��دة ف��ي المتروبول الواقع ،لكن رغبة الكاتب والتناقضات الهائلة اللندني ،وظ��ل بريقها هو األص��ل ال��ذي طمس التي هي أكبر بكثير من إمكان التحدي الفردي، حيوات السماء األولى وحولّها إلى أطياف في ت�ح�ي��ل ب��اس �ت �م��رار إل���ى خ �ي��ال خ�ل�اق ي �م��ارس الذاكرة البعيدة. فتوحات وانتصارات فردية ،ليعكس أكبر قدر ما حدث للطيب صالح ،بالطبع كان يجري من التناقض في الحياة الشخصية .إنه ضرب في سياق تقاطعات غير متكافئة ،وكانت طبيعة من التبديل الذي يعكس ضعف الكينونة الكلية التحدى أكبر من المصير الشخصي لـه ،بما عبر م�ج��از ال �ق��وة ف��ي ال�س�ل��وك ال �ف��ردي لبطل يعني أن المصير الفردي في مواجهة المتروبول الرواية. الذي اقتلع أزمنة السماء األولى مرة وإلى األبد، ف �م �ج��ازات ال ��رواي ��ة ال �ت��ي ت�ت�ص��ل دالالت �ه��ا كان ا ٌعجز بكثير من قدرته على مواجهة تلك بالكثير من تيمات العالقة بين الشرق والغرب، الطاقة العاتية والمزلزلة. والعرب وأوربا ،واإلسالم والمسيحية ،والحداثة ول �ه��ذا ف��إن المصير ال �ف��ردي ح�ي��ن يعوض وم��ا قبلها؛ كانت تتجلى عبر تلك التعبيرات ولهذا أيضا كانت (موسم الهجرة إلى الشمال) المكان الوحيد ال��ذي يستقطب ذل��ك الشعور الذي يلحم انشطار النفس؛ إنه عمل المخيلة إذ توحي بالتماهي والخالص عبر اإلب��داع ،لكنها بصورة أخرى تكشف عن معنى استحالة ذلك التماهي في الواقع بين تينك الحياتين .إذ تعيد إنتاج المأزق وتصبح أكثر تعبيرا عنه.
8
اجلوبة -ربيع 1430هـ
والحال أن ما جرى للطيب صالح وهو يرصد مصائر فردية مقذوفة في محيط يستدعي الكثير من تمثل الخيبات واجترار المرارات ،كان يحتاج إلى مخيلة مبدعة ،فالمخيلة وحدها يمكنها أن تستقطب تناقضات أكبر من الواقع ،وتحديات أقل من الحقيقة .أراد الطيب صالح أن يكتب عن مأزقه الشخصي فوجد نفسه منخرطا في مآزق تستدعي الكثير من التعقيدات والعالقات المتشابكة بين الذاتي والموضوعي ،والخاص والعام. ب � ��دا ال� ��وض� ��ع أش� �ب ��ه ب �م �س��ار عوليس في األوديسة ،لكن طريق العودة عند الطيب صالح لم يكن كمسار معبد (ج��ان��وس)؛ ال�ع��ودة المستحيلة هنا ال يمكن أن تظفر بوجودها إال في المخيلة ،ولكنها إذ تتمثل في المخيلة ،ال تتحول إل��ى ع��ودة عادية ،فمجاز الكتابة ف��ي النص أعقد بكثير حتى من عالقات الواقع وتعقيداته؛ ولذلك حين أراد الطيب صالح أن يعود إل��ى «ود ح��ام��د» ،أع��اد مصطفى س�ع�ي��د ب ��دال ع �ن��ه ،وه���ذه ال �ع��ودة ه��ي ف��ي ت��أوي��ل م��ا ،محض أمنية لجسر هوة عميقة بين عالم غادره م��رة وإل ��ى األب ��د ،م��ع رغ�ب��ة قوية مستحيلة للعيش فيه ،وبين عالم ال يستطيع منه فكاكا ،على الرغم
العجائبية لحياة مصطفى سعيد ،ففضال ع��ن طبيعة البنية ال��س��ردي��ة العجيبة لهذه الرواية ،القائمة على خلخلة وتحطيم عالقات السرد الثابتة والمطردة بين الزمان والمكان والموضوع ،نجد أن تلك البنية وه��ي ترسم س��رده��ا ع��ب��ر التقطيع واالس���ت���رج���اع ،إنما ك��ان��ت تستجيب لعالقة جدلية خ�لاق��ة بين طبيعة المصير ال��م��رك��ب ل��س��ي��رة مصطفى س��ع��ي��د ،وم���ا يصاحبه م��ن ت��داع��ي��ات رم��زي��ة قوية الداللة وعمقية القابلية للتأويل ،وبين الحاجة القوية إلى تخليد ذلك المصير وف��ت��ح دالالت ال��س��رد ع��ل��ى ال��ك��ث��ي��ر م���ن االح��ت��م��االت المحايثة له ،والمتصلة على نحو معقد بمصائر متشابكة ومرتدة باستمرار إل��ى سياقات أخ��رى تأتي كضرورة في بنية المعنى.
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
التي جسد بها مصطفى سعيد رؤيته الفردية من كل تناقضاته وبريقه الذي تلمع فيه الرقة وإحساسه الملتبس بعالم االستعمار والمتروبول والقسوة كوجه مصطفى سعيد ،حين شاهده الذي من حوله ،لتكون بديال عن حقائق أخرى الراوي ألول مرة في «ود حامد». أكبر من طاقته ،وال يمكن أن تستوي لتحدي اس��ت��ع��ان ال��ط��ي��ب ص��ال��ح ب��ط��اق��ة حلمية/ الكينونة إزاء ذلك اإلقتالع. صوفية لجسر التقاطعات ال��ح��ادة والوقائع
ف��ال��م��ص��ائ��ر ال��ت��ي ضفرتها ع���وال���م ال����رواي����ة ل���م ت��ك��ن ذات طبيعة زمنية منطفئة ،أو تعبيرا عن حاالت تزول بزوال الحدث، ل���ق���د ك����ان����ت ت���ل���ك ال���م���ص���ائ���ر تتفاعل طرديا مع زمن الرواية ال��م��س��ت��ق��ب��ل��ي ،أي ذل���ك ال��زم��ن ال�لاح��ق والممتد وال����دال على ن���ب���وءات ال���رواي���ة ورؤاه�����ا التي جسدتها كإحدى الكالسيكيات العالمية. اجلوبة -ربيع 1430هـ
9
الطيب صالح ألوان من الصراع
ال روحه األصيلة وحبه لوطنه وللعالم! حام ً
نقلتني الدعابة إلى سنوات خلت عندما تلقّفنا > ظافر اجلبيري قصص (دومة ود حامد) والعم َل األشه َر (موسم الهجرة إلى الشمال) وغيرهما من قصص وروايات أبدعتها يد الرجل وخطها قلمه ،وغ��ادر عالمنا الفاني مخلفاً وراءه رصيداً إبداعياً وتراثاً أدبياً وقلوباً حرّى لفراقه.
قبل أيام تحادثت مع صديق عزيز وصل إلى ب��ري �ط��ان �ي��ا م �ن��ذ وق��ت وجيز؛ الصديق القادم م � ��ن ب��ل ��اد ال ت �ج �ي��ز تدريس الفلسفة ،كما ق ��ال ذاه ��ب إل ��ى ب�لاد ظافر الجبيري (ب� � ��رت� � ��ران� � ��د رس� � ��ل) لدراستها مبتعثاً في فورة االبتعاث التي نعيشها.
التقيت الرجل لقاء سريعا عابرا في احدى ليالي الجنادرية التي ك��ان ضيفها األث�ي��ر ،وك��ان محاطاً بمحبيه الكثر ،وليته أق��ام ف��ي الرياض كما في ال��دوح��ة ،إذاً لصار اسمه صالح الطيب بديال عن الطيب صالح ،كما اختار أحد األصدقاء تحدثنا كثيراً عن البالد التي وصلها للتو ،وعن تعديل االسم لكونه بات وجها مألوفا على المكان، جامعاتها العريقة ،وع��ن األهمية القصوى التي ومطلوبا للمشاركة ،وحاضراً في الموعد السنوي يحتلها التعليم والتواصل المعرفي في ردم الهوة ألكثر من عشرين عاماً متتالية. بين الشعوب وإشاعة الحوار والتواصل اإلنساني أعمال الطيب صالح تالمس الحياة السودانية، بين الثقافات ،وكان التأكيد الدائم على أن التعليم وشخوصه متجذرة ف��ي ال��واق��ع اليومي النابض هو أقوى عرى هذا التواصل والمثاقفة بين الدول ببساطة الناس ،وعمق المجتمع المتعدد المشارب والحضارات ،وع��ن حاجة «البالد والعباد» لمثل القبلية ،والمستويات التعليمية ،وإمكانات العيش ه��ذا التخصص ف��ي زم��ن ق ��ادم ن��ؤم��ل أن يكون المتفاوتة ،وإن كانت أقرب إلى البساطة ،بساطة أكثر انفتاحاً وتقب ً ال لآلخر ،وأكثر تحفيزاً إلعادة نبض الحياة الريفية لقرية تقع شمالي السودان. االعتبار لعلم العلوم :الفلسفة. ع �ب��ر ه� ��ذه ال �ب �ي �ئ��ة ال �م �ح �ل �ي��ة ال �م��وغ �ل��ة ف��ي ما دعاني لهذه المقدمة ،أن الحوار مع الصديق ال �خ �ص��وص �ي��ة ،اس �ت �ط��اع ال �ط �ي��ب ال ��وص ��ول إل��ى اختتم ب�ع�ب��ارة خاطفة موجهة للصديق م��ذ ِّك��راً العالمية ،ما يعرف نقدياً باألصالة ،أي الصدق ومحذِّراً ومداعباً بأن مبدع شخصية (مصطفى بنوعيه الفني والواقعي ،واالنحياز إلى اإلنسان في سعيد) قد رحل ،ولذا لن تجد -يا صديقي -من الدرجة األولى ،االنحياز إلى الحياة التي خَ بَرها يكتب عن بطوالتك وفتوحاتك (المشرقية) في وتعشّ قها وت�ن� ّف��س تفاصيلها رج��ل ينطوي على بالد (الفرنجة)! هذه الروح العربية األصيلة ،والنفس المتسامية، انتهى حديثُنا ضاحكيْن ،لكن الضحكة لم تخف وال�ف�ك��ر المنفتح على ك��ل ال�ت�ج��ارب وال �ت �ي��ارات، ش �ع��وراً بالفقد ع��اودن��ي ،وإن ظ��ل ح��اض��راً ،منذ م��ا جعل أعماله تسافر لكل ال�ب�لاد عبر اللغات سماع نبأ رحيل المبدع الطيب صالح بعد ثمانين العالمية الحية. عاماً من السير على ظهر البسيطة مشرّقاً ومغّرباً، لقد فتحت رواية (موسم الهجرة إلى الشمال)
10
اجلوبة -ربيع 1430هـ
البطل مع العالم الخارجي ،ومشكلته مع نفسه ،أو عالقة (األن��ا) بـ (اآلخ��ر) وعالقة (األن��ا) بنفسها، كما يعبر ع��ن ه��ذه اإلشكالية ال��دك�ت��ور عبدالله إبراهيم. في مجمل أعماله غاص الطيب صالح بروحه الصوفية في وجدان اإلنسان عبر سبر أغوار التراث وال �ت��اري��خ وال� �ع ��ادات وال�م�ع�ت�ق��دات واألساطير ..وظف األدب الشعبي والفصيح ،عزف على أوتار النفس اإلن��س��ان��ي��ة ،ف �ت �ج��اوب��ت م ��ع أدب ��ه النفوس في كل المعمورة ..وقد ظل الطيب صالح في الكثير من أعماله مبشراً بالمشترك اإلنساني ،وبدا في العديد من المواقف واإلحاالت ال �س��ردي��ة م��وزع �اً بين قيم القرية وحداثة المدينة ،بل إننا يمكن أن نعد روايته الثانية األشهر من بين كل أعماله ،تلك التي ص��درت في العام 1966م دعوة للمصالحة بين الشرق والغرب. فيما يخص الشخصيات العديدة في مؤلفاته نجد أنه بسط مالمحها، وعرّى ضعفها وانكساراتها ،أفاض
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
طوراً جديداً من العالقة بين الشرق في وصف عوالمها البرانية ،وأبدع وال��غ��رب ،ك�م��ا فتحت ع �ي��ون ق��رائ��ه ف��ي سبر أغ��واره��ا العميقة؛ عوالم عال، على تجربة ثرية ،وأداء أدب��ي ٍ الرجال والنساء .عبر سطوره تتمتع كما أبرزت سرداً حديثاً ،يجمع بين بعمق آس��ر ،وبساطة ال ح��دود لها، البساطة والعمق والبناء الكالسيكي م��ا ح ��دا ب��أح��ده��م أن ي�ش�ب��ه أح��د اآلسر. األشخاص بـ «كأنه خارج من إحدى ق �ص��ص ال �ط �ي��ب ص���ال���ح ،»..وك��أن��ه تكمن روعة هذا العمل األثير لدى عبدالله إبراهيم يشير بهذا إلى التماهي الكبير بين غالبية قراء الطيب ،في كونه يطرح مشكلة الهُوية بصورة غاية في العمق ،أي مشكلة ما يعيشه الكاتب وبين ما يكتب عنه. ق��رأن��ا الطيب ص��ال��ح بالحب ال ��ذي يستحقه شخصه ،وبالتوق الذي نراه جديراً به كمبدع ،أنتج معظم أعماله في فترة الستينيات والسبعينيات التي كانت تمور بالكثير من الصراعات ،ما جعل كاتبنا يعبر في نتاجه عن مكانين ،ولو شئتُ لقلت فضاءين: األول :ق �ص��ص وأع� �م ��ال ت��دور أحداثها في قرى شمالي السودان مسقط رأسه.الثاني :تلك األعمال التي تمثل ص� ��راع ال�� ُه��و ّي��ة ب �ي��ن م �س��اف��ر إل��ى ب�لاد الضباب بكل صخب حياتها، وبين عائد إل��ى ري��ف بسيط هادئ متقشف ،كما ص��ورت ذلك (موسم الهجرة إلى الشمال). ه ��ذان ال �ف �ض��اءان أوج ��دا أج ��وا ًء ث��ري��ة ت�ت�خ�ل�ل�ه��ا أش� �ك ��ال أخ� ��رى من ال �ص��راع ،منها م��ا ص� �وّره ف��ي قصة (ن�خ�ل��ة ع�ل��ى ال��ج��دول) داخ ��ل نفس الفالح ،ومنها ما ص��وره الكاتب في (دوم� ��ة ود ح��ام��د) ،ص���راع داخ�ل��ي ت�خ�ت��زن��ه م�ش��اع��ر أه��ل ال �ق��ري��ة عبر ت�ف��اص�ي��ل ح�ي��ات�ه��م ال �ي��وم �ي��ة؛ ص��راع
اجلوبة -ربيع 1430هـ 11
تكشّ فت مالمحه إثر مساومة التاجر للفالح على النخلة ،وكيف الم الفالح نفسه في النص األول. وص��راع بين التمسك بالقيم النمطية للحياة من قبل الناس ،وبين محاولة الحكومة تطوير الريف وتغيير نمط حياة السكان ،نجد كاتبنا -من خالل ال��راوي -ينحاز بهدوء ،دونما مزايدة أو ادعاء إلى الطرف الراغب في التحديث مع بقاء طقوس الريف و«دومته في أحالم الناس» .ابن الراوي الذي يدرس في البندر في مدرسة «ِ ...ل َم ألحقه بها ،لكنه هرب، سعى إليها» هنا يربط الكاتب بين التغيير المنتظر وبين غربة الروح؛ وسيكون التغيير ممكناً ،بواسطة عنصر خارجي ،يكمن في انتشار فئة المتعلمين!
وهنا يواصل الراوي القول:
أشكال الصراع ..يبرز عبر االجتثاث لكل من يحاول ال القتالع التالعب بقلب البطل ،وهنا يظهر القتل ح ً السلوك الغربي تجاه الجسد والقلب والروح القادمة من إفريقيا ،من السودان ..من األرض المستعمرة سابقاً ..وم��ن هنا يبرز ق��رار مصطفى قتل (جين موريس) وهي المرأة التي أحبها .يبرز قراره وكأنه يصب ف��ي ه��ذا االت �ج��اه؛ السيدة اإلنجليزية التي قبلت ال���زواج منه بعد م�ك��اب��رة ،ل�ت��واص��ل سلوكها نحوه ..أحبته دون أن تقر بذلك ،أحبت فيه العنف اإلفريقي ،كانت تشتهيه وتحتقره في الوقت نفسه، وتالعبت به لفترة من الوقت ،إلى أن يقرر قتلها... وهكذا فشلت عالقات مصطفى سعيد النسائية في أوروب ��ا ،فشلت إنسانياً ،وانتهت بالقتل والسجن، لكونها كانت تقوم على الرغبات الجسدية ،دون أي معنى إنساني.
«ح�ي��ن ي�خ��رج اب�ن��ي م��ن ال�م��درس��ة ،ويكثر بيننا الفتيان ال�غ��رب��اء ال���روح ،فلعلنا نقيم مكنة الماء وهل ننسى عبارة مصطفى سعيد أثناء محاكمته؟ حينئذ تقف عندنا، ٍ والمشروع الزراعي ،لعل الباخرة العبارة التي ال تزال ترن في أذن كل من قرأ العمل، تحت دومة ود .حامد» كما رن��ت في أرج��اء المحكمة ذات صباح لندني، إضافة إلى هاتين الصورتين من صور الصراع عندما وص��ف البطل نفسه بكل عمق وشفافية ال�ه��ادئ عبر ش��راء التاجر للنخلة ،وإق��رار الفالح بأنه «رجل استوعب عقل ُه الحضارةَ الغربي َة لكنها بهزيمته ،وانتظار أهالي القرية «للمشروع الزراعي ،شطرتْ قلبَه!» وطلمبة الماء ،ومحطة الباخرة» بهدوئه الذي وسم بعد صمت روائي – قصصي أطلت (مختاراته): شخصيته ،وبطرحه السلس ،يقر الكاتب بإمكانية «منسي» التي ص��درت في التسعينيات من القرن التغيير عبر إدخال عنصر جديد إلى الحياة ،وإحالله الميالدي الفائت ،وبعد انقطاع طويل عن الكتابة م�ك��ان نمط معيشي س��اب��ق ،حتى ول��و ب��دا موقف الروائية ،ق��دم من خاللها شخصية محيّرة مثيرة الكاتب – ال��راوي -هادئاً مياالً إلى ترك التغيير، للجدل ،تساءل القراء والنقاد كثيراً :أهي حقيقية يسير بسالسة على طريقة التحوالت المتدرجة في أم متخيلة أم رمزية؟ المدن والمجتمعات األوربية التي استوعب الكاتب تبدو الشخصية حقيقية ف��ي أبعادها الدينية تجاربها عن قرب! واالجتماعية .وهي ليست سيرته الذاتية ،إنها عمل ليس الصراع هادئاً دوم �اً ،فما إن نتعرف على خفيف مدهش أقرب إلى السيرة ،قدمها بأسلوب تفاصيل ح�ي��اة مصطفى سعيد ف��ي ب�لاد ال�غ��رب، سردي أقرب إلى المذكرات اليومية. و(سخونة اإلرث الشرقي – اإلفريقي) ال��ذي جاء ال �م��ؤل �ف��ات األخ� �ي ��رة ك��ان��ت ح�ص�ي�ل��ة م �ق��االت ال به حتى يتكشف لنا شك ٌل أقوى وأعنف من محم ً
12
اجلوبة -ربيع 1430هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
مصدرها مقالته في الصفحة األخ�ي��رة في مجلة لكاتب ترجمت أعماله إل��ى أكثر من عشرين لغة (المجلة) ،جُ معت بموافقة منه فقط ،وظهرت في عالمية ،ورشح مراراً لجائزة نوبل. تسعة أجزاء ،عن أعالم أدبية ،ومدن عرفها شرقاً صمتُ األع ��وام األخ �ي��رة ..أه��و التواضع ال��ذي وغ��رب �اً ،وع��ن ال �س��ودان ،وع��ن المتنبي ،وذك��ري��ات جعله ذات مرة يقول وعبر أحد حواراته« :أمي أكثر وخواطر ،وعن مهرجاني الجنادرية في السعودية ،إبداعاً مني»؟ أم هو التشبع المفضي إلى الكسل؟ وأصيلة في المغرب ،كانا من أكثر المهرجانات التي أم إن مر ّد ذلك إلى الشهرة المفضية إلى التشبع يدعى لها الطيب ،وهذا يظهر من كتابه (مقاالته) والرغبة في االسترخاء الذي يشبه التقاعد المبكر عن هاتين النافذتين اللتين فتحتا ب��واب� ٍ �ات مثمر ًة للموظف؟ للتواصل والحوار مع الذات ومع اآلخر. اآلن الرجل أفرغ مشروعه فيما أصدر من أعمال ل �م��اذا ل��م يستغل اب��ن ال��س��ودان ال �ب��ار شهرته يأتي على رأسها رواية (موسم الهجرة إلى الشمال)! واس �م��ه ،كما فعل ويفعل غ �ي��ره ،ويكتب وي��واص��ل ربما يكون فعل ذل��ك ،ثم تفرغ لتأمالته الصامتة، ٍ الكتابة ويقبض ثمن أعمال ما تزال تحت يده ،ويدفع وت ��رك ال�خ�ل��ق ي�س�ه��رون ج ��راء ق��راءات �ه��م ألعماله بها للناشر ،وستُسوق عبر اسم كاتبها وكفى؟ لماذا ويختصمون ..أنصت مراقباً الناس واألح��داث من ا إل��ى أي م��دى وصل ال يظل حاضرا قابضاً ،ويبقى الكاتبَ الذي يكتب ح��ول��ه ش��رق �اً وغ��رب �اً ،م�ت��أم�ل ً دون توقف؟ تساؤالت مبررة ،خصوصاً وقد صمت الصراع بين الشرق والغرب مع بزوغ األلفية الجديدة الرجل طويالً؟ التي أخذ الصراع فيها أشكاالً أعنف واشد أثراً. صمت منشغ ً ال بأعمال إداري��ة عربية أو دولية ،ال شك أنه رحل متحسراً على انحسار ما بشر به أو متجوالً بين المدن والعواصم ،محفوفاً بمحبة عبر نتاجه وحواراته من تسامح وتعايش لكل الرؤى الداعين ،ومحاطاً بحفاوة المسئولين والقائمين واألفكار وأنماط الحياة بين البشر والشعوب. على العديد من الفعاليات والمهرجانات العربية؛ الطيب صالح.. وللحقيقة ،فقد كانت محبة أصدقائه تسبقه أينما منادمة في الحكي عنه ومعه ال عما تبثه في النفس شخصيتُه حل أو نزل ،فض ً > خالد ربيع السيد اآلسرةُ وروح ُه المتسامحة. الكتابة ع��ن الطيب «كاتب كسول» كما وصفه الناشر رياض الريس، ص ��ال ��ح ب �ع��د رح �ي �ل��ه، «لكنه كسل جميل» ،يعقب الريّس« ،يتهرب به من ت�ع�ن��ي إل ��ى ح��د كبير الكتابة ومتاعبها». ال �ح �ف��ر ف��ي تفاصيل هذا ما تؤكده سيرته عموماً ،فيظهر بوضوح تام ربما خاض فيها نقاد من خالل سيرته أن الرجل يحب القراءة أكثر من ودارس� ��ون وم�ت��ذوق��ون الكتابة! كثر ،منذ بداية شهرته خالد ربيع السيد مهما يكن فقد ظل الطيب محمد صالح أحمد ب� �ع���د ن� �ش���ر رواي � �ت� ��ه البشير يكتب المقاالت ،ويشارك في المهرجانات ،التفجيرية «موسم الهجرة إلى الشمال» في العام ويتلقى الجوائز وك��اف��ة أش�ك��ال الحفاوة والتكريم 1966م ،وق��د تعني اج�ت��راح موضوعات بحثية
اجلوبة -ربيع 1430هـ 13
كتاب طلحة جبريل (على ال ��درب :م��ع الطيب صالح مالمح من سيرة ذاتية) -بسيطة ،كتبتها ببساطة شديدة جداً ..كانت القصة تعبيراً عن حنين للبيئة ،ومحاولة الستحضار تلك البيئة».. ب�ع��ده��ا ان�ق�ط��ع ال�ط�ي��ب ع��ن ال�ك�ت��اب��ة م��دة سبع سنوات ،ثم أنتج تباعاً «حفنة تمر» ،و«دوم��ة ود ح� ��ام� ��د» ..ع ��ن ق �ص �ت��ه األول�� ��ى ي� ��روي األدي� ��ب الديبلوماسي علي أبو عاقلة قائالً« :إن الطيب صالح ق��ال له ذات ي��وم إن��ه كتب قصة قصيرة، ويريد رأي��ه فيها ،فأعجبته القصة ،وطلب من الطيب صالح نشرها ،لكنه رفض فكرة النشر، وح��اول ن��زع المُسودة من ي��ده ،ولكن أب��و عاقلة رفض إعادة القصة إليه إال إذا وافق على نشرها، وبعد ثالثة أي��ام ج��اءه الطيب صالح ضاحكاً، وقال« :يا سيدي خالص أنا موافق ،لكن منو اللي بينشرها لنا؟».
تفضي إل��ى التوغل فيما ط��رح من قبل ،بسبب اعتقاد خاطئ أن الكتّاب لن يغادروا من متردم، لكن ب��أي ح��ال من األح��وال ال يعني ذل��ك عجز ال�ن�ق��د وال�ك�ت��اب��ة اإلس�ت�ن�ب��اط�ي��ة والتحليلية في استكشاف مناطق غير مطروقة في أدبه الثري، بل يتأكد مع الوقت أن جاذبية أدبه ثالث روايات ومجموعة قصصية وسلسلة مختارات من مقاالت (تسعة كتب) وقابليته للبحث المتجدد ال تنتهي، ب �م��ا ي��رس��خ م��ن ط��اق �ت��ه ال �ت��ول �ي��دي��ة ل�ل�ت��أوي�لات وال �ق��راءات المتالحقة .لكن ثمة متعة قرائية وفي العام نفسه ،عام 1961م ،حسب رواية خ��اص��ة ،وت��أم �ل �ي��ة ض��اف �ي��ة ،ت�ت�ح�ق��ق ل �م��ن تتبع رج��اء ال�ن�ق��اش ،نشرت مجلة أص ��وات اللندنية محاورات الطيب وحكايا أصدقائه عنه وحكاياه «دوم ��ة ود ح��ام��د» ،ث��م ت��رج��م دينيس جونسون عن أصدقائه. ديفيس النص العربي إل��ى اإلنجليزية ،ونشره ف��ي مجلة إن�ك��ون�ت��ر ( )Encounterاألدب �ي��ة، عن أول معرفته بالكتابة؟ وكانت حادثة نشرها في هذه المرحلة الباكرة ل ��م ي �ح �ق��ق ال �ط �ي��ب م��ن ُع� ْم��ر الطيب ،وم��ع ُك � َّت��اب مرموقين أمثال حلمه ب��اإلش�ت�غ��ال في الكاتب األم��ري�ك��ي ن��ورم��ان ملير ،بمثابة ميالد الزراعة «فالحاً» ،ألنه حقيقي للطيب .وعندما شجعه «ديفيس» على اك �ت �ش��ف -ك �م��ا ك��ان مواصلة الكتابة قال له الطيب صالح في دعابته يقول -أنّ ذلك «مجرد المعهودة« :يعني أتحول إلى كاتب؟ ..هذه نكتة، حلم رومانسي»« ،فأنا طلحة جبريل لقد كتبتُ ما عندي ..وخالص يا أخينا». ال أص�ل��ح ل�ش��يء سوى عاش قريباً من أصدقائه ،رفيقاً بضعيفهم، الكتابة» .هكذا عرف عن نفسه بعدما كتب «نخلة على الجدول» كأول عمل أدبي كتبه عام 1953م ،يحكي قصصهم ويتندر بلطائفهم ،ي��روي عن سنة رحيله إلى عاصمة الضباب لندن ،والقصة صديقه وزميله ف��ي هيئة اإلذاع ��ة البريطانية في مجملها -كما يصفها بنفسه كما ورد في منسي بسطاوروس فيقول «كنت بمثابة األب له، رغم أننا كنا من سن واح��دة ،ربما ألن اآلخرين
14
اجلوبة -ربيع 1430هـ
بقيت قرية كرمكول في وجدانه، قريته التي ول��د بها سنة 1929م، طرف من هذا السؤال يجيب عن ٍ ك��ان��ت تسكنه ال�ق��ري��ة أينما ذه��ب، عباس بيضون فيقول كانت حدثاً يتذكّرها عندما سافر إل��ى إنكلترا مدوياً في الرواية العربية وقلما كان لمواصلة دراسته للشئون الدولية، لرواية سواها هذا الحظ .ويرجح وم�� ��ن وح� �ي� �ه ��ا ،ك� �ت ��ب م �ج �م��وع �ت��ه ذلك عبده وزان بقوله :كانت بمثابة علي أبوعاقلة ال �ق �ص �ص �ي��ة «ود ح ��ام ��د» ورواي � ��ة الحدث الروائي العربي الذي كان «ع��رس ال��زي��ن» ،إال أن��ه أحجم عن م�ن�ت�ظ��راً ،لكنه ب ��دالً أن ي��أت��ي من نشر األخ �ي��رة ول��م يطلقها إال عام القاهرة ،أو بغداد ،أو بيروت ،جاء 1964م ،حيث نُشرت الرواية ملحق ًة من الخرطوم الرمز. بمجلة الخرطوم الثقافية ،ولكن لم إذأً اس�ت�ط��اع ال�ط�ي��ب ف��ي ه��ذه يحفل ال�ن��اس بها كثيراً ،ث��م أردف ال��رواي��ة أن يقدم مشروعاً روائياً ذل��ك بعمله الخالد «موسم الهجرة جديداً ،يحمل الكثير من عالمات إل��ى ال �ش �م��ال» ال ��ذي نشرته مجلة رجاء النقاش التحديث ،شكالً ،وتقنيةً ،وأحداثاً، ح��وار البيروتية ع��ام 1966م .وهنا ال عن أن إشكالية وشخصيات .فض ً يقول الشاعر الدبلوماسي السوداني الرواية المحورية كانت تقوم على سيد أحمد ال�ح��اردل��و إن��ه ك��ان في جدلية الصراع بين الشرق والغرب، زي��ارة إل��ى القاهرة واش�ت��رى خمس أو بين الجنوب والشمال .وكانت ن�س��خ م��ن م�ج�ل��ة ح ��وار ال�ب�ي��روت�ي��ة، ثمة أدبيات تناولت هذه اإلشكالية وأعطى منها نسخة لرجاء النقاش من زوايا مختلفة ،تأتي في مقدمتها الذي قرأ رواية «موسم الهجرة إلى رواي ��ة ال�ك��ات��ب ال�ب��ول�ن��دي جوزيف الشمال» بعين فاحصة ناقدة ،وكتب جابر عصفور كونراد (قلب الظالم) الصادرة عام عنها مقاالً بعنوان« :الطيب صالح 1902م ،والتي أش��ار إليها الطيب عبقري الرواية العربية» .وعلى إثر صالح في ثنايا روايته ،واستأنس تلك المقالة لقب الطيب بعبقري ببعض مفرداتها ،ألنها تمثل ضرباً الرواية العربية .وأيضاً بحسب جابر م��ن ض ��روب االس�ت�ع�م��ار األوروب ��ي عصفور وآخرين إن ذلك المقال هو وأنماطه االستغاللية في إفريقيا؛ الذي وضع الطيب صالح على قمة وت��ل��ت ه� ��ذه ال � �ق� ��راءة ال �خ��ارج �ي��ة الروائيين العرب منذ عام 1968م، ق��راءة داخلية تصدى لها الكاتب عباس بيضون وجعل الناس يعودون الكرة لقراءة النيجري شنوا أشيبا ف��ي روايته أدبياته السابقة ،ويتشوقون لمطالعة إسهاماته (تتساقط األشياء) الصادرة عام 1958م ،والتي الالحقة. حاول أشيبا من خاللها أن يعطي قراءة داخلية
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
كانوا يعاملونه بفظاظة.
ماذا فعلت «موسم الهجرة إلى الشمال« باألدبية العربية؟
اجلوبة -ربيع 1430هـ 15
لما هو سائد في مخيلة المستعمر األوروب��ي عن إفريقيا ،منطلقاً من ف��رض�ي��ة م �ف��اده��ا أن المجتمعات اإلفريقية مجتمعات ذات حضارة، وليست بدائية صرفة ،أو متخلفة، تخلفاً ال يالمس أط��راف آدميتها، كما يصورها المستعمر األوروب��ي، ليفرض عليها قيمه ال�م�س�ت��وردة، وي� �ف ��رغ م��وروث��ات��ه��ا ال �م �ح �ل �ي��ة من محتواها.
بحلوها ومرها.
رياض نجيب الريس
عند هذا المنعطف تبرز أهميتها، ال�ت��ي يصفها ال�ك��ات��ب ف�خ��ري صالح بأنها الرواية الوحيدة التي استطاعت أن تطرح أسئلة معقدة عن تجارب ال �ش �ع��وب ال �م �س �ت �ع � َم��رة ،ومستقبل العالقات بين الشمال والجنوب أو الغرب والشرق ،وبذلك أثارت «الكثير من الجدل واألسئلة التي جعلتها هدفاً للتحليل والتساؤل حول الرسالة التي تحملها ،وطبيعة العالقة بين بنيتها الروائية ومحمول هذه البنية.
وهكذا ،تم اختيارها ضمن مائة أثر أدبي متميز في العام 2002م، فقد انتقاها م��ائ��ة أدي��ب وش��اع��ر، رشا األمير عن العودة من المهجر يمثلون ثقافات متنوعة ،بينهم أربعة وعشق األرض من «النوبليين» ،وه��م وول��ي سونيكا (نيجريا)، منصور خالد ال يطلق عليه صفة المهاجر ،أو ونادين غولدمر (جنوب إفريقيا) ،وف .س .نايبول (ت��ري �ن��داد) ،وشيموس هيني (إي��رل �ن��دا) .وعلى الالجئ ،أو المنفي« ،ألن األوطان ليست ظواهر ضوء ذلك يثمّن منصور خالد ذلك االختيار بأنه جغرافية ،فاألوطان ترحل في قلوب أصحابها». اختيار نخبة «ذات حس وزكانة» ،ألنها استطاعت ويؤكد صدق هذه الفرضية قول الطيب نفسه رداً أن تنتقي هذه الرواية ضمن مائة أثر أدبي منذ على السؤال الذي طرحه عليه خالد األعيسر أن عرف اإلنسان الكتابة. في حوار تلفزيوني شهير« :ألم يحن وقت هجرة ف��ي ال �س �ي��اق ذات ��ه ج ��اءت «م��وس��م ال�ه�ج��رة» الطيب صالح جنوباً لالستمتاع بدفء العشيرة لتعكس إفرازات «نظرية ما بعد االستعمار» ،تلك واألهل ،بعيداً عن بالد تموت من البرد حيتانها النظرية التي وضع لبناتها فرانز فانون ،وتناول كما وصفتها؟ فجاء رد الطيب عليه رداً حزيناً، بعض جوانبها متأثراً بقراءة إدوارد سعيد لموسم الهجرة في كتابه «االستشراق» ،ووثق طرفاً من أبكى المجيب أوالً ،قبل أن يبكي مستمعيه« :أنا مشاهد تلك النظرية وحيثياتها بيل اشكرفت دائماً أقول حين أواجه بهذا السؤال إنني أحمل وآخ��رون في كتابهم المعروف بـ «اإلمبراطورية السودان بين أضالعي ..ولست في حاجة إلى ت��رد ك�ت��اب�ةً» .وت�ج��ب االش ��ارة إل��ى أن مصطفى أن أعود إليه ألنني عايش فيه ...في فترات كنت سعيد بطل الرواية ولد في العام الذي قضى فيه أزور السودان كثيراً ،وكان الناس الذين أعزهم قصر، لورد كيتشنر على الدولة المهدية (1898م) ومات في السودان أحياء ..فقلُّوا ،الموت ما ّ غرقا في النيل عام 1956م؛ أي عام إستقالل أخذ كثيرين من األع��زاء ،لكنني أحب ج��داً أن السودان ،فحياته تمثل كل التجربة االستعمارية
16
اجلوبة -ربيع 1430هـ
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
أتمكن من زيارة السودان على فترات قصيرة ،ب� �ل� �س ��ان ال� � � ��راوي: اآلن ال أستطيع أن أسافر ،هذه العلة التي أعاني «ع � ��دتُ إل���ى أه�ل��ي منها ،ألني أنا مرتبط بغسيل الكُلى ثالث مرات يا سادتي بعد غيبة
في األسبوع ،وال أستطيع أن أسافر ،لكن عندي طويلة ،سبعة أعوام أمل قوي إن شاء الله قبل ما نودع هذه الدنيا ،على وجه التحديد، نزور البلد ،ونشم هواها ،ونشم تربتها ،ونرى ما ك�ن��تُ خاللها أتعلم ف��ي أوروب ��ا .تعلمتُ بقى من األصحاب». بمثل ه��ذا البيان ظ��ل الطيب م�ت�ج��ذراً في خصوصيته السودانية مع أنه عاش في عاصمة اإلم �ب��راط��وري��ة ال�ع�ظ�م��ى ،وت� ��زوج منها جولي ماكلين (اسكتلندية) عام 1965م ،وأنجب منها زينب وسميرة وس��ارة ،وظ��ل يعتقد جازماً «أن الشخص الذي يطلق عليه لفظ كاتب أو مبدع، يوجد طفل قابع في أعماقه ،واإلبداع نفسه فيه البحث عن الطفولة الضائعة.
الكثير ،وغ��اب عني الكثير ،ول�ك��ن تلك قصة أخ ��رى .المهم إن�ن��ي ع ��دتُ ،وب��ي ش��وق عظيم
إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل .سبعة أعوام وأنا أحنُّ إليهم وأحلم بهم، ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة ،أن وجدتني حقيقة قائمة بينهم ،فرحوا بي وضجوا حولي، ولم يمض وقت طويل حتى أحسستُ كأن ثلجاً يذوب في دخيلتي ،فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس ،ذاك دفء الحياة والعشيرة ،فقدته
وي�ق��ول «ح�ي��ن ك�ب��رتُ ودخ �ل��تُ ف��ي تعقيدات زماناً في بالد تموت من البرد حيتانها». الحياة كان عالم الطفولة بالنسبة لي فردوساً والمشهد التالي يحكي عن موقف للراوي ع �ش��تُ خ�لال��ه م��ت��ح��رراً م ��ن ال��ه��م��وم ،أس ��رح ال��ذي لم يكن قشة في مهب الريح ،بل إنسان وأمرح كما شاء لي الله ،وأعتقد أنه كان عالماً له مواقفه المرتبطة بجرس األرض التي ينتمي جميالً...وذلك هو العالم الوحيد الذي أحببته إليها ،وعزة أهله الطيبين ،وفي هذا يقول على دون تحفظ ،وأحسست فيه بسعادة كاملة ،وما لسان أحد شخصياته الروائية« :وقت طفح الكيل، حدث لي الحقاً كان كله مشوباً بالتوتر». مشيت ألصحاب الشأن ،قلت ليهم خالص .مش يقول في زيارته األخيرة إلى السودان عام عاوز ..رافض ..أدوني حقوقي ،عاوز أروّح لي 2005م« :وعندما حلَّقت الطائرة فوق مروي ،أهلي ،دار جدي وأبوي ..أزرع وأحرث زي بقية وشفتُ النيل والمزارع والنخيل ،حدث لي شعور خلق الله ،أشرب الموية من القلة ،وآكل الكسرة عظيم ».ويبدو أن ذلك الشعور كان أشبه بما بالويكة الخضرا من الجروف ،وأرقد على قفاي
حدث له قبل خمسة عقود عندما زار قرية ود بالليل في حوش ال��دي��وان ..أعاين السما فوق حامد (كرمكول) الرمز ،وسطر تلك المشاعر صافية زي العجب ،والقمر يلهلج زي صحن الجيَّاشة في فاتحة «موسم الهجرة إلى الشمال» الفضة ..قلت ليهم ع��اوز أع��ود للماضي ،أيام
اجلوبة -ربيع 1430هـ 17
وكيفية انعكاس النصوص على عينيّ .
كان الناس ناس ،والزمان زمان».
أطياف مصطفى سعيد :الحياة في مقلب آخر > مأمون التلب «لستُ معصوماً من جرثومة
من الغريب جداً أنني اعتقدت في معرفتي بسبب ٍ بك ،يا أيها الطيب ،وربما ترسّ خ اعتقادي م��ن ن�ج��اح بعض م �ح��اوالت التفسير وال�ت��أوي��ل
ال� �ع ��دوى ال �ت��ي ي �ت �ن �زّى بها
التي تُملّكك إل��ى العالم كامالً ،ول��م أتنبّه لكل
ج� �س� � ُم ال � �ك� ��ون»( ،ال �ط �ي��ب
المحاوالت الصعبة والملتوية والمُضلِّلة التي
ص��ال��ح ،موسم الهجرة إلى الشمال).
رسالة:
مأمون التلب
بَ َذلْتَهَا لتؤكِّد أن��ك لست ج��زءاً من م��اء النهر، وأن اإلنسان يموت كما يُولد ،دون إرادته ،لذلك
إنسان ٍ ال أري��د بهذه الكتابة أن أحلل رواي��ة الطيب لن يُقبض على س �رّه .ليس هنالك من ص��ال��ح ن �ق��د ّي �اً؛ أب�ت�ع��د ،ت �ح��دي��داً ،ع��ن م�ح��اوالت عميق وآخر سطحي ،ليس من معق ٍّد وبسيط،
شمال وجنوب .ال ٍ اكتشاف عالقات الذات والعالم الخارجي ،أعني ليس من فنان ومتلقٍّ ،ليس من خروج الذات إلى العالم .سأتّجه إلى العكس ،أي وجود لكل ذلك؛ الوجود يتفجّ ر من لحظة التمرّد
دخول العالم إلى الذات ،ومن ثم خروج العالم في التي أَدْخَ ل ْتَ مصطفى سعيد إلى ِشعَا ِبهَا عدّ ة وجه الضحية التي ستشوَّه مالمحها بذلك النَفَس مرات :مرة وهو يقابل التمرّد وجهاً لوجه ليُذلَّ ِ الملوّث بأحالمِ الجرثومة وكوابيسها التي لوّثت على يده ،مر ًة وهو يحرّك مصائر كل الذين من الدّم تماماً؛ أعني الجرثومة التي ما انفكّ كاتبنا حوله ليدخلوا لحظات تمرّدهم بمعونته ،ويظلّوا الكبير عن ذكرها ،في كتبه ورواياته وقصصه، بكثير من الحبّ والكراهية ،العنف والرحمة، ٍ كأنه وض��ع ه��دف حياته النهائي ب��أن يتتبع أثر فضل، هذه الجرثومة في الحياة والكتابة .لكنه ّ في النهاية ،أن وجودها في الحياة غنيّ ومؤثّر بطريقة إيجابي ٍّة ورحيمة على الروح والعقل أكثر ٍ من وجودها داخ��ل الكتابة؛ فهي داخ��ل الكتابة تبدو كس ٍّم ير ّج أنحاء الجسد منذ األزل. ناحية أخ��رى تبحث ه��ذه الكتابة حول ٍ م��ن
أس ��رى سلطته .وم� ��ر ًة ب��أن ي �ك��ون ه��و ال�ت�م�رّد والبوصلة التي تقود العالم ،في لحظة اختيار الموت ،واختيار الحياة في ذات الوقت بعد أن يحت ّل كيان الراوي وجسده .قل لي أيها الطيب: ألم ت َِحنّ على الرجل؟ ألم يؤنّبك ضميرك على ما أقدمت عليه؟
الحكايةَ :جرْ ثَ مَ ُة الذات وجه مطليٍّ أسودٍ ، ٍ أحمر ٍ أبيض ٍ أسمر ٍ رجل ٍ
فرضيّة البوصلة ،التي ستتضح للقارئ بعد بألوان ال� َع�دَمِ كلها ،ومشك ٍّل بما ن��اء عن حمل ال �ق��راءة .إنها محاولة وقحة قلي ً ال للحياة مع جسده .هذه الكتلة اللحميّة ،البشرية ،عَ رِ فت، أعوام من البحث والغزو والقتال ،واجب ترك ٍ النص ،وتأويله كما أملت عليّ حاالتي الداخليّة بعد
18
اجلوبة -ربيع 1430هـ
له .فالنهر ،في نهاية المطاف ،سيتّجه شماالً ،بوصلته. وأعماقه ستتجه جنوباً ،وضفّتاه ستتمرّدا دوماً
ب�ه��ذا يكتمل ال�ب�ن��اء ال ��ذي أش ��رت إل�ي��ه في
على هذا االتجاه الواحد ،وتنحرف ليتّجه النهر ال�ب��داي��ة ،وه��و :بحث قطب البوصلة المشير غرباً قادماً من الشرق ،أو العكس .في لحظة باتّجاه الشمال عن بقية أقطابه؛ لتكتمل حياة
التمرّد الكونية ه��ذه ،متمثل ًة في تمرّد مجرى ه��ذا الشخص ال��واح��د ،وال� ُم�ق��سّ ��م إل��ى أربعة النّهر ،غَ رِ قت هذه الكتلة لتصبح بوصلة العالم أش��خ��اص :ح�س�ن��ة م��ن ح�ي��ث ج ��اء ال �ن �ه��ر؛ من
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
نهر لم تملك بدّ اً من االستسالم الجرثومة التي ستقود العالم بعد أن تصبح حياتها إلرادة ٍ
التي تشير دوم��اً باتجاه ال�ش�م��ال ،غرقت في ال �ش��رق لتتجه ص ��وب ال� ��راوي وت�ت�ح��طّ ��م على المنتصف تماماً ،ألنها لن تكون بوصل ًة إال في س��واح��ل اختياراته الخائبة ،ومصطفى النهر
اللحظة التي تتمرّد فيها الضفاف داخل لحظة القادم من الجنوب ليتحطّ م على الجليد القاسي الموت المحاصر باالختيار والقدر؛ هناك كانت ال��ذي احتمل كل ش��يءٍ ليصل إلى غايته .جين البلدة التي ن��ادت بوصلة العالم لتأتي إليها ،مورس كانت الوحيدة التي استطاعت أن تختار، لتكتشف أقطابها األرب �ع��ة :رج�ل�ان وام��رأت��ان وأن تصبح جزءاً من مياه النهر. يحتربون باستمرار.
دائماً ما نسمع أن الطيب صالح تخلّى عن
لقد كانت (حُ سنة بت محمود) تقليديّة جداً ،الكتابة ،وأنه يكتب فقط تحت ضغط أصدقائه، ولكن وجودها اآلخر ،متم ّث ً ال في جين مورس ،وفي العديد من المناسبات والحوارات ذكر إنه
ك��ان م �ت �م �رّداً ت �م��ام �اً؛ فيما ب��دت ج�ي��ن م��ورس اندفع إلى الحياة بعد كتابة رواياته التي هزّت (الشخصية التي ليست لها أي رواب� ٍ�ط عائلية العالم .أو كما قال للروائية أسماء عثمان الشيخ: وكأنها «شهرزاد م�ش�رّدة») أي لقد كانت جين
م��ورس ه��ي قرينة حُ سنَة ،ف��ي حياة مصطفى سعيد السابقة ،تلك التي سعت بكل قوة إلى ما توصلت إليه :أن يقتلها مصطفى سعيد. ك��ذل��ك م�ص�ط�ف��ى س �ع �ي��د ،ال� ��ذي ال تربطه
(أنصحك أن تَجُ وبي هذي المطارات والعوالم والناس طالما سنحت الفرصة .واقرئي الحياة من هناك ،فهي ليست ،كلها ،بين غالفي كتاب؛ هناك أغنى ،صدقيني). ذل��ك أن الحياة في موسم الهجرة ،تصبح،
ج� ��ذو ٌر ب ��أي ش�خ��ص ك �ـ «ج �ي��ن م� ��ورس» تماماً ب�ك��ل ش � ّره��ا وخ �ي��ره��ا ،م ��ادة ل�ج�ي��وش ال�ظ�لام، (حتى ارتباطه م��ع أم��ه ك��ان ارت�ب��اط�اً وظيفياً ،وك��ان معناها بهذا االع�ت�ب��ار واض �ح �اً بالنسبة وكانت األم قد فهمت ذلك تماماً ،أدّت دورها لمصطفى سعيد :الحب يحوي بداخله الحقد ٍ كحاوية تُخرج مصطفى وتحرره) كذلك استطاع ،كمكوّن أساسي ،أو غريزة التدمير ،كما يقول بكل قواه الظالمية الجميلة والفاتنة ،أن يخلق ف��روي��د ،ال�ت��ي يتمتّع ب�ه��ا ال � ُم� ِ�ح��ب؛ إن��ه يسعى
الراوي الذي بال اسم .مصطفى سعيد هو روح لتدمير حبيبه في ذات الوقت الذي يسعى فيه
اجلوبة -ربيع 1430هـ 19
إلحيائه ،نقرأ( :العالم فجأ ًة انقلب رأس�اً على
م ��ن ه �ن��ا ،ن�س�ت�ط�ي��ع أن ن�لاح��ظ اس�ت �س�لام
عقب ،الحب؟ الحب ال يفعل هذا؛ إنه الحقد .مصطفى سعيد التام ،طوال حياته ،لسحر أقدار أنا حاقد وطالب ثأر وغريمي في الداخل وال بدّ الجرثومة ،متأكداً وواثقاً من قيادتها مهما كان من مواجهته ،ومع ذلك لم تزل في عقلي بقية االتّجاه ،هذه الثقة هي التي كشفت له المستور ت��درك سخرية الموقف .إنني أبتدئ من حيث (مثلما ك ُِش َف المستور لمحيميد في قصة «الرجل انتهى مصطفى سعيد ،إال أنه اختار في نهاية القبرصي» ورأى الموت؛ يقول الرجل القبرصي» األم��ر ،وأنا لم أختر شيئاً .قرص الشمس ظ ّل ليس كل إنسان مدركاً ،أنت يا صاحب السعادة
ساكناً فوق األف��ق الغربي زمناً ثم اختفى على ت��درك موضعك في ال��زم��ان وال�م�ك��ان») .إدراك عجل .وجيوش الظالم المعسكرة أبداً غير بعيد الموضع في الزمان والمكان :هو الجرثومة التي
لحظة واحتلت الدنيا). ٍ وثبت في
أنكر مصطفى سعيد افتراض ال��راوي (أنه
اخ �ت��ار) بقوله (ت �ح��ددت عالقتي بالنهر أنني
طاف فوق الماء ،ولكنني لست جزءاً منه ،فكرت ٍ أنني إذا متّ في تلك اللحظة أكون قد مُتُّ كما
تأتي بأشكالها العديدة .لم يختر مصطفى موته، ب��ل اختارته الجرثومة التي وس��وس��ت ف��ي أذن��ه
بأن يتّجه إلى تلك القرية ،وعند ذاك المنحنى
النهريّ الذي يميّز القرية ،المنحنى الذي يتمرّد على اتجاه النهر األبدي :الشمال.
لقد كان مصطفى مُنفّذاً خاضعاً لمخطط
وُلدت ،دون إرادتي) .أعرف أن الجملة األخيرة أوضح هنا الجرثومة التي تريد ،في اللحظة ،أن تصبح لم يذكرها مصطفى سعيد ،ولكنني ّ بوصلة الكون ،ومركزه .لذلك سعى مصطفى، أن ال��راوي ،في اللحظة التي يطفو فيها على ببحثه عن آخر ليخضعه لسلطته التي منحته سطح النهر ،ليس الراوي ،وإنما مصطفى سعيد إياها الجرثومة ،وأن يدفع بالراوي دفعاً لكتابة بمقوالت أخرى وجديدة. ٍ وقد أعيد بعثه لينطق ح �ي��ات��ه :أن ي�ع�ي��ش ال �ج��رث��وم��ة داخ���ل الكتابة لقد تشابهت (ح �ي��اة) «م��وس��م ال�ه�ج��رة إلى (االختيار ال��ذي رفضه الطيب صالح) بعد أن ال��ش��م��ال» م ��ع (م�� ��وت) «ال ��رج ��ل ال �ق �ب��رص��ي» اختار مصطفى أن يعيش الجرثومة في حياته ت �ش��اب �ه��ا ف ��ي ك��ون �ه �م��ا ي �م �ت �ل �ك��ان ح ��ق اخ �ت �ي��ار (االختيار الذي اختاره الطيب صالح). مصائر الشخصيات .ولكي أكون دقيقاً ،فهذه
الشخصيات قد أصيبت كلها بعدوى الجرثومة غريمي في الداخل: واحد آلخر ،وسوف يكون للحب ٍ التي انتقلت من
قال الراوي :غريمي في الداخل .لكن أين؟ هنا
والموت -حليفا جيوش الظالم -ق��در ًة على وصل الراوي إلى النقطة التي رسم خريطتها أمير اختيار مصائرها(الشخصيات). جيوش ال�ظ�لام ،مصطفى ،الخاضعة لسلطات ال��ذي ل��ن يصاب بالجرثومة ،أو يرفضها ،الجرثومة الكبرى :الغرفة الشمالية المغلقة في
فسوف تُحَ دِّ ُد مصائ َرهُ توافه األم��ور ،وسيفوّت الجنوب ،ولم يدخلها سوى األمير صاحب الكنوز:
المُتع الفردوسية للحياة داخل الكتابة.
20
اجلوبة -ربيع 1430هـ
كتاب خالي الصفحات ،والتطرّف قصة حياته في ٍ
ف��ي ال�ب��داي��ة ،أقصى الشمال وأق�ص��ى الجنوب ،راحت زغاريد عشرات األعراس وفيضانات النيل أقصى الشرق وأقصى الغرب ،وفي نهاية ك ّل ٍ جهة وهبوب الريح صيفاً وشتا ًء من الشمال والجنوب؟ م��وتٌ مختار ،لهذا قام مصطفى سعيد ،السهم الحب؟ الحب ال يفعل ه��ذا .إنه الحقد .ها أنا الشمالي للبوصلة ،بكتابة هذا اإلهداء على كتابه ذا أقف اآلن في دار مصطفى سعيد ،أمام باب ال��ذي لم يكتب( :إل��ى الذين ي��رون ٍ بعين واح��دة« ،الحديد» ،باب الغرفة المستطيلة المثلثة السقف
م������������ل������������ف ال������������ع������������دد
الذي ميّز شخصيات الطيب صالح ،الذي ذكرته الموت والحياة؟ ماذا حدث للقافلة والقبيلة؟ أين
ٍ ويتكلمون بلسان واحد ،ويرون األشياء إما سوداء الخضراء النوافذ .المفتاح في جيبي وغريمي في أو بيضاء ،إما شرقية أو غربية).
الداخل ،على وجهه سعادة شيطانية ال شكّ ؟ أنا
دخل الراوي إلى داخل ذاته ،الغرفة ،الجزء الوصي ،والعاشق ،والغريم). المظلم منه ،القديم ،الممتلئ بالمعارف والفنون،
ه ��ذه ال �غ��رف��ة ال�م�ظ�ل�م��ة ب��داخ �ل��ه ،أشعلها
الشمال ال��ذي لم يعرف بوجوده داخله إال في مصطفى سعيد ،كما أشعل مناطق مظلمة كثيرة تلك اللحظة ،نسي ك ّل شيءٍ ؛ تاريخه ،حضارته ،داخل نساء كثيرات .يقول عن إيزابيال سيمور: ذك��ري��ات��ه ،وط�ن��ه ،ات�ج��اه��ات العالم الجغرافية (كانت متزوجة من جراح ناجح ،أماً لبنتين وابن. السطحية ،تناقضات الشرق والغرب والشمال قضت أحد عشر عاماً في حياة زوجية سعيدة، والجنوب ،القضايا ،نسي عالمه الخارجي ودلف تذهب إل��ى الكنيسة صباح ك��ل أح��د بانتظام، إلى عالمه الداخلي :ذاته .الشمال ليس حضارة وتساهم في جمعيات البرّ .ثم قابلته اكتشفت الغرب ،وال برودته ،إنه شمال الذات التي تقبع في أعماقها مناطق مظلمة كانت مغلق ًة من قبل) عندها الجرثومة.
ب��اب الحديد المغلق م��رة أخ��رى .وي��ا لسخرية
نقرأ دخول الراوي إلى ذاته في هذا المقطع :مصطفى سعيد من الحياة الناجحة والسعيدة. (خسرت الحرب ألنني لم أعلم ولم أختر .ووقفت
لقد غزا مصطفى سعيد العالم ،وليس الشمال
زمناً طوي ً ال أمام باب الحديد «الغرفة» أنا اآلن فقط ،بجرثومته ،ويريد أن تظ ّل صرختها مدوّية وحدي ،ال مهرب ال مالذ ،ال ضمان .عالمي كان عبر الزمان والمكان ،وإلى األب��د ،باستخدامه عريضاً في الخارج ،اآلن قد تقلّص وارت� ّد على ل�ل��راوي ،وكاتب ال��رواي��ة الطيب صالح ،لتنفيذ أعقابه حتى صرت العالم أنا ،وال عالم غيري .هذا المخطط .لقد اكتشف الراوي وجود اآلخر: أين إذاً الجذور الضاربة في القدم؟ أين ذكريات لقد نظر في المرآة فرأى مصطفى سعيد. *
() 1 ( )2 ( )3
كاتب من السودان. كاتب من السعودية. كاتب من السعودية. كاتب من السودان.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 21
التعايش واالندماج بني الشاعر والقارئ عند سعد سعيد الرفاعي
> د .نادية لطفي ناصر*
م��ن ال��وه��ل��ة األول���ى ل��ق��راءة شعر سعد ال��رف��اع��ي، ت�لاح��ظ المصالحة بين ال��ش��اع��ر وال��ق��ارئ على كل مستوياته التي عددتها نظريات التلقي ،إذ قسمت القارئ إلى قارئ ضمني وقارئ واقعي ومروي عليه. إن ه��ذه المصالحة ال تعني التسليم والسقوط، بل تعني انكماش احتماالت الداللة من قبل القارئ واتحاده مع قصد الشاعر وفكره ..بل مشاعره أيضا. وم���ن خ�ل�ال تتبع ه���ذه ال��م��ص��ال��ح��ة ،ات��ب��ع منهجا تكامليا إضافة إلى نظرية القراءة ،إذ إن النص هو الذي حدد قراءته؛ كما أن هذه المناهج التي تحدد المنهج التكاملي تعد إضافة للنص فقط ،ومنارات ومعالم.. ولكن إذا قيدت حرية البحث فهي تفسد وتضر(.)1 وق��د تناولت م��ن خ�لال ه��ذه ال��دراس��ة شعر الشاعر من حيث الزمان والمكان؛ أما المكان ..فللتأثر المعروف بين الشعراء بصفة ع��ام��ة وال �م �ك��ان ..أض��ف إل��ى ذلك خصوصية المكان الذي نشأ فيه الشاعر وتردد عليه.
الكائنة فى هذا الزمان المعاصر. ث� ��م ب� �ع ��د ذل � ��ك ب ��ره� �ن ��ت ع� �ل ��ى ف �ك��رة المصالحة أو االندماج بين الشاعر الكاتب لهذه القصائد من حيث الفكرة والداللة، وال� �ق ��ارئ ال� �م ��درك ل �ه��ذه ال� � ��دالالت ..أو بصياغة أخ ��رى حسب نظرية التلقي..
وكان الزمان للنزعة االجتماعية الغالبة الشاعر الضمني والقارىء الضمني. ع�ل��ى ال �ش��اع��ر ،وت��أث��ره ب��األح��دات اآلن�ي��ة
22
اجلوبة -ربيع 1430هـ
كما تناولت الصورة الفنية عند الشاعر
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
وس�م��ات�ه��ا ال�م�م�ي��زة ف��ى ش�ع��ر ش��اع��ر ال��دراس��ة،
وع��رج��ت على سمات أس�ل��وب الشاعر ،إضافة
توضيح للنزعة أو االتجاه الذى ينتمي إليه ٍ إلى الشاعر.
وأدعو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الدراسة
لفتة مضيئة لقراءة شعر الشاعر السعودي سعد
سعيد الرفاعي ..الذي تميز شعره بالقيم ،سواء المجيد ،وبقوة األمة اإلسالمية العظيمة ،ليستمد على المستوى االجتماعي أو السياسي.
الشاعر زمانا ومكانا ولد الشاعر في ينبع ،محافظة في المملكة
العربية السعودية ..تتوسط المسافة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ،وتميل قربا إلى مدينة
الرسول (صلى الله عليه وسلم) ،تقع بينها وبين المدينة المنورة محافظة ب��در ..حيث شهداء بدر.
نعم إن المكان مفعم بالقداسة وعبق اإلسالم
األول ..سميت ينبع ألنها كانت تحتوى على ينابيع
للماء.
منها الوقود ،ليستطيع أن يواصل تحديات العالم
المعاصر.
إن ال� �م ��وروث ال�ث�ق��اف��ي ي�ت�ح��ول إل ��ى خطاب
اجتماعي وثقافي ،وربما سياسي أيضا ،يشهره
الشاعر ضمن أسلحته األخ��رى في وجه القوى التي تهدد انتماءه(.)2
فشاعرنا يتعلق ت��ارة بأستار الكعبة ..وت��ارة
بالروضة الشريفة ..وأخ��رى بما وع��ى وحفظ
من عشرات الكتب ،ليعينه على أه��وال العالم المعاصر ،كما يستغيث بكل ه��ؤالء .إن المكان عند سعد الرفاعي له مكانة عالية قوية وعظيمة،
كما أن��ه ركيزة الشاعر في االت�ك��اء على رم��وزه
ربما هذه الينابيع نضبت اآلن ،ولكن الموروث وإسقاطات منه على هذا الزمان والمكان. الثقافي في هذا المكان قوي ومشاع دائما أبدا يقول فى قصيدة «الهوى األبدي» التي صدرها في نفوس المسلمين عامة ،والشعراء خاصة، بتفسير للقصيدة« :قلتها لحظة مغادرتي المدينة واألخ ��ص ع��ن شاعرنا ص��اح��ب ال��دراس��ة سعد ال�م�ن��ورة إث��ر انتهاء دراس �ت��ي التكميلية لدرجة الرفاعي. البكالوريوس(.)3 لقد انعكس ال �م��وروث الثقافي بشكل كبير أنت الهوى األبدي يسكن خافقي ومضخم أو مركز في شعر سعد الرفاعي ،حيث
وي��خ��ط ف��ي سير ال��وف��اء عهودا
تالحظ االرتباط القوي للشاعر بالمكان ينبع ،أنت الرؤى البيضاء ترسم للمنى والمكان األقوى المدينة على وجه الخصوص. درب��ا يفيض م��ن الخلود خلودا إن الشاعر يلجأ إلى موروثه الثقافي كجسر أو ت���ذك���ري���ن ل���ق���اءن���ا ف���ي ب��دئ��ه
زم��ان��ي وم�ك��ان��ي أي �ض��ا ،يصله ب��ذل��ك الماضي
إذ ج��ئ��ت أه�����رع ل��ل��ق��اء س��ع��ي��دا
اجلوبة -ربيع 1430هـ 23
ح��ت��ى أع���ان���ق م��ق��ل��ت��ي��ك بنظرة
– حبك – ال��وداع – تأوها – أحاسيس – دمع
ف��ت��ع��ان��ق��ت ف��ي��ن��ا األم���ان���ي ال��ت��ي
إذاً ..فحقل (ال �ح��ب) عبّر تعبيرا قويا عن
تحكي عن الشوق المنير قصيدا – العيون.)...
تهوى الوصال وال تريد محيدا ص��دق عاطفة الشاعر ،وأظهر م��دى حبه لهذا وتعطلت لغة الحروف وأصبحت المكان العظيم المقدس. لغة الشفاه على الوصال ورودا
يا طيبة النور المشع قصيدتي نبضت بحبك غ���ردت تمجيدا أزف ال����وداع فحلقت بحروفها ت��ص��ف ال�������وداع ت���أوه���ا وس���ع���ودا
كما تميزت القصيدة بالتشخيص من المادي
الجمادي إلى اإلنساني؛ فالقصيدة كلها استعارة
مكنية كبرى ،فهي ص��ورة كلية شبهت (المدينة
ال� �م� �ن ��ورة) ب��ال �م �ح �ب��وب��ة ..وح ��ذف ��ت ال�م�ح�ب��وب��ة اإلنسانية ..وعبر بصفاتها من الحب والحوار
تبرهن القصيدة بمعانيها القوية والرقيقة والفراق وما إلى ذلك. معا على قوة وغزارة ذلك الحب األبدي للمدينة تَ��ع��ان��ق ف ��ي ال �ق �ص �ي��دة ال��ف��ع�ل�ان ال �م��اض��ي المنورة في قلب الشاعر ،إنها ليست مكانا ماديا وال �م �ض��ارع ،أك��د ال�ش��اع��ر ع�ل��ى اس �ت �م��رار حبه جماديا ،بل هي قلب ينبض وروح وح�ي��اة ،إنها (ال �م �ض��ارع) وأك ��ده ب��ال�م��اض��ي ..فحبه مستمر تجسدت في عين الشاعر حتى صارت محبوبته، وخالد ودائم وباق. ولكن ترفعت عن البشر فصارت خالدة أبدية إن هذا اإلط��ار الذي يلف القصيدة الخاص أبدا. إنه يحاورها ويذكرها بالماضي الجميل وينوح
لفراقها القريب .إن جمال المدينة المنورة وبهاءها
ورقتها جعلت كلمات الشاعر المعبرة عنها ،فيها شيء من رقتها وبهائها ،إن تعلق الشاعر بالمكان
ب��ال �ص��ورة ال�ك�ل�ي��ة م��دم��ج ب �ص��ور ج��زئ �ي��ة تشبه
ال�ت�ط��ري��ز ،أو األرب �س �ك��ات ال�ص�غ�ي��رة ال��واض�ح��ة البسيطة التي تموج بالعاطفة القوية تجاه هذا المكان المعظم ومنها:
(ي �ن��أى ال��وص��ال – يسكن خ��اف�ق��ي – ترسم
يظهر جليا في هذه القصيدة التي تتمتع بقوة العاطفة وصدقها ورقة ألفاظها ،فمعظم ألفاظها للمعنى دربا – تعانقت فينا األماني – تعطلت لغة الحروف – فسرت األحاديث ..رعشة في القلب) تحكي عن حقل لفظة الحب وكل ما يتعلق بهذه اللفظة مثل:
(ه��واك – ال�ه��وى – ال��وص��ال –
خافقي – المنى – لقاء – أعانق
مقلتيك – ال �ش��وق – األم ��ان ��ي – الشفاه – القلب – شهد الوصال
– الهمس – المحب طيف – نبض
24
اجلوبة -ربيع 1430هـ
(ترسم للوجود – شهد الوصال –
قصيدتي نبضت بحبك – حلقت
بحروقها – فرح يكحل ناظري).
إنها استعارات مكنية صور بها
ال�ش��اع��ر إح�س��اس��ه ورؤي �ت��ه للمكان ال��ج��م��ي��ل وال� �م� �ق���دس «ال��م��دي��ن��ة
ال�ت��ي ي �ح��اوره��ا وت� �ح ��اوره ،وي��ذك��ره��ا بالماضي
لم تسعف اليوم جفت أحرفي بفمي
الجميل وبداية لقائه بها ،وقد تمازجت نظراتنا عباءة النثر تكسو صوت قافيتي شوقا وحبا ..كما تعانقت أحالمنا ..فهي تبادله
وأعذب الشعر يبقى سابحا بدمي
الحب والشوق ..وتتذكر معه الذكريات الجميلة.
ب��دأ الشاعر القصيدة بعدم طواعية الشعر
أما عناصر الصورة الكلية فتتضح في: الصوت في (أحكي) اللون في (بيضاء) الحركة في (أهرع – أعانق – يخط) ولم يعن الشاعر بالمدينة المنورة فقط ،بل ذكر مكة المكرمة وجدة وينبع والقاهرة وبغداد، وه��ذا يدلل على تأثره بالمكان بشكل ظاهر.. وهو معهود عند الشعراء. وكل هذه المدن لها من الثراء التراثي ما لها.
ل��ه أع��وام��ا طويلة ،ي�ح��اول أن يخضع الحروف
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
المنورة» .فقد شخص المدينة وجعلها محبوبته مدينة ال��ح��ب ع��ف��وا إن قافيتي
والقوافي فال يستطيع أن ينشد ما يليق ببهاء المكان والموضوع ،ثم ينادي على مدينة النور،
وبذكر بعض صفاتها العظيمة ،وبعض سماتها المقدسة.
ونرى االتفاق التام بين الشاعر الضمني وبين
القارئ الضمني والواقعي كما سنرى فيما بعد، وكذلك يوجد االتفاق الوجداني التام بين القارئ
المسلم والشاعر.
إن الشاعر يعيش في صراع نفسي بين هذا
كما يعاني الشاعر من المفارقة بين الزمنين المكان المقدس وإيحاءاته التي تربى عليها، من الناحية األخالقية واالجتماعية .فيقول في ونشأ فيها م��ن م�ب��ادئ عليا وسير المسلمين قصيدة (مدينة النور)
()4
(مدينة النور) يا إشراقة سطعت
األوائ ��ل ،وبين ه��ذا ال��زم��ان ال��ذي انقلبت فيه
األوض��اع ..وتغيرت فيه األح��وال ..وتحول كل
شموسها بضياء الحق في القمم ش��يء ..المبادئ في كثير من األحيان صارت (مدينة الطهر) يا ريحانة عبقت رجعية ..وس��ار المذهب العالمي هو السائد، وحلقت في سماء الكون بالقمم وهو النفعية أو البرجماتية التي تملكت الكثير وس���اف���رت بعبير ال��خ��ي��ر تنشره م��ن ال�ن��اس .والشاعر بحبه للمكان وقلقه به
سحائبا تغمر األك����وان بالنعم يحاول أال يقف على شفا ج��رف ه��ار ،فينهار ت��راب��ك الطهر ك��ل الطهر زينه ب��ه ك�م��ا ان �ه��ار ب��ال�ك�ث�ي��ري��ن ..ي�ع�ن��ي أن ��ه يتعلق م��ن السمو وش��اح باسق الشمم بالمكان المقدس (مكة والمدينة) ،ليس بالشكل
خطى الرسول عليه األمس ملحمة
الحقيقي للمكان ،بل بمعنى المكان وإشاراته
فشيدت فوق جفن الشمس أمتنا
للعالم ..ومن هنا جاء التركيز على القيم عند
فشيد الدين صرحا راسخ الدعم إلى صدر اإلس�لام ،وقوة المسلمين وسيادتهم دعائم المجد ما شيدت على وهم الشاعر.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 25
فالمكان يمده بالزاد والقوة
اإلس�ل��ام�� �ي� ��ة ..رم � � ��زا ل �ق��وت �ه��ا
وك��ذل��ك يلجأ ال��ش��اع��ر للتعلق
والنهضة والعزم ،والتراث الديني،
وعنفوانها هارون الرشيد ،والعلم
ليواجه الزمان الحالي المتغير،
والعصر الذهبي ل�لإس�لام ..كل
بكل ما هو تراثي في الشكل
ذلك تمثل في رمز بغداد.
العمودي والمفردات التراثية والتراكب ..وإن حاول الخروج
فهو يتغنى من خاللها بالمجد
المبتكرة ال��م��ع��اص��رة ..يكون
ويدعوها للعودة ،والرجوع للمجد
ي �ش �ي��ر ال��ش��اع��ر إل� ��ى م ��ا آل
وتنتفض من هذا العالم المظلم
إل��ى شكل التفعيلة والتراكيب
والتاريخ المشرق ألمة اإلسالم..
الخروج بشكل مباشر.
والنهضة ..يستفز األمة ألن تعود
إليه المسلمون في العصر الحالي ..فيقول في الروح ..أو الغائب الروح الذي يقوده الشر والظلم والعنصرية.
قصيدة (صرخة في وجه الطغاة): ي���ا أم���ة اإلس��ل��ام ص��وت��ك م��ف��زع
وع��ل��ى ال��ش��ف��اه لكم ي��ح��ار س��ؤال أت��ظ��ل ت��ن��ش��د ن��ص��رة م���ن هيئة وس�لاح��ن��ا ي��ج��ت��اح��ه اإله���م���ال؟
لذا يتعلق الشاعر بالزمان والمكان معا.
تعايش القارئ والشاعر في الفكر واألسلوب إن ات �ك��اء ال�ش��اع��ر ع�ل��ى ال�م�ك��ان وق��داس�ت��ه،
وال �ت��راث ال��دي�ن��ي ال�م�ق��دس ل�ه��ذا ال�م�ك��ان ،يعد
ح��ت��ام ن��رج��و هيئة األم���م التي
ب��ف��ن��ائ��ه��ا ع����دل ال����ق����رار م��ح��ال جسرا بين الشاعر والقارئ ،يتيح له عملية الفهم ووضوح الداللة ،حتى نالحظ أحيانا حالة التوحد ح����ت����ام ن����رج����و ه���ي���ئ���ة خ����وان����ة في نهجها سامي الشموخ يطال
()5
الشديدة بين القارئ والكاتب ،وفي أحيان أخرى ال يكِ ّد المتلقي ذهنه في الوصول إلى المعنى ،ما
كما يقول في قصيدة «أمتي»:
يعطي إحساسا ما بالملل والتقليدية الشديدة..
أي������ه������ا ال������ب������اغ������ون إن���������ا أم�����ة م��ج��ده��ا م���ا ك����ان ي���وم���ا أس����ودا فالشاعر حين كتب القصيدة تخيل قارئا ما، وأجهد نفسه في تسيير ال��دالل��ة بل ما يحيط ه����ذه (ب����غ����داد) وال��م��ج��د ال���ذي
أن����ع����ش ال����ت����اري����خ ح���ت���ى غ����ردا بأخبار ح��ول القصيدة من أج��ل ال�ق��ارئ ..وهي تسمى في نظرية القراءة القارئ الضمني. ه�����ذه (ب�����غ�����داد ه���������ارون) ال��ت��ي ب�������ددت ب���ال���ع���ل���م ل���ي�ل�ا س���رم���دا
فالقارئ الضمني كما ي��رى الناقد (ميشال
ريفاتير) :يقدم تحليال للنص بحثا ع��ن معنى
أم���ت���ي ه���ي���ا أف���ي���ق���ي وان��ه��ض��ي ج��ددي العزم وأدن��ي الموعدا
()6
يزيد أو يقل عن المعاني الصحيحة ،فهو ما يراه
وه �ن��ا ت�غ�ن��ى ال �ش��اع��ر (ب �ب �غ��داد) رم ��ز األم��ة الشاعر الضمني الذي يكتب له . ()7
26
اجلوبة -ربيع 1430هـ
استجابة ٍ في ذهن الشاعر ..وهو شبكة من أبنيةِ
تعزونا إل��ى ال �ق��راءة بطرائق ذهنية بعينها أثناء عملية القراءة ،ولكن هذه ال بد أن تتلون حتما بلون
مخزون التجربة الموجودة عند هذا القارئ(.)8
يقول الشاعر في قصيدة الزهور الذابلة: (ع �ن��دم��ا ن�ح�ت�ف��ي ب��ال �ش �ج��رة ف��إن �ن��ا ال نقصد
الشجرة ذاتها بقدر ما نقصد الشجرة الرمز ،رمز العطاء ..والوفاء ..رمز الحياة وكم هو جميل أن
وق ��راءة األف ��راد خاضعة للتوجهات الفكرية نسعى لخضرة األرض ..ولكن األجمل من ذلك أن ()9 واأليديولوجية العامة لكل عصر على حدة، نسعى الخضرار المشاعر ورقة األحاسيس).
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
وه��و ال �ق��ارئ ال��ذي يخلقه ال�ن��ص ن�ف�س��ه ..أو منها ما يتوافق وإحساسه ونفسيته.
والفكرة البارزة عند سعد الرفاعي هي تطابق ذب���ل���ت ب���أف���ي���اء ال���ق���ل���وب زه����ور
القارئ الضمني مع القارئ الحقيقي أو الواقعي
ت���ص���ح���رت ش���م���س ب���ه���ا وش���ع���ور
ال��ذي يقرأ بالفعل ،والقارئ الضمني هو القارئ ذبلت وم��ا ع��ادت تضوع عطرها
ال��ذي يتخيله الشاعر ويستوعب فكره وعقيدته،
ع��ب��ق��ا وال ف��ي��ه��ا ال��ج��م��ال بثير
وذلك وفق إج��راءات نظرية التلقي .إذاً ،فالفكرة لوال التصحر ما شهدنا عاجزا
التي اختطها الشاعر الضمني في كتابة القصيدة،
ي��س��ق��ي ال���ج���راح وق��ل��ب��ه مكسور
هى نفسها الفكرة التى أبلغها للقارئ الضمني ليس الحياة ب��أن تخضر أرضنا
بتفسيراته وش��رح��ه ،وه��ى ك��ذل��ك ال�ف�ك��رة التي وصلت للقارئ الواقعي المتعدد؛ بمعنى أن القارئ
وق��ل��وب��ن��ا ب���االص���ف���رار ت���ج���ور
()10
في هذه القصيدة نالحظ أن الشاعر يخاطب
الواقعي ..ذلك القارئ الذي قد يكون أكاديميا أو ال �م��روي عليه ف��ي المقدمة النثرية ،وي��وض��ح له طالبا أو مثقفا أو عامال أو غير ذل��ك ..ويتضح الداللة ،وكذلك يخاطبه من خالل الضمير وهو
ذلك من خالل الشواهد والتحليالت لنماذج شعر -نا -الفاعلين في (شهدنا). الشاعر السعودي المعاصر ،الذي اختط لنفسه أم��ا ال��راوي ف��إن الشاعر هنا ال يركز كعادته اتجاها اجتماعيا امتزج بالرومانسية في بعض عليه ،بل يتجاهله ..وذلك ألنه يذكر حكما يتنحى األحيان كما سيأتي: فيها عن ال��ذات والخصوصية متجها إلى اآلخر يفكر ال�ش��اع��ر كثيرا ف��ي المتلقي أو يشغله والعام.
القارئ الضمني ويخشى أال يفهم قصده الحقيقي،
فيضع ف��ي العديد م��ن قصائده مقدمة شعرية توضح المعنى الذي يرجع إليه الشاعر ،والقصد
م��ن القصيدة أو مناسبة ال�ق�ص�ي��دة ،وي�ع��د هذا حجرا على ذهن القارئ وحداً من خياله ،فكان من
األفضل أال يفسر شيئا للقارئ ويترك القراءات العديدة والدالالت تتردد على ذهن القارئ ،فيختار
أما القارئ الضمني فهو يشغل نفس الشاعر
بشكل كبير ،وحادثه في المقدمة ..وهو في ذهنه دائما ،وهو يكتب محاوال إفهامه ،ويفك له شفرة القصيدة -إن ج��از التعبير -ويشرح له معنى
ال��رم��وز ..وعلى ذل��ك ..ال�ق��ارئ الواقعي الحالي
يجد سهولة كبيرة في فهم نص سعد الرفاعي.. ال�ش��اع��ر ال�س�ع��ودي الينبعي ..وم��ن ث��م التعايش
اجلوبة -ربيع 1430هـ 27
معه ،وذل��ك لتحقيق اللذة العقلية لمستوى معين واهتمام بالغ بالذات.
من القراء الواقعيين ،الذين يجدون أو يشعرون بالخصومة بينهم وبين القصيدة المعاصرة ،التى تمتلىء بالشفرات وال��رم��وز واألي�ق��ون��ات ،التى ال
تصل إليها هذه الفئة من القراء ..ومن هنا ،يعي القارئ الواقعي تماما قصد الشاعر بال أي تعدد
لالحتماالت أو االفتراضات.
يقول في قصيدة (خيار) خيار ..خيار وأي خيار؟ ويطفو على شفتي السؤال عالم أحار؟ ويصخب فكري بألف خيار
يقول في قصيدة مداعبة:
تعيش زمانا
تداعبني األم��ان��ي ف��ي حصاري
يموت الخيار على شفتيه
لتخنق ع��ن��وة رح���ب اص��ط��ب��اري ت����م����ر ك���ن���س���م���ة ت���ل���ه���و ب��ق��ل��ب��ي
تراءى.. لنا اليأس في مقلتيه
ي��ع��م��ق ل��ه��وه��ا ي����أس ان��ك��س��ارى ت���ج���ئ ل���ت���دع���ي وص����ل����ى ب��ل��ي��ل
عن البذل يصرف وجها بكلتا يديه
وتصدح بالتجافي في نهاري
()11
ت�لاح��ظ س�ي�ط��رة ال� ��ذات ع�ل��ى ه��ذه األب �ي��ات،
والتوقع داخلها ،والعيش داخل أحزانها وآالمها.. وذل��ك بالتأكيد على ال� ��راوي ..وذل��ك م��ن خالل
الضمائر في تاء الفاعل – وياء المتكلم في (قلبي – انكساري – نهاري – اصطباري)...
..وإني ربيب لهذا الزمان رضعت المآسي بمنزع نفسي ألنمو برا بهذا الزمان . ()12
التأكيد هنا أيضا على الذات من خالل االهتمام
بالراوى ..كما تظهر سمات االتجاه الرومانسي في
إنه الراوي يتحدث عن آالمه وأمانيه ،آالمه في الحيرة واأللم وشكوى الزمان ويظهر الراوى فى (إني سجن النفس الذي قود جهدها وألبسها ثوب اليأس – أنمو – لنا – شفتي – أحار – فكري – نعيش) واالنكسار ..وأمانيه في االنطالق والحرية ..إن
فهنا ال يهتم بالقارئ الضمني ال��ذي يتخيله
أحالمه تلمع أمامه كلمع آل تتراءى له في وقت ..الشاعر في نفسه ،فال يذكر مقدمة وال هامشا وال
وما إن يتلمسها حتى تنقضى مسرعة..
ضميرا ،ولكن تراكيبه وألفاظه ودالالته التي جنحت
إن مسار الحركة في القصيدة دائري منغلق ..نحو االتجاه الرومانسي ..فيتضح القارئ الضمني تنغلق فيه المشاعر واألفكار ككوكب ي��دور حول بشكل ضمني من خالل تخير األلفاظ والتراكيب نفسه ..ولكن تعاقب الليل وال�ن�ه��ار فيها يعادل والدالالت التي ال تتعدد فيها االحتماالت.
تعاقب اليأس واألمل..
وبذلك اتحد هنا القارئ الضمني مع القارئ
كما تظهر سمات النهج الرومانسي في القصيدة الواقعي ،إذ إن الداللة التي تتراءى للقارئ الواقعي من حزن ويأس وانغالق نفس ورقة في التعبير ..أياما ..س��واء أك��ان طالبا أو مدرسا أو طبيبا أو
28
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ال��زم��ان وح �ي��رة ال �ش��اع��ر ،ورغ�ب�ت��ه ف��ي اإلص�ل�اح
ل��ي��ن��ح��ر خ���اف���ق���ي أل�����م ال��ت��ج��ن��ي
االجتماعي ،وذل��ك هو ما قصده الشاعر حينما ..أراك ت��ت��ي��ه ف��ي ب��ح��ر ال��ض��ي��اع
ك�ت��ب ق�ص�ي��دت��ه ..وق �ص��د أن يفهم ذل��ك ال �ق��ارئ الضمني.
ف��ي��دم��ع خ��اف��ق��ي وي���ض���ج ح��زن��ي أي�����ا زه�����ر األم����ان����ي ف����ي ري���اض���ي ووردة ح����اض����ري ه��ل�ا ت��ج��ب��ن��ي
الصورة ليست ال�ص��ورة الشعرية حلى زائ�ف��ة ،بل إنها
ق��ب��ي��ل ذب����ول زه����رك ف���ي ح��ي��ات��ي
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
موظفا أو متنورا فقط ..فسوف يعي داللة شكوى أأب��������رأ م���ن���ك إذا أغ��������راك وه���م
ف��ي��ذب��ل م��ن ذب��ول��ك زه���ر غصني
جوهر في الشعر ،فهي التي تحرر الشعر ،وتحرر ف��ت��خ��ل��ع زائ�������ف األث���������واب ح���را الطاقة الشعرية الكامنة في العالم والتي يحتفظ وت��ن��س��ف ب��������اإلدارة س����ور سجني
بها النثر أسيرة لديه(.)13
كما أنها صورة حسية في كلمات استعارية إلى
وت��رس��م م��ن رحيق ال��ص��دق عهدا ب���أن ت��س��م��و خ��ط��اك ع��ن ال��ت��دن��ي
درج��ة م��ا ،في سياقها نغمة خفيفة من العاطفة لننسج م��ن ش��م��وس ال��ع��زم ثوبا ()15 اإلنسانية ،ولكنها أيضا شحنة منطلقة إلى القارئ يعيد ل��خ��اف��ق��ي أل���ق ال��ت��م��ن��ي
عاطفيا ،شعرية خالصة أو انفعالية(.)14
نالحظ تزاحم الصور الجزئية ..وهي استعارة
والصورة الفنية عند سعد الرفاعي لها سمات مكنية مثل: خاصة وهي: (بحر الضياع)( ،أغراك وهم)( ،ينحر خافقى أوال : تميل إلى الصورة الجزئية المفردة غير أل��م)( ،زه��ر األم��ان��ي)( ،وردة ح��اض��ري)( ،تنسق المسلسلة.
ب��اإلدارة س��ور سجنى)( ،رحيق ال�ص��دق)( ،ترسم
ثانيا :ص��ورة سهلة في تركيبها وإبداعها ،قد عهدا)( ،تنسج من شموس العزم شعرا) ..نالحظ ف��ي ه��ذه ال �ص��ورة أن�ه��ا غير م�ت��وال��دة ب��ل مفردة يعهدها القارئ. ومعهودة ..يميل فيها إلى سهولة التركيب للصورة.. ثالثا :يميل إلى االشتقاق أو االقتباس فيها من وقرب القرينة من ذهن القارئ. التراث. يقول في قصيدة (نهاية حلم قديم) رابعا :يبتكر في بعض صوره ،وال تقدم الصورة ع��ل��ى وج��ن��ت��ي��ه��ا ت������راءى ال��ق��م��ر الكلية عنده. ت�����راءى ال��ج��م��ال ب��أب��ه��ى ال��ص��ور خامسا :حينما ي�ت�ن��اول ال�ف�ك��رة االجتماعية أو ت��������������راءت ب����ط����ل����ع����ت����ه����ا ص�������ورة ال��وط�ن�ي��ة ،ينقل ال��ص��ورة ،س ��واء كانت جزئية أم مركبة.
يقول في قصيدة «إلى بعض بعضي»:
ل����ح����ل����م ت�����وس�����دن�����ي واس����ت����ق����ر ل����ح����ل����م ق������دي������م ت������رب������ى م���ع���ي ف����ت����ي����ا ش����ب����اب����ا ع�����ت�����يَّ ال���ك���ب���ر
اجلوبة -ربيع 1430هـ 29
رح�������ل�������ت أف�������ت�������ش ع��������ن داره
وبداخله العديد من الصور المبدعة التي تكون
وأس�������������أل م�������ن أج������ل������ه ط�����ائ�����را
(رحلت – وأسأل – ركبت – فسرت) ،ثم العقدة
رك�����ب�����ت ال�����ب�����ح�����ار ع����ل����ى زورق
(وجدتك – أجيبي – قالت) ،ونالحظ أن صورة
ف���س���رت وم�����ا ع�����اد ف����ي س��اح��ت��ي
حيث أنه يفضل الحلم عن الواقع ال��ذي يرفضه
س���ئ���م���ت ال���ت���ن���ق���ل ف�����ي رح��ل��ت��ي
إلى العال ..وهذا ما لم يره في الواقع.
ب��ق��اص��ي ال���ب�ل�اد ون���ائ���ي ال��ج��زر بعض صفات القصة من البداية ،ثم تطور الحدث ي��ج��وب ال��ص��ح��اري وأرض المدر (سئمت) ،ثم هبوط الحدث واالنفراج أو الحل في م���ن األم���ن���ي���ات أخ����وض ال��خ��ط��ر الحلم ترد كثيرا عند سعد الرفاعي ..ولهذا داللته، م������ن األم������ن������ي������ات ب����ق����اي����ا أث����ر ليرى فيه ما يريد أن ي��راه من عزة وق��وة وطموح وم����ن ط��ول��ه��ا م���ل م��ن��ي ال��س��ف��ر ف��ج��ئ��ت إل���ى ال��ب��ح��ر أودع����ت فيه ج���راح���ي وك��ف��ن��ت ب��ع��ض ال��ك��در وج�����دت�����ك ح���ل���م���ا ع����ل����ى ش��ط��ه
األسلوب ويتميز أسلوبه بالسهولة ،وأحيانا يميل إلى األصالة
في التركيب واللفظ ..فيقول في قصيدة (رباه):
ك������أج������م������ل ح������ل������م رآه ب���ش���ر إل�����ه ال����ك����ون ي����ا م���ل���ك ال���ب���راي���ا وب����اع����ث خ���ل���ق���ه ب���ع���د ال��م��ن��اي��ا ف����س����م����رت ع���ي���ن���ي م������ن ده���ش���ة وح���ام���ت ظ��ن��ون��ي ح����ول ال��ب��ص��ر أت���ي���ت���ك خ���ائ���ف���ا ه���م���ي ع��ظ��ي��م وذل ال���ذن���ب ي��ع��ص��ف ب��ال��ح��ن��اي��ا
ف����ن����د ال�������س�������ؤال ع����ل����ى ش��ف��ت��ي ل���ي���غ���ت���ال ص���م���ت���ي ح���ي���ن ج��ه��ر أت��ي��ت��ك ب��ان��ك��س��ار ال���ذن���ب أح��ب��و ف�����ذل ال���ن���ف���س أورث����ه����ا ال����رزاي����ا أج���ئ���ت م����ن ال���ب���ح���ر ي����ا م��ن��ي��ت��ي أم ال��ب��ح��ر س���ر ب��ل��ق��ي��ا ال��ق��م��ر؟! ت��س��ل��ك زي���ف���ه���ا رغ�����م اح���ت���راس ()17 وذل����ل ف��ي غ��واي��ت��ه��ا ال��م��ط��اي��ا أج���ي���ب���ي ألم����ع����ن م�����ن ن��ظ��رت��ي وأن�����ي ص��ح��ي��ح ال���ق���وى وال��ن��ظ��ر
ت�ل�اح ��ظ ال �س �ه��ول��ة ف ��ي اس� �ت� �خ ��راج ال ��دالل ��ة
والتركيب ..وهى تراكيب معهودة لدى القارئ ..كما
ف���أل���ق���ت ع���ل���ى ل���ه���ف���ت���ي ن���ظ���رة
ف�������زاد ال���ل���ظ���ى ث�������ورة واس���ت���ع���ر تميل للتراثية في بعض األلفاظ مثل (المطايا)، ويميل التركيب أيضا إلى التراثية وعدم الجنوح وق����ال����ت :أن����ا ال��ح��ل��م ي���ا س��ائ��ل��ي وذاك حبيبي ف��ك��ن ف��ي ح����ذر
()16
تمثل هذه الصور الجمة المتزاحمة ص��ورة كلية
إلى الغموض كعادة الشعر المعاصر. ويقول في قصيدة (عجبا)
مبدعة ومعبرة ،أبدع فيها الشاعر ،وعبر عن أحاسيسه م���ا ب��ي��ن س��م��ع��ي��ه ال���ف���راغ م��غ��رد يشدو الصدى متماديا في صفحه بإطار رائع ،وصور بداخله معبرة ومبدعة. إط��ار ال �ص��ورة ه��و ال�ح�ل��م ..ون�س��ج م��ن خالله ي��ا واه���ب األق����وال سمعا ناشطا ودفنت فكرك تحت ناشط جمعه
30
اجلوبة -ربيع 1430هـ
أن��س��ي��ت إنَّ ال��ع��ق��ل أف�����رد ن��ع��م��ةً ف��اح التحرر م��ن أزاه���ر نبعه؟
()18
ويتضح ذلك أيضا من العنوان( :مدينة النور)..
ي�لاح��ظ أن ال �ش��اع��ر ف��ي أك �ث��ر م��ن م��وض��ع النور مفردة تدل على اليقين الداخلي للشاعر ف��ي ش�ع��ره يهتم ب��أس�ل��وب ال��ن��داء( :ي��ا واه ��ب) ،إلش��راق الحق ف��ي خضم ه��ذا ال�ظ�لام واألل��م واالستفهام( :أنسيت) ..واهتمامه بالنداء يدل الواقعي.
على لجوئه لآلخر وإحساسه بالوحدة في هذا
واتضح من خالل قراءة شعر الشاعر انتماؤه أو
ال��واق��ع المرير ،أم��ا االس�ت�ف�ه��ام ..فيعبر ب��ه عن اهتمامه باالتجاه الوجداني الذي ظهر في الشعر
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
أل �ف��اظ الحلم – ال�غ�ن��اء ال��دال��ة على األم ��ل..
إح�س��اس��ه وإدراك� ��ه لصدقه ال��واق �ع��ي ،وأسلوبه ال�س�ع��ودي ال �ح��دي��ث ..وه��و االت �ج��اه ال ��ذي يعالج
بشكل ع��ام سهل متدفق ،كتدفق عواطفه التي الشاعر من خالله العادات والتقاليد ذما أو مدحا.. تطغى على الكلمة والفكرة والتركيب في مواضع أو يعالج فيه مظاهر الفساد ويقبحها ..ويلومهم على ما يأتون من فاسد األخ�لاق وال�ع��ادات ..أو
عديدة من شعره.
كما تسيطر عند الشاعر بعض األلفاظ التي يمدح العادات الحسنة ويثنى بها على أصحابها.. ويحض المجتمع على األخذ بها(.)20 لها داللة على شخصية الشاعر وفكره مثل: (الغناء – الحلم – األمل) ..وغيرها وهي تدل
على تفاؤل الشاعر ويقينه باألمل.
يقول الشاعر في قصيدة «عجبا»
عجبا لمن ت��رك العنان لسمعه أل��غ��ى اإلرادة ك��ي ي���ذل بطوعه
يقول في مدينة النور:
واس����ت����ودع األذن���ي���ن ك���ل ح��ك��اي��ة
ت����أوه ال��ح��رف ح��ت��ى ض��ج ب��األل��م وغ��رد الصمت في إش��راق��ة القلم أس��ام��ر الليل ف��ي أح��ض��ان قافية فتنزوي عند صحو الفجر كالحلم أواه ي��ا ح��رف��ي ال��م��وءود تقلقني قصيدة في رح��اب الحب لم تقم قصيدة أينعت في القلب مقمرة ف�����أي�����ن ل�����س�����ان م�����ب�����دع ال���ك���ل���م ليخرج الفجر م��ن أعماقه ألقا تألق الفجر في محلولك الظلم
()19
تالحظ في هذه األبيات ألفاظا تمتلئ تفاؤال
مثل( :إشراقة – أسامر – صحو – الفجر –
الحلم – الحب – أينعت – مقمرة – الفجر –
تألق) ..كما تتمتع بإبداع الصورة ورقتها ووجود
ع��ب��ث��ي��ة ت��ل��ه��و ب���م���ح���زن وض��ع��ه ت��غ��ت��ال��ه س����ود ال��ح��ك��اي��ات ال��ت��ي نسجت لشرع عاجال في قطعه ي��ا واه��ب األق���وال سمعا ناشطا ودفنت فكرك تحت ناشط شمعه أن��س��ي��ت أن ال��ع��ق��ل أف����رد نعمة ف����اح ال���ت���ح���رر م���ن أزاه������ر نبعه ع��ق��د ال��ت��ف��رد روض ك���ل مفكر والقفر إمعة يسير بسمعه(.)21 تظهرالداللة جلية فى األبيات االجتماعية التي
ترفض صفة ما في المجتمع رذيلة ..فهذا الذي يسمع لآلخرين ويضيع وقته ويغيب عقله ..يناشد
المجتمع أن يتخلى عن الصفات الرذيلة ويتحلى
اجلوبة -ربيع 1430هـ 31
التي يبتغيها الشاعر في تصوير عذابات األمة مثل
بالمكرمات.
كما اتضح ميل الشاعر إل��ى االتجاه الوطني ألفاظ (تبيد – عناء – هما – هب – الدم – لص – الذي ظهر في الشعر السعودي الحديث ..يقول أسياف – العداء – يميت – أعراض – نار الحرب) محمد ب��ن حسين :ألن وطننا ال�ع��زي��ز سلم من
ينتشر فى القصيدة حقول الموت – الخيانة
االستعمار خال شعر شعرائنا مما يشتمل على 0-استنهاض العزائم ف��ي تراكيب قوية ودالل��ة مدافعة االستعمار واستنهاض العزائم ض��ده ..يتحد فيها الشاعر والقارئ اتحادا يتمناه الشاعر
وإن �م��ا ك ��ان دوران ش�ع��ره��م ح ��ول ال�م�ش��روع��ات لألمة العربية. العمرانية والثقافية واالقتصادية ..وفي المناسبات فربما يكون هذا االتحاد ..والقرب بين الشاعر الوطنية(.)22 وال �ق��ارئ ..واه�ت�م��ام الشاعر ال��زائ��د والملحوظ ولم تقتصر هذه النزعة االجتماعية اإلصالحية بالقارئ ..سبب ذلك أمنية في نفس الشاعر ال والوطنية على الشعر فقط ،بل جند الروائيون شعورية باتحاد األم��ة اإلسالمية جميعها ،بدليل أيضا أقالمهم في الدفاع عنها(.)23 تركيز الشاعر على االتجاه االجتماعي والوطني. يقول الشاعر في قصيدة «نداء الوطن»
كذلك ربما بشعور الشاعر بالوحدة والغربة..
ه��ت��ف ال����دم ال��وط��ن��ي ف��ي أب��ن��ائ��ه مستنهضا همما ت��ه��ب ،ون��اص��را ي����ا أي���ه���ا ال����وغ����د ال������ذي أك��ب��رت��ه إن����ي أراك ال���ي���وم ل��ص��ا ص��اع��را
وميله إلى األنس باآلخر الوطن والمجتمع والحبيبة والولد – القارئ والقارئ الواقعي. اللغة الخطابية عالية عند الشاعر في شعره الوطني والمناسبات بخاصة ..وهي ليست قليلة
أي���ن ال��ب��ص��ي��رة م��ن ف��ع��ال��ك ه��ذه ه��ل غ��اب ف��ك��رك أو ت��وق��ف حائرا في مجموع ش�ع��ره ..وكذلك التقرير والبعد عن التصوير الفني. ح��ت��ى ت��ت��ي��ح دم ال���ع���روب���ة نعته وت��س��ل أس���ي���اف ال���ع���داء م��ف��اخ��را
كما يتضح من خالل استقراء شعره أن هذا االت�ح��اد بين الشاعر وال�ق��ارئ الواقعي ..سواء
وت��م��ي��ت ط��ف�لا ل���م ي��ت��م ف��ط��ام��ه
وت��ب��ي��د ك��ه�لا ب��ال��ع��ن��اء م��ح��اص��را أكان في ذهن الشاعر أو القارئ الواقعي ..قد وتبيح أع���راض ال��ن��س��اء مخالفا يتيح ال�ظ�ه��ور المباشر على مستوى اللفظ.. دي��ن��ا ل���ه ض��ح��ى ال��ن��ب��ي وه��اج��را وك��ذل��ك على مستوى ال �ص��ورة ..وكثيرا م��ا يقع وت��غ��ي��ر ب��ال��ج��ي��ش ال����ذي أغ��وي��ت��ه الشاعر في هذا. لتبيد شعبا ك��م أت���اك م����ؤازرا
()24
وفي النهاية أذكر أن الشاعر تمتع بالعديد من
وتجد في هذه األبيات ميل الشاعر إلى االتجاه الصفات المميزة لبصمته األدبية ،منها :تميزه الوطني ،وحمل هموم األمة جميعها والوطن. ف��ي التعبير ع��ن المكان وتعلقه ب��ه ،وصدمته في أسلوب واضح وألفاظ قوية مناسبة للداللة ب��ال��واق��ع ،وال�ل�ج��وء للحلم واآلخ ��ر ،م��ع التفاؤل
32
اجلوبة -ربيع 1430هـ
المصالحة مع المتلقي ،واالهتمام الكبير به ،المتعة الفنية ب��إب��داع��ات ال�ش��اع��ر ف��ي ص��وره
فتصبح الفكرة ف��ي ذه��ن ال �ق��ارئ مباشرة مع وتراكيبه وألفاظه.
المراجع -1د حميد لحمداني ،القراءة وتوليد الداللة ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،المغرب. -2رامان سلدن ،النظرية األدبية المعاصرة ،ت جابر عصفور، الهيئة العامة لقصور الثقافة ،ط1995 ،2م. -3د سعد البازعي ،شفوية الكتابة.استعادة الموروث الشعبي في الشعر السعودي الحديث ،مهرجان القراءة للشعر العربي 24-20أكتوبر ،القسم األول1993 ،م -4سعد سعيد الرفاعي ،ديوان العشق ينبع ،مطبوعات نادي المدينة المنورة األدبي -5سعد سعيد الرفاعي ،ديوان نزيف الجرح ،نادي المدينة المنورة األدبي1418 ، ،هـ 1997-م -6د .سعد ظ�لام ،مناهج البحث األدب��ى ،دراس��ة تحليلية * () 1 ( )2 ( )3 () 4 ( )5 ( )6 ( )7 ( )8 ( )9 ( )10 ( )11 ( )12 ( )13 ( )14 ( )15 ( )16 ( )17 ( )18 ( )19 ( )20 ( )21 ( )22 ( )23 ( )24
تطبيقية ،مكتبة نهضة الشرق ،مصر1416 ،هـ 1996-م -7د ،ص�لاح فضل ،النظرية البنائية ف��ي النقد األدب��ي، األنجلو المصرية1980 ،م -8د .محمد حسن عبدالله ،الصورة والبناء الشعري ،دار المعارف ،القاهرة1981 ،م -9د .محمد ب��ن سعد ب��ن حسين ،األدب الحديث تاريخ ودراسات1419 ،هـ – 1998م. -10د .محمد صالح الشنطى ،في األدب السعودي فنونه واتجاهاته J A. CUDDONIL itrary termsand Diterary ATneory -11 .four tn Edutation the penguin، piction Ary
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
واألم��ل واليقين في ع��ودة المجد العربي ،مع بعض الشرح من الشاعر لمناسبة النص ،مع
أستاذ األدب والنقد المساعد بجامعة طيبة فرع ينبع. د ظالم :مناهج البحث األدبي ،دراسة نحليلية تطبيقية ،مصر ،مكتبة نهضة الشرق 1416هـ1996 ،م ،ص .231 سعد البازعي« :شفوية الكتابة» استعادة الموروث الشعبي في الشعر السعودي الحديث ،مهرجان القراءة للشعر العربي 24/20القسم األول اكتوبر 1993ص.12 سعيد سعد الرفاعي« :ديوان العشق ينبع» مطبوعات نادي المدينة المنورة األدبي ،ص .12:13 سعد سعيد الرفاعي :مرجع سابق ،ص .47:48 سعيد الرفاعي« :ديون نزيف الجرح» ،نادي المدينة المنورة األدبي ،ط1418 ،1هـ1997 ،م ،ص27 سعيد الرفاعي« :ديوان العشق ينبع ،ص ،279ص 80 .J A. CUDDONIL itrary termsand Diterary ATneory four tn Edutation the penguin، piction Ary، p 727 رامان سلدية »:النظرية األدبية» ،ترجمة جابر عصفور ،الهيئة العامة لقصور الثقافة ،ط1995 ،2م ،ص .207 حميد الحمداني« :القراءو زتزليد الداللة ،المركز الثقافى العربى الدار البيضاء المغرب ص29 سعد الرفاعي« :ديوان نزيف الجرح» ،ص 53 سعد الرفاعي« :مرجع سابق» ص 55 سعد الرفاعي« :ديوان نزيف الجرح» ،ص 32 :31 د .صالح فضل ،النظرية البنائية فى النقد األدبى ،األنجلو المصرية1980 ،م ص356 د .محمد حسن عبدالله ،الصورة والبناء الشعرى ،دار المعارف ،القاهرة1981 ،م ،ص 12 ،11 سعد سعيد الرفاعى ،ديوان العشق ينبع ،ص37 سعد سعيد الرفاعى ،ديوان نزيف الجرح ،ص 36 سعد سعيد الرفاعى ،ديوان العشق ينبع ،ص55 السابق ،ص 54 السابق ،ص47 د .محمد بن سعد بن حسين ،األدب الحديث تاريخ ودراسات1419 ،هـ – 1998ص88 سعد سعيد الرفاعى ،ديوان العشق ينبع ص54 د .محمد بن سعد بن حسين ،األدب الحديث تاريخ ودراسات ص 93 د .محمد صالح الشنطى ،فى األدب السعودى فنونه واتجاهاته ونماذج منه ،ص 503 سعد سعيد الرفاعى ،ديوان نزيف الجرح ،ص16
اجلوبة -ربيع 1430هـ 33
روايات السفر
(دراسة لنماذج مختارة) > سيد الوكيل*
حظيت تجربة السفر بحضور الفت فى الرواية العربية ،وهو حضور يبدو أكثر إلحاح ًا فى الرواية المصرية ،بقدر نصيب المصريين فى خوض تجربة الهجرة المؤقتة إلى الشرق العربى منذ السبعينيات، بحثا عن فرص العمل المجزي في مجتمعات القت حظا واف��را من ال��ث��روة ومشاريع التنمية .والشك أن الرصد األدب��ى لتجربة السفر فى ال��رواي��ة ،كان األكثر حضورا بين األنواع األدبية ،بقدر ما يتيحه بناء ال��رواي��ة وات��س��اع نطاقها الزمانى والمكانى؛ غير أن��ه يمكن مالحظة أن هذا الحضور تنامى بسرعة كبيرة منذ نهاية الثمانينيات من القرن العشرين ،متزامنا مع إرهاصات التجديد فى الرواية العربية التي عبرت عن نفسها بقوة -بداية من التسعينيات في القرن ذاته -بما يدلنا على أن رواية السفر شكلت جانب ًا من روافد التجديد الذى عرفته الرواية ،أو على األقل أسهمت فيه ،وبحيث يمكن القول إن السفر أصبح موضوع ًا روائيا متفرد ًا وجديد ًا على الرواية العربية ،يذكرنا بموضوع الرحلة فى القصيدة العربية القديمة ،الذى انتهى إلى تحديد مقوماته الجمالية واللغوية ،فضال عن التقاليد البنائية وما أنتجتها من صور وتراكيب ظلت قرينة التجربة الشعرية حتى تخلصت من عمودها. ه ��ل ي�م�ك�ن�ن��ا ال��ع��ث��ور ع �ل��ى م �ق��وم��ات جمالية مميزة لتجربة السفر فى الرواية الجديدة؟ أم أنها تماهت فى السياقات العامة لمالمح الفن الروائى الذى يخضع
34
اجلوبة -ربيع 1430هـ
لتأثيرات فلسفية وثقافية كبرى تشتغل ع�ل��ى ال�ب�ع��د ال�ج�م��ال��ى واألس �ل��وب��ي ،دون االلتفات إلى التأثيرات الموضوعية ،وكأن الموضوع (المضمون) مادة محايدة ،يمكن
وف��ى ه��ذا السياق ،يمكن مالحظة أن أكثر الكتابات التى تناولت موضوعة السفر إن لم يكن كلها عبرت فى الوقت نفسه عن تجارب حية وحقيقية عاشها كتابها ،نتيجة الرتحاالت قاموا بها مدفوعين بظروف :بعضها سياسية ،على نحو ما نجد فى رواية هالة كوثرانى (األسبوع األخ� �ي ��ر) ،ح �ي��ث وج ��د ج �ي��ل م��ا ب �ع��د ال �ح��رب اللبنانبة نفسه محطماً نتيجة لسيناريوهات سياسية معقدة ،وأكثرها اقتصادية تمثلت فى ط�ف��رات التحديث وإزده ��ار س��وق العمل حول مناطق الثروة النفطية ،فى مقابل اضمحالل راح يأكل مناطق أخ��رى مثل وادى النيل وبالد الشام ،ما أدى إلى ما يشبه الهجرات الجماعية من مناطق الفقر إلى مناطق الثراء ،غيرت كثيراً من التركيب الثقافى واالجتماعى فى تأثيرات متبادلة شديدة الفاعلية ،على نحو م��ا رصدتها ع��زة ب��در ف��ى رواي��ة: «في ثوب غزالة». ولعل هذا الرصيد من التجربة ال��واق�ع�ي��ة ل��رواي��ة ال�س�ف��ر ،يضعها جنباً إل��ى جنب مع رواي��ة السيرة الذاتية التى شهدت هى األخ��رى حضوراً متميزاً فى الفترة ذاتها، وم ��ن ث��م ي�م�ك��ن م�لاح �ظ��ة بعض ال �ت��أث �ي��رات ال �م �ت �ب��ادل��ة بينهما، كتلك التى نجدها في االعتماد على السرد من ضمير المتكلم، واق�ت��ران��ه ب��دواع��ي النوستالجيا واالس�� �ت� ��رج� ��اع� ��ات ال ��زم� �ن� �ي ��ة، ومقاربة المسافة الفاصلة بين ال � ��ذات وال� �م ��وض ��وع ،ك�م�ح��اول��ة
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
معالجتها فى نُسق جمالية مختلفة؟
لدحض دواف��ع االغتراب ،على نحو ماجسدته ال رواي��ة «األسبوع األخير «لهالة كوثراني ،فض ً عن استضافة أساليب وتقنيات سردية توهم بحضور المؤلف فى النص ،وما يستدعيه ذلك من نزوعات توثيقية عبر أبنية مثل :اليوميات وال�ت�س�ج�ي�لات وال��رس��ائ��ل واالع��ت��راف��ات .وق��د ج�س��دت رواي ��ة «أش �ج��ار قليلة عند المنحنى «لنعمات البحيرى ،نموذجاً للطابع السير ذاتي لرواية السفر .وهنا يمكن اإلشارة إلى أن اقتحام ال �م��رأة ل��رواي��ة السفر على نحو مانجد عند (حنان الشيخ نعمات البحيرى ع��زة ب��در هالة كوثرانى وغيرهن) مثّل إضافة لتلك التجربة من حيث سطوع الحس النسوى ،ليضفي على تجربة االغتراب المكاني بعداً جديداً يتمثل فى االغتراب الذاتي. لكن المؤكد ،أن التناول األدب��ي لموضوعة السفر فى الرواية ،أعمق زمنا من ه��ذه ال�ف�ت��رة ال�ت��ي نتوقف عندها ف��ي ه��ذا ال�ب�ح��ث؛ فلدينا تجارب أول ��ى ب� ��ارزة ،ت�ن��اول��ت ال�س�ف��ر إل��ى أوروب���ا على نحو م��ا يمثل لها بــ «ع �ص �ف��ور م ��ن ال� �ش ��رق» ل�ت��وف�ي��ق الحكيم ،و«قنديل أم هاشم» ليحيى حقي ،مروراً بــ «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح ،وغيرها من الروايات .ومع ذلك ..ال يمكننا اعتبار رواي��ة السفر التي نتحدث عنها اليوم ،امتداداً طبيعيا لمثل هذه التجارب األولى. فالروايات األولى ،التى سجلت تجارب السفر إل��ى أوروب ��ا ،كانت م�ش�غ��ول��ة ب �ص��ورة اآلخ���ر كوسيلة
اجلوبة -ربيع 1430هـ 35
صورة المثقف المأزوم كما نراه فى رواية» الحب فى المنفى» لبهاء طاهر؛ فبطل بهاء طاهر فى الحب فى المنفى هو المثقف المأزوم نفسه، الذى أصبح حضوره عالمة مميزة فى كتابات بهاء طاهر.
إلدراكها لذاتها ،كأن تجسد رغبتها فى البحث نقطة ال�ت�ق��اء م��ع اآلخ ��ر م��ن ح�ي��ث ه��و ن�م��وذج للحداثة والتفوق الحضارى والمعاصرة لتؤسس م��ن خاللها فهما ج��دي��داً لهوية م�ت��وازن��ة بين تطمينات األصالة ،ومغامرات المعاصرة التى تطلع إليها المجتمع العربي في ذل��ك الوقت، أما رواية «شهرزاد على بحيرة جنيف» لجميل على نحو ما نجد عند توفيق الحكيم ويحيى عطية إبراهيم ،فتشكل نقطة مفصلية فى تاريخ حقي. رواي��ة السفر إل��ى أوروب��ا ،كما أنها تكاد تكون وفى مرحلة تالية ،عبرت رواي��ة السفر عن مميزة بين روايات السفر بهذه الصفة (تجربة رغبتها فى فضح صورة اآلخر المستبد ،وكشف السفر إلى أوروب��ا) ،فهى تخط لنفسها طريقاً صور االستعالء التى مارسهاالغرب ،كما نجد ج��دي��راً باالهتمام والنظر ،على ض��وء مفاهيم ع�ن��د ال�ط�ي��ب ص��ال��ح ف��ى «م��وس��م ال�ه�ج��رة إل��ى الكونية ومعطيات العولمة .وظني أن هذه الرواية الشمال» ،والتي عُدت بداية ناضجة لرواية ما التى بدت للبعض مجرد تأمالت ساخرة لقضايا ال عن تنويعات هذه الصورة ساخنة ،تحتوى كثيراً من مظاهر التجديد التى بعد االستعمار .فض ً التى تناولت طابع االغتراب ،وجسدت مالمح نزعت إليها رواية ما بعد الحداثة. العالقة المتوترة بين الشرق والغرب ،كما نجد فى حين ركزت الروايات التى سجلت تجربة فى الكثير من الروايات المغاربية التى سجلت السفر إل��ى دول المشرق ال�ع��رب��ي ،على طابع تجربة السفر ،أو الهجرة إلى الشمال األوروبي ،النوستالجيا ،فضال عن تنبيهات هينة ومقارنات وما تزال تجد أصداء من الفتنة لدى الكثير من يسيرة لطوابع ثقافية بين البيئات المختلفة ،مع كتابها .وفى هذا السياق ،يمكن اإلشارة إلى أن نبرة تميز أو تفوق تمجد موقف الذات الساردة رواية السفر المغاربية ،قد أسهمت إلى حد بعيد وتعلي من قيمة بيئتها الحضارية والثقافية، فى تشكيل نسق جمالي خاص بها ،ويميزها عن على نحو ما نجد عند إبراهيم عبدالمجيد فى رواي ��ة السفر إل��ى المشرق العربى على نحو روايته المهمة «البلدة األخ��رى « ،والتي تتميز م��ا نرصد لها هنا .وذل��ك التمايز يظهر على بحضور واضح للذات الساردة ،يقترب بها إلى نحو خاص فى موقف الذات الساردة ،وتنامي ال�س�ي��رة ال��ذات �ي��ة .وك��أن إب��راه�ي��م عبدالمجيد مشاعر االغ�ت��راب بمعناه الحضاري والثقافي لم يكن مشغوالً بتجربة السفر نفسها ،بقدر الذي يتجسد في مأزق اللغة. انشغاله بتجربته هو مع السفر يما يمنح الذات
وهذا الخط ،يمكن مالحظته بنسب متفاوته فى كل ال��رواي��ات التى سجلت لتجربة السفر إلى أوروب��ا ،ولكننا نراه أكثر اشتباكاً بالقضايا ال�س�ي��اس�ي��ة ،وأك �ث��ر ت�ع�ب�ي��راً ع��ن أزم ��ة المثقف العربى ذات��ه ال الثقافة العربية بحيث يجسد
36
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ال� �س ��اردة درج���ة ك�ب�ي��رة م��ن ال��وع��ى بموقفها، وحساسية عالية بالمأزق الحضارى الذى تنزلق إليه المنطقة العربية فى تركيزات هادفة على المغايرات السلوكية والثقافية التى تهدد الذات، كما تظهر تجربة السفر على نحو ب��ارز عند
الروايات التى تناولت تجارب السفر إلى الدول العربية ،غير أننا نظنها واسعة االنتشار والتعدد، س��واء ف��ي ط��رائ��ق تناولها للتجربة نفسها ،أو بحسب البيئات التى تناولتها ،وإن تركزت فى منطقة النفط (دول الخليج والسعودية والعراق). وتحضرنا فى هذا الصدد رواية الفته على نحو بازغ ،للروائى فتحى امبابي «مراعى ال� �ق� �ت ��ل» .ال� �ت ��ي ح �ص��ل ب �ه��ا على جائزة الدولة التشجيعية ،وكانت تتناول تجربة الرحلة إل��ى ليبيا، وما تعرضت له مجموعة الشباب المصرى الذين أنهوا حياة الجندية بعد عقد اتفاقية السالم حاولوا عبور الحدود فى متاهة صحراوية بال حدود. وفى سياق مجاور تكاد ترهص رواي � ��ة «ب� �غ ��داد ال أح� ��د» ل�ج�م��ال عبدالمعتمد ،عن المأزق السياسي الذي أفضى إلى نفق مظلم تعيشه ال�ع��راق اآلن .والجدير بالذكر أن ال��رواي��ة كتبت ف��ى أع �ق��اب ال�غ��زو
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
محمد عبدالسالم العمرى ،الذى تناول تجربة العراقى للكويت ،ومن ثم عكست المأزق العربي، إذ أصبح غ��زو الكويت بمثابة احتبار كاشف السفر إلى السعودية فى أكثر من عمل. غير أن هذا الحضور الكثيف للروايات التى للذهنية السياسية التى تدير الواقع العربي. أما رواية «دليل التائه» لمحمد غزالن ،فقد تناولت تجارب السفر إلى الشرق العربى يفضي إلى تنوع جدير بالنظر ،وهو تنوع يقوض نظرتنا عمقت دواع��ي االغ�ت��راب العربي على مستوى التصنيفية لها كمجرد رواية عن تجربة السفر تاريخي ،يضعنا فى سياق سردي محكم البناء، وإن بدت في ظاهرها ذات مقومات موضوعية فى مواجهة مؤلمة مع مصير المنطقة العربية متشابهة نتيجة الش�ت�غ��ال�ه��ا ع�ل��ى التفاصيل فى غمار تناولها لتجربة أب سافر إلى العراق الصغيرة التى تسجل لمعطيات الحياة اليومية ،بحثاً عن ابنه الذى اختفى بعد حرب العراق- ال عن االنعكاسات النفسية التى تجسدها .إيران ،ليعثر عليه فى النهاية داخل أحد السجون فض ً ول�ي�س��ت ل��دي�ن��ا ب�ي�ب�ل��وج��راف�ي��ا واض �ح��ة عن العراقية. على أى ح��ال ،ف��إن نمو ه��ذا الخط (رواي��ة السفر) فى الرواية العربية صار أكثر وضوحاً، وتشكل بمنعطفات جمالية وفنية ع��دي��دة فى رحلته الطويلة؛ م��ا يعنى أن تتبع ه��ذا الخط يعمل مثل بطاقة جينية توقفنا على الكثير من مالمح الرواية وتطورها ،والمكتسبات التقنية والجمالية التى جسدتها الروايات األخيرة منها.
د .عزة بدر
وه� �ن ��ا ،س���وف ن�ك�ت�ف��ى ب �ق��راءة روايتين اشتغلتا على تجربة السفر إلى المشرق العربى ،حيث تميزت مجتمعات هذا الجزء الحيوى من العالم باصطخابات حادة وعنيفة، جعلته ف��ي ب ��ؤرة ال�ع��ال��م وهيئته، ليكون ميدانا تحسم على أرض��ه ص��ورة العالم الجديد ،س��واء على المستوى االجتماعى -كما يتمثل ف��ى ن��زع��ات التحديث واإلص�ل�اح السياسى واالج�ت�م��اع��ى م��ن جهة أو ع��ل��ى م��س��ت��وى ال �ت �غ �ي��راتوالطفرات الثقافية التى أحدثتها
اجلوبة -ربيع 1430هـ 37
أنماط االستهالك ،وتباين دور الثروة فى تشكيل مضاف إلى اغترابها القديم. الوعى بكل من ال��ذات واآلخ��ر من جهة أخرى؛ السفر فى الذات فضال عن االستهدافات الدولية التى جعلت رواية «األسبوع األخير» للكاتبة اللبنانبة هالة من ه��ذه المنطقة ميدانا للعمليات السياسية كوثرانى .رواي��ة تنجح بصفاء ن��ادر في إجالء والعسكرية ،على نحو ما نرى فى العراق وإيران. التوترات المتباينة بين بطلة الرواية ومدينتها وال غرو أن رياح التغيير التى تهب على الذات بيروت .يحدث هذا على نحو مكثف يجعل الرواية العربية اآلن هى رياح شرقية بالدرجة األولى؛ مشحونة بالتفاصيل المضطربة في العالقة بين إنها في الضرورة ري��اح ح��ارة عاصفة ،تختلف اإلنسان والمكان ،عندما تتوحد ذاتهما على نحو فى طبائعها وأهدافها عن تلك النسائم الرطبة مصيري ومؤلم ،كزوجين لم يعد التواصل بينهما التى نفختها مصر ،منذ انفرادها بريادة مشروع الحداثة العربية فى عصر محمد على ،وحتى ممكناً ،ول��م يعد االن�ف�ص��ال وارداً ،إن��ه مجرد تعبير استعاري يعكس حالة التوتر الدائم ،وكأن انحسار هذا الدور إثر هزيمة 1967م. ثمة حرباً باردة تدور بين اإلنسان والمكان طوال ويبدو أن ه��ذا المعنى األخير يظل ملمحا الوقت ،م��أزق الحياة الدافع للبحث عن شكل مطروقا فى كثير من الروايات المصرية التى جديد فى العالقة بين بطلة الرواية ومدينتها عالجت موضوعة السفر إل��ى الشرق العربي، بيروت .هكذا تكتب هالة كوثرانى روايتها ،وهى حيث تظهر النسائم المصرية القديمة كموقف تسترجع األسبوع األخير فى بيروت قبل الرحيل طللي يبكى على ال��زم��ن الجميل ،ب�ش��يء من إلى دبي ،لتجعل منها شحنة شعرية ،محتشدة النوستالجيا المشفوعة ب��األل��م .وف��ى المقابل بالتوترات والمخاوف والتفاصيل المضطربة، نجد اندفاعات مضادة نحو الرفض أو الهجوم ه��ذه التفاصيل ال�ت��ي ت�ح��دد دواع ��ي االرت�ب��اط غير المبرر على المجتمعات النفطية ورياحها بالمكان على نحو مصيري ،لكن هذا االرتباط الحارة؛ لكننا -بالتأكيد -سنجد أعماال تتجاوز ال يعني أن العالقة مثالية ،ومتناغمة على نحو ه��ذا ال�م��وق��ف ال�ن�ف�س��ي ،وت��وس��ع م��ن نظرتها، رومانسي ،بعكس ما يظهر فى كثير من روايات بحيث يمكنها رؤي��ة المشهد العربي كامال من المكان التى تعكس نوازع النوستالجيا العربية، خالل تجربة السفر؛ فثم روايات رأت فى السفر بل يكتنفها الكثير من الشد والجذب والشوق للشرق العربي حلما بالخالص ،لكنه في الوقت وال �ه �ج��ر ،وت�س�ت�غ��رق ب��ذك��ري��ات بعضها حميم نفسه محفوفاً بالمنغصات ،حتى يكاد يتحول إلى كابوس ،على نحو ما نجد فى رواي��ة هالة وعميق ،وبعضها سطحي وعابر ،وبعضها اآلخر كوثرانى «األسبوع األخير» .وثم روايات اعتبرت موجع ومؤلم .لكن كل هذا ،هو ما يجعل االرتباط تجربة السفر فرصة إلع��ادة اكتشاف ال��ذات ،بالمكان مصيري وقدري على نحو يظل يطاردنا والتطهر من الخطايا القديمة ،على نحو ما نجد ويعيش فينا ،حتى ونحن بعيدون عنه. بطلة ال��رواي��ة تقرر فجأة أن تترك بيروت فى رواية عزة بدر «في ثوب غزالة» ،وقد قصدنا ال عند لتبدأ م��ن جديد الحياة ف��ي مكان آخ ��ر ..في فى النموذجين السابقين ،أن نتوقف قلي ً رؤية المرأة لتجربة السفر من حيث هى اغتراب دب��ي ،عندما شعرت أن حياتها في بيروت قد
38
اجلوبة -ربيع 1430هـ
اآلن على بطلة ال��راوي��ة أن تمضي أسبوعاً أخيراً في بيروت قبل أن تغادر ،إنه زمن الرواية كلها ،لكنه وفقاً لإلسترجاعات يغطى أعوامها الثالثة والثالثين .وه��ذه االسترجاعات ،تمنح بطلة الرواية فرصة لربط سيرتها الذاتية بسيرة المكان ،ما يعني أن المكان ليس موضوعاً للسرد، بقدر ما هو تمثيل جمالي للذات ال�س��اردة ،أو معادل موضوعي لها؛ فإذا كانت سيرة المكان محتشدة بكثير من األخطاء ونوبات الفشل فى التحقق على نحو مثالى أو رومانسى؛ فإن سيرة الراوية نفسها تسير بالتوازى مع سيرة بيروت؛ فنراها محتشدة بالعديد من الصور المأساوية، مثل:
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
توقفت ،وأنها لم تعد قادرة على تحمل األوجاع التى سببتها لبيروت حروب أبيها وجيله .علينا مالحظة هذا الموقف الضدي من جيل اآلباء الذى أشعل حروبا داخلية لم يخمد أوراها بعد، ال فى حرب أخرى بين اإلنسان ومن ثم نراه متمث ً والمكان .كما علينا مالحظة هذا الربط العفوى ال بين أوج��اع المدينة وأوج��اع ال��ذات ،وك��أن ك ً منهماً مرادف لآلخر.
عالقة الذات الساردة ببيروت ،فإن استشرافاتها للرحلة إل��ى الخليج ال تمثل يوتوبيا ،أو حلما بالخالص على طريقة األج��داد الذين هجروا لبنان إلى األميريكتين .إن وعي األحفاد بالواقع أكثر حدة ،وهم أكثر قدرة على مكاشفة الواقع، بحيث يدركون أن جنة الله ليست على األرض، فبطلة ال��رواي��ة مؤرقة بالمخاوف والتصورات التى نقلها آخ��رون عن تجربة السفر إلى بيئة تختلف كليا إلى حد التباين مع بيروت. مشكلة بطلة الرواية ،هى وعيها العميق بهذا االرت �ب��اط المصيري ال��ذي يربط بين سيرتها الذاتية وسيرة المكان ،فهى ت��درك فى الوقت ذات� ��ه ،ال ��ذي ت�ع��د نفسها ل�ل��رح�ي��ل ،أن لحظة خروجها من المكان ،هى اللحظة ذاتها التى تتخلى فيها عن اإليمان بذاتها ،أى أنها واعية بأنها ستبدأ رحلة اغتراب جديدة عن ذاتها.
إن حركة السرد فى الرواية مشدودة طوال الوقت ،ومتوترة ،يتجاذبها شعوران ،كل منهما يمتلك من القوة ليجذب ال��ذات الساردة إليه. وهكذا ،فالرواية تتحرك على مستويين ،يتناوبان لحظات من ال�ت��وازي أو التقاطع أو االشتباك إخفاقات التواصل مع خطيبها ،موت األحبة والتداخل. واألص��دق��اء ،مثل موت صديقتها (ليلى) الذى ولعل أحد التعبيرات التقنية لهذه الثنائية ،أن ت��رك فيها جرحا ال يندمل م��ع ال��زم��ن ،فض ً ال الرواية ال تعتمد فى رسم أبعادها الزمنية على عن األزم��ات االقتصادية الخانقة التى خلفتها استرجاعات ذاكرتية مجردة ،يمكن أن تمحى سنوات الحرب .وهكذا ،تتعدد دواع��ى السفر من ال��ذاك��رة ،أو يتطرق إليها الشك ،بل تظهر وأسبابه وتلح في الظهور على سطع الوجدان بين الحين واآلخر بعض الصور الفوتوجرافية ال�ف��وار ف��ى ه��ذا األس�ب��وع األخ�ي��ر ،وقبل رك��وب القديمة ،التى تثبت الزمن فى لحظات خاصة الطائرة لمرة أخ�ي��رة ،ألبعد نقطة ممكنة عن ومشتبكة بقوة مع الذات الساردة ،فهذه الحرب هذا المكان. ال�ت��ى م��ا ت ��زال تحتفظ ببعض ص��وره��ا ،تأتي
وإذا ك��ان��ت ن ��وازع النوستالجيا تتأكد عبر مشتبكة بسنوات الطفولة ..الطفولة التى ينبغي رواب ��ط م��اض��اوي��ة متضاربة ح��د التناقض فى أن تكون سعيدة وبريئة ،ولكنها ل��م تكن أب��داً
اجلوبة -ربيع 1430هـ 39
خالصة على هذا النحو المثالي ،هكذا تتجاور الساردة على نفسها هو البدء من جديد. صورة العصفور وصورة الدم فى لحظة واحدة: حسن ..ستنفصل بطلة الرواية عن خطيبها، «بعدما طالبت بكاميرا وحصلت عليها ،صورت وت �ن �ه��ي ال�ل�ع�ب��ة ال �ت��ي ت��واط��أ ع�ل�ي�ه��ا ال�ج�م�ي��ع، شرفة المطبخ في بيتنا ،حيث وقفت ألتلصص وستستقيل من عملها المتواضع غير نادمة، على م��وت المقاتل ودم��ه ال��ذى ل��وّن خ��زان��ات وستسهر مع األصدقاء لتودعهم ،ولكي تخلص المياه ..صورت الشرفة والعصفور في قفصه روح �ه��ا ت�م��ام�اً وال تصبح عالقة ف��ى المكان، في المطبخ». ستموت صديقتها ليلى المريضة ط��وال زمن
سنرى أن للصورة تشكالت متعددة وناضجة في هذه الرواية ،إنه نضج يتطور مع الشخصية ومع حركة السرد التى تعنى كثيراً بالمشهديات البصرية ،التي تومض متجاوزة تراتبية الزمان، إنها تومض في الذاكرة عادة ،تستضيئ بالمكان (بيروت) وتضيء معها جوانب مظلمة في الذات الساردة ،فآلية التداعي الحر هو منطلق السرد ف��ي ال��رواي��ة ،حتى لتبدو ال��رواي��ة كلها شحنة سردية واحدة بال فواصل من أى نوع ،ال تقنية وال شكلية وال نفسية ،إنها حالة واحدة سديمية من اإلقامة ،وكأنها علقت في الزمان والمكان. تقول« :ولدت في بيروت ،وأقول إننى أتوق اآلن إلى مغادرتها .وبعد أن أتوق ،أحاول أن اغادرها، ثم أص��ارع نفسي من أجل أن أغادرها ،لكننى أبقى في غرفتي ،واألسبوع األخير يتحول إلى الشهر األخ�ي��ر ،واألس��اب�ي��ع األخ�ي��رة متشابهة. وليلى ل��م تمت ب�ع��د ،لكنها ستموت .وب�ي��روت ستتغير ،وبين بيروت وبيروت ال تتغير غرفتي وال أتغير أنا فيها».
الرواية ،ستموت قبل أن يجيء األسبوع األخير لتتمكن من مغادرة بيروت بقلب مستريح ،وسوف تلتقط الصور األخيرة ،وتمأل عينيها وقلبها بكل التفاصيل التى سوف تكون ذخيرتها فى الغربة، ثم« :يجب أن أكتب كي تنجح خطتي في اختراع مكان لي ..مكان أستطيع أن أقول إنه مكاني، وإنني انتمى إليه».
صحيح أن الرواية تنتهي في سطورها األخيرة بصعود البطلة سلم الطائرة ،ثم شعورها بخفة مباغتة عندما تطير وتحلق فوق بيروت؛ لكن المفارقات الزمنية التى تجيدها هالة كوثراني، والمتقابالت الشعورية التى تنسجها بمهارة عبر لغة شديدة اإليحاء ،والبناء الترجيعي الغنائي ال��ذي يجعل من الرواية أنشوده تراجيدية فى ع�لاق��ة اإلن �س��ان ب��ال�م�ك��ان ،ك��ل ه��ذه ال�م�ه��ارات واإلمكانات الجمالية لروائية تكتب كما تتنفس، وضعتنا أمام نص مفتوح الداللة متعدد المعاني، حتى يمكن ق��راءة النص عبر أكثر من مسار: ال�ح��رب ،والفقد ،وإرادة الحياة ،واالغ �ت��راب. سيفيدنا المقطع األخير لغوياً في التعرف والكتابة بوصفها وطناً للذات. على الطاقة الشعورية التى تحتشد بها الذات إن الكتابة بوصفها وطنا للذات هو معنى ال �س��اردة ،إنها ذات خ��ارج��ة لتوها م��ن تجربة يشيع فى الدراسات النسوية ،ليشير إلى المأزق حرب ،ومتجهة لتوها إلى حرب أخرى وهكذا .الذى عاشته المرأة عندما عملت الثقافة طوال بين بيروت وبيروت ..وبين حرب وحرب ،ال شيء الوقت إلى تهميشها وتعميق اغترابها عن ذاتها؛ يتغير ،إن التغيير الملموس الذي تطرحه الذات لهذا ،فإن الكتابة هي طريقة الستعادة الذات
40
اجلوبة -ربيع 1430هـ
وإذا ك��ان��ت ال�س�ط��ور األخ �ي��رة تنتهي بخفة الرحيل والخالص من عالقة معقدة مع بيروت، ف ��إن ال �س �ط��ور األول� ��ى ال ت�خ�ل��و م��ن ه��واج��س االغ �ت��راب ،ول��واع��ج الحنين ،وكأنما ت�ق��ول إن مفارقة لبنان ليست سوى سبي ًل لعودة أخيرة، وفرصة للبدء من جديد.. «فى الغربة نموت أيضاً ،نعيش لصباح ينتهي سريعاً ،ونحتمل أوق��ات الظهيرة قبل أن يأتي االنهيار مساء ،حين نشتاق إلى أهلنا ،وشوارع تغيرت ولم نغيرها فى الصور ،في الذاكرة ،وفي البطاقات البريدية المنقرضة». ف��ى ال��رواي��ة طابع سير ذات ��ي ،يجعلنا نرى ت��وح��داً بين بطلة ال��رواي��ة وكاتبتها ،ولعل هذا الطابع السير ذات��ي يشير إل��ى ال��روح النسوية التي كتبت بها الرواية ،سواء من حيث احتشادها بتفاصيل الحياة اليومية ،أو من حيث قدرتها على ق��راءة ال��ذات فى الوقت نفسه الذي تقرأ فيه الواقع. وفى الرواية نجد هاجساً بحرب جديدة ،من غير أن تندمل ج��راح الحروب السابقة ،فبين حرب وحرب تظل بيروت عالقة فى سماء من (نار وبواريد) ،هذا هو الشعور الذى صدرته لنا نهاية الرواية بمشهد الطائرة وهى تحلق بركابها فى سماء بيروت ،وكأنما يعكس فى أحد معانيه، مجموعة من المصائر المعلقة التى تحدد هوية المكان.
التفاعل السسيو ثقافي بطبيعة الحال ،فـإن نصيب المرأة المبدعة
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
وتثبيتها ف��ى ال�ت��اري��خ؛ وم��ن ناحية أخ��رى هى طريقة لتقويض التاريخانية الذكورية ،وفضح ممارسات الرجال (صانعو الحروب).
م��ن كتابة تجربة السفر قليل وم �ح��دود ،ومع ذلك ،يمكن أن نرصد عدداً من األعمال الروائية لكاتبات من النساء أكسبن هذه التجربة طعماً جديداً ومميزاً ،بل وبدت أعمالهن أكثر اقتراباً من واقع المجتمعات التى تناولنها ،وأكثر قدرة على فهم ثقافتها وتقاليدها ومالبسات حياتها اليومية مما كتبه الرجال؛ ربما ألن الطبيعة تجعل المرأة أكثر اهتماماً بالتفاصيل وأكثر قدرة على مالحظة مفردات الحياة اليومية وأكثر عناية بالحراك االجتماعي والطبائع اإلنسانية .ومن ناحية أخرى ،فإن العالم المغلق للمرأة العربية، وهو العالم األكثر قدرة على تجسيد التأثيرات الثقافية للمجتمع ،يصعب اختراقه واالقتراب منه بالنسبة للرجال ،فيما يمكن للمرأة الكاتبة دخوله. فبطلة رواية (فى ثوب غزالة) لعزة بدر ،فتاة مصرية متعلمة تحظى بقدر كبير من الثقافة، كان عليها وفق سياقات اقتصادية ومجتمعية مستحدثة أن ت��زف م��ن مطار القاهرة لتلحق بزوجها الشاب ال��ذي يعمل فى السعودية ،إن ص��ورة ال�م��رأة التابع تطل علينا منذ البداية، وهى إشارة الغتراب تاريخي عانته المرأة فى المنظومة الثقافية ،غير أن ه��ذا االغ �ت��راب �ا ،ال يعفيها م��ن مواجهة أشكال القائم أص�ل ً االغ��ت��راب ال �ج��دي��دة ال�ت��ي لحقت بمجتمعها، ونعني بها ظاهرة الهجرة إلى دول النفط ،وهو اغ �ت��راب مسئول عنه ال��رج��ل بوصفة مسئوال عن الوضعية االقتصادية للمرأة التابع ،وفق سياسات الحكم الجنسي على نحو ما جسدته (نورا) بطلة «بيت الدمية» ألبسن ،أما بطلة (فى ث��وب غ��زال��ة) فكانت ق��د ب��دأت رح�ل��ة اغ�ت��راب اجتماعي مركبة ،عندما يتحتم عليها أن تخلع ثوب الفتاة ،لترتدي ثوباً أكثر تعقيداً ،هو ثوب
اجلوبة -ربيع 1430هـ 41
الزوجة واألم ،بكل أبعاده االجتماعية والثقافية. غير أن السفر دفعها إلى أن تبدأ هذه التجربة في مجتمع ال تشعر أنها ج��زء من ثقافته ،ما يعني تغيراً في مسرح األح��داث ال��ذي ستبدأ عليه حياتها الجديدة ،ومن ثم تتغير كل قواعد اللعبة؛ فالفتاة التي تتحول إلى زوجة وأم ،تقوم ب �ه��ذا ال���دور االج�ت�م��اع��ي ع�ب��ر م���وروث ثقافي وخبرات مخزونة ،يباركها المجتمع ويدعمها لتقوم به على أكمل وج��ه .وعندما تجد بطلة «فى ثوب غزالة» نفسها في عزلة عن أى محيط اجتماعي يعينها على حياتها الجديدة ،تدخل حالة من العزلة ،والرفض لوجودها هنا ،حتى أن جسدها يرفض الحمل ،بما يعنى اغترابا جديدا عن جسدها كأنثى .لكن مشاعر األمومة واألنوثة تدفعها إلى أن تبدأ فى مراجعة تجربتها ك��ذات عالقة فى التاريخ ،ثم ك��ام��رأة مصرية، وتقارنها بتجربة المرأة السعودية ،كما لو كانت تبحث لنفسها عن مبرر أو سبب يفسر ما هى فيه « :النساء هنا لم تصل إليهن ثورة 1919م، لم يتخرجن من مدرسة السنية ،لم يجتمعن فى بيت األمة ،لم يهتفن فى المظاهرات ،ما حملن بذور ثورة تصبح شجرة.»... إنها ت��درك ذاتها تاريخياً على نحو يميزها عن النساء السعوديات ،لكونها حاملة لتاريخ ال بأس به من الحداثة ،يعضد الصورة النمطية التى كونتها عن المرأة السعودية التى ظنتها كما لو كانت ام��رأة حبيسة الخباء.إنها حاملة لبذور ث��ورة ،يمكنها أن تصبح شجرة على حد تعبيرها لو قامت على رعايتها ،ومن ثم تدرك أن خالصها كامن فى المعنى الثقافي ،إذ عليها أوالً ،أن تستكمل دراستها للماجستير التى كانت ق��د قطعتها بسبب السفر ،وألن�ه��ا باحثة فى التاريخ االجتماعي على وجه التحديد ،فإن هذا
42
اجلوبة -ربيع 1430هـ
سيعينها على الوقوف على العالمات الفارقة فى تجربة المرأة بين الهنا والهناك ،ونتيجة لذلك أنها تتفهم خصوصية كل تجربة ،ما يعني استعدادها لقبول هذا االختالف واحترامه. فنجد لدى بطلة (فى ثوب غزالة) سعياً إلى تفهم الخصوصيات الثقافية للمجتمع ال��ذى عليها أن تعيش فيه على ال��رغ��م م��ن إدراك�ه��ا لخصوصية تجربتها ،تقول معبرة عن رغبتها فى امتالك معرفة كاملة بهذا المجتمع« :على أى حال...هنا ،أو فى بالد واق الواق ،ال بد أن أعيش ،سأصنع عالمي ..لن يردنى عن المعرفة سبب ،لن يردنى حجاب». لقد تفتق ذهنها عن حيلة الختراق حواجز االغتراب والعزلة التى ضربتها تقاليد المجتمع السعودي من ناحية ،وباركها زوجها بحجة أنه يخشى عليها من السعوديين الرجال بما يعكس تبادل المخاوف ،إذ كان عليها أن تستهلك الوقت البطيء لحين عودة زوجها من عمله مكدوداً غير قادر على فتح عينيه. كانت حيلتها أن تنطلق إلى مكتبة الجامعة ال�ق��ري�ب��ة لتحصل ع�ل��ى ب�ع��ض ال �م��راج��ع التى تعينها على استكمال بحثها ،وه�ن��اك ،نجحت فى التعرف على طالبات وموظفات سعوديات، وبهذه الطريقة ،نجحت فى الوقت نفسه الذي تكسر فيه عزلتها أن تزرع نفسها شجرة مصرية فى قلب المجتمع النسوى السعودى ،مستفيدة من دراستها لعلم االجتماع. ل�ه��ذا فهى ت�ب��دو منسجمة م��ع ذات �ه��ا ،حين تحتفي برصد مظاهر ثقافية سعودية عديدة، تلمسها داخل بيوت السعوديات عندما تشاركهن فى حفالتهن ومناسباتهن .وتقف عن قرب على مشاكلهن حتى العاطفية منها .ومع الوقت تصبح
لكن ح��دث�اً ف��ارق �اً يقع ليجسد ذروة القمع الذكوري الواقع على النساء ،عندما شب حريق فى بيت الطالبات السعوديات ،راح ضحيته عدد م��ن صديقاتها ال�لات��ي منعن م��ن ال �ه��روب من الجحيم س��اف��رات ال��وج��وه وبمالبس ال�ن��وم ،إن القصة مستوحاة من حكاية شعبية مصرية عن نساء احترق حمامهن والالتي خجلن الخروج م��ن الحمام ع��اري��ات احترقن ،وص��رن مضربا لمثل شعبي مصري يقول« :اللى اختشوا ماتوا». وهكذا يتشابه تاريخ ال�م��رأة بين المجتمعين: المصرى والسعودى. هذا الحدث ،وإن أدخلها فى حالة من الرعب واالكتئاب ،إال أنه يزيد من عمق إحساسها بمأساة ال�م��رأة العربية عموماً والسعودية خصوصاً؛ ومن ثم تدرك أن اغتراب المرأة الحقيقي هو اغتراب ثقافي ،كما أن الفروق بين وضعيات
دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات
صديقة لكثيرات من السعوديات ،بل وتتدخل لحل مشكلة عاطفية بين زوجين انفصال ،ويتعين عليها أن تلتقى بالزوج فى مكان عام لتنقل له وجهة نظر طليقته ،لكن الزوج يبدأ فى مغازلتها هى من منطلق شائع أن المرأة المصرية التى ج��اءت من مجتمع أكثر انفتاحاً الب��د أن تكون سهلة المنال .هكذا تدرك أن الذهنية الذكورية هى التى تحدد صورة المرأة سواء فى مجتمعها أو المجتمع ال�س�ع��ودى .وال��رج��ل يتعامل معها على أس��اس م��ن تلك ال�ص��ورة التى تدخل فى موروثاته الثقافية دونما اعتبار لما تكون عليه حقيقة ال�م��رأة .هكذا تفهم بطلتنا ،أن المرأة هنا ،كما هى فى كل المجتمعات العربية ،تعاني من وجودها المستمر تحت اختبارات ذكورية قاسية ،ومن ثم يبدو انحيازها للمرأة السعودية، هو انحياز لذاتها فى نفس الوقت.
النساء فى مجتمعاتهن تكمن فى المعنى الثقافى لكل مجتمع .لهذا تصر بطلة الرواية ،على أن تندمج فى النسيج الثقافى للمرأة السعودية. ومن ناحية أخرى ،تصبح أكثر يقينا ،بأن تجربة التحرر الثقافى التى بدأتها المرأة المصرية من مدرسة السنية هى البذرة األولى للشجرة، أو الخطوة األولى الصحيحة نحو طريق طويل لتحرير المرأة من ن��وازع االغتراب التاريخى، ومن ثم تحرير ذاتها كأنثى. إن حادث محرقة النساء ،نقطة تحول هامة، ليس فقط فى البناء ال��درام��ى للألحداث ،بل فى البناء الثقافى لبطلة ال��رواي��ة ،ففى نفس الوقت ،وم��ن خ�لال الرسائل التى تتبادلها مع أستاذها والمشرف على رسالتها العلمية (د. نزيه) ،تكتشف خواء وزيف هذا الرجل المثقف الكبير ،الذى يمثل فى نفس الوقت رمزاً للسموق األكاديمى والعقل العلمى المؤسس على أفكار ال ذك��وري��ا فجاً لخطاب بربجماتية ،تعد تمثي ً الحداثة الملتبس بمعانى االستعالئية األوربية، بوصفه نموذجاً للترتيب الهيراركى للعالم على أساس من مركزية ثقافية تبدأ بأوربا ،ثم تنطوى على مركزية النوع التى تبدأ بالرجل األبيض. إن ه��ذا المعنى المركب ،يظهر فى عالقة الدكتور نزيه ،بـ (كلود) المشرفة اإلداري��ة على المنحة األمريكية التى حصل عليها الدكتور نزيه إلقامة مركز أبحاثه االجتماعية والثقافية، فبرغم أن نزيه هو مدير المركز ،وكلود مجرد سكرتيرة له ،إال أنها تمارس استعالءاً جنسيا ف��ى عالقتهما ال �س��ري��ة ،أى أن (ك �ل��ود) تضع الرجل الشرقى فى الهامش ليصبح مجرد فحل يرضي نهمها .إنها ص��ورة االستعالء الجنسي في النظرة الغربية للشرق على نحو ما جسدها
اجلوبة -ربيع 1430هـ 43
الطيب صالح فى موسم الهجرة إلى الشمال ،إل ��ى االس��ت��ق��رار ،وك��أن �ن��ا إزاء ب �ش��ارة بميالد بما يكسب العالقة بين كلود والدكتور نزيه بعداً جديد .كما تكتمل حلقة اندماجها مع المرأة سياسياً. السعودية ،كعالمة على توحد المصير النسوي
أم��ا التحول الثانى ال��ذى ح��دث لبطلة (فى فى الثقافة العربية ،من خالل مشهد دال ،وهو ث��وب غ��زال��ة) ،فهو رغبتها فى اختبار التجربة المشهد الذى منح الرواية اسمها ،حيث أعدت ال خاصاً ،يستدعى الدينية ع��ن ق��رب واالل�ت�ح��ام ب�ه��ا ،وي��أت��ى هذا صديقاتها السعوديات حف ً ك��رد فعل لعلمانية الدكتور نزيه المفرطة من م��ن ت��راث س�ع��ودي ،محتشد بطقوس وتقاليد ناحية ،فرسائلة لها كانت تحمل سخرية من سعودية خالصة ،وفيه ألبسنها ث��وب الغزالة، نزوعها الدينى ،ومن ناحية أخرى ،فإن حادثة وع�ل��ى دق��ات موسيقى وغ�ن��اء س �ع��ودي ،راح��ت بيت الطالبات التى أودت يحياة بعض صديقاتها ترقص بينهن وتغني ،رقصات وأغ��ان سعودية أدخلتها فى حالة من الهلع واالكتئاب النفسى وج��دت فيها ع��ذوب��ة وج �م��االً ل��م تكن تتوقعه، تجاه التشدد الديني ،وم��ن ثم تخوض تجربة ليصبح هذا المشهد المرسوم ببراعة ،تدشينا الحج بنفسها لتفهم التجربة الدينية على نحو لتحالف نسوى ينهض على ثقافة جديدة ،تحترم أعمق ،وهناك رأت تالشى الفوارق االجتماعية خصوصية المرأة ،وإعالناً صريحاً لتجاوز كل والجنسية ،ورات ال �م��رأة جنبا إل��ى جنب مع حواجز االغتراب المكاني والنفسي لدى بطلة الرجل ،فيعكس ذلك معنيين: ال��رواي��ة ،فالغزالة ه��ى المعنى ال�ب��ري للمرأة األول تطهير روحها من االغتراب عبر رحلة العربية ،والتمثيل الجمالى لها على نحو ما غمرتها بالسالم ،عندما ذابت بين حشود النساء جسدته الثقافة العربية عبر تراثها الشعرى. بوصفها ذلك الكيان الجميل المغوى بالقنص. والرجال المسلمين فى الطواف حول الكعبة.
والمعنى الثانى :تطهيرالثقافة الدينية نفسها من تهمة تهميش المرأة .بعد أن أشعلت النار ف��ى بيت ال�ط��ال�ب��ات .إن ال �ن��ار تظهر ف��ى أحد مستوياتها رم��زاً للتطهير ،وكأننا نحتاج إلى ث��ورة تصحيح تاريخية نحرق فيها كل أنظمة القهر .التى أبرزها فى هذه الرواية قهر الرجل للمرأة.
كما تتوقف الرواية عند أنماط لنساء ورجال
سعوديين ،تتوقف أيضا عند أنماط لنساء ورجال
مصريين تعرفت عليهم فى السعودية .تصهرهم تجربة السفر وتضعهم على المحك فتتكشف
مالمحهم عن ممارسات بعضها مخجل وبعضها مضيء .بعضها يعانى انسحابا للداخل ،وبعضها يقدم على انطالقات غير محسوبة بما يعني أن
وال غ��راب��ة ب�ع��د التطهير أن يكتمل حمل تجربة السفر هنا ليست مجرد رحلة فى المكان بطلة ال��رواي��ة بعد أن ع��ادت عالقتها بزوجها بقدر ماهي تجربة الختبار الذات أيضا. * كاتب وناقد من مصر. 1ـ هالة كوثرانى :األسبوع األخير (رواية) دار الساقى بيروت 2005م. 2ـ عزة بدر :فى ثوب غزالة (رواية) كتاب الحمهورية القاهرة 2006م.
44
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
جميل ...ألنـه ...بعيـــــد!
> حنان الرويلي*
ك ��ان ب ��درآ يحتجب خ�ل��ف س�ح��ب ال �ع �ب��اءات أعيننــا.. السوداء تارة ..وخلف سحب مالبس الممرضات البيضاء تارة أخرى.. لكزت زميلتي هدى التي وجدتها قرب عيادة طبيب األسنان ،وقلت لها :أتصدقينني؟! أتمنى أن أتحول اآلن إلى قطعة حلوى!.. سألتني متعجبة :ولماذا يا مجنونه؟! قلت لها :أري��د أن أك��ون قطعة حلوى ..حتى تقطعني مالمح ذل��ك الرجل الوسيم إل��ى قطع صغييييييرة ..يلتهمني بعدها كـطفل فَرِ ٍح في يوم عيد..
فأجبتها ساخطه :لكنه ق�م��ر ..وه��ل يخفى القمر على الناظرين!! وكان جوابها حاضراً عندما قالت لي :تمعني هذا القمر جيدآ.. ستجدينه مليئا ب��ال �ن �ت��وءات وال �ت �ش��وه��ات.. ويعاني من النقص غالبية الشهر ..وي��دور في األيدي ،كمقبض الباب! أنت أيضآ؟؟ سألتها مشدوهه :وهل تمعنتيه ِ أجابتني بعد زفرة حرقه فى صدرها :نـــعم
ضحكت وقالت :وسيتبعك بكأس لبن يتجشأ
إني أتمعنه كل ليله ..ألنه زوجــــي الذي أطالبه
قالت ساخره :إنها أحلـااااااامنا ..تُــزينـهم فى
جميل ....ألنــه بـعـيـــد!! ..
ب �ع��ده ..ث��م ي �ن��ام ..وه��و يشخر وي�ن�خ��ر ،لتتمني باإلنفصال منذ مدة! آنذاك لو أنك صماء ولست قطعة حلوى.. ... نهرتها من مغبة تشويه أحالمي التي لو قدر ... لها أن تهبط من سماء خيالي ..لسكنته بتفاصيله، ... كما تسكن الروح الجسد..
* قاصة من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 45
الباب في مهمة خاصة > فهد املصبح
الكل في المدرسة يدرك مدى ذكائها ،رغم حداثة سنها ,طفلة في العاشرة ,وهبها الله النبوغ وقراءة األفكار ,لكنهم ال يتوقعونها بهذا الفقر المدقع ,فسجاياها غطت كل بؤس طبع أسرتها ,تود لو يحس أحد بحالها دون أن تفصح ,فطلبات الدراسة أرهقت والدها الذي ال يتوانى عن توفيرها مضحيا بكل ما يملك. تمتلك الكثير من األجوبة ,لكنها اليوم تسأل أباها بإلحاح عن باب بيتهم ,فيخبرها أنه عند النجار ليصلحه ,وتنتظر ..وال يأتي الباب ,ما جعل أباها يعمد إلى سد الفتحة بأعواد ولحاف سميك. لعوز مفاجئ ،باع أبوها الباب دون أن يخبر أسرته بذلك ،فأحدث ذلك فراغا في مخيلتها ,فصارت يوميا -وقبل ذهابها إلى
46
اجلوبة -ربيع 1430هـ
المدرسة -تتوقف عند مدخل بيتهم لترى آث��اره وتتخيل شكله ,فكتبت عنه سطورا ضمنتها خلجات عشق غريب ,يشرح مكانة ال�ب��اب ف��ي حياة سكان ال ��دار ,إن��ه الحرز والستر ,إنه واجهة للمنزل ..بداية النظام ونهايته ,إنه االحترام لحق اآلخرين ,ينوب عنهم ف��ي غيابهم ,ويحرسهم ف��ي ليلهم, دون ملل أو كلل ,ثابت في مكانه كجندي
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
مخلص ,إن��ه الفم ال��ذي يلتهمهم ف��ي قدومهم, ويفرغهم عند رحيلهم ,إن��ه ي �ش��ارك األب في الحروف نفسها. كانت كلمات المقال خارجة من قلب انتزع بابه بنكهة شوق محمرة ,فنال المقال إعجاب األبلة فقدمته إلدارة المدرسة ,التي رشحته للمسابقة الكبرى لمدارس المنطقة ,وفاز بالمركز األول دون منافس. وص��ل إل��ى المدرسة خطاب شكر ،مشفوعاً بدرع عن مسابقة المقالة ،ومكافأة مالية للطفلة صاحبة المقال ,تسلم لها في الحفل السنوي. جاء احتفال التكريم في مبنى كبير ،أنشأه األهالي من تبرعاتهم العينية والنقدية ,وهناك رأته ..مغ ّي َر المعالم بدهان براق ,فوقفت عنده أن تأخذه حين يحضر النجار القتالعه. تشمه ,تتفحصه ,فيتأكد لها أن��ه ه��و ه��و باب عادت إلى البيت وهي تبكي ،وتذرف دموعا بيتهم الغائب .اقتربت منه أكثر ،والتصقت به ال تريد أن يراها أحد ،فهي تدرك عوز والدها خاطفة منه قبلة سريعة لم يتنبّه لها أح��د ,ثم وتضحيته ,ل�ك��ن ال ب���اس ..ستعيد ال �ب��اب كما مضت. وعدوها بذلك ..وستفرح به والدها وأهلها. كانت المديرة والمدرسات يتجولن في أقسام أقبل والدها عليها ..فقرأت في وجهه عوزا المركز مع الضيوف والطالبات المتفوقات ,وهي يرتسم في تجاعيده ,وقبل أن تبلغه بعودة الباب, تقسم على المأل أن الطفلة ال تفيها حقها هذه أخ�ب��ره��ا أن ال�ن�ج��ار يفضل إص�ل�اح ال �ب��اب مع الجائزة البسيطة ,بل لو أخذت ما في المبني كله النوافذ دفعة واحدة ,وأقل كلفة. لما وفاها حقها ,لكنها ..اختارت الباب ,فنظروا فصمتت واتجهت إلى غرفتها ,واستسلمت إلى إليها بدهشة ,ولئن كان تصرف العباقرة غريبا.. لكنه ال يصل إلى هذا الحد؛ فالباب مجرد خشب سريرها تبكي ..إلى أن غلبها النوم ,فرأت نجارا يعالج قلع نوافذ تصرخ مستغيثة ..تلوح بذرفها ال يفيها حقها ,ولكنها تصر عليه. نحو السماء ,فتستمطرها بابا ,يوقظ صريره ومر الحفل بسالسة ومرح ,واستلمت مكافأتها ذاكرتها الصغيرة ,فتندفع نحوه كفراشات حقل وشهادة التفوق ,وعينها على الباب الذي وعدوها من الزهور. * قاص من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 47
قصص قصيرة جدا ً قيد..
> محمد صوانه*
بقاء! ..
توشّ حت قيدها ،ورمت بمفتاحه ذات غفلة ..ثم مكثَ يغاز ُل أحضا َن السحاب.. شب عليه.. سرمدي َّ ٍ انفالت ٍ قامت ترقص حتى أعياها النعاس ..وعندما جاء يرنو إلى الصباح تعالى صراخها وهي تستنجد للنهوض!.. �س على مقربة من ح��راس ِأس��راب الطيور هَ � َم� َ
نهاية!! ..
المهاجرة نحو الجنوب..
الشمس ،ثم رميت جم َع بقاياهُ المتناثرة ،وهو يتحشر ُج الهثاً.. َ في األمس كنت تسابقين ِ نفسك معها بين أحضان الغسق ..دون أن تدركي ثم ص َد َح لح َن البقاء! ..
أنها نهايتُك!!..
بركان! حجبتْ قرص الشمس.. في ساعة غفلة.. ذُهلوا.. فزعوا.. تلمسّ وا رؤوسَ هم.. صرخوا: ليست غيمة!.. تجمدوا في مخابئهم.. مكثتْ ردحاً من نهار.. لم تج ْد منهم صدى.. لملمت أطرافها، ثم انفجرت كبركان!..
48
اجلوبة -ربيع 1430هـ
وح ��ده الفتى ظ��لَّ ف��ي س��اح ال��وغ��ى ..يقاتل
بسيف عتيد..
وع�ن��دم��ا ف � َّر المعتدي ،وه ��دأت العاصفة..
نصب خيمة النصر على أنقاض بيته ..ثم احتفل بصالة الشكر وحيداً..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
وحيداً..
كفن عندما سقطت قذيفة جديدة ..انتزعوا علم
السارية ليكفنوا به رضيعاً كان يأوي مع ما تبقى
من أسرته بين مقاعد المدرسة..
مانشيت!!.. تلقف جريدته التي اعتاد قراءتها كل صباح،
صورته! .. ال يرى أبعد من أرنبة أنفه.. يحمل معه دائماً
أحس أن الجريدة ثقيلة بين يديه ..دُهش..
زالت دهشته ،عندما الحظ أن يديه تلطختا
بدماء نزفت من المانشيت الرئيس للجريدة،
لحظة مالمسته!!..
مرآة واحدة ..يطالعها كل حين.. ألصق عليها صورته يوم عرسه!..
شمعة! .. أشعل شمعته على طاولته المفضلة ..في عتمة مقهى مقفر ..يتأمل في ضيائها ،ويسطِّ ر من نتاجه قرطاس يتلوى بين يديه من كثرة الطيّ .. ٍ في أخذه النعاس بعيداً.. وفجأة ،تألألت شموع كثيرة ..انتشر ضياؤها في أجواء المكان.. شمعته ..كانت تأوي إلى لحدها!..
يتيم الطفل الذي فقد أباه ذات صباح،
تجمع حوله في يوم الفقد خمسون..
أغدقوا عليه حزمة من حنان.. وقميصاً وحذا ًء وبنطاالً،
وخمسين درهماً..
تخدّر الطفل أسبوعاً،
ونام في النهار!
تفرق الجمعُ..
بعد خمسين يوماً،
شوهد الطفل تائهاً!..
* قاص من األردن ،مقيم في السعودية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 49
قصص قصيرة جدا قمة التضحية قررت في آخر لحظة أن تموت ويبقى ابنها الوحيد على قيد الحياة ..تم إجراء عملية نقل القلب منها إلى جسد ابنها ،ولكنها لم تكن تعلم أنه قبل العملية قد فارق الحياة!
األخيرة كانت هذه آخر سيارة من أحدث الطرز التي سيمتلكها ..ألنه عندما سار بها حدث خلل فني بسيط في المحرك أدى إلى انفجارها ،ولم يبق لها أثر قط.
لوحة
> عبير املقبل*
بساعة ..ذه��ب فجأة إل��ى المنزل فلم يجد لها أثراً.
طفل بعد حمل تسعة أش�ه��ر ..قضتها باألمنيات
بقدوم المولود البكر ...حانت لحظة والدتها... ولخطأ طبي أصبح معاقاً إلى األبد.
خيال كانت تلك مواصفات شريك حياتها ..رفضت
الكثير الكثير بانتظاره ..وعندما جاء نصيبها.. لم تجد فيه أيا من المواصفات التي بنتها في
خيالها.
كل يوم تتأمل بها ..ولساعات دون أن تشعر بمضي الوقت ،وحينما اتسخت أرادت تنظيفها نظرت في مرآتها ..فوجدت شيئا غريبا.. لتكتشف أنها عبارة عن عدة لوح تشير إلى لغز وهو أن صورة قبحها تزيد عما هو في الواقع. مبهم.
مرآة عاكسة
قطع الشك باليقين
عمر أصيبت بمرض خبيث ..أيقنت أن نهايتها
بعد انقضاء شهر العسل ..وعودته للعمل.. كلما حاول االتصال بها ،وجد خط هاتف المنزل ستكون في لحظة.. وف��ي لحظة ..م��ات زوجها وابنها في حادث مشغوال ..تكرر ذلك مرات عديدة ..وأخيراً قرر حسم األمر وقطع الشك باليقين ،بعد خروجه سير. * قاصة من السعودية.
50
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
شتاء السارد مشهد :1
> محمد النجيمي*
ورائحة النتن تقصي السارد عن المشهد!
الواحدة صباح ًا السارد يمزق كتابه األخير ،يتناوش صفحاته بأظافره ،ويوغل في تمزيق جسد الورق .صاحبه يحتضن الكتب األخرى ويحول بينها وبين السارد
مشهد :3 قبل الفجر بقليل السارد أم��ام كومة حكاياه التي تعلوها كتب
ال�م�ج�ن��ون .ص��راخ�ه�م��ا ي�ع�ل��و ،وال �ك �ت��اب األخ�ي��ر متعددة العناوين ،يوقد ع��ود الثقاب ..ويرقب
خمدت أنفاسه.
مشهد :2 قبل ذلك ..أول المساء ال�ش��اع��ر ال �ح��داث��ي يحضر للمشهد ،ي��راود ال �ل �غ��ة ع ��ن األج� �س ��اد ال �غ �ض��ة ،وي �ج �ت��ر ذاك� ��رة أجداده الجاهليين .يموت الوعي على حد قلمه
الحريق وهو يكبر على عينه. بينه وبين اللهب ..تتخلق صورهم؛ التوحيدي على يمينه يرمقه بحزن ..والشاعر على يساره مرتديا نظارته الطبية ،يمسّ د شاربه ويقذفه بنظرة شامته. جلس السارد منكسرا بجوار النار ،وأغمض
المنتصب ،تموت الحداثة على سرير القصيدة ،عينيه ،يتحسس بردها الذي جمد أضالعه.
* قاص من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 51
قصص قصيرة جدا ً محاضرة
الطمع
ألقى دكتور مثقل بكنوز المعرفة محاضرة قيّمة لمدة ساعتين أو أكثر .كان يجلجل ويصول ويحرك يديه ،ويرفع بعناء كبير صوته المتقطع ال �م �ب �ح��وح .ن ��ام ال �ح��اض��رون وش� �خ ��روا ،فخرج الدكتور غاضبا شاتما جمهور آخر الزمان؛ ألن الحاضرين ما زالوا نائمين في كهفهم!..
س��اف��ر ش��اب ع��اط��ل إل��ى ال �خ��ارج ،ف �ت��زوج ع�ج��وزا نصرانية ث��ري��ة ،تملك الكثير م��ن األب �ق��ار والخرفان والدجاج ،ماتت المواشي كلها ولم تمت العجوز ،فطلقها الشاب العاطل بالثالث ليبحث عن عجوز غنية أخرى.
قصص قصيرة جدا اح �ت��ج ال�ت�لام�ي��ذ داخ���ل ال �ف �ص��ل ،وص��رخ��وا في وجه أستاذ اللغة العربية ال��ذي تخشب في المؤسسة أربعين عاما وما بدل تبديال .احتج الطلبة صارخين يائسين ،ف�ن��ددوا بالمقررات الدراسية الزائفة التي ال تنتهي ،وقالوا بصوت مرتفع« :نحن في زم��ن العولمة ،نحن في زمن الساندويتش والهامبورغ ،نحن في زمن الثورة الرقمية ،اتركونا من الكتب الورقية الصفراء، وأري�ح��ون��ا م��ن جنس ال��رواي��ة وق ��راءة النصوص ال�م�س�ت��رس�ل��ة ،ال ن��ري��د س ��وى ق �ص��ص قصيرة جدا».
الميراث ماتت أمهم منذ عقد من الزمن ،فمنع األوالد أب��اه��م م��ن ال ��زواج ك��ي ي��رث��وا ع�ق��اره ومنقوالته. انتظروا موت أبيهم ،فلم يمت .مات األوالد كلهم، فورثهم أبوهم ..وتزوج بعد ذلك بشابة يانعة ظلت تدلكه صباحا ومساء طمعا في موته وميراثه.. * كاتب وناقد من المغرب.
52
> د.جميل حمداوي*
اجلوبة -ربيع 1430هـ
الحمامة!
أسقط الذئب الحمامة.. ونهش عظامها الطرية.. فكفنها الجميع.. ثم شيعوها بالحزن واألسى.. وكان الثعلب أول المشيعين..
الساحرة
سحرته برموشها الوارفة.. فارتمى بين أحضان الساحرة.. فأفرغت كل جيوبه العامرة.. وأرسلته إلى بلده بأيد فارغة.. ووشمته بأمراض شائكة..
القصيدة
أهلكته العاشقة.. بالقوافي المتعانقة.. واألوزان الصافية.. واالستعارات الشاردة.. فطلق القصيدة العانسة.. والرواية الساهرة.. وتزوج القصة القصيرة اليانعة جداً.. فأنجب من هذه الفاتنة.. كتابات ساخرة..
> فيصل الدغماني*
مكتبه الصغير هناك منزويا في أقصى الغرفة ..األوراق كنت أحسه وأراه!!.. م�ت�ن��اث��رة ..والحبر ج��ف م��ن ط��ول ال�غ�ي��اب ..الغبار يعتري رجعت إل��ى ذاك الرصيف ،وجلست في مؤخرته عله المكان ..إحساسي بالغرفة أنها تشتكي هجران صاحبها ..يستأنس بي من وحشته ..وأستأنس به من وحشتي ..جلست الكتب كانت للفئران وجبة دسمة؛ تلعب على هذا وتنهش في أتأمل صورته ..أفكاره الخالدة ..حديثه الهامس ..نظرته هذا ..حرة طليقة!!.. المتأملة..
ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة
وطن اخللود..
فتحت نافذة الغرفة ..صافحتني السماء بالهواء الحار.. نظرت إلى األرض فإذا بها تنضب من تحتي ..رجعت للمكتب تذكرت نضاله ..قوته ..فضحكت!!.. الصغير والذهول والدهشة كادا أن يقوداني للهوس ..نظرت *** علني أجد ورقة تدلني على صاحبها ..لم أجد شيئا سوى ع�ج��وز ق��ادم��ة ن �ح��وي ..أراه ��ا وك��أن�ه��ا تحمل األم��ل لي اليأس ..ساءلت الباب ..النافذة ..ال��وردة التي كانت تعطر مجدداً ..حدقت النظر بها ..اقتربت مني؛ فإذا بها تحمل المكان ..وال مجيب!!.. خرجت مسرعا وجلست على الرصيف ،ذاك المكان كوبا ساخنا من ال�ش��اي ..اقتربت أكثر فأكثر حتى وقفت الهادئ ال��ذي يعصف بالذكريات عندما كنت أنا وصديقي أمامي ..أعطتني كوب الشاي الساخن وذهبت وهي تتمتم نجلس عليه ..نتجاذب أطراف الحديث ..نجمع هموم الدنيا بكلمات جميلة حانية ،ودع ��وات ص��ادق��ة ..أخ��ذت أش��رب ونتداو لها في سهرتنا الليلية ..بكيت على الرصيف ..ندبت الشاي فإذا بي أفيق من سَ رَحاني.. تذكرت كتاباته ..فبكيت حتى سالت األرض من حولي..
فعلمت إن تلك العجوز ه��ي «ج��دت��ي» ب��ل وأن�ه��ا واق � ٌع حظي المتعثر لفترة غيابي ,عندما أردت إتمام آخر مرحلة من مراحل دراستي ..السؤال الوحيد ال��ذي كان يسامرني أنسجم مع ما كنت مشغوالً به ..وحينها نهضت بعدما كنت مستلقيا على ظهري ،وإذا بي أقرأ في كتاب «رحلة في وطن ويشاطرني حزني ..هو :ما الذي جرى أثناء غيابي..؟ أخذت أسأل هنا وهناك ..وال أحد يعلم ..وجدت ذلك الخـلود»!!!.. ونظرت إلى الكتاب بين ي��دي؛ ف��إذا بي قد وصلت إلى الشيخ الكبير ال��ذي يجلس دائما أم��ام المسجد ..فسلمت علية ،وسألته عن صديقي (جابر) ..صد عني ..وقال :ال ف�ه��رس��ه ،ول�ك��ن خيالي م��ا ي ��زال مشتعال وم��ول�ع��ا وشغوفاً بالقراءة الحرة.. أعلم!.. ف �ه��ززت رأس ��ي مبتسما وق�ل��ت :ح �ق��ا ..ال �ق��راءة وطن حينها تأكدت أنه رحل ،ولكن ..إلى أين؟! رجعت إلى غر فتة الموحشة بعد أن كانت منارا للعلم الخلود..؟!!! والفكر؛ تلك الغرفة التي كانت مجلساً ألرباب الفكر وصنوف المعرفة..
بأناملي المرتعشة :كتبتها.
أراها اآلن موحشة ..يلفها الظالم ..ويملؤها الغبار!!.. يقيت على حالي شهوراً ..أسأل ..وال من مجيب ..األرض قاحلة ..والسماء شاحبة ..والمياه تداعبها األمواج ..هذا ما * سكاكا -الجوف.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 53
نحن ...غربة وطــن! > املغيرة الهويدي كنت تف ّكّرين بيدي َّــك ِ لذلك أدرك��تُ جيّداً أن ِ فيك عن ِ بحثاً عن دفء ،تماما كما كنت أبحثُ ف بها الزمن لتدوم تلك وطــن ،وعن طريقة أوقِ ُ اللحظـة طويالً. *** بين حقيبتي سفر كان لقاؤنــا. وكان الوطن مختصراً بمحطَّ ــة وكغريبين ق��دره�م��ا ال��رح�ي��ل أمضينا الليل باختراع المفاجآت ،وارت��داء األقنعة التنكريَّة، لنخترق وجه الوداع بابتسامــة! وكغريبين قدرهما العشق أيضاً تحدثنا عن العابرين في محطّ ات القلب ،وعن االنتظار!
خلف حقيبتََي سفر كان وداعــنـا... وك ُّل ما في جَ عبَةِ الوداعِ وعــد مذ َّي ٌل بـ«سأبقى» وأمني ُة لو نبقى كشجرة في مهبِّ الخريف. من قال إنّ المحطَّ ـة وطــن؟! ها نحن نمضي في اتجاهين ،والدروب التي جمعتنا تفرّقت. ما عاد في القلب متّسع لحلم! ها نحن نمضي ،فينشطر األفق
وبقدر كبير من الثقة والخجل فتحنا حقائب والشمس التي تلوّح لك ،ليست هي الشمس ال��ذك��ري��ات ،وراح��ت نظراتنا تتجوَّل ف��ي أرج��اء قهر ال ينتهي. دروب وطئناها الّتي تلهبُ ظهري بسياط من ٍ ٍ اآلخــر بحثا ًعن نقطة التقاءِ في حيناً ،بحثا عن كلمة تكون كافي ًة الحتواء وع ٍــد *** بلقاء آخــر! خلف حقيبتي سفر كان وداعنا.. *** والغربة التي رحلت بك لم تتركني وحيداً ،بل وحدها الغربة تم ِّكنـنـا من قراءة اآلخـرين، مجهول آخــر. ٍ رحلت بي إلى تعطينا ال�ح��قَّ ف��ي أن ن�ك��ون أق ��رب ،يجمعنا ولم يب َق هناك سوى الوطن لوحة بال مالمح الوجــع برباطــه، تواجه قدرهـا في معرض الريح والشتاء واأللم. * قاص من المغرب.
54
اجلوبة -ربيع 1430هـ
الشمس التي رحلت > محمد عطيف
ف������ص������ل م���������ن رواي������������ة
فصل من رواية:
الكتـابة عندي ..هي متعة.. والكتابة في داخلي ..إحساس بديع ..وفن رفيع ..ال أدّعيه.. والكتابة عندي ..هي البساطة ..هي السهولة ..هي اللفظ الجميل.. والشعور الخالص ..والعاطفـة الصادقة .باختصار هي اللفظ المعبر من أول نظرة ..هي التي ال تشعر بالحيرة ..وال ترهق القلب والعقـل .عندما أكتب فأنا أنظر حولي ..مشاعرهم ..أحزانهم ..مكنونهم ..وفي ذلك أجد ذاتي وكياني. من احترامي لقارئي ينبع اعتزازي بما أكتب ..ومن تقديري لنظرته تأتلق خواطري. ..وعندما أكتب فأنا ال أكتب لهم فقط ..ولكن لكل البسـطاء ..مثلي تماما.. الفصل األول لشيء ..إ ّال ألنني ابنتك ..ولعل هذا س ّر شقائي.. شقت تلك الصفعة سكون ذلك الليل المطبق ،اضرب كما تريد ،ولكن لن أرضخ لعصاك ..فأنا عندما هوت على ذلك الجبين الغض ،في حين لم أكن في يوم من األيام مثلما يدور في بالك.. ويعتلج في داخلك.».. انطلق ذلك الصوت الغاضب قائالً: ثم صمتت قليال لتعكس دموعها بريقاً سريعاً معك ..ولم أعد أحتمل «لقد نفذ صبري ِفعلت ذلك؟ أال عادت تقول بعده: ِ ما تفعلين ..قولي لي بالله :لماذا يكفي ما أعانيه بسببك ِ أنت ومن في هذا البيت « -ل��م أف�ك��ر فيكم ي��وم��ا م��ا ..ألن�ك��م جميعا لم من حقارة المهنة وشظف العيش..؟». تشعروا بي ،وال حسستموني لحظة أنني أعني
ثم صمت ،وهو يزفر بشدة ،في حين نهضت الفتاة بقامتها الممشوقة ،وقد وضعت أناملها على جبينها تتحسس موقع الصفعة ،وعلى غير المتوقع منها في مثل هذه األحوال ،اقتربت من ضاربها ،وفي عينيها تحد عجيب وقالت: « -أع��رف أنه يمكنك أن تفعل بي ما تشاء ..ال
لكم شيئاً ..لعل اإلنسان في نظرك -يا من تحمل لقب األب -مجرد حيوان يأكل ويشرب وينام فقط !!..ال ،ليس كذلك أبداً ..لم أعتد منك إال الضرب والقسوة ،ولم ألمس فيك الحنان يوماًَ ما ..وتريد اآلن أن تصلح ما أفسدته في سنين بين يوم وليلة ..نعم قد أكون مذنبة ولكنك أنت
اجلوبة -ربيع 1430هـ 55
من زرع فيّ الجرم وغرس في نفسي اإلثم.».. عينيها اللتين لم تكد تتبين المالمح التي أمامها ول��م تستطع أن تكمل إذ انخرطت في بكاء حتى قالت في قسوة: م��ري��ر ،ف��ي ح�ي��ن وق��ف ذل��ك ال��رج��ل المتوسط « -ابتعدي عني». القامة يتحسس ذقنه المدببة وال ي��دري م��اذا وحاولت النهوض بنفسها ،إال أنها ما لبثت أن يفعل..؟ إذ شعر بغضبه ي��ذوب ف��ي مصداقية تهاوت في إغماءتها من جديد.. كالمها ..تقدم نحو النافذة وفتحها ليتدفق منها *** نسيم عذب تفيض به ليال الربيع الساحرة في مثل ذلك الوقت من السنة ..ثم التفت نحو الفتاة أشرقت شمس الربيع في اليوم التالي وتسللت التي كانت قد تراجعت واستندت إل��ى الجدار أشعتها الدافئة إلى الغرفة ذات األثاث المتواضع وه��ي تنشج ..ورغ��م ذل��ك ك��ان ي��رى أن الموقف والسرير الخشبي ال��ذي احتضن فتاة بدت في ال يحتمل التهاون ..هكذا اعتاد أن يفعل ..تقدم الخامسة عشرة من عمرها ،وقد أوحى منظرها نحوها وأمسك بخصالت شعرها في غير قسوة أنها تغط في نوم عميق ،في حين حملت تقاطيع ورفع ذقنها فراعته نظرات التحدي في عينيها وجهها خطوطا ح �م��راء وان�ت�ف��خ ط��رف شفتها رغم عبراتها الهاطلة ..بادرته: السفلى بشكل واضح ،بينما عند قدميها جلست أتظن أنك في هذا الموقف تذلني ..ال لم يعديهمني أح��د ..كل ليلة تعود كالغريب المروع.. ال يشعرون بك ..أنا فقط أشعر بك ..في تلك الساعة التي تأتي فيها لتوقع العقاب على ابنتك اآلثمة ..أبداً لم تكن في وعيك لحظة ما و.».. ودوّت الصفعة من جديد لتفقدها وعيها هذه المرة ..وخرج الرجل من الغرفة وهو يتمتم: «ف ��ي ال��م��رة ال �ق��ادم��ة س��أق�ت�ل�ه��ا وال ش��ك..سأقتلها.».. وما أن فتح الباب المقفل حتى اندفعت منه امرأة في العقد الرابع من عمرها ،حلوة المالمح، وإن ك��ان وجهها قد ع�لاه من معالم الحزن ما يوحي بشقائها ..اندفعت نحو ابنتها المسجاة ورفعتها وهي تتمتم:
المرأة نفسها ،ترقب ابنتها وهي تكاد بين الفينة والفينة أن تسقط بفعل النعاس ..وأخيراً نهضت بتثاقل ،وق�ب��ل أن ت�غ��ادر الغرفة أش ��ارت لطفل صغير بدا في الرابعة من عمره كان يلهو بجانب السرير ،أن يلتزم الهدوء ،وأ ّال يزعج أخته ،فكان رده أن نظر إليها غير عابئ ،وم��ا ك��ادت تخرج حتى ارت �ق��ى ح��اف��ة ال�س��ري��ر وأق �ت��رب م��ن جسم الفتاة وهو يهتف: « -سمر ..سمر.»..
وف �ع�لا ب ��دأت ال�ف�ت��اة تفتح عينيها ث��م تعيد اغالقهما ،إال أن ال�ن��داء المتكرر نجح أخيراً، ليس في فتح عينيها فحسب ،بل وفي مبادلتها للصبي ابتسامته ..وفيما مال عليها احتضنته وهي تقول:
«وح�ي��د ..أخ��ي الحبيب ..أن��ت الوحيد الذي «رباه ارحمهـــا».يبدو مصدر عزائي في هذا البيت ..أنت الوحيد وشيعت الرجل الخارج بنظرات قاسية ،عادت يا «وحيد» ..لكم أحبك.» .. بعدها تحاول إفاقة ابنتها التي ما لبثت أن فتحت ث��م رفعته أمامها ون�ظ��رت ف��ي عينيه اللتين
56
اجلوبة -ربيع 1430هـ
«ستكبر غ��دا ي��ا «وح �ي��د» وت �ع��رف ل �م��اذا أناحزينة ..ولعلك ستحزن أنت أيضاً؛ فأنت ال تدري ماذا يحدث في بيتنا اآلن ..الكل هنا ال يفكر إال في نفسه ..وأبوك كم هو قاس علينا! ال أعتقد أن قلبه عرف الحب يوماً أو لعله لم يسمع به بعد ..أما أمك فهي تحبنا ولكنها مثقلة بالمتاعب و.».. ق��ط��ع��ت ح ��دي� �ث� �ه ��ا ف��ج��أة عندما تذكرت أن الصبي لن يفهم شيئاً مما تقول ..ولكنها أضافت في خفوت: «م ��ن أج �ل��ك أن ��ت ف�ق��ط لنأغضب منهم ..وستكون أنت نقطة ضعفي دائماً». *** كانت «سمر» تسكن مع أسرتها المكونة من سبعة أف ��راد وك��ان وال��ده��ا رج�ل�اً بسيطا ً،يعمل موظفاً في إحدى الدوائر الحكوميــــة في وظيفة متدنية ،ولكنها على أية حال كانت تكفيهم؛ أما أمها فكانت امرأة صبورة تقوم بكل شئون البيت دون أن تطلب المساعدة ،حتى أن جمالها بدا يذوي سريعاً ،رغم أنها ال تزال في بداية العقد الرابع من عمرها ..وكان أشقاؤها األربعة يتدرجون في سنوات المرحلة االبتدائية ما عدا «وحيد» فهو لم ال بالفشل، ي��درس بعد ..كان سجل إخوانها حاف ً وأس�ع��ده��م ح�ظ�اً ك��ان ق��د قضى ف��ي السنة التي هو فيها ما ال يقل عن السنتين ..وتشعر «سمر» بأن أسرتها منكوبة ،وتعاني من التفكك الشديد؛ فوالدها ال يكاد يعيرهم ما يكفي من االهتمام،
ف������ص������ل م���������ن رواي������������ة
تشعان بالبراءة وعادت تقول:
وج � ّل همه أن يذهب إل��ى عمله ،ث��م يعود لينام، وهذا من حقه ،ولكن ليس من حقه أن يسهر الليل كله ..ولذلك كان من النادر أن يجتمعوا معاً ..ولم تكن تشعر أن لها أباً إال عندما تختصم مع أحد أشقائها فيشكوها إليه؛ فتكون حصتها من العقاب قاسية على يد والدها الذي يعتقد دوما أن العصا هي الحل األمثل دائماً، واألقدر على إعادة المذنب إلى صوابه بأسرع وقت ..وعلى ذلك المنوال سار في تعامله معهم.. كما أن اهتمامه ك��ان مقصوراً على األش �ي��اء ال�ت��ي يجد نفسه م �ج �ب��راً ع �ل��ى االل �ت �ف��ات إل�ي�ه��ا، وبذلك غدا كل فرد من األسرة أش�ب��ه م��ا ي�ك��ون بالمسئول عن ن�ف�س��ه ب�غ��ض ال�ن�ظ��ر ع��ن س�ن��ه.. أم��ا «سمر» فقد كانت شديدة الشقاوة والعناد، لذا كانت حصتها من العقاب هي األوف��ر دائماً، وكان يغيظها كثيراً أن أمها لم تكن تتدخل لتشهد لصالحها مثال ،بل كانت دائماً تأتي لتتفقد حال المخطئ بعد أن ينال ج ��زاءه ،وه��ي تأسف لما حصل له ..ومن األشياء التي تعرفها «سمر» عن نفسها أنها تملك ذكا ًء لماحاً أدركته من تصرفاتها وتعاملها مع زميالتها في المدرســـــة ،رغم أنها غير متفوقة دراس�ي�اً ،ال لشيء ،إال إلهمالها ولو بحثت عن التفوق لحصلت عليه ..إضافة إلى ذلك فهي لم تعبأ يوماً بما يقولونه عنها س��واء أهلها أو الجيران أو داخل نطاق المدرسة .وكانت كثيراً ما تشعر بعدم ترابط أسرتها وأن ذلك كان وراء حالة التسيب أو الحرية الواسعة التي تنعم بها.. وكان ديدنها أن تقول لمن ألمها على تصرف ما أن ثقتها في نفسها واعتزازها بكرامتها هي سالحها،
اجلوبة -ربيع 1430هـ 57
وال تأبه لما يقولون ،وعنها يرددون ....تشعر أنها بقوله: متقلبة المزاج ج��داً ،أو هكذا يحلو لها أن تسمع « -آه لو تتركين شقاوتك وإهمالك فقط ألصبحت زميالتها يصفنها ..وأتاح لها ذلك مرونة كبرى في شيئاً آخر.» .. تصرفاتها ،متعللة بالسبب نفسه ،وأحياناً كانت لم يطل األمر إذ في الليلة ذاتها حدثت مشادة تخالف كل التوقعات فتؤدي كل أعمالها المنزلية بينها وبين شقيقها «راضي» الذي كان يلعب الكرة بكل نشاط ،وتؤدي واجباتها المدرسية بشكل يدفع ف��ي ساحة ال�م�ن��زل ،وعندما ح��اول��ت أخ��ذ الكرة معلماتها إلى اإلشادة بها ..وال تلبث غير قليل حتى منه ركلها بقوة فأصابت آنية زجاجية فحطمتها، تعود إلى سابق عهدها ..هي نفسها تشعر بذلك، فقامت بتعنيفه واشتدت الخصومة بينهما وكانت وتحس أنها ال تملك القدرة على مسح ذلك الطبع النتيجة أن ضربته فاشتكاها إل��ى وال ��ده ،ال��ذي فهو ج��زء منها ..وحتى عندما صارحتها إحدى لم يعر حجتها أي اهتمام ولقنهما درس �اً قاسياً زميالتها بأنها تمتلك شخصية فريدة ابتسمت في من عصاه ..وفيما قنع «راض��ي» بنصيبه شعرت سخرية وقالت: «سمر» بالغيظ الشديد من والدها ،الذي لم يفرق «ال أحب هذا النوع من المزاح».بين المخطئ والمصيب ..عبثا حاولت أن تفهم ول�ك��ن عندما أردف ��ت أن�ه��ا تخشى عليها من لماذا يقسو عليها !!..وفي موقف آخر كانت تتطلع م��ن النافذة إل��ى ال�ش��ارع فلحظها أخ��وه��ا «زي��اد» المستقبل تجهمت «سمر» ولم تدرِ بمإذا ترد.. وم��ن األش �ي��اء ال�ت��ي تفخر بها أي �ض �اً جمالها فقال في خبث: ال��رائ��ع ..م��رة كتبت لها إح��داه��ن أنها إذا وقفت « -هيــه ..عم تبحثين؟ إنه لن يمر اليوم من هنا». أم��ام ال�م��رآة فسترى لها ق��وام�اً رشيقاً ،وعينان فقالت مغتاظة: بعمق المتناهٍ ،ووجه صغير بديع وشعر كلون الليل = «آخرس يا قذر». ال��داج��ي ،كما أنها تمتلك بياضاً ناصعاً ب��دا فيه فابتسم في هزء وقال وهو خارج من الغرفة: فمها كجرح صغير ..انتشت بذلك كثيراً وشكرتها أكثر عندما أضافت أنها تذكرها بأميرة إحدى »-أنا القذر إذاً !..أوليس صاحب السيارة السوداء الروايات الخيالية. بقذر أيضاً ..أتمنى لك حظا سعيداً».
وم��ا زال ��ت ت��ذك��ر ي��وم ن��ال��ت ش �ه��ادة المرحلة االب�ت��دائ�ي��ة ورغ��م أن معدلها ل��م يكن يشير إلى تفوقها ،إال أنها كانت تعتقد أن ذلك كفيل بنيل رض��ا والدها ولعله يشعره بحنان األب��وة ،فيجود به عليها ولو في هذا الموقف فقط ..تذكر أنها عندما ع��ادت بشهادتها ذل��ك اليوم هنأتها أمها بسرور عميق وقبلتها ،ما جعل شعورها المتعطش يدفعها إلى احتضانها كما لم تفعل من قبل ،كما أن والدها ابتسم لها في حنان استغربته وهو يعقب
58
اجلوبة -ربيع 1430هـ
وقبل أن تتمكن من اإلمساك به كان قد عبر الباب بسرعة فائقة ..فاصطدم بـ «وحيد» الذي كان يرقب الموقف عند الباب ،وهو يلوك قطعة كبيرة من الحلوى فشغلت باللعب معه ..كانت تحبه كثيراً لدرجة أن أمها كانت كلما رأتها متضايقة طلبت من «وحيد» أن يلهو معها فال تملك «سمر» إال االس�ت�ج��اب��ة ..أم��ا ص��اح��ب ال�س�ي��ارة ال �س��وداء فقد ك��ان شاباً وسيمًا يمر في ال�ش��ارع المجاور باستمرار ،كما يتوقف أحياناً أمام البيت ويتظاهر
« -أنا لست خادمة».
فقالت األم في غضب:
ف������ص������ل م���������ن رواي������������ة
بالحديث مع أشقائها ،الذين ظنوا أنه يطمح إلى « -المسألة ليست أنك خادمة ،ولكن يا ابنتي هذا كسب صداقتهم حتى ال يرموا سيارته بالحجارة ،واجب عليك أن تساعديني في شئون المنزل». كلما عبر شارعهم ..وف��ي كثير من األحيان كان فقالت «سمر» متذمرة: يمنحهم ب�ع��ض ال �ه��داي��ا ال�ت��ي ال تلبث أن تأخذ « -أنا متعبة اآلن كما أنني مشغولة بدروسي». طريقها إلى يد «سمر» التي كانت تشعر أنها هي قالت ذلك ،وأشاحت بيدها ما أثار غضب أمها المقصودة ..ورغم أن شقيقها «راضي «لمحها غير مرة وهي تشير له من النافذة ،إال أنه استجاب فصاحت في وجهها: لرغبتها في كتمان األم��ر مقابل بعض النقود »- ..لقد أصبحت كسولة وقليلة األدب أيضاً»، تعتبر «سمر» األمر مجرد تسلية وإن كانت تعرف فانتفضت «سمر» ،وقالت في حدة: أن هؤالء الفتيان يغلب على طبعهم الفساد ،وأنهم «لست قليلة األدب».ك��ال��ذئ��اب ،ال يهمهم إال تصيّد ال �غ��ري��رات ..نعم كانت تحاول جذبهم ،وسالحها في ذلك ثقتها في « -بل قليلة األدب ..ولكن الذنب ليس ذنبك». نفسها ،وتعرف أنها ربما دفعت في مقابل ذلك فابتمست «سمر» ،وقالت في خبث: الكثير من سمعتها ..كانت كثيراً ما تشير لبعضهم «ذنب من إذاً؟».ببعض الحركات التي تستثيرهم ،ك��أن تقف في النافذة وتبتسم لهم ،وما أن يتوقف أحدهم حتى « -ذنبنا نحن أننا لم نعرف كيف نربيك ..لقد تصفق النافذة في وجهه في عنف ،أو كأن تلقي أطلقنا لك الحبل على الغارب ،وسأدفع أنا ثمن ألحدهم ورقة فيسارع بالتقاطها حتى إذا فتحها ذلك ..صحتي ..أيتها الشقيــــــة». فإذا هي مليئة بالسباب ،بينما تضحك هي بملء ..وفي ذلك اليوم نالت من عصا والدها ما أنكى فيها ،ورغم أن الخبر طرق مسامع والدها أكثر من جسدها وشعرت بعده باألسى ورددت في نفسها: مرة ،وما أنزله بها من عقاب ،إال أن األمر بقي كما و«ما أشقاني بأبي هذا».هو ،وإن أخذت بعض الحذر فيه ..ولكم فكرت لم إنها ال تريد أن تكون مثلما قالت عنها أمها تفعل ذلك..؟ لعلها الرغبة في تعذيب اآلخرين.. أو االستهزاء بمشاعرهم ..وفي كل ،ليس لها الحق فعالً ..إنها تحبها ولكن أحياناً تقوم بأعمال ال في ذلك ..هي ال تريد ذلك في قرارة نفسها ،فماذا ت��درك عواقبها ،ثم تندم بعد ذل��ك متى ما خلت حدث لها..؟ تناقض في شخصيتها ،عاد يداهمها بنفسها ..وت�ج��د نفسها ف��ي ال �ي��وم ال�ت��ال��ي تلقي كثيراً ..حاولت أن تتخلص منه أكثر ،ولما عجزت بنفسها في أحضان أمها وهي تتمتم. وصفته بالمزاجية ..يوم طلبت منها أمها أن تغسل « -أه يا أمي لكم أنا آسفة ..أبدا يا أمي لم أشعر ثياب أشقائها رفضت وقالت: بكياني يهتز إال كلما رايتك حزينة ..وكلما كنت سبباً في ذلك ..أمي ..البارحة بكيت كثيراً ..هل
تسامحينني؟».
* كاتب وروائي من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 59
األرض املتخيلة > إبراهيم حسو*
كأنني
نلتقي كل عشر سنوات على ضفة ما غير موجودة إال في الشعر
األرض
نلتقي ونحكي عن الحيوانات الخرافية ونغامر في اإلمساك بها.
هذه التي تتركني باردا مطويا في طياتها باعتباط ال مثيل له. كأنني أتعثر باألرض بهذا العشب المؤلم الذي ال يالئمني فأغور في األعالي
وقليل من الحظ نتعانق ونلعب الوداع المر. لكن ال��وداع الذي ال يمل ..يأخذ وقتي في التفكير بهذه الجاذبية وهذه الكثافة الضاحكة للهواء ,فأسّ د الفجوة العميقة الموجودة في الشعر
في فضاء خشبي ال مثيل له.
أقصد الخريف وهو يموت وسط الباحة العامة لأللعاب الشعبية،
واألرض
أراه منطفئا وجسمه يشع وينكسر مثل الشمس األولى لدى خروجها من الفجر.
لكن كما هي وأنا كما هو
60
نفترق
اجلوبة -ربيع 1430هـ
كأنني
األرض
إل ��ى ص �ب��اح ي ��وم األرب� �ع���اء ,ت��اري��خ ال �ن��اف��ذة
هنا أكثر من مرة دخلت الظل باتجاه أشجار خاطئة أو ماء خاطيء. لكنني تبعت الفضاء الشره وال��ذي سيتهدم قريبا عام 2015 أو ربما بعد األربعاء القادم. كأنني
المكسورة ,وآالت النفخ الكبرى في الساحة العامة لأللعاب الشعبية ...أعود إلى أكياس قصب السكر أقصد الشعر ال��ذي يتلف المخيلة العاطلة, فيركض الشعراء ويموتون رويدا رويدا تحت أبطي. لكنني
أشبه الحجر البازلتي
أذكر ضياء الطيور وهي تصيح بغيظ
عندما يشتعل ويغور في األعالي.
الحيوانات الخرافية الراكضة نحو عالم خفي
وتبعت جسمي المفتت ،خنقت يديّ ورميتني من أعلى جسمي وتهدمت في مكان مليء بالقصب وحيوانات تنير وتتداخل مثلنا. كأنني
بثقة القطارات نحو حتف مجهول. كأنني كنت مختفيا هنا ومنذ قرون عديدة،
هذه
كأنني منذ الفجر كتبت هذا وذهبت،
األرض
أو ليست ل��دي زه��ور البرتقال ك��ي أقدمها
ألول مرة. وكأن هذه األرض كانت جسمي تقريبا كأنني ولدت في سرير من العواصف أو ما شابه ذلك ومتّ في أرض تغمرها الخضرة دائما. فأعود إلى
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
رأيت
األرض
لنفسي في عيد وهمي أو ليس جمالي أبهى مع تقدم عمري ورؤيتي للمسرح العبثي الذي ف ّر ممثلوه للتو فأمثّل أكثر من شجرة وأذوب. منذ األربعاء وقبل عام 2015 رأيت نفسي قرب النافذة دون طيور تذكر!!..
* شاعر وناقد سوري.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 61
عاهدته > أحمد عكور* عاهدتُ ُه
أو جئتُ ُه
أال أبو َح لغير ِه
أحبو وتثقلني الخطا
بالحبِّ والشكوى معا..
إال سعى..
عاهدتُ ُه
رفَّتْ من السحر الجوان ُح
أنِّي إذا هجعوا
م ْذ عرجْ تُ إليهِ
أبوءُ إليهِ بالحسنى التي
أمتا ُح الرؤى
أحيا بها قلبي
من ِسدرة الطهر التي
وأرْوى األضل ُعا..
أسْ ـرى بروحي حسنُها
عاهدتُ ُه
المقدس ِ فيضا من الحب ً
أفرش األهدابَ آماالً َ أن
ما ألذَّ وأبدعا!!..
وأسقيها دمي واألدمُعا..
عاهدتُ ُه
ما جئْتُ ُه
الممات ِ حتى
أمشي إلى لُقْياهُ
أكو ُن
إال أسرعا..
عبدًا طَ يـِّـعا..
* شاعر من السعودية.
62
اجلوبة -ربيع 1430هـ
> السيد موسى البدري
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
حبيبي ..وطني
�������������ي م��������ؤت��������ـَ��������م��������نُ ���������ك أن�������������������تَ ل������������ي وط������������نُ وأن�������������������������تَ ع�������������ل ّ َ ف���������دي���������ت َ �����������������������واك غ������������د ًا ك����������م����������ا ب���������������األم���������������س م��������رت��������ه��������نُ َ وق��������ل��������ب��������ي ف������������ي ه ��������������وس��������������ع ي��������������ا م��������������ك��������������انُ ل�����ن�����ا وأب���������������ط���������������ئْ أيّ�������������ه�������������ا ال�����������زم�����������نُ ّ ف �����������ك ال�������ح�������سَ �������نُ وج�����������ه َ ������ك م�������ن�������ذ ُ ت����ن����ش����ئ����ت����ي وأش����������������������رقَ ْ ع������ش������ق������ت������ـ ُ َ ����������������دك ك��������ل��������ه حَ ����������������������������زَنُ ؟ َ ���������ك ك��������ي��������ف ت�������أس�������رن�������ي !وب����������������عْ ف���������دي���������ت���������ـ ُ َ �������ط�������نُ إذا م��������������ا ك������������ن������������تَ ق������������دّ ام������������ي ت�������������ش�������������وّقَ ش������������� ْوق�������������يَ ال�������ف ِ ���������������اؤك م�������������ن ت�������ب�������اري�������ح�������ي وي���������ع���������ص���������ف ج������������� ّوه�������������ا األرنُ َ س���������������م أم������������ا ف���������ي ال���������ق���������دّ م���������ن مُ �������ل�������ح ٍ؟ ب�������ل�������ى ال����������غ����������اب����������ات و ال�����������م�����������دُ نُ ����������������������������������دكَ م�������������ن رس���������وم���������ات���������ي وإع����������������������م����������������������اري ل�����������������ه ث�����������مَ �����������نُ ُّ وق ��������ح��������رٌ ت�����������ح�����������اول ف���������هْ ���������مَ ���������ه ال�������س�������ف�������ـُ�������نُ �������ك ل������������ي ب ْ وف����������������ي ع�������ي�������ن�������ي َ ف������������أش������������رع������������ت������������ي ت������ب������ط������ئ������ن������ي وي�������ع�������ج�������لُ ف���������ي ال������ل������ق������ا ال���������زمَ ���������نُ �����������ك م������ف������ت������ت������ـَ������نُ �������ج�������ل�������هِ وأن���������������ـّ���������������ي ف�����������ي َ �����������������ب م��������������ن ت�������ع ّ ُ وأع�����������������ج ّ����������������ك ه������������ل س����ت����م����ن����ح����ن����ي رب������������ي������������ع������������ ًا ك�����������ل�����������ه ف�����������ن�����������ـَ�����������نُ ؟ َ أح���������������� ُب األس����������������������������نُ ؟ وه����������������������ل ت�������������ت�������������ح�������������رّك األم�����������������ا ه��������������ل ي�����������ت�����������ج�����������دّ د ِ ������������ب م�������ن�������ت�������ظ�������رٌ وب���������������ال���������������ودي���������������ان ل��������������ي سَ ���������ك���������نُ ������������ح ّ أن���������������������ا ل������������ل ُ ع�������ل�������ى ال��������ج��������بَ��������ل األش��������������������مّ أرى م�����������س�����������اح�����������ات�����������ي وال أه�����������������نُ ��������م��������نُ وأض��������������م��������������ن ي��������������ا ح�������ب�������ي�������ب�������ي ك�����ـ م������������ا ت�����������ص�����������ب�����������و..؛ أن����������������ا ق ِ �������ح�������ـ م�����������������ا ف�����������ي�����������ه ل�����������ن�����������ا م���������ن���������ـَ���������نُ ف�����������أس�����������دلْ م����������ن س��������ح��������اب ال ُ وأغ����������������������������دقْ ف������������ي رب������������وع������������ك ل����ي وص����������������������������االً؛ أن����������������ت ل������������ي ع����������������دَنُ ّ���������������ك ي����ا رب�����������ي�����������ع ال����������ع����������مْ ����������ر ي�������������ا وط�������������نُ َ ّ���������������ك ك������������م أح��������������� ُب َ أح��������������� ُب * شاعر من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 63
دروب الكرى > سماره غازي الفرطوسي غابت األزاهير
شموس الردى عجائز دفينة
ستار الرجوع يذوب في السهوب
في الوادي زهرة تائهة
أول صباح ضل في الطريق
ترتجف إلى نهار
نجمة النهر
لم نجوم مدينتي مساء؟
حزينة كاألقمار
ابعثني أمطارا ليذر الفراق
نفض الندى خياالً
أغنية تذوب في الوادي
على العشب ارتمت البذرة
ابتسامة صبح
حزينة
فالشمس في أذيالها ارتحال
تجوب دروب الكرى
تخفق الروح لنسمة
أوصدت الظلماء الضحى
الربيع يرتجف
فر النهر
أطلقوا الرصاص على الياسمين
* شاعرة من العراق.
64
اجلوبة -ربيع 1430هـ
وشَ رَعتُ أبحثُ في ُعيُون ِِك بعيد عن وطن من ٍ امئات ِ يَهَبُ الرِّما َل الظَّ ُوب معانيَ الماءِ ال َعذ ِ على ِشفاهٍ من ظمأ ويَل ُ ُّم أشال َء الكرامةِ جوف الحُ فَر ِ من بطونِ ال ٍُّدودِ في أنفاس البراكينِ َ ويَ ُع ُّد التي ثارت حَ فِ يظتُها خواط ُر من عَ دَم ِ تبارِ كُها تَهَبُ الثَّكالى الدِّف َء من حُ مَمِ الَّلهيب وتُ َد ِث ُر المقرو َر بالرَّعدِ الرَّغيد
*** عيونك ِ وشرعتُ أبحثُ في بعيد عن وطن من ٍ يشكو األما َن ِح َكاَي ًة والخوف ينشُ ُر حولَ ُه ُ الرُّعبَ الكئِيبَ قصي َد ًة ن ُِظمَت من البحرِ الذَّ ليل نَكِ رَت ُه أنغا ُم «الخليل» بح ٌر تمو ُج بِهِ دماءُ الرَّملِ صفراً قانيات ُ َات َاعي الحا ِني ِ يَهَبُ األف ِ الشَّ ه َد كأساً من دِ مَا ٍْه الس ِّم يَسقِ ي ر َِحي ُق ّ ُ مُهجتَ ُه حياهْ ***
> د .حافظ املغربي*
عيونك ِ وشرعتُ أبحثُ في بعيد عن وطن من ٍ ُض فيهِ األرض تَنب ُ ُ بالفكرِ الجديد تَهفُو وفي أحشَ ا ِئهَا ض عن وليد أَ َم ٌل تَمَخَّ َ عينَاهُ تل َم ُح في الحقائقِ صوتَنَا المَرهُو َن في حَ لقِ الغراب يشدُو على وَقعِ األَك ُِّف على شُ موخِ األَقفيَه َنتشالنِ ويَدَاهُ ت ِ ِسح َر الرُّوحِ فجر بهِ من ٍ تَسعَى الذِّئابُ أرضنَا إلى بَكَا َر ِة ِ
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
رحلة
*** قريب ٍ وشَ رَعتُ أبحثُ من في عيون ِِك عن وطن إليك القلبُ شُ ريَاناً يخطو ِ الملهوف ِ يُحَ اكِ ي حُ ر َق َة في الزَّمنِ الغريبْ وصقِ ي َع وح َد ِتنَا ت َِحنُّ َ لشمس ِك المُلقَا ِة ِ في حضنِ الَّلهيبْ لك َّننِي ..بل إ َّننِي.. بَع َد ال َعنَاءِ .. ورحل َةِ األمَلِ الطَّ مُوح عينيك ِ مس في لم أدرِ أنَّ الشَّ َ ُوص َدةُ الَّلهِ يبْ .. م َ
* أستاذ النقد األدبي كلية اآلداب -جامعة الملك سعود.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 65
قصيدتان
> عبدالرحيم اخلصار*
ينادونني :يا أبي خائفون اختالف ينادونني... تطي ُر أغنيات ِ ٍ نعو ُد بال ثم يبكون أفراحنا وتغنِّي ِ إلى عرش يبكون لتسحبَ أقدامُنا شج َر الحُ زن يبكون فوق شظايا الحرير والصب ُر يُمطرني حجَ را حجرا لنا قم ٌر يستح ُّم بأوتار ِه اللي ُل وهو اآلن بعد الذي كا َن والري ُح نافذة ٌ مالتْ له كِ فّة ُ الريح ال يُبخِّ ُر أنفاسَ ها الظ ُّل قبل العُبور فارتشف الكوثرا َ رحل ْنا ورا َء الشذى المُتدثر بالعُشب َص ُع جبهَته بالسماء وأتاني يُر ِّ والضوءُ يغشى الندَى وينث ُر في واحة الكِ بر والخيالءِ نتدفق في نهر المبتدا الهوى دفترا دفترا يتخلَّل ُنا ش َف ُق الحُ بِّ مُحتفال ويقولُ :العُال عن يدي ال يميل إذ يهيمُُ ..ندي ُم تطلُّعَنا أنا المستحيل يغرس ال ُقربَ فينا النسيم ُ ربّما وال نمسكُ الفرحة األزلية من عُنقِ الوقت فكن لي مُريدا أك ْن لكَ رزقا جرَى نسقطُ في مطرِ الصمت ويقولُ :احتواكَ األسى والذهول فوق رمادِ النجوم وأطفأ عينيك همٌّ يطول أفراحنا ِ أغنيات تطي ُر إلى عرش ٍ بال وبين يديك الهواءُ العليل نتركُ السُّ ف َن أمامك عم ُر الندى ال يزول الرحلة ُ اختلفتْ فال تلزمِ الحقَّ فالصحارى كتابُ الهموم!! فالحقُّ في زبَدِ السيل نار تمس ِك الصب َر وال ِ تَ ـحوُّ ر فالصب ُر بعد العطاء انتثار كان مِ ثلي حزينًا ومنكسرا تحضنِ الحُ لم ِ وال وأتانيَ يوما بشكواه فالحل ُم والصح ُو ِضدَّ ان حتى الفرار أ ْدمَى فؤاديَ َمبْكاه حتى بللتُ الثرى ق���ال :أط �ف��ال��يَ ال �خ��ائ �ف��ون ي �ن��ام��ون تحت يقول... وقلبي تجُ ول به صو ٌر تتمز ُق قف السماء بال سُ ً ويقومون ،بالجُ وع أقمارُهم تختفي يطحنها حجَ ٌر سهم ُه البرق وينادونني :يا أبي جائعون رقات القَبول!! في طُ ِ
* شاعر من المغرب.
66
اجلوبة -ربيع 1430هـ
> عبدالله الزماي*
أنا لست أنت .. .. أنا لست أنت فهل أنت هذا الذي يجدف نحوي كل صباح؟ يطيل التمعن في وجهي الغائم بالحزن يحمل ذاكرتي بيديه يحاول أن يؤثث يومي بأغنية ال تمر كعابرة تستطيب الحياة وال أنت ظلي وال أنت ذاك الذي يتعاظم بالقرب مني حين أكون وحيدا على ساحل الضوء ألوح للعابرين القدامى بنصف يد وبقايا حنين أنا لغة ال تجيد الخضوع لسيف الغزاة تشتهي أن تنام على صهوة الشعر يوما أو على صهوة الوهم.. واللحظة الخالدة!
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
على وشك االختباء! ..
أنا زمن ق َد من كبرياء وطيش أنا حجر سائغ في وريد الخيال أمنيات تجر طريق المآب وتوغل في النأي عن فارس يحتضر أنا لست أنت فال أنت تعرف شيئا يحاك وراء الضباب وال أنت تحمل سر البقاء رفات صرعتك الليالي فها أنت يشخر فيك الندم ويمتص بأسك هذا الخواء فدعني أنا ..ويدي والعدم أصارع هذا الذي أجهله وأخطو نحو األبد المحتمل إن دروبي شوق وشوك وما أنت إال قدم! فأنا لست أنت .. .. أنا لست أنت.
* قاص وشاعر من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 67
من قصيدة
(خفقات قلب)
> دكتور عبدالرحيم مراشدة*
ط����ال ال����ف����راق وذوب������ت أح��داق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي
���ص بدمعها المــهراق والص ـ ــدر غ َ
ت��م��ض��ي ال��س��ن��ون وج��م��ره��ا متوقــد
ب��ي��ن ال��ض��ـ��ـ��ل��وع وق��وده��ـ��ـ��ـ��ا أع��ـ��ـ��راق��ي
ي���ا ب��ـ��ـ��ـ��ن��ت ل���و ت��ع��ل��م��ي��ن فإننـ ـ ـ ـ ــي
دن����ف رق��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ق ال��ق��ل��ب واألح����ـ����داق
ل���و ت��س��أل��ي��ن ع���ن ال����ه����وى ،ص���ب أن��ا
ومناقبـ ـ ــي ت��ح��ك��ى ع��ل��ى العشـ ــاق
وص�ل�ات���ه ق��ي��د ال��ح��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي��ب ف���راق���هِ ،
ِص��ل��ة ال��ح��ب��ي��ب فيسـ ـ ـِّـري إعـتاقي
ف��ح��ب��ي��ب��ك ال��ط��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي��ر ال�����ذي يشكو
ال���ش���ـ���ـ���راك ،ك���م عَ ���ـ���نَّ ل�لإط��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�لاق
ال ت��ع��ج��ب��ي ل��ش��ح��وب��ه وأن��ي��ن��ه م��رض
ال��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وى ي������ودي إل�����ى اإلره������اق
ف��ل��ك��م ي��س��اه��ر ل��ي��ل��ه يسـ ـ ـ ـ ــتمطر
اآلم�����ال تح ـ ــت س��ح��ائ��ب اإلش��ف��ـ��اق
ال ت��ح��س��ب��ي ص��م��ت��ي إل��ي��ك تجـاهال
خ���ـ���رس ال��ذه��ـ��ـ��ـ��ـ��ول ،ف��ه��ات��ه إن��ط��ـ��اق
مذ سحر عينيك انتشى وبخاطـري
خ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ف��ق ال��ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ؤاد وأي���م���ا إخ��ف��ـ��اق
أذب����ول عينيك ال���ذي أرى م��ن أجله
رح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ل ال���م���ن���ام وزارن�������ي إق��ـ�لاق��ي
أم رج��ف��ة ال��ش��ف��ت��ي��ن ت��س��ك��ب راح ــها
ف��ت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ذي��ب��ن��ي ب����ح����رارة وع��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اق
ج��وري��ت��ان ب���دت ع��ل��ى ش��ف��ت��ي��ك كي ـ ـ
ف ت��ف��ت��ـ��ـ��ح��ت ب��رح��ي��ق��ه��ا ال��رق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��راق
ع��ي��ن��اك أغ��ن��ي��ت��ي وأل��ح��ان��ي ورج��ـ��ـ��ـ��ـ��ع
ق���ص���ائ���دي وع��ب��ي��ره��ا ال��دف��ـ��ـ��ـ��ـ�� َـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اق
ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ح�لاء م���ذ ن��س��ج اإلل����ه جفونــها
ال ك��ح��ل��ة ال��م��ـ��ـ��س��ـ��ـ��ـ��ك��ار ف���ي األس���ـ���واق
ف���ي ط��ب��ع��ه��ا ه���ذي ال��م�لاح��ة كل ـ ــها
ال زي���ن���ة ال��م��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي��اج واألع��ل��اق
ف���دع���ي ال����ك��ل�ام… ف��إن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ه��ا ع��ي��ن��اك
ل��غ��ة ال��ع��ي��ون كفـ ـ ـ ـ ــاية ال��م��ش��ت��اق
ل���و ك����ان ي��رس��م ل��ل��م�لاح��ة وجه ـ ــها
ل��رس��م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ت��ه م���ن وح���ي���ك ال��خ��ـ�لاَق
* شاعر من األردن.
68
اجلوبة -ربيع 1430هـ
الصمت
جبال يرن صداها وفي العمق يرتعش الماء تخضل أنسجة الرحم وظلي فراغ
> جاك صبري شماس*
ش������������������������������������ع������������������������������������ر
هواجس
الزمن
أيها المتسكع في مدن الحلم ترقب ضوء الصباح وتغفو هناك
الصدق
افترقنا بعد ليل متخم بالكربات ثم حل الليل.. عدنا والقناع السر لم يخلع وجوده!!!!
كرة القدم
تطاردني فأحلم في طرائفها تؤرقني.. فيهرب بوح أفراحي
القصيدة
مخاض في النخاع.. ورعشة في الطلق.. زغردة بأحشاء الحبيبة عاقر في الطلق..
* شاعر من سوريا.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 69
قراءة في مجموعة هالل احلجري الشعرية «هذا الليل لي»
كتابة الليل ..ليل الكتابة
> إبراهيم احلجري*
فض َل الشاعر هالل الحجري من خالل مجموعته الشعرية «هذا الليل لي» أن يعزف َّ حزنه شعر ًا ليلكيا ،قبل أن يتكدس نهار القصيدة في الطرقات ،وقبل أن تفتنه لوعة الشروق؛ فطالما ظل الليل في القصيدة العربية مرادفا للحزن والبوح والشكوى ،وطالما بات الزمن المناسب لمقارعة الذات ومراجعتها وتطهيرها أيضا ،هذه المرة ليس مما علق بها من أدران الذات نفسها ،بل مما علق بها من أوجاع الواقع المر وآالمه .يتلفت الشاعر يمينا ويسارا في هذا العالم القذر ،فما يلقى سوى السراب ،وينظر في أعماق الكلمة الشفافة فما يجد إال الخراب ،ويعود إلى نفسه فما يرى إال الدمار ،فيعكف على ليله الطويل ال��ذي ال يشاركه فيه أح��د ،الليل ال��ذي يحط بكلكله على كل ش��يء؛ فما تكاد ترى األشياء إال من خالل هذه العتمة الحالكة ،ال أقصد هنا السواد الفيزيائي الذي تعودنا على رؤيته ،بل أروم ما يتراءى في القصائد من حلكة مجازية تسيطر على األنفس ،وتغشى األرواح ،وتبث في الناس ذع��را غير مسبوق ،هذا الليل ال��ذي يصبح الطوطم اللعين الذي ال محيد للذات الشاعرة عن الركوع تحت أعتاب قدميه الموغلتين في العدم. هذا الليل لي ولن يشاركني فيه أحد غير هذا النسر الجريح الذي يخفق بجوانحه بين رئتي من هنا تتناسل األسئلة ،حيث طغيان الليل بوصفه موضوعة تتيه فيها ال��ذات، وتتسلطن ف�ي�ه��ا األح � ��زان :ف�ع��ن أي ليل يتحدث ال�ن��ص ال�ش�ع��ري الكبير؟ ول�م��اذا
70
اجلوبة -ربيع 1430هـ
الليل بالتحديد؟ وه��ل هناك عالقة بين المحكي الشعري والمفترض الفكري لدى الشاعر ،أم أن التمفصل حدث بالصدفة؟ وإذا كان الليل قد شكل ثيمة قديمة قدم اإلنسان ،تحضر دائما في الشعر بسلطتها العلوية القاهرة ،لتدل على مأساة اإلنسان نفسه وضآلته ،فهل استطاع الشاعر هالل الحجري أن يحين الظاهرة الليلية ويمنحها أب�ع��ادا ج��دي��دة ،تنزاح بها عن االستعمال الشائع الذائع الصيت ،أم أن��ه أسهم في
يختار الشاعر لمجموعته عنونة فاتنة ،تبئر الليل وتجعله أميرا وسيدا في مقولة العتبات النصية ،ويجيء هذا العنوان مثيرا للتساؤالت التي تنثال على ذهن القارئ مثل الشؤبوب :أي عالقة تربط الشاعر بليله؟ وما طبيعة الليل الذي يسعى الشاعر لتملكه؟ وه��ل الليل بمجازيته الفارعة يأتي ليكرس عتمة في الذات تحيكها القصيدة، أم يأتي ليفضح عريا في الواقع يستضمره النص ضمنيا؟ المهم أن العنوان بوصفه مقولة داللية موازية يضعنا في سياق نفسي صعب ،تفضحه الدالالت الرمزية المتعارفة في المتراكم النقدي العربي وسياقاته الثقافية ،وس��واء أك��ان النص مرتبطا في وشائج متعالقة مع النص أم مستقال برمزياته ،فهو ال بد أن يكرس سياقا معنويا ما يرد في النص بصيغة أو بأخرى .ولهذا االختيار ما يبرره منطقيا ،فعندما يسود الظالم العالم تبقى شمس القصيدة هي المالذ ،وهي الفيصل ال��ذي يبث ف��ي هجنة القيم المخلخلة ل�ت��وازن الكون. وف���ي ال �ع �ت �ب��ة ال �ث��ان �ي��ة ال �ت��ي ي�م�ث�ل�ه��ا غ�لاف المجموعة ،نستشف غموض الرموز المخروطية والدائرية والحلزونية التي ثؤثث فضاء اللوحة ال�ت��ي أب��دع�ه��ا ال�ف�ن��ان التشكيلي م��وس��ى عمر، واللوحة ف��ي نهاية المطاف ،ه��ي ق��راءة معينة للنص الشعري الكبير الذي يلم شتات النصوص، ويوحد مفارقاتها؛ وهي تعكس الرؤيا المتعالقة بين الشعري والتشكيلي ف��ي أف��ق المتعاليات الجوهرية لإلبداع اإلنساني ،ال��ذي يهدف إلى أن يكون اإلن �س��ان ف��وق ك��ل اع�ت�ب��ار .وم��ؤش��رات هذه القيم -لألسف -تضيع في الواقع ،كما تؤشر على ذلك النصوص الشعرية في عالم هذه
وتمتد المجموعة على مساحة بياض تقدر بأربع وعشرين ومائة صفحة ،يملؤها زهاء سبعة وأربعين نصا شعريا ،يتراوح بين الطول والقصر، والكثافة والتفصيل ،والغموض والوضوح ،والرؤية والرؤية ،وتحتدم هذه المتناقضات والمفارقات إل��ى درج��ة ق��د يتحول فيها ال�ن��ص أحيانا إلى إشراقات صوفية عصية على القبض ،وتتالقح حينا آخر الكائنات الشعورية والداللية إلى حد يصبح معه التداخل ميسما رمزيا .لقد كان لليل الذي يحضر مشتبكا بمحموالته الرمزية والداللية أثر مهم في بلورة قيم المنجز ،وخلق موضوعاته التي تتعدد وتتصادى حتى داخل النص الواحد، ومع ذلك فهي كلها تجتمع داخل بؤرة واحدة هي بؤرة التصدع في الذات ،وعدم الرضا عن الواقع الذي يرفل في خيبات ليل دامس طويل ،أشبه ما يكون بليل النابغة الذبياني حينما قال: ك��ل��ي��ن��ي ل��ه��م ي���ا أم��ي��م��ة ن��اص��ب ول��ي��ل أق��اس��ي��ه ب��ط��يء ال��ك��واك��ب تطاول حتى قليت غير منقض وليس الذي يرعى النجوم بآئب
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
تنميط هذا التداول الداللي لرمزية الليل؟ ذاك ما سنحاول مقاربته من خالل مشاكستنا لهذه النصوص.
المجموعة.
إن الليل بحجمه وأه��وال��ه ،يصبح في اللغة المجازية ليال خاصا بالشاعر يعنيه وحده ،وهو بهذا المعنى يضحى هو الديوان نفسه ،الديوان الذي يعصف بالشاعر ،ويعكس حربه الموجعة مع هذا الليل الذي يصبح مذوتا بمنطق الشاعر، وأح�لام��ه ومطامحه ال �م��رج��أة ،الليل طاحونة تغتال ،في بهاء القصيدة ،ورد األحالم الجميلة وتحيلها كمشة أعواد وحطاما .الليل الذي يتحداه الشاعر ويقف أمامه وجها لوجه ،ليس سوى النار التي يصطلي بها الواقع العيني القاسي الذي ال يرحم حتى رهافة الكائن الشعري ،وألن الشاعر ال يلين لزوابع هاته القسوة ،وألنه ككل الشعراء الحقيقيين ال ي �ه��ادن ري��ح ال�ف�س��اد ف��ي األرض
اجلوبة -ربيع 1430هـ 71
فقد أس��رج خيول قوافيه ليصارع ك��ل طواحن بوصفه رمزا له ما يبرره سوسيوثقافيا. هذا الليل الصديق .ولكي ينتصر على جبروت إن ال �ح��دي��ث ع��ن ال �ل �ي��ل ف��ي ه ��ذه ال�ت�ج��رب��ة الزمن الليلي فقد الذ بالكالم فرسا حرونا ،واتكأ يحيلنا بالضرورة على الحديث عن على عصا الشعر السحرية ،وصادق الزمن التراجيدي ،فالليل يصاحبه الليل الذاتي الذي تشقى فيه األنا، انتهاء فجائعي للنهار ،حيث تقبر وتتسربل بالخيبة على أمل أن تنعتق ال�ش�م��س وت �ن��ام ل�ت�ت��رك ال�ع��ال��م في من رعونة المعاش ،وتنسل من وحله جحيم الظالم ،والليل وجه من أوجه العنيد الذي يكبل خطوها ويسد في الزمن المعبرة عن اليأس والفشل وجهها اآلفاق: واالس �ت �س�لام ل�ل�أح�ل�ام ،وم�ق��ارع��ة هذا الليل لي ال �ه �م��وم واألح�� ��زان .وك�ل�م��ا تكاثف بكل زفيره وحرمانه ال �ظ�لام ك��ان الليل م �ع��ادال لصورة بكل صالته وتجديفه األستار التي تحجب الرؤية ،وتنطق هلم أيها الليل الجريح بخاصية الموت والعدم؛ ألن الظالم مقرون في لدي الثقافة العربية بالموت والجهل والكفر ،كما أن ما يؤويك هذا اليوم مفردة الظالم تؤكد -من جهتها -مدلول الحزن غربة نزقة واليأس والخيبة .يكاد يكون الليل الزمن الذي وشفافة يغطي مساحة مهمة في هذا المنجز الشعري، كأول الخلق! الزمن الذي ال يقاس بالساعات واألي��ام أو فعل
وإذا كان الليل يحضر بصفته وذات��ه ولفظه، وشحمه ولحمه أحيانا؛ فإنه في أحيان كثيرة يتحول إلى سياقات أخ��رى ،ويحضر عبر مرايا عاكسة جديدة تعززها المترادفات والمتضادات والمفارقات والمشتقات والمعادالت ..وما أكثرها ف��ي ال�ن�ص��وص ال�ش�ع��ري��ة ،حيث تتسع الحقول المعجمية والداللية التي تحيل على لفظة الليل بوصفه زمنا ،أو بوصفه أثرا نفسيا ،أو خطابا مجازيا .إذ يحضر الليل كتجلٍّ ،ويحضر كأفعال وظيفية من خالل تأثيره على ال��ذات الشاعرة، ويحضر كسياقات ضمنية تستعرضها اللغة في قالب داللي فكري .إننا هنا نميز بين كتابة تشتهي الليل مثل طقس لذيذ وتذمنه كشهادة ميالد ،وكتابة تتخذه موضوعة للمحكي الشعري، واألمران يحضران هنا ألن التجربة تعشق الليل وجعا سخيا؛ وف��ي اآلن نفسه؛ تكتبه ،وتعريه
72
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ال �ت��اري��خ ،ب�ق��در م��ا ي�ع��دو إط ��ارا دالل �ي��ا مرتبطا بالتحوالت القيمية والنفسية والمجتمعية .لقد طال ليل الشاعر نفسيا ،وتطاول أبعد مما تصوره القارئ الذي تصيبه عدوى الليل ،فينقبض نفسيا ويحس باأللم ،ويتولد في النفس ما يشبه الحالة الماسوشية ،التي تستلذ العذاب وتألفه ليصير، م��ع ال �م��دة ش �ه��وة ش� ��اذة ،تعلق ب��ال��ذات وت�ك��ون ميسمها الخاص. إن هروب الشاعر إلى الليل أو هروب الليل إليه ،واختيار كليهما العزلة في اآلخر والتوحد معه ،ليس هروبا من الواقع واأللم أو لوذا بغموضه تحت ذريعة التخفي ،ولكنه اختالء صوفي بالذات قصد مراجعتها ومحاسبتها ،في مساحة نفسية ال يوفرها إال ليل الشعر ذات��ه ،وداخ��ل متاهات ال�ن�ف��س وع�ت�م��ات�ه��ا ي�ص�ب��ح األدب ن���ورا يضيء الذات ويرشد ضاللها اللحظي ،فيتأتى للشاعر
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
أن يصغي إل��ى كونه ال�خ��اص الداخلي المفعم فلتذهب أيها العمالق األسود بسياقات العالم السفلي ،فالعزلة ال تعني التخفي كيف لجسدي الضئيل عن الحياة وعن العالم ،بل إن األشياء تتصاغر أن يقاوم طغيانك!!؟ وتتدنى حتى تصبح بعيدة تتيح إمكانية مراقبتها لقد جعل المنجز الشعري من الليل ليال ,قضية، من بعيد وتأملها ،وذلك حينما فقد المجتمع كل الليل الشاسع الذي يمتص المتناقضات المختلفة أهمية ومعنى ،وانزلق إلى هوة العدم .هنا يعبر تحت إبطه األس��ود المخيف ،يتأبطها ويخيم على الشاعر عتمة ال��ذات وعتمة العالم وسكونهما ،العالم ،الليل الذي له وجوه وجيوش وأفكار ومالحم، وقد انطفأت كل شعل الكون الجوانية والبرانية ،الذي يصبح ذاتا خارجة من الزمن والمكان ،الليل فيما يشبه التغور الباطني ،باحثا ع��ن توحد الذي يصنع أبطاله وكائناته التي يتبرأ منها الشاعر، قاس مع حموالته الشعورية ،حيث في الليل تتلع إذ يخاطبه الشاعر غاضبا: الهموم عبر الذكرى ،ويغدو الشاعر كائنا خرافيا إني تركتك هجاسيا يندفع بجرأة في سديم اآلفاق المبهمة ،للجواسيس والمثقفين محمال بأفكاره الملغزة ،خاضعا لزمن لولبي للسماسرة والعباد قاهر ينطلق من الذات ليعود إليها .تتعب الذات لكل مصارعيك القدامى! من ذاتها فتهرب إلى األنثى المتعددة ،األنثى التي أما أنا سأذهب وأقبل تشكل المالذ والمأوى ،نادلة كانت أو حبيبة: أول نجمة في قريتي النادلة وأغفو التي قلت لها ذات ليلة: كطفل يتيم! أشتهي أن أبكي بين نهديك لقد ص��ار الليل ال ��ذي ل��ن ينجلي ،على األق��ل هجرت نصيا ،بحكم طوله وجبروت عتمته ،صديقا للذات، المدينة ورحلت تبادله التقدير بقدر ما تناصبه العداء ،لقد صارت والنجمة كل العذابات التي تنضوي تحت هذا الليل المعتم، التي أغرتني بأول الليل لذات ،لقد صار األلم شهوة أبدية من نوع خاص ال انطفأت تعرفه سوى الذات الشاعرة: في آخره! آه ما ألذ األلم وإذا ك ��ان ال �ش��اع��ر ف��ي كثير م��ن ال�م��واق��ف وسط زحام المرضى والمشوهين الشعورية أبان عن مقدرة كبيرة وعزم شديدين ألم لذيذ على مقارعة الليل ،وتحمل ثقله إلى درجة الوله يدغدغ عظامي كالكهرباء والعشق ،فهو لم يخف في مواقف أخرى ابتهاله يسافر لهذا الليل بأن يغادره ويرحمه: من الروح إلى العينين سأنطفئ الليلة مختزال كل لحظات الغربة والضياع. مبكرا بل وتغدو متابعة هذا األلم الذي آنسه الشاعر ما من شيء سيغريني ووجد فيه المالذ ديدنا تتسلى به الذات وتقشر به بمقارعة هذا الليل
اجلوبة -ربيع 1430هـ 73
وقتها البئيس ،ال بل تتخذه هما مقيما من أجله تعيش وتستمر .لقد ول��د القهر ف��ي ال ��ذات حب تعذيب األنا ،واالنتقام منها كنوع من رد الفعل تجاه رداءة العالم وزمنه: سأصحو الليلة فقط من أجل أن أتتبع مسيرة ألمي المراوغ لن أتألم ولن أبكي بل سأعض على يأسي. تفاقم الزمن النصي في ذات ال��راوي الشعري إلى درجة أنه أصبح زمنا هيوليا منفتحا على اآلفاق الالنهائية للعدم .ال ح��دود له وال مسافات ،لذلك نلمح في النص ت��رددا كثيرا لألشياء األول��ى التي تحيل على العالم الطبيعي الفطري بنقائه وطهارته، قبل أن يفسده البشر( ،الخلق األول -السفر األول- الفتح األول -القضية األول ��ى -الليل األول -أول الليل -أول العاشقين -أول ال�ح��ب -أول ك��أس). كما أن التجربة نفسها تحيل على اآلتي الالمنتهي (الزمن الهالمي ،القبلة األخيرة -الزمن الذي لن ي �ج��يء -آخ��ر رس ��ول -ال �ك��أس األخ� �ي ��رة .)...ه��ذا االستدعاء للزمن المنفلت يجيء كوسيلة لتناسي ه��م ال��زم��ن الحالي ال���رديء .إن��ه ن��وع م��ن ال�ه��روب المجازي من جحيم الواقع النصي المحبط ،الذي تصوره بيأس ال��ذات الشعرية .فالنص كله شكوى وألم وضيق ،وكتابة الشكوى هذه هي مالذ الذات وفرصتها للخروج من عنق الزجاجة ال��ذي ورطها فيه الواقع الضنك.
ف��ي ال�ت�ج��رب��ة ،مجموعة م��ن ال��وس��ائ��ل البالغية والجمالية التي خصبت النصوص ،وأثْرت فسائلها الداللية ،ووضعت لها األس��س كي تتفجر بناها، وتنمو العالئق بين مكوناتها وعناصرها .ومن هذه األساليب التي توسلها الشاعر نذكر :التناص الذي حضر بكل عناصره :استدعاء العلم (الخيام -أبو ن��واس -مالك اب��ن فهم -إرم -خالد الجلنداني- ل��ورد ك��رزن -اب��ن خ�ل��دون -المتنبي -الماغوط- فرويد -فيروز -بلقيس -جيفارا -ياجوج وماجوج- المسيح -)...استدعاء التاريخ «اإلحالة» (طروادة- الفينيقيين -الغجر -الفتح -)...االقتباس من النص القرآني «ي��ا بني ارك��ب معنا» -اإلح��ال��ة المكانية (ال �ص �ح��راء -ع�م��ان -الجبل األخ �ض��ر -إرم.)... ونجد أيضا االنزياح بشتى أنواعه بالغيا وبيانيا، وت��زخ��ر ال�ن�ص��وص أي�ض��ا ب��إي�ق��اع منسجم داخليا وخارجيا ،ال تسهم فيه الرنات الصوتية فحسب ،بل تعززه المقاطع الداللية أيضا ،هو إيقاع كلي ينسج بتواز مع النسيج التصويري العام للقصيدة ،التي هي وحدة عضوية ال تقبل التقسيم .إن القصائد تمثل لوحات منسجمة تتداخل فيها كل المكونات وتتعاضد.
ت�ت�ع��دد ال� ��دالالت وال � ��دوال ال �ت��ي تنسكب عبر المعطيات الشعورية والوجدانية التي يزخر بها الديوان الشعري ،وتطفح فيه اإلشراقات الشعرية الرائعة التي تتمظهر من حين آلخر ،غير أن الليل والنهاية والقهر موضوعات طاغية بامتياز .وإذا كنا قد آثرنا المقاربة الموضوعاتية لهذه المجموعة؛ ف��إن�ن��ا ن��ؤك��د ت �غ �وّل ال�م�ن�ج��ز ب��األش �ك��ال الجمالية واألسلوبية والبيانية ،وال�ت��ي تحتاج إل��ى دراس��ات يتحول الليل عبر المنجز من زمن للكتابة إلى أكاديمية رصينة تغازل بناه الثرة ،وتقتحم طريقة موضوعة .ومن موضوعة إلى رؤي��ا فكرية كونية ،نسج الصور الخالقة ،وهو غير ما تأتى لنا في هذه وقد استلهم الشاعر ،من أجل تحقيق هذا التحول الشرفة الضيقة التي فتحناها في خيمة الديوان العظيمة. * ناقد وروائي من المغرب.
74
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
النقد وتنقية الواقع الشعري العربي > حسني محي الدين سباهي*
إذا كان في عالم الشعر وقضاياه ثمة ما يحظى بإجماع ،فهو القول إن المساحة التي يمثلها اليوم في اهتمام القراء ،باتت أصغر بكثير من أن تقارن مع مكانته السابقة عندهم ،والتي عاشت قرون ًا طويلة ،وتدهورت فجأة خالل العقود القليلة الماضية. وال بد هنا من تسليط الضوء على هذا التراجع ،من خالل األزمة الشعرية العميقة التي يواجهها الشعر العالمي المعاصر ،عندها سنركز الضوء على حالنا مع الشعر العربي ،واألوجه الخاصة به ،التي تميز هذا التراجع في مكانته. الشعر نخبوي بطبيعته ،وفي كل العصور،
على أن طبيعة الشعر المعاصر قد زادت
أسالفهم شعراء السبعينيات والستينيات
ولهذا يشعر كل واحد منهم أنه ليس يتيماً
الهوة بين القصيدة والجمهور ،بل بين ناقد فقط ،وإنما تائهاً! الشعر والقارئ ..هذا إضافة إلى التحول
وي�م�ك��ن ألي م�ت��اب��ع للمشهد الشعري
القرنين األخيرين ،وهو تحول مادي غير
النظر إلى عدد محدود جداً من المتابعات
أن شعراء الثمانينيات والتسعينيات وما
الواحدة ،دون الدخول في مدى فعاليتها.
ح��رك��ة ن�ق��دي��ة ق��ارئ��ة ل�ت�ج��ارب�ه��م ،بخالف
بوجوده أو عدمه ،إنما بقدرته على الغوص
االجتماعي الجذري الذي شهده العالم في
العربي المعاصر ،تأكيد هذا الكالم مع لفت
شعري ،وال باعث على الشعر والحقيقة
النقدية ،ال يتجاوز ع��دده��ا أص��اب��ع اليد
بعد التسعينيات ،أيضاً يشتكون من غياب
أقول هذا األصل منه إلى أن النقد ال يقاس
اجلوبة -ربيع 1430هـ 75
عميقاً -أفقياً
وع� � � �م � � ��ودي� � � �اً ل� �ل���وص���ولإل� � � ��ى ال� �ب� �ن ��ى
المنتجة لهذا
األدب ،لرسم
ص��ورة ال��زم��ان وال� �م� �ك ��ان بما ي�ت�ي��ح إمكانية
لتجاوزه.
ه��ذا الوجه
م� � � ��ن ال � �ن � �ق� ��د األدبي ال يلقن
في الجامعات ..وال يتم تعلمه عبر الكتب خالل
بهذا الشكل ب��دالً م��ن الشكوى م��ن غيابه ..إذ الشعر -كما يقال -ليس وح��ده مهمشاً ..لكن
فترة محدودة ،إنما تنتجه منظومة متكاملة من األم ��ر نفسه ينطبق على معظم أش �ك��ال الفن ال��وع��ي ومناهج ال �ق��راءة ،يجري ال �م��ران عليها الحديثة ،من المسرح الجاد إلى الجاز.».. بدءاً من التربية المنزلية ،وتنمى في كل تفصيل حياتي الحق ،من المدرسة والجامعة والتلفزيون
والعالقات االجتماعية والسياسية واالقتصادية.. ال��خ ،لهذا سيبقى النقد مجرد ت�ج��ارب فردية
وأحادية الجانب ..وبعيداً عن الفعالية كمؤسسة
مكونة للوعي.
لنتذكر ما فعله نقد سارتر بجان جينيه ،بكل
بساطه أوقفه عن الكتابة لست سنوات قبل أن
يصدر كتاباً جديداً ..ألنه كما يقول جينيه :جعله
يبدو مكشوفاً أم��ام القراء أكثر مما ينبغي ،ما
دفع جينيه إلعادة بناء نفسه من جديد طيلة ست سنوات قبل كتابة حرف واحد.
أعتقد أن��ه على الشعراء خصوصاً واألدب��اء
عموماً ،أن يحسدوا أنفسهم لغياب نقد موضوعي
76
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ه��ذه ال�خ�ص��وص�ي��ة ..فقد المس قضايا مشتركة عالمية في أزمة الشعر المعاصرة ،ويتضح أن المشكلة مشكلة تلق ،ال مشكلة إن �ت��اج ،وال�ح��دي��ث ال�ي��وم ه��و ع��ن غ��زارة ف��ري��دة ف��ي طباعة ال��دواوي��ن وم�ج�لات الشعر، وال�ن�ق��د ال�م�ط�ب��وع ال ��ذي ي�ع��ال��ج ق�ض��اي��ا الشعر ال�م�ع��اص��رة ي�م�لأ ص�ف�ح��ات ال ��دوري ��ات األدب �ي��ة والجرائد اليومية الجامعية ..وإلى جانب أزمة التلقي هناك أزم��ة النقد ،ورطانته األكاديمية وتحيزه أحيانا ض��د الشعر ،وال��ذي ال أعتقد أنه مجرد مصادفة .ومع تسليمنا بأهمية نقد الشعر في حركة الشعر ،فإن دور النقد ظل تابعاً للشعر غالباً ال قائداً له ،والنقد بصيرته الشعر، ال العكس ،وال يمكن أن تلقى تبعة تردي الشعر
ال أن استجاب إل��ى أسبقية الشعر ف��ي كشف مغاليق رؤيوية اليوم؟ أم ان��ه ال محل له منه إ ّ ومعرفية ،ال ينتظر في إنجازها نقداً وال علماً ،لمآربه االستشهادية غير الشعرية في كثير من
بل النقد والعلم هما اللذان ينتظران ذلك منه ،األحوال؟ وذلك ما عبر عنه (سيجموند فرويد) على سبيل لقد تخلى النقد عن جديته في درس الشعر، المثال في مجال علم النفس ،وابن سينا في كتابه بل جعلنا نستشعر رهاب بعض النقاد من صرامة «الشفاء» وأرسطو في جدلياته مع أفالطون عن العلم في مقاربة األعمال الشعرية ،بعد ما كان أهمية الشعر ،قياساً إلى المعرفة أو التاريخ، ذلك رهابة مسوغاً لدى الشعراء وحدهم في جو كما أن العرب قد عدوا الشاعر متنبئاً ،إذ تخيلوا ألف المجاملة والتسوية بين صالح وطالح في كالمه يأتيه من عالم غيبي ،ربطوه بعالم الجن، س��وق الشعر ،ه��ذا إل��ى ان�ص��راف النقد إل��ى ما وبقي هذا التصور في مأثورنا الشعبي ،فمهما سهل ،وراج من فنون النثر ،التي ألفى النقد فيها يكن من أم��ر ف��إن المراهنة على أن النقد هو «السرد» ضالته لمناقشة قضايا خارجية تمس ال��ذي سينهض بالشعر ..ي�ب��دو م��ن قبل وضع المجتمع والثقافة على نحو مباشر ومكشوف.. العربة أمام الحصان. حتى قامر القائلون بأن الرواية قد باتت «ديوان هذا ال يقلل من شأن النقد ،بوصفه علماً ،غير العرب المعاصر». أن وظيفة النقد لم تعد توجيهية ..لكنها وظيفة وم �م��ا ت �ق��دم ال ب��د م��ن ال �ق��ول أن الجمهور المحلل ال��دارس ،الراصد للظواهر ،المستنبط العريض وجمهور المثقفين ف��ي آن ،ل��م يعودا منها دروسها المعرفية واألدبية الجمة. كذلك ال بد ها هنا من التمييز بين مفهوم ال�ن�ق��د ال �م��درس��ي المخصص للطلبة وش��داة
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
إذاً على النقد ،بل لقد تنبه العلماء والفالسفة الشعري الحقيقي شيئاً مذكوراً فيما بقي منه
قادرين على التمييز بين الشعر وغيره.
ويبقى الشعر روح اللغة ،وال سيما لغة شعرية
الشعر والنقد العلمي ،الذي قد يضيء للمتلقي كالعربية ،وفي انهياره مؤشر على انهيار اللغة.. دروب النصوص ،غير أنه ال يضيء بالضرورة ومن ينتمون إليها ،فصعب جداً أن نتخيل كيف طريق شاعر حقيقي ،بل هو الحري بأن يقتبس يعالج شعب ما صحة لغته ما دام متخلياً عن من إلهامات الشاعر.ثم عن أي نقد نتحدث؟ الشعر ..ومما ال ش��ك فيه أن م��أزق القصيدة
وآي ن�ق��د ي��رج��ى أن ينقذ ال �ش �ع��ر ،وق��د رف��ع العربية الحديثة يستدعي رؤى أصيلة ناضجة، بعض سدنته ال�ي��وم ش�ع��ار «م��وت ال�ن�ق��د» إلى تستمد جذورها من الشخصية الثقافية العربية
جوار الفتة «موت الشعر»؟! وإذا افترض وجود المستقلة غير مستلبة إلى خارجها ،وال منغلقة النقد الشعري بمستوى م��ا ،أم��ا زال المنجز على ذاتها. * كاتب وناقد من سوريا.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 77
وقوفا ً حيال غابة ذات مساء متجمد!
قصيدة للشاعر األمريكي :روبرت فورست Robert Force مع قراءة لها من قبل الناقدLaurence Perrine : لورنس بيرراين
> ترجمة :خلف سرحان القرشي* من تكون هذه غابته؟ أظن أني أعرفه. هناك في القرية مسكنه. لذا أنا في مأمن من منظره، إذ أرقب اآلن غابته. وقد كساها الجليد. مهرتي الصغيرة تظن أنه من الغريب أن تكون إلنسان هنا وقفة، بين الغابة والبحيرة المتجمدة، في أشد مساءات السنة عتمة، من غير ما يكون له، بيت قريب في المزرعة. إنها تقرع بجرس لجامها.
78
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ولسان حالها، يقول: (هل هناك من خطأ؟). وغير صوتها، ما هناك سوى... صوت صفير الريح البطيئة، تعصف باألوراق الرقيقة. حقا ...إن الغابات فاتنة، لكنني وعدت أن أواصل المسيرة، فلدي التزامات وعهود، وورائي أميال وأميال قبل الركود، وأم��ام��ي أميال وأم��ي��ال قبل ذهابي عالم الخلود.
:Perrineإن ه�ن��اك أك�ث��ر م��ن مقابلة ت��واج��ه مدعو من قبل هذه الغابات حتى يستسلم ويرتاح. القارئ في هذه القصيدة الغنائية لــ (فورست) ،بعض القراء يذهب إلى أبعد من ذلك .ويرون أن والتي هي بالتأكيد واحدة من أكثر قصائده إثارة جاذبية الغابة تمثل رغبة ،ومضة خاطفة ،تسبق للجدل ،فللوهلة األول��ى ،تبدو القصيدة وكأنها الموت ..وهي أشبه ما تكون بـ (رقصة البجعة مجرد سرد بسيط يفتقد الجمالية لحدث عادي،
قد يكتفي به بعض القراء ويمنحهم خبرة مباشرة
قد ال تكون جديرة بالتذكر.
غير أن ق��راء آخ��ري��ن ي�ج��دون فيها أكثر من
ذلك ،أكثر مما يوحي به ظاهرها ،يجدون فيها
األخيرة).
ن�������������������������������������ق�������������������������������������د
ي �ق��ول (ل��وي��رن��س ب� �ي ��رراي ��ن)Laurence :
ثمة فهم آخر يتمثل في أن الرجل يشعر أنه
في القصيدة ..تكمن عدة أشياء توحي بأن الرجل في ن��وع من االرت �ح��ال ،ولكن (فورست) ال يخبرنا بتاتا أي نوع من االرتحال يعيش فيه ويزاوله هذا الرجل .لعله قصد بذلك أن يوحي
معان كثيرة تضمنتها هذه القصيدة .فلو فكرت ٍ ل��وه�ل��ة ف��ي ال��رم��وز ال�ت��ي استخدمها ال�ش��اع��ر ،إلى أي رحلة في الحياة .يقوم بها أي وكل شخص، لوجدت شيئا من ذل��ك ،ت��رى ما ال��ذي يرمز له وبذلك يترك المعنى على المستوى األوسع.
مالك الغابة ،الذي ذكر في القصيدة؟ قد يرمز
نلحظ في القصيدة توقف الرجل أثناء رحلته،
للقرية وللحياة القروية ،وقد يرمز للمسئوليات مبهورا بجزء من الغابة ،توقف الرجل هنا .ربما االجتماعية لحياة المدينة ،مقارنة بعزلة ووحشة يتماهى مع ما يعيشه من صراع ذهني.
الغابات .المهرة أيضا رمز يمثل نوعا من الحياة،
إنها ال تفهم ،لماذا يتوقف إنسان عند جزء من الغابة ليراقب سقوط الثلج .وفي مقابل هذا ،ثمة عالم المدنيّة الممثل بمالك الغابة ،مقابل المهرة الصغيرة التي تمثل البهيمية وعالم الحيوان.
(الغابة .البرد ،الظالم ،البحيرة المتجمدة،
الثلج المتساقط) مفردات تكون وتشكل الرمز الثالث الذي يلمح للجاذبية المؤثرة لكل عناصر
وع��د الرجل أن يواصل مسيرته حتى نهاية رحلته هذه .وفي هذا ملمح لكونه يريد أن يضع حدا لذلك الصراع .من خالل تنفيذ القرار الذي اتخذه ..وهو المواصلة .لكن الملمح األهم هنا. قد يكون في وعي الرجل وإدراك��ه للمسؤوليات االجتماعية .فكرة كون الغابة (ساحرة .قاتمة، عميقة) .تجعله يتوانى لبعض الوقت ،ولكن قرار
الجمال( .الغابة ساحرة ،قاتمة ،عميقة) ،تعبير الرجل النهائي هو أن يتحرر من ذل��ك الشعور قد يفسر منطقيا بجاذبية الجمال ،ذلك الجمال اللحظي .ويواصل رحلته ،ويتمثل هذا في وعده
ال��ذي هو بالتأكيد أحد سمات المشهد .ولهذا الذي قطعه على نفسه ..وهو أن يواصل مسيرة فهو أحد معاني دالالت الرمز .ولكن هذا التفسير رحلته ،ويذهب ميال وأمياال قبل أن ينام ،ومن اإليضاحي يتميز بأنه ال يستهلك معناه وداللته.
المؤكد أنه يشير هنا لنومته األبدية.
* كاتب ومترجم من السعودية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 79
مفلح العدوان :األسطورة جعلت للغة قيمة عليا في
الكتابة واملنجز الكتابي ال يقابله حضور ابداعي متميز > حوار :محمد محمود البشتاوي
أح��اول الموازنة لتكون قصتي تحمل في داخلها إيقاعها الذي يشد القارئ لها. كل مشاريعي الكتابية تخدم بعضها بعض ًا بتلقائية وبوعي أو ال وعي ،هناك مساحة في روحي اإلبداعية للصورة وتداعياتها وتجلياتها ،فكانت إبداعاتي في الفوتوغراف ،هناك تقصير من جانب النقاد في متابعة الحاالت اإلبداعية ونقدها ومعاينتها. اتحاد كتاب االنترنت العرب يشكل تكام ًال مع االتحادات العربية األخرى. البحث في تفاصيل المكان؛ يسحبُكَ وص��والً إلى كتابة المكان وتوثيقه صحفياً، ِ دائم عالم خَ فيٍّ تكتشف فيه أن الصحرا َء فتحار من أين تبدأ؟ إل��ى ٍ بجمال ٍ النائية في أقاصي البالد ،مخبوءةٌ ضمن ه��ذه البيئة اإلب��داع�ي��ة المركبة، ِسحْ ريٍّ أخاذ ،فيما القرى تعل ُن عن وجهها كان مفلح العدوان ،األدي��ب األردن��يَ ،معْلماً البهيِّ ،المشر ُق باألزهارِ والمعمارِ المتناسق ،ب ��ارزاً ،وال ي��زال ،إل��ى ال�ي��وم يقدم م��ا يُثْري لوحة متكاملة األبعادْ. فنكون أمام ٍ األدب العربي ،في القصة والمسرح ،وفن التصوير.
تقرأه قاصاً ينه ُل الحكايات ،وينحتها من جسد األسطورةِ ،بعد أن تناثرت على يديهِ ون��ظ��راً إل ��ى م�ك��ان�ت��ه ال�م�ت�ق��دم��ة أدب �ي �اً، ش �ع��راً ،وت�م��ازج��ت وتكاثفت ،فكانت نسقاً ون �ش��اط��هِ ال�ث�ق��اف��ي ال�م�م�ت��د م��ن الصحافة مغايراً عما هو سائدْ. المكتوبة إل��ى الرقمية ،تُ � ِّو َج م��ؤخ��راً ليكو َن ت��ت��اب��ع م� �ش ��روع ��ه اإلب � ��داع � ��ي ،م �ت �ع��دد رئيس اتحاد كتاب اإلنترنت العرب.
األط��راف ،من القصة ،المرتكز األول ،إلى ص ��در ل �ل �ع��دوان ف��ي ال�ق�ص��ة «ال��رح��ى»، ف��ن التصوير الفوتوغرافي ،إل��ى المسرح ،و«ال�� ��دواج» ،و«م ��وت ع��زرائ �ي��ل» ،و«م ��وت ال
80
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ومجلة «الجوبة» ،إذ دخلت إلى عالم العدوان ال �ف��ائ��ض ب ��اإلب ��داع ،ف�ه��ي ت �ح��اوره ح��ول القصة، األسطورة ،ولغته التي تجانس بين القصة والشعر، إلى جانب محاور أخرى ،فكان هذا الحوار..
< هل تخشى أن تتحول األسطورة إلى قيد خروجك من سجنه؟لتتحول َ يحول دون كتاباتك القصصية فيما بعد إلى نمطية وتكرار؟ أم أن األسطورة هي مصدر تنهل منه كل ما يتعلق بالتراث اإلنساني؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
أعرف شعائره»؛ أما في المسرح« :ظالل القرى»، و«آدم وح��ي��دا»« ،ع�ش�ي��ات ح �ل��م» ،وف��ي تفاصيل األم�ك�ن��ة أص��در «م��وس��وع��ة ال�ق��ري��ة األردن �ي��ة/ب��وح القرى /الجزء األول» ،وله «عمان الذاكرة» وهي ن�ص��وص ن�ث��ري��ة ،إل��ى ج��ان��ب ال�م�خ�ط��وط��ات ،وهي «شجرة فوق رأس» (قصص) ،و«موسوعة القرية األردنية /بوح القرى /الجزء الثاني» ،ومسرحية بال عنوان ،تتناول مدينة القدس المحتلة.
الواقع بل هي متورطة في هذه الحالة وتعبر عنها ومن صلبها العميق.
> المسألة ال تحتاج إلى وضع الحجة ،أو عملية دفاع ،أو محاولة اتقاء خطر أو شبهة تطرحها الكتابة في األسطورة ،ألني في النهاية أنا ال أك�ت��ب بحثا أنثروبولوجيا ،وال أوزع منشورا سياسيا.
< أرى أن األسطورة وظفت قديما وحديث ًا أن��ا ف��ي الحقيقة أك�ت��ب إب��داع��ا ،وب�ك��ل صدق في األدب العربي ،فهل تعتقد أنها ما تزال الصورة التي يخرج بها ،وهو مشرّب بكل وعيي صالحة لنسقطها أو لنجسد بها اللحظة وتلقائيتي في الراهنة؟ ذات ال��وق��ت، > تلك األساطير التي نتعامل معها هي جزء من وحين تتسلل ثقافتنا التي تشكل البنية العقلية لنا ،واألرضية األس � � �ط� � ��ورة اإلبداعية لكثير مما ننجز في حقل األدب ،وهي إلى ما أكتب، محفز مهم وتلقائي للخيال؛ كما أنها تحتوي على ف� �ه ��ذا ي��أت��ي موضوعات غاية في األهمية ،وما زالت تالمس ألن��ي أت�ع��ام��ل ب�ص��دق م��ع كتابتي ،وال أدع��ي، ال��واق��ع ال��ذي نعيش فيه ،ونتعامل معه؛ ول��ذا فثقافتي زاخ ��رة بالجوانب األس�ط��وري��ة التي فإن العودة إليها ،ليست مسألة ترف ثقافي، اكتسبتها من قراءاتي ،وبحثي ،وزيارتي لألمكنة وال تقديس عقائدي لها ،بل على العكس من ال �ق��دي �م��ة ،وع �م �ل��ي ف��ي م �ن��اج��م ال �ف��وس �ف��ات، كل هذا ،فهناك حالة جرأة على وارتحالي في الصحراء ،وأيضا هذه ع��ل��ي��ن��ا ت��ش��ج��ي��ع أي ال�م��وروث وعملية ه��دم وتكسير بمجملها جعلت لي عينا ترى األشياء لكثير من تلك الرموز األسطورية ج����ه����د ث����ق����اف����ي ف��ي ب�ط��ري�ق��ة مختلفة ،وأذن� ��ا مسكونة بسكينة األساطير القديمة ،وصخبها التي أجبر عليها العقل البشري .ال�������وط�������ن ال����ع����رب����ي وهناك في المقابل أيضا إعادة أحيانا ،وذهنا تتشكل المقاربات فيه بناء ألساطير أخرى من اإلبداع لتعطي دالالت وفق خيال مختلف، والقصة والمسرح؛ فهي بحد ذاتها خلق إلبداع وموجه نحو أساطير بت مسكونا فيها؛ فصارت جديد ،رؤية أخرى للمحيط ،وللجوهر ،وبذلك لي فلسفتي في الواقع الذي أتعامل معه ،حيث تصبح األسطورة ليست خارج سياق الكتابة أو أنني أراه يحمل في طياته أساطير موازية لتلك
اجلوبة -ربيع 1430هـ 81
القديمة ،وإن اختلفت األقنعة واألشكال التي تظهر فيها ،وواح��دة منها ص��ورة التكنولوجيا الحديثة ال�ت��ي ت�ف��وق عند تأملها م��ا ك��ان من مبالغات في كثير من األساطير القديمة ،وكذلك الحال في االت�ص��االت والسينما والكومبيوتر واألسلحة المدمرة ،ووسائل الرفاه.
ل�ق��د بتنا نعيش أس��اط�ي��ر ال �ث��واب وال�ع�ق��اب، ونلمسها ون�ت�ع��اي��ش م�ع�ه��ا ،ون�ح��ن ع�ل��ى أرض الواقع ووسط مجتمعاتنا التي تحولت ذهنيتها < ما ال��ذي دفع القاص إلى حقول مختلفة من اإلعداد البرامجي والمسرح ،والكتابة األسطورية القديمة إلى واقع أسطوري ،تعيشه الصحفية ،والتصوير الفوتوغرافي؛ هل وه��ي متصالحة م�ع��ه ،ولكنها تخجل م��ن أن هو خوض التجربة لخلق مساحة تعبير تضع له عنوانا أسطوريا ،وكأنها تخاف من هاجس اإلبداع يشكل الدافع َ أوسع ..أم أن تلك الكلمة ،أو باتت تشكل واحدا من التابوات األول لهذا التنوع؟ الجديدة.
< توقع لغة ال��ع��دوان القصصية القارئ في ح��ي��رةٍ تتعلق بشاعريتها ،وقدرتها على تكثيف النص؛ فهل هي عملية «تجانس» بين القصة القصيرة والشعر؟ أم محاولة من القاص للوقوف على تخوم الشعر؟ > إن طبيعة كتابتي التي تدخل فيها األسطورة بشكل ج��ذري وعميق جعلت للغة قيمة عليا ف��ي ال�ك�ت��اب��ة ال �ت��ي أب��دع �ه��ا ،وف ��ي األس��اط�ي��ر القديمة ي�ك��ون ال �س��رد متمازجا م��ع الشعر، وأغان ،كلها يعبر عنها ٍ طقوساً وشعائر وتراتيل بلسان واحد يمزجها؛ فيخرج نمطا كتابيا هو مزيج م��ن ك��ل تلك الفنون .وهنا ف��ي كتابتي، ربما بالالوعي تسلل هذا األسلوب إلى لغتي وقصصي والمسرح الذي أكتبه.
82
كما أن طبيعة قراءاتي فيها تعظيم للقراءات ال�ش�ع��ري��ة وال�ف�ك��ري��ة ،وه ��ذه ال�ل�غ��ة ال�ت��ي باتت تميز قصصي وكتاباتي تحاول المواءمة بين الموضوع والشكل ،فالقالب له فتنته والموضوع له غوايته ،وبين االثنين أحاول الموازنة لتحمل قصتي في داخلها إيقاعها الذي يشد القارئ لها ولموضوعها وموسيقاها؛ في محاولة للبعد عن الرتابة ،والدخول في تكوين الصور داخل أحداث القصة ،وتشكيل األمكنة ،وترجمة حتى الرائحة والصوت واللون بلغة عالية المستوى، تتعامل مع الكلمة بقداسة ..فتموسقها وتقدمها كما ترتيلة أو أغنية ،ولكنها تبقى محافظة على خطها الدرامي ،وسردها التلقائي.
اجلوبة -ربيع 1430هـ
> أن��ا ه��و أن��ا ف��ي ك��ل م��ا كتبت وأن �ج��زت ،ول��ذا فهناك قصدية مترابطة في ما أب��دع وأكتب، وهنا تخطيط أنا أقصده عندما أريد أن أكتب قصة أو مسرحية ،أو أبتعد قليال نحو اإلعداد للبرامج التلفزيونية ،أو الكتابة ف��ي األمكنة والتحقيقات الصحفية ،وحتى عند تعاملي مع الصورة الفوتوغرافية. أن��ا -في النهاية -أعبر عن ذات��ي ،وأخ��دم مشروعي اإلبداعي الذي تتشكل بناه الحقيقية اتكاء على الفكرة والشكل وال�م��وض��وع؛ وهنا حتى أخدم الفكرة ..أحاول أن أعبر عنها في القصة ،ولكن أحيانا يكون الموضوع أعمق وله دالالت مختلفة ومتعددة ،فأعمل بعد فترة على قصتي وأمسرحها وأضيف إليها شخصيات
ووج ��وه وأح� ��داث لتكتمل ف��ي تعبيرها ،وفي تشكلها ،وهنا أرتاح قليال؛ وتخرج تلك القصة من ذهني بعد أن أرقتني سنوات طويلة ،وهذا م��ا ح ��دث م�ع��ي ف��ي ق�ص��ة (م�ي�ش��ع ال يسجد للحبشة) التي مسرحتها بعد سنوات من كتابتها لتكون مسرحية (ظالل القرى) ،وكذلك قصة > بالنسبة لي ف��إن كل مشاريعي الكتابية تخدم أخرى اسمها (بعد الخلق ..قبل النزول) ،التي بعضها بعضاً بتلقائية وبوعي أو ال وعي ،وعندما مسرحتها على هيئة مونودراما عنوانها (آدم بدأت جوالتي في األردن من أجل توثيق القرية وحيدا) ،وقصة (الخرابيش أوال) هي مسرحية األردن �ي��ة ،وإع ��داد موسوعة القرية األردن �ي��ة، عشيات حلم. كنت مدركا أن ه��ذا المشروع سيثري كتابتي وتجربتي ومعرفتي باألبعاد المكانية والنفسية وهكذا عندما أنتقل إلى الكتابة في المكان، وال�ت��اري�خ�ي��ة وال�ث�ق��اف�ي��ة لتلك أن � �ب� ��ش ف � ��ي أس���اط� �ي���ره البقع التي أصلها ،وسأكون وم��اض �ي��ه ،وأل �ق��ي ال�ض��وء ش��اه��دا ح��اض��را ع �ل��ى كثير ع��ل��ى ح� ��اض� ��ره ،وأك��ت��ب من القصص والحكايات التي قصته ع�ب��ر ك��ل األزم �ن��ة. تنتظرني ،وتريد مني أن أدونها وه �ن��ا أن���ا أك �ت��ب ال�ق�ص��ة وأختار الشكل المناسب الذي ولكن بنمط مختلف ،وهي أكتبها به؛ فكانت تجربة فريدة تخدم الهدف الذي وضعته ما زلت أستفيد منها ،وأكررها ل� �م� �ش ��روع ��ي؛ وب �ط �ب �ي �ع��ة كل أسبوع ،وأستخدم فيها كل ال�� �ح� ��ال ،ف � ��إن ك �ت��اب��ات��ي خ�ب��رت��ي وتقنياتي ف��ي كتابة الصحفية ت��دور ف��ي ذات القصة ،والحوار ،والتصوير، اإلطار ،وبعد فترة الحظت والبحث ،والتحقيق الصحفي، أن ه� �ن ��اك م �س��اح��ة ف��ي كلها تتضافر لتكون الكتابة روح��ي اإلبداعية للصورة حول تلك األمكنة. وت��داع �ي��ات �ه��ا وتجلياتها، فكانت إبداعاتي في الفوتوغراف الذي أحاول وهناك بعد آخر متعلق بالتاريخ الشفوي الذي من خالله أن أق��رأ ال��واق��ع ،والماضي ..ولكن هو مختبئ في قلوب الكبار ،ويسكن أرواحهم، ب ��أدوات مختلفة ،وعملت على ال�م��واءم��ة بين وهم حين يعبرون عنه ،يفشون بأسرار تاريخية الكلمة والصورة فيما اصطلحت على تسميته تريد إضافة إلى الباحث والجامع لها ..من له بالنقش على ص ��ورة ،وه��ذا فيه س��رد مكثف القدرة على صياغتها ،بأرقى أساليب التعبير، لقصة الصورة التي ألتقطها ،من وجهة نظري، وكتابتها بما يستوي مع قيمتها وثرائها. وب��ال��زاوي��ة التي أراه��ا فيها ،وق��د الق��ت قبوال بصفتك باحث ًا مختص ًا في المكان ،كيف َ < طيبا ،وحققت ما أردت��ه من عملية المزج بين تقيم طقوس االحتفاء السنوي بالمدن الصورة والكلمة.
م������������������واج������������������ه������������������ات
< كثير ًا ما نقرأ جماليات المكان – في األردن يمنحك َ من خالل تجوالك الدائم؛ فهله����ذا ال��ب��ح��ث وال���ت���ج���وال داف���ع��� ًا ل��ك��ت��اب��ة قصصية مغايرة؟ أم أن األمر يقتصر على كتابة صحفية ضمن إطار مهني؟
اجلوبة -ربيع 1430هـ 83
الثقافية في األردن؟
وه��ذه ال�ك�ث��رة ف��ي المنجز الكتابي ال يقابله حضور لمنجز إبداعي متميز؛ لوجود كثيرين م��ن المتطفلين على ال�ح��ال��ة الثقافية وعلى اإلب��داع ،ولسهولة عمليات النشر ،بحيث صار من يملك دعما ماديا ،بإمكانه أن ينشر ويجند من يلمعه ويقدمه ..حتى وإن كان يشكل حالة ضحلة ورديئة بالنسبة لحاالت أخرى متقدمة.. ولكنها لم تدخل في متاهات الفساد الثقافي واإلب ��داع ��ي ،وه ��ذه معضلة بالنسبة ل�لإب��داع والثقافة.
رب �م��ا ك �ث��رة األع� �م ��ال اإلب��داع��ي��ة وال �ك �م �ي��ات الكثيرة ل�لأع�م��ال ال�م�ن�ش��ورة وت �ع��دده��ا ،جعل هناك صعوبة في متابعتها؛ وحتى يتم تصحيح الحالة ،فهناك حاجة من الجامعات أل ْن تسهم في النقد ،وكذلك الصحافة ،والهيئات الثقافية المتخصصة ..حتى تسهم كلها في خلق حالة نقدية ،وتقديم اإلبداع بأبهى صوره.
وأن��ا سعيد بتشريفي ب��رئ��اس��ة ه��ذا االت�ح��اد، وآمل أن نتقدم من خالله ..وبجهود المبدعين وال�ك�ت��اب لخلق ح��ال��ة ثقافة إب��داع�ي��ة عربية، تتماشى مع النقلة على مستوى كل مجاالت الحياة واإلبداع ،والكتابة واحدة منها ،وبحاجة إل��ى آل �ي��ات وأدوات ج��دي��دة تعبر ع��ن ذهنية جديدة في هذا اإلطار.
> أرى أن��ه ف��ي ال��وط��ن ال�ع��رب��ي أي جهد ثقافي علينا أن نشجعه ون��دف�ع��ه إل��ى األم� ��ام ،ألن��ه مضت سنوات طويلة من السبات على صعيد المشاريع الثقافية ،وعلى صعيد اإلبداع .وقد عانت المجتمعات العربية من ه��ذا ،وانعكس عليها جهال وفقرا وقلة وعي؛ ولذا فإن فكرة االح �ت �ف��اء بمدينة ف��ي ك��ل ع��ام ل�ت�ك��ون مدينة للثقافة ،تعطي فرصة ألبناء تلك المدن ،خاصة البعيدة عن العاصمة التي تتركز فيها األنشطة الثقافية ف��ي ال �ع��ادة ،وب��ذل��ك تتحقق فرصة < ف�����زت م����ؤخ����را ب���رئ���اس���ة ات����ح����اد ال��ك��ت��اب وص��ول المسرح والسينما والقصة والكتاب اإلن����ت����رن����ت ال�����ع�����رب؛ ف��ك��ي��ف ت���ج���د ه���ذا والمبدعين لتلك األمكنة ،وتولد حالة تماس التكليف؟ وهل ثمة رؤية لتفعيل التواصل ربما تدفع بالوعي بالثقافة خطوة إلى األمام مع الكتابة الرقمية في الثقافة العربية؟ في تلك األماكن .وكذلك الحال بالنسبة لشارع > إن ات�ح��اد ك�ت��اب االن�ت��رن��ت ال�ع��رب يمثل حالة الثقافة ،فأن يكون هناك مكان له عنوان ثقافي م�ت�ق��دم��ة ع�ل��ى صعيد ال�ت�خ�ص��ص وال�ت�ج��دي��د شيء إيجابي ،إنما هناك مسئولية ثقافية على بالنسبة للهيئات الثقافية العربية ،وهذا تأتّى له المبدعين والمثقفين ف��ي أن يستثمروا هذه ُلوجهِ مسارا لتخصصه في الثقافة الرقمية ،و ِلو ِ المناسبات وتلك األمكنة لتحقيق حالة ثقافية، له عالقة بالكتابة عبر االنترنت ،واإلب��داع في وبث الحياة فيها ،وأال تبقى أماكن بال روح إن البيئة االف�ت��راض�ي��ة ،فهو يمثل ح��ال��ة جديدة لم يتم االشتغال على شحنها بالعمل الثقافي تشكل ظاهرة فيها استكمال ألدوار اتحادات واإلبداع. الكتاب العربية األخ��رى ،ولكنها تختلف عنها < ه���ل ي��ع��م��ل ال��ن��ق��د ع��ل��ى ت��ك��ري��س أس��م��اء بأنها متخصصة ف��ي الكتابة عبر االنترنت، بعينها؟ وماذا تقول في غياب منجز نوعي والنشر الرقمي ،والكتابة الرقمية الجديدة في ظل زخم اإلنتاج األدبي؟ التي ال تعتمد على الكلمة فقط في التعبير عن ذاتها ،بل تتضافر الحالة مع المكونات األخرى > ه�ن��اك تقصير م��ن ج��ان��ب ال�ن�ق��اد ف��ي متابعة من صورة وصوت ومؤثرات وتقنيات أخرى. ال�ح��االت اإلبداعية ونقدها ومعاينتها ،ولكن
84
اجلوبة -ربيع 1430هـ
النقاد بشعري مت ّيز ٌ أعتز به ،وكون اإلبداع صادر عن أنثى ال بد أن يتأثر بجنسها ليكون صادقا
م������������������واج������������������ه������������������ات
الشاعرة ثريا العريض :و ُ ِ ت شاعرة ،واحتفاء لد ُ
> حاورها :محمد جنيم
ق��د نستغني ع��ن ك��ل��م��ات ال��ت��ق��دي��م أم���ام ال��ش��اع��رة الكبيرة الدكتورة ثريا العريض ،يكفينا ما قاله في حقها الشاعر والكاتب السعودي د .غ��ازي القصيبي الذي وصفها بـ «زرقاء الظهران» ،ويكفينا قول الشاعر اليمني الكبير الراحل عبدالله البردوني« :هي أشهر ال��ش��واع��ر ال��م��ع��اص��رات» ،كما ع��دَّ ه��ا الناقد المعروف محمد العباس« :صوتا أنثويا صافيا ضمن الخطاب ال��ن��س��وي ف��ي ال��خ��ل��ي��ج ،ت��رس��م ع�لاق��ة ال��م��رأة العربية بالوطن المتناقض الوجوه». < أنت ابنة الشاعر البحريني الكبير المرحوم إبراهيم العريض ،حدثينا ع����ن ذك����ري����ات ال���ط���ف���ول���ة م����ع ه���ذا ال��ش��اع��ر الكبير ال���ذي ي��ع��د واح���د ًا م��ن أه��م رواد حركة الشعر العربي في المشرق ،وأي تأثير لوالدك في صنع مخيلتك الشعرية؟ > ولدت بعد ثالث سنوات من وفاة شقيقتي
هند ،طفلة تحبو فكان استقبالي في
ال�ع��ائ�ل��ة ت��رح�ي�ب��ا وب �ت �ش��وق ،خ��اص��ة من
وال��دي ال��ذي ك��ان متعلقا بي رغ��م أنني جئت الطفلة ال�س��ادس��ة بين أخ��وات��ي.
وقد ظل شعوري باألمان والثقة بالنفس مستمرا منذ والدت��ي .ال أذك��ر متى بدأ وعيي بوالدي ،ولكني شديدة التعلق به. الكل يعرفه شاعرا وأديبا ،ونحن نعرفه وال��دا حبيبا ..كانت عالقته بنا حميمة جدا ،لم يكن ِليُفرق في معاملته للفتاة وال �ف �ت��ى ..ولكنه ك��ان يحتفي ب��ال��ذك��اء، وي�ش�ج��ع ال�م��وه�ب��ة ب �ص��رف ال�ن�ظ��ر عن الجنس .علمنا حب الجمال وتذوقه في كل ما حولنا ،وله الفضل األول واألكبر في صنع مخيلتي األدبية ،حيث فتحت لي مكتبته ب��واب��ات اإلط�لاع على روائ��ع األدب العالمي الروائي ،ودواوين الشعر
اجلوبة -ربيع 1430هـ 85
بأكثر من لغة.
86
كما شجعني على الرسم ،وعرفني على األدباء والمفكرين البحرينيين والعرب ،إذ كنا نلتقي بهم في زياراتهم لمنزلنا ،أو عندما يصحبني في السفر إلى المتاحف ،والمسارح ،وعروض األف�لام المتميزة ،بعد انتهاء دوام عمله في الشركة .ولم يصنع مخيلتي الشعرية فقط ..بل أسس بنائي الثقافي كله ،وشعوري بخليجيتي وقوميتي وتوجهاتي السياسية.
قرب إال بكل محبة واحترام. < هل نال والدك الشاعر إبراهيم العريض ما يستحق من تكريم يحفظ مكانته في تاريخ الشعر العربي؟
> أت �ص��ور أن ��ه ح�ظ��ي اح �ت �ف��اء ع��رب�ي��ا وعالميا كبيرا .وقد عرف بين قمم المبدعين عربيا، إذ نشر قصائده في مجلة الرسالة المصرية، واألديب واآلداب اللبنانيتين ،وكان ينظم الشعر بالعربية واإلنجليزية والفارسية والهندية .ومثّل قد أك��ون الوحيدة بين قريناتي التي تعرفت البحرين في كثير من اللقاءات األدبية العالمية وه��ي طفلة على حكام المنطقة ،وح��اوروه��ا وهو ما زال شابا يافعا؛ وحظي بتقدير وتكريم شخصيا وبكل حنان ..ومنهم الشيخ سلمان، وأوشحة وأوسمة وميداليات من الحكومات والشيخ عيسى آل الخليفة ..والشيخ راشد آل وال �م��ؤس �س��ات األدب��ي��ة وال�ث�ق��اف�ي��ة الرسمية مكتوم ،والشيخ زايد آل نهيان ،والشيخ سلطان وال� �ف ��ردي ��ة .وق ��د ف��وج �ئ��ت ب��رس��ال��ة -ضمن آل ث��ان��ي ،وك��ان��وا ي �ق��درون ال��وال��د ويحترمون الرسائل التي تبادلها مع األدباء والمؤسسات رأي��ه ويستشيرونه ..وأذك��ر في عرض أقيم في بيت القرآن والدي من أوائل الشعراء أن الشيخ راش��د آل المكتوم في البحرين من ضمنهم نازك ال��ذي��ن كرمتهم د .سعاد ط �ل��ب م �ن��ه أن ي�ن�ظ��م ج��ول��ة المالئكة ،وعبد الله الفيصل، الصباح ،وسعود البابطين تثقيفية البنه الشيخ محمد وال ��زم� �خ� �ش ��ري ،ون�� ��زار ق�ب��ان��ي أث� �ن ��اء زي���ارت���ه ل �ب��ري �ط��ان �ي��ا ،ال أه��رب إل��ى الشعر فهو وع �ش��رات م��ن ق�م��م المبدعين فأخذنا معا في رحلة نهرية جزء ال يتجزأ من كياني ،العرب واألجانب -هذه الرسالة عبر نهر التايمز ،وش��رح لنا وه�����و م���ع���ي أي���ن���م���ا ك��ن��ت ج��اءت��ه م��ن ال �م �ن��دوب السامي معالم لندن التاريخية حتى البريطاني في منطقة الخليج وصلنا إلى أوكسفورد ،وزرنا تفيد بترشيحه لجائزة نوبل في الجامعة ومبانيها وح��دائ�ق�ه��ا ،ث��م ع��دن��ا من األدب ،ولم أكن أعلم عنها من قبل ،وعرضت هناك بالقطار إلى لندن .وقد ذكرني الشيخ بجانبها رسالة اع�ت��ذاره لكونه ال ي��رى نفسه محمد بن راشد بهذه التفاصيل عندما دعيت مؤهال لتلك الجائزة .هكذا كان االحتفاء به، إل��ى دب��ي في مؤتمر اإلع�لام العربي مؤخرا، وهكذا كان تواضعه منذ البداية ،فقد كان يرى وقلت له أن تلك الزيارة كانت عامال مهما في نفسه مبدعا ..وليس استعراضيا لمؤهالته. صقل رؤيته لما تمنى أن تكون عليه دبي من < هل من نُ ��قّ ��اد ت��ذك��روه إلنصافه وتعريف التألق الحضاري والثقافي ،ونجاحه في تحويل الجيل الجديد من الشعراء والدارسين تلك الرؤية إلى حقيقة ملموسة الحقا .رحم بقيمته الفكرية واإلبداعية؟ الله ال��وال��د فما يذكره أح��د ممن عرفوه عن
اجلوبة -ربيع 1430هـ
وال أستطيع القول إن كل امرأة عربية شاعرة تحن إلى اإلبداع ،ولكنه عالم متسع يحوي من يحملن موهبة الشعر ،ومن يتذوقنه ،ومن ال يفهمن فيه شيئا وال يرينه مهما ال كإبداع وال
> طبعا يسرني أن يهتم النقاد بقصائدي ،وأن يأتي ذلك بصورة إيجابية غالبا ،ومن منطلق االه �ت �م��ام ال�م�ه�ن��ي ال�ت�خ�ص�ص��ي ،ول �ي��س عبر معرفة شخصية ب��ي تحدوهم للكتابة عني.
م������������������واج������������������ه������������������ات
> أك� �ث ��ر م� �م ��ا أس �ت �ط �ي��ع أن أح� �ص���ي وأع � � � � ّد ف� ��ي ه ��ذه المساحة الصغيرة .وليس ال �ن �ق��اد ف �ق��ط م ��ن ت �ن��اول��وا أع�م��ال��ه الشعرية والنقدية ووض � �ع� ��وه� ��ا ف� ��ي إط���اره���ا التاريخي عربيا وخليجيا، ب��ل اح�ت�ف��ت ب��ه المؤسسات الثقافية الكبرى ..فكان من أوائل الشعراء الذين كرمتهم الدكتورة سعاد الصباح وسعود البابطين ،وفي البحرين احتفلوا ب��ه رسميا م��رات ع��دي��دة، وأطلق اسمه على أحد شوارع المنامة ،وحولت وزارة اإلع�ل�ام منزلنا ف��ي ال �ح��ورة إل��ى دارة العريض للشعر ،حيث تقام فيه لقاءات شعرية وثقافية ،يدعى إليها كبار المبدعين المتميزين، ويحضرها الجمهور بصورة مستمرة.
كتعبير .كوني شاعرة بالسليقة لم يكن من صنعي ،وإنما ولدت شاعرة منذ البدء ،واحتفاء النقاد والمتلقين بشعري تمي ٌز أعتز به جدا ،ولكنني ال أرى نفسي مجرد ام��رأة تملك موهبة ق��ول الشعر وال �ت �ع �ب �ي��ر ب��أس��ل��وب ش ��اع ��ري، وتستجدي فرصة للوقوف على أي منبر لتلقي شعرها إل��ى أي ج �م �ه��ور ي�س�م�ع�ه��ا ،ول ��و ب �ص��ورة ترفيه يهرب به من الجفاف والسأم المحيط بنا ..أران��ي بالدرجة األه��م ام��رأة مثقفة إلى أعلى الدرجات ،وليس بحمل الشهادة العليا، وإنما لمتابعتي الجادة مستجدات المجاالت التي تهمني ،وعلى رأسها علم النفس ،وعلم االجتماع ،وتطوير دور المرأة في بناء المجتمع؛ ولذلك يجتمع الشعر واالنفعال حين أعايش الضغوط التي تعانيها المرأة العربية والشرقية عموما؛ فتعبر قصائدي عن مشاعري األنثوية، وحين يأتي انفعالي من جهة مواطنتي القومية.. تأتي قصائدي تفور بالحزن لما أعايشه من معاناتنا القومية.
< أن�����ت ح���اص���ل���ة ع���ل���ى ش����ه����ادات ع��ل��ي��ا ف��ي التخطيط التربوي واإلدارة من جامعة عريقة ب��أم��ي��رك��ا ،لكنك تكتبين الشعر ول���دي���ك دواوي������ن ش��ع��ري��ة ع���دي���دة .أي��ن تجدين نفسك ،وه��ل تهربين من ضغط ال��ع��م��ل واإلدارة إل���ى واح���ة ال��ش��ع��ر؟ وه��ل < ه��ل أن��ت م��رت��اح��ة لما كتبه ك��ب��ار النقاد المرأة العربية بطبيعتها شاعرة تحن إلى ح���ول ت��ج��رب��ت��ك ال��ش��ع��ري��ة ،وأذك����ر منهم الجمال واإلب����داع والخلق ال��ذي يترجم على سبيل المثال الدكاترة واألس��ات��ذة: رق��ت��ه��ا ،ورب���م���ا ت��ج��د ف��ي��ه م��ت��ن��ف��س��ا لما س��ع��د ال��ب��ازغ��ي ،محمد ال��ع��ب��اس ،محمد تتعرض له من قهر وظلم؟ ال��ي��وس��ف��ي ،عبدالله ال��غ��ذام��ي ،إبراهيم ال��ح��ج��ري ،معجب ال��زه��ران��ي ،عبدالله > ال أه��رب إل��ى الشعر فالشعر ج��زء ال يتجزأ المعيقل ،عبدالسالم المسدي؟ من كياني ،وه��و معي في موقعي وك��ل نفس.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 87
الذين ذكرتهم -وم��ن لم تذكر منهم تناولوا شعري بالدراسة -هم فعال من خيرة النقاد في ساحتنا العربية ،وإل��ى جانب ذلك هناك أكثر من أطروحة للدراسات العليا في األدب تناولت جوانب من شعري بالتفصيل ،تم اختياره كمحور لها بناء على اقتراح الباحث الدارس، أو الدكتور المشرف ف��ي جامعة سعودية أو مصرية أو أردن �ي��ة ،أو حتى ب��ري �ط��ان �ي��ة ،ل�ك��ون�ه��ا تجربة غنية وتقدم الجديد.
أن�ث��وي ،وأج��د أن ذل��ك ه��و م��ا يجب أن يكون حين الصوت يأتي طبيعيا متفقا مع تفاصيل الشاعر الواقعية .لست ضد مصطلح الشعر األنثوي ،وال أج��ده متهما بالضعف ،أو يحط مكانته مقارنة بإبداع الرجل .صحيح أن اإلبداع إنساني بالدرجة األول��ي ،ولكنه أيضا بشري تؤثر فيه مواصفات المبدع البشرية ،ومنها ال �ج �ن��س ،وت �ف��اص �ي��ل ال�م�ح�ي��ط ال �ب �ش��ري وال �ث �ق��اف��ي والطبيعي الذي يحيط بهذا المبدع .هناك جوانب مشتركة في الشعر لكونه إنسانيا ،وج��وان��ب خاصة تأتي من كونه بشريا أو فئويا ،وكون اإلب ��داع ص��ادر ع��ن إم��رأة ال بد ليكون ص��ادق التعبير أن يتأثر بكونها أنثى ،ولها في محيطها الخاص موقع ومعاناة ومشاعر، وحتى لغة خاصة بها ،وجوانب ال يتعرض لها أو يشاركها فيها الرجل في هذا المحيط نفسه.
ال��م��رأة الشعري» بكتابة نسوية «يحط من مكانتها أم��ام إب��داع الرجل ال��ذي يرى أن أدب المرأة أو إبداعها ضعيف؟
> ش��ارك��ت ف��ي م�ل�ت�ق��ى ال��ش��اع��رات ال�ع��رب�ي��ات بمهرجان س��وس��ة ،وك��ان تجربة لها أكثر من وج ��ه ..حيث س�ع��دت بالتعرف على أص��وات عربية أنثوية مميزة ،ومن المشرق والمغرب، وعلى رأسها فدوى طوقان وزليخة أبو ريشة، ووف��اء العمراني ،كما قابلت النقاد والشعراء المغاربيين من المغرب وتونس الذين حضروا الملتقى .ب�ع��ده��ا ل��م ي�ك��ن ه�ن��اك ت��واص��ل إال
على أنني أضيف أن سعادتي الصادقة باهتمام الباحثين وال��ن��ق��اد ال ت�ج�ع�ل�ن��ي أغ�ي��ر شيئا في عالقتي بالشعر ،أو بكيفية خروجه إلى النور ..لم أحاول قط استيالد القصيدة قسريا ،وال تجميل مالمحها إرض ��اء ألح ��د ..يظل األم��ر عفويا وتلقائيا، ويعتمد على دافع االنفعال الذاتي ،يأتي حين يشاء ،وليس استجابة لدعاء االستسقاء لدعوة < ش��ارك��ت ف��ي ملتقى ال��ش��اع��رات العربيات م��ن مهرجان ف��ي مناسبة بعينها ،أو إرض��اء بمهرجان سوسة ،هل تتواصل الشاعرات لنظرية ناقد. المشرقيات مع الشاعرة المغاربية ،وهل تصلكم الدواوين الشعرية التي تصدر في عد ِك الناقد محمد العباس «صوتا أنثويا < ّ بالد المغرب العربي ،أم أن هناك تقصير ًا صافيا ضمن الخطاب النسوي» هل أنت من جانب دور النشر وشركات التوزيع؟ م��ع ه��ذا التصنيف ،وه��ل تصنيف إب��داع
> الناقد محمد العباس متميز بين النقاد في ال �س��اح��ة الخليجية ،وه ��و ال يلقي األح �ك��ام ج��زاف��ا ،وال يلجأ للتصنيفات دون م�ب��ررات حقيقية .أوافقه أن صوتي في الشعر صوت
88
اجلوبة -ربيع 1430هـ
بالصدفة في مهرجانات مماثلة ،ألبي دعوتها أحيانا حين أدعى إليها .أتصور أن الدواوين > الشعر سيظل دائما موجودا كاستعداد فطري الشعرية والكتب النقدية متوافرة عن طريق طبيعي عند بعض األف��راد .قد يكون شعبيا.. معارض الكتاب التي تقام في القاهرة وبيروت وقد يكون فصيحا ،سيظل هناك من يولدون والبحرين وم��ؤخ��را في ال��ري��اض .وه��ل هناك وه��م يحملون ه��ذا االستعداد .اليوم أج��د أن تقصير ..ال أستطيع ال�ج��زم فمعظم الكتب الشعر الشعبي اجتاح الساحة العربية ،وأصبح التي أبحث عنها أجدها دون صعوبة ،وبعضها أحمد فؤاد نجم وشعبان عبدالرحيم أقرب إلى يأتيني ه��دي��ة م��ن المؤلفين أنفسهم أو من هموم الشارع وجمهور المتلقين من أدونيس األصدقاء. وم ��ن ي �ق �ل��ده .وق ��د ي �ك��ون ال �س �ب��ب أن م��وج��ة التركيز على ض��رورة التجديد ف��ي األسلوب < م��ا رأي���ك ف��ي وف���رة اإلص�����دارات ال��روائ��ي��ة والصيغ الشعرية سممت العالقة بين الشاعر ال��س��ع��ودي��ة ال��ت��ي تكتبها ك��ات��ب��ات شابات الفصيح والمتلقي ،في المجتمع الذي ال يهمه أذك����ر م��ن��ه��ن رج����اء ال��ض��اي��ع ،ص��ب��ا ال��ح��رز الشعر الغرائبي ،بقدر ما يهمه أن يعبّر الشعر وأخريات .كيف تفسرين هذه الوفرة؟ ببالغة عن همومه المشتركة أو هموم الشاعر > ول ��م ال ..م��ا ي �ح��دث ت �ط��ور ط�ب�ي�ع��ي ،ورب �م��ا الخاصة به( ،وهذا هو سبب جماهيرية نزار ج��اء م�ت��أخ��را بعض ال �ش��يء نتيجة الضغوط قباني في بداياته مثال) .النتيجة اليوم أن باب المجتمعية ف��ي ال�ف�ت��رة األخ �ي��رة .طبيعي أن الشعر الفصيح استعصى على المتلقي العام، ت�ش��ارك ال�م��رأة ف��ي ك��ل ج��وان��ب الحياة ومنها واقتصر على نخبة فئوية تكتفي بذاتها ،ومن اإلبداع والجوانب الثقافية األخرى .لقد نجحنا هنا تقاطر المتلقون إلى بوابة الشعر الشعبي في نشر التعليم العام حتى فاق عدد الطالبات التي ال تقصي أو ترفض أحدا. عدد الطالب ،وانتشرت التقنية الحديثة مثل التواصل عبر اإلنترنت بآخر اإلصدارات ودور < هل سيعود المنبر للشعر الفصيح؟ النشر في العالم ،وليس فقط العالم العربي > .حين يعود الشعر إل��ى التعبير القابل للفهم والرمزية المشتركة الجذور ،وربما يأتي ذلك فلم االستغراب أن تغتنم الشابات المتعلمات حين تترك اإلذاع��ات وبرامج التلفزيون البث الموهوبات ه��ذه الفرص المتوافرة للتواصل باللهجات المحلية ،فيضطر المستمع إلى ول �ن �ش��ر إب��داع��ات �ه��ن؟ وب �م��ا أن ال ��رواي ��ة هي تذكر لغة القرآن لكي يتواصل مع كل البرامج، الفن التعبيري ال��ذي اجتاح الساحة العربية وليس مع نشرة األخبار فقط. بعدما تسيد الساحة العالمية منذ منتصف القرن الماضي ،فليس غريبا أن تبدأ فتياتنا < هل ت��راودك فكرة كتابة سيرة ذاتية لك الموهوبات بكتابة الرواية ،وليس الشعر الذي تؤرخ لمسيرتك العلمية واإلبداعية؟ يحتاج موهبة أخرى ،أو القصة القصيرة التي > ح �ت��ى اآلن ال .ول �ك��ن ك �ت��اب��ا س �ي �ص��در قريبا تزحلقت عن عرش الكتابة السردية. سيحتوي بعض م��ا كتب ع��ن شعري م��ن آراء < كيف ترين مستقبل الشعر في السعودية
م������������������واج������������������ه������������������ات
ومنطقة الخليج العربي عموما؟
ودراسات.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 89
الدرعان :الفنون التعبيرية تتجاور كتوائم في شجرة اإلبداع، وقد شعرت باالحباط والعار النتمائي للوسط الثقافي يوما
> حاوره محمود عبدالله الرمحي
ق��اص وش��اع��ر س��ع��ودي متميز ،مثقف متعدد المواهب.. نقلنا إلى طفولته الناضجة من خالل نصوصه المعبرة.. أقدم على حرق نصوصه الشعرية والقصصية األولى ،ليصدر بعدها مجموعته القصصية الثانية (رائحة الطفولة).. وهو ال��ذي شق طريقه في مجال السرد القصصي بديال عن الشعر.. هدوء ما بعده هدوء ..واتزان يفوق التصور ..وعقل تصعب قراءة أفكاره ..بحر عميق حاولت الغوص في أعماقه ،لعلي أصل إلى صدفاته فأكشف بعض أسراره وخباياه ..معه كان لنا هذا الحوار.. < بداية عبدالرحمن القاص أم الشاعر والمجالت التي كانت تصل تباعا ،قضيت أيهما أق��رب إل��ى قلبك وم��ن أي��ن كانت وقتا أخ�ض��ر ،وك��ان ي��ا للمفارقة الجميلة البداية؟ ش�خ��ص ي��دع��ى ((ب �ن��در ال�س�ه�ي��ان)) -ما ي��زال اسمه طريا كأعواد النعناع -يرتاد > حين ألتف صوب البدايات ،أكتشف أنني المكتبة آن� ��ذاك ،ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن أن��ه ال ك�ن��ت م�ح�ظ��وظ��ا ،ف�ق��د ك�ن��ت أرت� ��اد مكتبة يحسن القراءة ،ولكنه كان يدعوني ألقرأ ال �ث �ق��اف��ة ،بمعية عمي- ل��ه بعض القصائد وحينما الذي كان يعمل أمينا لها م����ن ال���ب���دي���ه���ي أن تستحوذ على إعجابه قصيدة ف��ي أواخ��ر الثمانينيات ،ي���ت���ن���ق���ل ال����م����ب����دع ما ،يطلب مني أن أكتبها له.. والتي كانت ن��واة لمكتبة دار ال �ج��وف ال�ح��ال�ي��ة -ب��������ي��������ن أغ��������ص��������ان وكنت أشعر بالفخر وأنا أقوم وه� �ن ��اك وج � ��دت ف �ض��اء ش�����ج�����رة اإلب����������داع ،بتلك ال�م�ه�م��ة ،ف��أدل��ل ذل��ك ه��ائ�لا ل��م ي�ت�س��ن ل��ي أن ول������ي������س ال����ع����ك����س .الشيخ الذي أصبح فيما بعد صديقا حميما ،يرحمه الله. أع �ث��ر ع �ل �ي��ه ف ��ي ال�ك�ت��ب ال �م��درس �ي��ة آن � ��ذاك ..ف��ي ت�ل��ك ال�م�م��رات الصغيرة المأهولة بالقصص وال��رواي��ات ودواوي � ��ن ال �ش �ع��ر ،إض��اف��ة إل ��ى الصحف
90
اجلوبة -ربيع 1430هـ
أم��ا ع��ن ال�ش��ق الثاني م��ن ال �س��ؤال ..فإن اإلن �س��ان ه��و األق���رب لنفسي ،س ��واء في الشاعر ال��ذي ل��م يعد كذلك إال لماما..
ليت الفتى حجر ..يا ليتني حجر < م��ن يقابل ال��درع��ان ي��ج��ده قريبا بعيدا.. بحر عميق عميق ..فماذا يخبئ هذا البحر في صدفاته؟ > ت��رددت كثيرا إزاء ه��ذا ال�س��ؤال وأجلت اإلجابة عنه ،ألنني ال أعرف هذا الشخص الذي تتحدث عنه ..حقا كل ما أعرفه أن كل إنسان يضمر في داخله مقدار ما يظهر عليه ،أنا هو مزيج أنت وهو في آن واحد. < ت��ح��دث ال��ك��ث��ي��رون ع��ن ح��رق��ك لقصـائدك ومجموعتك القصصية األول ــى (نصوص الطين) ،لتصدر بعدها مجموعة (رائحة الطفولة) .ما تفسيرك لذلك ،وهل سببه تميز المجموعة الثانية عن األولى أم ماذا؟
م������������������واج������������������ه������������������ات
أو في القاص ال��ذي ما ي��زال يؤمن بأن كل نص جديد هو بداية؛ اإلنسان بغريزته التي لم تتعرض لترويض األنظمة المغلقة ،أو تخدعه الشعارات؛ اإلن�س��ان ال��ذي ينحاز دون أن ي ��راوده أي شعور بالخجل إل��ى المهمشين والبسطاء والضائعين وش� �ح ��اذي ال��ط��رق��ات ..ال �ش �خ��ص ال� ��ذي يلملم شظاياه كلما أوغل الليل ..ويغني للحياة ،والحب، واألشجار التي تتسامق وترفض أن تموت ..وحين يستبد به القنوط ،يردد مقولة الشاعر العربي:
ت�ل��ك ال�م��رح�ل��ة أن ط��ال��ت االن �ق �س��ام��ات ال �ش��ارع الثقافي ،وت�ح�وّل كثير ممن كنت أعدهم رم��وزا للثقافة واألدب إل��ى كتائب م��أج��ورة ،وطبالين، ودم��ى يقودها السياسي كقطعان ماشية؛ وكان ذل��ك بالنسبة ل��ي ص��دم��ة ،فضحت هشاشتهم، بقدر لم يكن مبررا وال محتمال .حدث ذلك في الوقت الذي كنت غرا أحمل في داخلي أحالما طوباوية ،تهدمت قبيل أن تتشكل ..األم��ر الذي أصبت معه بالخيبة واإلحباط ،والشعور بالعار من أن أنتمي إلى هذا الوسط ..أو إلى أي مجموعة فيما بعد .فلم يكن في مقدوري أن أفعل شيئا أك�ث��ر م��ن ال �ي��أس واالن �ك �ف��اء ،ال ��ذي ال أم�ل��ك أن أترجمه إال بحرق المجموعة ،كطفل يفجر بالونه في حفلة عرس ،احتجاجا! في الوقت الذي كان يقيني يتجه إلى العزوف عن إصدار أي عمل آخر، لكن المسألة لم تكن بهذه البساطة ،إلى حد أنها تخضع لقرار شخصي.
> أصدرت مجموعة نصوص الطين في وقت مبكر < .ق��رأن��ا ل��ك أش��ع��ارا ع��م��ودي��ة وأخ���رى نثرية، وحدث أن تزامنت مع صدورها في التسعينيات ومقاالت أدبية متنوعة في الصحف وعلى الميالدية انقسامات سياسية ال ش���ب���ك���ة االن�����ت�����رن�����ت ،وق����ي����ل إن���ك مثيل لها في الوطن العربي ،جراء ستصدر روايتك األولى قريبا في الغزو العراقي للكويت ،ثم ما تال أي منها يجد الدرعان نفسه؟ ذل��ك م��ن أح���داث ..ن��زف��ت خاللها لدي يقين أن الفنون التعبيرية > حصة هائلة من طاقتها في سبيل ت�ت�ج��اور ك�ت��وائ��م ف��ي ش �ج��رة اإلب� ��داع، تكريس الضغينة ..وت�ف��اق��م حالة وم��ن البديهي أن يتنقل ال�م�ب��دع بين ال �ت �ش��رذم ..ول�ك��ن أس ��وأ تداعيات أغصان هذه الشجرة ،وليس العكس..
اجلوبة -ربيع 1430هـ 91
بالنسبة لي ..ربما كتبت الشعر في مرحلة مبكرة من عمري بسبب ولعي بالقصيدة آنذاك ..كانت موسيقى القصيدة تحديدا تضعني في حديقة الدهشة ،وكنت أتساءل إن ك��ان يمكن أن يسود هذا الشكل الساحر من التعبير بدال من الكلمات < لم يطبع الدرعان سوى مجموعتي (نصوص ال �م �ك��ررة ،وف��ي مرحلة الح�ق��ة اكتشفت أن في الطين) و(رائ��ح��ة الطفولة) ول��م يصدر أي داخل هذا اللون ثمة تكرار أيضا ،بعد أن حاولت ديوان شعر أو أي عمل أدبي آخر رغم غزارة خوض التجربة ،لكنني لست شاعرا ..وليست تلك إنتاجه فلم هذا التوقف أو االنقطاع؟ النصوص الشعرية التي يمكن عرضها -بوصفها > أت ��ردد ك�ث�ي��را ب��ل ل��م أف�ك��ر ع�ل��ى اإلط�ل�اق بجمع ت�م�ث��ل ت �ج��رب��ة -م�ك�ت�م�ل��ة وم� �ح ��ددة ال �م�لام��ح.. النصوص الشعرية التي كتبتها في فترات متباعدة، الحالة الشعرية حينما تعتريني -ويحدث هذا وفي لحظات ال أعرف لماذا كانت في أحايين معينة وبشكل غير ال����ح����رك����ة ال���ث���ق���اف���ي���ة ف��ي القصيدة هي األكثر تعبيرا ،بيد إن م��رت��ب -أستجيب ل�ه��ا بشكل ال��م��م��ل��ك��ة ع��م��وم�� ًا م���ا زال���ت مجمل النصوص ال تمثل بالنسبة لي تلقائي ،بيد إنني لم أكن إال نادرا ت�����ع�����ان�����ي م�������ن االن�����ف�����ص�����ام كما أسلفت تجربة يمكن أن أقدمها ت��واق��ا أن أنشرها إال للخاصة وال����رك����ود ،ع��ل��ى ال���رغ���م من للقارئ .أعتقد أن عالقتي بالشعر واألص��دق��اء ،الذين كانوا غالباً ال���م���ح���اوالت ال���ج���ادة ال��ت��ي عالقة خاصة وحميمية ،لكن معظم يقومون بتسريبها خلسة ،بشكل ت���ت���ص���دى ل���ه���ا ال��م��ؤس��س��ات ال �ن �ص��وص ف�ي�م��ا ع ��دا م��ا غ��ام��رت أو بآخر ،هنا وهناك. ال��ث��ق��اف��ي��ة ب��ش��ت��ى أش��ك��ال��ه��ا .مبكرا بنشره ف��ي بعض الصحف طبعت مجموعتين قصصيتين تسرب بشكل ما -كما ذك��رت قبل ول��دي بعض األعمال المؤجلة ،أج����م����ل م�����ا ف�����ي ال���ك���ت���اب���ة قليل -ونشر في بعض الصحف أو ومن بينها رواي��ة أنهيت كتابتها أن�����ه�����ا م���خ���ات���ل���ة ك���وص���ل���ة المواقع اإللكترونية .وهو ما جعل م�ط�ل��ع ع ��ام 2002م ،إال أنني ال��رع��د التي ق��د تداهمك بعض القراء يتوهم أن ل��دي نتاجا ل��م أطبعها ب�ع��د .رب�م��ا واتتني ف������ي أي��������ة ل����ح����ظ����ة ،وف����ي شعريا يستحق النشر .الوقوف على في بعض األحيان فكرة القيام أي م���ك���ان ب��ي��د أن أف��ض��ل المشهد الشعري الهائل على مدى بطباعتها ول�ك�ن�ن��ي أح �ج��م في أوق���ات���ه���ا س����اع����ات ال��ل��ي��ل. التاريخ العربي بحد ذات��ه يضاعف اللحظات األخ�ي��رة .ولئال أق��ول إنني أع��رف أي مصير ينتظرها فإن مسألة العزوف عن طباعتها تل ّح عليّ بمرور الوقت أكثر مما يل ُّح عليّ نشرها، وهناك أكثر من مشروع أعمل عليه اآلن.
ح��ال��ة ال�ح��ذر م��ن خ��وض المغامرة أكثر مما يغري بمحاكاة التجارب أو استنساخها كما يحدث اآلن ،إال إذا استثنينا بعض الشعراء العظام ،الذين ما زالوا يقدمون النص المتجاوز، وي �ض �خ��ون أك �س �ي��ر ال �ح �ي��اة ف��ي روح ال�ق�ص�ي��دة العربية.
< م����ا ت��ق��ي��ي��م ال�����درع�����ان ل���ل���ح���رك���ة األدب����ي����ة
92
اجلوبة -ربيع 1430هـ
> ل�س��ت م��ؤه�لا لتقييم ال�ح��رك��ة ال�ث�ق��اف�ي��ة على اإلط�لاق ،وإذا كان ال بد من ذلك فإنني أقول بمنتهى الصراحة :إن ق��راءة سريعة لألنشطة اإلنسانية في كل مناحي الحياة ،هي المرآة التي أعتقد أنها تعبر بشكل مباشر عن الحياة الثقافية في داخ��ل أي مجتمع ،وليس بعملية إحصائية لعدد الشعراء والكتاب والمثقفين ورب���ط���ه���ا ب���ث���ق���اف���ات ال���م���ن���اط���ق األخ�����رى واألك��ادي �م �ي �ي��ن؛ وب �ه��ذا ال�م�ع�ن��ى ،ف��إن الحركة وت��راث��ه��ا ،ف��ي رأي���ك ،م��ا م��دى قيامها بهذا الثقافية في المملكة عموما ما زالت تعاني من ال���دور المنوط بها؟ وه��ل حققت الهدف االنفصام والركود ،على الرغم من المحاوالت من تأسيسها؟ الجادة التي تتصدى لها المؤسسات الثقافية بشتى أشكالها .أقول هذا وأنا أضع في االعتبار > إشكالية األندية األدبية أنها تتجه كثيرا إلى استنساخ نشاطاتها من بعضها بعضا ،لكن أن ال��ري��اض احتفلت ع��ام 2000م باختيارها ه��ذا الحكم ليس تعميما على كل األندية، ع��اص�م��ة للثقافة ال�ع��رب�ي��ة ..ت��أم��ل م�ع��ي كيف فهناك تفاوت كبير بين هذه األندية ،يتعذر تمارس الوصاية على المؤسسات الثقافية في معه أن تضعها في سلة واحدة .ولإلنصاف، عاصمة ثقافية عام 2008م مثال؟! دع �ن��ي أع �ت��رف أن ت�ج��رب��ة ن ��ادي المنطقة < ما أفضل أوقات الكتابة لديك؟ ال�ش��رق�ي��ة م�ث�لا م�ث�ي��رة وم �ت �م �ي��زة ،وم��واك�ب��ة > ليس للكتابة مواعيد مسبقة ،فأجمل ما في الكتابة لتطلعات المثقفين إلى حد بعيد في العهد أنها مخاتلة ،كوصلة الرعد التي قد تداهمك في الجديد ل �ل��وزارة ،أعني بعد انتقال األندية أية لحظة ،وفي أي مكان؛ بيد إن أفضل األوقات إلى عهدتها .هناك أيضا نادي حائل الذي التي أكون في ضيافتها هي ساعات الليل ،حين ك��ان الف �ت��ا ح �ق��ا ،واس �ت �ط��اع أن أل � ��وذ ب �م �ك �ت �ب �ت��ي ..ف�ل�ا أح��د يثب وثبات فوق التوقعات خارج يقاطعني أو يبدد أف �ك��اري.. ش��روط ال�م��دن المركزية؛ بيد أقرأ أو أكتب ..ثم أقرأ حتى أن تحقيق األهداف يبقى أمرا مطلع الفجر ،أقرأ إلى الحد م �ت �ع��ذرا ،ف��أه��داف المؤسسة الذي معه أنسى الكتابة. الثقافية ليست جامدة ..وإنما م �ت �ح � ّول��ة ،ل �ك��ن ن �ج��اح ال �ن��ادي < ت���ع���د األن����دي����ة األدب���ي���ة مرهون بمالحقة هذه التحوالت ال�����واج�����ه�����ات ال���ث���ق���اف���ي���ة ومواكبتها بالشكل المتناغم مع ل����م����ن����اط����ق����ه����ا ..وج������دت حركة المجتمع عموما. إلث���راء ثقافتها وتراثها
م������������������واج������������������ه������������������ات
والثقافية في منطقة الجوف خاصة وفي مناطق المملكة عامة؟
اجلوبة -ربيع 1430هـ 93
البعد السوسيولوجي للعوملة الثقافية > محمد علي قدس
ون��ح��ن نجمع أوراق��ن��ا ،ونقلب ملفاتنا ،نقف ف��ي حيرة نتأمل كل ش��يء ،وتساورنا الشكوك في أفكارنا ومشاريعنا، وتأخذنا تأويالتنا بعد تخيالتنا ،نحو خيال بعيد .ونصطدم بواقع ما وصلت إليه رموزنا الثقافية ،في تهاويها وسقوطها في أخطاء ،وكأننا نتألم ،وقد خاب أملنا في تلك النخب، التي وثقنا في تفكيرها وآمَ��نّ��ا بقدرتها على أن تصنع لنا نموذجا ثقافيا راقيا ،نعتمد ونعوّل عليه في حوارنا وتعاطينا لمنجزات العولمة الثقافية؛ ولكن يبدو أنها فقدت البوصلة.. ونحن -بدورنا -افتقدنا الهوية والمثال ،وقد شغلتنا النخب بأسئلة تركت معلقة ،ال نجد لها أجوبة محددة ،رغم أننا اجتهدنا وحاولنا في حوارات وج��داالت مستميتة .بحثنا خاللها عن المعنى الحقيقي للثقافة ،واقتفينا أثر تلك البصمة الغائبة للمثقف ،ودور المثقف في مجتمعاتنا!! ف�ه��ل أغ��رق�ن��ا أنفسنا ف��ي المفاهيم ف��ي اس �ت �ع��دادن��ا وت��أق�ل�م�ن��ا م��ع ت �ط��ورات العميقة لعولمة الثقافة ومتاهاتها؟ أم العالم الجديد ،وأخذ منا ذلك الكثير من بالغنا ف��ي تعاطينا وتعاملنا م��ع المد المعلوماتي الجارف؟
التضحيات!! في وقت كنا مطالبين فيه كمثقفين وإعالميين ومفكرين للتعامل مع
ل�ق��د وق�ف�ن��ا م��ع ال �ع��ال��م ف��ي مواجهة النظام العالمي الجديد ،والعولمة الثقافية ك��ل التحديات الكبيرة والخطيرة ،منذ الجامحة ،دون تردد أو تشكيك؛فاندفعنا مطلع ه��ذا القرن ،وأخذنا وقتا وجهدا
94
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ونحن متأثرون بكل اإلغ��راءات ،ونسينا
بشكل ج �ي��د ،م��ا يتناسب م��ع قناعاتنا ألبسناه ثوب الثقافة ,ما يميزه من صفات ومعتقداتنا وخصوصياتنا .فهل كنا حقا تعد من خصوصيات تركيبته االجتماعية غير حياديين في اختياراتنا؟ ولماذا لم ال �س �ل��وك �ي��ة واألخ�ل�اق� �ي ��ة ال �م �ث �ل��ى ,أم��ا نفكر مليا في انتماءاتنا؟ أم أن انفتاحنا األشخاص الذين ليسوا مؤهلين بالقدر على ثقافة اآلخر لم نقدر له بشكل دقيق نفسه ،بهذه الكيفية ،غالبا ما يعدون، وكيفية مستشفة م��ن ال��واق��ع؟ وم��راع��اة طبقا لهذا المفهوم ,غير مثقفين. ظ ��روف مجتمعنا وواق �ع��ه وخصوصية
وعلى الرغم من تحفظنا واختالفنا
خالل هويته الثقافية ،له دوره االجتماعي
يمكن أن نتفق عليه م��ن زاوي ��ة أخ��رى,
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
أنه كان يفترض أن نكون حذرين ومنتقين ال ب��د أن نجد ف��ي ذل��ك اإلن �س��ان ال��ذي
البيئة االجتماعية لشعوبنا؟ ونحن نعلم ع �ل��ى ب �ع��ض ال �ن �ق��اط ف ��ي ه���ذه ال��رؤي��ة أن المثقف قبل أن يكون مثقفا ،بل ومن -وهي جديرة بالبحث والتمحيص -وما واإلنساني.
أن��ه ليس ف��ي مقدورنا أن نضع معايير
ف� ��ي ب� �ح ��ث ي��ع��ك��س رؤي � � ��ة ج ��دي ��دة ال�ع�ل��م وال�ث�ق��اف��ة ف��ي م�ك�ي��ال واح� ��د ،مع ومختلفة ,ي��رى أح��د نقاد الفلسفة ،أن إيماننا بأهمية توصيف عمليتي التعليم التعريف االجتماعي (السوسيولوجي) وال�ت�ث�ق�ي��ف؛ وه ��و م��ا دع ��ا ال�ب�ع��ض لكي للثقافة ،يعد أكثر شمولية من معنى تلك يصنف المبدعين والصحفيين ليكونوا الكلمة المستهلكة ،والتي تستخدم بصورة في مستوى ثقافي واحد ،ألنهم من وجهة م�ت�لازم��ة م��ع الكثير م��ن المصطلحات
نظر خاصة ,فئة آثرت أن تقتات ذهنياً
والمفردات اللفظية؛ مثال ذل��ك :الغزو
من كتاباتها وإبداعاتها ،بجهد عصامي
الثقافي ،والمشهد الثقافي ،والخصوصية ذاتي التلقي؛ بمعنى أن المثقف األنموذج، الثقافية ،والخلفية الثقافية ،وغيرها؛ ه��و اإلن �س��ان ال��ذي وص�ل��ت ب��ه ثقافته.. ل��ذل��ك ن �ج��د أن ال �ث �ق��اف��ة ه��ي ال�م�ع�ي��ار
وثقافته وحدها إل��ى أن يتبنى المعايير
الحقيقي لكفاءة األفراد في تخصصاتهم
األخالقية السامية ،وما يستعصى على
ال �ع �ل �م �ي��ة ،وم��ؤه�لات �ه��م اإلب ��داع� �ي ��ة ،أو طاقة الفرد العادي ،شريطة أن تكون له تحصيلهم المعرفي .فالمثقف كما يتفق رؤية فكرية غير عادية وأن تكون مواقفه الكثير من الفالسفة في نظرياتهم ,هو
األخالقية والفكرية نبراساً يسير وفق
الشخص ال ��ذي اس�ت�ط��اع أن يصل إلى منهجه السليم ك��ل طالب علم وثقافة، درج��ة التمكّن واالح �ت��راف ف��ي مجاالت
فالمثقف -من وجهة النظر هذه -فرد
ال�م�ع��رف��ة المختلفة واإلب� � ��داع ,ال�ف�ن��ون عادي ،ذو ثقافة غير عادية ،وهي تتطابق والموسيقى واألدب ,وه��ذا ال يكفي؛ إذ بشكل أو بآخر مع وجهة النظر الفلسفية
اجلوبة -ربيع 1430هـ 95
التي أشرنا إليها ،والتي تشير إلى أن المفهوم
ثقافة األفراد أو تشابه وعيهم بهيمنة فكرة
الشامل للثقافة يتم تعريفه اجتماعياً.
م��ا ،أو رأي واح���د ،وإال ..ل�م��ا ك��ان هناك
وإذا أردنا أن نحدد مقياس الوعي الذي ح��وار تتالقى فيه األف�ك��ار ،وتتناهى ال��رؤى يتمتع به كل مجتمع ،نجد أنه يتحدد من خالل ف��ي سيمفونية هرمونية تشكل ال��وع��ي ،أو
مستوى ذلك الوعي ،وماهية (متكيفاته) على الوعاء الثقافي الذي يكوّن ثقافة المجتمع. حد تعبير الفالسفة ,باعتبار أن لكل مجتمع
ومن هنا ،كان علينا أن ندرك استحالة شيوع
ثقافته الخاصة ،والفئة المعنية بالثقافة ،الثقافة الواحدة في العالم. والتي يطلق عليها (النخبة) ,يعدون الوعا َء
م��ن خ�ل�ال ه��ذا ال�م�ف�ه��وم ،ووف �ق �اً لبعده
لثقافة المجتمع.
المعرفي للثقافة؛ فإن المثقفين هم الذين
ألفراد المجتمع ،وتشكل الوعي العام واألساس
ونبض توهجاته وانطفاءاته؛ وهم المسئولون
ال �ث �ق��اف��ة ح �س��ب رأي أح� ��د ال �ف�لاس �ف��ة ي �ح �م �ل��ون ف ��ي أع �م��اق �ه��م ك ��ل م �ت �ن��اق �ض��ات االجتماعيين ,تقوم بتنظيم الحاجات األولية مجتمعهم ،وس�ل�ب�ي��ات��ه ،وض �ع �ف��ه ،وع�ي��وب��ه،
له ،وما أسماه الفيلسوف الباحث (احتياجات)، إنما هو معطيات لحاجات المجتمع في إنتاج رواف��د ثقافته وإبداعها؛ فالمجتمع بحاجة إل��ى األف�ك��ار وال ��رؤى واآلراء والخطط ،مع األخ��ذ بمؤثرات العادات والتقاليد وأنماط السلوك ,واللغة بمصطلحاتها ومفرداتها- التي يتحدث الناس بها ويكتبون ويفهمون-
ع��ن ال� �ت ��وازن ال�م�ف�ت��رض ف��ي األخ���ذ بنمط العولمة الثقافية ،واالنفتاح غير المقنن مع اآلخ��ر؛ وه��ذا ما يقودنا لتوقع ح��دوث أزمة ثقافية عالمية شبيهة ب��األزم��ة االقتصادية الرأسمالية الراهنة. تحضرني اآلن ..مقولة لجان جاك روسو
وأن��واع الطعام والمالبس والطرز المعمارية مفادها ،أنه «إذا كانت الحضارة هي المظهر واألنساق االجتماعية .وتعمل الثقافة على ال�م��ادي للثقافة ,ألنها تترجم الثقافة إلى تنظيم المعطيات وصياغة نمطها الهرموني ألوان مختلفة من اإلبداع في الفكر اإلنساني؛ ال�م�ت�ن��اغ��م وال �م �ت �ن��اس��ق .وي��أت��ي االخ �ت�لاف فإن هذه اآلداب والفنون تدل على أن الثقافة
الثقافي تبعاً لالختالفات الجغرافية والبيئة تبقى في كل أمة رم��زاً لتراث يخصها على االجتماعية واالقتصادية والسياسية .إال أننا مدى تاريخها ،ويخلد هذا التاريخ ،صانعوها ال ب��د أن ن��درك أن ه��ذا التوحد أو التميز الذي تفرضه الظروف والبيئات على ثقافة
وم�ح��رك��و ديناميكيتها,الذين ه��م مثقفوها ال �ح �ق �ي �ق �ي��ون؛ وه���م أي �ض��ا ال � �ق� ��ادرون على
كل مجتمع ووعيه ،ال يعني بالضرورة تناسخ إسقاطها وطمس معالمها ،إن أرادوا. * كاتب من السعودية.
96
اجلوبة -ربيع 1430هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
األعمال األدبية بني الترجمة والتعريب > محمود عبداحلافظ خلف الله
يجمع الباحثون بوجود عالقة بين النهضة العلمية واألدبية وبين الترجمة .والتاريخ أثبت ذلك دون أن يدع مجالاً للشك؛ فحلقة الوصل التي ربطت بين النهضة العربية اإلسالمية، والنهضة األورب��ي��ة ه��ي الترجمة .لقد أعطى علماء اإلس�لام أيضا أن العلم العربي قد العلم األوربي قوة دفع هائلة .والمؤكد ً اكتسب مادة أدت إلى ثرائه بدرجة ال نظير لها ..بفضل التعريب والترجمات عن اإلغريق والفرس والرومان؛ الذي بدوره قد ترتب عليه إنتاج علمي هائل حققوه بأنفسهم ألول مرة في تاريخ اإلنسانية ،وكان يحمل ذاتيتهم المستقلة وطابعهم الخاص. وي �ق��ودن��ا ذل��ك إل��ى التسليم ب��أن��ه من غير المعقول أن تحقق الترجمة أهدافها، وب�م�ع�ن��ى آخ ��ر أن ي �ك��ون ه �ن��اك ترجمات دقيقة تحقق النهضة سالفة الذكر ،دون وجود مترجمين أكفياء قد صنعوا ذلك. فقد ذكر محمد عناني في كتابه «فن الترجمة» أن الترجمة من الفنون ،وليست مجرد علم من العلوم» ،فهي في رأيه تتطلب الموهبة إلى جانب المهارة واإلبداع(.)1 وربما ،نظرًا ألن مهارة المترجم شيء ال يقبل النقاش؛ فإن معظم الكتابات في
ه��ذا ال�م�ج��ال رك ��زت ع�ل��ى ع�ل��م الترجمة نفسه ،ولم تركز على خصائص المترجم – على األقل -بالقدر الذي يصلح السكوت ب��ع��ده؛ م��ا ت��رت �ب��ت ع�ل�ي��ه م �ش �ك�لات جمة َضا؛ ألنها تحتاج إلى يصعب حصرها عَ ر ً دراس��ة خاصة ،إال أن األستاذ العقاد في كتابه»أشتات مجتمعات بين اللغة واألدب» حصر هذه القضية في رؤية -أراها جامعة مانعة -مؤداها :أن الترجمات الهزيلة أو المضللة – كما يراها -ناتجة عن كون ال�م�ت��رج��م طفيليًا ع�ل��ى ال�ل�غ��ة ال�ت��ي ينقل منها ،واللغة التي ينقل إليها .فليس العجز
اجلوبة -ربيع 1430هـ 97
ترجمتها ثانية إلى لغتها األصلية.
في ألفاظ العربية في وصف المعاني واألفكار واألحاسيس في اللغة األجنبية؛ إنما العجز في فأهم هذه اإلشكاليات التي يقع فيها بعض المترجم نفسه ال��ذي ال يستطيع أن يعبّر عنها المترجمين – وال سيما ف��ي ترجمة األع�م��ال بأي لغة من اللغات ..أجنبية كانت أم وطنية ،وال األدبية -عدم الفصل بين مصطلحي الترجمة يستطيع من فهمها ،ف��وق ما يستطيعه القارئ والتعريب ..وما يترتب عليهما من تبعيات وشروط الشرقي أو الغربي ،وهو يتصفح عملاً أدبيًا(.)2 ومهارات ..وخصائص يلتزم بها المترجم. وما يزيد القضية تعقيدًا أن الترجمة تكون وق��د أرج��ع بعض الباحثين ه��ذا الخلط إلى هزيلة في المجتمعات التي هي في أمس الحاجة الفروق الطفيفة التي صاحبت تطور علم الترجمة إليها ،على عكس المجتمعات المتقدمة التي على مر العصور؛ فقد ع �رّف سيبويه التعريب يحسب إنتاجها المترجَ م من العلم واألدب بوحدة على أنه نقل اللفظ األعجمي إلى العربية ،ويتم الثانية ،والدليل على ذلك في واقعنا الذي نحياه ،استعماله كما ه��و دون تغيير .أم��ا الجوهري، ثابت بلغة العلم في كل الدول المتقدمة ،وراسخ ف �ي��رى أن ال�ت�ع��ري��ب ه��و ن�ق��ل ال�ل�ف��ظ األعجمي في التاريخ؛ فالحضارة العربية اإلسالمية استقت إلى العربية شريطة صياغته على أوزان وأبنية رواف��ده��ا م��ن ت��رج�م��ة وت�ع��ري��ب ف��رز ح �ض��ارات وقياسات العربية(.)3 اإلغريق والفرس ..إلخ ،كما سلف ذكره. ويستخلص مما سبق ،أن سيبويه ال يشترط
وذل��ك يؤكد على ض��رورة إع��ادة النظر ف��ي بعض القضايا ذات الصلة بعلم الترجمة ،مثل :إعادة النظر في برامج الكليات التي تخرِّج المترجمين ،واالطالع على برامج الترجمة التخصصية التي تتبناها بعض الجامعات في الغرب؛ فمن الصعب في واقعنا الذي نحياه أن يصير لدينا اآلن مترجمون موسوعيون – إن ج��از التعبير -على نهج سلفنا إب��ان عصور النهضة العربية اإلسالمية ،ولكن الخيار المتاح هواالطالع على تجارب من ينسب إليهم التقدم في هذا المجال اآلن.
في تعريب الكلمة أن تخضع ل�لأوزان العربية، إال أنه لم ير بأسً ا من أن تتخد الكلمة حروفًا غير حروفها .وسار على نهجه كثير من العلماء لفترات زمنية متباعدة .ولكن الجوهري يخالفه في ذلك ،ويشترط أن تجيئ الكلمة المعربة على وزن الكلمة العربية ،وتبعه ف��ي ذل��ك كثير من علماء النحو. وب� ��ذا ،ف��إن ال�ت�ع��ري��ب يشمل ال�ت��رج�م��ة؛ ألن الثانية تعني نقل معاني األلفاظ واألساليب من لغة إلى أخرى؛ أي أنها عملية تحويل النص في إحدى اللغات إلى إنتاج لغوي في لغة أخرى ،مع المحافظة على المعاني الثابتة؛ وعليه ،فإنه إذا كان التعريب ينصرف إلى اللفظ ،فإن الترجمة تنصرف إلى المعنى(.)4
ومن أشهر ما تبتلى به ترجماتنا في العالم العربي ،عدم فهم بعض المترجمين لحدود هذا العلم وخصائصه ..والفرق بين مصطلحاته وما يفرضه هذا المصطلح عن غيره من خصائص وشروط يلتزم بها المترجم ،إذ يقتصر حدود علم بعض هؤالء المترجمين في هذا العلم على إتقان وقد أكد محمد المنجي على تطور داللة هذين لغة النص األصلي ..واللغة التي سوف ينقل إليها اللفظين بقوله :لقد ا ُستُخدم مصطلح التعريب هذا النص نفسه؛ فتخرج هذه النصوص مسوخً ا مرادفًا للترجمة في العصر العباسي ،إال أن بعض مفقودة الهوية ،تائهة المعالم ،قد ال يستطيع المعاصرين قد توسعوا في فهم مدلول التعريب، مبدعها األص �ل��ي ال�ت�ع��رف عليها ..ل��و أعيدت وأض��اف��وا إليه بعض المالمح ال��دالل�ي��ة؛ فحركة
98
اجلوبة -ربيع 1430هـ
إذ كان يقال :أعرب األعجمي إعرابًا وتعّرب تعربًا ،واستعرب استعرابًا إذا تكلم العربية وأفصح بها ،كما يقال تعّرب األعجمي إذا تشبه بالعرب؛ أي تزيا بزيهم ،وتصرف تصرفهم(.)6
وب �ن��ا ًء عليه فثمة س��ؤال يطرح نفسه :ما مواصفات العمل األدبي ال �م �ت��رج��م ال� ��ذي ي �ن��أى ع��ن دالل��ة مصطلح ال�ت�ع��ري��ب ك�م��ا ورد ذك��ره آنفًا؟
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
الفتح اإلس�لام��ي ك��ان��ت -ف��ي ن�ظ��ره��م -تعريبًا وع��ادات��ه وت�ق��ال�ي��ده؛ ف�ي�ك��ون ب��ذل��ك ج�م� ًع��ا بين للشعوب – بكل ثقافاتها وآداب�ه��ا -التي دخلت األصالة والمعاصرة .أما المصطلح الثاني ،فهو الترجمة ،ويعني نقل مفهوم أو نص معين من لغة اإلسالم وتكلمت العربية(.)5 وي��رى محمد حسن عبدالعزيز أن مثل هذا أعجمية إلى العربية – مثالً ،-مع المحافظة على داللته وخصائصه األصلية في التوسع في مفهوم المصطلح ينطلق اللغة التي نقل منها. من المفهوم اللغوي العرفي للكلمة،
يقول محمد عناني ف��ي كتابه، وم ��ن خ�ل�ال اس �ت �ق��راء ك��ل اآلراء عباس محمود العقاد «ف��ن ال�ت��رج�م��ة :إن عمل المترجم ال�س��اب�ق��ة ،ف��إن��ه يتضح ال�ت��داخ��ل بين مصطلحي التعريب والترجمة ،إال أن مصطلح يتطلب إع��ادة بناء أفكار الكاتب األصلي ،بما التعريب قد تطورت داللته بشكل ملحوظ ،وال سيما يتسق مع نظام اللغة المترجم إليها ،ومع نوعية في العصر الحديث ..نظرًا لعدة عوامل تاريخية القراء الجدد دون تصرف في داللة ومضمون وثقافية وسياسية واجتماعية؛ حتى أضحى ينظر النص األصلي(.)10 ل��ه على أن��ه عملية إب��داع�ي��ة تعتمد على الخلق وعليه ،فإنه إذا كان األدي��ب يتمتع بالحرية والتفاعل السوي بين الواقع والمجتمع. الكافية ف��ي صياغة أف�ك��اره على النحو ال��ذي
وق��د ع�ب��ر ع��ن ذل��ك س�م��ر روح ��ي ب�ق��ول��ه :إن يراه؛ فإن المترجم مقيد بقيود اللغة التي يترجم ال عن التعريب هو تمثل العمل األدبي في اللغة التي كُتب إليها ،ونوعية القراء المستهدفين ،فض ً بها ،ثم التعبير عنه باللغة العربية ..برؤية نابعة األفكار األصلية للمؤلف التي ينبغي الحفاظ من ثقافة هذه األمة(.)7 عليها. ويؤكد ذلك أنطوان مقدسي بقوله :إن التعريب هو تعريب العقل ،أي أن تكون لنا رؤيتنا المستقبلية، وأن نتمثل ح�ض��ارة اآلخ��ري��ن ،ونمتصها ،ونعيد فرزها بما يتالءم مع شخصيتنا الحضارية(.)8 ويضيف علي مدكور إلى ما سبق ..إذ يرى أن التعريب قراءة وترجمة نتاج الغير في ضوء رؤيتنا المتميزة لأللوهية ،والكون ،واإلنسان والحياة(.)9
ويؤكد ذلك األستاذ العقاد بقوله :إن المترجم ت�ل��زم��ه ُع ��دة ك��ام�ل��ة م �ن � ّوع��ة تتجمع م��ن العلم باللغتين ،وم��ن العلم بموضوع المعرفة ال��ذي ينقله من إح��دى اللغتين إلى األخ��رى ،ومعرفة وافية بثقافة المجتمع الذي عاش فيه األديب. إض��اف��ة إل��ى حصة واف �ي��ة م��ن المعلومات في عصره ،وإن لم تكن لها عالقة مباشرة بموضوع الكتاب المترجم(.)11
وت ��أس� �ي ��سً ��ا ع��ل��ى م� ��ا س� �ب ��ق ،ف � ��إن ه �ن��اك وب� ��ذا ،ف ��إن ال �ع �ق��اد ي�ق�ص��ر ال �ت��رج �م��ة على مصطلحين بداللتين مختلفتين ،األول التعريب، ال مع النص ،ينتج عنه خلق وإبداع المتخصصين في مجال المعرفة المراد الترجمة ويعني تفاع ً متسق مع أصالة المجتمع وتصوراته وعقيدته فيه ،مع اإللمام باللغتين المنقول عنها والمنقول
اجلوبة -ربيع 1430هـ 99
إليها ،إضافة إلى الفهم الجيد لثقافة المجتمع أو جرمانية؛ وذلك فقط ألنه أديب(.)12 ال��ذي ينسب إليه األدي��ب أو ال�م�ب��دع؛ حتى ال إذاً ،ف�لا يكفي لترجمة األع �م��ال األدب �ي��ة يلجأ المترجم إلى التأويل أو التخريج المبني حب األدب أو االنتساب إلى المتخصصين في على ثقافته المنطلقة من واقع مغاير ،وعادات الترجمة العامة ممن يتقنون لغتين أو أكثر؛ وتقاليد قد يصل االختالف بينها وبين ما يرمي فترجمة األعمال األدبية ال تحتاج إلى حفاظ إليه األدي��ب إلى حد التناقض ،وعندئذ يخرج النص عن الترجمة إل��ى التعريب أو التغريب ،قواميس فحسب. سيان بقصد أو دون قصد. وما ينطبق على الترجمة إلى العربية ،ينطبق أيضا على العكس من المترجمين إلى اإلنجليزية ً من العرب أو العجم .رحم الله األستاذ العقاد ال��ذي ق��ال :كيف يستطيع مترجمًا أجنبياً أن يُفهِ م القارئ« :قمر على غصن على كثيب..؟».
متخصصا ً وتأتي أهمية أن يكون المترجم ب �ش �ك��ل ع�� ��ام ،وف� ��ي األع � �م� ��ال األدب � �ي� ��ة ع�ل��ى وج��ه ال�خ�ص��وص؛ ن �ظ �رًا ألن ترجمة المعاني واألح��اس �ي��س ال يشعر ب�ه��ا وي�ت�ص��وره��ا ويعبر عنها إال أديب حاذق؛ فاألديب نفسه قد يواجه إن ��ه ف��ي رأي� ��ه أغ� ��رب م��ن خ�ل�ي��ط ال��رس��وم بعض الصعوبات التي سببتها حواجز الزمان أو الكاريكاتورية؛ فالقمر عنده ف��ي لغة الفلك، المكان والثقافة المغايرة ،فما بالنا بمن ال يمت والغصن في لغة النبات ،والرمل في لغة طبقات لألدب بصلة إال صفة التطفل غالبًا! األرض؛ فأنى له أن يجمع هذا الشتات؛ ليعرف ويسوق األستاذ العقاد مثاالً على ذلك« :لعل أن المقصود به :إشراق على اعتدال على فراهة األستاذ البستاني لم يزعم بينه وبين نفسه ،أو يتحرك به قوام رشيق(.)13 بينه وبين ق��رائ��ه أن��ه ي�ض��ارع ه��وم�ي��روس ..إال أخيرًا ال يسعني إال أن أقول صدقت الحكمة أن��ه قد ترجم اإلل�ي��اذة من لغتها األصلية ،كما ترجمها األوربيون إلى لغاتهم المختلفة التينية القائلة :إن األخطاء ال يعجل إليها الموت. * ( )1 ( )2 ( )3 ( )4 ( )5 () 6 ( )7 ( )8 ( )9 () 10 ( )11 ( )12 ( )13
أكاديمي بجامعة الجوف. محمد عناني« :فن الترجمة» ،الشركة المصرية العلمية للنشر ،لونجمان ،1992 ،المقدمة. عباس محمود العقاد« ،أشتات مجتمعات في اللغة واألدب» ،دار المعارف ،ط ،6ص.7 ابن جني« ،الخصائص» ،الجزء األول» ،ص.357 محمد حسن عبدالعزيز« :التعريب بين القديم والحديث» ،القاهرة ،دار الفكر العربي ،1990 ،ص.68 ،67 ،47 ،5 محمد المنجي الصيادي« :التعريب في الوطن العربي» ،ندوة التعريب ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،1982 ،ص .29 محمد حسن عبدالعزيز :مرجع سابق ،ص .268 سمر روحي الفيصل« :المشكلة اللغوية العربية» ،مجلة المعرفة ،دمشق ،السنة 36العدد ،413فبراير ،1998 ،ص.154 ال عن رشدي طعيمة وزميليه« :تعميم التعريب وتطوير الترجمة في سلطنة عمان» ،دراسة ميدانية استطالعية ،اللجنة نق ً الوطنية العمانية ،والمنظمة العربية للتربية والثقافةوالعلوم ،كلية التربية ،جامعة السلطان قابوس ،1998 ،ص .25 علي أحمد مدكور« :معلم المستقبل نحو أداء أفضل» ،دار الفكر العربي ،2005 ،ص.280 محمد عناني :مرجع سابق ،ص.111 عباس محمود العقاد :مرجع سابق ،ص .5 العقاد :مرجع سابق ،ص .6 العقاد :مرجع سابق ،ص .8
100اجلوبة -ربيع 1430هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
ظاهرة التمرد والعصيان عند املراهقني > خوله مناصرة*
يتكلم اآلباء واألمهات بمنتهى الحرقة واأللم ،عن أبنائهم المراهقين :ابني متمرد..ابني يدخن ..ابني ال يسـتمع إلى كالمي ،ويرفض نصائحي ..يسـبب المشـاكل داخل البيت وخارجه. إنها ظـاهرة التمرد لدى المراهقين؛ مـا هي أسـبابها؟ وكيف نتعامل معها؟ في مرحلة المراهقة ،يتعرض الطفل لتغيرات ه��رم��ون�ي��ة وج �س��دي��ة ك �ب �ي��رة ،فينتج ع�ن�ه��ا الكثير م��ن تقلبات ال �م��زاج ،وت��ذب��ذب اآلراء واألحاسيس واالنفعاالت؛ فهو مشتت وحائر؛ يفتقر غالبا إلى الثقة بالنفس ،ويشـعر بالخوف والتردد ،كما يتصف المراهق في هذه المرحلة بالتمرد وعصيان األوامر، وي ��رف ��ض األوام � � ��ر م��دف��وع��ا برغبة ث�ب��ات ذات ��ه ،وال�خ��روج على العادات والتقاليد.
واللباس ،وقصة الشعر ،ما يدفع االب��ن المراهق إلى التمرد ورفض االنصياع آلراء األهل وأوامرهم، ويعقد األم��ور أكثر ،وح��دوث مواجهات ح��ادة بين اآلب��اء واألبناء ،قد ت��ؤدي إلى انعدام االحترام بين الطرفين ،أو تشرد األبناء؛ ومن ثم تفكك األسرة.
ول�� �ت�� �ج�� �ن� ��ب م� � �ث � ��ل ه � ��ذه ال �م��واج �ه��ات ،ي�ج��ب التعامل م���ع ال� �م ��راه ��ق ب� � ��ود ،وع �ل��ى أساس من الصداقة ،ومنحه وفي المقابل؛ يمارس بعض مساحة من الحرية ،واحترام اآلباء الديكتاتورية في تعاملهم عقله بتوضيح سـبب ما يطلب م��ع األب� �ن ��اء ،وال يسـتوعبون منه أن يفعله ،وليس بفرضه خ �ص��وص �ي��ة ال �م��رح �ل��ة ال �ت��ي ع�ل�ي��ه ف��رض��ا ،وت �ع��زي��ز ثقته ي� �م ��رون ب �ه��ا وح �س �ـ��اس �ي �ت �ه��ا، ب�ن�ف�س��ه م ��ن خ�ل�ال إع �ط��ائ��ه وت �ق��ع ع �ل��ى اآلب � ��اء مسئولية بعض المسئوليات ،وإشعاره ك��ب��ي��رة؛ ف �ي �ج��ب أن ي ��درك ��وا ب � ��األم � ��ان ،وأن األه� � ��ل ه��م أن هذا التغيير في حياة المراهق يستلزم تغييرا المـالذ الذي يمكن أن يلجأ إليه في أي وقت ،بحيث في أسلوب التعامل معه ،فاالستمرار في منعه من يواجهون مشاكله ومعاناته بالتفهم والمساندة ،وليس الكثير من التصرفات أو األفعال ..وإصدار األوامر باللوم والتعنيف المستمرين. والنواهي ..وانتقاده في كثير من أم��وره الخاصة: ولتربية الطفل وتعريفه بحقوق الوالدين ،وآداب كالدراسة ،والعمل ،والتصرفات ،واإلنفاق المالي ،التعامل بين أفراد األس��رة ،دور كبير في الحد من
اجلوبة -ربيع 1430هـ 101
مشكلة التمرد ،والحد من أبعادها ونتائجها. وال يقل دور العالقة بين الوالدين على سلوك المراهق ،فالعالقة القائمة على االحترام المتبادل بين األبوين ال بد أن تنعكس على سـلوك الطفل ،أما العالقة السـيئة بين الوالدين ..فلها عظيم األثر في تعميق المشكلة وتفاقمها. واله �ت �م��ام ال��وال��دي��ن ب��ال�ط�ف��ل ،وإظ �ه��ار الحب واالح �ت��رام له منذ مراحل طفولته المبكرة ..دور كبير في تحقيق التقارب ،وإيجاد جسور التفاهم وح��ل م�ش�ك�لات س��ن ال �م��راه �ق��ة ،ف��إه�م��ال الطفل واالنشغال عنه يوسع الشقة بينه وبين الوالدين ،ولن تصبح العالقات متينة بين األبوين والطفل بين ليلة وضحاها ،فيلجأ المراهق إليهما عند مواجهته أي مشـكلة ،ويستمع إلى النصح واإلرشاد ويأخذ به. أما المدرسة فلها دور كبير في خلق روح التمرد لدى المراهقين ،فطريقة التعامل التي يتم فيها تجاوز طموح الطالب وشخصيته ،وعدم احترام رأيه ،قد تؤدي إلى عدم انسجامه مع هذا الواقع ،فيلجأ إلى تحدي النظام المدرسي ،وافتعال المشاكل هدفها التمرد والعصيان ،لذلك يجب أن تأخذ المدرسـة
* كاتبة من األردن.
102اجلوبة -ربيع 1430هـ
دورا متفهما لطبيعة ه��ذه المرحلة التي يمر بها الطالب ،والعمل على حل المشاكل ،بحيث تدرك المدرسة أنها ليست طرفا في المشاكل يبحث عن االنتقام وفرض العقوبات ،بل هي الموجه والمربي، وال �ط��رف األك�ث��ر وع�ي��ا ،وق��درة على ح��ل المشاكل واح �ت��وائ �ه��ا وم��واج�ه�ت�ه��ا بصبر وح��رف �ي��ة .وتقديم الحلول الواقعية والجذرية. وأفضل الطرق الحتواء الطالب ،هي إشغالهم بمشاريع تستهويهم ،بحيث ينفسون عن طاقاتهم بوسائل مفيدة لمدرستهم وألنفسهم ،أم��ا التذرع ب�ع��دم وج��ود ال��وق��ت للتخطيط وتنظيم مثل هذه المشـاريع فهو ليس صحيحا؛ فالوقت الذي يضيع في حل المشكالت وتبعاتها يستهلك وقتا وجهدا أكبر من التخطيط لمثل هذه البرامج. وتلعب طبيعة التكوين النفسي والسلوكي للمراهق، ومستوى التعليم والثقافة لديه دورا مهما جدا في اتجاهات تمرده؛ فالمراهق يشعر بالقوة والغرور، ويحس بالرغبة بتكوين ذاته المستقلة واالنفصال عن أسرته ،وقد يأخذ هذا التمرد شكال إيجابيا.. بحيث يوظف تمرده في تحقيق تغير إيجابي ،أما التعسف واإلهمال ..فقد يؤدي بالمراهق المتمرد إلى انحرافات سلوكية يصعب ضبطها والتحكم بها: كالالمباالة وعدم احترام اآلخرين واإلس��اءة إليهم، وق��د تتطور تلك االت �ج��اه��ات السلبية وتعبر عن نفسها بعدم احترام القوانين والنظام.
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
«حلوة» اجلـوفــي > فواز بن صالح اجلعفر
ما يزال يرعاها ويحرسها ..ويخاف عليها نسمة الهواء ولفحة البرد.. وما تزال ترخص لعينيه كل غال عندها.. أحب فيها العطاء ..وأحبت فيه الوفاء.. فكيف يكون اللقاء؟! يعاجلها ..بضم خاصرتها.. حتى إذا اقترب رأسه من رأسها ..وهمسه من همسها ..أذاقته ما يشتهي! «عسلٌ في لحاء ..معلقٌ في الهواء»!
لديه قناعة تنامت مع الزمن ..بأنها تجسيد لصفاته التي يحبها.. وم��ا ي��زال ف��ي ك��ل ص�ب��اح ي��راه��ا بين أش�ع��ة الشمس الذهبية.. فيرى الثبات ..والعطاء.. والشموخ ..والنماء.. حتى قرأ رواية ابن عمر لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم( :ما شجرة تشبه المؤمن)؟! فازداد إيمانا..
ثابت وفرعها في السماء» ٌ «أصلها ***
اجلوبة -ربيع 1430هـ 103
تأمل يوماً.. فوجد صبوحه من تمرِ ها.. وحصيرته من سعفِ ها.. وسقف داره ..جذعُها.. وبعض أوانيه ..ليفُها.. فعرف أن العطاء ليس له حدود.. ّس من يومها الكرم! وتمر َ
«نفس تجود ..بال حدود» ٌ
«جوف العطاء»
***
هو..
وهي.. لم يؤلمها شيء ..ألم بعد اليد الحانية عنها.. ونسيا ُن أبنا ِء الكريم ..كرمَها.. وفقدُها صاحبَها..
لم يؤلمه شيء ..كما آلمه نفرة بعض بنيه عنها! ون�ش��وء جيل يتلذذون بالحلوى ..ويستنكفون رطباً لو سألتَ الجذعَ ..لبثَّك الشوق! جنيا.. وقد فعلها يوماً جذ ُع مسجدِ الرسول صلى الله عليه غاب عنهم طعم «حلوتها» ..فلم يعرفوا طعم رعايتها! وسلم.. ما عاد يساورهم حنين ..وال يسمعون لها أنيناً! فلم يخب بكاؤُه ..حتى ضمَّـــــ ُه الصدر الشريـــــــف! وال يرون فيها ..سوى العرجون القديم.. إلى الله أشكو هجمــ ًة هجريةً ..تعاودها م ُّر السنين «جذعٌ ..يُ غالبُ ه البكاء»! الغوابر. فأضحت رزاي ��ا تحمل الطين ب�ع��دم��ا ..ك��ان��ت غِ نىً *** للمقترين المفاقر
ِعذق
حبي لها ..ال يعني أني ال أحترم من يفضل غيرها! قد يستطعم أحدنا «السكري» أو «الخْ الص» ..وآخر يرى في «الحلوة» الخَ الص.. ولوال اختالف األذواق ،لبارت السلع.. الرقي ..أن تبدي حبك للشيء.. ثم تبدي حبك لآلخر باحترام رغباته« ..المشروعة»! * سكاكا -الجوف.
104اجلوبة -ربيع 1430هـ
> نورا علي
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
من روائع األدب األندلسي
ج�������ب�������ل�������ت ع��������ل��������ى ك���������������در وأن�������������������ت ت�������ري�������ده�������ا ص����������ف����������وا م������������ن اآلالم واألك��������ـ��������ـ��������ـ��������ـ��������ـ��������دار وم������ك������ل������ف األي������ـ������ـ������ـ������ـ������ام ض����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����د ط����ب����اع����ه����ا م�������ت�������ط�������ل�������ب ف�������������ي ال�������������م�������������اء ج���������������������ذوة ن���������ار خلق الله اإلنسان في كبد ,حيث يعاني الشقاء في مكابدة وم��ج��اه��دة عيشه ,ع�ل�اوة على م��ا يعتريه من أح��داث الدهر ،وص��روف القدر ،فالدنيا ال تستقر على ح��ال وتتأرجح بين إق��ب��ال وإدب���ار ،وق��د يأنس اإلنسان بإقبال بعض األي���ام ،ويأمن حيث ال مأمن ،فال تلبث أن تنقلب ،وتتجهّ م عليه وتثب ،كما حصل مع الشاعر األندلسي (ابن زيدون) ،هذا الشاعر المسكون بالوجع وال��ش��ج��ن ،يشعل ال��ح��روف كلما حلك ال��س��واد ،وكلما استبد به الليل واستطال؛ فهو يمثّل مدرسة شعرية في روعة أساليبه ،وقدرته الشعرية في تصوير مكنون النفس وخلجاتها. سَ عِ د ونَعِ م بالوصل مع من أح��ب ،وما ح��ظ ،إذ ك��ان ال�ف��راق ال��ذي قصم الظهر،
لبثت يد القدر أن نزعت األن��س ،وبدلت الحال ،من قرب ووص��ال ،إلى بعد ولوعة
وأدم��ى القلب ،وكأنه صيّب أس��ال المآق، ف��أورق ال�ح��زن ،وام�ت��دت ج��ذوره الرت��وائ��ه
ون �ك��ال ،وك��ذا ال��دن�ي��ا ي��ا ص��اح س �ج��ال ....وعدم جفافه حيث يقول: فيُخيّل لمن يقرأ قصيدته (أضحى التنائي) أن كل بيت سطّ ره بمداد قلبه ،وجعل منه
لحروفه محبرة ،فيقول:
أضحَ ى التّنائي بَدي ًال عنْ تَدانِ ينَا ْ طيب لُقْ يانَا تجافينَا ِ َونَ���ابَ عَ ��نْ أال ما أقساه من نائب ،وما أتعسه من
بِ نْتُ م وَبِ ��نّ��ا ،فَما اب َتل ّْت جَ وَانِ ُحنَا ��ت مآقِ ينَا شَ �� ْوق�� ًا إ َل��ي��كُ ��مْ ،وَال جَ ��فّ ْ ويتابع قصيدته بأسلوب سلس رقيق،
ي�ث�ي��ر ف��ي ال�ن�ف��س ال �ش �ج��ن ،ح�ي��ث يعاتب
معاتبة المحب الوامق ،وكأنه الذليل أمام
ق��وة ج�ب��ارة ،فيتلطف في لومه محبوبته،
اجلوبة -ربيع 1430هـ 105
إذ ،كيف تق ّر عين حاسد ،وتُبهج عدو متربص جاحد ،فيقول بلغة استعطاف: ما حقّ نا أن ت ُِقرّوا عينَ ذي حَ سَ ٍد كاشح ًا فِ ينَا بِ نا ،وال أن َت ُ��س��رّوا ِ ويصف حاله بعد البين ,وهيجان الشوق ،علّها ترأف وتحن ،إذ يصبح القرب أثرا بعد عين ،وال معين ،إال الله ،فقد ربط على قلبه ،ثم الصبر الذي نفد ،لكنه يجتره اجترارا بالتأسي ،كما جاء في الحديث (من يتصبر يصبره الله) فيقول: َاجيكُ مْ َضمائرُ نا، نَكادُ ِ ،حينَ ُتن ِ تأسينَا يَقضي علَينا األسَ ى َلوْال ّ
ويسترسل في الدعاء ويناجي وميض البرق، منزل ٍ وح�ب��ات المطر ،يستحثهما ليغدقا على يسكنه الحبيب ال��ذي ك��ان يسقيه خالص ال��ود، وإن تبدّل وتغيّر، فهو ما زال يحمل ج� �م� �ي ��ل ص �ن �ع��ه، وي� � ��رج� � ��و ع� � ��وده فيقول: يا سارِ يَ ال َبر ِْق غادِ القص َر وَاس ِ���ق به
فيتجلد بالصبر إذ أي�ق��ن ب��ال �ف��راق ،إذ شد الوثاق ،وبلغت القلوب األعناق ،فهو مكتوب وواقع مَ ن كانَ ِصرْف الهَوى وَالوُ َّد يَسقينَا ال محالة في ذلك أو شقاق ،فيقول: ويناجي ويعابث حتى هبوب النسيم ،ولذكرى إنّا قرَأنا األسَ ى ،ي ْو َم النّوىُ ،سو َر ًا الصب َر تلقينا سالم األحبة وتحياتهم يستنيم ،فيقول: مَ كتوبَة ً ،وَأخَ ذْ نَا ّ ��ص�� َب��ا ب��لّ��غْ تح ّي َتنَا َويَ���ا نسي َم ال َّ أبعد هذا الصبر صبرا...آه من زمن ال تؤمن مَ نْ َل ْو على البُعْ ِد حَ يّا كان يحيِ ينا بوائقه ،يتلّون كتلون الحرباء ،من البياض إلى ولكن هذا هو الزمان ،والويل لمن يأمن تقلباته السواد ،ويحيل الخضرة واالخضرار إلى يباس وأحداثه المفزعة ،ويأنس ويركن أليامه السعيدة فيقول: المقنّعة ،فها هو بعد الفرح واألنس يبكيه لوعة فقدكُ مُ أيّ��امُ ��ن��ا ،ف��غَ��دَتْ حَ ��ا َل ْ��ت لِ ِ وكانت بكُ مْ بِ يض ًا َليَالِ ينَا على أطالل األمس: ْ ُس��وداً، ضحكُ نا أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُ ِ وكأن األيام ضنّت عليهما واستكثرت ,وساءها ما ُأن��س�� ًا بِ ��قُ ��ربِ ِ��ه��مُ قَ��د ع���ا َد يُ بكينا نااله من فنون الوصل ،وعذب القُبل ،حيث يقول: ويذكرني حاله ببيت ابن زريق البغدادي الذي وَإ ْذ هَ َص ْرنَا فُ نُونَ الو َْص ِل دانيةً قِ طَ افُ ها ،فَجَ َن ْينَا ِمنْهُ ما ِشينَا يقول فيه: قد كنت من ريب دهري جازعا فَرِ قا فتجول بخاطره الذكريات الجميلة ،حيث لم فلم أوق ال��ذي ق��د كنت أجزعه يبق غيرها ،فيتذكر لحظات الوصال الحميمة، ويستطرد ابن زيدون ..ويبدو له كأن الزمان ويدعو ل��ذاك العهد ،عهد الصفاء ويكاد يهلكه يتحالف ويتآمر مع أعدائه ضده ،فيقول: الحنين لعهد السرور والرياحين فيقول: يظ العِ دا ِمنْ تَساقِ ينا الهوَى فدعَ وْا ِغ َ السرُ ورِ فَما ليُ سقَ عَ هدُ كُ مُ عَ هدُ ّ َ��ص ،فَ��ق��الَ ال��ده��ر آمينَا بِ ���أنْ َن��غ َّ َاح�� َن����ا إ ّال رَياحي َنـ ـ ــا كُ ��نْ��تُ ��مْ ألرو ِ 106اجلوبة -ربيع 1430هـ
ويصور في البيت التالي لوعة الفقد والحرمان، بعد ال��وص��ل ،وي��أس��ه م��ن اللقاء كيأس الليل من م �ص��اح �ب��ة ال��ن��ه��ار ،وق� �ن ��وط ال �ش �م��س م ��ن سهر ليلة بجوار القمر ،حيث ال رج��اء وال ج��دوى من المحاولة: َوقَ��دْ نَكُ ونُ ،وَمَ ��ا يُ خشَ ى َت َفرّقُ نا, فاليو َم نحنُ ،ومَ ا يُ رْجى تَالقينَا
آه ..أي حياة هذه ..أي عذاب ..لكنه القدر،
أن يتعلق قلبك بمخلوق ،فال يهنأ لك عيش بدونه، وال يطمئن لك مضطجع ببعده ،وال تنتشي روحك
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
وك��أن (ال��زم��ن) ق��د استجاب ل��دع��اء حلفائه ،المرء مع من أحب ،فيستسلم لقضاء الله وقدره فوجد «غراب البين» ضالته بفراق األحبة فيقول :فيقول: فَانحَ لّ ما كانَ مَ عقُ ود ًا بأَنْفُ ِسنَا؛ إنْ كان قد ع ّز في الدّ نيا اللّقاءُ بكمْ ْص��و ًال بأي ِْدينَا وَانْ�� َب ّ��ت ما ك��انَ مَ ��و ُ في مَ وْقِ ِف الحَ شرِ نَلقاكُ مْ َو َتلْقُ ونَا
الكئيبة إال بذكراه وطيفه.
لله در ذاك الشاعر الذي تمنى الموت والعدم
لحب كهذا ،فقال:
عدمتك من حب أما منك راحة
وبعد ك��ل ذاك ال��وج��ع ،يرسل نغما جنائزيا يحرك وجدان الوله ويستعطف الحبيبة أن تدوم ومن طريف المتنبي في هذا الموضوع دعاؤه على عهدها ،ويذكرها بصفات الحر المنصف على الحسان من النساء ،إذ قال: فيقول: أال خ�����دد ال����ل����ه ورد ال����خ����دود العهد ،ما دُمنا ،مُ حافِ ظةً ، دومي على ِ وق����د ق�����دود ال��ح��س��ان ال���ق���دود. فالحرُّ مَ نْ دانَ إنْصاف ًا كما دينَا وم��ا ب��ك عني م��ن ت���وان وال فتر
ويطلب منها الوفاء له ولو على النأي والبعد، فهو يقنع منها بالذكر والطيف إن ع��ز اللقاء فيقول: أولي َوف��اءً ،وَإنْ لم َتبْذُ لي ِصلَةً ، َكفينَا يف يُ قْ نِ عُ نَا ،وَالذّ كرُ ي ِ َالط ُ ف ّ
نهر عذب ف��رات ..تدفق حبا ولوعة ووف��اء..
ع��اش على أم��ل التالقي بعد ال �ف��راق ..وع��ودة المياه إلى مجاريها بعد تشتتها ..فجاءت أشعاره
تعبر عن حاله ..إنه ابن زيدون ..الشاعر العاشق
الذي لم ينس أبدا ذكرى حبيبته وأيامه الجميلة
يذكرني وجعه واستسالمه واكتفاؤه بالذكرى معها ..إنها والدة بنت المستكفي المحبوبة التي سحرته فعاش لحبها ..ومات على ذكراها.. وطيف الحبيبة بالبيت: وال���ن���ف���س راغ����ب����ة إذا رغّ ��ب��ت��ه��ا الصبَا بلّغْ تح ّي َتنَا أَيَ��ا نسـ ــي َم َّ وأن ت�������رد إل�������ى ق���ل���ي���ل ت��ق��ن��ع مَ نْ َل ْو على البُعْ ِد حَ يّا كان يحيِ ينا َعت بهِ َاب مَ تَاعٌ ،إنْ شَ ف ِ ويسترسل بمناجاة تهيّج الوجد ،وتقطع نياط وَفي الجَ و ِ لت تُولينَا بيض األيادي ،التي ما زِ ِ َ القلب ،ويعترف أن��ه قد ال يلتقي مع من أحب، إليك منّا سَ ــالمُ اللَّهِ ما ب َِقي َْت ِ فيعزي نفسه بلقاء اآلخ��رةِ ،عوضا عن الدنيا، َصبَابـ َة ٌ بِ ِك ن ُْخ ِفيهَاَ ،فت َْخ ِفينـ ـ َا فما عند الله أوسع وأسمح وأرحب ،حيث يحشر * القريات -الجوف.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 107
موقع الشويحطية
اكتشاف أقدم موقع أثري في اجلزيرة العربية
د.خليل إبراهيم املعيقل*
الموقع ي��وج��د م��وق��ع ال �ش��وي �ح �ط �ي��ة ب��ال �ق��رب م ��ن ق��ري��ة الشويحطية الواقعة على مسافة 40كم إلى الشمال من مدينة سكاكا في منطقة الجوف.
قصة اكتشافه
تلك األدوات م��ن قبل عدد من المتخصصين ب��ال �ع �ص��ور ال �ح �ج��ري��ة القديمة ،والذين أكدوا أن األدوات ربما تعود إل� ��ى ع� �ص ��ور ح �ج��ري��ة مبكرة ج��داً ،وتحديداً لفترة األل ��دوان ..وهي أقدم فترات االستيطان ف��ي العصور الحجرية، وتؤرخ لفترة تفوق المليون عام.
ف��ي ع ��ام 1396ه � � � �ـ1977/م ب ��دأت وك��ال��ة اآلث ��ار والمتاحف في المملكة العربية السعودية تنفيذ خطة شاملة للمسح األث��ري في أراض��ي المملكة ،وتهدف ه��ذه الخطة إل��ى تسجيل المواقع األث��ري��ة المنتشرة فوق أراضي المملكة العربية السعودية ،وذلك بهدف حمايتها وصونها من االن��دث��ار أو التخريب ،وإج��راء ونظراً لما أب��داه العلماء من أهمية لهذا الموقع، ال��دراس��ات العلمية ح��ول�ه��ا ،لتحقيق الفهم األعمق فقد قامت وكالة اآلثار والمتاحف بتشكيل فريق عمل لتاريخ وحضارة الجزيرة العربية ،ودور اإلنسان العربي متخصص من علماء العصور الحجرية القديمة لدراسة الموقع ،وقد قضى الفريق عام 1405هـ1985 /م مدة في بناء الحضارة اإلنسانية. وف ��ي ع ��ام 1397ه� � � � �ـ1977/م ،زار ف��ري��ق علمي شهرين في الموقع ،وقد جاءت نتائج العمل أكثر مما متخصص منطقة الجوف الستكمال أعمال المسح ك��ان متوقعاً ،إذ تم تسجيل ( )16موقعاً تعود لفترة التي بدأت في العام الفائت ،وخالل الموسم الثاني حضارية واح ��دة ،جمع منها أكثر م��ن ( )1800أداة للمسح الشامل ،زار الفريق العلمي وادي الشويحطية حجرية مختلفة؛ مثل السواطير ،وأدوات منشوريه القريب من القرية ،وقد لوحظ تركز مجموعات كبيرة وك��روي��ة ال�ش�ك��ل ،وأق ��راص ذات وج�ه�ي��ن ،ومكاشط، وأزام �ي��ل ،وم�ط��ارق حجرية ،ورق��ائ��ق ..وم��ن بين تلك من األدوات الحجرية القديمة على ضفاف أحد روافد األدوات هناك ( )1517أداة تعود إلى عصر مبكر جداً، ال� ��وادي ،وق��د ث��م جمع ع��دد م��ن األدوات ،وسجلت تمثل فترة االستخدام األول للموقع ،بينما( )367أداة المعلومات األول �ي��ة ح��ول ال�م��واق��ع ،وتبين ق��دم تلك تعود إلى عصر أحدث من السابق ،وقد صنعت تلك األدوات ،وعدم دقة صناعتها ،وكبر حجمها ،وكونها األدوات -بالنسبة القديمة منها -من حجر الكوارتز، تختلف عن األدوات التي جمعت من مواقع أخرى في وم��ن حجر ال�ك��وارت��ز وال �ص��وان ،أو الحجر الجيري منطقة الجوف .وقد صنفت مبدئياً على أنها تعود إلى لألدوات التي تعود لعصر أحدث. العصر األشولي األسفل ،ولربما قبل األشولي ..لكنها وقد توصلت نتائج دراسة المواقع واألدوات الحجرية بالتأكيد ترجع إلى العصر الحجري القديم األسفل. إلى أن موقع الشويحطية يعود لمرحلة عصر األلدوان بعد ثالثة أعوام من ذلك التاريخ ،تم إعادة فحص 108اجلوبة -ربيع 1430هـ
ن����������������������������������واف����������������������������������ذ
(ب) المتطور ،وأن الفترة الزمنية التي يمثلها تراوح يستخدمها الجيولوجيون للتاريخ عن طريق القياس بين ( )1-1.3مليون سنة مضت ،وه��ذا يجعل موقع اإلشعاعي لعنصر أرغ��ون البوتاسيوم واالنشطار الشويحطية أقدم موقع أثري يتم تسجيله في أراضي الذري. المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية ،كما يعد عبور اإلنسان األول من أفريقيا إلى آسيا أق��دم ال�م��واق��ع األث��ري��ة ف��ي منطقة غربي ق��ارة أسيا، إن اكتشاف موقع الشويحطية يدعم النظريات التي ال الظهور األول لإلنسان في الجزيرة العربية. مسج ً ترى أن اإلنسان األول عبر من شرق أفريقيا عبر مضيق إن طبوغرافية وادي الشويحطية مثلت بيئة مناسبة باب المندب ،واتجه شماالً نحو بالد الشام ،واستقرت الستيطان اإلنسان األول في هذا الجزء من الجزيرة جماعات منهم في وادي الشويحطية لفترة من الزمن العربية ،وذلك لتوافر أحجار الكوارتز لصناعة أدواته ام � � �ت� � ��دت ل � �م � �ئ� ��ات م��ن الحجرية ،وكذلك ف��إن ه��ذه البيئة ال بد أنها وفرت ال��س��ن��ي��ن ،ث� ��م ه��اج��رت لسكانها مقومات العيش الذي يعتمد على توفر الصيد شماالً مرة أخ��رى بسبب والمنتجات النباتية البرية. تغيرات بيئية ..دفعت تلك أن كثافة ان�ت�ش��ار األدوات الحجرية ف��ي مواقع الجماعات إلى البحث عن الشويحطية تشير إل��ى أن ه�ن��اك ن�ش��اط�اً صناعياً لألدوات الحجرية استمر لفترات زمنية طويلة.
تحديد تاريخ الموقع ربما يتساءل القارئ عن آلية تحديد تاريخ الموقع لهذه الفترة الموغلة في القدم .وقد أش��ار دارسو الموقع إلى أن الدراسات المقارنة التي تم إجراؤها على أدوات الشويحطية ،مع مواقع متشابهة خاصة مع موقع جادب في أثيوبيا ،ومواقع العبيدية على بحيرة طبرية في فلسطين ،وحيث أن تلك المواقع ق��د ج��رت فيها دراس���ات معمقة وأرخ ��ت أدوات �ه��ا لفترة االل� ��دوان (ب) ال�ت��ي ت�ع��ود ألك�ث��ر م��ن مليون ع��ام ،فقد تطابقت أدوات الشويحطية مع أدوات موقع العبيدية ،وقد استخدمت تقنيات القياسات اإلشعاعية لتحديد تاريخ تلك األدوات ،وهي تقنية
م � �ك� ��ان أك � �ث� ��ر م�ل�اءم ��ة ل �ل �ع �ي��ش ..ح �ي��ث يعتقد أن س �ك��ان الشويحطية ه��اج��روا إل��ى ب�لاد الشام ووادي الرافدين.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود ،عضو مجلس الشورى بالمملكة. المراجع: خليل إبراهيم المعيقل ،بحوث في أثار منطقة الجوف1421 ،هـ ،مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية. حسن سندي ((ال��دراس��ات الجيولوجية األثارية للحياة البشرية القديمة خالل عصر ما قبل التاريخ في منطقةالشويحطية بالمملكة العربية السعودية)) أطالل ،العدد العاشر1406 ،هـ1986 ،م ص ص .133-127 عبدالرحمن السديري ،الجوف وادي النفاخ ،ط ،2مراجعة د .خليل المعيقل ،الجوف ،مؤسسة عبدالرحمن السديريالخيرية 1426هـ2005/م. نورمان والين وآخرون(( ،تقرير عن موقع يعود للعصر الحجري الحديث األدنى (البليستوسيني) ،قرية الشويحطية فيشمال المملكة العربية السعودية)) ،أطالل ،العدد العاشر1406 ،هـ1986/م ص ص .123-115
اجلوبة -ربيع 1430هـ 109
علم وفن. التصوير الفوتوغرافي.. ٌ > أمين السطام*
التصوير الفوتوغرافي ..عالمً واسع تتباين فيه اآلراء وتختلف فيه وجهات النظر أكثر منها في أي مجال فني أو ثقافي آخر؛ فالنظرة من خالل العدسة تختلف باختالف األعين واألذواق ،وكذلك كل ما يتعلق بالتصوير وخصائصه وميزاته وعدساته وأنواع أداة التصوير (الكاميرا). على أن هذا االختالف دائماً ما تنتج عنه فوائد ال تحصى ،يتمكن من خاللها المبتدئون وغيرهم م��ن استسقاء اآلراء خاصة بهم ،بحيث يتم ٍ وتشكيل م��درس� ٍ�ة تجميع المعلومات ع��ن ط��ري��ق االستماع محترف لديه ٍ حوار ما ،أو الحديث مع ٍ إلى خبرته الفوتوغرافية؛ لنصل بعد ذلك إلى الخالصة ،وهي نتائج هذا االختالف في اآلراء. والغالب لدى محترفي وهواة التصوير أن يكون لديهم فك ٌر أو تصور معين تجاه 110اجلوبة -ربيع 1430هـ
وللتأكيد على حقيقة ما تناولته في البداية، نظر متباينة ،يمكن تطبيقها سأعرض وجهات ٍ على جميع ما يتعلق بالتصوير وفنونه .فالكاتب ع�ب��دال��رح�م��ن ال�ع�ن��زي ي�س��وق رؤي �ت��ه ف��ي أح��دى مقاالته( )1فيقول« :وحيث أن بعض المشاهد كانت انتظار يصل إلى عدة أيام ،وفي مواقع ٍ تحتاج إلى غير مؤكدة ،فقد اعتمد تصوير المشهد أحياناً على عدة كاميرات مركبة في أماكن مختلفة تقوم بالتصوير تلقائياً م��ن خ�لال التحكم ع��ن بعد. والحقيقة أنه في جميع المشاهد تقريباً يكاد ال يكون لـ «فنية» المصور أي دور يذكر ،بل يكفي أن تكون عدسة الكاميرا مصوبة باالتجاه الصحيح ف��ي ظ��روف إض ��اءة ج�ي��دة حتى ي�ك��ون المشهد الخالب قد تم التقاطه بالفعل» ،ثم يختم قوله بأنه« :ال حرج في القول إن بعض أصحاب الرأي في التصوير الضوئي ال ي�ع��دون تصوير الطبيعة «ف� � �ن� � �اً ف���وت���وغ���راف� �ي� �اً» بالمعنى الفعلي للكلمة، حاالت يكون فيها ٍ إال في للمصوِّر تدخل واختيار ل� �ل� �ق� �ط ��ة ذات م�ل�ام ��ح واضحة وظاهرة». وج� �ه���ة ال� �ن� �ظ ��ر ه ��ذه ق��د ت��واف��ق م��ا ي���دور في خلد الكثيرين تجاه هذه ال �ن �ق �ط��ة ،وق���د ي�ع��ارض��ه
ف�����������������������������������ن�����������������������������������ون
التقاط الصور ،وكيفية إعداد الكاميرا لاللتقاط، وهنا يكمن ال�ه��دف ،وه��و االس �ت��زادة م��ن جعبة المحترفين والمتمكنين في هذا العلم.
آخ ��رون ب��رأي مغاير اكتسبوه ع��ن س��اب��ق خبرة، فتشكلت لديهم رؤي��ة أخ��رى ،وق��د يجد الكاتب نفسه أيضاً يواجه تساؤالً مفاده :كيف تنعدم فنية المصوِّر في أول المُقتبس ،بينما نجدها جلي ًة �االت يكون فيها في آخره عندما قلت «إال في ح� ٍ للمصور تدخل واختيار ِللَقْطة معينة» والغالب في ه��ذا أن تدخل المصور واختياره هما المكونان الرئيسان للعمل.
وأسوق نموذجاً من اآلراء المعاكسة للمقطع األول من مقال العنزي ،وهو تفسي ٌر منطقي إلى حد كبير ،إذ يرى بعض الخبراء والمهتمين أنه ٍ في حال إيجاد العناصر المتكاملة (أشجار – نهر – شمس – أرض )...يأتي هنا دور المصور وما حس فني وفوتوغرافي ،بحيث يتمكن يملكه من ٍ وبكل مهارة ودق��ة من ترتيب وتكوين العناصر زاوية ٍ بشكل مُبهر ،واختيار ٍ المتوافرة «و إن قلّت» بعمل تتناسب مع ما تراه العين ،ليخرج بعد ذلك ٍ يليق بالذائقة العامة.
بعدسة معتصم العوذه
وع � �ل� ��ى ض � � ��وء ب �ع��ض التوجهات األخرى في علم التصوير فإننا نجد أيضاً �ات أوس ��ع وأعمق اخ �ت�لاف� ٍ في ط��رق التصوير ذاتها، وتنحصر هذه االختالفات بأنواع التصوير المُـتعارف عليها والمتداولة ،ولكنها ت �ت �س��ع وب��ش��ك� ٍ�ل م�ل�ح��وظ حين نصل إل��ى الطريقة والكيفية في االلتقاط. ون��ت��ي��ج�� ًة ل��م��ا س�ب��ق فإن عالم التصوير يظل
اجلوبة -ربيع 1430هـ 111
بعدسة عبدالله العتيق
بحراً ال شاطئ له ،يتسع يوماً بعد يوم وت��زداد وخ�لاص��ة ال�ق��ول إن التصوير الفوتوغرافي مياهه بازدياد التجارب والخبرات الفوتوغرافية( ،ال�ض��وئ��ي) وسيل ٌة إلح�ي��اء مشاهد الحياة بكل ٍ والجميل في ه��ذا البحر ،وج��ود معان سامية مساحة كبيرةٍ أشكالها ،ورسال ٌة تحمل في طياتها ٍ وواس �ع��ة ،وف��ي متناول اليد لكسب المزيد من ال يدركها كثيرون ،إال من تشرّب حاسة تذوق الخبرة والمهارة. الصور والفنون البصرية بكل أنواعها.
بعدسة أيمن السطام * سكاكا -الجوف. ( )1مجلة القافة :المجلد ،57العدد .5
112اجلوبة -ربيع 1430هـ
يخلو من اإلبداع ويعجز عن جتاوز أزمات املجتمع غير املتحول
أزمة املسرح جعلت كتّابا ً مسرحيني يهجرون الكتابة املسرحية لصالح فنون أخرى
م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح
النص املسرحي العربي
> حتقيق :مهند صالحات
يرى مخرجون مسرحيون أردنيون أن تراجع المسرح في المنطقة العربية لحساب وسائل التعبير األخرى كالسينما والتلفزيون ،م��رده مشكلة واقعية ف��ي النص المسرحي العاجز عن التطور ،الذي يخلو من اإلبداع الحقيقي ،كما يرى بعضهم أن التقدم يجري في مجاالت أخرى كالشعر الذي بنى مدارس شرقية عربية له ،استطاع روادها مواكبة التطور فيها ،بينما عجز الكتّاب المسرحيون العرب عن إيجاد مدارس مسرحية قادرة على التجاوز عن البطء في التحوالت االجتماعية التي هي -بحسبهم -شرط لتطور النص المسرحي. ف��ال�م�خ��رج ال�م�س��رح��ي ن�ب�ي��ل الخطيب ي��رى أن ش ��روط ك�ت��اب��ة ال�ن��ص المسرحي هي شروط متغيرة ومتطورة ،ألن الشرط االج�ت�م��اع��ي ف��ي األص ��ل متغير ومتحول، وه � ��ذه ال� �ت� �ح ��والت ف ��ي أي م �ج �ت �م��ع هي بالنتيجة تنتج معايير أساسية يقوم عليها نص الكتابة المسرحية ،وتصبح نمطية مع الزمن حتى تأتي عبقرية كاتب ينفي هذه المعايير ويبني نصوصه المسرحية بمرتكز أساسي هو الخلق ،وهذا ما يدلل عليه تاريخ كتابة النص المسرحي كما في شكسبير، صموئيل بكت ،برنارد شو وغيرهم.
الثقافية والسيسيولوجية ،فمن الطبيعي أن ال تحدث تحوالت على صعيد الكتابة ..ما يجعل الكتابة المسرحية التي هي جزء ال يتجزأ من الكتابة اإلبداعية رهينة العجز عن التطور.
وهنا نكون بحاجة لإلبداع الذي وصفه الخطيب بأنه القدرة على تجاوز المجتمع غير المتحول في الكتابة .واإلب��داع إحدى أبرز مشاكل كتابة النص لدينا في األردن والمنطقة العربية ،حيث لدينا نص مسرحي مكتوب ..لكنه يفتقد إلى اإلب��داع ،إضافة إل��ى مشكلة ال ت�ق��ل أه�م�ي��ة ع��ن اإلب���داع؛ أما في مجتمعنا الذي اعتبره الخطيب وهي مشكلة أن شروط الكتابة المسرحية بطيئا وقليل التحول ،وال تحدث فيه كل لدينا في جزء كبير منها متأثر بالضرورة ال ال�ت�ح��والت ال�ج��ذري��ة الحقيقية ف��ي البنية ب�م�ت�غ�ي��رات المجتمعات ال�غ��رب�ي��ة ،فمث ً
اجلوبة -ربيع 1430هـ 113
ع��ام ع��رب�ي�اً؛ ول�ع��ل مشاكل ال�ن��ص المكتوب قد تكون أحد أبرز أسباب هذا التراجع ،إضافة إلى أنه أصبح كذلك أقل أهمية مقارنة مع وسائل التعبير األخرى كالسينما والتلفزيون.
«برخت» على سبيل المثال في أوروب��ا ..جاء من بعده كتّاب تأثروا به وتبنوا تقنيته في الكتابة؛ بينما نجد في منطقتنا العربية العديد من الكتاب يميلون لمدارس غربية في الكتابة المسرحية، وال نجد من يتبنى مدرسة عربية يعمل عليها، وهذا ما يعلل تفوق التقدم في الشعر على حساب المسرح في البلدان العربية. وف� ��ي س� �ي ��اق م �ت �ص��ل ،اع��ت��ب��رت ال �م �خ��رج��ة المسرحية سوسن دروزة ،أن المشكلة األساسية ف��ي ال �ن��ص ال �م �س��رح��ي اإلب ��داع ��ي ف��ي األردن والمنطقة العربية على حد س��واء ..هي مشكلة وجود نص واقعي ،يالمس محيطه بشكل حقيقي، فالنص المسرحي كما وصفته ..هو فقط نص أدب��ي مجرد من الواقعية والرؤية أكثر من كونه نصاً مكتوباً للخشبة ،وه��ذا ما يضطر المخرج إلع��ادة كتابة النص م��رة أخ ��رى ..ليتناسب مع الواقع ،ويبدو أكثر مواءمة للخشبة.
وفي األردن تحديداً ،وبحسب دروزة ،هنالك الكثير من المخرجين الذين يحملون كاميراتهم ويخرجون إلى الشارع للتصوير .فهناك أكثر من 200مخرج تلفزيوني وسينمائي ،ومخرج أفالم وثائقية خ�لال السنتين األخيرتين؛ ف��ي مقابل أن ��ه م�ن��ذ خ�م��س س �ن��وات ل��م ي�ت��م ت�خ��ري��ج كاتب مسرحي واحد مبدع ،وهذا يشير إلى معطيات خطيرة .إضافة إلى أن هناك أزم��ة أخ��رى ،هي أزمة التدريس؛ ففي جامعاتنا التي تخرج يومياً مخرجين وم�م�ث�ل�ي��ن ،ال ي��وج��د أي ق�س��م للنقد المسرحي ،أو لتدريس كتابة النص المسرحي ،أو الدرامي أو السينمائي ،بينما لدينا عدد كبير من المخرجين والممثلين؛ وفي المقابل ليس هناك من يكتب لهم.
وتستغرب دروزة من كيفية استمرار المسرح حتى ه��ذه اللحظة؛ فالمخرج إن ل��م يكن ملماً بكيفية كتابة النص المسرحي ،كيف يمكنه أن يعيد صياغه النص الذي بين يديه؟ وبخاصة أن معظم النصوص المسرحية العربية الجيدة قد استنفذت مسرحيا لكتاب مبدعين من أمثال ممدوح عدوان، لكن المشكلة هنا في تمكّن المخرج ذات��ه من سعد الله ونوس ،محمد الماغوط ،وغيرهم. القيام بإعادة صياغة النص ،فالعديد من المخرجين وعملت مقارنة بسيطة بين الحالة العربية المسرحين الجدد ،أو غير المتمكنين ..يقعون في والنموذج األوروبي؛ فتقول :إنه في ألمانيا وحدها هذه المشكلة ،ما يمنعهم من الخروج بعمل مسرحي ظهر في العام الماضي أكثر من 20نصاً مسرحياً متكامل ..من حيث النص والرؤية اإلخراجية؛ ما لكتّاب شباب تقل أعمارهم عن األربعين عاما. يضعف العمل المسرحي ويهبط في مستواه. وفي سياق مختلف ..فإن الكاتب المسرحي كما ترى دروزة أن المشكلة هذه ال تكمن في األردن���ي ه��زاع ال �ب��راري ي��رى أن مشكلة النص النص وحده؛ فالمسرح ككل بدأ بالتراجع بشكل المسرحي األردن��ي والعربي ،هي ذاتها إشكالية
114اجلوبة -ربيع 1430هـ
فعلى صعيد اإلنتاج المسرحي ،يرى البراري أن في األردن والمنطقة العربية عدد كبير من المخرجين األكاديميين ومخرجي الخبرة؛ لكن العدد الفاعل منهم محدود ،في حين الكم األخر خامل أو غير فاعل ،أو أنسحب باتجاه نشاطات أخرى غير المسرح.
م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح
المسرح ،ألن المسرح ال يمكن أن يجزأ ،فهو قائم بعناصره المختلفة من نص ومخرج وممثلين.
مشكلة التعامل معه ،وهذه نتيجة قلة الخبرة لدى المخرجين المسرحيين؛ فكثير منهم يكون في ذهنه رؤية إخراجية معينة ..لكن النص الذي تم إجازته من قبل وزارة الثقافة أو أمانة عمان ،ال يتناسب مع الرؤية الموضوعة مسبقاً؛ فيحاول المخرج لَيَّ عنق النص ليتناسب مع رؤيته ،رغم أن األجدر به كان إعادة االشتغال على رؤيته من جديد. ويتفق ال �ب��راري م��ع م��ا قالته دروزة ف��ي أن هنالك مشكلة أيضاً في تدريس النص المسرحي من جهة ،ومن جهة أخرى حول قداسة وسطوة ال�ن��ص ال�م�س��رح��ي ،حيث أن العمل المسرحي هو عمل جماعي ،ولكن المخرج يفرض سطوته على النص وليس العكس ،فيقوم هو ب��إع��داده، وإخراجه ،ولعب أحد أدواره ،ويصمم له الديكور واإلض��اءة ،متجاوزاً بذلك العمل التشاركي ،دون الرجوع للكاتب أحياناً.
ومن جهة أخرى يقر البراري أن كتاب المسرح العرب قلة متناقصة مع األيام؛ فمن خالل تجربته الشخصية ،وتجربة المسرح األردني الذي يعده األك�ث��ر نشاطاً عربياً ،حمّل ال �ب��راري ج��زءا من المسئولية للمخرج المسرحي العربي ..واألردني على وج��ه ال�خ�ص��وص ،لكونه أس�ه��م بقصد أو م��ن غير قصد ف��ي تهجير الكاتب المسرحي؛ ود ّل��ل على ذل��ك بكتاب مسرحيين مثل الدكتور وه��ن��اك م�ش�ك�ل��ة ال ب��د م��ن ال ��وق ��وف عليها وليد سيف ،وهاشم غرايبة ،وجمال أبو حمدان ب �ج��دي��ة ..وه��ي مشكلة «ال ��درام ��ات ��ورك» ،وه��ي وغيرهم؛ وه��ؤالء توقفوا عن الكتابة المسرحية معتمدة أوروبياً ..لكن عليها إشكاالً عربياً ،وهو أو امتنعوا عن إعطائها للمخرج األردني ،ألسباب الوسيط بين الكاتب والمخرج والممثلين ،الذي تعود لتجارب سابقة لديهم. يقيم التوازن بين النص والرؤية اإلخراجية ..ولكن فالمخرج األردني حين يأخذ النص المسرحي لألسف عدم تفعيله ،وعدم تدريسه عربياً ..زاد األدب��ي لالشتغال عليه ،ينسف النص ..بدعوى من إشكالية التعاطي مع النص األدبي المسرحي تحويل النص األدب��ي إلى مسرحي ،وهنا يطرح وتحويله بشكل منطقي مسرحاً. السؤال نفسه :هل المخرج قادر على إعادة كتابة النص مرة أخرى دون أن يَحدث خلل في رؤيته، وبنية شخصياته؟ فالعديد من النصوص التي تم االشتغال عليها مسرحياً تم قتلها ،بشكل أو بأخر ،انتصاراً للشكل المسرحي. وبذلك يرى البراري أن المشكلة األساسية ال تكمن في النص المسرحي ،رغ��م قلته ،إنما هي * كاتب من األردن.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 115
ثالث حقائق غائبة يكشفها اإلقتصاد اإلسالمي
في ضوء األزمة املالية الراهنة
> أحمد محمد نصار*
كشفت الرؤية اإلسالمية لألزمة المالية الراهنة عن الكثير من الحقائق التي كان االقتصاد اإلسالمي يتحدث عنها صراحة ،أو ضمن رؤيته للنظام االقتصادي؛ إال أن هناك ث�لاث حقائق أساسية غابت عن الكثيرين في م��داوالت األزم��ة؛ الحقيقة األول��ى ،تغيير هيكلة النظام المالي والمصرفي؛ والثانية ،ملكية النظام المالي لنفسه؛ أما الثالثة ،فهي نظام شفافية ومصداقية المعلومات المالية. أما بالنسبة للحقيقة األول��ى ،فإن هيكلية النظام المالي الحالي ال تساعد الحلول المقترحة للخروج من األزمة؛ ألن هناك إصالحات جوهرية يجب االعتراف بها أوال ،وم��ن ثم اق�ت��راح بدائل مؤسسة تخدم تلك اإلصالحات ،ألن الخلل في األزم��ة الحالية ال يمكن ت�ج��اوزه باقتراح حلول ط��ارئ��ة ،وخطط ان�ق��اذ تعالج المشكلة في أعراضها ،وال تعالج المشكلة من أسسها
الفلسفية والمؤسسية .وهناك الكثير من المقترحات التي اقترحها علماء االقتصاد اإلسالمي بهذا الصدد، مثل :فصل النشاط المصرفي عن النشاط االستثماري، وإضعاف سلطة المصارف والحد من تأثيرها .لكن هذه المقترحات لم تلق قبوالً في البداية ،ألنها كانت تصطدم مع هيكلة النظام المالي الحالي ،التي من النادر ما تجد أحداً ينتقدها في ذاتها؛ ألنها ترجمة ألسس وفلسفة الرأسمالية في فصل النظام المالي عن االقتصاد الحقيقي. أما الحقيقة الثانية التي تتحدث عن ملكية النظام المالي ،فقد أشار إليها مؤخراً تقرير آفاق االقتصاد العالمي ال �ص��ادر ع��ن ص�ن��دوق النقد ال��دول��ي ،وهو ض��رورة انسحاب القطاع المالي م��ن ملكية النظام المالي .وهي إستراتيجية تحمل رؤية إسالمية ابتداءً، وال يستطيع أحد إنكار ذلك ،ألن القطاع المالي في النظام االقتصادي اإلسالمي ال يملك نفسه ،ويتحكم فيها اله�ث�اً وراء إش�ب��اع رغباته ال�خ��اص��ة ،وتعويض ذل��ك ،بما يسمى بتوليد أو اشتقاق النقود ،كما هو معروف في النظام المصرفي money creation؛ وه��ذه الحقيقة أي�ض�اً ال يمكننا تجاهلها ،وخاصة بعد وق��وع األزم��ة ،ألن الفجوة بين المتداول النقدي وال�م�ت��داول السلعي كبيرة .وم��ا يثبت ذل��ك أيضاً أن
116اجلوبة -ربيع 1430هـ
م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد
سياسات السلطات اإلشرافية والرقابية المصرفية تسعى دائما إلى الحد من اإلسراف في توليد النقود م��ن خ�ل�ال اإلئ�ت�م��ان ال�م�ص��رف��ي .وإذا ترجمنا ه��ذه الرؤية على شكل سياسات ،فهو اعتراف منا بأثرها السلبي حتى ولو تم تطبيقه بشكل جزئي؛ ولذلك تجد عقود التمويل اإلسالمي متنوعة ،وشروطها مختلفة، وأحكامها مفصلة حسب وظيفة العملية من الناحية االق�ت�ص��ادي��ة .وليس مقبوالً ف��ي النظام االقتصادي اإلسالمي أن تترجم كل األنشطة االقتصادية ،ويتم اختزالها في نشاط ائتماني واح��د ،بصيغة القرض بفائدة ،ألن فيه سماح بتجاوز األه��داف االقتصادية للفرد والمجتمع على حد سواء. أما الحقيقة الثالثة واألخيرة ،وهي نظام شفافية المعلومات ومصداقيتها ،وقد سمعنا كثيراً عنها في م��داوالت األزم��ة ،لكن أيضا كانت مقترحاتها تعالج المشكلة ف��ي أع��راض �ه��ا ،وك��ان��ت ال��رؤي��ة اإلسالمية واضحة ومعالجة لجذور هذه المشكلة؛ فلم يتدخل اإلس�ل�ام أص�لا ف��ي آل�ي��ة ال �س��وق م��ن ع��رض وطلب، وه��ذا ما يثبته حديث التسعير ال��ذي رواه الترمذي، فيقول :حدثنا أنس ابن مالك قال« :غال السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقالوا يا رسول ال�ل��ه ،سعّر لنا ،ف�ق��ال :إن الله ه��و المسعّر القابض الباسط الرزاق ،وإني ألرجو أن ألقى ربي وليس أحداً منكم يطلبني بمظلمة في دم وال مال»؛ وهو كما تقدم إثبات لحرية التعامل في األس��واق من حيث اآللية، ومراعاة وسائل تحصيلها ،من حيث الكلفة والجهد. لكن اإلسالم تدخل وبشكل مباشر وأساسي في هيكل السوق وضوابطه المؤسسية ،واألج�ه��زة التي تكفل تطبيق ذلك بالشكل المطلوب (جهاز الحسبة).
معلوماتياً يتصف بالدقة والموضوعية والمصداقية، يساعد في كشف السوق ل��دى البائعين والمشترين التخاذ القرارات المناسبة من بيع وشراء؛ ألنه يضمن ع��دم التالعب والسيطرة غير المشروعة على آلية تكوين األسعار؛ وهذا بخالف الرؤية الرأسمالية التي تسرف في التنظير بحرية األس��واق ،وض��رورة توافر الشفافية في المعلومات ،دون تقديم هيكل يضمن ذلك ..وفي المقابل التفريط في آليات التطبيق غير المعبّرة عن حقيقة السوق ،والوصول في النهاية إلى نتيجة واحدة ،وهي تجديد اآللية ،مع عدم االعتراف بتجديد الهيكل الذي هو األساس في هذه العملية.
ال يمكن في ظل هذه الحقائق الثالث إال أن ندرك أن هذه األزمة جاءت في وقتها لتثبت للعالم أن ما يقوله االقتصاد اإلسالمي يجب أن ال يقابل باالستهتار ،حتى لو لم يعجب ذلك أصحاب القرار والمستفيدين ،وهذا إن هذه الرؤية اإلسالمية المتدخلة في هيكل السوق يعطينا نتيجة أن االقتصاد اإلسالمي أصبح خياراً ال وغير المتدخلة في آليته تعطينا بال محالة نظاماً بديل له بعد أن كان خياراً يمكننا قبوله.
* باحث في االقتصاد والمصارف االسالمية ،منسق في المجموعة العالمية للباحثين في االقتصاد والمصارف االسالمية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 117
الكتاب « :كافكا» ،في اجلزء األول من أعماله الكاملة (الدودة الهائلة) :قصص استبطانية وسرد جهنمي عن إنسان في عالم مضطرب الناشر :الهيئة املصرية العامة لقصور الثقافة.
> عصام أبوزيد
قصص كافكا ،باهرة ..استبطانية ،كالهبوط إلى القوى المظلمة ،تصف العزلة وتغترب عن الواقع إلى حد االنشقاق؛ فتهرب إلى عدمية النبذ والصراع مع الرعب ،في سرد غريب ال تدرك معه هل أنت في واقع أم كابوس؟ نقرأ ...« :وبعد اجهاد عنيف ،لم أعد قادر ًا على التفكير ،فقد كان رأسي يتطوح ،هبطت تارك ًا الباب مفتوح ًا في ذهولي. استلقيت أخيراً ،فوق األتربة المصطبغة بدمائي ،وصار في وسعي اآلن أن أحقق ُ وهكذا رغبتي في النوم». كان كافكا يستعين في كالمه بأعضاء جسمه ووجهه ،وإن استطاع أن يكتفي بحركة فعل ،وكان بسيط ًا خجوالً ،فكأنما يقول لمحدثه :أرجوك ،إنني أقل كثير ًا مما تظن، وإنك لتستطيع أن تُسدي لي خدمة كبرى إذا ما تجاهلتني. هو اليائس ،الصامت ،المعذّ ب ،المريض ،وأحيان ًا المجنون .سمة حياته البارزة هي الغضب ،الذي يولّده القلق ،والذي يحيل نفسه إلى أبخرة سامة عند مالمستها الحياة.
األثر العميق
مقلق وج��د نفسه ف��ي س��ري��ره ق��د تحول
عندئذ أغلقت الكتاب ٍ ي �ق��ول غ��اب��ري �ي��ل غ��ارث �ي��ا م��ارك �ي��ز في إلى حشرة هائلة»، ال لنفسي «يا للهول هل يمكن ال�م�ح��ادث��ات ال�ت��ي أج��راه��ا معه صديقه مرتعداً قائ ً بلينو منيدوسا ونشرت عام 1982م :لقد أن يحدث هذا« ،وفي اليوم التالي مباشرة بدأ اهتمامي بفن القصة ذات ليلة ،كنت كتبت أول قصة ل��ي»( .)1هكذا يتضح لنا
أقرأ فيها قصة (التحوّل) لكافكا ،فقرأت مدى التأثير العميق الذي تركه كافكا في في أولها ه��ذه الجملة :عندما استيقظ األجيال الكتابية التي جاءت من بعده. غ��ري�غ��ور س��ام�س��ا ذات ص �ب��اح ،ب�ع��د حلم 118اجلوبة -ربيع 1430هـ
وب �خ �ص��وص ال �ح��داث��ة وم��وق��ع كافكا
كافكا .يهمه باألحرى ،حسب الصيغة ال��واردة الجحر؛ في مستعمرة العقاب؛ الدودة الهائلة».
في برنامجه الخاص ،أن «يثير العالم ليجعله
ق �ص��ة «ال��ت��ح��ول» ت �ق��دم ح��ال��ة م��ن ح��االت
ي��رت��اد الحقيقي ،ال �ط��اه��ر ،ال �ث��اب��ت» ،وه��و ما الفشل ت��ؤدي إل��ى ال �م��وت ،وه��ي قصة تجسد أنجزه بالفعل باعتماده ال على فوضى الطليعة أزمة وجود ،وتشير في وضوح إلى انقسام يقع ال�م�ع��اص��رة ،وإن �م��ا على األش �ك��ال القديمة – نتيجة لتراكمات ،فيفصل بين الوعي والالوعي. الخرافة ،الحكمة ،الحكاية ،الملحمة – التي ويتمثل هذا االنقسام في بقاء الذات الحقيقية نقلتها إلينا الثقافة الكونية. (المنسحبة في عجز من المواجهة) في البيت وإذا كان قد انقاد بقوة األشياء ،لكي يصور على هيئة حشرة هائلة الحجم تسترخي في
ق�������������������������������������������������������������راءات
بالنسبة منها« ،ف��إن الحداثة ه��ي آخ��ر هموم هي :التحوّل؛ سور الصين العظيم؛ أبحاث كلب؛
بأمانة وضعيته الشخصية بكل تفردها ،إلى رسم الفراش .بينما الجسد الذي يرتدي مالبس تلك واقع مضطرب بكيفية حاذقة ،فإنه يفعل ذلك «الذات» ،أي حرفياً تلك الواجهة الخارجية لتلك عبر محكي منظم بصرامة ،مراعياً في تركيبه «ال ��ذات» ،تترنح خارجة إل��ى اض�ط��راب الدنيا كما ف��ي أس�ل��وب��ه ،أكثر م��ا يمكن م��ن االنتظام الخارجية ،وتقوم بالعمل كبائع متجول. ال��دق�ي��ق .وبسبب قِ ��ران ه��ذا (ال �ك��ل الجديد) ال�ن��ات��ج م��ن ح�ي��اة داخ�ل�ي��ة فريسة للتناقضات
والصراعات .مع «ما سبقت رؤيته» ،و«ما سبقت
قراءته «الموحي بالثابت ،فإن كافكا ،الحداثي
على الرغم منه بطريقة ما ،هو كما قيل كثيراً،
الكاتب الذي يتأبى على المقوالت .إنه ،اذاً ،غير قابل ألن يصنف ضمن أية حركة ،بل هو ،بمعنى
عميق خارج الزمن»(.)2
الترجمة العربية
وم��ن خ�لال «ال �ت �ح��ول» ال ��ذي يتأسس على
االغتراب عن الذات يكون هذا «االنقسام» هو المبدأ الذي يقوم عليه بناء القصة .ويقوم مبدأ االنقسام كذلك ،نتيجة لالغتراب أساساً في
قصص أخرى لكافكا تتفق مع قصة «التحول» ف��ي اتخاذها لموضوع «ال�ع�ق��اب» أرض�ي��ة لها، وهي قصة «في مستعمرة العقاب».
أما «سور الصين العظيم» ففيها يعبر السور
عن إرادة إلقامة مملكة الرب ،أو إرادة تتشوق
ومنذ فترة قصيرة ص��در ال�ج��زء األول من نحو االكتمال ال��دن�ي��وي ،إال أن ه��ذا االكتمال أع �م��ال كافكا الكاملة تحت ع �ن��وان« :ال ��دودة ال ي�ت��اح ل��ه أن يتحقق م�ب��اش��رة ،وإن�م��ا يتحقق
الهائلة» ،بترجمة من الدسوقي فهمي – أول فقط ف��ي ص��ورة (أبنية أو إن �ش��اءات جزئية). مترجمي كافكا عربياً في الستينيات – وعن ف�ه��ذه االن��ش��اءات الجزئية ه��ي (االك �ت �م��االت) الهيئة ال�م�ص��ري��ة ل�ق�ص��ور ال�ث�ق��اف��ة ،ف��ي 296المنعزلة ،االك �ت �م��االت ال�خ��اص��ة ،والتحققات صفحة من القطع المتوسط ،وضمن سلسلة النوعية الجزئية .وأنه ليس لالنسان سوى أن «آفاق الترجمة».
يحقق فقط أهدافاً فردية (شخصية /خاصة)
يحتوي «ال ��دودة الهائلة» على ست قصص ومحدودة.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 119
عن الوجود البشري
أم��ا «الجحر» التي كتبها كافكا ف��ي السنة
ويبدو العالم في قصة «أبحاث كلب «عالماً األخ �ي��رة م��ن ح�ي��ات��ه ،ف��ال��راوي (أن ��ا) ف��ي هذه بالياً ،متكرراً على نحو ما ،والمعنى المباشر ال �ق �ص��ة ،ه��و ح �ي��وان م �ن �ع��زل ،وح �ي��د ،عصبي
لهذه القصة (األمثولة) هو العالم ال��ذي يتعلق ال �م��زاج ،أسلوبه ف��ي الحياة والطابع النفسي بوجود (الكالب) كتشخيص – بين السطور – لشخصيته يذكر القارئ ب «الحفار» أو مايسمى يجد احتقاراً للذات ،ويعكس إحساساً بالخزي ب «الغرير» ،وهو حيوان ثديي يحفر لنفسه في من الوجود (البشري) وطبيعته التي لم تبلغ بعد باطن األرض أوك��اراً وممرات .فهو في القصة مرتبة اإلنسانية .وانسياقاً مع ذلك تبدو الكالب يعيش داخ��ل جحر يتألف من ممرات ممتدة، الحقيقية لكافكا ،بعاداتها العتيقة التي تتشبث وم��خ��ازن وح��ف��رات ل�ل�ن��وم ون �ق��اط دف� ��اع ،ك��ان
بها ،وتلتصق بها في شغف زائد ،وقد تضافرت حفرها كلها ،عندما كان صغيراً ،بعد أن قضى مع تلك العادات العتيدة ،خياالت وأوهام غريبة ،فترة تجوال بائسة. كأنما تجسد للقارئ صورة هنيئة ،ربما تنعكس
وفي إحدى المناسبات ،يسمع هذا الحيوان
على مرآتها أش�ك��ال أخ��رى للوجود البشري ،ض��وض��اء تتكرر ،ص ��ادرة ..ال ب��د م��ن ع��د ِّو ما، تختلف عن صورته الحالية النكدة .إن الجو ويتبدى له حينذاك عقم كل إج��راءات الدفاع
الذي تتحرك الكالب في إطاره ،هو جو تصوره التي كان أعدها ضد هذا العدو المجهول. (القصة) على أنه عالم يخلو من الفرح ،عالم و (الجحر) هو رم��ز لألمان عندما يتحقق تحكمه الغرائز ،وتتسلط عليه العادة الروتينية. في الدنيا .فهو ليس مجرد فجوة يمكن اللجوء كما أن ثمة خاصية تتمثل في قصص لكافكا اليها ،بل هو التعبير عن طبيعته الخاصة (طبيعة اتخذ فيها السرد صيغة الجمع (نحن) ،بدالً الجحر) التي ال يمكن فقدانها. من السرد من زاوية رؤية المفرد المتكلم (أنا)؛ وب �ه��ذا يصبح ال �ص��راع ف��ي ال��دن�ي��ا جحيماً فهذه ال (نحن) تظهر في قصة «س��ور الصين العظيم» وهي صيغة صريحة حميمية مفتوحة ،متحرك ال��زواي��ا ،تتبادل فيه الحقائق أماكنها فقد أحس «الراوي» بحاجته إلى الحماية التي وأوضاعها ،وتلتبس في كثافة حالكة مراوغة،
تكمن ف��ي ه��ذه ال �ـ (ن �ح��ن) ،ف��ي غ�م��ار التوحد متسلحة بكلمات ملتبسة متشابهة ..لهذا يصبح المنعزل ف��ي صيغة ال� ��راوي وال �س��رد بضمير الصراع صراعاً صلباً جهنمياً له منطق وحوار المتكلم الفرد.
الخنجر ذي الحدين.
* شاعر وقاص من مصر. ( )1من مقدمة ترجمة رواية «من قتل موليرو؟» لماريو فارجاس إيوسا ،ترجمة :د .حامد أبو أحمد ،الهيئة المصرية للكتاب – 1988ص .9 ( )2من «إعادة ابتكار الحداثة» ،مارت روبير ،ترجمة :محمد برادة ،مجلة «أدب ونقد» ،العدد – 20مارس ،1986ص .140
120اجلوبة -ربيع 1430هـ
ق�������������������������������������������������������������راءات
الكتاب :مفاجآت قدمية في أغنية الشمس املؤلف :إبراهيم الزيد الناشر :نادي الطائف األدبي
> د .علي محمد هنداوي
تتزاحم المفاجآت واالنطباعات والمشاعر ،وتتنوع ردود الفعل لدى متصفح ديوان «أغنية الشمس» للشاعر إبراهيم الزيد؛ فالشمس التي يغنيها أو يغني لها فيجعلها عنوان ًا لديوانه وإلح��دى قصائده هي مصدر النور في ه��ذا الكون ،بل مصدر ال��دفء والحياة؛ وهى كذلك رمز الكشف والوضوح ،وفضح الزيف والضالل؛ وهي في ذات الوقت شمس اإلسالم والعروبة التي يحمل الجميع همّ غروبها ،وإن كانت هناك دالئل متكاثرة على أنها تكاد تؤذن بالمغيب مع تداعي األمم علينا ظلم ًا واستضعافاً. ولعل اختيار الشاعر قصيدته «موكب النصر» ليفتتح بها ديوانه ما يدل بوضوح ص��ارخ ومفاجئ على أن��ه يعيش م��ع أمته أف��راح�ه��ا وأت��راح �ه��ا ،مهما ن��أت ببالدها المسافات؛ فهو يوجه قصيدته إلى الجزائر الظافرة والى شعبها الحبيب ..إلى األمة العربية وهى تعيش أفراح النصر ..بانتصار الحرية في أرض األحرار ..عبارات كادت تنسينا إي��اه��ا غ �ص��ص ،ص��رن��ا نتجرعها صباح مساء ،مما نعاني من عدوان وظلم وفرقة والتباس وحيرة ،بخالف ما كانت تتسم ب��ه مرحلة تاريخية سابقة قريبة في عمر الزمن ك��ان الصراع فيها واضح الطرفين إلى حد كبير.
ال يلبث أن يطل علينا في قصائد أخر عن: «أحمدو بيلو» ،و«جزيرة العرب» ،و«المجد للعرب» ،و«ي��ا فتية ال�ع��رب» و«ي��ا حزيران ش �ك��راً» ،و«ص�لاة لشعب اليمن» ،و«العام وش �ب��ح ي��ون �ي��و» ،و«ال ��زاح� �ف ��ون» ،و«ن�ش�ي��د بالدي». ويتنوع الوعاء الموسيقى ال��ذي يصب فيه الشاعر قريضه بين قصيدة التراث األصيل العمودية ،وبين شعر التفعيلة ،أو السطر الشعري ،وهو أمر يواكب به أقرانه من شعراء تلك المرحلة في العالم العربي ع��ام��ة ،مثلما ت�ت�ق��ارب ال�ه�م��وم وت�ت��راس��ل المشاعر.
وعلى الرغم من النزعة الخطابية في وليست القصيدة االفتتاحية للديوان وحيدة في نوعها ،فشعور صاحبنا باالندماج قصيدة االفتتاح ،فإنها ال ينقصها الصدق في قضايا أمته بكل ما تعنيه كلمة األمة ،والشعور الدافق ،الذي ربما ترك أثره في
اجلوبة -ربيع 1430هـ 121
لجوء الشاعر إلى مخالفات لغوية مثل إسقاط «أنْ» في قوله :وأبى يكون من األصاغر ،واستعمال جمع المؤنث والمقصود المذكر في قوله الموت حوّم بالكوافر ،واستعمال الثالثي غير المسموع في قوله :ومناضل قحم المخاطر ،بدل «اقتحم» وغير ذلك. ال في أكثر غير أن هذا وإن شاع مثله في سائر الديوان ال ينفي صدق الشعور الذي ولد نفساً طوي ً من قصيدة ،ومنها قصيدة االفتتاح التي نختار منها قوله: ال�������ن�������ص�������ر أق���������ب���������ل ي�����������ا ج�������زائ�������ر
ال������ف������ج������ر ش�����ع�����ش�����ع ب�����ال�����ب�����ش�����ائ�����ر
ال�����������ن�����������ور أش������������������رق ف�����������ي ال��������دن��������ا
ف����������أم����������اط داج����������ي����������ة ال�����س�����ت�����ائ�����ر
وأط����������������ل م����������ن خ�������ل�������ف ال����ل����ه����ي����ب
ع������ل������ى ال�����������ب�����������وادي وال�������ح�������واض�������ر
ف������������ج������������ر ج���������������دي���������������د م���������ش���������رق
ع�������ه�������د ج���������دي���������د م�����������ن م�����ف�����اخ�����ر
أم���������������������ل ت�����������ق�����������دس�����������ه ال�������ش�������ع�������و
ب وت��������ف��������ت��������دي��������ه ب��������ك��������ل ث������ائ������ر
ع�����������رف�����������ت ف���������رن���������س���������ا ص������دق������ن������ا
ف���������ي ك���������ل س������������اح ف���������ي ال������ج������زائ������ر
ل��������������و ت�����������س�����������أل�����������ون ض������م������ي������ره������ا
إن ك������������ان ش������������يء م���������ن ض����م����ائ����ر
س������ب������ع������ون ش���������ه���������ر ًا ف���������ي ال����ك����ف����ا
ح ون�������ح�������ن ن�����ص�����م�����د أو ن����ص����اب����ر
ج�����������ي�����ل�����ا ق����������������وي���������������� ًا راس�����������خ�����������ا
ب�������ال�������م�������وت ب������������األع������������داء س�����اخ�����ر
وم���������������واك���������������ب ال������������ش������������ه������������داء را
ح��������ت ل�����ل�����خ�����ل�����ود إل����������ى ال����م����ق����اب����ر
أب����������������������ت ال�������������ح�������������ي�������������اة ب���������ذل���������ة
وب���������م���������وط���������ن ي������ح������م������ي������ه غ������������ادر
وتحمل قصيدة العبقرية المظلومة ضرباً آخر من ضروب اندماج الشاعر في قضايا أمته ،إذ ينبري فيها مدافعاً عن أهل الفكر وحملة اليراع ،ويذكّر بفضلهم الذي ال تعدله مكافأة ،وأي مكافأة توفي مَن يقدم بعض روحه ورحيق فكره ألمته؟ فيقول: مَ ��������ن ل���ل��أدي������ب ال����ع����ب����ق����ري ي����ك����رم؟
مَ �����ن ل��ل��م��ف��ك��ر ف����ي ال���ح���ي���اة ي��ع��ظ��م؟
مَ ����������ن ل�����ل�����ن�����ب�����وغ ي�������ع�������زه وي�����ج�����ل�����ه؟
أو ل���ي���س ح���ق��� ًا م����ا أق�������ول؟ ت��ك��ل��م��وا!
�����اع��ل��ا ف������ي ظ��ل��م��ة ً ال�����راف�����ع�����ي�����ن م�����ش
ال�����ذائ�����دي�����ن ال����ش����ر ع����ن����ا مَ �������ن هُ �������مُ ؟
ال������ن������اذري������ن ح����ي����ات����ه����م ِم��������ن أج���ل���ن���ا
وألج����ل����ن����ا ت���ل���ق���ى ال����ص����ع����اب ف��ت��ب��س��م
ال�����واق�����ف�����ي�����ن م������ش������اع������ر ًا م���ش���ح���ون���ة
وم����واه����ب���� ًا ج����ل����ي ..ت��ج��ي��ش وت��خ��ض��م
وع���������واط���������ف��������� ًا ح�������اس�������ة وره�����ي�����ف�����ة
ه����ي -ال أق������ول -ك���ري���م���ة ..ب���ل م��ره��مُ
وتكشف عبارات الشاعر -مع صدق حسه ونبل مقصده -مآخذ لغوية مثلما سبق أن أشرنا، ومنها هنا ما نحسه من قلق تركيبي وفى المعنى في الشطر الثاني من البيت الثالث ،وكذلك في لفظ «جلي» ،والفعل «تخضم» إذ الخضم نوع من مضغ طعام فيه ليونة ،وهو معنى غير مراد بطبيعة ضمّ» كانت في ذهن الشاعر «خ َ الحال ،بل المقصور لفظ يؤدي معنى التأجج أو االجتماع ،ولعل كلمة ِ ال غير مستعمل بهذا المعنى؛ وقد أحسن الشاعر في قوله: فاشتق منها فع ً 122اجلوبة -ربيع 1430هـ
ال ي����ح����م����ل����ون م������داف������ع������ ًا رش������اش������ةً
ب���ال���ل���ي���ن ب���ال���ح���س���ن���ى ح����دي����ث ي��ف��ه��م
وس��واء كان الفعل «يفهم» مبنياً للمعلوم أم للمجهول فإنه يؤدي المعنى المقصود أدا ًء حسَ نا؛ ويفيض الشاعر في تبيان اآلثار الحميدة للمفكرين واألدباء والشعراء ،وهو يستلهم التراث في حديثه عنهم ،فيقول: ه���������ذا ي�����ن�����اف�����ح ف�������ي ص������م������ود ه����ائ����ل
و ف����ي ال���س���ي���اس���ة -ال أق��������ول -م��ع��ل��م
رزق ال�����ب�����راع�����ة ف�����ي ح�����دي�����ث س���ائ���غ
ال���س���ح���ر ك�����ل ال���س���ح���ر ف���ي���م���ا ي��ل��ه��مُ
وأخ���������وه ف�����ي دن����ي����ا ال����م����ع����ارف ح��ج��ة
ف����ي ال���ش���ع���ر ف����ي ن���ث���ر ال���ب���ي���ان ي��ن��غّ ��م
إن ك�����ن ح����رب����ا ف����ال����ص����واع����ق ل��ف��ظ��ه
ن��������ار ع����ل����ى األع�������������داء دوم���������ا ت���رج���م
ه�������و ل�����ل�����س��ل��ام ح�����م�����ام�����ة م���ح���ب���وب���ة
ب���ي���ض���اء ت���س���ج���ع ب���ال���ه���دي���ل وت��ب��س��م
أو غ����ص����ن زي������ت������ون ي����ع����ان����ق ص���ن���وه
أم���������ل ت�����ق�����دس�����ه ال�����ش�����ع�����وب وت���ل���ث���م
ق�������������������������������������������������������������راءات
ب��س��وى ال���رص���اص دف��اع��ه��م ون��ض��ال��ه��م
خ����س����يء ال�����رص�����اص ش���ري���ع���ة ت��ت��ك��ل��م
ويبين صاحبنا أثر الشعر في هدهدة المشاعر وتهدئة الخواطر: ك������م م����ه����ج����ة ح��������ري ت����������ذوب م��������رارة
وج����������دت ب����ظ����ل����ك ب����س����م����ةً ال ت���ه���رم
ك����م أك����ب����د ك�������ادت ت����م����وت م����ن األس����ى
أن�����ق�����ذت�����ه�����ا م�������ن هُ ��������������وّة ال ت����رح����م
ك�������م ف����ت����ي����ة ك�����������ادت ت����ت����ي����ه ب����درب����ه����ا
ف����ه����دي����ت����ه����ا ف����ي����م����ا ن������������راك ت����ق����دم
وال يمنعنا االسترسال هاهنا من التنبيه إلى هنات لغوية للشاعر كاستعمال الفعل «تتيه» بدل «تتوه» ولو استعمل «تضيع» ألفاد المعنى وهذا لفظ سائغ في الفصحى شائع في العامية السعودية وفي غيرها؛ ويختم الشاعر بقوله: ل������ك ي������ا أدي����������ب م����ك����ان����ة م����رم����وق����ة
ع����ن����دي وإن ج������ار ال�����زم�����ان ال��م��ع��ت��م
ل����ك ي����ا م���ف���ك���ر م����ا ت����ش����اء ف��م��ه��ج��ت��ي
ل����ك ب����ال����والء ال���م���ح���ض دوم������ا ت��ف��ع��مُ
وتبدو قصيدة شراع أشبه شيء بحديث من الشاعر إلى نفسه ،بما يضطرب فيها من أفكار ورؤى يرضى عنها حينا ويأنس بها ،وتعصف به حينا آخر ،فيكاد يغرق؛ وهو مع ذلك يخرج نفسه من نفسه ليجرد منها إنساناً آخر ،يراه يكافح الموج ،وال يظهر منه إال شراع يتجه إلى أعلى ،محاوالً الوصول إلى السماء ،ولكن أنّى له ذلك؟ وجلست في الشط القريب.. على الصخور.. والموج من تحتي يمور.. وسحبت في المد الكبير.. وقد ترفق في دالل.. والموجة النشوى تميس على الرمال..
اجلوبة -ربيع 1430هـ 123
ومن بعيد.. دوى النداء.. إني لفي شك ..ولكن ال محال.. إني سمعت نداء قلب ..يستغيث.. في اللجة الزرقاء.. في لج المحيط.. بين الرياح.. زآّرة مثل األسود.. هدّ ارة مثل الرعود.. وهناك في الجو الرهيب.. ومن بعيد.. الح الشراع.. وأتى يشق طريقه.. ويغالب الموج المرير.. نحو السماء.. أنّى يطير( ..في الديوان :أنا يطير) حتى تدانى للحضيض.. إن شاعرنا تداعبه بل تؤرقه فكرة الموت التي يخرجها من داخله ليراها ويعرضها ،فيقول في آخر القصيدة /المعركة /المرحلة: ومضى القدر.. بالزورق المكدود.. يدفعه سريع ًا للخطر.. وأتى المساء.. والبحر ممتلئ دماء.. فاهتز قلبي بالشجن.. والليل يومئ بالكفن.. وجيوشه السوداء ترقص في الفضاء.. أال مناص من الفناء.. فشرقت بالدمع الغزير ..وقد همر.. أال أراه إلى األبد! .. 124اجلوبة -ربيع 1430هـ
أن يعبر من خاللها عن نفس تكابد ما تكابد أمتها من ضيق ،ويصير الضباب معادالً موضوعياً لهذا الضيّق ،بل يحاول الشاعر أن يستعين به على دفع ما تقاسيه أمته: زد ف��������ي ض�����ب�����اب�����ك -ي��������ا ض����ب����اب
وام������������������دد رواق������������������ك ك�����ال�����س�����ح�����اب
ان�����������������ث�����������������ره ف����������������������وق س��������ن��������اب��������ل
ت�����������������وج ب�������������ه ه�����������������ام ال�������ه�������ض�������اب
ان��������ف��������ث��������ه ف�����������ي وج���������������ه ال�����ف�����ض�����ا
وان����������ث����������ره ف���������ي ج������������وف ال�����ع�����ب�����اب
ظ������ل������م������ة
ك������������������ادت ت�����ج�����ن�����ب�����ن�����ا ال���������ص���������واب
وأزح
ب��������������م��������������دك
ق�������������������������������������������������������������راءات
ويبدو عنوان مقطوعته القصيرة «ضباب» موحياً ،فبرغم كونها أبياتاً وصفية ،فإن الشاعر ال يلبث
ثم يختم بما يجب أن تكون عليه أمته: واج������������ع������������ل رب������������وع������������ي ص����ف����ح����ة
ب�������ي�������ض�������اء ان���������ص���������ع م����������ن ك�����ت�����اب
إن�����������������ي ل�������ي�������ح�������زن�������ن�������ي ال���������وج���������و
د وق����������������د ت����������دث����������ر ب������اك������ت������ئ������اب
إن�������������������ي ألخ������������ج������������ل م��������������ن ح�����ي�����ا
ةٍ ،ال ي��������������زال ب������ه������ا اض�������ط�������راب
ومثلما يحلم برفع ضبابات الحزن واالنكسار عن أمته ،يدعو ابنة وطنه في المقطوعة التالية «بنت الجزيرة» إلى االنطالق إلى آفاق العلم والنور الحق ،وان تنزع عنها لباس الجهل والتخلف عن الركب ،فيقول: أن
ت����������������ت����������������رددي
«ب��������ن��������ت ال����������ج����������زي����������رة» أس�������رع�������ي
إي�������������������������������اك
ه���������ل���������ا ن����������������ظ����������������رت ل���������ع���������ال���������م
م���������ن���������ه ال�����������ج�����������ه�����������ول ب�������ل������ا غ�����د
ف�������������ت�������������ي�������������ان�������������ه ف���������ت���������ي���������ات���������ه
ي�������������ت�������������داف�������������ع�������������ون ل������م������ع������ه������د
وبعد أن يقارن تخلف امتنا بتقدم غيرها يعود مستحثاً ابنة وطنه ،فيقول: م�����������ن ج���������������اء ن���������ح���������وك داع���������ي��������� ًا
ل�������ل�������ج�������ه�������ل ..دون�����������������ك ف�����������������اردده
ي��������ك��������ف��������ي ض���������ي���������اع���������ك ح�����ق�����ب�����ة
ف�����������������ي ظ�����������������ل ل������������ي������������ل أس�����������������ود
ي������ك������ف������ى ان�������������دح�������������ارك أع��������ص��������ر ًا
خ���������ل���������ف ال����������������ج����������������دار األن���������ك���������د
ويبدو أن طبيعة المناسبة التي صاغ فيها الشاعر قصيدته لم تمهله وقتاً يراجع فيه لغتها ،فندت منه هنات منها استعماله الفعل «يطل» بدل «يطال» ،وترك نصب الحال وصفتها في قوله: إني رأيت نديهم
بالعام مخضر ندي
وكذلك ترك نصب لفظ «مبلد» الذي وقع نعتاً منصوباً للمفعول به المنصوب «فكراً» ،ويبدو أن انشغال الشاعر بالقافية ورويها المكسور جعله يهمل مراعاة القاعدة النحوية.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 125
الكتاب :مجلس الشورى -قراءة في جتربة حتديثه. املؤلفون :زهير السباعي ،زياد السديري ،صالح املالك، عبدالرحمن اجلعفري ،عبدالرحمن الشبيلي، عبدالعزيز النعيم ،فالح الفالح ،محمد الشريف، عبدالرحمن الشبيلي. احملرر :د .عبدالرحمن الشبيلي. > د .نواف بن ذويبان الراشد*
مَن يستعرِ ض كتاب «مجلس الشورى :قراءة في تجربة تحديثه»- ، الصادر في ديسمبر 2008م ،في ( )238صفحة من الحجم المتوسط، وتضمن مقدمة وسبعة فصول؛ ش��ارك في إع��داده ثمانية من أعضاء يالحظ تدرج تشكيل المجلس الذين استمروا ثالث دورات متتالية ِ - المجلس منذ بدايته وحتى وقتنا الحالي ..فقد كانت البداية عام 1943ه��ـ بمجلس استشاري ،ثم بمجلس أهلي ،ثم بمجلس شورى عام 1346هـ ،والذي تشكل من ثمانية أعضاء ،ثم وصل عددهم إلى 20عضو ًا في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله ،ثم 25عضوا في عهد الملك سعود ،ثم تناقص تدريجي ًا بعد ذلك ،وظل جامدا ،حتى أمر الملك خالد بتشكيل لجنة عام 1400هـ لوضع نظام جديد للمجلس، وعندما صدرت حزمة من األنظمة الرئيسة للبالد ،في عهد الملك فهد رحمهم الله جميعا ،كان منها نظام مجلس الشورى. وع��ى ال��رغ��م م��ن إي ��راد بعض التفصيالت عن المجلس ،وآل �ي��ات العمل ف �ي��ه ..كما ي ��ورد تجربة م�س�ي��رة المجلس م�ن��ذ ع��ام 1343ه �ـ وح �ت��ى ع��ام المشاركين فيه .ويتكون الكتاب من سبعة محاور، 1412ه��ـ ،إال أن األه��م فيها ك��ان األنظمة الرئيسة هي: الصادرة عام 1412هـ؛ ومن أبرز موادها نص المادة ال�م�ح��ور األول :السلطة التنظيمية ،فوظيفة الثامنة من النظام األساسي للحكم وهو( :يقوم الحكم المجلس شورية ،إذ يطالب المشاركون بالمجلس بأنه في المملكة على أساس العدل والشورى والمساواة لكي تتحقق حكمة الشورى ومقاصد الديمقراطية ،ال وفق الشريعة اإلسالمية) .كما نصت المادة الرابعة بد من أن تكون قرارات المجلس إلزامية ،وأن يعطى واألربعون على أن تتكون السلطات في الدولة من سلطة الرقابة السابقة والالحقة على أداء الحكومة، السلطة القضائية ،والسلطة التنفيذية ،والسلطة وع�ل��ى ميزانية ال��دول��ة؛ وه��م يطالبون ب��أن يعطى التنظيمية ،وان تتعاون في أداء وظائفها ..وأن الملك مجلس الشورى السلطة التنظيمية (التشريعية) ،وان هو مرجع هذه السلطات. يكون لمجلس الوزراء السلطة التنفيذية. كما أوضح الكتاب آرا ًء متباينة ألعضاء المجلس، المحور الثاني :نظام المجلس ولوائحه ..فقد تم واخ�ت�لاف��ا ف��ي وج �ه��ات النظر ب�ش��أن مستوى أداء زيادة عدد أعضائه من ستين إلى تسعين ثم إلى مائه 126اجلوبة -ربيع 1430هـ
ويرى بعض األعضاء انه بعد مرور تلك السنوات الطويلة ..فإن المجلس بحاجة إلى تعزيز بأن تكون قراراته إلزامية ،وأن ال تصدر أي أنظمة إال عبر مجلس الشورى. المحور الثالث :عضوية المجلس ..يبلغ عدد أع �ض��اء المجلس 150ع �ض��واً ب�م��ن فيهم النائب والمساعد ،إضافة إل��ى ص��وت الرئيس ،وجميعهم يعيّنون م�ب��اش��رة .ويعتقد بعض أع �ض��اء المجلس ب �ض��رورة م �ج��ارات بعض دول الخليج بالمزج بين التعيين واالن �ت �خ��اب ،وي��ؤك��د بعض األع �ض��اء أن ال م�ح��اذي��ر تجلبها عملية االن�ت�خ��اب لنصف أعضاء المجلس ،فتجربة االنتخابات البلدية كانت ناجحة، وأن��ه ال بد من تمثيل جميع فئات المجتمع وجميع مناطق المملكة ،ويطالب بعضهم بتمثيل المرأة في مجلس الشورى ألنها نصف المجتمع.
ال�م�ح��ور ال �خ��ام��س :المجلس وال�م�ج�ت�م��ع ،ي��رى األعضاء تفاوت نظرة المجتمع السعودي إلى مجلس ال �ش��ورى ،فمنهم م��ن ي��رى نجاحه ف��ي أداء ال��دور المطلوب منه ،ومنهم من عقد عليه آم��اال واسعة تفوق إمكاناته.
ق�������������������������������������������������������������راءات
وعشرين ..وأخيرا إلى مائه وخمسين عضوا ،وكان نظام المجلس يعالج مسألة عدم توافق رأي مجلس الوزراء مع ما يصدر من مجلس الشورى ..بأن األمر يعود إلى تقدير الملك وقراره ،وتم تعديل ذلك بأن يعاد طرح األمر بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء، فإذا استمر الخالف بينهما يرفع ألنظار الملك ،وكان النظام في بداياته ينص على أن مجلس الشورى ال يبحث في اقتراح أي نظام جديد ،أو تعديل نظام قائم إال بعد استئذان مسبق من الملك ،ثم أعطيت الصالحية للمجلس دون استئذان.
بسب عدم كفاءة النسب ،في حين نجح في دراسة تداعيات أحداث 11سبتمبر والتعامل معها ،ودراسة قضايا اإلره��اب ،ودراس��ة تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد.
المحور ال�س��ادس :المجلس والهيئات المحلية والخارجية ،ويرى األعضاء باختصار نجاح المجلس في مد جسور التعاون مع الهيئات الخارجية ،وضعف ال�ع�لاق��ة م��ع مجالس المناطق ك��اف��ة ،وي��رى بعض المشاركين ض��رورة التنسيق بين اللجان والهيئات التنظيمية ف��ي ال�ب�لاد م��ع مجلس ال �ش��ورى .وي��رى بعضهم ض ��رورة أن ي�ك��ون رئ�ي��س مجلس ال�ش��ورى ع�ض��وا ف��ي هيئة البيعة م �ث�لاً ،وي��ؤك��د الجميع أن ال��زي��ارات المتبادلة لمجلس الشورى مع المجالس البرلمانية في العالم منحت المجلس نافذة لالطالع على تجارب العالم.
المحور السابع :ت�ج��ارب شخصية لثمانية من أعضاء المجلس وه��م د .زهير السباعي ،د .زياد السديري ،د .صالح المالك ،د .عبدالرحمن الجعفري ،د .عبدالرحمن الشبيلي ،د .عبدالعزيز النعيم ،د. فالح الفالح ،واألس�ت��اذ محمد الشريف ،وق��د أورد المحور ال��راب��ع :أداء المجلس ،قيادة المجلس السادة األعضاء بعض تجاربهم وآرائهم الشخصية رباعية تتمثل في الرئيس ونائبة ومساعده واألمين في المجلس حول المحاور المذكورة آنفا. العام ،وقد نجحت هذه القيادة في جميع الجوانب وينتهي المؤلفون إلى أن المجلس -بال شك - لتحقيق الكفاءة اإلدارية والفنية وحسن األداء ،ويعتقد قام بدور فاعل على مستوى الوطن ،وأن األنظمة التي بعض األعضاء أن المجلس أدى وظيفته المطلوبة صدرت عنه كانت جيدة ،وأن أداءه أسهم في ترسيخ منه بنجاح .وأشار الكتاب إلى إن المجلس اخفق في قواعد الحكم واألنظمة ،كما أن دوره كان كبيراً في تقديم حلول لبعض المشاكل االجتماعية مثل قضية تحسين األداء لمعظم األجهزة الحكومية ،وأن أثره قيادة المرأة للسيارات ،وقضية الفصل بين األزواج واضح على الصعيدين الداخلي والخارجي. * سكاكا الجوف.
اجلوبة -ربيع 1430هـ 127
األنشطة الثقافية باملؤسسة
> كتب عماد املغربي
وثائق الجوف وأهمية المحافظة عليها اس �ت��ؤن �ف��ت األن �ش �ط��ة ال �ث �ق��اف �ي��ة ل �ل�م��ؤس �س��ة (ل �ل �ع��ام 1430/1429ه� �ـ) بمحاضرة عن« :وثائق الجوف وأهمية المحافظة عليها» ،ألقاها األستاذ الباحث فائز بن موسى الحربي ،ف��ي قاعة ال�ع��رض والمحاضرات ب��دار الجوف للعلوم يوم االثنين 1430/3/26هـ ،قدم لها األستاذ أحمد اب��ن ناصر الشمري ،حضرها جمع من أهالي المنطقة ومنسوبو اإلدارات الحكومية ..وقد تم نقلها إلى القسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة.
الترجمة ودورها في تواصل الحضارات ونقل التقنية أقيمت يوم األربعاء 1430/04/19ه�ـ في قاعة العرض والمحاضرات ب��دار الجوف للعلوم ن��دوة ع��ن« :الترجمة ودورها في تواصل الحضارات ونقل التقنية ،شارك فيها الدكتور عبدالله إبراهيم المهيدب ،وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا وضبط ال�ج��ودة بجامعة الملك سعود، وال��دك �ت��ور أح�م��د عبدالله ال�ب�ن�ي��ان ،رئ�ي��س مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة ،والدكتور ميجان حسين الرويلي ،عضو هيئة التدريس بقسم اللغة االنجليزية بجامعة الملك سعود ،وأدارها الدكتور عاطف أبو المعاطي ،المحاضر بقسم اللغة اإلنجليزية بجامعة الجوف.حضرها عدد من أهالي المنطقة والمثقفين فيها .وقد تم نقلها للقسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة.
أهمية أدب الطفل وتحديات الكتابه له أقيمت يوم الثالثاء 1430/5/17ه��ـ في قاعة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم محاضرة عن« :أهمية أدب الطفل وتحديات الكتابه له» ،ألقاها األستاذ األديب يوسف بن إبراهيم المحيميد ،وقدم لها األستاذ قبيل بن تركي ب��داي الشمري ،المعلم بثانوية اليرموك ،حضرها عدد من أهالي المنطقة ومثقفيها.
وقد تم نقلها للقسم النسائي عبر الدائرة التليفزيونية المغلقة. 128اجلوبة -ربيع 1430هـ