joba-31

Page 1

‫دراسات‬ ‫د‪ .‬حافظ مغربي‬ ‫عبدالله السمطي‬ ‫نقد‬ ‫نصار احلاج‪ ،‬فهد املصبح‬ ‫دعاء صابر‪ ،‬زكريا العباد‬ ‫قصص‬ ‫عبدالله الزماي‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫حسن البطران‬ ‫السيد البدري‬ ‫شعر‬ ‫محمد الفوز‪ ،‬زكية جنم‬ ‫شقراء املدخلي‬ ‫مواجهات‬ ‫عواض العصيمي‬ ‫صالح بوسريف‬ ‫أحمد اخلطيب‬

‫منتدى األمير عبدالرحمن السديري في دورته الرابعة‬ ‫"النظام الصحي السعودي"‬

‫مشاركة‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬فالح الفالح‪ ،‬د‪ .‬عثمان الربيعة‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬خالد بن سعيد‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬منصور النزهة‪،‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عدنان البار‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬حسني الفريحي‪ ،‬د‪ .‬عبدالله املعلم‪ ،‬د‪ .‬طالل األحمدي‪ ،‬د‪ .‬عبدالله الشريف‬

‫‪31‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية ودعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫في مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪ -1‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‬ ‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخ��راج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة اإلب��داع األدبي‬ ‫واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة اجلوف في أي مجال من املجاالت‪.‬‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية بأجناسها املختلفة (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫مبي في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير املتعلقة مبنطقة اجلوف (وفقاً ملا هو نّ‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث باملوضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب املادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم احلصول على موافقة صاحب احلق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم املادة مطبوعة باستخدام احلاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية املرفقة باملادة جيدة ومناسبة للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم املادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة باملقاس املذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة تصدرها املؤسسة‪ :‬تخضع لقواعد النشر في تلك املجالت‪.‬‬‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬حتتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال املقدمة من أبناء وبنات منطقة اجلوف‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى املقيمني فيها ملدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات‬ ‫املنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬متنح املؤسسة صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إص��داره‪ ،‬إضافة إلى مكافأة مالية‬ ‫مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع املواد املقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬ ‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع‬ ‫الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة في معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫( أ ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات واملراكز البحثية والعلمية‪،‬‬ ‫كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير أكادميية‪.‬‬

‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف‪.‬‬

‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً في فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬

‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬

‫‪ -٧‬للمؤسسة حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير وجهة املوضوع إال بعد‬ ‫الرجوع للمؤسسة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط الخاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء في الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬وامل��دة املطلوبة‬‫إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات املطلوبة‪ ،‬مصاريف‬‫السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني في البحث من طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف‬ ‫إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬

‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط الخاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬

‫إضافة لكل ما ورد في الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫قدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُ ّ‬

‫اجلوف‪ :‬هاتف ‪ - 04 624 5992‬فاكس ‪ - 04 426 7780‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا ‪ -‬اجلوف‬ ‫الرياض‪ :‬هاتف ‪ - 01 412 5277 - 01 412 5266‬فاكس ‪ - 01 402 2545‬ص‪ .‬ب ‪ 10071‬الرياض ‪11433‬‬ ‫‪nshr@abdulrahmanalsudairyfoundation.org‬‬


‫العدد ‪31‬‬ ‫ربيع ‪1432‬هـ ‪2011 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬

‫إبراهيم احلميد‬ ‫أسرة التحرير‬ ‫محمود الرمحي‪ ،‬محمد صوانة‬ ‫أمين السطام‪ ،‬عماد املغربي‬ ‫اإلخراج الفني‬ ‫خالد الدعاس‬

‫املراسالت‬

‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.aljoubah.com aljoubah@gmail.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من األسماء التي كانت تُطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫‪6.......................‬‬ ‫اجلوف حتتضن دورة منتدى األمير‬ ‫عبدالرحمن بن أحمد السديري الرابعة‬

‫‪78.....................‬‬ ‫حوار مع القاص والروائي السعودي‬ ‫عواض العصيمي‬

‫‪114....................‬‬ ‫رجاء عالم حتصد جائزة البوكر‬ ‫عن روايتها طوق احلمام‬

‫‪124....................‬‬ ‫وثائق من الغاط‬

‫الغالف‪ :‬لوحة تعبرعن موسم التقاط‬ ‫زيتون اجلوف للفنان نصير السمارة‬ ‫عميد فناني منطقة اجلوف‪.‬‬

‫االفتتاحية ‪4 ......................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬منتدى األمير عبدالرحمن السديري في دورته الرابعة ‪6‬‬ ‫دراسات‪« :‬اإلبيجرام» النثري عند طه حسين ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬حافظ المغربي ‪32‬‬ ‫المنفلوطي وجمالية البالغة النثرية ‪ -‬عبدالله السمطي‪39 .....‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬ليلة ٌ ال أحبها ‪ -‬السيد موسى البدري‪44 .....‬‬ ‫األبخــــــــرة ‪ -‬آمال الشاذلي‪45 ....................................‬‬ ‫قصة قصيرة‪ ..‬جاكلــــيــن وفطــــومة ‪ -‬هشام حراك ‪47 .................‬‬ ‫بطاقة صعود ‪ -‬حسن علي البطران ‪48 ...............................‬‬ ‫كيف تنجح في التقاط صورة جميلة‪ - !...‬عبدالله الزماي ‪49 ...........‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬د‪ .‬محمد محقق ‪50 ............................‬‬ ‫قصتان قصيرتان ‪ -‬ماجدة الخالدي ‪51 ...............................‬‬ ‫شعر‪ :‬أمنية صعبة ‪ -‬افراح الكبيسي ‪53 ..............................‬‬ ‫بقع على جدران القلب ‪ -‬زكية نجم ‪54 ................................‬‬ ‫زمن اليرى ‪ -‬خالد الحلِّي‪55 .........................................‬‬ ‫ساحرة النغمات ‪ -‬محمد عباس علي داود ‪56 .........................‬‬ ‫في حضرة الرؤيا ‪ -‬محمد الفوز ‪57 ..................................‬‬ ‫مناسك ‪ -‬شقراء مدخلي ‪58 .........................................‬‬ ‫أريــــج الــــثــــنــاء ‪ -‬جمال أزراغيد ‪59 ..................................‬‬ ‫للقاصة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫نقد‪ :‬النقد االجتماعي في قصص‪« :‬أحالم ال تعرف التحليق»‬ ‫«الهام عقال البراهيم» من الجوف ‪ -‬د‪ .‬إبراهيم الدهون ‪61 ...........‬‬ ‫قراءة نقدية في أعمال الراحل محمد الثبيتي ‪ -‬دعاء صابر ‪63 .........‬‬ ‫صورة المثقف السلبية في مجموعة (البهو) ‪ -‬زكريا العباد ‪67 ..........‬‬ ‫قراءة في مجموعة محمد البشير «عبق النافذة» ‪ -‬فهد المصبّح ‪71 .....‬‬ ‫حفرةُ الصحراء وسيا ُج المدينة لـ عبدالله السفر ‪ -‬نصار الحاج‪73 ......‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع القاص والروائي السعودي عواض العصيمي ‪-‬‬ ‫عمر بوقاسم‪77 ...................................................‬‬ ‫حوار مع الشاعر المغربي صالح بوسريف ‪ -‬عبدالرحيم الخصار ‪83 ....‬‬ ‫حوار مع الشاعر األردني أحمد الخطيب ‪ -‬عمار الجنيدي ‪90 ..........‬‬ ‫نوافذ‪ :‬االختراق الثقافي بين األمس واليوم ‪ -‬د‪ .‬نجالء عبدالحليم ‪96 ..‬‬ ‫االتصال التعليمي‪ ،‬خصائصه‪ ،‬وأشكاله ‪ -‬د‪ .‬محمد عامر البلخي ‪99 ....‬‬ ‫القُـدس فِ ي الشِّ ـعر العَـربي ‪ -‬عَالء الدِّين حسَ ـن ‪102 ....................‬‬ ‫البــــــــــوح ‪ -‬سليم صالح الحريص ‪107 ..................................‬‬ ‫فهد الموسر‪ ..‬قامة أدبية شمالية في الشعر والنقد ‪ -‬فواز الشمري ‪109‬‬ ‫فراشة مكة تفوز بالبوكر ‪ -‬شمس علي ‪114 ............................‬‬ ‫مال واقتصاد‪ :‬تطور البنوك اإلسالمية وعالميتها يحتاج معايير توحد‬ ‫أسلوب العمل ‪ -‬د‪ .‬نضال الرمحي ‪116 ...............................‬‬ ‫قراءات‪120 .......................................................:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫> إبراهيم احلميد‬ ‫وها هي اجلوبه تصل إلى عددها احلادي والثالثني‪ ،‬في مرحلة حاولت من‬ ‫خاللها تلبية خيارات قرائها إلى النهم املعرفي واإلبداعي‪ ،‬وقد عملت منذ عددها‬ ‫السابع عشر على تبنّي ملف لتغطية املنتديات الوطنية الكبرى التي تنظمها‬ ‫مؤسسة األمير عبدالرحمن السديري اخليرية‪ ،‬كما هو شان ملف هذا العدد‪ ،‬أو‬ ‫ملفات تتناول إحدى القضايا الثقافية أو الوطنية التي تعبر عن الشأن الثقافي‬ ‫بكافة صوره أو تؤثر فيه‪ ،‬من مهرجان الزيتون باجلوف‪ ،‬إلى جامعة امللك عبدالله‬ ‫للعلوم والتكنلوجيا (كاوست) بجدة‪ .‬كما دأبت اجلوبه على أن تقدم ألوانا من‬ ‫اإلبداع الشعري والسردي والنقد األدبي والثقافي ومواضيع أخرى‪.‬‬ ‫وف��ي ه��ذا ال�ع��دد‪ ،‬تخصص الجوبة ملفا عن استضافة المؤسسة بمقرها‬ ‫الرئيس في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف دورة منتدى معالي األمير عبدالرحمن‬ ‫السديري الرابعة‪ ،‬وموضوعها (النظام الصحي السعودي)‪ ،‬خالل الفترة من‬ ‫‪2011/12/3-1‬م والتي تلت ثالث دورات للمنتدى في األعوام السابقة‪ ،‬أقيمت‬ ‫بالتناوب ما بين الجوف والغاط‪ ،‬تناول كل منها موضوعاً له أهمية بارزة ومؤثرة‬ ‫في المجتمع السعودي‪ .‬وكانت على التوالي‪:‬‬ ‫ «الهيئات الخيرية السعودية بعد أح��داث الحادي عشر من سبتمبر –اآلثار‬‫وسبل تجاوزها»‪.‬‬ ‫ «األزمة المالية العالمية – وتداعياتها على النظام المالي السعودي»‪.‬‬‫ «النظام القضائي في المملكة العربية السعودية»‪.‬‬‫وتقدم اجلوبه في هذا العدد دراستني أوالهما لعبد الله السمطي عن املنفلوطي‬ ‫وجمالية البالغة النثرية عنده‪ ،‬وهي استعادة ألدب املنفلوطي الذي شكل ذائقة‬ ‫الكثير من املثقفني واألدباء العرب‪ ،‬وكان مدخلهم إلى اإلبداع‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫وتأتي الدراسة الثانية لألستاذ الدكتور حافظ املغربي و َف ْحواها «اإلبيجرام»‬ ‫قدم للق َّراء‬ ‫النثري عند طه حسني‪....‬‬ ‫ً‬ ‫كرؤى ومواقف‪ ،‬والذي يعد بحق أول من َّ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫وحتاور اجلوبه في هذا العدد القاص والروائي‬ ‫السعودي عواض العصيمي‪ ..‬صاحب «املنهوبة»‬ ‫والذي يفاجئنا باجلديد دوما ومبواقفه الثقافية‬ ‫التي تعبر عن أصالته كمبدع واع‪ ،‬إذ يتكرر اسمه‬ ‫ف��ي سماء اإلب ��داع «ال�س�ع��ودي»‪ ،‬منذ ثمانينيات‬ ‫القرن املاضي بأعمال قصصية وروائية‪ ،‬تدهش‬ ‫وتعايش القارئ‪ ..‬وهو الذي ينسج رؤيته بأدوات‬ ‫يتفرد بها‪ ..‬فيقول‪« :‬أعتقد أن الصلة بني الكاتب‬ ‫وأدوات��ه‪ ..‬إن لم تكن من القوة واملتانة‪ ،‬بحيث ال‬ ‫تكون شغله الشاغل‪ ،‬فإن من األجدى له أن يعيد‬ ‫نظره في عالقته بالكتابة‪.»..‬‬

‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫العرب تعريفاً واعياً مباهية فن اإلبيجرام‪.‬‬

‫لقرائها إال "م��دوزن��ة" بها حيث يأتي هذا الفوز‬ ‫الباهر لــ عالم‪ ،‬تكليال ملسيرة روائ�ي��ة متفردة‪،‬‬ ‫طاملا استوقفت الكثيرين‪ ،‬عبر أعمال روائية‪ ،‬ذات‬ ‫قيمة فنية‪ ،‬وجمالية‪ ،‬وأدبية عالية‪ ،‬ال يقلل منها‬ ‫منحها اجلائزة باملناصفة‪.‬‬

‫وحترص اجلوبة على تغطية جانب من احلياة‬ ‫الثقافية في منطقة اجلوف‪ ،‬من خالل األحداث‬ ‫الثقافية التي تشهدها‪ ،‬أو من خالل املواد التي‬ ‫تعدها ع��ن الشخصيات الثقافية؛ ول�ه��ذا تقوم‬ ‫املجلة ف��ي ه��ذا ال�ع��دد باستعادة حلياة األدي��ب‬ ‫والشاعر فهد بن قاسم املوسر‪ ،‬فقيد القريات‪،‬‬ ‫الذي أضاف للمكتبة الثقافية قبل رحيله رحمه‬ ‫ك�م��ا حت ��اور ال�ش��اع��ر امل�غ��رب��ي الكبير ص�لاح الله أكثر من سبعة مؤلفات تقوم اجلوبة بعرض‬ ‫بوسريف الذي عرفه املثقفون من خالل إسهاماته جوانب منها‪.‬‬ ‫املهمـة في املجال النظري‪ ،‬إضافة إل��ى أعماله‬ ‫وتسلط اجلوبة الضوء على ح��دث ثقافي‬ ‫الشعرية املتميزة‪.‬‬ ‫قد يظنه البعض عابرا‪ ،‬إال أن حجم االجناز‬ ‫كما حاورت الشاعر األردن��ي أحمد اخلطيب الذي حتقق منه‪ ،‬ال ميكن ألي باحث أو مثقف‬ ‫ال ��ذي ينهل م��ن م�ع�ين األب �ج��دي��ة ق ��والً مهموماً إال أن يشيد به و يقف عنده طويال‪ ،‬فإجناز‬ ‫بالتجريب الشعري‪ ،‬ومحتفياً بالرؤى التي تفيض مؤسسة األمير عبدالرحمن السديري لكتاب‪:‬‬ ‫صوراً ذهنية تتعالق في أخيلتها مع روح اإلبداع (وثائق من الغاط) يعد حدثا وطنيا بامتياز‪،‬‬ ‫وضميره‪.‬‬ ‫نظرا ملا يحمله هذا الكتاب املهم من مضامني‬

‫وإذا كان فوز الروائية السعودية‪ ،‬رجاء محمد‬ ‫عالم باجلائزة العاملية للرواية العربية (جائزة‬ ‫البوكر) ف��ي دورت�ه��ا ال��راب�ع��ة‪ ،‬ع��ن روايتها»طوق‬ ‫احل�م��ام»‪ ،‬مناصفة مع ال��روائ��ي املغربي‪ ،‬محمد‬ ‫األش �ع��ري ع��ن رواي �ت��ه»ال �ق��وس وال �ف��راش��ة»‪ ،‬قد‬ ‫جاء واجلوبة ماثلة للطبع‪ ،‬فإنها آثرت أال تخرج‬

‫ودالالت‪ ،‬وما حققه من إجناز عبر جهد كبير‪،‬‬ ‫ك��ان للمؤسسة وللمؤلف عظيم اجل�ه��د فيه‪،‬‬ ‫آملني أن يتكرر مثل هذا اإلجن��از في منطقة‬ ‫اجلوف‪ ،‬وفي جميع مناطق اململكة‪ ،‬عبر هذه‬ ‫املؤسسة العظيمة‪ ،‬وكافة املؤسسات الثقافية‬ ‫احلكومية والوطنية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫اجلوف حتتضن دورة منتدى األمير‬

‫عبدالرحمن السديري الرابعة بعنوان‬

‫النظام الصحي السعودي‬ ‫من ‪2010/12/3-1‬م‬

‫> إعداد‪ :‬محمود الرمحي ‪ -‬عماد املغربي‬ ‫ض��م��ن ال� �ب ��رن ��ام ��ج ال �س �ن��وي‬ ‫ل �م �ن �ت��دى األم� �ي ��ر ع �ب��دال��رح �م��ن‬ ‫ب��ن أح�م��د ال�س��دي��ري للدراسات‬ ‫السعودية‪ ،‬استضافت مؤسسة‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫ب��م��ق��ره��ا ف� ��ي م ��دي� �ن ��ة س �ك��اك��ا‬ ‫بمنطقة ال�ج��وف دورة المنتدى‬ ‫ال��راب��ع��ة‪ ،‬وال��ت��ي ك��ان��ت ب�ع�ن��وان‬ ‫(ال �ن �ظ��ام ال �ص �ح��ي ال �س �ع��ودي)‪،‬‬ ‫ولمدة ثالثة أيام خالل الفترة من‬ ‫‪2010/12/3-1‬م‪ ،‬بمشاركة عدد‬ ‫من ذوي االختصاص في المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫جلسة االفتتاح‬

‫برنامج المنتدى‪:‬‬ ‫ يوم االفتتاح األربعاء ‪2010/12/1‬م‪ ،‬وقد تضمن كلمات األستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن أحمد‬‫السديري‪ ،‬رئيس مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‪ ،‬والدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬عضو‬ ‫هيئة منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري‪ ،‬والدكتور منصور بن محمد النزهة‪ ،‬والدكتور عثمان‬ ‫بن عبدالعزيز الربيعة‪ ،‬واألستاذ الدكتور فالح بن زيد الفالح‪ ،‬وقد شملت فعاليات المنتدى ‪-‬وللمرة‬ ‫الثانية‪ -‬تكريم شخصية متميزة‪ ،‬لها إسهام واضح في القطاع‪ ،‬تتناول موضوعه ندوة المنتدى‪.‬‬ ‫وشخصية المنتدى لهذا العام كانت مناصفة بين الدكتور عثمان بن عبدالعزيز الربيعة‪ ،‬واألستاذ‬ ‫الدكتور فالح بن زيد الفالح‪ ،‬وهما من المختصين والمهتمين والفاعلين في القطاع الصحي‪.‬‬

‫‪ -‬جلسات المنتدى‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫كلمة االفتتاح‬ ‫افتتحت أعمال المنتدى مساء يوم األربعاء‬ ‫‪2010/12/1‬م‪ ،‬ب�ك�ل�م��ة رئ �ي��س م�ج�ل��س إدارة‬ ‫المؤسسة‪ ،‬فيصل ب��ن عبدالرحمن السديري‪،‬‬ ‫ال��ذي رحب بضيوف الندوة وحضورها الكرام‪،‬‬ ‫الذين جاءوا ليشهدوا انطالقة فعاليات منتدى‬ ‫األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات‬ ‫السعودية في دورته الرابعة‪ ،‬المنعقدة في المقر‬ ‫ال��رئ�ي��س للمؤسسة ف��ي سكاكا– ال�ج��وف لهذا‬ ‫ال�ع��ام ‪1432/1431‬ه� � �ـ‪ ،‬التي تلت ث�لاث دورات‬ ‫للمنتدى في األع��وام السابقة‪ ،‬أقيمت بالتناوب‬ ‫ما بين الجوف والغاط‪ ،‬تناول كل منها موضوعاً‬ ‫له أهمية بارزة ومؤثرة في المجتمع السعودي‪.‬‬ ‫وكانت على التوالي‪:‬‬ ‫‪«1 .1‬الهيئات الخيرية السعودية بعد أح��داث‬ ‫الحادي عشر من سبتمبر – اآلث��ار وسبل‬ ‫تجاوزها»‪.‬‬

‫كلمة االفتتـاح يلقيها رئيس مجلس اإلدارة‬

‫رئيس مجلس اإلدارة يكرم الدكتور الفالح‬

‫‪«2 .2‬األزمة المالية العالمية – وتداعياتها على‬ ‫النظام المالي السعودي»‪.‬‬ ‫‪«3 .3‬ال �ن �ظ��ام ال�ق�ض��ائ��ي ف��ي المملكة العربية‬ ‫السعودية»‪.‬‬ ‫وذكر سعادته أنه تحققت في المملكة العربية‬ ‫السعودية إنجازات طبية‪ ،‬أكسبتها سمعة عالمية‬ ‫ف��ي م �ج��االت ع� ��دة‪ ..‬ك �ج��راح��ة ال �ق �ل��ب‪ ،‬وفصل‬ ‫التوائم‪ ،‬وزراعة األعضاء‪ ،‬وطب العيون‪ ،‬وغيرها‪،‬‬ ‫األمر الذي يستدعي النظر في كيفية تطوير هذه‬ ‫اإلن�ج��ازات واإلف��ادة منها‪ .‬فبالربط بين الطلب‬ ‫المتزايد على الخدمات الطبية في الداخل‪ ،‬وفي‬ ‫المحيط اإلقليمي‪ ،‬وال�ح��اج��ة إلي�ج��اد مجاالت‬ ‫ال�ت��وظ�ي��ف ال�ت��ي تتناسب م��ع ط�م��وح��ات ال�ق��وى‬ ‫البشرية العاملة في المملكة ورغباتها‪ ،‬فإن ذلك‬

‫رئيس مجلس اإلدارة يكرم الدكتور الربيعة‬

‫يعد مدعاة إلى أن يكون هناك توجه إستراتيجي‬ ‫الس �ت �ه��داف ال �خ��دم��ات ال �ط �ب �ي��ة‪ ..‬ل�ك��ي ت�ك��ون‪-‬‬ ‫إضافة إلى رسالتها اإلنسانية‪ -‬إحدى أو من أهم‬ ‫الصناعات االقتصادية التصديرية‪ .‬والوصول‬ ‫إلى ذلك يأتي عبر مساعي تأهيل القوى البشرية‬ ‫الوطنية‪ ،‬ورصد اإلمكانات المالية‪ ،‬لتوفير البنى‬ ‫التحتية الالزمة‪ ،‬والحوافز المناسبة لمستثمري‬ ‫القطاع الخاص من الداخل وال�خ��ارج‪ ،‬وتسهيل‬ ‫العمليات اإلجرائية للقادمين إلجراء الفحوصات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫وأن يجتهد في الحصول على ترشيح الجهات‬ ‫العلمية واألك��ادي �م �ي��ة المعتمدة لكتاب متميز‬ ‫منشور في موضوع الندوة‪ ،‬يجري تكريم مؤلفه‬ ‫وإعادة نشره‪.‬‬ ‫واس �ت �ط��رد ق��ائ�لا‪ :‬إن ال�م�ن�ت��دى ع��وَّدن��ا أ ّال‬ ‫يختار الموضوع األسهل‪ ،‬وال األقل حرجاً‪ ،‬لكنه‬ ‫يبحث عن موضوع الساعة‪ ،‬األكثر فائدة للوطن‬ ‫د‪ .‬الشبيلي يلقي كلمة المنتدى‬ ‫كله‪ ،‬وللمنطقة بخاصة‪ .‬وم��اذا عسى أن تكون‬ ‫والمعالجة‪.‬‬ ‫البالد بحاجة إليه اليوم أهم من األمن والتعليم‬ ‫وأوض ��ح أن م��وض��وع ه��ذا المنتدى «النظام‬ ‫والصحة‪..‬‬ ‫الصحي في المملكة العربية السعودية»‪ ،‬الذي‬ ‫واختتم كلمته بتذكر وج��ه ع��زي��ز على قلبه‬ ‫سيتناوله نخبة م��ن المختصين وأه��ل الخبرة‪،‬‬ ‫عبر أربع جلسات‪ .‬كما تشمل فعاليات المنتدى وقلوب الحاضرين‪ ،‬فقال‪ :‬من أعز الوجوه‪ ،‬التي‬ ‫وللمرة الثانية‪ -‬تكريم شخصية متميزة‪ ،‬لها كنت أصافحها طيلة األع��وام والمناسبات في‬‫إسهام واضح في القطاع الذي تتناول موضوعه هذه القاعة‪ ،‬فاضل من أهل هذه المنطقة‪ ،‬شهد‬ ‫ن��دوة المنتدى‪ .‬وشخصية المنتدى لهذا العام له الوطن قبل أن نشهد له بما نعلم من السمت‬ ‫جاءت مناصفة بين الدكتور عثمان بن عبدالعزيز والهدوء ومكارم األخالق‪ ،‬نفتقده الليلة‪ ،‬محفوفاً‬ ‫الربيعة‪ ،‬واألستاذ الدكتور فالح بن زيد الفالح‪ ،‬ذك��ره بالتجلّة واالح�ت��رام‪ ،‬أعزيكم ونفسي فيه‪،‬‬ ‫الصدوق الدكتور عارف بن مفضي‬ ‫وهما من المختصين والمهتمين والفاعلين في وهو الصديق ّ‬ ‫المسعر‪ ،‬الذي أوفى التربية والتعليم والثقافة‪،‬‬ ‫القطاع الصحي‪.‬‬ ‫وق��دم ل�ه��ذه المؤسسة م��ا ق��دّ رت��ه ل��ه م��ن علمه‬ ‫بعد ذلك‪ ..‬ألقى الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‬ ‫وجهوده‪ ،‬وجليل أعماله وصدق نواياه‪.‬‬ ‫كلمة هيئة المنتدى‪ ،‬التي أثنى فيها على المؤسسة‬ ‫ث��م ت�ح��دث معالي ال��دك�ت��ور منصور النزهة‪،‬‬ ‫والقائمين على رعايتها منذ أن تأسست قبل‬ ‫ثالثة عقود‪ ،‬وعلى منهج هذا المنتدى منذ أن الذي أثنى على المؤسسة والقائمين عليها‪ ،‬وعلى‬ ‫أ ُحدِ ث قبل أربعة أعوام‪ ،‬وأنهما يداران بمنتهى فكرة إنشاء المنتدى‪ ..‬بعدها قدم الشخصيتين‬ ‫االح� �ت ��راف وال �م��ؤس �س �ي��ة ووض � ��وح األه � ��داف‪ .‬المكرمتين‪ ،‬وهما الدكتور عثمان بن عبدالعزيز‬ ‫وأنهما أنموذج للعمل الخيري األصيل‪ ،‬واإلدارة الربيعة‪ ،‬والدكتور فالح بن زيد الفالح‪ ،‬وكل منهما‬ ‫الواعية‪ ،‬والنهج المدروس‪ .‬وقال‪ :‬لقد دأب هذا قد خدم هذا الوطن من خالل مؤسستين مهمتين‪.‬‬ ‫المنتدى ال��ذي يحمل اس��م مؤسس ه��ذه ال��دار‪ ،‬فالدكتور عثمان الربيعة‪ ،‬من خالل خدماته بوزارة‬ ‫ويهتم بالدراسات السعودية‪ ،‬على أن يدقق في الصحة طوال عمره‪ ،‬أعطى هذا القطاع كل ما‬ ‫اختيار موضوعه‪ ،‬فكرياً ومجتمعياً‪ ،‬وفي انتقاء في وسعه من خدمات جليلة‪ .‬واألستاذ الدكتور‬ ‫محاضريه‪ ،‬واصطفاء المشاركين والمنتدين فيه‪ ،‬فالح الفالح م��ن خ�لال انتمائه لجامعة الملك‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫سعود‪ ،‬ثم عمله في مجلس الشورى‪ ،‬قام بخدمة‬ ‫هذا الوطن في هاتين المؤسستين خير قيام‪.‬‬ ‫تاله الدكتور عثمان الربيعة‪ ،‬الذي أبدى شكره‬ ‫وتشرفه وامتنانه لمؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫الخيرية‪ ،‬على إتاحة هذه المناسبة التي يقفون‬ ‫فيها أم��ام ن��وع م��ن‪ ،‬ال��وف��اء واإلخ�ل�اص للوطن‪،‬‬ ‫وال��وف��اء واإلخ�ل�اص ألح��د ال��ذي��ن ق ��ادوا العمل‬ ‫الوطني في المملكة‪ ،‬وه��و األمير عبدالرحمن‬ ‫بن أحمد السديري –طيب الله ث��راه‪ -‬والوفاء‬ ‫واإلخالص تجاه مدينة الجوف كما كان لمدينة‬ ‫الغاط‪.‬‬ ‫إن م��ا ق��ام��ت ب��ه ه ��ذه ال �م��ؤس �س��ة م��ن إب ��راز‬ ‫الفضل‪ ،‬والتفضل بتكريمنا أن��ا وزميلي الدكتور‬ ‫فالح الفالح‪ ،‬في مناسبتين‪ ..‬األولى‪ :‬ما يتعلق بما‬ ‫قدمناه من خدمة في حياتنا المهنية‪ ،‬والثانية فيما‬ ‫يتعلق بما قمنا به من عمل أدى إلى إخراج كتاب‪:‬‬ ‫«النظام الصحي السعودي»‪ .‬والحقيقة أنه خالل‬ ‫عملي ف��ي وزارة الصحة ل�م��دة ت �ق��ارب األربعين‬ ‫عاماً‪ ،‬عرجت فيها على جميع مواضع الخدمات‬ ‫الصحية‪ ..‬كطبيب عام‪ ،‬ومدير للشؤون الصحية‪،‬‬ ‫ومدير للقطاع الصحي الخاص في وزارة الصحة‪،‬‬ ‫ثم مسئوالً عن التخطيط والبحوث‪ .‬كل هذا أتاح‬ ‫ل��ي ف��رص��ة االط�ل�اع ع�ل��ى تفاصيل م��ا ي�ق��دم من‬ ‫الخدمات الصحية‪ ،‬وأت��اح ل��ي فرصة االحتكاك‬ ‫بعديد من التجارب‪ ،‬وفرصة المشاركة في إعداد‬ ‫عدد من األنظمة‪ ،‬كل ذلك قادني إلى التفكير في‬ ‫إخراج كتاب تجربة المملكة العربية السعودية في‬ ‫الخدمات الصحية‪ ،‬من خالل النظر إلى النظام‬ ‫الصحي السعودي كنظام‪ ..‬وليس كمنظومة خدمات‬ ‫صحية‪ .‬والحقيقة أنني حظيت بمشاركة فعّالة من‬ ‫زميلي الدكتور فالح الفالح‪ ،‬ال��ذي كان له السبق‬ ‫في إلقاء الضوء على كثير من األنظمة الصحية‪،‬‬

‫د‪ .‬النزهة يقدم شخصيتي المنتدى‬

‫د‪ .‬الفالح يلقي كلمته في حفل االفتتاح‬

‫د‪ .‬الربيعة يلقي كلمته‬

‫ودرس بعمق األنظمة الصحية في العالم‪ ..‬إلى‬ ‫جانب النظام الصحي السعودي‪ ،‬وَخب َر من خالل‬

‫األبحاث التي قام بها‪ ،‬ومن خالل المشاركات في‬ ‫اللجان المتعددة‪ ..‬مجريات الخدمات الصحية في‬

‫المملكة‪ ،‬فخرج جهدنا المشترك في شكل هذا‬ ‫الكتاب‪.‬‬

‫وأرى أن ما قمت به من عمل خالل فترة عملي‬

‫في وزارة الصحة‪ ،‬ما هو إال جهد المُقِ ل كأحد‬ ‫المواطنين‪ ،‬وم��ا قمنا به من إخ��راج لهذا الكتاب‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪11‬‬


‫الشورى‪ ..‬مجموعة منهم من الحاضرين اليوم‪ ،‬مثل‬ ‫الصديق الدكتور منصور النزهة‪ ،‬والدكتور زياد بن‬ ‫عبدالرحمن السديري‪ ،‬واألستاذ محمد الشريف‪،‬‬

‫والدكتور عبدالعزيز النعيم‪ ،‬والدكتور عبدالرحمن‬ ‫صالح الشبيلي‪.‬‬

‫وف��ي تلك ال� ��دورة‪ ،‬ك��ان ن�ظ��ام المجلس ينص‬

‫جانب من الحضور‬

‫على أنه حينما يقتنع عشرة من األعضاء بموضوع‬

‫معين‪ ،‬يمكن رفعه لولي األمر لإلذن بمناقشته‪ .‬ومن‬

‫ال��ذي نعتز ب��ه‪ ،‬م��ا ه��و أي�ض�اً إال محاولة لخدمة حسن الطالع أنه منذ عام ‪1405‬هـ‪ ..‬ووزراء الصحة‬ ‫الوطن والمواطن‪ ،‬من خ�لال ما خلصنا إليه من المتعاقبون كانوا أيضاً مهتمين بإيجاد نظام صحي‪،‬‬ ‫يحدد مالمح النظام الصحي السعودي‪ ،‬ومن حسن‬ ‫تجارب وأحكام تجاه خدماتنا الصحية‪.‬‬ ‫ثم تحدث الدكتور فالح الفالح‪ ،‬فقدم الشكر الطالع أي�ض��ا أن ه��ذه الفكرة ال�ت��ي خ��رج��ت من‬ ‫للقائمين على منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد أعضاء مجلس الشورى‪ ،‬تزامنت مع مشروع من‬ ‫السديري للدراسات السعودية‪ ،‬وعلى اختياره مع وزارة الصحة للنظام الصحي‪ ،‬ولهذا السبب رؤي‬ ‫الدكتور عثمان الربيعة‪ ..‬من خالل كتاب «النظام أن يُضم كال المشروعين‪ ،‬ونوقش هذا المشروع‬ ‫الصحي ال �س �ع��ودي» كشخصيتي ال�م�ن�ت��دى‪ ،‬وهو في مجلس الشورى على مدى دورتين‪ ،‬حتى خرج‬ ‫اخ�ت�ي��ار نعتز ب��ه ون �ق��دره‪ .‬وال�ش�ك��ر م��وص��ول إل��ى ف��ي ع��ام ‪1424‬ه� �ـ‪ .‬وخ�لال دراس��ة الموضوع في‬ ‫مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية على تنظيم مجلس الشورى‪ ..‬كان الدكتور عثمان الربيعة هو‬ ‫هذه الندوة المهمة حول النظام الصحي السعودي‪ ،‬الشخص المكلف من قبل وزارة الصحة (وشهادتي‬ ‫واستشعار هذه المؤسسة ألهمية هذا الموضوع‪ .‬فيه مجروحة)‪ ،‬فنحن بدأنا على مقاعد الدراسة‬

‫وع��ن فكرة تأليف الكتاب التي تعود إل��ى عام منذ عام ‪1378‬هـ في مدارس اليمامة في الرياض‪،‬‬ ‫‪1414‬هـ قال‪ :‬حينما تم اختياره مع (‪ )60‬شخصاً ومن ذلك الوقت لم نفترق‪ ..‬بدأناها في اليمامة‬ ‫ل�ع�ض��وي��ة م�ج�ل��س ال� �ش ��ورى‪ ،‬ب� ��دأت ت �ت��وال��ى على ثم في جامعة هادلبرج بألمانيا‪ ،‬ثم عدنا للوطن‪..‬‬ ‫اللجنة الصحية واالجتماعية في المجلس‪ ،‬قضايا وظلت عالقتنا الشخصية والفكرية مستمرة‪.‬‬ ‫ال�خ��دم��ات الصحية المهمة‪ ،‬مثل ت�ق��اري��ر وزارة‬ ‫وفي نهاية حفل االفتتاح‪ ،‬تجول الحضور في‬ ‫الصحة‪ ،‬ومراجعة األنظمة الصحية التي تكوّن‬ ‫معرض إلص��دارات المؤسسة‪ ،‬ال��ذي أقامته على‬ ‫منظومة النظام الصحي ال�س�ع��ودي‪ ..‬مثل نظام‬ ‫هامش المنتدى‪.‬‬ ‫مزاولة المهنة‪ ،‬ونظام المؤسسات الصحية الخاصة‪،‬‬ ‫وق��د أب ��دوا إعجابهم بتلك اإلص� ��دارات‪ ،‬وما‬ ‫وكان ذلك يتطلب منا أن نعود لألدبيات العالمية‪..‬‬ ‫ونقارن وضعنا مع العالم‪ ،‬لكن المهم هو اقتناعي تقدمه من إثراء للمكتبات السعودية بشكل خاص‬ ‫مع مجموعة من الزمالء في الدورة األولى لمجلس والعربية بشكل عام‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫الجلسة األولى‬ ‫أدارها الدكتور عدنان بن أحمد البار‬ ‫الورقة األولى‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫فعاليات اليوم الثاني من منتدى األمير عبدالرحمن السديري‬ ‫الخميس ‪2011/12/2‬م‬ ‫ندوة‪« :‬النظام الصحي في المملكة العربية السعودية»‬

‫لألستاذ الدكتور فالح الفالح‬

‫تضمنت الورقة مراجعة عامة لألنظمة الصحية في العالم‪ ،‬إذ اشتملت على تعريف النظام‬ ‫الصحي‪ ،‬وعناصره‪ ،‬وأه��داف األنظمة المتميزة‪ ،‬وأن��واع األنظمة الصحية في العالم على حسب‬ ‫التمويل‪ ،‬والمتمثلة في‪ :‬التأمين االجتماعي اإللزامي‪ ،‬وضرائب تؤخذ من المواطنين‪ ،‬والتأمين‬ ‫الصحي الخاص‪ ،‬وميزانية مركزية من الدولة‪ ،‬والدفع المباشر مقابل الحصول على الخدمة‪.‬‬ ‫وقد تعرض ألهم التحديات الواضحة والمؤثرة‬

‫على مسيرة األنظمة الصحية ومنها‪:‬‬

‫< ظهور أف�ك��ار ج��دي��دة مبتكرة ف��ي أس�ل��وب أداء‬ ‫الخدمات الصحية‪ ،‬مثل التدخل الطبي الذي‬

‫يهدف إلى تحسين الصحة وليس فقط لعالج‬ ‫األمراض‪.‬‬

‫< ف �ك��رة تحسين ال�ص�ح��ة ع��ن ط��ري��ق االه�ت�م��ام‬ ‫بالمؤثرات على الصحة‪ ،‬مثل‪ :‬البيئة‪ ،‬وأسلوب‬

‫عليها ومدى مناسبتها له‪.‬‬ ‫< التطور السريع والهائل في التقنية الرقمية (ثورة‬ ‫السليكون شيبس)‪ ،‬أوجد ثورة في المعلومات‬ ‫وث� ��ورة ف��ي االخ��ت��راع��ات‪ ،‬م �ث��ل‪ :‬االخ �ت��راع��ات‬ ‫المتسارعة ف��ي أج�ه��زة الرنين المغناطيسي‪،‬‬ ‫أو األشعة الطبقية‪ ،‬أو المناظير‪ ،‬وكذا األدوية‬ ‫الجديدة‪ ،‬وكل ما يصاحب هذا من كلفة عالية‬ ‫من الخدمات الصحية‪.‬‬

‫الحياة‪ ،‬وفكرة المنافسة في تقديم الخدمات كما تعرض في ورقته إلى‪:‬‬ ‫الصحية في بعض األنظمة‪ ،‬وأف�ك��ار التكامل‬ ‫ •دور آليات السوق في النظام الصحي‪.‬‬ ‫والتنسيق بين الخدمات الصحية‪.‬‬ ‫ •م��ا ه��و ال�ن�ظ��ام األن �س��ب ف��ي تمويل الخدمات‬ ‫< وع ��ي ال�ج�م�ه��ور ع�ب��ر ت��وق�ع��ات��ه م��ن ال�خ��دم��ات‬ ‫الصحية؟‬ ‫الصحية‪ ،‬حين يقارن ما يراه في جودة صناعة‬ ‫ال��س��ي��ارات‪ ،‬أو ال �خ��دم��ات ال�ب�ن�ك�ي��ة‪ ،‬أو ث��ورة‬

‫االتصاالت بأساليب تقديم الخدمات الصحية؛‬

‫ •ك �ي��ف ت �ت �ع��ام��ل ال � ��دول م ��ع ت �م��وي��ل ال �خ��دم��ات‬ ‫الصحية؟‬

‫ف�ق��د أص�ب��ح ال�ج�م�ه��ور يهتم ب �ج��ودة ال�خ��دم��ة‪• ،‬لماذا يجب أن تمول الدولة الخدمات الصحية؟‬ ‫وسرعة الحصول عليها‪ ،‬وكذلك سهولة الحصول أوال‪ :‬الخدمات العامة‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪13‬‬


‫ •من اجل توفير خدمات الصحة العامة‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫برامج األبحاث الطبية‪ ،‬وبرامج القضاء على‬ ‫األوبئة‪ ,‬وبرامج سالمة األغذية‪.‬‬

‫قضية المساواة وعدالة التوزيع في‬ ‫الخدمات الصحية‬ ‫تعريف العدالة أو المساواة في الخدمات الصحية‪:‬‬

‫ •من أجل تقديم تلك الخدمات الصحية التي •هي أن يتمكن األفراد الذين لديهم االحتياج نفسه‬ ‫للخدمة الصحية‪ ،‬من الحصول على المستوى‬ ‫يتعدى أثرها األفراد المتلقين لها‪ ،‬مثل برامج‬ ‫ذات��ه من الخدمة الصحية‪ ،‬بصرف النظر عن‬ ‫التحصين العام‪.‬‬ ‫دخلهم (وهذا ما يسمى بالمساواة األفقية)‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الخدمات الصحية التي تهم الفرد وحده‪• :‬إن ك ��ل م� �ب ��ادئ ال��ع��دال��ة أو ال� �م� �س ��اواة في‬ ‫ •من أجل تمويل الخدمات الصحية للفقراء‪،‬‬ ‫وهم أولئك الذين ال يستطيعون دفع تكاليف‬ ‫تلك الخدمات مباشرة‪ ،‬أو عن طريق االشتراك‬ ‫بالتأمين الصحي‪.‬‬ ‫ •لعدم نجاح شركات التأمين بتمويل خدمات‬ ‫صحية ف�ع��ال��ة وع��ادل��ة لجميع ال�م��واط�ن�ي��ن‪،‬‬ ‫وبخاصة عدالة توزيع الخدمات‪.‬‬

‫ال�خ��دم��ات الصحية‪ ،‬هدفها أن يحصل كل‬ ‫ال �ن��اس ح�ت��ى ال �ف �ق��راء ال��ذي��ن ال يستطيعون‬ ‫شراء بوليصة تأمين‪ ..‬أو الدفع مباشرة من‬ ‫جيوبهم‪ ،‬على حاجتهم من الخدمات الصحية‪.‬‬ ‫وفي الغالب‪ ،‬كلما قل دخل اإلنسان كان ينتمي‬ ‫إلى من يحتاجون أكثر للخدمة الصحية‪ ،‬وعلى‬ ‫سبيل المثال تجتمع قلة الدخل وتدني مستوى‬ ‫الصحة لدى أغلبية كبار السن‪.‬‬

‫نسبة الصرف على الخدمات الصحية من الناتج القومي بين مجموعة من الدول‬

‫‪14‬‬

‫وهناك خمسة أدوار على الدولة أن تقوم بها‬ ‫ولكن بنسب مختلفة‪ ,‬وهذه األدوار هي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬توفير المعلومات وتقديمها‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬وض��ع التنظيمات وال �ق��واع��د وال�ل��وائ��ح‬ ‫الضرورية ومراقبتها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫ثالثاً‪ :‬تكليف بعض قطاعات المجتمع مثل أصحاب‬ ‫العمل أو األفراد بأداء مهمات معينة‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬ت�م��وي��ل ال �خ��دم��ات الصحية م��ن ال�م��ال‬ ‫العام‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬تقديم الخدمات الصحية‪.‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫موقع النظام الصحي السعودي في العالم من حيث المؤشرات الصحية‬

‫الورقة الثانية‬ ‫وك��ان��ت ع��ن ت�ج��رب��ة مجلس ال�ض�م��ان الصحي‬ ‫السعودي‪ ،‬تحدث فيها الدكتور عبدالله بن إبراهيم‬ ‫الشريف‪ -‬أمين عام الضمان الصحي السعودي‪،‬‬ ‫فبعد شكره للمؤسسة على إعطائه فرصة الحديث‬ ‫ف��ي ه��ذا ال�م�ن�ت��دى‪ ،‬ل�ك��ي ي �ش��ارك ف��ي ن�ق��ل بعض‬ ‫التجارب‪ ..‬حول تطبيق التأمين الصحي خالل أربع‬ ‫سنوات قال‪:‬‬

‫إل��ى أن وصلنا إل��ى الشركات الصغيرة‪ ،‬وقد‬ ‫استغرق تقريباً سنة ون�ص��ف‪ ،‬بعد التطبيق‬ ‫ع �ل��ى ال� �ش ��رك ��ات‪ ،‬ب ��دأن ��ا نُ��ط��ال��ب بتطبيق‬ ‫التأمين الصحي على المعالين من العاملين‬ ‫في الشركات من غير السعوديين‪ ،‬تال ذلك‬ ‫تطبيقه على السعوديين العاملين في القطاع‬ ‫الخاص وذويهم‪.‬‬

‫ •ص�� ��در ال� �ن� �ظ ��ام ال� �ص� �ح ��ي ال� �ت� �ع ��اون ��ي ف��ي •ب�لا ش��ك ك ��ان ه �ن��اك ش��راك��ة م�ه�م��ة ج���داً‪..‬‬ ‫‪1420/5/1‬ه�ـ‪ ،‬وتم تطبيقه نحو أربع سنوات‬ ‫(وهنا يأتي دور الشراكة التي ذكرناها) مع‬ ‫ون �ص��ف ع�ل��ى ال �ف �ئ��ات ال�م�س�ت�ه��دف��ة‪ ،‬ليشمل‬ ‫ال �ج �ه��ات ذات ال �ع�لاق��ة‪ ،‬وب �خ��اص��ة مؤسسة‬ ‫العاملين ف��ي القطاع ال �خ��اص‪ ،‬ألحق أيضاًَ‬ ‫النقد العربي السعودي كجهة رقابية‪ ،‬ووزارة‬ ‫ال�ن�ظ��ام الصحي ق� ��راراً م��ن مجلس ال ��وزراء‬ ‫الداخلية ممثلة في اإلدارة العامة للجوازات‪،‬‬ ‫الموقر بإدراج السعوديين العاملين في القطاع‬ ‫ومع شركات التأمين‪ ،‬ومع مقدمي الخدمة من‬ ‫الخاص وأف��راد أسرهم‪ ،‬بالتغطية التأمينية‬ ‫القطاع الخاص‪ ،‬وأيضاً مع مقدمي الخدمة‬ ‫في هذا المجال‪ ،‬بعد ص��دور القرار بإيجاد‬ ‫الذين انضموا إليهم من القطاع الحكومي‪،‬‬ ‫النظام الصحي‪ ،‬وتم عمل اللوائح التنفيذية‬ ‫وعلى سبيل المثال أربعة وعشرون مستشفى‬ ‫واألن �ظ �م��ة‪ ،‬ث��م ت�ح��دي��د البوليصة والمنافع‬ ‫حكوميا‪ ،‬تأتي ضمن المنظومة لتقديم الخدمة‬ ‫المحددة بالنظام الصحي‪.‬‬ ‫الصحية‪.‬‬ ‫ •بدأنا في بدايات التطبيق بالقطاع الخاص •في بداية التطبيق كان عدد مقدمي الخدمة‬ ‫للعاملين فيه من غير السعوديين (للعاملين‬ ‫نحو مئتي تقريباً‪ ..‬كشرط أساسي إلدراج��ه‬ ‫فقط)‪ ،‬ابتدأنا بالشركات الكبيرة التي لديها‬ ‫ضمن منظومة مقدمي الخدمة‪ ،‬التطبيق في‬ ‫(‪ )5000‬ع��ام��ل ف��أك�ث��ر‪ ،‬ث��م ت��درج�ن��ا تنازلياً‬ ‫بداياته كتجربة كانت جديرة بالتوثيق‪ ،‬وإن‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪15‬‬


‫كانت هذه التجربة برمتها قصيرة في عرف‬ ‫األنظمة الصحية‪ ،‬فمن أه��م أسباب النجاح‬ ‫(بعد فضل الله سبحانه وتعالى)‪ ،‬هو االهتمام‬ ‫والرعاية مع الشركاء‪ ،‬والعمل سوياً عند وضع‬ ‫أي تنظيم‪ ..‬أو إجراء في سبيل تطبيقه‪ ،‬فجمع‬ ‫اللوائح تم إعادة مراجعتها مع بداية التطبيق‪،‬‬ ‫ألنه وجد بعض النقاط بها ال تتناسب مع سوق‬ ‫التأمين الصحي في المملكة‪،‬‬

‫د‪ .‬الشريف يلقي كلمته في الجلسة األولى‬

‫ •انتهينا اآلن م��ن تطبيق ال�ت��أم�ي��ن الصحي‬ ‫ع �ل��ى س�ب�ع��ة م�لاي �ي��ن ش �خ��ص‪ ،‬م��ن ضمنهم‬ ‫مليون ومائتي ألف سعودي‪ )580( ،‬ألفاً من‬ ‫الموظفين‪ ،‬و(‪ )620‬ألفاً من المعالين‪ ،‬والبقية •وبموجب نظام الضمان الصحي‪ ،‬فالعامل أو‬ ‫الموظف ال يدفع شيئا من أقساط التأمين‪،‬‬ ‫من غير السعوديين‪.‬‬ ‫ولكنها تدفع بالكامل من قبل صاحب العمل‪.‬‬ ‫ •لدينا اآلن (‪ )26‬شركة تأمين مسجلة ‪-‬طبعاً‬ ‫جميع الشركات مسجلة ومرخصة ومجازة •نظام العمل الجديد الذي صدر مؤخراً‪ ،‬وكما جاء‬ ‫في المادة (‪ )144‬تعزز نظام الضمان الصحي‬ ‫من قبل المقام السامي‪ -‬لدى مؤسسة النقد‬ ‫التعاوني‪ ،‬ويتم تقديم الخدمات الصحية بما‬ ‫العربي السعودي‪.‬‬ ‫يقرره معالي وزير العمل‪ ،‬وبما يتوافق مع مراعاة‬ ‫ •م �ق��دم��و ال �خ��دم��ة وص ��ل ع��دده��م اآلن إل��ى‬ ‫ما يحدده الضمان الصحي التعاوني‪.‬‬ ‫(‪ ،)2147‬م��ن ض�م�ن�ه��م (‪ )152‬مستشفى‪،‬‬ ‫وأغلب مقدمي الخدمة من مجمعات العيادات •أود أن يكون سياق الحديث ع��ن م��اذا رأينا‬ ‫خالل الفترة الماضية؟ ألن ذلك هو المحك‪.‬‬ ‫الخاصة والمستوصفات‪ ،‬وج��راح��ات اليوم‬ ‫في بداية تطبيق التأمين الصحي كان هناك‬ ‫ال��واح��د‪ ،‬وال�ع�ي��ادات الخاصة‪ .‬وهناك أيضاً‬ ‫معارضات من قبل أصحاب العمل‪ ،‬وكنا نُفاجأ‬ ‫جهة مهمة ج��داً لها عالقة بصناعة التأمين‬ ‫بأن أصحاب العمل‪ -‬الذين لديهم الشركات‬ ‫ك�م��ا يعلم الجميع‪ -‬وه��ي ش��رك��ات إدارات‬‫الكبيرة‪ ،‬والمفترض أن يكون لديهم الوعي‬ ‫المطالبات‪ ،‬اآلن سجلت لدينا خمس شركات‬ ‫ال �م��ال��ي‪ ،‬الح �ت��واء ال�م�خ��اط��ر ال�م��ال�ي��ة حيال‬ ‫إدارات م�ط��ال�ب��ات‪ ،‬وه ��ذه ال �ش��رك��ات تتولى‬ ‫ال�ص��رف على ال�خ��دم��ات الصحية للعاملين‬ ‫ل��دي �ه��م‪ -‬ب ��أن ب�ع�ض�ه��م ك ��ان م �ع��ارض��ا‪ ،‬وف��ي‬ ‫الحقيقة ساعدتنا وزارة العمل ‪-‬ممثلة في‬ ‫مكاتب العمل بالمناطق‪ -‬كثيراً على تفعيل‬ ‫تطبيق التأمين الصحي‪.‬‬ ‫التنسيق بين مقدمي الخدمة‪ ،‬وبين دافعي‬ ‫قيمة الخدمة لشركات التأمين‪.‬‬

‫جانب مـن الحضور‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫ •ك��ان��ت ك �ف��اءة ش��رك��ات ال �ت��أم �ي��ن‪ -‬ف��ي ب��داي��ة‬ ‫التطبيق‪ -‬وقدرتها على ت�ن��اول األع ��داد من‬ ‫المؤمن لهم كبنية إدارية وانتشار في المملكة‬ ‫ضعيفة‪.‬‬


‫تحدث فيها الدكتور عثمان بن عبدالعزيز الربيعة‪ ،‬عن نشأة النظام الصحي السعودي وتطوره‪،‬‬ ‫والتحديات التي تواجهه‪ ..‬فبدأ بتعريف النظام الصحي السعودي‪ ،‬وعن مكونات النظام ومراحل‬ ‫تطوره وأساس إنشائه‪..‬‬

‫مراحل تطور النظام‪:‬‬

‫أساس إنشاء النظام‪:‬‬

‫مكونات النظام‬ ‫التنظيم واإلدارة‬

‫لماذا التقسيم إلى مراحل؟‬

‫‪ -‬دائ��رة الصحة واإلسعاف‬

‫تقديم الرعاية الصحية‬

‫‪ -‬خصائص لكل مرحلة‬

‫القوى العاملة‬

‫‪ -‬تأثير المكونات فيما بينها‬

‫التمويل‬

‫‪ -1‬مرحلة النشوء‪ :‬لماذا؟‬

‫الوضع الصحي‪.‬‬

‫‪-2‬مرحلة البناء‪ :‬لماذا؟‬

‫من ‪1280‬هـ‬ ‫ أول��وي��ة الرعاية الصحية‬‫للحجاج‪.‬‬ ‫‪ -‬توافر بعض المنشآت في‬

‫‪ -3‬مرحلة االرتقاء‪ :‬لماذا‬ ‫المرحلة األولى – النشوء ‪1344‬هـ ‪1369 -‬هـ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الورقة الثالثة‬

‫مكة‪.‬‬

‫ج– ما يدفعه المرضى مباشرة للقطاع الخاص‪.‬‬

‫تحدث عن الرعاية الصحية المقدمة حتى ثم انتقل إلى الوضع الصحي فقال‪:‬‬ ‫عام ‪1355‬هـ‪ ،‬والخدمات الوقائية والقوى العاملة •أكثر األم ��راض ان�ت�ش��اراً (ال�س��ل – االلتهاب‬ ‫ومصادر التمويل آنذاك‪ ،‬المتمثلة في‪:‬‬ ‫الرئوي – التيفوئيد‪ -‬الدوسنتاريا – التراخوما‬ ‫– الجدري – أمراض الطفولة – المالريا)‪.‬‬

‫أ – ميزانية الدولة‬

‫ب– إي��رادات ذاتية من أجور العمليات واألدوية •معدل العمر المأمول حوالي (‪ )37‬عاماً في‬ ‫‪1369‬هـ‪.‬‬ ‫المأخوذة من الموسرين‪.‬‬ ‫القضايا‬ ‫و‬ ‫التحديات‬ ‫و‬ ‫الحلول‪:‬‬

‫ •تواضع التغطية الصحية‪ :‬األسرة والمستوصفات والقوى العاملة‪.‬‬ ‫ •سيطرة الطب الشعبي لضعف التغطية الصحية‪.‬‬ ‫ •ضعف الوعي الصحي ومقاومة التطعيم‪.‬‬ ‫ •المشكلة الكبرى عدم توافر قوى عاملة‪ :‬الحل‪ ..‬التعاقد المباشر‬ ‫مع القادمين للمملكة‪.‬‬ ‫ •تطبيق نظام استخدام الموظفين‪.‬‬ ‫ •التجنيس‪.‬‬ ‫ •نظام المستشفيات كاستجابة لتغير االحتياج‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪17‬‬


‫المرحلة الثانية – البـ ـنـ ــاء ‪1370‬هـ‪1394-‬هـ‬

‫ •نظام مصلحة الطب الشرعي ‪1384‬هـ‪.‬‬

‫وتحدث فيها د‪ .‬الربيعة عن التنظيم واإلدارة‪• ،‬نظام تسجيل وقيد المواليد والوفيات‪.‬‬ ‫م��ن حيث إن �ش��اء وزارة الصحة ع��ام ‪1370‬ه� �ـ‪،‬‬ ‫ • نظام مكافحة األمراض السارية والبلهارسيا‬ ‫وال�ت�ق�س�ي�م��ات اإلداري� � ��ة‪ ،‬واإلش� � ��راف ع �ل��ى كل‬ ‫والتراخوما‪.‬‬ ‫ال�خ��دم��ات الصحية بما فيها صحة ال�م��دارس‬ ‫والسجون والبيئة‪ .‬ثم إع��ادة تنظيم ال��وزارة عام •ن �ظ��ام ال �ع �م��ل وال �ع �م��ال ون��ظ��ام ال�ت��أم�ي�ن��ات‬ ‫‪1385‬ه � �ـ ب��زي��ادة أق �س��ام فنية وإداري� ��ة‪ ،‬وزي ��ادة‬ ‫االجتماعية ‪1389‬هـ‪.‬‬ ‫ال� �ف ��روع إل ��ى ع �ش��ر م��دي��ري��ات‪ .‬م��ع اإلش� ��راف‬ ‫ •بقية القطاعات الحكومية = ‪ 340‬سرير –‬ ‫المباشر على مستشفيات ال تتبع المديريات‬ ‫والخاصة = ‪ 750‬سرير‪.‬‬ ‫(عنيزة – حائل – نجران – السداد بالطائف –‬ ‫مستشفى الشميسي بالرياض)‪ ،‬مع وضع وصف •وزارة الصحة تنشئ وتفتتح أكثر من أربعين‬ ‫وظيفي لجميع ال��وح��دات‪ .‬ث��م تحدث ع��ن أهم‬ ‫مستشفى‪.‬‬ ‫األنظمة‪ ،‬والرعاية الصحية المقدمة‪ ،‬والتغطية‬ ‫التمويل‬ ‫العالجية ع��ام ‪1394‬ه� �ـ‪ ،‬وال�خ��دم��ات الوقائية‪،‬‬ ‫والقوى العاملة‪ ،‬والتعليم الصحي للفترة ‪• -1377‬االعتماد الكلي على ميزانية الدولة‪ ،‬بسبب‬ ‫‪1392‬هـ‪ ،‬وسبل التمويل‪ ،‬والوضع الصحي خالل‬ ‫إيرادات النفط ابتداء من عام ‪1367‬هـ‪.‬‬ ‫تلك الفترة‪.‬‬ ‫ •ع��ام ‪1373‬ه� �ـ‪ :‬ميزانية ال ��وزارة (‪ )37‬مليون‬ ‫أهم األنظمة‬

‫ريال‪.‬‬

‫ •تعديل نظام التلقيح ضد الجدري (إلزامي •عام ‪1394‬هـ‪ )583( :‬مليون ريال بنسبة ‪%2,8‬‬ ‫للطالب والجنود ‪1380‬هـ)‪.‬‬ ‫من ميزانية الدولة‪.‬‬ ‫ •ن� �ظ ��ام ال� �م ��ؤس� �س ��ات ال��ع�ل�اج��ي��ة ال �خ��اص��ة •العالج مجاني للجميع بما فيهم عمالة القطاع‬ ‫‪1382‬هـ‪.‬‬ ‫الخاص في الشركات التي بها أقل من (‪)50‬‬ ‫ •نظام جمعية الهالل األحمر ‪1385‬هـ‪.‬‬

‫ع��ام�لاً‪ ..‬وف��ي ال��واق��ع‪ ..‬ف��إن جميع منسوبي‬ ‫القطاع الخاص يمكن أن يعالجوا مجاناً لعدم‬ ‫وجود ضوابط ألحقية العالج‪.‬‬ ‫ •وخ�ل�ال عشر س�ن��وات (‪1394 – 1384‬ه� �ـ)‪،‬‬ ‫زادت المستشفيات الخاصة من (‪ )17‬إلى‬ ‫(‪ )19‬مستشفى‪ ،‬واألس� ��رة م��ن (‪ )750‬إل��ى‬

‫جولة في معرض إصدارات المؤسسة‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫(‪ ،)1096‬أي بنسبة ‪ %12‬من مجموع أسرة‬ ‫المملكة‪.‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫القضايا والتحديات والحلول‬ ‫ •ب �ع��د ال �ن �م��و ال �س��ري��ع ل �ل �ق �ط��اع ال� �خ ��اص من‬ ‫مستشفيين عام ‪1370‬هـ إلى (‪ )17‬مستشفى‬ ‫ع��ام ‪1384‬ه� � �ـ‪ ..‬تباطأ النمو خ�لال العشر‬

‫سنوات التالية من (‪ )17‬مستشفى إلى (‪)19‬‬ ‫مستشفى بسبب‪:‬‬

‫د‪ .‬الربيعة في الجلسة األولى‬

‫‪1 .1‬ممارسة أطباء الحكومة للعمل بعيادات‬ ‫ •ضعف اإلنفاق الصحي عامة (‪ %5‬من الناتج‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫المحلي على األكثر)‪.‬‬ ‫‪2 .2‬ص� ��دور ن �ظ��ام ال �م��ؤس �س��ات ال�ع�لاج�ي��ة‬ ‫الخاصة‪.‬‬

‫ •الدور المركزي للجهات الحكومية الضابطة‬ ‫للموارد‪.‬‬

‫ •منح القروض للقطاع الخاص ابتداء من عام‬ ‫‪1394‬هـ‪.‬‬ ‫ •ال �م��رك��زي��ة ف��ي إدارة ال�س�ي��اس�ي��ة الصحية‬ ‫ •نظام تفرغ األطباء عام ‪1392‬هـ‪.‬‬

‫واإلنفاق‪.‬‬

‫ •خلص القطاع الخاص من المنافسة‪ ،‬وزاد •الممول والمشتري‪.‬‬

‫الضغط على المستشفيات الحكومية مع •التركيز على الناحية العالجية ف��ي توزيع‬ ‫انتشار المستشفيات الحديثة‪.‬‬ ‫القوى العاملة (‪ %70‬للمستشفيات)‪.‬‬

‫ •ندرة القوى الفنية السعودية وضعف اإلقبال •اإلن�ف��اق‪ :‬روات��ب المتخصصين‪ /‬التجهيزات‬ ‫على المعاهد الصحية‪.‬‬ ‫الكبيرة‪ /‬اإلنشاءات‪.‬‬ ‫ •ضعف تأهيل مخرجات المعاهد الصحية •التنافس بين القطاعات الحكومية في توزيع‬ ‫ومدارس التمريض (االبتدائية)‪.‬‬ ‫واستخدام الموارد‪ ،‬وعدم التنسيق‪.‬‬ ‫ •استمرار االعتماد على العمالة األجنبية‪.‬‬ ‫ •غلبة ال�ت�ع��اق��د م��ع غ�ي��ر المتحدثين باللغة‬ ‫العربية‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة – االرتقاء ‪1395‬هـ ‪1420 -‬هـ‬

‫ •اإله�� ��دار ف��ي ال� �م ��وارد ب�س�ب��ب االزدواج� �ي ��ة‬ ‫ومجانية العالج‪.‬‬

‫ •االستمرار في فتح وتشغيلها المرافق الصحية‪،‬‬ ‫رغم خفض االعتمادات وتراكم الديون‪.‬‬

‫تحدث فيها د‪ .‬الربيعة عن التنظيم‪ ،‬واإلدارة‪• ،‬ت��راج��ع أداء ش��رك��ات التشغيل بسبب تدني‬ ‫العطاءات‪ ،‬وتأخر في صرف المستحقات‪.‬‬ ‫وال��رع��اي��ة ال�ص�ح�ي��ة‪ ،‬وال��ق��وى ال �ع��ام �ل��ة‪ ،‬وسبل‬ ‫التمويل‪ ،‬والوضع الصحي‪ ،‬والقضايا والتحديات‪• ،‬التغير المستمر في العمالة‪ ،‬وضياع الخبرة‬ ‫المتمثلة في‪:‬‬

‫المتراكمة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪19‬‬


‫ •تخلف مخرجات التعليم الصحي عن متطلبات‬ ‫الخدمة الطبية الحديثة كما ونوعاً‪.‬‬

‫ •ضعف أنشطة التدريب وإعادة التأهيل‪.‬‬ ‫ •ضعف أداء الرعاية الصحية األولية من حيث‪:‬‬ ‫ضعف مستوى تأهيل العاملين‪ ،‬وقصور نظام‬ ‫اإلحالة‪.‬‬

‫ •أعباء الرعاية الصحية للوافدين رغم توسع‬

‫د‪ .‬البار في الجلسة االثانية‬

‫القطاع الخاص‪.‬‬

‫ •مراجعة أقسام اإلسعاف‪.‬‬ ‫ •‪ %28‬نسبة شغل األسرة من الوافدين‪.‬‬ ‫ •ال �ع �م��ال��ة ال �م �ن��زل �ي��ة وم �ن �س��وب��و ال �ش��رك��ات‬ ‫الصغيرة‪.‬‬

‫الجلسة الثانية‬

‫وقد أدارها الدكتور عدنان بن أحمد البار‬ ‫األنظمة الصحية وتنمية الكوادر الصحية‪:‬‬

‫وكانت الورقة األول��ى لألستاذ الدكتور فالح‬ ‫بن زيد الفالح عن إرهاصات التحول (أو التوجه‬ ‫ ‬ ‫نحو التغيير)‪.‬‬ ‫ ‬ ‫وق���د ت �ح��دث ف�ي�ه��ا ع��ن م�ج�ل��س ال �خ��دم��ات‬ ‫ ‬ ‫الصحية‪ ،‬وأه��م مالمح نظام الضمان الصحي‬ ‫ال �ت �ع��اون��ي‪ ،‬وع ��ن ال�م�ج�ل��س ال �م��رك��زي الع�ت�م��اد ‬ ‫ال�م�ن�ش��آت ال �ص �ح �ي��ة‪ ..‬ث��م ان�ت�ق��ل إل ��ى تحديث ‬

‫•نظام المؤسسات الصحية الخاصة‪.‬‬ ‫•نظام مزاولة المهن الصحية‪.‬‬ ‫•نظام المنشآت والمستحضرات الصيدالنية‬ ‫•نظام الهيئة العامة للغذاء والدواء‪.‬‬ ‫•نظام اإلخصاب واألجنة وعالج العقم‪.‬‬

‫القوى العاملة الصحية لعام ‪1428‬هـ من حيث العدد ونسبة السعودة‬

‫‪20‬‬

‫القطاعات‬

‫األطباء‬

‫نسبة‬ ‫السعوديين‬

‫التمريض‬

‫نسبة‬ ‫السعوديين‬

‫الفنيون‬ ‫الصحيون‬

‫نسبة‬ ‫السعوديين‬

‫وزارة الصحة‬

‫‪22643‬‬

‫‪%20‬‬

‫‪51188‬‬

‫‪%1 .44‬‬

‫‪27958‬‬

‫‪%6 .75‬‬

‫جهات حكومية‬

‫‪10808‬‬

‫‪%2 .48‬‬

‫‪21462‬‬

‫‪%2 .17‬‬

‫‪16162‬‬

‫‪%9 .50‬‬

‫القطاع الخاص‬

‫‪14458‬‬

‫‪%1 .4‬‬

‫‪21085‬‬

‫‪%6 .3‬‬

‫‪7168‬‬

‫‪%1 .13‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ث��م ت�ح��دث د‪ .‬ال�ف��ال��ح ع��ن إستراتيجية الرعاية •تفعيل دور ال�ق�ط��اع ال �خ��اص‪ ،‬واع �ت �ب��اره م��وازي �اً‬ ‫الصحية بالمملكة‪ ،‬مشيرا إلى أبرز مالح اإلستراتيجية‬ ‫لا م��ع دور ال��دول��ة ف��ي ت�م��وي��ل وتشغيل‬ ‫وم�ت�ك��ام� ً‬ ‫الجديدة المتمثلة في‪:‬‬ ‫وتقديم الخدمة الصحية‪ ،‬وف��ي تطوير وتأهيل‬ ‫القوى العاملة‪ ،‬واالستفادة المشتركة من بعض‬ ‫ •إيجاد روافد تمويل جديدة لمساندة التمويل عن‬ ‫اإلمكانات‪.‬‬ ‫طريق ميزانية ال��دول��ة‪ ،‬وذل��ك م��ن خ�لال تطبيق‬ ‫التأمين الصحي على ك��اف��ة ش��رائ��ح المجتمع‪• ،‬تعزيز الصحة بمفهومها الشامل‪ ،‬من خالل ضمان‬ ‫توفير وتطوير أنشطة الرعاية الصحية األولية‪،‬‬ ‫وتحصيل إي��رادات مباشرة من بعض الخدمات‪،‬‬ ‫وت��أك�ي��د دوره ��ا ال�م�ح��وري ف��ي ال�ن�ظ��ام الصحي‪،‬‬ ‫وتشجيع المشاركة األهلية عن طريق التبرعات‬ ‫م��ع تحسين بنيتها التحتية وأن �ظ �م��ة إدارت �ه��ا‪،‬‬ ‫واألوق� ��اف‪ ،‬وأخ �ي��راً العمل على ترشيد اإلن�ف��اق‬ ‫وتعزيز مجال خدماتها لتشمل جميع الشرائح‬ ‫واحتواء التكاليف‪.‬‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫ •تطوير نظام المعلومات الصحية‪ ،‬والتوسع في‬ ‫اس�ت�خ��دام�ه��ا ف��ي ج�م�ي��ع ال �ق �ط��اع��ات وال �م��راف��ق •رف��ع كفاءة الخدمات اإلسعافية إل��ى أقصى حد‬ ‫ممكن ف��ي ك��ل ال �ظ��روف‪ ،‬وف��ي جميع المناطق‪،‬‬ ‫الصحية‪ ،‬وال��رب��ط الشبكي بينها‪ ،‬والعمل على‬ ‫وتنظيم وتنسيق التعاون والتكامل في التعامل مع‬ ‫توحيد الملف الصحي للمريض‪ ،‬وإجراء الدراسات‬ ‫حاالت الطوارئ‪ ،‬والعمل على دعم جمعية الهالل‬ ‫والبحوث لخدمة تحسين الوضع الصحي‪ ..‬ورفع‬ ‫األحمر بما يكفل قيامها بدورها الريادي‪.‬‬ ‫مستوى األداء‪.‬‬ ‫ •تنمية القوى العاملة وتطويرها‪ ،‬وسعودة الوظائف •ت��وف�ي��ر وت �ط��وي��ر ال��رع��اي��ة ال�ع�لاج�ي��ة والتأهيلية‬ ‫ب�م�س�ت��وي��ات�ه��ا ال�م�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬وال �خ��دم��ات الصحية‬ ‫الصحية‪ ،‬مع تحسين أساليب توفير وتطوير القوى‬ ‫المرجعية في كافة المناطق‪.‬‬ ‫العاملة‪ ،‬وتوحيد الوصف الوظيفي‪.‬‬

‫ •رفع كفاءة األداء ونظم اإلدارة والتشغيل‪ ،‬عن طريق •العمل على التوزيع المتوازن للخدمات الصحية‬ ‫جغرافياً وسكانياً‪ ،‬بما يضمن العدالة وتيسير‬ ‫انتهاج أسلوب الالمركزية في التنفيذ واإلدارة‬ ‫الحصول عليها‪.‬‬ ‫الذاتية وإدارة الجودة‪ ،‬وإشراك القطاع الخاص في‬ ‫إدارة وتشغيل وتملك بعض المستشفيات‪ ،‬وتحقيق أهم مكونات النظام الصحي السعودي‬ ‫مبدأ الفصل بين مشتري الخدمة ومقدمها‪.‬‬ ‫ •حدد اختصاصات وزارة الصحة ال سيما من حيث‬ ‫ •ت��رك �ي��ز وزارة ال �ص �ح��ة ع �ل��ى دوره� ��ا اإلش��راف��ي‬ ‫ضمان توفر التغطية بالخدمات الصحية‪ ،‬وحماية‬ ‫وال��رق��اب��ي‪ ،‬وت��وف�ي��ر خ��دم��ات ال��رع��اي��ة الصحية‬ ‫المجتمع من األمراض الوبائية‪.‬‬ ‫األول��ي��ة وال �خ��دم��ات ال��وق��ائ �ي��ة‪ ،‬وض �م��ان توفير‬ ‫ •أوض��ح صالحيات ومسئوليات مديريات الشئون‬ ‫المعدالت الكافية من الخدمات الصحية لجميع‬ ‫ال �ص �ح �ي��ة ف ��ي ال �م �ن��اط��ق‪ ،‬ب �م��ا ي �ك �ف��ل ال �م��رون��ة‬ ‫الفئات السكانية‪ ،‬مع قيام كل جهة صحية بدورها‬ ‫والفعالية‪.‬‬ ‫المحدد‪ ،‬حسب أهداف الجهاز الذي تنتمي إليه‪،‬‬ ‫ •عرّف المستوى األول في نظام الرعاية الصحية‬ ‫واالستفادة المشتركة من الخبرات واإلمكانات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪21‬‬


‫وواجباته‪ ،‬بحيث يشمل المركز الصحي وما في‬ ‫حكمه في القطاعين العام والخاص‪.‬‬

‫هذه المادة في إق��رار مبدأ المشاركة في توزيع‬ ‫أع �ب��اء اإلن �ف��اق ال �ص �ح��ي‪ ،‬ح�ت��ى ع�ل��ى ال�خ��دم��ات‬ ‫الصحية ال�ح�ك��وم�ي��ة م��ن م �ص��ادر مختلفة غير‬ ‫ميزانية الدولة‪.‬‬

‫ •ح��دد التزامات ال��دول��ة عموما في ش��أن الصحة‬ ‫العامة للمجتمع‪.‬‬

‫وانتهى إل��ى أن المهم في عملية تطوير النظام‬ ‫الصحي‪ ،‬هو اإليمان بأن هذا التطوير عملية متواصلة‪،‬‬ ‫تخضع باستمرار للتعديل والتصحيح‪ ..‬ولكن على‬ ‫أسس علمية مدروسة‪ .‬األم��ر ال��ذي يستدعي إيجاد‬ ‫مركز أو معهد متخصص في إدارة الخدمات الصحية‬ ‫واق�ت�ص��ادي��ات�ه��ا‪ ،‬ي�ق��دم ال�م�ش��ورة العلمية المستقلة‬ ‫لصانعي القرار في الخدمات الصحية‪ ،‬مستلهما خبرة‬ ‫الستين سنة األخيرة‪ ،‬ومستفيدا من التجارب العالمية‬ ‫في إدارة وتقديم وتمويل األنظمة الصحية‪ ,‬وبحيث‬ ‫يشكل هذا المركز المرجعية الفكرية لهذا النظام‪،‬‬ ‫مهما تغير المسئولون في الخدمات الصحية‪ .‬مما‬ ‫يسمح بنشوء تراكم معرفي محلي ألسلوب التمويل‬ ‫واإلدارة‪ ،‬وأسلوب تقديم الخدمات الصحية‪.‬‬

‫ •أك��د ال �ن �ظ��ام ف��ي ت�ع��ري�ف��ه ل�ل��رع��اي��ة ال�ص�ح�ي��ة أن‬ ‫توفيرها ال يعني بالضرورة تقديمها من الدولة‬ ‫مباشرة‪ .‬وه��ذا المبدأ مهم؛ ألنه يفسر ما كانت •أف �س��ح ال �م �ج��ال للتخصيص ف��ي إدارة وتملك‬ ‫تعنيه المادة (‪ )31‬من النظام األساسي للحكم‪.‬‬ ‫المرافق الصحية الحكومية‪ ،‬بما تضمنته المادة‬ ‫كما أنه يمهد لمفهوم الفصل بين تقديم الخدمة‬ ‫ال �ح��ادي��ة ع�ش��رة م��ن ج ��واز ت�ح��وي��ل ملكية بعض‬ ‫وتمويلها أو شرائها ومراقبة أدائها‪.‬‬ ‫مستشفيات ال ��وزارة إل��ى القطاع ال�خ��اص‪ .‬وقد‬ ‫أوضحت الالئحة التنفيذية للنظام أن ذلك يشمل‬ ‫ •ح ��دد ه��دف �اً ع��ام �اً يتمثل ف��ي تحقيق التغطية‬ ‫نقل الملكية بالبيع أو التأجير‪ ،‬أو إنشاء شركات‬ ‫الشاملة الكاملة بالرعاية الصحية بطريقة عادلة‬ ‫مساهمة أو مؤسسات عامة‪.‬‬ ‫وميسّ رة‪.‬‬

‫ •حدد الفئات االجتماعية المعرّضة أكثر من غيرها‬ ‫للمخاطر الصحية‪ ،‬وواج ��ب ال��دول��ة ف��ي توفير‬ ‫الرعاية الصحية بالطريقة المناسبة‪.‬‬ ‫ •نصت المادة (‪ )31‬على‪( :‬تعنى الدولة بالصحة‬ ‫العامة‪ ..‬وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن)‪.‬‬ ‫ •نص على مبدأ التنوع في مصادر تمويل الخدمات‬ ‫الصحية‪ ،‬ب��ذك��ر ط��رق التمويل ال�ت��ي تتمثل في‬ ‫م�ي��زان�ي��ة ال ��دول ��ة‪ ،‬وإي� � ��رادات ال �ض �م��ان الصحي‬ ‫التعاوني‪ ،‬وموارد أخرى مثل األوقاف والتبرعات‬ ‫وغيرها‪ ،‬وذلك في مادته العاشرة‪ .‬وتتضح أهمية‬

‫الورقة الثانية‬ ‫ت�ح��دث فيها أ‪ .‬د‪ .‬حسين ب��ن محمد الفريحي‪ ،‬وحتى عام‪1428‬هـ‪ ،‬وتطور التعليم الصحي الجامعي‬ ‫أستاذ واستشاري األمراض الباطنة والجهاز الهضمي منذ عام ‪1381‬ه�ـ (‪1961‬م)‪ ،‬وكذلك التعليم الصحي‬ ‫مدير جامعة اليمامة‪ ،‬وموضوعها نظرة على التعليم العالي منذ ع��ام‪1397‬ه�ـ (‪1977‬م)‪ ،‬وتخريج الدفعة‬‫والتدريب الصحي في المملكة العربية السعودية‪ .‬وقد األولى من كلية الطب جامعة الملك سعود حيث أورد‬ ‫تعرض فيها إلى البدايات منذ عام‪1345‬هـ‪1925 /‬م مجموعة من البيانات توضح أعداد العاملين الصحيين‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫كما تحدث عن كليات الطب وط��ب األس�ن��ان في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬وت��اري��خ إنشائها‪ ،‬وعدد‬ ‫الطالب والخريجين منها‪ ..‬كما أورد بيانات توضح‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ممن يحملون درجة البكالوريوس كحد أدنى‪ ..‬وأوضح‬ ‫القوى العاملة الصحية في ع��ام ‪1428‬ه �ـ‪ ،‬من حيث‬ ‫العدد ونسبة السعودة‪ ،‬والتوسع الكبير بإنشاء الكليات‬ ‫الصحية منذ عام ‪1420‬هـ‪.‬‬

‫الخريجين من الكليات الصحية بوزارة التعليم العالي‬ ‫عام ‪1429‬هـ‪ ،‬واألعداد المتوقعة للسكان في المملكة‬ ‫من ‪1425‬هـ حتى عام ‪1452‬هـ‪ ،‬والمقيدين في الكليات‬ ‫الصحية ب��وزارة التعليم العالي ع��ام ‪1429‬ه �ـ‪ ،‬وبيانا‬ ‫يوضح تطور أعداد المعاهد الصحية من عام ‪1426‬هـ‬ ‫إلى عام ‪1429‬هـ‪ ،‬وآخر يمثل أعداد الطلبة والطالبات‬ ‫في المعاهد الصحية من عام ‪1426‬هـ ‪1429 -‬هـ‪.‬‬

‫بيان يوضح تطور أعداد طالب كلية الطب وطب األسنان‬ ‫الطالب‬

‫كلية طب األسنان‬

‫كلية الطب‬ ‫‪1422/1421‬هـ‬

‫‪1430/1429‬هـ‬

‫‪1422/1421‬هـ‬

‫‪1430/1429‬هـ‬

‫مستجدون‬

‫‪1483‬‬

‫‪----‬‬

‫‪284‬‬

‫‪----‬‬

‫مقيدون‬

‫‪5535‬‬

‫‪10491‬‬

‫‪965‬‬

‫‪1768‬‬

‫الخريجون‬

‫‪573‬‬

‫‪1256‬‬

‫‪96‬‬

‫‪193‬‬

‫القوى العاملة الصحية في عام ‪1428‬هـ من حيث العدد ونسبة السعودة‬

‫التوسع الكبير بإنشاء الكليات الصحية منذ عام ‪1420‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪23‬‬


‫الخريجون من الكليات الصحية بوزارة التعليم العالي عام ‪1429‬هـ‬

‫بيان بتطور أعداد المعاهد الصحية من عام ‪1426‬هـ إلى عام ‪1429‬هـ‬

‫األعداد المتوقعة للسكان في المملكة من ‪1425‬هـ حتى عام ‪1452‬هـ‬

‫عدد األطباء المطلوب إضافتهم لتحقيق األهداف المنشودة‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫أدارها الدكتور عبدالله بن صالح المعلم‬ ‫ون�ق��دم فيما ي��أت��ي‪ ،‬م��وج��زاً بأهم مخرجات‬ ‫الحوار‪:‬‬ ‫< د‪ .‬منصور النزهة‪ :‬السؤال موجه لكل من د‪.‬‬ ‫فالح الفالح‪ ،‬ود‪ .‬عثمان‪ ،‬فيما يتعلق بالنظام‬ ‫الصحي‪ ،‬منذ اعتماده من مجلس الوزراء في‬ ‫عام ‪1424‬هـ‪ ،‬ماذا تم من خطوات تنفيذية وآلية ‬ ‫للتنفيذ حتى اآلن؟‬ ‫> د‪ .‬عثمان عبدالعزيز الربيعة‪:‬‬ ‫ ‬

‫ال �م �ب��دأ األول‪ :‬ص ��در ال �ن �ظ��ام ال�ص�ح��ي ع��ام‬ ‫‪1423‬ه� �ـ‪ ،‬وك��ان��ت بدايته ع��ام ‪1412‬ه� �ـ‪ ،‬حيث‬ ‫ك��ان يرتكز على م �ش��روع إستراتيجية (ع��ام‬ ‫‪1406/1405‬ه �ـ)‪ ،‬ثم تطور إلى مشروع نظام‪،‬‬ ‫ونوقش ه��ذا النظام في هيئة شعبة الخبرة‪،‬‬ ‫وك��ان يحمل بعض التغييرات التي بنيت على ‬ ‫تجارب سابقة‪ ،‬من ضمنها إدخال مبدأ التأمين‬ ‫الصحي‪ ،‬ون��وع من الخصخصة‪ ..‬من ضمنها‬ ‫تنظيم ال�ع�لاق��ات بين الجهات الصحية‪ ،‬إال‬ ‫أنه أحيل من هيئة شعبة الخبرة إلى مجلس‬ ‫ال�ش��ورى‪-‬ف��ي دورت��ه األول��ى‪ -‬وك��ان من حسن‬ ‫الحظ أن فيه أطباء لهم خبرة طويلة مثل د‪.‬‬ ‫منصور النزهة والدكتور فالح الفالح‪ ،‬وأصبح‬ ‫ه�ن��اك تطوير للمشروع ال ��ذي ق��دم لمجلس‬ ‫الشورى‪ ،‬وأضيف إليه أشياء أساسية‪.‬‬

‫ ‬

‫وخالصة القول‪ :‬إن النظام الصحي يتضمن‬ ‫مبادئ عامة جديدة (أوالً كما ذكر د‪ .‬فالح)‬ ‫الخروج من فكرة أن الدولة تقدم الخدمات‬ ‫الصحية وتوفرها وتمولها‪ ..‬وحدها وب��دون‬ ‫مقابل‪ ،‬فالنظام فسرها على أس��اس توفير‬ ‫الرعاية الصحية لكل مواطن كما ورد في المادة‬

‫(‪ ،)27‬المقصود أن تضمن وجوده‪ ،‬وتعمل على‬ ‫أن يكون متوافراً‪ ،‬وليس بالضرورة أن تكون‬ ‫هي التي تقدمها‪ ،‬ألن بالفعل نحو ‪ %25-20‬من‬ ‫الخدمات الصحية بالمملكة‪ ..‬تقدم عن طريق‬ ‫القطاع الخاص‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الجلسة الثالثة وكانت نقاش ًا مع الجمهور‬

‫المبدأ الثاني‪ :‬الضمان الصحي‪ ،‬وه��ذا طُ بق‬ ‫بالفعل‪ ،‬وأعتقد أن ما أوضحه الدكتور عبدالله‬ ‫الشريف في ورقته يوضح ذلك‪ ،‬واألمل إن شاء‬ ‫الله أن يكون هناك تطور إلى شمول السعوديين‬ ‫في الضمان الصحي بطريقة أو بأخرى‪ ،‬ليس‬ ‫بالضرورة بالشكل القائم حالياً‪ ،‬نظام شركات‬ ‫التأمين وهي شبه تجارية‪ ،‬ولربما يكون هناك‬ ‫شكل آخر من التأمين يطبق على المواطنين‪.‬‬ ‫أم��ا النقطة المهمة (ف��ي ال �س��ؤال) موضوع‬ ‫التخصيص‪ ،‬فالنظام الصحي بالفعل أش��ار‬ ‫إل��ى ه��ذا ال�م�ب��دأ‪ ،‬وأش ��ار إل��ى إمكانية قيام‬ ‫وزارة الصحة بتحويل بعض مستشفياتها إلى‬ ‫القطاع الخاص‪ ،‬ثم جاءت الالئحة التنفيذية‬ ‫للنظام الصحي‪ ..‬وشرحت بنصها على أن‪:‬‬ ‫النقل للقطاع ال�خ��اص ال يعني نقل الملكية‬ ‫ت�م��ام�اً‪ ،‬وإن�م��ا ق��د يعني التأجير أو البيع أو‬

‫مداخلة د‪ .‬منصور النزهة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪25‬‬


‫للخدمات الصحية‪:‬‬

‫ ‬

‫إيكال اإلدارة والتشغيل إلى القطاع الخاص‪،‬‬ ‫أو إدارة المؤسسات الصحية التي تتبع الدولة‪ ،‬األول‪ :‬أن تتحسن اإلدارة الحكومية ويكون‬ ‫ولكن تدار بطريقة اقتصادية‪ ،‬بطريقة القطاع‬ ‫تركيزها على الرقابة الصحية األولية‪ ،‬وليس‬ ‫الخاص خارج نطاق البيروقراطية الحكومية‪،‬‬ ‫هناك مانع من تخصيص مستشفى أو اثنين‪.‬‬ ‫وهذا ما لم يتم حتى اآلن‪ ،‬ولكن بشكل بسيط‬ ‫جداً من خالل برامج التشغيل الذاتي‪ .‬بعض والثاني‪ :‬هو االتجاه إلى تخصيص (عن طريق‬ ‫إدارة القطاع الحكومي) إدارة للقطاع الحكومي‬ ‫مستشفيات ب��رام��ج التشغيل ال��ذات��ي مثل‪:‬‬ ‫شبيهة ب� ��إدارة ال�ق�ط��اع ال �خ��اص‪ ،‬ول �ك��ن ه��ذا‬ ‫مستشفيات ال�ح��رس ال��وط�ن��ي‪ ،‬والمستشفى‬ ‫المشروع أيضاً لم ينفذ‪ ،‬انتظاراً لما يترتب‬ ‫التخصصي‪ ،‬تدار ذاتياً‪ ،‬ولها ميزانية مستقلة‪،‬‬ ‫عليه مشروع «بلسم»‪.‬‬ ‫وإلدارتها نوع من االستقاللية‪ ،‬وال ترجع في‬ ‫أغلب األم��ور‪ ..‬خاصة من النواحي التشغيلية < الدكتور زياد بن عبدالرحمن السديري‪ :‬أوالً‪،‬‬ ‫أسمحوا لي أن أشير إل��ى أن المشارِ كات في‬ ‫إل��ى الجهة المركزية‪ ،‬وه��ذا يعتبر ن��وع�اً من‬ ‫القسم النسائي ع��دده��ن ث�لاث��ون م��ش��ارك��ة‪..‬‬ ‫التخصص‪ ،‬وإن ك��ان ال ي��زال ج��زء كبير من‬ ‫منهن د‪ .‬حنان‪ ،‬ود‪ .‬عائشة‪ ،‬قدمتا من خارج‬ ‫المستشفيات‪-‬ملكية وتعيين القوى العاملة وما‬ ‫ال��م��ن��ط��ق��ة ل��ح��ض��ور ه���ذا ال��م��ن��ت��دى‪ ،‬ف��ش��ك��ر ًا‬ ‫إلى ذلك‪ -‬تحت يد الدولة‪.‬‬ ‫للضيفتين وللمشاركات من بنات المنطقة‬ ‫أما عن التخصيص؛ بمعنى تحويل المستشفيات‬ ‫لحضورهن هذا المنتدى‪.‬‬ ‫جميعها إل��ى م��ؤس�س��ة أو هيئة ت ��دار ب ��إدارة‬

‫خاصة‪ ،‬فهذا مشروع (يسمى بلسم)‪ ،‬كان قد ‬ ‫ق��دم خ�لال فترة تولي ال��دك�ت��ور حمد المانع‬ ‫وزارة ال�ص�ح��ة‪ ،‬وه��ذا ف��ي ال��واق��ع ل��م ينفذ‪..‬‬ ‫وأعيد النظر فيه‪ ،‬وكان التوجّ ه بأن نبدأ قبل‬ ‫التخصيص في تطوير العالقة بين المنظومة‬ ‫الصحية‪ ،‬بحيث يوجد ف��ي ك��ل منطقة نظام‬ ‫ص�ح��ي م�ت�ك��ام��ل‪ ،‬ي��رب��ط م��ا ب�ي��ن المستشفى‬ ‫ال�م��رج�ع��ي والمستشفى ال �ع��ام والمستشفى > ‬ ‫ال��ري�ف��ي وال �م��رك��ز ال�ص�ح��ي‪ ،‬ف��ي إط ��ار نظام‬ ‫متكامل مدعوم بنظام إحالة–نظام نقل‪-‬نظام‬ ‫معلومات جيد‪ ،‬ثم بعد ذلك ينظر في موضوع‬ ‫التخصيص‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪26‬‬

‫موضوع التخصيص لم يكن ضمن أفكار وزارة‬ ‫الصحة‪ ،‬واللجنة ال��وزاري��ة للتنظيم اإلداري‬ ‫بحثت م��وض��وع تطوير القطاع الصحي على‬ ‫مدى سنوات‪ ،‬وتوصلت إلى أن وضعت بديلين‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫س��ؤال��ي للدكتور ف��ال��ح‪ :‬ك��أن��ي ب��ك ت��ق��ول أنك‬ ‫راض ع��ن ال��ن��ظ��ام ال��ص��ح��ي ال��م��رس��وم إط���اره‬ ‫ٍ‬ ‫ف��ي اإلستراتيجية ال��م��وض��وع��ة‪ ،‬ولكنك غير‬ ‫راض ع��ن تنفيذ اإلس��ت��رات��ي��ج��ي��ة أو النظام‬ ‫ٍ‬ ‫وآل��ي��ة تطويره‪ ،‬ف��إن ك��ان فهمي خاطئ ًا أرج��و‬ ‫التصحيح‪ ،‬وإن كان غير ذلك‪ ،‬فآمل منك أن‬ ‫تبين لنا ما هو اقتراحك؟‬

‫سؤالي لك د‪ .‬زياد كرجل قانون‪ ،‬أال ترى معي‬ ‫أن��ه م��ن ال�م�لاح��ظ ف��ي قوانيننا ال�ت��ي تصدر‬ ‫من مجلس الشورى ثم مجلس ال��وزراء أنه ال‬ ‫يوجد أحد يراقب تنفيذها‪ ..‬وال حتى هل هي‬ ‫راض عن‬ ‫صحيحة أم ال؟! أنا ما قصدت أنني ٍ‬ ‫النظام‪ ،‬أن��ا كل ما ذكرته أن النظام الصحي‬ ‫كمثل على هذه األنظمة‪ ،‬جاء في رؤى واضحة‬ ‫جداً حول قضية معينة (هل هي صح أم ال)؛‬ ‫لكني ال أجد أن عندنا آلية‪ -‬سواء على النظام‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫ال�ص�ح��ي‪ ،‬أو على ن�ظ��ام العمل وال �ع �م��ال‪ ،‬أو‬ ‫على نظام التأمينات –في أن في جهة تذهب‬ ‫الح �ق �اً‪ ..‬وتجد أن��ه ه��ل طبق أو ال‪ ،‬ه��ذه هي‬ ‫القضية التي طرحتها‪.‬‬ ‫< د‪ .‬زياد السديري‪ :‬أو ًال القانونيون لم يقدموا‬ ‫آراءهم بدون مقابل‪ ،‬ولكن يسرني الحديث عن‬ ‫هذا‪ -‬ولي رأي فيه‪ -‬ولكن ربما في مناسبة غير‬ ‫هذه المناسبة‪ ،‬ألنها ستأخذ الوقت عن بقية‬ ‫المشاركين‪ ،‬أن��ا رغبت أن أسمع رأي��ك أن��ت‪..‬‬ ‫ليس من الجانب القانوني الفني‪ ،‬ولكن من‬ ‫جانب ما هو المطلوب؟ ما هو الطرح الذي‬ ‫تقدمه للرقي بالنظام الصحي؟‬

‫مداخلة من د‪ .‬زياد السديري‬

‫> د‪ .‬فالح الفالح‪ :‬أنا في رأيي‪ ..‬إذا كانت الدولة‪،‬‬ ‫وهي أعلى جهة سياسية‪ ،‬قد أقرت رؤية معينة‪،‬‬ ‫إحدى المداخالت في الجلسة الثالثة‬ ‫فهي مسئولة عن تلك الرؤية؛ بمعنى أنه ال يكفي‬ ‫أن يأتي مسئول ما‪ ،‬ثم يتجاهل تلك الرؤى أو > د‪ .‬ع��دن��ان ال �ب��ار‪ :‬أوض ��ح م�ث��ال م��وج��ود اآلن‬ ‫ال ينفذها‪ ..‬أو يتجاهل بعضها‪ ،‬يجب أن تكون‬ ‫في بريطانيا وعدد من ال��دول األوروبية وفي‬ ‫هناك آلية عند الدولة للمتابعة‪ .‬أنا أعرف في‬ ‫أمريكا (‪ ،)Medical Advisor‬وهو الموكل إليه‬ ‫ال مجلس‬ ‫الدول األخرى كيف تتم المتابعة‪ ،‬مث ً‬ ‫مراقبة أداء القطاع الصحي‪ ،‬وأوض��ح تجربة‬ ‫النواب أو غيره‪ ..‬دائماً في هذه الرؤى الناخب‬ ‫معروفة أيام رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت‬ ‫هو الذي يقرر (وتعرفون ما حصل مع أوباما)‪..‬‬ ‫تاتشر‪ ،‬عندما أرادت أن تدخل تغييرات جذرية‬ ‫ربما إذا حضر الجمهوريون وتسلموا الحكم‬ ‫على النظام الصحي مخالفة للرؤية المطروحة‬ ‫يغيرون هذه الرؤى‪ .‬أنا أقصد إذا الدولة أقرت‬ ‫م��ن ال �ق �ط��اع‪ ،‬اع �ت��رض (‪،)Medical Advisor‬‬ ‫رؤية‪ ..‬وأعتبر أن النظام الصحي الذي أ ُقِ َّر فيه‬ ‫وعندما أصرت على التطبيق‪ ..‬قدم استقالته‪،‬‬ ‫رؤى كما ذكر الدكتور عثمان الربيعة‪ ،‬بعضها‬ ‫م��ا جعلها ت�ت��راج��ع ع��ن ال�ت��وج��ه‪ ،‬ه��ذه ليست‬ ‫مهمة جداً (مبادئ عامة) مثل إدخال التأمين‪..‬‬ ‫ال إلى آلية‪ ..‬ألنه من‬ ‫صورة وحيدة‪ ،‬نحتاج فع ً‬ ‫وهل طبق بالطريقة الصحيحة أم ال‪ ،‬هذا ال‬ ‫المالحظ دائماً أنه إذا كان الوزير من القطاع‬ ‫يكفي أن نجعل مجلس الضمان الصحي أو‬ ‫الطبي‪ ،‬هناك مؤثرات كثيرة قد تصرف عن‬ ‫وزارة الصحة هي التي تقول لنا ذلك‪ .‬مجلس‬ ‫المسار‪ ،‬والمتأمل في تجارب التطبيق للرؤى‬ ‫ال �ش��ورى ف��ي ال��وق��ت الحالي ليس ل��دي��ه آلية‬ ‫اإلستراتيجية التي صدرت‪ ..‬يجد أن كل وزير‬ ‫ليقوم بهذا العمل‪ ..‬ألنه ليس تشريعياً‪ ،‬وأنا‬ ‫يأتي ويأخذ الجزئية‪ ..‬إم��ا هي أكبر جزئية‬ ‫عنده حاول أن يعمل فيها شيء‪ ،‬لكن التطبيق‬ ‫أعتقد أن��ه هناك ف��راغ�اً‪ ،‬وأتمنى إيجاد جهة‬ ‫الشامل للرؤية لم يوجد على أرض الواقع‪.‬‬ ‫معينة تراقب ما يصدر من أنظمة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪27‬‬


‫الجلسة الرابعة‬ ‫أدارها الدكتور‪ /‬حسين بن محمد الفريحي‪،‬‬ ‫وموضوعها إستراتيجية الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية‬

‫الورقة األولى‬ ‫وكانت لألستاذ الدكتور عدنان أحمد حسن البار‪ ،‬الذي قال إن هناك توجها من الهيئة السعودية‬ ‫للتخصصات الصحية‪ ،‬بتبنى فكرة إنشاء جمعية علمية‪ ..‬لتكون هنالك مؤسسات في المجتمع‬ ‫المدني والخيري تهتم بنصرة المرضى ومن لهم شكاوى أو قضايا في القطاع الطبي‪ ،‬وأخير ًا تكون‬ ‫لدينا مؤسسات لديها قدرات قضائية وحقوقية قوية في هذا االتجاه‪.‬‬ ‫نحن نعتز بنظامنا القضائي‪ ،‬لكن هنالك‬ ‫حاجة كبيرة إل��ى إي�ج��اد تطوير كبير ج��داً في‬ ‫أنظمة وقوانين المرافعة والمقاضاة الطبية‪ ،‬وقد‬ ‫سمعت من كثير من القضاة أن من أصعب القضاء‬ ‫هو القضاء الطبي‪ ..‬بحكم تعقيداته ومداخالته‪.‬‬

‫أهميتها‪ ..‬لكنها ضمن مجاالت االهتمام بها‪.‬‬ ‫وأن نوجد آلية وإمكانية‪ ..‬بحيث كل من يحتاج‬ ‫إلى خدمة إسعافية طارئة أن يحصل على هذه‬ ‫الخدمة دون عناء‪ ،‬ودون اإلطالة في الوقت‪ ،‬لكي‬ ‫ال نفقد الكثير من فرص النجاحات السريرية‬ ‫في المعالجة لمثل هذه الحاالت‪.‬‬

‫في مجال الخدمات اإلسعافية‪ ،‬نحن نحتاج‬ ‫لذلك‪ ،‬ف��إن إيجاد نظام نقل طبي‪ ،‬أو نظام‬ ‫إل��ى أن نفرق ما بين أم��ري��ن‪ :‬هنالك الخدمات‬ ‫اإلس��ع��اف��ي��ة ال� �ت ��ي ح ��دده ��ا ال��ن��ظ��ام ال�ص�ح��ي إسعاف طبي فعّال في أقسام ووحدات الطوارئ‬ ‫كمسئولية لجمعية ال�ه�لال األح�م��ر السعودي‪ ،‬عندنا‪ ،‬يحتاج ف��ي الحقيقة إل��ى آل�ي��ة واضحة‬ ‫وه��ذه ليست ه��ي المقصودة ف��ي حديثنا على ومحددة وفعالة‪ ،‬وتدعم بما يلزم لتحقيقها‪.‬‬

‫الورقة الثانية‬ ‫قدمها األستاذ الدكتور خالد بن سعيد ‪-‬أستاذ اإلدارة الصحية بجامعة الملك سعود‪ -‬رئيس‬ ‫الجمعية السعودية لإلدارة الصحية‪ .‬تحدث فيها بإيجاز عن مصادر التمويل‪ ،‬ألن من أحد السياسات‬ ‫العامة اإلستراتيجية للخدمات الصحية هي‪ :‬إيجاد مصادر للتمويل لقطاع الخدمات الصحية‪،‬‬ ‫ومن أجل أن نطبق هذه اإلستراتيجية‪ ..‬ال بد من وجود آليات وسياسات تدعم تطبيق فكرة التمويل‪،‬‬ ‫ألن االتجاه العام عالمي ليس دولة وحدها‪ ..‬هي التي تقوم بتقديم الخدمات مجانياً‪ ،‬وإنما البد أن‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫يكون هناك مشاركة من القطاع الخاص واألفراد على ٍ‬ ‫ال���س���ي���اس���ة األول��������ى‪ :‬م����ن آل����ي����ات ت��ط��ب��ي��ق الالئحة التنفيذية لذلك النظام عام ‪1423‬هـ‪ ،‬وبدأ‬ ‫اإلستراتيجية‪ :‬تطبيق نظام الضمان الصحي تدريجياً في التطبيق‪ ،‬وهو اآلن ما يزال في عملية‬ ‫التعاوني ال��ذي ب��دأ ف��ي ع��ام ‪1420‬ه� �ـ‪ ،‬وص��درت التقويم المستمر‪ ،‬لكي نصل إلى تحديد السلبيات‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫واإليجابيات (‪ )Pros and cons‬في التطبيق‪ ..‬حتى‬ ‫نصل إل��ى درج��ة الكمال في تطبيقه على أف��راد‬ ‫المجتمع (السعوديين والمقيمين)‪.‬‬ ‫الضمان الصحي التعاوني أنا متفائ ٌل أن يكون‬ ‫أداة من أدوات الجودة ومراجعتها على مقدمي‬ ‫الخدمة (‪ ،)Service Providers‬ألن شركات التأمين‬ ‫ال ترضى بالفحوصات المخبرية غير الضرورية‪،‬‬ ‫وال بعملية التنويم في المستشفيات أكثر من اللزوم‪،‬‬ ‫وه��ذه سوف تكون مراقبة على مقدمي الخدمة‪،‬‬ ‫وتطبيقها سوف يسهم في تقوية الجودة والجودة‬ ‫النوعية في المنشآت الصحية‪ ،‬كنت متشائما‪ً ..‬‬ ‫ألن البنية التحتية في ذلك الوقت ليست مهيأة‬ ‫حسب ما بينه الدكتور عدنان عن النظام المالي‬ ‫في وزارة المالية‪ ،‬وتهيئة المرافق الصحية‪ ،‬وعدم‬ ‫وجودها في المناطق النائية‪.‬‬

‫د‪ .‬خالد سعيد يلقي ورقته‬

‫من جامعة الملك سعود في استخدام األوق��اف‪،‬‬ ‫فعندنا أكثر من عشرة أبراج‪ ،‬واحد منها برج فندق‬ ‫خمس نجوم‪ ،‬وجامعة الملك سعود هي الوحيدة‬ ‫في العالم التي يوجد لديها فندق خمس نجوم‪،‬‬ ‫وهذه ليست من الموارد الذاتية‪ ،‬ولكن من األوقاف‬ ‫وتشجيع الهبات والتبرعات‪ ،‬ويمكن أن يستفاد‬ ‫منها في المرافق الصحية‪ ،‬حتى نسعى إلى تفعيل‬ ‫تطبيق السياسة الثالثة من ناحية التمويل ومصادر‬ ‫ال��س��ي��اس��ة ال��ث��ان��ي��ة‪ :‬ط��رح��ت زي ��ادة ال �م��وارد التمويل‪.‬‬ ‫المالية للمرافق الحكومية ع��ن طريق مشاركة‬ ‫السياسة الرابعة‪ :‬ترشيد اإلنفاق الحكومي‬ ‫ال �ق �ط��اع ال� �خ ��اص‪ ،‬وإع� �ط ��اء ال �ف��رص��ة للجهات‬ ‫واالستخدام األمثل‬ ‫الحكومية في أن تؤجر إذا كان لديها أجهزة طبية‬ ‫ف��ي ب��داي��ة ال�ت�ن�ف�ي��ذ‪ ..‬ل��م ت�ك��ن البنية التحية‬ ‫متطورة على القطاع ال�خ��اص‪ ،‬لكي يكون هناك‬ ‫مصادر تمويل للمرافق الحكومية كالمستشفيات جاهزة‪ ،‬المراكز الصحية األولية كانت عبارة عن‬ ‫والمراكز الصحية‪ ،‬وه��ذا بحد ذات��ه ينسجم مع فلل صغيرة غير مهيأة لتكون مراكز صحية أولية‪،‬‬ ‫الخطة التنموية في المملكة منذ بداية الخطة (وأقول بكل صراحة كمتخصص)‪ :‬إذا أردنا ترشيد‬ ‫التنموية الخامسة ال�ت��ي ت�ه��دف إل��ى تشجيع أو اإلنفاق الحكومي‪ ،‬يجب علينا تفعيل فكرة مراكز‬ ‫تفعيل دور القطاع الخاص‪ ،‬وأن ندير أعمالنا ليس الرعاية الصحية األولية‪ ،‬ألن هناك ضغوطاً على‬ ‫بعقلية القطاع العام‪ ..‬ولكن بعقلية قطاع األعمال األس� �رّة‪ ..‬وعلى الخدمات والمستشفيات‪ ،‬وهي‬ ‫(البزنس)‪ ،‬على أن ال تؤثر تلك األسعار في سوق ناتجة م��ن ضعف ‪ ،Primary care center‬لنبدأ‬ ‫والحمد لله اآلن موارد الدولة والميزانية مستواها‬‫الخدمات الصحية‪.‬‬ ‫جيد‪ -‬نستفيد من الوقت الحاضر‪ ،‬ألن تفعيل دور‬ ‫ال��س��ي��اس��ة ال��ث��ال��ث��ة‪ :‬تشجيع ف��ك��رة الهبات مركز ال��رع��اي��ة األول �ي��ة‪ ..‬أح��د ال��وس��ائ��ل لترشيد‬ ‫واألوقاف في القطاع الخاص‪:‬‬ ‫اإلن�ف��اق الحكومي منها نظام اإلح��ال��ة (‪Referral‬‬ ‫أتمنى (بحكم أنني من جامعة الملك سعود) ‪ ،)System‬فعندما نفعل مركز الرعاية األول�ي��ة‪،‬‬ ‫من وزارة الصحة وغيرها‪ ،‬أن يأخذوا خبرة جيدة سوف يكون عندنا الحاالت (أوتوماتيكيا)‪ ،‬نظام‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪29‬‬


‫اإلحالة‪ ..‬بطريقة أن نحيل الحاالت التي تحتاج‬ ‫إلى استخدام خدمات المستشفيات بمستوياتها‬ ‫المختلفة‪ ،‬البد من التركيز على الوسائل الوقائية‬ ‫ال ��دوري ��ة وت�ف�ع�ي�ل�ه��ا‪ ،‬ل �ن��رش��د اإلن � �ف� ��اق‪ ..‬ون��زي��د‬ ‫االستخدام األمثل للموارد‪ ،‬وم��ن ناحية الموارد‬ ‫البشرية‪ ..‬يجب أن نعطيها الفرصة من فترة إلى‬ ‫أخ��رى‪ ،‬وه��ذا بحد ذات��ه يعد صيانة دوري��ة للبشر‬ ‫والعاملين لثقل معلوماتهم‪ .‬وصيانة دورية لألجهزة‬ ‫الطبية‪ ..‬ألن الصيانة الوقائية تدفع فيها المبالغ‬ ‫البسيطة (‪ )In the near term‬وتقلل من التكاليف‬ ‫الباهظة في إس��اءة (‪)Up Using Or Miss Using‬‬ ‫لهذه األجهزة‪،‬‬

‫المواطنين لديه خمس ملفات (حالة اجتماعية‬ ‫معينة) في مستشفيات مختلفة‪ ،‬والبعض اآلخر ال‬ ‫ملف واحدٌ‪ ،‬إذا استخدمت ألـ(‪Smart‬‬ ‫يوجد لديه ٌّ‬ ‫‪ ،)Card‬يمكن للطبيب معرفة أن للمريض ملفاً في‬ ‫مكان آخر‪ ،‬وبدالً من إجراء الفحوصات المخبرية‬ ‫يتمكن من تقليلها‪ ،‬ما يساعد على ترشيد اإلنفاق‬ ‫الحكومي في القطاع الصحي‪.‬‬

‫أخيراً‪ ،‬إذا أردنا الوصول للسياسة الخامسة في‬ ‫عملية التمويل‪ ..‬لنحقق إستراتيجية الميزانيةالعامة‬ ‫للدولة والمخصص للقطاع ال�خ��اص‪ ،‬يجب على‬ ‫ال ��دول ��ة ع���دم ال �م �س��اس ب�م�خ�ص�ص��ات ال �ق �ط��اع‬ ‫الصحي‪ ،‬وهذه المخصصات تصرف لبناء مراكز‬ ‫نحن لم نستفد من (الـ ‪ )IT‬وجودة التقنية‪ ،‬فبعض صحية أولية‪ ،‬ومساعدة شركات التأمين‪.‬‬

‫الورقة الثالثة‬ ‫وكانت قراءة في إستراتيجية نظم المعلومات الصحية وإستراتيجية ضمان جودة أداء الخدمات‬ ‫الصحية للدكتور طالل بن عايد األحمدي‪ -‬أستاذ مشارك في معهد اإلدارة العامة بالرياض‪ ..‬وقد‬ ‫تضمنت‪:‬‬ ‫ •عرضا مختصراً لألساسين الثاني والحادي‬ ‫عشر‪.‬‬

‫تواجه بناء وتطوير وتطبيق تقنية المعلومات‬ ‫في القطاعات الصحية‪.‬‬

‫ •أهمية ك��ل منهما ف��ي التصدي لبعض أوج��ه •إنشاء مراكز معلومات لكل قطاع صحي‪.‬‬ ‫القصور في القطاع الصحي‪.‬‬ ‫ •إي�ج��اد م��زود رئيس للتطبيقات والبرمجيات‬

‫ •رؤية حيال إمكانية التطبيق وسبل تفعيلها‪.‬‬ ‫إستراتيجية نظم المعلومات‪:‬‬

‫ •التدريب وبناء الكوادر المتخصصة في مجال‬ ‫المعلوماتية‪.‬‬ ‫ •م�ت��اب�ع��ة ت �ط��ور ح �ق��ل ت�ق�ن�ي��ة ال �م �ع �ل��وم��ات في‬ ‫المملكة‪.‬‬ ‫ •معرفة االتجاهات الحديثة‪.‬‬ ‫ •ت��زوي��د ال �م �ت��درب ب��ال �م �ه��ارات األس��اس �ي��ة في‬ ‫التشخيص وحل المشكالت والمعوقات التي‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫بغرض‪:‬‬

‫‪1.1‬توحيد أنظمة المعلومات الطبية واإلدارية‪.‬‬ ‫‪2.2‬تجنب شراء العديد من األنظمة من شركات‬ ‫مختلفة للمنشآت الصحية التي تتبع قطاع‬ ‫واحد‪.‬‬ ‫‪3.3‬إن�ش��اء مركز وطني للمعلومات الصحية‪.‬‬ ‫يهدف إلى التنسيق بين الجهات الصحية‬ ‫المختلفة‪ ،‬بغرض الترابط المعلوماتي بينها‬ ‫ليقوم باألنشطة التالية‪:‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫‪1 .1‬وضع مواصفات السجل الطبي اإللكتروني‪.‬‬ ‫‪2 .2‬الترميز الدولي لألمراض ‪.ICD‬‬ ‫‪3 .3‬وضع مواصفات نظام الترابط بين السجالت‬ ‫الطبية اإللكترونية‪.‬‬ ‫‪4 .4‬ال�م��واص�ف��ات ال�لازم��ة لتخزين المعلومات‬ ‫الطبية‪.‬‬ ‫‪5 .5‬إنشاء شبكة الطب االتصالي‪.‬‬ ‫‪6 .6‬وضع مواصفات نظام الفوترة‪.‬‬

‫جانب مـن الحضور‬

‫تحسين ال�خ��دم��ات الصحية م��ن النواحي‬ ‫اإلدارية والتنظيمية وغيرها‪.‬‬

‫‪7 .7‬إن�ش��اء وح��دة الحسابات الصحية معتمدة‬ ‫أه�������م ال����م����ش����ك��ل�ات ال�����ت�����ي ت����ت����ص����دى ل��ه��ا‬ ‫على التكاليف‪.‬‬ ‫‪8 .8‬وضع مواصفات الحكومية اإللكترونية في إستراتيجية المعلومات الصحية‪:‬‬ ‫ •عدم توافر نظام متوافق ومتكامل للمعلومات‪،‬‬ ‫المرافق الصحية‪.‬‬ ‫يربط بين أجهزة القطاع الصحي المختلفة‬ ‫‪9 .9‬تبادل الخبرة والمعرفة والتنسيق في مجال‬ ‫ووحداتها المنتشرة‪ ،‬وما ترتب على ذلك من‬ ‫تنمية المعلومات‪.‬‬ ‫ع��دم تدفق المعلومات بين مختلف الهياكل‬ ‫‪1010‬إن� � �ش � ��اء س�� �ج�ل��ات وط� �ن� �ي���ة ل�ل��أم� ��راض‬ ‫اإلداري� ��ة وال�ف�ن�ي��ة بتلك األج��ه��زة‪ ،‬ووح��دات�ه��ا‬ ‫واإلعاقات‪.‬‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫‪1111‬إنشاء سجالت وطنية ل�لأم��راض الشائعة‬ ‫ •اعتماد جميع مزودي الخدمات الصحية على‬ ‫والمزمنة واألمراض الوبائية‪.‬‬ ‫الملف الطبي الورقي‪.‬‬ ‫‪1212‬إنشاء سجالت وطنية للحوادث واإلعاقة •نقص األنظمة اإلدارية التي تكفل إيجاد نظام‬ ‫وربطها باإلنترنت‪.‬‬ ‫ملف صحي موحد‪ ،‬بصرف النظر عن الجهة‬ ‫‪1313‬إنشاء مركز وطني للبحوث الصحية‪.‬‬

‫المزودة للخدمة الطبية‪.‬‬

‫‪1414‬إيجاد كوادر من الباحثين في مجال الصحة •عدم توفر قواعد معلومات شاملة ودقيقة عن‬ ‫ال �ع��ام��ة وال �ص �ح��ة ال�س�ك��ان�ي��ة وال ��دراس ��ات‬ ‫الحالة الصحية للسكان‪.‬‬ ‫الوبائية‪.‬‬ ‫أه����م ال���ت���ح���دي���ات ال���ت���ي ت��ع��ت��رض تطبيق‬ ‫‪1515‬اإلس� �ه ��ام ف��ي إج � ��راء ال �ب �ح��وث وال �م �س��وح إستراتيجية نظم المعلومات الصحية‪:‬‬ ‫الميدانية الصحية‪.‬‬ ‫ •ع��دم وج ��ود ن �ظ��ام م��وح��د للملف ال�ط�ب��ي في‬ ‫مختلف المرافق الصحية‪.‬‬ ‫‪1616‬تحديد المشكالت الصحية‪ ،‬ووضع مرتسم‬ ‫ص �ح��ي (‪ )Health profile‬ل�ل�م�ن��اط��ق في •غ �ي��اب ال �ن �ظ��ام اإلداري ال�ت�ق�ن��ي ال ��ذي يمكن‬ ‫المملكة‪ ،‬على ضوء نتائج البحوث وبيانات‬ ‫استخدامه إلنشاء الملف الصحي اإللكتروني‪.‬‬ ‫السجالت الطبية‪.‬‬ ‫ •اختالف أنظمة الترميز الطبي‪ ،‬وعدم تطبيقها‬

‫‪1717‬اإلسهام في إجراء البحوث التي تهدف إلى‬

‫في العديد من الجهات والمراكز الصحية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪31‬‬


‫الشاملة‪.‬‬

‫ •اختالف أنظمة المعلومات الصحية المطبقة‬ ‫في عدد من الجهات‪ ،‬ما يؤدي إلى عدم وجود •تنمية ثقافة الجودة في النظام الصحي ومرافقه‪.‬‬ ‫تكامل معلوماتي بينها‪.‬‬ ‫ •وضع قواعد تعيين وترقيات الكوادر الصحية في‬ ‫ •النقص الحاد في الكفاءات القادرة على التعامل‬ ‫سلم الوظائف الصحية‪.‬‬ ‫مع الملف الصحي اإللكتروني بشكل محترف إجراء تقويم دوري لمستوى كفاءة المنشآت‬ ‫وفعال‪.‬‬ ‫والعاملين فيها‬

‫ •سوء استغالل الميزانيات المخصصة لمشاريع •قيام مجلس الخدمات الصحية بتفعيل دور الهيئة‬ ‫الصحة اإللكترونية‪.‬‬ ‫الوطنية العتماد المنشآت الصحية‪ ،‬لتطبيق نظام‬ ‫ •تفتقر الكثير من مستشفيات المملكة إلى البنية‬ ‫م��وح��د ل �ل �ج��ودة‪ ،‬واالع��ت��راف والتقييم للمنشآت‬ ‫التحتية لتقنية المعلومات‪ ،‬فال يوجد فيها شبكة‬ ‫الصحية‪.‬‬ ‫حاسب آلي محلية في المستشفيات‪.‬‬ ‫ •إج� ��راء ت�ق��وي��م دوري ل�م�س�ت��وى ك �ف��اءة المنشآت‬ ‫الصحية‪ ..‬وفق مقياس وطني لالعتماد‪.‬‬

‫ •ال توجد أنظمة صحية تساعد اإلدارات الطبية‬ ‫المختلفة‪ ..‬كالمختبر والصيدلية واألشعة واإلسعاف •ت�ق��وي��م م�س�ت��وى ك�ف��اي��ة ال�م�م��ارس�ي��ن ف��ي ال�م��راك��ز‬ ‫وغيرها‪ ،‬ألداء أعمالهم بشكل منظم وآلي‪.‬‬ ‫ومؤسسات الرعاية الصحية من القوى الوطنية‬ ‫بصفة دورية‪.‬‬ ‫ •ي �ف �ت �ق��ر ال �ع��دي��د م ��ن ال �ق �ط��اع��ات ال �ص �ح �ي��ة في‬ ‫المملكة للتخطيط اإلستراتيجي للمعلوماتية‪ ،‬في •تقويم مستوى كفاءة الممارسين من القوى الوافدة‬ ‫إط��ار متكامل م��ع بقية عناصر منظومة الرعاية‬ ‫قبل تواجدهم في المملكة‪.‬‬ ‫الصحية‪.‬‬ ‫ •المراجعة الدورية لمتطلبات التسجيل المهني من‬

‫ضمان جودة وكفاءة أداء الخدمات الصحية‬ ‫وتقويمها دوري ًا‬ ‫ •المراجعة الدورية لمتطلبات التسجيل المهني‪.‬‬ ‫ •ت�ب� ّن��ي م�ف�ه��وم تحسين األداء وت�ج��وي��د ال�خ��دم��ات •اإلفادة من الجمعيات العلمية لوضع ضوابط األدلة‬ ‫كأسلوب عمل في كافة المرافق الصحية‪.‬‬ ‫العالجية وأسس االعتماد وبرامجها‪.‬‬ ‫ •وض��ع معايير لتحسين ال�ج��ودة وم��ؤش��رات لقياس أه�������م ال����م����ش����ك��ل�ات ال�����ت�����ي ت����ت����ص����دى ل��ه��ا‬ ‫األداء‪.‬‬ ‫إستراتيجية الجودة وتقويم األداء‪:‬‬ ‫قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية‪.‬‬

‫ •اعتماد مرافق وزارة الصحة والقطاعات الصحية •اخ �ت�لاف��ات ال�م�م��ارس��ة ال�ط�ب�ي��ة وت�ق�ل�ي��ل األخ �ط��اء‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫الطبية‪.‬‬

‫ •إيجاد مركز وطني ألنماط التطبيب‪ ،‬يتولى إعداد •ط��ول م��دة االن�ت�ظ��ار بين المواعيد ف��ي العيادات‬ ‫البروتوكوالت الطبية‪ ،‬والممارسة الطبية المبنية‬ ‫ومواعيد العمليات‪.‬‬ ‫على البراهين‪.‬‬ ‫ •تدنّي رضا المستفيدين من الخدمات الصحية‪.‬‬

‫ •تشكيل اللجان المتخصصة لمتابعة االلتزام بتطبيق •تفاوت مستوى توفير الخدمات الصحية لجميع‬ ‫ضوابط الجودة‪.‬‬ ‫فئات المجتمع بشكل متوازن‪ ،‬كاألطفال والنساء‬ ‫ •تقوية البنية األساسية الالزمة لتطبيق إدارة الجودة‬ ‫وكبار السن وأصحاب اإلع��اق��ات وذوي األم��راض‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫لقطة خاصة بضيوف المنتدى‬

‫المزمنة والشباب وغيرهم‪.‬‬

‫لتيسير رصد األخطاء في ظل مناخ من الثقة الالزمة‪،‬‬ ‫لدعم برامج الجودة والسالمة بالمستشفيات‪.‬‬

‫والمكان المناسب للمريض‪.‬‬

‫ •قصور آليات التعلم التنظيمي وإدارة المعرفة لنشر‬ ‫الدروس المستفادة من األخطاء‪.‬‬

‫ •ت�ف��اوت االل �ت��زام بالمعايير واألخ�لاق �ي��ات الطبية‬ ‫ •ق�ص��ور آل �ي��ات ق�ي��اس وم�ت��اب�ع��ة م��ؤش��رات ال�ج��ودة‬ ‫واإلدارية‪.‬‬ ‫وال �س�لام��ة‪ ،‬وت��وف�ي��ر ال�ت�غ��ذي��ة ال �م��رت��دة ل�ل��وح��دات‬ ‫ •ع��دم وج��ود معايير ونظم واض�ح��ة تحكم النظام‬ ‫ال�ت�ن�ظ�ي�م�ي��ة ال�م�خ�ت�ل�ف��ة وال �ع��ام �ل �ي��ن ح �ي��ال ه��ذه‬ ‫الصحي‪.‬‬ ‫المؤشرات‪.‬‬ ‫ •ع��دم ت��وف��ر الخدمة الصحية الفعالة ف��ي الوقت‬ ‫ •عدم توافر إحصاءات حول األخطاء الطبية‪.‬‬

‫ •ع��دم وج��ود مركز موحد للبالغات ع��ن األخطاء •عدم التركيز على سالمة المرضى كمفهوم أصبح‬ ‫هو محور اهتمام جميع المنظمات العالمية المعنية‬ ‫ال�ط�ب�ي��ة‪ ،‬أو منظمة معنية ب �ه��ذا ال �ش��أن‪ .‬أغلب‬ ‫بجودة الرعاية الصحية‪.‬‬ ‫ال�ح��االت المعلن عنها ف��ي المملكة‪ ..‬إم��ا ح��االت‬ ‫مقدمة للقضاء من قبل المتضرر‪ ..‬أو احد ذويه‪• ،‬تفاوت نضج تطبيق الجودة بين مختلف المرافق‬ ‫الصحية‪.‬‬ ‫للنظر فيها بإحدى اللجان الطبية الشرعية التي‬ ‫تم تعينها للبت بهذه القضايا في عدد من أرجاء •نقص البرامج األكاديمية المتخصصة في مجال‬ ‫جودة الرعاية الصحية‪.‬‬ ‫المملكة‪ ،‬أو قصص نشرت ف��ي م�ص��ادر اإلع�لام‬ ‫المحلية‪.‬‬ ‫ •ق �ص��ور أن�ظ�م��ة ال�م�ع�ل��وم��ات ب�م��ا ال ي��دع��م جهود‬ ‫أه����م ال���ت���ح���دي���ات ال���ت���ي ت��ع��ت��رض تطبيق‬ ‫إستراتيجية الجودة وتقويم األداء‬ ‫ •معدل الدوران الوظيفي‪ ،‬وتسرب الكوادر البشرية‪..‬‬ ‫بما ال يضمن استمرارية برامج التحسين‪.‬‬ ‫ •توفير نظم التبليغ اإللكتروني الذاتي عن األخطاء‪،‬‬ ‫الجودة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪33‬‬


‫«اإلبيجرام» النثري عند طه حسني‪..‬‬ ‫رؤى ومواقف‬ ‫ً‬

‫> أ‪ .‬د‪ .‬حافظ املغربي*‬

‫يمكن أن نقرر مطمئنين أن َّالدكتور طه حسين هو أول من قدَّ م للقرَّ اء العرب تعريف ًا‬ ‫واعي ًا بماهية فن اإلبيجرام‪ ،‬على مستوى الرؤية واألداة‪ ،‬من خالل مقدمة كتابه الرائد‬ ‫الشوك)‪ .‬وقد كان تقديمه واعي ًا بمقروئيةٍ مستبطنةٍ لهويَّة فن‬ ‫في هذا الفن (جنَّة َّ‬ ‫اإلبيجرام في مظانِّه التراثيَّة في األدب اليوناني‪ ،‬السكندري تحديداً؛ حيث سيطر‬ ‫وس��اد‪ ،‬كما أشار إلى ظهور هذا الفن ظهور ًا ضئي ًال في األدب الالتيني عامةً ‪ ،‬واألدب‬ ‫السكندري خاصةً ‪.‬‬ ‫اسمه األوروب ��ي ال��ذي سماه به «اليونانيون‬ ‫والالتينيون (إبيجراما) أي نقشاً‪ ...‬فقد كان‬ ‫القدماء ينقشون على قبور الموتى وفي معابد‬ ‫اآللهة‪ ،‬وعلى التماثيل واآلنية‪ ،‬واألداة بيتاً أو‬ ‫أبياتاً من الشعر‪ ،‬ي��ؤدون غرضاً قريباً أول‬ ‫األمر‪ ،‬ثم أخذ هذا الفن يعظم ويتعقَّد أمره‪،‬‬ ‫حتى نأى عن األحجار‪ ،‬واستطاع أن يعيش‬ ‫في الذاكرة‪ ،‬وعلى أطراف األلسنة»‪.‬‬

‫وألنَّ أدبنا العربي قد تأخرت فيه نشأة‬ ‫ه��ذا ال�ف��ن بمفهومه عند اليونانيين‪ ،‬رغم‬ ‫ظ �ه��وره ال ��ذي ل��م ي��طُ ��ل ف��ي ال �ع��راق حاضرة‬ ‫األدب العباسي؛ فإنَّ إسهام طه حسين األدبي‬ ‫كان ساعياً أن يربط بين الحضارة اليونانية‬ ‫والالتينية القديمة من جهة‪ ،‬والعربية قديماً‬ ‫وحديثاً من جهة أخ��رى‪ ،‬من خالل استقراء‬ ‫تاريخي عن هُويَّة هذا الفن تنظيراً وإبداعاً‪،‬‬ ‫منذ أن ُع��رِ ف فناً مقصوراً على الشعر دون‬ ‫وعن بدء شكالنية هذا الفن واألغ��راض‬ ‫النثر في أول أمره‪ ،‬حتى كان طه حسين أول التي استوعبته؛ يضيف ط��ه حسين قائالً‪:‬‬ ‫من كتبه نثراً في العصر الحديث‪ ،‬في كتابه «وق ��د أط �ل��ق ال�ي��ون��ان�ي��ون وال�لات�ي�ن�ي��ون كلمة‬ ‫«جنة الشوك»‪.‬‬ ‫(إب �ي �ج��رام��ا) أول األم� ��ر ع �ل��ى ه ��ذا الشعر‬ ‫يشير ط��ه حسين إل��ى أول ��ى إشكاليات القصير ال��ذي كان يُنقَش على األحجار‪ ،‬ثم‬ ‫مصطلح «إب �ي �ج��رام��ا» ف��ي األدب ال�ع��رب��ي؛ على كل شعر قصير‪ ،‬ثم على الشعر القصير‬ ‫وه��ي أن م��اض��ي ال�ش�ع��ر ال�ع��رب��ي ل��م يعرف الذي كان يصوِّر عاطفة من عواطف الحب‪ ،‬أو‬ ‫ل��ه اس �م �اً متفقاً عليه‪ ،‬وإن �م��ا ه��و ي�ع��رف له نزعة من نزعات المدح‪ ،‬أو نزغة من نزغات‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫الهجاء‪ .‬ثم غلب الهجاء على هذا الفن‪ ،‬وال سيَّما‬ ‫عند اإلسكندريين وش�ع��راء روم��ا‪ ،‬وإن ل��م يخلص‬ ‫من الغزل والمدح‪ .‬فلمَّا كان العصر الحديث‪ ..‬لم‬ ‫يكد الشعراء األوربيون يطلقون هذا االسم إال على‬ ‫الشعر القصير الذي يُقصد به إلى النقد والهجاء»‪.‬‬ ‫ووف��ق تقسيم يتوافق م��ع ف��ن اإلب�ي�ج��رام‪ ،‬لفظاً‬ ‫ومعنىً ‪ ،‬أو أدا ًة ورؤي �ةً؛ يعدد طه حسين خصائص‬ ‫ذل��ك الفن وميزاته‪ ،‬وف��ق خمس خصائص‪ :‬اثنتان‬ ‫منها للفظ‪ /‬الشكل‪ ،‬واثنتان للمعنى‪/‬الرؤية‪ ،‬وواحدة‬ ‫تتعلق بكليهما (اللفظ والمعنى)‪.‬‬ ‫فعن ميزتَيْ الشكل يقول طه حسين‪« :‬وأول ما‬ ‫يمتاز به هذا الفن أنه شع ٌر قصير‪ ،‬فإذا طال فهو‬ ‫قصيدة في الغزل‪ ،‬أو في المدح‪ ،‬أو في الهجاء‪.‬‬ ‫فالقِ صر إذاً خصلة مقوِّمة لهذا الفن‪ ،‬ثم يمتاز بعد‬ ‫ه��ذا القصر بالتأنُّق الشديد في اختيار ألفاظه؛‬ ‫حيث ترتفع ع��ن األل �ف��اظ المبتذلة‪ ،‬دون أن تبلغ‬ ‫رصانة اللفظ الذي يقصد إليه الشعراء الفحول في‬ ‫القصائد الكبرى‪ ،‬وإنما هو شيء بين ذلك‪ ،‬ال يُبْتَذل‬ ‫حتى يفهمه الناس جميعاً‪ ،‬فتزهد فيه الخاصة‪،‬‬ ‫وال يرتفع حتى ال يفهمه إال المتفوقون الممتازون‪،‬‬ ‫والذين يألفون لغة الفحول من الشعراء»‪.‬‬

‫من الحياة ال إلى أفراد بأعينهم من الناس»‪.‬‬ ‫ويدعم طه حسين موقفه من الهجاء ال�لاذع‪-‬‬ ‫بخاصة‪ -‬حين يقول‪« :‬فأنا صاد ٌق حين أقول‪ :‬إنك لن‬ ‫ٍ‬ ‫ممضاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تجد في هذا الكتاب هجا ًء الذعاً‪ ،‬وال نقداً‬ ‫وأنا صادقً حين أقول‪ :‬إنك لن تجد في هذا الكتاب‬ ‫إال مرايا يمكن أن ترى الناس فيها أنفسهم‪.»...‬‬ ‫ووفق ملمح تجديدي مفارق لمفهوم اإلبيجراما‬ ‫قديماً‪ ،‬مستشرفاً جديد الرؤى في األدب الحديث؛‬ ‫يقول‪« :‬وواض��ح أني لم أذه��ب مذهب القدماء في‬ ‫االن��دف��اع م��ع ال�ح��ر َّي��ة ال�ج��ام�ح��ة؛ ف ��األدب العربي‬ ‫الحديث أكرم عليَّ وآثر عندي‪ ،‬وأنت وأنا أكرم على‬ ‫نفسي من أن أذهب هذا المذهب الذي قد مضى‬ ‫مع أصحابه القدماء»‪ .‬فهل كان طه حسين في فهمه‬ ‫ال‬ ‫للنقد السياسي واالجتماعي بوصفه مرايا‪ -‬بدي ً‬ ‫ال للقارئ؟ هذا ما قد‬ ‫عن الهجاء‪ -‬صادقاً‪ ،‬أم مخات ً‬ ‫يكشف عنه قادم من تحليلنا إلبيجراماته‪.‬‬

‫وإذا كانت هاتان الميزتان تتصالن بالشعر‪ -‬ألن‬ ‫ه��ذا الفن ف��ي بدايته ُك� ِت��ب الشعر وف�ق��ه‪ -‬فإنهما‬ ‫تنطبقان‪ -‬وال سيَّما فيما كتبه طه حسين في كتابه‪-‬‬ ‫على النثر أيضاً؛ نلمح ذلك أكثر في إبيجراماته؛‬ ‫من خ�لال تجلي الميزة الشكليَّة الثانية‪ ،‬ذل��ك أنَّ‬ ‫إبيجراماته قد خلت– أو كادت‪ -‬من أن تستوعبها‬ ‫وبخاصة الهجاء‬ ‫ٍ‬ ‫األغراض القديمة من غزل ومدح‪،‬‬ ‫ال�م�ف�ح��ش‪ ،‬ال ��ذي ن ��أى ع �ن��ه‪ ،‬واس �ت �ب��دل ب��ه النقد‬ ‫االجتماعي والسياسي‪ ،‬كما سيتبين م��ن تحليلنا‬ ‫وعن خَ ْصلَتَيْ المعنى في فن اإلبيجراما؛ يرى طه‬ ‫لنماذج من إبيجراماته‪ .‬فهو القائل في هذا‪« :‬ولست‬ ‫أريد بهذا الكتاب إلى شيء إال النقد الذي يسمُّونه أن هذا الفن يمتاز «بخصلة ثالثة تتصل بالمعنى‪،‬‬ ‫بريئاً في هذه األيام‪ ،‬والنقد الذي يوجَّ ه إلى ألوان وهي أن يكون هذا المعنى أثراً من آثار العقل واإلرادة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪35‬‬


‫عن القوس حتَّى يبلغ الرميَّة‪ ،‬ثم ينفذ منها في خف ٍَّة‬ ‫�س‪ .‬وم��ن هنا امتاز ه��ذا الفن‬ ‫وس��رع� ٍ�ة ال تكاد تُ��حَ � ّ‬ ‫بالبيت األخير أو البيتين األخيرين من المقطوعة‪،‬‬ ‫فهما يقومان منها مقام الطرف الضئيل النحيل‬ ‫الرقيق الرشيق م��ن نصل ال�س�ه��م»‪ .‬وه��ذا وصف‬ ‫يتقارب مع ما وصفه ب��ه» شاعر إغريقي مجهول‬ ‫بهذه الطريقة‪« :‬الصفات النادرة التي نجدها في‬ ‫النحلة‪ ،‬يجب أال تختفي م��ن اإلب�ي�ج��رام‪ ،‬جسمها‬ ‫يجب أن يكون دوم�اً صغيراً وعذباً‪ ،‬واللسعة يجب‬ ‫أن تكون في ذيلها»‪.‬‬

‫والقلب جميعاً‪ .‬فليس هو شعراً عاطفياً يصدر عن‬ ‫القلب أو يفيض به الطبع‪ ،‬وليس هو شعراً يصنعه‬ ‫العقل وحده‪ ،‬وإنما هو مزاج من ذلك يسيطر الذوق‬ ‫عليه قبل كل ش��يء‪ ،‬أث��ر العقل فيه أن��ه نقد الذع‪،‬‬ ‫�ض‪ ،‬أو تصوير دقيق لشيء يُ�ك�رَه أو‬ ‫أو ه�ج��اءٌ م�م� ّ‬ ‫رؤية‬ ‫يُحب‪ .‬وهذا كله يحتاج إلى بحث وتفكُّر‪ ،‬وإلى ٍ‬ ‫وتأمل‪ ،‬وال يأتي مستجيباً لعاطفة من العواطف‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫هوىً من األهواء‪ ،‬وأثر اإلرادة فيه أنه ال يأتي عفو‬ ‫الخاطر‪ ،‬وال فيض القريحة‪ ،‬وإنما يقصد الشاعر‬ ‫إلى عمله وإنشائه‪ ،‬ويستعد لتجويده والتأنّق فيه‪،‬‬ ‫وأث��ر القلب فيه أنه يفيض عليه شيئاً من حرارته‬ ‫أما ما يتعلق بالخصلة األخيرة من هذا الفن‪،‬‬ ‫وحياته‪ ،‬ويجري فيه روحاً من قوَّته التي يجدها‪ ...‬التي تتصل باللفظ والمعنى معاً‪« :‬هي هذه الحريَّة‬ ‫عندما يرضى وعندما يسخط»‪.‬‬ ‫المطلقة التي يتجاوز بها أصحابها حدود المألوف‬ ‫والحق أن هذه الخصال المتعلقة بالعقل والقلب من السّ نن والعادات والتقاليد‪ ،‬والتي تدفع أصحابها‬ ‫ف��ي ف��ن اإلب �ي �ج��رام؛ تضعه ف�ن�اً ي�ن��أى أن يتمذهب إلى اإلفحاش في اللفظ‪ ،‬وإلى اإلفحاش في المعنى‪،‬‬ ‫بالجموح الرومانسي‪ ،‬في كونه ليس شعراً (أو نثراً) وإلى التحرر مما يفرضه الذوق على الرجل الكريم‪،‬‬ ‫يجمح بالعاطفة المنسالة‪ ،‬فهو أقرب إلى الواقعيَّة؛ حين يتحدث إل��ى ال�ن��اس‪ ،‬أو حين يتحدث الناس‬ ‫في نقدها للواقع االجتماعي‪ ،‬وربما السياسي‪ -‬في إليه»‪ .‬وقد نأى طه حسين عن هذا اإلفحاش في‬ ‫خطاب مسكوت عنه‪ -‬في إبيجرامات طه حسين‪ ،‬اللفظ والمعنى‪ ،‬واستبدل بهما – كما سنعرف‪-‬‬ ‫من خالل نقده الالذع وتصويره الدقيق لما يُكرَه أو النقد الالذع‪.‬‬

‫فكر ورويَّةِ وتأمل‪ .‬أما اإلرادة التي جعل‬ ‫يحب‪ ،‬وفق ٍ‬ ‫أثرها في كون هذا الفن ال يأتي عفو الخاطر‪ ،‬وال‬ ‫فيض القريحة‪ ،‬وإنما يأتي عن قصدية من منشئه‬ ‫ومبدعه؛ فهو مفهوم يتفق معه تعريف بعض مواقع‬ ‫الشبكة العنكبوتيَّة؛ التي يقدم أحد مواقعها ما مفاده‪:‬‬ ‫«أن اإلبيجرام في األدب اليوناني وما تاله‪ :‬القصيدة‬ ‫القصيرة أو القول الموجَّ ه‪ ،‬وأهم مميزاته اإليجاز‬ ‫والصقل والوضوح والتوازن»‪ .‬فالقول الموجَّ ه إلى‬ ‫ولعل القارئ لنتاج طه حسين اإلب��داع��ي الذي‬ ‫متلق مًستهدَف؛ هو ما يتفق مع مفهوم القصديَّة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ضمَّنه في إبيجرامه النثري؛ قد يطمئن إلى كونه‬ ‫الذي أشار إليه طه حسين‪.‬‬ ‫نقداً الذعاً في أحايين كثيرة‪ ،‬وفق منحيين يتسمان‬ ‫أما الخصلة األخرى المتعلقة بالمعنى‪« :‬فهي أن بالسخرية التي قد تصل إلى حد المرارة؛ المنحى‬ ‫تكون المقطوعة منه أشبه بالنصل المرهف الضئيل األول‪ :‬يتسم بالنقد االجتماعي لنماذج رديئة في‬ ‫الحا ّد قد ُركِّب في سهم رشيق خفيف‪ ،‬ال يكاد ينزع المجتمع لم يسمِّها بأسمائها‪ ،‬وإنما جعلها رم��وزاً‬ ‫هذا مها ٌد نظريٌّ طويل؛ أردنا به أن يكون مرجع َّي ًة‬ ‫نحيل عليها‪ ،‬ونحن نفحص بمعونتها ما كتبه طه‬ ‫حسين في إبيجراماته نثراً‪ ،‬بوصفه رائداً من رواد‬ ‫هذا اإلبداع في العصر الحديث‪ ،‬وقد تبعه آخرون‪،‬‬ ‫يأتي على رأسهم العقاد‪ ،‬من خالل ما جمعه ابن‬ ‫كتاب سمَّاه «الكلمات األخيرة‬ ‫أخيه عامر العقاد في ٍ‬ ‫للعقاد»‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫وأحسب أنه قد نجح ‪-‬ربما من حيث ال يعمد‪ -‬في‬ ‫أن يعطي المحلل الناقد إلبيجراماته‪ ،‬فرص ًة سانح ًة‬ ‫أن يستدعي من آليات قراءة الموروث فنوناً أحياها‬ ‫آنئذ‪ ،‬مع بدايات‬ ‫ذوقه‪ ..‬بنكهةِ خاصة مجددة ومجربة ٍ‬ ‫تجديده الفكري‪ ،‬على مشارف العصر الحديث في‬ ‫منتصف أربعينيات القرن الماضي؛ حين صدرت‬ ‫الطبعة األولى من كتابه «جنة الشوك»‪ ،‬ونعني بهذه‬ ‫ال ومضموناً؛ فنوناً مثل‪ :‬أسلوب‬ ‫الفنون القولية شك ً‬ ‫الحكيم‪ ،‬واألجوبة المسكتة في مقطَّ عات األعراب‬ ‫النثرية وغيرهم‪ ،‬والتورية‪ ،‬والحكمة وإن اتخذت‬ ‫تماهياً عكسياً؛ حين يستدعيها خطابه السَّ اخر‪.‬‬ ‫وربما ك��ان نتاجه أكثر سخا ًء وإغ��داق�اً للمحلِّل‬ ‫والناقد المعاصر‪ ،‬وهو يرى إبيجراماته تخضع–‬ ‫وف��ق حداثة ال��رؤى المعاصرة‪ -‬إل��ى ما تحتفي به‬ ‫نظريات التأويل والتلقي الكاسر ألفق انتظار قارئ‬ ‫ضمني‪ ،‬يُرجع هذه اإلبيجرامات – في استدعائها‬ ‫شكل‬ ‫للموروث‪ -‬إلى ما يستنطقها به التناص في ٍ‬ ‫عكسي‪ ،‬وغير ذلك من قضايا الحداثة وما بعدها‪.‬‬ ‫وربما كان مفهوم المفارقة التصويرية بأنماطها‬ ‫المختلفة؛ يبدو غائباً في عرض طه حسين وتنظيره‬ ‫لخصائص اإلب�ي�ج��رام��ا‪ ،‬ر َّب�م��ا ألن��ه مفهوم ل��م يكن‬ ‫ق��د تبلور مصطلحاً نقدياً م�ع��اص��راً‪ ،‬وق��ت كتابته‬ ‫لنماذجه‪ ،‬رغم احتوائها على مفارقات‪ .‬وقد تنبه‬ ‫إلى المفارقة بوصفها خصيص ًة مميَّزة ‪ -‬تقيم بنية‬ ‫اإلبيجرام‪ -‬الدكتور ع� ّز الدين إسماعيل (يرحمه‬ ‫إبيجرامات‬ ‫ٍ‬ ‫ال�ل��ه)‪ ،‬وه��و ي�ق�دِّم لديوانه ال��ذي كتبه‬ ‫شعريَّة‪ ،‬والمعنون بـ «دمعة لألسى‪ ..‬دمعة للفرح»‪،‬‬ ‫حين يقول‪« :‬وحين تُذكَر اإلبيجرام في النقد األدبي؛‬ ‫ي �ك��ون ال�م�ق�ص��ود ب�ه��ا – بصفة ع��ام��ة‪ -‬القصيدة‬

‫وسنشرع اآلن في تحليل نماذج من إبيجرامات‬ ‫طه حسين النثرية‪ ،‬وفق‪ :‬إبيجراماته التي اتخذت‬ ‫شكل النقد االجتماعي‪ .‬إ ْذ ت��راوح��ت ن�ق��دات طه‬ ‫حسين االجتماعية عبر إبيجراماته بين الطول‬ ‫والقصر‪ ،‬ولكنها لم تفقد في الحالين استقصاء‬ ‫لحظة ت��أزم المفارقة التصويرية‪ ،‬وفداحتها في‬ ‫بعض األحيان‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫�وت عنه ف��ي بنية‬ ‫سلبيَّة؛ ي �ع �رِّض ب�ه��ا‪ ،‬وف��ق م�س�ك� ٍ‬ ‫إبيجراماته العميقة‪ ،‬والمنحى اآلخر‪ :‬وهو األخفى‬ ‫في تلك البنية العميقة؛ ذلك هو المتمثل في النقد‬ ‫السياسي المخبوء في نسغ بعضها‪.‬‬

‫القصيرة التي تتميَّز على وجه الخصوص بتركيز‬ ‫ال على‬ ‫العبارة وإيجازها‪ ،‬وكثافة المعنى فيها‪ ،‬فض ً‬ ‫اشتمالها على مفارقة‪ ،‬وتكون مدحاً أو هجا ًء أو‬ ‫حكمةً‪ ،‬وق��د عرَّفها الشاعر الرومانسي كوليردج‬ ‫بقوله‪ :‬إنها كيان مكتمل وصغير‪ ،‬جسده اإليجاز‪..‬‬ ‫والمفارقة روحه»‪.‬‬

‫فتحت عنوان إبيجرام طويل موسوم بـ «ضمائر»‬ ‫يقول طه حسين في نقد اجتماعي‪« :‬قال الطالب‬ ‫الفتى ألستاذه الشيخ‪ :‬أال تح ِّدثُني عن هذه الضمائر‬ ‫التي تفعل ما تشاء‪ ،‬ثم تستتر وراء أفعالها‪ ،‬وجوباً‬ ‫م َّرةً‪ ،‬وج��وازاً م َّرةً‪ ،‬فهي داني ٌة نائية‪ ،‬وبادي ٌة خافية‪،‬‬ ‫وهي ملحوظ ٌة غير ملفوظة‪ ،‬ومعقولة غير مقولة‪،‬‬ ‫وهي على ذلك تكلِّف األساتذة والتالميذ ه ّماً ثقيالً‪،‬‬ ‫وعنا ًء طويالً! قال األستاذ الشيخ لتلميذه الفتى‪ :‬ما‬ ‫أنت وهذه الضمائر البريئة النقيَّة! إنما هي بنات‬ ‫الوهم‪ ،‬قد فرضها العلماء رياض ًة لعقول الطالب‪،‬‬ ‫على التحليل واإلع ��راب‪ ،‬وه��ي ال ت��ؤذي أح��داً من‬ ‫قريب أو بعيد‪ .‬فإذا علمتَ عملها‪ ،‬فدعْها وشأنها‪،‬‬ ‫وت�ح��دَّ ث عن ضمائر أخ��رى أش��دَّ في حياة الناس‬ ‫خطراً‪ ،‬وأبعد في أعمالهم أثراً‪ ،‬تستخفي في أعماق‬ ‫النفوس‪ ،‬عابس ًة تشيع االبتسام المريب‪ ،‬ومظلم ًة‬ ‫تنشر الضوء المخيف‪ .‬قال الطالب الفتى ألستاذه‬ ‫الشيخ‪ :‬لقد ع��دت إل��ى ما دأب��ت عليه من األلغاز‪،‬‬ ‫فوضح لي بعض ما تقول! قال األستاذ الشيخ لتلميذه‬ ‫ِّ‬ ‫الفتى‪ :‬ما تقول في ضمائر األطباء حين يعودون‬ ‫المرضى‪ ،‬وف��ي ضمائر المرؤوسين حين يتلقَّون‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪37‬‬


‫أمر الرؤساء‪ ،‬وفي ضمائر الطالب حين يسمعون‬ ‫دروس األساتذة‪ ،‬وفي ضمائر بعض األصدقاء‪ ،‬حين‬ ‫يبسمون لألصدقاء؟ وكنت حاضر ه��ذا الحديث‪،‬‬ ‫فتلوت قول الله عز وجل (وتحسبهُم أيقاظاً وهم‬ ‫رق��ودٌ‪ ،‬ونقلِّبهُم ذاتَ اليمينِ وذات الشِّ مالِ ‪ ،‬وكلبهم‬ ‫باسطٌ ذراعيهِ بالوصيدِ ‪ ،‬لو اطَّ لعْتَ عليهم لولَّيتَ‬ ‫منه ْم فِ راراً ول ُملِئتَ منهم رعباً)(‪.»)16‬‬

‫التي عرَّفت بماهيَّة المفارقة؛ كونها «تكنيك فنيّ ‪...‬‬ ‫إلبراز التناقض بين طرفين متقابلين بينهما نوع من‬ ‫التناقض‪ ،...‬والتناقض في المفارقة التصويريَّة‬ ‫فكرةٌ تقوم على استنكار االختالف والتفاوت بين‬ ‫أوضاع كان من شأنها أن تتفق وتتماثل‪ ،‬أو بتعبير‬ ‫مقابل؛ تقوم على اف�ت��راض ض��رورة االت�ف��اق فيما‬ ‫واقعه االختالف»‪.‬‬

‫لعل أبرز ما يميز هذه اإلبيجراما على مستوى‬ ‫اللفظ‪ /‬الشكل‪/‬التصوير‪ -‬كما رص��د خصائصها‬ ‫طه حسين‪ -‬هو بساطة اللفظ الذي يُ ْعنَى بالتأنُّق‬ ‫المقصود‪ ،‬ذلك المتبدي في العناية بوجوه البديع‬ ‫اللفظي منذ بدايتها‪ :‬سجعاً وطباقاً وجناساً وموازنةً‪،‬‬ ‫استدعاها من تراثه‪ ،‬ليضمن معايشة المتلقي لها‬ ‫أريحية وع��ذوب� ٍ�ة‪ ،‬لكن‬ ‫ٍ‬ ‫صاك ًة بجرْسها لسمعه في‬ ‫اإلك �ث��ار م��ن ه��ذه المحسِّ نات أوق�ع��ه ف��ي ش��يء من‬ ‫اإلطالة‪ ،‬التي دونها ما وعدت به مقدمته‪ ،‬من أمر‬ ‫وجوب قِ َصر اإلبيجراما!‬

‫واإلبيجراما السابقة قائمة على مفارقة كبرى‬ ‫بين ثنائية الوعي بمعنى الضمير النحوي المستتر‬ ‫ال واحداً في الوعي بها –‬ ‫جوازاً ووجوباً‪ ،‬متخذ ًة شك ً‬ ‫ظاهر ًة ومستترةً‪ -‬عند المتلقي؛ في مقابل الضمائر‬ ‫اإلنسانيَّة التي تستخفي في النفوس‪ ،‬بما قد تظهر‬ ‫خالف ما تبطن‪ .‬وإلى جانب هذه المفارقة الكبرى؛‬ ‫ثمَّة مفارقات صغيرة فخَّ خ طه بها إبيجرامه؛ أبرزتها‬ ‫وسائل تشكيل احتضنت مغزاها المسكوت عنه في‬ ‫نسغها‪ ،‬وقد تمثَّلت هذه الوسائل التي استدعاها‬ ‫إلبيجرامه؛ بين قديم ت��راث��يّ ‪ ،‬ك��أل��وان البديع كما‬ ‫بيَّنا‪ ،‬ومن أبرزها الموازنة والسجع‪ ،‬وكذلك الجواب‬ ‫الحكيم‪ ،‬والجواب المسكِ ت‪ ،‬وحداثيٍّ معاصر مثل‪:‬‬ ‫التناص‪ ،‬وكسر أفق التلقي‪.‬‬

‫ومن خصال المعنى فيها بروز آثار العقل واإلرادة‬ ‫والقلب جميعاً‪ ،‬دون أن يستأثر طرف بآخر‪ .‬فأثر‬ ‫لصنف من‬ ‫ٍ‬ ‫العقل ب ِّي ٌن في نقد طه حسين ال�لاذع‬ ‫فانحط‬ ‫َّ‬ ‫البشر‪ -‬دون أن يسميهم‪ -‬غاب ضميرهم‬ ‫قدرهم؛ يسوقه فك ٌر منظَّ مٌ‪ ،‬يحكمه منطق الحوار‬ ‫والجدل بين األستاذ والتلميذ‪ .‬أمَّا اإلرادة فتبرزها‬ ‫قصدية طه حسين في إنشاء مثل هذا اإلبيجرام‬ ‫متلق يفهم قصدية المغزى‪،‬‬ ‫عمداً‪ ،‬وتوجيهه إل��ى ٍ‬ ‫من حيث تعرية الضمير عن باطن عفِ ن‪ ،‬ثم تتجلى‬ ‫العاطفة التي تغلِّف العقالنية أخ�ي��راً؛ في موقف‬ ‫طه حسين القلبي المستشهد بآيات القرآن الكريم‬ ‫تناصاً؛ ينطق بتعارض ما بين الظاهر والباطن‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يقودنا إل��ى الحديث عن المفارقة التصويرية‪،‬‬ ‫التي هي عصب فن اإلبيجرام‪ ،‬فبأيَّة كيفية بنى طه‬ ‫حسين إبيجرامه؟‬

‫إن المفارقة الكبرى القائمة لغوياً ومعنوياً على‬ ‫ثنائية معنى الضمير؛ أظ�ه��رت ف��داح��ة السخرية‬ ‫االجتماعية الناقدة؛ بين المعنى النحوي للضمير‬ ‫ال��رام��ز إل��ى ال��وض��وح‪/‬ال�ب��راءة‪/‬ال�م�س��ال�م��ة‪/‬ري��اض��ة‬ ‫البصيرة‪ ،‬في مقابل ضمائر أخرى رامزة إلى الخفاء‪/‬‬ ‫الرِّياء‪/‬المداهنة‪/‬الغدر‪ .‬ولكي يعمِّق طه حسين من‬ ‫فداحة هذه المفارقة بين الضميرين المتناقضين‬ ‫ليبرزها بعد خفاء؛ لجأ في وصف طرف المفارقة‬ ‫اآلخ���ر‪ -‬ال ��ذي حملته ال�ض�م��ائ��ر اإلن �س��ان �ي��ة‪ -‬إل��ى‬ ‫وصفين؛ تحملهما م��وازن � ٌة تنبِّه بحسن تقسيمها‬ ‫إل��ى بشاعة م��آل تلك الضمائر‪ ،‬فهي‪« :‬أش� � ُّد في‬ ‫حياة الناس خطراً‪ ،‬وأبعد في أعمالهم أثراً»‪ ،‬وذلك‬ ‫لعلَّه من نافلة القول أن نذكر أنَّ من أهم المفاهيم بخفائها في أعماق النفوس األ َّم��ارة بالسوء‪ .‬وقد‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫وإذا به يجبهنا ويكسر أفق تلقينا عبر موازنة‬ ‫جديدة؛ حمَّلها مفارقة أخرى فادحة؛ توقفنا على‬ ‫جُ رْم طويَّتهم‪ :‬ظاهراً باسماً مضيئاً‪ ،‬وباطناً عابساً‬ ‫مظلماً مخيفاً‪ ،‬فأعماق النفوس العابسة ال تشيع‬ ‫االبتسام إال أن يكون مريباً‪ ،‬والمظلمة منها ال تنشر‬ ‫الضوء إال أن يكون محرقاً ُمع ِْشياً مخيفاً‪ ،‬ولكن‬ ‫الكاتب أراد ذل��ك مفارق ًة س��اخ��رةً؛ تعارض منطق‬ ‫األشياء السويِّ المبين‪ .‬إنَّ الموازنة هنا كانت فخّ اً‬ ‫عمَّق فداحة المفارقة‪ ،‬صانع ًة ومولِّد ًة من المفارقة‬ ‫أخرى‪ ،‬فظاهرها موازنة‪ ،‬وباطنها مفارقة‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫كان الكاتب دقيقا حين خبَّأها في األنفس‪ ،‬ألنها‬ ‫مآل التسفُّل‪ ،‬ولم يخبئها في األرواح‪ ،‬استشرافاً إلى‬ ‫عرفان صوفيٍّ ال يعرفون قدره‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫متوجهاً‪ ،‬ولكن الحكيم ق��د يعدل ف��ي ج��واب��ه عمَّا‬ ‫يقتضيه السؤال تنبيهاً على أنَّه كان من حق السؤال‬ ‫أن يكون ك��ذل��ك»‪ .‬وي�ع� ُّد د‪ .‬أس��ام��ة البحيريّ هذا‬ ‫مفارق ًة دالل� َّي��ة‪ ،‬إذْ»تسير الحركة الذِّهنيَّة وحركة‬ ‫الداللة عند المجيب (المستقبِل) في اتجاه مخالف‬ ‫(المخاطب)‪ ،‬وهذه المفارقة الدالليَّة؛ تهدف‬ ‫ِ‬ ‫للسائل‬ ‫إلى إحداث موافقة من خالل تعديل موقف السائل‪،‬‬ ‫والتأثير عليه‪ ،‬لكي يسير في اتجاه المجيب»‪.‬‬ ‫وقد تنبّه د‪ .‬صالح فضل بوعي إلى فقه الشعرية‬ ‫التي يمكن أن تخلقها ثنائية معنى الضمير‪ ،‬في‬ ‫مقاربة بينهما تؤدي إلى اختيار صائب‪ ،‬وذلك حين‬ ‫ٍ‬ ‫يقول‪« :‬من عالمات شعرية النحو العربي اختياره‬ ‫الدَّ ال للكلمات التقنية التي تشير إلى أجزاء الجملة‬ ‫وأدوات الكالم‪ ،‬فثنائية المعنى في كلمة (ضمير)‬ ‫المتراوحة بين الوعي الكامن داخ��ل اإلن�س��ان من‬ ‫جانب‪ ،‬واألدوات التي تشير للفاعلين والمفعولين‬ ‫من أشخاص من جانب آخر؛ تتيح الفرصة التصال‬ ‫المجالين في مستوى داللي عميق‪ ،‬ويصبح توظيف‬ ‫ه��ذه األدوات ف��ي ف��ن ال�ك�لام للداللة على القوى‬ ‫الكامنة في الوعي الفردي أو الجماعي للمتحدثين‬ ‫امتداداً مشروعاً لهذا االختيار الصائب»‪.‬‬

‫وق��د لعب أس�ل��وب الحكيم دوراً ب ��ارزاً‪ -‬بشكل‬ ‫معاصر‪ -‬في إب��راز صدمة المفارقة؛ التي كسرت‬ ‫متلق ينتظر أفقاً منطقياً‪ ،‬ليتلقَّى‬ ‫أفق التلقي عند ٍ‬ ‫خيب ًة لذيذة عن طريق أفق مفارق ال يتوقع مفاجأته‪.‬‬ ‫إن جواب األستاذ على تلميذه أول األم��ر‪ ،‬المتمثَّل‬ ‫بعضه في طلبه اإلعراض عن السؤال عن الضمير‬ ‫النحوي‪ ،‬وتوجيهه إلى السؤال عن الضمير اإلنساني‬ ‫الذي هو أولى بالسؤال؛ ذلك ما كان يدور الحديث‬ ‫عليه في تراثنا البالغي والنقدي‪ ،‬من خالل مفاهيم؛‬ ‫ولكي يعمِّق اإلبيجرام السابق من غور المفارقة‬ ‫تستوعب في وع� ٍ�ي ما يسمَّى بـ«أسلوب الحكيم»‪ ،‬بين الضمير النحوي طرفاً أول‪ ،‬والضمير اإلنساني‬ ‫بالموجب»‪ ،‬و«األجوبة المسكتة»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫و«القول‬ ‫ال��ذي يمثِّل الوعي الكامن داخ��ل اإلنسان طرفاً آخر‬ ‫«ويُ� � َع� � ًّد أس �ل��وب الحكيم م�ح��اول��ة ل�ل�خ��روج من وهو األهم؛ نراه لكي يقر في وجدان المتلقي مفارقته‬ ‫إس ��ار م��رك��ز َّي��ة الجملة ال ��واح ��دة‪ ،‬وهيمنتها على تلك؛ يضع تناقضاً جديداً وفق مفارقة أكثر فداحة؛‬ ‫معظم مباحث البالغة العربيَّة‪ ،‬ألنَّ هذا األسلوب من خ�لال الموازنة البديعيَّة في قوله عن الضمائر‬ ‫يتشكَّل في سياق تحاوري‪ ،‬تتمثَّل حكمته في الفطنة المخاتلة التي تستخفي في النفوس‪( :‬عابسة تشيع‬ ‫واللباقة في إدارة الحوار بطريقة عقليَّة‪ ،‬أو بمهارةٍ االبتسام المريب‪ ،‬ومظلمة تنشر الضوء المخيف)‪ .‬إن‬ ‫لفظيَّة (كالتالعب بثنائيَّة معنى لفظ «الضمير»)‪ ،‬من شأن العبوس‪ -‬كما ذكرنا‪ -‬أال يشيع االبتسام إال أن‬ ‫إلقناع المتلقي‪ ،‬والوصول به إلى التسليم بما يريده يكون مريباً‪ ،‬وظلمة القلب األسود ال تنشر الضوء إال أن‬ ‫المرسل»‪ ،‬وهو هنا األستاذ الشيخ‪ .‬إذ «األصل في يكون مخيفاً‪ ،‬وهذا منطق المفارقة‪ ،‬حفظ اإلحساس‬ ‫الجواب أن يكون مطابقاً للسؤال إذا كان السؤال بها ‪ -‬معنىً ‪ -‬الموازنة القائمة على مفارقة إيقاعيَّة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪39‬‬


‫بين الفعل ورد الفعل‪ ،‬أو بين الظاهر والباطن‪.‬‬ ‫ويتخذ ال �ح��وار بين األس �ت��اذ وتلميذه شيئاً من‬ ‫ال��درام � َّي��ة؛ حين ي��وض��ع التلميذ ف��ي وض��ع السائل‬ ‫المتردد في فهمه منطق المفارقة بين الضميرين‬ ‫ال ألستاذه متعجِّ باً‪ :‬لقد عدت إلى ما دأبت عليه‬ ‫قائ ً‬ ‫فوض ْح لي ما تقول! »‪ ،‬وبوعي من طه‬ ‫من األلغاز‪ِّ ،‬‬ ‫�ص�ل��ة ف��ي استفسار التلميذ‬ ‫حسين يلتقط بنية ال� ِّ‬ ‫بقوله‪( :‬ما تقول!) التي تحمل تعجباً‪ ،‬ليحولها إلى‬ ‫بنية استفهاميَّة؛ تحمل مفارقات أكثر فداحة‪ ،‬وأكثر‬ ‫غموضاً‪ ،‬تسكت – في بنية عميقة – عن أطرافها‬ ‫الخفيَّة‪ ،‬ليسأل ع��ن ضمائر األط�ب��اء حين يعودون‬ ‫مرضاهم‪ ،‬والمرؤوسين حين يتلقون أمر الرؤساء‪،‬‬ ‫وضمائر ال�ط�لاب حين يسمعون دروس األس��ات��ذة‪،‬‬ ‫وض�م��ائ��ر بعض األص��دق��اء حين يبسمون بسمات‬ ‫صفراء مريبة لآلخرين‪.‬‬ ‫وتظل هذه أسئلة بال أجوبة‪ ،‬على التلميذ‪ /‬المتلقي‬ ‫أن يجيب عليها‪ ،‬ويتحدى بها قوة فهمه‪ ،‬إلى أن تأتي‬ ‫نهاية اإلبيجراما مفارقة عظمى‪ ،‬تعمِّق ما بين الضمير‬ ‫النحوي‪ /‬الظاهر ق��والً وع�م�لاً‪ ،‬والضمير اإلنساني‬ ‫ُبطن‪ ،‬وذلك بظهور‬ ‫الخفي؛ الذي قد يُظهِ ر خالف ما ي ِ‬ ‫صوت طه حسين فجأةً‪ ،‬فيما يشبه صوت الراوي في‬ ‫نص قرآني يقتبسه‬ ‫المقامات‪ ،‬حين يلجأ إلى استدعاء ِّ‬ ‫تناصاً عكسياً؛ يعمِّق فداحة هذه المفارقة الكبرى‪ ،‬من‬ ‫خالل قصة أهل الكهف‪ ،‬التي تغدو هي الطرف اآلخر‬ ‫الخفي‪ /‬المسكوت عنه في المفارقة‪.‬‬

‫وه�ن��ا تستبين لنا المفارقة بين الظاهر والباطن‬ ‫من طريق أخ��رى؛ من خ�لال طبيب خائن لألمانة‪،‬‬ ‫وم��رؤوس�ي��ن خائفين ينافقون رئيسهم المتسلط‪-‬‬ ‫ت�ق� َّي�ةً‪ -‬ال ح �ب �اً‪ ،‬ومثلهم ط�لاب ال�ع�ل��م‪ ،‬واألص��دق��اء‬ ‫الثعالب الخونة ال��غ��دَّ ارون‪ ،‬وه��ذا ه��و م�غ��زى اآلي��ة‬ ‫القرآنية‪ ،‬التي عمَّقت فداحة المفارقة بين الظاهر‬ ‫والباطن‪ ،‬لينجح طه حسين بذكره آي ًة حملت مفارق ًة‬ ‫ال مرهفاً رقيقاً حاداً‪ -‬ال يكاد‬ ‫تنفذ من القوس نص ً‬ ‫يُنْ َز ُع من القوس حتى يبلغ الرميَّة دون أن يُحَ َّس‪-‬؛ أن‬ ‫يستنطق إبيجرامه بما أراده‪ ،‬أدا ًة ورؤيةً‪.‬‬ ‫وربَّما لجأ طه حسين في تلخيص أمر المفارقة‪-‬‬ ‫ماض‬ ‫في تحوُّل الزمن المحتوِ ي للشيء ونقيضه بين ٍ‬ ‫وح��اض��ر‪ -‬إل��ى م��ا يمكن أن نستعيره م��ن القصة‬ ‫القصيرة‪ ،‬كالومضة ولحظة التنوير‪ ،‬وك��أن بعض‬ ‫إب�ي�ج��رام��ات ط��ه حسين ال�ت��ي بُنيت على ش��يء من‬ ‫–آنئذ‪ -‬بما اصطلح عليه‬ ‫ٍ‬ ‫القِ َصر‪ ،‬كانت مرهص ًة‬ ‫و«القصة‬ ‫َّ‬ ‫في نقدنا المعاصر بـ«القصة القصيرة»‬ ‫القصيرة ج ��داً» ت �ح��دي��داً‪ ،‬تلك ال�ت��ي تعتمد حركة‬ ‫معنويَّة‪ ،‬من دالئلها عند طه حسين الحوار المكثَّف‬ ‫المقتصد في لغته‪ ،‬والمحتوي على الومضة‪.‬‬

‫مراجع لالستزادة‪:‬‬ ‫«ج�ن��ة ال �ش��وك»‪ -‬د‪ .‬ط��ه حسين‪ -‬دار ال�م�ع��ارف‪-‬‬ ‫مصر‪1965 -‬م‪.‬‬ ‫ •«الكلمات األخيرة للعقاد»‪ -‬عامر العقَّاد‪ -‬دار‬ ‫الكتاب العربي‪ -‬بيروت‪1970 -‬م‪.‬‬

‫ف��إذا كان ظاهر أهل الكهف المرعب المخيف‪،‬‬ ‫الطارد فراراً من بشاعة مظهرهم‪ ،‬يتنافى مع باطنهم •«دمعة ل�لأس��ى‪ ..‬دمعة للفرح»‪ -‬دي��وان للدكتور‬ ‫عز الدين إسماعيل (انظر المقدمة)‪ -‬دار لوتس‬ ‫اإليماني النقيّ الجميل؛ فإن هذا يأتي مفارقاً لظاهرِ‬ ‫للطباعة والنشر‪2000 -‬م‪.‬‬ ‫آخ��ر ي �ب��دو‪ -‬ف��ي خ���داعِ ‪ -‬أك�ث��ر ج �م��االً‪ ،‬وف��ق معاني‬ ‫الرحمة‪ ،‬وحسن القيادة‪ ،‬والتعلّم‪ ،‬والصداقة‪ ،‬رغم ما •«النص الكلي»‪ -‬د‪ .‬يوسف حسن نوفل‪ -‬الهيئة‬ ‫العامة لقصور الثقافة‪2004 -‬م‪.‬‬ ‫مخادع‪/‬قاس‪/‬منافق‪/‬خائف‪/‬غدَّ ار‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يحمله من باطن‬ ‫* ‬

‫‪40‬‬

‫جامعة الملك سعود ‪-‬كلية اآلداب قسم اللغة العربية وآدابها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫املنفلوطي وجمالية البالغة النثرية‬ ‫> عبدالله السمطي*‬

‫تتمثل تجربة المنفلوطي الكتابية ف��ي ثالثة أل���وان من‬ ‫الكتابة هي‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬النثر الفني‪ ،‬وتجلى ذل��ك ف��ي كتابيه‪« :‬النظرات»‬ ‫بأجزائه الثالثة‪ ،‬و«العبرات»‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الترجمة‪ ،‬إذ قام بترجمة عدد من الروايات الفرنسية‪،‬‬ ‫مضفيا عليها أسلوبه النثري الرومانتيكي‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬الشعر التقليدي‪ ،‬فقد نظم بعض القصائد التي‬ ‫صدرت بعنوان «ديوان المنفلوطي»(‪.)1‬‬ ‫أش��ارت بعض ال��دراس��ات التي تناولت‬ ‫قصيدة النثر أو الشعر المنثور تحديدا إلى‬ ‫كتابي المنفلوطي‪« :‬النظرات» و«العبرات»‬ ‫بوصفهما م��ن أوائ ��ل الكتب األدب �ي��ة التي‬ ‫تتجلى فيهما ظاهرة الشعر المنثور‪ ،‬وربما‬ ‫سمات قصيدة النثر‪ ،‬ويذكر د‪ .‬عبدالقادر‬ ‫ال �ق��ط‪« :‬وع �ل��ى ال��رغ��م م��ن ج��دة التسمية‬ ‫المأخوذة من بعض اآلداب الغربية‪ ،‬فإن‬ ‫(ال�ش�ك��ل) نفسه ليس ج��دي��دا على األدب‬ ‫بيد أن النظر ف��ي كتابات المنفلوطي‬ ‫العربي قديمه وحديثه‪ ،‬وق��د عرفناه منذ النثرية يثبت أنه لم يتوجه مطلقا إلى كتابة‬ ‫مطلع هذا القرن باسم (الشعر المنثور)‪« ،‬الشعر المنثور»‪ ،‬ولم يدع البتة أنه تطرق‬ ‫وه ��و اس ��م ي�ح�م��ل م��ا ي�ح�م�ل��ه المصطلح‬ ‫الجديد من نسبة هذا اإلبداع إلى الشعر‪،‬‬ ‫لكنه ال يبلغ به حد (القصيدة)‪ .‬وكان لنا في‬ ‫هذا الفن رواد معروفون من أمثال جبران‬ ‫خليل جبران‪ ،‬ومصطفى ص��ادق الرافعي‪،‬‬ ‫وم�ص�ط�ف��ى لطفي ال�م�ن�ف�ل��وط��ي‪ ،‬وحسين‬ ‫عفيف‪ ،‬وأحمد حسن الزيات‪ ،‬وفي بعض‬ ‫كتابات طه حسين»(‪.)2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪41‬‬


‫إل��ى ه��ذا ال�ن��وع م��ن الكتابة‪ ..‬وإال‬ ‫لكان ذك��ره في مقدمة «النظرات»‬ ‫الطويلة التي أوضح فيها أنه اعتمد‬ ‫أربعة أمور حددها كما يلي‪« :‬ولقد‬ ‫كان من أكبر ما أعانني على أمري‬ ‫في كتابة تلك الكلمات أشياء أربعة‬ ‫أنا ذاكرها‪ ،‬لعل المتأدب يجد في‬ ‫شيء منها ما ينتفع به في أدبه‪:‬‬ ‫(أوالها) إنني ما كدت أتكلف‬ ‫لفظا غير اللفظ الذي يقتاده المعنى ويتطلبه‪ ،‬وال‬ ‫أفتش عن معنى غير المعنى الطبيعي القائم في‬ ‫نفسي‪ ،‬بل كنت أحدث الناس بقلمي كما أحدثهم‬ ‫بلساني‪...‬‬ ‫(وثانيها) أن��ي ما كنت أحمل نفسي على‬ ‫الكتابة حمال‪ ،‬وال أجلس إلى منضدتي مطرقا‬ ‫مفكرا‪ :‬ماذا أكتب اليوم‪ ،‬وأي الموضوعات أعجب‬ ‫وأغرب وألذ وأشوق‪ ،‬وأيها أعلق بالنفوس‪ ،‬وألصق‬ ‫بالقلوب؟ بل كنت أرى فأفكر فأكتب فأنشر ما‬ ‫أكتب‪ ..‬فأرضي الناس مرة‪ ،‬وأسخطهم أخرى من‬ ‫حيث ال أتعمد سخطهم‪ ،‬وال أتطلب رضاهم‪.‬‬ ‫(وثالثها) أن��ي ما كنت أكتب حقيقة غير‬ ‫مشوبة بخيال‪ ،‬وال خيال غير مرتكز على حقيقة‪،‬‬ ‫ألني كنت أعلم أن الحقيقة المجردة عن الخيال‬ ‫ال تأخذ من نفس السامع مأخذا‪ ،‬وال تترك في‬ ‫قلبه أثرا‪ ،‬وأحسب أن السبب في ذلك‪ ..‬أن أكثر‬ ‫ما تشتمل عليه النفوس من العقائد والمذاهب‬ ‫واآلراء واألخالق‪ ،‬والخواطر والتصورات‪ ،‬إنما هو‬ ‫أثر من آثار الخياالت الذهبية التي تتراءى في‬ ‫سماء الفكر‪ ،‬ثم ال تزال بها األيام تكسوها طبقة‬ ‫بعد طبقة من غبار القدم‪ ،‬حتى تصبح حقيقة من‬ ‫الحقائق الثابتة في األذهان‪..‬‬ ‫(ورابعها) أني كنت أكتب للناس ألعجبهم‪،‬‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫بل ألنفعهم‪ ،‬وال ألسمع منهم‪ :‬أنت‬ ‫أحسنت‪ ،‬بل ألجد في نفوسهم أثرا‬ ‫مما كتبت»(‪.)3‬‬ ‫إن ه ��ذه ال �ن �ق��اط األرب� ��ع التي‬ ‫ذك��ره��ا ال �م �ن �ف �ل��وط��ي‪ ،‬وح� ��دد بها‬ ‫طريقته في الكتابة‪ ،‬تؤكد على أنه‬ ‫ل��م يتوجه لكتابة الشعر المنثور‪،‬‬ ‫وإال لكان أش��ار إل��ى ذل��ك‪ ،‬إذ كان‬ ‫ال�م�ف�ه��وم ش��ائ�ع��ا ف��ي ذل��ك ال��وق��ت‬ ‫ال��ذي ك��ان ينشر فيه كتاباته‪ ،‬وك��ان يتماس هذا‬ ‫المفهوم بشكل أو بآخر‪ ،‬مع كتابات المنفلوطي‬ ‫ال��ذي كانت لديه القدرة على كتابة هذا الشكل‬ ‫األدب��ي الشعري‪ ،‬لكنه لم يكتبه‪ ،‬ول��م يؤكد على‬ ‫ذلك في كتاباته‪ ،‬ولم يمارس «قصدية» الكتابة‬ ‫في هذا الشكل‪.‬‬ ‫إن كتابته في «النظرات» و«العبرات» هي رسائل‬ ‫يوجهها للناس‪ ،‬تحمل آراءه في النفس واإلنسان‪،‬‬ ‫وال�ق�ض��اي��ا االجتماعية المتنوعة‪ ،‬وت �ت��أدى في‬ ‫شكل مقالة أدبية‪ ،‬أو قصة‪ ،‬أو خطبة‪ ،‬أو حكاية‪،‬‬ ‫ويغلب على ذلك كله أسلوبه األدب��ي ال��ذي يقدم‬ ‫أفانين لغوية متعددة‪ ،‬ويشير المنفلوطي إلى ذلك‬ ‫في بدء مقدمته‪« :‬يسألني كثير من الناس كما‬ ‫يسألون غيري من الكتاب‪ :‬كيف أكتب رسائلي‪،‬‬ ‫كأنما يريدون أن يعرفوا الطرق التي أسلكها إليها‬ ‫فيسلكوها معي‪ ،‬وخير لهم أال يفعلوا‪ ،‬فإني ال‬ ‫أح��ب لهم وال ألح� ٍ�د من الشادين في األدب أن‬ ‫يكونوا مقيدين في الكتابة بطريقتي‪ ،‬أو طريقة‬ ‫أح��د م��ن ال�ك�ت��اب غ �ي��ري‪ ،‬وليعلموا – إن كانوا‬ ‫يعتقدون أن لي شيئا من الفضل في هذا األمر‪-‬‬ ‫أني ما استطعت أن أكتب لهم تلك الرسائل بهذا‬ ‫األسلوب الذي يزعمون أنهم يعرفون لي الفضل‬ ‫فيه‪ ،‬إال ألني استطعت أن أنفلت من قيود التمثل‬ ‫واالح� �ت ��ذاء‪ ...‬فقد كنت أق��رأ م��ن منثور القول‬


‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•النظرات‪.‬‬ ‫•الجزء األول‪ )40( :‬رسالة‪.‬‬ ‫•الجزء الثاني‪ )46( :‬رسالة‪.‬‬ ‫•الجزء الثالث‪ )35( :‬رسالة‪.‬‬ ‫•العبرات‪ )9( :‬نصوص‪.‬‬

‫«وهي مجموعة روايات قصيرة بعضها موضوع‬ ‫وبعضها مترجم»(‪.)5‬‬ ‫إن جملة م��ا كتبه المنفلوطي ف��ي النظرات‬ ‫وال�ع�ب��رات يتمثل ف��ي (‪ )130‬ن�ص��ا‪ .‬ت�ت��وزع على‬ ‫فنون كتابية مختلفة‪ ،‬ه��ي‪ :‬المقالة‪ ،‬والقصة‪،‬‬ ‫والحكاية‪ ،‬والنثر الفني‪ ،‬والقصة المترجمة‪ ،‬وهي‬ ‫كلها ت�ن��درج تحت مسمى «ال��رس��ائ��ل» ال�ت��ي هي‬ ‫هدف الكاتب األساسي في النظرات والعبرات‪،‬‬ ‫وهي تمثل أيضا مجموعة من المقاالت الذاتية‪،‬‬ ‫واألدبية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬التي قد يغلب على بعضها‬ ‫الطابع الرمزي‪ ،‬كتبها المنفلوطي ونشرها كمقالة‬ ‫أسبوعية في صحيفة (المقتطف)‪ ،‬وه��ي تقدم‬ ‫للناس عبر قصص ومواقف العبرة والعظة‪ ،‬وال‬ ‫يقصد بها أنها شعر منثور‪ ،‬بل كان مقصده األول‬ ‫بيان قدرته اللغوية والبيانية‪ ،‬وليجد في نفوس‬ ‫الناس أثرا مما كتب‪.‬‬ ‫وم��ن ع�ن��اوي��ن ه��ذه ال��رس��ائ��ل يتضح مغزاها‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫ومنظومه ما شاء الله أن أقرأ‪،‬‬ ‫ثم ال ألبث أن أنساه‪ ..‬فال يبقى‬ ‫منه في ذاكرتي إال جمال آثاره‬ ‫وروعة حسنه»(‪ )4‬وإذا ما تأملنا‬ ‫ب �ش �ك��ل إح��ص��ائ��ي م �ح �ت��وي��ات‬ ‫الكتابين األدبيين للمنفلوطي‪:‬‬ ‫«ال� � �ن� � �ظ � ��رات» و«ال�� �ع�� �ب� ��رات»‬ ‫سنجدهما كالتالي‪:‬‬

‫أدب المناظرة‪ ،‬اإلح�س��ان في‬ ‫الزواج‪ ،‬ال همجية في اإلسالم‪،‬‬ ‫البعوض واإلنسان‪ ،‬زيد وعمرو‪،‬‬ ‫أب��و الشمقمق‪ ،‬تأبين فولتير‪،‬‬ ‫دم �ع��ة ع �ل��ى اإلس��ل��ام‪ ،‬ال�غ�ن��اء‬ ‫العربي‪ ،‬رباعيات الخيام‪ ،‬أدوار‬ ‫الشعر العربي‪ ،‬إلى تولستوي‪،‬‬ ‫دم �ع��ة ع�ل��ى األدب‪ ،‬المالعب‬ ‫ال��ه��زل��ي��ة‪ ،‬م ��ن ال� �ش� �ي ��وخ إل��ى‬ ‫ال�ش�ب��اب‪ ،‬المؤتمر اإلس�لام��ي‪،‬‬ ‫مذكرات مرغريت»(‪.)6‬‬ ‫وهي مجموعة نصائح وعبر وعظات من قبيل‪:‬‬ ‫«أي�ه��ا اإلن �س��ان‪ .‬ارح��م األرم �ل��ة ال�ت��ي م��ات عنها‬ ‫زوجها‪ ،‬ولم يترك لها غير صبية صغار‪ ،‬ودموع‬ ‫غزار‪ ...‬ارحم المرأة الساقطة ال تزين لها خاللها‬ ‫وال تشتر منها عرضها‪ ...‬ارحم الزوجة أم ولدك‬ ‫وقعيدة بيتك ومرآة نفسك وخادمة فراشك ألنها‬ ‫ضعيفة‪ ...‬أيها السعداء أحسنوا إلى البائسين‬ ‫والفقراء‪ ،‬وامسحوا دموع األشقياء‪ ،‬وارحموا من‬ ‫في األرض يرحمكم من في السماء»(‪.)7‬‬ ‫والمقاالت في جلها تربوية اجتماعية مثل‪:‬‬ ‫«أفسدك قومك»‪ ،‬التي يتحدث فيها عن الجريمة‬ ‫ودوافعها‪ ،‬ومثل‪« :‬الصدق وال�ك��ذب»‪ ،‬والمقارنة‬ ‫ب �ي �ن �ه �م��ا(‪ .)8‬وت��أت��ي ب��داي��ات ب�ع��ض ال�ق�ص��ص أو‬ ‫المقاالت هكذا‪:‬‬

‫الصياد‪:‬‬ ‫«حدث أحد األصدقاء قال‪ :‬بينا أنا في منزلي‬ ‫صبيحة يوم‪ ،‬إذ دخل علي رجل صياد يحمل في‬ ‫شبكة فوق عاتقه سمكة كبيرة»(‪.)9‬‬

‫ومنها‪ :‬مدينة السعادة‪ ،‬إلى الدير‪ ،‬رسالة الغفران‪ ،‬االنتحار‪:‬‬ ‫النظامون‪ ،‬عبرة الهجرة‪ ،‬اإلس�لام والمسيحية‪،‬‬

‫«في كل موسم من مواسم االمتحان المدرسي‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪43‬‬


‫نسمع بكثير من ح��وادث االنتحار‬ ‫ب �ي��ن ال �م �ت �خ �ل �ف �ي��ن م ��ن ال �ت�لام �ي��ذ‬ ‫وال��راس��ب��ي��ن‪ ،‬ول���و ُر ِّب� � ��يَ التلميذ‬ ‫ت��رب�ي��ة دي �ن �ي��ة‪ ،‬ل�م��ا ه ��ان ع�ل�ي��ه أن‬ ‫يخسر سعادته األخ��روي��ة خسراناً‬ ‫مبينا»(‪.)10‬‬

‫العام الجديد‪:‬‬ ‫«في مثل هذا اليوم من كل عام‪،‬‬ ‫يقف رك��ب العالم السائر بمنزلة‬ ‫من منازل الحياة‪ ،‬فينزل عن مطاياه‪ ،‬ليستريح‬ ‫فيها ساعة من وعثاء السفر‪ ،‬بعد أن ن��ال منه‬ ‫األين والكالل‪ ،‬وأضناه سري الليل وسير النهار‪،‬‬ ‫ثالثمائمة وخمسة وستين يوما»(‪.)11‬‬

‫درج��ة متقدمة من التناسق الفني‬ ‫والداللي‪ ،‬كما أنه يدل على امتالكه‬ ‫البارز لجمالية العربية في سياقها‬ ‫الرومانتيكي ال�ن�ث��ري‪ ،‬كما يتبدى‬ ‫على األخ��ص في ترجماته لبعض‬ ‫ال� ��رواي� ��ات ال �ف��رن �س �ي��ة م �ث��ل ب��ول‬ ‫وفرجيني‪ ،‬والشاعر(‪.)13‬‬ ‫بيد أن ذلك كله‪ ،‬ال يجعلنا نقول‬ ‫إن المنفلوطي ق��د ت��وج��ه لكتابة‬ ‫الشعر المنثور‪ ،‬فحتى النماذج التي قد تقترب من‬ ‫فن‪« :‬الشعر المنثور»‪ ،‬والتي تتأدى وفق األسلوب‬ ‫المنفلوطي ال��روم��ان�ت�ي�ك��ي‪ ،‬ت��أت��ي ض�م��ن سياق‬ ‫المقاالت والقصص على هيئة فقرات بسيطة‪،‬‬ ‫ال تمثل مجمل النص بوصفه كال‪ ،‬أو تمثل داللته‬ ‫الفنية التي يتوخاها الكاتب ويقصد إليها‪ ،‬وهذه‬ ‫بعض النماذج‪:‬‬

‫فكما يبدو لنا هنا أن األداء النثري للمنفلوطي‬ ‫كما تظهر بدايات هذه النماذج أداء مقالي محض‪،‬‬ ‫قد يستثمر العنصر القصصي أو الحكائي‪ ،‬وقد‬ ‫يعطي حكمة أو عظة‪ ،‬وقد يتشح بفنيات النثر من رسالة بعنوان‪« :‬الغد»‬ ‫المعهودة‪ ،‬لكنه ال يتوجه إلى كتابة الشعر المنثور‬ ‫«أيها الغد إن لنا آماال كبارا وصغارا‪ ،‬وأماني‬ ‫التي تمثل أوليات قصيدة النثر‪.‬‬ ‫حسانا وغ�ي��ر ح �س��ان‪ ،‬فحدثنا ع��ن آم��ال�ن��ا أين‬ ‫أم��ا ك �ت��اب ال �ع �ب��رات‪ ،‬فيتضمن (‪ )9‬قصص مكانها منك‪ ،‬وخبرنا عن أمانينا ماذا صنعت بها‪،‬‬ ‫منها ما هو موضوع من قبل المؤلف‪ ،‬ومنها ما أأذللتها واحتقرتها‪ ،‬أم كنت لها من المكرمين؟‬ ‫هو مترجم‪ ،‬فالقصص الموضوعة هي‪« :‬اليتيم‪،‬‬ ‫والحجاب‪ ،‬الهاوية‪ ،‬العقاب» والقصص المترجمة‬ ‫تحمل ع �ن��اوي��ن‪« :‬ال �ش �ه��داء‪ ،‬ال��ذك��رى‪ ،‬ال �ج��زاء‪،‬‬ ‫الضحية‪ ،‬مذكرات مرغريت»‪ ،‬وال تتالقى هذه‬ ‫القصص وفن الشعر المنثور مطلقا(‪.)12‬‬

‫ص��ن س��رك ف��ي ص ��درك‪ ،‬واب��ق لثامك‬ ‫ال‪ ،‬ال ُ‬ ‫على وجهك‪ ،‬وال تحدثنا حديثا واحدا عن آمالنا‬ ‫وأمانينا‪ ،‬حتى ال تفجعنا في أرواحنا ونفوسنا‪،‬‬ ‫فإنما نحن أح�ي��اء ب��اآلم��ال‪ ..‬وإن كانت باطلة‪،‬‬ ‫وسعداء باألماني‪ ..‬وإن كانت كاذبة»(‪.)14‬‬

‫إن هذا يضع نتاج المنفلوطي بشكل جلي ضمن‬ ‫إط��ار النثر الفني‪ ،‬ال��ذي قد يغلب عليه الطابع‬ ‫القصصي حينا‪ ،‬وقد يغلب عليه الطابع التأملي «أن��ا ذل��ك األب�ل��ه وذل��ك الضعيف‪ ،‬فاسمع كيف‬ ‫والوعظي أحيانا أخرى‪ ،‬ولعل تمكن المنفلوطي خدعني األصدقاء‪ ،‬وزينوا لي ما يزينه الشيطان‬ ‫من فنه ه��ذا‪ ،‬يجعل منه كاتبا أديبا نثريا على لإلنسان‪.‬‬

‫ومن‪ :‬الكأس األولى‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫والصحة‪ ،‬والفصاحة‪ ،‬واإلقدام‪ ،‬فوجدت فيه أربع‬ ‫رزايا‪ :‬الفقر‪ ،‬والمرض‪ ،‬والسقوط‪ ،‬والجنون»(‪.)15‬‬

‫من مناجاة القمر‪:‬‬ ‫«أيها الكوكب المطل من علياء سمائه‪ .‬أأنت‬ ‫عروس حسناء تشرف من نافذة قصرها‪ ،‬وهذه‬ ‫النجوم المبعثرة حواليك قالئد من جمان؟ أم‬ ‫ملك عظيم جالس ف��وق عرشه‪ ،‬وه��ذه النيرات‬ ‫حور وولدان؟ أم فص من ماس ما يتألأل‪ ،‬وهذا‬ ‫األف��ق المحيط ب��ك خاتم م��ن األن ��وار؟ أم م��رآة‬ ‫صافية‪ ،‬وه��ذه الهالة الدائرة بك إط��ار أم عين‬ ‫ثرة ثجاجة؟ وهذه األشعة جداول تتدفق؟ أو تنور‬ ‫مسجور‪ ،‬وهذه الكواكب شرر يتألق؟!‬ ‫* ‬ ‫ *‬

‫ *‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬

‫ ‬

‫(‪) 3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬

‫(‪) 7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪ )10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪ )16‬‬

‫إن��ك أن��رت األرض‪ :‬وه��اده��ا ون�ج��اده��ا‪ ،‬وسهلها‬ ‫ووعرها‪ ،‬وعامرها وغامرها‪ ،‬فهل لك أن تشرق‬ ‫في نفسي فتنير ظلمتها‪ ،‬وتبدد ما أظلمها من‬ ‫سحب الهموم واألحزان؟(‪.)16‬‬ ‫ف�ه��ذه ال �ن �م��اذج ال تمثل ب��أي��ة ح��ال ن��وع��ا من‬ ‫قصدية الكتابة الشعرية النثرية لدى المنفلوطي‪،‬‬ ‫إنما تجيء على شكل استرسال نثري فني داخل‬ ‫النصوص المنفلوطية التي لها هدف آخر غير‬ ‫الشعر المنثور‪ ،‬يتجلى في تأمل العظة والعبرة‬ ‫التي يطرحها النص للقراء‪ ،‬خاصة وأن جل هذه‬ ‫ال�م�ق��االت‪ ،‬أو القصص الوعظية كانت موجهة‬ ‫ل�ل�ق��ارىء ال �ع��ام‪ ،‬ال��ذي يطالع ذل��ك ف��ي صحيفة‬ ‫أسبوعية هي (المقتطف)‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫صدقت أن في الشراب أربع مزايا‪ :‬السعادة‪ ،‬أيها القمر المنير‪:‬‬

‫المنفلوطي لم يكتب الشعر المنثور بل كتب النثر الفني‪.‬‬ ‫«النظرات» و«العبرات» رسائل يوجهها المنفلوطي للناس تحمل آراءه في النفس واإلنسان والقضايا االجتماعية‪،‬‬ ‫وتتأدى في شكل مقالة أدبية‪ ،‬أو قصة‪ ،‬أو خطبة‪ ،‬أو حكاية‪.‬‬ ‫كنت أرى‪ ،‬فأفكر‪ ..‬فأكتب‪ ..‬فأنشر ما أكتب‪ ..‬فأرضي الناس مرة‪ ،‬وأسخطهم أخرى‪ ،‬من حيث ال أتعمد سخطهم‪ ،‬وال‬ ‫أتطلب رضاهم‪.‬‬ ‫مصطفى لطفي المنفلوطي‪ :‬األعمال الكاملة‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬دار الشرق العربي‪ ،‬حلب‪ -‬بيروت د‪ .‬ت «»‪.‬‬ ‫د‪ .‬عبدالقادر القط‪ :‬رؤية للشعر العربي المعاصر في مصر‪.‬‬ ‫مجلة‪ :‬إبداع‪ ،‬السنة الرابعة عشرة‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬مارس ‪1996‬م ص‪ .‬ص ‪.19 – 8‬‬ ‫مصطفى لطفي المنفلوطي‪ :‬األعمال الكاملة‪ ،‬المجلد األول‪( ،‬ص‪ .‬ص ‪.)26-25‬‬ ‫المرجع السابق (ص ‪.)5‬‬ ‫المرجع السابق (ص ‪.)479‬‬ ‫المرجع السابق‪ :‬الصفحات ‪،257 ،254 ،213 ،194 ،172 ،167 ،165 ،145 ،138 ،135 ،132 ،116 ،83 ،78 ،58 ،50 ،44‬‬ ‫‪ 576 ،400 ،354 ،335 ،308‬على الترتيب‪.‬‬ ‫المرجع السابق (ص‪ .‬ص ‪.)57-56‬‬ ‫المرجع السابق ص ‪ ،70‬وص ‪.72‬‬ ‫المرجع السابق (ص ‪.)96‬‬ ‫المرجع السابق (ص ‪.)100‬‬ ‫المرجع السابق (ص ‪.)237‬‬ ‫المرجع السابق ص‪ .‬ص ‪.596 -483‬‬ ‫مصطفى لطفي المنفلوطي‪ :‬األعمال الكاملة‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬دار الشرق العربي‪ ،‬حلب‪ ،‬بيروت د‪ .‬ت‪.‬‬ ‫المنفلوطي‪ :‬األعمال الكاملة – المجلد األول ص‪ .‬ص ‪.28-27‬‬ ‫المرجع السابق ص‪ .‬ص ‪.31-30‬‬ ‫المرجع السابق «ص ‪.36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪45‬‬


‫ليلة ٌ ال أحبها‬ ‫> السيد موسى البدري*‬

‫هذه الليلة التي ال أحبُّ ها‪ ..‬ليلةُ عقد قران حبيبتي «سعاد»‪ ..‬التي أحببتها صغير ًا‬ ‫وكنت أعتقد أنها تحبُّ ني‪ ..‬لم تكن السنون بيننا فارق ًا كبيراً‪ ..‬كانت تصغرني بسنتين أو‬ ‫ُ‬ ‫ثالث‪ ..‬لكن نفسي تميلُ إليها ميال ً عظيماً‪..‬‬ ‫هذه ليلة ٌ ال أحبُّ ها‪..‬‬ ‫طلبَ منـّي أب��ي أن أحضر ليلة عقـ ْد والمرتين‪..‬‬ ‫قرانها‪ ..‬لم أشأ أن أمانع‪ ..‬أردتُ أن أثبت‬ ‫ك ��ان أح ��د ال �ح �ض��ور ق��د ج ��اء ق�ب��ل أن‬ ‫له أنني أستطيع أن أدوس على قلبي كما يُق ّدم العشاء‪ .‬جلس قرب الجدار متكئاً‪..‬‬ ‫يفعل ال��رج��ال ال�ك�ب��ار‪ ،..‬الكبار إل��ى أبعد نحن فوق السطح ال تظللنا سوى السماء‬ ‫م ��دى‪ ..‬وه��و يعلم‪ :‬أن�ن��ي أردتُ خطبتها؛ السوداء‪ ،‬تحت حراب الضوء الساطع‪.‬‬ ‫لكنه رفض ذلك الطلب؛ ألني ما زلتُ طالبا‬ ‫قيل لي‪ :‬هناك قادم!‬ ‫جامعيا وال أملك من حطام الدنيا شيئاً‪،‬‬ ‫سوى مكافأةٍ زهيدةٍ ‪ ،‬لم يشأ أبي أن يتطلع‬ ‫ذهبتُ إليه فتربّع‪ ..‬ال أدري لماذا تذكرتُ‬ ‫إليها؛ فحسبه أني قد كفيته نفسي من باب حبيبتي كفالش الكاميرا‪ ،‬ولمحتُ بسمتها‬ ‫«إلم يكن خيرُك فكفاية شرِّك!!»‪.‬‬ ‫فجأة ً‪ ،‬لدرجة أن يدي ارتعشتْ ؛ فامتأل‬ ‫حضرتُ مبكراً مع أب��ي‪ ..‬ك��ان الوجوم الفنجان وانسكب بعض القهوة على يدي‪..‬‬ ‫يرسم في عينيَّ مالمح الثائر الجاهليّ ‪ ..‬ول��م أشعر بحرقتها‪ ..‬نظر إل��يّ الضيف‬ ‫ضبطتُ انفعاالتي رغ��م أن��ي رف�ض��تُ أن عاتباً‪ .‬لكنني لملمتُ حَ رَجي وأبدلته بعدم‬ ‫أشرب القهوة‪ ..‬كان أبي يخالسني‪ ..‬لعله اكتراث‪ ..‬أخذتُ الفنجان وتخطيتُ الضيف‬ ‫إلى الجدار‪ .‬ومن فوقه صببتُ القهوة إلى‬ ‫يحسب الدقائق قبل االنفجار‪..‬‬ ‫أسفل‪ ،‬خارج السطح‪..‬‬ ‫و لكي أبرهنَ‪ :‬أنني أستطيع أن أدوس‬ ‫فجأة ً سمعتُ صرخة ً تن ّم عن الحُ زْن‬ ‫على قلبي يا «سعاد»؛ قمتُ وحملت الدلة‬ ‫بيدي اليسرى‪ ،‬والفناجين باليد اليمنى‪ ،‬والمرارة‪ ..‬ث ّم سمعتُ امرأة تقول غضبى‪:‬‬ ‫وأخ��ذتُ أدو ُر بها على الضيوف‪ ..‬أصبُّ أحدهم صبّ القهوة على العروس‪..‬‬ ‫لهذا وآخذ فنجان هذا إذا فرغ‪ .‬أدو ُر المرة‬ ‫!!‬‫* ‬

‫‪46‬‬

‫قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫األبخــــــــرة‬ ‫> آمال الشاذلي*‬

‫زخات المطر المتتابعة تضرب بعنف في الجدران والنوافذ‪ ,‬محدثة أصوات ًا عديدة‪..‬‬ ‫تزيد من إحساسه العميق بالوحدة والوحشة‪ ,‬ال يبددهما ضجيج المذياع وال المئات من‬ ‫قنوات التلفاز‪ .‬يريد أن يتجاذب أطراف الحديث مع أحد‪ ..‬أن يختلف في وجهة نظر‪..‬‬ ‫يرفض‪ ..‬يوافق‪ ..‬يقترح‪ ..‬يريد أن يشعر أنه على قيد الحياة‪.‬‬ ‫كم يجتاحه إحساس عميق بالندم‪ ,‬حين‬

‫اعتقد أن حياته رتيبة بسبب تلك المشاكل‬ ‫التي ع��ادة م��ا كانت تستقبله بها زوجته‬

‫حال عودته من العمل مجهداً‪ ,‬عن شجار‬

‫األوالد‪ ..‬احتياجاتهم‪ ..‬دروسهم‪ ..‬كل ذلك‬ ‫لم يكن إال بئر سعادة‪ ,‬تعامى عنه‪ ,‬ولم ينهل‬

‫منه كما كان يجب‪ .‬إنه يتشوق ولو لساعة‬

‫ومتحكماً‪ .‬انتقل الولدان واالبنة الوحيدة‪,‬‬ ‫بكامل إرادتهم إلى أحضان غرباء‪ ..‬جنوا‬ ‫ب�س�ه��ول��ة م��ا ظ��ل س �ن��وات ط��وي�ل��ة يغرسه‬ ‫ويرعاه‪ ..‬فإذا به في نهاية المطاف وحيداً‪,‬‬ ‫شقياً‪ ,‬ال يجني إال الصمت القاتل؛ والذي‬ ‫زاد م��ن وط��أت��ه رح �ي��ل زوج �ت��ه بغتة دون‬ ‫رقاد‪ ..‬تاركة خلفها فراغاً موحشاً‪..‬‬

‫واحدة من تلك األيام الدافئة‪ ..‬يستشيره‬ ‫أين تلك الليالي التي كانت تملؤها بهجة‬ ‫أحد‪ ..‬يبث إليه شكواه‪ ..‬يعود ملكاً؛ حاكماً بحديثها المكرور عن زوج ابنتها األثيرة‪,‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪47‬‬


‫على واجهته حبات الزبيب والبندق المجروش‪..‬‬ ‫ك��م يجتاحه االش �ت �ي��اق اآلن إل��ى اصطكاك‬ ‫األوان� ��ي‪ ..‬إل��ى صوتها ال��رخ�ي��م‪ ..‬إل��ى طبق أرز‬ ‫باللبن‪..‬‬ ‫دفع األغطية عنه‪ ..‬أدار جسده‪ ..‬هبط بتؤدة‬ ‫من ف��راش��ه‪ ..‬اتجه نحو المطبخ‪ ,‬مستنداً بيده‬ ‫على الحائط‪ ..‬جال ببصره أنحاء المطبخ‪ ..‬مد‬ ‫يده المثقلة باألردية الشتوية السميكة‪ ..‬جذب‬ ‫األرز من أحد األرفف‪ ..‬أخرج اللبن من الثالجة‪..‬‬ ‫أشعل النار‪ ..‬وقف حائراً‪ ..‬من أين يبدأ؟! وكيف‬ ‫ينتهي؟!‬ ‫هرع نحو التليفون‪ ..‬أدار رقم ابنته التي كانت‬ ‫تغط في نومها؛ حيث تجاوزت الساعة الثالثة‬ ‫صباحاً‪ .‬جرس التليفون في ذلك الوقت ال يعني‬ ‫إال أخ�ب��اراً سيئة‪ !..‬اجتاحها هي وزوج�ه��ا قلق‬ ‫واضطراب شديدان‪ ..‬استجمع زوجها شجاعته‬ ‫بعد تردد لم يدم طويالً‪ ..‬هاله صوت حماه الذي‬ ‫أكد بثبات‪ ،‬وبعد إلحاح أنه بخير‪ ..‬فقط يريد أن‬ ‫يعرف كيف يصنع أرزاً باللبن‪.‬‬ ‫وزوج� ��ة ال��ول��د ال�ك�ب�ي��ر ال�م�ت�ع�ج��رف��ة‪ ,‬واألخ���رى‬

‫المدللة‪ ..‬عن األحفاد ونوادرهم‪ ?..‬ينصرف عن‬

‫حديثها إلى اإلنصات لنشرة األخبار أو متابعة‬

‫مسلسل؛ فتنصرف هي األخ��رى إلى المطبخ‪..‬‬ ‫تعبث باألواني والمالعق‪ ،‬وسرعان ما تتصاعد‬ ‫األبخرة عبر نافذة صغيرة تربط بين المطبخ‬

‫وال��رده��ة‪ ..‬فيشع ال��دفء واألل�ف��ة‪ ،‬وس��رع��ان ما‬

‫تأتي إليه بخطواتها ال��وئ�ي��دة حاملة طبق أرز‬ ‫باللبن‪ ,‬ال تزال تتصاعد منه األبخرة‪ ..‬وقد نثرت‬

‫* ‬

‫‪48‬‬

‫قاصة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫ابنته تكاد ال تصدق أذنها‪ ,‬وقد أخذت تعيد‬ ‫عليه ما سبق أن قاله زوجها لالطمئنان عليه؛‬ ‫فأكد لها بنفاد صبر أنه بخير‪ ..‬ألحت عليه أن‬ ‫ينتظر سويعات قليلة‪ ,‬وسوف تأتي إليه لتعده له‪،‬‬ ‫ولكنه أبى في حزم وعناد‪.‬‬ ‫ع��اد إل��ى المطبخ‪ ..‬وض��ع ال�م��اء ف��ي وع��اء‪..‬‬ ‫أضاف إليه األرز بعد غسله‪ ..‬رفع الوعاء على‬ ‫النار‪ ..‬غمرته سعادة طاغية لتصاعد األبخرة‪..‬‬ ‫أنسته الخطوة التالية‪ ..‬دون تردد راح يدير قرص‬ ‫التليفون‪..‬‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصة قصيرة‬

‫جاكلــــيــن وفطــــومة‬ ‫> هشام حراك*‬

‫‪ ...‬قبالة جهاز التلفاز‪ ،‬الذي يتحكم فيه ذاك الصحن المقعر المسمى «بارابول»‪،‬‬ ‫جلست فطومة تتابع أحداث الحلقة األولى من سلسلة‪« :‬الفاتنة جاكلين» التي شرعت‬ ‫تبثها قناة أجنبية‪ ...‬جاكلين دائما مبتسمة‪ ،‬وفطومة دائما عبوسة‪ ...‬جاكلين تبعثر‬ ‫أوراقها المالية يمنةً ويسرة‪ ،‬وفطومة ما تزال تتقشف في صرف منحتـها التي قبضتـها‬ ‫منذ شهرين ونصف الشهر‪ ...‬جاكلين ترتدي تنورة قصيرة خضراء‪ ،‬قالت عنـها فطومة‬ ‫إنـها أحدث موضة ظهرت في السوق‪ ،‬لذلك قررت أن تنـزع عنها الجالبية‪ ،‬وأن تبتاع لها‬ ‫واحدة مثلها بمجرد أن تخرج من البيت في اليوم التالي‪...‬‬ ‫‪ ...‬شاهدت فطومة جاكلين تخرج رفقة‬

‫جون من الجامعة‪ ،‬وأعجبت أيما إعجاب‬ ‫بتلك الجلسة الرومانطيقية التي جمعتهما‬ ‫بمقهى «الجونيس» بدعوة من جون طبعا‪...‬‬

‫تذكرت فطومة يوم دعاها عباس لشرب‬

‫مشروب على حسابه بمقصف الجامعة‪...‬‬ ‫تألمت لرفضها االستجابة لدعوة المسكين‬

‫عباس‪ ،‬لذلك قررت أن تطلب – هي هذه‬

‫ال��م��رة – منه مرافقتها لشرب مشروب‪،‬‬

‫على حسابه طبعا‪ ،‬ولالستمتاع بجلسة‬

‫رومانطيقية‪ ،‬تماما‪ ،‬مثل التي تستمتع بها‬ ‫جاكلين‪ ،‬اآلن‪ ،‬برفقة جون‪...‬‬

‫* ‬

‫‪ ...‬ع�ل�اق���ة ج��اك��ل��ي��ن ب���ج���ون ال ت���زال‬ ‫مستمرة‪ ،‬لكن فطومة طلبت من عباس أن‬ ‫يتقدم لخطبتها من أهلها‪ ،‬وهددته بوضع‬ ‫حد لعالقتها به؛ ألن القيل والقال كثر هذه‬ ‫األي��ام‪ ...‬رفض تلبية طلبها رفضا قاطعا‪،‬‬ ‫وقال إن هاجسه األول هو الحصول على‬ ‫الشهادة‪ ...‬تألمت فطومة‪ ،‬كثيرا‪ ،‬لموقف‬ ‫ع��ب��اس م��ن ال��ط��ل��ب‪ ،‬وت��س��اءل��ت م���اذا ك��ان‬ ‫سيكون موقف جون لو أن جاكلين طلبت‬ ‫منه ذلك؟؟؟‬ ‫‪ ...‬لكن‪ ...‬ماذا يفيد السؤال يا فطومة‬ ‫وق���د ان��ت��ه��ت ح��ل��ق��ات س��ل��س��ل��ة‪« :‬ال��ف��ات��ن��ة‬ ‫جاكلين»؟!‬

‫قاص من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪49‬‬


‫بطاقة صعود‬ ‫> حسن علي البطران*‬

‫كنت ‪ -‬كأي مسافر في صالة المطار ‪ -‬حام ًال حقيبتي بيد‪ ،‬وتـذكرة السفر باليـد‬ ‫ُ‬ ‫األخرى‪ ..‬ومصطف ًا خلف وفود بشرية في سلسلة طويلة أمام (كاونتر) إصدار بطاقات‬ ‫��وت خفيفةٍ وناعمةٍ من الخلف‬ ‫نبرات ص ٍ‬ ‫ِ‬ ‫صعود الطائرة‪ .‬وأثناء ذل��ك امتصت أذن��اي‬ ‫التفت تجاه تلك النبرات الصوتية التي تحملُ اسمي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تناديني‪ ..‬نعم تناديني باسمي‪،‬‬ ‫وشددت التركيزَ‪ ،‬وقد اهتديت‬ ‫ُ‬ ‫ولكن لم يتسنَّ لي معرفة مصدرها تحديداً‪ ..‬أطلت النظر‪،‬‬ ‫وتوصلت غايتي في معرفة من يناديني‪ ..‬إنها فتاة في العشرين من‬ ‫ْ‬ ‫إلى تحقيق مرادي‪،‬‬ ‫ركزت فيها‪،‬‬ ‫عمرها‪ ،‬وتمتلك أعلى مراتب الجمال‪ ،‬ويتحقق فيها كامل مقومات األنوثة‪ُ ..‬‬ ‫ال أعرفها‪ ،‬وال نظرتها عيناي‪ ،‬وال رأيتها حتى في األحالم أو الخيال‪!..‬‬ ‫ب���ادرت���ن���ي ب���ال���س�ل�ام ب���ح���رك���ة ي���ده���ا‪،‬‬ ‫وبابتسامة م��ن شفتيها‪ ..‬فضولي (أل��ح)‬ ‫عليّ السير نحوها‪ ،‬وإليها تحديداً وعنوةً‪..‬‬ ‫سألتها‪ :‬أختي العزيزة‪ ..‬عفواً من أنت‪..‬؟‬ ‫أجابت دون تردد وبهدوء‪ :‬أنا (سمر)‪..‬‬ ‫ومن هي (سمر)‪..‬؟ قلتُ لها‪!.‬‬ ‫أجابت‪ :‬أن��ت أكيد ال تعرفني‪ ،‬ولكنني‬ ‫أعرفك جيداً‪..‬‬ ‫ازداد استغرابي‪ !..‬وكيف ك��ان لك أن‬ ‫تعرفيني‪..‬؟!‬ ‫فأجابت‪ :‬وهل يخفى(‪ )...‬قالتها دون‬ ‫ثقة من أمرها‪..‬‬ ‫خجل أو تردد‪ ،‬وهي في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شكرتها‪ ..‬وع��اودتُ سؤالي مرة أخرى‪:‬‬ ‫كيف تعرفينني أو كيف عرفتيني‪ ..‬وأنا لم‬ ‫يسبق أن رأيتك قط‪ ،‬ولم يسبق لي الحديث‬ ‫مع فتاة في سنك وجمالك‪..‬؟!‬

‫* ‬

‫‪50‬‬

‫قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫قالت‪ :‬أمور عديدة عرفتني بك‪..‬‬ ‫زاد استغرابي‪ ،‬وانتفضت فرائصي‪..‬‬ ‫سبقتني بالكالم قائلةً‪ :‬كلها خير‪..‬‬ ‫ما هي قلتُ ‪ :‬لها‪..‬؟‬ ‫قالت‪ :‬كل ما أعرفه عنك خير ويستحق‬ ‫الثناء‪..‬‬ ‫حاولتُ أن أشرع معها في الحديث حول‬ ‫ذل���ك‪ ،‬لكن ن���داء م��وظ��ف ش��رك��ة الطيران‬ ‫عرقل ذلك‪ ..‬لكنها وعدتني أن نلتقي مرة‬ ‫أخ��رى‪ ،‬وغ��ادر ك� ٌل منا إل��ى بوابة سفره‪..‬‬ ‫سخونة الموقف أنستني أن أسألها‪ ..‬متى‬ ‫وأين وكيف نلتقي‪ ،‬ولم يترك كالنا لآلخر‬ ‫وسيل ًة لذلك اللقاء‪..‬؟!‬


‫> عبدالله الزماي*‬

‫النجاح في التقاط صورة‪ ،‬يعني النجاح في القبض على الزمن الهارب منا عنوة‪..‬‬ ‫فأي لحظاته أجدر بالقبض عليها وتخليدها‪..‬؟ هذا سؤال تأملي بعيد الغور‪ ..‬ربما لست‬ ‫مستعد ًا لخوض متاهته اآلن‪...‬‬ ‫اآلن أمامك مشهد حي‪ ..‬وبيدك آلتك‪/‬‬ ‫سالحك‪ ..‬ولكنك تريد صيدا ثمينا‪ ..‬لحظة‬ ‫نادرة‪ ..‬تريد اختطاف أجمل لحظات هذا‬ ‫المشهد على اإلطالق‪.‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫كيف تنجح في التقاط صورة جميلة‪!...‬‬

‫تنزلها وأنت تنظر بنظرة متأملة‪ ..‬وتزفر‪.‬‬ ‫ك��ان عليك أن تتخذ ق� ��راراً ف��ي اللقطة‬ ‫الماضية‪ ..‬ولكنك تصر على االنتظار بحثا‬ ‫عن مشهد أجمل‪ !..‬االنتظار ليس ق��راراً‬ ‫على كل حال‪..‬‬

‫ي��راودك سؤال آخر‪ ..‬أشد إلحاحا من‬ ‫س��اب�ق��ه‪ ..‬ولكنك تتجاهله‪ ..‬وت �ب��دو أكثر‬ ‫يطير الطائر األي�س��ر وأن��ت تراقبه‪..‬‬ ‫حزما وتركيزا‪ ..‬تقبض على اآللة بيديك‪ ..‬كانت لحظة وُثوبه مواتية‪ ..‬ولكنك تمعن‬ ‫تتظاهر ب��االح�ت��راف�ي��ة‪ ..‬وت�ص��وب فوهتها في التأجيل‪ ..‬يحلق الطائر على مقربة‬ ‫نحو المشهد‪.‬‬ ‫من الطائر األول‪ ..‬يقتربان من بعضهما‪..‬‬ ‫الشمس تتكسر أشعتها خلف البيت وينعطفان سويا بحركة انسيابية‪ ..‬وعلى‬ ‫الطيني المواجه‪ ..‬ويمأل ضياؤها األفق‪ ..‬ارتفاع مناسب عن البيت الطيني المقابل‪..‬‬ ‫وينعكس على طائرين يقفان بشكل متجاور وأنت ما تزال مشدوها‪ ..‬تفكر أن المشهد‬ ‫على أسالك الكهرباء المقابلة لك تماما‪ ..‬ل��م يكتمل بالنسبة ل ��ك‪ ..‬تظل تتابعهما‬ ‫فيشكل النخيل اليابس الطويل المقابل كما لو كنت تتابع مشهداً درام �ي �اً‪ ..‬تردد‬ ‫للبيت ال�ط�ي�ن��ي ش� �م ��االً‪ ..‬خلفية جميلة مع نفسك‪ ..‬أنك لم تكن تبحث عن أكثر‬ ‫للصورة التي تنوي التقاطها‪.‬‬ ‫من صورة‪ ..‬وأن لكل فن منطقه ومنطلقه‬

‫ت�ن�ت�ظ��ر‪ ..‬رب�م��ا ت�ك��ون اللحظة ال�ق��ادم��ة الخاصين به‪ ..‬يجب أن تكون أكثر إيمانا‬ ‫أبلغ جماالً! يطير الطائر األيمن بأفق مواز بهذه العبارة في المرة القادمة‪ ..‬وتتعرف‬ ‫لسطح البيت الطيني‪ ..‬تاركا اآلخر خلفه‪ ..‬على اللحظة األجمل في وقتها‪ ..‬تماما!‬ ‫يحلق ال�ط��ائ��ران على مستوى أعلى‪..‬‬ ‫ت�ت��ردد أك�ث��ر‪ ..‬وت ��زداد حيرتك‪ ..‬تدني‬ ‫العدسة من عينك وتنظر من خاللها‪ ..‬ثم يفترقان‪ ..‬ويغيبان في الشفق‪!..‬‬ ‫* ‬

‫قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪51‬‬


‫قصص قصيرة جدا‬ ‫> د‪ .‬محمد محقق*‬

‫نهاية‬ ‫طاردته أشباح الهم والعذاب‪..‬‬

‫فأمسك بسيف أوهامه‪..‬‬

‫وعلى كتفه أراح رأسه المحموم‪..‬‬

‫حين ارتشف آخر جمرات الحياة‪...‬‬

‫إلهام‬ ‫في خفة الروح ورقة الفؤاد‪..‬‬

‫ينسكب ينبوع إلهامه‪..‬‬

‫قصائد تنبض في معنى الكلمات‪..‬‬ ‫منقوشة على مرايا الحلم‪..‬‬

‫تثير زوبعة الذكرى ورياح األمل‪..‬‬

‫جندي اإلبداع‬ ‫في دروب فن االكتشاف‪..‬‬

‫يظهرمالمحه للعابرين‪..‬‬

‫يبحث عن إبداع اآلخرين‪..‬‬

‫إلحياء شهوة الكتابة في كيانهم‪..‬‬

‫مجنون‬ ‫يراود العشق روحه المتعطشة‪..‬‬

‫إلى نسائم فن الكتابة‪..‬‬

‫يداعب نجماتها المتأللئة‪..‬‬ ‫ويعطر ليلها الجموح‪..‬‬

‫معلناً بداية االفتنان والجنون!‬

‫* ‬

‫‪52‬‬

‫كاتب وناقد وباحث مغربي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫نصر‬ ‫توجّ ه إلى ساحة الوغى‪،‬‬ ‫يحمل جثته في كفه‪..‬‬ ‫لما خرج من المعركة‪..‬‬ ‫سقطت الجثة‪،‬‬ ‫وفي الكف نبتَ غص ٌن أخضر‪..‬‬

‫منبوذ‬ ‫كأن عينيه سيل عرم‪..‬‬ ‫حين تقلصت مساحته‪..‬‬ ‫وتقاذفته عواصف الفراغ‪..‬‬ ‫إلى عالم النسيان‪..‬‬

‫أسطول الحرية‬ ‫الحمائم في عرض البحر‪ ،‬وعلى الشط تقف‬ ‫العصافير تتلهف الوصول‪ ،‬وزبانية جهنم توجه‬ ‫مدافعها صوب أغصان الزيتون‪..‬‬

‫شاعر‬ ‫في ساحة الشعر‪..‬‬ ‫حيث الهمم منتصبة‪..‬‬ ‫حمل قصيدته بين فكيه‪..‬‬ ‫يرثي جمالية اللغة‪،‬‬ ‫وانكسار ميزان الذهب‪..‬‬


‫> ماجدة اخلالدي*‬

‫حد السيف‬ ‫ُّ‬ ‫تطل من نافذة غرفتها واقفة واضعة رأسها‬ ‫على جانب اجلدار‪ ،‬حيث نسمات الهواء اللطيفة‬ ‫تداعب خصالت شعرها املنساب على كتفيها‪..‬‬ ‫تفكر مباضيها وحاضرها‪..‬‬ ‫تسترجع ذكريات طفولتها‪..‬‬ ‫ن���اظ� � َرت ال��س��م��اء ال��ت��ي حت �ت �ض��ن جن��وم�ه��ا‬ ‫الالمعة‪ ..‬تتأملها وحتاكيها‪..‬‬ ‫تعبت من الصمت‪ ..‬وجتاهلِ أهلها لها‪..‬‬ ‫لم يكن لها أي رأي‪..‬‬ ‫تغيرت أشياء كثيرة في حياتها‪..‬‬ ‫دف� �ن ��ت ع��م��ره��ا ال �ص �غ �ي��ر ب �ص �م��ت ي �ط��ول‬ ‫مجاراته‪.‬‬ ‫أجبرها والدها على ال��زواج من ابن خالها‪..‬‬ ‫فوافقت خوفا من بطشه‪..‬‬ ‫ول��م ميض شهر على زواجها حتى انفصلت‬ ‫عن زوجها؛ فابن خالها لم يكن ليناسبها‪ ..‬فقد‬ ‫كان ُمكرهاً عليها كما كانت هي األخرى مكرهة‬ ‫عليه‪ ..‬لكن رغبة والديهما أكرهتهما على ذلك‪..‬‬ ‫الشيب‬ ‫بعد فترة قصيرة تقدم لها رجل خط‬ ‫ُ‬ ‫رأس���ه‪ ،‬وظ �ه��رت جت��اع�ي��د وج �ه��ه‪ ..‬ف�ق��د جت��اوز‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصتان قصيرتان‬ ‫اخلمسني عاما‪ ..‬أما هي ففي احلادية والعشرين‬ ‫من عمرها‪..‬‬ ‫ل��م تكن ل�ت��رف��ض‪ ..‬فغلظة وال��ده��ا وقسوته‬ ‫أجبراها على الزواج منه‪ ..‬فهي في رأي والدها‬ ‫مطلقة‪ ..‬وك�لام ال�ن��اس كثير‪ ..‬فرضخت ألمر‬ ‫والدها‪ ..‬ومت زواجهما‪..‬‬ ‫وماذا كانت النتيجة ؟‬ ‫الطالق‪ ..‬مرة أخرى‪..‬‬ ‫فلم يتوافق عمرها مع عمره‪ ،‬وال تفكيره مع‬ ‫تفكيرها‪..‬‬ ‫فهي الصغيرة‪ ..‬ولها أحالمها وطموحاتها‬ ‫كأي فتاة حاملة مبستقبلها‪..‬‬ ‫رجعت إلى ظالم أحالمها‪ ..‬وإلى سجن قلبها‬ ‫الصغير‪ ..‬إل��ى بيت وال��ده��ا ال��ذي تتعامل فيه‬ ‫معاملة اخلدم‪..‬‬ ‫فال رأي لها‪ ..‬وال خروج من البيت وال يسمح‬ ‫لها مبهاتفة زميالتها‪..‬‬ ‫فقد حرموها من كل ش��يء‪ ..‬ذنبها في ذلك‬ ‫أنها مطلقة‪!!..‬‬ ‫لقد حكمت عليها األيام بالصمت‪..‬‬ ‫وها هي تنتظر من يخلّصها من هذا الكابوس‬ ‫املزعج‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪53‬‬


‫بقايا ألوان‬ ‫حتلّق بخيالها بعيداً عب َر فرشاتها السحرية‪،‬‬ ‫وه��ي تتغلغل داخ��ل مساحات ال��ورق األب�ي��ض‪..‬‬ ‫ح�ل�م�ه��ا أن ت�ص�ب��ح رس ��ام ��ة ع��امل �ي��ة ب�ف��رش��ات�ه��ا‬ ‫الذهبية‪..‬‬ ‫كبرت‪ ،‬وكبر حلمها‪ ،‬ودخلت قسم الفنون‪..‬‬ ‫وتعلمت فيه الرسم ومزج األل��وان‪ ..‬ترسم جرأة‬ ‫وثقة‪ ،‬فهي متلك أنامل محملة بكل فن ممتع‪..‬‬ ‫مرسم يليق بها كفنانة‬ ‫فتح‬ ‫تخرجت على أمل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫واثقة من ريشتها املتواضعة‪..‬‬ ‫ويوما بعد يوم‪ ..‬حتطمت كل أمالها وتكسرت‬ ‫فرشاتها وتبعثرت ألوانها‪ ..‬إذ ال مجيب ملوهبتها‬ ‫الضائعة ما بني ركام املجتمع وتقاليده الزائفة‪..‬‬ ‫إنها تعمل خادمة لآلخرين‪..‬‬ ‫فتمسك ال�س�ك�ين‪ ..‬وتقطع ال �ب �ص��ل‪ ...‬و‪...‬‬ ‫و‪...‬‬

‫* ‬

‫‪54‬‬

‫قاصة من الجوف ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫> أفراح الكبيسي*‬ ‫تمنيت أنْ أصبحَ شيئ ًا آخرَ‪..‬‬ ‫ُ‬

‫أصبحت شجرة‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫تخيلت أني‬ ‫ُ‬

‫غير ابن آدم‬

‫بالفعل شجرة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫لكني‬

‫صخرةٌ مثالً‪..‬‬

‫أعطي الثما َر بال انتظارٍ للشكر‪..‬‬

‫أحس بشيءٍ ‪..‬‬ ‫ال ُ‬

‫وأتجردُ من أوراقي كلّ خريف‪..‬‬

‫هدف‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫واقف مكاني دونما‬ ‫ُ‬

‫أ ُِظلُّ كلّ الحيارى‪..‬‬

‫للجلوس عندي‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫راعني أنّ المار َة يتوقفون‬ ‫أحبب أبد ًا أنْ أصبحَ محط َة استراحة‬ ‫ْ‬ ‫لم‬ ‫***‬ ‫تخيلت نفسي أصبحُ بحراً‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫قرص الشمس‪..‬‬ ‫ممتد ًا يتأل ُأل تحت ِ‬ ‫النوارس‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫وتحومُ حوله‬ ‫لكنّ فكر َة السفرِ لم تستهوني‪..‬‬ ‫نفس الواقع‬ ‫واألعاصيرُ أعادتني إلى ِ‬

‫الشمس بكل قسوتها‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫وتضربني‬ ‫العواطف‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫أعماق‬ ‫ِ‬ ‫جذري ممتدٌ نحو‬ ‫والكتب‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫وقمتي عالية وتنمو بالماءِ‬ ‫أغصاني متدليةٌ من الحزنْ‬ ‫***‬ ‫صرت زهرة‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ماذا لو‬ ‫عطرها يم ُأل المكانَ ‪..‬‬ ‫القلوب‪..‬؟‬ ‫ْ‬ ‫وألوانها تُبهجُ‬ ‫لكني سرعانَ ما سأذوي‪..‬‬

‫ربما قد أصبحُ سماءً ‪..‬‬

‫أو طيراً‪..‬‬

‫صافيةً ‪ ..‬دافئةً ‪..‬‬

‫أم ُأل بالزقزقةِ أشجا َر الحي‪..‬؟‬

‫قريبةً ‪ ..‬بعيدةً‪..‬‬

‫مخلب‬ ‫ْ‬ ‫لكني سأكونُ فريسةً لكلّ ذي‬

‫واسعةً ‪ ..‬زاهية‪..‬‬

‫أي شيء آخر‪..‬‬ ‫تمنيت أنْ أكونَ ّ‬ ‫ُ‬

‫الفصول ليس من شيمي‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫لكنّ تقلّبَ‬

‫أي شيء حولي‪..‬‬ ‫ّ‬

‫وأودُ لو أكون أكث َر ثباتا‬

‫غي َر ابن ادم‪..‬‬

‫***‬ ‫* ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫أمنية صعبة‬

‫ما أصعبَ أن أكونَ بشراً!‬

‫شاعرة من العراق‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪55‬‬


‫بُ َ‬ ‫ع على جدران القلب‬ ‫ق ٌ‬ ‫> زكية جنم*‬

‫بقعة زمن‬

‫بقعة دم‬ ‫تختلف كريّات الدم داخل جسدي‬

‫في الفراش‪ ..‬يجف حلقي‬

‫يتداخل في دمي شعوران معذبان‬

‫تتسع حدقتاي‬

‫عجزٌ وفزع ٌ‬

‫يقفز سمعي خارج الباب المغلق‬

‫أصبحت ال أحتملهما‬

‫باحث ًا عن نهاية ٍ لحدة ٍ‬

‫تخور قواي‬

‫تمتطي األصوات المفزعة‬

‫تنهار قامتي‬

‫كم أكره الصراخ؟!‬

‫تتعامد أضلعي بصدر األرض‬ ‫وأفقد بعدها الوعي بإصرار‬

‫بقعة سؤال‬

‫أشرب كأس هدوء‬ ‫تتغلغل برودته بأوردتي‬

‫كيف لي أن أجرّب الذوبان داخل عمقك؟‬

‫تكتسي أضلعي‬

‫وعمقك ليس سوى‬

‫أهدأ‪ ..‬أهدأ‬

‫صخور ناتئة‬

‫ويهدأ‪ ..‬حين أغلق عيناي‪ ..‬كل شيء‬

‫أرض جدباء‬

‫ال أظن أن عيناي‬

‫وصحراء قاحلة‪..‬‬

‫ستعرفان طريق الدمع مرّة أخرى‬

‫قطرة مطر أنا‬

‫اعتدت عدم البكاء‬

‫لكن ليس بوسع المطر‬

‫اعتدت الصمت‬

‫إرواء الصحاري‬

‫وال شيء غير الصمت‬

‫* ‬

‫‪56‬‬

‫بقعة هدوء‬

‫شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫زمن ال يرى‬ ‫> شعر‪ :‬خالد احل ِّلي*‬ ‫��������ت وك��������لُّ ال����ع����م����رِ ط���ف���لُ‬ ‫ط���ف���ل���ةٌ أن ِ‬

‫وه�������و ك�����ه�����لٌ ول�������ه األح������ل�����امُ ت��ح��ل��و‬

‫ال تُ����ف����ي����ق����ي ف����ي����ه ج������م������ر ًا ن����ائ����م���� ًا‬

‫واح���������ذري ف���ال���ج���م���ر ي��ب��ق��ى وي���ظ���لُ‬

‫�����ب ي�����غ�����دو ل���ه���ب��� ًأ‬ ‫ف������ي دم���������اء ال�����ق�����ل ِ‬

‫������������وى ل����ي����س ل������ه بَ�������عْ �������دٌ وق����ب����لُ‬ ‫ً‬ ‫وج‬

‫�����س ع���ي���ن���ي���ك ل��ه‬ ‫خ����فّ ����ف����ي م������ن ه�����م ِ‬

‫ف��ه��و م��ن ه��م ِ��س ِ��ك ال‪ ..‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬يملُّ‬

‫����ض‬ ‫دف�����ت�����ر ال�����ع�����م�����رِ خ����ل����ي����ط غ����ام ٌ‬

‫وال������ه������وى ص���ف���ح���ات���ه ال ت��ض��م��ح��لُ‬

‫ال ت������ك������ون������ي ص�����ف�����ح�����ة م���ن���س���ي���ة‬

‫���س���تَ���ه���لُ‬ ‫�������ت ل���ل���ص���ف���ح���ات ف����ج����رٌ يُ ْ‬ ‫أن ِ‬

‫ل���م���ل���م���ي أوراق�������������ك ال�����ح�����ي�����رى ب�لا‬

‫�����ب وع����ق����لُ‬ ‫�����ض�����ن�����ى ب������ه ق�����ل ٌ‬ ‫ن����������دمٍ يُ ْ‬

‫������������ت ل������ل�����أرض اب������ت������ه������اجٌ دائ���������مٌ‬ ‫أن ِ‬

‫��������������ت ل�����ل�����ج�����نّ�����ةِ ري�������ح�������ان وف�������لُّ‬ ‫ٍِ‬ ‫أن‬

‫����م‬ ‫ات�������رك�������ي�������ه ف���������ي ف�������ض�������اء م����ب����ه ٍ‬

‫ل�������ه ف�������ي أف������ي������ائ������ه ض������������وءٌ وظ�������لُ‬

‫�������زق‬ ‫ف�����ه�����و ي�������ا ط�����ف�����ل����� َة ع������م������ري ن ٌ‬

‫�������زوات ت��ح��ل��و‬ ‫ُ‬ ‫وه�������و ك����ه����لٌ ول�������ه ال�������ن‬

‫* ‬

‫شاعر عراقي مقيم في أستراليا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪57‬‬


‫ساحرة النغمات‬ ‫فاتنة األوتار السمراءْ‬

‫فاتنة األوتار العذراءْ‬

‫بأنامل بسمتها البيضاءْ‬

‫بأنامل بسمتها البيضاءْ‬

‫***‬ ‫الوتر يتوق ألنملة ٍ‬

‫تركض عبر سماءِ النغمة ِ‬ ‫ُ‬

‫تلعب في أوتار القلب‬

‫تعزف‬

‫تلثم وجه البدر ِ‬

‫تصوغ النغمةً‬

‫وتمرحُ في األجواءْ‬

‫يخرج لحن ًا من كفيها‬

‫تلمس وتر ًا باألنملة‬

‫شمس بين يديها‬ ‫ٌ‬ ‫تشرق‬

‫الدف‬ ‫ْ‬ ‫تمنحه‬

‫يغردُ‬

‫تروى األعين باألضواءْ‬

‫يصوغ اللحن‬

‫يقفزُ‬

‫يورق شجرٌ‬

‫يهز الليل‬

‫يصرخ أن حياة المرء‬

‫ينضج ثمرٌ‬

‫يحيل الظلمة أنغاما‬

‫بدون الحب‬

‫ي���رق���ص ن��ج��م ال��ل��ي��ل س��ع��ي��د ًا‬

‫تكونُ هباءْ‬

‫باألصداءْ‬ ‫***‬

‫***‬

‫صانعة أحالما‬ ‫ًٌ‬ ‫ترويه حنان ًا‬ ‫يتسامى‬

‫‪..........‬‬ ‫ويجيء البدر‬ ‫يطوف ويسأل عن بسماتْ‬ ‫الصامت صار اآلن‬ ‫ُ‬ ‫الليلُ‬

‫فاتنة األوتار تساف ْر‬

‫فاتنة األوتار تراها‬

‫يعيش وينعم بالهمساتْ‬

‫تسبح عبر الموج الهاد ْر‬

‫هائمةً في فيض رؤاها‬

‫يطل الطيرُ ويهمس‬

‫ترفع كف ًا‬

‫تنطلق الروحُ بصحبتها‬

‫من بحر النشو ْه‬

‫تشعل موج ًا‬

‫لسهول النشوة ورباها‬

‫ي��ا ب���در ه��ن��ال��ك ت��ع��زف س��اح��رة‬

‫تخفض كف ًا‬

‫والوتر يحن للمستها‬

‫تزرع أحالم ًا وبشائ ْر‬

‫تغضب فتثير بغضبتها‬

‫تسكن بيت النغمة زمن ًا‬

‫ثائرة النفس وشكواها‬

‫ثم تغاد ْر‬

‫وتعود نسيم ًا يتهادى‬

‫اإلنصات‬ ‫ِ‬

‫فتسر القلب بنجواها‬

‫ويصبح من أهل الصفو ْه‬

‫***‬ ‫* ‬

‫‪58‬‬

‫> محمد عباس علي داود*‬

‫شاعر من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫النغمات‬ ‫ِ‬ ‫تردد أنغام ًا حلو ْه‬ ‫فيطل البد ُر‬ ‫ي��ج��ال��س أرواح������ ًا ت��س��ك��ن بحر‬


‫> محمد الفوز*‬ ‫روح –هنا‪ -‬م��ن��س��ي��ة َ ال���عُ ���مُ ���رِ‬ ‫أن����ي����نُ ٍ‬ ‫���ب ف���ي ح���ض���رةِ ال����رؤي����ا‪ ،‬وت��ش��غ��ل��ن��ي‬ ‫أغ���ي ُ‬ ‫ث���وب���ي س������ؤالُ ال����ه����وى‪ ،‬ي���ا وي�����لَ رائ���ح���ةٍ‬ ‫ت�����واط�����أ ال����ل����ي����لُ غ������ي������ران������ا‪ ...‬ب��م��ت��ك��ئ‬ ‫جسد‬ ‫ٍ‬ ‫يخيط سنينَ ال��ده��رِ ف��ي‬ ‫ُ‬ ‫بعضي‬ ‫�������ل يُ �����واس�����ي�����ن�����ا؛ ف����ن����دركُ ����هُ‬ ‫م������ش������وا ُر ظ ٍ‬ ‫����اف ال���وص���اي���ا ال ي��ؤج��ل��ن��ا‬ ‫ن��م��ش��ي خ����ف َ‬ ‫ِم������نَ ال���م���ش���ي ِ���ب اب���ت���دأن���ا‪/‬ي���ا َل��غ��ف��ل��ت��ن��ا‬ ‫����اف م��ل��بَ��سَ ��نَ��ا‬ ‫����م‪/‬ع َ‬ ‫������وب ق����دي ٍ‬ ‫ف����ي كُ ������لِّ ث ٍ‬ ‫��س ال����وج���� َع ال��م��ن��س��يَّ ف���ي ش��ج ِ��ن‬ ‫و ن��ل��ب ُ‬ ‫���ت‬ ‫ق���م���ي���ص ي����وس����ف آوي���ن���اه‪/‬ف���اش���ت���ع���ل ْ‬ ‫����ص ح����ي����ن ن���ن���زع���ه‬ ‫ن����غ����ت����الُ ك�����ل ق����م����ي ٍ‬ ‫���واب‪/‬ت���ص���رع���ن���ا‬ ‫ال���س���ر ف����ي ش��ه��ق��ة األث ِ‬ ‫م���ه���م���ا ح����زم����ن����اه‪ /‬ال ي���ك���ف���ي ل��ش��ه��وت��هِ‬ ‫ث������وب������ي‪ ..‬م������ف������از ُة أس������������رارٍ ‪ُ /‬أج���نِّ���بُ���ه���ا‬ ‫كُ ���ن���ا ص���دي���ق���ي���ن‪/‬و ال���ن���س���ي���انُ ث��ـ��ـ��ـ��الِ ��ثُ ��ن��ا‬ ‫إذا ت��������ع��������ددتْ ال���������م���������رآ ُة ف�������ي ش����ب����هٍ‬ ‫��ت ذاك��������ر َة ال���ح���ي ال������ذي ه���دم���وا‬ ‫ل��م��ل��م ُ‬ ‫�����ب ظ����ه���� َر ال���ت���لَّ ‪/‬ن���ص���ع���ده‬ ‫أي����������امَ‪ ،‬ن�����رك ُ‬ ‫و ال���ط���ي���نُ ف����ي ج���ي���ب���ن���ا‪/‬مَ ���اال ن��خ��ب��ئ��ه‬ ‫���ن م��غ��ت��ب��ط��ا‬ ‫أك���������اد أت�����رك�����ن�����ي‪ /‬ل���ل���ط���ي ِ‬ ‫������رت آخ�������� َر م�����ن ي��������أوي ل���ح���ان���تِ ���هِ‬ ‫������ص ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ش�����يء ي����رح����لُ ع����ن����ا‪ /‬ق����ب����لَ م����وع����دهِ‬ ‫خ���ي���ط ال��������وداع ه����و ال����ح����ادي ل��ش��ب��ه��ت��ن��ا‬ ‫��ص على‬ ‫ت��م��زق ال��ط��ي��ن‪/‬و ان��س��ل ال��ق��م��ي ُ‬ ‫* ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫في حضرة الرؤيا‬

‫����ل ش���������اردِ ال���ق���م���رِ‬ ‫�����د ل����ي ٍ‬ ‫ت����غ����ف����و‪ ..‬ألب�����ع ِ‬ ‫����اك‪ -‬أس��ئ��ل��ة ٌ ف���ي م��ن��ت��ه��ى ال���ح���ذرِ‬ ‫ه����ن َ‬‫م��������رَّ تْ ع���ل���ى ج����س����دي م���خ���ب���وءة األث����ر‬ ‫����ك م���ا ج������ادتْ ب���ه وت���ري‬ ‫����س����م����ارِ ‪ ،‬يُ ����ربِ ُ‬ ‫ال ًّ‬ ‫و اآلخ�������رون «ب��ب��ع��ض��ي» أف���ل���ت���وا عُ ���مُ ���ري‬ ‫‪/‬ط��ف��ن��ا م��ل��ع��بَ ال ِ��ص��غَ��رِ‬ ‫��ال ُ‬ ‫ف��ي زح��م��ةِ ال��ب ِ‬ ‫ثِ ���ق���لُ ال����وع����ودِ ‪/‬نُ����داري ال��خ��ط�� َو ب��األث��رِ‬ ‫�����م‪ ،‬ت���ن���اءَتْ ف���ي دُ ج����ى ال��ب��ص��رِ‬ ‫س��ن��ي��نُ وه ٍ‬ ‫روح؛ ت���م���ن���ى سَ ������ك������ر َة ال����ق����درِ‬ ‫ن����ب����ي����ذُ ٍ‬ ‫ُ�����درك أال ش���ي َء ف��ي ال ُ��ح��فَ��رِ‬ ‫ال��م��وت��ى‪ ..‬ون ُ‬ ‫أزرا ُر ج���س���م���ي ف�����ي ت���ن���ه���ي���دةِ ال����ح����ورِ‬ ‫������راث‪/‬ن������واري ل���ح���ظ���ة ال����خ����درِ‬ ‫ب��ل�ا اك������ت ٍ‬ ‫ب���ك���ل خ���ي���ط‪ ،‬ق���ض���ى ال���ون���ات‪/‬ب���ال���وطَ ���رِ‬ ‫����ت ن������وائ������حُ ال����ش����رر‬ ‫�����ن؛ ح����ت����ى ط����غ ْ‬ ‫ي�����ئ ُّ‬ ‫����ت ب���ال���حَ ���ذَرِ‬ ‫ري�����حَ ال���م���ك���ارهِ ح��ت��ى ِض����قْ ُ‬ ‫ن���ل���ه���و ب���خ���ي���ب���ةِ أش�����ب�����اهٍ م������دى ال���عُ ���مُ ���رِ‬ ‫�������ر‬ ‫ن��ف��ن��ى‪ ،‬ونُ����ول����دُ ِم�����نْ أش��ب��اه��ن��ا األُخَ ِ‬ ‫�����ق ال��م��ط��ر‬ ‫غ�����م�����ا َم ُش����رف����تِ ����ه‪/‬ف����ي م�����زل ِ‬ ‫ب��ل�ا ي����دي����ن‪/‬ث����م����ال����ى‪ ..‬ق����ه����وةِ ال���س���م���رِ‬ ‫و ال ن���ب���ي���ع‪/‬م���ق���ام ال����������روح‪ ،‬ب����ال����نُّ ����ذُ رِ‬ ‫دف َء ال���ره���اف���ة‪ /‬ل��م��ا ح����اص����روا كِ ��� َب���ري‬ ‫��������د‪ ،‬ل��م��ع��ت��ذرِ‬ ‫‪ ..‬ن����دي����مُ ذات�����ي‪/‬ب��ل��ا وج ٍ‬ ‫م���ا ل���م ن���غ���ادره‪ /‬م��س��رى ال���ب���دو للحضر‬ ‫ال�����زرق�����اءِ ‪ ،‬م���اج���ت ع��ل��ي��ن��ا ه������دأ ُة ال��ب��ح��ر‬ ‫������اب ال���م���دي���ن���ة‪ /‬ذُ ب����ن����ا ف����ي دم ال��غ��ج��رِ‬ ‫ب ِ‬

‫شاعر وإعالمي من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪59‬‬


‫مناسك‬ ‫> شقراء مدخلي*‬ ‫ط����اف ال����غ����رام ب���روح���ي ح���ج واع��ت��م��را‬

‫أع��ل��ى ال���ن���داء ف��ل��ب��ى ال��ق��ل��ب واف��ت��خ��را‬

‫ت�����واف�����د ال�����ش�����وق واآله����������ات ص���ادح���ة‬

‫ل��ب��ي��ك ي���ا ح���ب ل��ب��ى ال��ج��ف��ن وان��ك��س��را‬

‫ت��ن��ق��ل ال���وج���د ف���ي األف����ي����اء م��ل��ت��م��س�� ًا‬

‫خطى الحبيب فسد السمع والبصرا‬

‫ض���ج األن������ام رض����ا ال���رح���م���ن غ��اي��ت��ه��م‬

‫وب�����ح ص���وت���ي ف������د ًا ل��ل��ع��ش��ق وان���ت���ح���را‬

‫ل����ي����ل ال�����ب�����ع�����اد ك����ئ����ي����ب����ات ش�����واه�����ده‬

‫ول���ي���ل خ���ل���ي ك��ف��ج��ر ال���ع���ي���د م���زده���را‬

‫س����ل ال���ط���ل���ول ال����ت����ي غ���ن���ت ل��ط��ل��ع��ت��ه‬

‫وس���ائ���ل ال��ق��م��ر ال��م��ف��ت��ون وال��ش��ج��را‬

‫ّ��ض ال��ول��ه��ان أنجمه‬ ‫واس����أل س��م��ا ال��بَ��ي ِ‬

‫وادي ال��ش��ج��ون دروب ت��ل��ه��ب ال��ف��ك��را‬

‫ف��ت��ش م���س���اءات���ن���ا ال��خ��ج��ل��ى دف��ات��رن��ا‬

‫واق���رأ سحاب ًا على ال��ق��رط��اس منهمرا‬

‫س���ل ال���غ���واي���ة خ���ط ال���وج���د ده��ش��ت��ه��ا‬

‫أع��ان��ق��ت رج��ف��ن��ا أم ص��اف��ح��ت ص����ورا؟‬

‫ذاب�����ت ل��واح��ظ��ن��ا ب��ال��وص��ل وان��ط��ف��أت‬

‫ن�����ار ال���غ���ي���اب ودب ال����ف����رح وان���ت���ش���را‬

‫ل���ي���ل ه����و ال���ع���م���ر ب������األش������واق ن��غ��زل��ه‬

‫تفنى ال��ح��ي��اة وي��ب��ق��ى ال��ح��ب مشتهرا‬

‫ل���ي���ل ت����ض����يء ال����دن����ا أس��������رار ش��ه��ق��ت��ه‬

‫تحيي ال��ج��م��ال ت��ن��ث ال��س��ح��ر وال��س��ورا‬

‫ق���ض���ى ال���ح���ج���ي���ج وأن����س����اك����ي م��ع��ل��ق��ة‬

‫م����ع ال����رج����اء ب���ه���ام ال����وع����د م��ن��ت��ظ��را‬

‫وف�������ى ال������ك������رام وأح���ل��ام������ي م���ؤج���ل���ة‬

‫ف��اس��أل ك��ث��ي��ر ًا أذاق الخمر واع��ت��ص��را؟‬

‫* ‬

‫‪60‬‬

‫شاعرة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫أريــــج الــــثــــنــاء‬ ‫> جمال أزراغيد*‬

‫(‪)1‬‬

‫ض ِأشعتَها على مهل‬ ‫تنْفُ ُ‬

‫يا حاملَ الحرف‬

‫تُجيز للبالغةِ أن تترجلَ بين الصفوف‬

‫تأبَّط ور َد عيدك األُمَ ِمي‬

‫وأن تُفْ ِسح فصاحَ تَها‬

‫القلب والفرح‬ ‫ِ‬ ‫وأوقد شمو َع‬

‫الذهاب إلى المدى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫للراغبين في‬

‫في موسم‪ ،‬سنابلُه مُ ْثقـلَة‬ ‫بأريج الثناء‬

‫(‪)2‬‬ ‫يا حاملَ الحرف‬

‫أسرع الخطو نحو البهاء‬

‫أسرِ جْ حروفَك البَهية‬ ‫ْ‬

‫فالفلْذات تبتغي‬ ‫ِ‬

‫للسعي عالي ًا‬

‫عطفا‬

‫راضي ًا‬

‫وجهدا‬

‫عافي ًا‬

‫يدك اليمنى‬ ‫من ِ‬

‫فصل يهيجُ نور ًا‬ ‫ٍ‬ ‫نحو‬

‫الواقفةِ شار َة جَ الل‬

‫اس َت ْو َق َد ُه من مصابيحَ‬ ‫لما ْ‬

‫تخط عدد ًا‬ ‫ُّ‬

‫ت َْحمَ دُ ربَّها‬

‫أو‬

‫الذي‬

‫شمس‬ ‫ٌ‬ ‫حرفا َتتَلب َُّسه‬

‫أ ْو َف َد إليها رسوال‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪61‬‬


‫معارف وعلوم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َاصدَعْ بما لُقِّ نت من‬ ‫ف ْ‬

‫وانتث َر ألوانَ قو ِْس قزح على اللوح‬

‫أنت وحدك‪ ،‬تعود‬

‫رصع بِ عُ ـقود الفلق‬ ‫المُ َّ‬

‫بمنتهى الخطى‬

‫فكنت القائد األنيق‬

‫كلَّ مساءْ‬

‫األليق‬

‫ّاك م ْنب َُت األفراح‬ ‫مُ حي َ‬

‫في مجمع العيون المشرئبة إلى النجاح‬

‫كلمات تَرِ نُّ نغما‬ ‫ٌ‬ ‫ُخطاك‬

‫فاكهة النُّ ْجبة‬

‫وص ْحبُك مالئكة‬ ‫َ‬

‫على الريق‬

‫تترجاك فكر ًا‬

‫كنت السفينَ الذي يشق عُ بابَ الضالل‬

‫وقوف ًا وتبجيال‪.‬‬

‫بأبجدية‬

‫(‪)3‬‬

‫تنثالُ على مرأى القرى والمدن‬

‫الحرف‪ ،‬ما أسعدك!‬ ‫ِ‬ ‫ياحاملَ‬

‫عالمةً‬

‫يأتيك‪ ،‬وأنتَ ما زلتَ‬ ‫َ‬ ‫القمرُ‬

‫تحدُّ المنتهى‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ُتنَقِّ ُب في بياض الورق‬

‫كنت المثلَ‬

‫وأسرارِ الكُ تُ ب‬

‫لمن يقرأ الطريق‬

‫ُغات‬ ‫عنْ ل ٍ‬

‫نحو األعالي‬

‫تتنامى‬ ‫رفق َة أقالمٍ تبتني منائر‬ ‫تضئ السبيلَ إلى األبرياء بُكر ًة وأصيال‪.‬‬

‫(‪)4‬‬

‫السالمُ عليك يا حامل الحرف‬ ‫ها أنت اليو َم‬ ‫ترقى المُ ْشتهى‬

‫يا حاملَ الحرف‬

‫فاغنم من التحايا والهدايا‬

‫السالم عليك‬

‫الشظايا‬ ‫ما يردُّ َّ‬

‫فاض العلمُ من يديك‬ ‫إذا َ‬

‫إنْ باغَ َتتْك في أَوْج المنايا‪..‬‬

‫* ‬

‫‪62‬‬

‫(‪)5‬‬

‫شاعر من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫النقد االجتماعي في قصص‪:‬‬

‫«أحالم ال تعرف التحليق»‬

‫للقاصة‪« :‬إلهام عقال البراهيم» من اجلوف‬ ‫ّ‬ ‫> د‪ .‬إبراهيم الدهون*‬

‫عن دار المفردات بالرياض‪ ،‬أصدرت الكاتبة السعودية إلهام عقال البراهيم مجموعتها‬ ‫القصصية األول��ى بعنوان‪( :‬أح�لام ال تعرف التحليق)‪ ..‬ج��اءت في (‪ )100‬صفحة من‬ ‫القطع المتوسط‪ ،‬ضمت ثالثين نصاً‪ ،‬تمثل تجربة ناجحة لكاتبة واع��دة‪ ،‬أفصحت‬ ‫من خاللها عن رؤاها االجتماعية ونظرتها للمجتمع‪ ..‬فكشفت بذلك مخبوء ًا عميق ًا‬ ‫للمجتمع وعاداته‪ ،‬وتجنيه ‪ -‬أحيان ًا ‪ -‬على الفرد وآماله التي تنمو وتنمو‪ ..‬وتصبح أخيرا‬ ‫في مهب الريح‪ ،‬وتكون في نهاية األمر أحالم ًا واهية‪ ،‬سرعان ما تتالشى‪..‬‬ ‫يبدو ذل��ك في لوحات معبِّرة ومؤثرة‪،‬‬

‫ج ��اءت منسجمة م��ع رؤى ال�ك��ات�ب��ة التي‬

‫رسمتها ريشة الزمن‪ ،‬مزجت فيها األمل حملها ع �ن��وان المجموعة م�ث��ل‪( :‬شريط‬ ‫واأللم‪ ،‬والفرح والحزن‪ ،‬والنجاح والفشل‪ ،‬الماضي‪ ،‬الصرخة األخيرة‪ ،‬جروح التفاح‪،‬‬ ‫وال�ت�س��اؤل واالس �ت �س�لام‪ ،‬وق��د استطاعت‬

‫سنوات الخديعة‪ ،‬شموع باكية‪ ،‬بين أحضان‬

‫بذكائها التغلغل في المجتمع لتنتزع منه‬

‫الندم‪.)..‬‬

‫موضوعات لوحاتها‪..‬‬ ‫وم��ن ال�م�لاح��ظ أنّ ع�ن��اوي��ن قصصها‬

‫وإذا أمعنا النظر في عنوان المجموعة‬ ‫ال� ��ذي ي �ح �م��ل ع� �ن ��وان إح� ��دى ق�ص�ص�ه��ا‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪63‬‬


‫المتلقي فيه لذة واستمرارية بالمتابعة والتوقع‬ ‫لما سيحصل‪.‬‬ ‫وف ��ي ق�ص��ة (خ �ل��ف أس� ��وار ال �م �ص��ح) تفجر‬ ‫القاصة واق �ع �اً مؤلماً وظلماً إنسانياً صارخاً‬ ‫م��ن ج�ه��ة‪ ..‬ومثالية الطبيبة علياء ف��ي األمانة‬ ‫والتماهي بالوظيفة اإلنسانية‪ ،‬ومحاولة الوصول‬ ‫القاصة من شدّ‬ ‫ّ‬ ‫إل��ى خبايا مرضاها‪ ،‬فتمكّنت‬ ‫انتباه القارئ لإلعجاب بهذا النموذج المثالي‬ ‫لا ع��ن التأكيد على‬ ‫للموظفة المخلصة‪ ،‬ف�ض� ً‬ ‫إبداع المرأة في شتى مجاالت الحياة والتعاون‬ ‫اإلنساني‪.‬‬ ‫�اص��ة ت �ك �رّس ف��ي القصتين‬ ‫ال ش ��كّ أن ال �ق� ّ‬ ‫السالفتين طاقات إبداعية‪ ،‬لتجسّ د من خاللهما‬ ‫(أح�لام ال تعرف التحليق) التي انتهت بالحلم‬ ‫الذي أصبح سرابا‪ ،‬بعد جهد وكفاح الزما بطلها‬ ‫أي��ام دراسته منذ حروفها األول��ى‪ ،‬وحتى انتهاء‬ ‫دراسته‪ ،‬متطلعا إلى أن يصبح معلماً‪ ..‬إال أنه‬ ‫انتهى إلى بائع خضار‪ ..‬معلقاً شهادته على جدار‬ ‫غرفة االستقبال‪..‬‬

‫أب� �ع ��اداً أس��اس � ّي��ة ت �ت��أس��س ع �ل��ى ق �ي��م إن�س��ان� ّي��ة‬ ‫حميدة‪.‬‬ ‫لم يكن النموذجانِ السابقانِ الوحيدينِ اللذين‬ ‫القاصة خبايا الحياة والمجتمع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫صوّرت فيهما‬ ‫بل هنالك أمثلة مختلفة مثل‪( :‬سعود وفوزية‪،‬‬ ‫مريم‪ )... ،‬ولعلّه يتّضح لنا كيف تتخذ (البراهيم)‬ ‫من حركات المجتمع وأحداثه اإلنسانية محوراً‬

‫لقد شكّلت «البراهيم» من قصته لوحة تفيض تأثيرياً تجسّ د م��ن خالله مواقفها الشعورية‪،‬‬ ‫أسى‪ ،‬وتمتلئ ألماً‪ ،‬وتطفح حسرة وحشرجة‪ ،‬بقولها‪ :‬ومعاناتها الروحية‪.‬‬

‫‪ ...‬حلمه «انتحر»‪.‬‬

‫وال شك أن المتمعن في مجموعة (أحالم ال‬

‫ّ‬ ‫إنّ لمسات‬ ‫القاصة اإلبداعيّة‪ ،‬تلوّن األحداث تعرف التحليق)‪ ،‬ال بدَّ أن يتوصل إلى أنَّ أشكال‬ ‫من معالمها الواقعية لتأخذها بأبعاد ودالالت المجتمع وسلوكياته المتعددة كشفت عن غرض‬ ‫إشراقية‪ ،‬تنقل المتلقي لفكرها ومشاركتها به‪ ،‬الكاتبة الرئيس من قصصها وموقفها الخاص‬ ‫م��ا يدفعها لتسكب واقعية وص��دق �اً فنياً يجد تجاه المجتمع والحياة‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪64‬‬

‫جامعة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫فراديس الكلم‪ ..‬وبواطن النغم‬

‫قراءة ألعمال الراحل محمد الثبيتي‬ ‫> دعاء صابر*‬

‫ترتحل الحمائم بعيد ًا خلف سماوات من النور البهي‪ ،‬تاركة لنا هديلها الجميل الذي‬ ‫تردده األلسنة‪ ،‬وتتلذذ به األرواح واألفئدة‪ .‬وهكذا رحل الشاعر السعودي الكبير محمد‬ ‫الثبيتي تاركا خلفه إبداعا يثري األجيال‪ ،‬فهو قامة شعرية سامقة‪ ،‬نحت بتفعيلته حروف‬ ‫اسمه بعبير البنفسج‪ ،‬وهو أهم أعمدة الشعر الحداثي بالمملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫كنورس وحيد يجوب مياه القصيدة‪ ،‬ويتغلغل في باطن المعنى‪ ..‬ليلوح النغم الطيب‬ ‫من فيضه األرحب‪.‬‬ ‫ولد شاعرنا بمنطقة الطائف‪ ،‬وحصل‬ ‫على بكالوريوس في علم االجتماع‪ ،‬أصدر‬ ‫عدة مجموعات شعرية منها ديوان (عاشقة‬ ‫الزمن الوردي) و (تهجيت حلماً‪ ..‬تهجيت‬ ‫وه� �م� �اً) و (ال��ت��ض��اري��س)‪ .‬واس �ت �ط��اع أن‬ ‫يحصد العديد من الجوائز األدبية‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫جائزة نادي جدة‪ ،‬وجائزة عبدالعزيز سعود‬ ‫البابطين بالكويت‪ ،‬وجائزة شاعر عكاظ‪.‬‬ ‫إن ال�م�ت��أم��ل ألع �م��ال ال�ش��اع��ر الكبير‬ ‫محمد الثبيتي‪ ،‬يجد أنه ينتهج نهجا خاصا‬ ‫في كتابة قصيدته‪ ،‬يحاول من خالل هذا‬ ‫النهج اس�ت�خ��دام لغة م�غ��اي��رة‪ ،‬فهو يقوم‬ ‫بتوظيف مفردات التراث‪ ،‬ودمج التعبيرات‬

‫الصوفية ببراعة‪ .‬وهو ال يقلد أح��دا؛ بل‬ ‫يتفرد بأسلوبه الخاص‪ ،‬وإبداعه المتفرد‪،‬‬ ‫ولغته األث �ي��رة ال�ت��ي تقف أمامها متأمال‬ ‫فلسفتها‪ ،‬وم �ح��اوال اس�ت�ك�ش��اف م��ا وراء‬ ‫المعنى‪ ،‬ونقف قليال أمام قصيدته تغريبة‬ ‫القوافل والمطر التي يقول فيها‪:‬‬ ‫أدر مهج الصبح‬ ‫صب لنا وطنا في الكؤوس‬ ‫يدير الرؤوس‪.‬‬ ‫وزدنا من الشاذلية حتى تفيء السحابة‪.‬‬ ‫واس��ف��ح ع��ل��ى ق��ل��ل ال��ق��وم ق��ه��وت��ك ال��م��رة‬ ‫المستطابة‪.‬‬ ‫نلمح في مفتتح النص رحيال داخليا‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪65‬‬


‫وغربة ذاتية‪ ،‬وحنينا للوطن الذي يتفلت كالماء‬ ‫من بين األصابع‪ ،‬تفوح رائحة حزن خاص‪ ،‬ونكهة‬ ‫لقاء يتعصى تواجده‪ ،‬إنها تغريبة خاصة يخوضها‬ ‫ش��اع��رن��ا ع �ب��ر س�ف�ي�ن��ة ك�ل�م��ات��ه ون �ظ �م��ه‪ ،‬ف�ن��رى‬ ‫المفردات تتوالف وتتآلف مكونة ذل��ك النسيج‬ ‫الذي يولد منه المعنى المتكامل؛ لذا أتى شاعرنا‬ ‫بمفردات معينة‪ :‬الصبح بما يحمل في باطنه‬ ‫م��ن والدة متجددة‪ ،‬ال�ك��ؤوس بما تعكس صفاء‬ ‫الوطن ال��ذي يشتاقه الشاعر‪ ..‬وي��ود أن يستقر‬ ‫بين ضلوعه‪ ،‬فهو في حالة وجده وهيامه وحزنه‬ ‫أيضا يود احتساء الوطن كي يتجمل به‪ ،‬ويراه‬ ‫في صورته األبهى واألحلى‪ ،‬هو يريد وطنا يدير‬ ‫الرؤوس من فرط جماله ورونقه‪ ،‬هي حالة حب‬ ‫متفردة‪ ،‬وص��ورة شعرية طازجة‪ ،‬ورؤي��ة صوفية‬ ‫تنم عن وجد ال يضاهى بهذا الوطن الرحب‪.‬‬ ‫يقول في مقطع آخر‪:‬‬ ‫أدر مهجة الصبح‬ ‫حتى يئن عمود الضحى‬ ‫وجدد دم الزعفران إذا ما أمحى‬ ‫أدر مهجة الصبح حتى ترى مفرق الضوء‬ ‫بين الصدور وبين اللحى‪.‬‬ ‫ما زال شاعرنا عبر مقاطع قصيدته األثيرة‬ ‫يغني ويحلم معا‪ ،‬ينشد لحظة ال تفنى وال تتغير‪،‬‬ ‫يود تثبيت ذلك المشهد ليحيا داخل إطاره دائما‬ ‫وأبدا‪ ،‬ما يزال يحلم بالصبح‪ ،‬ليس صبحا عاديا‬ ‫رتيبا يمر سريعا‪ ،‬ولكنه صبح مختلف في المعنى‬ ‫والمبنى وال��زم��ان والمكان‪ ،‬إن��ه الصبح الخلود‬ ‫إذا جاز المعنى‪ ،‬ذلك الصبح ال��ذي يتمدد عبر‬ ‫خارطة الوطن ليغير الطقس المعتاد‪ ،‬واألوج��ه‬ ‫ال��رت�ي�ب��ة‪ ،‬وال��زم��ن ال�م�ك��رر‪ ،‬زارع ��ا ك��ل م��ا حوله‬ ‫بزهور الضوء وعبير النور‪ ،‬إنها ثورة على السواد‬ ‫بكل ما يحمله من خ��وف وترقب وجهل‪ ،‬وحلم‬ ‫بعالم مختلف‪ ،‬ووطن كل سكانه قلوبهم بيضاء‪،‬‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫وسرائرهم نقية (بين الصدور وبين اللحى) هكذا‬ ‫يمضي شاعرنا قائال‪:‬‬ ‫يا كاهن الحي‬ ‫طال النوى‬ ‫كلما هل نجم ثنينا رقاب المطي‬ ‫لتقرأ يا كاهن الحي‬ ‫فرتل علينا هزيعا من الليل والوطن المنتظر‪.‬‬ ‫نالحظ تفرد النسق الشعري عبر صياغة‬ ‫متأنية لمقطع الختام‪ ..‬وكأنه إس��دال للستار؛‬ ‫ولكن إسدال الستار هذه المرة ال ينم عن النهاية‪،‬‬ ‫ول�ك��ن ع��ن حلم يتجدد بصباح آخ��ر س��رم��دي‪،‬‬ ‫نالحظ بعض المفردات التي يجب أن نقف على‬ ‫بابها متأملين (النوى‪ /‬نجم‪ /‬المطي‪ /‬المنتظر)‪،‬‬ ‫هذه الكلمات المشتقة من كتاب السفر والغربة‬ ‫تشير إش��ارة واضحة إلى حالة شاعرنا وغربته‬ ‫الداخلية‪ ،‬فجميع ه��ذه المفردات حين يختتم‬ ‫بها القصيدة‪ ،‬ال تعبر إال عن شيء واح��د‪ ..‬هو‬ ‫الحاجة لذلك الحلم المفقود‪ ،‬والترنيمة الغائبة‪،‬‬ ‫هي رحلة للبحث والحلم معا‪.‬‬ ‫وإذا انتقلنا إلى قصيدة األسئلة التي يقول في‬ ‫مطلعها‪:‬‬ ‫أقبلوا كالعصافير يشتعلون غناء‬ ‫فحدقت في داخلي كيف أقرا هذي الوجوه‬ ‫وفي لغتي حجر جاهلي‬ ‫هل يعود الصبا مشرعا للغناء المعطر‬ ‫أو للبكاء الفصيح‪.‬‬ ‫نجد أنفسنا أمام صياغة متأملة تتقن غرس‬ ‫الدالالت الكامنة وراء طبيعة المفردات‪ ،‬وتستطيع‬ ‫تكثيف أسئلة البوح لتشكل في مضمونها لغة‬ ‫رشيقة وقصيدة رقيقة‪ ،‬نلحظ تلك الرقة من‬ ‫خالل مفردات منها (العصافير‪ /‬الصبا‪ /‬الغناء‪/‬‬ ‫المعطر)‪ ..‬بذكاء ي��زرع شاعرنا هذه المفردات‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫الشاعر محمد الثبيتي‬

‫لتتكون لدى المتلقي تلك الصورة الشعرية‪ ،‬التي‬ ‫تعكس مراياها ما يعتمل في مكنون الشاعر من‬ ‫أسئلة‪ ..‬يحاول من خاللها إيجاد لغة يتصالح من‬ ‫خاللها مع الطبيعة‪ ،‬ويتواصل مع الذات‪ .‬تحمل‬ ‫الكلمات لغة استعارية راقية‪ ،‬وتضاد يضفي على‬ ‫المعنى رونقا جذابا‪ ،‬ودهشة تزرع داخل المتلقي‬ ‫حقال من األسئلة‪ ..‬حين يغدو للبكاء لغة ال يتقنها‬ ‫إال القالئل‪.‬‬

‫ه��ذا المقطع‪ ،‬ولكن المتكلم هو المخاطب في‬ ‫ذات الوقت‪ ،‬ويجب أن يقف المتأمل قليال أمام‬ ‫الفارس البدوي في المقطع األول‪ ،‬بكل عنفوانه‬ ‫وفتوحاته‪ ،‬حينما يتجرع كؤوس حزنه تباعا‪ ،‬كما‬ ‫نلحظ ذل��ك التباين بين ال�غ��داة والعشي نهاية‬ ‫بذلك المصير (دما أعجمي)‪.‬‬

‫نلحظ مالحقة اللغة وب�ن��اء البيت الشعري‬ ‫المعتمد على نهاية موسيقية تطرب لها األذن‪..‬‬ ‫وفي مقطع الختام نجده يقول‪:‬‬ ‫ما ساعد كثيرا على بناء الصورة التي أراده��ا‬ ‫حسنا أيها الفارس البدوي‬ ‫الشاعر انطالقا من الصورة الجزئية إلى الصورة‬ ‫هل تجرعت حزن الغداة‬ ‫الكلية‪ ،‬التي يتضح من خاللها المشهد‪ ..‬وإذا‬ ‫وصبر العشي‬ ‫تتبعنا خريطة المفردات‪ ،‬وما تحمله من دالئل‪..‬‬ ‫أرى وجهك اآلن خارطة للبكاء‬ ‫وجدنا (حزن‪ /‬العشي‪ /‬البكاء‪ /‬دما)‪ ،‬إذ باغتنا‬ ‫وعينيك تجري دما أعجمي‪.‬‬ ‫الشاعر بمجموعة من المفردات‪ ،‬تتناغم مكونة‬ ‫ي�ت�ض��ح أن إن �ت��اج ال��دالل��ة ف��ي ه ��ذه ال��دف�ق��ة صورة إيحائية تتآزر في وحدة نفسية متجانسة‪،‬‬ ‫الشعرية يعتمد على السؤال المتصل بالحوار‪ ،‬وسياق لغوي موجه؛ فالشاعر يتحدث عن ملحمته‬ ‫وقد يظن البعض أن هناك متكلماً ومخاطباً في التي يعيشها‪ ..‬نجد أن هذا المقطع من أغنى‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪67‬‬


‫مقاطع القصيدة كثافة وعمقا‪..‬‬ ‫من خالل دالالت وإشارات رمزية‪،‬‬ ‫وغوص في خفايا النفس‪.‬‬

‫بعناية فائقة‪.‬‬ ‫صاحبي‬ ‫ه��ل ستهجس بالحب بين اتساع‬ ‫الحنين وضيق الميادين‬ ‫لو طوقتك خيول الدرك‪.‬‬ ‫هل ستوقظ أنشودة الروح في غابة‬ ‫الخيزران األنيقة‬ ‫لو أنكرت مظهرك‪.‬‬

‫م��ا زل �ن��ا نقتنص ال��وم �ض��ات‬ ‫الشعرية ال��راق�ص��ة على نغم ال‬ ‫يشبه النغم‪ ،‬ولغة تتجسد مكونة‬ ‫بنيان القصيدة‪ ،‬وهذا ما نلمحه‬ ‫عبر قصيدة «وضاح» التي يقول‬ ‫ي �ظ �ه��ر ج �ل �ي��ا أن ال �ت �ض��اد في‬ ‫فيها‪:‬‬ ‫ال��م��ع��ن��ى ي� �ب ��رز ج� �م ��ال ال �م �ع �ن��ى‬ ‫صاحبي‪..‬‬ ‫وي��وض��ح��ه‪ ،‬وي �ظ �ه��ر ذل���ك ج�ل�ي��ا ف ��ي (ات� �س ��اع‪/‬‬ ‫ما الذي غيرّك‪.‬‬ ‫ضيق)‪ ،‬كما نلمح أن األتساع يكون مع الحنين‬ ‫ما الذي خدر الحلم في صحو عينيك‬ ‫بكل ما تحتمله الكلمة من شاعرية وخيال ورقة‬ ‫من لف حول حدائق روحك هذا الشرك‪.‬‬ ‫تعبير‪ ،‬أما الضيق فأرض الواقع بما يحدها من‬ ‫عهدتك ت��ط��وي دروب المدينة مبتهجا وتبث‬ ‫تضاريس وعسكر وخيول ل�ل��درك‪ ،‬إن��ه يطالبنا‬ ‫بأطرافها‬ ‫بالغناء‪ ،‬وبأن نقتنص بهجة الحياة بكل ما فيها‬ ‫عنبرك‪.‬‬ ‫من نشوة وصحوة‪ ،‬رغم ما يحيط بنا من حصار‬ ‫تختلف اللغة تماما في هذه القصيدة‪ ،‬فتتمايل حسي أو معنوي‪ ،‬يطالبنا بالبقاء على عهدنا حتى‬ ‫الكلمات طربا على إيقاعها المخملي‪ ،‬من خالل لو أنكرنا الجميع‪.‬‬ ‫ع��دة أسئلة تتكاثف وتتجمع ك��أل��ف سحابة‪ ..‬صاحبي‪..‬‬ ‫لتهطل فوق دروب روحه المسهدة‪ ،‬ورغم موسقة ال تمل الغناء‬ ‫فما دمت تنهل صفو الينابيع‬ ‫هائل من‬ ‫النص الشعري؛ إال أنه أتى محمال بك ٍّم ٍ‬ ‫شق بنعليك ماء البرك‪.‬‬ ‫اإلسقاطات والرموز الخفية‪ ،‬التي تزيد من عمق‬ ‫ت�ت�ب�ل��ور ف��ي خ �ت��ام ال�ق�ص�ي��دة م�لام��ح ث��ورة‬ ‫المعنى وكثافة التجربة‪.‬‬ ‫ت �ت �ك��ون ف��ي رح ��م اإلرادة‪ ،‬ف �م��ن خ�ل�ال ذل��ك‬ ‫نلمح أسئلة البراءة والطفولة من خالل حوار‬ ‫النصح باستمرارية الغناءـ يتضح ذلك الحس‬ ‫شيق‪ ..‬وركيزة تعبيرية منمقة‪ ،‬تحتل الذات فيها‬ ‫الثوري الذي ينم عن اإلرادة‪ ،‬ويتجمل المعنى‬ ‫م��وق��ع المتحدث وال�م�ت�ح��دث إل�ي��ه على صعيد باإلتيان بكلمات (الينابيع‪ /‬البرك) وفعل األمر‬ ‫واحد‪ ،‬فالدفقة الشعورية أنتجت داللتها البيانية (شق)‪ ،‬الذي ينم عن رغبة حثيثة في التغيير‬ ‫باستخدام أدوات االستفهام (ما‪ ،‬من)‪ ،‬حالة من لميالد صباح جديد مشبع بغناء البالبل وبهاء‬ ‫األسى تتشكل عبر موسيقى المفردات المتراصة الضحى‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪68‬‬

‫كاتبة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫للقاص عبدالعزيز الصقعبي‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫صورة املثقف السلبية في مجموعة (البهو)‬ ‫إطاللة عميقة على املشهد الثقافي‬ ‫> زكريا العباد*‬

‫«أن��ت كلّ ش��يء‪ ،‬لكنّك لست شيئ ًا على اإلط�لاق‪ ..‬ألنك ال‬ ‫تفعّ ل إمكاناتك‪ ،‬وال تقوم بدورك‪.»..‬‬ ‫هذه هي الرسالة التي بدا لي أنّ مجموعة (البهو) للقاص‬ ‫عبدالعزيز الصقعبي تريد إيصالها «للذات المثقفة»‪ ،‬بعد رحلة‬ ‫خاضتها هذه الذات في تأمل وجودها‪ ،‬إنها رسالة منها وإليها‪.‬‬ ‫ل��دى ول��وج ع��وال��م أي مجموعة قصصية‪،‬‬ ‫يلحظ ال�ق��ارئ أنّ لجوء كاتبها إل��ى عنونة‬ ‫مجموعته بعنوان إحدى قصصها ليس أمراً‬ ‫اعتباطياً‪ ،‬إنما يأتي بغرض تحويلها إلى‬ ‫رافعة لمجمل قصص المجموعة المتباينة‪.‬‬ ‫ويبدو من المنطقي أن الخوض في العالم‬ ‫ال �خ��اص ال ��ذي ت��رس�م��ه م�ن�ظ��وم��ة ال�ع��وال��م‬ ‫النفسية للمجموعة‪ ،‬يأتي عبر استخدام‬ ‫قصة العنوان مفتاحاً يشرع أبواب المعاني‬ ‫الملتبسة‪ ،‬وي�ف�س��ر ال �م��دل��والت المتباينة‬ ‫لتظهر منتظمة في عقد واحد‪.‬‬ ‫ومجموعة (البهو) للصقعبي الصادرة مؤخراً‬ ‫عن نادي المنطقة الشرقية األدبي‪ ،‬هي خير‬

‫نموذج لهذه الفكرة‪ ،‬إذ أن المجموعة تحمل‬ ‫اسم قصة تعتبر مفتاحاً لفهم سائر قصص‬ ‫المجموعة‪ ،‬وم��رت �ك��زاً لعوالمها النفسية‬ ‫والثقافية معاً‪.‬‬ ‫وكما أنّ قصة العنوان تمنحك مفتاح الولوج‪،‬‬ ‫فإنّ المقطع الذي يضعه الكاتب في نهاية‬ ‫الكتاب‪ ..‬قد يرسم لك الحدود المعرفية‬ ‫ال�ت��ي ي��ري��دك ال�ك��ات��ب أن تتحرك خاللها‬ ‫أثناء القراءة‪ ،‬وكأنه بذلك يمنحك المفتاح‬ ‫والبوصلة‪ ،‬ويرسم لك الخارطة‪ ،‬ثم يتركك‬ ‫لرحلة ال�ق��راءة‪ .‬الملفت أنّ المقطع الذي‬ ‫اختاره الكاتب ليقفل به قوس كتابه‪ ..‬هو‬ ‫جزء من قصة تحيل بشكل رمزي إلى تأمّل‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪69‬‬


‫«الشعر»‪ ،‬ربما باعتباره أبرز رموز العوالم الثقافية‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫تتناول قصة العنوان (البهو) نظرة مغايرة لعالم‬ ‫الثقافة‪ ،‬وترسم ص��ورة سلبية للمثقف‪ .‬بخالف‬ ‫الدور اإليجابي المثالي الذي يرسم في األذهان‬ ‫حين تذكر كلمة «مثقف»‪ ،‬والتي تتضمن الوعي‬ ‫والحركة واإلبداع واإلنجاز‪ ،‬فالصور المبثوثة في‬ ‫المجموعة ال تدل إال على جهل ال��ذات‪ ..‬ناهيك‬ ‫عن معرفة الواقع أو تغييره‪ ،‬كما تشير جوانب‬ ‫أخرى من المجموعة إلى غياب األهداف الكبرى‪،‬‬ ‫وااللتهاء بالبحث عن مطالب صغيرة‪ ..‬قد يكون‬ ‫أكبرها الحصول على «كرسي»‪.‬‬ ‫ه��ذه الثيمة (هاجس ص��ورة المثقف ودوره)‪ ،‬ال‬ ‫نلحظها في قصة (ال�ع�ن��وان) فحسب‪ ،‬بل يتأكد‬ ‫حضورها في الكثير من قصص المجموعة التي‬ ‫تسهم في رسم مالمح المثقف بالتلميح للفكرة‬ ‫ت��ارة‪ ..‬وبالتصريح ت��ار ًة أخ��رى‪ ،‬حتى أن القارئ‬ ‫ليخالجه الشكّ في أنّ ك ّل قصص المجموعة قد‬ ‫تشير إلى هذه الثيمة من قريب أو بعيد‪ ،‬وبخاصة‬ ‫ف��ي مجموعة تتكئ ب �ق��وة ع�ل��ى أس �ل��وب اإلي �ه��ام‬ ‫والغموض؛ فالذوات التي يوغل الكاتب في سبر‬ ‫أغ��واره��ا في مواقف ال تشير إل��ى عالم الثقافة‬ ‫مباشرة‪ ،‬هي ذوات ممسوسة بالحالة الثقافية التي‬ ‫سعى الكاتب ابتداءاً إلى رسم مالمح عامة لها‪ ،‬ال‬ ‫تخطئها العين حين تقع عليها فيما‬ ‫يلي من قصص‪ ،‬حتى لو لم تحوِ‬ ‫سرداً مباشراً عن الذات المثقفة‬ ‫أو الحالة الثقافية؛ كما في قصة‬ ‫(دفء) الرمزية‪ ،‬التي ينطق بطلها‬ ‫ال �ع��ام��ل ال�ب�س�ي��ط ال�م�ه��اج��ر من‬‫أجل لقمة العيش‪ -‬بعبارة تتجاوز‬ ‫مستواه الثقافي‪ ،‬فهو يقارن بين‬ ‫وطنه والبلد الذي يعمل فيه‪ ،‬بينما‬ ‫يتحلق م��ع مجموعة م��ن العمال‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫حول النار «هناك برد‪ ..‬ولك أن تنفيه عنك ببعض‬ ‫الدفء‪ ،‬وهنا بر ٌد وال دفء له»‪.‬‬ ‫غير أنّ ما سبق‪ ،‬ال يعني أنّ المجموعة اقتصرت‬ ‫على ت �ن��اول مجتمع النخبة وأف �ك��اره وع��وال�م��ه‪،‬‬ ‫ب��ل تعدت ذل��ك إل��ى ت�ن��اول األوض ��اع االقتصادية‬ ‫واالج�ت�م��اع�ي��ة‪ ،‬رب�م��ا لتشير إل��ى مسئولية هذه‬ ‫النخبة عن هذه األوضاع‪ ،‬ولتذكرها بمسؤوليتها‬ ‫نحوها‪.‬‬ ‫منذ القصة األولى في المجموعة (غفوة)‪ ،‬يتناول‬ ‫السارد فكرة (المثقف البعيد عن ال��واق��ع)‪ ..‬من‬ ‫خالل البطلة التي تشكل أنموذجاً لحالة ثقافية‬ ‫تسكن في أبراج عاجية‪ ،‬وتنتمي لطبقة ثرية‪ ،‬بيد‬ ‫أنها تكتب عن الطبقة الفقيرة من بعيد‪ ،‬وتصف‬ ‫ال�م�س��اك��ن الشعبية ال�ت��ي تسكنها ه��ذه الطبقة‬ ‫ب �ـ«وج��ه المدينة ال�م�ش��رق» ف��ي مفارقة صارخة‬ ‫لحال الشقاء الذي تعيشه هذه الطبقة‪ ،‬والذي ال‬ ‫تعلم عنه الكاتبة المترفة أي شيء! ألنها‪ ،‬نتيجة‬ ‫غفوتها أثناء عودتها من العمل‪ ،‬تغفو في الوقت‬ ‫ال��ذي يدلف فيه السائق بالسيارة إل��ى الشوارع‬ ‫الشعبية‪ ،‬تفاديا ل��زح��ام ال �ش��وارع الرئيسة‪ ،‬وال‬ ‫تصحو إال لتدخل في عالمها المترف مرة أخرى‪،‬‬ ‫لدى تنبيه السائق لها وقتَ وصوله للمنزل‪.‬‬ ‫وتتكرر المفارقة ذاتها‪ ،‬في قصة (صباح)‪ ،‬ففي‬ ‫ال��وق��ت ال ��ذي ي�ط��ال��ب ال�م��ذي��ع ال �ن��اس م��ن خلف‬ ‫م �ي �ك��روف��ون��ه ب��االب��ت��س��ام‪ ،‬يصف‬ ‫النص الحياة الالهثة التي يعانونها‬ ‫ّ‬ ‫لمكابدة الزحام والتلوث البيئي‪.‬‬ ‫أما قصة (البهو)‪ ،‬فهي نقد مباشر‬ ‫الجتماعيات المثقفين‪ ،‬فالبيئة‬ ‫ال �م �ك��ان �ي��ة‪ ،‬وال� �ت ��ي ل �ي �س��ت س��وى‬ ‫بهو لمقهى يشكل ح�ي��زاً للقاءات‬ ‫المثقفين‪ ،‬واختيار بهو (المقهى)‬ ‫للعنوان ليحتل مكانة مركزية في‬ ‫ال�م�ج�م��وع��ة‪ ..‬ي��ؤك��د صفة العزلة‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫عن المجتمع‪ ،‬والتي كانت‬ ‫ال �ق �ص �ت��ان ال �س��اب �ق �ت��ان قد‬ ‫ب��دأت��ا ف��ي رس�م�ه��ا للنخبة‬ ‫الثقافية البعيدة عن أمكنة‬ ‫المجتمع وهمومه‪.‬‬ ‫وي �ت �ن��اول ال �ك��ات��ب (ال �ب �ه��و)‬ ‫ب��وص��ف غ��رائ �ب��ي‪ ،‬إذ تبدأ‬ ‫ال��ق��ص��ة ب �م �ش �ه� ٍ�د ي �ص��ور‬ ‫ال�ط��ري�ق��ة ال �ت��ي يشغل بها‬ ‫عبدالعزيز الصقعبي‬ ‫المثقفون فضاء المقهى‪:‬‬ ‫«م�ق��اع��د م�ت�ن��اث��رة‪ ،‬أج�س��ا ٌد‬ ‫متناثرة»‪.‬‬ ‫عنه مطلقاً‪.»..‬‬ ‫وه��و وص��ف يجسد بصرياً حالة التشرذم التي وللبحث عن تفسير نفسي لهذه الحالة‪ ،‬فعلينا أن‬ ‫ال عن المجموعة‪ ،‬ونقترب من الواقع‬ ‫يعاني منها المثقفون‪ ،‬إضافة إلى غياب الهدف‪ :‬نبتعد قلي ً‬ ‫«حديث يبدأ وال ينتهي‪ ،‬وحديث ينتهي قبل أن لكي نجد جذور المشكلة‪ ،‬إذ يشير الصقعبي في‬ ‫يبدأ»‪ ،‬وضعف العالقات «هو البهو‪ ..‬حيث الوجوه معرض رده على أحد األسئلة في إحدى األمسيات‪،‬‬ ‫تلتقي ألول مرة‪ ،‬حيث الوجوه تلتقي آلخر مرة»‪ .‬أن األض ��واء ف��ي الثمانينيات كانت م��ر ّك��زة على‬ ‫كما تشير القصة بتهك ٍّم إلى غياب معايير الزعامة الشعراء‪ ،‬ويرفض في الوقت ذاته أن ينسب إلى‬ ‫الثقافية «أط�ل��ب فنجاناً م��ن القهوة‪ ،‬تحيط بي الحداثة‪ ،‬بحجة أنه ينتمي لإلبداع‪ ،‬وال يريد أن‬ ‫م�ج�م��وع��ة م��ن االب �ت �س��ام��ات‪« ،‬ل ��م ت�س��أل�ن��ا م��اذا يسرق من قبل تيار ما‪ ،‬والمعروف أنّ تيار الحداثة‬ ‫نشرب» أسألهم تباعاً‪ ..‬ش��اي‪ ،‬قهوة‪ ،‬كبتشينو‪ .‬الذي سرق األضواء في الثمانينيات كان أغلبه من‬ ‫أكون أنا السيد المسموع صوتُه‪« ،»...‬إن الثقافة الشعراء‪ ،‬ولتقوية ه��ذا الخيط التفسيري الذي‬ ‫لها وجوه متعددة بتعدد المشروبات والمأكوالت ربما بدا واهياً للوهلة األولى‪ ،‬ننتقل إلى شواهد‬ ‫والمجامالت المفتعلة»‪.‬‬ ‫أخ��رى لساردين آخرين‪ ،‬فالروائي عبدالحفيظ‬ ‫وتستطرد القصة لتحكي ع��ن أدي��ب يبحث عن الشمري قال صراحة في إح��دى األمسيات‪ :‬إنّ‬ ‫هويته بين األصناف األدبية‪ ،‬يصف صوته بأنه شعراء الثمانينيات احتكروا المشهد الثقافي‪،‬‬ ‫«لم يكن مموسقاً‪ ،‬ولم يكن كالمي موزوناً مقفى» واتهمهم بإقصاء القاصين‪ ،‬فيما قال القاص فهد‬ ‫م��ا يجعله ف��ي مكانة أق��ل‪ ،‬بحيث يقاطع كالمه المصبح أثناء حديثه عن بداياته إنّه واجه صعوبة‬ ‫اآلخ ��رون‪ ،‬وتأتي بعد ه��ذا المقطع مباشرة ردةُ تتعلق بتسيّد الشعر للساحة الثقافية‪ ..‬وغياب‬ ‫ال�ف�ع��ل النفسية‪ ،‬وص � ٌ‬ ‫�ف يقلل م��ن ش��أن الشعر نظرة التقدير التي كان يحتكرها الشاعر‪ .‬أعتقد‬ ‫«أخ َر َج آخ ٌر قصيدة من ألف بيت‪ ..‬لم يكن البيت أنّ الشواهد السابقة قد تكون كافية إللقاء بعض‬ ‫يصلح لسكنى حرف‪.»..‬‬ ‫الضوء على دور تاريخ العالقة بين الشعر والسرد‬ ‫ومن الملفت أن المجموعة تتسم بموقف نفسي في النظرة السلبية التي تتعاضد عليها الشواهد‬ ‫سلبي م��ن ال�ش�ع��ر‪ ،‬س�ي��د األج �ن��اس األدب �ي��ة في من داخل المجموعة‪.‬‬ ‫ال �ث �ق��اف��ة ال �ع��رب �ي��ة‪ ،‬يتضح‬ ‫ه��ذا الموقف‪ ،‬في ع��دد من‬ ‫ق �ص��ص ال �م �ج �م��وع��ة‪ ،‬حتى‬ ‫ي�ص��ل إل��ى ال� ��ذروة م��ع آخ��ر‬ ‫قصص المجموعة (معك)‬ ‫م ��ن خ �ل�ال إص ��اب ��ة ال�ب�ط��ل‬ ‫(ب��ال �غ �ث �ي��ان)‪ ،‬ي �ح��اور البطل‬ ‫ذاته‪« :‬ال تحبّ الشعر!! لتكن‬ ‫ت �ج��رب��ة ن �م��ارس �ه��ا‪ ..‬ب ��دأت‬ ‫ت�ش�ع��ر ب��ال �غ �ث �ي��ان‪ ..‬ال تحب‬ ‫الشعر‪ ..‬حسناً ل��ن أتحدث‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪71‬‬


‫إال أنّ م��ا يجعل ال�ن�ظ��رة السلبية للشعر أكثر‬ ‫م��وض��وع �ي��ة‪ ،‬ه��و أن تحميل ال �ق��در األك �ب��ر من‬ ‫المسؤولية للشعراء‪ ،‬هو أمر طبيعي‪ ..‬بوصفهم‬ ‫األعلى مكانة‪ ،‬سوا ًء في الساحة الثقافية‪ ،‬أو لدى‬ ‫عامة الناس‪ ..‬بسبب الصورة الموروثة عن الشاعر‬ ‫في الثقافة العربية‪ ،‬الذي عُدَّ لسان القبيلة‪.‬‬ ‫وفي المجموعة ثيمة أخ��رى تتكرر في أكثر من‬ ‫واح��دة م��ن قصص المجموعة‪ ،‬ه��ي الشخصية‬ ‫ال �ت��ي ت �ق��ول وال ت �ف �ع��ل‪ ،‬وه ��ي ث�ي�م��ة ذات صلة‬ ‫بالشخصية الشعرية‪ ،‬إذ يظهر أنّ الصورة السلبية‬ ‫للمثقف ف��ي المجموعة‪ ،‬تتركز بشكل أكبر في‬ ‫الشخصية الشعرية‪ ،‬كما في قصة (خيانة)‪ ..‬التي‬ ‫اختارها القاص لتكون ممثلة لقصص المجموعة‪،‬‬ ‫من خالل اختيار مقاطع منها لغالف المجموعة‬ ‫األخير‪ ،‬ولتعطي من خالل ثيمتها تأكيداً للصورة‬ ‫السلبية للمثقف في المجموعة‪.‬‬ ‫الخيانة التي تضمنتها القصة‪ ،‬ليست سوى خيانة‬ ‫الشعر للعاشق في الوقت الذي يحتاج إليه وقت‬ ‫لقائه بحبيبته‪ ،‬الفكرة رغم بساطتها الظاهرية‪،‬‬ ‫ورغم عدم احتفاء المجموعة بالمرأة بشكل عام‪،‬‬ ‫إال أنّها اختيرت للغالف‪ ..‬لتصب في نهر تأكيد‬ ‫ال �ص��ورة السلبية للمثقف‪ ،‬وللشاعر على وجه‬ ‫الخصوص‪ .‬وهي بقدر ما تحمل من إدانة‪ ،‬تعترف‬ ‫بالمكانة الكبرى المطلوب من الشعر ملؤها‪.‬‬ ‫وف��ي مثال آخ��ر يؤكد على أنّ غياب العمل هو‬ ‫سبب رئيس ف��ي نقد شخصية المثقف‪ ،‬تصف‬ ‫ق�ص��ة (ف� ��راغ) ق��وة ت��أث�ي��ر ال�م�ث�ق��ف‪ ..‬م��ن خ�لال‬ ‫ح��دي �ث��ه‪ ،‬ول�ك�ن�ه��ا ت �ث��ور عليه ف��ي ال��وق��ت نفسه‪،‬‬ ‫رافضة ما تسميه «الخيوط العنكبوتية الواهية»‪،‬‬ ‫التي ينسجها بحديثه ليأسر بها مستمعه‪ ،‬إال أنّ‬ ‫المثقف رغم حديثه اآلسر‪ ،‬فهو ال ينتج سوى حالة‬ ‫من الفراغ‪ ،‬كما يوحي بذلك العنوان‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪72‬‬

‫كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫وتستمر المجموعة في تناول شخصية المثقف‪،‬‬ ‫ال بالنقد وحسب‪ ،‬بل بالتحليل العميق لها أيضاً‪،‬‬ ‫فالحق أنّ المجموعة بمجمل رس��ائ�ل�ه��ا‪ ،‬تشبه‬ ‫دراس��ة موضوعية لحال المثقف العربي‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل شمولية تناولها للمقدمات والمشكلة‬ ‫والنتائج‪ ،‬وإشارتها غير المباشرة إلى مسؤولية‬ ‫المثقف في ح � ّل المشكلة‪ ،‬حتى أن المجموعة‬ ‫ال تهمل المقارنة بين األوض��اع االجتماعية قبل‬ ‫النفط وبعده‪ ،‬لتقارن بين العالقات بين الناس في‬ ‫الزمنين‪.‬‬ ‫في قصة (مرآة) نقد م ّر للدور الذي يلعبه المثقف‪،‬‬ ‫فهو ي�ن��ال مكانته ألن��ه «أه ��وج منفلت ال�ل�س��ان»‪،‬‬ ‫ويضطر المجتمع التقاء شرّه‪ ،‬إال أنّ المثقف في‬ ‫الوقت ذات��ه هو ص��ورة في م��رآة‪ ،‬وهو نتاج عجز‬ ‫المجتمع عن فعل شيء للمبادرة بلجمه‪.‬‬ ‫في قصة (تأمّل)‪ ..‬إشارة إلى ما قد يصحّ وصفه‬ ‫باألسباب التي تكمن وراء هذه السلبية في شخصية‬ ‫حوار داخلي لشخصية تعاني‬ ‫ٍ‬ ‫المثقف‪ ،‬من خالل‬ ‫من االغتراب عن ذاتها‪ ،‬واالنقسام عليها أحياناً‪،‬‬ ‫والتوق إلى معرفة كنهها في أحيان أخرى‪ ،‬وفكرة‬ ‫الشخصية التي تجهل ذات�ه��ا‪ ،‬وتتوق الكتشافها‬ ‫فكرة مكررة في أكثر من قصة‪ ..‬ما يشير إلى‬ ‫أهمية هذه الفكرة في تشخيص الحالة التي تعاني‬ ‫منها شخصية المثقف كما تصورها المجموعة‪.‬‬ ‫وب��ال�ف�ع��ل‪ ،‬ف ��إنّ م�ع��رف��ة ال���ذات م�ع��رف��ة صحيحة‬ ‫هي بداية الطريق نحو اإلص�لاح‪ ،‬والحديث عن‬ ‫م�ع��رف��ة ال�م�ث�ق��ف ل��ذات��ه‪ ،‬ه��و ح��دي��ث رم ��زي عن‬ ‫وج ��وب تشخيص األم ��ة ل��ذات�ه��ا وألدوائ� �ه ��ا‪ ،‬من‬ ‫أج��ل إص�لاح�ه��ا‪ ،‬وه��ي إش ��ارة دقيقة وذك�ي��ة إلى‬ ‫لعب المثقف دوراً مزدوجاً‪ ،‬بوصفه مكمن الداء‬ ‫ومكان ال��دواء في الوقت نفسه‪ ،‬فهو عقل األمة‬ ‫وضميرها‪.‬‬


‫قراءة في مجموعة محمد البشير القصصية‬ ‫«عبق النافذة»‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫البشارة‬

‫املصبح*‬ ‫> فهد‬ ‫ّ‬

‫تنمو القصة عند محمد البشير بعافية‪ ,‬فهو يكتبها بهدوء‬ ‫ودعة‪ ,‬وبمداد متمرس في اللغة‪ ,‬يكبح جماحها بالتمرد قليال؛‬ ‫لتتوازن األمور في كثير من نصوصه‪ .‬مفسح ًا لها سب ًال شتى في‬ ‫التشكل‪ ,‬حتى ال تظلمه ذات نص بتحامله وكبت انفالتاتها‪.‬‬ ‫نعم‪ ..‬يكتبها بدربة من عرف خيط القص‪ ,‬وأخ ٍ��ذ يمارسه‬ ‫في مجتمع يشع سرداً‪ ,‬وهو ما يوجب صدور مطبوع يؤكد هذا‬ ‫الحضور الملفت للنظر‪ ,‬فكانت المجموعة كبشارة لمرحلة جديدة للقص األحسائي‪.‬‬ ‫قرأته بدءا في موقع القصة العربية في‬ ‫نصوص مجهولة ال�ط��رق‪ ,‬ومربكة للمتلقي‬ ‫سبق نتاجه اإلبداعي دراسة عن الشاعر‬ ‫الذي كنت منهم وقتها‪ .‬ذلك ألنه كان يجرب أبو سعد رحمه الله‪ .‬كمطب هوائي لكاتب‬ ‫أكثر مما يكتب‪ ,‬ويبحث عن حقيقة وجدها جديد على الساحة‪ ،‬قد تحلو له لعبة النقد‪,‬‬ ‫قبل الكتابة‪.‬‬ ‫وال أخفيكم أن��ي خشيت أن ال يتجاوزها‪،‬‬ ‫طبعت المجموعة ف��ي دار ال�ك�ف��اح من حتى ج��اءت المجموعة كشاهد إثبات على‬ ‫ال�ح�ج��م ال�ص�غ�ي��ر ب�ص�ف�ح��ات ع��دده��ا ست خطأ تصوري‪ .‬إذ حينها كان البشير يشحذ‬ ‫وثمانون صفحة‪ ،‬احتوت سبع ًة وثالثين نصا ع ��دده ب �ه��دوء؛ ليباغت ش �ه��رزاد دون خط‬ ‫ٍ‬ ‫قصصيا‪,‬‬ ‫وبغالف لعبت الحرفية فيه دورا رجعة‪ ،‬فينهر دماءها درراً‪ .‬كان نص «عبق»‬ ‫كبيرا‪ ,‬بعدسة عماد الشامسي‪ ،‬وصممته على سدتها‪ ،‬فارتاح وأراح من وجع الكتابة‪،‬‬ ‫نهال الضويان‪.‬‬ ‫وضم جناحيه إلعالن نفسه وجها في وسط‬ ‫الكثير فيها‪.‬‬

‫المجموعة متساوية في الحد القصصي‪,‬‬ ‫ومتفاوتة في الحد النثري‪ ,‬ومتماهية في‬ ‫الحد السردي‪ ,‬ومتباينة في الحد الجنوني‪.‬‬

‫ل�ع�ب��ة ش�ب�ق��ة ب��ال��دف��ق ال �ع �ت��ي‪ ..‬ق ��ام بها‬ ‫البشير من خلف الصفوف‪ ،‬وعلى غفلة منا‪،‬‬ ‫لذلك سنظل نجهل كتاباته‪ ..‬ألنه أراد ذلك‪،‬‬ ‫وألن شهادتي فيه مجروحة‪ ,‬سأخرس عن‬

‫يغط ف��ي االح �ت �م��االت‪ .‬ق��د لطخت سماءه‬ ‫روايات شرهة الظهور‪ ,‬فضاع من ضاع في‬ ‫زخمها‪ ،‬وانخفض مؤشر األسهم إل��ى دون‬ ‫الوسط على شاشة بالزمية‪ ،‬فتحرك شيء‬ ‫في نفسه‪ ،‬وهو يبصر هذا المشهد المؤلم‬ ‫من عين متمخضة الدمع‪ ،‬وإضرام نار ينذر‬ ‫بثقب األوزون؛ ليوسّ ع الشق على الراقع من‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪73‬‬


‫ن��ص «رأي» ب�ت�ص��رف ص (‪-69‬‬ ‫‪.)70‬‬

‫تقدير شاهد عليها‪ ،‬يقف قبالتها‬ ‫راصدا إرهاصة أولى لفتحه‪.‬‬

‫ويخيب أمل هذه البشارة إزاء‬ ‫منتج يمثل القصة القصيرة في‬ ‫السعودية‪ ،‬يوضع بين يدي قارئ‬ ‫ال��ي��وم‪ ،‬ف�س�ق��ط اس �م��ه س �ه��وا أو‬ ‫عمدا؛ وما أحسبها تتعدى الميانة‬ ‫على بساطة األحسائي‪ ،‬وبخاصة‬ ‫إذا كان في رهافة حس قاصنا‪.‬‬

‫ب� �ي���ن «ك � � �ت� � ��اب» أول ن��ص‬ ‫و«ج ��ال� �ي� �ل� �ي ��و» آخ � ��ر ن� ��ص ت�ق��ع‬ ‫المجموعة ال�ت��ي منها‪ :‬م�ب��اراة‬ ‫سخرية ح ��ادة‪ ،‬وف��راش��ة نهاية‬ ‫غ� �ي ��ر م� �ف ��اج� �ئ ��ة‪ ,‬أو س�ب�ق�ت�ه��ا‬ ‫ال �ف �ج��ائ �ي��ة‪ ،‬وف ��ي ل�ع�ب��ة تأنيس‬ ‫ل�لأش�ي��اء ب��اق �ت��دار‪ ,‬ف�ث��ار الغبار‬ ‫كسال ص ‪.32‬‬

‫(لك ذلك) كما أجاب الكاتب بأريحية المتمكن‬ ‫في أمسيته بنادي الشرقية األدبي؛ لفك االختالف‬ ‫ولعل أضعف النصوص «باكمان» أو المعالجة‬ ‫وإهدار الوقت في المفيد‪ ،‬ونجح بامتياز‪ ،‬لكنه لم بعجلة‪ ،‬وبطريقة كان يمكن أن تكون أفضل‪.‬‬ ‫ينل الشهادة حتى اآلن‪ ..‬وأظنه سينتظر طويال‪ ،‬فلن‬ ‫نص «تدوير» افتقد النهاية السريعة المتسقة‬ ‫يدرج اسمه ضمن أجندة النقاد إال بتك الشهادة‪ .‬م��ع ب��داي�ت��ه‪ ،‬و«ت��اري��خ» غلب عليه ال �ح��وار فقتل‬ ‫إال أن غلطة المطبوع األول لن ينجو منها أحد‪ ،‬جماله‪ ,‬و«سخرية العيد» لعبة مرة يتقنها محمد‬ ‫ومنهم كاتبنا بمجموعته‪ ،‬فهناك قصص ال تمثله بمهارة‪ ،‬و«جاليليو» رجعة الى مخترع التليسكوب‬ ‫البتة‪ ،‬أو على أقل تقدير لم يكن من الضروري في محنته‪.‬‬ ‫إدراجها في هذه المجموعة‪ .‬كنص تاريخ ص ‪,71‬‬ ‫ومحمد بارع في العناوين السردية‪ ,‬وهو قاص‬ ‫وباك مان ص ‪.49‬‬ ‫متفائل بغد مشرق‪.‬‬

‫وقد عنونت سطوري باالنطباع‪ ،‬فما أنا بناقد‪،‬‬ ‫ب��ل وأم �ق��ت ال�ن�ق��د ال� ��رديء ال ��ذي ش��وه منتجنا‪.‬‬ ‫م��ع ج��ل ت�ق��دي��ري ل�ن�ق��اد ق�ل��ة ي�ق��ف اإلن �س��ان لهم‬ ‫احتراما‪ .‬مخلصين للمنتَج وليس لكاتبه‪ ،‬وهذه‬ ‫القلة سينحسرون ت��واري��ا أم��ام إسهابنا األدب��ي‪.‬‬ ‫إذ ال فائدة من منتج يُقرأ بتوصية‪ ،‬ويكتب عنه‬ ‫بمكالمة‪ ،‬ويدفع بمنحة‪ ،‬لكن ربما مع مثل هذه‬ ‫البشارة تستقيم األمور نحو األحسن‪ .‬كما تعدلت‬ ‫أم��ور كثيرة‪ ،‬وغ��دت أكثر جماال في عهد جديد‬ ‫نحياه‪ .‬تنفسنا فيه شيئا من الحرية‪ ،‬فال نسرف‬ ‫في استخداماتها سرديا‪ ،‬فنحن في حاجة إلى‬ ‫النصح أكثر من حاجتنا الى الفضح‪ .‬بعدما غدت‬ ‫الكلمة عندنا مسموعة‪ .‬قد أفسح لها حيزا كبيرا‬ ‫في الظهور‪.‬‬

‫برفق المجموعة فلمان قصيران لم يضيفا‬ ‫للمجموعة ش�ي�ئ��ا‪ ,‬ش��اع ت��داول�ه�م��ا ف��ي عصرنا‬ ‫الحاضر‪ ,‬تماما كالقصة القصيرة جدا التي لم‬ ‫يعترف بها حتى اآلن في غالب مشهدنا الثقافي‪.‬‬ ‫ولعل م��ن ب��اب ال�ص��دف��ة‪ ,‬ورب�م��ا الصدمة أن‬ ‫تورق القصة القصيرة في األحساء على يد هذه‬ ‫المجموعة التي أنعتها بالبشارة‪ ,‬ألن وقودها تواطؤ‬ ‫مسبق بين ال�ق��اص ونصوصه؛ لتأتي شخوصه‬ ‫متواضعة‪ ،‬وأحيانا يدنو القاص من النص‪ ,‬فتبهت‬ ‫شخوصه‪ ،‬ألنه خالف التواطؤ المسبق بينهما‪.‬‬

‫هذا ما اشتهت نفسي اإلبحار فيه مع «عبق‬ ‫ال�ن��اف��ذة» بفيض ع��ان��ق ال�ج�ن��ون ت ��ارة‪ ,‬والجنوح‬ ‫ت���ارات‪ .‬ألن الكتابة ع��ن القصة مثل اكتشاف‬ ‫ج��زي��رة صغيرة ف��ي البحر ال ب��د أن تأتيها من‬ ‫ولقد حوّل البشير إهداء مجموعته بتفرد منه‬ ‫كل الطرق‪ ،‬وما أنت بقادر‪ ,‬فعذرا على قصوري‬ ‫إل��ى ن��ص م�ش��ارك ف��ي المجموعة‪ ،‬أو على أقل‬ ‫وفهاهتي‪.‬‬

‫* ‬

‫‪74‬‬

‫قاص وناقد من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫لـ عبدالله السفر‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫وسياج املدينة‬ ‫حفرة ُ الصحراء‬ ‫ُ‬ ‫د من روح الشعر وزواياه ُ الصافية‬ ‫د إذ يول ُ‬ ‫النق ُ‬ ‫> نصار احلاج*‬

‫كتاب عبدالله السفر (حفر ُة الصحراء وسياجُ المدينة–الكتابة السردية في السعودية)‪،‬‬ ‫الصادر في طبعته األولى عن النادي األدبي بالجوف‪ ،‬بدء ًا من عنوانه وحمولته الشعرية‬ ‫البائنة‪ ،‬والمفارقة التي ينسجها شرك ًا لقراءة هذه النصوص السردية ما بين الصحراء‬ ‫والمدينة والحفرة والسياج‪ .‬تحيلنا هذه الشعرية إلى عبدالله السفر– الشاعر الذي‬ ‫يكتب القصيدة الجديدة في أرقى نماذجها‪ ،‬وها هو يضيف للمكتبة العربية كتاب ًا نقدي ًا‬ ‫أحدثت حفرياتها في‬ ‫ْ‬ ‫عن الكتابة السردية في السعودية؛ فهل السطوة الشعرية التي‬ ‫إنتاج عنوان الكتاب‪ ،‬بتلك الثنائية المكتنزة بشعرية عالية وصافية‪ ،‬ظلت فاعلة وتمارس‬ ‫سطوتها داخل متن الكتاب؟ أي هل دخل الشاعر عبدالله السفر إلى كهوف النقد بأدواتهِ‬ ‫الشعرية‪ ،‬ورهانتها النقدية الكامنة داخلها؟ أم تحرَّ َر من تلك السطوة وجاء أعز ًال من‬ ‫�لا إلى دائ��رةِ النقد ب��أدوات��هِ الصارمة؟ أم هي هُ جنةٌ تزاوجت فيها‬ ‫أق��واس الشعر‪ ،‬داخ ً‬ ‫الشعرية بغيرها من أشكال إبداعية‪ ،‬لتصل إلى سردية نقدية مختلفة؟‬ ‫جاءت مقدمة الكتاب تحت مسمى (تجليات‬ ‫ّف عبرها الكاتب في‬ ‫صندوق ب��ان��دورا)‪ ،‬ط�و َ‬ ‫المنتج الروائي السعودي الرَّاهن‪ ،‬وانهماره‬ ‫ال��دَّ اف��ق ف��ي العقد األخ�ي��ر‪ ،‬مغلقاً ب��اب هذا‬ ‫التقديم بسؤال‪ :‬هل تكون الرواية السعودية‬ ‫ومعها القصة القصيرة واح��دة من تجليات‬ ‫ص �ن��دوق ب ��ان ��دورا؟ وه��ل يصبح المبدعون‬ ‫والمبدعات من يجترح كشف الغطاء وإطالق‬ ‫المخبوء؛ لعلنا نعثر على األمل؛ أمل التغيير‪،‬‬ ‫في قعر هذا الصندوق؟ هنا تظهر جل َّياً أدواتُ‬

‫الشعرية وأسرارها وكمائنها التي ال تنفد وال‬ ‫تنضب‪ ،‬أو تتخلى ع��ن جَ � ِّرنَ��ا إل��ى أغ��واره��ا‬ ‫المتجاوزة للسطوح واألع�م��اق القريبة‪ ،‬بما‬ ‫�وص‬ ‫للشعر م��ن رغ �ب��ة دائ �م��ة للكشف وال �غ� ِ‬ ‫عميقاً في الجوهر دون أن يغل َق البابَ أبداً‬ ‫بإجابات حتمية‪ ،‬وهكذا هو الشعر في صورةٍ‬ ‫من رهاناتهِ ‪ ،‬دائما ما يتركُ الشع ُر الصافي‬ ‫�ارات تحقق االستمرارية‬ ‫أسئل ًة خلفهُ‪ ،‬وم �غ� ٍ‬ ‫والرغبة في التوغل أكثر‪ ،‬والوصول المتجدد‬ ‫إلى تأويالت وتفسيرات وإجابات جديدة ال‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪75‬‬


‫متناهية‪ ،‬وهو ما تخبئه تجليات صندوق الباندورا‬ ‫في هذه المقدمة‪ ،‬بينما يسعى النقد عبر رهاناته‬ ‫ال �س��ردي��ة المطلقة ل�ت�ق��دي��م إج��اب��ات وت�ف�س�ي��رات‬ ‫صارمة‪.‬‬ ‫ف��ي سبيل دخ��ول عبدالله السفر لتجربة ع��واض‬ ‫العصيمي ال��روائ �ي��ة‪ ،‬ن�ج��ده يسميه ال �ب��دوي ال��ذي‬ ‫(يكتب قصيدة الصحراء روائ�ي�اً)‪ ،‬منتبهاً لبدايات‬ ‫ال��روائ��ي ع��واض العصيمي الشعرية‪ ،‬ومنتبهاً إلى‬ ‫المجاز ال��ذي وظَّ فه في رواي�ت��ه (أو‪ ..‬على مرمى‬ ‫صحراء‪ ..‬في الخلف) بتشييده مجازاً نامياً عبر‬ ‫الرواية‪ ،‬والمجاز هو من أرواح الشعرِ العديدة التي‬ ‫تتغذى منها القصيدة‪ ،‬لتصفو شعريتها‪ ..‬وعبره‬ ‫يدخل عبدالله السفر إل��ى سبر أغ��وار بنية هذه‬ ‫الرواية من خالل االحتجاز مفتاحاً لقراءة الرواية‪،‬‬ ‫مفككاً داللة الحفرة‪ ..‬حيث انزلقت قدم «ميثاء»‪،‬‬ ‫وفقدت عذريتها إثر هذه السقطة‪ ،‬وأيضاً الحفرة‬ ‫التي عَ ل َ َق فيها «ضاوي» تحت قمرة سيارته المهشمة‬ ‫في أرض عشيرة الغربان‪ ،‬غرماء الماضي‪ .‬والسياج‬ ‫رمزاً للمدينة‪ ،‬إذ ينهض من سؤال ضاوي عن ذلك‬ ‫الحجر ال� ّزل��ق ال��ذي سحبه م��ن قدميه إل��ى داخ��ل‬ ‫السياج‪ ،‬تعبيراً عن فداحةِ العيش داخل السياج –‬ ‫المدينة‪.‬‬ ‫ويتوقف عند المجاز في رواي��ة فهد العتيق «كائن‬ ‫مؤجل»‪ ،‬وفي رواي��ة محمد الرطيان (ما تبقى من‬ ‫أوراق محمد الوطبان)‪ ،‬يكشف عن مجاز الشخصية‬ ‫الذي يتجاوز معطى الحدث‪ ،‬ويصبح معادالً وتعبيراً‬ ‫عن رفحاء المدينة المقدودة خارج هويتها‪.‬‬ ‫بتتبع جميع ال�ع�ن��اوي��ن ال��داخ�ل�ي��ة لمتنِ ال�ك�ت��اب ‪-‬‬ ‫حفرة الصحراء وسياج المدينة ‪ -‬نجدها جميعاً‬ ‫بال استثناء‪ ..‬ن ُِحتَتْ ببراعة شعرية عالية‪ ،‬وصكَّها‬ ‫برصانة منحازةٍ للشعر ف��ي أكثر‬ ‫ٍ‬ ‫عبدالله السفر‬ ‫تجلياتهِ دالل ًة وتصويراً جمالياً صرفاً لنجد عنونة‬ ‫مثل‪ :‬إن أحببت أح��داً أعطه باباً وجناحين‪ /‬عر ٌق‬ ‫يفض ُح الفرائس‪ /‬البرقع في إنتظار رقصةِ الماء‪/‬‬ ‫غ�ط�س��اتُ ال ��روح ال�س��ري�ع��ة‪ /‬س �ق��وطٌ ي��وق��ظ ال��روح‬ ‫الجميلة‪ /‬ض��رب� ُة الجناح المنيرة‪ /‬م�س��ر ٌح مدب ٌر‬ ‫للعتمة‪ /‬جماجم عارية يتدفق منها الرماد‪ /‬موسيقى‬ ‫صاخبة في األدوار العليا‪ .‬إضافة إلى أن لغة الكتابة‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫التي اشتغل عليها عبدالله السفر في هذا الكتاب‪،‬‬ ‫تعتمد إل��ى ح� ٍ�د كبير تقنيات الشعر م��ن اقتصاد‬ ‫اللغة‪ ،‬وتركيز في الوصف‪ ،‬وعدم الترهل‪ ،‬واختزال‬ ‫كل ما يمكن أن يشكل زوائد للنص‪ ،‬مخلصاً ووفياً‬ ‫بلغة تقترب‬ ‫للتعبير عن الفكرة النقدية والتأويلية‪ٍ ..‬‬ ‫من الشعر أكثر من انحيازها للغة السرد‪ ،‬المفتونة‬ ‫بالشرح والوصف المطوَّل الموغل في التفاصيل؛‬ ‫لذلك‪ ،‬دائما ما يتوقف وينتبه للروايات‪ ،‬أو الفصول‬ ‫والمشاهد الروائية التي يشوبها الترهل واإلنبساط‬ ‫ف��ي ال��وص��ف وال��ح��وار‪ ،‬وال �ت��ي تهمل ال�ل�غ��ة وعمل‬ ‫المخيلة‪ ،‬وال توغل في األغوار للمزيد من الكشف‬ ‫واإلمساك بجوهر الشخصيات السردية‪.‬‬ ‫يلتقط عبدالله السفر سؤال «مدى» لزوجها عبدالله‪،‬‬ ‫و«مدى» هي بطلة رواية (شجرة الحب غابة األحزان)‬ ‫مغلق ونحن في‬ ‫مكان ٍ‬ ‫َجلس في ٍ‬ ‫ألسيمة درويش «أن ُ‬ ‫الصحراء؟»‪ ،‬عبر هذه المفارقة الحارقة والصادمة‬ ‫ذات اآلن‪ ،‬يكشف السفر عن المفارقة التي ينبني‬ ‫في ِ‬ ‫عليها الكثير من مقوالت «مدى» ورمزية االسم‪ ..‬إذ‬ ‫يتساءل‪ :‬هل هو اسم علم تحمله بطلة الرواية؟ أم أنه‬ ‫يكشف عن مسار الرواية‪ ،‬حيث «مدى» األفق الذي‬ ‫ال ينتهي‪ ..‬وال يستجيب لتحديد وال تأطير؛ يحبسه‬ ‫عن التفتح واالم �ت��داد‪ ،‬واج�ت��راح التجربة الخاصة‬ ‫الملغومة بـبذرة التمرد منذ الطفولة‪ ،‬ليستمر في‬ ‫ق��راءة ال��رواي��ة كاشفاً المفارقة التي تتشكل عبر‬ ‫شخصية عبدالله جابر الذي تزوج «مدى» وانطلق‬ ‫بها إل��ى ل�ن��دن‪ ،‬لتنطلق ه��ي ف��ي ح��ري��ة ونشاطات‬ ‫تنسجم مع شخصيتها‪ ،‬ويبدو زوجها منسجماً معها‬ ‫في ذل��ك الجو المتسق مع المكان وثقافته وبنيته‬ ‫االجتماعية‪ ،‬س��رع��ان م��ا يتحول ه��و نفسه‪ ،‬ذات‬ ‫الزواج عند العودة إلى البالد في الخليج إلى رجل‬ ‫تقليدي‪ ..‬مثل والدها حسن زهران يحبس «مدى»‬ ‫في القفص‪ ،‬ويلتقط السفر تحقق المفارقة نفسها‬ ‫بشكل آخر في حياة الطبيب «فيشر»‪ ،‬طبيب العائلة‬ ‫الذي تعثرت عالقته بزوجته‪ ..‬ملكة الجمال المفتونة‬ ‫بالظهور الباذخ إشباعاً لعقدة رافقتها منذ الطفولة‪،‬‬ ‫وتطور العالقة بينه وبين «م��دى»‪ ،‬كل منهما باحثاً‬ ‫عن إكمال النقصان في حياته‪ ،‬دون أن يتحقق بينهما‬ ‫الوصول‪ ،‬ويستمر السفر راصداً وقارئاً للرواية عبر‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫التقاط المفارقات التي تشكل حياة شخصياتها‪ .‬وال‬ ‫يغفل في إش��ارة نقدية صارمة إلى المفارقة التي‬ ‫يراها بين عنوان الرواية نفسه (شجرة الحب غابة‬ ‫األحزان) ومتنها؛ إذ يرى أن عنوان الرواية ع َّب َر عن‬ ‫سطح الرواية وحسب‪ ،‬دون اإلش��ارة إلى المرامي‬ ‫التي تبثها الرواية‪ ..‬وهي محاربة السطوح‪ ،‬ليقول‬ ‫إنها رواية جميلة ممتعة بعنوان باهت‪ ،‬وأيضاً يرصد‬ ‫المفارقات التي اشتغلت عليها رواية «حياة السيد‬ ‫كاف» لعلي الشدوي‪ .‬كما أنه بوصفه شاعراً لم يفته‬ ‫االنتباه واإلشارة إلى أن لغة الرواية المشغولة بعناية‬ ‫وإحكام في (شجرة الحب غابة األحزان) تصل إلى‬ ‫الشعرية دون الوقوع في إغ��راء فخاخها‪ ،‬ويكشف‬ ‫السفر عن ذات المنحى الشعري ال��ذي تميزت به‬ ‫رواي��ة «العتمة» لسالم عبدالعزيز‪ ،‬حيث يرى أنها‬ ‫تميل للشعرية واالنخطاف نحو الصور والمجازات‪،‬‬ ‫بما يكافئ المشهد الجواني الذي لن توصله اللغة‬ ‫المحايدة‪.‬‬ ‫عب َر التطرق لقراءة عبدالله السفر لرواية عواض‬ ‫ال�ع�ص�ي�م��ي ك��اش �ف �اً ال �م �ج��از ال���ذي اش�ت�غ�ل��ت عليه‬ ‫ال��رواي��ة‪ ،‬وكاشفاً المفارقة التي شكلت بنية رواية‬ ‫أسيمة درويش‪ ،‬نجده متتبعاً رواية «الحزام» ألحمد‬ ‫أبو دهمان‪ ،‬من خالل داللة الرمز‪ ،‬منطلقاً إلى ذلك‬ ‫من شخصية «ح��زام» وخصوصية المكان والبشر‬ ‫في قرية آل خلف‪ ،‬منتبهاً إلى الجانب األسطوري‬ ‫في شخصية «ح��زام»‪ ،‬واألسطورة هي منبع الشعر‬ ‫والحكمة كما يشير لذلك‪ ،‬وينفذ إلى تأثير الشعر‬ ‫من خ�لال ال��راوي اب�ت��دا ًء من أسرته‪ ،‬بخاصة األم‬ ‫التي علّمته الشعر وتنظيف الكلمات والغناء المرادف‬ ‫لتحقيق الذات‪ ..‬وإن كان بشبهة الجنون‪.‬‬ ‫في رواي��ة ليلى الجهني (جاهلية)‪ ،‬يكشف عبدالله‬ ‫السفر عن فعل اإلزاحة الذي اشتغلت عليه الرواية‪،‬‬ ‫وهي عملية تحريك الـجاهلية منزوعة من تعريفها‬ ‫وموقعها في الماضي التاريخي الغارق في القدم‪..‬‬ ‫إلى موقع الحاضر براهنيته وتحوالته اإلجتماعية‬ ‫والثقافية‪ ،‬مفككاً كل ذلك من خالل ما سماه «الحب‬ ‫ال�م�ع��اق» بين الفتاة «ل�ي��ن» البيضاء؛ اب�ن��ة الوطن‬ ‫واألص��ل والحسب‪ ..‬وبين الشاب «م��ال��ك» األس��ود‬ ‫الغريب بأصله األفريقي الطارئ‪ ،‬وكما يقول السفر‬

‫حيث تتبدى الهوة التي تبتلع األمل‪ ،‬وهذا ما تكشف‬ ‫عنه المصائر المعتمة للشخصيات الرئيسة والعابرة‬ ‫في «جاهلية»‪.‬‬ ‫بذات االنحياز الشفاف لقراءة الكتابة السردية في‬ ‫ِ‬ ‫�أدوات شحنتها‬ ‫السعودية‪ ،‬من زواي��ا أكثر ألقاً‪ ،‬وب � ٍ‬ ‫مرجعيات الشعر وشروطه الخالصة لتنقية الكتابة‬ ‫من شوائبها وترهالتها‪ ..‬نجد عبدالله السفر قد‬ ‫س��ا َر في ق��راءة رواي��ة «ال��وارف��ة» ألميمة الخميس‪،‬‬ ‫و«م�ي�م��ون��ة» لمحمود ت� ��راوري‪ ،‬و«ف �خ��اخ ال��رائ�ح��ة»‬ ‫ليوسف المحيميد‪ ،‬التي يكشف السفر أن اللغة‬ ‫احتلت مركزاً باذخاً فيها‪ ،‬بينما رواية «لغط موتى»‬ ‫ليوسف المحيميد‪ ،‬تخلَّت عن شغل اللغة لصالح‬ ‫�ص��ت ب�ك��م من‬ ‫ض��وء ال �ح��دث‪ ،‬إذ ي��رى أن �ه��ا ق��د غ� ّ‬ ‫األحداث ينوء بها جسدها‪ ،‬مشيراً إلى أن المحيميد‬ ‫لو حافظ على رهانه متوازناً بين طاقة الحكي وبين‬ ‫طاقته اللغوية الالزمة الستكناه أبعاد شخصياته‪،‬‬ ‫لحقق نجاحاً أبعد للرواية‪ ،‬وهنا يُوظِّ ف عبدالله‬ ‫السفر عمل اللغة داخ��ل النص الشعري ووظيفتها‬ ‫ف��ي ع��دم ال��رك��ون وال�ت�ك�ل��س واالن �ح �ي��از‪ ،‬لقدرتها‬ ‫الفائقة على الكشف الستكناه أبعاد الشخصيات‪،‬‬ ‫وب��ذات األدوات التي تنحا ُز لتجاوز السطوح إلى‬ ‫ال�غ��وص والحفر ف��ي أب�ع��اد الشخصيات‪ ،‬الجوهر‬ ‫األعمق والذي دائماً ما تسعى له القصيدة أكثر من‬ ‫غيرها من الخيارات اإلبداعية‪ ،‬تصل هذه الطريقة‬ ‫في القراءة بعبدالله السفر إلى توصيف رواية «بنت‬ ‫الجبل» لصالح القرشي‪ ،‬بأنها تمثل توطئة تنتظر ما‬ ‫يدعمها ويخط سطور تعميقها عبر العودة إلى تفتيق‬ ‫بتأن وعمق‪.‬‬ ‫الخلفيات‪ ،‬ونبش الفراغات ٍ‬ ‫ف��ي ال�ق�س��م األول م��ن ال �ك �ت��اب‪ ..‬ت �ن��اول عبدالله‬ ‫السفر عدداً من األعمال الروائية لكل من عواض‬ ‫العصيمي‪/‬أسيمة درويش‪ /‬أحمد أبو دهمان‪ /‬ليلى‬ ‫الجهني‪ /‬أميمة الخميس‪ /‬محمود تراوري‪ /‬يوسف‬ ‫المحيميد‪ /‬سالم عبدالعزيز‪ /‬صالح القرشي‪ /‬علي‬ ‫الشدوي‪ /‬عبدالواحد األنصاري‪ /‬محمد الرطيان‪/‬‬ ‫أحمد البشري‪.‬‬ ‫ل�ي�ت�ن��اول ف��ي ال�ق�س��م ال �ث��ان��ي ع� ��دداً م��ن األع �م��ال‬ ‫القصصية‪ ،‬حيث أرى أن تناوله لها لم تغب عنه‬ ‫تراكمات وأدوات عبدالله السفر الشعرية‪ ،‬وقدرته‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪77‬‬


‫حفرة الصحراء وسياج املدينة (الكتابة السردية في السعودية)‬

‫ط��اب �ع �اً أس��ط��وري��اً ت �ن��أى عن‬ ‫ع�ل��ى اس�ت�ب�ط��ان دالل���ة النص‬ ‫عبدالله السفر‬ ‫ال�ع��ادي��ة‪ ،‬وت��رق��ى إل��ى مستوى‬ ‫ال �س��ردي‪ ،‬وع��ن م��دى ابتعاده‬ ‫ال�ت�م�ي��ز ال�م�ص�ب��وب ف��ي مناخ‬ ‫واق �ت��راب��ه م��ن ف�ن�ي��ات الكتابة‬ ‫شعري‪.‬‬ ‫وجمالياتها والصور الشعرية‬ ‫حفرة الصحراء وسياج املدينة‬ ‫في قسم القصة القصيرة تناول‬ ‫وهو يقرأ هذه النصوص‪ ،‬كأن‬ ‫الكتابة السردية في السعودية‬ ‫ق�ص�ص�اً ل �ـ أم�ي�م��ة الخميس‪/‬‬ ‫ينتبه إل ��ى أن ال �ق��اص جبير‬ ‫هل تكون ال��رواي��ة السعودية‪ ،‬ومعها القصة‬ ‫عبدالرحمن ال��درع��ان‪ /‬فهد‬ ‫باندورا‪« .‬قصص‬ ‫كتابه‬ ‫المليحانمن ف�‬ ‫�ي صندوق‬ ‫جتليات‬ ‫القصيرة‪ ،‬واحد ًة‬ ‫وهل يصبح املبدعون واملبدعات َمن يجترح‬ ‫ال�خ�ل�ي��وي‪ /‬ظ��اف��ر الجبيري‪/‬‬ ‫لجأعلى للفنتازيا‬ ‫صغيرة ج ��داً»‪،‬‬ ‫كشف الغطاء وإطالق املخبوء؛ لعلنا نعثر‬ ‫األمل؛ أمل التغيير‪ ،‬في قعر هذا الصندوق‪.‬‬ ‫ج �ب �ي��ر ال� �م� �ل� �ي� �ح ��ان‪ /‬م�ح�م��د‬ ‫ل �م �ع��ال �ج��ة م��س��أل��ة ال�س�ل�ط��ة‬ ‫املؤلف‬ ‫ال�ن�ج�ي�م��ي‪ /‬ص��ال��ح األش �ق��ر‪/‬‬ ‫ب�ط�ي�ف�ه��ا ال �م �ت �ع��دد‪ ،‬وال��زم��ن‬ ‫سعيد األح�م��ر‪ /‬ضيف فهد‪/‬‬ ‫وأث��ره الغائر في الشخصيات‬ ‫ع� ��واض ال �ع �ص �ي �م��ي‪ /‬م �ب��ارك‬ ‫واألم�ك�ن��ة‪ ،‬وذل��ك باللجوء إلى‬ ‫ال �خ��ال��دي‪ /‬ط��اه��ر ال��زارع��ي‪/‬‬ ‫طريقة تسعف في االستنطاق‬ ‫ناصر الجاسم‪ /‬فهد المصبح‪.‬‬ ‫وال� �ت ��أوي ��ل ع �ل��ى ن �ح��و ش�ع��ري‬ ‫عبر هذا الكتاب أنجز عبدالله‬ ‫وج� �م ��ال ��ي‪ ،‬وي��ش��ي��ر إل � ��ى أن‬ ‫لا ن �ق��دي �اً م�م�ي��زاً‪،‬‬ ‫ال�س�ف��ر ع �م� ً‬ ‫ال �م �ل �ي �ح��ان ق � ��ارب م��وض��وع��ة‬ ‫السلطة وعسفها في أكثر من نص بشعرية عالية‪ ،‬دخل إلى هذه التجربة وهو خارج من كمائن الشعر‬ ‫ويختم عبدالله السفر قراءته لقصص صالح األشقر وأناقته‪ ..‬نحو حقول النقد ومختبراتها في التفكيك‬ ‫بهذا «التلخيص» لع َّل هذا الح َّز العميق الذي اختبره وال�ت�ح�ل�ي��ل وم �ق��ارب��ة ال �ن �ص��وص‪ ،‬م��دف��وع �اً ب��ذاك��رة‬ ‫القاص بما فيه الكفاية هو ما يجعل نداء الكتابة وأدوات شعرية يقظة ومشعة في االلتقاط وإدراك‬ ‫ال�ض��رورات الفنية والجمالية‪ ،‬لسبر أغ��وار النص‬ ‫قريباً ونافذاً‪ ،‬ال يغادر ماء الشِّ عر أبداً‪.‬‬ ‫يلتقط عبدالله السفر تسمية ع��واض العصيمي السردي وتطور الشخصيات وقوة حضورها وقدرتها‬ ‫لكتابه بأنه نصوص قصصية‪ ،‬ويكشف تجليات على النمو‪ ،‬وتحقيق ذلك العمق الذي يمنح العمل‬ ‫الشعرية في السرد الذي تتضح كسمة بارزة لعدد السردي أبعاده الكُليَّة‪ ،‬وكذلك كشف ما تقاصر عن‬ ‫من قصص الكتاب‪ ..‬ليذهب أكثر في التوضيح أن مالمسة الغاطس والكامن خلف السطوح العادية‪..‬‬ ‫الشعرية ال تنهض من اللغة وحدها‪ .‬إنما الى جانب أو ما تراوح بين كل تلك التموجات والدرجات من‬ ‫اللغة‪ ،‬ينظر إلى الحاالت التي ينبثق عنها السرد مستويات السرد‪.‬‬ ‫وكيفية بنائها‪ ،‬ليقول إن الجملة الشعرية عند لم يتخ َّل عبدالله السفر عن شعريته‪ ..‬أو يتخلَّص‬ ‫عواض العصيمي ليست مسقطة من الخارج‪ ،‬ليست من سطوتها‪ ،‬لكنها شكلت أفقاً ج��دي��داً‪ ،‬وإضافة‬ ‫حلية وال استعراضاً لذخيرة من الصور المحتشدة عمَّقت من مستويات القراءة وعمقها في تناول هذه‬ ‫في الذاكرة‪ ..‬فتصبح عبئاً وعبثاً‪ ،‬وبمقولة الكاتب األعمال السردية‪ ،‬ومنحت هذه القراءات النقدية‬ ‫ميزات عديدة شكلت اختالفها وجمالها المقطَّ ر‬ ‫ٍ‬ ‫الفنزويلي لويس بريتو غارسيا «إن حقيقة القصة‬ ‫القصيرة جداً‪ ،‬مثل حقيقة الشعر‪ ،»....‬يدخل إلى من جذوة الشعر ومائه الصافي‪ ،‬الذي كان له أثره‬ ‫قراءة قصص طاهر الزارعي القصصية‪ ،‬كما يتوقف وحضوره في لغة الكتابة بمجملها‪ ،‬إذ جاءت محمَّلة‬ ‫عند أب��رز سمات لغة ناصر الجاسم القصصية‪ ،‬بشحنات شعرية مضيئة‪ ،‬وخادمة للغة السرد في‬ ‫وه��ي األس �ط��رة‪ ..‬بحيث يجعل شخصياته تحمل هذه القراءات النقدية‪.‬‬ ‫عبدالله السفر‬

‫النادي األدبي باجلوف‬

‫* ‬

‫‪78‬‬

‫ناقد من السودان‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫النادي األدبي باجلوف‬

‫ردمك‪978-603-90018-7-4 :‬‬

‫الطبعة األولى‬

‫‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫مع القاص والروائي السعودي‬ ‫عواض العصيمي‪..‬‬

‫> حاوره عمر بوقاسم‬

‫عواض العصيمي‪ ..‬اسم يتكرر في سماء اإلبداع «السعودي»‪ ،‬منذ ثمانينيات القرن‬ ‫الماضي‪ ،‬بأعمال قصصية وروائية‪ ،‬تدهش القارئ وتعايشه؛ ينسج رؤيته بأدوات يتفرد‬ ‫بها‪ ..‬يقول‪« :‬اعتقد أن الصلة بين الكاتب وأدواته‪ ..‬إن لم تكن من القوة والمتانة‪ ،‬بحيث‬ ‫ال تكون شغله الشاغل‪ ،‬فإن من األجدى له أن يعيد نظره في عالقته بالكتابة»‪ ..‬بهذه‬ ‫الجدية التي يتمتع بها أديبنا عواض العصيمي‪« ..‬الجوبة» تفتح معه باب الحوار‪..‬‬ ‫تحويلها إلى ال��ورق‪ ،‬من دون أن أستعجل‬ ‫ف��ي كتابتها أو أستسلم إلغ��راءات�ه��ا على‬ ‫حساب الشكل والمضمون‪.‬‬

‫ < «ذات مرة ‪1997‬م»‪« ،‬ما من أثر ‪2007‬م»‪« ،‬أو‬ ‫على مرمى صحراء في الخلف ‪2002‬م»‪،‬‬ ‫«أك��ث��ر م��ن ص����ورة‪ ..‬ع��ود كبريت ‪2003‬م»‪،‬‬ ‫«ق��ن��ص ‪2005‬م»‪« ،‬المنهوبة ‪2009‬م»؛ ما < م��ا أدوات ال��م��غ��ام��رة ال��ت��ي ت��رت��ك��ز عليها‬ ‫م���دى ال��م��س��اح��ة ال��ت��ي اخ��ت��ص��رت��ه��ا ه��ذه‬ ‫لكتابة أعمالك؟‬ ‫اإلص�����دارات القصصية وال��روائ��ي��ة‪ ،‬وهل‬ ‫> أعتقد أن الصلة بين الكاتب وأدوات��ه إن‬ ‫أكملت بها مشوارك الكتابي؟‬ ‫لم تكن من القوة والمتانة بحيث ال تكون‬ ‫> في رأيي‪ ،‬ال تزال المساحة صغيرة مقارنة‬ ‫شغله الشاغل؛ فإن من األجدى له أن يعيد‬ ‫بحجم الكتابة السردية التي أطمح إلى‬ ‫نظره في عالقته بالكتابة اإلبداعية على‬ ‫إنتاجها‪ ،‬أو إنتاج ما يشغلني منها‪ ،‬وبهذا‬ ‫نحو خ��اص‪ .‬أقصد من ه��ذا أن مباشرة‬ ‫أق��ول إن المشوار ال ي��زال يحفل بوعود‬ ‫الكتابة بطريقة ميكانيكية ت�ج��ري عفو‬ ‫العادة‪ ..‬و«التساهيل» هي ما يحول الكاتب‬ ‫وأح�ل�ام تغذيني م��راودت�ه��ا ك��ل ي��وم بأمل‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪79‬‬


‫ال ألوم النقاد من أجلي‪ ،‬بل من أجل المشهد الروائي كامال‪.‬‬ ‫في السنوات األخيرة‪ ..‬هناك اهتمام جيد بالرواية المحلية أفضل من ذي قبل‪.‬‬ ‫الكتابة في الصحافة بشكل يومي تهدد المبدع‪ ،‬وتستهلك مساحة كبيرة من وقته وجهده‪.‬‬ ‫لم أكن اسم ًا المعاً؛ األسماء الالمعة التي تستحق أن تقرأ في الشعر العامي قليلة‪.‬‬ ‫األقالم الشابة‪ ،‬لديها إطالع جيد على األدب المعاصر وفنونه ولكنها منقطعة قرائي ًا عن التراث العربي‪.‬‬ ‫ُفضل أن أقرأ قصيدة لفهد‪ ،‬أو لبدر‪ ،‬على أن أكتب قصيدة‪.‬‬ ‫أنا أ ِّ‬ ‫تغيب بالطبع‪ ،‬وه��ي هنا توسيع وتعميق دائ��رة‬ ‫الحس الجمالي واالشتغال على اللغة ليس بهدف‬ ‫مطابقة ما سبق‪ ،‬وإنما باإلضافة إليه‪ ،‬على أن‬ ‫يجري العمل من دون تكلف وال تصنع فج‪ ،‬فالنهر‬ ‫قد يجري في أراض جديدة‪ ،‬بأشكال مختلفة‪،‬‬ ‫ولكنه يحتفظ بخصائصه‪ ،‬وإن ق��ل زخمه في‬ ‫مكان‪ ،‬وارتفع في مكان آخر‪ ،‬المهم هو النهر‪..‬‬ ‫وليس الطبيعة التي تتلقاه‪.‬‬

‫إلى خادم مطيع لشهوة الكتابة كيفما اتفق‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تحيله إلى مكينة إنتاج تعمل على الكم ضد‬ ‫الكيف‪ ،‬لكن الكاتب عندما يتنبه م��ن البداية‬ ‫إلى أهمية أن يكتب في حضور أدوات ناضجة‪،‬‬ ‫مدفوعاً إلى تغيير وعيه الكتابي بالفن واللغة‬ ‫إلى مستويات تتجدد في كل عمل‪ ،‬أو على األقل‬ ‫تنتقل إلى شيء مغاير ولو بنسبة بسيطة‪ ،‬فإن‬ ‫عندئذ تصبح جزءاً مهماً من حضوره‬ ‫ٍ‬ ‫الممارسة‬ ‫اإلبداعي أثناء الكتابة‪ ،‬وال يلزمه أن يفرق بين < في جلسة حميمة سمعت منك تعليق ًا يلوم النقد‬ ‫الكتابة واألدوات ال�ت��ي م��ن دون �ه��ا يقع العمل‬ ‫والنقاد‪ ..‬هل تخشى أن يصل النقاد ألعمالك؟‬ ‫في الميكانيكية األفقية الخالية بالضرورة من‬ ‫> ال أل��وم النقاد من أجلي‪ ،‬بل من أج��ل المشهد‬ ‫المغامرة‪.‬‬ ‫ال��روائ��ي ك�ك��ل‪ ،‬ه��ذا إذا ج��از أن أسميه ل��وم�اً‪،‬‬ ‫< ق����رأت رواي���ت���ك األخ���ي���رة «ال��م��ن��ه��وب��ة»‪ ،‬حقيقة‬ ‫نحن لدينا ك��مٌّ كبير من ال��رواي��ات التي يكتبها‬ ‫خ��رج��ت بانطباع أن لها ب��ن��اءً خ��اص�� ًا اعتمدت‬ ‫ش�ب��ان وش��اب��ات بطموح أن يصبحوا ي��وم �اً في‬ ‫أنت على نسجه‪ ،‬هل هذا اتجاه نحو المغامرة‬ ‫أفضل أحوالهم الفنية في كتابة الرواية‪ ،‬ولكن‬ ‫الكتابية التي تؤمن بها؟‬ ‫هذا الكم الذي يتضاعف عدده كل عام تقريباً‪،‬‬ ‫يقابله غياب واض��ح في العمل النقدي الجاد‪،‬‬ ‫> ك��ل أعمالي ال��روائ�ي��ة السابقة‪ ،‬تجنبتُ إع��ادة‬ ‫الجاد وليس النقد االنطباعي الصحافي‪ ،‬عندنا‬ ‫إنتاجها في عناوين جديدة‪ ،‬بمعنى أنني أحاول‬ ‫أسماء كثيرة من النقاد‪ ،‬ولكنها ال‬ ‫أن أض ��ع ك��ل ع �م��ل ف��ي ف�ض��اء‬ ‫تقوم بعملها كما يفترض منها‪ ،‬بل إن‬ ‫مختلف‪ ،‬إن على صعيد الشكل‬ ‫بعضها تخاذل بشكل كبير وانجرف‬ ‫أو المضمون‪ ،‬لكني ال أقوم بذلك‬ ‫م ��ع م ��وج ��ة ال �ك �ت��اب��ة االن �ط �ب��اع �ي��ة‬ ‫بقصد قطع مسار األسلوب العام‬ ‫إلرضاء شهوة الظهور في الصحف‬ ‫للمشروع ال��روائ��ي‪ ،‬هذا الشيء‬ ‫فحسب‪ ،‬ومن ثم أصبح بعض هؤالء‬ ‫ال يمكن للكاتب أن يحدثه‪ ..‬ألن‬ ‫نجوماً إع�لام�ي��ة‪ ..‬ألنها تظهر في‬ ‫األس �ل��وب مثل البصمة‪ ،‬أو هو‬ ‫شكل متكرر في اإلع�لام‪ ،‬وبطريقة‬ ‫بصمة معقدة تنمو مع الكاتب‬ ‫استهالكية‪ ،‬استهبالية مضحكة‪،‬‬ ‫كلما استمر‪ ،‬ومن الصعب تغيير‬ ‫وال�غ��ري��ب أن بعضهم يعترف بأنه‬ ‫خريطتها أو تخريب خطوطها‬ ‫ال يقرأ رواي��ات محلية‪ ،‬ورغ��م ذلك‬ ‫ال��رئ �ي �س��ة‪ ،‬ول �ك��ن ال �م �غ��ام��رة ال‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫على ضفاف بحيرة الجوف‬

‫يبدي رأيه في كل شيء يتعلق بالرواية المحلية‪،‬‬ ‫أل�ي��س ه��ذا م��ن األش �ي��اء ال�ت��ي ت��دل على مرض‬ ‫ثقافي من الصعب إنكار وجوده؟ فيما يتعلق بي‪،‬‬ ‫أنا ال أطالب أي ناقد أن يكتب عن أعمالي‪ ،‬بل‬ ‫إنني أطالب النقاد أن يتجنبوا الكتابة عنها إذا‬ ‫كانت العملية ال تخرج من الظهور على حساب‬ ‫ال�ع�م��ل‪ ،‬أو ال �خ��روج م��ن خ�لال الكتابة بمظهر‬ ‫الناقد النجم‪ .‬أنا ضد ظهور الناقد النجم الذي‬ ‫يركب األعمال الروائية لمنفعته الخاصة‪.‬‬ ‫< ه��ل صحيح أن فترة النضج النقدي ول��ت مع‬ ‫رح��ي��ل رواد ال��ن��ق��د األوائ����ل أم��ث��ال ط��ه حسين‬ ‫والعقاد ورفاقهما؟‬

‫> في السنوات األخيرة‪ ،‬نعم‪ ،‬هناك اهتمام جيد‬ ‫بالرواية المحلية أفضل من ذي قبل‪ ،‬وال يعود هذا‬ ‫إلى نشاط نقدي ما‪ ،‬بل يعود إلى إصرار الكتاب‬ ‫أنفسهم على التعريف بالقدرة السردية المحلية‪،‬‬ ‫والدفع بها إلى أفق عربي أوسع‪ ،‬هذا في نظري‬ ‫هو التحدي الذي أنجزه الكتاب والكاتبات في‬ ‫ال�س�ن��وات األخ �ي��رة‪ ،‬وم��ن الطبيعي أن يستقبل‬ ‫اإلع�لام هذا الفعل من زاوي��ة أوسع وأكثر قرباً‬ ‫من المشهد‪ ،‬ال أقول بأن األعمال المحلية كلها‬ ‫جيدة وفي مستوى المنافسة‪ ،‬ولكن هذا التحرك‬ ‫الجماعي ال��ذي لم يأبه بالذهنية السائدة في‬

‫> ال أظ��ن ذل��ك‪ ،‬فما زال ف��ي الحقل النقدي من‬ ‫يمارس النقد بتمكن وت�ج��رد‪ ،‬ولكنهم تعرضوا‬ ‫لمزاحمة آخرين يكتبون بكثرة من دون أثر نقدي‬ ‫ي��ذك��ر‪ ،‬يكتبون لمنافسة ال�ص�ف��وف األول ��ى من‬ ‫الكتاب المتوجين إعالمياً‪ ،‬وعندما يلتقي هذا‬ ‫ب��ذاك في المضمار اإلع�لام��ي‪ ،‬وتتسع الدائرة‬ ‫بهذا الشكل‪ ،‬فمن الطبيعي أن يضطر النقاد‬ ‫الجادون إلى الخروج من المشهد النقدي حفاظاً‬ ‫على مكانتهم العلمية وسمعتهم األدبية‪.‬‬ ‫< هل لك أن تحدّ د موقعا للرواية السعودية على‬ ‫الخارطة العربية؟‬

‫عواض العصيمي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪81‬‬


‫استقبال األع�م��ال‪ ،‬ول��م يكترث‬ ‫بسلطة النقد ال�م�ك��رس��ة‪ ،‬هذا‬ ‫التحرك الجماعي الجميل هو‬ ‫الذي فتح الحدود على الرواية‬ ‫المحلية‪ ،‬وقدم نفسه من خالل‬ ‫إنتاجه إلى العربي وغير العربي‬ ‫أيضاً‪ ،‬وال أشك في أن كثيراً من‬ ‫هذا المنتج لن يكتب له البقاء‬ ‫طويالً‪ ،‬إن لم ينس في الحال‪،‬‬ ‫ولكن هناك أعمال قوية ومتميزة‬ ‫عرفت وقرئت‪ ،‬واحتفي ببعضها‬ ‫ع�ل��ى ن�ح��و تستحقه ب��ال�ف�ع��ل‪ ..‬ول �ي��س م��ن ب��اب‬ ‫الصدقة وبذل المعروف‪.‬‬ ‫< وأن��ت ق��ارئ جيد للتراث م��ن العصر الجاهلي‬ ‫واألموي والعباسي‪ ..‬الخ‪ ،‬كتَاب اليوم منهم من‬ ‫لم يقرأ وليس لديه أدوات لقراءة هذا الموروث‪،‬‬ ‫بقدر حرصه على قراءة بعضهم وما هو مترجم‪،‬‬ ‫ماذا تقول في هذا؟‬

‫ه��ذا ه��و المجال المطلوب ليكون‬ ‫ك��ات�ب�اً أو ش��اع��راً‪ .‬ك��ل ه��ذا جميل‬ ‫ومطلوب؛ لكن االنقطاع عن تراث‬ ‫الرعيل األول‪ ،‬أو عن كنوز التراث‬ ‫العربي عموماً‪ ،‬بحجة تغير الزمن‬ ‫وتطور األدب‪ ،‬ه��ذا االنقطاع إنما‬ ‫يعبر عن موقف قصير النظر‪.‬‬ ‫< الصحافة جذبت الكثير من‬ ‫األسماء اإلبداعية‪ ،‬ألم تكن مغرية‬ ‫لك؟‬ ‫الكتابة في الصحافة في شكل‬ ‫> ‬ ‫ي��وم��ي‪ ،‬أو أس�ب��وع��ي‪ ،‬ت�ه��دد ال�م�ب��دع‪ ،‬وتستهلك‬ ‫م�س��اح��ة ك�ب�ي��رة م��ن وق �ت��ه وج �ه��ده خ ��ارج شغله‬ ‫األساسي‪ ،‬اإلب��داع‪ ،‬وأعرف كتاب مقاالت كانوا‬ ‫ف��ي زم��ن م�ض��ى ع�ل��ى ق��در ج�ي��د م��ن الحضور‬ ‫اإلبداعي‪ ،‬لكنهم اليوم فقدوا لياقتهم في الكتابة‬ ‫األدب �ي��ة‪ ،‬أو ه��ذا م��ا ي�ب��دو ل��ي حسب الظاهر‪،‬‬ ‫بدليل أنهم ل��م ينتجوا شيئاً يذكر حتى اآلن‪.‬‬ ‫م��ن المحتمل أن�ه��م وج ��دوا كتابة ال�م�ق��ال��ة‪ ،‬أو‬ ‫العمل الصحافي اإلداري‪ ،‬خياراً أفضل مادياً‬ ‫وإعالمياً‪ ،‬وال أحد ينازعهم في هذا الخيار‪ ،‬لكنه‬ ‫دليل بسيط على خطورة االنشغال بالكتابة في‬ ‫الصحافة‪ ،‬مع تقديري طبعاً لمن أثبت أنه في‬ ‫المكان المناسب‪.‬‬

‫> ال أ ّدع ��ي أن�ن��ي ق��ارئ جيد ل�ل�ت��راث‪ ،‬لكن وجهة‬ ‫نظرك صحيحة‪ ،‬وه��ذه واح��دة من المشكالت‬ ‫التي تواجه فئة من األقالم الشابة‪ ،‬لديها اطالع‬ ‫جيد على األدب المعاصر وفنونه‪ ،‬ولكنها منقطعة‬ ‫قرائياً عن التراث العربي عموماً‪ ،‬بل إن هناك‬ ‫من يركز في قراءته على المترجمات المنقولة‬ ‫من لغات أخرى‪ ،‬ويعزف عن قراءة أعمال الرواد < «هذا زمن الرواية»‪« ..‬هذا زمن الشعر»‪ ..‬عبارتان‬ ‫المحليين في الشعر والرواية‪ ،‬البعض لم يقرأ‬ ‫تتكرران على ألسنة الروائيين والشعراء‪ ،‬أنت‬ ‫لحامد دمنهوري‪ ،‬وعبد القدوس‬ ‫ماذا تقول؟‬ ‫األن� �ص ��اري‪ ،‬وأح �م��د س�ب��اع��ي‪،‬‬ ‫> ه��ي مصطلحات ج��رت على‬ ‫وغ �ي��ره��م م��ن أدب � ��اء ال�م��رح�ل��ة‬ ‫ألسنة النقاد‪ ،‬وتبعهم اإلع�لام‪ ،‬من‬ ‫الباكرة من مكة والمدينة وبقية‬ ‫دون دراس��ات نقدية معمقة‪ .‬وسوا ًء‬ ‫المدن السعودية‪ ،‬وعندما تسأله‬ ‫كان هذا زمن الرواية أو زمن الشعر‪،‬‬ ‫لماذا هذا العزوف؟ ال يجيبك‬ ‫ف��إن المهم ه��و المحتوى اإلب��داع��ي‬ ‫إج��اب��ة واض �ح��ة‪ ،‬ب��ل ينتقل إلى‬ ‫في كل منهما‪ ،‬كما أن الفنون تتجاور‬ ‫الحديث عن أسماء عالمية قرأ‬ ‫وت�ت�ح��اور م��ن دون أن يلغي بعضها‬ ‫لها في ترجمات عربية‪ ،‬ويسهب‬ ‫البعض اآلخر‪ ،‬وقد يأتي زمن يتقدم‬ ‫في الحديث عن شعراء وروائيين‬ ‫فيه فن من الفنون ويبرز إلى الواجهة‪،‬‬ ‫عرب معاصرين‪ ،‬وكأنه يقول إن‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫بجوار أقدم مئذنة في تاريخ اإلسالم مئذنة مسجد عمر بدومة الجندل‬

‫كما الرواية اآلن‪ ،‬ولكن تبقى بقية الفنون حاضرة‪،‬‬ ‫وإن قلَّت مساحة االهتمام بها‪ ،‬أو تراجع اإلنتاج‬ ‫فيها؛ فالشعر والسرد والمسرح لم يغب وهجها‬ ‫عندما كبرت مساحة السينما‪ ،‬وتعاظمت سلطة‬ ‫الصورة في األزمنة المتأخرة؛ بل استمرت في‬ ‫استقطاب المزيد من منتجيها‪ ،‬وأضافت إليها‬ ‫قراء جدداً‪ ،‬ومتابعين من كل األعمار تقريباً‪ ،‬مع‬ ‫مالحظة تباين حجم اإلقبال بين الفن المكتوب‬ ‫واألدائ��ي من جهة‪ ،‬وبين السينما والصورة من‬ ‫جهة أخ��رى‪ ،‬لكن الشعر م��وج��ود على مستوى‬ ‫العالم‪ ،‬والرواية موجودة في شكل واسع‪ ،‬وكذلك‬

‫المسرح‪ ،‬ما يزال يتحرك ويقوم بدوره في كثير‬ ‫من مناطق العالم‪ ،‬وأحب أن أشير باختصار إلى‬ ‫مصطلح زم��ن ال��رواي��ة‪ ،‬وه��و أن أول من أطلقه‬ ‫عربياً كان الروائي المصري عبده جبير في عام‬ ‫‪1986‬م‪ ،‬في جريدة عراقية‪ ،‬وكان تحت مسمى‬ ‫أن الرواية (ديوان العرب الجديد)‪ ،‬ثم تغير إلى‬ ‫مصطلح (زم��ن ال��رواي��ة) على ي��د بعض النقاد‬ ‫العرب في عملية سطو على المصطلح األصل‪..‬‬ ‫كما يؤكد ذلك الروائي عبده جبير في لقاء معه‬ ‫أجراه محمد الحمامصي في جريدة السفير في‬ ‫تاريخ (‪2005/8/5‬م)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪83‬‬


‫في زيارة إلى دار الجوف للعلوم ومسرحها‬

‫< ع��واض العصيمي اس��م الم��ع ف��ي سماء الشعر‬ ‫الشعبي‪ ،‬كشاعر يملك ص��وت مميز ف��ي هذه‬ ‫ال���س���اح���ة‪ ،‬ه���ل ق�����رأت ع��ل��ي��ن��ا أس���ط���ر ًا ف���ي ه��ذا‬ ‫االتجاه؟‬

‫لألنا وللعالم؛ لكن من الصعب مطاولة شعر فهد‬ ‫وبدر بقصد إزاحتهما عن القمة‪ ،‬رغم مرور زمن‬ ‫على تواريهما شعرياً عن القراء‪ .‬هذا هو رأيي‬ ‫الخاص‪ ،‬أنا أفضل أن أقرأ قصيدة باهرة جديدة‬ ‫لفهد‪ ،‬أو لبدر‪ ،‬على أن أكتب قصيدة عامية‪،‬‬ ‫علماً أنني توقفت عن كتابة الشعر العامي منذ‬ ‫أن بدأت أكتب في المجال الروائي‪.‬‬

‫ > لم أكن اسماً المعاً يا أخي‪ ،‬األسماء الالمعة التي‬ ‫تستحق أن تقرأ في الشعر العامي قليلة‪ ،‬أما‬ ‫الملمعة‪ ،‬فكثيرة وال حصر لها‪ .‬من الفئة األولى‬ ‫يأتي في المقدمة الشاعر فهد عافت‪ ،‬والشاعر < بالمناسبة‪ ،‬ما المواقع التي تزورها على النت؟‬ ‫بدر بن عبدالمحسن في حقل القصيدة العامية > ليست ك�ث�ي��رة‪ ،‬ل�ك��ن ال ب��د م��ن االع �ت��راف بقوة‬ ‫الحديثة الناضجة‪ .‬أم��ام هذين المبدعين في‬ ‫استيالء النت على المتصفح‪ ،‬إن��ه عمل أشبه‬ ‫مجالهما ال يمكن ألي شاعر‪ ،‬باستثناء الحميدي‬ ‫باإلدمان على التدخين‪ ،‬غير أن التورط اليومي‬ ‫الثقفي‪ ،‬أن يقول إنه يضاهيهما في قوة الموهبة‬ ‫فيه ال دخان فيه وال نار‪ ،‬وإن كان حرق الوقت‬ ‫وعمق الرؤية وجبروت الحضور الشعري‪ ،‬يمكن‬ ‫ال�ط��وي��ل ف��ي التصفح ال يختلف ف��ي النتيجة‬ ‫ألي شاعر أن يكتب قصيدته على ضوء تجربته‬ ‫المدمرة عن حرق السيجارة‪ ،‬وتأثير النيكوتين‬ ‫ال�خ��اص��ة‪ ،‬ووع �ي��ه ال�ش�ع��ري‪ ،‬ون�ب��اه�ت��ه اللغوية‪،‬‬ ‫في الجسم يقابله في النت تأثير الفقر الثقافي‬ ‫وفطنته ف��ي اخ�ت�ي��ار ال��زاوي��ة ال�ت��ي تمثل رؤيته‬ ‫والمعرفي ال��ذي يعرضه النت على المتصفح‬ ‫ط��وال ساعات متواصلة ال انقطاع فيها‪ .‬النت‬ ‫من هذه الزاوية‪ ،‬ومن هذا االستخدام‪ ،‬عدو قوي‬ ‫للقراءة والكتابة والتفكير‪ ،‬وحتى التأمل السليم‪.‬‬ ‫بل يحيل اإلنسان إلى أداة معطلة ذهنياً‪ ،‬وفكرياً‪،‬‬ ‫مثل كثير من القنوات الفضائية العربية وغير‬ ‫العربية التي تستهدف مشاهدين م��ن السهل‬ ‫وأتباع مطيعين‬ ‫ٍ‬ ‫تحويلهم إلى متفرجين دائمين‪..‬‬ ‫لها في كل شيء‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫حوار مع الشاعر املغربي صالح بوسريف‬ ‫> حاوره‪ :‬عبدالرحيم اخلصار*‬

‫هناك ِحرَاك جليّ اليوم في الساحة الثقافية المغربية‪،‬‬ ‫ال يُعْ زَى إلى حركة المُ ؤسسة‪ ،‬بقـدر ما يصنعه الكثير من‬ ‫وجدِّ يَتِ هم‬ ‫األفراد الذين تَحَ وَّ لُوا بفضل انشغالهم الدَّ ؤُوب‪ِ ..‬‬ ‫إلى مؤسسات‪ .‬ويمكن للمتتبع الذي ال تخدعه العين أن‬ ‫يلحظ ذلك في كافة مجاالت التأليف‪ ..‬من النقد إلى‬ ‫الرواية‪ ،‬ومن القصة إلى الشعر والفكر‪.‬‬ ‫ووسط هذا الحراك‪ ..‬تنشب أحيانا بعض المعارك السرية أو الظاهرة أحيانا‪ ،‬بسبب‬ ‫اختالف وجهات النظر‪ ،‬وفي أحيان أخرى بسبب قِ َصر النظر‪.‬‬ ‫وكي نقف عند حقيقة السجاالت الثقافية المغربية‪ ،‬فتحنا الحوار مع الشاعر صالح‬ ‫بوسريف‪ ..‬محاولين فهم وضعية المؤسسة الثقافية بهذا البلد األمين‪ ،‬والوقوف عند‬ ‫العالقة الملتبسة بين الراهن السياسي والمثقف‪.‬‬ ‫في هذا الحوار يوجه بوسريف انتقاداته لبيت الشعـر واتحاد كتاب المغرب‪ ،‬وللنقد‬ ‫السائد‪ ،‬ولـ[ربابنة] الثقافة أيضا‪.‬‬ ‫لصالح بوسريف إسهامـات مهمة في المجال النظري‪ ،‬هي‪ :‬رهانات الحداثـة ‪،96‬‬ ‫المغايـرة واالختالف في الشعر المغربي ‪ ،98‬بين الحداثة والتقليد ‪ ،99‬فخاخ المعنى‬ ‫‪ ،2000‬مضايق الكتابة ‪ ،2002‬الكتابي والشفاهي في الشعر العربي المعاصر ‪ 2006‬إضافة‬ ‫إلى أعماله الشعرية‪ :‬فاكهة الليل ‪ ،94‬على إثر سماء ‪ ،97‬شجر النوم ‪ ،2000‬نتوءات زرقاء‬ ‫«خبـزُ العائلة»‪ ،‬وهو ديـوان‬ ‫‪ ،2002‬شهوات العاشق وحامل المرآة ‪ُ ،2006‬شرفة يتيمة‪ ،‬ج‪ُ 1‬‬ ‫يجمـع بيـن الكتابـة والصوت‪.‬‬ ‫يكتسي هذا الحوار أهمية كبيرة‪ ،‬ألنه يسهم بشكل جدّ ي وواع في إزالة العديد من‬ ‫األقنعة‪ ،‬وفي رد االعتبار لجالل وهيبة الكتابة عوض تقديس األشخاص والمؤسسات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪85‬‬


‫< تقُ ول في ديوانك «حامل المرآة»‪:‬‬ ‫ ‬

‫«سَ َيبْدُ و الهَواءُ عَ ارِ ي ًا‬

‫ ‬

‫والشجَ رُ‬ ‫َّ‬

‫ ‬

‫سَ َيبْدُ و كما َل ْو أنَّهُ َف َق َد أ ْنفَاسَ هُ »‬

‫ ‬

‫أرج��و أن يكو َن هَ ��واءُ الكلمات‪ ،‬من خالل هذا‬ ‫ال��ح��وار‪ ،‬بيننا‪ ،‬عَ ���ارِ ي���اً‪ .‬ه��ل ك��ان ه��ذا العمل ‬ ‫ال��ج��دي��د‪َ ،‬ر ّد ًا شعري ًا على وضعيات ثقافية‬ ‫محدَّ دة؟‬

‫مثالً‪ ،‬فإنني أب��دأ ُ من ال� ِ�ج��راح التي طالتني‪،‬‬ ‫ألذهب إلى غيري ممن طالتهم الجراح نفسها‪،‬‬ ‫أو الخيانات نفسها باألحرى‪ .‬وما يجع ُل الجُ ر َح‬ ‫فادِ حاً‪ ،‬هو أن تأتيك الخيانة من أهل بيتِك! أو‬ ‫هكذا كُنتُ أتص َّورُهم‪ ،‬انظر ما يقولُه المسيح‬ ‫عن أهل بيته في الديوان‪.‬‬ ‫فكيف إذاً‪ ،‬تُري ُد الكتابة أن تكون خالية من‬ ‫َم� �وْقِ � ٍ�ف‪ ،‬أو ت �ك��ون‪ ،‬ب��األح��رى ُم ��حَ ��ا ِي� � َدةً‪ ..‬ال‬ ‫فالحياد في الكتابة‪ ،‬يُشْ ِب ُه البُرود‪ ،‬ألنَّ‬ ‫يُمكن‪ِ ،‬‬ ‫العالقة‪ ،‬في هذا الوضع‪ ،‬هي وُجُ ��ود طرفين‬ ‫يتفاعالن‪ ،‬ويتبادالن شيئاً ما‪ .‬ليس ضرورياً‬ ‫أن يكون تبادُل المحبة‪ ،‬هو األساس‪ ،‬قد يكون‬ ‫تبادُل العداء حافزاً‪ ،‬أيضاً الستشعار اآلخر‬ ‫في ذاتكَ ‪ ..‬وال داعي الستحضار رامبو هُنا‪.‬‬

‫ > قد يبدو عنوا ُن الدِّيوان عَ تَ َبةً‪ ،‬السْ تِشْ عار ما‬ ‫انتَ َبهْتَ إليه‪ .‬فالمرآة‪ ،‬تحم ُل جُ مل ًة من األبعاد‪،‬‬ ‫وهي دَالٌّ مفتوح على أكثر من احتمال‪ ،‬لعلَّ‬ ‫يس‪ ،‬حين تَنَ َّب َه لآِ خَ ِ ��ر ِه في الماء‪،‬‬ ‫وضعية نَر ِْس ْ‬ ‫تَك ِْشفُ عن حَ جْ مِ الخَ سارة التي قد تَ ْعتَرينَا‪،‬‬ ‫ونح ُن ننظُ ُر إلى حقيقة هذا اآلخَ ر‪ ،‬في هذا < ف��ي ه��ذا العمل ت��ع��ودُ لتتقاطـع م��ع نصوص‬ ‫كشف‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الصقيل؛ فالمرآةُ‪ ،‬بقدر ما هي‬ ‫الجسم َّ‬ ‫ال ْوت ُْسو‪ ،‬وسقـراط‪،‬‬ ‫التـوراة واإلنجيل‪ ،‬وفلسفة َ‬ ‫َضحٌ‪ ،‬وتَعْرِ يَةٌ‪.‬‬ ‫فهي ف ْ‬ ‫ونيتشه‪ ،‬وأوفيد وطرفة بن العبد‪ ،‬وبشار بن‬ ‫بُ���رد‪ ،‬وال��غ��زال��ي وال��ح�لاّج‪ ،‬وغيرهم؛ ه��ل كُ نْتَ‬ ‫ الشِّ عرُ‪ ،‬وفق هذا المنظور‪ ،‬هو َر ٌّد دائٌ��م على‬ ‫َّقاطع مع نصوص الماضي‪،‬‬ ‫تُكِ نُّ في هذا الت ُ‬ ‫الصراخ‬ ‫وضعيات‪ ،‬أو أوض��اع‪ ،‬وه��و ن��وع من ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّضا واالرتياح على الحاضر‬ ‫نوع ًا من عدم الر َ‬ ‫ال ��ذي يسب ُق إط�ل�اق ال � َّن��ار‪ .‬فما نعيشُ ه من‬ ‫��ك ب��كُ ��لِّ ه��ؤالء‬ ‫��ج��مَ ��عُ َ‬ ‫ال��ث��ق��اف��ي؟ وم���ا ال���ذي َي ْ‬ ‫والخيَاناتُ ‪،‬‬ ‫الجرَاحُ‪ِ ،‬‬ ‫وضعيات‪ ،‬تفا َقمَت فيها ِ‬ ‫المتمردين الكبار؟‬ ‫فيها‪ ،‬تَتَوَالى‪ ،‬وتتناسَ ل‪ ،‬تجع ُل الكتابة تكون‬ ‫استنكاراً دائماً‪ ،‬لِما يجري‪ ،‬ويحدُثُ ‪ .‬األمرُ‪،‬‬ ‫َضعاً ثقافياً ما‪ ،‬بل يَسْ ري على‬ ‫صو ْ‬ ‫هنا‪ ،‬ال يَخُ ُّ‬ ‫َداع مُستَمِ ٍر‪،‬‬ ‫ُك ِّل الجسم العربي‪ ،‬الذي هُو في ت ٍ‬ ‫تذكَّر الحديث النبوي‪ ،‬ح��ول تداعي الجسم‬ ‫كامالً‪ ،‬حين تُصابُ بعض أطرافه بعلة ما‪...‬‬ ‫هو ما سيقولُه نيتشه بطريقته الخاصة‪.‬‬

‫ ‬

‫‪86‬‬

‫وأن��ا حين أُش �ي � ُر إل��ى ال� ِ�ج�س��م ال�ع��رب��ي‪ ،‬وفي‬ ‫ال��دي��وان‪ ،‬بُ ْع ٌد إنساني لهذه المأساة‪ ،‬ال َِح��ظْ‬ ‫وُجُ � ��و َد س�ق��راط والمسيح‪ ،‬إل��ى ج��ان��ب بشار‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫نصوص‪ ،‬بل مع ح��االت‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫> ل� ْم أ ُك��ن أتقاط ُع مع‬ ‫وحين يكون األم ُر مُتعلِّقاً بالمُتأمِّلينَ‪ ،‬أو بمن‬ ‫يشتغلون بالتفكير‪ ،‬ومُراقبة ال�وُجُ ��ود‪ ،‬يُصب ُح‬ ‫األم ُر أكثر فداحَ ةً‪ُ .‬ك ُّل هؤالء الذين َذ َك ْرتَهُم‪،‬‬ ‫َشعرُون‬ ‫طَ التْهُم جراح هذا الوُجود‪ ،‬وكانوا يَسْ ت ِ‬ ‫ما يجري من خالل التعبير عنه بالكتابة؛ ِبنَ ْقلِهِ‬ ‫رح شخصي‪ ،‬إلـى جُ ـرح وُجُ ـودي‪ .‬أليس‬ ‫من جُ ٍ‬ ‫وُجُ ـودُنا على األرض هو نـوع من العقاب‪ ،‬ثمَّة‬ ‫خطيئة ما حَ َدثَتْ في أز ٍَل ما‪ ،‬نح ُن ما نزا ُل‬


‫ال يمكن للكتابة أن تكون خالية من موقف‪.‬‬ ‫ُفرض عليك في الظالم‪..‬‬ ‫وضها‪ ،‬هي التي ت ُ‬ ‫الحروب التي قد ت َُخ ُ‬ ‫أخطَ رُ أنواع ُ‬ ‫ليست الدولة من خَ رَّ ب اتحاد كُ تاب المغرب‪ ،‬بل األحزاب‪ ،‬واألفراد‪.‬‬ ‫نَ ْد َف ُع ث َمنَها‪ ،‬وأن تَ ْد َف َع ثمن ما لم تَ ْف َعلْهُ‪ ،‬فهذا‬

‫هو أقسى جُ رح‪ .‬ولعلَّ ما ذهَ بَ بي إلى هؤالء‬

‫تحديداً‪ ،‬هو هذا الجُ رح الكبير الذي يطالُنا‬ ‫دون ه��وادَة‪ ،‬وهذا القت ُل الذي ال يفتأ يأ ُكل ُنا‪،‬‬ ‫رغم مُواجَ َه ِتنـا له‪ .‬فنيتشه‪ ،‬كتاباتُـه كُلها تعبير‬

‫عن فداحَ ــةِ ما جَ رى في زمنه‪ ،‬واقرأ ما يقُولُه‬

‫عن األلمان‪ ،‬والنقد القوي الذي وَجَّ َه ُه لهُم‪،‬‬ ‫وكذلك نص دفاع سُ قراط عن نفسه‪ ،‬فهو لم‬

‫يكن دفاعاً‪ ،‬بقدر ما كان إدان��ة‪ .‬وهو ما قاله‬ ‫ال�ح�لاج‪ ،‬وه��و مصلوبٌ ‪ ،‬حين كانت أط��را ُف� ُه‬

‫ ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الشعر عندنا في المغرب لم يبدأ بعد‪ ،‬وما يجري هو نوع من الكتابـات الصحفيـة‬ ‫نقدُ ِّ‬ ‫المُ بتذلة‬

‫ألنَّها شهادة وتَثْبِيتٌ ‪.‬‬ ‫< ِع ْ��ش��تَ عشر سنوات من العُ زلة‪ ،‬أغلقتَ باب‬ ‫اتِّ��ح��اد كُ ��ت��اب ال��م��غ��رب‪ ،‬وب��ع��ده ب��ي��ت ال ِّ��ش��ع��ر‪،‬‬ ‫وفتحت غُ رَف ًا أخرى لتأمُّ ل الذات‪ ،‬وما يُحيط‬ ‫لديك‬ ‫َ‬ ‫بها‪ ،‬وإلع��ادة النظر‪ ،‬فيما ص��ار ي ُْشبِ هُ‬ ‫الماضي الثقافي‪ ،‬هل كان البُعد عن المؤسسة‬ ‫خيار ًا فردياً‪ ،‬أم أنَّ��ك وج��دتَ نقسَ ك مدفوع ًا‬ ‫للشاعر أن يكسبه أو‬ ‫إليه؟ وم��ا ال��ذي يُمكن َّ‬ ‫يخسره‪ ،‬حين يترُ ك ه��ذه األفضية‪ ،‬ويجلس‬ ‫إلى ذاته من أجل الكتابة؟‬

‫تُ� َم �زَّق‪ ،‬كما لو ك��ان هو مُرتَكِ ب خطيئة هذا‬ ‫> أنتَ تعرف أنَّ الشاع َر ليس له ما يخسرهُ‪ .‬فهو‬ ‫الوُجود‪.‬‬ ‫دائماً يُوالي الخسارات‪ .‬المُؤسسات الثقافية‪،‬‬ ‫دائماً هناك عدم رضا‪ ،‬وإ َّال ماذا سيكو ُن ما‬ ‫في العالم العربي‪ ،‬ال يُمكنها أن تكون نافذة‬ ‫نكتبُ ُه إذا ك��ان اقتناعاً بما ي�ج��ري‪ .‬خطاب‬ ‫يلتجيء‬ ‫للمعرفة‪ ،‬فهي نافذة للكَسْ ِب‪ ،‬لهذا ِ‬ ‫الرضا‪ ،‬والقناعة‪ ،‬هو خطاب سُ ل ْطَ ة‪ ،‬خطابُ‬ ‫صو َن‬ ‫إليها َم ْن ال عالقـة لهم بالكتابـة‪ ،‬ويَحْ رِ ُ‬ ‫من يُ َبرِّر الهزائم‪ ،‬والمُؤامرات‪ ،‬ويُ َبرِّر القتل‪،‬‬ ‫أو يَدَّ عيه‪ ،‬في ما يكو ُن هو القاتِل الحقيقي‪.‬‬

‫وضها‪ ،‬هي‬ ‫وأخطَ ُر أنواع الحُ روب التي قد تَخُ ُ‬

‫ُفرض عليك في الظالم‪..‬‬ ‫التي ت ُ‬ ‫ ‬

‫ل��ذا ف��ال��ذَّ ه��ابُ نحو الكبار‪ ،‬ه��و تحجيم لمن‬ ‫يَسْ َع ْو َن إلى إبْعادِ كَ ‪ ،‬أو لَجْ مِ لسانِك عن قول‬

‫ما يجري‪ ،‬وتثبيتِهِ ‪ ،‬وأنت تعرف‪ ،‬أن الكتابَة‪،‬‬

‫بعكس الكالم‪ ،‬هي تثبيتٌ ‪ ،‬كما يقول دري��دا‪،‬‬ ‫فيما ال�ك�لام ا ِّم �ح��اءٌ‪ .‬ه��ؤالء يخافون الكتابة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪87‬‬


‫على تَ َولِّي شُ ؤونِها‪ ،‬إمّا بدعم من الدَّ ولة‪ ،‬أو‬ ‫من األح ��زاب‪ ،‬أو باستعمال الجامعة‪ ،‬وهذا‬ ‫أم��ر ي�ح�دُثُ اليوم عندنا في المغرب بشكل‬ ‫ق��ات� ٍ�ل‪ ،‬لتفريخ أص ��وات‪ ،‬يَ� ِت � ُّم استعمالُها في‬ ‫لصنْع‬ ‫التصويت‪ ،‬للحُ صول على المناصب‪ .‬أو ُ‬ ‫األصنام‪ ،‬من خالل ما يكتبـونُه عن أشخـاص‬ ‫دون غيـرهم (انظر ما يُنشر عندنا من ُكتُب‬ ‫موضوعُها‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬ ‫ودراس��ات)‪ .‬الشخص نفسه‬ ‫ف عليها‪ ،‬و َم � ْن يطبعُها‪ ،‬أليس هذا‬ ‫من يُ��شْ ��رِ ُ‬ ‫تَ ْدلِيساً في حَ ��قِّ المعرفة‪ ،‬وتحديداً في حق‬ ‫الشِّ عر‪ ..‬أهذا هو الحقُّ في الشِّ عر!؟‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪88‬‬

‫الكُبرى‪ ،‬وفق هذا المنطـق البليد الذي أشـرتُ‬ ‫إل�ي��ه‪ ،‬ب��ل األف �ـ��راد‪ ،‬وليس م��ن يَ��دَّ ع�ـ��ون اليُتْ َم‬ ‫والقتلَ‪ ،‬وه��م ال يَحْ َي ْو َن إ َّال ب��اآلب��اء‪ ،‬وه��م َم ْن‬ ‫يسعون لقتل ُك ِّل حاالت الضوء التي تتبدَّ ى في‬ ‫أُف ٍُق ما‪ .‬لهذا‪ ،‬فعُزلتي ساعدتني كثيـراً‪ ،‬على‬ ‫إنجـاز أعمالي‪ ،‬التي طالما أجَّ لْتُها‪ ،‬والعُثور على‬ ‫وضها اليوم‪ ،‬في المُمارسـة‪،‬‬ ‫الطُّ رق التي أخُ ُ‬ ‫كما في النَّظر‪ .‬فاب ُن خلدون حين كان ُمتَسكِّعاً‬ ‫ال‬ ‫ُنج َز عم ً‬ ‫في أروقة السُّ لطة‪ ،‬لم يستطع أن ي ِ‬ ‫مفيداً‪ ،‬هذا حدث له‪ ،‬عندما اعتزل في قلعة‬ ‫ابن سالمة في تونس‪ ،‬وكانت نتيجة العُزلة‪،‬‬ ‫عمله الكبير كتاب «المقدمة»‪ ،‬وهذا ما جعله‬ ‫حاضراً معنا اليوم‪ ،‬وليس بدسائسه‪ ،‬وأطماعه‬ ‫التي أشعلها من أجل أشياء تافهة‪.‬‬

‫ال � ُم �ث �ق��فُ ‪ ،‬أو ال��شَّ ��اعِ � ُر ال � َم � ْع � ِن��يُّ بالمشاريع‬ ‫الثقافية الحقيقية‪ ،‬سَ ي َِج ُد نفسه‪ ،‬خار َج هذه‬ ‫ال�لُّ�ع�ب��ة‪ ،‬وس�ي�ج��د ن�ف��سَ ��ه‪ ،‬ع��اري �اً‪ ،‬يُ��داف��ع عن‬ ‫مشروع ال أحَ � َد يرغَ بُ فيه؛ فمشروع اتحاد < دعنا نقول الحقيقة دون أن يعني ذلك اليأس‪،‬‬ ‫أال ترى أن المؤسسات الثقافية في المغرب‬ ‫كُتاب المغرب‪ ،‬ا ْمت ََّص ُه الحزب‪ ،‬ومشروع بيت‬ ‫تعيش حالة من اإلهمال والنكران والتهميش‬ ‫الشعر‪ ،‬أكلتْ ُه النزعات الفردية‪ ،‬ومنطق الهيمنة‬ ‫الكبير‪ ،‬بحيث ال تجد لها أي صدى أو أثر في‬ ‫واالستحواذ‪.‬‬ ‫سيرورة األحداث الكبرى في هذه البالد؟‬ ‫وه��ذه ه��ي مُصيبة الثقافة العربية‪ ،‬والعمل‬ ‫> هذا هو مصي ُر ُك� ّل المؤسسات التي تَتَقَا َد ُم‬ ‫الثقافي‪ ،‬كما قال الشابّي‪ ،‬الذي عاش الوضع‬ ‫م �ش��اري � ُع �ه��ا أو ت��م��وت‪ .‬ف �ك��رة ا ِّت� �ح ��اد ُك � َّت��اب‬ ‫ن�ف�س��ه‪ ،‬أل َّن �ه��ا ت �خ �رُج ع��ن سياقها الثقافي‪،‬‬ ‫المغرب‪ ،‬مثالً‪ ،‬أو اتحادات ال ُكتَّاب‪ ،‬في العالم‬ ‫وتتحوَّل إلى سياقات األطماع والمُواجهات‪.‬‬ ‫العربي‪ ،‬كما أشـرتُ في استطالع‪ ،‬منذ أكثـر‬ ‫ليست الدولة من خَ رَّب اتحاد كُتاب المغرب‪،‬‬ ‫من سنة‪ ،‬وكما أكَّدتُ ذلك في رسالتي لرئيس‬ ‫بل األحزاب‪ ،‬واألفراد‪ ،‬واألمر ذاته ينطبق على‬ ‫اتِّحاد كتاب المغرب‪ ،‬لم تَعُد ذات جدوى‪ ،‬ألنَّها‬ ‫بيت الشِّ عر‪ ،‬ال��ذي هو أيضاً أصبح محكـوماً‬ ‫ضرو َرتَها‪ ،‬وأصبح االتِّحاد يعمل من‬ ‫استنفذت َ‬ ‫�ص��ة‪ ،‬وه ��ذا م��ا ج� � َّرهُ إليه‬ ‫�اص� َ‬ ‫بمنطـق ال � ُم��حَ � َ‬ ‫دون مشروع ثقافي‪ ،‬ومن دون سياسة ثقافية‬ ‫رئيسُ ـه األوَّل‪ ،‬الـذي أقصى َم ْن أقصى‪ ،‬وقتَ َل‬ ‫واضحة‪ ،‬تستطي ُع أن تُساير ال َّت َغيُّرات الطارئة‪،‬‬ ‫م��ن ق�ت��ل‪ ..‬وج��اء ف��ي نهاية المطاف ليَدَّ عِ ي‬ ‫وم��ا أصبح يَ ْعتَمِ ُل في الساحَ ة الثقافية من‬ ‫ال َموْتَ واإلقصاء‪.‬‬ ‫�ات‪ ،‬ل��م تَ� ُك��ن م��وج��ودة م��ن قبل‪ .‬حتى‬ ‫ُم�ق�تَ� َرح� ٍ‬ ‫ليس مُهماً أن تَفْشَ َل في نظري هذه المشاريع‪،‬‬ ‫شريحة المنخرطين الجُ دد في االتحـاد‪ ،‬الذين‬ ‫�زاب‪،‬‬ ‫جـاءوا إليه من الكتابة‪ ،‬وليس من األح� ٍ‬ ‫ليست المؤسسات ه��ي م��ن يبني المشاريع‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ ‬

‫هذه المُؤسسات‪ ،‬لم تعُد ذات مصداقية‪ ،‬وأنت‬ ‫ترى أنَّ عدداً كبيراً من الكُتاب والشعراء‪ ،‬لم‬ ‫تَعُد تعنيهم ه��ذه المؤسسات؛ ألنَّ ما سَ عَوا‬ ‫لتغييره‪ ،‬وم��ا ك��ان��وا يعملون م��ن أج��ل بلورتِهِ‬ ‫ك �ت �ص��ورات‪ ،‬وب��رام��ج‪ ،‬ل�ل�خ��روج بها م��ن وضع ‬ ‫ُوج � َه��ت‪ ،‬بتدخُّ الت ال عالقة لها‬ ‫الغيبوبة‪ ،‬و ِ‬ ‫بالشأن الثقافي‪ .‬يُمكنُك أن تقوم بجـرد بسيط‬ ‫ألسماء المنتسبين لالتحـاد‪ ،‬ستُفاجأ ب ُوجـود‬ ‫أشخاص‪ ،‬ال تستطيع أن تعرف مُبرِّر انتسابهم‬ ‫لهذه المؤسسة‪ .‬أو َم ْن هُم في المشهد الثقافي‬ ‫في المغرب!‬

‫ ‬

‫التهميش ط��ا َل هذه المؤسسات من داخلها‪،‬‬ ‫وهذا ما ُكنَّا من قبل‪ ،‬نعيبُه على وزارة الثقافة‪،‬‬ ‫ال�ت��ي ه��ي ق�ط��اع م��ن قطاعات ال��دول��ة‪ ،‬وهي < هل ق��در المثقف المغربي أن يغض الطرف‬ ‫ع��ن الحياة ال��ع��ام��ة‪ ،‬ويكتفي بالجلوس إلى‬ ‫مؤسسة من دون سياسة ثقافية‪ ،‬ومشروعاتُها‬ ‫طاولة صغيرة في الحانة كل يوم يندب حظه‬ ‫م�ن��ذ االس �ت �ق�لال إل��ى ال �ي��وم ب� ��اءتْ بالفشل‪.‬‬ ‫العاثر الذي لن يستقيم؟ أال ترى أن التاريخ‬ ‫َرض فيها‬ ‫فحين تُصبح المؤسسات‪ ،‬التي يُفت ُ‬ ‫السياسي الراهن أفرز المثقف الذي ترتاح له‬ ‫أن تكون مُستقلة‪ ،‬خاضعة لبرامج ال ��وزارة‪،‬‬ ‫السلطة؟‬ ‫ولما يأتي من هذه ال��وزارة‪ ،‬فاألم ُر يُضاعِ فُ‬ ‫م��ن قلقنا‪ ،‬ألنَّ ه��ذه ال�م��ؤس�س��ات‪ ،‬أصبحت > السُّ لطة لم تعد مشغولة بالمُثقف؛ فتجربة‬ ‫تبحثُ عن ُك � ِّل ما تُتَمِّم به تقاريرها األدبية‬ ‫ما سُ مِّيَ بالتناوب‪ ،‬أفسَ دَت ُك��لَّ ش��يء‪ ،‬ألنَّها‬ ‫التي تتقدَّ ُم بها للمؤتمر‪ ،‬وتُراهن على الكم‪،‬‬ ‫أقحمت‪ ،‬ف��ي استجابتها للحُ كم‪ ،‬أشخاصاً‬ ‫ال على طبيعة عمل المؤسسة‪ ،‬والغرض الذي‬ ‫محسوبين على المثقفين‪ ،‬فكانت النتائج التي‬ ‫من أجله و ُِج�دَت‪ .‬فما الذي سيجع ُل من هذه‬ ‫أفرزوها كارثية‪ ،‬ليس على الثقافة فقط‪ ،‬بل‬ ‫المؤسسات تكون حاضرةً‪ ،‬في ما هي‪ ،‬غير‬ ‫على المُثقفين‪ .‬لهذا أصبحت السُّ لطة تتحدث‬ ‫موجودة في األصل‪..‬‬ ‫عن التقنوقراط‪ ،‬بوصفهم الخيار المُمكن‪ ،‬في‬ ‫مواجهة انتهازية المثقفين‪ ،‬وتهافتهم‪ .‬قِ لَّة مِ َن‬ ‫األم��ر نفسه ي�س��ري على بيت ال��شِّ �ع��ر ال��ذي‬

‫ ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ع�ل��ى االت �ح��اد أن ي�ت�ع��ا َم� َل معهم م��ن منظور‬ ‫مُغاي ٍِر‪ ،‬ال بوصفهم نِصاباً قانونياً‪ ،‬لتَمرير‪،‬‬ ‫القوانين والبرامج‪ ،‬التي تتح َّولُ‪ ،‬فيما بعد إلى‬ ‫أداة لقمع الجميع‪.‬‬

‫تَ َّم تدْمي ُرهُ‪ ،‬وتجميد مشروعه الشِّ عري الذي‬ ‫�ص �وُّر ج��دي��د للشعر‪ ،‬وللعمل‬ ‫أسَّ ��سْ �ن��ا ب��ه ِل �تَ� َ‬ ‫الشِّ عري‪ .‬والتَّحدِّي المطروح اليوم على هذه‬ ‫المؤسَّ سات؛ أن تستوعِ بَ ‪ ،‬أ َّوالً‪ ،‬ما يجري في‬ ‫الساحة الثقافية بالمغرب‪ ،‬وأن تفتح حوارات‪،‬‬ ‫أو تعقد لقاءات للحوار‪ ،‬مع َم ْن ي ُهمُّهم األمر‪،‬‬ ‫ألج��ل ال�ب�ح��ث ع��ن َم��خْ ��رَج‪ ،‬وت �ف��ادي السكتة‬ ‫القلبية التي أصبحت وشيكةً‪.‬‬ ‫ال يُمكن للعمل الثقافي أن يكو َن مُج َّر َد لقاءات‬ ‫نعقـدُها هنا أو ه�ن�ـ��اك‪ ،‬ف�ه��ذا م��ا أصبحت‬ ‫تُنجزه جمعيات محلِّيَة بطريقة أفضل من‬ ‫ه��ذه المؤسسـات‪ُ .‬ك � ّل مؤسسة‪ ،‬ال تُحافـظ‬ ‫على استقالليتها‪ ،‬وال يكون لها مشروع واضح‪،‬‬ ‫مبنياً في سياق حوار جديِّ ‪ ،‬وعميق‪ ،‬مع ذوي‬ ‫االخ �ت �ص��اص‪ ،‬وب�ن�ـ��وع م��ن الشفافيـة‪ ،‬وقبول‬ ‫االختالفات ال ُممْكِ نة ُكلّها‪ ،‬ال يمكنها أن تخرُج‬ ‫من نفق الهزائم التي تعيشُ ها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪89‬‬


‫المٌثقفين‪ ،‬هُم من نَ � َأوَا بأنفسهم‪ ،‬منذ بداية‬ ‫اللعبة‪ ،‬عن هذا الفخ ِّ؛ ألنَّهم استشعروا خُ طورة‬ ‫ما يجري‪ ،‬ولم يكونوا طَ رَفاً في حوار التناوب‪،‬‬ ‫إذ لم يكن هناك ح��وار أص�لاً‪ .‬فحين نُقصي‬ ‫المُثقف‪ ،‬من تقرير مصير بَل ٍَد بكامله‪ ،‬ونعطي‬ ‫الكلمة‪ ،‬للسياسي‪ ،‬أو للمثقف الذي تربى في‬ ‫أحضان السياسة‪ ،‬أعني الحزب‪ ،‬فإن النتائج‪،‬‬ ‫ال يُمكن أن تكون إ َّال بالصورة التي آلت إليها‬ ‫(انظر ما حدث في وزارتي التعليم‪ ،‬والثقافة‪،‬‬ ‫مثالً)‪.‬‬ ‫ ‬

‫المُثقف كان دائماً قو ًة اقتراحيةً‪ ،‬ولم يكن آل ًة‬ ‫لتنفيذ ما هو ُم�ق�رَّر سلفاً‪ .‬فهو شريك‪ ،‬وال‬ ‫يقبل أن يكون كُو ْم َبرْساً في مسرحية رديئة‪،‬‬ ‫ُصهم الموهبة‪.‬‬ ‫بممثلين‪ ،‬تنق ُ‬ ‫ؤخر ًا بيـانا للشعراء المغاربة تنـاول‬ ‫< أطلقتَ مُ َّ‬ ‫العديد من القضـايا الحساسـة والمُ حرِ جَ ة‪ ،‬‬ ‫وأ ْو َردْتَ فيه ما يأتي‪:‬‬

‫ ‬

‫«أساء إلينا النقد‪ .‬زاَوَلَ علينا خَ �� َد َرهُ‪ ،‬وحوَّ لنا‬ ‫إلى غابة‪ ،‬شَ جَ رُ ها ال فرق بين أنواعه‪ ،‬شَ جَ رَةٌ‬ ‫واحدة تكفي لِ ت َْس ِميَةِ الغَابَة»‪..‬‬

‫ ‬

‫هل كُ نتَ تقصدُ أنَّ المغرب ظلَّ خالل العُ قود‬ ‫األخ��ي��رة مظلوم ًا شعرياً‪ ،‬بحيث ك��ان يُ��ش��ارُ‪ ،‬‬ ‫دائم ًا وفقط‪ ،‬إلى أسماء قليلة‪ ،‬هي التي أو َكلَت‬ ‫إلى نفسها مهمة تمثيل أكثر من ثالثة أجيال‬ ‫من الشعراء في هذا البلد؟‬

‫> أرجو أن يقرأ المغاربة‪ ،‬وحتى غير المغاربة‪،‬‬ ‫س‬ ‫هذا البيان‪ ،‬فهو نداء‪ ،‬فيه حاولتُ أن أ ُالمِ َ‬ ‫الممنوع‪ ،‬وما ال يُسْ َم ُح بقولِهِ ‪ ،‬أو ما يُقال بنـوع‬ ‫من التَّخَ فِّي والتَّقِ يَةِ ‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪90‬‬

‫نق ُد الشِّ عر عندنا في المغرب لم يبدأ بعد‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫وم��ا يجري هو ن��وع من الكتابـات الصحفيـة‬ ‫المُبتذلة‪ ،‬أو ك�ت��اب��ات‪ ،‬تعمل بعض الشُّ عَب‪،‬‬ ‫ف��ي ُك �ل �ي��ات ُم� �ح ��دَّ دة‪ ،‬ع �ل��ى ال �ت��روي��ج ل��ه من‬ ‫خ�لال توجُّ هات مُعينة‪ ،‬إل��ى درج��ة أنَّ هناك‪،‬‬ ‫ممن يدَّ عون االنتساب للشعر‪ ،‬يفرضون على‬ ‫الباحثين‪ ،‬استنسـاخ طُ �رُقِ �ه��م ف��ي الكتابـة‪،‬‬ ‫َص� �ل ُ��وا إل �ي��ه م��ن ن�ت��ائ��ج في‬ ‫واس�ت�ن�س�ـ��اخ م��ا و َ‬ ‫ُنجز من أطاريح حول الشِّ عر‬ ‫أطاريحهم‪ .‬ما أ ِ‬ ‫المغربي‪ ،‬أعني المنشور منه‪ ،‬ك��ان نوعاً من‬ ‫ال�ق��راءات التي وضعت قوانين لهذا الشِّ عر‪،‬‬ ‫حتى قبل أن تَ��شْ � َر َع في ق��راءت��ه‪ ،‬وه��ي اليوم‪،‬‬ ‫انتهت‪ ،‬وال يُ َروَّج لها إ َّال داخل الجامعة نفسها‪،‬‬ ‫ألنَّها لم تُسْ هِ م في خَ ل ْقِ أُفُق شعري جديد‪ ،‬وال‬ ‫أراض أ ُخرى‪ ،‬بل‬ ‫في فتح النص الشِّ عري على ٍ‬ ‫أسهمتْ في تعطيل كثير من االنفراجات التي‬ ‫كانت قد بدأت تظهر آنذاك‪.‬‬ ‫ه��ذا ما جعل المشارقة آن��ذاك ينظرون إلى‬ ‫الشعر المغربي‪ ،‬بنوع من االزدراء‪ ،‬ألنَّ هذا‬ ‫ال�ن��وع م��ن ال �ق��راءات‪ ،‬وه��و م��ا ي��زال مُستمِ ّراً‬ ‫صو ٍَر أكثر فداحَ ةً‪ ،‬كان يسعى‬ ‫إلى اليوم‪ ،‬في ُ‬ ‫لتكريس أسماء مُحدَّ دة‪ ،‬هي التي تجدُها اليوم‬ ‫في ُك ِّل مكان‪.‬‬ ‫اليوم تَ َغ َّير َِت األمور‪ ،‬فوسائل االتصال الحديثة‬ ‫عَ �رَّت ه��ؤالء‪ ،‬وكشفـت عن حقيقة ما يجري‬ ‫في األراضي الشِّ عرية في المغرب‪ .‬لهذا فأنا‬ ‫ال أرى أن هناك من يُ َمثِّل األجيال المغربية‬ ‫بمختلف تنوُّعاتها‪ ،‬أو يَنُوبُ عنها في الكالم‬ ‫باسْ مِ ها‪ ،‬ألنَّ النصوص والتجارب أصبحت‬ ‫مُتاحَ ةً‪ ،‬وتُقرأ في أكثر من مكان‪ ،‬وال ينبغي‬ ‫أن نتعجَّ ل ال�ن�ت��ائ��ج‪ ،‬أو يُ��زع��جُ �ن��ا م��ا يجري‪.‬‬ ‫ف��اإلع�لام‪ ،‬مع األس��ف‪ ،‬أفسَ َد الثقافة‪ ،‬و َر َّو َج‬ ‫ألمور‪ ،‬ال صلة لها بما هو حادِ ثٌ عندنا‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫ ‬

‫< نعم‪ ،‬نحن نعرف ربما ما الذي يقصده المشارقة‬ ‫حين يصفون المغرب بأنه بلد نقد‪ ،‬لكن دعني‬ ‫أسألك أين يوجد النقاد المغاربة اآلن؟ وماذا‬ ‫يفعلون؟ صدر مؤخرا عمل شعري مميز لمحمد‬ ‫بنطلحة‪ ،‬وقبله صدرت األعمال الكاملة للشاعر‬ ‫محمد السرغيني المثقف المغربي الوازن‪ ،‬الذي‬ ‫لم ينل حظه بعد في أوساطنا الثقافية‪ ،‬وربما‬ ‫هو اآلن في غنى عن هذا الحظ‪ ،‬لكن النقاد لم‬ ‫يكتبوا شيئا عن هذين العملين الكبيرين‪ ..‬وعن‬ ‫غيرهما طبعا‪ ،‬م��اذا ينتظرون؟ هل ينتظرون‬ ‫أن تكتب اآللهة شعرا حتى يراجعوا أعمالها؟‬ ‫وبالمقابل تجدهم يكتبون عن رؤساء التحرير‬ ‫ال��ع��رب وع���ن أس��م��اء نسائية م��ن الخليج وم��ا‬ ‫جاوره‪ ،‬ما الذي يقع؟‬ ‫> نح ُن نُعاني من عُقدة اآلخر‪ ،‬وببساطة‪ ،‬يعو ُد‬ ‫ه��ذا إل��ى ام�ت�لاك ه��ذا اآلخ��ر‪ ،‬ال��ذي س َّميْتَ ُه‬ ‫ال �م �ش��رق‪ ،‬إلم �ك��ان��ات ل�ت�س��وي��ق ك �ت��اب��ات��ه‪ ،‬من ‬ ‫م�ج�لات‪ ،‬وج��رائ��د‪ ،‬ودور نشر‪ ،‬ومهرجانات‪،‬‬ ‫وقنوات فضائية‪ُ ..‬كلُّها تصلنا‪ ،‬وتُ � َو َّز ُع عندنا‬ ‫بشكل منتظم‪ .‬وه��ذا م��ا خلق وَهْ � � َم األسماء‬ ‫عندنا‪ ،‬دون قيمة األعمال‪ .‬هذا ما سيد َفعُ‪،‬‬ ‫َم ْن تُسمِّيهم بالنُّقاد‪ ..‬يذهَ بون إلى المشرق‪،‬‬ ‫* ‬

‫األسماء المُهمة في المشرق‪ ،‬ال أح��د يَكتبُ‬ ‫عنها‪ ،‬نظراً ألهمية مشروعاتها في الكتـابة‬ ‫وال � َّن �ظ �ـ��ر‪ ،‬وح �ت��ى ح �ي��ن يُ � ْك �تَ��ب ع��ن ه���ؤالء‪..‬‬ ‫تكون تلك الكتابات صحفي ًة ُمبْتَ َذلَةً‪ .‬محمد‬ ‫السرغيني‪ ،‬ومحمد بنطلحة‪ ،‬وأضيف عبدالله‬ ‫زريقة‪ ،‬وشعراء من الجيل ال��ذي أنتمي إليه‪،‬‬ ‫ومن األجيال التالية‪ ،‬تجاربُهم تتجا َو ُز معارف‬ ‫ه� ��ؤالء ال � ُّن �ق��اد‪ ،‬أل َّن �ه��م ال ي�م�ل�ك��ون ال�م�ع��رف��ة‬ ‫الشعرية الكافية لالقتراب من الشِّ عر‪ .‬هؤالء‬ ‫ُخرجهم من حالةِ البيات‬ ‫هم من تُعْوِ زُهم آلهة لت ِ‬ ‫المعرفي الذي يعيشونه‪ ،‬إلى مُراقبة الصيرورة‪،‬‬ ‫ومُزا َولَتِها‪ .‬إنَّ عجزهُهم عن مُسايرة ما يَحْ دُث‬ ‫شعرياً‪ ،‬هو ما يجعل ُهم يذهبون إلى غير الشِّ عر‪.‬‬ ‫والذَّ هاب إلى الكتابة عن رؤساء التحرير‪ ،‬وعن‬ ‫نساء من هنا وهناك‪ ،‬هو أحد مُبرَّرات هذه‬ ‫الدُّو ِنيَة التي يعيشونَها في رؤيتهم لما يجري‪.‬‬ ‫والنَّق ُد هو مشروع‪ ،‬هو رؤية‪ ،‬و ُك ّل ما ال صلة‬ ‫له بمشروع هذا الناقد أو ذاك‪ ،‬فال داعي له‪.‬‬ ‫حين يصير النَّقد كتاب ًة بدون أفق‪ ،‬فالنتيجة‬ ‫تكون بالصورة التي تكلَّمتَ عنها‪ .‬نح ُن في‬ ‫المغرب‪ ،‬وبخاصة في الشِّ عر‪ ،‬ليس لدينا نُقّاد‬ ‫أصحاب مشروع نقدي واضح‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫إنَّ أخطر ما يُرعِ بُني شخصياً‪ ،‬هو هذا النق ُد‬ ‫الذي أصبح يُكتَبُ اللغة بنفسها‪ ،‬والكالم ذاته‪،‬‬ ‫وأصبح نوعاً من استنساخ النتائج؛ كأننا إزاء ‬ ‫نص واح��د يتناوب الشُّ عراء على نَسْ ِخهِ ‪ ،‬وال‬ ‫فر َق بين شاعر وآخر‪ .‬هذه هي لحظة الحرَج‬ ‫التي تُف ِْس ُد اليوم ما يجري‪ ،‬ليس في المغرب‬ ‫فقط‪ ،‬بل في العالم العربي‪ .‬وه��ذا بعض ما‬ ‫أقص ُدهُ بإساءة النقد‪.‬‬

‫أل َّنهُم يبحثون عن مواقع لهُم هناك‪ ،‬وكتاباتُهم‬ ‫عن المشارقة هي نوع من جوازات المُرور‪.‬‬

‫وكيفما ك��ان ال �ح��ال‪ ،‬فنحن لسنا ف��ي حاجة‬ ‫ل�ه��ؤالء‪ .‬نحن ف��ي حاجة إل��ى ال�ه��دوء ال�لازم‪،‬‬ ‫لنَنْكَبَّ على مشروعاتنا‪ .‬والمُستقب ُل كفيل‬ ‫بكشف الحقيقة‪ ،‬أعني كشف قيمة ما نعمل‬ ‫على إنجازه‪ .‬هذا ما تعلَّمناه من تاريخ المعرفة‬ ‫منذ اإلغريق إلى اليوم‪.‬‬

‫شاعر وناشط ثقافي من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪91‬‬


‫أحمد اخلطيب‬ ‫شاعر أردني يرى أن الشعر هو انسجام مع الذات‬ ‫> حاوره في اربد‪ :‬عمار اجلنيدي*‬

‫بعد سجال طويل مع الشعر دام أكثر من ثالثين عاما‪،‬‬ ‫ترنّح فيه مُ نجز ينوف العشرين ديوانا من الشعر‪ ،‬وثالثة‬ ‫كتب متخصصة في النقد الشعري؛ ما يزال الشاعر «أحمد‬ ‫الخطيب» ينهل من معين األبجدية قو ًال مهموم ًا بالتجريب‬ ‫الشعري‪ ،‬ومحتفي ًا بالرؤى التي تفيض صور ًا ذهنية تتعالق‬ ‫في أخيلتها مع روح اإلبداع وضميره‪.‬‬ ‫وفي ح��وار موسوم بالتلقائية‪ ،‬وض��اجٍّ بالبوح باالستفزاز‬ ‫المريح‪..‬‬ ‫ف��إن��ه ي���رى ال���س���ؤال ع���ن ماهية لحظاته األولى»‪ ،‬لإلنسان مكانة تحت قبّة‬

‫الشعر بأنه‪« :‬س��ؤال مباغت؛ ألنه ربما‬

‫الشمس‪ ،‬أو تحت ظ�لال زيتونة مباركة‪،‬‬

‫يكلفني عناء التجوال في سيرتي الذاتية‪ .‬لهذا كان للشعر مسارهُ في ال��دم‪ ،‬وسعي ُه‬ ‫ال أظ��نّ أن الشعر منفصل ع��ن حيثيات‬

‫ال عن عتبة‬ ‫لالنتشار مع عوالم النبض‪ ،‬بدي ً‬

‫هذه السيرة؛ فإذا ما نظرنا للخلف قليالً‪،‬‬

‫الظالم‪ ،‬وشقوق المجرى الذي ذهب بعيداً‬

‫سأجدني بين فكيّ رح��ى‪ ،‬ت��دور‪ ،‬وتطح ُن في تحنيط الروح والجسد‪ ،‬إذاً الشعر هو‬ ‫ك ّل شيء جميل‪ ،‬لم يبق هذا الزمن «أقصد‬

‫هذا النقاء‪ ،‬وهذا الفلتر ‪-‬إن جاز التعبير‪-‬‬

‫الزمن ال��ذي تواجهتُ فيه مع الشعر في الذي ينقّي الدم من الشوائب التي تتراكم‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫من ضغط الواقع‪ ،‬نعم الشوائب الجرثوميّة التي‬

‫تصيب اإلنسان بما أسميه الخمول الطارىء‪ ،‬من‬

‫هنا أستطيع اإلجابة على سؤالك لماذا الشعر‪:‬‬ ‫ألس�ت�ف� ّز ال�خ�لاي��ا ف��ي ال�ج�س��د وال� ��روح ل�ت�ق��اوم‪،‬‬ ‫وتمضي ف��ي سبيلها إل��ى تصليب ع��ودِ الكائن‪،‬‬

‫وقدرته على المواجهة والمجابهة»‪.‬‬

‫القصيدة مفتاح الحياة‬ ‫وه ��و ي ��رى م�ع�ن��ى مختلفا ل�لإن �س��ان عندما‬

‫يكون ش��اع��راً؛ ف �ـ‪« :‬أن تكون ش��اع��راً‪ ،‬يعني أن‬ ‫التبصر‪ ،‬والتحليل‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫تملك الحكمة‪ ،‬والقدرة على‬

‫والكشف‪ ،‬والتوازن‪.‬‬

‫أن تكون شاعراً؛ يعني أن تصبح سيّداً للغة‪،‬‬

‫وسيّداً للتأويل‪.‬‬

‫أن تكون شاعراً‪ ،‬يعني أن تنسجم مع ذاتك‪،‬‬

‫وأن تسبر غور الخفاء‪ ،‬وتنظر من زاوية جانبية‬

‫إل��ى تحوالت الفصول‪ ،‬لتعيد لها أل��ق الخصب‬ ‫لحظة الجفاف‪.‬‬

‫الشاعر أحمد الخطيب‬

‫البدايات‬ ‫وع��ن ب��داي��ات��ه المعتّقة بالمعاناة ت��راه يبوح‬

‫بأنها‪« :‬لحظة مستترة في لوحة العمر‪ ،‬مردّها‬ ‫إل��ى نهاية سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬تكشّ فت‬

‫عن أصالتها في حضرة البحث عن هوية الذات‪،‬‬ ‫بعد أن ت��أزّم الموقف التعليمي‪ ،‬إذ خرجتُ من‬

‫الجامعة‪ ،‬ولم أكمل ألسباب ع��دّ ة؛ كانت رمادية‬

‫األشياء قد أتت أ ُ َكَلها‪ ،‬وتصاعدت وتيرة الغرق‪،‬‬

‫أم ��ا ال �ق �ص �ي��دة ف �ه��ي م�ف�ت��اح��ي إل ��ى ال �ب �ق��اء‪ ،‬ولم يكن ثمة قارب في الشاطىء‪ ،‬فالتجأتُ إلى‬ ‫ومفتاحي إلى العبور لجهة الروح‪ ،‬وجهة الحياة‪ ،‬أنفاس التأمّل للخروج من أزمة ال��ذات‪ ،‬لم أكن‬

‫وق��راءة الماضي‪ ،‬وتفريغ الحاضر‪ ،‬واستقطاب أرقبُها‪ ،‬بل كنتُ أرقبُ صعدة الروح إلى تجليات‬ ‫المستقبل برويّة تامة‪ .‬ألم تشكل بعض القصائد صوفية حالمة‪ ،‬كانت قبل ذلك قد راودتني بقليل‬ ‫ن�ب��وءة م��ا؟! أل��م ت�ح�رّك جماهيراً خ��ام�ل��ة؟! ألم من األمل للقاء فتاة‪ ،‬ولكنها لم تكن لتفسح لي‬ ‫تحرس القمر لحظة عشق؟! ألم تعتق الروح من مكاناً بين الشعراء‪ ،‬غير أنها كانت مؤشّ راً لدبيب‬

‫خانة القلق؟! ال��م تحدث ش��رخ�اً ف��ي شخصية جمرتها‪ ،‬ولكن الموقف األخ�ي��ر والمتفرّع عن‬ ‫متأزّمة وم��أزوم��ة؟! أل��م تطارد غ��زالن البراري‪ ،‬هوية ال��ذات وإنسانيتها‪ ،‬حثّا طيورها للتحليق‪،‬‬

‫وت�ق��رىء الصقر وصية السّ مك؟! أل��م يستنجد والتمرّد‪ ،‬والتالقح؛ فجاءت عصيّة على النسخ‪..‬‬ ‫بها جيش عرمرم في مواجهة الهبوط؟! ألم تفتح عصية ع�ل��ى ال �ت��دج �ي��ن‪ ..‬ج ��اءت منسجمة مع‬ ‫ال للحيارى ليرسموا ذات ٍ‬ ‫سب ً‬ ‫نفس لوحة األمل؟! الداخل المكبوت‪ ،‬ومنسجمة مع التغيرات التي‬

‫ألم تقتل القصيدة صاحبها؟!»‪.‬‬

‫طرأت على حياتي‪ ،‬مسرجة أمامي خيول الحياة‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪93‬‬


‫ألع��ود م��ن ج��دي��د‪ ،‬إن�س��ان�اً يحم ُل‬ ‫لبنة صلبة‪ ..‬لبناء جسور التواصل‬ ‫بين الذات المنكسرة والعالم»‪.‬‬

‫طقوس عادية‬ ‫وألن ط� �ق ��وس ال� �ش� �ع ��ر ع�ن��د‬ ‫ص��اح��ب «ال ت�ق��ل ل�ل�م��وت خ��ذ ما‬ ‫شئت م��ن وق��ت إض��اف��ي»‪ :‬ليست‬ ‫ك �م��ا اع� �ت ��دن ��ا ع �ن��د ال �ك �ث �ي��ر م��ن‬ ‫المبدعين‪ ،‬فهو يقول بكل أريحية‬ ‫أنْ‪« :‬ال إلحاح ألث��ر القصيدة عليّ ‪ ،‬لهذا تتنوّع‬ ‫الطقوس‪ ،‬وتتشكل وفق معطيات النص الشعري‪.‬‬ ‫أحياناً يتمرد الكائن داخل النص‪ ،‬فيحتاج وقتئذ‬ ‫لحظات صافية ليمارس هذا التمرّد‪.‬‬

‫بعد‪ ،‬أو وجهته الشعرية‪ ،‬وبوابات‬ ‫لغته‪ ،‬ومرتفعات مخيلته‪ ،‬وحضور‬ ‫ثقافته في النص‪ .‬من هنا‪ ,‬النص‬ ‫المبدع هو مرآة صاحبه‪ ،‬فإذا ما‬ ‫وقفت أمام المرآة‪ ..‬سترى بوضوح‬ ‫تام جوانية الشاعر»‪.‬‬

‫المواجهة مع الشعر‬

‫وكما هو اإلبداع الحقيقي يقود‬ ‫ال�م�ب��دع إل��ى س �م��اوات ال يتوهّ م‬ ‫االق �ت��راب منها‪ ،‬ف��إن صاحب «م��راي��ا الضرير»‬ ‫ي��ؤك��د أن ��ه‪« :‬م��ؤم � ٌن ببوصلة ال �ش��اع��ر» الشاعر‬ ‫ال �م �ب��دع»‪ ،‬وق��درت��ه على تنسّ م مفاتيح الشعر‪،‬‬ ‫ومستوطناته‪ ،‬وغزواته‪ ،‬وانتصاراته‪ ،‬وانكساراته‪.‬‬ ‫النص الشعري‪ ،‬فهو نافخ‬ ‫ّ‬ ‫وأحياناً تأتي القصيدة بكامل رونقها‪ ،‬فال ومؤم ٌن بسيادتهِ على‬ ‫اللحنِ في وتر اللغة‪ ،‬هذا من ناحية الهدف من‬ ‫يضير ضجيج الشارع‪.‬‬ ‫الشعر‪ ،‬والدائرة التي يطوف فيها‪ ،‬أما من ناحية‬ ‫أوقات تتشكّل الخطوطُ على بقعة ضوء‬ ‫ٍ‬ ‫وفي‬ ‫أساليبه وأطواره ونمو تشكالته‪ ،‬أحياناَ يضعني‬ ‫أبيض‪ ،‬فأحتاج قلماً وورقاً‪.‬‬ ‫في مواجهة لم أكن أريدها‪ ،‬أو أبحث عنها‪ ،‬أو‬ ‫وأحياناً تلمع خشبة المسرح أمامي‪ ،‬فألقي أسترق السمع لها»‪.‬‬ ‫بالحروف والكلمات على الكيبورد‪.‬‬

‫ف��ال�ط�ق��وس م �ت �ع��ددة‪ ،‬وال�م��واج�ه��ة م��ع النص‬ ‫الشعري هو المنبع األوّل لهذه الطقوس»‪.‬‬

‫القصيدة مرآة الشاعر‬ ‫وإذا كان الكثيرون يصلون بين النص ومؤلفه‪،‬‬ ‫ف��إن ال�ش��اع��ر «أح �م��د الخطيب» ال يعتقد أن‪:‬‬ ‫«ثمة انفصال بين مقام الشعر وح��ال الشاعر‪،‬‬ ‫فكالهما وسيط ناقل لألحاسيس‪ ،‬فأنت عندما‬ ‫�ص��اً تظهر أم��ام��ك م�ع�ط�ي��ات ال�ش��اع��ر‪،‬‬ ‫ت �ق��رأ ن� ًّ‬ ‫وتقلباته‪ ،‬ونزوعاته‪ ،‬التي يريد من خاللها تقديم‬ ‫ذاته ومرايا كشفه‪ ،‬وعندما تجالس شاعراً وتتفيأ‬ ‫نصه الذي لم يكتب‬ ‫أحاديثه‪ ،‬تستطيع أن تقرأ ّ‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫الصحافة بوابة العبور إلى الواقع‬

‫ففي عُرفه أن‪« :‬اإلب ��داع هو حقل تشكيلي‪،‬‬ ‫وإسنادي للغة‪ ،‬وهو تثوير لفتنتها‪ ،‬وتحبير أزقتها‬ ‫وح��واري �ه��ا ب ��األل ��وان‪ ،‬وه��و ف��وق ط��اق��ة ال��واق��ع؛‬ ‫ألن��ه محكوم عليه بالمؤبّد في سجن المتخيل‬ ‫والتخييل‪ ،‬فيما تشكل اللغة الصحفية بوابة‬ ‫للعبور إلى الواقع بك ّل إرهاصاته‪ ،‬وهي محكومة‬ ‫بعوامل األرض‪ ،‬ال الفضاء كما هو اإلبداع‪ ،‬وهذا‬ ‫يحتاج إلى إلغاء المتخيّل اللغوي‪ ،‬من هنا أرى أن‬ ‫مستغن عن لغة الواقع « لغة‬ ‫ٍ‬ ‫األوّل قائم بذاته‪،‬‬ ‫الصحافة»‪ ،‬فيما يحتاج اإليقاع الصحفي للتلوين‬ ‫في بعض مادته اإلخ�ب��اري��ة‪ ،‬وخاصة الثقافية‪،‬‬


‫لهذا أجزم أنّ اإلبداع هو مورد عذب للصحافة‬ ‫إذا أحسن التعامل معه»‪.‬‬ ‫ < لماذا يطلب الشاعر من المتلقي أن يرتقي‬ ‫لمستواه؟‬ ‫التالحم مع القصيدة‬ ‫ال يحتاج الشعر غير الوقت‪ ،‬فأنا لم أدع ثاني ًة‬ ‫تم ُّر إال ومارستُ فيها فعل التثوير لهذا الكائن‪،‬‬ ‫حتى في أش ّد ظلمات الواقع‪ ،‬كنتُ أنير ل ُه سلّمهُ‪،‬‬ ‫ليصعد واثقاً مطمئناً‪ ،‬الوقت المتمثّل بالمجاهدة‬ ‫والسّ هر ومعالجة ال�ع��دوى القاتلة التي تصيبه‬ ‫ج �رّاء اختزال ال��ذاك��رة للمنتج الشعري الكبير‪،‬‬ ‫فيما أخذت من ُه قوّة المواجهة مع اآلخر‪ ،‬وكيفية‬ ‫تالحم التضاد‪ ،‬وقدرة الكشف وقراءة المخبوءات‬ ‫النفسية لإلنسان‪.‬‬

‫بصمات‬ ‫< ل��ك��ن م����اذا ع���ن ب��ص��م��ات ال��ش��ع��ر وال��ش��ع��راء‬ ‫األردنيين على خريطة الشعر العربي‪?..‬‬ ‫> يؤكد «أحمد الخطيب» أن‪« :‬الحركة الشعرية‬ ‫األردن��ي��ة ه��ي م��ن أه��م ال �ح��رك��ات الشعرية‬ ‫العربية‪ ،‬وق��د قدّمت فرساناً للشعر‪ ،‬وهذا‬ ‫ليس كالماً في الهواء‪ ،‬بل قراءة متأنية لحركة‬ ‫الشعر العربي‪ .‬نحن نمتلك طاقات شعرية‬ ‫س��ام�ق��ة‪ ،‬ح ��ازت ع�ل��ى ال�ع��دي��د م��ن ال�ج��وائ��ز‬ ‫العربية والعالمية‪ ،‬وشعراؤنا في المحافل‬ ‫ال �ش �ع��ري��ة ال �ع��رب �ي��ة ه ��م من‬ ‫ي�س�ت�ح��وذون على الجماهير‪،‬‬ ‫وه � ��ذا ل �ي��س رأي � � �اً ش�خ�ص�ي�اً‬ ‫م� �ن� �ح ��ازاً‪ ،‬ب ��ل ي ��دع� �م� �هُ‪ ،‬رأي‬ ‫متلمّس م��ن أص��دق��اء وأدب ��اء‬ ‫ع��رب؛ ولكننا على المستوى‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬والحراك الجمعي‪،‬‬ ‫نفتقد إلى الكثير؛ نحن نحتاج‬ ‫إلى ماكينة إعالمية تتابع هؤالء‬

‫> ربما هو سؤال استفزازي‪ ،‬لكن ماذا عندما‬ ‫يتحمّل الجواب ج��زءا من عبء المسؤولية؛‬ ‫إذ يقول صاحب «أحوال الكتابة» أن الشاعر‬ ‫«يَطلب من المتلقي أن ينهض بثقافته‪ ،‬وأن‬ ‫يستند على إرثه العربي الكبير‪ ،‬وأن يتحمّل‬ ‫م�ش��اق اللحظة الكتابية ال�ت��ي ي�ع��ان��ي منها‬ ‫الشاعر‪ ،‬ال يجوز أن يمضي الشاعر ساعات‬ ‫وربما أياماً‪ ،‬في كتابة نص متشابك لغة وإرثاً‬ ‫وتناصاً‪ ،‬ومحموالً على أجنحة الخيال (أس‬ ‫ّ‬ ‫العملية اإلبداعية)‪ .‬ويأتي المتلقي المشغول‬ ‫بفتنة ال�ح�ي��اة وأح��وال �ه��ا السريعة ف��ي هذا‬ ‫العصر‪ ،‬عصر االنترنت‪ ،‬والثقافة الهابطة‪،‬‬ ‫نصاً هابطاً‪ ،‬أو ركيكاً‪ ،‬أو وجبة سريعة‬ ‫ويطلب ّ‬ ‫إلشباع رغباته الدنيوية‪ .‬لهذا‪ ،‬يجهد المبدع‬ ‫الحقيقي للنهوض بالمستوى القرائي المبني‬ ‫على ثقافة واسعة‪ ،‬ثقافة مرنة‪ ،‬على المتلقي‬ ‫أن ينهض أيضاً بثقافته‪ ،‬أن يسعى إلى تراثه‪،‬‬ ‫وأن ي �م �رّن عقله على التحليل والمواجهة‬ ‫والتأويل‪ ،‬عليه أ ْن يعيش لحظة األلم الكتابي‪،‬‬ ‫وعلينا كمبدعين أن نؤسس للمتلقي العمدة‬ ‫ع�ل��ى رأي ص��دي�ق�ن��ا ال �ش��اع��ر د‪.‬‬ ‫راشد عيسى»‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الشعراء‪ ،‬وتسلط الضوء على منجزاتهم»‪.‬‬

‫مخاض القصيدة‬ ‫«القصيدة ليست ك��ام�ي��را‪ ،‬أو‬ ‫برج مراقبة‪ ،‬ليست دفتراً إلثبات‬ ‫ال �ح �ض��ور وال� �غ� �ي ��اب‪ ،‬إن��ه��ا كتلة‬ ‫متفجّ رة‪ ،‬تأتي في سياق مخاض‬ ‫م��ؤل��م‪ ،‬وال�ق�ص �ي��دة ل�ي��س إي�ق��اع�اً‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪95‬‬


‫النثر‪ ،‬أبحثُ عن جبران خليل جبران‪ ،‬وعندما‬ ‫تتقمصني اللحظة‪ ،‬أذهب في نزهة مع الروائي‬ ‫جبرا إبراهيم جبرا‪ ،‬والروائي حنا مينا‪ ،‬وحينما‬ ‫تعترضني فكرة المواجهة مع الذات‪ ،‬أصعد سلَّم‬ ‫الفلسفة‪ ،‬ألصل إلى ابن رشد»‪.‬‬

‫مبرمجاً لحركة ما‪ ،‬أو مشهد ما‪ ،‬بل هي دورة‬ ‫خلية في هذا الواقع‪،‬‬ ‫تتنصت لك ّل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫كبرى للحياة‪،‬‬ ‫ولكنها تختار ما يوافق أجنّتها‪ ،‬لتظهر في النهاية‬ ‫كائناً ح ّياً يعيش الواقع‪ ،‬نستطيع أن نظفر بك ّل‬ ‫قصيدة تفاصيل يومية لممارسات الشاعر‪ ،‬ولكن‬ ‫تتفاوت أقواس الرؤية بالنسبة للمتلقي‪ ،‬في إطار‬ ‫< ما هو رد فعلك حين تقرأ نصا شعريا رديئا؟‬ ‫ما يبحث عنه»‪.‬‬ ‫نصاً شعر ّياً ردي�ئ�اً‪ ،‬ألنني منذ‬ ‫> «أن��ا ال أق��رأ ّ‬ ‫الشاعر يؤسس لعالم مليء بالجمال‬ ‫ال�ج�م�ل��ة األول� ��ى أرم ��ي ب��ه ع��رض ال�ح��ائ��ط!‬ ‫وأع��ت��رف أن �ن��ي ال أق���رأ ش �ع��راً إال ألس�م��اء‬ ‫«الشاعر يجد في معالجة إشكاليات الكون‬ ‫وال��وج��ود متنفّساً له للحياة‪ ،‬بعيداً عن دائرته‬ ‫م �ح��دودة‪ ،‬ال �ق��راءة المتأمّلة الواعية تحتاج‬ ‫الضيقة‪ ،‬لهذا هو دائ��م السعي لتحقيق عدالة‬ ‫منك إلى يقظة؛ فالساحة الشعرية العربية‬ ‫األشياء واألسماء والصفات‪ ،‬األشياء المرتكزة‬ ‫تكتظ بالنصوص الرديئة بعد غياب رقابة‬ ‫ع �ل��ى ت��داخ��ل األش� �ك ��ال ال ��وج ��ودي ��ة‪ ،‬واألس��م��اء‬ ‫الضمير»‪.‬‬ ‫الناتجة عن تشكل أسباب ال��وج��ود‪ ،‬والصفات‬ ‫سلوك الشاعر‬ ‫التي يحسبها مرآة له للنظر بعمق إلى جوانيته‬ ‫ال أعتقد‪ ،‬إذا كان ثمة التزام بمفهوم األدب‪،‬‬ ‫التي تنهار‪ ،‬هو يؤسس لعالم مليء بالجمال‪ ،‬ألن‬ ‫هذا العالم هو المحيط‪ ،‬وال يقف البيتُ عائقاً‪ ،‬وق��راءة هذا الجذر‪ ،‬ولكننا نلحظ انفصاالً في‬ ‫فالشاعر يضيء العالم‪ ،‬وال تكون اإلض��اءة إال بعض الجوانب‪ ،‬ومرد ذلك إلى المتخيّل الذي يلحّ‬ ‫باالحتراق‪ ،‬وأستطيع أن أفهم الداللة اإليحائية على نافذة اإلبداع‪ ،‬فالنص في وجهته التكوينية‪،‬‬ ‫ل�ل�س��ؤال‪ ،‬وإع ��ادة اقتناصه م��ن ج��دي��د‪ :‬يضحّ ي وسعيه إلى ترميم الخراب‪ ..‬يتصل بالممارسة‬ ‫الشاعر بنفسهِ ومالهِ وبيته من أجل حياة أفضل اليومية للشاعر‪ ،‬وفي سعيه للتأمّل واالنفالت من‬ ‫لآلخرين‪ ،‬ألنّ في هذا خلود للجمال»‪.‬‬ ‫عقال الواقع‪ ،‬يحدث انفصال جزئي بين الحالة‬ ‫الوجدانية األخالقية والممارسة اليومية‪ ،‬ولكن‬ ‫عبقر الشعر‬ ‫هذا ال يشكل قاعدة نستطيع أن نطلق من خاللها‬ ‫وألن ال�ق��راءة هي زوّادة الشاعر ومعينه في األحكام على االنفصال أو االتصال بين الحالة‬ ‫مواجهة الحداثة‪ ،‬ف��إن «أحمد الخطيب» يؤمن والممارسة‪.‬‬ ‫بأن‪:‬‬

‫سؤال الحداثة‬

‫«ال �ق��راءة متشعّبة‪ ،‬وال تقف على ب � ٍّر واح��د‪،‬‬ ‫الحداثة من وجهة نظري ال تعني االنقطاع‪،‬‬ ‫ب��ل تنسجم وف��ق معطيات ال�م�خ��اض الكتابي‪،‬‬ ‫يهجس عبقر الشعر ف��ي ذاك��رت��ي‪ ،‬بل االمتداد الطبيعي لعملية التكوين اإلبداعي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فأنا عندما‬ ‫ألجأ كثيراً للشاعر محمود دروي��ش‪ ،‬والشاعر وتفريع منازله‪ ،‬من حيث االتصال واالنفصال‪،‬‬ ‫العربي المثقب العبدي‪ ،‬وعندما تداهمني جمرة االت�ص��ال م��ع جمهرة الفعل اإلب��داع��ي واالت�ك��اء‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫سؤال الخلود‬ ‫تحقيق ه��ذا الشرط يخضع لسببين اثنين‪:‬‬ ‫األول أن ت�ك��ون القصيدة قائمة ب��ذات�ه��ا‪ ،‬غير‬ ‫مستنسخة؛ والثاني أن تق ّدم حمولة إنسانية ذات‬ ‫خطاب إبداعي‪ ،‬وهذا ال يمكن فصله عن القراءة‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫عليه‪ ،‬وال�ت��راك��م على منجزه‪،‬‬ ‫في دوائر االستقطاب واإلفادة‪،‬‬ ‫واالن �ف �ص��ال ع��ن ال �م �ح��دودي��ة‬ ‫الرياضية المحسوبة بعالمات‬ ‫تتفق أو ال تتفق م��ع ال�غ��رض‬ ‫ال ��زم� �ن ��ي‪ ،‬أو س ��رع ��ة ح��رك��ة‬ ‫ال �ت��اري��خ‪ ،‬ف��ي دائ���رة اإلض��اف��ة‬ ‫والتراكم الثقافي والحضاري‬ ‫أي� �ض� �اً‪ .‬م��ن ه �ن��ا‪ ،‬ال أرى في‬ ‫ال��ح��داث��ة م ��ا ق ��د ي �س��يء إل��ى‬ ‫األصالة‪ ،‬بل هو ميدان تكاملي‬ ‫يت ّم خالله تعميق الهوية الثقافية والحضارية وفق‬ ‫معطيات الزمن وتحوالته‪ ،‬وإذا ما أخذنا الشعر‬ ‫كنموذج لهذا المفهوم‪ ،‬فالحداثة المتصلة رأبت‬ ‫الصدع بين المسافة الزمنية التي تشكل فيها‬ ‫عمود الشعر‪ ،‬وبين المساحة المعاصرة لقصيدة‬ ‫التفعيلة‪ ،‬من خالل المحافظة على منبع اإلبداع‬ ‫الشعري المرتبط مباشرة بقلق ال��روح وفضاء‬ ‫المخيّلة‪ ،‬بينما أضافت إلى األصالة منزالً جديداً‬ ‫يتمثل بتعطيل المساحات الرياضية المحسوبة‪،‬‬ ‫وفتح الغرف الصوتية على أوت��ار متعددة تتيح‬ ‫للشاعر إمكانية الشدو خارج أسوار المنزل‪ ،‬ومن‬ ‫دائرة الحداثة الشعرية المتصلة نستطيع أيضاً‬ ‫إع��ادة البنية الرياضية لعمود الشعر بقليل من‬ ‫التصرف بالوحدات الصوتية للمقطع الشعري‬ ‫الحداثي‪.‬‬

‫المعمّقة ل�ل��ذات‪ ،‬ألنها تشكل‬ ‫ال ذات �ي �اً وإنسانياً‬ ‫ب�ه��ذا مفص ً‬ ‫غ�ي��ر ق��اب��ل ل �ل �م��وات‪ ،‬إلمكانية‬ ‫ال �ق��راءة المتعددة لها ف��ي كل‬ ‫آن‪ ،‬وإم�ك��ان�ي��ة إسقاطها على‬ ‫ال�م�س�ت�ج��دات ف��ي ك�� ّل عصر‪،‬‬ ‫وإم�ك��ان�ي��ة تتبع أث��ر القصيدة‬ ‫التاريخي‪..‬‬

‫دور القصيدة في‬ ‫مواجهة الزيف‬ ‫والبهرجة والخنوع‬ ‫ل��م ت�ع��د ال�ق�ص�ي��دة ك�س��اب��ق ع �ه��ده��ا‪ ،‬فاعلة‬ ‫ومفعّلة للدور اإلنساني؛ ال لعجز في مكوناتها‪،‬‬ ‫بل لضعف التلقي‪ ،‬وانشغال المتلقي المعاصر‬ ‫بذاته الخارجية‪ ،‬وهروبه من تتبع الداخل؛ وكأنه‬ ‫بذلك يسعى إلى تحييد هذه الجوانية التي تتصل‬ ‫بالقصيدة‪ ،‬ألنّ منبعهما واح��د‪ ..‬هو انشغاالت‬ ‫الروح‪.‬‬

‫من يحمي الشعر من المتطفلين عليه؟‬ ‫التاريخ هو الفيصل‪ .‬بل أؤكّد أنّ المسؤولية‬ ‫المشتركة تقع على ع��ات��ق ال�م�ب��دع الحقيقي‪،‬‬ ‫والناقد الحقيقي‪ ،‬والمؤسسة الثقافية الحقيقية؛‬ ‫ف�ه��م والة أم��ر ه��ذا ال�ك��ائ��ن ال �ح��ي‪ ،‬وه��م حماة‬ ‫ج��واه��ره‪ ،‬وه��م ال �ق��ادرون على ضبط ال�ح��دود‪،‬‬ ‫وتسييج الحمى برؤيتهم‪ ،‬وهم وحدهم من يستطيع‬ ‫التصدى لظاهرة رويبضي اإلب ��داع‪ .‬فالشاعر‬ ‫يوضح‪ ،‬وأن‬ ‫عليه أن ال يجامل‪ ،‬والناقد عليه أن ّ‬ ‫يعمل مبضعه في هذا الجسد الهزيل؛ والمؤسسة‬ ‫الثقافية عليها واجب عدم منح جواز مرور مزيف‬ ‫لهؤالء‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪97‬‬


‫االختراق الثقافي بني األمس واليوم‬ ‫> د‪ .‬جنالء محمود عثمان عبداحلليم*‬

‫إن قضية البث الوارد‪ ،‬وما يمثله من اختراق ثقافي في دول العالم الثالث‪ ،‬من أهم‬ ‫قضايا اإلعالم الدولي‪ ،‬وبخاصة بعد ظهور األقمار الصناعية واستخدامها‪.‬‬ ‫بدأت هذه القضية بقيام الدول الغربية ببث برامجها لشعوب ودول العالم الثالث‪،‬‬ ‫فبعد ظهور عصر السماوات المفتوحة‪ ..‬تالشت المسافات وانتهت الحدود‪ ،‬وأصبحت‬ ‫المجتمعات ‪-‬وبخاصة الدول النامية‪ -‬تتجه للدخول في قالب ثقافي واحد‪ ،‬يتم إعداده‬ ‫في الدول الغربية(‪.)1‬‬ ‫ظهر مفهوم االختراق الثقافي‪ ،‬وهو كليا أو جزئيا بمختلف الوسائل(‪.)3‬‬ ‫كمفهوم علمي «ح��رك��ة ان�ت�ق��ال األف�ك��ار‬

‫أما االختراق الثقافي من حيث أساليبه‬

‫والعقائديات والقيم وال �ع��ادات الغربية وأدواته‪ ،‬فهو مجموعة األنشطة الثقافية‬ ‫بشكل مكثّف وغير مسيطر عليه إلى واإلعالمية والفكرية التي توجهها جهة‬ ‫المجتمعات العربية»(‪.)2‬‬

‫واالخ�� � �ت� � ��راق ال� �ث� �ق ��اف ��ي ك �س �ي��اس��ة‬

‫أو عدة جهات‪ ،‬نحو مجتمعات وشعوب‬ ‫معينة‪ ،‬بهدف تكوين أنساق االتجاهات‬

‫وإستراتيجية تنتهجها بعض ال��دول‪ ،‬هو السلوكية والقيمية‪ ،‬أو أنماط وأساليب‬

‫‪98‬‬

‫التدخّ ل في شؤون اآلخرين بقصد التأثير‬

‫م��ن التفكير وال��رؤي��ة والميل ل��دى تلك‬

‫في ثقافتهم وسلوكهم ومعتقداتهم‪ ،‬تدخال‬

‫المجتمعات والشعوب‪ ،‬بما يخدم مصالح‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫عملية االختراق(‪.)4‬‬

‫فال يعرف المستقبِل ممن يستقبل‪ ..‬فهل هو‬

‫وتهدف عملية االختراق الثقافي إلى‪:‬‬ ‫‪ -1‬س��ي��ادة ق �ي��م ال � ��دول ال�م�خ�ت��رق��ة وأن �م��اط‬ ‫معيشتها‪ ،‬وتالشي قيم ال��دول المستقبلة‬ ‫وضياع هويتها‪.‬‬

‫يستقبل من دولة أجنبية غربية مخالفة له في‬ ‫الدين وال�ع��ادات والتقاليد والنظم والقوانين‬ ‫فنحذر منها‪ ،‬أو أنه يستقبل من دول��ة عربية‬ ‫لها الظروف والعادات والتقاليد والدين والنظم‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫وأه���داف ال�ج�ه��ة‪ ..‬أو ال�ج�ه��ات ال�ت��ي تمارس‬

‫ويمكن أال تحمل القناة شعارا يبين هويتها‪..‬‬

‫والقوانين نفسها‪ ،‬وأن هذه الدولة العربية ‪-‬بما‬

‫‪ -2‬فرض نمط ثقافي عالمي من حيث األذواق تبثه‪ -‬قد تقدمت نحو األمام وسبقتنا بخطوات‪،‬‬ ‫الثقافية واألساليب المعيشية والمضامين ويجب علينا أن نلحق بها ونتخذها قدوة‪.‬‬ ‫الحياتية‪.‬‬

‫ل��م تعد ال ��دول العربية كلها لها العقيدة‬

‫‪ -3‬تشويه صورة اإلنسان في الدول المستقبلة نفسها‪ ..‬فخرجت إلى السطح عقائد مختلفة‪،‬‬ ‫للبث‪ ،‬وذلك من خالل خلق صور نمطية‪،‬‬

‫وأصبح لها من يعبر عنها بوضوح وصراحة‬

‫تحمل مضامين سلبية تجسد التخلف وح��ري��ة‪ ،‬فأصبحت القنوات الفضائية تضج‬ ‫والوحشية‪ ..‬في حين ترسم صورا إيجابية بعقائد مختلفة مثال (سنة ‪ -‬شيعة ‪ -‬بهائية‬ ‫ م�س�ي�ح�ي��ة)‪ ،‬ول�لأس��ف ق��د ي �ك��ون ال�م��دخ��ل‬‫لإلنسان في بلد البث‪.‬‬

‫‪ -4‬خ�ل�خ�ل��ة ال �ن �ظ��م االج �ت �م��اع �ي��ة ف��ي ال ��دول‬ ‫المستقبلة‪ ،‬من خالل تحطيم نظم القيم‬ ‫السائدة واستبدالها بنظم أخرى(‪.)5‬‬

‫للمستقبل جذاباً إلى حد قد يؤدي إلى إقناع‬

‫األطراف المستقبِلة‪ ..‬وإن لم يؤد هذا إلى إقناع‬ ‫المستقبِل بالقيم الوافدة‪ ،‬فهو على األقل يؤدي‬ ‫إلى خلخلة وزعزعة القيم المترسخة داخله‪،‬‬

‫وف ��ي ال �م��اض��ي ك ��ان االخ� �ت ��راق واض �ح��ا‪ ،‬وه��ذا أش��د خطرا على المستقبِل من القيم‬ ‫ويمكن مواجهة أو على األقل بث قيم مناهضة الغربية الوافدة‪.‬‬ ‫ل �ق �ي��م ال� �ب�ل�اد ال �م �خ �ت��رق��ة‪ ،‬وم��ح��اول��ة غ��رس‬

‫الهوية الثقافية‪ ..‬والتأكيد عليها لدى الدول‬ ‫المستقبلة‪.‬‬

‫وليكن معلوما أن هذه القنوات ليست موجهة‬ ‫لفئة بعينها‪ ،‬بل أصبح لكل فئة قنواتها‪ ،‬فهناك‬ ‫قنوات إعالمية للشباب‪ ،‬تضج بمشاهد اإلثارة‬

‫أما اآلن‪ ،‬فالخطورة أشدّ وأقسى‪ ،‬وال يمكن والعري الفاضح‪ ،‬وقنوات أخرى للدين تحمل‬ ‫مناهضتها؛ ألن االختراق في هذه األيام لم يعد بين طياتها أفكارا مسمومة‪ ،‬وقنوات إخبارية‬ ‫اختراقا من دولة أجنبية بلغة أجنبية؛ بل أصبح‬

‫ليس لها هم إال سبّ أنظمة وأجهزة وحكومات‬

‫بلغة عربية‪ ،‬أو لغة الدولة التي يتم البث إليها‪ ،‬ب�ع�ي�ن�ه��ا‪ ،‬وخ �ل��ق ع� ��داء ت �ج��اه �ه��ا‪ ،‬ورف� ��ع ش��أن‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪99‬‬


‫أجهزة أخ��رى بأسلوب سهل وشيق وج��ذاب‪ ،‬بينهما العداء الطبيعي الذي فطر الله الخلق‬ ‫يجعل المتلقي العادي يقتنع بها‪ ،‬وأصبح من عليه‪.‬‬ ‫السهل جدا أن تدعو قناة أو حكومة أو حزب‬

‫م��ن خ�لال ق�ن��اة ف�ض��ائ�ي��ة‪ ..‬إل��ى قلب أنظمة‬ ‫للحكم‪ ،‬وإسقاط أجهزة في دول أخرى‪ ..‬عن‬ ‫طريق مخاطبة الشعوب‪ ،‬وتكوين ما هو أشبه‬ ‫بالطابور الخامس‪.‬‬

‫الكلب وال �ق��ط م��وج��ودان‪ ،‬وه�م��ا أصحاب‬ ‫يعيشان ف��ي س�لام دائ ��م‪ ،‬وي�س��اع��د أحدهما‬ ‫اآلخر للتغلب على مشكالته‪.‬‬ ‫ه ��ذا م �ج��رد أن� �م ��وذج ي��وض��ح م��ا ي �ق��وم به‬

‫ولعل أخطر ما نجده في االختراق الثقافي االختراق الثقافي اآلن‪ ،‬وال أزعم أن لدي الحل‬ ‫ه��ذه األي ��ام‪ ،‬ه��و اخ �ت��راق األط �ف��ال‪ ،‬فالمتابع السحري الذي نواجه به هذه المشكلة‪ ..‬وهذا‬ ‫ل�ل��دش يجد أن ه�ن��اك ق �ن��وات كثيرة موجهة االختراق‪ ،‬وال آلية محددة‪ ..‬إال مراقبة األهل‬

‫ل�لأط�ف��ال يجلسون أم��ام�ه��ا س��اع��ات طويلة‪ ،‬جيدا لما يبث لشكل عقول ووجدان أطفالهم‬ ‫المهم أال يشاغب غيره من األطفال‪.‬‬

‫في البداية؛ ألن جيل البسبس بوني سيكون‬

‫ول�س��ت أزع ��م‪ ،‬ب��ل أؤك ��د أن ه�ن��اك قنوات شباب البسبس بوني الذي ال يملك هوية ثقافية‬

‫أطفال موجهة‪ ،‬همها األس��اس هو خلق جيل تربطه بمجتمعه وقيمه وعاداته وأخالقه‪.‬‬ ‫من األطفال تربى على قيم توالي الدول التي‬ ‫تبث تلك البرامج‪ ،‬والدليل على ما أقوله‪ ..‬قيام‬ ‫إحدى قنوات األطفال ببث برنامج كرتوني عن‬ ‫شخصية كرتونية ج��دي��دة اسمها‪( :‬بسبس‪-‬‬ ‫بوبي) وهو عبارة عن كائن حي له جسد واحد‬ ‫ورأسين من الطرفين‪ ،‬أحدهما لقط (بسبس)‬ ‫واآلخر لكلب (بوبي)‪ ،‬وكيف أن هذين الرأسين‬

‫فهلموا لننقذ أطفالنا من القيم الوافدة التي‬ ‫تحاول إلغاء ما فطرنا الله عليه‪ ..‬وتبث أفكارا‬ ‫أخ��رى‪ ،‬وال بد أن تكون هناك قنوات إيجابية‬ ‫محايدة تواجه هذا االختراق بجدية‪ ،‬وتؤكد‬ ‫على الهوية الثقافية والقيم والعادات واألخالق‬ ‫التي تتفق مع الدين اإلسالمي الصحيح‪.‬‬

‫يعيشان في جسد واحد بأمن وسالم‪ ،‬ولم يعد‬ ‫* أستاذ الصحافة واإلعالم ‪ -‬جامعة الحدود الشمالية ‪ -‬عرعر‪.‬‬ ‫(‪ )1‬أيمن منصور ندا‪ ،‬االختراق الثقافي عن طريق البث الوافد‪ ،‬أعمال ندوة االختراق اإلعالمي للوطن العربي‪،24-13 :‬‬ ‫نوفمبر‪1996 ،‬م‪ ،‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬ط‪ ،3 .‬القاهرة‪2001 :‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫(‪ )2‬برهان غليون‪ ،‬التنمية الثقافية العربية بين التبعية واالنغالق‪ ،‬مجلة الوحدة‪ ،‬عدد‪1992 ،92 :‬م‪ ،‬ص‪.14 :‬‬ ‫(‪ )3‬أيمن منصور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14 :‬‬ ‫(‪ )4‬حامد صادق سليمان‪ ،‬الغزو الثقافي وابعاده المجتمعية‪ ،‬مجلة دراسات عربية‪ ،‬العددان (‪ )8 ،7‬مارس‪ ،‬يونيو ‪،88‬‬ ‫ص‪.56‬‬ ‫(‪ )5‬أيمن منصور ندا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.33 ،32‬‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫االتصال التعليمي‪ ،‬خصائصه‪ ،‬وأشكاله‬ ‫> د‪ .‬محمد عامر البلخي*‬

‫يشهد العصر الحاضر أزمات وتغيرات في مجاالت الحياة كافة؛ فاالنفجار السكاني‬ ‫وما صاحبه من ازدياد عدد السكان‪ ،‬أدى إلى ازدحام الصفوف بالطلبة‪ ،‬والتفجر المعرفي‬ ‫الذي كان يتضاعف حجمه كل عشر سنوات قبل الثمانينيات‪ ،‬أصبح يتضاعف كل سنتين‬ ‫في أواسط التسعينيات بعد انتشار شبكات المعلومات الحاسوبية‪ ،‬ما يلقي على التربية‬ ‫مسؤوليات كبيرة في إعداد المتعلمين بما يساعدهم على مواكبة هذا التفجر المعرفي‪..‬‬ ‫والتطور التقني السريع‪ ،‬وضرورة التكيف مع متطلبات العصر‪ ،‬ليتمكّ ن المتعلمون من‬ ‫التغلب على ما يواجههم من مشكالت‪ ،‬ويدفعوا بالتعليم لكي يقوم بمسؤوليته في‬ ‫تطوير المجتمع‪.‬‬ ‫وال�ي��وم‪ ،‬أصبحنا ننظر إل��ى الوسائل نقل المعرفة‪ ،‬على أن ي�ك��ون االت�ص��ال‬ ‫والمعينات والتقنيات التربوية كنظام‬ ‫تعليمي متكامل‪ ..‬يشترك فيه المدرّس‬

‫شفهياً أو غير شفهي‪ ،‬وجهاً لوجه‪ ،‬أو‬ ‫باستخدام وسائل متعددة»‪.‬‬

‫(‪ISCED‬‬

‫–‬

‫والطالب والمادة والمنهج‪ ،‬ويعمل لتحقيق عن‪ :‬حسنين‪.)204 ،1993 :‬‬ ‫أهدافه بفعالية عالية وبأقل كلفة ممكنة‪.‬‬ ‫(القالّ‪ ،‬ناصر‪.)206 ،1990 ،‬‬

‫وقد عرّف (حمدان) االتصال بمفهومه‬ ‫الواسع بأنه «عملية يتم بوساطتها نقل‬

‫وقد ورد في التصنيف الدولي المقنّن المعلومات أو المهارات أو الميول والقيم‬ ‫للتعليم‪ ،‬األسكد‬

‫(‪)ISCED‬‬

‫بأن االتصال من فرد آلخر‪ ،‬أو من فرد إلى مجموعة‬

‫هو «العالقة بين شخصين أو أكثر بقصد‬

‫من الناس‪ ،‬أو من فرد إلى كائن حيواني‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪101‬‬


‫أو من فرد إلى آلة‪ ،‬أو من مجموعة من الناس ال��وس��ائ��ل السمعية وال�ب�ص��ري��ة‪ ،‬كالتلفزيون‪،‬‬ ‫إلى مجموعة أخرى أو من آلة إلى آلة أخرى»‪ .‬والفيديو‪ ،‬والحاسب اآلل��ي‪ ،‬واالن�ت��رن��ت التي‬ ‫(حمدان‪.)55 ،1984 :‬‬

‫أح��دث��ت ت�غ�ي�ي��راً ج��ذري �اً ف��ي معظم م�ج��االت‬

‫أما (فالتة) فقد عرّف االتصال بأنه «ذلك الحياة‪ ،‬بعد أن أصبحت مصدراً من مصادر‬ ‫ال�ح�ص��ول على المعلومات ف��ي أس��رع وق��ت‪،‬‬ ‫النشاط أو سلسلة النشاطات المتجانسة التي‬ ‫وبأقل جهد وتكلفة‪.‬‬ ‫تتفاعل فيما بينها‪ ،‬أو بالبيئة المحيطة بها‬ ‫ولالتصال عناصر هي‪ :‬المرسل والمستقبل‬ ‫وبصفة مؤثرة لتولد ناتجاً»‪( .‬فالتة‪،1416 :‬‬ ‫‪.)45‬‬ ‫وق��د ت�ن� ّوع��ت أس��ال�ي��ب االت �ص��ال م��ع م��رور‬ ‫الزمن‪ ،‬فقد اشتهر العرب قبل اإلسالم بالشعر‬ ‫والخطابة‪ ،‬وخير دليل على ذل��ك المعلقات‬ ‫التي كانت تعلّق على جدران الكعبة‪ ،‬واألسواق‬ ‫كسوق عكاظ‪ .‬وقبل البعثة النبوية‪ ،‬كان النبي‬ ‫عليه الصالة وال�س�لام يمارس لوناً آخ��ر من‬ ‫ألوان االتصال‪ ،‬يمكن أن يطلق عليه االتصال‬ ‫الروحي‪ ،‬وذلك من خالل التأمّل والتفكر في‬ ‫غار حراء‪ ،‬ونزول الوحي عليه صلى الله عليه‬ ‫وسلم وجهاً لوجه‪.‬‬ ‫وبعد تبليغ ال��رس��ال��ة‪ ،‬وف��ي ضوئها‪ ،‬تطوّر‬ ‫مفهوم االتصال‪ ،‬ويتمثل ذلك في دعوة الناس‬ ‫لعبادة الله‪ ،‬ويتجلى ذلك في قوله تعالى‪{ :‬يا‬ ‫أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك‪ ،‬وإن‬ ‫لم تفعل فما بلّغت رسالته‪( .} ..‬المائدة‪ ،‬اآلية‬ ‫‪.)67‬‬ ‫وق��د ت��وس�ع��ت دائ���رة االت �ص��ال ف��ي ال��وق��ت‬ ‫الحاضر‪ ،‬حيث يشهد العصر الحالي تطوراً‬ ‫سريعاً ف��ي عالم االت �ص��ال‪ ،‬ويتمثل ذل��ك في‬ ‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫والرسالة والوسيلة‪ .‬وإذا طبّقنا هذه العناصر‬

‫ع�ل��ى العملية التعليمية‪ ،‬ن�ج��د أن ال �م��درّس‬ ‫ه ��و ال��م��رس��ل‪ ،‬وال��ط��ال��ب ه ��و ال�م�س�ت�ق�ب��ل‪..‬‬ ‫ألن��ه المستفيد من المعلومات التي يقدّ مها‬ ‫المدرّس‪ ،‬أما الرسالة فتطلق على المعلومات‬ ‫أو المادة التعليمية‪ ،‬أما الوسيلة فهي طريقة‬ ‫نقل المادة التعليمية أو الرسالة إلى الطالب‪،‬‬ ‫وتتضمن كتاباً أو خريطة أو أنموذجاً أو فيلماً‬ ‫أو شرائح‪...‬‬ ‫وللمدرس دور أساسي في عملية االتصال‪،‬‬ ‫إذ ينبغي عليه أن يكون مل ّماً بفن االتصال‬ ‫وقواعده‪ ،‬وذلك من خالل‪:‬‬ ‫ •إج ��ادة ف��ن الخطابة وال �ت �ح��دّ ث أم��ام‬ ‫الطلبة‪.‬‬ ‫ •أن ي �ك��ون ص��وت��ه واض� �ح� �اً وع �ب��ارات��ه‬ ‫قوية‪.‬‬ ‫ •لغته سليمة‪.‬‬ ‫ •ق��درت��ه ع �ل��ى رب ��ط ال�ط�ل�ب��ة ب�م��وض��وع‬ ‫الدرس‪.‬‬ ‫ •كفاءته العلمية وتمكنه من مادته‪.‬‬


‫تكون واضحة وسليمة‪ ،‬وتلبّي حاجة‬ ‫ال �م �س �ت �ق �ب��ل‪ ،‬وت� �ت� �ص ��ف ب��ال��واق �ع �ي��ة‬ ‫والبساطة‪.‬‬ ‫وأم� ��ا ب �خ �ص��وص ال�م�س�ت�ق�ب��ل‪ ،‬ف �ق��د ي�ك��ون‬ ‫المستقبل ش�خ�ص�اً أو مجموعة أش �خ��اص‪،‬‬ ‫وقد يكون آلة‪ ،‬أو حيواناً‪ ،‬وما يهمنا من أمر‬ ‫المستقبل هنا هو الطالب‪ .‬فله مجموعة من‬ ‫الخصائص منها‪:‬‬ ‫ •ما يرتبط بالعوامل النفسية‪.‬‬ ‫ •ما يرتبط بالقدرات الطبيعية في الفهم‬ ‫واكتساب المهارة‪..‬‬

‫ •االتصال بين اإلنسان واآللة‪.‬‬ ‫ •االتصال بين اآللة واآللة‪.‬‬ ‫وم ��ن أم�ث�ل��ة ال �ن��وع األول‪ ،‬م��ا ي �ح��دث بين‬ ‫المدرس والطالب‪ ،‬وبين المدرسين أنفسهم‪،‬‬ ‫وبين الطالب وزمالئه‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ •وب��ال �ن �س �ب��ة ل �ل��وس �ي �ل��ة‪ ..‬ف �ي �ن �ب �غ��ي أن‬

‫ •االتصال بين اإلنسان واإلنسان‪.‬‬

‫وم��ن أمثلة ال�ن��وع ال�ث��ان��ي‪ ،‬ات�ص��ال المتعلم‬ ‫باآللة‪ ،‬كاستخدام الحاسوب والفيديو‪.‬‬ ‫أما النوع الثالث «االتصال بين اآللة واآللة»‪،‬‬ ‫فمن أمثلته‪ :‬التفاعل بين الفيديو والحاسوب‬ ‫ما يسمى الفيديو التفاعلي‪ ،‬أو االتصال بين‬ ‫شبكات الحاسوب العالمية وأج�ه��زة التلكس‬

‫ •ما يرتبط بالعوامل االجتماعية‪.‬‬

‫والفاكس‪.‬‬

‫ •ما يرتبط بالعوامل االقتصادية‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫ويقصد بالوسيلة‪ ،‬تلك األداة التي تساعد ‪1 .1‬القرآن الكريم‪.‬‬ ‫على نقل المعلومات من المرسل إلى المستقبل‪2 .2 ،‬ح �م��دان‪ ،‬محمد زي ��اد‪1984 ،‬م‪ :‬االت�ص��ال‬ ‫في التربية‪ ،‬المعلم العربي‪ ،‬وزارة التربية‪،‬‬ ‫وبأقل ق��در من معوقات االت�ص��ال‪ ،‬وم��ن أبرز‬ ‫دمشق‪ ،‬السنة ‪ ،35‬العدد ‪ ،4‬ص ‪.55‬‬ ‫خصائصها‪:‬‬

‫‪3 .3‬ح�س�ن�ي��ن‪ ،‬ع�ب��دال�م�ن�ع��م‪1993 ،‬م‪ :‬التوجيه‬ ‫ •أن ت�ك��ون مناسبة ل�م��وض��وع الرسالة‬ ‫القرآني ألساليب التعليم والتعلم‪ ،‬التربية‪،‬‬ ‫التي تحملها‪.‬‬ ‫اللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة‪،‬‬ ‫الدوحة‪ ،‬العدد ‪ ،104‬آذار‪.‬‬ ‫ •أن تكون مناسبة لمستويات التالميذ‪.‬‬ ‫ •أن تتيح ف��رص المشاركة ألكبر عدد ‪4 .4‬القالّ‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬ناصر‪ ،‬يونس‪:1990 ،‬‬ ‫أصول التدريس‪ ،‬جامعة دمشق ص ‪.206‬‬ ‫ممكن من التالميذ‪.‬‬ ‫‪5 .5‬فالتة‪ ،‬مصطفى بن محمد عيسى‪1416 ،‬م‪:‬‬ ‫ •أن تتصف بالتنوّع‪.‬‬ ‫المدخل إلى التقنيات الحديثة في االتصال‬ ‫ويمكن أن يتخذ االتصال صوراً ثالث‪:‬‬ ‫والتعليم‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫* ‬

‫كلية التربية‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪103‬‬


‫ِّ‬ ‫ال ُ‬ ‫العـربي‬ ‫قـدس ِفي‬ ‫الشـعر َ‬ ‫حسـن*‬ ‫> َعالء ِّ‬ ‫الدين َ‬ ‫�����ش�����ـ�����رائ�����عْ‬ ‫����������دس ي������ا م�����ن�����ـ�����ار َة ال َّ‬ ‫ُ‬ ‫ي������ا ق‬

‫ي���ا ط��ف��ل��ةً ج��م��ي��ل��ةً م���ح���روق��� َة األص���اب���عْ‬

‫���اك يَ�����ا م���دي���ن��� َة ال���ب���ت���ولْ‬ ‫ح���زي���ن���ةٌ ع���ي���ن ِ‬

‫يَ�����ا راح��������ةً ظ���ل���ي���ل���ةً م�����رَّ ب���هَ���ا ال�����رَّ س�����ولْ‬

‫مقطع صـغير م��ن ت��راث شـعري كبير ت��راك��م على امتـداد‬ ‫السـنين؛ يغازل مدينـة القدس ويأسى لها‪ ،‬ويشـفق على حالهـا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ويتغنَّى بأمجادهـا‪ ،‬ويـؤرِّخ لقيمتهـا‪ ،‬ويرثي لحزنهـا وآالمهـا‪،‬‬ ‫ويتـوق إلـى اليـوم الـذي يحـرِّرهـا فيـه المخلصـون من أبنائها‪.‬‬

‫يقول الشَّ ـاعر إبراهيم جواد‪:‬‬

‫رأس!!‬ ‫كجثمان بال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فلسـطين بال قدس‬

‫القبلتين فريضــةٌ‬ ‫ت��ح��ري��رُ أول���ى ِ‬

‫وال ي�م�ك��ن أن ن�ن�س��ى ق �ص �ي��دة‪( :‬ن ��داء‬

‫��ات‬ ‫��س ب��ال ُّ��ش��ـ��بُ��ه ِ‬ ‫ال ت��ق��ب��لُ ال�� َّت��ل��ب��ي َ‬ ‫إنْ ك���ان ل��ي��ل ال��ي��وم ي��ب��دو ح��ال��ك�� ًا‬ ‫��ل�ا ارت��ق��ب��ت��م ف��ج��ـ�� َر ص���ب ٍ���ح ِآت‬ ‫ه ّ‬ ‫ويقول المفكِّر والشَّ ـاعر الكبير الدكتور‬ ‫يوسف القرضـاوي‪:‬‬ ‫قدس؟‬ ‫فمامعنىفلسطينبالأقصىوال ِ‬ ‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫الفـداء) للشَّ اعر علي محمود طه‪ ،‬والتي‬ ‫يقول فيها‪:‬‬ ‫أخ����ي ج�����او َز ال��ظ��ال��م��ـ��ون ال��م��دى‬ ‫ف����ح����قَّ ال����ج����ه����اد وح�������قَّ ال���ف���دى‬ ‫أخ����ي إنَّ ف���ي ال���ق���دس أخ���ت��� ًا لنا‬ ‫أع������دَّ ل���ه���ا ال����ذَّ اب����ح����ـ����ون ال���م���دى‬


‫عبدالرحيم محمـود‪:‬‬

‫وأمَّته إلى حمل ه ِّم التحرير‪ ،‬ويستحثُّها للعمل له‬

‫س�����ـ�����أح�����م�����لُ روح�����������ي ع�����ل�����ى راح�����ت�����ي‬

‫من دون تمييز بين ديانات أو شرائع‪ ،‬ويخاطب‬

‫وأه�����������وي ب����ه����ا ف������ي م������ه������اوي ال���������رَّ دى‬ ‫����ص����ـ����دي����ق‬ ‫ف�������إمَّ �������ا ح�����ي�����ـ�����اة ت������س������رُّ ال َّ‬ ‫وإمَّ ��������������ا م�����م�����ـ�����ات ي����غ����ي����ظ ال����ع����ـ����دى‬ ‫تحظ به مدينة‬ ‫َ‬ ‫والقدس مدينة حظيت بما لم‬ ‫أخرى من اهتمام؛ نظراً لمكانتها المقدَّ سة دينياً‬ ‫وحضارياً وثقافياً وتاريخيا‪.‬‬ ‫وقد ظهر الدافع الدِّ يني جل َّياً في الصياغة‬

‫فيها اليهود قائال‪:‬‬ ‫ف����ل���ا ت�����ح�����س�����ب�����وه�����ا ل������ك������م م����وط����ن����ا‬ ‫����������ك ي�������وم������� ًا ل�����ك�����م م����وط����ن����ا‬ ‫ف�����ل�����م ت ُ‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫وم��ن م� َّن��ا ل��م ت �ه �زُّه أب �ي��ات ال��شَّ �ـ��اع��ر الشَّ هيد‬

‫في قصيدة له‪ ..‬يدعو إيليا أبو ماضي نفسه‬

‫وإمَّ �����������ـ�����������ا أب������ي������ت������ـ������م ف�����أوص�����ي�����ك�����م‬ ‫ب�����������أنْ ت����ح����م����ل����وا م����ع����ك����م األك����ف����ن����ا‬ ‫ف���������إنَّ���������ا س�����ن�����ج�����ع�����ل م���������ن أرض������ه������ا‬ ‫ل������ن������ـ������ا وط����������ن���������� ًا ول��������ك��������م م�����دف�����ن�����ا‬

‫وال �م �ف��ردات ال�ت��ال�ي��ة ل�ش��اع��ر األق �ص��ى يوسف بين النكبة والنكسة‬ ‫كانت خيبة األمـل كبيرة تجاه ما ح��دث في‬

‫العظم‪:‬‬ ‫���ج���ي���لُ‬ ‫ح�����ج�����ار ُة ال����ق����دس ن�����ي�����رانٌ وس���ـ ِّ‬ ‫وف���ت���ي���ـ���ةُ ال�����ق�����دس أط������ي������ا ٌر أب���اب���ي���ـ���لُ‬ ‫وس��اح��ةُ المسجد األق��ص��ى ت��م��وجُ بهم‬ ‫���������ات وت���نْ���زي���ـ���لُ‬ ‫وم����ن����ط����قُ ال�����ق�����دس آي ٌ‬ ‫ويقول الشَّ ـاعر كمال غنيـم في قصيدتـه (يا‬ ‫قدس)‪:‬‬ ‫�����دس ِّص���ب���ي م���ن دم���ـ���اك ودم���دم���ي‬ ‫ي���ا ق ُ‬ ‫ف��ل��ق��د ت���راج���ع���ت ال���ب���ن���ادق ف��ارج��م��ـ��ي‬ ‫����ش����ج����ب ط����ـ����ال أوان�������هُ‬ ‫ه������ذا زم�����ـ�����ان ال َّ‬ ‫���ب ع�����ا ٌر ف���ي ج��ب��ي��ن ال��م��ج��ـ��رمِ‬ ‫���ش���ج ُ‬ ‫وال َّ‬

‫الحضـاري‬ ‫َ‬ ‫البُ عـد‬ ‫وقد شكَّلته األحداث التاريخية المتالحقة من‬

‫النكبـة‪ ،‬وكان موقف الشـعراء الشعبي هو عدم‬ ‫السكوت عما قام به البعض من تخاذل‪ ..‬كان له‬ ‫الدور الكبير في النكبة‪..‬‬ ‫وم��ن ه�ن��ا‪ ،‬خ��رج��ت قصيدة عمر أب��و ريشـة‬ ‫الشهيرة (ب�ع��د النكبة)‪ ،‬أو (ن�خ��وة المعتصم)‪،‬‬ ‫أو (أ َّم �ت��ي)‪ ،‬ع��ام ‪1949‬م‪ ،‬ونختار منها أبياتها‬ ‫الشهيرة‪:‬‬ ‫�����������م‬ ‫أمَّ ���������ت���������ي ه���������ل ل���������ك ب������ي������ن األم ِ‬ ‫����م‬ ‫�����ف أو ل����ل����ق����ل ِ‬ ‫�����س�����ـ�����ي ِ‬ ‫م������ن������ب������رٌ ل�����ل َّ‬ ‫����ت‬ ‫ر َُّب وام������ع������ت������ص������م������ا ُه ان����ط����ل����ق ْ‬ ‫����م‬ ‫������ات ال����ي����تَّ ����ـ ِ‬ ‫م�����������ل َء أف���������������واهِ ال������ب������ن ِ‬ ‫الم��������س��������ت أس�������م�������اع�������ه�������م ل����ك����نَّ����ه����ا‬ ‫ل�������م ت���ل��ام������س ن�������خ�������و َة ال���م���ع���ت���ص ِ���م‬

‫��������ب ف�������ي ع�������دوان�������هِ‬ ‫اإلسراء والمعراج‪ ،‬مروراً بالعهدة العمَريَّة‪ ،‬وصوالً ال ي�����ل����ام ال��������ذئ ُ‬ ‫إلى انتفاضة األقصى وأحداث غزَّة األخيرة‪..‬‬

‫����م‬ ‫���������ك ال��������راع��������ي ع�����������د َّو ال����غ����ن ِ‬ ‫إن ي ُ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪105‬‬


‫مالي يد فيما جرى‪ ،‬فاألمر ما أمروا‬ ‫وأنـا ضعيف ليس لي أ ثـرُ ‪..‬‬ ‫وأنـا بسـيف الحرف أنتحـرُ‬ ‫وأنا اللهيب‪ ..‬وقادتي المطر‪ ،‬فمتى سأستعرُ ؟‬

‫أنسـنة المدينـة‬ ‫أش ��ار ال��راح��ل الكبير م�ح�م��ود دروي� ��ش في‬ ‫قصيدته (تحت الشبابيك العتيقة) إل��ى تفريغ‬ ‫المدينة من أهلها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫واقف‬ ‫ْ‬ ‫واقف تحت الشـبابيك‪ ..‬على الشـارع‬ ‫درجات السلم المهجور ال تعرف خطوي‬ ‫ـارف‬ ‫ال وال الشــباك ع ْ‬

‫شـوق وحنـين‬ ‫أججت القدس الحنين في نفوس الشـعراء‪،‬‬ ‫فكان منها مناجاة القدس بعد سـقوطها‪ ،‬والبكاء‬

‫وعلى أنقاض إنسانيتي‪..‬‬ ‫العواصف‬ ‫ْ‬ ‫تعبر الشمس وأقدام‬ ‫ورأى بعض الشعراء في القدس رابطاً تأريخياً‬

‫معان إسالمية؛ حيث أنَّ أهميَّة المدينة تنبع‬ ‫على فراقها‪ ..‬كما في قصيدة (بكيت) لـ‪ :‬نِزار ذا ٍ‬ ‫قباني التي يربط فيها برباط القدس السماء من ليلة اإلسراء‪ ،‬كما في الشاهد اآلتـي‪:‬‬ ‫باألرض‪:‬‬

‫يا ليـلة اإلســراء‬ ‫يا درب من مروا إلى السماء‬

‫ب����ك����ي����ـ����ت ح�����ت�����ى ج����ف����ـ����ت ال�����دم�����ـ�����وع‬ ‫ص����لَّ����ي����ت ح����ت����ـ����ى ذاب����������ت ال���ش���ـ���ـ���م���وع قلوبنا إليك ترحل كلَّ يوم‬ ‫رك�����ع�����ـ�����ت ح�����ت�����ى م���� َّل����ـ����ن����ي ال����� ّرك�����ـ�����وع‬ ‫س��أل��ت ع���ن م��ح��مَّ ��د ف��ي��ك‪ ،‬وع���ن ي��س��وع‬ ‫ي����ا ق�����دس ي����ا م���دي���ن���ـ���ة ت���ف���وح أن��ب��ي��ـ��اء‬

‫حب لعروس المدائن‬ ‫ٌّ‬ ‫وق��د تناوله الشَّ ـاعر خالد أب��و العمـرين في‬ ‫قصيدة مليئـة ب��األغ��راض والمقاصد والصور‬

‫ي��ا أقصر ال���دروب بين األرض والسماء المتتابعة‪ ،‬نقتطف منها التعبير عن الغربة واليتم‬ ‫في حـين يدعـو الشَّ ـاعر أحمـد مطـر‪ ،‬إلى في بعده عنها‪:‬‬ ‫الثـورة في قصيدتـه (عـاش‪ ..‬يسقط)‪:‬‬

‫قدس! يا حبِّـي الكبير‬ ‫يا ُ‬

‫قدس معذرة ومثلي ليس يعتـذ ُر‬ ‫يا ُ‬

‫يا وجه أمي يا كتاب ًا من عبير‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫كلُّ الوحوش تعود لألوكار‬

‫ـدس‪ ..‬يـا حبـيبـتي‬ ‫يـا ق ُ‬

‫إ ّال أنا يا قدس أخطأني القطار‬

‫غـدً ا‪ ..‬غدً ا سيزهرُ الليمـون‬

‫وم��ن أل�ط��ف المعاني ال�ت��ي نُظمت‪ ،‬قصيدة وتفرح السنابل الخضراء والزيتون‬ ‫للشَّ اعر عبدالناصر محمود‪ ،‬ال��ذي يلقي اللوم وتضحـك العيــون‪...‬‬ ‫على جمالها بحيث جعلها هدفاً للطامعين‪:‬‬ ‫ال ال�����ق�����دس أن����س����اه����ا وال ت��ن��س��ان��ي‬ ‫������دان‬ ‫أغ���ص���ـ���ان���ه���ا ف�����ي ال���ق���ل���ب واألب������ـ ِ‬ ‫م���ل��أت ف���������ؤادي م�����ن م���ف���ات���ن���ه���ا ال���ت���ي‬

‫ورب�م��ا ك��ان خالد أب��و خالـد األك�ث��ر وضوحاً‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫كلُّ الطيور تعود في ذيل النهار‬

‫ـدس‪ ..‬يـا مـدينـتي‬ ‫يـا قُ ُ‬

‫في تحديد جغرافية القدس؛ ألنَّه أفاد من قول‬ ‫الله تعالى عن المسجد األقصى‪{ :‬الَّذي باركنا‬ ‫حوله}؛ فأشار صراحة إلى اآلمـال‪:‬‬

‫����دان ويقترب البحر‪ ،‬تبتعد القدس عنا‬ ‫س���ت���ظ���لُّ ط�����ول ال���ع���م���ر ف����ي ال����وج ِ‬ ‫وعلى الرغم من أنَّ الشعر الذي تناول هذه‬ ‫المدينة المقدسة ‪ -‬في األغلب ‪ -‬متشابه من‬ ‫حيث المضمون لتكرار الظروف المأساوية‪ ،‬فإنَّ‬ ‫ج��زءاً من شعر الحداثة‪ ،‬وج��زءاً أقل من الشعر‬

‫كسـنبلة أحرقوا حقلهـا‬ ‫فتفتش عن شهقة من رصاص‬ ‫وأجوبـة مـن غض ْـب‬ ‫ويقول الشـاعر علي الكيـالني في قصيدته‬

‫الكالسيكي‪ ..‬ح��اول أن ي��رق��ى إل��ى خصوصية بعنـوان‪« :‬القدس»‪:‬‬

‫������رت ه���������������وايَ ع�����ل�����ى درب����ه����ـ����ا‬ ‫تجسدت في إقامة عالقات روحية بين الشاعر ح������ف������ـ ُ‬ ‫والمدينة‪ ،‬ويمكن في هذا المجال اإلش��ارة إلى‬ ‫الشَّ اعرة هالة إسـماعيل التي تقـول‪:‬‬ ‫أموت على رصيف العمـر‬ ‫بحثـاً‪ ..‬عن ثرى وطـني‬ ‫أنـا القـدس‪ ،‬وجرحي‪ ..‬غارق في الملح‬ ‫ل�ق��د ك��ان��ت ق�ص�ي��دة ال�ت�ف�ع�ي�ل��ة‪ ،‬أق���در على‬

‫ت�������ب�������اري�������حَ ش������ـ������وق وآه���������������ات ق����ه����ـ����رِ‬ ‫وم��������ا زل��������ت أم����ض����ـ����ي أغ����������ذُّ ال���م���ن���ى‬ ‫ودون وص�������ول�������ي م������راص������ـ������د غ�������درِ‬ ‫ي�����زي�����ـ�����د ح����ن����ي����ـ����ن����ي إل����������ى ط���ي���ف���ه���ـ���ا‬ ‫ودون خ����ي����ـ����ال����ي م��������ف��������او ُز ه���ج���ـ���رِ‬ ‫ويقول الشَّ اعر وحيد الدهشان في رباعياته‬

‫الدخول في تفاصيل الحبِّ القدسي‪ ،‬سواء كان المقدسـية‪:‬‬ ‫���دس ق��دس��ي وال���م���ح���راب م��ح��ـ��راب��ي‬ ‫ذلك من خالل الحديث عن جماليات المدينة ال���ق ُ‬ ‫الشاعر‬ ‫المقدسة‪ ،‬أو عن العالقة السِّ رية بين َّ‬

‫�����س�����اح س����اح����ي‪ ،‬واألب����������واب أب���واب���ي‬ ‫وال َّ‬

‫����ش����ـ����م����اء ق��ب��ت��ن��ـ��ا‬ ‫والمدينة المقدسة‪ ،‬يقول ن��زار قباني مصوراً وق���� َّب����ـ����ة ال����ص����خ����رة ال َّ‬ ‫ذلك الحبّ ‪:‬‬

‫واألرض أرض������ي ف��ي��ه��ا إرث أح��ب��اب��ي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪107‬‬


‫وب����ي����ن م����كَّ ����ة واألق�����ص�����ى ع������رى ن���س ٍ���ب‬

‫سأنقش عند باب الشوق أشعاري‬ ‫ُ‬

‫خ��ط��ى ال����ب����راق ه��ن��ا م��ف��ت��اح أن��س��ـ��اب��ي أرصع في جبين الشعر تذكاري‬ ‫م����ا راح ي���ت���ل���و م����ن اإلس������ـ������راء م��دك��ر‬

‫وأهتف للنـدى اآلتي‪:‬‬

‫وم����ا ال َّ‬ ‫القدس‬ ‫ِ‬ ‫���ش���ـ���ه���ادة ق���ال���ت‪ :‬إي����ه خ��ط��اب��ي على بوابـة‬ ‫كالدرس‬ ‫ِ‬ ‫األشواق لألطفال‬ ‫ِ‬ ‫رسمت قصيدة‬ ‫ُ‬ ‫وفي صرخـة األقصى‪ ،‬يقول الشَّ ـاعر هارون‬ ‫هاشـم رشيد‪:‬‬ ‫ال���م���س���ـ���ج���دُ األق����ص����ى وف������ي ك��ل��م��ات��ن��ا‬ ‫وع���������دٌ ب���ن���ص���ـ���رت���ه وع����ه����ـ����ـ����دٌ يُ ������ب������رَمُ‬ ‫ه����و ث����ال����ث ال���ح���رم���ي���ن‪ ،‬أوَّلُ قِ ��ب��ـ��ل��ةٍ‬ ‫ل���ل���م���س���ـ���ـ���ل���م���ي���ن ن���ق���ول���ه���ا ونُ���س���ـ���ل���مُ‬

‫الشمس‬ ‫ِ‬ ‫وخلف حكاية اآلتين من بوابة‬ ‫أغنِّي مثلما غَ نَّى على األقمار ُسمَّ اري‪..‬‬ ‫ومن دفتر الشَّ اعر مصطفى عثمان تلوح نجمة‬ ‫تؤكِّد على عبير المدائن‪ ،‬سيبقى فوق الزمان‪،‬‬ ‫وشمس المدائن لن تأفل‪ ..‬يقول‪:‬‬

‫وه��ذا شاعرنا صالح الجيتاوي‪ ،‬وقد الحظ نُ����ه����دي إل�����ى ال����ق����دس األب����ي����ة ش��وقَ��ن��ا‬ ‫مشـاعر اليأس استبدت‪ ،‬فانبرى يشـجِّ ع أبناء‬

‫ل�����ي�����ظ�����لَّ وح�����������يُ ج��ل��ال�����ه�����ا ي����ت����رت����لُ‬

‫�����س��ل��ام ه�����داي�����ةً‬ ‫جلدتـه على خلع أردية الغفـلة‪ ،‬وتوطين العزائـم ال������ق������دس ت���ب���ق���ى ل�����ل َّ‬ ‫على مقارعـة الباطل‪:‬‬ ‫ال���������م���������ج���������ـ���������دُ أن�����������������ت ل�������������ه وف���������ي‬

‫م���ه���م���ا ت���م���ل���كَّ ���ه���ا ال������ظ���ل��امُ س���ي���رح���لُ‬ ‫ويقول الشَّ اعر سعد العاقب‪:‬‬

‫ي������م������ن������ـ ِ‬ ‫����دس م��اث��ل��ةٌ‬ ‫������اك ت�����ح�����ق�����ي�����ق األم������ـ������ان������ي ق��دْ س��ـ��ي��ةٌ ف���ي ص���خ���ور ال����ق ِ‬ ‫��������������دس ص�������ـ�������ب�������ر ًا ل�����ل�����زَّ م�����ـ�����ان‬ ‫ُ‬ ‫ي��������ا ق‬

‫����اس وال��ـ ِ��م�� َل ِ��ل‬ ‫�����ت ل��ه��ا س��ـ��ائ��رُ األج����ن ِ‬ ‫دان ْ‬

‫ف���������������������إنَّ ن�������ص�������ـ�������ر ال�����������ل�����������ه ِ‬ ‫���ك ت��م��ض��ي ف���ه���ي ف��ان��ي��ةٌ‬ ‫دان ك�����لُّ ال���م���م���ـ���ال ِ‬ ‫وللشَّ اعر السـوري عدنان ب��رازي مساهمته‬ ‫الموسومة‪« :‬كلُّنا سواء»‪ ،‬وفيها يقول‪:‬‬ ‫س�����ـ�����أب�����ك�����ي ول�������ك�������ن ب�����غ�����ي�����ر دم��������وع‬

‫مت ِم��ن س��ط��وةِ األج ِ��ل‬ ‫��دس ق��د سَ لِ ْ‬ ‫وال��ق ُ‬ ‫ونختم بهذين البيتين للشَّ ـاعر عدنان علي‬ ‫رضا النحوي بعنوان (يا قبَّة األقصى)‪:‬‬

‫ف����ق����ل����ب����ي ي������ت������وق ل�����ي�����ـ�����وم ال������رج������وع ي���ا ق��بَّ��ة األق���ص���ى ط��ل��ع ِ��ت ع��ل��ى ال��م��دى‬ ‫دم������وع������ي س����ت����غ����رق ه��������ذي ال����ب����ق����اع‬ ‫أف�����ق�����ـ����� ًا ي���ظ���ـ���ل���ل ل���ه���ف���ـ���ت���ي وأَواري‬ ‫ـ��ل��أت آف���������اق ال����ح����ي����ـ����اة ص���ب���اب���ةً‬ ‫ف�����ت�����م��ل��أ ب������ال������ش������وق ك����������لَّ ال�������رب�������وع ف�����م����� ِ‬ ‫وعلى بوابة القدس يقول الشاعر سمير عطية‪:‬‬ ‫* ‬

‫كاتب من سوريا‪.‬‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫ع���ن���د ال���ه���ج���ي���رِ وع����ن����د ك������لِّ ِع���ص���ـ���ارِ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫البــــــــــوح‬ ‫> سليم صالح احلريص*‬

‫حين غبت‪ ..‬أرأيت كيف اصف ّر شجر الزيتون؟!‬ ‫أرأي����ت ال��ش��ح��وب ال���ذي اع��ت��رى ال��ق��م��ر؟ ك��ي��ف ذب��ل��ت أزه���ار‬ ‫الياسمين‪ ،‬وتحوّل عشب األرض إلى يباس‪ ...‬وعطش ًا جفَّ ف‬ ‫���اض مخصبة‪ ،‬وك��ي��ف ح��زن��ت أزه��ار‬ ‫ينبوع ًا يسقي منابت ري ٍ‬ ‫الدحنون‪ ..‬فتوارت رقصتها‪!!..‬‬ ‫من غيَّبك عن أرض كانت بحضورك مزهرة‪..‬؟ من سرق النوم‬ ‫من عينيك؟ من أطفأ شموع ًا كانت تنير لك عتمة الليل؟‬ ‫*حين لمّ عباءة الظلمة‪ ،‬وسكّ ن دفء األنفاس عن لفحة برد تأتينا كلما تسرب نسيم‬ ‫بسحب‬ ‫ٍ‬ ‫الغربي‪ ،‬وطال الليل التشريني‪ ..‬وامتد شتاء يغطينا بألحفة الصقيع‪ ..‬ويجللنا‬ ‫تأتي لتشق ظالم الليل بالعج برقها‪...‬‬ ‫** حين تغيبين‪ ..‬تبهت الحياة‪ ..‬يتوارى‬

‫** ق�ف��ي ت�ح��ت ال �ش �م��س‪ ..‬ف��ال�ش�م��س ال‬

‫األنس‪ ..‬وتورق الكآبة‪ ,‬فتمتد أغصانها‬

‫تخفي سرا‪ ..‬ال تتلون بألوان الزيف‪..‬‬

‫لتطال كل األشياء‪.‬‬

‫تُعري كل شيء وتجعله سافرا‪!!..‬‬

‫** فيك‪ ..‬عناد للواقع‪ ..‬رفض‪ ..‬إصرار‪..‬‬

‫** أش�ي��اء كثيرة تجمعنا‪ ..‬تدنينا‪ ..‬لم‬

‫صبر يمنحك قدراً من تفكير يعبر بك‬

‫يخذلني إحساسي ب��ك‪ ..‬لم تخذلني‬

‫ش�ط��آن األم� ��ان‪ ..‬وص��دق ووض ��وح ال‬

‫كل أشيائك‪ ..‬فقد كنت على قناعة‪..‬‬

‫يخذالن أبدا‪.‬‬

‫كنت على ثقة‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪109‬‬


‫** كنت تناكفين‪ ..‬تستفزين ف��يّ ك��ل ش��يء‪..‬‬

‫ومتاعب عن نفسي وتزيل كوابيس تزدحم‪..‬‬

‫ألغ�� ��راض‪ ..‬ل �م �ق��اص��د‪ !!..‬لكنها رسّ �خ��ت‬

‫تقتل أنفاسي في لحظات ال أجد متسعا من‬

‫قناعاتك‪ ...‬جذرتها‪ ...‬فاسترحنا من عناء‬

‫وقت‪ ..‬تأخذ همومي من نفسي وتتمنطقها‪،‬‬

‫التجارب‪.‬‬

‫فتشرق فيّ شموعا تنير لي دروب العتمة‪.‬‬

‫ويرف قلبي فرحا‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫** قلت ذات م�س��اء م�ض��ى‪ ..‬يطربني صوتك ** تتلوى أغصاني جذْال‪..‬‬ ‫وتخضر أورا ٌق مصفرة‪ ..‬وتمأل دنياي ارواءً‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫حين يتعبك استفزازي‪ ..‬لكن رنة الحزن في‬ ‫صوتك تبكيني‪ ..‬تأسرني لحظة فيها وجع‪..‬‬

‫وتفجر فيّ ينابيع ال تنضب‪.‬‬

‫يبكيني‪ ..‬ال أحتمل رؤيتك حزينا‪ ..‬مهموما‪ ** ..‬أنت فجر جدّد فيّ الحياة‪ ..‬غيّر مجرى الدم‬

‫تقتلني دمعة تجول في عينيك‪ ..‬تحرقني إن‬ ‫سقطت بسببي على خديك‪.‬‬ ‫** أمازحك‪ ..‬نعم‪ ..‬أريد أن تقوى على نفسك‪..‬‬

‫والدمع‪ ..‬سكب ضالتي التي أنشدها عمرا‬ ‫طويال‪ ,‬في مهجة الفؤاد‪ ..‬أنت ضوء أزاح‬ ‫عني سواد ليل طويل‪.‬‬

‫على مشاعرك‪ ..‬على شعورك كي ال تفجع‪ ** ..‬أنت سحابة ممطرة أروت‪ ..‬أسالت‪ ..‬تشققت‬

‫أريد أن أروض حواسك على كل طقوسي‪.‬‬ ‫** أع��ش��ق ارت� �ع ��اش ��ات ص���وت���ك‪ ..‬وم �ت��اه��ات‬ ‫حيرتك‪ ..‬يسعدني قلقك وخوفك عليّ ‪.‬‬ ‫** قد اجتزت امتحاناتي‪..‬‬ ‫** نظمت لك من خواطري قصائداً‪ ..‬صنعت‬ ‫م�ن�ه��ا ل �ج �ي��دك ق�ل�ائ ��داً‪ ..‬وص �غ��ت ل��ك في‬ ‫قلبي مفردات قلَّما مُوسقت‪ ..‬وسكبت لك‬ ‫على خصالت الشعر همسات تتماوج كلما‬ ‫الطفتها أنفاس تأتي منك مغرقة في البوح‪،‬‬ ‫وتحررت من (معتقلها) تتراقص‪ ..‬أطربها‬ ‫صوت الناي المبحوح‪.‬‬ ‫** يا كل البوح‪ ..‬شالال تأتي ‪ ,‬تغسل إرهاصات‪..‬‬ ‫* ‬

‫مدير مكتب جريدة الجزيرة بالقريات ‪ -‬السعودية‪.‬‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫األرض من فرط فرحها بإروائها‪ ،‬فتباسق‬ ‫واخضرت جنباتها‪ ..‬استعذبت ديمها‬ ‫ّ‬ ‫طلعها‪،‬‬ ‫فكانت تهطل عليَّ كل حين‪ ..‬تبللني بشذاها‬ ‫العطر‪ ..‬تغرقني بشبر من عواطف‪.‬‬ ‫** أدرك��ت أن في بعُدك وحشة تـُمرض‪ ,‬وفي‬ ‫حضورك زهو‪ ..‬اشتاقك كل حين وحين يمتد‬ ‫الغياب‪ ..‬أص��اب بالعطش‪ ..‬تلفني سُ حب‬ ‫ال�ك��آب��ة‪ ..‬ويوجعني انتظار قاتل لساعات‬ ‫اجتر فيها هموم العمر‪ ..‬لكن مع حضورك‬ ‫ينتهي كل شيء بضحكة‪ ..‬بهمسة تغسل كل‬ ‫نكد‪ ..‬بكلمة تعيد لي توازني‪ ..‬أنسى ما كنت‬ ‫أكابده من لوعة البعد‪ ..‬وأعود للذة الحياة‬ ‫في البوح معك‪.‬‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫فهد املوسر‪..‬‬

‫قامة أدبية شمالية‪..‬‬

‫تخصصت في الشعر والنقد‬ ‫> فواز بن زايد العقيل الشمري*‬

‫عندما تود الكتابة عن قامة شمالية تخصصت في الشعر والنقد‪ ،‬فال شك أن الحديث‬ ‫والقلم سيجبراك على التحدث عن فهد بن قاسم الموسر‪ ،‬الذي شغل الشمال في شعره‬ ‫ومؤلفاته‪ .‬وألن شعره قد فُ قد منه الكثير‪ ،‬فقد أرتأيت أن أخوض في جانبه النقدي‪.‬‬ ‫والجدير ذكره أن هذا الناقد البصير‪ ،‬والمؤلف الشمالي الكبير‪ ،‬لم يكن يوم ًا أستاذ ًا‬ ‫جامعياً‪ ،‬وال عضو ًا في نادٍ أدبيٍّ ‪ ،‬بل كان موظف ًا يتنقل بين القطاعات الحكومية‪ ،‬ولم‬ ‫تتجاوز دراسته النظامية السنة الثالثة في قسم التاريخ بجامعة الرياض سابق ًا الملك‬ ‫سعود حالياً‪.‬‬

‫وعلى الرغم من تنقله بين العديد من وله عدة مؤلفات منها‪:‬‬ ‫الوظائف الحكومية وأعماله الخاصة‪ ،‬إال‬ ‫أن ذلك لم يحد من نشاطه األدبي‪ ،‬الذي‬ ‫عشقه منذ نعومة أظفاره‪ ،‬وميوله الشديد‬ ‫للقراءة واالط�لاع على المجالت‪ ،‬وأمهات‬ ‫الكتب األدب�ي��ة‪ ،‬التي ول��ع بها‪ ،‬وأف��اد منها‬ ‫الشيء الكثير‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك كان له نشاطه الصحفي‬ ‫من خ�لال‪ :‬اليمامة األسبوعية‪ ،‬والبالد‪،‬‬ ‫واألسبوع التجاري‪ ،‬والجزيرة‪ ،‬والمدينة‪،‬‬ ‫واليوم‪.‬‬

‫ •ص ��ور م��ن ط �ب��ائ��ع ال� �ن ��اس‪ ،‬ص��در‬ ‫عام ‪1413‬هـ وطبعته دار الشادي‪،‬‬ ‫دمشق‪.‬‬ ‫ •م�ق�ط��وع��ات ش�ع��ري��ة ع�ل��ى بساط‬ ‫ال�ن�ق��د ال �ج��زء األول‪ ،‬ص ��در ع��ام‬ ‫‪1414‬هـ (دار الشادي‪ ،‬دمشق)‪.‬‬ ‫ •م�ق�ط��وع��ات ش�ع��ري��ة ع�ل��ى بساط‬ ‫النقد ال �ج��زء ال�ث��ان��ي‪ ،‬ص��در عام‬ ‫‪1420‬هـ (دار الشادي‪ ،‬دمشق)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪111‬‬


‫ •رحلة من شمال المملكة‬

‫بهما‪ ،‬ويقول في المقدمة نفسها‬

‫ال�ع��رب�ي��ة ال�س�ع��ودي��ة إل��ى‬

‫«‪ ...‬فقد عرضت كشكول كتابي‬

‫أطراف الشام‪ ،‬صدر عام‬

‫هذا (الجزء األول) (من مقطوعات‬

‫‪1414‬ه� �ـ (دار ال �ش��ادي‪،‬‬

‫ش� �ع ��ري ��ة ع� �ل ��ى ب� �س���اط ال �ن �ق��د)‬

‫دمشق)‪.‬‬

‫ع�ل��ى األس �ت��اذ حسين ال�ع�م��وري‪،‬‬ ‫ال���ذي أب���دى وج �ه��ة ن �ظ��ره حيال‬

‫ •الرواية والقصة القصيرة‪،‬‬

‫م�لاح�ظ��ات��ه‪ ،‬ال�ت��ي ك��ان يناقشني‬

‫صدر عام ‪1414‬ه �ـ (دار‬

‫ف�ي�ه��ا‪ ..‬وك�ن��ت أت ��ردد أح�ي��ان�اً في‬

‫الشادي‪ ،‬دمشق)‪.‬‬ ‫ •طرائف من أح��ادي��ث المجالس‪ ،‬الجزء‬ ‫األول‪ ،‬صدر عام ‪1420‬هـ (دار الشادي‪،‬‬ ‫دمشق)‪.‬‬ ‫ •سأتناول –هنا‪ -‬فهد الموسر من خالل‬

‫أن أوافق على بعض ما يرد‪ ..‬في‬ ‫حين أنني أجده صائباً في المالحظات»(‪.)2‬‬ ‫ب��دأ كتابه ب��دراس��ة أدبية لقصيدة اب��ن زريق‬ ‫البغدادي ومطلعها‪:‬‬ ‫ال ت����ع����ذل����ي����ه ف��������إن ال������ع������ذل ي���ول���ع���ه‬

‫كتابه (مقطوعات شعرية على بساط‬

‫ق����د ق���ل���ت ح���ق��� ًا ول���ك���ن ل���ي���س ي��س��م��ع��ه‬

‫ف �ي��ه ع � ��دداً م��ن ال �ش �ع��راء المتقدمين‬

‫متبعاً المنهج التاريخي مرةً‪ ..‬والمنهج النفسي‬

‫النقد)‪ ،‬الجزء األول منه‪ ،‬وال��ذي تناول‬

‫وال �م �ح��دث �ي��ن‪ ,‬ول��رب �م��ا ك �ت��اب��يّ ال��دك�ت��ور مر ًة أخرىـ‬

‫غ��ازي القصيببي رحمه الله‪( :‬قصائد‬

‫وقد أخذت القصيدة‪ ،‬وشاعرها جزءاً وافراً‬

‫أع� �ج� �ب� �ت� �ن ��ي)‪ ،‬و(أح� �ل ��ى‬

‫من الكتاب بلغ نحو اثنتين وثالثين‬

‫ع��ش��رون ق �ص �ي��دة ح��ب)‬

‫صفحة‪ ،‬ت�ح��دث م��ن خاللها عن‬

‫ل �ف��اروق ش��وش��ة ه�م��ا ما‬

‫مناسبة القصيدة‪ ،‬ورحلة الشاعر‬

‫شجعاه على إصدار كتابه‬

‫م��ن ب �غ��داد إل ��ى ب�ل�اد األن��دل��س‪.‬‬

‫(مقطوعات شعرية)‪ ،‬فهو‬

‫وي �ق��ول «إن �ه��ا ص���ورة ف��ري��دة من‬

‫ي��ذك��ر اه �ت �م��ام��ه ب �ق��راءة‬

‫صور شعراء العربية الذي تضلعوا‬

‫هذين الكتابين‪ ،‬وإعجابه‬

‫ف��ي لغتها‪ ،‬ول��و أن�ن��ا ول�لأس��ف ال‬

‫بطريقتهما‪ ،‬فيقول في‬

‫نجد شيئا من مآثره التي تحدث‬

‫م �ق��دم��ة ك �ت��اب��ه «وج �ئ��ت‬

‫في غياهب التاريخ»(‪.)3‬‬

‫ألدل��ي ب��دل��وي‪ ،‬ول��و أنني أتحرج أحياناً‬ ‫حين ال أصيب»(‪.)1‬‬ ‫بمعنى أنه جاء بعد القصيبي‪ ،‬وشوشه‪ ،‬وتأثر‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫وق��د ج��اء على العديد م��ن ال�ص��ور الشعرية‬ ‫ال عند قوله‪:‬‬ ‫فيها‪ ،‬ووقف طوي ً‬


‫ي����ك����ف����ي����ه م��������ن ل�������وع�������ة ال���ت���ش���ت���ي���ت‬ ‫أن ل��ه م��ن ال��ن��وى ك��ل ي���وم م��ا ي��روع��ه‬

‫(‪)4‬‬

‫ال عند الصورة المتحركة في‬ ‫كما وقف طوي ً‬

‫كما تناول في كتابه قصيدة األمير عبدالقادر البيتين التاليين‪:‬‬ ‫الجزائري التي مطلعها‪:‬‬

‫ن����ب����اك����ر ال����ص����ي����د أح�����ي�����ان����� ًا ف��ن��ب��غ��ت��ه‬ ‫ف��ال��ص��ي��د م��ن��ا م���دى األوق������ات ف���ي ذع��ر‬

‫ي���ا ع�����اذر ًا الم����رئ ق���د ه���ام ف���ي الحضر‬ ‫وع����������اذ ًال ل���م���ح���ب ال�����ب�����دو وال����ق����ف����ر‬

‫(‪)5‬‬

‫م��وض �ح �اً أن��ه ق��ال�ه��ا ب�ع��د نفيه إل��ى دم�ش��ق‪،‬‬ ‫بعد استعمار فرنسا لبلده الجزائر‪ .‬ثم تطرق‬

‫ف���ك���م ظ���ل���م���ن���ا ظ���ل���ي���م��� ًا م�����ع ن��ع��ام��ت��ه‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫لكن جهلت وك��م في الجهل من ض��رر‬

‫(‪)7‬‬

‫وإن ي��ك��ن ط���ائ���ر ًا ف��ي ال��ج��و ك��ال��ص��ق��ر‬

‫(‪)8‬‬

‫ثم ينتقل بنا إلى المنخل بن الحارث اليشكري‬

‫إلى مناسبتها معل ً‬ ‫ال أن «المناظرة الطريفة بين في قصيدته (فتاة الخدر) التي يقول فيها‪:‬‬ ‫أدباء كانوا بين أمرين في المفاضلة بالمعيشة؟ م��������ا ش��������ف ج�����س�����م�����ي غ�����ي�����ـ�����ر ح���ب���ك‬ ‫(معيشة البدو أم معيشة الحضر؟)‪ ،‬وطلبوا رأي‬ ‫ف����������اه����������دئ����������ي غ���������ن���������ي وس���������ي���������ري‬

‫األمير عبدالقادر الجزائري في أيهما أفضل؟ وأح����������ب����������ـ����������ـ����������ه����������ا وت�������ح�������ب�������ن�������ـ�������ي‬ ‫فنظم القصيدة التي نوردها‪ ،‬ولكونها من الدرر‬ ‫(‪)9‬‬ ‫وي������ح������ب ن����اق����ت����ـ����ه����ا ب����ع����ي����ـ����ـ����ـ����ري‬

‫التي أح��رص عليها‪ ،‬فقد احتفظت بها‪ ،‬وتنتقل‬ ‫نسختها في موجوداتي من مكان إلى آخر‪ .‬كونها‬ ‫من بدع التمثيل الشعري الرائع في‬ ‫اللغة ال�ع��رب�ي��ة؛ ف��األم�ي��ر الش��ك أنه‬ ‫عاصر حياة الحضارة‪ ...‬ولكنه حين‬ ‫ك��ان ي�ق��وم بالمقاومة ال�ص�ل��دة ضد‬

‫وشكك الموسر عند شرحه لهذه القصيدة‬ ‫أن ي��ك��ون ال �ب �ي��ت األخ� �ي ��ر من‬ ‫القصيدة‪:‬‬ ‫ي���ا ه��ن��د مَ ����نْ لمت ِّيـ ــم‬ ‫ي�����ا ه���ن���د ل���ل���ع���ان���ـ���ـ���ي األس���ي���ر‬

‫الفرنسيين نزعت نفسه إلى البقاء‬ ‫وآثر حياة الصحراء‪.)6(»...‬‬ ‫وي��ق��ف ال �م��وس��ر ع �ن��د ال��ص��ورة‬ ‫الشعرية في األبيات التالية‪.‬‬ ‫ي��ا ع����اذر ًا الم����ريء ق��د ه���ام ف��ي الحضر‬ ‫وع�������������اذ ًال ل���م���ح���ب ال������ب������دو وال���ع���ق���ر‬ ‫ال ت����ذم����م����ن ب����ي����وت���� ًا خ�����ف م��ح��م��ل��ه��ا‬ ‫وت���م���دح���ن ب����ي����وت ال���ط���ي���ن وال���ح���ج���ر‬ ‫ل���و ك��ن��ت ت��ع��ل��م م���اف���ي ال���ب���دو ت��ع��ذرن��ي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪113‬‬


‫فيقول‪« :‬وأما البيت األخير‪ ،‬فإنني أشك أنه‬

‫كما سلط الضوء في كتابه على رباعية الشاعر‬

‫للمنخل اليشكري‪ ،‬ولو أنني أعتقد أن هذا البيت‪ ،‬إبراهيم ناجي‪« ,‬األطالل»‪ ,‬ومطلعها‪:‬‬ ‫كان سبب معاناة الشاعر»(‪.)10‬‬

‫ي�������ا ف��������������ؤادي رح���������م ال������ل������ه ال�����ه�����وى‬

‫أما قصيدة الشاعر إيليا أبو ماضي‪ ،‬وعنوانها‬ ‫(أنا)‪ ،‬ومطلعها‪:‬‬

‫����ال ف�����ه�����وى‬ ‫ك������ان ص����رح���� ًا م����ن خ����ي ٍ‬

‫(‪)14‬‬

‫وقد حاول من خالل دراسته لها أن يوفق‬ ‫بين المادحين لهذه القصيدة وبين المجرحين‬

‫ح��������رٌ وم������ذه������ب ك��������لّ ح�������� ٍّر م���ذه���ب���ي‬

‫��ص ِ��ب فيقول‪« :‬ولربما تعرضت مقطوعته الشعرية –‬ ‫م����ا ك���ن���ت ب����ال����غ����اوي وال ال��م��ت��ع ّ‬ ‫األط �ل�ال – إل��ى‬

‫أن���������ي ألغ������ض������ب ل����ل����ك����ري����م ي���ن���وش���ه‬ ‫���ب‬ ‫���ض ِ‬ ‫م���ن دونَ�������هُ وأل�������ومُ م���ن ل���م ي���غ َ‬

‫(‪)11‬‬

‫النقد والتجريح‪,‬‬

‫ف�ي��ذك��ر ف��ي ث�ن��اي��ا مقدمته ل �ه��ا»‪ ..‬وال أعلم أو إل ��ى اإلط���راء‬ ‫إن كانت ال�ج��ودة التي تشدني ألكتب ع��ن هذه في جعلها نموذجاً‬ ‫المقطوعة هي الستمرار تذكره للماضي‪ ،‬أم ألنها ح ّياً لواقع يعفي‬ ‫ال� � �ش�� ��اع�� ��ر م��ن‬ ‫جيدة فعالً‪.)12(»...‬‬ ‫أخ� �ط���اء ي��ؤاخ��ذ‬

‫ويقف طويال عند قوله‪:‬‬ ‫����ن ف����ي م��ع��ق ِ��ل‬ ‫أن�����ا م����ن ض���م���ي���ري س����اك ٌ‬ ‫���ب‬ ‫أن����ـ����ا م����ن خ��ل�ال����ي س����ائ����رٌ ف����ي م���وك ِ‬ ‫ف���������إذا أران������ـ������ي ذو ال����غ����ب����ـ����اوة دون����ـ����ه‬ ‫ف��ك��م��ا ت����رى ف���ي ال���م���اء ظ����لَّ ال���ك���واك ِ���ب‬

‫عليها‪.)15(»...‬‬ ‫ثم يضع منهجاً‬ ‫لدراسة هذه القصيدة فيقول‪« :‬لسنا في صدد‬ ‫وزن أو تقييد الشاعر في عداد فحول العربية‪،‬‬ ‫ممن ي�ج�ي��دون ال ��وزن ف��ي تفعيالت العربية‪,‬‬

‫معلقاً «ففي وصفه بالبيت األخير حين تنزل فالشاعر م��ن المحدثين ال��ذي��ن ج ��ددوا في‬ ‫قيمة من هم دونه ليستمر عنهم ومن أنهم ظل مضامين هذا اللون من ألوان الشعر‪ ,‬إال أننا‬

‫ل��ص��ورت��ه‪ ،‬ف��أم��ر بصدد تصوير النص الشعري‪.)16(»...‬‬ ‫يسيء إلى تقدير‬ ‫وقد جاءت دراسة هذه المقطوعة فيما يقرب‬ ‫ال �ش��اع��ر‪ ،‬ولكننا‬ ‫خمس وخمسين صفحةً‪ ,‬شارحاً فيها أبيات‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫ال ن � � � � � ��زال ف ��ي‬ ‫القصيدة‪ ,‬وإن كنت أرى أن شرحه لها ال يتجاوز‬ ‫ح� �ل ��م ال� �ق ��دام ��ى‬ ‫المعاني والكلمات‪ ،‬دون ال��وق��وف على الصور‬ ‫ال� ��ذي� ��ن أك � �ث� ��روا‬ ‫البالغية والمحسنات البديعية‪ ,‬رغم إشارته إلى‬ ‫م� � ��ن ال��ت��م��ج��ي��د‬ ‫أن��ه قصد من دراس�ت��ه لهذه المقطوعة تصوير‬ ‫للعلياء‪.)13(»...‬‬ ‫ال�ن��ص‪ ,‬ول�ك��ن ت�ص��وي��ره هنا ج��اء على المناهج‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ال��دراس�ي��ة التقليدية‪ .‬ولعلنا نلتمس ل��ه العذر‪ ,‬ط �ب �ع��ات دي� ��وان‬ ‫فهو لم ي��درك مناهج النقد الحديثة‪ ،‬علماً أنه الشابي المسمى‬ ‫ذك��ر أن في القصيدة أخطاء لغوية فهو يقول‪(( :‬أغ � � � � � ��ان � � � � � ��ي‬ ‫«الشاعر‪ ،‬توجد بمقطوعته أخطاء لغوية كثيرة‪ ..‬ال��ح��ي��اة))‪ ،‬وق��د‬ ‫وأننا لسنا بصدد نقده لغوياً‪ ،‬وإنما تصوير لهذه أش � ��ار ال �م��ؤل��ف‬ ‫إل � ��ى ذل� � � ��ك(‪,)20‬‬

‫المقطوعة»(‪.)17‬‬

‫وتضمن كتابه قصيدتي أبو القاسم الشابي وأص� � � � � ��ر ع� �ل ��ى‬ ‫دراس� �ت� �ه ��ا رغ��م‬ ‫((النسيم يهب)) ومطلعها‪:‬‬ ‫ب�� �س� ��اط�� �ت�� �ه� ��ا‪،‬‬

‫أن������س������ي������م ي������ه������ب ف���������ي األس�������م�������ار‬ ‫ب�����ي�����ن ت�����غ�����ري�����ـ�����د ب�����ل�����ب�����ل وه�������ـ�������زار‬ ‫أم أن������اش������ي������د م�����ع�����ب�����د رت���ل���ت���ه���ـ���ا‬ ‫ك��ال��ن��س��ي��م��ات غ���ن���ي���ات ال������ج������واري‬

‫(‪)18‬‬

‫و((هيكل الحب))(‪ )19‬ومطلعها‪..‬‬ ‫ع����������ذب����������ة أن���������������ت ك������ال������ط������ف������ول������ة‬ ‫كاألحالم كاللحن‪ ،‬كالصباح الجديد‬ ‫كالسماء الضحوك كالليلة القمراء‬

‫وض � � � � � � �ع� � � � � � ��ف‬ ‫م� �ن���اس� �ب� �ت� �ه���ا؛‬ ‫ف �ق��د ك ��ان ��ت رد‬ ‫ث�ن��اء على تهنئة‬ ‫قدمها قريبٌ له‬ ‫بزفافه‪.‬‬ ‫وخ�� � � � � �ت� � � � � ��م‬ ‫ال �م��وس��ر ك�ت��اب��ه‬

‫ك������ال������ـ������ورد ك����ـ����اب����ت����س����ـ����ام ال����ول����ي����د بترجمة واف �ي��ة‪ ،‬وتمجيد ق�� ّل مثيله‪ ،‬للشاعر‬ ‫ببعض‬ ‫ٍ‬ ‫وإن كنت أرى أنه لم يوفق في دراسته لألولى‪ ،‬العراقي معروف الرصافي‪ ،‬مستشهداً‬ ‫ووفق ‪-‬نوعاً ما‪ -‬في الثانية‪ ..‬وليته اكتفى بها دون أبياته الشعرية التي تمجد العروبة‪ ،‬وتدعو إلى‬ ‫سواها‪ ,‬لكون القصيدة األول��ى تفتقدها معظم الشمائل الحميدة(‪.)21‬‬

‫* ‬

‫(‪ )1‬‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬

‫جامعة الجوف‪ -‬كلية العلوم واآلداب بالقريات‪.‬‬ ‫الموسر‪ ،‬فهد‪ ،‬مقطوعات شعرية على بساط النقد‪،‬‬ ‫ج‪ ،1‬دار الشادي للنشر‪ ،1414 ،‬ص‪.10‬‬ ‫السابق‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬ ‫انظر الكتاب ص‪.18-17‬‬ ‫الكتاب ص‪.45‬‬ ‫ص‪.45‬‬ ‫الكتاب ص‪.46‬‬ ‫ص‪ 50‬وص‪.51‬‬ ‫الكتاب ص‪.66‬‬

‫(‪) 10‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫(‪ )16‬‬ ‫(‪ )17‬‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫(‪ )19‬‬ ‫(‪ )21‬‬ ‫(‪ )21‬‬

‫ص‪.74‬‬ ‫الكتاب ص‪.78‬‬ ‫مدخل القصيدة‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫ص‪.85‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬ص‪.88‬‬ ‫ص‪.88‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬ص‪.89‬‬ ‫ص‪.133‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬ص‪.143‬‬ ‫‪.146‬‬ ‫في مقدمة القصيدة‪ ،‬الكتاب‪ ،‬ص‪.143‬‬ ‫الكتاب‪ ،‬ص‪.171‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪115‬‬


‫فراشة مكة تفوز بالبوكر‬ ‫> شمس علي*‬

‫فازت فراشة مكة‪ ،‬الروائية السعودية‪ ،‬رجاء محمد‬ ‫عالم‪ ،‬أخ��ي��را‪ ،‬بالجائزة العالمية للرواية العربية‬ ‫(جائزة البوكر) في دورتها الرابعة‪ ،‬عن روايتها«طوق‬ ‫ال��ح��م��ام»‪ ،‬مناصفة م��ع ال��روائ��ي المغربي‪ ،‬محمد‬ ‫األش��ع��ري ع��ن رواي��ت��ه» ال��ق��وس وال��ف��راش��ة»‪ .‬ويأتي‬ ‫ه��ذا الفوز الباهر ل ـ عالم‪ ،‬تكليال لمسيرة روائية‬ ‫متفردة‪ ،‬طالما استوقفت الكثيرين‪ ،‬عبر أعمال‬ ‫روائ��ي��ة‪ ،‬ذات قيمة فنية‪ ،‬وجمالية‪ ،‬وأدب��ي��ة عالية‪،‬‬ ‫سبرت من خاللها أغوار البيئة الحجازية المكتنزة‪،‬‬ ‫رجاء عالم‬ ‫بإرث إنساني متعدد المشارب‪ ،‬وثري‪ ،‬يمتلك فرادته‪،‬‬ ‫وخصوصياته‪ ..‬لتجلي للقارئ‪ ،‬عبر أعمالها المتميزة‪ ،‬على المستويين المحلي والعربي‪،‬‬ ‫عوالم حياتية‪ ،‬غاية في الدهشة‪ ،‬و ال تخلو من غرائبية‪.‬‬

‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫بترجمتها وتنفيذها‪ ،‬عدد من طالب جامعة والية‬ ‫أوريغون األمريكية‪ ،‬بمشاركة ممثلين من نادي‬ ‫الطالب السعوديين‪ ،‬ووصفت بأنها‪« :‬بسيطة في‬ ‫أسلوب عرضها‪ ،‬مباشرة في هدفها‪ ،‬خالية من‬ ‫التعقيدات‪ .‬بيد أنها غنية في موضوعها‪ ،‬مفعمة‬ ‫بالحوار المثير للعصف الفكري‪ ،‬ح��ول سلمية‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وعدم ارتباطه بالعنف»‪.‬‬ ‫ول�ع��ال��م ت��اري��خ م��ع ال �ف��وز وال �ج��وائ��ز‪ ،‬فأولى‬ ‫رواياتها «أربعة أصفار»‪ ،‬فازت بـ جائزة ابن طفيل‬ ‫للرواية من المعهد اإلسباني العربي للثقافة‪ ،‬كما‬ ‫فازت عالم أيضا بـ«جائزة اإلب��داع العربي لعام‬ ‫‪ ،2007‬وكتب حول أعمالها دراسات نقدية عدة‪،‬‬ ‫من أهمها رسالة ماجستير لمعجب العدواني‬ ‫ب �ع �ن��وان‪ :‬التناصية ف��ي رواي���ة ط��ري��ق ال�ح��ري��ر‪،‬‬ ‫إضافة إلى ما كتبه كل من الدكتور عالي القرشي‬ ‫كما يحمل ه��ذا الفوز ف��ي طياته‪ ،‬تأكيدا والدكتور أحمد جاسم الحسين‪ ،‬واألستاذة نورة‬ ‫على جدارة الرواية السعودية من جهة‪ ،‬وجدارة المري‪ ،‬والدكتور عزت محمود علي الدين‪.‬‬ ‫المبدعة السعودية من جهة أخ��رى‪ ،‬ما خولها‬ ‫وتأخذ «طوق الحمام»‪ ،‬الرواية الفائزة بالبوكر‪،‬‬ ‫للتفوق على مثيالتها‪ ،‬في الوطن العربي‪ ،‬خاصة‬ ‫طابعا سرديا بوليسيا‪ ،‬ترصد تداعياتها‪ ،‬عبر‬ ‫إذا م��ا علمنا ب��أن رج��اء ع��ال��م‪ ،‬ه��ي أول كاتبة‬ ‫(‪ )600‬صفحة‪ ..‬التطور اإلجتماعي واإلقتصادي‬ ‫عربية‪ ،‬تحظى بجائزة بهذا الحجم‪.‬‬ ‫لمكة المكرمة‪ ،‬في القديم والحديث‪ ،‬من خالل‬ ‫والمتابع لمسيرة عالم الروائية‪ ،‬يعرف مدى تتبع خيوط جريمة قتل‪ ،‬في إح��دى أحياء مكة‬ ‫مثابرتها‪ ،‬وإخالصها ألدبها‪ ،‬وإشتغالها الحثيث‪ ،‬المتداعية‪ ،‬والفقيرة‪.‬‬ ‫على توثيق التراث المكي‪ ،‬الذي يظهر عمق شغفها‬ ‫به‪ ،‬والعمل على استجالء مكنوناته‪ ،‬عبر سلسلة‬ ‫من األع�م��ال الروائية‪ ،‬ذات الصبغة الصوفية‪،‬‬ ‫ال�ت��ي يتماهى فيها ال�خ�ي��ال م��ع ال��واق��ع‪ ،‬بشكل‬ ‫أخاذ‪ ،‬كما في رواياتها‪« :‬أربعة‪ -‬صفر»‪ ،‬و«ستر»‪،‬‬ ‫و«حّ � ّب��ى»‪ ،‬و«م��وق��د الطير»‪ ،‬و«خ��ات��م»‪ ،‬و«سيدي‬ ‫وح��دان��ة»‪ ،‬و«نهر ال�ح�ي��وان»‪ ،‬و«ط��ري��ق الحرير»‪،‬‬ ‫و«م �س��رى ي��ا رق �ي��ب»‪ ،‬وأخ �ي��را» ط��وق ال�ح�م��ام»‪،‬‬ ‫إضافة إلى نصوص مسرحية‪ ،‬هي‪« :‬ثقوب في‬ ‫الظهر»‪ ،‬و«الرقص على سن الشوكة»‪ ،‬و«الموت‬ ‫األخير للممثل»‪ ،‬و«إن�ن��ي أرى ال�ل��ه»‪ ،‬والتي قام‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪117‬‬


‫تطور البنوك اإلسالمية وعامليتها‬

‫توحد أسلوب العمل‬ ‫يحتاج معايير‬ ‫ّ‬ ‫> د‪ .‬نضال الرمحي*‬

‫تنمو الصناعة المصرفية اإلسالمية بشكل منقطع النظير‪،‬‬ ‫إذ تقدر نسبة النمو في هذه الصناعة بين ‪ %16‬إلى ‪ %18‬سنوياً‪.‬‬ ‫وتتخذ عملية النمو في هذه الصناعة صيغ ًا مختلفة‪ ،‬بعضها‬ ‫في شكل تأسيس بنوك ومؤسسات مالية جديدة تعمل وفق‬ ‫أحكام الشريعة اإلسالمية من أول يوم لتأسيسها‪ ،‬وبعضها‬ ‫اآلخر يتخذ صيغة تقديم المنتجات المصرفية اإلسالمية؛‬ ‫بحيث يعطى عميل البنك فرصة االختيار في التعامل وفق‬ ‫المنتجات التي يختارها‪.‬‬ ‫يعلم الجميع أن األزمة المالية العالمية أس� ��س أخ�ل�اق��ي��ة‪ ،‬ال س �ي �م��ا ال �م �ع��ام�لات‬ ‫التي اثرت وتؤثر على االقتصاديات العالمية المالية االقتصادية‪ .‬وه��ذا ما يدعو إليه‬ ‫أظهرت هشاشة وظلم وم�س��اويء النظام ق��ادة االق�ت�ص��اد العالمي اآلن‪ ..‬وبخاصة‬ ‫االقتصادي القائم على الفائدة‪ ..‬وزادت من ال �م �ص��رف �ي��ون م �ن �ه��م‪ .‬وي �ت �م �ي��ز ب��األم��ان��ة‬ ‫اتجاه االقتصاديات العالمية وانجذابها نحو وال �ص��دق‪ .‬وال��وف��اء ب��ال��وع��د‪ ،‬وال�س�م��اح��ة‪،‬‬ ‫تطبيق بعض جوانب االقتصاد اإلسالمي واح � �ت� ��رام ال �م �ل �ك �ي��ة ال��خ��اص��ة‪ ،‬وال �ح��ري��ة‬ ‫الذي يتميز بما يأتي‪:‬‬ ‫االقتصادية المقيدة بقيود تضمن تحقيق‬ ‫‪ -1‬االق��ت��ص��اد اإلس�ل�ام���ي اق��ت��ص��اد مصلحة الفرد والمجتمع‪ ،‬وترشيد اإلنفاق‪،‬‬ ‫أخالقي‬ ‫وال�ح��ث على ع��دم اإلس ��راف أو التبذير‪.‬‬ ‫االق� �ت� �ص ��اد اإلس�ل�ام���ي ال ي��ف��رق بين والعدالة االجتماعية‪ ،‬وحفظ التوازن بين‬ ‫االق �ت �ص��اد واألخ� �ل��اق‪ ،‬ب��ل ي��رب��ط بينهما أف ��راد المجتمع م��ن خ�لال منع االحتكار‬ ‫برباط وثيق؛ إذ أن معظم أحكام الشريعة وفرض الزكاة‪ ..‬الخ‪ ،‬والحث على استثمار‬ ‫اإلسالمية مرتبطٌ ب��األخ�لاق‪ ،‬ويقوم على المال وعدم تعطيله‪ .‬واإليمان بأن مزاولة‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫‪-2‬االقتصاد اإلسالمي اقتصاد واقعي‬ ‫االق �ت �ص��اد اإلس�لام��ي اق�ت�ص��اد واق �ع��ي؛ ألنه‬ ‫ي��راع��ي ف��ي ن �ظ��رت��ه االق �ت �ص��ادي��ة واق� ��ع ال �ف��رد‬ ‫والمجتمع‪ ،‬فيرى متطلباته من خالل الواقع الذي‬ ‫يعيش فيه‪ ،‬فينظر إلى إمكاناته وظروفه وبيئته‬ ‫وطبيعته وفطرته؛ فال يحمله من التكاليف ما ال‬ ‫يطيق‪.‬‬

‫ رغبة لوكسمبورج في العودة الى توفير األدوات‬‫والخدمات المالية اإلسالمية للمسلمين وغير‬ ‫المسلمين‪ ،‬بعد أن كانت قد أنشأت مؤسسات‬ ‫مصرفية إسالمية قبل (‪ )35‬سنة تقريبا‪ ،‬إال‬ ‫أن هذه التجربة لم تلق النجاح المأمول‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل سن قوانين تساعد وتشجع إنشاء‬ ‫ال�م�ص��ارف اإلس�لام �ي��ة‪ .‬ي�ق��ول رئ�ي��س البنك‬ ‫ال�م��رك��زي ف��ي لوكسمبورغ‪'' :‬إن المعامالت‬ ‫المالية اإلسالمية أخالقية ومهمة لتحقيق‬ ‫العدالة االجتماعية‪ ،‬وهي قادرة على خدمة‬ ‫غير المسلمين أيضا''‪.‬‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫النشاط االقتصادي عبادة‪ ،‬واإليمان بالحساب‬ ‫في اآلخرة عن نشاط الفرد في الحياة الدنيا‪.‬‬

‫في فرنسا من التكييف إلى التجديد‪ ،‬وذلك‬ ‫بحضور عدد كبير من خبراء الصناعة‪ ،‬وتحت‬ ‫رعاية البنك اإلسالمي للتنمية‪.‬‬

‫لقد حققت الصناعة المالية اإلسالمية عام‬ ‫‪2010‬م انتشارا واسعا في معظم بقاع العالم؛‬ ‫فبعد إنشاء مصارف إسالمية في كثير من دول‬ ‫العالم المتقدمة في أوروبا وأمريكا‪ ،‬ازداد عدد‬ ‫البنوك اإلسالمية في العالم‪ ،‬حتى في الدول التي ‪ -‬تقيم مالطا مؤتمرا الستكشاف الفرص في‬ ‫يعد المسلمون فيها قلة قليلة‪ ،‬مقارنة بعدد سكان‬ ‫عالم التمويل اإلسالمي بعنوان ''مالطا قطاع‬ ‫تلك البالد‪ .‬وفيما يلي أهم المؤشرات التي تدل‬ ‫الخدمات المالية‪ ..‬التغيير والفرص‪ :‬تحقيق‬ ‫على ما حققته المصرفية اإلسالمية في العام‬ ‫ال�ن�م��و ال �م �س �ت��دام ف��ي ب �ي �ئ��ة''‪ ،‬وت�ع�م��ل أيضا‬ ‫األخير‪:‬‬ ‫على إع��ادة صياغة جملة من القوانين التي‬ ‫تحكم بيئة العمل‪ ،‬وتهيئها للعمل المصرفي‬ ‫ طلبت روسيا المساعدة من دول مختلفة‪ ،‬لها‬‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫باع في الصيرفة اإلسالمية في إنشاء نظام‬ ‫مصرفي إس�لام��ي‪ ،‬بسبب الطلب المتزايد‬ ‫على الخدمات المالية اإلسالمية‪ .‬وروسيا‬ ‫هي من أوائ��ل دول ش��رق أوروب��ا التي تبحث‬ ‫مثل هذا االمر‪.‬‬

‫ ق��ررت ألمانيا افتتاح أول بنك إسالمي في‬‫مدينة مانهايم في بداية عام ‪2011‬م‪ ،‬وألمانيا‬ ‫– كما هو حال باقي دول العالم المتقدم –‬ ‫تعترف اآلن بدور االقتصاد اإلسالمي في بناء‬ ‫نظام مالي ع��ادل وناجح‪ ،‬وق��د سبق لمدينة‬ ‫«ساكسن إنهلت» االلمانية أن قامت بإصدار‬ ‫سندات مقارضة في الماضي‪ ،‬وه��ي ترغب‬ ‫ب��إن�ش��اء ب �ن��وك إس�لام�ي��ة أي �ض��ا ف��ي القريب‬ ‫العاجل‪.‬‬

‫ محاوالت من فرنسا في مجال إصدار سندات‬‫ب �ض��واب��ط إس�لام �ي��ة (س��ن��دات م �ق��ارض��ة أو‬ ‫مشاركة)‪ ،‬وذلك من خالل البحث في تعديل‬ ‫ال�ق��وان�ي��ن ال �س��اري��ة‪ ،‬أو س��ن ق��وان�ي��ن جديدة‬ ‫تساعد في إصدار مثل هذه األدوات المالية‬ ‫اإلس�لام�ي��ة‪ .‬ويستضيف المجلس الفرنسي ‪ -‬الهند أيضا لحقت بالركب من خالل رغبتها‬ ‫للمالية اإلسالمية مؤتمر المالية اإلسالمية‬ ‫ف��ي تلبية رغ �ب��ة (‪ )150‬م �ل �ي��ون م�س�ل��م في‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪119‬‬


‫الحصول على الخدمات المالية اإلسالمية‪،‬‬ ‫األمر الذي جعلها ترضخ وتتراجع عن رفضها‬ ‫الدائم خالل السنوات الماضية لتطبيق أي‬ ‫نوع من هذا النظام‪.‬‬

‫الموريتانيين بأهميتها‪ ،‬وال سيما في الوقت‬ ‫الحالي‪ ،‬إذ تهتم البالد بفتح الباب واسعا أمام‬ ‫االستثمارات األجنبية‪ ،‬ويدعو االقتصاديون‬ ‫هناك إل��ى ض��رورة العمل على إن�ش��اء مزيد‬ ‫م��ن ال�م�ص��ارف اإلس�لام�ي��ة‪ ،‬والترخيص لها‬ ‫الستقطاب المستثمرين الذين يثقون بهذه‬ ‫المصارف التي نجحت في اآلونة األخيرة في‬ ‫إثبات جدواها في كثير من دول العالم‪.‬‬

‫ ‪ -‬ترغب الفلبين في إصدار صكوك إسالمية‪،‬‬ ‫لتمويل مؤسسات البنية األساسية على وجه‬ ‫الخصوص‪ ،‬وه��ذه هي أول م��رة تنضم فيها‬ ‫الفلبين التي تعد أكبر دولة مسيحية في آسيا ‪ -‬ف��ي ع ��ام ‪2008‬م‪ ..‬ب ��دأ ال�ع�م��ل المصرفي‬ ‫إلى ركب الصناعة المالية اإلسالمية‪.‬‬ ‫اإلسالمي في المغرب‪ ..‬إال انه بدا واضحا‬ ‫ ك��وري��ا ال �ج �ن��وب �ي��ة أي �ض��ا ت��رغ��ب ف��ي إن �ش��اء‬‫تطور هذا العمل عام ‪2010‬م رغم تركيزه –‬ ‫مصارف وخدمات مالية إسالمية نتيجة تزايد‬ ‫كغيره من البنوك اإلسالمية العريقة – على‬ ‫أعداد المسلمين فيها مؤخرا‪ ،‬وكمؤشر على‬ ‫المرابحة واإلج��ارة‪ ،‬إذ سجلت رقم معامالت‬ ‫ذلك ترغب كوريا الجنوبية في تنظيم مؤتمر‬ ‫بلغ (‪ )500‬مليون دره��م (ال��دره��م المغربي‬ ‫عالمي للتمويل االسالمي‪.‬‬ ‫يعادل ثمانية دوالرات تقريبا)‪ ،‬إال أن حصيلة‬ ‫صيغة ال�ت�م��وي��ل ب��ال�م�ش��ارك��ة ج ��اءت مخيبة‬ ‫ أصدرت اليابان ألول مرة صكوكا متوافقة مع‬‫لآلمال؛ إذ لم تقدم المصارف على أي عملية‬ ‫أحكام الشريعة‪ ،‬وه��ذا يعني اقتناع اقتصاد‬ ‫تمويل بهذه الصيغة‪.‬‬ ‫من أكبر اقتصاديات العالم بضروروة ركوب‬ ‫سفينة التمويل والصيرفة اإلسالمية رغم‬ ‫هذا إضافة إلى التطور الهائل في موجودات‬ ‫أننا نعلم أن االقتصاد الرأسمالي يصب في المصارف اإلسالمية‪ ،‬وحجم الصكوك‪ ،‬وصناديق‬ ‫صالح الدول الغنية ‪-‬ومنها اليابان ‪ ،-‬ويجعلها االستثمار اإلسالمية في العالم‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬وفي‬ ‫تتحكم بالدول الفقيرة‪.‬‬ ‫الخليج العربي وماليزيا‪ ،‬بشكل خاص‪.‬‬

‫ أم��ا في المغرب العربي‪ ..‬فقد تطور العمل‬‫المصرفي اإلسالمي هناك من خالل إنشاء‬ ‫مصرف الزيتونة اإلسالمي‪ ،‬إضافة إلى بنك‬ ‫التمويل التونسي السعودي الذي أنشيء سنة‬ ‫‪1983‬م‪.‬‬

‫جميع هذه المؤشرات تؤكد أن العمل المصرفي‬ ‫اإلسالمي يتطور بشكل مطرد‪ ،‬وال بد من تطور‬ ‫األدوات التي تنظم ه��ذا العمل على المستوى‬ ‫االداري والقانوني والمحاسبي والمالي‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫ال أحد ينكر أن هناك مؤشرات أيضا تدل على‬ ‫ وفي جيبوتي‪ ..‬زادت أعداد البنوك اإلسالمية‪ ،‬تطور الهيئات التي تنظم العمل المالي اإلسالمي‪،‬‬‫وتعاون جيبوتي في هذا الخصوص مع دول ونذكر منها على سبيل المثال‪:‬‬ ‫متقدمة في مجال المصرفية اإلسالمية‪ ،‬كما ‪ -1‬ه�ي�ئ��ة ال�م�ح��اس�ب��ة وال �م��راج �ع��ة للمؤسسات‬ ‫هو الحال مع بعض دول الخليج‪.‬‬ ‫المالية اإلسالمية (‪ ،)AAOIFI‬والتي أنشئت‬ ‫ وف��ي موريتانيا ت ��زداد قناعة االقتصاديين‬‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬

‫ع���ام ‪1991‬م‪ ،‬وم �ق��ره��ا ال��ب��ح��ري��ن‪ ..‬وه��ي‬


‫‪ -2‬المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية‬ ‫واإلسالمية(‪ ،)GCIBFI‬ال���ذي أن �ش��ئ ع��ام‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬ومقره البحرين‪ ،‬والذي يهتم بتوفير‬ ‫المعلومات عن الصناعه المصرفية اإلسالمية‬ ‫ون�ش��ر ال��وع��ي ال�ع��ام ح��ول العمل المصرفي‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫ •إنشاء اتفاقيات بين الدول المختلفة بشكل‬ ‫‪ -3‬مجلس الخدمات المالية اإلسالمية (‪)IFSB‬‬ ‫ي ��ؤدي ال��ى اي �ج��اد إط ��ار م�ع�ي��ن‪ ،‬يمكن من‬ ‫والذي أنشئ عام ‪2002‬م ومقره ماليزيا‪ ،‬وقد‬ ‫خالله للبنوك المركزية في جميع ال��دول‬ ‫ق��ام بتأسيسه العديد من البنوك المركزية‬ ‫التي يوجد فيها بنوك إسالمية‪ ،‬إلزام تلك‬ ‫ومؤسسات النقد في العالم‪ ،‬ومنها مؤسسة‬ ‫البنوك بالمعايير المحاسبية الصادرة عن‬ ‫ال �ن �ق��د ال �ع��رب��ي ال��س��ع��ودي‪ ،‬وم��ؤس �س��ة نقد‬ ‫هيئة المحاسبة وال�م��راج�ع��ة وال�ض��واب��ط‬ ‫البحرين‪ ،‬وبنك نيجارا المركزي بماليزيا‪،‬‬ ‫ل�ل�م��ؤس�س��ات ال �م��ال �ي��ة اإلس�ل�ام��ي��ة‪ ،‬وه��ذا‬ ‫إضافة إلى البنك اإلسالمي للتنمية‪ ،‬وصندوق‬ ‫سيمكن من المقارنة بين القوائم المالية‬ ‫النقد الدولي‪ ،‬ويهتم المجلس بإصدار معايير‬ ‫للبنوك اإلسالمية وتحليلها علميا بشكل‬ ‫ال��رق��اب��ة واإلش � ��راف‪ ،‬وت�ط��وي��ر آل �ي��ات إلدارة‬ ‫أفضل‪.‬‬ ‫المخاطر بالمصارف اإلسالمية‪.‬‬ ‫ •توحيد القوانين التي تعمل في ظلها البنوك‬ ‫ورغ� ��م ه ��ذا ال �ت �ط��ور ف��ي ال �ع �م��ل ال�م�ص��رف��ي‬ ‫اإلسالمية قدر اإلمكان‪ .‬وهذا يمكن التوصل‬ ‫اإلس�لام��ي‪ ،‬وال�م�ح��اوالت ال�ج��ادة لتطوير العمل‬ ‫اليه في الدول اإلسالمية‪.‬‬ ‫المصرفي اإلسالمي‪ ،‬إال أن المهتمين في هذا‬ ‫أخ� �ي ��را‪ ،‬ي�م�ك��ن ال��ق��ول إن ت��وح �ي��د أس��ال�ي��ب‬ ‫المجال ي��ؤك��دون ض��رورة تضافر جهود البنوك ع�م��ل ال �م �ص��ارف اإلس�لام �ي��ة ‪ -‬ك�م��ا أسلفنا‪-‬‬ ‫اإلس�لام �ي��ة وال�ه�ي�ئ��ات وال�ج�م�ع�ي��ات والمجالس ليس مستحيال‪ ،‬ألن هناك الكثير من العوامل‬ ‫والمجامع المختلفة‪ ،‬من أجل التوصل الى معايير ال�م�ش�ت��رك��ة ب�ي��ن ه ��ذه ال �م �ص��ارف وب �ي��ن ال ��دول‬ ‫وأس��س م��رن��ة وقابلة للتطبيق م��ن قبل البنوك اإلسالمية التي تعمل فيها؛ فإذا استطاع العالم‬ ‫اإلسالمية في مختلف دول العالم‪ ،‬تعمل على توحيد أساليب عمل المصارف التقليدية إلى‬ ‫توحيد أساليب عمل المصارف اإلسالمية‪ ،‬بحيث حد كبير (القوانين‪ ،‬معايير المحاسبة‪ ،‬أساليب‬ ‫تتمكن المصارف اإلسالمية من‪:‬‬ ‫الرقابة‪ ) ...‬فهذا يعنى – على األقل من الناحية‬

‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫تهتم بإصدار معايير المحاسبة والمراجعة‬ ‫الخاصة بالمصارف اإلسالمية‪ ،‬وقد أصدرت‬ ‫حتى اآلن نحو (‪ )18‬معيارا محاسبيا‪.‬‬

‫التزام المصارف اإلسالمية بالفتوى ذاتها‪.‬‬ ‫ويكون ذلك من خالل إيجاد مجلس فتوى‬ ‫موحد على مستوى دول��ي‪ ،‬تكون ق��رارات��ه‬ ‫ملزمة لجميع ال�ب�ن��وك اإلس�لام �ي��ة‪ .‬وه��ذا‬ ‫األمر سيؤدي إلى اختفاء ظاهرة التناقض‬ ‫التي ن��راه��ا بين البنوك اإلس�لام�ي��ة‪ ،‬ففي‬ ‫ح�ي��ن تقبل ب�ع��ض ال �ب �ن��وك م�ث�لا بعمليات‬ ‫التورّق‪ ،‬فإن بنوكاً أخرى ال تقوم بها‪.‬‬

‫ •ال �ق �ي��ام ب��ال�ع�م�ل�ي��ات ال�م�ص��رف�ي��ة ف��ي إط��ار النظرية – أن هذا األمر سيكون أسهل بالنسبة‬ ‫م�ت�ق��ارب أو متشابه م��ن ال �ف �ت��اوى؛ بمعنى للمصارف اإلسالمية‪.‬‬ ‫* ‬

‫رئيس قسم الجودة ‪ -‬جامعة الزرقاء ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪121‬‬


‫ظالم النهار‬

‫> نزهة َأبو غوش‬

‫املؤلف ‪ :‬رواية للكاتب جميل السلحوت‬ ‫الناشر ‪ :‬دار اجلندي للنشر ‪ -‬القدس‬ ‫السنة ‪2010 :‬م‬ ‫حملت الرواية بين صفحاتها هموم وآالم مجتمع فلسطيني قروي‪ ،‬يعيش في جبل‬ ‫المكبر‪ ،‬من قضاء مدينة القدس‪ ،‬ما بين نكبة العام ‪ ،1948‬و‪1967‬م‪.‬‬ ‫بطل الرواية طفل يدعى خليل‪ ،‬ولد بعد عام واحد من النكبة‪ ،‬عاش في كنف عائلة‬ ‫تعاني الجهل والحرمان والفقر بكل أَنواعه‪ :‬االجتماعي‪ ،‬والثقافي‪ ،‬والديني‪ ،‬والسياسي‪..‬‬ ‫بُترت يد الطفل خليل نتيجة لبدائية العائلة المطلقة‪ ،‬ومعتقداتها البائدة‪ ،‬التي ترتكز‬ ‫على الع َرّافين‪ ،‬والسحرة‪ ،‬والخرافات‪ ،‬وعدم اإلِيمان باألَطباء وطرق العالج الحديثة‪.‬‬ ‫سافر الفتى خليل ذو األَربعة عشر عامًا إِلى مدينة لندن عند عائلة انجليزية‪ ،‬تع َرّف‬ ‫عليها من خالل عمله في التنقيب عن اآلثار في مدينة القدس‪ .‬شاهد في بالد اإلِنجليز‬ ‫تمت‬ ‫حياة أ ُخرى تتوافر فيها كل معاني الحرية‪ ،‬والرفاهية والمتعة يكل أَنواعها‪ ،‬والتي ال ّ ُ‬ ‫لحياته في قريته بأَي شيء‪ ،‬عاد بيد اصطناعية أَبهرت كل من رآها‪ ،‬خاف خليل بأَن‬ ‫تتكرر مأساتُه مع أ ُخته زينب‪ ،‬لذلك وقف مع أَخيه كامل‪ ،‬وتحدى كل العادات والتقاليد‬ ‫واستنكرا معًا كل الخرافات‪ ،‬وص َمّما تحدي سلطة األَب ومصاحبة أ ُختهما عند الطبيب‬ ‫في مدينة القدس‪ ،‬وذلك بعدما أ ُصيبت بصدمة نفسية في ليلة زفافها بعد تزويجها في‬ ‫سن الثالثة عشرة‪.‬‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫األ ُسلوب‪ :‬تحدث الراوي بضمير الغائب‪ ،‬وهو‬ ‫هنا يعرف كل شيء‪.‬‬

‫الظالم‪ ،‬والنور‪ ،‬بعد أَن زار مدينة أ ُوروبية‪ ،‬أَ َمّا‬ ‫اليوم وسط كل هذه الحضارة‪ ،‬ووسط كل هذه‬ ‫التقلبات التكنولوجية الرهيبة أَعتقد أَن كل من‬ ‫يقرأ أَحداث الرواية يتفق وبشدة على التسمية؛‬ ‫لذا‪ ،‬أَرى أن هناك تطابقًا مباشرًا ما بين عنوان‬ ‫الرواية ومضمونها‪.‬‬

‫التقط ص ��ورًا حقيقية م��ن واق��ع بيئة عاش‬ ‫وتعايش فيها‪ ،‬فكانت صورًا واضحة معبرة لحياة‬ ‫ال�ب��ؤس ال��ذي عانت منه العائلة‪ .‬هناك ص��ورة‬ ‫المرأَة المقموعة من قبل الذكر‪ ،‬سواء كان أَباً‬ ‫أَو أَخ �اً أَو زوج �اً‪ .‬صورتها وهي تحلب األَغنام‪،‬‬ ‫اللغة‪ :‬استخدم الكاتب لغتين‪ :‬األُول��ى اللغة‬ ‫وترعاها‪ ،‬وتنام معها جنبًا ِإل��ى جنب‪ .‬صورتها العربية الفصحى التي اتسمت بسالستها‪ ،‬وقربها‬ ‫ام� ��رأَة مطيعة ب��ل خ�ن��وع��ة‪ ،‬مضحية م��ن أَج��ل من القارئ‪ ،‬أَ َمّا اللغة الثانية فهي اللهجة القروية‬ ‫زوجها‪ ،‬وأَبنائِها‪ ،‬وكل أ ُسرتها‪.‬‬ ‫ألَهل المكان‪-‬جبل المكبر‪ .-‬لقد استخدم الكاتب‬ ‫لقد ص� � َوّر ال ��راوي ب�ص��دق‪ ،‬وع�ف��وي��ة الحياة السلحوت هذه اللغة بكثرة في معظم الحوارات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والثقافية بكل تفاصيلها‪ :‬ص��ورة التي جرت في الرواية‪ .‬يبدو أَن الكاتب ال يعنيه‬ ‫األف ��راح بما تشمله م��ن أَه��ازي��ج وأَغ ��ان شعبية بأَن تكون فئة الق َرّاء محدودة تقتصر فقط على‬ ‫وزغ ��اري ��د و ِإط �ل��اق ن� ��ار‪ ،‬ون �ح��ر ال �ن �ع��اج‪ ،‬وأَك ��ل من يعرفها‪ ،‬ألَن معظم اللهجات في بالدنا وفي‬ ‫(ال�م�ن��اس��ف)‪ ،‬وغ�ي��ره��ا‪ .‬هناك ص��ور للنـزاعات البالد العربية كلها تختلف عن بعضها بعضا‪،‬‬ ‫والخالفات والصلح العشائري‪ ،‬والقسم بالطالق لذلك سوف يجد القارئ صعوبة بالغة في فهمها‪،‬‬ ‫َيضا لترجمة‬ ‫عند كل ش��اردة وواردة‪ ،‬فهناك ص��ورة الحترام ويبدو أَن الكاتب لم يعمل حسابه أ ً‬ ‫الصغار للكبار حتى وإِن كانوا على خطأ‪ ،‬هناك الكتاب للغة أ ُخرى –أَجنبية‪ -‬مستقبال‪ .‬ال أَعتقد‬ ‫ص��ورة للكرم ونصرة الفرد للعشيرة وبالعكس‪ ،‬حينها بأَن اللهجة التي في الكتاب ستؤدي هدفها‬ ‫وه �ن��اك ص ��ور ل��ل��دوا‪ ،‬م �ث��ل‪ :‬ال�ح�م�ي��ر‪ ،‬وال�ب�غ��ال الذي أَراده الكاتب‪.‬‬ ‫واألَغ �ن��ام التي تندمج حياتها مع حياة األَف��راد‬ ‫أَود أَن أ ُلفت نظر الكاتب إلى أَن هناك بعض‬ ‫بشكل كبير‪ ،‬إذ تمثل المصدر األول لغذائهم‪،‬‬ ‫األَخطاء الفن َيّة مثل تغيير موقع الصفحات في‬ ‫وط��رق معيشتهم‪ ،‬تميز أُس �ل��وب ال�ك��ات��ب بدقة‬ ‫بداية الرواية‪ ،‬وكذلك ترتيب الفقرات‪ ،‬وغيرها‬ ‫الوصف‪ ،‬والقدرة على السرد‪ ،‬والحبكة الفنية‬ ‫من األخطاء المطبعية التي يسهل تصحيحها في‬ ‫للقصة‪ .‬لقد كانت كل هذه الصور التعيسة بكل‬ ‫الطبعة الثانية بإِذن الله‪.‬‬ ‫أَحداثها ظالمًا في وضح النهار‪ ،‬ربما يحق للفتى‬ ‫أَش�ك��ر الكاتب جميل السلحوت وأَت�م�ن��ى له‬ ‫خليل في ذلك الزمان بأَن يسمي الرواية ظالم‬ ‫النهار‪ ،‬ألَن��ه وح��ده أَول من عرف الفرق ما بين المزيد من اإلنتاجات األَدبية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪123‬‬


‫بريد احلواس‬

‫املؤلف ‪ :‬محمد جميل أحمد‬ ‫الناشر ‪ :‬النادي األدبي باجلوف‬ ‫السنة ‪2011 :‬م‬ ‫ديوان متميز‪ ،‬يحمل تجربة شعرية متعددة وفريدة‪ ،‬تسهم في إثراء مشهدنا الشعري‬ ‫العربي المضيء دوماً بالشعر الذي يحمل تجارب متفردة‪ ..‬كتجربة محمد جميل أحمد‪.‬‬ ‫وهو الديوان األول للشاعر ال��ذي سبق أن أص��در رواي��ة (بر العجم)‪ .‬تتوزع النصوص‬ ‫الشعرية في الديوان على تجارب إيقاعية مختلفة‪ ..‬وتقنيات شعرية متلونة بين قصيدة‬ ‫النثر‪ ،‬والتفعيلة‪ ،‬واإليقاع العمودي‪ .‬وتأتي هذه النصوص التي تنحاز في معظمها إلى‬ ‫قصيدة النثر كخالصة اختارها الشاعر في هذه المجموعة األولى بعد تجربة دامت أكثر‬ ‫من خمسة عشر عاماً في كتابة الشعر‪.‬‬ ‫ص ْولـ َة ٌ‪ /‬وال َمدَى أحْ ِصنَهْ‪/‬‬ ‫ونقرأ من أجواء الديوان‪" :‬هو الطِّ ي ُن تَعْوِ يذَة ٌ ُمزْمِ نهْ‪ /‬ال َّردَى َ‬ ‫صو َرتَهً‪ /‬وال َهيَاكِ ُل أ قـ ْ ِنعَة ٌ‪/‬‬ ‫ف الطِّ ِي ُن ُ‬ ‫فاهرُبْ مِ َن الطِّ يِنِ هَ ذَا أوَانُكَ في المَّحْ وِ ‪ /‬ال يَعْرِ ُ‬ ‫والغَرِ يِبُ ال ُمعَــلَّـ ُق بَيْنِي وبَيْنِكَ ‪ /‬اُرْجُ وُحَ ة ٌ مُحْ زِ نَهْ"‪.‬‬ ‫وتتصدر ال��دي��وان لوحة الغالف للفنان التشكيلي السعودي نصير السمارة عميد‬ ‫الفنانين التشكيليين بالمنطقة‪ ،‬ورئيس جماعة الجوف للفنون التشكيلية‪.‬‬ ‫ويشار إلى أن ديوان (بريد الحواس) تم تدشينه بجناح نادي الجوف األدبي‪ ،‬بمعرض‬ ‫الرياض الدولي للكتاب‪ ..‬ضمن سبعة إصدارات جديدة للنادي‪ ،‬كما قام الشاعر محمد‬ ‫جميل أحمد بتوقيع نسخ منه للقراء على منصة التوقيع بالمعرض‪.‬‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫متاما كما كنت أظن‬

‫املؤلف ‪ :‬محمد خضر‬ ‫الناشر ‪ :‬دار التنوخي‬ ‫السنة ‪2009 :‬م‬ ‫عن دار بدايات القرن في القاهرة صدرت طبعة جديدة من المجموعة الشعرية «تماما‬ ‫كما كنت أظن»‪ ،‬وهي المجموعة الشعرية الرابعة للشاعر السعودي محمد خضر‪.‬‬ ‫تضمنت المجموعة ‪ 27‬نصا ً شعريا‪ ،‬منها‪ :‬جناح يترمد‪ ،‬وصورة طبق األصل‪ ،‬وعدالة‪،‬‬ ‫وذهول‪.‬‬ ‫يأتي صدور المجموعة في طبعة جديدة بعد أن صدرت مطلع العام ‪2009‬م عن دار‬ ‫التنوخي في المغرب‪ ،‬بعد عدد من المجموعات الشعرية كان أولها عام ‪2002‬م بديوان‪:‬‬ ‫مؤقتا تحت غيمة ثم صندوق أقل من الضياع ثم المشي بنصف سعادة‪.‬‬ ‫ومن أجواء المجموعة من قصيدة رحالة‪ :‬ترميكَ األزمنة ويفسر تقول الحكاية ويقتلك‬ ‫مستحيالت في الخاطر‪ /‬تقول الحكمة وتنساها‪ /‬تواريخ في ذيل‬ ‫ٍ‬ ‫السرد‪ /‬لك الحلم‬ ‫البياض فتنتحر أجنحة الروح‪ /‬وتنسى! توقع تواريخ في‪.‬‬ ‫جاءت المجموعة في ‪ 115‬صفحة بغالف للفنان السعودي حسين المحسن وتصميم‬ ‫الفنان المصري وليد فكري‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪125‬‬


‫وثائق من الغاط‬

‫> عرض‪ :‬محمد صوانة‬

‫املؤلف ‪ :‬فائز بن موسى البدراني احلربي‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫السنة ‪1431 :‬هـ‪2010/‬م‬ ‫تعد الوثائق المحفوظة من أكثر أوعية تخزين المعلومات التاريخية أهمية‪ ،‬ذلك أنها توفر‬ ‫لألجيال الالحقة البيانات المتعلقة بتوثيق كثير من مناشط األفراد والمجتمعات والدول‪ ،‬في‬ ‫زمن تدوينها‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار توافر شرط التحقق من مصداقيتها‪ ،‬من دون التقليل من‬ ‫أهمية المصادر التاريخية األخرى في توثيق مناشط الحياة‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬جاء اختيار مركز الرحمانية الثقافي بمحافظة الغاط ‪ -‬وهو فرع مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية ‪ -‬لهذا الموضوع‪ ،‬في باكورة إطالق برنامج النشر ودعم األبحاث من خالل‬ ‫البدء بدراسة ميدانية لجمع ما أمكن من الوثائق المحفوظة لدى األهالي في الغاط‪ ،‬لتوثيقها‬ ‫ابتدا ًء ثم تحقيقها‪ ،‬ونشر محتواها‪ ،‬لتمكين الباحثين والمهتمين والدارسين من االطالع عليها‬ ‫واإلفادة منها كل في مجال اهتمامه؛ وذلك للقناعة األكيدة بأهمية هذا المصدر التاريخي في‬ ‫معرفة جوانب مهمة من تاريخ الغاط ومختلف أنشطة سكانها الحياتية والحضارية‪ ,‬خالل‬ ‫الحقبة الزمنية التي تغطيها تلك الوثائق‪.‬‬ ‫ال إل��ى الشمال الغربي‬ ‫الغاط اآلن هي مقر محافظة الغاط‪ ،‬الواقعة على بعد ‪ 230‬كي ً‬ ‫من الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية‪ ،‬وتتيع إلمارة منطقة الرياض‪ .‬ومن اإلشارات‬ ‫المتعلقة بالغاط؛ التي حفلت بها بعض الوثائق التي تضمنها الكتاب مدار البحث ما ورد في‬ ‫الوثيقة التي تعود لسنة ‪1120‬هـ تقريباً أن الغاط كان بلداً عامراً‪ ،‬وأن له رئيساً‪ ،‬وأن فيه مسجد‬ ‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫الزميل صوانة يتحدث مع مؤلف الكتاب‪ ،‬األستاذ فائز الحربي‪.‬‬

‫جمعة له إمام خاص به‪.‬‬ ‫ج��اء الكتاب في ستة مجلدات ليمثل موسوعة‬ ‫تاريخية مهمة‪ ،‬أشرف عليها الباحث المتخصص في‬ ‫الوثائق والتاريخ السعودي األستاذ فائز بن موسى‬ ‫ال�ب��دران��ي الحربي‪ .‬وتضمنت الموسوعة (‪)2000‬‬ ‫وثيقة تتعلق بالغاط وك�ث�ي��راً م��ن ال�م��دن والبلدات‬ ‫من حولها بحكم العالقات االجتماعية واإلنسانية‬ ‫واالقتصادية التي كانت تربط سكان الغاط بالمناطق‬ ‫األخرى‪ ،‬خالل الحقبة الزمنية من عام ‪ 1120‬هـ إلى‬ ‫‪1370‬هـ ما يكشف الحجم الكبير للعمل الذي بُذل‬ ‫خالل جمعها وتوثيقها وحفظها من الضياع‪ ،‬سواء‬ ‫ك��ان ذل��ك بسبب التلف نتيجة العوامل البيئية‪ ،‬أو‬ ‫الضياع واالندثار مع تقادم الزمن وانتقالها من جيل‬ ‫آلخر‪.‬‬

‫تم جمعها في هذا البحث ال تمثل كل وثائق منطقة‬ ‫الغاط العريقة التي تختزن ثروة وثائقية كبيرة"؛ ففي‬ ‫الغاط – من دون شك – آالف أخ��رى من الوثائق‬ ‫التاريخية المهمة التي يؤمل أن تجد الفرصة للكشف‬ ‫عنها وثوثيقها وتحقيقها ونشرها لتضاف إلى الوثائق‬ ‫التي ضمتها هذه الموسوعة‪ ،‬مشكلة قاعدة مصادر‬ ‫وبيانات وثائقية تاريخية مهمة‪ .‬وي��رى المؤلف أن‬ ‫نشر الوثائق التي تمكن من جمعها وتحقيقها ‪ -‬على‬ ‫قلتها – تمثل بداية مهمة لهذا البحث‪ ،‬وذلك لعدة‬ ‫أسباب منها‪ :‬أن استقصاء وثائق المنطقة والبحث‬ ‫عن المزيد منها سوف يستغرق زمناً طويالً‪ ،‬قد يؤخر‬ ‫اإلفادة من الوثائق التي تم جمعها‪ ،‬ومن ذلك أيضاً‬ ‫أن نشر هذه المجموعة ‪ -‬بوصفها المجموعة األولى‬ ‫ قد يكون حافزاً لظهور المزيد من الوثائق التي‬‫سيبادر أصحابها إلى إخراجها وإتاحتها للباحثين‬ ‫بعدما تتضح لهم أهمية نشر الوثائق في إبراز تاريخ‬ ‫أجدادهم وأسرهم ومنطقتهم‪.‬‬

‫كما يحتوي الكتاب على كشافات وافية ومهمة‬ ‫ب��األس �م��اء وال �م��واض��ع واألم ��اك ��ن‪ ،‬وأس��م��اء األس��ر‬ ‫والقبائل‪ ،‬وكذلك كشافاً بأسماء األعيان والقضاة‬ ‫وكذلك أسماء الكتبة والمصطلحات اللغوية التي‬ ‫وي��ؤك��د الحربي أن دراس ��ة ال��وث��ائ��ق تكشف عن‬ ‫ك��ان��ت دارج ��ة خ�لال ال�ف�ت��رة الزمنية للوثائق التي معلومات مهمة تتعلق ب��األوض��اع العامة التي ربما‬ ‫جمعها الباحث‪.‬‬ ‫ال توجد في المصادر التاريخية التقليدية‪ ،‬وقدم‬ ‫أشار المؤلف فائز الحربي إلى "أن الوثائق التي الباحث تعريفاً بأهمية الوثائق المحلية‪ ،‬وتعريفاً‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪127‬‬


‫موجزاً بمنطقة البحث‪ ،‬ثم عرض للوثائق التي أمكن الزراعة‪ ،‬ونظارة األوقاف وتنفيذ الوصايا‪.‬‬ ‫جمعها‪ ،‬مع إثبات صورة من كل وثيقة‪ ،‬وتفريغ نصها‪،‬‬ ‫وي �ق��ول ال�م��ؤل��ف إن ال��وث��ائ��ق كشفت ع��ن بعض‬ ‫وشرح ما يحتاج إلى شرح من ألفاظها‪ ،‬إضافة إلى اللهجات المحلية‪ ،‬والعمالت النقدية المتداولة‪ ،‬ومن‬ ‫تعريف موجز أحياناً لما فيها من مواضع وأعالم العمالت (األحمر‪ ,‬والزر‪ ،‬والمحمدية‪ :‬وهي عمالت‬ ‫وأسر وقبائل‪.‬‬ ‫عثمانية كانت متداولة في الحجاز وبعض مناطق‬

‫جوانب حياتية غنيّ ة‬ ‫الجزيرة العربية أثناء الحكم العثماني؛ والرياالت‬ ‫يتضمن الكتاب عشرات الموضوعات المهمة‪ ،‬الفرنسية‪ :‬وهي العملة النمساوية؛ والريال الفضة؛‬ ‫التي خرج بها المؤلف بعد تحليل مضامين الوثائق والربع (أرب��اع)؛ والتفليسة‪ :‬وهي عملة محلية ذات‬ ‫منها‪ :‬الحياة السياسية‪ ،‬إذ تصور هذه الوثائق جوانب قيمة منخفضة)‪.‬‬ ‫مهمة من الحياة السياسية واألوضاع األمنية لسكان‬ ‫كما أتاحت الوثائق مدار البحث دراسة الكتابة‬ ‫المنطقة‪ ،‬م��ن خ�لال اإلش� ��ارات الموثقة ل�لأح��وال والمراحل التي مرت بها‪ ،‬في منطقة الدراسة‪ .‬إذ إن‬ ‫االجتماعية والسياسية والحكم المحلي‪ .‬إضافة إلى مجرد إلقاء نظرة عامة على صور تلك الوثائق بعد‬ ‫كشفها عن أخبار الحروب أو االضطرابات والجوانب ترتيبها زمنياً يعطينا تصوراً جيداً عن شكل الكتابة‪،‬‬ ‫األمنية خالل الحقبة الزمنية للوثائق‪ .‬كما توضح وم��ا م��ر بها م��ن م��راح��ل التطور أو الضعف خالل‬ ‫كثيراً من جوانب الحياة االقتصادية ونشاط السكان؛ المدة التي تغطيها تلك الوثائق‪ .‬كما أمكن التعرف‬ ‫وتبين أن نشاط السكان ك��ان يتمحور في الزراعة على أشهر نسَّ اخ الوثائق في الغاط وما حولها خالل‬ ‫والتجارة والرعي ِ‬ ‫والجمالة‪ ،‬ومن ذلك إشارة الوثائق القرون الثالثة الماضية‪.‬‬ ‫إلى أنواع البضائع والمزروعات التي غالبها القمح‬ ‫صعوبة قراءة الوثيقة‬ ‫وال��ذرة والبرسيم والخضار‪ ،‬ومن األشجار‪ :‬النخيل‬ ‫‪ ‬أشار المؤلف إلى الصعوبات التي واجهته في‬ ‫واألثل والتين واألترنج والليمون والقطن‪.‬‬ ‫قراءة نصوص الوثائق‪ ،‬ومنها‪ :‬تلف بعض الوثائق أو‬ ‫كما حفلت الدراسة بالكشف عن جوانب مهمة‬ ‫سقوط أجزاء منها‪ ،‬واختالف لهجات ُكتَّاب الوثائق‪،‬‬ ‫أيضاً من الحياة الفكرية والدينية والمذاهب الفقهية‬ ‫وتفاوت مستوى الخطوط؛ إذ تتسم الوثائق األهلية‬ ‫السائدة آن��ذاك‪ ,‬وذك��رت أسماء العديد من أعالم‬ ‫ع�م��وم�اً ب� ��رداءة ال�خ��ط وض�ع��ف ال�ل�غ��ة نتيجة ن��درة‬ ‫القضاة والفقهاء وأئ�م��ة المساجد‪ .‬وفيما يتعلق‬ ‫الكتّاب‪ ،‬وقلة المتعلمين‪ ،‬وتفشّ ي األمية‪ ،‬وبخاصة‬ ‫باألنساب؛ فإن الوثائق كان لها دور واضح في حفظ‬ ‫في األرياف البعيدة عن المدن الكبيرة‪.‬‬ ‫أسماء الجدود واألعيان في منطقة البحث‪ ،‬وتوثيق‬ ‫أسباب قلة العناية بالوثائق المحلية‬ ‫معلومات مهمة تتعلق بحياتهم وأس��ره��م ومعرفة‬ ‫ي��ؤك��د ال�م��ؤل��ف أن ال��وث��ائ��ق المحلية ل��م تنل ما‬ ‫أس �م��اء أم�ه��ات�ه��م وزوج��ات �ه��م وأوالده � ��م‪ ،‬ومكانتهم‬ ‫االجتماعية والتجارية‪ ،‬وتواريخ وفياتهم‪ .‬كما كشفت تستحقه م��ن العناية وال��دراس��ة بوصفها م�ص��درًا‬ ‫الوثائق عن دور المرأة في النشاط اليومي للسكان‪ ،‬تاريخيًا مهماً‪ ،‬بل إنها لم تنل من الدراسة ما نالته‬ ‫ومشاركتها في الحياة االجتماعية‪ ،‬وأه��م األعمال الوثائق األجنبية‪ ،‬التي ذهب باحثونا يبحثون عنها‬ ‫التي كانت تقوم بها‪ ،‬وأن المرأة كانت تمارس البيع شرقاً وغ��رب�اً‪ .‬ويعزو الباحث سبب ع��دم االهتمام‬ ‫وال �ش��راء‪ ،‬وتملّك ال�ع�ق��ارات‪ ،‬وت�ق��وم ب��دور ب��ارز في بالوثائق المحلية إلى عوامل كثيرة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫‪ -3‬اعتقاد كثير من الباحثين أن حياة الناس العاديين‬ ‫ال عن عدم‬ ‫لم تكن تحظى بالتدوين والتوثيق؛ فض ً‬ ‫االحتفاظ بها‪.‬‬ ‫‪ -4‬صعوبة االط�ل�اع على الوثائق الخاصة بسبب‬ ‫خصوصيتها في نظر أصحابها‪.‬‬

‫لقد صنف الباحث الوثائق ورتبها ترتيباً زمنياً‬ ‫تسلسلياً‪ ،‬وف��ق تاريخ الوثيقة السنوي ثم الشهري‬ ‫ث��م ال�ي��وم��ي‪ .‬ولتسهيل ق ��راءة ن�ص��وص ال��وث��ائ��ق‪ ،‬تم‬ ‫تثبيت النص إلى جانب صورة الوثيقة‪ .‬ونظراً لكثرة‬ ‫الوثائق التاريخية وصعوبة قراءتها‪ ،‬كان هذا العمل‬ ‫م��ن أص �ع��ب م��راح��ل ال�ب�ح��ث‪ ،‬وم��ع ذل��ك ف�ق��د ب��ذل‬ ‫المؤلف جهداً كبيراً في تحقيق تلك الوثائق وكتابة‬ ‫بحواش لشرح‬ ‫ٍ‬ ‫نصوصها ومراجعتها‪ ،‬كما تم تزويدها‬ ‫بعض المفردات والعبارات والتعليق عليها‪ ،‬وإضافة‬ ‫معلومات عن األعالم والمواضع‪.‬‬

‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫‪ -1‬قِ َص ُر تجربتنا البحثية والتاريخية مقارنة باألمم يمثل خطورة حقيقية‪ ،‬ألن اكتشاف تزوير الوثائق‬ ‫أمر سهل ومتيسر للباحثين المتخصصين في دراسة‬ ‫التي سبقتنا في هذا المجال‪.‬‬ ‫‪ -2‬صعوبة ال��وص��ول إل��ى ال��وث��ائ��ق األهلية مقارنة الوثائق‪.‬‬ ‫بالوثائق الرسمية أو األجنبية‪.‬‬ ‫كيف تعامَ َل الباحث مع الوثائق؟‬

‫وأخيراً؛ يشير المؤلف إلى أن الوثائق التاريخية‬ ‫قد تكون سالحاً ذا حدين؛ فكما أنه يمكن اإلفادة‬ ‫منها في تحقيق التاريخ‪ ،‬فإنه يمكن كذلك أن تسيء‬ ‫إل��ى ال�ت��اري��خ إذا م��ا تعرضت لالستخدام ال�س��يء‪،‬‬ ‫وبخاصة عندما يقوم بتحقيقها أناس غير مؤهلين‪،‬‬ ‫كلمة تقدير‬ ‫فيسيئون إل �ي �ه��ا‪ ،‬وي �ش � ِّوه��ون حقيقتها؛ ف��ال��وث��ائ��ق‬ ‫التاريخية ‪ -‬سواء كانت أجنبية أو محلية ‪ -‬ينبغي أ ّال‬ ‫إن المتصفح لهذا الكتاب‪ ،‬يشعر ببالغ التقدير‬ ‫يخرج الباحث فيها عن الهدف العلمي‪ ،‬وهو اإلفادة لكل من كان وراء إطالق هذه الدراسة العلمية التي‬ ‫منها بوصفها مصدراً من مصادر التاريخ المحلي تضيف مرجعاً تاريخياً مهماً ليسهم في تشكيل‬ ‫فيما يتعلق بأحواله وحوادثه وشخصياته‪ ،‬مع وجوب صورة حقيقية موثقة عن الجوانب الحياتية لسكان‬ ‫االبتعاد ع��ن االس�ت�خ��دام غير السليم‪ ،‬مثل تشويه الغاط وما حولها في المنطقة الوسطى بالمملكة‬ ‫الحقائق‪ ،‬أو ل�لإس��اءة إل��ى أط��راف معينة‪ ،‬ما يثير العربية السعودية خ�لال الحقبة الزمنية للوثائق‬ ‫الشك ح��ول أهمية الوثائق‪،‬‬ ‫ال�ت��ي ت��م جمعها وتحقيقها‪.‬‬ ‫وي � ��ؤدي إل ��ى ال �ت �ع��ام��ل معها املؤلف‪:‬‬ ‫وم��ا يُ�ش�ع��ر ال �م��رء بالسعادة‬ ‫بحساسية مفرطة م��ن قبل أ‪ .‬ف ��ائ ��ز ب� ��ن م ��وس ��ى ال� �ب ��دران ��ي ه ��و م� �ب ��ادرة ن��اش��ر ال �ك �ت��اب‬ ‫الحربي‪.‬‬ ‫األفراد أو الجهات الرسمية‪.‬‬ ‫(م� ��ؤس � �س� ��ة ع� �ب ��دال ��رح� �م ��ن‬ ‫ال� �س ��دي ��ري ال��خ��ي��ري��ة) إل��ى‬ ‫باحث في التاريخ المحلي‪.‬‬ ‫أم��ا فيما يتعلق بالخوف‬ ‫ل��ه م��ؤل �ف��ات م�ت �ع��ددة ف��ي ال��وث��ائ��ق دعوة الباحثين لالستفادة من‬ ‫م��ن إم�ك��ان�ي��ة ت��زوي��ر ال��وث��ائ��ق‬ ‫ال�م��ادة العلمية التي تقدمها‬ ‫واس�ت�غ�لال�ه��ا اس �ت �غ�لاالً غير المحلية‪.‬‬ ‫أخ�ل��اق� ��ي‪ ،‬م� ��ن ق� �ب ��ل ب�ع��ض ل��ه أك�ث��ر م��ن ‪ 40‬م��ؤل�ف�اً ف��ي مجال ه ��ذه ال��وث��ائ��ق ف��ي ال�ب�ح��وث‬ ‫ض�ع��اف ال �ن �ف��وس؛ واس �ت �ن��اداً األدب الشعبي وال �ت��اري��خ المحلي ال��ت��اري��خ��ي��ة واالج �ت �م��اع �ي��ة‬ ‫للمنطقة‪ ،‬ودعوتهم لالستفادة‬ ‫إل ��ى ال �م��ؤل��ف‪ ،‬ف��إن��ه ينبغي الوثائقي‪.‬‬ ‫ن�ش��ر ن�ح��و ‪ 20‬ب�ح�ث�اً ف��ي ال�ت��اري��خ من برنامج المؤسسة لتمويل‬ ‫تطمين ال �ق��ارئ ال�ك��ري��م بأن‬ ‫الدراسات المتعلقة بالغاط‪.‬‬ ‫ت��زوي��ر ال��وث��ائ��ق التاريخية ال المحلي في مجالت علمية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ ‪129‬‬


‫نقوش صفوية من شمالي‬

‫اململكة العربية السعودية‬

‫املؤلف ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬سليمان بن عبدالرحمن الذبيب‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫السنة ‪1424 :‬هـ‪2003/‬م‬ ‫يمثل هذا الكتاب دراسة علمية لنقوش عربية شمالية (صفوية)‪ ،‬عثر عليها في عدد‬ ‫من المواقع بمنطقة الجوف‪ ،‬بشمالي المملكة العربية السعودية‪ ..‬وقد حملت مضامين‬ ‫هذه النقوش مفاهيم اجتماعية‪ ،‬لعل من أهمها مدى الحب والوله الكبيرين اللذين يكنهما‬ ‫العرب في شمالي الجزيرة العربية لحياة البادية واالنطالق‪ ،‬فضال عن العشق الكبير‬ ‫للصحراء الذي ال يزال موجودا لدى أهالي منطقة الجوف حتى اآلن‪.‬‬ ‫ولعل أبرز ما انفردت به هذه المجموعة من النقوش التي تعد األولى المنشورة في‬ ‫بالدنا‪ ،‬هو تعميقها للفكر والمعتقد الديني الذي كانت تؤمن به القبائل الصفوية وتمارسه‬ ‫آن��ذاك‪ ..‬وهو اعتقادهم بالحساب بعد الموت‪ ،‬وقد كان ذلك سائدا عند شعوب بالد‬ ‫الرافدين والمصريين القدماء آنذاك‪ .‬كما امتازت هذه القبائل على غيرها من شعوب‬ ‫الشرق األدنى القديم باإليمان بعذاب القبر‪.‬‬ ‫قدمت هذه المجموعة مائة وستة وأربعين عَ ل َما من أسماء األشخاص‪ ،‬منها ثمانية‬ ‫وثالثون تُذكر للمرة األول��ى‪ ،‬وخمسة أعالم لقبائل عربية صفوية كانت تقطن شمالي‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬إضافة إلى ست وثالثين لفظة‪ ..‬منها سب ٌع ترد للمرة األولى‬ ‫في هذا النوع من النقوش‪.‬‬ ‫‪ 130‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1432‬هـ‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.