JobaLayout_27

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 27‬ربيع ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫صدر حديث ًا عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫دراسات‪:‬‬ ‫عبدالرحيم اخلصار‬ ‫بركات محمد مراد‬ ‫قصص‪:‬‬ ‫محمد معتصم‬ ‫منيرة صالح‬ ‫عبير املقبل‬ ‫شعر‪:‬‬ ‫لطفي زغلول‬ ‫سعد الرفاعي‬ ‫جناة الزباير‬ ‫مواجهات مع‪:‬‬ ‫زغلول النجار‪ ،‬محمد الريشة‬ ‫شيمة الشمري‪ ،‬مروة كريديه‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫القصة القصيرة جدًا‪ ..‬جنس أدبي جديد‬

‫‪27‬‬

‫مشاركة‪ :‬عمار اجلنيدي‪ ،‬عبدالسالم احلميد‪ ،‬ليلى األحيدب‬ ‫محمد جميل أحمد‪ ،‬محمود العزازمة‪ ،‬عبدالغني فوزي‬

‫‪27‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫صورة ليلية لقلعة مارد بمدينة دومة الجندل‬ ‫تصوير سلطان ضيف الله الزيد‬


‫صورة ليلية لقلعة زعبل بمدينة سكاكا‬ ‫تصوير سلطان ضيف الله الزيد‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫‪1‬‬


‫العدد ‪27‬‬ ‫ربيع ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم احلميد‬ ‫املراسالت‬ ‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا‬ ‫اجلـ ــوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪aljoubah@gmail. com‬‬ ‫‪www. aljoubah. com‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫‪6.......................‬‬ ‫ملف العدد ‪ ..‬القصة القصيرة جد ًا‬

‫‪70.....................‬‬ ‫مالمح الواقعية الشعرية‬

‫‪84.....................‬‬ ‫حوار مع د‪ .‬زغلول النجار‬

‫‪96.....................‬‬ ‫حوار مع القاصة شيمة الشمري‬ ‫الغالف‪ :‬لوحة للفنانة التشكيلية‬ ‫مروه كريديه‪.‬‬

‫االفتتاحية‪4.............................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬القصة قصيرة جداً‪ ..‬جنس أدبي جديد ‪6..............‬‬ ‫دراسات‪ :‬دراسة في‪ ..‬التجربة القصصية الجديدة في المغرب‬ ‫ عبدالرحيم الخصار ‪28............................................‬‬‫الطفل وتربية الحس الجمالي ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬بركات محمد مراد‪38.......‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬عتمة ‪ -‬محمد معتصم ‪48..........................‬‬ ‫أربع قصص قصيرة جدا ‪ -‬صبيحة شبر ‪50........................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬محمد صوانه‪51.............................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬عبدالسميع بنصابر ‪52......................‬‬ ‫تح ــت جنـح الليل ‪ -‬عبدالباقـي يوس ـ ــف ‪53.........................‬‬ ‫رقصة الريح ‪ -‬منيرة صالح ‪55......................................‬‬ ‫الوداع ‪ -‬لولوة العتيبي ‪58............................................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬عبير المقبل ‪59..............................‬‬ ‫من سرق ورقة التوت؟ ‪ -‬نجوى عبدالبر (شهد الرفاعى)‪60........‬‬ ‫شعر‪ :‬الطحلب المغرور ‪ -‬ياسر عثمان ‪62............................‬‬ ‫حتى متى؟! ‪ -‬السيد موسى بن عبدالله البكري ‪63.................‬‬ ‫ق َِصي َدةٌ ُمتَ َم ِّن َع ٌة ‪ -‬نجاة الزباير‪64....................................‬‬ ‫حسام الدّين والقنديل السحري ‪ -‬علي التومي عبّاسي‪65..........‬‬ ‫عيناك‪ ..‬يا سمراء ‪ -‬د‪ .‬لطفي زغلول ‪67............................‬‬ ‫هذا قليل دمي هذا قليل دمي ‪ -‬أحمد الخطيب ‪68.................‬‬ ‫وللحب‪ ...‬نغني ‪ -‬سعد بن سعيد الرفاعي ‪69.......................‬‬ ‫ن��ق��د‪ :‬م�لام��ح الواقعية الشعرية ف��ي«غ��رف ل�لإي��ج��ار» لمحمد‬ ‫البساطي ‪ -‬هشام بنشاوي‪70........................................‬‬ ‫الفجوة بين طموح الروائيين وضعف إمكاناتهم الفنية ‪ -‬خالد‬ ‫ربيع السيد ‪74......................................................‬‬ ‫األرض آلخرين» للشاعر‬ ‫َ‬ ‫الرؤيـ ُة االغترابية في مجموعة «تركتُ‬ ‫نجيب مبارك ‪ -‬محمد أحمد بنيس ‪77............................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع أ‪ .‬د‪ .‬زغلول النجار ‪ -‬محمود الرمحي‪84.....‬‬ ‫حوار مع الشاعر محمد الريشة ‪ -‬أحمد الدمناتي‪91...............‬‬ ‫حوار مع القاصة شيمة الشمري ‪ -‬عبدالله المتقي‪96..............‬‬ ‫حوار مع الفنانة التشكيلية مروة كريديه ‪ -‬محمد نجيم ‪99.........‬‬ ‫نوافذ‪ :‬أدب تفاعلي أم أدب تشعبي؟! ‪ -‬هويدا صالح‪103............‬‬ ‫الشاعر السويسري برينو ميرسي ورحلة اكتشاف اآلخر ‪ -‬عالء‬ ‫كعيد حسب ‪107....................................................‬‬ ‫تجويد الشعر العربي الحديث ‪ -‬د‪ .‬محمد الصفراني ‪110..........‬‬ ‫أزمة اللغة أم أزمة اإلبداع ‪ -‬د‪ .‬محمود خلف الله ‪113..............‬‬ ‫منمنمات على جدران دمشق القديمة ‪ -‬أشرف الخريبي ‪116.......‬‬ ‫قراءات‪122............................................................‬‬ ‫األنشطة الثقافية ‪ -‬عماد المغربي ‪127............................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫على هامش القصة القصيرة جداً‪..‬‬ ‫> إبراهيم احلميد‬

‫إذا كان بعض النقاد يأخذ على كتاب القصة القصيرة جنوحهم إلى الشعرية‬ ‫العالية والتكثيف في اللغة‪ ،‬وهو ما كان يعتبره كتاب القصة قوة في نصوصهم‬ ‫القصصية‪ ،‬ودليال على ثراء لغتهم‪ ،‬بينما كان يراه معارضو هذا االتجاه ابتعادا‬ ‫بها عن سياقها‪ ،‬فإن حضور القصة القصيرة جدا‪ ،‬أدخل مزيدا من الجدل إلى‬ ‫الساحة األدبية والنقدية؛ بسبب تداخل هذا الفن الجديد نسبياً مع عدد من‬ ‫األنواع األدبية األقدم منه حضوراً‪ ،‬كالقصة القصيرة والشعر المنثور‪.‬‬ ‫ويؤكد ع��دد من الباحثين أن القصة القصيرة ج��دا‪ ،‬قد ظهرت في العقود‬ ‫األخيرة من القرن العشرين في العراق والشام‪ ،‬وازدهرت بشكل الفت في المغرب‬ ‫مع بداية األلفية الثالثة؛ ما يعني أن القصة القصيرة ليست وليدة اليوم؛ لكن‬ ‫ما استجد فيها هو تقنياتها‪ ،‬وكثافتها‪ ،‬وغرابتها‪ ،‬وومضها السريع‪ .‬ونجد من‬ ‫األسماء التي برزت في هذه الكتابة‪ :‬فهد المصبح‪ ،‬سعود قبيالت‪ ،‬بسمه النسور‪،‬‬ ‫فاروق مواسي‪ ،‬حسن برطال‪ ،‬عبدالله المتقي‪ ،‬فاطمة بوزيان‪ ،‬منتصر القفاش‪,‬‬ ‫محمود علي السعيد‪ ،‬جبير المليحان‪ ,‬ناصر سالم الجاسم‪ ،‬زكريا تامر‪ ،‬احمد‬ ‫جاسم‪ ،‬عبدالسالم الحميد‪ ،‬عمار الجنيدي وطلعت سقيرق‪ ،‬فقد استمال هذا‬ ‫الفن الكثير من األدباء لكتابتها‪ ..‬كون مساحة النص صغيرة نسبيا‪ ،‬وال يحتاج إلى‬ ‫سرد موسع‪.‬‬ ‫وتهتم القصة القصيرة جدا بالموضوع والفكرة‪ ،‬دون االهتمام بالشخوص‪،‬‬ ‫وه��ي خالية من الغموض‪ ،‬تتطلب صياغة متقنة من ناحية الحبكة‪ ،‬وتوظيف‬ ‫الشخصيات‪ ،‬وبنية الزمن‪ ،‬واألسلوب‪ ،‬والفضاءات‪ ،‬واالختزال فيها ال يؤثر في‬ ‫التعبير‪ ،‬والشخصية فيها تتحرك وفق فكرة وخيال القاص‪ ،‬ال وفق شكلها العام‬ ‫أو تركيبتها‪ ،‬فهي القصة (الومضة) التي تجعل القارئ أو المتلقي في حيرة من‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫وعلى الرغم من صغر مساحة كتابتها‪ ،‬إال أن الكثير من األدباء لم يتمكن من‬ ‫اإلب��داع فيها‪ ،‬وال��خ��روج بنصوص ترقى إل��ى ه��ذا الفن ال��ذي الق��ى ما الق��ى من‬ ‫الرفض من قبل العديد من النقاد والمهتمين بالنقد القصصي‪ ،‬وبأنه فن ال يمت‬ ‫للقصة بأي صلة‪ ..‬الن القصة تعتمد على السرد‪ ،‬وهذا النوع من القص ال هوية‬ ‫له‪ ،‬ألنه مكثف جداً‪ ،‬ويختزل السرد اختزاالً كليا‪ ،‬وما يزال الصراع قائما‪ ..‬ما بين‬ ‫مؤيد ومدافع عنه‪ ،‬ورافض ومعارض له‪..‬‬

‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫أمرها؛ يتابع لحظتها اآلنية ليحل شفراتها‪.‬‬

‫وتنهض بُنية القصة القصيرة جدا على التكثيف وإضمار معنى الحكاية‪ ،‬أو‬ ‫شديد يقوم على الحذف والتجريد والمفارقة‪ ،‬ضمن صناعة‬ ‫ٍ‬ ‫تقطير‬ ‫ٍ‬ ‫بؤرتها في‬ ‫الدهشة التي ربما كان من أهم تيماتها الدرامية‪.‬‬ ‫إن التطورات التكنولوجية السريعة والهائلة التي شهدها العالم بشكل عام‪..‬‬ ‫والوطن العربي بشكل خاص‪ ،‬وكثرة مشاغل اإلنسان‪ ،‬قد قرّبت إليه هذا الشكل‬ ‫من الفن األدبي بحجمه المحدود الذي قد ال يتجاوز الصفحة الواحدة‪ ..‬ومحدودية‬ ‫كلماته وأسطره‪ ،‬وأسهمت ظروف كثيرة في بروز االهتمام بفن القصة القصيرة‬ ‫ومحط جدل في كينونته وماهيته‬ ‫ّ‬ ‫جدا‪ ،‬حتى صار هذا االهتمام ملفتا لالنتباه‪،‬‬ ‫وشرعيته وتأثيره‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬يمكن اعتبار القصة القصيرة جدا أنها أصبحت أكثر حضوراً‪ ،‬حيث‬ ‫فرضتها متغيرات المرحلة التي اتسمت بالقلق والسرعة في كل شيء‪ ،‬ولهذا‪،‬‬ ‫فقد استطاعت هذه القصة أن تأخذ باألساليب الجديدة التي جددت في القصة‬ ‫القديمة‪ ،‬وزاوجت بين األنواع األدبية األخرى والقصة‪ .‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬ارتأت‬ ‫الجوبه تخصيص ملف خاص بالقصة القصيرة جدا‪ ،‬يتناول فيه نخبة من الكتاب‬ ‫هذا الجنس األدبي الجديد‪ ،‬لتضع المتلقي في الصورة من حيث نشأته‪ ،‬والتعريف‬ ‫به‪ ،‬وما تناوله النقاد بشأنه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫القصة قصيرة جداً‪( ..‬ق‪ .‬ق‪ .‬ج)‬ ‫جنس أدبي جديد‬

‫شكّل االهتمام بفن القصة القصيرة جداً‪ ،‬منذ مطالع تسعينيات القرن الغارب‪ ،‬جدال‬ ‫واسعا حول ظروف اإلنسان المعاصر التي تحيط به‪ ،‬وتؤثّر عليه بكل قلقها وإرباكاتها‪،‬‬ ‫الصعُد االجتماعية واالقتصادية والسياسية واإلنسانية؛ فدفع به ذلك إلى‬ ‫وعلى كافة ُ‬ ‫الركض السريع وراء لقمة عيشه‪ ،‬ممّا قلّل من المساحة الزمنية المتاحة لديه للرفاهية‬ ‫والقراءة والكتابة‪ ،‬فراح يتجه إلى التفاعل مع النصوص القصيرة‪ ،‬واالبتعاد قدر ما أمكن‬ ‫عن النصوص الطويلة‪ ،‬كالرواية واألبحاث األكاديمية‪.‬‬ ‫وقد أتاحت ثورة االتصاالت وسهولة استخدام التكنولوجيا الحصول على المعلومة‬ ‫والمعرفة بجهد قليل‪ ،‬وسرعة قياسية‪ ،‬أو كما يقال «بكبسة زر»‪ ،‬فأخذت الشبكة‬ ‫العنكبوتية ووسائل االتصال الحديثة جزءا كبيرا من وقت اإلنسان‪ ،‬ما أسهم في انتشار‬ ‫ظاهرة العزوف عن القراءة والكتابة‪ ،‬وعدم االهتمام بال ُكتّاب‪ ،‬والعزوف عن المكتبات‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫إن التطورات التكنولوجية السريعة والهائلة التي شهدها العالم بشكل عام‪ ،‬والوطن‬ ‫العربي بشكل خاص‪ ،‬وكثرة مشاغل اإلنسان‪ ،‬قرّبت إليه هذا الشكل من الفن األدبي‬ ‫بحجمه المحدود الذي قد ال يتجاوز الصفحة الواحدة‪ ..‬ومحدودية كلماته وأسطره‪،‬‬ ‫وأسهمت ظروف كثيرة في بروز االهتمام بفن القصة القصيرة جدا‪ ،‬حتى صار هذا‬ ‫ومحط جدل في كينونته وماهيته وشرعيته وتأثيره‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫االهتمام ملفتا لالنتباه‪،‬‬ ‫والهتمام الجوبه بكل المستجدات على الساحة الثقافية واإلبداعية العربية‪ ،‬فقد‬ ‫ارتأت تخصيص ملف خاص بالقصة القصيرة جدا‪ ،‬يتناول فيه نخبة من الكتاب داخل‬ ‫المملكة وخارجها هذا الجنس األدبي الجديد من حيث نشأته والتعريف به وما تناوله‬ ‫النقاد بشأنه‪ ..‬فكانت لهم رؤيتهم الخاصة من خالل المحاور اآلتية‪..‬‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إضاءات ال بد منها‬

‫في أفق القصة القصيرة جداً‪..‬‬ ‫> عمار اجلنيدي ‪ -‬األردن‬

‫تعريف القصة القصيرة جدا‬ ‫يمكن تعريف القصة القصيرة جداً بالتعرّف على مالمحها وسماتها‬ ‫ومميزاتها؛ فهي‪ ،‬كجنس أدب��ي‪ ،‬تمتاز بحجمها القصير من حيث عدد‬ ‫الكلمات‪ ،‬واستخدامها لخصائص اإليحاء والتكثيف والتلميح واالختزال‪،‬‬ ‫واإليماض‪ ،‬والمفارقة‪ ،‬والسخرية‪ ،‬والقفلة الموحية بالدهشة‪.‬‬ ‫ف��ه��ي‪ ،‬إذاً‪ ،‬جنس أدب���ي بتوصيف اختزالي دخيلة على عالم القصة‪ ،‬بل إن البعض غالى‬ ‫لنص حكائي‪ ،‬يخترق بنزعتها القصصية ذات في حُ كمه بأنها تسمية عبثية ودخيلة وال معنى‬ ‫البُعد السردي االختزالي المكثّف والمقتضب لها‪ ،‬وعدّها أجنّة مجهضة لقصص قصيرة‪ ،‬وأنها‬ ‫ح��دود الخطاب الفني المنسجم مع إرهاصات «ربما كانت كائنات كتابية ليس لها جنس محدد»‪.‬‬ ‫القصة القصيرة والشعر؛ يمتاز بحجمه القصير ومنهم من لم يحدد رأيه بصراحة‪ ،‬فترك اآلخرين‬ ‫المقتضب‪ ،‬وجملته السردية القصيرة والموجزة ي��خ��وض��ون غ��م��ار ال��ت��ج��ري��ب اإلب���داع���ي والنقد‬ ‫والموسومة بالتوتر والتأزيم والتجريب‪.‬‬ ‫االنطباعي المتسرّع‪ ،‬حتى يتبين الخيط األبيض‬

‫لماذا القصة القصيرة جدا؟‬

‫من الخيط األسود‪.‬‬

‫ووق��ف��وا أيضا على مصطلحات كثيرة لهذا‬

‫لقد وق��ف الكثير م��ن الباحثين والدارسين‬ ‫مواقف متباينة من هذا الجنس األدبي؛ فمنهم من ال��ج��ن��س األدب�����ي‪ ،‬ف��أط��ل��ق��وا ع��ل��ي��ه مصطلحات‬ ‫قبله ورحّ ب به وبكتابته‪ ،‬ومنهم من لم يعترف به وتسميات راحت تقترب حينا من دالالته الفنية‪،‬‬ ‫طاعنا بشرعيته‪ ،‬متحفّظا على تسميته وانتسابه وت���رس���م ف���ي أح��اي��ي��ن أخ����رى م�لام��ح��ه الفنية‬ ‫إلى األجناس اإلبداعية‪ ،‬مُعترضاً على انتمائها ب����دالالت ت��ن��ظ��ي��ري��ة؛ ف��أط��ل��ق��وا ع��ل��ي��ه��ا‪ :‬القصة‬ ‫لعالم القصة لدرجة إنكار انتمائها إلى أي جنس القصيرة جدا‪ ،‬ومشاهد قصصية‪ ،‬واألقصوصة‪،‬‬ ‫أدب���ي‪ ،‬ب��ل إن بعضهم ع�� ّده��ا «م��ج��رد ث��رث��رة بال ول���وح���ات ق��ص��ص��ي��ة‪ ،‬وم��ق��ط��وع��ات قصصية‪،‬‬ ‫معنى»‪ ،‬مُعترضين على التسمية بوصفها تسمية والخاطرة القصصية‪ ،‬والقصة الومضة‪ ،‬والقصة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫الكاريكاتورية‪ ،‬وأطلقوا عليها اختصارا‪( :‬ق‪ .‬ق‪.‬‬ ‫ج)‪ ..‬لكن مصطلح القصة القصيرة ج��داً ظل‬ ‫األكثر قرباً لدالالت هذا الجنس األدبي‪.‬‬

‫اللغة في القصة القصيرة جدا‬ ‫تعتني القصة القصيرة ج��داً باللغة‪ ،‬ب��ل إن‬ ‫اللغة المستخدمة في بنيتها السردية‪ ،‬محكومة‬ ‫بمساحة ال��س��رد القصيرة؛ ف��ال��ق��اص والراوي‬ ‫المتمكن من أدوات��ه اإلبداعية يسعى دائما إلى‬ ‫إمتاع المتلقي بإدهاشه وتميز س��رده‪ ،‬وإمساكه‬ ‫بخيوط القص متناً وبنا ًء ولغة وفناً‪ ،‬بإفساحه‬ ‫المجال للسرد أن يتمدد كيفما كانت األحداث‬ ‫مواتية؛ لكن اإلسهاب وتسليط الضوء السردي‬ ‫على ح��دث ما ليسا من سمات وال من غايات‬ ‫القصة القصيرة جدا‪ ،‬ألنها تعتمد على سرعة‬ ‫اإلده��اش والوصول إلى الهدف والغاية المراد‬ ‫توصيلها‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن القيمة الحقيقية للمعنى‬ ‫فيها ليست في طول العبارة‪ ،‬فالكثافة اللغوية‪،‬‬ ‫واللغة التي تعتمد على الجمل الفعلية الضاجّ ة‬ ‫بالحركة هي من أهم السمات العامة في القصة‬ ‫القصيرة ج���دا‪ ،‬ألن��ه��ا م��ح��ش��وّة ب��ال��دالالت ذات‬ ‫الكثافة المعنوية الموحية‪.‬‬

‫وفيها يبتعد عن الوصف واإلطناب‪ ،‬مستعيضا‬ ‫عنها بتلميحات سريعة ومباشرة‪ ،‬ألنها تسعى إلى‬ ‫تفسير دالالت المضامين التي اختبأت وراءها‬ ‫ه��ذه التقنيات التي قد تكون وراءه���ا مضامين‬ ‫ومدلوالت سياسية أو دينية أو أخالقية‪ ،‬ال يجرؤ‬ ‫الكاتب على البوح أو التصريح بها‪ .‬وهنا تكمن‬ ‫أهم دواعي وجود هذا الجنس األدبي‪.‬‬

‫معياران ال ينفصالن‬

‫ينهض البناء الفني في القصة القصيرة جداً‬ ‫على أهم معيارين تقوم عليهما‪ ،‬ويُعال شأن هذا‬ ‫الجنس األدبي بهما‪ ،‬وهما معيارا الكم والكيف؛‬ ‫إذ أن الحجم ال��ذي يمتد من جُ مَل بسيطة في‬ ‫أصغر طول لها إلى أخرى قد يمتد طولها إلى‬ ‫ص ْر الحجم‬ ‫صفحة كاملة‪ .‬فالطول المحدد‪ ،‬وقِ َ‬ ‫النابع من معين القصدية في التكثيف واإليجاز‬ ‫وال��ت��رك��ي��ز على ع��دم اإلس��ه��اب ف��ي ال��س��رد‪ ،‬قد‬ ‫يصل إل��ى ح��د المبالغة وال��ح��ذف‪ ،‬وت��ص��ل إلى‬ ‫حدود الترميز‪ ،‬تماما كاعتنائها بالبعد السردي‬ ‫ذي الخصائص والركائز التي تمعن في التهيئة‬ ‫إلى استخدام عوامل ومعيار البناء الفني الكمّي‪،‬‬ ‫بالتنويع والتطعيم والتجريب باألشكال السردية‬ ‫المختلفة‪ ،‬التي تتخذ من االختصار واإليجاز‪،‬‬ ‫زَ هو التقنيّ ات‬ ‫حتى في الجُ مَل والعبارات السردية‪ ،‬واعتمادها‬ ‫يستخدم ُكتّاب القصة القصيرة جداً تقنيات وتركيزها على الجمل الفعلية على حساب الجمل‬ ‫معينة‪ ،‬كالتكثيف‪ ،‬والحذف‪ ،‬واإليجاز‪ ،‬واإلضمار‪ ،‬اإلسمية‪ ،‬كسمة تميزها‪ ،‬وتدلل على وظيفتها في‬ ‫واإلي��ح��اء‪ ،‬والتلميح‪ ،‬واالستبصار‪ ،‬والقصدية‪ ،‬القصة القصيرة جدا‪.‬‬ ‫واالن��زي��اح��ات ال��دالل��ي��ة‪ ،‬وال��ت��رم��ي��ز‪ ،‬والفكاهة‪،‬‬ ‫إن انفتاح القصة القصيرة ج��داً على معظم‬ ‫واإلدهاش‪ ،‬واالستفزاز‪ ،‬بُغية إشراك المتلقي في‬ ‫األجناس اإلبداعية كالقصة القصيرة والمسرح‪..‬‬ ‫التفاعل مع الهدف الذي ُك ِتبَتْ من أجله‪ ،‬وتهيئته‬ ‫واس��ت��خ��دام��ه��ا لتقنيات السينما المختلفة‪ ،‬ما‬ ‫لمفاجأة النهاية‪ ..‬ولربما صدمتها في أحايين‬ ‫يتطلّب الحاجة إلى ق��راءات تأويلية‪ ،‬أو الحاجة‬ ‫كثيرة؛ كذلك ج��رّه ما أمكن إل��ى االش��ت��راك في‬ ‫إلى قراءتها غير مرة للوقوف على دالالت المعنى‬ ‫لعبة التأويل والتكهّن بما ستئول إليه النهاية‪،‬‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫أدوار‬

‫لعبت المالحق الثقافية والصحف والمجالت‬ ‫التي تهتم بالشأن الثقافي واإلب��داع��ي‪ ،‬ومواقع‬ ‫االن��ت��رن��ت‪ :‬أدواراً مهمة ومختلفة ال��غ��اي��ات في‬ ‫انتشار القصة القصيرة جدا‪ ،‬إما تشجيعا لهذا‬ ‫الفن الحديث (بالنسبة إلى األجناس اإلبداعية‬ ‫األخ���رى)‪ ،‬وإم��ا لعدم دراي��ة المحرر أو الرقيب‬ ‫الثقافي بأهمية ه��ذا الفن األدب��ي وجدّ يته‪ ،‬أو‬ ‫ُشبهة‬ ‫لجهلهم في تصنيفها األدبي‪ ،‬أو لتغليبهم االهتمام‬ ‫يحاول الكثير من ال ُكتّاب‪ ،‬بدواعي التجريب بجنس أدبي على آخر لغاية في نفس المحرر‪ ،‬أو‬ ‫أو الالدراية‪ ،‬أو االغترار بالوقوع بشبهة القصة لسهولة النشر دونما رقيب أو إش��راف كما في‬ ‫القصيرة جداً‪ ،‬عند التحوّل عن البنية القصصية‪ ،‬الشبكة العنكبوتية (اإلنترنت)‪.‬‬ ‫أو عندما تتحوّل اللغة لديهم إلى ما يقترب من‬ ‫النقد‬ ‫حدود قصيدة النثر‪ ،‬والتوغّ ل أحيانا كثيرة في‬ ‫ما يزال النقد األدبي غير مواكب للتطورات‬ ‫غمارها واالرت��واء من مائها‪« ،‬إلى درجة النزف‬ ‫الحاصلة في الساحة اإلبداعية‪ ،‬وبالتحديد‪ ،‬ما‬ ‫والبوح الشعري»‪.‬‬ ‫يجري من انتشار سريع لفن القصة القصيرة‬ ‫القصة القصيرة جد ًا والتراث‬ ‫جدا‪ ،‬فظل النقاد يروّجون أن القصة القصيرة‬ ‫ي��رى بعض ال��ن��قّ��اد وال��دارس��ي��ن أن مصطلح والرواية تمران بأزمة وركود مفتعلين سببهما‬ ‫القصة القصيرة ج��داً‪ ..‬هو تسمية حديثة لفن االنتشار غير المضبوط لمن أراد أن يجرّب‬ ‫قديم حمله إلينا التراث العربي‪ ،‬عبر مخزونه ويُ��ع��مِ ��ل أدوات�����ه ال��ك��ت��اب��ي��ة ف��ي ج��س��د القصة‬ ‫الهائل ك���إرث أدب���ي زاخ���ر ب��األخ��ب��ار والطرائف القصيرة جدا‪ ،‬حتى لو كانت غير سويّة وغير‬ ‫والنكت والمواعظ التي تتشابه إلى ح ّد التماس‪ ،‬ناضجة‪ ،‬ما أثار نقمة الكثيرين ممّن يُحسبون‬ ‫بما تحمله القصة القصيرة جداً من مواصفات أنهم في خانة المنتصرين للقصة والرواية‪،‬‬ ‫االختزال والتكثيف؛ تلك األخبار والطرائف التي فاكتفوا بالتفرّج أو الهجوم غير المبرر على‬ ‫تجمع بين السخرية والمُفارقة‪ ،‬كما في أخبار ه��ذا الفن المتطوّر‪ ،‬وج���اروا عليه حتى باتت‬ ‫وطرائف جحا‪ ،‬أو ما ورد في كتاب‪« :‬المستطرف آراؤهم وكتاباتهم نقدا قاسيا‪ ،‬ألنهم لم يعتادوا‬ ‫في كل فن مستظرف» لـ(شهاب الدين محمد بن على هذا الشكل‪ ،‬فيروحون بمحاكمة النصوص‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وترميزاته المختلفة‪ ،‬بسبب التجريب في استخدام‬ ‫هذه التقنيات والمعايير بطابع تجريبي وحداثي‪.‬‬ ‫وكل ذلك مشروط بالحفاظ على األركان األساسية‬ ‫للقصة‪ ،‬من وجود حبكة وشخوص واهتمام خاص‬ ‫بالحدث‪ ،‬وأحيانا يجري فيه اهتمام خاص بعاملي‬ ‫ال��زم��ان وال��م��ك��ان‪ ،‬أو ع��ل��ى ال��ع��ك��س؛ ق��د يجري‬ ‫إهمال تام ألحدهما أو كليهما على حساب إشهار‬ ‫العقدة أو ال��ح��دث؛ وال��ت��ي ق��د يتبعها استخدام‬ ‫مهارات التشويق كمهارات اللغة واألساليب الفنية‬ ‫المحدثة‪ ،‬والنهايات الصادمة لذائقة المتلقي‬ ‫وتوقعاته‪ ،‬وه��ي كذلك ب��ؤرة خصبة لكل عوامل‬ ‫التجريب والتحديث المعاصرة وأساليبهما‪.‬‬

‫أحمد)‪ :‬الملقب باألبشيهي‪ ،‬هو إذاً «موجود في‬ ‫شكله ومحتواه الراقيين‪ ..‬ومتوافر في كم كبير‬ ‫من التراث األدب��ي القديم»‪ ،‬وله ج��ذوره التي ال‬ ‫يمكن إنكارها أو االدعاء بحداثتها المطلقة‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫الحداثية ب���أدوات نقدية قديمة‪ ،‬عفا عليها‬ ‫الزمن وأشبعها اه��ت��راء‪ ،‬ليدينهم االستعجال‬

‫والتسرّع في طرح انتقاداتهم وآرائهم‪ ،‬ويدينهم‬ ‫االع��ت��راف بقلّة األبحاث وال��دراس��ات المعنية‬ ‫بهذا الفن‪.‬‬

‫مالحظة عابرة لليقين‬ ‫يالحظ بين الفينة واألخ��رى أن بعض كتاب‬

‫ُلحقون مجموعاتهم القصصية‬ ‫القصة القصيرة ي ِ‬ ‫ال��م��ن��ش��ورة بملحق ي��ض��م ع���ددا م��ن النصوص‬

‫التجريبية التي غالبا ما يُطلقون على هذا الملحق‬

‫اسم‪ :‬قصص قصيرة جدا‪ ،‬بداللة أنهم ما زالوا‬ ‫غير واعين لضرورات وإشكاليات التجنيس‪ ،‬أو‬

‫لقواعد تصنيف هذا الجنس اإلب��داع��ي‪ ،‬وأنهم‬ ‫ما يزالون يلحقون بالقصة القصيرة رغم الفروق‬ ‫ال��ف��ن��ي��ة ال��ت��ي ه��ي ب��ال��ض��رورة ف����روق تجنيسية‬ ‫م��ن المهم اإلل��م��ام واإلح��اط��ة بها منعا للخلط‬

‫والتشابك‪.‬‬

‫االستسهال في كتابة القصة القصيرة‬ ‫جدا‬ ‫شنّ بعض الدارسين والنقّاد حملة شعواء على‬

‫ُكتّاب فن القصة القصيرة جدا‪ ،‬بأنهم استسهلوا‬ ‫الكتابة في هذا الفن تعويضا عن عجزهم في‬

‫ال��ول��وج إل��ى عالم القصة القصيرة أو الرواية‬ ‫أو حتى الشعر‪ ،‬وأنهم وج��دوا في كتابة القصة‬ ‫القصيرة ج��داً غطا ًء يلوذون به من فشلهم في‬

‫كتابة القصة العادية‪ ،‬متوهّ مين سهولة كتابتها‪،‬‬

‫وأن كثيرا مما يكتبونه بال مضمون وال فكرة أو‬ ‫معنى واضح‪ ،‬وأن الكثيرين من الذين فشلوا في‬ ‫صياغة قصة قصيرة يبحثون عن تغطية ثقافية‪،‬‬

‫لدرجة أنها عبثية وال تستحق االلتفات‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ورغ��م ما في ه��ذه اآلراء من ص��واب وجدّيةِ‬ ‫بعض ما فيها‪ ،‬إال أن فن القصة القصيرة جداً‬ ‫يضاهي ف��ي صعوبته أي جنس إب��داع��ي آخر‪،‬‬ ‫حيث له قواعده المعروفة‪ ،‬ودارس��وه ومتذوقوه‬ ‫ومبدعوه‪ ،‬ولم نرصد مبدعا واحدا يكتب القصة‬ ‫القصيرة ج��داً ولم يم ّر بالتجريب في أحد من‬ ‫األجناس اإلبداعية المعروفة‪.‬‬

‫إشارة سريعة‬ ‫أش����ار ب��ع��ض ال��ب��اح��ث��ي��ن إل���ى أن ف���ن القصة‬ ‫القصيرة جداً قد برع وتفوّق فيه كثيرا المغاربة‬ ‫وال��س��وري��ون وال��ع��راق��ي��ون‪ ،‬وح��ت��ى ف��ي المجاالت‬ ‫النقدية التنظيرية‪ ،‬لكن اإلشارة تستوجب الوقوف‬ ‫عند بعض التجارب المهمّة في تونس ومصر‪ ،‬ومع‬ ‫بعض التجارب الخجولة في األردن وفلسطين‪.‬‬ ‫ففي سوريا هناك زكريا تامر‪ ،‬وأحمد جاسم‬ ‫الحسين‪ ،‬وطلعت سقيرق‪ ،‬وف��ي المغرب حسن‬ ‫برطال وعبدالله المتقي وفاطمة ب��وزي��ان‪ ،‬وفي‬ ‫السعودية فهد المصبح‪ ،‬وفي األردن سعود قبيالت‬ ‫وبسمه النسور‪ ،‬وفي فلسطين فاروق مواسي‪.‬‬

‫المراجع‬ ‫(‪ )1‬القصة القصيرة ج��داً‪ ،‬أحمد جاسم الحسين‪ ،‬دار‬ ‫عكرمة‪ ،‬دمشق عام ‪1997‬م‪.‬‬ ‫(‪ )2‬القصة القصيرة جداً جنس أدبي جديد‪ ،‬بقلم جميل‬ ‫حمداوي‪ ،‬موقع ديوان العرب على االنترنت‪.‬‬ ‫(‪ )3‬القصة القصيرة ج��داً عند زك��ري��ا ت��ام��ر‪ ،‬د‪ .‬يوسف‬ ‫ح��ط��ي��ن��ي‪ ،‬األس����ب����وع األدب�������ي‪ ،‬ال���ع���دد (‪ ،)778‬في‬ ‫‪2001/10/6‬م‪.‬‬ ‫(‪ )4‬بروق (قصص قصيرة جدا)‪ ،‬إعداد د‪ .‬يوسف حطيني‪،‬‬ ‫مطبعة اليازجي‪ ،‬دمشق ‪2001‬م‪.‬‬


‫نتاج متغيرات اجتماعية واقتصادية يتالءم وعصر السرعة‬

‫> عبدالسالم احلميد ‪ -‬السعودية‬

‫السرد احتياج إنساني‪ ،‬يسعى اإلنسان من خالله للتواصل مع اآلخرين؛‬ ‫فالحكاية مكون رئيس في مختلف الثقافات‪ ..‬حتى البدائية منها‪ ،‬ألن‬ ‫الحكاية الشفهية تتضمن إمكانات تعبيرية هائلة تجعلها الوعاء الطبيعي‬ ‫للوعي والتراث؛ أما أجناس السرد الفني المعروفة اآلن‪ ،‬فهي ابنة الثقافة‬ ‫الغربية‪ ،‬ولم يعرفها العرب إال في القرن التاسع عشر‪ ،‬رغم إقرار الغربيين‬ ‫بأن أصول هذه األجناس من الحضارات الشرقية كالفرعونية والهندية‪،‬‬ ‫بينما بدأ السرد اليوناني قبل الميالد في الشعر الملحمي‪.‬‬ ‫ورغم أن الثقافة اللغوية العربية في جوهرها‬ ‫ثقافة شعرية‪ ،‬كما يقول الدكتور عبدالله الغذامي‪،‬‬ ‫فقد وُجدت أساطير في التراث تواصل بعضها‬ ‫حتى التاريخ اإلس�لام��ي‪ ..‬مثل حكاية «الغصن‬ ‫الذهبي» في قوم صالح‪ ،‬وأعمال سرد أخرى مثل‬ ‫«ألف ليلة وليلة»‪ ،‬و«كليلة ودمنة»‪.‬‬ ‫وق���د واج���ه ال��س��رد ال��ع��رب��ي إش��ك��ال��ي��ة ظهور‬ ‫حركة نقدية م��وازي��ة ل�لإب��داع في بداياته‪ ،‬كما‬ ‫حدث في مصر وبلدان الشام والعراق والمغرب‬ ‫العربي‪ ،‬واستمرت اإلشكالية وقتاً طويالً‪ .‬كما‬ ‫ظهر السرد في بلدان قبل غيرها مثل بالدنا‬ ‫التي عرفت السرد متأخراً عن غيرها‪ ،‬وعانت‬ ‫هي أيضاً من غياب نقد مواز‪ ،‬يفي باحتياجات‬ ‫ال��س��رد السعودي ال��ذي عبر بقوة ع��ن تطلعات‬ ‫السعوديين؛ حتى أصبح السرد تجسيداً لمقولة‬ ‫الدكتور جابر عصفور «إن ال��رواي��ة هي ديوان‬ ‫العرب الجديد»‪.‬‬ ‫وألن السرد الطويل يحتاج إل��ى جهد فائق‪،‬‬ ‫ويستلزم خبرة تقنية ووقت طويل قد ال يتاحان‬ ‫مهموم بالوطن وثقافته‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مبدع‬ ‫ٍ‬ ‫لكاتب من شباب‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫القصة القصيرة جدا‬

‫ت��ش��ت��ع��ل روح����ه ف���ي ل��ح��ظ��ة إب�����داع ال يستطي ُع‬ ‫كبتها‪ ،‬وتلح تجربته ف��ي ال��خ��روج إل��ى الوجود‪،‬‬ ‫شكلت القصة القصيرة مخرجاً تعبيرياً يماثل‬ ‫القصيدة بال قيودها‪ ،‬وبخصائص أكثر مرونة‪،‬‬ ‫وألن األس���ب���اب ذات��ه��ا تكثفت م��ع المتغيرات‬ ‫الثقافية‪ ..‬خرجت للحياة القصة القصيرة جداً‪،‬‬ ‫التي تع ُّد ول��ي��داً غضاً مقارنة ببقية األجناس‬ ‫األدبية‪ ،‬وهي لم تتشكل على حساب األجناس‬ ‫السردية األخرى بقدر ما تكونت نتيجة متغيرات‬ ‫اج��ت��م��اع��ي��ة واق��ت��ص��ادي��ة‪ ،‬وم���ا ارت���ب���ط ب��ه��ا من‬ ‫ظ���روف‪ ،‬مثل العولمة وث���ورة االت��ص��االت‪ ،‬وهي‬ ‫في صميم تكوينها قصة قصيرة‪ ،‬فليس مهماً‬ ‫المساحة السردية وإنما المضمون‪ ..‬فقد تكون‬ ‫وم��ض��ة‪ ،‬يعتمد توصيفها ع��ل��ى م��ا تمتلك من‬ ‫عناصر القصة المصاغة بكثافة سردية‪ ،‬وأنها‬ ‫ال تفتقد ‪-‬بحكم مساحتها‪ -‬للبنية القصصية أو‬ ‫عناصر أخرى مهمة‪ ..‬مثل‪ :‬الخطاب التاريخي‬ ‫وال��ف��ن��ي‪ ،‬وب��ن��اء ال��ح��دث‪ ،‬وسيكولوجية الحدث‬ ‫وأبطاله؛ أي أنها تقدم ‪-‬رغم مساحتها السردية‬ ‫الضئيلة‪ -‬دراسة لعوامل نفسية في فكرة درامية‪،‬‬ ‫وتصرفات األبطال‪ ،‬لوصف حالة معينة تصنع‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪11‬‬


‫الدهشة واإلحساس بحدث ما‪ ،‬وتحقق التواصل متغيرات عصر ال��س��رع��ة‪ ،‬ف��وج��دت إق��ب��االً من‬ ‫مع المتلقي‪ ،‬لرفض أو قبول مواقف شخصيات القراء ألنها ال تستهلك من وقتهم الكثير الذي‬ ‫النص السردي‪ ،‬أو القناعة الفكرية بموقف أو يحتاجونه ألمورهم الحياتية‪.‬‬ ‫نهاية‪ ،‬ورب��م��ا بمضمون وروح دع��اب��ة‪ ،‬أو فكرة‬ ‫إال أن القصة القصيرة ج���داً تعاني غياب‬ ‫فلسفية في نص شاعري الروح والمظهر‪.‬‬ ‫النقاد وابتعادهم‪ ،‬ربما لعدم وجود اإلغراء الذي‬

‫إن الفهم العميق للقصة القصيرة جداً‪ ،‬يُظهر‬ ‫أن أهم خصائص هذا الفن هو (العمق الداللي‬ ‫واللغوي) الناتج عن كثافة اللغة والتعبير‪ ،‬وهو‬ ‫ما قال عنه الدكتور محمد الشنطي‪« :‬إن القصة‬ ‫القصيرة من أكثر الفنون استعصاء على التنظير‬ ‫والتأطير الشكليين‪ ،‬إل��ى الحد ال��ذي أدى إلى‬ ‫شيوع ال��ق��ول ب��أن ك��ل قصة ه��ي تجربة جديدة‬ ‫في التكنيك»‪ .‬ربما من أجل ذلك شقت القصة‬ ‫ال��ق��ص��ي��رة ج���داً طريقها ب��س��رع��ة؛ ألن��ه��ا تالئم‬

‫تقدمه الرواية كطريق سهل للشهرة‪ ،‬وافتقار فن‬ ‫القصة القصيرة جداً إلى رواد حقيقيين مقارنة‬ ‫ب��رواد ال��رواي��ة إذا ما استثنينا نجيب محفوظ‪،‬‬ ‫وزكريا تامر على سبيل المثال‪ .‬ورغ��م كل ذلك‬ ‫أكرر أن السرد في كل أشكاله وحاالته‪ ،‬سيبقى‬ ‫عنصراً رئيساً ومؤثراً مهماً من عناصر ثقافة‬ ‫المجتمع‪ ..‬سواء في أشكاله التي نعرفها‪ ،‬أو تلك‬ ‫التي ال نعرفها‪ ،‬ألنها ما ت��زال في ظهر الغيب‬ ‫حتى يأتي بها المستقبل‪.‬‬

‫تأمالت في املشهد‪..‬‬

‫فس العميق في القصة القصيرة جدا ً‬ ‫النَّ َ‬

‫> عبدالغني فوزي ‪ -‬املغرب‬

‫هذه الورقة أشبه ما تكون بتقرير عن أوراق أعددتها ‪ -‬بمناسبة أو من‬ ‫دون مناسبة في القصة القصيرة جدا‪ .‬أوراق ال أرى من خاللها خالصات‬ ‫نمطية أو أجوبة يقينية‪ ،‬بقدر ما أنتصر للسؤال الذي يجعل األدب مرتعشا‬ ‫وعلى محتمل ما‪ .‬ذاك أن التحقق على صورة معينة‪ ،‬يبقى مفتوحا على‬ ‫اآلتي‪ ،‬لتجاوز الذات باستمرار؛ والبحث عن صيغ جديدة على خلق عميق‪.‬‬ ‫من هذه الصيغ القصة القصيرة جدا التي نسائلها اليوم‪ ،‬ونتركها لسبيلها‬ ‫وحافتها‪.‬‬

‫القصة القصيرة جد ًا كموضوع بحث‬

‫كلما سعيت للحديث قليال في القصة القصيرة‬ ‫ج��دا‪ ،‬تنتابني ح��ي��رة؛ أظنها حيرة الباحث في‬ ‫تناول موضوعه‪ .‬وهي إشكالية مطروحة بحدة‬ ‫في األدب والعلوم اإلنسانية‪ .‬ويمكن تقديم بعض‬ ‫مالمح هذه الحيرة كاآلتي‪:‬‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫م��ا يتعلق ب��ال��ب��اح��ث‪ :‬ك��ث��ي��رة ه��ي الكتابات‬ ‫والدراسات التي تبني عالقات متوترة في تناول‬ ‫القصة القصيرة ج��دا؛ ذاك أن بعض الكتابات‬ ‫تسعى لخدمة األص��ول النظرية‪ .‬تكون مع هذه‬ ‫الحالة القصة القصيرة جدا مجرد تعلة للتبرير‬ ‫فقط أو التعضيد‪ .‬وال يمكن أن نستثني هنا‬ ‫ال���دراس���ات االن��ط��ب��اع��ي��ة ال��س��ري��ع��ة ال��ت��ي تراكم‬


‫عن النفاق الثقافي الذي أوجد ما يمكن تسميته‬

‫تتعدد أمامنا ط��رق ت��ن��اول القصة القصيرة‬ ‫جدا (تاريخ األدب‪ ،‬النقد األدبي‪ ،‬نظرية األنواع‬ ‫األدب���ي���ة)‪ ،‬وم��ن ث��م ف��األف��ك��ار م��ت��ع��ددة ومتنوعة‬ ‫المنطلقات وزوايا النظر‪ .‬منها ما يتعلق بشعرية‬ ‫ه��ذا ال��ن��وع‪ ،‬واآلخ��ر بتاريخه‪ ،‬وثالث بعالئقه‪..‬‬ ‫فأغلب الدراسات تقر أن القصة القصيرة جدا‬ ‫نوع أدبي حديث‪ ،‬ظهر عربيا في العقود األخيرة‬ ‫من القرن السالف‪ .‬وتطور بشكل ملحوظ في‬ ‫ب��داي��ة األل��ف��ي��ة ال��ث��ال��ث��ة‪ :‬ه��ل ه��و ت��ط��ور ك��م��ي أم‬ ‫كيفي؟ أم هما معا؟ القصة القصيرة جدا متعددة‬ ‫المصطلح والخصائص؛ ويمكن االستئناس هنا‬ ‫بالقائمة التي خلص إليها الباحث أحمد جاسم‬ ‫ال��ح��س��ي��ن ف��ي ك��ت��اب��ه «ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة جدا»‬ ‫الصادر سنة ‪1997‬م‪ .‬فالقصة القصيرة جدا هي‬ ‫قصصية تتوسل بـ‪ :‬الجرأة‪ ،‬التكثيف‪ ،‬االنزياح‪،‬‬ ‫الرمز‪ ،‬اإلش���ارة‪ ،‬البداية المخصوصة‪ ،‬القفلة‪،‬‬ ‫وحدة الموضوع‪ ،‬التناص‪ ،‬المفارقة‪ ،‬السخرية‪..‬‬ ‫طبعا هذه الخصائص كانت محط تناول ونظر‬ ‫الكثير م��ن ال��ك��ت��اب��ات‪ .‬ول��ك��ن م��ا يهمني هنا‪..‬‬ ‫أصوغه عبر السؤال‪ :‬بأية طريقة سردية يمكن‬ ‫للقصة أن تشتمل على كل ذل��ك‪ ،‬أو بعضه‪ ،‬في‬ ‫انتظام وجدل داخلي؟‬

‫«قصة قصيرة ج��دا»‪ .‬وف��ي المقابل‪ ..‬فالمبدع‬

‫أكيد أن ه��ذه الخصائص تليق بالمساحات‬ ‫ال��ص��غ��ي��رة ج���دا ف��ي اإلب�����داع‪ .‬وع��ل��ي��ه‪ ،‬فالقصة‬ ‫القصيرة جدا مساحة سردية‪ ،‬على قدر كبير من‬ ‫الحرية؛ إلعادة اختبار عناصر األدب من جديد‪،‬‬ ‫وبشكل جاد وحاد‪ .‬لكن في تقديري ال يمكن أن‬ ‫يتحقق ذلك دون جدل األدب الداخلي والخارجي‬ ‫ضمن منعطفاته القديمة والحديثة‪ .‬فالتكثيف‪،‬‬ ‫م��ث�لا‪ ،‬يقتضي االخ��ت��ص��ار؛ وال��ع��رب ت��ق��ول هنا‪:‬‬ ‫«ال��ب�لاغ��ة ف��ي اإلي��ج��از»‪ .‬هنا الم��ف��ر م��ن إدراك‬ ‫نظريات بالغية ونقدية (النظم‪ ،‬مقتضى الحال‪،‬‬

‫«بالنقد األملس» الذي اليؤسس‪ ،‬وال يفضي ألي‬ ‫شيء؛ بل يخضع كل بناء لمنزلقات‪.‬‬

‫م���ا ي��ت��ع��ل��ق ب���امل���وض���وع‪ :‬إن م��وض��وع��ن��ا هذا‬

‫شائك في تحديده‪ ،‬نظرا العتبارات عدة‪ ،‬منها‬ ‫الجدة وعدم وضوح الملمح‪ .‬وإذا تناولنا األمر‬

‫ضمن إش��ك��ال ال��ت��راث والمرجعيات اإلنسانية‬ ‫األخ��رى‪ ،‬ازداد األمر تعقيدا‪ ،‬ألن هذا اإلشكال‬

‫غير محسوم على صعيد مجتمعي وفكري‪ .‬هذا‬ ‫فضال عن المد المتسارع في اإلنتاج القصصي‪،‬‬

‫واستسهال هذا النوع األدبي في الكتابة‪ ،‬والذي‬ ‫غدا مطية للغافلين‪.‬‬

‫م��ع ه��ذه الوضعية‪ ،‬كيف يمكن انتقاء عينة‬

‫تمثيلية؟ لوضع اليد على مشترك‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬

‫اإلق���رار بنصوص استثنائية‪ ،‬تمنحنا المعايير‬

‫المشتركة بالمعنى اإلبداعي‪.‬‬

‫ما يتعلق بالقارئ‪ :‬يواجه األدب‪ ،‬بشكل عام‪،‬‬

‫تحديا خطيرا ضمن ت��واص��ل معطوب وغياب‬

‫االعتبار األدبي‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬يبقى التواصل‬ ‫محدودا إلى حد‪ ..‬فالكثير ال يعرف هذه المدعوة‬

‫يقرأ قصصة أمام جدار أصم!‬

‫وأن���ا أع���رض ل��ه��ذه ال��ع��وائ��ق‪ ،‬ال أق��ت��رح فتحا‬

‫ج��دي��دا‪ ،‬ب��ل أنتصر ل��ـ «حقيقة» األدب‪ ،‬ليست‬ ‫كوهم أو اتفاق؛ بل كقيم جوهرية‪ ،‬يتم تنسيبها‬

‫بالشرط األدبي ضمن النص الثقافي العام‪ .‬وهو‬ ‫ما يقتضي االنتقاالت الموضعية من النص إلى‬

‫بنية فكرية م��ؤط��رة ل��رؤي��ا العالم ضمن شرط‬ ‫تاريخي معين‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أحكاما وأف��ك��ارا مسبقة بال سند‪ .‬ه��ذا فضال‬

‫في شعرية القصة القصيرة جدا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪13‬‬


‫مشاكلة اللفظ للمعنى‪ .)..‬فالكثافة واالنزياح‬ ‫والترميز‪ ،‬يقتضي ك��ل ذل��ك‪ ،‬التلميح واإلشارة‬ ‫المقامية‪ .‬وم��ن ث��م‪ ،‬ال مجال للمهمل والحشو‬ ‫وال��زوائ��د في هذه القصة‪ .‬كما أن التوسل بكل‬ ‫الخصائص أو بعضها‪ ،‬يقتضي النهوض برِ هانات‬ ‫جمالية وفكرية (الحلم‪ ،‬اللغة‪ ،‬القصر‪ ،‬الحكي‪.)..‬‬ ‫والحالة هذه‪ ،‬ووفق هذه العدة‪ ،‬فالقصة القصيرة‬ ‫جدا لها غنائيتها المتشظية على نفس درامي‬ ‫م�ل�ازم‪ .‬لكن ال غنائية ب���دون م��داخ��ل فلسفية‬ ‫وشعرية وتاريخية‪ ..‬إليجاد مزيج صقيل بحس‬ ‫رؤي���وي‪ ..‬وإال سقط المبدع ف��ي متاهة‪ ،‬ضمن‬ ‫شرنقة ذاتية ال ترى أبعد من األنف‪.‬‬

‫في معنى القصر‬ ‫القصة القصيرة جدا لها مساحتها الصغيرة‬ ‫كصياغة لغوية مضغوطة‪ ،‬تؤدي دالالت عديدة‪.‬‬ ‫وال يمكن أن يتم ذل��ك دون تشكيل ورؤي���ا‪ ،‬كما‬ ‫يُ��ف��ص��ل ال��ن��اق��د حسين ع��ل��ي محمد ف��ي كتابه‬ ‫«ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة ج���دا‪ :‬ق����راءة ف��ي التشكيل‬ ‫والرؤية»‪ .‬وهي وفق هذا الطرح أكثر صعوبة كما‬ ‫يقر جابر عصفور‪.‬‬

‫���س دق��ي ٍ��ق ب��ال��م��رح��ل��ة‪ .‬وم���ن ثم‪،‬‬ ‫ال��ع��ال��م وف���ق ح ٍّ‬ ‫فالقصة القصيرة ج��دا ع��ص��ارة تجربة وحياة‬ ‫تقطر خبرة ال تسقط صاحبها في التيه أو خارج‬ ‫الحكي كحاجة وامتالء‪.‬‬

‫في عالئق القصة القصيرة جدا‬ ‫بناء على م��ا سبق‪ ،‬فالقصة القصيرة جدا‬ ‫كينونة وتقطيع خ��اص لألشياء وال��ع��ال��م‪ .‬وهي‬ ‫ب��ذل��ك م��س��اح��ة مضغوطة ب��إم��ك��ان��ه��ا استيعاب‬ ‫األن��واع األدبية األخ��رى‪ .‬هنا تبدو قصيدة النثر‬ ‫واألخبار والحواشي أق��رب إلى شطآن بحرها‪.‬‬ ‫لكن بأي طريقة تربط هذه القصة الصلة وتخلق‬ ‫جدلها‪ ،‬لتبني حدها الخاص أو محمولها؟ أكيد‪،‬‬ ‫فالشعر يمنحها التكثيف والترميز واإليحاء‪ ،‬لكن‬ ‫ضمن شرط سردي بمختلف تلويناته‪ .‬تكون معه‬ ‫مستلزمات الشعر كعالمات فارقة تغور اللغة‬ ‫وتقعرها‪ .‬وتخلق لها نفسها العميق‪ .‬في هذا‬ ‫ال��م��ق��ام‪ ،‬تمر ك��ل م��ك��ون��ات ال��س��رد م��ن شخوص‬ ‫وأح�����داث وإط�������ارات‪ ،‬فتتخفف وت���ب���دو معبرة‬ ‫بدورها عوض استقبال األحداث واألفعال‪ .‬كما‬ ‫أن األمثال والحكم النابعة أساسا من التجارب‬ ‫ومحك الحياة‪ ،‬بإمكانها أن تخلق تعدد الروافد‬ ‫وت��ن��وي��ع ن��غ��م��ات ال��ق��ص ف��ي ح���وار م��ق��ص��دي مع‬ ‫النص الغائب‪ .‬فالقصة ليست خبرا وال نكتة‪..‬‬ ‫وال م��ف��ارق��ة س��اري��ة ف��ي المخيال الجمعي؛ بل‬ ‫إعادة بناء واكتشاف جديد‪ .‬وهنا تغدو المفارقة‬ ‫مفارقات متخلقة‪ ،‬وذات طبقات‪ .‬وفي ذلك تتعدد‬ ‫الصياغات السردية والرؤى الجمالية والفكرية‪،‬‬ ‫تبعا للسياقات الخاصة والعامة‪.‬‬

‫القصر هنا ملتبس الداللة والملمح‪ ،‬الشيء‬ ‫ال��ذي و َّل��د مصطلحات في التسمية من قبيل‪:‬‬ ‫قصيصة‪ ،‬لقطة‪ ،‬ومضة‪ ،‬مشهد‪ ،‬قصة قصيرة‬ ‫ج��دا‪ ..‬ويمكن أن يكون ذلك مصدر غنى‪ ،‬حين‬ ‫ال يطول النقاش لعقود‪ ،‬إلبعاد النزعة التشكيكية‬ ‫ف��ي مسيرة ه��ذا ال��ن��وع األدب���ي‪ .‬كما أن القصر‬ ‫يمكن فهمه ب���دالالت أخ���رى‪ ،‬ك��ون المساحات‬ ‫الصغيرة نحيا بها (المناديل‪ ،‬مرآة‪ ،‬جيوب‪ ،‬ظالل‪،‬‬ ‫غرف‪ .)..‬وعليه‪ ،‬فهو قصر وجودي يرقب العالم‬ ‫على سبيل الختم‬ ‫من نقط معينة‪ .‬ها هنا‪ ،‬يمكن اعتبار القصص‬ ‫هل ثبت أن القصة هي انتقاء فكرة‪ ،‬تكون‬ ‫القصيرة جدا الجديرة بهذه المواصفات‪ ،‬بمثابة‬ ‫معها ك��ل مكونات ال��س��رد أم���ام محك التعبير‪،‬‬ ‫كوات على قدر كبير من التأمل واإلطاللة على‬ ‫ضمن إبداع سردي «إشكالي» وإستراتيجي يثير‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫أو تصلب أو ف��راغ خ��ال من التأمل ال��ذي يمنح‬

‫المدخالت لخلق مزيج‪ ،‬على قدر كبير من الرؤيا‬ ‫ال��م��ت��ع��رق��ة؟ فلتتأمل ه���ذه ال��ق��ص��ة ك��ن��وع وليس‬

‫كجنس نفسها‪ ،‬وتبحث لها عن ترسيخ من خالل المراجع‪:‬‬ ‫وقعها وأثرها‪ ،‬لتكون سارية في اللغة والمتخيل‬

‫آنذاك يمكن الحديث ثانية عن بالغتها وفلسفتها‬ ‫في الحياة والكتابة‪ .‬وهذا يعني أنها على نفس‬

‫عميق‪ ،‬ونحن ننتظر عودتها على صفاء قصصي‪،‬‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫على غ��رار الصفاء الشعري ال��ذي ظل يطارده‬ ‫الشاعر محمود درويش في آخر حياته‪.‬‬

‫في آخر مسار هذا الطواف‪ ،‬أستحضر ما قاله‬

‫ ‬

‫•مجلة «قاف صاد» العدد‪ 1‬سنة ‪2004‬م‪ ،‬عن مجموعة‬ ‫البحث في القصة القصيرة بالدار البيضاء المغرب‪.‬‬ ‫•شهوة القصص «عن دار الحرف بالقنيطرة (المغرب)‪،‬‬ ‫محمد المنصور‪.‬‬ ‫•مجلة «م��ج��رة» ع��دد خ��اص بالقصة القصيرة جدا‪،‬‬ ‫عن دار البوكيلي للنشر بالقنيطرة (المغرب) خريف‬ ‫‪2008‬م‪.‬‬ ‫•«أسئلة القصة القصيرة بالمغرب» عن مطبعة طوب‬ ‫بريس بالرباط المغرب‪ ،‬محمد رمصيص‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫األسئلة الحارقة في الحياة والكتابة دون انغالق‬

‫الكاتب والمفكر المغربي عبدالكبير الخطيبي في‬ ‫آخر حياته‪ ،‬وإن في سياق آخر‪ ،‬ما مضمونه‪ :‬ال‬ ‫أح��ب الفن ال��س��اذج‪ ،‬مقابل الفن العالم‪ .‬بدوري‬ ‫أقول هنا‪ :‬ال أحب القصة الساذجة والغافلة‪.‬‬

‫نصوص تقودنا إليها الفراشات‬ ‫أسئلة في (تقليدية القصة القصيرة جدا)‬ ‫> ليلى إبراهيم األحيدب ‪ -‬السعودية‬ ‫هل الكتابة دائرة أم مستطيل بزوايا أربع؟‬ ‫وهل انتمت الكتابة لباب مستحيل الحل؟ لغ ٌز ال يمكن وضع إجابة واحدة له!‬ ‫هل يمكننا اختيار إجابة واحدة مما سبق؟! إجابة واحدة ال غير؟!‬ ‫إن كنت تراها مستطيال بزوايا أرب��ع‪ ،‬فهي‬ ‫مجموعة م��ن ال��ق��واع��د واألط���ر‪ ،‬ت��ب��دأ بنقطة‬ ‫وتمتد بخط طويل محدد‪ ،‬وهي الشكل الذي‬ ‫ينتمي إليه الناظمون في الشعر‪ ،‬المصنفون‬ ‫في الكتب‪ ،‬الساردون الذين يكتبون القصص‬ ‫على شمعات ث�لاث‪ ،‬م��ن ب��داي��ة وع��ق��دة وحل‪،‬‬ ‫الكتابة هنا تستلزم ق��ارئ��ا مستطيال أيضا‪،‬‬ ‫قارئاً يستوقفك ليقول إن هناك خلال في بحر‬ ‫المتدارك‪ ،‬وخفوتاً في العقدة وخطأ علم ّياً في‬ ‫التصنيف‪ ..‬وله الحق في ذلك‪.‬‬

‫بالكتابة نحو عوالم جديدة‪ ،‬وسيظل مرتهنا‬ ‫للمسطرة األدبية القديمة‪.‬‬

‫وإن كنت تراها تنتمي لباب مستحيل الحل‪،‬‬ ‫لغز ال يمكن وض��ع إجابة واح��دة ل��ه‪ ،‬فهي‬ ‫أو ٍ‬ ‫أحاجي تكشف حجبها للبعض‪ ،‬وتمثل العماء‬ ‫بالنسبة لبعض آخر‪ ،‬لها قوانين تشبه العقائد‬ ‫ال��ش��اذة التي تنشئ معابدها ف��ي الخفاء وال‬ ‫تطلع منتسبيها على أسفارها‪ ،‬بل تطلب منهم‬ ‫إيمانا مطلقا‪ ،‬لن تجد لها حال وال إجابة‪ ،‬وهذا‬ ‫النوع من الكتابات قراؤها هُم كتابها أنفسهم‪،‬‬ ‫ال��ن��ص المستطيل ليس ل��ه أجنحة تحلق ينشرونها ليختبروا صبر القارئ فينا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪15‬‬


‫أما إن كنت تراها دائرة‪ ..‬فهي فلك بمجرات‬ ‫ضخمة‪ ،‬نجوم وكواكب ونيازك خاملة‪ ،‬يتصل‬ ‫فيها الشعر بالنثر‪ ،‬وال��ن��ص المفتوح بالنص‬ ‫ال��م��ؤط��ر‪ ،‬القصة ال��وم��ض��ة بالقصة اللقطة‪،‬‬ ‫النثر بالشعر‪ ،‬الشطري بالتفعلية‪ ..‬ال شيء‬ ‫ينتهي ليبدأ ش��يء آخ��ر‪ ..‬ال ش��يء يتخلق من‬ ‫رح��م ش��يء آخ���ر‪ ،‬ليست التفعيلة اب��ن��ة كبرى‬ ‫للشطرية‪ ،‬وليست قصيدة النثر االبنة الشاذة‬ ‫للوزن والقافية‪ ..‬ليس ثمة قطيعة! أو تشظي أو‬ ‫عقوق‪ ..‬كلها دوائر يفضي بعضها إلى بعض‪..‬‬

‫القصيرة ج��دا م��ن جهة أخ���رى‪ ،‬وم��ا ل��م يكن‬ ‫خالق‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫نص‬ ‫الكاتب ناضجا بما يكفي إلنجاز ٍّ‬ ‫فلن تكون كتابته إال مراوحة للشكل ليس إال‪.‬‬ ‫ما الفرق بين قصتين إحداهما قصيرة تطرح‬ ‫فكرتها بأسلوب تقليدي‪ ..‬وتراكيب خالية من‬ ‫الجدة‪ ،‬وأخرى قصيرة جدا تطرح ذات الفكرة‬ ‫بذات التقليدية! ولكن بعدد أقل من الكلمات؟!‬ ‫هل هو الشكل فحسب؟! فإن كان كذلك فبئس‬ ‫للنصوص التي تخلق أجنحتها من فلين هش!‬

‫الكتابة لذة ال يحسنها إال من تحرر من ربقة‬ ‫الشكل وهو يكتب‪ ،‬ومن قيد المستطيل وهو‬ ‫فبعض هذه الدوائر مجرات المعة‪..‬‬ ‫ينتج نصه‪ .‬الكتابة لذة ال تعبر بدرجاتها السبع‬ ‫وبعضها نجوم صغيرة مشعة‪..‬‬ ‫إال م��ن وج��د ف��ي روح��ه��ا مكانا لنصه‪ ،‬وهذه‬ ‫وأخرى نيازك خاملة‪..‬‬ ‫الرؤية لن تتأتى لكاتب يرى التجديد في كتابة‬ ‫وغيرها كواكب لها دورتها االعتيادية في قصة قصيرة جدا معتمدا على عدد الكلمات‬ ‫درب الكتابة ال التبانة طبعا!‬ ‫ال غير!‬

‫إذا كنا نظن أن قصيدة النثر مثال هي تطور‬ ‫للقصيدة العربية‪ ..‬فهذا خطأ فادح؛ فقصيدة‬ ‫النثر شكل جديد من أشكال التعبير عن شعرية‬ ‫ما في نثر الكلمات والصور والتراكيب‪ ،‬ال يمكن‬ ‫قياسها من قارئ يرى الكتابة مستطيلة الشكل!‬ ‫وال يمكن الركون أيضا لحكم متحمس للتجديد‪،‬‬ ‫يرى في التجديد كسراً للقوالب فحسب‪ ،‬فهذا‬ ‫ال يقرأ النص إال بمسطرة أيضا‪ .‬الكتابة نزوح‬ ‫نحو براريَ جديدة في المضامين واألشكال‪ ،‬وما‬ ‫لم يلمس القارئ ذلك‪ ..‬فهذا يعني أن الكتابة‬ ‫هل أضافوا جديدا لما سبق طرحه؟‬ ‫تعاني من قطيعة ما‪ ..‬كما أن القصة القصيرة‬ ‫هل جربوا قمصانا أشد شفافية؟‬ ‫ج��دا أي��ض��ا ليست ت��ط��ورا نوعيا ف��ي السرد‪،‬‬ ‫هل حلقوا بالنص بستمائة جناح؟‬ ‫إن��م��ا ه��ي شكل م��ن أش��ك��ال التعبير‪ ،‬بعضهم‬ ‫يكتبها كمستطيل! بمعنى يكتب نصه ملتزما‬ ‫هل ‪ -‬وه��و األه��م ‪ -‬اعتمدوا على تجربة‬ ‫ب��ش��روط القصة القصيرة ج��دا‪ ،‬لكنه يكتبها س��ردي��ة عميقة يمكن ال��رك��ون إل��ى فضاءاتها‬ ‫بروح قديمة‪ ..‬روح مستطيلة ال تجديد فيها‪ ،‬لتقديم شيء مختلف؟ أم أنهم كتبوا من فضاء‬ ‫وهذا هو مأزق قصيدة النثر من جهة والقصة يفضي إلى فضاء؟!‬

‫القصة القصيرة جدا ليست طفرة جينية‬ ‫طارئة‪ ،‬هي شكل موجود عند أغلب من يكتبون‬ ‫القصة بنفس حديث‪ ،‬تجدها في قصص جار‬ ‫الله الحميد‪ ،‬وسعد الدوسري‪ ،‬وعبد العزيز‬ ‫الصقعبي‪ ،‬وجبير المليحان وغيرهم‪ .‬إذاً ما‬ ‫ال���ذي ح��دث وجعلها تتجلى وكأنها ف��ن للتو‬ ‫يصعد عتبته األول��ى مع جيل األلفية الثانية‬ ‫م��ن ال��ك��ت��اب ال��ج��دد ‪ -‬ج��دي��د مرحليا وليس‬ ‫عمريا؟!!‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ه���ل ف��ش��ل��وا ف���ي ك��ت��اب��ة ن���ص ط���وي���ل بال‬ ‫عثرات؟‬ ‫واأله����م م��ن ه���ذا ك��ل��ه ك��ي��ف ي��ت��ع��اط��ون مع‬ ‫الكتابة؟‬ ‫هل يتعاطون معها كقيد أم كمفاتيح لسموات‬ ‫ال سياج لها!‬ ‫هل يحضر شيطان العدد ويذكرهم بالحد‬ ‫األقصى!‬ ‫هل يتبدى لهم شيطان المفارقة ويذكرهم‬ ‫بأن عليهم أن يصدموا القارئ!‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وجود هذه التجربة السردية مهم في تكوين‬ ‫رؤي��ة متجاوزة لما سبق ط��رح��ه‪ ،‬ال يستطيع‬ ‫الكاتب أن يكسر قالبا لم يشارك في صنعه‪،‬‬ ‫وال يمكن لكاتب قصة قصيرة جدا أن يزعم‬ ‫أنه قادر على صياغة خطاباتها المتجاوزة‪..‬‬ ‫وه��و ل��م ي��ج��اوز نصه القصير‪ .‬عندما كتب‬ ‫ق��اس��م ح���داد ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر ك���ان يبحث عن‬ ‫قميص جديد للكتابة‪ ،‬آمن بوجود الشعرية في‬ ‫النثر‪ ،‬وبحث عن نوافذ تقوده إليها الفراشات‬ ‫ال القوالب الجامدة‪ ،‬ومعلوم سلفا أن قاسم‬ ‫حداد كتب الشطرية والتفعيلة قبال‪ ..‬وما يزال‬ ‫يقدم أش��ك��اال ج��دي��دة ف��ي الكتابة‪ ،‬وم��ا يقال‬ ‫عن قصيدة النثر يقال عن القصة القصيرة‬ ‫ج���دا‪ ،‬فهل خ��رج ال��ك��ت��اب إل��ى ف��ض��اء القصة‬ ‫القصيرة جدا‪ ..‬ألنهم جربوا القصة القصيرة‬ ‫واس��ت��ن��ف��دوا أدوات��ه��م فيها وأح��ب��وا أن يتبعوا‬ ‫فراشات النص؟‬

‫فيها ح��داث��ة ف��ي التقنيات ال��س��ردي��ة‪ ،‬وال في‬ ‫اللغة‪ ،‬وال في الفكرة‪ .‬نصوص مرتهنة للتقليدية‬ ‫السردية‪ ،‬نصوص مسيجة ومقيدة كمستطيل‪.‬‬ ‫نقرأها فنشعر بخواء اللغة‪ ..‬واللغة في ظني‬ ‫هي المفتاح‪ .‬كيف يمكننا أن نقرأ نصا قصصيا‬ ‫قصيرا ما يزال يستخدم التقاطعات التقليدية‬ ‫ذاتها بين المفردات؛ بمعنى أن الكاتب يكتب‬ ‫نصه معتمدا على اللغة السائدة والمتداولة‪،‬‬ ‫فاللغة عنده ال تصعد نحو تقاطعات جديدة‪..‬‬ ‫وال تحفر عميقا لتطرح معنى جديدا‪ ،‬وكي ال‬ ‫أك��ون حدية ف��ي طرحي أق��ر ب��وج��ود نصوص‬ ‫نصوص‬ ‫ٍ‬ ‫م��ت��ج��اوزة ع��ل��ى ال��م��س��ت��وى ال��م��ح��ل��ي‪،‬‬ ‫تشتغل على التجريب ف��ي ال��س��رد القصصي‬ ‫القصير جدا‪ ،‬التجريب في شكل القصة وفي‬ ‫لغتها وفي أخيلتها‪ ،‬تقرأ النص فتندهش من‬ ‫الفضاءات التي يقدمها النص‪ ،‬وتعرف يقينا أن‬ ‫كاتبها أتى من تجربة سردية أصيلة وعميقة‪،‬‬ ‫ليست طارئة وال مؤقتة‪.‬‬ ‫ولكن كثيراً من موج القصة القصيرة جدا‬ ‫ب�لا ص��وت‪ ،‬وال ل��ون‪ ،‬وال رائ��ح��ة‪ ،‬م��وج طارئ‬ ‫يفتقر لألصالة‪ ،‬والخطيئة هنا ليست معلقة‬ ‫بعنق القصة القصيرة جدا‪ ،‬بل بأولئك الذين‬ ‫يصفقون لنصوص هشة وتقليدية‪ ،‬أولئك الذين‬ ‫يبيعون الوهم بنقد مستطيل ال يرى إال زوايا‬ ‫أربعاً للكتابة‪ ،‬ولألسف‪ ،‬فهذا الوهم تتغذى‬ ‫عليه كثير من األسماء الطارئة على المشهد‪،‬‬ ‫لكن قميص الكتابة ب��ريء م��ن دم النصوص‬ ‫الضعيفة والركيكة والتقليدية التي تظهر لتقول‬ ‫لنا هذا شكل جديد في الكتابة!‬

‫أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة الفراشات إلى‬ ‫يقول عبدالله المتقي عن ال «ق‪ .‬ق‪ .‬ج» إنها‬ ‫حقل القصة القصيرة ج��دا‪ ،‬الفراشات التي‬ ‫تكسر القوالب المستطيلة وتحط على الدائرة‪( ،‬طفلة مخنثة ما تزال تحبو)‪ ..‬وهي كذلك عند‬ ‫وكثير‪ ..‬كثير من القصص القصيرة جدا التي أولئك الذين ما يزالون يكتبون القصة اعتمادا‬ ‫أقرأها نصوص مستطيلة بزوايا ح��ادة‪ ،‬ليس على مؤشر عدد الكلمات في أعلى الصفحة!‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪17‬‬


‫القصة القصيرة جدا‬

‫تقاطعات قصيدة النثر وإشكالية التجنيس‬ ‫> محمد جميل أحمد‪ -‬السودان‬ ‫جاءت حداثة الشكل في القصة القصيرة جدا‪ ،‬موازية لطبيعة الحياة‬ ‫وحراكها‪ ،‬وما يناظر ذلك في عصر السرعة والصورة‪ ،‬على نحو جعل من‬ ‫هذا الشكل الجديد في نص القصة القصيرة جدا‪ ،‬تعبيرا جسد معنى‬ ‫الكتابة حين ال تصبح هامشا فقط؛ بل حين تواجه ضغط الحياة وكثافتها‬ ‫بمواكبة نظيرة له‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬حين نشأ هذا الفن القصصي الجديد‪ ،‬أعمق في حيثيات أخرى لكل من الشكلين‪.‬‬ ‫كان يتقاطع مع شكل آخر للكتابة الشعرية هو‬ ‫وعلى الرغم من أن كل تجنيس لفن ما يضمن‬ ‫(قصيدة النثر)؛ نشأ هو أيضا ضمن حيثيات الهوية الخاصة لصورته األولى على امتداد النص‪،‬‬ ‫أخرى واكبت التحوالت الكبرى للحياة اإلنسانية مع بعض التقاطعات التي يستدعيها من الفنون‬ ‫ف��ي ال��ق��رن العشرين‪ ،‬وم��ا ج��رى ف��ي أتونها من األخ���رى؛ إال أن��ن��ا حين نتأمل تلك المضارعة‬ ‫اهتزازات وتغييرات وثورات في المعرفة‪ ،‬ونظرة بين القصة القصيرة جدا وقصيدة النثر‪ ،‬نجد‬ ‫اإلنسان في العالم الحديث والحياة الصناعية تضييقا يوشك أن يجسر الفرق بينهما‪ ،‬ويكاد‬ ‫وغير ذلك من التحوالت‪.‬‬ ‫يخفي الكثير من العالمات الفارقة‪.‬‬ ‫تنهض بنية القصة القصيرة جدا على التكثيف‬ ‫تقطير‬ ‫ٍ‬ ‫وإض��م��ار معنى الحكاية‪ ،‬أو بؤرتها في‬ ‫شديد يقوم على الحذف والتجريد والمفارقة‬ ‫ٍ‬ ‫ضمن صناعة الدهشة التي ربما كانت من أهم‬ ‫تيماتها الدرامية‪.‬‬

‫فإذا كان النص الشعري يملك خاصية التكوين‬ ‫المدهش‪ ،‬والقابل لالستعادة المتجددة في بنيته‪،‬‬ ‫بصورة ال تكتمل فيها لحظة اإلده��اش أب��دا إال‬ ‫ع��ن��د ن��ه��اي��ة ال���ق���راءة اللحظية‪ ،‬بفعل عالقات‬ ‫المجاز التي تضخها المخيلة في معجم النص‬ ‫الجديد وكلماته‪ ،‬فهذه التيمة ربما كانت التيمة‬ ‫الوحيدة التي تنهض كفرق ما وإن كان ال يخلو من‬ ‫شبه أيضا بين النص الشعري في قصيدة النثر‬ ‫وبين القصة القصيرة جدا‪.‬‬

‫إن طيف الحكاية المضمر‪ ،‬وطريقة قولها‬ ‫المضغوطة في تجربة القصة القصيرة جدا هو‬ ‫ال��ذي يكاد أن يكون الخيط الرفيع المانع من‬ ‫تجنيسها في نسيج قصيدة النثر‪ ،‬لكننا في الوقت‬ ‫نفسه حين نتأمل التيمة السردية في تقنيات‬ ‫وعلى مستوى القصة القصيرة جدا‪ ،‬ربما كان‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬وم��ا يصاحب ذل��ك م��ن عناوين هناك فرق آخر يجعل من اسمها (القصيرة جدا)‬ ‫التقطيع القصيرة في بعض نصوصها‪ ،‬قد يلتبس عالمة دالة على كينونتها؛ لكن عالمة القص التي‬ ‫ال��وض��ع بين النصين بطريقة تستدعي تأمال يمكن أن تكون عنوانا لهويتها تنهض أيضا كدليل‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫في قصيدة النثر ينحو أسلوب النص بصورة‬ ‫عامة إلى شعرية التفاصيل‪ ،‬وتجريد اليومي من‬ ‫ضغط التاريخ‪ ،‬وتكثيف المعنى عبر انزياحات‬ ‫تتجاوز الوقوع في األفكار المجردة‪ ،‬إلى تمثل‬ ‫ال��ح��واس كمنافذ للتعبير‪ ،‬ون��س��ج ال��م��ج��از في‬ ‫صفاتها ضمن عالقات جديدة‪.‬‬

‫ه��ذه االل��ت��ب��اس��ات ف��ي عمومها تضمر بعدا‬ ‫عميقا للعملية اإلب��داع��ي��ة‪ ،‬ال سيما ف��ي مجال‬ ‫الكتابة‪ ..‬كما أنها في الوقت نفسه تختبر الذائقة‬ ‫بتجارب جديدة ال تحيل جدتها فقط على صعوبة‬ ‫التجنيس‪ ،‬بل على هموم الكتابة الجديدة أيضا؛‬ ‫في التفاصيل اليومية‪ ،‬في الهاجس اإلنساني‬ ‫وبإمكان المتلقي أن يرصد التيمات السابقة‬ ‫للتعبير‪ ،‬وكذلك في حيثيات التجربة الخاصة في بعض نماذج القصة القصيرة جدا‪ ،‬وبصورة‬ ‫والترهين اللغوي الذي يؤشر على حداثة النص ت��دع��و إل���ى ال��ك��ث��ي��ر م���ن ال��ت��س��اؤل ح���ول حدود‬ ‫من جهة الشكل والمضمون معا‪.‬‬ ‫التجنيس الظاهرة بين هذين الشكلين الجماليين‬ ‫ربما للوهلة األولى يؤشر التقاطع بين الشكلين في الكتابة الحديثة‪.‬‬ ‫ع��ل��ى م��وض��وع��ة ال��ن��ص ال��م��ف��ت��وح ال��ت��ي دع���ا لها‬ ‫سنحاول استعراض بعض التيمات المشتركة‬ ‫بعض النقاد والمبدعين‪ ،‬على خلفية التباسات بين قصيدة النثر وبين القصة القصيرة جدا‬ ‫التجنيس في فنون الكتابة اإلبداعية‪ ،‬لكن نقاط في النصوص القصيرة التالية‪ ،‬لكل من الشاعر‬ ‫التقاطع هنا‪ ..‬ربما كانت نابعة من طبيعة الشكل اللبناني وديع سعادة‪ ،‬والقاصة السودانية فاطمة‬ ‫الحديث لكل من الفنين (أي القصة القصيرة السنوسي‪.‬‬ ‫جدا‪ ،‬وقصيدة النثر) من ناحية‪ ،‬وهوية الكتابة‬ ‫يقول الشاعر وديع سعادة من قصيدة طويلة‬ ‫الجديدة وأسئلتها من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫له(‪:)1‬‬ ‫بالقطع هناك أسباب ثقافية إنسانية عابرة‪،‬‬ ‫(مر الورد ابني الحبيب ورجع وقال‪:‬‬ ‫نشأت من تنميط الحياة الصناعية والحداثة‬ ‫خلصني يا أزرق األرض‬ ‫وال��ع��ول��م��ة ال��ت��ي تخترق المجتمعات المختلفة‬ ‫يا أبيض الفراشة‬ ‫ب��ن��م��وذج ال��ح��ي��اة ال��ح��دي��ث��ة ون��زع��ة االستهالك‬ ‫واإلغ��راق في الفردية‪ ،‬وهي بطبيعتها مكونات‬ ‫المكان يؤثث نفسه‬ ‫غربية لحياة ت��م تعويمها م��ن خ�لال التواصل‬ ‫****‬ ‫واالن��ف��ج��ار ال����ذي ح���دث ف��ي ث����ورة المعلومات‬ ‫سأذهب إلى الغابة أقعد مع الحطابين‬ ‫واالت��ص��االت (االنفوميديا)‪ ،‬وم��ا راف��ق ذل��ك من‬ ‫وبفأس دهشتهم‬ ‫صيرورات أخرى في السينما واإلعالم واإلنترنت؛‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫محتمل على الفرق من هذه الجهة‪ .‬وفيما تقترن‬ ‫التيمات األخرى كالتكثيف والتقطيع والتصوير‬ ‫وال��ت��ج��ري��د‪ ،‬وغ��ي��ره��ا ب��م��س��اح��ة م��ش��ت��رك��ة بين‬ ‫الشكلين المختلفين‪ ،‬تظل بعض النصوص لكل‬ ‫منهما عصية على التجنيس لحساب أحدهما‬ ‫على اآلخر‪.‬‬

‫كل تلك الحيثيات تسير بالدفع نحو خلق صورة‬ ‫حياة قابلة للتعميم في خطوطها العريضة‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يجعل من طبيعة التعبير عنها في القصة‬ ‫القصيرة جدا‪ ،‬وفي قصيدة النثر‪ ،‬أهم العالمات‬ ‫الفنية ذات الداللة في هذا الخصوص‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪19‬‬


‫أقطع أحالمي وأرميها في النار‬

‫يشكل فارقا ظاهريا في تجنيسها س��واء لجهة‬ ‫قصيدة النثر أو للقصة القصيرة جدا‪.‬‬

‫اليابس يقطع‬

‫وإذ تبدأ النصوص في كل من المقطعين بصيغ‬ ‫الفعل‪ ،‬وتستثمر تيمات السرد كالحوار مثال‪ ،‬فال‬ ‫ش��ك أن هناك م��ا يتجاوز هاتين التيمتين في‬ ‫النماذج السابقة‪ ،‬ويذهب عميقا في تشكالت‬ ‫البينة الداللية واإليحائية لكل منهما‪ ،‬فضال عن‬ ‫ذلك الهم اإلنساني الحميم حيال الذات والتعبير‬ ‫الفردي عن العوالم الخاصة‪.‬‬

‫يقول الحطابون‬ ‫****‬ ‫مهما بدا طاهرا هذا الوجه‬ ‫إنه ملعب العائلة‬ ‫الذكرى ثلج ال يضمن الوقوف فوقه طويال‬

‫إرحل)‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬سنجد أنه ربما كان في هذه النصوص‬ ‫أم���ا ال��ق��اص��ة ال��س��ودان��ي��ة ف��اط��م��ة السنوسي‬ ‫ال��م��ج��زوءة وال��م��س��ت��ل��ة ع��ن س��ي��اق��ات��ه��ا الكاملة‪،‬‬ ‫(وهي واحدة من رائ��دات القصة القصيرة جدا‬ ‫ما ينهض كسؤال على أن نقض ه��ذه المقارنة‬ ‫في السودان) فتقول‪:‬‬ ‫المجزوءة‪ ،‬يمكن أن يكون مفيدا لجهة الفرق بين‬ ‫(عبر منفذ صغير اقتحمت حياته‬ ‫الشكلين عند اإلحالة إلى النصوص الكلية‪ ،‬ومن‬ ‫دخلت عالمه الرحب‬ ‫ثم تأمل جوانب االختالف بطريقة ربما كانت‬ ‫أكثر منهجية‪.‬‬ ‫استغرقتني كنوزه‬ ‫ضاعت مني بوابة الخروج‬ ‫****‬ ‫تحاببنا بصدق‬ ‫توحدنا‬ ‫سألني صورتي‬

‫وم��ع أن تمثل مثل ه��ذه المقارنة يقع ضمن‬ ‫الشروط المعرفية للنقد‪ ،‬إال أن شبهة التجنيس‬ ‫تظل واردة في النصوص والمقطوعات القصيرة‪،‬‬ ‫األم���ر ال���ذي يجعل م��ن ذائ��ق��ة المتلقي العادي‬ ‫تميل إلى الوقوع في شبهة االلتباس والتجنيس‬ ‫ال��م��ش��ك��ك ل��ح��س��اب ال��ش��ك��ل��ي��ن م��ع��ا‪ ،‬وبطريقة‬ ‫مضطردة منعكسة أيضا‪.‬‬

‫فأعطيته المرآة!‬ ‫ثمة بالطبع م��ا ي��ؤش��ر على تفاصيل أخرى‬ ‫****‬ ‫لجهة الفروق من خالل تعميق النظر في ما وراء‬ ‫خلعت ثوب عافيتي‬ ‫النصوص‪ ،‬ومقاربة البنية الداللية واإليحائية‬ ‫ألنشره عليك‬ ‫بالعودة إلى النصوص الكلية‪ .‬لكن هذا االختالف‬ ‫سيطرح أسئلة أخ��رى؛ فالبحث عن االختالف‬ ‫ما وجدتك‬ ‫في الشكلين‪ ،‬سينطوي على طريقة تختبر فروق‬ ‫صار في الدنيا مريضان)(‪!)2‬‬ ‫الشكلين في هامش ضيق‪ ،‬كما أن��ه سيقع إزاء‬ ‫****‬ ‫ب��ع��ض اإلش���ك���االت ال��ت��ي تسمح ب��ت��م��دد ك��ل من‬ ‫في هذه النصوص شبه غياب لما يمكن أن الشكلين تجاه اآلخر؛ على خلفية غياب التعريفات‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫الجامعة المانعة ال سيما ف��ي تعريف الشعر‪ ،‬للتكثيف والضغط والتقشف في الكلمات‪ ،‬وهنا‬ ‫تقترب من منطقة الشعر‪ ،‬ال سيما في نموذج‬ ‫وينسحب ذلك على تعريف السرد أيضا!؟‬ ‫وهكذا‪ ،‬ربما كانت تيمة الموقف والحالة هي قصيدة النثر‪.‬‬ ‫هكذا نجد أنفسنا أمام (قناع جانوس) عند‬ ‫القاسم المشترك في النصوص القصيرة لقصيدة‬ ‫النثر ونماذج القصة القصيرة جدا‪ .‬لكن الحديث ال��غ��وص عميقا ف��ي حيثيات ال��ت��ق��اط��ع ب��ي��ن كل‬ ‫عن مفهوم الموقف والحالة سيتجاوز بنا قصيدة من القصة القصيرة جدا وقصيدة النثر‪ .‬فثمة‬ ‫النثر إلى سؤال الشعر من حيث هو شعر‪ ،‬أي من وج��ه��ان للتشابه يحيل ك��ل واح���د منهما على‬ ‫حيث كونه حالة تعبير تقوم أص�لا على ضغط اآلخ��ر تماما كوجه اإلل��ه جانوس في األسطورة‬ ‫النص مهما طال في عالقات خيالية تجعل من الرومانية‪ .‬ولعل األمر الذي يفرضه هذا التقاطع‬ ‫نسيج الكلمات صفة للشعرية‪ ،‬كمعمار يقوم على بين الشكلين على مستوى القصر ومحدودية‬ ‫قابلية التيمة السماعية والقرائية التي تجعل الكلمات‪ ،‬سيقتصر بالضرورة على بعض نماذج‬ ‫من النص الشعري يتجدد تجددا لحظيا أثناء قصيدة النثر‪ ،‬أي تلك التي تتشكل في مقطوعات‬ ‫القراءة والسماع بصورة ال متناهية‪ ،‬ليس لمجرد صغيرة يصعب التفريق بينها عند ذل��ك‪ ..‬وبين‬ ‫كونه أث��را فنيا فحسب‪ ،‬بل أيضا لكونه يمتلك القصة القصيرة جدا‪.‬‬ ‫وبالعودة إلى النموذجين‪ ،‬ربما وجدنا فروقاً‬ ‫تلك القدرة الخاصة على صناعة الدهشة‪ ..‬عبر‬ ‫تكثيف الطاقة اإليحائية والسحرية التي تتولد أخ��رى للخصائص النوعية تظهر على نحو ما‪،‬‬ ‫من عالقة الكلمات ببعضها‪ ،‬عند إعادة إيجادها في سياق ذل��ك التشابه كعالمات على إمكانية‬ ‫في عالم خاص ال يمكن االستمتاع به إال حين تتم وجود بذرة األصل النوعي لكل من الجنسين‪ .‬أي‬ ‫بين الواقع كفضاء للسرد‪ ،‬وبين الخيال كفضاء‬ ‫استعادة قراءته وسماعه مرات ومرات‪.‬‬ ‫للشعر على مستوى البصمة األول���ى لكل من‬ ‫وعلى الرغم من هذه الشعرية العالية التي‬ ‫الشكلين‪ ،‬كما بين صيغ الفعل بالنسبة للسرد‪،‬‬ ‫تنطوي عليها تجربة القصة القصيرة جدا‪،‬‬ ‫وصيغ اإلن��ش��اء بخصوص الشعر‪ .‬ففي نهايات‬ ‫إال أن��ه ربما ك��ان السبب أيضا فيما يمنح تلك‬ ‫نصوص الشاعر وديع سعادة نجد سيادة لإلنشاء‬ ‫الحالة والموقف في القصة القصيرة جدا جدوى‬ ‫في بنية الجملة بطريقة تقارب التلخيص في‬ ‫شرعيتها؛ فكلما طال السرد في النص‪ ..‬اتضح‬ ‫المعنى‪( :‬المكان يؤثث نفسه) (اليابس يقطع)‬ ‫المعنى الفني بصورة تصبح فيها قابلية القراءة‬ ‫(الذكرى ثلج ال يضمن الوقوف فوقه طويال)‪..‬‬ ‫واالستمتاع محدودة جدا‪ ،‬لمرة أو مرتين أو حتى‬ ‫فيما نجد ن��ه��اي��ات ن��ص��وص فاطمة السنوسي‬ ‫ث�لاث م��رات على األك��ث��ر‪ .‬أي أن هناك عالقة‬ ‫حضورا لألفعال ك��دوال على ما يمكن أن يكون‬ ‫مضطردة منعكسة بين طول النص السردي من‬ ‫بمثابة خاتمة درامية للنص‪( :‬ضاعت مني بوابة‬ ‫ناحية‪ ،‬ووضوح معناه من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫ال��خ��روج) (فأعطيته ال��م��رآة) (ص��ار ف��ي الدنيا‬ ‫لكن حين تنحو القصة القصيرة ج��دا على مريضان)‪ .‬كذلك سنجد ثمة حضور للواقع الذي‬ ‫عكس ما يجعل معنى السرد واضحا‪ ،‬أي حين ه��و ف��ض��اء ال��س��رد ف��ي نهايات ن��ص��وص فاطمة‬ ‫تنحو للقصر ال��ش��دي��د‪ ..‬فهي تلجأ بالضرورة ال��س��ن��وس��ي‪ ،‬على حين أن��ن��ا نجد ح��ض��ورا قويا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪21‬‬


‫للصورة الخيالية والتجريدية في نهايات نصوص‬

‫انفتاح تعريفه‪ ،‬الذي يتسع لمستويات أخرى من‬

‫وديع سعادة‪.‬‬

‫الكتابة اإلبداعية كالقصة القصيرة ج��دا‪ ،‬دون‬

‫ه��ك��ذا‪ ،‬رب��م��ا ك��ان��ت إشكالية التجنيس بين‬ ‫القصة القصيرة جدا وبعض نماذج قصيدة النثر‪،‬‬

‫أن يعني ذلك غيابا مطلقا للخصائص النوعية‬ ‫األول��ى لكل من الشكلين؛ ودون أن يكون تعبيرا‬

‫تقع في ذلك الحيز الذي يسمح به الشعر لناحية عن ما يسمى عند بعض النقاد بالنص المفتوح‪.‬‬

‫القصة القصيرة جدا في ضوء النقد‬ ‫> محمود العزازمة ‪ -‬األردن‬

‫الميالد والنشأة‬ ‫يع ُّد آرنست همنجواي(‪ )3‬أول من أطلق مصطلح «القصة القصيرة جداً»‬ ‫على إحدى قصصه عام ‪1925‬م‪ ،‬إذ كتب قصة قصيرة جدا تتألف من ست‬ ‫كلمات فقط‪ ،‬هي‪« :‬للبيع‪ ،‬حذاء لطفل‪ ،‬لم يلبس قط»‪ ،‬وكان يعدها أعظم‬ ‫ما كتب في تاريخه اإلبداعي‪ .‬وكان صدور كتاب انفعاالت للفرنسية (ناتالي‬ ‫ساروت)(‪ )4‬عام ‪1938‬م‪ ،‬فاتح ًة أولى أثارت الجدل حول فنٍّ سرديّ جديد‬ ‫أقرب ما يكون إلى فن القصة القصيرة‪ ،‬وأول ترجمة عربية للكتاب كانت على يد الباحث المصري‬ ‫فتحي العشري عام ‪1971‬م‪ .‬ث ّم تناوبت الدراسات والمقاالت التي تتناول القصة القصيرة جداً على‬ ‫تسمية كتاب «انفعاالت» لنتالي ساروت بالقصص القصيرة جداً‪ .‬ولع ّل السبب في ذلك يعود إلى مترجم‬ ‫كتاب «انفعاالت» الذي وضع عنوان الكتاب «قصص قصيرة جداً»‪.‬‬ ‫ويرى الناقد العراقي نجاح الجبيلي أنّ الكاتبة‬

‫الفرنسية س���اروت ل��م تقصد أن ي��ك��ون كتابها‬

‫وي��رى الناقد نجم عبدالله كاظم أن القصة‬

‫صر‪ ..‬بما‬ ‫القصيرة جدا أول ما تتسم به صفة القِ َ‬

‫قصصا قصيرة جدا‪ ،‬إذ لم يتبلور هذا الصنف يعني اختالفها عن الرواية في البعد الذي أطلق‬ ‫ال‬ ‫حينذاك في الغرب‪ ،‬ولم يكن معروفاً في التراث عليه أرسطو الحجم‪ ،‬وإن كان القصر ليس عام ً‬ ‫القصصي الفرنسي‪ ،‬بل إن الكتاب حين انتشر‬

‫في الغرب كان يطلق عليه مسميات عديدة‪ ..‬مثل‬

‫وأط��ل��ق ال��ق��اص المصري يوسف الشاروني‬

‫ما يؤكد أن «انفعاالت» ليست قصصاً قصيرة‬

‫بمعنى أن قصصه هذه أكثر قصراً من القصص‬

‫«ان��ف��ع��االت» ب��ـ ال��رواي��ة ف��ي ق��ول��ه‪« :‬ك��ذل��ك نتالي‬

‫إال إلى وقت قصير لقراءتها ‪ .‬ومن قصصه‪:‬‬

‫عام ‪1938‬م»(‪.)5‬‬

‫ام���رأة» ع��ام ‪1960‬م‪ ،‬و«ال���زح���ام» ع��ام ‪1969‬م‪،‬‬

‫«القصة الومضة» و«القصة الصدمة» وغيرهما‪،‬‬

‫على بعض قصصه تعبير «قصص في دقائق»‪.‬‬

‫ج��داً‪ .‬ويذهب الكاتب نهاد التكرلي إلى تسمية‬

‫القصيرة االع��ت��ي��ادي��ة‪ ،‬وبالتالي فهي ال تحتاج‬

‫ساروت التي يعود تاريخ روايتها (انتحاءات) إلى‬

‫‪22‬‬

‫رئيساً في تحديد هذا المصطلح‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫(‪)6‬‬

‫«العشاق الخمسة» ع��ام ‪1954‬م‪ ،‬و«رس��ال��ة إلى‬


‫وي��ورد الناقد العراقي هيثم بهنام ب��ردى في‬ ‫مقالة له بعنوان‪« :‬قصاصون سريان‪ :‬نكتب على‬ ‫موقد النار» أن القاص العراقي نوئيل رسام هو‬ ‫أول من أطلق مصطلح قصة قصيرة جدا عام‬ ‫‪1930‬م على بعض قصصه التي نشرها في مجلة‬ ‫«البالد» العراقية‪.‬‬ ‫أم��ا تجربة ال��ق��اص اللبناني توفيق يوسف‬ ‫عواد‪ ،‬فتشير إلى أنه أصدر مجموعته القصصية‬ ‫«العذارى» عام ‪1944‬م‪ ،‬وضمت قصصا قصيرة‬ ‫جدا‪ ،‬غير أنه أطلق عليها اسم‪« :‬حكايات»‪.‬‬

‫فقال أحدُهما‪ :‬أنا أتمنّى قطائع غنم أنتف ُع‬ ‫بلبنِها ولحمها وصوفِ ها‪.‬‬ ‫��اب أرسل ُها‬ ‫وقال اآلخ��ر‪ :‬أنا أتمنّى قطائ َع ذئ ٍ‬ ‫على غَ نمِ كَ حتى ال تتركَ منها شيئاً‪..‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫و«الكراسي الموسيقية» وغيرها‪.‬‬

‫«حُ كي أن أحمقيْنِ اصطحبا في طريق‪ ،‬فقال‬ ‫أحدهما لآلخر‪ :‬تعا َل نتمنَّ على الله‪ ،‬فإنَّ الطري َق‬ ‫تُقط ُع بالحديث‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويحكَ ! أهذا من حقِّ الصحبةِ وحُ رمة‬ ‫العشرةِ؟!‬ ‫اصما‪ ،‬واش��ت��دّ ت الخصوم ُة‬ ‫فتصايَحا‪ ،‬وتَخَ َ‬ ‫تراضيَا على‬ ‫َ‬ ‫بينهما حتى تماسكا باألطواق‪ ،‬ث َّم‬ ‫أنَّ أو َل م�� ْن يطل ُع عليهما يكو ُن حكَماً بيْنهما‪،‬‬ ‫بحمار عليهِ زقَّانِ م ْن عسل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فطلع عليهما شي ٌخ‬ ‫فحدّثاه بحديثِهما‪ ،‬فنزل بال ّزقّين وفتحهما حتى‬ ‫ص َّب الل ُه دمي‬ ‫سال العسل على التراب‪ ،‬وقال‪َ :‬‬ ‫مث َل هذا العسلِ إ ْن ل ْم تكونا أحمقين!»‪.‬‬

‫وي��رج��ع ال��ن��اق��د ب��اس��م عبدالحميد حمودي‬ ‫ب��داي��ة ظهور ه��ذا الفن إل��ى ب��داي��ة األربعينيات‬ ‫من القرن الماضي‪ ،‬إذ نُشرت قصص قصيرة‬ ‫ج���دا‪ ،‬ث��م تالحقت ال��ت��ج��ارب حتى بلغت درجة‬ ‫كبيرة من النضج الفني في مرحلتي الستينيات‬ ‫والسبعينيات‪ ،‬ويذكر أن بثينة الناصري من العراق‪،‬‬ ‫وي������رى أن ه�����ذا ال���ف���ن ظ���ه���ر ب���ع���د سقوط‬ ‫نشرت مجموعتها (حدوة حصان) الصادرة عام‬ ‫األيديولوجيات الكبرى‏‪,‬‏ ليعبر عن اإلنسان العربي‬ ‫‪1974‬م‪ ،‬وأط��ل��ق��ت على إح���دى قصصها اسم‪:‬‬ ‫العادي (الذي كان يعبر عنه الخبر في التراث)‪،‬‬ ‫«ق��ص��ة قصيرة ج���دا»‪ .‬ث�� ّم نَ��شَ �� َر ال��ق��اص خالد‬ ‫ويؤكد على القيم اإلنسانية التي تنطوي عليها‏‬ ‫حبيب الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن‬ ‫الكتابة الصادقة‪,‬‏ التي تتشوق للعدل والحرية‏‪,‬‏‬ ‫مجموعته «القطار الليلي» الصادرة عام ‪1975‬م‪،‬‬ ‫وتنحاز إلى المظلومين والهامشيين‪ ،‬وتحاول أن‬ ‫ثم ت�لاه عبدالرحمن مجيد الربيعي‪ ،‬ث�� ّم جمعة‬ ‫تغمس مدادها في جراح مجتمعها لتكشف عن‬ ‫الالمي وأحمد خلف وإبراهيم أحمد‪.‬‬ ‫األدواء السياسية واالجتماعية التي تستشري‪،‬‬ ‫أما الناقد حسين علي محمد؛ فير ُّد القصة وتصور الهامشيين الذين آن لهم أن ينتصفوا في‬ ‫القصيرة ج��دا إل��ى أص��ول تراثية‪ ،‬وي��رى ظهور شعرية شفيفة‪ ،‬أو سخرية مُخادعة تستطيع أن‬ ‫هذا الفن تطويراً لفن الخبر في التراث العربي تنجو بهما دائماً من القمع والمصادرة‪.‬‬ ‫القديم؛ وبخاصة تلك األخبار التي كانت تجمع‬ ‫المصطلح‬ ‫بين السخرية والمُفارقة‪ ،‬ومنها ما جاء في كتاب‬ ‫«المستطرف في كل فن مستظرف» لألبشيهي‪،‬‬ ‫يتمحور مصطلح القصة القصيرة جدا حول‬ ‫ويذكر عددا من األمثلة ومنها هذا النموذج‪:‬‬ ‫مفهوم القصر؛ القصة تؤكد أسماء كثيرة مثل‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪23‬‬


‫أقصوصة‪ ،‬ومضة‪ ،‬حكاية‪ ،‬شذرة‪ ،‬مشهد‪ ،‬لقطة‪،‬‬ ‫ث��م يتبعها كلمة (ق��ص��ي��رة)‪ .‬وي��ب��دو أنّ القصر‬ ‫والسرعة‪ ،‬هما سمتا هذا العصر‪ ،‬وعليه يمكن‬ ‫أن ينعكس األم��ر على القول ال��س��ردي‪ .‬كما أن‬ ‫األدب نفسه وعبر تاريخه الطويل‪ ،‬كان وال يزال‬ ‫في ص��راع دائ��م مع األشكال واألن��واع والقوالب‬ ‫واإلط��ارات‪ ،‬بغية تجديد نفسه وتحسين أدائه‪.‬‬ ‫ويمكن مالحظة أن القصة القصيرة جدا تعتني‬ ‫أكثر من غيرها من أشكال األدب بـ‪ :‬التكثيف‪،‬‬ ‫والقصر‪ ،‬واإليجاز‪ ،‬والحذف‪ ،‬واإلضمار واإليحاء‪،‬‬ ‫وال��ت��ن��اص‪ ،‬والتخريف األس��ط��وري‪ ،‬والمفارقة‪،‬‬ ‫واألسلبة‪ ،‬والباروديا‪ ،‬والسخرية والفانطاستيك‬ ‫وت��ش��غ��ي��ل ال��م��س��ت��ن��س��خ��ات‪ ،‬واس���ت���خ���دام التوتر‬ ‫الدرامي‪ ،‬وتراكب الجمل‪ ،‬واإلده��اش‪ ،‬واالنزياح‬ ‫وال���ج���رأة وال��ت��ش��وي��ق‪ ،‬وال��ت��ل��غ��ي��ز‪ ،‬والشاعرية‪،‬‬ ‫والقصصية‪ ،‬وتخييب أفق انتظار القارئ‪ ،‬والتفنن‬ ‫في التلوين الترقيمي‪.‬‬

‫وال��ت��ج��ري��ب واإلب�����داع وال��ت��م��رد ع��ل��ى ك��ل م��ا هو‬ ‫ثابت‪ ،‬وم��واق��ف متحفظة في آرائ��ه��ا وقراراتها‬ ‫التقويمية‪ ،‬تشبه مواقف فرقة المرجئة في علم‬ ‫الكالم العربي القديم‪ ،‬تترقب نتائج هذا الجنس‬ ‫األدب���ي ال��ج��دي��د‪ ،‬وك��ي��ف سيستوي ف��ي الساحة‬ ‫الثقافية العربية‪ ،‬وم��اذا سينتج عن ظهوره من‬ ‫ردود فعل‪ ،‬وال تطرح رأيها بصراحة إال بعد أن‬ ‫يتمكن هذا الجنس من فرض وجوده‪ ،‬ويتمكن من‬ ‫إثبات نفسه داخل أرضية األجناس األدبية وحقل‬ ‫اإلبداع والنقد‪.‬‬

‫وي��رى الناقد جميل ح��م��داوي أن هناك من‬ ‫يرفض ف��ن القصة القصيرة ج��دا‪ ،‬وال يعترف‬ ‫ب��م��ش��روع��ي��ت��ه‪ ،‬ألن���ه ي��ع��ارض م��ق��وم��ات الجنس‬ ‫السردي بكل أنواعه وأنماطه‪ ،‬وهناك من يدافع‬ ‫عن هذا الفن األدبي المستحدث‪ ،‬تشجيعا وكتابة‬ ‫وتقريضا ون��ق��دا وتقويما؛ قصد أن يحل هذا‬ ‫المولود في مكانه الالئق به بين كل األجناس‬ ‫ورب��م��ا ه��ذه األش��ك��ال ت��ب��دو أك��ث��ر ق���درة على األدب��ي��ة ال��م��وج��ودة داخ��ل شبكة نظرية األدب‪.‬‬ ‫تحديد جنس القصة القصيرة جدا‪ ،‬ذلك أنه من وهناك من يتريث وال يريد أن يبدي رأي��ه بكل‬ ‫الصعب أن تظهر في أي جنس أدبي آخر بذات جرأة وشجاعة‪ ،‬وينتظر الفرصة المناسبة ليعلن‬ ‫رأيه بكل صراحة سلبا أو إيجابا‪.‬‬ ‫الوضوح كما في القصة القصيرة جدا‪.‬‬ ‫ويؤكد الناقد حمداوي أنه يعترف بهذا الفن‬ ‫موقف النقد‬ ‫األدبي الجديد ويعدّه مكسبا مهما ال غنى عنه‪ ،‬وأنه‬ ‫يرى الناقد جميل حمداوي أن مواقف النقاد من إفرازات الحياة المعاصرة المعقدة التي تتسم‬ ‫من القصة القصيرة ج��دا انحصرت في ثالثة بالسرعة والطابع التنافسي المادي والمعنوي من‬ ‫مواقف مختلفة‪ ،‬وهي ذات المواقف التي أفرزها أجل تحقيق كينونة اإلنسان وإثباتها بكل السبل‬ ‫الشعر التفعيلي‪ ،‬ثم قصيدة النثر‪ ،‬بل يفرضها الكفيلة لذلك‪ .‬كما يؤكد على أن دراسات كثيرة‬ ‫كل مولود أدب��ي جديد وح��داث��ي؛ ما يترتب عن انصبت على فن القصة القصيرة جدا‪ ،‬بالتعريف‬ ‫ذلك ظهور مواقف محافظة تدافع عن األصالة والدراسة والتقويم والتوجيه‪ ،‬ومن أهمها كتاب‬ ‫وتتخوف من كل ما هو حداثي وتجريبي جديد‪ ،‬أحمد جاسم الحسين «القصة القصيرة جدا‬ ‫ومواقف النقاد الحداثيين الذين يرحبون بكل ‪1997‬م»‪ ،‬وكتاب محمد محيي الدين مينو «فن‬ ‫الكتابات الثورية الجديدة التي تنزع نحو التغيير القصة القصيرة‪ ،‬مقاربات أول���ى‪2000:‬م»‪ ،‬دون‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫نسيان الدراسات األدبية القيمة التي تصدى لها عن طريق جمل قصيرة موحية دالة‪ ،‬تترك القارئ‬ ‫كثير من الدارسين العرب‪ ،‬مثل حسن المودن ليتصور‪ ،‬ويجول بخياله ويضع الكالم المسكوت‬ ‫ف��ي م��ق��ال��ه ال��ق��ي��م‪« :‬ش��ع��ري��ة ال��ق��ص��ة القصيرة عنه‪.‬‬ ‫جدا» المنشور في عدة مواقع رقمية الكترونية‬ ‫ك��م��ا ج���رت م��ق��ارب��ة ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة جدا‬ ‫ك��دروب وال��ف��وان��ي��س‪ ...‬ومحمد علي سعيد في بمفاهيم النقد ال��روائ��ي‪ ،‬أو بمكونات القصة‬ ‫دراسته «ح��ول القصة القصيرة ج��دا»‪ ،‬وحسين القصيرة‪ ،‬أو على ض��وء مناهج نقدية تأويلية‬ ‫علي محمد في «القصة القصيرة جدا‪ ،‬قراءة في خارجية‪ ،‬كالمنهج النفسي‪ ،‬أو المنهج االجتماعي‪،‬‬ ‫التشكيل والرؤية»‪ ،‬وعدنان كنفاني في «القصة أو المنهج الفني‪ ،‬أو المنهج التأثري االنطباعي‪،‬‬ ‫القصيرة جدا‪ ،‬إشكالية في النص أم جدلية حول أو يتسلحون ب���أدوات الشكالنية ال��روس��ي��ة‪ ،‬أو‬ ‫المصطلح‪ ،»! ..‬وي��وس��ف حطيني ف��ي «القصة بتقنيات النقد ال��ج��دي��د‪ ،‬كما ل��دى (أالن روب‬ ‫القصيرة جدا عند زكريا تامر» وغير ذلك من غرييه) و(ج���ان ري��ك��اردو)و(م��ي��ش��ي��ل ب��وت��ور)‪ ،‬أو‬ ‫الدراسات النقدية‪.‬‬ ‫االنطالق من آليات البنيوية السردية كما عند‬

‫ويرى الناقد عبدالغني فوزي أن بنية القصة‬ ‫القصيرة ج��دا ه��ي بنية غير ثابتة أو نمطية؛‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬فإنها زئبقية منفتحة على الشعر‪،‬‬ ‫واألس��اط��ي��ر‪ ،‬وف��ن المقال؛ غير أن لكلٍّ منهجه‬ ‫في التكثيف والقصر‪ .‬وعليه‪ ،‬فالقصة تأخذ من‬ ‫الشعر انزياحه لتصوبه تجاه مكونات سردية‪،‬‬ ‫فيحصل التبئير وتقضيم تلك المكونات‪ .‬وهو‬ ‫م��ا يوجد المشهدية‪ ،‬ف��ي سبك حكائي يسعى‬ ‫لتقديم النواة ع��وض التجليات‪ .‬كما أن شكلها‬ ‫البصري‪ ،‬وسرعتها الداخلية قد يخلقان مجانية‬ ‫متنام‪ ،‬تبعا لعنف الحالة‬ ‫ٍ‬ ‫منتظمة بخيط درامي‬ ‫أو المشهد‪ .‬إن��ه خيط درام���ي ق��د يفيض على‬ ‫القصة القصيرة جدا‪ ،‬ويسقط في ذاك البياض‬ ‫الذي ال يقال ليخبر‪ ،‬بل يمتد في أسفل؛ ليشد‬ ‫قدر كبير من اإلماءة‬ ‫هذه القصة لنواة ما على ٍ‬ ‫وهناك في المقابل‪ ،‬دراس��ات نقدية حاولت‬ ‫واإلشارة الذكيتين‪.‬‬ ‫مقاربة القصة القصيرة جدا بأدوات هذا الجنس‬ ‫وترى هيام عبدالهادي أن القصص القصيرة األدبي الجديد‪ ،‬وبمفاهيمه النظرية والتطبيقية‬ ‫جدا قصص تميل إلى التجديد من خالل الجملة كما هو حال كتاب‪« :‬القصة القصيرة جدا» ألحمد‬ ‫المكثفة‪ ،‬واللغة الشاعرية‪ ،‬وب��ذل��ك يمكن في جاسم ال��ح��س��ي��ن(‪ ،)8‬وك��ت��اب‪« :‬القصة القصيرة‬ ‫بضعة أسطر قول ووصف ما يفرد له صفحات‪ ،‬جدا بين النظرية والتطبيق» ليوسف حطيني(‪،)9‬‬ ‫(روالن بارت) و(فليب هامون)و(جوليا كريستيفا)‬ ‫أو (كلود بريموند) أو (جيرار جنيت)‪ ،‬فيشرع‬ ‫هؤالء النقاد العرب المعاصرون ‪-‬كما يرى الناقد‬ ‫جميل ح��م��داوي‪ -‬في الحديث عن القصة‪ ،‬من‬ ‫خ�ل�ال ال��ت��رك��ي��ز ع��ل��ى األح����داث والشخصيات‪،‬‬ ‫والفضاء المكاني والزماني‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬ينتقلون‬ ‫إل���ى دراس����ة ال��خ��ط��اب بالتركيز ع��ل��ى ال����راوي‪،‬‬ ‫والمنظور ال��س��ردي‪ ،‬ودراس��ة الوصف والصيغة‬ ‫التعبيرية والتزمين السردي‪ ،‬كما هو الشأن مع‬ ‫الناقد التونسي عبدالدائم السالمي‪ ،‬الذي قارب‬ ‫قصص المبدعين المغربيين‪ :‬عبدالله المتقي‬ ‫ومصطفى لغتيري‪ ،‬على ضوء المقاربة السردية‬ ‫ف��ي ك��ت��اب��ه ال��ق��ي��م «ش��ع��ري��ة ال���واق���ع ف��ي القصة‬ ‫القصيرة جدا»(‪.)7‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪25‬‬


‫وكتاب‪« :‬الماكرو تخييل في القصة القصيرة جدا‬ ‫بالمغرب» لعبد العاطي الزياني(‪ ،)10‬وكتابا «القصة‬ ‫القصيرة جدا بالمغرب»(‪ ،)11‬و«خصائص القصة‬ ‫القصيرة جدا عند الكاتب السعودي حسن علي‬ ‫بطران» لجميل حمداوي(‪.)12‬‬

‫من يعتبـرها كتابة مجانية ال تفضي إل��ى شيء‪.‬‬ ‫والحال أن القصة القصيرة ج��داً عبـر نماذجها‬ ‫السيئة‪ ،‬تشجع على توجيه االت��ه��ام��ات لها‪ ،‬في‬ ‫حين أن الكثير من الكتابات التي توصف بأنها‬ ‫قصص قصيرة جداً‪ ..‬تسقط في هوة االتهامات‬ ‫التي يوجهها بعض النقاد‪ .‬حيث تجد تسطيحاً‪،‬‬ ‫وتجد الغموض حيث انعدام شروط كتابة القصة‬ ‫القصيرة ج���داً‪ ،‬وأح��ي��ان��اً تجد أن��ك ت��ق��رأ مقالة‬ ‫مكثفة ج���داً ال ق��ص��ة ق��ص��ي��رة ج����داً‪ ،‬أع��ت��ق��د أن‬ ‫هنالك نماذج قليلة في األدب العربي الحديث‬ ‫ال��ت��ي يمكن أن نطلق عليها اس��م قصة قصيرة‬ ‫جداً‪ ،‬ففي القصة القصيرة جداً ال بد من توافر‬ ‫الحدث القصصي‪ ..‬حتى وإن كان ومضة سريعة‪،‬‬ ‫ألنه من دون حدث‪ ..‬ال يمكن أن تجد ما ترويه‪،‬‬ ‫وبذلك تفتقد منذ اللحظة األولى أهم شرط من‬ ‫شروطها‪ ،‬كذلك ينبغي توفر عنصر التكثيف في‬ ‫اللغة‪ ،‬واالقتصاد الشديد فيها‪ ،‬وإال لماذا نكتب‬ ‫قصة قصيرة جداً ما دمنا نرغب في االستطراد‪،‬‬ ‫كما ال بد من قدر ما من الشاعرية التي تحقق‬ ‫ارتفاعاً ملموساً بالعنصر اللغوي أثناء القص‪ .‬وال‬ ‫بد من توافر عنصر المفارقة واإلدهاش والنهاية‬ ‫المحكمة التي ينبغي لها أن تفاجئ القارئ‪ ..‬وقد‬ ‫تصدمه‪ .‬ويمكن للقصة القصيرة جداً أن تعكس‬ ‫هموم اإلنسان العربي المعاصر‪ ،‬وأن تجسد أهم‬ ‫وأعمق اللحظات اإلنسانية في حياته‪ .‬ولكن علينا‬ ‫أال نتوقع منها (بسبب القصر والكثافة) أن تقدم‬ ‫شرحاً مستفيضاً لمشكالت الواقع العربي(‪.)13‬‬

‫يرى القاص محمود شقير أنّ القصة القصيرة‬ ‫ج��داً م��ا ت��زال تتعرض إل��ى ن��وع م��ن إن��ك��ار بعض‬ ‫ال��ن��ق��اد ل��ه��ا‪ ،‬حيث يعتبـرونها غريبة ع��ن جنس‬ ‫القصة القصيرة‪ ،‬وبعضهم يعتبـرها مجرد خواطر‬ ‫وجدانية‪ ،‬وآخرون يلحقونها بقصيدة النثر‪ ،‬وثمة‬

‫ويبدو أن لجوء كتاب القصة إلى هذا الفن‪،‬‬ ‫ليس ألنها أقل طوال من القصة القصيرة األم‪ ،‬بل‬ ‫لقيمتها الفنية أوال‪ ،‬ومهارة كاتبها ثانيا‪ ،‬ذلك أن‬ ‫القاص ال بد أن يتعامل بمهارة‪ ،‬وبطريقة البناء‬ ‫واختزال الحدث‪ ،‬واالشتغال على مساحة أقل ال‬

‫ويطرح الناقد الحمداوي رؤي��ة نقدية جديدة‬ ‫ل��م��ق��ارب��ة ال��ق��ص��ة ال��ق��ص��ي��رة ج���دا‪ ،‬وق���د سماها‪:‬‬ ‫«ال��م��ق��ارب��ة ال��م��ي��ك��روس��ردي��ة»؛ لكونها تتعامل مع‬ ‫المكونات الداخلية للقصة القصيرة جدا وشروطها‬ ‫ال��خ��ارج��ي��ة م��ع االن��ف��ت��اح على م��ك��ون��ات األجناس‬ ‫األدبية األخ��رى‪ ،‬وهي من ال��رؤى النقدية الرائدة‬ ‫والجديدة في حقل نقد القصة القصيرة جدا‪.‬‬

‫رواد القصة القصيرة جدا‬ ‫من أهم رواد القصة القصيرة ج��دا‪ :‬محمود‬ ‫شقير‪ ،‬وفاروق مواسي من فلسطين‪ ،‬وفخري قعوار‬ ‫من األردن‪ ،‬وزكريا تامر‪ ،‬ومحمد الحاج صالح‪،‬‬ ‫وعزت السيد أحمد‪ ،‬وعدنان محمد‪ ،‬ونور الدين‬ ‫الهاشمي‪ ،‬وجمانة ط��ه‪ ،‬وانتصار بعلة‪ ،‬ومحمد‬ ‫منصور‪ ،‬وإبراهيم خريط‪ ،‬وفوزية جمعة المرعي‬ ‫م��ن س��وري��ا‪ .‬وم��ن المغرب حسن ب��رط��ال وسعيد‬ ‫منتسب‪ ،‬وعبد الله المتقي‪ ،‬وفاطمة بوزيان‪ .‬ومن‬ ‫تونس إب��راه��ي��م درغ��وث��ي‪ .‬وم��ن السعودية جبير‬ ‫المليحان وفهد المصبح‪ ،‬وم��ن األدب��اء الشباب‪:‬‬ ‫طاهر الزارعي‪ ،‬وعلي المجنوني‪ ،‬وشيمة الشمري‪،‬‬ ‫وخالد المرضي الغامدي‪ ،‬وحسن الشجرة‪ ،‬ومريم‬ ‫الحسن‪ ،‬وناصر الجاسم وغيرهم‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫على صناعة القصة بنجاح‪ .‬وربما تكمن صعوبة‬

‫في الختام يمكن القول‪ :‬إن القصة القصيرة‬

‫عناصره ومقوماته‪ ،‬ويدقق ما يكتبه كما يقول‬

‫ص��راع مرير حتى يتمكن منه‪ ،‬غير أنها خطت‬

‫إلى أقصى حد»‪.‬‬

‫ك��غ��ي��ره��ا م��ن األن���م���اط األدب���ي���ة أج��ي��اال عديدة‬

‫المعاني الكبيرة التي تختصر السرد‪ ،‬والقدرة التأمل والتأني في إطالق األحكام على اإلبداع‪.‬‬

‫ه��ذا ال��ف��ن ف��ي أن كاتبه يجب أن يعي حقيقة‬

‫ج��دا كائن زئبقي‪ ،‬ي���راوغ بين ي��دي المبدع في‬

‫باشالر‪« :‬المؤلف يجب أن يكون قارئا متيقظا‬

‫في الوطن العربي خطوات مشجعة‪ ،‬وستشهد‬

‫وال ب ّد من مالحظة أن النقد القصصي العربي‬

‫في المستقبل‪ ،‬وال بد أنها ستنتقل من مرحلة‬

‫يمر بخمول نسبي‪ ،‬قد يكون متأتيا من ظاهرة‬

‫البدايات إلى مرحلة النضوج الفعلية‪ ،‬وتصل إلى‬

‫مقطع من قصيدة‪ :‬ليس للمساء إخوة وديع سعادة‪-‬‬ ‫األعمال الشعرية‪ -‬طبعة دار النهضة العربية بيروت‬ ‫‪2008‬م‪.‬‬ ‫قصص قصيرة ج��دا‪ :‬فاطمة السنوسي من كتاب‬ ‫«غ��اب��ة صغيرة» (أنطلوجيا القصة القصيرة في‬ ‫السودان) إعداد وتحرير الشاعر السوداني نصار‬ ‫ال��ح��اج إص����دار م��ن��ش��ورات ال��ب��ي��ت وزارة الثقافة‬ ‫الجزائرية ‪2009‬م‪.‬‬ ‫آرنست ميلر همنجواي‪ ،‬كاتب أمريكي‪ ،‬ع��اش بين‬ ‫(‪ 1961 - 1899‬م) يعد من أه��م الروائيين وكتاب‬ ‫القصة األمريكيين‪ .‬لقب ب��ـ «ب��اب��ا»‪ .‬وغلبت عليه‬ ‫النظرة السوداوية للعالم في البداية‪ ،‬غير أنه عاد‬ ‫ليجدد أفكاره‪ ،‬فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل‬ ‫اإلن��س��ان في رواي��ات��ه‪ ،‬غالبا ما تصور أعماله هذه‬ ‫القوة وهي تتحدى القوى الطبيعية األخرى في صراع‬ ‫ثنائي‪ ،‬وفي طقس من العزلة واالنطوائية‪ .‬شارك في‬ ‫الحرب العالمية األولى والثانية‪ ،‬إذ خدم على سفينة‬ ‫حربية أم��ري��ك��ي��ة‪،‬ك��ان��ت مهمتها إغ���راق الغواصات‬ ‫األلمانية‪ ,‬وحصل في كل من الحربين على أوسمة‪،‬‬ ‫وتأثر بأجواء الحرب ونقلها عبر إبداعاته السردية‪.‬‬ ‫ن��ات��ال��ي س���اروت‪،‬أدي���ب���ة ف��رن��س��ي��ة‪ ،‬ول����دت ف��ي بلدة‬ ‫(إيفانوفا) بروسيا‪ ,‬وبعد عامين من مولدها استقرّت‬ ‫ف��ي فرنسا‪ ،‬ون��ال��ت إج���ازة ف��ي ال��ح��ق��وق‪ ،‬ث��م عملت‬ ‫بالمحاماة حتى عام ‪938‬م‪ ،‬وهو العام الذي نشرت‬ ‫فيه مؤلّفها (ان��ف��ع��االت) ال��ذي يحتوي (‪ )24‬قطعة‬ ‫أدبية‪.‬‬

‫نهاد التكرلي‪ ،‬الرواية الفرنسية الجديدة جـ‪ 1‬الموسوعة‬ ‫الصغيرة ص‪ 166‬دار الشؤون الثقافية ‪1985‬م‪.‬‬ ‫مجلة األقالم‪ ،‬بغداد‪ ،‬العدد ‪1988/11/10‬م‪( ،‬القصة‬ ‫الواقعية القصيرة ج���داً‪ ،‬ع��ن المصطلح والصورة‬ ‫التاريخية)‪.‬‬ ‫ع��ب��دال��دائ��م ال��س�لام��ي‪ :‬شعرية ال��واق��ع ف��ي القصة‬ ‫القصيرة جدا (قصص عبدالله المتقي ومصطفى‬ ‫لغتيري أنموذجا)‪ ،‬منشورات أج��راس‪ ،‬مطبعة دار‬ ‫القرويين‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫أحمد جاسم الحسين‪ :‬القصة القصيرة ج��دا‪ ،‬دار‬ ‫عكرمة‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1997‬م‪.‬‬ ‫يوسف الحطيني‪ :‬القصة القصيرة جدا بين النظرية‬ ‫والتطبيق‪ ،‬مطبعة اليازجي‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‬ ‫سنة ‪2004‬م‪.‬‬ ‫عبدالعاطي ال��زي��ان��ي‪ :‬الماكروتخييل ف��ي القصة‬ ‫القصيرة جدا بالمغرب‪ ،‬منشورات مقاربات‪ ،‬آسفي‪،‬‬ ‫الطبعة األولى سنة ‪2009‬م‪.‬‬ ‫جميل ح��م��داوي‪ :‬القصة القصيرة ج��دا بالمغرب‪،‬‬ ‫م��ن��ش��ورات م��ق��ارب��ات‪ ،‬آس��ف��ي‪ ،‬الطبعة األول���ى سنة‬ ‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫جميل ح��م��داوي‪ :‬خصائص القصة القصيرة جدا‬ ‫عند الكاتب السعودي حسن علي بطران (دراسات‬ ‫ن��ق��دي��ة)‪ ،‬دار السمطي للنشر واإلع��ل�ام‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫مصر‪ ،‬الطبعة األولى ‪2009‬م‪.‬‬ ‫لقاء مع الكاتب محمود شقير‪ ،‬أعده الشاعر عمر أبو‬ ‫الهيجاء‪،‬جريدة الدستور األردنية‪.‬‬

‫ت��أخ��ر النقد ع��ن اللحاق بالتجارب اإلبداعية‬ ‫(‪ )1‬‬

‫(‪ )2‬‬

‫(‪ )3‬‬

‫(‪ )4‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫تحتمل المناورة من المفردات التي ت��ؤدي إلى‬

‫المتسارعة‪ ،‬كون النقد بطبيعته الفنية‪ ،‬يميل إلى‬

‫مرحلة اكتشاف الذات والهوية‪.‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬

‫(‪ )7‬‬

‫(‪ )8‬‬ ‫(‪ )9‬‬

‫(‪ )10‬‬

‫(‪ )11‬‬

‫(‪ )12‬‬

‫(‪ )13‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪27‬‬


‫دراسة في‪..‬‬

‫التجربة القصصية اجلديدة في املغرب‬

‫> عبدالرحيم اخلصار*‬

‫لقد تحوّل المغرب اليوم إلى واحد من أبرز‬ ‫البلدان العربية في كتابة القصة القصيرة؛ فبرز‬ ‫في هذا المجال عدد من الكتّاب عبر مختلف‬ ‫األج��ي��ال‪ ،‬مثل‪ :‬ابراهيم بوعلو‪ ،‬وعبد الجبار‬ ‫السحيمي‪ ،‬وعبدالمجيد بنجلون‪ ،‬وخناثة بنونة‪،‬‬ ‫ومحمد زف����زاف‪ ،‬وإدري����س ال��خ��وري‪ ،‬ومحمد‬ ‫ش��ك��ري‪ ،‬وم��ح��م��د ع��زال��دي��ن ال���ت���ازي‪ ،‬وأحمد‬ ‫المديني‪ ،‬وأبو يوسف طه‪ ،‬وأحمد بوزفور‪ ،‬وليلى‬ ‫أبو زيد‪ ،‬ومحمد صوف‪ ،‬والميلودي شغموم‪ ،‬وعبدالحميد الغرباوي‪ ،‬ومحمد الدغومي‪،‬‬ ‫واألمين الخمليشي‪ ،‬وربيعة ريحان‪ ،‬ولطيفة باقا‪ ،‬وعبد الله المتقي‪ ،‬وحسن إغالن‪ ،‬ومليكة‬ ‫نجيب‪ ،‬وعز الدين الماعزي‪ ،‬وحسن رياض‪ ،‬وأنيس الرافعي‪ ،‬وحسن البقالي وغيرهم‪.‬‬ ‫ب��دأت ال��ب��وادر األول���ى للقصة المغربية في‬ ‫ثالثينيات ال��ق��رن ال��م��اض��ي‪ ،‬لكنها ل��م تتشكل‬ ‫كجنس أدبي مكتمل المالمح إال في الستينيات‪،‬‬ ‫وج��رت في المراحل الالحقة تحوالت عديدة‬ ‫ألسباب تاريخية واجتماعية وثقافية‪.‬‬ ‫وسأقف في هذه الدراسة عند أربعة أعمال‬ ‫قصصية للجيل الجديد‪ ،‬لنكتشف من خاللها‬ ‫العديد م��ن التقنيات السردية الحديثة‪ ،‬التي‬ ‫تجسد تغيرا على مستوى البناء‪ ،‬كما سنكتشف‬ ‫أيضا التحوالت التي لحقت المضامين‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫‪-1‬‬‫«هذه ليلتي» لفاطمة بوزيان‬ ‫حين يصبح اإلنترنت بطال للنص‬ ‫كان إميل سيوران‬ ‫متطرفا في رأيه‬ ‫إلى حد بعيد‪ ،‬إذ‬ ‫يَ���� ُع����دّ األدب هو‬ ‫النثر فقط‪ .‬ونحن‬ ‫إذ نقرأ عددا من‬ ‫ال���روائ���ع النثرية‬


‫أو بآخر‪ ،‬تحامل سيوران على الشعر‪.‬‬

‫على «الجريمة المضادة» التي ارتكبها األب‪:‬‬

‫ب����دأت ال��ك��ات��ب��ة ال��م��غ��رب��ي��ة ف��اط��م��ة بوزيان «هذا الرجل مزق قلبي‪ ،‬انتهك أسراري‪ ،‬وألقى‬ ‫مشوارها اإلب��داع��ي قبل عشر سنوات‪ ،‬بكتابة بها في القمامة»‪ .‬ه��ذا ما قاله خوليو لمديرة‬ ‫الشعر‪ ،‬لكنها أدرك��ت أن ه��ذه النصوص قد ال الكوليخيو‪ ،‬بينما كان األب يصرخ في وجه ابنته‪،‬‬ ‫تصنع أدبا حقيقيا‪ ،‬ولعلها أيضا فهمت‪ ،‬وبعمق‪ ،‬ويذكرها بما فعله فرانكو بالمغاربة‪ ،‬وبما سببه‬

‫مقولة أندريه جيد‪« :‬ال يمكن أن نخلق أدبا جيدا األسبان للزعيم الخطابي من متاعب‪ ،‬وسيكون‬ ‫بعواطف طيبة»‪ .‬ل��ذا لجأت إل��ى النثر مسلحة صعبا عليها أن تقنعه بأن خوليو –كرمز للجيل‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫التي أبدعها القاصون والروائيون‪ ،‬نفهم بشكل على هذه «الجريمة»‪ ،‬كان خوليو هو اآلخر يحتج‬

‫بترسانة من تقنيات الكتابة السردية الحديثة‪ ،‬ال��ج��دي��د‪ -‬ك��ان يحب الخطابي‪ ،‬ويعشق لوركا‬ ‫وسيتضح ذل��ك ف��ي مجموعتها األول���ى «همس ال��ذي قتل بسبب موقفه من االستعمار‪ ،‬لوركا‬ ‫النوايا»‪ ،‬ليتجسد بشكل أوضح في مجموعتها ال��ذي ستستدعي الكاتبة في نصها واح��دا من‬ ‫أجمل وأشهر مقاطعه الشعرية‪:‬‬ ‫الجديدة «هذه ليلتي»‪.‬‬ ‫يتجانس عنوان المجموعة جناسا تاما مع‬

‫بسبب هواك‬

‫عنوان واحدة من روائع الطرب العربي‪ ،‬ولربما‬

‫تعذبني األنسام وقلبي‬

‫أرادت الكاتبة أن تكون لها ليلتها الخاصة‪ ،‬ليلة‬

‫تؤلمني قبعتي‪.‬‬

‫واحدة من ليالي شهرزاد‪ ،‬ليلة للحكي‪.‬‬

‫يقف النص أيضا عند إشكال نفسي آخر‪:‬‬

‫في نصها األول «أس���رار» – وه��و أح��د أهم الرجل الذي في البيت والرجل الذي في القلب‪:‬‬ ‫ن��ص��وص المجموعة وأق��واه��ا ‪ -‬تلعب الكاتبة «أحب الرجل الحزين الصامت‪ ...‬لتكن صامتا يا‬

‫بعامل ال��زم��ن بحرفية واض��ح��ة مستفيدة من خوليو كي أحبك أكثر‪ ،‬أنا ال أحب هذا الرجل‬ ‫تقنيات الرواية الحديثة‪.‬‬ ‫ال��ذي يزعمون أنه رجلي‪ ،‬أنا ال‬ ‫يطرح النص أزم��ة الصراع‬

‫أعرفه‪ ..‬ال أعرف أعماقه‪ ،‬ألنه‬

‫بين ثقافتين مختلفتين‪ ،‬ثقافة‬

‫يتكلم قبل األك���ل وب��ع��د األكل‪،‬‬

‫أب الساردة المنحدر من جبال‬

‫قبل النوم وبعد النوم‪ ،‬قبل أن‬

‫ال��ري��ف ال��م��غ��رب��ي المحافظ‪،‬‬

‫أتكلم وبعد أال أتكلم جالسا أو‬

‫وثقافة «خوليو» الفتى اإلسباني‬

‫مستلقيا ك����ان‪ ...‬وأن���ا أصمت‬

‫المتحرر الذي سيسلم محبوبته‬

‫أصمت‪.»...‬‬

‫الريفية الصغيرة رس��ال��ة حب‬ ‫أم��ام وال��ده��ا‪ ،‬وحين ك��ان األب‬ ‫«يقيم الدنيا ويقعدها» احتجاجا‬

‫ف���ي ن���ص «ع������ادي» يحضر‬ ‫ن��م��وذج ال��رج��ل ال��ع��رب��ي الذي‬ ‫يتباهى بتعدد عشيقاته‪ ،‬والذي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪29‬‬


‫يتفنن في سرد مغامراته‪ ،‬وال��ذي يرى الجنس تسجيل ال��خ��روج –‬

‫‪impossible d afficher la‬‬

‫ض��رورة بيولوجية‪ ،‬بينما يريد في المقابل أن ‪ - page‬الكونيكسيون – إعادة البحث – تحميل‬ ‫يتزوج امرأة «صالحة» لم يقربها أحد من قبل‪ – .‬أنتيفيروس»‪.‬‬ ‫يحضر هذا النموذج أيضا ‪-‬لكن بجلباب آخر‪-‬‬

‫ب��ل إن بعض ال��ن��ص��وص تماهت ف��ي بنائها‬

‫في نص «هذه ليلتي» حيث األب يمجد المغنية وتركيبها مع خصائص إنترنتية محضة‪ ،‬لذلك‪..‬‬ ‫فريدة الحسيمية في الحفالت‪ ،‬بينما يستعيذ س��ي��ح��س ال���ق���ارئ أن اإلن��ت��رن��ت ه���و أح���د أهم‬ ‫منها أمام الفقيه‪.‬‬

‫شخصيات المجموعة‪ ،‬إن لم يكن بالفعل يحتل‬

‫يبدو أن فاطمة بوزيان تجهد نفسها كثيرا في مكانة البطل‪.‬‬ ‫البحث عن صيغ سردية جديدة‪ ،‬لذلك ستتولد‬

‫على مستوى البناء‪ ،‬كانت بوزيان موفقة إلى‬

‫في نصها «االزدحامولوجي» شخصية قصصية ح��د كبير ف��ي تشكيل النصوص بطريقة غير‬ ‫لم نألفها من قبل‪ ،‬شخصية تعاني من تسرب نمطية وتقليدية‪ ،‬متوخية بذلك ممارسة تجريب‬

‫شخصيات أخرى إليها‪ ،‬ومن تسربها هي أيضا متوازن – على حد تعبير الباحث محمد المعادي‬ ‫إلى تلك الشخصيات‪.‬‬ ‫– إذ ف��ي ك��ل ن��ص أك��ث��ر م��ن حكاية‪ ،‬وأك��ث��ر من‬ ‫ت��راه��ن ال��ك��ات��ب��ة ف��ي مجموعتها الجديدة عنوان‪ ،‬وجنوح واضح إلى الخلط بين البدايات‬ ‫على ره��ان التحديث‪ ،‬لكن وف��ق معايير واقعية والنهايات‪ .‬نلمس أيضا ذلك التوظيف المحكم‬ ‫وموضوعية تفرضها طبيعة تفكيرها وطريقة لتقنيات أخرى كالتشذر‪ ،‬والتمفصل‪ ،‬واإلستدعاء‪،‬‬ ‫حياتها‪ ،‬فمعظم كتاب الجيل الجديد يستفيدون والتناص‪ ،‬والتبئير‪ ،‬واللقطة‪ ،‬والبناء الحلزوني‬ ‫من التقنيات الحديثة في التواصل‪ ،‬وفي قراءة والشجري‪ ،‬إضافة إلى توزيع النص عبر فقرات‬ ‫المتون األدب��ي��ة‪ ،‬ومتابعة الحركة الثقافية في غير منسجمة زمنيا ومكانيا‪.‬‬

‫مختلف بقاع العالم‪ ،‬لذلك سنجد المجموعة‬

‫ثمة أيضا نحت لكلمات وتراكيب جديدة‪:‬‬

‫القصصية «هذه ليلتي» حافلة بعدد من التيمات «يستولجني إل��ى قلبه كأنه راب��ط الكتروني –‬

‫ال���ج���دي���دة‪ ،‬إذ ت���ح���اول م��خ��ت��ل��ف ال��ن��ص��وص أن االزدح��ام��ول��وج��ي – ش��ع��رت وأن���ا أرف��ع��ن��ي من‬ ‫ترصد بأشكال متنوعة المفارقات االجتماعية‪ ،‬األريكة أن ليس في سواي خفيفة جدا‪» ...‬‬

‫وال��ت��ح��والت العاطفية ف��ي عصر المحموالت‪،‬‬ ‫والفضائيات واإلنترنت‪.‬‬

‫أري��د أن أشير في نهاية حديثي عن تجربة‬ ‫ف��اط��م��ة ب���وزي���ان‪ ،‬إل���ى أن ال��ح��رك��ة القصصية‬

‫ال��ح��ق��ل ال���دالل���ي ل�لإن��ت��رن��ت يغطي مساحة النسائية في المغرب تعرف حركة أقوى بكثير‬ ‫هائلة من معجم المجموعة‪« :‬بريد إلكتروني‪ -‬من مثيلتها الشعرية‪ ،‬فإذا كنا نجد الجواب صعبا‬ ‫لوجيسييل‪ -‬إيميل ص��ادر‪ -‬إيميل وارد‪ -‬غوغل حين نطرح س��ؤاال عن مدى حضور الشاعرات‬ ‫– وي��ب – ماكروسوفت – تسجيل ال��دخ��ول – المغربيات‪ ،‬نجد في المقابل أجوبة كثيرة حين‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫هنا أن نستحضر أسماء من عيار زهرة زيراوي‪ ،‬ع��م��ي��ق م��ت��رف��ع ع��ن ال��ن��زع��ة ال��ع��اط��ف��ي��ة ونزعة‬ ‫ولطيفة باقا‪ ،‬وربيعة ريحان‪ ،‬وعائشة موقيظ‪ ،‬االن��ت��م��اء‪ ،‬ف���إن ه���ذا ال��ع��م��ق يحضر أي��ض��ا في‬ ‫وال��راح��ل��ة مليكة مستظرف‪ ،‬ورج���اء الطالبي‪ ،‬المجموعة القصصية «حجر دافئ» التي حصلت‬ ‫ومليكة نجيب‪ ،‬ولطيفة لبصير‪ ،‬وليلى الشافعي‪ ..‬على إح���دى ج��وائ��ز ال��ش��ارق��ة‪ -‬اإلص���دار األول‬ ‫وأسماء أخ��رى ستنضم لعالم القصة مع مطلع جنس القصة‪ -‬لكن البحث هذه المرة لم يكن في‬ ‫التاريخ‪ ،‬وإنما في عيون الناس وواقعهم‪.‬‬

‫األلفية الجديدة‪.‬‬

‫‪-2‬‬‫« حجر دافئ» لحسن رياض‬ ‫كاتب يهرب إلى الظل ليرى ما يعتمل‬ ‫في الضوء‬ ‫ي��ل��ج��أ ال���ك���ت���اب‬ ‫ال��م��غ��ارب��ة الجدد‬ ‫إل������ى‬

‫التجريب‬

‫ك��خ��ي��ار أساسي‬ ‫ف��������ي ال����ك����ت����اب����ة‬ ‫السردية‪ ،‬غير أن‬ ‫فئة منهم ما تزال‬ ‫تحافظ على تقاليد‬ ‫ال���ك���ت���اب���ة ال��ق��ص��ص��ي��ة بكافة‬ ‫عناصرها‪ ،‬حيث تحضر الحكاية‬ ‫كعماد للنص ال يمكن االستعاضة‬ ‫عنه بلغة وتقنيات الكتابة‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يراهن عليه القاص والروائي‬ ‫ح��س��ن ري�����اض ال�����ذي س��ب��ق أن‬ ‫حظيت رواي��ت��ه األول����ى «أوراق‬ ‫ع��ب��ري��ة» أواس����ط التسعينيات‬ ‫ب��ج��ائ��زة ات��ح��اد ك��ت��اب المغرب‬ ‫لألدباء الشباب‪ ،‬وإذا كانت هذه‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫نطرح نفس السؤال بخصوص القاصات‪ .‬ويكفي الرواية تبحث في تاريخ اليهود المغاربة بحس‬

‫يقع الكتاب في (‪ )144‬صفحة‪ ،‬ويتضمن (‪)18‬‬ ‫نصا‪ ،‬وباستثناء النصوص الثالثة األول��ى التي‬ ‫جاءت عناوينها مركبة من كلمتين «حجر دافئ –‬ ‫بقايا أثر‪ -‬خط الرمل‪ ،»-‬جاءت بقية النصوص‬ ‫بعناوين مفردة «خواء‪ -‬رغبة‪ -‬عرق‪ -‬مشروب‪-‬‬ ‫ال��ع��م��ى – ال��غ��ائ��ب‪ -‬أم���وم���ة‪ -‬م��ط��ر‪ -‬ذك���رى‪-‬‬ ‫الرسول‪ -‬ليل‪ -‬اآلنسة‪ -‬وصايا – خجل»‪.‬‬ ‫يركز رياض على الوصول إلى عمق شخصياته‬ ‫انطالقا من مظاهرها الخارجية‪ ،‬إنه يؤمن بأن‬ ‫الكائن مهما تفنن في إخفاء أس��راره وعوالمه‬ ‫الداخلية‪ ،‬فإن أشياء قليلة تتسلل إلى الخارج‬ ‫لتفضح المخفي‪ ،‬وه��ذه األشياء ال تلتقطها إال‬ ‫عين روائي متمكن‪.‬‬ ‫وه��ذه الطريقة ف��ي النظر‬ ‫إلى الحياة هي سالح الكاتب‪،‬‬ ‫ف���ه���و ال ي���ث���خ���ن النصوص‬ ‫بالتقنيات المستحدثة للكتابة‬ ‫ال���س���ردي���ة‪ ،‬وال ي��ت��وخ��ى هذا‬ ‫النوع من السبل من أجل تلميع‬ ‫النص‪ ،‬إنه يعتمد طريقة خاصة‬ ‫م��ن��ت��زع��ة م��ن ط��ري��ق��ة عيشه‪:‬‬ ‫الهدوء والتريث والهروب إلى‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪31‬‬


‫الظل‪ ..‬لرؤية ما يعتمل في الضوء‪.‬‬

‫الحفاظ على مكونات ال��ذاك��رة‪ ،‬مهما اختلفت‬

‫ال يكتب حسن رياض قصصا متسرعة هدفها مرجعياتها ومصادر تشكلها‪ .‬ه��ذه الرغبة في‬ ‫الوحيد أن تصل إلى قارئ مفترض‪ ،‬وال يحب أن مراقبة اآلخ��ر‪ ،‬ومتابعة حركاته دون تدخل أو‬

‫يكون بطال لمحكياته‪ ،‬إنه يتراجع إلى الخلف تأثير‪ ،‬يوازيها دائما احتشاد للجمل الواصفة‪،‬‬ ‫ليبقى شاهدا على ما يقع‪ ،‬فهو مفتون بالتأمل وه��ذا ال يظهر في النصوص الطويلة فحسب‪،‬‬ ‫والنظر أكثر من افتتانه بالحكي‪.‬‬ ‫حين تقرأ نصوصه ت��درك أنها كتبت بنفس‬ ‫روائي‪ ،‬وهذه سمة تندر عند جيله‪ ،‬وتكاد تنعدم‬ ‫عند الجيل ال��ذي لحقه‪ ،‬ويكفي أن نقف عند‬ ‫قصة «بقايا أثر»‪ ،‬وهي واحدة من أروع قصص‬ ‫المجموعة‪ ،‬حيث تتعاقب المشاهد في أمكنة‬ ‫مختلفة في بوخارست‪ ،‬رفقة إدريس الذي قضى‬ ‫سبع سنوات في روم��ا‪ ،‬و«سيلفيا البلهاء» التي‬ ‫تغطي بحضورها الالفت مطلع النص وعمقه‬ ‫ونهايته‪ ،‬و«فيكتور» صديقها الطويل‪ ،‬والمهاجرين‬ ‫الروس واألتراك‪.‬‬ ‫ي��م��ارس ال��ك��ات��ب مهمته األث��ي��رة عبر تركيز‬ ‫النظر على الشخصية التي تدخل دائرة الحكي‬ ‫فجأة‪ ..‬وفي الغالب دون مبرر‪« :‬هو في حوالي‬

‫ب��ل حتى ف��ي ن��ص قصير ج��دا مثل «الغائب»‪،‬‬ ‫ح��ي��ث يكتفي ال���س���ارد ب��اس��ت��ق��ب��ال رج���ل يطرق‬ ‫الباب بإلحاح‪ ،‬ويجلس مدة طويلة ينتظر والد‬

‫السارد‪ ،‬ويتحدث بمفرده عن عالقته به‪ ،‬فاردا‬ ‫ذراعيه لنوستالجيا األيام القديمة‪ ،‬ثم يستأذن‬ ‫لالنصراف بعد أن طال انتظاره‪ ،‬دون أن يدرك‬ ‫ال����راوي م��ا إذا ك���ان ه���ذا ال��رج��ل ق��د ن��س��ي أن‬ ‫صديقه القديم ال��ذي جاء يبحث عنه قد مات‬ ‫منذ فترة‪.‬‬ ‫وطوال ثرثرة الضيف‪ ..‬كان السارد ال يتجاوب‬ ‫معه‪ ،‬بل يكتفي بوصفه‪ ،‬وحين ينتهي من ذلك‬ ‫يغرق في وصف اللوحة التي توجد على مقربة‬ ‫من صورة والده المعلقة على الحائط‪ ،‬الصورة‬ ‫التي سيبقى الرجل بمفرده واقفا أمامها‪ ،‬وهو‬

‫الخمسين من عمره‪ ،‬كان طويل القامة‪ ،‬شعره ي��خ��اط��ب صاحبها ال��م��ي��ت ب��ص��وت واه����ن‪« :‬أنا‬ ‫كثيف‪ ،‬يعلو الشيب مقدمة رأسه»‪ ،‬هذا ما يقوله سعيد‪ ،‬هل تذكرني؟ أنا سعيد»‪.‬‬ ‫ع��ن «ف��ي��ك��ت��ور»‪ ،‬ويستطرد بعد مقطع سردي‪:‬‬

‫«شفتاه ممتلئتان‪ ،‬لون بشرته أبيض‪.» ...‬‬

‫يحاول الكاتب هنا أن يقنعنا بأن الشخصيات‬

‫الغريبة ق��د توجد ف��ي أمكنة بعيدة ومتخيلة‪،‬‬

‫ث��م ي��ع��م��د إل���ى ال��م��ق��ارن��ة ب��ي��ن شخصيتين‪ ،‬ولكن الشخصيات األكثر غرابة توجد دائما على‬ ‫حيث يستحضر ‪ -‬وه��و على مقربة من سرير مقربة منا‪.‬‬ ‫جدة سيلفيا‪ -‬صورة جده المولع بجمع األواني‬

‫في العديد من القصص‪ ،‬يتبدى رذاذ األدب‬

‫الصدئة‪ ،‬يطرح النص هنا – خصوصا إذا علمنا العالمي سيَّما الروسي‪ ،‬حيث الحوذي‪ ،‬والمعطف‪،‬‬ ‫أن جدة سيلفيا كانت تهوى أيضا جمع اآلالت وال��ع��رب��ة‪ ،‬ووق���ع ال��ح��واف��ر‪ ،‬وال���ض���وء الخافت‪،‬‬ ‫المستعملة – إشكالية الرغبة المشتركة في واألرام��ل‪ ،‬واألشياء القديمة والمستعملة‪ .‬وفي‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫نصه المميز «عرق» يبدو التأثر واضحا بعوالم‬ ‫فرانز كافكا‪ ،‬أو بوسيط آخر هو األقرب للنص‬

‫«تفاح الظل» لـياسين عدنان‬ ‫السرد البريء‪ ..‬السرد الماكر‬

‫الكافكاوي‪ ،‬وأقصد تحديدا «اللجنة» لصنع الله‬ ‫إبراهيم‪ ،‬فالبطل عند حسن ري��اض هو اآلخر‬ ‫يحمل ملفا منكمشا‪ ،‬وي��ط��وف ب��ه ف��ي مؤسسة‬ ‫غريبة يعمل بها موظفون‪ ..‬هم أقرب إلى األشباح‬ ‫منهم إل��ى اإلن��س��ان ال��ع��ادي‪ ،‬حيث يتفننون في‬ ‫قتل اآلخر عبر إهماله‪ ،‬والتراخي في التواصل‬ ‫معه‪ ،‬والعمل على تعكير مزاجه‪ ،‬وإبادة أحالمه‪،‬‬

‫ي���ل���ج���أ ي���اس���ي���ن‬

‫عدنان إلى القصة‬ ‫كمالذ يحميه من‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫‪-3-‬‬

‫ع��بء الشعر‪ ،‬من‬

‫ص��رام��ت��ه وتوتره‬

‫وم���زاج���ي���ت���ه‪ ،‬من‬

‫والتقليل من شأنه‪ ،‬ودفعه إلى الكآبة أو الجنون ال��ق��ل��ق الوجودي‬ ‫أو االنتحار‪.‬‬ ‫ال��������ذي ي��ل�ازم����ه‪،‬‬

‫فبعد سلسلة مملة من االنتقاالت بين المكاتب‪ ،‬والحزن الذي يغلّفه بشكل يكاد يكون أبديا‪ ،‬وإن‬

‫والدخول في حوارات روتينية متشابهة مع عدة يكن شفافا وخفيفا‪ ،‬وغ��ي��ر خ��ال م��ن المسحة‬ ‫موظفين‪ ،‬يجد الشاب ‪-‬الباحث عن عمل‪ -‬نفسه الجمالية التي تجعله يتحول بالتدريج إلى شعور‬ ‫مثل ورق��ة منكمشة ف��ي سلة المهمالت‪« :‬بعد آخر‪.‬‬ ‫ذلك اختفيا‪ ،‬وبقيت وحدي أمام اللوحة الطويلة‬

‫من يتصفح قصص «تفاح الظل» الصادرة عن‬

‫الشبيهة بالخازوق‪ ،‬إلى أن ظهر الرجل النحيل منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة‬

‫الذي قادني إلى خارج البناية جائعا ومنهكا كقط في المغرب‪ ،‬يكتشف ذل��ك‪ .‬وستقوده مجموعة‬ ‫األف���ع���ال وال���س�ل�اس���ل ال���س���ردي���ة إل����ى خالصة‬ ‫عفن»‪.‬‬ ‫غير أن ص��اح��ب «ح��ج��ر داف����ئ»‪ ،‬يملك من‬ ‫ال��ق��درة وال��ب��راع��ة م��ا يتيح ل��ه أن ينسج عمله‬ ‫ال��س��ردي بشكل يمتح م��ن ال��م��ق��روء‪ ،‬ويتجاوزه‬ ‫ليصنع ع��وال��م��ه ال��خ��اص��ة‪ ،‬ف��ث��م��ة ال��ك��ث��ي��ر من‬ ‫االبتكار واإلبداع ليس في بناء النصوص وتشكيل‬ ‫موضوعاتها فحسب‪ ،‬بل أيضا في العناية الفائقة‬ ‫باللغة وتوظيف جيد لمعجم أدبي رصين‪ ،‬يسمح‬ ‫بتشكيل جمل سردية تتسم بالتبلّر والتماسك‪..‬‬ ‫من حيث الشكل‪ ،‬وسعة القدرة اإليحائية من‬ ‫حيث الداللة‪.‬‬

‫حاسمة‪ ،‬مفادها أن ياسين عدنان يغيّر خطته‬

‫وعدّته و«أسلوبه»‪ ،‬حين يخرج من غرفة الشعر‬ ‫ويدخل إلى بهو السرد‪ .‬ال يتحقق هذا التحول‬

‫على المستوى الشكلي أو التقني للنصوص‪ ،‬بل‬ ‫على المستوى األعمق‪ ،‬أقصد الداللة والخلفيات‬ ‫المنتجة لها‪.‬‬

‫ف��إذا ك��ان اله ّم ال��وج��ودي هو العمق الداللي‬

‫لمجموعة ياسين الشعرية‪« ،‬رصيف القيامة»‪،‬‬ ‫ال��ص��ادرة ل��دى «دار ال��م��دى»‪ ،‬ف��إن السخرية من‬

‫ال��م��وج��ودات ه��ي السمة الطاغية على قصص‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪33‬‬


‫ع��ب��ث��ي»‪ ،‬ي��ب��رره��ا ال��ك��ات��ب بملحق‬

‫«تفاح الظل»‪.‬‬

‫صغير‪ ..‬يبيّن فيه أن الهدف من‬

‫يسخر ياسين من الجميع‪،‬‬

‫قتل الشخصية ك��ان الرغبة في‬

‫بل يضع العالم برمته موضع‬

‫ال��خ�لاص م��ن أسئلتها‪ .‬خالص‬

‫سخرية‪ .‬إنه في الجوهر يهزأ‬

‫ف��ي��ص��ل اوالً‪ ،‬وخ��ل�اص الكاتب‬

‫من الجدية التي تحوّل الكائن‬

‫ثانياً‪ ،‬وخالص القارئ ثالثاً‪.‬‬

‫البشري إل��ى كائن آل��ي فاقد‬

‫تطرق المجموعة باب تيمات‬

‫ل��ل��ش��ع��ور ب���ذات���ه‪ ..‬وبمحيطه‬

‫ع�����دة‪ ،‬م��ن��ه��ا‪ :‬ال���ح���ب‪ ،‬والحلم‪،‬‬

‫على السواء‪.‬‬

‫وال��ج��ن��س‪ ،‬وال��ح��ن��ي��ن‪ ،‬والتربية‪،‬‬

‫ف��ف��ي «ف��ي��ص��ل العطار»‪،‬‬

‫والفن والفشل‪ ،‬لكن تناولها يأتي‬

‫ي��س��رد ت��ف��اص��ي��ل ج��زئ��ي��ة من‬ ‫حياة شخص يوجد شيء منه في كل كائن منا‪ .‬ال م��ن م��ن��ظ��ار م��ح��دد‪ :‬ال��س��خ��ري��ة‪ ،‬ال��ع��ب��ث‪ ،‬وإلغاء‬ ‫يتوقف فيصل عن طرح األسئلة‪ ،‬المهمة التافهة المنطق في التنسيق بين األفعال السردية‪.‬‬ ‫ع��ل��ى ال���س���واء‪ ،‬وس��ت��ق��وده أسئلته إل���ى الهاوية‪.‬‬

‫يفترض االشتغال على هذا النوع من المدلوالت‬

‫ف��ف��ي وق���ت ت���ح���وّل أص���دق���اؤه م���ن أط���ف���ال إلى تغييرا واضحا لخريطة ال��دوال‪ ،‬لذا تتسم لغة‬

‫أف��راد «مهمين» في المجتمع‪ ،‬كان هو قد غادر ياسين بالخفة واالبتعاد ما أمكن عن البالغة‪،‬‬ ‫ال��م��درس��ة‪ ..‬وظ��ل يطرح أسئلته على جدرانها‪ ،‬ويتسم البناء السردي بالمفارقات واالنزياحات‬ ‫ومنها األسئلة الواضحة بغموض‪« :‬لماذا يموت وال��ع��ب��ث ال��م��ق��ص��ود‪ .‬ف��ف��ي «ع��ب��دو المسعوف»‬

‫الناس؟ ولماذا يركضون في الشوارع كالحمقى مثال يقسم ياسين عدنان النص إل��ى قسمين‪،‬‬

‫رغ��م أنهم جميعا س��ي��م��وت��ون؟»‪ .‬ومنها األسئلة ويقحم بينهما ما يسمّيه االستراحة القصيرة‪،‬‬ ‫الغامضة بوضوح‪« :‬م��اذا تفعل الشمس في كبد يتحدث من خاللها عن تاريخ الطوابع في المدن‬ ‫السماء؟ وهل للسماء كبد حقا؟ إذاً كيف لم تش َو المغربية‪ ،‬وهذا ما ال عالقة له بتعاقبات الحكي‪.‬‬

‫بعد رغم أنها معرضة لنار الشمس الحامية منذ كأنما يريد أن يبرز لنا القطيعة بين شخصية‬ ‫آالف السنين؟»‪.‬‬

‫«عبدو المسعوف» في القسم األول‪ ..‬وشخصيته‬

‫يتحول فيصل العطار شيئا فشيئا من طفل الثانية في الالحق‪.‬‬

‫نجيب إل��ى عاطل ع��ن العمل‪ ،‬مهمته الوحيدة‬

‫إنه مكر السرد‪ .‬ياسين عدنان مفتون بالحكي‬

‫طرح األسئلة‪ .‬يكبر وتكبر معه أسئلته‪ ،‬فيركض في نصوصه‪ ،‬سواء القصصية أو الشعرية‪ .‬فإذا‬

‫ال بها في الشوارع‪ ..‬إلى أن ينتهي نهاية هي ك��ان س��اردا بريئا في الشعر‪ ..‬فإنه في القصة‬ ‫مثق ً‬ ‫األخ��رى ساخرة وس��وداء‪ ،‬إذ ستدهسه عجالت سارد ماكر‪.‬‬ ‫سيارة قديمة خاصة بنقل اللحوم‪ .‬هذه السلسلة‬ ‫السردية الختامية التي يمكن تسميتها «موت‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ف���ي م��ج��م��وع��ت��ي��ه ال��ش��ع��ري��ت��ي��ن‪« ،‬مانيكان»‬


‫والمتخيلة أي��ض��ا‪ ،‬بشكل يجعلنا نتلقى حزنه ي��وم��ي��ات ال��ح��رب على ال��ع��راق‪ ،‬ال��ت��ي ستحتشد‬

‫ومشاعره الطفولية بكثير من الهدوء والتعاطف‪ .‬فيها النصوص بشكل عبثي ساخر‪ ،‬حيث تشمل‬ ‫لكنه في «تفاح الظل»‪ ،‬وفي مجموعته السابقة ال��ي��وم��ي��ة أح��ي��ان��ا م��س��ت��ج��دات ال��ح��رب‪ ،‬وأحيانا‬

‫أيضا‪« ،‬من يصدّق الرسائل؟» الصادرة لدى «دار مستملحة أو رسالة من صديق‪ ،‬أو أخ��ب��اراً من‬ ‫ميريت»‪ ,‬يجعلنا نتلقف المحكي بكثير من التوتر مدير المدرسة‪ ،‬أو تصريحا باللهجة المصرية‪،‬‬ ‫والتشويق وانتظار النهاية وفق أفق جاهز‪ ،‬حتى أو إشهار قصد ال��زواج‪ ،‬أو نعياً في جريدة‪ ،‬أو‬ ‫إذا أحسسنا باالطمئنان إل��ى حيله السردية‪ ,‬نصاً من ملحمة قديمة‪.‬‬ ‫فاجأنا بنهاية غير متوقعة‪ ،‬ق��د ت��ك��ون أحيانا‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫و«رصيف القيامة»‪ ،‬يسرد ياسين حياته الحقيقية األخ���ي���ر‪« ،‬ال��ص��دم��ة وال���ت���روي���ع»‪ ،‬ال����ذي يحكي‬

‫هكذا يضع ياسين عدنان نصا عبثيا ساخرا‪،‬‬

‫ب��اردة‪ ..‬لكنها تجعلنا نضحك ونسخر حتى من منتزعا من نصوص متعددة ومتباينة‪ ،‬كأنه يخلص‬ ‫أنفسنا‪ ،‬ومن طريقة تفكيرنا‪.‬‬ ‫إل��ى أن الطريقة األنسب لمواجهة ه��ذا العالم‬ ‫يبدو ذل��ك واض��ح��ا ف��ي «فيلم حلمي طويل» العابث ه��ي السخرية‪ ،‬حتى ل��و ك��ان��ت سخرية‬ ‫ال����ذي ل��م ي��ك��ن ط��وي�لا ع��ل��ى اإلط��ل��اق‪ .‬ف��م��ا أن سوداء وقاتلة‪.‬‬

‫استغرق السارد في النوم‪ ،‬واستغرق معه القارئ‬ ‫أيضا متعقباً أحالمه اإليروتيكية اللذيذة وقصته‬ ‫مع حليمة‪ ،‬حتى استيقظ السارد في ع ّز الحلم‬ ‫وف��ي عز ال��س��رد‪ ،‬مكسّ را أف��ق المتلقي‪ ،‬مخيّبا‬ ‫ظ��ن��ه‪ .‬ف��ال��ق��ارئ ك��ان ينتظر م��ع «ال��ب��ط��ل» عودة‬ ‫حليمة لتبدأ الحكاية المهمة‪ ،‬لكن خ��روج هذا‬ ‫«البطل» البعيد كليا عن البطولة من النوم ومن‬ ‫الحلم‪ ..‬أعقبه خ��روج آخ��ر ج��اء مباغتا ومبررا‬ ‫بطريقة ساخرة‪ ،‬أقصد الخروج من السرد‪« :‬وأنا‬ ‫تعبت من االنتظار فاستيقظت عرقانا‪ ...‬كان‬ ‫من الطبيعي أن أستيقظ في نهاية هذه القصة‪،‬‬ ‫فماذا يمكن كاتباً أن يفعل في نهاية قصة تحكي‬ ‫ع��ن ح��ل��م‪ ..‬س��وى أن يستيقظ ف��ي األخ��ي��ر‪ .‬أما‬ ‫م��دام حليمة‪ -‬حبي األول القديم‪ -‬فتلك فعال‬ ‫قصة أخرى»‪.‬‬

‫‪-4‬‬‫«زقاق الموتى» لعبدالعزيز الراشدي‬ ‫إشراق النص‬ ‫يكتب عبدالعزيز‬

‫الراشدي نصوصا‬ ‫ع��م��ي��ق��ة ووازن������ة‪،‬‬

‫وذلك راجع حسب‬ ‫اعتقادي –بصرف‬

‫النظر عن موهبته‬ ‫وق���������������راءات���������������ه‬

‫ال���ش���اس���ع���ة‪ -‬إلى‬

‫تواجده بعيدا عن العالم‪ ،‬عن صخبه وضجيجه‪.‬‬

‫ذل��ك أن��ن��ا يجب أن نبتعد زم��ان��ي��ا ومكانيا عن‬ ‫التجربة التي عشناها بمسافة تتيح لنا رؤيتها‬

‫بوضوح‪ ..‬لذلك فالعمق غالبا هو البعد األكثر‬

‫ال��خ��ط العبثي الناظم ال���ذي يسبك قصص ورودا في النصوص التي نصل من خاللها إلى‬ ‫المجموعة‪ ،‬سيجد القارئ مسوّغاته في النص‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪35‬‬


‫ف��رق واض��ح بين زم��ن الحدث‬

‫عميقا بالنثر‪ ،‬إنه حفيد إيميل‬ ‫سيوران ال��ذي ي��رى أن تأسيس‬ ‫األدب يعني تأليف النثر‪ ،‬لذلك‬ ‫سيضع إح���دى م��ق��والت��ه كعتبة‬ ‫لنص «مذكرات لوجع أليف»‪.‬‬

‫ابتعدت نحو ال��وراء‪ ،‬تبدى لك‬

‫ي��ب��دو «وج���ع ال��رم��ال» كأحد‬ ‫أع���م���ق ن���ص���وص المجموعة‪،‬‬ ‫إذ يحكي فيه ال��س��ارد‪ ،‬بتبئير‬ ‫خارجي‪ ،‬عن رجل «ت��درب قلبه‬ ‫على ال��ب��داوة»‪ ،‬فظل يمشي بال‬ ‫توقف ألن «وج��وده األول علّمه‬ ‫أن البدوي الحق ال يستقر إال حين يموت»‪ ،‬يبحث‬ ‫هذا الرجل عن شيء ال يعرفه الراوي «لن أقول‬ ‫إن��ه يخبّ في الرمل بحثا عن ام���رأة‪ ،‬المسألة‬ ‫أج��دى بكثير‪ ،‬سوف أك��ذب إذا قلت إ‪s‬ن الرجل‬ ‫يبحث عن مال أو تبر‪ ،‬وسأكون مفتعال إذا قلت‬ ‫إنه يبحث عن فكرة‪ .‬إنه يبحث وكفى»‪ ،‬لعله الرجل‬ ‫ذات��ه ال��ذي نجده ف��ي معظم النصوص األدبية‬ ‫العميقة لكبار الكتاب في شرق العالم وغربه‪،‬‬ ‫الرجل الذي يحمل في خرجه كل االستفهامات‬ ‫الفلسفية والوجودية‪ ،‬ويحمل أيضا في يده كل‬ ‫مصابيح العالم ليرى حقيقة ذات��ه‪ ،‬وحقيقة ما‬ ‫يحيط بها‪ ،‬إنه «سدهارتا» الذي يبحث عن أتمان‬ ‫«الذات المكتملة» في رواية روحية لهرمان هيسه‪،‬‬ ‫هو أيضا ذلك الشاب الذي يستغرب من أشكال‬ ‫العالم وتمظهراته ف��ي رواي���ة «ال��ع��دو» لجيمس‬ ‫دروت‪ ،‬إنه حسين في «الضوء األزرق» للبرغوثي‪..‬‬ ‫حائرا مشتت الذهن أم��ام «ب��ري» التركي الذي‬ ‫أدرك الهوة السحيقة‪ ،‬والمسافة المؤلمة بين‬ ‫«المعرفة»‪ ،‬و«فهم المعرفة» فيطلب من حسين‬ ‫أن يكون هو «السمكة» و«ال��ش�لال» ال��ذي تسبح‬ ‫فيه هذه السمكة‪ ،‬محاوال تعليمه أن العقل يسبح‬ ‫في نفسه‪ ،‬تماما مثلما يحاول شيخ الزاوية في‬

‫وزمن السرد‪ ،‬األمر يشبه تماما‬

‫ال��ن��ظ��ر ف��ي ال���م���رآة‪ ،‬ف���إذا كان‬

‫وج��ه��ك ل��ص��ي��ق��ا ب���ال���زج���اج لن‬ ‫تستطيع رؤية شيء‪ ،‬بينما كلما‬ ‫جسدك أكثر وضوحا‪.‬‬

‫يقيم ال���راش���دي بضواحي‬ ‫مدينة زاكورة جنوبي المغرب‪،‬‬ ‫وف��ي كتابه القصصي الصادر‬ ‫ض��م��ن م���ن���ش���ورات «مجموعة‬ ‫البحث في القصة القصيرة بالمغرب»‪ ،‬قرائن‬ ‫لفظية وبصرية تؤسس نوعا من التبلر مع كلمة‬ ‫«ال��ج��ن��وب»؛ فلوحة «خ���وان م��ي��رو» ال��ت��ي شغلت‬ ‫دفتي الكتاب تحمل أل��وان��ا دال���ة‪ :‬األص��ف��ر وما‬ ‫إليه كرمز للصحراء‪ ،‬واألزرق البعيد والعالي‬ ‫ك��دالل��ة على ال��س��م��اء الغامضة غموضا يحيل‬ ‫عليه خفوت البقعة الزرقاء التي تتوسط أعلى‬ ‫اللوحة‪ ،‬ويحضر اللون ال��رم��ادي كرمز للعزلة‪،‬‬ ‫بينما األخضر الخفيف والقليل الذي يبدو أسفل‬ ‫اللوحة‪ ..‬قد يكون معادال لخفة األخضر وندرته‬ ‫في تضاريس الصحراء‪ .‬عنوان المجموعة «زقاق‬ ‫الموتى»‪ ..‬كُتب باللون األصفر أيضا وخطوط‬ ‫اللوحة المتوزعة هنا وهناك تشبه ما يتركه عابرو‬ ‫الصحراء من تخطيطات على كثبانها‪ .‬ولعناوين‬ ‫النصوص إح��االت أكثر قوة ومباشرة لما أرمي‬ ‫إليه‪( :‬والئم الجنوب‪ ،‬وجع الرمال‪ ،‬عزلة الكائن)‪،‬‬ ‫معظم نصوص المجموعة طالعناها في المنابر‬ ‫الثقافية العربية‪ :‬اآلداب – المدى – القدس‬ ‫العربي – العلم‪..‬‬ ‫يكتب عبدالعزيز ال��راش��دي بلغة شعرية ال‬ ‫تخطئها العين‪ ،‬وي��ؤم��ن ف��ي ال��وق��ت ذات��ه إيمانا‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫يطالعك وجه األنثى من نص إلى آخر‪ ..‬األنثى‬ ‫البعيدة الغائبة والمنتظرة‪« :‬لكم أشتهي حدوثك‬ ‫المفاجئ‪ :‬أسمع الطرقات‪ ،‬أفتح الباب فتنبثقني‪.‬‬ ‫أع��ان��ق بللك وأدع���وك لكوب ال��ش��اي الساخن‪..‬‬ ‫م��ازال حبك في ذهني طازجا كالفجيعة نفاذا‬ ‫كعطر‪ ..‬مالحا كرغبة آثمة»‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫نص «وجع الرمال» لعبد العزيز الراشدي‪ ،‬تعليم‬ ‫الرجل أن��ه لن يجد ما يبحث عنه خ��ارج ذاته‪:‬‬ ‫«إن التيه ليس في الرمال والحر والريح‪ ،‬البدوي‬ ‫تائه على ال��دوام‪ .‬التيه هنا في الداخل‪ ،‬وأشار‬ ‫إلى صدره‪ ،‬نحن التيه وإذا لم تجد ضالتك في‬ ‫صدرك فلن»‪ ،‬وستنتهي قصة الرجل بموته ميتة‬ ‫خاسرة وعبثية على كثيب رملي‪ ،‬دون أن يدرك‬ ‫شيئا مما أراد؛ أل��م تقل س��ي��دوري لجلجامش‪:‬‬ ‫«إل��ى أي��ن تمضي يا جلجامش؟ إن الحياة التي‬ ‫تبغي لن تجد»؟‬

‫لي نصير شمة يتوسط عازفي مجموعة «عيون‬ ‫لموسيقى الصالة»‪ ،‬ك��ان الرجل يحني رأسه‪..‬‬ ‫بينما الناي «لسان الريح» يقلب بنحيبه أوجاع‬ ‫الحاضرين ويقيس فراغاتهم‪ .‬كانت آلة «تشيلو»‬ ‫التي يعزف عليها كمال عبدالمنعم تجهش ببكاء‬ ‫ذك��وري يحيل على الرجل الوحيد‪ ،‬ثم تتعاقب‬ ‫الكمانات الرقيقة كداللة على حضور األنثى‪،‬‬ ‫وفجأة يتصاعد اللحن بشكل يوحي باالنبعاث‪،‬‬ ‫ك��ان��ت إي��ق��اع��ات رق ع��م��رو حسين رم���زا للزمن‬ ‫الذي تتعاقب لحظاته سراعا‪ ،‬وكانت كونترباص‬ ‫صالح رجب بوصفها أكبر آلة تحيل على المكان‬ ‫الذي يتمدد ويبدو أكثر شساعة‪ ،‬بينما كان عود‬ ‫نصير شمة هو ال��ذي ي��روي تفاصيل الحكاية‪.‬‬ ‫وسأصاب أنا اآلخر بالدهشة‪ ..‬وبما ال أستطيع‬ ‫تفسيره حين كتب على الشاشة اسم المقطوعة‬ ‫الموسيقية «إشراق»‪ ،‬كانت المعزوفة حقا تنتهي‬ ‫ب��ب��ل��وغ اإلش�����راق ذروت�����ه‪ -‬واإلش������راق م��ق��ام من‬ ‫مقامات التصوف‪ -‬لم أبلغ ذلك المقام في تلك‬ ‫الليلة عقب ث�لاث ساعات بعد منتصف الليل‪،‬‬ ‫ولكني بقيت مشتتا بين إشراقات أخرى‪ :‬إشراق‬ ‫«المعزوفة» وإشراق «األنثى» وإشراق «النص»‪.‬‬

‫ف��ي ن��ص خ��اص كتبه ال��راش��دي بعد تجربة‬ ‫خ��اص��ة ت��ب��دو ل��ك «إش����راق» ال��ت��ي يحمل النص‬ ‫اسمها كعنوان‪ ،‬إش��راق «الفتاة الساكنة الوديعة‬ ‫كماء مرتج يتصافى»‪ .‬ي��روي لي صاحب زقاق‬ ‫الموتى أنه كان يصغي إلى مقطوعة موسيقية‬ ‫المصادر‪:‬‬ ‫مؤثرة‪ ،‬لعازف العود البارع نصير شمة‪ ،‬تفاعل‬ ‫(‪ )1‬هذه ليلتي»‪ ،‬منشورات مجموعة البحث في القصة‬ ‫معها بألم ولذة‪ ،‬واشتد تفاعله وارتجت حواسه‬ ‫القصيرة بالمغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪2006‬م‪.‬‬ ‫حين ظهر اسم المعزوفة على الشاشة‪« :‬إشراق»‬ ‫(‪ )2‬حجر داف��ئ‪ ،‬حسن ري��اض‪ ،‬دائ��رة الثقافة واإلعالم‪،‬‬ ‫ليظهر معه كل الماضي‪ ،‬وليحضر بالتالي شبح‬ ‫الشارقة‪ ،‬الطبعة األولى ‪2006‬م‪.‬‬ ‫أنثاه‪ ،‬ذلك الحضور المشرق والمؤلم في اآلن‬ ‫(‪ )3‬ت��ف��اح ال��ظ��ل‪ ،‬ي��اس��ي��ن ع���دن���ان‪ ،‬م��ن��ش��ورات مجموعة‬ ‫ذاته‪.‬‬ ‫البحث في القصة القصيرة بالمغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬ ‫من غرائب الصدف أني كنت أقرأ المجموعة‬ ‫‪2006‬م‪.‬‬ ‫للمرة الثانية في إح��دى ليالي يوليو‪ ،‬أردت أن (‪ )4‬زقاق الموتى‪ ،‬عبدالعزيز الراشدي‪ ،‬منشورات مجموعة‬ ‫البحث في القصة القصيرة بالمغرب ‪2004‬م‪.‬‬ ‫أستريح قليال‪ ،‬شغلت الجهاز الذي أمامي‪ ،‬فبدا‬ ‫* ‬

‫شاعر وكاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪37‬‬


‫الطفل وتربية احلس اجلمالي‬ ‫> أ‪ .‬د‪ .‬بركات محمد مراد*‬

‫تتعلق حاجات الطفل األساسية شأنه شأن الكائن الحي‬ ‫في مدى إشباعه منذ مولده بحاجاته األساسية‪ ،‬تلك التي‬ ‫تتركز حول الطعام والشراب‪ ،‬وتنظيم درجات الحرارة لطعامه‬ ‫وشرابه وبيئته في الحجرة الصغيرة حوله‪ .‬كذلك تنظيم‬ ‫نشاطه ونوعيته وحمايته من كل ما يخل بهذا النظام أو يؤثر‬ ‫فيه‪ .‬كل هذه األمور تمثل أهمية كبيرة في مدى نمو الطفل‬ ‫وتفاعله المستمر م��ع البيئة المحيطة ب��ه‪ ،‬والعمل على‬ ‫تحقيق ثبات العمليات الحيوية الكيميائية وتوازنها‪ ،‬حيث‬ ‫يشبع بعد جوع‪ ،‬ويحرك أطرافه‪ ،‬ويتحرك بسهولة وتناغم بعد أن كان يتحرك بطريقة‬ ‫عشوائية‪ ،‬يغلب عليها الطابع الكتلي ‪.Massive‬‬ ‫وإذا كانت الحاجات األساسية تمثل هذه‬ ‫األهمية‪ ،‬ف��إن الحاجات االجتماعية تلعب‬ ‫دورا ال يقل أهمية عن الحاجات العضوية‪،‬‬ ‫فبفضل ال��ح��اج��ات االج��ت��م��اع��ي��ة يستطيع‬ ‫الطفل إذا تشبعت إشباعا سليما أن يكوّن‬ ‫فكرته عن نفسه ثم عن اآلخرين‪ ،‬ألنه في‬ ‫بداية حياته ومراحله األول��ى منذ ميالده‪،‬‬ ‫لم يكن في مقدوره أن يفصل بين حاجاته‬ ‫وميوله ورغباته وحاجات اآلخرين وميولهم‬ ‫ورغباتهم‪.‬‬ ‫وم��ع استمرار النضج والنمو‪ ..‬استطاع‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫أن يكشف ذلك الحضن االجتماعي المتمثل‬ ‫ف��ي األس���رة واألق����ارب واألص���دق���اء‪ ،‬ويصل‬ ‫م���ن خ�لال��ه إل���ى م��رك��ز اج��ت��م��اع��ي تتحدد‬ ‫فيه درج���ات معينة م��ن االت��ص��ال والوصال‬ ‫اللذين بفضلهما قد يصل الطفل إلى األمن‬ ‫النفسي والطمأنينة‪ ،‬واإلحساس باالنتماء‬ ‫‪ .Belongingness‬وه���و أي��ض��ا ي��س��ع��ى إلى‬ ‫أن يؤكد ذات��ه م��ن خ�لال شبكة االتصاالت‬ ‫االجتماعية‪ ،‬تلك التي تجعله متفاعال مع‬ ‫الجماعة‪ ،‬مستخدما لغتها مخاطرا معها‬ ‫خياليا‪ ،‬عندما ينسج لنفسه دورا مهما يراه‬


‫وجدير بالذكر أن هذا الطفل الذي يحاول بشتى‬ ‫األساليب الطفولية أن ينسلخ بفعل خياله وتصوراته‬ ‫عن ذاته‪ ،‬ال يملك إال أن يتكيف مع عادات مَن حوله‪،‬‬ ‫وتقاليد المجتمع ال��ذي يعيش بين جوانبه‪ .‬لقد‬ ‫اهتمت الدراسات النفسية بهذه المرحلة اهتماما‬ ‫بالغا‪ ،‬وبضرورة العناية بها‪ ،‬ومحاوَلة الكشف عن‬ ‫ال��ج��وان��ب المعرفية بتلك ال��ت��ي ترتهن بقدراتها‬ ‫للطفل‪ ..‬المعرفية العقلية واتجاهات اآلب��اء نحو‬ ‫األبناء وعملية التطبيع االجتماعي ‪Soualization‬‬ ‫‪ Process‬التي تحدث في األسرة‪ ،‬وأثر الثقافة بوجه‬ ‫عام على ما يتصل بنمو الطفل من المراحل على‬ ‫المستوى العضوي والتربوي‪.‬‬

‫فالجمال‪ ..‬هذا البعد العميق في شخصية اإلنسان‪،‬‬ ‫برز منذ وجود اإلنسان على وجه البسيطة‪ ،‬ولعل‬ ‫ف��ي تفاعله م��ع الطبيعة وم��ح��اك��ات��ه��ا‪ ،‬واهتمامه‬ ‫بتطوير وتجديد مسكنه‪ ،‬وملبسه‪ ،‬وأدوات���ه ‪-‬كما‬ ‫تشي بذلك رسومات وتماثيل الحضارات القديمة‪-‬‬ ‫الدليل على فطرية الحس الجمالي عند اإلنسان‬

‫والواقع يقول‪ :‬إن العائلة هي التي يجب أن تبدأ‬ ‫بالتربية الثقافية‪ ،‬وبتنمية الحس الجمالي السامي‪،‬‬ ‫وإنها هي التي يمكنها زرع هذه البذرة العصرية‬ ‫وتنميتها بأسرع ما يمكن‪ ..‬وعليها أن تستخدم‬ ‫مختلف الوسائل وأفضلها‪ ..‬فالعائلة التي ال يقرأ‬ ‫اآلباء فيها الكتب والصحف‪ ،‬وال يتمتعون بالحس‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫ه��و اعتمادا على وهمه وت��ص��وره الجانح حينا‪..‬‬ ‫ويتصوره دورا واقعيا فعاال مؤثرا‪.‬‬

‫الذي ظل إما منتجا للجمال (مبدعا)‪ ،‬أو باحثا عنه‬ ‫(متلقيا‪ /‬متذوقا)‪ ،‬وإن بشكل غير واع‪ ،‬أحيانا بحكم‬ ‫وج��وده في نطاقات‪ ،‬أو إتيانه ألفعال وممارسات‬ ‫يومية تتسم بجمالية م��ا‪ .‬ول��م يلبث الجمال أن‬ ‫اخ��ت��ار لنفسه علما قائما‪ ،‬اصطلح عليه بـ«علم‬ ‫الجمال» أو«الجماليات»‪ ،‬وقد ظل هذا العلم تابعا‬ ‫للفلسفة ردحا من الزمن‪ ،‬قبل أن يستقل بمباحثه‬ ‫ومفاهيمه‪ .‬ورغ��م ه��ذا التأطير العلمي لمفهوم‬ ‫ال��ج��م��ال‪ ،‬ف���إن اإلح��س��اس ب��ه أف��ض��ل م��ن معرفة‬ ‫الطريقة التي نحسه بها‪ ،‬على حد تعبير (جورج‬ ‫سانتيانا فيلسوف الفن والجمال)‪ ،‬ذلك أن اللحظة‬ ‫الجمالية ‪ -‬بوصفها عصية على القبض والتحليل‬ ‫المعرفيين‪ ،‬وال يفضل منها غير تلك االنفعاالت‪،‬‬ ‫واألحاسيس العائمة في مناطق الوجدان ‪ -‬وكل‬ ‫دراس���ة ل��ه��ا‪ ،‬إن��م��ا ه��ي دراس���ة لنتائجها ارتباطا‬ ‫بموضوع ما (عمل فني)‪.‬‬

‫ثم تتوالى مراحل النمو األخرى من عمر الطفل‪.‬‬ ‫وعلينا هنا أن نشجعه على المالحظة والنشاط‬ ‫تشكيل وعي الطفل جماليا‬ ‫وت��وظ��ي��ف ال��ح��واس ف��ي ال��ت��ق��اط ه��ذه المعطيات‬ ‫الحسية التي تحيط به‪ ..‬في كل حركة أو إيقاع أو‬ ‫يظن بعض الناس أن المدرسة والمجتمع هما‬ ‫كلمة أو نغمة أو لون‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تأتي أهمية التربية وحدهما المسؤوالن عن التربية الثقافية‪ ،‬وعن‬ ‫الجمالية وتكوين الحس الجمالي في حياته‪.‬‬ ‫التنشئة الجمالية‪ ،‬وع��ن تنمية القيم اإلنسانية‬ ‫وإذا كانت التربية الجمالية تنطلق م��ن كون السامية‪ .‬وأن العائلة ال تستطيع القيام بشيء في‬ ‫االنتماء إلى الجمال والبحث عنه‪ ،‬هو من جملة هذا الميدان‪ ،‬ألن واجبها األول أن تهتم بغذاء هذا‬ ‫االن���ت���م���اءات ال��ف��ط��ري��ة ل���دى اإلن���س���ان (االنتماء الطفل ولباسه ولعبه وتسلياته‪ ..‬وواجبها ينحصر‬ ‫للجماعة‪/‬االنتماء للمكان‪ /‬االن��ت��م��اء للثقافة)‪ ،‬كذلك في توفير الصحة المتينة له قبل الذهاب‬ ‫فقد أضحت ضرورة ملحة وحجر أساس في بناء إل���ى ال��م��درس��ة‪ ،‬وال��ت��ي ستتكفل ب��أم��ور الثقافة‬ ‫شخصية اإلنسان بناء سويا‪ ،‬مستمرا‪ ،‬متفاعال‪ .‬والجمال والتحضر والتمدن اإلنساني‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪39‬‬


‫الجمالي وال��ذوق الرفيع في التعامل مع األشياء‪،‬‬ ‫وال��ن��اس الذين ال يشاهدون البرامج التلفزيونية‬ ‫المعنية بالثقافة واآلداب‪ ..‬وال يهتمون بالمعارض‬ ‫الفنية على مختلف صنوفها‪ ..‬وال يزورون المتاحف‪..‬‬ ‫بالتأكيد سيصعب عليهم أن يوفروا للطفل ثقافة‬ ‫راقية‪ ،‬وحسا جماليا عصريا‪ ،‬وستبقى مساعيهم‬ ‫مساع‬ ‫ٍ‬ ‫بسبب عزوفهم عن الفعل الثقافي الحضاري‬ ‫زائفة ال تؤتي أكلها‪.‬‬ ‫وعندما يتعلم الطفل القراءة‪ ،‬فإنه ينتقل إلى‬ ‫م��رح��ل��ة ت��ال��ي��ة‪ ..‬ه��ي م��رح��ل��ة اك��ت��س��اب المعارف‬ ‫الجمالية بمفرده‪ ،‬أو باالستعانة بغيره من أترابه‪،‬‬ ‫أو من الراشدين‪ ،‬حيث تحتل المدرسة ساعتها‬ ‫المقام الالئق في حياة الصبي الصغير‪ .‬وال شك‬ ‫أنه لم يعد للبيت والمدرسة وحدهما ينبوع معرفة‬ ‫الطفل والتلميذ وال��ط��ال��ب‪ .‬ول��م يعد لهما مركز‬ ‫تربيتهم الوحيد‪ ،‬وتعليمهم في عصرنا الحاضر‪،‬‬ ‫ال���ذي أخ���ذت فيه مختلف المؤسسات الثقافية‬ ‫والتربوية والفنية تسهم في حسن تثقيفهم‪ ،‬وتوفير‬ ‫وسائل الترفيه والتسلية والمعرفة‪ ،‬واالضطالع‬ ‫وتنمية الرغبة في اإلب��داع‪ ،‬في عصر تميز بطابع‬ ‫العلم التقني واإلب���داع الفني والجمالي‪ ،‬وبتعدد‬ ‫االكتشافات في مختلف ميادين الحياة‪ .‬وفيه تحقق‬ ‫حلم اإلنسانية في غزو مجاهيل هذا الكون في كل‬ ‫المناحي‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ن��ا‪ ،‬يعد تشكيل ال��وع��ي الجمالي لدى‬ ‫الطفل ه��دف��ا تربويا أساسيا تفضل عنه جهود‬ ‫تربوية كثيرة‪ ،‬ما يقلل من فاعليتها وإيجابيتها‪،‬‬ ‫وال يتم تشكيل هذا الوعي من خالل األسرة فقط‬ ‫كأول وسط تربوي يتعامل معه الطفل ‪ -‬بل عبر‬‫الوسائل الثقافية والتعليمية واإلعالمية التي عليها‬ ‫صياغة وعي الطفل بكل القيم الجمالية حوله‪..‬‬ ‫كطاقة تدفع وتحرض ملكاته للعمل متناغمة‪ ،‬وعلى‬ ‫نحو متجدد دائما‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫والطفل عامة خامة تحتوي الكثير من إمكانات‬ ‫التشكيل‪ ،‬وزواي���ا النظر المتنوعة ال��ت��ي تحرض‬ ‫ملكات الطفل‪ ،‬وتجعلها تتآزر بشكل يعالج كثيرا‬ ‫من شكوانا‪ ،‬أح��ادي��ة النظرة في الطفل ال��ذي لم‬ ‫يجد المناخ المناسب لتشكيل وع��ي��ه الجمالي‪.‬‬ ‫وتشكيل وعيه الجمالي يبدأ من تعلم األطفال غاية؛‬ ‫األشكال كلغة مكثفة تحمل رسالة ذات مضمون‪..‬‬ ‫وتستهدف غاية‪ ،‬فلغة األشكال هي همزة الوصل‬ ‫بين الطفل وعالمه الخارجي المحيط به والمتفاعل‬ ‫معه‪ ،‬ويتوقف التفاعل على المهارة واستثمار هذه‬ ‫األشكال واعتبارها قناة من خاللها يتحقق االتصال‬ ‫بين أفراد المجتمع اإلنساني‪.‬‬ ‫وإذا كان الطفل ال يعي الشكل بالمفهوم الجمالي‬ ‫واالص��ط�لاح��ي ل��ه‪ ،‬فإنه ينتبه لتشكل ال��ص��ور أو‬ ‫العمل على تذوقها‪ ،‬وهي تلك الصور التي يتيحها‬ ‫له محيطه من خالل الكيفيات التي يمتلكها‪ ،‬وعلى‬ ‫األس��رة أن تستخدم الكيفيات الجمالية الخاصة‬ ‫به في تشكيالت منظمة‪ ..‬يعنينا منها التشكيل‬ ‫الجمالي في اللون بصباغة أو تلوين لعبة معينة‬ ‫بألوان الفاكهة أو الورد‪.‬‬ ‫وهناك قصة جديرة بالتسجيل‪ ،‬تساعد على‬ ‫تشكيل الوعي التشكيلي والجمالي للطفل وتدعيمه‬ ‫قدمها الفنان العالمي «جون كلي» لتالميذه‪ ،‬معتقدا‬ ‫أن للخطوط والنقاط والملمس حياة‪ ،‬وأطلق «كلي»‬ ‫على القصة «فلنأخذ ال��خ��ط إل��ى ن��زه��ة»! وعلى‬ ‫الرغم من بساطة القصة‪ ،‬فإنها تدعم وعي الطفل‬ ‫التشكيلي والجمالي بالحدث وتطوره وفعالياته‪.‬‬ ‫وتنحدر عبقرية «كلي» في اختياره للخط كبطل‪،‬‬ ‫تعمل ببساطة على تدعيم ملكة المالحقة عند‬ ‫األطفال‪ ،‬وعلى تحريك خيالهم التشكيلي ووعيهم‬ ‫بالعناصر والجزئيات‪ ،‬وذلك مع عدم تعارضه مع‬ ‫طبيعة وعيهم الجمالي‪ ،‬يحرض فيهم القدرة على‬ ‫تكوين الصورة ذات المعنى الرمزي الذي يعبر عن‬


‫اإلدراك التشكيلي‬

‫والتجسيد الفني يتيح من جانب آخر للعمليات‬ ‫العقلية المعرفية األخ���رى ان ت��ق��وم ب��دوره��ا في‬ ‫اس��ت��ق��ب��ال ال��رس��ال��ة االت���ص���ال���ي���ة‪ ..‬وف���ي فهمها‪،‬‬ ‫فاألطفال عند استماعهم أو مشاهدتهم أو قراءتهم‬ ‫لمضمون لفظي‪ ،‬تسانده األل���وان أو األض���واء أو‬ ‫الحركات أو الرسوم‪ ..‬يتذكرون «خبرات سابقة»‪،‬‬ ‫ويتخيلون «صورا جديدة مركبة»‪ ،‬فيكون إدراكهم‪،‬‬ ‫وبالتالي فهمهم أكثر دقة‪.‬‬

‫رغم تعدد التعريفات المتداولة للوعي الجمالي‬ ‫أو الحس الجمالي‪ ،‬فإن التعريف األقرب للشمول‬ ‫هو كونه إدراك ح��واس الطفل لوحدة العالقات‬ ‫الشبكية بين األشياء‪ ،‬بحيث يصبح الطفل قادرا‬ ‫على ال��ت��ذوق أو ال��ش��ع��ور أو االن��ت��ب��اه إل��ى القيمة‬ ‫الجمالية أو الكيفية التشكيلية التي تتوحد في‬ ‫شيء ما‪ ،‬سواء أكان طبيعيا أو عاديا أو عمال فنيا‪،‬‬ ‫وإذا ك���ان التجسيد ال��ف��ن��ي عملية الزم���ة في‬ ‫وه��ذا الوعي بما فيه من قيم جمالية وعلى نحو‬ ‫التوجه االتصالي عموما‪ ،‬سواء كان للراشدين أو‬ ‫متجدد دائما‪.‬‬ ‫األطفال‪ ،‬فإن لزومه لألطفال أشد‪ ،‬ألن حواسهم‬ ‫وق��د أثبتت ال��دراس��ات المهتمة بنمو الطفل شديدة االستجابة لعناصر التجسيد‪ .‬لذا‪ ،‬عملت‬ ‫وارتقائه المعرفي‪ ،‬خصوصا في السنة األولى‪ ،‬أن وسائل االتصال الثقافي على تقديم المضمون لهم‬ ‫هناك مجاالت متعددة يرتقي الطفل من خاللها في أطباق من ذهب‪ ،‬فازدانت مطبوعاتهم وأفالمهم‬ ‫معرفيا مثل جانب اإلدراك‪ ،‬وجانب المعلومات‪ ،‬وب��رام��ج��ه��م بتلك ال��ع��ن��اص��ر‪ .‬وال تشكل عناصر‬ ‫وج��ان��ب التصنيف‪ ،‬وج��ان��ب ال��ذاك��رة‪ ،‬ويهمنا في التجسيد أدوات لإلصالح وإبراز المعاني فحسب‪،‬‬ ‫األس���اس هنا‪ ،‬جانب اإلدراك‪ ..‬إذ يكون الطفل بل تشكل حوافز إلث��ارة انتباه الطفل واهتمامه‪،‬‬ ‫قادرا على إدراك الموضوعات وبعض خصائصها وخلق االستمرار لديه في استقبال المضمون من‬ ‫كاللون والخطوط واألنغام وغيرها‪.‬‬ ‫خالل ما تضفيه من عناصر التشويق والجاذبية‪.‬‬ ‫ويعد جذب انتباه الطفل مسألة أساسية في عملية‬ ‫أهمية اللغة الفنية‬ ‫االتصال الثقافي‪ ،‬ألنه يهيئ ذهنه الستقبال الرسالة‬ ‫إذا كانت اللغة المكتوبة والمنطوقة تساعد وتركيز طاقته العقلية‪ ،‬وإح�ل�ال تلك ال��م��ادة في‬ ‫الطفل على التعبير عن الحس الجمالي والتشكيل مركز شعوره مع إبعاده عن المؤثرات الجانبية‪ .‬وال‬ ‫الفني في مختلف مراحل نموه‪ ،‬فإن هناك عناصر شك أن التجسيد يتيح للطفل التوحد مع المواقف‬ ‫أخرى مساندة للغة‪ ،‬تعد عناصر للتجسيد الفني؛ التي يحملها المضمون االتصالي‪ ،‬دون أن يشعر‬ ‫كاألصوات واأللوان واألنغام والرسوم‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬بأنه يتلقى مواعظ وتوجيهات وإرشادات ثقيلة‪ ..‬أو‬ ‫فإن اإلنسان ال يستعين بلغة الكالم وحدها‪ ،‬بل بلغة معلومات جافة‪ ،‬خصوصا وأن الطفل شديد النفرة‬ ‫أخرى ليست كالمية بالمعنى المصطلح عليه‪ ،‬حيث من كل ما يقدم له على تلك الشاكلة‪ ،‬وإن استجاب‬ ‫تساعده هذه األخيرة على التصوير بشكل أكثر دقة لها فإن استجابته مؤقتة سرعان ما يتخلى عنها‪،‬‬ ‫ووضوحا وتجسيدا‪ .‬وإذا كانت اللغة اللفظية وعاء وقد يتمرد عليها إذا واتته الفرصة‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫شعورهم اإلنساني‪ .‬وفي الوقت نفسه تعلم الطفل الفكر‪ ،‬فإن اللغة غير اللفظية تعد وعاء آخر له‪ ،‬إذ‬ ‫ف��ي ح��ال كونه ن��واة فنان إب���داع أش��ك��ال‪ ،‬أو صور أتيح لإلنسان بفضلها أن يفكر من خالل األشكال‬ ‫واإلشارات واألصوات واأللوان والحركات‪.‬‬ ‫رمزية تمثل الشعور اإلنساني‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪41‬‬


‫أهمية وسائل اإلعالم‬

‫‪3‬ـ دفع الطفل إلى العناية بالكتاب والحفاظ عليه‬ ‫نظيفا ومتسقا مع غيره من الكتب‪ .‬وفي هذا‬ ‫ال��ن��وع م��ن أن���واع التربية الجمالية‪ ..‬ن��وع من‬ ‫أن��واع االرتقاء بالحس الفني والجمالي الذي‬ ‫يأتي عن طريق االهتمام بالكتاب‪ ،‬وبتصنيفه‬ ‫ون��ظ��اف��ت��ه وح��ف��ظ��ه‪ ،‬وال��م��ح��اف��ظ��ة عليه وعلى‬ ‫محتواه وصوره‪.‬‬

‫ومن هنا تأتي أهمية أن تحتل الصحيفة مكانا‬ ‫ب��ارزا في انطباعات الطفل‪ ،‬حتى ال��ذي ال يعرف‬ ‫ال��ق��راءة‪ .‬وتجب ق��راءة الصحف والمجالت أمام‬ ‫األط��ف��ال‪ ،‬وعلى مأل منهم‪ ،‬بما تحمله من أخبار‬ ‫جميلة‪ ..‬ومعارف خاصة وعامة‪ ،‬غريبة وطريفة‪.‬‬ ‫ويتم ذل��ك بشكل ال يحس الطفل فيه بأنه معنيٌّ‬ ‫كما أن للسينما دور آخ��ر ف��ي مجال التربية‬ ‫ب��ال��ق��راءة‪ ،‬ب��ل يجب أن تكون ق���راءة اآلب���اء جهرية‬ ‫يسمع الطفل تفاصيلها دون التوجه المباشر إليه‪ .‬المعرفية والفنية والجمالية‪ ،‬وهي تؤدي دورا مهماً‬ ‫في تنمية الحس الجمالي لدى الطفل‪ .‬والسينما تعد‬ ‫وف��ي م��راح��ل أخ��رى متقدمة‪ ،‬يمكن أن تكون‬ ‫في عصرنا الراهن من العوامل التربوية والثقافية‬ ‫للمطبوعات المصورة دور مهم في حياة الطفل‪،‬‬ ‫ُحسن توظيفها للتربية بكل جوانبها‪ ،‬ويدخل‬ ‫إذا أ ِ‬ ‫وعلينا أن ندفعه إل��ى االهتمام بها‪ ،‬واالشتراك‬ ‫هنا التلفزيون والفيديو‪ ،‬ليس فقط لألطفال‪ ،‬بل‬ ‫بالمطبوعات الخاصة بالطفولة‪ ،‬واقتناء ما يناسبه للشباب والبالغين‪ ،‬وذلك العتمادها على الصورة‬ ‫منها‪ ..‬فمحتوياتها من الصور والرسوم تسهم في بكل مفرداتها الجمالية والفنية‪ ،‬لذلك يجب ان‬ ‫رفع الحساسية الجمالية والمعرفية لديه بشكل تكون الرقابة على ك��ل م��ا تعرضه ه��ذه الوسائل‬ ‫تدريجي غير مباشر‪ ..‬لكنه فعال‪.‬‬ ‫من ص��ور‪ ،‬رقابة حقيقية‪ ،‬تربوية وفعالة‪ ،‬فاآلثار‬ ‫أم��ا الكتاب‪ ،‬فإنه ي��ؤدي دورا آخ��ر‪ ،‬إذ يتعرف السلبية لها كبيرة وفادحة إن لم تعالج في وقتها‪.‬‬ ‫الطفل إل��ي��ه ع��ن ط��ري��ق ال��ق��راءة المشتركة التي‬ ‫كما أن المسرح يمكن أن يلعب دورا في تكوين‬ ‫يجب ان تظل إحدى أهم اهتمامات األسرة‪ ..‬وفي ال��ح��س الجمالي ل�لأط��ف��ال‪ ،‬فجماليات المسرح‬ ‫ال��ب��دء يكون ال��ق��راء ه��م اآلب���اء‪ ،‬ث��م تنتقل المهمة المرافقة‪ ،‬وإضاءته وديكوراته وصفوفه المنتظمة‬ ‫إلى األبناء‪ ..‬وتساعد القراءة على توحيد األذواق كبير األثر في الرقي بحسه الجمالي وتغذيته‪ .‬كما‬ ‫وتهذيبها‪ ،‬وعلى السمو بها جماليا وفنيا وخياليا‪ ،‬أن للمتاحف وم��ع��ارض الفن شأنها ه��ي األخرى‬ ‫ومن ثم تعطيهم حسا نقديا ومعرفيا عميقا‪..‬‬ ‫في االرت��ق��اء بالحس الجمالي ل��دى األط��ف��ال‪ .‬إن‬ ‫ال مفر إذاً من تنمية مهارة القراءة المستقلة زيارة الطفل للمتاحف وإطالعه على مجموعاتها‬ ‫بصوت صامت ل��دى الطفل عندما يكبر‪ .‬ولكي وروائ����ع ف��ن ال��رس��م وال��ن��ح��ت وال��ت��ص��وي��ر والحفر‬ ‫يكون دور الكتاب كبيرا في تنمية الحس الجمالي‪ ..‬والنقوش والفسيفساء والمنسوجات والمخطوطات‬ ‫والمسكوكات والحلي والفخار والخزف والزجاج‬ ‫يجب أن تعتمد مهمة اآلباء على‪:‬‬ ‫وال���م���ع���ادن‪ ،‬ت��ث��ي��ر إع��ج��اب��ه ب��م��ا أب��دع��ت��ه األجيال‬ ‫‪1‬ـ مراقبة االنتقاء الجمالي واألدبي لشكل الكتاب‬ ‫المتعاقبة‪ ،‬ويشعر ب��االرت��ي��اح للجهود المبذولة‬ ‫ومضمونه‪.‬‬ ‫ف��ي سبيل المحافظة على تلك اآلث���ار المنقولة‪،‬‬ ‫‪2‬ـ تدريب األطفال على القراءة واالستمتاع الجمالي والممتلكات الثقافية التي تشكل ج��زءاً مهماً من‬ ‫بها‪..‬‬ ‫التراث اإلنساني‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫أحدهما‪ :‬أن النمو الموسيقي ال يعتمد كثيرا‬ ‫على النمو العقلي‪ ،‬فال توجد عالقة مطردة بين‬ ‫العمرين الزمني والموسيقي‪ ،‬فقد يمتلك طفل في‬ ‫بداية نموه العقلي عبقرية موسيقية مبدعة‪ ،‬كما أن‬ ‫نمو هذه الموهبة قد يكون بقوة عوامل بيولوجية‬ ‫بخاصة‪ ،‬وقد لوحظ نمو هذه الموهبة بقوة فيما‬ ‫بين الثالثة والخامسة ع��ش��رة‪ ،‬وه��ي السن التي‬ ‫يتوقف فيها النمو البدني‪ ،‬ويكون هناك وقت كبير‬ ‫لنمو الملكات الذهنية‪.‬‬

‫ونضرب مثاال بالحس الموسيقى لدى األطفال‪،‬‬ ‫ال في فن‬ ‫فنجد الجانب اإليقاعي عنصراً أصي ً‬ ‫العربية األول‪ ،‬ذلك الفن الذي اختص بالغنائية‪..‬‬ ‫وك��ان ال��وزن والقافية أب��رز العناصر النمطية في‬ ‫حده المعروف‪ ،‬لذا يصبح اإلحساس الموسيقي‬ ‫ض����رورة ل��ي��س ف��ق��ط ف��ي ت��ذوق��ه وت��ع��ل��ي��م��ه‪ ،‬ولكن‬ ‫أيضا ف��ي تنميته والتنبؤ ب��ه‪ .‬وألن اإلي��ق��اع سمة‬ ‫لصيقة بنفس الطفل‪ ،‬وأكثر تأثيرا في مشاعره‪،‬‬ ‫فإن الطفل غالبا ما يعبر عن انفعاله في صورة‬ ‫(ح��س حركية) كالتصفيق‪ ،‬والتنقير‪ ،‬أو التمايل‬ ‫وثانيهما‪ :‬أن الموسيقى ال تستمد موضوعاتها‬ ‫واالهتزاز‪ ،‬بل كثيرا ما نالحظه وهو يهمهم في لعبه م��ن الطبيعة‪ ،‬وال تعتمد على خبرة حياتية‪ ،‬ألن‬ ‫االنفرادي‪ ،‬ويغني ويتفوه بكلمات مرتجلة‪ ،‬حتى قبل مصدرها وغناءها الرئيس يكمن في الفنان ذاته‪،‬‬ ‫دخوله المدرسة‪.‬‬ ‫وطبيعة الموسيقى المجردة أن تجعل مادتها بعيدة‬ ‫وإذا افتقد الطفل هذا الحس الموسيقي افتقد تماما عن عالم المحسوسات‪ ،‬وليس ثمة فن آخر‬ ‫الصالحية لفن العربية األول‪ ،‬ول��ع��ل ف��ي قصة يستمد مادة كلية من نفسه وال يعتمد في نموه على‬ ‫األصمعي (ابن رشيق‪ ،‬العمدة ج‪ )198 /1‬مع مؤدبه الفنون األخرى سوى الموسيقى‪.‬‬ ‫ما يدل على أنه كان وقتئذ مبتدئا‪ ،‬وأن مؤدبه لما‬ ‫والطفل حين يتعامل مع اللغة‪ ،‬أو يطالع صورة‪،‬‬ ‫ل َِحظ ُه من افتقاده األذن الموسيقية القادرة على أو يشاهد عمال مسرحيا‪ ،‬أو يتأمل تمثاال‪ ،‬أو‬ ‫ضبط النغم والتغني به‪ ،‬ألمح إليه أن تعلم العروض يستمع إلى أغنية‪ ،‬فإنما يلجأ إلى وسائل تقرب‬ ‫ال يغنيه‪ ،‬وص��رف��ه ع��ن صناعة الشعر إل��ى العلم ل��ه المعنى‪ ،‬بينما الموسيقى ال تحتاج إل��ى هذه‬ ‫بأدواته‪ ،‬فكان فقط (عالما شاعرا) وليس (شاعرا الوسائل‪ ،‬ألنها تعطي اللب الباطني‪ ،‬واألصل األول‬ ‫عالما)‪ .‬من هنا كان (التغني) مقود الموهبة‪ ،‬وأحد الذي يسبق كل صورة‪ ،‬بحيث يمكن القول إن الطفل‬ ‫إرهاصات الطفل المترشح‪ ،‬وليس ذلك إال ألن هذا يستطيع االتصال باللون منفردا‪ ،‬أو بقطعة الحجر‬ ‫الطفل لم يكتمل قاموسه اللغوي‪ ،‬وليس لديه خبرة وحدها‪ ،‬أو بكلمة من كلمات اللغة‪ ،‬وهو في اتصاله‬ ‫معرفية‪ ،‬أو أدوات لفظية تنهض للتعبير عن ذاته‪ .‬بهذه األشياء‪ ..‬إنما يتعامل في الحقيقة مع مادة‬ ‫ل��ه��ذا تنهض الموسيقى ألداء ه���ذه المهمة‪،‬‬ ‫فتعوض فقره اللغوي‪ ،‬دون حاجة إلى إدراك قدراته‬ ‫اإلبداعية األخرى‪ ،‬التي ال تظهر قبل الثانية عشرة‪،‬‬ ‫ألنها في هذه المرحلة تكون في خدمة نموه الجسمي‬ ‫والعقلي‪ ..‬بحيث يمتصها ويستنفدها تماما‪ .‬ولعل‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫لطافة الحس الموسيقى‬ ‫(الدندنة والتغني)‬

‫اعتماد الموهبة الشعرية على الموسيقى أكثر من‬ ‫الفنون األخرى يرجع إلى أمرين‪:‬‬

‫األدب‪ ،‬ولكنه ال يستطيع أن يستمع إل��ى الصوت‬ ‫سابقا على دخوله البناء الموسيقي‪ ،‬فيرى فيه‬ ‫مادة هذا العمل ذاته‪ ،‬ذلك ألنه ال بد في كل عمل‬ ‫موسيقي من اإليقاع واالنسجام الصوتي‪ ،‬ونظرا‬ ‫القتضاء الشعر هذه الخاصية‪ ،‬فإنه يعتمد على‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪43‬‬


‫الموسيقى‪ ..‬ألنه أدخل في الشعر‪ ،‬وهو جزء منها ف��إن وج��ود ال��ص��ورة أو ال��رس��م أدع��ى إل��ى اإلقناع‬ ‫في التعبير عن ذات��ه‪ ،‬وقديما قطع الجاحظ بأن والتصديق‪ .‬أما الحركات‪ ..‬فهي عنصر آخر من‬ ‫عناصر الجاذبية والتشويق‪ ،‬وهي‪ ،‬فضال عن ذلك‬ ‫الشعر وكتاب العروض من كتب الموسيقى‪.‬‬ ‫تضفي على المواقف واألفكار أبعادا جديدة‪.‬‬

‫الطفولة وعالم اللوحة الجمالي‬

‫من أين يبدأ الطفل في التعرف الجمالي على‬ ‫محيطه وبيئته؟‬ ‫إنه يبدأ من اللحظة التي يشده فيها أي مؤثر‬ ‫جميل وفعال وجذاب‪ ،‬سواء كان سمعيا أو بصريا‪.‬‬ ‫وتبدأ حواسه بالتنبه والتأمل‪ ..‬ثم محاولة التعرف‬ ‫على الكليات والعموميات‪ ،‬ف��األج��زاء أو العكس‪.‬‬ ‫المهم أن يبدأ المؤثر الجمالي فعله في حواس‬ ‫الطفل العليا‪ ،‬وبقدر ما يكون ه��ذا المؤثر فعاال‬ ‫ومؤثرا وجميال وممتعا‪ ،‬بقدر ما يالقي في النفس‬ ‫ال��ص��دى الكبير واالستجابة المثلى‪ ..‬مهما كان‬ ‫هذا الطفل صغيرا‪ ،‬ومهما كانت مدركاته العقلية‬ ‫محدودة وبسيطة‪.‬‬

‫كيف يقرأ الطفل األثر الجمالي باللوحة‬ ‫وإلى أي مدى تثير انتباهه واهتمامه؟‬ ‫ولإلجابة على هذا ال بد من تمييز الخصائص‬ ‫التالية في الطفل‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬الحركة‪ ..‬إن الطفل تثيره الحركة‪ ،‬لذلك‬ ‫يتابع بشغف أف�ل�ام ال��ك��رت��ون المتحركة‪ .‬واألثر‬ ‫ال��ج��م��ال��ي ال��ح��رك��ي ه��و ال���ذي س��ي��ك��ون ف��ع��اال في‬ ‫استخدامه لتنمية ال��ذوق الجمالي‪ .‬وتعد الصور‬ ‫وال���رس���وم ال��م��ت��ح��رك��ة أوع��ي��ة تعبير ذات أهمية‬ ‫كبيرة بالنسبة لألطفال‪ ،‬فهم يعبرون عن أنفسهم‬ ‫ب��ال��رس��وم منذ عمر مبكر‪ ،‬كما أن��ه��م يستقبلون‬ ‫التعبير من خاللها‪ ،‬ويعنون بكثير من تفصيالتها‪،‬‬ ‫وتنطبع في أذهانهم ال��ص��ورة الذهنية الموحية‪،‬‬ ‫وتشير دراس��ات عديدة إلى أن الرسم أو الصورة‬ ‫أكثر اقناعا من الكلمة في كثير من األحيان‪ .‬لذا‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫وي��ث��ار ان��ت��ب��اه األط���ف���ال ب��ال��ح��رك��ات‪ ،‬ويريدون‬ ‫لألشياء أن تتحرك‪ ،‬فهم ال يطيلون التمعن في‬ ‫مشهد تلفازي يظهر فيه أس��د واق���ف‪ ،‬إن��ه��م في‬ ‫ه��ذه الحالة يقولون اقفز‪ ..‬تحرك‪ ..‬إزأر‪ ..‬ومن‬ ‫خالل المزج بين الرسوم والحركة ظهر نوع جديد‬ ‫من أف�لام األطفال‪ ،‬وهي الرسوم المتحركة التي‬ ‫تمتاز عن األشكال السينمائية األخرى‪ ،‬حيث يكون‬ ‫التجسيد الفني عبر هذه األفالم يعتمد على إدخال‬ ‫الحياة ف��ي ال��ص��ورة وال��رس��وم ال��ج��ام��دة‪ ،‬وتشكيل‬ ‫عالم خيالي مثير‪ ،‬إضافة إلى أن ما توفره من جدة‬ ‫تجعل المواقف اعتيادية‪ ،‬خصوصا وأنها تالئم‬ ‫رغبات األطفال‪ ،‬وتناسب طبيعة عملياتهم العقلية‬ ‫واالنفعالية‪ ،‬إضافة إلى أنها قريبة من حيث بنائها‬ ‫الفني والنفسي‪ ،‬واعتمادها على الخيال واإلثارة‪،‬‬ ‫تنقل الطفل من حالته االعتيادية إلى حالة تتصف‬ ‫بالغرابة التي تشابه الحالة التي يخلقها اللعب إلى‬ ‫حد كبير‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬العناصر األساسية في اللوحة أو الرسم‪،‬‬ ‫سواء كانت بشرية أم حيوانية‪ ،‬فإنها تثير انتباهه‬ ‫واهتمامه‪ ..‬وفي الغالب يستمتع بها أكثر باألشكال‬ ‫الحيوانية‪ ،‬ألنها ليست تحت بصره‪ ..‬وال يراها إال‬ ‫في الصور‪ .‬لذلك يستمتع بها أكثر‪ ،‬ألنها بالنسبة له‬ ‫عملية اكتشاف ألشياء جديدة‪ .‬وهذا في حد ذاته‬ ‫مفتاح جديد يمكن استخدامه في تنمية الحواس‬ ‫الجمالية عند الطفل‪ ،‬من خ�لال ع��رض النماذج‬ ‫الحيوانية الجيدة الرسم أو التصوير‪ ،‬لشد االنتباه‬ ‫عنده‪ ،‬واالهتمام فيما بعد بالجماليات األخرى‬ ‫المرافقة‪ ،‬وغ��اب��ات وأش��ج��ار وعمائر وتشكيالت‬ ‫طبيعية‪ ،‬من جبال وت�لال وج��داول وظ�لال‪ .‬وهذا‬


‫ثالثا‪ :‬ال��ل��ون‪ ..‬لعنصر اللون أهمية كبيرة في‬ ‫اللوحة التي يراها الطفل‪ ،‬فكلما كانت أكثر إثارة‬ ‫وح����رارة وت��ض��ادا‪ ،‬كلما اه��ت��م بها ولفتت نظره‪.‬‬ ‫لذا نجد إقباال من األطفال على األف�لام ورسوم‬ ‫أهمية الصورة‬ ‫الكرتون الملونة بألوان صريحة وصارخة أكثر من‬ ‫في كتب األط��ف��ال‪ ..‬ينبغي أن ترافق الصورة‬ ‫الصور والرسوم الملونة بانسجام وهرمونية هادئة‬ ‫دائما النص‪ ،‬حيث العالقة بينهما عالقة وثيقة‪..‬‬ ‫وشاعرية‪ ..‬أي المعتمدة على التكامل وليس على‬ ‫ف��ال��ت��ص��وي��ر وال���رس���م ي��ج��س��د م���ا ي��ق��ول��ه النص‪.‬‬ ‫التضاد الحاد‪.‬‬ ‫وال��ن��ص ب���دوره ي��ش��رح ال��ص��ورة ويكملها‪ ..‬وبدون‬ ‫وذه��ب بعض علماء النفس ‪-‬خصوصا أولئك ذلك فإنها تصبح صورة ملتبسة المعاني متعددة‬ ‫الذين ينحون منحى مدرسة التحليل النفسي‪ -‬إلى الطروح‪ ،‬وعلى الصورة أن تتولى نقل معاني النص‬ ‫تأكيد أهمية األل���وان ف��ي النفس‪ ،‬خصوصا وأن وحكائيته‪ ..‬وبهذا تكون الصورة تجسيدا للنص‪..‬‬ ‫هناك اتفاقا على أن األل���وان تساعد في تقديم ولقد لوحظ أنها تسهل اتصال الطفل فيما بين‬ ‫األش���ك���ال ب��ط��ري��ق��ة م���ؤث���رة‪ ،‬ن��ظ��را الت��ص��ال اللون الثالثة وال��س��ادس��ة بالكتابة‪ ،‬وتحفزه ‪-‬إذا كانت‬ ‫ب��ال��ح��س‪ ،‬خصوصا وأن اإلدراك ال��ب��ص��ري يقوم معبرة ناطقة‪ -‬على القيام ببعض المالحظات‬ ‫على وق��وع الموجات الضوئية على العين‪ .‬وتلعب حول الحكاية‪ ،‬بل تستطيع الصورة أن تعوض بشكل‬ ‫األل��وان دورا مهما في تحقيق االنسجام والتوازن من األشكال النص‪ ،‬وه��ي تكتفي بذاتها بالنسبة‬ ‫في األشكال‪ ،‬في عين الطفل وفي كسب انتباهه‪ ،‬لألطفال الذين ال يعرفون القراءة أو تمييز كتاب‬ ‫وفي إرضاء ميله نحو ألوان معينة‪ .‬إن أكثر األلوان عن اآلخر من خالل صورة الغالف التي تحل محل‬ ‫اس��ت��ح��واذا ع��ل��ى اه��ت��م��ام األط���ف���ال ص��غ��ار السن عنوانه‪.‬‬ ‫وج��ذب��ا ألبصارهم ه��ي األل���وان الثالثة األساس‪:‬‬ ‫وبنظرتنا إل���ى رس���وم األط��ف��ال ال��ت��ي يقومون‬ ‫األصفر‪ ،‬األزرق‪ ،‬األحمر‪ ،‬بشرط أن تكون زاهية برسمها‪ ،‬نجد أن فيها فروقا ظاهرة في التعبير‬ ‫ونظيفة ومفرحة‪ .‬لذلك يجب أن يكون لهذه األلوان عند الجنسين من األطفال‪ ،‬فالصبيان وخصوصا‬ ‫األس���اس النصيب األك��ب��ر ف��ي ال��رس��وم المقدمة بعد س��ن الثامنة يميلون إل��ى التعبير االنفعالي‬ ‫لألطفال صغار السن دون أن تمزج بينها‪ ،‬ودون أن التصويري المصحوب ببعض التفاصيل‪ ..‬فهم‬ ‫تستخدم أية ظالل أو تدرجات في اللون الواحد‪ ،‬يتصورون مستقبلهم ‪-‬كيف سيكون‪ -‬وهم يصورون‬ ‫حتى ال يرتبك الطفل الصغير وينفر من الصورة‪ ،‬أنفسهم ف��ي وظ��ائ��ف مهمة (ح��س��ب مكتسباتهم‬ ‫ويحسن أن تكون مساحات األل��وان مفصولة عن م��ن البيئة المحيطة ب��ه��م‪ ..‬وم��ن خ�لال أسرهم‬ ‫بعضها بعضا‪.‬‬ ‫وعائالتهم)‪ .‬ولكنهم يرسمون ص��ورا مبالغا فيها‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫مجال واسع من المجاالت التي تسهم في تطوير‬ ‫خياله وتجعله في حالة استمتاع بصرية وتخيلية‬ ‫دائمة‪.‬‬

‫الطفل كثيرا‪ :‬ف��إذا جاء الموضوع عاديا لم يلفت‬ ‫نظره‪ ،‬لذلك نجد أن أكثر الرسامين الكبار الذين‬ ‫يرسمون لوحات تعرض على األطفال‪ ،‬يجنحون إلى‬ ‫الخيال والغرابة واألس��ط��ورة‪ ،‬وإل��ى ما ال يصدق‪،‬‬ ‫س��واء من حياة اإلنسان أو الحيوان‪ ،‬أو النوعين‬ ‫معا‪.‬‬

‫راب��ع��ا‪ :‬غرابة الموضوع وط��راف��ة الفكرة تشد وف��ق سعة األف��ق‪ ،‬ووف��ق تصور كل منهم‪ ..‬ضابط‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪45‬‬


‫شرطة يركب حصانا أسود جبارا‪ ،‬أو يركب سيارة‬ ‫تسابق الريح ليلحق بالمجرمين واللصوص‪ ،‬هو قوي‬ ‫البنية طويل عريض المنكبين مفتول العضالت‪ ،‬أو‬ ‫ضابط جيش يعتلي دبابة‪ ،‬وال مانع من أن يرفع‬ ‫عليها العلم‪ ،‬وقد يكون جسده في حجم الدبابة‪.‬‬ ‫وق���د ي��ن��ج��ح ط��ف��ل آخ���ر وي���ص���ور ن��ف��س��ه فنانا‬ ‫مسرحيا يعتلي خشبة المسرح وه��و أعلى صوتا‬ ‫وأضخم جثة‪ .‬تظهر كل تلك الصور في ممارسة‬ ‫الطفل للرسم والتجسيد بالنحت والتركيب واأللوان‬ ‫الصارخة القوية‪ ،‬المحاطة بسياج ملون مبهر جدا‪،‬‬ ‫وخطوطها عادة قوية تميل إلى الخطوط الهندسية‪،‬‬ ‫تأخذ وجهة محددة صريحة‪ .‬أما الفتاة فنراها من‬ ‫خالل رسومها تميل إلى التعبير الزخرفي الممتلئ‬ ‫بالتفصيالت‪ ،‬وهي إذا تصورت مستقبلها‪ ..‬فإنها‬ ‫ترسم نفسها بين أقرانها من البنات متساوية في‬ ‫الحجم والمساحة‪ ،‬ولكنها تضفي على أقرانها‬ ‫من الصبيان ألوانا باهتة ال تقوى صورهم‪ ،‬وإنما‬ ‫وجودهم فقط يكمل الصورة‪.‬‬

‫يكون هذا الطفل على قدر ملموس من الذكاء‪ .‬وإذا‬ ‫أخذنا باألبحاث الجديدة التي تقّيم الطفل بأنه‬ ‫شيء مهم في عملية التعلم‪ ..‬وإذا اعترفنا به على‬ ‫أنه كائن حي له ميوله واستعداداته‪ ،‬وأن أسلوبه‬ ‫ف��ي التعبير الفني والتشكيلي يحمل خصائصه‬ ‫وصفاته المميزة‪ ،‬وج��ب علينا أن نبحث ل��ه عن‬ ‫حريته ونكفلها له‪ .‬ووجب على المربين والمشرفين‬ ‫على الطفل احترام هذه الحرية‪ ،‬على أن ال يترك‬ ‫الطفل وشأنه ليقع أسير حريته في التعبير والوقوع‬ ‫فيما يضره‪ ..‬ولكن علينا ‪-‬بعد تأكدنا بالدراسة‬ ‫من ميوله‪ -‬أن نختار له المثيرات الهادفة بالعمل‬ ‫بطرق غير قاهرة‪ ،‬ودون مبالغة في الفرضية التي‬ ‫قد يتنبه إليها الطفل‪.‬‬

‫إن تشكيل الوعي الجمالي عند األطفال يجعلهم‬ ‫يكتسبون ما يسميه «ج��روس» (خبرة الفن)‪ ،‬ألن‬ ‫الطفل يكتسب إذا لم يستطع أن يعي التشكيل‪..‬‬ ‫ويطلق عنان خياله ويعيش شعوريا مع الشكل؛ ألن‬ ‫الجوهر أو الخاصية األساسية للفن كما قالت‬ ‫«س���وزان النجر» (فيلسوفة علم الجمال) هو أنه‬ ‫وف���ي ج��ول��ة ف��ي ع���دد م��ن ال��م��ت��اح��ف المهتمة‬ ‫حياة الشعور‪.‬‬ ‫ب��اإلن��س��ان��ي��ات وال����دراس����ات ال��ب��ش��ري��ة والبيئية‪،‬‬ ‫إن تربية الذائقة الجمالية عند الطفل‪ ،‬تقتضي‬ ‫نجد التشابه الكبير بين رس���وم اإلن��س��ان األول‬ ‫ورس���وم الطفل الصغير‪ ،‬ون��ج��د م��راح��ل التعبير معرفة وثقافة غنيتين ومتنوعتين‪ ،‬سواء من لدن‬ ‫كذلك متشابهة؛ فالحذف والتسطيح والشفافية األس����رة‪ ،‬أو م��ن ل��دن المربين ف��ي ال��م��درس��ة‪ ،‬أو‬ ‫والتجسيد والمبالغة حسب االهتمامات المختلفة مؤسسات التعليم األول���ى‪ ،‬ويأتي في قائمة هذه‬ ‫كما نراها في رس��وم الكبير غير الناضج ذهنيا‪ ،‬المعارف‪ ،‬دراسة الطفولة‪ ،‬ومعرفة ميول الطفل‪،‬‬ ‫وهذه الحالة بالذات تجري فيها دراسات متعمقة واهتماماته ودوافعه الشخصية وما إلى ذلك‪ ،‬ثم‬ ‫تأتي بعد ذلك خطوات يمكن أن نجملها على سبيل‬ ‫متعددة االتجاهات‪.‬‬ ‫المثال ال الحصر فيما يأتي‪:‬‬ ‫وإذا تتبعنا طفال لقياس ذكائه‪ ،‬نجد أن هناك‬ ‫ •إث���راء بيئة الطفل ب��ال��م��ف��ردات الجميلة‬ ‫عالقة كبيرة بين رس��وم ه��ذا الطفل ومدلوالتها‬ ‫والمالئمة لمداركه ومستوى نضجه‪.‬‬ ‫وق��درات��ه الفنية ودرج���ات ذك��ائ��ه‪ ..‬وم��ا قد يظهره‬ ‫م��ن ق���درات ف��ي تعبيره الفني‪ ،‬وم��ح��اول��ة إيصال‬ ‫ •تحقيق الجمال عمليا في محيط تفاعل‬ ‫مفاهيمه ع��ن طريق األف�ل�ام واألل����وان‪ .‬غالبا ما‬ ‫ال��ط��ف��ل م��ع ذات���ه وم���ع غ��ي��ره (الترتيب‪/‬‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫ •ال��ع��ن��اي��ة ب��ال��م��ظ��ه��ر ال���خ���ارج���ي لإلنسان‬ ‫‪1‬ـ حسين جمعه‪ :‬العالقات الجمالية والطفل‪،‬‬ ‫(الهندام‪ /‬المأكل‪ /‬الحركة‪.)...‬‬ ‫أب��ح��اث م��ؤت��م��ر ال��م��ج��ل��س األع��ل��ى للثقافة‪،‬‬ ‫ •تعويد الطفل على االه��ت��م��ام بالتفاصيل‬ ‫القاهرة ‪2000‬م‪.‬‬ ‫واألجزاء‪.‬‬ ‫‪2‬ـ د‪ .‬رات���ب ال��غ��وث��ان��ي‪ :‬تربية ال��ح��س الجمالي‬ ‫ •تنبيه الطفل إلى أن الجمال يكمن أحيانا‬ ‫عند الطفل العربي‪ ،‬المنهل العدد ‪ ،563‬جدة‬ ‫كثيرة في العالقات القائمة بين األشياء‪،‬‬ ‫يناير‪2000‬م‪.‬‬ ‫والتنويع المستمر في هذه العالقات‪.‬‬ ‫‪3‬ـ سامي دقاقي‪ :‬التربية الجمالية عند الطفل‪،‬‬ ‫ •التأكيد على أن الجمال ينبع من الداخل‬ ‫ال��م��ج��ل��ة ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬ال����ري����اض‪ ،‬ال����ع����دد‪،382‬‬ ‫أساسا‪ ،‬بمعنى أن الجمال هو حالة داخلية‬ ‫نوفمبر‪2008‬م‪.‬‬ ‫مثل الفرح وال��ح��زن وغيرهما‪ ،‬وه��و أيضا‬ ‫‪4‬ـ عادل البطوس‪ :‬تشكيل وعي الطفل التشكيلي‪،‬‬ ‫استعدا ٌد قبل أي شيء آخر‪.‬‬ ‫الخفجي‪ ،‬العدد أكتوبر ‪2003‬م‪.‬‬ ‫ •تعويد الطفل على بعض الصفات المهمة‬ ‫‪5‬ـ غ��ازي الخالدي‪ :‬موقف الطفل من اللوحة‪،‬‬ ‫في تربية الذائقة الجمالية كالصبر‪ ،‬واألناة‪،‬‬ ‫حلقة بحث‪ ،‬دمشق ‪1990‬م‪.‬‬ ‫الصفاء الذهني والنفسي‪ ،‬وعدم التأثر أو‬ ‫االنسياق مع تقييمات اآلخرين‪ ،‬واكتساب ‪6‬ـ د‪ .‬محمد ط��ه عصر‪ :‬سيكولوجية الموهبة‬ ‫األدب���ي���ة وال��ط��ف��ول��ة‪ ،‬ع��ال��م ال��ك��ت��ب‪ ،‬القاهرة‬ ‫ثقافة غنية ومتنوعة تبعا لنضج الطفل‪.‬‬ ‫‪2000‬م‪.‬‬ ‫ل��ذل��ك ال ب��د أن نحشد ك��ل ال��ج��ه��ود التربوية‬ ‫لتنمية ال��وع��ي الجمالي عند أطفالنا‪ ،‬وتشكيله ‪7‬ـ د‪ .‬فاخر عاقل‪ :‬طبائع البشر‪ ،‬كتاب العربي‬ ‫العدد ‪ ،6‬الكويت يناير ‪1985‬م‪.‬‬ ‫م��ن خ�ل�ال جميع ال��وس��ائ��ط وال��ت��ع��ام��ل م��ع ثقافة‬ ‫الطفل البصرية‪ ،‬من خالل لغة التعبير التشكيلي‪8 ،‬ـ د‪ .‬هادي نعمان الهيتي‪ :‬ثقافة الطفل‪ ،‬عالم‬ ‫والتركيز على تنمية قدرته على االستجابة للعناصر‬ ‫المعرفة‪ ،‬عدد ‪ 123‬الكويت ‪1988‬م‪.‬‬ ‫والعالئق البصرية‪ ،‬وإكسابه الخبرات الفنية من‬ ‫‪9‬ـ د‪ .‬وفاء إبراهيم‪ :‬الوعي الجمالي عند الطفل‪،‬‬ ‫خ�ل�ال معايير م��وض��وع��ي��ة بسيطة‪ ،‬إض��اف��ة إلى‬ ‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1997 ،‬م‪.‬‬ ‫تنمية سلوكه االبتكاري‪ ،‬وتوثيق صلته بعلم الجمال‬ ‫وفلسفة الفن‪ ،‬وإكسابه القيم الجمالية في الحياة‪10 ،‬ـ ‪.F. L. Lucas Style. New York, Collier Book ,1967‬‬ ‫واالرت��ب��اط بالبيئة وفهمها‪ ،‬وصقل ذوق��ه وتعويده ‪11‬ـ ‪Nancy Larrick, Aparent, Guide Children Reading,‬‬ ‫على االبتكار والترقي برؤيته التشكيلية ومواهبه‬ ‫‪.4 TH ,1975‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫ال��ت��ن��س��ي��ق‪ /‬ال��ت��ن��ظ��ي��م) وف����ق اإلمكانات اإلبداعية ومشاعره اإلنسانية‪.‬‬ ‫المتاحة‪.‬‬

‫* أستاذ الفلسفة اإلسالمية ورئيس قسم الفلسفة واالجتماع ‪ -‬كلية التربية جامعة عين شمس‬ ‫روكسي‪ /‬مصر الجديدة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪47‬‬


‫عتمة‬ ‫> محمد معتصم*‬

‫«في هذه المدن الصغيرة يخاف اإلنسان شيئين‪ :‬الملل والرقابة»‪.‬‬ ‫حيدر حيدر‬ ‫ل��م يكن ه��ن��اك ه��اج��س م��ح��دد يفرض‬

‫في البدء عندما طوح بي في هذه المدينة‪،‬‬

‫على نفسه ساعة ولوجي مقهى أم الربيع‬

‫ك��ان الحلم بعالم حميمي‪ ،‬بنبض جماعي‬

‫في تلك العشية التائهة‪.‬‬

‫يحتضن الصراخ العنيف للذات‪ ،‬بأياد دافئة‬

‫فقط كنت أريد تخفيف بعض من قلقي‪ ،‬متشابكة ع��ل��ى خ��اص��رة ال��غ��د‪ .‬ك��ن��ت أحلم‬ ‫ونسيان ما بي من ضيق‪ .‬في المقهى لوحات بفضاء تمتد أبعاده داخ��ل القلوب‪ ،‬يمارس‬

‫بشرية دائمة التعليق تثير فضول البصر‪ ،‬أحالمه عالنية في فضاء داخلي مكشوف‬ ‫تؤثث ل��ذاك��رة‪ ،‬تحتضن ثلة معكوفة على مع بشر من نفس الكوكب الوجداني‪.‬‬ ‫ال��دوام على لعب ال��ورق‪ .‬تتعالى أصواتهم‬

‫ُنزو كالعادة‪،‬‬ ‫أخ��ذت كرسيا في رك ٍ��ن م ٍ‬

‫مهللة ب��االح��ت��ج��اج‪ ،‬ضجيجهم السرمدي‬

‫وطلبت قهوة س��وداء‪ .‬رشفت جرعتين أو‬

‫يفتض بكارة الفضاء‪ .‬دائما كانت تأسرني ثالث‪ ،‬وجلت ببصري في فضاء المقهى‪.‬‬ ‫هذه الجغرافيا السفلى‪ ،‬أحس بأشياء من كان حنيني إلى الهروب من واقعي العقيم‬

‫‪48‬‬

‫األعماق تطفو على السطح‪ ،‬أحمل مآسيها‬

‫يتفجر ف��ي داخ��ل��ي كغيمة تحولت مطرا‬

‫وأحزان أعماقي الجارحة‪.‬‬

‫ه��اط�لا ف���وق ت����راب خ��ش��ن‪ ,‬وأص��غ��ي إلى‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫ص�����وت س���ح���ري ق����ادم‬ ‫م����ن أع����م����اق����ي‪ ،‬حيث‬ ‫ي���ق���ب���ع ش������يء غامض‬ ‫م��رت��ج��ف يُ��خ��ل��ق وهو‬ ‫ي���ن���ت���ح���ب‪ .‬وتسارعت‬ ‫دق��ات قلبي‪ ،‬ث��م بدأت‬ ‫أت���غ���ي���ر ح���ت���ى ص���رت‬ ‫كائنا غريبا متوحشا‪.‬‬ ‫أح��س��س��ت أن بداخلي‬ ‫شهية تكبر وتكبر لتبتلع‬ ‫كل ما يحتويه المكان‪،‬‬ ‫وأتخلص من أصواتهم‬

‫تعقبت خطوها الضليل تتطاير كبقايا دخان‪ ,‬حتى‬

‫لم أعد أرغب في لقياها‪ ،‬وصور تبعثرت إطاراتها‬

‫وأترك حاسة الشم تقودني إليها‪ ،‬فحواسي لن‬

‫التي تحيي في نفسي جرحا قد نسيته‪ ،‬من وجوه في لحظات الجد حزينة‪ ،‬وكنت أغمض عيني‬

‫حتى أصبحت تباع في الخردة‪ ،‬أحسست بأن ثمة‬ ‫عالما مجهوال قريبا مني كل القرب‪ ،‬وال يفصله‬

‫تخطئ أبدا أريج عطرها الكوني‪ ،‬ولكن األوغاد‬ ‫ك��ان��وا يشوشون علي بتأجيج دخ��ان مجامرهم‬

‫عني س��وى جسر م��ن ال��زج��اج‪ .‬أن��دف��ع الجتياز المشعوذة التي كانت تنفث روائ��ح بخور كريهة‬

‫الجسر الزجاجي‪ ،‬فأحتضنه برأفة‪ ،‬عالم شاسع تصيبني بالغثيان وال��ت��ق��زز‪ ،‬تشل ك��ل حواسي‬ ‫مبهم‪ ،‬ساده ظالم كثيف‪ .‬وتجسدت في مخيلتي‬

‫وتصيبها بالعطب‪ ،‬حتى شككت في جدوى البقية‬

‫بقايا جثث متعفنة‪ ،‬وأجساد متخشبة‪ ،‬فهتفت‬

‫الباقية من حواسي التي أصبحت تتوقع نداءها‬

‫لن تتوقف‪ ،‬وأن��ا قابع في ركني أرش��ف ما بقي‬

‫األزقة الموحشة‪ ،‬ودائما أحضن الفراغ‪ .‬تبلبلت‬

‫بدون صوت‪ ،‬قلبي يطرق بابا مغلقا‪ ..‬ودموعي ال��رخ��ي��م‪ ،‬وص����ورا ل��ه��ا م��ش��وش��ة ف��ي منعطفات‬

‫من القهوة‪ .‬اخترق بصري ال��زج��اج‪ ،‬فأبصرتها‬

‫مجد لنور يتزأبق كلما حاولت‬ ‫ما بين اختفاء غير ٍ‬

‫على الهامش المقابل للمقهى ت��رت��دي فستانا احتضانه‪ ،‬وعودة مهزومة لبؤرة الضجيج األعته‪.‬‬

‫في لون السماء الصافية‪ ،‬محبوكا على جسدها فيممت وجهي شطر بيتي حتى ألتقط بعضا من‬ ‫المشدود‪ .‬كانت تزيح شعرها األصفر الذهبي أنفاسي وأجلو الغشاوة عن ذهني‪ ..‬وأعيد ترتيب‬ ‫عن وجهها‪ ،‬وتنظر ناحيتي‪ .‬جريت نحو النافذة لقطات الشريط كما عشته أو ضمنته داخل‬ ‫أبحث عنها كما أفعل دائما‪ .‬كلما بحثت عنها أو مستطيالته الشفافة الهاجعة في خرسها‪.‬‬

‫* ‬

‫قاص من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪49‬‬


‫أربع قصص قصيرة جدا‬ ‫> صبيحة شبر*‬

‫مساواة‬ ‫تزوج الرجل للمرة الثانية بفتاة صغيره‪ ،‬قال‬ ‫لزوجته الكبيرة‪:‬‬ ‫اشتريت لكما نفس اللون من القماش وسوف‬ ‫أخيطه لكما بنفس التفصيل‪ ،‬وابتاع لكما الشيء‬ ‫عينه كل مرة‪ ،‬سأعدل معكما في كل شيء وحتى‬ ‫غرفة النوم ستكون واحدة لثالثتنا‪.‬‬

‫معونة الشتاء‬ ‫وقفت مديرة المدرسة أمام طابور الصباح‪،‬‬ ‫وهي تمسك بيدها س��روال ابنها القديم‪ ،‬وبعد‬ ‫أن ألقت خطبة عصماء‪ ،‬عن ض��رورة مساعدة‬ ‫الفقراء والمساكين‪ ،‬في فصل البرد والمطر‪،‬‬ ‫ون��ح��ن ن��ن��ص��ت إل��ي��ه��ا ب��إع��ج��اب‪ ،‬ن����ادت بأعلى‬ ‫صوتها‪:‬‬ ‫أين أحمد؟ لقد جلبت له معونة الشتاء‪.‬‬

‫الثمن‬

‫قلبي‪.‬‬ ‫مرحبا أستاذنا الكبير‪.‬‬ ‫ ‪.....‬‬‫‪ -‬اشتقنا لك‪ ،‬كنت أتمنى رؤيتك‪ ،‬وأتوقعها‪،‬‬

‫فجلبت لك هدية‪.‬‬ ‫‪..... -‬‬

‫‪ -‬وض��ع��ت ي��ده��ا ف��ي جيبي‪ ،‬فصفق القلب‬

‫ابتهاجا‪ ،‬وغابت عني الحروف‪.‬‬ ‫‪ -‬محبتي لك أستاذنا‪.‬‬

‫غادرتني الجميلة‪ ،‬أسرعت لمعرفة الهدية‪،‬‬

‫أدخ���ل���ت ي����دي إل����ى ج��ي��ب��ي‪ ،‬ف��ل��م أج����د هاتفي‬

‫المحمول‪.‬‬

‫الفنان‬ ‫أع��ج��ب��ت ال��ج��م��اه��ي��ر ال��م��ح��ت��ش��دة‪ ،‬ببراعة‬

‫النحات‪ ،‬على تجسيد أض��رار التدخين‪ ،‬بهيكل‬ ‫عظمي يوشك على السقوط‪ ،‬من فرط الهشاشة‬

‫ك��ن��ت م��ت��ع��ب��ا‪ ،‬أس��ي��ر ال��ه��وي��ن��ى ف���ي السوق‪،‬‬ ‫والكيسان الكبيران في يديّ االثنتين‪ ،‬هلت علي والضعف‪ ،‬خلدت مهارته بصورة تذكارية وهو‬ ‫غادة حسناء‪ :‬قبلتني على وجنتي‪ ،‬فارتعش لها يدخن سيجارته العاشرة‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪50‬‬

‫قاصة من العراق‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫> محمد صوانه*‬

‫صانعة الغد‬

‫تحويه‪..‬‬ ‫ثم تتلقفه يداها الواهنتان بلهفة‪..‬‬ ‫تصنعه على عينها‪..‬‬ ‫كأنه عجينة‪! ..‬‬ ‫ثم تطلقه‪ ..‬وقلبها يظله‪..‬‬ ‫فيبلغ عنا َن السماء!‬

‫أحالم اليقظة‪..‬‬

‫تنفس صبحه الجديد‪ ..‬فاستيقظ منتشياً‬ ‫سارا سوياً‬ ‫تتحرر الشمس من رفقتهما‬ ‫يركن الصباح إلى خدره ويغفو‬ ‫ليتجهز لمشوار جديد‪..‬‬ ‫يتحرر أمله الساكن في أعماقه‬ ‫يغذ السير في دربه الزاهي مغنياً‪..‬‬ ‫يمضى معه سحابة يومه‬ ‫باحثاً في أزقة النهار‬ ‫عن مستقر‬ ‫فتصدمه العتمة‬

‫إنقاذ‬

‫ذات غفلة‪،‬‬ ‫غشيه موجها‬ ‫ينتفض‪..‬‬ ‫ثم يستسلم كريشة حائرة‪،‬‬ ‫حتى إذا اطمأنت لسكونه؛‬ ‫استل شراعها‪،‬‬ ‫وأبحر‪! ..‬‬ ‫* ‬

‫اليوم يوم األرض‬ ‫(رواية طويلة جداً!)‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا ً‬

‫سمعهم ي��ه��ت��ف��ون ب��ي��وم األرض‪ ..‬ي��س��ي��رون في‬ ‫الطرقات المعبدة‪..‬‬ ‫خرج إلى حديقة بيته القابع في المخيم‪ ،‬غرف‬ ‫حفنة من تراب‪..‬‬ ‫ودلف إلى صورة األقصى الملتصقة منذ عقود‬ ‫على الجدار‪..‬‬ ‫يتهادى نحوها‪..‬‬ ‫يتأملها ويده المرتجفة تحمل حفنة التراب‬ ‫أخذ يشمها‪ ..‬يتحسسها بخده‪..‬‬ ‫ثم شَ هَق‪!..‬‬

‫أفول‬ ‫رغم انحناءة ظهره وتقوس األفق من حوله؛‬ ‫يزرع نخله‪..‬‬ ‫ثم يرخي ما بقي من جسده على قارعة الزمن‬ ‫يمر قطاره‪ ..‬يتجرجر‬ ‫رويدا رويداً‪..‬‬ ‫يرتقي عربة حبلى‪..‬‬ ‫لكنه يترك فأسه العتيقة‪..‬‬ ‫وزوادة كان يحرص على حملها‪,‬‬ ‫يعثر عليها مالك البيت الجديد‪,‬‬ ‫في زاوية عشعش فيها النمل!‬

‫قاص من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪51‬‬


‫قصص قصيرة جدا‬ ‫> عبدالسميع بنصابر*‬

‫كسوف‬ ‫في البدء كانت السماء‪.‬‬ ‫السماء أمطرت وأنبتت زهورا زاهية ألوانها‪.‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬جاءت الشمس؛ فأدفأتها بأشعتها‪.‬‬ ‫ثم جاء القمر‪ ..‬فداعبها بضيائه‪.‬‬ ‫لو لم يتواعدا‪..‬‬ ‫لو لم يلتقيا‪،‬‬ ‫لما حدث الكسوف‪ ،‬ولما ذبلت كل تلك الزهور‬ ‫الجميلة!‬

‫تتويج‬

‫برد قوافيه‪،‬‬ ‫هجا النظام‪.‬‬ ‫شحذ كلماته‪،‬‬ ‫رمى السهام‪..‬‬ ‫أصاب قلوب الجماهير‪.‬‬ ‫صفقوا بحماس‪.‬‬ ‫وريثما خال إلى شياطينه‪ ،‬هنؤوه بحرارة ووعدوه‬ ‫باألوسكار‪.‬‬

‫فنان‬

‫حلم طويال‪،‬‬ ‫الوزير‬ ‫رسم قمرا‪.‬‬ ‫متلحفا بغبش الليل‪ ،‬شاهدناه يتسلل (حبوا) إلى‬ ‫«البد له من مسكن!»‬ ‫بستان قصر البلدة‪ ،‬وفي لمح البصر‪ ،‬كان قد‬ ‫رسم خلفه سماء‪.‬‬ ‫(ارتقى) أسمق شجرة هناك‪.‬‬ ‫تذكر الحبيبة‪،‬‬ ‫ومع انبالج الصبح‪ ،‬حملنا صور داروي��ن وجلنا رسم قربه شمسا‪.‬‬ ‫لكن الشمس أحرقت القمر والسماء‪ ..‬والفنان!‬ ‫أزقة البلدة‪ ..‬محتفين بذكراه‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪52‬‬

‫شاعر من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫حتـــت جنـح الليل‬ ‫> عبدالباقـي يوس ـ ــف*‬

‫منذ ثالث ساعات وهو يتقلب في الفراش‪ ،‬ال يعرف أي حالة لعينة هذه التي تسيطر على جملته‬ ‫العصبية وتفقده توازنه‪ ،‬تضرم الروح بحريق ال ينطفئ‪ .‬تشير عقارب الساعة إلى الثانية ليالً‪ ،‬يسود‬ ‫صمت هائل في خيمة الظالم الحالك‪ ،‬وليس من صوت غير الموسيقى الهادئة التي تحاول أن‬ ‫تهدئ من لهيب االضطراب في روحه‪ ،‬بيد أنها تخفق مرة تلو المرة‪ ،‬رغم أنه يكرر األسطوانة للمرة‬ ‫الرابعة‪.‬‏‬ ‫ك��أن��ه ي��س��ت��ل��ق��ي ع��ل��ى ق��ن��ب��ل��ة م��وق��وت��ة قابلة‬ ‫لالنفجار بعد لحظات‪ ،‬يحاول نسيان كل شيء‬ ‫يمتُّ له بالحياة ليستغرق في نوم‪ ،‬لكنه بعد ساعة‬ ‫أخرى يدرك فشله في إغفاءة بسيطة‪.‬‏‬ ‫ال ت��وج��د أزم���ة ت��ؤرق��ه ليعالجها‪ ،‬ه��ك��ذا من‬ ‫دون أي مقدمات وال تمهيد‪ ..‬انتابه اضطراب‬ ‫مجهول؟!‏‬

‫يعيشه‪ .‬تمتم لنفسه‪ :‬م��ا دام ال��م��رء يميل إلى‬

‫لون من الحياة ويمارسه بالطريقة التي يبتغيها‪،‬‬ ‫فذلك ال يسبب له قلقاً‪ .‬ثم عاد ليتمتم‪ :‬هل هو‬

‫الخوف من الموت؟‏‬

‫رغم كل حبه للحياة وتعلقه بها‪ ،‬فقد استطاع‬

‫التغلب على كل إحساس بالخوف من الموت‪،‬‬ ‫وي��ظ��ن ب���أن ال���وح���دة س��اع��دت��ه ف��ي ت��ع��زي��ز هذا‬

‫يشرد وهو ينظر في السقف عله يعثر على‬ ‫سبب ما‪ :‬هل الوحدة هي السبب؟‏‬

‫ال��ش��ع��ور‪ ،‬ألن ال��ذي��ن يعيشون ح��ي��اة اجتماعية‬

‫رم���ى ال��ف��ك��رة‪ ،‬ألن��ه��ا ل��ي��س��ت ال���م���رة األول���ى‬ ‫ال��ت��ي ي��ن��ام فيها وح��ي��داً‪ ،‬فمنذ س��ن��وات طويلة‪،‬‬ ‫اع��ت��اد ال��وح��دة التي تحقق ل��ه ج���واً م��ن الحرية‬ ‫واالستقاللية‪ ،‬وهو منسجم مع نمط الحياة الذي‬

‫من الموت الذي سوف يأخذهم من وقائع الحياة‬

‫حافلة يكونون أكثر عرضة لإلحساس بالخوف‬ ‫الثرية التي يعيشونها‪ ،‬أما هو فعالقته محدودة‬ ‫بالحياة‪ ،‬وال توجد لديه عالقات عميقة وحميمة‬

‫تجعله يخاف فقدانها‪.‬‏‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪53‬‬


‫ينهض من الفراش‪ ،‬يشعر بوخزات في جبهته‪ ،‬حافلة‪ ،‬في حديقة‪ ،‬في أي مكان آخر‪.‬‏‬ ‫فكر في أن يتناول قرصاً منوماً‪ ،‬لكنه تراجع‬ ‫ثم أردف موبخاً نفسه‪ :‬ما الذي حدث؟؟ منذ‬ ‫قائالً‪ :‬إن لم يأت النوم بشكل طبيعي‪ ،‬فال خير ست ساعات وأن��ا أتسول النوم للحظة واحدة‪،‬‬ ‫فيه إن أتى بشكل آخر‪.‬‏‬ ‫وكأني لم أذق النوم من قبل‪ ،‬ول��م أشبع نوماً‪.‬‬ ‫شعر بتعرّق شديد‪ ،‬لم يعد يحتمله‪ ،‬فهرع بغتة أشعر بعدم حاجتي إلى النوم‪ ،‬أستطيع أن أخرج‬ ‫إلى الشارع‪..‬‏‬ ‫اآلن‪ ،‬أدور في الطرقات حتى الصباح‪ ،‬ومن هناك‬ ‫يُطبق صمت مهيب على الطرقات‪ .‬والناس أتجه إلى عملي‪ ،‬عندما أشعر بالنعاس سيكون‬ ‫في بيوت خافتة األض��واء‪ ..‬يرقدون بأمان‪ .‬كان االستغراق على وسادة الغفوة ممتعاً‪ ..‬ألن النوم‬ ‫حينذاك هو الذي يأتي ويجرني إلى رحابه‪.‬‏‬ ‫عليه أن يكون نائماً اآلن‪.‬‏‬ ‫ه���ل ي��س��ه��ر ل��ي��ح��رس ال��ن��ائ��م��ي��ن‪ ،‬م���ا معنى‬ ‫استيقاظه وخ��روج��ه إل��ى ال��ش��ارع ف��ي مثل هذا‬ ‫الوقت المتأخر؟!‏‬

‫أجمل ساعات النوم هي تلك التي تأتي على‬ ‫ال وأنا أسهر أشاهد التلفاز مع برنامج‬ ‫غفلة‪ ،‬مث ً‬ ‫ج���دي���د‪ ..‬وف��ج��أة أغ���رق ف��ي ن���وم عميق لثالث‬ ‫ساعات متواصلة‪ ،‬وعندما أفيق أرى البرنامج‬ ‫قد انتهى وتبعه برنامجان آخران‪ ،‬فأضع رأسي‬ ‫وأكمل النوم على الكنبة حتى الصباح‪.‬‏‬

‫تعيده الخطوات إلى حجرة نومه‪ ،‬فيرتشف‬ ‫رشفة ماء ويتمتم‪ ..‬سأنام‪ ،‬ال بد من النوم اآلن‪،‬‬ ‫الحالة الهذيانية ولت إلى غير رجعة‪ ،‬فالساعة تشير‬ ‫إل��ى الرابعة والنصف‪ ،‬وعلي أن أفيق في الثامنة‬ ‫تذكر للتو بأنه كاد أن يرتكب حماقة عندما‬ ‫ألذهب إلى عملي‪.‬‏‬ ‫فكر ب��أخ��ذ أق���راص منومة ليرغم نفسه على‬ ‫ال النوم‪.‬‏‬ ‫استلقى على فراشه‪ ..‬وأغمض عينيه متخي ً‬ ‫بأنه خرج من عالم اليقظة‪.‬‏‬ ‫أج���ل‪ ..‬عليه أن يستمتع باليقظة م��ا دام ال‬ ‫ومضت ساعة أخرى اكتشف من خاللها أنه يشعر برغبة في النوم‪ ،‬وكل تلك الحركات التي‬ ‫بدرت منه ما كانت إال هراء في هراء‪.‬‏‬ ‫يغف لحظة واحدة!‏!‬ ‫لم ُ‬

‫لم يعد األمر محتمالً‪ ..‬انتفض مرة أخرى‪..‬‬ ‫ذهب إلى المطبخ وتناول كأساً من اللبن‪ ،‬وعاد‬ ‫إلى غرفة نومه دون أن يجرؤ على دخول فراشه‪،‬‬ ‫ثم ما لبث أن تمتم‪ :‬إنني معتوه‪ .‬اآلن اكتشفت‬ ‫بأنني معتوه‪ ..‬أريد أن أقمع نفسي وأرغمها على‬ ‫النوم بالقوة‪ ،‬أليس من حق النفس أن ترفض‬ ‫النوم ولو ليلة واحدة في السنة‪ ،‬أليس من حقها‬ ‫أن تتمرد على القانون وتضجره لتقرر ولو مرة‬ ‫واحدة النوم في النهار‪ ..‬في مقر العمل مثالً‪ ،‬في‬ ‫* كاتب من سوريا‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫وق��ف على قدميه م��ن ج��دي��د‪ ،‬تحركت فيه‬ ‫نشوة‪ ،‬أراد أن يفعل شيئاً م��ا‪ ،‬وض��ع في جهاز‬ ‫التسجيل أغنية تحمل إليه عبق ذكريات حنونة‪.‬‬ ‫عندها اكتشف خسرانه ألمر هام‪ ،‬وهو أنه منذ‬ ‫أمد بعيد لم يسهر ليلة كاملة‪ ،‬يكون فيها يقظا‬ ‫والناس نيام‪ ،‬أال يحدث أنه عندما يكون نائماً‬ ‫في ليلته‪ ،‬هناك شخص ما في هذا العالم يكون‬ ‫يقظاً‪ ،‬وكم يتمنى لو عاد الليل من أوله ليستمتع‬ ‫بسهر كل لحظة من لحظاته الذهبية تلك‪.‬‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫رقصة الريح‬ ‫> منيرة صالح*‬ ‫أقلقْتني‪.‬‬ ‫‬‫(‪)1‬‬ ‫ هدهدي الطفلة‪ .‬أسكتي بكاءها بلعبة أو ك�����أن�����ك تلمحين‬‫بترويدة‪ .‬احمليها‪ .‬أحدبي عطفا عليها لتنام‪ .‬ل���ش���يء‪ .‬وتخافين‬ ‫يصعب ع��ل��يَّ ب��ك��اؤه��ا‪ ،‬ك��أن��ي أس��م��ع ن��ه��راً في ق���ول���ه‪ .‬استعيذي‬ ‫بالله ونامي‪..‬‬ ‫طفولته يبكي من الجفاف‪ .‬أرضعيها‪.‬‬

‫أقول‪ :‬أحدث ما‬ ‫ ال��ط��ف��ل��ة خ��ائ��ف��ة م��ن ص���وت ال��ري��ح التي‬‫تضرب الخيام بقوة‪ ،‬تعوي كأنها ذئب كبير يريد أفزعها اليوم‪ ،‬لما‬ ‫االنقضاض علينا‪ ..‬وال ج��دار عندنا ندفع به رافقتك عصراً؟‬ ‫ ال أع��ت��ق��د‪ .‬ف��ق��د ب��ق��ي��ت أس���م���ع لهولها‬‫سطوتها‪.‬‬ ‫والصغار‪ .‬غير بعيد عن مجلسنا‪ .‬وقد شغلنا‬ ‫ ارضعيها لتنام‪.‬‬‫بمشاهدة إحدى الفضائيات‪.‬‬ ‫ أنسيتَ أن طفلتنا بلغت سن الفطام‪ .‬انظر‬‫ هل من جديد‪.‬‬‫أسنان الغزال تمأل فمها‪ .‬سأساهرها قليالً‪،‬‬ ‫ كانت الفضائية تعيد أحداث احتالل بغداد‬‫ليس الجوع ما يبكيها‪ .‬بل هو شيء غامض يدور‬ ‫في الذكرى السنوية الثانية‪.‬‬ ‫في إحساسها الصغير‪.‬‬ ‫ التاسع من نيسان يوم أسود ال ينمحي من‬‫‪ ..‬أذكر ليلة‪ .‬كنا في العراق‪ ،‬وبكت طوال ليل‬ ‫الذاكرة‪.‬‬ ‫بهيم‪ .‬أصبح الصبح على نعي جدتنا الحبيبة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪55‬‬


‫بطفلتها‪ ،‬التصقت بحضنها وق��ال��ت‪( :‬بدي)‬ ‫ أدفئي الصغيرة‪ .‬الليلة باردة‪.‬‬‫ ندعو الله أن نصبح والخيمة في مكانها‪ .‬أرض��ع)‪ ،‬قرّبتها من رائحة الحليب‪ ،‬ثم أبعدتها‬‫بحزم ممزوج بنهر حنان ينبع من القلب‪ .‬صرت‬ ‫ال تقتلعها الريح‪.‬‬ ‫كبيرة‪ ،‬صباحا نذهب معا إلى خيمة التغذية في‬ ‫ال���م���رأة تتمتم ب��ص��م��ت‪ :‬ي��ا ري���ح ال تقتلعي‬ ‫المخيم‪ ،‬وسيعطونك حليبا وبسكويتا لذيذا‪.‬‬ ‫خ��ي��م��ت��ن��ا‪ .‬رق��ص��ة ال��س��اح��رات ه���ذه ارقصيها‬ ‫– أنت تمتنعين عني‪ .‬إذاً سأزعل‪ ،‬أو تدعيني‬ ‫بعيداً عن خيمنا البالية‪ ،‬ال جدران عندنا تصد‬ ‫أرجع إلى بطنك‪ .‬فأنا أشعر بالبرد‪.‬‬ ‫جنونك‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫(‪)4‬‬

‫غفتْ الطفلة‪ ،‬النوم ألصق بيديها جناحي‬ ‫عصفورة‪ ،‬راح��ت ت��دور في أفق المخيم‪ ،‬تنشر‬ ‫ج��ن��اح��ي��ه��ا ال��ص��غ��ي��ري��ن‪ ،‬ف��ي��ن��ت��ش��ر زه���ر وتكثر‬ ‫ع��ص��اف��ي��ر‪ .‬ت��رف��ع وج��ه��ه��ا ال��ب��رئ إل���ى السماء‬ ‫فتتقافز غيوم بيض كأنها جداء وليدة‪ .‬نظيفة‬ ‫ووديعة‪.‬‬

‫راح األب إل��ى ال��ن��وم‪ .‬فجاءه النوم ببيجامة‬ ‫زرقاء جديدة‪ .‬لكنه رفضها وطلب من النوم أن‬ ‫يأتيه بمدينة مضاءة بالكهرباء‪ ،‬كي ينتقل للعيش‬ ‫فيها ب��دال من المخيم المقفر المليء باليأس‬ ‫والزوابع والحر الخانق‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫(‪)5‬‬ ‫الصباح لم يطلع‪.‬‬

‫ب��ع��دم��ا ط��م��أن��ت��ه��ا ض��ح��ك��ات ع��ل��ى وجنات‬ ‫كيف يطلع م��ن دون ض��ي��اء؟ وألن���ه يستمد‬ ‫الصغيرة‪ ،‬راحت األم إلى النوم‪ ،‬والنوم جاءها ضياءه من جبهة «آية» الصغيرة‪ ،‬وهي اآلن بجبهة‬ ‫متفحمة‪ .‬ال صبح تعطيه للصبح‪ ،‬وال‬ ‫فرح تمنحه لألشياء‪.‬‬

‫(‪)6‬‬ ‫الريح لما رأت الناس نياماً‪ .‬وال‬ ‫أح��د ي��رق��ص معها‪ ،‬غضبت‪ .‬هزت‬ ‫الالجئين النائمين ف��ي الخيام من‬ ‫أرجلهم‪ .‬زمجرت‪ :‬أرقصوا معي‪.‬‬ ‫قال الناس لها‪ :‬في هذه الظلمة‬ ‫تريديننا أن ن��رق��ص؟ م��ا رأي���ك أن‬ ‫نشعل نارا نرقص حولها؟ لكن الريح‬ ‫زمجرت‪ ..‬فانصاع الناس إلرادتها‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫تحيطهم ظلمة كثيفة‪ .‬والريح تنعف في وجوههم خيمته يبحث عن مخرج وسط اللهب‪ .‬اصطدم‬ ‫رمال كالدقيق‪ .‬التقطته من صحراء المخيم‪ .‬ب��وت��د الخيمة الكبير‪ ،‬ف��ج رأس الصبي وعال‬ ‫تذمُّر الناس جعل الريح تتعنت‬ ‫ خيامكم سترقص أيضاً‪.‬‬‫ف��ي حمئة المشهد تثنت ال��خ��ي��ام‪ .‬وم��ع كل‬

‫خفقة ف��ي ال��ش��وادر‪ ،‬ينتعف م��زي��د م��ن الرمل‬

‫صراخه‪ .‬فضيع صوت األب وهو يحث األم على‬

‫اإلسراع بالخروج‪.‬‬

‫المرأة في الخيمة محاصرة بالنيران‪.‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫ت��رك��وا فراشهم ال ي���درون أي��ن تطأ أقدامهم‪.‬‬

‫حمل ال��رج��ل طفله ال��ن��ائ��م‪ ..‬وت��راك��ض في‬

‫صاحت‪ :‬آي��ة‪ ،‬تعالي ماما‪ .‬آية تعالي‪ ،‬نشج‬

‫البارد في عيون الالجئين وأفواههم‪ ..‬ال شيء صوتها‪ .‬الطفلة وقفت متجمدة‪ .‬مدت األم يداً‬ ‫إليها وامتد لسان النار فشدّ البنية‪.‬‬ ‫يرى في المكان‪.‬‬ ‫فجأة انطلق ص��وت‪ ،‬حمل ح��روف الحريق‪،‬‬

‫ح ري ي ي يق‪ .‬الريح ضيعت الصوت‪ ..‬فشك‬

‫السامعون أن ه��ن��اك م��ن ضيع ال��ط��ري��ق‪ .‬لكن‬ ‫صوتاً زاعقاً أجشاً صاح زاعقاً‪ :‬حريق‪.‬‬

‫ابنتي‪ ..‬ابنتي وهبتها الريح للنار‪ ..‬تحسست‬

‫األم ال��م��ل��ت��اع��ة ط��ري��ق��ه��ا ن��ح��و ال���خ���ارج‪ .‬تجأر‬ ‫بالمصيبة‪ ،‬فلحقتها ال��ن��ار وأمسكت بظهرها‬ ‫ورمتها خارج الخيمة‪.‬‬

‫ت��ح��ت ال���رق���ص ال��م��ت��ه��ور ل���ل���ري���ح‪ ،‬وصلت‬

‫وص��ل ال��ص��وت عاليا ُ ون��ق��ي��اً‪ .‬وف��ي اللحظة‬ ‫ذاتها ق��ررت الريح أن تنقل الرقص إل��ى قدم ال��م��ط��اف��ئ‪ ،‬مشهد ال��ن��ار وه���ي تلتهم الجسد‬ ‫أخرى‪ ..‬فتسلل الصوت من بين قدميها‪ .‬نسي ال���غ���ض ك����ان األش�����د ق���س���وة‪ .‬ص�����راخ األم دل‬

‫الناس خوفهم من تهديد الريح وانطلقوا حفاة الالجئين ورج��ال المطافئ إلى المكان‪ .‬وسط‬ ‫يركضون إل��ى ال�لام��ك��ان‪ .‬س��واد يطلي الهواء‪ ،‬أكوام مطمورة بالسواد‪ ،‬امتدت األيدي ورفعت‬ ‫رمل ساخن يطلي الوجوه‪ ،‬واندلعت كتلة لهب الجثة الصغيرة المتفحمة‪ .‬وسريعاً لفت بقماش‬ ‫تعاظمت لتلتهم شيئاً غير معروف‪.‬‬ ‫نادى الناس‪:‬‬ ‫يا ريح‪:‬‬

‫الموتى ووضعت في سيارة اإلسعاف‪.‬‬

‫م����ن ب���ي���ن أن�������ات ال���ج���رح���ى وحشرجات‬

‫المحتضرين نبتت في المكان رائحة للحم حي‬ ‫يحترق‪ ،‬صعدت على شكل عامود‪ ،‬والتصقت‬

‫أرغمتِنا على الرقص معك‪ ،‬ف ِل َم سمحت للنار‬ ‫أن تلتهمنا‪ ،‬لم هذا الحريق؟‬

‫ك��ان ال��ن��اس يبكون خ��وف��اً ورع��ب��اً وإدان����ة‪ ..‬كان‬

‫ليست الريح مسئولة عمن أشعل النار وشوى‬

‫المكان ولم يغب حتى اآلن صوت النحيب عن‬

‫عبر الدهن بفتحات األن��ف والعينين‪ .‬وعندما‬

‫الريح زاد غضبها وزمجرتها‪ ،‬بقبضة واحدة رم��اد أس��ود برائحة ملتصقة ب��ال��رؤوس يتنزل‬ ‫اقتلعت أوتاد الخيام‪ ،‬فهوت على رؤوس قاطنيها‪ .‬من عيونهم‪ .‬تكاثر الرماد المبكي‪ ،‬حتى غطى‬ ‫وجوهكم‪ .‬عاث صراخ واختلط بشهقات‪.‬‬ ‫* ‬

‫ما ِّر الطريق عند المخيم‪.‬‬

‫قاصة من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪57‬‬


‫الوداع ‪..‬‬

‫حين علمت برحيلك ‪ ,‬أوقفت الساعة صـ ــدمة ف ـ ــاقت كـ ــل التوقعات‪00‬‬ ‫مدارها‪ ..‬لحظات تحتضر تريد االنتهاء‪..‬‬ ‫ذل���ك م���ا ح�����دث‪ ..‬ول��رب��م��ا خ ـ ــانتني‬ ‫وكل الثواني تعاندها تريد البق ـ ـ ـ ـ ــاء‪..‬‬ ‫ال���ذاك���رة‪ ,‬ت��ل��ك هـ ــي ال��ح��ق��ي��ق��ة المرة‪..‬‬

‫لتــرى ما يتركه خبر رح ـ ــيلك‪ ..‬تــريد‬ ‫اله ــروب قبل أن يتهموها بـأنها سبب في‬ ‫خطف أعـ ــز الن ـ ــاس ‪00‬‬ ‫أما الشم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس‪! ..‬‬

‫ليتـ ـ ــك لم تكن هن ـ ــا وهنـ ـ ـ ــاك‪ ,‬من‬ ‫يمأل الفراغ الذي تركته؟!‬ ‫وم���ن ي��زي��ح ع��ن روح����ي األل��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��م الذي‬ ‫ينتابها!‬

‫كــانت شفافه ليراها الجم ــيع ويعاتبها‪..‬‬ ‫كــانت شاهده على قــرار القدر‪..‬‬

‫مرت اللحظ ــات بطيئه تئنُّ من أح ــزان‬ ‫موجعة‪..‬‬

‫سك ــنت الريــاح عن صفـ ــيرها‪ ..‬وع ـ ـ ـ ـ ــم‬ ‫السكــون المــكان‪..‬‬ ‫وقد كـ ـ ــف الجم ـ ـ ــيع عن الح ــركه!‬ ‫اختفت األصـ ـ ــوات – ال ش ــيء هن ــا‬ ‫بمقدوره التعبي ـ ـ ــر عمـ ـ ــا حدث‪ ,‬فقد كانت‬

‫‪58‬‬

‫فـق ـ ــدت األمـ ــان‪..‬‬

‫فقد كــانت باهته على غيـ ــر عادت ــها‪..‬‬ ‫ت��داري نفسـ ـ ــها بسحــابة س��وداء هك ـ ــذا‬ ‫ظننتــها‪..‬‬

‫فل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم تعتــرض!!‬

‫* ‬

‫خ ــلت الدن ــيا منك ‪ ,‬وخ ــال المكـ ـ ــان من‬ ‫صــوتك‪..‬‬

‫لولوة العتيبي ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫وراحت النف ـ ـ ــوس مودعة‪...‬‬ ‫لقد رح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الحبيب‪..‬‬ ‫فتبددت األمـ ـ ــاني‪ .‬ونقلـ ـ ــت من حديقة‬ ‫م��خ��ض��رة إل���ى ص��ح��ـ��ـ��ـ��راء ق��اح��ل��ة‪ ..‬فقد‬ ‫ت ــأخذني إلى هن ـ ــاك‪..‬‬ ‫إلى الحبيب الراحـ ـ ـ ــل‪..‬‬


‫> عبير املقبل*‬

‫جفاء األيام‬

‫تزوجته مكرهة‪ ..‬صدت عنه لسنين عديدة‪..‬‬ ‫تعامله بكل جفاء‪..‬‬ ‫وفي يوم مرضه‪ ..‬هرعت إليه باكية وهي تردد‪..‬‬ ‫أفديك بروحي‪!! ..‬‬

‫مشاعر خوف‬

‫أجّ ل سفره الخاص باستكمال الدكتوراه‪..‬‬ ‫كان يخشى االبتعاد عن أمه المريضة‪..‬‬ ‫لكنها أصرت على سفره‪..‬‬ ‫وفي اليوم التالي لوصوله مدينة لندن‪..‬‬ ‫وصلته برقية عزاء‪!! ..‬‬

‫في ذكرى الزواج‬

‫أحبته لدرجة الجنون‪..‬‬ ‫فأرادت أن تفاجئه بذكرى زواجهما األول‪..‬‬ ‫جهزت كل شيء كما أرادت‪..‬‬ ‫واستعدت الستقباله‪..‬‬ ‫وم���ا أن دخ���ل ح��ت��ى ان��ص��دم��ت ب���ام���رأة تتأبط‬ ‫ذراعه‪..‬‬

‫الصندوق األسود‬

‫أهدى له يوم زواجه « الصندوق األسود»‬ ‫ك���ان ش��ك��ل��ه م���ث���ي���راً‪ ! ..‬م��م��ي��زاً ع���ن ك���ل هدايا‬ ‫زمالئه‪..‬‬ ‫وفي مساء اليوم التالي‪..‬‬ ‫ف��ت��ح ه���داي���اه‪ ..‬ليجد داخ���ل ال��ص��ن��دوق رسالة‬ ‫غرامية قديمة لزوجته!!‬ ‫* ‬

‫فقر على فقر‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا‬

‫ك��ل ي���وم ي��ج��ر ع��رب��ت��ه ال��خ��ش��ب��ي��ة وس���ط السوق‬

‫الشعبي‪.‬‬

‫وفي المساء‪ ...‬يعد حفنة نقوده بألم‪ ..‬وحسرة‪..‬‬

‫وفي صباح اليوم التالي‪..‬‬

‫خسر عربته وسط مضاربات في السوق‪!! ..‬‬

‫صدمة‬

‫أرادت أن تتزوج‪ ..‬فقررت االرتباط به‪..‬‬

‫وفي لحظة االستعداد لليلة المنتظرة‪ ،‬وأن تُزَف‬

‫إليه‪..‬‬

‫همست امرأة في أذنها بأنها الرابعة‪..‬‬

‫فأصيبت بذهول‪ ،‬وصدمة ال يعلمها إال الله‪..‬‬

‫تراجع‬

‫قبل سفره بفترة طويلة‪..‬‬

‫قررت توديعه ألخر لحظة‪..‬‬ ‫لكنها تراجعت‪ ..‬عندما‬

‫(اكتشفت أنه يحمل تذكرة أخرى المرأة)‪.‬‬

‫قمة التضحية‬ ‫قررت في اللحظة األخيرة أن‪:‬‬

‫(تموت ويبقى ابنها الوحيد على قيد الحياة‪)..‬‬

‫وانتهت عملية نقل القلب منها إليه‪ ..‬لكنها لم‬

‫تكن تعلم أنه فارق الحياة قبل إجراء عملية النقل‬ ‫له‪..‬‬

‫قاصة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪59‬‬


‫من سرق ورقة التوت؟‬ ‫> جنوى عبدالبر (شهد الرفاعى)*‬

‫خلف زج��اج النافذة‪ ..‬وقفت أطالع وجهه‪ ،‬اليوم أزرق وباألمس أخضر‪ ،‬وربما غدا‬ ‫رماديا‪ ،‬فال أعرف له لونا معتادا‪ .‬حتى صوته سيمفونية متعددة الطبقات‪ ،‬ربما كان‬ ‫يعزف في لحظات لحنا سماوياً‪ ،‬وبعد هنيهة أسمعه يضج بالنشوة وال��ف��رح‪ ،‬إل��ى أن‬ ‫ألمسه‪ ..‬فموسيقاه حينئذ مزيج من الرومانسية واألح�لام والصخب‪ ،‬سيل جارف من‬ ‫تتابع األوتار يأتيني بأعذب األلحان كل مساء‪ ،‬أنام على صوته وإن كان هادرا‪ ،‬أحبه وإن‬ ‫كان صامتا‪ ،‬وأعشقه وإن كان حائرا‪ ..‬لكنه اليوم يحيرني‪ ،‬فال أعرف له وزن ًا أو مقام ًا أو‪..‬‬ ‫ال‪ ..‬ال‪ ..‬ال داعي للتفكير في أشياء أخرى‪ .‬فاألفضل االسترخاء في أشعة الشمس‪.‬‬ ‫أي��ع��ق��ل م��ل��ي��ار‪ ،‬أع��ت��ق��د أق���ل‪ ،‬ال ف��ائ��دة من‬ ‫يا إلهي ما لي أرى كل شيء ضيقا!!‬ ‫هذا الكون‪ ..‬ما عاد يتسع لي إال بالكاد‪ ..‬الرصد فالكل يتنفس الرماد والدم‪.‬‬ ‫نحاول اختراق االتجاهات‪ ،‬من حولنا‬ ‫حتى القلوب والسماء كلها تضيق من حولي‪،‬‬ ‫األرض لم يعد لها بع ُد من اتساع‪ ،‬كل شيء بحور تعج بالحيتان واألس��م��اك‪ ،‬الجميع‬ ‫يطل على بعضه بعضاً‪ ،‬وال أحد يستطيع‬ ‫فی صيرورة حالكة الظالم‪ ،‬ابتالع‪.‬‬ ‫ماذا حدث؟ ال أعرف‪ ..‬أحاول الخروج البوح‪ ،‬األنهار تحول عذبها أچاچا «محفوفة‬ ‫من هذا المكان الضيق ولكن‪ ..‬بال فائدة‪ .‬بالدم‪ ،‬والجماجم حراس القصر»‪.‬‬ ‫وما هذا؟ كالب تمأل رمال الشط‪!! ..‬‬

‫أتلفت حولي‪ ،‬كل من حولي يعاني ضيق‬ ‫ال م��ف��ر‪ ،‬ال م��ف��ر‪ ،‬ق��د سُ ���دت علينا كل‬ ‫المكان‪ ،‬ربما أكثر مني‪ ،‬وربما أقل ولكن هي‬ ‫نفس المعاناة‪ ،‬يا رب النجاة‪ ..‬أين المفر؟‪ ،‬المنافذ‪ ،‬الهواء أزرق والضياء كالجمر‪ ،‬ال‬ ‫أين القمر؟‪ ،‬هل جننت؟ وما فائدة القمر مفر سوى البحر‪.‬‬ ‫في هذا الوقت؟ آه‪ ..‬القمر‪ ..‬حتى القمر‬ ‫يصيح ص��وت ك��ال��رع��د‪ ،‬ال ب��د م��ن خلع‬ ‫قد غشاه الظالم وقد كان باألمس بدرا!! م�لاب��س��ن��ا‪ ،‬ال ي��ق��رب ال��ي��م م��ن ك���ان أسير‬ ‫عليك‬ ‫ِ‬ ‫ك��م ع��ددن��ا اآلن؟ ع��ش��رة‪ ..‬ال‪ ،‬أكثر‪ ..‬غ�لال��ت��ه‪ ،‬ي��ش��ي��رون ل���ي م���ن ب��ع��ي��د‪:‬‬ ‫عشرين‪ ،‬بل مائة‪ ..‬ال ال‪ ،‬ألف‪ ..‬ال‪ ،‬مليار؟ بالتجرد والهروب إلى البحر‪ ،‬في لحظة من‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫يتكرر النداء اخلعي ِ‬ ‫عنك ورقة التوت‪ ..‬اخلعي تبكين؟‬ ‫عنك الحقيقة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فأجيبها بانهمار دمع حزين‪ ..‬ضاعت ورقة‬ ‫أغ��وص ف��ي البحر‪ ..‬فتحاصرني القهقهات التوت‪.‬‬ ‫العالية‪ ،‬تستنفرني‪ ،‬تأتيني من كل حدب وصوب‪،‬‬ ‫ت��ب��ت��س��م ال��ص��غ��ي��رة وه����ى ت��م��د ي���ده���ا بزهر‬ ‫وأياد بالدم ملوثة‪،‬‬ ‫وجوه مبتسمة‪ ..‬وأخرى عابثة‪ٍ ..‬‬ ‫كنت تحلمين يا أماه‪..‬‬ ‫الياسمين‪ِ ،‬‬ ‫حائرة أن��ا!! حولي صياح وضحك وص��راخ ودمع‬ ‫أج���ول ب��ن��ظ��ري فيمن ح��ول��ي‪ ..‬ات��س��ع الكون‬ ‫ودم‪ ،‬فأصيح بصوت مخنوق‪ :‬أريد الخروج‪.‬‬ ‫والشمس كما لم أعهدها من قبل‪ ،‬بحر ذهبي‬ ‫أعدو هاربة من اليم والموج يلطمني بقسوة‪..‬‬ ‫ال��ض��ي��اء‪ ،‬ه��ا ه��ي ال����ورود وزه���ور الياسمين في‬ ‫يحاول طرحي أرضا‪ ،‬يجذبني إلى القاع‪ ،‬أتشبث‬ ‫ح��دي��ق��ت��ي‪ ،‬وع��ل��ى األغ��ص��ان عصافير وأطيار‪،‬‬ ‫باألمل‪ ،‬أحاول الخروج إلى الشط‪ ،‬أتوارى تحت‬ ‫الماء‪ ،‬آهٍ ‪ ..‬فالماء أيضا يكشفني‪ ،‬ويبصرني الكل وها هو البحر معشوقي‪ ،‬وكما أحببته بصفحته‬ ‫ال��زرق��اء يعكس ل��ون صفاء السماء‪ ،‬نظرت إلى‬ ‫عارية‪.‬‬ ‫بنيتي وأخذت بيدها‪ ،‬وقلت لها في مرح‪:‬‬ ‫يا إلهي!!! ال أبصر مالبسي!! أين هي؟‬ ‫ أتريدين السباحة ف��ي البحر؟ ه��ي��ا‪ ..‬هيا‬‫على الشط‪ ،‬تعلقت مالبسي بأنياب‪ ،‬أقنعة‪،‬‬ ‫لنسبح بمالبسنا‪.‬‬ ‫ال أتلمس لها شبهاً‪ ،‬مربعة أم مثلثة الوجه أم‬ ‫وتضحك بنيتي‪ ،‬نسبح ب��م�لاب��س��ن��ا؟!! ال بل‬ ‫سداسية الشكل‪ ،‬ال وض��وح‪ ..‬ضباب من حولي‬ ‫يلفني ويلف معه الحقيقة‪ ،‬وأنياب تغدو بمالبسي بالمايوه‪ ،‬سأرتدي المايوه‪،‬‬ ‫فى الظالم‪.‬‬ ‫ال‪ ..‬بل بمالبسنا‪..‬‬

‫ص���ارخ���ة‪ ..‬أع��ي��دوا م�لاب��س��ي‪ ،‬أع��ي��دوا ورقة‬ ‫ال���ت���وت‪ ،‬ل��ق��د خ��دع��ت‪ ،‬ق��د اس��ت��ب��دل��ت الحقيقة‬ ‫بالوهم‪ ،‬العذب باألُجاج‪.‬‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫الالوعي‪ ..‬أتجرد من مالبسي قطعة قطعة‪ ،‬وكلما ب��اس��ت��ه��زاء‪ ،‬أح����اول ال��ن��ه��وض ب�لا ف���ائ���دة‪ ،‬أرفع‬ ‫ِ‬ ‫أبقيت على إحداها‪ ،‬ترتفع اليد‪:‬‬ ‫عليك بالتجرد‪ ،‬رأس��ي‪ ..‬أتنفس‪ ..‬أبحث عن أشياء أعرفها في‬ ‫عليك بالتجرد!‬ ‫ِ‬ ‫م��ك��ان‪ ..‬وبين أن��اس ال أعرفهم‪ ،‬أبكي صارخة‪:‬‬ ‫كيف؟ أتلفت حولي حائرة في خ��وف‪ ،‬أتلفت أعيدوا لي ورقة التوت‪.‬‬ ‫في خزي والمقل مثقلة بالدمع‪ ،‬أتلفت راجفة‪ ،‬لم‬ ‫ي��د تمتد ن��ح��وي‪ ،‬ه��ي ي��د (ل��وج��ي��ن)‪ ،‬توقظني‬ ‫يعد لدي سوى ورقة التوت!!‬ ‫���ك ي��ا أمي‬ ‫ص��غ��ي��رت��ي‪ ،‬وت��ت��س��اءل ب���ب���راءة‪ ..‬م��ا ب ِ‬

‫وتضحك الصغيرة‪ ..‬بل بالمايوه‪،‬‬ ‫نضحك وتتوالى ضحكاتنا‪.‬‬

‫نردد معا‪ ..‬المهم أن نسبح في البحر‪ ..‬المهم‬ ‫أتلفت راجفة‪ ،‬كل ال��رؤوس بانحناء‪ ،‬هامات‬ ‫ساجدة وأجساد متالصقة متزاحمة‪ ،‬وهمهمات أن نسبح ونخرج لنلعب على الشط‪.‬‬ ‫كم أنت بريئة وجميلة يا صغيرتي!‬ ‫أشبه بسيمفونية مرعبة‪ ،‬عيون ساخرة تنظرني‬ ‫* ‬

‫كاتبة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪61‬‬


‫الطحلب املغرور‬ ‫> ياسر عثمان*‬

‫الطحلب المغرورُ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ...‬وظنَّ‬

‫الغروب‬ ‫ْ‬ ‫يا شفقَ‬

‫أنَّ الما َء يحملهُ‬

‫نخاف إذا يظنُ النهرُ أ َّال فرقَ‬ ‫ُ‬ ‫إنا‬

‫الطحالب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ألن الما َء يحترمُ‬

‫والطحلب»‬ ‫ْ‬ ‫الغصن‬ ‫ِ‬ ‫بين‬

‫فتاه الطحلب المعتو ُه فوقَ الماءِ سي ِ​ِّدهِ ‪،‬‬

‫ويرمي النهرُ آذان ْه‬

‫ومانحهِ حقوقَ الطفوْ‪.‬‬ ‫ِ‬

‫الغصن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فيعجبه نقاءُ‬

‫صغيرات على الساحلْ‬ ‫ٌ‬ ‫شجيرات‬ ‫ٌ‬

‫للطحلب‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫يرسلُ نظر ًة صفراء‬

‫تكذِّ ُب ما تقول الريحُ ‪،‬‬

‫للريح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ويصدر أم َر ُه‬

‫حين الريحُ تدفعها تجاه النهرِ ‪:‬‬

‫َّاءب‬ ‫تث ْ‬

‫«إنَّ الما َء سيِّدُ نا‪،‬‬

‫أناملُهُ ا‪،‬‬

‫تعصف الريحُ ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫ومانحنا ‪ -‬إذا ما‬ ‫ُ‬

‫الطحلب المغرو ُر أشتات ًا‬ ‫ُ‬ ‫فيغدو‬

‫الثباتْ ‪،‬‬

‫على الساحلْ‬

‫‪ -‬إذا ما الرملُ يحرقنا‪ -‬البروده‪..‬‬

‫يميل النهرُ‬

‫يا أيها المسكون بال َعتَهِ المعتقْ‬

‫في ولَهٍ ‪،‬‬

‫وهم‬ ‫يا طحلب ًا من ِ‬

‫يعانقُ نضر َة األشجارِ ‪..‬‬

‫* ‬

‫‪62‬‬

‫شاعر وناقد من مصر مقيم في البحرين‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫حتى متى؟!‬ ‫> السيد موسى بن عبدالله البكري*‬

‫* ‬

‫منقلص‬ ‫ُ‬ ‫ح��ت��ى م��ت��ى ظ��ل��ك ال��م��أم��ول‬

‫غصص‬ ‫ُ‬ ‫���ك ح��ن��ي��ن وال���ه���وى‬ ‫ف��ب��ي إل���ي ِ‬

‫ال ق���ص���ةً ب��ي��ن��ن��ا ت�����ـُ�����روى وال خ���ب���ر ًا‬

‫القصص‬ ‫ُ‬ ‫وال ل���ق���اءً ك��م��ا ت��ح��ك��ي ل��ن��ا‬

‫ل���ي ح��ص��ة م���ن ه�����واك ال���ف���ذ ملهبةٌ‬

‫حصص‬ ‫ُ‬ ‫����ت ل��ق��ل ٍ��ب ع���اش���ق‬ ‫ه�ل�ا ت����وال ْ‬

‫����ت ب��ال��م��ن��ى ومضى‬ ‫و ط��ال��م��ا ج���اء وق ٌ‬

‫َص‬ ‫نقض حاجتنا لكن مضت فر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل��م‬

‫ي����دي ال��ت��ي ل���م ت����زلْ م���م���دودة أتعي‪:‬‬

‫أنّ األح��اب��ي��ل ل��م ي���أذن ل��ه��ا القـَنـ َُص‬

‫وأنّ ع���مْ ���ري ق��ص��ي��رٌ وال���ح���ي���اة غ���د ًا‬

‫تـُطوى فلن يجديَ اإلسعاد إن حرصوا‬

‫ن��اه��ي��ك ع��ن ش���ام ٍ���ت‪ ،‬م��ا ك���ان أكثرهم‬

‫إن يسمعوا بانهزامي في المنى رقصوا‬

‫��ك أو ضعتي‬ ‫ك���م ي��أم��ل��ون غ��ي��اب��ي ع��ن ِ‬

‫��ب واآلم����ال ل��و خلصوا‬ ‫أو مقتل ال��ح ِّ‬

‫حسبك أن‬ ‫ِ‬ ‫شاهت وجوههم ال��س��وداءُ ‪،‬‬ ‫ْ‬

‫َص‬ ‫ي��غ��ت��ال��ه��م ح���سَ ���دٌ ‪ ،‬ي��ج��ت��اح��ه��م ب����ر ُ‬

‫و إن���ه���م إن ي����رون����ي ق����ادم���� ًا خرسوا‬

‫الغصص‬ ‫ُ‬ ‫والحقد يحرقهم‪ ،‬لم تخفه‬

‫ه���ي���ا أت����مّ ����ي ع��ل��ي��ه��م ن����اره����م ومعي‬

‫ِص‬ ‫أل��ق��ي عليهم جحيم ًا ج��ائ��ع�� ًا َيبـ ُ‬

‫معي فقط أن ِ��ت دون الناس‪ ،‬أن ِ��ت معي‬

‫ينتقص‬ ‫ُ‬ ‫ت�������زداد أف���راح���ن���ا وال����ح����زن‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪63‬‬


‫َق ِ‬ ‫ِّع ٌ‬ ‫ة‬ ‫َمن َ‬ ‫صي َ‬ ‫دة ٌ ُ‬ ‫مت َ‬ ‫> جناة الزباير*‬

‫‪1‬‬

‫َفأَرَا ُه يَمْ ِشي حَ وْلِ ي‬

‫ُلظال َِل‬ ‫وف طَ ِّي َع َة ا ّ‬ ‫حَ ب َْت فِ ي َزب َِد ُال ُْحرُ ِ‬

‫ُلس ِّريَّةِ‬ ‫َو فِ ي ِسوَارِ ِع ْش ِقهِ الْحَ ابِ ِل بِ ُالْجَ دَاِ ئِ ل ا ِّ‬

‫َر َنو ُْت إ َل ْيهَا ت َْسرِ قُ نَفْ ِسي‬

‫ْضو عَ نْهُ أَعْ شَ ابَ ُا ْل َه َذي َِان‬ ‫َات َتن ُ‬ ‫مُ كَاشَ ف ٌ‬

‫تُبعْ ثِ رُ ت َْس ِميَتِ ي‬

‫ُلص ِغيرِ ‪.‬‬ ‫َاجرُ فِ ي َفر َِحي ا َّ‬ ‫ت َْخت َِمرُ فِ ي َلي ٍْل يُ ه ِ‬

‫‪ِ « -‬هيتَ ل َْك»‬

‫َاث ُالْمَ تَاهَ ِات‪.‬‬ ‫أ َْسلَمَ تْنِ ي رَعْ شَ ةُ اُل َّلوْعَ ةِ لِ ُله ِ‬

‫قَالَ ق َِصيدُ أ َْسرَارِ هَ ا‪.‬‬ ‫أَسال َْت أَمْ سَ هَا فِ ي ِضفَافِ ي‬ ‫َوقَال َْت‪:‬‬ ‫َاج ِس‬ ‫»لِ َم ت َْصع َِدينَ ُح ُجبَ ا ْل َهو ِ‬‫ين‬ ‫احبَةُ ُا ْلي َِق ِ‬ ‫ات شَ ِ‬ ‫ُخ ُطوَات ُِك آهَ ٌ‬ ‫َت َت َف َّي ُأ جمْ َر ُال ِْع ْش ِق؟»‬ ‫اصرَةِ اُل َّليَالِ ي‬ ‫طَ َر ْد ُتهَا ِمنْ خَ ِ‬ ‫َو قُ ل ُْت‪:‬‬ ‫يك و َْجهُ ِك ُا ْلفَاتِ رُ‬ ‫« يَكْ ِف ِ‬

‫‪3‬‬ ‫فِ ي ُالْجَ سَ ِد ُالْمُ َترَقْ رِ ِق كَمَ ا اُلأْ َْشيَاءُ اُلأْ ُولَى‬ ‫ُوب ُالْمُ ْث َقلَةُ بِ الثُّ مَ الَةِ‬ ‫أَغْ َوتْنِ ي اُلدُّ ر ُ‬ ‫غَ ا َزلَنِ ي ُصدْ فَةً ظَ مَ ُأ عَ ِشيرَتِ هِ‬ ‫ا ُْستَمْ طَ ر ُْت ُانْثِ َيالاَ ِت ِظلِّهِ‬ ‫اطي َر بَابِ لَ‬ ‫ْض َت َتن ََّشقُ أَسَ ِ‬ ‫كَمَ ا رِ ئَةُ اُلأْ َر ِ‬ ‫» َتنَفَّ سينِ ي مُ دُ نا عَ ذْ رَاءَ»‬‫َاجلُ ُالْمَ وْجَ ةِ اُل َّنَائِ مَ ةِ ‪.‬‬ ‫قَال َْت مَ ر ِ‬

‫َت َتقَهْ قَرُ فِ يهِ ُخيُ ولُ اُلتَمَ نُّ ِع»‪.‬‬ ‫رَمَ قْ تُ هَا َترْحَ لُ فِ ي ُالْخَ فَاءِ‬ ‫آهَ ا ُتهَا غَ فْ وَةٌ‬ ‫َاصرِ ي؟‬ ‫ْف ِم ْنهَا َتنْسَ لُّ عَ ن ِ‬ ‫َكي َ‬ ‫َو فِ ي دُ خَ ْيالَئِ ي زَهْ وٌ يُ ر ِْضعُ نِ ي بِ ذْ َرتَهُ ‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫كُ ن ُْت أ َُشقُّ َصدْ رِ ي عَ نْ َو ْردَةِ ُا ْلهَوى‬

‫‪64‬‬

‫كاتبة وشاعرة من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫(‪ )...‬رَائِ عً ا كَانَ وِ شَ احُ ُالْجَ سَ ِد‬ ‫َيتَسَ لَّلُ لِ كَتِ ِف اُل َّلي ِْل مُ ْخمَ لِ يَّ ُا ْله َْج ِع‬

‫َو رِ دَاؤُ هَ ا َص ْبوَةٌ‬

‫* ‬

‫‪4‬‬

‫ُلصبَابَةِ‬ ‫باب ا َّ‬ ‫ي َِق ُف قُ رْبَ ِ‬ ‫ُلشفَاهِ تَعْ ت َِصرُ َقوَافِ ي ُا ْل َهوَى»‬ ‫« ل َِك َكرْمُ ا ِّ‬ ‫ْعش ِق‪.‬‬ ‫قَال َْت خَ فْ قَةُ ُال ْ‬ ‫اس ٍم‬ ‫ال ْ‬ ‫تَسَ َّلل ُْت ِمنِّي تَكْ تُ بُنِ ي ُالْفُ ُصولُ بِ َ‬ ‫َو فِ ي ِضيَاءِ ُا ْلو َْص ِل ُا ْرتَمي ُْت‪.‬‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫حسام ال ّدين والقنديل السحري‬ ‫عباسي*‬ ‫> علي التومي ّ‬ ‫كان يتيمً ا‬

‫يعاوده الحنين إلى الترحال‬

‫وفقيرً ا‬

‫مثل العصافير المجروحة‬

‫ويدعى حسام الدين‬

‫والكالب السائبة‬

‫عاش طوي ًال‬

‫ومثل أشقى األطفال‬

‫يترنّح بين ظالم الليل‬

‫وذات عام‬

‫وظلم قباطرة‬

‫قالت أمّ ه أنها َكلّت‬

‫تقضم حرف الجيم‬ ‫ِ‬

‫ثم نامت أيامً ا معدودات‬

‫السين‬ ‫وحرف ّ‬

‫ثم قالت إنّها‬

‫كان حبيس الهمس الموغل في اإلذاللْ‬

‫ُشل ّْت‪.‬‬

‫كان يخاف عتمة الشوارع‬

‫قال حسام الدين‬

‫ويحنق على الصدور الحانقة‬

‫يا ويحي!‬

‫األطالَلْ‬ ‫يح ّب تالحين ْ‬ ‫وكان ِ‬

‫اآلن سيلعقني الدّ و ّد‬

‫كانت أمّ ه تأويه‬

‫وتقبّل عينَيّ الفئران‬

‫وتشبع بطنه مرّة في اليوم‬

‫ولن تستحي أن تبول عليّ الثعالب‬

‫وتظلّ طوال الليل‬

‫وتزق على أنفي الغربان السود‬

‫تناجيه‬

‫سأبيع ما تركت أمّ ي‬

‫وعند الصبح‬

‫في حفرة النسيان‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪65‬‬


‫سألوك علكة خبزِ كل يوم‬

‫وعلى نهر الخلد سأفتح لي‬

‫همي‬ ‫وسأحضن ِ ّ‬

‫وشبابيك‬ ‫ْ‬ ‫أبوابًا‬

‫وراء بابي‬

‫ولما فرك المصباح‬

‫عَ لّ الفئران والكالب والدّ ود والغربان‬ ‫تمُ ّر وتنساني‬ ‫وتنس جثّة أمّ ي‪.‬‬ ‫وذات نهار‪،‬‬ ‫كان حسام الدين يغط في األحالم‬ ‫وعاوده الشوق إلى قصة عالء الدين‬ ‫وكرم ج ّنيّه الهُ مَ ام‬ ‫وتذكّر قندي ًال كانت أمّ ه تشعله‬ ‫مرّة في العام‬ ‫لندْ رة الزيت وشدّ ة األيام‪.‬‬ ‫وصار‬ ‫بحث عن القنديل َ‬ ‫كالمهووس يطارده الهذيان‬ ‫فكا َد يخرّب خربة أمّ ْه‬

‫وخاطبه صوت سعيدْ ‪:‬‬ ‫يا حسام الدين‪ ،‬أنا ساكن المصباح‬ ‫أنا عبدك‬ ‫فماذا تقول وماذا تريد؟‬ ‫لم يذهل حسام الدين‬ ‫ولم يفزعْ‬ ‫وأجابَ ‪:‬‬ ‫أريد كُ لّ شيء‬ ‫أريد سحر الفصول األربعْ‬ ‫قال الصوت‪:‬‬ ‫ال يا حسام الدين‬ ‫ْرك!‬ ‫فصب ْ‬ ‫أنا ال أعطي شيئًا لإلنسان َ‬ ‫يأخذُ فهات‬ ‫أنا جنّي ُ‬

‫يضمّ ْه‬ ‫وجد القنديل فرَاح ُ‬

‫خ ْوف َْك‬

‫ويمسح عنه غبار ًا أسود أسود‬

‫حلقك‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫هات الحقد المعشوشب في‬

‫قال‪:‬‬

‫وستعثر عندئذ‬

‫سأفرك رأس ْه‬

‫على كنزٍ مدفون‬

‫وإذا جاءني جنّي سأرقُ ص قُ ر َب ْه‬

‫في قلبك‬

‫نبراسا ذهبِ يّا‬ ‫ً‬ ‫وأطلب‬

‫وستعرف‪...‬‬

‫ينير حياتي‬

‫ثار حسام الدين وقال‪:‬‬

‫وينير ظالم الخر َب ْه‬

‫ماذا سأعرف؟ ماذا سأعرف؟‬

‫ثم فكّ ر حسام الدّ ين‬

‫‪-‬ستعرف أنك كنت صبي ًا حالِ مْ ا‬

‫وقال‪:‬‬

‫وأنك لمّ ا ُجدْ ت عَ لَيّ‬

‫ال! بل أطلب أجنحة وأطير‬

‫أصبحت غنِ يّا جدّ ا‬

‫ومماليك‬ ‫ْ‬ ‫قصرً ا‬ ‫أو أطلب ْ‬

‫وانك اسعد من كلّ األمراء‬

‫وثروة قارون‬

‫ومن كل سالطين العالم‪.‬‬

‫* ‬

‫‪66‬‬

‫فاض النور‬

‫باحث وكاتب من تونس‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫عيناك‪ ..‬يا سمراء‬ ‫> د‪ .‬لطفي زغلول*‬

‫يناك يَا سَ مراءْ‬ ‫َحملُني عَ ِ‬ ‫ت ِ‬

‫َجتاحني مَ دٌّ ِمنَ اإلغماءْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬

‫ناحين‪ ..‬من الضياءْ‬ ‫ِ‬ ‫على جَ‬

‫تَنثُ رُ ني رَذا َذ أبجديَّةٍ ‪..‬‬

‫سافران بِ ي آلخرِ المَ دى‬ ‫ِ‬ ‫يُ‬

‫دى‬ ‫بِ ال مَ ً‬

‫في رِ حلةٍ ‪..‬‬

‫في ل َُّجةٍ األهواءْ‬

‫ليس لها انتهاءْ‬

‫تَمرُّ بِ ي الفُ صولُ في مَ دارِ ها‬

‫أجوب أقماراً‪..‬‬ ‫ُ‬

‫ريف والشتاءْ‬ ‫الصيف والخَ ُ‬ ‫ُ‬

‫أنجم ًا‬ ‫أزو ُر ُ‬

‫ولم أزلْ في مَ قعدي‬

‫األرض والسماءْ‬ ‫ِ‬ ‫أهيمُ بَينَ‬

‫ألقاك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كأنَّني‬

‫راكب‬ ‫وأنزِ لُ البُحو َر في مَ ٍ‬

‫َلك المَ ساءْ‬ ‫عن َد ذ َ‬

‫تَنأى بِ ها األمواجُ واألنواءْ‬

‫الرصيف‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كأنَّني على‬

‫َحطني‪..‬‬ ‫ت ُّ‬

‫ال أزالُ في انتظارِ زَورَقي‪..‬‬

‫واطئ الرؤى‬ ‫ِ‬ ‫عَ لى شَ‬

‫يَعودُ لِ لميناءْ‬

‫* ‬

‫شاعر وكاتب من فلسطين‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪67‬‬


‫هذا قليل دمي‬ ‫> أحمد اخلطيب*‬

‫�����رف‪ ،‬ول���ي م���نْ ش���رف���ةٍ ألقُ‬ ‫ل���ي جَ ���مْ ���عُ ح ٍ‬ ‫ن��ح��وي إذا ُس ِ���ع���رتْ ف���ي ال��ق��ل��ـ��ـ��ـ��ب أغنيةٌ‬ ‫���ارج���مْ ‪ ،‬ك��م ت��ش��ي�� َد لها‬ ‫���اك‪ ،‬ف ُ‬ ‫ه���ذي وص���اي َ‬ ‫إنّ����ي اح��ت��س��ـ��ـ��ـ��ـ��ب ُ��ت ق��ي��ام��ي غ��ي�� َر منصهرٍ‬ ‫����م‪ ،‬ك���م ذا أل������وذُ لهُ‬ ‫ي���ا أن���ـ���ـ���تَ م���ن َص����مَ ٍ‬ ‫���رف أن تطفو منازلهُ‬ ‫وال��ش��ع��رُ ف��ي ال���ح ِ‬ ‫ك��فّ ��ي ع��ل��ى ال��ري��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��ح أه������رامٌ مُ عتّقةٌ‬ ‫ط������ارتْ ب��ن��ا ع���ن ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ٍ��د ُزل���ف���ى مرابعهُ‬ ‫��ص أح��ف��ى‪ ،‬أو أل����وذُ بهِ‬ ‫م��ا ج��ئ ُ��ت ف��ي ال��ن ّ‬ ‫���ت‬ ‫ف���أذنْ إذنْ ‪ ،‬ل��ي م��ن الجمع ال���ذي ورِ ث ْ‬ ‫ف��ال��م��رجُ إذ ف���ي ال���رض���ا يُ ��غ��ض��ي زبائنهُ‬ ‫غتس ًال‬ ‫ي��ا ليلُ ك��م؟ وان��ب��رى ف��ي ال��وج��هِ مُ ِ‬ ‫��ت لهُ‬ ‫ن��ح��و األس���اط���ي���رِ م���ن ن���ج ٍ���م س��ك��ن ُ‬ ‫����اك م���ا ع��لّ��م��ت��ن��ي َن َفسـ ـ ـ ًا‬ ‫ه����ذي وص����اي َ‬ ‫�����س اإلب���ح���ار ع���ن سعةٍ‬ ‫ف����اه����رمْ‪ ،‬ف��ق��د آن َ‬ ‫��س��ج��ن قاصدة‬ ‫ل���م أن��ت��ب�� ْه ل���ي���دي ف���ي ال ّ‬ ‫����رح درب����ي ال ان��ف��ص��ام لهُ‬ ‫��ت م��ن ج ِ‬ ‫ُح��مِّ ��ل ُ‬ ‫���ت ن���فْ ���س���يَ م��ل��م��وم�� ًا ع��ل��ى شجرٍ‬ ‫ُح���مّ ���ل ُ‬ ‫����س����اب����ق����ونَ ‪ ،‬ول�����ي أن أن���ت���م���ي ليدي‬ ‫ال ّ‬ ‫�����وت نائلةٌ‬ ‫���ت ف����ي ال�����م ِ‬ ‫ح���ت���ى إذا ن���ب���س ْ‬ ‫����ل خَ ������رِ ٍب‬ ‫��������وف أن�����ا ف����ي س����اح ٍ‬ ‫ري������حُ األن ِ‬ ‫أو مُ ��ق��ت��ض��ى ال���س��� ِّر ف���ي ج��رث��وم��ةٍ ِعل ًال‬ ‫فأثبت لي‬ ‫ُ‬ ‫��وت ل��و أغ���زو‪،‬‬ ‫أو مقتضى ال��م ِ‬ ‫أو أث��ب��تَ النـ ـ ـ ــدَّ للمعنى فأوج ـ ـ ــز ُه‬ ‫َبت‬ ‫ـربان م��ا اجتمعا إال وق���د سَ ـ ـر ْ‬ ‫سـ ـ ـ ِ‬ ‫س ـ ـ ـ ــربان م���ا اج��ت��م��ع��ا إال لذاكـ ـ ــرةٍ‬ ‫* ‬

‫‪68‬‬

‫شاعر من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ي��ا ب��ائ�� َع الجم ـ ـ ــرِ ‪ ،‬ك��م؟ وال��ت��فّ ِ��ت الورق‬ ‫��ح��ى ب��ه��ا الغرقُ‬ ‫أو ش��اب��ه��ا ال���م���وجُ ‪ ،‬أو ض ّ‬ ‫م��ن غ��ام��ض الدهـ ـ ــر م��ا إي��وان��هُ العرقُ‬ ‫الخ ـ ــرقُ‬ ‫��ت ب��ع��د ُه ِ‬ ‫ف��اح��ت��اس وج���دٌ ‪ ،‬وع��ان ْ‬ ‫الشـ ـ ـ ــعرُ أ ّول�����هُ أنْ يُ ��ح��ب��س الشـ ــفق‬ ‫م���ا ب��ي��ن ط���رح ال���ه���وى‪ ،‬أو ح��ي��ن ينزلقُ‬ ‫����اف ه ـ ــو الحبقُ‬ ‫وف���ي م��راي��ا ال��ن��دى خ ٍ‬ ‫ف��اخ��ت��لَّ م��ن ط��ي ِ��ن ه���ذا ال ّ��س��ـ��ـ��ـ��ـ��ادرِ األرقُ‬ ‫ل��ك��نّ��هُ ال��ع��م��رُ ي��ض��ح��ى تحت ــهُ الفلـ ــقُ‬ ‫���س���اب���ق���ون بقوا‬ ‫ع��ي��ن��ا ُه رس��ـ��ـ��ـ��ـ�� َم ي��ـ��ـ��ـ ٍ��د‪ ،‬ال ّ‬ ‫���ت ه��ن��ا الطرقُ‬ ‫ال ي��س��ت��وي أو إذا غ���اض ْ‬ ‫������راب ِغ�����وى‪ ،‬ف���ادف���ع ف��م��ا عزقوا‬ ‫ُ‬ ‫ه����ذا شَ‬ ‫الطـ ــبقُ‬ ‫أو ك����ان ي��س��ك��ن��ن��ي م���ن ق��ب��ل��هِ ّ‬ ‫إال وك���ان نسيجي الم ـ ـ ـ ــاءُ وال َب ـ ـ ـرَقُ‬ ‫م��ث��ل��ي‪ ،‬وراح يم ـ ــاري جفن ـ ـ ــهُ النّزقُ‬ ‫َ��ص�� َد ال��س��ب��ي ِ��ل‪ ،‬وك���لُّ األرض ل ـ ــي نفـقُ‬ ‫ق ْ‬ ‫وال ف��ض��اء س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وى م���ا َن��ه��ن��ـ��ـ��ـ��ـ�� َه ال������ َودَقُ‬ ‫فاحتـ ـ ــار ي��رب��و ه��ن��ا ق��ي��ث��ا ُر م��ن سبقوا‬ ‫���ض ب��م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اءٍ أص��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ��هُ المُ ؤقُ‬ ‫وأنْ أف���ي َ‬ ‫ك��فّ ��ى ح��ري��ـ��ـ��ـ��ـ�� َر دم��ـ��ـ��ـ��ي ال��ل��ي��لُ وال ّرم ــقُ‬ ‫هل مُ قتضى ال��ري ِ��ح أنْ ينأى ب��يَ الحنقُ‬ ‫ت��س��ع��ى إل����ى األم�����ل ال��م��خ��ف��يِّ إذ أثِ ����قُ‬ ‫ش��ي��ئ�� ًا م���ن ال���ج���ري‪ ،‬أو ك���ي ي��ه��دأ البلقُ‬ ‫وأق���ت���ف���ي أَ َث��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� َر اإلي��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ازِ ي���ا أفـ ـ ـ ُقُ‬ ‫ـال ه��دّ ه��ا الحنقُ‬ ‫تحــت ال��ن��خ��ي ِ��ل جب ـ ـ ٌ‬ ‫ه����ذا ق��ل��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ل دم����ي ي���ا أي���ه���ا القل ـ ــقُ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫وللحب‪ ...‬نغني‬

‫> سعد بن سعيد الرفاعي*‬

‫إنه الحب‪ ..‬فضاءات العناء‬

‫يا ضياءً ‪..‬‬

‫مركب للصعب‪...‬‬

‫عبقت بالحب في ليل الدجى‬

‫مخملي‪ ..‬لو نشاء‬ ‫ٌ‬ ‫وجه‬

‫يا غناءً ‪..‬‬

‫قالت الحكمة‪ .‬والوقت مساء‬

‫والنشيد العذب يجتاز المدى‬

‫إنه الحب وهل للحب وجهٌ‬

‫يا عزوماً‪..‬‬

‫غير وجهٍ من ضياء‬

‫أوصلتنا فوق هاتيك الربا‬

‫صوت‬ ‫ٌ‬ ‫إنه الحب‪ ..‬وهل للحب‬

‫أنشديهم عن بطوالت الفتى‬

‫ليس يشدو بالغناء‬

‫عن فضاءات تنامت‬

‫إنه الحب سيبقى‬

‫عن مسارات تسامت‬

‫ما بقينا‪ ..‬ما سعينا‪..‬‬

‫عن رؤى بيضاء‪...‬‬

‫ما هفونا نحو فجر من رجاء‬

‫عن حب تجلى شدوه‪:‬‬

‫يا أماني الفجر‪...‬‬

‫إنه الحب‪ ..‬مروج‬

‫يا حلم الفتى‬

‫ومروج الحب قلبي‪ ..‬والفضاءات سماء!!‬

‫*‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪69‬‬


‫مالمح الواقعية الشعرية في«غرف لإليجار»‬ ‫حملمد البساطي‬

‫> هشام بنشاوي*‬

‫ارت��ب��ط��ت ك��ت��اب��ات محمد ال��ب��س��اط��ي القصصية والروائية‬ ‫ب��ال��ف��ئ��ات المسحوقة وال��م��ه��م��ش��ة؛ ف��ف��ي رواي��ت��ه «ج����وع» رصد‬ ‫تفاصيل معاناة أسرة ريفية‪ ،‬في سبيل البحث عن لقمة العيش؛‬ ‫وفي روايته الجديدة «غرف لإليجار»(دار اآلداب‪ -‬فبراير ‪2010‬م)‪،‬‬ ‫يعود إلى قاع المدينة (القاهرة)‪ ،‬مشرح ًا أزمة السكن‪ ،‬من خالل‬ ‫حكايات ثالث عائالت تسكن في شقة قديمة مكوّنة من ثالث‬ ‫غرف‪ ،‬بحمام مشترك‪.‬‬ ‫ال��م��ك��ان ه��و ال��ب��ط��ل ال��رئ��ي��س ف��ي ه���ذا المتن‬ ‫الحكائي‪ ،‬كما يشي ب��ذل��ك ع��ن��وان ال��رواي��ة؛ وهو‬ ‫ضيق‪ ،‬خانق ومنغلق مثل حيوات شخصيات الرواية‪،‬‬ ‫يفرض سطوته عليها‪ ،‬ويحدد مصيرها‪ ،‬فيفتقدون‬ ‫ من ثَمَّ‪ -‬أبسط الشروط اإلنسانية لحياة كريمة‪: ‬‬‫حريتهم الخاصة في البيت المشترك‪ ،‬و حميمية‬ ‫الحياة‪ ،‬لكنها ‪ -‬رغم كل ذل��ك‪ -‬تعيش على حافة‬ ‫الحياة‪ ،‬متصالحة مع ذواتها ومع العالم‪ ..‬في رضى‬ ‫تام‪.‬‬

‫بعض االرت��دادات السردية االسترجاعية‪ ،‬إلضاءة‬ ‫جوانب من حياة الشخصيات وماضيها‪ ،‬قبل سكنها‬ ‫في الشقة‪ ،‬من وجهة السارد العليم بكل شيء‪ ،‬فتبدأ‬ ‫الرواية كالتالي‪« :‬الشقة في بيت قديم‪ .‬من ثالث‬ ‫غرف‪ .‬بكل غرفة عائلة‪ .‬الباب الخارجي مفتوح ليل‬ ‫نهار‪ .‬ال يوجد في الصالة ما يخشى عليه‪ ،‬وكل‬ ‫عائلة تغلق ب��اب غرفتها على نفسها وأشيائها»‪،‬‬ ‫بينما القسم الثاني‪ ،‬ي��روى بضمير المتكلم‪ ،‬على‬ ‫لسان عباس‪ ،‬إح��دى الشخصيات‪« : ‬غرفتي فوق‬ ‫السطح‪ ،‬تشغل ركناً من الجانب األيمن‪ ،‬تطل على‬ ‫رأس السلم‪ ،‬أوارب الباب وأرى من رقدتي األقدام‬ ‫التي تهبط وتصعد‪ ،‬وقد يمر يومان أو ثالثة ال أرى‬ ‫قدماً‪ ،‬وعندما أراه��ا أظل في رقدتي ال أتحرك‪،‬‬ ‫صاحبها ال يقصدني‪ ،‬فال أع��رف أح��داً يمكن أن‬ ‫يزورني‪ ،‬وأسمع الخطوات في طريقها إلى الغرفة‬ ‫األخرى»‪.‬‬

‫وبنفس اللغة التصويرية المقتضبة‪ ،‬المشحونة‬ ‫والغنية بالدالالت‪ ،‬يكتب الروائي المصري محمد‬ ‫ال��ب��س��اط��ي رواي���ت���ه ‪ ،‬م��ت��ف��ادي��اً ال��ت��ره��ل السردي‬ ‫والحشو اللغوي‪ ،‬مكتفياً بالسرد المحايد‪ ،‬دون‬ ‫الغوص في أعماق شخصياته‪ ،‬كما لو ك��ان يكتب‬ ‫السيناريو‪ ،‬وحتى الحوار يكتبه بالتقتير نفسه‪ ،‬وكأن‬ ‫شخصياته ‪ -‬رغ��م هشاشتها الجوانية‪ -‬تتجنب‬ ‫من خ�لال قراءتنا األول��ي��ة للرواية‪ ،‬سنالحظ‬ ‫البوح والتذمر؛ ألنها قد ترى في ذلك إعالناً عن‬ ‫أن ظروف الوافدين تباعاً على الشقة تتشابه‪ .‬في‬ ‫ضعفها اإلنساني‪.‬‬ ‫البدء‪ ،‬نتعرف على أول��ى ساكنات الشقة‪ :‬فاطمة‬ ‫***‬ ‫الشابة و زوجها عوض الفوّال‪ ،‬ال��ذي يغار عليها‪،‬‬ ‫تنبني «غ��رف ل�لإي��ج��ار» على قسمين‪ ،‬القسم‬ ‫ويضربها إذا نظرت من الشباك إلى الشارع‪ ،‬لكنها‬ ‫األول يُ��روى بضمير الغائب‪ ،‬بصيغة الحاضر مع‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫أنت السبب‪.‬‬ ‫سبب في إيه؟‬ ‫في اللي حصل‪.‬‬ ‫إزاي؟!‬ ‫بعدها نتعرف على عطيات المرحة المقبلة‬ ‫على الحياة ب��ف��رح كبير‪ ،‬وزوج��ه��ا ب���دوي الفرّان‪،‬‬ ‫بعد أن أصيب بتشوه في وجهه‪ ،‬إثر حريق نشب‬ ‫بالفرن‪ ،‬مما ولد في أعماق زوجته ما يشبه النفور‬ ‫أم��ا الشخصية الثالثة فهي هانم زوج��ة عثمان‪،‬‬ ‫الموظف في مصلحة السكة الحديد‪ ،‬التي ترفض‬ ‫ارتداء مالبس قصيرة تبرز مفاتنها‪ ،‬وتنشغل بابنها‬ ‫يوسف‪ ،‬وتبتعد عن جارتيها‪ ،‬لكن محمد البساطي‬ ‫ال ي��غ��وص ف��ي تفاصيل ه��ذه ال��ع�لاق��ة‪ ،‬ب��ل يكتفي‬ ‫بالتلميح كالعادة‪...‬‬ ‫تمضي ح��ي��اة س��ك��ان الشقق ال��ث�لاث ف��ي وئام‬ ‫إلى أن تحدث الفضيحة‪ ،‬فهانم كانت تترك باب‬ ‫غرفتها موارباً من أجل ابنها‪ ،‬الذي يستيقظ ليال‪،‬‬ ‫ليذهب إل��ى الحمام‪ ،‬وزوجها ك��ان يعود من عمله‬ ‫متأخرًا‪ ،‬وفي تلك الليلة‪ ،‬وبعد أن تحشش بدوي‪،‬‬ ‫أخطأ الطريق إلى غرفته‪ ،‬ودخل خطأ إلى غرفة‬ ‫هانم‪ ،‬فما كان عليها إال أن تستأجر غرفة أخرى ‪-‬‬ ‫هي وابنها‪ -‬على السطوح (بجوار عباس)‪ ،‬بعد أن‬ ‫اختفى عثمان‪ .‬هذا االختفاء سيجعل ابنها مكتئباً‪،‬‬ ‫يرفض حتى األكل‪ ،‬وال يجد سلواه سوى في الرسم‪.‬‬ ‫بهذا االنتقال المكاني‪ ،‬يتغير المنظور السردي‪،‬‬ ‫ويتسلم عباس دف��ة ال��س��رد‪ .‬ويختلف عباس عن‬ ‫ب��اق��ي شخصيات ال���رواي���ة‪ ،‬ب��ك��ون��ه ال��وح��ي��د الذي‬ ‫يمتلك وعياً‪ ،‬ويحلم ب��أن يكتب مقاالت ونصوصاً‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫تتحمّل س���وء م��ع��ام��ل��ت��ه‪ ،‬ح��ت��ى ال‬ ‫تعود إلى منزل والدتها بالصعيد‪،‬‬ ‫وإل���ى تحرشات زوج أم��ه��ا‪ .‬هذا‬ ‫االعتداء لم يكن سوى تنفيس عن‬ ‫فشله في إقامة عالقة حسية مع‬ ‫زوجته‪ ،‬مثلما حدث حين ضربها‬ ‫أول مرة‪ ،‬يزمجر‪:‬‬

‫ت��ج��ع��ل م���ن���ه ش���خ���ص���اً شهيرًا‪،‬‬ ‫وي��ت��ع��اط��ف م���ع ج���ي���ران���ه‪ ،‬فنراه‬ ‫يساعد جارته عزيزة في تنظيف‬ ‫زوجها المشلول‪ ،‬ثم يتعاطف مع‬ ‫الموسيقي العجوز وحفيدته التي‬ ‫ترافقه ف��ي ج��والت��ه الغنائية كل‬ ‫مساء‪.‬‬ ‫***‬ ‫عبر إكراهات الحياة اليومية‪،‬‬ ‫تغرق الرواية في تفاصيل الوجع‬ ‫اإلنساني والتشتت االجتماعي‪،‬‬ ‫ولعل ال��ق��ارئ ق��د يستغرب أن توسم ه��ذه الورقة‬ ‫بــ‪( : ‬مالمح الواقعية الشعرية في «غرف لإليجار»‬ ‫لمحمد البساطي)‪ .‬لكن المتتبع لكتابات محمد‬ ‫البساطي‪ ،‬سيالحظ أنه في أغلب كتاباته يميل إلى‬ ‫التعاطف مع شخصياته الروائية النسائية‪ ،‬ومن ثم‬ ‫جعل هذا القارئ ‪ -‬رغماً عنه‪ -‬يتعاطف مع فردوس‪،‬‬ ‫الزوجة الجميلة في روايته البديعة «فردوس»‪ ،‬ومع‬ ‫زاهية في رواية «دق الطبول»‪ ،‬على سبيل المثال ال‬ ‫الحصر‪ ..‬لكنه في هذه الرواية‪ ،‬حرم نساء «غرف‬ ‫لإليجار» م��ن ذل��ك الشجن‪ ،‬م��رك��زاً على حياتهن‬ ‫الجنسية نوعاً‪ ،‬كأنما يسلط الضوء على معاناتهن‬ ‫المسكوت عنهن‪ ،‬لكن ذلك ال يعني أن نصنف ما‬ ‫يكتب أدباً نسوياً‪ ،‬ألنه «أدب إنساني» وكفى‪.‬‬ ‫إن ال��ش��ج��ن ال���ذي رس���م ب��ه محمد البساطي‬ ‫شخصيتي زاهية وف��ردوس‪ ،‬استحوذ عليه عباس‪،‬‬ ‫فهو ‪ -‬مثال ‪ -‬ال يفكر في جارته جنس ّياً‪ ،‬رغم أنها‬ ‫تتصرف على سجيتها‪ ،‬فتمد يدها لتعدل وضع‬ ‫«السوتيان» وه��ي تكلمه‪ ،‬أو ترفع ثوبها وتعصره‪،‬‬ ‫غير مبالية بتعريها‪ .‬رب��م��ا‪ ،‬ق��د يظن البعض أن‬ ‫البساطي ي��ح��اول رس��م شخصية ع��ب��اس بصورة‬ ‫مثالية‪ ،‬لكن ذلك ال يجعلنا نستغرب إن علمنا أن‬ ‫أغ��ل��ب شخصيات البساطي تتمتع بنقاء داخلي‬ ‫مفقود‪ ،‬فهي رغم فقرها واحتياجها ال تسرق وال‬ ‫تتسول مثال‪ ،‬بل تبحث عن لقمة العيش‪ ،‬بمكسب‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪71‬‬


‫شريف‪ ،‬كما في رواية «جوع»‪.‬‬ ‫سنتعاطف مع عباس حين نعلم أن له جـرحه‬ ‫ال��خ��اص‪ ،‬فزوجته بعد طالقها‪ ،‬حرمته م��ن رؤية‬ ‫ابنته‪ ،‬وه��ذا ما جعله يتعاطف مع حفيدة الرجل‬ ‫العجوز‪ ،‬ويتكفل بها‪ ،‬بعد اختفاء الجد‪ ،‬بعد أن أبلغه‬ ‫أنه سيتغيب ليومين‪ ،‬ألمر طارئ‪ ،‬فذهب ولم ويعد‪.‬‬ ‫الطفلة فريدة هي القطرة التي أفاضت الكأس‪...‬‬ ‫ف��ري��دة ه��ي ال��ت��ي حضرتني للكتابة ع��ن الرواية‪،‬‬ ‫وال أنكر أنني لم أكن متحمساً بما يكفي للكتابة‬ ‫عن «غ��رف لإليجار» أثناء ق��راءة القسم األول من‬ ‫الرواية‪ .‬وحدها فريدة ستضفي بوجودها على المتن‬ ‫الروائي لمسة إنسانية وشجناً شفيفاً‪ .‬ولألسف‪ ،‬لم‬ ‫يتنبه كل من كتبوا عن الرواية أن محمد البساطي‪،‬‬ ‫منح ه��ذه الشخصية اس��م حفيدته‪ ،‬التي أهداها‬ ‫ال��رواي��ة‪ ،‬وال��ق��ارئ ‪ -‬في أغلب األح���وال‪ -‬يتجاهل‬ ‫خاصاً وسر ّياً‪ ،‬ال يدركه إال‬ ‫اإلهداء‪ ،‬ألنه يبقى شيئاً ّ‬ ‫الكاتب والمهدى إليه‪ ...‬ربما‪ ،‬من حسن حظي‪ ،‬أني‬ ‫سمعت صوت فريدة (حفيدة الكاتب)‪ ،‬وأنا أتصل‬ ‫به هاتف ّياً‪ ،‬فوجدتني مأخوذاً بصوت طفولي رخيم‪،‬‬ ‫طاعن في مالئكيته وبراءته‪ ،‬رغم كلماتها القليلة‪..‬‬ ‫فأدركت بأنه محق في أن يهديها هذه الرواية‪.‬‬

‫الدمية إل��ى ج��ارت��ه الصغيرة ف��ري��دة‪ ،‬التي تخلت‬ ‫عنها أمها بعد سوء معاملة زوجها لها‪ ،‬ألنها كانت‬ ‫تضرب ابن زوج أمها‪ ،‬كما سنعرف من خالل حديث‬ ‫الجد مع عباس ‪« :‬أنا جدها من أمها‪ .‬أبوها مات‬ ‫من زم��ن‪ .‬بلهارسيا وكبد‪ .‬القصد‪ .‬أمها صغيرة‪.‬‬ ‫تجوزت‪ .‬ماشي‪ ،‬جوزها معاه اب��ن في سن فريدة‬ ‫م��ن زوج���ة م��ات��ت‪ .‬وف���ري���دة م���وش س��اه��ل��ة‪ .‬الولد‬ ‫يضربها تضربه‪ ،‬يشتمها تشتمه‪ .‬شهر والثاني وقال‬ ‫م��وش عايز فريدة في البيت‪ .‬يقول ما أصرفش‬ ‫على واح��دة موش بنتي‪ .‬آه‪ .‬فيه ناس ك��ده‪ .‬وبنتي‬ ‫تمانع‪ ،‬نك ّد عليها عيشتها‪ .‬وي��ض��رب البنت‪ .‬آه‪.‬‬ ‫على الفاضي والمليان‪ .‬ضرب ضرب‪ ،‬عينها تورم‪.‬‬ ‫مناخيرها تنزل دم‪ .‬أنا شوفت كده أخ��ذت البنت‬ ‫عندي‪ .‬شوية ميه‪.‬‬ ‫مددت له الكوب وشرب‪ .‬قال‪:‬‬

‫ كترت عليك في الكالم‪ .‬وماكنتش عايز حد‬‫ي��ع��رف ح��اج��ة‪ .‬آه���و‪ .‬أم��ه��ا ك��ان��ت ت��زورن��ا م��ن وقت‬ ‫للتاني‪ .‬معاها حتتين قماش للبنت‪ .‬غيارين‪ .‬جزمة‪.‬‬ ‫اللي بتقدر عليه‪ .‬شهر‪ .‬شهرين وانقطعت زيارتها‪.‬‬ ‫خطفت رجلي أشوفها‪ .‬كانت ح��ام��ل‪ .‬قالت خلي‬ ‫بالك من البنت‪ .‬وولدت كما علمت وانشغلت بالولد‬ ‫ف��ي أغ��ل��ب م��س��رودات��ه‪ ،‬أف��ل��ح محمد البساطي ونسيتنا‪ .‬يعني‪ .‬حانعوز منها إيه‪ .‬فريدة عارفة كل‬ ‫في أال يندفع وراء حماسه للكتابة عن المهمشين‪ ،‬حاجة‪ .‬وبطلت تسأل عنها»‪.‬‬ ‫وي��ح��ول كتاباته إل��ى ب��وق أي��دي��ول��وج��ي‪ ،‬وه��و الذي‬ ‫وب��ك��ث��ي��ر م���ن ال��ش��ج��ن اآلس�����ر‪ ،‬ي��رص��د محمد‬ ‫يجاهر برأيه السياسي الصريح في حواراته‪ ..‬لكنه البساطي عالقة فريدة بدميتها‪ ،‬حتى أن الدمع‬ ‫ هذه المرة‪ -‬فشل في أن يمنع نفسه من االندفاع يطفر من عيني‪ ،‬كلما قرأت هذا المقطع ‪ « :‬قفزت‬‫وراء حبه لحفيدته ف��ري��دة‪ ،‬كما تجلى ف��ي رسمه فرحاً واحتضنت العروسة ودارت بها‪:‬‬ ‫لشخصية فريدة (حفيدة العجوز الموسيقي)‪ ،‬ثم‬ ‫دي ليّ ‪.‬‬ ‫في عالقة عباس بابنته‪ ،‬التي لم يرها مند عامين‪،‬‬ ‫آه لك‪.‬‬ ‫وال يستطيع حتى إهداءها الدمية‪« :‬العروسة كانت‬ ‫متشكرة يا عمو‪ .‬انت بهدلتها‪ .‬حاسرح شعرها‬ ‫ال ت��زال في ي��دي حين ع��دت إل��ى الغرفة‪ ،‬لففتها‬ ‫في جلباب قديم ووضعتها بالكشك‪ ،‬قلت أنساها‪ ،‬وأنظفه وأغسل فستانها‪ .‬اسمها إيه؟‬ ‫ونسيتها حتى ظهرت من نفسها‪ ،‬وكنت أبحث عن‬ ‫اختاري أنت لها اسماً‪.‬‬ ‫ش��يء ف��ي الكشك‪ .‬نفضت الغبار عنها ومشطت‬ ‫ديدي‪ .‬شوفت واحدة زيها في محل وسألت عن‬ ‫شعرها ونقلتها إلى الغرفة»‪ .‬وهكذا سيهدي عباس اسمها‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ورأيتها ق��ادم��ة تحملها تحت ذراع��ي��ه��ا‪ ،‬وجهها‬ ‫حزين‪ ،‬توشك على البكاء‪ .‬مدت العروسة لي‪:‬‬ ‫خد‪ .‬موش حاخدها‪.‬‬ ‫ليه يا فريدة؟‬ ‫جدي بيقول إنك جبتها لواحدة غيري موش ليّ ‪.‬‬ ‫انحنيت مقترباً بوجهي منها‪:‬‬ ‫أبداً يا فريدة‪ .‬أنا أول ما شوفتك لقيتك حلوة‪.‬‬ ‫وقلت ال بد أشتري لك عروسة‪.‬‬ ‫رفعت وجهها ونظرت في عيني‪:‬‬ ‫طيب احلف‪.‬‬ ‫والله العظيم والله العظيم‪.‬‬ ‫اس��ت��دارت ج��ري��اً إل��ى غرفتها‪ ،‬بعدها سمعت‬ ‫غناءها تصاحبه دندنة على العود»‪.‬‬ ‫وفي مقطع سردي آخر‪ ،‬نقرأ‪« : ‬تفرش حصيراً‬ ‫جنب الجدار‪ ،‬وتسند ظهر ديدي إليه وتمد ساقيها‬ ‫أمامها‪ ،‬تحمل كومة صغيرة من األشياء وتضعها‬ ‫بجوارها‪ ،‬وتقبل قفزاً‪ .‬تقول‪:‬‬ ‫الدنيا ب���دأت ت��ب��رد‪ .‬ودي���دي معندهاش هدوم‬ ‫شتوي‪ .‬قلت أعمل لها جالبيتين‪.‬‬ ‫أنزل أشتري لها‪.‬‬ ‫أل‪ .‬عايزاني أعمل لها‪.‬‬ ‫وعندك قماش؟‬ ‫كتير‪ .‬جالبيتين للبيت‪ .‬وف��س��ت��ان ب��ح��زام لما‬ ‫نخرج‪.‬‬ ‫وتتركني إلى قعدتها‪ ،‬وأسمعها تغني في صوت‬ ‫خافت‪ ،‬وترفع كوباً إلى فم ديدي»‪.‬‬ ‫***‬ ‫* ‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫جرت نحو غرفتها‪ ،‬واختفت داخلها‪ ،‬بعد قليل‬ ‫سمعت صوت غنائها للعروس‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬ثمة شيء آخر يتميز به السرد عند محمد‬ ‫البساطي وهو مرحه‪ ،‬إذ يضفي الكاتب بعضا من‬ ‫خفة ظله على كتاباته‪ ،‬فضال عما يمتاز به هذا‬ ‫السرد اآلسر من فرادة سردية ورؤيوية وجمالية‪،‬‬ ‫كما يتجلى في ح��ادث الجار ال��ذي مد ي��ده‪ ،‬وأخد‬ ‫فنجان القرفة م��ن «ال��س��ب��ت»‪ ،‬ال��ذي كانت تدليه‬ ‫عطيات لزوجها بدوي‪ ،‬فصارت تحضر فنجانين‪،‬‬ ‫واحد لزوجها واآلخر للجار‪ ،‬الذي ال ترى سوى يده‪،‬‬ ‫وهناك حادث رمي عباس «القلة» وراء الرجل‪ ،‬الذي‬ ‫كان يتسلل إلى إحدى غرف السطح مع عشيقته‪: ‬‬ ‫«الضحك أفقدني اتزاني‪ .‬أتمرغ في الفراش وأرفس‬ ‫وأعض طرف اللحاف‪ ،‬آه‪ ،‬ربما ابتل بنطلونه اآلن‪،‬‬ ‫ويزداد ضحكي‪ ،‬وهي أيضاً‪ ،‬جيبتها‪ ،‬ويمشيان في‬ ‫الشارع»‪.‬‬ ‫***‬ ‫قد تدفع الكتابة عن الهوامش البشرية بعض‬ ‫الكتاب إلى السقوط في فخ الخطاب األيديولوجي‪،‬‬ ‫عالي النبرة‪ ...‬إال أن محمد البساطي‪ ،‬وفي أغلب‬ ‫مسروداته‪ ،‬يكتب عن شخصيات قنوعة طيبة‪ ،‬ال‬ ‫تفكر في معاناتها‪ ،‬وال تطمح إلى تغيير الواقع‪ ،‬بل‬ ‫تكتفي بأفراحها الصغرى‪ ،‬التي قد ال تتجاوز متعاً‬ ‫حسية عابرة أحياناً‪ ،‬كي تتحمل وعثاء الحياة‪ ،‬وكأن‬ ‫محمد البساطي يدين األنظمة السياسية ‪ -‬رغم‬ ‫غياب هذا الخطاب في الرواية‪ -‬التي تفرخ هذه‬ ‫الفئات المسحوقة المهمشة‪ ،‬البعيدة عن المشاركة‬ ‫في العمل السياسي‪ ..‬يدين تلك األنظمة المتفسخة‪،‬‬ ‫التي أفلحت في صناعة أغلبية (قطيع؟) تعزف عن‬ ‫المشاركة في صنع ال��ق��رار‪ .‬إن أغلب شخصيات‬ ‫محمد البساطي غير معنية بأي وعي سياسي أو‬ ‫اجتماعي أو ديني‪ ،‬فهي تنشغل بإكراهات حياتها‬ ‫اليومية‪ ،‬وبعض مباهجها الصغرى‪.‬‬

‫كاتب من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪73‬‬


‫سحمي الهاجري‬ ‫يكشف في كتابه «جدلية املنت والتشكيل»‬

‫الفجوة بني طموح الروائيني وضعف‬ ‫إمكاناتهم الفنية‬

‫> خالد ربيع السيد*‬

‫يتعمق الدكتور سحمي الهاجري في دراسته النقدية‬ ‫الموسعة (جدلية المتن والتشكيل‪ :‬الطفرة الروائية في‬ ‫السعودية)‪ ،‬ال��ص��ادرة حديث ًا ع��ن ال��ن��ادي األدب���ي بحائل‬ ‫بمشاركة مؤسسة االنتشار العربي ببيروت‪ ،‬في تحليل‬ ‫وتشريح ونقد المنجز ال��روائ��ي السعودي خ�لال الفترة‬ ‫‪2006-1990‬م‪ ،‬بوصفها الفترة األغ��زر إنتاج ًا في الرواية‬ ‫السعودية‪ ،‬فقد كان معدل صدور الروايات واحد ًة في كل‬ ‫شهر‪ ،‬بل تزايد في عام ‪2006‬م ليصبح رواية في كل أسبوع‪،‬‬ ‫بينما كان المعدل خالل الستين سنة السابقة (‪1990-1930‬م) رواية في كل سنة‪.‬‬ ‫ويمكن ع��دّ الكتاب في بعض جوانبه‬ ‫دراس���ة ع��ام��ة‪ ..‬وليست خاصة بالرواية‬ ‫السعودية ف��ق��ط؛ إذ يحمل رؤي���ة نظرية‬ ‫نقدية رصينة‪ ،‬من شأنها التقاطع والتماهي‬ ‫مع نظرية الرواية المطروحة عالمياً‪ ،‬فما‬ ‫ح���واه بمنهجية المسح (‪ )Survey‬لرؤى‬ ‫والكتاب م��ن زاوي���ة أخ��رى ‪ -‬أطروحة‬ ‫وأس��ان��ي��د وإح����االت واس��ت��ش��ه��ادات بأراء ال���دك���ت���واره ل��ل��م��ؤل��ف ‪ -‬األش��م��ل م��ن بين‬ ‫ن��ق��اد آخ��ري��ن أم��ث��ال‪ :‬د‪ .‬سعد البازعي‪ ،‬ال���دراس���ات المتناولة ل��ل��رواي��ة السعودية‬ ‫د‪ .‬سعيد ال��س��ري��ح��ي‪ ،‬د‪ .‬لمياء باعشن‪ ،‬في فترة الطفرة‪ ،‬ال سيما وأنه ينطلق من‬ ‫م��ح��م��د ال��ع��ب��اس د‪ .‬ع��ب��دال��ل��ه الغذامي‪ ،‬منهج تكاملي شمولي(‪ ،)Wholeness‬لتحليل‬ ‫د‪ .‬معجب الزهراني‪ ،‬والعديد من النقاد نزوع كتّابها في ظل متغيرات أيديولوجية‬

‫الجادين‪ ،‬إضافة إلى أطروحات ومقاربات‬ ‫متضمنة كل ما يمت بصلة لتلك الروايات‪،‬‬ ‫يتيح له مكانة مرجعية مرموقة‪ ،‬ويضمن‬ ‫لقارئه متعة ومؤانسة مستبصرة بقدر عالِ‬ ‫من الموضوعية والحياد‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫وثقافية وسياسية إقليمية‬ ‫الروائية ووظائفها الداللية‬ ‫وعالمية عاصفة‪ ،‬ما نحا‬ ‫ال�����ع�����ام�����ة‪ ،‬م����ث����ل الشكل‬ ‫بهم إلى الهم االجتماعي‬ ‫ال��س��ي��ري وم��ا ينطوي عليه‬ ‫أوالً‪ ،‬والثقافي والفكري‬ ‫من تفريغ الذاكرة والجنوح‬ ‫ث��ان��ي��اً‪ ،‬وغ��ل��ب وعيهم بما‬ ‫ال���ن���س���ت���ول���وج���ي‪ ،‬ورواي�������ات‬ ‫ي��ري��دون على ح��س��اب ما‬ ‫األس�����ل�����وب ال���ش���ع���ري وما‬ ‫يجيدون فنياً‪ ،‬األمر الذي‬ ‫ت��ف��ت��ح��ه م���ن آف�����اق التأمل‬ ‫يحيلها إل���ى ال���ق���رب من‬ ‫وال��ح��ل��م‪ ،‬ورواي�����ات الباعث‬ ‫تأثير سياقها بما يجعل‬ ‫ال���ص���وف���ي واألس�����ط�����وري‪،‬‬ ‫السياق يؤلفها من خالل‬ ‫ورواي����ات الشكل التركيبي‬ ‫ك���ات���ب م���ح���ك���وم بثنائية‬ ‫الملتقية مع البنية المفتوحة‬ ‫«ال��ط��م��وح واإلمكانية»‪..‬‬ ‫المتأسسة على كسر حاجز‬ ‫وم��ن هنا يقرر الهاجري‬ ‫اإلي����ه����ام وت���ن���ق�ل�ات الزمن‬ ‫ب���ن���ش���وء ال���ج���دل���ي���ة بين‬ ‫وت����ع����دد األص����������وات‪ .‬وفي‬ ‫(المتن والتشكيل)‪ ،‬ويرى‬ ‫العموم ‪-‬كما يحدد الناقد‪-‬‬ ‫أن الكتّاب انجذبوا إلى المضمون بينما تنحاز ف��إن الفكري والتجريدي والوقائعي ك��ان أقرب‬ ‫الرواية إلى جنسها األدبي‪.‬‬ ‫إلى ذهنية أغلب الكتّاب‪ ،‬وتكاد تشكل الحكايا‬ ‫ويقسّ م الهاجري كتابه المحشود في (‪ )480‬الخام قوام معظم األعمال‪.‬‬ ‫صفحة بعد كبسلة المعلومات الهائلة المتوافرة‬ ‫ومن السمات الواضحة في فترة الطفرة ‪-‬‬ ‫إلع���داده بواسطة علم إدارة المعلومات الذي بحسب المؤلف‪ -‬تَ��ق��دُم ال��رواي��ة على األجناس‬ ‫يجيده ‪ -‬كما يقول ‪ -‬إلى قسمين‪ :‬يتعلق األول األدبية األخرى‪ ،‬ومحاورة سياقها وبروز الصوت‬ ‫بالمتن الروائي‪ ،‬والثاني بالبنى الروائية‪ .‬فالمتن األنثوي‪ ،‬ونشرها لثقافة األسئلة‪ ،‬وإعادة عرض‬ ‫ال��روائ��ي ف��ي النتاج المتمثل ف��ي (‪ )271‬رواية م��وض��وع ال���ذات وال��ه��وي��ة‪ ،‬وترسيخها لالنتماء‬ ‫لـ(‪ )162‬كاتباً يدور داخل محورين كبيرين هما‪ :‬للمستقبل وجرأتها في اقتحام المحظور الجنسي‬ ‫وعي الذات والقيم المتحولة‪ .‬ورغم تقاطع هذين والديني والسياسي‪ ،‬إذ يقول المؤلف‪ :‬إن الروايات‬ ‫المحورين وتداخلهما‪ ،‬إال أن ت��م��اي��زاً واضحاً تورد أن الذي حدث قيام الدولة باستعارة أسوأ‬ ‫يظهر في التعامل مع القيم المتحولة بما يستلزم ما في القبيلة مثل‪ :‬شيوع االستتباع الجماعي‪،‬‬ ‫ذاتاً لها هوية بسماتها العامة‪ ..‬وطبيعة أسئلتها وسحق فردية اإلنسان التي ورثتها الدولة عن‬ ‫وهمومها وتطلعاتها‪ .‬وهكذا يرجّ ح د‪ .‬سحمي القبيلة مما ح��ول االستبشار بمظاهر الدولة‬ ‫أن المتن العام يكاد يكون واحداً من جهة تشابه الحديثة إل��ى ش��يء آخ��ر مختلف تماماً‪ .‬فمنذ‬ ‫االهتمامات واألسئلة‪ ،‬حتى وإن تنوعت البنى حرب تحرير الكويت ب��دأت قيمة الوطنية تبرز‬ ‫الروائية في اشتغالها على هذا المتن‪.‬‬ ‫ب��ص��ورة أك��ب��ر ف��ي رواي����ات مثل «ش��ق��ة الحرية»‬ ‫وف��ي ه��ذه البنى يتوغل البحث في األشكال و«العصفورية» و«الغيمة الرصاصية» و«اإلرهابي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪75‬‬


‫على «األيروتيكية»‪ -‬ربما على‬ ‫سبيل االحتجاج والمشاغبة‪..‬‬ ‫أو لضرب المجتمع المدعي‬ ‫للطهرانية‪.‬‬ ‫وف����ي ذات ال��م��ق��ام ينبه‬ ‫الهاجري إلى أن رواية المرأة‬ ‫كشفت نوعاً من الوعي الزائف‬ ‫ال��ذي يضعف قضية المرأة‪،‬‬ ‫ويقول‪ :‬رغم أن وعيها بهويتها‬ ‫األنثوية الذاتية وبالعالم من‬ ‫حولها ك��ان ن��اض��ج��اً؛ إال أنه‬ ‫م��ص��ح��وب ب���ان���دف���اع وتأثر‬ ‫بالتطرف الفكري‪.‬‬

‫‪ ،»20‬فالوطن هو المالذ األخير بعد أن وقفت‬ ‫التيارات القومية واإلسالمية في الخارج ضد‬ ‫تظهر بعض األعمال بصورة التركيب الذهني‬ ‫الوطن‪ ،‬وكانت العودة لتمجيد الملك المؤسس‬ ‫واألمن الذي حققه لجزيرة العرب أحد مظاهر ‪ -‬وإن توسلت في الظاهر بالقصدية الفنية ‪-‬‬ ‫تمهيداً للدخول في تفاصيل البنية اإلبداعية‬ ‫االنحياز للوطن‪.‬‬ ‫التي غالباً ما يتكلفها الكتاب‪ ،‬بتوشيحها باإليحاء‬ ‫ثم ظهرت ال��ذات األنثوية من خ�لال كم من‬ ‫ب��ت��ع��دد األص����وات وت��داخ��ل األح�����داث‪ ،‬وتكسير‬ ‫ال���رواي���ات ي��س��اوي م��ا أص���دره ال��رج��ل ف��ي سنة‬ ‫الزمن‪ ،‬والسرد داخ��ل السرد‪ ،‬لتفتقد بعد ذلك‬ ‫الذروة ‪2006‬م‪ ،‬وبواقع (‪ )23‬رواية نسائية مقابل‬ ‫تناغم البنية مع المتن‪ .‬ويؤدي هذا في كثير من‬ ‫(‪ ،)26‬تتراوح في طرح مشكالتها‪ -‬بوعي ذاتي‪-‬‬ ‫األحيان إلى أنماط من اإليهام والغموض‪ ،‬ليس‬ ‫بين العميق الغائر ف��ي كينونتها األنثوية وبين‬ ‫على مستوى المتلقي العادي فحسب‪ ،‬بل على‬ ‫حقوقها اإلنسانية ومتطلباتها المادية والنفسية‬ ‫مستوى المتلقي الخبير‪.‬‬ ‫والجنسية‪ ..‬برواية «القران المقدس» يستشهد‬ ‫ويبقى الكتاب ش��اه��داً على العمل الدؤوب‬ ‫الهاجري‪« :‬كنت أنثى‪ ،‬مجرد أنثى مهضومة الجناح‬ ‫كما يراني الناس في بالدي»‪ .‬ويلفت إلى مساندة ال���ذي ك��رس��ه ال��ب��اح��ث ال��ج��اد ال��دك��ت��ور سحمي‬ ‫المرأة الناقدة للمرأة الروائية‪ ،‬ويعتبر أن كل أمر الهاجري ط��وال خمس س��ن��وات‪ ،‬ليكون شاهداً‬ ‫يتعلق بالمرأة كان في غاية الحساسية الرتباطها على ظاهرة تفاقمت حتى أطلق عليها «تسونامي‬ ‫في الذهن الجمعي بالجسد المدنس‪ .‬ولذلك ال���رواي���ة ال��س��ع��ودي��ة» ب��ح��س��ب تعبير د‪ .‬غازي‬ ‫يفسّ ر د‪ .‬سحمي تضخيم األمور المتعلقة باألنثى القصيبي‪ ،‬وأحدثت تغييرات مهمة في وجدان‬ ‫خصوصاً إذا إرتبطت بالدين ‪-‬ال سيما وأن بعض الشعب السعودي‪ ،‬لينعكس على مفاصل دقيقة‬ ‫الروايات تزايدت فيها المقاطع «البرونوجرافية» مؤثرة وحاضرة في حراكه وحياته‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪76‬‬

‫كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫َ‬ ‫األرض آلخرين» للشاعر جنيب مبارك‬ ‫«تركت‬ ‫ُ‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫الرؤيـ ُ‬ ‫ة االغترابية في مجموعة‬

‫> محمد أحمد بنيس*‬

‫ي��ق��دم ال��ش��اع��ر ال��م��غ��رب��ي نجيب م��ب��ارك في‬ ‫مجموعته األول���ى «ت��رك��ت األرض آلخرين»(‪،)1‬‬ ‫وال��ت��ي سبق لها أن ف���ازت ب��ج��ائ��زة ات��ح��اد كتاب‬ ‫ال��م��غ��رب س��ن��ة ‪2004‬م‪ ،‬ع��ال��م��ا ش��ع��ري��ا مختلفا‬ ‫يستفز القارئ بصوره وتراكيبه وإيقاعه؛ إنه عالم‬ ‫ضاج بالتفاصيل والمشاهد واإليحاءات اليومية‪،‬‬ ‫لكن في لغة شفيفة ورشيقة وموحية‪ ،‬مسنودة‬ ‫برؤية اغترابية باذخة تثري الداللة الشعرية‪،‬‬ ‫وتدفع بها بعيدا نحو تخوم المتخيل الالنهائية‪ .‬ولتعزيز هذه الرؤية وإخصابها‪ ،‬عمد‬ ‫الشاعر إلى استدعاء روافد أخرى مغرية كالتشكيل والسينما واألسطورة‪ ،‬في أفق رفد‬ ‫نصه الشعري بسمات فنية وجمالية ورمزية إضافية‪.‬‬ ‫في هذا العمل الالفت ينتقل بنا الشاعر تأثيثه بهواجسه وأحالمه الصغيرة؛ فكأن‬ ‫إل��ى مساحات شعرية نائية‪ ،‬تتحول فيها‬ ‫الذات إلى نقطة جذب كبرى تُحلق حولها‬

‫ه����ؤالء ه���� ُم ال��ج��ح��ي��م ال����ذي ت��ح��دث عنه‬ ‫الفيلسوف ال��ف��رن��س��ي ال��راح��ل ج���ون بول‬

‫الخيبات والخسارات واالستيهامات‪ ،‬التي س��ارت��ر ف��ي مسرحيته الشهيرة «األبواب‬ ‫تتقاطر من كل ح��دب وص��وب‪ .‬ومنذ أول المغلقة»‪.‬‬ ‫وهلة‪ ،‬يحس القارئ بتلك النكهة السوداوية‬

‫ض��م��ن ه����ذا ال���س���ي���اق‪ ،‬ي��ت��أس��س جزء‬

‫التي تفوح م��ن نصوص المجموعة‪ ،‬بدءاً م��ن استراتيجية ال��ش��اع��ر ع��ل��ى االنتقال‬ ‫بالعنوان ال��ذي يبدو كصرخة أنطولوجية بمجموعة م��ن التفاصيل اليومية (هدية‬

‫يطلقها الشاعر في وج��ه ه��ؤالء اآلخرين الشمعدان‪ ،‬زجاج النوافذ‪ ،‬الشمعة‪ ،‬السرير‪،‬‬ ‫الذين يفسدون عليه عالمه‪ ،‬الذي يحاول الشراشف‪ ،‬ال��م��رآة‪ ،‬األك��واري��ـ��وم‪ ،‬الشاطئ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪77‬‬


‫العام‪ ،‬حبة دواء مغلفة بالشوكوالطة‪ ،‬الحدائق‪ ،‬للعالم تحت سماء معتمة يتوسطها هالل‪ .‬وكما‬ ‫مكان عام ومفروش‪ ،‬الزنقة‪ ،‬الشاطئ العام‪ )....‬هو الشأن بالنسبة لجل أعمال ماغريت‪ ،‬تعبر‬ ‫من مستواها ال��دالل��ي المباشر إل��ى داخ��ل رؤية ه��ذه ال��ل��وح��ة‪ ،‬بشكل أو ب��آخ��ر‪ ،‬ع��ن المفارقات‬

‫شعرية‪ ،‬تنتصر وتنحاز لكل ما هو هامشي وهش والتناقضات العميقة التي تحكم الوجود اإلنساني‬ ‫ُ‬ ‫وغ��ائ��ب ع��ن ه��ذه األرض؛‬ ‫األرض التي صارت‪ ،‬بمختلف تبدياتـه‪ .‬ألم يقل «ماغريت» نفسه‪ ،‬معلقا‬ ‫على ما يبدو‪ ،‬غير جديرة باإلقامة عليها بعد أن على إحدى لوحاته‪« ،‬إن كل شيء نراه يحجب شيئا‬

‫تسيدت فيها البراغماتية وغياب المعنى والخواء آخر‪ ،‬واإلنسان يتوق دائما إلى رؤية واستجالء ما‬ ‫الوجودي؛ أرض تتوالى فيها االنتكاسات‪ ،‬محيل ًة ال يستطيع رؤيته»‪ .‬يتعلق األمر هنا بتناص بديع‬ ‫عمر اإلنسان إلى ما يشبه الركام الروحي اآلسن‪ ،‬مع إحدى روائع هذا الرسام الكبير‪ ،‬ينبني على‬ ‫الذي يبعث على الغياب واألسى والحزن‪ .‬نقرأ في استحضار بعض طروحات هذا األخير في الفن‬ ‫نص «عبر هذا األكواريـوم»‪:‬‬

‫والحياة بشكل عام‪ ،‬وإعادة تشكيلها ثم الدفع بها‬

‫ال أنتظر أحدا‪ /‬في السبت واألحـد الكريهين‪ /‬داخل الحركية العامة للنص‪ .‬يقول الشاعر‪:‬‬

‫رغم أنهما يحتالن‪ /‬نصف هكتارات العمر‪( .‬ص‬ ‫‪.)25‬‬

‫ويقول في نص «الوضع اآلمن»‪:‬‬ ‫جيراني أغلقوا الباب‪/‬على مضادات الحياة‪/،‬‬

‫دحرجوا ليمونة صلبة في الممر‪ /‬وناموا‪( .‬ص‬

‫‪.)35‬‬

‫ه��ذا اإلح��س��اس ال��ف��ادح ب��االغ��ت��راب‪ ،‬ال يأخذ‬

‫«وألن م��ا يؤرقني ليس طقسا‪ /‬شرخا على‬

‫الباب‪ /‬أو سكينا على وسادتي‪ /‬أقف مثل السيد‪/‬‬

‫في لوحة «ماغْ ريت»‪ /‬ظهري ألمواج ماكرة‪ /‬تحت‬ ‫ه�ل�ال ذي ح��دي��ن‪ /‬أق���ف ع���اري���ا‪ /‬غ��ي��ر منشغل‬ ‫بالشجاعة‪ /‬أحن إلى الذئاب‪ /‬وأنسى الهواء»‪.‬‬

‫(ص ‪.)15‬‬

‫ال يقتصر استدعاء ال��راف��د السريالي‪ ،‬بكل‬

‫أبعاده‪ ،‬على هذا النص فقط‪ ،‬بل يطال نصوصا‬

‫داللته الفنية والجمالية عند الشاعر‪ ،‬إال في ضوء‬ ‫لغة شعرية مغايرة ترتفع ب��ه نحو أف��ق وجودي أخرى‪ ،‬بشكل يعبر عن اطالع الشاعر على بعض‬ ‫غرائبي‪ ،‬تصبح معه السريالية اختيارا مغريا جوانب اإلرث السريالي الفني واألدب��ي‪ .‬فحالة‬ ‫في الشعر والحياة‪ ،‬في محاولة للتحايل الرمزي الغموض والعتمة وال��ي��أس والغرابة التي تخيم‬ ‫على الزمن بكل سطوته المرعبة‪ .‬ذلك ما ينبئنا على الصور والتراكيب واألخْ ِيلـة‪ ،‬تذهب بالقارئ‬

‫به أحد أجمل نصوص المجموعة‪ ،‬والذي يحمل بعيداً في إشراكه في إنتاج المعاني والدالالت‬ ‫عنوان «أقف مثل السيد في لوحة ماغُريت»‪ .‬في المتباينة لسخرية تقود إلى أغوار بعيدة‪ .‬فمثال‬ ‫هذا النص يحاور الشاعر لوحة الفنان البلجيكي في نص «هَ دهدة اليقين الشفيف» نعثر على صور‬ ‫السريالي الشهير «رون��ي ماغْ ريت» والتي تحمل سريالية موغلة في غرائبيتها‪:‬‬ ‫عنوان «معلم المدرسة»؛ لوحة يبدو فيها رجل‬

‫«ك���ان ال��م��وج‪ /‬مثل شجر داف���ئ‪ /‬يقطع تواً‬

‫يعتمر قبعة‪ ،‬واق��ف��ا ف��ي مكان م��ا‪ ،‬م��دي��راً ظهره بمنشار آلي‪( .‬ص ‪.)60‬‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫في لساني‪ /‬قبرا لنجوم البحر‬ ‫الميتة‪( .‬ص ‪.)66‬‬

‫إن��ه��ا الغرائبية ال��ت��ي تنبني‬

‫ع���ل���ى اس���ت���ك���ش���اف المناطق‬

‫واألغ�����وار األك��ث��ر عتمة داخل‬

‫والثياب إلى مصيدة» (ص‪.)34‬‬

‫ويتأجج هذا اإلحساس برتابة‬

‫البحر في حياة الشاعر‪ ،‬حين‬ ‫يتوجه إليه بشكل مباشر قائال‬

‫له في نص «بحر موارب»‪:‬‬

‫أق���ب���ي���ة ال��ل��اوع�����ي البشري‪،‬‬

‫«أما أنت أيها البحر‪ /‬فإنك‬

‫وال��م��ف��ارق��ات ال��غ��ام��ض��ة التي‬

‫وال يمكن إال أن تشيخ معي»‪.‬‬

‫ب��ح��ث��ا ع���ن ال���ص���ور واألح��ل��ام‬

‫م����وارب‪ /‬م��ث��ل ق��ل��ب الصخرة‪/‬‬

‫تشتعل هناك بعيدا‪ .‬وانسجاما‬

‫(ص‪.)17‬‬

‫مع هذه الرؤية‪ ،‬يحس القارئ‬

‫بتحول كبير ودال ف��ي إدراك الشاعر للطبيعة‬

‫بكل مكوناتها المادية والحسية؛ فالبحر‪ ،‬على‬

‫سبيل المثال‪ ،‬والذي طالما ألهم الكتاب والفنانين‬

‫بباحته ال��زرق��اء اآلس���رة‪ ،‬يتحول هنا إل��ى مجرد‬ ‫تفصيل صغير رتيب في حياة الشاعر اليومية‪،‬‬

‫يضاعف م��ن سأمه وامتعاضه‪ ،‬وي��دف��ع ب��ه نحو‬ ‫مستويات مدهشة في االغ��ت��راب‪ .‬فكأن البحر‬

‫حين ي��ح��اذي وي��ج��اور ال��م��دن الحديثة الكبرى‪،‬‬ ‫يفقد سطوته السحرية كرمز للمغامرة واإلبحار‬

‫نحو الالنهائي‪ .‬ولذلك يمكن فهم دالالت وأبعاد‬ ‫حضور كلمة المحيط أكثر من مرة‪ ،‬وفي مواقع‬ ‫مختلفة من المجموعة‪ .‬فقد صار هذا المحيط‬

‫الذي يجاور الشاعر مثل أي بناية‪ ،‬شيئا مألوفا‬

‫ورتيبا في حياته اليومية مثل ساعة الحائط‪ ،‬أو‬

‫السرير‪ ،‬أو ستارة النافذة التي تحجبه لبعض‬ ‫الوقت‪ .‬يقول في نص «الوضع اآلمن»‪:‬‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫كنت أصرخ‪ /:‬احفروا هنا‪/‬‬

‫األس�����م�����اك إل�����ى ال���ش���رف���ات‪/‬‬

‫وي��أخ��ذ األم���ر أب��ع��اداً أخرى‬

‫ح��ي��ن ي��ن��ت��ق��ل ب��ن��ا ال��ش��اع��ر إل���ى ش�����وارع ودروب‬

‫المدينة‪ .‬فنص «من بنى عمارة السعادة»‪ ،‬يمثل‬ ‫أح��د النصوص التي يمكن عدّها مدخال داال‪،‬‬

‫لسبر كثير من جوانب هذه المجموعة؛ إنه نص‬ ‫يستدعي ع�لاق��ة ال��ش��اع��ر ب��ال��م��ك��ان‪ ،‬وتحديدا‬

‫ب��م��دي��ن��ة ال���رب���اط ب��ك��ل م�لام��ح��ه��ا وخصائصها‬ ‫كمدينة كبرى‪ ،‬تبتلع األف���راد محيلة إياهم إلى‬ ‫أجساد باهتة تسعى على غير هدى بين البنايات‬

‫المنتشرة هنا وهناك‪ .‬لقد مثل ظهور وانتشار‬

‫«العمارات» في المدن المغربية‪ ،‬والعربية بشكل‬ ‫عام‪ ،‬معطى سوسيولوجيا بالغ األهمية‪ ،‬إذ ارتبط‬ ‫بصعود الطبقة الوسطى وتزايد أعداد المنتمين‬

‫إل��ي��ه��ا‪ .‬وك��م��ا ه��و م��ع��روف‪ ،‬ف��ه��ذه الطبقة تتميز‬ ‫بالكثير من الخصائص االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬ ‫تجعل منها طبقة مترددة في خياراتها السياسية‬

‫واالجتماعية‪ ،‬ما يؤدي‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬إلى تزايد‬

‫«س��ي��ك��ون ال��وض��ع آم��ن��ـ��ا‪ /‬بالتأكيد‪ /،‬ستهرع الشعور لدى المنتمين إليها باالغتراب‪ .‬يقول في‬ ‫ال��ك�لاب م��ع ال��ش��اح��ن��ات‪ /‬على ط��ول الساحل‪ /‬نص «أمور تحدث كما في نهاية ماغْ نوليا»‪:‬‬ ‫ويعود كل شيء كما كان‪ /:‬العظام إلى األمواس‪/‬‬

‫المدينة أي��ض��ا ال تخصني‪ /‬مدينة شعرها‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪79‬‬


‫مجعد‪ /‬ومطلوق من جهة البحر‪( .‬ص ‪.)42‬‬

‫لقد أبرز باشالر في حديثه عن المكان أن «على‬

‫إن��ه��ا غ��رب��ة ال��ف��رد ف��ي ب��داي��ة ألفية جديدة‪ ،‬كل واحد منا‪ ،‬أن يتحدث عن طرقه الخاصة» ‪،‬‬ ‫غ����دت م��ع��ه��ا ال��ح��ي��اة م���ع���ادالت ب��اه��ت��ة تفتقد تلك الطرق التي تكتسي صورة معينة في نظر من‬ ‫(‪)2‬‬

‫للحميمية وال��دفء والمعنى‪ .‬وألن الشعراء ربما يراها ويدركها بكل حواسه وجوارحه‪ .‬وفي هذا‬ ‫ي��ك��ون��ون أق���در م��ن غ��ي��ره��م ع��ل��ى رص���د تجليات السياق يحضر المكان في نصوص نجيب مبارك‬

‫ه��ذا االن��دح��ار ال��وج��ودي ال��ذي تعرفه الم َد ِنيـ ُة بشكل مختلف‪ ،‬يسهم في إث��راء البنية الداللية‬ ‫المعاصرة‪ ،‬فإن التساؤل عمن بنى عمارة السعادة والجمالية للنص؛ إنه – أي المكان ‪ -‬يبدو باهتا‪،‬‬

‫(أعلى عمارة في مدينة الرباط)‪ ،‬يبدو تعبيرا داالً يبعث على ال��س��أم واالم��ت��ع��اض وال��ف��داح��ة‪ .‬ربما‬ ‫على اإلحساس باالغتراب وس��ط أوراش البناء هي لعنة المدن المعاصرة ببناياتها وشوارعها‬

‫المنتشرة في كل مكان‪ .‬ويزداد المشهد فداحـة‪ ،‬ومداخنها‪ .‬وما دام األمر كذلك‪ ،‬فاالغتراب يبدو‬ ‫حينما يدعونا الشاعر للتسكع معه ف��ي بعض هنا نوعا من إعادة اكتشاف الذات بكل عذاباتها‬ ‫دروب الرباط‪ ،‬والتي تحمل أسماء مدن عالمية وانكساراتها وأوهامها‪ ،‬أو بصيغة أخرى تعبيرا‬

‫بعيدة تتوزع على الجهات األربع للعالم (بيروت‪ ،‬ع��ن خيبة ج��ي��ل ك��ام��ل ع��اي��ش س��ق��وط واندحار‬ ‫نابولي‪ ،‬لندن‪ ،‬لينينغراد‪ ،‬روما)‪ .‬فكأن كل درب أو اليوتوبيات الكبرى‪ ،‬وهو ما أحدث له رجة عميقة‬ ‫« َزنْقة» بالتعبير المغربي‪ ،‬يأخذ حصته من هذا ضاعفت عنده مشاعر اليتم الفكري والمرجعي‬ ‫الخراب الروحي المتفشي في كل مكان من هذا والوجودي‪.‬‬

‫العالم من أقصاه إلى أقصاه‪ .‬ففي زنْقة بيروت‬

‫فعلى ام��ت��داد ن��ص��وص المجموعة يطالعنا‬

‫يصبح (الباركينغ‪ /‬م��رأبُ سيارات) مكانا تركن ذل��ك ال��ت��م��رد ال���دال ال���ذي يبديه ال��ش��اع��ر على‬ ‫إليه األرواح المغتربة‪ ،‬والمحلقة على غير هدى سطوة المدينة بكل تفصيالتها وإكراهاتها التي‬

‫وسط المباني التي تتضوع منها رائحة اإلسمنت تبتلع ال���ف���رد‪ ،‬وت��ح��ول��ه إل���ى م��ج��رد رق���م صغير‬ ‫األس��ود‪ .‬أما زنقة لندن فتتبدى للشاعر‪ ،‬كما لو داخ��ل معادلة معقدة من المصالح والصراعات‬

‫أن طائرات الحرب غادرت رسوم طفولته البريئة والتوترات التي غدا يفرضها عالم بداية األلفية‬ ‫لتحلق فوقها‪ ،‬على بعد سنتمتر واح��د من بعيد الجديدة‪ .‬لذلك فالشاعر حينما يعلن أنه يترك‬ ‫من إح��دى الكنائس التي توجد بالمدينة‪ .‬يقول األرض ل�لآخ��ري��ـ��ن‪ ،‬فكأنما يحتج على مظاهر‬ ‫الشاعر في نص «من بنى عمارة السعادة»‪:‬‬ ‫العمران المتزايدة والمقرفة التي أصبحت تجتاح‬ ‫«ب��ارك��ي��ن��غ ت��ح��ت األرض‪ /‬ل���ل��أرواح فقط‪ /‬األرض محيلة إياها إلى مراكز عمرانية وحضرية‬

‫يتسع ألزيد من مليون‪ /‬في الساعات القصوى‪ /‬بال روح‪ .‬أو لنقل بصيغة أخرى‪ ..‬إنه يحتج على‬ ‫(بالمناسبة م��ن بنى ع��م��ارة ال��س��ع��ادة؟)‪ /‬ساحة موجة التحديث غير الممنهج الذي تعرفها مدننا‬

‫وعمال موقوفون‪ /‬يلطمون باإلسمنت األسود‪ /‬البائسة والغارقة في تناقضاتها‪ .‬ولذلك يمكن‬ ‫قوس بوابة الريح»‪( .‬ص ‪.)49‬‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫فهم وإدراك تلك الرغبة الجامحة في الهروب‬


‫الغياب كخيار أخير‪ ،‬والتي نحس بها صاعدة من مفاجآته تخليه عن طموحاته وهواجسه الشعرية‪،‬‬

‫األغوار السحيقة لنصوص المجموعة‪.‬‬ ‫يقول في نص «تحت القبة دائما»‪:‬‬ ‫لكن هذه القبة‪ /‬تتبعني دائما‪ /‬عندما تنصرف‬ ‫الخيول‪ /‬تباعا‪ /‬من القاعة‪ /‬وأقف بال ذراعين‪/‬‬ ‫وح���ي���دا ت��م��ام��ا‪ /‬تُ��ف��ت��ش م��ع��ط��ف��ي‪ /‬ع��ل��ى مرأى‬ ‫التماثيل‪ /‬وال تجد النهار‪ /‬إنها ال تعرف أنني‪/‬‬ ‫أريد أن أختفي‪ /‬أن أبرأ وأتبرأ‪ /‬من سماء بال‬ ‫نجوم‪ /‬ال أكثر (ص ‪.)13‬‬ ‫ويقول في نص «فضة قد يمسها الذهب»‪:‬‬

‫في تضحية «خرافية «ربما تكون األكثر إيالما في‬ ‫تاريخ الشعر‪ .‬فقد هجر الكتابة إلى األبد‪ ،‬وهو ال‬ ‫يزال شاعرا يافعا‪ ،‬مضحيا بأغلى ما يمكن لشاعر‬

‫أن يقدمه‪ ،‬وهو التخلي عن الكتابة‪ ،‬والتضحية بها‬

‫كخيار ال يقود إال لغياب آخر مرعب وآسر‪ .‬نقرأ‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫واالختفاء واالنسحاب‪ .‬أو لنقل الرغبة في تسييد في حياة صاحب «فصل في الجحيم»‪ ،‬كانت أبرز‬

‫في «زنقة لينينغراد»‪:‬‬

‫ان��ص��رف��وا‪ /‬وج��ل��س «فِ ��رل��ي��ن» ل��وح��ده‪ /‬تحت‬

‫طاولة في الركن‪ /‬يلعق صمت الكمان‪ / .‬صباح‬ ‫ذلك األح��د‪ /‬كان المشي خفيفا‪ /‬بإيعاز منه‪/،‬‬ ‫وك��ان م��ن السابق ألوان���ه‪ /‬توبيخ ال��ع��ازف‪( .‬ص‬

‫أن��ا لست مغرما بالدنيا‪ /‬إل��ى ه��ذا الحد‪.)52 /‬‬ ‫وليست لي الرغبة‪ /‬في التعويض عن ذلك‪( .‬ص‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬ورغم أن المجموعة تندرج‪،‬‬ ‫‪.)21‬‬ ‫بشكل أو بآخر‪ ،‬في ما يعرف بشعرية التفاصيل‪،‬‬ ‫ويقول أيضا في نص «ال��وض��ع اآلم���ن»‪ :‬لدي إال أن أب��رز م��ا يمكن أن نالحظه هنا ه��و ذلك‬

‫متسع من الوقت‪ /‬ألختفي‪( .‬ص ‪.)34‬‬

‫الوعي الفني الالفت‪ ،‬الذي يؤطر رؤية الشاعر‬

‫هذه الرغبة تصل ذروتها حين يقترن الغياب ككل‪ ،‬فرغم اتكائه على التقاط هذه التفاصيل‬ ‫بالشعر بشكل غامض ومدهش معا‪ .‬فمع مطلع وإعادة تشكيلها وتخييلها‪ ،‬والدفع بها بعيدا في‬ ‫نص «زنقة لينينغراد» يتعثر القارئ فجأة بالشاعر معترك متخيله الشعري‪ ،‬إال أن هناك حضورا‬ ‫الفرنسي بول فِ رلين يجلس وحيدا‪ ،‬وكأن وجوده واضحا لمكونات معرفية وفنية أخرى كما سبقت‬

‫بهذا المكان (ب��داي��ة ال��ن��ص) يوحي باستدعائه اإلش���ارة إل��ى ذل��ك‪ .‬فالطائر‪ ،‬مثال‪ ،‬في ثقافات‬ ‫كرمز يثري أبعاد ودالالت ما يريد نجيب مبارك وأساطير معظم الشعوب يمثل رم��زا للتسامي‬

‫ق��ول��ه‪ .‬بيد أن التسلل عميقا إل��ى ش��ق��وق هذا واالرت��ق��اء وال��ت��ح��ول نحو ال��م�لائ��ك��ي��ة(‪ .)3‬غير أن‬ ‫ال��ن��ص‪ ،‬يقودنا إل��ى اكتشاف أكبر غائب يمكن الشاعر ال يكتفي بذلك‪ ،‬بل يتجاوزه نحو آفاق‬ ‫تعقب أث��ره في ه��ذا النص‪ .‬ويتعلق األم��ر بآرثر أخرى تتغيا إثراء وتشعيب هذا الرمز في اتجاه‬ ‫رام��ب��و‪ ،‬الشاعر االستثنائي ال��ذي كانت تجمعه مستويات داللية ورمزية أخ��رى‪ .‬يقول في نص‬ ‫عالقة ش��اذة وملتبسة بفرلين‪ ،‬انتهت بفراقهما «سآكل عشب مائدتي دون انتظار أحد»‪:‬‬ ‫بعد قيام فرلين بإطالق النار على رامبو‪ .‬بعد هذه‬

‫قبل أعوام شتوية‪ /‬كان أنيسي طائرا ال تجيء‬

‫الحادثة‪ ،‬وكما هو معروف‪ ،‬ستبدأ مرحلة جديدة رؤاه‪ /‬يمرق من بياضه إلى يدي‪ /‬فأجهش له كل‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪81‬‬


‫ليلة‪/:‬آنِسْ ني قليال‪ /‬تبسم معي‪ /‬ريشك السريرُ‪ /‬القارئ أفقا رحبا لخوض فتنة القراءة والتأويل‪.‬‬

‫وجلدك غطائي (ص ‪.)69‬‬

‫ف��ي ه���ذا ال��ن��ص يعيد ال��ش��اع��ر تشكيل رمز‬

‫«لقد جئتُ – أذكر‪ -‬وخطيئتي معا‪ /‬كطويتي‬ ‫مع العاصفة‪ /‬ألقيم على هذا الرمل الصموت‪/‬‬ ‫أعشاشا للضوء‪ /‬المعة كنجمات عطشى‪ /،‬جئت‬ ‫ك��ي أج��ف��ف‪ /‬تحت ه��ذه الشمس‪ /‬معاطف من‬ ‫ماتوا في القصائد غرقى‪ /‬وهم يحلمون بما يشبه‬ ‫األرض الطرية»‪( .‬ص ‪.)71‬‬

‫لم تعد موجودة‪ .‬وكما يقول باشالر فإن «كل أماكن‬

‫إن توظيف األسطورة الخطيئة األصلية التي‬ ‫حملها اإلنسان معه منذ بدء الخليقة‪ ،‬يكشف هنا‬ ‫عن بعض المناطق المعتمة في النفس البشرية‬ ‫مثل ذلك اإلحساس األبدي بالذنب‪ ،‬والذي يرافق‬ ‫ال��ك��ائ��ن ال��ب��ش��ري ف��ي ك��ل زم���ان وم��ك��ان‪ .‬وبذلك‬ ‫يصبح الوجود‪ ،‬في حد ذاته‪ ،‬تجربة أنطولوجية‬ ‫متواصلة ومُ��رة‪ ..‬للتكفير عن هذا الذنب‪ ،‬وذلك‬ ‫ببناء أعشاش مجازية للضوء تلمع مثل نجمات‬ ‫عطشى على حد تعبير الشاعر‪ .‬ويأخذ توظيف‬ ‫األس��ط��ورة ب��ع��داً آخ���ر‪ ،‬م��ن خ�لال االن��ف��ت��اح على‬ ‫الروافد البصرية خاصة السينما‪ .‬فاإلحالة على‬ ‫فيلمي «ماغْ نوليا» و«فورست غامب»‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫أنها تبرز الهاجس الجمالي والفني لدى الشاعر‬ ‫إلث��راء لغته الشعرية‪ ،‬والدفع بها نحو سياقات‬ ‫أخرى‪ ،‬فهي تسهم أيضا في إضاءة أبعاد أخرى‬ ‫من الرؤية االغترابية التي تخترق المجموعة من‬ ‫أولها إلى آخرها‪.‬‬

‫الطائر‪ ،‬ليصير ص��ورة غائمة تأتي متحدر ًة من‬

‫ماضيه الشخصي‪ ،‬أو بتعبير أدق من طفولته التي‬ ‫كانت تحفها الطيور والريح والحشائش؛ هكذا‬

‫تصبح ال��ذك��رى م��أوى بعيدا يلجأ إليه‪ ،‬إلنعاش‬ ‫عالقته بأمكنة تالشت في زحمة الزمن‪ ،‬أو ربما‬ ‫لحظات عزلتنا الماضية‪ ،‬واألماكن التي عانينا‬

‫فيها م��ن ال��وح��دة‪ ،‬وال��ت��ي استمتعنا بها ورغبنا‬ ‫فيها وتآلفنـا مع الوحدة فيها‪ ..‬تظل راسخة في‬ ‫داخلنا‪ ،‬ألننا نرغب في أن تبقى كذلك»(‪ .)4‬نقرأ‬

‫في النص ذاته‪:‬‬

‫ك��ان��ت رؤاه‪ /‬ال ت��ج��يء م��ع ال��ري��ح‪ /‬أو غبار‬

‫الذكرى‪/:‬ماذا أصنع بالريح‪ /‬وقد أفرغتُ جيوب‬

‫ال��ل��ي��ل‪ /‬م��ن الحشائش‪ /‬ودخ���ان الوشوشات؟‪/‬‬ ‫وم����اذا أص��ن��ع ب��ال��ذك��رى‪ /‬وق���د أض��ع��تُ اإلجابة‬

‫الوحيدة الممكنة‪/‬عن حرائق شبت‪ /‬في الربع‬ ‫الخالي من الذاكرة؟ (ص ‪.)70‬‬

‫إن الطائر يتحول هنا إلى ذلك المؤنس البائد‬

‫ال��ذي يقترن بالبحث عن تلك اإلجابة الوحيدة‬

‫والممكنة في أدغ��ال الربع الخالي من الذاكرة‬

‫التي أتت عليها الحرائق‪ .‬كأن أبعاد الزمن تنصهر‬ ‫ه��ن��ا ليتحول ال��ش��ع��ر ف��ي ض���وء ذل���ك إل���ى سَ فر‬ ‫متواصل في األقبية المعتمة والعميقة للذات‪،‬‬ ‫حيث تترجرج األمكنة والذكريات وال��وج��وه في‬ ‫صور يتسيد فيها الالوعي‪ ،‬وي ْأتَلـ ُق بكل عنفوانه‪.‬‬

‫وف��ي النص ذات��ه تطالعنا ص��ورة شعرية بديعة‬ ‫تضج بالدالالت الرمزية واإليحائية‪ ،‬وتفتح أمام‬

‫‪82‬‬

‫يقول الشاعر‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ففي نص «أمور تحدث كما في نهاية ماغنوليـا»‬ ‫يستوحي الشاعر األبعاد الحدادية والسوداوية‬ ‫ال��ت��ي ط��ب��ع��ت ال��ف��ي��ل��م ال���م���ذك���ور‪ ،‬خ��ص��وص��ا في‬ ‫مشهده األخير ال��ذي شكل صدمة جمالية غير‬ ‫متوقعة‪ ،‬حيث يبدأ المطر في السقوط بضفادع‬ ‫كبيرة تمأل المدينة عن آخرها في مشهد غريب‬


‫بكل التباساتها وتناقضاتها‪ .‬نقرأ في هذا النص‪ :‬والبعيدة‪ ،‬الخلفية التصويرية المستندة إلى لغة‬ ‫المطر ال يخصني وحدي‪ /،‬ال يخصنا جميعا الكاميرا‪ ،‬والتي تطبع العديد من صور ومشاهد‬ ‫كالثياب التي نلبسها‪ / .‬عندما ينفد كل مخزونه‪ /‬المجموعة‪ ،)..‬جعل الصورة الشعرية ‪ -‬بشكل‬

‫سيهطل بضفادع كبيرة‪( .‬ص‪.)41‬‬

‫أما في نص «الحشرات» فيستوحي الشاعر‬

‫بعض مشاهد فيلم «فورست غامب»‪ ،‬والتي يبدو‬

‫فيها البطل «الممثل طوم هانكس»‪ ،‬وهو يركض‬

‫أو بآخر ‪ -‬تكتسب خصائص وس��م��ات الصورة‬ ‫ال��س��ي��ن��م��ائ��ي��ة ب��ك��ل أل��ق��ه��ـ��ا وت��أث��ي��ره��ا السحري‬ ‫على المشاهد‪ .‬ك��ل ذل��ك ف��ي أف��ق تعميق البعد‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫وغامض‪ ،‬يجعلنا ربما نغير زوايا نظرنا إلى الحياة السينمائية (اللقطة بأبعادها القريبة والمتوسطة‬

‫األس���ط���وري ال��ح��اض��ر داخ����ل ال��ع��ال��م الشعري‬

‫ركضا يشير بشكل دال وعميق للجوانب األكثر للمجموعة‪ .‬وك��م��ث��ال على ذل���ك‪ ،‬ن��ق��رأ ف��ي نص‬ ‫إشكالية في الحياة؛ ذلك أن هذا الفيلم يسلط «هَ دْهدةُ اليقين الشفيف»‪:‬‬ ‫ال��ض��وء‪ ،‬بكثير م��ن العمق‪ ،‬على قضايا عميقة‬

‫ك��ان العشب بين األص��اب��ع‪ /‬أول م��ا استثار‬

‫ك���اإلرادة وال��ق��در وال��ح��ظ‪ ،‬وعالقتهما بالسلوك الصباح القديم‪ /:‬سحاب عالق بأعشاش الضوء‪.‬‬ ‫صدَفة لمعت‪/‬‬ ‫اإلنساني في مختلف تجلياته‪ .‬كما يبرز الفيلم منارةٌ‪ /‬تنحني لتدقق النظر في َ‬

‫القدرات المجهولة والهائلة التي يمتلكها الكائن بالخيال‪ .‬سفن تدور حول نفسها‪ /‬في ما يشبه‬

‫البشري‪ /‬البطل‪ ،‬للتغلب على مختلف الصعاب دوامة الليزر الصامت‪( ...‬ص ‪.)61‬‬ ‫واإلكراهات؛ فقط عليه أن يعود إلى ذاته ويغوص‬ ‫ختاما‪ ،‬ال نبالغ إذا قلنا إن ه��ذه المجموعة‬ ‫في أعماقها ومنعرجاتها‪ ،‬مستكشفا ببصيرته‬ ‫تمثل إحدى اإلضافات المميزة لرصيد التجربة‬ ‫ه���ذه ال���ق���درات‪ ،‬وم��وج��ه��ا ط��اق��ت��ه ال��خ�لاق��ة نحو‬ ‫الشعرية ال��ج��دي��دة ف��ي ال��م��غ��رب‪ ،‬بالنظر لعدة‬ ‫محاصرة الخراب والعنف‪ ،‬وزرع األضواء في كل‬ ‫اعتبارات أبرزها ‪ -‬في تقديرينا المتواضع ‪ -‬أنها‬ ‫مكان وزاوية من العالم‪ .‬يقول الشاعر‪:‬‬ ‫تندرج ضمن ذلك الحراك النسبي الذي يعرفه‬ ‫قد نفكر مثال أن نفتح ب��اب البرد‪ /‬ونركض الشعر المغربي المعاصر خالل السنوات األخيرة‪.‬‬

‫طويال ب�لا ت��وق��ف‪ /‬كما فعل المعتوه «فورست كما أنها تقدم أفقـا شعريا مهجوسا بالمغايرة إلى‬ ‫غامب» (ص ‪.)54‬‬ ‫حد كبير‪ ،‬ال يفتأ يغمر باألسئلة الجمالية والفنية‪،‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن توظيف بعض التقنيات بحثـا عن نص شعري مغاير ومتشعب الروافد‪.‬‬ ‫* ‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬

‫شاعر وكاتب من المغرب‬ ‫نجيب مبارك‪ :‬تركت األرض آلخرين‪ .‬منشورات اتحاد كتاب المغرب‪ .‬الرباط‪2006 .‬م‪ .‬ص‪.25:‬‬ ‫غاستون باشالر‪ :‬جماليات المكان‪ ،‬ترجمة غالب هلسا‪ .‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ .‬بيروت‪.‬‬ ‫الطبعة الرابعة‪1996 .‬م‪ .‬ص‪.42 :‬‬ ‫جلبير دوران‪ :‬األنثروبولوجيا‪ :‬رموزها‪ ،‬أساطيرها‪ ،‬أنساقها‪ .‬ترجمة مصباح سعد‪ .‬المؤسسة الجامعية للدراسات‬ ‫والنشر والتوزيع‪ .‬بيروت الطبعة الثانية ‪1993‬م‪ .‬ص‪ 105 :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫غاستون باشالر‪ :‬مصدر سابدق‪ ،‬ص‪.40 :‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪83‬‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬زغلول النجار‬

‫بيئة اجلوف اجليولوجية ال وجود لها في أغلب الدول‬ ‫العربية ومتتد إلى ما قبل (‪ 400‬مليون سنة)‬

‫متَك ّون اجلوف محمية للعصر الديفوني‬ ‫أطالب بإعالن ُ‬

‫مطلوب استغالل رمال اجلوف لتصنيع مادة السليكون‬ ‫> حاوره محمود عبدالله الرمحي ‪ -‬سكاكا‬

‫ولد في مصر عام ‪1933‬م‪ .‬تخرج من قسم الجيولوجيا من جامعة القاهرة عام ‪1955‬م‬ ‫مع مرتبة الشرف‪ ،‬وكُ رِّم بالحصول على جائزة الدكتور مصطفى بركة في علوم األرض‪.‬‬ ‫حصل على الدكتوراه من جامعة ويلز في بريطانيا عام ‪1963‬م‪ ،‬وأوص��ت الجامعة‬ ‫بتبادل رسالته مع جامعات العالم‪ ،‬ونشرها المتحف البريطاني في طبعة خاصة عام‬ ‫‪1966‬م‪ ...‬ومنحته جامعة ويلز زمالتها‪..‬‬ ‫عمل أستاذاً للجيولوجيا في جامعات تحرير عدد من أبرز المجالت والدوريات‬ ‫ع��رب��ي��ة وع��ال��م��ي��ة ع���دي���دة‪ ..‬م���ن أهمها‪ :‬العلمية التي تصدر في الواليات المتحدة‬ ‫جامعة عين شمس‪ ،‬وجامعة الملك سعود‪،‬‬ ‫وجامعة قطر‪ ،‬وجامعة الملك فهد للبترول‬ ‫وال��م��ع��ادن‪ ،‬وج��ام��ع��ة وي��ل��ز ف��ي بريطانيا‪،‬‬ ‫وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس‪..‬‬

‫وف��رن��س��ا وال��ه��ن��د وال��ع��ال��م ال��ع��رب��ي‪ ،‬زميل‬ ‫األك��ادي��م��ي��ة اإلس�لام��ي��ة ال��دول��ي��ة للعلوم‬ ‫وع��ض��و مجلس إدارت���ه���ا‪ ،‬وأح���د مؤسسي‬ ‫هيئة اإلعجاز العلمي للقرآن الكريم‪.‬‬

‫نشر ل��ه حتى اآلن أك��ث��ر (‪ )150‬بحثاً‬

‫ل���ه ب���رام���ج ت��ل��ف��ازي��ة وإذاع���ي���ة عديدة‬

‫وه����و ع��ض��و ف���ي ك��ث��ي��ر م���ن المحافل‬

‫المسلمين‪ ،‬خاصة قضية اإلعجاز العلمي‬

‫وعشرة كتب‪ ..‬وقد أش��رف على أكثر من (إسالمية وثقافية متنوعة)‪ .‬جاب أقطار‬ ‫خمسة وثالثين رسالة ماجستير ودكتوراه‪ .‬األرض م��ح��اض��را ع��ن اإلس��ل�ام وقضايا‬ ‫والجمعيات العلمية الدولية‪ ،‬وعضو مجلس في القرآن والسنة النبوية‪ ،‬امتدت من كندا‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫شماالً إلى أستراليا وجنوب أفريقيا جنوباً‪ ،‬ومن‬ ‫األمريكتين غربا إلى أواسط آسيا شرقا‪.‬‬ ‫وب��ن��اء على دع���وة م��ن ن���ادي ال��ج��وف األدبي‬ ‫ق��ام ب��زي��ارة لمنطقة الجوف ألقى خاللها عدة‬ ‫محاضرات‪ ..‬التقينا بفضيلته فكان لنا معه هذا‬ ‫الحوار‪..‬‬ ‫< تمتاز منطقة الجوف بتنوع مظاهر السطح‬ ‫ف��ي��ه��ا ب��ي��ن ه��ض��اب وت��ل�ال وج�����روف شديدة‬

‫ ‬

‫االنحدار‪ ،‬إضافة إلى العديد من المنخفضات‬ ‫ك��م��ن��خ��ف��ض ال����ج����وف ووادي ال���س���رح���ان‪،‬‬ ‫وال��س��ب��خ��ات كسبخة ح��ظ��وظ��ا ال��ت��ي تقرب‬ ‫مساحتها م��ن (‪ )75‬ك��م‪ 2‬والكثبان الرملية‬ ‫المختلفة األش��ك��ال وال��ح��ج��وم‪ .‬إض��اف��ة إلى‬

‫األودي��ة المتعددة فيها‪ .‬في رأيكم ما أهمية ‬ ‫هذا التنوع الجيولوجي في المنطقة؟‬ ‫> منطقة الجوف منطقة متميزة من الناحية‬

‫الجيولوجية تميزا واضحا للغاية‪ ،‬وأكثر ما ‬ ‫يميزها وجود الصخور التابعة ألحد العصور‬ ‫الجيولوجية النادرة في الوطن العربي‪ ،‬وهو‬ ‫العصر الديفوني ال��ذي يمتد ل���ـ‪ 400‬مليون‬ ‫س��ن��ة – ‪ 300‬م��ل��ي��ون س��ن��ة م���ض���ت‪ .‬وهذه‬ ‫الصخور ممثلة في منطقة الجوف وحدها‬

‫إضافة إلى منطقتين أخريتين ليستا بعيدتين‬ ‫عن ال��ج��وف‪ ،‬وهما الهوج وهضبة الطويل‪.‬‬

‫والعصر الديفوني يسمى عصر األسماك‪..‬‬ ‫لتميزه بانتشار األسماك فيه انتشارا واضحا‬ ‫ل��ل��غ��اي��ة‪ .‬وص��خ��وره ف��ي المنطقة ب��ه��ا بقايا‬ ‫أسماك‪ ،‬إضافة إلى بقايا الكثير من الكائنات‬ ‫التي عاشت في ذلك العصر‪ .‬وهذا الحوض‬ ‫يصل إلى شمالي قطر تقريبا‪.‬‬ ‫أما باقي أجزاء المملكة فال توجد فيها هذه‬ ‫ال��ص��خ��ور‪ ..‬وإذا وج���دت ف�لا وج���ود للحياة‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫أقول إن قطاع هذا المتكوَّن في الجوف وعلى‬ ‫قرب من دومة الجندل‪ ،‬ال بد أن يكون محمية‬ ‫طبيعية‪ ،‬حتى ال تهدده الزراعة أو المباني أو‬ ‫الطرق‪ ،‬بهدف المحافظة على بقايا العصر‬ ‫الديفوني في المنطقة‪ ..‬وقد طالبت بذلك‬ ‫ وما أزال أطالب ‪ -‬وزارة البترول والثروة‬‫المعدنية‪ ..‬في الوقت ال��ذي لم تكن هناك‬ ‫مساحة جيولوجية‪.‬‬

‫ه���ذا ال��ح��وض ال��م��ه��م ج���دا – ح���وض وادي ‬

‫وأؤك��د بأن هذا القطاع النادر في المنطقة‬

‫السرحان‪ -‬بيئة جيولوجية متميزة‪ ،‬تضم هذه‬

‫العربية كلها‪ ،‬والذي يمتد إلى بدايات العصر‬

‫الصخور القديمة في العمق‪ ،‬والتي ال وجود‬

‫الكربوني ‪ -‬وهي فترة زمنية طويلة تصل إلى‬

‫لها في أغلب الدول العربية‪ ..‬وتعد مدرسة‬

‫قرابة (‪ )100‬مليون سنة ‪ -‬وهو التمثيل الوحيد‬

‫لمن أراد أن يدرس هذا العصر‪.‬‬

‫الصخري لها الظاهر فوق سطح األرض في‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪85‬‬


‫منطقة الجوف‪ ...‬يجب المحافظة عليه‪.‬‬ ‫< ما أهمية الطبقات الجيولوجية في المنطقة‬

‫يحصل معها االنهيار‪ ،‬وذلك ما حصل تماما‬ ‫في منطقة بسيطا الزراعية‪.‬‬

‫بالنسبة للمياه فيها‪ ..‬وهل استنزاف المياه < رم�����ال ال���ن���ف���ود‪ ..‬إح�����دى م��ع��ال��م المنطقة‬ ‫بشكل موسع يؤثر على مستوى ال��م��اء في‬

‫ال��رئ��ي��س��ة‪ ..‬ف��ي رأي��ك��م‪ ،‬م��ا م���دى االستفادة‬

‫أح��واض��ه��ا‪ .‬وم��ا ه��ي ال��ع��وام��ل التي أدت إلى‬

‫الممكنة من هذا الكم الهائل من الرمال‪..‬‬

‫ب��ع��ض االن���ه���ي���ارات األرض����ي����ة ف���ي منطقة‬

‫خاصة وأن السليكون يعتبر م��ن مكوناتها‬

‫بسيطا؟‬

‫الرئيسة؟‬

‫> ف��ي المنطقة أك��ث��ر م��ن خ���زان للمياه تحت > تتكون الرمال من معدن المرو‪ .‬وه��و معدن‬ ‫مفتت على هيئة طبقات دقيقة‪ ،‬عبارة عن‬ ‫السطحية‪ ،‬وهذه الخزانات عبارة عن تتابعات‬ ‫من الصخور الرملية عالية المسامية‪ ،‬عالية‬ ‫النفاذية‪ ..‬وهي مثالية لخزن المياه‪ ،‬خاصة‬ ‫أن��ه��ا ت��وج��د بين طبقات مصمتة – بمعنى‬ ‫غير منفذة للماء‪ -‬كطبقات الطفل‪ .‬وتكمن‬ ‫المشكلة في عدم التعامل بمنهجية علمية مع‬ ‫المياه الجوفية‪ ..‬فالمبالغة في الضخ تدمر‬ ‫اآلب���ار‪ ،‬وال أق��ول إنها تدمر ال��خ��زان‪ ..‬فإذا‬ ‫سحبنا من البئر بمعدل أعلى من تدفق المياه‬ ‫إليه‪ ،‬تتكون حوله منطقة خالية من الماء‪،‬‬ ‫وعندها يحتاج إلى مئات السنين حتى يتصل‬ ‫الماء‪ .‬وقد يؤدي ذلك إلى الهبوط‪.‬‬ ‫ ‬

‫فالمياه الجوفية أو تحت السطحية‪ ،‬وبتعبير‬ ‫علمي أدق‪ ،‬م��وج��ودة ع��ل��ى خ��ط��وط شعرية‬

‫ثاني أكسيد السليكون‪ ،‬واختزاله إلى عنصر‬

‫ال��س��ل��ي��ك��ون ل��ي��س ع��م��ل��ي��ة م��ع��ق��دة‪ .‬ويشكل‬ ‫ال��س��ل��ي��ك��ون –اآلن‪ -‬ع��ص��ب ك��ل الصناعات‬ ‫الخاصة باالتصاالت‪ ..‬كالحواسيب وشفرات‬ ‫ال��ه��ات��ف ال��ج��وال – المحمول كما يسمونه‬ ‫أحيانا‪ -‬وهذه كلها تعتمد على مادة السليكون‪.‬‬ ‫فلو أننا شجعنا بعض مراكز البحث العلمي‬ ‫ف���ي ال��م��م��ل��ك��ة ع��ل��ى أخ���ذ ع��ي��ن��ات م���ن هذه‬ ‫الرمال‪ ..‬ودراسة أيسر الطرق الختزالها من‬ ‫ثاني أكسيد الكربون إلى السليكون نفسه‪..‬‬ ‫فعندها يمكن أن تقوم على ذلك صناعة من‬ ‫أهم الصناعات الرائجة والمطلوبة في زماننا‬ ‫هذا‪.‬‬

‫دقيقة‪ ..‬فإذا تعاملت معها بحكمة‪ ،‬تظل هذه < يركز أع��داء اإلس�لام وخصومه على قضايا‬ ‫معينة ي��ح��ارب��ون��ن��ا ب��ه��ا‪ ،‬وم��ن��ه��ا ع��ل��ى سبيل‬ ‫الخطوط متصلة‪ ..‬أما إذا سُ حبت بمعدالت‬ ‫عالية تستنزف هذه الخطوط‪ ..‬وإذا انقطع‬ ‫التواصل بينها‪ ،‬يحصل مخروط االنخفاض‬ ‫حول البئر – فالماء حول البئر ولكنه ال يصل‬

‫ال��م��ث��ال ال ال��ح��ص��ر ان��ت��ش��ار اإلس��ل��ام بحد‬

‫السيف وت��ع��دد ال���زوج���ات‪ ..‬إل���خ‪ .‬ب��م��اذا يرد‬ ‫عليهم أستاذنا الفاضل‪.‬‬

‫إليه ‪ -‬فإذا ما سحبنا الماء بمعدالت أعلى > قولهم بأن اإلسالم انتشر بحد السيف قول‬ ‫من معدالت التدفق إليه‪ ،‬ستوجد حالة فراغ‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ك��اذب وادع���اء ب��اط��ل‪ ..‬بالعكس‪ ..‬هم الذين‬


‫األم��م بالقوة العسكرية وحد‬

‫لمعادلة تلك النسبة‪ ،‬والمحافظة‬

‫ال���س���ي���ف‪ ..‬ك���م���ا ح���ص���ل في‬

‫على طهارة المجتمع‪ ،‬هو التعدد‪..‬‬

‫إفريقيا وجنوب شرقي آسيا‪..‬‬

‫ك��م��ا ج���اء ذل���ك ألس��ب��اب خاصة‬

‫ه��ذه ف��ري��ة أرادوا أن يتهموا‬

‫ك��ال��زوج��ة المريضة‪ ،‬أو الزوجة‬

‫اإلس��ل�ام ب��ه��ا ل��ي��داف��ع��وا عما‬

‫التي ال تنجب ولزوجها الرغبة‬

‫فعلوه هم أنفسهم‪..‬‬

‫في األطفال‪ ..‬فالتعدد يحفظها‬

‫خ���ذ ال��ف��ل��ب��ي��ن م���ث�ل�ا‪ ..‬كانت‬

‫ويحفظ لها ك��رام��ت��ه��ا‪ ،‬ب��دال من‬

‫مسلمة بأكملها‪ ،‬واعتنق أهلها‬ ‫اإلس��ل�ام ع��ن ط��ري��ق التجار‪،‬‬ ‫وذل�����ك م���ا ح��ص��ل أي���ض���ا في‬ ‫ان��دون��ي��س��ي��ا وم��ال��ي��زي��ا‪ ..‬ولما‬

‫ ‬

‫ ‬

‫رميها في الشارع‪ ..‬وإذا استخدم‬ ‫التعدد بضوابطه الشرعية فليس‬ ‫في ذلك شيء‪.‬‬ ‫ ‬

‫أما الذين يهاجمون التعدد‪..‬‬

‫دخلت أسبانيا الفلبين فرضت‬

‫فهم ال��ذي��ن يبيحون ال��زن��ا خارج‬

‫الكاثوليكية عليها بحد السيف‪،‬‬

‫دائرة الزواج‪ ،‬حتى المتزوج ‪ -‬في‬

‫وه���و م��ا فعلته أم��ري��ك��ا فيها‬

‫قوانينهم ‪ -‬له أن يعاشر أكثر من‬

‫عندما فرضت البروتستنتية‬

‫امرأة‪ ..‬في الوقت الذي يحرمون‬

‫عليهم بقوة السالح‪..‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ ‬

‫ف����رض����وا ال��م��س��ي��ح��ي��ة على‬

‫اإلناث إلى الذكور‪ .‬والحل الوحيد‬

‫فيه تعدد الزوجات‪..‬‬

‫أما اإلس�لام‪ ..‬فباعتراف المنصفين منهم‪ ،‬‬

‫إن ال����ذي أض���ر ب���أوروب���ا‪ ،‬وأدى إل���ى تحلل‬

‫ل��م يجبر مسيحيا أو ي��ه��ودي��ا واح����دا على‬

‫أخ�لاق��ه��ا وق��ي��م��ه��ا أن ال��م�لاي��ي��ن ه��ل��ك��وا في‬

‫دخول اإلس�لام‪ ،‬بل وُظِّ فت ك��وادر من اليهود‬

‫الحربين العالميتين األولى والثانية‪ ..‬فأكثر‬

‫والنصارى في ظل الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وفي‬

‫م��ن (‪ )22‬م��ل��ي��ون ش���اب ه��ل��ك��وا ف��ي الحرب‬

‫أعلى المناصب وإلى حد ال��وزارات‪ ..‬ولو أن‬

‫العالمية األولى‪ ،‬وأكثر من (‪ )55‬مليون شاب‬

‫اإلس�لام فُ��رض بحد السيف ‪ -‬كما يدعون‬

‫في الحرب العالمية الثانية‪ ..‬ما أخل بميزان‬

‫وي��ف��ت��رون‪ -‬لما بقي م��ن مجتمعات اليهود‬

‫ال��ذك��ور واإلن���اث في أوروب���ا‪ ،‬وأدى إل��ى هذه‬

‫والنصارى أحد إلى يومنا هذا‪..‬‬

‫الفوضى الجنسية التي يعلنوها وال يستحون‬

‫أما عن تعدد الزوجات في اإلسالم فهو شرع‬

‫منها هذه األيام‪..‬‬

‫الله‪ ،‬ورخصة منه عز وجل‪ ،‬وفرها ألسباب ‬

‫ت��ع��دد ال���زوج���ات ه��و ش���رع ال���ل���ه‪ ..‬والعاقل‬

‫عامة‪ ..‬كالحروب التي يقتل فيها العديد من‬

‫المبصر ي��رى ال��ف��ارق الكبير ما بين تشريع‬

‫الشباب والمتزوجين‪ ..‬فتختل معها نسبة‬

‫الله وتشريع البشر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪87‬‬


‫< يقول صلى الله عليه وسلم‪ :‬تركت فيكم ما‬

‫أوتيت القرآن ومثله معه‪..‬‬

‫إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي‪ .‬‬ ‫م��ا قولكم فيمن ي��أخ��ذون ب��ال��ق��رآن الكريم‬ ‫ويتركون السنة؟!‬ ‫> ه��ؤالء يسمون أنفسهم بالقرآنيين‪ ..‬وهذه‬ ‫الحركة بدأت في الهند بتخطيط حديث من‬ ‫المحتل البريطاني‪ ،‬كان الهدف منه تنصير‬ ‫الهند‪ ،‬ف��وج��دوا أن العقبة الكئود فيها هم‬ ‫المسلمون‪ ..‬أما بقية الديانات األخرى فكان‬ ‫م��ن السهل تنصيرها‪ .‬ف���أرادوا أن يفسدوا‬ ‫اإلسالم من داخله‪ ،‬فبدءوا بحركة األحمدية‪:‬‬ ‫حيث أتوا برجل اسمه غالم أحمد خان يؤمن‬ ‫بالقرآن الكريم وبالنبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬

‫واآلي�����ات ال��ق��رآن��ي��ة ص��ري��ح��ة وواض���ح���ة في‬ ‫األخذ بالسنة‪ ،‬يقول الله عز وجل في محكم‬ ‫كتابه‪(:‬وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم‬ ‫عنه فانتهوا)‪ .‬اآلية (‪ )7‬من سورة الحشر‪.‬‬ ‫< ه��ن��ال��ك ح��م��ل��ة م��س��ع��ورة م���ن ق��ب��ل الغرب‬ ‫للسخرية م��ن سيد البشرية ص��ل��وات الله‬ ‫وسالمه عليه‪ ،‬كما ح��دث في الدنمرك من‬ ‫رسوم وأف�لام إباحية‪ .‬ما سر تلك الحمالت‪.‬‬ ‫وه���ل ه��ي ح��م�لات ف��ردي��ة وح��ري��ة رأي كما‬ ‫ي��دع��ون‪ ،‬أم أن��ه��ا ب��رم��ج��ة غ��رب��ي��ة للنيل من‬ ‫اإلسالم والمسلمين؟‬

‫ولكنه يدعي أنه نبي جديد يتلقى الوحي‪ > ..‬أن���ا ال أت��ه��م ال���غ���رب ك���ك���ل‪ ..‬ف��ل��ي��س��وا كلهم‬ ‫شياطين‪ .‬لكن ما الحظته ‪ -‬وقد عشت في‬ ‫ويقول‪ :‬علينا بالقرآن‪ ،‬ما أحله أحللناه‪ ،‬وما‬ ‫حرمه حرمناه‪ .‬وإن ال��ق��رآن متواتر والسنة‬ ‫غير متواترة‪ .‬والقرآن دوِّن بأكمله‪ ،‬والسنة لم‬ ‫تدوَّن‪ ..‬كما أن السنة فيها الحسن والضعيف‬ ‫والموضوع‪..‬‬ ‫ ‬

‫دخلوا من هذا المدخل‪ ..‬مدخل المستشرقين‬ ‫ال���ذي���ن ت��ع��ل��م��وا ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬ودخ���ل���وا اإلس�ل�ام‬ ‫للتفتيش عن ثغرات يستخدمونها في الهجوم‬

‫عليه‪ ..‬وه��م ينشطون اآلن في بعض الدول ‬ ‫العربية‪ .‬وم��ن معجزات ال��رس��ول صلى الله‬ ‫عليه وسلم أنه تنبأ بذلك منذ ألف وأربعمائة‬ ‫عام‪ ،‬فقال صلوات الله وسالمه عليه‪ :‬سيأتي‬

‫‪88‬‬

‫الغرب سنوات طويلة ‪ -‬أن اليهود لهم تنظيم‬ ‫فائق الدقة في العالم الغربي‪ ..‬استطاعوا من‬

‫خالله أن يصلوا إل��ى وسائل اإلع�لام‪ ،‬وإلى‬ ‫رؤوس األموال‪ ،‬ويوظفون ذلك من أجل تشويه‬ ‫صورة اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وتخويف الغرب‬ ‫من أي صحوة إسالمية أو وح��دة إسالمية‬ ‫كخطر على الحضارة الغربية‪..‬‬ ‫وأقولها صراحة إننا قصرنا تقصيرا كبيرا في‬ ‫حسن التبليغ عن الله عز وجل‪ ،‬وعن رسوله‬ ‫الكريم صلى الله عليه وسلم‪ ..‬والله‪ ،‬إن في‬ ‫الغرب عقالء يبحثون عن الحق وضح النهار‪..‬‬

‫زمان يجلس فيه أحدكم شبعانا على أريكته‬

‫فلو استطعنا أن نحسن التعريف بهذا الدين‬

‫ي��ق��ول‪ :‬م��ا أح��ل��ه ال��ق��رآن أحللناه وم��ا حرمه‬

‫‪ -‬سواء أسلم الناس أم لم يسلموا‪ -‬الستطعنا‬

‫حرمناه‪ .‬أما السنة فال شأن لنا بها‪ ..‬أال إني‬

‫أن نحيد هذه الحملة القذرة تحييدا كامال‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫هم ليسوا أب��ري��اء من تلك الحملة‬ ‫ال���م���س���ع���ورة ك��م��ا ي���دع���ون بحرية‬ ‫ال��ت��ع��ب��ي��ر‪ ..‬أل���م ي��م��ن��ع��وا فيلما عن‬ ‫المسيح عليه السالم‪ ..‬ألم يمنعوا‬ ‫ت��ص��وي��ر ص���ور ع��ن��ه‪ ..‬ف��أي��ن حرية‬ ‫التعبير التي يدعونها‪ ..‬إنها حملة‬ ‫مدسوسة تماما‪.‬‬ ‫< قلتم وما زلتم تقولون بأن اإلعجاز‬ ‫العلمي للقرآن الكريم هو سالحنا‬ ‫الوحيد لغزو العقل الغربي‪ ..‬فكيف‬ ‫يكون ذلك‪ .‬؟‬ ‫> ال أقول السالح الوحيد‪ ،‬وإنما أحد األسلحة‬ ‫المهمة ف��ي ال��دع��وة إل��ى اإلس�ل�ام ف��ي هذا‬ ‫الزمن‪ ..‬زمن العلم والتقنية‪ ..‬زم ٌن فتح الله‬ ‫فيه على اإلن��س��ان م��ن مغاليق ال��ك��ون م��ا لم ‬ ‫يفتح عليه من قبل‪ ..‬أصبح الغربيون يطالبون‬

‫مع رئيس النادي األدبي بالجوف‬

‫وال��وح��دان��ي��ة‪ ..‬إل���خ‪ ،‬وب���اإلب���داع فيما خلق‪،‬‬ ‫وتشهد بقدرته ع��ز وج��ل على إف��ن��اء م��ا قد‬ ‫خلق‪ ،‬وإع��ادة بعثه من جديد‪ ..‬تبقى إضافة‬ ‫إل��ى ذل��ك كله خطابا أله��ل عصرنا باللغة‬ ‫الوحيدة التي يفهمونها‪..‬‬ ‫وإذا استطعنا أن نحمد الغربيين الحق العلمي‬ ‫في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‬

‫فيه بالدليل العلمي في كل قضية‪..‬‬

‫ألمكننا تحييد ه��ذه الحملة الشرسة ضد‬

‫ ‬

‫فلو قلت لهم أمنوا بالله لقالوا هات الدليل‬ ‫العلمي‪..‬‬

‫اإلس�لام والمسلمين في زمن قياسي‪ ..‬وقد‬

‫ ‬

‫ولو تحدثت عن البعث بعد الموت لقالوا هات‬ ‫الدليل العلمي‪..‬‬

‫ ‬

‫ولو حدثتهم عن الحساب يوم العرض األكبر‬ ‫لقالوا هات الدليل العلمي‪..‬‬

‫ ‬

‫والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكم الهائل‬ ‫من اآلي��ات القرآنية ‪ -‬أكثر من (‪ )1000‬آية‬ ‫اآلية (‪ )42‬من سورة الزمر‪.‬‬ ‫صريحة‪ ،‬باإلضافة إل��ى آي��ات كثيرة تقترب‬ ‫دالالت��ه��ا م��ن ال��ص��راح��ة – ل��غ��اي��ة‪ ،‬وإن كان < م��ا أهمية البحث ف��ي اإلع��ج��از العلمي في‬ ‫السنة النبوية الشريفة هذه األيام وقد بدأتم‬ ‫واضحا لنا من استقرائنا لها في زمن النزول‬ ‫أنها جاءت شهادة لله في األلوهية والربوبية‬ ‫بذلك؟‬

‫رأيت الكثير من علماء الغربيين قد أسلموا‬ ‫بآية قرآنية واح��دة‪ ..‬ألم يسلم آرثر أليسون‬ ‫ أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة لندن‬‫ باآلية القرآنية (الله يتوفى األنفس حين‬‫موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي‬ ‫قضى عليها الموت ويرسل األخرى إلى أجل‬

‫مسمى إن في ذل��ك آلي��ات لقوم يتفكرون)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪89‬‬


‫> ه��ن��اك هجمة ش��رس��ة على السنة حتى من‬ ‫بعض المسلمين‪ ..‬وال بد أن نؤكد للمسلمين‬ ‫جميعا أن لهذا ال��دي��ن مصدرين أساسيين‬ ‫هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‪..‬‬ ‫وأن السنة تفصل في الدين أمورا لم يأت بها‬

‫القرآن الكريم‪ ..‬فكيف أع��رف عدد ركعات‬

‫الصالة إذا لم آخ��ذ بالسنة وأطلع عليها‪..‬‬ ‫وكيف أعرف بعض قضايا الميرات التي لم‬

‫مع مفلح الكايد في مركز آل كايد الثقافي‬

‫ترد في القرآن الكريم‪..‬‬ ‫ ‬

‫األح��ادي��ث الشريفة تفصل اآلي����ات‪ ..‬وتعد‬ ‫م��ذك��رة تفسيرية للقرآن ال��ك��ري��م‪ ..‬فالسنة‬ ‫مهمة ج��دا كما ه��و ال��ق��رآن ال��ك��ري��م‪ ..‬فإذا‬

‫ألغينا الحديث فكأننا ألغينا اإلسالم حقيقة‪..‬‬

‫واهتمامي بإعجاز السنة جاء من رغبتي أن‬ ‫أثبت للناس جميعا ‪-‬مسلمين وغير مسلمين‪-‬‬

‫بأن السنة مهمة كما أن القرآن الكريم مهم‪..‬‬

‫في إحدى لقاءاته التلفزيونية‬

‫صحيح أنها تأتي في المقام الثاني بعد القرآن‬

‫الشر في العالم‪ ..‬وعلى كل مسلم أن يدرك‬

‫الكريم‪ ..‬لكنها وحي كما هو القرآن وحي‪..‬‬

‫حجم هذه الهجمة‪ ..‬فيبذل شيئا من جهده‬

‫القرآن وحي بلغة رب العالمين‪ ،‬والسنة وحي‬

‫لمقاومتها بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة‬

‫مصاغة بلغة سيد المرسلين محمد صلوات‬

‫والمنطق السوي‪ ،‬انطالقا من إيماننا باألخوة‬

‫الله وسالمه عليه‪.‬‬

‫اإلنسانية‪ ،‬وإيماننا بأن األصل في اإلنسان‬

‫< ه��ل م��ن كلمة توجهونها لمنطقة الجوف‬ ‫ومتلقي الجوبه الثقافية في كل مكان؟‬ ‫> أق���ول أله��ل ال��ج��وف ب��أن منطقتكم منطقة‬

‫كالسيكية مهمة جيولوجيا‪ ،‬يجب المحافظة‬

‫‪90‬‬

‫ ‬

‫وم��ن تجربتي ال��م��ح��دودة أق����ول‪ ..‬وال��ل��ه ما‬ ‫عُرض اإلسالم على عاقل ‪ -‬في زماننا هذا‪-‬‬

‫باللغة التي يفهمها ورفضه أبدا‪ ..‬لذا أوصي‬

‫عليها‪ ،‬واالهتمام بدراستها‪ ،‬وجعلها مدرسة‬

‫نفسي وإخ��وان��ي وأخ��وات��ي من ق��راء الجوبة‬

‫الديفوني والعصر الكربوني‪.‬‬

‫الطيبة التي أ ُ​ُمرنا بها حتى نكسب أنصارا‬

‫أما قارئي الجوبه ‪ -‬في كل مكان ‪ -‬أقول لهم‬

‫ل���ه‪ ،‬ألن ال��م��ؤام��رة ع��ل��ى اإلس��ل�ام أك��ب��ر من‬

‫للذين يريدون أن يتعلموا شيئا عن العصر‬

‫ ‬

‫هو الخير‪ ..‬وأن الشر حالة عارضة‪.‬‬

‫بأن اإلسالم يتعرض لهجمة شرسة من كل قوى‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫باالهتمام بالدعوة إلى هذا الدين‪ ..‬باللغة‬

‫حجمنا جميعا‪..‬‬


‫الفلسطيني محمد حلمي الريشة‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫حوار مع الشاعر واملترجم والكاتب‬

‫> أجرى احلوار‪ /‬أحمد الدمناتي*‬

‫هو حوار عميق ومثير مع صاحب القصيدة في سفرها األبدي ألكثر من‬ ‫أربعة عقود‪ ،‬تنفس اللغة‪ ،‬وش��رب ماء المتخيل حين أحس بالعطش في‬ ‫فلوات الكتابة‪ ،‬حوار يتكلم عن أسراره بنفسه فقط من دون مقدمات‪.‬‬ ‫يابس‬ ‫ٍ‬ ‫ضباب‬ ‫ٍ‬ ‫عالية من‬ ‫ٌ‬ ‫نوافذ‬ ‫ُ‬ ‫< ما هو الباب الذي تفتحه القصيدة لك‬ ‫سريعً ا عند لقائك بها في مُ نحدر اللغة؛‬ ‫باب الطفولة‪ ،‬باب الحنين‪ ،‬باب الحب‪،‬‬ ‫باب النسيان‪ ،‬باب المرأة‪ ،‬باب المكان‪،‬‬ ‫باب األم‪ ،‬باب الدهشة‪ ،‬باب الذكرى‪ ،‬باب‬ ‫الوجع‪ ،‬باب األمل‪ ..‬وللشاعر في أبوابه‬ ‫أسرار وألغاز؟‬

‫والدَّ هشةِ والمتعةِ و‪ ، ..‬التي يجبُ أَن‬ ‫ِحساسكَ‬ ‫ِ‬ ‫تح ِّققَها القصيدةُ‪ ،‬وصوالً إِلى إ‬ ‫��وف على حافَّةِ‬ ‫بالشِّ عرِ أَ َّن��� ُه «مث ُل ال��وق ِ‬ ‫بحيرةٍ يغمرُكَ عندَها نو ُر القمرِ طوا َل‬ ‫الوقت»‪ ،‬كما أَحسَّ ُه (كولينز)‪.‬‬ ‫ِ‬

‫يف‬ ‫الض ُ‬ ‫القصيدةُ َّ‬

‫< م��ن المحو نكتشف مجهول الكتابة‪،‬‬ ‫وعمق المخاطرة مع ضيافة القصيدة‪،‬‬ ‫ > أَ َّوالً‪ :‬ليتَ ُه منح َدرٌ‪ ،‬بل ه َو صعو ٌد (« َك َأ َّنمَا‬ ‫م���ن ال�����ذي ي���ك���ون ض��ي��فً ��ا ع��ل��ى اآلخ���ر‬ ‫ي ََّص َّع ُد فِ ي السَّ مَاءِ »‪ -‬القرآ ُن الكريمُ)‪.‬‬ ‫ال��ق��ص��ي��دة أم ال��ش��اع��ر؟ أم ك�لاه��م��ا في‬ ‫ضيافة متعة تفتك بتكهنات عرّافة؟‬ ‫باب محدَّ ٍد‪ ،‬ألَنَّ القصيدةَ‬ ‫ ثانيًا‪ :‬ما من ٍ‬ ‫ال أَبوابَ لها‪ ،‬بل توجَ ُد نواف ُذ عالي ٌة ذاتُ > هيَ مَن تأْتِي لِتحلَّ ضيف ًة على الشَّ اعرِ ‪،‬‬ ‫يابس‪ ،‬والشَّ اع ُر في‬ ‫ضباب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِطارات من‬ ‫ٍ‬ ‫إ‬ ‫وعليهِ أَن يكو َن ح��اض��رًا وج��اه��زًا لها‪،‬‬ ‫ُرفة محاطً ا بجُ درانِ الوَحدةِ‪ ،‬والعزلةِ ‪،‬‬ ‫غ ٍ‬ ‫ألَنَّها ال تحبُّ أَن تحض َر دو َن أَن يكو َن‬ ‫واليأ ِْس‪.‬‬ ‫ش��اع�� ُره��ا ف��ي اسْ ��ت��ق��ب��الِ��ه��ا‪ ،‬وع��ل��ي��هِ أَن‬ ‫ ‬

‫ِإ َّن���� ُه يُ��ري�� ُد أَن يطي َر خ��ارجَ ��ه��ا‪ ،‬تحمل ُه‬ ‫جوان ُح قصيدتِه نح َو آفاقِ الحبِّ والفرحِ‬

‫يُحس َن اسْ تقبالَها‪ ،‬ويُتقِ َن ضيافتَها كي‬ ‫تقب َل المكوثَ ‪ .‬بع َد هذَا‪ ،‬يتماهيانِ معًا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪91‬‬


‫اش��ع��ورِ ‪ /‬وال�ل�اَّ وع���ي‪ ،‬حتَّى‬ ‫ف��ي ح��ال ٍ��ة م�� َن ال�ل َّ‬ ‫ي َِصال ِإل��ى س��ؤالِ الشَّ اعرِ (وليم بتلر ييتس)‬ ‫َّقص م َن‬ ‫ف الر َ‬ ‫«كيف نعرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُدهش‪ /‬المُذهلِ ‪:‬‬ ‫الم ِ‬ ‫َّاقص؟!»‬ ‫الر ِ‬

‫البياض‬ ‫ِ‬ ‫مساحة‬ ‫ِ‬ ‫تشاسعُ‬ ‫< ل��ل��ق��ص��ي��دة م��آزق��ه��ا وم��ك��ائ��ده��ا ومضائقها‬ ‫أيضا‪ ،‬هل يستطيع الشاعر النجاة‬ ‫وكمائنها ً‬ ‫من هذه المكائد والكمائن دائمً ا؟‬ ‫هذا وهو في حالتِه تلكَ ؟‬

‫ > ال يُمكِ ن أَن ينج َح الشَّ اع ُر بعبورِ ها في ك ِّل‬ ‫قصيدةٍ ‪ ،‬بل وفي أَيَّةِ قصيدةٍ ‪ ،‬ألَنَّ الشِّ ع َر َ‬ ‫بالقارئ وجعل َ ُه في المسافةِ بين القلمِ‬ ‫ِ‬ ‫صعبٌ ِإذَا ف َّك َر‬ ‫��رس» كما قا َل الفرزدقُ)‪،‬‬ ‫(«أَعس ُر من قلعِ ِض ٍ‬ ‫مرشدَها وكاتبَها‬ ‫والورقةِ ‪ ،‬فإِنَّ القارئَ سيكو ُن ِ‬ ‫وصهوتُه تعل ُو أَكث َر فأَكث َر كلَّما انتَهى الشَّ اع ُر‬ ‫فكيف إِذا ف َّك َر الشَّ اع ُر‬ ‫َ‬ ‫أَكث َر من الشَّ اعرِ ذاتِه‪،‬‬ ‫الصعوب ُة كلَّما وج َد‬ ‫جديد‪ ،‬وت��زدا ُد ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫نص‬ ‫من ٍّ‬ ‫فكيف تكو ُن‬ ‫َ‬ ‫قارئ‪ ،‬وأَكث َر من مُتلقٍّ ‪،‬‬ ‫بأَكث َر من ٍ‬ ‫البياض تتشاس ُع في دواخلِه كما ه َو‬ ‫ِ‬ ‫مساح َة‬ ‫والمفترض اإلِبداعيُّ ه َو‬ ‫ُ‬ ‫قصيدةَ شاعرِ ها؟!‬ ‫الصفحةِ ‪ ،‬فينتابُه األَسى‬ ‫��اض َّ‬ ‫ال��ح��ا ُل ف��ي ب��ي ِ‬ ‫في أَن يكونَها؛ هي من ُه وهو مِ نها‪.‬‬ ‫ُنج ْز شيئًا بعدُ‪.‬‬ ‫ال��ع��ار ُم ألَ َّن��� ُه يشع ُر أَ َّن��� ُه ل�� ْم ي ِ‬ ‫عم ُل الشَّ اعرِ هُنا أَن يحاو َل تذلي َل ما استطا َع هذه هي إِشكال َّي ٌة قديمةٌ‪ -‬جديدةٌ؛ أَن يكو َن‬ ‫الشَّ اع ُر ص��وتَ اآلخ��رِ كما يُ��را ُد ل��هُ‪ ،‬ال صوتَه‬ ‫مِ نها‪ /‬إِليها سبيالً‪ ،‬ألَنَّها من طبيعةِ القصيد ِة‬ ‫ه��وَ‪ .‬هنا يَنتفِ ي التَّف ُّر ُد الشَّ خصيُّ ‪ ،‬واإلِبدا ُع‬ ‫نهر‬ ‫ليس اسْ تقام َة ٍ‬ ‫َ‬ ‫ومكوَّناتِها‪ ،‬وألَنَّ الشِّ ع َر‬ ‫ُفاجئًا‪،‬‬ ‫الذَّ اتيُّ الذي يجبُ أَن يَخر َج مُدهِ شً ا‪ ،‬وم ِ‬ ‫طير يطي ُر‬ ‫ضحلِ ال��م��اءِ ‪ ،‬فيهِ السِّ باح ُة مث َل ٍ‬ ‫ناقد‪،‬‬ ‫قارئ‪ ،‬أَو ٍ‬ ‫ال أَن يكو َن مُتو َّقعًا من متلقٍّ ‪ ،‬أَو ٍ‬ ‫في فضائِه‪ ،‬بلِ الشِّ عرُ‪ /‬القصيدةُ مجهوالتٌ‬ ‫أَو أَيِّ مهت ٍّم بالشِّ عرِ ‪.‬‬ ‫تتوَالى فجائ َّيةً‪ ،‬تتَّس ُع وتضيقُ‪ ،‬تعل ُو وتهبطُ ‪،‬‬ ‫لحظة وأ ُخرى‪ ،‬تكت ُم‬ ‫ٍ‬ ‫تكو ُن أ ُفق َّي ًة وعمود َّي ًة بين‬ ‫عر‬ ‫الش ِ‬ ‫اللُّغةُ في ِّ‬ ‫القلب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫��ات‬ ‫��اس‪ ،‬وت��زي�� ُد م��ن ِإي��ق��اعِ ض��رب ِ‬ ‫األَن��ف َ‬ ‫��وت الستخراجِ < ق��ص��ي��دة ال��ت��ف��اص��ي��ل أو االح��ت��ف��ال باليومي‬ ‫ك�� َأ َّن��ه��ا ال�� ُّدخ��و ُل ف��ي رح���مِ ال��م ِ‬ ‫وال��م��ع��ي��ش ف��ي ج��غ��راف��ي��ات ال��م��ت��ن الشعري‬ ‫شهاد ِة وِ الدةٍ ‪.‬‬ ‫المغربي المعاصر‪ ،‬هل أعطته بُعْ دً ا جمال ّيًا‬ ‫له هذا؟‬ ‫َأنَّى ُ‬ ‫آخر ِخصبًا وخالقً ا في ٍآن؟‬ ‫< القصيدة رسالة مفتوحة للعالم‪ ،‬وأنت تكتب‬ ‫هل تُفكر في القارئ؟‬ ‫> ألَنَّ القصيدةَ كما وصفتَها أَنتَ ‪ ،‬وألَنَّ الشَّ اع َر‬ ‫مجهولة وبال‬ ‫ٍ‬ ‫آن���ا َء كتابتِها ي��ك��و ُن ف��ي ع��وال�� َم‬ ‫بالقارئ‪ ،‬وأَنَّى ل ُه‬ ‫ِ‬ ‫وعيهِ ‪ ،‬ف ِإنَّه بال َّتأْكيدِ ال يف ِّك ُر‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫> ه�����ذ ِه ال���ق���ص���ي���دةُ ت����راوح����تْ ب���ي��� َن الشِّ عريِّ‬ ‫وال�ل�اَّ ش���ع���ريِّ ؛ ث��مَّ��ة مَ���ن ك��ت�� َب��ه��ا ب��لُ��غ��ةِ الشِّ عرِ‬ ‫نعرف‪ ،‬وآخ��رو َن ك َأنَّها نسخٌ‪ ،‬أَو تصوي ٌر‬ ‫ُ‬ ‫التي‬ ‫بكلمات‪ ،‬معتمدًا على حاسَّ ةِ‬ ‫ٍ‬ ‫(ف��وت��غ��راف��يٌّ )‬ ‫الرُّؤيةِ فقط‪ ،‬لذَا جاءتْ كالمًا عاد ّيًا‪ ،‬مباشَ رًا‪،‬‬


‫ ‬

‫تدوين للمشاعرِ ‪ ،‬وهذا ال‬ ‫ٍ‬ ‫أَحيانًا تجدُها مج َّر َد‬ ‫«ليس مسأَل َة ‬ ‫َ‬ ‫َيضا‪ ،‬صف َة الشِّ عرِ ‪ ،‬ألَ َّن ُه‬ ‫يُعطيها‪ ،‬أ ً‬ ‫لغة‪ .‬الشِّ ع ُر لغ ٌة تخل ُق‬ ‫مشاعر‪ ،‬بل ه َو مسأَل ُة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫المشاعرَ» (أَمبرتو إِيكو)‪.‬‬

‫ ‬

‫ِإذًا‪ ،‬ال��لُّ��غ�� ُة ال��شِّ ��ع��ر َّي�� ُة ي��ج��بُ أَ ْن ال تُ��ن�� َف��ى م َن‬ ‫القصيد ِة مهمَا كانت موضوع ُة القصيدةِ‪ ،‬وإ َّال‬ ‫ما الفار ُق الجوهريُّ بينَها وغيرِ ها من فنونِ‬ ‫ال��ك��ت��اب��ةِ ؟! ك��ذل��كَ ال��ح��الُ‪ /‬ال��ف��ار ُق بي َن كتابةِ‬ ‫الشِّ عرِ ونظمِ ه‪.‬‬

‫ ‬

‫تجدُني‪ ،‬هنَا‪ ،‬أ ُر ِّك ُز على اللُّغةِ في الشِّ عرِ ‪ ،‬ألَنَّ‬ ‫«الشِّ ع َر لغ ٌة في أَزهَ ى صورِ ها‪ .‬الشِّ ع ُر حليبُ‬ ‫نهدِ اللُّغةِ » (روبرت كراوفورد)‪.‬‬

‫نسان‬ ‫ِ‬ ‫نسان إِ لى اإلِ‬ ‫ِ‬ ‫رسالة من اإلِ‬ ‫ٌ‬

‫لهذَا؛ أَرى أَنَّ حرك َة الشِّ عرِ في الخليجِ (نقو ُل‬ ‫مفصول ًة عن حركةِ‬ ‫ُ‬ ‫الخلي َج م��ج��ازًا)‪ ،‬لَيستْ‬ ‫الشِّ عرِ العربيِّ في مَغربِه ومَشرقِ ه‪ ،‬وبالتَّالي‬ ‫عن حركةِ الشِّ عرِ العالميِّ أَ َّوالً‪ ،‬وثانيًا رأَيتُ ‪،‬‬ ‫وأَرى‪ ،‬أَنَّ هذ ِه الحركةَ‪ ،‬قَوالً وفِ عالً‪ ،‬قد تطوَّرتْ‬ ‫حداث ًة بما يتساو ُق والحرك ُة الشِّ عر َّي ُة العالم َّيةُ‪،‬‬ ‫ض���رورة التَّجديدِ النَّابعِ من كتابةِ‬ ‫من حيثُ َ‬ ‫ات م�� َن ال��دَّ اخ��لِ ‪ ،‬وكتابةِ الخارجِ ‪،‬‬ ‫ات ب��ال��ذَّ ِ‬ ‫ال���ذَّ ِ‬ ‫نفسها‪ ،‬تحقيقًا لمقولةِ‬ ‫ات ِ‬ ‫��ض��ا‪ ،‬م��ن ال����ذَّ ِ‬ ‫أَي ً‬ ‫(تشيسالف مييوش)‪« :‬الشِّ ع ُر قِ سم ٌة بي َن ما‬ ‫أَنتَ تعرِ ف ُه وما أَنتَ ِإيَّاهُ»‪ ،‬ألَنَّ هذ ِه الكتاب َة هيَ‬ ‫وصوالً إِلى أَح ِّقيَّةِ‬ ‫األَصد ُق واألَجم ُل واألَنقى‪ُ ،‬‬ ‫الحقيقةِ العادلةِ الجميلةِ ‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫سرد‪ ،‬ال يفت ُح‬ ‫مخ ِبرًا‪ ،‬وهذا ما يجعل ُها مج َّر َد ٍ‬ ‫ُفق لل َّتأْويلِ ‪ ،‬ألَنَّها ال تفع ُل أَكث َر من أَن تُعِ ي ُد‬ ‫أَيَّ أ ٍ‬ ‫لكَ ما رأْت ُه عينٌ‪ ،‬وسجَّ لت ُه ي ٌد على الورقِ ‪.‬‬

‫َضا ُمنِيٍّ عَ الِي الْقِ يمَةِ ‪ ،‬بِطَ رِ يق ٍَة تَمْزِ ُج‬ ‫َاخلِيٍّ ت َ‬ ‫د ِ‬ ‫ْضوعِ يِّ ‪ ،‬وَالشُّ مُولِيِّ ‪ ،‬أَ ْكثَ َر مِ ْن‬ ‫بَيْ َن الذَّ اتِيِّ ‪ ،‬وَال َمو ُ‬ ‫ِصادِ يَّةِ ‪ ،‬عَ ل َى أَهَ مِ يَّةِ‬ ‫َات اال ْقت َ‬ ‫َات ال ُمنْتَ َدي ِ‬ ‫ُك ِّل َقرَار ِ‬ ‫وص َّي ِتهَا»‪.‬‬ ‫ص ِ‬ ‫َّاهنَةِ وَخُ ُ‬ ‫ِصادِ يَّةِ الر ِ‬ ‫اللَّحْ ظَ ةِ اال ْقت َ‬

‫موصولة ومستقل ٌَّة بذاتِ ها في ٍآن‬ ‫ٌ‬ ‫شجرةٌ‬

‫ < ح��رك��ة ال��ش��ع��ر ال��ع��رب��ي ف��ي ال��خ��ل��ي��ج‪ ،‬ه��ل هي‬ ‫ام���ت���داد ل��ل��ح��رك��ات ال��ش��ع��ري��ة ال��ع��ال��م��ي��ة بما < قصيدة النثر قصيدة مشاكسة ومشاغبة‪،‬‬ ‫فيها المشرقية والمغربية وغيرها‪ ،‬أم نحتت‬ ‫سببت ف��ي ح���روب إب��داع��ي��ة جميلة متعددة‪،‬‬ ‫ل��ن��ف��س��ه��ا خ��ري��ط��ة ش��ع��ري��ة م��غ��اي��رة احتفت‬ ‫بين م��ا ه��و مناصر وم��ع��ارض ومتفرج‪ ،‬كيف‬ ‫بالعالم الجواني للذات الشاعرة ومعطيات‬ ‫تنظرون لهذه الحروب اإلبداعية الفاتنة بين‬ ‫الخارج؟‬ ‫إثبات الشرعية وجدل األسئلة غالبًا ما يُتخذ‬ ‫كتاب س��وزان برنار (قصيدة النثر من بودلير‬ ‫> ال يَنتمِ ي الشِّ ع ُر (وال يَقبلُ)‪ ،‬وك��اف َُّ��ة الفُنونِ‬ ‫إلى اآلن) كمرجع ثابت مقدس‪ ،‬أال ترى بأن‬ ‫اإلِبداعيَّةِ ‪ ،‬إِلى جَ غرافيَا‪ ،‬أَو ِجنسي ٍَّة‪ ،‬أَو َقبَلي ٍَّة‪..‬‬ ‫المهم ه��و البحث ع��ن خصوصيات قصيدة‬ ‫ال��خ‪ ،‬ألَنَّ�� ُه رِ س��ال�� ٌة م�� َن الشَّ اعرِ ا ِإلن��س��انِ (دو َن‬ ‫النثر العربية وآفاق اشتغالها‪ ،‬ورؤيتها للذات‬ ‫ومكان) إِلى اإلِنسانِ في ك ِّل العالَمِ ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫زمان‬ ‫ٍ‬ ‫واإلن��س��ان والعالم‪ ،‬أي في عالقتها بالعوالم‬ ‫ُحاضرةٍ عنوانُها‬ ‫دراسة‪ /‬م َ‬ ‫ٍ‬ ‫ لقد كنتُ كتبتُ في‬ ‫ال��ج��وان��ي��ة ل��ل��م��ب��دع‪ ،‬وس���ر ان��ت��ش��اره��ا السريع‬ ‫َصفِ هِ‬ ‫الحضارات»‪« :‬الشِّ ْع ُر ِبو ْ‬ ‫ِ‬ ‫لحوار بي َن‬ ‫ٍ‬ ‫«الشِّ ع ُر‬ ‫والفادح؟‬ ‫رِ سَ الَ ًة َك ْو ِن َّي ًة تُ َؤ ِّك ُد عَ ل َى اللَّ ْهفَةِ الشَّ امِ ل َةِ ‪َ ،‬وتُسَ هِ ُم‬ ‫َات > أَبدأ ُ من االسمِ الذي أ ُط ِل َق عل َيها وه َو «قصيدةُ‬ ‫ِصالِحِ تَشَ ابُك ِ‬ ‫َاصلِ الْعَالَمِ يِّ ل َ‬ ‫فِ ي ِصيَاغَ ةِ ال َّتو ُ‬ ‫النَّثرِ »‪ ،‬والحقيق ُة التي رَآها صديقي الشَّ اع ُر‬ ‫اللَّحْ ظَ ةِ ‪َ ،‬فق َِصي َدةٌ لِشَ اعِ ٍر مِ �� ْن أَيِّ جُ ��زْءٍ فِ ي‬ ‫وال��� َّن���اق��� ُد ش��رب��ل داغ����ر (ال�����ذي ق�����دَّ َم كتابَنا‬ ‫الْ��كَ��وْنِ ‪ ،‬تُ��حَ ��رِّكُ مَشَ اعِ َر الْبَشَ رِ ك َِجسْ رِ ِحو ٍَار‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪93‬‬


‫«ا ِإلش���راق��� ُة ال��مُ��ج�� َّن��حَ ��ة»)‪ ،‬إنَّ‬ ‫ترجم َة االس��مِ عن الفرنسيَّةِ ‪،‬‬ ‫باعتبارِ مَصدرِ ها هناكَ ‪ ،‬هو‬ ‫«القصيدةُ بالنَّثرِ »‪ .‬لقد قرأْتُ‬ ‫��االت التي‬ ‫ال��ك��ث��ي�� َر ع��ن ال��سِّ ��ج ِ‬ ‫دارتْ ب��ي�� َن ال��شُّ ��ع��راءِ وال ُّنقَّادِ‬ ‫وغيرِ هم‪ ،‬و ِإ ْن أ ُلخِّ صها‪ ،‬ف ِإنَّني‬ ‫�ل�اف على‬ ‫أُل��خِّ ��ص��ه��ا ب���االخ���ت ِ‬ ‫التَّسميةِ ‪ /‬المصطلحِ ‪.‬‬

‫َّات‬ ‫وقصيد ِة التَّفعيلةِ في األَربعيني ِ‬ ‫(ربَّما قَبل) م َن القرنِ العِ شرين‪.‬‬ ‫ِإذًا هيَ ليستْ نسي ُج نَف ِْسها‪ ،‬ب ْل‬ ‫ه���يَ تَ���ح��� ُّررٌ‪ /‬ت��ط�� ُّو ٌر طبيعيٌّ كما‬ ‫كائن حيٍّ ‪.‬‬ ‫يحدثُ ألَيِّ ٍ‬ ‫ِإنَّني ال أَعتق ُد أَنَّ القصيدةَ‬ ‫ ‬ ‫بالنَّثرِ هي نبت ُة ظلٍّ ‪ ،‬بل هيَ شجرةٌ‬ ‫موصول ٌة ومستقلَّ ٌة بذاتِها في ٍآن‪،‬‬ ‫نبتتْ م��ن ب���ذر ِة ت��ج��دي ٍ��د إِيقاعيٍّ‬ ‫��داع؛ أَيْ أَنَّها ال تعتم ُد‬ ‫وحداثةِ ِإب ٍ‬ ‫على بحورِ الشِّ عرِ ؛ عرب َّي ًة كانت أَ ْم‬ ‫غرب َّيةً‪ ،‬بل تعتم ُد أَ َّوالً على إِيقاعِ‬ ‫اللُّغةِ ‪ ،‬وم��ا ن��راهُ من الك ِّم الكبيرِ‬ ‫م�� َن استسهالِها ل���دَى الكثيرينَ‪،‬‬ ‫خصوصا في المواقعِ اإلِلكترونيَّةِ ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫��ط ب��ي��نَ��ه��ا وب��ي�� َن الخاطر ِة‬ ‫وال��خ��ل ِ‬ ‫بسبب عدمِ وجودِ‬ ‫ِ‬ ‫النَّثريَّةِ مثالً‪ ،‬هو‬ ‫َصيلة ل��دَى كاتبِها يُدرِ كُ‬ ‫موهبة أ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بها اإلِيقا َع اللُّغويَّ الَّذي هو بنيتُها‬ ‫الحواس‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األُولى‪ ،‬إِضاف ًة إِلى أَنَّ لُغتَها هي لغ ُة‬ ‫ال الوصفُ المباشَ ُر الحكائيُّ ‪ ،‬ك َ��أنَّ الشَّ اع َر‬ ‫تصوير بدالً‬ ‫ٍ‬ ‫الَّذي ال يُدرِ كُ ماهيَّتها يمسكُ آل َة‬ ‫وليس قلمًا‪ .‬هذا‬ ‫َ‬ ‫ريشة‪ ،‬وأَعني ريش ًة فعالً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫بحاجة‬ ‫ٍ‬ ‫مختص ٌر سريعٌ‪ ،‬ألَنَّ السُّ ؤالَ‪ /‬الموضو َع‬ ‫بكثير‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إِلى أَكثر م ْن هذا‬

‫ ‬

‫أَل����� ْم تَ���نْ���ت���هِ ت��ل��كَ السِّ جاالتُ‬ ‫(ال���خ���ص���وم���اتُ ‪/‬ال��� َّت���اف���راتُ ‪/‬‬ ‫ال�� َّت��ق��ارب��اتُ ‪ /‬التَّباعداتُ ‪)../‬‬ ‫ب���ع���دُ‪ ،‬ح��تَّ��ى وإِن ه���يَ أَنيق ٌة‬ ‫َّات تُظهِ ُر‬ ‫ك��مَ��ا ت��ص��ف�� ُه��ا؟ م�����ر ٍ‬ ‫هالة من‬ ‫األَناق ُة شراستَها مع ٍ‬ ‫الكبرياءِ ‪ ،‬فَتسُ وقُنا إِلى بشاعةِ‬ ‫ُجدية‪ ،‬إِن‬ ‫اللَّهوِ بمسائ َل غيرِ م ٍ‬ ‫ل ْم تك ْن مُجدِ ب ًة أَصالً!‬

‫ ‬

‫ثمَّة مَن ادَّعى أَنَّ القصيدةَ بالنَّثرِ‬ ‫ع��رب�� َّي�� ُة المنشأِ ‪ ،‬وأَور َد أَنَّ ك��ت��ابَ أَب��ي حيَّان‬ ‫التَّوحيدي «ا ِإلش����اراتُ ا ِإلل��ه�� َّي��ةُ» ه��و قصائ ُد‬ ‫بالنَّثرِ ‪ .‬ال يَعنيني مكا َن والدتِها وال أَعتق ُد أَ َّن ُه‬ ‫يَعنيها‪ ،‬فهي كرَّستْ هُويَّتها في العالمِ ‪.‬‬

‫ ‬

‫بالضرور ِة أَن نظلَّ نبحثُ عن شهاد ِة والدةٍ‬ ‫هل َّ‬ ‫للشَّ يءِ كيْ نُثبِتَ وجو َدهُ رغ َم أَنَّنا نراهُ حقيقةً؟‬ ‫اعر‬ ‫الش ِ‬ ‫الوفاء ونرجسيَّ ِة َّ‬ ‫ِ‬ ‫بين‬ ‫َ‬ ‫سيصل ُنا (في مسأَلةِ القصيد ِة بالنَّثرِ‬ ‫ِ‬ ‫ث َّم َة عق ٌم‬ ‫قد َ‬ ‫وصل َنا) قب َل أَن نص َل ِإل��ي��هِ ‪ .‬ه�� َو أَرا َد أَن < كتاب (مرايا الصهيل األزرق‪ -‬رؤي��ة‪ .‬قراءات‪.‬‬ ‫عبث الجدالِ ‪ ،‬لكنَّ فينَا ما يزا ُل‬ ‫يُريحنَا من ِ‬ ‫حوارات) الذي صدر لك مؤخرً ا‪ ،‬هل هو توثيق‬ ‫يص ُّر على مقارعةِ هواءِ الطَّ واحينِ !‬ ‫لذاكرة الشعر واللغة ضد كل أشكال المحو‬ ‫والنسيان‪ ،‬أم غبطة جمع أنفاس الروح والحلم‬ ‫القصيدةُ بالنَّثرِ َولِدتْ مع شرع َّيتِها كمَا يولَ ُد‬ ‫والكتابة بين دفتي كتاب؟‬ ‫كائن‪ ،‬ألَ َّن ُه «الَ شي َء يأْتي من الَ شيء»‬ ‫كائ ٌن من ٍ‬

‫ ‬

‫(شكسبير)‪ ،‬وتمامًا كمَا تمَّتْ والدةُ القصيد ِة > ألَنِّي أ ُحبُّ الوفا َء كثيرًا‪ ،‬وألَنِّي رأَيتُ أَن أَجم َع‬ ‫العموديَّةِ قب َل أَكثر من أَل ٍ��ف وسبعمائةِ سَ نة‪،‬‬ ‫���وارات المُنتشر ِة في‬ ‫ِ‬ ‫��راءات وال���ح‬ ‫ِ‬ ‫ش��ت��اتَ ال��ق‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ ‬

‫ ‬

‫هل أَك��و ُن وقِ حً ا حي َن أَق��ولُ‪ :‬ل ْم أَحص ْل طوا َل‬ ‫مَسيرتي الشِّ عريَّةِ ‪ ،‬الَّتي تجاو َز عمرُها خمسً ا‬ ‫تقدير‬ ‫ٍ‬ ‫وثالثي َن سنةً‪ ،‬على أَيَّةِ جائزةٍ مثالً‪ ،‬أَو‬ ‫ ‬ ‫وتكريم ما ِّد َّييْنِ ؟ بل ما زلتُ أَطب ُع كُتبِي على‬ ‫ٍ‬ ‫حساب عا ِئل َتي‪ ،‬من شدَّ ِة‬ ‫ِ‬ ‫الخاصةِ وعلى‬ ‫َّ‬ ‫نَفَقتي‬ ‫إِخالصي وجُ نوني‪ ،‬وأ ُوزِّعها بيديَّ مجَّ انًا!‬ ‫���اب التَّوثيقِ ‪ ،‬‬ ‫ب�� ِإم��ك��ان��كَ أَن ت��ق��ولَ‪ِ :‬إ َّن���� ُه م��ن ب ِ‬ ‫الضياعِ ‪ ،‬أَوِ اإلِهمالِ ‪ ،‬أَوِ‬ ‫للشِّ عرِ والشَّ اعرِ ‪ ،‬ضدَّ َّ‬ ‫النِّسيانِ ‪ ..‬وبإِمكانكَ أَن تقولَ‪ِ :‬إ َّن ُ��ه شيءٌ من‬ ‫نرجسيَّةِ الشَّ اعرِ ‪.‬‬

‫بعد»‬ ‫يجئ ُ‬ ‫ْ‬ ‫لموت لمْ‬ ‫ٍ‬ ‫«شكرً ا‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ٍ‬ ‫أَك��ث�� َر من‬ ‫صحيفة ومجل ٍَّة وم��وق ٍ��ع إِلكترونيِّ ‪ ،‬‬ ‫حيثُ أَت��وقَّ�� ُع أَن الَ أَج�� َد أَح��دًا سيجمعُها في‬ ‫كتاب‬ ‫ال��مُ��س��ت��ق��ب��لِ ‪ ،‬ل����ذَا ق�����رَّرتُ ج��م�� َع��ه��ا ف��ي ٍ‬ ‫تقدير) لي‪ ،‬كمَا‬ ‫ٍ‬ ‫خاص‪ِ .‬إنَّني أَعتبرهُ (شهادةَ‬ ‫ٍّ‬ ‫َّص‪ -‬قراءةٌ‬ ‫اعتبرتُ كُتبًا سابقةً‪« :‬مراتبُ الن ِّ‬ ‫ف��ي س��ي��ر ِة محمَّد حلمي ال�� ِّري��ش��ة الشِّ عريَّةِ »‬ ‫للشَّ اعرِ والنَّاقدِ ا َّل��راح��لِ مب ِّكرًا ع�لاَء الدِّين‬ ‫«ضفاف األُنثى‪ :‬سطوةُ اللَّحظةِ‬ ‫ُ‬ ‫كا ِتبَة‪ ،‬وكتاب‬ ‫��ص‪ -‬م��ق��ارب��اتٌ ف��ي شعرِ محمَّد‬ ‫��وس ال�� َّن ِّ‬ ‫وط��ق ُ‬ ‫حلمي الرِّيشة» للنَّاقدِ د‪ .‬إِبراهيم حسَّ ونة‪.‬‬

‫داخ���ل���ي‪ ،‬لِما‬ ‫ك���ا َن ه���ذَا ه��اج��سً ��ا ُم��ق��ي��مً��ا ف��ي ِ‬ ‫��وات‪ ،‬ل��درج��ةِ أَنَّني‬ ‫قب َل األَرب��ع��ي�� َن ببضعةِ س��ن ٍ‬ ‫صديقي‬ ‫ن��س��ي��ت�� ُه ن��ه��ائ�� ًّي��ا‪ِ ،‬إل����ى أَن ف��اج�� َأن��ي َ‬ ‫(باسم النَّبريص‪ -‬أَطلقتُ عليهِ لقبَ‬ ‫ِ‬ ‫الشَّ اع ُر‬ ‫بسبب أَشعارِ ه الفكريَّةِ‬ ‫ِ‬ ‫«المُعرِّي الفلسطينيِّ !»‬ ‫التَّشاؤميَّةِ ) بقصيدةٍ من ُه مُ��ه��داةٍ لي بِعنوان‬ ‫تخف»‪ ،‬فذكَّرني بذاكَ‬ ‫ْ‬ ‫«األَربعون‪ ..‬خُ ذْها والَ‬ ‫الهاجس (مَوتي في األَرب��ع��ي��ن)‪ ،‬فاتَّصلتُ بهِ‬ ‫ِ‬ ‫شاكرًا بع َد اسْ تالمِ ي لقصيدتهِ ‪ ،‬وقا َل لي‪ :‬إِنَّ‬ ‫(نص األَربعينَ)‪،‬‬ ‫من عاد ِة الشُّ عراءِ أَن يكتُبوا َّ‬ ‫الهاتف‪ ،‬وضحكنَا معًا‬ ‫ِ‬ ‫ث َّم قرأَها بصوتهِ على‬ ‫الموت!‬ ‫ِ‬ ‫ض ِحكنا على‬ ‫بعدَها‪ ،‬ك َأنَّنا َ‬ ‫بع َد فترةٍ قصيرةٍ من بُلوغي األَربعينَ‪ ،‬وَجدتُني‬ ‫نصا شعر ّيًا حم َل عنوا َن «شكرًا‬ ‫فج َأ ًة أَكتبُ ًّ‬ ‫لموت ل ْم يَجئْ بعدُ!»‬ ‫ٍ‬ ‫موت‬ ‫هل ما زلتَ تري ُد منِّي تفسيرًا لظاهر ِة ِ‬ ‫الشُّ عراءِ المُب ِّكرْ؟! ل ْن أَبخ َل عليكَ لَو عَ رفتهُ!‬

‫الموت أَن ينتظرَ‬ ‫ِ‬ ‫علَى‬ ‫< أخيرً ا‪ ..‬هل تخاف من الموت؟‬

‫الخوف‬ ‫ُ‬ ‫يوم ما منهُ‪ .‬ل َم‬ ‫َخف في ٍ‬ ‫> ال‪ ..‬ال‪ ..‬ل ْم أ ْ‬ ‫< في الذاكرة الشعرية العالمية والكونية يموت‬ ‫حقيقة نعرِ فُها وتُدرِ كُنا؟‬ ‫ٍ‬ ‫من‬ ‫الشعراء باكرً ا أمثال‪ :‬رامبو‪ ،‬فروخ فرخزاد‪ ،‬أبو‬ ‫بالقلب‬ ‫ِ‬ ‫بت‬ ‫المرض بع َد أَن أ ُِص ِ‬ ‫ُ‬ ‫القاسم الشابي‪ ..‬الخ‪ ،‬مقارنة مع كتاب القصة ما يُقلِقني ه َو‬ ‫مرض الشُّ عراءِ )‪ ،‬ألَنَّني أَخشى من ُه‬ ‫ُ‬ ‫(يُقا ُل ِإ َّن ُه‬ ‫والرواية‪ ..‬ما تفسيرك في ذلك؟‬ ‫على تعطيلِ حيَاتي‪ ،‬أَو جَ ْعلِها بطيئةً‪ ،‬وأَنا ما‬ ‫قصير من ِبدَاياتي‬ ‫ٍ‬ ‫مشوار‬ ‫ٍ‬ ‫> كنتُ شعرتُ ‪ ،‬بع َد‬ ‫كثير كيْ أ ُنج َز الكثي َر م َن‬ ‫وقت ٍ‬ ‫بحاجة إِلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫زلتُ‬ ‫بالموت المُبكِّرِ ‪ ،‬بع َد أَن ق��رأْتُ عن‬ ‫ِ‬ ‫الشِّ عريَّةِ ‪،‬‬ ‫األَشياءِ ما زالتْ بانتظارِ تفرُّغي لَها‪.‬‬ ‫بعض من هؤالءِ الشُّ عراءِ وغيرِ هم‪ ،‬وانْتابَتْني‬ ‫ٍ‬ ‫ْكيد أَ َّن��ن��ي س�� َأم��وتُ حي َن أَنا أَتوقَّع ُه دائمًا‪ ،‬لكنَّني الَ أَنتظرهُ‪ ،‬والَ أ ُف ِّك ُر‬ ‫وش��ب�� ُه تأ ٍ‬ ‫ح��ال�� ُة َق��ل ٍ��ق ِ‬ ‫فيهِ ‪ ،‬كيْ ال يُربِكَ انتظارِ ي ل ُه وتَفكيري فيهِ ‪ ،‬ما‬ ‫بل ُوغي األَرب��ع��ي�� َن من العمرِ إِذا ظَ لَل ْتُ أَكتبُ‬ ‫تبقَّى لي من عُمري‪.‬‬ ‫الشِّ عرَ!‬ ‫* شاعر وناقد من المغرب‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪95‬‬


‫القاصة شيمة الشمري‪..‬‬ ‫الكتابة «جنون دائم»‪..‬‬

‫القصة القصيرة جدا يكتبها الكثير وال‬ ‫يتقنها إال القليل‬

‫> حاورها‪ :‬عبدالله املتقي‬

‫شيمة الشمري‪ ..‬قاصة سعودية متميزة‪ ،‬ذات حضور مائز في الدوريات والمحافل‬ ‫القصصية‪ ،‬استطاعت أن تلفت إليها أقالم النقاد وانتباه القراء بمشروعها القصصي‬ ‫منذ وقت ليس بالقصير‪ ،‬مبدعة موغلة في إنسانيتها‪ ،‬وتعمل بدأب متواصل على أن‬ ‫تتفرد في كتاباتها وتوجد لها مكانا ذا مالمح ال تشبه سوى قصصها الرشيقة‪.‬‬ ‫في هذا الحوار‪ ،‬وبمناسبة‪ ،‬صدور باكورتها القصصية التي ارتأت أن تعنونها ب (ربما‬ ‫غدا)‪ ،‬حاولنا أن نغوص بأسئلتنا في أعماق تجربتها اإلبداعية‪ ،‬والتي لن تكون إال عتبة‬ ‫دخول إلى بيت شهرزاد السعودية‪.‬‬ ‫< ما الذي يحفزك ويدفعك إلى الكتابة؟‬

‫انتقادات من معلماتي ب��أن ه��ذه ليست‬

‫> غالبا األمل‪ ،‬ودائما األلم‪..‬‬

‫قصة!! ومع ذلك كتبت وكتبت‪..‬‬

‫< من أين جاءتك القصة القصيرة جدا‪ < ،‬هل في توجهك نحو القصة القصيرة‬ ‫ج�����دا إح����س����اس ب���ق���رب أج�����ل القصة‬ ‫وكيف كان لقاؤكما األول؟‬ ‫القصيرة؟‬ ‫> ال��ق��ص��ة‪ ..‬كتبتها م��ن��ذ ع��ش��ر سنوات‪،‬‬ ‫(ك��ي��ف؟)‪ ،‬خربشات طالبة على كراسة > ال‪ .‬القصة القصيرة جميلة ولها عشاقها‬ ‫مدرسية‪ ،‬كنت فقط أكتب دون تحديد‬ ‫جنس معين لنوع كتاباتي‪ ..‬كنت أصنفها‬

‫ومضة خاطرة قصصية‪ ..‬كانت توجه لي‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫وأن���ا منهم‪ ،‬وق���رب األج���ل ليس للقصة‬

‫القصيرة‪ .‬بل للكتاب « المزيفين « فهم‬ ‫م��ن ت��دن��و آج��ال��ه��م!! أم���ا األدب‪ ،‬ومنه‬


‫< هل يسعف بوحك‪ ‬حجم هذه القصة القصيرة > ألست امرأة؟ هذا طبيعي‪..‬‬ ‫جدا؟‬ ‫> إن شاء الله وأكثر‪..‬‬ ‫< يحضرني تعريف طريف للقصة القصيرة‬ ‫جدا والذي يقول «القصة ق‪ .‬جدا مظلة في‬ ‫قبر»‪ ،‬وشيمة ماذا تعني لها ال (ق‪ .‬ق‪ .‬ج)؟‬ ‫> ال أظ��ن المظلة ف��ي القبر ذات شفاعة أو‬ ‫منفعة‪ ،‬فالعتمة ال تحتاج إلى مظالت!!‬

‫ ‬

‫القصة القصيرة ج��داً عالم كبير‪ ،‬ودالالت‬ ‫أكبر‪ ،‬وق��راء أكثر‪ ،‬نحتاجها‪ ..‬فهي جرعات‬

‫صغيرة ألم��راض مستعصية‪ ..‬هي متنفس‪،‬‬ ‫أكسجين‪ ،‬انطالق‪ ،‬عشق يدوم‪.‬‬

‫< ه��ل ي��ح��دث لشيمة أن ت��ري��د قصة فتتمنع‬ ‫ع��ن��ه��ا؟ وب��ال��م��ن��اس��ب��ة‪ ،‬حدثينا ع��ن مخاض‬ ‫الكتابة ووجعها؟‬ ‫> نعم‪ .‬أحيانا تأتي الفكرة‪ ,‬وتستعصي الكتابة‬ ‫بالشكل الذي أريده‪ ..‬أكون كما قلت أنت في‬ ‫حالة مخاض‪ ..‬توتر‪ ..‬ال أهدأ إال بالكتابة‪،‬‬ ‫وق����د ت��ت��ع��س��ر والدة ال��ق��ص��ة‪ ،‬وق����د يستمر‬

‫المخاض طويال‪ ..‬بعض القصص بدأتها منذ‬

‫أشهر ولم أكملها حتى اآلن!‬

‫< «ربما غدا»‪ ،‬كيف كان اختيارك لهذا العنوان؟‬ ‫وماذا يعني لك؟‬ ‫> ربما غدا هو عنوان‪ ‬إلحدى قصصي‪ ،‬واخترته‬ ‫عنوانا للمجموعة لما له من دالالت في بطن‬

‫الكاتب‪.‬‬

‫< الحظنا احتفاء قويا بالمرأة في قصصك‪،‬‬

‫ ‬

‫أنا امرأة من مجتمع محافظ جدا‪ ،‬قلمي ال‬ ‫يعبر عني فقط‪ ..‬بل عن بنات مجتمعي‪,‬وأرى‬

‫أن األدب إن لم يخدم ويعبر عن قضية ما‪،‬‬ ‫أو يعكس فكرا ما ؛ فال ج��دوى منه! ينسى‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫القص فهو باق ما بقي الكاتب الجاد المبدع‪..‬‬

‫كيف تقرئين هذا االحتفاء؟‬

‫بمجرد رفع العين عنه‪.‬‬

‫< وصورة الرجل في قصصك توحي باأللم‪ ،‬كما‬ ‫توحي‪ ‬بإعادة تشكيل هذه الصورة‪ ‬لتستقيم‬ ‫الحياة؟‬ ‫> أكتفي بجملة واح��دة «ال حياة بدون الرجل»‬ ‫أما استقامة الحياة فهي ره ٌن بكليهما‪.‬‬

‫< ي���رش���ح س������ردك ب���ش���ع���ري���ة‪ ،‬ه����ل ه����و شغف‬ ‫بالقصيدة‪ ،‬أم وعي بانهيار الحدود الجمركية‬ ‫بين الشعر والقصة؟‬ ‫> س���ؤال ج��م��ي��ل‪ ..‬كتبت ال��خ��واط��ر الشعرية‪،‬‬ ‫والرسالة‪ ،‬والمقالة‪ ،‬وقصيدة النثر وال تنس‬

‫أن دراس��ت��ي األكاديمية ف��ي الشعر‪ ،‬وقراءة‬ ‫الشعر عشقي منذ الصغر‪ ،‬ل��ذا ربما باتت‬

‫ال��ح��دود واهنة ل��دي‪ .‬وم��ع ه��ذا تبقى هناك‬ ‫ف��روق بين فن وف��ن ول��ون ول��ون‪ ،‬أم��ا شعرية‬

‫ال��ق��ص��ة وال��ق��ص��ة ال��ش��ع��ري��ة ف��ه��ي ل��ذي��ذة إن‬

‫وجدت دون تكلف‪.‬‬

‫< ما سر ازدياد عدد أفواج كتاب القصة القصيرة‬ ‫جدا الذين يفتقرون إلى الموهبة والكفاءة؟‬ ‫> الحظت هذه الظاهرة كثيرا في «النت»‪ ،‬هم‬ ‫يستسهلون هذا النوع من الكتابة‪ ،‬لكنهم حتما‬ ‫سيسقطون‪ ..‬وسريعا‪ ،‬فغالبا البقاء لألفضل!‬

‫ولعلي أجد أنها مهمة كبار الكتاب واألدباء‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪97‬‬


‫والنقاد بحيث يعرون هؤالء‪ ،‬فإما أن يصقلوا‬ ‫مواهبهم ‪ -‬إن وجدت ‪ -‬أو ليغادروا هذا الفن‬

‫الجميل من دون أن يشوهوه‪..‬‬

‫فالقصة القصيرة جدا يكتبها الكثير وال يتقنها‬

‫ ‬

‫إال القليل‪ ،‬حتى أن هناك كتّابا وروائيين كباراً‬ ‫اقتحموا هذا القص القصير جدا‪ ,‬فمنهم من‬

‫نجح ومنهم من فشل فشال ذريعا‪.‬‬

‫< ما ال��ذي تنتظرينه من هذه المجموعة في‬ ‫المشهد الثقافي السعودي والعربي؟‬ ‫> أن تقدمني لهم أكثر وأكثر‪..‬‬ ‫< الطفولة‪ ،‬القصيدة‪ ،‬المرآة‪ ،‬الحلم‪ ،‬الغد‪ ،‬ما‬ ‫الذي تثيره فيك هذه الكلمات؟ وما المعاني‬ ‫التي ولدتها فيك؟‬ ‫> الطفولة‪ :‬مستقبل أتمنى أن يكون مشرقا!‬ ‫ ‬

‫القصيدة‪ :‬كذبة جميلة‪..‬‬

‫ ‬

‫المرآة‪ :‬صدق‪.‬‬

‫ ‬

‫الحلم‪ :‬حياة أخرى‪..‬‬

‫ط��ق��وس��ي م��ل��ون��ة وغ��ي��ر م��س��ت��ق��رة‪ .‬فأجمل‬

‫ ‬

‫القصص تلك التي كتبتها قبيل الفجر‪ ،‬تطرأ‬ ‫الفكرة ث��م أصوغها ألج��د نفسي أقفز من‬ ‫السرير لتدوينها‪.‬‬ ‫< هل تعانين من الرقيب المرموز والواضح؟‬

‫ ‬

‫الغد‪ :‬مجهول ننتظره بشغف‪ ،‬نتأمل به كثيرا‪ > ،‬نعم‪ ،‬لكني عنيدة‪..‬‬

‫مع أنه يحمل في جعبته النهاية‪ ..‬ذات يوم‪..‬‬

‫< ه��ل أن��ت اآلن ف��ي ح��ال��ة صمت أم ف��ي حالة‬

‫< ما هي األسماء العربية والعالمية التي تربت‬

‫كتابة؟‬

‫عليها قصصك؟‬

‫> الكتابة «جنون دائم»‪..‬‬

‫> ق���رأت األدب ب��أن��واع��ه‪ ،‬ك��ذل��ك ك��ت��ب الدين ‬ ‫والتاريخ والفنون‪.‬‬

‫ ‬

‫إبداعا حرا (قصة)‪ ،‬أو مقيدا (بحثا)‪ .‬‬

‫واألسماء التي قرأت لها كثيرة‪ ,‬لكن قصصي < خ�لاص��ة ه���ذا ال���ح���وار‪ ..‬م��ن أن����ت؟! إنسانة‬ ‫نتاج رؤية وبيئة وفكر خاص‪.‬‬

‫< ماهو طقسك الخاص في الكتابة؟‬

‫‪98‬‬

‫ال صمت اآلن‪ ..‬ألن��ي أك��ت��ب باستمرار إما‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ومبدعة‪ ..‬أم ماذا؟‬ ‫> أنت قلتها‪ :‬إنسانة ومبدعة‪ ..‬يكفيني هذا‪.‬‬


‫عصي عن التوصيف والتعريف وال ميكن للعبارة مهما‬ ‫الفن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫الفنانة التشكيلية مروة كريديه‬

‫عمقت أن حتيط به‪ .‬وأجد نفسي عاجزة عن إعطاء أي توصيف له‬ ‫> حاورها محمد جنيم‬

‫ت���رى م����روة ك��ري��دي��ة أن ال��ف��ن عَ ���ص���يّ على‬ ‫التعريف‪ ،‬وإنْ تجلى كمقاربة إبداعية لموسيقى‬ ‫الوجود‪ ،‬فالفنون البصرية التشكيلية‪ ،‬وغنائية‬ ‫ال��س��رد وال��ش��ع��ر‪ ،‬ه��ي كشف ع��ن ينبوع المحبة‬ ‫والفطنة الكامن في اإلنسان وآنة تعكس كمال‬ ‫التناغم الالمتناهي بين اإلن��س��ان والحقيقة‬ ‫الواحدة المتجلية في كل تلك الكائنات‪ ،‬وهي‬ ‫تلك اللحظة ال��ت��ي يحقق فيها ال��م��رء تمام‬ ‫«الوحدة» مع الوجود‪.‬‬ ‫في ه��ذا ال��ح��وار‪ ..‬نلتقي مع الكاتبة والفنانة التشكيلية المعروفة م��روة كريدية‬ ‫التي تعد واح��دة من المهتمات بالقضايا اإلنسانية والالعنف‪ ،‬حيث تطرح العالقات‬ ‫االجتماعية والسياسية من خالل رؤية وجودية‪ ..‬تتجاوز االنقسامات اإلثنية والدينية‬ ‫والجغرافية‪ .‬عملت في ميادين فكرية متنوعة‪ ،‬ولها العديد من األعمال األدبية والفنية‬ ‫التشكيلية‪ ،‬والخواطر الشعرية‪ ،‬واألبحاث الميدانية في علم االجتماع السياسي‪ .‬كما‬ ‫شاركت في أعمال حوار األديان والالهوت المقارن‪ ،‬ونشطت في ميدان اإلعالم الثقافي‪.‬‬ ‫ولها العديد من األعمال المنشورة منها‪:‬‬ ‫أفكار متمردة ‪ -‬في الفكر والثقافة والسياسة‪.‬‬ ‫معابر الروح – ديوان شعري‪.‬‬ ‫مدائن الغربة – في الفنون التشكيلية‪.‬‬ ‫فكرٌ على ورق – في الفكر والسياسة‪.‬‬ ‫لوامع من بقايا الذاكرة – ديوان شعري‪.‬‬ ‫معها كان لنا هذا الحوار‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪99‬‬


‫< ما هو الفنّ بالنسبة لك؟‬

‫مكونات الكون وكائناته‪.‬‬

‫> ال شك في أن تعريفات الفالسفة للفن كثيرة‪ ،‬‬ ‫ففيما اعتبر هيغل أن «الفن هو مملكة الرائع»‪..‬‬ ‫نجد أن كروتشه قال «الفن حدس»‪ ..‬ربما أجد‬ ‫نفسي عاجزة عن إعطاء أي توصيف له‪ ،‬ألن‬ ‫الفنّ عصيّ عن التوصيف والتعريف‪ ،‬وال يمكن‬ ‫للعبارة مهما عمقت أن تحيط به‪.‬‬

‫الفن بوصفه فعال هو غور ألعماقنا اإلنسانية‪..‬‬ ‫وع��ود للذات إل��ى أصلها‪ ،‬هي تلك اآلن��ة التي‬ ‫نتماهى فيها م��ع ذاك الالمتناهي «الغيب»‪،‬‬ ‫فالكون يمور في الكائنات‪ ،‬وفينا نحن البشر‪،‬‬ ‫وهنا تكمن وحدة الكثرة‪ ،‬وكثرة الواحد وتجلياته‬ ‫الالمتناهية!‬

‫< ‬

‫> ‬

‫< ‬ ‫> ‬

‫نجد لك أعماال شعرية وأخرى فنية تشكيلية‪ < ،‬إذاً‪ ..‬ه��ي عملية بحث ع��ن المجهول عبر‬ ‫بينما تمتهنين العمل في الميدان اإلعالمي‪،‬‬ ‫الريشة أو الكلمة؟‬ ‫ففي أي مجال تجدين نفسك؟‬ ‫ أت���وق ت��وقً��ا أب��دي��ا ل��ل�� َّت��م��اهِ ��ي مَ���ع ذاك الغائب‬ ‫أنا مجرد «هاوية» وال أقدم نفسي من خالل أي‬ ‫المَجهول ‪ -‬بالنسبة لنا – وه��و معلوم على‬ ‫مسمى فني أو توصيفي أو تخصصي‪ ..‬فالحالة‬ ‫الحقيقة‪ ،‬فأبحث بالكلمة واللون عن الجمال‬ ‫الوجدانية الرائعة التي تنتاب المرء عند االبداع‬ ‫بالجمال‪ ..‬وعن المحبة بالمحبة‪ ،‬وعند الوقوع‬ ‫تتجاوز المسميات‪ ،‬ومع تقدم خبرات اإلنسان‬ ‫ف��ي اآلن��ة الفنيّة تَتلون اللوحة م��ن تلقائها‪..‬‬ ‫ف��ي ال��ح��ي��اة يشعر بضآلة إن��ت��اج��ه مهما بَلغ‪،‬‬ ‫وتنبعث الحروف‪ ..‬وهي آنة غير منفصلة عن‬ ‫فينكفئ تلقائ ّيًا عن عالم اإلعالم المادي الذي‬ ‫الواقع أو معزولة عنه‪.‬‬ ‫يزعج فطرة وجدانه‪ ،‬كما يربأ بنفسه عن زيف‬ ‫< ب��ال��ع��ودة إل���ى الكلمة ن��ج��د أن���ك تعتمدين‬ ‫«األلقاب» مهما كان مصدرها‪.‬‬ ‫الرمز‪ ،‬وكأن القصيدة لغز مُ شَ فَّ ر‪ ،‬فيما نجد‬ ‫إلى أي «المدارس الفنية» أعمالك التشكيلية‬ ‫أن لوحاتك واضحة الموضوع‪ ،‬وعند مقارنة‬ ‫أقرب؟‬ ‫مكنونات القصائد وموضوع اللوحات‪ ..‬نجد‬ ‫تباينًا في المضامين‪ ،‬كيف تفسرين ذلك؟‬ ‫أع���ذرن���ي‪ ...‬إن ق��ل��ت ل��ك أ ّن���ي ال أج��ي��د «فهم‬ ‫ال��م��دارس»‪ ،‬وإن كنت احترمها وأق��دّر روائعها ‬ ‫التي غالبًا ما تضيق بالمدرسة نفسها‪ ..‬ألن‬ ‫العمل الفني الرائع يتجاوز التصنيف‪ ..‬أسألك‪:‬‬ ‫هل يمكن أن نسأل عصفورًا يغرد عن نوع اللحن‬ ‫الذي يقدمه‪ ،‬وعن مدرسته الموسيقية؟!‬

‫< إن كان مجرد تعبير‪ ،‬فهل تعبّرين عن الجمَ ال‬ ‫بالرسم الفني أم عن الفن بالجمال؟‬ ‫> الجمال ليس صورة مُتخيَّلة في األذهان نرغب‬ ‫في رؤيتها‪ ،‬أو نعمل على صناعتها‪ ،‬الجمال دائم‬ ‫الوجود‪ ..‬نراه وإن أغمضنا عيوننا‪ ،‬ونسمعه وإن ‬ ‫أغلقنا آذاننا‪ ..‬إنه الحياة بكل مكنوناتها‪ ،‬والفن‬ ‫ال ينفصل عنه بحال من األح���وال‪َ ،‬كمَا سائر‬ ‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫رب��م��ا ف��ي دي���وان���ي األخ��ي��ر «ل���وام���ع م��ن بقايا‬ ‫ال��ذاك��رة»‪ ..‬حاولت أن أكسر األل��ف��اظ لصالح‬ ‫كثافة المعنى‪ ،‬فالرمز اللغوي وق���وام أداتها‬ ‫الفنية يكمن هنا‪ ..‬لذلك فإن اللغة جاءت عابقة‬ ‫بالخمرة مجازية ومنتشية في آن َمعًا‪ ،‬ألنها‬ ‫ممارسة ل «العود»‪...‬وهو تتالي الفناء والبقاء‬ ‫بإيقاع عبر عالقة مجازية بين الكائن والمكون‪،‬‬ ‫بين الوجود والصور‪ ،‬بين ال��ذات والغيب‪ ،‬بين‬ ‫الحاضر والغائب‪..‬‬ ‫أم��ا معظم لوحاتي فَشكلت إف��ص��احً ��ا واضح‬ ‫المعالم غير مُشفرّ‪ ..‬علمًا انَّ بعض أعمالي‬ ‫التشكيلية جاء مجر ّدًا‪ ،‬حيث طُ وِ يَ الرسم لصالح‬


‫البعد الرمزي بالكامل‪ ،‬و ُقدِّم «الالمرئي» ببعد‬ ‫غنوصيّ ‪ ،‬وبعضها تركز على محورية «البؤرة»‬ ‫بوصفها العين التي تشكل مركزية في األعمال‬ ‫البصرية‪.‬‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫تمام االستغراق التأملي هو َوع��يّ كامل‪ ،‬فإن‬ ‫كان الوَجْ د غير مرئي‪ ..‬والعقل شاهد في عالم‬ ‫الحس‪ ،‬ف��إن تمام الفن التأملي شهود الواقع‬ ‫ورؤية الموجود وتجاوزه إلى ما هو أبعد‪ ،‬وهي‬ ‫لحظة يَقظة الوعي التي يتسامى بها االنسان‬ ‫قيد يكبله! لذلك ف��إن الفن والحرية‬ ‫عن ك�� ّل ٍ‬ ‫والجمال ثالوث ال يتجزأ!‬

‫ أش��ي��ر هنا إل��ى أن التقنية المستخدمة في‬ ‫الرسم تختلف عن تلك المستخدمة في الكتابة‪،‬‬ ‫فألوان الرسام مهما تنوعت تبقى أقل اتساعً ا‬ ‫م��ن ح���دود الكلمة ال��ت��ي تتسع ل��رم��زي��ة عالية < كيف ه��ي عالقتك ب��أع��م��ال عمالقة الفن‪،‬‬ ‫جدًا‪.‬‬ ‫خصوصا وأنك أشرت في إحدى لوحاتك إلى‬ ‫ً‬ ‫أنك استوحيتها من أعمال مونيه‪ ،‬أال يُ عد‬ ‫ < هل يمكن أن نصف أعمالك الشعرية بأنها‬ ‫ذلك تكرارًا؟‬ ‫ذات بعد صوفي أم سرياليّ بينما الرسم جاء‬ ‫واقعي ًا أو انطباعياً؟‬ ‫> ال أكترث بالمسميات سواء كانت «سريالية» أم‬ ‫«صوفية»‪ ..‬سَ مّها ما شئت‪ .‬فإن كانت اللحظة‬ ‫الصوفية فناء للذات عن ذاتها‪ ،‬وإن كانت اآلنة‬ ‫السريالية تو ٌق لوعي يبحث؛ فإن كليهما يشكل‬ ‫تجليا لإلبداع وال مشاحَّ ة في االصطالح!‬ ‫ ‬

‫البعد «الصوفي» موجود في خواطري المكتوبة‪،‬‬ ‫ويتجلى من خ�لال نشوة الحرف التي تعكس‬ ‫نشوة التجربة الروحية‪ ،‬والبعد «السريالي»‬ ‫أيضا عبر تمام حضور الوعي‪ ..‬أليست‬ ‫موجود ً‬ ‫البصيرة وعيًا ق��ادرًا على االفصاع عن واقع‬ ‫موجود؟!‬ ‫< هل ترين أن الفن يترفع عن الواقع المادي‬ ‫نحو «الواقع المعنوي»؟‬

‫> ال أري���د أن أن��ف��ي ع��ن ع��ال��م ال��ف��ن الواقعية‪،‬‬ ‫وأرفعه عن فضاءات اإلدراك الحسي‪ ،‬بل إن‬

‫> ل��وح��ات عمالقة ال��ف��ن ت��أس��رن��ي‪ ،‬وأغ��ي��ب في‬ ‫عالمها‪ ،‬وعندما أضمحل بها أجد رغبة عارمة‬ ‫في إعادة صياغتها على طريقتي‪ ،‬أعشق لوحات‬ ‫«فان غوغ» والفنان العبقري «كلود مونيه» الرائع‪،‬‬ ‫وربما أول لوحة رسمتها استلهمتها من أعماله‬ ‫تلك المسماة «واتر ليلي بوند‪ :‬بركة زنبق الماء»‬ ‫والتي رسمها عام ‪1899‬م‪ ،‬فقد شكلّتها بتلقائية‬ ‫وشغف طفولي بالغ‪ ..‬وكانت محاكاة مذهلة‪،‬‬ ‫��ص��ا‪ ،‬غير أني‬ ‫وإن ك��ان��ت ليست اب��داعً ��ا خ��ال ً‬ ‫قدمتها بروحيّة تنزاح بالناظر إلى ب ٍُعد جديد ال‬ ‫تقف عند تخوم األلوان وأبعادها‪ ..‬بل تالمس‬ ‫حدود الموضوع أيضا‪.‬‬

‫ ‬

‫أقول لك أمرًا قد ال أبالغ فيه‪ :‬إن الفن حالة‬ ‫بَنَ​َتْ آنتها وبيئتها وظروفها وعواملها المادية‬ ‫والوجدانية‪ ،‬وتلك اآلنة ليست قابلة للتكرار‬ ‫أب����دًا‪ ،‬إن ال��ف��ن��ان ال يستطيع تقليد نفسه‬ ‫تقليدا ت��ا ّمً��ا وك��ام�لا‪ ،‬ألنها حالة تتقلب مع‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪101‬‬


‫تعدد األنفاس‪ ،‬فحتى لو أعاد‬ ‫رسم اللوحة ذاتها التي رسمها‬ ‫بنفسه‪ ..‬فإنها ستكون مختلف ًة‬ ‫ألن لحظتها الفنية مغايرة‪.‬‬ ‫ ‬

‫فيروز قد تكرر الجملة أكثر‬ ‫من م��رة أثناء أدائها الغنائي‬ ‫ال����رائ����ع‪ ،‬وك���ذل���ك أم كلثوم‪،‬‬ ‫بإيقاع قولي‬ ‫ٍ‬ ‫بيد أنّها تقدمه‬ ‫مختلف‪..‬نعم‪ ،‬يُمكن للفنان‬ ‫أن يعيد إنتاج َفنِّه إل��ى ما ال‬ ‫نهاية‪ ..‬ألن الفنان سيعيد اإلنتاج بتنوع كبير؛‬ ‫إن متذوقي الفنون الراقية ال يَمَّلون من تكرار‬ ‫االستماع إلى موسيقى «ياني» أو «بيتهوفن»!‬

‫< ه��ل م��ن تحضيرات معينة تتخذينها عند‬ ‫الكتابة أو الرسم؟‬ ‫> االب���داع بالريشة أو بالقلم أو بغيرهما من‬ ‫الوسائل الالمتناهية في عالمنا البديع‪ ،‬هو‬ ‫كنسمة الهواء التي تدخل بتلقائية عند فتح‬ ‫النافذة‪ ،‬فاإلنسان ال يفعل أكثر من أن يترك‬ ‫األمور تتحرك ببراءة وعفوية ال ح ّد لها!‬ ‫ ‬

‫لذلك فإني اآلن ال أتعمد اتخاذ وضعية معينة ‬ ‫للرسم أو الكتابة أو التحضير لها‪ ،‬وإن كنت‬ ‫أحرص على أن أكون بكامل «أناقتي الروحية»‬ ‫وجهوزيتي الوجدانية‪ ..‬هي لحظة نور أشعر‬ ‫أن أن��ام��ل��ي تنساب فيها ب��ش��غ��ف‪ ..‬وأحيانا‬ ‫أخرى أنقطع عن الرسم‪ ،‬فأجد الرغبة في‬ ‫تَدوين خواطر‪ ..‬فتتناثر الكلمات بتدفق‪..‬‬

‫ ‬

‫كما أشرت لك في بداية اللقاء ربّما يبدو إيقاع‬ ‫حياتي شديد التنظيم‪ ..‬بيد أنه نظام «غير‬ ‫مُفتعل»‪ ..‬إنه كالنهر ينساب بين الشجر‪ ..‬فال‬ ‫الماء يستأذن الحصى وال الريح تستجدي‬ ‫المطر‪ ..‬أمور يومي تم ّر بانسيابية وتلقائية‬ ‫وعفوية بكل فصوله‪ ..‬شتائه وصيفه‪ ،‬حلوه ‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ومره! إنه تناغم غير منفصل مع‬ ‫الكون والمكون‪ ،‬إن��ه التوحد مع‬ ‫الكثير الالمتناهي‪.‬‬ ‫< م���ت���ى ت���وص���ل���ت إل������ى ه���ذه‬ ‫«القناعة» او إلى هذه الحالة؟‬ ‫> إن الحياة «المدنية» العنيفة‬ ‫والعوامل «التربوية» اإلشراطية‬ ‫ح��و ّل��ت ح��ي��اة البشر إل��ى كابوس‬ ‫حقيقي تقودهم فيها إلى النزاع‪،‬‬ ‫وب��م��ا أ ّن����ي اب��ن��ة ه���ذا «المجتمع‬ ‫الكابوسي» فقد وجدت نفسي مثل «برغي»‬ ‫عنيفة غبية‪ ،‬استيقظ منزعجة‬ ‫ٍ‬ ‫آلة‬ ‫يدور في ٍ‬ ‫على جرس يخترق أذني‪ ..‬ألجد في مفكرتي‬ ‫قائمة طويلة جدا من «المهمات» التي ينبغي‬ ‫علي إنجازها بدقة متناهية‪ ..‬وبسرعة فائقة‪،‬‬ ‫وَأني أمام «واجبات غبية» ينبغي عليَّ إتمامها‬ ‫ك��ي أح��ظ��ى «ب��ت��ق��دي��ر اآلخ����ري����ن»‪ ،..‬لينتهي‬ ‫«م��ارات��ون��ي» اليومي بعد ط��ول رك��ض وعناء‬ ‫منهارة أمام شاشة إلكترونية‪ ...‬إنها مسرحية‬ ‫حمقَاء!‬ ‫ومع تنامي الخبرات الروحية والنفسية‪ ،‬ومنذ‬ ‫عدّة سنوات قررت أن أغادر عالم «المهمات»‬ ‫و«اإلن�����ج�����ازات» و«ال���وظ���ائ���ف» و«األل���ق���اب»‬ ‫و«مهرجانات الرياء»‪ ..‬إلى غير رجعة! فخلعت‬ ‫تفاهة أفكاري‪ ،‬وحررت نفسي من أسر كل ما‬ ‫من شأنه أن يعيق إشراقتي الروحيّة‪ ،‬فانجلى‬ ‫أمامي مفهوم الزمن‪ ..‬فتبرأت منه‪ .‬فالماضي‬ ‫ليس سوى ذك��رى الحاضر‪ ..‬وما المستقبل‬ ‫س��وى حاضر منقوص‪ ...‬فقررت ان أعانق‬ ‫ح��اض��ري‪ ..‬واستغرق في آنتي بتأمل كبير‪،‬‬ ‫فخيم الهدوء والسكينة والجمال واالحساس‬ ‫الرائع بالمحبة‪...‬‬ ‫نعم‪ ،‬عندما تُنَحِّ ي الزَّمن عن ذهنك تالمس‬ ‫ك ّل ما هو الزمني!‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫أدب تفاعلي أم أدب تشعبي؟!‬ ‫> هويدا صالح*‬

‫في ظل العولمة‪ ،‬وانتشار أفكار ما بعد الحداثة‪ ،‬ولهاث‬ ‫األمم والشعوب للحاق بركب التقنية الحديثة وتجلياتها‬ ‫في السياسة واالقتصاد والعلوم واألدب‪ ،‬وج��ب علينا أن‬ ‫نعيد البحث من جديد عن وج��ودن��ا الفاعل المتواصل‪،‬‬ ‫حتى ال تفوتنا هذه الطفرة التكنولوجية ونبقى شبيهين‬ ‫بالديناصورات في عصر ال ينتظر فيه أحد‪.‬‬ ‫علينا كي نكون فاعلين في عصر عولمي مثل هذا‪ ،‬وآفاق‬ ‫مفتوحة طول الوقت على كل االحتماالت‪ ،‬أن نتفاعل مع التقنيات الحديثة وتجلياتها‪،‬‬ ‫وثوراتها الرقمية واإللكترونية‪.‬‬ ‫ل��و أننا عرفنا كيف نستفيد م��ن هذه‬ ‫الثورة بشكل صحيح‪ ،‬الستطعنا أن نقيم‬ ‫جسرا من التفاعل مع القارئ‪ ،‬ونحول ذلك‬ ‫ال��وج��ود االف��ت��راض��ي ال���ذي يغلف تفاعل‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬إلى وجود يبدو تفاعليا وداال‪..‬‬ ‫من خالل هذه الجسور السرية التي تمدها‬ ‫الشبكة العنكبوتية‪.‬‬ ‫وبما أننا في لحظات حرجة من تاريخ‬ ‫البشرية‪ ،‬فعلينا أن ن��درك كنه االستفادة‬ ‫من الثورة التقنية‪ ،‬من أجل إعادة صياغة‬

‫دورنا كمجتمع شرقي‪ ،‬كان لنا دور فاعل في‬ ‫صياغة ثقافة البشرية في فترات ماضية‪،‬‬ ‫ولن نتمكن من أخذ موقعنا الحقيقي في‬ ‫عالم اليوم‪ ،‬إال إذا عرفنا كيف نفيد من‬ ‫العلوم والتكنولوجيا الحديثة إفادة جادة‪،‬‬ ‫تنبني على فهم عميق لما تحدثه هذه‬ ‫الثورة التي ال شك أنها تتجاوز بمراحل‬ ‫ه��ذا التبسيط المتصور على اعتبار أنه‬ ‫واقع افتراضي فقط‪.‬‬ ‫خاصا بالنخبة‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫إن األدب لم يعد ف ّنًا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪103‬‬


‫أو ه��ؤالء الذين يمكن أن نطلق عليهم مثقفي‬ ‫األنتلجنسيا‪ ،‬بل أصبح لسانًا معبرًا عن حال‬ ‫المجتمع‪ ،‬وه��م��وم أف���راده‪ ،‬ال��ذي��ن وج���دوا فيما‬ ‫متنفسا لهم‪ ،‬يمكنهم‬ ‫ًّ‬ ‫تقدمه الثورة المعلوماتية‪،‬‬ ‫من خاللها أن يمارسوا رغبتهم في الكتابة‪ ،‬دون‬ ‫أن يصطدموا بمعوقات النشر الورقي‪ .‬ومن جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬تمكّن أولئك المتعاطين مع األدب كنشاط‬ ‫إنساني‪ ،‬من التعبير عن أي موضوع يعنّ لهم‪،‬‬ ‫دون خشية مرور مقص رقيب عليه‪.‬‬

‫وقد عرف األدب الغربي نماذج مختلفة من‬ ‫(األدب التفاعلي)‪ ،‬تنتمي ألجناس مختلفة‪ ،‬منها‬ ‫(القصيدة التفاعلية‪ ،)Interactive Poem -‬التي‬ ‫تنتمي إلى جنس (الشعر التفاعلي‪Interactive -‬‬ ‫‪ ،)Poetry‬وم��ن��ه��ا (ال��م��س��رح��ي��ة التفاعلية‪-‬‬ ‫‪ ،)Interactive Drama‬ال��ت��ي تنتمي إل��ى جنس‬ ‫(ال��م��س��رح التفاعلي‪،)Interactive Theatre -‬‬ ‫إض��اف��ة إل��ى (ال��رواي��ة التفاعلية‪Interactive -‬‬ ‫‪ .)Novel‬ولكل جنس من هذه األجناس األدبية‬ ‫التفاعلية أع�ل�ام ن��ظّ ��روا ل��ه‪ ،‬وأرس����وا أصوله‪،‬‬ ‫وأبدعوا نصوصه‪.‬‬

‫وق���د ش���اع ف��ي اآلون����ة األخ���ي���رة ب��ع��د الثورة‬ ‫التكنولوجية الهائلة مصطلح األدب التفاعلي‬ ‫(‪ ،)Interactive Literature‬وخلط الناس بينه وبين‬ ‫النص المتشعب (‪ ..)Hypertext‬وفي الحقيقة إن‬ ‫نصا بال‬ ‫نصا مفتوحً ا‪ً ،‬‬ ‫األدب التفاعلي يقدّ م ً‬ ‫ح��دود‪ ،‬إذ يمكن أن ينشئ المبدع‪ ،‬أيًا كان نوع‬ ‫نصا‪ ،‬ويلقي به في أحد المواقع على‬ ‫إبداعه‪ً ،‬‬ ‫الشبكة‪ ،‬وي��ت��رك ل��ل��ق��رّاء والمستخدمين حرية‬ ‫إكمال النص كما يشاءون‪ .‬وبذلك يصبح القارئ‬ ‫مشاركا أساسيا في إنتاج النص وإكماله‪.‬‬

‫وي���ع���رّف ال��ن��اق��د ال��م��غ��رب��ي س��ع��ي��د يقطين‬ ‫ه����ذا ال��م��ص��ط��ل��ح ف���ي ك��ت��اب��ه (م����ن ال��ن��ص إلى‬ ‫النص المترابط‪ :‬مدخل إلى جماليات اإلبداع‬ ‫ال��ت��ف��اع��ل��ي‪-‬ص‪ ،)10-9‬حين تحدث عن مفهوم‬ ‫(اإلب���داع التفاعلي‪،)Interactive Creativity -‬‬ ‫بأنه مجموع اإلبداعات التي تولّدت مع توظيف‬ ‫الحاسوب‪ ،‬ولم تكن موجودة قبل ذلك‪ ،‬أو تطورت‬ ‫من أشكال قديمة‪ ،‬ولكنها اتخذت مع الحاسوب‬ ‫صورًا جديدة في اإلنتاج والتلقي‪.‬‬

‫كل هذا أصبح متاحً ا بعد انتشار استخدام‬ ‫شبكة اإلنترنت بين أفراد المجتمعات‪.‬‬

‫يُ��ع��رّف (األدب التفاعلي) بأنه األدب الذي‬ ‫يوظّ ف معطيات التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬بتقنياتها‬ ‫العالية والمتشعبة (‪ ،)Hypertext‬وهذه المعطيات‬ ‫تقدم لنا جنسا أدبيا جديدا يجمع بين األدبية‬ ‫واإللكترونية‪.‬‬ ‫وت��ل��ق��ي ه���ذا األدب ال ي��ت��م إال ع��ب��ر وسيط‬ ‫إلكتروني‪ ،‬وحين يختلف الوسيط‪ ،‬تتغير آليات‬ ‫التلقي‪ ،‬ويصير المتلقي ج��زءا هاما من إنتاج‬ ‫ال��ن��ص؛ ب��ل رب��م��ا ي��ف��وق دوره دور م��ب��دع النص‬ ‫األصلي‪ ،‬ويكتسب هذا النوع من الكتابة األدبية‬ ‫صفة التفاعلية‪.‬‬ ‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ويعطينا األدب التفاعلي صورة جديدة لألدب‬ ‫تختلف عن تلك الصورة النمطية التي ارتبطت‬ ‫باإلبداع الورقي‪ ،‬وفيها يتحرر المبدع من هيمنة‬ ‫المؤسسات ودور النشر‪ ،‬ويتجاوز اآللية القديمة‬ ‫بكل مشاكلها ومعوقاتها‪ ،‬ويشارك المتلقي أو‬ ‫القارئ في بناء النص‪.‬‬ ‫وم��ن أه��م ميزاته أن��ه يقدم لنا نصا حيويا‬ ‫تتحقق فيه روح التفاعل بين المبدع والقارئ‪.‬‬ ‫كما أنه يعطي القارئ أنه مالك ومنتج للنص‪..‬‬ ‫متلق له‪ ،‬ويتفق ذلك إلى حد ما مع‬ ‫وليس مجرد ٍ‬ ‫نظرية القارئ واالستجابة التي نادت بأن القارئ‬ ‫هو المنتج الحقيقي للنص‪ ،‬وأن النص الذي لم‬


‫ولكن ه��ل يتحكم المبدع ف��ي ب��داي��ة النص؛‬ ‫بمعنى آخ���ر‪ ..‬ه��ل يبني النص ويوجهه بشكل‬ ‫محكم نحو نهاية محتومة‪ ،‬أم أنه يكتب البداية‬ ‫ومعها احتمالية بداية أخرى‪ ،‬قد يضعها القارئ‬ ‫المتفاعل مع النص‪ ،‬وه��ل المبدع أيضا يوجه‬ ‫ال��ن��ص نحو نهاية محتومة‪ ،‬أم ي��ت��رك النهاية‬ ‫مفتوحة على االح��ت��م��االت المتعددة م��ن أجل‬ ‫القارئ المشارك بشكل أساسي في إنتاج النص‬ ‫وإكماله‪ .‬إن البدايات غير محددة في نصوص‬ ‫(األدب التفاعلي)‪ ،‬إذ يمكن للمتلقي أن يختار‬ ‫نقطة البدء التي يرغب ب��أن يبدأ دخ��ول عالم‬ ‫النص من خاللها‪ ،‬ويكون هذا باختيار المبدع‬ ‫الذي ينشئ النص أوال‪ ،‬إذ يبني نصه على أساس‬ ‫أال تكون له بداية واحدة‪ ،‬واالختالف في اختيار‬ ‫متلق آلخ��ر‪ ،‬يجب أن ي��ؤدي إلى‬ ‫ال��ب��داي��ات م��ن ٍ‬ ‫اختالف سيرورة األحداث‪.‬‬ ‫كذلك النهايات غير موحّ دة؛ فتعدد المسارات‬ ‫يعني تعدد الخيارات المتاحة أمام المتلقي الذي‬ ‫لم يعد بدوره فقط‪ ..‬بل تعدى دوره وتعمق إلى أن‬ ‫يصبح مرسال أيضا‪ ،‬ومشاركا فاعال حقيقيا في‬ ‫إنتاج النص وتكملته‪ ،‬وهذا يؤدي إلى أن يسير كل‬ ‫منهم في اتجاه يختلف عن االتجاه الذي يسير‬ ‫فيه اآلخر‪ ،‬ويترتب على ذلك اختالف المراحل‬ ‫ال��ت��ي سيمر ب��ه��ا ك��ل م��ن��ه��م‪ ،‬م��ا يعني اختالف‬ ‫النهايات‪ ،‬أو على األق��ل‪ ،‬الظروف المؤدية إلى‬ ‫تلك النهايات‪ ،‬وإن تشابهت أو توحدت‪.‬‬ ‫ورغ��م توفّر شبكة اإلنترنت منذ تسعينيات‬ ‫ال��ق��رن الماضي ف��ي كثير م��ن ال���دول العربية‪،‬‬ ‫والخليجية ت��ح��دي��دًا‪ ،‬إال أننا ل��م ن��ر األدب قد‬ ‫نال نصيبا من هذه التقنيات‪ ،‬حتى جاء الروائي‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫يقرأ لم يكتب‪ ،‬وأن القارئ هو الذي يعيد إنتاج‬ ‫النص‪.‬‬

‫األردن��ي محمد سناجلة وقدم لنا عام ‪2001‬م‪،‬‬ ‫أول نصوصه اإللكترونية‪ ،‬أو ما يمكن أن نسميه‬ ‫رواية رقمية «‪ ،»Novel Digital‬وهي رواية «ظالل‬ ‫الواحد»‪ ،‬ثم بتجربتين تاليتين تقتربان من فكرة‬ ‫ال��ن��ص التفاعلي‪ ،‬وأق���ول ت��ق��ت��رب��ان‪ ..‬وال أطلق‬ ‫عليهما نصا تفاعليا‪ ،‬وسأوضح بعد قليل سبب‬ ‫تحفظي على إطالق هذه الصفة وأنا مطمئنة‬ ‫ال��ب��ال‪ .‬أق��ول أن��ه أتبعهما بنصين آخ��ري��ن هما‬ ‫رواية «شات» ثم رواية «صقيع»‪.‬‬ ‫وق���د تحفظتُ ع��ل��ى أن أط��ل��ق ص��ف��ة األدب‬ ‫التفاعلي على عالتها‪ ،‬ألن هذه النصوص وما‬ ‫شابهها تقترب من النص التشعبي (‪،)Hypertext‬‬ ‫فهي ال تتيح الفرصة للقارئ أن يكون مشاركا‬ ‫ف��اع�لا ف��ي ص��ن��اع��ة ال��ن��ص‪ ،‬وت��غ��ي��ي��ر مساراته‬ ‫ونهاياته وبداياته‪ ،‬بل تراهن فقط على إمكانات‬ ‫التكنولوجيا من موسيقى وتقنيات الصورة‪ ،‬وكل‬ ‫وسائل الميديا الحديثة‪.‬‬ ‫كذلك هناك تجربة الروائي المصري أحمد‬ ‫خالد توفيق في روايته «ربع مخيفة» و«احتماالت»‬ ‫لمحمد اشويكة‪ ،‬و«الكنبة الحمرا» لبالل حسني‪،‬‬ ‫و«أرز بلبن» لرحاب بسام‪ ،‬وغيرها من النصوص‬ ‫الرقمية‪.‬‬ ‫وأع���ود ثانية إل��ى توصيف تجربة سناجلة‬ ‫بالنص التشعبي‪ ،‬ألنه اعتمد إلى حد كبير على‬ ‫استغالل تقنيات التكنولوجيا‪ ،‬دون أن يكون‬ ‫النص مفتوحا على ال��دالالت المختلفة‪ ،‬حسب‬ ‫مشاركة القارئ في إنتاج النص‪.‬‬ ‫وق��د ع�� َّرف��ت ال��دك��ت��ورة عبير س�لام��ة النص‬ ‫المتشعب ف��ي ال���ورق���ة ال��ت��ي ش��ارك��ت ب��ه��ا في‬ ‫المائدة المستديرة‪ ،‬الخاصة بالرواية الرقمية‬ ‫في ملتقى القاهرة الرابع لإلبداع الروائي العربي‬ ‫‪2008‬م‪ .،‬ب��أن مصطلح النص المتشعب يشير‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪105‬‬


‫إل��ى ال��وص�لات نفسها‪ ،‬بوصفها بيانات خفية‬ ‫تُميز عادة بلون أزرق‪ ،‬أو إلى أي امتداد للنص‬ ‫يظهر على الشاشة‪ ،‬سواء في النافذة عينها أو‬ ‫في نافذة‪ /‬نوافذ جديدة‪ ،‬هذا هو االستخدام‬ ‫المشهور للمصطلح‪ ،‬ويمكن أن يشير أخيرا إلى‬ ‫أي نص مستقل يتشكل نتيجة استخدام الوصالت‬ ‫بغرض التصفح العشوائي‪ ،‬كالنص الذي يتشكل‬ ‫على سبيل المثال من رسالة وفقرة‪ ..‬في مقالة‬ ‫وقصيدة وجملة إعالنية ولوحة فنية‪.‬‬ ‫كما استطردت في تعريفها للنص المتشعب‬ ‫في إط��ار حديثها عن ال��رواي��ة التفاعلية‪ ،‬بأنه‬ ‫«ال��ن��ص ال����ذي يُ��س��ت��خ��دم ف��ي اإلن��ت��رن��ت لجمع‬ ‫المعلومات النصية المترابطة‪ ،‬كجمع النص‬ ‫ال��ك��ت��اب��ي ب���ال���رس���وم ال��ت��وض��ي��ح��ي��ة‪ ،‬ال���ج���داول‪،‬‬ ‫ال��خ��رائ��ط‪ ،‬ال��ص��ور ال��ف��وت��وغ��راف��ي��ة‪ ،‬الصوت‪،‬‬ ‫ن��ص��وص ك��ت��اب��ي��ة أخ����رى‪ ،‬وأش���ك���ال جرافيكية‬ ‫متحركة‪ .‬وذل���ك باستخدام وص�ل�ات‪ /‬روابط‬ ‫تكون دائما باللون األزرق‪ ،‬وتقود إلى ما يمكن‬ ‫اعتباره هوامش على متن»‪.‬‬ ‫إن اإلقبال القرائي على النصوص المقدمة‬ ‫عبر الوسيط اإللكتروني‪ ،‬والتي تعتمد على تفعيل‬ ‫دور المتلقي م��ن خ�لال األدوات التكنولوجية‬ ‫الموظفة فيها‪ ،‬تستطيع استقطاب عدد أكبر من‬ ‫المتلقين‪ ،‬مقارنة بالنصوص الورقية‪ ،‬أو السمعية‬ ‫والبصرية‪ .‬وألننا إلى اآلن لم نتمكن من إبداع‬ ‫نص أدبي تفاعلي حقيقي بالوطن العربي‪ ،‬ألنها‬ ‫لم تستطع أن تحقق أه��م عنصر‪ ،‬وه��و عنصر‬ ‫(التفاعلية)‪ ،‬فإننا لن نستطيع أن نتكلم عن فائدة‬ ‫هذا النمط من أنماط الكتابة األدبية اإلبداعية‬ ‫على تلقي األدب العربي‪ ،‬ولكننا نستطيع أن‬ ‫نتوقف عند المستوى المتحقق فقط‪.‬‬ ‫* ‬

‫كاتبة من مصر‪.‬‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫يحتاج األدب المقدم عبر الوسيط اإللكتروني‬ ‫مواز له‪ ،‬ومتواكب معه؛ فالنقد التقليدي‬ ‫إلى نقد ٍ‬ ‫لم يعد كافيًا للغوص داخل النصوص الجديدة‬ ‫التي نصفها بالتفاعلية‪ ،‬ألنه يتوقف عند مستوى‬ ‫من مستويات النص‪ ،‬وال يمتلك مقومات اختراق‬ ‫مستوياته األكثر عمقًا‪ ،‬لذلك ال بد من التفكير‬ ‫في طريقة أخرى جديدة ومختلفة‪ ،‬قادرة على‬ ‫الكشف عن مختلف الجوانب الجمالية للنصوص‬ ‫األدبية التفاعلية الجديدة التي تتولّد في رحم‬ ‫التكنولوجيا الرقمية‪ ،‬مستفيدة من إمكاناتها‬ ‫التي أصبحت متاحة‪.‬‬ ‫وف���ي ال��ن��ه��اي��ة ن��ع��ت��ق��د أن اإلب������داع الورقي‬ ‫يحمل ت��راك��م ال��ف��ك��ر اإلن��س��ان��ي ع��ب��ر التاريخ‪،‬‬ ‫بداية من الحضارة الفرعونية التي قدمت لنا‬ ‫نصوصا حفظتها البرديات‪ ،‬وج��دران المعابد‪،‬‬ ‫واأله�����رام�����ات‪ ..‬م�����رورا ب����األل����واح السومرية‬ ‫والتراث األدبي اإلغريقي‪ ،‬واستمرارا لهذا النبع‬ ‫المتواصل والمتراكم حتى أحدث كتاب أنتجته‬ ‫المطابع الورقية‪ ،‬كل ذلك اإلرث الحضاري شكَّل‬ ‫وعي البشرية‪ ،‬وبنى منظومتها الفكرية في شتى‬ ‫مجاالت المعرفة اإلنسانية‪ ،‬من نظريات فلسفية‬ ‫ونقدية وعلوم طبيعية وفيزيقية وميتافيزيقية‪،‬‬ ‫بداية من متون هرميس‪ ،‬وفالسفة اليونان‪ ،‬وابن‬ ‫رشد‪ ،‬والبيروني‪ ..‬وصوال إلى هيجل وديكارت‬ ‫وهايدجر وجويس وكولن ويلسون‪ ،‬وكل من ابتكر‬ ‫مفهوم ال��ن��ص‪ ،‬وت��ح��دث ع��ن الخطاب والرؤية‬ ‫والمقوالت التي تحمل الفكر‪ .‬وال��س��ؤال الذي‬ ‫يتبادر للذهن‪ ..‬هل الرقمية أو النص التفاعلي‬ ‫اإللكتروني قادر على تغييب دور النص الورقي‬ ‫بتراكماته عبر التاريخ؟‬


‫و‬

‫رحلة اكتشاف اآلخر‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫الشاعر السويسري برينو ميرسي‬

‫> عالء كعيد حسب*‬

‫يعد ميرسي مثاال حيا للشاعر الذي يتنفس ويكتب الحياة‪ ،‬رافضا‬ ‫كل أشكال التعصب التي سيطرت على الفكر المعاصر‪ ،‬بالشكل‬ ‫الذي أمسى فيه محيطنا البشري ‪ -‬رغم شساعته وشموليته‪ -‬نقطة‬ ‫ساخنة للصراع‪.‬‬ ‫يتحدى الشاعر السويسري برينو ميرسي بقصائده‪ ،‬نظرة الغرب‬ ‫الكالسيكية لإلنسان العربي‪ .‬تلك النظرة النمطية األحادية األفق‪،‬‬ ‫التي ح��اول ج��ون جونيه وخ��وان غويتصولو وبعض شعراء وكتاب‬ ‫الغرب فصلها‪ ،‬ووقفوا بكتاباتهم أمام اللبس والتعتيم الذي مارسته‬ ‫وتمارسه وسائل اإلع�لام الغربية واألدب الرسمي في حق اإلنسان‬ ‫العربي وحضارته‪ .‬وكشفوا النقاب للقارئ الغربي عن حقيقة الشعوب العربية وقطعوا شكه بيقين أن‬ ‫اإلنسان العربي‪ ،‬إنسان حضارة وإبداع‪.‬‬ ‫عوالم تشابكت فيها الحياة والمأساة‪ ،‬ورسم البؤس‬ ‫والحب إطارها التراجيدي الذي يستلهم تفاصيله‬ ‫ومميزاته من الحياة اليومية‪ ،‬لم تكن إال لتسكن‬ ‫خاطرة السويسري برينو ميرسي‪ ،‬وتمسي عناوين‬ ‫عريضة تثير رغبته في الكتابة‪.‬‬

‫ول���د ال��ش��اع��ر ال��س��وي��س��ري ب��ري��ن��و م��ي��رس��ي في‬ ‫أورليون بفرنسا عام ‪1957‬م‪ ،‬كتب أوال عن عناصر‬ ‫الطبيعة األربع (ضوء الهواء ‪2001‬م ‪ ,‬ضوء الماء‬ ‫‪2001‬م‪ ،‬ضوء النار ‪2002‬م‪ ،‬ضوء التراب ‪2003‬م)‪.‬‬ ‫وبعد زيارته للمغرب كأول بلد عربي‪ ..‬زكتها زيارة‬ ‫أخرى لمصر‪ ،‬وجد أمة مسالمة وطيبة‪ ،‬عكس تلك‬ ‫تنفس شاعرنا عبير الحياة‪ ،‬مدركا تماما وألول‬ ‫التي عرفها في وسائل اإلع�لام واألدب الغربيين‪ ،‬مرة‪ ،‬أن السعادة والحب تُمنحان في هذه األوطان‬ ‫والتي تصور العرب كهمج إرهابيين يجب الحذر م��ن دون م��ال أو مقابل‪ ،‬وأن العصبية والتطرف‬ ‫منهم‪ ،‬ومحاربتهم بشتى الطرق والوسائل‪.‬‬ ‫واإلره���اب م��ف��ردات تفرض على اإلن��س��ان الغربي‬ ‫ت��ع��رف ال��ش��اع��ر ع��ل��ى اع��ت��دال المسلمين في ال��خ��زي وال��خ��ج��ل لكونها ذات أص���ول أوروب��ي��ة ال‬ ‫سلوكهم‪ ،‬واك��ت��ش��ف م��ن خ�لال معامالتهم العمق عربية‪ .‬وق��د حمل لنا التاريخ شواهد ال تحصى‬ ‫اإلن��س��ان��ي ل�لإس�لام‪ .‬دهشته بساطة راع��ي الغنم عن وحشية الذهنية الغربية‪ ،‬يكفي أن نذكر منها‬ ‫وق��ن��اع��ة الفقير وك���رم ساكني دور الصفيح رغم محاكم التفتيش‪ ،‬وإب��ادة الهنود الحمر‪ ،‬واستعمار‬ ‫حاجتهم وعوزهم‪ ،‬صدم بالحقيقة التي يواجهها‪ .‬الشعوب واستغالل مواردها‪ .‬هذا الغرب الذي دمر‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪107‬‬


‫العراق وأفغانستان‪ ،‬وساعد ويساعد في تجويع السالم للشاعر السويسري برينو ميرسي)‪ ،‬ليتعرف‬ ‫الشعب الفلسطيني وحصاره واستمرار مأساته‪ ،‬هو القارئ العربي أكثر على هذا الشاعر الملتزم الذي‬ ‫من يجب الحذر منه‪ ،‬هكذا ص��رح لي في حديث ينتمي إلى بلد حظر بناء مآذن جديدة على ترابه‪:‬‬ ‫معه دار في مقهى شعبي بمدينة مراكش‪ ،‬ما جعلني‬ ‫(المنجز الشعري ل��دى برينو ميرسي ترحا ٌل‬ ‫أالمس عن قرب روح هذا الشاعر األجنبي الذي وتماهي مع اآلخر العربي المسلم‪ ،‬ومعانق ٌة وتقاس ٌم‬ ‫استهوته الحياة العربية‪ ،‬ووجدت تجاوبا عميقا في آلالمه وجراحاته المستمرة‪ ،‬نجده باستمرار يدعو‬ ‫نفسه بكل جزئياتها البسيطة والمعقدة‪.‬‬ ‫إلى األخوة الطاهرة والصداقة العفوية‪ ،‬يعمق من‬

‫وه��و إذ يكتب الشعر ويسخر ل��ه ك��ل إمكاناته‬ ‫المادية والمعنوية‪ ،‬فألنه يؤمن بقدرة الكلمة على‬ ‫صنع الفارق وتغيير األح��داث وال��رؤى‪ .‬وهو ‪ -‬كما‬ ‫ق��ال عنه المترجم والكاتب المغربي عبدالغفار‬ ‫سويريجي‪ -‬ينتمي إلى تلك الفئة القليلة من الكتاب‬ ‫الذين ما يزالون يؤمنون بدور الكلمة في الدفاع عن‬ ‫حقوق الشعوب والمستضعفين‪.‬‬ ‫سألته ذات يوم عن عالقته بالمغرب‪ ،‬فأجاب‬ ‫في هدوء وثقة‪:‬‬ ‫ ال أع���رف‪ ,‬لكني م��ه��ووس ب��ه‪ ،‬ول��م أع��ل��م أن‬‫أول زيارة للمغرب رفقة زوجتي ستتكرر‪ ،‬وستجعل‬ ‫ه��ذا ال��ج��زء م��ن األرض ال���ذي طالما ك��ان مكانه‬ ‫الهامش‪ ،‬يصبح مألوفا ويصعد للواجهة‪ ..‬مفندا‬ ‫ك��ل اإلدع�����اءات ال��ت��ي سبقت ال��رح��ل��ة‪ .‬ول��و علمت‬ ‫مسبقا أن زيارتي ستنجلي على هذا العالم المثالي‬ ‫الساحر‪ ،‬لعجلت بها منذ زمن بعيد‪ .‬ولكن ال بأس‪..‬‬ ‫ما دمت اكتشفت حقيقة اإلنسان العربي المسالم‬ ‫المضياف‪ ،‬وال��ذي ال تهمه من الدنيا بأسرها إال‬ ‫السعادة وراحة البال‪.‬‬ ‫كانت إجابته كافية شافية ألدرك أن من أ ُحدثه‬ ‫شخص نبيل‪ ،‬يتحدث بدافع الحب واإلخاء؛ شخص‬ ‫أصبحت قضيته األولى الدفاع عن الشرق‪ ،‬وما كان‬ ‫بعدها لي‪ ،‬إال أن أهنئ نفسي على فرصة التعرف‬ ‫على ش��اع��ر مخلص وأم��ي��ن‪ ،‬يمكن ل��ه م��ن خالل‬ ‫الكلمة رد االعتبار لإلنسان ال��ع��رب��ي‪ ..‬وتصحيح‬ ‫المفاهيم المغلوطة عنه‪ .‬س��أورد ما كتبه الناقد‬ ‫والكاتب المغربي حسن لغدش في مقالته (مئذنة‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫خاللهما مشروعا شعريا مبنيا على التسامح والحوار‬ ‫بين الثقافات واألديان‪ ،‬بحثا في ذلك عن الماهية‬ ‫الموحدة لبني البشر‪ .‬لحسن الحظ هناك أناس‬ ‫يستطيعون بكلمتهم أن يوثقوا للضياع وللمتاهات‪..‬‬ ‫ليكشفوا للقارئ فداحة الوعي المغلوط‪ ،‬وليرسموا‬ ‫في خلوتهم الشعرية ليس فقط المآذن التي تدعو‬ ‫للسالم ولوحدانية الخالق ولسقوط الحواجز بين‬ ‫الناس‪ ،‬بل ليكرموا نبل اإلحساس‪ ،‬وليفتحوا جبهة‬ ‫للنضال من أجل أن يستعيد اإلنسان إنسانيته‪.).‬‬ ‫وال��م��ت��ت��ب��ع ألع��م��ال م��ي��رس��ي ال��ش��ع��ري��ة يالحظ‬ ‫ارت��ب��اط الشاعر الوثيق بما حوله‪ ،‬وت��أث��ره الكبير‬ ‫بقضايا العالم االجتماعية واالق��ت��ص��ادي��ة‪ ،‬وحتى‬ ‫البيئية منها‪ .‬ودواوي���ن���ه تعبر ع��ن ص��وت الحياة‬ ‫واإلن��س��ان في غمرة الغوغاء وال�لاوع��ي‪ .‬وعبرها‬ ‫نالمس نضال شاعر لم يجد مناصا من ترجمة‬ ‫أحاسيسه إلى صور شعرية‪ ،‬ألجل الرقي بالبشرية‬ ‫نحو غ��د مشرق لجميع أطيافه وأع��راق��ه‪ .‬وحين‬ ‫ق��ال الكاتب والناقد والمترجم ‪ ,‬الدكتور محمد‬ ‫آي���ت ال��ع��م��ي��م‪ :‬أن م��ش��روع م��ي��رس��ي م��ؤس��س على‬ ‫النزعة اإلنسانية‪ ،‬وعلى المحبة وال��ح��وار الفعال‬ ‫بين البشر‪ ،‬باختالف دياناتهم وهواياتهم وثقافاتهم‬ ‫ولغاتهم‪ ،‬بحثا عن الجوهر الموحد لإلنسان قبل أن‬ ‫تلوثه الخالفات والصراعات‪ ..‬وتباعد بينه األعراق‬ ‫واألجناس‪ .‬أكد أنه مشروع يدعو إلى العودة إلى‬ ‫النبع‪ ..‬وإلى السباحة عكس التيار الذي تغير لونه‬ ‫بطول المسافة‪ ،‬سعيا للوصول إلى العين األولى‬ ‫الصافية‪ .‬ولعل هذه المقتطفات تميز بوضوح نبرة‬ ‫برينو ميرسي الصادقة التي تحتفي باإلنسان كيفما‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫كان ‪ ,‬وأينما وجد‪:‬‬ ‫يحلم أهل الصحراء بثلج‪.‬‬ ‫المسلمون كلهم أبرياء‪.‬‬ ‫كم من دماء يدفعون‬ ‫و صناع الحرب النفط يسرقون!‬ ‫أثلجت سماء العراق‪،‬‬ ‫ندفا رقيقة بعثت حياة‪.‬‬ ‫أطفأ الثلج نار القتال؛‬ ‫هناك حيث يلعب بوش شطرنج‪.‬‬ ‫يلعبون جولف في الخليج‬ ‫يلعبون في حفر خلفتها قنابل‪.‬‬ ‫من أباح لكم أهل الشمال‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أن تجعلوا األرض ساحة قتال ‪.‬‬ ‫ومن قصيدة محل بيع الجواهر‬ ‫كل النخيل مثقل بالتمور‪.‬‬ ‫الشيخ‪ ،‬في مقهى الشهبندر‪،‬‬ ‫يهش برأس مغضنة‪ ،‬في هدوء‪.‬‬ ‫إنه حارس الذاكرة‪.‬‬ ‫سيدي! أين يوجد شارع كرادا!‬ ‫حيث محل بائع الجواهر‪.‬‬ ‫رجل يتأنق دائما!‬ ‫ويتحدث عن ابنه الذي يكتب‬ ‫لقد شوهد في شارع المتنبي‪،‬‬ ‫في زقاق سوق الكتب‪،‬‬ ‫يشتري ولعا كي يعيش‪،‬‬ ‫ببعض الدنانير قصصا جميلة‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ومن قصيدة إخوتي في غزة‬ ‫إخوتي في غزة الذين سقطوا فوق األرض‬ ‫جفت الشفاه من الخوف‪،‬‬ ‫وسد الحنجرة غيظ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫الخوف والحقد‪ ،‬ليسا كلمات‬ ‫كل لفظة هي فأر‬ ‫في كيس حيات‪.‬‬ ‫أسمع تراتيل‬ ‫آالمكم والصرخات‪ ،‬تلك التي بها ال تجهرون‪.‬‬ ‫صفحٌ؟‬ ‫أ َو كُرهٌ أم َ‬ ‫أدعو السماء‬ ‫أبتلع صلوات الرمال‪...‬‬ ‫السالم والعدالة االجتماعية والتسامح معان‬ ‫ي��رس��خ لها برينو ميرسي ف��ي رح��ل��ة إل��ى الشرق‪،‬‬ ‫م��ن��اه��ض��ة للفكر ال��غ��رب��ي المتعصب والمركزية‬ ‫الغربية‪ ،‬رحلة تربط اإلنسان بنفسه وباألخر‪ ،‬ليؤكد‬ ‫م��رة أخ���رى وم��ن ج��دي��د على حتمية ال��ح��وار بين‬ ‫الحضارات كضرورة وجودية‪ ..‬وليس كلعبة خاضعة‬ ‫لسيطرة السياسيين وأهوائهم‪ .‬عبر لغة بسيطة‬ ‫ُحي إدراكنا بالحس اإلنساني الذي يشكل‬ ‫مباشرة‪ ،‬ت ِ‬ ‫همزة الوصل بيننا‪ .‬وما نقل الشاعر للحياة اليومية‬ ‫التي المسها عن قرب خالل زياراته لبعض الدول‬ ‫العربية‪ ،‬إال محاولة أخرى لكسر الهوة بين الشمال‬ ‫والجنوب‪ .‬وهذا ما يجعل منه خطابا شعريا خاصا‬ ‫يمزج الشرق بالغرب‪ ..‬ويتعدى المصالح وإكراهات‬ ‫العصر إلى الحياة السعيدة المثلى التي يفتقدها‬ ‫ويرغبها الجميع‪.‬‬

‫* كاتب وشاعر من المغرب‪.‬‬ ‫(‪ )1‬قصيدة ثلج وسلم ص ‪ 98‬من ديوان أالم دجلة (سنة ‪2005‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ص ‪ 108‬من ديوان مستنقعات الجنوب (سنة ‪2008‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ص ‪ 19‬من ديوان فلسطين المغرب (سنة ‪2009‬م)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪109‬‬


‫جتويد الشعر العربي احلديث‪:‬‬ ‫تشكيل السكت‬

‫(‪)1‬‬

‫> د‪ .‬محمد الصفراني*‬

‫إن مفهوم تشكيل السكت يختص بظهور تشكيله‬ ‫في الكتابة‪ /‬التشكيل البصري (التلقي البصري)‪ .‬وقد‬ ‫عرَّ ف التجويديون ظهور السكت في المشافهة التشكيل‬ ‫الصوتي (التلقي السمعي) بقولهم‪ :‬السكت في اللغة‪:‬‬ ‫االمتناع‪ ،‬يقال سكت زيد عن الكالم إذا امتنع عنه‪ .‬وفي‬ ‫االص��ط�لاح‪ :‬قطع ال��ص��وت ع��ن ال��ق��راءة زمنا دون زمن‬ ‫الوقف ع��ادة‪ ،‬من غير تنفس مقدار حركتين مع قصد‬ ‫القراءة‪ .‬وهو مقيد بالسماع‪ ،‬فال يجوز إال فيما ثبت فيه‬ ‫النقل وصحت به الرواية(‪ ،)2‬فمواضع السكت في القرآن‬ ‫الكريم معلومة لدى القراء‪ ،‬إذ يقرأ لحفص بالسكت مع‬ ‫عدم التنفس في ستة مواضع من القرآن الكريم(‪.)3‬‬ ‫ومن مواضع السكت في القرآن الكريم وعالمة السكت في القرآن الكريم (س)‬ ‫< السكت على ألف {مرقدنا} في قوله ف���وق آخ���ر ح���رف م��ن ال��ك��ل��م��ة المسكوت‬ ‫تعالى {قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا عليها‪.‬‬ ‫هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}‬ ‫وم���ن ال��ن��ص��وص ال��ت��ي وظ��ف��ت تشكيل‬ ‫(ي����س‪ )52 :‬وح��ك��م��ة ال��س��ك��ت ع��ل��ى ألف ال��س��ك��ت ن��ص إلب��راه��ي��م ص��ع��اب��ي بعنوان‪:‬‬ ‫{مرقدنا} هي دفع توهم أن اسم اإلشارة «مقاطع تقتلها التحوالت»(‪:)5‬‬ ‫ص��ف��ة {م��رق��دن��ا}‪ ،‬وإن��م��ا ه��و مبتدأ(‪.)4‬‬ ‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫كان ما بيني وبين الفجر دربا من جراح‬


‫ال أعرف ما معنى الصباحْ؟‬

‫يتجلى تشكيل السكت ف��ي السطر الثاني‪.‬‬ ‫فقد أوق��ف الشاعر الخط عند حرف التاء من‬ ‫كلمة ك��ن��ت‪ .‬وق���د أب���رز ال��ش��اع��ر ال��س��ك��ت بقطع‬ ‫ال��س��ط��ر ووض���ع نقطتين‪ ،‬واالب���ت���داء م��ن سطر‬ ‫جديد ليوجه المتلقي إلى السكت على التاء عند‬ ‫نطقه (اإللقاء) مقدار حركتين‪ .‬وقد عبر الشاعر‬ ‫عن مقدار الحركتين بوضع النقطتين‪ .‬ويهدف‬ ‫تشكيل السكت هنا إل��ى إنتاج دالل��ة من خالل‬ ‫تجسيد سمة من سمات األداء الشفهي الصمتية‪،‬‬ ‫تتمثل في السكت على التاء زمنا يسيرا بمقدار‬ ‫حركتين‪ ،‬مع قصد استئناف القراءة بغية إشراك‬ ‫وم��ن النصوص التي وظفت تشكيل السكت‬ ‫المتلقي في تصور ما يمكن أن يكونه الشاعر‬ ‫إلى جانب كونه ال يعرف ما معنى الصباح‪ .‬وقد نص لعبد الرحمن موكلي بعنوان‪« :‬الموت»(‪:)7‬‬ ‫مكن تشكيل السكت الشاعر من إيصال‪ /‬حضور‬ ‫ارتقي سلم الريب‪ ..‬يرقى!‬ ‫سكوته‪ /‬صمته إلى المتلقي عبر الكتابة‪ /‬الغياب‬ ‫أهبط‪..‬‬ ‫بالرغم من غياب الذات الساكتة بسبب الكتابة‪.‬‬ ‫يهبط مع الريق في الحلق!‬ ‫ومن النصوص التي وظفت تشكيل السكت نص‬ ‫يتجلى تشكيل السكت في السطرين األول‬ ‫لعبد الله الخشرمي بعنوان‪« :‬وصايا النخيل»(‪:)6‬‬ ‫والثاني‪ ،‬فقد أوق��ف الشاعر الخط عند حرف‬ ‫أين الكالم‬ ‫ال��ب��اء م��ن كلمة ال���ري���ب‪ ،‬م��ب��رزا ال��س��ك��ت بقطع‬ ‫تفصد في ثغره البرق‬ ‫ّ‬ ‫السطر‪ ،‬ووضع نقطتين أفقيتين‪ ،‬ثم كلمة يرقى‬ ‫ليوجه المتلقي إلى السكت على حرف الباء من‬ ‫نخل تطاول في صمته‬ ‫كلمة الريب عند نطقه (اإللقاء) مقدار حركتين‪.‬‬ ‫‪....................‬‬ ‫وق��د عبقر الشاعر عن مقدار حركات السكت‬ ‫‪ ..................‬آه‬ ‫بوضع النقطتين‪ .‬ويهدف تشكيل السكت هنا إلى‬ ‫يتجلى تشكيل السكت في السطر الثالث‪ .‬فقد إنتاج دالل��ة من خ�لال تجسيد سمة من سمات‬ ‫أوقف الشاعر الخط عند حرف الهاء من كلمة األداء الشفهي الصمتية‪ ،‬تتمثل في السكت بقطع‬ ‫صمته‪ .‬وقد أبرز الشاعر السكت بقطع السطر الصوت عن القراءة زمنا يمكن المتلقي من تصور‬ ‫واالب��ت��داء م��ن سطر جديد ق��وام��ه تمدد نقطي حركة رقي الشاعر سلم الريب‪ ،‬والحركة الموازية‬ ‫يساوي مسافة السطر السابق‪ ،‬ويليه سطر جديد لحركة ال��ش��اع��ر‪ ،‬متمثلة ف��ي رق��ي سلم الريب‬ ‫قوامه تمدد نقطي‪ ،‬وختامه اسم الفعل آه‪ ،‬ويساوي نفسه‪ ،‬ليجسد للمتلقي مباراة الرقي‪ /‬الصعود‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫كنتُ ‪..‬‬

‫السطر السابق‪ ،‬ليوجه المتلقي إلى السكت على‬ ‫حرف الهاء من كلمة صمته عند نطقه (اإللقاء)‬ ‫مقدار ثمان وثالثين حركة‪ .‬وقد عبقر الشاعر‬ ‫عن مقدار حركات السكت بوضع ثمان وثالثين‬ ‫نقطة‪ .‬ويهدف تشكيل السكت هنا إلى إنتاج داللة‬ ‫من خالل تجسيد سمة من سمات األداء الشفهي‬ ‫الصمتية‪ ،‬تتمثل في السكت بقطع الصوت عن‬ ‫ال��ق��راءة زمنا طويال يعكس ط��ول ال��زم��ن الذي‬ ‫تطاول فيه النخل ساكتا‪ /‬صامتا (نخل تطاول‬ ‫في صمته)‪ .‬وقد مكن تشكيل السكت الشاعر من‬ ‫إيصال‪ /‬حضور سكوته‪ /‬صمته إلى المتلقي عبر‬ ‫الكتابة‪ /‬الغياب بالرغم من غياب الذات الساكتة‬ ‫بسبب الكتابة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪111‬‬


‫نتعاطى التشرد‬ ‫عيناه يمكنها‬ ‫أن ترى في هدوء‬ ‫رفاق‬ ‫الطفولة‬ ‫والصعلكة‬

‫بين الشاعر وسلم الريب‪ ،‬ويتجلى السكت في‬ ‫السطر الثاني بمقدار حركتين‪ ،‬ليمكن المتلقي‬ ‫م��ن ت��ص��ور الحركة المعاكسة لحركة الصعود‬ ‫والمتمثلة في الهبوط (ارتقي‪ ..‬يرقى ‪ X‬أهبط‪..‬‬ ‫يهبط) ومثلما كانت حركة السلم موازية لحركة‬ ‫الشاعر في الصعود فهي موازية له في الهبوط‪،‬‬ ‫لكن التضاد يقع بين الحركتين في صورتيهما‬ ‫يتجلى تشكيل السكت في السطر الثالث‪ .‬فقد‬ ‫الكلية‪ .‬وق��د مكن تشكيل السكت الشاعر في أوقف الشاعر الخط عند حرف الهاء من كلمة‬ ‫السطرين من إيصال‪ /‬حضور سكوته‪ /‬صمته مسلكه‪ ،‬وأب��رز السكت بقطع السطر واالبتداء‬ ‫إل��ى المتلقي عبر الكتابة‪ /‬الغياب بالرغم من‬ ‫من سطر جديد قوامه تمدد نقطي‪ ،‬ويليه سطر‬ ‫غياب الذات الساكتة بسبب الكتابة‪.‬‬ ‫جديد قوامه تمدد نقطي‪ ،‬ثم استأنف الكالم‪/‬‬ ‫وم��ن النصوص التي وظفت تشكيل السكت الكتابة في السطر السادس ليوجه المتلقي إلى‬ ‫نص إلبراهيم زول��ي بعنوان‪« :‬أصحبه نتعاطى السكت على حرف الهاء من كلمة مسلكه عند‬ ‫التشرد»(‪:)8‬‬ ‫نطقه (اإللقاء) بحركات تساوي مقدار النقط‪.‬‬ ‫هذا دم يتقاطر‬ ‫خلف حدود العيون‪...‬‬ ‫تهيأ من بعد‬ ‫موت العصافير‬ ‫والشجر المتعانق‬ ‫سمى الوقوف على‬ ‫أهبة الموت‬ ‫من زمن مسلكه‬ ‫‪.........................‬‬ ‫‪.........................‬‬ ‫كنت أصحبه‬ ‫* ‬

‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬

‫وق��د عبّر الشاعر ع��ن م��ق��دار ح��رك��ات السكت‬ ‫بوضع النقط‪ .‬ويهدف تشكيل السكت هنا إلى‬ ‫إنتاج دالل��ة من خ�لال تجسيد سمة من سمات‬ ‫األداء الشفهي الصمتية‪ ،‬تتمثل في السكت بقطع‬ ‫الصوت عن القراءة زمنا طويال يمكن المتلقي‬ ‫من االنتقال من تصور حالة وصف الرفيق‪ /‬الدم‬ ‫المتقاطر خلف حدود العيون‪ ،‬إلى تصور حالة‬ ‫العالقة التي تربطه به‪ .‬وقد مكن تشكيل السكت‬ ‫الشاعر من إيصال‪ /‬حضور سكوته‪ /‬صمته إلى‬ ‫المتلقي عبر الكتابة‪ /‬الغياب بالرغم من غياب‬ ‫الذات الساكتة بسبب الكتابة‪.‬‬

‫أستاذ النقد الحديث ‪ -‬جامعة طيبة‪.‬‬ ‫وأعني بتشكيل السكت‪ :‬توقف الخط عند كلمة محددة زمنا يسيرا ال يكتب فيه توقفا بنية استئناف الكتابة‪.‬‬ ‫دريان‪ ،‬عبداللطيف – التبيين في أحكام تالوة الكتاب المبين – ص‪511‬‬ ‫الطويل‪ ،‬أحمد – فن الترتيل وعلومه – ج‪ -2‬ص ‪901‬‬ ‫دريان‪ ،‬عبداللطيف – التبيين في أحكام تالوة الكتاب المبين – ص ‪512‬‬ ‫صعابي‪ ،‬إبراهيم – وقفات على الماء – ط‪ – 1‬نادي المدينة المنورة األدبي – ‪1991‬م – ص ‪35‬‬ ‫الخشرمي عبدالله – ذاكرة ألسئلة النوارس –ط‪ -1‬نادي جدة األدبي – جدة – ‪1410‬هـ ‪ -‬ص ‪96‬‬ ‫موكلي‪ ،‬عبدالرحمن – يخفف ثقل الروح – ط‪ -1‬دار االنتشار العربي – مصر – ‪2007‬م‪ -‬ص‪91‬‬ ‫زولي‪ ،‬إبراهيم – تأخذه من يده النهارات – ط‪ -1‬نادي المنطقة الشرقية األدبي – الدمام – ‪2008‬م‪ -‬ص‪18‬‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫أزمة اللغة أم أزمة اإلبداع‬ ‫> د‪ .‬محمود عبداحلافظ خلف الله*‬

‫ارتباطا وثيقً ا‪ ،‬حتى جعلها‬ ‫ً‬ ‫ارتبطت اللغة باإلنسان‬ ‫بعض العلماء أنها اإلنسان نفسه‪ ،‬والتعريف هنا بالطبع‬ ‫ال يعني التطابق أو الوصف الحرفي‪ ،‬إال أنه يراد به إبراز‬ ‫دور اللغة في تحقيق ماهية اإلنسان؛ لذا نرى أن أفضل‬ ‫تعريف لإلنسان من هذا المنظور‪ :‬أنه مخلوق ناطق؛‬ ‫وه��ذا يعني أن اللغة شطر ماهيته‪ ،‬وال��دالل��ة المادية‬ ‫والمعنوية على قدرته العقلية‪ ،‬أقصد اإلن��س��ان الذي‬ ‫اختصه الله بها دون سائر المخلوقات‪ .‬فاللغة ثمرة‬ ‫العقل وأدات��ه في الوقت نفسه‪ ،‬والعقل جوهر اإلنسان‪،‬‬ ‫وكالهما معً ا سرُّ تكليفه بخالفة األرض‪.‬‬ ‫ولما أنعم الله على اإلنسان بنعمة اللغة؛ عنها‪.‬‬ ‫فإنه بذلك قد ملَّكه القدرة على السيطرة‬ ‫فباللغة يخلق اإلن��س��ان أف��ك��اره‪ ،‬وينسج‬ ‫أيضا‬ ‫على البيئة بأكملها‪ ،‬إذ أن اللغة برموزها عالمه الفكري الذي قدره الله له‪ ،‬وبها ً‬ ‫وكلماتها تحل محل األشياء والموضوعات يروّض هذه األفكار نفسها متى لزم األمر؛‬ ‫ال��ت��ي ت��رم��ز إليها‪ ،‬وب���ذا يستطيع اإلنسان وهذا يدلل على العالقة الواضحة بين اللغة‬ ‫ال��ت��ع��ام��ل م��ع ك��ل م��ا ي��ح��ي��ط ب��ه بترميزه‪ ،‬والتفكير؛ حيث تعد اللغة وسيلة التفكير‬ ‫حيث إنه من الصعوبة بمكان‪ ،‬أن يستخدم ونتاجه في الوقت عينه‪ ،‬وكلما ارتقت اللغة‬ ‫اإلنسان األشياء واألغ��راض على طبيعتها ازداد التفكير عمقًا ون��ض��جً ��ا‪ ،‬واستطاع‬ ‫ليستفيد منها؛ هذا فضلاً عن أن األغراض ال��م��رء سبر أغ���وار الحياة ح��ول��ه؛ فيتمكن‬ ‫المعنوية لبني البشر يصعب بل يستحيل بذلك ليس من صناعة حياته فحسب‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫أحيانًا الحصول على دليل حسي‬ ‫تعويضا من إبداع مستقبل أمة بأسرها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪113‬‬


‫ويذكر تشومسكي صاحب النظرية التوليدية‬ ‫الشهيرة أن هناك تفاعال فريدا بين اللغة واإلبداع‪،‬‬ ‫إذ يرعى األول الثاني منذ مرحلة االحتضان‪،‬‬ ‫مرورًا باالختمار‪ ،‬ثم البزوغ اإلبداعي في النهاية‪،‬‬ ‫فمن دون اللغة ال يتم ذل��ك على اإلط�لاق‪ ،‬هذا‬ ‫ا ع��ن وج���ود ت��م��اث��ل ف��ي البصمة اللغوية‬ ‫ف��ض�ل ً‬ ‫اإلبداعية للشخص نفسه؛ فكل المبدعين لهم‬ ‫وهذا الطرح ال يصطفي لغة بعينها من حيث‬ ‫بصمة لغوية يتفردون بها في التفكير والتعبير‪ ،‬عالقتها بالتفكير‪ ،‬فهذا شيء بدهي‪ ،‬إال أن هناك‬ ‫يستحيل أن تتماثل مع اآلخ��ري��ن‪ ،‬وه��ذا يقودنا أمرًا ال يمكن إغفاله‪ ،‬وهو أي لغة يستطيع المرء‬ ‫إلى المقولة النقدية للجاحظ ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬إن أن ينمّي بها تفكيره دون غيرها من اللغات؟‬ ‫المعاني واألفكار مشاع للجميع‪ ،‬ولكن ما يميز‬ ‫إن اللغة األم دون غيرها هي أساس التفكير‬ ‫فكرة عن غيرها هي إبداعية األديب ولغته‪.‬‬ ‫واإلب��داع‪ ،‬وقد أثبتت نتائج البحوث والدراسات‬ ‫وعلى الجانب اآلخر في هذا السياق قد يتبادر العلمية في هذا المجال‪ ،‬صعوبة استخدام مهارات‬ ‫إلى أذهان البعض سؤال مفاده‪ :‬ما عالقة اللغة التفكير التباعدي التي ينتج عنها اإلب���داع‪ ،‬من‬ ‫باإلبداع العلمي مثلاً ؟‬ ‫خالل استخدام اللغة الثانية؛ وأن هناك صراعات‬ ‫إن التفكير العلمي ال يتم مجردًا دون وجود ذهنية ‪ -‬إن جاز التعبير ‪ -‬يعاني منها المرء من‬ ‫أوعية لغوية يحمّلها المبدع أفكاره؛ ليعيد قراءتها جراء تأثير لغته الثانية على األولى في التفكير‬ ‫ذهنيًا بمعانيها ودالالتها األصلية‪ ،‬أو بمفاهيم أو العكس‪ .‬ففي معظم األحيان‪ ،‬تكون الغلبة للغة‬ ‫أخ��رى جديدة أكثر عمقًا‪ .‬ومنطقيًا‪ ،‬ب��دون هذه األول��ى رغم التزاحم ال��ذي تسببه اللغة الثانية‪،‬‬ ‫األوعية الفكرية واللغوية ال يستطيع المبدع أن بحكم طبيعة التخصص أح��ي��ا ًن��ا‪ .‬وال يستطيع‬ ‫يفكر أو ينسج العالقات المنطقية التي يقوم المرء اإلب��داع إال إذا تخلص من ه��ذا الصراع‪،‬‬ ‫عليها جوهر العلم‪ .‬هذا فضلاً عن أن المعايير واستطاع تحييد إحدى اللغتين على اإلطالق‪.‬‬ ‫والمحكات العلمية التي يحكم بها العالم نفسه‬ ‫وال ي��راد بذلك تصدير حكم ع��ام أو مسلمة‬ ‫ع��ل��ى م���دى ص��ح��ة إن��ت��اج��ه ال��ع��ل��م��ي‪ ،‬ه��ي لغوية علمية‪ ،‬فنتائج العلم كما يعرف الجميع نسبية‪..‬‬ ‫في المقام األول‪ ،‬وإن كانت في شكل رم��وز أو وال يمكن تعميمها مطلقًا‪ ،‬وما يخالف هذا الحكم‬ ‫مصطلحات علمية مختزلة في العقل‪ ،‬إال أنها واض ٌح في بعض النماذج التي نقرأ عنها أو نراها‪.‬‬ ‫تعني م��ع ٍ‬ ‫��ان ودالالت فكرية ذات صبغة لغوية فقد أثبت بعض العلماء العرب مثلاً تميزًا وإبداعً ا‬ ‫حتمًا‪.‬‬ ‫علميًا ف��ي م��ج��االت مختلفة م��ن العلوم‪ ،‬تعتمد‬ ‫فيزيائية أو كيميائية أو رياضية‪ ..‬إلخ‪ ،‬من خالل‬ ‫تطويره أو دمجه أو تركيبه مع غيره دون االعتماد‬ ‫على منطقية فكرية لغوية يقرها العقل‪ ،‬وتأتي‬ ‫اإلب��داع��ي��ة العلمية على ق��در م��دى وض��وح هذه‬ ‫ال��دالالت الذهنية‪ ،‬وال��ق��درة على توليفها برؤية‬ ‫جديدة يتمخض عنها البزوغ اإلبداعي‪.‬‬

‫فكل مصطلح أو تركيب علمي يختزله العقل‬ ‫في هيئة رموز‪ ،‬لها دالالت لغوية وفكرية يقرها‬ ‫العقل والمنطق‪ ،‬وال يستطيع العالم استخدام‬ ‫ه��ذا المصطلح في أي من المباحث العلمية‪..‬‬

‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫دراستها في المقام األول على اللغة اإلنجليزية‪،‬‬ ‫أو غيرها من اللغات األجنبية‪ ،‬ولكن ال ننسى أن‬ ‫ه��ؤالء هم نماذج نخبوية‪ ،‬اختصهم الله ببعض‬ ‫الصفات دون غيرهم‪ ،‬تتيح لهم التميز واإلبداع‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫في أي بيئة مهما كانت ظروفها‪.‬‬ ‫تتمحور حولها جميع األسباب بشكل مباشر أو‬ ‫ومن دون تحيز عاطفي يتهم به العرب دائمًا‪ ،‬غير مباشر‪.‬‬ ‫تأتي اللغة العربية في طليعة اللغات التي تنمي‬ ‫و األدلة على ذلك كثيرة‪ :‬أين تعليمنا للغة من‬ ‫التفكير واإلب���داع‪ .‬وإذا كانت شهادة العرب في إع��داد المقررات اللغوية‪ ،‬وبنائها على مهارات‬ ‫ذل��ك مجروحة‪ ،‬فلنستشهد بشهادة الغير‪ ،‬فقد فكرية عليا تنمي التفكير واإلب����داع؟ أي��ن نحن‬ ‫ذكر «روفائيل بيتي» في كتابه «اللغة والتفكير» من التعليم للغة ليس عن اللغة؟ لألسف نحن‬ ‫عن اللغة العربية‪ :‬إنني أشهد من خبرتي الذاتية نستخدم تعلم اللغة في مستوياته الدنيا‪ ،‬كوسيلة‬ ‫أنه ليس ثمة بين اللغات التي أعرفها‪ ،‬لغة تكاد لتعلم واستيعاب المفاهيم والمعلومات األدبية‬ ‫تقترب من العربية‪ ،‬س��واء في طاقتها البيانية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬ولم نتطرق في مناهجنا أو مقرراتنا‬ ‫أو قدرتها اإلبداعية من حيث الثراء والمرونة‪ ،‬بشكل ملحوظ وفاعل‪ ،‬إلى إتقان مهارات اللغة‬ ‫فهي تخترق جميع مستويات الفهم واإلدراك‪ ،‬نفسها استماعً ا وتحدثًا وقراءة وكتابةً‪ ،‬وربطها‬ ‫وتنفذ بشكل مباشر إلى المشاعر واألحاسيس‪ ،‬في كل ذلك بجميع مهارات التفكير‪.‬‬ ‫تاركة عميق األثر في النفس‪ ،‬فهي أشبه ما تكون‬ ‫أليس من المثير للدهشة واألسف أن يطلب‬ ‫بالموسيقى‪.‬‬ ‫المعلم م��ن ط�لاب��ه أن يفكروا ف��ي ح��ل معضلة‬ ‫فليس أدل على إبداعية العربية من رقيها علمية‪ ،‬أو مشكلة ما‪ ،‬دون أن يدربهم أو يعلمهم‬ ‫الستيعاب أعظم فكر شهدته البشرية متمثل كيف يفكرون؟! أو يطلب منهم قراءة نص بعينه‪،‬‬ ‫ف��ي ال��ق��رآن ال��ك��ري��م‪ ،‬ه��ذا ف��ض�ًل�اً ع��ن تجاوزها ولم يدربهم كيف يقرأون؟!‬ ‫ال��خ��ص��ائ��ص اإلب��داع��ي��ة ال��م��ت��ع��ارف عليها مثل‬ ‫هل يذكر أي منا وهو يقرأ هذه الصفحات أنه‬ ‫المرونة الفكرية واللغوية وغيرها‪ ،‬إلى مزية فريدة تعلم في يوم ما من قبل مناهج اللغة أو معلميها‬ ‫تتجلى في القوة والرصانة على ألسنة الحاذقين‪ ،‬كيف تتم عملية القراءة‪ ،‬وما اآلليات التي يقوم‬ ‫والسهولة واالنسيابية واليسر لمن يرغب في بها ليقرأ قراءة جيدة؟ هل تعلم أي منا أن يفكر‬ ‫تعلمها؛ فقد استطاع جيل الشعراء المولدين في طريقة تفكيره‪ ..‬هل هي طريقة صحيحة أم‬ ‫من تجانس العرب مع العجم في عصر الخالفة ال؟ وما المعايير العلمية التي يستند إليها في‬ ‫العباسية‪ ،‬أن يتقنوا هذه اللغة‪ ،‬ويبارون بها كبار الحكم عليها؟‬ ‫فحول الشعراء من أصول العربية وأربابها‪.‬‬ ‫ف��ي الحقيقة‪ ،‬رغ��م صعوبة ال��واق��ع وفداحة‬ ‫و السؤال اآلن‪ :‬أين نحن في تعليمنا وتعلمنا الخسران في مستوى اإلب��داع الفكري والعلمي‬ ‫للغة العربية من هذا الطرح؟‬ ‫ل�لأم��ة ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬إال أن���ه ي��ج��ب أال نلعن دائمًا‬ ‫إن التراجع في إبداعية العلم واألدب روافده الظالم‪ ،‬ويحاول كل منا أن يبحث عن الحلول‬ ‫كثيرة بالطبع؛ إال أن الضعف الفكري اللغوي أو التي بين يديه‪ ،‬وأن يوقد شمعة لغوية يضيء بها‬ ‫اللغوي الفكري كما يراه الطرح السابق يأتي في ظالم الفكر‪ ،‬وأن نتخلى جميعًا عن فكرة الحلول‬ ‫مقدمة هذه األسباب‪ ،‬بل البؤرة الحقيقية التي الصعبة التي تجعل كل متاح مستحيلاً ‪.‬‬ ‫* ‬

‫أستاذ المناهج وطرائق تعليم اللغة العربية والتربية اإلسالمية المساعد ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪115‬‬


‫منمنمات على جدران دمشق القدمية‬

‫قصص محمد صباح احلواصلي – سوريا‬ ‫> أشرف اخلريبي*‬

‫بين العناوين التي تزيد على أربعين عنوانا‪ ،‬وما بين النصوص‬ ‫في تالقيها وأطروحاتها المختلفة من العام ‪1988 – 1981‬م‪،‬‬ ‫حيث كتبت هذه النصوص‪ ..‬فهل كانت تأريخ ًا لدمشق القديمة‬ ‫أم الحديثة‪ ،‬هنا لجدرانها وبيوتها وأشجارها وشوارعها وتاريخها‪،‬‬ ‫حنين ورؤى غامضة‪ .‬أم لغربة قاسية قصية تزيح وهم الحلم‪،‬‬ ‫لتعود إلى الطفولة في بعض من الفرح والشجن‪ ،‬الذي يسكن‬ ‫األيام التالية‪ ،‬من شجرة الحور العتيقة إلى شجرة الزيتون مع‬ ‫الخبيزة والحي القديم عند الباب الشرقي‪ .‬هي ذاك��رة ال تنتهي مع بدرية وأبو فراس‬ ‫والرضيع‪ ،‬ذلك الهارب من الدورية‪ ،‬فهل يحكي القمر غير البداية عن المقهورين‪ /‬عن‬ ‫درب الكينا‪ ،‬وبالغة الحجارة أو أزهار الحجارة‪ ،‬ألنه األقصى شهيد الفجر‪ ،‬وجها لوجه‪..‬‬ ‫يقف ليتساءل ببراءة أين الله؟‬ ‫بعد فوات األوان‪ ..‬فهل يراه في موت‬ ‫نظيرة خانم‪ ،‬يشاهد نورسان من لون الطهر‬ ‫وقوس قزح وعش الغراب‪ .‬ويبقى السؤال‬ ‫أليما فيقول أن الدنيا بخير‪ ،‬من الباب‬ ‫الشرقي يطل على بدرية واليمامة وفزع‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫الياسمين وماوية والعصفور‪ ،‬كي يكلمها‪..‬‬ ‫الطريق هي البنت التي وعدها أنه ستكون‬ ‫األي����ام جميلة أك���ي���د‪ ..‬ه��ك��ذا م��ض��ى في‬ ‫الحلم كي يبقى مع البنت والطريق‪ ،‬ويسلم‬ ‫نفسه التي تتسع إلى الرحيل كي تبدأ هذه‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ال��ن��ص��وص أول اكتشافها‬ ‫ث��وب ال��زف��اف ي��ا عروسي‪،‬‬ ‫عنقود من العنب ال ينفرط‬ ‫وفى غرفتي البسيطة التي‬ ‫في شكلها البديع‪ ،‬وروعتها‬ ‫تطل على حقول الخس‪..‬‬ ‫التي تنجز السرد بشفافية‪.‬‬ ‫سأقطف حمرة الخجل من‬ ‫بيد خبيرة ع��ارف��ة دروب‬ ‫وجنتيك‪ ،‬فيما أنت تدارين‬ ‫الحكي‪ ،‬لعلها ه��ذه اللغة‬ ‫حياءك بالنظر إلى القمر‪،‬‬ ‫ال��ع��ذب��ة ال��ث��ري��ة الفاعلة‪،‬‬ ‫وس��ن��ع��ي��د ح���ك���اي���ات زمن‬ ‫وتجسدتِها المختلفة وهى‬ ‫الشوق‪ ،‬وسنحاكي النجوم‬ ‫ت��م��ض��ى ب��ن��ا ل��س��ب��ر أغوار‬ ‫المتأللئة في حلكة السماء‪،‬‬ ‫ال��ح��دث‪ ،‬مع منطق البناء‬ ‫كما كنا نفعل دوما‪ ،‬بيد أننا‬ ‫وال���ح���ك���اي���ة ال��م��ل��ه��م��ة من‬ ‫في هذه المرة سنزف إليها‬ ‫ت��ف��اص��ي��ل ال���س���رد اآلل����ي‪،‬‬ ‫فرحنا‪ ،‬وسنزرع السماء في‬ ‫ت��ت��س��رب ب��خ��ف��ة ورشاقة‬ ‫رحابتها نجمة جديدة»‪ ..‬أو‬ ‫إلى نفوسنا وتملؤنا فرحا‬ ‫ن��ع��ب��ث ن��ح��ن باالحتماالت‬ ‫شجيا حين ال��ف��رح‪ ،‬وتبث‬ ‫ك����ي نُ����م����زق األس���ئ���ل���ة في‬ ‫االرت����ع����اش ال��ل��ذي��ذ حزنا‬ ‫ان���ت���ظ���ار اإلج����اب����ات التي‬ ‫وت��ع��اط��ف��ا ون��ح��ن نخوض‬ ‫يقدمها النص‪ ،‬لكنه غالبا‬ ‫غمار التجربة والتفاصيل‬ ‫ي���ق���دم اك��ت��ش��اف��ات مُ����روى‬ ‫المُفرحة الشجية على نحو‬ ‫عنها‪ ،‬في الذاكرة لقطات‬ ‫م��ا‪ ،‬ن��زاوج االتجاهات كي‬ ‫خبيئة مجسدة لمشاهدها‬ ‫تعبث بنا األق��دار‪ ،‬ونذهب‬ ‫ال��ش��ع��ري��ة الرومانتيكية‪،‬‬ ‫إلى الشجن متواطئين مع‬ ‫مُعلنة عن موقفها من العالم‬ ‫ال��ح��زن للحظات طوال‪/‬‬ ‫برؤية ناضجة متعبة‪ ،‬عبر‬ ‫نتعاطف مع بطل النصوص‬ ‫طفولة يتم التعبير عنها بيد‬ ‫برهافة مشاعره وشجنه‬ ‫راصدة لألهم من مواقفها‬ ‫المتعب‪.‬‬ ‫ف��ي ال��ع��ال��م‪ ،‬واكتشافاتها‬ ‫ال��م��خ��ت��ل��ف��ة‪ ،‬م���زواج���ة بين‬ ‫من قصة البئر «العروس»‬ ‫المحالين‪ ،‬وائتالفا يرصد‬ ‫«ل�����ق�����د م����ض����ى ذل����ك‬ ‫ال��وق��ائ��ع بعين واع��ي��ة‪ ،‬كي‬ ‫االن��ت��ظ��ار ال��م��ض��ن��ي‪ ،‬وها‬ ‫ت�����ت�����راص أم�������ام دهشتنا‬ ‫أن���ت أم��ام��ي حلما تحقق ب���إص���راري ع��ل��ى أن ع��ن ال��م��روى عنه‪ ،‬واخ��ت��زال ال��زم��ن ف��ي مروره‬ ‫تكوني لي‪ ..‬لي وحدي‪ ..‬وأن أحداً لن يستطيع الرهيب‪ ،‬وإحساس الفقد المقيت يحمل هموما‬ ‫أن يسرق ثمرة اصطباري‪ ،‬وليلة الغد سترتدين ذاتية غير غربته المريرة‪ ،‬هموم وطن أكبر من‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪117‬‬


‫كي تؤسس وتركز على كل ما هو إنساني ورائع‬ ‫فينا في مواجهة‪ ،‬وأمام تجارب وحكايات الواقع‬ ‫الشاقة والسيئة إلى أبعد حد‪ ،‬بالمزاوجة بين‬ ‫الفائت والحاضر‪ ،‬وكيف استطاعت هذه الكتابة‬ ‫أن ترصد هذا اللحن القديم‪ ،‬وتحقق الطفولة‬ ‫حلمها البكر‪ ،‬بأن تجعل هذا العالم بريء الرؤية‪،‬‬ ‫رغ���م م��ا ب��ه م��ن ش��ج��ون‪ ،‬ل��ه أح�لام��ه وأمانيه‬ ‫���واز ب��ال��ض��رورة‪ ،‬عالم‬ ‫وت��ص��ورات��ه‪ .‬إن��ه ع��ال��م م ٍ‬ ‫قابع خلف ه��ذه ال��ج��دران العتيقة في نفوسنا‬ ‫باألساس‪ ،‬ويعتمد على مساحات من الحدس‬ ‫والحلم‪ ،‬وال يكتفي بما هو أمامه من مكونات‬ ‫طبيعية ل��ل��ص��ورة‪ ،‬أو تراكيب ج��اه��زة معروفة‬ ‫الداللة‪ .‬إنه حصار المكان والزمن حصارا أزليا‪،‬‬ ‫ممعنا في تكبيل اإلنسان‪ ،‬والضغط على البراءة‬ ‫في مواجهة ظلم الوقائع وتحديها لكل ما هو‬ ‫إنساني‪.‬‬

‫مجرد العبور على فجيعة ال���ذات وخالصها‪،‬‬ ‫وتساؤلها المستمر اللهث لهذه الطفولة البريئة‪،‬‬ ‫كثيرة هي الحصارات والهزائم وانكسار الروح‬ ‫وفقد التواصل‪ ،‬وهذا الواقع الغني بالحكايات‬ ‫ينهمر بحماسة‪ ،‬كحماسة ال��م��ب��دع‪ ..‬وراصدا‬ ‫ل�لأح��داث‪ ،‬أو م���رورا رهيبا عليها‪ ،‬داك��ن��ا حد‬ ‫الشحوب الهزيل والعميق في آن واحد‪ ،‬شحوب‬ ‫الهمس لجذب تعاطفك المستمر‪ ،‬واستسالمك‬ ‫أمام عدل الشخصيات طول الوقت‪ ،‬وتعاطفنا‬ ‫المستمر م��ع وج��وده��ا وك��ي��ان��ه��ا‪ ..‬ح��ي��ث لهذه‬ ‫النصوص ال��ق��درة على استالب مشاعرك مع‬ ‫شخصياتها ونماذجها‪ ،‬دون رج��وع للخلف مع‬ ‫هذا القهر الذي يُمارس على الشخصيات في‬ ‫أي من جوانبها‪ ،‬س��واء أك��ان قهرا ملموسا أو‬ ‫خفيا؛ غير أنه في كون من العالقات المتداخلة‬ ‫للطفولة وعذوبتها أم��ام طغيان العالم‪ ،‬أيضا‬ ‫يتفاعل مع أحداث القصص‪ ،‬ويصب في قالبها‬ ‫(ل���و ي����درى ك��م أص��ب��ح��ت م��ول��ع��ا بالصمت‪.‬‬ ‫األساسي وبنيتها المتصاعدة على ال��دوام‪ ،‬مع حتى بركاني خمد‪ ،‬وحقول الرؤى واألحالم في‬ ‫الشخصيات المختلفة ال��ج��وان��ب م��ن سلطة داخلي قضمها القهر‪ .‬وت��دق ساحة خربة في‬ ‫الحكي‪ ،‬ودفء الحلم‪ ،‬ومرارة الواقع‪.‬‬ ‫ساحة المدينة اثنتي عشرة دقة‪ ،‬يُدوي صداها‬ ‫تتفجر الحوادث في هذه النصوص عند كل في جوفي‪ ،‬ويضع اليوم لمساته األخيرة على‬ ‫لحظة تالية تشف منها الحكاية‪ ،‬تنتزع اللحظة ص��دري‪ ،‬وينتهي النهار أب��دا بال انتهاء‪ ،‬رتيبا‬ ‫المروى عنها بجمال صدقها الفني‪ ،‬الذي يؤسس ب�لا ظ�ل�ال‪ .‬اخ��ت��ن��اق) م��ن قصة لمسات اليوم‬ ‫لسرد بالغ الشفافية‪ ،‬قابضا على هذا السرد األخيرة‪.‬‬

‫بلغة شعرية هامسة‪ ،‬هذه اللغة الشفافة تذوب‬ ‫أكثر في الشجن المتعب الساخر مع ذكريات‬ ‫الطفولة‪ ،‬تدور مع الرمز والفكرة حضورا وغيابا‪،‬‬ ‫تقدم النموذج المروى عنه ببعض تصوراته عن‬ ‫نفسه واألخر؛ تقيم العالقات النصية ببراعة مع‬ ‫ضمير المتكلم أو ضمير المخاطب‪ ،‬عبر ذاكرة‬ ‫الطفولة‪ /‬ذاك��رة الواقع ال��ذي نحكي عنه على‬ ‫الدوام بألفة ممتعة‪ ،‬ألنه ذكرياتنا األجمل على‬ ‫الدوام‪ ،‬وبراءتنا التي تبقى في نفوسنا‪ ،‬وذاكرتنا‬ ‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫هذا ما أراده الفنان‪ ،‬هذا الذي يضغط على‬ ‫كينونته‪ ،‬ويمتص منها شهدها وجمالها وعذوبتها‪.‬‬ ‫إنه زمن أليم‪ ،‬كنت أترقب صرير الباب‪ ..‬وهمس‬ ‫اللغة الحلوة الممتع وهي‪ :‬ماضية بالسرد ألقا‬ ‫وحضورا‪ ،‬حييا كالشخصيات الهامسة القريبة‬ ‫من القلب‪ ،‬الواقفة عند الوقائع بخبرة العارفين‪،‬‬ ‫المطمئنة لتوصيفها ال��دق��ي��ق‪ .‬ه��ك��ذا تسكننا‬ ‫الحكاية والتفاصيل الثرية المدهشة البريئة‪،‬‬ ‫تقنعنا على ال��دوام بحقيقة الحكاية‪ ،‬وحقيقة‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ال��ب��ن��اء ال����ذي يعتمد على‬ ‫س����رد ي���زه���و ب��ال��ل��غ��ة دون‬ ‫تعقيد‪ ،‬وينقل خبرة المروى‬ ‫ع��ن��ه إل���ى م��خ��زون الخبرة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬تفاصيل ورؤى‬ ‫وح��ن��ي��ن ب��م��ن��ط��ق السينما‬ ‫أحيانا‪ ..‬والحكاية أحيانا‬ ‫أخ�����������رى‪ ..‬والتفاصيل‬ ‫ال��ب��دي��ع��ة ف��ي ك��ل المرات‪،‬‬ ‫مع الفكرة الناضجة كثيرا‬ ‫ك��م��ا ف��ي ق��ص��ة (النداء)‪.‬‬ ‫وكثيرة هي األدوات‪ ،‬غير‬ ‫أنها ف��ي ي��د خبيرة تعرف‬ ‫متى وأي��ن وك��ي��ف؟ الكاتب‬ ‫مهتم بالحدوتة‪ ،‬ويستلهم‬ ‫مفردات السرد من وجود‬ ‫وح��ق��ي��ق��ة الشخصيات‪،‬‬ ‫وم��وق��ف��ه��ا م��ن ال��ع��ال��م‪ .‬إنه‬ ‫عالم مفتوح على الدوام‪،‬‬ ‫بالجرح يتساقط من أوراق‬ ‫اللغة والحروف‪ ،‬كي يفرش‬ ‫األرض‪ ،‬أرض النص‪ .‬ويبنى‬ ‫ب��ن��م��اء طبيعي م��وق��ف��ه من‬ ‫األخر والذات معا‪ ،‬كما في‬ ‫(عبرة من الحي القديم)‪،‬‬ ‫ث���ري ب��م��ا ي��ك��ف��ي‪ ،‬ح��د ال��وج��ع أح��ي��ان��ا‪ ،‬والفرح‬ ‫واالحتفاء بوجوده كعالم مكتمل البناء والمعالم‪.‬‬ ‫يسكن ها هنا ‪-‬كما في (الرحيل) ‪ -‬لحظات‬ ‫الذاكرة‪ ،‬وإمعان الحزن الذي يضرب في جذور‬ ‫الشخصيات وعالمها‪ ،‬ويرتسم بغاللة سميكة ال‬ ‫مفر منها‪ ،‬بروعة الحكي دون طائل‪ ،‬على توقف‬ ‫ذاك النزف المستعر ال��ذي سكن الشخصيات‬ ‫والحكاية‪ .‬أليم هو الموقف من العالم الخارجي‪،‬‬

‫غير معروف مُسبقا وحالة‬ ‫الشخصية‪ .‬تتداخل ضمن‬ ‫عناصر الحكاية التي تبدو‬ ‫ه���ادئ���ة‪ ،‬غ��ي��ر أن��ه��ا تتخذ‬ ‫الشكل التصاعدي كبداية‬ ‫ووسط ونهاية‪ .‬مع إحداث‬ ‫ذلك التماثل على الدوام‪.‬‬ ‫هكذا أريد لها‪ ،‬هو الترتيب‬ ‫المنطقي‪ ،‬وأحيانا فوضى‬ ‫الترتيب‪ ،‬غير انه اكتشاف‬ ‫الحياة أو إعادة االكتشاف‪،‬‬ ‫وخروج الشبيه إلى موقف‬ ‫العالم كي يتحدث الشارع‬ ‫ك��م��ا ف���ي ق��ص��ص «البنت‬ ‫وال�����ط�����ري�����ق وال����ف����راش����ة‬ ‫وال���دال���ي���ة أو الياسمينة‬ ‫والجدار»‪ ،‬كنماذج للقطات‬ ‫قصصية رام��زة ومتفاعلة‬ ‫مع قضايا كبرى وأساسية‬ ‫برموز بسيطة‪ ،‬وكي يرصد‬ ‫ال���م���ت���غ���ي���رات وال����ص����راع‬ ‫وم����وق����ف الشخصيات‪،‬‬ ‫خالل رحلة من األحداث‪،‬‬ ‫م��ه��ت��م��ا ب��ال��ن��ه��اي��ة ودالل����ة‬ ‫م��وق��ف��ه��ا وأح���داث���ه���ا التي‬ ‫تمور رص��دا حسيسا ومقنعا‪ ،‬ألح��داث الواقع‬ ‫بكل أالم��ه وأم��ال��ه أي��ض��ا‪ .‬وه��و يرصد ويصف‬ ‫ما يدور بهذه الشخصيات‪ ،‬وبعوالمها المختلفة‬ ‫الداخلية والخارجية على ال��س��واء‪ ،‬ويستخرج‬ ‫عبر الفكرة الدال من المروى عنه‪ ،‬كموضوع‪..‬‬ ‫كحيلة فنية مميزة لشارع يحادث البنت‪ ،‬أو قمرا‬ ‫يشهد للرجل‪ ،‬وتصوير تلك المشاهد القصصية‬ ‫عبر منمنمات بسيطة التراكيب‪ ،‬ولكنها بسرد‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪119‬‬


‫رائ��ق األداء‪ ،‬كي تبقى في‬ ‫ت��ج��س��ده��ا وم��وق��ف��ه��ا من‬ ‫ال��ع��ال��م‪ ،‬وم���ن ذات��ه��ا‪ ،‬ومن‬ ‫ال��ذاك��رة‪ ،‬وم��ن ه��ذا الواقع‬ ‫ال��م��ع��اش ل��ص��ي��ق��ة الصلة‬ ‫طوال الوقت بالواقع‪ ،‬غير‬ ‫مفصولة ع��ن��ه إن��م��ا الذي‬ ‫ينفصل ب��أف��ك��اره ه��و هذه‬ ‫ال���ش���خ���ص���ي���ات بهمومها‬ ‫وعالمها‪ ،‬ولكنها متواجدة‬ ‫طول الوقت‪ ،‬فاعلة ومثمرة‬ ‫خالل هذه الوقائع‪ ..‬حين‬ ‫يصف باهتمام شخصيات‬ ‫قصصه وكأنها تعيش بيننا‪.‬‬ ‫ن��ش��ع��ر ب��ذل��ك م���ن النص‪،‬‬ ‫وال�����ك�����ات�����ب إذ يصف‬ ‫ونتأمل بشوق م��ا يلي من‬ ‫ال���ش���خ���ص���ي���ات ويربطها‬ ‫أح�����داث ال��ل��غ��ة والحدث‪،‬‬ ‫ب��ال��ط��ف��ول��ة‪ ،‬وي��ص��ن��ع منها‬ ‫متجاوران في كل القصص‪،‬‬ ‫وج���ع���ا م�����ا‪ ،‬وي����ق����دم منها‬ ‫ح��ي��ث ت��ت�لاح��ق المشاهد‪،‬‬ ‫ن���م���وذج���اً س����ردي����اً شفيفاً‬ ‫وت�����س�����ت�����غ�����رق ال���ل���ح���ظ���ة‬ ‫وشجياً بموضوعها‪ ،‬بدقة‪..‬‬ ‫ال��ق��ص��ص��ي��ة وج���وده���ا في‬ ‫وتجسد األحداث‪ ..‬وتوصف‬ ‫عالم المفردات البسيطة‬ ‫المشهد بكافة التفاصيل‪.‬‬ ‫التي تتخلل ال��س��رد‪ ،‬وهى‬ ‫وال تنس أننا نقرأ ونشاهد‬ ‫ت���ق���دم ه����ذه ال���ن���م���اذج من‬ ‫معا الشخصية‪ ،‬ه��ي عالم‬ ‫الشخصيات ال��ت��ي تحتاج‬ ‫ال���ن���ص ح���ض���ورا بذاتها‪،‬‬ ‫ل��ل��س��رد ال����ه����ادىء العميق‬ ‫ت��م��ر األح������داث والحكاية‬ ‫ال��م��ق��ن��ع‪ ،‬وال�����ذي يستبيح‬ ‫وال��ت��ف��اص��ي��ل ال���ث���ري���ة عن‬ ‫لنفسه البقاء في نفوسنا‪،‬‬ ‫ال�����ل�����ح�����ظ�����ات وال�������زم�������ن‬ ‫وتستقر معه أحالمه غير‬ ‫بخصوصيته المتعمدة من‬ ‫مطمئنة لواقعها‪ ،‬غير أنها‬ ‫الكاتب‪ ،‬يحكي عن الذات التي‬ ‫ال بد من مشروعيتها وعذريتها أحيانا‪ .‬إن جمال هو األخ��ر‪ ،‬والقصص أحيانا ترمز وتطرح على‬ ‫الحكايات وروعتها يأتي من تفهمنا ألحداثها‪ ،‬ال��واق��ع‪ ،‬مثيرة األح���داث‪ ،‬تهتم بالدرجة األولى‬ ‫وق��درة الكاتب على االلتصاق بوعي المتلقي‪ ،‬بما يدور في أعماقنا من أسئلة تحاول أن تضع‬ ‫وإم��ك��ان��ي��ة االق���ت���راب منه‬ ‫بشكل م��ره��ف‪ ،‬ك��ي تبقى‬ ‫ه������ذه ال���ش���خ���ص���ي���ات في‬ ‫نفوسنا ط��وال الوقت عبر‬ ‫أزمتها الحقيقة – الدراما‪-‬‬ ‫بكل تفاصيلها‪ ،‬قادرة على‬ ‫ط�����رح أف���ك���اره���ا ووعيها‬ ‫بمصيرها ووج���وده���ا في‬ ‫ال��ع��ال��م‪ .‬وإل��ى موقف أكثر‬ ‫متعة للقارىء‪ ،‬رغم الشجن‬ ‫المتعب المورق شجرا من‬ ‫األح����زان‪ ،‬بلغة الشاعرية‬ ‫ال��م��م��ت��ع��ة‪ ،‬أو الشعرية‬ ‫المتألقة‪.‬‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫* ‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫لها إجابات‪ ،‬وكأننا نرى كل‬ ‫ش��يء ألول م��رة‪ ،‬وبأحداث‬ ‫ال��م��ت��ن��اق��ض��ات المتقابلة‬ ‫ل���ل���م���واق���ف ب����ه����ذا السرد‬ ‫ال���ش���ف���اف‪ .‬ال���ق���اص يصنع‬ ‫شخصياته وح��ك��اي��ات��ه من‬ ‫قلب ال��واق��ع‪ ،‬ويضعها على‬ ‫األح��داث أو العكس‪ ،‬ضمن‬ ‫ال��ت��ف��اص��ي��ل ال��ث��ري��ة‪ ،‬تتخذ‬ ‫م��ن ال��واق��ع موقفا أساسيا‬ ‫للبناء‪ ..‬وترصد المتغيرات‬ ‫وال���ت���ح���والت االجتماعية‬ ‫والسياسية أحيانا‪ .‬يرصد‬ ‫ال���م���ت���غ���ي���رات ف����ي ال���واق���ع‬ ‫االجتماعي من خ�لال بنية‬ ‫ال��ح��دث‪ ،‬ورص���د ال��م��ت��غ��ي��رات ع��ل��ى ال����ذات بكل‬ ‫التفاصيل‪ ..‬المكان ‪ -‬الزمن ‪ -‬الشخصيات‪..‬‬ ‫الخ‪ ،‬وضمن تفاصيل الحكاية الطويلة‪ ،‬في لحظة‬ ‫واحدة ثرية‪ ،‬وقادر على كشف الواقع والمعالجة‬ ‫الفنية‪ ..‬بحيث نراها أمامنا موقفا حقيقيا من‬ ‫العالم‪ ،‬خ�لال تاريخ الشخصية زمنيا ومكانيا‪،‬‬ ‫حيث تبقى الشخصيات في التحامها بالمكان‬ ‫وتجليها فيه‪ ،‬هي المحرك لألحداث‪ ،‬والمضمن‬ ‫أس��اس��ا للتفاعل معها‪ ،‬وع��رض ال��وق��ائ��ع بشكل‬ ‫مباشر في لحظة الحكي‪ ،‬من حيث موضوعها‬ ‫تلخص أحيانا حياة هذه الشخصيات‪ ،‬وترصد‬ ‫متغيرات األح���داث عليها‪ .‬هكذا نتفاعل معها‬ ‫ذهابا وإيابا ورص��دا للتغيرات وأح��داث الواقع‬ ‫المعاصر‪ ،‬بكافة الوقائع التي تنهل منها رحيق‬ ‫الحكاية‪ ،‬وتبقى التفاصيل ط��ازج��ة‪ ..‬غير أنها‬ ‫شجية على ال��دوام من هذه الخبرة الراقية في‬ ‫ال��رص��د‪ ،‬إل��ى مستوى أفقي ف��ي اللغة‪ ،‬تتفاعل‬

‫التقنيات الفنية المقصود‬ ‫بها إح���داث ت��راك��م نفسي‬ ‫لحياة الشخصيات‪ ،‬بحيث‬ ‫ت���دور األح����داث‪ ،‬وتتفاعل‬ ‫ال���ش���خ���ص���ي���ات‪ ،‬وت������ذوب‬ ‫ت��ف��اع�لات��ه��ا م����ع الحدث‬ ‫والواقع المباشر‪ ،‬وتتهاوى‬ ‫ال��ق��ي��م األخ����رى‪ ،‬وتتراجع‬ ‫إلى الخلف محدثة انقالبا‬ ‫سيمفونيا في رصد الواقع‬ ‫والسرد‪ ،‬وهذا هو ما يحدث‬ ‫في هذا العالم القصصي‬ ‫ال��م��ه��ت��م وال��م��ت��ف��اع��ل مع‬ ‫الحكاية‪ ،‬والذي هو أساس‬ ‫البناء‪ .‬ولكونها شخصيات‬ ‫محكومة ب��ع�لاق��ات معينة ت��م��ارس��ه��ا‪ ،‬وتحاول‬ ‫في الوقت نفسه أن تنفلت من آثارها وقهرها‬ ‫الممارس في كافة األشكال‪ ،‬في كون الممارسة‬ ‫ومحاولة الفهم والتغيير‪ ،‬يتوالد الفعل القصصي‬ ‫ال��ذي يبدو هنا عنصرا ق��ادرا على التماس مع‬ ‫ال��واق��ع وكشفه وتحليله‪ ،‬والتفاعل معه برؤية‬ ‫ناضجة‪ ،‬يقبض عليها الكاتب‪ ،‬ويحركها بعناية‬ ‫فائقة كي تتصاعد الدراما‪ ،‬ويبقى لها وجه أخر‪،‬‬ ‫لوجودها فى بنية النصوص‪.‬‬ ‫وتظل منمنمات على جدران دمشق القديمة‬ ‫مجموعة من اللوحات الفنية المرسومة بريشة‬ ‫فنان باهر موجوع ومهموم بقضايا اإلنسان‪/‬‬ ‫الوطن‪ /‬واإلن��س��ان‪ /‬األخ��ر‪ /‬يحمل كنزا غاليا‬ ‫اسمه الطفولة‪ ،‬بذاكرة واعية وراصدة لوجودها‬ ‫وبنيتها المكانية والزمنية‪ ،‬يحمل معه رائحة‬ ‫ال��م��ك��ان وال��ذك��ري��ات‪ ،‬وك��اف��ة األش��ي��اء األخرى‬ ‫الجميلة‪ ،‬بروعة ما في هذا الوجود من ألق‪.‬‬

‫روائي وناقد مصري‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪121‬‬


‫تعبير‬

‫املؤلف ‪ :‬الشاعر عيد اخلميسي‬ ‫الناشر ‪ :‬النادي األدبي في حائل‬ ‫صدر عن النادي األدبي في حائل ديوان شعر‬ ‫جديد للشاعر ال��س��ع��ودي عيد الخميسي‪ .،‬وهو‬ ‫الديوان الرابع للشاعر الذي أصدر سابقاً (كنا)‪،‬‬ ‫(البوادي)‪( ،‬جملة ال تناسب القياس)‪ .‬جاء الديوان‬ ‫ال في تسعة‬ ‫في (‪ )87‬صفحة تضم نصاً شعرياً طوي ً‬ ‫وثالثين مقطعاً‪ .‬وقد أهداه إلى (الشيخ عبدالغني‬ ‫إسماعيل النابلسي‪ ،‬المتوفى ‪-‬يرحمه الله‪ )-‬وفي‬ ‫الديوان نقرأ‪:‬‬ ‫َاط ٌل في النَقْص‪.‬‬ ‫< ِهيَ ِصناعَ ٌة لِلزَوالِ ‪ ،‬كَال ٌم ب ِ‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫َوضعِ‬ ‫ِإ ْن تَ َو َقفْتَ ِعنْ َد الْمُشَ اهَ َد ِة وَا ْرتَ َويْتَ مِ ْن م ِ‬ ‫َالضمِ ي ُر فِ ي الرُؤيا أَقْ��وَى مِ َن النَظَ رِ ‪.‬‬ ‫الْعَينِ ‪ ،‬ف َ‬ ‫المُشَ اهَ َدةُ ال يَنْ ُقلُهَا َمثِيلُهَا‪ :‬يَنْزِ ُع ِبهَا الكَال ُم‬ ‫َو ُهمَا كَشَ جَ رَةٍ تَطْ ل َ ُع فِ ي الجَ ِحيمِ َوأ ُخْ ��رَى ُقرْبَ‬ ‫يُنْب ٍُوع‪ .‬و َِه��يَ ال تَأتِي عَ ل َى مَحْ ٍض أَبَ��داً‪ .‬ت َُصبُّ‬ ‫َس فِ يه َو َق ْد يَ ْعتَوِ رُهَ ا الكِ تْمَا ُن‬ ‫الضمِ يرِ َوتُحْ تَب ُ‬ ‫فِ ي َ‬ ‫أَ ْو يَغْشَ اهَ ا مَا يَغْشَ اهَ ا مِ َن الخَ شْ يَةِ وَالْ َيقَظَ ةِ ‪.‬‬ ‫وَفِ ي ذَلكَ اتْسَ ا ٌع حَ يثُمَا ذَهَ بْتَ َولَ ْم يَسْ تَرِ قْكَ ِظ ُّل‬ ‫يف‪.‬‬ ‫شَ جَ رَةٍ أَ ْو سَ ٍ‬

‫َاس َوتَشْ بِي ٌه وَظَ ��نٌّ ‪ .‬وَالعَا ِب ُر ال يَنْبَغِ ي‬ ‫َضبِطُ هَ ْذرَهَ ا َويَجْ َعل ُها < العِ بَا َرةُ قِ ي ٌ‬ ‫هَ ذِ ه الق َِصي َدةُ ال َو ْز َن ي ْ‬ ‫باب‬ ‫صريْ ُر ٍ‬ ‫َّف فيما تَقُولُ‪ .‬هيَ في كِ تَابِها َ‬ ‫تَتَ َوق ُ‬ ‫لَ ُه أَ ْن يَسْ تَعِ ي َن عَ ل َى ِعبَا َرتِهِ ِبزَجْ ٍر فِ ي ال َيقَظَ ةِ‬ ‫في سَ احَ ٍة يَ ْعبُرُهَ ا السَّ ا ِبلَةُ‪.‬‬ ‫َ��ال ِع��نْ�� َد َذلِ���كَ يَسْ َمعُه‪ .‬ال َمنَا ُم‬ ‫يَ��زْجُ �� ُرهُ وَال بِ��ق ٍ‬ ‫َاخ��لُ�� ُه مَ��جْ �� ُه��ولٌ‪ .‬يَ��حْ ��وِ ي ال ِّثمَا َر وَالتَوَارِ يْ َخ‬ ‫ال يُ��د ِ‬ ‫َيس مَطْ وياً في‬ ‫كِ تَابُها خَ َب ٌر مَشْ هو ٌر و ِإ ْن َك��ا َن ل َ‬ ‫َات وَالْمَخَ اوِ ِف‪:‬‬ ‫وَاألَشْ ���وَا َق مُشْ تَ ِب َك ًة بِالْمَخْ ل ُوق ِ‬ ‫َض‪.‬‬ ‫َيس مَخْ توماً وَال أَبْي َ‬ ‫يَ��دِ غُ�لام‪ .‬ال��كِ ��تَ��ابُ ل َ‬ ‫صا َر‬ ‫ليل‪ ،‬ال ُذبَابُ َوقَ�� ْد َ‬ ‫الْحَ َّي ُة ِإ ْذ تَطْ ل َ ُع مِ ْن إِحْ ٍ‬ ‫ْسي خَ ل َْف‬ ‫ِس ُمنْحَ نياً عَ لى ُكر ٍ‬ ‫اص أَث ٍَر يَجْ ل ُ‬ ‫َص ُ‬ ‫ق َّ‬ ‫َاعهَا‪ ،‬آ َد ُم َم ْذبُوحاً‪ ،‬الشَّ جَ ُر‬ ‫الذِّئاب و َِطب ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِحَ جْ مِ‬ ‫الل بَ ْل يَتَتَ َب ُع بِخَ ٍط‬ ‫باب‪ .‬وَهو ال يُ َد ِّو ُن الكِ تَابَ بِجَ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّاس فِ ي خُ طَ ٍام‪،‬‬ ‫الجبَا ُل يَ ْقتَادُهَ ا الن ُ‬ ‫كَسَ اهُ الشَّ ْعرُ‪ِ ،‬‬ ‫َصحيفَه‪َ .‬و َق ْد يَحُ كُّ ِجل ْ َدهُ حَ تَّى‬ ‫رَدِ يءٍ سُ عَالَه َوت ْ‬ ‫السلُ‪.‬‬ ‫السَّ مَاءُ َمكْسُ و َرةَ الزُّجَ اجِ تَتَ َدلَّى مِ نْهَا السَّ ِ‬ ‫يُ ْدمَى‪.‬‬ ‫< التَ ْعبِي ُر انْ ِتقَا ٌل مِ ْن حَ ٍال ِإلَى حَ ٍال‪ ،‬فِ ي ِإنْشَ ائِهِ ِضي ٌق‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫ال يَدْخُ ُل السَّ ْه ُو َمنَاماً‪ .‬ال ُمبْ َه ُم ال بَابَ لَه‪.‬‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫رواية «الطائر احلر»‬

‫املؤلف ‪ :‬هشام مشبال‬

‫> محمد العناز*‬ ‫تجسيد للمأساة وتوق إلى الحرية‬ ‫يسعى ه��ش��ام م��ش��ب��ال ف��ي رواي����ة «ال��ط��ائ��ر الحر»‬ ‫الحائزة على الجائزة األولى للقناة الثانية (في صنف‬ ‫ال��رواي��ة)‪ ،‬إلى أن يصور مأساة جيل محبط‪ ،‬انطالقا‬ ‫من رصده لشخصية «يوسف» الشاب الحالم بمستقبل‬ ‫جميل‪ ،‬ولكنه ينغلق أمامه على الدوام نتيجة إكراهات‬ ‫متعددة‪ .‬وقد عبر الميلودي شغموم عن هذه المأساة‬ ‫بقوله‪ :‬إن رواي��ة «الطائر الحر» ت��روم «تصوير مأساة‬ ‫جيلين؛ جيل الشباب وجيل اآلباء»؛ ويضيف قائال «إن‬ ‫هشام مشبال يمتلك نَفَسا روائيا طويال ومتميزا‪ ،‬فقد‬ ‫استخدم جميع تقنيات الكتابة الروائية التي أسهمت في‬ ‫التقاط الفاجعة أو المأساة»‪.‬‬ ‫وال��ح��ق أن ه���ذه ال���رواي���ة ال��ت��ي ت��ص��ور ش��اب��ا يحلم‬ ‫بمستقبل ثقافي خ��اص ومتميز‪ ،‬ت��واج��ه��ه جملة من‬ ‫المنغصات الناتجة عن األسرة‪ ،‬أو الوسطين االجتماعي‬ ‫والثقافي‪ ،‬أو ما يتعلق بتكوينه النفسي‪ .‬إن البطل الذي‬ ‫يعاني علة عدم االنسجام مع الواقع‪ ،‬يتوق إلى الحرية‪..‬‬ ‫بصفتها قيمة إنسانية كونية تجسد الخير‪ ،‬أو تعكس‬ ‫عالما أفضل‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬ما بين عالمي الواقع المحبط والحلم الهارب‪،‬‬ ‫تتجسد أحداث هذه الرواية‪ ،‬انطالقا من عالقة البطل‬ ‫بعائلته‪ ،‬أو صديقه المناضل السياسي‪ ،‬وكذلك أصدقاء‬

‫طفولته ومرحلة شبابه‪ ،‬وكذلك حبيبته نهى التي تجسد‬ ‫نقطة النور المضيئة في عالمه الحزين‪.‬‬

‫إن البطل ال��ذي يسعى إل��ى أن ينسجم م��ع واقعه‬ ‫المليء بالتناقضات والمآسي‪ ،‬ينهزم بفعل إكراهات‬ ‫اجتماعية وثقافية‪ ،‬تحول دون تحقيق حلمه الخاص‪.‬‬ ‫ولكن على الرغم من كل ذلك‪ ..‬ثمة أمل يلوح في األفق‪،‬‬ ‫تعبر عنه جملة من الصور الروائية‪ ،‬ما يعكس بالغة‬ ‫ت��ت��راوح بين ال��ي��أس واألم���ل‪ ،‬أو بين االن��ك��س��ار والقوة‬ ‫النابعة من األعماق‪.‬‬ ‫لقد كتبت ال��رواي��ة بلغة س��ردي��ة تصويرية‪ ،‬بدأت‬ ‫بوصف مدينة تطوان وفضائها الزمني العليل‪ ،‬وانتهت‬ ‫بموت األم‪ ،‬وك��أن الحياة التي حلم بها البطل انغلقت‬ ‫أمامه‪ ،‬فاستسلم لها عاجزا‪ ،‬وإن كان هذا االستسالم‬ ‫مجرد حيلة بالغية‪ ،‬تعكس قوة نابعة من أصالته الفكرية‪،‬‬ ‫وإحساسه المرهف‪ ،‬وإنسانيته المفرطة العليلة‪.‬‬ ‫لقد استطاع هشام مشبال في رواية «الطائر الحر»‬ ‫أن يبني عالما متماسكا مليئا باألحاسيس‪ ،‬وأن يصور‬ ‫جماليا مجتمعا تملؤه التناقضات واإلحباطات المتكررة‪،‬‬ ‫كما استطاع أن ينسج بالغة للقيم اإلنسانية التي تتوزع‬ ‫في الرواية بين الحلم واالنكسار‪ ،‬أو بين الظلم والعدل‪،‬‬ ‫أو بين القيد والحرية‪ ،‬أو بين الثقافة والالثقافة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪123‬‬


‫أحالم ال تعرف التحليق‬

‫املؤلف ‪ :‬إلهام البراهيم‬ ‫الناشر ‪ :‬دار املفردات ‪1431 -‬هـ ‪2010 -‬م‬ ‫‪ ‬أص�����درت ال��ق��اص��ة إل���ه���ام ع��ق�لا البراهيم‪ – ،‬ج��روح التفاح – خلف أس���وار المصح – عفوا‬

‫مجموعتها القصصية األول���ى (أح�ل�ام ال تعرف عبدالعزيز – تكفى ي��ا ن��اص��ر – زاوي���ة الدموع‬ ‫التحليق)‪1431 ‬ه�����ـ‪ ،‬م��ح��ت��وي��ة ع��ل��ى (‪ )30‬نصا – ح��ل��م ب�لا أرج���ل – س��ن��وات ال��خ��دي��ع��ة – صور‬

‫قصصيا‪ ،‬تحمل لوحات رسمتها ريشة الزمن‪ ،‬فيها ورسائل – تحياتي لمن دمر حياتي – شخصيات‬ ‫األمل واأللم‪ ،‬الفرح‪ ،‬والحزن‪ ،‬التساؤل واالستسالم‪ ،‬متكسرة – بقايا جنة – مذكرات اليأس – عندما‬ ‫لوحات معبرة ومؤثرة من مجتمع وادع‪.‬‬ ‫استطاعت الكاتبة ببصيرتها الثاقبة أن تتغلغل‬ ‫في المجتمع‪ ،‬وأن تنتزع موضوعات لوحاتها من‬ ‫خلف أسوار المنازل‪ ،‬ومن معارج الحياة العامة‪،‬‬ ‫وأن تعالج قضاياها بكل موضوعية وإيمان‪.‬‬

‫تنتحر الجوف – ريشة في مهب الريح ‪ -‬صائد‬

‫الفراشات – صندوق الذكريات – جنة الدنيا –‬ ‫مريم – شموع باكية – أش��رع��ة الصبر – بائعة‬ ‫الخبز – بين أحضان الندم‪.‬‬

‫ومن قصة ريشة في مهب الريح ‪« :‬قد يضطر‬

‫اإلنسان للكفاح‪ ..‬ولكن تيارات الزمان قوية‪ ..‬كيف‬

‫ت���ن���ب���ئ ق���ص���ص ال���م���ج���م���وع���ة ع�����ن قاصة يبقى اإلنسان إنسانا في زمن ال يرحم اإلنسانية»‪.‬‬ ‫واع���دة‪ ،‬قادمة بكل جسارة وثقة‪ ،‬وم��ن قصص‬ ‫ومن قصة بائعة الخبز ‪ « :‬في مكان ناء‪ ،‬وبحي‬ ‫المجموعة‪:‬‬ ‫فقير وضئيل‪ ،‬وآخر الطريق ‪ 3‬غير المعبد‪ ،‬منزل‬ ‫م��ي��ادة – أح�ل�ام ال ت��ع��رف التحليق – شريط صغير‪ ،‬تلهو القطط الضالة أمام بابه الوضيع‪،‬‬

‫الماضي – لعبة االنتقام – الصرخة األخيرة – تنبعث رائحة القمامة الكبيرة‪ ،‬اندفعت هنا قصة‬ ‫سعود وفوزية – شموخ مضاوي – صانع الدمى صغيرة خلدها الزمان»‪.‬‬ ‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫قصائد حب منساوية‬ ‫(لألرض واإلنسان)‬

‫املترجم ‪ :‬بدل رفو املزوري‬ ‫الناشر ‪ :‬دار الزمان السورية للطباعة والنشر‪ ,‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬دمشق ‪2010‬م‬ ‫> توفيق التوجني*‬

‫العشق على الطريقة النمساوية‬ ‫سوناتات جميلة‪ ،‬هوية روح شعب وعصارة إبداع‬ ‫يا رب‬ ‫امنحني القوة‬ ‫لحب البشر‬ ‫كحب األرض والماء‬ ‫واألعشاب والشجر‬ ‫‪Johanna Jonas-Lichtenwallner‬‬

‫الترجمة بحد ذاتها فن ال يجيده الكثيرون‪ ،‬وإن��ي ألعترف بأني أالق��ي الكثير من‬ ‫الصعوبات عند ترجمتي للنصوص الشعرية في جل اللغات التسع التي أجيدها‪ .‬لكن‬ ‫الشعر المترجم الذي نحن بصدده‪ ،‬فرغم كونه مترجم من اللغة األلمانية‪ ،‬فإنه يأخذنا‬ ‫إلى عالم المحبة والعشق بالطريقة الشرقية التي برع في استخدام مفرداتها الشاعر‬ ‫بدل رفو في ترجمته للنصوص الشعرية لشاعرات وشعراء معاصرون‪ ،‬وجُ لهم من جيل ما‬ ‫بعد الحرب العالمية الثانية‪ .‬يتغنون بالوطن‪:‬‬ ‫كون كالوطن‬ ‫آه لو كانت روحي لك‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪125‬‬


‫كوطن‬ ‫دار بحيطان بيضاء متينة‬ ‫تشرب الورد عليها‬ ‫من نور الشمس‬ ‫نار في الموقد‬ ‫حية‪ ،‬دافئة ونيرة‬ ‫طريق إلى مروج واسعة‬ ‫طريق إلى عظمة الله‬ ‫غير محدودة‬

‫‪Wiltraud Kainz‬‬

‫ال ش��ك أن ال���وط���ن‪ ..‬م��ع��ش��وق��ة ب��ن��ي البشر‬ ‫األبدية األزلية خالدة كخلود الرحمن وهي تجعل‬ ‫الروح اإلنسانية تدنوا إلى الالنهائية في سديم‬ ‫ه��ذا العالم‪ .‬محبة الثرى تخلد دوم��ا فهي األم‬ ‫الحنونة المعطاة رغم جحود اإلنسان وجبروته‪.‬‬ ‫ولهذا قال المترجم في كلمة اإلهداء‪:‬‬ ‫ومن الحب لنا وطن في العمر الثاني‬ ‫فكل كلمة حب نمساوية‬ ‫تتفتح في القلب جرحا اسمه‪:‬الوطن‪...‬‬

‫أحلى طعما من نصها األصلي األلماني‪ .‬فقد نرى‬ ‫أحيانا أنه يعيد صياغة النص الشعري بالكامل‪،‬‬ ‫كي يعكس روح الشعر وشاعرية الشاعر‪ .‬بينما‬ ‫ن��رى مترجمين آخرين يعتمدون على معارفهم‬ ‫اللغوية ف��ي الترجمة الحرفية للنص‪ ،‬فتاتي‬ ‫أعمالهم غير متكاملة‪ ،‬وفي بعض األحيان دون‬ ‫أي معنى‪ .‬ويعد كتاب الشاعر «بدل رفو» إضافة‬ ‫إب��داع��ي��ة نوعية إل��ى المكتبة العربية‪ .‬وجهدا‬ ‫عظيما يستحق الشكر والتقدير‪.‬‬ ‫ويقول األستاذ الناقد إبراهيم اليوسف في‬ ‫مقدمة ال��ك��ت��اب‪:‬إن ه��ذه النافذة المضيئة على‬ ‫الشعر ال��ن��م��س��اوي‪ ،‬لهي دل��ي��ل كبير على سمو‬ ‫روح ه���ذا األدي����ب وال��م��ت��رج��م‪ ،‬ال���ذي ي��ج��د في‬ ‫الشعر نسغاً لروزنامته اليومية‪ ،‬وهو ما يحدو‬ ‫به لكسر أي سدود تحول دون التواصل بين أبناء‬ ‫القرية الكونية‪ ،‬القرية التي يشدو سكانها بأغنية‬ ‫واحدة‪ ،‬كل بصوته‪ ،‬بيد أنها في النهاية قصيدة‬ ‫الحب الكبير‪ ،‬وهل هناك حب أعظم وأسمى من‬ ‫حب لبناته الرئيسة‪:‬األرض واإلنسان؟‬

‫وإذ يترجم شاعرنا لخمسين شاعرة وشاعر‬ ‫إن ال��ت��رج��م��ة ك��ف��ن ت��ت��ع��دى ح���دود الترجمة‬ ‫الحرفية للكلمات إلى فهم كنه اللغة التي يترجم نمساوي فإنه ال ينسى «شاعرة الوطن» العراقية‬ ‫إليها المترجم؛ فعليه أن يكون ملماً بلغته األم في المنفى سوزان أيوب التي تقول‪:‬‬ ‫وبجميع حيثياتها‪ .‬كما عليه أن يتحلى بثقافة‬ ‫ألف حلم وحلم‬ ‫عامة واسعة من ناحية‪ ..‬ومن ناحية أخرى َفهْم‬ ‫استنشقت‬ ‫كنه استخدام الكلمة وليس فقط معناها الصوري‪.‬‬ ‫الهواء الذي هب من بالدك‬ ‫بمعان مختلفة حسب‬ ‫ٍ‬ ‫فبعض الكلمات تستخدم‬ ‫الهواء الذي المسك‬ ‫وروده���ا ف��ي ال��ن��ص ال��ش��ع��ري‪ ،‬وه��ن��ا ت��ب��دأ مهمة‬ ‫صباحا‬ ‫المترجم في البحث لتقديم أقرب المعاني للكلمة‬ ‫سألته عنك‪..‬‬ ‫المراد ترجمتها إلى اللغة المترجمة إليها‪.‬‬ ‫كلما جاء من وطنك‬ ‫وف���ي ه���ذا ال��ك��ت��اب ت��ج��اوز ش��اع��رن��ا «بدل»‬ ‫الترجمة الحرفية إلى ترجمة روح النص‪ ،‬ما جعل‬ ‫الكثير من النصوص المترجمة إلى العربية‪ ،‬ربما‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬

‫لم يأت برسالة منك‬ ‫أبدا‪..‬‬ ‫إال في الحلم‬


‫مرض أنفلونزا اخلنازير‪ ..‬أعراضه وطرق الوقاية منه‬ ‫ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيريـ ــة للعام‬ ‫‪1431/1430‬ه���������ـ أق��ي��م��ت ي���وم الثالثاء‬ ‫‪1431/02/18‬ه���������ـ ف��ي ق��اع��ـ��ـ��ـ��ة العرض‬ ‫والمحاضرات بدار الجوف للعلوم محاضرة‬ ‫عن‪« :‬مرض أنفلونزا الخنازير‪ ...‬أعراضه‬ ‫وطرق الوقاية منه» ألقاها الدكتور أحمد‬ ‫ح��م��ود ال��ح��ازم��ي عميــد كليــة الطـب‪-‬‬ ‫جامع ــة الجوف‪ ،‬وق��دم لها مساعد المدير العام عبدالرحمن إسماعيل ال��درع��ان‪ ،‬وحضرها‬ ‫مجموعة من األطباء‪ :‬من الشؤون الصحية‪ ،‬جامعــة الجوف‪ ،‬الكلية الصحية‪ ،‬ومديرو الدوائر‬ ‫الحكومية‪ ،‬وعدد من أهالي المنطقة‪ ،‬وقد نقل ــت للقســم النسائــي عبر الدائرة التليفزيونية‬ ‫المغلقة‪.‬‬

‫األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫> إعداد‪ :‬عماد املغربي*‬

‫أمسية شعرية‬

‫أقيمت يوم الثالثاء ‪1431/4/21‬ه���ـ في قاعة العرض والمحاضرات بــدار الجوف للعلوم‬ ‫«أمسية شعرية» للشاعر علي الحازمي‪ ،‬وأدارهـا رامي مصطفى هالل ‪ -‬معلم اللغة العربية‬ ‫في مدارس الرحمانيـ ــة‪ ،‬ألقيت فيها تسع‬ ‫قصائ ــد منوعــة هي‪ :‬دُنياكَ خار َج سورِ ها‬ ‫العـالي‪ -‬ش��ارع في ج��دار‪ -‬زواج الحرير‬ ‫من نفسه ‪ -‬وح ــدك دون غيرك ‪ -‬عائشة‬ ‫ يسهل أن تعود إلى الص ــدى ‪ -‬أحبُّوا‬‫الحيـ ــاة بال سبب – سلم للغيب ‪ -‬دلني‬ ‫صوتي عليك‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ ‪127‬‬


‫صاحب السمو الملكي أمير منطقة الجوف‬ ‫يشهد الندوة بدار الجوف للعلوم‬

‫د‪ .‬ثامر الخيرالله‪ ،‬د‪ .‬فهد الوهابي‬

‫أمير منطقة اجلوف يشهد ندوة‪ :‬مرض الزهامير‬ ‫برعاية صاحب السمو الملكي األمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز ‪ -‬أمير‬

‫منطقة الجوف أقيمت في قاعة دار الجوف للعلوم ندوة عن‪« :‬مرض الزهايمر»‬

‫نظمتها الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر بالتعاون مع مؤسسة‬

‫عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬تحدث خاللها كل من‪ :‬الدكتور فهد الوهابي‬ ‫‪-‬نائب رئيس اللجنة العلمية الطبية‪ ،‬والدكتور ثامر الخيرالله‪- ,‬عضو اللجنة‬

‫العلمية الطبية‪ ,-‬عن أبرز التطورات المتعلقة بالمرض‪ ،‬والتعريف بأنشطة‬ ‫الجمعية وخدماتها وخططها المستقبلية‪ .‬وقد نقلت وقائع الندوة (عبر الدائرة‬

‫التليفزيونية المغلقة) للقسم النسائي الذي تشرف بحضور صاحبة السمو‬ ‫الملكي األميرة سارة بنت عبد الله بن عبدالعزيز‪ ,‬حرم سمو أمير المنطقة‪،‬‬ ‫وصاحبة السمو األميرة مضاوي بنت محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن‪ ,‬نائبة‬

‫رئيس الجمعية السعودية الخيرية لمرض الزهايمر رئيسة اللجنة التنفيذية‪،‬‬ ‫التي ألقت كلمة شكرت فيها صاحب السمو الملكي أمير المنطقة على رعايته‬ ‫الكريمة للندوة‪ ،‬وصاحبة السمو الملكي األميرة سارة‪.‬‬

‫وتأتي هذه الندوة ضمن خطة النشاط الثقافي للعام ‪1431/1430‬هـ‪.‬‬

‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1431‬هـ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.