JobaLayout_28

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 28‬صيف ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫من إصدارات مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫دراسات‬ ‫سعيد بوكرامي‬ ‫محمد جميل أحمد‬ ‫نقد‬ ‫ظافر اجلبيري‬ ‫صبري مسلم‬ ‫إبراهيم احلجري‬ ‫جناة الزباير‬ ‫قصص‬ ‫عبدالله السفر‬ ‫إبراهيم احلميد‬ ‫محمد الشقحاء‬ ‫شعر‬ ‫سلطان السبهان‪ ،‬أحمد املال‪،‬‬ ‫محمد العتيق‪ ،‬صالح الدين غزال‬ ‫مواجهات‬ ‫الناقد سلطان القحطاني‪،‬‬ ‫والشاعر أحمد حجازي‬ ‫وآخرون‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫القراءة‬ ‫أزمة‬ ‫ِ‬ ‫المجالت الثقافية ‪ ..‬قراءة في ِ‬

‫‪28‬‬

‫مشاركة‪ :‬عبدالرحمن الدرعان ‪ -‬مالك اخلالدي – هشام بنشاوي – وضحاء آل زعير‬ ‫عبدالدائم السالمي‪ -‬خالد فهمي – عمران عز الدين – محمد البشتاوي‬

‫‪28‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬

‫مجموعة من أشجار النخيل‬ ‫في نفود سكاكا تم التقاط صورتها عام ‪ 1422‬هـ‬


‫بستان نخيل في حي اللقايط بمدينة سكاكا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫‪1‬‬


‫العدد ‪28‬‬ ‫صيف ‪1431‬هـ ‪2010 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم احلميد‬ ‫املراسالت‬ ‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا‬ ‫اجلـ ــوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪aljoubah@gmail. com‬‬ ‫‪www. aljoubah. com‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫‪6.......................‬‬ ‫املجالت الثقافية ‪ ..‬قراءة في‬ ‫أزمة القراءة‬

‫‪37.....................‬‬ ‫أقنعة خورخي لويس بورخيس‬

‫‪82.....................‬‬ ‫حوار مع الدكتور سلطان القحطاني‬

‫‪90.....................‬‬ ‫الشاعر الكبير‬ ‫أحمد عبداملعطي حجازي‬ ‫الغالف‪ :‬تصوير‪ :‬رامية احلميد‪.‬‬

‫االفتتاحية‪4.............................................................‬‬ ‫ملف العدد‪ :‬المجالت الثقافية‪ ..‬قراءة في أزمة القراءة ‪6...........‬‬ ‫َّناص القرآنيّ في‪ - ...‬د‪ .‬إبراهيم الدهون‪31....‬‬ ‫دراسات‪ :‬أشكا ُل الت ّ‬ ‫أقنعة خورخي لويس بورخيس ‪ -‬سعيد بوكرامي‪37.................‬‬ ‫حكاية شعبية عربية دراسة مقارنة ‪ -‬سمير أحمد الشريف ‪44.....‬‬ ‫في الخطاب المعرفي للشعر ‪ -‬محمد جميل أحمد ‪48.............‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬نصوص قصصية ‪ -‬عبدالله السفر ‪54.............‬‬ ‫قصتان ‪ -‬إبراهيم الحميد ‪55........................................‬‬ ‫قصص قصيرة جدا ‪ -‬محمد المنصور الشقحاء ‪57................‬‬ ‫حلوى الدماء ‪ -‬إلهام عقال البراهيم‪58..............................‬‬ ‫قصص قصيرة جداً ‪ -‬حسن علي البطران ‪60......................‬‬ ‫ليل ٌة قُربَ حكيم ‪ -‬نور الجندلي‪61...................................‬‬ ‫دجاجة هاشم ‪ -‬إبراهيم شيخ مغفوري‪62...........................‬‬ ‫شعر‪ :‬قلبٌ كقلب الطيرِ ‪ - ..‬سلطان السبهان ‪63......................‬‬ ‫تمارين الوحش ‪ -‬أحمد المال ‪64....................................‬‬ ‫بمقدارِ الهوى يتحرَّكُ الفضاء ‪ -‬عبدالله علي األقزم ‪66............‬‬ ‫ْش ال ُّرفَات ‪ -‬صالح الدين الغزال ‪68..............................‬‬ ‫نَب ُ‬ ‫ُه َو ضائق‪ - !..‬محمّد عبدالعزيز العتيق ‪69.........................‬‬ ‫وداع ‪ -‬ثاني الحميد ‪70..............................................‬‬ ‫نقد‪ :‬جبل حالية ‪ -‬ظافر الجبيري ‪71................................‬‬ ‫الروائية البحرينية فوزية رشيد ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬صبري مسلم ‪73...........‬‬ ‫في روايته األولى «كائنات من غبار» ‪ -‬إبراهيم الحجري ‪75........‬‬ ‫قراءة في قصيدة «ملكوت» لصالح هويدي ‪ -‬نجاة الزباير‪79.......‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الدكتور سلطان القحطاني ‪ -‬محمود الرمحي‪82.........‬‬ ‫القاص أحمد بوزفور ‪ -‬عبدالغني فوزي ‪86.........................‬‬ ‫الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي ‪ -‬عصام أبو زيد ‪90....‬‬ ‫الشاعرة والكاتبة العمانية فاطمة الشيدي ‪ -‬أحمد الدمناتي ‪94...‬‬ ‫نوافذ‪« :‬في مدار التنين» ‪ -‬جعفر العقيلي ‪97........................‬‬ ‫أدبُنا العربيُ ‪ ..‬بين الج ّد والهزَل ‪ -‬راضي صدوق‪100...............‬‬ ‫التعليم اإللكتروني ‪ -‬د‪ .‬إسالم جابر أحمد عالم ‪103...............‬‬ ‫تراسل الحواس في رواية ليوسف المحيميد ‪ -‬فريال الحوار‪108...‬‬ ‫ندوة أدوماتو الثانية ‪ -‬محمد صوانه ‪110............................‬‬ ‫مسرح‪ :‬أزمة النص في مسرح الطفل ‪ -‬الزبير مهداد ‪115...........‬‬

‫مال واقتصاد‪ :‬تنمية الموارد البشرية ‪ -‬بالل حسين‪122............‬‬ ‫قراءات‪125............................................................‬‬ ‫األنشة الثقافية ‪128.................................................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫على هامش املجالت الثقافية‬ ‫> إبراهيم احلميد‬ ‫تخصص الجوبة ملف هذا العدد للمجالت الثقافية ودورها الثقافي‪ :‬الواقع‬ ‫والمأمول‪ ،‬مستقطبة للكتابة فيه عدداً من المتابعين والباحثين والمهتمين‪.‬‬ ‫وإذا ك��ان البعض يبالغ في وص��ف المشكلة التي تواجهها بعض المجالت‬ ‫الثقافية‪ ،‬من حيث التوزيع والقدرة على االستمرارية والتواصل‪ ،‬فإن تجربة‬ ‫العديد منها‪ ،‬كان مثاال لألمل في مستقبل أكثر إشراقا لها؛ فقد يولد الحلم من‬ ‫رحم المعاناة‪ ،‬كما يُقال!‬ ‫ف��إذا كانت بعض المجالت الثقافية قد واجهت فيما مضى صعوبات في‬ ‫الصدور والتوزيع‪ ،‬والكوادر‪ ،‬مثلما توقفت مجلة «الرسالة» عام ‪1952‬م‪ ،‬أو «النص‬ ‫الجديد» عام ‪1991‬م‪ ،‬أو األزمة الخانقة التي عاشتها مجلة «اآلداب» التي تأسست‬ ‫عام ‪1953‬م‪ ،‬فإننا اليوم أمام نهر متدفق من هذه المجالت‪ ،‬جعلها تتزاحم على‬ ‫ثقة القارئ العربي‪ ،‬من المحيط إلى الخليج‪ ،‬ما يؤكد على األهمية التي باتت‬ ‫تحتلها لدى مصدريها و قرائها على حد سواء؛ فيما ال يستطيع أي منصف أن‬ ‫يجعل التوزيع هو معيار النجاح‪ ،‬أو كما يقول الدكتور سليمان العسكري في‬ ‫مجلة «العربي»‪ ،‬وهي المجلة التي يبلغ عمرها أكثر من نصف قرن‪ ،‬ولها تجربة‬ ‫رائدة كمجلة ثقافية «التوزيع لم يكن أبدا مقياسا ألهمية المجلة الثقافية‪ ،‬ولكن‬ ‫مقياسها الحقيقي هو مدى تأثيرها وتحقيقها للغرض الذي أقيمت من أجله»‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬نجد أن المنظور التجاري يختلف لدى القائمين على المجالت‬ ‫الثقافية‪ ،‬ألننا لم نتعود في العالم العربي‪ ،‬أن نجد مجالت ثقافية‪ ،‬تحقق أرباحا‬ ‫تجارية‪ ،‬وه��ذا ما يؤكده الدكتور العسكري حينما يقول «المجالت الثقافية‪..‬‬ ‫بخالف الصحف األخرى‪ ..‬ال يمكن أن تنهض وفق منظور تجاري‪ ،‬ولكن من أجل‬ ‫توجيه رسالة معينة‪.»..‬‬ ‫إن للمجالت الثقافية دور بنّاء وكبير في نشر الوعي بكل أنواعه‪ ،‬دور كبير‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫اف�����������ت�����������ت�����������اح�����������ي�����������ة‬

‫فاعل ومؤثر‪ ،‬بإمكانه أن يشكل معيناً ال ينضب‪ ،‬أو زاداً معرفياً وثقافياً وحضارياً‬ ‫وتواصلياً في أغلب األح�ي��ان‪ .‬لقد لعبت تلك المجالت دوراً كبيراً في إثراء‬ ‫ال عن حرصها الدؤوب‬ ‫الذائقة اإلبداعية للقراء وال ُكتَّاب عبر أجيال خلت‪ ،‬فض ً‬ ‫على أن تُزدهى بأبهى الحلل‪ ،‬ناهيك عن ثراء المضمون‪ ،‬وإذا كان البعض يشير‬ ‫إل��ى ضعف اإلقبال على المجالت الثقافية‪ ،‬فإننا نعلم أن ذل��ك بسبب ظرف‬ ‫طارئ‪ ،‬يتعلق بمكانة اللغة العربية‪ ،‬والثقافة الجادة‪ ،‬وانتشار العامية والتسطيح‬ ‫الثقافي‪ ،‬إضافة إلى الثورة المعلوماتية التي وفرت المعلومة و يسرت الحصول‬ ‫عليها دون عناء‪ ،‬ما يجعل الرهان على المجالت الثقافية‪ ،‬يكبر ويزداد اتساعا‪،‬‬ ‫لتعظيم مسئوليتها‪ ،‬للوصول إلى أكبر قدر من المهتمين‪ ،‬بكافة وسائل االتصال‪،‬‬ ‫والوسائط الجديدة؛ ألن ذلك كفيل بتواصل دورها وعدم أخذ مكانتها‪.‬‬ ‫وفي تجربة مجلة الجوبة‪ ،‬لم يُرد ناشرها إال أن تكون مجلة للمعرفة‪ ،‬وللثقافة‬ ‫واألدب‪ ،‬بمفهومه الواسع‪ ،‬أرادها أن تكون منبرا حرا للفكر‪ ،‬و لتشجيع الشباب‬ ‫على الكتابة واإلب��داع في منطقة الجوف بشكل خاص‪ ..‬وفي مملكتنا وعالمنا‬ ‫العربي‪ ،‬ومما يحسب لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬تبنيها إلصدار‬ ‫هذه المجلة التي ص��درت في وقت كان إص��دار المجالت الثقافية في بالدنا‬ ‫مغامرة غير محسوبة‪ ،‬وها هي تؤتي أكلها كل ثالثة أشهر‪ ،‬ال تخيب وال تخيِّب‬ ‫أمل محبيها وقرائها‪ ،‬كاشفة عن المضيء والخالق في إبداعنا العربي متصدية‬ ‫لإلشكاالت واألسئلة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫ِ‬ ‫أزمة القراءة‬ ‫املجالت الثقافية ‪ ..‬قراءة في‬ ‫> تقدمي‪ :‬هشام بنشاوي ‪ -‬املغرب‬

‫بالتأكيد‪ ،‬نبتهج بميالد أي مطبوعة أدبية‪ ،‬تبدد بعض عتمة هذا الدرب المعتم‪ ،‬في ظل مناخ عربي‬ ‫متخلف‪ ،‬يحارب الثقافة‪ ،‬الفكر واإلبداع‪ ،‬بشتى الوسائل‪ ..‬ومن المؤلم أن هذه المطبوعات ال يقبل‬ ‫عليها إال المهووسين بالكتابة‪ ،‬وال مجال للحديث أو المقارنة بين النشر اإللكتروني ونظيره الورقي‪،‬‬ ‫ال سيما وأن بعض األصدقاء يعتقدون بأن المتصفحات ستزيح الكتاب الورقي‪ ،‬متناسين أن المسألة‬ ‫محسومة ‪ -‬سلف ًا ‪ -‬لصالح األمية الثقافية‪ ،‬التي ينعم بها المواطن العربي من الماء إلى الماء‪.‬‬ ‫من المحزن أن تكتسح السوق مجالت براقة األغلفة‪ ،‬تحقق انتشار ًا واسعاً‪ ..‬من خالل اهتمامات‬ ‫سطحية كالموضة‪ ،‬الطبخ‪ ،‬الجمال وزيجات النجوم وفضائحهم‪ ..‬والمؤلم أن تلك المجالت تستقطب‬ ‫(تستكتب) أسماء ثقافية وازنة‪ ..‬وهذه األسماء تضحي بكل «إنجازها» اإلبداعي والفكري والنقدي إزاء‬ ‫مكافأة يسيل لها اللعاب‪ ،‬ولن ينتاب كاتبنا الكبير اإلحساس بالذنب‪ ،‬وهو يكتب في مجلة تعتاش على‬ ‫فضائح المشاهير‪ ،‬وتشوهات مجتمعاتنا العربية‪ ،‬التي ينحصر كل تركيزها على الفضائح واإلثارة‪.‬‬ ‫ولألسف‪ ،‬هذه المجالت تصمد‪ ،‬وتعمر طويال‪ ،‬وبعضها يحظى بالدعاية حتى على قنوات فضائية‬ ‫شهيرة‪ ...‬في حين تتالشى المطبوعات الجادة في عمر الورود؛ فإن أفلتت من مقصلة األنظمة‪ ،‬يكون‬ ‫العجز المادي لها بالمرصاد‪..‬‬ ‫من املطبوعات الثقافية اجلادة‪ ،‬التي بدأت تفرض‬ ‫«حضورها» في املشهد العربي مجلة «اجلوبة»‪ ،‬التي‬ ‫حترص على التواصل مع جمهور املثقفني العرب‪ ،‬علماً‬ ‫أن ما يحول دون تواصل الكتّاب مع بعض املجالت هو‬ ‫ضآلة عدد النسخ املوزعة‪ ،‬السيما إن كانوا بعيدين‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫عن املدن الكبرى‪ .‬لقد اضطررت ‪ -‬مرة ‪ -‬إلى حتمل‬ ‫مشاق السفر ومبكراً‪ ،‬إلى الدار البيضاء للحصول‬ ‫على نسخة من مجلة ثقافية‪ ،‬كانت تتضمن مادة لي‪،‬‬ ‫وكانت تلك النسخة الوحيدة املتبقية‪ ،‬مع أنها مجلة‬ ‫فرضت نفسها بقوة‪ ،‬خالل أقل من عقدين‪ ،‬وسط‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫منافسة شديدة بني املطبوعات الثقافية العربية‪.‬‬ ‫وامل�لاح��ظ أن ه��ذه املجلة حت��رص على النشر‬ ‫ألسماء كبيرة وازن��ة‪ ،‬مع إتاحة الفرصة للكتابات‬ ‫الشابة «املتميزة»‪ .‬وثمة مجالت تستغل إمكاناتها‬ ‫املادية‪ ،‬فتجعل أغلب صفحاتها للكتاب املستكتبني‪..‬‬ ‫من خالل زواياهم‪ ،‬واملراسلني بتغطياتهم‪ ،‬وحواراتهم‬ ‫وحتقيقاتهم الثقافية‪ ..‬تاركة هامشاً ضئيال لبعض‬ ‫النصوص اإلبداعية‪ .‬لكن القارئ‪ ،‬سينتابه امللل من‬ ‫ال�ق��راءة لألسماء ذات�ه��ا‪ ،‬حتى لو كانوا كبار كتاب‬ ‫الوطن العربي‪ ..‬الذين يصيرون ملزمني بتحضير‬ ‫م�ق��االت�ه��م ك��ل ش �ه��ر‪ ...‬وه �ن��ا ت�ت�ح��ول ال�ك�ت��اب��ة إلى‬ ‫مجرد ارت��زاق‪ ...‬ال سيما إن كانوا مرتبطني بأكثر‬ ‫من مطبوعة‪ ،‬ما يؤثر على عطائهم‪ ،‬فضال عن كون‬ ‫قارئ هذه املطبوعة هو نفسه قارئ بقية املطبوعات‬ ‫األدبية‪.‬‬ ‫لقد استطاعت «اجل��وب��ة» أن تستقطب أسماء لكل عدد ملفاً‪ ،‬وهي ُسنّة حميدة تتبعها مطبوعات‬ ‫شابة‪ ،‬ذات حضور متوهج‪ ،‬وحترص على أن تخصص شتى‪ ،‬ونأمل أن تستقطب ‪-‬في املستقبل القريب‪-‬‬ ‫كبار كتاب الوطن العربي‪ ..‬الذين ال ينشرون إال في‬ ‫الصحف الس ّيارة واملجالت الكبرى‪.‬‬ ‫لقد عودتنا «اجلوبة» على االنفتاح على التجارب‬ ‫الواعدة‪ ،‬لكننا ال نتفق مع أسلوب «التشبيب»‪ ،‬مثلما‬ ‫ال نتقبل أسلوب اإلقصاء الذي تتبعه بعض املجالت‪..‬‬ ‫لكنها مطالبة أن تتحلى ببعض «القسوة»‪ ،‬ب��دل أن‬ ‫تفاجئ قارئها‪ /‬الكاتب (وه��و كاتب ذك��ي‪ ،‬ال ميكن‬ ‫استبالده) بالنشر لبعض األسماء‪ ،‬التي لم يسبق لها‬ ‫أن نشرت حتى في صفحة الشباب بصحيفة ورقية‪،‬‬ ‫محدودة التوزيع‪( ...‬هكذا‪ ،‬ببساطة حترق املراحل)‪،‬‬ ‫نصاً سبق أن نُ ِشر في‬ ‫واألنكى أن هناك من ينشر ّ‬ ‫عدة مواقع ومنتديات‪ ،‬ألن هذا الكاتب ال يعلم أي‬ ‫شيء عن قواعد النشر في املجالت‪ ،‬ولم يجرب أن‬ ‫يكتب ويكتب‪ ،‬وينتظر شهوراً نشر مواده‪ ..‬ألنه تعود‬ ‫أن ينشر ما يكتب‪ ،‬بعد دقائق‪ ..‬ولألسف‪ ،‬فإن النشر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫اإللكتروني أربك كل شيء‪ ،‬وهكذا‪ ،‬صرنا أمام كتاب‬ ‫تخصصوا في كتابة القصة القصيرة ج��داً (حمار‬ ‫السرد املغلوب على أم��ره)‪ ،‬وفي أربعة أسطر‪ ،‬جتد‬ ‫نفسك أمام نكتة أو حكمة يقوم بتحويرها صاحبنا‪،‬‬ ‫ويوهمنا بأنه عبقري الـ (ق‪.‬ق‪.‬ج)‪ ،‬ومنهم من يستغل‬ ‫تسامح بعض محرري املجالت أو الصحف‪ ،‬وميطرها‬ ‫بحوارات تافهة مع «فلتات» زمن النشر اإللكتروني‪،‬‬ ‫ومنهم من تسمع باسمه ألول مرة‪.‬‬ ‫ذات ل �ق��اء‪ ،‬التقيت ص��دي�ق�اً‪ ،‬وه��و ك��ات��ب ورقي‬ ‫فقط‪ ،‬وحدثته عن كاتب ينشر في اإلنترنت‪« ،‬يتزعم»‬ ‫جمعية «ت � ّدع��ي» أن�ه��ا ض��د س�ي��اس��ات احت��اد كتّاب‬ ‫املغرب‪ ،‬فأغرق في الضحك‪ ..‬شفقة على صديقنا‬ ‫الذي ال يعرفه أحد‪ ،‬ولم ينشر في أي جريدة ورقية‬ ‫باملغرب؛ فكيف سيحارب مليشيات الثقافة املغربية؟‬ ‫وتساءل‪ :‬من يكون هذا الشخص أصال؟‬ ‫لكن كيف سيكون رد فعل أي كاتب حني يصادف‬ ‫ح � ��واراً م��ع ش�خ��ص خ��دع��وه ف��ي ب�ع��ض املنتديات‬ ‫فتوهم نفسه آخر فطاحلة الشعراء؟‬ ‫الضحلة‪ّ ،‬‬ ‫أتذكر‪ ،‬هذه اللحظة‪ ،‬حواراً‪ ،‬نشره أحد الشعراء‬ ‫في صفحته اخلاصة في أحد املواقع‪ ،‬وكان بعنوان‬ ‫الفت‪ ،‬وبخط بارز‪« :‬حوار مع املترجم والشاعر العاملي‬ ‫الكبير‪ ،‬األستاذ‪ ،»..‬علماً أن هذا الشاعر العاملي‪ ،‬ال‬ ‫يفرق بني الرفع والنصب‪ .‬لكن حني جتد مثل هذا‬ ‫ال�ش�خ��ص ف��ي م�ج�ل��ة‪ ،‬ف�ل��ن ت�ض�ح��ك م�ث��ل صديقي‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫فوقت ال�ق��راءة ثمني ج��داً‪ -‬بل ستمزقها‪ ..‬العناً‬‫احملاوِ ر واحملا َور وناشر احلوار؛ فاملجالت الثقافية‬ ‫ال يقرأها زب��ائ��ن صالونات احل�لاق��ة‪ ..‬وم��ا يشدنا‬ ‫إل��ى ق��راءة بعض املجالت دون غيرها وج��ود بعض‬ ‫املواد املغرية‪ ،‬كمقاالت وإبداعات األسماء الالمعة‪،‬‬ ‫احلوارات التي جترى معهم والقراءات النقدية‪ ،‬التي‬ ‫تكتب عنهم‪ ،‬وال أنكر أن كتابات بعض األصدقاء‬ ‫تشدني‪ ،‬ممن يزاوجون بني النشر الورقي ونظيره‬ ‫«أدبي» جميل‪..‬‬ ‫اإللكتروني‪ ،‬وصار لهم حضو ٌر‬ ‫ٌّ‬

‫لست متعصباً لإلقصاء‪ ،‬لكن ثمة جرائد ورقية‬ ‫كثيرة‪ ،‬ترحب بكل الكتابات‪ ،‬ال يهمها سوى ملء بياض‬ ‫الورق القاتل‪ .‬هناك من بدأ النشر اإللكتروني‪ ،‬قبل‬ ‫شهور فقط‪ ،‬وتُفاجأ به قد تسلل إلى بعض املجالت‪..‬‬ ‫ولكي ال مت��وت املجلة ‪ -‬أي مجلة ‪ -‬فهي مطالبة‬ ‫باحلرص على ما ينشر فيها‪ ،‬وبغربلة األسماء‪ ،‬فثمة‬ ‫أسماء شابة‪ ،‬ذات حضور مشرق‪ ،‬لم تتح لها الفرصة‬ ‫لالنطالق؛ ألن هناك أس�م��اء ش��اخ��ت‪ ،‬وحتتكر كل‬ ‫الصحف واملجالت‪ ،‬بكتاباتها الضحلة‪ ..‬بد َل أن تعلن‬ ‫تقاعدها‪ ،‬وتسلم املشعل للجيل اجلديد‪ .‬أيضاً‪ ،‬هذه‬ ‫ودب‪ ،‬حتى‬ ‫هب َّ‬ ‫املطبوعات مطالبة بأال تنشر لكل من َّ‬ ‫ال تتحول إلى منبر ينشر فيه كل من يجيد النقر على‬ ‫لوح املفاتيح؛ فيرسل ما يكتبه دفعة واحدة إلى ألف‬ ‫منبر ومنبر‪ ،‬مخفياً عناوين املرسل إليهم‪ ..‬بوضعها‬ ‫في حيز النسخة السرية‪.‬‬


‫> عبدالدائم السالّ مي ‪ -‬تونس‬

‫األسئلة‬ ‫ِ‬ ‫بتد ُأ‬ ‫مُ َ‬ ‫هل يجوز القول بوجود «أزم��ةِ ق��راءةٍ » في الوطن العربي؟ وهل كان ثمة في‬ ‫َ‬ ‫تاريخه في الزمان‬ ‫قرائي َع َض َد ُجه َد الفكر‪ ،‬وهو يبني‬ ‫لفعل‬ ‫خزين ثقافتنا عادةٌ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫اليومي؟ وكيف السبيل إلى إثبات هكذا‬ ‫لكي نبحث عنه اآلن في سلوكنا‬ ‫ّ‬ ‫واملكان‪ْ ،‬‬ ‫كم‪ ،‬في كون حالِ املطبوعات الورق ّية العرب ّية تشهد تر ّد ًيا إنتاج ًّيا واستهالك ًّيا؟‬ ‫ُح ٍ‬ ‫تخص‬ ‫العربي هو َم ْن يتح ّمل مسؤولية ذاك التر ّدي بفعل عوامل‬ ‫الكاتب‬ ‫أليس‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫املكتوب‪ ،‬وع��د ُم تلبيته ألفق انتظارات‬ ‫عملية اإلن�ت��اج‪ ..‬يُذ َك ُر منها ن��درةُ نتاجه‬ ‫ِ‬ ‫الناس احلقيق ّية في احلر ّية والعدالة االجتماعية ومكارم األخالقِ ‪ ،‬وافتقاره إلى‬ ‫ٍ‬ ‫أغلب‬ ‫أدوات فن ّية ومضمونية وشكل ّية لتجسير عالقته باملتلقّي؟ ث ّم‪ِ ..‬ل َم نُح ّمل‬ ‫َ‬ ‫شعوبِنا العربيةِ‬ ‫سبب أزماتنا القرائ ّية وه��ي التي ال �ش �ع��وب‪ ،‬أل �ي �س��ت أك��ث�� ُر ش�ع��وب�ن��ا ُمجبر ًة‪-‬بفعل‬ ‫َ‬ ‫ِبت حقّها في اختياراتِها احلضار ّيةِ عا ّم ًة‪ ،‬ومنها الضاغطات االجتماع ّية الصعبة التي تعيشها‪-‬على‬ ‫ُسل ْ‬ ‫ال� �ق ��راءة‪ ..‬بوصفها س�ب�ي� ً‬ ‫ً‬ ‫عوضا عن الكتاب أو املجلّة أو‬ ‫�ام ف��ي بناء البحث عن اخلبزِ‬ ‫لا إل��ى اإلس �ه� ِ‬ ‫احل �ض��ارة اإلن �س��ان �ي��ة؟ أال ت�ل�ا ُم ب�ع��ض السياسات الصحيفة؟ ونُضيفُ ‪ :‬مل��اذا نش ِّد ُد على وج��ود «أزمة‬ ‫يضج بأزمات‬ ‫العربية على ع��دم تثمني الكِ تاب وإف��راده مبشاريع ق ��راءةِ» واحل ��ا ُل أ ّن عصرنا ال��راه � َن‬ ‫ّ‬ ‫حكوم ّية تُس ّهل عليه حركتَه ب�ين ال �ق � ّراء مبختلِف مسكوت ع�ن�ه��ا‪ ..‬س ��واء اجتماعية أو أخ�لاق�ي��ة أو‬ ‫الكتابي مسؤولي ُة ثقافية عا ّمةٍ ؟ و ِل َم ال نق َب ُل ببرامج احلاسوب‪ ،‬والكتب‬ ‫شرائحهم؟ وإذا َقبِلنا بأ ّن اإلبداع‬ ‫ّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أزمة القراءةِ‬ ‫ِ‬ ‫قراءة ٌ في‬

‫‪9‬‬


‫االفتراض ّية‪ ،‬وتقنيات ال�ص��ورة‪ ،‬وك� ّل وسائل الرفاه‬ ‫ٍ‬ ‫سندات قرائ ّي ًة حديث ًة تُعفي املتلقّي من‬ ‫الثقافي‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫مشاق البحث عن املعنى‪ ،‬وت َْسكبه في ذهنه صاف ًيا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجميال؟ ث ّم لمِ اذا القراءةُ أصال إذا كان املعنى يولَ ُد‬ ‫م ِّيتًا؟‬

‫في معنى القراءة‬ ‫اعتمدنا‪ ،‬ع��ن َع�م� ٍ�د‪ ،‬ط��ر َح ه��ذه األسئلة سبي ً‬ ‫ال‬ ‫إل��ى متكني ال�ق��ارئ م��ن مالمسةِ إش�ك��االت القراء ِة‬ ‫العربي‪ .‬وهي أسئلة ال نرو ُم اإلحاط َة بك ّل‬ ‫في واقعنا‬ ‫ّ‬ ‫مي إجابات‬ ‫إجاباتِها على األق ّل لس َببينْ ‪ :‬أ ّولهما أ ّن تقد َ‬ ‫ٌ‬ ‫محفوف باملزالق‪ ..‬على اعتبار‬ ‫عن هكذا أسئلة أم ٌر‬ ‫العربي غير ثابتةٍ ؛ ب��ل ه��ي في‬ ‫أ ّن عناص َر واقعنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِظام‪ ،‬وتتداخل فيها‬ ‫حركةٍ فوضو ّيةٍ خارجةٍ عن كل ن ٍ‬ ‫الناس الفكري ُة‪ ،‬وتتضارب فيها مآربُهم‪ ..‬ما‬ ‫سياقات‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫تسليط يقظته عليها‪ .‬وثانيهما أ ّن‬ ‫مينع الفك َر من‬ ‫طرح السؤال ُجرأةٌ معرف ّي ٌة نريد لها أن تستم ّر‬ ‫في ِ‬ ‫في ذهن القارئ‪ ،‬لتو ّل َد فيه أسئل ًة أخرى يستطيع أن‬ ‫ينف َذ منها إلى أعماق الظواهر االجتماعية والثقافية‬ ‫َ‬ ‫ليعرك تفاصيلَها الغائرةَ‬ ‫والسياس ّية التي يعيشها؛‬ ‫واملقد ِس‪ ،‬على اعتبار «أن‬ ‫عمي ًقا وراء أقنعةِ العاد ِة‬ ‫َّ‬ ‫يحب القنا َع‪ ،‬واألشياءُ األعمق متقت‬ ‫ك ّل ما هو عميق ّ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫حتى الصورةَ واملثا َل» ‪ ،‬ومن ثمة يُسلِّ ُط عليها أضوا َء‬ ‫ياس والتمثيلِ حتى يبلغ فيها اليقنيَ‪.‬‬ ‫الفهم والقِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واحل��قّ أ ّن ال�ق��و َل بوجود أزم��ة ق��راءة في وطننا‬ ‫تفكير‪ .‬ذلك أ ّن الفع َل‬ ‫ٍ‬ ‫العربي‪ ،‬أم ٌر يحتا ُج إلى كثيرِ‬ ‫ّ‬ ‫متأص ٌل في ال ّذ ِ‬ ‫ات‬ ‫البشري فع ٌل‬ ‫القرائي في بُ ْعدِ ه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬ال ينقط ُع عنها إ ّال بانقطاعِ ها هي عن فعلِ‬ ‫احل�ي��اةِ‪ .‬بل هو فع ٌل ن��راه يرتقي من ح ِّيزِ املمارسةِ‬ ‫املدرس ّية إلى حالِ ّ‬ ‫الش ِ‬ ‫الواجب للوجودِ ؛ بل يرتقي‬ ‫رط‬ ‫ِ‬ ‫إل��ى مستوى شكل م��ن أش�ك��ال ال��وج��ود ف��ي العالَم‪.‬‬ ‫واإلنسان يقرأ دو ًما‪ ،‬بل هو ال يُن ِْج ُز غير فعلِ القراءة‪،‬‬ ‫بحواسه ك ّل ما يوجد في محيطه‪ ،‬ويبني من ث َّم‬ ‫يقرأ‬ ‫ّ‬ ‫معار َفه‪ .‬أليست "القراءة (بوصفها منتج ًة للفهم) هي‬ ‫االس ُم الذي يُطلق على العملية التي تصبح بها احلياةُ‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫العقلي ُة معروف ًة من ثنايا تعبيراتها املعطا ِة للحواس"‬ ‫على ح� ّد ما يقول بعضهم؟ ونُضيفُ ‪ :‬إننا ال نعدِ ُم‬ ‫قرائي لدى أغلب فئات شعوبنا العربية‬ ‫فعل‬ ‫ُوج��و َد ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫يُعرِ ُب عنه إدرا ُكها ألحوالِها‪ ،‬واستشرا ُفها ملستقبلها‪،‬‬ ‫والعم ُل على تفادي املمكنِ من املط ّب ِ‬ ‫ات في واقعها‬ ‫املعيش‪ .‬وم��ن ث� َّم ترتقي ال �ق��راءةُ‪ ،‬في بُعدِ ها العا ِّم‬ ‫الضروري‪،‬‬ ‫اليومي‬ ‫الواجب‬ ‫نوع من‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اجلماهيري‪ ،‬إلى ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫واجب الستمرار احلياة االجتماعية‬ ‫شأنُها شأن كل‬ ‫ٍ‬ ‫ُقد ُم‬ ‫ِ‬ ‫للناس‪ .‬فاألشياء واألفكار والتجارِ ُب احليات ّي ُة ال ت َّ‬ ‫إلى اإلنسان مكتمِ ل ًة في بنياتِها وفي معانيها‪ ،‬بل تبقى‬ ‫ذهني يؤ ِّلفُ بني‬ ‫الصورِ ‪ ..‬حتتا ُج إلى ُج ٍهد‬ ‫شتاتًا من ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ومينحها االكتما َل في الشكل واملضمونِ ‪،‬‬ ‫أجزائها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عب َر ِّ‬ ‫فك ِشيفراتِها وتأويلِها‪ ،‬وف ًقا ملعارِ ِف اإلنسان‬ ‫ِ‬ ‫وأشراط ال ُوجودِ فيه‪.‬‬ ‫اليوم ّية‪ ،‬ولتص ُّوراتِه عن العالَ ِم‬ ‫(‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫جيل‬ ‫ولوال القراءةُ َما‬ ‫انتقلت املعارِ ُف البشر ّي ُة من ٍ‬ ‫ألي ٍ‬ ‫جهد‬ ‫يت حبيس َة راهِ نِها‪ ،‬فاقد ًة ّ‬ ‫إلى آخر‪ ،‬ولَ َبقِ ْ‬ ‫َ‬ ‫تاريخها في عالَ ِم األفكارِ ‪ ،‬وتطوي به‬ ‫حركي تبني به‬ ‫ٍّ‬ ‫مسافات الزّمن‪ .‬فانتقا ُل املعارِ ِف َّ‬ ‫ِ‬ ‫مت‪ ،‬وسيت ُّم دو ًما‪،‬‬ ‫البشري الوحي ُد الذي‬ ‫عبر قنا ِة القراءةِ‪ .‬فهي الفع ُل‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الوجهات‬ ‫وج ُهها‬ ‫يسب ُق باقي أف�ع��الِ ال�ن��اس‪ ،‬ب��ل ويُ ِّ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫التي يراها قار ُئ تلك املعارِ ِف صائب ًة خادم ًة لواقع‬ ‫املجموعةِ البشر ّيةِ التي ينتمي إليها‪ .‬وبالقراءة أيْ ًضا‪،‬‬ ‫العرب على فلسفات اإلغريق وعلومهم‪ ،‬ف َمت َُحوا‬ ‫انفتح‬ ‫ُ‬ ‫استوت عندهم رؤي ٌة شامل ٌة‬ ‫منها الشي َء الكثي َر حتى‬ ‫ْ‬ ‫للكونِ ‪ ،‬ثم أع��ادوا النظ َر في تلك املهارات الفكر ّيةِ‬ ‫�وس عصرِ هم‪،‬‬ ‫ب��ال��زي��ادة وال �ت��أوي��لِ ح�ت��ى ل�ب�س� ْ‬ ‫�ت ل �ب� َ‬ ‫األرض ومغارِ بِها بضاع ًة صافي ًة‬ ‫فحملوها إلى مشارق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناس‬ ‫تش ُّع بأنوارِ العقلِ ‪ ،‬وأضاءوا بها‬ ‫عتمات أخيلةِ أُ ٍ‬ ‫آخري َن‪ .‬بل إ ّن القراءةَ كانت‪-‬بالنسبة إليهم‪ -‬سؤاالً‬ ‫مستم ًّرا حول الكونِ بجميع عناصرِ ه الظاهر ِة منها‬ ‫ٍ‬ ‫مجاالت‬ ‫�ؤال في‬ ‫والغيب ّيةِ ‪ ،‬حتى ص��اروا أصحاب س� ٍ‬ ‫والطب واجلب ُر والهندس ُة‬ ‫فكر ّيةٍ عديدةٍ ‪ ..‬منها اللغ ُة‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫والفلك والكيمياءُ والفلسف ُة والتاريخُ‪ .‬ولع ّل حرك َة‬ ‫الترجمةِ ‪ ،‬وهي قرين ُة فعلِ القراءةِ‪ ،‬هي التي م ّكنت‬ ‫العرب املسلمني من ِّ‬ ‫فك عزلتِهم املعرف ّيةِ‬ ‫واالنفتاح‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫على ِنتَاجات احلضارات القدمية العلم ّية واإلبداع ّية‪..‬‬ ‫خاصة ما اتصل منها بحضارة اإلغريقِ ‪ .‬فقد شق ّْت‬ ‫ّ‬ ‫علمائنا العرب املسلمني كثيرون‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫كتابات إقليدس وأرخميدس وطاليس وغيرهم‬ ‫ُ‬ ‫فأغنت أفكار‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫العربي‬ ‫طريقَها إلى الفضا ِء‬ ‫قرائي‬ ‫ٌّ‬ ‫كسل‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اخلوارزمي(‪( )6‬ت‪232‬هـ) في مجال الترقيم‪ ،‬وأغناها‬ ‫مم��ا م� َّر معنا‪-‬‬ ‫ولئن ج��ا َز لنا التأكي ُد ‪-‬انطال ًقا ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫متأص ٌل في عادات أسالفِ نا‬ ‫مبعادالتِه في عال ِم األرق��ام ومنازِ لها‪ ..‬وأمثاله من على أ ّن فع َل القراءة فع ٌل‬ ‫ِّ‬ ‫واج�ت�ه��ادا ِت�ه��م ف��ي ك�ش� ِ�ف ُم� ْغ�ل�ق� ِ‬ ‫�ات ال�� ُوج��ودِ‬ ‫املادي‬ ‫ِّ‬ ‫والتخييلي‪ ،‬فإ ّننا نتساء ُل عن حالِ عالقتنا للقرائ ّيةِ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الراهنةِ‬ ‫خاص ًة‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ثقاف‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ومج‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫كت‬ ‫باملطبوعات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوجودي‪،‬‬ ‫إ ْذ يبدو أ ّننا لم نتح ّم ْل جمي ًعا‪ ،‬في فِ علنا‬ ‫ِّ‬ ‫القرائي بوصفه الوسيل َة‬ ‫مسؤولي َة استمرارِ الفعلِ‬ ‫ِّ‬ ‫الوحيدةَ لإلسهام في بناء َص � ْر ِح ثقافتنا العربية‪،‬‬ ‫وكذلك اإلسهام بنِد ّيةٍ في تأسيس معال ِ​ِم احلضار ّية‬ ‫اإلنسانيةِ عا ّم ًة‪ .‬بل يبدو أ ّننا أخرجناه من حديقةِ‬ ‫عاداتِنا اليومية؛ َ‬ ‫ذلك أننا نُلفي أرقا ًما ُمخيف ًة تتع ٌّلق‬ ‫بالشأن ال �ق��رائ� ِّ�ي‪ ..‬أورده ��ا التقري ُر العربي األو ُل‬ ‫للتنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي‬ ‫اإلحصاءات إلى أ ّن ثمة‬ ‫لسنة ‪2007‬م‪ ،‬حيث تُشي ُر فيه‬ ‫ُ‬ ‫العربي بقراء ِة املطبوعات‬ ‫تو ُّت ًرا في عالقةِ اإلنسان‬ ‫ِّ‬ ‫قد ُر بـ‬ ‫الورق ّيةِ ‪ ،‬فإذا كان عدد سكان الوطن العربي يُ َّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪11‬‬


‫(‪ )338.621.469‬نسمة‪ ،‬وإذا كانت الكتب املنشورة بطيءٍ ‪.‬‬ ‫في العالم العربي لسنة ‪2007‬م‪ ،‬قد بلغت (‪)27809‬‬ ‫ولع ّل من امل ُ ِ‬ ‫نصيب ك� ّل مليون‬ ‫خيف أن نعل َم أ ّن‬ ‫َ‬ ‫كتابا‪ ،‬وإذا كانت الكتب‬ ‫ّ‬ ‫املختص ُة في العلوم واملعارف عربي م��ن ال ُكتب ال يتجاوز ثالثني ك�ت��اب�اً‪ ..‬مقابل‬ ‫معد َل ما يقرأه‬ ‫ال متثل س��وى ‪ % 15‬من ه��ذا الرقم‪ ،‬ف��إ ّن أم � َر هذه (‪ )584‬كتاباً لكل مليون أوروبي‪ ،‬وأن َّ‬ ‫العالقة يدعو إلى مزيدِ تف ُّك ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫رصني وجريءٍ للبحث الفرد العربي في السنة‪ ..‬هو ربع صفحة مقابل أحد‬ ‫ُ‬ ‫عن بدائل عمل ّية‪ ..‬تُعي ُد إلينا ثِقتَنا في كوننا أ ّم ًة تقرأ عشر كتاباً للفرد األميركي‪ ،‬وسبعة ُك ٍتب للبريطاني؛‬ ‫وتعرِ ُف ج ّي ًدا ما تقرأُ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫متوسط زمنِ القراءة بالنسبة إلى كل فرد عربي‬ ‫وأ ّن‬ ‫وال نستطي ُع أ ْن نُخفي ق��ولَ�ن��ا‪-‬واحل��ا ُل على ما يبلغ ست دقائق في السنة‪ ..‬مقابل (‪ )12000‬دقيقة‬ ‫إن حا َل القراء ِة –قراءة املطبوعات الورقية‪ -‬للغربي‪.‬‬ ‫وصفْنا‪َّ -‬‬ ‫َّ‬ ‫كثير من القلقِ ‪ .‬ذلك‬ ‫في الوطنِ‬ ‫العربي تدعو إلى ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وب �ع �ي � ًدا ع��ن امل �ق��ارن��ة ب�ي�ن س �ل��وك��ات الشعوب‬ ‫ُ‬ ‫أ ّن ك� َّل مجموعةٍ بشر ّيةٍ ‪ ..‬متى اقترن فيها الكسل واملُقايسةِ بينها‪ ،‬لكونِهما ممارستَينْ ال تنهضان على‬ ‫القرائي باإلفسادِ االقتصادي‪ ،‬واالنحاللِ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫األخالقي‪ ،‬أسس علم ّية‪ ،‬نظ ًرا إلى تن ّوع املقاييس املعت َمدة فيهما‪،‬‬ ‫مؤسسات‬ ‫وط�غ�ي��انِ ال�ب��راغ�م��ات� ّي��ة السياسيةِ على‬ ‫ّ‬ ‫وانفتاح موضوعِ هما على اخلصوصيات التاريخية‬ ‫ِ‬ ‫املجتمع امل��دن� ّ�ي‪ ،‬وت�ف� ّ�ش��ي َم � ْذه� ِ�ب ال � ّرب��ح ّ‬ ‫املج ّ‬ ‫اني‪ ،‬واحلضار ّية التي تختلف فيها املجموعات البشر ّية‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫مناخا ملي ًئا‬ ‫عاشت‬ ‫ْ‬ ‫بالتناقضات االجتماع ّية التي م��ن ح�ي��ثُ ع��اداتُ�ه��ا وع�ن��اص� ُره��ا الثقافية وأشكا ُل‬ ‫ً‬ ‫جتعله قابال لالنفجار‬ ‫السلبي في ّ‬ ‫ّ‬ ‫املادي؛ فإ ّننا نباد ُر إلى القول بفسادِ عاد ِة‬ ‫أي حلظةٍ ‪ .‬وهو حضورِ ها‬ ‫ّ‬ ‫انفجار قد يَ ْقتُ ُل ُهو ّي ِ‬ ‫الناس‪ ،‬ويدفع بأغلبهم إلى‬ ‫ات‬ ‫ِ‬ ‫كس ً‬ ‫ال‬ ‫القراء ِة املدرس ّية عندنا‪ ،‬وبكونِنا صرنا نعاني َ‬ ‫الكتاب‪ ،‬ليبل َغ املجلّ َة وباقي املطبوعات‬ ‫الشذوذِ والالمباال ِة والقبولِ باألمر الواقع‪ ،‬وال ُّركونِ قرائ ًّيا جتاوز‬ ‫َ‬ ‫السلبية احلضار ّيةِ ‪ ،‬وال ّدخولِ في ٍ‬ ‫موت‬ ‫إلى َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫تاريخي الورق ّية التي أُ‬ ‫ِ‬ ‫انتظارات السوادِ‬ ‫جبرت على تلبية أفق‬ ‫ْ‬

‫األعظم من الناس‪ ..‬عبر نشر موضوعات ال ترقى‬ ‫تالمس‬ ‫ف��ي أغلبِها إل��ى امل��وض��وع�ي��ة العلم ّية‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫العربي‪َ ،‬عدا ما كان منها‬ ‫احلاجات الفعل ّي َة للمواطن‬ ‫ّ‬ ‫من باب السخر ّية السمجة ِ‪ ،‬وكثر ِة األرق��ام‪ ،‬وأخبار‬ ‫ّ‬ ‫احلظ‪ ،‬وصفحات اإلشهار واحلوارات‬ ‫النجوم‪ ،‬وقراءة‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫التمجيد ّية الطويلة وكل ما كان من صنفِ ها‪.‬‬

‫المجالّت الثقافية والقارئ‬ ‫بعض املقاالت العلمية التي أُلقيت‬ ‫لقد تكفّلت‬ ‫ُ‬ ‫(‪)7‬‬ ‫بدرس عالقةِ املج ّ‬ ‫الت الثقافية‬ ‫في ندوات كبيرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وخلصت إلى تأكيد تقهقرِ إقبال‬ ‫رائي‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫مبحيطها القِ ِّ‬ ‫العربي على قراءة املج ّ‬ ‫الت الثقاف ّية وكسادِ‬ ‫املواطن‬ ‫ّ‬ ‫�اب ع��دم ق��رائ� ّي�ت�ه��ا‪ ،‬وأرجع‬ ‫ُس��وقِ �ه��ا‪ ،‬وح � � ّددت أس �ب� َ‬ ‫بعضهم(‪ )8‬هذه األسباب إلى‪ :‬االرجتال واالعتماد على‬ ‫املبادرات الفردية‪ ،‬وضعف البنية اإلدارية في متتني‬ ‫العالقة مع القراء‪ .‬وهو ما ينجم عنه ضعف العالقة‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫مع أهم الكتّاب‪ ،‬وإهمال عنصر الترشيد في البنية‬ ‫االقتصادية للمجلة‪ ،‬وضعف التمويل ‪-‬إذا كانت املجلة‬ ‫تابعة جلهة رسمية أو مؤسسة َّما‪ ،-‬وتعدد اجلهات‬ ‫الرقابية‪ ،‬أو التداخل املرتبك في اختصاصاتها‪.‬‬ ‫وم� ��ن ال��ت��وص��ي��ات امل �ق �ت��رح��ة ل �ل �ن �ه��وض بحال‬ ‫املجالت الثقافية العربية‪ ،‬وفق ما ذكر األستاذ بندر‬ ‫عبداحلميد(‪ ،)9‬ضرورة رسم املجالت الثقافية لتقاليد‬ ‫خاصة بها‪ ،‬وم��ن تلك التقاليد "االب�ت�ك��ار واحترام‬ ‫ثقافات الشعوب‪ ،‬واحترام الرأي اآلخر‪ ،‬والتواصل مع‬ ‫آخر املستجدات في العالم‪ ،‬وكسر احلواجز الوهمية‬ ‫بني األدب والفنون السبعة والعلوم‪ ،‬وتقدمي أعداد‬ ‫خاصة‪ ،‬أو ملفات محددة عن املوضوعات الساخنة أو‬ ‫امللتبسة أو املستجدة‪ ،‬لكي تضمن نوعاً من التشويق‬ ‫والتواصل مع القراء من أجيال ومستويات مختلفة‪.‬‬ ‫وف��ي ن�ف� ِ�س ال�س�ي��اق‪ ،‬ي��رى ه��ذا ال�ك��ات��ب أ ّن "من‬ ‫الشروط األولية للمجلة الثقافية العربية الناجحة‪،‬‬ ‫أن تكون مرصداً متحركاً في كل االجتاهات الثقافية‪،‬‬ ‫تبدأ من الثقافة احمللية مباضيها وحاضرها املتجدد‪،‬‬ ‫ومتتد إلى وجوه الثقافات في البالد العربية األخرى‪،‬‬ ‫ثم إلى وجوه الثقافات البشرية اجلديدة وجذورها‬ ‫البعيدة‪ ،‬وحتوالتها‪ ،‬وتقدم نصوصاً حية من تلك‬ ‫الثقافات‪ ،‬ف��ي م��ا يشبه عملية تخصيب متواصلة‬ ‫ل�ل�ث�ق��اف��ة احمل�ل�ي��ة ال �ت��ي ت �ت��داخ��ل ف�ي�ه��ا االجتاهات‬ ‫كافة"(‪.)10‬‬ ‫وعلى الرغم من وجاهة ما خلصت إليه أغلب‬ ‫املقاالت التي تناولت مسألة اتساع ال ُه ّوة بني املج ّ‬ ‫الت‬ ‫العربي‪ ،‬إ ّال أ ّن ُج � َّل ما قي َل عن‬ ‫الثقافية وال�ق��ارئ‬ ‫ّ‬ ‫ميس ال َع ْظ َم منها‪ ،‬وراح يُك ِث ُر‬ ‫أسباب هذه األزمة لم َّ‬ ‫ُ‬ ‫�اب دون االل�ت�ف� ِ‬ ‫ِ‬ ‫�ات إل��ى أ ّن أ َّس‬ ‫م��ن‬ ‫توصيف األس �ب� ِ‬ ‫ً‬ ‫القطيعةِ هو انعدام ع��ادة القراءة سلوكا اجتماع ًّيا‬ ‫العربي‪ ،‬وتغييبها في مشاريع‬ ‫يوم ًّيا ل��دى امل��واط��ن‬ ‫ّ‬ ‫السياسات التربو ّية‪ ،‬وما عدا ذلك ال يزيد عن كونه‬ ‫ٍ‬ ‫جتلّ ٍ‬ ‫وتفريعات عنها‪.‬‬ ‫يات للمشكلة‬ ‫ص إليه في هذا الشأن هو أ ّن استمرا َر‬ ‫والذي نخل ُ ُ‬

‫أي مجلّة ثقاف ّية وبلو َغها أكبر عدد من الق ّراء‬ ‫نشرِ ّ‬ ‫باتساع‬ ‫ليس مرهو ًنا بحجم موارِ دها املالية فقط‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫م�س��اح��ات ت��وزي�ع�ه��ا‪ ،‬وال ح� ّت��ى ب��رق� ّ�ي موضوعاتِها‪،‬‬ ‫وببخس ثمن بيعها وبتفكيرِ ها في تكوين قاعدة من‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُق � ّراء املستق َبلِ من أجيالِنا املقبلةِ ‪ .‬بل يظل األم ُر‬ ‫متو ِّق ًفا على طبيعة السياسات القرائ ّية في أوطاننا‬ ‫وعي‬ ‫ال�ع��رب� ّي��ة‪ .‬فمتى ق��ام��ت ه��ذه السياسات على ٍ‬ ‫لغرس‬ ‫سعي ص��ادِ ٍق‬ ‫ِ‬ ‫حقيقي بقيمةِ ال �ق��راءةِ‪ ،‬وعلى ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫الناس‪ ،‬وج � َدت كل املطبوعات الورق ّية‬ ‫عادتِها بني‬ ‫ِ‬ ‫طريقَها إليهم‪ ،‬وحازت على رغبتِهم في قراءتِها؛ ولن‬ ‫املؤسسات‬ ‫يتأتّى ذلك ‪-‬وفق ما نرى‪ -‬إال إذا غ ّيرت‬ ‫ّ‬ ‫التعليمية العرب ّية من زعمها بأ ّن زمنَنا الراه َن زمن‬ ‫االفتراضي فقط‪ ،‬وتخلّت عن اعتقادِ ها‬ ‫التواصل‬ ‫ّ‬ ‫الواهي ب��أ ّن امتالك شعوبِها لتكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالتصال قاد ٌر وح َده على متكينها من فهم واقعها‪..‬‬ ‫س‬ ‫وال�س�ي�ط��رة على م�ج��ري��ا ِت��ه‪ .‬وم��ن ث��م ت �ع��و ُد ِّ‬ ‫تؤس ُ‬ ‫لفعل القراءة كممارسةٍ يوم ّيةٍ ‪ ،‬وتعتمدها سبي ً‬ ‫ال إلى‬ ‫حتقيق النهضة االقتصادية واالجتماعية والسياس ّية‬ ‫والثقاف ّية والفن ّية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪13‬‬


‫املجالت الثقافية في وجه التعومي والتغريب‬ ‫> مالك اخلالدي ‪ -‬السعودية‬

‫كثير ًا ما نُصاب بخيبات أمل كبيرة إزاء انحسار لغتنا العربية الفصحى مقابل اتساع سطوة‬ ‫اللهجات المحلية أو ما نستطيع تسميتها (موجة التعويم)‪ ،‬ولن نتفاجأ حين تصدح ‪-‬لألسف‪-‬‬ ‫محفل تربوي‪ ،‬دون أن نشعر بفداحة توهين الفصحى‪ ،‬في‬ ‫ٍ‬ ‫القصائد واألهازيج النبطية (العاميّة) في‬ ‫إحدى قالعها‪ ..‬ودون االلتفات لخطر زرع التناقض بين ما يتعلمه الطالب والطالبة‪ ،‬وما يمارسه‬ ‫داخل المؤسسة التربوية‪ .‬ورغم تواتر اإلحباطات‪..‬فإننا ما نزال نشعر بخيوط األمل المبثوثة في‬ ‫أرجائنا تشرق من حيث تنبع اللغة الخالدة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مثقف غيور على لغته‪.‬‬ ‫األثير في نفس كل‬ ‫أما انحسار رواجها فيعود إلى عدة أمور منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬موجة التسطيح التي يعيشها المجتمع‪.‬‬ ‫‪ -2‬ظهور اهتمامات جديدة وارتفاع أخرى‪.‬‬ ‫‪ -3‬صعوبة اللغة الفصحى نتيجة انقطاع الصلة‬ ‫بين الكتاب والفرد‪.‬‬ ‫‪ -4‬ازدياد وتيرة مشاغل الحياة‪.‬‬ ‫‪ -5‬انخفاض المستوى المعيشي للفرد‪.‬‬ ‫‪ -6‬انعدام التحفيز لممارسة المطالعة والبحث‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن قلة اإلقبال عليها ال يؤثر أبداً‬ ‫على كينونتها واستمرارها النتفاء ربحيتها‪ ،‬فهي‬ ‫ف��ي الغالب ليست جت��اري��ة‪ ..‬إمن��ا ثقافية فكرية‬ ‫ذات ٍ‬ ‫هدف ترجو بلوغه‪ ،‬ورسالة تسعى لتحقيقها‪،‬‬ ‫ورغم محدودية قرائها‪ ..‬إال أنها قادرة على إيصال‬ ‫ولعل املجالت الثقافية إحدى ركائز األمل املتبقي رسالتها؛ فهي موجهة للنخبة التي تُعد عقل املجتمع‬ ‫لرفد لغتنا الفصحى‪ ..‬وضمان استمراريتها وإن ورائدته‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وق��د أسهم الكثير م��ن امل�ج�لات الثقافية في‬ ‫قل القراء‪ ..‬إال أنها تبقى احلافظ األمني والس ِــفر‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫مـُـقاومة اللغات الدخيلة واللهجات املستحدثة‪،‬‬ ‫وخصوصاً في الفترات االستعمارية التي م َّر بها‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬فكانت رفيقة نضال السواعد في‬ ‫الساحات‪ ،‬حيثُ كانت تلك املجالت اجلدار األخير‬ ‫والصلب للغة العربية ونواة التعريب‪.‬‬ ‫ونستطيع القول إنها ساعدت على‪:‬‬ ‫‪ -1‬إبقاء اللغة الفصحى قيد االستخدام‪.‬‬

‫لندرك األث��ر الكبير للمجالت الثقافية في رفد‬ ‫‪ -2‬تعزيز قيمتها وجعلها لغة النخبة المثقفة‬ ‫اللغة الفصحى‪ ،‬فقد س��اع��دت تلك املجلة على‬ ‫والمتأدبة‪.‬‬ ‫تنمية الشعور بالوعي الوطني‪ ،‬واالنتماء للجذور‪،‬‬ ‫‪ -3‬وقوفها كواجهة أصيلة في وجه التغريب‪ ،‬ما‬ ‫واالعتزاز بالتراث والذود عنه‪ ،‬ما عزز الفصحى‪..‬‬ ‫زاد من مكانتها‪.‬‬ ‫حيثُ ازدادت وتيرة تأليف الكتب التي تناولت كل ما‬ ‫‪ -4‬تنشيط حركة الترجمة من اللغة العربية الفصحى يتعلق باملواطن العربي في تلك املرحلة احلرجة‪.‬‬ ‫وإل��ي��ه��ا‪ ،‬ن�ت�ي�ج��ة ظ �ه��ور ال��س��ج��االت السياسية‬ ‫إذاً أستطيع ال �ق��ول وب �ج �س��ارة‪ ..‬إن املجالت‬ ‫واالتجاهات الفكرية والرؤى الدينية واالجتماعية‪.‬‬ ‫الثقافية تبقى س ِــفر احل �ف��ظ للغة الفصحى‪،‬‬ ‫ولنأخذ على سبيل امل�ث��ال مجلة (احلاضرة) وال��وق��ود ال��ذي يعمل على إنعاشها رغ��م هجران‬ ‫ال �ت��ي ظ �ه��رت إب ��ان االس�ت�ع�م��ار األورب� ��ي لتونس‪ ،‬األقربني وابتعاد احملبني!‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪15‬‬


‫الدور املنتظر من املجالت الثقافية‬

‫> عمران عز الدين أحمد‪ -‬سوريا‬

‫التعريف بالمجلة‬ ‫المجلة أو ما يطلق عليها باللغة االنجليزية ‪- magazine‬حسب القاموس‬ ‫المحيط‪ -‬هي‪ :‬الصحيفة‪ ،‬فيها الحكمة كما قد يقال لكل كتاب‪ ،‬أما في معجم‬ ‫المصطلحات العربية (مجدي وهبه وكامل المدرس‪ ،‬صفحة ‪ )336‬فهي‪ :‬نشرة‬ ‫دورية أسبوعية أو شهرية تتناول شتى الموضوعات كتابة وتصويراً‪ ،‬ويغلب عليها‬ ‫طابع الترفيه‪ ،‬وقد تكون علمية متخصصة‪ ،‬أو نقدية تتخصص في نشر البحوث‬ ‫التفصيلية‪ ،‬ونقد الكتب المؤلفة حديث ًا واألنشطة الثقافية األخرى‪ ،‬كما يغلب‬ ‫عليها طابع الجدية والتعمق واإلطالة في البحث‪.‬‬

‫الفرق الجوهري بين المجلة والصحيفة‬ ‫ما مييز املجالت الثقافية (الشهرية‪ ،‬الفصلية‪،‬‬ ‫ونصف السنوية) ع��ن الصحافة ال��ورق�ي��ة (اليومية‬ ‫واألسبوعية) أنها تتطرق للمواضيع املطروقة‪ ،‬من‬ ‫زوايا مهمة جداً‪ ،‬بدراسة معمقة‪ ،‬ونقد ممنهج‪ ،‬فض ً‬ ‫ال‬ ‫لبحث ما مث ً‬ ‫ٍ‬ ‫ال‪ -‬للهوامش‬ ‫عن ذكرها ‪-‬عند نشرها‬ ‫واملراجع‪ ،‬ناهيك عن اإلحاطة الشاملة‪ ،‬من مختلف‬ ‫اجل��وان��ب‪ ،‬باملوضوع املُبتغى دراس�ت��ه ون�ق��ده‪ ،‬حتليله‬ ‫وتأويله‪ .‬وهذا ما تفتقد إليه الصحافة اليومية‪ ،‬التي‬ ‫تعج أحياناً باملبتذل‪ ،‬والسطحي‪ ،‬والقشور‪ ،‬وسفسف‬ ‫القول‪.‬‬

‫األهداف المبتغاة‬ ‫للمجالت الثقافية دور بنّاء وكبير في نشر الوعي‬ ‫بكل أن��واع��ه‪ ،‬إذ ما ي��زال لبعضها ال��ذي يصدر على‬ ‫امتداد هذه املعمورة‪ ،‬الدور الكبير والفاعل واملؤثر‪،‬‬ ‫ال��ذي بإمكانه أن يشكل معيناً ال ينضب‪ ،‬أو زاداً‬ ‫معرفياً وثقافياً وحضارياً وتواصلياً في أغلب األحيان‪.‬‬ ‫لقد لعبت تلك املجالت دوراً كبيراً في إثراء الذائقة‬ ‫اإلبداعية للقراء وال ُكتَّاب عبر أجيال خلت‪ ،‬ومن ثم‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫لوعي نخبوي جمعي‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن حرص تلك‬ ‫تكريسها ٍ‬ ‫املجالت الدؤوب على أن تُزدهى بأبهى احللل‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن ثراء املضمون‪ .‬وقد شهد التاريخ سطوعاً لتلك‬ ‫املجالت‪ ،‬حتى قاربت الذروة‪ ،‬وخفوتاً لبعضها اآلخر‬ ‫في اآلن ذاته‪ .‬وقد توقفت بعض املجالت عن العمل‪،‬‬ ‫ألسباب كثيرة منها‪« :‬مادية‪ ،‬أو سياسية‪ ،‬أو ابتعادها‬ ‫ع��ن َخ ّطها امل��رس��وم لها منذ ب��داي��ات تأسيسها‪ ،‬أو‬ ‫استقالة جماعية للمشرفني والقائمني عليها‪ ،‬استقالة‬ ‫عضو بارز فيها»‪ ،‬فيما شاخ بعضها‪ ،‬وتأسست أخرى‪.‬‬ ‫كما أسهم بعضها في بروز أسماء إبداعية كبيرة‪ ،‬كان‬ ‫لها شأن كبير في رسم معالم اخلريطة اإلبداعية‪،‬‬ ‫ف��أث��رت ب��دوره��ا املكتبة األدب �ي��ة العربية ب�ك� ٍّم كبير‬ ‫من العلوم وامل�ع��ارف والنقود وال��دراس��ات واألبحاث‬ ‫األكادميية الشاهقة‪.‬‬

‫بعض المآخذ‬ ‫ونظراً ألن الواقع ال يسر أحياناً‪ ،‬ملا حتفل به بعض‬ ‫املجالت‪ ،‬من م��واد موغلة في االنطباعية والذاتية‪،‬‬ ‫وألنها أصبحت كسلعة جتارية أكثر منها مادة ثقافية؛‬ ‫وذلك بعدم مواكبة املستجدات واملتغيرات‪ ،‬في الساحة‬ ‫حد سواء؛ كأن تنصرف‬ ‫األدبية العربية والعاملية على ٍ َّ‬


‫ •أن تسعى تلك املجالت جاهدة لتسليط الضوء على‬ ‫جت��ارب وأدب أدب��اء مبدعني ومتجاوزين‪َ ،‬طالهم‬ ‫اإلقصاء والتهميش‪ ،‬فعاشوا في املنافي واملهاجر‬ ‫ل ��ردح ط��وي��ل م��ن ال��زم��ن‪ ،‬ول��م تنصفهم أوطانهم‬ ‫وحكوماتهم‪ ،‬ألنهم كانوا يعبرون مبنتهى الصدق‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫إلى نشر املقاالت القائمة على عالقة شخصية بني‬ ‫هيئة حترير املجلة و ُكتَّاب بعينهم‪ ،‬أو نشرها للنتاج •ال� �ت ��زام احل �ي��اد وامل��وض��وع �ي��ة ف��ي ط ��رح األفكار‬ ‫احمللي اخلاص بها ومببدعيها‪ ،‬مهملة النتاج العربي‬ ‫واحل �ل��ول‪ ،‬لقضايا وم�ش��اك��ل مستعصية ومعلقة‪،‬‬ ‫املجاور لها‪ ،‬فتبتعد بذلك عن الثراء املعرفي‪ ،‬ومن‬ ‫خطيرة وشائكة‪ ،‬تتطلب في أُ ّسها العميق‪ ،‬األمانة‬ ‫ثم‪ ،‬ينصرف القارئ عن قراءتها‪ .‬وألن هذه الظاهرة‬ ‫العلمية والعملية‪ ،‬ف�ض� ً‬ ‫لا ع��ن اإلح��اط��ة الكاملة‬ ‫خطيرة جداً‪ ،‬وتستدعي وقفة تشريحية مطولة‪ ،‬ميكن‬ ‫بحيثيات املوضوع املُنَاقش وخفاياه‪ ،‬وسبر أغواره‬ ‫القول إننا نتوخى من املجالت دوراً مأموالً أكبر‪ ،‬وهذا‬ ‫ودهاليزه‪.‬‬ ‫ينحصر كما أرى في نقاط أو حلول جوهرية‪ ،‬ستجعل‬ ‫ •االبتعاد عن الشللية واحمل��اب��اة‪ ،‬ونشر امل��ادة التي‬ ‫من املجلة املطبوعة مادة متفردة في الشكل واملضمون‬ ‫تستحق النشر‪ ،‬دون ال��وق��وع ف��ي َش�� َرك التشهير‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫على ٍ ّ‬ ‫واملكائد والتجريح الشخصي‪.‬‬ ‫املقترحات التي من شأنها أن ترتقي مبجالتنا‪،‬‬ ‫ •اإلطالع على ثقافة الشعوب األخ��رى‪ ،‬واالستفادة‬ ‫لتغدو رديفاً فعاالً ألدب فعال‪:‬‬ ‫م��ن جت��ارب�ه��ا‪ ،‬وال�ن�ه��ل منها‪ ،‬مب��ا يناسب عاداتنا‬ ‫نحل بوجود فريق‬ ‫ •أن تكون هيئة التحرير كخلية ٍ‬ ‫وتقاليدنا‪ ،‬خدمة ملبدأي التطور واالرتقاء‪ ،‬فاحلكمة‬ ‫راق‪ ،‬مستقل في توجهاته‪ ،‬هاجسه‬ ‫عمل مؤسساتي ٍ‬ ‫ضالة املؤمن أنى وجدها أخذها‪.‬‬ ‫رفعة األدب‪ ،‬يؤمن باإلبداع‪ ،‬ويعمل على استقطاب‬ ‫ •اكتشاف امل��واه��ب الشابة‪ ،‬والعمل على رعايتها‪،‬‬ ‫األقالم املبدعة‪ ،‬بشتى الوسائل والسبل‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن‬ ‫وتنبيهها إل��ى أهمية ما يكتبونه‪ ،‬وحتفيزهم إلى‬ ‫ض ّخ املجلة بني الفينة واألخرى‪ ،‬أو بني عدد وآخر‪،‬‬ ‫األم��ام‪ ،‬ناهيك عن مطالبتهم بالكتابة‪ ،‬ومراسلة‬ ‫بدماء جديدة‪ ،‬ل َّ ُكتاب جدد‪.‬‬ ‫املجلة ذاتها باستمرار‪ .‬ويحضرني هنا دور مجلة‬ ‫ •اتساع هامش احلرية في املجالت الثقافية‪ ،‬وتزايد‬ ‫شعر التي قدمت الكثير من األسماء إلى الساحة‬ ‫دورها اإلصالحي والثقافي والتوعوي‪.‬‬ ‫األدبية‪.‬‬ ‫ •ومبا أن تلك املجالت تقوم بنشر القصص واألشعار •اإلك�ث��ار من نشر امل�ق��االت التي تلزم الكاتب ‪-‬أي‬ ‫والترجمات والدراسات‪ ،‬فيجب أن يكون املختص‬ ‫كاتب‪ -‬باالبتعاد قدر اإلمكان عن املديح املجاني‪،‬‬ ‫بنشر القصص مث ً‬ ‫ال‪ ،‬قاصاً له باع طويل في كتابة‬ ‫فض ً‬ ‫ال عن املجامالت الفارغة‪ ،‬التي تضر بالعمل‬ ‫القصة‪ ،‬واألمر ذاته ينطبق على املسؤول عن نشر‬ ‫وك��ات �ب��ه‪ .‬أو أن تتبع امل�ج�ل��ة م �ث� ً‬ ‫لا س�ي��اس��ة رفض‬ ‫الشعر بأن يكون شاعراً‪ ،‬وكذلك إسناد النصوص‬ ‫نشر م �ق��االت ك �ه��ذه‪ ،‬وم��ا ي �ن��درج ف��ي فلكها‪ ،‬وما‬ ‫املترجمة إل��ى مترجم مشهود ل��ه‪ ،‬يجيد اللغات‪،‬‬ ‫أك�ث��ر ال� ُك� َّت��اب ال��ذي��ن يكتبون ع��ن بعضهم بعضاً‪،‬‬ ‫وميتلك ذائقة إبداعية خالقة‪.‬‬ ‫فيتطاوسون مبجرد أن يجدوا أسماءهم منشورة‪،‬‬ ‫واملسؤولية عن واقعهم الرديء‪.‬‬

‫ث ّم يجدون بعد ذلك صعوبة في التك ّيف واملواصلة‪،‬‬ ‫أو تقدمي اجلديد‪ ،‬مبعنى أنه ينبغي على الكاتب‬ ‫عمل ما‪ ،‬أن يتطرق لذكر إيجابيات‬ ‫الذي يكتب عن ٍ‬ ‫وسلبيات ذلك العمل مجتمعة‪ ،‬بلغة رصينة هادئة‪،‬‬ ‫ترنو االرتقاء بالكاتب وعمله‪ ،‬وتنبهه إلى ضرورة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪17‬‬


‫تالفي ما وقع فيه الكاتب ذاته من هنات ومطبات‬ ‫ال ومستوفياً‬ ‫ال كام ً‬ ‫في عمله هذا‪ ،‬ليقدم تالياً عم ً‬

‫لشروطه الفنية واإلبداعية‪.‬‬

‫باالبتعاد ال�ت��ام ع��ن التعصب والتزمت والتشدد‪،‬‬ ‫وع��دم االنتقاص م��ن قيمة أي أح��د‪ ،‬مهما كانت‬ ‫األسباب مغرية وشديدة لذلك االنتقاص‪ .‬وذلك‬ ‫بإيالء فن الترجمة مث ً‬ ‫ال أهمية قصوى‪ ،‬ملا لهذا‬ ‫الفن‪ ،‬من دور م�ح��وري‪ ،‬في القضاء على اجلهل‬ ‫واالطالع على ثقافات األمم األخرى‪.‬‬

‫ •إعادة الروح للكلمة‪ ،‬واالهتمام بالفكرة‪ ،‬التي انحسر‬ ‫دوره��ا في العقود األخيرة‪ ،‬بعد مزاحمة الصورة‬ ‫وامليديا لها‪ ،‬حيث تلعب بعض القنوات الفضائية‬ ‫مث ً‬ ‫ال‪ ،‬دوراً تصعيدياً‪ ،‬خطيراً وساماً‪ ،‬في تقليص •حتسني األجر املادي للمادة املنشورة‪ ،‬وهذه النقطة‬ ‫دور املادة الثقافية املطبوعة في ظل الهشاشة التي‬ ‫بالذات مهمة للغاية‪ ،‬إذ مبوجبها سيشعر الكاتب‬ ‫أي كاتب‪ -‬باألمان‪ ،‬وبالتالي لن يدخر أي ٍ‬‫اخترقت مفاصلها‪ ،‬وجعلت بالتالي من املُثل السامية‬ ‫جهد‬ ‫والنبيلة «احلب؛ احلق؛ اخلير؛ ا َ‬ ‫جل َمال‪ ».‬ضرباً من‬ ‫في التفرغ التام ألجل كتابة مقال‪ /‬بحث‪ /‬دراسة‪،‬‬ ‫ضروب الترف الفكري‪ ،‬عدمية اجلدوى‪.‬‬ ‫مستوفية العناصر وشاملة‪.‬‬ ‫ •ثمة شروط فنية وشكلية وإجرائية يجب على ك ّل‬ ‫املجالت الثقافية العمل بها‪ ،‬مع التنويه بأن هذه‬ ‫الشروط حتديداً تتوافر في بعض املجالت‪ ،‬التي‬ ‫سنعرج على ذكرها الحقاً‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫ •إح�ي��اء ال�ت��راث والفلكلور‪ ،‬أو عصرنتهما‪ ،‬بقالب‬ ‫ج��دي��د‪ ،‬ول �ب��وس ح �ض��اري أم �ث��ل وأك �م��ل‪ ،‬وم��ن ثم‬ ‫املزاوجة من حيث اإليجابيات والسلبيات بينهما‬ ‫وب�ين احل��داث��ة ب��امل�ق��ارن��ة املستفيضة واملمنهجة‪،‬‬ ‫والعمل باملناسب منها ليتسنى لنا احل��دي��ث بعد ‪1‬ـ إعالم القائمين على المجلة لمرسل المقال باستالم‬ ‫ذل��ك‪ ،‬عن وعي وإدراك‪ ،‬عن انصهار تلك الفنون‬ ‫مادته المرسلة‪.‬‬ ‫مجتمعة ف��ي بوتقة أدب�ي��ة واح ��دة‪ ،‬خ��دم��ة للمادة‬ ‫اإلب��داع�ي��ة امل�ن�ش��ودة‪ ،‬ال�ت��ي م��ن شأنها أن ترتقي‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫بالذوق األدبي والقرائي على ٍ ّ‬ ‫ •االهتمام بأدب األطفال‪ ،‬وفتح امللفات التي ترتقي‬ ‫بهم وبأدبهم‪ ،‬من خالل توجيه الدعاوى للمختصني‬ ‫والباحثني واألكادمييني‪ ،‬للكتابة عن عالم األطفال‪،‬‬ ‫الشديد اخلصوصية‪ ،‬وم��ا ينبغي التحلي ب��ه من‬ ‫أخالق عالية‪ ،‬فالطفولة مرحلة مهمة جداً‪ ،‬شديدة‬ ‫احلساسية‪ ،‬كما أنها تشكل القاعدة األهم‪ ،‬لتش ّرب‬ ‫أدب نهضوي ومسؤول‪ ،‬فاتن وخالق‪.‬‬ ‫ •إع� ��ادة االع �ت �ب��ار ل�ل�ف��رد واألس� ��رة وال ��دي ��ن‪ ،‬بنشر‬ ‫املقاالت التي حتض على نبذ االنحالل والتسطيح‬ ‫والتمييع‪.‬‬ ‫ •أن تتبنى تلك املجالت في مادتها الثقافية شعار‬ ‫قبول اآلخر‪ ،‬والدعوى إلى حوار احلضارات‪ ،‬وذلك‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫‪2‬ـ إبالغه عند نشر مادته تلك‪.‬‬ ‫‪3‬ـ تزويد مرسل المقال بالعدد الذي نشرت فيه المادة‬ ‫عن طريق عناوينه الثابتة‪.‬‬ ‫‪4‬ـ م��واف��ات��ه ب��ال�م�ك��اف��أة ال�م�خ�ص�ص��ة‪ ،‬أو التعويض‬ ‫المادي‪.‬‬

‫بد منها‬ ‫خاتمة ال ّ‬ ‫لقد لعبت «مجلة العربي» مثال‪ ،‬التي تصدر عن‬ ‫وزارة اإلع�لام بدولة الكويت‪ ،‬دوراً كبيراً في تكوين‬ ‫وعي املثقف العربي وبلورته‪ ،‬في مرحلة من املراحل‪،‬‬ ‫فقد كان ينتظر صدور أعداد تلك املجلة بفارغ الصبر‪،‬‬ ‫وكان يقوم بقراءة ُج ّل موادها‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن ذكر ُكتَّابها‬ ‫ألسماء ُكتَّاب ع��رب وعامليني‪ ،‬فكان ينطلق من تلك‬ ‫املجلة‪ ،‬ليطالع إبداعاتهم‪ ،‬التي صقلته على نحو ما‪،‬‬ ‫وشذبت ذوقه األدبي‪ ،‬فإذا ما أعجبه مقال ألحدهم‪،‬‬ ‫كان يبادر إلى ش��راء أعمال ذلك الكاتب‪ ،‬ومن كتب‬ ‫عنه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬أتاحت له هذه املجلة أن يتعرف على‬ ‫أع�م��ال كبار األدب ��اء والكتاب أم�ث��ال‪ :‬دستويفسكي‪،‬‬ ‫وكافكا‪ ،‬وتشيخوف‪ ،‬وبورخيس‪ ،‬وعبدالرحمن منيف‪،‬‬ ‫وأحمد عبدالغفور عطار‪ ،‬وعبدالله الغذامي‪ ،‬وحنا‬ ‫مينه‪ ،‬وص�ل�اح ع�ب��دال�ص�ب��ور‪ ،‬وب ��در ش��اك��ر السياب‪،‬‬ ‫وواسيني األعرج‪ ،‬وإبراهيم الكوني‪ ،‬ومحمد شكري‪».‬‬ ‫وقائمة طويلة‪ ،‬ال يتسع امل�ق��ام لذكرها ه�ن��ا‪ ،‬وذكر‬ ‫تأثيرها اإليجابي في تنمية ملكاته اإلبداعية‪ ،‬ورفد‬ ‫طاقته األدبية تصاعدياً‪.‬‬ ‫لقد الحظت من خالل جتربتي الشخصية البحتة‪،‬‬ ‫بأن تلك الشروط الفنية السابقة‪ ،‬تتوافر بامتياز في‬ ‫مجالت عربية قليلة‪ ،‬ومنها على سبيل املثال وليس‬ ‫احلصر‪« :‬الرافد اإلماراتية‪ ،‬العربي الكويتية‪ ،‬اجلوبة‬ ‫السعودية»‪ ،‬فهذه املجالت مث ً‬ ‫ال‪ ،‬ع ّرفتنا على قامات‬ ‫إب��داع�ي��ة جميلة‪ُ ،‬ج�لّ�ه��ا م��ن شريحة ال�ش�ب��اب‪ ،‬ومن‬ ‫مختلف الدول العربية‪ ،‬تكتب فوق ذلك أدباً جمي ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫ونقداً معمقاً‪.‬‬

‫هذا هو الدور املفترض انتهاجه من لدن املجالت‬ ‫الثقافية‪ ،‬ذلك ال��دور الريادي واحلريص واملسؤول‪،‬‬ ‫ال ��ذي م��ن ش��أن��ه أن ي��دف��ع مبجالتنا ق��دم �اً‪ ،‬إلنارة‬ ‫احمل �ط��ات الثقافية املعتمة‪ ،‬ب��إش�ع��ال ك��ل مجلة من‬ ‫تلك املجالت مث ً‬ ‫ال‪ ،‬ولو شمعة واح��دة‪ ،‬ليجلل النور‪،‬‬ ‫أو احل��راك الثقافي الفعال‪ ،‬كافة األنشطة الثقافية‬ ‫واإلبداعية‪ .‬فإذا توفرت ‪-‬ونأمل ذلك‪ -‬تلك الشروط‬ ‫السابقة وامل��أم��ول��ة ف��ي امل�ج�لات الثقافية العربية‪،‬‬ ‫الستطعنا احلصول على جيل مثقف وواع‪ ،‬وألسهمنا‬ ‫في االنتقاص من نسبة األمية املهولة التي ترزح حتت‬ ‫وطأتها الطبقة الفتية‪ ،‬التي كانت ‪-‬في الوطن العربي‪-‬‬ ‫طبقة قارئة بامتياز في يوم ما‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن تفعيل عادة‬ ‫التحريض على القراءة في أ ّمة اق��رأ‪ ،‬التي تراجعت‬ ‫إلى حدودها الدنيا في العقود األخيرة‪ ،‬والستطعنا‪،‬‬ ‫من ثم‪ ،‬دون عناء اللحاق بركب احلضارة اإلنسانية‬ ‫املعاصرة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪19‬‬


‫إسهام املجالت الثقافية فى االصالح الثقافي واالجتماعى‬ ‫فى الوطن العربي‬

‫> د‪ .‬خالد فهمى – مصر‬

‫مدخل‪ :‬المخاطر ظاهرة!‬ ‫هذا مفتتح صالح هنا من بعض الوجوه ؛ ألن إطالقه من قبل من‬ ‫وهو مصطفى صادق الرافعي ‪-‬رحمه الله‪ -‬في بعض المجالت الثقافية‬ ‫ب��داي��ة ال��ق��رن ال��م��ي�لادي ال��م��ن��ص��رم‪ ،‬ش��اه��د على منظومة ثابتة في‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وسنن الوجود االجتماعي ؛ إذ ال يجوز أن نستهين بأي قدر‬ ‫من الخلل في البنية الثقافية واالجتماعية تعييناً‪.‬‬ ‫وق��د اس�ت�ق��ر ف��ي اإلس�ت��رات�ي�ج�ي��ات املعاصرة‬ ‫ح�ق�ي�ق��ة ت �ق��رر أن ح���رب األف� �ك ��ار ه ��ى املقدمة‬ ‫الضرورية للتغيير!‬ ‫وفحص مخططات الغرب نحو األمة العربية‬ ‫ي��دع��م ه���ذا امل ��دخ ��ل؛ ذل���ك أن ال� �ط ��رح الغربي‬ ‫واألم �ي��رك��ي تعييناً‪ ..‬يستهدف خلخلة األنسجة‬ ‫االجتماعية العربية واإلسالمية‪ ،‬على حد تعبير‬ ‫الدكتور سيف الدين عبدالفتاح أستاذ النظرية‬ ‫السياسية بالقاهرة‪.‬‬ ‫هذا الهدف اإلستراتيجي ناجت ممارسات قائمة‬ ‫ومرصودة‪ ،‬أتاح بعض ما تسرب من معلومات أن‬ ‫يفضح م��ا يتعلق بتفيذها ب���أدوات ثقافية منها‬ ‫املجالت الثقافية في البلدان العربية‪ .‬وهو األمر‬ ‫ال��ذي يجعل من التخريب في املجال الثقافي من‬ ‫خالل بوابات املجالت الثقافية مقدمة قائدة إلى‬ ‫حتقيق االستراجتية الغربية املعلنة‪ ،‬املتمثلة في‬ ‫خلخلة األنسجة االجتماعية في البلدان العربية‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫أطلقه‬ ‫ف��������������ي‬ ‫الحياة‬

‫أنموذج دال!‬ ‫وفي طريق تأكيد الدور اخلطير الذي لعبته‪،‬‬ ‫وم��ا ت ��زال تلعبه امل �ج�لات الثقافية ف��ي صناعة‬ ‫التغيير االجتماعي وتوابعه‪ ..‬يجب أن نتذكر ما‬ ‫أنشأته الواليات املتحدة األميريكية من احتادات‬ ‫ومجالس للحرية الثقافية‪ ،‬التي قامت بإنشاء فروع‬ ‫لها في العالم‪ ،‬وبعضها في العالم العربي‪ ،‬فقد‬ ‫أصدرت أكثر من عشرين مجلة ثقافية من أمثال‪:‬‬ ‫ك��وف�ن�ت��ري‪ ،‬ون�ي��ول�ي��در‪ ،‬وب��ازت �ي��زان ري�ف�ي��و‪ ،‬والعلم‪،‬‬ ‫واحلرية‪ ،‬وانكاونتر‪ ،‬والشعراء البيروتية وغيرها‪..‬‬ ‫أوكل إليها جميعا تغيير العالم وفق رؤية خططت‬ ‫لها املخابرات األميركية على ما حتكيه «فرانسيس‬ ‫ستونر سوندرز» في كتابها احمليط (‪The cultural‬‬ ‫‪( =)cold war‬احل��رب الباردة الثقافية‪ :‬املخابرات‬ ‫املركزية األميريكية وعالم الفنون واآلداب)‪.‬‬

‫اإلصالح الثقافي رهان المستقبل وسالح‬ ‫المواجهة!‬


‫على ما ظهر‪ ،‬فإن اإلصالح الثقافي يعد هو طريق‬ ‫النجاة لألمة العربية‪.‬‬

‫واإلصالح الثقافي يقصد به التقومي والتغيير‬

‫والتحسني املستند إل��ى عناصر معرفية وفكرية‬ ‫محددة‪ ،‬نابعة من السياق العام للحضارة العربية‬

‫اإلس�ل�ام��ي��ة مب ��ا ه ��ي امل �ش �ك��ل ال��رئ �ي �س��ي للعقل‬ ‫والوجدان العربيني‪.‬‬

‫وه ��ذا ال�ت�ع��ري��ف ال ��ذي ن�ق�ت��رح��ه يعتمد على‬

‫مجموعة من احلقائق التي تسكن رحم املعجمية‬

‫العربية؛ ذلك أن الداللة احملورية واملركزية ألصل‬

‫مصطلح يدور حول أصل واحد جامع‪..‬هو خالف‬ ‫الفساد‪.‬‬

‫ورمب � ��ا ص ��ح ه� �ن ��ا‪ ..‬أن اإلص� �ل��اح الثقافي‬

‫واالج�ت�م��اع��ي مب��ا ه��و م�ح��ور م��رك��زي ف��ي الوجود‬

‫إسهام المجالت الثقافية في تحقيق‬ ‫اإلصالح الثقافي واالجتماعي‬ ‫ومن احلق أن نق َّر أن ع��ددا ضخما من رواد‬ ‫ح��رك��ات اإلص�ل�اح ف��ي العصر احل��دي��ث‪ ..‬فطنوا‬ ‫إلى ال��دور اخلطير ال��ذي لعبته املجالت الثقافية‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة ف��ي دع��م ح��رك��ات�ه��م اإلص�لاح �ي��ة‪ .‬ورمبا‬ ‫أمكن تأمل ذل��ك م��ن خ�لال فحص االرت �ب��اط بني‬ ‫عدد من األسماء الالمعة في امليدان اإلصالحي‬ ‫الثقافي واالجتماعي‪ ..‬وعدد من املجالت الثقافية‬ ‫العربية الرائدة‪ ،‬مثل‪ :‬محمد عبده وجمال الدين‬ ‫األفغاني والدعوة الوثقى‪ ،‬ومحب الدين اخلطيب‬ ‫وال��زه��راء وال�ف�ت��ح‪ ،‬وأح �م��د حسن ال��زي��ات وعلي‬ ‫الطنطاوي والرسالة‪ ،‬وعبدالله الندمي وحسن البنا‬ ‫في الدعوة‪ ..‬و غيرهم كثيرون‪.‬‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫وإذا كان ما قدمنا إيضاحه بإيجاز صحيحاً العربية املعاصرة‪ ..‬الورقية وغير الورقية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ميكن أن نسوق مقترحاً رمبا‬ ‫العربي‪ ،‬ميكن تأمل حضوره في احملاور اآلتية‪:‬‬ ‫‪-1‬األم��ر بالمعروف والنهى عن المنكر بالمعنى يصح تسميته مبيثاق شرف إصالحى‪ ..‬يستهدف‬ ‫اإلص�ل�اح الثقافي واالج �ت �م��اع��ي‪ ،‬ي��رع��ى احملاور‬ ‫األخالقي والثقافي واالجتماعي‪.‬‬ ‫اآلتية من خالل املادة التحريرية‪ ،‬أيا ما كان جنسها‬ ‫‪-2‬اإلحسان والتكافل‪.‬‬ ‫مقاال أو بحثا أو عمال إبداعيا إلخ‪..‬‬ ‫‪ -3‬الرفق والرأفة والرحمة‪.‬‬ ‫أوال‪ :‬استلهام العناصر اإلسالمية العامة بما‬ ‫‪-4‬إشاعة الوئام والسالم االجتماعي‪ ،‬ومحاصرة‬ ‫هي‪ ،‬الروح المنسربة في الوجدان والعقل‬ ‫أسباب العداوات‪.‬‬

‫‪ -5‬النزوع نحو العمل الطيّب‪.‬‬ ‫‪-6‬إزالة عموم ما يسمى فساداً‪.‬‬

‫العربيين عبر التاريخ الممتد لهذه األمة‬ ‫العربية‪ ،‬وهى‪ :‬العناصر الداعمة لمفاهيم‬ ‫التوحيد وال�ت��زك�ي��ة اإلن�س��ان�ي��ة والعمران‬ ‫البشري‪.‬‬

‫‪ -7‬الحرص على مقومات الهوية والوجود العربيين‬ ‫ال‬ ‫ثانياً‪ :‬اعتبار مبادئ المساواة اإلنسانية أص ً‬ ‫ودعمهما‪.‬‬ ‫ج��ام �ع �اً وح��اك��م��اً ب �ي��ن ط ��وائ ��ف العرب‪،‬‬ ‫وهذه احملاور التي تشكل عموم صورة اإلصالح‬ ‫واالبتعاد مطلقاً عما يمكن أن يكون جذوة‬ ‫الثقافي واالجتماعي في البلدان العربية‪ ..‬حتتاج‬ ‫تشعل نيران الطبقية والعنصرية المدمرة‬ ‫إل��ى ج�ه��اد ف�ك��رى يستثمر ك��ل األوع �ي��ة الثقافية‬ ‫للوجود االجتماعي العربي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪21‬‬


‫ثالثاً‪ :‬اإلل �ح��اح على م�ب��دأ النسيج االجتماعي‬ ‫والوطني ال��واح��د‪ ،‬ودع��م القيم المفضية‬ ‫إلى توكيده وترسيخه‪ ،‬من مفاهيم التعارف‬ ‫والتكافل والتضامن والتفاهم والتقارب‪،‬‬ ‫وهو بعض ما يمكن أن تقوم به المجالت‬ ‫الثقافية العربية بين كتابها‪ ،‬بالحرص على‬ ‫تعريفهم‪ ،‬وبيان طرق التواصل معهم وبين‬ ‫ق��رائ�ه��ا‪ ..‬بما ه��و قائم م��ن أب ��واب ترعى‬ ‫هذه القيم المرسخة للتالحم في النسيج‬ ‫الوطني واالجتماعي‪.‬‬ ‫راب� �ع� �اً‪ :‬ال �ح��رص ع�ل��ى إب� ��راز األرص � ��دة الدينية‬ ‫وال�ت��اري�خ�ي��ة الممتدة ال��داع�م��ة لمفاهيم‬ ‫األخوة العربية‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬اإللحاح على أفكار دعم الوحدة الثقافية‬ ‫ومقوماتها المتمثلة في الوعي الجمعي‬ ‫العربي المشترك‪ ،‬والمتمثل في اللسان‬ ‫العربي الواحد‪ ،‬والتراث الهائل المشترك‬ ‫إلخ‪.‬‬ ‫سادساً‪ :‬دع��م األص ��وات المنتمية ل�ل��روح العربية‪،‬‬ ‫واس�ت�ي�ح��اء ال�ن�ص��وص ال�ت��راث�ي��ة الممتدة‬ ‫الراعية والمعمقة للثقافة األصيلة‪.‬‬ ‫سابعا‪ :‬ال�ح��رص م��ن المجالت العربية الثقافية‬ ‫كافة على ال�ت��واص��ل ف��ي رم��وز المثقفين‬ ‫ال� �ع ��رب‪ ،‬ول��دي �ن��ا ن� �م ��وذج م ��ن المجالت‬ ‫الثقافية التي نهضت بهذا فترة طويلة‬ ‫من الزمن‪ :‬كالرسالة‪ ،‬والعربي‪ ،‬والوعي‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬والفيصل‪ ،‬والمجلة العربية‪..‬‬ ‫وكثير منها ما يزال قائما‪.‬‬ ‫ثامناً‪ :‬إعادة االعتبار للقيم الثقافية واالجتماعية‬ ‫ال �ع��رب �ي��ة األص��ي��ل��ة‪ ،‬ب��اس �ت��دام��ة المواد‬ ‫الثقافية المرسخة لقيم األخالق العربية‪..‬‬ ‫من م��روءة ونجدة وك��رم وشجاعة وحلم‪..‬‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫إل��خ‪ ،‬وإع��ادة االعتبار لعدد من محددات‬ ‫الثقافة العربية األصيلة الشكلية أيضا‬ ‫مثل االحتفال واالحتفاء بجماليات الثقافة‬ ‫العربية؛ كالعناية بجماليات الخط العربى‪،‬‬ ‫واستيحاء االرتباط بجماليات الجغرافية‬ ‫العربية‪ ،‬وال��وج��وه العربية‪ ،‬والحيوانات‬ ‫العربية‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫تاسعاً‪ :‬العناية بإبراز جهود رواد اإلصالح الثقافي‬ ‫واالجتماعي في الحضور العربي في العصر‬ ‫الحديث‪ ،‬بإبراز بعض نصوص كتاباتهم‪،‬‬ ‫وال�ت�ع��ري��ف بجهادهم ف��ي ه��ذا الميدان‪.‬‬ ‫والقائمة تطول لو استشهدنا بأمثلة لهم‪،‬‬ ‫وربما صح هنا أن نتذكر ال��رواد‪ :‬محمد‬ ‫بن عبدالوهاب ‪1206‬ه��ـ=‪1791‬م‪ ،‬وجمال‬ ‫الدين األفغاني ‪1314‬ه �ـ =‪1897‬م‪ ،‬وخير‬ ‫ال��دي��ن باشا التونسى ‪1307‬ه� � �ـ=‪1879‬م‪،‬‬ ‫وع �ل��ى ب��اش��ا م �ب��ارك ‪1311‬ه � � � �ـ=‪1893‬م‪،‬‬ ‫وعبد الله النديم ‪1313‬ه� �ـ=‪1896‬م وعبد‬ ‫الرحمن الكواكبى ‪1320‬هـ‪1902‬م‪ ،‬ومحمد‬ ‫ع �ب��ده ‪1323‬ه � � � � �ـ=‪1905‬م‪ ،‬وح �س��ن البنا‬ ‫‪1368‬هـ=‪1949‬م‪ ،‬وغيرهم كثيرون جدا‪.‬‬ ‫إن بوسع املجالت الثقافية العربية املعاصرة؛‬ ‫أياً ما كان شكلها‪ ،‬او منطها التحريري‪ ..‬أن تقف‬ ‫ف��ي وج��ه اإلس�ت��راجت�ي��ات األجنبية الساعية نحو‬ ‫اقتالعنا ومحونا‪ ،‬وخلخلة نسيجنا االجتماعي‪.‬‬ ‫وبوسعها أيضا أن تدعم روحنا العربية‪ ،‬وترسخ‬ ‫للنسيج املتالحم من خالل بعض هذه املقترحات‪.‬‬ ‫إن إمي��ان املجالت الثقافية العربية الورقية‬ ‫والضوئية بأننا أمة متلك أن تقدم شيئا إيجابيا‬ ‫للعالم واحل �ي��اة‪ ..‬س��وف يعينها على العمل على‬ ‫ترسيخ قيم اإلصالح الثقافي واالجتماعي‪ ،‬فاألمة‬ ‫العربية أمة مانحة للحياة‪.‬‬


‫> محمد محمود البشتاوي – األردن‬

‫لم تكن عملية الف ــرز بين األجناس الكتابيــة قائـم ــة منذُ البداية‪،‬‬ ‫خليط متداخل‪ ،‬األمر الذي‬ ‫ٍ‬ ‫وإنما ثمة «مشاعية» تمزج أل��وان األدب في‬ ‫يحمالن اسم «الرواية»‪ ،‬والعكس كذلك؛ في حين‬ ‫ِ‬ ‫جع َل المسرحية والقصة‬ ‫أن المنشورات بتعدد أشكالها كانت تُعدُّ من الصحافة وما اشتقَّ منها كـ‬ ‫«صحيفة»‪ ،‬و»مجلة»‪ ،‬وكالهما ُسميَ «صحيفة! وأي دور ٍيَّ��ة‪ ،‬أو نشرةٍ ‪ ،‬على‬ ‫��ف ال��ي��وم‪ ،‬وأصبحَ‬ ‫شاكلتهما‪ ،‬سميت ب���ذات االس����م! إال أن األم���ر اخ��ت��ل َ‬ ‫تشريح ألدق التفاصيل‪ ،‬وباتَ للمجلةِ دو ٌر وهويةٌ‬ ‫ٍ‬ ‫التصنيف يمرُّ في عمليةِ‬ ‫ون��ط��اقٌ يختلف ع��ن مثيالتها‪ ،‬رغ���م ال��ت��ق��اس��م ف��ي ال��ح��ق��ل الصحافي‪،‬‬ ‫واالشتراك في الحراك الثقافي الذي تُحدثهُ كل مطبوعةٍ ‪.‬‬ ‫وف���ي ال�ت�ص�ن�ي��ف احل ��دي ��ث‪ ،‬ت �ق��ع «املجالت‬ ‫األدب �ي��ة» ضمن الصحافة املتخصصة‪ ،‬املعنية‬ ‫ب ��اآلداب اإلن�س��ان�ي��ة‪ ،‬وم��ا يقع ف��ي دائ��رت�ه��ا‪ ،‬بي َد‬ ‫َ‬ ‫انفكاك عن التفكير بها‪،‬‬ ‫أن سل ًة من األسئلة ال‬ ‫ٍ‬ ‫إجابات لها‪ ،‬منها إن كانت‬ ‫ومحاولة البحث عن‬ ‫ُوسم بـ «النخبوية»‬ ‫هذه الدوريات الثقافية التي ت َ‬ ‫َ‬ ‫شغف‬ ‫لتالمس بذلك‬ ‫تستطيع كسر دائرة النخبة‬ ‫َ‬ ‫املتل ِّقي ف��ي امل �ع��رف��ة؟ ألن الصحف ومالحقها‬ ‫عموماً تق ِّد ُم املعلومات‪ ،‬على عكس املجلة التي‬ ‫تتميز بقدرتها على اإلمل��ام‪ ،‬واإلح��اط��ة‪ ،‬وتقدمي‬ ‫الوجبة الدسمة مقابل الصحف التي تقدم ما هو‬ ‫سريع على شكلِ «سندويشات ثقافية»!‬ ‫الصحف‪،‬‬ ‫وه ��ذا األم ��ر ال يقلل م��ن أه�م�ي��ة ُ‬ ‫وإمن��ا يَ�ج�ع� ُل للمجلةِ م�ك��ان� ًة متقدِّم ًة ومتم ِّيز ًة‬ ‫ق��ادر ًة على أن تكو َن مرجعاً أساساً في عمليات‬ ‫البحث‪ ،‬واإلعداد‪ ،‬وما ينتج عنهما من «حفريات»‬ ‫معرفية‪ ،‬تستطيع دفع عجلة النهضة الثقافية‪،‬‬ ‫واحل��ال��ة الفكرية لإلنسان إل��ى األم��ام‪ ،‬ألنها –‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫أهمية املجالت الثقافية ودورها في تعزيز التعددية الثقافية‬

‫أي املجالت – ذات صبغة ما فوق محلية‪ ،‬تعم ُل‬ ‫في نطاق أوسع‪ ،‬وألن احلقل الثقافي بإنسانيتهِ‬ ‫أشمل وأعم‪ ،‬في حني تبقى املالحق الثقافية –‬ ‫وصفحات اجلرائد – تق ِّد ُم خليطاً من األخبارِ‬ ‫والتقارير القصيرة‪ ،‬ومقاالت ال��رأي‪ ،‬والقراءات‬ ‫العابرة‪ ،‬عالو ًة على اإلبداعات‪ ،‬إال أنها تبقى على‬ ‫السطح‪ ،‬ضمن ح ِّيز احمل�ل��ي‪ ،‬السائد املطروق‪،‬‬ ‫بعيداً عن اإلبحار في جغرافيا األدب والثقافة‪.‬‬ ‫وإن نظرنا إلى املجالت الثقافية املحُ َّكمة‪ ،‬فإن‬ ‫أهميتها تكمن في قدرتها على تقدمي وجهات نظر‬ ‫ٍ‬ ‫لعدد من الكتاب واألدب��اء واملفكرين‪ ،‬ممن‬ ‫شتى‬ ‫يتكئون على مرجعيات ثقافية وفكرية مختلفة‪،‬‬ ‫منهج‬ ‫ويتناولون املوضوع الواحد أو املتعدد ضمن ٍ‬ ‫محدد‪ ،‬أو منهجيات مختلفة‪.‬‬ ‫ويطغى على عمل املجلة ط��اب��ع اجلماعية‪،‬‬ ‫ال ��ذي ي��أت��ي ض�م� َن ت��وج�ه�ين؛ األول يحم ُل فكر‬ ‫الدولة الراعية‪ ،‬وتوجهاتها‪ ،‬أو املؤسسة احلزبية‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪23‬‬


‫ونقاش ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يص ُل أحياناً إلى اجلدل والتعارض‪.‬‬ ‫حوار‬ ‫محاولة لتعميم هذا الفكر‪ ،‬أو ذاك التوجه‪،‬‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجعلهِ شائعا ق��ادرا على كسر دوائ��ر احمللية‪ ،‬أو‬ ‫وه��ذا ال�ن��وع م��ن امل�ج�لات امل�ش��ار إليه سابقاً‬ ‫األطر احلزبية‪.‬‬ ‫– ال��ذي ينتمي إل��ى املجتمع امل��دن��ي ‪ -‬استطاع‬ ‫كسب النُخب‪ ،‬واإلسهام في التفاعل والبناء ومد‬ ‫اجل �س��ور‪ ،‬وت�ع��زي��ز ل�ق��اء األق �ط��اب الفاعلة على‬ ‫الصعيدين القومي العام‪ ،‬واحمللي اخلاص‪ ،‬على‬ ‫أس��س‪ ،‬وش��روط الكفاءة‪ ،‬وال�ق��درة على اإلبداع‪،‬‬ ‫فيجتمع بذلك املُختلف ثقاف ًّيا وفكر ًّيا في ُمؤتلف‬ ‫املجلة‪ ،‬ما يعني أن هذه الباقة – املجلة – تُسه ُم في‬ ‫التالقح الثقافي بني الشعوب‪ ،‬وهي بتواصلها مع‬ ‫ٍ‬ ‫لتقليد مح َّب ٍب في القراءة‪ ،‬األمر‬ ‫روادها‪ ،‬تؤسس‬ ‫الذي يخل ُق املشاركة القاعدية – مع اجلمهور –‬ ‫تذهب املجلة نحو‬ ‫واملعرفة احمللية والقومية‪ ،‬فيما‬ ‫ُ‬ ‫التنمية التشاركية التي تصنعها النُخب‪.‬‬

‫ومن باب اإلشارة إلى هذا النوع من املجالت‪،‬‬ ‫صدرت‬ ‫ميكن أخ��ذ التجربة الفلسطينية‪ ،‬التي‬ ‫َّ‬ ‫ع �ش��رات امل �ج�ل�ات ال�ث�ق��اف�ي��ة واألدب� �ي ��ة – ذات‬ ‫اخللفيات وامل��رج�ع�ي��ات السياسية – م��ن ذلك‬ ‫رأس حتريرها الشاعر الراحل‬ ‫«الكرمل» التي‬ ‫َ‬ ‫محمود درويش‪ ،‬وكانت تحُ‬ ‫سب على تيار منظمة‬ ‫َ‬ ‫التحرير الفلسطينية‪ ،‬مقابل مجلة «الكاتب»‬ ‫الفلسطيني ال �ت��ي ص� ��درت م��ن دم �ش��ق لتمثل‬ ‫التيار املعاكس‪ ،‬فكالهما ثقافي وأدبي‪ ،‬إال أنهما‬ ‫ٍ‬ ‫بتوجهات متعارضة‪ ،‬ف��ي ح�ين كانت‬ ‫محكومانِ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫املؤسسات احلزبية والتنظيمية متلك ك��ل منها‬ ‫مجلة ثقافية أدبية شاملة‪ ،‬لها كتابها‪ ،‬ومثقفوها‪،‬‬ ‫وال يقتص ُر أمر املجالت الثقافية على عملية‬ ‫إال أن ُ‬ ‫انتظام‬ ‫أطرها تبقى ض ِّيق ًة‪ ،‬ال تستطي ُع اخلروج عن التالقح‪ ،‬واملشاركة‪ ،‬والتعددية‪ ،‬وإمنا بع َد‬ ‫ِ‬ ‫توجهات التنظيم أو احلزب‪.‬‬ ‫صدورها‪ ،‬ووضوح رؤيتها‪ ،‬وثبات خطوات سياسة‬ ‫وث �م � َة ع�ق�ب��ات ش�ت��ى ت��واج��ه ه��ذا ال�ن�م��ط من التحرير‪ ،‬وامتالك األدوات املعرفية الكافية‪ ،‬تكو ُن‬ ‫املجالت‪ ،‬يأتي في مقدمتها التحوالت الفكرية املجل ُة ق��ادر ًة على توليد ال��رأي‪ ،‬وصياغة ذهنية‬ ‫والسياسية التي قد تطرأ على املنطقة‪ ،‬أو العالم؛ ثقافية لدى املتلقي‪ ،‬بل وصناعة بعض النخب‪،‬‬ ‫ومثال ذل��ك أن مجالت اليسار لم يبق منها إال التي جت ُد في تنوع املجلة‪ ،‬مدرس ًة تعليمية تُسه ُم‬ ‫النزر اليسير‪ ،‬في حني أن مجالت على شاكلة في حشدِ الفكرِ واملعرفة‪.‬‬ ‫«شعر» اللبنانية – ليوسف اخلال – انتهت بعد‬ ‫ختاماً؛ ال نغف ُل دور املجلة ف��ي دع��م التنوع‬ ‫أن ط��رح��ت م�ش��روع�ه��ا احل��داث��وي ال ��ذي يتعلق الثقافي‪ ،‬عبر كسر حاجز اللغات ‪ -‬من خالل‬ ‫بقصيدة النثر‪ ،‬حيث حاول اخلال ألكثر من مرة ال�ت��رج�م��ات – واألي��دل��وج �ي��ات‪ ،‬واألع � ��راق‪ ،‬وما‬ ‫إعادة إصدار املجلة دو َن جدوى‪ ،‬أما مجلة «حوار» متثل ُه من نهضة حقيقية في نقل جتارب الشعوب‬ ‫لتوفيق صائغ فقد توقفت بع َد أن اكتشف أمر واملجتمعات؛ ما يعني أن هنالك عبوراً للقارات‬ ‫متويلها املرتبط بالواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫واحلدود‪ ،‬ونق ً‬ ‫ال للثقافةِ واآلداب‪ ،‬كانت وال تزال‬ ‫أم ��ا ال �ت��وج��ه اجل �م��اع��ي ال �ث��ان��ي‪ ،‬ف�ه��و يتعلق‬ ‫مبجالت ُمح َّكمة‪ ،‬تُصدرها مؤسسات تنموية‪،‬‬ ‫سعي منها إلى‬ ‫تنطلق من قلب املجتمع املدني‪ ،‬في ٍ‬ ‫تشكيل ائتالف في تالقح األف�ك��ار‪ ،‬واستقطاب‬ ‫التيارات مبختلف توجهاتها‪ ،‬لتكو َن بذلك منب َر‬

‫‪24‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫إلى اليوم‪ ،‬تعمل على تعزيز ِه املجالت الثقافية؛‬ ‫ف��ي ح�ين أن االخ �ت�لاف امل �ش��روع ض�م��ن الرؤى‬ ‫والتيارات‪ ،‬تضبط ُه سياسات املجلة – أ ًّيا كانت‬ ‫– شريطة أن يكون احلوار والتكافؤ بني األطراف‬ ‫املختلفة مرتكزاً وأساساً ال ميكن العدول عنهُ‪.‬‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫دور املجالت الثقافية في التواصل الثقافي بني املبدعني‬ ‫العرب من احمليط للخليج‬ ‫> عبدالرحمن الدرعان ‪ -‬السعودية‬

‫ينبغي التأكيد بدء ًا على أن تأسيس مجلة تعنى بالشأن الثقافي‪ ..‬يُعد‬ ‫ف��ي معظم أق��ط��ار ال��وط��ن العربي م��غ��ام��رة‪ ،‬يصعب ال��ره��ان على صمودها‪،‬‬ ‫بالنظر إلى العديد من المعوقات التي تنتظرها‪ ،‬س��واء منها السياسية أو‬ ‫الثقافية أو االق��ت��ص��ادي��ة‪ ..‬وال مجال هنا لسرد تفاصيلها؛ إنها محكومة‬ ‫بفرص التهديد والمخاطر أكثر مما هي موعودة بأسباب النجاح؛ بيد إن هذا‬ ‫ال يعني بالطبع إخفاقها على وجه العموم‪ ،‬فقد لعب الكثير من المجالت‬ ‫الثقافية دور ًا كبير ًا في التنمية الثقافية‪ ،‬والسيما في العقود الماضية‪ ..‬قبل بروز القنوات اإلعالمية‪ ،‬وشبكة‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬ووسائل االتصال المرئي التي ال شك أنها أسهمت في انحسار الدور الذي لعبته هذه المجالت‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى اختالل الكثير من المعادالت‪.‬‬ ‫وبصرف النظر عن تفاوت مستوياتها‪ ،‬وتوجهاتها‪،‬‬ ‫ومرجعياتها‪ ،‬وفلسفة القائمني عليها‪ ..‬سواء تلك التي‬ ‫أشرف على تأسيسها األف��راد‪ ،‬أو تلك التي تصدرها‬ ‫الهيئات احلكومية‪ ،‬أو احت ��ادات ال� ُك� ّت��اب على طول‬ ‫خارطة الوطن العربي‪ ،‬فقد كان لها دور ال ميكن أن‬ ‫نتجاوزه‪ ..‬ويتمثل في اآلتي‪:‬‬ ‫ •توطيد العالقات بني الكتاب والشعراء واملثقفني‬ ‫واألدب � ��اء ف��ي أق �ط��ار ال��وط��ن ال �ع��رب��ي ف��ي املشرق‬ ‫واملغرب‪ ،‬وإث��راء الواقع الثقافي‪ ،‬وتشكيل الوجدان‬ ‫العربي جتاه الكثير من القضايا‪.‬‬ ‫ •إت��اح��ة ال�ف��رص��ة للتواصل م��ع ال�ت�ي��ارات واملدارس‬ ‫واالجت ��اه ��ات األدب� �ي ��ة‪ ،‬إض��اف��ة إل ��ى ت��وف�ي��ر فرص‬ ‫األجيال املتالحقة لالطالع على التجارب السابقة‪.‬‬ ‫ •إبراز القضايا الوطنية مثل قضية فلسطني‪ ،‬التي ظلت‬ ‫القضية العربية‪ .‬األولى على مدى ستني عاماً وما تزال‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪25‬‬


‫والتواصل معها‪.‬‬ ‫ال ش��ك أن ثمة صعوبات كثيرة منها ع��دم وجود‬ ‫التمويل‪ ،‬إضافة إل��ى كونها مجالت نخبوية ال تلقى‬ ‫ترحيبا ف��ي األوس ��اط ال�ت��ي ي�ع��ول عليها كاجلامعات‬ ‫واملؤسسات التعليمية بسبب تخلفها وارتكاسها‪ ..‬ولغياب‬ ‫الوعي ب��ال��دور ال��ذي تلعبه ه��ذه املجالت في التنمية‬ ‫الثقافية واملعرفية‪ ..‬ما أدى في كثير من األحيان إلى‬ ‫تعثر الكثير منها أو توقفها عن الصدور نهائيا‪ ،‬كمجلة‬ ‫«الناقد» ومجلة «كلمات» و»النص اجلديد» وغيرها مما‬ ‫ال يتسع املجال لذكرها‪.‬‬ ‫ول �ع��ل ظ �ه��ور ث�ق��اف��ة ال �ص��ورة امل��رئ�ي��ة ق��د ضاعف‬ ‫أسباب انحسار الدور الذي تلعبه هذه املجالت إلى حد‬ ‫بعيد‪ ..‬األمر الذي دعا إلى محاولة بعضها القفز على‬ ‫معوقاتها وظروفها السيئة ملواكبة إيقاع الزمن املتحول‪.‬‬ ‫لكنها سوف تبقى على الرغم من كل ذلك شاهداً يوثق‬ ‫تاريخاً ومرحلة لم يكن ممكناً توثيقه لوالها‪ ،‬وملا تسنى‬ ‫لنا االطالع عليه‪.‬‬

‫ •االط�ل�اع على اآلداب ال�ع��امل�ي��ة‪ ..‬م��ن خ�لال قراءة‬ ‫ال�ت��رج�م��ات ال �ت��ي أس�ه�م��ت امل �ج�لات ال�ث�ق��اف�ي��ة في‬ ‫نشرها والتعاطي معها‪.‬‬ ‫ •التعرف على مالمح األدب احمللي وم��راح��ل منوه‬ ‫وت �ط��وره ف��ي األق �ط��ار العربية‪ .‬فقد أسهمت هذه‬ ‫املجالت في التعريف بتجارب األدباء والكتاب؛ فمن‬ ‫خ�لال مجلة «البحرين الثقافية» ومجلة «كلمات»‬ ‫على سبيل امل �ث��ال‪ ،‬ومجلة «إب� ��داع» ومجلة «أدب‬ ‫ونقد» في مصر و»الكرمل» في فلسطني‪ ..‬استطاع‬ ‫القارئ العربي أن يبقى على قيد التجارب اجلديدة‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫وتعميق ثقافة املجتمع‬ ‫مجلة املنهل منوذجا ً‬

‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫دور املجالت الثقافية في التصدي ملد العامية والسطحية‪،‬‬

‫> وضحاء بنت سعيد آل زعير‪ -‬السعودية‬

‫منذ بدايات الحضارة اإلنسانية‪ ،‬والمحاوالت قائمة بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬في تعزيز اإلنسان‬ ‫وتأهيله‪ ،‬من خالل رفع مستوى إدراكه ووعيه؛ وحين نقرأ األساطير القديمة وأقوال الفالسفة األوائل‪،‬‬ ‫نلمس منهم الحرص ذاته بالتمحور حين ًا حول أهمية كون اإلنسان واعي ًا لما يجب أن يكون عليه‪ ،‬من‬ ‫خالل اهتمامهم بالعقل البشري وتطوير إدراكه‪.‬‬ ‫ويعد اإلعالم بجميع وسائله في الوقت الراهن‬ ‫ّ‬ ‫راف ًدا مهما من روافد التأثير والتغيير في أفراد‬ ‫املجتمع‪ ،‬فتوجيهه للمتلقي من أق��وى املوجهات‬

‫وأمضاها‪ .‬وبإلقاء نظرة على شريحة من هذا‬ ‫موجه‪ -‬فإن كل جهة‬ ‫اإلعالم‬ ‫املوجه –وكل اإلعالم ّ‬ ‫ّ‬ ‫تسعى إلى التنوير في جانب معني‪.‬‬ ‫وأحد هذه الوسائل اإلعالمية املجالت الثقافية‬ ‫التي ظهرت مختصة في اجلانب الثقافي‪ ،‬إدرا ًكا‬ ‫م��ن منشئيها ورواده� ��ا ب��ال�ه��دف احلقيقي لها‪،‬‬ ‫م��ن خ�لال أهمية ح�ض��وره��ا‪ ..‬وج ��دوى تأثيرها‬ ‫ف��ي املجتمع‪ .‬فعندما ب��دأت ف��ي العالم العربي‬ ‫باختالف أقطاره‪ ،‬كانت تطمح إلى إحداث شيء‬ ‫من احل��راك املعرفي والثقافي ألف��راد املجتمع؛‬ ‫الذي كان ج ّل اهتمامه منصباً على معرفة األمور‬ ‫السياسية‪ ،‬وتتبع أموره االقتصادية‪ ،‬دون حرص‬ ‫على تغذية هذا اجلانب‪ ،‬وملء فراغه‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬بدأت شرارة التوجه للرفع من مستوى‬ ‫الفرد وثقافته‪ ،‬بتعميقها وإضاءة الذهن ألمور عدة‬ ‫غير ما أغلق نفسه عليه‪ ،‬فكانت املجالت املتفرقة‬ ‫في النشأة بد ًءا من مجلة الكويت العربي والدوحة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪27‬‬


‫والرافد والفيصل‪ ،‬إلى آخره من املجالت التي كان‬ ‫لها شرف إعداد املجتمع ثقاف ًيا‪.‬‬ ‫ومن املجالت الثقافية الرائدة في ذلك (مجلة‬ ‫املنهل السعودية‪1937 -‬م)‪ ،‬وقد اخترتها لتكون‬ ‫خير مثال على الدور الذي تقوم به هذه املجالت‪.‬‬ ‫فقد كانت (املنهل) املجلة املتسيدة األولى سعودياً‪،‬‬ ‫وفتحا ملا‬ ‫نبراسا ودليال‬ ‫رائ��دة ببداياتها‪ ،‬لتكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أتى بعدها من مجالت؛ وهي التي عل‍‍قت جرس‬ ‫التثقيف وال �ت �ن��وي��ر‪ ،‬وأزه� ��رت األدب والثقافة‬ ‫والكتابة‪ ،‬في وقت كان احلصول على شيء من‬ ‫ذلك ضربا من املشقة‪ ،‬وإن كانت الصحف العامة‬ ‫واملنشورات اإلخبارية ‪-‬أيا كانت‪ -‬موجودة؛ إال أن‬ ‫للمجلة الثقافية املختصة دورها املهم واملعزِّز في‬ ‫الرفع من مستوى ثقافة الفرد واهتمامه األدبي‪،‬‬ ‫وال ��رق ��ي ب �ف �ك��ره م��ن خ�ل�ال ت �ن��اول املوضوعات‬ ‫الثقافية واملعرفية التي هي في احلقيقة جزء ال فما تقدمه هذه املجلة الثقافية مدرسة توازي ما‬ ‫يتجزأ من املسار التعليمي والتربوي ألي مجتمع‪ .‬تقوم به الدروس التعليمية في املدارس؛ فهي تق ِّوم‬ ‫اللسان عبر سطورها املكتوبة باألساليب التعبيرية‬ ‫الفصيحة اليسيرة‪ ..‬بعي ًدا عن تق ّعر اللغويني‪ ،‬كما‬ ‫تعطي ذلك أيضا بشكل مباشر من خالل دروس‬ ‫مبسطة في اللغة والكالم‪.‬‬ ‫وإذا نظرنا الع�ت�ب��اري��ة األق��دم �ي��ة‪ ،‬واختالف‬ ‫وتنوعا‪ ،‬واهتمام املجتمع‬ ‫املستوى اإلعالمي توس ًعا‬ ‫ً‬ ‫بالتثقف واألدب والعمق املعرفي في ذلك الوقت؛‬ ‫فإن هذه املقارنة تؤكد ما قام به مؤسس مجلة‬ ‫املنهل (عبدالقدوس األن �ص��اري) –رحمه الله‪-‬‬ ‫من عمل جليل عظيم أسهم في إج�لاء سطحية‬ ‫التفكير‪ ،‬وب�س��اط��ة االه �ت �م��ام��ات‪ ،‬وال��رك��ون إلى‬ ‫البساطة الذهنية دون سعي للتطوير‪.‬‬ ‫وكذا هي وسائل التواصل الكالمي؛ فالعامية‬ ‫طاغية على األل�س��ن ف��ي احل��دي��ث العابر‪ ،‬وكذا‬ ‫األدب؛ فقليل ما جند آن��ذاك اهتما ًما أو متابعة‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫م������������ل������������ف ال������������ع������������دد‬

‫�دارس ��ا ل�ل�أدب ال�ف�ص�ي��ح‪ ،‬ف �ض� ً‬ ‫لا ع��ن تذوقه‬ ‫وت �‬ ‫ً‬

‫وق��راءت��ه؛ فاملطالع لوسائل اإلع�ل�ام والالفتات‬

‫وأوراق امل�ع��ام�لات وقتها‪ ،‬سيجد اخللط وارداً‬ ‫كثي ًرا بني العامي واملترجم‪ ،‬دومنا وقفة صارمة‬ ‫قاطعة لهذا الهجني املش ّوه! وبالتالي فإن وجود‬

‫املجلة الثقافية في ذلك الوقت حتدي ًدا إنقاذ ٍ‬ ‫للغة‬

‫تسطحت وتهلهلت‪ ،‬وه��ذا ل��ن يكون إال بتوجيه‬ ‫اخلطاب الثقافي بلغة رزينة جتمع بني الفصاحة‬ ‫والبساطة‪ ،‬وتنوع املوضوعات دون نخبويتها‪ .‬وهذا‬

‫ما قامت به مجلة املنهل وحققت به التوازن؛ حتى‬

‫ال يشعر القارئ البسيط بالتغرب بني صفحات‬ ‫املجلة‪ ،‬وال تبقى املجلة ف��ي عزلة ع��ن املتلقي‪،‬‬ ‫فكانت ت�ن��اوالت املجلة ملوضوعات تهم شريحة‬

‫واسعة بطرف ما‪ ،‬مثل‪( :‬الثقافة العربية‪ -‬احلضارة‬

‫العربية‪ -‬العادات والتقاليد‪ -‬الدعوة اإلسالمية‪..-‬‬ ‫اهتماماته كفرد عادي في املجتمع‪ ،‬ومحاولة من‬ ‫إلخ)‪ .‬ومثل هذه امللفات مت ِّكن القارئ العادي من‬ ‫املجلة كذلك في رف��ع مستوى ه��ذه االهتمامات‬ ‫ً‬ ‫بعضا من‬ ‫متابعتها والتفاعل معها؛ ملالمستها‬ ‫والوعي مبا يدور حوله من قضايا تهمه‪.‬‬ ‫كما اهتمت (املنهل) باملوروث الشعري القدمي‪،‬‬ ‫م��ع توفير مساحة ل�ل�أدب‪ ،‬وت��ذوق��ه‪ ،‬وتدارسه‪،‬‬ ‫ممتدة لالهتمام بالشعر احلديث وجتارب الشعراء‬ ‫اجلدد‪.‬‬ ‫ومع هذا اجلهد املبذول في الرقي باملستوى‬ ‫الفكري للفرد‪ ،‬سعت مجلة املنهل في استمرارية‬ ‫صدورها إميا ًنا بأهمية الدور الذي تؤديه‪ ،‬وبسمو‬ ‫الرسالة التي تؤمن بها في سبيل حتقيق الرقي‬ ‫للمجتمع بأكمله معرف ًيا وثقاف ًيا من خالل الفرد‪.‬‬ ‫فمن يطلع على بداية صدور املجلة أوال‪ ،‬وما القاه‬ ‫مؤسسها من أجل ظهور املجلة‪ ،‬ومن ثم السعي‬ ‫احلثيث ألن تكون منارة حقيقية للثقافة من خالل‬ ‫االم�ت��داد الزمني لها‪ ،‬واجلهد املكثف ألن تكون‬ ‫إر ًث��ا ثقاف ًيا حقيق ًيا تتناقله عائلة (األنصاري)‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪29‬‬


‫حاملني على أعتاقهم مهمة بقاء هذه املنارة مثلما‬ ‫بدأت بقوتها‪ ،‬رغم الظروف الصعبة التي متر بها‬

‫وتتوالى عليها‪.‬‬

‫وه��ذا يجرنا لعقد مقارنة تؤكد ه��ذا الدور‬ ‫الريادي ال��ذي قامت به املجلة‪ ،‬متمث ً‬ ‫ال بالبداية‬

‫ال�ق��وي��ة‪ ،‬واحل ��رص على انتقاء امل ��واد املنشورة‪،‬‬

‫ومن ثم االستمرار على هذا املنوال دون ضعف‬

‫يعتريها‪ ،‬أو تهاون في ج��ودة ما يُطرح‪ .‬إذ جند‬ ‫القليل من املجالت الثقافية الرصينة من استم َّر‬ ‫حتى هذا الوقت‪ ،‬وإن كانت استمرت فقلي ً‬ ‫ال ما‬

‫تكون ال��روح نفسها هي ال��روح األول��ى؛ لذا كانت‬ ‫(املنهل) رك�ي��زة مهمة ف��ي املجتمع ت��ؤدي رسالة‬

‫عظيمة‪ ،‬وم�ح�ف�زًا الن�ت�ش��ال ال �ف��رد م��ن ضحالة‬ ‫الرؤية‪ ،‬وضآلة االهتمامات‪.‬‬

‫وعندما يذكر املؤسس والباني لهذه املجلة في‬

‫افتتاحيتها املعتقد ال��ذي سار عليه‪ ،‬نعلم حينها‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬

‫(‪ )4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬

‫(‪ )7‬‬ ‫(‪) 8‬‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫(‪ )10‬‬

‫‪30‬‬

‫ب��أن اإلمي���ان احلقيقي ب��ال��دور امل�ط�ل��وب سبيل‬ ‫لتحقيقه‪« :‬والواقع أن األدب في أسمى أوصافه‪،‬‬ ‫وأصدق ألوانه‪ ،‬هو احملرك الكهربائي الذي يبعث‬ ‫روح اإلص�لاح في الشعوب‪ ،‬ويوقظ فيها الفتوة‬ ‫وال�ش�ع��ور ب��ال�ك��رام��ة‪ ،‬ويحفزها إل��ى امل�ض��ي في‬ ‫ّ‬ ‫ويهذب‬ ‫طريق ال�ت�ق��دم‪ ،‬ويصقلها صقال ج�ي� ًدا‪،‬‬ ‫من حواشيها‪ ...‬واألدب هو ال��ذي ينمي مواهب‬ ‫األمة الفكرية‪ ،‬ويحوك كيانها حو ًكا متقنًا»؛ من‬ ‫افتتاحية العدد األول‪.‬‬ ‫(مجلة املنهل)‪ ...‬مجلة تبوأت لنفسها مكانة‬ ‫رفيعة بعد معركة خاضتها م��ع ذات�ه��ا م��ن أجل‬ ‫مبادئ آمنت بكونها حقيقة‪ ،‬فحققتها من خالل‬ ‫النشر والتفاعل مع بريد القراء الذي يعزّز رؤية‬ ‫(األن �ص��اري) بأهمية األدب وكونه مغي ًرا للفرد‬ ‫واملجتمع من خ�لال حسر اجلهل وضيق األفق‪.‬‬ ‫وهي أمن��وذج ساطع مؤ ِّكد ل��دور املجلة الثقافية‬ ‫الريادي في تغيير املجتمع والرقي به‪.‬‬

‫فريدرش نتشه‪ :‬ما وراء الخير والشر‪ ،‬ترجمة جيزيال فالور حجّ ار‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفارابي بيروت‪ -‬لبنان ‪2003‬م‪ ،‬ص‪.70‬‬ ‫موريس مورلبنتي‪ :‬ظواهراتية اإلدراك‪ ،‬ترجمة فؤاد شاهين‪ ،‬معهد اإلنماء العربي‪ ،‬بيروت ‪1998‬م‪ ،‬ص ‪.96‬‬ ‫إقليدس اإلسكندري‪ ،‬ولد ‪ 300‬قبل الميالد‪ ،‬عالم رياضيات يوناني‪ ،‬غالبا ما ينسب إليه لقب «أبو الهندسة»‪ .‬مشوار‬ ‫إقليدس العلمي كان في اإلسكندرية في أيام حكم بطليموس األول (‪ 283–323‬قبل الميالد)‪ .‬اشتهر إقليدس بكتابه‬ ‫العناصر وهو الكتاب األكثر تأثيرا في تاريخ الرياضيات‪.‬‬ ‫ولد في عام ‪ 287‬ق‪.‬م‪ ،‬في سيراقوسة وتوفيّ عام ‪ 212‬ق‪.‬م‪ ،‬ويعتبر أحد أهم مفكّري العصر القديم‪ ،‬ونظرتنا إلى الفيزياء‬ ‫مستندة على النموذج الذي طوّر من قبل أرخميدس‪.‬‬ ‫وُلد عام ‪ 635‬ق‪.‬م‪ .‬وتوفّي سنة ‪543‬ق‪.‬م‪ .‬وهو أحد فالسفة اإلغريق قبل سقراط‪ ،‬وواحد من حكماء اإلغريق السبعة‪،‬‬ ‫يعتبره العديد الفيلسوف األول في الثقافة اليونانية وأبا العلوم‪ .‬عاش طاليس في مدينة مليتوس في أيونيا‪ ،‬بغربي تركيا‪.‬‬ ‫أبو عبدالله محمد بن موسى الخوارزمي‪ :‬عالم رياضيات وفلك وجغرافيا‪ ،‬ولد في خوارزم سنة ‪780‬م‪ ،‬اتصل بالخليفة‬ ‫العباسي المأمون‪ ،‬وعمل في بيت الحكمة في بغداد‪ ،‬وكسب ثقة الخليفة‪ ،‬إذ واله المأمون بيت الحكمة‪ ،‬كما عهد إليه برسم‬ ‫خارطة لألرض عمل فيها أكثر من سبعين جغرافيا‪ ،‬وقبل وفاته في ‪850‬م‪ 232/‬هـ‪ ،‬كان الخوازرمي قد ترك العديد من‬ ‫المؤلفات في علوم الفلك والجغرافيا‪ ،‬من أهمها كتاب «الجبر والمقابلة» الذي يعد أهم كتبه‪ ،‬وقد ترجم الكتاب إلى اللغة‬ ‫الالتينية في سنة ‪1135‬م‪ ،‬وقد دخلت على إثر ذلك كلمات مثل الجبر ‪ Algebra‬والصفر ‪ Zero‬إلى اللغات الالتينية‪.‬‬ ‫ا ُنظر مداخالت ندوة‪« :‬المجالت الثقافية ودورها في اإلصالح الثقافي»‪ ،‬مجلّة العربي باالشتراك مع اليونسكو من ‪16‬إلى‬ ‫‪ 18‬ديسمبر ‪2006‬م‪.‬‬ ‫ا ُنظر مداخلة بندر عبدالحميد‪ ،‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫أشكا ُ‬ ‫القرآني‬ ‫َّناص‬ ‫ل الت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ش ْعر ِ أبِي العالءِ املَعرّي‬ ‫> د‪.‬إبراهيم الدهون*‬

‫ّناص القرآنيّ في‬ ‫��ال الت ّ‬ ‫تناقش ه��ذهِ ال��ورق��ةُ ن��م��اذ َج من أش��ك ِ‬ ‫الشاعر في االهتمامِ‬ ‫وترصد محاوالت َّ‬ ‫ِ‬ ‫شعرِ أبي العالء المعرّي‪،‬‬ ‫والتراكيب القرآنيّةِ ‪ ،‬وتوظيفها‬ ‫ِ‬ ‫والمفردات‬ ‫ِ‬ ‫بالعناصرِ الداخليةِ‬ ‫الشعري؛ لتؤدي وظيفة جمالية‪ ،‬ينتج عنها تناغم‬ ‫َّص ِّ‬ ‫داخل الن ّ‬ ‫أجزاء الكالم وتآلفه‪ ،‬وانتظامه تناظم ًا تركيبي ًا وداللي ًا – أحيان ًا‬ ‫َّص استقاللية وشعرية تفتحُ أمامه‬ ‫كثيرة‪ -‬يحقق بوساطته الن ّ‬ ‫ورؤى أبعد‪.‬‬ ‫آفاق ًا أرحب‪ ،‬وعوالم أوسع‪ً ،‬‬ ‫وال ب � � ّد م ��ن اإلش� � � ��ار ِة إل� ��ى أنَّ ه ��ذ ِه‬

‫ناص‬ ‫‪ -1‬مفهوم التَّ ّ‬

‫تقف عند ك ِّل تناصات المعرّي‬ ‫ُ‬ ‫الورق َة ال‬

‫تُ��ر ّك�� ُز ال� �دِّراس���اتُ ال � َّن �ق��د ّي � ُة واألدب ّي ُة‬

‫رفيعة المستوى‪ ،‬تجلّت من خاللها براعة‬

‫ِّراسات األسلوبيّةِ واأللسنيّةِ ؛‬ ‫ِ‬ ‫التركيز في الد‬

‫ومعارف ومحاو َر متجددةٍ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫معان ودالالت‪،‬‬

‫المحيط‪ ،‬وإنَّما‬ ‫ِ‬ ‫ال عن العالمِ‬ ‫ومغلقاً ومستق ً‬

‫القرآنيّة‪ ،‬وإ ّن�م��ا خضعتْ ل��دراس��ةِ نماذج‬

‫�ص‪ ،‬ويتجلَّى مثل هذا‬ ‫الحديث ُة على ال � َّن� ِّ‬

‫الشاعر على أن يستمد من القرآن الكريم‬

‫ال‬ ‫ْس نظاماً لغوياً مقف ً‬ ‫َّص األدب ُّ��ي لَي َ‬ ‫فالن ُّ‬

‫ومنظورات متعددةٍ ‪ ،‬تكسب الن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫واالنعكاسات‪ ،‬فهو‬ ‫ِ‬ ‫االرتدادات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّص الشّ عري‪ ،‬سلسل ٌة من‬ ‫رونقاً جمالياً‪ ،‬وثرا ًء فن ّياً‪ ،‬وصدقاً قوياً‪.‬‬ ‫ودالالت‬ ‫ٍ‬ ‫لمعان‬ ‫ٍ‬ ‫بمثابةِ العدسةِ المقعر ِة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪31‬‬


‫ومختلفة ومتباينةِ األش �ك��الِ والصورِ‬ ‫ٍ‬ ‫م�ع�ق��دةٍ ‪،‬‬

‫النّقديّةِ التي اعتنتْ بها الشِّ عريَّة الغرب ّي ُة وما‬

‫والسيميائيات النصيَّةِ ‪ِ ،‬لمَا له من‬ ‫ِ‬ ‫في حيزِ األنظمةِ السياسيّةِ والدينيّةِ السّ ائدةِ‪ ،‬بع َد البنيويةِ‬ ‫َّص األدبيِّ وتركيبهِ ‪،‬‬ ‫تفكيك الن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫إجرائية في‬ ‫ٍ‬ ‫فعالية‬ ‫ٍ‬ ‫واألح���داث وال�ظ��واه��ر المسيطرة على حركيةِ‬ ‫�ص‪ ،‬لفهمه وقراءته‬ ‫َّص األدب ُّ��ي ‪-‬في والتغلغلِ ف��ي س��وي��داءِ ال � َّن� ِّ‬ ‫الوجود البشري‪ .‬ل��ذا‪ ،‬يُ َع ُّد الن ُّ‬ ‫لمعارف لَعِ بَ فيها الزم ُن ق��راءة واعية‪ ،‬وذل��كَ من خاللِ اإلحاطة الكاملة‬ ‫َ‬ ‫تراكمات‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقةِ األمرِ ‪-‬‬

‫َّص اللُّغويّة والتّاريخيّة والثّقافيّة‬ ‫ما استطاعَ‪ ،‬فالزما ُن والمكا ُن واإلنسا ُن فضاءات بك ِّل أج��زاءِ الن ِّ‬ ‫تتش ّك ُل م��ن خاللها لمعات األف �ك��ار‪ ،‬وجذوات والدينيّة‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫شكل من‬ ‫ٍ‬ ‫المعاني‪ ،‬لتتبلور في نهاية األم��رِ في‬

‫ول �ق��د ب���ذ َل ال� ��دَّ ارس� ��و َن ال �م �ح��دث��و َن جهوداً‬

‫َّناص‬ ‫األش��ك��الِ ال �لّ �غ��و ّي��ةِ ‪ ،‬م��ادت �ه��ا ال��رئ�ي�س��ة اإلنسان مضنيةً‪ ،‬وقدّموا مهاداً نظرياً زاخراً في الت ِّ‬

‫َّناص دراساتٌ‬ ‫تناولت الت َّ‬ ‫ِ‬ ‫والكون‪ ،‬وأداتها اللّغة‪ ،‬ومبتغاها اإلنسان نفسه‪ .‬وآلياتِهِ وأشكالِهِ ‪ ،‬فق ْد‬ ‫مؤلفات أم رسائ َل جامعيةً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّص األدبيُّ حلق ٌة تدو ُر في فلك محدود ج ّم ٌة(‪ ،)3‬سواء أكانتْ‬ ‫إذاً‪ ،‬فالن ُّ‬ ‫األبعاد واألهداف(‪.)1‬‬ ‫َّناص أخ َذ يَظْ َهرُ‪ ،‬وينمو‬ ‫شك فيه أنَّ الت َّ‬ ‫وممّا ال َّ‬ ‫َّص األدبيّ ‪ ،‬مكوناً مكانةً‪ ،‬وأساساً‬ ‫داخ َل إطارِ الن ّ‬ ‫حموالت‬ ‫ٍ‬ ‫محورياً للعملِ األدب��يّ ‪ِ ،‬لمَا يشكّله من‬

‫�اص ف��ي شعر شاعر‬ ‫وسماها مؤلفوها ب�ـ(ال� َّت�ن� ّ‬ ‫َّناص نقدياً‪ .‬وع�لاو ًة على ذلك‪،‬‬ ‫معين‪ )...‬أو الت ّ‬

‫بعضها فصوالً احتوتها تواليف‪ ،‬أو أبحاثاً‬ ‫ُ‬ ‫ك��ا َن‬ ‫نشرتها المجالّتُ العلميةُ‪.‬‬

‫ّناص على أنّه اتّكاء‬ ‫ومن هُنا‪ ..‬حُ ّد َد مفهوم الت ّ‬

‫�ط ووشائج‬ ‫تفاعلية‪ ،‬ورواب � َ‬ ‫ٍ‬ ‫�ات‬ ‫معرفية‪ ،‬وع�لاق� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نص الحق أو مجموعة نصوص سابقة سواء أكانتْ‬ ‫ّ‬ ‫�ص ونصوص‬ ‫�ص وآخ� �رَ‪ ،‬أو بين ن� ٍّ‬ ‫ا ّت�ص��ال بين ن� ٍّ‬ ‫نصاً دينياً أو‪،...‬‬ ‫ّصوص شعراً أو نثراً أو ّ‬ ‫ُ‬ ‫َعددت التياراتُ والمذاهبُ التي هذه الن‬ ‫عديدةٍ ‪ .‬و َق � ْد ت ِ‬ ‫تبنته‪ ،‬إذ تباينتْ تعريفاتُه‪ ،‬ومعانيه‪ ،‬وأشكالُهُ‪،‬‬ ‫وآل �ي��اتُ � ُه م��ن ن��اق� ٍ�د ل�ن��اق��د‪ ،‬وم��ن م��ذه� ٍ�ب نقدي‬ ‫آلخ �رَ‪ ،‬ال ِسيَّما في النَّقدِ العربيِّ المعاصرِ (‪.)2‬‬ ‫َّناص (‪ )intrtextuality‬مفهو ٌم نقدي جديد‪،‬‬ ‫فالت ُّ‬ ‫دخ � َل حق َل ال� ّن�ق��دِ األدب ��يّ ال�ح��دي� ِ�ث م��ؤخ��راً من‬ ‫ِّراسات النقديّةِ األجنبيّةِ ‪ ،‬وق ْد كانتْ سنواتُ‬ ‫ِ‬ ‫الد‬

‫َّص األوّل‬ ‫«شريطة وجود صيغة عالئقية تربطُ الن ّ‬ ‫َّص الثانيِّ ‪ ،‬حيثُ تتبدّى الثيماتُ اللفظي ُة أو‬ ‫مع الن ِّ‬

‫المضموني ُة متجسد ًة في ثنايا الن ّ‬ ‫َّص الجديدِ »(‪.)4‬‬

‫ص القرآنِ ّي‬ ‫ناص مع النَّ ِّ‬ ‫‪ -2‬التَّ ُّ‬ ‫نفوس‬ ‫ِ‬ ‫يحت ُّل القرآ ُن الكري ُم مركزاً مهمَّ اً في‬

‫بطاقات ال تنفدُ‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫الشُّ عراءِ واألدب��اءِ ‪ ،‬لغنى آياتهِ‬

‫(‪1979‬م‪1982 -‬م) الغني ُة ب��اإلص��دارات شاهداً وأس�ل��وب��ه ال�ف�ن��يِّ المعجز‪ ،‬وب�لاغ�ت��ه المشرقة‪،‬‬ ‫وتشريعات سامية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫على مرحلةِ النضجِ ‪ ،‬خاص ًة بعد ظهورِ أعمال إضافة الحتوائهِ قيماً فكر َّيةً‪،‬‬

‫ّ‬ ‫ّص)‪ ،‬و(التعالق‬ ‫(ريفاتير)‪( :‬إنتاجيّة الن ّ‬ ‫أمة‪ ،‬ويم ّث ُل في اللُّغة‬ ‫شريعة‪ ،‬ومنها ُج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النصي)‪ ،‬فهو «دستو ُر‬ ‫و(أثر الت ّ‬ ‫وقاموس لغتِها‪ ،‬ومظه َر بالغتِها‬ ‫َ‬ ‫َّناص) عام ‪1979‬م‪ ،‬و(سيميائية الشِّ عر) العربيّة تا َج أدبِها‬ ‫عام ‪1982‬م‪ ،‬واحتلَّ مكان ًة في السَّ احةِ النّقديَّةِ‬ ‫العربيَّةِ المعاصرةِ‪ ،‬وأصب َح من أب��رزِ المفاهيمِ‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫وحضارتِها‪ ،‬وفوق ذلكَ هو طاقة خالّقة من الذكر‬ ‫لمسات‬ ‫ٍ‬ ‫والفكر‪ ،‬يج ُد فيها الذاكرو َن والمتفكرو َن‬


‫روعتها الجلو ُد كلَّما تدبرتْ معانيها واستشعرت توحدَه بالعبوديةِ واإللوهيةِ ‪ ،‬فال إله إال الله‪ ،‬وال‬ ‫َّص القرآنيّ‬ ‫ج�لال�ه��ا»(‪ .)5‬ويُ� َع � ُّد ال �ق��رآ ُن الكريم راف ��داً غنياً‪ ،‬معبود سواه‪ ،‬فمن أبهى توظيفات الن ّ‬ ‫ال عذباً للشّ عراءِ ‪ ،‬فاستقوا منه‪ ،‬واستثمروا في شعرِ ال َم َعرِّي ما نلحظُ ُه في قوله(‪:)6‬‬ ‫ومنه ً‬ ‫طاقاتهِ ‪ ،‬بما يدع ُم تجاربَهم الشِّ عريَّة ويسندُها‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬حينما نقرأ ُ شع َر أبي العالءِ ال َم َعرِّي‪،‬‬

‫نلحظُ جَ ِل ّياً أنَّ القرآ َن الكريم كا َن مُتنفساً‪ ،‬ومعيناً‬

‫أساساً من المصادرِ التي استنطقها أبو العالءِ‬

‫ْ���ك أَو ٌَّل‪ ،‬أَحَ ����دٌ‬ ‫إِ لَ��هُ ��ن��ا ال��� َل���هُ ‪ ،‬مَ ���ل ٌ‬ ‫الناس آحادُ‬ ‫ِ‬ ‫نوف‬ ‫ت ُِطيعُ هُ ِمنْ ُص ِ‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫س �م��اوي � ًة ت�ه�ت��دي ل�ه��ا ال �م �ش��اع �رُ‪ ،‬وت�ق�ش�ع� ُّر من إعجابه من روع��ةِ هذا الصنع وإتقانه‪ ،‬ثُ َّم يُ ْع ِل ُن‬

‫َّص القرآنيِّ ‪ ،‬وصاغَ ها‬ ‫استغلَّ ال َم َعرِّي بني َة الن ِّ‬

‫ف��ي ش�ع��رِ ِه ليُ َع ِّب َر ع��ن إي�م��ان��هِ ب��ال�ل��هِ ‪ ،‬م��وح��داً له‬

‫َ‬ ‫ال َم َعرِّي‪ ،‬وراف��داً مهمَّ اً‬ ‫تناصهِ‬ ‫ِّ‬ ‫اغترف من نبعِ معانيه‪ ،‬سبحانه وتعالى‪ ،‬وقد أثبتَ ذلكَ من خاللِ‬ ‫ولَي َ‬ ‫ْس هذا األم ُر غريباً عليه؛ فقد حَ فِ َظ القرآ َن التركيبيِّ مع قولهِ تعالى‪:‬‬

‫الكريمَ‪ ،‬وأتق َن قراءاتِه منذ نعومةِ أظفارِ هِ‪.‬‬

‫الصمد* لم يلد ولم‬ ‫«قل هو الله أحد* الله ّ‬

‫ِ‬ ‫بالتراكيب‬ ‫ِ‬ ‫ويفيض شع ُر ال َم َعرِّي‬ ‫ُ‬ ‫َّص‬ ‫والمفردات يولد* ولم يكن له كفواً أحد»(‪.)7‬حيثُ يُشي ُر الن ُّ‬

‫�ات ال �ق��رآن � َّي��ةِ ‪ ،‬ال ِس� َّي�م��ا ف��ي ديوانهِ‬ ‫وال�ش�خ�ص�ي� ِ‬

‫القرآنيُّ إلى وحدانيةِ اللهِ وربوبيتهِ ‪ ،‬ويَنفي تَ َع ُد َد‬

‫َّناص القرآنيِّ ‪:‬‬ ‫أنماط من الت ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫يوظف ثالث َة‬ ‫ُ‬ ‫أ ّن ُه‬

‫نص أبي العالءِ‬ ‫كفءٌ للهِ ع َّز وجلَّ ‪ .‬وهكذا يأتي ُّ‬

‫«اللُّزومي ِ‬ ‫ويرفض رفضاً مطلقاً أ ْن يكو َن هنالك‬ ‫ُ‬ ‫َّات»‪ ،‬وإذا دققنا النّظ َر في شعرِ ه تبيّن لنا اآللهةِ ‪،‬‬

‫ناص التركيبي آليات القرآن الكريم‬ ‫أ‪ -‬التَّ ّ‬

‫َّاس‬ ‫َّص القرآنيِّ ‪ ،‬حا ّثاً الن َ‬ ‫ال َم َعرِّي متوافقاً مع الن ِّ‬

‫ّصينِ كانا قد‬ ‫على طاعتهِ وت �ق��واه‪ .‬بي َد أنَّ الن ّ‬

‫يتمثّل الت ّ‬ ‫بوتقة واحدةٍ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّناص التركيبي باستحضارِ الشَّ اعر تالحما وتداخال‪ ،‬ثُ َّم امتزجا في‬ ‫والتراكيب القرآنيّةِ ‪ ،‬وإيرادها الن ّ‬ ‫ِ‬ ‫للمفردات‬ ‫ِ‬ ‫َّص فمنحا الخطابَ الشِّ عريَّ بُعداً داللياً واحداً عَ ّب َر‬

‫الشّ عري‪ ،‬فيكون لها دو ٌر في إنتاجِ الداللةِ ‪ ،‬وإثار ِة عن وحدانيةِ الخالقِ ‪ ،‬وت �ف �رّدِ ه في ه��ذا الكونِ ‪،‬‬ ‫وإكساب المعنى عمقاً وتحفيزاً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫المتلقي‪،‬‬ ‫وإزالة ك ّل الصفات البشرية عنه جلَّ وعال‪.‬‬ ‫ولقد استله َم ال َم َعرِّي في تجربتهِ الشِّ عريَّة‪،‬‬

‫ونصوصهِ اإلبداعيَّةِ ‪ ،‬لغ َة القرآنِ الكريمِ وآياتِهِ‬

‫َّص الشِّ عريَّ جا َء متواشجاً‬ ‫ومن الواضحِ أنَّ الن َّ‬

‫َّناص‬ ‫ومتماهياً مع النسيجِ القرآنيِّ ‪ ،‬موظّ فاً الت ّ‬

‫وف�ح��واه��ا‪ ،‬ومزجَ ها ف��ي بنيةِ ال� َّن� ِّ‬ ‫موقف‬ ‫ِ‬ ‫�ص الداخليةِ ‪ ،‬التركيبي (إلهنا‪ ..‬واح��د) من أج��لِ بلور ِة‬ ‫فأغنت الن َّ‬ ‫َّص القرآنيُّ‬ ‫َّص داللياً‪ ،‬بانفتاحهِ على العالمِ العلوي‪ ..‬الشَّ اعرِ ورؤيتهِ ‪ ،‬وبذلكَ استطا َع الن ُّ‬

‫ٍ‬ ‫وأسس لرؤيا شعري ٍَّة‬ ‫َ‬ ‫فأثم َر هذا التداخلُ‪،‬‬ ‫مكثفة أ ْن يكو َن حُ جّ ًة ودعام ًة للشّ اعرِ أمام الملحدي َن‬ ‫ٍ‬ ‫إيحائية‬ ‫ٍ‬ ‫دالالت‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫عظيمة‪ ،‬فكا َن توحي ُد الله والمنكري َن لوحدانيةِ اللهِ ‪.‬‬ ‫وتعظي ُم ُه ال��شّ ��رارةَ األول��ى ألبي العالءِ ال َم َعرِّي‪،‬‬

‫اإلشاري آليات القرآن الكريم‬ ‫ُّ‬ ‫ناص‬ ‫فالل ُه خال ُق الكونِ ومبد ُعهُ‪ ،‬ومص ّر ُفهُ‪ ،‬ولذا يق ُّر ب‪ -‬التَّ ُّ‬ ‫أبو العالءِ ال َم َعرِّي ببديعِ خلقِ اللهِ ‪ ،‬وصنعه‪ ،‬مبدياً‬

‫�اص ال ��ذي ال يَ � ْع��مِ � ُد فيه الشَّ اع ُر‬ ‫وه��و ال � َّت �ن� ُّ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪33‬‬


‫ال صريحاً الوقارِ في حياتِه ِ‪ ،‬ال تستخف ُه األهوالُ‪ ،‬وال تخرج ُه‬ ‫َّص القرآنيِّ تعام ً‬ ‫إلى التعاملِ مع الن ِّ‬

‫يخف‬ ‫ُّ‬ ‫َّص‪ ،‬وتَشي عن وقار ِه وحكمتِهِ واتزانِهِ ومروءتِهِ ‪ .‬فهل‬ ‫أو مباشراً‪ ،‬بل تغني اإلش��ارةُ عن الن ِّ‬ ‫مخلوق‬ ‫ٍ‬ ‫إليه‪ .‬و ُم ��ؤدّى ذل��كَ «أ ْن يَسْ تله َم الشَّ اع ُر لفظ ًة وقاره هذا يوم القيامة‪ ..‬حي َن يَفق ُد ك ُّل‬ ‫الحديث‬ ‫ِ‬ ‫جديد تماس َك ُه حتّى الجبال؟ ولعلَّه تط ّر َق إلى‬ ‫ٍ‬ ‫أو لفظتينِ لتوظيفِ هما في ان��زي� ٍ�اح لُغويٍّ‬ ‫مشهد م��ن مشاهد ي��وم القيامة بالمفهوم‬ ‫ٍ‬ ‫تتبدّى منهما براع ُة ومقدرةُ الشَّ اعرِ من إيجازِ ع��ن‬ ‫تقليص الدينيِّ ‪ ،‬من خاللِ محاولتِهِ إب��رازِ صفات والده‬ ‫ِ‬ ‫التَّعبيرِ وتكثيفه‪ ،‬ومن قدرتِهِ الف ِّنيَّةِ على‬

‫َّص المقتبس منه إلى المتلقي المحمودة والحسنة‪ ،‬تعبيراً منه بأنَّ المَعا َد أم ٌر‬ ‫مسافة وصول الن ّ‬ ‫(‪)11‬‬ ‫واق ٌع ال بدَّ منه‪ ،‬وهذا األم ُر حقٌّ ال ريبَ فيه ‪.‬‬ ‫واإلحاطةِ بمشاعرِ هِ»(‪.)8‬‬ ‫ْس ثَمَّ َة ٌّ‬ ‫لَي َ‬ ‫ناص والشخصيات القرآنيَّ ة‬ ‫شك في أنَّ أبا العالءِ ال َم َعرِّي كا َن جـ ‪ -‬التَّ ُّ‬ ‫والمعارف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫له مخزو ٌن هائ ٌل من الثقافةِ والعلومِ‬ ‫�وص المرجعيَّةِ‬ ‫وم �ج �م��وع � ٌة ك �ب �ي��رةٌ م��ن ال � ُّن �ص� ِ‬

‫ّناص ال��ذي يحيل ُنا فيه الشَّ اع ُر إلى‬ ‫وه��و الت ّ‬

‫قرآنية قدّمتْ بُ�ع��داً‪ ،‬أو َر ْم��زاً داللياً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخصية‬ ‫ٍ‬

‫ارتكاز‪ ،‬أو محط َة‬ ‫ٍ‬ ‫المستودعةِ في ال��ذاك��رةِ‪ ،‬وم��وروثٌ ثقافي ديني ش ّك َل بالنسبةِ للشّ اعرِ نقط َة‬ ‫ِ‬ ‫�والت‬ ‫�ف ت�ل��ك ال �ح �م� ِ‬ ‫ع�ظ�ي�مٌ‪ ،‬ف��وظّ � َ‬ ‫والمدلوالت ت��زوي� ٍ�د انطل َق منها نحو عوالم قدسية وعلوية‬

‫�ورات ف��ي ن �ص� ِ‬ ‫وال �م �ن �ظ� ِ‬ ‫�ص الشِّ عري‪،‬‬ ‫�وص��هِ ‪ ،‬م��راوح��اً م��ا بي َن مشرقة س��اع��دتْ على اغتناءِ ال� ِّن� ِّ‬ ‫ِ‬ ‫االقتباس والتضمينِ والتلميحِ واإلش ��ارةِ‪ ،‬وإلى ومنحه متان ًة وتماسكاً كبيرينِ ‪.‬‬

‫واستعراض ثراء لغته‬ ‫ِ‬ ‫جانب ذلكَ اتّج َه إلى إبرازِ‬ ‫ِ‬ ‫ألفاظ وتراكيبَ‬ ‫ٍ‬ ‫التي يبر ُز فيها محفوظ ذاكرته من‬

‫وال يفوتني أ ْن أ ُشي َر إلى أنَّ إحاالت أبي العالءِ‬

‫للشخصيات القرآنيَّةِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال� َم� َع�رِّي واس�ت��دع��اءات��ه‬

‫ٍ‬ ‫وجمل‬ ‫ٍ‬ ‫َّص على عوالم‬ ‫وسياقات قرآني ٍَّة‪ ،‬فقد استطا َع أ ْن يفجّ َر هي إش��ارةٌ أكيدةٌ على انفتاحِ الن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الكلمات والت‬ ‫ِ‬ ‫طاقات في‬ ‫ٍ‬ ‫َّص الشِّ عريّ ‪ ،‬وتدفعه‬ ‫ّراكيب‪ ،‬ويُكسبُها لغ ًة للنصوص المرجعيَّةِ تغني الن ّ‬ ‫شعر َّي ًة ق��ادر ًة على التَّعبيرِ عن آرا ِئ��هِ ‪ ،‬ومواقفِ هِ ‪،‬‬ ‫نصوص عديدةٍ ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫والتشابك مع‬ ‫ِ‬ ‫لحالة من التواصلِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وانفعاالتِهِ الغزيرةِ‪ ،‬وثَمَّ َة مقاط ُع‬ ‫والتوظيفات‬ ‫ِ‬ ‫االستيحاءات‬ ‫ِ‬ ‫ونصوص شعر َّي ٌة كما نستطي ُع عن طريقِ‬

‫والتراكيب‬ ‫ِ‬ ‫اآليات‬ ‫ِ‬ ‫َّناص اإلشاريِّ مع‬ ‫له تمتل ُئ بالت ِّ‬ ‫�ص ال��شِّ �ع��ريِّ أ ْن‬ ‫للشخصيات ال�ق��رآن� َّي��ةِ ف��ي ال� َّن� ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّص‬ ‫القرآنيَّةِ ‪ ،‬وتحقّق وهجاً وتأثيراً ف ِّن َّياً في الن ِّ‬ ‫للحموالت المعرفيةِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫شمولية‬ ‫ٍ‬ ‫نكشف عن قراءةٍ‬ ‫َ‬

‫المنقولةِ إليهِ ‪ .‬فحين نقرأ ُ الن َّ‬ ‫�والت ال��دي �ن � َّي��ةِ ‪ ،‬واألخ� �ب ��ارِ التَّاريخيَّةِ ‪،‬‬ ‫َّص التالي لشاعرِ نا وال��م��دل� ِ‬ ‫في رثاءِ والده(‪:)9‬‬ ‫والقصص القرآنيَّةِ المستودعة في ذاكر ِة الشَّ اعرِ‬ ‫ِ‬ ‫فيَا َليْتَ ِشعْ رِ ي هَ لْ ي َِخ ُّف َوقَا ُر ُه‬

‫بعد أ ْن استوعبها استيعاباً عميقاً‪ ،‬وفهمهاً فهماً‬

‫القيامَ ةِ ك ِ‬ ‫إذا َصا َر أ ُْحدٌ في ِ‬ ‫َالعهْ ِن دقيقاً‪ ،‬فصهرَها لتُصب َح جُ زءاً حقيقياً من تجربتِهِ‬

‫نجده ينق ُل المتلقيَ إلى قولهِ تعالى‪« :‬وتكو ُن الشِّ عريَّة‪.‬‬ ‫المنفوش»(‪ .)10‬والشَّ اع ُر يحدّثُ‬ ‫ِ‬ ‫الجبا ُل كالعهنِ‬

‫الشخصيات‬ ‫ِ‬ ‫بتناصهِ مع‬ ‫ِّ‬ ‫أور َد أبو العالءِ ال َم َعرِّي‬

‫نفسَ هُ‪( :‬فيا ليت شعري) لقد كا َن والدي شدي َد القرآنيَّةِ « أمثل ًة تب ّي ُن جانب القدوة اإليجابيَّة‪،‬‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫موسى‪ ،‬صالح‪ ...‬عليهم السالم»‪ ،‬وأمثل ًة أ ُخرى بالقضاءِ والقدرِ لتدف َع السّ يا َق الشِّ عريَّ للتالحمِ‬ ‫تم ّث ُل الجانبَ السَّ ل ْبيَّ كقابيل‪ ،‬وفرعون في تعاليهِ‬

‫والسيرِ ‪ ،‬عبر تأطيرها معجزة النبي صالح عليه‬

‫وغ ��رورِ ِه وإص ��رارِ ِه على ال�ك�ف��رِ »(‪ .)12‬ونَل ْحَ ظُ أن السالم في استدعاء قصة قوم ثمود‪ ،‬فقد رُويَ‬

‫ِ‬ ‫واالستيحاءات‬ ‫ِ‬ ‫بالتناصات‬ ‫ِ‬ ‫أل‬ ‫شعرَه امت َ‬ ‫والتوظيف أنَّ س ّي َد ثمود (جندح بن عمرو) قالَ‪« :‬يا صالحُ‪:‬‬ ‫للشخصيَّةِ القرآنيَّةِ ومضامينِها‪ ،‬وما يدو ُر حولها أخ��ر ْج من ه��ذ ِه الصخر ِة ناق ًة مخترجة جوفاء‪،‬‬ ‫لخدمةِ المعنى ال��ذي يريده في ِّ‬ ‫نصهِ الشِّ عريِّ ‪ ،‬وبراء‪ ،‬عشراء‪ .‬فصلّى صالح ركعتينِ ودعا ر َّبهُ‪،‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫وتفصيالت اإليمان‬ ‫ِ‬ ‫دالالت‬ ‫ِ‬ ‫كشخصيات األن �ب �ي��اءِ ‪« :‬م�ح� ّم��د [‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬بك ِّل ما تحم ُل من‬ ‫ِ‬

‫ِ‬ ‫�داث‬ ‫باأللفاظ واألح� ِ‬ ‫ِ‬ ‫التالعب‬ ‫ِ‬ ‫مع‬ ‫والتراكيب بما فتمخضت تمخض النتوج بولدِ ها‪ ،‬ثُ� َّم تحركت‬ ‫ينسج ُم وتجربته اإلبداعية(‪.)13‬‬ ‫ف��ان�ص��دع��ت ع��ن ن��اق� ٍ�ة ب��ال�ص�ف��ات نفسها‪ ،‬وقد‬ ‫لذلك كانتْ شخصياتُ األنبياءِ والرسلِ واحد ًة نتجت سقباً مثلها عظماً‪ ،‬فآم َن ج�ن��دحُ‪ ،‬فقا َل‬ ‫خصيات التي استلهمَها شاعرُنا‪ ،‬صالح‪ :‬هذه ناقة الله لها شرب يوم‪ ،‬ولكم شرب‬ ‫ِ‬ ‫من أه � ِّم الشّ‬

‫قصتِها أصواتاً ومضامي َن وأهدافاً يوم معلوم‪ ،‬فعقرها قُدا ُر بن سالف»(‪.)15‬‬ ‫واستمدَّ من َّ‬ ‫م�ت��وخ��اةً‪ ،‬وعَ � َّب � َر م��ن خاللِها ع��ن تجربتهِ ورؤاه‬

‫توظيف ال َم َعرِّي لشخصية صالح‬ ‫َ‬ ‫وإذا تأمّلنا‬

‫وأب�ع��اده الفكريَّة وفقاً لتصوره ال�خ� ّ‬ ‫�اص‪ ،‬وعلى عليه السالم ومعجزته النَّاقة‪ ،‬والموقف السَّ ل ْبيّ‬ ‫ٍ‬ ‫َص ُل إلى أنَّه أرا َد‬ ‫نحو يَتض ّم ُن التَّواصل واالستمراريَّة بين زمني لشخصيةِ قُدار بن سالف‪ ،‬نتَو ّ‬

‫األنبياءِ ‪( :‬الماضي)‪ ،‬والشَّ اعرِ ‪( :‬الحاضر)‪ .‬كما في الناقةِ بذوراً كنائي ًة ورمزي ًة تمثلت بالحياةِ‪.‬‬ ‫يَتي ُح هذا األم ُر لشاعرِ نا االنفالتية من الذاتيةِ ك��ذل��كَ النبي صالح عليه ال�س�لام لَ � ْم يج ْد بُدَّ اً‬ ‫ْس غريباً أ ْن‬ ‫إل��ى الموضوعيةِ ‪ ،‬وتحويل ُها وتعميمُها إل��ى أ ْن لإلصالحِ «واال ّت�ف��اقِ مع قومِ هِ ‪ ،‬ولَي َ‬ ‫تُصب َح تجرب ًة عامةً‪.‬‬ ‫يُ َع ِّب َر شاعرُنا عن قدار بالسَّ ل ْبيَّةِ لمالحظتِهِ أنَّ‬ ‫منظور يَسْ تَ ِن ُد ُق��دا َر كهمام في اللُّغةِ بمعنى الثعبان العظيم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫غير أنَّ التّأ ّم َل في شعرِ ه من‬ ‫إل��ى طبيعةِ حضورِ األن�ب�ي��اءِ ‪ ،‬يجعلنُا نص ُل إلى وأنَّها من ماد ِة القدرِ ‪ ،‬فالفائدةُ المُهمَّ ُة في نظرِ‬ ‫نتيجة م��ؤدّاه��ا أنَّ ال �ح �ض��و َر م �ت �ح��و ٌل م��ا بي َن أبي العالءِ أنَّ هذ ِه الحياةَ أضحتْ شائخ ًة على‬ ‫ٍ‬

‫التلميحِ ‪ ،‬واإلي �م��اءِ ‪ ،‬واالس �ت��دع��اءِ المباشرِ دو َن الشرورِ ‪ ،‬ومحاولة اإلصالحِ تنتهي باإلخفاقِ ‪ ،‬كما‬ ‫خصيات التي أوم َأ إليها أنَّ الحياةَ ت��ؤو ُل للفناءِ والتالشي بفعلِ القدرِ‬ ‫ِ‬ ‫مواربة أو خفاءٍ ‪ .‬فمن الشّ‬ ‫ٍ‬

‫وأحداث‪ ،‬وسطوتِهِ على البشريَّةِ »(‪.)16‬‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وأوردَها بمعطياتِها كافة من‬ ‫�ارات دي �ن � َّي� ٍ�ة شخصية ال�ن�ب��ي ص��ال��ح عليه‬ ‫وإش � � ٍ‬

‫السالم وارتباطها الوثيق بالناقة‪ ،‬إذ يقول(‪:)14‬‬ ‫لَ��م تَ���دْ رِ ن��اقَ��ةُ ص��الِ ٍ��ح َل��مَّ ��ا غَ دَتْ‬

‫وم � ّم��ا ال ري ��بَ ف�ي��ه أنَّ ش��اع � َرن��ا استحض َر‬ ‫لقصةِ النبي ص��ال��ح عليه‬ ‫َّ‬ ‫المضامي َن ال��دي�ن� َّي� َة‬ ‫وخطوطها العريضةِ م��ن ق��ول��هِ تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ال�س�لام‬

‫أَنَّ ال���������رَّ وا َح يُ ����حَ ����مُّ ف���ي���هِ قُ �����دا ُر «إنّا مرسلو الناقةِ فتن ًة لهم فارتقبهم‬

‫رب‬ ‫لقد وظّ َف الشَّ اع ُر اإلشارةَ القرآن ّيةَ‪( :‬الناقة) ونبئهم أنّ الما َء قسم ٌة بينهم ك ُّل ِش ٍ‬

‫واصطبر*‬ ‫محتضر*‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪35‬‬


‫ف �ن��ادوا صاحبهم فتعاطى فعقر* فكيف كان‬

‫لمضامين الخطاب الربانيّ وف�ح��واه‪ ،‬وهاضماً‬

‫العالءِ ال َم َعرِّي الشِّ عريِّ عن استفادتِهِ ‪ ،‬وتشرّبهِ‬

‫الذي ال ينضب‪ ،‬موظفاً شخصياته في نصوصهِ‬

‫َكشف معطياتُ متنِ أبي‬ ‫ُ‬ ‫ع��ذاب��ي ون� ��ذر»(‪ .)17‬وت‬

‫قصة النبي صالح عليه السالم تشرّباً ينطوي‬

‫َّص‬ ‫عمل إبداعي واستيعابي لمضامينِ الن ِّ‬ ‫على ٍ‬

‫الغرف من معينهِ‬ ‫ِ‬ ‫لدالالتهِ ومعانيهِ ‪ ،‬ق��ادراً على‬ ‫ورؤية بعيدةٍ ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫دقيقة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بانتقائية‬ ‫ٍ‬ ‫الشّ عريّةِ ‪،‬‬

‫�اص ال�ق��رآن��يَّ في‬ ‫�دارس أنَّ ال� ّت�ن� َّ‬ ‫وي �ت��راءى ل �ل� ِ‬

‫وقصصهِ ومفرداتِهِ وتراكيبِهِ اإلعجازيَّةِ‬ ‫ِ‬ ‫القرآنيِّ‬

‫ّص‬ ‫شعرِ المعرّي أسهم إسهاماً فعّاالً في منحِ الن ّ‬

‫وخ�لاص� ُة م��ا سبق‪ ،‬يتبيّن أن شع َر المعرّي‬

‫جوهرياً من روافدِ النسقِ الشّ عري وبناء تراكيبه‬

‫وصورِ ِه اإليحائيَّةِ ‪.‬‬

‫الشّ عري أب�ع��اداً جمالية ومعرفية‪ ،‬وغ��دا رافداً‬

‫ِ‬ ‫كا َن طافحاً‬ ‫الجفاف والجمودِ ‪ ،‬إلى‬ ‫ِ‬ ‫بالتناصات القرآنيّةِ ‪ ،‬مصاباً بحمّى ونظم جمله‪ ،‬ونقله من‬ ‫االس �ت��دع��اءات واإلح� ��االت ال �ق��رآن � ّي��ة‪ ،‬متشرّباً عالمِ االستمراريةِ والقبولِ ‪.‬‬

‫* أ‪ .‬مساعد بجامعة الجوف‪.‬‬ ‫َّناص‪ ،‬مسرحية سعد الله ونوس أنموذجاً‪ ،‬دار الكندي للنشر والتوزيع‪ ،‬إربد‪ -‬األردن‪2007 ،‬م‪،‬‬ ‫‪ -1‬العمري‪ ،‬حسين‪ :‬إشكالية الت ّ‬ ‫ص‪.13‬‬ ‫َّناص الشّ عري؛ شعر البياتي أنموذجاً‪ ،‬مجلّة الموقف األد ّب��ي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ع��دد‪ ،430‬شباط‪،‬‬ ‫‪ -2‬حلبي‪ ،‬أحمد طعمة‪ :‬أشكال الت ّ‬ ‫‪2007‬م‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫َّناص في الشّ عر العربي الحديث‪ ،‬دراسة تطبيقيّة ونظرية‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬الجامعة‬ ‫‪ -3‬انظر‪ :‬مراشدة‪ ،‬عبدالباسط‪ :‬الت ُّ‬ ‫َّناص في شعر العصر األُمويّ ‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة الموصل‪،‬‬ ‫األردنيّة‪ ،‬عمّان‪2000 ،‬م‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬البياتي‪ ،‬بدران‪ :‬الت ُّ‬ ‫َّناص المعرفيّ‬ ‫َّناص في شعر الرواد‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة بغداد‪2004 ،‬م‪ .‬ووعد الله‪ ،‬ليديا‪ :‬الت ُّ‬ ‫‪1997‬م‪ .‬ناهم‪ ،‬أحمد‪ :‬الت ُّ‬ ‫في شعر عز الدين المناصرة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة قسنطيّة‪2004 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬عباس‪ ،‬محمود جابر‪ :‬إستراتيجية التناص في الخطاب الشعري العربي الحديث‪ ،‬مجلة عالمات‪ ،‬ج‪ ،46‬م‪12،2002‬م‪،‬‬ ‫ص‪.263‬‬ ‫‪ -5‬إبراهيم‪ ،‬محمّد إسماعيل‪ :‬معجم األلفاظ واألعالم القرآنيَّة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1969 ،2‬م‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫‪ -6‬شرح اللزوميات‪.418/1 ،‬‬ ‫‪ -7‬سورة اإلخالص‪ :‬اآليات ‪.4-1‬‬ ‫َّناص في شعر سليمان العيسى‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة البعث‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.212‬‬ ‫‪ -8‬عبشي‪ ،‬نزار محمّد‪ :‬الت ّ‬ ‫‪ -9‬شروح سقط الزند‪.911/2 ،‬‬ ‫‪ -10‬سورة القارعة‪ :‬اآلية ‪.5‬‬ ‫‪ -11‬انظر‪ :‬زيدان‪ ،‬عبدالقادر‪ :‬قضايا العصر في أدب أبي العالء ال َم َعرِّي‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪2004 ،1‬م‪ ،‬ص‪.184‬‬ ‫‪ -12‬الياسين‪ ،‬إبراهيم منصور محمّد‪ :‬استيحاء التراث في الشِّ عرِ األندلسيِّ ‪ ،‬عصر الطوائف والمرابطين (‪ 400‬هـ‪539-‬هـ)‪،‬‬ ‫عالم الكتب الحديث‪ ،‬إربد‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫َّناص القرآنيّ في شعر ابن نباتة المصريّ ‪ ،‬بحث مقدّم إلى المؤتمر الدولي الرابع لكلية األلسن‪ ،‬جامعة‬ ‫‪ -13‬عطاء‪ ،‬أحمد‪ :‬الت ّ‬ ‫المنيا‪ ،‬ابريل‪2007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫‪ -14‬شرح اللزوميات‪.98/2 ،‬‬ ‫‪ -15‬الدميري‪ ،‬كمال الدين محمّد بن موسى بن عيسى‪ :‬حياة الحيوان الكبرى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪250‬ـ‬ ‫‪.266‬‬ ‫‪ -16‬العاليلي‪ ،‬عبدالله‪ :‬ال َم َعرِّي ذلك المجهول‪ ،‬رحلة في فكره وعالمه النفسي‪ ،‬دار الجديد‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1995 ،3‬م‪ ،‬ص‪.108‬‬ ‫‪ -17‬سورة القمر‪ :‬اآليات ‪.30 –27‬‬

‫‪36‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫أقنعة خورخي لويس بورخيس‬ ‫> سعيد بوكرامي*‬

‫ربما كان هوى بورخيس يتمثل في أن يخلط هويته‬ ‫وأش��ك��ال��ه‪ :‬ي��ت��ق��دم دائ��م��ا مقنعا ك��م��ا ل��و أن���ه شخصية‬ ‫خيالية قدرت لها حياة واقعية في كثير من قصصه‪ .‬هذا‬ ‫التناسخ مستمد من ثقافات هندية وغنوصية وعربية‪،‬‬ ‫كما أنه يحيل على تجربة العمى التدريجي الذي أصيب‬ ‫به بورخيس منذ والدته إلى مماته‪ .‬ومهما يكن‪ ..‬فقد‬ ‫كان بورخيس على بينة من هذا المصير التراجيدي في‬ ‫حياته‪( :‬اتخذت قرارا قلت لنفسي‪ :‬بما أنني فقدت عالم‬ ‫المرئيات المحبوب‪ ..‬فعليّ أن أبتدع شيئا آخر‪ :‬عليّ أن‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أبتدع المستقبل‪ ،‬وهو ما سوف يعقب العالم الذي فقدته في الواقع) ‪.‬‬ ‫بُعد النظر ليس محصورا على ذوي إلى المتلقي عن طريق قرينه‪:‬‬ ‫ال �ب �ص��ر‪ ،‬ب��ل ك ��ان ب��ورخ �ي��س وغ �ي��ره ممن‬ ‫(أجل فحينما ستبلغ سني‪ ،‬ستكون قد‬ ‫سجل التاريخ أسماءهم من رج��ال األدب ف�ق��دت البصر كليا على وج��ه التقريب‪.‬‬ ‫المكفوفين‪ ،‬الذين أبحروا بال نهاية في ول��ن ت��رى غ�ي��ر ال �ل��ون األص �ف��ر والظالل‬ ‫أدق التفاصيل وال���رؤى‪ .‬يسبرون أغوار واألضواء‪ .‬ال تقلق فالعمى التدريجي ليس‬ ‫ال�ن�ف��س ب �ح��دس خ� ��ارق‪ .‬ك��ال�م�ع��ري‪ ،‬وطه أمرا مأساويا‪ .‬بل هو أشبه بأمسية صيف‬ ‫حسين‪ ،‬والبردوني‪ ..‬على سبيل المثال ال بطيئة)(‪ ،)2‬وهذا لم يمنعه من أن يصبح أبرز‬ ‫الحصر‪.‬‬ ‫كاتب قصة قصيرة في العالم‪ .‬اختار هذا‬ ‫يتحدث بورخيس في قصة اآلخر عن‬ ‫مأساته بهدوء عجيب‪ ،‬موجها الخطاب‬

‫الجنس األدب��ي بعدما جرب كتابة الشعر‬ ‫الذي لم يعد يهتم به كثيرا بعد تقدمه في‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪37‬‬


‫العمى‪ .‬أم��ا ال��رواي��ة‪ ،‬فقد اعترف م��رارا بعدم‬ ‫قدرته على مواصلة تسلسلها المتعب‪.‬‬

‫‪ -1‬والدة جديدة‬ ‫ان� �ف ��راده ب�ج�ن��س ال �ق �ص��ة ال �ق �ص �ي��رة‪ ،‬جعله‬ ‫يجرب عدة طرائق لكتابتها وسردها‪ ،‬تكاد تكون‬ ‫من اختراعه وخاصة به دون س��واه‪ .‬باعتراف‬ ‫النقد العالمي‪ ..‬فقد ابتدع جنسا غير خاضع‬ ‫للتجنيس‪ ،‬ليست قصته ق�ص��ة ت�ش�ي�ك��وف‪ ،‬أو‬ ‫م��وب�س��ان‪ ،‬أو إدغ ��ار أالن ب��و‪ ،‬أو ك��اف�ك��ا‪ ..‬إنها‬ ‫قصص شبكية الخيوط بالتداعيات والتعليقات‬ ‫وال �ح��واش��ي واألح �ل��ام وال �م �ص��ادر التاريخية‬ ‫والفلسفية واألدب �ي��ة‪ .‬شخصياتها مستعادة أو‬ ‫مختلقة من عوالم حقيقية أو تخيلية‪ .‬بتغريب‬ ‫في اللغة واألحداث‪ ،‬واقتصاد تقشفي في البناء‬ ‫المحسوب سنتمترياً‪ ،‬وكأننا أمام رقعة شطرنج‬ ‫أو متاهة‪.‬‬ ‫بالتأكيد يعود ذل��ك إل��ى مرجعيته الواسعة‪.‬‬ ‫ف�ظ�لال مقروئه مبثوثة ف��ي قصصه كما آثار‬ ‫ح�ف��ري��ات آث��اري��ة‪ .‬فنصوصه القصصية تؤكد‬ ‫م�ع��رف�ت��ه ال�ل�ام��ح��دودة ب��األدب �ي��ات اإلنسانية‪،‬‬ ‫ويكاد قارئها يجزم بمعرفته للعربية والعبرية‪..‬‬ ‫لكنه سيندهش حين يعترف بورخيس أن��ه ال‬ ‫يعرف منهما إال بعض الكلمات المتجانسة مع‬ ‫اللغة اإلسبانية‪ .‬إضافة إل��ى إتقانه للفرنسية‬ ‫واإلنجليزية‪ .‬أليس ه��ذا غريبا؟ فبورخيس ال‬ ‫يدعي ما ال يعرفه على الرغم من االدعاءات‬ ‫األدب �ي��ة ال�ت��ي ك��ان ينسجها خياله داخ��ل متنه‬ ‫القصصي‪ .‬فيحيرك أين هو المصدر الحقيقي‬ ‫من المصدر الوهمي؟ يحيلك في بعض األحيان‬ ‫إلى نصوص ومراجع تظن أنها موجودة فعال‪..‬‬ ‫وهي في الحقيقة من نسج خياله الخصب‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫فما بين الوهم والحقيقة لديه شعرة رفيعة‬ ‫تشكل خط السرد الغرائبي‪ .‬ولعل أحسن نموذج‬ ‫عن ه��ذا قصته الجميلة‪« :‬كتاب الرمل» إذ أن‬ ‫موضوعها هو كتاب الرمل الالمتناهي‪ ،‬والذي‬ ‫ال وج ��ود ل��ه أص�ل�ا إال ف��ي مخيلة بورخيس‪.‬‬ ‫يتحدث عن هذا اللعب الساخر الوهمي البالغي‬ ‫الالمتناهي (إن هذه الصفحات هي لعب غير‬ ‫مسؤول يقوم به امرؤ خجول لم يجد الشجاعة‬ ‫الكافية لكتابة حكايات‪ .‬فتلهّى بتزييف أو تحوير‬ ‫قصص اآلخرين‪ ،‬ودون عذر جمالي في بعض‬ ‫األحيان)(‪.)3‬‬ ‫إن مثل هذه التصريحات تعد بؤرة السرد عند‬ ‫بورخيس؛ ألنها تمويه عن عمق اإلستراتيجية‬ ‫ال�س��ردي��ة ال�ت��ي يشتغل داخ�ل�ه��ا‪ .‬فالمطلع على‬ ‫مؤلفاته لن يجد طبعا حكايات‪ ،‬ولكنه سيجد‬ ‫نفايات حروب معرفية‪ ،‬وحفريات آثارية؛ أطالل‬ ‫زمن بائد‪ ،‬مقروء هامشي‪ ،‬حدث مهمل وعابر‪.‬‬

‫‪ -2‬النزول إلى السراديب‬ ‫تحقق ق ��راءة ب��ورخ�ي��س متعة ن���ادرة‪ ،‬ودوار‬ ‫دهشة‪ ،‬وافتتانا بشحنات من األحاسيس تجرف‬ ‫وتشدّ إلى القرار الحاسم‪ :‬النزول إلى سراديب‬ ‫السرد البورخيسي متيقنا من اإلس��ار األبدي‬ ‫ال��ذي ينتظرك وراء س�ت��ارة بورخيس المعتمة‬ ‫ال�م�ح�ب��وك��ة ب��واق��ع م��ن األح �ل��ام‪ ..‬وأح �ل�ام من‬ ‫األحالم‪( :‬الكتاب ليس مرآة النعكاس الواقع بل‬ ‫شيئا جديدا نضيفه إلى هذا العالم)(‪.)4‬‬ ‫المتعة المختلقة لهذا العالم تشبه المتعة‬ ‫االفتراضية بواسطة الوسائط الحديثة‪ ،‬تتجدد‬ ‫باستمرار وتحفر قنواتها ومساربه ومواقعها‬ ‫ومتلقيها بكيفية تلقائية تتماهى مع ق��راء في‬ ‫شتى أنحاء العالم‪.‬‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫يقول أي�ض��ا‪( :‬كتابة ك�ت��اب‪ ،‬فصل‪ ،‬صفحة‪،‬‬

‫فقرة‪ ،‬ليست لها عالقة بالمطلق مع نفوري أو‬

‫ميوالتي‪ ،‬أو عاداتي‪ ،‬ال تتغذى بكراهية عصري‪،‬‬ ‫وال بتعاطفي الذي يظهر في بوينس أيرس‪ ..‬أو‬

‫الذي قد يظهر في أوكسفورد‪.)5()..‬‬

‫يسعى ب��ورخ �ي��س إل ��ى ك�ت��اب��ة ق�ص��ة عالمية‬

‫اف �ت��راض �ي��ة للمستقبل‪ ،‬أي إل ��ى ذل ��ك القارئ‬ ‫المتكرر (‪ )reptitive‬النموذجي المؤول الجيد‪.‬‬

‫الذي يبحث عن المعنى المحجب المقنع المنغلق‪،‬‬

‫لكشف التحوالت العميقة لمسارب السرد‪ .‬لكن‬ ‫ذلك ال يتحقق إال إذا حلَّ القارئ في نصوص‬

‫بورخيس‪ ،‬واندمج وحيدا بعيدا في أنهار سرده‬

‫الجارفة والعميقة‪ .‬فكما يقول نيتشه‪( :‬كل ما هو‬

‫عميق يحب القناع)‪ ..‬هذا القناع جزء من األدب‬ ‫الغرائبي البورخيسي الذي يمتح من الميتافيزيقا‬

‫القديمة‪ :‬غنوصية وصوفية وهندية ويونانية‬ ‫وم�س�ي�ح�ي��ة‪ ..‬ه ��ذه ال�ش�ب�ك��ة ال�م�ع��رف�ي��ة صبغت‬ ‫قصصه بطالء التجريد واألسطورة واألحالم‪.‬‬

‫ويتمثل هذا التناص التوليدي في نصوصه‪،‬‬

‫وك��أن��ه تعليقات وح��واش��ي ع�ل��ى ك�ت��ب ومراجع‬ ‫درسها بورخيس مثل ألف ليلة وليلة في (حكاية‬

‫مستعصيا على الفهم‪ .‬بل يجعل شبكته السردية‬ ‫ع��رض��ة الن ��زي ��اح ��ات خ �ي��ال �ي��ة ول��غ��وي��ة‪ ،‬تجعل‬ ‫الشخوص الواقعية مخلوقات عجائبية‪ ،‬وطرائق‬ ‫السرد أشد تعقيدا وانغالقا‪.‬‬

‫‪ -3‬سرد الشعور الباطني‬ ‫في قصة (الخرائب الدائرية)‪ ،‬نجد عالما‬

‫الحالمين)‪ ،‬وال ��دون كيخوتي ف��ي (بيير مينار متخما ب��األح�لام وال �ك��واب �ي��س‪ ،‬إذ تنبني منذ‬ ‫مؤلف «الكيخوطي»)‪ ،‬ومؤلفات اب��ن رش��د في وصول الرجل الصموت من الجنوب إلى المعبد‬

‫قصته (بحث ابن رش��د)‪ ،‬ومن أح��داث تاريخية المقدس الذي التهمته النيران ذات يوم‪ .‬القصة‬ ‫في (مكتبة بابل)‪ ،‬أو (الظاهر) أو (كتاب الرمل) تتالعب بمفهومي الحلم والوحي‪ ،‬فاألول رافد‬

‫أو (حديقة السبل المتشعبة) وغ�ي��ره��ا‪ .‬وهي تأمل وحكمة‪ ..‬والثاني راف��د طقوس وعقائد‪.‬‬ ‫تعليقات ون��زه��ات واف �ت��راض��ات ح��ول أحداث تحكي القصة حكاية رجل صموت انقطعت عنه‬ ‫تاريخية بصور جديدة‪ ،‬مثل قصة (الظاهر) أو فجأة أحالمه وإلهامه‪ .‬فعاش أوقاتا عسيرة من‬ ‫(مكتبة بابل) أو (موضوعة الخائن البطل)‪ .‬وهو عمر القحط‪ ،‬حاول التخفيف من حدتها بالصالة‬ ‫أحيانا يوضح الدالالت المقصودة لهذه الواقعة والتقرب من اآللهة الكوكبية‪ .‬ثم أخيرا عادت‬

‫أو تلك‪ ،‬وأحيانا أخرى يعمق الرؤية ويخلق فضاء إليه أحالمه بتجلياتها وأوهامها‪ ،‬وعاد أيضا إلى‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪39‬‬


‫مالمسة واقعه الشخصي‪ ،‬فما حلم حين شكل‬

‫قصصيا مبنيا بمكونات فنطستيكية‪ ،‬فهو يستغل‬ ‫األحالم ليجعلها قاعدة سردية لقصصه‪ .‬فمثال‬ ‫في قصة «اآلخر» يوظف بورخيس فكرة فلسفية‬ ‫أثيرة عند أدب��اء أمريكا الالتينية‪ ..‬وهي فكرة‬ ‫العود األبدي‪.‬‬

‫وأن النار وحدها تعلم أنه ليس إنسانا‪ ،‬وإنما هو‬

‫ي �ض��ع ب��ورخ �ي��س ن�ف�س��ه (ي�ش�ت�غ��ل بورخيس‬ ‫كثيرا‪ ،‬بل ِبنَه ٍَم على سيرته الذاتية)‪ ،‬وهو في‬ ‫سن الكهولة‪ ،‬أمام تجربة فريدة‪ ،‬وهي عودته إلى‬ ‫شبابه‪ .‬فبورخيس الكهل يلتقي ويحاور بورخيس‬ ‫الشاب‪.‬‬

‫كائنا ادعى بنوته وتسييره نحو خلق المعجزات‬

‫تتحقق فعال‪ ،‬وأص�ب��ح منافسا وم�ص��در إزعاج‬ ‫دائم‪ ،‬فقد نقل إليه الرواة أن ابنه الوهمي يحقق‬ ‫المعجزات‪ ،‬فهو يمشي فوق النار دون أن تحرقه‪،‬‬ ‫شبح من اختالق األح�لام فقط‪( :‬وكانت نهاية‬

‫تأمالته مفاجئة‪ ..‬وان كانت بضع عالمات قد‬ ‫بشرت بها‪ .‬ففي البدء ظهرت على البعد سحابة‬

‫‪-‬بعد جفاف ط��وي��ل‪ -‬ف��وق هضبة خفيفة مثل‬

‫طائر‪ .‬ثم اكتسبت السماء جنوبا اللون الوردي‬ ‫لون لثة الفهود‪ -‬ثم كتل الدخان الهائلة التي‬‫أص ��دأت م�ع��دن ال�ل�ي��ال��ي‪ .‬وب�ع��د ذل��ك كله فرار‬ ‫الحيوانات المذعورة‪ .‬يعني ذلك أن ما حصل‬

‫منذ قرون كثيرة قد تكرر‪ :‬فقد دمرت نار خرائب‬ ‫معبد إلى النار‪ .‬هكذا رأى الساحر‪ ،‬ذات فجر ال‬

‫طيور فيه‪ ،‬ن��ارا متدفقة تنصهر على األسوار‪،‬‬ ‫ففكر لحظة أن يلوذ بالمياه‪ .‬غير أنه سرعان ما‬

‫أدرك أن الموت إنما جاء ليتوج شيخوخته ويقيله‬ ‫من أعماله‪ ،‬وسار فوق مزق النار‪ ،‬بيد أن هذه لم‬ ‫تنهش لحمه‪ ،‬بل ربتت عليه وغمرته دون سخونة‪،‬‬ ‫ودون إحراق‪ ،‬بارتياح وذل‪ ،‬رعب‪ ،‬أدرك أنه هو‬

‫أيضا مجرد مظهر كان شخص آخر بصدد رؤيته‬ ‫في المنام)(‪.)6‬‬

‫بهذه الصيغة التي يتالعب فيها بورخيس‬

‫بطقوس بدائية‪ ،‬للتعليق على أن الحياة والموت‬ ‫مجرد عبور إلى واقع آخر‪ ،‬أو أن عبور اإلنسان‬

‫يحاول المبدع بصفة عامة (االهتمام بالشعور‬ ‫الباطني – ال�لاوع��ي ف��ي اإلن �س��ان‪ .‬ع��ن طريق‬ ‫استبطان أح�لام��ه بالتأمل ورس��م التعقيدات‬ ‫النفسية‪ ،‬وما تولده من كوابيس‪ ،‬وعُقد نفسية‬ ‫وه�ل��وس��ات‪ ،‬وغيرها م��ن األع ��راض الملتصقة‬ ‫بالكائن‪ ،‬عن طريق مخيلة طافحة بالصور‪ ،‬التي‬ ‫ليست سوى فضاء ينفتح باستمرار»(‪.)7‬‬ ‫ولنبدأ اآلن من بداية قصته «اآلخر»‪( :‬وقعت‬ ‫ال��واق �ع��ة ف��ي ف �ب��راي��ر ‪1969‬م ش �م��ال بوسطن‬ ‫بكامبردج‪ ،‬إنني لم أروها حينا‪ ،‬ألن نيتي كانت‬ ‫نسيانها حتى ال أفقد صوابي‪ ،‬واليوم في ‪1972‬م‬ ‫أعتقد أن�ن��ي إذا روي �ت �ه��ا‪ ..‬فسيأخذها الناس‬ ‫مأخذ الحكاية‪ ،‬وربما صارت كذلك بالنسبة لي‬ ‫مع مرور الزمن‪ .‬أعلم أنها كانت فظيعة لحظة‬ ‫وقوعها‪ .‬كما كانت أفظع طيلة الليالي المؤرقة‬ ‫التي تلتها‪ .‬بيد أن ذلك ال يعني أن سردها يمكن‬ ‫أن يثير عواطف أحد دوني‪ .‬ص‪.)33‬‬

‫من الموت إلى الحياة شيء واقعي وحقيقي في‬ ‫هذه بداية توضح بجالء تركيبة القصة التي‬ ‫التصورات اإلنسانية‪ ..‬إما بالتناسخ أو في شكل ستأخذ شكل متوالية غرائبية‪ ،‬تخرق المألوف‬ ‫أحالم يحلمها آخرون‪.‬‬ ‫وتفتته‪ ،‬ليس فقط على مستوى الحدث‪ .‬فعندما‬ ‫بهذه الصيغة يكون بورخيس قد أوجد عالما ي �ص��رح ال� ��راوي ال�م�ص��اح��ب أن ال�ق�ص��ة وقعت‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫(دنوت منه وسألته‪« :‬سيدي هل أنت أوركوايي‬

‫‪ -4‬سيرة االحتماالت الضائعة‬

‫يعين الزمان والمكان مع التصريح بأنه حاول‬ ‫نسيانها والتكتم عليها‪ .‬ويصدر في الوقت نفسه‬

‫حكمه عليها بأنها ال تصدق؛ بدليل أنها كادت‬

‫تفقده صوابه‪ ،‬لهذا فهو يعتمد على القارئ لخلق‬ ‫تعاقد موثوقي يحين صدق الحكاية باستمرار‬

‫ال متناهٍ ‪.‬‬

‫ه��ذا ال�ج�س��ر الضمني م�ق�ص��ود م��ن طرف‬

‫الراوي‪ ،‬وهو جوهر الحكاية بصفة عامة‪.‬‬

‫تستند القصة على ضمير المتكلم وفضاء‬

‫غرائبي‪ ..‬وبهذا يعد بورخيس تركيبة خادعة‬ ‫وم ��اك ��رة ل �ق��ارئ��ه ال �م �ط��ال��ب ب��االن��دم��اج الكلي‬

‫والتصديق على األقل‪ ..‬تصديق صوته المتماهي‬ ‫مع الصوت ال�س��ردي‪ ،‬وه��ذه الطريقة السردية‬

‫حققت نجاحات باهرة مع إدغار ألن بو في قصته‬

‫«القط األسود»‪ ،‬و«القلب الواشي»‪ ،‬ورفيقيه في‬ ‫اإلغراب «كافكا» و«موبسان» وقبلهم جميعا مع‬

‫«لوسيوس بأبيليوس ‪ -‬ولد حوالي ‪114‬ب‪.‬ع» في‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫فعال ف��ي فبراير ‪1969‬م بكامبردج‪ ،‬فهو هنا‬

‫ينظر ب��ورخ �ي��س ب��اس�ت�م��رار إل ��ى نفسه من‬ ‫خالل الذاكرة‪ ،‬وكأن صورة بورخيس في شبابه‬ ‫الضائع ال تنفك تالزمه‪ .‬هذه العالقة المثيرة‬ ‫بذاته يعبر عنها بورخيس قائال‪( :‬سيكون من‬ ‫المبالغ فيه االدعاء بأن عالقاتنا عدائية‪ ،‬فأنا‬ ‫أحيا‪ ،‬وأترك نفسي تحيا كي يستطيع بورخيس‬ ‫حَ بك أدبه‪ ،‬وهذا األدب يبررني‪ .‬إنه ال يضيرني‬ ‫شيئا‪ ،‬أعترف بأنه تمكن من كتابة صفحات قليلة‬ ‫قيّمة‪ ،‬بيد أن هذه الصفحات ال تستطيع إنقاذي‪،‬‬ ‫ربما ألن الجميل لم يعد ملكا ألحد‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫اآلخر‪ ،‬وإنما هو ملك للغة والتراث‪ .‬عدا ذلك‪،‬‬ ‫فإن ق��دري الضياع‪ ،‬بصورة نهائية‪ ،‬وس��وف لن‬ ‫يبقى في اآلخر غير لحظة ما مني‪ .‬رويدا رويدا‬ ‫أتنازل له عن كل شيء‪ ،‬وإن كانت عادته الفتّانة‬ ‫في التزوير والتضخيم تكلفني المشقة‪ .‬لقد فهم‬ ‫سبينوزا بأن األشياء تريد البقاء في كينونتها‪،‬‬ ‫فالحجرة تريد أن تظل حجرة إلى األبد‪ ،‬والنمر‬ ‫يريد أن يبقى نمرا‪ ،‬أما أنا فعليَّ أن أبقى في‬ ‫بورخيس)(‪.)9‬‬

‫قصته الشهيرة «الحمار الوحشي»‪.‬‬ ‫إن جوهر العالقة بين بورخيس وأناه‪ ،‬يؤشر‬ ‫لكن الفرق بين هؤالء وبورخيس‪ ،‬أنه في هذه‬ ‫على أن ب��ورخ�ي��س ي �ح��اول التعبير ع��ن العزلة‬ ‫القصة ال يمكن الفصل بين المؤلف والراوي‬ ‫والرعب والالجدوى المشكل منها العالم الغريب‬ ‫والشخصية‪ .‬وهذه إستراتيجية سردية ال يتقنها‬ ‫والزمن الداخلي لإلنسان‪.‬‬ ‫إال القليلون من القاصين‪ .‬الحظ هذا المقطع‪:‬‬ ‫أم أرجنتيني» «أرجنتيني‪ ،‬بيد أني أعيش بجنيف‬ ‫منذ ‪1914‬م» كذلك كانت إجابته‪ ..‬وحل صمت‬

‫طويل ثم واصلت‪« :‬في رقم ‪ 17‬شارع ماالكنو إزاء‬ ‫الكنيسة الروسية؟» أجابني منعما‪ ..‬قلت بحسم‪:‬‬ ‫«ف��ي ه��ذه ال �ح��ال أن��ت ت��دع��ى خ��ورخ��ي لويس‬

‫بورخيس‪ .‬أن��ا أيضا خورخي لويس بورخيس‪،‬‬

‫نحن في ‪1969‬م وفي مدينة كامبردج»(‪.)8‬‬

‫وال ي�ج��د ب��ورخ �ي��س س�لاح��ا ي �ق��اوم ب��ه هذه‬ ‫الغرابة‪ ،‬وه��ذه الحجب السميكة عن اإلدراك‪،‬‬ ‫غير السخرية ال�ت��ي يتالعب بها إل��ى أقصى‬ ‫إمكاناتها‪ ،‬فهو يسيّج فضاء حكاياته بالتأكيد‬ ‫ألج���ل ال �ت �ه �ك��م م ��ن ص ��رام ��ة ال ��واق ��ع والزمن‪،‬‬ ‫وصيرورته الكرونولوجية القاسية التي تتقدم‬ ‫نحو التغير والكهولة وال�م��وت‪ .‬كل كائن كيفما‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪41‬‬


‫كان يكون في يوم من األيام‪ ..‬شابا حيويا مفعما وربما لم نفعل‪ ..‬وبين هذا وذاك‪ ،‬نحن مرغمان‬ ‫بالطاقة والحياة واآلم ��ال‪ ،‬ثم يتحول تدريجيا على قبول الحلم‪ .‬مثلما قبلنا الكون‪ .‬وقبلنا أن‬ ‫(ب��ورخ �ي��س ت �ح��ول ت��دري�ج�ي��ا م��ن اإلب �ص��ار إلى نكون مولودين‪ .‬وقبلنا أن نرى باألعين ونتنفس‪.‬‬ ‫العمى) إل��ى كهل يقيده االسترخاء‪ ،‬واإلغفاء‪ ،‬قال بقلق‪« :‬وإذا تواصل الحلم؟» ولتهدئته‪ ،‬وتهدئة‬ ‫والسكون‪ ،‬وفقدان الذاكرة‪ ،‬وشبح الموت‪ .‬وهو نفسي‪ .‬ادعيت سكونا كنت خاوي الوفاض منه‪،‬‬ ‫بذلك يعبر عن نفسه‪ ،‬ويستحلب إحساس القارئ في الواقع قلت له‪« :‬ها إن حلمي قد دام سبعين‬ ‫بقوة ضاغطة من التوتر واالنفعال‪.‬‬ ‫سنة‪ .‬وعندما نتذكر في نهاية المطاف‪ ،‬فإنه‬ ‫إذا فقدت الذاكرة عنفوانها وبريقها تفضل ال يكون بمستطاعنا إال أن نلتقي ذواتنا‪ .‬وذلك‬ ‫األحالم (تجربة الروائي العظيم نجيب محفوظ ما يحدث اآلن‪ .‬عدا أننا اثنان‪ .‬ألست تريد أن‬ ‫خير دليل على ذلك)‪ .‬قلت‪ :‬الحلم وسيلة الختراق تعرف شيئا عن ماض‪ ..‬الذي هو المستقبل الذي‬ ‫الزمن ونمطيته‪ ،‬فهو بطبيعته كنص رم��زي ال ينتظرك؟ هز رأسه باإليجاب دون أن ينبس ببنت‬ ‫يعترف بالضوابط الزمنية‪ ،‬بل يتحداها على شفة»(‪.)10‬‬ ‫مستوى البناء السردي‪ ،‬والموتيفات‪ ،‬والدالالت‬ ‫فهل إذاً هذه القصة تؤرخ ألحالم اليقظة التي‬ ‫التي تبقى مستعصية عن التأويل‪ ..‬خصوصا إذا انتابت بورخيس‪ ..‬وهو يستعيد فكرة أثيرة في‬ ‫حولت إلى نص إبداعي‪.‬‬ ‫األدبيات‪ ،‬حين تلتقي العرافة أو الكاهنة برهط‬

‫الحظ معي هذا المقطع من القصة نفسها‪ :‬م��ا‪ ،‬وتخبره بما ينتظره م��ن أه��وال يشيب لها‬ ‫(النهر الذي جلس بجانبه جزء من هذا الزمن األطفال‪ .‬مجاز إنساني عن عجز اإلنسان عن‬ ‫المحجب) والنهر كما نعرف رمز منفلت ومقنع االستبصار بما يأتي من مستقبله‪ .‬لكن يبقى‬ ‫ومكثف في نصوص عديدة‪ ،‬وغالبا ما يرمز إلى الحلم وسيلة ت�ع��وي��ض‪ ..‬إذ يستبطن الماضي‬ ‫الزمن‪ ..‬وصيرورته المتقدمة إلى األمام‪ ،‬وتجدد في كل تجلياته‪ ،‬لكن التصورات األدبية والدينية‬ ‫تفتح له نافذة رحبة على الحاضر والمستقبل‪،‬‬ ‫الوقائع الالمتناهية‪.‬‬ ‫بورخيس من القاصين القالئل الذين يستغلون ليتحول ب��ال �ت��درج إل��ى يتوبيا حقيقية تتوخى‬ ‫أحالمهم بوعي ودراي��ة‪ .‬ففي قصصه غالبا ما التعويض واإلشباع والطموح إلى تجاوز أوضاع‬ ‫يذكرني بالسينمائي السريالي اإلسباني «لويس عجز وإعاقة وحرمان‪.‬‬ ‫وأعتقد أن األدب يسعى بأحالمه إلى تشييد‬ ‫بونويل»‪ ،‬الذي كان يحوّل أحالمه إلى السينما‪.‬‬ ‫وال يفوتني أن أشير إلى أن بورخيس كانت بدايته يتوبياه الخاصة عن العالم وألجل العالم‪.‬‬ ‫قصائد سريالية أيضا‪ ..‬لكنه تحول عنها إلى‬ ‫يقول باشالر حول وظيفة األحالم في األدب‪:‬‬ ‫الغنائية‪.‬‬ ‫(ال �ت �ح��دث‪ ،‬ال�ك�ت��اب��ة‪ ،‬ال �ق��ول‪ ،‬ال�ح�ك��ي! اختالق‬ ‫الح��ظ معي ه��ذا المقطع‪( :‬إذا ك��ان��ت هذه الماضي! تذكر الريشة في اليد وبقلق معلن عنه‪،‬‬ ‫الصبيحة وه��ذا اللقاء حلمين‪ .‬فكل منا ال بد في هذه اللحظة من البديهي أن نكتب ونؤلف‬ ‫أن يعتقد أن الحالم هو‪ .‬ربما توقفنا عن الحلم‪ .‬ونزخرف أحسن‪ ،‬لكي نكون متأكدين جيدا من‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫تجاوز سيرة واق��ع ج� ٍ�ار إل��ى سيرة االحتماالت‬ ‫الضائعة‪ ،‬ونقصد بذلك األح�لام نفسها‪ ،‬تلك القارئ بمشاهد تغترف من الحزن الموغل مداه‬ ‫األح�لام الحقيقية‪ ،‬األح�لام الواقعية المعيشة القاسي من الفكاهة السوداء‪ ،‬ما يعطي االنطباع‬ ‫بليونة وبطء‪ .‬الخصيصة الجمالية لألدب تكمن بالحيرة وال�ت��ردد‪ ،‬أم��ام رع��ب المعنى ال��ذي هو‬ ‫هنا‪ .‬لألدب وظيفة النيابة‪ ..‬ألنه يمنح الفرص تجل من تجليات رعب الواقع)(‪.)11‬‬ ‫الضائعة حياة جديدة)(‪.)11‬‬ ‫استطاع بورخيس أن يؤسس أسلوبه الخاص‪،‬‬ ‫وهذا ما يحاول فعال أن يقوم به بورخيس؛‬ ‫وطريقته ال�س��ردي��ة التي ال ينبغي فصلها عن‬ ‫فهو يشيد من فرصه الضائعة عوالم حكائية‬ ‫الفضاء الثقافي ألمريكا الالتينية‪ ،‬والمشهد‬ ‫مذهلة‪ ،‬يجرب فيها كل ترسانته المعرفية بدقة‬ ‫اإلب��داع��ي ال ��ذي يمثله بامتياز ت�ي��ار الواقعية‬ ‫وص�ن�ع��ة‪ ،‬لكنه ف��ي ال�م�ق��اب��ل‪ ..‬ال يمنح القارئ‬ ‫ال �س �ح��ري��ة ل ��دى «ك��ارب �ن �ت �ي �ي��ه» و«أستورياس»‬ ‫طمأنينة مصطنعة‪ ،‬بل يحرك دواخله بارتجاج‬ ‫كلما استطاع ذلك‪ ..‬مسيجاً ُق�رّاءه بمتاهات ال و«بيلويانيت» و«خوسيه ليثاما» و«خوليو كورتزار»‬ ‫متناهية‪ ،‬يشرد فيها مرغما على توقيع صفقة و«ماركييز» وغيرهم‪ .‬رواد هذا التيار تَشرَّبوا‬ ‫رصيد التراث الهندو إسباني والعالمي أيضا‪،‬‬ ‫تنازل للمدهش والعجيب والالتوقع‪.‬‬ ‫فصاغوا أدب��ا معاصرا ألهم أجيال الكتاب في‬ ‫بورخيس في قصصه (يتوخى تنضيد الخيال‬ ‫داخ��ل ال��وع��ي وتكسير دف��ة ال��وه��م بين الوعي العالم بأسره‪ .‬وه��ذا «فوكو» المفكر الفرنسي‬ ‫والالوعي‪ ،‬حيث ترفل حقائق ال يستطيع الكائن يصرح أن كتابه (الكلمات واألشباء) استلهمه من‬ ‫مجابهتها‪ .‬كما هو ذاكرة لعكس جراحات الباطن أعمال بورخيس‪ ،‬وكذلك «روجي كايوه» يعترف‬ ‫ورش القارئ بدمائها‪ ،‬آالم ترقد في نواة العقل أن أدب أمريكا الالتينية هو أدب الغد العظيم‪،‬‬ ‫ال��ذي يتردد أم��ام أح��داث تكون موسومة بفوق وأن ساعته قد حانت اآلن‪.‬‬ ‫طبيعي‪ ..‬وأيضا حس تراجيدي‪ ،‬ما انفك يحقن‬

‫كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫ *‬ ‫(‪ ) 1‬عبد الكبير الخطيبي‪ :‬بورخيس والشرق العربي مجلة آفاق‪ :‬اتحاد كتاب المغرب ع ‪1992/ 2‬م‪ .‬ص ‪.91‬‬ ‫(‪ )2‬خ لويس بورخيس‪ :‬المرايا والمتاهات ترجمة إبراهيم الخطيب دار توبقال ‪1987‬م ص ‪.40‬‬ ‫(‪ )3‬المصدر نفسه ص ‪.8‬‬ ‫(‪.Borges: jeux de styles.par hector bianciotti. Le monde des livres.vendredi.26juillet 1996 )4‬‬ ‫(‪.ibid )5‬‬ ‫(‪ )6‬المرايا والمتاهات ص ‪32‬‬ ‫(‪ )7‬شعيب حليفي‪ :‬شعرية الرواية الفنطستيكية مجلة الكرمل ع ‪1991 / 41/40‬م ص ‪110‬‬ ‫(‪ )8‬المرايا والمتاهات ص ‪.33‬‬ ‫(‪ )9‬المصدر السابق ص ‪.87‬‬ ‫(‪ )10‬المصدر السابق ص ‪.35‬‬ ‫(‪ )11‬نقال عن مقالة لدومنيك فرننديز بعنوان‪ :‬سطندال أو فلوبير ‪.le magazine litteraire n441 avril 2005‬‬ ‫(‪ )12‬المصدر السابق من دراسة الناقد والروائي المغربي شعيب حليفي‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪43‬‬


‫حكاية شعبية عربية‬ ‫دراسة مقارنة‬

‫> سمير أحمد الشريف*‬

‫صدر كتاب الباحث عن الدائرة الثقافية بأمانة عمان في مائة وثالث وستين صفحة‪،‬‬ ‫احتوت على تقديم لألديب المتخصص بالتراث األستاذ «نايف النوايسة»‪ ،‬وتعرض فيه‬ ‫ألهمية التراث في دعم الوطن وحفظ هوية األمة‪ ،‬حيث تشكل الحكاية مصدرا من مصادر‬ ‫التراث‪ ،‬ولها موقعها المميز في األدب الشعبي لغة وتاريخا ومكانا وبيئة وسيرورة بين الناس‪،‬‬ ‫وتعزيزا لقيم االنتماء لمقومات األمة‪ .‬ويرى أن األصل في الحكاية أن تنقل بلهجتها كما‬ ‫رويت عن األجداد‪.‬‬ ‫في دراسته‪ ،‬تناول «طه الهباهبه» حكاية‬ ‫شعبية م�ت��داول��ة م��ع سبع دول عربية هي‪:‬‬ ‫السعودية‪ ،‬األردن‪ ،‬فلسطين‪ ،‬سوريا‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫الكويت‪ ،‬اليمن‪ ،‬مع اختالف عناوين الحكاية‬ ‫بين دولة وأخرى‪ ،‬إذ جاءت في األردن بعنوان‬ ‫«عجيبت العجب» وفلسطين «فريط الرمان»‬ ‫وفي سوريا «حبة الرمان» وفي الكويت «فت‬ ‫رمان بصواني ذهب» وفي اليمن «وسيلة» وفي‬ ‫السعودية «الفتاة اليتيمة والمدرس الساحر»‬ ‫وفي مصر «كشكول ذهب»‪.‬‬

‫عاكسة مفاهيم البيئات ال�ت��ي نهلت منها‪،‬‬ ‫واألجيال التي مرت عليها‪ ،‬فبينما استفتحت‬ ‫الحكاية المصرية بعبارة «كانت هناك أم لها‬ ‫ولد وابنة» جاءت افتتاحية الحكاية السورية‬ ‫ب«ك��ان ياما ك ��ان‪ ،»..‬والحكاية الفلسطينية‬ ‫«الله يمسيكوا بالخير‪ ،»..‬واألردنية ب«ويجيكو‬ ‫يا طويلين العمر‪ ،»..‬واليمنية «عاش في قديم‬ ‫الزمان‪ ،»...‬والسعودية «هنا‪ ...‬هناك الواحد‬ ‫وال��واح��د الله في سماه العالية»‪ ،‬والكويتية‬ ‫«ك��ان ألح��د الملوك وال ملك إال ال�ل��ه»‪ .‬كما‬ ‫تباينت اللغة حيث الفصيحة المبسطة في‬ ‫الحكاية المصرية والفلسطينية واليمنية‬ ‫والسعودية والكويتية‪ ،‬بينما سردت الحكاية‬ ‫بلهجتها الشعبية في كل من األردن والشام‪.‬‬

‫تباينت مفاتيح الحكايات ف��ي ك��ل قصة‬

‫ويرى «الهباهبه» أهمية خاصة للمقدمات‬

‫قرأ «الهباهبه» الحكايات السبع مستخرجا‬ ‫الفوارق اللغوية وآليات السرد والنتيجة التي‬ ‫انتهت إليها‪ ،‬مبينا الخصائص الصوتية لبيئة‬ ‫الحكاية والدروس المستفادة‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫التعليلة أو السهرة ال تكون إال مساء‪ ،‬ركونا الى‬ ‫الراحة بعد عناء العمل‪ ،‬وهي مقصورة على الرجال‬ ‫ف��ي ال��دي��وان أو المضافة‪ ،‬وتتمحور ح��ول حكايا‬ ‫يومية في العمل‪ ..‬ون�م��اذج بطولية من التاريخ ال‬ ‫تخلو من طرافة وم��رح ورجولة وق��درة على تحمل‬ ‫المصاعب‪ ،‬بينما يكون موضوع الحديث مختلفا‬ ‫بالنسبة للجدات أو األمهات أو الجارات‪ ،‬حيث تميل‬ ‫حكاياهن للخرافة واألساطير والنوادر وسير أبطال‬ ‫القبيلة وحكمة الشيوخ‪ ،‬وربما تتطرق حكاياهن لكيد‬ ‫النساء‪ .‬وللحكاية طقوسها وقواعدها غير الثابتة‪،‬‬ ‫إذ لم يستطع الدارسون تحديد زمن الحكاية‪ ..‬متى‬ ‫حدثت؟ وألي عصر تعود؟ وال مكانها الجغرافي وال‬ ‫مبدعها األول‪ ،‬ولهذا يمكن تشبيه الحكاية بالنحلة‬ ‫التي تحط على كل األزه ��ار‪ ..‬وتشتر من رحيقها‬ ‫العسل ال��ذي ال يستطيع عالم أن يربطه بزهرة‪،‬‬ ‫وهذا يمنح الحكاية تجددا أو مرونة‪ ،‬وإن اكتسبت‬ ‫هوية المجتمع ال��ذي تستقر فيه‪،‬مختزلة عاداته‬ ‫ولهجته‪.‬‬

‫يعترف الباحث هنا أن هذه اإلشكالية واجهته‬ ‫في بحثه‪ ،‬وإن خرج في النهاية بحقيقة أن وجود‬ ‫التماثل في عناصر أكثر من حكاية‪ ،‬تجعلنا نؤكد على‬ ‫أهمية جمع المأثورات الشعبية في مختلف أقطار‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬وتصنيف عناصرها ودراستها دراسة‬ ‫تحليلية مقارنة‪ ،‬بوصفها نتاج مجتمع عربي تمتح‬ ‫من وجدان مشترك‪ .‬إضافة إلى أن جمهور الحكاية‬ ‫لم يعد يهمه أصل فكرة الحكاية‪ ،‬وال أين ولدت‪ ..‬بل‬ ‫المهم هو تماثل األفكار وفنيتها وموضوعها‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫الحكائية‪ ،‬ألنه يعتبر أن االستهالل الموفق نصف‬ ‫الهدف‪ ،‬إضافة إلى أن المقدمات تنبع أصال من‬ ‫صميم ال�م�ح��اك��اة‪ ،‬ام��ا كلمة ح�ك��اي��ة‪ ..‬ف�ي��رى أنها‬ ‫ترتبط ب(التعليلة) في األردن مستشهدا ببيت شعر‬ ‫شعبي‪:‬‬ ‫عللتهــا وأش��ـ��ب��ع��ت��ه��ا تعليلة لما‬ ‫غ�����������دو م������ث������ل ال������خ������ش������ب س�������دح�������ان‪.‬‬

‫الى نسفها وتحويلها لنمط روائي ال يرتبط باألصل‪.‬‬ ‫وه��ذا في زعمهم يشوهها ويفقدها خصوصيتها‪،‬‬ ‫بينما يرى آخرون أن بقاء الحكاية على أصلها قد‬ ‫يعيق الناشئة عن فهمها؛ ولهذا علينا أن نحولها‬ ‫لشكل أدبي جديد يساير روح العصر‪ ،‬مع المحافظة‬ ‫على موضوعها الرئيس‪.‬‬

‫وم��ن ه�ن��ا‪ ،‬ي��رى ال�ب��اح��ث أن ال�ح�ك��اي��ة ورواتها‬ ‫وجمهورها وموضوعاتها‪ ،‬ال بد أن تقرأ على ضوء‬ ‫منهج علمي شامل ث��اب��ت‪ ،‬وأف�ض��ل وسيلة تناسب‬ ‫ه��ذا الجانب ه��و منهج (ب ��روب) باعتماد المنهج‬ ‫المورفولوجي‪ ..‬بناء على ع��دة أس�ب��اب أول�ه��ا‪ :‬أن‬ ‫المنهج المورفولوجي يؤكد غياب وحدة من الوحدات‬ ‫الوظيفية للحكاية ال يهدم بناءها الداخلي‪ ،‬وليس من‬ ‫الضرورة وجود الوظائف التي حددها (بروب) في‬ ‫كل حكاية‪ .‬وثانيها‪ :‬أن هذا المنهج يكشف عن نظام‬ ‫اجتماعي‪ ،‬ويساعد في إدراك التطور والتغيير الذي‬ ‫ولعل الدراسات التي تناولت هذا الجانب توقفت يحدث لألنماط القصصية الشعبية نتيجة للتطور‬ ‫أمام ظواهر مشتركة‪ ،‬تجتمع عليها هذه الحكايات‪ ،‬الحضاري لدى كل أمة‪.‬‬ ‫وتضع أيدينا على أسباب بعض العناصر‪ ..‬أو طغيان‬ ‫ويمكن ل��دارس الحكاية بصورها المختلفة‪ ،‬أن‬ ‫بعضها‪ ،‬وهنا تظهر إشكالية أم��ام الدارسين لهذا تستوقفه عناصر مشتركة أثبتها الباحث أهمها‪:‬‬ ‫النوع من التراث‪ ،‬حيث يصطدم الدارسون بمزاجية‬ ‫ •ف �ت��اة ال �ح �ك��اي��ات ع��ادي��ة ي�ت�ي�م��ة‪ ،‬اب �ن��ة م �ل��ك أو‬ ‫كتّاب الحكاية ومدونيها الذين اختلفوا ح ّد التباين‬ ‫سلطان‪.‬‬ ‫في المنهجية والتطبيق‪ ،‬فظهر منهم من يجيز العبث‬ ‫بالحكاية وتدوينها بلهجتها األم‪ ..‬كما جاءت على •تذهب للكتاتيب‪ /‬المدرسة‪ ،‬باكرا‪.‬‬ ‫لسان الرواة األوائل‪ ،‬معتبرين أن أيّ تحويل سيؤدي •تشاهد المعلم‪/‬األستاذ‪/‬المطوع يفعل شيئا خارجا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪45‬‬


‫عن العادة‪ ،‬يأكل جيفة‪ ،‬يأكل‬ ‫شقيق ال�ف�ت��اة‪ ،‬يعلق شخصا‬ ‫م��ن ش �ع��ره‪ ،‬ي �ح��اول افتراس‬ ‫الفتاة‪.‬‬ ‫ •تصدم الفتاة وتهرب وتنسى‬ ‫ف � ��ردة ح ��ذائ� �ه ��ا‪ /‬خلخالها‬ ‫الذهبي‪.‬‬ ‫ •ت�ب��دأ م �ط��اردة ال�ف�ت��اة ف��ي كل‬ ‫مكان لمعرفة ماذا رأت؟ وهل‬ ‫تكتم السر؟!‬ ‫ •ب �ع��د رح �ل��ات م �ض �ن �ي��ة تلتقي‬ ‫بزوجها‪ /‬أمير‪ /‬ابن سلطان‪.‬‬

‫ت�ن��اول�ه��ا ال�ب�ح��ث م�س�ت��وي��ات من‬ ‫االختالفات البينة لعل أهمها‪:‬‬ ‫‪ )1‬تجمع الحكايات أن الفتاة من‬ ‫أس��رة عادية في مصر وسورية‬ ‫وفلسطين واألردن‪ ،‬بينما تكون‬ ‫يتيمة ف��ي الحكاية السعودية‪،‬‬ ‫واب� �ن���ة س �ل �ط��ان ف���ي الحكاية‬ ‫اليمنية‪ ،‬وابنة ملك في الكويتية‪.‬‬ ‫‪ )2‬اختلف اسم الفتاة كذلك‪ ،‬فهو‬ ‫في مصر (كشكول الذهب) وفي‬ ‫سورية (حبة الرمان) وفلسطين‬ ‫(ف��ري��ط ال��رم��ان) واألردن (عجيبت العجب)‬ ‫والسعودية (فاطمة) واليمن (وسيلة) والكويت‬ ‫(فت رمان بصواني ذهب)‪.‬‬

‫ •تنجب أطفاال ثالثة ‪ /‬ولدان وبنت‪ ..‬فيأخذهما‬ ‫المعلم‪ ،‬ثم يلطخ فمها بالدم ليوهم من حولها‬ ‫‪ )3‬ت��ذه��ب ال�ف�ت��اة وه��ي صغيرة م��ع أخيها محمد‬ ‫بأنها تأكل أوالدها‪.‬‬ ‫الى الكتاب حسب الحكاية المصرية‪ ،‬ووحيدة‬ ‫ •تصبر الفتاة على ما تتعرض له وتعذب وتضطهد‬ ‫كما في باقي الحكايات‪ ،‬بينما تنفرد الحكاية‬ ‫وتصمت وتتألم‪.‬‬ ‫األردن�ي��ة أن الشيخ أخ��ذ الفتاة وه��ي تلعب مع‬ ‫ •ي �ق��وم ال� ��زوج األم �ي��ر ب ��ال ��زواج م��ن أخ ��رى لغاية‬ ‫أقرانها تنفيذا لشرط سابق مع والديها‪ ،‬وأن‬ ‫اإلنجاب ووراثة العرش‪.‬‬ ‫(وسيلة) في الحكاية اليمنية تخرج من بيتها‬ ‫باحثة عن قدرها بعد موافقة األهل‪ ،‬فيزودها‬ ‫ •يسافر الزوج خارج البالد للحج والتجارة وشراء‬ ‫والدها السلطان بالمال‪.‬‬ ‫لوازم العرس‪.‬‬ ‫ه��ذا‪ ،‬وتذهب الفتاة للمدرسة مبكرة على غير‬ ‫ •يجامل ال ��زوج زوج�ت��ه المهجورة ويسألها ماذا‬ ‫العادة ألسباب‪:‬‬ ‫تريد‪.‬‬ ‫ •تطلب الزوجة لعبة لها عدة أسماء (مجربة الحنا‪• /‬ت��أخ��ر شقيقها ع��ن ال �ع��ودة للبيت ف��ي الحكاية‬ ‫المصرية‪.‬‬ ‫مفتاح الصبر‪ /‬عليبة الصبر‪ /‬لعيبة الصبر)‪.‬‬ ‫ •ي�ح�ض��ر ال� ��زوج ال�ل�ع�ب��ة وت �ب��دأ م �ش��اك��ل الزوجة •طلب المعلم منها إحضار مؤونة (جاجة وكماجة)‬ ‫في الحكاية الفلسطينية‪.‬‬ ‫باالنفراج‪.‬‬ ‫ •يعود ال��زوج لزوجته وأوالده بعد انكشاف السر‪• ،‬اعتقدت أن نور القمر هو ضوء الفجر‪ ،‬فخرجت‬ ‫في الحكاية السعودية‪.‬‬ ‫ويعيد االعتبار لهم‪.‬‬ ‫ •ال�م�ط��وع وع��د ال�ت�لام�ي��ذ ب��أن م��ن يحضر باكرا‬ ‫ •تحيا األسرة سعيدة هانئة ناسية ماضيها‪.‬‬ ‫سيصرفه باكرا حسب الحكاية الكويتية‪ ،‬وبناء‬ ‫ه��ذا وق��د ظ�ه��رت ف��ي س��ردي��ات الحكاية التي‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫أما أسباب إصابة الفتاة بالذعر والذهول فترجع •وفي األردنية يقول (عجيبت العجايب)‪،‬ايش طيح‬ ‫إلى‪:‬‬ ‫صريمية الذهب‪.‬‬

‫‪ )1‬شاهدت الفقي‪ /‬المعلم‪ /‬يأكل أخاها في الحكاية •وفي الحكاية السعودية‪ :‬لقد رأيتك عندما جئت‬ ‫المصرية‪.‬‬ ‫الى المدرسة وشاهدت ما كنت فيه‪ ،‬فإياك إياك‬ ‫‪ )2‬شاهدته يأكل أحد األوالد في الحكاية السورية‪.‬‬ ‫أن تخبري أحدا بما رأيت‪.‬‬ ‫‪ )3‬شاهدته يأكل بغال في الحكاية الفلسطينية‪.‬‬

‫‪ )4‬شاهدته يعلق شخصا في السقف من شعره في‬ ‫الحكاية اليمنية‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫على شرط األهل في الحكاية األردنية‪.‬‬

‫عجب‪ ،‬نسيتي الجاجة والكماجة وبابوج الذهب‪.‬‬

‫ •وفي الحكاية الكويتية (فت رمان بصواني ذهب)‬ ‫وين رحتي‪ ..‬وين ضيعتي خلخالك الذهب؟‬

‫وب�ع��د رح�ل��ة مضنية‪ ،‬تصل الفتاة ال��ى قصر‪..‬‬

‫‪ )5‬شاهدته يأكل جثة أحد الموتى في المقابر في فيتزوجها أمير القصر ف��ي الحكاية المصرية‪..‬‬ ‫الحكاية األردنية‪.‬‬ ‫ويتزوجها لجمالها وعلمها في الحكاية السورية‪..‬‬ ‫‪ )6‬شاهدته يعلق شخصا من قدميه ويسلخ جلده في وي �ت��زوج �ه��ا ال�س�ل�ط��ان ف��ي ال�ح�ك��اي��ة الفلسطينية‬ ‫الحكاية السعودية‪.‬‬ ‫واألردن�ي��ة واليمنية‪ ..‬وتصل بئر م��اء فيراها تاجر‬ ‫‪ )7‬تتعرض الفتاة لالفتراس في الحكاية الكويتية‪ .‬ش��اب ويتزوجها ف��ي الحكاية ال�س�ع��ودي��ة‪ ..‬وتصل‬

‫أم ��ا م���اذا ح ��دث ل�ل�ف�ت��اة ب�ع��د ال �ص��دم��ة‪ ..‬فقد قصرا ويتزوجها أمير في الحكاية الكويتية‪..‬‬ ‫هامت على وجهها في الحكاية المصرية واألردنية‬ ‫وبعد تكرار مأساة خطف أوالده��ا يقرر زوجها‬ ‫والفلسطينية واليمنية والكويتية‪ .‬وتركت المدرسة‬ ‫السفر إلى‪ :‬الحج في الحكاية المصرية والفلسطينية‬ ‫وجلست في بيتها في الحكاية السورية والسعودية‪.‬‬ ‫واليمنية‪ ..‬بينما تذهب ل�ش��راء ل��وازم ال�ع��رس في‬ ‫ماذا فعل المعلم‪/‬الفقي‪ /‬عندما كشف أمره؟‬ ‫الحكاية األردن�ي��ة‪ ..‬وللتجارة إل��ى البصرة كما في‬ ‫ •بدأ يالحق الفتاة أينما ذهبت‪ ،‬ويخرج لها من حيث الحكاية السعودية‪ ..‬وتسافر بال سبب في الحكاية‬ ‫ال تدري‪ ،‬فيواجهها بأسئلة ثقيلة متكررة‪ ،‬لمعرفة الكويتية‪ ..‬أما الحكاية السورية فتنفرد بعدم سفر‬ ‫أسباب هربها على تنوع واختالف األسئلة؛ ففي‬ ‫ال ��زوج‪ ،‬ب��ل يذهب ليخرجها ويعفو عنها بمناسبة‬ ‫الحكاية المصرية يقول لها (كشكول ذهب) ايش‬ ‫زواجه من امرأة أخرى‪ ،‬وهناك يكتشف الحقيقة‪.‬‬ ‫رأيت من عجب؟ فتقول‪ :‬رأيت سيدي يعلم الناس‬ ‫ه��ذا وق��د التقت الحكايات جميعا على ثالث‬ ‫األدب‪.‬‬ ‫ •وفي الحكاية السورية يخاطبها‪ :‬أي يا بنيتي يا شخصيات م�ح��وري��ة تمثلت ف��ي (المعلم‪/‬الفقي)‬ ‫(حبة الرمان)‪ ،‬شو شفتي من شيخك العجب حتى و(الفتاة) و(الزوج)‪.‬‬ ‫تركتي قبقابك بالعتب؟‬ ‫يعيد هذا البحث ق��راءة تراثنا العربي الشعبي‬

‫ •وفي الحكاية الفلسطينية‪ :‬شو اريتي من سيدك بهدف إبراز ما هو مشترك‪.‬‬ ‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪47‬‬


‫في اخلطاب املعرفي‬

‫للشعر‪ ،‬والشعرية العربية‬ ‫> محمد جميل أحمد*‬

‫إذا جاز لنا أن نتعقـّـل الحياة‪ ،‬عبر التناقضات التي تحكم‬ ‫عالقات البشر في وج��وده��م‪ ،‬ج��از لنا أن نتأمل الشعر في‬ ‫تعبيراته الجمالية عن تلك التناقضات على وجه الخصوص‪.‬‬ ‫وعلى الرغم مما يمكن التسليم به ـ جدال ـ حول المعرفة‪،‬‬ ‫وقدرتها في اختبار المصير األسمى لإلنسان‪ .‬إال أن اآلراء‬ ‫الفلسفية الرصينة فيما خص الوعي و المعرفة تبدو اليوم‬ ‫أكثر قلقا بما كانت تجزم به في السابق‪ ،‬حول الثقة العلمية‬ ‫إزاء تفسير مستقبل العالم عبر صيرورة مطمئنة من المقدمات المعرفية التي شاعت‬ ‫بدايات القرن العشرين‪ .‬والحال إن التعبيرات الدينية التي تنشط في العالم اليوم عبر‬ ‫المذاهب واألديان‪ ،‬هي التي حدت بـ (يورغن هابرماس) إلى إعادة الظن في ما يمكن أن‬ ‫ينطوي عليه سير العالم بحسبانه خط ًا عموديا للحداثة‪ .‬ذلك أن المعرفة إزاء العالقات‬ ‫اإلنسانية المركبة تنحو إلى تماس مع نفسها‪ ،‬بحيث تكون ذات ًا وموضوع ًا في الوقت‬ ‫نفسه‪ .‬وهذا هو ما يرهن نسبيتها‪ ،‬وتناقضاتها‪.‬‬ ‫ح��دوده��ا المفترضة‪ .‬صحيح أن المعرفة‬ ‫تنطوي على قلق في الفلسفة والفكر‪ .‬إال‬ ‫أن الشعر يضمر في الخيال طاقته المكثفة‬ ‫لتلك الحساسية العالية‪ .‬وه��ذا ما يمنحه‬ ‫التأويل الشخصي لقراءة العالم‪ ،‬على عكس‬ ‫الفلسفة‪ ،‬التي تفترض التأويل العقالني ‪/‬‬ ‫الموضوعي للعالم‪.‬‬

‫وف��ي ه��ذه ال�ك�ت��اب��ة‪ ،‬نقصد بالمعرفة‪:‬‬ ‫ماهية عالقتها بالشعر‪ .‬واإلش �ك��ال الذي‬ ‫ي �ن �ش��أ م ��ن ت ��أوي ��ل ال �ش �ع��ر ض �م��ن ش ��روط‬ ‫المعرفة‪ .‬فإذا كانت المعرفة تأويال للعقل‪،‬‬ ‫وإدراكا ينحو إلى وصف األشياء على ما هي‬ ‫عليه؛ فإن الشعر‪ ،‬في معنى ما‪ ،‬هو التعبير‬ ‫الجمالي عن مأزق الوعي؛ أي أنه حساسية‬ ‫تعبيرية نشطة‪ ،‬تنبع من ذلك اإلدراك العميق‬ ‫بيد أن ه��ذا ال يعني ف��رزا ً مطلقا بين‬ ‫بفناء الكينونة ف��ي ال�ع��ال��م‪ ،‬بفعل الخيال ال�ش�ع��ر وال �م �ع��رف��ة‪ ،‬ب �ق��در م��ا ه��و ف��رز بين‬ ‫البشري ال��ذي يطلق آف��اق ال ��رؤى ويحطم اإلدراك واإللهام؛ فالمعرفة هي التي تمنح‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫والحال أن بصيرة الشعر هنا ال تنفذ إلى أسرار‬ ‫العالم بقدر م��ا تنطوي ع��ن تعبيراتها‪ .‬فالعبارة‬ ‫ليست هي الحقيقة‪ .‬العبارة أقل بكثير مما يكتمه‬ ‫المعبـِّـر‪ .‬وال يعدو الشعر هنا أن يكون ناقال لمجاز‬ ‫أشد كثافة من مأزق الفلسفة‪ .‬ذلك أن الشعر بما‬ ‫هو تصوير‪ ،‬ومجازفة في خلق مفردات خيال يحقق‬ ‫تأويله في الزمن بحسب منطقه المتعرج والمشتت‬ ‫في الخطاب‪ ،‬يتجاوز عالقات العالم الطبيعي للغة‬ ‫واألشياء حين يتصل بالباطن الذي يلح عليه من‬ ‫الغياب‪ .‬وهو فعل ِبعَكس حركة الفكر التي ترصد‬ ‫الوعي‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫ال�ش��اع��ر خ��زي��ن ال�ع�لام��ات ال�ت��ي ت��دخ��ل ف��ي متنه‬ ‫الشعري‪ .‬إال أن العالقة المعقدة ألث��ر المعرفة‬ ‫في الشعر‪ ،‬توهم بين حيثياتها في ال�خ��ارج‪ ،‬أي‬ ‫في كونها فهما مستقال‪ ،‬وبين إحاالتها في النص‬ ‫الشعري الذي يضمرها‪ .‬ومن هنا ينشأ االلتباس‬ ‫بين وظيفة الشعر‪ ،‬ووظيفة المعرفة‪ .‬فحين يصارع‬ ‫الشعر األسئلة التي تهب عليه من تناقضات الحياة‪.‬‬ ‫ينشأ األسى الجميل معبرا عن ذلك المأزق الذي‬ ‫ذكرناه آنفا‪.‬‬

‫في بعض تجلياته ‪ .‬فكما ال يجوز إدراج التجارب‬ ‫الشعرية ف��ي تجريد ي�ح��ذف محيطها المعرفي‬ ‫والثقافي والحضاري‪ ،‬كذلك ال يجوز إغفال النتائج‬ ‫التي تنجم عن تلك المؤثرات في سياقات معرفية‬ ‫وثقافية وحضارية أخ��رى‪ .‬ذلك أن الشاعر حين‬ ‫يبدع نصه‪ ،‬يشتغل على م��ؤث��رات ال متناهية من‬ ‫مطارح متعددة ‪ ،‬تفرز ضميرها بصورة واعية‪،‬‬ ‫وغير واعية‪ .‬وبحسب هذه المؤثرات تأتي تعبيراته‬ ‫ال �ش �ع��ري��ة ض �م��ن ال ��رؤي ��ة ال�ش�خ�ص�ي��ة والموهبة‬ ‫الخاصة‪.‬‬

‫ل�ك��ن خ �ط��ورة ال �ش �ع��ر‪ ،‬بحسبانه رؤي ��ة رافعة‬ ‫ل �ت �ن��اق �ض��ات ال �ح �ي��اة‪ ،‬ت�ن�ب��ع م��ن ط�ب�ي�ع��ة عالقته‬ ‫بالمعرفة‪ ،‬وبنيتها اإلستراتيجية في وعي الشاعر‪.‬‬ ‫ذل��ك أن المعرفة بقدر اتساعها كـ(موضوع) في‬ ‫الحالة الشعرية‪ ،‬بقدر ما تنطوي على ضغطها‬ ‫ك� �ـ(ذات) ف��ي رؤي��ة الشاعر‪ .‬بحيث يمكننا إدراج‬ ‫عبارة التعري الشهيرة‪( :‬إذا اتسعت الرؤيا ضاقت‬ ‫العبارة) عنوانا للذات الشعرية الحديثة العارفة‬ ‫والمغتربة بمعرفتها‪ .‬لكن ثمة إحساس آخر ينهض‬ ‫بغربة الشاعر في تأويله الشعري للمعرفة‪ ..‬ونعني‬ ‫إن إل�ه��ام الشاعر ف��ي عملية الخلق ج��زء من بذلك‪ :‬فرديته في اجتراح التجربة‪ .‬فالفردية هنا‬ ‫ح�ض��وره ف��ي المطلق‪ .‬ول�ك��ن التجديد ال��ذي يلح تنزح بعملية الخلق الشعري إلى آفاق موحشة‪.‬‬ ‫على الشاعر في رؤيته الشعرية للعالم‪ ،‬ومحاولة‬ ‫وربما ك��ان صعود مفهوم الفردية في األزمنة‬ ‫اإلق��ام��ة ف��ي ذل��ك المطلق‪ ،‬ه��و م��ا يذهب ب��ه إلى الحديثة ه��و أح��د النزعات التي تلجأ بالشاعر‬ ‫تأويل الفعل الشعري من كونه تعبيرا‪ ،‬إلى معرفة‪ .‬إلى تكثيف حياته‪ ،‬وضغط وجوده حين يلج بعجزه‬ ‫وهنا تلتقي حدود الشعر‪ ،‬أحيانا‪ ،‬بحدود الحياة أو اإلنساني‪ ،‬مجاز األسئلة الوجودية الكبرى‪ .‬ولكن‬ ‫العقل عند الشعراء الذين كثفوا الشعر في حياتهم ال��رؤي��ا المعرفية ال�ت��ي طبعت المصير الشعري‬ ‫جملة واح��دة ‪ .‬من أمثال رامبو «الموت المبكر»‪ ،‬لشعرائها بنهايات تراجيدية‪ ،‬لم تكن كذلك‪ ،‬أو بتلك‬ ‫وهولدرلن «الجنون»‪ .‬لقد كان التعبير في كتابتهم االنزياحات القاتلة في األزمنة القديمة‪ .‬فتطور‬ ‫الشعرية أقل بكثير من ذلك اإلضمار الذي جمجم دور المعرفة‪ ،‬وعالقتها بخلق مصير اإلنسان في‬ ‫في داخلهم‪ .‬لكن هذا المعنى المكثف والقصير العالم الحديث‪ ،‬أزاح سلطتها الدينية القديمة‪..‬‬ ‫في الحياة والشعر لبعض الشعراء دون غيرهم وق�ل��ب دوره ��ا ف��ي ع�لاق��ة ال�ش��اع��ر ب�ه��ا‪ .‬فالحالة‬ ‫ال يلغي اطـ ّراد الموقف اإلشكالي للشعر بوصفه الشعرية ‪-‬أي الموهبة‪ -‬تحتفظ بقدراتها الشعرية‬ ‫مشروعا للخالص الفردي أو الجماعي في الحياة‪ ،‬والطبيعية م��ن ح�ي��ث‪:‬اخ�ت��راق ال�ل�غ��ة‪ ،‬واستبطان‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪49‬‬


‫األشياء‪ ،‬وطاقة المخيلة‪ ،‬وحساسية الذات‪ ..‬الخ‪ .‬والمعاني‪.‬‬ ‫أي أن بعض منظومات المعرفة التاريخية‪ ،‬كانت‬ ‫وهكذا‪ ،‬يمكننا أن نجد في حياة عرب الجاهلية‪،‬‬ ‫تحيل على تعبيرات الموهبة بحسب اندراجها في ما يمكن أن يكون حاكما على شعرائهم بتلك الطبيعة‬ ‫السياق الحاكم لها‪ .‬وه��و ما يمكن أن نفهم منه الوثنية‪ .‬أي اختراق الطقوس لحياتهم على نحو‬ ‫حركة الشعر في التاريخ‪ ،‬عبر تعبيراتها الكاشفة ما‪ ،‬يسمح لهم دائما بتكثيف وجودهم اإلنساني‬ ‫لألنساق المعرفية‪ .‬دون أن يعني ذلك إطالق أحكام الخام في حياة الصحراء والبداوة‪ ،‬وإبداع تعبيرات‬ ‫قيمة متصاعدة بحسب ت�ق��دم ال��زم��ن‪ ،‬ف��ي فرز شعرية تكشف عن رغباتهم الطليقة‪ .‬وكان الشعر‬ ‫الموهبة الشعرية‪ ،‬أو عقد مفاضالت بين التجارب هو كالمهم المرموق بحسب حياة الصحراء التي‬ ‫الشعرية الكبرى في التاريخ‪ .‬األم��ر ال��ذي يحدث تفك اإلنسان عن تعقيدات الحضارة‪.‬‬ ‫في حقل الفلسفة بسبب العقالنية الموضوعية في‬ ‫غير أن القرآن الكريم أفحم التعبير الشعري‬ ‫مقاربتها للمعرفة‪.‬‬ ‫للجاهلية عبر إعجازه البياني‪ ،‬وأضعف حيثيات‬ ‫إن المصير الفردي للشاعر في خلق وإبداعها الشعر القصوى عند العرب حين تحداهم بذلك‬ ‫التجربة الشعرية هو ما يجعل تأويله للمعرفة‪ ،‬البيان‪ .‬وعلى الرغم من أن رأي اإلسالم في الشعر‬ ‫تأويال فنيا وشخصيا‪ .‬وم��ن ثم غير تاريخي‪.‬أي يحيلنا على تفاصيل أخرى‪ ،‬إال أن إعجاز القرآن‬ ‫غير خاضع لقواعد التأويل العام لنظام األشياء الكريم لفن القول عند العرب‪ ،‬هو الذي أطلق ظاهرة‬ ‫كما هي‪ -‬في اللغة والعالم‪ .‬وهي فردية تخص من األهمية بمكان التعرف على دالالتها العميقة‬‫الشعر ع ��ادة‪ ،‬دون غ�ي��ره م��ن الفنون ال�ت��ي يمكن في تاريخ الشعر العربي‪ .‬فالظاهرة القرآنية تلك‬ ‫أن ت�ج��د ت�ع�ب�ي��ره��ا ف��ي ع�لاق��ة ج�م��اع�ي��ة تخفف انطوت على إبداع بياني ومعرفي في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫وطأة التجربة كالمسرح والغناء‪ .‬أو في تعبيرات أي أنها كانت مطابقة تامة بين اإلب��داع البياني‪،‬‬ ‫رم��زي��ة صامتة كالرسم والنحت‪ .‬وه�ك��ذا يمكننا والمعرفة الدينية التي غيّرت حياة العرب وجزءاً‬ ‫أن نفهم قوة الشعر في ملحمة (هوميروس) من كبيراً من العالم القديم‪ ،‬مرة وإلى األبد‪ .‬فالقرآن‬ ‫حيث الحالة الشعرية‪ .‬أي قدرة التعبير الشعري الكريم جمع بين ظاهرتين منفصلتين في معنى‬ ‫نحو لم يكن مسبوقا من قبل‪.‬‬ ‫في تصوير الحوادث والوقائع‪ ،‬والمفارقات التي واحد‪ ،‬على ٍ‬ ‫تنشأ بين اآللهة والبشر‪ .‬لكن من خالل الطقس‬ ‫لقد ك��ان الفن ‪ -‬بما في ذل��ك الشعر ‪ -‬تابعا‬ ‫الوثني للمعرفة الدينية‪ .‬أي أن المعرفة هنا سابقة‬ ‫لألديان الوثنية‪ ..‬أي المعارف الوثنية‪ ،‬في معنى ما‪،‬‬ ‫على الشعر‪ ،‬وحاكمة له عبر عالقة دينية عليا‪.‬‬ ‫وكان بوصفه ذاك تعبيرا عن حياة موازية تصور كل‬ ‫بحيث تخترق المخيلة حياة متناقضة من الرغبات‪،‬‬ ‫ما يمكن أن تعجز عنه تلك الحياة بحسب تناقضاتها‬ ‫والهواجس ‪ ،‬واآلمال والمشاعر بين اآللهة والبشر‪،‬‬ ‫في الواقع‪ .‬وكان ذلك في وجه من الوجوه تعويضا‬ ‫على نحو طقوسي مقدس‪ .‬فقيمة النص المعرفية‬ ‫فنيا يغذي حاجة اإلن�س��ان للمثل المطلقة ينجم‬ ‫لملحمة (هوميروس) ال تنطوي اليوم على معرفة‬ ‫عنه ‪-‬ع��ادة ‪ -‬حين تتركه اآللهة لمصيره الفردي‬ ‫صالحة للتعقل‪ ،‬بل تأتي عبقرية الملحمة من تلك‬ ‫الموحش في الكون‪ .‬فيمأله اإلنسان بأمانيه التي‬ ‫القدرة الشعرية في خلق عالقات لغوية سحرية‪،‬‬ ‫جسدها في المالحم الشعرية والقصائد‪ .‬وكان‬ ‫تمنح النص طاقة التفجير الخيالي المتجددة‪،‬‬ ‫هذا العجز الطبيعي لآللهة الوثنية يجعل اإلنسان‬ ‫عبر مجاز يتركب بكثافة ال متناهية من الصور‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫العربي كذلك على تماس مع حياة طليقة في الشعر‬ ‫تسمح له بتدوين تناقضاتها ورغباتها المختلفة‪.‬‬ ‫بيد أن القرآن الكريم الذي جاء بيانا معجزاً في‬ ‫إبداعه‪ ..‬كما جاء في هذا البيان إجابات عن الحياة‬ ‫والموت والوجود وأسئلة اإلنسان المصيرية‪ ،‬عبر‬ ‫مفهوم التوحيد ال��ذي ينفي اآللهة‪ .‬ك��ان كل ذلك‬ ‫جمعا بين المعرفة والبيان‪ .‬أي بين ما كان منفصال‬ ‫في الحياة الوثنية القديمة‪ ،‬حيث المعرفة حاكمة‬ ‫للبيان (التعبير‪/‬الشعر‪ /‬الفن)‪ .‬وبحيث تنتفي تلك‬ ‫الهوة التي تجعل التعبير الشعري‪ ،‬والفن عموما‪،‬‬ ‫يرسم حياة مفعمة باألماني والخيال‪ ،‬توازي حياة‬ ‫اإلن�س��ان الواقعية على األرض م��ع إدراك حزين‬ ‫باستحالة تحقيقها‪ .‬ولهذا انحسر الشعر وبهت‬ ‫مقامه على األق��ل في عصر النبوة والراشدين‪.‬‬ ‫ال ألن الحياة اإلسالمية كانت خالية من الشعر‪،‬‬ ‫في معنى ما‪ ،‬ولكن ألن تأثير القرآن الكريم ببيانه‬ ‫البديع أشبع حاجات العرب التعبيرية والدينية‪.‬‬ ‫وربما ك��ان في ما ح��دث للشاعر الجاهلي الذي‬ ‫أسلم وأصبح صحابيا‪( :‬لبيد بن ربيعة) صاحب‬ ‫إحدى معلقات العرب السبع ما يلقي ضوءا على‬ ‫هذا المعنى‪ ،‬فمنذ أن أسلم هذا الشاعر الكبير لم‬ ‫يقل شعراً‪ ،‬وكان حين يسأله الناس عن ذلك يجيب‬ ‫قائال‪( :‬أبدلني الله بالشعر البقرة وآل عمران)‬ ‫فمعنى التبديل في رده دليل على إح�لال العرب‬ ‫للقرآن الكريم مكانة تعبيرية عالية‪.‬‬

‫عليه القلق الوجودي للتجربة الشعرية‪ .‬لكننا نجد‪،‬‬ ‫على األقل‪ ،‬شاعرين في التراث اإلسالمي جسدا‬ ‫ذلك القلق هما‪ :‬أبو نواس الحسن بن هاني‪ ،‬وأبو‬ ‫العالء المعري‪ .‬ففي حين بدا الحسن بن هاني‪،‬‬ ‫للكثيرين‪ ،‬شاعرا ماجنا‪ ،‬كان يضمر في شعره بعدا‬ ‫رؤيويا فلسف به اللـّـذات الحسية‪ ،‬وجاءت مقوالت‬ ‫فلسفية ف��ي ش�ع��ره ك�ه��وام��ش م�ق�ص��ودة‪ ،‬تنم عن‬ ‫موقف من الحياة لجهة المجون‪ ،‬واقتناص اللذة‬ ‫في مجرى العمر السريع‪ .‬وكان أبو العالء المعري‬ ‫يمتلك نظرا في الحياة وتأويال لتناقضاتها يمتح‬ ‫من ثقافة فلسفية راسخة‪.‬‬ ‫ل�ك��ن ال�م�ف��ارق��ة أن ه��ذي��ن ال�ش��اع��ري��ن انحازا‬ ‫في نهاية العمر إلى ع��ودة للدين‪ ،‬وتوبة من تلك‬ ‫الحياة السابقة‪ .‬أي توبة عن (الشهوات) في حال‬ ‫أبي نواس‪ ،‬ومن (الشبهات) في حال أبي العالء‪،‬‬ ‫بحسب اصطالح القدماء ‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫اختيار التوبة هنا لم يكن قسريا أو خوفا من سيف‬ ‫الحاكم‪ ،‬إال أن توبتهما‪ ،‬في معنى ما‪ ،‬كانت إدراكا‬ ‫لحقيقة القرآن الكريم‪ ،‬ووعيا بقيمته اإلبداعية‬ ‫في فن القول‪ .‬والحال أن هذه التوبة ربما كانت‬ ‫أث��راً لتلك الظاهرة الفريدة للقرآن الكريم بين‬ ‫كتب األديان التوحيدية‪.‬أي في كونه بيانا مبدعا‪،‬‬ ‫بحسب إع�ج��ازه ال��ذي ج��اء على سبيل التحدي‪،‬‬ ‫ومعرفة دينية ف��ي ال��وق��ت نفسه‪ .‬فالعالقة بين‬ ‫التعبير والمعرفة في القرآن الكريم تنطوي على‬ ‫دالل��ة مطابقة‪ .‬ذل��ك أن ال�ن��ص ك��ان ف��ي مستوى‬ ‫معناه‪ .‬بحيث أن داللة اإلعجاز في التعبير المعجز‬ ‫تحايث التصديق المطلق لمعناه المعرفي‪ ،‬ولم يك‬ ‫كل من الشاعرين ليغيب عنه إدراك أسرار البيان‬ ‫القرآني‪ .‬بقدر ما كانت التأويالت البشرية للفرق‪،‬‬ ‫والجماعات‪ ،‬وتطبيقات السلطة السياسية تدفع‬ ‫بهما إلى الضد من ذلك‪.‬‬

‫لكن تداعيات الفتنة الكبرى حركت تعبيرات‬ ‫مقموعة من فن العرب األول (الشعر) صاحبت‬ ‫العصبية والنخوة ‪ ،‬في األحالف القبلية التي نشأت‬ ‫على هامش (الجمل) و(صفين)‪ ،‬والتي تطورت‬ ‫فيما بعد عند األمويين لتبلغ قمتها الشعرية عند‬ ‫ال�ف��رزدق وجرير واألخ�ط��ل‪ .‬ثم الحياة الحضرية‬ ‫التي صاحبت ذلك‪ ،‬وبانت في أشعار عمر بن أبي‬ ‫ربيعة‪ .‬غير أن النماذج السالفة كانت تعبيرا عن‬ ‫ما نريد قوله هنا أن جوهر المعرفة كثقافة‬ ‫حياة مألت معناها‪ ،‬وخلت من ما يمكن أن نطلق إستراتيجية حاكمة‪ ،‬ع��ادة م��ا ينطوي على رؤية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪51‬‬


‫خفية في نص الشاعر‪ ،‬وأن ما يمكن أن يفترض‬ ‫كخلفيات ع��ام��ة للثقافة وال �ح �ض��ارة‪ ،‬يحيل على‬ ‫العديد من الفروق في حال المقارنة بين الشعرية‬ ‫العربية والشعرية الغربية مثال‪ .‬دون أن يقلل ذلك‬ ‫من طبيعة الموهبة الشعرية وطاقتها الخطيرة‪.‬‬ ‫وب��إم�ك��ان ال�م��رء أن يتساءل ع��ن ج��دوى المصير‬ ‫الذي أفضى إلى الموت المبكر لـ(رامبو) ‪ ،‬والجنون‬ ‫لـ(هولدرلن)‪ ،‬في خلفية المعرفة الفلسفية التي‬ ‫أسست للحداثة بوصفها وكالة إنسانية للمصير‬ ‫البشري‪ .‬أي أن الثقافة الغربية ل��م تكن تستند‬ ‫حيال األسئلة األنطلوجية للشعر على إجابات فيها‬ ‫من التماسك ما يمنح اليقين لذلك القلق‪ .‬فما زال‬ ‫العجز اإلنساني من أخطر حساسيات الشاعر في‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫والحقيقة أن عظمة إبداع (رامبو) و(هولدرلن)‬ ‫وغيرهما‪ ،‬لم تكن في إدراكهما المعرفي لتناقضات‬ ‫الحياة‪ ،‬بقدر ما كانت في الطريقة المعبرة عن تلك‬ ‫التجارب‪ ،‬أي في استبطان الحواس الكونية للمعرفة‬ ‫الشعرية‪ ،‬إن جاز التعبير‪ .‬ذلك أن تصادم الوعي‬ ‫الحاد باألسرار الكونية يخلق في الحالة الشعرية‬ ‫أهاويل ورؤى جمالية ناقصة تنطوي تفاصيلها على‬ ‫سر اإلبداع الشعري‪ .‬فطريقة التعبير عن تفاصيل‬ ‫تلك الرؤى في الكلمات واألشياء والمواقف‪ ..‬هي‬ ‫الحالة التي تخضع عالقات اللغة ونظام األشياء في‬ ‫الشعر لصيرورة تتأبد‪،‬عبر الخيال‪ ،‬وتجدد انفكاكها‬ ‫الدائم عن الزمن واللغة والعالم‪ .‬وربما لجهة تأثير‬ ‫جوهر المعرفة‪ ،‬وخلفياتها‪ ،‬أفضت حاالت المعري‬ ‫وأب��ي ن��واس للتوبة إض��اف��ة إل��ى خاصية القرآن‬ ‫الكريم في كونه كتاب بيان ومعرفة في تلك اللغة‬ ‫التي أبدع بها الشاعران الكبيران‪ .‬وهذا يسوقنا‬ ‫بالضرورة إلى إشكاالت الشعرية العربية الحديثة‬ ‫وعجزها في إنجاب شعراء (وفالسفة) كبار كما‬ ‫في الغرب‪ .‬أو في التراث العربي القديم بحسب‬ ‫الناقد المغربي ( بن عيسى بو حمالة) ؟‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫وربما كان بعض ما يمكن أن يكون جوابا ً على‬ ‫هذا السؤال هو‪ :‬أن الثقافة العربية المعاصرة لم‬ ‫تنجز تأويلها المعرفي الخاص حتى اليوم‪ .‬ال مع‬ ‫الغرب‪ ،‬وال مع تراثها‪ ،‬ذل��ك أن صيرورة الثقافة‬ ‫العربية المعاصرة لم تكُف في يوم من األيام‪ ،‬عن‬ ‫لعبة الصدى حيال الثقافة الغربية‪ ،‬منذ صدامها‬ ‫األول في العصر الحديث مع الحملة الفرنسية‪،‬‬ ‫وط��وال عقود االستعمار إلى يومنا هذا‪ .‬ولم يكن‬ ‫ذلك في متنها (المعرفي) فحسب‪ ،‬بل في األدوات‬ ‫صـنعت لها على صورة تالحق مثالها‬ ‫المعرفية التي ُ‬ ‫الغربي المنجز دون أن تختبر ش��روط��ه ؛ وهذا‬ ‫أفضى بدوره إلى حقيقة مهمة مفادها‪ :‬إن الثقافة‬ ‫العربية اليوم ال تنطوي على سوية طبيعية البته‪.‬‬ ‫أكثر من ذلك‪ :‬إن عجز المثقفين العرب عن إدراك‬ ‫هذا المأزق المحايث لهذه الثقافة‪ ،‬وافتراض أن‬ ‫هذا المأزق التاريخي للثقافة العربية إنما هو مأزق‬ ‫راهن وعرضي‪ ،‬هو أكثر التعبيرات خطورة عن تلك‬ ‫الحالة‪.‬‬ ‫ويمكننا من خ�لال ه��ذه الحقيقة إدراك فشل‬ ‫ال�ح��ال الثقافية والحضارية للعرب ف��ي األزمنة‬ ‫الحديثة‪ .‬دون أن يمكننا في الوقت نفسه معرفة‬ ‫حيثيات مستقبل بعيد وغامض لهذه الثقافة ‪ .‬فيما‬ ‫معرفة الماضي الزاهر للعرب هي من الحقائق‬ ‫المعرفية والتاريخية التي ال تقبل الجدل‪ .‬والحال‬ ‫أن مثل ه��ذا المأزق المعرفي للثقافة العربية ال‬ ‫بد أن يتجلى فيما وصفناه سابقا باألثر الخفي‬ ‫للمعرفة‪ .‬أو خلفيات المعرفة داخل النص الشعري‪.‬‬ ‫وه��و ما ال يمكن أن نجد له نماذج شعرية كونية‬ ‫في الثقافة العربية المعاصرة‪ .‬فهذه الثقافة ‪-‬بما‬ ‫هي‪ -‬ثقافة مركزية في تاريخ العالم الوسيط‪ ،‬لم‬ ‫تجد تعبيراتها الخاصة‪ ،‬والواضحة في الشعرية‬ ‫العربية الحديثة‪.‬‬ ‫وما يمكن أن نراه من نماذج الشعرية العربية‬ ‫المعاصرة ه��و معنى لما فسره (أدون �ي��س)‪ ،‬ذات‬


‫لقد رافق ذلك العجز عن اجتراح شعرية عربية‬ ‫متميزة العديد من غياب الشروط المحايثة للشعر‬ ‫بوصفه حالة إنسانية بامتياز‪ .‬كالحرية‪ .‬وترهين‬ ‫ال �ل �غ��ة‪ ،‬ب��ال�ك��ف ع��ن نمذجتها ف��ي ب�لاغ��ة قديمة‬ ‫ومفترضة‪ .‬وسكون المجتمع العربي في الحالة‬ ‫االستعمارية الغربية‪ ،‬وما قبلها من حالة القابلية‬ ‫لالستعمار‪ .‬فيما يمكن أن نطلق عليه التخلف‬ ‫العربي بكلمة واحدة‪.‬‬

‫دراس����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ـ����ات‬

‫مرة‪ :‬من أن العرب يمكنهم كأفراد (هنا كشعراء)‬ ‫تحقيق اختراقات عالمية‪ ،‬فيما يعجزون عن ذلك‬ ‫كمجتمع ينتج أجياله عبر بنى عميقة ومؤسسية‬ ‫لتحقيق ذلك االختراق في شكل جماعي ومستمر‪.‬‬ ‫وم��ن هنا يمكننا أن نتحدث عن مفهوم القطيعة‬ ‫الشعرية في حركة الشعر العربي الحديث‪ .‬فهي‬ ‫ضرب من اجتثاث دائم‪ ،‬من الالحق للسابق‪ .‬وهذا‬ ‫فرع من صيرورة الثقافة العربية‪ .‬أي أن تحوالتها‬ ‫الصاعدة باستمرار ضمن لعبة الصوت والصدى‬ ‫مع الثقافة الغربية‪ ،‬كانت تحذف إنجازها السابق‬ ‫أو تهمله‪ .‬فال نرى مثال تكريسا لنماذج كالسيكية‬ ‫في العصر الحديث‪ ..‬إال بوصفها مرحلة في حركة‬ ‫تصاعدية ال تصلح بذاتها لما يمكن أن تصح عليه‬ ‫داللة المفهوم الجدلي للكالسيكية والحداثة‪ ،‬إال‬ ‫في الشعراء القدامى من أمثال المتنبي‪ ،‬أي أولئك‬ ‫الذين أنتجتهم ثقافة كانت تمتلك حيثياتها القوية‪.‬‬

‫ح��االت شعرية كالسيكية ال يمكن رهنها بالقيمة‬ ‫التصاعدية لحركة الزمن‪ ،‬كما هو الحال لدينا‪،‬‬ ‫بل يُـنظر إليها بوصفها تجارب شعرية كونية كبرى‬ ‫ال يمكن إدراجها في حالة تاريخانية‪ .‬وربما كان‬ ‫محمود دروي ��ش (ال�ج��دي��د) ف��ي ه��ذا ال�ص��دد من‬ ‫الحاالت النادرة في الشعرية العربية الحديثة‪.‬‬

‫ح��اول��ت ه��ذه الكتابة عبر ال�س�ط��ور السابقة‬ ‫توصيف مقاربة الشعر للمعرفة من موقف إشكالي‪.‬‬ ‫والحال أن المتنبي اليوم أهم من أحمد شوقي‪ ،‬وما إذا كان في إمكان الشعر اإلجابة على أسئلة‬ ‫على الرغم من موهبة شوقي‪ .‬بل حتى أمثال شعراء العجز اإلنساني معرفيا‪ .‬وعالقة المعرفة بالشعر‬ ‫من طبقة السياب ويوسف الخال تحاول الشعرية من حيث الحالة المعرفية للشاعر‪.‬‬ ‫العربية اليوم حذفهم‪ .‬وال نعني بالحذف هنا إهمال‬ ‫لكننا كنا نتكلم دائما عن ح��االت قصوى من‬ ‫القيمة الشعرية لهؤالء الشعراء‪ ،‬بل عجزهم في الحساسية الشعرية في سياقات معرفية متعددة‬ ‫أن يتحولوا إلى نماذج كالسيكية حقيقية من طينة ومركبة‪ .‬دون أن نتكلم عن الشعر بوصفه حاجة‬ ‫(رامبو)‪ ،‬و(هولدرلن)‪ .‬وربما كان السبب في ذلك‪ :‬إن �س��ان �ي��ة ع ��ادي ��ة‪ ،‬وت �ص��وي��را ل �ع��واط��ف اآلخرين‬ ‫ان��دراج ه��ؤالء الشعراء في حالة معرفية أصغت وحياتهم ضمن تجربة الشاعر‪ .‬ولكن حتى هذه‬ ‫للتثاقف مع الغرب أكثر من إصغائها لحساسيتها الحالة الطبيعية للشعر تحتاج إلى حالة طبيعية من‬ ‫الشعرية ال�خ��اص��ة‪ ،‬وال �ت��ي ل��م تكن م�ت�ص��ورة في المجتمعات‪ .‬وهو ما تفتقر إليه الحالة االجتماعية‬ ‫ثقافة لم تمتلك قدرة التحديق في ذاتها‪ .‬ذلك أن العربية ال��راه�ن��ة‪ .‬ذل��ك حين يعجز المجتمع عن‬ ‫الشعور بالتجاوز المستمر للشعرية المعاصرة على ال�ت�ص��ال��ح م��ع ذات���ه وال �س �ك��ون ف��ي س�لام�ه��ا عبر‬ ‫أسالفها‪ ،‬هو ضرب من حلقة ستستمر طويال في استقطاب التناقضات بتحويلها إلى حاالت إنسانية‬ ‫إنتاج قطيعة متجددة تمارس ذلك الحذف إلى ما بامتياز‪ .‬بدال من أن تكون تعبيرات كارثية‪ ،‬كما هي‬ ‫النهاية‪ .‬فنحن مثال ال نجد من أمثال (رامبو)‪ ،‬أو ح��ال المجتمعات العربية اليوم‪ .‬عند ذل��ك يمكن‬ ‫(ه��ول��درل��ن)‪ ،‬في الشعرية العربية؛ أي في وجود للشعرية العربية أن تحدق في ذاتها‪.‬‬ ‫ * شاعر وكاتب سوداني مقيم بالسعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪53‬‬


‫نصوص قصصية‬ ‫> عبدالله السفر*‬

‫مشوار‬

‫ت��رخ��ي أع �ض��اءك‪ ،‬تطبق رم��وش عينيك‪.‬‬

‫ك��ان الطفل منهمكاً ف��ي ال�ح��دي��ث مع تتجمّع الرائحة‪ ،‬تنفذ فيها‪.‬‬ ‫أمّه‪ .‬عندما رأى اختفاء الشمس‪ ،‬واحتشاد‬ ‫تؤالف‪.‬‬ ‫ال عنه؛‬ ‫السماء بالغيم‪ ،‬وانشغال األم قلي ً‬ ‫عبثاً‪ ،‬تحاول إلصاق الوجه الغائب‪.‬‬ ‫أخ �ب��ره��ا ب ��أن ال �ش �م��س ذه �ب��ت إلحضار‬ ‫المطر‪.‬‬ ‫متخفيّ ة‬

‫إال هي‬

‫عندما طال َع أورا َق � ُه القديمة‪ ،‬شع َر كم‬ ‫دعس‬ ‫َ‬ ‫ك��ا َن همج ّياً ومنفوخاً ب��اال ّدع��اء‪ ،‬إ ْذ‬

‫يفتح الكتاب‪ ،‬يشرع في القراءة‪ .‬تعترضه‬ ‫قليل‬ ‫بعض وط ّو َح بعضها‪ ،‬ودارىَ غي َر ٍ‬ ‫بياضها جمل ُة « ال على ٍ‬ ‫َ‬ ‫ورقة خالية إال‪ ..‬يشغل‬ ‫إكراه في الدين»‪ .‬يقلب الصفحة‪ .‬بيضاء‪ .‬منها في األدراج وشقوق األرفف‪.‬‬ ‫يعيد التأكّد؛ يكتشف أنّ ظ ّل ال إكراه في‬ ‫أوراق يتباهى‬ ‫ٍ‬ ‫يدرك اآلن أنّ ما بيده من‬ ‫الدين يتغيّر إلى « يا إله األمل إال هي»‪.‬‬ ‫بها‪ ،‬لم تكن إال أوراقه القديمة‪ .‬ال يحتاج‬

‫عناد‬

‫ت�ن�ش��ر س �ح��اب � َة ع �ط��رِ ه��ا ف��ي هوائك؛‬ ‫* ‬

‫‪54‬‬

‫قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫إلى بصمة مضاهاة‪ .‬فقد عاشت متخفيّة‬ ‫لتنجو من المجزرة‪.‬‬


‫> إبراهيم احلميد*‬

‫رحلوا!‬ ‫ذه �ب��وا ب�ع�ي��دا ف��ي ال �م��دى!‪ .‬رح �ل��وا قبل‬ ‫أوان �ه��م‪ ..‬كنا نظن أن�ه��م ع��اش��وا أك�ث��ر مما‬ ‫يجب‪ ..‬إال أن األيام أثبتت أنهم رحلوا باكرا‪..‬‬ ‫ولم يحققوا شيئا‪..‬‬ ‫الجار السمين ذو اللحية الكثة‪ ،‬والرجل‬ ‫الطيب‪ ،‬كان ي��وزع كل صباح حبات الحلوى‬ ‫علينا ص �غ��ارا‪ ،‬و كنا نتحلق ح��ول��ه قبل أن‬ ‫يلتحق بشبة أبو حمد‪..‬‬ ‫ال �م��ؤذن ال �ع��اش��ق‪ ..‬ك��ان يحب النساء‪..‬‬ ‫وك��ان مشهورا بالتغزل بكل ام��رأة تأتي في‬ ‫ط��ري�ق��ه‪ ..‬ك��ان يعيش على ذاك��رت��ه الكبيرة‬ ‫التي ظل يختزن فيها كثيرا من صور النساء‬ ‫الجميالت في سنوات ماضية قبل أن تتحول‬ ‫النساء إلى كتل سوداء متحركة‪..‬‬ ‫ال يمكنني ن�س�ي��ان ح�ب��ات ال�ب�ي��ض التي‬ ‫ك��ان يرشينا ب �ه��ا‪ ..‬لنتركه يتجول بحريته‬ ‫ف��ي ال��ح��ارات ال �ب �ع �ي��دة‪ ..‬ب�ع�ي��دا ع��ن أعين‬ ‫الفضوليين!‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصتان‬

‫لنفسه بزاوية في مسجد الحارة القديم‪..‬‬ ‫وعندما أص��روا على ه��دم المسجد لبنائه‬ ‫م��ن ج��دي��د‪ ،‬أص��ر على ال�ص�لاة ف��ي موضع‬ ‫زاويته حتى انتهاء البناء‪ ..‬كنا نسترق السمع‬ ‫إليه‪ ،‬وهو يتلو القرآن في الليالي الطويلة‬ ‫من شهر رمضان المبارك‪ ..‬وعندما قبض‬ ‫علينا‪ ،‬أصر على حضورنا إلى الدرس الذي‬ ‫يحضره رجال غرباء عن الحارة‪..‬‬ ‫ال�ش�ي��خ ال �ط��اع��ن‪ ..‬بلحيته الحمراء‪..‬‬ ‫وعصاه الغليظة‪ ...‬و عباءته الوبر التي لم‬ ‫تتغير منذ أكثر من قرنين‪ ..‬ك��ان ي��ردد إن‬ ‫عباءته الجوفية أصلية ولم تخلط بخيوط‬ ‫أخ��رى‪ ..‬كان يعتز بها و يؤكد إنه لن يفرط‬ ‫فيها رغم أن ولده الوحيد أهداه عباءة جديدة‬ ‫أحضرها له من سوق الحميدية بالشام‪..‬‬ ‫الشيخ الثرثار‪ ..‬كان يؤنس كثيرا من نساء‬ ‫الحارة‪ ..‬يمارس هوايته اليومية في حضور‬ ‫جلسات الضحى لعجائز الحارة والحارات‬ ‫المجاورة‪..‬‬

‫الشيخ الضرير‪ ..‬كنا نعتقد أنه كان يعيش‬ ‫عندما قابلته ذات ضحى‪ ..‬كان خارجا‬ ‫منذ عصر الصحابة‪ ..‬و كان قديما جدا‪ ..‬للتو من زيارة تعود عليها المرأة في نفاسها‪..‬‬ ‫وكان يرفض حالقة ذقنه الطويلة جدا‪..‬‬ ‫وقال إنه سعد بمشاركتها «الفتَّة» التي تعدها‬ ‫صاحب الصوت المؤثر‪ ..‬وك��ان يحتفظ النساء من الخبز وزيت الزيتون‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪55‬‬


‫ربيع الشيخوخة!‬ ‫‪ ‬في ربيع الشيخوخة ‪ ‬وخريف العمر‪،‬‬ ‫ي �ع��ود إل ��ى ك��ل األي � ��ام ال �ت��ي ع��اش �ه��ا طوال‬ ‫وع��رض��ا! إل��ى ال�ح�ك��اي��ات ال�ت��ي يغزلها كل‬ ‫مساء‪ ،‬بحضور أصدقاء الطفولة الذين لم‬ ‫يتبق منهم إال أطيافهم‪.‬‬ ‫هنا‪ ..‬كان األول يفضل أن يتناول قهوة‬ ‫الصباح‪ ،‬وهناك‪..‬كان اآلخ��ر يستخدم يده‬ ‫الغليظة لشرب القهوة العربية بالفنجان‬ ‫الكبير المزين بالرسوم المخططة الحمراء‬ ‫و الزرقاء‪.‬‬ ‫كان وهو يسحب الروح متحدثا إلى ‪ ‬أبنائه‬ ‫الذين تجاوز بعضهم منتصف العمر‪ ،‬يمارس‬ ‫طقوسه األزلية‪ ،‬في تناول تمرات من ثمار‬ ‫«الحلوة « التي تعقبها فناجين ال حصر لها‬ ‫م��ن قهوة تتلون بانعكاس ج��دائ��ل الفتيات‬ ‫ال�لات��ي ك��ن يتبعنه ف��ي ح �ق��ول ال�ق�م��ح في‬ ‫البلقاء‪ ،‬يافعا‪ ،‬ينتظر حصته من الحنطة‪..‬‬ ‫ليعود بها غانما إلى إخوته ووالدته‪.‬‬ ‫بعد أن طغت على مالمحه الشيخوخة‪،‬‬ ‫أصبح يطيل قصصه وأحاديثه‪ ،‬وكأنه يطلق‬ ‫وصاياه إلى كل زواره‪ ،‬خاصة مع بعض أبناء‬ ‫األصدقاء الذين كانوا يزورونه‪ ،‬ورغم سنواته‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫الستة والثمانين‪ ،‬إال أنه بقي متقد الذهن‪،‬‬ ‫مشحوذ ال��ذاك��رة‪ ،‬نبيهاً‪ ،‬يلتقط التفاصيل‬ ‫ال �ب �ع �ي��دة وال �ق��ري �ب��ة‪ ،‬وك� ��ان ي �ت �ح��دث ع��ن «‬ ‫الخرانة « وكأنه غ��ادره للتو‪ ،‬عابرا بقافلته‬ ‫إلى سوق اإلبل في سيل عمان‪ ،‬بعد أن جاز‬ ‫كل هذه القفار! ويستعيد حكايته مع قافلة‬ ‫من عرب الجزيرة‪ ،‬ضلوا طريقهم‪ ،‬فما كان‬ ‫منه إال أن هداهم إلى سبيلهم‪ ،‬عبر النجوم‪،‬‬ ‫ممسكا بيدي حمادهم‪ ،‬في غدير الماء على‬ ‫«غرايس»‪.‬‬ ‫عندما بدأت رائحة تراب السنين‪ ،‬تزداد‬ ‫مع م��رور األي��ام‪ ،‬وب��دا أن ال أح��د يأبه إلى‬ ‫ال�ح�ك��اي��ات ال�ت��ي ك��ان يطلقها‪ ،‬في فضاء‬ ‫القهوة أو البيت‪ ،‬في حضور األبناء و بقايا‬ ‫األص��دق��اء‪ ،‬ال ف��رق‪ ،‬أصبح الصمت الكبير‬ ‫ه��و ال��وس�ي�ل��ة األك �ث��ر ت�ع�ب�ي��راً ع��ن الغضب‬ ‫الكامن فيه! خاصة مع تلك اإلشارات التي‬ ‫بات يطلقها البعض متسربلة بعدم التقدير‬ ‫والالمباالة من المحيطين ملال حينما يبدأ‬ ‫حكاياته القديمة‪ ،‬فبدا على غير عادته‪،‬‬ ‫محمال بالتجاعيد التي لم تكن ظاهرة في‬ ‫ي��وم كأيامنا ه��ذه‪ ،‬حتى أن بقايا التنهدات‬ ‫التي ك��ان يطلقها‪ ،‬كأسد ج��ري��ح‪ ،‬أصبحت‬ ‫تصل إلى شغاف القلوب‪ ،‬لكل المحيطين !‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫قصص قصيرة جدا‬

‫> محمد املنصور الشقحاء*‬

‫النجاح‬ ‫أخذت تركض في أرجاء الدار‪ .‬أخيرا نجحت؛‬ ‫لم تفكر في نسبة التقدير‪ ،‬ك��ان همها اجتياز‬ ‫عقبة فشلت ف��ي تخطيها خمس م ��رات‪ ،‬ولما‬ ‫شعرت بالتعب دخلت غرفتها ونامت‪.‬‬

‫في العاشرة‪ ،‬الحظ أحد رجال األمن الطفل‬ ‫ووالده‪ .‬كان الطفل نائما والرجل جثة هامدة‪.‬‬

‫بوح‬

‫قالت وه��ي تصلح الغطاء على وجهها‪ :‬منذ‬ ‫زمن أشعر بالحزن‪ .‬لقد توقف مرجل الحب في‬ ‫أقلق الجميع تأخرها‪ .‬أسرعت أمها وإحدى أعماقه‪ ،‬فأخذ ينفر من مواعيدي؛ يتهرب من‬ ‫أخ��وات �ه��ا‪ ،‬استقبلتهما رائ �ح��ة عبقة وابتسامة استقرارنا الموعود‪.‬‬ ‫صغيرة‪.‬‬ ‫قالت وقد أصبح وجهها قطعة من السواد‪:‬‬ ‫هزتها أختها‪ ..‬كانت متصلبة وب ��اردة‪ .‬لقد إنه يرتكب األخطاء كل يوم‪ ،‬ومع تجاوزي ذلك‪..‬‬ ‫أسلمت الروح منذ كان انتصارها‪.‬‬ ‫أخذ ذات يوم يبكي حتى تالشى‪ ،‬أصبح ذرات‪..‬‬

‫المدرج‬ ‫بسبب الفراغ‪ ،‬شعر باالختناق‪ ..‬فأخذ طفله وتوجه‬ ‫بسيارته إلى المدينة الرياضية‪ ،‬األضواء تمأل المكان‪،‬‬ ‫وصوت الرعد ومذيع يعلن نتائج المتسابقين‪.‬‬

‫حاولت جمعها‪ ..‬لكن هبت الريح‪ ..‬ولم أتمكن من‬ ‫جمع سوى بقايا‪.‬‬

‫اإلسفلت‬

‫ت��وق��ف ع�ن��د خ �ط��وط ع �ب��ور ال �م �ش��اة المرأة‬ ‫جلس في أخر المدرج الجنوبي يراقب الناس وثالثة أطفال‪ .‬اجتاز الثالثة اإلسفلت وارتقوا‬ ‫واأللعاب‪ .‬الطفل أخذ يتنقل بين المقاعد الفارغة‪ ،‬الرصيف‪.‬‬ ‫والحاجز الحديدي الذي يحمي الملعب‪ ..‬وفي‬ ‫أما هي فقد دهمتها سيارة ال تعرف االنتظار‪.‬‬ ‫الثامنة شعر الطفل بالتعب‪ ،‬فصعد المدرج ولم يتوقف قائدها حتى صدم عمود اإلضاءة‪،‬‬ ‫وجلس بجوار والده‪.‬‬ ‫الفجيعة كانت فوق احتماله فتوقف قلبه‪.‬‬ ‫* ‬

‫قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪57‬‬


‫حلوى الدماء‬ ‫ال ن������ب������ت������س������م إال ل�����ن�����ب�����ت�����س�����م‪.‬‬ ‫وال ن��������ح��������ل��������م إال ل������ن������ب������ق������ى‪.‬‬ ‫ت���ع���ل���ق���ت أح��ل�ام����ن����ا ب����ج����رس ال����وق����ت‪.‬‬ ‫ف����������������م����������������ت����������������ى ن����������������ق����������������رع����������������ه؟‬ ‫> إلهام عقال البراهيم*‬

‫ك ��ان ي �ح �ل��م‪ ..‬وم ��ا أج �م��ل احل �ل��م على‬ ‫ضفاف األمل‪.‬‬

‫قطع بنات أفكاره صوت حالم يحبه‪:‬‬ ‫‪ -‬يا عم صالح‪ ..‬يا عم صالح‪.‬‬

‫غ��رق في أح�لام بريئة‪ ،‬فرسم أحالماً‬ ‫سرمدي ًة دون أن يعلم‪.‬‬

‫وض��ع ما بيده على املنضدة الصفراء‬

‫كان مجرد حلم!!‬

‫إنه رجل عرك احلياة‪ ..‬مرها وحلوها‪..‬‬

‫الالمعة‪.‬‬

‫إن ك��ان بها طيف ح�لاوة‪ ..‬لو نظرت إلى‬

‫ينظر إليهم بشغف‪ ،‬إنهم أبناؤه‪ ،‬بل أكثر‬ ‫م��ن ذل��ك! ع��رف دواخ�ل�ه��م‪ ،‬بكى وضحك يديه وتقاسيم وجهه‪ ،‬إلى ثنايا فمه املجعدة‬ ‫معهم‪ ،‬أس � ّر إليهم وأس�� ّروا إليه‪ .‬التقاهم وعينيه الذابلتني‪ ..‬لرأيت فيها بقايا حلم‬ ‫بصمت‪ ،‬فلم يفهم حديثه س��واه��م‪ .‬بات انتحر‪ .‬كان يرمي بجسده األسمر الصغير‬ ‫يستيقظ ع �ل��ى ص ��وره ��م‪ ،‬وي �ص �ح��و على على التراب وهو يحتضن كتابا ‪ -‬أي كتاب‪-‬‬ ‫س �ط��وره��م‪( .‬ت��زوج �ه��م ب�خ�ل��وة وعاشرهم ال يهم‪ .‬يحتضن أبناءه – كتبه‪ -‬بحرارة‪ .‬ال‬ ‫بشغف)‪.‬‬ ‫ينتعل حذاء‪ ..‬فليس ذاك مهما‪ .‬فجل همه‬ ‫خاطبهم بصوت واهن ضعيف‪:‬‬ ‫ال حتزنوا‪..‬‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫أن يلتقي معشوقه‪.‬‬

‫أراد أن يكبر ليصبح معلما‪ ،‬يقدم ذلك‬


‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫احلب الكبير ألبناء الغد املجهول‪.‬‬ ‫مجد في دراسته‪ ،‬وفي وقت فراغه‪ ..‬يغرق‬ ‫هو ٌّ‬ ‫بني السطور والكلمات‪ .‬ولكن‪..‬‬ ‫أع����ل����ل ال���ن���ف���س ب�����اآلم�����ال أرقبها‬ ‫ما أصعب العيش لوال فسحة األمل‬ ‫ل��م يعلم ص��ال��ح م��ا خبأته ل��ه األق� ��دار‪ ..‬ولم‬ ‫يدر ما ينتظره‪ ..‬يرحل والده ويتركه ألحالمه‪..‬‬ ‫فماذا يفعل‪ ..‬وقد أطبقت عليه الدنيا بقسوتها‪.‬‬ ‫فكر كثيرا‪ ..‬ماذا بوسعه أن يعمل كي يبقى قرب‬ ‫أحبابه الذين تعلق بهم‪ ..‬فليس مبقدوره مواصلة‬ ‫دراسته وقد فقد املعيل‪ ،‬وأصبح معيل نفسه‪..‬‬ ‫سنحت له الفرصة أن يتعني آذنا في مدرسة‬ ‫ما‪ ..‬فحقق بذلك مراده‪ ..‬لينهل من معني مكتبتها‪،‬‬ ‫فيزداد ثقافة على ثقافة وعلما على علم بعد أن‬ ‫حالت مشيئة الباري استمراره كطالب فيها‪..‬‬ ‫هذا ما آل‪ ‬إليه حال العم صالح‪ .‬أصبح آذناً!‬ ‫لكنه سعيد بعمله‪..‬‬

‫رص �ي��ف ب � ��ارد‪ !..‬وش� ��ارع ط��وي��ل! وحشرات‬ ‫لقد أشاح بوجهه بعيداً عن أحالم كثيرة وضعها صغيرة حتوم حول الضوء األصفر الباهت!‬ ‫نصب عينيه‪ ،‬لينهي بذلك حلما طاملا راوده في‬ ‫اركض‪ ..‬اركض‪.‬‬ ‫صغره‪ ،‬وابتسامة متناها في مستقبله‪..‬‬ ‫اركض يا صالح اركض‪.‬‬ ‫يعمل راض�ي��ا مب��ا قسمه ال�ل��ه ل ��ه‪ ،..‬ويتمنى‬ ‫نظرات متالحقة‪ .،‬أنفاس متسارعة‪..‬‬ ‫انقضاء ال��وق��ت سريعا ك��ي يخلو بأحبائه‪ .‬إنه‬ ‫وشبح عجوز يسابق السراب‪!!.‬‬ ‫يستعجل ساعات العمل‪ ،‬ليتوجه إلى املكتبة كي‬ ‫يختار منها علبة حلواه اللذيذة‪.‬‬ ‫وإذا بشاحنة كبيرة مسرعة‪ ..‬تقذف جسده‬ ‫‪ ‬وينتقل ملدرسة أخرى‪ ،‬ويفرح صالح بذلك‪ ،‬الصغير إلى الرصيف‪ ..‬ليحفه ليل مظلم غاضب‪.‬‬ ‫سيلتقي بأحباء جدد‪ ،‬انتهت ساعات العمل ببطء وصوت عصفور ٍ‬ ‫باك‪..‬‬ ‫مم��ل‪ ،‬أغ�ل��ق ب��اب امل��درس��ة‪ ،‬وب�ظ�ه��ره املنحني‪..‬‬ ‫لقد رحل العم صالح وفي عينيه بقايا حلم‪..‬‬ ‫شرع يركض إلى منزله‪ ،‬حامال بني يديه أبناءه‪ .،‬ترك دم��ا ًء تبعثرت على حليته البيضاء‪ .‬وأحبة‬ ‫ولكن‪:‬‬ ‫يبكون دماً على رحيل عاشقهم‪.‬‬ ‫* ‬

‫قاصة من الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪59‬‬


‫قصص قصيرة جدا ً‬ ‫عال‬ ‫حرية كعب ٍ‬

‫> حسن علي البطران*‬

‫يبتسم ويعبس في وجوه تحوم حوله‪.‬‬

‫ينتشر ب�ي��ن المدن‬ ‫يسيران معاً جنباً إلى جنب في السوق الكبيرة‬ ‫وال �ق��رى ف�ت��ات الخبز‬ ‫في تلك المدينة‪..‬‬ ‫اليابسة‪..‬‬ ‫كعبها العالي تشتكي منه قطع الرخام‪،‬‬ ‫تنقع في الماء‬ ‫صوته يشعره أنها قريبة منه‪..‬‬ ‫وت ��ؤك ��ل ب �ع��د أذان‬ ‫يختفي الصوت فجأة‪..‬‬ ‫الفجر‪..‬‬ ‫يبحث عنها‪،‬‬ ‫ت� �ع� �ل ��ن الصحف‬ ‫يتصل بها‪ ..‬تشغل خطها‪..‬‬ ‫انجازات تلك اإلدارة‪!.‬‬ ‫وتشتعل أعصابه ناراً‪..‬‬ ‫زمزم‬ ‫ي �ع��ود إل��ى م�ن��زل��ه يكفكف دم��وع��ه‪ ،‬تفاجئه‬ ‫(بنهوصة) هو يحبها‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫يهديها ورقة حريتها دون تردد‪!.‬‬

‫براءة حمراء‬

‫بكى طفلها ذو الثالث سنوات‪ ،‬تهادل ثدياها‪،‬‬ ‫أمسك أحدهما‪،‬‬

‫يجري خلفه‪ ،‬كلما أحس بلهاثه‬ ‫تتسع خطاه‪..‬‬ ‫فجأة يقف ويعطيه قارورة ماء‪..‬‬ ‫يطرد عطشه ويعاود الجري خلفه‪،‬‬ ‫يزيد من عدد خطواته خوفاً منه‪..‬‬ ‫يتمنى لو يمتلك بئر زمزم‪!.‬‬

‫كوته بنظراتها‪..‬‬ ‫أح��دق النظر فيهما وت�ق��اط��رت ال��دم��وع من‬ ‫عينيها‪،‬‬

‫أكباد طرية‬

‫يرمي حمولته على رمال شاطئه‪،‬‬ ‫أشعه الشمس الصفراء في رحلة هروبها‪..‬‬

‫يركض خلفها مسرعاً‪..‬‬ ‫ج�س� ٌد نحي ٌل يتوسد حفنة رم ��ال‪ ،‬وتالمس‬ ‫ت�ت��ذك��ر لياليها ال �ح �م��راء وطفلها بجوارها رجاله مياه البحر‪..‬‬ ‫يتأملها بابتسامة‪ ،‬وهي في ذات اللون األحمر‪!..‬‬ ‫طف ٌل يعيد إليه لفافة التبغ التي سرقها منه‪،‬‬

‫إنجاز‬

‫يمأل كرسيه‪ ..‬يصدر أوامره‪..‬‬ ‫أكاليل الورد تمأل فضاءات مكتبه‪..‬‬ ‫* ‬

‫‪60‬‬

‫قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫يبتسم الشيخ الكبير ويرحل الطفل عنه‪،‬‬

‫ي�ص�ح��و وم �ي��اه ال �ب �ح��ر ت �ق��ذف ال �ط �ف � َل على‬ ‫الشاطئ جث ًة هامدة جوارها لفائف‪!!..‬‬


‫األرض قد طُ ويت لي يا أمّي‪ ..‬فصرتُ‬ ‫َ‬ ‫وكأنَّ‬ ‫أقط ُع منها أمياالً بلمح البصر‪..‬‬

‫> نور اجلندلي*‬

‫كلماته جاءت أخيراً مثل الغيث‪ ..‬نديّة‪ ،‬محمّلة‬ ‫بخصب الحياة وروحها‪ ..‬وكم انتعشت!‬

‫كنسر حرّ!‬ ‫ٍ‬ ‫حركاته كانت قليلة‪ ،‬لكأنها ن ��داءات ألسبر‬ ‫وكأنّ كنوز سليمان قد أظهرت نفسها أخيراً‪ ،‬باطنه بدهاء‪ ،‬وبين الحركة والحركة خيّم سكو ٌن‬ ‫وكشفت عنها النّقاب فبات بين ي��ديّ الياقوتُ عميق‪.‬‬ ‫واللؤلؤ والمرجان!‬ ‫آه‪ ...‬ما أبهى السكون برفقة حكيم!‬

‫ق���������ص���������ص ق������ص������ي������رة‬

‫ليل ٌ‬ ‫رب حكيم‬ ‫ة ُق َ‬

‫كون غير مرئيّ ‪ ،‬أحلّق فيه‬ ‫وكأنّي مسافرةٌ إلى ٍ‬ ‫ن�ظ��ر إل� ��يّ ‪ ..‬ف �ع��رف اس �م��ي دون أن أنطق!‬ ‫كمخلوق خفيّ !‬ ‫ٍ‬ ‫حاورني بأغلى ما يملك‪ ،‬وكم حاولت أن أتسلّق‬ ‫أفت ُح أقفال المغاور البعيدة‪ ،‬فتنطرح كنوزها آفاقه‪..‬‬ ‫فضياً‪ ،‬وورد ًة من‬ ‫بين ي��ديّ ‪ ..‬وأختا ُر منها قلماً ّ‬ ‫ضعيف ٌة أنا يا أمّي وهو قويّ ‪..‬‬ ‫إليك!‬ ‫نرجس بريّ ‪ ..‬ث َّم أعو ُد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫طامع ٌة أنا به‪ ،‬بك ّل ما لديه‪ ،‬وهو عظيم جداً‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫آه يا أمّي لو تعلمين أين كنتُ الليلة‪..‬‬ ‫لعذرت سخيٌّ سخيّ ‪.‬‬ ‫اندهاشي‪ ،‬وفرحتي‪ ،‬ودموعي‪..‬‬ ‫جلس ج��واري فلم يملّ‪ ،‬ساهرني ليلة‪ ..‬ما‬ ‫ِ‬ ‫لو تعلمين م��اذا رأي��تُ !!‪.‬‬ ‫لفهمت س ّر البريقِ أروع �ه��ا! وك��م ح��اول��تُ إب�ق��ائ��ي متيقّظة‪ ،‬ك��ي ال‬ ‫في عينيّ ‪..‬‬ ‫يفوتني من معانيه شيء!‬ ‫انظريّ اآلن إليّ وحدّقي‪ ..‬ستسعدين‪!..‬‬ ‫قُبي َل الفجر‪ ..‬أرخيتُ رأسي على كتفيه‪..‬‬

‫أال ترين تحوّلي‪ ،‬وتغيّر حالي؟ ألم تري شيئاً‪..‬‬ ‫سأخبرك عنه ك ّل شيء!‬ ‫ِ‬ ‫تعالي واقتربي‪..‬‬ ‫غامض‪ ..‬فهو حكيم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بصمت‬ ‫ٍ‬ ‫ناداني‬

‫الغامض‬ ‫ِ‬ ‫الصامت‪ ،‬والنداء‬ ‫يجيد لغة الكالم ّ‬ ‫من بعيد‪..‬‬

‫ومع الصفحة األخيرة منه غفوت‪..‬‬ ‫أحل ُم بمملكتي األسطوريّة‪ ،‬أحلم بقصر شيّده‬ ‫لي على سطح القمر‪ ..‬وعرشي اللؤلؤي!‬ ‫ولمّا صحوت‪ ..‬كان قد غادرني ورحل!‬ ‫لكنه لم يغادر عينيّ ‪..‬‬

‫ون �ظ��رتُ ف��ي عينيه ف��رأي��تُ ل �غ��زاً‪ ،‬حلماً لم‬ ‫دثّرني بغطاء حكمته‪ ،‬وأف��اض عليّ من نور‬ ‫أفهمه‪ ،‬وم��ا استفهمت! ب��ل سعيتُ ألبحث عن‬ ‫علمه‪ ،‬ودفق رعايته‪..‬‬ ‫معناه بكدّي‪ ،‬فأجبته صمتاً في صمت‪.‬‬ ‫كان نوراً يتألأل قربي‪ ،‬نظراته تحوي ك ّل لغات‬ ‫العالم‪ ،‬ولغاتاً أخرى لم أعهدها من قبل!‬ ‫* ‬

‫آه يا أمّي لو تعلمين أين كنتُ الليلة؟!‬

‫لقد كنت قرب كتابي‪ ..‬كنتُ قُربَ حكيم!‬

‫قاصة من سوريا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪61‬‬


‫قصة لألطفال‬

‫دجاجة هاشم‬

‫> إبراهيم شيخ مغفوري*‬

‫في قريتنا المنافسة في كل شيء‪ ،‬عادة مكتسبة عند أهل القرية؛ إذا اشترى أحدهم شيئا تنافس‬ ‫الباقون في اقتناء ذلك الشيء مهما كان ثمنه! ذات مرة‪ ،‬انتشرت ظاهرة تربية الدجاج‪ ،‬سارع اآلباء‬ ‫في اقتنائه نزوال عند رغبة األبناء‪ .‬طلبت من أبي دجاجة مثل باقي األوالد‪ ،‬لكني رجوته أن تكون‬ ‫دجاجة مميزة‪ ،‬تختلف عن باقي الدجاج‪ .‬لبى والدي طلبي‪ ،‬فقصد سوقا شعبية في مدينة تبعد عن‬ ‫قريتنا نحو ثالثين كيلوا مترا‪ ،‬وصل إليها بعد عناء ومشقة‪ ،‬بحث عن دجاجة مميزة‪ ،‬وجد طائرا‬ ‫كبير الحجم له ساقان طويالن ورقبة طويلة يشبه الدجاجة تماما‪.‬‬ ‫ق��ال في نفسه‪ :‬ه��ذه الدجاجة المختلفة عن األوالد ف��ي ال �ش��وارع‪ ،‬ركبت على ظهرها‪ ،‬كانت‬ ‫تمشي بي‪ ،‬وكأنني على ظهر جمل‪.‬‬ ‫دجاجات أوالد القرية التي طلبها ابني هاشم‪.‬‬ ‫أخذت األطفال الغيرة من دجاجتي‪ ،‬فأرادوا أن‬ ‫يقتنوا مثلها ولو بأغلى األسعار‪ ،‬طافوا أكثر األسواق‬ ‫الشعبية المنتشرة في منطقتنا‪ ،‬ولم يحصلوا على‬ ‫مثلها‪ .‬وف��ي ي��وم من األي��ام مر رج��ل بقريتنا معه‬ ‫دجاجة كبيرة مثل دجاجتي‪ ،‬وكاد الناس أن يقتتلوا‬ ‫عليها‪ ،‬حتى أوصلوا سعرها أضعاف ما شريت به‬ ‫دجاجتي‪ ،‬لكن صاحبها رفض بيعها‪.‬‬

‫استحى أبي أن يسأل عن نوع ذلك الطائر‪ ،‬كي‬ ‫ال يقال عنه بدوي ال فهم لديه‪،‬فاعتمد على ما‬ ‫ق��رره فكره أنها دجاجة كبيرة مميزة عن باقي‬ ‫الدجاج وحسب‪ .‬اشتراها أبي بالسعر الذي طلبه‬ ‫صاحبها‪ ،‬وكانت مربوطة بحبل في رقبتها‪ ،‬قادها‬ ‫أبي منه‪..‬فانقادت له‪ ،‬أش��ار بيده إلى ظهرها‪،‬‬ ‫بركت كأنها تطلب منه أن يعتلي ظهرها‪ ،‬ركب‬ ‫وضعت دجاجتي ث�لاث بيضات كبيرة الحجم‪،‬‬ ‫عليها‪ ،‬انطلقت ب��ه ف��ي الطريق ال��ذي يوجهها فقست البيضات ثالثة طيور كبيرة الحجم تشبه‬ ‫ل��ه‪ ،‬تمسك ك��ي ال يقع ع��ن ظهرها‪ ،‬تعجب من أمها‪ ،‬رأى أطفال القرية فِ ��راخ دجاجتي‪ ،‬تجددت‬ ‫دجاجتي‪ ،‬فهو ل��م ي��ر ف��ي حياته دج��اج��ة يركب رغبتهم في اقتناء مثلها‪ ،‬لكن أبي رفض بيعهم منها‪.‬‬ ‫اإلنسان على ظهرها‪.‬‬ ‫سمع أهل القرى والمدن من حولنا بدجاجنا‬ ‫وص��ل إل��ى ال�ق��ري��ة‪ ..‬وتعجب أه��ل القرية من الكبير الحجم‪ ،‬ف�ت��واف��دوا لرؤيتها‪ ،‬ضحك أحد‬ ‫دجاجتي التي اشتراها لي أبي‪ ،‬ولما رأيتها خفت الزوار منا ونحن نتحدث عن دجاجنا‪ ،‬فسألناه عن‬ ‫منها‪..‬اقتربت منها بعد أن طمأنني أب��ي‪ ،‬ركبتها سبب ضحكه فقال‪:‬‬ ‫ألول م��رة‪ ،‬وك��ان أبي بجانبي حتى تعودت عليها‪،‬‬ ‫هذا الطائر الكبير الذي يشبه الدجاجة يقال‬ ‫أخ ��ذت خطامها‪ ،‬طفت بها ف��ي ال�ق��ري��ة‪ ،‬تبعني له نعامة‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪62‬‬

‫قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫> سلطان السبهان*‬

‫قلب كقلب الطيرِ ‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫غاد َر مرفأَ ْه‬ ‫بادٍ عليهِ حنينُهُ‬ ‫لو خ َّبأَهْ!!‬

‫بأس …‬ ‫ال َ‬ ‫لكنْ من يعيدُ قصائد ًا‬ ‫فت على أجفانِ نا‪..‬‬ ‫ذُ رِ ْ‬ ‫متأللئة‪..‬؟‬

‫شهران يقرأ ما تيس َر‬ ‫ِ‬ ‫من عَ نا‪..‬‬ ‫المواج ِع أخطأ ْه‬ ‫ِ‬ ‫ال سَ هْ َم في جَ ي ِْب‬

‫بأول ِض ْحكةٍ‬ ‫مَ نْ ليْ ِ‬ ‫قد أيقظَ ْت‬ ‫حمائم‬ ‫ٍ‬ ‫خمس‬ ‫َ‬ ‫في الصدرِ‬ ‫متوضئهْ‪..‬؟‬

‫الرسائل يو َم أن حلَّ الشتا‬ ‫ِ‬ ‫كل‬ ‫ألقيتِ ها بقساوٍ ةٍ للمدفأةْ!!‬ ‫كنت غي َر روايةٍ أرجَ عْ تِ ها‬ ‫ما ُ‬ ‫للرف‪..‬‬ ‫ِّ‬ ‫أل الر َئ ْة‬ ‫بعد تنهُّ ٍد م َ‬ ‫باسم ًا‬ ‫ودخلت في البروازِ وجه ًا ِ‬ ‫ِ‬ ‫نحوي نَظر ًة مستهزئ ْة‬ ‫ْ‬ ‫ترميْنَ‬ ‫الليل‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫تمحو بقايا‬ ‫قرطاسها‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫خَ جَ الً‪..‬‬ ‫وتنفُ ُث ُحلْمَ ها متبرّئ ْة‬ ‫ال تعجبي‪..‬‬ ‫سقط ُت قصيدةً‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫إما‬ ‫فاليأس ينخرُ تحتَ شَ وْقيْ المنسأ ْة‬ ‫ُ‬ ‫عجب ًا …‬ ‫الشك يمطرُ‬ ‫ِّ‬ ‫سحاب‬ ‫ُ‬ ‫في دَميْ‬ ‫أوقدت ُحلْم ًا أطفأهْ!!‬ ‫ُ‬ ‫أ َو كلما‬ ‫* ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫قلب كقلب الطيرِ‪..‬‬ ‫ٌ‬

‫مَ نْ ليْ بطاوُ وسَ ي ِْن‬ ‫قد نهضا معاً‪..‬‬ ‫ْري‬ ‫من نَظرةٍ ربَطَ ْت مَ صي ْ‬ ‫بامرأةْ‪..‬؟‬ ‫طَ يْرٌ أنا‪..‬‬ ‫جناحهِ‬ ‫ِ‬ ‫والجرحُ تحتَ‬ ‫من يُ قنِ عُ األشعا َر‬ ‫أ َّال َتنْكأَهْ؟!‬ ‫وغرقت في األشجارِ‬ ‫ُ‬ ‫أقر ُأ عمرَنا‬ ‫غصن مُ لتَوٍ‬ ‫ٌ‬ ‫والحب‬ ‫ُّ‬ ‫لن نقرأَ ْه‬ ‫حاولت فه َم البردِ فيْ‬ ‫ُ‬ ‫الضحى‬ ‫دفءِ ُّ‬ ‫فوجدت أنَّ القلبَ‬ ‫ُ‬ ‫غا َد َر مرفأَ ْه‬ ‫انتهت‬ ‫ْ‬ ‫إن كانَ ظنُّ ِك أن دُ نيانا‬ ‫فألنت يا دُ نيايَ …‬ ‫ِ‬ ‫خطئةْ‪]..‬‬ ‫[‪..‬أصدَقُ مُ ِ‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪63‬‬


‫متارين الوحش‬ ‫> أحمد املال*‬

‫لم أعد متيقن ًا مما رأيت‪،‬‬

‫يمكث فيَّ النها ُر‬ ‫ُ‬

‫شككت طوي ًال في براعةِ النوم‪،‬‬ ‫ُ‬

‫ويترقّ ُب نزول العتمة‪.‬‬

‫شككت في الليل‪،‬‬ ‫ُ‬

‫أستيقظ كلَّ ليلةٍ‬ ‫ُ‬

‫بيدين عاريتين‬ ‫ِ‬ ‫أنهرُ الحل َم‬

‫رابض يتأهب‬ ‫ٍ‬ ‫على زئيرٍ‬

‫ملطخ‬ ‫ٌ‬ ‫فزعي‬

‫أستيقظ‬ ‫ُ‬

‫لزج وحار‪.‬‬ ‫بدمٍ ٍ‬

‫تقدحان شهو ًة حمراء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عينين‬ ‫ِ‬ ‫على‬

‫الناس‬ ‫َ‬ ‫اعتزلت‬ ‫ُ‬

‫لم أكن متيقن ًا مما أريد‬

‫ولزمت الجبلَ العالي‪.‬‬ ‫ُ‬

‫حاولت مرار ًا‬ ‫ُ‬

‫شققت الصد َر‬ ‫ُ‬ ‫هناك‬

‫يألف ويأنس‪.‬‬ ‫ريثما ُ‬

‫هناك في البرّيةِ‬

‫سلكت طرق ًا ليليةً ‪ ،‬طويلةً ومعزولةً‬ ‫ُ‬

‫اندفعت مخالبُهُ بصرخةٍ ضاريةٍ‬ ‫ْ‬

‫رفعت صوتَ غناءٍ صاخب‬ ‫ُ‬

‫ومن حجرٍ إلى حجرٍ وثبَ‬

‫ِّض عوا َء ُه‬ ‫ليرو َ‬

‫بخفةِ الوعل‬

‫رمل‬ ‫أجري في ٍ‬

‫وتربّص النمر‪.‬‬

‫وأشق الجيبَ علّه يبترد‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫دت ظه َر ُه‬ ‫مس ُ‬ ‫َّ‬ ‫فانقدحت شرار ُة المكرِ في فرائهِ‬ ‫ْ‬

‫باألثقال‬ ‫ِ‬ ‫أعس ُف شكيمتَهُ‬ ‫ِ‬

‫تقوّسَ ْت براثنهُ ‪،‬‬

‫والجوع‪.‬‬

‫ّقت أنيابُهُ المصقولةِ ‪،‬‬ ‫وتفت ْ‬

‫أطوي ثيابي‪ ،‬ليتم ّر َغ الهجينُ في عُ ريِ ه‪.‬‬

‫ومن القمرِ ارتف َع بصرُ ُه‬

‫�����واك‬ ‫���وص أق����دامُ ����ه ب��ي��ن األش ِ‬ ‫ح��اف��ي��ةً ت���غ ُ‬

‫ثاقب ًا الليل‪.‬‬

‫واألحجار‬ ‫تتفطرُ األظافرُ‬

‫البيت‬ ‫ِ‬ ‫عدت إلى‬ ‫ُ‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫يوقظ غريز َة النَّدم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ربما الحافرُ‬


‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫كلَّ ليلةٍ أحملُه قبلَ أن ينفلتَ‬ ‫وأُطلقُ عواءَه في الخالء‪.‬‬ ‫الوحش في صدري‬ ‫ُ‬ ‫يتفتَّحُ‬ ‫كطفل مدل ٍَّل أصابَه الربو‬ ‫ٍ‬ ‫واختنقَ‬ ‫غافلت الجيران‬ ‫ُ‬ ‫داريت األهلَ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وكلما اشتدَّ تْ أزمتُ هُ‬ ‫أطلقتُ هُ في البريَّة‬ ‫ينهش في الليل‬ ‫ُ‬ ‫حتى يكتن َز القمر‬ ‫متورِّم ًا وأزرق‪.‬‬ ‫القنص‬ ‫ِ‬ ‫في الفجرِ يعودُ من‬ ‫مبتهج ًا والدَّ مُ ي َُشرُّ من ثناياه‬ ‫ويلوذُ بقفصي‪،‬‬ ‫نفخات الفولتارين‬ ‫ِ‬ ‫أَمضغُ‬ ‫ليدخلَ في خَ دَرٍ الكواس َر‬ ‫الضحى‬ ‫يسقط في نومِ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وفي الحذرِ أتنفس‪.‬‬ ‫كلَّ نهارٍ أصحو‬ ‫األعين‪ ،‬أ ُِعدُّ اإلفطا َر من‬ ‫ِ‬ ‫أكشط الدّ َم قبلَ بزوغِ‬ ‫ُ‬ ‫راشهِ ‪ ،‬أغتسلُ ‪..‬‬ ‫المنهك من فِ ِ‬ ‫َ‬ ‫أسحب جسديَ‬ ‫ُ‬ ‫وبخفَّ ةٍ‬ ‫لحم‪ ،‬أترفقُ بالقهوةِ ‪ ..‬أسمرِ الخبزِ ‪ ..‬أضعُ العسلَ في زجاجةٍ ‪ ،‬وأزيِّنُ ِمزهريةً بيضا َء بابتسامةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غيرِ‬ ‫بال أنياب‪.‬‬ ‫الليل الحرِّيفةِ من هوائهِ ‪ ،‬أتسللُ بطمأنينةِ الغدر‪ ،‬أُحصي‬ ‫ِ‬ ‫البيت‪ ،‬وتنطفئُ رائحةُ‬ ‫ُ‬ ‫بعد أن يطمئنّ‬ ‫وأشمُّ‬ ‫فرائس البارحةِ ‪ ،‬وأَدف��نُ ُجثث ًا ممزّقةً ‪ ،‬أُواسي المصابينَ وأعالجُ الجرحى‪ ،‬وأُحصي الطرائدَ‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫صيدها المعتادِ قبلَ جهامةِ الليل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مكانَ‬ ‫* ‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪65‬‬


‫مبقدار ِ الهوى يتحر َّ ُ‬ ‫ك الفضاء‬ ‫> عبدالله علي األقزم*‬

‫الحب‬ ‫ِّ‬ ‫هذا فضاءُ‬

‫حيط ِك‬ ‫وعلى مُ ِ‬

‫يسكنُ أضلعي‬

‫كلُّ أجزائي بهِ‬

‫مُ دُ ن ًا‬

‫هلْ تـُبـتـ َلى‬

‫تـُزاولُ ُحرف َة األشواق ِ‬

‫وشقاق ِ‬ ‫بـتـشـتـ ُِّت ِ‬

‫وعلى تفاصيل ِ الجَ مَ ال ِ‬

‫بطيف ِك‬ ‫ِ‬ ‫وأنا‬

‫نسجت ِمنْ‬ ‫ُ‬

‫قلبت المستحيلَ‬ ‫ُ‬ ‫قدْ‬

‫عينيك‬ ‫ِ‬

‫كواكب ًا‬

‫سيلَ العاشق ِ الخالق ِ‬

‫بدم ِ األذان ِ‬ ‫وبهجةِ المُ شتاق ِ‬

‫فيك‬ ‫وحملت ِ‬ ‫ُ‬

‫‪66‬‬

‫األرض‬ ‫َ‬

‫هذا جميعُ ِك‬

‫طينة َ آدم ٍ‬

‫ذائب‬ ‫في جميعي ٌ‬

‫فتلوتـُهـا عطر ًا‬

‫فسكبت فيهِ‬ ‫ُ‬

‫وترجمة ً لخير ِ وفاق ِ‬

‫حرائقَ العُ شـَّاق ِ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫ـصت كل َِّك‬ ‫لخـَّ ُ‬

‫وتـصوُّ في‬

‫في ضلوعي كلِّـهـا‬

‫حاالت الهوى‬ ‫ِ‬ ‫بجميع ِ‬

‫أسطورة ٌ‬

‫صمت‬ ‫ٌ‬

‫بفواصلي وسياقي‬

‫يضجُّ برحلةِ استنطاق ِ‬

‫والواقفونَ‬

‫وأنت‬ ‫وأنا ِ‬

‫ِّـك‬ ‫أما َم ظل ِ‬

‫جزيرتان ِ بنقطةٍ‬

‫تنس ٌـك‬ ‫عالِ مٌ مُ ِّ‬

‫سطعت‬ ‫ْ‬

‫صدا ُه فـي ِـك‬

‫برائعةٍ ِمنَ األخالق ِ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫وأنا هنا‬

‫حدائقي ورفاقي‬ ‫ما أجملَ األحضان ِ‬ ‫ُّص‬ ‫كيف التخل ُ‬ ‫َ‬

‫في لغةِ الشذا‬

‫ِمنْ تفاصيل ِ الهوى‬

‫وتشاب ُِك األعماق ِ باألعماق ِ‬

‫وخريطة ُ النبضات ِ‬ ‫قدْ خ ُـتـِمَ ْت بدون ِ تالق ِ‬

‫ما أرو َع النهريْن ِ‬ ‫توحـدا‬ ‫حينَ َّ‬

‫أينَ اللِّـقـاءُ‬

‫في ثغرِ وردٍ ساحر ٍ‬

‫إذا طريقـ ُِك في دمي‬

‫رقراق ِ‬

‫لمْ يختم ْر بـتـودُّ دي‬ ‫وعناقي‬ ‫ِ‬

‫الحب‬ ‫ُّ‬ ‫هذا فضاءُ‬ ‫أصبحَ ها هنا‬

‫كيف الفراقُ‬ ‫َ‬

‫رئة ً‬

‫وظل ُِّك العطشانُ‬

‫ألسطر ِ هذهِ األوراق ِ‬

‫مربوط بنار ِ فـراقي‬ ‫ٌ‬ ‫* ‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪67‬‬


‫ن َ ْب ُ‬ ‫ش الر ُّ َفات‬

‫> صالح الدين الغزال*‬

‫���ب بِ ��ل��اَ قَ��� َل ِ���م‬ ‫إس ِ���م���ـ���ي عَ ���لَ���ى ال���قَ��� ْب���ـ���رِ فَ���لْ���تَ���كْ ���تُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ���م���ي‬ ‫���ت إِ لَ������ى أَل ِ‬ ‫ْ���ص ْ‬ ‫ال تُ���ن ِ‬ ‫ُ�����ش ُرفَ����اتِ ����ـ����ي َو َ‬ ‫وَانْ�����ب ْ‬ ‫����ب‬ ‫���س ِ���م���ـ���ي بِ ���ل���اَ سَ ���� َب ٍ‬ ‫قَ�������دْ مَ �����زَّ قُ �����ـ�����وا إِ َرب������ـ������ ًا ِج ْ‬ ‫َاس�����تَ����� ْولَ�����وْا عَ ��� َل���ى ُحل ُِمي‬ ‫َوأَ ْوقَ������������دُ وا ال��� َّن���ـ���ا َر و ْ‬ ‫�����ح�����ـ�����زْنُ فِ �����ي قَ���لْ���بِ ���ـ���ي ُأكَ������ابِ ������دُ ُه‬ ‫������ت وَال ُ‬ ‫َص������ر َْخ ُ‬ ‫َ���ص ِ���م‬ ‫هَ ������لْ فِ �����ي مَ �������دَى أُفُ ِ����ق����ـ����ي ِص��� ْن���ـ���وٌ لِ ���مُ ���عْ ���ت ِ‬ ‫���ل��ا هَ ������د ٍَف‬ ‫����ت هَ ���������دْ ر ًا بِ َ‬ ‫����ض ْ‬ ‫������ش������رُ ونَ عَ ����ام���� ًا مَ َ‬ ‫عُ ْ‬ ‫َ�������م‬ ‫������ح������ي دُ ونَ�����مَ �����ـ�����ا دِ ي ِ‬ ‫أَرْثِ ������ـ������ي لِ ����ح����ـَ����الِ ����ي وَرِ ي ِ‬ ‫َ���ف‬ ‫ال سَ ���ق ٌ‬ ‫َ���اج���ي��� َه���ـ���ا َو َ‬ ‫���ح���تِ ���ـ���ي ُأن ِ‬ ‫ْض َت ْ‬ ‫ال أَر َ‬ ‫َ‬ ‫����س����مَ ����اءِ ِس�������وَى مَ ������نْ َص�����������ا َدرُوا كَلِ ِمي‬ ‫ِم������نَ ال َّ‬ ‫����ج����ـ����وعِ وَاأل َْس�����مَ �����ـ�����الُ بَ���الِ ���يَ���ةٌ‬ ‫������ن ال ُ‬ ‫َ���ح���كِ ���ي عَ ِ‬ ‫ي ْ‬ ‫َ���م‬ ‫���س���ق ِ‬ ‫أَ ْزرَى بِ ������هِ ال����قَ����هْ ����رُ مَ ���نْ���هُ ���وك���ـ��� ًا ِم������نَ ال َّ‬ ‫لَ������مْ يَ���عْ ���لَ���مُ ���ـ���وا أَنَّ����نِ ����ـ����ي قَ������دْ سَ ���اقَ���نِ ���ـ���ي َق����ـ���� َد ٌر‬ ‫َ���ت ِع����نْ���� َد ال���لِ ��� َق���ـ���اءِ د َِم����ي‬ ‫َ���ح���ـ��� َو الَّ����تِ ����ي سَ ���فَ���ك ْ‬ ‫ن ْ‬ ‫اش����تَ����مَّ ���� َه����ـ����ا أَحَ ����ـ����دٌ‬ ‫ظَ ���نَ���نْ���تُ ��� َه���ـ���ا زَهْ �������ـ������� َر ًة مَ ������ا ْ‬ ‫�����ض ال َغن َِم‬ ‫�����س إِ ْذ دُ ْس���تُ ��� َه���ـ���ا فِ ����ي مَ ����� ْر َب ِ‬ ‫بِ �����األَمْ ِ‬ ‫���ط���ى مَ فَاتِ َنهَـا‬ ‫���ش���ـ���و ِْك قَ�����دْ غَ َّ‬ ‫ْ����ت بِ ���ال َّ‬ ‫����وج����ئ ُ‬ ‫فُ ِ‬ ‫������ت قَ���د َِم���ـ���ي‬ ‫كَ����أَنَّ���� َه����ـ����ا قُ ����نْ����فُ ����ـ����ذٌ َق����ـ����دْ أَفْ ������زَعَ ������ـ ْ‬ ‫�����ج�����ـ����� ْر َح َت����نْ���� َك����ـ����ؤُ ُه‬ ‫َ���س���ي���تُ ��� َه���ـ���ا غَ ���� ْي����ـ���� َر أَنَّ ال ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫���وب إِ ذَا مَ �����ا اقْ ����تَ����ادَهَ ����ـ����ا َن����د َِم����ي‬ ‫رِ ي�������حُ ال���جَ ��� ُن���ـ ِ‬ ‫َاب بِ هَا‬ ‫����ك قَ������دْ عَ ����ـ����اثَ ال����غُ ����ـ����ر ُ‬ ‫ُج�����������دْ رَانُ قَ����لْ����بِ ِ‬ ‫ْ����ف وَال���تُّ ���ه َِ���م‬ ‫َ���ح��� َو ال����زَّ ي ِ‬ ‫ْ���ظ ن ْ‬ ‫َاس���تَ���اقَ��� َه���ـ���ا ال���قَ���ي ُ‬ ‫و ْ‬ ‫َ����ح����ـ���� َذ ْر بَ����وَائِ ���� َق����ـ����هُ‬ ‫������اس فَ����لْ����ت ْ‬ ‫�����ع�����ـ�����رْقُ د ََّس������ـ ُ‬ ‫ال ِ‬ ‫����م‬ ‫ال يَ���� ْر ُن����ـ����و إِ لَ�������ى ال����رِّمَ ِ‬ ‫ْ����ث إِ نْ جَ �������ا َع َ‬ ‫وَال����لَ����ي ُ‬ ‫* ‬

‫‪68‬‬

‫شاعر من ليبيا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫محمد عبدالعزيز العتيق*‬ ‫>‬ ‫ّ‬

‫هُ ��������� َو ض���ائ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ق‪ ،‬ف�����ي�����هِ ع������ي������ونٌ غ����ارق����ـ���� ْة‬ ‫ف���ي���ه���ا زم����ـ����ـ����ـ����ـ����انٌ ‪ ..‬ص����ـ����ـ����ا َح ِم�����مّ �����ا ف���ار َق���ـ���ـ���ـ��� ْه‬ ‫أض�����ف�����ى ع����ل����ي����ه ال������ح������زن ك�����س�����وة م������وتِ ������هِ ‪،‬‬ ‫ف����ت����ق����دّ م ال���ض���ي���ق ال�����ش�����دي�����د‪َ / ..‬وع����ان���� َق����ـ���� ْه‬ ‫������رج������ع م���ث���خ���نً���ا‪..‬‬ ‫�������م‪ ،‬ي ِ‬ ‫ي�����غ�����دو خ�����ل�����يّ ال�������ه ِ ّ‬ ‫����وت ف����ي أع���ط���افِ ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ه ق����د ض���اي��� َق���ـ���هْ!‬ ‫ب����ال����م ِ‬ ‫ل�������و ك�����������انَ ي������ق������در أن ي��������ف��������ارِ ق ن����ف����س����ـ����هُ ‪،‬‬ ‫���س���م���ت‪ ..‬ف���ي���هِ ال��ح��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُة اآلب���� َق����ـ����ةْ‪،‬‬ ‫ل���ت���ب ّ‬ ‫خ���������ارَت ق���������وا ُه َو را َح ي��س��ت��س��ق��ي األسَ �����ـ�����ى‪،‬‬ ‫��راب ع���ال��� َق���ـ���ه‪..‬‬ ‫ي����ا وي������ل رُوح‪ ،‬ف����ي س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ٍ‬ ‫م������ن وج����������ده م������ا عَ ������ـ������اد ي�����ع�����رف ص���ح��� َب���ـ���هُ‬ ‫ف������إذا ال����ه����مُ ����ومُ أت�����ت إل��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��هِ مُ صاد َق ــة!‬ ‫ي������ج������رِ ي إل�����ي�����ه ال���������ح���������زنُ ‪ ..‬ي����ب����غ����ي ن���ي���ل���ه‪،‬‬ ‫������روب؟ َو ذي ال���م���آس���ي س���اب��� َق���ـ���هْ!‬ ‫ُ‬ ‫أي������ن ال������ه‬ ‫ش�����لّ�����ت ب������ه األح�������ل�������امُ ‪ ،‬م�����ا َت�����ـ�����ت غ�����ف����� َل�����ةً ‪..‬‬ ‫����ل ص���ادِ َق���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���هْ!‬ ‫���ش���م���ـ���ت آم��������ال ط����ف ٍ‬ ‫ف���ت���ه ّ‬ ‫ـاه ـ ـ ـ ـ ٌـج‪،‬‬ ‫ي�����ا وي�������لَ�������هُ ‪ ..‬ت�����أتِ �����ي إل����ي����ه مب ِ‬ ‫���������دي ال����م����آتِ ����ـ����م‪ ..‬ح���ان��� َق���ـ���ـ���ـ���ةْ!‬ ‫�����ردّهَ �����ـ�����ا أي ِ‬ ‫فَ�����ت ُ‬ ‫�����م ق�����د ُش�����وهَ �����ـ�����ت‪..‬‬ ‫ف�����ي ف����ي����هِ ض����ح����ك����ةُ ه�����ائ ٍ‬ ‫ف���ت���س���ـ���ـ��� ّر َب���ت م���ن���ه ال���ح���ك���اي���ـ���ـ���ا مـارِ َقـ ـ ـ ـةْ!‬ ‫ي������ت������ط������اولُ األف������������������رَا َح ي����ب����ك����ي دُ ون������ َه������ـ������ا‪..‬‬ ‫م����ن ق��ب��ل�� َه��ـ��ا أع����م����اقُ تِ ���ي���ـ���ـ���ـ���هٍ ‪ ..‬عائِ قـ ـ ـ ـةْ!‬ ‫�������وت ال ت�����ط�����ي�����قُ س�����م�����اعَ �����ـ�����هُ !‬ ‫غ������نّ������ى ب�������ص ٍ‬ ‫����������زن‪ ..،‬واألغ����ان����ـ����ي ال����وام����قَ����ةْ‪،‬‬ ‫م����ن ف�����رط ح ٍ‬ ‫����م����ه‪..‬‬ ‫����ت روايَ�������������ةُ ُح����ل ِ‬ ‫ف�����ي ح����ل ِ����ق����ه اح����ت����ب����سَ ْ‬ ‫����د‪ / ،‬األم����انِ ����ي الخانِ قَـةْ!‬ ‫ي���ا ق����س���� َو َة ال����وج ِ‬ ‫ي������ا ل�����ه�����ف�����هُ ‪ ،‬وال�����ض�����ي�����قُ أذ َب��������ـ��������لَ ع�����ي�����نَ�����هُ ‪..‬‬ ‫ق�����لْ ل����ي ب����ربّ����ك م����ن ت��������رى‪ ..‬ق�����دْ ض���اي��� َق���ـ���هْ؟‬ ‫* ‬

‫ش������������������������������������ع������������������������������������ر‬

‫ه َو ضائق‪!..‬‬ ‫ُ‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪69‬‬


‫وداع‬ ‫> ثاني احلميد*‬

‫حين يبكي القلب ال تجف الدموع ‪ .‬مشاعر نبثها بعد ف��راق الصديق أبو‬ ‫عبدالله فهد الزايد وزوجته رحمهما الله إثر حادث مروري‪.‬‬ ‫ن�����س�����ت�����ودع ال������ل������ه ِخ�������ًّل�������ًّاً ل�������م ن���ودع���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ه‬ ‫ق��������د ف�����ج�����ر ال��������ح��������زن ف��������ي األع���������م���������اق م����ص����رع����ه‬ ‫م��������ا ص�������������دَّ ق ال������خ������اط������ر ال�������م�������وت�������ور م��������ن خ����ب����رٍ‬ ‫ب����ـ����ـ����ل ص����ـ����ـ����ـ����ار ي���ك���ت���م���ه ط�����ـ�����ـ�����ورا ويمنع ـ ـ ـ ــه‬ ‫ق��������د ك�����������ان ح������ق������ا أخ�����������ا ص����������������دْ ٍق وم����ك����رم����ـ����ـ����ـ����ةٍ‬ ‫ون����ائ����ـ����ـ����ـ����ـ����ل ف������ي س���ـ���ـ���ـ���ـ���ب���ي���ل ال�����ل�����ه يصنعـ ـ ـ ــه‬ ‫وك���������������ان ف������������ي م�����ح�����ف�����ل األح������������ب������������اب أغ�����ن�����ي�����ةً‬ ‫ف���ي���ه���ا ال�����ع�����ف�����اف وف����ي����ه����ا ال����ط����ه����ر أجمعـ ـ ـ ــه‬ ‫ال�������ص�������ـ�������ـ�������دق دي����������دن����������ه وال��������ط��������ي��������ب م����ع����دن����ـ����ه‬ ‫وال����ح����ـ����ـ����ـ����ق م�����وئ�����ل�����ه وال�����دي�����ـ�����ـ�����ن مرجعـ ـ ـ ــه‬ ‫دار ال�����������غ�����������رور ف�������م�������ا ت�����ب�����ق�����ي�����ن م������ـ������ـ������ن ف�������رح‬ ‫ويتبع ـ ـ ـ ـ ـ ــه‬ ‫ح����ـ����ـ����ـ����ـ����زن‬ ‫وي���ع���ق���ب���ـ���ـ���ـ���ـ���ه‬ ‫إال‬ ‫رف�������ي�������ق�������ة ال�������ع�������م�������ر م����������ا ض�������اق�������ـ�������ت ب����������ه ف�����رق�����ا‬ ‫ب�������ل ك���������ان إي���م���ان���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ا ب�����ال�����ل�����ه ي���دف���ع���ـ���ـ���ـ���ه‬ ‫ل������ط������ال������م������ا ك��������������ان ي������ح������ك������ي ح������ب������ه������ا ع�����ب�����ق����� ًا‬ ‫ف�����ن�����ح�����س�����ب ال���������ك���������ون ي�����ص�����غ�����ي ح������ي������ن ن���س���م���ع���ه‬ ‫اس������ت������غ������ف������ر ال��������ل��������ه ع�������م�������ا ك�������������ان م����������ن زل����������زل‬ ‫م��������ا ك�����ن�����ت إال ب���ح���س���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ن ال�������ظ�������ن أش����ف����ع����ه‬ ‫* ‬

‫‪70‬‬

‫شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫السورَجة‬ ‫املكان الشاهد على حت ّوالت‬ ‫ُّ‬

‫> ظافر اجلبيري*‬

‫تعد الرواية األولى لألستاذ إبراهيم مضواح الموسومة بـ(جَ بَل حالية)‪،‬‬ ‫منجز ًا سردي ًا وضع فيه الكاتب أولى لبناته اإلبداعية السردية في الرواية‪،‬‬ ‫بعد ع��دد م��ن المجموعات القصصية وال��ك��ت��ب األدب��ي��ة والمساهمات‬ ‫األخرى‪ .‬وهي الرواية التي فازت بالمركز الثاني لجائزة الشارقة في العام‬ ‫المنصرم‪.‬‬ ‫هذه التجربة بحاجة إلى قراءات عدة تتناول البناء‪،‬‬ ‫والشخصية الساردة والذات الكاتبة والعالقة بينهما‪،‬‬ ‫والحوار داخل العمل‪ ،‬ومدى تمثيله للمستوى التعليمي‬ ‫للشخوص‪ ..‬وغير ذلك من جوانب العمل ومكوناته‪.‬‬ ‫مضواح في هذا العمل جعل من المكان إطاراً بارزاً‬ ‫لعمله‪ ،‬ونجح في ربط الشخصيات ومصائرها به‪ ،‬وقد‬ ‫استطاع المؤلف الربط بين الشخوص في مولدها‪،‬‬ ‫وسيرة حياتها‪ ،‬وعذاباتها‪ ..‬وبين المكان (جبل حالية)‪،‬‬ ‫الذي بدا مكاناً للموت لجميع من رحلوا‪.‬وآخرهم البطل‬ ‫عمر السورجي الذي كان (يسرد) أو (يقص) حكايته من‬ ‫الجبل – المقبرة‪ ،-‬المكانِ الذي تحاشى الكاتب نعته‬ ‫بـ(مقبرة)‪ ..‬ربما للتأكيد على الحياة في هذا المكان‪،‬‬ ‫وعلى تواصل األجيال عبر حركة األحداث‪.‬‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫«جبل حالية»‪:‬‬

‫للمكان ق��وة تأثيرية وس�ط��وة على الشخصيات‪،‬‬ ‫فثقافة المكان تعيب بكاء ال��رج��ل‪ ،‬وترفض الحب‪..‬‬ ‫وإن ك��ان صافياً نقياً‪( .‬جمال) المثقف الضد يغادر‬ ‫السورجة والمدينة القريبة إلى مدينة أكبر وأبعد‪ ،‬ولم‬ ‫يعد حتى في حاالت العزاء‪ ..‬وهي من أكثر ما يربط‬ ‫أهالي السورجة ببلدتهم كما رأينا في عدة عزاءات‪..‬‬ ‫لم تشف الرواية غليلنا‪ ،‬ولم تشبع نهمنا في البحث‬ ‫عن التحوالت التي رافقت انتقال المجتمع من رعوي‬ ‫زراع��ي‪ ..‬إلى مجتمع يبيع أف��رادُه األرض لتُ​ُبنى عليها‬ ‫البيوت المسلحة‪ .‬وف��ي المقابل‪ ..‬نجح الكاتب في‬ ‫وضعنا داخل الكثير من التحوالت القادمة من المدينة‬ ‫إلى عالم القرية‪ ،‬فنرى المدينة القريبة من السورجة ‪-‬‬ ‫ربما تكون أبها ‪ -‬تدك بمعهدها وجامعتها المتش ِّد َديْن‬ ‫سكو َن جبل حالية‪ ،‬وتحيالن التسامح غلواً‪ ،‬والبساطة‬ ‫انغماساً في المظاهر‪ ،‬بانت في آخر المطاف مكاسب‬ ‫يجنيها (نافع) مع المتنفّذ في القرية‪ ،‬ولخص ذلك‬ ‫ب��ال�ق��ول‪« :‬دخ��ل الطريق المعبّد إل��ى ال�ق��ري��ة‪ ،‬وكانت‬ ‫األف��راح البريئة أول ما خرج مغادراً القرية عبر ذات‬ ‫الطريق!»‪.‬‬

‫بعد خمسين ع��ام�اً «ت ��ذوق عمر ال�س��ورج��ي طعم‬ ‫ال ع��ن ح��ال أولئك‬ ‫ال �ه��دوء»‪« ..‬غ��ادر ال�ح�ي��اة» متسائ ً‬ ‫الذين خلّفهم وراءه‪ ،‬وخصوصاً أسرته التي زا َدهُ قلقه‬ ‫عليها تشاؤماً وبؤساً‪ ..‬فقط يحكي من قبره‪ ..‬متمنياً‬ ‫أن يأتيه أحد بوسادته الرماديّة‪ ..‬يستعيد كثيراً من‬ ‫تفاصيل حياته عبر ما يعرف بالفالش باك‪ ،‬وهنا ينوع‬ ‫ولو تأملنا شخصيات العمل لوجدناها بال مالمح‬ ‫الكاتب بذكاء‪ ،‬سرد التفاصيل بزمن استعادي حيناً‪،‬‬ ‫ودائ��ريّ حيناً آخ��ر‪ ..‬وتصاعدي في مواضع عدة من خارجية‪ ،‬وكأني بالكاتب انشغل بالمكان وتحوالته‪،‬فال‬ ‫نجد وصفاً برانياً يساعد في رسم مالمح البطل أو‬ ‫فصول الرواية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪71‬‬


‫ال�ح�ب�ي�ب��ة أو نافع •تكرار «ق��ال» دون إيجاد البديل من المرادفات أو‬ ‫الصياغات األنسب ص ‪.70‬‬ ‫أو غ� �ي ��ره ��م‪ ،‬أما‬ ‫ال��وص��ف الجواني •فجائية وصول خبر انتحار آسية إلى «أبي جمال»‬ ‫ل� � �ش� � �خ� � �ص� � �ي � ��ات‬ ‫و«عمر» البطل ص ‪.39‬‬ ‫ال � � �ع � � �م� � ��ل‪ ..‬فهو •وقوع الكاتب في مباشرة توحي بمحاولة وضع كلمة‬ ‫قليل إال م��ا يظهر‬ ‫عن المخدرات بهدف اإلصالح‪ ،‬لكن ذلك قاده إلى‬ ‫م ��ن ت� �ش ��اؤم عمر‬ ‫وتطويل أضعف العمل ص‪.56‬‬ ‫ٍ‬ ‫توسيع‬ ‫وت��س��ل��ي��م زوج� �ت ��ه‬ ‫ •حشر الكثير من األحداث التاريخية وأسماء الحروب‬ ‫ورض��اه��ا بالواقع‪،‬‬ ‫في بالد العرب والعالم‪ ..‬دون أن يكون لها دور في‬ ‫واس � �ت � �س�ل��ام � �ه� ��ا‬ ‫سير األحداث‪ .‬فهل يع ُّد ك ُّل مَن يقرأ معلومات عن‬ ‫ل � �ل ��أق� � � ��دار‪ .‬أم� ��ا‬ ‫حرب ما‪ ..‬دامت (‪ )130‬عاماً معاصراً لها؟!‬ ‫م� ��راح� ��ل ت� �ح ��والت‬ ‫شخصية جمال ورصد انفعاالته‪ ،‬فقد غاب عنها رسم •البطل ذو حس مرهف‪ ،‬وتوق لصالح العالم‪ ،‬لكن‬ ‫ال�ت��أل��م لمثل ه��ذه النكبات وال��ح��روب‪ ..‬ال يكفي‬ ‫شخصيته في أبعادها النفسية أو الفكرية؛ وبخاصة‬ ‫ال‬ ‫لتكوين موقف فكري أو وطني أو ديني منها فض ً‬ ‫أنه يمثل في شخصيته الثقافة الضد إن صح التعبير‪،‬‬ ‫ع��ن إدم ��اج ذل��ك‪ ،‬أو بعض منه ف��ي نسيج العمل‬ ‫أو الوعي المضاد للتفكير السائد القائم على رفض‬ ‫الروائي انظر ‪.76‬‬ ‫ثقافة التشدد القادمة من المعهد والجامعة‪ ،‬اللذين‬ ‫اكتسحا السُّ ورجة بالوصاية على العالقات بين الناس •إن التعريج على احتمال رحيل أو انقضاء الجنس‬ ‫البشري وانهيار الحضارة اإلنسانية ص ‪ .91‬وما‬ ‫وتجريم الفرح و‪..‬‬ ‫سيتبع ذل��ك يبدو معقوالً في الصفحات األخيرة‬ ‫الرواية متماسكة‪ ،‬وقد استطاع الكاتب إنجاز عمله‬ ‫بالنظر إلى تشاؤم عمر‪ ،‬حتى وإن تقاطع هذا مع‬ ‫من سرد تحوالت المكان‪ ،‬وبث الكثير من الرؤى واآلراء‬ ‫أح��داث فيلم سينمائي يطرح «ح��ال األرض بعد‬ ‫في الحب‪ ،‬التضحية‪ ،‬والتحوالت الثقافية (دينية كانت‬ ‫رحيل أخر كائن بشري عنها» ص‪.95‬‬ ‫أو اقتصادية أو اجتماعية‪ ،)..‬ومع هذا حافظ الكاتب‬

‫على توتر األح��داث وأخْ ��ذِ بعضها بزمام بعض‪ ..‬عمر •أخ� �ي ��راً‪ ،‬ي�ح�س��ب ل �ل��رواي��ة تعليق ال �ق��ارئ وتعلّقه‬ ‫ب��اح �ت �م��االت أول ال �ن��ص‪ :‬ع��ن م ��وت ال�ب�ط��ل عمر‬ ‫وأزم��ات��ه منذ ال��والدة‪ ،‬فقْده األم‪ ،‬بُعده عن السورجة‬ ‫السورجي‪ ،‬والحديث عن نزع أجهزة العناية الفائقة‬ ‫وع��ن الحبيبة «آس�ي��ة»‪ ،‬ثم فقدها باالنتحار‪ ،‬وزواجه‬ ‫ال �ت��ي ك��ان��ت تبقيه ح �ي �اً إل��ى أن ن�ت��أك��د م��ن موته‬ ‫شبه القشري‪ ،‬والقلق على األوالد م��ن المستقبل‪..‬‬ ‫ودفنه‪ ،‬ليواصل من قبره استعادة تفاصيل حياته‬ ‫حالته الصحية وقلقه من الموت‪ ..‬بل انتظاره وتوقعه‬ ‫الماضية!‬ ‫واستبطاؤه أحياناً‪.‬‬ ‫إن الغبطة األخ��وي��ة للكاتب‪ ،‬واستبشارنا ببزوغ •ال�ن�ه��اي��ة‪ ..‬ح��اول ال�ك��ات��ب فيها لملمة التفاصيل‪،‬‬ ‫وتجميع خ�ي��وط األح� ��داث ال�ت��ي آل��ت إل�ي�ه��ا أبرز‬ ‫باكورة أعماله السردية الطويلة‪ ،‬لن تحول دون إبداء‬ ‫الشخصيات‪ ،‬وتنطوي على توزيع األقدار ومحاولة‬ ‫بعض المالحظات‪ ،‬وهي أمور سيبدو العمل أجمل لو‬ ‫ت�ب��ري��ر مصير شخصيات ال�ع�م��ل‪ ،‬والتعليق على‬ ‫أُخذت في الحسبان ومنها‪:‬‬ ‫مصائرها‪.‬‬ ‫* ‬

‫‪72‬‬

‫كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫الروائية البحرينية فوزية رشيد‬ ‫والبنية األسطورية‬

‫> أ‪ .‬د‪ .‬صبري مسلم*‬

‫إذا كانت الحكايات عامة موصولة باألسطورة‪ .‬أو لنقل إن الحكاية هي الوريثة لكثير‬ ‫من عناصر األسطورة و(موتيفاتها)‪ ..‬فإن انتقاء شهرزاد اسم ًا لبطلة رواية القلق السري‬ ‫للروائية البحرينية فوزية رشيد‪ ،‬يحمل في غضونه طموح النص‪ ،‬كي يرقى إلى مصاف‬ ‫النص التراثي الخصب أللف ليلة وليلة‪ ..‬وسواها من النصوص التراثية التي نفذت إلينا‬ ‫عبر جدار السنين الصفيق‪ ،‬وما زلنا نحتفي بها‪ ،‬ونستعيد أجواءها‪ ،‬ونؤول نصوصها‪،‬‬ ‫وبما يصل حد الحدس بما يدور بيننا ويحصل لنا في هذا العصر‪.‬‬ ‫تصف الرواية الشيخ مبروك – وهو جد‬ ‫شهرزاد من أمها – بأنه (يجلس كساحر‬ ‫أسطوري يقبض على الزمن والبشر‪ ،‬ليحكي‬ ‫حكايات شيقة عن األم�ي��رات والسالطين‬ ‫وال �ف��رس��ان ال��داخ�ل�ي��ن ف��ي غ �ب��ار التاريخ‪،‬‬ ‫وم��ن ه��ذه ال�ح�ك��اي��ات ال�غ��ام�ض��ة العجيبة‬ ‫جاء اقتراح اسمها قبل أن تولد)‪ ،‬ما يوثق‬ ‫ه��اج��س ه��ذه ال��رواي��ة وط�م��وح�ه��ا وطبيعة‬ ‫نسيجها ال �م��وص��ول ب��أص��داء األسطورة‬ ‫ورجعها البعيد‪ .‬ويؤكد ذلك وال��د شهرزاد‬ ‫ال��ذي يخاطب زوج��ه (األساطير وحكايات‬ ‫الجن وكتب التاريخ‪ ،‬لقد جنى أبوك عليها‬ ‫يا عائشة‪ ،‬دوخها وه��ي بعد صغيرة‪ ..‬لن‬ ‫تصلح حال هذه البنت أبدا)‪.‬‬

‫ولم تشأ فوزية رشيد أن تعيد إلينا مالمح‬ ‫شهرزاد األصل من خالل روايتها هذه‪ ،‬بل‬ ‫إن طموحها يتجلى في إع��ادة تشكيل هذه‬ ‫الشخصية (شهرزاد)‪ ،‬كي تحمل نكهة زمان‬ ‫الرواية‪ ..‬بل ومكانها أيضا‪ ،‬وعبر التفاصيل‬ ‫الواقعية النابعة م��ن ه��ذا ال�ع�ص��ر‪ ..‬ومن‬ ‫البيئة االجتماعية التي تعيشها الروائية‬ ‫ذات�ه��ا‪ .‬وألن مرجعية ه��ذا النص الروائي‬ ‫متنوعة الرؤى‪ ،‬وال سيما المرجعية الثقافية‬ ‫الفكرية‪ ،‬والمرجعية الحكائية ذات الطابع‬ ‫األس��ط��وري؛ ف��إن ش �ه��رزاد ال�ق�ل��ق السري‬ ‫تناقش موقف ش�ه��رزاد الليالي‪ ..‬وتسلط‬ ‫عليه أض��واء جديدة‪ ،‬وم��ن منطلق معاصر‬ ‫ورؤي���ة م�س�ت�ج��دة‪ .‬ت �ح��اور ش �ه��رزاد (بطلة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪73‬‬


‫ال��رواي��ة) جدها الشيخ مبروك بقولها «شهرزاد‬ ‫التي أسميتني على اسمها تغلبت على روح الجالد‬ ‫في شهريار بالتحايل وفن الحكايات‪ ،‬ألن حياتها‬ ‫كانت مرهونة بقرار منه‪ ،‬بالنسبة لي‪ ..‬ال أريد أن‬ ‫أرتهن ألي أحد ك��ان‪ ،‬ال أري��د أن أخ��اف وأتحايل‬ ‫ألع�ي��ش» م��ا يعني وع��ي النص بهذه الشخصية‬ ‫إن النسيج األسطوري الذي انتظم رواية القلق‬ ‫وقصدية انتقائه لها اسماً لبطلة الرواية‪.‬‬ ‫السري للروائية فوزية رشيد‪ ،‬يبدو المدخل األمثل‬ ‫وي�م�ض��ي ال �ن��ص ف��ي ال ��دائ ��رة ال �م �س �ح��ورة – للنفاذ إلى عالم هذه الرواية التي هي رواية أفكار‬ ‫عنوان أحد أج��زاء الرواية – نحو هدف واع من وم��واق��ف‪ ..‬بيد أن أج��واء األساطير والحكايات‬ ‫أهدافه‪ ،‬وهو توطيد الصلة بين النصين الروائي والمعتقدات الراسخة واإلرث الثقافي والفكري‬ ‫واألس � �ط� ��وري‪ ،‬ب�ح�ي��ث ي �ك��ون أح��ده �م��ا اللحمة عن المرأة خفف كثيرا من سطوة األفكار الحادة‪،‬‬ ‫واآلخ��ر ال �س��داة‪ .‬فهذه فينوس‪ ،‬تحل ف��ي جسد ووطأة المناقشات ذات الطابع الثقافي التي وردت‬ ‫إحدى حفيداتها (كاترينا) ذات األصول األوربية عبر ح��وار شخصيات ال��رواي��ة‪ ،‬وه��ي على وجه‬ ‫المختلطة – كما عبر النص ‪ -‬تظهر على أنها العموم مما يحتملها السياق الروائي‪.‬‬ ‫الوجه اآلخر لشهرزاد‪ ،‬مع اختالف مرجعيتهما‪،‬‬ ‫وي��أت��ي ع��ال��م األس��ط��ورة ك��ي ي �ج��ذر األفكار‪،‬‬ ‫حين تستجيب شهرزاد لما يتقد في داخلها‪ ،‬وال ويؤصل المواقف التي ترتبط بأفكار الرواية عامة‬ ‫تجرؤ على البوح به (لم أكن متأكدة أني أرى جسد ومواقفها‪ ،‬ويمنحها حساً شامالً‪ ،‬وعالمية يطمح‬ ‫امرأة أخرى‪ ،‬يتحفز بعريه ليغرق في الماء‪ ،‬وينبثق إليها النص‪ ،‬إذ ينطلق من بيئة مثقلة بالتفاصيل‬ ‫مجددا مثل فينوس‪ ،‬وقد تشكلت من زبد البحر األسطورية والمرجعية التراثية صوب آفاق أرحب‪،‬‬ ‫وخلقت من صدفتها عالما إيروسيا فسيحا‪ ،‬بقي ورؤي ��ة أك�ث��ر ات�س��اع��ا‪ ،‬م��ع اح �ت��راز م �ه��م‪ ..‬ه��و إن‬ ‫مثارا لجدل اآللهة مدة طويلة)‪ .‬ويحشد النص المرجعية األسطورية وتشظياتها في المعتقدات‬ ‫ف��ي ه ��ذا ال�م�ش�ه��د ال ��روائ ��ي زخ �م��ا م��ن الرموز وال�ح�ك��اي��ات ف��ي رواي ��ة القلق ال �س��ري‪ ..‬ل��م تكن‬ ‫األسطورية‪ ،‬وعبر دائرته المسحورة‪ ،‬تكون فيه مقتصرة على شعب أو أمة أو عرق‪ ،‬وإنما أفادت‬ ‫كاترينا وقد تماهت مع فينوس دليلتها في ذلك من جنس األسطورة حيث كان‪ .‬ويتسق األسلوبان‬ ‫العالم األسطوري‪.‬‬ ‫السردي والوصفي ذوا الطابع الشعري في غضون‬ ‫على وعي شهرزاد‪ ،‬وبحساسية فائقة تصل حد‬ ‫اإلدانة والحسد‪ ،‬ويمزج النص الروائي بين الحلم‬ ‫واألس� �ط ��ورة ف��ي ب�ع��ض م�ف��اص��ل ال ��رواي ��ة‪ ،‬وثمة‬ ‫خطف منسق لشخصيتي نرسيس وبجماليون في‬ ‫سياقين مختلفين‪.‬‬

‫وتنبث العناصر والثيمات واللقطات المستمدة‬ ‫م��ن ع��ال��م األس��اط �ي��ر وت�ش�ظ�ي��ات�ه��ا ع �ب��ر حشد‬ ‫المعتقدات الشعبية‪ ..‬لتتشكل في هيئات مختلفة‬ ‫تحتضنها مشاهد الرواية وأدواتها الفنية‪ .‬ومن‬ ‫ذل��ك شخصية ال �ع��راف��ة‪ ،‬وه��ي سليلة الساحر‬ ‫في المجتمعات األول��ى‪ .‬ومن ذلك أيضا طقوس‬ ‫والدة ال��ول��د ال��ذك��ر وخ�ت��ان��ه وزواج� ��ه‪ ..‬منعكسة‬ ‫* ‬

‫‪74‬‬

‫أكاديمي عراقي مقيم في الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫هذه الرواية‪ ..‬حتى لَيُخيل للقارئ أحيانا أنه يقرأ‬ ‫قصائد نثر منتقاة ف��ي بعض مشاهد الرواية‬ ‫ومواقفها‪ ،‬بيد أن بناء الحدث الداخلي يظل مثقال‬ ‫بتفاصيل غائمة‪ ،‬وربما قصد النص أن يغلف حياة‬ ‫شهرزاد بطلة الرواية بهالة من الغموض الشفاف‬ ‫الذي يهدف إلى التشويق‪ ،‬وإضفاء العمق‪ ،‬والنأي‬ ‫عن تسطيح الحياة أو تنميط الشخصية‪.‬‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫في روايته األولى «كائنات من غبار»‬

‫ابن الشاوي يعرّي رغبات املنسيني في عاملنا‬ ‫> إبراهيم احلجري*‬

‫من القصصي إلى الروائي‬ ‫ك��ان النفس القصصي ل��دى هشام ب��ن ال��ش��اوي م��ن خ�لال م��ا ق��رأت ل��ه م��ن قصص‬ ‫المجموعتين األوليتين‪ ،‬ومن خالل ما قرأت له من قصص منشورة في مواقع ومنتديات‬ ‫على الشبكة العنكبوتية‪ ،‬يشي بوجود بوادر تجربة روائية جنينية‪ ،‬يتضح ذلك من خالل‬ ‫الجمل الطويلة المفتوحة على آفاق الحكي‪ ،‬والتي يمكن للكاتب فيما بعد تطويعها عبر‬ ‫آلية التضمين‪ ،‬وتمطيطها لتستوعب شك ًال حكائي ًا أكبر؛ ما يدل على أن هذه القصص‬ ‫مع سبق اإلصرار والترصد‪ ،‬هي مشاريع لروايات مؤجلة‪،‬‬ ‫ويزيد من ترشحها لهذا الوضع التجنيسي كثرة األح���داث القصصية‪ ،‬وتناميها‬ ‫بوتيرة غير معهودة في النص القصصي‪ ،‬فضال عن الحيوية الزائدة للشخصية والفضاء‬ ‫القصصيين‪ .‬كل هذه العمليات التي تبدو صعبة المنال مكّ نت الكاتب نفسه أن يصوغها‬ ‫في قالب روائي ضاج بالعوالم والرؤى من خالل ما يمتلكه من قدرة على الحكي السلس‪،‬‬ ‫والوصف الدقيق لألفضية والشخوص‪ ،‬والمالحظة الدقيقة التي تؤهل الكاتب الستثمار‬ ‫أي معطى واقعي في بناء عالمه الروائي‪ ،‬دون أن أنسى أن الظروف الخاصة للكاتب‬ ‫وطريقته الخاصة في التعامل مع الحياة تضمنان له مادة دسمة للحكي‪ ..‬نظرً ا لقربه‬ ‫من شرائح كبرى في القاع والهامش المنسيين في واقعنا‪ ،‬ومعاشرته الدقيقة لمخلوقات‬ ‫هذا الفضاء بحميمية الشعراء‪.‬‬ ‫كل هذه المعطيات التي تبدو جلية في المنجز القصصي لهشام بن الشاوي تجعلنا‬ ‫نعد التجربة القصصية لديه مجرد تمرينات سردية تهيئ القتحام عالم أرحب وأشد‬ ‫فساحة هو جنس الرواية‪ ،‬وقد سهل هذا التمهيد التجريبي اليقظ على الكاتب العبور‬ ‫الصعب من الميكروسرد إلى الماكروسرد‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪75‬‬


‫من الذاتي إلى المتخيل‬ ‫من عجيب المفارقات أن رواة بن الشاوي‪،‬‬ ‫ي �ص��رون س ��واء ف��ي ال�ق�ص��ص أو ال ��رواي ��ة على‬ ‫التشبث بالذات‪ ،‬كمنطلق وخميرة لصنع الحدث‬ ‫وال�ع��ال��م الحكائي‪ ،‬على ال��رغ��م م��ن أن الكاتب‬ ‫يعي عناصر القص التجريبي‪ ،‬وي�م��ارس بعض‬ ‫أساليبه على مستوى الموضوعات المطروقة؛‬ ‫فهو يعيش ي��وم��ه بشكل غ��ري��ب األط� ��وار‪ ،‬وتـنم‬

‫الجديدة التي يعيش فيها ال��روائ��ي بصفة قارة‬ ‫(سيدي ب��وزي��د‪ ،‬س��وق الحمراء‪ ،‬أزم��ور‪ ،‬عائشة‬ ‫البحرية‪ .)..‬وهي مواقع تؤسس للتجربة المعاشة‬ ‫فضحاً وتشريحاً وانتقاداً وتقويماً‪ .‬فالروائي ال‬ ‫يعرض األمكنة واألزمنة واألح��داث فحسب‪ ،‬بل‬ ‫إن��ه يعيد ترتيب فوضاها بالشكل ال��ذي يخدم‬ ‫تصوره الصوغي للعالم الروائي‪.‬‬ ‫‪ -‬الشخوص‪ :‬ويبدو من خالل الكنى المنسوبة‬

‫يومياته المروية عن كونه يرتاد عوالم حياتية إليها أنها ذات شخصيات مرجعية تنبثق من‬ ‫خاصة‪ ،‬يصعب على أي كان من الكتّاب طرقها‪ ..‬الواقع الدكالي خاصة‪ ..‬والمغربي عامة‪ ،‬حيث‬ ‫نظرا لمساراتها المتشعبة ومساربها المحفوفة يستعاض عن األسماء الحقيقية بأسماء مستعارة‬ ‫بالمخاطر‪ .‬إن الكاتب بهكذا مفهوم يجسد نمط تلتصق بالشخصية من خالل ملمح جسدي أو‬ ‫الكتاب المغامرين‪ ،‬أول�ئ��ك ال��ذي��ن يبحثون عن نفسي‪ ،‬لتصبح هي الطاغية والمستعملة‪ ..‬كبديل‬ ‫القصة ويطاردونها في مسارب الذات والواقع‪ ،‬دالل ��ي معبر غ��ال�ب��ا ع��ن ال�س�خ��ري��ة واالستهزاء‬ ‫دون أن يتركوا لها فرصة الهروب‪ ،‬فتبدو الحياة م��ن ه��ذه الشخوص‪ ،‬وه��ي غالبا الرسالة التي‬ ‫الحقيقية التي يعيشها بحق مثل هذا الكاتب‪ ..‬يستضمرها النص (المعاشي‪ ،‬بعية‪ ،‬كباال‪ ،‬قبقب‪،‬‬ ‫عالم من الجنون‪ ،‬وضربا من الغريب بمفهوم التباري‪.)..‬‬ ‫تزفيطان ت��ودوروف‪ ،‬فيتداخل الذاتي والروائي‬

‫‪ -‬ال �ل �غ��ة‪ :‬تُ�ل�م��ح ال�ل�غ��ة ال�م��وظ�ف��ة ف��ي المتن‬

‫بشكل مفضوح‪ .‬ولعل الوعي بهذا التهويل من الروائي إلى قيمة الواقعي المرجعي في النص‪..‬‬ ‫فداحة المعيش بالصورة المخاتلة التي نراها خاصة من خالل استالف عبارات وحوارات من‬

‫في «كائنات من غبار» يشي باألسلوب الساخر اللغة العامية تماما كما تستعمل في الحوارات‬ ‫الذي ينتهجه الكاتب في تجريح المعاني وانتقاد اليومية‪ ،‬وهو خطاب لغوي هجين يستهدف نسف‬ ‫القيم‪.‬‬

‫مقولة نقاء اللغة والسخرية من نسقها‪ ،‬من خالل‬

‫ويبدو واضحا انتهال ال��روائ��ي من السير ‪ -‬إقحام تعابير لغوية غير فصيحة؛ أي غريبة عن‬ ‫ذاتي‬

‫‪autobiographie‬‬

‫في «كائنات من غبار» من الكيان اللغوي العربي الفصيح‪ .‬لكن الروائي‬

‫خالل حضور عدد من مكونات األليف في الحياة يضع الخطاب ال��دارج بين مزدوجتين‪ ،‬مشيراً‬ ‫المعتادة للكاتب‪:‬‬ ‫‪ -‬الفضاء‪ :‬وأغلبه يتعلق بمواقع من مدينة‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫إلى غرابته عن نسق اللغة األصلي المُحكَى به‪.‬‬ ‫وتنضح الرواية بمصطلحات البناء وقواميسه التي‬


‫ال�م�ي��دان‪ ،‬م��ا جعل الكاتب‬

‫ال� � �م � ��دون � ��ات‪..‬‬

‫استلهام‬

‫ي ��ذ ّي ��ل ال �ص �ف �ح��ات بدليل‬

‫ت�ج��رب�ت��ه ه� ��اذه‪ ،‬وع �ي �اً منه‬

‫ي �ش��رح ف�ي��ه ال�ك�ل�م��ات غير‬

‫ب��ال�ت�ح��والت ال�م�ه��ول��ة التي‬

‫المعروفة‪.‬‬

‫أح��دث �ت �ه��ا ه ��ذه الوسائط‬

‫ه�� � � � ��ذه ال� � �م� � �ك � ��ون � ��ات‬ ‫ال �م �س �ت �ل �ه �م��ة م���ن الواقع‬ ‫ال��م��رج��ع��ي ال� �م� �ع ��اش من‬ ‫ط��رف ال� ��رواة‪ -‬الشخوص‬ ‫الذين غالبا ما يتطابقون‪-‬‬ ‫تتحول من معطيات واقعية‬

‫على مستوى البنية الذهنية‬

‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫ال يعرفها إال المشتغلون في‬

‫وغرف الدردشة‪ ،‬وتصميم‬

‫ل�ل�م�غ��رب��ي‪ ،‬خ��اص��ة أولئك‬ ‫الذين يستهلكهم اإلنترنت‬ ‫دون أن ي �ع��رف��وا نتائجه‬ ‫الوخيمة‪ .‬فبدل أن يوظف‬ ‫كوسيط للمعلومة والبحث‬ ‫واإلن �ت��اج العميق‪ ،‬يستغله‬

‫إل��ى م��ادة تخييلية‪ ،‬حينما‬ ‫ت�ن�ص�ه��ر ف��ي ع��ال��م ج��دي��د ي �ت �ج��رد م��ن زمنيته الناس وفق رغباتهم إلشباع حرمانهم الغريزي‬ ‫األصيلة‪ ،‬ليلبس حلة زمن سردي متخيل‪ ،‬تنهض الجنسي‪ ،‬نظرا لما يفتحه هذا الوسيط من آفاق‬ ‫به اللغة الرواية في سيروراتها المنحبكة بصيغ التواصل بين الشباب على مختلف أعمارهم‪:‬‬ ‫الحكي‪ ،‬ومن ثم بات من الالزم النظر إلى المادة «البنتان الصغيرتان تتصفحان موقعاً‪ .‬شيء ما‬

‫السردية التي يحتفي بها العالم الروائي من خالل يجعلك تحس بالمسؤولية تجاه بنات أخوالك‪،‬‬ ‫المنظارين معا‪ :‬التخييل الذاتي ال��ذي يتأسس تقترب م��ن ال�ش��اش��ة‪ ..‬أزي ��اء ع��رائ��س‪ ،‬وبستان‬

‫ع�ل��ى ال�م��رج�ع�ي��ات ال�م��أل��وف��ة للكاتب البراني‪ ،‬ألوان‪ ،‬وحواء متأرجحة بين طفولة غاربة وأنوثة‬ ‫والمتخيل الروائي الذي يراعي العنصر اللغوي‪ ..‬مشرقة‪ .‬تنبه إلى أنه منتدى‪ .‬بعد تفحص ردود‪،‬‬ ‫ويعي تحوالت المادة المنقولة حكائياً عبر اللغة‪ .‬تسألها إن كانت عضوة مشاركة‪ ،‬تحرك رأسها‬ ‫ن��اف �ي��ة‪ ..‬أح��ده��م أق �ح��م ن�ف�س��ه وس ��ط عرائس‬

‫من الملموس إلى االفتراضي‬

‫المنتدى‪ ،‬واضعا إيميله ال غير كرد‪ ،‬وآخر اختار‬

‫إن مستوى ال�ت�ح�وّل م��ن ال��واق�ع��ي المرجعي ع�ن��وان المسنجر إس�م�اً‪ .‬وق��د تعامل هشام بن‬ ‫إلى الذاتي التخييلي إلى االفتراضي‪ ،‬يتم على ال�ش��اوي مع الموضوع بحساسية مفرطة‪ ،‬فهو‬

‫مستوى الرؤية والزمان والمكان‪ ،‬وهي العناصر ينتقد بشكل مبطن الطريقة التي توظف بها هذه‬ ‫األساسية التي تشد إزار المتن الحكائي وتنظمه‪ .‬الوسائط‪ ،‬مشمئزاً أحياناً من التشويش الذي‬

‫وقد أتاح التمرس الكبير للكاتب على ولوج نوافذ تمارسه على ال��ذات والعقل‪« :‬وبكل قوته سدد‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬والسباحة في المنتديات‪ ،‬والمواقع‪ ،‬الهاتف المحمول نحو الجدار المقابل له‪ ،‬تطاير‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪77‬‬


‫أشالء وشظايا‪.»..‬‬

‫النافذة متأمال وداع��ة األشياء من حوله‪ ،‬رغم‬

‫وتأتي المفارقة‪ ،‬على هذا المستوى‪ ،‬حينما إحساسه المزمن بالحزن الغامض‪ ،‬والملل القاتل‬ ‫يكون الروائي المشارك في األحداث‪ ،‬والمتحدث في مساءات اآلحاد‪ .‬إحساس الزمه منذ طفولة‬

‫بضمير المتكلم‪ ،‬بناء يشتغل في أوراش مفتوحة بعيدة‪« :‬أحيانا يخيل إلي أني لم أعش ما يسمى‬ ‫بمدينة الجديدة‪ ،‬ويفقه في اإلنترنت‪ ،‬بل ويكتب بالطفولة‪ ،‬و(ل��ن) أع��رف شيئا اسمه الفرح‪...‬‬ ‫القصة‪ .‬وهنا يتطابق العامل ال��ذات مع الكاتب تماما مثلما أحس أن الكتابة كانت بلسما لجراح‬ ‫كشخصية مرجعية ما دام يتمتع بهذه الصفات‪ ،‬الذات االنطوائية‪ ،‬فتجلت الرغبة الالشعورية في‬ ‫وتنبع إشكالية التطابق هذه من خالل التعاطف التعبير عن هشاشتي الجوانية‪ ،‬وحاجتي الملحة‬ ‫الكبير للكاتب مع شخوصه‪ ،‬وعدم ترك مسافة لحنان امرأة‪ »...‬ص ‪.103‬‬ ‫بينه وبينهم من جهة‪ ،‬وكذا من خالل نقمة الكاتب‬

‫فضال ع��ن ه��ذه التوسالت التعبيرية يجنح‬

‫ذاته على وضعه االجتماعي ككائن مثقف يجد الكاتب أيضا إلى إقحام مؤشرات نقدية تفكر‬ ‫نفسه وس��ط مجموعة بشرية غير ق��ادر على ف��ي ال�ن��ص وأس��ال�ي��ب ص��وغ��ه‪ ،‬وه ��ذا م��ا يسمى‬ ‫التعايش معها‪« :‬ال أظن أن شخصاً كئيباً وبائساً بالميتاروائي‪ ،‬يقول ال ��راوي‪« :‬ف��ي رح��م خياله‬ ‫مثلي ق��ادر على ش��راء هاتف من ن��وع فاخر‪ ،‬يا تشكلت فكرة كتابة قصة قصيرة عن هذه األم‪.‬‬ ‫سيدي‪ .‬أنا ال أبتسم حتى في وجه المرأة التي تلح األفكار على أن يحررها من ظلمات سجنها»‬ ‫أنجبتني» ص ‪ ،49‬ومن هنا تصبح الكتابة وسيلة ص ‪.80‬‬ ‫للخروج الروحي من قمقم االنتماء المر لطبقة‬

‫تنغل هذه التجربة بالمفارقات الساخرة التي‬

‫تعيش بوهميتها مثل أي كائنات أخرى غير بشرية‪ ،‬تدعو إلى ضرورة االلتفات إلى مثل هذه القضايا‬ ‫على الرغم من جسامة العمل الذي تقوم به هذه المؤرقة التي تشغل بال شرائح كبيرة في المجتمع؛‬

‫الطبقة على مستوى النماء‪ ،‬وكأنها بهذه الطريقة خاصة وأنها ترتبط بالذات المغربية في تشكلها‬ ‫تتمرد على وضعها المزري بطريقتها الخاصة‪ ،‬العصي الذي قد يكون حجرا عثوراً في سبيل أي‬ ‫حيث يشكل الجنس معادال موضوعيا لتزجية تغيير أو نماء‪ .‬أضف إلى ذلك أن هذه الرواية‬ ‫الوقت‪ ،‬ومرواغة التعب‪ ،‬وقهر التهميش‪..‬‬ ‫تبشر بتحول كبير على مستوى اهتمامات الشباب‬ ‫إن الشخصية ال��راوي��ة تكره العالم المقيت الكتابية على مستوى الرواية بالخصوص‪ ،‬والتي‬ ‫الذي وضعت على هامشه‪ ،‬بل تكره ذاتها‪ ،‬فتمزق تحتفظ بمالمح الجنس الروائي دون أن تفرط‬ ‫كل الستائر والحجب الصائنة للّياقة‪ ،‬فتكشف في ما يستجد من موضوعات وأدوات من شأنها‬ ‫طفولتها البائسة‪« :‬أطلق بصره من خلف زجاج إغناء التجربة‪.‬‬ ‫ * كاتب وناقد من المغرب‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫فنجان الغربة النفسية املقلوب‬ ‫قراءة في قصيدة «ملكوت»‬ ‫لصالح هويدي‬

‫> جناة الزباير*‬

‫ي�����ا إل�������� َه ال�������وج�������ودِ ! ه������ذي ج������راحٌ‬

‫ف���ي ف�����ؤادي‪ ،‬ت ْ��ش��ك��و إل���يْ���ك ال���دّ واه���ي‬

‫ه�����ذه زف���ـ���ـ���ـ���رة ٌ يُ ���ص���عِّ ���ده���ا الهـ ــمُّ‬

‫الس ـ ـ ــاهي‬ ‫َّ‬ ‫َض ــاء‬ ‫إل��ى مَ ْسـ ــمَ ِع الف َ‬ ‫أبو القاسم الشابي‬

‫قطرة من سحاب البداية‬

‫دور ف��ي اف�ت��راش��ه رداء االن�ج��ذاب��ات نحو‬ ‫الطمأنينة التي ال يلمسها سوى في أجنحة‬

‫شاعر يتناثر حزناً وترقباً قرب نافذة‬ ‫الكون العمالقة‪ ،‬يتقنع بالجراح التي تسكن تتوضأ بماء الغيب؟‬ ‫أعضاء توتره‪ ،‬وينزل درج األماني‪ ،‬قدماه‬ ‫بقايا تحن للمضي نحو األفق‪..‬‬ ‫هل تراها رعشة حطاب يكسو ذاكرته‬ ‫م��ن ينابيع غابة تقرأ ذب��ذب��ات خ�ط��اه؟ أم‬ ‫هي لوعة شاعر يطارد لهاثه الخفي بين‬ ‫طبقات الهواء التي تحضن غربته؟‬ ‫وهل لنحول صوته الذي يتنقل درويشا‬

‫مطر منتصف الطريق‬ ‫ما هذه العصافير التي تقف فوق غصن‬ ‫الروح‪ ،‬تنقر سفينة الشاعر التي تبحر في‬ ‫حبر االختالف؟‬ ‫وم��ا ل�ه��ذه ال�ب��داي��ة ت��رف��ع قبعتها تحية‬ ‫لصيحة األح�ل�ام ال�ك�س�ي��رة‪ ،‬وك��أن�ه��ا نهر‬ ‫تتدفق ضفتاه بعشبة سرية تنوء لغتها تحت‬

‫أع�م��ى بين أدغ ��ال ال �ك�لام‪ ،‬يعب م��ن بئر ثقل السخرية‪ ،‬ويتفجر نداؤها لغوا حيث‬ ‫التأمل قِ ْربَتَهُ‪ ،‬ويلتطم بالغسق الراقص‪ ،‬يقف الشاعر حائرا في رمداء العبث؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪79‬‬


‫التي استمد منها الشاعر قوة رؤيته‬

‫يقول‪:‬‬ ‫يمضي الغيمُ قريب ًا من نافذتي‬

‫لألشياء! لكنه حزين تتصاعد من‬

‫من نافذتي‪..‬بعيدً ا عنها‬

‫أعماقه حسرة سوداء‪.‬فهو منفي‬

‫تلهو الريحْ‬

‫في جزيرة جسده وحيدا‪ ،‬تهرول‬

‫أناغيها‬

‫األيام من بين يديه‪..‬‬

‫تسخر من لغتي‬ ‫ويدي‬ ‫ْ‬ ‫أمدّ لها رأسي‬ ‫تقلب لي شفتيها‬ ‫ُ‬

‫يقول‪:‬‬ ‫صالح هويدي‬

‫يدخلُ سعيي لالمساك بها‬ ‫صندوقَ العبث األبدي‪.‬‬

‫وآب‬ ‫ملكوت اللهِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫كلّ د ّو َم في‬ ‫أنت‬ ‫إال ْ‬

‫كلّ يفزعُ من دنياه‪ ..‬يضيقُ بها‬ ‫بيت‬ ‫عش أو ْ‬ ‫ليؤوبَ إلى ّ‬

‫عن م��اذا يبحث محدقاً من نافذة في الدور إال رج ًال يقبع في الدور الحادي والعشرين‬ ‫الحادي والعشرين؟ هل هو تيه يسقط في شَ رَكِ هِ‬ ‫م�ح��اوال معانقة األزق��ة وال��زواي��ا؛ وك��ل األرض؟‬

‫يحادث مَ ن م ّر ومن لم يسعفهُ الحظ ّبلقيا ْه‬ ‫ُ‬ ‫يحمل الشاعر صالح هويدي مقصلة أنفاسه‬

‫راس�م��ا ج�س��داً متصلباً أم��ام ه��ذا المدى‪.‬حيث المصلوبة فوق خشبة الغيم‪ ،‬كفاه ريح تقتات من‬ ‫التقطت عدسته المرئية صورة امرأة في الدور هواجسه‪ ،‬معتليا موجة النفس الشجية‪.‬‬

‫الثالث تنفض بعض الغبار من شرفة شقتها‪.‬‬

‫هي وقفة مع الذات الضائعة والمهاجرة في‬

‫وه��ل استغرقت وقفته دق��ائ��ق فقط تسلقت قصيده‪ ،‬فهل سيعبر الهدوء الروحي تقاطيعه‬ ‫أنينه محاوال السفر في بحة الخريف؟‬ ‫التي تحاول القبض على المستحيل؟‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫األفق طيو َر اللهِ محلقة ً‬ ‫ِ‬ ‫فأرى في‬ ‫بعض غبا ْر‬ ‫َ‬ ‫وأرى‬ ‫تنفضهُ امرأة ٌ‬ ‫الثالث من شرفةِ شقتها‬ ‫ِ‬ ‫في الدورِ‬ ‫وأنا في الدور الحادي والعشرين‬ ‫أقبعُ للعقد الثاني منفيّا‬ ‫أتأملُ في مرآةِ الروح سخاما‬

‫بحسرة تثلج ألفاظ ه��ذه القصيدة‪ ،‬وتعبس‬ ‫سماؤها ليتساقط مطر إنساني بين خالياها‪،‬‬ ‫فهل يخاطب الشاعر شبيهه الذي يطارد الحظ‬ ‫كطير ج��ري��ح‪ ،‬تهذي أش�ل�اؤه بكل ه��ذا الفساد‬ ‫الذي يسكن العالم؟‬ ‫يقول‪:‬‬

‫يصاعدُ من أعطافي‬ ‫ّ‬

‫يتأملُ كفا ًفي الس ّر محملة ً‬

‫ال يلوي في األفق على شيءْ ‪.‬‬

‫بسخامِ العالم ِ‬

‫يا لحضور زرق��اء اليمامة بين هذه السطور‬

‫‪80‬‬

‫مدن تنهض من غربتها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫لقد حول الشاعر دفة الخطاب نحو اتجاهات‬


‫ن�������������������������������������ق�������������������������������������د‬

‫م� �خ� �ت� �ل� �ف ��ة‪ ،‬م � ��ن أن ��ا‬ ‫ال�م�ت�ك�ل��م للمخاطب‬ ‫لضمير‬

‫الغائب‪،‬فلم‬

‫انسلخ عن ذاته وكأن‬ ‫شخصا آخ��ر يرتدي‬ ‫إهابه؟‬ ‫أه��و ع��دم الرضا‬ ‫ال��ذي يجتاحه‪ ..‬لذا‬ ‫ت��ن��ك��ر ف� ��ي ضمائر‬ ‫ا أل بجد ية ‪ . .‬ر ا فضا‬ ‫ه� ��ذا ال �ع �ص��ر ال ��ذي‬ ‫ت � �س � �ك � �ن� ��ه ال� �ل� �ع� �ن ��ة‬

‫رجل يقف أمام شرفة شقته‪ ،‬يتأمل محيطه ويرى‬

‫الكبرى؟ راص��دا أغنية ذات��ه الحاضرة‪/‬الغائبة من خالل نافذته امرأة هناك‪..‬وطيورا في السماء‬ ‫بين هسهسات الفراغ الروحي‪ ،‬الذي سرعان ما تقطع تذكرة رحلتها في ملكوت الله؟‬ ‫يتداركه في قوله‪:‬‬

‫أم أننا أم��ام فلسفة الشاعر للحياة‪ ،‬والذي‬

‫يرنو في األفق‪،‬‬

‫يحاول من خالل هذا النص أن يجرنا في عربة‬

‫عسى أن تبص َر عيناه‬

‫الريح‪ ..‬لنتنفس بعمق جمال الكون الذي أبدعه‬

‫م��ا ض� ّي�ع� ُه – ف��ي زح �م��ةِ ه��ذا ال�ع��ال��مِ – من الله عز وج��ل‪ .‬ون�ح��اول أن نحيا في وشوشات‬ ‫محارها قبل أن تموت منا كل الفصول‪.‬‬ ‫ملكوتْ ‪.‬‬ ‫والملكوت في معناه عند ابن منظور في لسان‬ ‫العرب‪« :‬ملك الله وملكوته‪ :‬سلطانه وعظمته‪،‬‬ ‫والملكوت من الملك»‪.‬‬

‫برق النهاية‬ ‫تعد ه��ذه القصيدة رص��دا ل��ذب��ذب��ات الواقع‬ ‫المتخبط في الخواء الروحي‪ ،‬يجر قدما توتره بين‬

‫هي محاولة منه إذاً للغوص في أسرار الكون‪ ..‬عناقيد اإلغراء الحضاري المزيف الذي استعبد‬ ‫ومعانقة كل العوالم‪،‬بعد هذا السفر البئيس فوق النفوس‪ ،‬وأطبق بجناحين من نار على األحالم‪.‬‬ ‫راحلة االنشغاالت بمدن ال تعرف غير البكاء‪.‬‬

‫لتبقى حقيقة ال�ك��ون الخاضعة إلرادة الله‬

‫فهل كانت ه��ذه القصيدة فتحا مذهوال في صيحة رج ��وع ألرض ال �ح��ق‪ ..‬ح�ي��ث األم ��ل هو‬ ‫أرخبيل األماني الضائعة‪ ،‬أم هو تأمل رجل كأي أوكسجين الوجود‪.‬‬ ‫ * شاعرة وناقدة وصحفية من المغرب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪81‬‬


‫الدكتور سلطان القحطاني‬ ‫علينا أن نصلح التعليم من داخل البيئة المحيطة بالطالب‪ ،‬وليس‬ ‫بالنظريات المعرفية المجردة‬ ‫بنات الرياض‪ ..‬ال أعدها رواية‪ ،‬إنما هي نص يمثل خواطر صاحبتها‬ ‫قصيدة النثر لم ولن تثبت كقصيدة في الثقافة العربية‪ ،‬فهي هجين‬ ‫بين النثر والشعر‪ ،‬ولكل منهما مرجعياته وأصوله‬ ‫> حاوره محمود عبدالله الرمحي‬

‫واحد من أهم األسماء األدبية التي جمعت بين العمل األكاديمي (التدريس المنهجي‬ ‫والتحليل النقدي) والفعل اإلبداعي (الكتابة السردية والقراءات النقدية)‪.‬ناقد وروائي‬ ‫وأك��ادي��م��ي س��ع��ودي‪ ،‬صاحب حضور إب��داع��ي ون��ق��دي ف��ي المشهد الثقافي السعودي‪،‬‬ ‫وصاحب حضور متميز‪ ،‬ع��ززه من خ�لال الكثير من اإلص���دارات األدب��ي��ة والعديد من‬ ‫المواقف الثقافية الجريئة والمغايرة‪ .‬استضافه نادي الجوف األدبي‪ ..‬وأثناء تواجده‬ ‫في المنطقة كان لنا معه هذا الحوار‪..‬‬ ‫< د‪ .‬سلطان القحطاني ‪ -‬أك��ادي��م��ي في > التعليم في البالد العربية ينقصه الكثير‪،‬‬ ‫نواح عدة‪ ،‬منها‪ :‬التطبيق‪ ،‬والتدريب‬ ‫من ٍ‬ ‫جامعة الملك سعود ‪-‬إحدى جامعاتنا‬ ‫على م��ا يتلقاه ال�ط��ال��ب م��ن معلومات‬ ‫الحبيبة– كيف يرى مستقبل التعليم‬ ‫نظرية‪ ،‬خاصة في اللغة والرياضيات‬ ‫في بالدنا؟‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫وال�ج�غ��راف�ي��ا‪ ،‬ومنها سلبية التلقي‪ ،‬مثل ما‬ ‫يأخذه الطالب في األدب؛ ومنها عزل المواد‬ ‫ال��دراس�ي��ة ع��ن بعضها بعضاً‪ ،‬كعزل العلمي‬ ‫عن األدب��ي‪ ،‬وهما يتفقان أكثر مما يختلفان‬ ‫ف��ي أم��ور كثيرة‪ .‬ف��إذا أردن��ا أن نبني تعليماً‬ ‫ي��واك��ب متطلبات ال �ح �ي��اة؛ فعلينا أن نصلح‬ ‫التعليم من داخ��ل البيئة المحيطة بالطالب‪،‬‬ ‫ول�ي��س بالنظريات المعرفية ال�م�ج��ردة‪ ،‬وأن‬ ‫نجعل الطالب شريكاً في العملية التعليمية‪،‬‬ ‫وأن يشعر بكل جملة تمر معه بوجوده فيها‪،‬‬ ‫حتى يتمكن م��ن اإلب ��داع والتجديد ومواكبة‬ ‫العصر‪ ،‬وليس بوضع اإلجابات على الورق ثم‬ ‫نسيانها‪.‬‬

‫البالد وخارجها‪ ،‬وقد أصدرت أربعة كتب وأربع‬ ‫روايات‪ ،‬فمن الكتب ما يدرس بعضها‪ ،‬واآلخر‬ ‫مراجع (الرواية في المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫نشأتها وتطورها) وه��و البحث ال��ذي قدمته‬ ‫لنيل ال��دك �ت��وراه‪ ،‬م��ن بريطانيا‪ ،‬وه��و البحث‬ ‫العلمي األول في المملكة عن الرواية منذ أن‬ ‫نشأت في عام‪1930‬م إلى آخر رواية صدرت‬ ‫ف��ي ع��ام ‪1989‬م‪ ،‬وق��د أع�ي��دت طباعته عن‬ ‫نادي القصيم األدبي هذا العام‪ .‬كما صدر لي‬ ‫كتابان‪ ،‬عن نادي الطائف األدبي‪ ،‬األول(النقد‬ ‫األدبي في المملكة العربية السعودية‪ ،‬نشأته‬ ‫واتجاهاته‪،‬عام‪2003‬م‪ ،‬ونفدت طبعته األولى‪،‬‬ ‫وننتظر طبعته الثانية‪ ،‬وه��و تأسيس للنقد‬ ‫األدب��ي في المملكة‪ ،‬مثلما كان كتاب الرواية‬ ‫في المملكة تأسيسا للرواية‪ ،‬والثاني‪ ،‬بعنوان‬ ‫(ال��ت��ي��ارات ال �ف �ك��ري��ة وإش �ك��ال �ي��ة المصطلح‬ ‫النقدي) ‪2005‬م‪ ،‬وهناك كتب تنتظر الطبع‪.‬‬

‫ < الناقد الدكتور سلطان القحطاني واحد من‬ ‫أهم األسماء األدبية التي جمعت بين العمل‬ ‫األك��ادي��م��ي (ال��ت��دري��س المنهجي والتحليل‬ ‫النقدي) والفعل اإلبداعي (الكتابة السردية‬ ‫وال����ق����راءات ال���ن���ق���دي���ة)‪ ..‬ل��ك��ن��ه م��ت��ه��م بقلة < بماذا تعلل الزحف الروائي الحالي‪ ..‬لدرجة‬ ‫أن بعض النقاد يقولون إن هذا الزمن هو زمن‬ ‫إصداراته‪ ،‬رغم أن اإلصدارات تعتبر الترجمة‬ ‫ال��رواي��ة‪..‬وه��ل ك��ان ه��ذا ال��زح��ف على حساب‬ ‫الحقيقية والواقعية للشخصية أألكاديمية أو‬ ‫األجناس األدبية األخ��رى كالشعر أو القص‬ ‫األدبية‪ ..‬ما قولك في ذلك؟‬ ‫مثال؟‬ ‫> هناك الكثير من البحوث العلمية تنتظر النشر‪،‬‬ ‫لكن كثرة مشاغلي حالت بيني وبين نشرها في > لكل زمن فن يظهر فيه بظهور المتلقي‪ ،‬فظهور‬ ‫الرواية له أسبابه‪ ،‬ومنها ضعف الشعر‪ ،‬وتقليد‬ ‫كتب‪ ،‬فلديَّ ما يزيد على أربعين بحثاً أكاديمياً‪،‬‬ ‫ال�ش�ع��راء لشعراء م��ن خ��ارج البيئة العربية‪،‬‬ ‫شاركت بها في مؤتمرات وملتقيات في داخل‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪83‬‬


‫ونمطية القصة القصيرة التي كانت مسيطرة‬

‫في الثمانينيات من القرن العشرين‪ ،‬والنقد‬ ‫ال��ذي وج��ه االهتمام إل��ى ال��رواي��ة‪ ،‬وق��د وجد‬ ‫المتلقي بُغيتَه في الرواية لطول نفسها‪ ،‬وفي‬

‫هذه الظروف يظهر إلى جانب الفن الروائي‬ ‫ال�ح�ق�ي�ق��ي رواي � ��ات ض�ع�ي�ف��ة وأخ� ��رى ليست‬ ‫بروايات‪ ،‬والمسئول عن هذا وذاك بالدرجة‬

‫األول� ��ى ه��و ال�ن�ق��د غ�ي��ر ال�م�ت�خ�ص��ص‪ ،‬فكما‬

‫لتسويق إنتاجه؟‬

‫أن هناك من تطفل على ال��رواي��ة‪ ،‬هناك من > الجنس هو أس��اس الحياة في كل الكائنات‪،‬‬ ‫وتوظيفه التوظيف الحقيقي‪ ،‬كما أمر الله‪-‬‬ ‫تطفل على النقد‪ ،‬ومن الطبيعي في مثل هذه‬ ‫الظروف أن يختلط الحابل بالنابل‪ ،‬وتظهر‬

‫أع�م��ال ردي�ئ��ة ومشوهة للمجتمع على أيدي‬ ‫راصدين وليسوا روائيين‪.‬‬

‫< نشاهد ط��ف��رة كبيرة ف��ي ال��رواي��ة السعودية‬ ‫النسائية‪ ..‬فهل تعدها ظاهرة طبيعية وازدهارا‬ ‫لها‪ ..‬وما هي العوامل التي أدت إلى ذلك؟‬ ‫> ظهور الرواية النسائية أمر طبيعي في ظل ظهور‬ ‫التعليم‪ ،‬وه��و رك��ن أساسي من عوامل ظهور‬ ‫الرواية‪ ،‬والعوامل التي أدت إلى ذلك كثيرة‪،‬‬

‫منها ظروف المرأة المقهورة في حياتها‪ ،‬حيث‬ ‫عبرت عن همها الذاتي في قصص أقرب إلى‬ ‫الحكايات منها إلى الفن‪ ،‬ومنها كثرة الطلب‬ ‫على الرواية من قبل الناشرين‪ ،‬حيث تشكل‬

‫لهم مكاسب مادية كبيرة‪ ..‬لكن هذا المخاض‬ ‫الروائي لن يدوم على هذه الحال‪ ،‬والطفرات‬

‫ أو سمِّها القفزات ‪ -‬تحتمل ظهور كل شيء‬‫بجانبها‪ ،‬وسيبقى الحقيقي وي��ذه��ب غثاء‬

‫السيل‪.‬‬

‫< هل توظيف الجنس في زمن الرواية العربية‬ ‫ح��اج��ة أم ت��ك��ل��ف زائ����د ي��ب��ح��ث ع��ن��ه ال����راوي‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫تعالى‪ -‬أمر محمود عندما تستدعيه الحاجة‪،‬‬ ‫أم���ا م ��ا ن �ج��ده ال� �ي ��وم ف ��ي م ��درس ��ة بوعالل‬

‫الشكري‪ ،‬المعروف (محمد شكري) ومن تبعه‪،‬‬ ‫فأمر مبتذل ال يمثل المجتمع الذي هو أساس‬ ‫البناء الروائي‪ ،‬وما يسمى رواية بهذا المفهوم‬ ‫عبء على الرواية‪ .‬وتسويق لبضائع مزجاة‪،‬‬

‫سرعان ما تزول‪.‬‬

‫< ظهرت رواي��ة (بنات الرياض لرجاء الصانع)‬ ‫ف��ي المشهد األدب���ي ال��س��ع��ودي لتثير زوبعة‬ ‫حادة من النقاشات‪ .‬واختلف النقاد في أرائهم‬ ‫وتحليالتهم‪..‬فمنهم من أثنى وامتدح وبالغ‬ ‫في ذلك‪ ،‬ومنهم من هاجم بشراسة‪ ..‬مع أي‬ ‫الفريقين دكتورنا الفاضل‪ .‬وم��اذا يقول في‬ ‫هذه الرواية‪..‬؟‪.‬‬ ‫> أن��ا لست مع أح��د منهم‪ ،‬بنات ال��ري��اض‪ ..‬لم‬ ‫تكتب رج��اء الصانع على غالفها رواي��ة‪ ،‬هي‬

‫خواطر شابة تكتب للكتابة فقط‪،‬وترسل لمن‬ ‫تعرف وم��ن ل��م ت�ع��رف‪ ،‬لكن ال��ذي��ن مدحوها‬

‫والذين قدحوها على خطأ‪ ،‬ألنهم ال يعرفون‬ ‫م ��اذا تعني ال ��رواي ��ة‪ ،‬أن��ا ق��رأت�ه��ا –كغيري‪-‬‬

‫واستمتعت بنصها إلى حد ما‪..‬ولم أعتبرها‬


‫ف��ال�ب��دي��ل ال�ن�ث��ري أول ��ى ب�ح��ل ه��ذه المشاكل‬ ‫وال�ت��ذوق الفني‪ ،‬ول��و وج��د من يكتب قصيدة‬

‫عصرية تالئم متطلبات المتلقي‪ ،‬لوجد الشعر‬ ‫مجاالً يقدمه وينقذه من هذا التراجع‪.‬‬

‫< ف���ي رأي����ك����م‪ ..‬ه���ل أع���ط���ى ال���ن���ق���اد الشعراء‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫مترجماً لمشاعر المتلقي وح�ل��ول مشاكله‪،‬‬

‫والروائيين والقاصين حقهم من النقد الباني‬ ‫الهادف أم أن المجاملة والمبالغة طغت على‬ ‫ذلك؟‬ ‫> لألسف الشديد‪ ،‬لم يعط النقد األدبي الشعراء‬ ‫وال الروائيين حقهم‪ ،‬إال ما ن��در‪ ،‬ألن النقد‬

‫ابتُلِي‪ ،‬كما ابتلِيَ اإلبداع بكثير من المتطفلين‬ ‫رواي��ة‪ ،‬ول��م أمدحها أو أذمها‪ ،‬إنما هي نص‬

‫يمثل خواطر صاحبتها‪ ،‬وال أحجر على أحد‪,‬‬ ‫ولو أردت ذلك فليس من حقي‪.‬‬

‫< ي����رى ب��ع��ض ال��ن��ق��اد ت��راج��ع��ا ف���ي قصيدتي‬ ‫العمودية والتفعيلة‪ ..‬وفي المقابل ثمة إقبال‬ ‫منقطع النظير على قصيدة النثر والترويج‬ ‫لها‪ .‬ما رأيكم في هذه المقولة وما األسباب‬

‫عليه‪ ،‬الذين أخذتهم العواطف‪ ،‬يمدحون اليوم‬

‫ويذمون غ��داً‪ ،‬ويجاملون على حساب النص‬

‫نفسه‪ ،‬لكن الساحة لم تخل من بعض النقاد‬

‫أص�ح��اب ال ��ذوق‪ ،‬ال��ذي��ن يتكئون على قاعدة‬ ‫علمية نقدية‪ ،‬وقراءة متزنة‪.‬‬

‫< م��ا جديد الدكتور سلطان القحطاني على‬ ‫الواجهة األدبية الثقافية؟‬

‫التي أدت إلى ذلك‪ ..‬وكيف للقصيدة العمودية > لدي بعض البحوث التي تحتاج إلى تنظيم قبل‬ ‫النشر‪ ،‬وتصميم برنامج تلفزيوني ثقافي للقناة‬ ‫أو التفعيلة العودة إلى سابق مجدها؟‬ ‫> قصيدة النثر لم تثبت على أنها قصيدة فيما‬ ‫يخص الثقافة العربية‪ ،‬أما الذين تحمسوا لها‬

‫الثقافية‪ ،‬إضافة إل��ى إع��داد برنامج إذاعي‬

‫لشهر رمضان القادم‪.‬‬

‫فيقلدون كتاب ه��ذه القصيدة من الغربيين‪ < ،‬ك��ل��م��ة أخ����ي����رة ت�����ود ن���ش���ره���ا ع���ب���ر الجوبه‬ ‫الثقافية‪..‬‬ ‫ويحاولون إثباتها‪ ،‬لكنها لم ولن تثبت كقصيدة‬ ‫ف��ي الثقافة العربية‪ ،‬فهي هجين بين النثر > أرج��و م��ن المبدعين والنقاد ال�ج��دد التريث‬ ‫وال �ش �ع��ر‪ ،‬ول�ك��ل منهما مرجعياته وأصوله‪،‬‬

‫في اإلنتاج‪ ،‬وأن يقرؤوا النصوص بهدوء‪ ،‬وأن‬

‫النثر عليه‪ ،‬من قصة ورواي��ة‪ ،‬فلم يعد الشعر‬

‫والنقد ليس ذاتياً‪.‬‬

‫أما تراجع الشعر بنوعيه‪ ،‬فيعود إلى طغيان‬

‫يتركوا عنهم االنتقائية‪ ،‬فاإلبداع ليس انتقاء‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪85‬‬


‫القاص أحمد بوزفور‬

‫النصوص التي لم متتعنا ال قيمة لها‪..‬‬ ‫والتجريب ثورة على الذات‬

‫> حاوره‪ :‬عبدالغني فوزي‬

‫أحمد بوزفور‪ ..‬قاص مغربي منشغل بفقرات عمود القصة‬ ‫إلى حد كبير وعميق‪ ،‬ينحت كتاباته اإلبداعية بلغة رشيقة‪،‬‬ ‫صقيلة المبنى وغنية اإلح��ال��ة‪ .‬وب��ق��در م��ا تتعدد مؤلفاته‬ ‫القصصية (النظر في الوجه العزيز‪ ،‬الغابر الظاهر‪ ،‬صياد‬ ‫النعام‪ ،‬ققنس)‪ ،‬تتنوع رهاناته الجمالية أيضا‪ ،‬والتي تتغذى‬ ‫على مقروء غني ومتنوع‪ .‬تراه متجليا في إصداراته وأنشطته‬ ‫الموازية للقصة (الزرافة المشتعلة‪ ،‬تقديمات لكتب وكتاب‪.)..‬‬ ‫نحن‪ ،‬إذاً‪ ،‬أم��ام كاتب ال يكتب القصة وكفى ؛ ب��ل يجادل‬ ‫حولها بالمتن والتجربة‪ ،‬ساعي ًا إلى تطوير هذا النوع‪ ،‬إلى جانب المساعي األخرى‪،‬‬ ‫طبعا المنفلت باستمرار‪ ،‬دون تثبيت ليقين ما‪ ،‬بل من خالل إث��ارة األسئلة الخالقة‪،‬‬ ‫بعيدا عن أي تقويض غافل‪.‬‬ ‫< مسيرتكم القصصية منذ سبعينيات‬

‫نقرأ نصوصاً جيدة من مختلف اآلداب‬

‫ال����ق����رن ال���س���ال���ف إل�����ى اآلن‪ ،‬عرفت‬

‫اإلنسانية‪ ،‬وكنا نعرف أن الكتابة شيء‬

‫انعطافات‪ ،‬إلى حد أن كل مؤلف عندكم‬ ‫ي��ن��ف��رد ب��ره��ان م��ا (ال��ع��ج��ائ��ب��ي‪ ،‬اللغة‬ ‫ال��دارج��ة‪ ،‬الحلم‪ .)..‬دعني أسألك في‬ ‫البداية‪ ،‬كيف انفلت نصك األول من‬ ‫التنميط السبعيني بحكم مالبسات‬ ‫المرحلة؟‬ ‫> نحن ل��م ندخل أن��ا وكتابا آخ��ري��ن إلى‬ ‫عالم الكتابة بيضا فارغين‪ .‬لقد كنا‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫آخ��ر غ�ي��ر ال�خ�ط��اب��ات اإليديولوجية؛‬ ‫ول ��ذل ��ك ك �ن��ا ن �ح��س ب �ث �ق��ل إك ��راه ��ات‬ ‫المرحلة‪ ،‬ون�ح��اول اإلف�ل�ات‪ .‬م��ن جهة‬ ‫أخرى؛ نحن لم نفلت تماما‪ ،‬ألننا لم نكن‬ ‫كتّابا فقط‪ .‬بل كنا مواطنين أساسا‪ ،‬ولم‬ ‫نكن نستطيع أن نخرج تماما من أرض‬ ‫المرحلة وس�م��ائ�ه��ا‪ ،‬ب��ل ل��م نكن نريد‬ ‫الخروج‪ .‬لقد كان الصراع االجتماعي‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ساخناً‪ .‬أحسسنا به على جلودنا‪ ،‬وانخرطنا‬

‫فيه‪ ،‬وانطبعت به كتاباتنا إلى حد كبير‪ .‬كنا‬

‫فقط نحاول أن ال نعبِّر عنه مباشرة‪ ،‬وأن يكون‬ ‫تعبيرنا رغم القبح الذي يقدمه جميال‪ .‬وقد‬ ‫سلك كل واحد منا إلى ذلك طريقه الخاص‪.‬‬

‫< يذهب بعض النقاد بالعجائبي ال��ى ح��د قد‬ ‫ي��ت��ح��رر م��ن م��دخ�لات معينة (واق����ع‪ ،‬مكان‪،‬‬ ‫متون شفوية‪ ،)..‬فيغدو تجريب ًا ال يستند على‬

‫نفرض على اآلخرين تصوراتنا؟ دع مئة زهرة‬

‫أي وعي‪ .‬كيف تفهم التجريب في القصة؟‬

‫تتفتح‪ ،‬والباقي لألجمل‪.‬‬

‫> التجريب ع��ال��م واس��ع وم�ت�ن��وع‪ .‬ومجاله في < هناك فروق دقيقة بين العجائبي والغرائبي‬ ‫والفنطاستيك‪..‬لكن يبدو أن القصة المغربية‬ ‫الفنون األخرى ‪-‬غير الكتابة‪ -‬أبرز وأخصب‪،‬‬ ‫�ص��رن��ا ال �ح��دي��ث ع�ل��ى ال�ت�ج��ري��ب في‬ ‫ف ��إذا ق� َ‬

‫ت��وظ��ف العجائبي كتقنية ب�لاغ��ي��ة فقط‪..‬‬

‫الكتابة‪ ،‬وف��ي الكتابة القصصية خصوصا‪،‬‬

‫وليس كتصور حول الكتابة كما هو الشأن في‬

‫وف��ي النصوص التي أكتبها ب��ال��ذات‪ ،‬فإنني‬

‫مرجعيات أخرى؟‬

‫أفهم التجريب كما يلي‪:‬‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫حين يمل الكاتب الشكل الذي يكتب به‪ ،‬وحين‬

‫> الكتّاب ال ينطلقون في كتاباتهم من الحدود‬

‫يحس أن هذا الشكل أصبح نمطيا‪ ،‬وأن��ه ال‬

‫والمفاهيم النظرية والنقدية‪ .‬النقاد والمنظرون‬

‫هم الذين ينطلقون من النصوص‪.‬‬

‫يعبر عن الجديد فيه‪ ،‬يفكر في أشكال جديدة ‬ ‫أخ���رى‪ ،‬وي�ج��رب�ه��ا ف��ي ال�ك�ت��اب��ة‪ .‬ه�ك��ذا أفهم‬

‫بالغية فقط؟ ال أستطيع التعميم‪ .‬وفي نظري‬

‫وليس قبلها‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬هو خروج على‬

‫المغربية كما تحددها المراجع النظرية؛ بل‬

‫األش �ك��ال التي يكتب بها آخ ��رون‪ .‬التجريب‬

‫لنا ال�ن�ص��وص‪ ،‬بإصغاء ك��ام��ل‪ ،‬وظ��ن حسن‪،‬‬

‫األساليب وتطويعها للتعبير عن الذات‪ :‬الذات‬

‫الجماليات واستمتعنا بها‪ ،‬أمكننا تصنيفها‬

‫لكن ه��ذا الفهم للتجريب يخصني وحدي‪،‬‬

‫أو ضمن أصناف جديدة‪ .‬وإذا لم تمتعنا هذه‬

‫هل العجائبي في القصة المغربية اآلن تقنية‬

‫التجريب‪ :‬من جهة‪ ،‬التجريب يأتي بعد الكتابة‬

‫ينبغي أن ال نبحث عن الجماليات في القصة‬

‫األش �ك��ال ال�ت��ي نكتب بها ن�ح��ن‪ ،‬ول�ي��س على‬

‫ينبغي أن نتلقى هذه الجماليات كما تقدمها‬

‫ث��ورة على ال ��ذات‪ :‬ال��ذات القديمة‪ ،‬وتطوير‬

‫واس �ت �ع��داد ل�ل�ت�ج��اوب؛ ف ��إذا أحسسنا بهذه‬

‫الجديدة‪.‬‬

‫بعد ذلك ضمن األصناف النظرية المعروفة‪،‬‬

‫وال أستطيع أن أفرضه على اآلخرين‪ .‬لذلك‬ ‫أتابع التجريبات األخرى في القصة المغربية‬

‫ال�ن�ص��وص‪ ..‬ف�لا قيمة لها حتى ل��و التزمت‬ ‫بالحدود النظرية‪.‬‬

‫باهتمام‪ ،‬وأنصت لها‪ ،‬وأستمتع بجميلها‪ .‬لماذا < تحضر الدارجة في القصة المغربية بشكل‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪87‬‬


‫متعدد ومختلف التوظيف‪ .‬ف��ي سرديتكم‬ ‫تبدو منسابة ولينة ؛ وق��د ذهبت بعيدا في‬ ‫هذا الرهان‪ ،‬إلى حد كتابة قصة كاملة بنفس‬ ‫االستعمال اللغوي‪ .‬فماذا عن هذا الرهان؟‬ ‫> ف��ي إط��ار المفهوم السابق للتجريب‪ ،‬كتبت‬ ‫قصة كاملة بالدارجة‪ ،‬ونشرتها تحت عنوان‬ ‫«مممؤثى»‪ .‬كنت أح��اول أن أستثمر إمكانات‬

‫الدارجة وأستفيد منها‪ .‬لكنها ‪ -‬أقصد طبعا‬

‫يتعامل معها الكتاب كمودة‪ ،‬وأن يتهافتوا عليها‬ ‫ويستسهلوها‪ ،‬فيقضوا على إمكاناتها في‬ ‫التطور‪ ،‬وعلى فرصهم في اإلبداع الجميل‪.‬‬

‫< ف��ي م��ؤل��ف��ك األخ��ي��ر «ق��ق��ن��س» راه��ن��ت��م على‬ ‫الحلم‪ ،‬وهو ما خلق في تقديري انعطافة‪..‬‬ ‫فيها من التأمل واالستغراق الرؤيوي الشيء‬ ‫الكثير‪ .‬ن��ري��د تفصيل ه��ذا ال��ره��ان‪ ،‬وكيف‬ ‫تحقق ذلك سرديا؟‬

‫دارجتي أنا ‪ -‬لم تفصح بوضوح عن ما أردت > كنت مهموما‪ ،‬خالل كتابتي قصص «ققنس»‪،‬‬ ‫التعبير عنه‪ ،‬لقد كانت كالطفل الذي يتأتى‬ ‫بمشاكل التلقي والتأويل‪ ،‬وإشكاالت المعنى‬ ‫في قصة «مممؤثى»‪ .‬أحسست أن الدارجة‪،‬‬

‫وال��رس��ال��ة والمعرفة ف��ي النصوص األدبية‪.‬‬

‫قصتي‪ ،‬فعدت إلى قواعدي بخدوشي‪ .‬أنا اآلن‬

‫وك��ي أحسس ال�ق��ارىء بهمومي‪ ..‬فكرت في‬

‫تستبطن الدارجة‪ ،‬ودارجة تلبس الفصحى)‪.‬‬

‫ب �ت��أوي�لات مختلفة تسخر م��ن ج�ه��ة بفكرة‬

‫ما ت��زال تحتاج إل��ى الفصحى لكي تنتج في‬

‫وح��اول��ت التفكير في ه��ذه الهموم بالكتابة‪.‬‬

‫أكتب باللغة التي كتبت بها دائما‪( :‬فصحى‬

‫وضع نص داخلي في القصة‪ ،‬تقاربه القصة‬

‫< قلتم في أحد التصريحات‪ :‬القصة القصيرة‬

‫المعنى األحادي‪ ،‬وربما بفكرة المعنى نفسها‪،‬‬

‫ج���دا تقتضي خ��ب��رة وت���راك���م���ا‪ ..‬وأن����ت اآلن‬ ‫تالمس كتابة هذا النوع بحذر الحكماء‪ .‬كيف‬ ‫تنظر للقصة القصيرة جدا مغربيا وعربيا؟‬ ‫وما هي خطورة هذا النوع اللغوية والسردية؟‬

‫وت�ط��رح م��ن جهة أخ��رى إمكانية االستمتاع‬

‫بجماليات الكتابة الملونة المفتوحة على‬ ‫المعاني المتعددة‪ ،‬والكتابة البيضاء التي ال‬

‫تقبل أي معنى‪.‬كيف تحقق ذل��ك س��ردي��ا؟ ال‬ ‫أدري‪ .‬أترك اإلجابة للقراء‪.‬‬

‫> نعم‪ .‬أنا أستمتع جيدا بالقصة القصيرة جدا‬ ‫التي يكتبها الشيوخ‪ :‬يقطرون فيها خبرتهم < ناديتم بفكرة عقد مؤتمر قصصي‪ ،‬أو خلق‬ ‫إط��ار موحد‪ ،‬لخدمة ه��ذا النوع األدب��ي قبل‬ ‫وتجاربهم بأسلوب يمتزج فيه األدبي بالفكري‬ ‫بالفلسفي بالصوفي‪ .‬وبلغة «مشغولة» تختزن‬

‫خبرة الممارسة الطويلة باختيار الكلمات‬

‫وتركيبها‪ .‬إنني أفكر وأنا أكتب هذا بما كتبه‬ ‫نجيب محفوظ ف��ي آخ�ـ��ر حياته‪ .‬لكن هذه‬

‫ظهور الكثير من اإلط���ارات القصصية التي‬ ‫انقسمت على نفسها‪ .‬فاستحال التجميع‪،‬‬ ‫ك��أن اإلط���ار غاية ف��ي ح��د ذات���ه‪ .‬ه��ل م��ا تزال‬ ‫فكرة المؤتمر األدبي قائمة؟‬

‫وج�ه��ة نظـر ذوقيـة ال ول��ن ت��ؤث��ر على كتابة > ناديت بهذه الفكرة في بداية التسعينيات من‬

‫الشباب للقصة القصيرة جدا‪ .‬وأنا أستمتع‬ ‫فعال ببعض م��ا يكتبون‪ .‬لكنني أخ�ش��ى أن‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫القرن السالف‪ .‬وقد فُهمت الفكرة بأشكال‬

‫مختلفة‪ :‬فُهمت كدعوة إل��ى مضايقة اتحاد‬


‫والترؤس والنجومية‪ ..‬لكن هدفي الحقيقي‬

‫م��ن ه ��ذه ال ��دع ��وة ك ��ان إن��ش��اء إط� ��ار يخدم‬ ‫القصة المغربية في غمرة انشغال أطر أخرى‬ ‫بأجناس أخرى‪ .‬إطار يعمل بجهد‪ ،‬وفي صمت‬

‫وتواضع‪ ،‬وبنفس طويل‪ .‬حالت الحساسيات‬ ‫السياسية واألخالقية حينها دون نشوء هذا‬

‫اإلطار الكبير‪ .‬لكن الهدف نفسه أخذ يتحقق‬

‫اآلن مع انشاء «مجموعة البحث في القصة‬ ‫القصيرة بالمغرب»‪ ،‬ومع إنشاء أطر أخرى‬ ‫مثلها؛ صغيرة ودؤوب ��ة‪ ،‬وتعمل دون أهداف‬

‫أخرى غير خدمة القصة المغربية‪ .‬وأعتقد‬

‫ال�ق��راءة‪ .‬أنت تعرف أن القصة والشعر وكل‬ ‫ش ��يء م�ك�ت��وب ي �ق��وم ع�ل��ى س��اق �ي��ن‪ :‬الكاتب‬ ‫والقارىء‪ .‬والقصة بدون قارىء عرجاء‪ .‬لكن‬ ‫البحث عن قارىء أو اكتشافه أو صنعه‪ ،‬ليس‬ ‫مهمة كتاب القصة وحدهم‪ ،‬بل هو مسؤولية‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫ك �ت��اب ال �م �غ��رب‪ ،‬و ُف �ه �م��ت ك �ف��رص��ة للبروز > مد الكتابة ال يقلقني‪ .‬الذي يقلقني هو جزر‬

‫المغاربة جميعا‪ .‬فمن دون ق��ارىء لن تقوم‬ ‫قائمة‪ ..‬ال لألدب وال للثقافة وال للتنمية وال‬ ‫للمستقبل‪ .‬ألن ال �ق��ارىء يعني العقل‪ ،‬يعني‬ ‫حركة العقل‪ .‬وبدون هذه الحركة لن يتحرك‬ ‫أي شيء في هذا البلد‪.‬‬

‫أن اإلطار الصغير‪ ،‬بعدد محدود من األفراد < بعد مسيرة قصصية‪ ،‬أغنت العمق والنظر‪ ،‬ما‬ ‫ومن األهداف‪ ،‬ومن الوسائل‪ ،‬يمكن أن يعمل‬ ‫هو النص القصصي الذي تتوق إليه اآلن؟‬ ‫بشكل أج��دى وأنجع‪ .‬ول��ذل��ك‪ ..‬ال أعتقد أن‬ ‫> ليتني أع��رف��ه! ل��و عرفته لكتبته وارتحت‪.‬‬ ‫فكرة اإلطار الكبير ما تزال قائمة‪.‬‬ ‫ ‬

‫ال �ق��ائ��م اآلن ه��و التنسيق ب�ي��ن ه ��ذه األطر‬ ‫ال�ص�غ�ي��رة‪ .‬وه ��ذا التنسيق م��وج��ود‪ ،‬ويطرد‬ ‫ويقوى باستمرار‪.‬‬

‫< ت��ش��ت��غ��ل��ون ف���ي م��ج��م��وع��ة ال��ب��ح��ث للقصة‬ ‫القصيرة في المغرب في صمت وهدوء‪ .‬وبقدر‬ ‫ما تحاول ه��ذه المجموعة إنصاف القصة‪،‬‬ ‫فإنها غير منصفة‪ .‬أليس كذلك؟‬ ‫> مجموعة البحث ال تعتقد أنها مظلومة‪ ،‬وال‬

‫تبحث ع��ن اإلن �ص��اف‪ .‬إنها تحظى باحترام‬ ‫الكتاب ال�م�غ��ارب��ة‪ ،‬وتحظى بتجاوب القراء‬ ‫المغاربة المهتمين‪ .‬وذلك يكفيها‪.‬‬

‫< القصة في المغرب تخطو اآلن سريعا‪ ،‬وقد‬

‫أن��ا أح��س ب��ه وال أتبينه‪ .‬وق��د راف�ق�ن��ي هذا‬

‫اإلحساس منذ البداية‪ .‬وكل نص كتبته كان‬ ‫محاولة فاشلة لكتابة ه��ذا النص العنقاء‪.‬‬ ‫«أرى العنقاء تكبر أن تصادا» يقول المعري‪.‬‬ ‫ربما كان هذا النص شبيها ب «السيمرغ» في‬ ‫كتاب «منطق الطير»‪ :‬ذل��ك الطائر الملك‪،‬‬ ‫الذي سافر ثالثون طائرا للبحث عنه وتتويجه‬ ‫ملكا عليهم‪ .‬لكنهم اكتشفوا في آخر سفرتهم‬ ‫الطويلة أن «السيمرغ» ه��و ه��م‪ .‬ألن (سي)‬ ‫بالفارسية تعني ثالثين و(مرغ) تعني الطائر‪.‬‬ ‫فالسيمرغ تعني (ثالثين ط��ائ��را)‪ .‬والطائر‬ ‫الملك هو الطيور الشعب‪.‬‬

‫يقود ذلك لحتفها أو مجدها (األدبي طبعا)‪ .‬‬

‫والنص الذي أبحث عنه ربما كان يتكون من‬

‫كيف تتفاعل مع هذا المد؟‬

‫كل النصوص التي كتبتها‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪89‬‬


‫الشاعر الكبير أحمد عبداملعطي حجازي‬

‫الشعر لن يموت‪ ..‬وقصيدة النثر عند الكثيرين ثمرة إنحطاط لغوي‪.‬‬ ‫خالفي مع العقاد يعود إلى الرؤية الشخصية لكل منا في الشعر والقالب‬ ‫الشعري‪.‬‬ ‫المرأة موجودة في شعري‪ ..‬ألن الحياة موجودة فيه‪ ..‬ففي شعري تحس‬ ‫رائحة األرض والتراب والمرأة‪.‬‬ ‫> حاوره عصام أبو زيد‬

‫شاعر وكاتب مصري‪ ،‬ولد في محافظة (المنوفية) بمصر ع���ام‪1935‬م‪ ،‬عمل مدير ًا‬ ‫لتحرير القسم الثقافي في مجلة (روز اليوسف) األسبوعية‪ ،‬ثم أستاذ ًا لمادة الشعر‬ ‫العربي الحديث في جامعة باريس‪ ،‬ترأس تحرير مجلة (إبداع) األدبية التي تصدرها وزارة‬ ‫الثقافة المصرية‪ ،‬أصدر عددا من الدواوين الشعرية مثل (مدينة بال قلب)‪ ،‬و(أوراس)‪،‬‬ ‫و(لم يبق إال االعتراف)‪ ،‬و(مرثية للعمر الجميل)‪ ،‬و(كائنات مملكة الليل)‪.‬‬ ‫ويعد من رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر‪ .‬ترجمت مختارات من‬ ‫قصائده إلى الفرنسية واإلنجليزية والروسية واإلسبانية واإليطالية واأللمانية‪ .‬وحصل‬ ‫على جائزة كفافيس اليونانية المصرية عام ‪1989‬م‪ ،‬وجائزة الشعر األفريقى عام ‪1996‬م‪،‬‬ ‫وجائزة الدولة التقديرية في اآلداب من المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬عام ‪1997‬م‪.‬‬ ‫معه كان لنا هذا الحوار‪:‬‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫< م��ا تقييمك للحال الشعرية العربية في‬ ‫الوقت الراهن؟‬ ‫> ال�ح��ال الشعرية تتمثل ف��ي نقطة أول��ى هي‬ ‫أن العرب ما ي��زال��ون يحتضنون ه��ذا الفن‪،‬‬ ‫والدليل على هذا هو ما نراه من مهرجانات‬ ‫تتكاثر يوماً بعد ي��وم‪ ،‬ويقبل الجمهور على‬ ‫مشاهدتها‪ ،‬وكذلك ما نراه من احتفال بديوان‬ ‫الشعر الجديد ل��دى الناشرين س��واء كانوا‬ ‫رسميين أو غير رسميين‪ ،‬وما نراه أيضاً من‬ ‫ظهور أجيال جديدة ال تنقطع من الشعراء‪،‬‬ ‫وإن كان هناك انقطاع‪ ..‬فهو ليس في تدفق‬ ‫األج �ي��ال‪ ،‬ول�ك��ن يتمثل ف��ي ع�لاق��ة األجيال‬ ‫بعضها ببعض؛ فدائماً هناك مواهب‪ ،‬ودائماً‬ ‫هناك جيل جديد من الشعراء‪ .‬إذاً‪ ،‬ال يوجد‬ ‫انقطاع من الناحية العضوية‪ ،‬إذا أمكن القول‪،‬‬ ‫ول�ك��ن االن�ق�ط��اع ق��د ي�ك��ون قائماً م��ن ناحية‬ ‫أخ���رى‪ ،‬ه��ي االن �ق �ط��اع المتمثل ف��ي ضعف‬ ‫ال�ع�لاق��ات القائمة بين األج �ي��ال؛ ف��اآلن كل‬ ‫جيل جديد يظهر‪ ..‬يعتقد أن تقدُّمه مرهون‬ ‫بإنكاره الجيل الذي سبقه‪ ،‬وكأن الميزة هي‬ ‫في مجرد االختالف‪ ،‬مع أن االختالف يمكن‬ ‫أن يتحقق بين الشعر الردئ والشعر الجيد‪،‬‬ ‫ولكن هذا ليس اختالفاً إيجابياً؛ فاالختالف‬ ‫اإليجابي هو أن يكون شعر الجيل الجديد‬ ‫م �غ��اي��راً ل�ش�ع��ر ال �ج �ي��ل ال �س��اب��ق‪ ،‬ول �ك��ن مع‬ ‫الحفاظ في الوقت نفسه على القيمة الفنية‪.‬‬ ‫هذه المغايرة اإليجابية التي نريدها‪ ،‬وهي‬ ‫ال تقتضي القطيعة بين األج �ي��ال الجديدة‬ ‫واألج �ي��ال الماضية‪ ،‬ب��ل على العكس‪ ،‬هذه‬ ‫المغايرة الفنية تقتضي ع�لاق��ة أوث ��ق؛ ألن‬ ‫العالقة األوث��ق تمكن األجيال الجديدة من‬ ‫استيعاب إضافات األجيال السابقة وتمثلها‬ ‫واإلضافة إليها‪.‬‬ ‫ ‬

‫ال تجعلني مقلداً له‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬ال‬ ‫مث ً‬ ‫أقلده إال إذا اكتفيت بقصيدة أو قصيدتين‬ ‫أو اكتفيت بالمتنبي وح��ده ولم أق��رأ شاعراً‬ ‫آخر‪ ،‬أما قراءة الشعراء اآلخرين المجيدين‬ ‫من كافة العصور في اللغة القومية‪ ،‬وأيضاً‬ ‫قراءة المجيدين أو ما تيسر من شعرهم في‬ ‫اللغات األخ��رى‪ ،‬فإنها تساعد الشاعر على‬ ‫أن يجد نفسه وأس �ل��وب��ه‪ ..‬ويبلور عبقريته‬ ‫ال �خ��اص��ة وم��وه �ب �ت��ه‪ ،‬وم ��ن ث��م ي�ك�ت��ب شعراً‬ ‫مختلفاً عن الشعر الذي تتلمذ عليه دون أن‬ ‫ينزل عن المستوى الرفيع المطلوب للشعر‪.‬‬ ‫< قصيدة النثر أصبحت هم ًا أساسي ًا من هموم‬ ‫���روف برفضك‬ ‫ال��ج��ي��ل ال��ج��دي��د‪ ،‬لكنك م���ع ٌ‬ ‫ل��ه��ا وأص������درت ك��ت��اب�� ًا ف���ي ذل���ك (القصيدة‬ ‫الخرساء)؟‬ ‫> أنا أقبل قصيدة النثر عندما تكون تجربة‪،‬‬ ‫وأرفضها تماماً إذا تصور البعض أنها أفضل‬ ‫األشكال أو أكثرها حداثة‪ ،‬وألنها في هذه‬ ‫الحالة تصبح وبا ًء كاسحاً‪ ،‬إنها شكل يعتم ُد‬ ‫على لغة فقيرة من ناحية المعجم‪ ،‬بسيطة‬ ‫ساذجة من ناحية التركيب‪ ،‬نثرية من ناحية‬ ‫اإليقاع‪ ..‬إنها عند الكثيرين ثمرة انحطاط‬ ‫لغوي‪.‬‬ ‫< كيف ترى وجود المرأة في شعرك؟‬

‫> المرأة موجودة في شعري بقوة‪ ..‬ألن الحياة‬ ‫م��وج��ودة ف��ي ش�ع��ري‪ ،‬هناك ص��ور م��ن صور‬ ‫ليس صحيحاً أن قراءتي الجديدة للمتنبي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪91‬‬


‫تنطق بالحقيقة‪ ..‬أنت تشير من‬ ‫بعيد لتنجو‪..‬‬

‫الوجود مختلفة‪ ..‬هناك مثال‬ ‫ال� �ص ��ورة ال �ت��ي ت��وج��د عليها‬ ‫المرأة في شعر نزار قباني‪..‬‬ ‫< ام��ت��دت إقامتك ف��ي فرنسا‬ ‫إذا تغزل في المرأة فالقصيدة‬ ‫إل��ى ستة عشر ع��ام��ا‪ ،‬فهل أثرت‬ ‫هي لها‪ ،‬وبعد ذلك ينتقل إلى‬ ‫ه�����ذه ال���ف���ت���رة ع���ل���ى توجهاتك‬ ‫الوطن‪ ..‬هذا الفصل بين ما‬ ‫األدبية؟‬ ‫هو وط��ن وبين ما هو امرأة‪،‬‬ ‫> بداية‪ ..‬أود أن أسجل أن تلك‬ ‫وم��ا ه��و ح��ب‪ ،‬وم��ا ه��و حياة‬ ‫عصام أبو زيد‬ ‫الفترة كانت من أخصب فترات‬ ‫ل �ي��س ع � �ن� ��دي‪ ..‬ف ��ي شعري‬ ‫ح�ي��ات��ي ف��ي اإلط�ل�اع والمعرفة‪،‬‬ ‫تحس رائحة األرض والتراب‬ ‫فكنت استكمل دراس�ت��ي في الشعر العربي‬ ‫وال �م��رأة‪ ..‬وه�ك��ذا م��ن دون ف�ح��ش‪ ..‬المرأة‬ ‫في جامعة فرنسا‪ ،‬وقرأت خالل تلك الفترة‬ ‫موجودة بنعومتها األصلية‪ ،‬وبدفئها وأمومتها‬ ‫في علوم كثيرة منها الفلسفة العربية والتاريخ‬ ‫وخصوصيتها وكبريائها‪ ،‬المرأة بالنسبة إليَّ‬ ‫والنثر العربي واألدب الفرنسي لكبار األدباء‪،‬‬ ‫مختلفة ج��داً عن المرأة في الشعر العربي‬ ‫من أمثال فيكتور هوجو‪ .‬الحقيقة أنها كانت‬ ‫ال�م��رأة التي هي للمتعة أو دمية‪ ،-‬المرأة‬‫ف �ت��رة ع �ه��دت فيها إل ��ى تثقيف نفسي في‬ ‫عندي الحب‪ ،‬الرفيقة‪ ،‬مصدر من مصادر‬ ‫مختلف فروع اآلداب والعلم‪ ،‬ما زاد من أفقي‬ ‫الحياة والمعرفة‪ ،‬ولهذا وج��وده المتميز في‬ ‫الثقافي والمعرفي‪.‬‬ ‫شعري الذي يؤك ُد خصوصيتها ودورها‪.‬‬ ‫< ه��ل تعتقد أن ال��ش��ع��ر اس��ت��وع��ب ك��ل هموم < م��ا رأي��ك ف��ى ق��ول بعض النقاد إن الثقافة‬ ‫الفرنسية هي أحد روافد الثقافة العربية؟‬ ‫المواطن العربي؟‬

‫> هذا القول فيه كثير من التجني على الثقافة‬ ‫الفرنسية‪ ،‬فالتاريخ والثقافة الفرنسية ال‬ ‫يمكن أن ينكره أح��د‪ ،‬فهي الثقافة الحرة‬ ‫وال ��رائ ��دة ف��ي أوروب � ��ا‪ .‬ول �ك��ن ي�م�ك��ن القول‬ ‫أن الثقافة العربية ت��أث��رت بشدة بالثقافة‬ ‫الفرنسية نظرا ألن معظم األدباء والمثقفين‬ ‫العرب درسوا في فرنسا‪.‬‬

‫ > ال‪ ..‬ألن مشكلة الشعر‪ ،‬ومشكلة أي ف��ن ‪-‬‬ ‫وب�خ��اص��ة ف��ي ال�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة ‪ -‬أن�ن��ا نعرف‬ ‫العالم عن طريق األدوات‪ ،‬هذه األدوات إذا‬ ‫كنا نتحدث عن الشعر‪ ،‬فالشعر لغة‪ ،‬واللغة‬ ‫ليست م�ج��رد ك�ل�ام‪ ،‬ول�ك��ن م �ف��ردات تسمى‬ ‫األشياء‪ ..‬إذا كانت عندنا مفردات ال تسمي‬ ‫األش�ي��اء‪ ،‬أو مفردات ال تسمي كل األشياء‪،‬‬ ‫أو مفردات تسمي األشياء ولكن من بعيد‪ < ..‬ك��ي��ف ت���رى ال��ق��ص��ائ��د ال��ت��ي ي��ت��م ن��ش��ره��ا في‬ ‫أي معرفة ناقصة بالعالم‪ .‬لألسف الشديد‬ ‫الصحف والمجالت؟‬ ‫أن لغتنا العربية ‪ -‬حتى ه��ذه اللحظة‪ -‬ال‬ ‫> القصائد المنشورة في العديد من الجرائد‬ ‫نستطيع أن نمضي ف��ي إحيائها إل��ى نهاية‬ ‫والمجالت‪ ..‬وأتابعها‪ ،‬تدل على أن المسؤولين‬ ‫الطريق‪ ..‬بمعنى أن هناك عوامل كثيرة جدا‬ ‫عن صفحات الثقافة في حاجة إلى مراجعة‪،‬‬ ‫أسهمت في إبعاد اللغة‪ .‬تسمية األشياء بدقة‬ ‫فالمشرف على تلك الصفحات يجب أن يكون‬ ‫هي بالضبط األسباب ذاتها التي تمنعك أن‬ ‫متخصصا في اآلداب والثقافة‪ ،‬أم��ا أغلب‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫< تطور الشعر مرهون بتطور اللغة‪ ،‬فما رأيك‬ ‫ف��ي ال��ح��ال ال��ت��ي آل��ت إليها اللغة العربية‬ ‫اآلن؟‬ ‫ > اللغة مرآة الواقع‪ ،‬تتأثر به جل التأثر‪ .‬فنحن‬ ‫في البالد العربية‪ ،‬نعيش حالة من التخبط‪،‬‬ ‫ما أثر بالسلب على اللغة العربية‪ ،‬فظهرت‬ ‫كلمات خاصة على لسان الشباب تعكس مدى‬ ‫اليأس واإلحباط الذي يتعرض له‪ .‬والتطور‬ ‫***‬ ‫ال يبدأ م��ن اللغة‪ ،‬ب��ل إن��ه يبدأ م��ن الواقع‪،‬‬ ‫الموت في الميدان طنّ‬ ‫واالرتقاء به‪ ..‬ومن ثم تتطور اللغة‪.‬‬ ‫العجالت صفّرت‪ ،‬توقّفت‬ ‫< خضت في حياتك األدبية كثير ًا من المعارك‪،‬‬ ‫قالوا‪ :‬ابن من؟‬ ‫فكيف ترى معركتك مع عباس العقاد؟‬ ‫ولم يجب أحد‬ ‫> ب��داي��ة أؤك���د أن ع �ب��اس م�ح�م��ود ال �ع �ق��اد من فليس يعرف اسمه هنا سواه!‬ ‫القامات األدبية والفكرية العربية التي ال يمكن يا ولداه!‬ ‫ال�خ�لاف عليها‪ ،‬أو تجاهل دوره��ا ف��ي تطور قيلت‪ ،‬وغاب القائل الحزين‪،‬‬ ‫الثقافة العربية‪ .‬أما عن خالفي معه‪ ،‬فيرجع والتفت العيون بالعيون‪،‬‬ ‫ذلك إلى الرؤية الشخصية لكل منا في الشعر ولم يجب أحد‬ ‫والقالب الشعري‪ .‬فالعقاد يرى أن شعر التفعيلة فالناس في المدائن الكبرى عدد‬ ‫هو الشكل األوحد للشعر العربي‪ ،‬والذي يجب جاء ولد‬ ‫أن نلتزم به‪ .‬أما أنا فأعتقد أن الشعر حالة مات ولد!‬ ‫من االنفعال والمثل األعلى‪ ،‬يعبر عنها الشاعر الصدر كان قد همد‬ ‫عض في التراب‬ ‫كف ّ‬ ‫بأي أسلوب وأي شكل‪ ،‬لذلك كتبت القصيدة وارت ّد ّ‬ ‫العمودية بجانب النثر وشعر التفعيلة‪.‬‬ ‫وحملقت عينان في ارتعاب‬ ‫وظلّتا بغير جفن!‬ ‫من قصائده‬ ‫الموت في الميدان طنّ‬ ‫حط كالكفن‬ ‫الصمت ّ‬ ‫وأقبلت ذبابة خضراء‬ ‫جاءت من المقابر الريفيّة الحزينة‬ ‫ولولبت جناحها على صبيّ مات في المدينة‬ ‫فما بكت عليه عين!‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫المشرفين الحاليين على تلك الصفحات فهم‬ ‫ليسوا متخصصين‪ ..‬وهذا يضعف من قيمة‬ ‫صفحة الثقافة‪.‬‬

‫***‬

‫قد آن للساق التي تشرّدت أن تستكن!‬ ‫وعندما ألقوه في سيّارة بيضاء‬ ‫حامت على مكانه المخضوب بالدماء‬ ‫ذبابة خضراء!!‬ ‫(يناير ‪)1958‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪93‬‬


‫حوار مع الشاعرة والكاتبة العمانية‬ ‫فاطمة الشيدي‬

‫> أجرى احلوار أحمد الدمناتي*‬

‫شاعرة وكاتبة وَهَ ب َْت نفسها للقصيدة بإخالص عميق‪ ،‬ودخلت فلوات اللغة الشعرية‬ ‫بطفولة بهية أكثر اخضرارا‪ ،‬وكلما نادتها نوارس الحنين والجنون لطقوس الكتابة‪..‬‬ ‫استعجلت االن��خ��راط في م��ح��اورة الصمت والنسيان وال��ك�لام األكثر أل��ف��ة‪ ..‬مبتهجة‬ ‫بخالخيل الزرقة‪ ،‬وكأن اإلبداع انتساب لزمن وجودي وشعري وإبداعي آسر‪.‬‬ ‫جاء هذا الحوار ليبوح بأسرار كانت هناك معلقة على شرفات القصيدة‪.‬‬ ‫ص � ّف��ق ل �ه��ا ال �ق��ري �ب��ون ب �ن � ّي��ة التشجيع‬ ‫ < هل يمكن تذكر مالمح طفولتك الشعرية‬ ‫وال��دع��م‪ ..‬حتى ول��و كانت هشة وبدئية‬ ‫األولى‪ ،‬وعناقك األول مع بهاء الكلمة!؟‬ ‫وعفوية‪ ،‬التشجيع ال��ذي جعل اإليمان‬ ‫> ال يمكنني نسيان الطفولة‪ ..‬ألنها بدايات‬ ‫بالكلمة يضع بصمته األولى في الذاكرة‬ ‫الصمت‪ ..‬ال�ك�لام‪ ..‬العثرات‪ ،‬كما أنها‬ ‫والمخيلة وال���روح‪ ،‬وي��وط��ن ال�ع��زم على‬ ‫بداية الوقوف الصامد أمام زلزلة القادم‬ ‫ترسيخ تلك البدايات الساذجة لحالة‬ ‫والمتبقي من العمر‪ .‬إنها أرواح تخترقك‬ ‫م � � �ش� � ��روع حقيقي‬ ‫ك�ل�م��ا ت �ق��دم العمر‪،‬‬ ‫وم��م��ت��د‪ ،‬وم� ��ا ي ��زال‬ ‫وأم� �ك� �ن ��ة ت ��زي ��ح ما القصيدة النسائية جزء ال يتجزأ‬ ‫يجد كل محاولة هي‬ ‫يأتي لتتربع وحدها م���ن خ���ارط���ة ال��م��ش��ه��د الثقافي‬ ‫م� �ح ��اول ��ة أول� � ��ى؛ أو‬ ‫ع �ل��ى ع� ��رش ال� ��روح وال���ش���ع���ري ال���ع���رب���ي والعالمي‪.‬‬ ‫محاولة طفلية إن صح‬ ‫والذاكرة والكالم‪.‬‬ ‫التعبير‪ .‬وه��ذه أيضا‬ ‫ أم ��ا ط�ف��ول��ة الكلمة‬ ‫ال يمكن نسيانها‪ .‬وهناك طفولة الروح‬ ‫فهي حالتان؛ األول��ى‪ :‬الخربشات التي‬ ‫التي أح��اول جاهدا أن أجعلها تستمر‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫< كيف تنظرين إلى القصيدة النسائية في العالم‬ ‫العربي داخل خريطة الشعر العالمي!؟‬ ‫> القصيدة النسائية ج��زء م��ن خ��ارط��ة المشهد‬ ‫الثقافي والشعري العربي والعالمي‪ ،‬ج��زء ال‬ ‫يتجزأ‪ ،‬وال ينفصل‪ ،‬وال يمكن النظر إليه بمعزل‬ ‫عن ذلك‪ ،‬أو في حالة فصل أو عزل أو إقصاء أو‬ ‫تحجيم خارج ذلك المشهد اإلبداعي التاريخي‬ ‫والممتد‪ ،‬هكذا أنظر إليها‪ ..‬وهكذا ينبغي النظر‬ ‫إليها فقط‪.‬‬ ‫< والدة قصيدة‪ ,‬انتصار على خراب وخواء العالم‪,‬‬ ‫أم مصالحة مؤقتة مع انكسارات الذات؟!‬

‫< كيف ينظر النقد العربي إلى‬ ‫القصيدة التي تكتبها امرأة؟!‬

‫> في مثل هذا السؤال ال نستطيع التعميم‪ ،‬هناك‬ ‫نقد موضوعي ينظر لقصيدة المرأة على أنها‬ ‫نص‪ ،‬وهذا النص جزء من النص اإلبداعي في‬ ‫المشهد الثقافي الشعري والعربي بشكل عام‪،‬‬ ‫نص يحتمل القوة والضعف‪ ،‬والجمال والقبح‪،‬‬ ‫والقوة والهشاشة‪ ،‬ومن ثم يمكننا أن نطلق على‬ ‫هذا التقييم أنه نقد‪ ،‬ألنه يحمل نظرة موضوعية‬ ‫وراقية ومحايدة تماما‪ .‬ولكن هناك من ينظر لها‬ ‫(مسبّقا) على أنها نتاج أنثوي؛ يعني نتاج ضعف‪،‬‬ ‫ومن ثم فهو نص ضعيف‪ ،‬وه��ذه نظرة ذكورية‬ ‫محكومة بهاجس الذكر العربي‪ ،‬وفكرة اإلعالء‬ ‫واالس�ت�ع�لاء حتى ف��ي تقييم المنتج الثقافي‪،‬‬ ‫وه �ن��اك م��ن ي�ق� ّي��م ه ��ذا ال �ن��ص ح�س��ب كاتبته‬ ‫العتبارات الزمان والمكان‪ ،‬والشكل الخارجي‬ ‫أحيانا أيضا!‬

‫> وهل المصالحة مع ال��ذات إال حالة انتصار ‪-‬‬ ‫ولو مؤقتة وجزئية‪ -‬على خراب وخواء العالم؟!‬ ‫إن والدة قصيدة يعني تجسير الحلم والتفاؤل‬ ‫بين ال��ذات والعالم‪ ،‬وتأخير الموت قليال عن‬ ‫ال� ��روح ال�م�ح�ك��وم��ة ب��ال��وج��ع وال �ت �ل��ف والعطب > ‬ ‫سلفا‪ ،‬أو وض��ع ملصق ابتسامة أو آه��ة ‪ -‬ال‬ ‫ف��رق‪ -‬على قلوب تحكمها المادية‪ ،‬وتسير في‬ ‫دروب العدم‪ .‬والدة قصيدة هو االنتصار للحلم‬ ‫والكلمة وال��روح‪ .‬هو حالة تشبه تصنيع المطر‬ ‫لتتورد األرواح قليال‪ ،‬أو االغتسال في بركة من‬ ‫الموسيقى‪ ،‬أو في زخات من نفاف اللغة العذب‪.‬‬ ‫أو التمرغ في سديم من الحنان البض والحقيقي‬ ‫وغير المصنوع حتى البكاء‪ .‬إنه الشعور بوحشية ‬ ‫اللذة المتسربة من عمق ال��روح حتى شهقات‬

‫م������������������واج������������������ه������������������ات‬

‫وت � � ��ورق وت� �ت ��رب ��ع على‬ ‫ال �م �م �ك��ن والمستحيل‬ ‫م� � ��ن ال�� � � � � ��ذات؛ حتى‬ ‫أحتفظ بطراوة الحياة‬ ‫وال� �ك� �ل� �م ��ة‪ ،‬ودهشتها‬ ‫وبكارتها‪ ،‬وأجد للكتابة‬ ‫طُ �ع��م م�ش��اغ� ٍ�ب يتصيد سمكاتها الصغيرة‪،‬‬ ‫وعصافيرها البضة‪ ،‬وأحالمها الغائبة‪.‬‬

‫القصيدة ال تحفل بجدول‬ ‫م��واع��ي��د ك��ات��ب��ه��ا وال زحمة‬ ‫وق��ت��ه وأج��ن��دة أي��ام��ه‪ ،‬تأتي‬ ‫وقت ما تريد وكيفما شاءت‬

‫األلم‪ .‬والدة قصيدة هي الحالة‬ ‫ال�م�ع��ادل��ة للضحكة الجارحة‪،‬‬ ‫والحب السعيد‪.‬‬

‫< في الشعر متسع للجنون والدهشة‪ ,‬أيكفي هذا‬ ‫الجنس اإلب��داع��ي لشغب التمرد وف��رح البوح‬ ‫وشطحات الذاكرة في انفتاحها على العالم!؟‬ ‫الكتابة في األع��م هي التي تكفي! أم��ا الشعر‬ ‫فهو جزء من الكتابة اإلبداعية‪ ،‬ووفق محددات‬ ‫الشعرية ال�ت��ي تقتضي التكثيف واالختزال‪،‬‬ ‫وإعمال المخيلة البتكار صورة جديدة وحيّة‪ ،‬مع‬ ‫ضرورة لسعة شعورية حادة ليأتي النص الشعري‬ ‫متصاعدا وعذبا ومغداقا وحارقا‪ ،‬بمعنى آخر‬ ‫يستطيع أن يكون نصا شعريا حقيقيا‪ ،‬وليس‬ ‫متشبها وال مشتبها‪..‬‬ ‫ك��ل ه��ذا يجعل الشعر كائنا برزخيا نوعا ما‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪95‬‬


‫يجعله نصا متعاليا وفوقيا قليال‪،‬‬ ‫ل ��ذا أظ �ن��ه ب ��دأ ي�ض�ي��ق بالجنون‬ ‫والدهشة ‪ -‬حتى وإن انتثر‪ -‬أو‬ ‫بدأت تضيق عليه‪ ،‬النص النثري –‬ ‫عموما ومطلقا‪ -‬بروحه الشعرية‬ ‫ولغته األكثر سيالنا وجريانا‪ ،‬هو‬ ‫األك�ث��ر ج��رأة ف��ي إس�ع��اف الناص‬ ‫على شغب التمرد على األشكال‪،‬‬ ‫وعلى التداعي م��ع ال�ب��وح‪ ،‬وعلى‬ ‫شحذ الذاكرة‪ ،‬وفتح بوابات الروح‬ ‫على المطلق والحتمي من التشكل‬ ‫والتشيؤ في ال انبتات عام وكلي‬ ‫ب��ات�ج��اه ال�ع��ال��م وال � ��ذات‪ ..‬النص‬ ‫المطلق الروح‪ ،‬المنفتح الجناحين‪،‬‬ ‫الصعلوك اللذيذ في خروجه على‬ ‫م��ؤس �س��ات ال�ش�ك��ل والمضمون‪،‬‬ ‫النص الذي يأتي متشكال قصيدة‬ ‫مفتوحة األط� ��ر‪ ،‬ون �ص��ا مفتوحا‬ ‫م �ت �ح��دا‪/‬م �خ �ت �ل �ف��ا م ��ع األشكال‬ ‫والمضامين بكامل تحديداتها‪،‬‬ ‫وتكويناتها الجاهزة والثابتة‪.‬‬ ‫< القصيدة خائنة المواعيد بامتياز‪،‬‬ ‫وم��ت��م��ردة على أدب��ي��ات اللقاءات‬ ‫الروتينية‪ ,‬ما هو الوقت الجميل للقبض على‬ ‫دهشة القصيدة وحرائقها الباذخة!؟‬ ‫> ألن�ه��ا خائنة وم�ت�م��ردة ب �ح �دّة وش� �دّة‪ ،‬وبمهارة‬ ‫وقسوة‪ ،‬وبعبث ودالل‪ ،‬وبوعي والوع��ي‪ ،‬وبحزم‬ ‫وعزيمة المتحكم ع��ن شغف وم �ق��درة‪ ،‬وألنها‬ ‫تدرك أن لها كل األوقات‪ ،‬وللكائن الذي تسكنه‬ ‫بعض وقتها‪ ،‬وألنها ال تبالي به‪ ،‬ويراقب وقتها‬ ‫«مراقبة المشوق المستهام»‪ ،‬فال وقت للقبض‬ ‫على القصيدة غانية ال �م��اء‪ ،‬وش�ه��وة الظالل‪،‬‬ ‫ * شاعر وناقد من المغرب‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫ألن�ه��ا ال تتصل لتحجز م��وع��دا قبل‬ ‫المجيء‪ ،‬وال ترسل «إيميال»‪ ،‬وال حتى‬ ‫«مسجا سريعا»‪ ،‬فهي ال تحفل بجدول‬ ‫مواعيدك‪ ،‬وال زحمة وقتك‪ ،‬وأجندة‬ ‫أي��ام��ك‪ ،‬إنها تأتي فقط وقتما تريد‬ ‫هي‪ ،‬وكيفما شاءت‪ ،‬وشاء لها المزاج‬ ‫ال�ش�ع��ري ال�م�ت�ب�دّل‪ ،‬كطقس خريفي‬ ‫أهوج‪ ،‬تركب أول طائرة وآخر قطار‪،‬‬ ‫وأسرع سيّارة‪ ،‬وقد يطيب لها أن تركب‬ ‫عربة بطيئة في طريق ترابي‪ ،‬أو تدلي‬ ‫أرجلها من ظهر فرس أو ناقة أو حتى‬ ‫حمار في طريق صحراوي طويل‪ ،‬وقد‬ ‫تلمح ظلها فجأة في طائرة شراعية‪،‬‬ ‫أو في صارية وسط عاصفة هوجاء‪.‬‬ ‫فتظن أنها قادمة إليك بعد قليل فال‬ ‫تأتي!‬ ‫وف� �ج ��أة ت �ح��ل ف ��ي دم���ك بمنطادها‬ ‫السري بعبث ومودة جارحة‪ ،‬وتجلس‬ ‫بين جنباتك قليال‪ ،‬فتمني الروح بأن‬ ‫تقبض على جسدها البض بين يديك‬ ‫أط��ول وق��ت لتدلل آه��ات��ك‪ ،‬وتسعف‬ ‫شوقك وحنينك الطويل والممتد لها‪،‬‬ ‫بحرقة زمناً‬ ‫ٍ‬ ‫أو لتشعل رمادك الغافي‬ ‫في قرارة روحك بحرائق بالغية وشعرية‪ ،‬ولكن‬ ‫ما هي إال سويعات أو لحظات لتجدك كالقابض‬ ‫على الماء‪ ،‬وتجدها بزئبقيتها خارجك‪ ،‬تلوّح لك‪،‬‬ ‫وقد تمد لك لسانها شغبا طفوليا عذبا‪ ،‬وتعدك‬ ‫بزيارة قريبة قادمة‪ .‬فتسرف في لهفة االنتظار‪،‬‬ ‫حتى إذا خاب ظنك وظننت أنها هجرتك لألبد؛‬ ‫تسمع هسيس نداءاتها في روحك وقلبك وحسك‬ ‫قصيدة دموية شاحبة حارقة؛ وهكذا ال وقت‬ ‫للقصيدة‪ ،‬وال ميقات‪ ..‬إال الحرقة وما شاء لها‬ ‫الحزن والشعر!!‬


‫جولة عربية في رحاب الصني‬

‫> جعفر العقيلي*‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫«في مدار التنني»‬

‫يتناول كتاب «في مدار التنين» للشاعر السوري ‪-‬المقيم‬ ‫في (أبو ظبي)‪ -‬علي كنعان‪ ،‬ش��ذرات من رحلته التي امتدت‬ ‫ألسبوعين في رحاب الصين‪ ،‬متجو ًال في العاصمة الصينية‬ ‫وض��واح��ي��ه��ا‪ ،‬وط��ائ��ف�� ًا ب��ي��ن ص��روح��ه��ا ال��ح��دي��ث��ة ومعالمها‬ ‫التاريخية؛ وأبرزها السور العظيم‪ ،‬ومدافن المينغ‪ ،‬والكهوف‪.‬‬ ‫يلفت كنعان في مستهل كتابه إل��ى النهج‬ ‫الذي اتبعه في تدوين انطباعاته‪ ،‬بقوله‪« :‬يبدو‬ ‫لي أن البالد التي نزورها ونطوف بين معالمها‬ ‫ال نراها على حقيقتها‪ ،‬وال نستطيع اإلحاطة‬ ‫بتفاصيلها الواقعية‪ ،‬إنما نستكشفها ونتجول‬ ‫بين مرآة الذات فكراً وعاطفة وذائقة»‪.‬‬ ‫اس��م ال�ك�ت��اب‪« ،‬م ��دار التنين»‪ ،‬يحيل إلى‬ ‫األجرام الفلكية المعروفة في الصين‪ ،‬ويوضح‬ ‫كنعان سبب اختيار هذا االسم لكتابه بقوله‪:‬‬ ‫«ك��ان هاجسي أن أغ��وص ف��ي م��دار التنين‪،‬‬ ‫وأمتع نفسي بمعرفة ما أمكن من تراث هذا‬ ‫العالم الجديد وثقافته العريقة»‪ ،‬ويذهب إلى‬ ‫يفصل في رموز األجرام‬ ‫أبعد من ذلك‪ ،‬حين ّ‬ ‫الفلكية؛ حيث تمثل الشمس ف��ي األساطير‬ ‫الشرقية رم��زاً للرجل‪ ،‬ويمثلها على األرض‬ ‫اإلمبراطور‪ ،‬بينما يرمز القمر بلطفه األنثوي‬ ‫للمرأة‪ ،‬والنساء مراتب ودرجات‪ ،‬واإلمبراطورة‬ ‫هي المرأة الوحيدة التي تمثل البدر في ليل‬ ‫تمامه‪ .‬أما التنين في الحضارة الصينية‪ ..‬فهو‬

‫رمز للخير والسعادة والخلود والقوة‪ ،‬كما أنه‬ ‫رمز اإلمبراطور وسلطانه‪ ،‬لذلك يكثر رسمه‬ ‫على الثياب والجدران واألدوات وحتى الدمى‬ ‫والملصقات اإلع�لان�ي��ة‪ ،‬وم�ن��ذ ‪226 – 206‬‬ ‫معان رمزية‬ ‫قبل الميالد‪ ،‬صار التنين يحمل ٍ‬ ‫وفقاً للونه؛ أحمر‪ ،‬ذهبي‪ ،‬أبيض أو فيروزي‪.‬‬ ‫ويُ � َع � ّد ال �م��اء العنصر ال�خ��ام��س م��ن عناصر‬ ‫الفلك الصيني‪ ،‬ويقابله عطارد من الكواكب‪.‬‬ ‫والعناصر األربعة األخ��رى هي على التوالي‪:‬‬ ‫الخشب‪ ،‬النار‪ ،‬التراب‪ ،‬المعدن‪ ،‬ويقابلها من‬ ‫الكواكب‪ :‬المشتري‪ ،‬المريخ‪ ،‬زحل والزهرة‪.‬‬ ‫ي�ت��وق��ف ك�ن�ع��ان ع�ن��د ال�ع�لاق��ة ال�ت��ي تربط‬ ‫الصين بالطبيعة‪ ،‬انطالقاً من أن الطبيعة هي‬ ‫األم الكبرى‪ .‬ويتحدث عن الفرق بين الشرق‬ ‫والغرب‪ ،‬الذي جعل من الطبيعة عدواً محكوماً‬ ‫بالقهر واالستنزاف والتدمير‪ ،‬وتلك ‪-‬بحسب ما‬ ‫يرى‪ -‬تمثل الهوة السحيقة الفاصلة بين عالمين‬ ‫وفلسفتين ومنهجين متناقضين؛ أحدهما‬ ‫يسعى إل��ى بناء حضارة البشر‪ ،‬وهاجسه أن‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪97‬‬


‫يسود التفاهم والمحبة والتعايش والسالم في شتى غريباً أن تجد كلمة «هارموني» في كل مقالة تتحدث‬ ‫أرجاء األرض‪ ،‬والطرف اآلخر يخوض معارك النهب عن الفن‪ ،‬الشعر‪ ،‬العمارة‪ ،‬الطعام‪ ،‬تصميم الحدائق‬ ‫واإلب��ادة والتدمير‪ .‬إنها فلسفة «فاوست» الجهنمية وال�م�ع��اب��د وال �ق �ص��ور‪ ،‬وح�ت��ى ف��ي ال�ع�لاق��ة الزوجية‬ ‫في الحصول على المعرفة المطلقة‪.‬‬ ‫والتآلف بين الجسد والروح وبين األرض والسماء»‪.‬‬ ‫هذه العالقة الرقيقة مع الطبيعة‪ ،‬يبوح بها كنعان‬ ‫من خ�لال تجواله واصفاً ش��وارع المدينة المطرّزة‬ ‫بالشجر‪ ،‬والمباني غير المرتفعة‪ ،‬مع خلو المدينة‬ ‫تقريباً من األب��راج التي تناطح السحاب‪ ،‬وانتشار‬ ‫المطاعم الصغيرة ذات الواجهات المزينة بقناديل‬ ‫النور‪ ..‬هنا‪ ،‬يتأمل الكاتب في ف��رادة شعب الصين‬ ‫الذي يستغرق في بنيان حضارته بعيداً عن السعار‬ ‫الغربي الموسوم بالنهب والعدوان والحروب‪ ،‬ليؤكد‪:‬‬ ‫ال‬ ‫«لعل التاريخ هنا يفرض ح�ض��وره وت��أث�ي��ره‪ ،‬فض ً‬ ‫عن الموقع الجغرافي مترامي األط��راف‪ ،‬فالصين‬ ‫هي القوة الوحيدة في العالم التي لم تلوث تاريخها‬ ‫الحضاري المشرق بمخازي االستعمار وكوارثه‪ ،‬رغم‬ ‫المعاناة الطويلة التي كابدها الشعب من قوات الغزو‬ ‫واالحتالل»‪ .‬هذه الحقيقة التاريخية‪ ،‬بحسب الكاتب‪،‬‬ ‫يصوّر الكاتب اإلرهاصات التي شهدتها الصين‬ ‫هي ما جعل الشعوب المظلومة تنظر إل��ى الصين‬ ‫قبل بلوغها هذه المرحلة من التقدم‪ ،‬مشيراً إلى رواية‬ ‫بأمل وإعجاب‪ ،‬وتحاول مدَّ جسور عالقة إنسانية‬ ‫«األرض الطيبة» لألميركية «بيرل باك» الحائزة على‬ ‫معها محكومة بالمودة والتفاهم والمساواة‪.‬‬ ‫جائزة نوبل‪ ،‬التي رصدت حياة الفالحين في الصين‬ ‫تعتز الصين بأحيائها القديمة‪ ،‬وتُوليها عناية مطلع الثالثينيات من القرن الماضي‪ ،‬عبر مَشاهد‬ ‫فائقة‪ .‬ه��ذا م��ا يتلمسه ال�ق��ارئ عبر وص��ف كنعان فاجعة من البؤس والشقاء‪ ،‬وتمثلت أولى اإلرهاصات‬ ‫ّ‬ ‫لألزقة الضيقة في تلك األحياء التي تتميز‬ ‫بصف نحو التحرر بثورة «ماو تسي تونغ» ورفقائه ضد قوات‬ ‫من األشجار المعمّرة التي تحظى بعناية كبيرة‪ ،‬وال «شان كاي تشيك»‪ ،‬وكان للثورة دور كبير في انتصار‬ ‫يُسمح بقطعها أو المساس بها‪ ،‬إذ ثُبتت على جذع كل فيتنام‪.‬‬ ‫واحدة منها بطاقة معدنية تحمل رقماً خاصاً‪ ،‬وتتمتع‬ ‫وما تزال الصين تسير في طريق إنجاز نهضتها‬ ‫كل شجرة «هرمة» بحوض معدني أو رخامي يوفّر لها‬ ‫الحماية من أيدي العابثين‪ .‬وليس مستغرَباً والحالة ال �م��أم��ول��ة‪ ،‬بتصميم وث �ق��ة‪ ..‬ب�ع�ي��داً ع��ن االرتجال‬ ‫تلك‪ ،‬أن جميع عمليات الترميم للمباني القديمة‪ -‬كما والمغامرة‪ ،‬حيث توافرت لها عوامل النهضة بأركانها‬ ‫يصف الكاتب‪ -‬تجري يدوياً‪ ،‬ولعل ذلك بسبب وفرة الثالثة‪ :‬ال�ق��وة البشرية‪ ،‬العمل الجماعي الدؤوب‬ ‫اليد العاملة وض��رورة تشغيلها للحد من البطالة‪ ،‬والعقل المنفتح‪ ،‬ثم اإلرادة الحرة الواعية التي تشكل‬ ‫رغ��م أن الصين من ال��دول المتقدمة في الصناعة اإلطار الناظم الذي يجمع هذه العناصر معاً‪.‬‬ ‫تتربع الصين ال�ي��وم ف��وق ك�ن��وز تراثية فريدة‪،‬‬ ‫والتكنولوجيا‪ ،‬فالعمل هو القيمة األولى واألهم إلى‬ ‫جانب العلم وتحقيق االنسجام والتناغم في كل خطوة ك��األض��رح��ة اإلم �ب��راط��وري��ة ال��واق �ع��ة ف��ي الجنوب‬ ‫ومع كل إنجاز‪ .‬يقول الكاتب في هذا السياق‪« :‬ليس الشرقي من العاصمة‪ .‬وفي رحلته‪ ،‬يعرج كنعان على‬ ‫الحكمة ما تزال منارة يهتدي بها شعب الصين‪،‬‬ ‫ويترجمها واقعاً ملموساً عبر بسمة آس��رة ومعاملة‬ ‫لطيفة‪ ،‬من الحكم التي ينقلها الكاتب‪ ،‬أن المعلم‬ ‫«تشانغ تسونغ» كان في أواخر أيامه حين جاء تلميذه‬ ‫«الوتسي» إلى عيادته للتزود من خالصة حكمته‪ .‬قال‬ ‫التلميذ اللبيب‪« :‬أال تزودني بآخر كلمات الحكمة‪ ،‬يا‬ ‫معلمي؟»‪ .‬أجاب المعلم‪« :‬عليك أن تنزل من عربتك‬ ‫حين تمر ببلدتك األم»‪ .‬ق��ال «الوت �س��ي»‪« :‬ن�ع��م يا‬ ‫معلمي‪ ..‬هذا يعني أن على اإلنسان أ ّال ينسى أصله»‪.‬‬ ‫واستمر الحديث بين المعلم والتلميذ حتى استقى‬ ‫التلميذ حكمة المعلم األخيرة‪« :‬ال شيء في العالم‬ ‫أطرى وال أندى من الماء‪ ..‬ومع ذلك ليس في الوجود‬ ‫ما يفوقه في التغلب على األجسام الصلبة»‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫شُ يدت بها‪ ،‬ويزور مسجداً في أحد األحياء القديمة‪،‬‬ ‫وعدداً من مكتبات بكين وسوق الحرير فيها‪.‬‬

‫ينضوي ال�ك�ت��اب تحت م��ا يمكن دع��وت��ه «أدب‬ ‫ال��رح�ل�ات»‪ .‬وي��ر ّك��ز ال�ك��ات��ب على ت��اري��خ المناطق‬ ‫التي زاره��ا في الصين واصفاً معالمها العمرانية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬ناظماً ذلك وفق نظرة تحليلية ذاتية‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ضريح اإلمبراطور جو دي‪ ،‬الذي‬ ‫ازده� ��رت رح�ل�ات ال �ب��حّ ��ارة في‬ ‫عهده‪ ،‬حيث قام القبطان المسلم‬ ‫«جينغ خيه» بسبع رحالت قطع‬ ‫ال‬ ‫خاللها المحيط الهندي‪ ..‬متنق ً‬ ‫بين موانئ الهند‪ ،‬ومتقدماً حتى‬ ‫ال‬ ‫س��واح��ل بحر ال �ع��رب‪ ،‬مواص ً‬ ‫طريقه غرباً حتى تجاوز كينيا‬ ‫وبلغ تنزانيا‪ ،‬وهنا يلفت الكاتب‬ ‫النظر إلى أن تلك الرحالت تؤكد‬ ‫أن ب��حّ ��ارة ال�ص�ي��ن األوائ� ��ل هم‬ ‫ال��ذي��ن اكتشفوا العالم الجديد‬ ‫في أميركا وأستراليا‪ ،‬قبل رحالت ماجيالن وفاسكو‬ ‫«في مدار التنين» هو اإلص��دار األول من كتاب‬ ‫دي جاما وكولومبس بمئات السنين‪.‬‬ ‫مجلة «ال ��راف ��د» ال �ت��ي ت �ص��در ع��ن دائ� ��رة الثقافة‬ ‫أما سور الصين العظيم المتعرج‪ ،‬فيصفه بأنه واإلع �ل��ام ف��ي ال �ش��ارق��ة‪ ،‬وق ��د ج ��اء ه ��ذا الكتاب‬ ‫«تنين أسطوري هائل»‪ ،‬ألن اتجاه القمم والحواف تجسيداً ل��رؤى المجلة‪ ،‬وه��و ما يمكن تلمّسه من‬ ‫المسنّنة للجبال التي أقيم عليها‪ ،‬هي التي تحكّمت الكلمات التي ثُبتت على ال�غ�لاف األخ�ي��ر للكتاب‬ ‫بانعطافاته المتعددة‪ ..‬والتواءاته الحادة‪ ،‬ليشكل وجاء فيها‪« :‬بعد أن فاضت «الرافد» باتساقاتها مع‬ ‫خطاً دفاعياً حصيناً ال مثيل له في التاريخ‪ ،‬وكان سؤال الوعي والثقافة‪ ،‬وأصبحت مفرداتها مشمولة‬ ‫قادراً على صد الغزوات الهمجية القادمة من قبائل ب��ال��ذاك��رة المعرفية العربية واإلنسانية‪ ،‬وتداعت‬ ‫الشمال‪ ،‬حيث يذكر المؤرخون‪-‬بحسب الكاتب‪ -‬ملفاتها الشهرية م��ع أب ��رز القضايا والمواضيع‬ ‫أن الحاالت القليلة التي جرى فيها اختراق السور اإلشكالية في سؤال الوعي والوجود‪ ،‬ومعنى القامات‬ ‫واج �ت �ي��ازه م��ن المعابر الحصينة‪ ،‬ل��م تكن بسبب واإلن�ج��ازات‪ ..‬ها هي تواصل درب العطاء النوعي‬ ‫نقص أو خلل في بنيته‪ ،‬إنما بسبب ضعف الحكومة من خالل تكريس كتابها الشهري‪ ..‬ليكون رافداً من‬ ‫روافد الرسالة‪ ،‬وفضاء متجدداً لإلقامة في أزمنة‬ ‫وعجزها أمام القوة المهاجمة‪.‬‬ ‫يواصل القارئ جولته الورقية في رحاب الصين‪ ،‬الفكر والفن والثقافة‪ ،‬وساحة إبداع تتسع له الرؤى‬ ‫حيث يصحبه كنعان إل��ى المعابد معرّفاً بطقوس والمقاربات‪ ،‬والحضور الناجز للثقافة العربية من‬ ‫ال�ع�ب��ادة ف��ي ك��ل منها‪ ،‬وت��اري�خ�ه��ا‪ ،‬والطريقة التي الماء إلى الماء»‪.‬‬ ‫تعتمد ثقافته وخ�ب��رت��ه وسعة‬ ‫اطّ �لاع��ه وتجربته الشخصية‪،‬‬ ‫ب� �م ��ا ي� �س ��م م� �ف ��اص ��ل الكتاب‬ ‫بـ»المثقفة»‪ .‬وقد اعتمد كنعان‬ ‫لغة تقارب الشعرية‪ ،‬وال تخلو‬ ‫م��ن ج�م��ال�ي��ات ال �ص��ورة الفنية‬ ‫وس�ل�اس���ة ال� �س���رد والتحليل‬ ‫المشوق‪ ،‬والبساطة والوضوح‬ ‫في تناول تفاصيل األمكنة‪ ،‬حتى‬ ‫لَيشعر القارئ كأنما يسير في‬ ‫رحاب الصين‪ ،‬متجوالً في تلك‬ ‫األماكن‪ ..‬ورائياً لها رؤي العين‪.‬‬

‫وال يسع المرء ‪-‬وهو يقلب صفحات كتاب تتسع‬ ‫له الجيب‪ -‬إال أن يقدّر الدور الذي تسهم فيه مجلة‬ ‫«الرافد»‪ ،‬وال��ذي يُضاف إلى ال��دور الطليعي الذي‬ ‫تضطلع ب��ه مطبوعات عربية ل��م ت ��أ ُل ج �ه��داً في‬ ‫تكريس خطاب الثقافة ال��واع��ي والمتحضر على‬ ‫صفحاتها‪.‬‬

‫* كاتب أردني‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪99‬‬


‫العربي‪ ..‬بني اجل ّد والهز َل‬ ‫أدبُنا‬ ‫ُ‬ ‫> راضي صدوق*‬

‫إذا كان األدب في الماضي قد عانى من هزال الصورة واإلطار معا‪ ،‬فإن نماذج كثيرة من األدب اليوم‬ ‫هازلة عابثة‪ ،‬ولكن من نوع جديد‪.‬‬ ‫عانى أدبنا العربي‪-‬شأنه في ذلك شأن آداب األمم األخرى‪ -‬من تمزق وركود في بعض مراحله‬ ‫التاريخية عندما كانت شمس الحضارة تغيب عن أرض العرب‪ .‬وفي تلك المراحل الراكدة‪ ،‬نبت نوع‬ ‫عجيب غريب من اآلثار األدبية الشاذة في هزلها وعبثها‪ ،‬وبخاصة في المراحل الواقعة تاريخيا بين‬ ‫سقوط بغداد في أيدي التتار‪ ،‬ومطالع عصر النهضة الحاضرة‪.‬‬ ‫وقد قمت بجولة سريعة في بعض الكتب التراثية‬ ‫التي ت��ؤرخ لهذه المرحلة من رك��ود األدب العربي‪،‬‬ ‫فوقعت على الكثير من نماذج الهزل والعبث العربي‪،‬‬ ‫وبخاصة في «الكشكول» و«المخالة» لبهاء الدين‬ ‫العاملي‪ ،‬ومقامات الحريري‪ ،‬ومقامات الهمذاني‪،‬‬ ‫ودي��وان إبراهيم اليازجي‪ ،‬ودي��وان حسن العطار‪،‬‬ ‫وغ�ي��ره��ا م��ن الكتب وال ��دواوي ��ن‪ .‬وق��د ات�خ��ذ هذا‬ ‫الشذوذ األدبي الهازل له أسماء فنية توارى خلفها‪،‬‬ ‫من ذلك (رد العجز على الصدر) في الشعر‪ ،‬كما‬ ‫نرى في مثل هذا القول‪:‬‬ ‫ب�����أب�����ي ظ����ب����ي ت����ث����ن����ي ف������ي ال����رب����ى‬ ‫ف������ي ال������رب������ى ظ����ب����ي ت����ث����ن����ي ب���أب���ي‬ ‫واه����ب����ي ف����ي ال���ق���ل���ب ن�������ارا أس���ع���رت‬ ‫أس����ع����رت ف����ي ال���ق���ل���ب ن�������ارا واه���ب���ي‬ ‫وف��ي «المقامة الحلبية» أبيات كثيرة من هذا‬ ‫ح�������ل ب�������ي م�������ن ح�����ب�����ه م�������ا ه���ال���ن���ي‬ ‫ه�����ال�����ن�����ي م�������ن ح�����ب�����ه م�������ا ح�������ل بي القبيل‪ ،‬تبعث على الضحك والسخرية‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫سخيف الصياغة النثرية التي تبادِ هُنا في مقامات‬ ‫ف���اس���ك���ب���ي ي�����ا ع����ي����ن دم����ع����ا دائ����م����ا‬ ‫دائ�����م�����ا ي�����ا ع����ي����ن دم����ع����ا فاسكبي الحريري كلها‪ ،‬ولعل في سوق المثال التالي بعض‬

‫وهناك عينات كثيرة من هذا القبيل‪ ،‬تكاد تكون‬ ‫معروفة ل��دى المثقفين‪ ،‬وه��ي مليئة بالمحسنات‬ ‫اللفظية وال�ب��دي��ع وال�ج�ن��اس‪ ،‬وال�ط�ب��اق‪ ،‬والتورية‬ ‫اللفظية‪ ،‬واإلغراق والتفنن في العبث كحشر حرف‬ ‫معين‪ ،‬وت �ك��راره‪ ،‬ف��ي ك��ل كلمة م��ن كلمات البيت‬ ‫الواحد‪ ،‬من أمثلة ذلك‪:‬‬ ‫‪ -1‬أواري أواري وال����دم����وع تبينُه‬ ‫وك���م ُرم���ت ُإط���ف���ا َء اللهيب وق���د وَقد‬ ‫‪ُ -2‬ف�لا ت��ع��ذل��وا م��ن غ��اب عنه حبيبه‬ ‫فمن فقد المحبوبَ مثلي فقد فقد‬ ‫‪ -3‬ط ــرقت البـ ــابَ حتى ك ـ ـ ـ ــلً مَتني‬ ‫فلم ـ ــا ك ـ ـ ــلً متن ـ ــي كلمتن ـ ــي‬ ‫���س���ل���وِ ِ‬ ‫���اس ال ُ‬ ‫���س ل���ب ُ‬ ‫‪ -4‬س�ل�ان���ي ول���ي َ‬ ‫���ب ُح����س����نَ ِس����م����ات ِ النفيس‬ ‫ي���ن���اس ُ‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫«فقال له أحسنت يا بُدير‪ ،‬يا رأس الدًير‪ .‬ثم قال‬ ‫بصنوه‪ ،‬إذن يا نويرة‪ ،‬يا قمر الدُويرة‪،‬‬ ‫لتلوه‪ ،‬المُشتبه ِ‬ ‫ِ‬ ‫فدَنا ولم يتباطأ‪ ،‬حتى حل ً منه مقعد المُعاطي‪،‬‬ ‫فقال له أج ُل األبيات ِ العرائس وإن لم يكنً نفائس‪،‬‬ ‫فبرى القلم وقط‪ ،‬ثم احتجز اللوح َوخط‪:‬‬ ‫ف����ت����ن����ت����ن����ي ف����ج����ن����ن����ت����ن����ي ت���ج���ن���ي‬ ‫ب�����ت�����ج�����ن ٍ ي�����ف�����ت�����ن غ��������ب ًت����ج����ن����ي‬ ‫ش��غ��ف��ت��ن��ي ب��ج��ف��ن ظ���ب���ي ٍ غ���ض���ي���ض ٍ‬ ‫غ����ن����ج ٍ ي����ق����ت����ض����ي ت����غ���� ُي����ض َج���ف���ن���ي‬

‫وليس خافيا على أي قارئ أن مثل هذه األبيات‪،‬‬ ‫ال يمكن أن ت �ص��د َر ع��ن روح ٍ ش��اع��ري��ة صافية‪،‬‬ ‫ج��ادة ٍغير هازلة‪ ،‬ونفس ٍرائقة ٍغير شوهاء‪ ،‬ذلك‬ ‫أن الصناعة بأجلى ص��وره��ا‪ ،‬ت�ب��دو ب��وض��وح ٍفي‬ ‫كل كلمة ٍ من هذه األبيات‪ ،‬وكذلك العبث والهزل‬ ‫والتبجُ ح بالقدرة على النظم‪ ،‬بل تعداه إلى صميمية‬ ‫الموضوع ذات��ه‪ ،‬ب��دال ًم��ن أن يعمد أصحابها إلى‬ ‫االغتراف من أنفسهم‪ ،‬وتصوير خلجاتها على أروع‬ ‫ثم يمضي في ذلك إلى أن يقول‪« :‬أكتب األبيات وأدق ما يكون التصوير‪ .‬وغالبا ما كانوا يهدرون‬ ‫المَتائيم‪ ،‬وال تكن م��ن المَشائيم‪ ،‬ف�ت�ن��او َل القلم قدراتهم ومواهبهم في وصف (ممسحة) أو سجادة‬ ‫أو قلم حبر‪ ،‬وغير ذلك من األمور المهملة التي ال‬ ‫َالمُثقف‪ ،‬وكتب ولم يتوقف‪» :‬‬ ‫تصلح أن تكون موضعا ً لشعر شاعر ٍ جاد‪ .‬وليس‬ ‫���������ب ب������ق������د ٍ ي�����ق�����د‬ ‫ُزيً����������ن����������ت زي���������ن ٌ‬ ‫وت�������ل������اه ُوي��������ل��������اه ُ ن�������ه�������دٌ ي�����ه�����دُ أعجب َوال أدعى إلى الضحك من أ ًن ثالثة شعراء‬ ‫تنافسوا ف��ي (ال �ت �غ��زل) بممسحة قلم ح�ب��ر‪ ،‬قال‬ ‫ُج���ن���دُ ه���ا ج���ي���دُ ه���ا وظ�����رف ٌ وط�����رف ٌ‬ ‫ن�����اع�����س ٌ ت�����اع�����س ٌ ب����ح����د ٍ يَ����ح����دُ القاضي الفاضل (كان الوزير األول للفاتح صالح‬ ‫الدين األيوبي)‪:‬‬ ‫ق�����دره�����ا ق������دره������ا‪ ،‬وت�����اه�����ت وب���اه���ت‬ ‫واع�����ت�����دَت واغ������ت������دَت‪ ،‬ب���خ���د ٍ يَ���خ���دُ م��������م��������س��������ح��������ة ٌ ن�����������ه�����������ا ُره�����������ا‬ ‫ُي�������������ج�������������نُ ل�����������ي�����������لَ ال���������ظ���������ل���������م ِ‬ ‫ف�����ا َرق�����ت�����ن�����ي ف�����أ ًرق�����ت�����ن�����ي وشَ ����ط����ت‬ ‫ُوسَ ������ط������ت ث������مً ن�����م ً َوج��������د ٌ وج���د ك�����������أن�����������ه�����������ا م����������������ذ خ���������ل���������ق���������ت ِ‬ ‫م�������ن�������دي�������ل ُ ك�����������م ٍال��������ق��������ل��������م ِ‬ ‫������دي������ت وحَ ������ن������ت وح����يً����ت‬ ‫ف������ َدن������ت ف ٍ‬ ‫وقال نور الدين بن المغربي (من شعراء الدولة‬ ‫���ض���ب���ا ً مُ ���غ���ض���ي���ا ً يَ��������وَد ُ يُ����ود‬ ‫ُمُ ���غ َ‬ ‫ولست أري��د لنفسي أن تسترسل غائصة ًفي األيوبية)‪:‬‬ ‫ن�م��اذج ه��ذا ال�م��روق والسخف والتصنع‪ ،‬فهي لو وم���م���س���ح���ة ٍالح�������ت ك����أف����ق ٍ ت�����ب�����دً دت‬ ‫ُب��ه قطع ُ ال��ظ��ل��م��اءِ وال��ص��ب��ح ُ طالع‬ ‫إلي شوها َء وقد فارقها صفاؤها‬ ‫تسترسل لعادت َّ‬ ‫وحساسيتها‪ ،‬وأي��ة نفس مُرهفة ٍ ليًنة ِالمالمس‪ ،‬ول���م���ا أط�����ال ال��ل��ي��ل ُ ف��ي��ه��ا وُرودَه ُ‬ ‫حَ ��ك��ت��ه ُومُ �������دً ت ل��ل��ص��ب��اح ال��مَ ��ط��ال��ع ُ‬ ‫يمكنها أن تعبر مجاهيل َاألب�ي��ات التالية دون أن‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫الكفاية‪ ،‬ليأخذ القارئ فكرة ناجزة‪ ،‬عن هذا الهراء‬ ‫الشعري والسخف المنثور‪ .‬قال‪:‬‬

‫ُوال������ظ������ل ُوال�����ل�����ظ�����ى وال�������ش�������واظ‪..‬‬ ‫ُوالتظني واللفظ ُوالنظم ُوالتقريظ‬ ‫ُوال����ق����ي����ظ ُ وال���ظ���م���ا وال����ل����م����اظ‪..‬‬

‫وق � � ��ال ال� �م���ول���ى ن� ��اص� ��ر ال� ��دي� ��ن ش� ��اف� ��ع بن‬ ‫تخدَش حساسيتها؟‪:‬‬ ‫عبدالظاهر‪:‬‬ ‫ه���ي ظ��م��ي��اءُ وال��م��ظ��ال��م ُواإلظ���ل���ام ُ‬ ‫���ح���س���ن ُفيها‬ ‫وال����ظ����ل����م ُ وال����ظ����ب����ي وال�����ل�����ح�����اظ ُ وم��م��س��ح��ة ٍ ت��ن��اه��ي ال ُ‬ ‫ف���أض���حَ ���ت ف����ي ال���م�ل�اح���ة ِال تبارى‬ ‫والعَظا والظليم ُوالظبي ُ والشيظم ُ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪101‬‬


‫ال ع����دم����ن����اه ُي����ت����ح����ف ُ اإلخ�����وان�����ا‬ ‫وال ن����ك����رٌ ع���ل���ى ال���ق���ل���م ال����مُ ����واف����ي‬ ‫إذا ف�����ي َوص����ل����ه����ا خ���ل���ع َال������عِ ������ذارا ل���و ت���ران���ي وق����د ت���وك���أت ُ ف����ي ال��س��ي��ر ِ‬ ‫����خ����ل����ت����ن����ي ُس����ل����ط����ان����ا!‬ ‫ع����ل����ي����ه����ا ل ِ‬ ‫وإذا كنا نجد لهؤالء األدباء في هذه الحقبة من‬ ‫بعض العذر‪ ،‬بسبب ٍمن إنتاج هذه الفترة‬ ‫َ‬ ‫الزمن‪،‬‬ ‫ولو شئت ُ أن يمضي بي االستطراد ُإلى سَ وق‬ ‫بأكمله‪ ،‬كان يتسم بهذا الطابع‪ ،‬فإننا ال يمكن بحال‬ ‫أم�ث�ل��ة ون �م��اذج َم��ن ه��ذا ال�ش�ع��ر ال�م�س�ف��وح هدراً‬ ‫ٍمن األحوال أن نعذر األدباء َالمُعاصرين الذين جنح‬ ‫وعبثا‪ً ،‬في مرحلة ٍ أكثر ما تكون بحاجة إلى الجد ٍ‬ ‫بهم عبثهم‪ ،‬واستِهانتهم بالمسؤولية‪ ،‬إلى المروق‬ ‫والنزق والتهوُر والعبث بمواهبهم‪ ،‬ومقدًرات لغتهم‪ .‬والمسؤولية والقول الرًكين‪ ..‬أقول‪ :‬لو استطردت في‬ ‫ذلك‪ ،‬لبَلغ بي المَطاف ُ‪ ،‬في هذا المجال والسجال‪،‬‬ ‫وإذا ك��ان ش�ع��راء عهد المماليك ق��د تغزلوا بـ‬ ‫(ممسحة) أو «ق�ل��م ح�ب��ر»‪ ،‬فمن العجب أن نجد إلى شعراء يحترمهم القارئ‪ ،‬أمثال‪ :‬شوقي وحافظ‬ ‫في عصرنا هذا‪ ،‬عصر ِ الذرة واألقمار الصناعية ومطران والرصافي والزهاوي وغيرهم‪ ،‬وما قيل‬ ‫والفضائيات واالن�ت��رن��ت‪ ،‬بين الشعراء من تجزل ويقال ‪ -‬في هذا الباب ‪ -‬في الشعر‪ ،‬يمكن أن يقال‬ ‫قريحته وتجود‪ ،‬في رثاء حمار أو فرَس‪ ،‬وفي وقت عن نماذج كثيرة في سائر الفنون واألنواع األدبية‪.‬‬ ‫كانت األمة ‪ -‬وما تزال ‪ -‬أحوج َما تكون فيه إلى كل‬ ‫وبعد‪،‬‬ ‫حرف ِمن كل كلمة‪ ،‬ليضيء أمامها طريق المعرفة‪،‬‬ ‫فإن األدب أصالة ومسؤولية‪ ،‬وهو ال يمكن أن‬ ‫وهي في غمرة كفاحها من أجل النهوض والتكامل‪.‬‬ ‫يكون غير ذلك‪ ،‬فاالرتجال والصناعة والالمباالة‬ ‫ق���ف ب���س���وق ال��ح��م��ي��ر ِ وان���ظ���ر مَليَا‬ ‫ه�����ل ت�������رى أده�����م�����ا أغ��������رً ال���مُ ���ح���يً���ا من ألد أعداء األدب‪ ،‬ذلك أن روحا ًجادة ًال يمكن‬ ‫خ��ل��س��ت��ه ُ ي���د ُ ال���ل���ص���وص ِ صباحا‬ ‫أن ينزل بها اإلسفاف إلى هزل الصناعة والتزويق‬ ‫م����وكَ����ف����ا ً مُ ���ل���ج���م���ا ً مُ �����ع�����دّ ا مُ هيًا واالنفعال السطحي الذاهل‪.‬‬ ‫ًف����خ��ل�ا اس���ط���ب���ل���ه ُوأص������ب������ح قاعا‬ ‫وإذا كان األدب‪ ،‬في الماضي‪ ،‬عانى من هزال‬ ‫َص��ف��ص��ف��ا ًخ�������اويَ ال����ع����روض ِ خليًا‬ ‫المادة والصورة واإلطار معا‪ ،‬فإن نماذج كثيرة من‬ ‫ك����ان إن ق��ل��ت (ه����ش) أج���اب���ك طوعا‬ ‫وإذا ق��ل��ت ُ«ح������ا» إن��ت��ض��ى سَ مهريًا أدب اليوم هازلة ٌعابثة‪ ،‬لكن من نوع ٍ جديد‪.‬‬ ‫وهذا شاعر آخر كبير‪ ،‬يقول في (عصاً) أهداها‬ ‫ف��األدب��اء‪ ،‬ومنهم الشعراء‪ ،‬يسفحون مواهبهم‬ ‫إلى أحد أصدقائه‪:‬‬ ‫وكلماتهم في مذبح المُحاكاة اللفظية والنظريات‬ ‫ي����ا ص���دي���ق���ي وأن������ت ن���ع���م َ ال���مُ ��� َرب���ي‬ ‫المستورَدة الهجينة‪ ،‬الغريبة ع��ن صفاء نفوسنا‬ ‫ق����د ب��ع��ث��ن��ا ال���ع���ص���ا ف������رَب ِ الزمانا‬ ‫العربية الشرقية العامرة ب��دفء ال �وَداع��ة وشعاع‬ ‫فيرد عليه صديقه الشاعر في أبيات نجتزئ الشمس‪.‬‬ ‫منها‪:‬‬ ‫وأي امتهان لألدب‪ ،‬أعمق وأبلغ من أن يُبتذل‪،‬‬ ‫ق����د أت���ت���ن���ي ال���ع���ص���ا ف���ك���ان���ت أم���ان���ا‬ ‫ل���������يَ م�����م�����ا أخ�����������اف ُواط����م����ئ����ن����ان����ا وأن تتعاوره األقالم ُ غير المسئولة وغي ُر الحافظة‬ ‫���س���ج���اي���ا‬ ‫ت���ح���ف���ة ٌم������ن أخ ٍن���ب���ي���ل ِال ً‬ ‫ألمانتها؟!‬ ‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫وحتديات القرن احلادي والعشرين‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫التعليم اإللكتروني‬

‫> د‪.‬إسالم جابر أحمد عالم*‬

‫ن��ع��ي��ش اآلن ف���ي ع��ص��ر ال��م��ع��ل��وم��ات وث�����ورة تكنولوجيا‬ ‫ال��م��ع��ل��وم��ات‪ ،‬ف��ق��د تحقق ت��ط��ور كبير ف��ي ال��ت��ق��دم العلمي‬ ‫والتكنولوجي‪ ،‬ما يشجعنا على القول إن العالم يشهد قفزات‬ ‫لم تحققها البشرية من قبل‪ ،‬حيث تميز هذا العصر بالعديد‬ ‫من السمات من أهمها تدفق هائل للمعلومات‪ ،‬وإتاحة مصادر‬ ‫المعلومات المختلفة لكل البشرية‪ ،‬وتوافر وسائل االتصال‬ ‫على مدار الساعة‪.‬‬ ‫وق ��د ش�ه��د ال�ع�ق��د األخ �ي��ر م��ن القرن‬ ‫العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين‬ ‫ا ف ��ي م� �ج ��ال تكنولوجيا‬ ‫ت� �ق ��دم� �اً ه ��ائ�ل� ً‬ ‫المعلومات واالت�ص��االت‪ ،‬وما ي��زال التقدم‬ ‫مستمراً‪ ،‬ويتسارع بخطى سريعة أكثر من‬ ‫األمس‪.‬‬

‫فمعظم ال �م �ح��اوالت واالج��ت��ه��ادات التي‬ ‫قضت بتعريفه‪ ،‬نظر كل منها للتعليم عبر‬ ‫اإلنترنت من زاوي��ة مختلفة حسب طبيعة‬ ‫االه�ت�م��ام وال�ت�خ�ص��ص‪ ،‬وس��أح��اول تقديم‬ ‫رؤى مختلفة لهذا المفهوم وتعريفاً له‪.‬‬ ‫«ه��و طريقة للتعليم باستخدام آليات‬ ‫االتصال الحديثة من حاسب آلي وشبكاته‪،‬‬ ‫ووس� ��ائ� ��ط م� �ت� �ع ��ددة م ��ن ص� ��وت وص� ��ورة‬ ‫ورسومات‪ ،‬وهذه التقنية تسهم في إيصال‬ ‫المعلومة للمتعلم ف��ي أق�ص��ر وق��ت وأقل‬ ‫جهد»‪.‬‬

‫نعم لقد ط��رأت مؤخراً تغيرات واسعة‬ ‫في مجال التعليم‪ ،‬وب��دأ سوق العمل ‪-‬من‬ ‫خالل حاجاته لمهارات ومؤهالت جديدة‪-‬‬ ‫يفرض توجهات واختصاصات مستحدثة‬ ‫تلبي احتياجات المجتمع‪ ،‬لذا‪ ،‬فإن المناهج‬ ‫«مجموعة من العمليات المرتبطة بنقل‬ ‫التعليمية خضعت ه��ي األخ���رى لتواكب‬ ‫المتطلبات الحديثة والتقنيات المتاحة‪ ,‬وت��وج�ي��ه مختلف أن ��واع المعرفة والعلوم‬ ‫إل��ى ال��دارس�ي��ن ف��ي مختلف أن�ح��اء العالم‬ ‫مثل التعليم االلكتروني‪.‬‬ ‫باستخدام شبكة اإلن�ت��رن��ت‪ ،‬وه��و تطبيق‬ ‫مفهوم التعليم اإللكتروني‬ ‫فعلي للتعليم عن بُعد»‪.‬‬ ‫ال يوجد اتفاق كامل حول تحديد مفهوم‬ ‫ويُ�ع��رف التعليم اإللكتروني والتدريب‬ ‫ش��ام��ل لمصطلح التعليم عبر اإلنترنت‪ ،‬عبر اإلنترنت بأنه «تقديم البرامج التعليمية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪103‬‬


‫والتدريبية عبر اإلنترنت بأسلوب متزامن وغير •التعليم اإللكتروني‪ ،‬ال يهتم بتقديم المحتوى‬ ‫متزامن‪ ،‬وباعتماد مبدأ التعلم الذاتي أو التعلم‬ ‫العلمي فقط‪ ،‬بل يهتم بكل عناصر البرنامج‬ ‫بمساعدة مدرس»‪.‬‬ ‫التعليمي وم�ك��ون��ات��ه م��ن أهداف‪،‬ومحتوى‪،‬‬ ‫وطرائق تقديم المعلومات‪ ،‬وأنشطة مصادر‬ ‫وأنه «بيئة تعلم إلكترونية تعتمد على أساليب‬ ‫التعلم المختلفة‪ ،‬وأساليب التقويم‪.‬‬ ‫التفاعل التزامني والالتزامني بين المتعلمين‬ ‫وال�م�ت�ع�ل�م�ي��ن اآلخ ��ري ��ن‪ ،‬وك��ذل��ك ب �ي��ن المتعلم •التعليم والتدريب عبر اإلنترنت ال يَعنى بالعملية‬ ‫والمحتوى التعليمي‪ ،‬وبين المعلم والمتعلم‪ ،‬من‬ ‫التعليمية وتقديم المقررات فحسب‪ ،‬بل يسهم‬ ‫خالل تبادل اآلراء والمقترحات‪ ،‬وتقديم التغذية‬ ‫في تقديم البرامج التدريبية للمعلمين أثناء‬ ‫الراجعة والتقويم»‪.‬‬ ‫الخدمة‪.‬‬ ‫وهو «استخدام الوسائط المتعددة من بريد •يعتمد التعليم اإللكتروني على التفاعل بين‬ ‫إلكتروني ومؤتمرات فيديو تفاعلية‪ ،‬ومحادثة بين‬ ‫المعلم والمتعلم‪ ،‬وبين المتعلم ومحتوى التعلم‪،‬‬ ‫طرفين عبر اإلنترنت في العملية التعليمية»‪.‬‬ ‫وي �ح��اول االس �ت �ف��ادة م�م��ا ت�ق��دم��ه تكنولوجيا‬ ‫المعلومات واالتصاالت‪ ،‬وتوظيفه في العملية‬ ‫وأنه «ذلك النوع من التعليم الذي يعتمد على‬ ‫التعليمية‪.‬‬ ‫اس�ت�خ��دام ال��وس��ائ��ط اإلل�ك�ت��رون�ي��ة ف��ي االتصال‬ ‫واستقبال المعلومات‪،‬واكتساب المهارات‪،‬والتفاعل •ال�ت�ع�ل�ي��م اإلل �ك �ت��رون��ي ي�غ�ي��ر ص� ��ورة الفصل‬ ‫مبان مدرسية‬ ‫بين المعلم والمتعلم‪ ،‬وال يستخدم ٍ‬ ‫التقليدي الذي يتمثل في الشرح واإللقاء من‬ ‫أو صفوفاً دراس�ي��ة‪ ،‬ويرتبط ه��ذا النوع بشبكة‬ ‫قبل المعلم‪ ،‬والحفظ واالستظهار م��ن قبل‬ ‫المعلومات الدولية‪ -‬اإلنترنت»‪.‬‬ ‫المتعلم‪ ،‬إل��ى بيئة تعلم تفاعلية ت�ق��وم على‬

‫ومما سبق يتضح أن التعليم عبر اإلنترنت‬ ‫هو «منظومة تعليمية لتقديم البرامج التعليمية‬ ‫أو التدريبية ف��ي أي وق��ت‪ ،‬وف��ي أي م�ك��ان‪ ،‬من‬ ‫ويتم التعليم اإللكتروني بطريقتين هما‪:‬‬ ‫خالل استخدام تقنيات المعلومات واالتصاالت‬ ‫(اإلنترنت) لتوفير بيئة تعليمية‪ /‬تعلميه تفاعلية‪• ،‬ال �ط��ري �ق��ة ال �م �ت��زام �ن��ة‪ :‬وت �ت �م �ث��ل ف ��ي وجود‬ ‫المتعلمين والمعلم في وقت التعلم ذاته؛ حتى‬ ‫بطريقة متزامنة أو غير متزامنة‪،‬دون االلتزام‬ ‫تتوافر عملية التفاعل المباشر بينهم‪ ،‬كأن‬ ‫ب�م�ك��ان م �ح��دد‪ ،‬اع �ت �م��اداً ع�ل��ى ال�ت�ع�ل��م الذاتي‪،‬‬ ‫يتبادل الطرفان الحوار ‪.Chatting‬‬ ‫والتفاعل بين المعلم والمتعلم من خالل أدوات‬ ‫التفاعل المتزامن وغير المتزامن»‪.‬‬ ‫ •الطريقة غير المتزامنة‪ :‬وتتمثل ف��ي عدم‬ ‫ض� ��رورة وج� ��ود ال�م�ت�ع�ل��م وال �م �ع �ل��م ف��ي وقت‬ ‫م�م��ا س�ب��ق يمكن اس �ت �خ�لاص م�ج�م��وع��ة من‬ ‫التعلم ذات��ه‪ ،‬فالمتعلم يستطيع التفاعل مع‬ ‫الحقائق األساسية في ضوء التعريفات السابقة‬ ‫المحتوى التعليمي‪ ،‬والتفاعل من خالل البريد‬ ‫منها‪:‬‬ ‫اإلل�ك�ت��رون��ي‪ ،‬ك��أن ي��رس��ل رس��ال��ة إل��ى المعلم‬ ‫ •التعليم اإللكتروني‪ ،‬ليس تعليماً يقدم بطريقة‬ ‫يستفسر فيها عن معلومة معينة‪ ،‬ثم يجيب‬ ‫عشوائية مع التعليم النظامي المدرسي‪ ،‬بل هو‬ ‫عليها المعلم في وقت الحق‪.‬‬ ‫منظومة مخطط لها‪ ،‬ومصممة تصميماً جيداً بنا ًء‬ ‫التفاعل بين المتعلم ومصادر التعلم المختلفة‪،‬‬ ‫وبينه وبين زمالئه‪.‬‬

‫يدعم التعليم اإللكتروني مبدأ التعلم الذاتي‬ ‫على المنحنى المنظومي‪ ..‬لها مدخالتها‪،‬وعملياتها‪،‬‬ ‫والتعليم المستمر مدى الحياة‪.‬‬ ‫ومخرجاتها‪ ،‬والتغذية الراجعة‪.‬‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫ •خلق بيئة تعليمية تفاعلية من خالل تقنيات •ت��وس�ي��ع دائ� ��رة ات �ص��االت المتعلم م��ن خالل‬ ‫شبكة اإلنترنت‪ ،‬وعدم االقتصار على المعلم‬ ‫إل �ك �ت��رون �ي��ة ج ��دي ��دة‪ ،‬وال��ت��ن��وع ف ��ي مصادر‬ ‫كمصدر للمعرفة‪ ،‬مع رب��ط الموقع التعليمي‬ ‫المعلومات والخبرة‪.‬‬ ‫بمواقع تعليمية أخ��رى ‪،Links‬حتى يستزيد‬ ‫ •دعم عملية التفاعل بين المعلم‪ ،‬والمتعلمين‪،‬‬ ‫من المعرفة‪.‬‬ ‫والخبراء من خالل تبادل الخبرات التربوية‪،‬‬ ‫مميزات التعليم اإللكتروني‬ ‫واآلراء‪ ،‬وال�م�ن��اق�ش��ات‪ ،‬وال� �ح ��وارات الهادفة‬ ‫لتبادل اآلراء‪ ،‬باالستعانة بقنوات االتصال‬ ‫يتميز التعليم اإللكتروني بالعديد من المميزات‬ ‫المختلفة مثل البريد اإللكتروني ‪ ،E-mail‬منها‪:‬‬ ‫والمحادثة ‪.Chat‬‬ ‫ الجودة النوعية للتعليم عبر اإلنترنت‪.‬‬‫فالتعلم الجيد يهدف إل��ى تحقيق المشاركة‬ ‫الفعالة بين المعلم والمتعلم‪ ،‬مع تقديم تغذية‬ ‫راجعة للمتعلم‪ ،‬وجعل المتعلم محور العملية‬ ‫التعليمية؛ بحيث ي�ك��ون ل��ه دور إي�ج��اب��ي في‬ ‫عملية التعلم‪ ،‬والقيام بالعديد من األنشطة‬ ‫التعليمية من خالل تفاعله مع اآلخرين‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ •تطور دور المعلم في العملية التعليمية‪ ،‬حتى‬ ‫أهداف التعليم اإللكتروني‬ ‫يتواكب مع التطورات العلمية والتكنولوجية‬ ‫يسعى التعليم اإللكتروني إلى تحقيق مجموعة‬ ‫المستمرة والمتالحقة‪.‬‬ ‫من األهداف ومنها‪:‬‬

‫يوفر التعليم عبر اإلنترنت ثقافة جديدة يمكن‬ ‫تسميتها بالثقافة الرقمية‪،‬وهي تختلف عن الثقافة‬ ‫التقليدية أو الثقافة المطبوعة‪ ،‬حيث تركز الثقافة‬ ‫الجديدة على معالجة المعرفة‪ ..‬في حين تركز‬ ‫الثقافة التقليدية على إنتاج المعرفة‪ .‬ويستطيع‬ ‫المتعلم‪ -‬من خالل هذه الثقافة الجديدة ‪ -‬التحكم‬ ‫في تعلمه عن طريق بناء عالمه الخاص به‪ ،‬عندما‬ ‫يتفاعل مع البيئة المتوافرة إلكترونياً‪.‬‬

‫ •إكساب المعلمين المهارات التقنية الستخدام‬ ‫ش�ب�ك��ة اإلن �ت��رن��ت‪ ،‬وت��ؤك��د ب �ع��ض الدراسات‬ ‫ذلك‪ ،‬حيث توصي بضرورة إكساب المعلمين‬ ‫وه ��ذا ه��و األس ��اس ال ��ذي ت�ق��وم عليه نظرية‬ ‫المهارات الالزمة للتعامل مع شبكة اإلنترنت‪ .‬التعليم بالتشييد(البنائي)‪،‬حيث يصبح المتعلم هو‬ ‫ •إكساب المتعلمين الكفايات الالزمة الستخدام مركز الثقل‪ ،‬في حين يكون المعلم هو مركز الثقل‬ ‫شبكات المعلومات (اإلنترنت)‪ ،‬ويؤكد العديد في طرق التعليم التقليدية‪.‬‬ ‫من الدراسات على أن اكتساب تلك الكفايات‬ ‫ولقد أبرز العديد من الدراسات جودة التعليم‬ ‫للمتعلمين يساعد في تحسين عملية التعلم‪ ،‬عبر اإلنترنت‪ ،‬من خالل مقارنة مخرجات التعليم‬ ‫وتزيد من دافعيتهم لها‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن تحسين عبر اإلنترنت‪ ،‬مع مخرجات التعليم التقليدي‪.‬‬ ‫ق ��درة المتعلمين ع�ل��ى المناقشة م��ن خالل ولقد ظهر واضحاً تفوق المتعلمين الذين درسوا‬ ‫أنماط التفاعل المتزامن‪.‬‬ ‫عبر اإلنترنت؛ فقد أحرزت مجموعة التعليم عبر‬ ‫ •نمذجة التعليم وتقديمه في ص��ورة معيارية؛ اإلنترنت سبقاً بمعدل ‪ % 20‬عن مجموعة التعليم‬ ‫ف � ��ال � ��دروس ت� �ق ��دم ف� ��ي ص� � ��ورة نموذجية‪ ،‬التقليدي‪ ،‬وأنهم حققوا فهما جيداً للمادة التعليمية‬ ‫والممارسات التعليمية المتميزة يمكن إعادة المقدمة‪ ،‬وتكونت لديهم اتجاهات إيجابية زادت‬ ‫تكرارها‪ .‬ومن أمثلة ذلك بنوك األسئلة‪ ،‬خطط من ثقتهم بأنفسهم بصورة أكبر‪.‬‬ ‫للدروس النموذجية‪.‬‬

‫‪ -‬يتيح فرصة لتبادل وجهات النظر بين المعلم‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪105‬‬


‫والمتعلمين‪ ،‬م��ن خ�لال غ��رف ال�ح��وار المباشر‪،‬‬ ‫والمنتديات‪ ،‬والبريد اإللكتروني؛ األمر الذي يتيح‬ ‫للمتعلمين إكسابهم للمعارف والمهارات‪.‬‬ ‫ ‬ ‫وت �ج��در اإلش� ��ارة إل ��ى أن ه �ن��اك ال �ع��دي��د من‬ ‫ال��دراس��ات التي أب��رزت أهمية التعليم عن بُعد‪ ،‬‬ ‫باستخدام شبكات الحاسب في مساعدة الطالب‬ ‫ ‬ ‫على التحصيل في الجانب المعرفي‪ ،‬والجانب‬ ‫المهاري‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ •سهولة الوصول إلى المعلم بشكل كبير جداً‪،‬‬ ‫بعيداً عن أوقات العمل الرسمية؛ ألن المتدرب‬ ‫أصبح بمقدوره إرسال استفساراته للمعلم من‬ ‫خالل البريد اإللكتروني‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ •توفير المادة التعليمية خالل اليوم؛ حيث يتيح‬ ‫للمتعلم أن يحصل على المعلومة في أي وقت‪،‬‬ ‫فهذه الميزة تتيح للجميع التعلم في الزمن‬ ‫الذي يناسبهم‪.‬‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫في اإلبحار داخل البرنامج التعليمي بعد انتهاء‬ ‫وقت التدريب الخاص بهم‪.‬‬ ‫•التقييم الفوري والسريع والتعرف على النتائج‬ ‫وتصحيح األخطاء‪.‬‬ ‫•سهولة وسرعة تحديث المحتوى المعلوماتي‪.‬‬ ‫•تعدد مصادر المعرفة نتيجة االتصال بالمواقع‬ ‫المختلفة على اإلنترنت‪.‬‬ ‫•م�ش��ارك��ة أول �ي��اء األم� ��ور‪ :‬م��ن ح�ي��ث مشاهدة‬ ‫مالحظات المعلم واس�ت�خ��دام غ��رف الحوار‬ ‫معه‪ ،‬إضافة إلى مراجعة المحتوى واستخدام‬ ‫البريد اإللكتروني‪.‬‬ ‫•توسيع نطاق التعليم‪ :‬فالتعليم عبر اإلنترنت‬ ‫يتيح فرص التعليم على نطاق واسع لمختلف‬ ‫الفئات االجتماعية‪ ،‬بصرف النظر عن الجنس‬ ‫وال�ع��رق وال �ل��ون‪ ،‬وب�ص��رف النظر ع��ن الزمان‬ ‫والمكان‪.‬‬

‫•تقليل األعباء اإلداري��ة للمعلم؛ فالتعليم عبر •استقاللية ال�ط��ال��ب واالع �ت �م��اد على الذات‪:‬‬ ‫اإلنترنت خفف من األعباء اإلداري��ة التي تقع‬ ‫فالتعليم عبر اإلن�ت��رن��ت ل��ه دور ف��ي تشجيع‬ ‫على المعلم م��ن إرس��ال واس�ت�لام الواجبات‪،‬‬ ‫الطالب وتحفيزه‪ ،‬لالعتماد على نفسه في‬ ‫حيث يمكن الحصول عليها إلكترونياً‪.‬‬ ‫العملية التعليمية‪ ،‬كما يؤدي إلى االستقاللية‬ ‫في التعلم‪ ،‬فالتعليم عبر اإلنترنت يحول دور‬ ‫•االستفادة القصوى من الزمن؛ فالمتعلم لديه‬ ‫المدرس من مقدم للمعلومات إلى دليل ومحفز‬ ‫القدرة على الوصول إلى المعلومة في المكان‬ ‫للحصول عليها‪ ،‬األم��ر ال��ذي يشجع الطالب‬ ‫وال��زم��ان ال�م�ح��ددي��ن؛ ح�ي��ث ال ت��وج��د حاجة‬ ‫على االعتماد على ال��ذات ويصنع مزيداً من‬ ‫للذهاب إلى قاعات الدروس أو المكتبة‪.‬‬ ‫االحتكاك بين المدرس والطالب‪.‬‬ ‫•تحسين وإثراء مستوى التعليم‪ ،‬وتنمية القدرات‬ ‫من عيوب التعليم اإللكتروني‬ ‫الفكرية عن طريق عرض كثير من المعلومات‬ ‫المتناقضة عبر اإلنترنت؛ األمر الذي يضطر •قد يكون التركيز األكبر للتعليم عبر اإلنترنت‬ ‫الطالب إلى التفكير فيها‪ ،‬والمقارنة فيما بينها‪،‬‬ ‫ع�ل��ى ال �ج��ان��ب ال�م�ع��رف��ي أك �ث��ر م��ن االهتمام‬ ‫والحكم عليها‪ ،‬وترجيح بعضها أو التوفيق فيما‬ ‫بالجانبين المهاري الوجداني‪.‬‬ ‫بينها‪.‬‬ ‫ •قد ينمي التعليم عبر اإلنترنت االنطوائية لدى‬ ‫•وفي هذا الصدد‪ ..‬نجد أن برامج التعليم عبر‬ ‫المتعلمين‪ ،‬لعدم تواجدهم في موقف تعليمي‬ ‫اإلنترنت تعمل على تنمية قدرات التفكير لدى‬ ‫حقيقي‪،‬تحدث فيه المواجهة الفعلية‪ ،‬بل تكون‬ ‫المتعلمين‪ ،‬إلى جانب زيادة قدراتهم على حل‬ ‫من خالل أماكن متعددة‪ ،‬حيث يوجد الطالب‬ ‫المشكالت‪ ،‬وأن المتعلمين ك��ان لديهم رغبة‬ ‫بمفرده في منزلة أو محل عمله‪.‬‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫ •ق �ي��ام المتعلم بأنشطة اج�ت�م��اع�ي��ة وثقافية‬ ‫ورياضية في التعليم النظامي‪ ،‬ولكن يصعب‬ ‫م �م��ارس��ة ت �ل��ك األن �ش �ط��ة ف ��ي ال�ت�ع�ل�ي��م عبر‬ ‫اإلنترنت‪.‬‬ ‫ •يحتاج التعليم عبر اإلنترنت إل��ى إنشاء بنية‬ ‫تحتية من أجهزة ومعامل وخطوط اتصال‪.‬‬ ‫ •يتطلب كفاءة في األجهزة وخطوط االتصال‪.‬‬ ‫ •صعوبة تطبيق أساليب التقويم‪.‬‬ ‫ •يتطلب تدريبا مكثفا للمعلمين والمتعلمين على‬ ‫استخدام التقنيات الحديثة قبل بداية تنفيذ‬ ‫التعليم اإللكتروني‪.‬‬

‫وقد أشار العديد من الدراسات أن ‪ %48‬من‬ ‫الجامعات والمعاهد التعليمية طرحت مناهجها‬ ‫عبر اإلن �ت��رن��ت ع��ام ‪1998‬م‪ ،‬ف��ي حين ارتفعت‬ ‫النسبة إل��ى‪ %70‬عام ‪2000‬م‪ ،‬وفي المقابل نجد‬ ‫جامعات ال تقدم خدماتها ومناهجها التعليمة إال‬ ‫عبر اإلنترنت كجامعات بريطانية أمثال أنجل وود‬ ‫وغيرها‪.‬‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ •ال يركز التعليم عبر اإلنترنت على كل الحواس‪ ،‬اإلنترنت‪ ،‬أو تدريب المعلمين في مجال تكنولوجيا‬ ‫بل على حاستي السمع والبصر دون غيرها‪.‬‬ ‫المعلومات‪.‬‬

‫إن العالم قد تحول إلى التعليم عبر اإلنترنت‬ ‫ورب �ط��ه ب��االق�ت�ص��اد وال��وق��ت لتحقيق تعلم أكثر‬ ‫فاعلية‪ ،‬وإن كان يختلف عن التعليم التقليدي الذي‬ ‫يغرس قيماً تربوية بصورة مباشرة‪ ،‬ويعزز أهمية‬ ‫العمل المشترك كفريق واحد (التعلم التعاوني)‪،‬‬ ‫وهذا من الصعب الحصول عليه عبر اإلنترنت‪.‬‬

‫ •يحتاج إلى نوعية معينة من المعلمين مؤهلة‬ ‫ل �ل �ت �ع��ام��ل م ��ع ال �م �س �ت �ح��دث��ات التكنولوجية‬ ‫المستخدمة ف��ي ه��ذا ال�ن��وع م��ن التعليم‪،‬كما‬ ‫أستطيع القول إن التعليم عبر اإلنترنت أصبح‬ ‫ي �ح �ت��اج إل� ��ى ه �ي �ئ��ة إداري � � ��ة م��ؤه �ل��ة للقيام‬ ‫بالعملية‪،‬وإلى متخصصين في إعداد وتصميم أمراً حتمياً‪ ،‬وجزءاً أساسياً من منظومة التعليم‪،‬‬ ‫البرمجيات‪.‬‬ ‫ألن التعليم االلكتروني (عبر اإلنترنت) وما به من‬ ‫ •يفتقر التعليم ع�ب��ر اإلن �ت��رن��ت إل��ى التواجد تقنيات حديثة يثري عمليتي التعليم والتعلم‪.‬‬ ‫اإلن�س��ان��ي وال�ع�لاق��ات اإلنسانية بين المعلم‬ ‫كما أن التعليم عبر اإلنترنت ال يجعل عملية‬ ‫والمتعلم‪ .‬وبين المتعلمين أنفسهم‪ ..‬بتواجدهم‬ ‫التدريس أسهل من ذي قبل (الطريقة التقليدية‬ ‫في مكان واحد‪.‬‬ ‫في التدريس)‪ ،‬بل يتطلب األمر مزيداً من الجهد‬ ‫ •م��ا ت��زال بعض وزارات التربية والتعليم في‬ ‫في أطراف العملية التعليمية قبل أن نخوض في‬ ‫بعض الدول لم تعترف بالشهادات التي يحصل‬ ‫استخدام التعليم االلكتروني‪ ،‬ألن العالم يزداد‬ ‫عليها خريجو نظام التعليم عبر اإلنترنت‪.‬‬ ‫تعقيداً يوماً بعد يوم‪.‬‬ ‫ •نظرة المجتمع في بعض الدول إلى أن خريجي‬ ‫وفي النهاية أستطيع القول إن التعليم االلكتروني‬ ‫نظام التعليم عبر اإلنترنت هم اقل كفاءة من‬ ‫أو ما يسميه البعض «التعليم عبر ال��وي��ب»‪ ،‬هو‬ ‫خريجي نظام التعليم التقليدي‪.‬‬ ‫وأرى أن هناك ع��دي��دا م��ن المؤسسات عبر تعليم يعكس صورة هذا العالم الجديد‪ ،‬فهو تحدٍّ‬ ‫اإلن �ت��رن��ت ت �ق��دم خ��دم��ات�ه��ا م�ث��ل ال �ح �ص��ول على للتربويين والمجتمع بأسره يجب تقبله‪ ،‬وتعلم‬ ‫شهادتي الماجستير والدكتوراه بشكل مباشر عبر كيفية التعامل مع مثل هذا النوع من التعليم‪.‬‬ ‫ * أستاذ مساعد تقنيات التعليم بكلــية الـــــتربية ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪107‬‬


‫تراسل احلواس‬

‫في رواية «فخاخ الرائحة» ليوسف احمليميد‬ ‫> فريال احلوار*‬

‫«فخاخ الرائحة» رواي��ة للكاتب السعودي يوسف المحيميد‪ ،‬وتعد الحلقة الوسط بين نزهة‬ ‫الدولفين و القارورة‪ .‬يكتب الروائي يوسف المحيميد من خالل تجربته القصصية والروائية‪،‬‬ ‫بوعي تام ودقيق‪ ..‬هذا الوعي يفترض ما يوازيه وعي القراءة والتأويل‪ ..‬صدرت الرواية عام ‪2003‬م‪،‬‬ ‫وهي رواية إسترجاعية باألساس؛ يتداخل فيها التذكر بالحلم‪ ،‬األمل ومن ثم الفقدان‪ ..‬فصول‬ ‫هذه الرواية تحمل عناوين هي عبارة عن جمل أسمية بعضها شعري خالص كما يقول صدوق نور‬ ‫الدين‪ ،‬كمثال‪ :‬سر الغناء الحزين‪ ،‬طفولة مستباحة وشهوة القمر‪..‬يتجلى حضور الحواس في‬ ‫رواية «فخاخ الرائحة» بشكل الفت منذ عنوانها‪ ،‬و تأمل هذا المشهد الذي يرد عبر بوح توفيق أحد‬ ‫أبطال الرواية الثالثة‪« :‬فجأة نقل لنا الهواء رائحة طيبة‪ ،‬رائحة حلوة‪ ،‬رائحة طبيخ لذيذ‪ ،‬قمنا‬ ‫ومشينا في صف متتابع باتجاه الرائحة‪ ،‬وكلما نمشي زيادة‪ ،‬تكون رائحة الطبيخ قوية‪ ،‬كانت تدخل‬ ‫في مناخرنا وتدوخنا‪ ،‬كنا نتسلل بين جذوع األشجار‪ ،‬لدرجة أنه إذا ما اعترض طريقنا دغل أو‬ ‫جذوع وشجر‪ ،‬ال نستدير حوله‪ ،‬حتى ال نضل الرائحة‪ ،‬بل نصعد الدغل وندعك الشوك بأقدامنا‬ ‫الحافية‪ ،‬بعد أن قطعنا مسافة‪ ،‬رأينا على بعد نار ًا تحيط بها األحجار الصغيرة من جهاتها‪ ،‬كان‬ ‫السفود ال يبين من شدة الدخان‪ ،‬هذا الدخان العظيم يدفعه الهواء نحونا فتطير رائحته رؤوسنا‪..‬‬ ‫تخيل م��اذا كانوا قد شكوا في السفود‪ ،‬ه��ؤالء المالعين‪ ،‬شكوا قطع شحم في أسياخ الحديد‪،‬‬ ‫ووضعوها فوق النار‪ ،‬شفت كيف يا طراد خدعونا‪ ،‬بماذا؟ بشحمة تشويها النار‪ ،‬حتى استكثروا أن‬ ‫يخدعونا بلحمة»‪.‬‬ ‫حاسة الشم حاصرت توفيق وقادته مثل‬ ‫ق��در غاشم إل��ى مصيره‪ ،‬متكئة على إحلاح‬ ‫اجلوع وظلم الفاقة‪ ،‬وأتت حاسة الشم ممتزجة‬ ‫بحاسة الذوق في ما يدعى (تراسل احلواس)؛‬ ‫إذ ميكن أن تكون الرائحة حلوة حتت سياط‬ ‫اجل ��وع ال �ش��دي��د‪ ،‬ومي �ك��ن ك��ذل��ك أن تعصف‬ ‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫بالرؤوس فيغيب العقل‪ ،‬ويندفع الصبية ومعهم‬ ‫توفيق نحو الفخ املنصوب‪ ،‬وال يجد توفيق‬ ‫ب��دي� ً‬ ‫لا ع��ن السخرية امل ��رة‪ ،‬يختم فيها ذلك‬ ‫«الفالش باك» احلزين الذي كان بداية رحلة‬ ‫العبودية الشاقة‪ .‬وقد ورد هذا عبر «ديالوج»‬ ‫ط��وي��ل‪ ،‬ينعكس على أع�م��اق توفيق احلزينة‬


‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫ك� ��ي ي� �ك ��رس الطابع‬ ‫الكئيب ال ��ذي طبعت‬ ‫ب��ه ه ��ذه الشخصية‪،‬‬ ‫ون�ك��اد نلمس اشتغال‬ ‫احل� � � ��واس ك��ل��ه��ا في‬ ‫النص السابق‪ ،‬وعلى‬ ‫ه��ام��ش ح��اس��ة الشم‬ ‫التي كانت بؤرة املشهد‬ ‫ومحوره األساس‪ ،‬ثمة حاسة اللمس التي حتضر‬ ‫ح�ين يدعك الصبية ال�ش��وك بأقدامهم‪ ،‬وأما‬ ‫حاسة البصر فإنها تنزوي أمام كثافة الدخان‬ ‫املتصاعد‪ ،‬وهو ما حجب الرؤية أم��ام الصبية‬ ‫الصغار‪ ،‬ولكنه لم يحد من اندفاعهم استجابة‬ ‫خلداع ذلك «الفخ‪/‬الطبيخ» وحني تنعكس مأساة‬ ‫«توفيق» على وعي «طراد» يتوثق النسيج النابض‬ ‫الذي يجمع بني الشخصيات الرئيسة الثالث‪،‬‬ ‫خصوصا بني توفيق وطراد اللذين كثيراً ما كانا‬ ‫يتجاذبان أطراف احلديث وأي حديث‪ !...‬حديث‬ ‫في غاية البؤس‪ ..‬يستعيد فيه كل منهما ذكرياته‬ ‫ال��دام�ي��ة التي انعكست بقوة على حاضرهما‬ ‫الذي بدا مرمدآ أمام ناظريهما‪ ،‬وإذا صبغ بلون‬ ‫ما‪ ،‬فإنه لون غارب يشي بنهاية كيان إنساني لم‬ ‫تترك له احلياة فرصة التقاط أنفاسه كي يلحق‬ ‫بركبها‪ .‬من املؤكد أن الروائي يوسف احمليميد‬ ‫ينتقي مثل هذه الشخصيات عن وعي وقصد‪،‬‬ ‫وليس أدل على ذلك من قوله في مقابلة له‪..:‬‬ ‫فحني أكتب عن املهمشني‪ ،‬فإنه ثمة رؤية حتمل‬ ‫بعداً سياسياً‪ ،‬حتى وإن لم يكن مباشراً» مما‬ ‫قصدية الروائي ووعيه مبا يكتبه‪،‬‬ ‫يفصح عن ّ‬ ‫وهو يعلن بوضوح ضرورة أن يكشف الروائي عن‬ ‫واقعه بشكل حر وجريء‪.‬‬

‫تأخر إلى الصفحات‬ ‫األخيرة من الرواية‪،‬‬ ‫فألن النص يعي أهمية هذا احلدث الذي ترك‬ ‫بطل الرواية األس��اس ب��إذن واح��دة‪ ،‬وك��ان لهذا‬ ‫الفقد أثره في شخصية طراد الذي وإن ظهر‬ ‫على أن��ه شخصية واق�ع�ي��ة‪ ..‬إال أن��ه ميكن أن‬ ‫يؤخذ على صعيد الرمز‪ ،‬فهو منوذج للقادم من‬ ‫عمق الصحراء املجدبة القاسية التي ال متنح‬ ‫م��ن وجهة نظر النص‪ -‬إال العاهات والقبح‪،‬‬‫وأقصى القسوة‪ ،‬وكما ظهرت شخصية طراد‬ ‫ال��ذي حضنته الصحراء‪ ،‬وهللت له ثم نَ َكبتْه‬ ‫بقسوة ال مثيل لها‪.‬‬

‫وبعد‪ :‬إذا كانت احل��واس هي نوافذنا التي‬ ‫نطل منها على العالم‪ ،‬فإن اللجوء إليها داخل‬ ‫النص ال�س��ردي مينح النص اخلصوبة ويثري‬ ‫أج���واءه‪ ،‬وي�ك��رس عنصر التشويق ف�ي��ه‪ ،‬وهذا‬ ‫ما شهدناه على وج��ه الدقة في رواي��ة «فخاخ‬ ‫الرائحة» التي احتفت باحلواس احتفا ًء خاصاً‪،‬‬ ‫وطبعت عاملها بطابعها‪ ،‬بداية بعنوان الرواية‬ ‫وكأن احلواس لون متميز ونسق واع يهب «فخاخ‬ ‫الرائحة» ليوسف احمليميد نكهة ال تخطئ ونبرة‬ ‫و إذا ك��ان املشهد ال��روائ��ي األكثر عنفآ قد صوت خاص‪!..‬‬

‫ * كاتبة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪109‬‬


‫ندوة أدوماتو الثانية‬

‫اإلنسان والبيئة في الوطن العربي في‬ ‫ضوء االكتشافات اآلثارية‬

‫> كتب‪ :‬محمد صوانه‬

‫عقدت مجلة أدوماتو ندوتها الثانية في دار الجوف للعلوم خالل الفترة من ‪22-20‬‬ ‫جمادى األولى ‪ 6-4‬مايو ‪2010‬م‪ ،‬بعنوان «اإلنسان والبيئة في الوطن العربي في ضوء‬ ‫االكتشافات اآلثارية» التي نظمتها بمناسبة مرور عشرة أعوام على مجلة أدوماتو‪.‬‬ ‫وق ��د ش �ه��دت ال� �ن ��دوة ت�ج�م�ع�اً علمياً‬ ‫ف��ري��داً ض��م نخبة م��ن العلماء والباحثين‬ ‫المتخصصين ف��ي ال���دراس���ات والعلوم‬ ‫اآلث � ��اري � ��ة‪ ،‬ي �م �ث �ل��ون ج ��ام� �ع ��ات عالمية‬ ‫ومؤسسات أكاديمية متخصصة في مجال‬ ‫ه��دف��ت ال� �ن ��دوة إل� ��ى إب�� ��راز العالقة‬ ‫البحث العلمي وال��دراس��ات اآلث��اري��ة‪ ،‬من الوثيقة بين اإلنسان والبيئة‪ ،‬والتعرف على‬ ‫دول أوروبية وعربية‪ ،‬إضافة إلى باحثين المؤثرات البيئية التي أسهمت في التأثير‬ ‫ومتخصصين م��ن الجامعات السعودية‪،‬‬ ‫قدموا من خاللها خالصة أبحاثهم التي‬ ‫تضمنت معلومات علمية جديدة من نتاج‬ ‫االكتشافات اآلثارية الحديثة في موضوع‬ ‫الندوة‪.‬‬

‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫كما ألقى أ‪.‬د‪ .‬عبدالرحمن الطيب األنصاري‬ ‫رئيس هيئة تحرير مجلة أدوماتو‪ ،‬رئيس اللجنة‬ ‫المنظمة للندوة‪ ،‬كلمة أعرب فيها عن شكره لراعي‬ ‫ه��ذه الندوة والجهات الداعمة المشاركة‪ ،‬مبيناً‬ ‫أن التقنيات األثرية في الجزيرة العربية والعالم‬ ‫العربي تبين أن اإلنسان ابن بيئته التي يعيش فيها‪،‬‬ ‫وال بد له أن يتأقلم معها ويستفيد منها‪.‬‬

‫وفي حفل االفتتاح‪ ،‬ألقى مساعد المدير العام‬ ‫األستاذ عبدالرحمن الدرعان كلمة المدير العام‬ ‫لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية الدكتور‬ ‫زياد بن عبدالرحمن السديري‪ ،‬التي أعرب فيها‬ ‫ع��ن س�ع��ادة المؤسسة باستضافة ه��ذه النخبة‬ ‫من العلماء والباحثين المتخصصين في مجال‬ ‫الدراسات اآلثارية في رحاب دار الجوف للعلوم‪..‬‬ ‫الصرح الثقافي الذي تحرص المؤسسة على أن‬ ‫وقد نوّه بما حققته المجلة في مجال النشر‬ ‫ي�ك��ون دائ �م��ا م��وئ� ً‬ ‫لا للمعرفة وال�ب�ح��ث العلمي‪ ،‬العلمي للبحوث المتخصصة ف��ي الدراسات‬ ‫والفعاليات الثقافية في مختلف فنون المعرفة‪ .‬اآلثارية؛ فأصبحت تحتل مكانة متقدمة مرموقة‬ ‫كما أعرب عن شكره لكل المشاركين في الندوة بين األوس��اط العلمية‪ ..‬وعلى أرفف الجامعات‬ ‫التي تقام بدعم من الهيئة العامة للسياحة واآلثار العالمية‪ ،‬ومراكز البحث العلمي‪.‬‬ ‫وال�ب�ن��ك األه �ل��ي ال �ت �ج��اري‪ ،‬وأض ��اف أن�ه��ا تأتي‬ ‫إن رس��ال��ة مجلة أدوم��ات��و تتضمن االهتمام‬ ‫بمناسبة م��رور عشرة أع��وام على ص��دور مجلة‬ ‫بتاريخ المنطقة العربية وآثارها قبل اإلسالم‪،‬‬ ‫أدوم��ات��و ال�ت��ي ت�ص��دره��ا مؤسسة عبدالرحمن‬ ‫ب �ه��دف ال�ك�ش��ف ع��ن ج��وان��ب م�ه�م��ة م��ن تطور‬ ‫السديري الخيرية‪ ،‬وحققت حضوراً مميزاً في‬ ‫الحضارات العربية القديمة‪ ،‬فقد جاء اإلسالم‬ ‫األوس��اط العلمية والبحثية‬ ‫وقطف الحضارات القديمة‬ ‫الوطنية والعربية والعالمية‪ .‬أت��اح��ت ال���ن���دوة ف��رص��ة اللتقاء‬ ‫وخ�لّ�ص�ه��ا م��ن ال��وث�ن�ي��ة وكل‬ ‫وأك � � ��د ال� �م ��دي ��ر العام المختصين بالدراسات اآلثارية‬ ‫ما يرتبط بالشرك‪ ،‬وجعلها‬ ‫أن ه ��ذا ال�م�ل�ت�ق��ى العلمي والبيئية للتفاعل م��ع تصورات‬ ‫ح� �ض ��ارة ت��وح �ي��د إل� � ��ه‪ ..‬ال‬ ‫يأتي انسجاماً مع أهداف جددية وطروحات علمية مبينة‬ ‫توحيد معبودات‪ ،‬ومن هنا‪،‬‬ ‫على مكتشفات آثارية‪.‬‬ ‫ال� �م ��ؤس� �س ��ة المنصوص‬ ‫ك��ان��ت ال �ض��رورة إل��ى كشف‬ ‫عليها في النظام األساسي‬ ‫الغطاء عن تلك الحضارات‬ ‫ال��ت��ي ت��دع��و إل� ��ى تشجيع ت���ب���ذل م���ؤس���س���ة عبدالرحمن‬ ‫التي يزيد عمرها عن عشرة‬ ‫الحركة العلمية والثقافية‪ ..‬ب��ن أح��م��د ال��س��دي��ري الخيرية‬ ‫آالف عام‪.‬‬ ‫واستنهاض همم المبدعين ج��ه��ود ًا ك��ب��ي��رة ف��ي دع���م البحث‬ ‫وقدّر الدكتور األنصاري‬ ‫والباحثين‪ .‬وأكد أن إصدار العلمي و نشر الدارسات العلمية‬ ‫اس� � �ت� � �ض�� ��اف�� ��ة م� ��ؤس � �س� ��ة‬ ‫واإلبداعية‪.‬‬ ‫مجلة أدوماتو جاء تحقيقاً‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫على المجتمعات البشرية عبر العصور‪ ،‬وإبراز‬ ‫دور التنقيبات العلمية ف��ي تدعيم الدراسات‬ ‫اآلث ��اري ��ة‪ ،‬إض��اف��ة إل ��ى إت��اح��ة ال �ف��رص��ة للقاء‬ ‫المختصين بالدراسات اآلثارية والبيئية وطرح‬ ‫تصورات بحثية مستقبلية‪.‬‬

‫ألهداف المؤسسة التي ينص نظامها األساسي‬ ‫على اإله�ت�م��ام ب��آث��ار المنطقة‪ ،‬وق��د ج��اء اسم‬ ‫المجلة «أدوم ��ات ��و»‪ ،‬م��ن االس ��م ال�ق��دي��م لدومة‬ ‫ال �ج �ن��دل‪ ،‬إح ��دى ال �م��واق��ع األث��ري��ة المهمة في‬ ‫منطقة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪111‬‬


‫عبدالرحمن ال�س��دي��ري الخيرية ل�ه��ذه الندوة‬ ‫العلمية‪ ،‬وقال إننا نُسَ ُّر عندما نرى هذا الصدى‬ ‫القوي من قبل هذه الكوكبة من العلماء البارزين‬ ‫والمتخصصين في علوم اآلثار من مختلف دول‬ ‫العالم‪ ،‬المهتمين بدراسة المدينة العربية نشأة‬ ‫وت�ط��وراً الذين حضروا للمشاركة في فعاليات‬ ‫الندوة‪.‬‬ ‫وألقى الدكتور علي بن ابراهيم الغبان نائب‬ ‫رئيس الهيئة العامة للسياحة كلمة الهيئة الراعي‬ ‫لهذه ال�ن��دوة‪ ..‬أع��رب من خاللها ‪ -‬باسم سمو‬ ‫رئيس الهيئة‪ -‬عن شكره لمؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية‪ ،‬ودورها الريادي على مستوى‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬مشيراً إلى دور الهيئة ودعمها‬ ‫ألنشطة مجلة أدوماتو‪ ،‬الفتاً أن موضوع الندوة‬ ‫«اإلن �س��ان والبيئة ف��ي ال��وط��ن العربي ف��ي ضوء‬ ‫االكتشافات اآلثارية» يعد موضوع الساعة‪ ،‬بما‬ ‫نحن فيه من تحوالت مناخية كبيرة‪ ،‬ومن أبرزها‬ ‫الواحات‪ ،‬وتمنى أن تحقق هذه الندوة أهدافها‬ ‫بإذن الله‪.‬‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫كما ألقى األس�ت��اذ عبدالله اليوسفي مدير‬ ‫البنك األهلي التجاري بالجوف ‪ -‬مندوباً عن‬ ‫رئيس مجلس إدارة البنك األهلي المشارك في‬ ‫رعاية الندوة‪ -‬كلمة أكد فيها أن السياحة واآلثار‬ ‫من أهم الثقافات التي تربط المجتمعات‪ ،‬مبيناً‬ ‫أن البنك األهلي التجاري يدعم هذه النشاطات‬ ‫العلمية والثقافية التي تسهم في خدمة المعرفة‬ ‫وتنمية الثقافة البحثية في المملكة‪.‬‬ ‫وأل� �ق ��ى أ‪ .‬د‪ .‬ال �ع �ب��اس س �ي��د أح��م��د كلمة‬ ‫ال �م �ش��ارك �ي��ن ف ��ي ال� �ن���دوة‪ ،‬وال� �ت ��ي أش� ��اد فيها‬ ‫بالمستوى العلمي المتقدم ال��ذي حققته مجلة‬ ‫أدوم��ات��و بين ال�م�ج�لات المتخصصة ف��ي علم‬ ‫اآلثار‪ ،‬مبيناً أن مؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫ومن خالل مجلة أدوماتو استطاعت أن تؤسس‬ ‫وعاء علمياً متخصصاً في الدراسات اآلثارية‪..‬‬ ‫ال لكبار الباحثين والمتخصصين في‬ ‫أضحى موئ ً‬ ‫دراسات اآلثار في الوطن العربي‪.‬‬ ‫وق��د اس�ت�م��رت فعاليات ال �ن��دوة على مدى‬


‫وش�م�ل��ت األب��ح��اث دراس� ��ة ع�لاق��ة اإلنسان والعصور الحجرية القديمة والوسيطة والحديثة‬ ‫وال�ب�ي�ئ��ة ف��ي المنطقة ال�ع��رب�ي��ة وت��أث��ره �م��ا مع والفترة النيوليتية والعصر الحجري النحاسي‪،‬‬ ‫بعضهما بعضاً‪ ،‬ما تشكلت عنه عالقات متداخلة والعصور الالحقة‪.‬‬ ‫مكّنت اإلنسان من إدراك أفضل الوسائل للتعامل‬ ‫كما كانت هناك أوراق عمل درس��ت تصنيع‬ ‫م��ع البيئة واإلن �س �ج��ام م��ع متطلباتها‪ ،‬وجعلته النحاس ف��ي وادي األردن‪ ،‬وهندسة ال��ري في‬ ‫يبتكر األدوات التي تساعده في تكوين مسكنه جنوب غربي الجزيرة العربية‪ ،‬وش��رك الصيد‬ ‫اآلمن وتوفير طعامه وشرابه وغذاء الحيوانات في صحراء عُمان‪ ،‬والبيئات الساحلية والنهرية‬ ‫التي استأنسها وكذلك زراعة النباتات واألشجار في مصر والسودان‪ ،‬واستقرار اإلنسان في جبل‬ ‫التي توفر له ال�غ��ذاء‪ .‬وق��د تشكلت نتيجة ذلك ط��وي��ق‪ ،‬والخصوصية الثقافية لبعض البيئات‬ ‫ال�ت�ف��اع��ل اإلي �ج��اب��ي م��ن ق�ب��ل اإلن �س��ان م��ع بيئة الساحلية‪ ،‬وأثر التقلبات البيئية على حياة الناس‬ ‫مظاهر الحضارات اإلنسانية على مدى عصور في وادي الرافدين‪ ،‬واإلنسان والبيئة في الجزيرة‬ ‫التاريخ‪ .‬وقد ظهر تأثير اإلنسان واضحا جليا العربية من خالل الرسوم والكتابات واالستيطان‬ ‫في كثير من فترات التاريخ‪ ،‬كما أن البيئة كان لها ف��ي البيئات ال�ب��دوي��ة‪ ،‬وأث��ر البيئة الصحراوية‬ ‫تأثير قوي على حركة اإلنسان واستقراره‪ ،‬ومن على اللهجات‪ ،‬وغيرها من الموضوعات اآلثارية‬

‫ن����������������������������������واف����������������������������������ذ‬

‫أربعة أيام‪ ،‬تضمنت ست جلسات علمية قدمت ثم نتاج حضارته التي مثلت حياته وحياة أجياله‬ ‫خاللها نحو ‪ 34‬ورقة عمل‪ ،‬للباحثين المشاركين‪ ،‬الالحقة‪.‬‬ ‫الذين خلصوا فيها إلى خالصة أبحاثهم العلمية‬ ‫ودرست أوراق العمل فترات التاريخ المتعاقبة‬ ‫الميدانية في مجال محاور الندوة‪.‬‬ ‫م��ن البليوسين والباليستوسين والهولوسين‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪113‬‬


‫المهمة التي تكشف مختلف جوانب العالقة بين التوصيات‬ ‫اإلنسان ومختلف أنواع البيئة في الوطن العربي‬ ‫وف��ي ختام ال�ن��دوة‪ ،‬عُقدت جلسة طُ ��رح فيها‬ ‫عبر العصور‪ ..‬وذلك من خالل مكتشفات آثارية ع��دد م��ن ال�م�ق�ت��رح��ات‪ ،‬خ�ل ُ�ص��ت إل��ى توصيات‬ ‫أبرزها‪:‬‬ ‫جديدة‪.‬‬

‫ورشة العمل‬

‫ •ع�ق��د ورش ع�م��ل م�ص�غ��رة تتخلل الندوات‬ ‫الرئيسة التي تنظمها مجلة أدوماتو‪.‬‬

‫كما عقدت على هامش ال�ن��دوة ورش��ة عمل •عقد الندوة كل عامين أو ثالثة أعوام‪ .‬ويمكن‬ ‫عقدها في م��دن أخ��رى بالمملكة‪ ..‬تعميماً‬ ‫بعنوان‪« :‬النشاط األثري في الوطن العربي ودور‬ ‫للفائدة‪ ،‬وإلتاحة المجال أمام حضور طالب‬ ‫الجمعيات األثرية» شارك فيها الدكتور محمد‬ ‫اآلث��ار والمهتمين من المختصين والباحثين‬ ‫الكحالوي‪ ،‬و أ‪.‬د‪ .‬يوسف مختار األمين‪ ،‬والدكتور‬ ‫في المملكة‪.‬‬ ‫محمد عبدالستار عثمان‪ ،‬وأدارها الدكتور خليل‬ ‫ •نشر أوراق العمل في مجلد يكون مرجعاً في‬ ‫المعيقل‪ .‬اس�ت�ع��رض فيها ال�م�ش��ارك��ون أهمية‬ ‫موضوعه‪.‬‬ ‫التركيز على البحث األثري‪ ..‬وتطوير آلياته من‬ ‫ •إنشاء موقع انترنت للندوة‪ .،‬توضع فيه أخبار‬ ‫أجل نتائج علمية أكثر دقة وشمولية‪ ،‬خدمة للبحث‬ ‫الندوة القادمة أوالً بأول‪.‬‬ ‫العلمي والتاريخ للفترات الحضارية المختلفة‪.‬‬ ‫ •إتاحة الفرصة ألقسام اآلث��ار المهتمة بآثار‬ ‫وق��د رك��زوا على ض��رورة تفعيل دور الجمعيات‬ ‫الوطن العربي لحضور بعض طالب الدراسات‬ ‫األثرية من أجل تطوير البحث الميداني وأهمية‬ ‫العليا للندوات القادمة التي تعقدها مجلة‬ ‫تشكيل فرق العمل‪.‬‬ ‫أدوماتو‪.‬‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح‬

‫أزمة النص في مسرح الطفل‬ ‫> الزبير مهداد*‬

‫تطالعنا اإلعالنات الصحفية خالل الربعين الثاني والثالث من كل سنة‪ ،‬بإعالنات عن‬ ‫تنظيم مهرجانات لمسرح الطفل‪ ،‬تقيمها جمعيات وهيئات شتى في دول عربية كثيرة‪.‬‬ ‫ومن المالحظ على تلك المهرجانات‪ ،‬أن المشاركة فيها تظل مفتوحة على فرق‬ ‫مختلفة‪ ،‬بعضها يمارس المسرح من باب الهواية‪ ،‬في إطار جمعية فنية أو ثقافية ال‬ ‫توحي االح��ت��راف‪ .‬واألخ��رى تنتمي لمؤسسات تعليمية ‪..‬ت��م��ارس المسرح المدرسي‪.‬‬ ‫وقليلة هي الفرق التي تحترف مسرح الطفل وتشارك فيها‪ .‬وحتى عالم االحتراف‬ ‫يظل موبوءا عليال بانتساب أشخاص لم يستفيدوا من أي تكوين أكاديمي فني يؤهلهم‬ ‫لممارسة العمل في هذا الحقل المهم‪ ،‬باستثناء ما راكموه خالل الممارسة في دور‬ ‫الشباب والمخيمات‪ ..‬أو التجوال عبر المدن‪ ،‬وهو ال يكفي ليسوغ التفرغ واالحتراف‪.‬‬ ‫وغياب االحتراف يؤدي بالضرورة إلى مدرسية بسيطة‪.‬‬

‫تأخر القطاع‪ ،‬وسيادة الهواية التي تفتح‬ ‫الباب على مصراعيه للتجريب ال��ذي قد‬

‫ال يكون ناجحا دوم��ا‪ ،‬وال يسهم بفعالية‬

‫تعددت المشاكل بتعدد‬ ‫الممارسين‬ ‫فالساحة الفنية لمسرح الطفل اليوم‬

‫في تطوير هذا الحقل‪ ،‬إلى جانب غياب‬ ‫التمييز الدقيق بين المسرح المدرسي ت�ح��وي ث�لاث ف�ئ��ات م��ن الممارسين‪ :‬فئة‬ ‫وم �س��رح ال�ط�ف��ل‪ ،‬وغ �ي��اب تحديد مراحل ال �م �س��رح ال� �م ��درس ��ي؛ وف �ئ��ة الجمعيات‬ ‫النمو المستهدفة بالعروض المسرحية‪ ،‬الهاوية؛ وفئة محترفي التنشيط والتهريج‪.‬‬ ‫فالمسرح المدرسي يستفيد من تأطير‬ ‫وجهل بخصائص الطفولة وحاجاتها الفنية‬ ‫وال�ث�ق��اف�ي��ة‪ ،‬فبعض ال�م�س��رح�ي��ات ينبغي‬

‫وم��راق �ب��ة وزارة ال�ت��رب�ي��ة ال��وط�ن�ي��ة‪ ،‬بينما‬

‫تصنيفها ضمن م�س��رح ال �ه��واة‪ ،‬وبعضها تمارس الجمعيات أنشطتها في الفضاءات‬

‫يليق بالمراهقين والشباب‪ ،‬وأخرى أعمال المخصصة للجمعيات وال �ش �ب��اب التي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪115‬‬


‫وتأتي في رتبة ثانية قضايا اإلخ��راج والديكور‬ ‫والمؤثرات الصوتية والضوئية وغيرها‪ ،‬والتي‬ ‫يشترط فيها إشراك التالميذ بصفتهم منتجين‬ ‫وفاعلين ومتلقين‪ ،‬وهذا يستدعي منا أن نتقبل‬ ‫األعمال مهما كانت متواضعة؛ بخالف مسرح‬ ‫الطفل ال��ذي يهدف إلى تقديم أعمال متكاملة‬ ‫من كل الجوانب دون تساهل فيها‪ ،‬وال يشترط‬ ‫إش��راك األطفال في مراحل إع��داد المسرحية‪،‬‬ ‫بل ذلك موكول للمحترفين الراشدين(‪.)2‬‬

‫تخضع لتأطير وزارات الثقافة والشباب‪ .‬وتظل‬ ‫فئة محترفي التنشيط والتهريج مستقلة عن‬ ‫كل وصاية‪ ،‬محكومة بضوابط السوق وقواعده‬ ‫التجارية‪ ،‬وتتشكل من فرق فنية تحمل مسميات‬ ‫جمعيات‪ ،‬وأح�ي��ان��ا ش��رك��ات أش �خ��اص‪ ،‬تطوف‬ ‫على المسارح والمدارس والمخيمات والمنازل‬ ‫الخصوصية‪ ..‬تقدم عروضها‪ ،‬وتحيي المناسبات‬ ‫أجر مالي‪ .‬وإذا كان‬ ‫واالحتفاالت العائلية نظير ٍ‬ ‫العاملون فيها راكموا تجربة ومهارة خالل حياتهم‬ ‫الجمعوية ب��دور الشباب والمخيمات؛ فإن هذه‬ ‫والجمعيات الهاوية تضم نخبة من الشباب‬ ‫الفرق التي شكلوها ال تستفيد من أي تأطير أو المثقف الغيور على الفن والثقافة‪ ،‬ولكن الغيرة‬ ‫تدريب‪ ،‬وال تخضع لوصاية أو توجيه أو ضبط ال تكفي ألج��ل إنجاز عمل فني جيد‪ ،‬فهم في‬ ‫م��ن أي جهة‪ ،‬فالهاجس المالي يحكمها‪ ..‬وال الغالب يسقطون تجارب مسرح الهواة ذات البعد‬ ‫يترك لها وقتا للتفرغ لزيادة التكوين أو تعميقه‪ .‬التجريبي الهاوي على مسرح الطفل‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من نقط االلتقاء القائمة بين كل‬ ‫الفاعلين في هذا الحقل؛ فإن خصوصيات كل فن‬ ‫تظل ثابتة ال يمكن إغفالها‪ ،‬وهذا السبب‪ ..‬هو‬ ‫منشأ االختالالت الملحوظة في المهرجانات‪.‬‬ ‫فالمسرح المدرسي يعمل على توصيل األفكار‬ ‫التربوية للطفل‪ ،‬ويمسرح المناهج والدروس‪،‬‬ ‫ويسهم في تطوير ق��درات الطفل وإنماء خياله‬ ‫الخصب‪ ،‬ويقدم عروضه في المدرسة‪ ،‬يشاهده‬ ‫التالميذ والمدرسون واآلباء والفاعلون في الحياة‬ ‫المدرسية‪ .‬التالميذ هم الذين يعدون ديكوراته‪،‬‬ ‫ويختارون موسيقاه‪ ،‬وينشدون أغانيه‪ ،‬ويركبون‬ ‫إك �س �س��وارات��ه‪ ،‬وي��رس �م��ون أق�ن�ع�ت��ه‪ ،‬ويصممون‬ ‫مالبسه؛ وإذا كان متعذرا عليهم إنجاز كل ذلك‪،‬‬ ‫فإنهم على األق��ل يسهمون فيه بحظهم؛ ونقط‬ ‫االرت �ك��از فيه ت��دور ح��ول عنصرين اثنين‪ ،‬هما‬ ‫النص الذي ينبغي أن يلتقي مع العمل المدرسي‬ ‫وأهداف التربية ويكملهما ويحققهما‪ ،‬ثم إعداد‬ ‫الممثل الذي يجب أن تتحقق فيه تلك األهداف‬ ‫المعرفية أو اللغوية أو السلوكية وغيرها(‪،)1‬‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫أما فرق التهريج والتنشيط‪ ،‬فإنها تقدم في‬ ‫الغالب عروضا بهلوانية‪ ،‬تحرص على استدعاء‬ ‫ردود فعل األطفال الصاخبة كالصراخ والتصفيق‪،‬‬ ‫وال تتورع في سبيل ذلك عن تقديم مشاهد تثير‬ ‫تلك ال ��ردود على ال��رغ��م م��ن منافاتها لقواعد‬ ‫التربية السليمة‪ ،‬كمشاهد ال �ض��رب والتهكم‬ ‫من األشخاص العتبارات خاصة‪ ..‬كاإلعاقة أو‬ ‫الجنس أو ال�ل��ون؛ فضال ع��ن افتقاد عروضها‬ ‫ل�ل�ش��روط الجمالية واالب �ت �ك��ار ف��ي ال��دي�ك��ور أو‬ ‫حركات الممثلين أو اللباس‪.‬‬ ‫وال �م�لاح��ظ أن ك�ث�ي��را م��ن ال�م�س��رح�ي��ات لم‬ ‫ي�ك�ت�ب�ه��ا م�ت�خ�ص�ص��ون ف��ي م �س��رح ال �ط �ف��ل‪ ،‬بل‬ ‫كانت اجتهادا خاصا لمعدي المسرحية الذين‬ ‫ال يتوافرون في الغالب على اإللمام الضروري‬ ‫بفن الكتابة للطفل‪ ،‬وشروطها اللغوية واألسلوبية‬ ‫والمضمونية‪ ،‬بل راكموا تجربة إخراجية بسيطة‬ ‫م��ن خ�ل�ال ان �خ��راط �ه��م ف��ي ال �ع �م��ل الجمعوي‬ ‫ب��دور الشباب‪ ،‬وه��م يكتبون النص ويخرجونه‬ ‫ويدربون الممثلين‪ ،‬ويخططون لإلضاءة والصوت‬


‫م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح‬

‫والديكور وغير ذلك من العمليات المسرحية‪.‬‬ ‫واالعتماد على اإلمكانات الذاتية ينم أحيانا عن‬ ‫أنانية متضخمة‪ ،‬وغياب الروح التعاونية‪ ،‬ورفض‬ ‫االنفتاح على الكفاءات األخ��رى التي يمكن أن‬ ‫تشارك في إدارة العمل المسرحي‪ .‬وهذا العامل •عدم إسقاط تجربة مسرح الهواة ذات البعد‬ ‫يؤثر على جودة األعمال‪ ،‬ويفرز مسرحيات ضعيفة‬ ‫التجريبي والهاوي على مسرح الطفل‪ ،‬والعناية‬ ‫ونصوصا مهزوزة‪ ،‬وديكورات بسيطة‪ ،‬وغير ذلك‬ ‫ب��ال�م��وض��وع��ات ال �ت��ي ت�ه��م األط��ف��ال‪ ،‬وتفادي‬ ‫من العيوب‪ .‬ويتذرع بعض المسرحيين بضعف‬ ‫المسائل الذهنية التي يناقشها الكبار‪ ،‬والرموز‬ ‫الموارد المالية للجمعيات‪ ،‬ولكن هذا الوضع ال‬ ‫واإلسقاطات السياسية واإليديولوجية‪.‬‬ ‫يغلق الباب أم��ام التعاون مع الكفاءات التي قد‬ ‫ •االن �ف �ت��اح ع�ل��ى ال�ف�ع��ال�ي��ات الثقافية والفنية‬ ‫يتطوع كثير منها بالعمل حبا في المسرح‪.‬‬ ‫وال�ت��رب��وي��ة واالس �ت �ف��ادة م��ن خبراتها‪ ،‬وتبادل‬ ‫لذلك تتكرر المالحظات التي تبديها لجان‬ ‫التجارب بين الفرق المسرحية المشاركة في‬ ‫التحكيم في كل دورات مهرجانات مسرح الطفل‪،‬‬ ‫المهرجان(‪.)3‬‬ ‫والتي يمكن إجمالها فيما يأتي‪:‬‬ ‫وما تحفل به التقارير من انتقادات صريحة‬ ‫ •ض��رورة م��راع��اة خصوصيات مسرح الطفل‪،‬‬ ‫للعروض المسرحية‪ ،‬يشي بأزمة شاملة يعانيها‬ ‫نصا وإخ��راج��ا‪ ،‬والتمييز بينه وب�ي��ن الفنون‬ ‫مسرح الطفل‪ ،‬وهذه األزمة تنبع من عجز الواقع‬ ‫األخرى‪ ،‬وإدراك حدوده بدقة واحترامها‪.‬‬ ‫الثقافي العربي عموما‪ ،‬والمسرحي بوجه خاص‬ ‫ •م��راع��اة المستوى ال�ت��رب��وي والعقلي للطفل عن االستجابة لمتطلبات مسرح الطفل‪.‬‬ ‫والعصر‪ ،‬وتوخّ ي البساطة في الطرح‪ ،‬واللعب‬ ‫إن المهرجانات تعد مرصدا يمكّن من تتبع‬ ‫ك�ص�ي��اغ��ة ف�ن�ي��ة م�س��رح�ي��ة‪ ،‬وأس��ل��وب السرد‬ ‫مؤشرات واقع هذا الفن‪ ،‬ومشاكله وآفاق تطوره‪،‬‬ ‫وال �ح �ك��ي ال��رش �ي��ق ال �ب��دي��ع‪ ،‬وت��ف��ادي النزوع‬ ‫واتجاهات التجريب في عناصره ومكوناته‪ ،‬كما‬ ‫الماضوي واألنماط السردية القديمة‪.‬‬ ‫أنها تفتح األبواب واسعة في وجه المبادرات التي‬ ‫ •التركيز على التشخيص ال��درام��ي والتعبير‬ ‫يمكن أن تخدم هذا الفن؛ والعناصر التي تستأثر‬ ‫ال �ح��رك��ي ل�ل�ج�س��د‪ ،‬ب ��دل اإلل� �ق ��اء والخطاب‬ ‫اه�ت�م��ام ومتابعة ال��راص��دي��ن لضبط مؤشرات‬ ‫ال �م �ب��اش��ر‪ ،‬دون إغ� �ف ��ال ال �ج��ان��ب الجمالي‬ ‫واق ��ع م �س��رح ال�ط�ف��ل ك �ث �ي��رة‪ ..‬وأه �م �ه��ا قضايا‬ ‫والتقني‪.‬‬ ‫النص‪ ،‬واإلخراج والديكور والموسيقى‪ ،‬والحركة‬ ‫ •حسن توظيف تقنيات مسرح الطفل المتداولة النقدية والدعم‪ ،‬ثم قضايا الجمهور‪ .‬ولعل أهم‬ ‫ك��األق�ن�ع��ة وال �ك��راك �ي��ز وخ �ي��ال ال �ظ��ل توظيفا ه��ذه القضايا على اإلط�ل�اق ه��ي قضية النص‬ ‫محكما يحافظ على تماسك وانسجام بناء المسرحي التي تشغل بال األدب��اء والمسرحيين‬ ‫العرض المسرحي‪.‬‬ ‫كتابا ومخرجين على ال �س��واء‪ ..‬لتحكّمها وقوة‬ ‫ •ع��دم استسهال التعامل م��ع م�س��رح الطفل‪ ،‬تأثيرها في العناصر كافة التي تؤلف العرض‬ ‫وإس�ن��اد إع��داد المسرحيات ل��ذوي الكفاءات المسرحي‪.‬‬ ‫ال�ع�ل�م�ي��ة وال �ح��رف �ي��ة‪ ،‬وال �ع �م��ل ع �ل��ى تكثيف‬ ‫ال��ورش��ات التدريبية الخاصة لمسرح الطفل‬ ‫(الكتابة الدرامية‪ ،‬اإلخ��راج‪ ،‬إع��داد الممثل‪،‬‬ ‫الديكور)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪117‬‬


‫أزمة النص‬ ‫أه��م أزم ��ات مسرح الطفل مرتبطة بالنص‬ ‫المسرحي‪ ،‬فقليلة هي الكتابات التي تأخذ بعين‬ ‫االعتبار شروط ومكونات العمل المسرحي من‬ ‫ديكور ولباس وإخراج وإضاءة وغيرها‪ ،‬فكل هذه‬ ‫العناصر تنجب مجتمعة عمال مسرحيا ناضجا‪.‬‬ ‫فالمسرحية منظومة كلية ت�ض��م التمثيل‬ ‫واإلخ ��راج والديكور وغيره من المكونات التي‬ ‫تتآلف في إط��ار بنية مركزية‪ ،‬هي النص الذي‬ ‫ي �ح��دد م��ن خ�لال��ه ال �ك��ات��ب ال �غ��اي��ة م��ن العرض‬ ‫المسرحي‪ ،‬لذلك فالعناصر كلها ال تبدأ عملها‬ ‫قبل عنصر الكتابة‪.‬‬

‫ضعف العناصر الناظمة للنص‬ ‫إن ال��وص��ول إل��ى العناصر الناظمة لكتابة‬ ‫النص المسرحي للطفل‪ ،‬يشترط مراكمة معرفة‬ ‫أكاديمية وخبرة ميدانية وقراءات متوالية‪ .‬وهذا‬ ‫ما ينقص الكثير من الكتّاب الهواة‪ ،‬لذلك فإن‬ ‫أغلب النصوص المتواجدة في الساحة تطغى‬ ‫عليها الخطابية‪ ،‬أو المباشرة‪ ،‬أو ركاكة اللغة‪،‬‬ ‫أو الحبكة المصطنعة ال�ت��ي ت�ق��وم على حوار‬ ‫فضفاض فيه ثرثرة كثيرة‪ ،‬وتالعب باأللفاظ‪،‬‬ ‫وصراخ وعويل ال مبرر لهما‪ ،‬أبطالها شخصيات‬ ‫مصطنعة نمطية أحادية الجانب‪ ،‬تفتقد الحيوية‬ ‫والحرية والصدق(‪ .)4‬ويسرد الكاتب على لسانها‬ ‫ك��ل م��ا يخطر ع�ل��ى ب��ال��ه دون اع�ت�ب��ار لحقيقة‬ ‫الشخصية التي تمثلها‪ ،‬وه��ذه المباشرة تحول‬ ‫دون وضوح الرؤية السينوغرافية ونضجها‪ ،‬وتدل‬ ‫على غياب وعي بطبيعة الطفل المتلقي وحاجاته‬ ‫النفسية والعقلية والعاطفية‪.‬‬

‫لذاتها‪ ،‬والحبكة المسرحية هي التي تحول لذة‬ ‫الحكاية وجمالها إل��ى درام��ا جميلة فيها حياة‬ ‫وصراع وحوار‪ ،‬وفي ظل غياب القصص الجميلة‬ ‫الممتعة المالئمة للطفولة‪ ،‬يلجأ كثير من الكتاب‬ ‫إلى استلهام التراث أو االقتباس والترجمة‪.‬‬ ‫ف�ه�ن��اك ك �ت��اب يستلهمون ال��ت��راث العربي‬ ‫ويقدمونه للطفل‪ ،‬بدعوى حاجة الطفل لتعرف‬ ‫تراثه‪ ،‬وإبراز معالم هويته وتأصيلها‪ ،‬دون عناء‬ ‫يذكر في انتقاء النصوص والمضامين ومالءمتها‬ ‫مع شروط الحياة المعاصرة‪ ،‬بل ودون مراجعة‬ ‫كثير من مضامينها التي ترسخ أنماط تفكير لم‬ ‫تعد مستساغة وال مقبولة في زمننا الحالي‪ ،‬ويبدو‬ ‫عليها أنها ال تتأسس على معرفة الواقع وتتوافر‬ ‫فيها رؤية مستقبلية‪ ،‬على الرغم من أهمية هذه‬ ‫المعرفة وقيمتها التربوية واالجتماعية‪ .‬فتراثنا‪..‬‬ ‫على الرغم من غناه وتنوع فنون أدائ ��ه‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من تعبيره عن وجداننا الجماعي‪ ،‬وأنه‬ ‫مرجع المتخيل الشعبي وأص��ل الفرجة‪ ،‬يجب‬ ‫تناوله ت�ن��اوال إشكاليا داع�ي��ا للتساؤل‪ ،‬وإعادة‬ ‫النظر إليه‪ ،‬والشك فيه‪ ،‬وبحثه وفحصه‪ ،‬بدل‬ ‫االكتفاء بالنظر إليه نظرة ثبات الماضي كضمان‬ ‫وحيد للمستقبل والحاضر(‪.)5‬‬

‫أما االقتباس بشكليه الصريح والضمني‪ ،‬فإنه‬ ‫كان دوما مدخال لتعلم الكتابة واالحتكاك بها‪،‬‬ ‫ولملء الفراغ في ساحتنا اإلبداعية األدبية الناتج‬ ‫عن ضحالة وضعف اإلنتاج األدب��ي المسرحي‪،‬‬ ‫وف��ي أح�ي��ان كثيرة يكون ه��ذا االقتباس مجرد‬ ‫ترجمة للنص‪ ،‬دون أن تتم إع��ادة ق��راءة للنص‬ ‫األصلي‪ ،‬وتحويل بنيته الدرامية لتالئم مجتمعنا‬ ‫ال��ذي يتميز بثقافته المختلفة‪ ..‬وذوق��ه وفهمه‬ ‫فأهم النصوص وأق��واه��ا وأجملها هي التي وقيمه(‪.)6‬‬ ‫ت�ق��وم على قصة ق��وي��ة ال�ب�ن��اء محكمة السرد‪،‬‬ ‫ف��األس�ط��ورة ال�ت��ي تتضمنها بعض القصص‬ ‫وه��ذا يعني أن القصة في المسرحية مقصودة في اآلداب األجنبية‪ ،‬ينبغي التعامل معها بحذر‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫واللغة س��واء كانت أدبية فصيحة في حال‬ ‫األع �م��ال المترجمة‪ ،‬أم لهجة دارج��ة ف��ي حال‬ ‫األع�م��ال التراثية – ول�ك��لٍّ وجهة نظر تدعمها‬ ‫حجج وجيهة ج��دي��رة بالتقدير‪ -‬فإنها ينبغي‬ ‫أن تكون درامية‪ ،‬دال��ة وحيوية ومفعمة بالصور‬ ‫والمعاني التي تفجر األح��داث‪ ،‬أن تكون الجمل‬ ‫بسيطة مفهومة موجزة؛ وال تعتمد على الحوار‬ ‫الشفوي وح ��ده‪ ،‬ب��ل كثيرا م��ا يكون لإليماءات‬ ‫واإلش � ��ارات‪ ،‬وللصمت أي �ض��ا‪ ..‬بعد دالل��ي في‬ ‫البنية الدرامية‪ ،‬وإنَّ اقتصار الكتابة المسرحية‬ ‫على الحوار البسيط‪ ،‬يفسره غياب الوعي بأهمية‬ ‫الصراع الدرامي وقيمته والمأساة في المسرح؛‬ ‫فالنصوص المسرحية الرائجة عبارة عن ثرثرة‪،‬‬ ‫تفتقر للرؤيا الواضحة‪ ،‬وللبناء المحكم القوي‬ ‫للشخصيات‪ ،‬وللصراع البارز المتميز‪ ،‬فالصراع‬ ‫الذي يعبر عن األحكام المتعارضة هو المحرك‬ ‫الدرامي الفاعل في المسرحية‪ .‬وتكون الرؤيا‬ ‫واضحة إذا توافرت الوحدة الفكرية والعاطفية‬ ‫للصراع‪ ،‬وهذا أمر نادر في مسرحياتنا‪.‬‬

‫م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح‬

‫شديد‪ ،‬فال يجب النظر إليها باعتبارها غريبة‬ ‫ع��ن مجتمعنا‪ ،‬أو زائ ��دة ال ل��زوم ل�ه��ا‪ ،‬م��ا يبرر‬ ‫حذفها من المقتبس‪ ،‬بل الثابت أنها تستهوي‬ ‫األطفال ويتقبلونها‪ ،‬فهي مفيدة لهم‪ ،‬تساعد على‬ ‫نمو قدراتهم التخيلية‪ ،‬وهذا يوجب على الكتاب‬ ‫توظيفها في نصوصهم‪ ،‬وجعلها في نسيج العمل‬ ‫ال��درام��ي ال �ت��رب��وي‪ ،‬وش�ح��ذ ع�ن��اص��ره��ا بحركة‬ ‫ال�ن��ص وأح��داث��ه ال��درام �ي��ة‪ ،‬وف �ض��اءات��ه‪ ،‬وإبداع‬ ‫لغة خطاب تستنبط الجوهري من األسطورة‪،‬‬ ‫وتدمجه بالرؤية العامة والمفهوم الناظم لتطور‬ ‫النص ونموه دراميا وفكريا(‪.)7‬‬

‫المتلقي‪ ،‬ويرفع مستوى التصاعد الدرامي‪ .‬إن‬ ‫الصراع الدرامي هو النسيج العام الضام لعناصر‬ ‫التأليف المسرحي‪ ،‬فينبغي أن يعبر عن األحكام‬ ‫المتعارضة ال�ت��ي ي��داف��ع عنها الخصوم الذين‬ ‫يمثلون رغبات متناقضة مختلفة‪ ،‬وهم ال يقلون‬ ‫قوة ووزن��ا عن بعضهم بعضا‪ ،‬وأن يكون بوتيرة‬ ‫تصاعدية يرافق مجريات أح��داث المسرحية؛‬ ‫ف��أف�ض��ل أن ��واع ال �ص��راع ال��درام��ي ه��و الصراع‬ ‫الصاعد الذي يشتد ويقوى من أول المسرحية‬ ‫إلى آخرها‪ ،‬عندما يتساوى الخصوم من حيث‬ ‫القوة والتأثير‪ ،‬كل طرف من الخصوم يتمسك‬ ‫بالدفاع عن مواقفه ومصالحه المهددة ويحميها‬ ‫باستماتة‪ ،‬حتى يصل إلى األزمة التي تشتد حتى‬ ‫تبلغ الذروة في الحل‪ ،‬كل ذلك في جو من اإلثارة‬ ‫والتشويق والجاذبية الممتعة(‪.)8‬‬ ‫ل��ذل��ك‪ ،‬ينبغي أن ت�ت�ح��رر م�س��رح�ي��ات�ن��ا من‬ ‫ثنائية الذكي والبليد‪ ،‬أو المجتهد والكسول‪ ،‬أو‬ ‫المهذب والمشاغب‪ ..‬وما شابه هذه الثنائيات‬ ‫البسيطة ال�س��اذج��ة ال�ت��ي طغت على كثير من‬ ‫مسرحياتنا التربوية خالل عقود من الزمن‪ ،‬فهي‬ ‫ال تمثل ص��راع��ا درام �ي��ا‪ ،‬وال تمت ل��ه بصلة(‪.)9‬‬ ‫فالمسرحيات التي تنبني على ه��ذه الثنائيات‬ ‫ال تتضمن شخصيات متنامية متطورة متجددة‪،‬‬ ‫تتحلى بقوة اإلرادة التي تخوض بها الصراع‬ ‫في مواجهة اإلرادات األخ��رى‪ ،‬فالخلل في بناء‬ ‫الشخصية يؤثر على بقية أركان المسرحية‪.‬‬

‫ي � �ج� ��ب ب�� �ن� ��اء ش�� �خ� ��وص ن� ��ام � �ي� ��ة محركة‬ ‫ل�لأح��داث‪،‬ت �ت �م �ي��ز ب �ت �ف��رده��ا‪ ،‬وت�م�ت�ل��ك عمقها‬ ‫ووجودها في النص‪ ،‬تطرح من خالله قضاياها‪..‬‬ ‫وتحرك أح��داث��ه؛ أي أال تكون شخوصا نمطية‬ ‫ال�ص��راع هو المجسد للمأساة‪ ،‬إن��ه أساس أح��ادي��ة الجانب‪ ،‬فطبيعة النفس البشرية أنها‬ ‫الوعي المأساوي ال��ذي يبرز تعارض المواقف تحتوي على كم هائل من السلوكيات المختلفة‪،‬‬ ‫وتناقضها؛ فهو ال��ذي يخلق القلق والشك لدى فينبغي عدم اإلحجام عن استثمار الجسد الذي‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪119‬‬


‫يعد أداة تعبيرية أساسية م��ن أدوات العرض واإلخ� ��راج‪ ،‬وال �ت��ي غالبا م��ا ت�ح��رج المخرجين‬ ‫ال �ك��وم �ي��دي‪ ،‬بشكل ي�س��اع��د ع�ل��ى رف��ع مستوى فيضطرون لملئها باجتهاداتهم الخاصة‪.‬‬ ‫اإلده��اش والتوتر ال��درام��ي‪ ،‬وال يقتصر التعبير‬ ‫لذلك‪ ،‬على الكاتب أن يفكر بالخشبة عند‬ ‫الجسدي على ح��رك��ة اليدين وال��وج��ه بطريقة الكتابة‪ ،‬فهو ال يكتب لنفسه‪ ،‬إن�م��ا لآلخرين‪،‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫تستدر الشفقة وتستجدي تعاطف المشاهد ؛ للمخرج والممثلين‪ ..‬ولألطفال المتلقين‪ .‬فعليه‬ ‫فسيطرة الجانب االستهزائي على العمل الدرامي أن يبحث عن أص��وات شخصياته مما ي��راه في‬ ‫يفقده معناه ويميّع قيمه ومضامينه‪.‬‬ ‫الواقع‪ ،‬لكن دون التعامل مع الواقع بوصفه مادة‬ ‫والشخصية في المسرحية تتحول من عنصر جاهزة يمكن نقلها إلى الخشبة‪ ،‬بل أن يستحضر‬ ‫متخيل إل��ى عنصر حقيقي ع�ن��دم��ا يجسدها ويصور أجزاء من الواقع‪ ،‬تحيل على ما يحصل‬ ‫الممثل بشكل حي على الركح‪ ،‬حيث تعبر عن ع�ل��ى أرض ال��واق��ع م��ن خ�ل�ال ال �ع�لام��ات التي‬ ‫نفسها مباشرة م��ن خ�لال ال �ح��وار والمونولوج يمكن للطفل المتفرج أن يالحظها‪ .‬إن النص‬ ‫والحركة التي يؤديها الممثل دون تدخل وسيط‪ .‬المسرحي هو مشروع عرض قبل كل شيء(‪،)11‬‬ ‫وحين تكون الشخصيات مبنية بإحكام تساعد ينبغي أن يتيح للمخرج فرصة واض�ح��ة تيسر‬ ‫المشاهد على تعرف وظيفتها وسماتها وعملها‪ ،‬االشتغال عليه وإع��ادة كتابته‪ ،‬ليخرج في حلة‬ ‫وذلك يتأتى له عن طريق اللغة‪ ..‬وعبر المتخيل‪ ..‬بهيجة تسر المشاهدين؛ فينبغي أن يكون هذا‬ ‫وم ��ن خ�ل�ال ن �م��و ال �ف �ع��ل ال �م �س��رح��ي وسيرورة ال�ن��ص ع�ب��ارة ع��ن مجموعة م��ن ال�ل��وح��ات التي‬ ‫األح� ��داث‪ ..‬وان�ف�ت��اح ال�ع��وال��م وت �ع��دده��ا‪ ،‬والتي تجتمع لتشكل عرضا‪..‬يجب أن يحددها الكاتب‬ ‫ينبغي أن تكون باعثة للطفل على االندماج فيها‪ ،‬بتفاصيلها الدقيقة‪ ،‬حتى يستنير بها المخرج‬ ‫والتفاعل معها واالستغراق فيها‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فالبد بكل سهولة ووضوح؛ وأن تنتظم هذه اللوحات في‬ ‫من إنتاج نص له خلفياته الكبيرة المستمدة من إط��ار وح��دة فكرية‪ ،‬حتى ال يرتبك المخرج أو‬ ‫علم النفس وعلم التربية وعلم الجمال‪ ،‬للوصول الممثل أو المتفرج؛ فالفكرة المبهمة أو المشتتة‪،‬‬ ‫إلى مستويات الطفل العقلية واللغوية والتخيلية‪ .‬تجعل المسرحية غير ذات موضوع‪ ..‬ومن ثم غير‬

‫مالءمة الرؤية السينوغرافية‬

‫ذات قيمة‪ .‬كما أنه كلما حصل التطابق بين رؤى‬ ‫الكاتب ورؤى المخرج‪ ،‬واتفق تصورهما للعمل‬ ‫المسرحي‪ ..‬أنتجا عمال جيدا‪ ،‬إال أن المؤلف في‬ ‫الغالب‪ ،‬مهما أتقن الكتابة‪ ،‬ال يمكن أن يستوفي كل‬ ‫جوانبها السينوغرافية؛ لذلك‪ ،‬فإن المخرج يجد‬ ‫دوم��ا فسحات يبث فيها من روح��ه‪ ..‬ويكمل ما‬ ‫أعده الكاتب‪ ،‬وهناك مخرجون متميزون أعادوا‬ ‫كتابة المسرحيات فوق الركح ب��رؤى وإضافات‬ ‫فنية ذكية أبهرت الكتّاب أنفسهم(‪.)12‬‬

‫إن النصوص المسرحية المالئمة للرؤية‬ ‫السينوغرافية قليلة جدا‪ ،‬وإن ما يجب االقتناع‬ ‫به لدى المسرحي هو أنه ال يمكن القبول بنص‬ ‫�ال م��ن الفعل وم��ن الدراما‪،‬‬ ‫مسرحي طفلي خ� ٍ‬ ‫فالمسرح فعل وح��رك��ة ومتعة وإث ��ارة وإدهاش‬ ‫ولعب وموسيقى ورق��ص‪ .‬وه��ذه المكونات هي‬ ‫التي تمنح الجمالية للعمل المسرحي‪ ،‬وتضمن‬ ‫جاذبيته وتأثيره‪ ،‬وتمنح المخرج فضاء دراميا‬ ‫وأزمة النص المسرحي الطفلي العربي ناتجة‬ ‫وبعدا زمنيا ومكانيا‪ ..‬ويتجه نحو العمق‪ ،‬وتقلص‬ ‫ق ��در اإلم��ك��ان ال�ح�ل�ق��ات ال�ض��ائ�ع��ة ب�ي��ن النص ع��ن ت��واض��ع إنتاجنا ف��ي ه��ذا ال�م�ض�م��ار‪ ،‬وعن‬ ‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫كون المؤلفين أدباء ‪..‬لم يلموا بقواعد اإلخراج‬ ‫المسرحي‪ ،‬ول��م يشتغلوا ب��ه‪ ،‬أدب ��اء تستهويهم‬ ‫مذاهب مثل الواقعية أو العبثية أو الرمزية أو‬ ‫غيرها‪ ،‬فيكتبون نصوصهم على ضوء ذلك دون‬ ‫التفكير في مشاكل العرض‪ ،‬وش��روط الفرجة‪،‬‬ ‫فصورتنا عن الطفولة هي في الغالب انعكاس‬ ‫وإك��راه��ات اإلخ� ��راج(‪ .)13‬فهذه النصوص تصلح‬ ‫لطفولتنا وصورتنا عن ذاتنا(‪ ،)13‬التي تكونت لدينا‬ ‫ل�ل�ق��راءة األدب �ي��ة أك�ث��ر م��ن صالحيتها لإلخراج‬ ‫بتأثير عوامل تربوية وثقافية مغايرة للعوامل‬ ‫المسرحي‪.‬‬ ‫القائمة في زمننا‪ ،‬فالفارق يحدده حيز زمني‬ ‫أقله ثالثون عاما‪ ،‬وأطر الماضي هذه التي تؤطر‬ ‫الخاتمة‬ ‫إن الكتابة للطفل الموجود في الواقع‪ ،‬تشترط تصورنا عن الطفولة‪ ،‬تحول دون تقديم النافع‬ ‫التسلح باألدوات التي تمكن من تعرف هذا الطفل‪ ،‬ألط�ف��ال ال �ي��وم‪ ،‬وال تحقق طموحات المشروع‬ ‫وخصائص نموه البدني والعقلي واالجتماعي‪ ،‬المجتمعي ال ��ذي ي�ت��وخ��ى ال�ن�ه��وض بالمجتمع‬ ‫ومطالب هذا النمو في وسط ثقافي متميز بلغاته‪ ،‬وتقدمه ورخائه‪ .‬والكاتب الذكي دائم المبادرة‪،‬‬ ‫وعاداته‪ ،‬وأذواق��ه‪ ،‬وقيمه‪ ،‬وظروفه االقتصادية متحرر من القيود وآث��ار ال��ذات‪ ،‬يخطط بذكاء‬ ‫واالجتماعية‪ .‬ففهم هذا الطفل وتعرفه‪ ،‬يجب الس �ت �غ�لال ال �م��اض��ي م��ن أج ��ل ب �ن��اء الحاضر‪،‬‬ ‫أن يترجمه النص المسرحي‪ ،‬وبناؤه الدرامي‪ ،‬والتوغل برفق وذك��اء في عالم الطفولة المرح‪،‬‬ ‫وأس�ل��وب��ه‪ ،‬ولغته؛ فيجب أن تكون ه��ذه الكتابة طفولة اليوم الذكية المفتوحة العينين على العالم‬ ‫مؤطرة بهذه المعرفة‪ ،‬رامية لفتح آف��اق فكرية المعاصر‪ ،‬وما يشهده من تطورات كبرى‪.‬‬ ‫* ‬

‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪) 4‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫(‪ )8‬‬

‫م�������س�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������ـ�������رح‬

‫وخيالية ومعرفية واسعة أمام الطفولة‪ ،‬ال تبقى‬ ‫حبيسة الماضي وتمثالته الثابتة في أذهاننا‪ ،‬بل‬ ‫تنفتح على المستقبل‪ ،‬ومتطلبات التقدم الثقافية‬ ‫والتكنولوجية والسياسية‪.‬‬

‫كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫مهداد‪ ،‬الزبير‪ :‬المسرح المدرسي؛ نشر جمعية التعاون المدرسي بالناظور ‪1997‬م‪،‬ص ص ‪.13-9‬‬ ‫مهداد‪ ،‬الزبير‪ :‬شروط تحقيق الفرجة في مسرح الطفل؛ جريدة الفنون‪ ،‬الكويت‪ ،‬عدد ‪ 69‬سبتمبر ‪ 2006‬م ص ص‪.47-46‬‬ ‫اعتمدنا في تركيب المالحظات على وثائق الدورة الثانية لمهرجان اإلمارات لمسرح الطفل‪ ،‬وربيع مسرح الطفل بسوريا‬ ‫‪،‬ومهرجانات حركة الطفولة الشعبية لمسرح الطفل‪ ،‬ومهرجانات جمعية التعاون المدرسي وغبرها‪.‬‬ ‫أمينة عباس‪ ،‬في ندوة رؤى مستقبلية حول واقع مسرح الطفل‪ ،‬مقال بجريدة البعث السورية ‪ 8‬فبراير شباط ‪2007‬م‪.‬‬ ‫محمد سكري‪ :‬موال نوبة؛ جريدة االتحاد االشتراكي ‪ 9‬يوليو ‪2000‬م‪.‬‬ ‫سكري‪ ،‬محمد‪ :‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫سكري‪ ،‬محمد ‪:‬المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪DICTIONNAIRE DRAMATIQUE [Par La Porte et Chamfort.] Paris, chez Lacombe, M. DCC. LXXVI.‬‬ ‫‪.P 85-86‬‬

‫(‪ )9‬مؤدن‪ ،‬عبدالرحيم‪ :‬الكوميديا المغربية والصناعة اللفظية؛ جريدة العلم (الملحق الثقافي) ‪ 6‬دجنبر ‪2007‬م ‪ ،‬ص ‪.3‬‬ ‫مؤدن‪ :‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )10‬الخواجة‪ ،‬هيثم يحيى‪ :‬حوار مع عبدالرحمن بن زيدان‪ ،‬منشور بمجلة نزوى العدد ‪ 7‬يوليو ‪1996‬م ‪ ،‬ص ‪.160-152‬‬ ‫(‪ )11‬حسو‪ ،‬عبدالناصر‪ :‬النص المسرحي بين الكتابة واإلخ��راج؛ جريدة الثورة (سوريا) الملحق الثقافي الصادر يوم ‪ 5‬يوليو‬ ‫‪2005‬م‪.‬‬ ‫(‪ )12‬الخواجة‪ :‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )13‬أمينة عباس‪ ،‬مرجع مذكور‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪121‬‬


‫تنمية املوارد البشرية‬

‫ودورها في تعزيز امليزة التنافسية‬ ‫للوحدات االقتصادية واملصرفية‬

‫بالل محمود حسني*‬

‫يشهد العالم تحوالت سريعة نتيجة العولمة‪ ،‬ما شكل بيئة‬ ‫جديدة مالئمة أكثر النتشار الشركات المتعددة الجنسية في‬ ‫مختلف دول العالم‪ ،‬واالستفادة من المزايا المتاحة حيثما‬ ‫وجدت‪ ،‬سواء على مستوى التمويل‪ ،‬أو اإلنتاج أو التوزيع من‬ ‫أج��ل زي��ادة قدرتها التنافسية ومواجهة منافسات اآلخرين‪،‬‬ ‫وفي ظل الواقع الحالي والمتخلف لوحداتنا االقتصادية فإن‬ ‫التحول لمواجهة ذلك التطور ال بد من أن يكون بموارد بشريه‬ ‫تمتلك المعرفة والكفاءة العلمية والخبرة الالزمة‪.‬‬ ‫وي��رج��ع االهتمام العالمي بتنمية الموارد‬ ‫البشرية إلى أن البشر هم الثروة الحقيقية أليَّ‬ ‫دولة‪ ،‬وألي أمة‪ ،‬وكلما تمكنت األمة من الحفاظ‬ ‫ع�ل��ى ث��روت �ه��ا ال �ب �ش��ري��ة‪ ،‬وع�م�ل��ت ع�ل��ى تنمية‬ ‫قدراتها عن طريق التأهيل والتدريب المستمر‪،‬‬ ‫إلكسابها القدرة على التعامل مع الجديد الذي‬ ‫يظهر على الساحة الدولية بين الحين واآلخر؛‬ ‫كلما تقدمت هذه األم��ة اقتصادياً واجتماعياً‬ ‫وثقافياً بين األمم األخرى‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تنمية الموارد البشرية‬ ‫وه ��ي إع � ��داد ال �ع �ن �ص��ر ال �ب �ش��ري إع � ��داداً‬ ‫صحيحاَ بما يتفق واحتياجات المجتمع‪ ،‬على‬ ‫أساس أنه بزيادة معرفة وقدرة اإلنسان يزداد‬ ‫ويتطور استغالله للموارد الطبيعية‪ ،‬فضال عن‬ ‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫زيادة طاقاته وجهوده‪ .‬وقد أشار تقرير التنمية‬ ‫البشرية الصادر عن األمم المتحدة سنة ‪1990‬م‬ ‫أن التنمية البشرية تعنى بتوسيع نطاق االختيار‬ ‫أمام األفراد‪ ,‬وذلك بزيادة فرصهم في التعليم‬ ‫والرعاية الصحية والدخل والعمالة‪ .‬وقد تطور‬ ‫مفهوم تنمية الموارد البشرية‪ ،‬ولم يعد يقتصر‬ ‫فقط على التعليم والتدريب‪ ،‬بل أصبح يركز‬ ‫على تطوير أنماط التفكير والسلوك‪ ،‬ونوعية‬ ‫التعليم وال�ت��دري��ب‪ ،‬ونوعية مشاركة الجمهور‬ ‫ف��ي ات�خ��اذ ال �ق��رارات وال�ع�لاق��ات االجتماعية‬ ‫وال�ع��ادات والتقاليد‪ ،‬وثقافة الشعوب‪ ،‬وطرق‬ ‫وأس��ال �ي��ب ال�ع�م��ل واإلن� �ت ��اج؛ أي تعبئة الناس‬ ‫بهدف زيادة قدراتهم على التحكم في مهاراتهم‬ ‫وقدراتهم‪.‬‬


‫م����������������ال واق��������ت��������ص��������اد‬

‫إن تنمية ال �م��وارد البشرية = اإلع� ��داد (إعداد‬ ‫ول��غ��رض ت �ط��وي��ر ال� �م ��وارد ال �ب �ش��ري��ة ف��ي عصر‬ ‫الموارد البشرية) ‪ +‬المتابعة (تقييم األداء) ‪ +‬المقابل تكنولوجيا المعلومات فإن ذلك يتطلب مجموعه من‬ ‫(األجور والرواتب والمكافآت والحوافز) ‪ +‬المحافظة اآلليات‪:‬‬ ‫(ال��رع��اي��ة االج�ت�م��اع�ي��ة والنفسية واالق �ت �ص��ادي��ة) ‪+‬‬ ‫‪ .1‬تخطيط القوى العاملة‪:‬‬ ‫الضبط (اإلش ��راف والتوجيه) ‪ +‬التنمية (التدريب‬ ‫تحتاج أي وحدة اقتصادية إلى موارد بشرية تؤدي‬ ‫ورفع الكفاءة)‪.‬‬ ‫إن معنى ذلك أن كل ما يدفع من مبالغ ستؤدي إلى من خاللها النشاط الذي تقوم به‪ ،‬وعليه يجب أن تقوم‬ ‫تنمية الموارد البشرية؛ أي زيادة قيمتها‪ ..‬ومن ثم فإن بتحديد احتياجاتها من أعداد ونوعيات مختلفة من‬ ‫الباحث يؤيد هذا التوجه‪ ،‬ألنه يحدد القيمة المالية الموارد البشرية‪ .‬وحسن تحديد النوعيات واألعداد‬ ‫التي يتم إنفاقها من أجل الوصول إلى قيمة الموارد المناسبة من العمالة تكفل القيام باألنشطة على خير‬ ‫وجه‪ ،‬وبأقل تكلفة‪ .‬أما سوء هذا التحديد فيعني وجود‬ ‫البشرية التي يجب إثباتها في السجالت والقوائم‪.‬‬ ‫عمالة غير مناسبة في األعمال والوظائف‪ ،‬ووجود‬ ‫وتشير تقارير األمم المتحدة إلى أن تنمية الموارد‬ ‫أيضا‪ ،‬ما يؤدي في النهاية‬ ‫أع��داد غير مناسبة منها ً‬ ‫البشرية تركز على‪:‬‬ ‫إلى اضطراب العمل‪ ،‬وزيادة تكلفة العمالة عما يجب‬ ‫ •أن يعيش اإلنسان حياة مديدة وصحية‪.‬‬ ‫أن تكون‪ .‬ويعتمد تخطيط االحتياجات من الموارد‬ ‫ •أن يكتسبوا المعارف العلمية‪.‬‬ ‫البشرية على م�ق��ارن��ة بسيطة بين م��ا ه��و مطلوب‬ ‫ •أن يحصلوا على ال�م��وارد الالزمة لمستوى من العمالة وبين ما هو معروض منها داخل الوحدة‬ ‫االقتصادية‪ .‬فإذا كانت نتيجة المقارنة وجود فائض‬ ‫معيشة الئق‪.‬‬ ‫في عمالة المنظمة‪ ،‬وجب التخلص منه‪ ,‬أما إذا كانت‬ ‫ثانياَ‪ :‬الموارد البشرية في عصر العولمة‬ ‫النتيجة وجود عجز‪ ،‬فإنه يجب توفيره‪.‬‬ ‫إن العالم يتعامل اليوم في اقتصاد مفتوح ضمن‬ ‫تخطيط ال �م��وارد البشرية ه��و محاولة لتحديد‬ ‫قرية صغيره تدعى العالم نتيجة تطور التكنولوجيا‪ ،‬احتياجات ال��وح��دة االقتصادية م��ن العاملين خالل‬ ‫فأصبح ينظر إلى الموارد البشرية كرأس مال متحرك‪ ،‬فترة زمنية معينة‪ ،‬وهي الفترة التي يغطيها التخطيط‪،‬‬ ‫والعولمة من منظور إداري هي عولمة النشاط المالي وهي في العادة سنة‪ .‬وباختصار‪ ،‬فإن تخطيط الموارد‬ ‫والتسويقي واإلنتاجي والتكنولوجي والمعلوماتي‪ ،‬أي‬ ‫البشرية يعني أساسً ا تحديد أعداد ونوعيات العمالة‬ ‫عولمة أسواق المال والسلع والخدمات والتكنولوجيا‬ ‫المطلوبة خالل فترة الخطة‪.‬‬ ‫والعمالة‪.‬‬

‫‪ .2‬تدريب الموارد البشرية‬

‫إن التحوّل من المؤسسة التقليدية بكل أشكالها‬ ‫(تنظيم هرمي‪ ،‬مركزيه‪ ،‬االعتماد على التجربة‪..،‬‬ ‫ويهدف إلى‪:‬‬ ‫الخ) إلى المؤسسه المعاصرة (تنظيم مفلطح وشبكي‪ - ،‬زيادة اإلنتاج عن طريق تحسين المهارات والمعارف‬ ‫ت�ك��ام��ل ف��ري��ق ال�ع�م��ل‪ ،‬ال�لام��رك��زي��ة‪ ،‬اإلستراتيجيه‪،‬‬ ‫الفنية ألداء األعمال‪.‬‬ ‫المعلومات‪..‬الخ) يقوم أساسا على نوعية وخصائص‬ ‫الموارد البشرية‪ ،‬فإذا توافرت القدرة مع الرغبة في ‪ -‬سرعة تنفيذ األعمال بصورة صحيحة‪.‬‬ ‫إطار منسجم ومتفاعل‪ ،‬تصبح الموارد البشرية هي ‪ -‬ضمان سالمة العامل‪ ،‬ألنه كلما زاد التدريب على‬ ‫استخدام اآللة أصبح في استطاعته تجنب الضرر‬ ‫المدخل اإلستراتيجي إلدارة أه��م أص��ول المؤسسة‬ ‫وتفادي األخطار‪.‬‬ ‫بهدف تحقيق ميزه تنافسيه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪123‬‬


‫خالصة القول وصفوته‪ :‬إن من أهم مقومات الميزة‬ ‫‪ .3‬إعادة هندسة العمليات‬ ‫ويقصد بها إج ��راء تغييرات ج��ذري��ة ل�ه��ا‪ ،‬تؤدي التنافسية إن لم تكن أهمها على اإلطالق هي الموارد‬ ‫إلى حصول تغييرات جوهرية في المنتج‪ ،‬وإن إعادة البشرية‪ ،‬ألن كيفية تحكم الشركة بمواردها المختلفة‬ ‫هندسة العمليات لن تنجح بدون مشاركة إدارة الموارد (مادية‪ ،‬تنظيمية‪ ،‬معلومات‪ ،‬بشرية) هي أن تكون تحت‬ ‫سيطرة القدرة العقلية التي تمتلكها هذه الموارد‪.‬‬ ‫البشرية وتنميتها من خالل‪:‬‬

‫ويرجع االهتمام العالمي بتنمية الموارد البشرية‬ ‫ الحصول على الدعم والتأييد لجهود اعادة هندسة‬‫إلى أن البشر هم الثروة الحقيقية أليَّ دولة‪ ،‬وألي أمة‪،‬‬ ‫العمليات‪.‬‬ ‫وكلما تمكنت األمة من الحفاظ على ثروتها البشرية‪،‬‬ ‫ تشكيل فرق العمل‪.‬‬‫وع�م�ل��ت ع�ل��ى ت�ن�م�ي��ة ق��درات �ه��ا ع��ن ط��ري��ق التأهيل‬ ‫ تغيير طبيعة العمل‪.‬‬‫والتدريب المستمر‪ ،‬إلكسابها القدرة على التعامل مع‬ ‫ ال�ت�ح��ول م��ن ال��وظ��ائ��ف ال�م��راق�ب��ة إل��ى الوظائف الجديد الذي يظهر على الساحة الدولية بين الحين‬‫واآلخر؛ كلما تقدمت هذه األمة اقتصادياً واجتماعياً‬ ‫الممكنة‪.‬‬ ‫وثقافياً بين األمم األخرى‪.‬‬ ‫ التحول من التدريب إلى التعليم‪.‬‬‫فالتنمية البشرية تهدف إلى توسيع مدارك الفرد‪،‬‬ ‫‪ .4‬تقييم األداء‬ ‫وإي �ج��اد المزيد م��ن ال�خ�ي��ارات المتاحة أم��ام��ه‪ ،‬كما‬ ‫ويخدم تقييم األداء العديد من األغراض منها‪:‬‬ ‫تهدف إلى تحسين المستويات الصحية‪ ،‬والثقافية‪،‬‬ ‫ال‬ ‫ يوضح العامل الذي يجب تدريبه‪ ،‬ومن الذي ينبغي واالجتماعية‪ ،‬وتطوير معارف ومهارات الفرد‪ ،‬فض ً‬‫عن توفير ف��رص اإلب ��داع‪ ،‬واح�ت��رام ال��ذات‪ ،‬وضمان‬ ‫نقله أو االستغناء عنه‪.‬‬ ‫الحقوق اإلنسانية‪ ،‬وضمان مشاركاته اإليجابية في‬ ‫ يبين الفرد الذي يستحق العالوة أو الترقية‪.‬‬‫جميع مناحي الحياة‪.‬‬ ‫ ي�س��اع��د ف��ي م �ق��ارن��ة ال�ع�م��ل ال�م�ن�ج��ز م��ع العمل‬‫فالعنصر البشري بما لديه من قدرة على التجديد‪،‬‬ ‫المتوقع‪ ،‬وتحديد اإلجراءات التصحيحية الواجب‬ ‫واإلب��داع‪ ،‬واالخ�ت��راع‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬والتطوير‪ ،‬يمكنه أن‬ ‫اتخاذها‪.‬‬ ‫يتغلب على ندرة الموارد الطبيعية‪ ،‬وأال يجعلها عائقاً‬ ‫نحو النمو والتقدم‪ ،‬عن طريق االستغالل األفضل ‪ -‬إن‬ ‫ثالثاَ‪ :‬دور الموارد البشرية في تحسين‬ ‫لم يكن األمثل ‪ -‬لطاقات المجتمع العلمية واإلنتاجية‪،‬‬ ‫القدرة التنافسية‬ ‫لا ع��ن االس �ت �غ�لال ال��رش�ي��د ل �ل �م��وارد الطبيعية‬ ‫إن من آث��ار ظاهرة العولمة هو ظهور الشركات ف �ض� ً‬ ‫المتعددة الجنسيات نتيجة ازدي��اد التعامل التجاري واالستثمارات المتاحة‪.‬‬

‫م��ا ب�ي��ن ال �ش��رق وال �غ��رب وال�ش�م��ال وال�ج�ن��وب ضمن‬ ‫هذا العالم‪ ،‬ما أدى إلى االنتشار الواسع لالستثمار‬ ‫األج�ن�ب��ي‪ ،‬واالن �ت �ق��ال م��ن ال�ح�ض��ارة الصناعية ذات‬ ‫المحتوى ال �م��ادي إل��ى ال�ح�ض��ارة المعلوماتية ذات‬ ‫المحتوى الفكري‪ ,‬وه��ذا أدى إل��ى ات�س��اع المنافسة‬ ‫وشراستها بين مختلف الشركات والمنتجات‪.‬‬ ‫* جامعة عمان العربية للدراسات العليا ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬

‫ومما ال شك فيه‪ ،‬أن ال��دول��ة التي ال تستطيع ‪-‬‬ ‫أو تعجز عن ‪ -‬تنمية مواردها البشرية‪ ،‬ال يمكنها أن‬ ‫تحقق غاياتها وأهدافها المخططة والمأمولة‪ ،‬مهما‬ ‫ابتكرت من وسائل‪ ،‬وإنما يمكنها أن تحقق غاياتها‬ ‫وأهدافها عن طريق تضافر جميع عناصر اإلنتاج‪:‬‬ ‫(األرض‪ ،‬والعمل‪ ،‬ورأس المال‪ ،‬واإلدارة)‪.‬‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫جغرافية منطقتي‬ ‫اجلوف وحائل في‬ ‫كتابات الرحالة‬ ‫الغربيني‬

‫املؤلف ‪ :‬ياسمني كامل سليم صالح‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫السنة ‪2010-1431( :‬م)‪.‬‬

‫صدر الكتاب في (‪ )360‬صفحة من القطع الكبير‪ ,‬جاءت في خمسة فصول‪ ..‬اعتمدت‬ ‫فيها الباحثة على كتابات الرحالة الغربيين التي شكلت محور دراستها‪ ..‬فقد وفدت إلى‬ ‫الجزيرة العربية منذ القرن السادس عشر وحتى القرن العشرين الميالدي أعداد كبيرة‬ ‫من الرحالة الغربيين‪ ..‬حظيت منطقتا الجوف وحائل باهتمام عدد كبير منهم‪،‬وفدوا‬ ‫ألسباب جغرافية وسياسية وتاريخية‪ ..‬وقد تركوا سجال ثمينا يصف مناحي الحياة‬ ‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية والتاريخية السائدة آنذاك‪ .‬وتضمنت كتاباتهم‬ ‫معلومات جغرافية مهمة‪..‬وظفتها الباحثة في محاولة لتوثيق ص��ورة شبه واقعية‬ ‫لجغرافية منطقتي الجوف وحائل خالل تلك الفترة‪.‬‬ ‫تناولت في الفصل األول معرفة الغربيين لجزيرة العرب‪ ،‬وفي الفصل الثاني تاريخ‬ ‫منطقة الدراسة وجغرافيتها وتطورها خالل العهد السعودي‪ ..‬أما الفصالن الثالث‬ ‫والرابع فتناوال الجغرافيا الطبيعية والبشرية كما وردت في كتابات الرحالة‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى تصنيف المعلومات وتحليلها‪ .‬أما الفصل الخامس فقد تضمن تقييما لتلك الكتابات‬ ‫كمصدر للدراسات الجغرافية التاريخية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪125‬‬


‫خطوات على الطريق‬

‫املؤلف ‪ :‬معاشي بن ذوقان العطية‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬املؤلف نفسه‬ ‫السنة ‪1429 :‬هـ‪2008/‬م‪.‬‬

‫صدر الكتاب في ‪ 430‬صفحة من القطع الكبير‪ ،‬ضمت تسعا وعشرين خطوة ذات‬ ‫هدف ومقصد‪ ..‬انطلقت من خالل تعامل المؤلف مع الناس‪ ،‬والذي كان نتاجه بروز ما‬ ‫يجب عمله أو تجنبه‪ ،‬ومعالج ًة لبعض الخطوات من مسيرة حياة اإلنسان التي تقود إلى‬ ‫مجتمع أفضل‪...‬‬ ‫لقد توجها – على حد قوله ‪ -‬بتباصير وهمسات وطنية‪ ..‬مما يتعامل معه الناس ‪-‬‬ ‫وكل الناس اليوم ‪ -‬من سراب بقيعة‪ ،‬ووهم‪ ،‬وعدم اهتمام بالمستقبل‪ ،‬وأمراض اجتماعية‬ ‫كالكذب والنفاق‪ ..‬وعدم اإليفاء بالوعد‪ ..‬إلخ مستشهدا باآليات القرآنية واألحاديث‬ ‫النبوية الشريفة وبعض األبيات الشعرية‪..‬‬ ‫يقول إنه هدف من كتابه المتواضع إحياء ويقظة قيم األخالق الكامنة في النفوس‬ ‫البشرية التي ضعفت وقادت إلى ما نشكو منه هذه األيام‪..‬‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


‫ق�������������������������������������������������������������راءات‬

‫ديوان شعر‬

‫(جتليات الوجد واملطر)‬

‫املؤلف ‪ :‬سليمان عبدالعزيز العتيق‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬دار األندلس للنشر والتوزيع بحائل‬ ‫السنة ‪1430 :‬هـ ‪2009/‬م‪.‬‬ ‫ج��اء ال��دي��وان في (‪ )170‬صفحة من القطع المتوسط‪ ،‬ضمت (‪ )24‬نصا شعريا‪.‬‬ ‫واختياره (تجليات الوجد والمطر) عنوانا للديوان إنما هو وسم إلحدى قصائده التي‬ ‫تضمنها ديوانه‪ ..‬تلك القصيدة التي صدرها بعبارة تنطق بالحب الصادق دون تكلف أو‬ ‫رياء (من أحب كائنا اتسع قلبه لما هو دونه)‪.‬‬ ‫جاء شعره ترجمة لما في قلبه من مشاعر وأفكار وإحساس‪ ..‬استوحاها من هذه‬ ‫الحياة‪ ،‬وقبلها من هدي القرآن العظيم‪ ،‬وقصص األنبياء عليهم السالم‪ ..‬ولست مبالغا‬ ‫إن قلت إن األبيات التي تصدرت الديوان للشاعر الباكستاني محمد إقبال أغنت عن كل‬ ‫تقديم‪ ،‬ونطقت بما احتوته آللئه‪..‬‬ ‫رأس م�����ال األح��������رار ص�����دق وإخ��ل�ا‬ ‫ليس ف��ي الحلي وال��م��ظ��اه��ر والثوا‬

‫ص ووج��������د وح���رق���ـ���ـ���ـ���ـ���ة وتفانـ ــي‬ ‫ب ال�����م�����وش�����ى واألص�������ف�������ر ال�����رن�����ان‬

‫من قصيدة تجليات الوجد والمطر‬ ‫أيها الوجد‬ ‫مط ٌر أنت‬ ‫نشوةٌ أنت‬ ‫في حنايا القلب تغفو‪ ..‬ثم تحبو‬ ‫تتشظى في قفار الروح‬ ‫ثم تمضي تتدفق‬

‫يتمالك القمر‬ ‫وهو في الغيمة بدر‬ ‫وبعتمات الدجى‬ ‫تتدلى‬ ‫في القناديل وحبا تتبدى‬ ‫خاشعا في جوف ليل‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ ‪127‬‬


‫األنشطة الثقافي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫محاضرة عن واقع التعليم ومستقبله‬

‫بني املدرسة التقليدية واملجتمع املعرفي‬

‫د‪ .‬نايف صالح المعيقل‬ ‫د‪ .‬محمد عبدالعزيز السديري‬

‫جانب من الحضور‬

‫> إعداد‪ :‬عماد املغربي‬ ‫ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة‬ ‫كما وج��ه د‪ .‬محمد السديري الشكر‬ ‫ع�ب��دال��رح�م��ن ال �س��دي��ري ال�خ�ي��ري��ة للعام والتقدير لمؤسسة عبدالرحمن السديري‬ ‫‪1431/30‬ه �ـ أقيمت محاضرة عن‪« :‬واقع الخيرية ول�س�ع��ادة المدير ال�ع��ام ‪-‬رئيس‬ ‫التعليم ومستقبله بين المدرسة التقليدية المجلس الثقافي‪ -‬د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن‬ ‫والمجتمع المعرفي» ألقاها الدكتور محمد ال� �س ��دي ��ري‪ ،‬ع �ل��ى اس �ت �ض��اف��ة الخبراء‬ ‫اب��ن عبدالعزيز ب��ن عبدالله ال�س��دي��ري‪ -‬والمختصين في مختلف الموضوعات التي‬ ‫مساعد مدير عام التربية والتعليم للشؤون تهم المجتمع المحلي‪ ،‬س��واء في الجوف‬ ‫التعليمية (بنين) بالرياض‪ ،‬وذلك يوم األحد أو في الغاط‪ ،‬وإن تفاعل أبناء المجتمع‬ ‫‪1431/06/23‬هـ الموافق ‪2010/06/06‬م المحلي مع األنشطة المنبرية يعكس مدى‬ ‫ف��ي ق��اع��ة ال �ع��رض وال �م �ح��اض��رات بدار ال��وع��ي وال�ح��رص على التواصل م��ع ذوي‬ ‫الجوف للعلوم‪.‬‬ ‫الخبرة واالختصاص من المشاركين في‬ ‫بدأت المحاضرة بكلمة ترحيبية ألقاها األنشطة الثقافية والمنبرية‪.‬‬ ‫عضو المجلس الثقافي د‪ .‬نايف المعيقل‪،‬‬ ‫بعد ذلك قدم المحاضر عرضاً تضمن‬ ‫فأشار إلى الدعم المتواصل للمؤسسة من ثالثة م�ح��اور ه��ي‪( :‬المعرفة‪ ..‬التعليم‪..‬‬ ‫قبل صاحب السمو الملكي األمير فهد بن االقتصاد)‪ .‬وقد نقلت المحاضرة ‪ -‬عبر‬ ‫ب��در ب��ن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف الدائرة التلفزيونية المغلقة ‪ -‬إلى القسم‬ ‫–حفظه الله‪.-‬‬ ‫النسائي في الدار‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1431‬هـ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.