مجلة "الدبلوماسي" العدد ٨١

Page 1

‫العدد ( ‪ ) 81‬أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪ 2015‬م‬

‫الهجرة من الموت‬ ‫تغ ّير موازين القوى الدولية‬

‫المملكة عزم ال يلين وحزم‬ ‫في الحق ال يستكين‬

‫بزوغ عصر اإلنسان اآللي‬



‫االفتتــاحية‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫�أنا متفائل ب�إيجاد حلول للم�شاكل التي تواجه املنطقة‪� ،‬أنا دائمًا متفائل‪ .‬والإن�سان يعتمد‬ ‫على ربه �أوالً‪ ،‬ثم على نف�سه‪ ،‬وال بد �أن يكون متفائالً‪ ،‬وب�إذن اهلل يحقق الأهداف التي ي�سعى �إليها‪.‬‬ ‫والتحديات التي تواجه املنطقة كبرية وكثرية‪ ،‬ومنها الأزمة اللبنانية‪ ،‬والأزمة ال�سورية‪،‬‬ ‫والأزمة يف العراق‪ ،‬والأزمة اليمنية‪ ،‬والأزمة الليبية‪ ،‬والأعمال ال�سلبية التي تقوم بها �إيران‪،‬‬ ‫وتتمثل يف تدخلها يف �ش�ؤون املنطقة ومو�ضوع الت�سلح‪ ،‬ومو�ضوع املهاجرين‪.‬‬ ‫هذه حتديات ال بد من التعامل معها بحكمة وبعقالنية ومنطق‪ ،‬والإن�سان ال بد �أن يعتمد‬ ‫على نف�سه‪ ،‬وعلى �أهل املنطقة يف ال�صف الأول �أو اخلطوة الأولى‪ ،‬ثم على �أ�صدقائه يف العامل‪،‬‬ ‫مل ال ننظر �إلى الإيجابيات‬ ‫ولكن بد ًال من �أن ننظر فقط �إلى ال�سلبيات التي تواجهنا يف املنطقة‪َ ،‬‬ ‫املوجودة يف املنطقة‪� .‬إن منطقة ال�شرق الأو�سط تتميز عن غريها من مناطق العامل باالتفاق‬ ‫على عقيدة واحدة‪� ،‬إلى جانب ت�صدرها العامل بن�سبة ال�شباب العالية فيها‪ ،‬ويوجد فيها ترابط‬ ‫�أ�سري‪ ،‬كما توجد فيها �أخالقيات‪ .‬ويف هذه املجتمعات م�صادر طبيعية للطاقة‪ ،‬كاملعادن‪ ،‬كما‬ ‫يوجد فيها معابر جوية ومائية ا�سرتاتيجية يعتمد عليها العامل‪ ،‬كما يوجد يف املنطقة رجال‬ ‫�أعمال و�شركات بارزين‪ .‬كل املكونات التي ي�ستطيع الإن�سان �أن يخلق منها جمتمعًا ناجحً ا وجمتمعًا‬ ‫غنيًا وجمتمعًا فيه فر�ص للعمل‪ ،‬وجمتمعًا يحقق �أهداف املواطنني وتطلعاتهم‪ ،‬وبالذات ال�شباب‪.‬‬ ‫كل تلك امل�صادر موجودة يف اململكة ويف دول جمل�س التعاون‪ ،‬وكذلك القيادة احلكيمة موجودة‬ ‫وهلل احلمد‪ ،‬واخلطط اال�سرتاتيجية موجودة وهلل احلمد‪.‬‬ ‫متر املنطقة الآن مبرحلة تواجه فيها حتديات �أكرث من املا�ضي للأ�سف‪ ،‬لكن ال بد من التعامل‬ ‫معها‪ ،‬وب�إذن اهلل �سنعرب هذه املرحلة �إلى م�ستقبل �أف�ضل‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بدور �إيران يف املنطقة ن�أمل ونرجو �أن تغري �إيران �أ�ساليبها وتبعد عن تدخالتها‬ ‫يف �ش�ؤون دول املنطقة‪� ،‬سواء يف لبنان �أو �سوريا �أو العراق �أو اليمن �أو غريها من املناطق‪.‬‬ ‫نحن ن�أمل �أن يكون لدينا �أف�ضل العالقات مع الإيرانيني‪ ،‬وكانت لدينا عالقات جيدة مع‬ ‫�إيران يف ال�ستينيات وال�سبعينيات‪ ،‬ولكن من ال�صعب �أن تكون هناك عالقات �إيجابية �إذا كان‬ ‫هناك عدوان م�ستمر من طرف جتاه اململكة العربية ال�سعودية و�شعبها؛ لذلك نحن حري�صون‬ ‫على الت�صدي لأي حتركات �إيرانية‪ ،‬و�سنقوم بكل ما ن�ستطيع وبكل ما لدينا من قوة �سيا�سية‬ ‫واقت�صادية وع�سكرية بحماية �أرا�ضينا و�شعبنا من �أي عدوان �أو تدخالت‪ ،‬وما نراه من بع�ض‬ ‫الت�صرفات والعمليات املرتبطة من قريب �أو من بعيد ب�إيران‪ ،‬لي�ست �أعمال دولة ت�سعى �إلى ح�سن‬ ‫اجلوار �أو حت�سني عالقاتها مع دول جماورة لها‪.‬‬ ‫�إذا �أرادت �إيران �أن تكون لها مكانة يف املنطقة ويكون لها عالقات مميزة مع دول اجلوار‪ ،‬فنحن‬ ‫نرحب بذلك ب�شدة‪ ،‬ف�إيران دولة �إ�سالمية وجماورة ولها تاريخ وح�ضارة عريقة‪ ،‬والتعامل معها‬ ‫ميكن �أن ي�ؤدي خلدمة م�صالح ال�شعبني واملنطقة‪.‬‬ ‫ونحن ن�أمل �أن ت�ستطيع �إيران �أن تتخلى عن �أ�سلوب املا�ضي‪ ،‬وتتبنى �أ�سلوبًا جديدً ا‪ ،‬وبالذات‬ ‫يف ظل توقيع اتفاقياتها مع دول ‪ 1+5‬يف جمال برناجمها النووي‪ .‬والآن نراقب تطبيق �إيران‬ ‫لبنود هذه االتفاقية وكيفية تعامل �إيران مع املبالغ التي �ستح�صل عليها‪ ،‬وكيفية تعامل �إيران‬ ‫مع جريانها يف املنطقة‪ ،‬ومن ثم نقيم كيف يكون هناك تطور يف العالقات بني البلدين‪ .‬ولكن كما‬ ‫ذكرت يف البداية �أن اململكة العربية ال�سعودية ت�سعى دائمًا �إلى بناء �أف�ضل العالقات مع كل‬ ‫الدول‪ ،‬وت�سعى دائمًا �إلى �إبعاد �أي توتر‪� ،‬أو �أمور �سلبية بينها وبني دول �أخرى يف العامل‪.‬‬ ‫�أنا متفائل جدً ا مبا يتعلق مب�ستقبل املنطقة وم�ستقبل دول اخلليج‪ .‬و�أنا متفائل ‪ -‬ب�إذن اهلل ‪-‬‬ ‫�أننا ن�ستطيع �أن جند حلو ًال للتحديات التي تواجه املنطقة‪ .‬وال يعتقد �أنها حت�صل يف يوم وليلة‪،‬‬ ‫وال بد من التعامل معها و�إيجاد خمارج وحلول لها ب�شكل مبا�شر وغري مبا�شر‪ .‬لكن على املدى‬ ‫الطويل �أنا متفائل ب�أنه ‪ -‬ب�إذن اهلل ‪� -‬سنجد حلو ًال للم�شاكل‪ ،‬و�سن�ستطيع التعامل مع التحديات‬ ‫التي تواجه املنطقة‪ ،‬وقد تظهر حتديات وم�شاكل �أخرى‪ ،‬وهذه هي طبيعة العامل‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫أنا متفائل‬

‫عادل الجبير‬ ‫‪1‬‬

‫تمر المنطقة‬ ‫بمرحلة تحديات‬ ‫أكثر من الماضي‬ ‫لألسف وبإذن‬ ‫اهلل سنعبر هذه‬ ‫المرحلة إلى‬ ‫مستقبل أفضل‬


‫العدد ( ‪ ) 81‬أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫العدد ( ‪ ) 81‬أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪ 2015‬م‬

‫جملـة دوريــة متخصصـة يصـدرهـا معهـد الـدراســات‬ ‫الدبلوماسية بوزارة اخلارجية اململكة العربية السعودية‬

‫املشرف العام‬

‫الدكتور نزار عبيد مدين‬

‫الهجرة من الموت‬

‫وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية‬ ‫املدير العام‬

‫الدكتور عبدالكرمي بن حمود الدخيل‬

‫تغيّر موازين القوى الدولية‬

‫مدير عام معهد الدرا�سات الدبلوما�سية‬ ‫املشرف على التحرير‬

‫الدكتور تركي العواد‬ ‫معهد الدرا�سات الدبلوما�سية‬ ‫الهيئة االستشارية‬

‫سمو السفري‬ ‫الدكتور تركي بن حممد بن سعود الكبري‬ ‫وكيل وزارة اخلارجية للعالقات متعددة الأطراف‬

‫سمو السفري خالد بن سعود بن خالد‬ ‫م�ساعد وزير اخلارجية‬

‫السفري الدكتور خالد اجلندان‬ ‫وكيل وزارة اخلارجية للعالقات الثنائية‬

‫السفري أ‪ .‬أسامة نقلي‬ ‫رئي�س الإدارة الإعالمية بالوزارة‬

‫الدكتور خالد الرويتع‬ ‫معهد الدرا�سات الدبلوما�سية‬ ‫التنسيق اإلعالمي‬

‫أ‪ .‬فؤاد صلواتي‬

‫المملكة عزم ال يلين وحزم‬ ‫في الحق ال يستكين‬

‫بزوغ عصر اإلنسان اآللي‬

‫‪cover.indd 1‬‬

‫‪10/28/15 11:47 PM‬‬

‫كلمة التحرير‬

‫يتفق معظم املثقفني على �أن ال�سيا�سة علم وفن‪ ،‬و�أن كليهما يبلغ طابعه �أق�صى درجة‬ ‫توهجه النبيل عندما يقرتنان بااللتزام والأخ�لاق‪ .‬وال�سيا�سة كفن �ستخ�ضع لنتائج‬ ‫الك�شف ال�ضوئي الأول الذي يبني �أن الفن – عمومًا ‪ -‬يف ميزان الأخالق‪ ،‬يعني مقاربة‬ ‫الفن من منظور �أخالقي‪ ،‬ثم �إن الفن امللتزم هو حمرك الإن�سان للخري‪.‬‬ ‫ومن هنا نتو�صل �إلى �أن ال�ضوابط الأخالقية‪ ،‬ال بد �أن تكون امل�ؤثر الفاعل يف �أي عملية‬ ‫�إبداعية يف �سياق الن�شاط الإن�ساين الهادف للخري ب�صفة عامة‪ ،‬على �أال يتحول العمل‬ ‫الأدبي �أو الفني �أو ال�سيا�سي �إلى جمرد حلقة وعظ‪ ،‬بل �أن يكون م�سلحً ا بالفكر الواعي‬ ‫والثقافة الوا�سعة والدراية الكافية التي ت�ؤهل �صاحبها الحتالل الريادة‪� .‬إنه االلتزام‬ ‫الثقايف امل�سلح‪ ،‬وجماله الو�سط الثقايف والإعالمي والفني‪ ،‬وعوامل االت�صال اجلماهريي‬ ‫من خالل ال�صحف واملجالت الفكرية والأدبية مبا يعطي نف�سً ا ثقافيًا للق�ضايا ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫نحتاج كثريًا �إلى ميثاق الأخالق وال�شرف وامل�س�ؤولية يف تعاطينا مع خمتلف الق�ضايا‬ ‫يف جمتمعنا خا�صة‪ ،‬ويف التجاذبات مع املجتمعات الأخ��رى‪ .‬فمن ال�صعب �أن تعي�ش‬ ‫وحدك‪ ..‬ويف املقابل من اخلط�أ �أن تعي�ش وفق ما ميليه عليك الآخر دون حول منك �أو قوة!‬ ‫لذا نفرح كثريًا بال�صوت واملوقف ال�سعودي امل�س�ؤول يف طرحه وتناوله ملختلف ق�ضايا‬ ‫املنطقة‪ ،‬وقدرته على �إدارة ال�صراع والأزم��ات وفق ر�ؤية حتفظ للكل حقوقه‪ ،‬وال ت�ضع‬ ‫طرفًا يف �صراع‪� ،‬أو يف هزمية وتبعية‪ ،‬مع طرف �آخر‪.‬‬

‫مدير مكتب مدير عام املعهد‬ ‫ملراسلة اجمللة على العنوان الربيدي التايل‬

‫معهد الدرا�سات الدبلوما�سية‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫�ص‪.‬ب ‪ 51988‬الريا�ض ‪11553‬‬ ‫هاتف ‪ 2199500 :‬حتويلة ‪9532 / 9599‬‬ ‫فاك�س ‪2011186 :‬‬

‫الناشر‬

‫اآلراء واملعلومات تنشر على مسؤولية أصحابها وال تعكس بالضرورة وجهة نظر وزارة اخلارجية أو املعهد‬

‫املدير العام‬ ‫تغريد بنت إبراهيم الطاسان‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 501‬الرياض ‪ 11421‬المملكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+966 11 419 3003 :‬‬

‫فاكس‪+966 11 419 6009 :‬‬

‫ردمك ‪ 9131- 8503 : NSSI‬رقم الإيداع ‪15/0187‬‬


‫‪04‬‬ ‫�شارك وزير اخلارجية الأ�ستاذ عادل بن‬ ‫�أحمد اجلبري يف ال��دورة ال�سبعني للجمعية‬ ‫العامة للأمم املتحدة التي ر�أ�س وفد اململكة‬ ‫�إليها يف الأول من �شهر �أكتوبر اجل��اري يف‬ ‫نيويورك‪ ،‬بح�ضور عدد من قادة الدول وكبار‬ ‫امل�س�ؤولني ومندوبي الدول الأع�ضاء‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫قد ي�صبح الإن�سان الآيل ال��ذي ي�شبه الب�شر يف‬ ‫مظهره و�سلوكه م�شهدًا معتادًا يف امل�ستقبل القريب‪،‬‬ ‫وه��و ما يثري ت�سا�ؤالت مهمة ح��ول و�ضع تلك الآالت‬ ‫و»حقوقها» ودورها يف املجتمع‪.‬‬

‫�أفرز الن�صف الثاين من القرن املا�ضي‬ ‫ومطلع ال��ق��رن احل��ايل �سمات ج��دي��دة على‬ ‫امل�ستوى ال�سيا�سي والع�سكري واال�سرتاتيجي‪،‬‬ ‫ال �سيما بعد انهيار املع�سكر ال�شرقي‪ ،‬فمع‬ ‫�سقوط االحتاد ال�سوفييتي وما تاله من نهاية‬ ‫احل��رب الباردة وغياب مناف�س عنيد‪ ،‬خال‬ ‫اجل��و ل��ل��والي��ات املتحدة الأمريكية لتب�سط‬ ‫هيمنتها على ال�ش�ؤون العاملية‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫‪ 62‬تعودنا �أن يقوم الفنانون ال�سينمائيون‬ ‫بتج�سيد �شخ�صيات الر�ؤ�ساء والزعماء‬ ‫وال�سا�سة الذين تركوا ب�صمة قوية يف‬ ‫ت��اري��خ ب�لاده��م‪ ،‬ول��ك��ن ه��ذه امل���رة ك�سر‬ ‫الزعيم املاليزي ال�سابق مهاتري حممد‬ ‫القاعدة وقرر �أن يج�سد دورًا ثانويًا يف‬ ‫فيلم �سينمائي‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫تعقد يف مدينة الريا�ض يومي ‪ 29 - 28‬حمرم ‪1437‬ه��ـ‪ ،‬املوافق ‪11 - 10‬‬ ‫نوفمرب ‪ 2015‬القمة الرابعة للدول العربية ودول �أمريكا اجلنوبية‪ )ASPA(.‬وكان‬ ‫قد عقدت القمة الأولى يف الربازيل يف �شهر مايو ‪ ،2005‬والثانية يف قطر يف مار�س‬ ‫‪ ،2009‬والثالثة يف بريو يف �أكتوبر ‪.2013‬‬

‫في هذا العدد‬ ‫أخبار‬

‫‪4‬‬

‫دوليات‬

‫‪16‬‬

‫مصطلحات‬

‫‪20‬‬

‫الحدث‬

‫‪22‬‬

‫سياسة‬

‫‪34‬‬

‫إرهاب‬

‫‪38‬‬

‫تقنية‬

‫‪44‬‬

‫تاريخ‬

‫‪46‬‬

‫فنون‬

‫‪62‬‬

‫األخيرة‬

‫‪64‬‬


‫كلمة المملكة في الدورة ‪ 70‬للجمعية العامة لألمم المتحدة‪..‬‬

‫وزير الخارجية‪ :‬األمن والسلم الدوليان ال يتحققان‬ ‫إال بالعدالة والمساواة‬ ‫أخبار‬ ‫‪4‬‬

‫ الدبلوماسي خاص‪-‬‬‫طالبت اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية بوقف العمليات‬ ‫الع�سكرية ال��ت��ي ق��ام��ت بها‬ ‫القوات الرو�سية يف املدينتني‬ ‫ال�سوريتني «حماة» و»حم�ص»‬ ‫وخلفت العديد من ال�ضحايا‬ ‫الأب��ري��اء‪ ،‬يف حني �أك��دت �أن‬ ‫حماوالت الهيمنة والتدخل‬ ‫يف ال�ش�ؤون الداخلية للدول‬ ‫و�إذك��اء النزعات الطائفية‬ ‫م��ث��ل م���ا ت��ف��ع��ل��ه �إي������ران يف‬ ‫ال��ع��دي��د م��ن دول املنطقة‪،‬‬ ‫هي ممار�سات �أثبت التاريخ‬ ‫م�أ�ساويتها و�أظ��ه��ر احلا�ضر‬ ‫�إخفاقها‪.‬‬

‫�شارك وزي��ر اخلارجية الأ�ستاذ ع��ادل بن‬ ‫�أحمد اجلبري يف الدورة ال�سبعني للجمعية العامة‬ ‫للأمم املتحدة التي ر�أ���س وفد اململكة �إليها يف‬ ‫الأول من �شهر �أكتوبر اجل��اري يف نيويورك‪،‬‬ ‫بح�ضور عدد من قادة ال��دول وكبار امل�س�ؤولني‬ ‫ومندوبي الدول الأع�ضاء‪.‬‬ ‫و�أكد اجلبري يف كلمة اململكة �أمام االجتماع‪،‬‬ ‫�أن احل��ف��اظ على الأم���ن وال�سلم ال��دول��ي�ين ال‬ ‫ميكن الو�صول �إليه �إال بتحقيق العدالة وامل�ساواة‬ ‫لل�شعوب وال����دول‪ ،‬واح��ت�رام م��ب��ادئ و�أح��ك��ام‬ ‫القانون الدويل‪ ،‬م�شددًا على حر�ص اململكة على‬ ‫حتقيق مقا�صد ميثاق الأمم املتحدة يف احلفاظ‬ ‫على �أم��ن و�سالمة �شعوب العامل‪ ،‬و�أنها كانت‬ ‫ وما زالت ‪ -‬يف طليعة ال��دول الداعمة جلعل‬‫ال�شرق الأو���س��ط منطقة خالية م��ن الأ�سلحة‬

‫النووية وكافة �أ�سلحة الدمار ال�شامل‪.‬‬ ‫وقال وزير اخلارجية‪� :‬إننا جنتمع اليوم بعد‬ ‫م�ضي ‪ 70‬عامًا على �إن�شاء منظمتنا‪ ،‬ون�ستذكر‬ ‫�سويًا �أهداف ومبادئ ميثاق الأمم املتحدة الذي‬ ‫كانت اململكة �إح��دى ال��دول املوقعة وامل�ؤ�س�سة‬ ‫له يف ع��ام ‪1945‬م‪ ،‬وجميعنا ي��درك �أن الأم��م‬ ‫املتحدة ق��د خ��رج��ت �إل���ى ال��وج��ود على خلفية‬ ‫حربني عامليتني كانت لهما كلفة مادية وب�شرية‬ ‫باهظة‪ ،‬مبا يكفي ليجعلنا على قناعة ب�أهمية‬ ‫االلتزام مببادئ وثيقتنا التي تهدف يف الأ�سا�س‬ ‫لتحقيق �أمن وا�ستقرار عاملنا‪ ،‬ومنع �أي حروب‬ ‫و�صراعات مدمرة جديدة‪.‬‬ ‫و�أ����ض���اف اجل��ب�ير �أن �أه����م م���ا ي��ج��ب �أن‬ ‫ن�ستذكره هنا ه��و ه��دف احل��ف��اظ على الأم��ن‬ ‫وال�سلم الدوليني‪ ،‬الذي ال ميكن �أن ن�صل �إليه‬

‫�إال بتحقيق العدالة وامل�ساواة ل�شعوبنا ودولنا‬ ‫واح��ت�رام م��ب��ادئ و�أح���ك���ام ال��ق��ان��ون ال���دويل‪،‬‬ ‫بخا�صة مبد�أ احرتام �سيادة الدول الذي و�ضعت‬ ‫قواعدها معاهدة و�ستفاليا لعام ‪1648‬م التي‬ ‫�أقرت ا�ستقالل و�سيادة ال��دول‪ ،‬وو�ضعت �أ�س�س‬ ‫النظام الدويل املعا�صر‪.‬‬ ‫و�أو����ض���ح وزي����ر اخل��ارج��ي��ة �أن الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية ت�شكل بندً ا دائمًا يف جدول �أعمال‬ ‫اجلمعية العامة للأمم املتحدة‪ ،‬رغم كل الأفكار‬ ‫وامل��ب��ادرات التي جرى طرحها حتى الآن‪ ،‬مما‬ ‫ترتب عليه ا�ستمرار معاناة ال�شعب الفل�سطيني‪،‬‬ ‫الذي ما زال حمرومًا من حقه يف العي�ش بكرامة‪،‬‬ ‫يف حتدٍ �سافر ملبادئ القانون الدويل وقرارات‬ ‫ال�شرعية الدولية‪.‬‬ ‫و�أ�شار اجلبري �إلى �أننا اليوم يف �أم�س احلاجة‬


‫ال سبيل إلنهاء األزمة‬ ‫السورية إال من خالل إعالن‬ ‫جنيف ‪1‬‬

‫عرب املنظمات الإغاثية الدولية‪ .‬كما �أمر خادم‬ ‫احلرمني ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز‬ ‫بت�صحيح �أو�ضاع اليمنيني املوجودين يف اململكة‬ ‫ب�شكل غ�ير ق���ان���وين‪ ،‬لتمكينهم م��ن ال��ع��م��ل‪،‬‬ ‫واال�ستفادة من الرعاية الطبية والتعليمية‪.‬‬ ‫ولفت وزير اخلارجية �إلى �أنه انطالقًا من‬ ‫حر�ص اململكة على حتقيق مقا�صد ميثاق الأمم‬ ‫املتحدة يف احلفاظ على �أم��ن و�سالمة �شعوب‬ ‫العامل‪ ،‬فقد كانت ‪ -‬وما زالت ‪ -‬يف طليعة الدول‬ ‫الداعمة جلعل ال�شرق الأو�سط منطقة خالية من‬ ‫الأ�سلحة النووية وكافة �أ�سلحة الدمار ال�شامل‪،‬‬ ‫وهذا ما دفع بها �إلى الرتحيب ب�أي جهد يحقق‬ ‫هذا الهدف‪ ،‬مبا يف ذلك االتفاق الذي تو�صلت‬ ‫�إل��ي��ه جم��م��وع��ة (‪ )1+5‬م��ع ج��م��ه��وري��ة �إي���ران‬ ‫الإ�سالمية‪ ،‬الذي مينع �إيران من احل�صول على‬ ‫ال�سالح النووي‪.‬‬ ‫و�أ���ض��اف اجل��ب�ير �أن��ن��ا ن���أم��ل بعد التو�صل‬ ‫لهذا االت��ف��اق‪� ،‬أن تتخلى �إي��ران عن تدخالتها‬ ‫ال�سلبية يف �ش�ؤون الدول العربية‪ ،‬التي �سنت�صدى‬ ‫لها بحزم‪ .‬ويف نف�س الوقت ف���إن اململكة ت�ؤكد‬ ‫حر�صها على ال�سعي لبناء �أف�ضل العالقات مع‬ ‫�إي��ران واملبنية على ح�سن اجل��وار‪ ،‬واالح�ترام‬ ‫املتبادل‪ ،‬وعدم التدخل يف �ش�ؤون دول املنطقة‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد جتدد اململكة مطالبتها لإيران‬ ‫ب�إنهاء احتاللها للجزر الثالث التابعة لدولة‬ ‫الإمارات العربية املتحدة ال�شقيقة‪.‬‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫المملكة ما زالت‬ ‫في طليعة الدول‬ ‫الداعمة لجعل الشرق‬ ‫األوسط منطقة خالية من‬ ‫األسلحة النووية وكافة‬ ‫أسلحة الدمار الشامل‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫لإيجاد حل للنزاع العربي الإ�سرائيلي‪ ،‬ي�ستند �إلى‬ ‫قرارات جمل�س الأمن ومبادرة ال�سالم العربية‬ ‫التي تقدمت بها اململكة قبل �أك�ثر م��ن ثالثة‬ ‫ع�شر عامًا‪ ،‬وتبناها العاملان العربي والإ�سالمي‪،‬‬ ‫وحظيت بت�أييد وا�سع من املجتمع الدويل‪ ،‬وذلك‬ ‫للو�صول �إلى �إقامة الدولة الفل�سطينية امل�ستقلة‬ ‫وعا�صمتها القد�س ال�شريف‪.‬‬ ‫و�شدد وزير اخلارجية على �أنه ال بد لنا يف‬ ‫هذا املجال من جتديد ا�ستنكارنا لالنتهاكات‬ ‫الإ�سرائيلية امل�ستمرة حلرمة امل�سجد الأق�صى‬ ‫ال�شريف‪ ،‬يف �سيا�سات تهدف �إلى تق�سيمه زمانيًا‬ ‫ومكانيًا‪ ،‬الأمر الذي ي�شكل ت�صعيدً ا خطريًا يف‬ ‫النزاع‪ ،‬ويغذي العنف والتطرف يف العامل‪.‬‬ ‫ولفت اجلبري �إلى �أن الأزمة ال�سورية تدخل‬ ‫عامها اخلام�س‪ ،‬وما زال املجتمع الدويل عاجزًا‬ ‫عن اتخاذ ال��ق��رارات احلا�سمة لإنقاذ ال�شعب‬ ‫ال�سوري من �آلة القتل والتدمري والتهجري التي‬ ‫ي�ستخدمها ب�شار الأ�سد‪ ،‬التي �أدت �إلى قتل �أكرث‬ ‫من ثالثمائة �ألف‪ ،‬وت�شريد �أكرث من ‪ 12‬مليون‬ ‫�سوري‪ ،‬وتدمري البالد يف �أك�بر كارثة �إن�سانية‬ ‫�شهدها تاريخنا املعا�صر‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف وزير اخلارجية �أننا نرى �أنه ال �سبيل‬ ‫لإنهاء هذه الأزمة �إال من خالل حل �سيا�سي‪ ،‬يقوم‬ ‫على �إعالن (جنيف‪ )1‬الرامي �إلى احلفاظ على‬ ‫وحدة �سوريا الوطنية والإقليمية‪ ،‬واحلفاظ على‬ ‫م�ؤ�س�سات الدولة املدنية والع�سكرية‪ ،‬وت�شكيل‬ ‫جمل�س انتقايل للحكم‪ ،‬ال مكان فيه لب�شار الأ�سد‬ ‫�أو من تلطخت �أيديهم بدماء ال�شعب ال�سوري‪،‬‬ ‫الفتًا �إلى �أن اململكة �ست�ستمر يف الدفع نحو هذا‬ ‫احلل‪ ،‬كما �أنها �ستظل يف مقدمة الدول الداعمة‬ ‫لل�شعب ال�سوري لتلبية احتياجاته الإن�سانية‬ ‫والتخفيف من معاناته‪.‬‬ ‫وب�ي�ن اجل��ب�ير �أن ق����وات ال��ت��ح��ال��ف لدعم‬ ‫ال�شرعية يف اليمن حققت �إجن��ازات كبرية يف‬ ‫حت��ري��ر مناطق ع��دي��دة م��ن قب�ضة املتمردين‬ ‫ومنها مدينة عدن مما �سمح للحكومة ال�شرعية‬ ‫�أن تعود �إلى اليمن‪ ،‬و�آخر هذه الإجنازات �إحكام‬ ‫ال�سيطرة على باب املندب‪ ،‬الذي ي�ضمن حرية‬ ‫املالحة الدولية‪.‬‬ ‫و���ش��دد وزي���ر اخل��ارج��ي��ة ع��ل��ى �أن اخل��ي��ار‬

‫الع�سكري كان �آخر خيار للمملكة ودول التحالف‬ ‫وج����اء ب��ع��د االن���ق�ل�اب ال����ذي ق��ام��ت ب��ه ق��وات‬ ‫(احل��وث��ي ‪� -‬صالح)‪ ،‬وا�ستيالئها على البالد‬ ‫وح�صارها لق�صر الرئا�سة يف ع��دن‪ ،‬وتهديد‬ ‫الرئي�س ال�شرعي‪� ،‬إذ ج��اء التدخل الع�سكري‬ ‫بنا ًء على طلب من احلكومة ال�شرعية يف اليمن‬ ‫مبوجب املادة (‪ )51‬من ميثاق الأمم املتحدة‪.‬‬ ‫و�أو�����ض����ح اجل���ب�ي�ر �أن ه����دف ال��ع��م��ل��ي��ات‬ ‫الع�سكرية يف اليمن هو احلد من خطر امللي�شيات‬ ‫وحماية حدودنا‪ ،‬و�إيجاد حل �سيا�سي مبني على‬ ‫املبادرة اخلليجية‪ ،‬وخمرجات احلوار الوطني‪،‬‬ ‫وقرار جمل�س الأمن رقم ‪ ،2216‬ومع �إقرارنا ب�أن‬ ‫احلوثيني ي�شكلون جزءًا من الن�سيج االجتماعي‬ ‫يف اليمن‪� ،‬إال �أن ذلك ال يعطيهم احلق يف و�ضع‬ ‫مميز �أو امتالك ملي�شيات خ��ارج �إط��ار الدولة‬ ‫اليمنية وع��ل��ى ح�ساب بقية م��ك��ون��ات ال�شعب‬ ‫اليمني‪.‬‬ ‫و�أ�شار وزير اخلارجية �إلى �أن هناك �أطرافًا‬ ‫حتاول ت�صعيد الأزمة يف اليمن عرب التحري�ض‬ ‫وحم��اول��ة تهريب ال�����س�لاح للمتمردين‪ ،‬فعلى‬ ‫�سبيل املثال يف يوم ال�سبت ‪� 26‬سبتمرب ‪2015‬م‬ ‫مت �إيقاف باخرة �إيرانية مبوجب �آلية التفتي�ش‬ ‫املن�صو�ص عليها يف قرار جمل�س الأمن (‪)2216‬‬ ‫حمملة بال�سالح متجهة للمتمردين‪ ،‬م�شريًا �إلى‬ ‫�أن هذه لي�ست احلالة الوحيدة لتهريب ال�سالح‬ ‫للمتمردين من قبل �إيران‪.‬‬ ‫و�أفاد اجلبري ب�أن اململكة ودول التحالف تقوم‬ ‫يف الوقت احلايل بتكثيف التن�سيق مع املنظمات‬ ‫الدولية من �أج��ل تقدمي و�إي�صال امل�ساعدات‬ ‫الإن�سانية لليمن‪ ،‬وي��ق��وم مركز امللك �سلمان‬ ‫للإغاثة والأعمال الإن�سانية بدور كبري يف تقدمي‬ ‫امل�ساعدات لل�شعب اليمني ال�شقيق مبا�شرة‪� ،‬أو‬

‫‪5‬‬


‫أخبار‬ ‫‪6‬‬

‫وق���ال وزي���ر اخل��ارج��ي��ة �إن �أه���م م��ا يجب‬ ‫الت�أكيد عليه يف �سياق مواجهتنا لتحدي الإرهاب‬ ‫وال��ت��ط��رف‪ ،‬ه��و �إدراك �أن لي�س هناك م��ن هو‬ ‫بعيد عن نتائج هذه الظاهرة اخلطرية التي ال‬ ‫يجب ربطها بدين �أو ثقافة �أو عرق معني‪ ،‬فكلنا‬ ‫هدف له وجميعنا عر�ضة ملخاطره‪ ،‬م�شريًا �إلى‬ ‫�أن اململكة العربية ال�سعودية من ال��دول التي‬ ‫ا�ستهدف الإرهاب �أرا�ضيها ومواطنيها‪ ،‬وال تزال‬ ‫يف مواجهة م�ستمرة معه‪ ،‬وت�ؤكد ت�صميمها على‬ ‫اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها‪.‬‬ ‫و���ش��دد اجلبري على �أن اململكة يف مقدمة‬ ‫الدول التي تكافح الإره��اب من جوانبه الأمنية‬ ‫والفكرية كافة وجتفيف م��وارده املالية‪ .‬وقال‬ ‫«�إننا ويف ه��ذا ال�صدد ن�ستنكر ب�شده حماولة‬ ‫الإرهابيني �إل�صاق جرائمهم بالإ�سالم‪ ،‬بينما‬ ‫يدعو الإ�سالم �إل��ى املحبة وال�سالم والت�سامح‬ ‫واالعتدال»‪.‬‬ ‫و�أو�ضح وزير اخلارجية �أن اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية ت��ويل �أهمية ك�برى لق�ضايا التنمية‬ ‫ودعم جهودها يف الدول النامية‪ ،‬م�شريًا �إلى �أن‬ ‫جناح عملية التنمية مرهون باحرتام املجتمع‬ ‫ال��دويل للخ�صو�صية التاريخية والإرث الديني‬ ‫وال��ث��ق��ايف ال�سائد يف ال��ب��ل��دان املختلفة‪ ،‬وه��ذا‬ ‫يعني �أن حتقيق التنمية امل�ستدامة ال بد �أن يكون‬ ‫مرتبطً ا بالأهداف اخلا�صة لكل دولة وم�ستوى‬ ‫منوها ونه�ضتها الراهنة‪ ،‬وهذا ما حدا باململكة‬ ‫للحر�ص على �أن ي��ك��ون لها م�ساهمة فاعلة‬ ‫ومبا�شرة يف �صياغة وبلورة الأه��داف الإمنائية‬ ‫للألفية‪.‬‬ ‫و�شدد وزي��ر اخلارجية على �أن املتغريات‬ ‫يف عاملنا املعا�صر‪ ،‬والتحديات التي نواجهها‬ ‫�أمنيًا واقت�صاديًا وفكريًا وبيئيًا و�صحيًا وغريها‬ ‫تفر�ض علينا تعزيز دور الأم��م املتحدة وتفعيل‬ ‫م�ؤ�س�ساتها‪ ،‬وال��دف��ع ب��اجل��ه��ود ال��رام��ي��ة �إل��ى‬ ‫�إ�صالح منظمتنا الدولية‪ ،‬مبا ميكنها من مواكبة‬ ‫امل�ستجدات على ال�ساحة الدولية‪.‬‬ ‫وع��ل��ى ه��ام�����ش �أع���م���ال ال�����دورة ال�سبعني‬ ‫الجتماعات اجلمعية العامة ل�ل�أم��م املتحدة‬ ‫بنيويورك‪ ،‬عقد وزراء اخلارجية العرب اجتماعا‬ ‫تن�سيقيًا ل��ت��دار���س الق�ضايا والتحديات التي‬ ‫تواجه الدول العربية‪ ،‬لتوجيه املواقف حيال �أبرز‬

‫الق�ضايا واملو�ضوعات العربية املطروحة على‬ ‫�أجندة الأمم املتحدة يف دورتها احلالية‪.‬‬ ‫و�شارك يف االجتماع وزير اخلارجية عادل‬ ‫بن �أحمد اجلبري‪ ،‬والأم�ي�ر الدكتور تركي بن‬ ‫حممد وكيل وزارة اخلارجية للعالقات املتعددة‬ ‫الأط��راف‪ ،‬ومندوب اململكة لدى الأمم املتحدة‬ ‫عبداهلل املعلمي والوفد املرافق‪.‬‬ ‫وج���دد وزراء اخل��ارج��ي��ة ال��ع��رب وقوفهم‬ ‫�إل��ى جانب اململكة ورف�ضهم ا�ستغالل بع�ض‬ ‫ال��دول الإقليمية حل��ادث التدافع ال��ذي وق��ع يف‬ ‫م�شعر منى حلجاج بيت اهلل احلرام وا�ستغالله‬ ‫لأغرا�ض �سيا�سية‪.‬‬ ‫كما جدد وزراء اخلارجية دعمهم للجهود‬ ‫التي تقوم بها اململكة مل�ساعدة ال�شعب اليمني‬ ‫ودع��م �شرعية الرئي�س عبدربه من�صور هادي‬ ‫لإعادة الأمن واال�ستقرار يف البالد و�إنهاء معاناة‬ ‫ال�شعب اليمني‪.‬‬ ‫وا�ستعر�ض وزراء خارجية ال��دول العربية‬ ‫الق�ضايا املطروحة على �أجندة املنظمة الدولية‬ ‫يف دورت��ه��ا ال�سبعني‪ ،‬داع�ين لتغري �آلية العمل‬ ‫لتتواكب م��ع التغريات التي ت�شهدها الأ���س��رة‬ ‫الدولية‪.‬‬ ‫كما ناق�ش الوزراء االعتداءات الإ�سرائيلية‬ ‫على املقد�سات الإ�سالمية يف القد�س ال�شرقية‪،‬‬ ‫م�ؤكدين على �ضرورة تعزيز احل�ضور العربي‬ ‫على ال�ساحة ال��دول��ي��ة‪ ،‬ومم��ار���س��ة امل��زي��د من‬ ‫ال�ضغط على احلكومة الإ�سرائيلية الح�ترام‬ ‫قرارات ال�شرعية الدولية‪.‬‬ ‫كما �أكد وزراء اخلارجية العرب على �ضرورة‬ ‫دع��م ال�شعب ال�����س��وري وت�سريع التحرك على‬ ‫ال�ساحة العاملية لإنهاء معاناته ووقف عمليات‬ ‫الإبادة اجلماعية التي يتعر�ض لها‪.‬‬ ‫ويف �سياق مت�صل‪ ،‬عقد وزراء خارجية‬ ‫ال�سعودية وال��والي��ات املتحدة و�أملانيا وفرن�سا‬ ‫والأردن وتركيا وبريطانيا‪ ،‬اجتماعً ا لبحث‬ ‫ت��داع��ي��ات الأزم������ة ال�����س��وري��ة‪ ،‬وج����رى خ�لال‬ ‫االجتماع بحث الأزمة ال�سورية من كافة جوانبها‬ ‫وم�ستجداتها على ال�ساحة الدولية‪.‬‬ ‫�إل��ى ذل��ك �شارك وزي��ر اخلارجية الأ�ستاذ‬ ‫ع���ادل ب��ن �أح��م��د اجل��ب�ير يف اج��ت��م��اع اللجنة‬ ‫الرباعية الدولية املنعقد على هام�ش اجتماعات‬

‫هناك أطراف تسعى‬ ‫لتصعيد األزمة في‬ ‫اليمن من خالل التحريض‬ ‫وتهريب األسلحة‬ ‫للمتمردين‬ ‫اجلمعية العامة للأمم املتحدة يف نيويورك ​‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬وعلى هام�ش �أعمال الدورة‬ ‫ال�سبعني الجتماعات اجلمعية العامة للأمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬التقى وزير اخلارجية الأ�ستاذ عادل بن‬ ‫�أحمد اجلبري مبقر الأم��م املتحدة يف نيويورك‬ ‫ك ًال من وزير اخلارجية الأمريكي جون كريي‪،‬‬ ‫ووزي����رة خ��ارج��ي��ة ف��ن��زوي�لا ديل�سي رودري��غ��ي��ز‬ ‫جوميز‪ ،‬ووزير اخلارجية الأفغاين �صالح الدين‬ ‫رباين‪ ،‬ووزير اخلارجية الألباين ديتمري بو�شاتي‪.‬‬ ‫�إ���ض��اف��ة �إل���ى وزي���ر اخل��ارج��ي��ة الإ���س��ب��اين‬ ‫خو�سيه مانويل غار�سيا مارغالو‪ ،‬ووزير خارجية‬ ‫نيوزيلندا م���وراي م��اك��ويل‪ ،‬ورئي�س االئتالف‬ ‫الوطني ال�سوري خالد خوجة‪ ،‬ووزير اخلارجية‬ ‫ال�����س��وداين �إب��راه��ي��م غ��ن��دور‪ ،‬ورئي�س الوكالة‬ ‫الدولية للطاقة الذرية يوكيا �أمانو‪ ،‬واملفو�ضة‬ ‫العليا لل�سيا�سة اخلارجية يف االحت��اد الأوروب��ي‬ ‫فيديريكا م��وغ�يري��ن��ي‪ ،‬والأم��ي�ن ال��ع��ام للأمم‬ ‫املتحدة بان كي مون‪ ،‬ووزير اخلارجية الفرن�سي‬ ‫لوران فابيو�س‪ ،‬ووزير اخلارجية التون�سي الطيب‬ ‫البكو�ش‪.‬‬ ‫كما التقى اجلبري وزير اخلارجية ال�صومايل‬ ‫عبدال�سالم بن عمر‪ ،‬ووزير اخلارجية العراقي‬ ‫�إبراهيم اجلعفري‪ ،‬ووزير خارجية موري�شيو�س‬ ‫�سينا�ساينا�سد ���س��ب��ال��وك‪ ،‬ووزي����ر اخل��ارج��ي��ة‬ ‫امل�صري �سامح �شكري‪ ،‬وال�شيخ خالد بن �أحمد‬ ‫اخلليفة وزير اخلارجية البحريني‪.‬‬ ‫وجرى خالل هذه اللقاءات بحث العالقات‬ ‫الثنائية والق�ضايا الإقليمية والدولية‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إل��ى املو�ضوعات امل��درج��ة على ج��دول �أعمال‬ ‫اجلمعية العامة للأمم املتحدة‪.‬‬


‫خالل الحوار التفاعلي الذي عقده مجلس حقوق اإلنسان‬

‫المملكة تدين استمرار المجتمع الدولي‬ ‫في التجاهل التام لحياة السوريين‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫�أدانت اململكة العربية ال�سعودية ا�ستمرار‬ ‫التدهور اخلطري حلقوق الإن�سان يف �سوريا‪،‬‬ ‫معربة ع��ن ا�ستيائها م��ن ج���راء ا�ستمرار‬ ‫املجتمع ال���دويل يف التجاهل ال��ت��ام حلياة‬ ‫ال�سوريني التي ا�ستباحها نظام ب�شار الأ�سد‬ ‫وعجزه عن �صونها وحمايتها‪.‬‬ ‫وقال �سفري اململكة يف الأمم املتحدة يف‬ ‫جنيف ال�سفري في�صل ط��راد خ�لال احل��وار‬ ‫التفاعلي الذي عقده جمل�س حقوق الإن�سان‬ ‫يف دورته الثالثني مع اللجنة الدولية للتحقيق‬ ‫يف االن��ت��ه��اك��ات اجل�سيمة حل��ق��وق الإن�سان‬ ‫يف ���س��وري��ا ي���وم ‪� 21‬سبتمرب امل��ا���ض��ي‪� ،‬إن‬ ‫اململكة اطلعت على تقرير اللجنة و�إحاطتها‬ ‫للمجل�س حول االنتهاكات امل�ستمرة واملتجددة‬ ‫واملمنهجة حلالة حقوق الإن�سان يف �سوريا‬ ‫احلزينة اجلريحة‪ .‬‬ ‫و�أو�ضح ال�سفري في�صل طراد �أن اململكة‬ ‫ب��ذل��ت م��ا �أم��ك��ن م��ن خ�ل�ال جمل�س حقوق‬ ‫الإن�سان ب�صفتها ع�ضوًا فيه لإدان��ة وجترمي‬ ‫النظام ال�سوري‪ ،‬ومت �إن�شاء اللجنة الدولية‬ ‫للتحقيق ال��ت��ي م�ضى ع��ل��ى عملها خم�س‬ ‫�سنوات‪ ،‬وه��ي تقدم الدليل تلو الآخ���ر عن‬ ‫انتهاكات نظام الأ�سد و�أع��وان��ه وارتكابهم‬ ‫جلرائم حرب مل ي�شهدها الع�صر احلديث‬ ‫من قبل‪ .‬‬ ‫وت�ساءل ال�سفري طراد‪ :‬هل قتل ما يقارب‬ ‫من ‪� 350‬ألف مواطن �سوري وت�شريد حوايل ‪8‬‬ ‫ماليني وجلوء �أكرث من �أربعة ماليني وتدمري‬ ‫ح�ضارة يعود تاريخها لآالف ال�سنوات‪ ،‬غري‬ ‫كافية لتحمل املجتمع الدويل وعلى الأخ�ص‬ ‫جمل�س الأمن م�س�ؤوليته بكل �شجاعة لإنقاذ‬

‫م��ا تبقى م��ن ال�شعب ال�����س��وري ال�شقيق ال��ذي‬ ‫يتعر�ض وب�شهادة اجلميع لإب��ادة جماعية من‬ ‫نظام ب�شار الأ�سد؟‪ ‬‬ ‫و�أ�شار �سفري اململكة يف الأمم املتحدة �إلى �أن‬ ‫هذا ال�صمت الدويل‪ ،‬قد جعل النظام يتمادى‬ ‫من خالل دعمه للإرهاب وجتنيده للإرهابيني‬ ‫من جميع دول العامل‪ ،‬ف�أوجد «داع�ش» تربيرًا‬ ‫لأكاذيبه مبحاربة الإره���اب‪ ،‬و�أ�صبح االثنان‬ ‫وجهني لعملة واح��دة‪ ،‬عنوانها القتل والدمار‬ ‫واملتاجرة بال�شعب ال�سوري‪ ،‬والدين والإ�سالم‬ ‫من االثنني براء‪ .‬‬ ‫و�أ���ض��اف ال�سفري ط��راد �أن ال��ع��امل �أ�صبح‬ ‫يواجه اليوم �أزم��ة الجئني �سوريني ت�سبب فيها‬ ‫الأ�سد ونظامه‪� ،‬إذ مل يكن �أم��ام بقية ال�شعب‬ ‫ال�سوري ال��ذي مل يجد الأم���ان يف موطنه‪� ،‬إال‬ ‫الهروب من براثن الوح�شية واال�ستبداد �إلى‬ ‫م�صري م�����ش���ؤوم‪ ،‬حتى لفظت �سواحل البحر‬ ‫الأبي�ض املتو�سط بع�ض �أج�سادهم يف مناظر‬ ‫هزت م�شاعر الوجدان العاملي‪.‬‬ ‫و�أكد ال�سفري طراد �إدانة اململكة وا�ستنكارها‬ ‫ب���أ���ش��د ال���ع���ب���ارات ج��م��ي��ع ه����ذه االن��ت��ه��اك��ات‬ ‫وال��ت��ج��اوزات‪ ،‬و�آخ��ره��ا مذبحة ���س��وق منطقة‬ ‫«دوما» التي نتج عنها مقتل املئات‪ ،‬مما يجعلها‬ ‫واحدة من �أدمى الهجمات يف احلرب امل�ستمرة‬ ‫منذ �أرب��ع �سنوات‪� ,‬إ�ضافة �إل��ى اال�ستمرار يف‬ ‫ا�ستخدام م��واد كيميائية �سامة يف الهجمات‬ ‫التي �شنها بالرباميل املتفجرة يف حمافظة �إدلب‬ ‫خالل �شهري �أبريل ومايو املا�ضيني‪.‬‬ ‫ولفت �سفري اململكة يف الأم��م املتحدة �إلى‬ ‫�أن اململكة ومنذ اليوم الأول لبدء معاناة ال�شعب‬ ‫ال�سوري ال�شقيق فتحت �أبوابها ال�ستقبالهم‬

‫و�إيوائهم‪ ،‬ولكن لي�س يف خميمات لالجئني‬ ‫�أو م��راك��ز �إي���واء للفارين‪� ،‬إذ تعاملت مع‬ ‫هذا املو�ضوع من منطلقات دينية و�إن�سانية‬ ‫بحتة‪ ،‬حفاظً ا على كرامتهم و�سالمتهم‪،‬‬ ‫فا�ستقبلت امل��م��ل��ك��ة م��ا ي��ق��ارب مليونني‬ ‫ون�صف م��واط��ن ���س��وري منذ ب��دء الأزم���ة‬ ‫ومنحتهم حرية احلركة التامة‪ ،‬ومنحت‬ ‫مل��ن �أراد ال��ب��ق��اء منهم يف اململكة‪ ،‬وهم‬ ‫يبلغون مئات الألوف‪ ،‬كل الت�سهيالت‪ ،‬بكل‬ ‫م��ا ي�ترت��ب عليها م��ن ح��ق��وق يف الرعاية‬ ‫ال�صحية املجانية واالنخراط يف �سوق العمل‬ ‫والتعليم‪� ،‬إذ يوجد حاليًا �أكرث من ‪� 100‬ألف‬ ‫طالب �سوري على مقاعد الدرا�سة املجانية‪.‬‬ ‫وبني ال�سفري طراد �أن احلل ال�سيا�سي‬ ‫للأزمة ال�سورية والقائم على مبادئ جنيف‬ ‫‪ 1‬بت�شكيل هيئة حكم انتقالية‪ ،‬واحلفاظ‬ ‫على وح���دة ���س��وري��ا الوطنية والإقليمية‪،‬‬ ‫واحلفاظ على م�ؤ�س�سات الدولة ال�سورية‬ ‫امل��دن��ي��ة والع�سكرية لتمكينها م��ن �إدارة‬ ‫���ش���ؤون ال��ب�لاد‪ ،‬ل��ن يكتب ل��ه ال��ن��ج��اح �إال‬ ‫برحيل ب�شار الأ���س��د وع��دم �شموله يف �أي‬ ‫ترتيبات م�ستقبلية‪ ،‬وان�سحاب جميع القوات‬ ‫الأجنبية مبا فيها حزب اهلل‪ ،‬وتوقف �إيران‬ ‫ع��ن التدخل يف ال�����ش���ؤون الداخلية ب��دول‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫و�شدد �سفري اململكة يف الأم��م املتحدة‬ ‫على �أهمية دعم تو�صيات اللجنة الدولية‬ ‫للتحقيق لتقدمي ب�شار الأ�سد وبقية �أعوانه‬ ‫�إل���ى امل��ح��اك��م��ة لإ����ص���دار ال��ع��ق��وب��ات التي‬ ‫ي�ستحقونها ل��ق��اء ج��رائ��م احل����رب التي‬ ‫اقرتفوها و�ضمان عدم �إفالتهم من العقاب‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫‪ -‬الدبلوماسي خاص‪-‬‬

‫‪7‬‬


‫أمام قمة التنمية المستدامة‪..‬‬

‫المملكة تؤكد حرصها على تحقيق التنمية‬ ‫المستدامة وتبني الرؤى الدولية‬ ‫‪ -‬الدبلوماسي خاص‪-‬‬

‫أخبار‬ ‫‪8‬‬

‫�شددت اململكة العربية ال�سعودية على‬ ‫حر�صها على حتقيق التنمية امل�ستدامة‬ ‫وتبني الر�ؤى الدولية يف هذا املجال‪ ،‬مو�ضحة‬ ‫�صعوبة حتقيق ذلك لل�شعوب التي تعاين من‬ ‫االح��ت�لال‪ ،‬م���ؤك��دة على احتفاظها بحقها‬ ‫ال�سيادي الكامل يف التحفظ على تنفيذ �أي‬ ‫تو�صيات تتعار�ض مع مبادئ ديننا الإ�سالمي‬ ‫وت�شريعاتنا‪.‬‬ ‫وق��ال وزي��ر اخلارجية ع��ادل ب��ن �أحمد‬ ‫اجلبري يف كلمة اململكة التي �ألقاها �أم��ام‬ ‫القمة العاملية الأل��ف��ي��ة للتنمية امل�ستدامة‬ ‫مل��ا بعد ع��ام ‪2015‬م‪� ،‬ضمن �أع��م��ال ال��دورة‬ ‫ال�سبعني للجمعية العامة للأمم املتحدة التي‬ ‫عقدت يف نيويورك يف الثامن والع�شرين من‬ ‫�سبتمرب املا�ضي‪� ،‬إننا جنتمع اليوم بعد اعتماد‬ ‫بيان “حتويل عاملنا‪ :‬خطة التنمية امل�ستدامة‬ ‫لعام ‪2030‬م”‪� ،‬أهداف التنمية امل�ستدامة ملا‬ ‫بعد عام ‪2015‬م‪ ،‬وذل��ك ا�ستمرارًا للتجربة‬ ‫ال��ت��ي م��ار���س��ن��اه��ا م��عً��ا يف ال�����س��ع��ي لتحقيق‬ ‫الأه���داف الإمنائية للألفية من ع��ام ‪2000‬‬ ‫وحتى نهاية العام احلايل‪ ،‬يف حتالف �إيجابي‬ ‫بني احلكومات وم�ؤ�س�سات املجتمع امل��دين‪،‬‬ ‫واجلهات الدولية ذات العالقة‪ ،‬ملكافحة الفقر‬ ‫واملر�ض واجلوع‪ ،‬يف عمل جماعي وتعاون دويل‬ ‫فعال‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف اجلبري �أن اململكة حر�صت على‬ ‫تبني الر�ؤى الدولية يف هذا املجال‪ ،‬مبا يتوافق‬ ‫مع ثوابتها وقيمها واهتمامها البالغ نحو بلوغ‬ ‫الأهداف التنموية للألفية‪ ،‬و�سارت على هذا‬ ‫النهج منذ انطالقها يف عام ‪2000‬م‪ ،‬و�صو ًال‬ ‫�إل���ى عهد خ���ادم احل��رم�ين ال�شريفني امللك‬ ‫�سلمان بن عبدالعزيز �آل �سعود‪ ،‬حفظه اهلل‪.‬‬ ‫و�أو���ض��ح وزي��ر اخلارجية �أن��ه يت�ضح من‬

‫متابعة تنفيذ الأه���داف التنموية للألفية‪،‬‬ ‫�أن اململكة ق��د جت���اوزت ال�سقوف املعتمدة‬ ‫لإجنازها‪ ،‬وقبل املواعيد املقرتحة لها‪ ،‬حتى‬ ‫�إنها متكنت من االن�ضمام �إلى قائمة الدول‬ ‫ذات م�ؤ�شر التنمية املرتفعة‪ ،‬كما ان�ضمت‬ ‫�إلى قائمة �أكرب ‪ 20‬دولة مانحة للم�ساعدات‬ ‫الإمنائية يف العامل‪� ،‬إذ احتلت العام املا�ضي‬ ‫املرتبة ال�ساد�سة وف��قً��ا لإح�����ص��اءات الأم��م‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫و�أ�شار اجلبري �إلى �أن �أهمية هذا امل�ؤمتر‬ ‫ت�أتي يف البحث عن ال��درو���س امل�ستفادة من‬ ‫التجارب ال�سابقة للأهداف الألفية‪ ،‬واملعوقات‬ ‫الأ�سا�سية �أم���ام حتقيق التنمية امل�ستدامة‬ ‫(االجتماعية واالقت�صادية والبيئية) لتحقيق‬ ‫الأهداف التنموية ملا بعد عام ‪2015‬م‪.‬‬ ‫و�أك��د وزير اخلارجية �أن حتقيق التنمية‬ ‫امل�ستدامة يظل �أم����رًا يف غ��اي��ة ال�صعوبة‪،‬‬ ‫لل�شعوب التي تعاين من االحتالل‪� ،‬إذ �إن��ه ال‬ ‫تنمية مع االحتالل‪ ،‬وعليه ف�إنه من ال�ضروري‬ ‫الت�أكيد على التزام املجتمع الدويل مبا تعهد‬ ‫به خالل امل�ؤمترات والقمم ال�سابقة واملعنية‬ ‫بالتنمية امل�ستدامة والتنمية ال�شاملة‪ ،‬والعمل‬

‫على �إزال��ة املعوقات �أم��ام ال�شعوب املحتلة‪،‬‬ ‫وبخا�صة االح��ت�لال الإ���س��رائ��ي��ل��ي لفل�سطني‬ ‫والأرا�ضي العربية املحتلة‪.‬‬ ‫و�أ����ض���اف اجل��ب�ير �أن امل��م��ل��ك��ة العربية‬ ‫ال�سعودية وهي ت�شارك يف هذه القمة وتتوافق‬ ‫م��ع خمرجاتها و�أه��داف��ه��ا‪ ،‬ال ب��د �أن تو�ضح‬ ‫موقفها حيال بع�ض الفقرات الواردة يف هذا‬ ‫البيان‪ ،‬التي ميكن �أن تف�سر ب�شكل يتعار�ض �أو‬ ‫يخالف تعاليم و�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وه��ن��ا ن���ود ال��ت���أك��ي��د ع��ل��ى �أن الإ����ش���ارة �إل��ى‬ ‫“اجلن�س” يف الن�ص يعني بدقة “الذكر” �أو‬ ‫“الأنثى”‪ ،‬و�أن الإ�شارة �إلى العائلة يف الن�ص‬ ‫تعني الأ�سرة التي تقوم على الزواج بني الرجل‬ ‫وامل���ر�أة‪ ،‬ويف حالة خ��روج ه��ذه امل�صطلحات‬ ‫عن مقا�صدها‪ ،‬ف�إن بالدي ت�ؤكد على حقها‬ ‫ال�سيادي الكامل يف التحفظ على تنفيذ �أي‬ ‫تو�صيات تتعار�ض مع مبادئ ديننا الإ�سالمي‬ ‫وت�شريعاتنا‪.‬‬ ‫و�أع��رب وزي��ر اخلارجية عن التطلع �إلى‬ ‫حتقيق �أه���داف خطة التنمية امل�ستدامة ملا‬ ‫بعد عام ‪2015‬م‪ ،‬و�إجناز كل ما يعود باخلري‬ ‫والرفاه على عاملنا والب�شرية جمعاء‪.‬‬


‫خالل اجتماع قمة مكافحة تنظيم «داعش» اإلرهابي والتطرف العنيف‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫�شددت اململكة العربية ال�سعودية على‬ ‫ت�صميمها على اجتثاث ظاهرة الإره��اب من‬ ‫جذورها والق�ضاء على م�صادرها وم�سبباتها‬ ‫بغ�ض النظر عن دوافعها �أو هوية مرتكبيها‪،‬‬ ‫م�ؤكدة �أنها من الدول التي ا�ستهدف الإرهاب‬ ‫�أرا�ضيها ومواطنيها‪ ،‬مبينة �أنه لي�س هناك‬ ‫م��ن ه��و مب��ن���أى ع��ن ن��ت��ائ��ج ه���ذه ال��ظ��اه��رة‬ ‫اخلطرية التي ال يجب ربطها بدين �أو ثقافة‬ ‫�أو عرق معني‪.‬‬ ‫ودعت اململكة يف كلمتها التي �ألقاها وزير‬ ‫اخلارجية الأ�ستاذ ع��ادل بن �أحمد اجلبري‬ ‫�أم��ام اجتماع قمة مكافحة تنظيم «داع�ش»‬ ‫الإره��اب��ي وال��ت��ط��رف العنيف التي تر�أ�سها‬ ‫الرئي�س باراك �أوباما رئي�س الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية يف مقر الأمم املتحدة يف نيويورك‬ ‫يف ال��ت��ا���س��ع وال��ع�����ش��ري��ن م��ن �شهر �سبتمرب‬ ‫املا�ضي‪ ،‬جميع دول العامل �إلى تقدمي الدعم‬ ‫ال�ل�ازم ملركز مكافحة الإره���اب والتطرف‬ ‫العنيف الذي �أن�شئ بجهود كبرية من اململكة‪،‬‬ ‫ب��دءًا من طرح فكرته ومن ثم �إن�شائه ودعم‬ ‫ميزانيته حتت مظلة الأمم املتحدة‪.‬‬ ‫و�أ����ض���اف وزي���ر اخل��ارج��ي��ة �أن اململكة‬ ‫العربية ال�سعودية انطالقًا من �إميانها ب�أهمية‬ ‫تكاتف املجتمع الدويل يف الت�صدي للإرهاب‬ ‫وال��ت��ط��رف ت�����س��ه��م ب��ك��ل ف��ع��ال��ي��ة يف جميع‬ ‫جمموعات العمل التي انبثقت عن التحالف‪،‬‬ ‫وجميع اجل��ه��ود ال��دول��ي��ة الأخ����رى ملكافحة‬ ‫الإره��اب والتطرف العنيف مبختلف �أ�شكاله‬ ‫وم��ظ��اه��ره و�أيً���ا ك��ان��ت �أغ��را���ض��ه؛ ك��ون��ه يعد‬ ‫من �أ�شد الأخطار التي تهدد ال�سلم والأم��ن‬ ‫الدوليني‪.‬‬ ‫و�أو�ضح اجلبري �أن �أهم ما يجب الت�أكيد‬

‫عليه ون��ح��ن ن�ستعر�ض م��و���ض��وع الإره����اب‬ ‫والتطرف‪� ،‬أن ن��درك منذ البداية �أن لي�س‬ ‫هناك من هو مبن�أى عن نتائج هذه الظاهرة‬ ‫اخلطرية التي ال يجب ربطها بدين �أو ثقافة‬ ‫�أو عرق معني‪ .‬فكلنا هدف له وجميعنا عر�ضة‬ ‫ملخاطره‪.‬‬ ‫ول��ف��ت وزي���ر اخل��ارج��ي��ة �إل���ى �أن اململكة‬ ‫العربية ال�سعودية من ال��دول التي ا�ستهدف‬ ‫الإره���اب �أرا�ضيها ومواطنيها‪ ،‬وال ت��زال يف‬ ‫مواجهة م�ستمرة معه‪ ،‬م�ؤكدً ا الت�صميم على‬ ‫اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها‪ ،‬ومبينًا‬ ‫�أن ال�سعودية بذلت جهودًا مكثفة لي�س فقط‬ ‫ملواجهة الإرهاب‪ ،‬بل والق�ضاء على م�صادره‬ ‫وم�سبباته‪ ،‬بغ�ض النظر عن دوافعه �أو هوية‬ ‫مرتكبيه‪.‬‬ ‫وق��ال وزي��ر اخلارجية �إن��ه يف �إط��ار هذا‬ ‫امل��وق��ف امل��ن��اه�����ض ل�ل��إره���اب‪ ،‬ف����إن اململكة‬ ‫ت�ستنكر ما ي�صدر من بع�ض فئات الإرهابيني‬ ‫م��ن اف��ت�راءات جتعل م��ن ال��دي��ن الإ�سالمي‬ ‫ذري���ع���ة لأع��م��ال��ه��م ال��وح�����ش��ي��ة‪ ،‬متجاهلني‬ ‫ظلمًا وع��دوا ًن��ا ب�أنه دي��ن ال�سالم والت�سامح‬ ‫واالعتدال والو�سطية‪ ،‬و�أنه بعيد كل البعد عن‬ ‫نهج التطرف والت�شدد الذي يتناق�ض كليًا مع‬ ‫مفهوم الت�سامح واالع��ت��دال والرحمة الذي‬ ‫يدعو �إليه الدين الإ�سالمي‪.‬‬ ‫و�أو�ضح اجلبري �أن��ه انطالقًا من قناعة‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية ب�أن �أف�ضل ال�سبل‬ ‫ملواجهة هذا ال�شر امل�ستطري هو من خالل عمل‬ ‫جماعي ومنظم‪ ،‬فقد حر�صت على االمتثال‬ ‫ملتطلبات قرارات جمل�س الأمن رقم (‪)1267‬‬ ‫و(‪ )1989‬و(‪ )2161‬و(‪ )2170‬و(‪)2178‬‬ ‫�إ�ضافة �إلى اتخاذها تدابري داخلية اعتمدتها‬

‫لغر�ض الت�صدي للإرهاب والتطرف‪.‬‬ ‫و�أك��د وزي��ر اخلارجية �أن اململكة �سنّت‬ ‫الأنظمة الكفيلة مبنع متويل الإره��اب ووقف‬ ‫تدفق املقاتلني الأجانب �إلى مناطق ال�صراع‬ ‫بغية االن�����ض��م��ام �إل���ى اجل��م��اع��ة الإره��اب��ي��ة‪.‬‬ ‫أي�ضا بتوجيه العديد من �أجهزة‬ ‫كما قامت � ً‬ ‫الدولة والإدارات احلكومية باتخاذ الربامج‬ ‫والإجراءات الالزمة ملكافحة الفكر املتطرف‪.‬‬ ‫وب�ي�ن وزي���ر اخل��ارج��ي��ة �أن���ه م��ن منطلق‬ ‫م�س�ؤولية اململكة �ضمن جمموعة مكافحة‬ ‫متويل داع�ش‪ ،‬فقد ا�ست�ضافت االجتماع الثاين‬ ‫لتلك املجموعة الذي عقد يف مدينة جدة يف‬ ‫�شهر مايو املا�ضي‪ ،‬بجانب م�شاركاتها الفعالة‬ ‫يف �أعمال جمموعات العمل الأخرى للتحالف‬ ‫وح�ضور جميع اجتماعاتها‪.‬‬ ‫و�أ����ش���ار اجل��ب�ير �إل���ى ج��ه��ود اململكة يف‬ ‫جمال مكافحة الإرهاب على امل�ستوى الدويل‬ ‫والأمم��ي‪� ،‬إذ �سبق �أن ا�ست�ضافت عام ‪2005‬‬ ‫م���ؤمت��رًا دول��يً��ا ملكافحة الإره����اب وطرحت‬ ‫خ�لال��ه ف��ك��رة �إن�����ش��اء م��رك��ز دويل ملكافحة‬ ‫الإرهاب‪ ،‬وقامت بجهود كبرية لإن�شائه حتت‬ ‫مظلة الأمم املتحدة‪ ،‬وتكفلت بدفع ميزانيته‬ ‫املبدئية ملدة ثالث �سنوات مببلغ ع�شرة ماليني‬ ‫دوالر‪ .‬كما قدمت دعمًا �إ�ضافيًا للمركز مببلغ‬ ‫حر�صا منها على �أهمية‬ ‫مئة مليون دوالر‪ً ،‬‬ ‫وا�ستمراره للقيام بعمله لتنفيذ ا�سرتاتيجية‬ ‫الأمم املتحدة‪.‬‬ ‫ويف خ��ت��ام كلمته دع��ا وزي���ر اخلارجية‬ ‫الدول امل�شاركة وجميع دول العامل �إلى تقدمي‬ ‫ال��دع��م ال��ل�ازم للمركز ملكافحة الإره����اب‬ ‫والتطرف العنيف على م�ستوى العامل‪ ،‬متمنيًا‬ ‫لالجتماع النجاح والتوفيق‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫المملكة تؤكد تصميمها على اجتثاث ظاهرة‬ ‫اإلرهاب والقضاء على مصادرها ومسبباتها‬

‫‪9‬‬


‫في كلمتها أمام مجلس األمن حول تسوية النزاع في الشرق‬ ‫األوسط وشمال إفريقيا‪:‬‬

‫أخبار‬

‫المملكة‪ :‬محاوالت الهيمنة والتدخل‬ ‫في الشؤون الداخلية للدول أثبت التاريخ‬ ‫مأساويتها وأظهر الحاضر إخفاقها‬ ‫‪ -‬الدبلوماسي خاص‪-‬‬

‫‪10‬‬

‫طالبت اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية ب��وق��ف العمليات‬ ‫ال��ع�����س��ك��ري��ة ال��ت��ي ق��ام��ت بها‬ ‫القوات الرو�سية يف املدينتني‬ ‫ال�سوريتني «حماة» و»حم�ص»‬ ‫وخلفت العديد من ال�ضحايا‬ ‫الأب���ري���اء‪ ،‬يف ح�ين �أك���دت �أن‬ ‫حم���اوالت الهيمنة والتدخل‬ ‫يف ال�����ش��ؤون الداخلية للدول‬ ‫و�إذك����اء ال��ن��زع��ات الطائفية‬ ‫مثل ما تفعله �إيران يف العديد‬ ‫من دول املنطقة‪ ،‬هي ممار�سات‬ ‫�أثبت التاريخ م�أ�ساويتها و�أظهر‬ ‫احلا�ضر �إخفاقها‪.‬‬

‫و�أكدت اململكة يف الكلمة التي �ألقاها مندوبها‬ ‫الدائم لدى الأم��م املتحدة ال�سفري عبداهلل بن‬ ‫يحيى املعلمي �أم���ام جمل�س الأم���ن ح��ول البند‬ ‫املعنون «احلفاظ على الأمن وال�سلم الدوليني‪..‬‬ ‫ت�سوية النزاع يف ال�شرق الأو�سط و�شمال �إفريقيا‬ ‫ومكافحة خطر الإره���اب يف املنطقة» يف الأول‬ ‫من �أكتوبر اجل��اري‪� ،‬أن حتقيق الأم��ن وال�سلم‬ ‫يف �سوريا يتطلب قيام حتالف عري�ض يت�صدى‬ ‫جل���ذور امل�شكلة املتمثّلة يف ا�ستمرار النظام‬ ‫ال�سوري وامتناعه ع��ن االمتثال لبيان جنيف‬ ‫‪ 1‬الذي ن�ص على �إن�شاء حكومة انتقالية ذات‬ ‫�صالحيات تنفيذية وا�سعة النطاق‪ ،‬م�شرية �إلى‬ ‫�أن ب�شار الأ�سد ونظامه ال ميكن �أن يكون طرفًا يف‬ ‫�أي حرب �ضد الإرهاب‪ ،‬لأنه ميثل الإرهاب بعينه‪.‬‬

‫ويف ال�ش�أن اليمني‪ ،‬لفتت اململكة �إل��ى �أن‬ ‫اخل��روج على ال�شرعية الد�ستورية الوطنية يف‬ ‫اليمن واالن�صياع للتدخالت الإيرانية قد حدا‬ ‫بجماعة احل��وث��ي�ين وحلفائهم االن��ق�لاب على‬ ‫ال�سلطة ونق�ض ك��ل العهود التي تو�صل �إليها‬ ‫اليمنيون؛ مم��ا دف��ع باململكة و�شقيقاتها من‬ ‫�أع�ضاء التحالف العربي �إلى اال�ستجابة لنداء‬ ‫ال�شعب اليمني ممث ًال يف رئي�سه ال�شرعي عبدربه‬ ‫من�صور هادي‪.‬‬ ‫وبني ال�سفري املعلمي �أن عقد هذه اجلل�سة‬ ‫املهمة حول احلفاظ على الأمن وال�سلم الدوليني‬ ‫وت�سوية النزاعات يف ال�شرق الأو���س��ط و�شمال‬ ‫�إفريقيا ومكافحة خطر الإره���اب يف املنطقة‪،‬‬ ‫ي�أتي يف وقت غاب فيه الأمن وال�سلم‪ ،‬وازدادت‬

‫وترية التطرف العنيف‪ ،‬وا�شتد �ساعد الإرهابيني‬ ‫يف كثري من �أنحاء العامل‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف �أن منطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال‬ ‫�إفريقيا لي�ست بدعً ا دون غريها من بقاع الأر�ض‪،‬‬ ‫ب��ل ه��ي م��ن الن�سيج العاملي‪ ،‬فمتى م��ا حتققت‬ ‫العدالة وانتفت حماوالت الهيمنة عرب ا�ستخدام‬ ‫القوة والتزم اجلميع مببادئ ح�سن اجلوار‪ ،‬ف�إن‬ ‫ال�سالم ي�صبح هو النتيجة الطبيعية واملنطقية‪،‬‬ ‫ومن هنا تت�ضح �أهمية ما طرح من �أن معاجلة‬ ‫ال�صراعات القائمة ال بد �أن تنطلق من فهم‬ ‫دقيق جلذورها و�أ�سبابها حتى تتي�سر معاجلتها‬ ‫والت�صدي لها‪.‬‬ ‫و�أ�شار �إلى �أن معظم ال�صراعات يف ال�شرق‬ ‫الأو���س��ط و�شمال �إفريقيا تعود يف الأ���ص��ل �إل��ى‬


‫أهم عوامل انتشار‬ ‫اإلرهاب والتطرف ما‬ ‫تمارسه السلطات‬ ‫السورية من إفساح‬ ‫المجال أمام الجماعات‬ ‫اإلرهابية‬

‫معالجة الصراعات‬ ‫القائمة البد أن تنطلق‬ ‫من فهم دقيق‬ ‫لجذورها وأسبابها‬ ‫حتى تتيسر معالجتها‬ ‫والتصدي لها‬

‫من المستهجن‬ ‫تسييس إيران لحادثة‬ ‫التدافع في الحج‪ ،‬وهي‬ ‫التي قامت بالعديد من‬ ‫المحاوالت التخريبية في‬ ‫مواسم حج ماضية‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫تعر�ض لها احلجاج يف مكة املكرمة‪ ،‬وهي بذلك‬ ‫ال تراعي حرمة ه��ذه ال�شعائر الدينية و�أرواح‬ ‫ال�ضحايا‪ ،‬يف الوقت ال��ذي تعهدت فيه اململكة‬ ‫دومً���ا ب��رع��اي��ة احل��ج��اج وال�سهر على راحتهم‬ ‫و�ضمان �أم�ن�ه��م‪ ،‬وق��ام��ت ب��إح�ب��اط العديد من‬ ‫املحاوالت الإيرانية التخريبية يف �سنني عديدة‪،‬‬ ‫م�شددًا على �أن حكومة اململكة تقوم ب���إج��راء‬ ‫التحقيقات املنا�سبة و�ستقوم مبحا�سبة كل‬ ‫مق�صر �إن وجد‪ ،‬م�ؤكدًا �أن اململكة لن ت�سمح لأي‬ ‫من كان باال�صطياد يف املاء العكر وااللتفاف على‬ ‫هذه احلادثة الإن�سانية‪.‬‬ ‫و�أ�شار ال�سفري املعلمي �إلى �أن حل ال�صراعات‬ ‫يف ال�شرق الأو�سط يتطلب فهمًا عميقًا جلذورها‬ ‫وم�سبباتها‪ ،‬ولذلك ف�إننا ن�ؤكد على �ضرورة انتهاء‬ ‫االحتالل الإ�سرائيلي‪ ،‬ووقف ممار�سات النظام‬ ‫ال�����س��وري‪ ،‬والعمل على تر�سية م��ب��ادئ العدالة‬ ‫الوطنية‪ ،‬واالل��ت��زام بقواعد ال�شرعية الدولية‪،‬‬ ‫والتم�سك بح�سن اجل����وار وع���دم ال��ت��دخ��ل يف‬ ‫ال�شئون الداخلية للغري‪ ،‬ف�إن حتقق ذلك ت�صبح‬ ‫حماربة الإرهاب والق�ضاء عليه �أقرب مناالً‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫�أ���س��ب��اب م��ع��دودة ي���أت��ي يف مقدمتها االح��ت�لال‬ ‫واال�ضطهاد والتهمي�ش وعدم احرتام ال�شرعية‬ ‫الدولية‪ ،‬وهي ذاتها الأ�سباب التي �أدت �إلى ظهور‬ ‫الإرهاب وامتداد رقعته‪.‬‬ ‫ويف ال�ش�أن الفل�سطيني‪ ،‬قال ال�سفري املعلمي‬ ‫�إن ا���س��ت��م��رار االح��ت�لال الإ���س��رائ��ي��ل��ي ل�ل�أر���ض‬ ‫الفل�سطينية وعدوانه املتكرر على احلرم القد�سي‬ ‫ال�شريف وامل�سجد الأق�صى املبارك والعنف الذي‬ ‫ميار�سه الإرهابيون امل�ستوطنون‪ ،‬هو من �أهم‬ ‫�أ�سباب النزاعات امل�سلحة يف املنطقة‪ .‬و�إن حالة‬ ‫الإحباط واحلرمان التي يفر�ضها االحتالل‪ ،‬هي‬ ‫من �أهم الدوافع التي ي�ستند عليها الإره��اب يف‬ ‫الرتويج لر�سالته‪ ،‬لذلك كان لزامًا على املجتمع‬ ‫الدويل �أن يعمل دون كلل وبال �إبطاء على �إنهاء‬ ‫االحتالل الإ�سرائيلي لفل�سطني وبقية الأرا�ضي‬ ‫العربية و�إق��ام��ة ال��دول��ة الفل�سطينية امل�ستقلة‬ ‫وعا�صمتها ال��ق��د���س ال�شريف وف��قً��ا ل��ق��رارات‬ ‫ال�شرعية الدولية ومبادرة ال�سالم العربية التي‬ ‫طرحتها اململكة العربية ال�سعودية قبل �أكرث من‬ ‫‪ 13‬عامًا‪.‬‬ ‫ول��ف��ت �إل����ى �أن م��ن �أه����م ع��وام��ل انت�شار‬ ‫الإرهاب والتطرف العنيف وتهديد الأمن وال�سلم‬ ‫الدوليني‪ ،‬هو ما متار�سه ال�سلطات ال�سورية من‬ ‫ا�ضطهاد بحق ال�شعب ال�سوري ال�صامد وارتكاب‬ ‫�أب�شع اجلرائم �ضده مبا يف ذلك �إلقاء الرباميل‬ ‫احلارقة‪ ،‬و�إط�لاق الغازات الكيميائية ال�سامة‬ ‫و�إف�����س��اح امل��ج��ال �أم����ام اجل��م��اع��ات الإره��اب��ي��ة‬ ‫لتمار�س ن�شاطها وترتكب جرائمها‪.‬‬ ‫و�أف���اد م��ن��دوب اململكة ال��دائ��م ل��دى الأم��م‬ ‫املتحدة ب���أن حتقيق الأم���ن وال�سلم يف �سوريا‬ ‫يتطلب ق��ي��ام حت��ال��ف عري�ض يت�صدى جل��ذور‬

‫امل�شكلة املتمثّلة يف ا�ستمرار النظام ال�سوري‬ ‫وامتناعه عن االمتثال لبيان جنيف ‪ 1‬الذي ن�ص‬ ‫على �إن�����ش��اء حكومة انتقالية ذات �صالحيات‬ ‫تنفيذية وا�سعة النطاق‪ ،‬م�شريًا �إل��ى �أن ب�شار‬ ‫الأ���س��د ونظامه ال ميكن �أن يكون طرفًا يف �أي‬ ‫حرب �ضد الإره��اب لأن��ه ميثل الإره��اب بعينه‪،‬‬ ‫و�أن �أي حل للأزمة ال�سورية ال بد �أن ينطلق من‬ ‫القناعة ب�أن من تلطخت �أيديهم بدماء ال�شعب‬ ‫ال�سوري ال مكان لهم يف �أي ت�سوية �سيا�سية مقبلة‪.‬‬ ‫و�أو�ضح ال�سفري املعلمي �أن اململكة ت�صدت‬ ‫خل��ط��ر الإره������اب يف ك���ل م��ك��ان وب�����ادرت �إل���ى‬ ‫امل�شاركة يف التحالف الدويل �ضد تنظيم داع�ش‬ ‫الإرهابي‪ ،‬و�أن الدول التي تدعي �أنها قد جاءت‬ ‫م�ؤخرًا للم�شاركة يف حماربة �إره��اب داع�ش‪ ،‬ال‬ ‫ميكن لها �أن تفعل ذل��ك يف الوقت نف�سه الذي‬ ‫ت�ساند فيه �إرهاب النظام ال�سوري وحلفائه من‬ ‫املقاتلني الإرهابيني الأج��ان��ب‪ ،‬مثل‪ :‬حزب اهلل‬ ‫وفيلق القد�س وغريها من التنظيمات الإرهابية‬ ‫الطائفية‪.‬‬ ‫وعبرّ عن قلق اململكة البالغ جراء العمليات‬ ‫الع�سكرية التي قامت بها القوات الرو�سية يف‬ ‫حماة وحم�ص �أخريًا‪ ،‬وهي �أماكن ال توجد فيها‬ ‫داع�ش‪ ،‬وخلفت العديد من ال�ضحايا الأبرياء‪،‬‬ ‫مطالبًا با�سم اململكة بالوقف الفوري لها و�ضمان‬ ‫عدم تكرارها‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بالتدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية‬ ‫للدول‪� ،‬شدد مندوب اململكة الدائم لدى الأمم‬ ‫امل��ت��ح��دة على �أن حم���اوالت الهيمنة والتدخل‬ ‫يف ال�ش�ؤون الداخلية للدول و�إذك���اء النزعات‬ ‫الطائفية مثل ما تفعله �إيران يف العديد من دول‬ ‫املنطقة‪ ،‬هي ممار�سات �أثبت التاريخ م�أ�ساويتها‬ ‫و�أظ��ه��ر احلا�ضر �إخفاقها‪ .‬كما �أن ممار�سات‬ ‫التهمي�ش واحلرمان من احلقوق ال�سيا�سية وغياب‬ ‫امل�ساواة بني املواطنني هي الأر�ض اخل�صبة التي‬ ‫ينمو فيها الإرهاب وترت�سخ جذوره‪ ،‬لذلك �أيدت‬ ‫اململكة الإجراءات التي اتخذتها حكومة العراق‪،‬‬ ‫فعاد ال��ت��وازن �إل��ى احلياة ال�سيا�سية يف البالد‬ ‫ودمج كل مكونات ال�شعب العراقي يف الت�صدي‬ ‫للإرهاب ودحره‪.‬‬ ‫وح���ول ح���ادث ال��ت��داف��ع مب�شعر م��ن��ى �أك��د‬ ‫مندوب اململكة الدائم لدى الأم��م املتحدة‪� ،‬أنه‬ ‫ملن امل�ستهجن ت�سيي�س �إيران للحادثة الأليمة التي‬

‫‪11‬‬


‫من أجل تعزيز حقوق اإلنسان باليمن‬

‫مجلس حقوق اإلنسان يعتمد قرا ًرا سعود ًيا‬ ‫بتقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات‬ ‫أخبار‬ ‫‪ -‬الدبلوماسي خاص‪-‬‬

‫‪12‬‬

‫ط��ال��ب��ت امل��م��ل��ك��ة ال��ع��رب��ي��ة‬ ‫ال�����س��ع��ودي��ة ب���وق���ف ال��ع��م��ل��ي��ات‬ ‫الع�سكرية التي قامت بها القوات‬ ‫الرو�سية يف املدينتني ال�سوريتني‬ ‫«حماة» و»حم�ص» وخلفت العديد‬ ‫م��ن ال�ضحايا الأب���ري���اء‪ ،‬يف حني‬ ‫�أك�����دت �أن حم�����اوالت الهيمنة‬ ‫والتدخل يف ال�����ش��ؤون الداخلية‬ ‫للدول و�إذكاء النزعات الطائفية‬ ‫مثل ما تفعله �إيران يف العديد من‬ ‫دول املنطقة‪ ،‬هي ممار�سات �أثبت‬ ‫التاريخ م�أ�ساويتها و�أظهر احلا�ضر‬ ‫�إخفاقها‪.‬‬

‫اعتمد جمل�س حقوق الإن�سان يف الثاين من‬ ‫�أكتوبر اجل��اري ق���رارًا قدمته اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية نيابة عن جمموعة الدول العربية حتت‬ ‫البند العا�شر ين�ص على تقدمي امل�ساعدة التقنية‬ ‫وبناء القدرات لتعزيز حقوق الإن�سان يف اليمن‪،‬‬ ‫ويرحب بت�شكيل احلكومة اليمنية للجنة الوطنية‬ ‫للتحقيق يف انتهاكات حقوق الإن�سان يف البالد‪.‬‬ ‫و�أع��رب القرار عن القلق �إزاء االنتهاكات‬ ‫اجل�سيمة حل��ق��وق الإن�����س��ان وال��ق��ان��ون ال��دويل‬ ‫الإن�ساين ب�سبب ا�ستخدام ميلي�شيات احلوثيني‬ ‫املتمردة واملخلوع �صالح للقوة امل�سلحة �ضد‬ ‫احلكومة لتحقيق �أه��داف �سيا�سية‪ ،‬وا�ستمرار‬ ‫امليلي�شيات املتمردة يف جتنيد الأطفال يف خرق‬ ‫وا�ضح للمواثيق واملعاهدات الدولية‪ ،‬واختطاف‬

‫الن�شطاء ال�سيا�سيني‪ ،‬واعتقال ال�صحفيني وقتل‬ ‫املدنيني‪ ،‬ومنع و�صول امل�ساعدات الإن�سانية‪،‬‬ ‫وقطع �إمدادات الكهرباء واملياه‪ ،‬و�شن الهجمات‬ ‫على امل�ست�شفيات و�سيارات الإ�سعاف‪.‬‬ ‫وطالب القرار اجلماعات امل�سلحة بو�ضع‬ ‫حد لتجنيد وا�ستغالل الأطفال و�إط�لاق �سراح‬ ‫الأطفال الذين مت جتنيدهم‪ ،‬والتعاون مع الأمم‬ ‫املتحدة من �أجل �إعادة و�إدماج ه�ؤالء الأطفال يف‬ ‫جمتمعاتهم املحلية‪.‬‬ ‫و�أ���ش��ار ق���رار جمل�س ح��ق��وق الإن�����س��ان �إل��ى‬ ‫ق��رارات جمل�س الأم��ن‪ ،‬و�أكد �أن تعزيز وحماية‬ ‫ح��ق��وق الإن�����س��ان ه��و �أح���د ال��ع��وام��ل الأ�سا�سية‬ ‫ل�ضمان وج��ود نظام ق�ضائي ع��ادل ومن�صف‪،‬‬ ‫وامل�صاحلة واال�ستقرار يف اليمن‪.‬‬

‫ورح��ب ال��ق��رار بقبول الأح���زاب ال�سيا�سية‬ ‫اليمنية لإمت��ام عملية االنتقال ال�سيا�سي على‬ ‫�أ���س��ا���س امل���ب���ادرة اخلليجية و�آل��ي��ة تنفيذها‪،‬‬ ‫و�ضرورة تنفيذ التو�صيات ال��واردة يف الوثيقة‬ ‫اخلتامية مل���ؤمت��ر احل���وار الوطني‪ ،‬وا�ستكمال‬ ‫�صياغة د�ستور جديد‪.‬‬ ‫ورح���ب ال��ق��رار بنتائج اج��ت��م��اع الأح���زاب‬ ‫ال�سيا�سية اليمنية يف ال��ري��ا���ض ي��وم ‪ 17‬مايو‬ ‫‪ 2015‬لإيجاد حل �سيا�سي لل�صراع يف اليمن على‬ ‫�أ�سا�س املبادرة اخلليجية‪ ،‬ونتائج احلوار الوطني‬ ‫وق��رار جمل�س والأم��ن رقم ‪ 2216‬لعام ‪،2015‬‬ ‫واجلهود التي يبذلها الأمني العام للأمم املتحدة‬ ‫ومبعوثه اخلا�ص لليمن‪.‬‬ ‫و�أ����ش���ار �إل���ى ال���ق���رارات ال��دول��ي��ة ودع��وه��ا‬


‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫�إل��ى �إج���راء حتقيق يف جميع ح��االت انتهاكات‬ ‫وجت���اوزات حقوق الإن�سان وانتهاكات القانون‬ ‫الإن�ساين ال��دويل‪ ،‬مرحبًا باملر�سوم الرئا�سي‬ ‫اليمني الذي يق�ضي بتعيني �أع�ضاء جلنة وطنية‬ ‫م�ستقلة للتحقيق يف جميع االنتهاكات ال�سابقة‬ ‫واالنتهاكات منذ �سبتمرب ‪ ،2014‬وفقًا لقرارات‬ ‫جمل�س حقوق الإن�سان ‪ 32/24‬و‪. 19/27‬‬ ‫ويحيط القرار علمًا بتقرير مفو�ضة الأمم‬ ‫املتحدة ال�سامية حلقوق الإن�سان عن حالة حقوق‬ ‫الإن�سان يف اليمن والنقا�شات التي عقدت خالل‬ ‫ال��دورة الثالثني ملجل�س حقوق الإن�سان‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫عن بيان وتعليقات احلكومة اليمنية على التقرير‬ ‫وا�ستعدادها للتعاون مع الأم��م املتحدة ومكتب‬ ‫املفو�ض ال�سامي‪ ،‬وي��دع��و جميع الأط���راف يف‬ ‫اليمن �إلى اح�ترام التزاماتها مبوجب القانون‬ ‫ال���دويل حل��ق��وق الإن�����س��ان وال��ق��ان��ون الإن�����س��اين‬ ‫ال��دويل‪ ،‬و�ضمان و�صول امل�ساعدات الإن�سانية‬ ‫لل�سكان املت�ضررين‪.‬‬ ‫كما يدعو احلكومة �إلى اتخاذ تدابري حلماية‬ ‫امل��دن��ي�ين‪ ،‬وات��خ��اذ ال��ت��داب�ير املنا�سبة ل�ضمان‬ ‫فعالية التحقيق يف جميع ح��االت االنتهاكات‬ ‫وان��ت��ه��اك حقوق الإن�����س��ان وانتهاكات القانون‬ ‫الإن�ساين الدويل‪ ،‬مبا يف ذلك حاالت العنف �ضد‬ ‫ال�صحفيني والن�شطاء ال�سيا�سيني واعتقالهم‪.‬‬ ‫وي��دع��و ج��م��ي��ع الأط������راف يف ال��ي��م��ن �إل��ى‬ ‫التنفيذ ال��ك��ام��ل ل��ق��رار جمل�س الأم���ن ‪2216‬‬ ‫(‪ ،)2015‬ال��ذي ي�سهم يف حت�سني حالة حقوق‬ ‫الإن�سان‪ ،‬ويحتوي على �شواغل حم��ددة‪ ،‬وي�ضع‬ ‫مطالب خا�صة على �صالح وميلي�شيات احلوثيني‬ ‫لإطالق �سراح ال�سجناء ال�سيا�سيني وال�صحفيني‬ ‫واالنخراط يف العملية ال�سيا�سية بطريقة �شاملة‬ ‫و�سلمية ودميقراطية‪.‬‬ ‫وك���رر ال���ق���رار ال��ت���أك��ي��د ع��ل��ى االل��ت��زام��ات‬ ‫املرتتبة على احلكومة اليمنية لتعزيز وحماية‬ ‫حقوق الإن�����س��ان جلميع الأف���راد امل��وج��ودي��ن يف‬ ‫�إقليمها والداخلني يف واليتها‪ ،‬م�شريًا يف هذا‬ ‫ال�صدد �إلى �أن اليمن طرف يف االتفاقية الدولية‬ ‫للق�ضاء على جميع �أ�شكال التمييز العن�صري‪،‬‬ ‫واتفاقية الق�ضاء على جميع �أ�شكال التمييز‬ ‫�ضد امل���ر�أة‪ ،‬والعهد ال��دويل اخلا�ص باحلقوق‬ ‫املدنية وال�سيا�سية‪ ،‬والعهد ال���دويل اخلا�ص‬

‫باحلقوق االقت�صادية واالجتماعية والثقافية‪،‬‬ ‫واتفاقية مناه�ضة التعذيب وغريه من �ضروب‬ ‫املعاملة غ�ير الإن�سانية �أو املهينة‪ ،‬واتفاقية‬ ‫حقوق الطفل والربوتوكولني االختياريني ب�ش�أن‬ ‫�إ�شراك الأطفال يف النزاعات امل�سلحة‪ ،‬واتفاقية‬ ‫حقوق الأ�شخا�ص ذوي الإع��اق��ة‪ ،‬ويتطلع �إل��ى‬ ‫موا�صلة احلكومة جهودها لتعزيز وحماية حقوق‬ ‫الإن�سان‪ .‬و�أع��رب القرار عن عميق القلق �إزاء‬ ‫الو�ضع الإن�ساين املتدهور يف اليمن‪ ،‬وعن تقديره‬ ‫للدول املانحة‪ ،‬داعيًا املجتمع الدويل �إلى تقدمي‬ ‫الدعم املايل خلطة اال�ستجابة الإن�سانية لليمن‬ ‫لعام ‪ ،2015‬والوفاء بتعهداته لدى الأمم املتحدة‬ ‫ذات ال�صلة الإن�سانية‪.‬‬ ‫كما دعا القرار جميع هيئات منظومة الأمم‬ ‫املتحدة‪ ،‬مبا يف ذلك مكتب املفو�ض ال�سامي‪،‬‬ ‫والدول الأع�ضاء مل�ساعدة العملية االنتقالية يف‬ ‫اليمن‪ ،‬من خالل دعم وتعبئة امل��وارد الالزمة‬ ‫ملعاجلة الآث��ار املرتتبة على العنف والتحديات‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية التي تواجهها اليمن‪،‬‬ ‫وذلك بالتن�سيق مع اجلهات املانحة الدولية وفقًا‬ ‫للأولويات التي حددتها ال�سلطات اليمنية‪.‬‬ ‫وطلب القرار من املفو�ضة ال�سامية تقدمي‬ ‫امل�ساعدة التقنية والعمل مع احلكومة اليمنية‬ ‫يف جم���ال ب��ن��اء ال���ق���درات وحت���دي���د جم���االت‬ ‫�إ�ضافية للم�ساعدة على متكني اليمن من الوفاء‬ ‫بالتزاماتها يف جمال حقوق الإن�سان‪ ،‬وم�ساعدة‬ ‫اللجنة الوطنية امل�ستقلة للتحقيق يف عملها‪،‬‬ ‫ح�سب االقت�ضاء‪ .‬كما طلب من مكتب املفو�ض‬ ‫ال�سامي �أن يقدم �إل��ى جمل�س حقوق الإن�سان‬ ‫يف دورته الثالثة والثالثني‪ ،‬تقريرًا مرحليًا عن‬ ‫حالة حقوق الإن�سان يف اليمن‪ ،‬وعلى متابعة هذا‬ ‫القرار والقرارات ال�سابقة ذات ال�صلة‪.‬‬ ‫م��ن جهة �أخ����رى‪� ،‬أك���دت جمموعة ال��دول‬ ‫العربية يف جمل�س حقوق الإن�سان عن اليمن‬ ‫يف كلمة �ألقاها بالنيابة عنها مندوب اململكة‬ ‫لدى الأمم املتحدة واملنظمات الدولية الأخرى‬ ‫يف ج��ن��ي��ف ال�����س��ف�ير في�صل ب��ن ح�����س��ن ط��راد‬ ‫خالل مناق�شة الأو�ضاع يف اليمن‪� ،‬أن الظروف‬ ‫ال�صعبة وامل�أ�ساوية التي تعي�شها اليمن تتطلب‬ ‫تقدمي العون وامل�ساعدة للحكومة اليمنية للتمكن‬ ‫م��ن ا�ستعادة ال�شرعية والأم���ن واال���س��ت��ق��رار‪،‬‬

‫ودعم الآليات الوطنية لإدارة عمليات التحول‬ ‫الدميقراطي‪ ،‬وتعزيز �سيادة حكم القانون‪،‬‬ ‫ور�صد وحماية واحرتام حقوق الإن�سان ب�صورة‬ ‫عامة‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف مندوب اململكة لدى الأمم املتحدة‪،‬‬ ‫�أن املجموعة ت��ود �أن تلفت انتباه املجل�س �إلى‬ ‫�أن اليمن تعر�ض ل��ه��زات عنيفة جت�سدت يف‬ ‫االن���ق�ل�اب ع��ل��ى ال�����ش��رع��ي��ة واال���س��ت��ي�لاء على‬ ‫مقدرات البالد من قبل جماعة احلوثي مدعومة‬ ‫م��ن ق��وات الرئي�س املخلوع �صالح‪ ,‬وارتكبت‬ ‫انتهاكات عديدة متثلت يف التنكيل باملواطنني‬ ‫وت��دم�ير م��ن��ازل��ه��م وم��ن��ع و���ص��ول امل�����س��اع��دات‬ ‫الغذائية وال��دوائ��ي��ة �إليهم‪ ،‬ع���ادًا ه��ذا الفعل‬ ‫انتهاكًا �صارخً ا للتداول ال�سلمي لل�سلطة ولكل‬ ‫حقوق الإن�سان‪ ،‬وهو ما يتطلب �إدان��ة املجل�س‬ ‫لهذه االنتهاكات ‪.‬‬ ‫و�أو���ض��ح ال�سفري ط��راد �أن املجموعة تود‬ ‫�إحاطة املجل�س �أن الدول العربية تنظر باهتمام‬ ‫�إل���ى م��ا ي��ج��ري يف ال��ي��م��ن‪ ،‬وت��ق��دم ك��ل �أن���واع‬ ‫امل�ساعدات املمكنة ليتجاوز اليمن هذه الظروف‬ ‫الطارئة‪ ،‬ومواجهة التحديات النا�شئة يف جميع‬ ‫املجاالت الأمنية والإن�سانية والتنموية مبا فيها‬ ‫جمال حقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫ولفت مندوب اململكة ل��دى الأم��م املتحدة‬ ‫واملنظمات الدولية الأخ��رى‪� ،‬إلى �أن املجموعة‬ ‫العربية ت��ود التذكري ب���أن العديد م��ن ال��دول‬ ‫العربية ال تتوانى يف تقدمي �إ�سهامات مهمة من‬ ‫�أج��ل دع��م برامج امل�ساعدة التقنية يف جمال‬ ‫حقوق الإن�سان مما يعود بالفائدة على �أكرب‬ ‫عدد من الدول يف خمتلف �أرجاء العامل مبا فيها‬ ‫املنطقة العربية‪.‬‬ ‫و�أ���ش��ار ال�سفري ط���راد �إل��ى �أن املجموعة‬ ‫العربية ترى �أن تقدمي العون التقني للدول ال‬ ‫بد �أن ي�شمل كذلك تقوية ال�شراكات‪ ،‬وت�أكيد‬ ‫التعاون البناء ودخول الدول يف عمليات لتبادل‬ ‫اخلربات واملمار�سات اجليدة‪ .‬ويف هذا الإطار‬ ‫جت��در الإ���ش��ارة �إل��ى �أهمية �أن تقوم ال��والي��ات‬ ‫القطرية بناء على رغبة وموافقة الدول املعنية‪،‬‬ ‫ل�ضمان تعاونها من �أجل حتقيق الهدف الذي‬ ‫تن�ش�أ من �أجله الوالية وهو ترقية وحماية حقوق‬ ‫الإن�سان‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫الرياض تستضيف قمة مجموعة(‪ )ASPA‬يومي ‪ 11 – 10‬نوفمبر‬

‫المعهد ينظم ورشة عمل «العالقات بين الدول‬ ‫العربية ودول أمريكا الجنوبية»‬ ‫أخبار‬ ‫‪14‬‬

‫ الدبلوماسي ‪ -‬إبراهيم العقيلي ‪-‬‬‫تعقد يف مدينة الريا�ض يومي‬ ‫‪ 29 - 28‬حمرم ‪1437‬هـ‪ ،‬املوافق ‪10‬‬ ‫ ‪ 11‬نوفمرب ‪ 2015‬القمة الرابعة‬‫ل��ل��دول ال��ع��رب��ي��ة ودول �أم��ري��ك��ا‬ ‫اجلنوبية‪ )ASPA(.‬وك��ان قد‬ ‫عقدت القمة الأولى يف الربازيل يف‬ ‫�شهر مايو ‪ ،2005‬والثانية يف قطر‬ ‫يف مار�س ‪ ،2009‬والثالثة يف بريو‬ ‫يف �أكتوبر ‪.2013‬‬

‫ا�ست�ضافت الريا�ض يومي ال�سابع والثامن‬ ‫من �أكتوبر ‪ 2015‬ور�شة عمل‪« :‬العالقات بني‬ ‫الدول العربية ودول �أمريكا اجلنوبية» نظمها‬ ‫معهد ال��درا���س��ات الدبلوما�سية وعقدت‬ ‫بفندق الريا�ض �إنرتكونتيننتال‪،‬‬ ‫مب�������ش���ارك���ة ن���خ���ب���ة م����ن ال�����س��ي��ا���س��ي�ين‬ ‫والدبلوما�سيني واخل�ب�راء واملهتمني م��ن دول‬ ‫�أم��ري��ك��ا اجلنوبية وع��دد م��ن ال���دول العربية‪،‬‬ ‫وح�ضر االفتتاح نائب وكيل وزارة اخلارجية‬ ‫املكلف لل�ش�ؤون املتعددة ال�سفري فهد الراجح‪.‬‬ ‫ويف كلمة االفتتاح رحب املدير العام ملعهد‬ ‫الدرا�سات الدبلوما�سية الدكتور عبدالكرمي بن‬ ‫حمود الدخيِّل بامل�شاركني من اجلانبني العربي‬

‫و�أمريكا اجلنوبية‪ ،‬متمنيًا �أن يتمخ�ض عنها‬ ‫تو�صيات مهمة ترفع للقمة العربية الأمريكية‬ ‫اجلنوبية(‪ )ASPA‬املزمع عقدها باململكة‪.‬‬ ‫وقال �إن هذه الور�شة ت�أتي �ضمن التح�ضري‬ ‫للقمة الرابعة بني الدول العربية ودول �أمريكا‬ ‫اجلنوبية (‪ ،)ASPA‬مفيدً ا ب�أن الور�شة عملت‬ ‫على جمع املفكرين واملخت�صني والباحثني‬ ‫ال�سيا�سيني املهتمني بالعالقات العربية مع دول‬ ‫�أمريكا الالتينية للخروج بر�ؤى وتو�صيات ميكن‬ ‫�أن ت�ساعد يف بلورة �أفكار تو�ضع �أمام القمة‪.‬‬ ‫م��ن جانب �آخ��ر ر�أى نائب وزي��ر خارجية‬ ‫ال��ب�يرو ال�سفري �إدواردو مارتيني‪� ،‬أن هناك‬ ‫�إرثً���ا تاريخيًا م�شرتكًا ب�ين اجلانبني العربي‬


‫هناك حاجة للمجتمعات املحلية يف دول �أمريكا‬ ‫اجلنوبية لبناء عالقات �أكرث ترابطً ا مع العامل‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫ويف ختام ور�شة العمل قدم وفد دول �أمريكا‬ ‫اجلنوبية وامل�شاركون من الدول العربية‪ ،‬ال�شكر‬ ‫للجانب ال�سعودي على تنظيم ه��ذه الور�شة‬ ‫وح�سن اال�ست�ضافة‪.‬‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫العرب سعداء‬ ‫بالدعم الالتيني للحقوق‬ ‫العربية‪ ،‬كما أن هناك‬ ‫عم ً‬ ‫ً‬ ‫مشتركا في قضايا‬ ‫ال‬ ‫متعددة منها إصالح‬ ‫مجلس األمن الدولي‬ ‫وقضايا التنمية‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫والالتيني‪ ،‬كما �أن جوانب اللقاء الثقافية تعترب‬ ‫م�صدرًا للتعاون وتنمية العالقات بني اجلانبني‪.‬‬ ‫و�أ�شار مارتيني �إلى �أن العالقات االقت�صادية‬ ‫ب�ين اجل��ان��ب�ين تعد �أق���ل م��ن امل��ط��ل��وب مقارنة‬ ‫بعالقات دول �أم�يرك��ا الالتينية باملجموعات‬ ‫الدولية الأخرى‪ ،‬الفتًا �إلى �أن �آالف الالتينيني‬ ‫يتطلعون �إلى العمل يف جمل�س التعاون اخلليجي‪.‬‬ ‫و�أ���ض��اف �أن افتتاح �سفارات �سعودية يف‬ ‫ع��دد من دول �أمريكا الالتينية‪ ،‬وك��ذا افتتاح‬ ‫���س��ف��ارات للبريو يف ك��ل م��ن اململكة والكويت‬ ‫وقطر‪ ،‬من �ش�أنه �أن ي�سهم يف تطوير العالقات‬ ‫بني املجموعتني‪.‬‬ ‫من جانب �آخر �أو�ضح ال�سفري فهد الراجح‪،‬‬ ‫�أن ال��ع��رب �سعداء بالدعم الالتيني للحقوق‬ ‫العربية‪ ،‬كما �أن هناك عم ًال م�شرتكًا يف ق�ضايا‬ ‫متعددة منها �إ���ص�لاح جمل�س الأم���ن ال��دويل‬ ‫وق�ضايا التنمية‪.‬‬ ‫م��ن جهة �أخ���رى �أ���ش��ار نائب مدير املعهد‬ ‫الدبلوما�سي يف ت�شيلي الدكتور باتري�سيو باول‪،‬‬ ‫�إل��ى �أن تاريخ العالقات بني اجلانبني العربي‬

‫والالتيني يعود �إلى الوجود العربي يف الأندل�س‪،‬‬ ‫فمنذ ذل��ك التاريخ ب��د�أ التوا�صل العربي مع‬ ‫�أمريكا الالتينية‪.‬‬ ‫وق��ال �إن م�ساهمات الالتينيني العرب ال‬ ‫ميكن جتاهلها‪ ،‬فع�شرات املاليني من �سكان دول‬ ‫�أمريكا الالتينية �أ�صولهم عربية‪ ،‬كما �أن عددًا‬ ‫من ر�ؤ�ساء دول وحكومات عدد من دول �أمريكا‬ ‫الالتينية �أ�صولهم عربية‪ ،‬وهناك �أعداد كبرية‬ ‫منهم �أع�ضاء يف برملانات دول �أمريكا اجلنوبية‪،‬‬ ‫م�ضيف ًا �أن اللغة ال تعد عائقًا‪ ،‬فهناك �أعداد من‬ ‫أي�ضا هناك‬ ‫الالتينيني يتحدثون اللغة العربية‪ ،‬و� ً‬ ‫عرب يتكلمون الإ�سبانية‪.‬‬ ‫وذكر امل�شاركون من دول �أمريكا اجلنوبية‬ ‫ع��ددًا من امللتقيات بني اجلانبني‪ ،‬منها‪ :‬دعم‬ ‫دول �أم�يرك��ا اجلنوبية للق�ضية الفل�سطينية‬ ‫وقيام دولة فل�سطينية‪ ،‬وحماربة الإرهاب وت�أييد‬ ‫مقرتح العرب ب�إن�شاء مركز دويل لتوحيد اجلهد‬ ‫الدويل ملحاربة الإرهاب‪ ،‬و�إ�صالح النظام املايل‬ ‫العاملي‪ ،‬و�إ�صالح جمل�س الأمن الدويل‪.‬‬ ‫و�أ�شاروا �إلى �أن دول �أمريكا اجلنوبية ت�سعى‬ ‫�إل��ى تنويع اقت�صادها وا�ستثماراتها‪ ،‬كما �أن‬

‫‪15‬‬


‫يعتمدون ‪ 17‬هدف ًا لتحقيقها بحلول عام ‪2030‬‬

‫دوليات‬ ‫‪16‬‬

‫قمة جمعت ‪ 150‬من‬ ‫زعماء وقادة العـــالم‬


‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫ج��اءت �أه���داف التنمية امل�ستدامة نتيجة‬ ‫لعملية تفاو�ض �شاركت فيها الدول الأع�ضاء الـ‬ ‫‪ 193‬يف الأمم املتحدة‪� ،‬إلى جانب م�شاركة غري‬ ‫م�سبوقة من املجتمع املدين وغريه من اجلهات‬ ‫املعنية‪ ،‬م��ا �أدى �إل���ى متثيل جمموعة وا�سعة‬ ‫من امل�صالح ووجهات النظر‪ .‬يف املقابل كانت‬ ‫الأهداف الإمنائية للألفية نتاج عمل قامت به‬ ‫جمموعة من اخلرباء وراء �أبواب مغلقة‪.‬‬ ‫ومتثل الأهداف الـ ‪ 17‬للتنمية امل�ستدامة يف‬ ‫الق�ضاء على الفقر بجميع �أ�شكاله يف كل مكان‪،‬‬ ‫والق�ضاء على اجل��وع وت��وف�ير الأم���ن الغذائي‬ ‫والتغذية املحّ �سنة‪ ،‬وتعزيز الزراعة امل�ستدامة‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إل��ى ال�صحة اجليدة وال��رف��اه و�ضمان‬ ‫التعليم اجل��ي��د املن�صف وال�����ش��ام��ل للجميع‪،‬‬ ‫وتعزيز فر�ص التعلّم مدى احلياة للجميع‪.‬‬ ‫كما تت�ضمن الأه��داف حتقيق امل�ساواة بني‬ ‫اجلن�سني ومتكني كل الن�ساء والفتيات‪ ،‬و�ضمان‬ ‫توافر املياه وخدمات ال�صرف ال�صحي للجميع‬ ‫و�إدارت��ه��ا �إدارة م�ستدامة‪� ،‬إل��ى جانب �ضمان‬ ‫ح�صول اجلميع بتكلفة مي�سورة على خدمات‬ ‫الطاقة احلديثة املوثوقة وامل�ستدامة‪ ،‬وتعزيز‬ ‫النمو االق��ت�����ص��ادي امل��ط��رد وال�شامل للجميع‬ ‫وامل�ستدام‪ ،‬والعمالة الكاملة واملنتجة‪ ،‬وتوفري‬ ‫العمل الالئق للجميع‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬تت�ضمن الأه��داف الـ ‪17‬‬ ‫للتنمية امل�ستدامة �إقامة بنى حتتية قادرة على‬ ‫ال�صمود‪ ،‬وحتفيز الت�صنيع ال�شامل للجميع‬ ‫وامل�ستدام‪ ،‬وت�شجيع االبتكار واحلد من انعدام‬ ‫امل�����س��اواة داخ��ل ال��ب��ل��دان وفيما بينها‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫عن جعل امل��دن وامل�ستوطنات الب�شرية �شاملة‬

‫للجميع و�آمنة وقادرة على ال�صمود وم�ستدامة‬ ‫بجانب اال�ستهالك والإنتاج امل�س�ؤولني‪ ،‬واتخاذ‬ ‫�إجراءات عاجلة للت�صدي لتغري املناخ و�آثاره‪.‬‬ ‫�إ���ض��اف��ة �إل���ى ح��ف��ظ امل��ح��ي��ط��ات وال��ب��ح��ار‬ ‫واملوارد البحرية وا�ستخدامها على نحو م�ستدام‬ ‫لتحقيق التنمية امل�ستدامة‪� ،‬إلى جانب حماية‬ ‫النظم الإيكولوجية الربية وترميمها وتعزيز‬ ‫ا�ستخدامها على نحو م�ستدام‪ ،‬و�إدارة الغابات‬ ‫على نحو م�ستدام‪ ،‬ومكافحة الت�صحر‪ ،‬ووقف‬ ‫تدهور الأرا�ضي وعك�س م�ساره‪ ،‬ووقف فقدان‬ ‫التنوع البيولوجي‪ ،‬عالوة على ال�سالم والعدل‬ ‫وامل�ؤ�س�سات‪ ،‬و�أخ��ي�رًا تعزيز و�سائل التنفيذ‬ ‫وتن�شيط ال�شراكة العاملية م��ن �أج��ل التنمية‬ ‫امل�ستدامة‪.‬‬ ‫وتتميز‪ ‬هذه الأهداف بتو�سع نطاقها‪ ،‬فهي‬ ‫تعالج العنا�صر املرتابطة للتنمية امل�ستدامة‪:‬‬ ‫النمو االقت�صادي والإدماج االجتماعي وحماية‬ ‫البيئة‪ .‬يف حني ركزت الأهداف الإمنائية للألفية‬ ‫يف املقام الأول على جدول الأعمال االجتماعي‪.‬‬ ‫وقد ا�ستهدفت هذه الأهداف الإمنائية للألفية‬ ‫البلدان النامية‪ ،‬ال �سيما �أولئك الأك�ثر فقرًا‪،‬‬ ‫يف حني �سيتم تطبيق �أهداف التنمية امل�ستدامة‬ ‫للعامل كله‪ ،‬الأغنياء والفقراء‪.‬‬ ‫وكانت الأه��داف الإمنائية للألفية �أطلقت‬ ‫�سنة‪ 2000 ‬واعتمدت �سنة ‪ 2015‬ك�أجل حمدد‬ ‫لبلوغها‪.‬‬ ‫وانطالقًا من اعرتافها بنجاح هذه الأهداف‬ ‫ووعيها باحلاجة خلطة جديدة للتنمية ملا بعد‬ ‫عام ‪ ،2015‬وافقت الدول الأع�ضاء �سنة‪2012 ‬‬ ‫يف م�ؤمتر الأمم املتحدة للتنمية امل�ستدامة‪“ ‬قمة‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫ إسالم منير‪ -‬نيويورك‪-‬‬‫اعتمدت قمة التنمية امل�ستدامة التي‪ ‬عقدت مبقر الأمم املتحدة يف نيويورك بني اخلام�س‬ ‫والع�شرين وال�سابع والع�شرين من �سبتمرب املا�ضي وعلى مدى ثالثة �أيام ‪ 17‬هدفًا متثل �أهداف‬ ‫التنمية امل�ستدامة للألفية لتنفيذها بحلول عام ‪ 2030‬وذلك مب�شاركة �أكرث من مئة وخم�سني‬ ‫من زعماء قادة‪ ‬العامل‪.‬‬ ‫وتت�ضمن الأهداف الرئي�سية لأجندة التنمية امل�ستدامة حتقيق ‪ 17‬هدفًا و‪196‬غاية من‬ ‫�أجل حتقيق ‪� 3‬إجنازات ا�ستثنائية‪ ‬وذلك خالل ال�سنوات الـ ‪ 15‬املقبلة تتمثل يف الق�ضاء على‬ ‫الفقر املدقع‪ ،‬وحماربة عدم امل�ساواة والظلم‪ ،‬و�إ�صالح تغري املناخ‪.‬‬ ‫ويرجع‪ ‬هذا العدد الكبري من الأهداف �إلى �أن التحديات املعقدة التي توجد يف عامل اليوم‬ ‫تتطلب تغطية جمموعة وا�سعة من الق�ضايا‪ ،‬كما تتطلب معاجلة الأ�سباب اجلذرية للم�شاكل‪،‬‬ ‫ولي�س الأعرا�ض فقط‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫دوليات‬ ‫‪18‬‬

‫ريو ‪ ”20 +‬على �إن�شاء فريق عمل مفتوح لو�ضع‬ ‫جمموعة من �أهداف التنمية امل�ستدامة‪.‬‬ ‫وبعد �أك�ثر من ع��ام من املفاو�ضات‪ ،‬قدم‬ ‫الفريق العامل املفتوح تو�صياته ب�ش�أن ‪ 17‬هدفًا‬ ‫للتنمية امل�ستدامة‪.‬‬ ‫ويف �أوائل �أغ�سط�س ‪ ،2015‬تو�صلت الدول‬ ‫الأع�ضاء البالغ عددها ‪ 193‬يف الأمم املتحدة‬ ‫�إل��ى توافق يف الآراء ب�ش�أن الوثيقة اخلتامية‬ ‫جلدول الأعمال اجلديد “حتويل عاملنا‪ :‬جدول‬ ‫�أعمال للتنمية امل�ستدامة ‪.”2030‬‬ ‫وقررت الدول الأع�ضاء �أن تنعقد قمة الأمم‬ ‫املتحدة العتماد جدول �أعمال التنمية امل�ستدامة‬ ‫اجلديد و�أهدافه الـ‪ 17‬ودعت لذلك �إلى جل�سة‬ ‫عامة رفيعة امل�ستوى للجمعية العامة‪.‬‬ ‫اجلدير بالذكر �أن مرا�سم افتتاح القمة‬ ‫ب�����د�أت ب��ع��ر���ض ف��ي��ل��م “كوكب الأر�������ض من‬ ‫الف�ضاء”‪ ،‬تلته عرو�ض مو�سيقية ل�سفراء النوايا‬ ‫احل�سنة �شاكريا و�أجنيليك كيدجو‪ ،‬وكذلك‬ ‫دعوة للعمل وجهتها مالال يو�سف زاي احلائزة‬ ‫على جائزة نوبل‪ ،‬وممثلون عن ال�شباب الذين‬ ‫قاموا بدورهم يف حمل �شعلة امل�ستقبل امل�ستدام‪.‬‬ ‫وتخلل م�ؤمتر القمة �ستة ح��وارات تفاعلية‬ ‫حول ق�ضايا الق�ضاء على الفقر واجلوع‪ ،‬ومعاجلة‬

‫األجندة الجديدة‬ ‫خارطة طريق شاملة‬ ‫للقضاء على الفقر‪ ،‬وبناء‬ ‫حياة كريمة للجميع‪ ‬دون‬ ‫إقصاء‬ ‫عدم امل�ساواة‪ ،‬ومتكني الن�ساء والفتيات بدون‬ ‫ا�ستبعاد �أي �شخ�ص‪ ،‬وتعزيز النمو االقت�صادي‬ ‫امل�ستدام‪ ،‬وحتويل وت�شجيع اال�ستهالك والإنتاج‬ ‫امل�ستدام‪ ،‬والوفاء بالتزام �إقامة �شراكة عاملية‪،‬‬ ‫وبناء م�ؤ�س�سات فعالة وم�س�ؤولة و�شاملة لتحقيق‬ ‫التنمية امل�ستدامة‪ ،‬وحماية كوكبنا ومكافحة‬ ‫تغري املناخ‪.‬‬ ‫وو�صف الأمني العام بان الأجندة اجلديدة‬ ‫ب�أنها خارطة طريق �شاملة للق�ضاء على الفقر‪،‬‬ ‫وبناء حياة كرمية للجميع‪ ‬دون �إق�صاء‪ .‬وقال‬ ‫أي�ضا دعوة وا�ضحة للعمل ب�شراكة وتكثيف‬ ‫�إنها � ً‬ ‫للجهود لتقا�سم ال��رخ��اء‪ ،‬ومتكني النا�س من‬ ‫ت�أمني �سبل رزقهم‪.‬‬

‫و�أكد بان كي مون �أن هذه اخلارطة ت�شمل‬ ‫خطة عمل عاملية حتولية ومندجمة‪ ‬تب�شر بتحول‬ ‫تاريخي يف عاملنا‪ ،‬م�ضيفًا �أنها خطة النا�س‬ ‫وبرنامج عمل من �أجل الق�ضاء على الفقر بكل‬ ‫�أبعاده ب�شكل ال رجعة فيه‪ ‬يف كل مكان و�أال نرتك‬ ‫وراءنا �أيًا كان‪.‬‬ ‫�أم��ا املنتج ال�بري��ط��اين وك��ات��ب ال�سيناريو‬ ‫وم���ؤ���س�����س ومم���ول «حملة الأه����داف العاملية»‬ ‫ريت�شارد كريتي�س‪ ،‬ف�شدد على �أهمية التعريف‬ ‫بتلك الأهداف والرتويج لها‪ ،‬لت�صل �إلى كل فرد‬ ‫يف جميع �أنحاء العامل‪.‬‬ ‫وقال كريتي�س عن احلملة التي مت �إطالقها‬ ‫يف الأم��م املتحدة ومت��ت بالتعاون مع ن�شطاء‬ ‫و�شخ�صيات عامة و���ش��رك��ات ومنظمات غري‬ ‫ح��ك��وم��ي��ة‪« :‬ب��ي��ت الق�صيد ه��و �أن علينا �أن‬ ‫نفهم ‪ ‬حقًا �أن الفقر وم�شاكل العامل معقدة‪،‬‬ ‫ل��ذل��ك ق�ضية امل��ن��اخ مهمة للغاية‪ ،‬والق�ضاء‬ ‫على الفقر هو �أم��ر حتمي‪ ،‬وه��و مهم للغاية‪،‬‬ ‫وال�شراكات التي حتقق هذه الأمور مهمة‪”.‬‬ ‫و�أو����ض���ح ك�يرت��ي�����س �أن����ه يف ه���ذا الع�صر‬ ‫احلديث‪ ،‬كل من هو على الإن�ترن��ت‪ ،‬يجب �أن‬ ‫يقوم بن�شر املعلومات عن ال�سبعة ع�شر‪ ‬هدفًا‬ ‫لكل من يعرفون‪� ،‬أو يعتقدون �أنهم يهتمون ب�أي‬ ‫�شكل من الأ�شكال‪ .‬وال�شيء ال��ذي ميكن عمله‬ ‫هو �أنه ويف �أي جمتمع �أنت فيه‪� .‬إذا كنت معلمًا‪،‬‬ ‫فعلمهم يف‪ ‬املدر�سة‪� ،‬إذا كنت واعظً ا‪ ،‬ف�أوعظهم‬ ‫يف الكني�سة‪� ،‬إذا ك��ان��ت ل��دي��ك جمموعة من‬ ‫الأ�صدقاء‪ ‬فتحدث �إليهم‪.‬‬ ‫وت�ضمنت احلملة ‪� ‬أغنية «�أخ�بر اجلميع»‪،‬‬ ‫وه��ي �أغنية مت ت�سجيلها م��ن قبل �أح��د ع�شر‬ ‫�شخ�صا من �أك�بر جنوم املو�سيقا يف �إفريقيا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقد رفعوا �سبعة ع�شر علمًا يف مواقع بارزة حول‬ ‫العامل ويف م�سريات جماهريية يف مئة بلد‪.‬‬ ‫ومت تنظيم احلملة بال�شراكة مع معلمني‬ ‫ورجال دين وو�سائل الإع�لام ومن�صات و�سائل‬ ‫الإعالم االجتماعية والرقمية‪ ،‬ف�ض ًال عن فنانني‬ ‫ومنظمات �شعبية بهدف الو�صول �إل��ى ‪� ‬سبعة‬ ‫مليارات �شخ�ص يف �سبعة �أي��ام‪ ،‬من اخلام�س‬ ‫والع�شرين من �سبتمرب �إلى الثاين من �أكتوبر‪.‬‬ ‫هذا وقد �أ�ضيء مبنى الأمم املتحدة ع�شية‬ ‫القمة التاريخية ب�صور عديدة تتعلق ب�أهداف‬ ‫التنمية امل�ستدامة والتعريف بها‪ ،‬ف�ض ًال عن‬ ‫�إحياء الذكرى ال�سبعني لإن�شاء املنظمة الدولية‪.‬‬


‫‪19‬‬ ‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬


‫ثقافة الفقر‬ ‫أسوأ من الفقر نفسه!‬ ‫مصطلحات‬ ‫‪20‬‬

‫ د‪ .‬عبداهلل بن ربيعان‪-‬‬‫أكاديمي سعودي متخصص في االقتصاد والمالية‬ ‫ن�سمع عادة ونقر�أ‪ ،‬القب�ض على مت�سول وبعد البحث والتق�صي‬ ‫وجد �أنه ميلك ماليني الرياالت‪� ،‬أو وجد عند فالن «الفقري» �شكلاً‬ ‫ومظهرًا‪ ،‬عمارات و�أموال وفرية بعد وفاته‪.‬‬ ‫ويف ق�صة �أخرى‪ ،‬يقول �أحد العاملني يف املجال اخلريي‪« :‬جددنا‬ ‫منزل �إحدى العوائل الفقرية‪ ،‬و�أعدنا فر�شه وترتيبه‪ ،‬و�صرفنا لهم‬ ‫راتبًا جيدً ا‪ ،‬ومع ذلك فرب العائلة �إذا ما �أراد �شيئًا ف�إنه يت�صل‬ ‫بنغمة واحدة ثم يغلق اجلوال لأت�صل به من هاتفي»‪.‬‬


‫العدد‬

‫�سيما ال�سعودي‪ ،‬مثلما هي وا�ضحة يف املجتمعات‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫ولكن ه��ذا ال ينفى وج��ود تلك الثقافة‪� ،‬أو‬ ‫بع�ض �أجزائها على الأق��ل‪ ،‬وهو ما يوجب على‬ ‫احلكومة وم�ؤ�س�سات املجتمع التعليمية والثقافية‬ ‫والدعوية حماربتها‪ ،‬وحماولة ح�صرها يف حدها‬ ‫الأدنى‪.‬‬ ‫وخ�لا���ص��ة ال��ق��ول �أن���ه �إن ك��ان الفقر يولد‬ ‫الفقر‪ ،‬ويزيد معدل الأمية والبطالة وما يتبعهما‬ ‫من تزايد اجلرمية وال�سرقة والعنف‪ ،‬ف�إنه يف كل‬ ‫حاالته �أقل �أثرًا من ثقافة الفقر؛ لأن الفقر ميكن‬ ‫عالجه والق�ضاء عليه متى ت��واف��رت العزمية‬ ‫والنية ال�صادقة‪ ،‬ولكن حينما يكون الفقر ثقافة‬ ‫مت�أ�صلة‪ ،‬ف���إن العالج �سيكون بالت�أكيد �أ�صعب‬ ‫و�أك�ث�ر �أملً���ا ووق�� ًت��ا‪ ،‬وه��و م��ا يوجب �سرعة عالج‬ ‫الأولى حتى ال تت�أ�صل الثانية يف النفو�س‪ .‬وكفى‬ ‫اهلل اجلميع الفقر وثقافته‪.‬‬

‫‪81‬‬

‫مصطلح ثقافة الفقر‬ ‫ينسب إلى العالم‬ ‫أوسكار لويس‪ ‬أطلقه‬ ‫خالل دراسته على‬ ‫بعض األحياء المتخلفة‬ ‫في المكسيك‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫مم��ا ���س��ب��ق‪ ،‬ومم���ا ن��ع��رف م��ن الق�ص�ص‬ ‫امل�شابهة‪ ،‬ال بد من التفريق بني ال�شخ�ص الفقري‪،‬‬ ‫وال�شخ�ص الذي يعي�ش ثقافة الفقر‪ ،‬فال�شخ�ص‬ ‫���وال كثرية‪،‬‬ ‫ال��ذي يت�سول على رغ��م امتالكه �أم اً‬ ‫�أو كبري ال�سن الفقري �شكلاً وال��ذي وجد ورثته‬ ‫العمائر والأم��وال بعد موته‪ ،‬ورب العائلة الذي‬ ‫يت�صل بنغمة واح��دة ثم يقفل طالبًا من الآخر‬ ‫االت�صال به حتى ال يدفع هلالت ب�سيطة على‬ ‫رغ��م ما قدمه له الطرف ال��ذي يت�صل به من‬ ‫م�ساعدات و�أم��وال نقلته من طبقة الفقراء �إلى‬ ‫متو�سطي احل��ال‪ ،‬كلهم لي�سوا فقراء‪ ،‬ولكنهم‬ ‫يعي�شون ثقافة الفقر‪ ،‬ويت�صرفون مبا متليه هذه‬ ‫الثقافة‪.‬‬ ‫وم�����ص��ط��ل��ح ث��ق��اف��ة الفقر‪Culture of ‬‬ ‫‪ ،Poverty‬ين�سب �إلى عامل �إنرثبولوجيا الأمريكي‬ ‫�أو�سكار لوي�س‪ Oscar Lewis ‬يف درا�سته على‬ ‫بع�ض الأحياء املتخلفة يف مدينة مك�سيكو�سيتي‬ ‫يف املك�سيك‪ ،‬وعلى بع�ض �أبناء جالية «بورتريكو»‬ ‫املهاجرين للعي�ش يف مدينة نيويورك الأمريكية‬ ‫يف �أواخر خم�سينيات القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫وبالت�أكيد‪ ،‬فارق كبري بني عالج الفقر وعالج‬ ‫ثقافة الفقر‪ ،‬ف��الأول �أ�سهل بكثري‪ ،‬فقط يُعطى‬ ‫الفقري ما يكفيه من �أموال ومعونات حتى يخرج‬ ‫من دائرة الفقر‪ ،‬ولكن عالج ثقافة الفقر �أمر ال‬ ‫ميكن التعامل معه ب�سهولة؛ فهو يحتاج �إلى زمن‬ ‫طويل‪ ،‬وتغيري منط حياة الفرد �أو الأ�سرة التي‬ ‫تعي�ش تلك الثقافة؛ لتنتقل من ثقافة الفقر �إلى‬ ‫ثقافة الغنى �أو الكفاية على الأقل‪.‬‬ ‫اقت�صاديًا‪ ،‬تقوم ال�سيا�سات املوجهة عادة‬ ‫على عالج الفقر‪� ،‬أو الفقر املدقع‪ ،‬وهو انخفا�ض‬ ‫دخ��ل ال�شخ�ص ال��ي��وم��ي ع��ن م��ق��دار معني من‬ ‫املال (دوالر �أمريكي عادة ويف بع�ض امل�ؤ�شرات‬ ‫احلديثة رفع خط الفقر لدوالر ون�صف الدوالر‬ ‫�أو دوالرين)‪ ،‬وال تتطرق �أبدًا هذه ال�سيا�سات ‪-‬‬ ‫بح�سب علمي‪� -‬إلى عالج ثقافة الفقر‪.‬‬ ‫و�أ���س��ه��ل ال��ط��رق امل�ستخدمة ل��ع�لاج الفقر‬ ‫حاليًا‪ ،‬هي ما ي�سمى بطريقة عد الر�ؤو�س‪Head ‬‬ ‫‪ ،– Count Index‬وت��ك��ون ب��ت��ع��داد ال��ف��ق��راء‬ ‫ون�سبتهم للعدد الإجمايل لل�سكان؛ ليعرف كم‬ ‫ت�شكل ن�سبة الفقراء يف البلد‪ ،‬وم��ن ثم توجه‬ ‫الأم����وال وامل��ع��ون��ات امل��ادي��ة ل��ه��م‪ .‬ويعيب هذه‬ ‫الطريقة �أنها ال تفرق بني الفقري والأكرث فقرًا‪،‬‬ ‫وم��ن ثم هي غري ناجعة يف ع�لاج الفقر؛ لأنها‬ ‫تفرت�ض ت�ساوي اجلميع يف الفقر‪.‬‬ ‫الطريقة الأخ��رى الأك�ثر ا�ستخدامًا‪ ،‬تقوم‬

‫على توجيه الإع��ان��ة وال��دع��م للأكرث ف��ق��رًا‪ ،‬ثم‬ ‫الأق��ل فقرًا على الرتتيب‪ ،‬وه��ي طريقة قيا�س‬ ‫فجوة الفقر‪Poverty Gap Index ‬؛ للح�صول‬ ‫على معلومات عن بعد الفقري �أو موقعه حتت خط‬ ‫الفقر‪ ،‬ومن ثم �إعطاء كل فقري‪ ،‬بح�سب موقعه ما‬ ‫يكفي لتجاوز خط الفقر‪.‬‬ ‫كما �أن هناك طرقًا �أخ��رى ملعاجلة الفقر‪،‬‬ ‫ولكنها تقت�صر على الفقر امل��ادي القائم على‬ ‫ح�سابات معدل الدخل‪ ،‬ون�سبة الإعالة‪ ،‬ومدى‬ ‫توافر �أ�سا�سيات احلياة‪.‬‬ ‫على اليد الأخرى‪ ،‬يحتاج عالج ثقافة الفقر‬ ‫�إل��ى النفَ�س الطويل‪ ،‬ف�صفات من يعي�ش هذه‬ ‫الثقافة �أنه �شخ�ص حمبط‪ ،‬قليل التفا�ؤل‪ ،‬قليل‬ ‫التعليم‪ ،‬لي�س لديه الرغبة وال احلافز لتغيري‬ ‫منط حياته‪.‬‬ ‫كما �أن �أب��ن��اء تلك الثقافة ال ي�شاركون يف‬ ‫احلياة العامة‪ ،‬وال يثقون بالآخرين‪ ،‬وجتدهم‬ ‫دائمًا يتذمرون من ظلم املجتمع لهم‪ ،‬وي�شعرون‬ ‫بالتهمي�ش‪ ،‬وهو ما يجعلهم يفرِّطون يف الفر�ص‬ ‫التي قد ت�ؤدي �إلى تغيري م�سار حياتهم‪.‬‬ ‫والأخطر ‪ -‬بح�سب الدرا�سات ‪ -‬هو انتقال‬ ‫الثقافة من جيل �إلى جيل‪ ،‬ومن الآباء �إلى الأوالد‪،‬‬ ‫وم��ن ث��م الأح��ف��اد‪ ،‬وه��و م��ا يجعل تلك الثقافة‬ ‫تت�أ�صل يف النفو�س‪ ،‬ولي�ست جمرد ثقافة ميكن‬ ‫تغيريها ونزعها ببع�ض اجلهود والتدخالت‪.‬‬ ‫�إن الفئة املذكورة لي�س لديها كل تلك ال�صفات‬ ‫ال�سيئة‪ ،‬و�إذا �أخذنا يف احل�سبان اجلانب الديني‬ ‫وال�شرعي الذي يحارب تلك ال�صفات‪ ،‬ويدعو �إلى‬ ‫التفا�ؤل وح�سن الظن‪ ،‬ف�إن ثقافة الفقر ال ميكن‬ ‫مالحظتها بو�ضوح يف جمتمعنا اخلليجي‪ ،‬وال‬

‫‪21‬‬


‫ألمانيا‬ ‫الحدث‬ ‫‪22‬‬

‫تفتــح أبوابها‬ ‫أمام الالجئين‬


‫‪ -‬حاتم غالي ‪ -‬ألمانيا‪-‬‬

‫العدد‬

‫داع�ش لهم‪.‬‬ ‫ومل ي��ق��ف الأم����ر ع��ن��د ه���ذا احل���د‪ ،‬بل‬ ‫قدمت التعليمات مبزاولة الأطفال لتعليمهم‬ ‫ب��دءًا من تاريخ دخولهم �أملانيا ومتعتهم‬ ‫باحل�صانة الكافية‪ ،‬كما مت تخ�صي�ص ‪6‬‬ ‫ماليني ي��ورو مل�ساعدتهم خ�لال ال�سنتني‬ ‫املقبلتني‪.‬‬ ‫ويعود الف�ضل �إلى مريكل التي حظيت‬ ‫بالدعم الكايف من العديد من رجال الأعمال‬ ‫الذين انطلقوا يف �ضخ �أموال لتثبيتها على‬ ‫اخلطوة التي �أقدمت عليها عرب م�ساعدة‬ ‫�آالف الالجئني الذين نزحوا �إلى �أوروبا �إلى‬ ‫درج��ة و�صفتها ال�صحافة العاملية باملر�أة‬ ‫املالك‪.‬‬ ‫مواقف كرمية‬ ‫من جهة �أخرى‪� ،‬أثارت مريكل �إعجاب‬ ‫املاليني يف العامل‪ ،‬حتى �إن عددًا من العرب‬ ‫وامل�سلمني يف �شتى بقاع املعمورة �أعلنوا عن‬ ‫ت�ضامنهم معها ب�سبب مواقفها “الكرمية”‬ ‫من ق�ضية الهجرة التي باتت ال�شغل ال�شاغل‬ ‫لقادة �أوروبا‪.‬‬ ‫ه��ذا الدعم مل يكن الوحيد‪ ،‬بل خرج‬ ‫ال��ك��ث�ير م��ن ال��ع��رب يف ت��ظ��اه��رات دع��مً ��ا‬ ‫لهذه ال�سيا�سة التي وج��دت طريقها �إلى‬ ‫ق��ل��ب امل��واط��ن ال��ع��رب��ي ال��ب�����س��ي��ط‪ ،‬ب�سبب‬ ‫ذلك املوقف الذي ت�سبب يف �سخط اليمني‬ ‫املتطرف املناه�ض للمهاجرين والالجئني‪.‬‬ ‫فاج�أت الر�أي العام الأوروبي‬ ‫ويف ال�سياق ذات��ه‪ ،‬فاج�أ ق��رار مريكل‬ ‫ال������ر�أي ال���ع���ام يف غ��ال��ب��ي��ة دول االحت���اد‬ ‫الأوروب��ي‪ ‬ال��ت��ي‪ ‬ال ت��زال متحفظة‪ ،‬حكامً ا‬ ‫و�شعوبًا‪ ،‬على مبد�أ �إيواء الفارين من ويالت‬

‫‪81‬‬

‫�إجراءات �صارمة‬ ‫و�سط حتفظ �أغلب �شركائها الأوروبيني‬ ‫وحت���ذي���رات بع�ضهم م��ن ت��داع��ي��ات ه��ذه‬ ‫امل��وج��ة ال��ك�برى والقيا�سية على م�ستقبل‬ ‫القارة‪� ،‬شرّعت �أملانيا �أبوابها �أمام الالجئني‬ ‫ال�سوريني الذين ا�ستقبلتهم مريكل بنف�سها‬ ‫وقدمت لهم االع��ت��ذار ملن م��روا بظروف‬ ‫���ص��ع��ب��ة‪ ،‬وف����روا م��ن ج��ح��ي��م احل����روب يف‬ ‫بالدهم‪ ،‬واعتذرت عن عدم �إمكانية توفري‬ ‫جميع حاجاتهم يف الوقت احلايل‪ ،‬ولكنها‬ ‫وعدت بت�أمني جميع امل�ساعدات لهم‪.‬‬ ‫ويف وق��ت ي��زداد فيه تعر�ض الالجئني‬ ‫حل���وادث ت����ؤدي �إل��ى مقتل العديد منهم‪،‬‬ ‫�شددت امل�ست�شارة الأملانية يف م�ؤمتر �صحفي‬ ‫ع��ق��دت��ه يف ب��رل�ين ع��ل��ى ات��خ��اذ �إج����راءات‬ ‫�صارمة �ضد �أي حترك عن�صري ومتطرف‬ ‫���ض��د ال�لاج��ئ�ين‪ ،‬وق��ال��ت‪« :‬ال�����س��ل��ط��ات لن‬ ‫تت�سامح مع من ي�شككون بكرامة الآخرين‪،‬‬ ‫و�أح���ذر م��ن امل�شاركة يف مظاهرات ذات‬ ‫خ��ل��ف��ي��ات عن�صرية ومي��ي��ن��ي��ة م��ت��ط��رف��ة»‪،‬‬ ‫و�أك���دت على ���ض��رورة الإ���س��راع يف درا�سة‬ ‫طلبات اللجوء وخا�صة يف دول البلقان‪.‬‬ ‫املر�أة املالك‬ ‫ال�سيا�سية الأملانية التي تعي�ش ربيعها‬ ‫ال��ـ‪� 61‬سيذكرها التاريخ طويالً‪ ،‬ال �سيما‬ ‫بعد �سماحها بدخول �أكرث من مليون الجئ‬ ‫�إلى بالدها دون �أي �شروط و�إدماجهم يف‬ ‫املجتمع مع رف�ض القوانني الزجرية �ضد‬ ‫الالجئني ال�سوريني وغريهم ممن تقطعت‬ ‫بهم ال�سبل ومل يجدوا �إال الأرا�ضي الأوروبية‬ ‫لالحتماء من نريان ال�صواريخ والرباميل‬ ‫ال ع��ن م�لاح��ق��ات تنظيم‬ ‫امل��ت��ف��ج��رة‪ ،‬ف�ض ً‬

‫ميركل شددت على‬ ‫اتخاذ إجراءات صارمة‬ ‫ضد أي تطرف مع‬ ‫الالجئين‬ ‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫فاج�أت امل�ست�شارة الأملانية �أنغيال مريكل كل قادة دول االحتاد الأوروبي الآخرين بقرارها‬ ‫فتح �أبواب بالدها �أمام الالجئني ال�سوريني الذين �أو�صدت تقريبًا كل الأبواب يف وجهوهم يف‬ ‫غالبية البلدان العربية با�ستثناء بلدين اثنني هما لبنان والأردن‪ ،‬لت�سحب الب�ساط من حتت‬ ‫�أقدام القادة الأوروبيني وتلوي �أذرعهم وتهدد مبحا�سبة ا�ستخدام العنف مع الالجئني‪ ،‬م�ؤكدة‬ ‫�أنهم حتت احلماية الدولية مبوجب اتفاقية جنيف‪ .‬‬

‫‪23‬‬


‫الحدث‬ ‫‪24‬‬

‫ال��ن��زاع ال�����س��وري وتنظر �إليهم بو�صفهم‬ ‫خطرً ا على �أمنها وهوياتها‪.‬‬ ‫‪ ‬وقد �ساهمت عوامل كثرية يف ده�شة‬ ‫ال���دول الأوروب��ي��ة الأخ���رى �إزاء ق��رار فتح‬ ‫�أب���واب �أملانيا �أم���ام الالجئني ال�سوريني‪.‬‬ ‫ال �أنه معروف عن مريكل عالقتها‬ ‫ومنها مث ً‬ ‫ال�ضعيفة العلنية ع��ل��ى الأق����ل م��ع ع��وامل‬ ‫امل�شاعر والأحا�سي�س‪ .‬‬ ‫أي�ضا �أن �أملانيا ت�أتي‬ ‫ومن هذه‪ ‬الأ�سباب � ً‬ ‫يف مقدمة دول االحتاد الأوروبي التي تطرح‬ ‫فيها ب�شكل منتظم االعتداءات العن�صرية‬ ‫�ضد طالبي اللجوء منذ ت�سعينيات القرن‬ ‫املا�ضي‪.‬‬ ‫معاملة الالجئني كمواطنني‬ ‫وتقول تقارير �صحفية �أملانية‪� ،‬إن مريكل‬ ‫�أ�صدرت قرارًا مبعاملة الالجئني كمواطنني‬ ‫�أمل��ان لهم نف�س احلقوق والواجبات‪ ،‬وهذا‬ ‫الأم���ر دف��ع بالجئة غانية تقيم حاليًا يف‬ ‫مدينة هانوفر �إلى ت�سمية مولودتها �أنغيال‬ ‫مريكل‪ ،‬تيمنًا باملوقف النبيل للم�ست�شارة‬

‫أعلن عدد من العرب‬ ‫والمسلمين تضامنهم‬ ‫مع ميركل بسبب‬ ‫مواقفها الكريمة من‬ ‫قضية الهجرة‬ ‫الأملانية وتعبريًا عن حبها و�إعجابها بها‪.‬‬ ‫والدة الطفلة �أوفيليا‪ ،‬التي تنحدر من‬ ‫مدينة �أك��را عا�صمة غانا‪� ،‬أرادت �أن تعرب‬ ‫عن امتنانها و�إعجابها مبريكل فقررت �أن‬ ‫ت�سمي ابنتها على ا�سمها‪ ،‬وتقول يف هذا‬ ‫ال�سياق عن امل�ست�شارة �إنها “امر�أة جيدة‪،‬‬ ‫وتعجبني”‪.‬‬ ‫وح��اول��ت مريكل �أن ت��روج �أن��ه��ا �صعبة‬ ‫امل���را����س و�أن ب�لاده��ا ل��ن ت�سمح بتوافد‬ ‫الالجئني‪ ،‬لكنها �سرعان ما انهارت على‬ ‫وق��ع بكاء طفلة فل�سطينية تو�سلت �إليها‬

‫بالبقاء بلغتها الأملانية‪ ،‬وكان ردها �آنذاك‬ ‫بالرف�ض �شارحة �أن الإجراءات الأوروبية‬ ‫ال ت�سمح بذلك‪.‬‬ ‫يف املقابل‪ ،‬ي�شري �آخ��رون �إل��ى �سبب‬ ‫يرونه رئي�سً ا يف ا�ستجابة برلني للتعاطف‬ ‫ال��ك��ب�ير ل����دى الأمل������ان جت����اه ال�لاج��ئ�ين‬ ‫ال�سوريني‪ ،‬يتمثل يف حماولة �ضخ دماء‬ ‫ج���دي���دة يف جم��ت��م��ع ي���ع���اين م���ن ح��ال��ة‬ ‫�شيخوخة مزمنة‪ ،‬مل تفلح معها �إجراءات‬ ‫احلكومة يف احل��د منها بت�شجيع زي��ادة‬ ‫الن�سل ورفع معدل الوالدات‪.‬‬ ‫تغي �سيا�سة مريكل‬ ‫رّ‬ ‫من جهة �أخ��رى‪ ،‬واجهت امل�ست�شارة‬ ‫الأملانية انتقادات بعد التغيري املفاجئ‬ ‫يف موقفها من �أزمة الالجئني‪� ،‬إذ انتقلت‬ ‫من �سيا�سة اليد املمدودة �إلى احلزم‪ ،‬لذا‬ ‫�أعادت فر�ض رقابة على احلدود وبخا�صة‬ ‫م��ع النم�سا‪ ،‬بعد الإق����رار ب�أنها تواجه‬ ‫�صعوبات يف التعامل مع الآالف من طالبي‬ ‫اللجوء الذين ي�صلون كل ي��وم‪ ،‬و�أعلنت‬


‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫�أن��ه��ا مل تعد ق���ادرة على ا�ستيعاب املزيد‬ ‫منهم‪ ،‬وعلقت م�ؤقتًا حرية التنقل يف ف�ضاء‬ ‫�شنغن‪.‬‬ ‫ك��م��ا ع��ل��ق��ت �صحيفة «دي����ر �شبيغل»‬ ‫مبان�شيت ت�صدر �صفحتها «احللم اجلميل‬ ‫انتهى» بعدما حاولت �أملانيا وم�ست�شارتها‬ ‫على مدى �أ�سبوعني �أن تكون مثا ًال ل�سائر‬ ‫دول العامل عندما فتحت حدودها بالكامل‬ ‫�أمام طالبي اللجوء‪.‬‬ ‫ب��دوره��ا كتبت �صحيفة «�سودويت�شه‬ ‫ت�سايتونغ» �أن امل�ست�شارة الأملانية ما كان‬ ‫يجب �أن تغري �سيا�ستها بهذا ال�شكل املفاجئ‬ ‫حول م�س�ألة الالجئني‪ ،‬م�ضيفة �أن عليها �أن‬ ‫«تقر ب�أنها �أ�ساءت تقييم الو�ضع �سيا�سيًا‬ ‫�أكرث من �أي وقت م�ضى»‪.‬‬ ‫والأك�ث�ر �إح��راجً ��ا ملريكل هو �أن رئي�س‬ ‫وزراء املجر ال��ذي انتهج �سيا�سة مت�شددة‬ ‫جدً ا �ضد املهاجرين والذي عار�ض موقف‬ ‫�أملانيا علنًا‪ ،‬كان �أول من رحب بهذا التحول‬

‫سياسة ميركل‬ ‫وجدت طريقها إلى قلب‬ ‫المواطن العربي البسيط‬ ‫بعد تعاملها الراقي مع‬ ‫الالجئين‬

‫يف موقفها عندما دع��ا �إل��ى �إع���ادة فر�ض‬ ‫«رقابة» �ضرورية على احلدود‪.‬‬ ‫�سياق �سيا�سي داخلي‬ ‫ق��رار �إع��ادة فر�ض رقابة على احلدود‬ ‫للحد م��ن تدفق ع�شرات �آالف الالجئني‬ ‫القادمني من البلقان مرورًا باملجر والنم�سا‪،‬‬ ‫جاء يف �سياق �سيا�سي داخلي ينطوي على‬ ‫خماطر بالن�سبة �إلى مريكل‪.‬‬

‫فالفرع البافاري �أي الأكرث ت�شددًا من‬ ‫حزب مريكل‪ ،‬مل يرتدد يف انتقاد ال�سيا�سة‬ ‫املتعاطفة التي تنتهجها احلكومة‪.‬‬ ‫وط��ال��ب وزي���ر ال��ن��ق��ل وع�����ض��و احل��زب‬ ‫�ألك�سندر دوبرينت بـ«اتخاذ �إجراءات فعالة‬ ‫لوقف التدفق» قائالً‪� :‬إن بالده بلغت �أق�صى‬ ‫قدراتها على ا�ستيعاب املهاجرين‪.‬‬ ‫غياب الإعداد امل�سبق‬ ‫ك��م��ا �أن ح����زب االحت������اد امل�����س��ي��ح��ي‬ ‫الدميقراطي احلاكم ظهرت بوادر ان�شقاق‬ ‫داخله‪ ،‬فقد اعترب ين�س يان �أح��د قياديي‬ ‫احلزب �أن �سيا�سة االنفتاح ت�شجع الالجئني‬ ‫على «التوجه �إلى �أملانيا»‪.‬‬ ‫ع�لاوة على ذل��ك تعر�ضت مريكل �إلى‬ ‫انتقادات ر�ؤ�ساء حكومات املقاطعات الذين‬ ‫�أعربوا جميعهم ومن بينهم �أع�ضاء حزبها‬ ‫عن �أ�سفهم لعدم الإع��داد امل�سبق ل�سيا�سة‬ ‫فتح الأبواب �أمام الالجئني �أخريًا مما �أدى‬ ‫�إلى اكتظاظ مراكز اال�ستقبال‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫الهجرة من الموت‬

‫أزمات الشرق األوسط المتفاقمة ترفع وتيرة الهجرة ألوروبا وتؤرق الدول المستقبلة‬ ‫الحدث‬ ‫‪26‬‬


‫‪ -‬محمد إسحاق ‪ -‬تركيا‪-‬‬

‫يف ال��دول الأوروبية يف بداية الثالثينيات �إلى‬ ‫�أواخر ال�ستينيات‪ ،‬نظرًا حلاجة هذه املجتمعات‬ ‫للأيدي العاملة‪.‬‬ ‫وم��ع �أوائ���ل ال�سبعينيات‪� ،‬شعرت ال��دول‬ ‫الأوروبية‪ ،‬ن�سبيًا‪ ،‬باالكتفاء من الأيدي العاملة‪،‬‬ ‫ما جعلها تتبنى �إج��راءات قانونية تهدف �إلى‬ ‫احل��د من الهجرة غري ال�شرعية‪ ،‬وفيما بعد‬ ‫�أ�صبح وج��ود املهاجرين على �أرا�ضيها ي�شكل‬ ‫خماطر كبرية‪ ،‬ما ا�ستوجب �سن قوانني تقلل‬ ‫دخولهم �إلى �أرا�ضيها ملا ي�شكله وجودهم من‬ ‫خطر على �أمنها وا�ستقرارها‪ ،‬وجت�سد ذلك‬ ‫�أكرث بعد �أح��داث ‪� 11‬سبتمرب ‪ ،2001‬وتر�سخ‬ ‫ب�شكل كبري عقب الثورات العربية وما �سببته‬ ‫من م�شاكل �سيا�سية كبرية وكرثة الالجئني‪.‬‬ ‫اتفاقية “�شنجن”‬ ‫ازدادت هذه الإجراءات مع بداية تطبيق‬ ‫اتفاقية «�شنجن» التي دخلت حيز التطبيق‪،‬‬ ‫بدءًا من يونيو ‪ ،1985‬املوقعة بني كل من فرن�سا‬ ‫و�أملانيا ولوك�سمبورج وهولندا‪.‬‬ ‫وت�سمح االتفاقية حلامل ت�أ�شرية �أي دولة‬ ‫من الدول الأوروبية املوقعة على هذه االتفاقية‬ ‫ب��امل��رور يف �أرا���ض��ي بقية ال����دول‪ ،‬ث��م ع��ادت‬ ‫وازدادت �إج��راءات احلد من ظاهرة الهجرة‬ ‫غري ال�شرعية مرة �أخرى بعد عام ‪ ،1990‬وهو‬ ‫العام الذي �شهد تو�سيع االحتاد الأوروبي‪.‬‬

‫العدد‬

‫القارة األوروبية‬ ‫الوجهة المفضلة‬ ‫لالجئين والمهاجرين‬

‫‪81‬‬

‫م�صطلح الهجرة‬ ‫تعني الهجرة يف �أب�سط معانيها حركة‬ ‫االنتقال‪ ،‬فرديًا كان �أم جماعيًا‪ ،‬من موقع �إلى‬ ‫�آخر بحثًا عن و�ضع �أف�ضل اجتماعيًا كان �أم‬ ‫اقت�صاديًا �أم دينيًا �أم �سيا�سيًا‪ .‬وي�شري م�صطلح‬ ‫الهجرة غري ال�شرعية‪� ،‬أو الهجرة ال�سرية‪� ،‬إلى‬ ‫الهجرة من بلد �إلى �آخر ب�شكل يخرق القوانني‬ ‫املرعية يف البلد املق�صود‪ ،‬بحيث يتم دخول‬ ‫البالد دون ت�أ�شرية دخول‪.‬‬ ‫ويختلف الالجئ غري ال�شرعي عن الباحث‬ ‫ع��ن امل�����أوى‪ ،‬بحيث ال ميكن اعتبار املواطن‬ ‫الأج��ن��ب��ي ال��ذي ت��ق��دّم للح�صول على حماية‬ ‫وم���أوى الجئًا غري �شرعي‪ ،‬خالفًا للمواطنني‬ ‫الأج���ان���ب ال��ذي��ن ي��ع�برون ح����دود املنظومة‬ ‫الأوروبية‪ ،‬من دون ت�صاريح �أو ت�أ�شريات دخول‪،‬‬ ‫ومن دون التقدّم بطلب حماية‪� ،‬أو حال رف�ض‬ ‫مثل هذه الطلبات لعدم ا�ستحقاقها املتطلبات‬ ‫القانونية‪.‬‬ ‫وجهة مف�ضلة‬ ‫ت��ع��د ال��ه��ج��رة غ�ي�ر ال��ق��ان��ون��ي��ة‪� ،‬أو غري‬ ‫ال�شرعية‪� ،‬أو غري النظامية‪ ،‬ظاهرة عاملية‬ ‫م��وج��ودة يف ال���دول امل��ت��ق��دم��ة‪ ،‬ال �سيما دول‬ ‫القارة الأوروب��ي��ة التي باتت الوجهة املف�ضلة‬ ‫لالجئني واملهاجرين م��ن كافة دول العامل‪،‬‬ ‫وبخا�صة‪� ‬سوريا والعراق وم�صر وتون�س وليبيا‬ ‫واليمن واملغرب‪ .‬وب��دا وا�ضحً ا حجم املعاناة‬ ‫التي تعانيها دول املنظومة الأوروب��ي��ة خالل‬ ‫املرحلة التاريخية املعا�صرة على مدار ال�ساعة‬ ‫من تبعات الهجرة غري ال�شرعية فوق �أرا�ضيها‪.‬‬ ‫ويعود تاريخ الهجرة غري ال�شرعية �إلى‬ ‫�أوروب����ا ل�ستينيات ال��ق��رن امل��ا���ض��ي‪ ،‬ومل تكن‬ ‫ظاهرة الهجرة غري ال�شرعية ت�شكل جرمية‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫ت�شكل الهجرة غري ال�شرعية تعبريًا عن رغبة الفرد يف التغلب على الظروف ال�صعبة‪ ،‬والهروب من الفقر‪ ،‬حتى باتت ق�ضية‬ ‫الهجرة غري ال�شرعية م�شكلة ت�ؤرق الدول امل�ستقبلة له�ؤالء املهاجرين‪ ،‬وعلى ر�أ�سها دول �أوروبا التي تعترب امل�ستقبل الأول لهم‪.‬‬ ‫وقدرت منظمة العمل الدولية معدل حجم الهجرة غري ال�شرعية‪ ‬يف دول االحتاد الأوروبي بـ‪ %15-10‬من عدد املهاجرين يف‬ ‫العامل‪� ،‬أما منظمة الهجرة الدولية فقدرتها بـ ‪ 1.5‬مليون فرد‪ ،‬فيما ترى املنظمة الأوروبية ملراقبة احلدود (فرونتك�س) التابعة‬ ‫لالحتاد الأوروبي �أن ن�سبة املهاجرين لدول االحتاد الأوروبي زادت بن�سبة ‪ %250‬خالل �شهري يناير وفرباير ‪ 2015‬مقارنة بنف�س‬ ‫الفرتة من عام ‪.2014‬‬

‫‪27‬‬


‫الحدث‬ ‫‪28‬‬

‫وم��ن��ذ ع��ام ‪� ،1995‬أخ���ذت ه��ذه املرحلة‬ ‫طابعًا �أمنيًا‪ ،‬جل�أت من خالله الدول الأوروبية‬ ‫�إل��ى نهج �سيا�سة �أمنية عرب تنفيذ مقررات‬ ‫«القانون اجلديد للهجرة»‪ ،‬ال��ذي ي�ستند �إلى‬ ‫تبني �إج�����راءات ���ص��ارم��ة بخ�صو�ص م�س�ألة‬ ‫الهجرة‪.‬‬ ‫وك��ان لهذه الإج����راءات �أث��ر عك�سي‪� ،‬إذ‬ ‫تركت يف �أو�ساط الراغبني يف الهجرة �إليها‬ ‫�شعورًا بالإحباط‪ ،‬ما �أدى �إلى تن�شيط حركة‬ ‫الهجرة غري ال�شرعية �إل��ى ال��ق��ارة الأوروب��ي��ة‬ ‫ب�شكل الف���ت ل�لان��ت��ب��اه‪ ،‬وذل���ك ع�بر وج��ه��ات‬ ‫خمتلفة‪ ،‬مثل البوابة ال�شرقية املتمثلة يف بولندا‬ ‫ورو�سيا و�أوكرانيا‪ ،‬وبوابة البلقان‪ ،‬و�صو ًال �إلى‬ ‫اخل��ي��ار املف�ضل ل��دى ال��ع��دي��د م��ن الأف��ارق��ة‪،‬‬ ‫واملتمثل يف البوابة الإ�سبانية ‪ -‬املغربية عرب‬ ‫م�ضيق جبل طارق‪.‬‬ ‫احتواء الظاهرة‬ ‫انطلق النقا�ش يف ال��دول الأوروب��ي��ة حول‬ ‫ق�ضية الهجرة غري ال�شرعية �إليها‪ ،‬ومو�ضوع‬ ‫طلبات اللجوء يف عام ‪ .1999‬لكن ال�سعي �إلى‬ ‫�إيجاد �سيا�سة �أوروبية موحدة بني كافة بلدان‬ ‫االحت��اد مل يت�ضح �إال يف قمة �سالونيكي التي‬ ‫عقدت يف ‪ 19‬يونيو ‪.2003‬‬ ‫وجاء انعقاد هذه القمة يف �ضوء التطورات‬

‫االتحاد األوروبي لم‬ ‫يتحرك إال بعدما باتت‬ ‫أمواج الالجئين تدق‬ ‫أبوابه‬ ‫ال�سيا�سية واالن��دم��اج�ي��ة ال�ت��ي ان�خ��رط فيها‬ ‫االحتاد الأوروبي‪ ،‬بعد الت�صديق على الد�ستور‬ ‫املوحد وهياكل االحتاد اجلديدة‪ ،‬وا�ستحقاقات‬ ‫التو�سع امل�ستقبلي �شرق القارة الأوروبية‪.‬‬ ‫وحاولت هذه القمة و�ضع معايري موحدة‬ ‫ل���دول االحت����اد‪ ،‬م��ن �أج���ل الت�صدي للهجرة‬ ‫ال�سرية‪ ،‬وت�ضييق فر�ص الدخول �إلى �أوروبا �إال‬ ‫وفق �شروط حمددة‪.‬‬ ‫ويف الإط��ار نف�سه‪ ،‬وللغر�ض ذات��ه‪ ،‬نظمت‬ ‫العديد من االجتماعات الثنائية واجلماعية‬ ‫منها امل�ؤمتر ال�سنوي املتو�سطي ملنظمة الأمن‬ ‫وال��ت��ع��اون ب���أوروب��ا‪ ،‬ال��ذي مت يف ال��رب��اط عام‬ ‫‪ ،2005‬وم���ؤمت��ر باملغرب يف �أك��ت��وب��ر ‪،2005‬‬ ‫�شارك فيه وزراء داخلية دول ‪.5+5‬‬ ‫كما مت عقد امل�ؤمتر الأوروب��ي ‪ -‬الإفريقي‬ ‫الأول ملكافحة الهجرة ال�سرية بالرباط يف‬

‫‪� ،2006‬إ�ضافة �إل��ى م�ؤمتر باري�س يف نوفمرب‬ ‫‪ 2008‬الذي اعتمد برناجمً ا للتعاون يف الفرتة‬ ‫ما بني عامي ‪ 2009‬و ‪ 2011‬يف تنظيم الهجرة‬ ‫ال�شرعية‪ ،‬ومكافحة الهجرة غري امل�شروعة‪،‬‬ ‫وتعزيز التن�سيق والربط بني الهجرة والتنمية‪.‬‬ ‫نقطة التحول‬ ‫ومنذ عام ‪ ،2013‬بد�أت م�شكلة الالجئني‬ ‫تكرب وحتولت �إل��ى �أزم��ة فر�ضت نف�سها على‬ ‫امل�شهد ال��دويل بعدما تفاقم ع��دد الالجئني‬ ‫وطالبي اللجوء والنازحني داخليًا خالل العام‬ ‫اجلاري‪.‬‬ ‫لكن القوى الكربى‪ ،‬ومنها االحتاد الأوروبي‬ ‫مل تتحرك �إال بعدما باتت تدق �أبوابها �أمواج‬ ‫الالجئني الهاربني من ويالت احلرب يف �سوريا‬ ‫وال��ع��راق و�أفغان�ستان وغ�يره��ا‪ ،‬ونقلت بع�ض‬ ‫و�سائل الإعالم �صورًا من املعاملة الال�إن�سانية‬ ‫لهم‪ ،‬وبخا�صة يف املجر‪.‬‬ ‫و���ش��ك��ل��ت ����ص���ورة ج��ث��ة ال��ط��ف��ل ال�����س��وري‬ ‫�أيالن (ثالث �سنوات) وهو ممدد على وجهه‬ ‫ب�سواحل تركيا و»�شاحنة املوت» �أو «العار» كما‬ ‫ي�سميها النم�ساويون‪ ،‬نقطة التحول احلقيقي‬ ‫واملف�صلي يف املوقف الأوروب���ي‪� ،‬إذ دف��ع هذا‬ ‫احل��ادث الأوروب��ي�ين للتحرك اجل��دي ملعاجلة‬ ‫�أزمة الالجئني‪.‬‬


‫تعتبر قارات إفريقيا‬ ‫وآسيا واألمريكيتين‬ ‫الجنوبية والوسطى‬ ‫منبعا للهجرة غير‬ ‫ً‬ ‫الشرعية‬ ‫مع �صربيا‪ ،‬و�أعلن الرئي�س فران�سوا هوالند‬ ‫ا�ستعداد البالد ال�ستقبال الالجئني يف �إطار‬ ‫نظام الكوتا الأوروبية‪.‬‬ ‫يف ح�ين واف��ق رئي�س ال���وزراء الربيطاين‬ ‫ديفد كامريون من جهته يوم ‪� 7‬سبتمرب املا�ضي‬ ‫على ا�ستقبال ب�لاده نحو ع�شرين �أل��ف الجئ‬ ‫�سوري على مدار خم�س �سنوات‪.‬‬ ‫ل��ك��ن احل��ك��وم��ة امل��ج��ري��ة ال��ت��ي �سمحت‬ ‫لالجئني بالذهاب يف احلافالت والقطارات‬ ‫�إل��ى �أملانيا والنم�سا‪ ،‬ع��ادت و�أك���دت �أنها لن‬ ‫ت�سمح بدخول من �سمتهم باملهاجرين الذين ال‬ ‫يحملون �أوراقًا قانونية‪.‬‬ ‫امل�ست�شارة الأملانية ت�سحب الب�ساط من‬ ‫حتت �أقدام القادة الأوروبيني‬ ‫بدورها �شهدت �أملانيا مظاهرات تطالب‬ ‫ب��ال��ت��ح��رك للتعامل الإن�����س��اين م��ع الالجئني‬ ‫والتخفيف من م�آ�سيهم ب�شن حرب على جتار‬

‫‪81‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬ ‫العدد‬

‫كما دخ��ل ال�شارع الأوروب���ي على اخلط‪،‬‬ ‫وب��خ�لاف اجت���اه ال��ي��م�ين امل��ت��ط��رف‪ ،‬خرجت‬ ‫مظاهرات بالعا�صمة النم�ساوية فيينا يوم‬ ‫‪� 23‬أغ�سط�س املا�ضي‪ ،‬تطالب بفتح احل��دود‬ ‫و�إنقاذ ال�ضحايا‪ ،‬ورفع املتظاهرون �شعارات‬ ‫عديدة منها «ال وجود لإن�سان غري �شرعي‪ ،‬لن‬ ‫نقبل باجلرمية بعد اليوم ولن ن�صمت‪� ،‬أوقفوا‬ ‫املجزرة»‪.‬‬ ‫ات�ساع دائرة التعاطف‬ ‫وتو�سعت دائ���رة التعاطف م��ع الالجئني‬ ‫داخ��ل النم�سا وطبقتها ال�سيا�سية والثقافية‬ ‫ال��ت��ي ب���د�أت تتحدث يف و�سائل الإع�ل�ام عن‬ ‫امل�أ�ساة الإن�سانية و�أ�سبابها احلقيقية‪.‬‬ ‫ومل ي�شذ الرئي�س النم�ساوي هاينز في�شر‬ ‫عن ه��ذه احلالة العامة من التعاطف‪ ،‬فقال‬ ‫يف خطاب له «ل�سنا وحدنا على هذا الكوكب‪،‬‬ ‫هناك من مي��وت كي يعي�ش مثلنا‪ ،‬فحفاظنا‬ ‫على حريّتنا يكمن يف القدرة على حماية ه�ؤالء‬ ‫النا�س و�ضمان حقهم بعي�ش كرمي بيننا»‪.‬‬ ‫�أم����ا ال��ف��رن�����س��ي��ون ف��ق��د غ��ي�روا ر�أي���ه���م‪،‬‬ ‫وخ��رج��ت الأح����زاب ال�سيا�سية ع��ن �صمتها‪،‬‬ ‫و�أظ��ه��ر ا�ستطالع ل��ل��ر�أي‪� ،‬أن �أك�ثر م��ن ‪%56‬‬ ‫من الفرن�سيني مع ا�ستقبال الالجئني‪ ،‬بعدما‬ ‫مل تتجاوز الن�سبة قبل ذلك ‪ .%46‬وكان وزير‬ ‫اخلارجية لوران فابيو�س دعا املجر �إلى �إزالة‬ ‫الأ�سالك ال�شائكة التي �أقامتها على حدودها‬

‫امل��وت مهربي الب�شر‪ ،‬وق��د �شرّعت �أملانيا يف‬ ‫الأيام املا�ضية �أبوابها �أمام الالجئني ال�سوريني‪،‬‬ ‫ويعود الف�ضل يف ذلك �إلى امل�ست�شارة الأملانية‬ ‫�أنغيال مريكل التي حظيت بالدعم الكايف من‬ ‫العديد من رج��ال الأعمال الذين انطلقوا يف‬ ‫�ضخ �أموال لتثبيتها على اخلطوة التي �أقدمت‬ ‫عليها ع�بر م�ساعدة �آالف الالجئني الذين‬ ‫نزحوا �إلى �أوروبا‪� ،‬إلى درجة و�صفتها ال�صحافة‬ ‫العاملية باملر�أة املالك‪.‬‬ ‫ه���ذا ال��دع��م مل ي��ك��ن ال��وح��ي��د‪ ،‬ب��ل خ��رج‬ ‫العراقيون يف تظاهرات دعمًا لهذه ال�سيا�سية‬ ‫التي وجدت طريقها �إلى قلب املواطن العربي‬ ‫الب�سيط‪ ،‬ب�سبب ذلك املوقف الذي ت�سبب يف‬ ‫�سخط اليمني املتطرف املناه�ض للمهاجرين‬ ‫والالجئني‪.‬‬ ‫ال�سيا�سية الأمل��ان��ي��ة ال��ت��ي تعي�ش ربيعها‬ ‫الـ‪ 61‬رف�ضت القوانني الزجرية �ضد الالجئني‬ ‫ال�سوريني وغريهم ممن تقطعت بهم ال�سبل‬ ‫ومل يجدوا �إال الأرا�ضي الأوروبية لالحتماء من‬ ‫نريان ال�صواريخ والرباميل املتفجرة‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫عن مالحقات تنظيم داع�ش لهم‪.‬‬ ‫و�سحبت امل�ست�شارة مبواقفها ال�شجاعة‪،‬‬ ‫بح�سب البع�ض‪ ،‬الب�ساط من حتت �أقدام القادة‬ ‫الأوروبيني ولوت ذراعهم وهددت مبحا�سبة �أي‬ ‫نظام عامل الالجئني بالعنف‪ ،‬م�ؤكدة �أنهم‬ ‫حتت احلماية الدولية مبوجب اتفاقية جنيف‪،‬‬ ‫و�أن �أي جرمية ارتكبت يف حقهم �ستتم حما�سبة‬ ‫مرتكبيها‪.‬‬ ‫ل��ق��د �سمحت ه���ذه ال�سيا�سية الأمل��ان��ي��ة‬ ‫التي �سيذكرها التاريخ طويالً‪ ،‬بدخول �أكرث‬ ‫من مليون الجئ �إل��ى بالدها دون �أي �شروط‬ ‫و�إدماجهم يف املجتمع‪ ،‬ومل يقف الأمر عند هذا‬ ‫احلد‪ ،‬بل قدمت التعليمات مبزاولة الأطفال‬ ‫لتعليمهم بدء من تاريخ دخولهم �أملانيا ومتعتهم‬ ‫باحل�صانة الكافية‪ ،‬كما خ�ص�صت ‪ 6‬ماليني‬ ‫يورو مل�ساعدتهم خالل ال�سنتني املقبلتني‪.‬‬ ‫مهاجرون �أم الجئون؟‬ ‫�أك��دت املفو�ضية ال�سامية للأمم املتحدة‬ ‫ل�ش�ؤون الالجئني‪� ،‬أن هناك فرقًا مهمًا بني‬ ‫امل�صطلحني‪ ،‬وبينت �أن الالجئني �أ�شخا�ص‬ ‫تركوا بلدانهم خوفًا على حياتهم وحريتهم من‬ ‫ال�صراع امل�سلح‪� ،‬أو اال�ضطهاد والقمع بعدما‬ ‫وجدوا �أنف�سهم ‪ -‬يف الغالب ‪ -‬يف و�ضع خطر‬

‫‪29‬‬


‫الحدث‬ ‫‪30‬‬

‫وظ��روف ال تحُ تمل دفعتهم �إل��ى عبور احلدود‬ ‫الوطنية بحثًا عن الأم��ان يف ال��دول املجاورة‪،‬‬ ‫وعلى هذا الأ�سا�س يتم االع�تراف بهم دوليًا‬ ‫بو�صفهم الج��ئ�ين م��ن حقهم احل�صول على‬ ‫امل�ساعدة م��ن ال���دول واملفو�ضية ومنظمات‬ ‫�أخرى؛ لأن عودتهم �إلى �أوطانهم خطرية جدً ا‬ ‫ويحتاجون �إل���ى م�لاذ �آم���ن‪ ،‬وحرمانهم من‬ ‫اللجوء يعر�ضهم لعواقب مميتة‪.‬‬ ‫اتفاقيات وقوانني دولية‬ ‫حدد القانون الدويل تعريفًا لالجئني ووفر‬ ‫لهم احلماية‪ ،‬وتعد اتفاقية عام ‪ 1951‬املتعلقة‬ ‫بو�ضع الالجئني وب��روت��وك��ول��ه��ا ل��ع��ام ‪،1967‬‬ ‫بالإ�ضافة �إلى ن�صو�ص قانونية �أخرى كاتفاقية‬ ‫منظمة الوحدة الإفريقية حلماية الالجئني‬ ‫ع���ام ‪1969‬؛ امل��رج��ع الأ���س��ا���س��ي يف حماية‬ ‫الالجئني يف الع�صر احلديث‪ ،‬كما مت �إدخال‬ ‫املبادئ القانونية الثابتة يف هذه االتفاقيات‬ ‫يف عدد كبري من القوانني واملمار�سات الأخرى‬ ‫الدولية والإقليمية والوطنية‪.‬‬ ‫وع��� ّرف���ت ات��ف��اق��ي��ة ع���ام ‪ 1951‬ال�لاج��ئ‬ ‫وح��ددت احلقوق الأ�سا�سية التي يتعني على‬ ‫ال��دول �ضمانها لالجئني‪ ،‬وم��ن �أه��م املبادئ‬ ‫الأ�سا�سية املن�صو�ص عليها يف القانون الدويل‬

‫يصل عدد الدول‬ ‫المصدرة للمهاجرين‬ ‫غير الشرعيين إلى ‪40‬‬ ‫دولة‬ ‫منع طرد الالجئ �أو �إعادته �إلى �أو�ضاع تهدد‬ ‫حياته وحريته‪.‬‬ ‫وت�شمل ح��ق��وق ال�لاج��ئ�ين حمايتهم من‬ ‫ال��ع��ودة للمخاطر ال��ت��ي ف���روا منها‪ ،‬ووج��وب‬ ‫ا�ستفادتهم م��ن �إج�����راءات ال��ل��ج��وء العادلة‬ ‫وال��ف��ع��ال��ة‪ ،‬واح���ت��رام ح��ق��وق��ه��م الإن�����س��ان��ي��ة‬ ‫الأ�سا�سية‪ ،‬ومنها العي�ش بكرامة‪ ،‬وم�ساعدتهم‬ ‫على �إيجاد حلول طويل الأمد‪ .‬وتتحمل الدول‬ ‫م�س�ؤوليات جت��اه الالجئني على �أرا�ضيها �أو‬ ‫على حدودها‪ ،‬وت�ساعدها يف ذلك املفو�ضية‬ ‫ال�سامية للأمم املتحدة ل�ش�ؤون الالجئني‪.‬‬ ‫م��ن ج��ه��ة �أخ�����رى‪� ،‬أو���ض��ح��ت املفو�ضية‬ ‫ال�سامية للأمم املتحدة ل�ش�ؤون الالجئني �أن‬ ‫املهاجرين يختلف و�ضعهم ع��ن الالجئني‪،‬‬

‫لأن��ه��م �أ�شخا�ص غ���ادروا بلدانهم اخ��ت��ي��ارًا ال‬ ‫ا�ضطرارًا‪ ،‬بهدف �إيجاد فر�ص عمل وتعليم‬ ‫�أف�ضل وحت�سني م�ستواهم املعي�شي‪� ،‬أو جمع‬ ‫���ش��م��ل الأ����س���رة‪ ،‬وب���إم��ك��ان��ه��م ‪ -‬ع��ل��ى عك�س‬ ‫الالجئني‪ -‬العودة �إلى وطنهم دون م�شاكل �أو‬ ‫خماطر‪ ،‬والدول غري ملزمة بتقدمي امل�ساعدة‬ ‫لهم‪ ،‬وال يحق لهم املطالبة بها‪.‬‬ ‫توزيع الالجئني‬ ‫عقد وزراء داخلية االحتاد الأوروبي يف ‪14‬‬ ‫�سبتمرب املا�ضي يف بروك�سل اجتماعً ا بحثوا‬ ‫خالله م�س�ألة توزيع ‪� 160‬ألف الجئ موجودين‬ ‫يف املجر واليونان و�إيطاليا على ال��دول الـ‪28‬‬ ‫الأع�ضاء‪ ،‬دون �أن يتو�صلوا �إلى اتفاق‪.‬‬ ‫وبح�سب احل�ص�ص املقرتحة من املفو�ضية‬ ‫الأوروب��ي��ة واملرفو�ضة حتى الآن من قبل �أربع‬ ‫دول يف �أوروب����ا ال�شرقية (امل��ج��ر‪ ،‬وب��ول��ن��دا‪،‬‬ ‫و�سلوفاكيا وجمهورية الت�شيك)‪� ،‬ست�ستقبل‬ ‫�أملانيا ‪ 31443‬الجئًا‪ ،‬وفرن�سا ‪ ،24031‬و�إ�سبانيا‬ ‫‪ ،14931‬بينما يتوزع الباقون على باقي الدول‬ ‫تبعًا مل�ستوى الدخل القومي لكل دول��ة ون�سبة‬ ‫البطالة فيها‪.‬‬ ‫وكانت ‪ 21‬دولة من دول االحتاد الأوروبي‬ ‫ب��د�أت العام املا�ضي بت�سيري دوري���ات بحرية‬


‫لم تكن ظاهرة الهجرة‬ ‫تشكل جريمة في الدول‬ ‫األوروبية في بداية‬ ‫الثالثينيات وحتى أواخر‬ ‫الستينيات‬

‫العدد‬

‫وت�شري بع�ض الأرق��ام �إل��ى �أن��ه يتم �سنويًا‬ ‫تهريب قرابة ‪� 55‬ألف مهاجر �أو الجئ من �شرق‬ ‫و�شمال �إفريقيا �أو غربها �إل��ى �أوروب��ا‪ ،‬ويقدر‬ ‫عائدها على املهربني بـ‪ 150‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫قوارب املوت‬ ‫ال يعب�أ املهربون بعد �أن يتقا�ضوا مبالغ‬ ‫طائلة م��ن الالجئني �أو املهاجرين بظروف‬ ‫الرحلة و�شروط ال�سالمة والأمان‪ ،‬بل يتعاملون‬ ‫معهم كفرائ�س �أو قطعان ما�شية‪ ،‬ويركبونهم يف‬ ‫الأغلب يف قوارب �صيد غري جمهزة ي�ستخدمها‬ ‫�صاحبها لتهريب املهاجرين غري ال�شرعيني‬ ‫ع�ب�ر ال��ب��ح��ر‪ ،‬وي��ع��ب��ئ يف ال���ق���ارب ال�صغري‬ ‫�أك�ثر من ‪� 200‬شخ�ص ليرتكهم قبل م�سافة‬ ‫بعيدة من ال�شاطئ املق�صود ليكملوا الطريق‬ ‫ب�أنف�سهم متعر�ضني ب��ذل��ك ملخاطر �شتى‪.‬‬ ‫ويف بع�ض الأحيان يوجه املهربون �ضحاياهم‬ ‫لل�سري يف ال�����ص��ح��ارى‪� ،‬أو ب��ج��ان��ب ال�سكك‬

‫‪81‬‬

‫إيطاليا أقرب الوجهات‬ ‫وأكثرها تفضي ًلا‪ ..‬وليبيا‬ ‫بلد العبور للمهاجرين‬ ‫األفارقة‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫يف عر�ض البحر الأبي�ض املتو�سط يف �إط��ار‬ ‫عملية ت�شرف عليها هيئة احل��دود الأوروب��ي��ة‬ ‫(فرونتك�س) و�أطلق عليها ا�سم «تريتون»‪.‬‬ ‫غري �أن االحت��اد الأوروب��ي �أعلن هذه املرة‬ ‫ا�ستعداده لالنتقال �إل��ى الهجوم يف �أعماق‬ ‫البحار ملالحقة �شبكات التهريب واالجت���ار‬ ‫بالب�شر التي ت�ستغل و�سائل التوا�صل االجتماعي‬ ‫ال�صطياد �ضحايا ون�شر الإع�لان��ات والقيام‬ ‫بالدعاية لرحالتها املتعددة االجتاهات‪.‬‬ ‫‪ 7‬مليارات دوالر عائدات التهريب‬ ‫لعل من �أ�سو�أ ما يتعر�ض له طالب اللجوء‬ ‫ه��م �سما�سرة ال��وه��م‪� ،‬إذ ي��وج��د يف اخلفاء‬ ‫�شبكات ���س��ري��ة وا���س��ع��ة وع�����ص��اب��ات منظمة‬ ‫ت�صطاد احل��امل�ين باللجوء وتنهب �أموالهم‬ ‫لتختفي بعدها‪� ،‬أو الأ���س��و�أ من ذلك ت�سلمهم‬ ‫لل�سلطات املعنية‪.‬‬ ‫وت�صل عائدات تهريب الب�شر �إل��ى �سبعة‬ ‫مليارات دوالر‪ ،‬جتنيها ع�صابات التهريب‬ ‫�سنويًا ح�سب تقدير مكتب الأم���م املتحدة‬ ‫ملكافحة املخدرات واجلرمية‪.‬‬ ‫وقال املكتب يف التقرير الذي ك�شف عنه‪،‬‬ ‫م���ؤخ��رًا‪� ،‬إن ه��ذه احل�صيلة امل��ادي��ة ال�ضخمة‬ ‫ت�شمل م�سارين رئي�سيني‪ :‬الأول من �إفريقيا‬ ‫ب��اجت��اه �أوروب�����ا‪ ،‬وال��ث��اين م��ن ج��ن��وب ال��ق��ارة‬ ‫الإفريقية �إلى �أمريكا‪.‬‬

‫احلديدية مل�سافات طويلة‪� ،‬أو ي�شحنونهم يف‬ ‫حاويات قد ميوتون داخلها اختناقًا‪.‬‬ ‫وذك����ر ت��ق��ري��ر ح��دي��ث مل��ن��ظ��م��ة ال��ه��ج��رة‬ ‫الدولية‪� ،‬أن �أربعني �ألف �شخ�ص لقوا حتفهم يف‬ ‫عام ‪ ،2014‬منهم ثالثة �آالف غرقوا يف البحر‬ ‫وهم يحاولون الو�صول �إلى �أوروبا‪.‬‬ ‫ومل حت�صل متابعات ل�صعوبة الو�صول �إلى‬ ‫اجلناة املنخرطني يف اقت�صاد مافيوي ي�صعب‬ ‫معه حتديد امل�س�ؤولية‪ ،‬وهو الأمر الذي يتطلب‬ ‫ـــ ب��ر�أي مدير مكتب الأم��م املتحدة ملكافحة‬ ‫امل��خ��درات واجل��رمي��ة ي��وري ف��دوت��وف ـــ تقوية‬ ‫التعاون الدويل ملواجهة هذا النوع من اجلرمية‬ ‫املنظمة العابرة للقارات‪.‬‬ ‫تعبئة �سيا�سية و�أمنية‬ ‫ت�شهد ال��ف�ترة اجل��اري��ة تعبئة �سيا�سية‬ ‫و�أمنية على �صعيد ب��ل��دان االحت���اد الأوروب���ي‬ ‫يف �صيغ ل��ق��اءات مرنة ت�شارك فيها الدوائر‬ ‫الأمنية للبلدان الأوروبية اخلم�س الكربى‪ ،‬التي‬ ‫تق�صدها غالبية تيارات الهجرة ال�سرية‪ ،‬وهي‬ ‫�إ�سبانيا و�إيطاليا وفرن�سا وبريطانيا و�أملانيا‪.‬‬ ‫وقد ركزت معظم امل�شروعات امل�شرتكة بني‬ ‫االحتاد الأوروبي وحكومات دول �شمال �إفريقيا‬ ‫على منع املهاجرين غري ال�شرعيني‪ ،‬بالقوة‪،‬‬ ‫من الت�سلل �إلى �أوروبا‪� ،‬سواء عن طريق �إن�شاء‬ ‫مع�سكرات احتجاز‪� ،‬أو ترحيل املهاجرين غري‬ ‫ال�شرعيني‪.‬‬ ‫كما �سعت هذه اجلهود �إلى دعم االتفاقات‬ ‫الأمنية امل�شرتكة الثنائية �أو اجلماعية بني‬ ‫الدول الواقعة على �ضفتي املتو�سط‪ ،‬التي تتيح‬ ‫الدعم امل��ادي واللوجي�ستي حلكومات �شمال‬ ‫�إفريقيا‪ ،‬وكذا اتخاذ �إج��راءات �أمنية جديدة‬ ‫لت�شديد ال��رق��اب��ة على احل���دود‪ ،‬وال��رف��ع من‬ ‫قدرات احلرا�سة‪ ،‬وتعقب املهربني واملهاجرين‬ ‫�أنف�سهم‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫الحدث‬ ‫‪32‬‬

‫ب��الإ���ض��اف��ة �إل���ى �إن�����ش��اء بنك معلوماتي‬ ‫�أوروبي للإنذار املبكر لل�سلطات الأمنية بوجود‬ ‫مهاجرين غري �شرعيني داخل �أوروبا‪.‬‬ ‫ويف ه��ذا الإط���ار‪� ،‬أق��ر االحت��اد الأوروب���ي‪،‬‬ ‫م���ؤخ��رًا‪ ،‬خطة �أمنية ملالحقة ال�شبكات التي‬ ‫تر�سل �آالف املهاجرين عرب البحر الأبي�ض‬ ‫املتو�سط نحو �أوروب���ا‪ ،‬فيما �أع��رب الناتو عن‬ ‫ا�ستعداده التام للم�ساعدة‪.‬‬ ‫من ناحية �أخ���رى‪� ،‬صرح خافيري �سوالنا‬ ‫املمثل ال�سامي لل�سيا�سة اخلارجية والأمنية‬ ‫امل�����ش�ترك��ة ب���االحت���اد الأوروب������ي‪� ،‬أن من�سقة‬ ‫ال�����س��ي��ا���س��ة اخل��ارج��ي��ة ب���االحت���اد الأوروب������ي‬ ‫فيديريكا موغريني تتوقع بدء العملية الأمنية‬ ‫قريبًا‪ ،‬وذلك بعد �إعالن التربعات من املعدات‬ ‫الع�سكرية واال�ستعدادات الع�سكرية‪.‬‬ ‫ويف الوقت نف�سه‪ ،‬يوا�صل امل�س�ؤولون يف‬ ‫االحت��اد الأوروب���ي البحث عن تفوي�ض �أممي‬ ‫للح�صول على ال�شرعية كاملة ملالحقة املهربني‬ ‫وجتار الب�شر وتدمري قواربهم‪.‬‬ ‫م��ن جهة �أخ����رى‪� ،‬أع��ل��ن م��ن��دوب رو�سيا‬ ‫الدائم لدى الأمم املتحدة فيتايل ت�شوركني‪� ،‬أن‬ ‫مو�سكو ال تدعم اقرتاح االحتاد الأوروبي �إجراء‬ ‫عملية �ضد �سفن مهربي الب�شر يف املتو�سط‪،‬‬ ‫م�ؤكدً ا ا�ستعداد اجلانب الرو�سي للبحث عن‬ ‫�سبل لت�سوية الق�ضية يف جمل�س الأمن‪.‬‬

‫‪ 40‬ألف شخص لقوا‬ ‫حتفهم عام ‪2014‬‬ ‫منهم ‪ 3‬آالف غرقوا وهم‬ ‫يحاولون الوصول ألوروبا‬ ‫كما حث الأمني العام للأمم املتحدة بان‬ ‫ك��ي م��ون‪ ،‬ال���دول الأوروب��ي��ة على التخلي عن‬ ‫التعامل الع�سكري مع �أزم��ة املهاجرين غري‬ ‫ال�شرعيني يف مياه البحر املتو�سط‪ ،‬م�ؤكدً ا �أنه‬ ‫ال يوجد حل ع�سكري للكارثة يف املتو�سط‪.‬‬ ‫ح�ل��ول ع��دمي��ة اجل ��دوى وتنتهك حقوق‬ ‫الإن�سان‬ ‫على ال��رغ��م م��ن �أن غالبية امل�شروعات‬ ‫الأوروب��ي��ة التي طرحت ملكافحة الهجرة غري‬ ‫ال�شرعية تقوم على احللول الأمنية‪� ،‬إال �أن‬ ‫التجارب �أثبتت �أنها ال ت�ؤدي �إلى نتائج �إيجابية‬ ‫فهي حلول غري عملية‪ ،‬كونها تهمل الأ�سباب‬ ‫وال���ظ���روف املحيطة مب��و���ض��وع ال��ه��ج��رة غري‬ ‫ال�شرعية‪ .‬ومن ناحية �أخ��رى‪ ،‬ف�إن هذا النوع‬ ‫من احللول مكلف بالفعل‪� ،‬إذ ينفق االحت��اد‬

‫الأوروبي بالفعل �أموا ًال طائلة‪ ،‬ولكن يف الطريق‬ ‫اخلط�أ‪.‬‬ ‫من جهة �أخ��رى‪ ،‬ف���إن الإج���راءات الأمنية‬ ‫التي اتخذتها ال���دول الأوروب��ي��ة تتعار�ض مع‬ ‫املواثيق واالتفاقيات الدولية اخلا�صة بحقوق‬ ‫الإن�سان‪ .‬فالدول الأوروب��ي��ة التي تتحدث عن‬ ‫اح�ت�رام ح��ق��وق الإن�����س��ان و���ض��رورة تكري�سها‬ ‫واقعيًا وكونيًا‪ ،‬هي ذاتها التي تقيد احلق يف‬ ‫التنقل الذي تنادي به املواثيق والعهود الدولية‪.‬‬ ‫وتن�ص امل��ادة الثالثة ع�شرة من الإع�لان‬ ‫العاملي حلقوق الإن�سان على‪« :‬حق �أي �شخ�ص‬ ‫يف اختيار مكان �إقامته وحرية التنقل داخل �أي‬ ‫بلد ي�شاء»‪ .‬كما ت�ؤكد �أن «لكل �شخ�ص احلق يف‬ ‫مغادرة �أي بلد والعودة �إلى بلده الأ�صلي»‪.‬‬ ‫كما �أن هذه الدول الأوروبية هي التي تنتهك‬ ‫احل��ق��وق املدنية واالجتماعية واالقت�صادية‬ ‫وال�سيا�سية للمهاجرين ال�سريني وال�شرعيني‪،‬‬ ‫املوجودين فوق �أرا�ضيها‪ ،‬وهي التي جتعل منهم‬ ‫مواطنني من الدرجة الثانية‪ ،‬بامتهان كرامتهم‬ ‫ومتريغها يف وحل التمييز العن�صري‪.‬‬ ‫أي�ضا مل ت�صدق دول االحت��اد الأوروب���ي‪،‬‬ ‫� ً‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬على اتفاقية الأمم املتحدة املتعلقة‬ ‫بحماية جميع حقوق العمال املهاجرين و�أفراد‬ ‫�أ�سرهم لعام ‪ 1990‬التي دخلت حيز التنفيذ يف‬ ‫عام ‪.2003‬‬


‫تصل عائدات تهريب‬ ‫البشر إلى سبعة مليارات‬ ‫دوالر تجنيها عصابات‬ ‫التهريب سنو ًيا‬ ‫ليبيا يف املقدمة‪ ،‬وذلك نظرًا لقربها من �أوروبا‪،‬‬ ‫وقد ت�صاعدت عمليات الهجرة ب�شكل كبري بعد‬ ‫�سقوط نظام معمر القذايف‪ ،‬ف�أ�صبحت الهجرة‬ ‫غري ال�شرعية جتارة مربحة جدً ا حتى بالن�سبة‬ ‫لبع�ض امليلي�شيات‪.‬‬ ‫وال تبعد ال�سواحل الليبية �أك�ثر من ‪300‬‬ ‫كيلومرت عن جزيرة المبيدو�سا الإيطالية‪ ،‬التي‬ ‫ت�شهد ك��ل ع��ام و���ص��ول �آالف املهاجرين غري‬ ‫ال�شرعيني‪.‬‬ ‫ومع �ساحل طوله ‪ 1770‬كيلومرتًا‪� ،‬أ�صبحت‬ ‫ليبيا نقطة انطالق املهاجرين غري ال�شرعيني‬ ‫الذين يحاولون عبور البحر املتو�سط يف رحلة‬ ‫حمفوفة باملخاطر للو�صول �إلى �أوروبا‪.‬‬ ‫وتت�شارك ليبيا بحدود برية‪ ،‬بطول حوايل‬ ‫خم�سة �آالف كيلومرت‪ ،‬م��ع م�صر وال�سودان‬ ‫والنيجر وت�شاد واجلزائر وتون�س‪.‬‬ ‫و�أك�بر تدفق للمهاجرين م�صدره �شمال‬ ‫النيجر‪� ،‬إذ ينقل امل��ه��اج��رون ع�بر �شبكات‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫�إح�صائيات و�أرقام‬ ‫تعترب ق��ارت��ا �إف��ري��ق��ي��ا و�آ���س��ي��ا وال��ق��ارت��ان‬ ‫الأمريكيتان اجلنوبية والو�سطى منبعًا للهجرة‬ ‫غري ال�شرعية‪ ،‬وي�صل ع��دد ال��دول امل�صدرة‬ ‫للمهاجرين غري ال�شرعيني �إلى ‪ 40‬دولة‪� ،‬أهمها‬ ‫دول �أمريكا الو�سطى واجلنوبية ودول �آ�سيا‬ ‫(ال�صني وباك�ستان) ودول �إفريقيا‪.‬‬ ‫ك��م��ا ت��ع��د �إي��ط��ال��ي��ا ه��ي �أق����رب ال��وج��ه��ات‬ ‫و�أكرثها تف�ضيلاً ‪ ،‬وق��دّر عدد املهاجرين غري‬ ‫ال�شرعيني الذين و�صلوا �إل��ى �شواطئها عام‬ ‫‪2013‬م ب���ـ‪ 4200‬مهاجر‪ ،‬وه��و ع��دد يفوق ما‬ ‫�سجّ ل يف العام ال�سابق بـ‪ 3‬مرات‪ ،‬ما يدلّ على‬ ‫�أن امل�شكلة ت�ستفحل مع الزمن‪.‬‬ ‫وت�شري تقديرات املفو�ضية العليا لالجئني‬ ‫التابعة للأمم املتحدة �إلى �أن �أكرث من ‪� 430‬ألف‬ ‫مهاجر والجئ عربوا البحر املتو�سط منذ يناير‬ ‫املا�ضي‪ ،‬لقي ‪ 2748‬حتفهم‪� ،‬أو فقدوا بح�سب‬ ‫�آخر �أرقام املنظمة الدولية للهجرة‪ ،‬وقد و�صل‬ ‫نحو ‪� 310‬آالف منهم �إلى اليونان‪ ،‬و‪� 120‬ألفا‬ ‫�إلى �إيطاليًا‪ ،‬بح�سب املنظمة الدولية للهجرة‪.‬‬ ‫وي�شكل ال�سوريون ن�صف عدد الذين عربوا‬ ‫املتو�سط منذ ب��داي��ة ال��ع��ام اجل����اري‪ ،‬و‪%70‬‬ ‫من الذين و�صلوا �إلى اليونان‪ ،‬يليهم الأفغان‬ ‫(‪ ،)%13‬ثم الإري�تري��ون (‪ )%8‬والنيجرييون‬ ‫(‪ )%4‬وال�صوماليون (‪.) %3‬‬ ‫�أما من حيث بلدان العبور لأوروب��ا‪ ،‬فت�أتي‬

‫من املهربني الذين ي�أتون بهم �إل��ى منطقتي‬ ‫الكفرة و�سبها‪ ،‬اللتني تعدان �أهم مناطق جتمع‬ ‫املهاجرين يف جنوب ليبيا‪.‬‬ ‫وقبل عام ‪ ،2011‬كانت الغالبية ال�ساحقة‬ ‫م��ن امل��ه��اج��ري��ن م��ن ب��ل��دان �إف��ري��ق��ي��ا جنوب‬ ‫ال�صحراء مثل النيجر وال�سودان وال�صومال‬ ‫�����ض��ا من‬ ‫و�إري�ت�ري���ا و�إث��ي��وب��ي��ا وغ��ان��ا‪ ،‬ول��ك��ن �أي ً‬ ‫الكامريون والغابون‪.‬‬ ‫وبينت املفو�ضية �أن ه����ؤالء املهاجرين‬ ‫والالجئني جل���ؤوا �إلى �أملانيا التي قد ت�ستقبل‬ ‫هذه ال�سنة نحو «مليون» مهاجر بح�سب �سيغمار‬ ‫غابرييل ن��ائ��ب امل�ست�شارة الأمل��ان��ي��ة �أجنيال‬ ‫م�يرك��ل‪ ،‬حتى �إن بقي توقع ال��ع��دد ‪� 800‬أل��ف‬ ‫املعلن منت�صف �أغ�سط�س املا�ضي على حاله‬ ‫ر�سميًا‪.‬‬ ‫وت�����س��ج��ل ال��ب��ل��دان ال��واق��ع��ة ع��ل��ى طريق‬ ‫أي�ضا ن�سب‬ ‫وخ�صو�صا النم�سا‪ً � -‬‬ ‫ً‬ ‫الالجئني ‪-‬‬ ‫تدفق قيا�سية‪ ،‬علمًا ب���أن املجر ا�ستقبلت يف‬ ‫‪� 13‬سبتمرب املا�ضي ‪ 5809‬مهاجرين‪� ،‬أي قبل‬ ‫يومني من �إقفال ثغراتها احلدودية مع �صربيا‪.‬‬ ‫ويف اليونان ا�ستقبلت جزيرة لي�سبو�س نحو‬ ‫‪� 22.5‬أل��ف الج��ئ ومهاجر‪� ،‬أي رب��ع تعدادها‬ ‫ال�سكاين‪ .‬واجلزيرة املذكورة هي �إحدى اجلزر‬ ‫اليونانية العديدة يف بحر �إيجه التي ت�ضطر‬ ‫ملواجهة تدفق كبري للمهاجرين الذين يبحرون‬ ‫عرب املتو�سط من تركيا‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫سياسة‬ ‫‪34‬‬

‫تغ ّير موازين‬ ‫القوى الدولية‬

‫صعود الصين كقطب دولي يقلب الموازين‬


‫ات��ف��اقً��ا على �أن ال�صني تعد املناف�س القوي‬ ‫واملحتمل ل��ل��والي��ات امل��ت��ح��دة الأم��ري��ك��ي��ة على‬ ‫ال�صعيد ال��دويل‪ ،‬فال�صني كانت ‪ -‬وال تزال ‪-‬‬ ‫ت�ستع�صي على فهم الأمريكيني؛ نظرًا للغمو�ض‬ ‫والتعقيد وعدم دقة املعلومات املتاحة حول هذه‬ ‫الدولة التي ت�شرف على �أن تكون واحدة من �أهم‬ ‫القوى يف عاملنا املعا�صر‪.‬‬ ‫ال���ص�ين ع�ل��ى ر�أ�� ��س اه �ت �م��ام��ات ال��والي��ات‬ ‫املتحدة‬ ‫ونتيجة ل��ذل��ك ج���اءت ال�صني على ر�أ���س‬ ‫اهتمامات الواليات املتحدة يف �أغلب التقارير‬ ‫اال�سرتاتيجية الأمريكية التي ت�صدر بحثًا عن‬ ‫معامل وا�ضحة ال�سرتاتيجية كربى تعمل الواليات‬ ‫املتحدة على هديها بعد انتهاء ا�سرتاتيجية‬ ‫«االحتواء» بانتهاء احلرب الباردة‪.‬‬ ‫وتوقع تقرير جمل�س اال�ستخبارات الوطنية‬ ‫الأمريكي املعنون بـ «االجتاهات العاملية لعام‬ ‫‪ ..2025‬حتول العامل»‪� ،‬أن تكون ال�صني �أكرب‬ ‫دول العامل اقت�صادًا‪ ،‬و�أنها �ستكون قوة ع�سكرية‬ ‫رائ���دة‪ ،‬يف ظل �سعيها وا�ستعدادها ملزيد من‬ ‫الت�أثري يف ال�سيا�سة الدولية على مدى الع�شرين‬ ‫�سنة القادمة من �أي بلد �آخر‪.‬‬ ‫وع���زا ك��ث�ير م��ن املحللني ���ص��ع��ود ال�صني‬

‫العدد‬

‫الصين على رأس‬ ‫اهتمامات الواليات‬ ‫المتحدة في أغلب‬ ‫تقاريرها االستراتيجية‬

‫‪81‬‬

‫جدل حول م�ستقبل القوة الأمريكية‬ ‫وع���ل���ى رغ����م ���س��ع��ي ال����والي����ات امل��ت��ح��دة‬ ‫لعك�س م�سار عجلة التاريخ املرتبط بانهيار‬ ‫الإم�ب�راط���وري���ات ال���ك�ب�رى‪ ،‬وال��ب��ح��ث ع��ن كل‬ ‫الو�سائل ال�لازم��ة والكفيلة لت�أبيد زعامتها‬ ‫وقوتها‪� ،‬إال �أن العقد الأول من القرن احلادي‬ ‫والع�شرين �شهد جد ًال داخل الأو�ساط ال�سيا�سية‬ ‫والأك��ادمي��ي��ة الأمريكية والغربية‪ ،‬بل العربية‬ ‫أي�ضا‪ ،‬ح��ول م�ستقبل القوة الأمريكية يف ظل‬ ‫� ً‬ ‫التغريات احلادثة يف �شكل النظام الدويل الذي‬ ‫مل تت�شكل مالحمه بعد وحتوالت ميزان القوى‬ ‫من الغرب �إلى ال�شرق (القارة الآ�سيوية)‪.‬‬ ‫وي��ح��ت��دم ه���ذا اجل���دل ب�ين ت��ي��اري��ن‪ ،‬ي��رى‬ ‫�أولهما �أن ال��والي��ات املتحدة يف ط��ور الرتاجع‬ ‫ال��ذي يجعلها تلحق بغريها من القوى الكربى‬ ‫واحل�����ض��ارات العظمى التي �سبق �أن فر�ضت‬ ‫هيمنتها على ال��ع��امل و�شكلته‪ ،‬ث��م تراجعت‬ ‫وان���دث���رت‪ ،‬م��ع ت�ساقط حلفائها يف خمتلف‬ ‫مناطق العامل‪ ،‬وبروز قوى عظمى �أخرى تتناف�س‬ ‫على دورها‪ .‬يف حني يرى �أن�صار التيار الثاين �أن‬ ‫القوة الأمريكية ال تزال يف ذروتها‪ ،‬و�أنها �أبعد ما‬ ‫تكون عن الرتاجع‪.‬‬ ‫قوى �صاعدة تتحرك وتتنامى‬ ‫يرى املراقبون للأو�ضاع بروز قوى �صاعدة‬ ‫كال�صني ت��ت��ح��رك وت��ت��ن��ام��ى ق��واه��ا يف ه��دوء‬ ‫و�سكينة مهددة بقلب املوازين‪ ،‬رمبا يف القريب‬ ‫العاجل‪� ،‬سواء من ناحية القوة الفردية املتمثلة‬ ‫يف الدولة القومية‪� ،‬أو من خالل حتالفات جديدة‬ ‫تبد�أ اقت�صادية ثم تتطور تدريجيًا لت�أخذ �أبعادًا‬ ‫جديدة �سيا�سية وع�سكرية وا�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫وم��ع اخ��ت�لاف ال����ر�ؤى ح��ول �شكل النظام‬ ‫ال��دويل ال��ذي هو يف ط��ور الت�شكل‪ ،‬ف���إن هناك‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫ سالم جلبي ‪ -‬بيروت‪-‬‬‫�أف��رز الن�صف الثاين من القرن املا�ضي ومطلع القرن احلايل �سمات جديدة على امل�ستوى‬ ‫ال�سيا�سي والع�سكري واال�سرتاتيجي‪ ،‬ال �سيما بعد انهيار املع�سكر ال�شرقي‪ ،‬فمع �سقوط االحتاد‬ ‫ال�سوفييتي وما تاله من نهاية احلرب الباردة وغياب مناف�س عنيد‪ ،‬خال اجلو للواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية لتب�سط هيمنتها على ال�ش�ؤون العاملية وتعلن قيادتها وزعامتها لهذا العامل الذي �شهد‬ ‫بت�أثري �أمريكا القوي على خمتلف امل�ؤ�س�سات واملنظمات الدولية ب�شكل �شبه مطلق‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك احلني متحورت اال�سرتاتيجية الأمريكية يف املحافظة على هذا النظام الدويل‬ ‫الذي حتتل فيه مركز القيادة عرب تعزيز �أمنها الع�سكري الذي تعتمد عليه يف �إجناح �سيا�ستها‬ ‫اخلارجية‪ ،‬وتطوير اقت�صادها وتعزيز ح�ضورها الع�سكري والدبلوما�سي واالقت�صادي الوا�سع‬ ‫واملكثف على ال�ساحة الدولية‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫سياسة‬ ‫‪36‬‬

‫كقطب دويل وحتديه للمكانة والهيمنة الأمريكية‬ ‫�إلى النمو االقت�صادي ال�صيني‪ ،‬وتراجع نظريه‬ ‫الأمريكي يف �ضوء الأزمات املتعددة التي �سيظل‬ ‫النظام امل��ايل الأمريكي يعانيها خالل العقود‬ ‫القادمة‪.‬‬ ‫حقائق و�أرقام‬ ‫�أو�ضح مكتب امليزانية التابع للكوجنر�س‬ ‫الأم��ري��ك��ي �أن ال��دي��ن الأم��ري��ك��ي خ�لال العقد‬ ‫ال��ق��ادم �سي�صل �إل���ى ‪ %90‬م��ن ال��ن��اجت املحلي‬ ‫الإج��م��ايل للواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬وهي‬ ‫تقديرات يراها البع�ض متفائلة يف ظل توقعات‬ ‫انخفا�ض معدل النمو الأمريكي‪.‬‬ ‫كما توقعت ورق��ة ل�صندوق النقد ال��دويل‬ ‫�أن يت�ساوى الدين الأمريكي مع الناجت املحلي‬ ‫الإجمايل للواليات املتحدة بحلول عام ‪،2015‬‬ ‫مما ي�شابه الن�سبة التقديرية ملديونية �إيطاليا‬ ‫واليونان حاليًا‪.‬‬ ‫ون��ظ��رًا لل�سيا�سات ال��ت��ي اتبعتها �إدارت���ا‬ ‫الرئي�س ال�سابق ج��ورج بو�ش (االب���ن)‪ ،‬ارتفع‬ ‫ن�صيب الفرد من الدين العام بن�سبة ‪� ،%50‬أي‬ ‫من ‪� 13‬أل��فً��ا �إل��ى ‪� 19‬أل��فً��ا خ�لال تلك الفرتة‪.‬‬ ‫وو���ص��ل العجز لل�سنة املالية ‪� 2009‬إل��ى ‪1.6‬‬

‫الصين ستصبح‬ ‫الدولة الوحيدة القادرة‬ ‫على تحدي الواليات‬ ‫المتحدة األمريكية في‬ ‫شرق آسيا‬

‫تريليون دوالر بن�سبة ‪.%9‬‬ ‫ويتوقع مكتب ميزانية الكوجنر�س �أن يزيد‬ ‫مبعدل تريليون دوالر يف العام حتى عام ‪2020‬‬ ‫وكل ذلك ي�صب ‪ -‬ح�سب عديد من الباحثني ‪-‬‬ ‫يف م�صلحة ال�صني من جهة تفوقها اقت�صاديًا‬ ‫على الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫خطة ا�سرتاتيجية �صينية طويلة الأمد‬ ‫على الرغم من �أن ال�صني كانت امل�ستفيد‬ ‫الأول من اال�ستقرار الذي وفرته القوة الع�سكرية‬ ‫الأم��ري��ك��ي��ة يف ���ش��رق وو���س��ط �آ�سيا يف �أع��ق��اب‬ ‫احلرب العاملية الثانية حتى الآن‪� ،‬إال �أن توازن‬

‫ال��ق��وة يف الإق��ل��ي��م �سيظل ق��ائ��مً��ا‪ ،‬حيث تعمل‬ ‫ال�صني حاليًا على بناء �أ�سطول بحري حديث‬ ‫من املدمرات والغوا�صات‪.‬‬ ‫ه��ذا ف�ض ًال ع��ن �إع����ادة �صياغة العقيدة‬ ‫الع�سكرية لتفعيل قدرتها على التحرك يف جنوب‬ ‫و�شرق ال�صني‪ ،‬بالإ�ضافة �إل��ى مد نفوذها يف‬ ‫البحار واملحيطات‪ .‬ويقول تقرير لوزارة الدفاع‬ ‫الأمريكية (البنتاجون) �إن ال�صني �ست�صبح‬ ‫�أكرث الدول قدرة على مناف�سة الواليات املتحدة‬ ‫ع�سكريًا على ال�صعيد الدويل‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬هناك دالئل على �أن ال�صني‬ ‫كانت حري�صة منذ ف�ترة على تنمية عالقتها‬ ‫الإقليمية والدولية‪ ،‬و�أن لديها خطة ا�سرتاتيجية‬ ‫طويلة الأمد لتلعب دورًا مركزيًا يف عامل العوملة‪.‬‬ ‫وك��ان الدافع وراء تلك اخلطة �سعي بكني �إلى‬ ‫خلق بيئة �إقليمية ودولية ت�سهل لها تفعيل ومنو‬ ‫قدراتها االقت�صادية من جهة‪ ،‬واحلفاظ عل‬ ‫�سيادة وا�ستقالل و�ضعها ال�سيا�سي من جهة‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫كما ك��ان حر�ص ال�صني على البحث عن‬ ‫املوارد الطبيعة‪ ،‬خا�صة م�صادر الطاقة لتلبية‬ ‫أي�ضا‬ ‫احتياجات القطاع ال�صناعي‪ ،‬دافعًا مهمًا � ً‬


‫العدد‬

‫التحديات الدولية‪.‬‬ ‫وتركز �أول��ى خطوات وا�شنطن ال�ستعادة‬ ‫قوتها ومكانتها‪ ،‬ح�سبما ذهبت وثيقة الأم��ن‬ ‫القومي الأمريكي اجلديدة‪ ،‬على دفع االقت�صاد‬ ‫الأمريكي ال��ذي مر ب�أزمة اقت�صادية عا�صفة‬ ‫مل ي�شهدها منذ الك�ساد الكبري يف ثالثينيات‬ ‫القرن املن�صرم‪ ،‬فاالقت�صاد الأمريكي بالن�سبة‬ ‫لال�سرتاتيجية هو منبع القوة الأمريكية‪ ،‬لذا‬ ‫رك���زت اال���س�ترات��ي��ج��ي��ة ع��ل��ى ����ض���رورة حتقيق‬ ‫انتعا�ش اقت�صادي وا�سع‪ ،‬وخف�ض العجز املايل‪،‬‬ ‫وخ��ل��ق وظ��ائ��ف ج���دي���دة‪ ،‬وتخفي�ض تكاليف‬ ‫الرعاية ال�صحية للمواطنني الأمريكيني‪ ،‬و�إعادة‬ ‫ت�شييد بنية حتتية جديدة �أكرث �أمنًا وقادرة على‬ ‫مواجهة التحديات الأمنية والكوارث الطبيعية‪.‬‬ ‫من ناحية �أخرى‪ ،‬تذهب اال�سرتاتيجية �إلى‬ ‫���ض��رورة العمل على �إع���ادة االعتبار ملجموعة‬ ‫القيم وامل��ب��ادئ الأمريكية التي بنيت عليها‬ ‫ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية منذ عهد الآباء‬ ‫امل�ؤ�س�سني للواليات املتحدة‪ ،‬والتي تتمثل يف‬ ‫تعزيز احل��ق��وق الأ���س��ا���س��ي��ة‪ ،‬وح��ك��م ال��ق��ان��ون‪،‬‬ ‫ودعم التنمية‪ ،‬ومواجهة الفقر والف�ساد‪ ،‬ودفع‬ ‫عملية ال�سالم بني الأمم والدميقراطية وحقوق‬ ‫الإن�سان‪.‬‬ ‫م�صالح م�شرتكة‬ ‫يدرك الطرفان الأمريكي وال�صيني �أنه ال‬ ‫م�صلحة لأي منهما يف خلق خطاب عن «�صراع‬ ‫بني قطبني جديدين»‪ ،‬و�أن املنظومة االقت�صادية‬ ‫وال�سيا�سية العاملية ذات��ه��ا �أ�صبحت �شديدة‬ ‫التعقيد على �أن تُختَزَ ل يف مفاهيم بهذا ال�شكل‪،‬‬ ‫ال�سيما �أن اقت�صاديهما مت�شابكان ب�شكل يجعل‬ ‫كليهما‪ ،‬للمفارقة‪ ،‬معتمدً ا بقوة ب�شكل ما على‬ ‫عافية الآخر االقت�صادية‪ ،‬مما يخلق م�صلحة‬ ‫م�شرتكة بقدر م��ا يخلق تناف�سً ا‪ ،‬على عك�س‬

‫‪81‬‬

‫يدرك الطرفان‬ ‫األمريكي والصيني أنه ال‬ ‫مصلحة ألي منهما في‬ ‫خلق خطاب عن صراع بين‬ ‫قطبين جديدين‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫يف ت�شكيل حتالفات ال�صني ور�سم �سيا�ستها‬ ‫اخلارجية يف ال�سنوات الأخرية‪.‬‬ ‫توتر وعدم ثقة‬ ‫تتمثل امل���خ���اوف الأم��ري��ك��ي��ة م��ن تنامي‬ ‫القدرات النووية ال�صينية يف القدرة التي تتمتع‬ ‫بها ال�صني يف مم��ار���س��ة ال��ردع�ين التقليدي‬ ‫والنووي �ضمن حميطها الإقليمي‪� ،‬إ�ضافة �إلى‬ ‫التخوف الأم��ري��ك��ي م��ن ا�ستمرار ال�صني يف‬ ‫حتديث قدراتها الع�سكرية بهذا ال�شكل ال�سريع‪،‬‬ ‫�إذ �إنها �ست�صبح الدولة الوحيدة القادرة على‬ ‫حت��دي ال��والي��ات املتحدة الأمريكية يف �شرق‬ ‫�آ�سيا‪ ،‬و�سيكون للواليات املتحدة فقط ال��دور‬ ‫الرئي�س يف مواجهة القدرة ال�صينية الإقليمية‪.‬‬ ‫وميكن تلخي�ص �أهم نقاط اخلالف الأمني‬ ‫والع�سكري الأمريكي‪-‬ال�صيني‬ ‫يف زي��ادة م�ستوى الإن��ف��اق الع�سكري لدى‬ ‫ال�صني �إلى جانب الدرع ال�صاروخي الأمريكي‪،‬‬ ‫والتخوف ال�صيني من حقيقة �أهداف الواليات‬ ‫املتحدة من �إن�شائه‪� ،‬إذ تعتقد ال�صني ب�أنه ي�شكل‬ ‫خطرًا عليها وخا�صة �ضمن حميطها الآ�سيوي‪.‬‬ ‫وقد متيزت العالقات ال�صينية الأمريكية‬ ‫يف ح��ق��ب��ة الت�سعينيات يف جمملها بالتوتر‬ ‫وعدم الثقة و�سيطر عليها عامالن هما‪ :‬القلق‬ ‫واالنتقاد ال�صيني للتقارب الأمريكي التايواين‬ ‫وال��ت��خ��وف الأم���ري���ك���ي م���ن ت�����ص��اع��د ال��ن��ف��وذ‬ ‫االقت�صادي ال�صيني‪.‬‬ ‫مواجهة تراجع النفوذ الأمريكي‬ ‫تتفق معظم ال��ك��ت��اب��ات الأم��ري��ك��ي��ة على‬ ‫�أن ال��والي��ات املتحدة �ستظل القوة الفاعلة يف‬ ‫النظام الدويل الذي ال يزال يف طور الت�شكل‪� ،‬إال‬ ‫�أن اختالل موازين القوى بني الواليات املتحدة‬ ‫والقوى ال�صاعدة �سي�ضيق‪ .‬كما تتفق على قدرة‬ ‫ال��والي��ات املتحدة على اخل���روج م��ن �أزماتها‪،‬‬ ‫وا�ستغاللها كفر�صة لتعزز نفوذها الدويل‪.‬‬ ‫وق��د ج���اءت ا�سرتاتيجية الأم���ن القومي‬ ‫التي �أعلنتها �إدارة ب��اراك �أوباما لتعك�س ر�ؤية‬ ‫الإدارة الأمريكية احلالية ملواجهة تراجع النفوذ‬ ‫الأمريكي عامليًا‪ .‬وتهدف اال�سرتاتيجية �إلى‬ ‫تدعيم القدرة الأمريكية على لعب دور قيادي‬ ‫يف النظام العاملي‪ ،‬لتحقيق م�صاحلها يف القرن‬ ‫احلادي والع�شرين‪ ،‬وذلك على م�سارين‪� ،‬أولهما‬ ‫بناء قوتها الداخلية‪� .‬أم��ا ثانيهما‪ ،‬فيتمثل يف‬ ‫العمل على �صوغ نظام دويل ميكن من مواجهة‬

‫العالقة ال�صفرية التي جمعت مو�سكو ووا�شنطن‬ ‫يف ال�سابق نظرًا لعزلة الأولى االقت�صادية �أثناء‬ ‫احلرب الباردة‪.‬‬ ‫م��ن جهة �أخ���رى‪ ،‬ف����إن وا�شنطن ال تنظر‬ ‫لبكني بقلق �شديد‪� ،‬إذ �إن��ه��ا ت��درك �أن هناك‬ ‫العديد من العوامل التي يت�سم بها االقت�صاد‬ ‫الأمريكي �ستظل متنحه تفوقًا على ال�صعيد‬ ‫العاملي ب�شكل كبري‪ ،‬حتى ولو زاد ن�صيب ال�صني‬ ‫من كعكة االقت�صاد العاملي‪� ،‬أب��رزه��ا بالطبع‬ ‫املجتمع املفتوح ومتعدد الثقافات ال��ذي يخلق‬ ‫بيئة دينامية ودميقراطية‪ ،‬ع��ادة ما تعزز من‬ ‫التفوق االق��ت�����ص��ادي يف ظ��ل منظومة ال�سوق‬ ‫الر�أ�سمايل املفتوح‪.‬‬ ‫م�ساواة و�إثبات وجود‬ ‫كما �أن اخلطر الع�سكري الذي متثله ال�صني‬ ‫بعيد متامً ا عن تهديد الواليات املتحدة‪ ،‬و�أق�صى‬ ‫ما ميكن �أن ي�صل له خالل العقود املقبلة هو‬ ‫االلتفاف حول القواعد الع�سكرية الأمريكية يف‬ ‫املحيط الهادي‪.‬‬ ‫وبالطبع‪ ،‬ت��درك ال�صني ذلك جيدً ا‪ ،‬وهي‬ ‫ت�سعى ل��ذل��ك خل��ل��ق حلفائها م��ن ب�ين ال���دول‬ ‫النامية‪ ،‬خا�صة تلك التي مل ت�ستفد كثريًا من‬ ‫الدعم الأمريكي‪ ،‬ليكون لها ظهري يف ال�ساحة‬ ‫بعيد عن النفوذ الأمريكي‪ ،‬وميثل نواة لتدعيم‬ ‫م�ؤ�س�ساتها املالية اخلا�صة‪.‬‬ ‫وال ي��دل��ل على ذل��ك �أك�ث�ر م��ن ال��رح�لات‬ ‫الكثرية التي ق��ام بها الرئي�س ال�صيني �إل��ى‬ ‫�إفريقيا و�أم��ري��ك��ا الالتينية‪ ،‬وم�شروع طريق‬ ‫�سي�صب الأم���وال ال�صينية يف‬ ‫احل��ري��ر ال��ذي ُ‬ ‫�أ�سيا الو�سطى ويربطها ب�إيران ومن ثم ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪ ،‬وبالنظر لرتاجع �أولوية هذه املناطق‬ ‫يف ال�سيا�سة الأمريكية وقدرة ال�صني على تعزيز‬ ‫التنمية فيها‪.‬‬ ‫وقد تكون املفارقة يف اللعبة اجلارية الآن‬ ‫بني وا�شنطن وبكني هي �أن الأولى تعتمد ب�شكل‬ ‫كبري على تر�سيخ وجودها يف �آ�سيا عرب اتفاقية‬ ‫التجارة للمحيط الهادي‪ ،‬يف حني تنظر الأخرية‬ ‫�إلى احل�صول على موطئ قدم خارج �شرق �آ�سيا‬ ‫واالهتمام بالقارات الأكرث فقرًا لتدعيم �أركان‬ ‫امل�ؤ�س�سات التي‪� ،‬أقل ما يُقال عنها‪� ،‬إنها تود �أن‬ ‫تكون على قدم امل�ساواة يومً ا ما مع م�ؤ�س�سات‬ ‫النظام املايل يف نيويورك‪ ،‬ولي�س بال�ضرورة �أن‬ ‫حتل حملها‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫التطور التقني‬

‫وسيــلة اإلرهـــابـيـيـن لـتـنـظـيـم وتنسيق‬ ‫عملياتهم ونشر رسائل الكراهية والعنف‬ ‫إرهاب‬ ‫‪38‬‬


‫ال�شرعية التي ت�صدر �أحكا ًما بقتلهم يدرك‬ ‫حقيقة �أن «ال��ق��اع��دة الفكرية» �أخ��ط��ر مب��ا ال‬ ‫يقا�س بـ«القاعدة الع�سكرية»‪ ،‬ف�أكرب التقديرات‬ ‫ال ت�ؤكد وجود �أكرث من ‪� 30‬ألف مقاتل ينت�سبون‬ ‫�إلى �أكرث من ‪ 80‬دولة‪ ،‬يف ت�أكيد لوالدة تنظيم‬ ‫عاملي معومل على الأر�ض بعد �أن وجد يف خميلة‬ ‫قادة التنظيم بن الدن والظواهري و�أبو م�صعب‬ ‫ال�سوري املنظر الفكري الأهم على مدى عقود‪،‬‬ ‫ال��ذي كان ي��ردد دائما �أن «(القاعدة) لي�ست‬ ‫منظمة وال ينبغي لها �أن تغدو منظمة»‪ ،‬و�إمنا‬ ‫هي «دعوة ومرجعية ونهج»‪ ،‬و�إذا كان هذا حجم‬ ‫الإره���اب لتنظيم واح���د‪ ،‬فيمكن تخيّل حجم‬ ‫وق��درة تنظيمات �أخ��رى جديدة �أك�ثر انت�شارًا‬ ‫ومنوًا من «القاعدة» مثل تنظيم داع�ش‪.‬‬ ‫ال�ت�غ��ري��ر بال�شباب ع�بر ف�ه��م تكنيكاتهم‬ ‫النف�سية ودوافعهم للتغيري‬ ‫وي�شري باحثون خمت�صون يف حتليل خطاب‬ ‫الإرهاب على الإنرتنت �إلى �أ�سباب كثرية لإقبال‬ ‫ال�شباب‪ ،‬ال �سيما يف فئات �سنية مبكرة على‬ ‫ن�صو�ص داع�����ش وال��ق��اع��دة والن�صرة ومتنها‬ ‫العنفي‪ ،‬وم��ن ذل��ك تفرغ عنا�صرها للتفاعل‬ ‫والتجاوب مع امل�شاركني وال��رد عليهم يف وقت‬

‫العدد‬

‫أغلب اإلرهابيين‬ ‫لديه قدرة فائقة على‬ ‫التعامل مع منصات‬ ‫التواصل االجتماعي‬ ‫لنشر الرعب وتوثيق‬ ‫الجرائم الميدانية‬

‫‪81‬‬

‫التهديد الأكرب يف العامل‬ ‫وبالرغم من �أن هناك �أكرث من مئة تعريف‬ ‫للإرهاب بح�سب باحثني متخ�ص�صني‪� ،‬إال �أن‬ ‫الظاهرة تتلخ�ص يف كل عمل عنيف غري م�شروع‬ ‫يهدف �إل��ى بث الرعب والفزع داخ��ل املجتمع‪،‬‬ ‫�أو الإخ��ل�ال ب��الأم��ن ب��ه��دف �إح����راج الأنظمة‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬وه��و م��ا يظهر م��ن خ�لال زي��ادة‬ ‫ح��وادث الإره��اب وزي��ادة يف �أع��داد ال�ضحايا‪،‬‬ ‫وات�ساع نطاق العمليات الإرهابية وظهور �أ�شكال‬ ‫جديدة وحديثة م�ستخدمة م�ستجدات التطور‬ ‫العلمي والتكنولوجي‪.‬‬ ‫وقد ب��د�أ الإره��اب ي�شق طريقه منذ بداية‬ ‫ال�سبعينيات‪ ،‬لي�صبح التهديد الأكرب يف العامل‪،‬‬ ‫بعد �أن �أ�صبحت ك��ل امل�صالح الغربية حتت‬ ‫مرمى نريان اجلماعات امل�سلحة �إلى �أن جاءت‬ ‫مرحلة الت�سعينيات ليبلغ يف ‪� 1995‬أعلى معدل‪.‬‬ ‫وت�شري التقارير ال�صادرة يف الت�سعينيات ما‬ ‫قبل احلادي ع�شر من �سبتمرب �إلى �أن �ضحايا‬ ‫الإرهاب والعنف امل�سلح يف ال�شرق الأو�سط منذ‬ ‫منت�صف ال�سبعينيات وحتى الآن يزيد على مئة‬ ‫�ألف �ضحية‪ ،‬وكان عام ‪� 1987‬أكرث الأعوام من‬ ‫حيث احل��وادث الإرهابية‪� ،‬إذ بلغ عددها ‪666‬‬ ‫حادثًا‪ ،‬يف حني بلغ عدد ال�ضحايا يف ‪� 1985‬أكرث‬ ‫من ‪ 635‬حادثًا كان �أ�شهرها خطف ال�سفينة‬ ‫الإيطالية �أكيال الوروا يف املياه امل�صرية‪.‬‬ ‫تطور قدرات الإرهابيني‬ ‫ون���ظ���را ل��ل��ت��ط��ور ال��ره��ي��ب وامل��ت��ن��ام��ي يف‬ ‫جم��ال الإن�ترن��ت وتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬فقد‬ ‫�أدرك الإرهابيون �أهمية هذه التقنية يف تنفيذ‬ ‫�أعمالهم‪ ،‬وباتوا �أكرث اعتمادًا على التكنولوجيا‬ ‫م�ستغلني ما تفرزه من �أفكار و�آليات يف خمتلف‬

‫النخب المعولمة‬ ‫المقاتلة أهم سالح‬ ‫تمتلكه المنظمات‬ ‫اإلرهابية‬ ‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫ أحمد السهلي ‪ -‬الرياض‬‫الإرهاب �صورة من �صور العنف التي‬ ‫عرفها املجتمع الدويل منذ ع�صور خلت‪،‬‬ ‫تطور مع تطور املجتمع‪ ،‬حتى بات ظاهرة‬ ‫ت�ستقطب اهتمام ال�شعوب واحلكومات‬ ‫يف كل دول العامل‪ ،‬نظرًا ملا لها من �آث��ار‬ ‫وخيمة على �أمن املواطنني وا�ستقرارهم‬ ‫وعلى الإم��ك��ان��ات االقت�صادية والهيبة‬ ‫ال�سيا�سية للدولة يف حميطيها الإقليمي‬ ‫والدويل‪.‬‬

‫امل���ج���االت‪ ،‬وب��خ��ا���ص��ة يف جم���ايل االت�����ص��االت‬ ‫واملوا�صالت‪ ،‬والأ�سلحة واملتفجرات‪.‬‬ ‫ومت �ث��ل ارت��ب��اط الإره � ��اب والإن�ت�رن ��ت يف‬ ‫طريقتني‪ ،‬تت�ضمن الأول���ى ممار�سة الأع��م��ال‬ ‫التخريبية ل�شبكات احلا�سوب والإنرتنت‪ ،‬ويف‬ ‫الثانية �أ�صبحت الإن�ترن��ت م��ن�برًا للجماعات‬ ‫والأف������راد لن�شر ر���س��ائ��ل ال��ك��راه��ي��ة والعنف‬ ‫ول�لات�����ص��ال ب��ع�����ض��ه��م ب��ب��ع�����ض ومب���ؤي��دي��ه��م‬ ‫واملتعاطفني معهم‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى اال�ستخدام‬ ‫اليومي للإنرتنت من قبل املنظمات الإرهابية‬ ‫لتنظيم وتن�سيق عملياتهم املتفرقة واملنت�شرة‬ ‫حول العامل‪.‬‬ ‫وقد �أتاح التطور التقني الذي يعي�شه العامل‬ ‫يف تطوير ق���درات الإره��اب��ي�ين‪ ،‬مم��ا ا�ستدعى‬ ‫ق��ي��ام وح���دات مكافحة الإره����اب يف خمتلف‬ ‫الدول املتقدمة بتطوير قدراتها الدفاعية‪ ،‬ومن‬ ‫ذلك �أجهزة ك�شف الر�سائل املفخخة‪ ،‬و�أجهزة‬ ‫الك�شف عن املواد الغازية واملعدنية‪.‬‬ ‫�آليات التجنيد واال�ستقطاب‬ ‫ثمة مغرر يجري ا�ستغالله من قبل منظمات‬ ‫�إرهابية مرتبطة بجهات خارجية ودول معادية‪،‬‬ ‫وت��ع��ت�بر ال��ن��خ��ب امل��ع��ومل��ة امل��ق��ات��ل��ة �أه���م �سالح‬ ‫متتلكه املنظمات الإره��اب��ي��ة ب�سبب قدرتهم‬ ‫على ا�ستقطاب املزيد عرب �آلة الدعاية املتفوقة‬ ‫لأ�سباب تتعلق ب�شعاراتها وقدرتها على النفاذ‬ ‫�إل��ى قلوب ال�شباب يف �أوق��ات الأزم��ات الكربى‬ ‫أي�ضا يف ظل غياب �أي‬ ‫والإخفاقات النف�سية‪ ،‬و� ً‬ ‫مقاومة فكرية منهجية رغم النجاحات الأمنية‪.‬‬ ‫�إن فهم كيف يتبنى ال�شباب‪ ،‬لي�س فقط‬ ‫�أفكار «القاعدة» العامة‪ ،‬و�إمنا قناعات وخيارات‬ ‫«جبهة الن�صرة» �أو «داع�ش» التف�صيلية – هذا ال‬ ‫ميكن الو�صول �إليه ملن مل يع�ش التجربة ويعرف‬ ‫�آليات التجنيد واال�ستقطاب والعزلة التي تف�صل‬ ‫هذه الكوادر يف امليدان عن الواقع مبالب�ساته‬ ‫املختلفة‪ ،‬وهو الأمر الذي ي�ؤكده مقتل عدد من‬ ‫ال�شباب يف «الن�صرة» على يد ك��وادر «داع�ش»‬ ‫الذين ذهبوا بدافع واح��د ف�ضفا�ض ودعائي‬ ‫«ن�صرة امل�سلمني»‪ ،‬لينتهي بهم املطاف �إلى �أن‬ ‫يبادر كل منهم �إلى قتل الآخر‪.‬‬ ‫ورمب���ا م��ن ي��ق��ر�أ تفا�صيل مقتل ن�شطاء‬ ‫«ال��ق��اع��دة» لبع�ضهم ال��ب��ع�����ض‪ ،‬وامل��ح��اك��م��ات‬

‫‪39‬‬


‫إرهاب‬ ‫‪40‬‬

‫ق�صري‪ ،‬و�سهولة التغرير بال�شباب ع�بر فهم‬ ‫تكنيكاتهم النف�سية ودوافعهم للتغيري‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إلى وجود منتجات متعددة يف �شكل كتب وملفات‬ ‫رقمية وميديا عن كل ما يلزم الكادر الإرهابي‪.‬‬ ‫ورمبا كانت حقيبة املجاهد التي ت�ضم �أكرث‬ ‫من �أل��ف عنوان يف خمتلف املجاالت من �أكرث‬ ‫امللفات حتمي ًال على ال�شبكة وب�أكرث من لغة‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إلى �أن كتابة جتارب املقاتلني منذ حلظة‬ ‫التجنيد وحتى م��ا بعد العمليات االنتحارية‬ ‫ي�ساهم يف الدعاية لفكرة التنظيم الذي يلعب‬ ‫على خمتلف اجلبهات‪ ،‬فهناك ا�ستغالل للداخل‬ ‫عرب توزيع ت�سجيالت و�أقرا�ص مدجمة حتتوي‬ ‫على �أهم الكتب واخلطب واملرئيات‪.‬‬ ‫هذا ف�ض ًال عن وجود م�صورين متخ�ص�صني‬ ‫يف ك��ل م��ك��ان لتوثيق الأح����داث واحل��دي��ث عن‬ ‫جتربة القتال‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى ت�سجيالت حتمل‬ ‫ت�����ص��ري��ح��ات ل�ل��أه���ايل ع���ن دع��م��ه��م ل��ه��ذه‬ ‫التنظيمات‪ ،‬بينما ين�شط �أع�ضا�ؤها املخت�صون‬ ‫ب��ال��ت��وا���ص��ل االج��ت��م��اع��ي ع��ل��ى ال��ه��ا���ش��ت��اق��ات‬ ‫الريا�ضية والدعائية وها�شتاقات املوا�سم التي‬ ‫يح�ضر فيها ال�شباب بكثافة‪.‬‬ ‫كوادر م�ؤهلة تكنولوجيًا‬ ‫ب��ات الآن ل��دى �إرهابيني ما بعد «داع�ش»‬

‫التكنولوجيا أصبحت‬ ‫الع ًبا رئيس ًيا في‬ ‫منظومة األمن القومي‬

‫طاقم من الكوادر امل�ؤهلة تكنولوجيًا‪ ،‬ف�أغلبهم‬ ‫من �أ�صحاب التعليم العايل وكثري منهم يحمل‬ ‫�شهادة جامعية يف الهند�سة والطب والإع�لام‬ ‫والت�سويق‪ ،‬و�أغلبهم ل��دي��ه ق���درة فائقة على‬ ‫ال��ت��ع��ام��ل م��ع من�صات ال��ت��وا���ص��ل االجتماعي‬ ‫ال��ت��ي ت��ق��وم منظمات العنف ومنها «داع�����ش»‬ ‫با�ستغاللها بطريقة غري م�سبوقة بهدف ن�شر‬ ‫الرعب وتوثيق اجلرائم امليدانية عرب مقاطع‬ ‫فيديو ممنتجة ك�سالح فعال يف جتنيد املزيد‬ ‫من الكوادر الإرهابية‪.‬‬ ‫من جهة �أخ��رى‪� ،‬أ�سهم التفوق التقني يف‬ ‫�إم���داد املنظمات الإره��اب��ي��ة بالتمويل امل��ادي‪،‬‬ ‫ف�سرقة بطاقات االئتمان وال�سطو على البنوك‬ ‫املركزية وال�شبكات امل�صرفية‪ ،‬كما �أ�سهم ن�شر‬

‫أي�ضا‪ ،‬يف‬ ‫مقاطع امليديا ذات الطابع العنفي � ً‬ ‫انت�شار التنظيمات وب�سط نفوذها على الأر�ض‪.‬‬ ‫حماربة الت�شدد على الإنرتنت‬ ‫عملت ك��ث�ير م��ن دول ال��ع��امل ع��ل��ى در���س‬ ‫مو�ضوع الإرهاب وارتباطه بالتكنولوجيا بعناية‬ ‫من �أج��ل مكافحته‪ ،‬ك��ون ت���أث�يره عامليًا ي�شكل‬ ‫خطرًا رهيبًا‪ ،‬مع الأخ��ذ يف االعتبار االحرتام‬ ‫الكامل حلقوق الإن�����س��ان بالتعبري ع��ن ال��ر�أي‬ ‫وع��دم تقييد حريات الآخرين بحجة مكافحة‬ ‫الإرهاب التكنولوجي‪.‬‬ ‫ول��ك��ن ب��ال��رغ��م م��ن ال��ت��ق��دم التكنولوجي‬ ‫الذي و�صلت �إليه احلكومات حول العامل‪ ،‬ف�إن‬ ‫م�ساعيها احلثيثة لإزال��ة املحتويات التي تدعو‬ ‫�أو تروج للإرهاب على �شبكة الإنرتنت مل حتقق‬ ‫�أي جناح‪ ،‬نظرًا للطرق البديلة‪ ،‬التي يلج�أ �إليها‬ ‫�أ�صحاب هذه املحتويات للإفالت من الرقابة‪.‬‬ ‫ويف تقرير جديد مل�ؤ�س�سة “كواليام”‪ ،‬وهي‬ ‫م�ؤ�س�سة بحثية ملكافحة الإره���اب‪ ،‬عن جهود‬ ‫ال�سلطات الربيطانية ملحاربة الت�شدد على‬ ‫الإن�ترن��ت‪ ،‬ق��ال خ�براء �إن امل��واد الداعية �إلى‬ ‫الإره��اب �أو �إلى الأفكار املت�شددة تعود للظهور‬ ‫على ال�شبكة العنكبوتية ف��ور قيام ال�سلطات‬ ‫ب�إزالتها‪.‬‬


‫و�سائل التوا�صل االجتماعي والرتويج للإرهاب‬ ‫تطرق التقرير �إلى‪ ‬الدور الذي تلعبه و�سائل‬ ‫التوا�صل االجتماعي مثل في�سبوك يف الرتويج‬ ‫للإرهاب‪� ،‬إذ يقوم «مروجو الإره��اب» بالتعبري‬ ‫عن �أفكارهم عرب و�سائل التوا�صل دون �أن يتم‬ ‫�إبالغ ال�سلطات عنهم‪.‬‬ ‫و�أ�شارت الدرا�سة �إلى دور مواقع التوا�صل‬ ‫االجتماعي يف خدمة التنظيمات املت�شددة‪،‬‬ ‫منوهة باالنتقادات ال�شديدة التي تعر�ض لها‬ ‫في�سبوك كونه مل يبلغ ال�سلطات الربيطانية‬ ‫باحتمال قيام �أح��د الأ�شخا�ص بقتل جندي‬ ‫بريطاين‪.‬‬ ‫واعترب التقرير �أن �أف�ضل طريقة ملحاربة‬ ‫الإره��اب على الإنرتنت تكمن يف ن�شر الأفكار‬ ‫امل�ضادة للإرهاب على املواقع املختلفة ون�شر‬ ‫التوعية يف امل��دار���س واجل��ام��ع��ات وال�سجون‬ ‫مبخاطر الت�شدد‪.‬‬ ‫داع�ش ين�شط على تويرت‬ ‫يف تقرير �إح�صائي‪ ،‬قام به �أحد الباحثني‬

‫‪81‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬ ‫العدد‬

‫و�أ���ش��ار �إل��ى �أن��ه �أ�صبح م��ن ال�صعب ج��دً ا‬ ‫مراقبة املحتويات املن�شورة على الإنرتنت ب�سبب‬ ‫الطرق البديلة التي يلج�أ �إليها مروجو هذه‬ ‫الأفكار‪ ،‬منها تقنية “الويب اخلفي” (‪Deep‬‬ ‫‪� )Web‬أو ال�شبكة املعتمة (‪ )Dark Net‬التي‬ ‫متكنهم من ن�شر م��واد �أو �صفحات ديناميكية‬ ‫دون �أن يتم تعقبها ب�سهولة‪.‬‬ ‫ومن خالل هذه التقنيات ميكن ن�شر مواد‬ ‫دون �أن تتم �أر�شفتها �أو فهر�ستها على حمركات‬ ‫البحث املعروفة مثل غوغل �أو ياهو �أو بنغ‪ ،‬بحيث‬ ‫�إنها ال حتتوي على‪ ‬عناوين الإنرتنت املعروفة‪،‬‬ ‫وللو�صول �إليها ال بد من ا�ستخدام مت�صفحات‬ ‫معينة غري تلك املتداولة لدى عموم م�ستخدمي‬ ‫الإنرتنت‪.‬‬ ‫أي�ضا �إن�شاء �صفحات‬ ‫كما ت�شمل هذه الطرق � ً‬ ‫ال توجد لها روابط يف �صفحات �أخرى وارتباطات‬ ‫بال�شبكة عرب بروتوكوالت غري �شائعة‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إل��ى ا�ستخدام ملفات غري ن�صية‪ ،‬مثل ملفات‬ ‫الفيديو وال�صور غري القابلة للفهر�سة‪.‬‬ ‫و�أ����ش���ار ال��ب��ح��ث �إل���ى �أن وح���دة مكافحة‬ ‫الإره����اب على الإن�ترن��ت يف بريطانيا �أزال���ت‬ ‫‪� 65‬أل��ف حمتوى من الإن�ترن��ت ك��ان يدعو �إلى‬ ‫الإره��اب‪ ،‬منها ‪� 46‬ألف منذ دي�سمرب املا�ضي‪،‬‬ ‫الفتًا �إلى �أن ‪ 70‬باملئة من هذه املو�ضوعات كانت‬ ‫تدور حول الأحداث يف �سوريا والعراق‪.‬‬

‫التطور التقني الذي‬ ‫يعيشه العالم اليوم أتاح‬ ‫لإلرهابيين تطوير قدراتهم‬

‫يف ق�ضايا الإرهاب تتبع الباحث ما يفوق �أربعة‬ ‫ماليني تغريدة يحركها ما يفوق ‪ 8000‬ح�ساب‬ ‫يف «ت��وي�تر»‪ ،‬ين�شط ج��زء منها‪ ،‬بينما ين�شط‬ ‫الباقي يف ح��ال توقف احل�سابات �أو حجبها‬ ‫على «تويرت»‪ .‬وترافق التطور التقني لـ«داع�ش»‬ ‫مع ح�ضورها الإعالمي غري امل�سبوق بعدد من‬ ‫املنتجات بلغات عاملية �أب��رزه��ا جملة «داب��ق»‬ ‫تطبع بعدة لغات ور�سوم و�صور معاجلة وخطاب‬ ‫�إعالمي متنا�سق للت�أثري على �شرائح خمتلفة‬ ‫من اجلمهور‪ ،‬ومنهم‪ :‬الأط��ب��اء واملهند�سون‬ ‫والإداري��ون وم�شغلو الأجهزة وامل�صارف التي‬ ‫يحتلها التنظيم‪.‬‬ ‫ويف تقرير ملوقع «‪ »bustle‬عن «داع�ش»‪،‬‬ ‫و�صف التنظيم ب�أنه واحد من �أكرث املنظمات‬ ‫الإره��اب��ي��ة ح�����ض��ورًا ع��ل��ى و���س��ائ��ل التوا�صل‬ ‫االجتماعي وا�ستخدامها للتقنية مما �ساهم‬ ‫يف الت�سويق ل��ه��ا وت��راج��ع ج��م��اع��ات ال تقل‬ ‫عنها ح�ضورًا على الأر�ض كـ«جبهة الن�صرة»‬ ‫وجمموعات «القاعدة» يف ال�شام والعراق‪.‬‬ ‫التكنولوجيا مفتاح مكافحة الإرهاب‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬ال �أحد ي�ستطيع �أن ينكر‬ ‫�أن التكنولوجيا �أ�صبحت الع�� ًب��ا رئي�سيًا يف‬ ‫منظومة الأمن القومي‪ ،‬وقد تكون التكنولوجيا‬ ‫املفتاح ملكافحة الإرهاب لعدة �أ�سباب‪� ،‬أهمها‬ ‫�أن الإره��اب والإرهابيني �أنف�سهم قد طوروا‬ ‫من قدراتهم با�ستخدام التكنولوجيا احلديثة‬ ‫وه��ذا �سبب ج��وه��ري ملواجهة ه��ذا التهديد‬ ‫بنف�س الأ�سلحة التي ي�ستخدمها‪.‬‬ ‫�إن م��ك��اف��ح��ة الإره��������اب ب��ا���س��ت��خ��دام‬ ‫التكنولوجيا �أ�صبحت �أم��رًا حتميًا‪ ،‬فلن تفلح‬ ‫الأ�ساليب التقليدية يف مواجهة هذا التهديد‬ ‫امل�ستمر وامل��ت��ط��ور وامل��ت�����س��ارع ال���ذي يختلف‬ ‫كثريًا عن �إره��اب القرن املا�ضي‪ .‬ولعل �أهم‬ ‫ما ت�ستطيع التكنولوجيا فعله هو «البحث عن‬ ‫املجهول»‪ ،‬فهناك الكثري من التقنيات التي‬ ‫ميكنها جتميع البيانات من م�صادر كثرية‬ ‫وحتليلها لكي نعرف �أن هناك �أ�شياء جنهلها‬ ‫ونحن يف حاجة ملزيد من املعلومات عنها‪.‬‬ ‫وتعد التقنيات احلديثة يف جتميع وحتليل‬ ‫البيانات م��ن «م�����ص��ادر مفتوحة» ك�شبكات‬ ‫التوا�صل االجتماعي واملنتديات الإرهابية‬ ‫الع��بً��ا �أ�سا�سيًا يف الإج��اب��ة على الكثري من‬ ‫الت�سا�ؤالت‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫رأس المال في القرن ‪21‬‬ ‫كتاب ينادي بالتحول نحو العدالة وإعادة توزيع الدخل وتضييق هوة التفاوت بينهما‬

‫اقتصاد‬ ‫‪42‬‬

‫ مشاعل العمر ‪ -‬الرياض ‪-‬‬‫ي�شهد العامل الآن هبات‮ ‬غ�ضب �شعبي‬ ‫وث��ورات يف خمتلف �أنحائه‪� ،‬إذ تت�صاعد‬ ‫�أ����ص���وات ال�شعوب‪،‬‮ ‬مطالبة ب��ا���س�ترداد‬ ‫حقوقها االق��ت�����ص��ادي��ة ال��ت��ي ك��ث�يرًا ما‬ ‫�سيطرت عليها القلة املهيمنة على ال�سلطة‬ ‫وال�ثروة‪� ،‬إذ دائمًا ما تقود الر�أ�سمالية‬ ‫ال حمالة �إل��ى تو�سيع ه��وة التفاوت بني‬ ‫املداخيل والرثوة‪.‬‬ ‫وي ��أت��ي كتاب‮ «‬ر�أ����س امل��ال يف القرن‬ ‫احل����ادي وال��ع�����ش��ري �ن‮» ‬مل ��ؤل��ف��ه ت��وم��ا���س‬ ‫بيكيتي االق��ت�����ص��ادي الفرن�سي ال��ذي‬ ‫يتناول مو�ضوع «انعدام العدالة يف توزيع‬ ‫ال�ثروة يف ال��ع��امل»‪ ،‬لي�ضع �أ�سا�سً ا علميًا‬ ‫منهجيًا للنقا�ش حول طبيعة الر�أ�سمالية‬ ‫امل���ع���ا����ص���رة‪ ،‬وم����ن ث���م �أزم������ة ال��ن��ظ��ام‬ ‫االقت�صادي العاملي‮‪.‬‬

‫ب��دا وا�ضحً ا اقتداء بيكيتي بو�ضوح �شديد‬ ‫مب��ث��ال ر�أ����س امل���ال ل��ك��ارل م��ارك�����س‪ ،‬ول��ك��ن �إذا‬ ‫كان بحث مارك�س متوا�ضعًا‪ ،‬ف�إن بحث بيكيتي‬ ‫يكون ا�ستثنائيًا‪ .‬وملا كان مارك�س تنب�أ بانهيار‬ ‫الر�أ�سمالية بو�صفه مقدم ًة تف�ضي �إلى فردو�س‬ ‫بروليتاري طوباوي‪ ،‬يرى بيكيتي م�ستقبلاً من‬ ‫منو بطيء وتفاوتات �أ�سطورية كتفاوتات ع�صر‬ ‫الق�شرة الذهبية بحيث يح�صل �أ�صحاب ر�أ�س‬ ‫املال املو�سرون على ح�ص�ص �أ�ضخم و�أ�ضخم من‬ ‫الرثوة العاملية والدخول‪.‬‬ ‫بداية بنى امل�ؤلف كتابه على جمموعة من‬ ‫الأبحاث التي قام بها بنف�سه مع جمموعة من‬ ‫االقت�صاديني ا�ستغرقت ع�شر �سنوات‪ ،‬وباال�ستناد‬ ‫�إلى بيانات �إح�صائية ر�سم الكتاب �صورة لتطور‬ ‫التفاوت يف الدخل منذ الثورة ال�صناعية‪� ،‬إذ‬ ‫تركزت الرثوات يف �أيدي العائالت الغنية املرتبعة‬ ‫على عر�ش النظام االجتماعي الطبقي الراكد‪،‬‬ ‫ومل يغري هذا النهج يف التفاوت �إال بحدوث هزات‬ ‫عنيفة يف االقت�صاديات العاملية‪ ،‬من قبيل فرتة‬ ‫الك�ساد العظيم �أو احلرب العاملية الثانية‪ ،‬لكن‬ ‫تلك ال�صدمات �سرعان ما اختفى �أثرها ليعود‬ ‫التفاوت يف الرثوة من جديد‪.‬‬ ‫ويعتقد امل�ؤلف �أن الرثوة تنمو ب�شكل �أ�سرع‬ ‫من منو الناجت االقت�صادي‪ ،‬ويربهن على ذلك‬ ‫مبعادلة اقت�صادية تو�ضح العالقة بني ال�ثروة‬ ‫والناجت القومي‪ ،‬ف�إما تزيد ال�ثروة على الناجت‬ ‫�أو يت�ساويان �أو يزيد الناجت على ال�ث�روة‪ ،‬ويف‬ ‫احلالة الأخ�يرة �ستقل �أهمية ال�ثروة‪� .‬أما النمو‬ ‫االقت�صادي البطيء‪ ،‬فيزيد من �أهمية الرثوة‪.‬‬ ‫وق��د ط��رح امل�ؤلف جمموعة من الت�سا�ؤالت‬ ‫ال��ت��ي ي��رى �أن الإج��اب��ة عنها �ستكون حا�سمة‬ ‫بالن�سبة للم�سار االقت�صادي‪،‬‮ ‬خالل هذا القرن‪،‬‬ ‫منها‮‪‬ :‬هل �ست�ؤدي �آليات تكد�س ر�ؤو���س الأم��وال‬ ‫�إلى متركزه القوي يف �أيدي البع�ض مثلما توقع‬ ‫بع�ض اقت�صاديي ال��ق��رن التا�سع ع�شر؟ هل‬

‫�ست�ستطيع قوى ال�ضبط الذاتي التو�صل �إلى احلد‬ ‫من التباين االقت�صادي‪،‬‮ ‬و�إلى حالة من االن�سجام‬ ‫ت��ك��ون مفتاحً ا لال�ستقرار‪ ،‬مثلما ت��وق��ع بع�ض‬ ‫االقت�صاديني يف القرن الع�شرين؟ وباخت�صار‮‪:‬‬ ‫‬كيف �سيتطور ر�أ�س املال على املدى الطويل؟‮‬‬ ‫ويحاول بيكيتي حتديد توجهات امل�ستقبل‬ ‫وفهم �آليات توزيع ر�أ�س املال‪،‬‮ ‬وتقا�سم الرثوات‬ ‫بني ال�شعوب والأفراد‪،‬‮ ‬ويتطرق �ضمن هذا الإطار‬ ‫�إلى ر�أ�س املال وتاريخه‪ ،‬منذ القرن ال�سابع ع�شر‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬ولكن لي�س من كونه م�س�ألة اقت�صادية‬ ‫أي�ضا من حيث �أب��ع��اده االجتماعية ‮‪،‬‬ ‫بحتة‪،‬‮ ‬بل � ً‬ ‫‬والتاريخية‪،‬‮ ‬وال�سيا�سية‪ ،‬وبالطبع االقت�صادية‮‪.‬‬ ‫‬وي�ستعر�ض عرب ه��ذا كله خمتلف الأط��روح��ات‬ ‫التي �صيغت حول امل�سائل املتعلقة بر�أ�س املال ‮‪،‬‬ ‫‬وتطور م�ساره‪ ،‬وانتقاله بني الأجيال‪،‬‮ ‬وهذا مع‬ ‫حتديد فرن�سا كحالة درا�سة‮‪‬.‬‬ ‫ويلفت امل�ؤلف �إلى �أن م�س�ألة توزيع الرثوة‬ ‫تت�ضمن قدرًا من الأهمية والتداخل مع م�سائل‬ ‫�أخ����رى‪ ،‬مم��ا يجعل درا���س��ت��ه��ا ال تقت�صر على‬ ‫االقت�صاديني‪،‬‮ ‬وامل�ؤرخني‪،‬‮ ‬والفال�سفة‪،‬‮ ‬ورجال‬ ‫ال�سيا�سة‪،‬‮ ‬بل هي مو�ضع اهتمام جميع الب�شر‮‪‬ .‬‬

‫يرى بيكيتي‬ ‫مستقب ًلا من نمو بطيء‬ ‫وتفاوتات أسطورية‬ ‫كتفاوتات عصر القشرة‬ ‫الذهبية بحيث يحصل‬ ‫أصحاب رأس المال‬ ‫الموسرون على حصص‬ ‫أضخم من الثروة‬


‫أساسا‬ ‫الكتاب وضع‬ ‫ً‬ ‫علم ًيا منهج ًيا للنقاش‬ ‫حول طبيعة الرأسمالية‬ ‫المعاصرة وأزمة النظام‬ ‫االقتصادي العالمي‮‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫ت�ضييق اخلناق على املتهربني من ال�ضرائب‪،‬‬ ‫�سواء كانوا �أفرادا �أو �شركات‪ ،‬وهو �أحد احللول‬ ‫املهمة والعملية‪ ،‬حيث �إن��ه يف ال��ق��رن احل��ادي‬ ‫والع�شرين ال ميكن للدولة �أن تتبني �أحد هذين‬ ‫اخليارين املتناق�ضني‮‪‬ :‬الأول‮ «‬الدولة ال�شمولية‮»‬‪،‬‬ ‫والآخر هو‮ «‬دولة احلد الأدين‮» ‬التي تلغي تدخل‬ ‫الدولة متا ًما‮‪‬.‬‬ ‫وي��رى بيكيتي �أن النموذج املقبل واملقرتح‬ ‫�سيكون من��وذجً ��ا و�سطيًا م��ع��ت��دالً‪� ،‬أو طريقًا‬ ‫ثالثًا‪ ،‬يقوم على �أ�سا�س الت�أليف اخل�لاق بني‬ ‫دور �إ���ش��رايف للدولة على م�سارات الر�أ�سمالية‬ ‫واجتاهات االئتمان من ناحية‪ ،‬و�إط�لاق حرية‬ ‫للقطاع اخلا�ص حتت الرقابة من ناحية �أخرى‪،‬‬ ‫و�سيفتح هذا بابًا جديدًا من �أب��واب التاريخ قد‬ ‫يطلق عليه من بعد‮ «‬الر�أ�سمالية املراقبة‮»‪‬.‬‬ ‫ويعترب كتاب «‬ر�أ�س املال يف القرن احلادي‬ ‫والع�شرين‮» الذي �صدر بالفرن�سية ثم ترجم �إلى‬ ‫الإجنليزية و�إلى خم�س وع�شرين لغة �أخرى ‮‪� ،‬أهم‬ ‫كتاب �صدر يف‬‪،4102‬‮ ‬وبداية‮ ‬‪،5102‬‮ كما يعد �أحد‬ ‫�أهم الكتب التي �صدرت خالل الأعوام اخلم�سني‬ ‫الأخرية‪ ،‬خا�صة يف جمال االقت�صاد والعالقات‬ ‫االقت�صادية الدولية‪ ،‬بل هناك من يعده الأهم‬ ‫يف هذا املجال منذ كتاب جون كينز‮ (‬النظرية‬ ‫العامة يف العمل والفائدة والنقود‮) ‬ال�صادر عام‮‬ ‫‬‪.6391‬‬ ‫وقد �أثار هذا الكتاب‮ ‬نقا�شً ا حا ًدا‮ ‪‬-‬مل يهد�أ‬ ‫‮‪‬ -‬يف الواليات املتحدة حول الر�أ�سمالية‪،‬‮ ‬والعالقة‬ ‫ب�ين ال�سلطة وامل���ال‮‪‬ .‬وقد ت�صدر الكتاب �أك�ثر‬ ‫الكتب مبيعًا‪،‬‮ ‬بح�سب �صحيفة نيويورك تاميز‪،‬‬ ‫وه��و م��رك��ز مرتفع بالن�سبة لكتاب �أكادميي‪.‬‮‬ ‫واملتوقع �أن يثري هذا الكتاب جد ًال لعقود طويلة‬ ‫قادمة مثل الكتب التي تعد عالمات يف جماله‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫وي�ؤكد بيكيتي هنا قاعدة‪‬،‬مفادها �أنه ما دام‬ ‫معدل مردود ر�أ�س املال امل�ستثمر يف الأ�سواق �أو‬ ‫البنوك �أعلى دائمًا من معدل النمو االقت�صادي‪،‬‬ ‫ف���إن الأول��وي��ة ال تكون ل��ر�أ���س امل��ال املنتج الذي‬ ‫ي�شكل العمل م�صدره‮‪‬.‬‬ ‫وانطالقًا من الت�سا�ؤالت ال�سابقة‪ ،‬يعر�ض‬ ‫بيكيتي �أ���ش��ك��ال ت��راك��م ال��ث�روة ب�ين الطبقات‬ ‫املختلفة منذ منت�صف ال��ق��رن التا�سع ع�شر‬ ‫حتى اليوم‪ ،‬وي�ستخل�ص �أن ال�ثروة ترتاكم لدى‬ ‫�أ�صحاب ر�أ���س املال �أكرث منها يف يد العاملني‮‪.‬‬ ‫‬ويرى امل�ؤلف �أن ا�ستثناء ح�صل على �أثر احلربني‬ ‫الكونيتني اللتني �أدت��ا �إل��ى تدمري ث��روات بع�ض‬ ‫الر�أ�سماليني الكبار‪ ،‬فيما �أ�سهم النمو ال�سكاين‬ ‫واالقت�صادي اال�ستثنائي ال��ذي �أعقب احلرب‬ ‫العاملية الثانية‪،‬‮ ‬وا�ستمر ثالثني �سنة‪� ،‬أطلق عليها‬ ‫الفرن�سيون لقب الثالثني املجيدة يف �إنعا�ش طبقة‬ ‫العاملني يف تو�سيع الطبقة الو�سطى �إلى حجم مل‬ ‫تكن الدول الغربية �شهدت مثله‮‪‬ .‬لكن فور انتهاء‬ ‫جمهود �إع��ادة الإعمار‪ ،‬عاد ر�أ���س امل��ال ليرتكز‬ ‫يف يد قلة قليلة‪ ،‬فيما راحت الطبقة الو�سطى يف‬ ‫الدول الغربية ت�ضمر رويدًا روي ًدا‮‪‬.‬‬ ‫ويتناول بيكيتي بالتحليل ق�ضية عدم امل�ساواة‬ ‫وتطورها‪،‬‮ ‬وكيف �أن ال�سوق احلر‮ ‪ ‬-‬حتى يف دول‬ ‫الرفاه الأوروبية‮ ‪‬-‬لن ي�صل يف النهاية �إلى ت�ضييق‬ ‫امل�سافات بني الأغنياء والفقراء‪ ،‬ولن يحقق حلم‬ ‫الرثاء للمليارات من الفقراء وحمدودي الدخل‬ ‫حول العامل‪،‬‮ ‬دون تدخل من الب�شر‪،‬‮ ‬مما �سيعيد‬ ‫م��ع��دالت ع��دم امل�����س��اواة يف ال��دخ��ل ح��ول العامل‬ ‫لت�صل �إل��ى �سقفها اجلنوين يف القرن احلادي‬ ‫والع�شرين‮‪‬.‬‬ ‫ويدلل امل�ؤلف على نبوءته بالنمو البطيء‪،‬‮‬ ‫‬والتفاوت املتطرف يف القرن احلادي والع�شرين‬ ‫با�ستقراء بيانات تاريخية ومعادلة ب�سيطة‪،‬‮ ‬�إذ‬ ‫تو�ضح البيانات التي جمعها‮ ‪‬ -‬مب�ساعدة كثري‬ ‫م��ن الباحثني يف ب��ل��دان خمتلفة ‮‪�‬ -‬أن الإن��ت��اج‬ ‫لكل �شخ�ص‮ (‬�أي الإنتاجية‮) ‬متيل عرب فرتات‬ ‫طويلة من الزمن �إلى النمو مبعدل‮ ‬‪1‬‮ ‬�إلى‪1‭.‬5‬‮ ‬‪٪‬‮‪.‬‬ ‫أي�ضا �أن معدل العائد على‬ ‫‬كما تو�ضح البيانات � ً‬ ‫اال�ستثمار عرب فرتات طويلة من الزمن يرتاوح‬ ‫بني‮ ‬‪4‬‮ ‬و‪٪5‬‮‪‬.‬‬ ‫وي�����ش�ير امل����ؤل���ف �إل����ى �أن ب��ي��ان��ات ال��ع��وائ��د‬ ‫ال�ضريبية‬ت�ؤكد �أن دخول الطبقة الو�سطى بقيت‬

‫ثابتة طوال الأعوام الثالثني املا�ضية‪،‬‮ ‬و�أن دخول‬ ‫الطبقة العليا قد ابتعدت �أ�شد ما يكون االبتعاد‬ ‫عن اجلميع‪،‬‮ ‬بحيث ح�صل �أ�صحاب ر�أ���س املال‬ ‫امل��و���س��رون على ح�ص�ص �أ�ضخم و�أ�ضخم من‬ ‫الرثوة العاملية والدخول‮‪‬.‬‬ ‫وي�ستخل�ص بيكيتي �أن��ه كلما يكون العائد‬ ‫على ر�أ���س امل��ال املايل‮ (‬اال�ستثمار‮) ‬�أعلى من‬ ‫العائد على ر�أ����س امل��ال الب�شري‮ (‬الإنتاجية‮)‬ ‫‬لفرتة ممتدة‪ ،‬ف�إن ح�سبة ب�سيطة تكفي لن�صل‬ ‫�إلى نتيجة �أن ذلك الو�ضع �سيف�ضي �إلى ازدياد‬ ‫التفاوت‮‪‬ .‬وال�سبب �أن �أ�صحاب �أعلى الدخول‬ ‫�سيدخرون وي�ستثمرون‪،‬‮ ‬مما ي���ؤدي �إل��ى توليد‬ ‫دخل ر�أ�سمايل يتيح لهم �أن يتقدموا على �أولئك‬ ‫الذين يعتمدون فقط على الأجور والرواتب‪،‬‮ ‬�إلى‬ ‫حد االنف�صال عنهم‮‪‬ .‬وال ي�ستغرق الأم��ر‮ ‬غري‬ ‫�أجيال قليلة‪،‬‮ ‬قبل �أن تتحول هذه الرثوة املرتاكمة‬ ‫�إل���ى عن�صر م�سيطر يف االق��ت�����ص��اد والبنيان‬ ‫االجتماعي‮ ‪‬-‬االقت�صادي‮‪‬.‬‬ ‫و‬ي�صل امل�ؤلف �إلى ا�ستنتاج �أن املحرك اخلفي‬ ‫لعدم امل�ساواة املتطرفة هو �أن عوائد ر�أ�س املال‬ ‫تتجاوز معدالت النمو االقت�صادي‪ ،‬وهو ما يثري‬ ‫ال�سخط الطبقي‪،‬‮ ‬ويقو�ض القيم الدميقراطية‬ ‫يف الغرب‪،‬‮ ‬وهو ما يف�سر انطالق نوع جديد من‬ ‫الر�أ�سمالية‪،‬‮ ‬�أقل �صناعية‪،‬‮ ‬و�أكرث مالية‪،‬‮ ‬قائم‬ ‫�أ�سا�سً ا على امل�ضاربات‪.‬‬ ‫ولفت بيكيتي �إلى �أن ‬ العامل ي�شهد يف هذه‬ ‫املرحلة م��ن العوملة جمابهة ح��ادة ب�ين ال�سوق‬ ‫والدولة‪،‬‮ و‬بني القطاع اخلا�ص واخلدمات العامة‪،‬‮‬ ‫‬وبني الفرد واملجتمع‪،‬‮ و‬بني الأنانية والت�ضامن‬ ‫االجتماعي‮‪ .‬وباتت ال�سلطة الفعلية بني �أيدي فئة‬ ‫من املجموعات االقت�صادية العاملية وال�شركات‬ ‫متعددة اجلن�سيات التي يزيد وزنها االقت�صادي‬ ‫�أح��ي��انً��ا ع��ل��ى وزن بع�ض ال����دول واحل��ك��وم��ات‬ ‫جمتمعة‮‪‬.‬‬ ‫وق��دم بيكيتي ح�ل ًا لهذه الإ�شكالية ‬يتمثل‬ ‫يف ال�ضغط من �أجل خلق �إرادة �سيا�سية عاملية‪،‬‬ ‫وحتقيق العدالة االجتماعية‪،‬‮ ‬ولو ب�شكل ن�سبي‮‪.‬‬ ‫‬وي�سوق م��ث��ا ًال مل��ا ت��و���ص��ل��ت �إل��ي��ه احل��ك��وم��ة يف‬ ‫بريطانيا‪،‬‮ ‬من �أج��ل �إح���داث ن��وع من التوازن‪،‬‮‬ ‫‬من فر�ض �ضرائب �أكرب على �أ�صحاب الدخول‬ ‫املرتفعة والأغنياء‪ ،‬بد ًال من تخفي�ض اخلدمات‬ ‫التي ت�ؤثر يف الطبقات الفقرية يف املجتمع‪،‬‮ ‬مع‬

‫‪43‬‬


‫بزوغ عصر اإلنسان اآللي‬ ‫تقنية‬ ‫‪44‬‬

‫ خالد الصالح ‪ -‬سوريا‪-‬‬‫قد ي�صبح الإن�سان الآيل الذي ي�شبه الب�شر يف مظهره و�سلوكه‬ ‫م�شهدً ا معتادًا يف امل�ستقبل القريب‪ ،‬وهو ما يثري ت�سا�ؤالت مهمة حول‬ ‫و�ضع تلك الآالت و»حقوقها» ودورها يف املجتمع‪.‬‬ ‫حتى نفهم الأم��ور يف �سياقها الطبيعي‪� ،‬س�أبد�أ باحلديث عن‬ ‫زمن �أج��دادن��ا الذين كانوا يعي�شون يف عامل لي�س فيه حوا�سيب‬ ‫وال هواتف وال كهرباء وال �سيارات‪� ،‬أي باخت�صار‪ ،‬لي�س فيه �أي من‬ ‫و�سائل الراحة التي نعتربها اليوم من امل�سلمات‪ .‬ولطاملا �سمعنا‬ ‫ق�ص�صا حول و�صول �أول �سيارة �إلى املدينة‪ ،‬وكيف �أن واح��دً ا يف‬ ‫ً‬ ‫املنطقة �أ�صبح ميتلك م�صباحً ا كهربائيًا يف غرفة املعي�شة‪ ،‬وكان‬ ‫الأطفال الذين ي�سكنون يف املنطقة يتجمعون عنده مل�شاهدة هذه‬ ‫الأعجوبة احلديثة‪.‬‬


‫الثقافة الروبوتية‬ ‫في عالمنا العربي‬ ‫تكاد تكون معدومة‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫ويتولى �شحنها بنف�سه‪ .‬كما �أمكن �إنتاج روبوت‬ ‫م���زو ّد بخاليا كهرو�ضوئية‪ ،‬تتغذى بالطاقة‬ ‫الكهربائية امل�ستمدة من ال�شم�س‪.‬‬ ‫رغم كل هذا االهتمام والتوجهات العاملية‬ ‫امل��ت��زاي��دة بتكنولوجيا ال���روب���وت‪� ،‬إال �أن��ن��ا ال‬ ‫جند لها �صدى يف عاملنا العربي‪ ،‬فما زالت‬ ‫تكنولوجيا الروبوت وتطوراتها و�آفاقها الواعدة‬ ‫غري م�ألوفة يف عاملنا العربي‪ ،‬وما زلنا نعاين‬ ‫من الق�صور ال�شديد يف الأخذ مبقومات تطبيق‬ ‫تكنولوجيا الروبوت‪ ،‬كما �أن الثقافة الروبوتية‬ ‫يف عاملنا العربي تكاد تكون معدومة‪ .‬ورغم‬ ‫�أن الروبوتات مل تعد تدخل �ضمن باب اخليال‬ ‫العلمي‪� ،‬إال �أن �أفكار البع�ض يف عاملنا العربي‬ ‫عنها ال تزال �أق��رب لأف�لام وت�صورات اخليال‬ ‫العلمي‪.‬‬ ‫يجب علينا قبل �أن تغزو الروبوتات منازلنا‪،‬‬ ‫�أن نعد �أبناءنا للثورة الروبوتية الواعدة‪ ،‬من‬ ‫خالل التو�سع يف ن�شر ثقافة الروبوت من خالل‬ ‫�إدخ��ال علوم ال��روب��وت وال��ذك��اء ال�صناعي يف‬ ‫مدار�سنا وجامعاتنا‪ ،‬وكذلك التو�سع يف ن�شر‬ ‫املراكز والنوادي العلمية‪ ،‬وذلك لت�أهيل �أبنائنا‬ ‫للتعامل م��ع ال��روب��وت��ات ومتابعة ال��ت��ط��ورات‬ ‫ال�سريعة املتقدمة يف هذا اجلال‪.‬‬ ‫ولكن رمب��ا يف الع�صر ال��ذي �سيعي�ش فيه‬ ‫�أطفالنا و�أحفادنا �سيكون الب�شر الآليون �أكرث‬ ‫من جمرد �آالت‪ .‬و�سنتعلم كيفية �إدماجهم يف‬ ‫حياتنا اليومية بال�سهولة ذاتها التي �أ�صبحت‬ ‫فيها الهواتف الذكية واحلوا�سيب ج��زءًا من‬ ‫حياتنا العادية اليوم‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫ال ي�ستطيع �شباب اجليل املعا�صر تخيّل‬ ‫هذا النوع من املعي�شة‪ ،‬لكن احلقيقة �أن هذا‬ ‫كان واقع احلياة يف البلدان الإ�سكندنافية قبل‬ ‫ب�ضعة �أجيال فقط‪ ،‬وال �أ�ستطيع �أن �أتخيّل كيف‬ ‫كانت جدتي �ستت�صور حياتي الآن‪ .‬وما يبدو‬ ‫ع�صيًّا عليّ الآن هو ت�صور حياة �أحفادي‪� ،‬أي‬ ‫بعد جيلني فقط‪ ،‬يف امل�ستقبل‪ .‬لكن بناء على ما‬ ‫�أعرفه اليوم‪ ،‬ف�إنني على يقني من �شيء واحد‪،‬‬ ‫وهو �أنهم �سيعي�شون مع الروبوتات‪� ،‬أو الب�شر‬ ‫الآليني‪.‬‬ ‫نحن نقرتب كل يوم من «ع�صر الإن�سان‬ ‫الآيل»‪ ،‬وهو واقع اجتماعي �سي�ؤدي فيه �أنواع‬ ‫خمتلفة من الروبوتات‪ ،‬وخا�صة الإن�سان الآيل‬ ‫ال�شبيه بالب�شر يف املظهر والت�صرفات‪ ،‬دورًا‬ ‫مهمًا يف �سلوكنا وتفاعلنا م��ع الآخ��ري��ن ومع‬ ‫التقنيات املحيطة ب��ن��ا‪ .‬وه��ن��اك ال��ع��دي��د من‬ ‫الأ�سباب لهذا الأمر‪.‬‬ ‫يف الأي��ام الأول��ى للروبوتات‪ ،‬كان اجلميع‬ ‫ينظر �إليها ك���أدوات تُ�ستخدم ب�صورة �أ�سا�سية‬ ‫يف خ�ط��وط الإن �ت��اج وم���س�ت��ودع��ات التخزين‪.‬‬ ‫لكن تلك النظرة تغريت يف ال�سنوات الأخرية‪.‬‬ ‫ف�أ�صبح من ال�سهل الآن �أن نعترب الروبوتات‬ ‫«و�سائط»‪ ،‬ويتوقع العديد من العلماء واملفكرين‬ ‫�أن ت�صل الإمكانات املحتملة لتقنيات الروبوتات‬ ‫�إل��ى ك��ل ن��واح��ي احل��ي��اة الب�شرية‪ .‬يف «ع�صر‬ ‫الإن�سان الآيل ال�شبيه بالب�شر» �ستبقى بع�ض‬ ‫الروبوتات جمرد �أدوات‪ ،‬فيما �سي�صبح بع�ضها‬ ‫الآخر �شركاء ورمبا �أ�صدقاء‪.‬‬ ‫م��اذا عن الرجل الآيل يف ال�سيا�سة؟ هل‬ ‫نتوقع بحلول عام ‪� 2045‬أن نرى دو ًال حتكمها‬ ‫الروبوتات؟‪..‬‬ ‫ي���ه���دد الإن�������س���ان الآيل ر�ؤ�����س����اء ال����دول‬ ‫وال�سيا�سيني‪� ،‬إذ تهدد التكنولوجيا احلديثة‬ ‫عرو�ش كبار ال�سيا�سيني؛ لأن الروبوتات توفر‬ ‫بدائل قوية ل�ل�إح�لال حملهم و�أداء مهامهم‬ ‫بكفاءة وقدرة عاليتني‪.‬‬ ‫توقع تقرير متخ�ص�ص �أن تتحول نبوءات‬ ‫«اخليال العلمي» عن ع��امل يحل فيه الإن�سان‬ ‫الآيل لل�سيا�سة حمل الإن�سان العادي بحلول عام‬ ‫‪.2045‬‬

‫هل يبدو ذلك ق�صة من اخليال العلمي؟‬ ‫رمبا‪ .‬لكن احلقيقة �أننا منلك اليوم تقريبًا جميع‬ ‫التقنيات الالزمة لتحويل هذه ال�سيناريوهات‬ ‫�إلى واقع‪ .‬وما علينا �إال جمعها معًا‪.‬‬ ‫ابتُكرت روبوتات ت�ستطيع تتبع ت�ضاري�س‬ ‫الأر���ض‪ ،‬واختيار طرق بديلة؛ بل �إن منها ما‬ ‫ي�ستطيع حمل الإمدادات من الأ�سلحة والذخرية‬ ‫وتطهري الأر�ض من الألغام‪ ،‬واال�ضطالع ب�أعمال‬ ‫احلرا�سة؛‪ ‬وما زال العمل جاريًا على تطويرها‪،‬‬ ‫لت�صبح ق���ادرة على اللم�س وال�����ش��م وال�سمع‬ ‫وال��ت��ذوق‪ ،‬وك��ل م��ا يح�سّ ن �أداءه����ا‪ ،‬ويزيدها‬ ‫�سرعة ومقدرة يف �إجناز مهمّاتها‪ .‬كما تطمح‪ ‬‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية �إلى تطوير روبوت‬ ‫يحارب يف اخلطوط الأمامية‪ ،‬وي�ستطيع ت�سلق‬ ‫احلواجز‪ ،‬وي�سبح حتت املاء‪ ،‬ويراقب الروبوتات‬ ‫الع�سكرية الأخ��رى‪ .‬كما جندت روبوتًا‪ ،‬كروي‬ ‫ال�شكل‪ ،‬يتدحرج على الأر����ض‪ ،‬وي�ستقر على‬ ‫ثالث قوائم تلي�سكوبية‪ ،‬ويخرج ر�أ�سه من فتحة‬ ‫فيه‪ ،‬م�ستطلعًا املكان املحيط‪ ،‬الكت�شاف قوات‬ ‫العدوّ‪ ،‬فتبادر م�ست�شعرات احل��رارة واحلركة‬ ‫امل���زودة ب��ه��ا‪� ،‬إل���ى جتهيز �أ�سلحة يف داخ��ل��ه‪،‬‬ ‫وت�صويبها من خالل فتحة �أخرى نحو الأعداء‪.‬‬ ‫وكذلك‪ ‬طُ ����ورت روب���وت���ات ل��ت�لائ��م الطبيعة‪،‬‬ ‫وت��غ��و���ص يف امل��ح��ي��ط��ات‪ ،‬ل��ت��دم�ير الأل���غ���ام‬ ‫البحرية‪ .‬كما �أن بع�ض العلماء يحاول تطوير‬ ‫جندي على هيئة روبوت �صغري جدً ا‪ ،‬ي�ستطيع‬ ‫الزحف والوثب والطريان فوق حقول الألغام‪،‬‬ ‫ويف ال�صحراء‪ ،‬وعلى ال�شواطئ‪ ،‬ليتج�س�س‬ ‫على العدو‪ ،‬ويزيل الألغام‪ ،‬ويكت�شف الأ�سلحة‬ ‫الكيماوية‪ .‬وقد �أُنتج روبوت ميكروهوائي بحجم‬ ‫ذبابة‪ ،‬خ�ص�ص البنتاغون لتطويره ‪ 60‬مليون‬ ‫دوالر‪ .‬وت�ستطيع هذه الذبابة حمل م�صوِّرات‬ ‫ملراقبة جنود الأع��داء �أو ا�صطيادهم وقتلهم‪،‬‬ ‫بوا�سطة د�س ال�سم يف �أعناقهم‪.‬‬ ‫وميكن للروبوت التحدث بعدة لغات وي�ؤدي‬ ‫دورًا يف جمال احلركة والقيادة‪ ،‬وهو ال يحتاج‬ ‫�إل��ى تو�صيل مبا�شر مب�صدر تغذية خارجي‪،‬‬ ‫و�إمن��ا يعمل ببطارية قابلة لل�شحن‪ ،‬ويكت�شف‬ ‫ذاتيًا �ضعفها فيطلب �إع��ادة �شحنها‪� ،‬أو يتجه‬ ‫ال��روب��وت نف�سه �إل��ى �أق���رب مقب�س كهربائي‪،‬‬

‫‪45‬‬


‫تاريخ‬ ‫‪46‬‬

‫التاريخ األوروبي‬ ‫وتاريخ أوروبا‬


‫العناصر الثالثة‬ ‫اإلنسان والزمان‬ ‫والمكان تتفاعل مع‬ ‫بعضها البعض فتنتج‬ ‫الحادثة التاريخية‬

‫العدد‬

‫وبادئ ذي بدء‪ ،‬ال بد �أن نو�ضح �أن الآراء قد‬ ‫اختلفت وتعددت حول ماهية التاريخ و�أهميته‪،‬‬ ‫واهتم امل�ؤرخون بذلك الأمر‪ ،‬ودليلنا على ذلك‬ ‫ق��ي��ام ع��دد كبري م��ن امل���ؤرخ�ين ب��ت��ن��اول تف�سري‬ ‫التاريخ من حيث معناه و�أهميته وتف�سري حركته‬ ‫وم�سريته‪ ،‬وذلك من جميع النواحي ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫أي�ضا يف تف�سري‬ ‫واختلف امل�ؤرخون العرب � ً‬ ‫ال��ت��اري��خ‪ ،‬فمنهم م��ن ذك��ر �أن���ه �سجل لكل ما‬ ‫تركه الإن�سان من �آثار نتيجة لتفاعله مع البيئة‬ ‫املحيطة به‪ ،‬م�شتم ًال على كافة نواحي احلياة‪،‬‬ ‫وق�صر بع�ضهم معنى ال��ت��اري��خ على «بحث‬ ‫وا�ستق�صاء حوادث املا�ضي»‪.‬‬ ‫وقد طُ ��رح �س�ؤال حول ماهية التاريخ‬ ‫الأوروب�����ي على جمموعة م��ن امل���ؤرخ�ين‬ ‫والأ����س���ات���ذة يف اجل��ام��ع��ات الأوروب���ي���ة‬ ‫والأمريكية‪ ،‬واختلفت الإجابات فكل‬ ‫م�ؤرخ يعر�ض �إجابته وفقًا لوجهة نظره‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬ووف��قً��ا لبع�ض الظروف‬ ‫التي �إن وجدت ا�ستطاع �أن يجيب‬ ‫عن هذا الت�سا�ؤل‪ ،‬ولهذا وجدت‬ ‫جمموعة من الآراء متثل ر�أي‬ ‫امل�ؤرخ وفكره‪.‬‬ ‫وقبل �أن نو�ضح الفروق‬ ‫ب�ي�ن ال���ت���اري���خ الأوروب�������ي‬ ‫وت��اري��خ �أورب����ا‪ ،‬ي�ستوجب‬ ‫الأم���ر �أن ن�شري �إل��ى �أن‬ ‫�أي ح���ادث���ة ت��اري��خ��ي��ة‬ ‫تقوم على ثالثة دعائم‬ ‫هي‪ :‬الزمان والإن�سان‬ ‫واملكان‪ ،‬وال ميكن ت�صور ظاهرة‬ ‫تاريخية خ��ارج ح��دود ه��ذه ال��دع��ائ��م الثالثة‪،‬‬ ‫ف��ال��زم��ان ه��و ال���ذي يجعل للحادثة التاريخية‬

‫�صفتها التاريخية‪ ،‬ومن امل�ستحيل متامًا ت�صور‬ ‫�أية حادثة تاريخية خارج نطاق الزمن‪ ،‬والزمن‬ ‫الذي نعنيه هو الزمن الإن�ساين‪� ،‬أي عمر اجلن�س‬ ‫الب�شري ف��وق كوكب الأر�����ض‪ ،‬ذل��ك لأن الفعل‬ ‫التاريخي يف حقيقته فعل �إن�����س��اين وق��ع داخ��ل‬ ‫حدود الزمن الإن�ساين‪ ،‬وارتباط التاريخ بالزمن‬ ‫يت�ضح من خ�لال احلقيقة القائلة ب���أن املا�ضي‬ ‫احل�ضاري لبني الإن�سان على �سطح الأر���ض هو‬ ‫مو�ضوع علم التاريخ‪.‬‬ ‫�أم��ا املكان �أو البيئة فهو الركن الثاين من‬ ‫�أركان الظاهرة �أو احلدث التاريخي؛ لأن البيئة‬ ‫هي م�سرح العملية التاريخية‪ ،‬فال ن�ستطيع ت�صور‬ ‫وجود الفعل التاريخي يف فراغ بعيدًا عن املكان‬ ‫�أو البيئة‪ ،‬فالتفاعل بني الإن�سان والبيئة يف �إطار‬ ‫ال��ظ��رف ال��زم��اين ه��و ال��ذي يُنتج لنا الظاهرة‬ ‫التاريخية يف �أي ع�صر من الع�صور‪ ،‬ذلك لأن‬ ‫الإن�����س��ان ه��و منفذ العملية التاريخية م��ا دام‬ ‫ميدان التاريخ وجمال بحثه هو ما�ضي الن�شاط‬ ‫الب�شري‪ ،‬فاالرتباط بني الإن�سان بو�صفه فاع ًال‬ ‫تاريخيًا؛ وال��ت��اري��خ ال��ذي يهتم بدرا�سة الفعل‬ ‫الإن�ساين وحماولة تف�سريه يبدو يف غاية الو�ضوح‪،‬‬ ‫ولي�س بو�سعنا �أن نت�صور وجود ظاهرة تاريخية ال‬ ‫ترتبط بالإن�سان؛ فذلك لن يكون تاريخً ا باملعنى‬ ‫املق�صود‪ ،‬و�إمنا �سيكون نوعً ا من التاريخ الطبيعي‬ ‫الذي يختلف متام االختالف عن التاريخ كعلم‬ ‫الإن�سان؛ فالتاريخ مييل �إلى حفظ كل ما له قيمة‬ ‫بالن�سبة لبني الإن�سان ويرتك ما عدا ذلك للفناء‬ ‫والهالك‪.‬‬ ‫وعلى هذا ف�إن احلدث التاريخي يتكون من‬ ‫ثالث عنا�صر رئي�سية هي وجود الإن�سان يف مكان‬ ‫ما‪ ،‬وزمان معني‪ ،‬وهذه العنا�صر الثالث الإن�سان‬ ‫والزمان واملكان تتفاعل مع بع�ضها البع�ض فتنتج‬ ‫احلادثة التاريخية‪ ،‬وهذا احلدث يحتاج �إلى منهج‬

‫‪81‬‬

‫للوهلة الأولى ي�شعر القارئ ب�أن امل�صطلحني اللذين عنون بهما هذا املقال يت�شابهان‬ ‫�إلى حد بعيد‪ ،‬بحيث ي�صعب التمييز بينهما‪ .‬ورمبا يكون ذلك حقيقة‪ ،‬ولكن هذه‬ ‫حماولة بقدر اال�ستطاعة لكي منيز بني داللتيهما‪ ،‬لتحقيق فهم �أعمق لـ «التاريخ‬ ‫الأوروبي» ب�صفته فرعً ا من فروع التاريخ‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫‪ -‬علي عفيفي علي غازي‪-‬‬

‫وكذلك م�ؤرخ لكي ي�صبح مادة تاريخية مكتوبة‬ ‫خا�ضعة للنقد والتحقيق‪ .‬والبد �أن يكون هناك‬ ‫منطقة ي�ستمد منها احلدث التاريخي ماهيته‪،‬‬ ‫�أو يحدث على �أر�ضها‪ ،‬فاحلدث التاريخي بدون‬ ‫حتديد منطقة حلدوثه يفقد تفاعله مع الإن�سان‪،‬‬ ‫ولهذا كانت االختالفات يف حتديد خريطة �أوروبا‬ ‫عرب الع�صور املختلفة عائقًا �أمام حتديد التاريخ‬ ‫الأوروبي‪ ،‬لأن �أوروبا مل يكن لها �شكل واحد‪ ،‬فهي‬ ‫كم�ساحة جغرافية مل تكن ب�شكل ثابت على مر‬ ‫الع�صور‪ ،‬فهي مرة تتو�سع‪ ،‬و�أخرى تت�ضاءل‪.‬‬ ‫والتاريخ الأوروبي هو تاريخ الأوروبيني على‬ ‫الأر�ض الأوروبية ويف كل قارة نزلوا فيها‪ ،‬ويف كل‬ ‫بقعة من الأر�ض ا�ستعمروها‪ ،‬ويف �أي مكان وجدوا‬ ‫به‪ ،‬فال ميكن فهم تاريخ �أي دولة �أوروبية �سواء‬ ‫فرن�سا �أو بريطانيا �أو غريهما من الدول مبعزل‬ ‫عن التاريخ الأوروبي وتاريخها اال�ستعماري خارج‬ ‫�أوروبا؛ ف�ض ًال عن تاريخ العالقات الدولية‪ ،‬على‬ ‫�أ�سا�س العالقات ب�ين �أوروب���ا وال���دول الأخ��رى‬ ‫يف جميع نواحي احلياة‪ .‬وعلى هذا النحو ف�إن‬ ‫التاريخ الأوروب����ي ه��و ت��اري��خ الأوروب��ي�ين داخ��ل‬ ‫�أوروبا وكذلك تاريخهم خارجها �إلى حيث ي�صنع‬ ‫الأوروب��ي��ون التغيري يف احلياة اليومية‪ ،‬مبعنى‬ ‫�أنهم �إذا وجدوا يف �أي بلد �آخر ف�إنهم يعتربون‬ ‫أي�ضا‪ .‬وعلى ذلك ف�إن‬ ‫جزءًا من التاريخ الأوروبي � ً‬ ‫التاريخ الأوروبي �أعم و�أ�شمل من تاريخ �أوروبا‪.‬‬ ‫و�أ�صحاب هذا التف�سري يبنون ر�ؤيتهم على‬ ‫�أ�سا�س �أن الفرد ميار�س ثقافته يف �أي مكان ينزل‬ ‫فيه‪ ،‬وي�ستوطنه‪ ،‬وينقل معه عاداته وتقاليده‪،‬‬ ‫وفكره‪ ،‬ومن نتاج هذا التفاعل تربز احل�ضارة‪،‬‬

‫‪47‬‬


‫تاريخ‬ ‫‪48‬‬

‫فالإن�سان عندما ينتقل من مكان لآخر فهو ينقل‬ ‫ثقافته معه‪ ،‬وعلى هذا يكون التاريخ الأوروب��ي‬ ‫هو تاريخ الأوروب��ي�ين �أينما كانوا و�أينما حلوا‪،‬‬ ‫وامل�ؤثرات التي �أثرت فيهم‪ ،‬ودوره��م يف الت�أثري‬ ‫يف الآخر‪.‬‬ ‫ف��ن��ج��د �أن الإن�������س���ان ع��ن��د وج�����وده يف �أي‬ ‫جمتمع ف���إن��ه ي���ؤث��ر يف ه��ذا املجتمع ويت�أثر به‪،‬‬ ‫فمث ًال االحتالل الفرن�سي للجزائر ترك ب�صمته‬ ‫الوا�ضحة عليها‪ ،‬فقد �أثر فيها وت�أثر بها‪ ،‬ولذا‬ ‫فنحن جند الآن �أن ال�شعب اجلزائري يتحدث‬ ‫الفرن�سية بطالقة‪ ،‬وكذلك جند �أنه عند ذهاب‬ ‫�أي �شخ�ص �إل���ى بلد م��ا ف���إن��ه ي��ح��اول التكيف‬ ‫معها ومع عاداتها وتقاليدها مبا ال يتعار�ض مع‬ ‫مفاهيمه وديانته‪ ،‬فالإن�سان ي�ؤثر ويت�أثر باملجتمع‬ ‫الذي يعي�ش فيه‪ ،‬وبالبيئة التي حتيط به‪.‬‬ ‫�أم��ا تاريخ �أوروب��ا فيق�صد به تاريخ الأر���ض‬ ‫(القارة الأوروبية) والب�شر الذين يعي�شون عليها‬ ‫فقط‪ ،‬والتفاعالت التي جرت عليها؛ دون النظر‬ ‫�إلى امتدادهم خارج الأرا�ضي الأوروبية‪� ،‬أي �أنه‬ ‫نتاج تفاعل النا�س يف �أوروبا مع الأر�ض الأوروبية‬ ‫يف الزمان‪ ،‬فهو بذلك حمدد جغرافيًا وب�شريًا‪.‬‬ ‫فيق�صر امل�ؤرخون تاريخ �أوروبا على تلك املنطقة‬ ‫م��ن ال��ك��رة الأر���ض��ي��ة التي ت�ضم دول املجموعة‬ ‫الأوروبية‪ ،‬ويق�صدون بتاريخها تاريخ التجمعات‬ ‫الإن�سانية التي تعي�ش عليها وتعمرها‪ ،‬ونتاجها‬

‫الثقايف والفكري والأثري‪.‬‬ ‫ولكن �أ�صحاب هذا االجتاه وجدوا �أنف�سهم‬ ‫يف حرية حول املعنى احلقيقي للمنطقة امل�سماة‬ ‫�أوروب�����ا‪ ،‬ل��ذل��ك اختلف امل����ؤرخ���ون ح��ول املعنى‬ ‫احلقيقي لتاريخ �أوروب���ا‪ ،‬فبع�ضهم اعتمد على‬ ‫عامل ال��زم��ان‪ ،‬بينما رك��ز بع�ضهم على عامل‬ ‫املكان‪ ،‬ومبا �أن التاريخ الأوروب��ي هو يف جممله‬ ‫تاريخ‪ ،‬ف�إنه البد �أن يكون نتيجة لتفاعل الإن�سان‬ ‫مع املكان يف وجود عامل الزمان‪.‬‬ ‫وفيما يخ�ص ع��ام��ل ال��زم��ان‪ ،‬ف����إن ال��ق��ارة‬ ‫الأوروب����ي����ة ق���د اخ��ت��ل��ف��ت م���ن ق���رن �إل����ى �آخ���ر‪،‬‬ ‫فالهند كانت م�ستعمرة بريطانية خا�ضعة للتاج‬

‫التاريخ األوروبي‬ ‫لم يكن سوى تاريخ‬ ‫يرى فقط بأعين‬ ‫أوروبا وبرؤية أوروبية‬ ‫للتاريخ‪ ،‬وخدمته كل‬ ‫القيم التي استخدمت‬ ‫كأساس للحكم‬

‫الربيطاين‪ ،‬كذلك الأمريكتان كانتا م�ستعمرتني‬ ‫لعدد م��ن ال���دول الأوروب���ي���ة‪ ،‬لكن حينما نالت‬ ‫�أمريكا ا�ستقاللها ف�إن م�ساحة �أوروبا قد تقل�صت‬ ‫عن الفرتات ال�سابقة‪.‬‬ ‫�أم��ا ع��ن عامل امل��ك��ان‪ ،‬فقد اختلف معنى‬ ‫التاريخ الأوروب���ي تبعًا الختالف املكان‪ ،‬فنجد‬ ‫�أن حدود القارة الأوروبية متغرية‪ ،‬فهي ال ت�شمل‬ ‫ال��دول الداخلية يف القارة فقط‪ ،‬و�إمن��ا ت�شتمل‬ ‫على م�ستعمراتها الأوروبية يف اخلارج مثل الهند‬ ‫التي كانت م�ستعمرة بريطانية خا�ضعة للتاج‬ ‫الربيطاين‪ ،‬وبالت�أكيد ت�أثرت ال��دول الأوروب��ي��ة‬ ‫بالدول التي قامت با�ستعمارها‪ ،‬فنجد �أنها ت�أثرت‬ ‫ثقافيًا وح�ضاريًا بتلك الدول فنقلت ح�ضارتهم‬ ‫�إل��ي��ه��ا مثل ح�����ض��ارات الفنيقيني والعربانيني‬ ‫وامل�صريني الفراعنة وغريهم‪.‬‬ ‫كذلك جند �أنه مع زيادة عدد البلدان التي‬ ‫حتررت من اال�ستعمار‪ ،‬والتي ب��د�أت تبحث عن‬ ‫�أ�صولها وجذورها‪ ،‬ب��د�أت تنهار فكرة تاريخها‬ ‫الأورب����ي ال��ت��ي مل تكن ���س��وى ج��زء م��ن �أوروب���ا‪،‬‬ ‫وب�أعني الأوروب��ي�ين‪ ،‬وذل��ك يعني �أن ال��دول التي‬ ‫كانت تابعة لأوروب��ا‪ ،‬والتي كانت ت�شكل التاريخ‬ ‫الأوروبي يف وقت معني حني ا�ستقلت عن �أوروبا‪،‬‬ ‫�أعيد ت�شكيل خريطة �أوروب��ا من جديد‪ ،‬وتاريخ‬ ‫�أوروب��ي جديد‪ ،‬لي�س به تلك امل�ستعمرات‪ ،‬وهو‬ ‫ما يو�ضح �أن التاريخ الأوروب��ي اختلف من فرتة‬


‫مفهوم التاريخ‬ ‫األوروبي اختلف من فترة‬ ‫زمنية إلى أخرى‪،‬‬ ‫فأوروبا العصور‬ ‫الوسطى تختلف عن‬ ‫أوروبا الحديثة‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫تاريخية �إل��ى �أخ��رى تبعًا لعامل املكان �أو تبعًا‬ ‫للم�ساحة التي كان ينظر �إليها على �أنها جزء من‬ ‫القارة الأوروبية‪.‬‬ ‫وذه���ب البع�ض �إل���ى �أن ال��ت��اري��خ الأوروب���ي‬ ‫ممكن �أن يتطابق م��ع ت��اري��خ �أوروب����ا ال��ذي هو‬ ‫تاريخ ال�شعوب الأوروبية وثقافتها والأرا�ضي التي‬ ‫يحتلونها‪ ،‬واختلف البع�ض مع هذا الر�أي فريون‬ ‫�أنه �إن كان هناك ت�شابه �أو تطابق بني اللفظني‪،‬‬ ‫ف���إن هناك اخ��ت�لاف كبري يف م��ف��ردات ك��ل من‬ ‫التاريخ الأوروب��ي وتاريخ �أوروب��ا على �أ�سا�س �أن‬ ‫تاريخ �أوروبا هو تاريخ القارة الأوروبية جغرافيًا‬ ‫والب�شر ال��ذي��ن يعي�شون عليها‪� ،‬أم���ا التاريخ‬ ‫الأوروب��ي فهو تاريخ الأوروبيني �سواء كانوا على‬ ‫�أر�ض �أوروبا �أم ال‪ ،‬مت�ضمنًا ال�شعوب والأرا�ضي‬ ‫التي بقيت مرتبطة با�ستمرار ب�أوروبا‪.‬‬ ‫وم��ن هنا ن��رى �أن التاريخ الأوروب���ي ينظر‬ ‫�إل���ى �أوروب����ا وعالقاتها م��ع غ�يره��ا‪ ،‬فنجد �أن‬ ‫التاريخ الأوروب��ي مل يكن �سوى تاريخ يرى فقط‬ ‫ب�أعني �أوروب��ا وبر�ؤية �أوروبية للتاريخ‪ ،‬وخدمته‬ ‫كل القيم التي ا�ستخدمت ك�أ�سا�س للحكم‪ ،‬وهي‬ ‫جمد الدولة‪ ،‬والدين ال�شامل‪ ،‬وفكرة التقدم التي‬ ‫ارتبطت ب�أوروبا يف �إ�شارة �إلى تفوقها و�سيادتها‪.‬‬ ‫ومن هنا ارتبطت فكرة التاريخ بامل�ؤ�س�سات‬ ‫االجتماعية التي وق��ع عليها حكم املجتمع مثل‬ ‫الكني�سة والدولة واحل��زب ال�سيا�سي‪ ،‬فالتاريخ‬ ‫ه��ن��ا ي��خ��دم ق�ضية �أو م�����ش��اري��ع �أول��ئ��ك ال��ذي��ن‬ ‫ميثلهم‪ ،‬يف حماولة ملقارنة ما�ضي وحا�ضر الدول‬ ‫الأوروبية مع املجتمعات الأخرى‪.‬‬ ‫ويرى �آخ��رون �أنه لي�س هناك تاريخ �أوروبي‬ ‫واحد و�إمنا تواريخ كثرية كل منها يتعلق مب�شكلة‬ ‫حم��ددة �أو �سياق حم��دد ول��ذل��ك يجب التمييز‬ ‫بينه من النواحي اجلغرافية والزمانية‪ ،‬فمث ًال‬ ‫امل�ؤرخني الربيطانيني يرون �أن التاريخ الأوروبي‬ ‫ه��و ت��اري��خ ال��ق��ارة الأوروب���ي���ة ف��ق��ط وال ي�شمل‬ ‫بريطانيا اجلزيرة املنعزلة عنها جغرافيًا‪� ،‬أما‬ ‫م�ؤرخو القارة الآخرون فريون �أن التاريخ الأوروبي‬ ‫ي�شمل بريطانيا العظمي التي مل تكن تغيب عنها‬ ‫أي�ضا‪ .‬وينظر ه�ؤالء �إلى الواليات املتحدة‬ ‫ال�شم�س � ً‬ ‫على �أنها جمرد امتداد للتاريخ الأوروبي‪.‬‬ ‫�أما امل�ؤرخون الرو�س فقد كانت �أوروب��ا هي‬ ‫املعيار الذي قيم به الرو�س �أنف�سهم‪ ،‬وكان واجبًا‬

‫على امل���ؤرخ الرو�سي �أن يدر�س ويفهم الظروف‬ ‫الأوروب��ي��ة وثيقة ال�صلة برو�سيا يف وقت معني‪،‬‬ ‫فيما يتعلق بق�ضية معينة‪ ،‬وهذه الر�ؤية تو�ضح‬ ‫�أن ال�شيء ذا الأهمية لرو�سيا لي�س بال�ضرورة �أن‬ ‫ي�شكل �أهمية بالن�سبة لأوروبا‪.‬‬ ‫ومل تكن امل�صادر الرو�سية حتى نهاية القرن‬ ‫ال�ساد�س ع�شر تعرف �أوروبا‪ ،‬ومل ت�شر �إلى �أوروبا‬ ‫با�سمها‪ ،‬وكانت تعرفها بالبيزنطيني ن�سبة �إلى‬ ‫بيزنطة‪ ،‬ومل يقم البيزنطيون ب��اط�لاق هذا‬ ‫امل�سمى عليهم‪ ،‬و�إمنا �أ�سماهم به من جاء بعدهم‪،‬‬ ‫وكانت احل��دود بني ال��رو���س وجريانهم ح��دودًا‬ ‫دينية و�ضعوها ح��اج��زًا بينهم وب�ين جريانهم‬ ‫من هراطقة يف الغرب‪ ،‬ووثنيني يف ال�شرق‪� ،‬إال‬ ‫�أن هذه النظرة قد تغريت منذ منت�صف القرن‬ ‫ال�سابع ع�شر‪� ،‬إذ �أقامت مو�سكو عالقات جتارية‬ ‫ودبلوما�سية وثقافية قوية مع ال��دول الأوروبية‪،‬‬ ‫وب�صفة خا�صة م��ع ب��ول��ن��دا و�أمل��ان��ي��ا وال�سويد‬ ‫و�إجنلرتا وهولندا و�إيطاليا‪ ،‬و�أ���ش��اروا �إليها يف‬ ‫عهد بطر�س الأكرب (‪�“ )1725-1689‬أوروبات”‬ ‫ويظهر من اللفظ �إدراكهم للتنوع واالختالف‪،‬‬ ‫وح��اول املفكرون ال��رو���س االبتعاد برو�سيا عن‬ ‫الإطار الأوروبي‪ ،‬واالجتاهات الفكرية الأوروبية‪.‬‬ ‫وجهود املفكرين الرو�س لالبتعاد عن الإطار‬ ‫الأوروب���ي ب�أفكاره وافرتا�ضاته الفكرية ت�أثرت‬ ‫بنف�س االجتاهات الفكرية الأوروبية التي يرغبون‬ ‫يف االبتعاد �أو االنف�صال عنها‪ ،‬ولهذا مل ينظر‬ ‫الرو�س �إلى �أنف�سهم على �أنهم جزء من �أوروبا‪،‬‬ ‫ومل ينظر الأوروب���ي���ون �إل���ى ال��رو���س على �أنهم‬ ‫جزء من �أوروب��ا‪ ،‬وكانت منطقة البلقان والبحر‬

‫املتو�سط يف الن�صف الثاين من القرن ال�سابع‬ ‫ع�شر و�أوائ��ل القرن الثامن ع�شر متثل �أط��راف‬ ‫�أوروبا‪.‬‬ ‫والتاريخ الأوروبي يحتوي على ثالث معطيات‬ ‫تتمثل يف حتديد �أوروب��ا من الناحية اجلغرافية‬ ‫بحدود القارات احلالية‪ ،‬و�أن كل دولة معا�صرة‬ ‫لها ت��اري��خ‪ ،‬و�أن التاريخ الأوروب����ي جوهر هذه‬ ‫التواريخ القومية‪ ،‬وتواريخ الدول ال�صغرية‪.‬‬ ‫وعلى ذلك ميكن حتديد �أوروبا من الناحية‬ ‫اجلغرافية با�ستخدام احلدود احلالية للقارات‪،‬‬ ‫وهذه النظرة تفرت�ض �أن كل دولة معا�صرة يف‬ ‫�أوروب��ا لها تاريخ‪ ،‬والتاريخ الأوروب��ي هو جوهر‬ ‫هذه التواريخ القومية للدول ال�صغرية‪ ،‬كذلك‬ ‫فالتاريخ الأوروب���ي هو تاريخ ارت��ق��اء �أو تدهور‬ ‫العامل الغربي‪ ،‬وذل��ك يعني �أن �أوروب���ا يف وقت‬ ‫ات�ساعها وقوتها و�ضمها لبالد خمتلفة تختلف‬ ‫عن �أوروبا ال�ضعيفة التي فقدت م�ستعمراتها‪.‬‬ ‫وميكن حتديد �أوروب��ا من الناحية الثقافية‬ ‫على �أنها تقليد ح�ضاري‪ ،‬والتاريخ الأوروبي هنا‬ ‫هو تاريخ ارتفاع �أو تدهور العامل الغربي‪ ،‬وهنا‬ ‫جند ترابطً ا بني النواحي الثقافية واحل�ضارية‪،‬‬ ‫وذل��ك على �أ�سا�س �أن النواحي الثقافية تتعلق‬ ‫بالأ�شخا�ص وكيف يفكرون‪ ،‬وكيف يتعاملون مع‬ ‫الآخرين‪� ،‬أما احل�ضارة فهي املنتج الذي يفرزه‬ ‫هذا التفاعل‪.‬‬ ‫ون�ستخل�ص مم��ا �سبق �أن مفهوم التاريخ‬ ‫الأوروبي قد اختلف من فرتة زمنية �إلى �أخرى‪،‬‬ ‫ف���أوروب��ا الع�صور الو�سطى تختلف عن �أوروب��ا‬ ‫احلديثة‪� ،‬إذ تغريت معالهما بتغري م�ستعمراتها‬ ‫يف اخل��ارج‪ ،‬و�أث��رت فيها وت�أثرت بها‪ ،‬وتختلف‬ ‫عن �أوروب��ا املعا�صرة بعد انهيار �أيديولوجياتها‬ ‫اال�ستعمارية يف اخل����ارج‪ ،‬وتقل�ص م�ساحتها‬ ‫لتقت�صر على القارة الأوروبية ال�صغرية‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا ف�إننا نرى �أن حدود القارة الأوروبية املتغرية‬ ‫قد �أث��رت يف تف�سري مفهوم التاريخ الأوروب���ي‪،‬‬ ‫و�أثرت يف تغريه من فرتة زمنية �إلى �أخرى‪.‬‬ ‫ونخل�ص من هذا �أنه ال ميكن درا�سة تاريخ‬ ‫�أي دولة �أو منطقة مبعزل عن تاريخ �أوروبا‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا ف�إن التاريخ الأوروبي هو تاريخ الأوروبيني يف‬ ‫�أي مكان �سواء يف القارة الأوروبية �أو يف �أمريكا‬ ‫�أو �إفريقيا �أو �آ�سيا‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫التعدد الثقافي‬

‫السبيل الوحيد لمواجهة الهيمنة ومحاربة اإلرهـاب‬ ‫ثقافة‬ ‫‪50‬‬


‫لفل�سفة قبول الآخر‪ ،‬وتطبيقها‪.‬‬ ‫�إن التحوالت العاملية الناجمة عن تطور‬ ‫الفكر العوملي‪ ،‬لي�ست ب��الأم��ر ال�سهل‪ ،‬وال‬ ‫تدخل �ضمن �إط���ار املمكنات البديهية يف‬ ‫تاريخ تطور ال�شعوب‪ ،‬بل �إن الأمر �أعقد من‬ ‫ذلك بكثري‪ ،‬فامل�س�ألة �أو ًال هي حالة �صراع ما‬ ‫بني فكر ثقايف وم�صلحي �ساد لهذا الأَجَ ل �أو‬ ‫ذاك‪ ،‬ومتت تغذيته �أيديولوجيًا واقت�صاديًا‬ ‫وحتى ع�سكريًا‪ ،‬وفكر م�صلحي حديث وليد‬ ‫ال��ع��دي��د م��ن ال�����س��ن��وات‪ ،‬وال ي��ت��ج��اوز مدته‬ ‫عقدين من الزمن‪.‬‬ ‫معطيات جديدة‬ ‫كما �أنها حالة تدعو املجتمعات املتنوعة‬ ‫وامل�صالح املتناق�ضة من خاللها �إلى تطبيق‬ ‫م�صاحلها وفقًا ملفاهيمها وبت�أثري ال�ضغط‬ ‫الذي يتولد عن القوة االقت�صادية التي متلكها‬ ‫تلك اجلهات‪ ،‬لينتهي الأمر يف نهاية املطاف‬ ‫برت�سيخ دور القوى املت�أقلمة مع املعطيات‬ ‫اجل��دي��دة وال��ق��ادرة على فهم الت�صدعات‬

‫العدد‬

‫قوى العولمة‬ ‫تعمد إلى تشجيع‬ ‫التنوع الثقافي الذي‬ ‫أصبح مطل ًبا أساس ًيا‬ ‫في عالمنا الحالي‬

‫‪81‬‬

‫�أمر طبيعي‬ ‫وع��ل��ى رغ���م �أن ال�����س��ع��ي للهيمنة �أم��ر‬ ‫طبيعي يف احلراك الثقايف بوجه عام؛ لأنه‬ ‫ممار�سة للأبوية ال�سلطوية الآمرة الناهية‪،‬‬ ‫ولو على نحو م�سامل‪� ،‬إال �أن الأم��ر �سيزداد‬ ‫�سوءًا‪ ،‬والهيمنة �ستكون �أكرث حدية‪ ،‬والنتائج‬ ‫�ست�صبح �أعظم وح�شية‪ ،‬عندما تكون الثقافة‬ ‫التي حت��اول الهيمنة ذات طبيعة قمعية يف‬ ‫م�ضمونها‪ ،‬بحيث ال تقبل الآخر املختلف �أيًا‬ ‫كانت درجة اختالفه‪ ،‬وال ت�ستطيع احتواءه‬ ‫كجزء من الكلي العام‪.‬‬ ‫و�إذا مل يكن املجتمع على درج��ة عالية‬ ‫م��ن احل�سا�سية جت��اه كافة �صور الهيمنة‪،‬‬ ‫والهيمنة الثقافية منها خا�صة‪ ،‬ف���إن كل‬ ‫تيار فكري �سيت�سلل ليمار�س قمعه الفكري‪،‬‬ ‫ونفيه للآخر‪ ،‬و�سيحاول فر�ض �أيديولوجيته‬ ‫اخلا�صة بكافة و�سائل الإره����اب الفكري‬ ‫املدججة بكافة الأ�سلحة املادية واملعنوية‪،‬‬ ‫و�سيمار�س احل��رب النف�سية �سرًا وعالنية‬ ‫حتى تتحقق له هيمنته التي ي�سعى �إليها‪ ،‬ولن‬ ‫يبايل من �أجل حتقيق هذا الهدف �أن ي�سحق‬ ‫يف طريقه‪ ،‬ما يدعيه من قيم‪ ،‬وما يت�شدق به‬ ‫من منطق‪ ،‬وما تختزنه ذاكرته من �أدلة‪.‬‬ ‫مطلب �أ�سا�سي‬ ‫تغريت نظرية الهيمنة الثقافية عندما‬ ‫جاءت العوملة بتجلياتها احلالية‪� ،‬إذ �إن قوى‬ ‫العوملة تعمد يف ال��واق��ع �إل��ى ت�شجيع التنوع‬ ‫الثقايف الذي �أ�صبح مطلبًا �أ�سا�سيًا يف عاملنا‬ ‫احلا�ضر‪ ،‬لدرجة �أن هذا التنوع بات يحتل‬

‫مكان الثقافة الأحادية‪ ،‬التي كانت �سائدة‬ ‫خالل القرن الع�شرين‪.‬‬ ‫وب���ات ال��ع��امل نتيجة لالنفتاح الناجم‬ ‫عن الفكر العوملي ما بني املكونات الثقافية‬ ‫املختلفة‪ ،‬قادرًا على ا�ستيعاب التنوع الثقايف‬ ‫للأمم وال�شعوب والإثنيات املتنوعة بف�ضل‬ ‫منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية‪ ،‬التي‬ ‫�أدت �إلى �إحداث ت�أثريات فعلية و�سلبية على‬ ‫مكانة الثقافة الأح��ادي��ة والطاغية‪ ،‬جربًا‪،‬‬ ‫على الثقافات املختلفة‪ ،‬و�أدت �إلى انكما�ش‬ ‫ت�أثريها الهيمني بفعل القوى املتولدة حديثًا‬ ‫على �صعيد الكوكب‪ ،‬كما �أدت �إلى ردات فعل‬ ‫عك�سية من قبل بع�ض الثقافات من جهة‪،‬‬ ‫و�إلى التمهيد لفل�سفة قبول الآخر وتطبيقها‬ ‫من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫مفاهيم جديدة‬ ‫�أ�سهمت العوملة ‪ -‬التي اختلفت الآراء‬ ‫حولها و�أدت يف بع�ض احلاالت �إلى خلق ردات‬ ‫فعل عك�سية‪ ،‬من قبل بع�ض الثقافات‪ ،‬التي‬ ‫وجدت نف�سها تت�أذى من فعلها‪ .‬ودعت �إلى‬ ‫عو�ضا عن الكوكبية‪ ،‬حفاظً ا‬ ‫الفكر املحلي ً‬ ‫على القيم املحلية البعيدة عن االغ�تراب‪،‬‬ ‫التي يدعو لها الفكر العوملي ‪�-‬أ�سهمت يف‬ ‫الكثري من املواقع يف خلق مفاهيم جديدة‪،‬‬ ‫تولدت عن �سهولة انتقال ر�ؤو����س الأم��وال‬ ‫الب�شرية وامل��ادي��ة م��ا ب�ين �أ���ص��ق��اع الأر����ض‬ ‫املختلفة‪ ،‬و�أ���ص��ب��ح الكثري م��ن املجموعات‬ ‫الب�شرية املتنوعة واملتناق�ضة �أحيانًا يف حالة‬ ‫التجاور وال��ت���آل��ف‪ ،‬مم��ا �أدى �إل��ى التمهيد‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫ جاسر العوهلي ‪ -‬الظهران ‪-‬‬‫ال �شك يف �أن كل تيار فكري يحاول فر�ض هيمنته الثقافية على كافة �أطياف التنوع‬ ‫الثقايف يف املحيط الذي يحاول التمو�ضع فيه‪ ،‬ال �سيما �أن هذه الهيمنة جزء ال يتجز�أ من‬ ‫طبيعته املالزمة له‪ ،‬بو�صفه حراكًا ثقافيًا ي�سعى على نحو تلقائي‪ ،‬يفر�ضه املنطق الداخلي‬ ‫للبنية الثقافية لتحقيق االنت�شار والرواج‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق ت�سعى الثقافة �أيًا كانت لتحقيق �أكرب قدر من التنميط والهيمنة‬ ‫والت�سلط واالحتكار الثقايف‪ ،‬الذي يقود بدوره‪� ،‬إلى التنميط والت�سلط واالحتكار الفعلي‬ ‫يف الواقع املتعني‪ ،‬ب�شكل يجعل املثقف يتنقل ب�سلطاته الفكرية املتعالية املجردة �إلى �سلطة‬ ‫فعلية حتاول توظيف امل�ؤ�س�سات املدنية ملمار�سة هيمنتها‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫ثقافة‬ ‫‪52‬‬

‫احلا�صلة يف النظام العاملي للقرن الع�شرين‬ ‫بفعل قوة االنفتاح الناجم عن الفكر العوملي‪،‬‬ ‫الذي ي�ؤ�س�س لرتتيبات م�صلحية جديدة‪ ،‬قد‬ ‫تكون الكثري من الأط��راف الفاعلة �سابقًا‪،‬‬ ‫خارج �إطارها اليوم‪.‬‬ ‫وت��ع��د منطقة ال�شرق الأو���س��ط واح��دة‬ ‫من �أكرث مناطق العامل �إ�صابة بورم �أحادية‬ ‫الثقافات املتعددة التي تنجم عن ا�ضمحالل‬ ‫التنوع الثقايف بت�أثري القوة النافذة للفكر‬ ‫الثقايف امل�سيطر‪.‬‬ ‫االنتماء العقائدي‬ ‫وي�شهد تاريخها على الكثري من الأفعال‬ ‫والت�صرفات املفتعلة يف �إطار �سل�سلة الدول‬ ‫الإ�سالمية العقائدية‪ ،‬التي تدخل يف �إطار‬ ‫رف�ض التنوع الثقايف‪ ،‬اجتماعيًا و�سيا�سيًا‬ ‫ودينيًا و�إثنيًا ا�ستنادًا �إلى اخللفية التي متنح‬ ‫الأول��وي��ة لالنتماء العقائدي على االنتماء‬ ‫الفكري القائم على اجل��دل‪ ،‬والأم��ر �سيان‬ ‫بالن�سبة للفكر الثقايف القائم على العقائدية‬ ‫القومية‪.‬‬ ‫وقد ق�سمت املنطقة على �أ�سا�س االنتماء‬ ‫القومي للبع�ض دون الآخرين‪ ،‬وذلك بفعل‬ ‫الت�أثريات القادمة من م�صدرين �أ�سا�سيني‪:‬‬

‫الأول هو الفعل الكولونيايل الغربي وما تبعه‬ ‫من ممار�سات بحق التنوع الثقايف من خالل‬ ‫تطويع التباينات االقت�صادية وال�سيا�سية‬ ‫لتتحول �إل���ى خ�لاف��ات دي��ن��ي��ة وق��وم��ي��ة بني‬ ‫املكونات الب�شرية لأبناء املنطقة‪ ،‬والثاين هو‬ ‫فعل االنتماء القومي القائم على اللغة ب�شكل‬ ‫�أ�سا�سي وما تبعه من �إنكار لوجود الآخر الذي‬ ‫يقا�سمه التاريخ واجلغرافيا‪ ،‬وحتى العادات‬ ‫والتقاليد �أحيانًا‪.‬‬ ‫احلالة ال�سوداوية‬ ‫ومل تتمكن املنطقة م��ن اخل����روج من‬

‫تعدد مراكز القوى‬ ‫الثقافية وإعطاء‬ ‫كل ثقافة حي ًزا في‬ ‫الحراك الثقافي العام‬ ‫يضمنان عدم انفراد‬ ‫أي تشكل ثقافي‬ ‫بالهيمنة‬

‫احلالة ال�سوداوية التي رافقتها خالل القرن‬ ‫الع�شرين �إلى حالة متكنها من تر�سيخ مفهوم‬ ‫التعدد الثقايف‪ ،‬بل �إن الأمر قد زاد �سوداوي ًة‬ ‫م��ن خ�لال ت��ط��ور الفكر ال��ث��ق��ايف للتطرف‬ ‫الديني‪ ،‬الداعي �إلى توقيف اجلدل القائم‬ ‫ما بني الدين والعلمانية املتهمة بالزندقة‪.‬‬ ‫وقد �أدت هذه احلالة القائمة على �أحادية‬ ‫الثقافة �إلى والدة م�شكالت �إن�سانية قائمة‬ ‫يف �أ�سا�سها على غياب العدل يف اع�تراف‬ ‫املكونات الب�شرية يف منطقتنا بع�ضها ببع�ض‪.‬‬ ‫وجتلت هذه امل�شكالت يف بع�ض �صورها‬ ‫ب��ا���س��ت��خ��دام ال��ع��ن��ف ف��ي��م��ا ب��ي��ن��ه��ا‪��� ،‬س��وا ًء‬ ‫مبحاوالت املكونات الثقافية امل�سيطرة يف‬ ‫الق�ضاء على املكونات الثقافية التي ت�شعر‬ ‫بالظلم‪� ،‬أو مب��ح��اوالت تلك املكونات التي‬ ‫ت�شعر بالظلم‪ ،‬للتخل�ص من الظلم‪.‬‬ ‫قوة العقل واملنطق‬ ‫ويف ال��وق��ت ذات����ه ت���رى ه���ذه الأف��ك��ار‬ ‫الثقافية‪ ،‬و�أكرث من �أي فرت ٍة �سابقة‪� ،‬أنها يف‬ ‫مواجهة قوة كبرية‪ ،‬وهي قوة العقل واملنطق‬ ‫ال��ت��ي متكنت م��ن اخل���روج م��ن �أ���س��ر �أف��ك��ار‬ ‫الثقافة الأحادية والإعالن عن نف�سها حتت‬ ‫ت�أثري العديد من القوى الداعمة حقوقيًا‬


‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫و�سيا�سيًا واقت�صاديًا وتكنولوجيًا‪ ،‬التي‬ ‫ت�ساهم يف تهاوي الفكر الثقايف الأح��ادي‬ ‫ال�سائد يف املنطقة‪.‬‬ ‫وم���ن ث��م مت��ه��د ال�سبيل �أم����ام ال��ت��ن��وع‬ ‫الثقايف‪ ،‬يف كل ما مي�س اجلن�س الب�شري‪،‬‬ ‫بحيث تكون النتيجة‪ ،‬ه��ي و�ضع الأر�ضية‬ ‫املتينة لإنقاذ الثقافات املظلومة من حالتها‪،‬‬ ‫دون النظر يف طبيعة تلك الثقافة �إذا كانت‬ ‫�إثنية �أم دينية �أم غريهما؛ لأن املمار�سات العنفية التي �شكلت الفعل ورد الفعل بني‬ ‫املكونات الثقافية يف املنطقة‪ ،‬قد دخلت يف‬ ‫خانة جلب الأذى لأبنائها‪ ،‬ومل تتمكن �إال من‬ ‫زي��ادة حجم ال�شرخ ال��ذي خلقته امل�صالح‬ ‫املتناق�ضة‪.‬‬ ‫جهل وجتاهل‬ ‫و�إذا ك��ان هناك من يعتقد �أن الهيمنة‬ ‫الفكرية لتيار فكري حمدد‪ ،‬يف �أي جمتمع‪،‬‬ ‫ميكن �أن يحفظ اال�ستقرار لهذا املجتمع‪،‬‬ ‫ف�إن هذا جهل �أو جتاهل لأهمية جدلية الفكر‬ ‫يف م�سرية الوعي‪ ،‬ف�ض ًال عن اجلهل بحقيقة‬ ‫اال�ستقرار‪ ،‬من حيث كونه تقب ًال للمغاير‪،‬‬ ‫بو�صفه م��وج��ودًا كحقيقة مو�ضوعية على‬ ‫�أر���ض ال��واق��ع‪ ،‬وم��ن ث��م‪ ،‬ف���إن نفيه فكريًا ال‬ ‫يعني �أنه �أ�صبح معدومً ا‪ ،‬وهذا ما ال يعيه‪� ،‬أو‬ ‫ال يريد �أن يعيه �أح��ادي الفكر يف ممار�سته‬ ‫لن�شاطه الثقايف‪.‬‬ ‫ومن هنا يت�ضح �أن تعدد مراكز القوى‬ ‫الثقافية‪ ،‬و�إعطاء كل ثقافة حيزً ا يف احلراك‬ ‫ال��ث��ق��ايف ال��ع��ام‪ ،‬ي�ضمن ع���دم ان��ف��راد �أي‬ ‫ت�شكل ثقايف بالهيمنة؛ لأن انفراده �سي�ؤدي‬ ‫بال�ضرورة �إل��ى حماولة فر�ض ثقافته على‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫إذا لم يكن المجتمع‬ ‫على درجة عالية‬ ‫من الحساسية تجاه‬ ‫كافة صور الهيمنة‪،‬‬ ‫فسيتسلل كل تيار‬ ‫فكري ليمارس قمعه‬ ‫الفكري ونفيه لآلخر‬

‫الشرق األوسط‬ ‫من أكثر مناطق‬ ‫ً‬ ‫إصابة بورم‬ ‫العالم‬ ‫أحادية الثقافات‬ ‫المتعددة التي تنجم‬ ‫عن اضمحالل التنوع‬ ‫الثقافي‬ ‫بقية الثقافات الأخ��رى‪ ،‬وخا�صة �إذا كانت‬ ‫الثقافة ذات م�لام��ح وث��وق��ي��ة‪ .‬ول���ذا‪ ،‬ف���إن‬ ‫ال�����س��م��اح ب��ح��راك ث��ق��ايف ي��ت��ج��اوز قناعات‬ ‫الثقافة التي تطمع ‪ -‬بحكم �شعبويتها ‪ -‬يف‬ ‫فر�ض هيمنتها �سيقلل من خطر �أن تكون‬ ‫�سلطة يف الواقع الفعلي‪ ،‬تنفي ما �سواها من‬ ‫الثقافات‪ ،‬ويف م�سرية هذا النفي الذي لن‬ ‫يتم دون ممانعة متار�س القتل والتفجري يف‬ ‫كل ميدان‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫أفكار‬ ‫‪54‬‬

‫المسؤولية السياسية‬


‫‪ -‬صبحة بغورة ‪-‬‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫هناك �أمر ال ينكره �إال جاحد‪ ،‬ذلك �أن ا�ستمرار حالة اال�ستقرار والأمن والأمان‬ ‫هي نتيجة مبا�شرة ل�سعي جاد وعمل د�ؤوب وجهد متوا�صل ون�شاط حي يح�سب يف‬ ‫ميزان حما�سن ال�سلطة ويرفع ر�صيدها من امل�صداقية والثقة‪ ،‬فالأمن وال�سالم ال‬ ‫يتحققان عفويًا‪ ،‬بل برعاية رحيمة وعدالة حا�سمة وبحق ي�ستند �إلى قوة رادعة‪.‬‬ ‫ولكن عندما تت�شنج اجلبهة الداخلية على وقع �أزم��ات اجتماعية ح��ادة مت‬ ‫ا�ست�شعار جتاهلها �أو ت�سويفها والتماطل يف التعامل معها‪ ،‬وعندما يعمد النظام �إلى‬ ‫اال�ستغالل ال�سيا�سي للأمن “لقمع” احلركات االحتجاجية االجتماعية ال�سلمية‬ ‫و�إلى توظيف العدالة “لتجرمي” اال�ضرابات عن العمل واالعت�صامات وامل�سريات‬ ‫االحتجاجية واحلكم بعدم �شرعيتها خدمة لأغرا�ض ال�سلطة‪ ،‬حينها يتحمل النظام‬ ‫وحده امل�س�ؤولية الكاملة عما ت�صل �إليه الأو�ضاع يف البالد من حاالت االن�سداد‬ ‫ال�سيا�سي الذي كثريًا ما ي�ؤدي ا�ستمرارها وتواليها �إلى الت�صعيد املتدرج حلدة الت�شنج‬ ‫االجتماعي امل��ؤدي �إلى حدوث املواجهات العنيفة بني املواطنني الغا�ضبني وقوات‬ ‫الأم��ن‪ .‬وعندما يدفع النظام احلركات االحتجاجية االجتماعية �أو ال�سيا�سية‬ ‫ال�سلمية لكي تتحول �إلى العنف‪ ،‬ف�إنه يف احلقيقة قد �ساق الأمور بنف�سه من �أجل‬ ‫�إيجاد املربر الكايف له للتعامل معها عن طربق احلل الأمني وبالتايل ح�سمها بالقوة‬ ‫بدل التكفل مب�س�ؤولية احتواء الأزمات الداخلية �سلميًا بفتح النقا�ش حول م�سبباتها‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫�إن حيوية �أي �شعب ت�ستمد وتقا�س مبدى‬ ‫ما يبديه حكامه من حر�ص ورعاية لنظام‬ ‫تربوي �سليم ومتطور وترقية النظام التعليمي‬ ‫�أو الرتبوي وتطوير نظم التدريب والتكوين‬ ‫امل�ستمر‪� ،‬إذ تقا�س قوة الأم��م بقدرتها على‬ ‫االب��ت��ك��ار العلمي‪ .‬ه��ذا �إل���ى ج��ان��ب اجلهود‬ ‫املتوا�صلة من �أجل �إ�شاعة التوعية ال�سيا�سية‬ ‫باحلقوق والواجبات التي هي احلل ال�سحري‬ ‫لكل امل�شاكل‪ .‬فحل مع�ضلة احلكم والف�ساد‬ ‫مث ًال هو بعث العدالة يف كل املجاالت وت�شجيع‬ ‫ممار�سة املعار�ضة اجلدية النا�ضجة وطنيًا‬ ‫م��ع االل��ت��زام بفتح ممار�سة الإع�ل�ام احلر‬ ‫وامل�س�ؤول وال�شجاع داخل الوطن ل�ضمان �أن‬ ‫تبقى معارك ال�سيا�سيني احلقيقية واجلدية‬ ‫يف داخل الوطن ولي�س خارجه‪ ،‬وهذه م�س�ؤولية‬ ‫تتعلق مبا�شرة مب��دى ال��ت��زام ق��ي��ادة البالد‬ ‫بالتعاي�ش مع اخل�صوم ال�سيا�سيني‪ ،‬وم�ستوى‬ ‫ن�ضجها ال�سيا�سي لتقبل مبد�أ ال�شراكة مع‬

‫ال شيء أصبح من‬ ‫الممكن إخفاؤه عن‬ ‫العالم من أخبار في‬ ‫أدق تفاصيل النشاط‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وعلى ذلك‬ ‫يجوز لنا ً‬ ‫أيضا االعتقاد‬ ‫أنه بإمكاننا على األقل‬ ‫التحكم في مستوى‬ ‫وحجم استغالله‬

‫املعار�ضة وا�ستعدادها لإقامة احلوار والت�شاور‬ ‫ال�سيا�سي مع اخل�صوم حول خمتلف الق�ضايا‬ ‫الوطنية و�ش�ؤون احلكم‪.‬‬ ‫رمب��ا ال ي��ك��ون الأم���ر ب��ه��ذه ال�سهولة يف‬ ‫ظ��ل التطور املت�سارع لتكنولوجيات و�سائل‬ ‫االت�صاالت‪ ،‬ولكن �إذا جاز القول �إن ال �شيء‬ ‫�أ�صبح من املمكن �إخفا�ؤه عن العامل من �أخبار‬ ‫يف �أدق تفا�صيل الن�شاط الإن�ساين‪ ،‬ف�إنه يجوز‬ ‫أي�ضا االعتقاد �أن��ه ب�إمكاننا على الأقل‬ ‫لنا � ً‬ ‫التحكم يف م�ستوى وحجم ا�ستغالله‪ .‬فاملعلومة‬ ‫ت���أخ��ذ ط��اب��عً��ا ���ش��ام�ل ًا ع�برالإن�ترن��ت‪ ،‬فيما‬ ‫املعرفة والعلم حملية‪ ،‬لأنها مرتبطة ب�سرعة‬ ‫النقل وتنمية الفرد‪ ،‬ومنه ميكن ح�صار ما ال‬ ‫ينبغي معرفته‪ ،‬بل والتحكم يف منافذ ت�سريب‬ ‫ما ميكن �أن ي�شكل خطرًا �أو تهديدً ا خارجيًا‬ ‫لأم��ن البالد و�سالمتها وا�ستقرارها‪ .‬وهذه‬ ‫م�س�ؤولية ترتبط بقدرة قيادة البالد على‬ ‫حمايتها �إعالميًا‪.‬‬


‫أفكار‬ ‫‪56‬‬

‫هناك ق�ضايا ي����ؤدي التغافل عنها �إل��ى‬ ‫تفاقمها حتى ي�صبح التعامل معها ي�شكل‬ ‫جمهودًا م�ضنيًا يتعامل مع م�س�ألة “�إنقاذ‬ ‫وطني” تتعلق مبحاولة �إع��ادة تقوية اللحمة‬ ‫ال��وط��ن��ي��ة ل��ت��ج��ن��ب ال��ت�����ش��رذم وال��ط��ائ��ف��ي��ة‪،‬‬ ‫وحت�صني الأم��ة من التفتت و�ضمان �أمنها‬ ‫و�سالمتها‪ .‬ومن هذه اجلهود عملية توحيد‬ ‫الن�سيج االجتماعي لغويًا وتعليميًا وثقافيًا‬ ‫وع��ق��ائ��دي��ا ودي��ن��يً��ا ال��ت��ي ح��ت��مً��ا �ست�صطدم‬

‫ليس من‬ ‫المسؤولية تراشق‬ ‫الفاعلين المسؤولية‬ ‫عن اإلخفاق‪ ،‬بمعنى‬ ‫تقاذفهم التهم‬ ‫وتحميل آخرين أسباب‬ ‫وعواقب الفشل‬

‫باخل�صو�صية املحلية التي تتميز بها منطقة‬ ‫معينة ع��ن املناطق الأخ���رى داخ���ل الوطن‬ ‫الواحد‪ ،‬هي خ�صو�صية ذات �أبعاد تاريخية‬ ‫�أ�صيلة �ضاربة يف التاريخ و�شكلت ر�صيدً ا‬ ‫هائ ًال يف امل��وروث الثقايف ال��ذي �ساهم عرب‬ ‫الأزمنة يف ر�سم ال�شخ�صية وحتديد الهوية‬ ‫وبلورة جملة العقائد ال�سائدة من خالل تراكم‬ ‫معريف حملي ال �سبيل لنكرانه والمنا�ص من‬ ‫االع�تراف ب��ه‪ ،‬فاحرتامه واحلفاظ عليه ال‬ ‫يعد نقي�صة بانت�صار �ش�أن ذات خ�صو�صية‬ ‫حملية على ح�ساب االعتبار الوطني‪ ،‬فال‬ ‫جم��ال للحديث مبنطق ال��رب��ح واخل�����س��ارة‬ ‫يف م�س�ألة تتعلق بالتنوع احل�����ض��اري حتى‬ ‫داخ��ل الوطن الواحد كم�صدر �إث��راء للفكر‬ ‫والثقافة �إال يف ذهن من يريد ت�صويره بعيدً ا‬ ‫عن كونه اختالفًا من باب التنوع لي�ضعه يف‬ ‫�إطار اخلالف من زاوية عن�صرية‪ .‬والتقليل‬ ‫من �ش�أن مثل هذه الدعوات هو تغافل �ساذج‬ ‫عما ميكن �أن تخبئه مع مرور الوقت من �آثار‬ ‫مدمرة على الوحدة الوطنية لأبناء ال�شعب‪،‬‬ ‫فال �شيء ميكن �أن يقف يف وجه من يب�صرون‬ ‫يف �أنف�سهم متيزً ا عرقيًا �أو اختالفًا مذهبيًا‬ ‫ودي��ن�� ًي��ا لإث��ب��ات وج��وده��م امل��ه��دد بال�ضياع‬ ‫وال���زوال‪ .‬و�إن �أي دع��وى مهما ك��ان مربرها‬

‫مي��ك��ن �أن ت��واج��ه غ�ضبة م��ن ي�ست�شعرون‬ ‫جحودًا اجتماعيًا �أو جتاه ًال تنمويًا �أو ظلمًا‬ ‫�سيا�سيًا حلقهم يف العي�ش الكرمي‪� .‬إنها حقوق‬ ‫تتعلق ب�ش�أن املواطنة وال ميكن لأي �سلطة �أن‬ ‫تتعامل معها مبنطق الإق�صاء �أو التهمي�ش‬ ‫دون �أن تكون هناك ردود فعل حادة وعنيفة‪،‬‬ ‫واالل��ت��زام الأدب���ي والأخ�لاق��ي للدولة يلقي‬ ‫عليها م�س�ؤولية احرتام كل مكونات الن�سيج‬ ‫ال��وط��ن��ي‪ ،‬لأن��ه��ا ت��دخ��ل يف �أ���ص��ل الرتكيبة‬ ‫ال�سكانية التي تنطوي حتت �سلطة هذه الدولة‬ ‫والتي منها ت�ستمد ال�سلطة مربر وجودها من‬ ‫متتعها ب�شرعية منحها لها كل ال�شعب ولي�س‬ ‫فئة منه‪.‬‬ ‫�أمام احلديث عن طبيعة امل�س�ؤوليات التي‬ ‫يجب �أن ت�ضطلع بها ال�سلطات و�أمام احلجم‬ ‫خ�صي�صا‬ ‫ً‬ ‫الكبري لل�صالحيات املمنوحة لها‬ ‫من �أج��ل ممار�سة مهامها وت�أدية وظائفها‬ ‫والقيام بواجباتها والنهو�ض مب�س�ؤولياتها‬ ‫ال تفيد �أي خ��ط��اب��ات ر�سمية ذات حمولة‬ ‫عاطفية خ�لال ت��ن��اول وا�ستعرا�ض ظ��روف‬ ‫ح��دوث الأزم���ات �أو �أ�سباب تفاقم ت�أثريات‬ ‫�إحدى الق�ضايا الوطنية على حياة املواطنني‪،‬‬ ‫فمثل هذا ال يتجاوز ح��دود تلم�س امل�بررات‬ ‫للتن�صل من م�س�ؤولية التق�صري يف العمل‬


‫العدد‬

‫املفاجئة لتربير الإخفاقات املتتالية حتت كل‬ ‫الظروف حتى املواتية منها‪.‬‬ ‫لي�س م��ن امل�����س���ؤول��ي��ة اف��ت��ع��ال الأزم����ات‬ ‫االج��ت��م��اع��ي��ة ل�����ص��رف ال��ن��ظ��ر ع��ن م�شاريع‬ ‫�سيا�سية يخ�شى �أن جتد مقاومة ومعار�ضة لو‬ ‫جرى الإع�لان عنها �أو رف�ضها لو مت اجلهر‬ ‫مبجرد النوايا ب�ش�أنها‪ ،‬فذلك �إلهاء متعمد‬ ‫يتجاوز بكثري مفهوم امل��ن��اورة �إل��ى االتهام‬ ‫بامل�ؤامرة‪.‬‬ ‫كما لي�س من امل�س�ؤولية املبالغة يف تقدمي‬ ‫ال��وع��ود ال�براق��ة لنيل ال��ت���أي��ي��د‪ ،‬والإ���س��ه��اب‬ ‫يف ع��ر���ض ال��ع��ه��ود امل��غ��ري��ة لك�سب ال��دع��م‬ ‫وامل�����س��ان��دة‪ ،‬يف ح�ين ق��د ي���درك ال��ع��ام��ة من‬ ‫املواطنني قبل اخلا�صة منهم �أنه لو مت ح�شد‬ ‫كل القدرات الوطنية وتعبئة جميع الإمكانيات‬ ‫املالية وجتنيد كافة الطاقات الب�شرية واملادية‬ ‫فلن يتحقق منها الربع‪ ..‬هذا ما نراه �شاهدً ا‬ ‫ون�سمعه مبا�شرة ونلم�سه حيًا بخا�صة يف‬ ‫خطب املرت�شحني خالل حمالتهم االنتخابية‬ ‫لك�سب �أ�صوات الناخبني‪.‬‬ ‫لي�س من امل�س�ؤولية تنميق ظاهر الأمور‬ ‫وت�ضخيم الإجن�����ازات وع��ر���ض ن��ت��ائ��ج غري‬ ‫حقيقية لك�سب ر�ضا القيادة العليا يف البالد‪،‬‬ ‫لأن ذلك ت�ضليل عمدي و�إيحاء كاذب ب�أن كل‬ ‫�شيء ي�سريعلى ما يرام‪.‬‬ ‫لي�س م��ن امل�س�ؤولية �إح���داث “الهو�شة‬ ‫ال�سيا�سية” ح��ول مو�ضوع معني �أو ق�ضية‬ ‫وطنية ذات طابع م�صريي‪ ،‬التي ميكن �أن‬

‫‪81‬‬

‫المسؤولية تنبع من‬ ‫إحساس عميق بخطورة‬ ‫األمانة ومن ضمير حي‬ ‫ال يرتاح إال بإقرار الحق‪.‬‬ ‫وهي تستند إلى اعتبار‬ ‫أخالقي يقدس متعة‬ ‫التشريف بالثقة‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫الوقائي املتب�صر للعواقب‪ ،‬وحماولة اخلروج‬ ‫من دائرة املحا�سبة ب�شكل “م�شرف”‪ .‬و�إذا‬ ‫كان جمال املحا�سبة يقع حتت قبة الربملان‬ ‫و�أمام النواب ممثلي ال�شعب حتت قبة هيئة‬ ‫من املفرو�ض �أنها تتكفل د�ستوريًا مبهمتي‬ ‫الت�شريع واملراقبة ف�إنه ي�صبح مفهومً ا �أن‬ ‫عملية املحا�سبة �سرتتبط بطبيعة العالقة‬ ‫القائمة ب�ين ال�برمل��ان وب�ين ال�سلطة العليا‬ ‫يف البالد من جهة‪ ،‬وب�ين ال�برمل��ان والهيئة‬ ‫ال��ت��ن��ف��ي��ذي��ة مم��ث��ل��ة يف احل��ك��وم��ة م��ن جهة‬ ‫�أخرى‪ .‬فاحلكومة تطبق برنامج عمل تنموي‬ ‫مت م�سبقًا على ر���س��م م�لاحم��ه الرئي�سية‪،‬‬ ‫وحت��دي��د �أه��داف��ه وتعيني و�سائل حتقيقها‪،‬‬ ‫وح�شد م��وارد التمويل على م�ستوى القيادة‬ ‫ال�سيا�سية للبالد‪ ،‬وتقوم احلكومة ـ بناء على‬ ‫ذلك ـ بو�ضع ال�سيا�سات العامة وحتويلها �إلى‬ ‫برامج عمل ترتجم الأه���داف املر�سومة يف‬ ‫امل��ي��دان‪ .‬وال��واق��ع ي�ؤكد �أن العمل احلكومي‬ ‫هو املحك احلقيقي للوقوف على م�صداقية‬ ‫القيادة ال�سيا�سية يف تنفيذ وعود التنمية‪ .‬ويف‬ ‫ظل ظروف حملية وعاملية م�ضطربة ومتقلبة‬ ‫�أ���ص��ب��ح م��ن الع�سري االط��م��ئ��ن��ان لإمكانية‬ ‫التطبيق احل���ريف وال��ت��ام خلطط التنمية‪،‬‬ ‫ووف��ق ه��ذا االعتبار ي�صبح م��ن ال�ضروري‬ ‫وم��ن ب��اب الأخ���ذ ب��دواع��ي احليطة واحل��ذر‬ ‫توقع اخليارات البديلة يف احلاالت الطارئة‬ ‫وو�ضع البدائل املمكنة لتجنب التعرث والت�أخر‬ ‫والف�شل‪ .‬و�إذا كانت القيادة ال�سيا�سية هي‬ ‫من عينت �أع�ضاء احلكومة‪ ،‬فامل�س�ؤولية عن‬ ‫الإخفاق تقع �أو ًال على من �أ�س�س ور�سم و�أعد‬ ‫وخطط ‪ ..‬واختار الرجال‪ .‬كما تقع م�س�ؤولية‬ ‫الف�شل على من كان من املفرو�ض �أن ينفذ‬ ‫و يتابع ويراقب‪ ..‬ويحا�سب قبل �أن يحا�سبه‬ ‫غريه‪.‬‬ ‫لي�س م��ن امل�����س���ؤول��ي��ة ت��را���ش��ق الفاعلني‬ ‫امل�س�ؤولية عن الإخفاق‪ ،‬مبعنى تقاذفهم التهم‬ ‫وحتميل �آخرين �أ�سباب وعواقب الف�شل‪ ،‬لأن‬ ‫ذلك من مظاهر الف�ساد و�سلوك املف�سدين‬ ‫و(بارونات) افتعال الأزمات اللتهام �أق�صى‬ ‫املكا�سب والغنائم من ورائها‪.‬‬ ‫لي�س م��ن امل�س�ؤولية التعلل بالظروف‬

‫ت�ضعف اجلبهة الداخلية و�أن ت�صيب البالد‬ ‫به�شا�شة �أمنية عميقة وخطرية ت�صل �إلى‬ ‫ح��د تعرية ظهر امل�ؤ�س�سات الد�ستورية و‬ ‫الع�سكرية‪.‬‬ ‫لي�س من امل�س�ؤولية ذلك االحتيال الكبري‬ ‫يف الدول حديثة العهد بالنظام الدميقراطي‬ ‫بت�سويق اع��ت��ق��اد م�ضلل ع��ل��ى �أن ال��ت��داول‬ ‫على ال�سلطة �إمن��ا هو تناف�س على ال�سلطة‬ ‫ال�سيا�سية وم�ؤ�س�سات �إدارة ال�ش�أن العام‪،‬‬ ‫فيما هو يف الأ�صل تناف�س على اقت�سام املال‬ ‫العام ب�أدوات ال�سلطة القانونية‪.‬‬ ‫امل�����س���ؤول��ي��ة ت��ن��ب��ع م��ن �إح�����س��ا���س عميق‬ ‫بخطورة الأم��ان��ة وم��ن �ضمري حي ال يرتاح‬ ‫�إال ب���إق��رار احل��ق‪ .‬وه��ي ت�ستند �إل��ى اعتبار‬ ‫�أخ�ل�اق���ي ي��ق��د���س م��ت��ع��ة ال��ت�����ش��ري��ف بالثقة‬ ‫ويذوق حالوة النبل بالنزاهة وبفخر املكانة‬ ‫الرفيعة ال�سامية بامل�صداقية‪ ،‬لأنها �صفات‬ ‫رج���ال ال��دول��ة اجل��دي��ري��ن بالتخليد‪ .‬ويف‬ ‫عامل ال�سيا�سة �سنكون �أمام مطلب “�أخلقة‬ ‫ال�سيا�سة”‪� ،‬أي تغليف العمل ال�سيا�سي‬ ‫بحزمة �أخالق جتعل منه عم ًال ممتعًا مدعمًا‬ ‫بال�صدق يف القول ويف الفعل‪ ،‬وبالوفاء يف رد‬ ‫الفعل‪ ،‬ونبذ الكراهية واحلقد ون�شر املحبة‬ ‫وال��وئ��ام والت�سامح‪ ،‬وع��دم ال�ت�ردد يف بذل‬ ‫الت�ضحية باجلهد والوقت والعمر وال�سنني‬ ‫يف خدمة م�صلحة ال��ب�لاد‪ .‬ويحتاج العمل‬ ‫ال�سيا�سي �إل��ى توفر ق��در كبري من احلكمة‬ ‫يف احلديث والر�شادة يف الت�صرف وح�سن‬ ‫ت�أويل املواقف و�صواب تقديرالأمور والتب�صر‬ ‫الواعي بعواقبها‪ .‬ومن امل�س�ؤولية ال�سيا�سية‬ ‫الإقرار بالف�ضل ل�صاحبه واالعرتاف باخلط�أ‬ ‫يف حالة الف�شل و�إ�شراك كل القوى الوطنية‬ ‫يف احل��وار والت�شاور الحتواء �آث��اره وتداركه‬ ‫ب�أف�ضل ال�سبل و�أجنع اخليارات وبالعمل على‬ ‫�ضمان عدم تكراره الحقًا‪.‬‬ ‫العمل ال�سيا�سي مثل كل الأعمال الأخرى‬ ‫يف الن�شاط الإن���س��اين ال ب��د م��ن �أن تتوفر‬ ‫ل��ه ال�ضمانات م��ن احل��ق��وق لتطويره ومن‬ ‫ال��واج��ب��ات لأخ��ل��ق��ت��ه‪ ،‬وم��ن ه��ذه ال��واج��ب��ات‬ ‫م��راع��اة امل�س�ؤولية يف ح��ق القائم بها ويف‬ ‫املقام الأول يف حق رب العباد والبالد‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫فاليري جاريت‬ ‫دبلوماسيون‬ ‫‪58‬‬

‫الجندي المجهول الذي حـــقق أكبر‬ ‫إنجاز دبلوماسي للرئيس األميركي‬


‫�صلة و�صل بني �أوباما وم�ؤيديه‬ ‫وعلى ذل��ك‪ ،‬تكوّن لديها انطباع ح�سن‬ ‫عنهما معًا‪� ،‬إذ حر�صت جاريت على نقل‬ ‫انطباعها هذا �إلى �أ�شخا�ص معنيني‪ ،‬ف�أقامت‬ ‫�صلة و�صل بني �أوباما وم�ؤيديه الأوائل‪.‬‬ ‫ون��ا���ص��رت ج��اري��ت ب���اراك �أوب��ام��ا منذ‬ ‫�أن التقته و�أدخ��ل��ت��ه �إل���ى �شبكتها املهنية‪،‬‬ ‫وقدمت له امل�شورة حول اخليارات املمكنة يف‬ ‫م�سريته‪ .‬وعندما خا�ض معركته االنتخابية‬ ‫ال��ن��اج��ح��ة يف ان��ت��خ��اب��ات جم��ل�����س ال�شيوخ‬ ‫الأم��ري��ك��ي‪ ،‬وك��ان يومئذ ع�ضوًا يف جمل�س‬ ‫�شيوخ والية �إيلينوي‪ ،‬ثم يف معركة الرئا�سة‪،‬‬ ‫بذلت �أق�صى ما لديها من جهد وخ�برات‬ ‫لإقناع كل من ي�ستمع �إليها ب�أن �أوباما جدير‬ ‫بالدعم‪ ،‬حتى يف �صفوف عتاة املتحفظني‬ ‫على تر�شحه‪ ،‬وهذا ما جعل �أوباما يركن �إلى‬

‫�آرائها ال�سيا�سية ونظرتها �إلى الأمور‪� ،‬إذ قال‬ ‫عنها‪�« :‬إنني �أثق بها ثقة تامة»‪.‬‬ ‫وملا كانت جلاريت �صالت �سيا�سية من‬ ‫ال��داخ��ل وع�لاق��ات عمل وا���س��ع��ة م��ع رج��ال‬ ‫الأع���م���ال‪ ،‬ف��ق��د �أف��ل��ح��ت يف ت��ق��دمي �أوب��ام��ا‬ ‫�إل��ى بع�ض كبار املتربعني ب��امل��ال حلمالته‬ ‫ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫املهمة ال�صعبة‬ ‫وع���ن���دم���ا ���س��ع��ى �إل������ى ح���م���ل احل����زب‬ ‫الدميقراطي على تر�شيحه للرئا�سة‪ ،‬وقعت‬ ‫عليها املهمة ال�صعبة جلمع الأموال الكبرية‪،‬‬ ‫خ�صو�صا من «وول �سرتيت» �شارع املال يف‬ ‫ً‬ ‫نيويورك‪ ،‬فور ف��وزه على مناف�سته هيالري‬ ‫كلينتون وم���ؤي��دي��ه��ا‪ .‬وف��ور انتخابه رئي�سً ا‬ ‫رجاها �أن تنتقل معه �إلى وا�شنطن‪.‬‬ ‫�أقرب امل�ست�شارين لأوباما‬ ‫وعلى رغ��م �أن ا�سمها مل ي�تردد كثريًا‪،‬‬

‫العدد‬

‫عندما سعى‬ ‫إلى حمل الحزب‬ ‫الديمقراطي على‬ ‫ترشيحه للرئاسة‪،‬‬ ‫وقعت عليها المهمة‬ ‫الصعبة لجمع األموال‬ ‫الكبيرة‬

‫‪81‬‬

‫مولدها وتعليمها‬ ‫ول��دت جاريت عام ‪ 1956‬يف �شرياز يف‬ ‫�إيران‪ ،‬وهي من والدين �أمريكيني‪ ،‬فوالدها‬ ‫ه���و ال��دك��ت��ور ج��ي��م�����س ب���اوم���ن ال����ذي �أدار‬ ‫م�ست�شفى للأطفال �ضمن برنامج للتنمية‬ ‫وه��اج��ر م��ع �أ���س��رت��ه �إل���ى �شيكاغو وه��ي يف‬ ‫�سن ال�سابعة‪ ،‬وتزوجت جاريت من الطبيب‬ ‫ويليام جاريت‪ ،‬وح�صلت على �إجازة احلقوق‬ ‫من جامعة ميت�شيغان‪ ،‬وهي تتكلم الفار�سية‬ ‫والفرن�سية بطالقة‪.‬‬ ‫وف��ي��م��ا يخ�ص تعليمها ف��ق��د تخرجت‬ ‫جاريت يف نورثفيلد ع��ام ‪ .1974‬وح�صلت‬ ‫على �شهادة البكالوريو�س يف علم النف�س من‬ ‫جامعة �ستانفورد يف عام ‪ 1978‬والدكتوراه‬ ‫من كلية القانون يف جامعة ميت�شيغان يف عام‬ ‫‪.1981‬‬ ‫وبالن�سبة حلياتها ال�شخ�صية‪ ،‬فهي‬ ‫قانونية مطلقة‪ ،‬و�صنعت �سريتها الذاتية‬ ‫يف العمل ال�سيا�سي وع��امل الأع��م��ال خالل‬ ‫�إقامتها يف �شيكاغو‪ ،‬وحينما عملت قانونية‬ ‫يف �أروق��ة بلدية �شيكاغو‪ ،‬ر�شحت �صديقتها‬ ‫وزميلتها القانونية مي�شال �أوباما للعمل عينه‪،‬‬ ‫ويف املكان ذاته توطدت العالقة بينهما‪.‬‬ ‫حياتها العملية‬ ‫�أما حياتها العملية‪ ،‬فقد ب��د�أت جاريت‬ ‫عملها نائبة م�ست�شار ال�ش�ؤون املالية والتنمية‬ ‫ون��ائ��ب رئي�س هيئة الأرك���ان لرئي�س بلدية‬ ‫ريت�شارد دايل‪ ،‬ومفو�ضة لق�سم التخطيط‬ ‫والتطوير يف الفرتة من ‪ 1992‬وحتى ‪1995‬‬ ‫ورئي�سة جمل�س العبور يف �شيكاغو يف الفرتة‬

‫أي�ضا ع�ضوة‬ ‫من ‪� 1995‬إلى ‪ .2005‬كما كانت � ً‬ ‫يف جمل�س �أم��ن��اء جامعة �شيكاغو‪ ،‬املركز‬ ‫الطبي ‪.2008 – 1996‬‬ ‫ويف ‪ 2008‬ع�� ّي��ن��ه��ا �أوب���ام���ا ي���وم عيد‬ ‫ميالدها يف ‪ 14‬نوفمرب م�ست�شارة �أ�سا�سية‬ ‫ومتقدمة‪ ،‬وقبل توليها هذا املن�صب �شغلت‬ ‫جاريت من�صب الرئي�سة التنفيذية ل�شركة‬ ‫التطوير العقاري‪.‬‬ ‫ولعبت ج��اري��ت دورًا ك��ب�يرًا يف الدعم‬ ‫املبكر للرئي�س �أوباما‪ ،‬فقد التقته لأول مرة‬ ‫يف عام ‪ 1991‬عندما قامت بتوكيل خطيبته‬ ‫املحامية مي�شال روبن�سون لق�ضية تتعلق‬ ‫ببلدية �شيكاغو‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫ معاوية يس ‪ -‬واشنطن ‪-‬‬‫متثل فالريي جاريت م�ست�شارة �أوباما ذات الأ�صول الإيرانية ثاين �أقوى �شخ�ص يف‬ ‫وا�شنطن‪ ،‬ال�سيما بعدما فر�ضت �سيطرتها على البيت الأبي�ض ومتكنت من �أ�سرار الدولة‪،‬‬ ‫ف�صارت �أقوى الن�ساء نفوذًا يف الواليات املتحدة‪ ،‬وكامتة �أ�سرار البيت الأبي�ض و�صاحبة‬ ‫الكلمة الأخرية واحلا�سمة‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫دبلوماسيون‬ ‫‪60‬‬

‫وق��ل��ي��ل��ون ه���م ال���ذي���ن ���س��م��ع��وا ب���ه ح��ت��ى يف‬ ‫وا���ش��ن��ط��ن‪� ،‬إال �أن��ه��ا منذ تعيينها يف هذا‬ ‫املن�صب باتت امل�ست�شارة ف��ال�يري جاريت‬ ‫من �أق��رب امل�ست�شارين �إل��ى رئي�س الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬و�أك�ثر ال�شخ�صيات ت���أث�يرًا عليه‪،‬‬ ‫لت�صبح كامتة �أ�سرار البيت الأبي�ض و�صاحبة‬ ‫الكلمة الأخرية واحلا�سمة‪.‬‬ ‫وت��ق��ول ال�صحف الإ���س��رائ��ي��ل��ي��ة �إن���ه يف‬ ‫االجتماعات الر�سمية يديل كل �شخ�ص من‬ ‫املجتمعني مبا عنده‪ ،‬لكن جاريت هي �آخر‬ ‫من يهم�س يف �أذن الرئي�س بعد انف�ضا�ض‬ ‫االجتماع‪.‬‬ ‫ويعرفها الإ�سرائيليون جيدً ا ويتوا�صلون‬ ‫معها طوال الوقت‪ ،‬وهي كانت فجرت مفاج�أة‬ ‫حينما �أعلنت يف م�ؤمتر ليهود وا�شنطن �أن‬ ‫وال��ده��ا يهودي الديانة‪ ،‬و�أن��ه��ا انتقلت �إلى‬ ‫وا�شنطن مل�ساندة ودعم �صديقها ال�صدوق‬ ‫يف البيت الأبي�ض باراك �أوباما‪ ،‬و�أنها حلت‬ ‫�ضيفة دائمة على املحادثات التي �أجراها‬ ‫رئي�س الوزراء الإ�سرائيلي نتنياهو مع �أوباما‬ ‫م�ؤخرًا يف البيت الأبي�ض‪.‬‬

‫تو�سطها يف املفاو�ضات مع �إي��ران ب�ش�أن‬ ‫ملفها النووي‬ ‫كانت املحطة البارزة يف م�سريتها هي‬ ‫ا�ستفادة �أوباما كثريًا من �أ�صول م�ست�شارته‬ ‫الإي��ران��ي��ة وخ�برت��ه��ا ال�سيا�سية الوا�سعة‬ ‫و�إتقانها للغة الفار�سية‪� ،‬إذ جعلها تتو�سط‬ ‫املفاو�ضات ال�سرية مع �إي���ران قبل �إج��راء‬ ‫املباحثات التي متخ�ضت م�ؤخرًا عن �إبرام‬ ‫اتفاق جنيف‪.‬‬

‫جاريت ضالعة بشكل‬ ‫وفعال في القرارات‬ ‫مباشر‬ ‫ّ‬ ‫التي اتخذتها اإلدارة‬ ‫األميركية بخصوص الملف‬ ‫األكثر جد ًال في منطقة‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬وهو‬ ‫الملف النووي اإليراني‬

‫و�أك���دت م�صادر �إع�لام��ي��ة �أن جاريت‬ ‫�ضالعة ب�شكل مبا�شر وفعّال يف القرارات التي‬ ‫اتخذتها الإدارة الأمريكية بخ�صو�ص امللف‬ ‫الأكرث جد ًال يف منطقة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬وهو‬ ‫امللف النووي الإيراين‪.‬‬ ‫واع�تر���ض العديد من ال�سيا�سيّني على‬ ‫تفوي�ض ج��اري��ت م��ه��ام خ��ط�يرة وح�سا�سة‬ ‫كاملفاو�ضات مع �إي��ران‪ ،‬واالت�صال مبختلف‬ ‫ر�ؤ���س��اء دول العامل للتحاور ح��ول الربنامج‬ ‫النووي لطهران‪ ،‬دون الك�شف عن هويتها‬ ‫وع���ن �إم��ك��ان��ي��ات��ه��ا‪ ،‬ب��اع��ت��ب��اره��ا لي�ست من‬ ‫الدبلوما�سيني احلاذقني يف البيت الأبي�ض‪،‬‬ ‫وق���د �أث����ار روّاد ال�����ص��ف��ح��ات االجتماعية‬ ‫ت�������س���ا�ؤالت ع�����دّ ة ح����ول ���س�يرت��ه��ا ال��ذات��ي��ة‬ ‫ون�شاطاتها‪ ،‬ممّ ا دفع و�سائل �إع�لام عاملية‬ ‫و�صحف دولية �إلى البحث عن هوية فالريي‬ ‫جاريت‪.‬‬ ‫حلقة ات�صاالت �سرية‬ ‫وف����ور ف���وز ال��رئ��ي�����س الإي������راين ح�سن‬ ‫روح��اين برئا�سة البالد �أغ��دق الأمريكيون‬ ‫ر�سائلهم على طهران‪ ،‬وملحوا فيها �إلى �أنهم‬ ‫يغ�ضون الطرف عن خرق �إي��ران للعقوبات‬ ‫االقت�صادية املفرو�ضة عليها‪ ،‬بح�سب �صحيفة‬ ‫«يديعوت �أحرونوت» العربية‪ ،‬التي �أكدت �أنه‬ ‫قبل تلك الت�سريبات‪ ،‬كانت ج��اري��ت تدير‬ ‫حلقة ات�صاالت �سرية بني الإدارة الأمريكية‬ ‫والإي��ران��ي�ين‪ ،‬وخ�لال الآون��ة الأخ�يرة انطلق‬ ‫ا�سمها يف خمتلف املدوّنات الإلكرتونية ذات‬ ‫االهتمام بالإ�شكالية ال��ن��ووي��ة‪ ،‬ال�سيما يف‬ ‫�إي��ران‪ ،‬ورغ��م �أن البيت الأبي�ض نفى جملة‬ ‫وتف�صي ًال �صحة ت��ل��ك ال��ت�����س��ري��ب��ات‪ ،‬ف���إن��ه‬ ‫اع�ترف بها يف نهاية املطاف بعد التو�صل‬ ‫�إلى اتفاق بني طهران ووا�شنطن حول امللف‬ ‫النووي الإيراين‪.‬‬ ‫وتت�ساءل ال�صحيفة العربية عن �سبب‬ ‫بزغ جنم فالريي جاريت‪� ،‬إال �أن ال�صحيفة‬ ‫جتيب نف�سها حينما تقول‪« :‬يعود ذلك رمبا‬ ‫لأ�صول جاريت الإيرانية‪ ،‬بالإ�ضافة �إلى �أنه ال‬ ‫يوجد �أقرب منها للرئي�س �أوباما‪ ،‬فهي كامتة‬ ‫�أ�سراره والأمينة على كل ما يُفكر فيه‪� ،‬أو ما‬


‫يعتزم اتخاذه من قرارات»‪.‬‬ ‫وكتب م��دوّن �إي��راين يقول‪�« :‬إن جاريت‬ ‫�أدارت قنوات ات�صال �سرية مع الإيرانيني‪،‬‬ ‫و�إن عددًا من و�سائل الإعالم العاملية �أكدت‬ ‫ذل��ك‪� ،‬إال �أن املتحدثة با�سم جمل�س الأمن‬ ‫القومي الأمريكي ا�ستنكرت الأم��ر ونعتته‬ ‫بالأكاذيب الإعالمية»‪.‬‬ ‫�أكرث من جمرد م�ست�شار عادي‬ ‫ونظرًا للدور البارز واملهم ال��ذي لعبته‬ ‫ف��ال�يري ج��اري��ت يف الآون���ة الأخ�ي�رة‪ ،‬كتبت‬ ‫ال�صحفية البارزة �سايدي دويل مقالة عنها‬ ‫جاء فيها �أن فالريي جاريت بحكم توجهاتها‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬وبحكم هويتها‪ ،‬وملجرد وجودها‬ ‫يف البيت الأبي�ض‪ ،‬كان مقدرًا لها �أن تكون‬ ‫�أكرث من جمرد م�ست�شار عادي‪ .‬فهي دائمًا‬ ‫تقوم بدور ال�صارية املمت�صة لل�صواعق يف‬ ‫ال�صراع الدائر داخل احلزب الدميقراطي‬ ‫ب�ين الو�سطيني وال��ت��ق��دم��ي�ين‪ ،‬وب�ي�ن فكرة‬ ‫مب�سطة غام�ضة التعريف للتقدمية على‬ ‫�أنها لأنا�س �صغار يف مقابل قطط �سمان‪،‬‬ ‫وبني فهم متدرج الفروق للق�ضايا العرقية‬ ‫والطبقية وق�ضايا امل��ر�أة والرجل والق�ضايا‬

‫املت�صلة بالعالقات اجلن�سية‪ ،‬باعتبارها‬ ‫ع��وام��ل متقاطعة يف كيفية تكوين ال�سلطة‬ ‫وامل�شاركة فيها‪.‬‬ ‫يعمل حتتها ع�شرات امل�ستخدمني‬ ‫وعلى عك�س م�ساعدين �آخ��ري��ن وط���أت‬ ‫�أقدامهم البيت الأبي�ض يف عهد �أوب��ام��ا �أو‬ ‫غريه من الر�ؤ�ساء ال�سابقني‪ ،‬ال تتولى جاريت‬ ‫وظيفة �أو من�صبًا بعينه يف الإدارة الأمريكية‪،‬‬ ‫ف��ه��ي بب�ساطة �صديقة �شخ�صية لأوب��ام��ا‬ ‫وزوجته‪ ،‬مرغوب يف بقائها لدعم الرئي�س‪� ،‬إال‬ ‫�أنه يعمل حتت جاريت ع�شرات امل�ستخدمني‪.‬‬ ‫كما �أنها تتحرك و�سط حرا�سة �أمنية‬ ‫م�شددة من قبل الأجهزة ال�سرية يف البيت‬ ‫الأبي�ض‪ ،‬ويحذر كبار ال�شخ�صيات ال�صدام‬ ‫معها‪ ،‬ويعد ذل��ك دلي ًال على �أهميتها لدى‬ ‫�أوباما‪.‬‬ ‫نقد وامتعا�ض‬ ‫ي�����ش��ار �إل���ى �أن جم��ل��ة ن��ا���ش��ي��ون��ال ريفيو‬ ‫الأمريكية ن�شرت على ل�سان جوبي جوزيف‬ ‫رجل الأمن القومي الأمريكي‪ ،‬تغريدة له على‬ ‫موقع التوا�صل االجتماعي “تويرت”‪� ،‬أبدى‬ ‫فيها �إعجابه ب�شخ�ص الرئي�س باراك �أوباما‬

‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫وق��درت��ه على التعاطي م��ع ك��اف��ة الق�ضايا‬ ‫الداخلية واخلارجية‪� ،‬إال �أن جوزيف �أعرب يف‬ ‫الوقت عينه عن امتعا�ضه من اعتماد �أوباما‬ ‫على �شخ�صية و�صفها بال�صفر‪� ،‬أي الال�شيء‬ ‫يف البيت الأبي�ض وهي فالريي جاريت‪ ،‬لكن‬ ‫كلمات جوزيف وتطاوله عليها كانا ال�سبب‬ ‫احلقيقي وراء �إقالته من من�صبه‪.‬‬ ‫كما وجه املحلل والكاتب ال�سيا�سي البارز‬ ‫يف �صحيفة نيويورك تاميز‪ ،‬فرانك ريدج‪،‬‬ ‫ان��ت��ق��ادات �إل���ى ج��اري��ت‪� ،‬إذ دع��ا يف مقال‬ ‫مطول �إل��ى �إقالتها و�إب��ع��اده��ا ع��ن �أوب��ام��ا‪،‬‬ ‫م�شريًا �إل��ى �أن ف�شل الأخ�ير يف العديد من‬ ‫الق�ضايا الداخلية واخل��ارج��ي��ة ي��ع��ود �إل��ى‬ ‫الت�صاقه وزوجته مبجموعة من امل�ست�شارين‬ ‫فاقدي اخلربة‪ ،‬وخ�ص منهم بالذكر فالريي‬ ‫جاريت‪.‬‬ ‫وذك��ر ال�صحفي �أن م�ست�شارة �أوب��ام��ا‬ ‫امل��ق��رب��ة �سعت �إل���ى مت��ري��ر �إ���ص�لاح��ات يف‬ ‫اجلهاز ال�صحي الأمريكي‪ ،‬دون الأخ��ذ يف‬ ‫االعتبار ف�شل �إدارة �أوباما يف هذا القطاع‬ ‫احل�سا�س‪ ،‬وعار�ضها العديد من اخل�براء‬ ‫واعتربوا �أن الإ���س��راع يف تفعيل �إ�صالحات‬ ‫غري مدرو�سة �ستكون له نتائج وخيمة‪.‬‬ ‫وبهذا تكون جاريت امل���ر�أة النافذة يف‬ ‫البيت الأبي�ض و�صاحبة القرارات احلا�سمة‬ ‫يف العديد من امللفات والق�ضايا املحورية‬ ‫املتعلقة ب�سيا�سة ال��دول��ة‪ ،‬ب��ل �إن��ه��ا ال متنع‬ ‫نف�سها من انتقاد �أوباما‪ ،‬ومعار�ضته ب�شدة‪،‬‬ ‫والت�صادم معه حول �ش�ؤون احلكم‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫جاريت المرأة‬ ‫النافذة في البيت‬ ‫األبيض وصاحبة القرارات‬ ‫الحاسمة في العديد‬ ‫من الملفات والقضايا‬ ‫المحورية المتعلقة‬ ‫بسياسة الدولة‬

‫‪61‬‬


‫مهاتير محمد‬ ‫فنون‬ ‫‪62‬‬

‫يدخل التاريخ بدور ثانوي في فيلم سينمائي‬


‫العدد‬

‫‪81‬‬

‫وك�شف فيلم «الكب�سولة» الذي تدور �أحداثه‬ ‫حول �إطار تاريخي عن اخليال العلمي يف ماليزيا‬ ‫عن موهبة جديدة عند رئي�س ال��وزراء املاليزي‬ ‫الأ�سبق مهاتري حممد‪ ،‬وذلك بعد نحو ‪ 12‬عامًا‬ ‫من تقاعده عن من�صبه كرئي�س للوزراء يف عام‬ ‫‪ ،2003‬بعد �أن حكم البالد ملدة ‪ 22‬عامًا‪.‬‬ ‫وقالت تقارير �صحفية عن مهاتري قوله �إنه‬ ‫يج�سد يف الفيلم الذي يحمل ا�سم «الكب�سولة»‬ ‫�شخ�صيته احلقيقية عندما كان زعيمًا للبالد‪.‬‬ ‫م��ن جهة �أخ���رى‪� ،‬أب���دى الزعيم املاليزي‬ ‫ال�سابق ا�ستعداده للقيام بذلك الدور الثانوي مع‬ ‫التزامه بالتعليمات التي �أ�سديت له قبل ت�صويره‬ ‫من قبل امل�س�ؤولني عن هذا الفيلم الذي يتوقع �أن‬ ‫يعر�ض مع بداية العام القادم‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف مهاتري يف ت�صريحاته خالل م�ؤمتر‬ ‫�صحفي يف كواالملبور �أورده��ا املوقع الإلكرتوين‬ ‫الإخباري «ماليزيان دايج�ست»‪�« :‬إنني �ألعب دورًا‬ ‫�صغريًا‪ ،‬ولقد التزمت بالتعليمات التي �أعطيت‬ ‫يل»‪.‬‬ ‫وخالل �أحداث الفيلم‪ ،‬ي�سافر مهاتري حممد‬ ‫داخ��ل كب�سولة زمنية لي�شاهد م�ستقبل بالده‬ ‫ح�سب خطة التنمية التي كان قد و�ضعها وتعرف‬ ‫با�سم «ر�ؤي��ة ‪ ،»2020‬ولكن بطل الفيلم ي�سرق‬ ‫الكب�سولة ويعود بها �إلى املا�ضي يف عام ‪1942‬‬ ‫وي�ساعد يف مقاومة الغزو الياباين لبالده‪.‬‬ ‫و�شارك الزعيم مهاتري يف هذا الفيلم الذي‬ ‫مت ت�صويره يف ال��ع��ام امل��ا���ض��ي‪ 10 ،‬م��ن جنوم‬

‫التمثيل يف ماليزيا‪ ،‬ونحو ‪ 30‬ممث ًال يف �أدوار‬ ‫ثانوية‪.‬‬ ‫وي���ق���ول م��ن��ت��ج��و ال��ف��ي��ل��م �إن ه���ذا العمل‬ ‫ال�سينمائي يج�سد الت�ضامن املاليزي‪ ،‬وال يهدف‬ ‫�إلى التعليق على الأو�ضاع ال�سيا�سية يف البالد‬ ‫التي يعد مهاتري حممد طرفًا رئي�سً ا فيها‪.‬‬ ‫وكان مهاتري حممد طالب با�ستقالة رئي�س‬ ‫ال��وزراء احلايل جنيب عبدالرزاق بعد تعر�ضه‬ ‫الت��ه��ام��ات بالف�ساد‪ ،‬كما ا�ستدعته ال�شرطة‬ ‫ال�ستجوابه ب�ش�أن ت�صريحاته خالل م�شاركته يف‬ ‫مظاهرات (بر�سيه ‪ )4‬التي �أجريت م�ؤخرًا‪ ،‬يف‬ ‫العا�صمة كواالملبور‪.‬‬ ‫وقال مهاتري بعد عودته �أخريًا من الأردن‪:‬‬ ‫«دعوهم يحققوا فهذه هي مهمتهم»‪ .‬وردًا على‬ ‫���س���ؤال ع��ن �إمكانية اعتقاله ملمار�سة حقوقه‬ ‫الد�ستورية �أجاب مهاتري بالقول‪« :‬ال �أعتقد �أنهم‬ ‫�سيفعلون ذلك ولكني �س�أذعن»‪.‬‬ ‫ويعترب مهاتري حممد ال��ذي حكم ماليزيا‬ ‫خ�ل�ال ال��ف�ترة م��ن ‪ 1981‬ح��ت��ى ‪� 2003‬صانع‬ ‫النه�ضة يف ماليزيا‪� ،‬إذ ا�ستطاع �أن يحول بلده‬ ‫من ف���أر فقري �إل��ى منر �آ�سيا ب�شهادة اجلميع‪،‬‬ ‫كما �أن��ه واح��د م��ن �أع��ظ��م ال��ق��ادة ال�سيا�سيني‬ ‫واالقت�صاديني يف �آ�سيا‪ ،‬بل يف التاريخ �أجمع‪ ،‬وهو‬ ‫�صاحب الف�ضل الأول يف جناح التجربة املاليزية‬ ‫التي و�صلت مباليزيا �إلى واحدة من �أقوى الدول‬ ‫االقت�صادية على م�ستوى العامل يف ف�تر ٍة كان‬ ‫ال�شعب املاليزي يعاين فيها الفقر واخلراب‪.‬‬

‫أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2015‬م‬

‫ رضا علي ‪ -‬ماليزيا‪-‬‬‫ت���ع���ودن���ا �أن ي����ق����وم ال���ف���ن���ان���ون‬ ‫ال�سينمائيون بتج�سيد �شخ�صيات الر�ؤ�ساء‬ ‫والزعماء وال�سا�سة الذين تركوا ب�صمة‬ ‫قوية يف تاريخ بالدهم‪ ،‬ولكن هذه املرة‬ ‫ك�سر الزعيم املاليزي ال�سابق مهاتري‬ ‫حممد ال��ق��اع��دة وق���رر �أن يج�سد دورًا‬ ‫ثانويًا يف فيلم �سينمائي‪.‬‬ ‫الغريب واملثري يف الأمر �أنه مل ي�سبق‬ ‫�أن ج�سدت �شخ�صية �سيا�سية معروفة يف‬ ‫ماليزيا دورًا �سينمائيًا �أو حتى تلفزيونيًا‪،‬‬ ‫وهو ما جعل هذا العجوز املاليزي ال�سابق‬ ‫البالغ من العمر ‪ 90‬عامًا يدخل التاريخ‬ ‫يف بالده‪ ،‬ويثري اجلدل م�ؤخرًا‪ ،‬بحثًا عن‬ ‫الأ�سباب الكامنة وراء تلك ال�شهرة‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫القوة الناعمة مقابل القوة الصلبة‬

‫األخيرة‬ ‫‪64‬‬

‫د‪ .‬تركي العواد‬

‫معهد الدراسات الدبلوماسية‬

‫العالم اليوم‬ ‫داعما‬ ‫أصبح‬ ‫ً‬ ‫للجهود اإلنسانية‬ ‫ويرفض التصرفات‬ ‫الوحشية‬

‫القوة الناعمة هي النظرية اجلديدة التي حتتاج �إلى تقدمي‪ ،‬بينما القوة ال�صلبة فمعروف‬ ‫�أنها ا�ستخدام القوة الع�سكرية واالقت�صادية لإجبار الآخرين على تغيري مواقفهم‪ ،‬وقد ا�ستخدمها‬ ‫أي�ضا حتى مع ظهور القوة الناعمة والتو�سع‬ ‫الإن�سان حلل م�شاكله منذ الأزل‪ ،‬و�ستبقى خيارًا مطروحً ا � ً‬ ‫يف ا�ستخدامها‪ .‬ويعرف جوزيف ناي القوة الناعمة ب�أنها القدرة على الت�أثري يف الآخرين للح�صول‬ ‫على النتائج املطلوبة من خالل اجلاذبية ولي�س بالقهر �أو العقاب‪ .‬فالقوة الناعمة تعطي بعدً ا �آخر‬ ‫لل�سيا�سة اخلارجية‪ ،‬وقد ت�ساعد يف التقليل من ا�ستخدام القوة ال�صلبة‪ .‬و�إن �أف�ضل طريقة للتفريق‬ ‫بني القوتني‪ ،‬هي النظر يف الطرق املختلفة التي ت�ستطيع من خاللها احل�صول على النتائج التي‬ ‫تريدها‪ .‬ف�إذا ما كانت دولة تريد ح ًال مل�شكلة معينة‪ ،‬ف�أي القوتني ت�ستخدم حلل تلك امل�شكلة؟ وما‬ ‫هي العواقب والتبعات املرتتبة على ا�ستخدام القوتني الناعمة وال�صلبة؟‬ ‫�أول ما يتم مراعاته عند التفكري يف ا�ستخدام �إحدى القوتني‪ ،‬هي التكلفة املالية املرتتبة على‬ ‫ا�ستخدام قوة دون الأخرى‪ .‬ومن مزايا القوة الناعمة مقابل القوة ال�صلبة �أنها �أقل تكلفة‪ .‬فالقوة‬ ‫ال�صادرة من الثقافة والنظام ال�سيا�سي اجلذاب‪ ،‬تكلفتها لي�ست كبرية باعتبار �أنها ‪� -‬أ�ص ًال ‪ -‬موجودة‪،‬‬ ‫والتكلفة الكربى تكون يف دعم و�إظهار تلك اجلاذبية للعامل والرتكيز عليها‪ .‬كما �أن بع�ض اجلوانب‬ ‫الثقافية قادرة على �أن تكون م�صدر دخل كبري للدولة‪ .‬فالأفالم الهندية ــ على �سبيل املثال ــ م�صدر‬ ‫أي�ضا م�صدر رائع للدخل‪.‬‬ ‫من م�صادر القوة الناعمة الهندية‪ ،‬و� ً‬ ‫وحتتاج الدول لل�صرف ب�شكل �أكرب على قوتها الناعمة والت�سويق لها عامليًا‪ ،‬وهذا مكلف‪ ،‬ولكنه ال‬ ‫ميكن �أن ي�صل لكلفة القوة ال�صلبة ب�أي حال من الأحوال‪ .‬فالقوة ال�صلبة (الع�سكرية واالقت�صادية)‬ ‫مكلفة ب�شكل يجعل الدول ال ت�ستطيع حتمل ال�صرف عليها لوقت طويل‪ .‬فالدفع للدول لتغيري مواقفها‬ ‫ال�سيا�سية يحتاج �إلى مبالغ كبرية ميكن �أن ترهق الدولة اقت�صاديًا حتى لو كانت دولة غنية‪� .‬أما‬ ‫تكلفة القوة الع�سكرية‪ ،‬فهي بكل ت�أكيد �أكرب من املبالغ املالية املبا�شرة التي تدفع ال�ستمالة الدول‪.‬‬ ‫ذكر تقرير ملعهد وات�سون للدار�سات الدولية عن حرب العراق‪� ،‬أن �أمريكا �صرفت ب�شكل مبا�شر‬ ‫�أكرث من ‪ 4.4‬تريليون دوالر على احلرب‪ .‬لقد دفعت �أمريكا تلك التكاليف الباهظة رغم �أنها انت�صرت‬ ‫يف احلرب‪ ،‬و�أ�سقطت نظام �صدام‪ .‬فلك �أن تتخيل التكاليف الفلكية لو �أن �أمريكا خ�سرت احلرب‪.‬‬ ‫و�إلى يومنا هذا تدفع �أمريكا نتيجة حرب العراق‪.‬‬ ‫ركزت اخلبرية االقت�صادية الأمريكية ليندا بلمي�س يف مقالة م�شرتكة مع جوزيف �ستجليفت�ش‬ ‫احلائز على جائزة نوبل التذكارية يف العلوم االقت�صادية‪ ،‬على �أن مغامرة العراق �أ�ضعفت ب�شكل‬ ‫كبري االقت�صاد الأمريكي الذي انتقل �إلى ما هو �أبعد من م�شكلة الرهن العقاري‪ .‬وي�ضيفان �أنه ال‬ ‫ميكنك �صرف �أكرث من ثالثة تريليونات دوالر يف اخلارج على حرب وال ت�شعر بت�أثريها و�أملها يف‬ ‫الداخل‪.‬‬ ‫�إن ا�ستخدام التهديد بالقوة الع�سكرية �أ�صبح اليوم �أكرث �صعوبة من �أي وقت م�ضى ب�سبب النمو‬ ‫الذي حدث �أخريًا فيما يتعلق مبحاربة العنف ودعم ال�سالم وال�سلم العامليني‪ .‬كما �أن العامل اليوم‬ ‫�أ�صبح داعمًا للجهود الإن�سانية ويرف�ض الت�صرفات الوح�شية‪ .‬فالع�صر احلايل ع�صر االهتمام‬ ‫بالبيئة وحماية احليوان وحقوق الأقليات‪� ،‬إ�ضافة �إلى ارتفاع �شعبية القيم الإن�سانية العاملية‬ ‫وحقوق الإن�سان ‪ .‬فالعامل اليوم يتبنى الق�ضايا الإن�سانية ب�شكل مل ي�سبق له مثيل‪.‬‬ ‫يذكر ناي �أن الدول الدميقراطية وغري الدميقراطية التي ال ت�شعر ب�ضغوط �شعبية و�أخالقية‬ ‫داخلية قوية‪ ،‬بد�أت ت�شعر بال�ضغوط اخلارجية الكبرية التي متار�سها ال�صحافة العاملية واجلهات‬ ‫أي�ضا الدول الراف�ضة للممار�سات الوح�شية‪ ،‬حتى لو كانت تلك املمار�سات حملية ال‬ ‫احلقوقية‪ ،‬و� ً‬ ‫�أبعاد دولية لها‪.‬‬ ‫وهذا ال يعني �أن اخليار الع�سكري لي�س على الطاولة‪ ،‬ولكن ا�ستخدامه �أ�صبح �أكرث �صعوبة ويف‬ ‫نطاقات �ضيقة‪ .‬كما �أن خ�سائره على م�ستوى العالقات مع دول العامل‪ ،‬قد تكون مدمرة‪ .‬فاخليار‬ ‫الع�سكري مل يعد قرار الدولة املدنية احلديثة وحدها‪ ،‬بل �إن القرار يجب �أن مير بقنوات دبلوما�سية‬ ‫دولية ت�ساعد على تقبل املجتمع الدويل لهذا القرار حتى ال يتكتل العامل �ضدها‪.‬‬




Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.