العدد ( ) 81أكتوبر -نوفمبر 2015م
الهجرة من الموت تغ ّير موازين القوى الدولية
المملكة عزم ال يلين وحزم في الحق ال يستكين
بزوغ عصر اإلنسان اآللي
االفتتــاحية
العدد
81
�أنا متفائل ب�إيجاد حلول للم�شاكل التي تواجه املنطقة� ،أنا دائمًا متفائل .والإن�سان يعتمد على ربه �أوالً ،ثم على نف�سه ،وال بد �أن يكون متفائالً ،وب�إذن اهلل يحقق الأهداف التي ي�سعى �إليها. والتحديات التي تواجه املنطقة كبرية وكثرية ،ومنها الأزمة اللبنانية ،والأزمة ال�سورية، والأزمة يف العراق ،والأزمة اليمنية ،والأزمة الليبية ،والأعمال ال�سلبية التي تقوم بها �إيران، وتتمثل يف تدخلها يف �ش�ؤون املنطقة ومو�ضوع الت�سلح ،ومو�ضوع املهاجرين. هذه حتديات ال بد من التعامل معها بحكمة وبعقالنية ومنطق ،والإن�سان ال بد �أن يعتمد على نف�سه ،وعلى �أهل املنطقة يف ال�صف الأول �أو اخلطوة الأولى ،ثم على �أ�صدقائه يف العامل، مل ال ننظر �إلى الإيجابيات ولكن بد ًال من �أن ننظر فقط �إلى ال�سلبيات التي تواجهنا يف املنطقةَ ، املوجودة يف املنطقة� .إن منطقة ال�شرق الأو�سط تتميز عن غريها من مناطق العامل باالتفاق على عقيدة واحدة� ،إلى جانب ت�صدرها العامل بن�سبة ال�شباب العالية فيها ،ويوجد فيها ترابط �أ�سري ،كما توجد فيها �أخالقيات .ويف هذه املجتمعات م�صادر طبيعية للطاقة ،كاملعادن ،كما يوجد فيها معابر جوية ومائية ا�سرتاتيجية يعتمد عليها العامل ،كما يوجد يف املنطقة رجال �أعمال و�شركات بارزين .كل املكونات التي ي�ستطيع الإن�سان �أن يخلق منها جمتمعًا ناجحً ا وجمتمعًا غنيًا وجمتمعًا فيه فر�ص للعمل ،وجمتمعًا يحقق �أهداف املواطنني وتطلعاتهم ،وبالذات ال�شباب. كل تلك امل�صادر موجودة يف اململكة ويف دول جمل�س التعاون ،وكذلك القيادة احلكيمة موجودة وهلل احلمد ،واخلطط اال�سرتاتيجية موجودة وهلل احلمد. متر املنطقة الآن مبرحلة تواجه فيها حتديات �أكرث من املا�ضي للأ�سف ،لكن ال بد من التعامل معها ،وب�إذن اهلل �سنعرب هذه املرحلة �إلى م�ستقبل �أف�ضل. وفيما يتعلق بدور �إيران يف املنطقة ن�أمل ونرجو �أن تغري �إيران �أ�ساليبها وتبعد عن تدخالتها يف �ش�ؤون دول املنطقة� ،سواء يف لبنان �أو �سوريا �أو العراق �أو اليمن �أو غريها من املناطق. نحن ن�أمل �أن يكون لدينا �أف�ضل العالقات مع الإيرانيني ،وكانت لدينا عالقات جيدة مع �إيران يف ال�ستينيات وال�سبعينيات ،ولكن من ال�صعب �أن تكون هناك عالقات �إيجابية �إذا كان هناك عدوان م�ستمر من طرف جتاه اململكة العربية ال�سعودية و�شعبها؛ لذلك نحن حري�صون على الت�صدي لأي حتركات �إيرانية ،و�سنقوم بكل ما ن�ستطيع وبكل ما لدينا من قوة �سيا�سية واقت�صادية وع�سكرية بحماية �أرا�ضينا و�شعبنا من �أي عدوان �أو تدخالت ،وما نراه من بع�ض الت�صرفات والعمليات املرتبطة من قريب �أو من بعيد ب�إيران ،لي�ست �أعمال دولة ت�سعى �إلى ح�سن اجلوار �أو حت�سني عالقاتها مع دول جماورة لها. �إذا �أرادت �إيران �أن تكون لها مكانة يف املنطقة ويكون لها عالقات مميزة مع دول اجلوار ،فنحن نرحب بذلك ب�شدة ،ف�إيران دولة �إ�سالمية وجماورة ولها تاريخ وح�ضارة عريقة ،والتعامل معها ميكن �أن ي�ؤدي خلدمة م�صالح ال�شعبني واملنطقة. ونحن ن�أمل �أن ت�ستطيع �إيران �أن تتخلى عن �أ�سلوب املا�ضي ،وتتبنى �أ�سلوبًا جديدً ا ،وبالذات يف ظل توقيع اتفاقياتها مع دول 1+5يف جمال برناجمها النووي .والآن نراقب تطبيق �إيران لبنود هذه االتفاقية وكيفية تعامل �إيران مع املبالغ التي �ستح�صل عليها ،وكيفية تعامل �إيران مع جريانها يف املنطقة ،ومن ثم نقيم كيف يكون هناك تطور يف العالقات بني البلدين .ولكن كما ذكرت يف البداية �أن اململكة العربية ال�سعودية ت�سعى دائمًا �إلى بناء �أف�ضل العالقات مع كل الدول ،وت�سعى دائمًا �إلى �إبعاد �أي توتر� ،أو �أمور �سلبية بينها وبني دول �أخرى يف العامل. �أنا متفائل جدً ا مبا يتعلق مب�ستقبل املنطقة وم�ستقبل دول اخلليج .و�أنا متفائل -ب�إذن اهلل - �أننا ن�ستطيع �أن جند حلو ًال للتحديات التي تواجه املنطقة .وال يعتقد �أنها حت�صل يف يوم وليلة، وال بد من التعامل معها و�إيجاد خمارج وحلول لها ب�شكل مبا�شر وغري مبا�شر .لكن على املدى الطويل �أنا متفائل ب�أنه -ب�إذن اهلل � -سنجد حلو ًال للم�شاكل ،و�سن�ستطيع التعامل مع التحديات التي تواجه املنطقة ،وقد تظهر حتديات وم�شاكل �أخرى ،وهذه هي طبيعة العامل.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
أنا متفائل
عادل الجبير 1
تمر المنطقة بمرحلة تحديات أكثر من الماضي لألسف وبإذن اهلل سنعبر هذه المرحلة إلى مستقبل أفضل
العدد ( ) 81أكتوبر -نوفمبر 2015م
العدد ( ) 81أكتوبر -نوفمبر 2015م
جملـة دوريــة متخصصـة يصـدرهـا معهـد الـدراســات الدبلوماسية بوزارة اخلارجية اململكة العربية السعودية
املشرف العام
الدكتور نزار عبيد مدين
الهجرة من الموت
وزير الدولة لل�ش�ؤون اخلارجية املدير العام
الدكتور عبدالكرمي بن حمود الدخيل
تغيّر موازين القوى الدولية
مدير عام معهد الدرا�سات الدبلوما�سية املشرف على التحرير
الدكتور تركي العواد معهد الدرا�سات الدبلوما�سية الهيئة االستشارية
سمو السفري الدكتور تركي بن حممد بن سعود الكبري وكيل وزارة اخلارجية للعالقات متعددة الأطراف
سمو السفري خالد بن سعود بن خالد م�ساعد وزير اخلارجية
السفري الدكتور خالد اجلندان وكيل وزارة اخلارجية للعالقات الثنائية
السفري أ .أسامة نقلي رئي�س الإدارة الإعالمية بالوزارة
الدكتور خالد الرويتع معهد الدرا�سات الدبلوما�سية التنسيق اإلعالمي
أ .فؤاد صلواتي
المملكة عزم ال يلين وحزم في الحق ال يستكين
بزوغ عصر اإلنسان اآللي
cover.indd 1
10/28/15 11:47 PM
كلمة التحرير
يتفق معظم املثقفني على �أن ال�سيا�سة علم وفن ،و�أن كليهما يبلغ طابعه �أق�صى درجة توهجه النبيل عندما يقرتنان بااللتزام والأخ�لاق .وال�سيا�سة كفن �ستخ�ضع لنتائج الك�شف ال�ضوئي الأول الذي يبني �أن الفن – عمومًا -يف ميزان الأخالق ،يعني مقاربة الفن من منظور �أخالقي ،ثم �إن الفن امللتزم هو حمرك الإن�سان للخري. ومن هنا نتو�صل �إلى �أن ال�ضوابط الأخالقية ،ال بد �أن تكون امل�ؤثر الفاعل يف �أي عملية �إبداعية يف �سياق الن�شاط الإن�ساين الهادف للخري ب�صفة عامة ،على �أال يتحول العمل الأدبي �أو الفني �أو ال�سيا�سي �إلى جمرد حلقة وعظ ،بل �أن يكون م�سلحً ا بالفكر الواعي والثقافة الوا�سعة والدراية الكافية التي ت�ؤهل �صاحبها الحتالل الريادة� .إنه االلتزام الثقايف امل�سلح ،وجماله الو�سط الثقايف والإعالمي والفني ،وعوامل االت�صال اجلماهريي من خالل ال�صحف واملجالت الفكرية والأدبية مبا يعطي نف�سً ا ثقافيًا للق�ضايا ال�سيا�سية. نحتاج كثريًا �إلى ميثاق الأخالق وال�شرف وامل�س�ؤولية يف تعاطينا مع خمتلف الق�ضايا يف جمتمعنا خا�صة ،ويف التجاذبات مع املجتمعات الأخ��رى .فمن ال�صعب �أن تعي�ش وحدك ..ويف املقابل من اخلط�أ �أن تعي�ش وفق ما ميليه عليك الآخر دون حول منك �أو قوة! لذا نفرح كثريًا بال�صوت واملوقف ال�سعودي امل�س�ؤول يف طرحه وتناوله ملختلف ق�ضايا املنطقة ،وقدرته على �إدارة ال�صراع والأزم��ات وفق ر�ؤية حتفظ للكل حقوقه ،وال ت�ضع طرفًا يف �صراع� ،أو يف هزمية وتبعية ،مع طرف �آخر.
مدير مكتب مدير عام املعهد ملراسلة اجمللة على العنوان الربيدي التايل
معهد الدرا�سات الدبلوما�سية اململكة العربية ال�سعودية �ص.ب 51988الريا�ض 11553 هاتف 2199500 :حتويلة 9532 / 9599 فاك�س 2011186 :
الناشر
اآلراء واملعلومات تنشر على مسؤولية أصحابها وال تعكس بالضرورة وجهة نظر وزارة اخلارجية أو املعهد
املدير العام تغريد بنت إبراهيم الطاسان ص .ب 501الرياض 11421المملكة العربية السعودية هاتف+966 11 419 3003 :
فاكس+966 11 419 6009 :
ردمك 9131- 8503 : NSSIرقم الإيداع 15/0187
04 �شارك وزير اخلارجية الأ�ستاذ عادل بن �أحمد اجلبري يف ال��دورة ال�سبعني للجمعية العامة للأمم املتحدة التي ر�أ�س وفد اململكة �إليها يف الأول من �شهر �أكتوبر اجل��اري يف نيويورك ،بح�ضور عدد من قادة الدول وكبار امل�س�ؤولني ومندوبي الدول الأع�ضاء.
44 قد ي�صبح الإن�سان الآيل ال��ذي ي�شبه الب�شر يف مظهره و�سلوكه م�شهدًا معتادًا يف امل�ستقبل القريب، وه��و ما يثري ت�سا�ؤالت مهمة ح��ول و�ضع تلك الآالت و»حقوقها» ودورها يف املجتمع.
�أفرز الن�صف الثاين من القرن املا�ضي ومطلع ال��ق��رن احل��ايل �سمات ج��دي��دة على امل�ستوى ال�سيا�سي والع�سكري واال�سرتاتيجي، ال �سيما بعد انهيار املع�سكر ال�شرقي ،فمع �سقوط االحتاد ال�سوفييتي وما تاله من نهاية احل��رب الباردة وغياب مناف�س عنيد ،خال اجل��و ل��ل��والي��ات املتحدة الأمريكية لتب�سط هيمنتها على ال�ش�ؤون العاملية.
34
62تعودنا �أن يقوم الفنانون ال�سينمائيون بتج�سيد �شخ�صيات الر�ؤ�ساء والزعماء وال�سا�سة الذين تركوا ب�صمة قوية يف ت��اري��خ ب�لاده��م ،ول��ك��ن ه��ذه امل���رة ك�سر الزعيم املاليزي ال�سابق مهاتري حممد القاعدة وقرر �أن يج�سد دورًا ثانويًا يف فيلم �سينمائي.
14
تعقد يف مدينة الريا�ض يومي 29 - 28حمرم 1437ه��ـ ،املوافق 11 - 10 نوفمرب 2015القمة الرابعة للدول العربية ودول �أمريكا اجلنوبية )ASPA(.وكان قد عقدت القمة الأولى يف الربازيل يف �شهر مايو ،2005والثانية يف قطر يف مار�س ،2009والثالثة يف بريو يف �أكتوبر .2013
في هذا العدد أخبار
4
دوليات
16
مصطلحات
20
الحدث
22
سياسة
34
إرهاب
38
تقنية
44
تاريخ
46
فنون
62
األخيرة
64
كلمة المملكة في الدورة 70للجمعية العامة لألمم المتحدة..
وزير الخارجية :األمن والسلم الدوليان ال يتحققان إال بالعدالة والمساواة أخبار 4
الدبلوماسي خاص-طالبت اململكة العربية ال�سعودية بوقف العمليات الع�سكرية ال��ت��ي ق��ام��ت بها القوات الرو�سية يف املدينتني ال�سوريتني «حماة» و»حم�ص» وخلفت العديد من ال�ضحايا الأب��ري��اء ،يف حني �أك��دت �أن حماوالت الهيمنة والتدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية للدول و�إذك��اء النزعات الطائفية م��ث��ل م���ا ت��ف��ع��ل��ه �إي������ران يف ال��ع��دي��د م��ن دول املنطقة، هي ممار�سات �أثبت التاريخ م�أ�ساويتها و�أظ��ه��ر احلا�ضر �إخفاقها.
�شارك وزي��ر اخلارجية الأ�ستاذ ع��ادل بن �أحمد اجلبري يف الدورة ال�سبعني للجمعية العامة للأمم املتحدة التي ر�أ���س وفد اململكة �إليها يف الأول من �شهر �أكتوبر اجل��اري يف نيويورك، بح�ضور عدد من قادة ال��دول وكبار امل�س�ؤولني ومندوبي الدول الأع�ضاء. و�أكد اجلبري يف كلمة اململكة �أمام االجتماع، �أن احل��ف��اظ على الأم���ن وال�سلم ال��دول��ي�ين ال ميكن الو�صول �إليه �إال بتحقيق العدالة وامل�ساواة لل�شعوب وال����دول ،واح��ت�رام م��ب��ادئ و�أح��ك��ام القانون الدويل ،م�شددًا على حر�ص اململكة على حتقيق مقا�صد ميثاق الأمم املتحدة يف احلفاظ على �أم��ن و�سالمة �شعوب العامل ،و�أنها كانت وما زالت -يف طليعة ال��دول الداعمة جلعلال�شرق الأو���س��ط منطقة خالية م��ن الأ�سلحة
النووية وكافة �أ�سلحة الدمار ال�شامل. وقال وزير اخلارجية� :إننا جنتمع اليوم بعد م�ضي 70عامًا على �إن�شاء منظمتنا ،ون�ستذكر �سويًا �أهداف ومبادئ ميثاق الأمم املتحدة الذي كانت اململكة �إح��دى ال��دول املوقعة وامل�ؤ�س�سة له يف ع��ام 1945م ،وجميعنا ي��درك �أن الأم��م املتحدة ق��د خ��رج��ت �إل���ى ال��وج��ود على خلفية حربني عامليتني كانت لهما كلفة مادية وب�شرية باهظة ،مبا يكفي ليجعلنا على قناعة ب�أهمية االلتزام مببادئ وثيقتنا التي تهدف يف الأ�سا�س لتحقيق �أمن وا�ستقرار عاملنا ،ومنع �أي حروب و�صراعات مدمرة جديدة. و�أ����ض���اف اجل��ب�ير �أن �أه����م م���ا ي��ج��ب �أن ن�ستذكره هنا ه��و ه��دف احل��ف��اظ على الأم��ن وال�سلم الدوليني ،الذي ال ميكن �أن ن�صل �إليه
�إال بتحقيق العدالة وامل�ساواة ل�شعوبنا ودولنا واح��ت�رام م��ب��ادئ و�أح���ك���ام ال��ق��ان��ون ال���دويل، بخا�صة مبد�أ احرتام �سيادة الدول الذي و�ضعت قواعدها معاهدة و�ستفاليا لعام 1648م التي �أقرت ا�ستقالل و�سيادة ال��دول ،وو�ضعت �أ�س�س النظام الدويل املعا�صر. و�أو����ض���ح وزي����ر اخل��ارج��ي��ة �أن الق�ضية الفل�سطينية ت�شكل بندً ا دائمًا يف جدول �أعمال اجلمعية العامة للأمم املتحدة ،رغم كل الأفكار وامل��ب��ادرات التي جرى طرحها حتى الآن ،مما ترتب عليه ا�ستمرار معاناة ال�شعب الفل�سطيني، الذي ما زال حمرومًا من حقه يف العي�ش بكرامة، يف حتدٍ �سافر ملبادئ القانون الدويل وقرارات ال�شرعية الدولية. و�أ�شار اجلبري �إلى �أننا اليوم يف �أم�س احلاجة
ال سبيل إلنهاء األزمة السورية إال من خالل إعالن جنيف 1
عرب املنظمات الإغاثية الدولية .كما �أمر خادم احلرمني ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز بت�صحيح �أو�ضاع اليمنيني املوجودين يف اململكة ب�شكل غ�ير ق���ان���وين ،لتمكينهم م��ن ال��ع��م��ل، واال�ستفادة من الرعاية الطبية والتعليمية. ولفت وزير اخلارجية �إلى �أنه انطالقًا من حر�ص اململكة على حتقيق مقا�صد ميثاق الأمم املتحدة يف احلفاظ على �أم��ن و�سالمة �شعوب العامل ،فقد كانت -وما زالت -يف طليعة الدول الداعمة جلعل ال�شرق الأو�سط منطقة خالية من الأ�سلحة النووية وكافة �أ�سلحة الدمار ال�شامل، وهذا ما دفع بها �إلى الرتحيب ب�أي جهد يحقق هذا الهدف ،مبا يف ذلك االتفاق الذي تو�صلت �إل��ي��ه جم��م��وع��ة ( )1+5م��ع ج��م��ه��وري��ة �إي���ران الإ�سالمية ،الذي مينع �إيران من احل�صول على ال�سالح النووي. و�أ���ض��اف اجل��ب�ير �أن��ن��ا ن���أم��ل بعد التو�صل لهذا االت��ف��اق� ،أن تتخلى �إي��ران عن تدخالتها ال�سلبية يف �ش�ؤون الدول العربية ،التي �سنت�صدى لها بحزم .ويف نف�س الوقت ف���إن اململكة ت�ؤكد حر�صها على ال�سعي لبناء �أف�ضل العالقات مع �إي��ران واملبنية على ح�سن اجل��وار ،واالح�ترام املتبادل ،وعدم التدخل يف �ش�ؤون دول املنطقة. ويف هذا ال�صدد جتدد اململكة مطالبتها لإيران ب�إنهاء احتاللها للجزر الثالث التابعة لدولة الإمارات العربية املتحدة ال�شقيقة.
العدد
81
المملكة ما زالت في طليعة الدول الداعمة لجعل الشرق األوسط منطقة خالية من األسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل
أكتوبر -نوفمبر 2015م
لإيجاد حل للنزاع العربي الإ�سرائيلي ،ي�ستند �إلى قرارات جمل�س الأمن ومبادرة ال�سالم العربية التي تقدمت بها اململكة قبل �أك�ثر م��ن ثالثة ع�شر عامًا ،وتبناها العاملان العربي والإ�سالمي، وحظيت بت�أييد وا�سع من املجتمع الدويل ،وذلك للو�صول �إلى �إقامة الدولة الفل�سطينية امل�ستقلة وعا�صمتها القد�س ال�شريف. و�شدد وزير اخلارجية على �أنه ال بد لنا يف هذا املجال من جتديد ا�ستنكارنا لالنتهاكات الإ�سرائيلية امل�ستمرة حلرمة امل�سجد الأق�صى ال�شريف ،يف �سيا�سات تهدف �إلى تق�سيمه زمانيًا ومكانيًا ،الأمر الذي ي�شكل ت�صعيدً ا خطريًا يف النزاع ،ويغذي العنف والتطرف يف العامل. ولفت اجلبري �إلى �أن الأزمة ال�سورية تدخل عامها اخلام�س ،وما زال املجتمع الدويل عاجزًا عن اتخاذ ال��ق��رارات احلا�سمة لإنقاذ ال�شعب ال�سوري من �آلة القتل والتدمري والتهجري التي ي�ستخدمها ب�شار الأ�سد ،التي �أدت �إلى قتل �أكرث من ثالثمائة �ألف ،وت�شريد �أكرث من 12مليون �سوري ،وتدمري البالد يف �أك�بر كارثة �إن�سانية �شهدها تاريخنا املعا�صر. و�أ�ضاف وزير اخلارجية �أننا نرى �أنه ال �سبيل لإنهاء هذه الأزمة �إال من خالل حل �سيا�سي ،يقوم على �إعالن (جنيف )1الرامي �إلى احلفاظ على وحدة �سوريا الوطنية والإقليمية ،واحلفاظ على م�ؤ�س�سات الدولة املدنية والع�سكرية ،وت�شكيل جمل�س انتقايل للحكم ،ال مكان فيه لب�شار الأ�سد �أو من تلطخت �أيديهم بدماء ال�شعب ال�سوري، الفتًا �إلى �أن اململكة �ست�ستمر يف الدفع نحو هذا احلل ،كما �أنها �ستظل يف مقدمة الدول الداعمة لل�شعب ال�سوري لتلبية احتياجاته الإن�سانية والتخفيف من معاناته. وب�ي�ن اجل��ب�ير �أن ق����وات ال��ت��ح��ال��ف لدعم ال�شرعية يف اليمن حققت �إجن��ازات كبرية يف حت��ري��ر مناطق ع��دي��دة م��ن قب�ضة املتمردين ومنها مدينة عدن مما �سمح للحكومة ال�شرعية �أن تعود �إلى اليمن ،و�آخر هذه الإجنازات �إحكام ال�سيطرة على باب املندب ،الذي ي�ضمن حرية املالحة الدولية. و���ش��دد وزي���ر اخل��ارج��ي��ة ع��ل��ى �أن اخل��ي��ار
الع�سكري كان �آخر خيار للمملكة ودول التحالف وج����اء ب��ع��د االن���ق�ل�اب ال����ذي ق��ام��ت ب��ه ق��وات (احل��وث��ي � -صالح) ،وا�ستيالئها على البالد وح�صارها لق�صر الرئا�سة يف ع��دن ،وتهديد الرئي�س ال�شرعي� ،إذ ج��اء التدخل الع�سكري بنا ًء على طلب من احلكومة ال�شرعية يف اليمن مبوجب املادة ( )51من ميثاق الأمم املتحدة. و�أو�����ض����ح اجل���ب�ي�ر �أن ه����دف ال��ع��م��ل��ي��ات الع�سكرية يف اليمن هو احلد من خطر امللي�شيات وحماية حدودنا ،و�إيجاد حل �سيا�سي مبني على املبادرة اخلليجية ،وخمرجات احلوار الوطني، وقرار جمل�س الأمن رقم ،2216ومع �إقرارنا ب�أن احلوثيني ي�شكلون جزءًا من الن�سيج االجتماعي يف اليمن� ،إال �أن ذلك ال يعطيهم احلق يف و�ضع مميز �أو امتالك ملي�شيات خ��ارج �إط��ار الدولة اليمنية وع��ل��ى ح�ساب بقية م��ك��ون��ات ال�شعب اليمني. و�أ�شار وزير اخلارجية �إلى �أن هناك �أطرافًا حتاول ت�صعيد الأزمة يف اليمن عرب التحري�ض وحم��اول��ة تهريب ال�����س�لاح للمتمردين ،فعلى �سبيل املثال يف يوم ال�سبت � 26سبتمرب 2015م مت �إيقاف باخرة �إيرانية مبوجب �آلية التفتي�ش املن�صو�ص عليها يف قرار جمل�س الأمن ()2216 حمملة بال�سالح متجهة للمتمردين ،م�شريًا �إلى �أن هذه لي�ست احلالة الوحيدة لتهريب ال�سالح للمتمردين من قبل �إيران. و�أفاد اجلبري ب�أن اململكة ودول التحالف تقوم يف الوقت احلايل بتكثيف التن�سيق مع املنظمات الدولية من �أج��ل تقدمي و�إي�صال امل�ساعدات الإن�سانية لليمن ،وي��ق��وم مركز امللك �سلمان للإغاثة والأعمال الإن�سانية بدور كبري يف تقدمي امل�ساعدات لل�شعب اليمني ال�شقيق مبا�شرة� ،أو
5
أخبار 6
وق���ال وزي���ر اخل��ارج��ي��ة �إن �أه���م م��ا يجب الت�أكيد عليه يف �سياق مواجهتنا لتحدي الإرهاب وال��ت��ط��رف ،ه��و �إدراك �أن لي�س هناك م��ن هو بعيد عن نتائج هذه الظاهرة اخلطرية التي ال يجب ربطها بدين �أو ثقافة �أو عرق معني ،فكلنا هدف له وجميعنا عر�ضة ملخاطره ،م�شريًا �إلى �أن اململكة العربية ال�سعودية من ال��دول التي ا�ستهدف الإرهاب �أرا�ضيها ومواطنيها ،وال تزال يف مواجهة م�ستمرة معه ،وت�ؤكد ت�صميمها على اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها. و���ش��دد اجلبري على �أن اململكة يف مقدمة الدول التي تكافح الإره��اب من جوانبه الأمنية والفكرية كافة وجتفيف م��وارده املالية .وقال «�إننا ويف ه��ذا ال�صدد ن�ستنكر ب�شده حماولة الإرهابيني �إل�صاق جرائمهم بالإ�سالم ،بينما يدعو الإ�سالم �إل��ى املحبة وال�سالم والت�سامح واالعتدال». و�أو�ضح وزير اخلارجية �أن اململكة العربية ال�سعودية ت��ويل �أهمية ك�برى لق�ضايا التنمية ودعم جهودها يف الدول النامية ،م�شريًا �إلى �أن جناح عملية التنمية مرهون باحرتام املجتمع ال��دويل للخ�صو�صية التاريخية والإرث الديني وال��ث��ق��ايف ال�سائد يف ال��ب��ل��دان املختلفة ،وه��ذا يعني �أن حتقيق التنمية امل�ستدامة ال بد �أن يكون مرتبطً ا بالأهداف اخلا�صة لكل دولة وم�ستوى منوها ونه�ضتها الراهنة ،وهذا ما حدا باململكة للحر�ص على �أن ي��ك��ون لها م�ساهمة فاعلة ومبا�شرة يف �صياغة وبلورة الأه��داف الإمنائية للألفية. و�شدد وزي��ر اخلارجية على �أن املتغريات يف عاملنا املعا�صر ،والتحديات التي نواجهها �أمنيًا واقت�صاديًا وفكريًا وبيئيًا و�صحيًا وغريها تفر�ض علينا تعزيز دور الأم��م املتحدة وتفعيل م�ؤ�س�ساتها ،وال��دف��ع ب��اجل��ه��ود ال��رام��ي��ة �إل��ى �إ�صالح منظمتنا الدولية ،مبا ميكنها من مواكبة امل�ستجدات على ال�ساحة الدولية. وع��ل��ى ه��ام�����ش �أع���م���ال ال�����دورة ال�سبعني الجتماعات اجلمعية العامة ل�ل�أم��م املتحدة بنيويورك ،عقد وزراء اخلارجية العرب اجتماعا تن�سيقيًا ل��ت��دار���س الق�ضايا والتحديات التي تواجه الدول العربية ،لتوجيه املواقف حيال �أبرز
الق�ضايا واملو�ضوعات العربية املطروحة على �أجندة الأمم املتحدة يف دورتها احلالية. و�شارك يف االجتماع وزير اخلارجية عادل بن �أحمد اجلبري ،والأم�ي�ر الدكتور تركي بن حممد وكيل وزارة اخلارجية للعالقات املتعددة الأط��راف ،ومندوب اململكة لدى الأمم املتحدة عبداهلل املعلمي والوفد املرافق. وج���دد وزراء اخل��ارج��ي��ة ال��ع��رب وقوفهم �إل��ى جانب اململكة ورف�ضهم ا�ستغالل بع�ض ال��دول الإقليمية حل��ادث التدافع ال��ذي وق��ع يف م�شعر منى حلجاج بيت اهلل احلرام وا�ستغالله لأغرا�ض �سيا�سية. كما جدد وزراء اخلارجية دعمهم للجهود التي تقوم بها اململكة مل�ساعدة ال�شعب اليمني ودع��م �شرعية الرئي�س عبدربه من�صور هادي لإعادة الأمن واال�ستقرار يف البالد و�إنهاء معاناة ال�شعب اليمني. وا�ستعر�ض وزراء خارجية ال��دول العربية الق�ضايا املطروحة على �أجندة املنظمة الدولية يف دورت��ه��ا ال�سبعني ،داع�ين لتغري �آلية العمل لتتواكب م��ع التغريات التي ت�شهدها الأ���س��رة الدولية. كما ناق�ش الوزراء االعتداءات الإ�سرائيلية على املقد�سات الإ�سالمية يف القد�س ال�شرقية، م�ؤكدين على �ضرورة تعزيز احل�ضور العربي على ال�ساحة ال��دول��ي��ة ،ومم��ار���س��ة امل��زي��د من ال�ضغط على احلكومة الإ�سرائيلية الح�ترام قرارات ال�شرعية الدولية. كما �أكد وزراء اخلارجية العرب على �ضرورة دع��م ال�شعب ال�����س��وري وت�سريع التحرك على ال�ساحة العاملية لإنهاء معاناته ووقف عمليات الإبادة اجلماعية التي يتعر�ض لها. ويف �سياق مت�صل ،عقد وزراء خارجية ال�سعودية وال��والي��ات املتحدة و�أملانيا وفرن�سا والأردن وتركيا وبريطانيا ،اجتماعً ا لبحث ت��داع��ي��ات الأزم������ة ال�����س��وري��ة ،وج����رى خ�لال االجتماع بحث الأزمة ال�سورية من كافة جوانبها وم�ستجداتها على ال�ساحة الدولية. �إل��ى ذل��ك �شارك وزي��ر اخلارجية الأ�ستاذ ع���ادل ب��ن �أح��م��د اجل��ب�ير يف اج��ت��م��اع اللجنة الرباعية الدولية املنعقد على هام�ش اجتماعات
هناك أطراف تسعى لتصعيد األزمة في اليمن من خالل التحريض وتهريب األسلحة للمتمردين اجلمعية العامة للأمم املتحدة يف نيويورك . من جهة �أخرى ،وعلى هام�ش �أعمال الدورة ال�سبعني الجتماعات اجلمعية العامة للأمم املتحدة ،التقى وزير اخلارجية الأ�ستاذ عادل بن �أحمد اجلبري مبقر الأم��م املتحدة يف نيويورك ك ًال من وزير اخلارجية الأمريكي جون كريي، ووزي����رة خ��ارج��ي��ة ف��ن��زوي�لا ديل�سي رودري��غ��ي��ز جوميز ،ووزير اخلارجية الأفغاين �صالح الدين رباين ،ووزير اخلارجية الألباين ديتمري بو�شاتي. �إ���ض��اف��ة �إل���ى وزي���ر اخل��ارج��ي��ة الإ���س��ب��اين خو�سيه مانويل غار�سيا مارغالو ،ووزير خارجية نيوزيلندا م���وراي م��اك��ويل ،ورئي�س االئتالف الوطني ال�سوري خالد خوجة ،ووزير اخلارجية ال�����س��وداين �إب��راه��ي��م غ��ن��دور ،ورئي�س الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا �أمانو ،واملفو�ضة العليا لل�سيا�سة اخلارجية يف االحت��اد الأوروب��ي فيديريكا م��وغ�يري��ن��ي ،والأم��ي�ن ال��ع��ام للأمم املتحدة بان كي مون ،ووزير اخلارجية الفرن�سي لوران فابيو�س ،ووزير اخلارجية التون�سي الطيب البكو�ش. كما التقى اجلبري وزير اخلارجية ال�صومايل عبدال�سالم بن عمر ،ووزير اخلارجية العراقي �إبراهيم اجلعفري ،ووزير خارجية موري�شيو�س �سينا�ساينا�سد ���س��ب��ال��وك ،ووزي����ر اخل��ارج��ي��ة امل�صري �سامح �شكري ،وال�شيخ خالد بن �أحمد اخلليفة وزير اخلارجية البحريني. وجرى خالل هذه اللقاءات بحث العالقات الثنائية والق�ضايا الإقليمية والدولية ،بالإ�ضافة �إل��ى املو�ضوعات امل��درج��ة على ج��دول �أعمال اجلمعية العامة للأمم املتحدة.
خالل الحوار التفاعلي الذي عقده مجلس حقوق اإلنسان
المملكة تدين استمرار المجتمع الدولي في التجاهل التام لحياة السوريين
العدد
81
�أدانت اململكة العربية ال�سعودية ا�ستمرار التدهور اخلطري حلقوق الإن�سان يف �سوريا، معربة ع��ن ا�ستيائها م��ن ج���راء ا�ستمرار املجتمع ال���دويل يف التجاهل ال��ت��ام حلياة ال�سوريني التي ا�ستباحها نظام ب�شار الأ�سد وعجزه عن �صونها وحمايتها. وقال �سفري اململكة يف الأمم املتحدة يف جنيف ال�سفري في�صل ط��راد خ�لال احل��وار التفاعلي الذي عقده جمل�س حقوق الإن�سان يف دورته الثالثني مع اللجنة الدولية للتحقيق يف االن��ت��ه��اك��ات اجل�سيمة حل��ق��وق الإن�سان يف ���س��وري��ا ي���وم � 21سبتمرب امل��ا���ض��ي� ،إن اململكة اطلعت على تقرير اللجنة و�إحاطتها للمجل�س حول االنتهاكات امل�ستمرة واملتجددة واملمنهجة حلالة حقوق الإن�سان يف �سوريا احلزينة اجلريحة . و�أو�ضح ال�سفري في�صل طراد �أن اململكة ب��ذل��ت م��ا �أم��ك��ن م��ن خ�ل�ال جمل�س حقوق الإن�سان ب�صفتها ع�ضوًا فيه لإدان��ة وجترمي النظام ال�سوري ،ومت �إن�شاء اللجنة الدولية للتحقيق ال��ت��ي م�ضى ع��ل��ى عملها خم�س �سنوات ،وه��ي تقدم الدليل تلو الآخ���ر عن انتهاكات نظام الأ�سد و�أع��وان��ه وارتكابهم جلرائم حرب مل ي�شهدها الع�صر احلديث من قبل . وت�ساءل ال�سفري طراد :هل قتل ما يقارب من � 350ألف مواطن �سوري وت�شريد حوايل 8 ماليني وجلوء �أكرث من �أربعة ماليني وتدمري ح�ضارة يعود تاريخها لآالف ال�سنوات ،غري كافية لتحمل املجتمع الدويل وعلى الأخ�ص جمل�س الأمن م�س�ؤوليته بكل �شجاعة لإنقاذ
م��ا تبقى م��ن ال�شعب ال�����س��وري ال�شقيق ال��ذي يتعر�ض وب�شهادة اجلميع لإب��ادة جماعية من نظام ب�شار الأ�سد؟ و�أ�شار �سفري اململكة يف الأمم املتحدة �إلى �أن هذا ال�صمت الدويل ،قد جعل النظام يتمادى من خالل دعمه للإرهاب وجتنيده للإرهابيني من جميع دول العامل ،ف�أوجد «داع�ش» تربيرًا لأكاذيبه مبحاربة الإره���اب ،و�أ�صبح االثنان وجهني لعملة واح��دة ،عنوانها القتل والدمار واملتاجرة بال�شعب ال�سوري ،والدين والإ�سالم من االثنني براء . و�أ���ض��اف ال�سفري ط��راد �أن ال��ع��امل �أ�صبح يواجه اليوم �أزم��ة الجئني �سوريني ت�سبب فيها الأ�سد ونظامه� ،إذ مل يكن �أم��ام بقية ال�شعب ال�سوري ال��ذي مل يجد الأم���ان يف موطنه� ،إال الهروب من براثن الوح�شية واال�ستبداد �إلى م�صري م�����ش���ؤوم ،حتى لفظت �سواحل البحر الأبي�ض املتو�سط بع�ض �أج�سادهم يف مناظر هزت م�شاعر الوجدان العاملي. و�أكد ال�سفري طراد �إدانة اململكة وا�ستنكارها ب���أ���ش��د ال���ع���ب���ارات ج��م��ي��ع ه����ذه االن��ت��ه��اك��ات وال��ت��ج��اوزات ،و�آخ��ره��ا مذبحة ���س��وق منطقة «دوما» التي نتج عنها مقتل املئات ،مما يجعلها واحدة من �أدمى الهجمات يف احلرب امل�ستمرة منذ �أرب��ع �سنوات� ,إ�ضافة �إل��ى اال�ستمرار يف ا�ستخدام م��واد كيميائية �سامة يف الهجمات التي �شنها بالرباميل املتفجرة يف حمافظة �إدلب خالل �شهري �أبريل ومايو املا�ضيني. ولفت �سفري اململكة يف الأم��م املتحدة �إلى �أن اململكة ومنذ اليوم الأول لبدء معاناة ال�شعب ال�سوري ال�شقيق فتحت �أبوابها ال�ستقبالهم
و�إيوائهم ،ولكن لي�س يف خميمات لالجئني �أو م��راك��ز �إي���واء للفارين� ،إذ تعاملت مع هذا املو�ضوع من منطلقات دينية و�إن�سانية بحتة ،حفاظً ا على كرامتهم و�سالمتهم، فا�ستقبلت امل��م��ل��ك��ة م��ا ي��ق��ارب مليونني ون�صف م��واط��ن ���س��وري منذ ب��دء الأزم���ة ومنحتهم حرية احلركة التامة ،ومنحت مل��ن �أراد ال��ب��ق��اء منهم يف اململكة ،وهم يبلغون مئات الألوف ،كل الت�سهيالت ،بكل م��ا ي�ترت��ب عليها م��ن ح��ق��وق يف الرعاية ال�صحية املجانية واالنخراط يف �سوق العمل والتعليم� ،إذ يوجد حاليًا �أكرث من � 100ألف طالب �سوري على مقاعد الدرا�سة املجانية. وبني ال�سفري طراد �أن احلل ال�سيا�سي للأزمة ال�سورية والقائم على مبادئ جنيف 1بت�شكيل هيئة حكم انتقالية ،واحلفاظ على وح���دة ���س��وري��ا الوطنية والإقليمية، واحلفاظ على م�ؤ�س�سات الدولة ال�سورية امل��دن��ي��ة والع�سكرية لتمكينها م��ن �إدارة ���ش���ؤون ال��ب�لاد ،ل��ن يكتب ل��ه ال��ن��ج��اح �إال برحيل ب�شار الأ���س��د وع��دم �شموله يف �أي ترتيبات م�ستقبلية ،وان�سحاب جميع القوات الأجنبية مبا فيها حزب اهلل ،وتوقف �إيران ع��ن التدخل يف ال�����ش���ؤون الداخلية ب��دول املنطقة. و�شدد �سفري اململكة يف الأم��م املتحدة على �أهمية دعم تو�صيات اللجنة الدولية للتحقيق لتقدمي ب�شار الأ�سد وبقية �أعوانه �إل���ى امل��ح��اك��م��ة لإ����ص���دار ال��ع��ق��وب��ات التي ي�ستحقونها ل��ق��اء ج��رائ��م احل����رب التي اقرتفوها و�ضمان عدم �إفالتهم من العقاب.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
-الدبلوماسي خاص-
7
أمام قمة التنمية المستدامة..
المملكة تؤكد حرصها على تحقيق التنمية المستدامة وتبني الرؤى الدولية -الدبلوماسي خاص-
أخبار 8
�شددت اململكة العربية ال�سعودية على حر�صها على حتقيق التنمية امل�ستدامة وتبني الر�ؤى الدولية يف هذا املجال ،مو�ضحة �صعوبة حتقيق ذلك لل�شعوب التي تعاين من االح��ت�لال ،م���ؤك��دة على احتفاظها بحقها ال�سيادي الكامل يف التحفظ على تنفيذ �أي تو�صيات تتعار�ض مع مبادئ ديننا الإ�سالمي وت�شريعاتنا. وق��ال وزي��ر اخلارجية ع��ادل ب��ن �أحمد اجلبري يف كلمة اململكة التي �ألقاها �أم��ام القمة العاملية الأل��ف��ي��ة للتنمية امل�ستدامة مل��ا بعد ع��ام 2015م� ،ضمن �أع��م��ال ال��دورة ال�سبعني للجمعية العامة للأمم املتحدة التي عقدت يف نيويورك يف الثامن والع�شرين من �سبتمرب املا�ضي� ،إننا جنتمع اليوم بعد اعتماد بيان “حتويل عاملنا :خطة التنمية امل�ستدامة لعام 2030م”� ،أهداف التنمية امل�ستدامة ملا بعد عام 2015م ،وذل��ك ا�ستمرارًا للتجربة ال��ت��ي م��ار���س��ن��اه��ا م��عً��ا يف ال�����س��ع��ي لتحقيق الأه���داف الإمنائية للألفية من ع��ام 2000 وحتى نهاية العام احلايل ،يف حتالف �إيجابي بني احلكومات وم�ؤ�س�سات املجتمع امل��دين، واجلهات الدولية ذات العالقة ،ملكافحة الفقر واملر�ض واجلوع ،يف عمل جماعي وتعاون دويل فعال. و�أ�ضاف اجلبري �أن اململكة حر�صت على تبني الر�ؤى الدولية يف هذا املجال ،مبا يتوافق مع ثوابتها وقيمها واهتمامها البالغ نحو بلوغ الأهداف التنموية للألفية ،و�سارت على هذا النهج منذ انطالقها يف عام 2000م ،و�صو ًال �إل���ى عهد خ���ادم احل��رم�ين ال�شريفني امللك �سلمان بن عبدالعزيز �آل �سعود ،حفظه اهلل. و�أو���ض��ح وزي��ر اخلارجية �أن��ه يت�ضح من
متابعة تنفيذ الأه���داف التنموية للألفية، �أن اململكة ق��د جت���اوزت ال�سقوف املعتمدة لإجنازها ،وقبل املواعيد املقرتحة لها ،حتى �إنها متكنت من االن�ضمام �إلى قائمة الدول ذات م�ؤ�شر التنمية املرتفعة ،كما ان�ضمت �إلى قائمة �أكرب 20دولة مانحة للم�ساعدات الإمنائية يف العامل� ،إذ احتلت العام املا�ضي املرتبة ال�ساد�سة وف��قً��ا لإح�����ص��اءات الأم��م املتحدة. و�أ�شار اجلبري �إلى �أن �أهمية هذا امل�ؤمتر ت�أتي يف البحث عن ال��درو���س امل�ستفادة من التجارب ال�سابقة للأهداف الألفية ،واملعوقات الأ�سا�سية �أم���ام حتقيق التنمية امل�ستدامة (االجتماعية واالقت�صادية والبيئية) لتحقيق الأهداف التنموية ملا بعد عام 2015م. و�أك��د وزير اخلارجية �أن حتقيق التنمية امل�ستدامة يظل �أم����رًا يف غ��اي��ة ال�صعوبة، لل�شعوب التي تعاين من االحتالل� ،إذ �إن��ه ال تنمية مع االحتالل ،وعليه ف�إنه من ال�ضروري الت�أكيد على التزام املجتمع الدويل مبا تعهد به خالل امل�ؤمترات والقمم ال�سابقة واملعنية بالتنمية امل�ستدامة والتنمية ال�شاملة ،والعمل
على �إزال��ة املعوقات �أم��ام ال�شعوب املحتلة، وبخا�صة االح��ت�لال الإ���س��رائ��ي��ل��ي لفل�سطني والأرا�ضي العربية املحتلة. و�أ����ض���اف اجل��ب�ير �أن امل��م��ل��ك��ة العربية ال�سعودية وهي ت�شارك يف هذه القمة وتتوافق م��ع خمرجاتها و�أه��داف��ه��ا ،ال ب��د �أن تو�ضح موقفها حيال بع�ض الفقرات الواردة يف هذا البيان ،التي ميكن �أن تف�سر ب�شكل يتعار�ض �أو يخالف تعاليم و�أحكام ال�شريعة الإ�سالمية، وه��ن��ا ن���ود ال��ت���أك��ي��د ع��ل��ى �أن الإ����ش���ارة �إل��ى “اجلن�س” يف الن�ص يعني بدقة “الذكر” �أو “الأنثى” ،و�أن الإ�شارة �إلى العائلة يف الن�ص تعني الأ�سرة التي تقوم على الزواج بني الرجل وامل���ر�أة ،ويف حالة خ��روج ه��ذه امل�صطلحات عن مقا�صدها ،ف�إن بالدي ت�ؤكد على حقها ال�سيادي الكامل يف التحفظ على تنفيذ �أي تو�صيات تتعار�ض مع مبادئ ديننا الإ�سالمي وت�شريعاتنا. و�أع��رب وزي��ر اخلارجية عن التطلع �إلى حتقيق �أه���داف خطة التنمية امل�ستدامة ملا بعد عام 2015م ،و�إجناز كل ما يعود باخلري والرفاه على عاملنا والب�شرية جمعاء.
خالل اجتماع قمة مكافحة تنظيم «داعش» اإلرهابي والتطرف العنيف
العدد
81
�شددت اململكة العربية ال�سعودية على ت�صميمها على اجتثاث ظاهرة الإره��اب من جذورها والق�ضاء على م�صادرها وم�سبباتها بغ�ض النظر عن دوافعها �أو هوية مرتكبيها، م�ؤكدة �أنها من الدول التي ا�ستهدف الإرهاب �أرا�ضيها ومواطنيها ،مبينة �أنه لي�س هناك م��ن ه��و مب��ن���أى ع��ن ن��ت��ائ��ج ه���ذه ال��ظ��اه��رة اخلطرية التي ال يجب ربطها بدين �أو ثقافة �أو عرق معني. ودعت اململكة يف كلمتها التي �ألقاها وزير اخلارجية الأ�ستاذ ع��ادل بن �أحمد اجلبري �أم��ام اجتماع قمة مكافحة تنظيم «داع�ش» الإره��اب��ي وال��ت��ط��رف العنيف التي تر�أ�سها الرئي�س باراك �أوباما رئي�س الواليات املتحدة الأمريكية يف مقر الأمم املتحدة يف نيويورك يف ال��ت��ا���س��ع وال��ع�����ش��ري��ن م��ن �شهر �سبتمرب املا�ضي ،جميع دول العامل �إلى تقدمي الدعم ال�ل�ازم ملركز مكافحة الإره���اب والتطرف العنيف الذي �أن�شئ بجهود كبرية من اململكة، ب��دءًا من طرح فكرته ومن ثم �إن�شائه ودعم ميزانيته حتت مظلة الأمم املتحدة. و�أ����ض���اف وزي���ر اخل��ارج��ي��ة �أن اململكة العربية ال�سعودية انطالقًا من �إميانها ب�أهمية تكاتف املجتمع الدويل يف الت�صدي للإرهاب وال��ت��ط��رف ت�����س��ه��م ب��ك��ل ف��ع��ال��ي��ة يف جميع جمموعات العمل التي انبثقت عن التحالف، وجميع اجل��ه��ود ال��دول��ي��ة الأخ����رى ملكافحة الإره��اب والتطرف العنيف مبختلف �أ�شكاله وم��ظ��اه��ره و�أيً���ا ك��ان��ت �أغ��را���ض��ه؛ ك��ون��ه يعد من �أ�شد الأخطار التي تهدد ال�سلم والأم��ن الدوليني. و�أو�ضح اجلبري �أن �أهم ما يجب الت�أكيد
عليه ون��ح��ن ن�ستعر�ض م��و���ض��وع الإره����اب والتطرف� ،أن ن��درك منذ البداية �أن لي�س هناك من هو مبن�أى عن نتائج هذه الظاهرة اخلطرية التي ال يجب ربطها بدين �أو ثقافة �أو عرق معني .فكلنا هدف له وجميعنا عر�ضة ملخاطره. ول��ف��ت وزي���ر اخل��ارج��ي��ة �إل���ى �أن اململكة العربية ال�سعودية من ال��دول التي ا�ستهدف الإره���اب �أرا�ضيها ومواطنيها ،وال ت��زال يف مواجهة م�ستمرة معه ،م�ؤكدً ا الت�صميم على اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها ،ومبينًا �أن ال�سعودية بذلت جهودًا مكثفة لي�س فقط ملواجهة الإرهاب ،بل والق�ضاء على م�صادره وم�سبباته ،بغ�ض النظر عن دوافعه �أو هوية مرتكبيه. وق��ال وزي��ر اخلارجية �إن��ه يف �إط��ار هذا امل��وق��ف امل��ن��اه�����ض ل�ل��إره���اب ،ف����إن اململكة ت�ستنكر ما ي�صدر من بع�ض فئات الإرهابيني م��ن اف��ت�راءات جتعل م��ن ال��دي��ن الإ�سالمي ذري���ع���ة لأع��م��ال��ه��م ال��وح�����ش��ي��ة ،متجاهلني ظلمًا وع��دوا ًن��ا ب�أنه دي��ن ال�سالم والت�سامح واالعتدال والو�سطية ،و�أنه بعيد كل البعد عن نهج التطرف والت�شدد الذي يتناق�ض كليًا مع مفهوم الت�سامح واالع��ت��دال والرحمة الذي يدعو �إليه الدين الإ�سالمي. و�أو�ضح اجلبري �أن��ه انطالقًا من قناعة اململكة العربية ال�سعودية ب�أن �أف�ضل ال�سبل ملواجهة هذا ال�شر امل�ستطري هو من خالل عمل جماعي ومنظم ،فقد حر�صت على االمتثال ملتطلبات قرارات جمل�س الأمن رقم ()1267 و( )1989و( )2161و( )2170و()2178 �إ�ضافة �إلى اتخاذها تدابري داخلية اعتمدتها
لغر�ض الت�صدي للإرهاب والتطرف. و�أك��د وزي��ر اخلارجية �أن اململكة �سنّت الأنظمة الكفيلة مبنع متويل الإره��اب ووقف تدفق املقاتلني الأجانب �إلى مناطق ال�صراع بغية االن�����ض��م��ام �إل���ى اجل��م��اع��ة الإره��اب��ي��ة. أي�ضا بتوجيه العديد من �أجهزة كما قامت � ً الدولة والإدارات احلكومية باتخاذ الربامج والإجراءات الالزمة ملكافحة الفكر املتطرف. وب�ي�ن وزي���ر اخل��ارج��ي��ة �أن���ه م��ن منطلق م�س�ؤولية اململكة �ضمن جمموعة مكافحة متويل داع�ش ،فقد ا�ست�ضافت االجتماع الثاين لتلك املجموعة الذي عقد يف مدينة جدة يف �شهر مايو املا�ضي ،بجانب م�شاركاتها الفعالة يف �أعمال جمموعات العمل الأخرى للتحالف وح�ضور جميع اجتماعاتها. و�أ����ش���ار اجل��ب�ير �إل���ى ج��ه��ود اململكة يف جمال مكافحة الإرهاب على امل�ستوى الدويل والأمم��ي� ،إذ �سبق �أن ا�ست�ضافت عام 2005 م���ؤمت��رًا دول��يً��ا ملكافحة الإره����اب وطرحت خ�لال��ه ف��ك��رة �إن�����ش��اء م��رك��ز دويل ملكافحة الإرهاب ،وقامت بجهود كبرية لإن�شائه حتت مظلة الأمم املتحدة ،وتكفلت بدفع ميزانيته املبدئية ملدة ثالث �سنوات مببلغ ع�شرة ماليني دوالر .كما قدمت دعمًا �إ�ضافيًا للمركز مببلغ حر�صا منها على �أهمية مئة مليون دوالرً ، وا�ستمراره للقيام بعمله لتنفيذ ا�سرتاتيجية الأمم املتحدة. ويف خ��ت��ام كلمته دع��ا وزي���ر اخلارجية الدول امل�شاركة وجميع دول العامل �إلى تقدمي ال��دع��م ال��ل�ازم للمركز ملكافحة الإره����اب والتطرف العنيف على م�ستوى العامل ،متمنيًا لالجتماع النجاح والتوفيق.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
المملكة تؤكد تصميمها على اجتثاث ظاهرة اإلرهاب والقضاء على مصادرها ومسبباتها
9
في كلمتها أمام مجلس األمن حول تسوية النزاع في الشرق األوسط وشمال إفريقيا:
أخبار
المملكة :محاوالت الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول أثبت التاريخ مأساويتها وأظهر الحاضر إخفاقها -الدبلوماسي خاص-
10
طالبت اململكة العربية ال�سعودية ب��وق��ف العمليات ال��ع�����س��ك��ري��ة ال��ت��ي ق��ام��ت بها القوات الرو�سية يف املدينتني ال�سوريتني «حماة» و»حم�ص» وخلفت العديد من ال�ضحايا الأب���ري���اء ،يف ح�ين �أك���دت �أن حم���اوالت الهيمنة والتدخل يف ال�����ش��ؤون الداخلية للدول و�إذك����اء ال��ن��زع��ات الطائفية مثل ما تفعله �إيران يف العديد من دول املنطقة ،هي ممار�سات �أثبت التاريخ م�أ�ساويتها و�أظهر احلا�ضر �إخفاقها.
و�أكدت اململكة يف الكلمة التي �ألقاها مندوبها الدائم لدى الأم��م املتحدة ال�سفري عبداهلل بن يحيى املعلمي �أم���ام جمل�س الأم���ن ح��ول البند املعنون «احلفاظ على الأمن وال�سلم الدوليني.. ت�سوية النزاع يف ال�شرق الأو�سط و�شمال �إفريقيا ومكافحة خطر الإره���اب يف املنطقة» يف الأول من �أكتوبر اجل��اري� ،أن حتقيق الأم��ن وال�سلم يف �سوريا يتطلب قيام حتالف عري�ض يت�صدى جل���ذور امل�شكلة املتمثّلة يف ا�ستمرار النظام ال�سوري وامتناعه ع��ن االمتثال لبيان جنيف 1الذي ن�ص على �إن�شاء حكومة انتقالية ذات �صالحيات تنفيذية وا�سعة النطاق ،م�شرية �إلى �أن ب�شار الأ�سد ونظامه ال ميكن �أن يكون طرفًا يف �أي حرب �ضد الإرهاب ،لأنه ميثل الإرهاب بعينه.
ويف ال�ش�أن اليمني ،لفتت اململكة �إل��ى �أن اخل��روج على ال�شرعية الد�ستورية الوطنية يف اليمن واالن�صياع للتدخالت الإيرانية قد حدا بجماعة احل��وث��ي�ين وحلفائهم االن��ق�لاب على ال�سلطة ونق�ض ك��ل العهود التي تو�صل �إليها اليمنيون؛ مم��ا دف��ع باململكة و�شقيقاتها من �أع�ضاء التحالف العربي �إلى اال�ستجابة لنداء ال�شعب اليمني ممث ًال يف رئي�سه ال�شرعي عبدربه من�صور هادي. وبني ال�سفري املعلمي �أن عقد هذه اجلل�سة املهمة حول احلفاظ على الأمن وال�سلم الدوليني وت�سوية النزاعات يف ال�شرق الأو���س��ط و�شمال �إفريقيا ومكافحة خطر الإره���اب يف املنطقة، ي�أتي يف وقت غاب فيه الأمن وال�سلم ،وازدادت
وترية التطرف العنيف ،وا�شتد �ساعد الإرهابيني يف كثري من �أنحاء العامل. و�أ�ضاف �أن منطقة ال�شرق الأو�سط و�شمال �إفريقيا لي�ست بدعً ا دون غريها من بقاع الأر�ض، ب��ل ه��ي م��ن الن�سيج العاملي ،فمتى م��ا حتققت العدالة وانتفت حماوالت الهيمنة عرب ا�ستخدام القوة والتزم اجلميع مببادئ ح�سن اجلوار ،ف�إن ال�سالم ي�صبح هو النتيجة الطبيعية واملنطقية، ومن هنا تت�ضح �أهمية ما طرح من �أن معاجلة ال�صراعات القائمة ال بد �أن تنطلق من فهم دقيق جلذورها و�أ�سبابها حتى تتي�سر معاجلتها والت�صدي لها. و�أ�شار �إلى �أن معظم ال�صراعات يف ال�شرق الأو���س��ط و�شمال �إفريقيا تعود يف الأ���ص��ل �إل��ى
أهم عوامل انتشار اإلرهاب والتطرف ما تمارسه السلطات السورية من إفساح المجال أمام الجماعات اإلرهابية
معالجة الصراعات القائمة البد أن تنطلق من فهم دقيق لجذورها وأسبابها حتى تتيسر معالجتها والتصدي لها
من المستهجن تسييس إيران لحادثة التدافع في الحج ،وهي التي قامت بالعديد من المحاوالت التخريبية في مواسم حج ماضية
العدد
81
تعر�ض لها احلجاج يف مكة املكرمة ،وهي بذلك ال تراعي حرمة ه��ذه ال�شعائر الدينية و�أرواح ال�ضحايا ،يف الوقت ال��ذي تعهدت فيه اململكة دومً���ا ب��رع��اي��ة احل��ج��اج وال�سهر على راحتهم و�ضمان �أم�ن�ه��م ،وق��ام��ت ب��إح�ب��اط العديد من املحاوالت الإيرانية التخريبية يف �سنني عديدة، م�شددًا على �أن حكومة اململكة تقوم ب���إج��راء التحقيقات املنا�سبة و�ستقوم مبحا�سبة كل مق�صر �إن وجد ،م�ؤكدًا �أن اململكة لن ت�سمح لأي من كان باال�صطياد يف املاء العكر وااللتفاف على هذه احلادثة الإن�سانية. و�أ�شار ال�سفري املعلمي �إلى �أن حل ال�صراعات يف ال�شرق الأو�سط يتطلب فهمًا عميقًا جلذورها وم�سبباتها ،ولذلك ف�إننا ن�ؤكد على �ضرورة انتهاء االحتالل الإ�سرائيلي ،ووقف ممار�سات النظام ال�����س��وري ،والعمل على تر�سية م��ب��ادئ العدالة الوطنية ،واالل��ت��زام بقواعد ال�شرعية الدولية، والتم�سك بح�سن اجل����وار وع���دم ال��ت��دخ��ل يف ال�شئون الداخلية للغري ،ف�إن حتقق ذلك ت�صبح حماربة الإرهاب والق�ضاء عليه �أقرب مناالً.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
�أ���س��ب��اب م��ع��دودة ي���أت��ي يف مقدمتها االح��ت�لال واال�ضطهاد والتهمي�ش وعدم احرتام ال�شرعية الدولية ،وهي ذاتها الأ�سباب التي �أدت �إلى ظهور الإرهاب وامتداد رقعته. ويف ال�ش�أن الفل�سطيني ،قال ال�سفري املعلمي �إن ا���س��ت��م��رار االح��ت�لال الإ���س��رائ��ي��ل��ي ل�ل�أر���ض الفل�سطينية وعدوانه املتكرر على احلرم القد�سي ال�شريف وامل�سجد الأق�صى املبارك والعنف الذي ميار�سه الإرهابيون امل�ستوطنون ،هو من �أهم �أ�سباب النزاعات امل�سلحة يف املنطقة .و�إن حالة الإحباط واحلرمان التي يفر�ضها االحتالل ،هي من �أهم الدوافع التي ي�ستند عليها الإره��اب يف الرتويج لر�سالته ،لذلك كان لزامًا على املجتمع الدويل �أن يعمل دون كلل وبال �إبطاء على �إنهاء االحتالل الإ�سرائيلي لفل�سطني وبقية الأرا�ضي العربية و�إق��ام��ة ال��دول��ة الفل�سطينية امل�ستقلة وعا�صمتها ال��ق��د���س ال�شريف وف��قً��ا ل��ق��رارات ال�شرعية الدولية ومبادرة ال�سالم العربية التي طرحتها اململكة العربية ال�سعودية قبل �أكرث من 13عامًا. ول��ف��ت �إل����ى �أن م��ن �أه����م ع��وام��ل انت�شار الإرهاب والتطرف العنيف وتهديد الأمن وال�سلم الدوليني ،هو ما متار�سه ال�سلطات ال�سورية من ا�ضطهاد بحق ال�شعب ال�سوري ال�صامد وارتكاب �أب�شع اجلرائم �ضده مبا يف ذلك �إلقاء الرباميل احلارقة ،و�إط�لاق الغازات الكيميائية ال�سامة و�إف�����س��اح امل��ج��ال �أم����ام اجل��م��اع��ات الإره��اب��ي��ة لتمار�س ن�شاطها وترتكب جرائمها. و�أف���اد م��ن��دوب اململكة ال��دائ��م ل��دى الأم��م املتحدة ب���أن حتقيق الأم���ن وال�سلم يف �سوريا يتطلب ق��ي��ام حت��ال��ف عري�ض يت�صدى جل��ذور
امل�شكلة املتمثّلة يف ا�ستمرار النظام ال�سوري وامتناعه عن االمتثال لبيان جنيف 1الذي ن�ص على �إن�����ش��اء حكومة انتقالية ذات �صالحيات تنفيذية وا�سعة النطاق ،م�شريًا �إل��ى �أن ب�شار الأ���س��د ونظامه ال ميكن �أن يكون طرفًا يف �أي حرب �ضد الإره��اب لأن��ه ميثل الإره��اب بعينه، و�أن �أي حل للأزمة ال�سورية ال بد �أن ينطلق من القناعة ب�أن من تلطخت �أيديهم بدماء ال�شعب ال�سوري ال مكان لهم يف �أي ت�سوية �سيا�سية مقبلة. و�أو�ضح ال�سفري املعلمي �أن اململكة ت�صدت خل��ط��ر الإره������اب يف ك���ل م��ك��ان وب�����ادرت �إل���ى امل�شاركة يف التحالف الدويل �ضد تنظيم داع�ش الإرهابي ،و�أن الدول التي تدعي �أنها قد جاءت م�ؤخرًا للم�شاركة يف حماربة �إره��اب داع�ش ،ال ميكن لها �أن تفعل ذل��ك يف الوقت نف�سه الذي ت�ساند فيه �إرهاب النظام ال�سوري وحلفائه من املقاتلني الإرهابيني الأج��ان��ب ،مثل :حزب اهلل وفيلق القد�س وغريها من التنظيمات الإرهابية الطائفية. وعبرّ عن قلق اململكة البالغ جراء العمليات الع�سكرية التي قامت بها القوات الرو�سية يف حماة وحم�ص �أخريًا ،وهي �أماكن ال توجد فيها داع�ش ،وخلفت العديد من ال�ضحايا الأبرياء، مطالبًا با�سم اململكة بالوقف الفوري لها و�ضمان عدم تكرارها. وفيما يتعلق بالتدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية للدول� ،شدد مندوب اململكة الدائم لدى الأمم امل��ت��ح��دة على �أن حم���اوالت الهيمنة والتدخل يف ال�ش�ؤون الداخلية للدول و�إذك���اء النزعات الطائفية مثل ما تفعله �إيران يف العديد من دول املنطقة ،هي ممار�سات �أثبت التاريخ م�أ�ساويتها و�أظ��ه��ر احلا�ضر �إخفاقها .كما �أن ممار�سات التهمي�ش واحلرمان من احلقوق ال�سيا�سية وغياب امل�ساواة بني املواطنني هي الأر�ض اخل�صبة التي ينمو فيها الإرهاب وترت�سخ جذوره ،لذلك �أيدت اململكة الإجراءات التي اتخذتها حكومة العراق، فعاد ال��ت��وازن �إل��ى احلياة ال�سيا�سية يف البالد ودمج كل مكونات ال�شعب العراقي يف الت�صدي للإرهاب ودحره. وح���ول ح���ادث ال��ت��داف��ع مب�شعر م��ن��ى �أك��د مندوب اململكة الدائم لدى الأم��م املتحدة� ،أنه ملن امل�ستهجن ت�سيي�س �إيران للحادثة الأليمة التي
11
من أجل تعزيز حقوق اإلنسان باليمن
مجلس حقوق اإلنسان يعتمد قرا ًرا سعود ًيا بتقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات أخبار -الدبلوماسي خاص-
12
ط��ال��ب��ت امل��م��ل��ك��ة ال��ع��رب��ي��ة ال�����س��ع��ودي��ة ب���وق���ف ال��ع��م��ل��ي��ات الع�سكرية التي قامت بها القوات الرو�سية يف املدينتني ال�سوريتني «حماة» و»حم�ص» وخلفت العديد م��ن ال�ضحايا الأب���ري���اء ،يف حني �أك�����دت �أن حم�����اوالت الهيمنة والتدخل يف ال�����ش��ؤون الداخلية للدول و�إذكاء النزعات الطائفية مثل ما تفعله �إيران يف العديد من دول املنطقة ،هي ممار�سات �أثبت التاريخ م�أ�ساويتها و�أظهر احلا�ضر �إخفاقها.
اعتمد جمل�س حقوق الإن�سان يف الثاين من �أكتوبر اجل��اري ق���رارًا قدمته اململكة العربية ال�سعودية نيابة عن جمموعة الدول العربية حتت البند العا�شر ين�ص على تقدمي امل�ساعدة التقنية وبناء القدرات لتعزيز حقوق الإن�سان يف اليمن، ويرحب بت�شكيل احلكومة اليمنية للجنة الوطنية للتحقيق يف انتهاكات حقوق الإن�سان يف البالد. و�أع��رب القرار عن القلق �إزاء االنتهاكات اجل�سيمة حل��ق��وق الإن�����س��ان وال��ق��ان��ون ال��دويل الإن�ساين ب�سبب ا�ستخدام ميلي�شيات احلوثيني املتمردة واملخلوع �صالح للقوة امل�سلحة �ضد احلكومة لتحقيق �أه��داف �سيا�سية ،وا�ستمرار امليلي�شيات املتمردة يف جتنيد الأطفال يف خرق وا�ضح للمواثيق واملعاهدات الدولية ،واختطاف
الن�شطاء ال�سيا�سيني ،واعتقال ال�صحفيني وقتل املدنيني ،ومنع و�صول امل�ساعدات الإن�سانية، وقطع �إمدادات الكهرباء واملياه ،و�شن الهجمات على امل�ست�شفيات و�سيارات الإ�سعاف. وطالب القرار اجلماعات امل�سلحة بو�ضع حد لتجنيد وا�ستغالل الأطفال و�إط�لاق �سراح الأطفال الذين مت جتنيدهم ،والتعاون مع الأمم املتحدة من �أجل �إعادة و�إدماج ه�ؤالء الأطفال يف جمتمعاتهم املحلية. و�أ���ش��ار ق���رار جمل�س ح��ق��وق الإن�����س��ان �إل��ى ق��رارات جمل�س الأم��ن ،و�أكد �أن تعزيز وحماية ح��ق��وق الإن�����س��ان ه��و �أح���د ال��ع��وام��ل الأ�سا�سية ل�ضمان وج��ود نظام ق�ضائي ع��ادل ومن�صف، وامل�صاحلة واال�ستقرار يف اليمن.
ورح��ب ال��ق��رار بقبول الأح���زاب ال�سيا�سية اليمنية لإمت��ام عملية االنتقال ال�سيا�سي على �أ���س��ا���س امل���ب���ادرة اخلليجية و�آل��ي��ة تنفيذها، و�ضرورة تنفيذ التو�صيات ال��واردة يف الوثيقة اخلتامية مل���ؤمت��ر احل���وار الوطني ،وا�ستكمال �صياغة د�ستور جديد. ورح���ب ال��ق��رار بنتائج اج��ت��م��اع الأح���زاب ال�سيا�سية اليمنية يف ال��ري��ا���ض ي��وم 17مايو 2015لإيجاد حل �سيا�سي لل�صراع يف اليمن على �أ�سا�س املبادرة اخلليجية ،ونتائج احلوار الوطني وق��رار جمل�س والأم��ن رقم 2216لعام ،2015 واجلهود التي يبذلها الأمني العام للأمم املتحدة ومبعوثه اخلا�ص لليمن. و�أ����ش���ار �إل���ى ال���ق���رارات ال��دول��ي��ة ودع��وه��ا
العدد
81
أكتوبر -نوفمبر 2015م
�إل��ى �إج���راء حتقيق يف جميع ح��االت انتهاكات وجت���اوزات حقوق الإن�سان وانتهاكات القانون الإن�ساين ال��دويل ،مرحبًا باملر�سوم الرئا�سي اليمني الذي يق�ضي بتعيني �أع�ضاء جلنة وطنية م�ستقلة للتحقيق يف جميع االنتهاكات ال�سابقة واالنتهاكات منذ �سبتمرب ،2014وفقًا لقرارات جمل�س حقوق الإن�سان 32/24و. 19/27 ويحيط القرار علمًا بتقرير مفو�ضة الأمم املتحدة ال�سامية حلقوق الإن�سان عن حالة حقوق الإن�سان يف اليمن والنقا�شات التي عقدت خالل ال��دورة الثالثني ملجل�س حقوق الإن�سان ،ف�ض ًال عن بيان وتعليقات احلكومة اليمنية على التقرير وا�ستعدادها للتعاون مع الأم��م املتحدة ومكتب املفو�ض ال�سامي ،وي��دع��و جميع الأط���راف يف اليمن �إلى اح�ترام التزاماتها مبوجب القانون ال���دويل حل��ق��وق الإن�����س��ان وال��ق��ان��ون الإن�����س��اين ال��دويل ،و�ضمان و�صول امل�ساعدات الإن�سانية لل�سكان املت�ضررين. كما يدعو احلكومة �إلى اتخاذ تدابري حلماية امل��دن��ي�ين ،وات��خ��اذ ال��ت��داب�ير املنا�سبة ل�ضمان فعالية التحقيق يف جميع ح��االت االنتهاكات وان��ت��ه��اك حقوق الإن�����س��ان وانتهاكات القانون الإن�ساين الدويل ،مبا يف ذلك حاالت العنف �ضد ال�صحفيني والن�شطاء ال�سيا�سيني واعتقالهم. وي��دع��و ج��م��ي��ع الأط������راف يف ال��ي��م��ن �إل��ى التنفيذ ال��ك��ام��ل ل��ق��رار جمل�س الأم���ن 2216 ( ،)2015ال��ذي ي�سهم يف حت�سني حالة حقوق الإن�سان ،ويحتوي على �شواغل حم��ددة ،وي�ضع مطالب خا�صة على �صالح وميلي�شيات احلوثيني لإطالق �سراح ال�سجناء ال�سيا�سيني وال�صحفيني واالنخراط يف العملية ال�سيا�سية بطريقة �شاملة و�سلمية ودميقراطية. وك���رر ال���ق���رار ال��ت���أك��ي��د ع��ل��ى االل��ت��زام��ات املرتتبة على احلكومة اليمنية لتعزيز وحماية حقوق الإن�����س��ان جلميع الأف���راد امل��وج��ودي��ن يف �إقليمها والداخلني يف واليتها ،م�شريًا يف هذا ال�صدد �إلى �أن اليمن طرف يف االتفاقية الدولية للق�ضاء على جميع �أ�شكال التمييز العن�صري، واتفاقية الق�ضاء على جميع �أ�شكال التمييز �ضد امل���ر�أة ،والعهد ال��دويل اخلا�ص باحلقوق املدنية وال�سيا�سية ،والعهد ال���دويل اخلا�ص
باحلقوق االقت�صادية واالجتماعية والثقافية، واتفاقية مناه�ضة التعذيب وغريه من �ضروب املعاملة غ�ير الإن�سانية �أو املهينة ،واتفاقية حقوق الطفل والربوتوكولني االختياريني ب�ش�أن �إ�شراك الأطفال يف النزاعات امل�سلحة ،واتفاقية حقوق الأ�شخا�ص ذوي الإع��اق��ة ،ويتطلع �إل��ى موا�صلة احلكومة جهودها لتعزيز وحماية حقوق الإن�سان .و�أع��رب القرار عن عميق القلق �إزاء الو�ضع الإن�ساين املتدهور يف اليمن ،وعن تقديره للدول املانحة ،داعيًا املجتمع الدويل �إلى تقدمي الدعم املايل خلطة اال�ستجابة الإن�سانية لليمن لعام ،2015والوفاء بتعهداته لدى الأمم املتحدة ذات ال�صلة الإن�سانية. كما دعا القرار جميع هيئات منظومة الأمم املتحدة ،مبا يف ذلك مكتب املفو�ض ال�سامي، والدول الأع�ضاء مل�ساعدة العملية االنتقالية يف اليمن ،من خالل دعم وتعبئة امل��وارد الالزمة ملعاجلة الآث��ار املرتتبة على العنف والتحديات االقت�صادية واالجتماعية التي تواجهها اليمن، وذلك بالتن�سيق مع اجلهات املانحة الدولية وفقًا للأولويات التي حددتها ال�سلطات اليمنية. وطلب القرار من املفو�ضة ال�سامية تقدمي امل�ساعدة التقنية والعمل مع احلكومة اليمنية يف جم���ال ب��ن��اء ال���ق���درات وحت���دي���د جم���االت �إ�ضافية للم�ساعدة على متكني اليمن من الوفاء بالتزاماتها يف جمال حقوق الإن�سان ،وم�ساعدة اللجنة الوطنية امل�ستقلة للتحقيق يف عملها، ح�سب االقت�ضاء .كما طلب من مكتب املفو�ض ال�سامي �أن يقدم �إل��ى جمل�س حقوق الإن�سان يف دورته الثالثة والثالثني ،تقريرًا مرحليًا عن حالة حقوق الإن�سان يف اليمن ،وعلى متابعة هذا القرار والقرارات ال�سابقة ذات ال�صلة. م��ن جهة �أخ����رى� ،أك���دت جمموعة ال��دول العربية يف جمل�س حقوق الإن�سان عن اليمن يف كلمة �ألقاها بالنيابة عنها مندوب اململكة لدى الأمم املتحدة واملنظمات الدولية الأخرى يف ج��ن��ي��ف ال�����س��ف�ير في�صل ب��ن ح�����س��ن ط��راد خالل مناق�شة الأو�ضاع يف اليمن� ،أن الظروف ال�صعبة وامل�أ�ساوية التي تعي�شها اليمن تتطلب تقدمي العون وامل�ساعدة للحكومة اليمنية للتمكن م��ن ا�ستعادة ال�شرعية والأم���ن واال���س��ت��ق��رار،
ودعم الآليات الوطنية لإدارة عمليات التحول الدميقراطي ،وتعزيز �سيادة حكم القانون، ور�صد وحماية واحرتام حقوق الإن�سان ب�صورة عامة. و�أ�ضاف مندوب اململكة لدى الأمم املتحدة، �أن املجموعة ت��ود �أن تلفت انتباه املجل�س �إلى �أن اليمن تعر�ض ل��ه��زات عنيفة جت�سدت يف االن���ق�ل�اب ع��ل��ى ال�����ش��رع��ي��ة واال���س��ت��ي�لاء على مقدرات البالد من قبل جماعة احلوثي مدعومة م��ن ق��وات الرئي�س املخلوع �صالح ,وارتكبت انتهاكات عديدة متثلت يف التنكيل باملواطنني وت��دم�ير م��ن��ازل��ه��م وم��ن��ع و���ص��ول امل�����س��اع��دات الغذائية وال��دوائ��ي��ة �إليهم ،ع���ادًا ه��ذا الفعل انتهاكًا �صارخً ا للتداول ال�سلمي لل�سلطة ولكل حقوق الإن�سان ،وهو ما يتطلب �إدان��ة املجل�س لهذه االنتهاكات . و�أو���ض��ح ال�سفري ط��راد �أن املجموعة تود �إحاطة املجل�س �أن الدول العربية تنظر باهتمام �إل���ى م��ا ي��ج��ري يف ال��ي��م��ن ،وت��ق��دم ك��ل �أن���واع امل�ساعدات املمكنة ليتجاوز اليمن هذه الظروف الطارئة ،ومواجهة التحديات النا�شئة يف جميع املجاالت الأمنية والإن�سانية والتنموية مبا فيها جمال حقوق الإن�سان. ولفت مندوب اململكة ل��دى الأم��م املتحدة واملنظمات الدولية الأخ��رى� ،إلى �أن املجموعة العربية ت��ود التذكري ب���أن العديد م��ن ال��دول العربية ال تتوانى يف تقدمي �إ�سهامات مهمة من �أج��ل دع��م برامج امل�ساعدة التقنية يف جمال حقوق الإن�سان مما يعود بالفائدة على �أكرب عدد من الدول يف خمتلف �أرجاء العامل مبا فيها املنطقة العربية. و�أ���ش��ار ال�سفري ط���راد �إل��ى �أن املجموعة العربية ترى �أن تقدمي العون التقني للدول ال بد �أن ي�شمل كذلك تقوية ال�شراكات ،وت�أكيد التعاون البناء ودخول الدول يف عمليات لتبادل اخلربات واملمار�سات اجليدة .ويف هذا الإطار جت��در الإ���ش��ارة �إل��ى �أهمية �أن تقوم ال��والي��ات القطرية بناء على رغبة وموافقة الدول املعنية، ل�ضمان تعاونها من �أجل حتقيق الهدف الذي تن�ش�أ من �أجله الوالية وهو ترقية وحماية حقوق الإن�سان.
13
الرياض تستضيف قمة مجموعة( )ASPAيومي 11 – 10نوفمبر
المعهد ينظم ورشة عمل «العالقات بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية» أخبار 14
الدبلوماسي -إبراهيم العقيلي -تعقد يف مدينة الريا�ض يومي 29 - 28حمرم 1437هـ ،املوافق 10 11نوفمرب 2015القمة الرابعةل��ل��دول ال��ع��رب��ي��ة ودول �أم��ري��ك��ا اجلنوبية )ASPA(.وك��ان قد عقدت القمة الأولى يف الربازيل يف �شهر مايو ،2005والثانية يف قطر يف مار�س ،2009والثالثة يف بريو يف �أكتوبر .2013
ا�ست�ضافت الريا�ض يومي ال�سابع والثامن من �أكتوبر 2015ور�شة عمل« :العالقات بني الدول العربية ودول �أمريكا اجلنوبية» نظمها معهد ال��درا���س��ات الدبلوما�سية وعقدت بفندق الريا�ض �إنرتكونتيننتال، مب�������ش���ارك���ة ن���خ���ب���ة م����ن ال�����س��ي��ا���س��ي�ين والدبلوما�سيني واخل�ب�راء واملهتمني م��ن دول �أم��ري��ك��ا اجلنوبية وع��دد م��ن ال���دول العربية، وح�ضر االفتتاح نائب وكيل وزارة اخلارجية املكلف لل�ش�ؤون املتعددة ال�سفري فهد الراجح. ويف كلمة االفتتاح رحب املدير العام ملعهد الدرا�سات الدبلوما�سية الدكتور عبدالكرمي بن حمود الدخيِّل بامل�شاركني من اجلانبني العربي
و�أمريكا اجلنوبية ،متمنيًا �أن يتمخ�ض عنها تو�صيات مهمة ترفع للقمة العربية الأمريكية اجلنوبية( )ASPAاملزمع عقدها باململكة. وقال �إن هذه الور�شة ت�أتي �ضمن التح�ضري للقمة الرابعة بني الدول العربية ودول �أمريكا اجلنوبية ( ،)ASPAمفيدً ا ب�أن الور�شة عملت على جمع املفكرين واملخت�صني والباحثني ال�سيا�سيني املهتمني بالعالقات العربية مع دول �أمريكا الالتينية للخروج بر�ؤى وتو�صيات ميكن �أن ت�ساعد يف بلورة �أفكار تو�ضع �أمام القمة. م��ن جانب �آخ��ر ر�أى نائب وزي��ر خارجية ال��ب�يرو ال�سفري �إدواردو مارتيني� ،أن هناك �إرثً���ا تاريخيًا م�شرتكًا ب�ين اجلانبني العربي
هناك حاجة للمجتمعات املحلية يف دول �أمريكا اجلنوبية لبناء عالقات �أكرث ترابطً ا مع العامل العربي. ويف ختام ور�شة العمل قدم وفد دول �أمريكا اجلنوبية وامل�شاركون من الدول العربية ،ال�شكر للجانب ال�سعودي على تنظيم ه��ذه الور�شة وح�سن اال�ست�ضافة.
العدد
81
العرب سعداء بالدعم الالتيني للحقوق العربية ،كما أن هناك عم ً ً مشتركا في قضايا ال متعددة منها إصالح مجلس األمن الدولي وقضايا التنمية
أكتوبر -نوفمبر 2015م
والالتيني ،كما �أن جوانب اللقاء الثقافية تعترب م�صدرًا للتعاون وتنمية العالقات بني اجلانبني. و�أ�شار مارتيني �إلى �أن العالقات االقت�صادية ب�ين اجل��ان��ب�ين تعد �أق���ل م��ن امل��ط��ل��وب مقارنة بعالقات دول �أم�يرك��ا الالتينية باملجموعات الدولية الأخرى ،الفتًا �إلى �أن �آالف الالتينيني يتطلعون �إلى العمل يف جمل�س التعاون اخلليجي. و�أ���ض��اف �أن افتتاح �سفارات �سعودية يف ع��دد من دول �أمريكا الالتينية ،وك��ذا افتتاح ���س��ف��ارات للبريو يف ك��ل م��ن اململكة والكويت وقطر ،من �ش�أنه �أن ي�سهم يف تطوير العالقات بني املجموعتني. من جانب �آخر �أو�ضح ال�سفري فهد الراجح، �أن ال��ع��رب �سعداء بالدعم الالتيني للحقوق العربية ،كما �أن هناك عم ًال م�شرتكًا يف ق�ضايا متعددة منها �إ���ص�لاح جمل�س الأم���ن ال��دويل وق�ضايا التنمية. م��ن جهة �أخ���رى �أ���ش��ار نائب مدير املعهد الدبلوما�سي يف ت�شيلي الدكتور باتري�سيو باول، �إل��ى �أن تاريخ العالقات بني اجلانبني العربي
والالتيني يعود �إلى الوجود العربي يف الأندل�س، فمنذ ذل��ك التاريخ ب��د�أ التوا�صل العربي مع �أمريكا الالتينية. وق��ال �إن م�ساهمات الالتينيني العرب ال ميكن جتاهلها ،فع�شرات املاليني من �سكان دول �أمريكا الالتينية �أ�صولهم عربية ،كما �أن عددًا من ر�ؤ�ساء دول وحكومات عدد من دول �أمريكا الالتينية �أ�صولهم عربية ،وهناك �أعداد كبرية منهم �أع�ضاء يف برملانات دول �أمريكا اجلنوبية، م�ضيف ًا �أن اللغة ال تعد عائقًا ،فهناك �أعداد من أي�ضا هناك الالتينيني يتحدثون اللغة العربية ،و� ً عرب يتكلمون الإ�سبانية. وذكر امل�شاركون من دول �أمريكا اجلنوبية ع��ددًا من امللتقيات بني اجلانبني ،منها :دعم دول �أم�يرك��ا اجلنوبية للق�ضية الفل�سطينية وقيام دولة فل�سطينية ،وحماربة الإرهاب وت�أييد مقرتح العرب ب�إن�شاء مركز دويل لتوحيد اجلهد الدويل ملحاربة الإرهاب ،و�إ�صالح النظام املايل العاملي ،و�إ�صالح جمل�س الأمن الدويل. و�أ�شاروا �إلى �أن دول �أمريكا اجلنوبية ت�سعى �إل��ى تنويع اقت�صادها وا�ستثماراتها ،كما �أن
15
يعتمدون 17هدف ًا لتحقيقها بحلول عام 2030
دوليات 16
قمة جمعت 150من زعماء وقادة العـــالم
العدد
81
ج��اءت �أه���داف التنمية امل�ستدامة نتيجة لعملية تفاو�ض �شاركت فيها الدول الأع�ضاء الـ 193يف الأمم املتحدة� ،إلى جانب م�شاركة غري م�سبوقة من املجتمع املدين وغريه من اجلهات املعنية ،م��ا �أدى �إل���ى متثيل جمموعة وا�سعة من امل�صالح ووجهات النظر .يف املقابل كانت الأهداف الإمنائية للألفية نتاج عمل قامت به جمموعة من اخلرباء وراء �أبواب مغلقة. ومتثل الأهداف الـ 17للتنمية امل�ستدامة يف الق�ضاء على الفقر بجميع �أ�شكاله يف كل مكان، والق�ضاء على اجل��وع وت��وف�ير الأم���ن الغذائي والتغذية املحّ �سنة ،وتعزيز الزراعة امل�ستدامة، �إ�ضافة �إل��ى ال�صحة اجليدة وال��رف��اه و�ضمان التعليم اجل��ي��د املن�صف وال�����ش��ام��ل للجميع، وتعزيز فر�ص التعلّم مدى احلياة للجميع. كما تت�ضمن الأه��داف حتقيق امل�ساواة بني اجلن�سني ومتكني كل الن�ساء والفتيات ،و�ضمان توافر املياه وخدمات ال�صرف ال�صحي للجميع و�إدارت��ه��ا �إدارة م�ستدامة� ،إل��ى جانب �ضمان ح�صول اجلميع بتكلفة مي�سورة على خدمات الطاقة احلديثة املوثوقة وامل�ستدامة ،وتعزيز النمو االق��ت�����ص��ادي امل��ط��رد وال�شامل للجميع وامل�ستدام ،والعمالة الكاملة واملنتجة ،وتوفري العمل الالئق للجميع. عالوة على ذلك ،تت�ضمن الأه��داف الـ 17 للتنمية امل�ستدامة �إقامة بنى حتتية قادرة على ال�صمود ،وحتفيز الت�صنيع ال�شامل للجميع وامل�ستدام ،وت�شجيع االبتكار واحلد من انعدام امل�����س��اواة داخ��ل ال��ب��ل��دان وفيما بينها ،ف�ض ًال عن جعل امل��دن وامل�ستوطنات الب�شرية �شاملة
للجميع و�آمنة وقادرة على ال�صمود وم�ستدامة بجانب اال�ستهالك والإنتاج امل�س�ؤولني ،واتخاذ �إجراءات عاجلة للت�صدي لتغري املناخ و�آثاره. �إ���ض��اف��ة �إل���ى ح��ف��ظ امل��ح��ي��ط��ات وال��ب��ح��ار واملوارد البحرية وا�ستخدامها على نحو م�ستدام لتحقيق التنمية امل�ستدامة� ،إلى جانب حماية النظم الإيكولوجية الربية وترميمها وتعزيز ا�ستخدامها على نحو م�ستدام ،و�إدارة الغابات على نحو م�ستدام ،ومكافحة الت�صحر ،ووقف تدهور الأرا�ضي وعك�س م�ساره ،ووقف فقدان التنوع البيولوجي ،عالوة على ال�سالم والعدل وامل�ؤ�س�سات ،و�أخ��ي�رًا تعزيز و�سائل التنفيذ وتن�شيط ال�شراكة العاملية م��ن �أج��ل التنمية امل�ستدامة. وتتميز هذه الأهداف بتو�سع نطاقها ،فهي تعالج العنا�صر املرتابطة للتنمية امل�ستدامة: النمو االقت�صادي والإدماج االجتماعي وحماية البيئة .يف حني ركزت الأهداف الإمنائية للألفية يف املقام الأول على جدول الأعمال االجتماعي. وقد ا�ستهدفت هذه الأهداف الإمنائية للألفية البلدان النامية ،ال �سيما �أولئك الأك�ثر فقرًا، يف حني �سيتم تطبيق �أهداف التنمية امل�ستدامة للعامل كله ،الأغنياء والفقراء. وكانت الأه��داف الإمنائية للألفية �أطلقت �سنة 2000 واعتمدت �سنة 2015ك�أجل حمدد لبلوغها. وانطالقًا من اعرتافها بنجاح هذه الأهداف ووعيها باحلاجة خلطة جديدة للتنمية ملا بعد عام ،2015وافقت الدول الأع�ضاء �سنة2012 يف م�ؤمتر الأمم املتحدة للتنمية امل�ستدامة“ قمة
أكتوبر -نوفمبر 2015م
إسالم منير -نيويورك-اعتمدت قمة التنمية امل�ستدامة التي عقدت مبقر الأمم املتحدة يف نيويورك بني اخلام�س والع�شرين وال�سابع والع�شرين من �سبتمرب املا�ضي وعلى مدى ثالثة �أيام 17هدفًا متثل �أهداف التنمية امل�ستدامة للألفية لتنفيذها بحلول عام 2030وذلك مب�شاركة �أكرث من مئة وخم�سني من زعماء قادة العامل. وتت�ضمن الأهداف الرئي�سية لأجندة التنمية امل�ستدامة حتقيق 17هدفًا و196غاية من �أجل حتقيق � 3إجنازات ا�ستثنائية وذلك خالل ال�سنوات الـ 15املقبلة تتمثل يف الق�ضاء على الفقر املدقع ،وحماربة عدم امل�ساواة والظلم ،و�إ�صالح تغري املناخ. ويرجع هذا العدد الكبري من الأهداف �إلى �أن التحديات املعقدة التي توجد يف عامل اليوم تتطلب تغطية جمموعة وا�سعة من الق�ضايا ،كما تتطلب معاجلة الأ�سباب اجلذرية للم�شاكل، ولي�س الأعرا�ض فقط.
17
دوليات 18
ريو ”20 +على �إن�شاء فريق عمل مفتوح لو�ضع جمموعة من �أهداف التنمية امل�ستدامة. وبعد �أك�ثر من ع��ام من املفاو�ضات ،قدم الفريق العامل املفتوح تو�صياته ب�ش�أن 17هدفًا للتنمية امل�ستدامة. ويف �أوائل �أغ�سط�س ،2015تو�صلت الدول الأع�ضاء البالغ عددها 193يف الأمم املتحدة �إل��ى توافق يف الآراء ب�ش�أن الوثيقة اخلتامية جلدول الأعمال اجلديد “حتويل عاملنا :جدول �أعمال للتنمية امل�ستدامة .”2030 وقررت الدول الأع�ضاء �أن تنعقد قمة الأمم املتحدة العتماد جدول �أعمال التنمية امل�ستدامة اجلديد و�أهدافه الـ 17ودعت لذلك �إلى جل�سة عامة رفيعة امل�ستوى للجمعية العامة. اجلدير بالذكر �أن مرا�سم افتتاح القمة ب�����د�أت ب��ع��ر���ض ف��ي��ل��م “كوكب الأر�������ض من الف�ضاء” ،تلته عرو�ض مو�سيقية ل�سفراء النوايا احل�سنة �شاكريا و�أجنيليك كيدجو ،وكذلك دعوة للعمل وجهتها مالال يو�سف زاي احلائزة على جائزة نوبل ،وممثلون عن ال�شباب الذين قاموا بدورهم يف حمل �شعلة امل�ستقبل امل�ستدام. وتخلل م�ؤمتر القمة �ستة ح��وارات تفاعلية حول ق�ضايا الق�ضاء على الفقر واجلوع ،ومعاجلة
األجندة الجديدة خارطة طريق شاملة للقضاء على الفقر ،وبناء حياة كريمة للجميع دون إقصاء عدم امل�ساواة ،ومتكني الن�ساء والفتيات بدون ا�ستبعاد �أي �شخ�ص ،وتعزيز النمو االقت�صادي امل�ستدام ،وحتويل وت�شجيع اال�ستهالك والإنتاج امل�ستدام ،والوفاء بالتزام �إقامة �شراكة عاملية، وبناء م�ؤ�س�سات فعالة وم�س�ؤولة و�شاملة لتحقيق التنمية امل�ستدامة ،وحماية كوكبنا ومكافحة تغري املناخ. وو�صف الأمني العام بان الأجندة اجلديدة ب�أنها خارطة طريق �شاملة للق�ضاء على الفقر، وبناء حياة كرمية للجميع دون �إق�صاء .وقال أي�ضا دعوة وا�ضحة للعمل ب�شراكة وتكثيف �إنها � ً للجهود لتقا�سم ال��رخ��اء ،ومتكني النا�س من ت�أمني �سبل رزقهم.
و�أكد بان كي مون �أن هذه اخلارطة ت�شمل خطة عمل عاملية حتولية ومندجمة تب�شر بتحول تاريخي يف عاملنا ،م�ضيفًا �أنها خطة النا�س وبرنامج عمل من �أجل الق�ضاء على الفقر بكل �أبعاده ب�شكل ال رجعة فيه يف كل مكان و�أال نرتك وراءنا �أيًا كان. �أم��ا املنتج ال�بري��ط��اين وك��ات��ب ال�سيناريو وم���ؤ���س�����س ومم���ول «حملة الأه����داف العاملية» ريت�شارد كريتي�س ،ف�شدد على �أهمية التعريف بتلك الأهداف والرتويج لها ،لت�صل �إلى كل فرد يف جميع �أنحاء العامل. وقال كريتي�س عن احلملة التي مت �إطالقها يف الأم��م املتحدة ومت��ت بالتعاون مع ن�شطاء و�شخ�صيات عامة و���ش��رك��ات ومنظمات غري ح��ك��وم��ي��ة« :ب��ي��ت الق�صيد ه��و �أن علينا �أن نفهم حقًا �أن الفقر وم�شاكل العامل معقدة، ل��ذل��ك ق�ضية امل��ن��اخ مهمة للغاية ،والق�ضاء على الفقر هو �أم��ر حتمي ،وه��و مهم للغاية، وال�شراكات التي حتقق هذه الأمور مهمة”. و�أو����ض���ح ك�يرت��ي�����س �أن����ه يف ه���ذا الع�صر احلديث ،كل من هو على الإن�ترن��ت ،يجب �أن يقوم بن�شر املعلومات عن ال�سبعة ع�شر هدفًا لكل من يعرفون� ،أو يعتقدون �أنهم يهتمون ب�أي �شكل من الأ�شكال .وال�شيء ال��ذي ميكن عمله هو �أنه ويف �أي جمتمع �أنت فيه� .إذا كنت معلمًا، فعلمهم يف املدر�سة� ،إذا كنت واعظً ا ،ف�أوعظهم يف الكني�سة� ،إذا ك��ان��ت ل��دي��ك جمموعة من الأ�صدقاء فتحدث �إليهم. وت�ضمنت احلملة � أغنية «�أخ�بر اجلميع»، وه��ي �أغنية مت ت�سجيلها م��ن قبل �أح��د ع�شر �شخ�صا من �أك�بر جنوم املو�سيقا يف �إفريقيا، ً وقد رفعوا �سبعة ع�شر علمًا يف مواقع بارزة حول العامل ويف م�سريات جماهريية يف مئة بلد. ومت تنظيم احلملة بال�شراكة مع معلمني ورجال دين وو�سائل الإع�لام ومن�صات و�سائل الإعالم االجتماعية والرقمية ،ف�ض ًال عن فنانني ومنظمات �شعبية بهدف الو�صول �إل��ى � سبعة مليارات �شخ�ص يف �سبعة �أي��ام ،من اخلام�س والع�شرين من �سبتمرب �إلى الثاين من �أكتوبر. هذا وقد �أ�ضيء مبنى الأمم املتحدة ع�شية القمة التاريخية ب�صور عديدة تتعلق ب�أهداف التنمية امل�ستدامة والتعريف بها ،ف�ض ًال عن �إحياء الذكرى ال�سبعني لإن�شاء املنظمة الدولية.
19 العدد
81
أكتوبر -نوفمبر 2015م
ثقافة الفقر أسوأ من الفقر نفسه! مصطلحات 20
د .عبداهلل بن ربيعان-أكاديمي سعودي متخصص في االقتصاد والمالية ن�سمع عادة ونقر�أ ،القب�ض على مت�سول وبعد البحث والتق�صي وجد �أنه ميلك ماليني الرياالت� ،أو وجد عند فالن «الفقري» �شكلاً ومظهرًا ،عمارات و�أموال وفرية بعد وفاته. ويف ق�صة �أخرى ،يقول �أحد العاملني يف املجال اخلريي« :جددنا منزل �إحدى العوائل الفقرية ،و�أعدنا فر�شه وترتيبه ،و�صرفنا لهم راتبًا جيدً ا ،ومع ذلك فرب العائلة �إذا ما �أراد �شيئًا ف�إنه يت�صل بنغمة واحدة ثم يغلق اجلوال لأت�صل به من هاتفي».
العدد
�سيما ال�سعودي ،مثلما هي وا�ضحة يف املجتمعات الغربية. ولكن ه��ذا ال ينفى وج��ود تلك الثقافة� ،أو بع�ض �أجزائها على الأق��ل ،وهو ما يوجب على احلكومة وم�ؤ�س�سات املجتمع التعليمية والثقافية والدعوية حماربتها ،وحماولة ح�صرها يف حدها الأدنى. وخ�لا���ص��ة ال��ق��ول �أن���ه �إن ك��ان الفقر يولد الفقر ،ويزيد معدل الأمية والبطالة وما يتبعهما من تزايد اجلرمية وال�سرقة والعنف ،ف�إنه يف كل حاالته �أقل �أثرًا من ثقافة الفقر؛ لأن الفقر ميكن عالجه والق�ضاء عليه متى ت��واف��رت العزمية والنية ال�صادقة ،ولكن حينما يكون الفقر ثقافة مت�أ�صلة ،ف���إن العالج �سيكون بالت�أكيد �أ�صعب و�أك�ث�ر �أملً���ا ووق�� ًت��ا ،وه��و م��ا يوجب �سرعة عالج الأولى حتى ال تت�أ�صل الثانية يف النفو�س .وكفى اهلل اجلميع الفقر وثقافته.
81
مصطلح ثقافة الفقر ينسب إلى العالم أوسكار لويس أطلقه خالل دراسته على بعض األحياء المتخلفة في المكسيك
أكتوبر -نوفمبر 2015م
مم��ا ���س��ب��ق ،ومم���ا ن��ع��رف م��ن الق�ص�ص امل�شابهة ،ال بد من التفريق بني ال�شخ�ص الفقري، وال�شخ�ص الذي يعي�ش ثقافة الفقر ،فال�شخ�ص ���وال كثرية، ال��ذي يت�سول على رغ��م امتالكه �أم اً �أو كبري ال�سن الفقري �شكلاً وال��ذي وجد ورثته العمائر والأم��وال بعد موته ،ورب العائلة الذي يت�صل بنغمة واح��دة ثم يقفل طالبًا من الآخر االت�صال به حتى ال يدفع هلالت ب�سيطة على رغ��م ما قدمه له الطرف ال��ذي يت�صل به من م�ساعدات و�أم��وال نقلته من طبقة الفقراء �إلى متو�سطي احل��ال ،كلهم لي�سوا فقراء ،ولكنهم يعي�شون ثقافة الفقر ،ويت�صرفون مبا متليه هذه الثقافة. وم�����ص��ط��ل��ح ث��ق��اف��ة الفقرCulture of ،Povertyين�سب �إلى عامل �إنرثبولوجيا الأمريكي �أو�سكار لوي�س Oscar Lewis يف درا�سته على بع�ض الأحياء املتخلفة يف مدينة مك�سيكو�سيتي يف املك�سيك ،وعلى بع�ض �أبناء جالية «بورتريكو» املهاجرين للعي�ش يف مدينة نيويورك الأمريكية يف �أواخر خم�سينيات القرن املا�ضي. وبالت�أكيد ،فارق كبري بني عالج الفقر وعالج ثقافة الفقر ،ف��الأول �أ�سهل بكثري ،فقط يُعطى الفقري ما يكفيه من �أموال ومعونات حتى يخرج من دائرة الفقر ،ولكن عالج ثقافة الفقر �أمر ال ميكن التعامل معه ب�سهولة؛ فهو يحتاج �إلى زمن طويل ،وتغيري منط حياة الفرد �أو الأ�سرة التي تعي�ش تلك الثقافة؛ لتنتقل من ثقافة الفقر �إلى ثقافة الغنى �أو الكفاية على الأقل. اقت�صاديًا ،تقوم ال�سيا�سات املوجهة عادة على عالج الفقر� ،أو الفقر املدقع ،وهو انخفا�ض دخ��ل ال�شخ�ص ال��ي��وم��ي ع��ن م��ق��دار معني من املال (دوالر �أمريكي عادة ويف بع�ض امل�ؤ�شرات احلديثة رفع خط الفقر لدوالر ون�صف الدوالر �أو دوالرين) ،وال تتطرق �أبدًا هذه ال�سيا�سات - بح�سب علمي� -إلى عالج ثقافة الفقر. و�أ���س��ه��ل ال��ط��رق امل�ستخدمة ل��ع�لاج الفقر حاليًا ،هي ما ي�سمى بطريقة عد الر�ؤو�سHead ،– Count Indexوت��ك��ون ب��ت��ع��داد ال��ف��ق��راء ون�سبتهم للعدد الإجمايل لل�سكان؛ ليعرف كم ت�شكل ن�سبة الفقراء يف البلد ،وم��ن ثم توجه الأم����وال وامل��ع��ون��ات امل��ادي��ة ل��ه��م .ويعيب هذه الطريقة �أنها ال تفرق بني الفقري والأكرث فقرًا، وم��ن ثم هي غري ناجعة يف ع�لاج الفقر؛ لأنها تفرت�ض ت�ساوي اجلميع يف الفقر. الطريقة الأخ��رى الأك�ثر ا�ستخدامًا ،تقوم
على توجيه الإع��ان��ة وال��دع��م للأكرث ف��ق��رًا ،ثم الأق��ل فقرًا على الرتتيب ،وه��ي طريقة قيا�س فجوة الفقرPoverty Gap Index ؛ للح�صول على معلومات عن بعد الفقري �أو موقعه حتت خط الفقر ،ومن ثم �إعطاء كل فقري ،بح�سب موقعه ما يكفي لتجاوز خط الفقر. كما �أن هناك طرقًا �أخ��رى ملعاجلة الفقر، ولكنها تقت�صر على الفقر امل��ادي القائم على ح�سابات معدل الدخل ،ون�سبة الإعالة ،ومدى توافر �أ�سا�سيات احلياة. على اليد الأخرى ،يحتاج عالج ثقافة الفقر �إل��ى النفَ�س الطويل ،ف�صفات من يعي�ش هذه الثقافة �أنه �شخ�ص حمبط ،قليل التفا�ؤل ،قليل التعليم ،لي�س لديه الرغبة وال احلافز لتغيري منط حياته. كما �أن �أب��ن��اء تلك الثقافة ال ي�شاركون يف احلياة العامة ،وال يثقون بالآخرين ،وجتدهم دائمًا يتذمرون من ظلم املجتمع لهم ،وي�شعرون بالتهمي�ش ،وهو ما يجعلهم يفرِّطون يف الفر�ص التي قد ت�ؤدي �إلى تغيري م�سار حياتهم. والأخطر -بح�سب الدرا�سات -هو انتقال الثقافة من جيل �إلى جيل ،ومن الآباء �إلى الأوالد، وم��ن ث��م الأح��ف��اد ،وه��و م��ا يجعل تلك الثقافة تت�أ�صل يف النفو�س ،ولي�ست جمرد ثقافة ميكن تغيريها ونزعها ببع�ض اجلهود والتدخالت. �إن الفئة املذكورة لي�س لديها كل تلك ال�صفات ال�سيئة ،و�إذا �أخذنا يف احل�سبان اجلانب الديني وال�شرعي الذي يحارب تلك ال�صفات ،ويدعو �إلى التفا�ؤل وح�سن الظن ،ف�إن ثقافة الفقر ال ميكن مالحظتها بو�ضوح يف جمتمعنا اخلليجي ،وال
21
ألمانيا الحدث 22
تفتــح أبوابها أمام الالجئين
-حاتم غالي -ألمانيا-
العدد
داع�ش لهم. ومل ي��ق��ف الأم����ر ع��ن��د ه���ذا احل���د ،بل قدمت التعليمات مبزاولة الأطفال لتعليمهم ب��دءًا من تاريخ دخولهم �أملانيا ومتعتهم باحل�صانة الكافية ،كما مت تخ�صي�ص 6 ماليني ي��ورو مل�ساعدتهم خ�لال ال�سنتني املقبلتني. ويعود الف�ضل �إلى مريكل التي حظيت بالدعم الكايف من العديد من رجال الأعمال الذين انطلقوا يف �ضخ �أموال لتثبيتها على اخلطوة التي �أقدمت عليها عرب م�ساعدة �آالف الالجئني الذين نزحوا �إلى �أوروبا �إلى درج��ة و�صفتها ال�صحافة العاملية باملر�أة املالك. مواقف كرمية من جهة �أخرى� ،أثارت مريكل �إعجاب املاليني يف العامل ،حتى �إن عددًا من العرب وامل�سلمني يف �شتى بقاع املعمورة �أعلنوا عن ت�ضامنهم معها ب�سبب مواقفها “الكرمية” من ق�ضية الهجرة التي باتت ال�شغل ال�شاغل لقادة �أوروبا. ه��ذا الدعم مل يكن الوحيد ،بل خرج ال��ك��ث�ير م��ن ال��ع��رب يف ت��ظ��اه��رات دع��مً ��ا لهذه ال�سيا�سة التي وج��دت طريقها �إلى ق��ل��ب امل��واط��ن ال��ع��رب��ي ال��ب�����س��ي��ط ،ب�سبب ذلك املوقف الذي ت�سبب يف �سخط اليمني املتطرف املناه�ض للمهاجرين والالجئني. فاج�أت الر�أي العام الأوروبي ويف ال�سياق ذات��ه ،فاج�أ ق��رار مريكل ال������ر�أي ال���ع���ام يف غ��ال��ب��ي��ة دول االحت���اد الأوروب��ي ال��ت��ي ال ت��زال متحفظة ،حكامً ا و�شعوبًا ،على مبد�أ �إيواء الفارين من ويالت
81
�إجراءات �صارمة و�سط حتفظ �أغلب �شركائها الأوروبيني وحت���ذي���رات بع�ضهم م��ن ت��داع��ي��ات ه��ذه امل��وج��ة ال��ك�برى والقيا�سية على م�ستقبل القارة� ،شرّعت �أملانيا �أبوابها �أمام الالجئني ال�سوريني الذين ا�ستقبلتهم مريكل بنف�سها وقدمت لهم االع��ت��ذار ملن م��روا بظروف ���ص��ع��ب��ة ،وف����روا م��ن ج��ح��ي��م احل����روب يف بالدهم ،واعتذرت عن عدم �إمكانية توفري جميع حاجاتهم يف الوقت احلايل ،ولكنها وعدت بت�أمني جميع امل�ساعدات لهم. ويف وق��ت ي��زداد فيه تعر�ض الالجئني حل���وادث ت����ؤدي �إل��ى مقتل العديد منهم، �شددت امل�ست�شارة الأملانية يف م�ؤمتر �صحفي ع��ق��دت��ه يف ب��رل�ين ع��ل��ى ات��خ��اذ �إج����راءات �صارمة �ضد �أي حترك عن�صري ومتطرف ���ض��د ال�لاج��ئ�ين ،وق��ال��ت« :ال�����س��ل��ط��ات لن تت�سامح مع من ي�شككون بكرامة الآخرين، و�أح���ذر م��ن امل�شاركة يف مظاهرات ذات خ��ل��ف��ي��ات عن�صرية ومي��ي��ن��ي��ة م��ت��ط��رف��ة»، و�أك���دت على ���ض��رورة الإ���س��راع يف درا�سة طلبات اللجوء وخا�صة يف دول البلقان. املر�أة املالك ال�سيا�سية الأملانية التي تعي�ش ربيعها ال��ـ� 61سيذكرها التاريخ طويالً ،ال �سيما بعد �سماحها بدخول �أكرث من مليون الجئ �إلى بالدها دون �أي �شروط و�إدماجهم يف املجتمع مع رف�ض القوانني الزجرية �ضد الالجئني ال�سوريني وغريهم ممن تقطعت بهم ال�سبل ومل يجدوا �إال الأرا�ضي الأوروبية لالحتماء من نريان ال�صواريخ والرباميل ال ع��ن م�لاح��ق��ات تنظيم امل��ت��ف��ج��رة ،ف�ض ً
ميركل شددت على اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي تطرف مع الالجئين أكتوبر -نوفمبر 2015م
فاج�أت امل�ست�شارة الأملانية �أنغيال مريكل كل قادة دول االحتاد الأوروبي الآخرين بقرارها فتح �أبواب بالدها �أمام الالجئني ال�سوريني الذين �أو�صدت تقريبًا كل الأبواب يف وجهوهم يف غالبية البلدان العربية با�ستثناء بلدين اثنني هما لبنان والأردن ،لت�سحب الب�ساط من حتت �أقدام القادة الأوروبيني وتلوي �أذرعهم وتهدد مبحا�سبة ا�ستخدام العنف مع الالجئني ،م�ؤكدة �أنهم حتت احلماية الدولية مبوجب اتفاقية جنيف .
23
الحدث 24
ال��ن��زاع ال�����س��وري وتنظر �إليهم بو�صفهم خطرً ا على �أمنها وهوياتها. وقد �ساهمت عوامل كثرية يف ده�شة ال���دول الأوروب��ي��ة الأخ���رى �إزاء ق��رار فتح �أب���واب �أملانيا �أم���ام الالجئني ال�سوريني. ال �أنه معروف عن مريكل عالقتها ومنها مث ً ال�ضعيفة العلنية ع��ل��ى الأق����ل م��ع ع��وامل امل�شاعر والأحا�سي�س . أي�ضا �أن �أملانيا ت�أتي ومن هذه الأ�سباب � ً يف مقدمة دول االحتاد الأوروبي التي تطرح فيها ب�شكل منتظم االعتداءات العن�صرية �ضد طالبي اللجوء منذ ت�سعينيات القرن املا�ضي. معاملة الالجئني كمواطنني وتقول تقارير �صحفية �أملانية� ،إن مريكل �أ�صدرت قرارًا مبعاملة الالجئني كمواطنني �أمل��ان لهم نف�س احلقوق والواجبات ،وهذا الأم���ر دف��ع بالجئة غانية تقيم حاليًا يف مدينة هانوفر �إلى ت�سمية مولودتها �أنغيال مريكل ،تيمنًا باملوقف النبيل للم�ست�شارة
أعلن عدد من العرب والمسلمين تضامنهم مع ميركل بسبب مواقفها الكريمة من قضية الهجرة الأملانية وتعبريًا عن حبها و�إعجابها بها. والدة الطفلة �أوفيليا ،التي تنحدر من مدينة �أك��را عا�صمة غانا� ،أرادت �أن تعرب عن امتنانها و�إعجابها مبريكل فقررت �أن ت�سمي ابنتها على ا�سمها ،وتقول يف هذا ال�سياق عن امل�ست�شارة �إنها “امر�أة جيدة، وتعجبني”. وح��اول��ت مريكل �أن ت��روج �أن��ه��ا �صعبة امل���را����س و�أن ب�لاده��ا ل��ن ت�سمح بتوافد الالجئني ،لكنها �سرعان ما انهارت على وق��ع بكاء طفلة فل�سطينية تو�سلت �إليها
بالبقاء بلغتها الأملانية ،وكان ردها �آنذاك بالرف�ض �شارحة �أن الإجراءات الأوروبية ال ت�سمح بذلك. يف املقابل ،ي�شري �آخ��رون �إل��ى �سبب يرونه رئي�سً ا يف ا�ستجابة برلني للتعاطف ال��ك��ب�ير ل����دى الأمل������ان جت����اه ال�لاج��ئ�ين ال�سوريني ،يتمثل يف حماولة �ضخ دماء ج���دي���دة يف جم��ت��م��ع ي���ع���اين م���ن ح��ال��ة �شيخوخة مزمنة ،مل تفلح معها �إجراءات احلكومة يف احل��د منها بت�شجيع زي��ادة الن�سل ورفع معدل الوالدات. تغي �سيا�سة مريكل رّ من جهة �أخ��رى ،واجهت امل�ست�شارة الأملانية انتقادات بعد التغيري املفاجئ يف موقفها من �أزمة الالجئني� ،إذ انتقلت من �سيا�سة اليد املمدودة �إلى احلزم ،لذا �أعادت فر�ض رقابة على احلدود وبخا�صة م��ع النم�سا ،بعد الإق����رار ب�أنها تواجه �صعوبات يف التعامل مع الآالف من طالبي اللجوء الذين ي�صلون كل ي��وم ،و�أعلنت
العدد
81
أكتوبر -نوفمبر 2015م
�أن��ه��ا مل تعد ق���ادرة على ا�ستيعاب املزيد منهم ،وعلقت م�ؤقتًا حرية التنقل يف ف�ضاء �شنغن. ك��م��ا ع��ل��ق��ت �صحيفة «دي����ر �شبيغل» مبان�شيت ت�صدر �صفحتها «احللم اجلميل انتهى» بعدما حاولت �أملانيا وم�ست�شارتها على مدى �أ�سبوعني �أن تكون مثا ًال ل�سائر دول العامل عندما فتحت حدودها بالكامل �أمام طالبي اللجوء. ب��دوره��ا كتبت �صحيفة «�سودويت�شه ت�سايتونغ» �أن امل�ست�شارة الأملانية ما كان يجب �أن تغري �سيا�ستها بهذا ال�شكل املفاجئ حول م�س�ألة الالجئني ،م�ضيفة �أن عليها �أن «تقر ب�أنها �أ�ساءت تقييم الو�ضع �سيا�سيًا �أكرث من �أي وقت م�ضى». والأك�ث�ر �إح��راجً ��ا ملريكل هو �أن رئي�س وزراء املجر ال��ذي انتهج �سيا�سة مت�شددة جدً ا �ضد املهاجرين والذي عار�ض موقف �أملانيا علنًا ،كان �أول من رحب بهذا التحول
سياسة ميركل وجدت طريقها إلى قلب المواطن العربي البسيط بعد تعاملها الراقي مع الالجئين
يف موقفها عندما دع��ا �إل��ى �إع���ادة فر�ض «رقابة» �ضرورية على احلدود. �سياق �سيا�سي داخلي ق��رار �إع��ادة فر�ض رقابة على احلدود للحد م��ن تدفق ع�شرات �آالف الالجئني القادمني من البلقان مرورًا باملجر والنم�سا، جاء يف �سياق �سيا�سي داخلي ينطوي على خماطر بالن�سبة �إلى مريكل.
فالفرع البافاري �أي الأكرث ت�شددًا من حزب مريكل ،مل يرتدد يف انتقاد ال�سيا�سة املتعاطفة التي تنتهجها احلكومة. وط��ال��ب وزي���ر ال��ن��ق��ل وع�����ض��و احل��زب �ألك�سندر دوبرينت بـ«اتخاذ �إجراءات فعالة لوقف التدفق» قائالً� :إن بالده بلغت �أق�صى قدراتها على ا�ستيعاب املهاجرين. غياب الإعداد امل�سبق ك��م��ا �أن ح����زب االحت������اد امل�����س��ي��ح��ي الدميقراطي احلاكم ظهرت بوادر ان�شقاق داخله ،فقد اعترب ين�س يان �أح��د قياديي احلزب �أن �سيا�سة االنفتاح ت�شجع الالجئني على «التوجه �إلى �أملانيا». ع�لاوة على ذل��ك تعر�ضت مريكل �إلى انتقادات ر�ؤ�ساء حكومات املقاطعات الذين �أعربوا جميعهم ومن بينهم �أع�ضاء حزبها عن �أ�سفهم لعدم الإع��داد امل�سبق ل�سيا�سة فتح الأبواب �أمام الالجئني �أخريًا مما �أدى �إلى اكتظاظ مراكز اال�ستقبال.
25
الهجرة من الموت
أزمات الشرق األوسط المتفاقمة ترفع وتيرة الهجرة ألوروبا وتؤرق الدول المستقبلة الحدث 26
-محمد إسحاق -تركيا-
يف ال��دول الأوروبية يف بداية الثالثينيات �إلى �أواخر ال�ستينيات ،نظرًا حلاجة هذه املجتمعات للأيدي العاملة. وم��ع �أوائ���ل ال�سبعينيات� ،شعرت ال��دول الأوروبية ،ن�سبيًا ،باالكتفاء من الأيدي العاملة، ما جعلها تتبنى �إج��راءات قانونية تهدف �إلى احل��د من الهجرة غري ال�شرعية ،وفيما بعد �أ�صبح وج��ود املهاجرين على �أرا�ضيها ي�شكل خماطر كبرية ،ما ا�ستوجب �سن قوانني تقلل دخولهم �إلى �أرا�ضيها ملا ي�شكله وجودهم من خطر على �أمنها وا�ستقرارها ،وجت�سد ذلك �أكرث بعد �أح��داث � 11سبتمرب ،2001وتر�سخ ب�شكل كبري عقب الثورات العربية وما �سببته من م�شاكل �سيا�سية كبرية وكرثة الالجئني. اتفاقية “�شنجن” ازدادت هذه الإجراءات مع بداية تطبيق اتفاقية «�شنجن» التي دخلت حيز التطبيق، بدءًا من يونيو ،1985املوقعة بني كل من فرن�سا و�أملانيا ولوك�سمبورج وهولندا. وت�سمح االتفاقية حلامل ت�أ�شرية �أي دولة من الدول الأوروبية املوقعة على هذه االتفاقية ب��امل��رور يف �أرا���ض��ي بقية ال����دول ،ث��م ع��ادت وازدادت �إج��راءات احلد من ظاهرة الهجرة غري ال�شرعية مرة �أخرى بعد عام ،1990وهو العام الذي �شهد تو�سيع االحتاد الأوروبي.
العدد
القارة األوروبية الوجهة المفضلة لالجئين والمهاجرين
81
م�صطلح الهجرة تعني الهجرة يف �أب�سط معانيها حركة االنتقال ،فرديًا كان �أم جماعيًا ،من موقع �إلى �آخر بحثًا عن و�ضع �أف�ضل اجتماعيًا كان �أم اقت�صاديًا �أم دينيًا �أم �سيا�سيًا .وي�شري م�صطلح الهجرة غري ال�شرعية� ،أو الهجرة ال�سرية� ،إلى الهجرة من بلد �إلى �آخر ب�شكل يخرق القوانني املرعية يف البلد املق�صود ،بحيث يتم دخول البالد دون ت�أ�شرية دخول. ويختلف الالجئ غري ال�شرعي عن الباحث ع��ن امل�����أوى ،بحيث ال ميكن اعتبار املواطن الأج��ن��ب��ي ال��ذي ت��ق��دّم للح�صول على حماية وم���أوى الجئًا غري �شرعي ،خالفًا للمواطنني الأج���ان���ب ال��ذي��ن ي��ع�برون ح����دود املنظومة الأوروبية ،من دون ت�صاريح �أو ت�أ�شريات دخول، ومن دون التقدّم بطلب حماية� ،أو حال رف�ض مثل هذه الطلبات لعدم ا�ستحقاقها املتطلبات القانونية. وجهة مف�ضلة ت��ع��د ال��ه��ج��رة غ�ي�ر ال��ق��ان��ون��ي��ة� ،أو غري ال�شرعية� ،أو غري النظامية ،ظاهرة عاملية م��وج��ودة يف ال���دول امل��ت��ق��دم��ة ،ال �سيما دول القارة الأوروب��ي��ة التي باتت الوجهة املف�ضلة لالجئني واملهاجرين م��ن كافة دول العامل، وبخا�صة� سوريا والعراق وم�صر وتون�س وليبيا واليمن واملغرب .وب��دا وا�ضحً ا حجم املعاناة التي تعانيها دول املنظومة الأوروب��ي��ة خالل املرحلة التاريخية املعا�صرة على مدار ال�ساعة من تبعات الهجرة غري ال�شرعية فوق �أرا�ضيها. ويعود تاريخ الهجرة غري ال�شرعية �إلى �أوروب����ا ل�ستينيات ال��ق��رن امل��ا���ض��ي ،ومل تكن ظاهرة الهجرة غري ال�شرعية ت�شكل جرمية
أكتوبر -نوفمبر 2015م
ت�شكل الهجرة غري ال�شرعية تعبريًا عن رغبة الفرد يف التغلب على الظروف ال�صعبة ،والهروب من الفقر ،حتى باتت ق�ضية الهجرة غري ال�شرعية م�شكلة ت�ؤرق الدول امل�ستقبلة له�ؤالء املهاجرين ،وعلى ر�أ�سها دول �أوروبا التي تعترب امل�ستقبل الأول لهم. وقدرت منظمة العمل الدولية معدل حجم الهجرة غري ال�شرعية يف دول االحتاد الأوروبي بـ %15-10من عدد املهاجرين يف العامل� ،أما منظمة الهجرة الدولية فقدرتها بـ 1.5مليون فرد ،فيما ترى املنظمة الأوروبية ملراقبة احلدود (فرونتك�س) التابعة لالحتاد الأوروبي �أن ن�سبة املهاجرين لدول االحتاد الأوروبي زادت بن�سبة %250خالل �شهري يناير وفرباير 2015مقارنة بنف�س الفرتة من عام .2014
27
الحدث 28
وم��ن��ذ ع��ام � ،1995أخ���ذت ه��ذه املرحلة طابعًا �أمنيًا ،جل�أت من خالله الدول الأوروبية �إل��ى نهج �سيا�سة �أمنية عرب تنفيذ مقررات «القانون اجلديد للهجرة» ،ال��ذي ي�ستند �إلى تبني �إج�����راءات ���ص��ارم��ة بخ�صو�ص م�س�ألة الهجرة. وك��ان لهذه الإج����راءات �أث��ر عك�سي� ،إذ تركت يف �أو�ساط الراغبني يف الهجرة �إليها �شعورًا بالإحباط ،ما �أدى �إلى تن�شيط حركة الهجرة غري ال�شرعية �إل��ى ال��ق��ارة الأوروب��ي��ة ب�شكل الف���ت ل�لان��ت��ب��اه ،وذل���ك ع�بر وج��ه��ات خمتلفة ،مثل البوابة ال�شرقية املتمثلة يف بولندا ورو�سيا و�أوكرانيا ،وبوابة البلقان ،و�صو ًال �إلى اخل��ي��ار املف�ضل ل��دى ال��ع��دي��د م��ن الأف��ارق��ة، واملتمثل يف البوابة الإ�سبانية -املغربية عرب م�ضيق جبل طارق. احتواء الظاهرة انطلق النقا�ش يف ال��دول الأوروب��ي��ة حول ق�ضية الهجرة غري ال�شرعية �إليها ،ومو�ضوع طلبات اللجوء يف عام .1999لكن ال�سعي �إلى �إيجاد �سيا�سة �أوروبية موحدة بني كافة بلدان االحت��اد مل يت�ضح �إال يف قمة �سالونيكي التي عقدت يف 19يونيو .2003 وجاء انعقاد هذه القمة يف �ضوء التطورات
االتحاد األوروبي لم يتحرك إال بعدما باتت أمواج الالجئين تدق أبوابه ال�سيا�سية واالن��دم��اج�ي��ة ال�ت��ي ان�خ��رط فيها االحتاد الأوروبي ،بعد الت�صديق على الد�ستور املوحد وهياكل االحتاد اجلديدة ،وا�ستحقاقات التو�سع امل�ستقبلي �شرق القارة الأوروبية. وحاولت هذه القمة و�ضع معايري موحدة ل���دول االحت����اد ،م��ن �أج���ل الت�صدي للهجرة ال�سرية ،وت�ضييق فر�ص الدخول �إلى �أوروبا �إال وفق �شروط حمددة. ويف الإط��ار نف�سه ،وللغر�ض ذات��ه ،نظمت العديد من االجتماعات الثنائية واجلماعية منها امل�ؤمتر ال�سنوي املتو�سطي ملنظمة الأمن وال��ت��ع��اون ب���أوروب��ا ،ال��ذي مت يف ال��رب��اط عام ،2005وم���ؤمت��ر باملغرب يف �أك��ت��وب��ر ،2005 �شارك فيه وزراء داخلية دول .5+5 كما مت عقد امل�ؤمتر الأوروب��ي -الإفريقي الأول ملكافحة الهجرة ال�سرية بالرباط يف
� ،2006إ�ضافة �إل��ى م�ؤمتر باري�س يف نوفمرب 2008الذي اعتمد برناجمً ا للتعاون يف الفرتة ما بني عامي 2009و 2011يف تنظيم الهجرة ال�شرعية ،ومكافحة الهجرة غري امل�شروعة، وتعزيز التن�سيق والربط بني الهجرة والتنمية. نقطة التحول ومنذ عام ،2013بد�أت م�شكلة الالجئني تكرب وحتولت �إل��ى �أزم��ة فر�ضت نف�سها على امل�شهد ال��دويل بعدما تفاقم ع��دد الالجئني وطالبي اللجوء والنازحني داخليًا خالل العام اجلاري. لكن القوى الكربى ،ومنها االحتاد الأوروبي مل تتحرك �إال بعدما باتت تدق �أبوابها �أمواج الالجئني الهاربني من ويالت احلرب يف �سوريا وال��ع��راق و�أفغان�ستان وغ�يره��ا ،ونقلت بع�ض و�سائل الإعالم �صورًا من املعاملة الال�إن�سانية لهم ،وبخا�صة يف املجر. و���ش��ك��ل��ت ����ص���ورة ج��ث��ة ال��ط��ف��ل ال�����س��وري �أيالن (ثالث �سنوات) وهو ممدد على وجهه ب�سواحل تركيا و»�شاحنة املوت» �أو «العار» كما ي�سميها النم�ساويون ،نقطة التحول احلقيقي واملف�صلي يف املوقف الأوروب���ي� ،إذ دف��ع هذا احل��ادث الأوروب��ي�ين للتحرك اجل��دي ملعاجلة �أزمة الالجئني.
تعتبر قارات إفريقيا وآسيا واألمريكيتين الجنوبية والوسطى منبعا للهجرة غير ً الشرعية مع �صربيا ،و�أعلن الرئي�س فران�سوا هوالند ا�ستعداد البالد ال�ستقبال الالجئني يف �إطار نظام الكوتا الأوروبية. يف ح�ين واف��ق رئي�س ال���وزراء الربيطاين ديفد كامريون من جهته يوم � 7سبتمرب املا�ضي على ا�ستقبال ب�لاده نحو ع�شرين �أل��ف الجئ �سوري على مدار خم�س �سنوات. ل��ك��ن احل��ك��وم��ة امل��ج��ري��ة ال��ت��ي �سمحت لالجئني بالذهاب يف احلافالت والقطارات �إل��ى �أملانيا والنم�سا ،ع��ادت و�أك���دت �أنها لن ت�سمح بدخول من �سمتهم باملهاجرين الذين ال يحملون �أوراقًا قانونية. امل�ست�شارة الأملانية ت�سحب الب�ساط من حتت �أقدام القادة الأوروبيني بدورها �شهدت �أملانيا مظاهرات تطالب ب��ال��ت��ح��رك للتعامل الإن�����س��اين م��ع الالجئني والتخفيف من م�آ�سيهم ب�شن حرب على جتار
81
أكتوبر -نوفمبر 2015م العدد
كما دخ��ل ال�شارع الأوروب���ي على اخلط، وب��خ�لاف اجت���اه ال��ي��م�ين امل��ت��ط��رف ،خرجت مظاهرات بالعا�صمة النم�ساوية فيينا يوم � 23أغ�سط�س املا�ضي ،تطالب بفتح احل��دود و�إنقاذ ال�ضحايا ،ورفع املتظاهرون �شعارات عديدة منها «ال وجود لإن�سان غري �شرعي ،لن نقبل باجلرمية بعد اليوم ولن ن�صمت� ،أوقفوا املجزرة». ات�ساع دائرة التعاطف وتو�سعت دائ���رة التعاطف م��ع الالجئني داخ��ل النم�سا وطبقتها ال�سيا�سية والثقافية ال��ت��ي ب���د�أت تتحدث يف و�سائل الإع�ل�ام عن امل�أ�ساة الإن�سانية و�أ�سبابها احلقيقية. ومل ي�شذ الرئي�س النم�ساوي هاينز في�شر عن ه��ذه احلالة العامة من التعاطف ،فقال يف خطاب له «ل�سنا وحدنا على هذا الكوكب، هناك من مي��وت كي يعي�ش مثلنا ،فحفاظنا على حريّتنا يكمن يف القدرة على حماية ه�ؤالء النا�س و�ضمان حقهم بعي�ش كرمي بيننا». �أم����ا ال��ف��رن�����س��ي��ون ف��ق��د غ��ي�روا ر�أي���ه���م، وخ��رج��ت الأح����زاب ال�سيا�سية ع��ن �صمتها، و�أظ��ه��ر ا�ستطالع ل��ل��ر�أي� ،أن �أك�ثر م��ن %56 من الفرن�سيني مع ا�ستقبال الالجئني ،بعدما مل تتجاوز الن�سبة قبل ذلك .%46وكان وزير اخلارجية لوران فابيو�س دعا املجر �إلى �إزالة الأ�سالك ال�شائكة التي �أقامتها على حدودها
امل��وت مهربي الب�شر ،وق��د �شرّعت �أملانيا يف الأيام املا�ضية �أبوابها �أمام الالجئني ال�سوريني، ويعود الف�ضل يف ذلك �إلى امل�ست�شارة الأملانية �أنغيال مريكل التي حظيت بالدعم الكايف من العديد من رج��ال الأعمال الذين انطلقوا يف �ضخ �أموال لتثبيتها على اخلطوة التي �أقدمت عليها ع�بر م�ساعدة �آالف الالجئني الذين نزحوا �إلى �أوروبا� ،إلى درجة و�صفتها ال�صحافة العاملية باملر�أة املالك. ه���ذا ال��دع��م مل ي��ك��ن ال��وح��ي��د ،ب��ل خ��رج العراقيون يف تظاهرات دعمًا لهذه ال�سيا�سية التي وجدت طريقها �إلى قلب املواطن العربي الب�سيط ،ب�سبب ذلك املوقف الذي ت�سبب يف �سخط اليمني املتطرف املناه�ض للمهاجرين والالجئني. ال�سيا�سية الأمل��ان��ي��ة ال��ت��ي تعي�ش ربيعها الـ 61رف�ضت القوانني الزجرية �ضد الالجئني ال�سوريني وغريهم ممن تقطعت بهم ال�سبل ومل يجدوا �إال الأرا�ضي الأوروبية لالحتماء من نريان ال�صواريخ والرباميل املتفجرة ،ف�ض ًال عن مالحقات تنظيم داع�ش لهم. و�سحبت امل�ست�شارة مبواقفها ال�شجاعة، بح�سب البع�ض ،الب�ساط من حتت �أقدام القادة الأوروبيني ولوت ذراعهم وهددت مبحا�سبة �أي نظام عامل الالجئني بالعنف ،م�ؤكدة �أنهم حتت احلماية الدولية مبوجب اتفاقية جنيف، و�أن �أي جرمية ارتكبت يف حقهم �ستتم حما�سبة مرتكبيها. ل��ق��د �سمحت ه���ذه ال�سيا�سية الأمل��ان��ي��ة التي �سيذكرها التاريخ طويالً ،بدخول �أكرث من مليون الجئ �إل��ى بالدها دون �أي �شروط و�إدماجهم يف املجتمع ،ومل يقف الأمر عند هذا احلد ،بل قدمت التعليمات مبزاولة الأطفال لتعليمهم بدء من تاريخ دخولهم �أملانيا ومتعتهم باحل�صانة الكافية ،كما خ�ص�صت 6ماليني يورو مل�ساعدتهم خالل ال�سنتني املقبلتني. مهاجرون �أم الجئون؟ �أك��دت املفو�ضية ال�سامية للأمم املتحدة ل�ش�ؤون الالجئني� ،أن هناك فرقًا مهمًا بني امل�صطلحني ،وبينت �أن الالجئني �أ�شخا�ص تركوا بلدانهم خوفًا على حياتهم وحريتهم من ال�صراع امل�سلح� ،أو اال�ضطهاد والقمع بعدما وجدوا �أنف�سهم -يف الغالب -يف و�ضع خطر
29
الحدث 30
وظ��روف ال تحُ تمل دفعتهم �إل��ى عبور احلدود الوطنية بحثًا عن الأم��ان يف ال��دول املجاورة، وعلى هذا الأ�سا�س يتم االع�تراف بهم دوليًا بو�صفهم الج��ئ�ين م��ن حقهم احل�صول على امل�ساعدة م��ن ال���دول واملفو�ضية ومنظمات �أخرى؛ لأن عودتهم �إلى �أوطانهم خطرية جدً ا ويحتاجون �إل���ى م�لاذ �آم���ن ،وحرمانهم من اللجوء يعر�ضهم لعواقب مميتة. اتفاقيات وقوانني دولية حدد القانون الدويل تعريفًا لالجئني ووفر لهم احلماية ،وتعد اتفاقية عام 1951املتعلقة بو�ضع الالجئني وب��روت��وك��ول��ه��ا ل��ع��ام ،1967 بالإ�ضافة �إلى ن�صو�ص قانونية �أخرى كاتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية حلماية الالجئني ع���ام 1969؛ امل��رج��ع الأ���س��ا���س��ي يف حماية الالجئني يف الع�صر احلديث ،كما مت �إدخال املبادئ القانونية الثابتة يف هذه االتفاقيات يف عدد كبري من القوانني واملمار�سات الأخرى الدولية والإقليمية والوطنية. وع��� ّرف���ت ات��ف��اق��ي��ة ع���ام 1951ال�لاج��ئ وح��ددت احلقوق الأ�سا�سية التي يتعني على ال��دول �ضمانها لالجئني ،وم��ن �أه��م املبادئ الأ�سا�سية املن�صو�ص عليها يف القانون الدويل
يصل عدد الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين إلى 40 دولة منع طرد الالجئ �أو �إعادته �إلى �أو�ضاع تهدد حياته وحريته. وت�شمل ح��ق��وق ال�لاج��ئ�ين حمايتهم من ال��ع��ودة للمخاطر ال��ت��ي ف���روا منها ،ووج��وب ا�ستفادتهم م��ن �إج�����راءات ال��ل��ج��وء العادلة وال��ف��ع��ال��ة ،واح���ت��رام ح��ق��وق��ه��م الإن�����س��ان��ي��ة الأ�سا�سية ،ومنها العي�ش بكرامة ،وم�ساعدتهم على �إيجاد حلول طويل الأمد .وتتحمل الدول م�س�ؤوليات جت��اه الالجئني على �أرا�ضيها �أو على حدودها ،وت�ساعدها يف ذلك املفو�ضية ال�سامية للأمم املتحدة ل�ش�ؤون الالجئني. م��ن ج��ه��ة �أخ�����رى� ،أو���ض��ح��ت املفو�ضية ال�سامية للأمم املتحدة ل�ش�ؤون الالجئني �أن املهاجرين يختلف و�ضعهم ع��ن الالجئني،
لأن��ه��م �أ�شخا�ص غ���ادروا بلدانهم اخ��ت��ي��ارًا ال ا�ضطرارًا ،بهدف �إيجاد فر�ص عمل وتعليم �أف�ضل وحت�سني م�ستواهم املعي�شي� ،أو جمع ���ش��م��ل الأ����س���رة ،وب���إم��ك��ان��ه��م -ع��ل��ى عك�س الالجئني -العودة �إلى وطنهم دون م�شاكل �أو خماطر ،والدول غري ملزمة بتقدمي امل�ساعدة لهم ،وال يحق لهم املطالبة بها. توزيع الالجئني عقد وزراء داخلية االحتاد الأوروبي يف 14 �سبتمرب املا�ضي يف بروك�سل اجتماعً ا بحثوا خالله م�س�ألة توزيع � 160ألف الجئ موجودين يف املجر واليونان و�إيطاليا على ال��دول الـ28 الأع�ضاء ،دون �أن يتو�صلوا �إلى اتفاق. وبح�سب احل�ص�ص املقرتحة من املفو�ضية الأوروب��ي��ة واملرفو�ضة حتى الآن من قبل �أربع دول يف �أوروب����ا ال�شرقية (امل��ج��ر ،وب��ول��ن��دا، و�سلوفاكيا وجمهورية الت�شيك)� ،ست�ستقبل �أملانيا 31443الجئًا ،وفرن�سا ،24031و�إ�سبانيا ،14931بينما يتوزع الباقون على باقي الدول تبعًا مل�ستوى الدخل القومي لكل دول��ة ون�سبة البطالة فيها. وكانت 21دولة من دول االحتاد الأوروبي ب��د�أت العام املا�ضي بت�سيري دوري���ات بحرية
لم تكن ظاهرة الهجرة تشكل جريمة في الدول األوروبية في بداية الثالثينيات وحتى أواخر الستينيات
العدد
وت�شري بع�ض الأرق��ام �إل��ى �أن��ه يتم �سنويًا تهريب قرابة � 55ألف مهاجر �أو الجئ من �شرق و�شمال �إفريقيا �أو غربها �إل��ى �أوروب��ا ،ويقدر عائدها على املهربني بـ 150مليون دوالر. قوارب املوت ال يعب�أ املهربون بعد �أن يتقا�ضوا مبالغ طائلة م��ن الالجئني �أو املهاجرين بظروف الرحلة و�شروط ال�سالمة والأمان ،بل يتعاملون معهم كفرائ�س �أو قطعان ما�شية ،ويركبونهم يف الأغلب يف قوارب �صيد غري جمهزة ي�ستخدمها �صاحبها لتهريب املهاجرين غري ال�شرعيني ع�ب�ر ال��ب��ح��ر ،وي��ع��ب��ئ يف ال���ق���ارب ال�صغري �أك�ثر من � 200شخ�ص ليرتكهم قبل م�سافة بعيدة من ال�شاطئ املق�صود ليكملوا الطريق ب�أنف�سهم متعر�ضني ب��ذل��ك ملخاطر �شتى. ويف بع�ض الأحيان يوجه املهربون �ضحاياهم لل�سري يف ال�����ص��ح��ارى� ،أو ب��ج��ان��ب ال�سكك
81
إيطاليا أقرب الوجهات وأكثرها تفضي ًلا ..وليبيا بلد العبور للمهاجرين األفارقة
أكتوبر -نوفمبر 2015م
يف عر�ض البحر الأبي�ض املتو�سط يف �إط��ار عملية ت�شرف عليها هيئة احل��دود الأوروب��ي��ة (فرونتك�س) و�أطلق عليها ا�سم «تريتون». غري �أن االحت��اد الأوروب��ي �أعلن هذه املرة ا�ستعداده لالنتقال �إل��ى الهجوم يف �أعماق البحار ملالحقة �شبكات التهريب واالجت���ار بالب�شر التي ت�ستغل و�سائل التوا�صل االجتماعي ال�صطياد �ضحايا ون�شر الإع�لان��ات والقيام بالدعاية لرحالتها املتعددة االجتاهات. 7مليارات دوالر عائدات التهريب لعل من �أ�سو�أ ما يتعر�ض له طالب اللجوء ه��م �سما�سرة ال��وه��م� ،إذ ي��وج��د يف اخلفاء �شبكات ���س��ري��ة وا���س��ع��ة وع�����ص��اب��ات منظمة ت�صطاد احل��امل�ين باللجوء وتنهب �أموالهم لتختفي بعدها� ،أو الأ���س��و�أ من ذلك ت�سلمهم لل�سلطات املعنية. وت�صل عائدات تهريب الب�شر �إل��ى �سبعة مليارات دوالر ،جتنيها ع�صابات التهريب �سنويًا ح�سب تقدير مكتب الأم���م املتحدة ملكافحة املخدرات واجلرمية. وقال املكتب يف التقرير الذي ك�شف عنه، م���ؤخ��رًا� ،إن ه��ذه احل�صيلة امل��ادي��ة ال�ضخمة ت�شمل م�سارين رئي�سيني :الأول من �إفريقيا ب��اجت��اه �أوروب�����ا ،وال��ث��اين م��ن ج��ن��وب ال��ق��ارة الإفريقية �إلى �أمريكا.
احلديدية مل�سافات طويلة� ،أو ي�شحنونهم يف حاويات قد ميوتون داخلها اختناقًا. وذك����ر ت��ق��ري��ر ح��دي��ث مل��ن��ظ��م��ة ال��ه��ج��رة الدولية� ،أن �أربعني �ألف �شخ�ص لقوا حتفهم يف عام ،2014منهم ثالثة �آالف غرقوا يف البحر وهم يحاولون الو�صول �إلى �أوروبا. ومل حت�صل متابعات ل�صعوبة الو�صول �إلى اجلناة املنخرطني يف اقت�صاد مافيوي ي�صعب معه حتديد امل�س�ؤولية ،وهو الأمر الذي يتطلب ـــ ب��ر�أي مدير مكتب الأم��م املتحدة ملكافحة امل��خ��درات واجل��رمي��ة ي��وري ف��دوت��وف ـــ تقوية التعاون الدويل ملواجهة هذا النوع من اجلرمية املنظمة العابرة للقارات. تعبئة �سيا�سية و�أمنية ت�شهد ال��ف�ترة اجل��اري��ة تعبئة �سيا�سية و�أمنية على �صعيد ب��ل��دان االحت���اد الأوروب���ي يف �صيغ ل��ق��اءات مرنة ت�شارك فيها الدوائر الأمنية للبلدان الأوروبية اخلم�س الكربى ،التي تق�صدها غالبية تيارات الهجرة ال�سرية ،وهي �إ�سبانيا و�إيطاليا وفرن�سا وبريطانيا و�أملانيا. وقد ركزت معظم امل�شروعات امل�شرتكة بني االحتاد الأوروبي وحكومات دول �شمال �إفريقيا على منع املهاجرين غري ال�شرعيني ،بالقوة، من الت�سلل �إلى �أوروبا� ،سواء عن طريق �إن�شاء مع�سكرات احتجاز� ،أو ترحيل املهاجرين غري ال�شرعيني. كما �سعت هذه اجلهود �إلى دعم االتفاقات الأمنية امل�شرتكة الثنائية �أو اجلماعية بني الدول الواقعة على �ضفتي املتو�سط ،التي تتيح الدعم امل��ادي واللوجي�ستي حلكومات �شمال �إفريقيا ،وكذا اتخاذ �إج��راءات �أمنية جديدة لت�شديد ال��رق��اب��ة على احل���دود ،وال��رف��ع من قدرات احلرا�سة ،وتعقب املهربني واملهاجرين �أنف�سهم.
31
الحدث 32
ب��الإ���ض��اف��ة �إل���ى �إن�����ش��اء بنك معلوماتي �أوروبي للإنذار املبكر لل�سلطات الأمنية بوجود مهاجرين غري �شرعيني داخل �أوروبا. ويف ه��ذا الإط���ار� ،أق��ر االحت��اد الأوروب���ي، م���ؤخ��رًا ،خطة �أمنية ملالحقة ال�شبكات التي تر�سل �آالف املهاجرين عرب البحر الأبي�ض املتو�سط نحو �أوروب���ا ،فيما �أع��رب الناتو عن ا�ستعداده التام للم�ساعدة. من ناحية �أخ���رى� ،صرح خافيري �سوالنا املمثل ال�سامي لل�سيا�سة اخلارجية والأمنية امل�����ش�ترك��ة ب���االحت���اد الأوروب������ي� ،أن من�سقة ال�����س��ي��ا���س��ة اخل��ارج��ي��ة ب���االحت���اد الأوروب������ي فيديريكا موغريني تتوقع بدء العملية الأمنية قريبًا ،وذلك بعد �إعالن التربعات من املعدات الع�سكرية واال�ستعدادات الع�سكرية. ويف الوقت نف�سه ،يوا�صل امل�س�ؤولون يف االحت��اد الأوروب���ي البحث عن تفوي�ض �أممي للح�صول على ال�شرعية كاملة ملالحقة املهربني وجتار الب�شر وتدمري قواربهم. م��ن جهة �أخ����رى� ،أع��ل��ن م��ن��دوب رو�سيا الدائم لدى الأمم املتحدة فيتايل ت�شوركني� ،أن مو�سكو ال تدعم اقرتاح االحتاد الأوروبي �إجراء عملية �ضد �سفن مهربي الب�شر يف املتو�سط، م�ؤكدً ا ا�ستعداد اجلانب الرو�سي للبحث عن �سبل لت�سوية الق�ضية يف جمل�س الأمن.
40ألف شخص لقوا حتفهم عام 2014 منهم 3آالف غرقوا وهم يحاولون الوصول ألوروبا كما حث الأمني العام للأمم املتحدة بان ك��ي م��ون ،ال���دول الأوروب��ي��ة على التخلي عن التعامل الع�سكري مع �أزم��ة املهاجرين غري ال�شرعيني يف مياه البحر املتو�سط ،م�ؤكدً ا �أنه ال يوجد حل ع�سكري للكارثة يف املتو�سط. ح�ل��ول ع��دمي��ة اجل ��دوى وتنتهك حقوق الإن�سان على ال��رغ��م م��ن �أن غالبية امل�شروعات الأوروب��ي��ة التي طرحت ملكافحة الهجرة غري ال�شرعية تقوم على احللول الأمنية� ،إال �أن التجارب �أثبتت �أنها ال ت�ؤدي �إلى نتائج �إيجابية فهي حلول غري عملية ،كونها تهمل الأ�سباب وال���ظ���روف املحيطة مب��و���ض��وع ال��ه��ج��رة غري ال�شرعية .ومن ناحية �أخ��رى ،ف�إن هذا النوع من احللول مكلف بالفعل� ،إذ ينفق االحت��اد
الأوروبي بالفعل �أموا ًال طائلة ،ولكن يف الطريق اخلط�أ. من جهة �أخ��رى ،ف���إن الإج���راءات الأمنية التي اتخذتها ال���دول الأوروب��ي��ة تتعار�ض مع املواثيق واالتفاقيات الدولية اخلا�صة بحقوق الإن�سان .فالدول الأوروب��ي��ة التي تتحدث عن اح�ت�رام ح��ق��وق الإن�����س��ان و���ض��رورة تكري�سها واقعيًا وكونيًا ،هي ذاتها التي تقيد احلق يف التنقل الذي تنادي به املواثيق والعهود الدولية. وتن�ص امل��ادة الثالثة ع�شرة من الإع�لان العاملي حلقوق الإن�سان على« :حق �أي �شخ�ص يف اختيار مكان �إقامته وحرية التنقل داخل �أي بلد ي�شاء» .كما ت�ؤكد �أن «لكل �شخ�ص احلق يف مغادرة �أي بلد والعودة �إلى بلده الأ�صلي». كما �أن هذه الدول الأوروبية هي التي تنتهك احل��ق��وق املدنية واالجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية للمهاجرين ال�سريني وال�شرعيني، املوجودين فوق �أرا�ضيها ،وهي التي جتعل منهم مواطنني من الدرجة الثانية ،بامتهان كرامتهم ومتريغها يف وحل التمييز العن�صري. أي�ضا مل ت�صدق دول االحت��اد الأوروب���ي، � ً حتى اليوم ،على اتفاقية الأمم املتحدة املتعلقة بحماية جميع حقوق العمال املهاجرين و�أفراد �أ�سرهم لعام 1990التي دخلت حيز التنفيذ يف عام .2003
تصل عائدات تهريب البشر إلى سبعة مليارات دوالر تجنيها عصابات التهريب سنو ًيا ليبيا يف املقدمة ،وذلك نظرًا لقربها من �أوروبا، وقد ت�صاعدت عمليات الهجرة ب�شكل كبري بعد �سقوط نظام معمر القذايف ،ف�أ�صبحت الهجرة غري ال�شرعية جتارة مربحة جدً ا حتى بالن�سبة لبع�ض امليلي�شيات. وال تبعد ال�سواحل الليبية �أك�ثر من 300 كيلومرت عن جزيرة المبيدو�سا الإيطالية ،التي ت�شهد ك��ل ع��ام و���ص��ول �آالف املهاجرين غري ال�شرعيني. ومع �ساحل طوله 1770كيلومرتًا� ،أ�صبحت ليبيا نقطة انطالق املهاجرين غري ال�شرعيني الذين يحاولون عبور البحر املتو�سط يف رحلة حمفوفة باملخاطر للو�صول �إلى �أوروبا. وتت�شارك ليبيا بحدود برية ،بطول حوايل خم�سة �آالف كيلومرت ،م��ع م�صر وال�سودان والنيجر وت�شاد واجلزائر وتون�س. و�أك�بر تدفق للمهاجرين م�صدره �شمال النيجر� ،إذ ينقل امل��ه��اج��رون ع�بر �شبكات
العدد
81
أكتوبر -نوفمبر 2015م
�إح�صائيات و�أرقام تعترب ق��ارت��ا �إف��ري��ق��ي��ا و�آ���س��ي��ا وال��ق��ارت��ان الأمريكيتان اجلنوبية والو�سطى منبعًا للهجرة غري ال�شرعية ،وي�صل ع��دد ال��دول امل�صدرة للمهاجرين غري ال�شرعيني �إلى 40دولة� ،أهمها دول �أمريكا الو�سطى واجلنوبية ودول �آ�سيا (ال�صني وباك�ستان) ودول �إفريقيا. ك��م��ا ت��ع��د �إي��ط��ال��ي��ا ه��ي �أق����رب ال��وج��ه��ات و�أكرثها تف�ضيلاً ،وق��دّر عدد املهاجرين غري ال�شرعيني الذين و�صلوا �إل��ى �شواطئها عام 2013م ب���ـ 4200مهاجر ،وه��و ع��دد يفوق ما �سجّ ل يف العام ال�سابق بـ 3مرات ،ما يدلّ على �أن امل�شكلة ت�ستفحل مع الزمن. وت�شري تقديرات املفو�ضية العليا لالجئني التابعة للأمم املتحدة �إلى �أن �أكرث من � 430ألف مهاجر والجئ عربوا البحر املتو�سط منذ يناير املا�ضي ،لقي 2748حتفهم� ،أو فقدوا بح�سب �آخر �أرقام املنظمة الدولية للهجرة ،وقد و�صل نحو � 310آالف منهم �إلى اليونان ،و� 120ألفا �إلى �إيطاليًا ،بح�سب املنظمة الدولية للهجرة. وي�شكل ال�سوريون ن�صف عدد الذين عربوا املتو�سط منذ ب��داي��ة ال��ع��ام اجل����اري ،و%70 من الذين و�صلوا �إلى اليونان ،يليهم الأفغان ( ،)%13ثم الإري�تري��ون ( )%8والنيجرييون ( )%4وال�صوماليون (.) %3 �أما من حيث بلدان العبور لأوروب��ا ،فت�أتي
من املهربني الذين ي�أتون بهم �إل��ى منطقتي الكفرة و�سبها ،اللتني تعدان �أهم مناطق جتمع املهاجرين يف جنوب ليبيا. وقبل عام ،2011كانت الغالبية ال�ساحقة م��ن امل��ه��اج��ري��ن م��ن ب��ل��دان �إف��ري��ق��ي��ا جنوب ال�صحراء مثل النيجر وال�سودان وال�صومال �����ض��ا من و�إري�ت�ري���ا و�إث��ي��وب��ي��ا وغ��ان��ا ،ول��ك��ن �أي ً الكامريون والغابون. وبينت املفو�ضية �أن ه����ؤالء املهاجرين والالجئني جل���ؤوا �إلى �أملانيا التي قد ت�ستقبل هذه ال�سنة نحو «مليون» مهاجر بح�سب �سيغمار غابرييل ن��ائ��ب امل�ست�شارة الأمل��ان��ي��ة �أجنيال م�يرك��ل ،حتى �إن بقي توقع ال��ع��دد � 800أل��ف املعلن منت�صف �أغ�سط�س املا�ضي على حاله ر�سميًا. وت�����س��ج��ل ال��ب��ل��دان ال��واق��ع��ة ع��ل��ى طريق أي�ضا ن�سب وخ�صو�صا النم�ساً � - ً الالجئني - تدفق قيا�سية ،علمًا ب���أن املجر ا�ستقبلت يف � 13سبتمرب املا�ضي 5809مهاجرين� ،أي قبل يومني من �إقفال ثغراتها احلدودية مع �صربيا. ويف اليونان ا�ستقبلت جزيرة لي�سبو�س نحو � 22.5أل��ف الج��ئ ومهاجر� ،أي رب��ع تعدادها ال�سكاين .واجلزيرة املذكورة هي �إحدى اجلزر اليونانية العديدة يف بحر �إيجه التي ت�ضطر ملواجهة تدفق كبري للمهاجرين الذين يبحرون عرب املتو�سط من تركيا.
33
سياسة 34
تغ ّير موازين القوى الدولية
صعود الصين كقطب دولي يقلب الموازين
ات��ف��اقً��ا على �أن ال�صني تعد املناف�س القوي واملحتمل ل��ل��والي��ات امل��ت��ح��دة الأم��ري��ك��ي��ة على ال�صعيد ال��دويل ،فال�صني كانت -وال تزال - ت�ستع�صي على فهم الأمريكيني؛ نظرًا للغمو�ض والتعقيد وعدم دقة املعلومات املتاحة حول هذه الدولة التي ت�شرف على �أن تكون واحدة من �أهم القوى يف عاملنا املعا�صر. ال���ص�ين ع�ل��ى ر�أ�� ��س اه �ت �م��ام��ات ال��والي��ات املتحدة ونتيجة ل��ذل��ك ج���اءت ال�صني على ر�أ���س اهتمامات الواليات املتحدة يف �أغلب التقارير اال�سرتاتيجية الأمريكية التي ت�صدر بحثًا عن معامل وا�ضحة ال�سرتاتيجية كربى تعمل الواليات املتحدة على هديها بعد انتهاء ا�سرتاتيجية «االحتواء» بانتهاء احلرب الباردة. وتوقع تقرير جمل�س اال�ستخبارات الوطنية الأمريكي املعنون بـ «االجتاهات العاملية لعام ..2025حتول العامل»� ،أن تكون ال�صني �أكرب دول العامل اقت�صادًا ،و�أنها �ستكون قوة ع�سكرية رائ���دة ،يف ظل �سعيها وا�ستعدادها ملزيد من الت�أثري يف ال�سيا�سة الدولية على مدى الع�شرين �سنة القادمة من �أي بلد �آخر. وع���زا ك��ث�ير م��ن املحللني ���ص��ع��ود ال�صني
العدد
الصين على رأس اهتمامات الواليات المتحدة في أغلب تقاريرها االستراتيجية
81
جدل حول م�ستقبل القوة الأمريكية وع���ل���ى رغ����م ���س��ع��ي ال����والي����ات امل��ت��ح��دة لعك�س م�سار عجلة التاريخ املرتبط بانهيار الإم�ب�راط���وري���ات ال���ك�ب�رى ،وال��ب��ح��ث ع��ن كل الو�سائل ال�لازم��ة والكفيلة لت�أبيد زعامتها وقوتها� ،إال �أن العقد الأول من القرن احلادي والع�شرين �شهد جد ًال داخل الأو�ساط ال�سيا�سية والأك��ادمي��ي��ة الأمريكية والغربية ،بل العربية أي�ضا ،ح��ول م�ستقبل القوة الأمريكية يف ظل � ً التغريات احلادثة يف �شكل النظام الدويل الذي مل تت�شكل مالحمه بعد وحتوالت ميزان القوى من الغرب �إلى ال�شرق (القارة الآ�سيوية). وي��ح��ت��دم ه���ذا اجل���دل ب�ين ت��ي��اري��ن ،ي��رى �أولهما �أن ال��والي��ات املتحدة يف ط��ور الرتاجع ال��ذي يجعلها تلحق بغريها من القوى الكربى واحل�����ض��ارات العظمى التي �سبق �أن فر�ضت هيمنتها على ال��ع��امل و�شكلته ،ث��م تراجعت وان���دث���رت ،م��ع ت�ساقط حلفائها يف خمتلف مناطق العامل ،وبروز قوى عظمى �أخرى تتناف�س على دورها .يف حني يرى �أن�صار التيار الثاين �أن القوة الأمريكية ال تزال يف ذروتها ،و�أنها �أبعد ما تكون عن الرتاجع. قوى �صاعدة تتحرك وتتنامى يرى املراقبون للأو�ضاع بروز قوى �صاعدة كال�صني ت��ت��ح��رك وت��ت��ن��ام��ى ق��واه��ا يف ه��دوء و�سكينة مهددة بقلب املوازين ،رمبا يف القريب العاجل� ،سواء من ناحية القوة الفردية املتمثلة يف الدولة القومية� ،أو من خالل حتالفات جديدة تبد�أ اقت�صادية ثم تتطور تدريجيًا لت�أخذ �أبعادًا جديدة �سيا�سية وع�سكرية وا�سرتاتيجية. وم��ع اخ��ت�لاف ال����ر�ؤى ح��ول �شكل النظام ال��دويل ال��ذي هو يف ط��ور الت�شكل ،ف���إن هناك
أكتوبر -نوفمبر 2015م
سالم جلبي -بيروت-�أف��رز الن�صف الثاين من القرن املا�ضي ومطلع القرن احلايل �سمات جديدة على امل�ستوى ال�سيا�سي والع�سكري واال�سرتاتيجي ،ال �سيما بعد انهيار املع�سكر ال�شرقي ،فمع �سقوط االحتاد ال�سوفييتي وما تاله من نهاية احلرب الباردة وغياب مناف�س عنيد ،خال اجلو للواليات املتحدة الأمريكية لتب�سط هيمنتها على ال�ش�ؤون العاملية وتعلن قيادتها وزعامتها لهذا العامل الذي �شهد بت�أثري �أمريكا القوي على خمتلف امل�ؤ�س�سات واملنظمات الدولية ب�شكل �شبه مطلق. ومنذ ذلك احلني متحورت اال�سرتاتيجية الأمريكية يف املحافظة على هذا النظام الدويل الذي حتتل فيه مركز القيادة عرب تعزيز �أمنها الع�سكري الذي تعتمد عليه يف �إجناح �سيا�ستها اخلارجية ،وتطوير اقت�صادها وتعزيز ح�ضورها الع�سكري والدبلوما�سي واالقت�صادي الوا�سع واملكثف على ال�ساحة الدولية.
35
سياسة 36
كقطب دويل وحتديه للمكانة والهيمنة الأمريكية �إلى النمو االقت�صادي ال�صيني ،وتراجع نظريه الأمريكي يف �ضوء الأزمات املتعددة التي �سيظل النظام امل��ايل الأمريكي يعانيها خالل العقود القادمة. حقائق و�أرقام �أو�ضح مكتب امليزانية التابع للكوجنر�س الأم��ري��ك��ي �أن ال��دي��ن الأم��ري��ك��ي خ�لال العقد ال��ق��ادم �سي�صل �إل���ى %90م��ن ال��ن��اجت املحلي الإج��م��ايل للواليات املتحدة الأمريكية ،وهي تقديرات يراها البع�ض متفائلة يف ظل توقعات انخفا�ض معدل النمو الأمريكي. كما توقعت ورق��ة ل�صندوق النقد ال��دويل �أن يت�ساوى الدين الأمريكي مع الناجت املحلي الإجمايل للواليات املتحدة بحلول عام ،2015 مما ي�شابه الن�سبة التقديرية ملديونية �إيطاليا واليونان حاليًا. ون��ظ��رًا لل�سيا�سات ال��ت��ي اتبعتها �إدارت���ا الرئي�س ال�سابق ج��ورج بو�ش (االب���ن) ،ارتفع ن�صيب الفرد من الدين العام بن�سبة � ،%50أي من � 13أل��فً��ا �إل��ى � 19أل��فً��ا خ�لال تلك الفرتة. وو���ص��ل العجز لل�سنة املالية � 2009إل��ى 1.6
الصين ستصبح الدولة الوحيدة القادرة على تحدي الواليات المتحدة األمريكية في شرق آسيا
تريليون دوالر بن�سبة .%9 ويتوقع مكتب ميزانية الكوجنر�س �أن يزيد مبعدل تريليون دوالر يف العام حتى عام 2020 وكل ذلك ي�صب -ح�سب عديد من الباحثني - يف م�صلحة ال�صني من جهة تفوقها اقت�صاديًا على الواليات املتحدة. خطة ا�سرتاتيجية �صينية طويلة الأمد على الرغم من �أن ال�صني كانت امل�ستفيد الأول من اال�ستقرار الذي وفرته القوة الع�سكرية الأم��ري��ك��ي��ة يف ���ش��رق وو���س��ط �آ�سيا يف �أع��ق��اب احلرب العاملية الثانية حتى الآن� ،إال �أن توازن
ال��ق��وة يف الإق��ل��ي��م �سيظل ق��ائ��مً��ا ،حيث تعمل ال�صني حاليًا على بناء �أ�سطول بحري حديث من املدمرات والغوا�صات. ه��ذا ف�ض ًال ع��ن �إع����ادة �صياغة العقيدة الع�سكرية لتفعيل قدرتها على التحرك يف جنوب و�شرق ال�صني ،بالإ�ضافة �إل��ى مد نفوذها يف البحار واملحيطات .ويقول تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) �إن ال�صني �ست�صبح �أكرث الدول قدرة على مناف�سة الواليات املتحدة ع�سكريًا على ال�صعيد الدويل. من جهة �أخرى ،هناك دالئل على �أن ال�صني كانت حري�صة منذ ف�ترة على تنمية عالقتها الإقليمية والدولية ،و�أن لديها خطة ا�سرتاتيجية طويلة الأمد لتلعب دورًا مركزيًا يف عامل العوملة. وك��ان الدافع وراء تلك اخلطة �سعي بكني �إلى خلق بيئة �إقليمية ودولية ت�سهل لها تفعيل ومنو قدراتها االقت�صادية من جهة ،واحلفاظ عل �سيادة وا�ستقالل و�ضعها ال�سيا�سي من جهة �أخرى. كما ك��ان حر�ص ال�صني على البحث عن املوارد الطبيعة ،خا�صة م�صادر الطاقة لتلبية أي�ضا احتياجات القطاع ال�صناعي ،دافعًا مهمًا � ً
العدد
التحديات الدولية. وتركز �أول��ى خطوات وا�شنطن ال�ستعادة قوتها ومكانتها ،ح�سبما ذهبت وثيقة الأم��ن القومي الأمريكي اجلديدة ،على دفع االقت�صاد الأمريكي ال��ذي مر ب�أزمة اقت�صادية عا�صفة مل ي�شهدها منذ الك�ساد الكبري يف ثالثينيات القرن املن�صرم ،فاالقت�صاد الأمريكي بالن�سبة لال�سرتاتيجية هو منبع القوة الأمريكية ،لذا رك���زت اال���س�ترات��ي��ج��ي��ة ع��ل��ى ����ض���رورة حتقيق انتعا�ش اقت�صادي وا�سع ،وخف�ض العجز املايل، وخ��ل��ق وظ��ائ��ف ج���دي���دة ،وتخفي�ض تكاليف الرعاية ال�صحية للمواطنني الأمريكيني ،و�إعادة ت�شييد بنية حتتية جديدة �أكرث �أمنًا وقادرة على مواجهة التحديات الأمنية والكوارث الطبيعية. من ناحية �أخرى ،تذهب اال�سرتاتيجية �إلى ���ض��رورة العمل على �إع���ادة االعتبار ملجموعة القيم وامل��ب��ادئ الأمريكية التي بنيت عليها ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية منذ عهد الآباء امل�ؤ�س�سني للواليات املتحدة ،والتي تتمثل يف تعزيز احل��ق��وق الأ���س��ا���س��ي��ة ،وح��ك��م ال��ق��ان��ون، ودعم التنمية ،ومواجهة الفقر والف�ساد ،ودفع عملية ال�سالم بني الأمم والدميقراطية وحقوق الإن�سان. م�صالح م�شرتكة يدرك الطرفان الأمريكي وال�صيني �أنه ال م�صلحة لأي منهما يف خلق خطاب عن «�صراع بني قطبني جديدين» ،و�أن املنظومة االقت�صادية وال�سيا�سية العاملية ذات��ه��ا �أ�صبحت �شديدة التعقيد على �أن تُختَزَ ل يف مفاهيم بهذا ال�شكل، ال�سيما �أن اقت�صاديهما مت�شابكان ب�شكل يجعل كليهما ،للمفارقة ،معتمدً ا بقوة ب�شكل ما على عافية الآخر االقت�صادية ،مما يخلق م�صلحة م�شرتكة بقدر م��ا يخلق تناف�سً ا ،على عك�س
81
يدرك الطرفان األمريكي والصيني أنه ال مصلحة ألي منهما في خلق خطاب عن صراع بين قطبين جديدين
أكتوبر -نوفمبر 2015م
يف ت�شكيل حتالفات ال�صني ور�سم �سيا�ستها اخلارجية يف ال�سنوات الأخرية. توتر وعدم ثقة تتمثل امل���خ���اوف الأم��ري��ك��ي��ة م��ن تنامي القدرات النووية ال�صينية يف القدرة التي تتمتع بها ال�صني يف مم��ار���س��ة ال��ردع�ين التقليدي والنووي �ضمن حميطها الإقليمي� ،إ�ضافة �إلى التخوف الأم��ري��ك��ي م��ن ا�ستمرار ال�صني يف حتديث قدراتها الع�سكرية بهذا ال�شكل ال�سريع، �إذ �إنها �ست�صبح الدولة الوحيدة القادرة على حت��دي ال��والي��ات املتحدة الأمريكية يف �شرق �آ�سيا ،و�سيكون للواليات املتحدة فقط ال��دور الرئي�س يف مواجهة القدرة ال�صينية الإقليمية. وميكن تلخي�ص �أهم نقاط اخلالف الأمني والع�سكري الأمريكي-ال�صيني يف زي��ادة م�ستوى الإن��ف��اق الع�سكري لدى ال�صني �إلى جانب الدرع ال�صاروخي الأمريكي، والتخوف ال�صيني من حقيقة �أهداف الواليات املتحدة من �إن�شائه� ،إذ تعتقد ال�صني ب�أنه ي�شكل خطرًا عليها وخا�صة �ضمن حميطها الآ�سيوي. وقد متيزت العالقات ال�صينية الأمريكية يف ح��ق��ب��ة الت�سعينيات يف جمملها بالتوتر وعدم الثقة و�سيطر عليها عامالن هما :القلق واالنتقاد ال�صيني للتقارب الأمريكي التايواين وال��ت��خ��وف الأم���ري���ك���ي م���ن ت�����ص��اع��د ال��ن��ف��وذ االقت�صادي ال�صيني. مواجهة تراجع النفوذ الأمريكي تتفق معظم ال��ك��ت��اب��ات الأم��ري��ك��ي��ة على �أن ال��والي��ات املتحدة �ستظل القوة الفاعلة يف النظام الدويل الذي ال يزال يف طور الت�شكل� ،إال �أن اختالل موازين القوى بني الواليات املتحدة والقوى ال�صاعدة �سي�ضيق .كما تتفق على قدرة ال��والي��ات املتحدة على اخل���روج م��ن �أزماتها، وا�ستغاللها كفر�صة لتعزز نفوذها الدويل. وق��د ج���اءت ا�سرتاتيجية الأم���ن القومي التي �أعلنتها �إدارة ب��اراك �أوباما لتعك�س ر�ؤية الإدارة الأمريكية احلالية ملواجهة تراجع النفوذ الأمريكي عامليًا .وتهدف اال�سرتاتيجية �إلى تدعيم القدرة الأمريكية على لعب دور قيادي يف النظام العاملي ،لتحقيق م�صاحلها يف القرن احلادي والع�شرين ،وذلك على م�سارين� ،أولهما بناء قوتها الداخلية� .أم��ا ثانيهما ،فيتمثل يف العمل على �صوغ نظام دويل ميكن من مواجهة
العالقة ال�صفرية التي جمعت مو�سكو ووا�شنطن يف ال�سابق نظرًا لعزلة الأولى االقت�صادية �أثناء احلرب الباردة. م��ن جهة �أخ���رى ،ف����إن وا�شنطن ال تنظر لبكني بقلق �شديد� ،إذ �إن��ه��ا ت��درك �أن هناك العديد من العوامل التي يت�سم بها االقت�صاد الأمريكي �ستظل متنحه تفوقًا على ال�صعيد العاملي ب�شكل كبري ،حتى ولو زاد ن�صيب ال�صني من كعكة االقت�صاد العاملي� ،أب��رزه��ا بالطبع املجتمع املفتوح ومتعدد الثقافات ال��ذي يخلق بيئة دينامية ودميقراطية ،ع��ادة ما تعزز من التفوق االق��ت�����ص��ادي يف ظ��ل منظومة ال�سوق الر�أ�سمايل املفتوح. م�ساواة و�إثبات وجود كما �أن اخلطر الع�سكري الذي متثله ال�صني بعيد متامً ا عن تهديد الواليات املتحدة ،و�أق�صى ما ميكن �أن ي�صل له خالل العقود املقبلة هو االلتفاف حول القواعد الع�سكرية الأمريكية يف املحيط الهادي. وبالطبع ،ت��درك ال�صني ذلك جيدً ا ،وهي ت�سعى ل��ذل��ك خل��ل��ق حلفائها م��ن ب�ين ال���دول النامية ،خا�صة تلك التي مل ت�ستفد كثريًا من الدعم الأمريكي ،ليكون لها ظهري يف ال�ساحة بعيد عن النفوذ الأمريكي ،وميثل نواة لتدعيم م�ؤ�س�ساتها املالية اخلا�صة. وال ي��دل��ل على ذل��ك �أك�ث�ر م��ن ال��رح�لات الكثرية التي ق��ام بها الرئي�س ال�صيني �إل��ى �إفريقيا و�أم��ري��ك��ا الالتينية ،وم�شروع طريق �سي�صب الأم���وال ال�صينية يف احل��ري��ر ال��ذي ُ �أ�سيا الو�سطى ويربطها ب�إيران ومن ثم ال�شرق الأو�سط ،وبالنظر لرتاجع �أولوية هذه املناطق يف ال�سيا�سة الأمريكية وقدرة ال�صني على تعزيز التنمية فيها. وقد تكون املفارقة يف اللعبة اجلارية الآن بني وا�شنطن وبكني هي �أن الأولى تعتمد ب�شكل كبري على تر�سيخ وجودها يف �آ�سيا عرب اتفاقية التجارة للمحيط الهادي ،يف حني تنظر الأخرية �إلى احل�صول على موطئ قدم خارج �شرق �آ�سيا واالهتمام بالقارات الأكرث فقرًا لتدعيم �أركان امل�ؤ�س�سات التي� ،أقل ما يُقال عنها� ،إنها تود �أن تكون على قدم امل�ساواة يومً ا ما مع م�ؤ�س�سات النظام املايل يف نيويورك ،ولي�س بال�ضرورة �أن حتل حملها.
37
التطور التقني
وسيــلة اإلرهـــابـيـيـن لـتـنـظـيـم وتنسيق عملياتهم ونشر رسائل الكراهية والعنف إرهاب 38
ال�شرعية التي ت�صدر �أحكا ًما بقتلهم يدرك حقيقة �أن «ال��ق��اع��دة الفكرية» �أخ��ط��ر مب��ا ال يقا�س بـ«القاعدة الع�سكرية» ،ف�أكرب التقديرات ال ت�ؤكد وجود �أكرث من � 30ألف مقاتل ينت�سبون �إلى �أكرث من 80دولة ،يف ت�أكيد لوالدة تنظيم عاملي معومل على الأر�ض بعد �أن وجد يف خميلة قادة التنظيم بن الدن والظواهري و�أبو م�صعب ال�سوري املنظر الفكري الأهم على مدى عقود، ال��ذي كان ي��ردد دائما �أن «(القاعدة) لي�ست منظمة وال ينبغي لها �أن تغدو منظمة» ،و�إمنا هي «دعوة ومرجعية ونهج» ،و�إذا كان هذا حجم الإره���اب لتنظيم واح���د ،فيمكن تخيّل حجم وق��درة تنظيمات �أخ��رى جديدة �أك�ثر انت�شارًا ومنوًا من «القاعدة» مثل تنظيم داع�ش. ال�ت�غ��ري��ر بال�شباب ع�بر ف�ه��م تكنيكاتهم النف�سية ودوافعهم للتغيري وي�شري باحثون خمت�صون يف حتليل خطاب الإرهاب على الإنرتنت �إلى �أ�سباب كثرية لإقبال ال�شباب ،ال �سيما يف فئات �سنية مبكرة على ن�صو�ص داع�����ش وال��ق��اع��دة والن�صرة ومتنها العنفي ،وم��ن ذل��ك تفرغ عنا�صرها للتفاعل والتجاوب مع امل�شاركني وال��رد عليهم يف وقت
العدد
أغلب اإلرهابيين لديه قدرة فائقة على التعامل مع منصات التواصل االجتماعي لنشر الرعب وتوثيق الجرائم الميدانية
81
التهديد الأكرب يف العامل وبالرغم من �أن هناك �أكرث من مئة تعريف للإرهاب بح�سب باحثني متخ�ص�صني� ،إال �أن الظاهرة تتلخ�ص يف كل عمل عنيف غري م�شروع يهدف �إل��ى بث الرعب والفزع داخ��ل املجتمع، �أو الإخ��ل�ال ب��الأم��ن ب��ه��دف �إح����راج الأنظمة ال�سيا�سية ،وه��و م��ا يظهر م��ن خ�لال زي��ادة ح��وادث الإره��اب وزي��ادة يف �أع��داد ال�ضحايا، وات�ساع نطاق العمليات الإرهابية وظهور �أ�شكال جديدة وحديثة م�ستخدمة م�ستجدات التطور العلمي والتكنولوجي. وقد ب��د�أ الإره��اب ي�شق طريقه منذ بداية ال�سبعينيات ،لي�صبح التهديد الأكرب يف العامل، بعد �أن �أ�صبحت ك��ل امل�صالح الغربية حتت مرمى نريان اجلماعات امل�سلحة �إلى �أن جاءت مرحلة الت�سعينيات ليبلغ يف � 1995أعلى معدل. وت�شري التقارير ال�صادرة يف الت�سعينيات ما قبل احلادي ع�شر من �سبتمرب �إلى �أن �ضحايا الإرهاب والعنف امل�سلح يف ال�شرق الأو�سط منذ منت�صف ال�سبعينيات وحتى الآن يزيد على مئة �ألف �ضحية ،وكان عام � 1987أكرث الأعوام من حيث احل��وادث الإرهابية� ،إذ بلغ عددها 666 حادثًا ،يف حني بلغ عدد ال�ضحايا يف � 1985أكرث من 635حادثًا كان �أ�شهرها خطف ال�سفينة الإيطالية �أكيال الوروا يف املياه امل�صرية. تطور قدرات الإرهابيني ون���ظ���را ل��ل��ت��ط��ور ال��ره��ي��ب وامل��ت��ن��ام��ي يف جم��ال الإن�ترن��ت وتكنولوجيا املعلومات ،فقد �أدرك الإرهابيون �أهمية هذه التقنية يف تنفيذ �أعمالهم ،وباتوا �أكرث اعتمادًا على التكنولوجيا م�ستغلني ما تفرزه من �أفكار و�آليات يف خمتلف
النخب المعولمة المقاتلة أهم سالح تمتلكه المنظمات اإلرهابية أكتوبر -نوفمبر 2015م
أحمد السهلي -الرياضالإرهاب �صورة من �صور العنف التي عرفها املجتمع الدويل منذ ع�صور خلت، تطور مع تطور املجتمع ،حتى بات ظاهرة ت�ستقطب اهتمام ال�شعوب واحلكومات يف كل دول العامل ،نظرًا ملا لها من �آث��ار وخيمة على �أمن املواطنني وا�ستقرارهم وعلى الإم��ك��ان��ات االقت�صادية والهيبة ال�سيا�سية للدولة يف حميطيها الإقليمي والدويل.
امل���ج���االت ،وب��خ��ا���ص��ة يف جم���ايل االت�����ص��االت واملوا�صالت ،والأ�سلحة واملتفجرات. ومت �ث��ل ارت��ب��اط الإره � ��اب والإن�ت�رن ��ت يف طريقتني ،تت�ضمن الأول���ى ممار�سة الأع��م��ال التخريبية ل�شبكات احلا�سوب والإنرتنت ،ويف الثانية �أ�صبحت الإن�ترن��ت م��ن�برًا للجماعات والأف������راد لن�شر ر���س��ائ��ل ال��ك��راه��ي��ة والعنف ول�لات�����ص��ال ب��ع�����ض��ه��م ب��ب��ع�����ض ومب���ؤي��دي��ه��م واملتعاطفني معهم� ،إ�ضافة �إل��ى اال�ستخدام اليومي للإنرتنت من قبل املنظمات الإرهابية لتنظيم وتن�سيق عملياتهم املتفرقة واملنت�شرة حول العامل. وقد �أتاح التطور التقني الذي يعي�شه العامل يف تطوير ق���درات الإره��اب��ي�ين ،مم��ا ا�ستدعى ق��ي��ام وح���دات مكافحة الإره����اب يف خمتلف الدول املتقدمة بتطوير قدراتها الدفاعية ،ومن ذلك �أجهزة ك�شف الر�سائل املفخخة ،و�أجهزة الك�شف عن املواد الغازية واملعدنية. �آليات التجنيد واال�ستقطاب ثمة مغرر يجري ا�ستغالله من قبل منظمات �إرهابية مرتبطة بجهات خارجية ودول معادية، وت��ع��ت�بر ال��ن��خ��ب امل��ع��ومل��ة امل��ق��ات��ل��ة �أه���م �سالح متتلكه املنظمات الإره��اب��ي��ة ب�سبب قدرتهم على ا�ستقطاب املزيد عرب �آلة الدعاية املتفوقة لأ�سباب تتعلق ب�شعاراتها وقدرتها على النفاذ �إل��ى قلوب ال�شباب يف �أوق��ات الأزم��ات الكربى أي�ضا يف ظل غياب �أي والإخفاقات النف�سية ،و� ً مقاومة فكرية منهجية رغم النجاحات الأمنية. �إن فهم كيف يتبنى ال�شباب ،لي�س فقط �أفكار «القاعدة» العامة ،و�إمنا قناعات وخيارات «جبهة الن�صرة» �أو «داع�ش» التف�صيلية – هذا ال ميكن الو�صول �إليه ملن مل يع�ش التجربة ويعرف �آليات التجنيد واال�ستقطاب والعزلة التي تف�صل هذه الكوادر يف امليدان عن الواقع مبالب�ساته املختلفة ،وهو الأمر الذي ي�ؤكده مقتل عدد من ال�شباب يف «الن�صرة» على يد ك��وادر «داع�ش» الذين ذهبوا بدافع واح��د ف�ضفا�ض ودعائي «ن�صرة امل�سلمني» ،لينتهي بهم املطاف �إلى �أن يبادر كل منهم �إلى قتل الآخر. ورمب���ا م��ن ي��ق��ر�أ تفا�صيل مقتل ن�شطاء «ال��ق��اع��دة» لبع�ضهم ال��ب��ع�����ض ،وامل��ح��اك��م��ات
39
إرهاب 40
ق�صري ،و�سهولة التغرير بال�شباب ع�بر فهم تكنيكاتهم النف�سية ودوافعهم للتغيري� ،إ�ضافة �إلى وجود منتجات متعددة يف �شكل كتب وملفات رقمية وميديا عن كل ما يلزم الكادر الإرهابي. ورمبا كانت حقيبة املجاهد التي ت�ضم �أكرث من �أل��ف عنوان يف خمتلف املجاالت من �أكرث امللفات حتمي ًال على ال�شبكة وب�أكرث من لغة، �إ�ضافة �إلى �أن كتابة جتارب املقاتلني منذ حلظة التجنيد وحتى م��ا بعد العمليات االنتحارية ي�ساهم يف الدعاية لفكرة التنظيم الذي يلعب على خمتلف اجلبهات ،فهناك ا�ستغالل للداخل عرب توزيع ت�سجيالت و�أقرا�ص مدجمة حتتوي على �أهم الكتب واخلطب واملرئيات. هذا ف�ض ًال عن وجود م�صورين متخ�ص�صني يف ك��ل م��ك��ان لتوثيق الأح����داث واحل��دي��ث عن جتربة القتال� ،إ�ضافة �إل��ى ت�سجيالت حتمل ت�����ص��ري��ح��ات ل�ل��أه���ايل ع���ن دع��م��ه��م ل��ه��ذه التنظيمات ،بينما ين�شط �أع�ضا�ؤها املخت�صون ب��ال��ت��وا���ص��ل االج��ت��م��اع��ي ع��ل��ى ال��ه��ا���ش��ت��اق��ات الريا�ضية والدعائية وها�شتاقات املوا�سم التي يح�ضر فيها ال�شباب بكثافة. كوادر م�ؤهلة تكنولوجيًا ب��ات الآن ل��دى �إرهابيني ما بعد «داع�ش»
التكنولوجيا أصبحت الع ًبا رئيس ًيا في منظومة األمن القومي
طاقم من الكوادر امل�ؤهلة تكنولوجيًا ،ف�أغلبهم من �أ�صحاب التعليم العايل وكثري منهم يحمل �شهادة جامعية يف الهند�سة والطب والإع�لام والت�سويق ،و�أغلبهم ل��دي��ه ق���درة فائقة على ال��ت��ع��ام��ل م��ع من�صات ال��ت��وا���ص��ل االجتماعي ال��ت��ي ت��ق��وم منظمات العنف ومنها «داع�����ش» با�ستغاللها بطريقة غري م�سبوقة بهدف ن�شر الرعب وتوثيق اجلرائم امليدانية عرب مقاطع فيديو ممنتجة ك�سالح فعال يف جتنيد املزيد من الكوادر الإرهابية. من جهة �أخ��رى� ،أ�سهم التفوق التقني يف �إم���داد املنظمات الإره��اب��ي��ة بالتمويل امل��ادي، ف�سرقة بطاقات االئتمان وال�سطو على البنوك املركزية وال�شبكات امل�صرفية ،كما �أ�سهم ن�شر
أي�ضا ،يف مقاطع امليديا ذات الطابع العنفي � ً انت�شار التنظيمات وب�سط نفوذها على الأر�ض. حماربة الت�شدد على الإنرتنت عملت ك��ث�ير م��ن دول ال��ع��امل ع��ل��ى در���س مو�ضوع الإرهاب وارتباطه بالتكنولوجيا بعناية من �أج��ل مكافحته ،ك��ون ت���أث�يره عامليًا ي�شكل خطرًا رهيبًا ،مع الأخ��ذ يف االعتبار االحرتام الكامل حلقوق الإن�����س��ان بالتعبري ع��ن ال��ر�أي وع��دم تقييد حريات الآخرين بحجة مكافحة الإرهاب التكنولوجي. ول��ك��ن ب��ال��رغ��م م��ن ال��ت��ق��دم التكنولوجي الذي و�صلت �إليه احلكومات حول العامل ،ف�إن م�ساعيها احلثيثة لإزال��ة املحتويات التي تدعو �أو تروج للإرهاب على �شبكة الإنرتنت مل حتقق �أي جناح ،نظرًا للطرق البديلة ،التي يلج�أ �إليها �أ�صحاب هذه املحتويات للإفالت من الرقابة. ويف تقرير جديد مل�ؤ�س�سة “كواليام” ،وهي م�ؤ�س�سة بحثية ملكافحة الإره���اب ،عن جهود ال�سلطات الربيطانية ملحاربة الت�شدد على الإن�ترن��ت ،ق��ال خ�براء �إن امل��واد الداعية �إلى الإره��اب �أو �إلى الأفكار املت�شددة تعود للظهور على ال�شبكة العنكبوتية ف��ور قيام ال�سلطات ب�إزالتها.
و�سائل التوا�صل االجتماعي والرتويج للإرهاب تطرق التقرير �إلى الدور الذي تلعبه و�سائل التوا�صل االجتماعي مثل في�سبوك يف الرتويج للإرهاب� ،إذ يقوم «مروجو الإره��اب» بالتعبري عن �أفكارهم عرب و�سائل التوا�صل دون �أن يتم �إبالغ ال�سلطات عنهم. و�أ�شارت الدرا�سة �إلى دور مواقع التوا�صل االجتماعي يف خدمة التنظيمات املت�شددة، منوهة باالنتقادات ال�شديدة التي تعر�ض لها في�سبوك كونه مل يبلغ ال�سلطات الربيطانية باحتمال قيام �أح��د الأ�شخا�ص بقتل جندي بريطاين. واعترب التقرير �أن �أف�ضل طريقة ملحاربة الإره��اب على الإنرتنت تكمن يف ن�شر الأفكار امل�ضادة للإرهاب على املواقع املختلفة ون�شر التوعية يف امل��دار���س واجل��ام��ع��ات وال�سجون مبخاطر الت�شدد. داع�ش ين�شط على تويرت يف تقرير �إح�صائي ،قام به �أحد الباحثني
81
أكتوبر -نوفمبر 2015م العدد
و�أ���ش��ار �إل��ى �أن��ه �أ�صبح م��ن ال�صعب ج��دً ا مراقبة املحتويات املن�شورة على الإنرتنت ب�سبب الطرق البديلة التي يلج�أ �إليها مروجو هذه الأفكار ،منها تقنية “الويب اخلفي” (Deep � )Webأو ال�شبكة املعتمة ( )Dark Netالتي متكنهم من ن�شر م��واد �أو �صفحات ديناميكية دون �أن يتم تعقبها ب�سهولة. ومن خالل هذه التقنيات ميكن ن�شر مواد دون �أن تتم �أر�شفتها �أو فهر�ستها على حمركات البحث املعروفة مثل غوغل �أو ياهو �أو بنغ ،بحيث �إنها ال حتتوي على عناوين الإنرتنت املعروفة، وللو�صول �إليها ال بد من ا�ستخدام مت�صفحات معينة غري تلك املتداولة لدى عموم م�ستخدمي الإنرتنت. أي�ضا �إن�شاء �صفحات كما ت�شمل هذه الطرق � ً ال توجد لها روابط يف �صفحات �أخرى وارتباطات بال�شبكة عرب بروتوكوالت غري �شائعة� ،إ�ضافة �إل��ى ا�ستخدام ملفات غري ن�صية ،مثل ملفات الفيديو وال�صور غري القابلة للفهر�سة. و�أ����ش���ار ال��ب��ح��ث �إل���ى �أن وح���دة مكافحة الإره����اب على الإن�ترن��ت يف بريطانيا �أزال���ت � 65أل��ف حمتوى من الإن�ترن��ت ك��ان يدعو �إلى الإره��اب ،منها � 46ألف منذ دي�سمرب املا�ضي، الفتًا �إلى �أن 70باملئة من هذه املو�ضوعات كانت تدور حول الأحداث يف �سوريا والعراق.
التطور التقني الذي يعيشه العالم اليوم أتاح لإلرهابيين تطوير قدراتهم
يف ق�ضايا الإرهاب تتبع الباحث ما يفوق �أربعة ماليني تغريدة يحركها ما يفوق 8000ح�ساب يف «ت��وي�تر» ،ين�شط ج��زء منها ،بينما ين�شط الباقي يف ح��ال توقف احل�سابات �أو حجبها على «تويرت» .وترافق التطور التقني لـ«داع�ش» مع ح�ضورها الإعالمي غري امل�سبوق بعدد من املنتجات بلغات عاملية �أب��رزه��ا جملة «داب��ق» تطبع بعدة لغات ور�سوم و�صور معاجلة وخطاب �إعالمي متنا�سق للت�أثري على �شرائح خمتلفة من اجلمهور ،ومنهم :الأط��ب��اء واملهند�سون والإداري��ون وم�شغلو الأجهزة وامل�صارف التي يحتلها التنظيم. ويف تقرير ملوقع « »bustleعن «داع�ش»، و�صف التنظيم ب�أنه واحد من �أكرث املنظمات الإره��اب��ي��ة ح�����ض��ورًا ع��ل��ى و���س��ائ��ل التوا�صل االجتماعي وا�ستخدامها للتقنية مما �ساهم يف الت�سويق ل��ه��ا وت��راج��ع ج��م��اع��ات ال تقل عنها ح�ضورًا على الأر�ض كـ«جبهة الن�صرة» وجمموعات «القاعدة» يف ال�شام والعراق. التكنولوجيا مفتاح مكافحة الإرهاب من جهة �أخرى ،ال �أحد ي�ستطيع �أن ينكر �أن التكنولوجيا �أ�صبحت الع�� ًب��ا رئي�سيًا يف منظومة الأمن القومي ،وقد تكون التكنولوجيا املفتاح ملكافحة الإرهاب لعدة �أ�سباب� ،أهمها �أن الإره��اب والإرهابيني �أنف�سهم قد طوروا من قدراتهم با�ستخدام التكنولوجيا احلديثة وه��ذا �سبب ج��وه��ري ملواجهة ه��ذا التهديد بنف�س الأ�سلحة التي ي�ستخدمها. �إن م��ك��اف��ح��ة الإره��������اب ب��ا���س��ت��خ��دام التكنولوجيا �أ�صبحت �أم��رًا حتميًا ،فلن تفلح الأ�ساليب التقليدية يف مواجهة هذا التهديد امل�ستمر وامل��ت��ط��ور وامل��ت�����س��ارع ال���ذي يختلف كثريًا عن �إره��اب القرن املا�ضي .ولعل �أهم ما ت�ستطيع التكنولوجيا فعله هو «البحث عن املجهول» ،فهناك الكثري من التقنيات التي ميكنها جتميع البيانات من م�صادر كثرية وحتليلها لكي نعرف �أن هناك �أ�شياء جنهلها ونحن يف حاجة ملزيد من املعلومات عنها. وتعد التقنيات احلديثة يف جتميع وحتليل البيانات م��ن «م�����ص��ادر مفتوحة» ك�شبكات التوا�صل االجتماعي واملنتديات الإرهابية الع��بً��ا �أ�سا�سيًا يف الإج��اب��ة على الكثري من الت�سا�ؤالت.
41
رأس المال في القرن 21 كتاب ينادي بالتحول نحو العدالة وإعادة توزيع الدخل وتضييق هوة التفاوت بينهما
اقتصاد 42
مشاعل العمر -الرياض -ي�شهد العامل الآن هبات غ�ضب �شعبي وث��ورات يف خمتلف �أنحائه� ،إذ تت�صاعد �أ����ص���وات ال�شعوب، مطالبة ب��ا���س�ترداد حقوقها االق��ت�����ص��ادي��ة ال��ت��ي ك��ث�يرًا ما �سيطرت عليها القلة املهيمنة على ال�سلطة وال�ثروة� ،إذ دائمًا ما تقود الر�أ�سمالية ال حمالة �إل��ى تو�سيع ه��وة التفاوت بني املداخيل والرثوة. وي ��أت��ي كتاب «ر�أ����س امل��ال يف القرن احل����ادي وال��ع�����ش��ري �ن» مل ��ؤل��ف��ه ت��وم��ا���س بيكيتي االق��ت�����ص��ادي الفرن�سي ال��ذي يتناول مو�ضوع «انعدام العدالة يف توزيع ال�ثروة يف ال��ع��امل» ،لي�ضع �أ�سا�سً ا علميًا منهجيًا للنقا�ش حول طبيعة الر�أ�سمالية امل���ع���ا����ص���رة ،وم����ن ث���م �أزم������ة ال��ن��ظ��ام االقت�صادي العاملي.
ب��دا وا�ضحً ا اقتداء بيكيتي بو�ضوح �شديد مب��ث��ال ر�أ����س امل���ال ل��ك��ارل م��ارك�����س ،ول��ك��ن �إذا كان بحث مارك�س متوا�ضعًا ،ف�إن بحث بيكيتي يكون ا�ستثنائيًا .وملا كان مارك�س تنب�أ بانهيار الر�أ�سمالية بو�صفه مقدم ًة تف�ضي �إلى فردو�س بروليتاري طوباوي ،يرى بيكيتي م�ستقبلاً من منو بطيء وتفاوتات �أ�سطورية كتفاوتات ع�صر الق�شرة الذهبية بحيث يح�صل �أ�صحاب ر�أ�س املال املو�سرون على ح�ص�ص �أ�ضخم و�أ�ضخم من الرثوة العاملية والدخول. بداية بنى امل�ؤلف كتابه على جمموعة من الأبحاث التي قام بها بنف�سه مع جمموعة من االقت�صاديني ا�ستغرقت ع�شر �سنوات ،وباال�ستناد �إلى بيانات �إح�صائية ر�سم الكتاب �صورة لتطور التفاوت يف الدخل منذ الثورة ال�صناعية� ،إذ تركزت الرثوات يف �أيدي العائالت الغنية املرتبعة على عر�ش النظام االجتماعي الطبقي الراكد، ومل يغري هذا النهج يف التفاوت �إال بحدوث هزات عنيفة يف االقت�صاديات العاملية ،من قبيل فرتة الك�ساد العظيم �أو احلرب العاملية الثانية ،لكن تلك ال�صدمات �سرعان ما اختفى �أثرها ليعود التفاوت يف الرثوة من جديد. ويعتقد امل�ؤلف �أن الرثوة تنمو ب�شكل �أ�سرع من منو الناجت االقت�صادي ،ويربهن على ذلك مبعادلة اقت�صادية تو�ضح العالقة بني ال�ثروة والناجت القومي ،ف�إما تزيد ال�ثروة على الناجت �أو يت�ساويان �أو يزيد الناجت على ال�ث�روة ،ويف احلالة الأخ�يرة �ستقل �أهمية ال�ثروة� .أما النمو االقت�صادي البطيء ،فيزيد من �أهمية الرثوة. وق��د ط��رح امل�ؤلف جمموعة من الت�سا�ؤالت ال��ت��ي ي��رى �أن الإج��اب��ة عنها �ستكون حا�سمة بالن�سبة للم�سار االقت�صادي، خالل هذا القرن، منها :هل �ست�ؤدي �آليات تكد�س ر�ؤو���س الأم��وال �إلى متركزه القوي يف �أيدي البع�ض مثلما توقع بع�ض اقت�صاديي ال��ق��رن التا�سع ع�شر؟ هل
�ست�ستطيع قوى ال�ضبط الذاتي التو�صل �إلى احلد من التباين االقت�صادي، و�إلى حالة من االن�سجام ت��ك��ون مفتاحً ا لال�ستقرار ،مثلما ت��وق��ع بع�ض االقت�صاديني يف القرن الع�شرين؟ وباخت�صار: كيف �سيتطور ر�أ�س املال على املدى الطويل؟ ويحاول بيكيتي حتديد توجهات امل�ستقبل وفهم �آليات توزيع ر�أ�س املال، وتقا�سم الرثوات بني ال�شعوب والأفراد، ويتطرق �ضمن هذا الإطار �إلى ر�أ�س املال وتاريخه ،منذ القرن ال�سابع ع�شر حتى اليوم ،ولكن لي�س من كونه م�س�ألة اقت�صادية أي�ضا من حيث �أب��ع��اده االجتماعية ، بحتة، بل � ً والتاريخية، وال�سيا�سية ،وبالطبع االقت�صادية. وي�ستعر�ض عرب ه��ذا كله خمتلف الأط��روح��ات التي �صيغت حول امل�سائل املتعلقة بر�أ�س املال ، وتطور م�ساره ،وانتقاله بني الأجيال، وهذا مع حتديد فرن�سا كحالة درا�سة. ويلفت امل�ؤلف �إلى �أن م�س�ألة توزيع الرثوة تت�ضمن قدرًا من الأهمية والتداخل مع م�سائل �أخ����رى ،مم��ا يجعل درا���س��ت��ه��ا ال تقت�صر على االقت�صاديني، وامل�ؤرخني، والفال�سفة، ورجال ال�سيا�سة، بل هي مو�ضع اهتمام جميع الب�شر .
يرى بيكيتي مستقب ًلا من نمو بطيء وتفاوتات أسطورية كتفاوتات عصر القشرة الذهبية بحيث يحصل أصحاب رأس المال الموسرون على حصص أضخم من الثروة
أساسا الكتاب وضع ً علم ًيا منهج ًيا للنقاش حول طبيعة الرأسمالية المعاصرة وأزمة النظام االقتصادي العالمي
العدد
81
ت�ضييق اخلناق على املتهربني من ال�ضرائب، �سواء كانوا �أفرادا �أو �شركات ،وهو �أحد احللول املهمة والعملية ،حيث �إن��ه يف ال��ق��رن احل��ادي والع�شرين ال ميكن للدولة �أن تتبني �أحد هذين اخليارين املتناق�ضني :الأول «الدولة ال�شمولية»، والآخر هو «دولة احلد الأدين» التي تلغي تدخل الدولة متا ًما. وي��رى بيكيتي �أن النموذج املقبل واملقرتح �سيكون من��وذجً ��ا و�سطيًا م��ع��ت��دالً� ،أو طريقًا ثالثًا ،يقوم على �أ�سا�س الت�أليف اخل�لاق بني دور �إ���ش��رايف للدولة على م�سارات الر�أ�سمالية واجتاهات االئتمان من ناحية ،و�إط�لاق حرية للقطاع اخلا�ص حتت الرقابة من ناحية �أخرى، و�سيفتح هذا بابًا جديدًا من �أب��واب التاريخ قد يطلق عليه من بعد «الر�أ�سمالية املراقبة». ويعترب كتاب «ر�أ�س املال يف القرن احلادي والع�شرين» الذي �صدر بالفرن�سية ثم ترجم �إلى الإجنليزية و�إلى خم�س وع�شرين لغة �أخرى � ،أهم كتاب �صدر يف،4102 وبداية ،5102 كما يعد �أحد �أهم الكتب التي �صدرت خالل الأعوام اخلم�سني الأخرية ،خا�صة يف جمال االقت�صاد والعالقات االقت�صادية الدولية ،بل هناك من يعده الأهم يف هذا املجال منذ كتاب جون كينز (النظرية العامة يف العمل والفائدة والنقود) ال�صادر عام .6391 وقد �أثار هذا الكتاب نقا�شً ا حا ًدا -مل يهد�أ -يف الواليات املتحدة حول الر�أ�سمالية، والعالقة ب�ين ال�سلطة وامل���ال .وقد ت�صدر الكتاب �أك�ثر الكتب مبيعًا، بح�سب �صحيفة نيويورك تاميز، وه��و م��رك��ز مرتفع بالن�سبة لكتاب �أكادميي. واملتوقع �أن يثري هذا الكتاب جد ًال لعقود طويلة قادمة مثل الكتب التي تعد عالمات يف جماله.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
وي�ؤكد بيكيتي هنا قاعدة،مفادها �أنه ما دام معدل مردود ر�أ�س املال امل�ستثمر يف الأ�سواق �أو البنوك �أعلى دائمًا من معدل النمو االقت�صادي، ف���إن الأول��وي��ة ال تكون ل��ر�أ���س امل��ال املنتج الذي ي�شكل العمل م�صدره. وانطالقًا من الت�سا�ؤالت ال�سابقة ،يعر�ض بيكيتي �أ���ش��ك��ال ت��راك��م ال��ث�روة ب�ين الطبقات املختلفة منذ منت�صف ال��ق��رن التا�سع ع�شر حتى اليوم ،وي�ستخل�ص �أن ال�ثروة ترتاكم لدى �أ�صحاب ر�أ���س املال �أكرث منها يف يد العاملني. ويرى امل�ؤلف �أن ا�ستثناء ح�صل على �أثر احلربني الكونيتني اللتني �أدت��ا �إل��ى تدمري ث��روات بع�ض الر�أ�سماليني الكبار ،فيما �أ�سهم النمو ال�سكاين واالقت�صادي اال�ستثنائي ال��ذي �أعقب احلرب العاملية الثانية، وا�ستمر ثالثني �سنة� ،أطلق عليها الفرن�سيون لقب الثالثني املجيدة يف �إنعا�ش طبقة العاملني يف تو�سيع الطبقة الو�سطى �إلى حجم مل تكن الدول الغربية �شهدت مثله .لكن فور انتهاء جمهود �إع��ادة الإعمار ،عاد ر�أ���س امل��ال ليرتكز يف يد قلة قليلة ،فيما راحت الطبقة الو�سطى يف الدول الغربية ت�ضمر رويدًا روي ًدا. ويتناول بيكيتي بالتحليل ق�ضية عدم امل�ساواة وتطورها، وكيف �أن ال�سوق احلر -حتى يف دول الرفاه الأوروبية -لن ي�صل يف النهاية �إلى ت�ضييق امل�سافات بني الأغنياء والفقراء ،ولن يحقق حلم الرثاء للمليارات من الفقراء وحمدودي الدخل حول العامل، دون تدخل من الب�شر، مما �سيعيد م��ع��دالت ع��دم امل�����س��اواة يف ال��دخ��ل ح��ول العامل لت�صل �إل��ى �سقفها اجلنوين يف القرن احلادي والع�شرين. ويدلل امل�ؤلف على نبوءته بالنمو البطيء، والتفاوت املتطرف يف القرن احلادي والع�شرين با�ستقراء بيانات تاريخية ومعادلة ب�سيطة، �إذ تو�ضح البيانات التي جمعها -مب�ساعدة كثري م��ن الباحثني يف ب��ل��دان خمتلفة � -أن الإن��ت��اج لكل �شخ�ص (�أي الإنتاجية) متيل عرب فرتات طويلة من الزمن �إلى النمو مبعدل 1 �إلى1.5 ٪. أي�ضا �أن معدل العائد على كما تو�ضح البيانات � ً اال�ستثمار عرب فرتات طويلة من الزمن يرتاوح بني 4 و٪5. وي�����ش�ير امل����ؤل���ف �إل����ى �أن ب��ي��ان��ات ال��ع��وائ��د ال�ضريبيةت�ؤكد �أن دخول الطبقة الو�سطى بقيت
ثابتة طوال الأعوام الثالثني املا�ضية، و�أن دخول الطبقة العليا قد ابتعدت �أ�شد ما يكون االبتعاد عن اجلميع، بحيث ح�صل �أ�صحاب ر�أ���س املال امل��و���س��رون على ح�ص�ص �أ�ضخم و�أ�ضخم من الرثوة العاملية والدخول. وي�ستخل�ص بيكيتي �أن��ه كلما يكون العائد على ر�أ���س امل��ال املايل (اال�ستثمار) �أعلى من العائد على ر�أ����س امل��ال الب�شري (الإنتاجية) لفرتة ممتدة ،ف�إن ح�سبة ب�سيطة تكفي لن�صل �إلى نتيجة �أن ذلك الو�ضع �سيف�ضي �إلى ازدياد التفاوت .وال�سبب �أن �أ�صحاب �أعلى الدخول �سيدخرون وي�ستثمرون، مما ي���ؤدي �إل��ى توليد دخل ر�أ�سمايل يتيح لهم �أن يتقدموا على �أولئك الذين يعتمدون فقط على الأجور والرواتب، �إلى حد االنف�صال عنهم .وال ي�ستغرق الأم��ر غري �أجيال قليلة، قبل �أن تتحول هذه الرثوة املرتاكمة �إل���ى عن�صر م�سيطر يف االق��ت�����ص��اد والبنيان االجتماعي -االقت�صادي. وي�صل امل�ؤلف �إلى ا�ستنتاج �أن املحرك اخلفي لعدم امل�ساواة املتطرفة هو �أن عوائد ر�أ�س املال تتجاوز معدالت النمو االقت�صادي ،وهو ما يثري ال�سخط الطبقي، ويقو�ض القيم الدميقراطية يف الغرب، وهو ما يف�سر انطالق نوع جديد من الر�أ�سمالية، �أقل �صناعية، و�أكرث مالية، قائم �أ�سا�سً ا على امل�ضاربات. ولفت بيكيتي �إلى �أن العامل ي�شهد يف هذه املرحلة م��ن العوملة جمابهة ح��ادة ب�ين ال�سوق والدولة، وبني القطاع اخلا�ص واخلدمات العامة، وبني الفرد واملجتمع، وبني الأنانية والت�ضامن االجتماعي .وباتت ال�سلطة الفعلية بني �أيدي فئة من املجموعات االقت�صادية العاملية وال�شركات متعددة اجلن�سيات التي يزيد وزنها االقت�صادي �أح��ي��انً��ا ع��ل��ى وزن بع�ض ال����دول واحل��ك��وم��ات جمتمعة. وق��دم بيكيتي ح�ل ًا لهذه الإ�شكالية يتمثل يف ال�ضغط من �أجل خلق �إرادة �سيا�سية عاملية، وحتقيق العدالة االجتماعية، ولو ب�شكل ن�سبي. وي�سوق م��ث��ا ًال مل��ا ت��و���ص��ل��ت �إل��ي��ه احل��ك��وم��ة يف بريطانيا، من �أج��ل �إح���داث ن��وع من التوازن، من فر�ض �ضرائب �أكرب على �أ�صحاب الدخول املرتفعة والأغنياء ،بد ًال من تخفي�ض اخلدمات التي ت�ؤثر يف الطبقات الفقرية يف املجتمع، مع
43
بزوغ عصر اإلنسان اآللي تقنية 44
خالد الصالح -سوريا-قد ي�صبح الإن�سان الآيل الذي ي�شبه الب�شر يف مظهره و�سلوكه م�شهدً ا معتادًا يف امل�ستقبل القريب ،وهو ما يثري ت�سا�ؤالت مهمة حول و�ضع تلك الآالت و»حقوقها» ودورها يف املجتمع. حتى نفهم الأم��ور يف �سياقها الطبيعي� ،س�أبد�أ باحلديث عن زمن �أج��دادن��ا الذين كانوا يعي�شون يف عامل لي�س فيه حوا�سيب وال هواتف وال كهرباء وال �سيارات� ،أي باخت�صار ،لي�س فيه �أي من و�سائل الراحة التي نعتربها اليوم من امل�سلمات .ولطاملا �سمعنا ق�ص�صا حول و�صول �أول �سيارة �إلى املدينة ،وكيف �أن واح��دً ا يف ً املنطقة �أ�صبح ميتلك م�صباحً ا كهربائيًا يف غرفة املعي�شة ،وكان الأطفال الذين ي�سكنون يف املنطقة يتجمعون عنده مل�شاهدة هذه الأعجوبة احلديثة.
الثقافة الروبوتية في عالمنا العربي تكاد تكون معدومة
العدد
81
ويتولى �شحنها بنف�سه .كما �أمكن �إنتاج روبوت م���زو ّد بخاليا كهرو�ضوئية ،تتغذى بالطاقة الكهربائية امل�ستمدة من ال�شم�س. رغم كل هذا االهتمام والتوجهات العاملية امل��ت��زاي��دة بتكنولوجيا ال���روب���وت� ،إال �أن��ن��ا ال جند لها �صدى يف عاملنا العربي ،فما زالت تكنولوجيا الروبوت وتطوراتها و�آفاقها الواعدة غري م�ألوفة يف عاملنا العربي ،وما زلنا نعاين من الق�صور ال�شديد يف الأخذ مبقومات تطبيق تكنولوجيا الروبوت ،كما �أن الثقافة الروبوتية يف عاملنا العربي تكاد تكون معدومة .ورغم �أن الروبوتات مل تعد تدخل �ضمن باب اخليال العلمي� ،إال �أن �أفكار البع�ض يف عاملنا العربي عنها ال تزال �أق��رب لأف�لام وت�صورات اخليال العلمي. يجب علينا قبل �أن تغزو الروبوتات منازلنا، �أن نعد �أبناءنا للثورة الروبوتية الواعدة ،من خالل التو�سع يف ن�شر ثقافة الروبوت من خالل �إدخ��ال علوم ال��روب��وت وال��ذك��اء ال�صناعي يف مدار�سنا وجامعاتنا ،وكذلك التو�سع يف ن�شر املراكز والنوادي العلمية ،وذلك لت�أهيل �أبنائنا للتعامل م��ع ال��روب��وت��ات ومتابعة ال��ت��ط��ورات ال�سريعة املتقدمة يف هذا اجلال. ولكن رمب��ا يف الع�صر ال��ذي �سيعي�ش فيه �أطفالنا و�أحفادنا �سيكون الب�شر الآليون �أكرث من جمرد �آالت .و�سنتعلم كيفية �إدماجهم يف حياتنا اليومية بال�سهولة ذاتها التي �أ�صبحت فيها الهواتف الذكية واحلوا�سيب ج��زءًا من حياتنا العادية اليوم.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
ال ي�ستطيع �شباب اجليل املعا�صر تخيّل هذا النوع من املعي�شة ،لكن احلقيقة �أن هذا كان واقع احلياة يف البلدان الإ�سكندنافية قبل ب�ضعة �أجيال فقط ،وال �أ�ستطيع �أن �أتخيّل كيف كانت جدتي �ستت�صور حياتي الآن .وما يبدو ع�صيًّا عليّ الآن هو ت�صور حياة �أحفادي� ،أي بعد جيلني فقط ،يف امل�ستقبل .لكن بناء على ما �أعرفه اليوم ،ف�إنني على يقني من �شيء واحد، وهو �أنهم �سيعي�شون مع الروبوتات� ،أو الب�شر الآليني. نحن نقرتب كل يوم من «ع�صر الإن�سان الآيل» ،وهو واقع اجتماعي �سي�ؤدي فيه �أنواع خمتلفة من الروبوتات ،وخا�صة الإن�سان الآيل ال�شبيه بالب�شر يف املظهر والت�صرفات ،دورًا مهمًا يف �سلوكنا وتفاعلنا م��ع الآخ��ري��ن ومع التقنيات املحيطة ب��ن��ا .وه��ن��اك ال��ع��دي��د من الأ�سباب لهذا الأمر. يف الأي��ام الأول��ى للروبوتات ،كان اجلميع ينظر �إليها ك���أدوات تُ�ستخدم ب�صورة �أ�سا�سية يف خ�ط��وط الإن �ت��اج وم���س�ت��ودع��ات التخزين. لكن تلك النظرة تغريت يف ال�سنوات الأخرية. ف�أ�صبح من ال�سهل الآن �أن نعترب الروبوتات «و�سائط» ،ويتوقع العديد من العلماء واملفكرين �أن ت�صل الإمكانات املحتملة لتقنيات الروبوتات �إل��ى ك��ل ن��واح��ي احل��ي��اة الب�شرية .يف «ع�صر الإن�سان الآيل ال�شبيه بالب�شر» �ستبقى بع�ض الروبوتات جمرد �أدوات ،فيما �سي�صبح بع�ضها الآخر �شركاء ورمبا �أ�صدقاء. م��اذا عن الرجل الآيل يف ال�سيا�سة؟ هل نتوقع بحلول عام � 2045أن نرى دو ًال حتكمها الروبوتات؟.. ي���ه���دد الإن�������س���ان الآيل ر�ؤ�����س����اء ال����دول وال�سيا�سيني� ،إذ تهدد التكنولوجيا احلديثة عرو�ش كبار ال�سيا�سيني؛ لأن الروبوتات توفر بدائل قوية ل�ل�إح�لال حملهم و�أداء مهامهم بكفاءة وقدرة عاليتني. توقع تقرير متخ�ص�ص �أن تتحول نبوءات «اخليال العلمي» عن ع��امل يحل فيه الإن�سان الآيل لل�سيا�سة حمل الإن�سان العادي بحلول عام .2045
هل يبدو ذلك ق�صة من اخليال العلمي؟ رمبا .لكن احلقيقة �أننا منلك اليوم تقريبًا جميع التقنيات الالزمة لتحويل هذه ال�سيناريوهات �إلى واقع .وما علينا �إال جمعها معًا. ابتُكرت روبوتات ت�ستطيع تتبع ت�ضاري�س الأر���ض ،واختيار طرق بديلة؛ بل �إن منها ما ي�ستطيع حمل الإمدادات من الأ�سلحة والذخرية وتطهري الأر�ض من الألغام ،واال�ضطالع ب�أعمال احلرا�سة؛ وما زال العمل جاريًا على تطويرها، لت�صبح ق���ادرة على اللم�س وال�����ش��م وال�سمع وال��ت��ذوق ،وك��ل م��ا يح�سّ ن �أداءه����ا ،ويزيدها �سرعة ومقدرة يف �إجناز مهمّاتها .كما تطمح الواليات املتحدة الأمريكية �إلى تطوير روبوت يحارب يف اخلطوط الأمامية ،وي�ستطيع ت�سلق احلواجز ،وي�سبح حتت املاء ،ويراقب الروبوتات الع�سكرية الأخ��رى .كما جندت روبوتًا ،كروي ال�شكل ،يتدحرج على الأر����ض ،وي�ستقر على ثالث قوائم تلي�سكوبية ،ويخرج ر�أ�سه من فتحة فيه ،م�ستطلعًا املكان املحيط ،الكت�شاف قوات العدوّ ،فتبادر م�ست�شعرات احل��رارة واحلركة امل���زودة ب��ه��ا� ،إل���ى جتهيز �أ�سلحة يف داخ��ل��ه، وت�صويبها من خالل فتحة �أخرى نحو الأعداء. وكذلك طُ ����ورت روب���وت���ات ل��ت�لائ��م الطبيعة، وت��غ��و���ص يف امل��ح��ي��ط��ات ،ل��ت��دم�ير الأل���غ���ام البحرية .كما �أن بع�ض العلماء يحاول تطوير جندي على هيئة روبوت �صغري جدً ا ،ي�ستطيع الزحف والوثب والطريان فوق حقول الألغام، ويف ال�صحراء ،وعلى ال�شواطئ ،ليتج�س�س على العدو ،ويزيل الألغام ،ويكت�شف الأ�سلحة الكيماوية .وقد �أُنتج روبوت ميكروهوائي بحجم ذبابة ،خ�ص�ص البنتاغون لتطويره 60مليون دوالر .وت�ستطيع هذه الذبابة حمل م�صوِّرات ملراقبة جنود الأع��داء �أو ا�صطيادهم وقتلهم، بوا�سطة د�س ال�سم يف �أعناقهم. وميكن للروبوت التحدث بعدة لغات وي�ؤدي دورًا يف جمال احلركة والقيادة ،وهو ال يحتاج �إل��ى تو�صيل مبا�شر مب�صدر تغذية خارجي، و�إمن��ا يعمل ببطارية قابلة لل�شحن ،ويكت�شف ذاتيًا �ضعفها فيطلب �إع��ادة �شحنها� ،أو يتجه ال��روب��وت نف�سه �إل��ى �أق���رب مقب�س كهربائي،
45
تاريخ 46
التاريخ األوروبي وتاريخ أوروبا
العناصر الثالثة اإلنسان والزمان والمكان تتفاعل مع بعضها البعض فتنتج الحادثة التاريخية
العدد
وبادئ ذي بدء ،ال بد �أن نو�ضح �أن الآراء قد اختلفت وتعددت حول ماهية التاريخ و�أهميته، واهتم امل�ؤرخون بذلك الأمر ،ودليلنا على ذلك ق��ي��ام ع��دد كبري م��ن امل���ؤرخ�ين ب��ت��ن��اول تف�سري التاريخ من حيث معناه و�أهميته وتف�سري حركته وم�سريته ،وذلك من جميع النواحي ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية والثقافية ،وغريها. أي�ضا يف تف�سري واختلف امل�ؤرخون العرب � ً ال��ت��اري��خ ،فمنهم م��ن ذك��ر �أن���ه �سجل لكل ما تركه الإن�سان من �آثار نتيجة لتفاعله مع البيئة املحيطة به ،م�شتم ًال على كافة نواحي احلياة، وق�صر بع�ضهم معنى ال��ت��اري��خ على «بحث وا�ستق�صاء حوادث املا�ضي». وقد طُ ��رح �س�ؤال حول ماهية التاريخ الأوروب�����ي على جمموعة م��ن امل���ؤرخ�ين والأ����س���ات���ذة يف اجل��ام��ع��ات الأوروب���ي���ة والأمريكية ،واختلفت الإجابات فكل م�ؤرخ يعر�ض �إجابته وفقًا لوجهة نظره اخلا�صة ،ووف��قً��ا لبع�ض الظروف التي �إن وجدت ا�ستطاع �أن يجيب عن هذا الت�سا�ؤل ،ولهذا وجدت جمموعة من الآراء متثل ر�أي امل�ؤرخ وفكره. وقبل �أن نو�ضح الفروق ب�ي�ن ال���ت���اري���خ الأوروب�������ي وت��اري��خ �أورب����ا ،ي�ستوجب الأم���ر �أن ن�شري �إل��ى �أن �أي ح���ادث���ة ت��اري��خ��ي��ة تقوم على ثالثة دعائم هي :الزمان والإن�سان واملكان ،وال ميكن ت�صور ظاهرة تاريخية خ��ارج ح��دود ه��ذه ال��دع��ائ��م الثالثة، ف��ال��زم��ان ه��و ال���ذي يجعل للحادثة التاريخية
�صفتها التاريخية ،ومن امل�ستحيل متامًا ت�صور �أية حادثة تاريخية خارج نطاق الزمن ،والزمن الذي نعنيه هو الزمن الإن�ساين� ،أي عمر اجلن�س الب�شري ف��وق كوكب الأر�����ض ،ذل��ك لأن الفعل التاريخي يف حقيقته فعل �إن�����س��اين وق��ع داخ��ل حدود الزمن الإن�ساين ،وارتباط التاريخ بالزمن يت�ضح من خ�لال احلقيقة القائلة ب���أن املا�ضي احل�ضاري لبني الإن�سان على �سطح الأر���ض هو مو�ضوع علم التاريخ. �أم��ا املكان �أو البيئة فهو الركن الثاين من �أركان الظاهرة �أو احلدث التاريخي؛ لأن البيئة هي م�سرح العملية التاريخية ،فال ن�ستطيع ت�صور وجود الفعل التاريخي يف فراغ بعيدًا عن املكان �أو البيئة ،فالتفاعل بني الإن�سان والبيئة يف �إطار ال��ظ��رف ال��زم��اين ه��و ال��ذي يُنتج لنا الظاهرة التاريخية يف �أي ع�صر من الع�صور ،ذلك لأن الإن�����س��ان ه��و منفذ العملية التاريخية م��ا دام ميدان التاريخ وجمال بحثه هو ما�ضي الن�شاط الب�شري ،فاالرتباط بني الإن�سان بو�صفه فاع ًال تاريخيًا؛ وال��ت��اري��خ ال��ذي يهتم بدرا�سة الفعل الإن�ساين وحماولة تف�سريه يبدو يف غاية الو�ضوح، ولي�س بو�سعنا �أن نت�صور وجود ظاهرة تاريخية ال ترتبط بالإن�سان؛ فذلك لن يكون تاريخً ا باملعنى املق�صود ،و�إمنا �سيكون نوعً ا من التاريخ الطبيعي الذي يختلف متام االختالف عن التاريخ كعلم الإن�سان؛ فالتاريخ مييل �إلى حفظ كل ما له قيمة بالن�سبة لبني الإن�سان ويرتك ما عدا ذلك للفناء والهالك. وعلى هذا ف�إن احلدث التاريخي يتكون من ثالث عنا�صر رئي�سية هي وجود الإن�سان يف مكان ما ،وزمان معني ،وهذه العنا�صر الثالث الإن�سان والزمان واملكان تتفاعل مع بع�ضها البع�ض فتنتج احلادثة التاريخية ،وهذا احلدث يحتاج �إلى منهج
81
للوهلة الأولى ي�شعر القارئ ب�أن امل�صطلحني اللذين عنون بهما هذا املقال يت�شابهان �إلى حد بعيد ،بحيث ي�صعب التمييز بينهما .ورمبا يكون ذلك حقيقة ،ولكن هذه حماولة بقدر اال�ستطاعة لكي منيز بني داللتيهما ،لتحقيق فهم �أعمق لـ «التاريخ الأوروبي» ب�صفته فرعً ا من فروع التاريخ.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
-علي عفيفي علي غازي-
وكذلك م�ؤرخ لكي ي�صبح مادة تاريخية مكتوبة خا�ضعة للنقد والتحقيق .والبد �أن يكون هناك منطقة ي�ستمد منها احلدث التاريخي ماهيته، �أو يحدث على �أر�ضها ،فاحلدث التاريخي بدون حتديد منطقة حلدوثه يفقد تفاعله مع الإن�سان، ولهذا كانت االختالفات يف حتديد خريطة �أوروبا عرب الع�صور املختلفة عائقًا �أمام حتديد التاريخ الأوروبي ،لأن �أوروبا مل يكن لها �شكل واحد ،فهي كم�ساحة جغرافية مل تكن ب�شكل ثابت على مر الع�صور ،فهي مرة تتو�سع ،و�أخرى تت�ضاءل. والتاريخ الأوروبي هو تاريخ الأوروبيني على الأر�ض الأوروبية ويف كل قارة نزلوا فيها ،ويف كل بقعة من الأر�ض ا�ستعمروها ،ويف �أي مكان وجدوا به ،فال ميكن فهم تاريخ �أي دولة �أوروبية �سواء فرن�سا �أو بريطانيا �أو غريهما من الدول مبعزل عن التاريخ الأوروبي وتاريخها اال�ستعماري خارج �أوروبا؛ ف�ض ًال عن تاريخ العالقات الدولية ،على �أ�سا�س العالقات ب�ين �أوروب���ا وال���دول الأخ��رى يف جميع نواحي احلياة .وعلى هذا النحو ف�إن التاريخ الأوروب����ي ه��و ت��اري��خ الأوروب��ي�ين داخ��ل �أوروبا وكذلك تاريخهم خارجها �إلى حيث ي�صنع الأوروب��ي��ون التغيري يف احلياة اليومية ،مبعنى �أنهم �إذا وجدوا يف �أي بلد �آخر ف�إنهم يعتربون أي�ضا .وعلى ذلك ف�إن جزءًا من التاريخ الأوروبي � ً التاريخ الأوروبي �أعم و�أ�شمل من تاريخ �أوروبا. و�أ�صحاب هذا التف�سري يبنون ر�ؤيتهم على �أ�سا�س �أن الفرد ميار�س ثقافته يف �أي مكان ينزل فيه ،وي�ستوطنه ،وينقل معه عاداته وتقاليده، وفكره ،ومن نتاج هذا التفاعل تربز احل�ضارة،
47
تاريخ 48
فالإن�سان عندما ينتقل من مكان لآخر فهو ينقل ثقافته معه ،وعلى هذا يكون التاريخ الأوروب��ي هو تاريخ الأوروب��ي�ين �أينما كانوا و�أينما حلوا، وامل�ؤثرات التي �أثرت فيهم ،ودوره��م يف الت�أثري يف الآخر. ف��ن��ج��د �أن الإن�������س���ان ع��ن��د وج�����وده يف �أي جمتمع ف���إن��ه ي���ؤث��ر يف ه��ذا املجتمع ويت�أثر به، فمث ًال االحتالل الفرن�سي للجزائر ترك ب�صمته الوا�ضحة عليها ،فقد �أثر فيها وت�أثر بها ،ولذا فنحن جند الآن �أن ال�شعب اجلزائري يتحدث الفرن�سية بطالقة ،وكذلك جند �أنه عند ذهاب �أي �شخ�ص �إل���ى بلد م��ا ف���إن��ه ي��ح��اول التكيف معها ومع عاداتها وتقاليدها مبا ال يتعار�ض مع مفاهيمه وديانته ،فالإن�سان ي�ؤثر ويت�أثر باملجتمع الذي يعي�ش فيه ،وبالبيئة التي حتيط به. �أم��ا تاريخ �أوروب��ا فيق�صد به تاريخ الأر���ض (القارة الأوروبية) والب�شر الذين يعي�شون عليها فقط ،والتفاعالت التي جرت عليها؛ دون النظر �إلى امتدادهم خارج الأرا�ضي الأوروبية� ،أي �أنه نتاج تفاعل النا�س يف �أوروبا مع الأر�ض الأوروبية يف الزمان ،فهو بذلك حمدد جغرافيًا وب�شريًا. فيق�صر امل�ؤرخون تاريخ �أوروبا على تلك املنطقة م��ن ال��ك��رة الأر���ض��ي��ة التي ت�ضم دول املجموعة الأوروبية ،ويق�صدون بتاريخها تاريخ التجمعات الإن�سانية التي تعي�ش عليها وتعمرها ،ونتاجها
الثقايف والفكري والأثري. ولكن �أ�صحاب هذا االجتاه وجدوا �أنف�سهم يف حرية حول املعنى احلقيقي للمنطقة امل�سماة �أوروب�����ا ،ل��ذل��ك اختلف امل����ؤرخ���ون ح��ول املعنى احلقيقي لتاريخ �أوروب���ا ،فبع�ضهم اعتمد على عامل ال��زم��ان ،بينما رك��ز بع�ضهم على عامل املكان ،ومبا �أن التاريخ الأوروب��ي هو يف جممله تاريخ ،ف�إنه البد �أن يكون نتيجة لتفاعل الإن�سان مع املكان يف وجود عامل الزمان. وفيما يخ�ص ع��ام��ل ال��زم��ان ،ف����إن ال��ق��ارة الأوروب����ي����ة ق���د اخ��ت��ل��ف��ت م���ن ق���رن �إل����ى �آخ���ر، فالهند كانت م�ستعمرة بريطانية خا�ضعة للتاج
التاريخ األوروبي لم يكن سوى تاريخ يرى فقط بأعين أوروبا وبرؤية أوروبية للتاريخ ،وخدمته كل القيم التي استخدمت كأساس للحكم
الربيطاين ،كذلك الأمريكتان كانتا م�ستعمرتني لعدد م��ن ال���دول الأوروب���ي���ة ،لكن حينما نالت �أمريكا ا�ستقاللها ف�إن م�ساحة �أوروبا قد تقل�صت عن الفرتات ال�سابقة. �أم��ا ع��ن عامل امل��ك��ان ،فقد اختلف معنى التاريخ الأوروب���ي تبعًا الختالف املكان ،فنجد �أن حدود القارة الأوروبية متغرية ،فهي ال ت�شمل ال��دول الداخلية يف القارة فقط ،و�إمن��ا ت�شتمل على م�ستعمراتها الأوروبية يف اخلارج مثل الهند التي كانت م�ستعمرة بريطانية خا�ضعة للتاج الربيطاين ،وبالت�أكيد ت�أثرت ال��دول الأوروب��ي��ة بالدول التي قامت با�ستعمارها ،فنجد �أنها ت�أثرت ثقافيًا وح�ضاريًا بتلك الدول فنقلت ح�ضارتهم �إل��ي��ه��ا مثل ح�����ض��ارات الفنيقيني والعربانيني وامل�صريني الفراعنة وغريهم. كذلك جند �أنه مع زيادة عدد البلدان التي حتررت من اال�ستعمار ،والتي ب��د�أت تبحث عن �أ�صولها وجذورها ،ب��د�أت تنهار فكرة تاريخها الأورب����ي ال��ت��ي مل تكن ���س��وى ج��زء م��ن �أوروب���ا، وب�أعني الأوروب��ي�ين ،وذل��ك يعني �أن ال��دول التي كانت تابعة لأوروب��ا ،والتي كانت ت�شكل التاريخ الأوروبي يف وقت معني حني ا�ستقلت عن �أوروبا، �أعيد ت�شكيل خريطة �أوروب��ا من جديد ،وتاريخ �أوروب��ي جديد ،لي�س به تلك امل�ستعمرات ،وهو ما يو�ضح �أن التاريخ الأوروب��ي اختلف من فرتة
مفهوم التاريخ األوروبي اختلف من فترة زمنية إلى أخرى، فأوروبا العصور الوسطى تختلف عن أوروبا الحديثة
العدد
81
أكتوبر -نوفمبر 2015م
تاريخية �إل��ى �أخ��رى تبعًا لعامل املكان �أو تبعًا للم�ساحة التي كان ينظر �إليها على �أنها جزء من القارة الأوروبية. وذه���ب البع�ض �إل���ى �أن ال��ت��اري��خ الأوروب���ي ممكن �أن يتطابق م��ع ت��اري��خ �أوروب����ا ال��ذي هو تاريخ ال�شعوب الأوروبية وثقافتها والأرا�ضي التي يحتلونها ،واختلف البع�ض مع هذا الر�أي فريون �أنه �إن كان هناك ت�شابه �أو تطابق بني اللفظني، ف���إن هناك اخ��ت�لاف كبري يف م��ف��ردات ك��ل من التاريخ الأوروب��ي وتاريخ �أوروب��ا على �أ�سا�س �أن تاريخ �أوروبا هو تاريخ القارة الأوروبية جغرافيًا والب�شر ال��ذي��ن يعي�شون عليها� ،أم���ا التاريخ الأوروب��ي فهو تاريخ الأوروبيني �سواء كانوا على �أر�ض �أوروبا �أم ال ،مت�ضمنًا ال�شعوب والأرا�ضي التي بقيت مرتبطة با�ستمرار ب�أوروبا. وم��ن هنا ن��رى �أن التاريخ الأوروب���ي ينظر �إل���ى �أوروب����ا وعالقاتها م��ع غ�يره��ا ،فنجد �أن التاريخ الأوروب��ي مل يكن �سوى تاريخ يرى فقط ب�أعني �أوروب��ا وبر�ؤية �أوروبية للتاريخ ،وخدمته كل القيم التي ا�ستخدمت ك�أ�سا�س للحكم ،وهي جمد الدولة ،والدين ال�شامل ،وفكرة التقدم التي ارتبطت ب�أوروبا يف �إ�شارة �إلى تفوقها و�سيادتها. ومن هنا ارتبطت فكرة التاريخ بامل�ؤ�س�سات االجتماعية التي وق��ع عليها حكم املجتمع مثل الكني�سة والدولة واحل��زب ال�سيا�سي ،فالتاريخ ه��ن��ا ي��خ��دم ق�ضية �أو م�����ش��اري��ع �أول��ئ��ك ال��ذي��ن ميثلهم ،يف حماولة ملقارنة ما�ضي وحا�ضر الدول الأوروبية مع املجتمعات الأخرى. ويرى �آخ��رون �أنه لي�س هناك تاريخ �أوروبي واحد و�إمنا تواريخ كثرية كل منها يتعلق مب�شكلة حم��ددة �أو �سياق حم��دد ول��ذل��ك يجب التمييز بينه من النواحي اجلغرافية والزمانية ،فمث ًال امل�ؤرخني الربيطانيني يرون �أن التاريخ الأوروبي ه��و ت��اري��خ ال��ق��ارة الأوروب���ي���ة ف��ق��ط وال ي�شمل بريطانيا اجلزيرة املنعزلة عنها جغرافيًا� ،أما م�ؤرخو القارة الآخرون فريون �أن التاريخ الأوروبي ي�شمل بريطانيا العظمي التي مل تكن تغيب عنها أي�ضا .وينظر ه�ؤالء �إلى الواليات املتحدة ال�شم�س � ً على �أنها جمرد امتداد للتاريخ الأوروبي. �أما امل�ؤرخون الرو�س فقد كانت �أوروب��ا هي املعيار الذي قيم به الرو�س �أنف�سهم ،وكان واجبًا
على امل���ؤرخ الرو�سي �أن يدر�س ويفهم الظروف الأوروب��ي��ة وثيقة ال�صلة برو�سيا يف وقت معني، فيما يتعلق بق�ضية معينة ،وهذه الر�ؤية تو�ضح �أن ال�شيء ذا الأهمية لرو�سيا لي�س بال�ضرورة �أن ي�شكل �أهمية بالن�سبة لأوروبا. ومل تكن امل�صادر الرو�سية حتى نهاية القرن ال�ساد�س ع�شر تعرف �أوروبا ،ومل ت�شر �إلى �أوروبا با�سمها ،وكانت تعرفها بالبيزنطيني ن�سبة �إلى بيزنطة ،ومل يقم البيزنطيون ب��اط�لاق هذا امل�سمى عليهم ،و�إمنا �أ�سماهم به من جاء بعدهم، وكانت احل��دود بني ال��رو���س وجريانهم ح��دودًا دينية و�ضعوها ح��اج��زًا بينهم وب�ين جريانهم من هراطقة يف الغرب ،ووثنيني يف ال�شرق� ،إال �أن هذه النظرة قد تغريت منذ منت�صف القرن ال�سابع ع�شر� ،إذ �أقامت مو�سكو عالقات جتارية ودبلوما�سية وثقافية قوية مع ال��دول الأوروبية، وب�صفة خا�صة م��ع ب��ول��ن��دا و�أمل��ان��ي��ا وال�سويد و�إجنلرتا وهولندا و�إيطاليا ،و�أ���ش��اروا �إليها يف عهد بطر�س الأكرب (�“ )1725-1689أوروبات” ويظهر من اللفظ �إدراكهم للتنوع واالختالف، وح��اول املفكرون ال��رو���س االبتعاد برو�سيا عن الإطار الأوروبي ،واالجتاهات الفكرية الأوروبية. وجهود املفكرين الرو�س لالبتعاد عن الإطار الأوروب���ي ب�أفكاره وافرتا�ضاته الفكرية ت�أثرت بنف�س االجتاهات الفكرية الأوروبية التي يرغبون يف االبتعاد �أو االنف�صال عنها ،ولهذا مل ينظر الرو�س �إلى �أنف�سهم على �أنهم جزء من �أوروبا، ومل ينظر الأوروب���ي���ون �إل���ى ال��رو���س على �أنهم جزء من �أوروب��ا ،وكانت منطقة البلقان والبحر
املتو�سط يف الن�صف الثاين من القرن ال�سابع ع�شر و�أوائ��ل القرن الثامن ع�شر متثل �أط��راف �أوروبا. والتاريخ الأوروبي يحتوي على ثالث معطيات تتمثل يف حتديد �أوروب��ا من الناحية اجلغرافية بحدود القارات احلالية ،و�أن كل دولة معا�صرة لها ت��اري��خ ،و�أن التاريخ الأوروب����ي جوهر هذه التواريخ القومية ،وتواريخ الدول ال�صغرية. وعلى ذلك ميكن حتديد �أوروبا من الناحية اجلغرافية با�ستخدام احلدود احلالية للقارات، وهذه النظرة تفرت�ض �أن كل دولة معا�صرة يف �أوروب��ا لها تاريخ ،والتاريخ الأوروب��ي هو جوهر هذه التواريخ القومية للدول ال�صغرية ،كذلك فالتاريخ الأوروب���ي هو تاريخ ارت��ق��اء �أو تدهور العامل الغربي ،وذل��ك يعني �أن �أوروب���ا يف وقت ات�ساعها وقوتها و�ضمها لبالد خمتلفة تختلف عن �أوروبا ال�ضعيفة التي فقدت م�ستعمراتها. وميكن حتديد �أوروب��ا من الناحية الثقافية على �أنها تقليد ح�ضاري ،والتاريخ الأوروبي هنا هو تاريخ ارتفاع �أو تدهور العامل الغربي ،وهنا جند ترابطً ا بني النواحي الثقافية واحل�ضارية، وذل��ك على �أ�سا�س �أن النواحي الثقافية تتعلق بالأ�شخا�ص وكيف يفكرون ،وكيف يتعاملون مع الآخرين� ،أما احل�ضارة فهي املنتج الذي يفرزه هذا التفاعل. ون�ستخل�ص مم��ا �سبق �أن مفهوم التاريخ الأوروبي قد اختلف من فرتة زمنية �إلى �أخرى، ف���أوروب��ا الع�صور الو�سطى تختلف عن �أوروب��ا احلديثة� ،إذ تغريت معالهما بتغري م�ستعمراتها يف اخل��ارج ،و�أث��رت فيها وت�أثرت بها ،وتختلف عن �أوروب��ا املعا�صرة بعد انهيار �أيديولوجياتها اال�ستعمارية يف اخل����ارج ،وتقل�ص م�ساحتها لتقت�صر على القارة الأوروبية ال�صغرية ،وعلى هذا ف�إننا نرى �أن حدود القارة الأوروبية املتغرية قد �أث��رت يف تف�سري مفهوم التاريخ الأوروب���ي، و�أثرت يف تغريه من فرتة زمنية �إلى �أخرى. ونخل�ص من هذا �أنه ال ميكن درا�سة تاريخ �أي دولة �أو منطقة مبعزل عن تاريخ �أوروبا ،وعلى هذا ف�إن التاريخ الأوروبي هو تاريخ الأوروبيني يف �أي مكان �سواء يف القارة الأوروبية �أو يف �أمريكا �أو �إفريقيا �أو �آ�سيا.
49
التعدد الثقافي
السبيل الوحيد لمواجهة الهيمنة ومحاربة اإلرهـاب ثقافة 50
لفل�سفة قبول الآخر ،وتطبيقها. �إن التحوالت العاملية الناجمة عن تطور الفكر العوملي ،لي�ست ب��الأم��ر ال�سهل ،وال تدخل �ضمن �إط���ار املمكنات البديهية يف تاريخ تطور ال�شعوب ،بل �إن الأمر �أعقد من ذلك بكثري ،فامل�س�ألة �أو ًال هي حالة �صراع ما بني فكر ثقايف وم�صلحي �ساد لهذا الأَجَ ل �أو ذاك ،ومتت تغذيته �أيديولوجيًا واقت�صاديًا وحتى ع�سكريًا ،وفكر م�صلحي حديث وليد ال��ع��دي��د م��ن ال�����س��ن��وات ،وال ي��ت��ج��اوز مدته عقدين من الزمن. معطيات جديدة كما �أنها حالة تدعو املجتمعات املتنوعة وامل�صالح املتناق�ضة من خاللها �إلى تطبيق م�صاحلها وفقًا ملفاهيمها وبت�أثري ال�ضغط الذي يتولد عن القوة االقت�صادية التي متلكها تلك اجلهات ،لينتهي الأمر يف نهاية املطاف برت�سيخ دور القوى املت�أقلمة مع املعطيات اجل��دي��دة وال��ق��ادرة على فهم الت�صدعات
العدد
قوى العولمة تعمد إلى تشجيع التنوع الثقافي الذي أصبح مطل ًبا أساس ًيا في عالمنا الحالي
81
�أمر طبيعي وع��ل��ى رغ���م �أن ال�����س��ع��ي للهيمنة �أم��ر طبيعي يف احلراك الثقايف بوجه عام؛ لأنه ممار�سة للأبوية ال�سلطوية الآمرة الناهية، ولو على نحو م�سامل� ،إال �أن الأم��ر �سيزداد �سوءًا ،والهيمنة �ستكون �أكرث حدية ،والنتائج �ست�صبح �أعظم وح�شية ،عندما تكون الثقافة التي حت��اول الهيمنة ذات طبيعة قمعية يف م�ضمونها ،بحيث ال تقبل الآخر املختلف �أيًا كانت درجة اختالفه ،وال ت�ستطيع احتواءه كجزء من الكلي العام. و�إذا مل يكن املجتمع على درج��ة عالية م��ن احل�سا�سية جت��اه كافة �صور الهيمنة، والهيمنة الثقافية منها خا�صة ،ف���إن كل تيار فكري �سيت�سلل ليمار�س قمعه الفكري، ونفيه للآخر ،و�سيحاول فر�ض �أيديولوجيته اخلا�صة بكافة و�سائل الإره����اب الفكري املدججة بكافة الأ�سلحة املادية واملعنوية، و�سيمار�س احل��رب النف�سية �سرًا وعالنية حتى تتحقق له هيمنته التي ي�سعى �إليها ،ولن يبايل من �أجل حتقيق هذا الهدف �أن ي�سحق يف طريقه ،ما يدعيه من قيم ،وما يت�شدق به من منطق ،وما تختزنه ذاكرته من �أدلة. مطلب �أ�سا�سي تغريت نظرية الهيمنة الثقافية عندما جاءت العوملة بتجلياتها احلالية� ،إذ �إن قوى العوملة تعمد يف ال��واق��ع �إل��ى ت�شجيع التنوع الثقايف الذي �أ�صبح مطلبًا �أ�سا�سيًا يف عاملنا احلا�ضر ،لدرجة �أن هذا التنوع بات يحتل
مكان الثقافة الأحادية ،التي كانت �سائدة خالل القرن الع�شرين. وب���ات ال��ع��امل نتيجة لالنفتاح الناجم عن الفكر العوملي ما بني املكونات الثقافية املختلفة ،قادرًا على ا�ستيعاب التنوع الثقايف للأمم وال�شعوب والإثنيات املتنوعة بف�ضل منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية ،التي �أدت �إلى �إحداث ت�أثريات فعلية و�سلبية على مكانة الثقافة الأح��ادي��ة والطاغية ،جربًا، على الثقافات املختلفة ،و�أدت �إلى انكما�ش ت�أثريها الهيمني بفعل القوى املتولدة حديثًا على �صعيد الكوكب ،كما �أدت �إلى ردات فعل عك�سية من قبل بع�ض الثقافات من جهة، و�إلى التمهيد لفل�سفة قبول الآخر وتطبيقها من جهة �أخرى. مفاهيم جديدة �أ�سهمت العوملة -التي اختلفت الآراء حولها و�أدت يف بع�ض احلاالت �إلى خلق ردات فعل عك�سية ،من قبل بع�ض الثقافات ،التي وجدت نف�سها تت�أذى من فعلها .ودعت �إلى عو�ضا عن الكوكبية ،حفاظً ا الفكر املحلي ً على القيم املحلية البعيدة عن االغ�تراب، التي يدعو لها الفكر العوملي �-أ�سهمت يف الكثري من املواقع يف خلق مفاهيم جديدة، تولدت عن �سهولة انتقال ر�ؤو����س الأم��وال الب�شرية وامل��ادي��ة م��ا ب�ين �أ���ص��ق��اع الأر����ض املختلفة ،و�أ���ص��ب��ح الكثري م��ن املجموعات الب�شرية املتنوعة واملتناق�ضة �أحيانًا يف حالة التجاور وال��ت���آل��ف ،مم��ا �أدى �إل��ى التمهيد
أكتوبر -نوفمبر 2015م
جاسر العوهلي -الظهران -ال �شك يف �أن كل تيار فكري يحاول فر�ض هيمنته الثقافية على كافة �أطياف التنوع الثقايف يف املحيط الذي يحاول التمو�ضع فيه ،ال �سيما �أن هذه الهيمنة جزء ال يتجز�أ من طبيعته املالزمة له ،بو�صفه حراكًا ثقافيًا ي�سعى على نحو تلقائي ،يفر�ضه املنطق الداخلي للبنية الثقافية لتحقيق االنت�شار والرواج. ومن هذا املنطلق ت�سعى الثقافة �أيًا كانت لتحقيق �أكرب قدر من التنميط والهيمنة والت�سلط واالحتكار الثقايف ،الذي يقود بدوره� ،إلى التنميط والت�سلط واالحتكار الفعلي يف الواقع املتعني ،ب�شكل يجعل املثقف يتنقل ب�سلطاته الفكرية املتعالية املجردة �إلى �سلطة فعلية حتاول توظيف امل�ؤ�س�سات املدنية ملمار�سة هيمنتها.
51
ثقافة 52
احلا�صلة يف النظام العاملي للقرن الع�شرين بفعل قوة االنفتاح الناجم عن الفكر العوملي، الذي ي�ؤ�س�س لرتتيبات م�صلحية جديدة ،قد تكون الكثري من الأط��راف الفاعلة �سابقًا، خارج �إطارها اليوم. وت��ع��د منطقة ال�شرق الأو���س��ط واح��دة من �أكرث مناطق العامل �إ�صابة بورم �أحادية الثقافات املتعددة التي تنجم عن ا�ضمحالل التنوع الثقايف بت�أثري القوة النافذة للفكر الثقايف امل�سيطر. االنتماء العقائدي وي�شهد تاريخها على الكثري من الأفعال والت�صرفات املفتعلة يف �إطار �سل�سلة الدول الإ�سالمية العقائدية ،التي تدخل يف �إطار رف�ض التنوع الثقايف ،اجتماعيًا و�سيا�سيًا ودينيًا و�إثنيًا ا�ستنادًا �إلى اخللفية التي متنح الأول��وي��ة لالنتماء العقائدي على االنتماء الفكري القائم على اجل��دل ،والأم��ر �سيان بالن�سبة للفكر الثقايف القائم على العقائدية القومية. وقد ق�سمت املنطقة على �أ�سا�س االنتماء القومي للبع�ض دون الآخرين ،وذلك بفعل الت�أثريات القادمة من م�صدرين �أ�سا�سيني:
الأول هو الفعل الكولونيايل الغربي وما تبعه من ممار�سات بحق التنوع الثقايف من خالل تطويع التباينات االقت�صادية وال�سيا�سية لتتحول �إل���ى خ�لاف��ات دي��ن��ي��ة وق��وم��ي��ة بني املكونات الب�شرية لأبناء املنطقة ،والثاين هو فعل االنتماء القومي القائم على اللغة ب�شكل �أ�سا�سي وما تبعه من �إنكار لوجود الآخر الذي يقا�سمه التاريخ واجلغرافيا ،وحتى العادات والتقاليد �أحيانًا. احلالة ال�سوداوية ومل تتمكن املنطقة م��ن اخل����روج من
تعدد مراكز القوى الثقافية وإعطاء كل ثقافة حي ًزا في الحراك الثقافي العام يضمنان عدم انفراد أي تشكل ثقافي بالهيمنة
احلالة ال�سوداوية التي رافقتها خالل القرن الع�شرين �إلى حالة متكنها من تر�سيخ مفهوم التعدد الثقايف ،بل �إن الأمر قد زاد �سوداوي ًة م��ن خ�لال ت��ط��ور الفكر ال��ث��ق��ايف للتطرف الديني ،الداعي �إلى توقيف اجلدل القائم ما بني الدين والعلمانية املتهمة بالزندقة. وقد �أدت هذه احلالة القائمة على �أحادية الثقافة �إلى والدة م�شكالت �إن�سانية قائمة يف �أ�سا�سها على غياب العدل يف اع�تراف املكونات الب�شرية يف منطقتنا بع�ضها ببع�ض. وجتلت هذه امل�شكالت يف بع�ض �صورها ب��ا���س��ت��خ��دام ال��ع��ن��ف ف��ي��م��ا ب��ي��ن��ه��ا��� ،س��وا ًء مبحاوالت املكونات الثقافية امل�سيطرة يف الق�ضاء على املكونات الثقافية التي ت�شعر بالظلم� ،أو مب��ح��اوالت تلك املكونات التي ت�شعر بالظلم ،للتخل�ص من الظلم. قوة العقل واملنطق ويف ال��وق��ت ذات����ه ت���رى ه���ذه الأف��ك��ار الثقافية ،و�أكرث من �أي فرت ٍة �سابقة� ،أنها يف مواجهة قوة كبرية ،وهي قوة العقل واملنطق ال��ت��ي متكنت م��ن اخل���روج م��ن �أ���س��ر �أف��ك��ار الثقافة الأحادية والإعالن عن نف�سها حتت ت�أثري العديد من القوى الداعمة حقوقيًا
العدد
81
و�سيا�سيًا واقت�صاديًا وتكنولوجيًا ،التي ت�ساهم يف تهاوي الفكر الثقايف الأح��ادي ال�سائد يف املنطقة. وم���ن ث��م مت��ه��د ال�سبيل �أم����ام ال��ت��ن��وع الثقايف ،يف كل ما مي�س اجلن�س الب�شري، بحيث تكون النتيجة ،ه��ي و�ضع الأر�ضية املتينة لإنقاذ الثقافات املظلومة من حالتها، دون النظر يف طبيعة تلك الثقافة �إذا كانت �إثنية �أم دينية �أم غريهما؛ لأن املمار�سات العنفية التي �شكلت الفعل ورد الفعل بني املكونات الثقافية يف املنطقة ،قد دخلت يف خانة جلب الأذى لأبنائها ،ومل تتمكن �إال من زي��ادة حجم ال�شرخ ال��ذي خلقته امل�صالح املتناق�ضة. جهل وجتاهل و�إذا ك��ان هناك من يعتقد �أن الهيمنة الفكرية لتيار فكري حمدد ،يف �أي جمتمع، ميكن �أن يحفظ اال�ستقرار لهذا املجتمع، ف�إن هذا جهل �أو جتاهل لأهمية جدلية الفكر يف م�سرية الوعي ،ف�ض ًال عن اجلهل بحقيقة اال�ستقرار ،من حيث كونه تقب ًال للمغاير، بو�صفه م��وج��ودًا كحقيقة مو�ضوعية على �أر���ض ال��واق��ع ،وم��ن ث��م ،ف���إن نفيه فكريًا ال يعني �أنه �أ�صبح معدومً ا ،وهذا ما ال يعيه� ،أو ال يريد �أن يعيه �أح��ادي الفكر يف ممار�سته لن�شاطه الثقايف. ومن هنا يت�ضح �أن تعدد مراكز القوى الثقافية ،و�إعطاء كل ثقافة حيزً ا يف احلراك ال��ث��ق��ايف ال��ع��ام ،ي�ضمن ع���دم ان��ف��راد �أي ت�شكل ثقايف بالهيمنة؛ لأن انفراده �سي�ؤدي بال�ضرورة �إل��ى حماولة فر�ض ثقافته على
أكتوبر -نوفمبر 2015م
إذا لم يكن المجتمع على درجة عالية من الحساسية تجاه كافة صور الهيمنة، فسيتسلل كل تيار فكري ليمارس قمعه الفكري ونفيه لآلخر
الشرق األوسط من أكثر مناطق ً إصابة بورم العالم أحادية الثقافات المتعددة التي تنجم عن اضمحالل التنوع الثقافي بقية الثقافات الأخ��رى ،وخا�صة �إذا كانت الثقافة ذات م�لام��ح وث��وق��ي��ة .ول���ذا ،ف���إن ال�����س��م��اح ب��ح��راك ث��ق��ايف ي��ت��ج��اوز قناعات الثقافة التي تطمع -بحكم �شعبويتها -يف فر�ض هيمنتها �سيقلل من خطر �أن تكون �سلطة يف الواقع الفعلي ،تنفي ما �سواها من الثقافات ،ويف م�سرية هذا النفي الذي لن يتم دون ممانعة متار�س القتل والتفجري يف كل ميدان.
53
أفكار 54
المسؤولية السياسية
-صبحة بغورة -
العدد
81
أكتوبر -نوفمبر 2015م
هناك �أمر ال ينكره �إال جاحد ،ذلك �أن ا�ستمرار حالة اال�ستقرار والأمن والأمان هي نتيجة مبا�شرة ل�سعي جاد وعمل د�ؤوب وجهد متوا�صل ون�شاط حي يح�سب يف ميزان حما�سن ال�سلطة ويرفع ر�صيدها من امل�صداقية والثقة ،فالأمن وال�سالم ال يتحققان عفويًا ،بل برعاية رحيمة وعدالة حا�سمة وبحق ي�ستند �إلى قوة رادعة. ولكن عندما تت�شنج اجلبهة الداخلية على وقع �أزم��ات اجتماعية ح��ادة مت ا�ست�شعار جتاهلها �أو ت�سويفها والتماطل يف التعامل معها ،وعندما يعمد النظام �إلى اال�ستغالل ال�سيا�سي للأمن “لقمع” احلركات االحتجاجية االجتماعية ال�سلمية و�إلى توظيف العدالة “لتجرمي” اال�ضرابات عن العمل واالعت�صامات وامل�سريات االحتجاجية واحلكم بعدم �شرعيتها خدمة لأغرا�ض ال�سلطة ،حينها يتحمل النظام وحده امل�س�ؤولية الكاملة عما ت�صل �إليه الأو�ضاع يف البالد من حاالت االن�سداد ال�سيا�سي الذي كثريًا ما ي�ؤدي ا�ستمرارها وتواليها �إلى الت�صعيد املتدرج حلدة الت�شنج االجتماعي امل��ؤدي �إلى حدوث املواجهات العنيفة بني املواطنني الغا�ضبني وقوات الأم��ن .وعندما يدفع النظام احلركات االحتجاجية االجتماعية �أو ال�سيا�سية ال�سلمية لكي تتحول �إلى العنف ،ف�إنه يف احلقيقة قد �ساق الأمور بنف�سه من �أجل �إيجاد املربر الكايف له للتعامل معها عن طربق احلل الأمني وبالتايل ح�سمها بالقوة بدل التكفل مب�س�ؤولية احتواء الأزمات الداخلية �سلميًا بفتح النقا�ش حول م�سبباتها.
55
�إن حيوية �أي �شعب ت�ستمد وتقا�س مبدى ما يبديه حكامه من حر�ص ورعاية لنظام تربوي �سليم ومتطور وترقية النظام التعليمي �أو الرتبوي وتطوير نظم التدريب والتكوين امل�ستمر� ،إذ تقا�س قوة الأم��م بقدرتها على االب��ت��ك��ار العلمي .ه��ذا �إل���ى ج��ان��ب اجلهود املتوا�صلة من �أجل �إ�شاعة التوعية ال�سيا�سية باحلقوق والواجبات التي هي احلل ال�سحري لكل امل�شاكل .فحل مع�ضلة احلكم والف�ساد مث ًال هو بعث العدالة يف كل املجاالت وت�شجيع ممار�سة املعار�ضة اجلدية النا�ضجة وطنيًا م��ع االل��ت��زام بفتح ممار�سة الإع�ل�ام احلر وامل�س�ؤول وال�شجاع داخل الوطن ل�ضمان �أن تبقى معارك ال�سيا�سيني احلقيقية واجلدية يف داخل الوطن ولي�س خارجه ،وهذه م�س�ؤولية تتعلق مبا�شرة مب��دى ال��ت��زام ق��ي��ادة البالد بالتعاي�ش مع اخل�صوم ال�سيا�سيني ،وم�ستوى ن�ضجها ال�سيا�سي لتقبل مبد�أ ال�شراكة مع
ال شيء أصبح من الممكن إخفاؤه عن العالم من أخبار في أدق تفاصيل النشاط اإلنساني ،وعلى ذلك يجوز لنا ً أيضا االعتقاد أنه بإمكاننا على األقل التحكم في مستوى وحجم استغالله
املعار�ضة وا�ستعدادها لإقامة احلوار والت�شاور ال�سيا�سي مع اخل�صوم حول خمتلف الق�ضايا الوطنية و�ش�ؤون احلكم. رمب��ا ال ي��ك��ون الأم���ر ب��ه��ذه ال�سهولة يف ظ��ل التطور املت�سارع لتكنولوجيات و�سائل االت�صاالت ،ولكن �إذا جاز القول �إن ال �شيء �أ�صبح من املمكن �إخفا�ؤه عن العامل من �أخبار يف �أدق تفا�صيل الن�شاط الإن�ساين ،ف�إنه يجوز أي�ضا االعتقاد �أن��ه ب�إمكاننا على الأقل لنا � ً التحكم يف م�ستوى وحجم ا�ستغالله .فاملعلومة ت���أخ��ذ ط��اب��عً��ا ���ش��ام�ل ًا ع�برالإن�ترن��ت ،فيما املعرفة والعلم حملية ،لأنها مرتبطة ب�سرعة النقل وتنمية الفرد ،ومنه ميكن ح�صار ما ال ينبغي معرفته ،بل والتحكم يف منافذ ت�سريب ما ميكن �أن ي�شكل خطرًا �أو تهديدً ا خارجيًا لأم��ن البالد و�سالمتها وا�ستقرارها .وهذه م�س�ؤولية ترتبط بقدرة قيادة البالد على حمايتها �إعالميًا.
أفكار 56
هناك ق�ضايا ي����ؤدي التغافل عنها �إل��ى تفاقمها حتى ي�صبح التعامل معها ي�شكل جمهودًا م�ضنيًا يتعامل مع م�س�ألة “�إنقاذ وطني” تتعلق مبحاولة �إع��ادة تقوية اللحمة ال��وط��ن��ي��ة ل��ت��ج��ن��ب ال��ت�����ش��رذم وال��ط��ائ��ف��ي��ة، وحت�صني الأم��ة من التفتت و�ضمان �أمنها و�سالمتها .ومن هذه اجلهود عملية توحيد الن�سيج االجتماعي لغويًا وتعليميًا وثقافيًا وع��ق��ائ��دي��ا ودي��ن��يً��ا ال��ت��ي ح��ت��مً��ا �ست�صطدم
ليس من المسؤولية تراشق الفاعلين المسؤولية عن اإلخفاق ،بمعنى تقاذفهم التهم وتحميل آخرين أسباب وعواقب الفشل
باخل�صو�صية املحلية التي تتميز بها منطقة معينة ع��ن املناطق الأخ���رى داخ���ل الوطن الواحد ،هي خ�صو�صية ذات �أبعاد تاريخية �أ�صيلة �ضاربة يف التاريخ و�شكلت ر�صيدً ا هائ ًال يف امل��وروث الثقايف ال��ذي �ساهم عرب الأزمنة يف ر�سم ال�شخ�صية وحتديد الهوية وبلورة جملة العقائد ال�سائدة من خالل تراكم معريف حملي ال �سبيل لنكرانه والمنا�ص من االع�تراف ب��ه ،فاحرتامه واحلفاظ عليه ال يعد نقي�صة بانت�صار �ش�أن ذات خ�صو�صية حملية على ح�ساب االعتبار الوطني ،فال جم��ال للحديث مبنطق ال��رب��ح واخل�����س��ارة يف م�س�ألة تتعلق بالتنوع احل�����ض��اري حتى داخ��ل الوطن الواحد كم�صدر �إث��راء للفكر والثقافة �إال يف ذهن من يريد ت�صويره بعيدً ا عن كونه اختالفًا من باب التنوع لي�ضعه يف �إطار اخلالف من زاوية عن�صرية .والتقليل من �ش�أن مثل هذه الدعوات هو تغافل �ساذج عما ميكن �أن تخبئه مع مرور الوقت من �آثار مدمرة على الوحدة الوطنية لأبناء ال�شعب، فال �شيء ميكن �أن يقف يف وجه من يب�صرون يف �أنف�سهم متيزً ا عرقيًا �أو اختالفًا مذهبيًا ودي��ن�� ًي��ا لإث��ب��ات وج��وده��م امل��ه��دد بال�ضياع وال���زوال .و�إن �أي دع��وى مهما ك��ان مربرها
مي��ك��ن �أن ت��واج��ه غ�ضبة م��ن ي�ست�شعرون جحودًا اجتماعيًا �أو جتاه ًال تنمويًا �أو ظلمًا �سيا�سيًا حلقهم يف العي�ش الكرمي� .إنها حقوق تتعلق ب�ش�أن املواطنة وال ميكن لأي �سلطة �أن تتعامل معها مبنطق الإق�صاء �أو التهمي�ش دون �أن تكون هناك ردود فعل حادة وعنيفة، واالل��ت��زام الأدب���ي والأخ�لاق��ي للدولة يلقي عليها م�س�ؤولية احرتام كل مكونات الن�سيج ال��وط��ن��ي ،لأن��ه��ا ت��دخ��ل يف �أ���ص��ل الرتكيبة ال�سكانية التي تنطوي حتت �سلطة هذه الدولة والتي منها ت�ستمد ال�سلطة مربر وجودها من متتعها ب�شرعية منحها لها كل ال�شعب ولي�س فئة منه. �أمام احلديث عن طبيعة امل�س�ؤوليات التي يجب �أن ت�ضطلع بها ال�سلطات و�أمام احلجم خ�صي�صا ً الكبري لل�صالحيات املمنوحة لها من �أج��ل ممار�سة مهامها وت�أدية وظائفها والقيام بواجباتها والنهو�ض مب�س�ؤولياتها ال تفيد �أي خ��ط��اب��ات ر�سمية ذات حمولة عاطفية خ�لال ت��ن��اول وا�ستعرا�ض ظ��روف ح��دوث الأزم���ات �أو �أ�سباب تفاقم ت�أثريات �إحدى الق�ضايا الوطنية على حياة املواطنني، فمثل هذا ال يتجاوز ح��دود تلم�س امل�بررات للتن�صل من م�س�ؤولية التق�صري يف العمل
العدد
املفاجئة لتربير الإخفاقات املتتالية حتت كل الظروف حتى املواتية منها. لي�س م��ن امل�����س���ؤول��ي��ة اف��ت��ع��ال الأزم����ات االج��ت��م��اع��ي��ة ل�����ص��رف ال��ن��ظ��ر ع��ن م�شاريع �سيا�سية يخ�شى �أن جتد مقاومة ومعار�ضة لو جرى الإع�لان عنها �أو رف�ضها لو مت اجلهر مبجرد النوايا ب�ش�أنها ،فذلك �إلهاء متعمد يتجاوز بكثري مفهوم امل��ن��اورة �إل��ى االتهام بامل�ؤامرة. كما لي�س من امل�س�ؤولية املبالغة يف تقدمي ال��وع��ود ال�براق��ة لنيل ال��ت���أي��ي��د ،والإ���س��ه��اب يف ع��ر���ض ال��ع��ه��ود امل��غ��ري��ة لك�سب ال��دع��م وامل�����س��ان��دة ،يف ح�ين ق��د ي���درك ال��ع��ام��ة من املواطنني قبل اخلا�صة منهم �أنه لو مت ح�شد كل القدرات الوطنية وتعبئة جميع الإمكانيات املالية وجتنيد كافة الطاقات الب�شرية واملادية فلن يتحقق منها الربع ..هذا ما نراه �شاهدً ا ون�سمعه مبا�شرة ونلم�سه حيًا بخا�صة يف خطب املرت�شحني خالل حمالتهم االنتخابية لك�سب �أ�صوات الناخبني. لي�س من امل�س�ؤولية تنميق ظاهر الأمور وت�ضخيم الإجن�����ازات وع��ر���ض ن��ت��ائ��ج غري حقيقية لك�سب ر�ضا القيادة العليا يف البالد، لأن ذلك ت�ضليل عمدي و�إيحاء كاذب ب�أن كل �شيء ي�سريعلى ما يرام. لي�س م��ن امل�س�ؤولية �إح���داث “الهو�شة ال�سيا�سية” ح��ول مو�ضوع معني �أو ق�ضية وطنية ذات طابع م�صريي ،التي ميكن �أن
81
المسؤولية تنبع من إحساس عميق بخطورة األمانة ومن ضمير حي ال يرتاح إال بإقرار الحق. وهي تستند إلى اعتبار أخالقي يقدس متعة التشريف بالثقة
أكتوبر -نوفمبر 2015م
الوقائي املتب�صر للعواقب ،وحماولة اخلروج من دائرة املحا�سبة ب�شكل “م�شرف” .و�إذا كان جمال املحا�سبة يقع حتت قبة الربملان و�أمام النواب ممثلي ال�شعب حتت قبة هيئة من املفرو�ض �أنها تتكفل د�ستوريًا مبهمتي الت�شريع واملراقبة ف�إنه ي�صبح مفهومً ا �أن عملية املحا�سبة �سرتتبط بطبيعة العالقة القائمة ب�ين ال�برمل��ان وب�ين ال�سلطة العليا يف البالد من جهة ،وب�ين ال�برمل��ان والهيئة ال��ت��ن��ف��ي��ذي��ة مم��ث��ل��ة يف احل��ك��وم��ة م��ن جهة �أخرى .فاحلكومة تطبق برنامج عمل تنموي مت م�سبقًا على ر���س��م م�لاحم��ه الرئي�سية، وحت��دي��د �أه��داف��ه وتعيني و�سائل حتقيقها، وح�شد م��وارد التمويل على م�ستوى القيادة ال�سيا�سية للبالد ،وتقوم احلكومة ـ بناء على ذلك ـ بو�ضع ال�سيا�سات العامة وحتويلها �إلى برامج عمل ترتجم الأه���داف املر�سومة يف امل��ي��دان .وال��واق��ع ي�ؤكد �أن العمل احلكومي هو املحك احلقيقي للوقوف على م�صداقية القيادة ال�سيا�سية يف تنفيذ وعود التنمية .ويف ظل ظروف حملية وعاملية م�ضطربة ومتقلبة �أ���ص��ب��ح م��ن الع�سري االط��م��ئ��ن��ان لإمكانية التطبيق احل���ريف وال��ت��ام خلطط التنمية، ووف��ق ه��ذا االعتبار ي�صبح م��ن ال�ضروري وم��ن ب��اب الأخ���ذ ب��دواع��ي احليطة واحل��ذر توقع اخليارات البديلة يف احلاالت الطارئة وو�ضع البدائل املمكنة لتجنب التعرث والت�أخر والف�شل .و�إذا كانت القيادة ال�سيا�سية هي من عينت �أع�ضاء احلكومة ،فامل�س�ؤولية عن الإخفاق تقع �أو ًال على من �أ�س�س ور�سم و�أعد وخطط ..واختار الرجال .كما تقع م�س�ؤولية الف�شل على من كان من املفرو�ض �أن ينفذ و يتابع ويراقب ..ويحا�سب قبل �أن يحا�سبه غريه. لي�س م��ن امل�����س���ؤول��ي��ة ت��را���ش��ق الفاعلني امل�س�ؤولية عن الإخفاق ،مبعنى تقاذفهم التهم وحتميل �آخرين �أ�سباب وعواقب الف�شل ،لأن ذلك من مظاهر الف�ساد و�سلوك املف�سدين و(بارونات) افتعال الأزمات اللتهام �أق�صى املكا�سب والغنائم من ورائها. لي�س م��ن امل�س�ؤولية التعلل بالظروف
ت�ضعف اجلبهة الداخلية و�أن ت�صيب البالد به�شا�شة �أمنية عميقة وخطرية ت�صل �إلى ح��د تعرية ظهر امل�ؤ�س�سات الد�ستورية و الع�سكرية. لي�س من امل�س�ؤولية ذلك االحتيال الكبري يف الدول حديثة العهد بالنظام الدميقراطي بت�سويق اع��ت��ق��اد م�ضلل ع��ل��ى �أن ال��ت��داول على ال�سلطة �إمن��ا هو تناف�س على ال�سلطة ال�سيا�سية وم�ؤ�س�سات �إدارة ال�ش�أن العام، فيما هو يف الأ�صل تناف�س على اقت�سام املال العام ب�أدوات ال�سلطة القانونية. امل�����س���ؤول��ي��ة ت��ن��ب��ع م��ن �إح�����س��ا���س عميق بخطورة الأم��ان��ة وم��ن �ضمري حي ال يرتاح �إال ب���إق��رار احل��ق .وه��ي ت�ستند �إل��ى اعتبار �أخ�ل�اق���ي ي��ق��د���س م��ت��ع��ة ال��ت�����ش��ري��ف بالثقة ويذوق حالوة النبل بالنزاهة وبفخر املكانة الرفيعة ال�سامية بامل�صداقية ،لأنها �صفات رج���ال ال��دول��ة اجل��دي��ري��ن بالتخليد .ويف عامل ال�سيا�سة �سنكون �أمام مطلب “�أخلقة ال�سيا�سة”� ،أي تغليف العمل ال�سيا�سي بحزمة �أخالق جتعل منه عم ًال ممتعًا مدعمًا بال�صدق يف القول ويف الفعل ،وبالوفاء يف رد الفعل ،ونبذ الكراهية واحلقد ون�شر املحبة وال��وئ��ام والت�سامح ،وع��دم ال�ت�ردد يف بذل الت�ضحية باجلهد والوقت والعمر وال�سنني يف خدمة م�صلحة ال��ب�لاد .ويحتاج العمل ال�سيا�سي �إل��ى توفر ق��در كبري من احلكمة يف احلديث والر�شادة يف الت�صرف وح�سن ت�أويل املواقف و�صواب تقديرالأمور والتب�صر الواعي بعواقبها .ومن امل�س�ؤولية ال�سيا�سية الإقرار بالف�ضل ل�صاحبه واالعرتاف باخلط�أ يف حالة الف�شل و�إ�شراك كل القوى الوطنية يف احل��وار والت�شاور الحتواء �آث��اره وتداركه ب�أف�ضل ال�سبل و�أجنع اخليارات وبالعمل على �ضمان عدم تكراره الحقًا. العمل ال�سيا�سي مثل كل الأعمال الأخرى يف الن�شاط الإن���س��اين ال ب��د م��ن �أن تتوفر ل��ه ال�ضمانات م��ن احل��ق��وق لتطويره ومن ال��واج��ب��ات لأخ��ل��ق��ت��ه ،وم��ن ه��ذه ال��واج��ب��ات م��راع��اة امل�س�ؤولية يف ح��ق القائم بها ويف املقام الأول يف حق رب العباد والبالد.
57
فاليري جاريت دبلوماسيون 58
الجندي المجهول الذي حـــقق أكبر إنجاز دبلوماسي للرئيس األميركي
�صلة و�صل بني �أوباما وم�ؤيديه وعلى ذل��ك ،تكوّن لديها انطباع ح�سن عنهما معًا� ،إذ حر�صت جاريت على نقل انطباعها هذا �إلى �أ�شخا�ص معنيني ،ف�أقامت �صلة و�صل بني �أوباما وم�ؤيديه الأوائل. ون��ا���ص��رت ج��اري��ت ب���اراك �أوب��ام��ا منذ �أن التقته و�أدخ��ل��ت��ه �إل���ى �شبكتها املهنية، وقدمت له امل�شورة حول اخليارات املمكنة يف م�سريته .وعندما خا�ض معركته االنتخابية ال��ن��اج��ح��ة يف ان��ت��خ��اب��ات جم��ل�����س ال�شيوخ الأم��ري��ك��ي ،وك��ان يومئذ ع�ضوًا يف جمل�س �شيوخ والية �إيلينوي ،ثم يف معركة الرئا�سة، بذلت �أق�صى ما لديها من جهد وخ�برات لإقناع كل من ي�ستمع �إليها ب�أن �أوباما جدير بالدعم ،حتى يف �صفوف عتاة املتحفظني على تر�شحه ،وهذا ما جعل �أوباما يركن �إلى
�آرائها ال�سيا�سية ونظرتها �إلى الأمور� ،إذ قال عنها�« :إنني �أثق بها ثقة تامة». وملا كانت جلاريت �صالت �سيا�سية من ال��داخ��ل وع�لاق��ات عمل وا���س��ع��ة م��ع رج��ال الأع���م���ال ،ف��ق��د �أف��ل��ح��ت يف ت��ق��دمي �أوب��ام��ا �إل��ى بع�ض كبار املتربعني ب��امل��ال حلمالته ال�سيا�سية. املهمة ال�صعبة وع���ن���دم���ا ���س��ع��ى �إل������ى ح���م���ل احل����زب الدميقراطي على تر�شيحه للرئا�سة ،وقعت عليها املهمة ال�صعبة جلمع الأموال الكبرية، خ�صو�صا من «وول �سرتيت» �شارع املال يف ً نيويورك ،فور ف��وزه على مناف�سته هيالري كلينتون وم���ؤي��دي��ه��ا .وف��ور انتخابه رئي�سً ا رجاها �أن تنتقل معه �إلى وا�شنطن. �أقرب امل�ست�شارين لأوباما وعلى رغ��م �أن ا�سمها مل ي�تردد كثريًا،
العدد
عندما سعى إلى حمل الحزب الديمقراطي على ترشيحه للرئاسة، وقعت عليها المهمة الصعبة لجمع األموال الكبيرة
81
مولدها وتعليمها ول��دت جاريت عام 1956يف �شرياز يف �إيران ،وهي من والدين �أمريكيني ،فوالدها ه���و ال��دك��ت��ور ج��ي��م�����س ب���اوم���ن ال����ذي �أدار م�ست�شفى للأطفال �ضمن برنامج للتنمية وه��اج��ر م��ع �أ���س��رت��ه �إل���ى �شيكاغو وه��ي يف �سن ال�سابعة ،وتزوجت جاريت من الطبيب ويليام جاريت ،وح�صلت على �إجازة احلقوق من جامعة ميت�شيغان ،وهي تتكلم الفار�سية والفرن�سية بطالقة. وف��ي��م��ا يخ�ص تعليمها ف��ق��د تخرجت جاريت يف نورثفيلد ع��ام .1974وح�صلت على �شهادة البكالوريو�س يف علم النف�س من جامعة �ستانفورد يف عام 1978والدكتوراه من كلية القانون يف جامعة ميت�شيغان يف عام .1981 وبالن�سبة حلياتها ال�شخ�صية ،فهي قانونية مطلقة ،و�صنعت �سريتها الذاتية يف العمل ال�سيا�سي وع��امل الأع��م��ال خالل �إقامتها يف �شيكاغو ،وحينما عملت قانونية يف �أروق��ة بلدية �شيكاغو ،ر�شحت �صديقتها وزميلتها القانونية مي�شال �أوباما للعمل عينه، ويف املكان ذاته توطدت العالقة بينهما. حياتها العملية �أما حياتها العملية ،فقد ب��د�أت جاريت عملها نائبة م�ست�شار ال�ش�ؤون املالية والتنمية ون��ائ��ب رئي�س هيئة الأرك���ان لرئي�س بلدية ريت�شارد دايل ،ومفو�ضة لق�سم التخطيط والتطوير يف الفرتة من 1992وحتى 1995 ورئي�سة جمل�س العبور يف �شيكاغو يف الفرتة
أي�ضا ع�ضوة من � 1995إلى .2005كما كانت � ً يف جمل�س �أم��ن��اء جامعة �شيكاغو ،املركز الطبي .2008 – 1996 ويف 2008ع�� ّي��ن��ه��ا �أوب���ام���ا ي���وم عيد ميالدها يف 14نوفمرب م�ست�شارة �أ�سا�سية ومتقدمة ،وقبل توليها هذا املن�صب �شغلت جاريت من�صب الرئي�سة التنفيذية ل�شركة التطوير العقاري. ولعبت ج��اري��ت دورًا ك��ب�يرًا يف الدعم املبكر للرئي�س �أوباما ،فقد التقته لأول مرة يف عام 1991عندما قامت بتوكيل خطيبته املحامية مي�شال روبن�سون لق�ضية تتعلق ببلدية �شيكاغو.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
معاوية يس -واشنطن -متثل فالريي جاريت م�ست�شارة �أوباما ذات الأ�صول الإيرانية ثاين �أقوى �شخ�ص يف وا�شنطن ،ال�سيما بعدما فر�ضت �سيطرتها على البيت الأبي�ض ومتكنت من �أ�سرار الدولة، ف�صارت �أقوى الن�ساء نفوذًا يف الواليات املتحدة ،وكامتة �أ�سرار البيت الأبي�ض و�صاحبة الكلمة الأخرية واحلا�سمة.
59
دبلوماسيون 60
وق��ل��ي��ل��ون ه���م ال���ذي���ن ���س��م��ع��وا ب���ه ح��ت��ى يف وا���ش��ن��ط��ن� ،إال �أن��ه��ا منذ تعيينها يف هذا املن�صب باتت امل�ست�شارة ف��ال�يري جاريت من �أق��رب امل�ست�شارين �إل��ى رئي�س الواليات املتحدة ،و�أك�ثر ال�شخ�صيات ت���أث�يرًا عليه، لت�صبح كامتة �أ�سرار البيت الأبي�ض و�صاحبة الكلمة الأخرية واحلا�سمة. وت��ق��ول ال�صحف الإ���س��رائ��ي��ل��ي��ة �إن���ه يف االجتماعات الر�سمية يديل كل �شخ�ص من املجتمعني مبا عنده ،لكن جاريت هي �آخر من يهم�س يف �أذن الرئي�س بعد انف�ضا�ض االجتماع. ويعرفها الإ�سرائيليون جيدً ا ويتوا�صلون معها طوال الوقت ،وهي كانت فجرت مفاج�أة حينما �أعلنت يف م�ؤمتر ليهود وا�شنطن �أن وال��ده��ا يهودي الديانة ،و�أن��ه��ا انتقلت �إلى وا�شنطن مل�ساندة ودعم �صديقها ال�صدوق يف البيت الأبي�ض باراك �أوباما ،و�أنها حلت �ضيفة دائمة على املحادثات التي �أجراها رئي�س الوزراء الإ�سرائيلي نتنياهو مع �أوباما م�ؤخرًا يف البيت الأبي�ض.
تو�سطها يف املفاو�ضات مع �إي��ران ب�ش�أن ملفها النووي كانت املحطة البارزة يف م�سريتها هي ا�ستفادة �أوباما كثريًا من �أ�صول م�ست�شارته الإي��ران��ي��ة وخ�برت��ه��ا ال�سيا�سية الوا�سعة و�إتقانها للغة الفار�سية� ،إذ جعلها تتو�سط املفاو�ضات ال�سرية مع �إي���ران قبل �إج��راء املباحثات التي متخ�ضت م�ؤخرًا عن �إبرام اتفاق جنيف.
جاريت ضالعة بشكل وفعال في القرارات مباشر ّ التي اتخذتها اإلدارة األميركية بخصوص الملف األكثر جد ًال في منطقة الشرق األوسط ،وهو الملف النووي اإليراني
و�أك���دت م�صادر �إع�لام��ي��ة �أن جاريت �ضالعة ب�شكل مبا�شر وفعّال يف القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بخ�صو�ص امللف الأكرث جد ًال يف منطقة ال�شرق الأو�سط ،وهو امللف النووي الإيراين. واع�تر���ض العديد من ال�سيا�سيّني على تفوي�ض ج��اري��ت م��ه��ام خ��ط�يرة وح�سا�سة كاملفاو�ضات مع �إي��ران ،واالت�صال مبختلف ر�ؤ���س��اء دول العامل للتحاور ح��ول الربنامج النووي لطهران ،دون الك�شف عن هويتها وع���ن �إم��ك��ان��ي��ات��ه��ا ،ب��اع��ت��ب��اره��ا لي�ست من الدبلوما�سيني احلاذقني يف البيت الأبي�ض، وق���د �أث����ار روّاد ال�����ص��ف��ح��ات االجتماعية ت�������س���ا�ؤالت ع�����دّ ة ح����ول ���س�يرت��ه��ا ال��ذات��ي��ة ون�شاطاتها ،ممّ ا دفع و�سائل �إع�لام عاملية و�صحف دولية �إلى البحث عن هوية فالريي جاريت. حلقة ات�صاالت �سرية وف����ور ف���وز ال��رئ��ي�����س الإي������راين ح�سن روح��اين برئا�سة البالد �أغ��دق الأمريكيون ر�سائلهم على طهران ،وملحوا فيها �إلى �أنهم يغ�ضون الطرف عن خرق �إي��ران للعقوبات االقت�صادية املفرو�ضة عليها ،بح�سب �صحيفة «يديعوت �أحرونوت» العربية ،التي �أكدت �أنه قبل تلك الت�سريبات ،كانت ج��اري��ت تدير حلقة ات�صاالت �سرية بني الإدارة الأمريكية والإي��ران��ي�ين ،وخ�لال الآون��ة الأخ�يرة انطلق ا�سمها يف خمتلف املدوّنات الإلكرتونية ذات االهتمام بالإ�شكالية ال��ن��ووي��ة ،ال�سيما يف �إي��ران ،ورغ��م �أن البيت الأبي�ض نفى جملة وتف�صي ًال �صحة ت��ل��ك ال��ت�����س��ري��ب��ات ،ف���إن��ه اع�ترف بها يف نهاية املطاف بعد التو�صل �إلى اتفاق بني طهران ووا�شنطن حول امللف النووي الإيراين. وتت�ساءل ال�صحيفة العربية عن �سبب بزغ جنم فالريي جاريت� ،إال �أن ال�صحيفة جتيب نف�سها حينما تقول« :يعود ذلك رمبا لأ�صول جاريت الإيرانية ،بالإ�ضافة �إلى �أنه ال يوجد �أقرب منها للرئي�س �أوباما ،فهي كامتة �أ�سراره والأمينة على كل ما يُفكر فيه� ،أو ما
يعتزم اتخاذه من قرارات». وكتب م��دوّن �إي��راين يقول�« :إن جاريت �أدارت قنوات ات�صال �سرية مع الإيرانيني، و�إن عددًا من و�سائل الإعالم العاملية �أكدت ذل��ك� ،إال �أن املتحدثة با�سم جمل�س الأمن القومي الأمريكي ا�ستنكرت الأم��ر ونعتته بالأكاذيب الإعالمية». �أكرث من جمرد م�ست�شار عادي ونظرًا للدور البارز واملهم ال��ذي لعبته ف��ال�يري ج��اري��ت يف الآون���ة الأخ�ي�رة ،كتبت ال�صحفية البارزة �سايدي دويل مقالة عنها جاء فيها �أن فالريي جاريت بحكم توجهاتها ال�سيا�سية ،وبحكم هويتها ،وملجرد وجودها يف البيت الأبي�ض ،كان مقدرًا لها �أن تكون �أكرث من جمرد م�ست�شار عادي .فهي دائمًا تقوم بدور ال�صارية املمت�صة لل�صواعق يف ال�صراع الدائر داخل احلزب الدميقراطي ب�ين الو�سطيني وال��ت��ق��دم��ي�ين ،وب�ي�ن فكرة مب�سطة غام�ضة التعريف للتقدمية على �أنها لأنا�س �صغار يف مقابل قطط �سمان، وبني فهم متدرج الفروق للق�ضايا العرقية والطبقية وق�ضايا امل��ر�أة والرجل والق�ضايا
املت�صلة بالعالقات اجلن�سية ،باعتبارها ع��وام��ل متقاطعة يف كيفية تكوين ال�سلطة وامل�شاركة فيها. يعمل حتتها ع�شرات امل�ستخدمني وعلى عك�س م�ساعدين �آخ��ري��ن وط���أت �أقدامهم البيت الأبي�ض يف عهد �أوب��ام��ا �أو غريه من الر�ؤ�ساء ال�سابقني ،ال تتولى جاريت وظيفة �أو من�صبًا بعينه يف الإدارة الأمريكية، ف��ه��ي بب�ساطة �صديقة �شخ�صية لأوب��ام��ا وزوجته ،مرغوب يف بقائها لدعم الرئي�س� ،إال �أنه يعمل حتت جاريت ع�شرات امل�ستخدمني. كما �أنها تتحرك و�سط حرا�سة �أمنية م�شددة من قبل الأجهزة ال�سرية يف البيت الأبي�ض ،ويحذر كبار ال�شخ�صيات ال�صدام معها ،ويعد ذل��ك دلي ًال على �أهميتها لدى �أوباما. نقد وامتعا�ض ي�����ش��ار �إل���ى �أن جم��ل��ة ن��ا���ش��ي��ون��ال ريفيو الأمريكية ن�شرت على ل�سان جوبي جوزيف رجل الأمن القومي الأمريكي ،تغريدة له على موقع التوا�صل االجتماعي “تويرت”� ،أبدى فيها �إعجابه ب�شخ�ص الرئي�س باراك �أوباما
العدد
81
وق��درت��ه على التعاطي م��ع ك��اف��ة الق�ضايا الداخلية واخلارجية� ،إال �أن جوزيف �أعرب يف الوقت عينه عن امتعا�ضه من اعتماد �أوباما على �شخ�صية و�صفها بال�صفر� ،أي الال�شيء يف البيت الأبي�ض وهي فالريي جاريت ،لكن كلمات جوزيف وتطاوله عليها كانا ال�سبب احلقيقي وراء �إقالته من من�صبه. كما وجه املحلل والكاتب ال�سيا�سي البارز يف �صحيفة نيويورك تاميز ،فرانك ريدج، ان��ت��ق��ادات �إل���ى ج��اري��ت� ،إذ دع��ا يف مقال مطول �إل��ى �إقالتها و�إب��ع��اده��ا ع��ن �أوب��ام��ا، م�شريًا �إل��ى �أن ف�شل الأخ�ير يف العديد من الق�ضايا الداخلية واخل��ارج��ي��ة ي��ع��ود �إل��ى الت�صاقه وزوجته مبجموعة من امل�ست�شارين فاقدي اخلربة ،وخ�ص منهم بالذكر فالريي جاريت. وذك��ر ال�صحفي �أن م�ست�شارة �أوب��ام��ا امل��ق��رب��ة �سعت �إل���ى مت��ري��ر �إ���ص�لاح��ات يف اجلهاز ال�صحي الأمريكي ،دون الأخ��ذ يف االعتبار ف�شل �إدارة �أوباما يف هذا القطاع احل�سا�س ،وعار�ضها العديد من اخل�براء واعتربوا �أن الإ���س��راع يف تفعيل �إ�صالحات غري مدرو�سة �ستكون له نتائج وخيمة. وبهذا تكون جاريت امل���ر�أة النافذة يف البيت الأبي�ض و�صاحبة القرارات احلا�سمة يف العديد من امللفات والق�ضايا املحورية املتعلقة ب�سيا�سة ال��دول��ة ،ب��ل �إن��ه��ا ال متنع نف�سها من انتقاد �أوباما ،ومعار�ضته ب�شدة، والت�صادم معه حول �ش�ؤون احلكم.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
جاريت المرأة النافذة في البيت األبيض وصاحبة القرارات الحاسمة في العديد من الملفات والقضايا المحورية المتعلقة بسياسة الدولة
61
مهاتير محمد فنون 62
يدخل التاريخ بدور ثانوي في فيلم سينمائي
العدد
81
وك�شف فيلم «الكب�سولة» الذي تدور �أحداثه حول �إطار تاريخي عن اخليال العلمي يف ماليزيا عن موهبة جديدة عند رئي�س ال��وزراء املاليزي الأ�سبق مهاتري حممد ،وذلك بعد نحو 12عامًا من تقاعده عن من�صبه كرئي�س للوزراء يف عام ،2003بعد �أن حكم البالد ملدة 22عامًا. وقالت تقارير �صحفية عن مهاتري قوله �إنه يج�سد يف الفيلم الذي يحمل ا�سم «الكب�سولة» �شخ�صيته احلقيقية عندما كان زعيمًا للبالد. م��ن جهة �أخ���رى� ،أب���دى الزعيم املاليزي ال�سابق ا�ستعداده للقيام بذلك الدور الثانوي مع التزامه بالتعليمات التي �أ�سديت له قبل ت�صويره من قبل امل�س�ؤولني عن هذا الفيلم الذي يتوقع �أن يعر�ض مع بداية العام القادم. و�أ�ضاف مهاتري يف ت�صريحاته خالل م�ؤمتر �صحفي يف كواالملبور �أورده��ا املوقع الإلكرتوين الإخباري «ماليزيان دايج�ست»�« :إنني �ألعب دورًا �صغريًا ،ولقد التزمت بالتعليمات التي �أعطيت يل». وخالل �أحداث الفيلم ،ي�سافر مهاتري حممد داخ��ل كب�سولة زمنية لي�شاهد م�ستقبل بالده ح�سب خطة التنمية التي كان قد و�ضعها وتعرف با�سم «ر�ؤي��ة ،»2020ولكن بطل الفيلم ي�سرق الكب�سولة ويعود بها �إلى املا�ضي يف عام 1942 وي�ساعد يف مقاومة الغزو الياباين لبالده. و�شارك الزعيم مهاتري يف هذا الفيلم الذي مت ت�صويره يف ال��ع��ام امل��ا���ض��ي 10 ،م��ن جنوم
التمثيل يف ماليزيا ،ونحو 30ممث ًال يف �أدوار ثانوية. وي���ق���ول م��ن��ت��ج��و ال��ف��ي��ل��م �إن ه���ذا العمل ال�سينمائي يج�سد الت�ضامن املاليزي ،وال يهدف �إلى التعليق على الأو�ضاع ال�سيا�سية يف البالد التي يعد مهاتري حممد طرفًا رئي�سً ا فيها. وكان مهاتري حممد طالب با�ستقالة رئي�س ال��وزراء احلايل جنيب عبدالرزاق بعد تعر�ضه الت��ه��ام��ات بالف�ساد ،كما ا�ستدعته ال�شرطة ال�ستجوابه ب�ش�أن ت�صريحاته خالل م�شاركته يف مظاهرات (بر�سيه )4التي �أجريت م�ؤخرًا ،يف العا�صمة كواالملبور. وقال مهاتري بعد عودته �أخريًا من الأردن: «دعوهم يحققوا فهذه هي مهمتهم» .وردًا على ���س���ؤال ع��ن �إمكانية اعتقاله ملمار�سة حقوقه الد�ستورية �أجاب مهاتري بالقول« :ال �أعتقد �أنهم �سيفعلون ذلك ولكني �س�أذعن». ويعترب مهاتري حممد ال��ذي حكم ماليزيا خ�ل�ال ال��ف�ترة م��ن 1981ح��ت��ى � 2003صانع النه�ضة يف ماليزيا� ،إذ ا�ستطاع �أن يحول بلده من ف���أر فقري �إل��ى منر �آ�سيا ب�شهادة اجلميع، كما �أن��ه واح��د م��ن �أع��ظ��م ال��ق��ادة ال�سيا�سيني واالقت�صاديني يف �آ�سيا ،بل يف التاريخ �أجمع ،وهو �صاحب الف�ضل الأول يف جناح التجربة املاليزية التي و�صلت مباليزيا �إلى واحدة من �أقوى الدول االقت�صادية على م�ستوى العامل يف ف�تر ٍة كان ال�شعب املاليزي يعاين فيها الفقر واخلراب.
أكتوبر -نوفمبر 2015م
رضا علي -ماليزيا-ت���ع���ودن���ا �أن ي����ق����وم ال���ف���ن���ان���ون ال�سينمائيون بتج�سيد �شخ�صيات الر�ؤ�ساء والزعماء وال�سا�سة الذين تركوا ب�صمة قوية يف تاريخ بالدهم ،ولكن هذه املرة ك�سر الزعيم املاليزي ال�سابق مهاتري حممد ال��ق��اع��دة وق���رر �أن يج�سد دورًا ثانويًا يف فيلم �سينمائي. الغريب واملثري يف الأمر �أنه مل ي�سبق �أن ج�سدت �شخ�صية �سيا�سية معروفة يف ماليزيا دورًا �سينمائيًا �أو حتى تلفزيونيًا، وهو ما جعل هذا العجوز املاليزي ال�سابق البالغ من العمر 90عامًا يدخل التاريخ يف بالده ،ويثري اجلدل م�ؤخرًا ،بحثًا عن الأ�سباب الكامنة وراء تلك ال�شهرة.
63
القوة الناعمة مقابل القوة الصلبة
األخيرة 64
د .تركي العواد
معهد الدراسات الدبلوماسية
العالم اليوم داعما أصبح ً للجهود اإلنسانية ويرفض التصرفات الوحشية
القوة الناعمة هي النظرية اجلديدة التي حتتاج �إلى تقدمي ،بينما القوة ال�صلبة فمعروف �أنها ا�ستخدام القوة الع�سكرية واالقت�صادية لإجبار الآخرين على تغيري مواقفهم ،وقد ا�ستخدمها أي�ضا حتى مع ظهور القوة الناعمة والتو�سع الإن�سان حلل م�شاكله منذ الأزل ،و�ستبقى خيارًا مطروحً ا � ً يف ا�ستخدامها .ويعرف جوزيف ناي القوة الناعمة ب�أنها القدرة على الت�أثري يف الآخرين للح�صول على النتائج املطلوبة من خالل اجلاذبية ولي�س بالقهر �أو العقاب .فالقوة الناعمة تعطي بعدً ا �آخر لل�سيا�سة اخلارجية ،وقد ت�ساعد يف التقليل من ا�ستخدام القوة ال�صلبة .و�إن �أف�ضل طريقة للتفريق بني القوتني ،هي النظر يف الطرق املختلفة التي ت�ستطيع من خاللها احل�صول على النتائج التي تريدها .ف�إذا ما كانت دولة تريد ح ًال مل�شكلة معينة ،ف�أي القوتني ت�ستخدم حلل تلك امل�شكلة؟ وما هي العواقب والتبعات املرتتبة على ا�ستخدام القوتني الناعمة وال�صلبة؟ �أول ما يتم مراعاته عند التفكري يف ا�ستخدام �إحدى القوتني ،هي التكلفة املالية املرتتبة على ا�ستخدام قوة دون الأخرى .ومن مزايا القوة الناعمة مقابل القوة ال�صلبة �أنها �أقل تكلفة .فالقوة ال�صادرة من الثقافة والنظام ال�سيا�سي اجلذاب ،تكلفتها لي�ست كبرية باعتبار �أنها � -أ�ص ًال -موجودة، والتكلفة الكربى تكون يف دعم و�إظهار تلك اجلاذبية للعامل والرتكيز عليها .كما �أن بع�ض اجلوانب الثقافية قادرة على �أن تكون م�صدر دخل كبري للدولة .فالأفالم الهندية ــ على �سبيل املثال ــ م�صدر أي�ضا م�صدر رائع للدخل. من م�صادر القوة الناعمة الهندية ،و� ً وحتتاج الدول لل�صرف ب�شكل �أكرب على قوتها الناعمة والت�سويق لها عامليًا ،وهذا مكلف ،ولكنه ال ميكن �أن ي�صل لكلفة القوة ال�صلبة ب�أي حال من الأحوال .فالقوة ال�صلبة (الع�سكرية واالقت�صادية) مكلفة ب�شكل يجعل الدول ال ت�ستطيع حتمل ال�صرف عليها لوقت طويل .فالدفع للدول لتغيري مواقفها ال�سيا�سية يحتاج �إلى مبالغ كبرية ميكن �أن ترهق الدولة اقت�صاديًا حتى لو كانت دولة غنية� .أما تكلفة القوة الع�سكرية ،فهي بكل ت�أكيد �أكرب من املبالغ املالية املبا�شرة التي تدفع ال�ستمالة الدول. ذكر تقرير ملعهد وات�سون للدار�سات الدولية عن حرب العراق� ،أن �أمريكا �صرفت ب�شكل مبا�شر �أكرث من 4.4تريليون دوالر على احلرب .لقد دفعت �أمريكا تلك التكاليف الباهظة رغم �أنها انت�صرت يف احلرب ،و�أ�سقطت نظام �صدام .فلك �أن تتخيل التكاليف الفلكية لو �أن �أمريكا خ�سرت احلرب. و�إلى يومنا هذا تدفع �أمريكا نتيجة حرب العراق. ركزت اخلبرية االقت�صادية الأمريكية ليندا بلمي�س يف مقالة م�شرتكة مع جوزيف �ستجليفت�ش احلائز على جائزة نوبل التذكارية يف العلوم االقت�صادية ،على �أن مغامرة العراق �أ�ضعفت ب�شكل كبري االقت�صاد الأمريكي الذي انتقل �إلى ما هو �أبعد من م�شكلة الرهن العقاري .وي�ضيفان �أنه ال ميكنك �صرف �أكرث من ثالثة تريليونات دوالر يف اخلارج على حرب وال ت�شعر بت�أثريها و�أملها يف الداخل. �إن ا�ستخدام التهديد بالقوة الع�سكرية �أ�صبح اليوم �أكرث �صعوبة من �أي وقت م�ضى ب�سبب النمو الذي حدث �أخريًا فيما يتعلق مبحاربة العنف ودعم ال�سالم وال�سلم العامليني .كما �أن العامل اليوم �أ�صبح داعمًا للجهود الإن�سانية ويرف�ض الت�صرفات الوح�شية .فالع�صر احلايل ع�صر االهتمام بالبيئة وحماية احليوان وحقوق الأقليات� ،إ�ضافة �إلى ارتفاع �شعبية القيم الإن�سانية العاملية وحقوق الإن�سان .فالعامل اليوم يتبنى الق�ضايا الإن�سانية ب�شكل مل ي�سبق له مثيل. يذكر ناي �أن الدول الدميقراطية وغري الدميقراطية التي ال ت�شعر ب�ضغوط �شعبية و�أخالقية داخلية قوية ،بد�أت ت�شعر بال�ضغوط اخلارجية الكبرية التي متار�سها ال�صحافة العاملية واجلهات أي�ضا الدول الراف�ضة للممار�سات الوح�شية ،حتى لو كانت تلك املمار�سات حملية ال احلقوقية ،و� ً �أبعاد دولية لها. وهذا ال يعني �أن اخليار الع�سكري لي�س على الطاولة ،ولكن ا�ستخدامه �أ�صبح �أكرث �صعوبة ويف نطاقات �ضيقة .كما �أن خ�سائره على م�ستوى العالقات مع دول العامل ،قد تكون مدمرة .فاخليار الع�سكري مل يعد قرار الدولة املدنية احلديثة وحدها ،بل �إن القرار يجب �أن مير بقنوات دبلوما�سية دولية ت�ساعد على تقبل املجتمع الدويل لهذا القرار حتى ال يتكتل العامل �ضدها.