kovar dicle hejmara 22 besi erebi

Page 1

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫لأليزيديني ديانة مستقلة قائمة بذاتها‬ ‫مار يوسف اودو والفرمان العثماني‬ ‫دراسة خمتصرة لفهم العالقات الرتكية اإلسرائيلية‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬


‫شهيد‪ :‬مجدل مريزا عيل(كنجو هولريي)‬


‫دجلة‬ ‫البحث و التوثيق و التحليل‬ ‫العدد‪22 :‬‬

‫أيار‪2021 :‬‬

‫رئيس تحرير و صاحب االمتياز‪:‬‬ ‫فارس حربو خدر‬

‫نائيب رئيس تحرير‪:‬‬

‫سكران رديين مسهوج الشمري‬

‫سكرتري التحرير‪:‬‬

‫آزاد عبدال كريت‬

‫هيئة التحرير‬ ‫ـ خليل مراد شلو‬ ‫ـ عمران سكران رديين‬ ‫ـ ابراهيم عمو كجي‬

‫االخراج فني و تصميم‪ :‬قاسم خلف عبداهلل‬ ‫العنوان‪ :‬شنكال(سنجار)‬ ‫تلفون‪:‬‬

‫‪07504197663‬‬ ‫‪07500496100‬‬ ‫‪E. mail: Diclepress13@gmail.com‬‬

‫رقم االيداع دار اكتب و الوثائق ببغداد‬ ‫(‪)1773‬‬

‫«يف هذا العدد»‬ ‫قضية املرأة والساللة واألسرة والسكان‪ ،‬وثورة املرأة يف الشرق األوسط‬ ‫بطوالت جانكري آغا اإليزيدي(‪ 1874‬ـ ‪1943‬م)يف املصادر الروسية واألرمنية‬ ‫دراسة خمتصرة لفهم العالقات الرتكية اإلسرائيلية‬ ‫هل العراق دولة دينية ام مدنية؟‬ ‫رأس السنة االيزيدية مناسبة عريقة(االعياد االيزيدية والطبيعة)‬ ‫بالصحة تستكمل اللذة‬ ‫مار يوسف اودو والفرمان العثماني‬ ‫لليهودي ِة عالقا ُتها الطيبة مع الدولة الربسية ـ الساسانية حتى العهد اإلسالمي‬ ‫لأليزيديني ديانة مستقلة قائمة بذاتها‬ ‫قدسية كلي كور مببارك يف جبل شنكال‬

‫‪4‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪36‬‬

‫قدسية النار يف الديانة االيزيدية‬ ‫قمع لوحات املفاتيح للنشطاء األيزيديني خينق من مل يتحمل الصمود‬

‫‪38‬‬ ‫‪41‬‬

‫او باإلمكان ان نقول ملاذا مل نستوعب النصوص االيزيدية؟‬

‫‪37‬‬


‫عبداهلل أوجآالن‬

‫قضية املرأة والساللة واألسرة والسكان‪ ،‬وثورة املرأة يف الشرق األوسط‬

‫حتولت يف يو ِمنا‬ ‫َ‬ ‫واحيفَتاه على املرأةِ اليت َّ‬ ‫إىل أَ‬ ‫َ‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬بعدَما‬ ‫يف‬ ‫السلع‬ ‫ص‬ ‫رخ‬ ‫ِ‬ ‫تمَ​َ َّكنَت ِمن ِ‬ ‫خال ِل هويتِها االجتماعي ِة‬ ‫البهي ِة والرائع ِة ِمن أ ْن جَتع َل نف َسها خليق ًة‬ ‫فجر التاريخ‪ .‬حنن نفتق ُر‬ ‫بدور اإلهل ِة ِ​ِّ‬ ‫األم يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫لتارخيها هذا‪ ،‬الذي‬ ‫الالزم‬ ‫الشرح‬ ‫ة‬ ‫إلمكاني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ينبغي أ ْن يَ ُكو َن قصِتَها املأساوي َة القائم َة‬ ‫نتائجه‪ .‬ذلك‬ ‫بذاتِها‪ .‬لكننا نستطي ُع انتقا َد ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ ّن َ‬ ‫َ‬ ‫النقاب عن‬ ‫كشف‬ ‫واقع املرأةِ املنشأِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الضباب‬ ‫سحابات‬ ‫بِيَ ِد اإلنسان‪ ،‬وتَبدي َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫املهام‬ ‫اليت تحَ ُّف حبقيقتِها‪ ،‬هو من أوىل ِّ‬ ‫االجتماعي ِة العاجلة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫علي التبيا َن مبنتهى الصراح ِة أني أ ِج ُد‬ ‫َّ‬ ‫حتليالت اجلنسوي ِة االجتماعي ِة وضعية‬ ‫ِ‬ ‫‪ .Pozitivist‬وال أعتَقِ ُد بإمكاني ِة‬ ‫باملواقف املوضوعاني ِة‬ ‫حتليلِنا للمرأةِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫جَ‬ ‫رموز العبودي ِة‬ ‫ُالفظة‪ .‬خاص ًة وأننا ن َهل ِ‬ ‫امل َر َّسخ ِة يف املرأة‪ .‬إني على قناع ٍة بأنّه‬ ‫القضيب‬ ‫وانغماس زائ ٌد يف عقلي ِة‬ ‫مث َة تَ َدنُّ ٌس‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫– املهبَل‪ ،‬وأ ّن هذه العقلي َة تَ ُّ‬ ‫مهارات‬ ‫شل‬ ‫ِ‬ ‫للنظر‬ ‫الالفت‬ ‫اإلنسان األخرى‪ .‬واألم ُر‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ماع‬ ‫اجل‬ ‫ة‬ ‫ظاهر‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫هو‬ ‫السياق‪،‬‬ ‫يف هذا‬ ‫ِ‬ ‫واالتصال اجلنسي‪ ،‬اليت تتمي ُز بوظيفةِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫وشكل حمدو ٍد يف مَ‬ ‫عال‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫وبفرت‬ ‫قَيِّم ٍة‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات َذت لدىِ‬ ‫واحليوان أمجع‪ ،‬قد خَّ َ‬ ‫النبات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫البشري حاالً هيولي ًة ال شكل وال‬ ‫النوع‬ ‫فرتةِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫معال وظيفتِها إىل‬ ‫فيها‬ ‫خ‬ ‫وتتفس‬ ‫هلا‪،‬‬ ‫مِ‬

‫أقصاها‪ .‬ومن َّ‬ ‫املؤك ِد أ ّن هذا دلي ُل رعون ٍة‬ ‫اجتماعي املنبع‪ .‬أو باألحرى‪،‬‬ ‫وتَفَ ُّس ٍخ‬ ‫ِّ‬ ‫باملقدور التبيان أنّها حال ٌة تَ َط َّورَت تزا ُمناً‬ ‫ِ‬ ‫وتعميم القضي ِة االجتماعية (القمع‬ ‫ة‬ ‫والد‬ ‫مع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫واالستغالل)‪ .‬من هنا‪ ،‬فالقدرة على حتدي ِد‬ ‫مجيع مناحيها هي‬ ‫كون قضي ِة املرأةِ من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قضي ُ‬ ‫تفكيك‬ ‫اجملتمع األولية النابعة من‬ ‫ة‬ ‫ِ‬ ‫للمجتمع ِ‬ ‫األموم ّي‪ ،‬إمنا هي ضروري ٌة‬ ‫لصياغةِ‬ ‫تعريف سليم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الرجل وتَ َع ُّسفِه‬ ‫ة‬ ‫أناني‬ ‫رصد‬ ‫باملستطاع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلائر ِيف موضوع املرأةِ كظاهرةٍ بَيِّن ٍة يومياً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الرجل من‬ ‫ة‬ ‫قدر‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫كما‬ ‫الساعة‪.‬‬ ‫مدار‬ ‫ِ‬ ‫على ِ‬ ‫ِ‬ ‫والطبقات االجتماعي ِة على‬ ‫مجيع الشرائح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ارتكاب جرمي ِة يف هذا املضمار‪ ،‬دو َن أ ْن‬ ‫َّ ِ‬ ‫تَرف له َع ٌ‬ ‫ني أو يَأبَ َه ِّ‬ ‫أخالقي‬ ‫بأي ضاب ٍط‬ ‫أوِ قاعدةٍ حقوقيّة؛ إمنا هي واق ٌع يستحي ٍّلُ‬ ‫على ِّ‬ ‫غض َّ‬ ‫كل َمن له ضم ٌري أ ْن يَ َّ‬ ‫الطرْ َف عنه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫باسم‬ ‫املواقف‬ ‫وغالباً ما تُسلَك هذه‬ ‫الوحشيةالعشقِ‬ ‫تفسري‬ ‫العشق‪ِ .‬علماً أنه لدى‬ ‫عالق ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫باحلقيق ِة قليالً أم كثرياً‪ ،‬فسيُدرَ ُك فوراً أ ّن‬ ‫هذا َ‬ ‫القول من ِّ‬ ‫أنواع الرياءِ والكذب‪.‬‬ ‫أحط‬ ‫ِ‬ ‫عشق‪،‬‬ ‫إذ ما ِمن ٍ‬ ‫ذات فاعل ٍة تَ ُكو ُن موضو َع ٍ‬ ‫العشق مبمارس ٍة كهذه‪ ،‬ال‬ ‫تَن َع ِك ُف على‬ ‫ِ‬ ‫يف مَ‬ ‫عالِ النبات‪ ،‬وال احليوان‪ ،‬وال حتى‬ ‫يف مَ‬ ‫الفيزيائي الذي نُفَ ِّس ُره على أنه‬ ‫العال‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫«جامد»‪ .‬إذن‪ ،‬واض ٌح جلياً أ ّن دواف َع‬ ‫النوع‬ ‫ومعاني هكذا‬ ‫ٍ‬ ‫جنايات مرئي ٍة يف ِ‬

‫ِّ‬ ‫لوح َظت‬ ‫البشري خمتلف ٌة للغاية‪ ،‬حتى لو ِ‬ ‫حاالت الشذو ِذ اليت ال يَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫زال العج ُز‬ ‫بعض‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫حتليل معناها ضمن تلك‬ ‫سائدا يف‬ ‫ِ‬ ‫العوالمِ​ِ‬ ‫اجلنايات وأواص ُرها‬ ‫املذكورة‪ .‬أما عُرى هذه‬ ‫ِ‬ ‫مع احلاكمي ِة واالستغالل‪ ،‬فتتصد ُر األمورَ‬ ‫اليت ينبغي اإلشادةَ بها قب َل ِّ‬ ‫كل شيء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫األساسي الواجب طرحه يف هذا‬ ‫السؤال‬ ‫ُّ‬ ‫املضمار هو‪ :‬ملاذا يصب ُح الرج ُل َحسوداً‬ ‫ِِّ‬ ‫بشأن‬ ‫ومتحكماً وجانياً هلذه الدرج ِة‬ ‫ِ‬ ‫وضع‬ ‫العيش يف‬ ‫املرأة‪ ،‬ولَ ال يتخلى عن ِ‬ ‫املغتَ ِص ِبمِ املُعتَدي أربعاً وعشرين ساع ِةً‬ ‫االغتصاب‬ ‫ريب يف أ ّن‬ ‫ِ‬ ‫يف اليوم؟ ما من ٍ‬ ‫والتَّ َح ُّكمَ مصطلحان مرتبطان باالستغال ِل‬ ‫االجتماع ّي‪ .‬فهما يُ َع رِّبان عن املاهي ِة‬ ‫االجتماعي ِة لل ُمجريات‪ ،‬وغالباً ما يُ َذ ِّكران‬ ‫باهلرمي ِة والبطرياركيّ ِة والسلطة‪ .‬أما‬ ‫معناهما اآلخ ُر الكام ُن يف األعماق‪ ،‬فهو‬ ‫تعبريُه عن خيان ِة احلياة‪ .‬لك ّن تَ َشبُّ َث‬ ‫مبقدوره‬ ‫املرأةِ باحلياةِ من نواحي عديدة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫االجتماعي‬ ‫اجلنسوي‬ ‫املوقف‬ ‫الكشف عن‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫للرجل‪ .‬فاجلنسوية االجتماعية ت َع رُِّب عن‬ ‫ري اجلنساني ِة‬ ‫فناءِ ِّ ِغنى احلياةِ حتت نِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫الشال واالستهالك ّي‪ ،‬وما يتول ُد عنه من‬ ‫وموقف تحَ َ ُّك ِم ّي‪ .‬عالقةُ‬ ‫واغتصاب‬ ‫حق ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫باستمرار احلياةِ واضحة‪.‬‬ ‫اجلنس‬ ‫غريزةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫حي يتمي ُز‬ ‫كائن‬ ‫أي‬ ‫رصد‬ ‫ل‬ ‫يستحي‬ ‫ولكن‪،‬‬ ‫ٍ ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫اجلنسي‬ ‫واجلوع‬ ‫َم‬ ‫بِ َعقلي ٍة تَ ُغ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫وص يف النه ِ‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫مدار الساعة‪ .‬كما وساط ٌع أ ّن احلياةَ‬ ‫على ِ‬ ‫ليست عملي ًة جنسي ًة حمضة‪ .‬بل‪ ،‬وعلى‬ ‫َ‬ ‫االتصال‬ ‫النقيض‪ ،‬باإلمكان القول أ ّن‬ ‫حلظات املوت‪ ،‬أو‬ ‫ضرب من‬ ‫اجلنسي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫باألحرى‪ ،‬أنه محلة فانية للحياةِ جتاه‬ ‫املوت‪ .‬بناءً عليه‪ ،‬فمزي ٌد من املمارس ِة‬ ‫اجلنسية‪ ،‬يعين أيضاً فقدا َن احلياةِ باملِثل‪.‬‬ ‫ري إىل أ ّن العملي َة اجلنسي َة مُميت ٌة‬ ‫ال أش ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫حَ‬ ‫وفاني ٌة كليا‪ .‬بل وت ِمل بني أحشائِها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اهلدف ليس‬ ‫هدف خلو ِد احلياة‪ .‬لك ّن هذا‬ ‫احلياةَ بالتحديد‪ .‬بل بالعكس‪ ،‬هو تدب ٌري‬ ‫عر املوت‪ .‬وهذا ما مُي ِك ُن‬ ‫وإجرا ٌء إزاءَ ُذ‬ ‫ِ‬ ‫القول أنه ال حَي ِم ُل قيم َة احلقيق ِة كثرياً‪.‬‬ ‫باإلمكان إيضاح هذا القول كالتالي‪ :‬هل‬ ‫تكرا ُر دوام ِة احلياةِ هو اهلا ّم‪ ،‬أم الدوام ُة‬ ‫َد ذاتِها منفردةً؟ فبَعدما يُ َع رَُّب متاماً عن‬ ‫حِب ِّ‬ ‫َ‬ ‫حقيق ِة املنفر ِد بذاتِه‪ ،‬فإ ّن تكرارَ الدوام ِة إىل‬ ‫ماال نهاية ال حَيتَوي معاني كثرية‪ .‬واملعنى‬ ‫بلوغ‬ ‫الذي سيَحتَويه‪ ،‬هو احلاج ُة‬ ‫احلال‪،‬إىلفبمقدارِ‬ ‫«املعرف ِة‬ ‫املطلقة»‪ .‬ويف هذه ً ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما تُ‬ ‫درك الدوامة نفِ َسها جيدا‪ ،‬سيَكو ُن قد‬ ‫ِ‬ ‫بنفس‬ ‫متَّت تلبي ُة احتياج املعرف ِة املطلق ِة ِ‬ ‫القدر‪ .‬وهذا ما مفادُه أنه ال تبقى هناك‬ ‫قيم ٌة أو معنى ملحو ٌظ للدوامات‪ ،‬وبالتالي‬ ‫للتكاثُ ِر اجلنس ّي‪.‬‬ ‫النتيج ُة اليت مُي ِك ُن استخالصها من هذه‬ ‫التقييمات املقتَ َضبة‪ ،‬هي أ ّن املرأةَ خَت َض ُع‬ ‫ِ‬ ‫لقمع واستغال ٍل اجتماعيَّني مؤ ّسساتِيَّني‬ ‫ّ‬ ‫األبوي‪ .‬فعبودي ُة‬ ‫العصر‬ ‫َجني منذ‬ ‫ومٍنه َ‬ ‫مَُ‬ ‫ِ‬

‫فكرية‬

‫‪5‬‬

‫املرأةِ ُم َعقَّد ٌة وبُنيَوي ٌة لدرج ٍة يستحي ُل‬ ‫مقارنتها ِّ‬ ‫شكل آخر من أشكا ِل‬ ‫بأي‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫بيع العبي ِد من النساء‪،‬‬ ‫العبودية‪.‬‬ ‫ومؤسسات وأسواق ِ‬ ‫حلرَم القائمةُ‬ ‫اجلواري وا َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تاريخ املدنية‪ ،‬قد تع ِك ُس‬ ‫سياق‬ ‫ضمن‬ ‫ِ‬ ‫نسبياً‪ِ .‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ممارسات احلداث ِة‬ ‫ن‬ ‫لك‬ ‫ة‬ ‫الظاهر‬ ‫ِ‬ ‫تطبيق االستعبا ِد على املرأة‪،‬‬ ‫الرأمسالي ِة يف ِ‬ ‫قد تكاثرت مبا ال مُي ِك ُن حسابه‪ .‬إذ ما‬ ‫ِمن مدني ٍة تال َعبَت على املرأةِ و َمأ َس َست‬ ‫بقدر ما هي‬ ‫استغاللهَ ا هلذه الدرجة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الرأمسالية‪ .‬حيث استُ ِغلَّت الظاهرةُ إىل‬ ‫درج ٍة‪ ،‬باتت نسب ٌة ساحق ٌة من النساءِ‬ ‫املمارسات اليت تُسقِ ُطه ّن‬ ‫فيها يَع ِكسن‬ ‫ِ‬ ‫األوضاع احنطاطاً وسفال ًة على‬ ‫أكثر‬ ‫إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اخلصائص األساسية هلوي ِة املرأة‪.‬‬ ‫أنها‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫بل وحتى إنهن تَقبَّلن أ ْن يَك َّن جزءا من‬ ‫األالعيب املَلعوب ِة عليهن‪ ،‬وبِ َ‬ ‫نت يف حال ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ُمستَوىل عليه ّن فيها إىل درج ٍة ال يَ َرين‬ ‫األالعيب بذاتِهن‪.‬‬ ‫لعب هذه‬ ‫ِ‬ ‫مانعاً من ِ‬ ‫ُ‬ ‫القمع واالستغال ِل‬ ‫نتحدث فقط عن‬ ‫إننا ال‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫عرض‬ ‫الظاهرات ّي‪ .‬فاملرأة ال تتوانى عن ِ‬ ‫نف ِسها طوعيّاً لعبودي ٍة ُمستَساغ ٍة و َمهضوم ٍة‬ ‫يف كاف ِة خاليا احلياةِ صوتاً ولوناً وبَدَناً‬ ‫انقطاع‬ ‫ري منتَبِه ٍة حتى إىل‬ ‫وذهناً‪ .‬إنها غ ُ‬ ‫االجتماعية‪ِ،‬‬ ‫أواصرها مع تلك احلقيق ِة‬ ‫ِ‬ ‫ُب‬ ‫ع‬ ‫التال‬ ‫يتم‬ ‫ُ‬ ‫وأنها صُيرَِّت جمر َد حياةٍ ُّ‬ ‫بها على خشب ِة املسرح‪ .‬أو باألص ّح‪ ،‬إنها‬ ‫إدراك هذه‬ ‫عاجز ٌة عن‬ ‫العثور على إمكاني ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫وللتمك ِن من احلظي بكرام ِة‬ ‫احلقيقة‪ .‬لذا‪،‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫احلياةِ و ِع َّزتِها وحقيقتِها‪ ،‬فإ ّن تبدي َد‬ ‫امللتف حول املرأةِ ال يَربَ ُح حمافظاً‬ ‫الضباب ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫على أهميتِه بكل ِح َّدتِها‪.‬‬ ‫دون‬ ‫جانب حقيق ِة استحال ِة احلياةِ من ِ‬ ‫إىل ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫املرأة‪ ،‬فاستحالة مشاطرةِ حياةٍ ُمش ِّرف ٍة‬ ‫ومثين ٍة مع امرأةٍ ُح َّط شأنُها هلذه الدرجة‪،‬‬ ‫حقيق ٌة ساطع ٌة أيضاً‪ .‬من هنا‪ ،‬فالسبي ُل‬ ‫الصحي ُح َ‬ ‫الص احلياةِ حَ َ‬ ‫وت ُّر ِرها‪ ،‬هو‬ ‫خل ِ‬ ‫باإلدراك‬ ‫بالتحليل واملمارس ِة‬ ‫التحلي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واإلحساس بأ ّن احلياةَ القائم َة مع املرأ ِة‬ ‫ِ‬ ‫الكل فيه َمغمو ٌر عموماً‬ ‫حالياً هي من ٌط‪ُّ ،‬‬ ‫حتى ا َ‬ ‫لق بالعبودي ِة األكثر َح ّطاً للشأن‪.‬‬ ‫حل ِ‬ ‫ينبغي عدم النسيان بتاتاً أ ّن احلياةَ الثمين َة‬ ‫والسمو‬ ‫حلكم َة‬ ‫َّ‬ ‫واملُ َش ِّرف َة مع املرأة‪ ،‬تَقتضي ا ِ‬ ‫العشق‬ ‫العظي َمني‪ .‬كما وعلى املتطلعني إىل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أ ْن يَتَ َذ َّكروا َّ‬ ‫كل حلظة‪ ،‬أ ّن السبيل إىل‬ ‫مَُر من هذه احلكم ِة وذاك السم ّو‪.‬‬ ‫حتقيقِه ي ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫للعشق‬ ‫ة‬ ‫خيان‬ ‫هو‬ ‫إمنا‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫وأي تنا ُو ٍل‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫العشق‬ ‫وخدمة للعبودية‪ .‬أي‪ ،‬حمال بلوغ‬ ‫ِ‬ ‫التوصل إىل احلقيق ِة االجتماعية‪.‬‬ ‫دون‬ ‫ِ‬ ‫ُالح ُظ أنه بدأَ‬ ‫ُّ‬ ‫يُ َع رُِّب النظا ُم‬ ‫األبوي (الذي ي َ‬ ‫بالتصاع ِد بدءاً‬ ‫أعوام ‪ 5000‬ق‪.‬م) عن‬ ‫من‬ ‫النظام الذي ُج ِّر َب فيه ِ ُ‬ ‫قمع واستغال ٍل‬ ‫أول‬ ‫ِ‬ ‫اجتماعيني‪ ،‬حيث بر َز ٍ‬ ‫النظام‬ ‫د‬ ‫بع‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرباهني‬ ‫خمتلف‬ ‫األموم ّي‪ ،‬الذي تُؤَيِّ ُد‬ ‫ِ‬ ‫على أنه متَّ ُ‬ ‫عيشه بقوةٍ وطيدةٍ يف ثقاف ِة‬ ‫الشرق األوس ِط االجتماعية‪ .‬عبو ُر احلاكمي ِة‬ ‫ِ‬ ‫واألمالك إىل الرجل‪ ،‬أي‬ ‫على األطفا ِل‬ ‫ِ‬ ‫إىل مؤسس ِة األُبُ ّوة‪ ،‬هي ثور ٌة جذري ٌة‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة األول‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫مضاد ٌة للمرأة‪ .‬إنها ثور ٌة مضاد ٌة باألكثر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫متزمت‬ ‫نظام‬ ‫نظراً لتمهي ِدها‬ ‫اجملال أمامَ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقمعي واستغالل ّي‪ .‬ويَلو ُح أ ّن الرغب َة‬ ‫ٍّ‬ ‫جم من األوال ِد هي ُ‬ ‫أول‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫امتالك عد ٍد ٍّ‬ ‫ُّ‬ ‫فبقدر ما يَكث ُر األوالد‪ ،‬فإ ّن‬ ‫نظام َتمَ​َل ِك ّي‪ِ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫واألمالك واألموا ِل يتضاعفُ‬ ‫امتالك القوةِ‬ ‫ِ‬ ‫باملِثل‪ .‬إ ّن عالق َة البطرياركي ِة والسالالتي ِة‬ ‫مع املُل ِكيّ ِة جلي ٌة بسطوع‪ .‬السالالتي ُة ُ‬ ‫أول‬ ‫مؤسس ٍة عائلي ٍة واسع ِة النطاق‪ ،‬وهي أكرب‬ ‫من الكالن‪ ،‬وأوعى منها‪ ،‬و ُمتَ َع ِّرف ٌة على‬ ‫املُل ِكيّة‪ .‬إنها الشك ُل ُ‬ ‫ّ‬ ‫األبوي‪.‬‬ ‫للنظام‬ ‫األول‬ ‫ِ‬ ‫وتراج ُع حاكمي ِة املرأةِ على األطفا ِل‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫جنب مع تَ َدنّيها‬ ‫واألمالك يَسري جنبا إىل‬ ‫ِ‬ ‫واحنطا ِطها‪ .‬وتتنحى ثقاف ُة ٍ اإلهل ِة األ ِّمُ‬ ‫الذكور ـ املُلوك‪.‬‬ ‫عن مكانِها لثقاف ِة اآلهل ِة‬ ‫ِ‬ ‫املستجدات يف الثقاف ِة‬ ‫وتُستَ َش ُّف هذه‬ ‫ُ‬ ‫صاعق لألنظار‪ .‬هذا وتتطو ُر‬ ‫بنحو ُ ٍ‬ ‫السومري ِة ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫تاريخ املدنية‪،‬‬ ‫طيلة‬ ‫مؤسس ُة الزواج واألسرةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتت ِّ‬ ‫تأثري منوذج الساللة‪ .‬هكذا‬ ‫ظل ِ‬ ‫ي ُ‬ ‫ُعاش الزوا ُج املعتم ُد على توازن القوى بني‬ ‫كم‬ ‫والرجل مبنوا ٍل حمدو ٍد أكثر‪.‬‬ ‫املرأةِ‬ ‫ِ‬ ‫ت قَفبِبوُحلهَ اِ‬ ‫كون السالالتي ِة قد ُقبِلَت أو فَرَضَ‬ ‫ِ‬ ‫وكاحتكار‬ ‫ة‬ ‫مهيمن‬ ‫ة‬ ‫رجولي‬ ‫ة‬ ‫كأيديولوجي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الزجيات السائدةِ ُمر َغم ٌة‬ ‫سلطوي‪ ،‬فغالبي ُة‬ ‫ِ‬ ‫االعرتاف بسيادةِ األب‪ .‬وباختصار‪،‬‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فالسالالتية ومؤسسة العائل ِة املرتكزةِ إىل‬ ‫ري طبيعة‪،‬‬ ‫الرجل أنظم ٌة ُصغرى ُمن َشأ ٌة وغ ُ‬ ‫ِ‬ ‫تحَ َ ُّك ِميّ ٌة واستغاللية‪.‬‬ ‫َط َّورَت احلداث ُة الرأمسالي ُة هذا النظامَ أكثر‬ ‫لصاحل املرأةِ يف‬ ‫فالرتتيبات احلاصل ُة‬ ‫فأكثر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫تأمني املساواةِ‬ ‫احلقل القانون ّي‪ ،‬بعيدة عن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفعلية‪ .‬هذا وباملستطاع تعريف الزواج‬ ‫مبؤسس ِة شرعن ِة اجلنسوي ِة االجتماعي ِة‬ ‫واحلاكمي ِة الرجولي ِة املُ َص َّعدةِ حتت ِّ‬ ‫ظل‬ ‫طابع املدنية‪ .‬إنها عبارة عن احلال ِة اليت‬ ‫ِ‬ ‫تنعكس فيها احتكاري ُة اهلرمي ِة والسلط ِة‬ ‫ُ‬ ‫والدول ِة على الوحدةِ ‪ Birim‬األكثر‬ ‫انتشاراً‪ ،‬واليت تعتَبرَُ خلي َة اجملتمع‪ .‬كما‬ ‫ٌ‬ ‫جوهرها وشكلِها‬ ‫تناقض مستو ٌر بني‬ ‫مثة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أفضل مؤسس ٍة‬ ‫ة‬ ‫مبنزل‬ ‫فهي‬ ‫ها‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫وشر‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ممثَّل ًة يف‬ ‫ة‬ ‫عبودي‬ ‫لتموي ِه‬ ‫اجملتمع العام ِة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تأنيث‬ ‫شخص املرأة‪ .‬حيث يُع َمل على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجملتمع خطوةً تِلوَ األخرى‪ ،‬خِّ‬ ‫سياق‬ ‫باتا ِذ ِ‬ ‫تأنيث ِاملرأةِ أساساً (إسقاطها واحل ّط من‬ ‫ِ‬ ‫شأنها وتصيريها امتداداً للرجل)‪ .‬لقد‬ ‫الرجل بعد‬ ‫نُفِّ َذت عبودي ُة‬ ‫تأنيث املرأةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪6‬‬

‫فكرية‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫االجتماعية ليست‬ ‫اجلنسوية‬ ‫مصطلحاً حمدوداً بالسلط ِة‬ ‫العالقات بني‬ ‫الكائن ِة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجلن َسني‪ .‬بل ُت ِشي ُد بسلطوي ٍة‬ ‫مستويات‬ ‫مستفحل ٍة يف كاف ِة‬ ‫ِ‬ ‫ظه ُر َ‬ ‫سلطة‬ ‫اجملتمع‪ .‬وهي ُت ِ‬ ‫َ‬ ‫البالغة أقصاها مع‬ ‫الدول ِة‬ ‫احلداثة‪ .‬إذ ما ِمن شي ٍء‬ ‫وصاحل أل ْن‬ ‫ومثري‬ ‫َر ٍض‬ ‫محُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بقدر ما‬ ‫يَ ُكو َن موضو َع سلط ٍة‪ِ ،‬‬ ‫املتحو ُ‬ ‫هي املرأةُ‬ ‫لة إىل شيء‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫وبالتداخ ِل معها على الدوام‪ .‬فالعبودي ُة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والتأنيث املُ َطبَّقان على املرأة‪ ،‬واللذان أمثَرا‬ ‫نتائجهما‪ ،‬كانتا ستُوَ َّطدان الحقاً على‬ ‫عن ِ‬ ‫والطبقات املسحوقة‪ .‬هذا السيا ُق‬ ‫الرجا ِل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وج ُه مع‬ ‫املتصاع ُد مع املدنية‪ ،‬يَ ِصل أ َ‬ ‫احلداث ِة الرأمسالية‪ .‬والفاشي ُة ذات معنى‬ ‫تأنيث اجملتمع‪ .‬فهي تُفي ُد‬ ‫سياق ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫خاص يف ِ‬ ‫الصائر مستسلِماً‪ .‬بينما احلداثةُ‬ ‫باجملتمع‬ ‫ِ‬ ‫تُع عنِ‬ ‫َ‬ ‫واملفتقر ملهارتِه‬ ‫ي‬ ‫خص‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫اجملتمع‬ ‫َبرُِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزوجات‬ ‫جمتمع‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫الدفاع‪ ،‬الذيوعنبات فيه ِ‬ ‫اجلمي ُع أزواجاً‬ ‫العموميات‪،‬‬ ‫لبعضهم البعض‪ .‬ذلك أ ّن ترا ُكمَ‬ ‫وزوجات ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يتطلب الرو َح‬ ‫رأس املا ِل‬ ‫املتحقق باستمرار‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلجومي َة والرببري َة لدرج ٍة ال يُتي ُح فيها‬ ‫لشكل آخر من اجملتمع‪ .‬إ ّن الزوا َج‬ ‫الفرص َة ٍ‬ ‫هو امليدا ُن الذي تُ َشر َع ُن وتُ َطبَّ ُق فيه‬ ‫الشرف حتى‬ ‫باسم‬ ‫العبودي ُة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫واالغتصاب ِ‬ ‫أعمق األعماق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أما املؤسس ُة اليت تُزي ُح قنا َع احلداث ِة‬

‫إفالس األسرةِ أيضاً‪.‬‬ ‫وتُسقِ ُطه‪ ،‬فهي حال ُة ِ‬ ‫ري‬ ‫فإفالس األسرةِ يف املدني ِة الغربي ِة ال يُش ُ‬ ‫ُ‬ ‫األواصر االجتماعية‪،‬‬ ‫فقط إىل هشاش ِة‬ ‫ِ‬ ‫بل ويَد ُّ‬ ‫ُل أيضاً‬ ‫تناقضها‬ ‫غور‬ ‫مدى‬ ‫على‬ ‫ِ ِ‬ ‫ووضع‬ ‫ُمق حال ِة األزم‬ ‫مع اجملتمع‪ ،‬وع ِ‬ ‫عبوديِة َة املرأةِ‬ ‫الفوضى فيها‪ .‬فكيفما أ ّن‬ ‫ِ‬ ‫تحُ َ ِّد ُد مستوى العبودي َة االجتماعية‪،‬‬ ‫والرجل‬ ‫فحال ُة الفوضى يف العالق ِة بني املرأةِ‬ ‫ِ‬ ‫تناقضات احلداث ِة الرأمسالي ِة‬ ‫أيضاً تَع ِك ُس‬ ‫ِ‬ ‫الراهن ِة وحال َة الفوضى لديها‪.‬‬ ‫اجلنسوي ُة االجتماعي ُة ليست مصطلحاً‬ ‫العالقات بني‬ ‫حمدوداً بالسلط ِة الكائن ِة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجلن َسني‪ .‬بل تُ ِشي ُد بسلطوي ٍة مستفحل ٍة‬ ‫ظه ُر‬ ‫يف كاف ِة‬ ‫ِ‬ ‫مستويات اجملتمع‪ .‬وهي تُ ِ‬ ‫َ‬ ‫سلط َة الدول ِة البالغة أقصاها مع احلداثة‪.‬‬ ‫ض ومثري وصاحل أل ْن‬ ‫إذ ما ِمن شيءٍ محُ ِّ‬ ‫َر ٍ‬ ‫بقدر ٍما هي ٍاملرأةُ‬ ‫يَ ُكو َن ُموضو َع سلط ٍة‪ِ ُ ،‬‬ ‫ككيان ُم َشيَّأٍ تتس ُم‬ ‫ِّ‬ ‫املتحولة إىل شيء‪ .‬فاملرأة ٍ‬ ‫جعل السلط ِة قصوى‪ .‬ويُبقى عليها‬ ‫مبزايا ِ‬ ‫حُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫امل‬ ‫وضع‬ ‫ض واملُضا ِع ِف للسلطة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ِّ ِ‬ ‫دوما يف ِ‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫إ ّن حتلي َل عالق ِة املرأةِ بالسلط ِة ضمن هذا‬ ‫النقاب عن‬ ‫كشف‬ ‫اإلطار‪ٌّ ،‬‬ ‫هام على صعي ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫رجل يتمت ُع زيادة عن‬ ‫حقيقتِها‪ .‬فكل ٍ‬ ‫تطبيق جش ِعه يف السلط ِة‬ ‫اللزوم بِ َعقلي ِة‬ ‫ِ‬ ‫على ِ‬ ‫ُ‬ ‫نفسها‬ ‫شخص املرأة‪ .‬وتتكاث ُر العقلية ُ‬ ‫ِ‬ ‫مبمارس ِة النساءِ إياها على بعضه ّن بعضاً‬ ‫جشع السلطة‪.‬‬ ‫وعلى أطفاهلن يف‬ ‫هيئ ِةهذه ِ‬ ‫املرة‪ .‬وهذا هو‬ ‫ذئب املرأ ِة‬ ‫وتَغدو املرأةُ َ‬ ‫ُ‬ ‫الفعل املتسلسلة‪.‬‬ ‫احلدث املسمى بردو ِد ِ‬ ‫َ‬ ‫نظام االستغال ِل‬ ‫ذلك أ ّن دورَ املرأةِ داخل‬ ‫ِ‬ ‫الرأمسالي منفت ٌح و ُمسا ِع ٌد أكثر بكثري‪ .‬فهي‬ ‫ِّ‬ ‫ال تكتفي بإجناب وتنشئ ِة األطفا ِل بال أَ‬ ‫جر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عمل‬ ‫كل‬ ‫ء‬ ‫ورا‬ ‫ق‬ ‫نسا‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫بل‬ ‫أجل النظام‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫وضع‬ ‫بأخبس األجور‪ ،‬ويُبقى عليها‬ ‫جهة‪،‬يف وكأداةِ‬ ‫املُ َخفِّ ِض الدائم لألَ‬ ‫جر من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضغط ِعلى ِ‬ ‫العمل من‬ ‫عن‬ ‫العاطلني‬ ‫جيش‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جه ٍة أخرى‪ .‬ولَِ َكم هو مؤلٌ‬ ‫وبالرغم‬ ‫أنه‪،‬‬ ‫الكدح مِاألكثر قهراً‪ِ ،‬‬ ‫من كونها صاحب ُة ِ‬ ‫إال‬ ‫ِ‬ ‫أنه ما ِمن تعاليم ـ مبا فيها املاركسية ـ ترى‬ ‫داعياً‬ ‫وكدحها‪،‬‬ ‫حقوق املرأةِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫للتحدث عن ِ‬

‫فكرية‬

‫‪7‬‬

‫سياسي‬ ‫موقف‬ ‫أو لصياغ ِة‬ ‫حتليل أو إبداءِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫بكدحِ‬ ‫ألجل ذلك‪ .‬املؤش ُر َ‬ ‫اآلخ ُر معينٌّ‬ ‫الزم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫املرأة‪ ،‬حيث ي رَُب ِهن استشراءَ اجلنسوي ِة‬ ‫االجتماعي ِة حلاكمي ِة الرجل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َد ُد‬ ‫باتت قضي ُة التزايُ ِد‬ ‫السكاني املفر ِط تُه ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫العالمَ​َ واجملتم َع تدرجيياً‬ ‫بنحو أكرب من‬ ‫ٍ‬ ‫السكاني مرتب ٌط‬ ‫قضي ِة الطبقة‪ .‬التزاي ُد‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫اجلنسوي واحلداث ِة‬ ‫باجملتمع‬ ‫عن كثب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرأمسالية‪ .‬فالشهوة اجلنسية اليت ال‬ ‫تَ‬ ‫مدار الساعة‪ ،‬والثقاف ُة‬ ‫عر ُف السكو َن على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫السالالتي ُة واأل َس ِريّة‪ ،‬وسياس ُة الرأمسالي ِة‬ ‫السكاني بُغي َة‬ ‫والدول ِة القومي ِة يف التزاي ِد‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الربح والقوة؛ ُّ‬ ‫لب معه انفجاراً‬ ‫كل ذلك يجَ ُ‬ ‫مساهمات‬ ‫سكانياً كالتَّيهور‪ .‬ولدى إضاف ِة‬ ‫ِ‬ ‫والطب إىل ذلك‪ ،‬فالواق ُع البار ُز‬ ‫التقني ِة‬ ‫ِّ‬ ‫أخطر املَهالِ ِك من جه ِة‬ ‫عن‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫يان‬ ‫رُِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لل َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجملتمع والبيئة‪.‬‬ ‫إمكاني ِة سريورةِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫والفوضى الدميوغرافية متعلقة بهذا الواقع‪.‬‬ ‫مشار َف استحال ِة‬ ‫فكوكبُنا والبيئ ُة قد بَلَغا ِ‬ ‫زمن بعيد (إذا ما‬ ‫تحَ َ ُّم ِل‬ ‫القائم منذ ٍ‬ ‫احلجم ِ‬ ‫ِ‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫السكان الذين يبلغ تعدادُهم‬ ‫استمر تزايُ ُد‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ستة مليارات ونصف املليار)‪ .‬لذا‪ ،‬فتقيي ُم‬ ‫النظام من جانبِه هذا أيضاً أم ٌر ها ّم‪.‬‬ ‫إفالس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أحس وج ٍه أ ّن املرأةَ‬ ‫على‬ ‫اإلدراك‬ ‫جيب‬ ‫ِ‬ ‫يصعب تحَ َ ُّمله‪،‬‬ ‫قح َمت حتت عبءٍ ُمرَ ِّو ٍع‬ ‫ُ‬ ‫أُ ِ‬ ‫بوصفِها أداةً‬ ‫إلجناب أطفا ٍل ُكثُر‪ .‬فالقضي ُة‬ ‫ِ‬ ‫نظام ُسخ َرةٍ إلزامي ٍة شاق ٍة للغاية‪،‬‬ ‫تَنب ُع من‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫امتالك األطفال‪.‬‬ ‫وتتعدى كثرياً مسألة‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫عالوةً على أنه ينبغي االستيعاب جيدا أ ّن‬ ‫إجناب األطفا ِل ليس ظاهرةً بيولوجية‪ ،‬بل‬ ‫َ‬ ‫ثقافي ٌة معني ٌة بالنظام‪ .‬ذلك أ ّن َّ‬ ‫كل مولو ٍد‬ ‫موت املرأة‪ ،‬ليس مرةً واحدة‪ ،‬بل‬ ‫يعين َ‬ ‫ً‬ ‫مرات عديدة على صعي ِد الثقاف ِة القائمة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بالقليل جدا‪،‬‬ ‫ما يَل َز ُم هو ثقافة تقن ُع‬ ‫ِ‬ ‫اإلجراءات الصحية‪ ،‬وتقتضي‬ ‫وتَ ُع ُّمها‬ ‫ُ‬ ‫قب َل ِّ‬ ‫َّ‬ ‫إلجناب‬ ‫الذهين‬ ‫كل شيءٍ اإلعدا َد‬ ‫ِ‬ ‫األطفال‪ .‬كما إ ّن إسنا َد فكرةِ اخللو ِد‬ ‫واجلماليات‬ ‫والقوةِ إىل املعرف ِة املطلق ِة‬ ‫ِ‬ ‫مَ‬ ‫األخالقي والسياس ّي‪ ،‬ال‬ ‫اجملتمع‬ ‫وناءِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫إىل األطفال‪ ،‬وحتلي َل تنشئ ِة األطفا ِل ضمن‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫األولويات وضمن ُكلّيّاتي ٍة متكاملة؛‬ ‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سيَكون أمثن معن ًى وَ ُجودَة‪ .‬وباختصار‪،‬‬ ‫موضوع تنشئ ِة األطفا ِل‬ ‫ينبغي ح ّل وحتليل‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫االقتصادي‬ ‫اجملتمع‬ ‫بناءً على‬ ‫ِ‬ ‫احتياجات احلرية‪ِ.‬‬ ‫واأليكولوجي وفلسف ِة‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫تقويم‬ ‫زمن بعي ٍد فرصة‬ ‫لقد أضا َع النظا ُم منذ ٍ‬ ‫نف ِسه باإلصالح‪ .‬فما يَل َز ُم هو «ثور ٌة نسائي ٌة ِ»‬ ‫ي يف كاف ِة احلقو ِل االجتماعية‪ .‬وكيفما‬ ‫ستُ َس رَُّ‬ ‫َ‬ ‫أ ّن عبودية املرأةِ هي أعم ُق العبوديات‪،‬‬ ‫فثورةُ املرأةِ أيضاً ينبغي أ ْن تَ ُكو َن أعم َق‬ ‫تتطلب‬ ‫ثورات احلري ِة واملساواة‪ ،‬حيث‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫االنطالقات األكثرَ جذري ًة نظرياً وعملياً‬ ‫ِ‬ ‫صراع‬ ‫على السواء‪ .‬جيب أوالً خوض‬ ‫األيديولوجيةٍ‬ ‫ومتواصل يف وج ِه‬ ‫متعاقب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اجلنسانية‪ .‬وثورةُ املرأةِ تقتضي جتذي َر‬ ‫احلرب أخالقياً وسياسياً جتاه عقلي ِة‬ ‫ِ‬ ‫مدار الساعة‪ .‬كما‬ ‫على‬ ‫ة‬ ‫السائر‬ ‫االغتصاب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وتستَ‬ ‫إجناب‬ ‫ة‬ ‫ظاهر‬ ‫د‬ ‫وتندي‬ ‫رفض‬ ‫وجب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتركَ‬ ‫بهدف السلط ِة واالستغالل‪،‬‬ ‫األطفا ِل ِ‬ ‫ً‬ ‫موضوع‬ ‫إجناب األطفا ِل متاما إلرادةِ املرأةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تتطلب الثورة يف أيديولوجي ِة‬ ‫املتحررة‪ .‬إنها ُ‬ ‫األهم‬ ‫السالل ِة واألسرة‪ .‬ويَبدو فيما يَبدو أ ّن َّ‬ ‫من ِّ‬ ‫كل ذلك أنها تقتضي جتا ُوز فلسف ِة ـ أو‬ ‫باألصح الفلسف ِة ـ احلياةِ احلالي ِة مع املرأة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫إذ ينبغي عدمَ‬ ‫العيش مع املرأةِ‬ ‫تقييم قوةِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ارتباطاً‬ ‫امتالك األطفا ِل وتغطي ِة‬ ‫مبفهوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشهوةِ اجلنسية‪ ،‬بل النظر إىل أنها تَكم ُن‬ ‫والس ِلم والنُّبل‪،‬‬ ‫إمثار اجلما ِل‬ ‫واإلخالص ِّ‬ ‫ِ‬ ‫يف ِ‬ ‫ُ‬ ‫باعتبارها‬ ‫ويف وتشاط ِر ذلك بِ َعد ٍل وحرية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫نَ َ‬ ‫أواصر الصداق ِة والرفاقي ِة واجملتمعية‪.‬‬ ‫أمت ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ما من ٍّ‬ ‫واحلر‬ ‫شك يف أ ّن التشاط َر العا ِدل‬ ‫َّ‬ ‫للحياةِ مع املرأة‪ ،‬يقتضي املعرف َة املتبادَلةَ‬ ‫ِ‬ ‫الصحيح‬ ‫املسار‬ ‫للحقيق ِة االجتماعي ِة ِ‬ ‫ذات ِ‬ ‫احلقيقي ال ي ُ‬ ‫ُعاش‪ ،‬إال‬ ‫بالتأكيد‪ .‬فالعش ُق‬ ‫ُّ‬ ‫توازن قوى احلقيق ِة االجتماعي ِة‬ ‫ضمن‬ ‫ِ‬ ‫العشق‬ ‫مبنوا ٍل متبادَل‪ .‬لذا‪ ،‬ال مُي ِكُ ُن تحَ َ قُّق ِ‬ ‫الشخصيات امللَ​َّوث ِة بالعبودي ِة‬ ‫إطالقاً يف‬ ‫ِ‬ ‫والتجارب الفاشل ُة‬ ‫واالغتصاب والسلطة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫إفالس‬ ‫وحاالت‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫رار‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫عاش‬ ‫وامل‬ ‫املتواصلة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫األسرةِ تؤك ُد مصداقية هذه احلقيقة‪ .‬ففي‬ ‫حا ِل تحَ َ لّي املرأةِ أيضاً بالقوةِ واملعرف ِة‬ ‫الرجل على ِّ‬ ‫بقدر ِّ‬ ‫أقل تقدير‪،‬‬ ‫االجتماعيتَني ِ‬ ‫احلب واجلما ِل‬ ‫سيَ ُكو ُن باإلمكان عيش‬ ‫ِّ‬ ‫بإنتاجهما وتَشا ُط ِرهما بال سلطة‪ ،‬وضمن‬ ‫ِ‬ ‫أجواءٍ تَسودُها املساواةُ واحلري ُة والسالم‪.‬‬ ‫وراهنُنا‪ ،‬أي القرن احلادي والعشرون‪،‬‬

‫‪8‬‬

‫فكرية‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫َ‬ ‫العملية‬ ‫ري إىل أ ّن‬ ‫ال أش ُ‬ ‫ٌ‬ ‫اجلنسية مُم ٌ‬ ‫َ‬ ‫وفانية كلياً‪.‬‬ ‫يتة‬ ‫وت ِم ُل بني أحشا ِئها َ‬ ‫بل حَ‬ ‫هدف‬ ‫َ‬ ‫اهلدف‬ ‫خلو ِد احلياة‪ .‬لك ّن هذا‬ ‫ليس احلياةَ بالتحديد‪ .‬بل‬ ‫ري وإجرا ٌء‬ ‫بالعكس‪ ،‬هو تدب ٌ‬ ‫عر املوت‪ .‬وهذا ما مُي ِك ُن‬ ‫إزاءَ ُذ ِ‬ ‫القول أنه ال حَي ِم ُل َ‬ ‫قيمة‬ ‫احلقيق ِة كثرياً‬

‫شت ُط إيالءَ األولوي ِة لثورةِ املرأةِ بالتأكيد‪.‬‬ ‫يَ رَ ِ‬ ‫وشعا ُر «إما احلياةُ أو الرببرية» يَ ُ‬ ‫فرض إجنازَ‬ ‫هذه الثورة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومثلما جملتمع‬ ‫الشرق األوس ِط حاجة بثورةٍ‬ ‫ِ‬ ‫زراعي ٍة ـ قرويٍِة ثانية‪ ،‬فهو حباج ٍة إىل ثور ٍة‬ ‫األمومي هو ثورةُ‬ ‫نسائي ٍة ثاني ٍة أيضاً‪ .‬النظا ُم‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫النيولييت النسائية‪ .‬أو باألحرى‪،‬‬ ‫العصر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الثورةُِ النيوليتية الرائعة كانت ثورةً‬ ‫نسائية‪ .‬وهي ثور ٌة ال ُ‬ ‫قتات‬ ‫تزال البشري ُة تَ ُ‬ ‫َّ‬ ‫األبوي هو‬ ‫على إرثِها‪ .‬يف حني أ ّن النظامَ‬ ‫ُ‬ ‫ثورةُ املدني ِة واحلداث ِة املضادةُ املبنية على‬ ‫ألعمق‬ ‫احنسار‬ ‫اجملتمع الطبيع ّي‪ ،‬واملَُولِّ ِد ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واستغاللا‪ ،‬واملوَ ِّس ِع‬ ‫درجات عبودي ِة املرأةِ‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬ ‫صفوف اجملتمع‪ .‬لك ّن هذه‬ ‫إياها يف كاف ِة‬ ‫ِ‬ ‫الثورةَ املضادةَ الكربى تَش َه ُد يف يو ِمنا أزمتَها‬ ‫مجيع امليادين‬ ‫املمنهج َة وحال َة الفوضى يف‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وتُعاني االحنالل واالنهيار‪.‬‬ ‫يُف َه ُم من ذلك أ ّن ما ُف ِر َ‬ ‫ض على املرأةِ هو‬ ‫خيان ُة احلياة‪ .‬من هنا‪ ،‬ولَئِ ْن يُرا ُد حياةً‬ ‫قَيِّم ًة بالفعل‪ ،‬فيجب أوالً إعادة إنتاج‬ ‫مشاعر اجلما ِل وا َ‬ ‫جلالل‪ ،‬والنجاح يف‬ ‫ِ‬

‫توازن القوى باملعرف ِة املتبادل ِة‬ ‫تشا ُط ِرها ضمن ِ‬ ‫الواقع وبلوغ‬ ‫مع املرأة‪ .‬وجيب إنشاء هذا‬ ‫ِ‬ ‫يتم‬ ‫حقيقتِه‪ .‬كما وينبغي يف هذا املضمار أ ْن َّ‬ ‫عيش الواحدي ِة والكونية‪ ،‬أي ُ‬ ‫ُ‬ ‫عيش احلال ِة‬ ‫والرجل واحلال ِة اجملردةِ‬ ‫ال َعينِيّ ِة للمرأةِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫املُثلى للذكورةِ واألنوث ِة معا وبالتداخل‪.‬‬ ‫عيش ذلك‪ ،‬يتوجب تكوين وعيِه‬ ‫ِ‬ ‫وألجل ِ‬ ‫بعضهما‬ ‫وإرادتِه‪ .‬يف حني جيب التخلي عن ِ‬ ‫جذرياً من زاوي ِة املُلكي ِة والتَّ َملُّك‪ .‬كما وجيب‬ ‫جعل جاذبي ِة اجلما ِل والشخصي ِة األصيل ِة‬ ‫ّ‬ ‫التقليدي‪.‬‬ ‫الشرف‬ ‫مفهوم‬ ‫ساري ًة بدالً من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مَ‬ ‫حتري ُر احلياةِ مستحيل‪ ،‬ما ل تُ َع ْش ثور ٌة‬ ‫نسائي ٌة جذرية‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬ما مَل يَتَ َحقَّ ْق‬ ‫ُّ‬ ‫اجلذري يف عقلي ِة وحياةِ الرجل‪ .‬ذلك‬ ‫ري‬ ‫التغ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َد ذاتِها ستتحول إىل َسراب‪،‬‬ ‫أ ّن احلياة بحِ ِّ‬ ‫ما مَل تتحررْ املرأةُ بصفتِها قم َة احلياة‪ .‬كما‬ ‫ست َظ ُّل السعادةُ خياالً أجوفاً‪ ،‬ما مَل تَتَ َحقَّ ْق‬ ‫الرجل مع احلياة‪ ،‬واحلياةِ مع املرأة‪.‬‬ ‫مسامل ُة ِ‬ ‫ال حدود‬ ‫بشأن املرأةِ‬ ‫للحقائق االجتماعي ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫واحلياةِ احلرة‪ .‬لك ّن اجملتم َع واملرأةَ الشرقَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫خرجا‬ ‫أوسطيَّني أسقِطا مبا فيه الكفاية‪ ،‬وأ ِ‬ ‫شيئي‬ ‫وص رِّيا مبثاب ِة‬ ‫من َكينونتِهما‪ُ ،‬‬ ‫موضوع ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫على يَ ِد املدني ِة اليت عاشاها‪ ،‬واحلداث ِة اليت‬ ‫زوها‪ .‬من هنا‪ ،‬فتحلي ُل القضية‬ ‫تَ َع َّرضا لِ َغ ِ‬ ‫ُ‬ ‫صوب‬ ‫والتوجه‬ ‫االجتماعي ِة عرب املرأة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫طريق الظاهرةِ عينِها؛ إمنا‬ ‫حلِّها أيضاً عن ِ‬ ‫أسلوب صحيح‪ .‬وال مُي ِك ُن بلوغ احلقيق ِة‬ ‫هو‬ ‫ٌ‬ ‫خِ ُ‬ ‫بطى سديدةٍ فيما يتعل ُق بِأُ ِّم القضايا‪ ،‬إال‬ ‫بفرض ثورةِ املرأة‪ ،‬اليت هي أُ​ُّم احللول‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تتمي ُ‬ ‫باإلصرار‬ ‫ة‬ ‫الدميقراطي‬ ‫ة‬ ‫العصراني‬ ‫ز‬ ‫ِ‬ ‫سياق قضي ِة‬ ‫والنموذجي ِة والعملياتي ِة يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫املرأةِ وثورتِها‪ .‬فاملشاري ُع اليت تشت ِمل عليها‬ ‫عناص ُر العصراني ِة الدميقراطية‪ ،‬ال خُ َ‬ ‫ت َّط ُط أو‬ ‫تُنَفَّ ُذ من دون املرأة‪ .‬وبالعكس‪ ،‬إنها مشاري ٌع‬ ‫ثورات سوف تتحق ُق يف ِّ‬ ‫مبثاب ِة‬ ‫كل خطوةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫حلكم ِة واملمارس ِة‬ ‫من خطاها مبشاطرةِ ا ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫تحَ‬ ‫َ‬ ‫العملي ِة مع املرأة‪ .‬فكيفما قق بناءُ‬ ‫االقتصادي بريادةِ املرأة‪ ،‬فإعادةُ‬ ‫ِّ‬ ‫اجملتمع‬ ‫بنائه ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أيضا تقتضي القوة الكومونالية للمرأة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ذلك أ ّن االقتصا َد ِمهن ُة املرأةِ االجتماعي ُة‬ ‫وممارستُها الذاتية‪ .‬أما األيكولوجيا‪ ،‬فهي‬ ‫عل ٌم ال مُي ِك ُن حتقيق التقائِه مع اجملتمع‪،‬‬ ‫إال بِنَباه ِة املرأةِ ويَقَ َظتِها‪ .‬فاملرأةُ بيئوي ٌة على‬ ‫الدميقراطي‬ ‫صعي ِد اهلوية‪ .‬كما أ ّن اجملتم َع‬ ‫َّ‬ ‫يتطلب ذه َن املرأةِ وإرادتَها احلرة‪.‬‬ ‫جمتم ٌع‬ ‫ُ‬ ‫ومبنتهى الصراحة‪ ،‬فالعصراني ُة الدميقراطيةُ‬ ‫هي عص ُر ثورةِ املرأةِ وحضارتِها‪.‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫مقالة‬

‫‪9‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫بطوالت جانكري آغا اإليزيدي(‪ 1874‬ـ ‪1943‬م)يف املصادر الروسية واألرمنية‬

‫داود ُمـراد خـتاري‬

‫القبائل والعشائر اإليزيدية يف سرحد ومناطقهم‪:‬‬ ‫يف القرن الثامن عشر‪ ،‬كانت القرى اإليزيدية يف سرحد منتشرة يف املناطق‬ ‫الشمالية الشرقية لبحرية وان‪ ،‬ويف عنتاب‪ ،‬وحميط ألشكري‪ ،‬وناحية‬ ‫ضياء الدين الواقعة وسط سنجاق بايزيد‪ ،‬ويف ناحية(منطقة) خَ‬ ‫أبي‪ ،‬قضاء‬ ‫بركري‪ ،‬والبحر األسود على احلدود بني تركيا وبالد الفرس وروسيا‪.‬‬ ‫إال أن محالت الظلم واالضطهاد املستمرة ـ مثلما ذكرنا سابقا ـ أصبحت‬ ‫سبباً هلجرة قسم من اإليزيديني اىل املناطق الشمالية من سرحد القريبة من‬ ‫احلدود األرمنية؛ ونتيجة لذلك كانت القبائل والعشائر اإليزيدية املهاجرة‬ ‫تبتعد رويداً رويداً عن مركزها االيزيدي‪.‬‬ ‫علينا القول بأنه ميكن هنا رؤية صورة مغايرة عن القبائل والعشائر املتنوعة‪،‬‬ ‫كانت لديهم أربعة جمموعات كبرية مؤلفة من السبكية‪ ،‬واهلسين‪ ،‬والقبائل‬ ‫والعشائر اليت يقودها اآلغا جوبان(اإليزيديني احملموديني)‪ ،‬وكذلك من‬ ‫مؤلفة من الزقوريني‪ .‬ومن الصعب معرفة القبائل الساكنة قدميا من تلك‬ ‫اليت سكنت املنطقة حديثاً‪ .‬وباختصار نستطيع القول‪ :‬إن قبائل هسين‬ ‫وسيبكي كانت موجودة منذ فرتة طويلة هناك‪ ،‬لكن ال يُعرف متى ومن‬ ‫أين جاءت‪ ،‬وما هي أصوهلم القدمية‪ .‬لكن املؤكد لدينا أنها كانت هنا‬ ‫منذ أكثر من قرنني‪ ،‬ويف املصادر الرتكية والكوردية واألرمنية والفارسية‬ ‫معلومات عن هذه القبائل والعشائر‪ ،‬وعلينا القول بأن القبائل اليت اضطرت‬ ‫للهجرة من مناطقها يف اجلنوب وصلت واندجمت مع القبائل والعشائر‬ ‫اليت كانت تسكن هذه املنطقة قدميا‪ .‬ومن املفيد القول بأن القبائل والعشائر‬ ‫املهاجرة اىل هذه املنطقة هي من مناطق ديار بكر وسريت‪ .‬واملنطقة اليت‬ ‫بقي فيها اإليزيديون معاً‪ ،‬هي سهل البشريية ومناطق من ديار بكر‪ ،‬ويذكر‬ ‫الساكنون يف هذه املنطقة بعض الشخصيات املشهورين لديهم‪ ،‬أمثال‪:‬‬ ‫حسن اهلويري‪ ،‬إسكان زورو‪ ،‬درويش عبدي وآخرين‪ .‬ويذكر الكثريون من‬ ‫هؤالء أن أجدادهم هم هؤالء املشهورون‪ ،‬ويؤكد ذلك اإليزيديون القاطنون يف‬ ‫تلك املناطق‪ .‬ومن املعروف بأن قسما من عشرية خالتان بقيت يف مناطقها‬ ‫حتت قيادة أسرة إسكان زورو‪ ،‬لكن قسما منهم جّاته اىل املناطق الشمالية‬ ‫لبحرية وان‪ .‬وقد عرفنا من آبائنا بأن البكوات الكورد ـ اسم أحدهم عفدال‬ ‫خان واآلخر امسه حممود خان ـ اشتبكوا مع عشرية خاليت يف احدى‬ ‫احلروب‪ ،‬وكنت نتيجتها انهزام هذه العشرية‪ ،‬وهو ما كان سبباً يف أن‬ ‫اإليزيديني مل يستطيعوا بعدها التماسك والبقاء معا‪ ،‬فاجته قسم منهم‬ ‫حنوالشمال‪ ،‬والقسم اآلخر توجه اىل سوريا‪.‬‬ ‫من املواعظ املقدسة للديانة اإليزيدية يتضح لنا أن منطقة جبل هكاري‬ ‫كانت باألصل نقطة انطالقة هجرة اإليزيديني‪ ،‬وأن قسماَ من هؤالء أيضا‬ ‫هاجروا اىل املناطق الشمالية‪ ،‬وعلى األخص اىل والية وان‪ ،‬لكن بعدها‬ ‫توجهوا اىل بايزيد وقارس‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يف الشرفنامة ـ بصدد القبائل والعشائر اإليزيدية وبالدهم ـ ذكر أن مناطق‬ ‫خوشاب وهكاري‪ ،‬اليت كان يسكنها عشائر من(الدوملية‪ ،‬مامرشي‪،‬‬ ‫حممودي)‪ ،‬واليت تفرقت فيما بعد‪ ،‬ومل تستطع أن حتافظ على متاسكها‪،‬‬ ‫ومجاعات عديدة وأصغر ومستقلة عن‬ ‫وانقسمت فيما بينها؛ لتشكل عشائر‬ ‫ٍ‬

‫املصدر‪ ،‬ومع مرور الزمن ابتعدت عن أصوهلا من العشائر اليت تنتمي هلا‪.‬‬ ‫ويف القرن الثامن والتاسع عشر ظهرت اىل الوسط أمساء العشائر والقبائل‪،‬‬ ‫تلك األمساء اليت ال توجد يف املصادر القدمية‪ ،‬هكذا يذكر املال حممود‬ ‫البايزيدي‪ ،‬أمساء وعناوين كاملة للقبائل والعشائر اإليزيدية‪ ،‬واليت‬ ‫تشكلت غالبيتها من بعد التمزق الذي أصاب وحدتهم العشائرية‪ .‬ويف‬ ‫عهد شرفخان البدليسي وإمارة بدليس‪ ،‬اختفت تلك الوحدات السياسية‬ ‫بني القبائل والعشائر ومتزقت وصارت عشائر أصغر وأضعف من ذي قبل‬ ‫وبعضها أسلمت(دخلت يف اإلسالم) واألغلبية بقيت متمسكة بدينها‪.‬‬ ‫ومن بني ما كتبه م‪ .‬البايزيدي‪(:‬الطائفة اإليزيدية كبرية جدا‪ ،‬والذين‬ ‫يعيشون على تراب بايزيد‪ ،‬هم عشائر‪ :‬اهلسنية‪ ،‬املاسكية‪ ،‬اجلوخرشية‪،‬‬ ‫َكلَسوري‪َ ،‬كلَرَشي‪ ،‬خوفايدي‪ ،‬خمايلي‪ ،‬كلريي رموشي‪ ،‬قازاني‬ ‫والداسنية‪ .‬و يسكن يف مناطق وان واحملمودية عشائر‪ :‬الربايف‪ ،‬رشي‬ ‫مندكي‪ ،‬باشامي‪ ،‬مندسوري‪ ،‬كورتكي‪ ،‬دركزني‪ ،‬بوتكي وهوري‪ .‬ويف‬ ‫موش وبدليس‪ ،‬يقطن إيزيدية جكوي‪ ،‬أفوكي‪ ،‬أقوسيين وبلي) فاسيليفا‪،‬‬ ‫‪.93 :2001‬‬ ‫وبعض من هذه العشائر‪ ،‬مثل‪َ :‬كلَسوري‪ ،‬خوفايدي وداركزني مازالت‬ ‫باقية‪ ،‬وكما يتضح لنا‪ ،‬قد دخلوا يف وحدات أخرى‪ ،‬أو انصهروا متاما‪.‬‬ ‫ويف إحدى خواطر املال حممود البايزيدي يف بداية اخلمسينيات من القرن‬ ‫التاسع عشر حتت عنوان‪(:‬عشائر وقبائل الكورد اإليزيديني) يذكر عدد‬ ‫خالياهم‪ .‬وإلعطاء صورة أوضح عن مناطق القبائل والعشائر الكوردية يف‬ ‫سرحد(املناطق الكوردية اجملاورة حلدود االمرباطورية الروسية) اليت فيها‬ ‫عناوين القبائل والعشائر الكوردية غري الكاملة‪ ،‬اليت أعدها املؤرخ الكوردي‬ ‫املال حممود البايزيدي يف قائمة أمساها‪.‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪10‬‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫دراسة خمتصرة لفهم العالقات الرتكية اإلسرائيلية‬ ‫كاردوخ مشكي‬

‫إن االمخني و(الفرس) شعوب صحراوية‬ ‫هجينة حاهلم حال العثمانيني و املستعربني‬ ‫‪ ...‬ف كورش االمخيين(الفارسي) هو‬ ‫مغتصب العرش امليدي مبساعدة(اليهود)‬ ‫املسبيني يف بابل‪ ..‬وساعدوه ايضاً يف أحتالل‬ ‫بابل‪ ..‬ثم حررهم كورش من السيب واعادهم‬ ‫اىل اورشلليم وقام بإعادة بناء اهليكل ‪..‬‬ ‫وهلذا السبب جعلوا من املقبور الغدار‬ ‫كورش شخصية مقدسة حتى هذه اللحظة‬ ‫عند اليهود يف إسرائيل و وضعوا صوره على‬ ‫الطوابع وقاموا بتسمية احياء و اماكن بامسه‬ ‫كذلك األمر مع العثمانيني اهلجينني من عدة‬ ‫قوميات‪ ..‬فإن اليهود الذين هربوا من بلدانهم‬ ‫بسبب احلرب عندما فتح أورخان باشا ـ ابن‬ ‫عثمان ارطوغرول باشا مؤسس الدولة العثمانية‬ ‫ـ بورصه‪ ،‬عادوا إليها مرة أخرى بعد انتهاء‬ ‫احلرب‪ .‬وعندما أظهر أورخان باشا وأخوه‬ ‫خاصا جتاه اليهود الذين‬ ‫عالء الدين اهتما ًما ً‬ ‫آمنوا بنجاحهم يف الصناعة والتجارة واملالية‪،‬‬ ‫هاجر العديد من اليهود من بيزنطة والشام إىل‬ ‫هذه األراضي العثمانية‪.‬‬

‫ُولدت الصحافة اليهودية يف عصر السلطان‬ ‫عبد اجمليد‪ .‬كانت صحيفة«الدينو» األوىل‬ ‫ذات هدف جيد‪ ،‬وبدأ«رفائيل أوزيل‬ ‫بينسرلي» نشرها يف إزمري عام ‪ .1843‬أما‬ ‫اجلريدة اليهودية االسطنبولية األولي فكانت‬ ‫بسبب استقبال احملتجني الذين انتظروا خرب‬ ‫عمن ذهب إىل اجلبهة يف حرب القرم عام‬ ‫‪ ،1853‬ونشرت باسم «ضوء أبناء إسرائيل‬ ‫بلغة جريدة«الدينو» وطباعة«ليون هايم» و‬ ‫«قاسرتو» عام ‪ .1853‬إن اجلريدة اليومية‬ ‫األوىل هي جريدة«اجلورنال اإلسرائيلي»‬ ‫اليت أسسها«بهزكيل جاباي» عام ‪.1860‬‬ ‫أما السلطان عبد اجمليد الذي منع استمرار‬ ‫املدارس بسبب عدم وجود طعام«الكوشر»‬ ‫إال أنه أمر بفتح املطبخ القاشري يف مدرسة‬ ‫الكلية العسكرية‪ ،‬وأمر كذلك بعدم حضور‬ ‫طالب اليهود يوم السبت وذلك عام ‪،1847‬‬ ‫وبعد ذلك أذن السلطان عبد اجمليد حبماية‬ ‫مستشفى اليهود بالفرمان الذي أصدره يف ‪12‬‬ ‫مارس عام ‪ 1857‬وكان قد أصدر فرمانًا يف‬ ‫‪ 28‬أكتوبر ‪ 1840‬بسبب حوادث سفك الدماء‬ ‫اجلثيمة اليت حدثت يف الشام و رودوس عام‬ ‫‪ 1840‬وأمر مبنع اليهود من الراحة‪.‬‬

‫قائمة النواب اليهود الذين شغلوا منصب يف‬ ‫الربملان العثماني‪.‬‬ ‫أفرام أجيمان(من مديري بنك قاموندو‬ ‫باسطنبول)‪.‬‬ ‫مناهم صالح دانيال(من بغداد)‪.‬‬ ‫يافردي إسرائيلي(من بوسنة)‪.‬‬ ‫دافجون أفندي اليف(رئيس حمكمة جتارة‬ ‫يانيا من يانيا)‪.‬‬ ‫كمال صاموئيل(من اسطنبول الذي حل حمل‬ ‫أفرام أجيمان بعد تنحيه عن منصبه يف العام‬ ‫الثاني)‪.‬‬ ‫أفرام(من سالونيك)‪.‬‬ ‫ونتصادف باسم د‪ .‬جاك داكاسرتو(الذي كان‬ ‫عضو جلنة جملس الشيوخ)‪.‬‬ ‫بعض معابد اليهود اليت أنشئت يف النصف‬ ‫الثاني من القرن التاسع عشر‪:‬‬ ‫معبد«ياني كوي» الذي أنشأته عائلة قاموندو‪.‬‬ ‫معبد«يوكسك قالديريم» الذي أنشئ من‬ ‫أجل«األشكنازيني» األسرتاليني يف ‪.1900‬‬ ‫املعبد اإليطالي الذي أنشئ يف ‪.1895‬‬ ‫معبد«همدت إسرائيل» الذي أنشئ يف ‪.1899‬‬ ‫وبناءا على أن مقابر«هاص كوي» اليهودية‬ ‫أصبحت ال تكفي‪ ،‬فقد مت إضافة مائيت مقربة‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫مقالة‬

‫‪11‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫وعندما أظهر أورخان باشا وأخوه عالء‬ ‫الدين اهتما ًما خا ًصا جتاه اليهود الذين آمنوا‬ ‫بنجاحهم يف الصناعة والتجارة واملالية‪ ،‬هاجر‬ ‫العديد من اليهود من بيزنطة والشام إىل هذه‬ ‫األراضي العثمانية‬ ‫بالفرمان املؤرخ يف ‪ 24‬مارس‪.‬‬ ‫إن حظ اليهود يف األقطار اإلسالمية كان خرياً من حظهم يف األقطار‬ ‫املسيحية‪ .‬وقد وصفت الليدي ماري ورتلي مونتاكيو‪ ،‬حاهلم يف تركيا‬ ‫عام ‪ 1717‬فقالت‪:‬إن اليهود ‪ ...‬يتمتعون بسلطان ال يصدق يف هذا‬ ‫البلد‪ .‬فلهم امتيازات كثرية يفوقون فيها مجيع األهالي األتراك‬ ‫أنفسهم ‪ ...‬ألنهم حياكمون طبقاً لقوانينهم‪ .‬وقد استقطبوا كل جتارة‬ ‫اإلمرباطورية يف أيديهم‪ ،‬وذلك بفضل ما يربطهم من وحدة وثيقة من‬ ‫جهة ومن جهة أخرى لبالده الرتك وافتقارهم إىل اجلد واالجتهاد‪.‬‬ ‫ولكل باشا مساعده اليهودي الذي يدير أعماله‪ ...‬وهم األطباء‪،‬‬ ‫والوكالء‪ ،‬واملرتمجون‪ ،‬ألكابر القوم أمجعني ‪ ...‬وكثري منهم ذوو ثراء‬ ‫عريض‪.‬‬ ‫كان جوزيف هامون الطبيب اخلاص للسطان بايزيد الثانى ومن بعده‬ ‫السلطان سليم األول وكان يتواجد جبانب هؤالء السالطني يف كل‬ ‫معاركهم ويف عهد السلطان بايزيد الثانى(‪1481‬م ـ ‪.)1512‬‬

‫أصدر مرسوم احلمراء وارسل سفينة حربية بقيادة كمال ريس إلحضار‬ ‫يهود إسبانيا من إسبانيا إىل األراضى العثمانية‪.‬‬ ‫قد حاول الدون ابراهام سينور أمني خزينة القصر والدون ايساك‬ ‫ابرافانيل والذان يعدان من يهود أسبانيا(يهود سفارديم) األغنياء‬ ‫احلول دون طردهما من أسبانيا مقابل ثالثني ألف دوق من الذهب‬ ‫ولكنهما مل يستطيعا منع ذلك‪ .‬وفى هذه الفرتة أصدر السلطان العثمانى‬ ‫بايزيد الثاني الذي فتح ذراعيه لليهود املهاجرين أمراً ألمراء الواليات‬ ‫قائالً‪...(:‬ال تعيدوا يهود أسبانيا واستقبلوهم برتحاب كبري ومن يفعل‬ ‫عكس ذلك ويعامل هؤالء املهاجرين معاملة سيئ ًة او يتسبب هلم بأى‬ ‫ضرر سيكون عقابه املوت‪.)...‬‬ ‫جاء هؤالء املهاجرون بواسطة السفن احلربية العثمانية بقيادة كمال‬ ‫ريس عم بريى ريس واستقروا أو مت تسكينهم أوالً يف إسطنبول وأدرنه‬ ‫وسيالنيك ثم يف إزمري ومانيصا وبورصه واماصيا وباتروس وكورفو‬ ‫والري ّسا ومانسرت‪ .‬وكان العثمانيون قد دخلوا حقبة النهوض واالزدهار‬ ‫وكانت متطلباتهم من العمالة املؤهلة متوفرة عند هؤالء اليهود‪ ،‬وفيما‬ ‫يتعلق بهذا الشأن نذكر أحد أقوال السلطان بايزيد الثانى الشهرية‪:‬‬ ‫«كيف ميكنكم أن تقولوا على هذا امللك «فرناندو الذكى العاقل»!!!‬ ‫فبينما يفقر بالده يثرى دولتى»‪.‬‬

‫وعندما ازداد تعداد اليهود يف إسطنبول ذات األربع وأربعني كنيس‬ ‫عن ثالثني ألف نسمة أصبحت هذه املدينة مركزاً ليهود أوروبا‪ ،‬أمر‬ ‫قابصالي رئيس احلاخامات يف ذلك الوقت اليهود األغنياء مبساعدة‬ ‫املهاجرين عن طريق دفعهم مقداراً من املال ـ يسمى يف اليهودية‬ ‫بيديون شافويم‪ .‬ولقد مت توظيف من كانوا يشغلون مناصب حكومية يف‬ ‫أسبانيا من اليهود يف العالقات اخلارجية واملالية والعديد من املناصب‬ ‫يف القصر‪ .‬وقد ظهر تأثري هؤالء اخلرباء يف اإلمرباطورية العثمانية اليت‬ ‫عاشت أزهى عصورها يف القرن السادس عشر ووصلت ألبعد احلدود‪.‬‬ ‫فباإلضافة إىل أن اليهود أدخلوا أول ماكينة طباعة لألراضى العثمانية‬ ‫عام ‪1493‬م‪ ،‬زودوا اجليش العثمانى أيضا باالسلحة وذلك ألنهم‬ ‫كانوا متخصصني يف جمال صناعة البارود واملدافع‪ .‬ويتميَّز يهود الدولة‬ ‫العثمانية بانتمائهم هلا‪ .‬وأثناء الفتح العثماني آلسيا الصغرى وبعض‬ ‫أحناء أوربا تعاون يهود بورصة(‪ )1354‬وأدرنة والقسطنطينية(‪)1433‬‬ ‫وبودا(‪ )1526‬ورودسي وأذربيجان وبلجراد(‪ )1543‬مع القوات‬ ‫العثمانية الفاحتة‪ .‬رحبت الدولة العثمانية باملهاجرين من أعضاء‬ ‫اجلماعات اليهودية فهاجرت أعداد كبرية منهم وأصبحوا عثمانيني‬ ‫مبحض إرادتهم‪ ،‬أي أنهم هاجروا إليها واستوطنوا فيها وجعلوها‬ ‫وطنهم الوحيد‪ .‬حيث كان العثمانيني يشعرون بالقرب من اليهود‬ ‫عن املسيحيني‪ ،‬والسبب يف الذلك التشهابه بني الديانتني(اإلسالمية‬ ‫واليهودية) واحلروب اليت كانت ختوضها أوروبا املسيحية ضد‬ ‫العثمانيني‪.‬وبعد فرتة أعفى السلطان حممد الثانى اليهود من جمموعة‬ ‫من الضرائب‪.‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪12‬‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫هل العراق دولة دينية ام مدنية؟‬ ‫عالية بايزيد اسامعيل‬

‫اثارت مسالة تعديل بعض مواد قانون احملكمة‬ ‫االحتادية العليا رقم ‪ ٣٠‬لسنة ‪ ،٢٠٠٥‬الكثري‬ ‫من اجلدل حول الدولة املدنية ودور الدين او‬ ‫مايعرف بفصل السياسة عن الدين‪.‬‬ ‫واهمية هذا اخلالف يأتي من اهمية هذه‬ ‫احملكمة يف كونها اعلى هيئة قضائية‬ ‫يف العراق‪ ،‬ختتص بالفصل يف النزاعات‬ ‫الدستورية بني السلطات الثالث والفصل يف‬ ‫دستورية القوانني من عدمها‪ .‬وان قراراتها‬ ‫نهائية غري قابلة للنقض‪ .‬وهي هيئة قضائية‬ ‫مستقلة متاما عن السلطات التشريعية‬ ‫والتنفذية والقضائية‪.‬‬ ‫سبب اخلالف يعود اىل رغبة بعض االحزاب‬ ‫االسالمية يف الربملان العراقي اىل اعادة احلياة‬ ‫اىل املادة ‪ ٩٢‬من الدستور وذلك بتمرير‬ ‫مادة توجب اشراك فقهاء الشريعة يف هيئة‬ ‫احملكمة االحتادية العليا اىل جانب القضاة‪.‬‬ ‫مما يعين ان يكون لرجال الشريعة احلق يف‬ ‫التصويت واملوافقة او الرفض الي قانون ال‬ ‫يتالئم وثوابت الشريعة االسالمية‪.‬‬ ‫وهذا يعين السري بالدولة حنو الدولة‬ ‫الدينية و التشدد ومصادرة احلقوق االساسية‬ ‫للمواطنني وخمالفة ملبادى الدميقراطية الواردة‬ ‫يف الفقرتني ثانيا وثالثا من املادة الثانية من‬ ‫الدستور العراقي لعام ‪.٢٠٠٥‬‬ ‫حنن لسنا بالضد مع ان يكون روح االسالم‬ ‫املصدر االول للتشريع الواردة يف الفقرة االوىل‬ ‫من املادة الثانية‪ ،‬طاملا ان غالبية الشعب‬ ‫العراقي ميثل اغلبية مسلمة‪.‬‬ ‫لكننا نتعامل مع دولة مؤسسات ودستور‬ ‫وقوانني وشعب متعدد االديان واالعراق‬ ‫واملذاهب‪ .‬والقول مبرجعية الدولة هي مرجعية‬ ‫دينية اسالمية فيه الكثري من االجحاف لبقية‬ ‫املواطنني غري املسلمني‪.‬‬ ‫ال بل ان الفقرة االوىل هذه تناقض متاما‬ ‫الفقرتني الثانية والثالثة يف املادة الثانية من‬

‫الدستور‪.‬فلكل منهما جماله اخلاص‪.‬‬ ‫الدوله جماهلا الدستور والقوانني ومؤسسات‬ ‫الدولة ومواطنني خيضعون لسيادة القانون‪،‬‬ ‫دولة حترتم فيه حرية العقائد واالديان‪ ،‬ال‬ ‫متيز بني الشعب بسبب الدين او املذهب وال‬ ‫متييز الغلبية مسلمة على اقلية غري مسلمة‪.‬‬ ‫فمرجعية الدولة هو الدستور والقانون فقط‪.‬‬ ‫التشريعات جيب ان تكون بعيدة عن‬ ‫املرجعيات الدينية الن التشريعات القانونية‬ ‫او الوضعية كما نعرف تتبدل وتتغري وتعدل‬ ‫طبقا للمصاحل العامة ولقانون تطور احلياة‬ ‫اليومية‪ .‬يف حني االحكام الدينية ثابتة ال‬ ‫تقبل التغيري وال التعديل وال التطور‪ .‬هلذا‬ ‫هناك تناقض كبري وتعارض بني املرجعية‬ ‫الدستورية واملرجعية الدينية‪.‬‬ ‫اغلب الدساتري العربية تعترب االسالم مصدرا‬ ‫للتشريع تستمد من روح االسالم احكامها‪،‬‬ ‫لكنها ليست دوال دينية‪ .‬وراي الدين فيها ال‬ ‫يتعدى ان يكون رايا استشاريا‪.‬‬ ‫والدين مفصوال عن السياسة واحلكم‪ ،‬خصوصا‬ ‫بعد ان اثبت االسالم السياسي فشله يف احلكم‬ ‫ومنوذج مصر وحكم االخوان املسلمني التزال‬ ‫عالقة يف االذهان واليت فشلت فشال ذريعا‪.‬‬ ‫ويف العراق اليكفي ان الدين دخل كل مفاصل‬ ‫الدولة والسياسة واالن يريدون اقحامه يف‬ ‫الدستور والقوانني‪.‬‬

‫فيكفي ماعاناه املواطنون من االقليات الدينية‬ ‫غري املسلمة يف العراق من سطوة الفكر السياسي‬ ‫املتشدد لالسالم جتاه غري املسلمني من فكر‬ ‫وتنظيم داعش والقاعدة امللعونني‪.‬‬ ‫ان فرض الشريعة على القوانني فيه خطر‬ ‫كبري على الدميقراطية واحلريات االساسية‬ ‫للمواطنني‪.‬‬ ‫الن الشريعة جماهلا العقائد وبيوت العبادة‬ ‫وميكن ان يكون للفقهاء رايا استشاريا‬ ‫لكن ليس يف احملاكم املدنية اليت يفرتص‬ ‫ان خترج عن احليز الديين‪ .‬الن الدستور‬ ‫والقوانني الحتتاج اىل فقهاء شرعيني بل اىل‬ ‫قضاة وفقهاء قانون ميثلون اطياف الشعب‪.‬‬ ‫واحملكمة االحتادية واليت هي اعلى سلطة‬ ‫قضائية يف البلد مهمتها النظر يف القوانني هل‬ ‫هي دستورية ام ال‪ ،‬ال النظر يف القوانني ان‬ ‫كانت شرعية ام ال‪.‬‬ ‫فالبد من اعادة النظر يف املادة ‪ ٩٢‬من الدستور‬ ‫اليت اجيزت اختيار فقهاء الشريعة اعضاءا‬ ‫يف احملكمة االحتادية العليا وجعل دورهم‬ ‫كدور اخلرباء القانونيني رايا استشاريا فقط‬ ‫وتفعيل املادة الثالثة من الدستور اليت تنص‬ ‫على ان العراق بلد متعدد القوميات واالديان‬ ‫واملذاهب‪ .‬مبا يضمن بناء دولة مدنية حيكمها‬ ‫الدستور وفق مبادىء الدميقراطية واحلريات‬ ‫االساسية‪.‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫مقالة‬

‫‪13‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫رأس السنة االيزيدية مناسبة عريقة‬

‫االعياد االيزيدية والطبيعة‬

‫امني عبدو‬

‫االعياد االيزيدية والطبيعة‪:‬‬ ‫ان االعياد االيزيدية وما جيري فيها من طقوس و ممارسات ومراسيم‬ ‫هي منسجمة ومرتابطة بشكل كبري مع دورة الطبيعة وحركة فصول‬ ‫السنة من االعتدال الربيعي‪ ،‬واالنقالب الصيفي‪ ،‬وما يرافقها من‬ ‫االعتدال اخلريفي واالنقالب الشتوي‪ ،‬ومنسجمة مع حبة القمح(دورة‬ ‫احلياة اليت تعلمها اإلنسان أول األمر)‪ ،‬ومع مفهوم احلياة واملوت‬ ‫مبعناها الكوني‪ .‬وترتبط هذه األعياد بالشمس والقمر والتغريات‬ ‫املناخية وتأثرياتها على العملية الزراعية‪.‬‬ ‫يوم األربعاء وشهر نيسان يف املعتقد االيزيدي‪:‬‬ ‫متثل قدسية االربعاء يف العلم االيزيدي حلظة اخللق األوىل يف الكينونة‬ ‫والوجود‪ ،‬وهو يوم مقدس لدى االيزيديني تتوقف فيه مجيع األعمال‪،‬‬ ‫وهو يوم للراحة والتأمل والعبادة‪ .‬وشهر نيسان يف األيزيدية هو رمز‬ ‫استمرار احلياة والتجدد‪ .‬ومن اشهر الربيع اجلميلة حيث األرض‬ ‫مكسوة بالنباتات والورود امللونة بأنواعها املختلفة‪ .‬ومبا أن هذا‬ ‫الشهر مقدس وألن نيسان عروس األشهر عند االيزيديني فال تضاهيها‬ ‫عروس‪ ،‬ال يتزوجون فيه وال حيرثون أرضاً‪ .‬اما خبصوص مغزى عدم‬ ‫الزواج يف هذا الشهر‪ ،‬رمبا عدت املمارسات اجلنسية فيه امتداداً‬ ‫للقوة االخصابية النائمة اليت بدأت تستعيد نشاطاتها و دفعاتها لتعود‬ ‫لسريتها األوىل‪.‬والزواج املقدس هو تأمني خلصب املراعي واملاشية‪،‬‬ ‫مثالً يف اسرتاليا يعتقدون حلد االن أن إله الشمس املذكر يهبط من‬ ‫عليائه مرة كل سنة ليحتضن إهلة األرض املؤنثة‪.‬‬ ‫إذن احتضان إله الشمس مع إهلة األرض جتعل من األخرية حبلى‬ ‫مبئات األصناف من احلشائش واألعشاب ومثار األرض لتخرجها‬ ‫خريات للبشر‪ ،‬وهذا هو سر حتريم حراثة األرض‪ ،‬وحتريم الزواج‬ ‫عند األيزيديني يف شهر نيسان إذ يقرتن بزواج املالئكة(اآلهلة)‪ ،‬ويف‬ ‫هذا الصدد يقول األستاذ فواز فرحان‪“:‬يف نيسان هناك حتوالت كونية‬ ‫كبرية يف الفرتة الواقعة بني أول نيسان الشرقي اىل نهايته يكون هناك‬ ‫تزاوج بني املالئكة يف حاالت روحية عليا وااليزيديون القدماء ح ّرموا‬ ‫الزواج على البشر يف نيسان كي ال يشبّهون أنفسهم باملالئكة وحاالت‬ ‫الزواج الروحية اليت حتصل يف األعلى»‪.‬‬ ‫كما أن االيزيديني جيرون يف هذا الشهر مهرجانات الربيع(طوافات‬ ‫ـ مجا)حول معابد القرى واملدن‪ ،‬تبدأ يف اليوم الثاني بعد عيد رأس‬ ‫السنة مباشرةً وتستمر إىل بداية شهر حزيران‪.‬اما يف سنجار‪ ،‬تقام هذه‬ ‫الطوافات يف فصل اخلريف‪.‬‬

‫رأس السنة األيزيدية‪:‬‬ ‫ومن املعروف أن ألسنة احلقيقة يف األيزيدية كانت والتزال تبدأ يف‬ ‫األول من نيسان الشرقي واليت تكتمل بدايتها مع االعتدال الربيعي‬ ‫ويسمى االيزيديون هذا اليوم والذي يصادف يف أول أربعاء من التقويم‬ ‫الشرقي االيزيدي‪ ،‬يتأخر عن التقويم الغربي بثالثة عشر يوماّ‪ ،‬بعيد‬ ‫رأس السنة األيزيدية أو سري سالي باللغة األيزيدية‪ ،‬وهلذا التوقيت‬ ‫بالذات أهمية كبرية عند االيزيديني ليس ألنه يوم عيد بل ألنه‬ ‫يصادف بداية دورة جديدة من الدورات الشمسية على نطاق واسع‬ ‫وكذلك بداية ظهور تأثري اخلصوبة على كوكب األرض‪ ،‬ويتعلق‬ ‫بأبعاد واسعة من التأثريات الفلكية على جممل منظومتنا الشمسية وما‬ ‫حتتويه من كائنات وخملوقات‪.‬ومتثل رأس السنة يوم اخللق املقدس‬ ‫لكل ما هو حي الكينونة والوجود على االطالق وليس يف عاملنا املادي‬ ‫األرضي وحده‪.‬‬ ‫العيد … طقوس و مراسيم‪:‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪14‬‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫جتري التهيئة للعيد بكل معانيها املعروفة‪ ،‬من قيام العوائل بشراء‬ ‫املالبس ومجع البيض او شرائه مع صبغ البيوت وترتيبها وقبل‬ ‫العيد بيوم‪ ،‬يقوم الشباب والشابات جبوالت حول قراهم وبني التلول‬ ‫القريبة من القرية جلمع ازهار النيسان‪ ،‬كما تقوم النساء بعمل اخلبز‬ ‫اخلاص باالعياد االيزيدي يسمونه(سةوك) وتوزيعه على اجلريان‬ ‫ترمحاً على أرواح املوتى ويقمن بزيارة القبور ومعهن اخلبز(سةوك)‬ ‫والبيض وأطعمة أخرى لتوزيعها فيما بينهن وعلى الناس الفقراء إشارة‬ ‫إىل تبادل الزاد واحملبة وألجل أرواح املوتى‪ .‬ويوزع يف هذه األيام اللنب‬ ‫أيضاً‪ .‬اما الرجال فيقومون بنحر القرابني حسب اإلمكانيات املادية‬ ‫‪.‬كما تقوم العوائل بسلق البيض والذي يرمز إىل ختثر وجتميد األرض‬ ‫بواسطة مخريتها“اللش” وتلوينه بألوان الربيع الزاهية والذي يرمز‬ ‫إىل زينة االرض ومجاهلا والطبيعة امللونة يف فصل الربيع‪.‬‬ ‫ويف معبد اللش تقام مراسيم السما(طقس ديين) ومع إنشاد الرتاتيل‬ ‫الدينية يتم إيقاد القناديل أو الفتائل و وضعها على األحجار املوجودة‬ ‫يف باحة املعبد اخلارجية يف سوق املعرفة من قبل احلاضرين وعددها‬ ‫‪ 365‬فتيلة بعدد أيام السنة‪ .‬إذ يتحول كلي اللش إىل شعلة من النور‬ ‫ألستقبال العام اجلديد معلناً والدة الربيع وجتدد احلياة ونفح احلركة‬ ‫يف السهوب اليت غرقت يف نوم طويل حتت غطاء كثيف من الثلوج‬ ‫واألعاصري والربد القارس‪.‬‬ ‫ومع صباح العيد الباكر ومع بزوغ خيوط الشمس‪ ،‬يقومون بوضع‬ ‫الندى املتجمع على احلشائش على وجوههم علهم يعيدون شبابهم‬ ‫‪ ،‬ويستقبلون العيد بوضع قشور البيض امللون وأزهار النيسان ونبات‬ ‫كارى(الالعية) بواسطة الطني على أبواب البيوت داللة على احتفال‬ ‫أهل الدار بهذا العيد واستقبال الزائرين والبشارة بقدوم اخلري والتجدد‬

‫وابتهاجاً بالربيع والسنة اجلديدة‪.‬بعدها يتعايد األهالي واألصدقاء‬ ‫واألطفال يف البيوت واملعابد‪ ،‬ويكثر اللعب بالبيض يف الشوارع‬ ‫والبيوت بني األطفال والشباب والشابات واملسنني‪ ،‬وكسر البيض‬ ‫يرمز إىل حتطيم وانفجار الدرة يف بدء اخلليقة‪ .‬ويقوم الفالحون يف هذا‬ ‫العيد بزيارة احلقول واملزارع ونشر قشور البيض امللون بني البساتني‬ ‫لغرض زيادة اخلري والربكة يف اإلنتاج الزراعي‪.‬كما يكرم رعاة األبقار‬ ‫واالغنام يف هذا العيد‪.‬‬ ‫وقد انتقل هذه املناسبة االيزيدية‪ ،‬أي رأس السنة‪ ،‬إىل أقوام أخرى‬ ‫ومنهم السومريني وكانوا حيتفلون به بإسم(زاكموك) أي الوالدة أو‬ ‫التجدد‪ .‬والبابليني الذين احتفلوا بهذا العيد واختاروا له تسمية‬ ‫(اكيتو)وتعين احلياة‪.‬‬ ‫املصادر املستفادة‪:‬‬ ‫‪1‬ـ فواز فرحان‪ ،‬االيزيدية صدى احلضارة‪ ،‬ط‪.1‬دار الكتاب االول‬ ‫للطباعة والنشر‪ ،‬كوترسلوه‪ ،‬املانيا االحتادية‪.2019 ،‬ج‪.8‬‬ ‫‪2‬ـ فواز فرحان‪ ،‬االيزيدية حقول املعرفة املقدسة‪ ،‬ط‪.1‬دار الكتاب‬ ‫األول للطباعة والنشر‪ ،‬كوترسلوه‪ ،‬املانيا االحتادية‪2016 ،‬ج‪.5‬‬ ‫‪3‬ـ امني فرحان جيجو‪ ،‬القومية األيزيدية جذورها مقوماتها معاناتها‪،‬‬ ‫دار الكتب والوثائق‪ ،‬بغداد‪.2010 ،‬‬ ‫‪4‬ـ عزالدين سليم باقسري ‪ ،‬مةركةه ‪ ،‬ط‪ .1‬دهوك‪.2003 ،‬‬ ‫‪5‬ـ خليل جندي‪ ،‬الدين االيزيدي‪ ،‬دار الرافدين‪ ،‬بغداد‪.‬‬ ‫‪6‬ـ جورج حبيب‪ ،‬االيزيدية بقايا دين قديم‪ ،‬ط‪.1‬مطبعة املعارف‪،‬‬ ‫بغداد‪٠1978.‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫صحة‬

‫‪15‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫بالصحة تستكمل اللذة‬

‫االسرتوجني‪ .‬حيتوي املوز على نسبة عالية‬ ‫من البوتاسيوم ومنخفض يف الصوديوم‪ .‬ميكن‬ ‫أن يساعد املوز على خفض ضغط الدم واحلماية‬ ‫من النوبات القلبية والسكتات الدماغية‪.‬‬

‫تعترب الطماطم من أكثر األطعمة املفيدة لصحة‬ ‫آ‪ :‬شريين مجال‬ ‫املرأة‪ .‬حتتوي الطماطم على مضادات األكسدة‬ ‫جوز وموز وثوم ‪ ...‬أطعمة مهمة لصحة اليت تسمى الليكوبني‪ ،‬واليت حتمي احلمض‬ ‫النووي يف جسم اإلنسان من التلف‪ ،‬والذي‬ ‫املرأة‬ ‫ميكن بدوره أن يوفر محاية من اإلصابة‬ ‫حتتاج النساء إىل الرتكيز على عناصر غذائية بسرطانات الثدي وبطانة الرحم والرئة ‪4‬ـ السبانخ‬ ‫يساعد تناول السبانخ الغين بالبكترييا املفيدة‬ ‫معينة ملكافحة أكثر املشكالت الصحية واملعدة‪.‬‬ ‫على منع حدوث نوبات مثل احلساسية‬ ‫انتشا ًرا خالل مراحل الشيخوخة املختلفة‪.‬‬ ‫وسكري احلمل وااللتهابات املهبلية‬ ‫توجد قائمة تشتمل على األطعمة املفيدة على ‪2‬ـ اجلوز‬ ‫وجه التحديد لصحة النساء‪ ،‬واليت تكفل حيتوي اجلوز على مضادات األكسدة وزيادة الوزن‪ .‬حتتوي السبانخ على مادة‬ ‫هلن احلماية والقدرة على مقاومة أمراض وأمحاض أوميغا‪ 3-‬الدهنية‪ ،‬وكشف بعض السلفوكينوفوز‪ ،‬وهي مصدر غذائي مينع منو‬ ‫مثل مرض السكري وسرطان الثدي وأمراض الدراسات أن تناول أوقية واحدة فقط من البكترييا الضارة يف اجلسم‪.‬‬ ‫القلب‪ ،‬إىل جانب تقوية العظام وتعزيز جهاز اجلوز يوميًا سيساعد على حتسني تدفق‬ ‫الدم من وإىل القلب يف غضون ‪ 8‬أسابيع ‪5‬ـ الفلفل األمحر‬ ‫املناعة ومحاية البشرة‪.‬‬ ‫حبسب موقع»بولدسكاي»‪ ،Boldsky‬فقط‪ .‬ومتنح نفس الكمية من اجلوز القدرة يعترب واحد من أفضل مصادر فيتامني ‪.C‬‬ ‫املعين بالشؤون الصحية‪ ،‬تشري الدراسات على إبطاء تطور سرطان الثدي‪ ،‬فضلاً عن ويعد أحد العناصر الغذائية املفيدة لصحة‬ ‫العلمية إىل أن النساء حيتجن إىل الرتكيز على أن دراسات علمية أخرى أكدت كفاءة اجلوز البشرة وتعزيز جهاز املناعة‪ .‬ميكن أن يساعد‬ ‫بعض العناصر الغذائية للحفاظ على صحتهن يف الوقاية من أمراض القلب التاجية‪.‬‬ ‫تناول املزيد من الفلفل األمحر يف تقليل جتعد‬ ‫وجفاف اجللد‪ ،‬عالوة على احلماية من‬ ‫ومكافحة أكثر املشكالت الصحية انتشا ًرا‬ ‫خالل مراحل الشيخوخة املختلفة‪ ،‬وفقًا ملا ‪3‬ـ املوز‬ ‫اإلصابة بنزالت الربد أو اإلنفلونزا‪.‬‬ ‫وأشارت الدراسات إىل أن خطر إصابة‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫النساء بالسكتة الدماغية يزداد بعد انقطاع ‪6‬ـ الشمندر‬ ‫الطمث بسبب اخنفاض مستويات هرمون يعترب الشمندر أو البنجر‪ ،‬مصد ًرا فريدًا ألصباغ‬ ‫‪1‬ـ الطماطم‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪16‬‬

‫صحة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫البيتالني‪ ،‬واليت تعمل كمضادات أكسدة قوية‬ ‫ومضادات لاللتهابات باإلضافة إىل خصائص‬ ‫وقائية كيميائية أخرى‪ .‬حيتوي الشمندر‬ ‫على مادة البيتني اليت تساعد على مكافحة‬ ‫االلتهابات وتعزز عملية التمثيل الغذائي‪ .‬كما‬ ‫أنه يرفع مستويات السريوتونني ويساعد على‬ ‫حتسني احلالة املزاجية‪.‬‬ ‫‪7‬ـ القرفة‬ ‫للوقاية من احتمال اإلصابة من مرض الزهامير‪،‬‬ ‫جيب االهتمام بعناصر النظام الغذائي‪ ،‬والذي‬ ‫ميكن أن يشتمل على تناول القرفة‪ .‬حتتوي‬ ‫القرفة على الربوانثوسيانني وسينامالديهيد‬ ‫اليت تساعد على منع تكوين الربوتني املسبب‬ ‫ملرض الزهامير‪ .‬كما خيفف تناول القرفة من‬ ‫ارتفاع مستويات السكر يف الدم‪.‬‬

‫باأللياف محاية من خطر اإلصابة بسرطان‬ ‫الثدي‪ ،‬ألنه يقلل من مستويات هرمون‬ ‫‪8‬ـ العدس‬ ‫يعترب العدس إضافة صحية ووجبة غذائية مهمة االسرتوجني يف الدم‪ .‬ميكن أن توفر شرحية‬ ‫للنساء‪ .‬ميكن أن يساعد استهالك العدس مرة واحدة من اخلبز الكامل ما يصل إىل ‪6‬‬ ‫واحدة يف األسبوع يف موازنة مستويات السكر غرامات من األلياف‪.‬‬ ‫واملساعدة يف احلفاظ على الوزن واحلصول على‬ ‫قائمة متنوعة‬ ‫مركبات وقائية من السرطان‪.‬‬ ‫تشتمل قائمة األطعمة األخرى‪ ،‬اليت ميكن أن‬ ‫تكون مفيدة للمرأة‪ ،‬على ما يلي‪:‬‬ ‫‪9‬ـ اليقطني‬ ‫حُيسن تناول اليقطني أو قرع العسل صحة • البيض‬ ‫العني‪ .‬يف شكل بيتا كاروتني‪ ،‬ميكن أن يساعد • الزبادي‬ ‫فيتامني ‪ A‬املتوافر بنسب جدية يف اليقطني يف • البطاطا احللوة‬ ‫حتسني الرؤية وإبطاء مشاكل الرؤية املرتبطة • بذور الكتان‬ ‫• زيت الزيتون‬ ‫بالعمر‪.‬‬ ‫• الثوم‬ ‫• الشوكوالتة الداكنة‬ ‫‪10‬ـ مسك السلمون‬ ‫حيتوي السلمون على نسبة عالية من أوميغا‪ • 3-‬القهوة‬ ‫واألمحاض الدهنية املضادة لاللتهابات اليت •التوت‬ ‫ميكن أن تقلل من فرص وفاة الشخص من‬ ‫‪.....‬‬ ‫أمراض القلب بنسبة ‪ .%33‬كما أنه يساعد‬ ‫يف تقليل احتمالية اإلصابة بالتهاب املفاصل‪.‬‬ ‫فوائد عديدة ال حتصى للزجنبيل‪ ..‬لكن‬ ‫حذار منه يف هذه احلاالت!‬ ‫‪11‬ـ حلم بقري‬ ‫يتم إدراج اللحم البقري اخلالي من الدهون‬ ‫كأحد أفضل مصادر احلديد للنساء يف فرتة تشري بعض الدراسات إىل أن تناول الزجنبيل‬ ‫ما قبل انقطاع الطمث‪ .‬ميكن أن يساعد حلم بكميات سواء معتدلة أو كبرية ميكن أن يكون‬ ‫البقر حتسني مستويات احلديد يف اجلسم عند ضا ًرا لألشخاص الذين يعانون من ظروف‬ ‫صحية معينة‪.‬‬ ‫تناوله مرة واحدة كل أسبوع‪.‬‬ ‫الزجنبيل من بني التوابل أو األعشاب األكثر‬ ‫شهرة حول العامل‪ .‬حيتوي املركب النشط‬ ‫‪12‬ـ خبز احلبوب الكاملة‬ ‫ميكن أن يوفر تناول املزيد من األطعمة الغنية بيولوجيًا املسمى «جينجريول» على خصائص‬

‫عالجية ملحوظة وقائمة على األدلة العلمية‬ ‫ضد جمموعة من احلاالت الصحية مثل مرض‬ ‫السكري ونزالت الربد ومشاكل املعدة وارتفاع‬ ‫ضغط الدم والغثيان‪ ،‬وفقًا ملا نشره موقع‬ ‫«بولدسكاي» ‪ ،Boldsky‬املعين بالشؤون‬ ‫الصحية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الفوائد الصحية املتعددة‬ ‫للزجنبيل‪ ،‬تشري بعض الدراسات إىل أن تناول‬ ‫الزجنبيل بكميات سواء معتدلة أو كبرية ميكن‬ ‫أن يكون ضا ًرا لألشخاص الذين يعانون من‬ ‫ظروف صحية معينة‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫شاي الزجنبيل‬ ‫‪1‬ـ احلمل‬ ‫يعد الزجنبيل مفيدًا يف ختفيف الغثيان والقيء‬ ‫أثناء احلمل‪ .‬ولكن تناول كميات كبرية منه‬ ‫ميكن أن تكون ضارة للنساء احلوامل‪ .‬ينصح‬ ‫اخلرباء بتجنب تناول كميات كبرية من‬ ‫الزجنبيل ألن املنشطات الطبيعية ميكن أن‬ ‫تؤدي إىل تقلصات مبكرة‪ ،‬ورمبا تتسبب يف‬ ‫اإلجهاض أو الوالدة املبكرة للطفل‪.‬‬ ‫‪2‬ـ النحافة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حيتل الزجنبيل مركزا متميزا بني األعشاب‬ ‫اليت تستخدم لفقدان الوزن‪ ،‬ألنه يزيد من‬ ‫معدل األيض ويثبط الشهية‪ .‬يسهم الزجنبيل‬ ‫بفاعلية يف حرق السعرات احلرارية مبعدل‬ ‫أعلى بكثري مما يؤدي إىل تناول كميات أقل‬ ‫من الطعام‪ .‬وينصح اخلرباء بتجنب األشخاص‬ ‫الذين يرغبون يف زيادة أوزانهم لتناول‬ ‫الزجنبيل أو أولئك الذين يعانون من نقص‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫صحة‬

‫‪17‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫وتطلق اهلرمون يف الدم‪ ،‬مما يؤدي إىل تورم أو‬ ‫التهاب الغدة الدرقية وإنتاجها املفرط‪.‬‬ ‫ليمون وزجنبيل‬ ‫‪10‬ـ الرضاعة الطبيعية‬ ‫وعلى الرغم من أن الزجنبيل بشكل عام آمن‬ ‫وفعال للنساء املرضعات‪ ،‬ومن املعروف ً‬ ‫أيضا‬ ‫أنه يزيد من إمداد احلليب‪ .‬ولكن تشري بعض‬ ‫املعتقدات إىل أن اإلفراط يف تناول الزجنبيل‬ ‫من قبل األمهات املرضعات ميكن أن يؤدي يف‬ ‫بعض األحيان إىل املغص عند األطفال‪ ،‬والذي‬ ‫يؤدي إىل البكاء الشديد دون سبب واضح‪،‬‬ ‫على عكس البكاء لتغيري احلفاض أو اجلوع‪.‬‬ ‫الوزن بالفعل‪.‬‬

‫‪6‬ـ أمراض الكلى‬ ‫يتميز الزجنبيل خبصائصه املضادة لألكسدة‪.‬‬ ‫وينصح اخلرباء بتجنب مرضى الكلى من‬ ‫اإلفراط يف تناول الزجنبيل ألنه حيتوي على‬ ‫مركب يسمى «الكرياتينني»‪ ،‬والذي تشري‬ ‫مستويات عالية منه يف الدم إىل ضعف شديد‬ ‫يف الكلى‪.‬‬

‫‪3‬ـ حصوات املرارة‬ ‫أظهرت دراسة أن الزجنبيل ميكن أن يزيد من‬ ‫إفراز الصفراء ويسبب تكوين حصوات املرارة‪.‬‬ ‫تلعب العصارة الصفراوية دو ًرا مه ًما يف هضم‬ ‫الدهون وامتصاصها؛ ولكن ميكن أن حيفز‬ ‫االستهالك املفرط للزجنبيل الكبد على إنتاج‬ ‫املزيد من العصارة الصفراوية وتسريع تكوين ‪7‬ـ ارجتاع املريء‬ ‫حصوات املرارة‪.‬‬ ‫بالنسبة لألشخاص الذين يعانون من حاالت‬ ‫التهابية مثل ارجتاع املرئ‪ ،‬ميكن أن تسبب‬ ‫‪4‬ـ اضطرابات الدم‬ ‫جرعة زائدة من الزجنبيل (حوالي ‪ 4‬غرامات)‬ ‫حيتوي الزجنبيل على ملح يسمى الساليسيالت يف يوم واحد ارتداد احلمض وتهيج بطانة‬ ‫يعمل كمسكن لألمل‪ ،‬خاصة لألشخاص املعدة وأمل يف الصدر وحرقة‪.‬‬ ‫املصابني بهشاشة العظام‪ .‬كما أنه يساعد على‬ ‫حتسني الدورة الدموية وتدفقها إىل األعضاء‪8 .‬ـ التهاب املفاصل‬ ‫ولكن جيب على األشخاص الذين يعانون يساعد الكريم أو اجلل الذي حيتوي على‬ ‫من جتلط الدم أو يتعاطون أدوية التخثر‪ ،‬أو الزجنبيل إىل تفاقم االلتهاب لدى األشخاص‬ ‫أولئك الذين يعانون من اهليموفيليا‪ ،‬جتنب املصابني بالتهاب املفاصل‪ .‬يعترب الزجنبيل‬ ‫الزجنبيل ألنه رمبا يتسبب يف إصابتهم بنزيف مسكنًا ممتا ًزا لآلالم بسبب خصائصه‬ ‫الدم‪.‬‬ ‫املضادة لاللتهابات‪ ،‬ولكن يف بعض منتجات‬ ‫الزجنبيل ميكن أن يؤدي إىل تفاقم األمل‬ ‫‪5‬ـ البواسري‬ ‫والتهاب املفاصل‪.‬‬ ‫ميكن أن يساعد يف تقليل االلتهاب واألمل يف‬ ‫البواسري‪ .‬ولكن وفقًا لبعض الرؤى البحثية‪9 ،‬ـ الغدة الدرقية‬ ‫ميكن أن يسبب الزجنبيل‬ ‫ً‬ ‫تهيجا وحكة وعلى الرغم من أن الزجنبيل يعترب عشبًا آمنًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وانتفاخا وعدم الراحة واألمل لألشخاص الذين فقد أفادت بعض الدراسات أن الزجنبيل يسبب‬ ‫يعانون من البواسري‪ .‬وميكن أن يؤدي ً‬ ‫أيضا إىل آثا ًرا جانبية مثل التهاب الغدة الدرقية‪ .‬ميكن‬ ‫حدوث نزيف ويزيد احلالة سوءًا‪.‬‬ ‫للتأثريات املضادة لألكسدة واملثبطة للزجنبيل‬ ‫على معدل األيض أن تتلف األغشية اليت‬ ‫حتيط بهرمونات الغدة الدرقية يف البصيالت‬

‫‪11‬ـ االكتئاب‬ ‫يستخدم مركب جينجريول لعالج العوامل‬ ‫اليت ميكن أن تؤدي إىل القلق أو االكتئاب‪ .‬أما‬ ‫التحفظات فتدور حول احتمال أن يؤثر مركب‬ ‫«جينجريول»‪ ،‬يف بعض احلاالت‪ ،‬على إفراز‬ ‫هرمون السريوتونني‪ ،‬وهو اهلرمون املسؤول عن‬ ‫تثبيت احلاالت النفسية‪ ،‬مما ميكن أن يسفر‬ ‫عن تغري املزاج وبالتالي أعراض االكتئاب‪.‬‬ ‫‪12‬ـ عدم انتظام ضربات القلب‬ ‫يعد الزجنبيل عشب ممتاز للعديد من أمراض‬ ‫القلب‪ ،‬ولكن تناول كمية كبرية منه‪ ،‬ميكن‬ ‫أن يسبب خفقان القلب‪ ،‬خباصة إذا كان‬ ‫الشخص يتناول الزجنبيل مع أدوية القلب‪.‬‬ ‫اجلرعات املناسبة‬ ‫ختتلف جرعة الزجنبيل بالنسبة للبالغني‬ ‫األصحاء واألشخاص الذين يعانون من بعض‬ ‫احلاالت الطبية ونوع احلالة الطبية‪.‬‬ ‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬يُقرتح على النساء احلوامل‬ ‫تناول حوالي ‪ 250‬مغم من الزجنبيل ملدة‬ ‫أربعة أيام (أو حتى ‪ 1‬غرام) لتقليل أعراض‬ ‫الغثيان والقيء‪.‬‬ ‫ويُنصح األشخاص الذين يعانون من مشاكل يف‬ ‫املرارة بأقل من ‪ 1200‬مغم‪ ،‬وحلاالت هشاشة‬ ‫العظام ترتاوح اجلرعة املوصى بها بني ‪170‬‬ ‫مغم إىل ‪ 340‬مغم‪ ،‬مرتني أو ثالث مرات يف‬ ‫اليوم‪ .‬وينصح اخلرباء بأن يكون متوسط جرعة‬ ‫الزجنبيل ما بني ‪ 0.5‬غرام أو ‪ 1‬غرام ‪ 3‬أو ‪4‬‬ ‫مرات يف اليوم‪.‬‬

‫‪.....‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪18‬‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫مار يوسف اودو والفرمان العثماني‬

‫نبيل يونس دمان‬

‫على بعد امتار من بيت البطريرك يوسف‬ ‫اودو(‪ 1793‬ـ ‪ُ )1878‬ولدت قبل اكثر من‬ ‫مخسة عقود‪ ،‬ومنذ طفوليت ويف كل مناسبة‬ ‫دينية‪ ،‬كانت والدتي تطوف بي حول قربه‬ ‫داخل كنيسة دير السيدة حافظة الزروع‪،‬‬ ‫حيث تزين مرمره الفاخر‪ ،‬صورته اليت‬ ‫ابدع الفنان يف رمسها‪ ،‬وهو بعمامة‬ ‫اجلاثليق اليت سادت يف القرون املاضية‪.‬‬ ‫هكذا كربت مع االيام وازدادت رغبيت‬ ‫يف املطالعة‪ ،‬عن تلك احلقب من تاريخ‬ ‫املنطقة‪ ،‬ويف الصدارة بلدتي الشاخمة‬ ‫منذ االزمنة السحيقة‪ ،‬والزالت تقاوم‬ ‫صروف الدهر‪ ،‬الذي ما برح يؤمل قلوب‬ ‫النهرينيني‪ ،‬يف طول البالد وعرضها‪.‬‬ ‫مار يوسف اودو‪ ،‬سليل مهاجر من‬ ‫ختوما يف اقليم حكاري(تركيا اليوم)حيث‬ ‫االستقالل وروح املقاومة والبسالة‪ ،‬استقبل‬

‫ذلك املهاجر يف القوش باإلحرتام واالرتياح‪،‬‬ ‫لضلوعه يف علوم الطب الشعيب‪ ،‬وهكذا‬ ‫تسلسل من تلك العائلة‪ ،‬اناس طبقت‬ ‫شهرتهم املنطقة‪ ،‬واصبح لقب عشريتهم‬ ‫مالزما لتلك املهنة‪.‬‬ ‫يف صغره صعد مع والده اسحق اىل دير الربان‬ ‫هرمزد‪ ،‬ليبتدأ حياة الزهد والعبادة‪ ،‬ملبياً‬ ‫نداء ربه يف االخنراط بالرهبنة عام ‪،1812‬‬ ‫فاعتكف يف احدى صوامع اجلبل املهيب‪،‬‬ ‫زاهداً‪ ،‬متأمال‪ ،‬وهو يتلقى دروسه االوىل يف‬ ‫حياته اجلديدة‪ ،‬على يد األنبا املارديين‬ ‫جربائيل دنبو الذي افتتح الدير عام ‪1808‬‬ ‫بعد انقطاع طويل‪ ،‬بسبب محلة نادر‬ ‫شاه(طهماسب)الشديدة الوقع‪ ،‬واخلالفات‬ ‫املذهبية اليت اججتها تدخالت املبشرين‪.‬‬ ‫يف تلك االجواء نشأ متاثراً بالتجديد الذي‬ ‫ادخله األنبا جربائيل دنبو‪ ،‬ثم تدرج يف‬ ‫الرتب الكنسية كاهنا عام ‪ ،1822‬ومطرانا‬ ‫عام ‪.1825‬‬ ‫ويف نيله لرتبته االخرية‪ ،‬تشاء املصادفات‬ ‫التارخيية ان يكون امامه منافسا‪،‬‬ ‫واقفا كالطود يف طريق رغباته‪ ،‬ذلك هو‬ ‫املطران(البطريرك فيما بعد) يوحنان‬ ‫هرمزد(‪ 1760‬ـ ‪)1838‬من نفس البلدة ومن‬

‫بيت ابونا العريق‪ ،‬اصبحت تلك املواهب‬ ‫اليت امتلكها الطرفان وقوداً لصراع مذهيب‬ ‫استمر سنيناً طويلة‪ ،‬فق ّسم البلدة اىل‬ ‫قسمني خمتلفني‪ ،‬وتوسع اجلدل واخلالف‬ ‫ليصل اىل القرى والبلدات االخرى‪ ،‬لتكون‬ ‫عاصمة الوالية املوصل ساحته الكربى‬ ‫واحلامسة‪ ،‬والكثري مسع حبزبي الطائفة‬ ‫‪ :‬يوحناني واليوسفي نسبة اىل امسيهما‪،‬‬ ‫ولسنا بصدد الكالم عن نشأت مار يوحنان‬ ‫هرمزد‪ ،‬والظروف اليت ادت اىل حتوله‬ ‫اىل املذهب الكاثوليكي‪ ،‬الوافد عن طريق‬ ‫الدعاة الغربيني‪ ،‬ومبساعدة دول قوية‪،‬‬ ‫برزت يف العامل اثر الثورة الصناعية يف‬ ‫اوربا‪ ،‬ويف املقدمة ايطاليا وفرنسا‪.‬‬ ‫صار الصراع بينهم شديدا‪ ،‬وكان القس‬ ‫كوركيس يوحانا والقس الراهب دميانوس‬ ‫كونديرا‪ ،‬عامالن مؤثران يف سري كنيستنا‪،‬‬ ‫واليت اصبحت على ابواب االفرتاق‬ ‫التارخيي عن كنيسة األم املشرقية‪ .‬عندما‬ ‫نسب املطران اودو اىل ابرشية العمادية‬ ‫اليت كانت تشمل دهوك‪ ،‬عقرة‪ ،‬وزاخو‪،‬‬ ‫ودير الربان هرمزد‪ ،‬كان البطريرك املثري‬ ‫للجدل مار يوحنان هرمزد يعرقل ذلك‪،‬‬ ‫واستطاع ان ينسب اليها قريبه مار‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫ايليا سفرو املرسوم مطرانا يف قوجانس‪،‬‬ ‫وحدثت تدخالت من باشا العمادية لصاحل‬ ‫هذا الطرف او ذلك‪ ،‬وسجن على أثرها‬ ‫املطران اودوا مراراً يف سجن القلعة‪ ،‬ويف‬ ‫املوصل ايضا‪ ،‬يطول الكالم كثريا يف هذا‬ ‫املوضوع والذي ال يتسع اجملال للخوض‬ ‫يف تفاصيله‪.‬‬ ‫نظرا لعلو مقام مار يوسف اودو‪ ،‬ونشاطه‬ ‫الدؤوب‪ ،‬ومواهبه‪ ،‬استطاع ان ينال الرباءة‬ ‫السلطانية اي الوثيقة او العهد‪ ،‬يعرف‬ ‫كتاب بابو اسحق امثال تلك الوثيقة‪،‬‬ ‫بالشكل التالي(السجل او كتاب العهد‬ ‫او املنشور العالي او الرباءة االمامية فكان‬ ‫يشتمل على احلقوق واالمتيازات اليت‬ ‫متنحها السلطة املدنية اجلاثليق وختوله‬ ‫احلق يف مراجعة السلطات يف الشؤون‬ ‫املتمثلة بالطائفة النصرانية)*‪ .‬لقد دأب‬ ‫الباب العالي على منح تلك الفرمانات اىل‬ ‫النحل وامللل يف ارجاء امرباطوريته واليت‬ ‫كان بعضها خيضع الهواء السالطني‪،‬‬ ‫ومن ثم يسهل نقضها بني مدة واخرى‬ ‫حبسب األمزجة‪ ،‬والنفوذ‪ ،‬ووضع الدولة‪.‬‬ ‫من اجلهة االخرى كانت كل الشعوب‬

‫مقالة‬

‫‪19‬‬

‫املنضوية قسرا اىل تلك الدولة‪ ،‬تسعى يف‬ ‫اخلفاء والعلن للتخلص من تلك اهليمنة‪،‬‬ ‫وهكذا وقعت انتفاضات ومتردات‪،‬‬ ‫قمعت معظمها بشدة‪ ،‬والغاية منها ابقاء‬ ‫سيطرة الدولة املستعمرة‪ ،‬جلين االموال‬ ‫والضرائب‪ ،‬ولسوق اجملندين من الشباب‬ ‫اىل جبهات حربها‪ ،‬اليت مل تتوقف على‬ ‫مدار القرون من حكمها‪.‬‬ ‫يف اوائل القرن التاسع عشر‪ ،‬بزغ جنم‬ ‫قبائل راوندوز‪ ،‬عرف منهم األمري مصطفى‬ ‫الذي ادار الدويلة حبكمة وقوة‪ ،‬فانكسر‬ ‫اجليش االيراني امام صموده يف قلعة‬ ‫راوندوز فوق جبال زاغروس الشاهقة‪،‬‬ ‫كما وعجز البابانيون عن قهره‪ ،‬فعقدوا‬ ‫معه صلح مصاهرة‪ ،‬وعند وفاة مصطفى‬ ‫بك عام ‪ ،1926‬انطلق ابنه حممد‬ ‫االعور(مريي كور)ويف نيته التوسع‪ ،‬فقتل‬ ‫ع ّميه يف احلال‪ ،‬واخضع قبائل الربادوست‬ ‫والشريوان وطرد احلاكم الباباني من‬ ‫حرير‪ ،‬واخذ رانية وكوي وألتون كوبري‪،‬‬ ‫واربيل‪ ،‬حتى اضطر والي بغداد علي رضا‬ ‫امام تلك التوسعات‪ ،‬ان يعرتف به ومينحه‬ ‫الباشوية‪ ،‬وظل يرقب عن كثب فرصة‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫الزحف باجتاه بهدينان‪ ،‬وفيها االمارة‬ ‫الكردية اليت مركزها قلعة العمادية‪ ،‬وتضم‬ ‫دهوك‪ ،‬عقرة‪ ،‬زاخو‪ ،‬والدير‪.‬‬ ‫يف بداية الثالثينات من القرن التاسع‬ ‫عشر قامت عداوة بني أغا املزورية وامري‬ ‫األيزيدية‪ ،‬فتوسط للصلح بينهم امساعيل‬ ‫بك حاكم عقرة‪ ،‬فاقنع االمري األيزيدي‬ ‫علي بك بزيارة األغا املزوري الذي مقره‬ ‫يف قرية بالطة(باالتن)‪ ،‬ثم امر األغا برد‬ ‫الزيارة‪ ،‬ويف تلك الفرتة الفاصلة اتفق سعيد‬ ‫حممد طيار‪ ،‬باشا العمادية سراً مع االمري‬ ‫االيزيدي بقتل االغا‪ ،‬وهكذا يف الليلة اليت‬ ‫كان االغا ضيفا يف باعذرى مقر االمارة‪،‬‬ ‫اغتيل علي أغا وابنه سنجان اغا‪ .‬هنا‬ ‫طار رشد ُمال بهدينان املعروف حييى‬ ‫املزوري(‪ 1772‬ـ ‪ ،)1838‬لكون املقتول‬ ‫عمه‪ ،‬فغال الدم يف عروقه لالنتقام من امري‬ ‫االيزيدية‪ ،‬وكل حماوالته اقناع حاكمي‬ ‫العمادية وعقرة باءت بالفشل‪ ،‬وادرك‬ ‫بدهائه ضلوع األخريين يف املؤامرة‪ ،‬واعقب‬ ‫كل ذلك مقتل ابن املُال حييى امللقب مال‬ ‫عبد الرمحن على يد احد خدام سعيد‬ ‫باشا‪ ،‬مما حدى باملال االستجارة بباشا‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪20‬‬

‫راوندوز الطموح حممد األعور‪ ،‬اصطحب‬ ‫معه لتلك الغاية موسى بك املنافس لشيقه‬ ‫باشا العمادية‪ .‬كانت تلك فرصة الباشا‬ ‫الراوندوزي الذهبية‪ ،‬حيث افتى املال‬ ‫حييى مبحاربة االيزيدية‪ ،‬وكانت كلمته‬ ‫مسموعة يف بهدينا وغريها‪ ،‬وترقبوا‬ ‫عن كثب اندفاع باشا العمادية ملناصرة‬ ‫االيزيدية‪ ،‬لتكون احلجة قوية ويف مكانها‬ ‫حملاربته‪ ،‬بدعوى وقوفه مع الكفار‪.‬‬ ‫حترك اجليش السوراني اجلرار‪ ،‬وهو‬ ‫معد جيدا وحبوزته مدافع صنع قسم‬ ‫منها حمليا‪ ،‬فقسم اىل نصفني قاد الباشا‬ ‫نصفه والنصف االخر قاده شقيقه رسول‬ ‫بك‪ ،‬طاردوا االيزيدية يف كل مكان‪ ،‬من‬ ‫جبل مقلوب والشيخان‪ ،‬وزاخو وطور‬ ‫عابدين واجلزيرة‪ ،‬فمحقوا قراهم عن‬ ‫بكرة ابيها‪ ،‬وسبوا نسائهم‪ ،‬هنا حتركت‬ ‫جيوش البهدينان ملناصرة االيزيدية‪ ،‬وعند‬ ‫جمابهتهم السورانيني مل يصمدوا طويال‪،‬‬ ‫فصارت الذريعة بيد باشا راوندوز‪ ،‬فاحتل‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫عقرة واخضع الزيبار وحاصر العمادية‪.‬‬ ‫ويف ذروة القتال ضد االيزيدية‪ ،‬إلتجأ‬ ‫امريهم اىل القوش‪ ،‬عندها مأل املال حييى‬ ‫الدنيا صراخا‪ ،‬حمرضا الباشا لضرب‬ ‫القوش‪ ،‬كسر شوكتها‪ ،‬سلب ذهبها‪،‬‬ ‫وسيب نسائها‪ ،‬كل ذلك حلله املال حييى‬ ‫املزوري‪ ،‬مما أغرى واطرب الباشا األعور‬ ‫املتعطش للدماء‪.‬‬ ‫معذرة للقراء يف إقحامهم بسرد تارخيي قد‬ ‫ميل منه البعض‪ ،‬لكنه السبيل لالقرتاب‬ ‫من احلقيقة ما امكن‪ ،‬اما إدراكها فضرب‬ ‫من اخليال‪ .‬املطران اودو نتيجة تواجده‬ ‫يف العمادية‪ ،‬فقد كان قريبا من الدوائر‬ ‫احلاكمة‪ ،‬ودائم االتصال بها‪ ،‬كما وكان‬ ‫يتابع حبكم موقعه وضع الدولة العثمانية‪،‬‬ ‫فكان وفقا لذلك يعرف قوة الفرمان الذي معه‬ ‫ومدى تأثريه‪ .‬بالنظر لبعد مركز الدولة عن‬ ‫مناطق االحداث الساخنة‪ ،‬وصعوبة وصول‬ ‫جيوشها وجنداتها يف الوقت املناسب‪،‬‬ ‫فقد كان الوالة والبكوات والباشوات يف‬

‫تغري دائم‪ ،‬ليس وفقاً لفرمانات الدولة‪،‬‬ ‫بل على العموم وفق منطق القوة‪ ،‬فكم من‬ ‫طاغية صعد اىل احلاكمية بالشدة اليت‬ ‫اتبعها‪ ،‬وبدرجة اضطهاده لعموم الناس‪،‬‬ ‫وغالبية احلكام لقوا حتفهم بالدسائس‬ ‫واملؤامرات‪ ،‬وقسم منهم اختلفوا وتقاتلوا‬ ‫حتى وهم من اسرة واحدة‪ ،‬فكيف ترى يف‬ ‫تلك الظروف واالحوال‪ ،‬لزاماً على املطران‬ ‫اودو ان يتصرف؟‬ ‫عندما عجز والي املوصل مصطفى باشا عام‬ ‫‪(1757‬عن سلب املسلمني دراهمهم‪ ،‬عمد‬ ‫اىل النصارى واليهود املسيحيني واليهود‬ ‫مطالبا اياهم مببالغ كثرية حبجة انهم‬ ‫عمروا كنائسهم بعد حصار املوصل من‬ ‫قبل االيرانيني بدون استحصال االجازات‬ ‫الالزمة‪ ،‬ومل يفدهم للتخلص من هذه‬ ‫النقطة إبراز الفرامني املستحصلة من الباب‬ ‫العالي واملعطاة هلم هلذه الغاية)‪ .‬كان‬ ‫املطران اودو يدرك بأن فرمانه ال جيدي‬ ‫نفعاً‪ ،‬امام ماحيدث امامه‪ ،‬وخصوصا‬ ‫اجملازر الوحشية‪ ،‬ضد جريانه االيزيدية‪،‬‬ ‫فال فرق ان ابرزه او اخفاه الن الدولة‬ ‫نفسها تفتقد اىل االحرتام واهليبة‪ ،‬من قبل‬ ‫الباشا حممد مصطفى الراوندوزي‪ .‬ومع‬ ‫ذلك عندما اطمأن املطران اىل اجلاويش‬ ‫عبداهلل‪ ،‬أبرز الفرمان‪ ،‬وكان مبعيته‬ ‫أخيه اسحق‪ ،‬وابن اخته الكهية يوسف‬ ‫رئيس على مياه(ك ّرو)خلف جبل القوش‪،‬‬ ‫فاخذه اجلاويش اىل الباشا املخيم فوق تل‬ ‫املقابر(رومه)شرق البلدة‪ .‬كان الباشا للتو قد‬ ‫قتل املئات من االبرياء‪ ،‬والعديد من رجال‬ ‫الدين ويف املقدمة األنبا جربائيل دنبو‪،‬‬ ‫وختريب البيوت‪ ،‬وتدنيس املقدسات‪.‬‬ ‫يف تلك االجواء املمطرة دماً‪ ،‬وقف املطران‬ ‫اودو‪ ،‬مرجتفاً امام خيمة الطاغية‪ ،‬الذي‬ ‫باستطاعته قطع املطران بالسيف كما تقطع‬ ‫قطعة اجلنب‪ ،‬لكنه متهل قليال‪ ،‬واستمع‬ ‫اىل كلماته املؤثرة‪ ،‬اليت اثارت الشفقة‪،‬‬ ‫فاصدر اوامره بوقف القتل‪ ،‬وارجاع‬ ‫املنهوبات‪ ،‬والصبايا واالطفال‪ ،‬والدعوة‬ ‫لرجوع املشردين اىل بيوتهم‪ ،‬اذن! هل‬ ‫كان املطران سبباً يف ماحدث؟ ام انقذ ما‬ ‫تبقى؟ اترك االجابة للقراء‪.‬‬ ‫ملن اراد مواصلة قراءة االحداث‪ ،‬عن تلك‬ ‫االيام الصعبة‪ ،‬فالنظر اىل السنوات اليت‬ ‫اعقبتها‪ ،‬هي اجلواب لكل طاغية أرعن‪،‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫مقالة‬

‫‪21‬‬

‫يف كل زمان ومكان‪ ،‬تسوله نفسه قتل للدفاع عنها‪ ،‬وقبل الوصول اىل قلعتها قتل‬ ‫الناس دون رمحة او شفقة على املرضى اسريه ورماه يف مضيق زلزالي من جبال‬ ‫زاغروس‪ ،‬ومنذ ذلك اليوم خلد التاريخ‬ ‫واملسنني واالطفال ورجال الدين‪:‬‬ ‫العراقي إمسه‪ ،‬الذي اصبح معلماً سياحيا‬ ‫ًمعروفاً(كلي علي بك)‪.‬‬ ‫القوش‪:‬‬ ‫فقد نهضت من حتت االنقاض اليت خلفها‬ ‫السورانيون‪ ،‬وقام منها رؤساء بلدة طارت حممد باشا الراوندوزي‪:‬‬ ‫شهرتهم يف االفاق‪ ،‬منهم(أيسفي كوزل) انهزم امام زحف قوات الصدر األعظم‬ ‫الذي كان يعني ويعزل االغوات يف املنطقة‪ .‬للدولة رشيد باشا مع قوات حممد اينجة‬ ‫بريقدار باشا املوصل‪ ،‬وقوات علي رضا‬ ‫باشا بغداد‪ ،‬وحتصن يف قلعة راوندوز‪ ،‬ثم‬ ‫البطريرك مار يوسف اودو‪:‬‬ ‫نال االومسة العالية ارتباطا‪ ،‬بسريته استدرج مبكيدة لريسل بعدها اىل استانبول‪،‬‬ ‫املستقيمة‪ ،‬وتارخيه املشرف‪ ،‬والتفاف واثناء عودته اىل امارته قتل قتلة شنيعة يف‬ ‫الناس حوله‪ ،‬منها وسام عالي شان من والية سيواس‪.‬‬ ‫السلطان العثماني عبد العزيز‪ ،‬وحظي‬ ‫املال حييى مزوري‪:‬‬ ‫باستقبال ملك النمسا‪ ،‬وخديوي مصر‪.‬‬ ‫عند احنسار قوات السورانيني وعودة‬ ‫باشا العمادية سعيد حممد طيار‪ ،‬هرب‬ ‫علي بك امري االيزيدية‪:‬‬ ‫ذهب ضحية املؤامرات واحالم السطوة باجتاه(حصن كيفا)ولكن قبض عليه يف‬ ‫والسيطرة حلكام ذلك الزمان‪ ،‬طورد يف سنديا‪ ،‬كما والقي القبض على تلميذه مال‬ ‫القوش ثم يف املوصل اليت حوصر مع خرية قاسم املايي ومسلت عيناه‪ ،‬كانت حياته‬ ‫رجاله يف تل قوينجق باجلانب االيسر يف خطر‪ ،‬عندما مثل امام باشا العمادية‪،‬‬ ‫من دجلة‪ ،‬وعند حماولته عبور النهر لوال تدخل الشيخ حممد العقراوي‪ ،‬الذي‬ ‫والوقت شتاء‪ ،‬رفع املوصليون اجلسور‪ ،‬كان الباشا حيرتمه كثريا‪ ،‬لذلك أبقاه‪،‬‬ ‫فاصبح حتت رمحة السورانيني الذين ولكنه مل يستسغ البقاء يف بهدينا‪ ،‬فقصد‬ ‫فتكوا برجاله واوقعوه اسريا‪ ،‬وبعد مدة بغداد وتويف فيها غريباً عام ‪.1838‬‬ ‫ارسل مريي كور اخيه رسول اىل راوندوز‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫اهلوامش‪:‬‬ ‫* صفحة ‪ 51‬ـ أحوال نصارى بغداد ـ‬ ‫رفائيل بابو اسحق ـ مطبعة شفيق ـ بغداد‬ ‫‪.1960‬‬ ‫** صفحة ‪ 271‬ـ اربعة قرون من تاريخ‬ ‫العراق احلديث ـ لونكريك ـ ترمجة جعفر‬ ‫اخلياط ـ دار الكشاف بريوت ‪.1949‬‬ ‫*** صفحة ‪ 47‬من كتاب”املوصل يف‬ ‫القرن الثامن عشر ـ تعريب القس روفائيل‬ ‫بيداويد ـ املطبعة الشرقية احلديثة يف‬ ‫املوصل ‪.1953‬‬ ‫املصادر‪:‬‬ ‫ـ القوش عرب التاريخ ـ املطران يوسف بابانا‬ ‫ـ بغداد ‪.1979‬‬ ‫ـ سفر القوش الثقايف ـ بنيامني حداد ـ‬ ‫بغداد ‪.2001‬‬ ‫ـ الرئاسة يف بلدة القوش ـ نبيل يونس‬ ‫دمان ـ امريكا ‪.2001‬‬ ‫ـ العراق عام ‪ 1820‬ـ جيمس ريج ـ ترمجة‬ ‫بهاء الدين نوري ـ مطبعة السكك احلديدية‬ ‫ـ بغداد ‪.1951‬‬ ‫ـ االكراد يف بهدينان ـ انور املايي ـ الطبعة‬ ‫الثانية دهوك ‪.1999‬‬ ‫ـ االشوريون بعد سقوط نينوى ـ هرمز ابونا‬ ‫ـ شيكاغو ‪.1999‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪22‬‬

‫حتليل‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫األيديولوجية اليهودية‪ ،‬الرأمسالية واحلداثة‬

‫لليهودي ِة عالقا ُتها الطيبة مع الدولة الربسية ـ الساسانية حتى العهد اإلسالمي‬

‫عيل فرات‬

‫كامل عن تَ َط ُّو ِر اجملتمع‬ ‫من الصعب طر َح سر ٍد ٍ‬ ‫التارخيي‪ ،‬دون االستيعاب السليم لقص ِة‬ ‫العربانيني تارخياً وراهناً‪ .‬فتقيي ُم العربيني‬ ‫تارخيياً واليهود مع التوجه صوب راهننا‬ ‫بأنهم جمموع ٌة أثنية‪ ،‬يشتمل على أخطاءٍ‬ ‫َجسيمة‪ .‬ومن األهمية القصوى تقييمهم بأنهم‬ ‫مصد ٌر ثقايفٌّ‬ ‫أساسي ذو أصول شرق أوسطية‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫مَ‬ ‫ِّ‬ ‫ولكنه يهتم ويؤث ُر يف العال أمجع بالدرجة‬ ‫األوىل‪ .‬ال أحتدث عن الثقافة مبعناها الضيق‪،‬‬ ‫بل أتناوهلا بوصفها إمجالي الثقافتَني املادية‬ ‫واملعنوية‪ .‬ينبغي جَ َ‬ ‫فادحني‬ ‫تنُّ َب خطأَين َ‬ ‫بصدد املوضوع‪ .‬أوهلما؛ املفهوم الذي يَسمو‬ ‫باليهودية ويُغالي يف وصفها بالقوةِ املتحكم ِة‬ ‫بزمام مَ‬ ‫العال‪ .‬ومقولة «األمة اليت اختارها‬ ‫بقدر ما يتم‬ ‫الرب» تندرج يف هذا اإلطار‪ِ .‬‬ ‫االمتناع عن هذا النمط من املبالَغات املسا ِعدة‬ ‫كثرياً لالستثمار واالستغالل‪ ،‬يَ ُكون قد تَيَ َّسرَ‬ ‫االستيعاب الواقعي للموضوع باملثل‪ .‬ثانيهما؛‬ ‫ُ‬ ‫ُصيرُِّ اليهودي َة ‪ ......‬أو َ‬ ‫كبش‬ ‫ي‬ ‫الذي‬ ‫املفهوم‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فداء‪ .‬فرؤية اليهودي ِة على أنها منب ُع كل‬ ‫رأي َم ٌ‬ ‫السيئات والرذائل‪ٌّ ،‬‬ ‫عمول به كثرياً‪.‬‬ ‫تأثريات هذا التعاطي‬ ‫والوقوف بعيداً عن‬ ‫ِ‬ ‫إدراكات خاطئ ٍة مثيل ٍة لتعاطي‬ ‫الذي يؤدي إىل‬ ‫ٍ‬ ‫املُغاالةِ األول على األقل‪ ،‬سوف جَي َعلُ‬ ‫املوضو َع ُمبَ َّسطاً أكثر‪.‬‬ ‫جهدت يف اجمللَّدَين السابقَني لتسلي ِط‬ ‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫إطار األديان‬ ‫ضمن‬ ‫العربيني‬ ‫على‬ ‫ء‬ ‫الضو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعزيز‬ ‫على‬ ‫اإلبراهيمية‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فسأعمل‬ ‫ُِ‬ ‫جهات أخرى‪ .‬حيث سأتناول‬ ‫رأيي من‬ ‫ٍ‬ ‫أساساً قضي َة اليهود واليهودية ارتباطاً‬ ‫بالرأمسالية واحلداثة‪.‬‬ ‫شتات اليهود(تشتتهم على وج ِه األرض)‬ ‫ُ‬ ‫هدم اإلمرباطوري ِة الرومانية للمعبد‬ ‫املبتدئ مع ِ‬ ‫مَ​َّ‬ ‫للمرةِ الثانية يف ‪70‬م‪ ،‬قد ن عن قضايا ونتائج‬ ‫كربى‪ ،‬سواءً يف الشرق األوسط أم أوروبا‪،‬‬

‫وحتى يف كاف ِة أرجاءِ املعمورة مع التوجه‬ ‫صوب حاضرنا‪ .‬بَيْ َد أن قضايا ونتائج شبيه ًة‬ ‫قد ِعي َشت سابقاً أيضاً‪ .‬فهجرةُ سيدنا إبراهيم‬ ‫جوار القدس‪ ،‬ال يَنفَ ُّك تأثريُها‬ ‫من أورفا إىل ِ‬ ‫مستمراً حتى يومنا من جه ِة القضايا والنتائج‬ ‫بشكل أضخم عاملياً‪.‬‬ ‫اليت أسفرت عنها‪ ،‬ولكن ٍ‬ ‫ومغامرةُ أوالده يف مصر‪َ ،‬حد ُ‬ ‫َث يوسف‪،‬‬ ‫وهجرةُ عيسى أيضاً‬ ‫ٌ‬ ‫أحداث تَرَ َكت بصماتها‬ ‫على الصعيد العاملي‪ .‬كما أن إعدا َد الكتاب‬ ‫املقدس‪ ،‬وتأسيس املَلَكية العربية األوىل قب َل‬ ‫والعالقات املبتدئ ُة يف‬ ‫ذلك‪ ،‬السيب البابلي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ذاك العهد مع الربسيني واإلغريق؛ كلها‬ ‫أيضاً أدت إىل نتائ َج هام ٍة تمَ​َيَّ َزت تأثرياتُها‬ ‫مبكان ٍة بارزةٍ يف تاريخ املدنية‪ .‬بل إن إعدا َد‬ ‫َد ذاته ٌ‬ ‫حدث عظيم‪ .‬إنه‬ ‫الكتاب املقدس حِب ِّ‬ ‫ضروب رمسي ِة األديان اإلبراهيمية‪.‬‬ ‫ضرب من‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫وتَبَ يّ‬ ‫الكتاب أيضاً ٌ‬ ‫حدث عظي ٌم جداً له أثره‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫التارخيي‪.‬‬ ‫لكن الشتات احلاصل بعد عام ‪70‬م يتسم‬ ‫بتأثريات أكثر جذري ًة بكثري‪ .‬لن أُد َِّو َن‬ ‫ٍ‬ ‫التاري َخ هنا‪ ،‬بل أكتفي بالتقييمات املقتَ َضبة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الرأي املجُ َم ُع عليه عموماً هو انقسام الشتات‬ ‫شكل الشرق‬ ‫ومراكز التجمع إىل قس َمني على ِ‬ ‫ُ‬ ‫والغرب(السفارديم واألشكنازيم)‪ .‬وتأثرياتهما‬ ‫أيضاً كانت خمتلف ًة بالتأسيس على ذلك‪.‬‬ ‫معلو ٌم أن اليهودي َة الشرقي َة انتشرت أساساً‬ ‫فيما يُسمى اليوم سوريا‪ ،‬العراق‪ ،‬إيران‪،‬‬ ‫ويتَ َمل أنها انتشرت‬ ‫شواطئ اخلزر وروسيا‪ ،‬حُ‬ ‫فيما بعد حتى آسيا الداخلية‪ .‬كما معلو ٌم أن‬ ‫نات‬ ‫شكل مستو َط ٍ‬ ‫أولئك اليهود عاشوا على ِ‬ ‫فبشكل‬ ‫هامة‪ .‬أما مع التوجه صوب الغرب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عام تنا َمت هجراتهم واستيطاناتهم باستمرار‬ ‫الساحات اخلاضع ِة حلكم اإلمرباطورية‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اهلجرات‬ ‫الرومانية‪ .‬حيث تُصادَف‬ ‫ُ‬ ‫واملستو َطنات بدءاً من أفريقيا الشرقية إىل‬ ‫أوروبا الغربية‪ ،‬ومن شبه جزيرة إيبرييا‬ ‫وصوالً إىل بالد البلقان‪ .‬أما بال ُد األناضول‪،‬‬ ‫فهي مبثاب ِة املركز الذي يتحقق فيه االنقسام‬ ‫إىل الشرق والغرب‪ .‬وتأثرياتهم تتميز بأهميتها‬ ‫حني انهيار روما‪.‬‬ ‫من الزاوية الدينية إىل ِ‬ ‫ّ‬ ‫ريادي‪،‬‬ ‫تأثري‬ ‫هذا وال جدال على أنهم ذوو ٍ‬ ‫سواءً كحركة موسوية‪ ،‬أم كحركة مسيحية‬

‫مولودة من املوسوية‪ .‬لقد أسسوا ما هو أَشبَ ُه‬ ‫باإلمرباطوري ِة املعنوية يف عهدهم‪.‬‬ ‫ال شك أن معرف َة كيفي ِة عق ِد اليهود عالقاتِهم‬ ‫بوساطة املال‪ ،‬وكيفي ِة تصيريهم َ‬ ‫املال قوةً‬ ‫ِ‬ ‫مادي ًة مؤثرةً بقدر التأثري املعنوي نف ِسه‬ ‫موضو ٌع يتطلب البحث املُ َط َّول‪ .‬لكن‪ ،‬إذا‬ ‫واألدب والعل ُم من أول املواضيع‬ ‫كان الدي ُن‬ ‫ُ‬ ‫ذات الطابع املعنوي الطاغي عليها‪ ،‬واليت‬ ‫انشغلوا بها اسرتاتيجياً؛ فثاني مواضيع‬ ‫انشغاهلم و َمك َسبِهم االسرتاتيجي هو ُ‬ ‫املال‬ ‫هام للغاية كونَهم َصيرَّ وا‬ ‫بكل تأكيد‪ .‬هذا أم ٌر ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الثقاف َة املعنوي َة من األول والثقافة املادية من‬ ‫الثاني موضوعَني اسرتاتيجيَّني تارخيياً‪.‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫بزمام الريادةِ‬ ‫ومنذ ذاك العه ِد كانً املم ِسك ِ‬ ‫لِ ِكال املوضوعَني دليال على حظيه باألهمية‬ ‫االسرتاتيجية يف التاريخ العاملي‪ .‬ويتجسد‬ ‫اعتقادي بأن اليهود كانوا مدركني يف تلك‬ ‫عمق الريادةِ االسرتاتيجي ِة لِ ِكال‬ ‫القرون مدى ِ‬ ‫املوضوعَني‪ ،‬ومنشغلني بهما‪ .‬والدافع األولي‬ ‫يف ذلك هو الشروط امللموس ُة اليت عاشوها‪.‬‬ ‫فَقِلَّ ُة تعدا ِدهم‪ُ ،‬‬ ‫وق‬ ‫عيشهم الدائم ضمن َط ِ‬ ‫املدنيتَني املنحدرتَني من األصول الشرقية‬ ‫والغربية‪ ،‬ونظرتُهم لذاتهم على أنهم» ِعبا ُد‬ ‫اهلل املختارون»(حنن وجهاً لوجه أمام‬ ‫هيمن ٍة أيديولوجي ٍة قطعية) قد فَ َر َ‬ ‫ض عليهم‬ ‫ضرورةَ‬ ‫االنعكاف املتواصل على البحث‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫االسرتاتيجي‪ .‬أي أن قِلة التعداد السكاني‪،‬‬ ‫اهلجرةَ‪ ،‬عقائدَهم املقدسة‪ ،‬وخضوعَهم‬ ‫املستمر لمَِهالِ ِك اجملازر قد َحثَّهم على تعزيز‬ ‫َّ‬ ‫وعيهم كثرياً من جهة‪ ،‬وأَر َغ َمهم على صياغ ِة‬ ‫«اسرتاتيجيات التحرر» بكل دأب من جه ٍة‬ ‫أخرى( َكم هي شبيه ٌة باسرتاتيجيات التحرر‬ ‫الثوري!)‪ .‬فأمنا ُط حياتهم تَ ُ‬ ‫فرض عليهم‬ ‫أدوات التحرر‪.‬‬ ‫التفكريَ‬ ‫االسرتاتيجي وتطويرَ ِ‬ ‫َّ‬ ‫وإال‪ ،‬ففي حال العكس‪ ،‬فما ِمن حيل ٍة إزاءَ‬ ‫فنائهم مثلما َح َّل بآالف القبائل األخرى‬ ‫عداهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يف هذه النقط ِة بالذات تصبح حالة املقاوم ِة‬ ‫بال هوادة السبي َل الوحي َد للخالص‪ .‬واملقاوم ُة‬ ‫بدورها تقتضي أمرَين اثنَني بكل تأكيد‪:‬‬ ‫العقيدة والوسائل املادية‪ .‬فبينما تَع ِك ُس‬ ‫العقيدةُ ذاتَها عنصراً اسرتاتيجياً معنوياً‪،‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫ُ‬ ‫فاملال يَع ِك ُس ذاتَه عنصراً مادياً اسرتاتيجياً‪.‬‬ ‫بناءً عليه‪ ،‬فالدو ُر االسرتاتيجي للدين بوصفه‬ ‫ّ‬ ‫املعنوي‪ ،‬وللمال بوصفه العنصرَ‬ ‫العنصرَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫املادي‪ ،‬واللذين يتسمان باألهمي ِة القصوى‬ ‫يف اليهودية؛ يُ َعدَّان مصدرَين أوليَّني ال غنى‬ ‫هدف اخلالص‬ ‫عنهما‪ ،‬و ُمتَّ ِحدَين على درب ِ‬ ‫جواب للسؤا ِل‬ ‫والتحرر‪ .‬وإذ ما حَبَثنا عن‬ ‫ٍ‬ ‫بأسباب سيادةِ املال واملعنى الديين‬ ‫املعين‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فالرد واضح‪ :‬ال خيارَ آخر‬ ‫لدى اليهودي‪ُّ ،‬‬ ‫أمامهم‪ .‬فنم ُط حياتهم يقتضي املقاوَمة بال‬ ‫انقطاع‪ .‬ذلك أن هذا شر ٌط من أجل عدم‬ ‫القناء‪ ،‬والعيش مباهي ٍة متفوقة عليا(ألنهم‬ ‫يؤمنون بأنهم ِعبا ُد الرب املختارون)‪ .‬أما‬ ‫املقاومة‪ ،‬فهي ٌّ‬ ‫بتواصل‪،‬‬ ‫فن يَ ُ‬ ‫صعب مزاولته ُ‬ ‫دون وجو ِد اسرتاتيجيات اخلالص(الريادة‬ ‫األيديولوجية) واملال(الرائد املادي) باعتباره‬ ‫وألجل ذلك‪،‬‬ ‫الفرص َة االسرتاتيجي َة املادية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تواجدوا يف الصحراء(كالعرب) أو‬ ‫إما أ ْن تَ َ‬ ‫َ‬ ‫ري موجودَين‬ ‫اجلبال(كالكرد)‪ .‬لكن ِكليهما غ ُ‬ ‫لدى اليهود‪ .‬ال يتبقى هنا سوى اإلمكانيات‬ ‫والفُرَص األيديولوجية واملادية‪.‬‬ ‫هدم روما من الداخل أم ٌر‬ ‫دو ُر املسيحيني يف‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫بقِّه‪ .‬فإذ ما‬ ‫مؤكد‪ ،‬رغم استمرار السجال حِ َ‬ ‫ُ‬ ‫األصول اليهودي ُة لسيدنا‬ ‫ُو ِض َعت نصب العني‬ ‫عيسى كأو َل مسيحي‪ ،‬يَغدو دور اجلناحِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫هدم روما ـ ولو ليس كلياً ـ أمراً ال‬ ‫اليهودي يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫دم‬ ‫يَقبَ ُل اجلدل‪ .‬هكذا يَكو ُن قد أ ِخ َذ ِ‬ ‫بالثأر هِل ِ‬ ‫املعبَدَين(املعبد مبثاب ِة القدس عاصمة اليهود)‪.‬‬ ‫رأس سانت باول يف روما كان‬ ‫علماً أن قَط َع ِ‬ ‫لن يَبقى دون مقابل(من مواليد طرسوس‪ ،‬ومن‬ ‫املسيحيني األوائل‪ .‬يتصدر النا ِظمني لتعاليم‬ ‫لب آالف املسيحيني‪،‬‬ ‫املسيحية)‪ .‬وما َص ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وإطعا ُمهم لقم ًة سائغة لأل ُسود‪ ،‬وإبادتهم‬ ‫سوى كجزءٍ من مقاوماتهم‪ .‬أي أن أول محل ٍة‬ ‫ناجح ٍة للشتات(الدياسبورة) كانت سوف‬ ‫تتحقق مع استخدام املسيحية باعتبارها قوةً‬ ‫معنوي ًة اسرتاتيجية‪ .‬هذا وباإلمكان القول‬ ‫ـ وبكل سهولة ـ أن هد َم روما من الداخل‬ ‫هو موضوعياً حمصل ٌة ألو ِل حلمل ٍة معنوي ٍة‬ ‫اسرتاتيجي ٍة كربى للشتات اليهودي‪ .‬ال ريب‬ ‫قبائل اجلرمان واهلون والفرانغيني‬ ‫أن ِ‬ ‫غارات ِ‬ ‫يف أوروبا أيضاً هلا تأثريها البالغ يف ذلك‪ .‬مع‬ ‫ذلك‪ ،‬فاملؤثرات الداخلية هي حُ َ‬ ‫املدِّدة‪.‬‬ ‫كانت انطالق ُة اليهودي ِة الغربي ِة لمِ ا بع َد روما‬ ‫سوف تتنامى ضمن الواقع املادي مع تأسيس‬ ‫املدن(الثورة األوروبية األوىل بدءاً من القرن‬ ‫العاشر امليالدي) وتَ َط ُّو ِر السوق حوهلا‪.‬‬

‫حتليل‬

‫‪23‬‬

‫ُ‬ ‫شعرت‬ ‫هلذا السبب بالذات‬ ‫بضرور ِة تناو ِل املوضوع‬ ‫شكل خمطو ٍط بناءً على‬ ‫على ِ‬ ‫ُ‬ ‫فالتحليالت احمللية‬ ‫أهميته‪.‬‬ ‫والكونية على السواء‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫سليمة ومثمرةً‬ ‫ميكن أن تَ ُكون‬ ‫بالشكل الكايف‪ ،‬ما مل يتم وضع‬ ‫ِ‬ ‫نصب العني‬ ‫الواقع اليهودي َ‬

‫فتَصا ُع ُد العالق ِة بني السلعة ـ املال ـ التجارة‪،‬‬ ‫سوف يُك ِس ُب اليهو َد قدرةَ‬ ‫القيام باحلملة‬ ‫ِ‬ ‫االسرتاتيجية الثانية‪ ،‬أي الدور االسرتاتيجي‬ ‫بالدور الفعال‬ ‫للمال‪ .‬وسيادةُ املا ِل تعين تمَ​َيُّ َزه ِ‬ ‫ً‬ ‫كم‬ ‫كم املدينة نصفا بنصف‪ ،‬وبالتالي‪ُ ،‬ح ِ‬ ‫يف ُح ِ‬ ‫الدول اجلديدة املتنامية‪ .‬كما أن غزوَ أوروبا‬ ‫معنويّاً(جعله مسيحياً) قد اكتَ َم َل أصالً اعتباراً‬ ‫من القرن العاشر‪ .‬هذا الغزو سيؤثر يف اليهود‬ ‫بطرق‬ ‫جبوانبه اإلجيابية والسلبية على السواء ٍ‬ ‫ُملتَ ِوية‪ .‬جانبه اإلجيابي يتمثل يف أن ديناً‬ ‫إبراهيمياً قد فَتَ َح أوروبا‪ .‬بينما جانبه السليب‬ ‫ناق تدرجيياً على املوسوية‬ ‫هو ِضي ُق ا ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫بوصفها ديناً قَبَلياً ضيقاً(ديناً يهودياً خمتاراً)‪.‬‬ ‫تأثريات‬ ‫وأوروبا الدُنيَ ِويّة والقَبَلية سوف تَش َه ُد‬ ‫ِ‬ ‫أن قوةَ املوسوي ِة املعنوي َة وقوةَ املا ِل اليهوديةَ‬ ‫نان وراء العديد من القضايا واألزمات اليت‬ ‫تَك ُم ِ‬ ‫عانتها حتى عهد هتلر‪ ،‬بل وإىل يومنا الراهن‬ ‫جملس املسيحية الكاثوليكية يف‬ ‫أيضاً‪ .‬وقرا ُر‬ ‫ِ‬ ‫حبس اليهو ِد ضمن املعسكرات ألول مرة عام‬ ‫ِ‬ ‫‪ 1179‬م نتيج ٌة هلذا التأثري‪.‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫اعتباراً من القرن العاشر َش ِهدَت اليهودي ُة‬ ‫متواصل بوصفها القوةَ االسرتاتيجي َة‬ ‫حال َة مناءٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألوروبا(مبا يف ذلك روسيا أيضاً) أيديولوجياً‬ ‫ومتنو ٍر يف ِّ‬ ‫ومادياً على السواء‪ُّ .‬‬ ‫كل‬ ‫فكل ثَ ِر ٍّي ِّ‬ ‫يهودي حتماً‪ .‬لذا‪ ،‬ال مفر من أ ْن يَ َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ؤول‬ ‫مدينة‬ ‫َ‬ ‫والنزاعات‬ ‫والتناقضات‬ ‫د‬ ‫س‬ ‫حل‬ ‫ا‬ ‫إىل‬ ‫ع‬ ‫الوض‬ ‫هذا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫الكربى‪ .‬واملعسكرات(الضواحي املنغلقة)‬ ‫تُنَبِّ ُئ مبا سيجري الحقاً‪ .‬واليهودي ُة ستَ ُصو ُغ‬ ‫وتكتيكات جديدةً َ‬ ‫حيال هذا‬ ‫اسرتاتيجيات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الوضع اجلديد أيضاً‪ .‬أُوالها حرك ُة»ال ّردّة»‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬ثانيتُها حرك ُة «العلمانية ـ الدنيَ ِويّة»‪.‬‬ ‫ِكلتاهما حركتان ستتمخضان عن نتائج‬ ‫كربى‪ .‬واليهود سيَنفُ ُذون من العصور الوسطى‬ ‫بنجاح عرب هاتَني احلملتَني االسرتاتيجيَّتَني‪.‬‬ ‫ينبغي عدم النسيان أن االرتداد عن الدين‬ ‫القديم كان احلمل َة االسرتاتيجي َة األوىل اليت‬ ‫قامَ بها إبراهيم وموسى‪ .‬باملستطاع بكل يُسر‬ ‫تقيي َم هذا النفاذ واخلروج باحلملة املعنوية‬ ‫االسرتاتيجية‪.‬‬ ‫باملقدور التفكري باحملافل املاسونية اليت‬ ‫أسسها املعماريون اليهود األخصائيون يف‬ ‫العصور الوسطى بأنها أول حرك ٍة دنيَ ِويّ ٍة ـ‬ ‫ُ‬ ‫الفيلسوف العظيم سبينوزا ذو‬ ‫علمانية‪ .‬أما‬ ‫األصول اليهودية‪ ،‬فسوف يصبح الرائد ألو ِل‬ ‫انطالق ٍة فلسفي ٍة دنيَ ِويّ ٍة ـ علمانية كربى يف‬ ‫أمسرتدام‪ ،‬اليت تُ َع ُّد إحدى املعابد األوىل‬ ‫للحداث ِة الرأمسالية‪ .‬العلماني ُة إحدى مواضيع‬ ‫اجلدل الكثيف الدائر يف البلدان املسماة‬ ‫باإلسالمية‪ ،‬وعلى رأسها تركيا(أنا‪ ،‬ومثلما‬ ‫التسميات اليت من قَبيل اجملتمع أو‬ ‫أرى أن‬ ‫ِ‬ ‫البلد الرأمسالي أو االشرتاكي دعائية‪ ،‬فإني‬ ‫أَعتَبرِ ُ تسمي َة البلدان بالعلمانية أو اإلسالمية‬ ‫أو املسيحية أو البوذية مندرج ًة ضمن املآرب‬ ‫نعت اجملتمعات على النحو‬ ‫عينها‪ .‬بينما أرى َ‬ ‫«اجملتمع األخالقي والسياسي‪ ،‬واجملتمع‬ ‫غري األخالقي وغري السياسي» أكثر واقعية)‪.‬‬ ‫للعلماني ِة وظيف ٌة إجيابية مبعناها الدنيوي من‬ ‫حيث االبتعاد عن الدوغمائية الدينية والتحرر‬ ‫منها‪ .‬لكن‪ ،‬عندما تُستَخ َد ُم العلماني ُة مبعنى‬ ‫التيار أو النزعة العلمانية التعصبية‪ ،‬فسرعا َن‬ ‫طب مضاد‪ .‬إني‬ ‫ما تَغدو بذاتها دوغمائي ًة كقُ ٍ‬ ‫ُمر َغ ٌم على اإلشارةِ بأهمية إىل ضآل ِة الفرق بني‬ ‫النزع ِة العلماني ِة مبعناها هذا والنزعات الدينية‬ ‫التعصبية األخرى‪ .‬وحرك ُة الردة(االرتداد عن‬ ‫الدين) أيضاً ستتسارع وتريتُها مع تَ َط ُّو ِرها‬ ‫على حساب اليهودية‪ .‬قبل االستطراد يف‬ ‫وضع اليهودية خالل عهد الدولة القومية‪،‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪24‬‬

‫سيَقتَضي األم ُر التطر َق إىل اجملريات احلاصلة‬ ‫يف الشرق األوسط والشرق أيضاً‪ ،‬نظراً لتأثريها‬ ‫الكبري واجلاذب لألنظار‪.‬‬ ‫لليهودي ِة عالقاتُها الطيبة مع الدولة الربسية‬ ‫ـ الساسانية حتى العهد اإلسالمي‪ .‬يَبدو أن‬ ‫تأثريَهم بال ٌغ يف القصور آنذاك‪ .‬ومعلو ٌم أن‬ ‫مسها أسرت هلا دو ٌر عظي ٌم‬ ‫النبية األوىل اليت ا ُ‬ ‫يف القصور الساسانية‪ .‬وهلا مكانتُها يف الكتاب‬ ‫املقدس أيضاً‪ .‬هذا ويَغلُ ُب ُّ‬ ‫شأن‬ ‫الظن أنهم ذوو ٍ‬ ‫وطي ٍد داخل اإلمرباطورية‪ ،‬سواءً يف الشؤون‬ ‫التجارية – املالية أم يف منائها األيديولوجي‪.‬‬ ‫مؤس ُس الربسيني بإنقاذ اليهود‬ ‫وقيا ُم كريوس ِّ‬ ‫من قبض ِة نبوخذ نصر حا ِك ِم بابل أثناء السيب‬ ‫البابلي(‪ 596‬ـ ‪ 546‬ق‪.‬م) له تأثريه البليغ‬ ‫خلق شريع ٍة راسخة‪ .‬ظلت اليهودي ُة دوماً‬ ‫يف ِ‬ ‫َ‬ ‫قوةً ال ميكن االستهانة بها على مر التاريخ‬ ‫ضمن الساحة اإليرانية‪ .‬كما احتَلَّت اليهودي ُة‬ ‫تارخيياً مكان ًة هام ًة باستمرار ومبنوا ٍل مشاب ٍه‬ ‫يف بالد العرب وأفريقيا الشمالية‪ ،‬بل وحتى‬ ‫يف أفريقيا الشرقية ـ احلبشة‪ .‬إذ ال ميكن‬ ‫االستخفاف بتأثرياتهم يف املستجدات‬ ‫والتطورات الثقافية املادية واملعنوية بأكملها‪.‬‬ ‫كان اليهود حيتلون مرتب َة الصدارة يف بالد‬ ‫العرب خالل عهد االنطالقة اإلسالمية‬ ‫بوصفهم جمموع ًة ديني ًة جتارية‪ .‬كما كانوا‬ ‫لك يف األراضي اخلصيبة‪ .‬يَلُو ُح‬ ‫َ‬ ‫أصحاب ُم ٍ‬ ‫غري‬ ‫أنهم كانوا يف مقدم ِة‬ ‫ِ‬ ‫اجملموعات الساميّ ِة ِ‬ ‫وضع‬ ‫العربية‪ .‬هذا‬ ‫وباإلمكان احلديث عن ٍ‬ ‫ً‬ ‫مشاب ٍه للسريانيني أيضا حينذاك‪.‬‬ ‫كان العرب يتطلعون مبعنى من املعاني إىل‬ ‫تأسيس احتكارهم التجاري والسلطوي مكا َن‬ ‫االحتكار اليهودي مع بدء االنطالقة‬ ‫اإلسالمية‪ .‬وتأثُّ ُر اإلسال ُم باليهودية بدرج ٍة‬ ‫بليغة يُؤَيِّ ُد صح َة ذلك‪ .‬باملقدور تشبي َه هذا‬ ‫الوضع بتشييد الدولة القومية يف احلداثة‬ ‫الرأمسالية‪ .‬فالعرب يَ ُردُّون باإلسالم على‬ ‫حداث ِة العصور الوسطى‪ .‬هذا هو الواقع الكام ُن‬ ‫وراء التناقضات األيديولوجية واملادية مع‬ ‫اليهود واليهودية‪ .‬كما ينبغي اإلشارة إىل أن‬ ‫الطبقي أدى دوراً هاماً يف انطالق ِة‬ ‫البُع َد‬ ‫َّ‬ ‫بقدر ما أداه البُعد األثين‪ .‬فمقابلَ‬ ‫اإلسالم‪ِ ،‬‬ ‫َ‬ ‫سر شوك ِة مقاوم ِة‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫السريع‬ ‫اإلسالم‬ ‫انتشار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بصرامة‪ ،‬كانوا وكأنهم وجهاً‬ ‫اليهو ِد األوىل‬ ‫لوج ٍه أمام فاجع ِة روما الثانية‪ .‬كان أمامهما‬ ‫والنفي جمدداً‪ ،‬أو‬ ‫يب‬ ‫طريقان‪ :‬إما الس ُ‬ ‫ُ‬ ‫«االرتداد»‪ .‬باإلمكان التخمني أن قسماً منهم‬ ‫ال َذ إىل إيران وأفريقيا الشمالية وبالد‬

‫حتليل‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫ٌ‬ ‫معروف أنه مت التوجه صوب‬ ‫الدولة القومية اإلنكليزية‬ ‫يف ذاك القرن‪ .‬وكما هو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫القومية‬ ‫فالدولة‬ ‫معلوم‪،‬‬ ‫ليست منحصرةً يف كوادر‬ ‫الدولة وحسب‪ ،‬بل إن مجيع‬ ‫املواطنني وكوادر الدولة‬ ‫يتشاطرون إطاراً أيديولوجياً‬ ‫مشرتكاً(كما الدين)‪ ،‬حبيث‬ ‫اجملتمع برمته‬ ‫تعين اعتبا َر‬ ‫ِ‬ ‫عضواً وموا ِطناً للدولة‬ ‫األناضول‪ .‬هذا ومثة العديد من األمثلة الدالَّ ِة‬ ‫على أن قسماً هاماً منهم كانوا زنادقة اعتَنَقوا‬ ‫اإلسالمَ ظاهراً ورفضوه باطناً‪ ،‬أي أنهم‬ ‫َجنَحوا إىل ال ّردّة‪ .‬كما ميكن التخمني بقوة‬ ‫بدور ال ّردّة يف حرك ِة التمردات واملذاهب‬ ‫ِ‬ ‫ا َ‬ ‫السنَّة‬ ‫جل ّمة املتطورة إزاءَ‬ ‫سلطات العرب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫نصيب اليهود يف العديد من‬ ‫الشوفينيني‪ .‬أما‬ ‫ُ‬ ‫املعارضة النابعة من إيران‬ ‫التيارات‬ ‫ِ‬ ‫وميزوبوتاميا‪ ،‬فهو خلي ٌق بالبحث والتمحيص‪.‬‬ ‫أما التطور اجلدي على اإلطالق فكان الدول َة‬ ‫الرتكية ا َ‬ ‫خل َزري َة اليهودي َة اليت أسسوها على‬ ‫الشواطئ الشمالية من حبر اخلزر‪ ،‬واليت‬ ‫ترُ‬ ‫وقسم من‬ ‫تتواجد فيما يُع َرف اليوم بِ كمانستان ٍ‬ ‫أذربيجان‪ .‬هذا ويُروى أن سلجوق بيك ‪ ،‬أول‬ ‫أجداد السالجقة‪ ،‬كان حيتل منصب القيادة‬ ‫يف تلك الدولة‪ .‬وكو ُن أمساءِ أوالده األربعة‬ ‫يهودي َة األصل يُ َع ِّز ُز مصداقي َة هذه الرواية‪.‬‬ ‫إ ْن كان هذا صحيحاً‪ ،‬فال ميكن استصغارَ‬ ‫دور اليهود يف احلرك ِة السلجوقية‪ ،‬مثلما‬ ‫ُِ‬ ‫احلال يف العديد من احلركات اليت َط َّوروها‬

‫ضد السلطنات العربية عن طريق إيران‪ .‬إنه‬ ‫هام يستحق البحث‪ .‬كانت‬ ‫موضو ٌع ُّ‬ ‫جد ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫األناضول مركزاً جديا لليهودية منذ العصور‬ ‫القدمية‪ .‬حيث َّ‬ ‫احتل اليهو ُد أيضاً أماكنهم يف‬ ‫تشييد العديد من مدائنها كما اإلغريق‪ .‬وكان‬ ‫التنافس دائراً بينهما‪ .‬فاليهو ُد الذين ضا َق‬ ‫خلنا ُق يف الغرب وبالد العرب‪ ،‬من‬ ‫عليهم ا ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫التقليدي أن يَل ُّموا مشلهم يف بالد األناضول‪.‬‬ ‫وعلى ضوء هذه اإلرشادات التارخيية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كون‬ ‫بنحو أفضل دواف َع ِ‬ ‫باإلمكان اإلدراك ٍ‬ ‫األناضول َمهدَهم الثاني بعد إسرائيل‪ .‬فضالً‬ ‫سوق وطيدةٍ‬ ‫عن أن األناضول كانت مبثاب ِة ٍ‬ ‫للحركات التجارية ـ املالية واأليديولوجية‪،‬‬ ‫بدور اليهود يف ذلك‬ ‫حيث ال ميكن االستهان َة ِ‬ ‫أيضاً‪.‬‬ ‫معلو ٌم أن اليهود استقروا يف بالد األناضول‬ ‫طريق إسبانيا‬ ‫شكل‬ ‫ٍ‬ ‫على ِ‬ ‫موجات متوالية عن ِ‬ ‫خالل أعوام ‪ 1391‬و‪ 1492‬و‪ .1550‬وإذ ما‬ ‫نصب العني الشأ ُن الوطي ُد الذي اتسموا‬ ‫ُو ِض َع َ‬ ‫به يف السلطنات السلجوقية والعثمانية‪،‬‬ ‫حنو أفضل مدى احتالهلم‬ ‫فسيُف َه ُم على ٍ‬ ‫مكان ًة جذري ًة يف ذلك‪ .‬عالوةً على أنه كانت‬ ‫قد تَ َش ِّكلَت كتل ٌة غفري ٌة من املسلمني املرتدين‪.‬‬ ‫كما كانت اإلسباتية تؤدي دوراً بال َغ األهمية‬ ‫منذ أعوام ‪(1650‬حركة ارتدادية منيعة تنبع‬ ‫من إزمري ـ مانيسا)‪ .‬ومن املعلوم مدى تأثريهم‬ ‫يف سياسات العثمانيني بصدد املال والشؤون‬ ‫املالية‪ .‬رمبا كانوا مبثاب ِة املَُعلِّمني العا ِملني‬ ‫تعليم أهمية املال والتجارة‪ .‬هذا وال ميكن‬ ‫على ِ‬ ‫إنكار دورهم يف تعيني أو اإلطاح ِة بالعديد من‬ ‫السالطني‪ ،‬بالرغم من مرورهم بالتناقضات‬ ‫اجلدية ومصادَرة أمواهلم وأمالكهم بني الفينة‬ ‫واألخرى‪.‬‬ ‫يَبدو فيما يَبدو أن حرك َة ال ّردّة باتت االنطالق َة‬ ‫االسرتاتيجي َة الكربى الثالثة يف سبيل احلفاظ‬ ‫على بقاءِ اليهودي ِة‪ .‬ذلك أنه كان من حُ‬ ‫املال‬ ‫عليهم االستمرار بوجودهم دون ظاهرة الردة‪،‬‬ ‫سواءً داخل األغلبية املسلمة يف الشرق‪ ،‬أو بني‬ ‫صفوف األغلبية املسيحية يف الغرب‪ .‬ينبغي‬ ‫استيعاب ال ّردّة على أنها اسرتاتيج ُة حياة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فطاملا أن الدوغمائي َة الديني َة ال تتيح اجملالَ‬ ‫مهرب عندئ ٍذ‬ ‫حلري ِة التعبري والرأي‪ ،‬فال‬ ‫َ‬ ‫ظهور ميو ِل الردة واالرتداد‪ ،‬مثلما هي‬ ‫من ِ‬ ‫احلال يف األيديولوجيات املشابهة‪ .‬واليهو ُد‬ ‫نجحون‬ ‫بهذه االسرتاتيجيات الثالث اهلامة يَ َ‬ ‫التعرض لإلبادة التامة يف‬ ‫اخلالص دون‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غضون العصور الوسطى‪.‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫من املهم مبكان عدم النظر إىل املال من زاوية‬ ‫املنفعة املادية وحسب‪ .‬بل هو يُؤَ ِّم ُن هلم‬ ‫َ‬ ‫بفضل القوةِ‬ ‫تأسيس حياتهم واالستمرارَ فيها ِ‬ ‫وبفضل تكوينهم القوةَ‬ ‫اليت مينحهم إياها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األيديولوجية ينجحون يف بس ِط تأثريهم والبقاء‬ ‫آن معاً من خالل األساليب‬ ‫على قيد احلياةِ يف ٍ‬ ‫ُ‬ ‫املعنوية‪ .‬ووفرةُ تعداد املتنورين والكتّاب‬ ‫واملفكرين واأليديولوجيني والعلميني العظماء‬ ‫لدى اليهود مرتبط ٌة عن كثب مبنزل ِة الريادة‬ ‫املعنوية اليت طاملا شعروا باحلاجة املاسة هلا‬ ‫على مر التاريخ‪ .‬كما أن تطويرَهم العدي َد من‬ ‫احلركات الدينية والفلسفية والعلمية ضرور ٌة‬ ‫من ضرورات اسرتاتيجيتهم يف احلياة‪ ،‬واليت‬ ‫ال غنى هلم عنها‪.‬‬ ‫أما اسرتاتيجي ُة ال ّردّة‪ ،‬فسوف تُ ِرب ُز أهميتَها‬ ‫العظمى أساساً يف عهد الدولة القومية‪.‬‬ ‫فهم‬ ‫وتتميز إنكلرتا‬ ‫بأهمية املفتاح يف ِ‬ ‫املوضوع‪ ،‬باعتبارها َ‬ ‫أول دول ٍة قومية‪ .‬ف َملِكا‬ ‫إسبانيا وفرنسا‪ ،‬القوتَني العظيمتَني اللتَني‬ ‫متارسان النف َي واجملازرَ حبق املسيحيني‬

‫حتليل‬

‫‪25‬‬

‫الربوتستانتيني ذوي األصول الكاثوليكية‬ ‫وحبق اليهود أيضاً على السواء؛ كانا يبذالن‬ ‫جهوداً عظمى ـ مبا فيها شن احلروب ـ يف‬ ‫القرن السادس عشر ألجل ِّ‬ ‫تأثري إنكلرتا‬ ‫شل ِ‬ ‫يف أوروبا وعرقل ِة انطالقتها‪ .‬وإىل جانب ترابُ ِط‬ ‫بعالقات وثيق ٍة(كما هناك‬ ‫اليهود فيما بينهم‬ ‫ٍ‬ ‫نشاطات التحالف بني تلك القوى الثالث‬ ‫أيضاً) خالل هذا القرن(القرن السادس عشر)‬ ‫على خط إزمري األناضول وأمسرتدام هولندا‬ ‫ولندن إنكلرتا‪ ،‬كونها األماكن اليت ميكنهم‬ ‫اإلحساس فيها باألمان أكثر؛ إال أنهم كانوا‬ ‫سيَختارون لندن موقعاً مركزياً هلم بالتدريج‪.‬‬ ‫وستحاف ُظ لندن على مكانتها هذه منذ ذاك‬ ‫احلني إىل يومنا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫معروف أنه مت التوجه صوب الدولة القومية‬ ‫اإلنكليزية يف ذاك القرن‪ .‬وكما هو معلوم‪،‬‬ ‫فالدول ُة القومي ُة ليست منحصرةً يف كوادر‬ ‫الدولة وحسب‪ ،‬بل إن مجيع املواطنني‬ ‫وكوادر الدولة يتشاطرون إطاراً أيديولوجياً‬ ‫مشرتكاً(كما الدين)‪ ،‬حبيث تعين اعتبارَ‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫اجملتمع برمته عضواً وموا ِطناً للدولة‪ .‬هذه‬ ‫ِ‬ ‫اخلاصي ُة بالذات ليست سوى اخلاصي َة اليت‬ ‫تمَ​َيَّ َزت بها القبيلة العربية منذ بداياتها على‬ ‫شكل‬ ‫قوم يف البداية‪ ،‬لتتصاعد إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫شكل ٍ‬ ‫القومية فيما بعد‪ .‬أي أن القبيلةَ‬ ‫الدولة‬ ‫ٌ‬ ‫العربي َة بقومها ثم أمتها ٌّ‬ ‫متكامل على‬ ‫كل‬ ‫ً‬ ‫آن معا‪ .‬أو‬ ‫الصعيدَين األثين والديين يف ٍ‬ ‫باألحرى‪ ،‬فالنزع ُة األثنية نزع ٌة دينية يف‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬والنزع ُة الديني ُة نزع ٌة أثنية‬ ‫أيضاً‪ .‬فضالً عن أنهما تتحدان يف اهلدف‬ ‫املشرتك‪ ،‬بغض النظر عن الفصل بني احلاكم‬ ‫واحملكوم‪ .‬وبالعربي ِة الفصحى(هذا تفسريي‬ ‫الشخصي اخلاص‪ ،‬وأَعتَبرِ ُه هاماً للغاية)‪،‬‬ ‫فنزع ُة الدول ِة القومية ليست سوى ٌ‬ ‫شكل ُم َط َّو ٌر‬ ‫كاشتقاق منه‪،‬‬ ‫من أيديولوجي ِة القبيلة العربية‬ ‫ٍ‬ ‫حبيث باتت مفروض ًة على مجيع األقوام‬ ‫واألمم اليت عداها‪ ،‬بعد تعديلها وتكييفها‬ ‫معها‪.‬‬ ‫تنظي ُم الدول ِة العصرية الرأمسالية لنف ِسها على‬ ‫من ِط العربيني واليهود(إسرائيليي اليوم)‪،‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪26‬‬

‫يتبدى يف هيئ ِة الدولة القومية‪ .‬واألهم من‬ ‫ُ ِّ‬ ‫يهودي‬ ‫طابع‬ ‫ٍّ‬ ‫ذلك‪ ،‬نواة كل دولة قومية ذات ٍ‬ ‫صهيوني(النزعة اليهودية للدولة القومية)‬ ‫باملعنى األيديولوجي‪ ،‬ال العرقي‪ .‬أي أن منوذ َج‬ ‫الدولة القومية هو شك ُل الدول ِة الذي تتخذه‬ ‫اليهودي ُة يف احلداثة الرأمسالية‪ .‬رمبا جَتاوَ َز‬ ‫اعتباره الرأمسالي َة‬ ‫احلد لدى‬ ‫فرنر سومبارت َّ‬ ‫من إجناز النزعة اليهودية‪ .‬وقد ِأراد فيلسوفُ‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ اإلنكليزي العظيم كوولينوود(على ما‬ ‫أعتقد) التعبريَ عن هذه احلقيقة بقوله لدى‬ ‫تعريف قوموية الدولة القومية‪«:‬لقد نالت‬ ‫الكوني ُة اليهودي ُة املطلق ُة(وباإلمكان القول‬ ‫أيديولوجيتها) النصرَ‪ ،‬ولكن متجسدةً يف‬ ‫إبادتهم العرقية»‪ .‬أي أن الدولة القومية نالت‬ ‫النصر‪ .‬واأليديولوجي ُة اليهودي ُة(قَبَلِيَّتُها‪،‬‬ ‫أساس‬ ‫قومويتُها‪ ،‬وصهيونيتُها) تكمن يف‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‪ .‬ولكنها وَلَّدَت معها إبادتَها العرقية يف‬ ‫هام يف حقيق ِة‬ ‫آخ ِر املطاف‪ .‬هذا‬ ‫ُ‬ ‫التشخيص ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫األمر‪ ،‬إذ يُوَ ِّض ُح خاصية عامة‪ :‬كل قوموي ٍة‬ ‫هي صهيونية‪ .‬والقوموي ُة العروبي ُة أيضاً‬ ‫صهيوني ٌة يف هذه احلال‪ .‬من هنا‪ ،‬لن يَكو َن‬ ‫خطأً ُ‬ ‫تعريف القومويات الفلسطينية‪ ،‬الرتكية‪،‬‬ ‫الكردية‪ ،‬اإليرانية ـ الشيعية مجيعها بأنها‬ ‫مضموناً ُ‬ ‫أشكال األيديولوجي ِة اليهودي ِة املُ َطبِّقَ ُة‬ ‫على ي ِد االحتكارات القومية قبل كل شيء‪.‬‬ ‫أصالً‪ ،‬لدى البحث والتمحيص يف قوموي ِة‬ ‫الدولة القومية اإلنكليزية واهلولندية‪،‬‬ ‫ري لالحتكارات اليهودية‬ ‫فسي َ‬ ‫ُالح ُظ الدو ُر الكب ُ‬ ‫ً‬ ‫ورأس مال يف منائها وتصا ُع ِدها‬ ‫بوصفِها ماال َ‬ ‫بشكل يَلفُ ُت األنظار‪ ،‬ليس نظرياً وحسب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بل وميدانياً أيضاً‪.‬‬ ‫يتوجب عدم النظر إىل ذلك بأنه مؤامرة أو نوايا‬ ‫ضامرة‪ُّ .‬‬ ‫حائز باألكثر على رأس‬ ‫فكل ِ‬ ‫تاج ٍر ٍ‬ ‫أصحاب‬ ‫املال يف حوزته‪ ،‬واليهو ُد بوصفهم‬ ‫َ‬ ‫بنوك؛ كانوا حَي َظون بساح ٍة من االستثمار‬ ‫تشكيل كل دولة‬ ‫واللجوء األعظميَّني أثناء‬ ‫ِ‬ ‫قومية‪ .‬فالدول ُة القومي ُة كانت متهد الطريق‬ ‫أمام ُّ‬ ‫تضخ ِم رأس املال اليهودي كالتيهور‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ولو أن فرنر سومبارت أ َ‬ ‫وض َح نظريتَه بهذا‬ ‫املنوال‪ ،‬لَكان بإمكانه أ ْن يَ ُكون أكثر واقعية‪.‬‬ ‫ولدى تعا ُظ ِم رأس املال اليهودي على الصعيد‬ ‫العاملي‪ ،‬فسوف تُنتِ ُج ِضدَّها أيضاً بطبيع ِة‬ ‫والتناقضات الراهن ُة بني االحتكارات‬ ‫احلال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫القومية واالحتكار العابر للقوميات(فوقومي)‬ ‫َ ُ‬ ‫بوضع‬ ‫ينت ِهل منب َعه من هذا الواقع‪ .‬إذ ما قمنا ِ‬ ‫املضايَقات اليت عاناها ُمرا ِكمو رأس املال‬ ‫نصب العني على الدوام‪،‬‬ ‫اليهودي تارخيياً َ‬

‫حتليل‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫فيَتَبَدَّى ِّ‬ ‫بتقديم خدماتِهم‬ ‫بكل شفافية أنهم‬ ‫ِ‬ ‫تشكيل الدولة القومية تأسيساً‬ ‫التارخيي ِة يف‬ ‫ِ‬ ‫على نهجهم األيديولوجي التقليدي‪ ،‬كانوا‬ ‫موضوعياً يُ ِعدُّون األرضي َة املنا ِسب َة لإلبادةِ‬ ‫العرقية على اجلماعات اليهودية اليت ال‬ ‫ِعلمَ هلا بكل ذلك وجيب أال تُعتَبرَ​َ مسؤول ًة‬ ‫عنه‪ .‬إن هذا يُ َذ ِّك ُر قليالً مبثا ِل سيدنا عيسى‬ ‫ويهوذا اإلسخريوطي الذي وَشا به‪ .‬فاليهو ُد‬ ‫الذين استَنفَروا ثقافاتهم املادية واملعنوية يف‬ ‫سبيل تطوير الدولة القومية األملانية ُقراب َة‬ ‫ثالث ِة حباهلا(مل تُشبِه األيديولوجي ُة األملاني ُة‬ ‫وس ً‬ ‫دى)‪ ،‬كانوا‬ ‫األيديولوجي َة اليهودي َة هباءً ُ‬ ‫راصاً‬ ‫القومويني األملان األكثر حصان ًة وتَ ّ‬ ‫حتى عه ِد هتلر‪ .‬كما كان أعتى القومويني‬ ‫الصهيونيني ممثلني أشداء عن القوموية األملانية‬ ‫أيضاً من نواحي عديدة‪ .‬هذا وباملستطاع‬ ‫عرض العديد من األمثلة الشبيهة(وباألخص‬ ‫واقع روسيا وتركيا العثمانية امللموس)‪ .‬لقد‬ ‫يف ِ‬ ‫انتَ َصرت الكوني ُة اليهودي ُة املطلق ُة(قومويتُها‪،‬‬ ‫فلسفتُها الوضعية‪ ،‬ديانويتُها) اليت أشارَ إليها‬ ‫كوولينوود‪ ،‬ولكن‪ ،‬ليس بتوليدها لإلبادة‬ ‫العرقية اليهودية وحسب‪ ،‬بل وبإنتاجها‬ ‫الإلبادات اجلسدية والثقافية احلاصلة يف‬ ‫العامل أمجع‪ .‬ينبغي اإلمعان يف املوضوع عن‬ ‫كثب أكثر‪ ،‬نظراً ألهميته‪.‬‬ ‫هويات اجملتمع‬ ‫اليهودي ُة رمبا من أُوىل أمثل ِة‬ ‫ِ‬ ‫التارخيي اليت تَ َ‬ ‫داخلَت فيها اخلاصيات‬ ‫ً‬ ‫األثنية والدينية أيديولوجيا‪ .‬وال تفتأ تَ ُصو ُن‬ ‫خاصيتها هذه منذ عه ِد سيدنا إبراهيم إىل‬

‫حاضرنا‪ .‬وبإضاف ِة عقيدةِ «القوم املختار»‬ ‫أيضاً إليها‪ ،‬ستن َك ِش ُف آنئ ٍذ اخلاصي ُة الثالث ُة‬ ‫اهلامة أليديولوجيتهم يف رؤي ِة نفسهم فو َق كل‬ ‫ظل مشحوناً‬ ‫التفو ِق هذا َّ‬ ‫اجملتمعات‪ .‬ومفهو ُم ُّ‬ ‫طيل َة السياق التارخيي مبهالِك جعلِهم وجهاً‬ ‫لوجه جتاه اجملتمعات املغايرة(األخرى)‪،‬‬ ‫وغالباً ما مَ​َّ‬ ‫حد اإلبادة‬ ‫ن عن‬ ‫نزاعات بل َغت َّ‬ ‫ٍ‬ ‫العرقية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كمجتمع‬ ‫لَطاملا صانت اليهودية خاصيتها‬ ‫ٍ‬ ‫أيديولوجي مت َط ِّو ٍر ارتباطاً بهذا التناقض‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫تطوير‬ ‫وطبيعياً بَقَوا ُمر َغمني على‬ ‫ِ‬ ‫االسرتاتيجيات والوسائل التكتيكية اليت‬ ‫تحَ ميهم وتَصونهم‪ .‬واسرتاتيجيات الدفاع‬ ‫واحلماية ُمر َغم ٌة على التطور نظرياً‬ ‫ً‬ ‫ُكم بُنيَتِها‪ .‬بينما الوسائل‬ ‫وأيديولوجيا بحِ ٌ ِ‬ ‫التكتيكية معنية باألغلب بالقوةِ املادية‪،‬‬ ‫تتصدرها قوة املال والسالح‪ .‬ويف احلني الذي‬ ‫يُؤَ َّمن فيه ُ‬ ‫وامتالك‬ ‫املال عن طريق التجارة‬ ‫ِ‬ ‫البنوك‪ ،‬فقد ُط ِّو َر السال ُح باألكثر بوساطة‬ ‫التحديثات التقنية‪ .‬وقوةُ اليهود يف ِكال‬ ‫امليدانَني معلوم ٌة و ُم رَبهَنة‪ .‬لِنَ َد ْع جانباً العصورَ‬ ‫القدمي َة والوسطى يف هذا الشأن‪ ،‬بل لدى‬ ‫تَ َط ُّو ِر العصر احلديث‪ ،‬أي عصرنا ا َ‬ ‫حلداثي‪،‬‬ ‫االهتمام والعالق ِة‬ ‫إطار‬ ‫فسوف يَ ُكون ضمن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشعب األكثر‬ ‫القريب ِة مع اليهودية بوصفها‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫تنظيماً وخربةً على اإلطالق عامليا دون أدنى‬ ‫شك‪ .‬فلدى تَ َط ُّو ِر التَصا ُع ِد املهيمن للنظام‬ ‫الرأمسالي العاملي اعتباراً من القرن السادس‬ ‫عشر يف أوروبا الغربية‪ ،‬وباألخص بالتمحور‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫لليهودي ِة عالقا ُتها‬ ‫الطيبة مع الدولة الربسية‬ ‫ـ الساسانية حتى العهد‬ ‫ريهم‬ ‫اإلسالمي‪ .‬يَبدو أن تأث َ‬ ‫بال ٌغ يف القصور آنذاك‪ .‬ومعلو ٌم‬ ‫مسها‬ ‫أن النبية األوىل اليت ا ُ‬ ‫أسرت هلا دو ٌر عظي ٌم يف القصور‬ ‫الساسانية‪ .‬وهلا مكان ُتها يف‬ ‫الكتاب املقدس أيضاً‪ .‬هذا‬ ‫ويَغلُ ُب ُّ‬ ‫شأن‬ ‫الظن أنهم ذوو ٍ‬ ‫وطي ٍد داخل اإلمرباطورية‪،‬‬ ‫سواءً يف الشؤون التجارية‬ ‫ـ املالية أم يف منائها‬ ‫األيديولوجي‬ ‫ولندن إنكلرتا؛ فإن‬ ‫أمسرتدام هولندا‬ ‫حول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫القوةَ املالية واأليديولوجية اليهودية املتميزةَ‬ ‫مبنزل ٍة حصين ٍة اسرتاتيجياً سوف تلعب دوراً‬ ‫هاماً يف ذلك‪ .‬و َمن يبحث يف تلك الفرتة عن‬ ‫تشخيص ذلك‪.‬‬ ‫كثب لن يَلقى مشق ًة يف‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قد يَكون ُ‬ ‫َ‬ ‫وجدَت‬ ‫القول بأن اليهودية هي اليت أ َ‬ ‫الرأمسالي َة مبالغاً فيه(فرنر سومبارت)‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫ال ميكن إنكارَ األهمي ِة البالغ ِة لدورها يف ارتقائه‬ ‫إىل حال ِة النظام واكتسابِه القوةَ املهيمنة‪.‬‬ ‫الظاهرةُ اليت َح َّددَتها مجي ُع البحوث‬ ‫البنوك‬ ‫َ‬ ‫اجلارية تدل على أن التُّ َّجارَ‬ ‫وأصحاب ِ‬ ‫ِّ‬ ‫اليهود جالوا وعاثوا يف كل املدن واألسواق‬ ‫والبورصات واملعارض اهلامة‪ ،‬وعلى رأسها‬ ‫لندن وأمسرتدام‪ .‬والتزا ُم االقتصاد السياسي‬ ‫الصمت يف هذا املضمار‪ ،‬وتغاضيه عنه إمنا‬ ‫َ‬ ‫بدور التعمي ِة األيديولوجية‪ .‬إن عدم‬ ‫متعل ٌق ِ‬ ‫تنا ُو ِل املنشأ األثين والقومي لرتا ُك ِم رأس املال‬ ‫مبوضوع‬ ‫بشكل ملحو ٍظ يف التقييمات املعنية‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫االقتصاد السياسي ـ ويف مقدمتها كتاب رأس‬ ‫املال ملاركس ـ نقصا ٌن بال ُغ األهمية وحيث‬

‫حتليل‬

‫‪27‬‬

‫آن معاً‪ .‬كما أن القول‬ ‫على التفكري فيه بِ ُعمق يف ٍ‬ ‫الشعيب «ال دي َن أو إميان أو قومية لرأس املال»‬ ‫جد منيع ٍة‬ ‫خاطئ‪ .‬إذ أن رأس املال على ِصلَ ٍة ِّ‬ ‫قيام‬ ‫بالدين واإلميان والقومية‪ .‬بالطبع‪ ،‬لدى ِ‬ ‫بعض رجا ِل الدين واإلميان والقومية بإنشاءِ‬ ‫العديد من احتكارات رأس املال والسلطة‪،‬‬ ‫كان أغلبهم يت َع َّرضون لالستعمار مقاب َل ذلك‪.‬‬ ‫ساطع على ذلك هو الواليات‬ ‫ري مثا ٍل‬ ‫وخ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫املتحدة األمريكية يف راهننا‪ .‬إذ من املستحيل‬ ‫كون َسوا ِد رأمساليي الدين واإلميان‬ ‫إنكا َر ِ‬ ‫والقومية هم من هناك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا وال جدال أيضا على دور اليهودية‬ ‫يف إنشاء الصناعوية والدولة القومية‬ ‫باعتبارهما الدعامتَني األخ َريَتَني للرأمسالية‬ ‫واحلداثة(للحداث ِة الرأمسالية)‪ .‬فالتُّ َّجا ُر‬ ‫البنوك اليهود املوا ِظبني على تَقَ ُّد ِمهم‬ ‫ُ‬ ‫وأصحاب ِ‬ ‫منذ الثورةِ املديني ِة األوىل يف أوروبا(‪ 1050‬ـ‬ ‫‪ 1350‬م)‪ ،‬قد َحقَّقوا انطالقَتَهم ُمتَ َض ِّخمني‬ ‫أكثر يف عه ِد الرأمسالية التجارية فيما‬ ‫بني القرنَني اخلامس عشر والثامن عشر‪.‬‬ ‫وقد أَ َ‬ ‫الشرق‬ ‫جنزوا تَقَدُّماً مشابِهاً يف ُمدُن‬ ‫ِ‬ ‫أيضاً(القاهرة‪ ،‬حلب‪ ،‬دمشق‪ ،‬إزمري‪ ،‬تَربيز‪،‬‬ ‫أنطاكية‪ ،‬بغداد‪ ،‬إستنبول وغريها)‪ .‬وعندما‬ ‫َ‬ ‫رب ٍة‬ ‫معالُ الثورة الصناعية كساح ٍة ُم حِ‬ ‫تبَدَّت مِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نقل رؤوس األموال‬ ‫باألكثر‪ ،‬مل يَتوانوا عن ِ‬ ‫الطائلة اليت حبوزتهم إىل احلقل الصناعي‪ .‬ال‬ ‫ِ‬ ‫إليضاح ذلك كثرياً‪ُّ .‬‬ ‫مكان يرتفع‬ ‫داع َي‬ ‫فكل ٍ‬ ‫فيه معدَّل الربح‪ ،‬هو املكان الذي يَهجم عليه‬ ‫ليس هذا بالذات ما يُسمى‬ ‫رأس املال‪ .‬أَوَ َ‬ ‫بقانون الربح؟‬ ‫إذن‪ ،‬واحلال هذه‪ ،‬كيف ميكن االستخفاف‬ ‫أو عدم التشديد على أهمية الدور املتقدم‬ ‫الحتكارات رأس املال اليهودية يف احلداثة‪،‬‬ ‫سواء ذات الطابع الرأمسالي أم بوصفها‬ ‫نعت‬ ‫حداث َة الرأمسالية الصناعية؟ باملستطاع َ‬ ‫ذلك بالعماء األيديولوجي بكل يُسر‪ ،‬حتى‬ ‫ُوص ْف بالتحريف عن عَمد‪ .‬علماً أن‬ ‫وإ ْن مَل ي َ‬ ‫هذا الوض َع ليس ُجرماً بالنسبة لليهودية‪ .‬فقد‬ ‫تت َش َّك ُل االحتكارات التجارية والصناعية يف‬ ‫كل مجاعية قومية أو دينية أو أثنية‪ .‬املهم‬ ‫هنا هو الدو ُر االسرتاتيجي لالحتكارات‬ ‫اليهودية التجارية والصناعية‪ .‬فالتمويل‬ ‫أصالً قد نشأ يف أحضان االحتكار اليهودي‬ ‫أبدياً وأزلياً‪ .‬وامتنا ُع االقتصاد السياسي عن‬ ‫االحتكار التجاري والصناعي‬ ‫أواصر‬ ‫حتليل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واملالي مع األيديولوجيات عموماً(ال ميكن‬ ‫للّيربالية إال أن تَ ُكون مبثابة الدعاية) ومع‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫األيديولوجيات القوموية والديانوية والعلموية‬ ‫واجلنسوية على وجه اخلصوص؛ ال يتأتى‬ ‫من قلقه من «التَّ َشيُّؤ» مثلما يزعم‪ .‬بل‪ ،‬وعلى‬ ‫النقيض‪ ،‬فعد ُم التَّ َشيُّؤ مرتب ٌط حبال ِة عدم‬ ‫ِّ‬ ‫تحَ َ‬ ‫مموضوعي‪،‬‬ ‫علم‬ ‫ٍّ‬ ‫ُّو ِل كل االحتكارات إىل ٍ‬ ‫وباألخص احتكارات السلطة‪ ،‬وذلك بإخفاءِ‬ ‫هويتها الديانوية واجلنسوية والقوموية‬ ‫امللموس‬ ‫الواقع‬ ‫ِ‬ ‫والعلموية‪َ .‬وهو ِمرتب ٌط ب َط ِ‬ ‫مس ِ‬ ‫وجعلِه بال أهمية‪.‬‬ ‫املُعاش من أحرَج نقا ِطه‪َ ،‬‬ ‫بالتالي‪ ،‬فهو مرتب ٌط بوظيفته كأداةٍ دعائي ٍة‬ ‫أيديولوجية‪ ،‬ال َك ِعلم‪.‬‬ ‫منزل ُة اليهو ِد االسرتاتيجي ُة ضمن النظام‬ ‫العاملي املهيمن طيلة أربع ِة قرون‪ ،‬ال تَ ُ‬ ‫زال‬ ‫حُما ِفظ ًة على نفسها مع تَزايُ ٍد ملحوظ داخل‬ ‫احتكارات رأس املال التجاري والصناعي‬ ‫واملالي واإلعالمي والفكري‪ .‬ال ميكن‬ ‫حتليل(نظرياً) أو َّ‬ ‫حل(عملياً) أي ِة قضي ٍة عاملي ًة‬ ‫كانت أم حملية مبا يَلِي ُق بها‪ ،‬ما مل يتم‬ ‫تشخيص هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫بشأن ملحو ٍظ بنسب ٍة أكرب بكثري‬ ‫تتسم اليهودي ُة ٍ‬ ‫يف إنشاء احلداث ِة والدولة الرأمسالية‪ ،‬وذلك‬ ‫باعتبارها قوةً أيديولوجي ًة اسرتاتيجية‪ ،‬وقوةً‬ ‫آن معاً‪ .‬فبَينما تَك ِش ُف‬ ‫مادي ًة اسرتاتيجية يف ٍ‬ ‫النقاب وعن املاهية الرأمسالية للحداثة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وتحُ َ قِّقها عن طريق الدولة القومية‪ ،‬فهي‬ ‫ت ِّس ُد احلداث َة جَ‬ ‫جُ َ‬ ‫وتز ُم بها ميدانياً متمثل ًة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يف الدولة القومية بوصفها احلالة املوَ َّح َدةَ‬ ‫لالحتكارات التجارية واملالية والصناعية‬ ‫والسلطوية‪ .‬اليهودي ُة ليست إل َه الدولة القومية‬ ‫بالطبع‪ .‬لكنها َط َّو َرتها منذ عه ِد القبائل إىل‬ ‫محها إىل‬ ‫يومنا الراهن‪ ،‬وبدءاً من حالتها يف رَ ِ‬ ‫أن بَلَ َغت ضخامتَها احلالية وعمرَ الشيخوخة‬ ‫والتعفن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫بالنظريات التآمرية‪ .‬لَطالمَ ا تُط َرح‬ ‫ث‬ ‫ِ‬ ‫ال أكترَ ِ‬ ‫املزاعم‪ ،‬وتُب َذل اجلهو ُد إلضفاءِ املصداقي ِة على‬ ‫تسميات تتحكم‬ ‫النظريات التآمر من خالل‬ ‫ٍ‬ ‫مَ‬ ‫بالعال من قبيل‪ :‬اجلمعيات املاسونية‬ ‫ا َ‬ ‫خلفِيّة‪ ،‬اجتماعات بيلدَربَرغ ‪ ،‬منتديات‬ ‫ديفوس‪ ،‬اهليئة الدائمة إلدارةِ العامل باثنيَ‬ ‫عشرَ شخصاً ‪ ،‬اآلل ُة اليهودية بِيَ ِد هيئة هيئة‬ ‫اجلوانب املُغاىل فيها‪،‬‬ ‫األمم املتحدة وغريها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ري العلمية هي‬ ‫واحلال ُة الدوغمائي ُة غ ُ‬ ‫اخلاصيات املشترَ​َكة هلذه النظريات‪ ،‬إىل‬ ‫ُ‬ ‫جانب وجود بعض االدعاءات املتسم ِة بنسب ٍة‬ ‫من الواقعية‪ .‬لكن احلقيق َة مبسو َط ٌة لل َعيان‪،‬‬ ‫وال ّرم ُح ال يَ َس ُع له الكيس‪ .‬ذلك أن تَفَ ُّو َق‬ ‫اليهودي ِة يف الدعائم الثالث للحداث ِة‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪28‬‬

‫باملقدور التفكري باحملافل‬ ‫املاسونية اليت أسسها‬ ‫املعماريون اليهود األخصائيون‬ ‫يف العصور الوسطى بأنها أول‬ ‫حرك ٍة دنيَ ِويّ ٍة ـ علمانية‪ .‬أما‬ ‫ُ‬ ‫الفيلسوف العظيم سبينوزا‬ ‫ذو األصول اليهودية‪ ،‬فسوف‬ ‫يصبح الرائد ألو ِل انطالق ٍة‬ ‫فلسفي ٍة دنيَ ِويّ ٍة ـ علمانية‬ ‫كربى يف أمسرتدام‪ ،‬اليت ُت َع ُّد‬ ‫إحدى املعابد األوىل للحداث ِة‬ ‫الرأمسالية‬ ‫الرأمسالية أم ٌر ال يَقبَ ُل اجلدل‪ .‬فهي حتتل‬ ‫مكان ًة مؤثرةً‪ ،‬بل وحتى ُم َعيِّن ًة باألغلب يف‬ ‫تلك الساحات الثالث‪ ،‬سواءً اسرتاتيجياً‪ ،‬أم‬ ‫من حيث هي قو ٌة أيديولوجي ٌة ومادية‪ .‬ينبغي‬ ‫إطار كالمي‪ :‬إذ أحتدث عن‬ ‫االنتباهَ إىل ِ‬ ‫تأثريها يف ساح ِة احلداث ِة الرأمسالية‪ ،‬ال عن‬ ‫مكانتها يف العصرانيات الدميقراطية بوصفها‬ ‫اجملتمع التارخيي األمشل نطاقاً بكثري‪.‬‬ ‫واق َع‬ ‫ِ‬ ‫اليهودي ُة موجود ٌة يف هذه العصرانيات أيضاً‪،‬‬ ‫ولكن حبالتها املفتَقِدة للكثري من قوتها‬ ‫االسرتاتيجية‪.‬‬ ‫مث َة فائد ٌة يف حتليل الدولة القومية أكثر نوعاً‬ ‫ما‪ ،‬قبل العبور إىل هذا املوضوع بع َد قليل‪.‬‬ ‫لدى اخلروج من العصور الوسطى‪ ،‬مل تتناقص‬ ‫بتاتاً مساعي األيديولوجية اليهودية يف ِّ‬ ‫شل‬ ‫معارضيها املسيحيني واملسلمني بالسواء‬ ‫تأثري ِ‬ ‫ِ‬ ‫على صعي ِد اسرتاتيجيتهم يف احلياة‪ .‬يَظ َه ُر‬ ‫منوذج الدولة القومية أمامنا على شكل ِ‬ ‫منوذج‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫اسرتاتيجي ِة احلياةِ األنسب يف هذا املضمار‪،‬‬ ‫سواءً باأللوهية القومية اليت حَي ِملُها يف‬

‫حتليل‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫بنيته(الرب يف اليهودية مبثابة آهلة األمة)‪،‬‬ ‫أم بوصفه احلال َة املَُر َّك َزةَ جلميع االحتكارات‬ ‫التجارية واملالية والصناعية واأليديولوجية‬ ‫والسلطوية‪ .‬فالنزع ُة العلماني ُة يف الدولة‬ ‫القومية تؤدي وظيفتها املُكافِئة للرب الذي‬ ‫هو اإلله القومي لدى اليهود‪ .‬وإنشاءُ املاسوني ِة‬ ‫هام‬ ‫اليهودي ِة للمصطلحات يف هذا املنحى ٌّ‬ ‫للغاية‪ .‬من هنا‪ ،‬فبِجانِبِها هذا ومبعناها هذا‪،‬‬ ‫تُ َع ُّد الدول ُة القومية األداةَ اإلداري َة الكوني َة‬ ‫األهم على اإلطالق بالنسبة لليهودية‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫االحتكارات اليهودي ُة منوذ َج‬ ‫استَخ َد َمت‬ ‫ُ‬ ‫بغرض ِّ‬ ‫وتفكيك‬ ‫حل‬ ‫ِ‬ ‫الدول ِة القومي ِة كأداةٍ مؤثرةٍ ِ‬ ‫االحتكارات ذات األصول األنكلوساكسونية‬ ‫ِ‬ ‫وإمرباطوريَّتيَ فرنسا وإسبانيا‪ .‬ذلك أن ِكلتا‬ ‫املخططات املميت َة‬ ‫القوتَني كانتا مَتتَلِكان‬ ‫ِ‬ ‫ألجل القوتَني األُخرَيَتَني(هولندا وإنكلرتا)‪.‬‬ ‫خطر اجملازر‬ ‫لقد كانتا وجهاً لوجه أمام ِ‬ ‫والزوال من صفح ِة التاريخ‪ .‬بالتالي‪ ،‬فالدول ُة‬ ‫القومي ُة َغدت منوذ َج النصر والنجاح املؤزر‬ ‫احتكارات إسبانيا وفرنسا الساعية‬ ‫جتاه‬ ‫ِ‬ ‫يل النتيجة بتقاليدها اإلمرباطورية العاجزة‬ ‫لِنَ ِ‬ ‫عن االنتظام على هذا الصعيد‪ ،‬واملتبقية من‬ ‫العصور الوسطى باألغلب‪ .‬لقد أشا َد إميانويل‬ ‫والرشتاين بأهمي ِة هذه احلقيقة يف كتابه‬ ‫الشهري «النظام العاملي»‪ ،‬لدى إيضاحه العا ِم َل‬ ‫َد ُد تَفَ ُّو َق إنكلرتا على فرنسا‬ ‫األساسي الذي حُي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫بأنه نظام ومنهجي ُة الدولة القومية‪.‬‬ ‫تقويض سالل ِة هابسبورغ النمساوية‪،‬‬ ‫لدى‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫التحالف تشكيل الدولة القومية‬ ‫قوات‬ ‫َطرَ َحت ُ‬ ‫ِ‬ ‫الربوسية للميدان‪ .‬ويخُ َر ُج احتا ُد أملانيا من‬ ‫التبعي ِة للريادة النمساوية لِيُمنَ َح إىل الريادةِ‬ ‫الربوسية‪ .‬وأثناء الثورة الفرنسية تَغدو لندن‬ ‫َ‬ ‫أنواع املعارَضة ضد املَلِك الذي‬ ‫مركز شتى ِ‬ ‫التشكيالت‬ ‫له أعداؤه التقليديون‪ .‬وتؤدي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رأس‬ ‫املاسوني ُة دوراً هاماً يف الثورة‪ ،‬فيُقط ُع ُ‬ ‫املَلِك‪ ،‬وتُ ُ‬ ‫تصفيات شبيه ٍة لمِ ا حصل يف‬ ‫عاش‬ ‫ٍ‬ ‫ثورتَي إنكلرتا وهولندا األسبَق منهما‪ .‬وبينما‬ ‫للظهور إىل امليدان‬ ‫تسعى دول ُة بروسيا القومي ُة‬ ‫ِ‬ ‫َل فرنسا‪ ،‬فاللعبةُ‬ ‫كقوةٍ مهيمن ٍة جديدةٍ حَم َّ‬ ‫نفسها تُل َع ُب جتاه بروسيا ذاتها أيضاً‪ .‬حتى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قوات‬ ‫كمعارض‪ .‬وت َع ِّرض ُ‬ ‫ماركس يُقِي ُم يف لندن ِ‬ ‫الذريع‬ ‫للفشل‬ ‫املهيمنة‬ ‫التحالف سلط َة أملانيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مع احلربَني العامليتَني األوىل والثانية‪ .‬الداف ُع‬ ‫األصلي لإلبادةِ العرقية اليت َطبَّقَها هتلر‬ ‫بحِ ِّ‬ ‫رأس املال‬ ‫َق اليهود‪ ،‬يكمن يف أن أداءِ ِ‬ ‫فشل أملانيا باستخدا ِمه‬ ‫اليهودي دوراً هاماً يف ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوات‬ ‫لصال إنكلرتا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قوته االسرتاتيجية حِ ِ‬

‫سلطات روسيا‬ ‫نفسها سوف تُ َكبِّ ُد‬ ‫التحالف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املهيمن َة أيضاً بالفشل من خال ِل أشكا ٍل‬ ‫جديدةٍ َسلَ َكتها يف احلرب الباردة جتاهها‪.‬‬ ‫استمر احلال على هذا املنوال‪ ،‬فيجب‬ ‫وإ ْن‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫كاس‬ ‫ُساورَنا الشك بتاتا بأنه يف حا ِل انتِ ِ‬ ‫أال ي ِ‬ ‫مزاعم الصني يف اهليمنة ـ مثلما يُزعَم ويُفترَ​َض‬ ‫ِ‬ ‫ذلك حالياً بكثرة ـ فسوف تَرج ُح كف ُة احتما ِل‬ ‫انتهائها بالعاقب ِة نفسها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الدول ُة الراهن ُة اليت يُنا ِهز تعدادُها املائتني‪،‬‬ ‫يتم متثيلها بهيئة األمم املتحدة اليت مرك ُزها‬ ‫املعلوم أن هيئة األمم املتحدة‬ ‫نيويورك‪ .‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫التحالف عينِها‪ ،‬أو‬ ‫قوات‬ ‫تتحرك بريادةِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قرار واح ٍد‬ ‫على األقل ال ميكنها إصدارَ ولو ٍ‬ ‫دون مصادقتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫علي التبيا َن جمدداً أن املائتيَ دولة قومية ال‬ ‫َّ‬ ‫تُدي ُرها الصهيونية أو أي ُة قوةٍ يهودي ٍة أخرى‪.‬‬ ‫لكن تلك املائتيَ دولة(مبا فيها الدول القومية‬ ‫العدو اللدو َد هلا) قد‬ ‫العربية واإليرانية اليت تُ َع ُّد َّ‬ ‫وزما ُمها‬ ‫ُشيِّدَت برباديغما القوموية اليهودية‪ِ ،‬‬ ‫التحالف عينها منذ أربع ِة‬ ‫قوات‬ ‫بقبض ِة نواةِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قرون‪ .‬حتى ضمن الزمر النخبوية يف الدولة‬ ‫راك املستقل حمدودةُ‬ ‫القومية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فساحات ا ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫ً‬ ‫النطاق ألبعد احلدود‪ ،‬سواءً براديغمائيا أم‬ ‫ِ‬ ‫من حيث تدابري قوات التحالف امللموسة(أي‬ ‫نظرياً وعملياً)‪ ،‬ولو مل يتواجد داخلها ُّ‬ ‫أي‬ ‫شخص يهودي‪ .‬واألعمال اليت سيَقومون بها‬ ‫ٍ‬ ‫َد ذاتها‪ ،‬ما دامت تتواءم‬ ‫لن تصبح مشكل ًة بحِ ِّ‬ ‫والقوالب األيديولوجي َة والبنيوي َة التقليدي َة‬ ‫َ‬ ‫للحداثة الرأمسالي ِة املعمرة أربعة قرون‪.‬‬ ‫حينها بإمكانها االستمرار يف مسارها‪ .‬أما إذا‬ ‫انزلَقَت حنو وضعي ِة «الدولة املتمردة» على‬ ‫حد تعبري ج‪ .‬و‪ .‬بوش‪ُّ ،‬‬ ‫فكل دول ٍة قومي ٍة‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫طالبان أفغانستان‬ ‫ستَكون عاقبتها كعاقب ِة‬ ‫ِ‬ ‫َّام العراق‪ ،‬وغريهما من عشرات األمثلة‬ ‫َ‬ ‫وصد ِ‬ ‫ً‬ ‫املوجودة تارخييا‪ .‬هذه هي الظاهرة املسماة‬ ‫بالنظام الدولي أو منزلة هيئة األمم املتحدة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فحتى روسيا السوفييتية ذات السبعني عاما‪،‬‬ ‫بالنظام إال بعد تعبريها‬ ‫حاق‬ ‫مل تشرع باللَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن التناغم التام مع متطلبات احلداثة‬ ‫وقت‬ ‫حلقَت بها يف ٍ‬ ‫الرأمسالية‪ .‬بينما الصني أُ ِ‬ ‫أسبَ َق منها‪ .‬واض ٌح أن النظام ينتهل قوتَه من‬ ‫سعيت لسر ِدهما‬ ‫القوتَني االسرتاتيجيتَني اليت ُ‬ ‫منذ البداية‪ .‬واليهودي ُة يف ِكلتَيهما أدنى إىل‬ ‫أ ْن تَ ُكون قوةً ُم َعيِّن ًة تارخياً وحاضراً‪ .‬أما‬ ‫عناص ُر القوةِ األيديولوجية االسرتاتيجية‪،‬‬ ‫فهي صناع ُة الثقافة‪ ،‬ورأس املال الفكري‪،‬‬ ‫واإلعالم‪ .‬ومضامينُها قومويةإل‪ ،‬ديانوي ٌة‪،‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫علموي ٌة‪ ،‬وجنسوية‪ .‬بينما عناص ُر القوةِ املادي ِة‬ ‫االسرتاتيجية هي بنى االحتكار التجاري‬ ‫والصناعي واملالي والسلطوي‪ .‬يف حني أن‬ ‫التحالفات الدولية للدولة القومية بوصفها‬ ‫أنظم َة الدولة‪ ،‬فهي تُ َع رُِّب عن البني ِة الرمسية‪.‬‬ ‫ينبغي عد َم اخللط بني ساح ِة القوتَني‬ ‫َد ذاتَيهما‪ ،‬وبني الدول‬ ‫االسرتاتيجيتَني حِب ِّ‬ ‫وأنظمتها باعتبارها التعبري الرمسي عنهما‪.‬‬ ‫وبشكل أخص‪ ،‬من املهم مبكان عرضَ‬ ‫ٍ‬ ‫موج ٍز بشأن يهودي ِة األناضول أيضاً‪.‬‬ ‫تقييم َ‬ ‫ٍ‬ ‫تطرقت باختصار إىل العصور‬ ‫كنت قد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫العالقات‬ ‫القدمية والوسطى يف هذا املضمار‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫السلجوقية ـ اليهودية واإلغريقية ـ اليهودية‬ ‫هامة‪ .‬إذ انتَ َش َر اليهود الشرقيون من األندلس‬ ‫إىل آسيا الوسطى يف غضون العصور الوسطى‪.‬‬ ‫والدولة الرتكية ا َ‬ ‫خل َزرية اليهودية مثرةُ تلك‬ ‫املرحلة‪ .‬مَل تَ ُكن حرك ُة ال ّردّة أو اليهودية‬ ‫ال َعلَنية حمظورتَني يف البلدان اإلسالمية‪ ،‬بل‬ ‫وكانوا مؤثرين بقواهم األيديولوجية واملادية‬ ‫التقليدية يف امليادين االسرتاتيجية للسلطات‬ ‫والدول على وجه اخلصوص‪ .‬بينما التجارةُ‬ ‫ُ‬ ‫وامتالك البنوك مل تَ ُك َّ‬ ‫أقل شأناً مما عليه يف‬ ‫الغرب‪.‬‬ ‫وطن‬ ‫ازدا َد شعو ُر اليهو ِد حباجتهم املاس ِة إىل ٍ‬

‫حتليل‬

‫‪29‬‬

‫ٍّأم‪ ،‬عندما تحَ َ َّولَت تناقضاتُهم التقليدي ُة مع‬ ‫لب عيسى‪ ،‬وتحَ َ ُّو ُل املسيحي ِة‬ ‫املسيحيني(ص ُ‬ ‫َ‬ ‫الغرب الرمسية) إىل حبسهم يف‬ ‫إىل عقيدةِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بقرار من جملس الثران عام‬ ‫ٍ‬ ‫معسكرات نائية ٍ‬ ‫‪ ،1179‬ولدى دخول ممارسات إسبانيا يف‬ ‫َسبيِهم ونفيِهم حي َز التنفيذ يف عا َمي ‪1391‬‬ ‫و‪ .1492‬ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫«أرض امليعاد»‬ ‫يزال مصطل ُح‬ ‫والعالقات اليت َعقَدوها مع أوسا ِط‬ ‫حيوياً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ازدهارها‪ ،‬سوف‬ ‫السلطن ِة العثمانية منذ عه ِد‬ ‫ِ‬ ‫تتمخض عن نتائ َج إجيابية‪ .‬ولدى تَزايُ ِد أهمي ِة‬ ‫البنوك والتجارة بالنسبة للعثمانيني‬ ‫العمل يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫أيضاً‪ ،‬ستت َع َّز ُز مكانة اليهودية أيضا معها‪.‬‬ ‫وقيا ُم العثمانيني بمِ َ ِّد نفو ِذ سلطانهم على‬ ‫السكان املسيحيني دائماً‪َ ،‬جلَ َب‬ ‫حساب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫معه حتالف اليهو ِد مع البا َشوات العثمانيني‬ ‫ناق‬ ‫ضيق ا ِ‬ ‫خل ِ‬ ‫مثلما فعوا مع إنكلرتا حصيل َة ِ‬ ‫صفوف مَ‬ ‫العال املسيحي‬ ‫عليهم تدرجيياً بني‬ ‫ِ‬ ‫يف الغرب(الكاثوليك واألورثوذكس منهم)‪.‬‬ ‫الرأي جُ‬ ‫ُ‬ ‫امل َم ُع عليه هو تَوَ ُّط ُد هذا التحالف‬ ‫يف غضون أعوام ‪ 1550‬ـ ‪ .1600‬وسوف‬ ‫ٌ‬ ‫نفس التاريخ مع‬ ‫يُعقَ ُد‬ ‫حتالف مماثِ ٌل يف ِ‬ ‫الربوتستانتيني يف هولندا وإنكلرتا‪ .‬من هنا‪،‬‬ ‫فالعالق ُة بني الربوتستانتية والرأمسالية‬ ‫والدولة القومية واحلداثة واليهودية موضو ٌع‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫هام جدي ٌر بالبحث‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ري شبه جزيرةِ إيبرييا اإلسبانية من‬ ‫تطه ُ‬ ‫املسلمني واملوسويني(تَكتَ ِم ُل مع حلو ِل أعوام‬ ‫تطهري بال ِد األناضو ِل‬ ‫‪ ،)1600‬يصب ُح موضو ُع‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫حديث الساعة كحمل ٍة مضادة‪.‬‬ ‫من املسيحية‬ ‫أما الروم والبونتوس واألرمن والسريان‪ ،‬الذين‬ ‫شعوب األناضول تارخيياً‪،‬‬ ‫أقدم‬ ‫ِ‬ ‫يُ َعدُّون من ِ‬ ‫ومعنوي وطيد‪،‬‬ ‫مادي‬ ‫ٍّ‬ ‫بتاريخ ثقايفٍّ ٍّ‬ ‫واملتسمني َ​َ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ولكنهم اعتنقوا املسيحية باكرا؛ فمأساتهم‬ ‫حديث‬ ‫ستسري يف االجتاه املعاكس بسبب‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الساع ِة ذاك‪ .‬بالتالي‪ ،‬ستَقو ُم أشبا ُه اجل ُزر‬ ‫املتواجدةُ على طرفيَ البحر األبيض املتوسط‬ ‫التصفيات املتبادَلة خطوةً خطوة‪،‬‬ ‫مبمارس ِة‬ ‫ِ‬ ‫وكأنها تُقابِ ُل املِث َل باملِثل‪ .‬وبعد محل ِة اليهود‬ ‫خالل أعوام ‪ 1550‬ـ ‪ ،1600‬تُ ُ‬ ‫عاش محلتُهم‬ ‫حزب االحتاد والرتقي(يف‬ ‫الثاني ُة الكربى مع ِ‬ ‫أعوام ‪ ،1890‬حيث يُؤَ َّس ُس املؤمت ُر الصهيوني‬ ‫يف املرحل ِة عينها عا َم ‪ .)1896‬من َّ‬ ‫املؤك ِد أن‬ ‫ُّ‬ ‫يهودي األصل يف‬ ‫جناحاً واحداً على األقل‬ ‫بالتداخل مع حرك ِة‬ ‫االحتاد والرتقي املتنامي‬ ‫ِ‬ ‫ال ّردّة اليت مرك ُزها َسالنيك ‪Selanik‬‬ ‫واملنحدرة من صابَتاي ‪(Sabetay‬منذ أعوام‬ ‫‪ .)1650‬النزع ُة القومي ُة(كوهن‪ ،‬وامباري)‬ ‫اليت أَن َش ُؤوها «تركي ٌة» من حيث الكلمة‪،‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫كما أن إعدا َد الكتاب املقدس‪،‬‬ ‫وتأسيس املَلَكية العربية األوىل‬ ‫قب َل ذلك‪ ،‬السيب البابلي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫املبتدئة يف ذاك‬ ‫والعالقات‬ ‫العهد مع الربسيني واإلغريق؛‬ ‫كلها أيضاً أدت إىل نتائ َج هام ٍة‬ ‫مَ​َيَّ َزت تأثريا ُتها مبكان ٍة‬ ‫ت‬ ‫بارز ٍة يف تاريخ املدنية‬

‫‪30‬‬

‫حتليل‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫لكنها مضموناً مليئ ٌة بالكرد املاسونيني‬ ‫واملرتدين‪ ،‬واألرناؤوط‪ ،‬واليهود‪ .‬وال عالق َة‬ ‫هلا بالرتكياتية كظاهرةٍ سوسيولوجية‪ .‬موضو ُع‬ ‫ري‬ ‫احلديث هنا تركياتي ٌة سياسي ٌة متاماً‪ .‬وتأث ُ‬ ‫ِ‬ ‫هام‬ ‫وإنكلرتا‬ ‫أملانيا‬ ‫يف‬ ‫عليها‬ ‫سون‬ ‫ف‬ ‫املتنا‬ ‫ٌّ‬ ‫اليهود ِ‬ ‫أيضاً‪ .‬تاري ُخ ذلك طويل‪ ،‬ومكانه ليس هنا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تاريخ‬ ‫خالصة‪ ،‬وحسب رأيي‪ ،‬فلدى احتا ِد ِ‬ ‫اليهودية يف بالد األناضول وعمليات النفي‬ ‫اليت عاشوها وخربتهم يف إنشاء الدولة القومية‬ ‫مع قواهم االسرتاتيجية واأليديولوجية‬ ‫واملادية‪ ،‬فهم يؤدون دوراً هاماً‪ ،‬سواءً يف‬ ‫توجيهها‬ ‫تأسيس مجهورية تركيا‪ ،‬أم يف ِ‬ ‫بسرعة(يتَ َمل أن ذلك‬ ‫صوب الدولة القومية‬ ‫حُ‬ ‫ً‬ ‫حصل يف أعوام ‪)1926‬؛ متاما مثلما حصل‬ ‫يف هولندا وإنكلرتا يف غضون أعوام ‪.1600‬‬ ‫ِ‬ ‫بإدراج التصفي ِة الثقافية للكرد‬ ‫أما فيما يتعلق‬ ‫واإلسالم التقليدي حي َز التنفيذ بعد تحَ َ ُّو ِل‬ ‫اجلمهوري ِة إىل دول ٍة قومية‪ ،‬وبعد تصفية‬ ‫مسيحية بالد األناضول(بل وهناك التصفي ُة‬

‫اجلسدي ُة للمسيحيني)‪ ،‬فسيَ ُكون من اخلطأ‬ ‫الفادح َ‬ ‫عرضه على أنه جمرد مشروع األتراك‬ ‫ُ‬ ‫يف التحول إىل أمة‪ .‬املوضو ُع أمشل من ذلك‪،‬‬ ‫ومرتب ٌط عن كثب بِقَبو ِل اليهود لبال ِد األناضول‬ ‫وطناً أُ ّماً حتى قبل إسرائيل‪ .‬ومن املعلوم أن‬ ‫السجال دار كثرياً بني اليهود يف هذا املوضوع‪.‬‬ ‫أما املشرو ُع اليهودي الذي جَي َعل َسالنيك أو‬ ‫أديرنة مركزاً له‪ ،‬واملفروض على مصطفى‬ ‫كمال؛ فهو موضو ٌع مستو ٌر وحمجوب‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫باملقدور اإلشارة إىل فقدان هذا املشروع أهميتَه‬ ‫تَزا ُمناً مع تأسيس إسرائيل‪ .‬إال أن اهتمامَ‬ ‫اليهود وإسرائيل جبمهورية تركيا ال ينفك‬ ‫اسرتاتيجياً يف بالد األناضول‪.‬‬ ‫ال َ‬ ‫جدال على مكان ِة مصطفى كمال أتاتورك‬ ‫يف إنشاء مجهوري ِة تركيا‪ .‬لكن تأليهَه رغماً‬ ‫ّ‬ ‫يهودي‪ ،‬مثلما‬ ‫أيديولوجي‬ ‫عنه‪ ،‬هو تَ َص ُّو ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫فعلوا يف الكثري من األماكن على مر التاريخ‪.‬‬ ‫ذلك أن التأليه مصطلح ُم َط َّو ٌر و ُم َطبَّ ٌق بكثرة‬ ‫يف مفهوم الكونية املطلقة اليهودية(اللوح‬ ‫احملفوظ‪ ،‬القَدَر‪ ،‬الدستور‪ ،‬احلتمية‪،‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫ُ‬ ‫أشكال التَ َص ُّو ِر السومري‬ ‫والتقدمية مجي ُعها‬ ‫متحول ًة إىل األديان التوحيدية)‪ .‬وشتى‬ ‫لإلله ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫االصطالحات الذهني ِة املصاغ ِة على‬ ‫أشكا ِل‬ ‫ِ‬ ‫ي ِد األنبياء أو املفكرين يف عهد احلداثة‪،‬‬ ‫قبيل اليوتوبيا األبدية‪ ،‬العصر الذهيب‪،‬‬ ‫من ِ‬ ‫النظرية‪ ،‬الفرضية‪ ،‬والقانون؛ إمنا هي على‬ ‫عالق ٍة كثيب ٍة مع تلك التقاليد‪ .‬لذا‪ ،‬سيَ ُكون‬ ‫فه ُم املنطق ِة ناقصاً وشاقاً‪ ،‬ما مَل يتم التحليل‬ ‫السليم إلنشائهم القوالب الدوغمائية املهيمنة‬ ‫اإلهلية واألُخ َر ِويّة ـ العلمانية بكثافة يف هذا‬ ‫املنحى‪ ،‬وتطبيقهم إياها على األتراك‪ ،‬مثلما‬ ‫احلال بشأن شعوب الشرق األوسط بأكمله‪.‬‬ ‫قوةُ اليهو ِد املادي ُة أيضاً تتميز باألهمية‬ ‫االسرتاتيجية بالطبع‪ .‬وأنا مؤ ِم ٌن بأن مصطفى‬ ‫كمال أتاتورك مل يستسلم هلذه النزعة‪ .‬لكين‬ ‫لست على قناع ٍة بأنه حلَّلَها متاماً‪ ،‬بالرغم من‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مطالعته وحبوثه الغنية(ت َع ُّمقه يف األغوار حتى‬ ‫السومريني واحلثيني مل يَ ُك ُس ً‬ ‫دى)‪ .‬هذا وال‬ ‫ُساو ُرني ُّ‬ ‫الشك من أنه أرا َد أن يَ ُكو َن مجهورياً‬ ‫ي ِ‬ ‫ً‬ ‫شكل‬ ‫حسنا‪ ،‬ومن رغبته يف تطوير ذلك على ِ‬ ‫دميقراطية‪ ،‬ال دولة قومية‪ .‬كما أنه ليس‬ ‫منا ِهضاً للكرد أو اإلسالم مثلما يُزعَم‪ .‬لكين‬ ‫ُمر َغم على التشدي ِد بأهمي ٍة بالغة على شكوكي‬ ‫عجزه عن مواصل ِة مواقفه الليربالية‬ ‫بشأن ِ‬ ‫َ‬ ‫اليت َسلَ َكها يف البداية حيال القضية اإلسالم‬ ‫ـ العلمانية(مل تندرج العلماني ُة يف الدستور إال‬ ‫عام ‪ )1937‬والقضية الكردية‪ ،‬وأن الدافع‬ ‫وتضييق َّ‬ ‫وق‬ ‫حماصرَته‬ ‫وراء ذلك يكمن يف َ‬ ‫الط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عليه من قبل الكوادر االحتاديني املرتدّين‪.‬‬ ‫أما استمرا ُر التصادم والتصارع املهيمن(فيما‬ ‫بني العلمانيني واإلسالميني) املبتدئ منذ‬ ‫فحسب‬ ‫أعوام ‪ 1926‬على مجهوري ِة تركيا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رأيي‪ ،‬إنه موضو ٌع يتوجب عدم تقييمه ضمن‬ ‫قصور من مصطفى كمال أتاتورك أو‬ ‫منظور ٍ‬ ‫ِ‬ ‫رغب ٍة لديه‪ .‬ذلك أن املؤشرات والرباهني الدالة‬ ‫على جنوحه حنو اجلمهورية الدميقراطية‬ ‫أكثر وأوفر‪ .‬هذا وال أؤمن بانتهاءِ التصارع‬ ‫حساب‬ ‫لطرف على‬ ‫املهيمن باالنتصار التام ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وأود تبيا َن آمالي‬ ‫آخر يف أيامنا احلالية‪ .‬بل ُّ‬ ‫املتزايدة بشأن اكتساب انطالق ِة اجلمهوري ِة‬ ‫الدميقراطي ِة القوةَ والنصرَ هذه املرة يف أراضي‬ ‫األناضول‪ ،‬اليت أؤمن بامتال ِكها تقالي َد‬ ‫دميقراطي ًة عظمى‪ .‬هذا وآ ُم ُل َ‬ ‫عرض الوج ِه‬ ‫ِّ‬ ‫الباطين للصراع املهيمن على األناضول وتركيا‬ ‫يف قسم الشرق األوسط‪ ،‬الذي يتم التفكري‬ ‫بتقدميه جملَّداً مستقالً بذاته ضمن املرافعة‪.‬‬ ‫ري باليهوي ِة ارتباطاً بالرأمسالية‬ ‫التفك ُ‬

‫حتليل‬

‫‪31‬‬

‫واحلداثة والدولة القومية فقط‪ ،‬إمنا يبقى‬ ‫ناقصاً وخاطئاً‪ .‬إذ كان له تأثريُها اهلام على‬ ‫العصرانية الدميقراطية أيضاً‪ .‬حيث طاملا‬ ‫يهودي ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫قوي ينادي بعصراني ِة‬ ‫واج َد جنا ٌح‬ ‫تَ َ‬ ‫احلضارةِ الدميقراطية على مر التاريخ‪ ،‬ولو لمَ‬ ‫بقدر اجلناح السلطوي ـ الدوليت(اململكة‬ ‫يَ ُكن ِ‬ ‫اليهودية‪ ،‬الدولة اإلسرائيلية)‪ .‬فاليهوديةُ‬ ‫اليت تتمي ُز أواص ُرها القَبَلية املقهورة‬ ‫باهلشاشة‪ ،‬طاملا فَرَ َضت ِذكرَها يف السياق‬ ‫التارخيي‪ .‬فبدءاً من امساعيل ابن سيدنا‬ ‫إبراهيم من جاريته هاجر وصوالً إىل يوسف‬ ‫الذي يف مصر‪ ،‬ومن مريم أخت موسى إىل‬ ‫مريم أم عيسى؛ إن الوج َه َ‬ ‫اآلخرَ من اليهودي ِة‬ ‫الوفري فيها من‬ ‫بكل شعبها الكادح والعد ِد‬ ‫ِ‬ ‫األنبياء‪ ،‬ال ُكتّاب‪ ،‬املتنورين‪ ،‬الفوضويني‬ ‫االجتماعيني‪ ،‬الفامينيني‪ ،‬الفالسفة‪،‬‬ ‫ورجاالت العلم؛ إمنا أَ َ‬ ‫جنزوا االخرتاعات‬ ‫واالكتشافات والنظريات والثورات واملأثورات‬ ‫سياق النضال يف سبيل‬ ‫الفنية العظيمة ضمن ِ‬ ‫العصرانية واحلضارة الدميقراطيتَني‪ .‬أي أن‬ ‫اليهود مل يه ِدروا قواهم األيديولوجية واملادية‬ ‫لعني االحتكارات وحسب‪ .‬بل‬ ‫دائماً كرمى ِ‬ ‫وبذلوا اجلهود وأجنزوا النجاحات اهلامة‬ ‫للغاية يف سبيل مَ‬ ‫عالٍ أكثر إشراقاً وعدال ًة‬ ‫وحري ًة ودميقراطية‪ُّ .‬‬ ‫تكافل‬ ‫أي حرك ٍة نبوي ٍة أو ٍ‬ ‫َ‬ ‫وي أو تكاتُ ٍف للبؤساء‪ ،‬أو ُّ‬ ‫أي حرك ٍة‬ ‫أخ ٍّ‬ ‫يوتوبياوية‪ ،‬أو اشرتاكي ٍة أو فوضوي ٍة أو فاميني ٍة‬ ‫أو أيكولوجي ٍة ميكننا التفكري بها بال يهود؟‬ ‫نادراً ما ميكن التفكري باملدارس الفلسفية أو‬ ‫احلركات العلمية أو الفنية أو املذاهب الدينية‬ ‫من دون اليهود‪ .‬تُرى‪ ،‬ومن دون اليهودية أو‬ ‫اليهود‪َ ،‬كم كان باإلمكان تطويرَ االشرتاكية‬ ‫جتاه الرأمسالية‪ ،‬أو األممية جتاه الدولتية‬ ‫القومية‪ ،‬أو الكومونيالية املشاعية جتاه‬ ‫الليربالية‪ ،‬أو الفامينية جتاه النزعة اجلنسوية‬ ‫االجتماعية‪ ،‬أو األيكولوجية ـ االقتصادية‬ ‫جتاه الصناعوية‪ ،‬أو النزعة العلمانية جتاه‬ ‫الديانوية‪ ،‬أو النسبية جتاه الكونية املطلقة؟‬ ‫ساط ٌع جبالء أن اليهودي َة هام ٌة بالنسبة‬ ‫لِ ِكال عالمَ​َي العصرانية‪ ،‬وأنها حافظت على‬ ‫أهميتها هذه خالل فصول التاريخ اهلامة ويف‬ ‫حاضرنا‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬فالقضي ُة اليهودي ُة ال‬ ‫تَربَ ُح حمافظ ًة على وجودها تارخيياً وراهناً‬ ‫نت آنفاً‪ ،‬فالنظ ُر إىل‬ ‫على السواء‪ .‬ومثلما بَيَّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اليهودية على أنها مجاعة الرب املختارة‪،‬‬ ‫ككبش الفداء‪ ،‬إمنا يفسح اجملال‬ ‫أو تقييمها ِ‬ ‫وكيانات كارثية‪ ،‬مثلما‬ ‫أمام أخطاء وخيمة‬ ‫ٍ‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫لوحظ ُ‬ ‫مثال ذلك كثرياً‪ .‬هلذا السبب بالذات‬ ‫ِ‬ ‫شكل‬ ‫على‬ ‫املوضوع‬ ‫ل‬ ‫تناو‬ ‫ة‬ ‫بضرور‬ ‫شعرت‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فالتحليالت‬ ‫خمطو ٍط بناءً على أهميته‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫احمللية والكونية على السواء‪ ،‬ال ميكن أن‬ ‫تَ ُكون سليم ًة ومثمرةً‬ ‫بالشكل الكايف‪ ،‬ما مل يتم‬ ‫ِ‬ ‫نصب العني‪.‬‬ ‫وضع الواقع اليهودي َ‬ ‫ُّ‬ ‫أود تكرارَ قو ٍل لكارل ماركس مع إنهاءِ‬ ‫املوضوع‪ .‬كان ماركس قد قال «إذا كانت‬ ‫الربوليتاريا تري ُد حتريرَ نفسها‪ ،‬فعليها‬ ‫حلراك وهي مدرك ٌة الستحال ِة حتقيق هذا‬ ‫ا ِ‬ ‫مَ‬ ‫األمر‪ ،‬دون حترير العال أمجع»‪ .‬وأنا بدوري‬ ‫أقول‪ :‬إذا كانت اليهودي ُة تري ُد حتريرَ‬ ‫نفسها‪ ،‬فعليها استخدامَ قوتها األيديولوجية‬ ‫واملادية االسرتاتيجية تأسيساً على إدراكها‬ ‫حترير مَ‬ ‫العال‬ ‫حتقيق ذلك دون‬ ‫الستحال ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أمجع‪ .‬والعصرانية الدميقراطية تأتي يف‬ ‫صدارة هذا األساس‪.‬‬

‫فبينما تَع ِك ُس العقيدةُ ذاتَها‬ ‫عنصراً اسرتاتيجياً معنوياً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فاملال يَع ِك ُس ذاتَه عنصراً‬ ‫مادياً اسرتاتيجياً‪ .‬بناءً عليه‪،‬‬ ‫فالدو ُر االسرتاتيجي للدين‬ ‫ّ‬ ‫املعنوي‪،‬‬ ‫بوصفه العنص َر‬ ‫وللمال بوصفه العنص َر ّ‬ ‫املادي‪،‬‬ ‫والل َذين يتسمان باألهمي ِة‬ ‫القصوى يف اليهودية؛ ُي َعدَّان‬ ‫مصد َرين أوليَّني ال غنى‬ ‫عنهما‪ ،‬و ُمتَّ ِحدَين على درب‬ ‫هدف اخلالص والتحرر‬ ‫ِ‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪32‬‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫لأليزيديني ديانة مستقلة قائمة بذاتها‬ ‫أوضاع األيزيدية مل تتحسن طيلة الفرتة‬ ‫العثمانية‪ .‬األيزيديون متيزوا بأفضل العالقات‬ ‫مع بعض العرب واألرمن والسريان واآلشوريني‪.‬‬ ‫البعثات التبشرية يف بالد الرافدين وكردستان‬ ‫وعلى اختالف أنواعها‪ ،‬كان هلا دور يف‬ ‫الصراعات احمللية والعشائرية‪.‬‬ ‫الباحث يرى أن أضرارا اقتصادية وبشرية‬ ‫كبرية حلقت ببالد الرافدين وكردستان جراء‬ ‫احلروب اإلقليمية بني الدولتني العثمانية‬ ‫والصفوية‪ .‬يؤكد الباحث د‪.‬أمحد سينو يف‬ ‫دراسته“األكراد األيزيديون يف العهد العثماني”‬ ‫أن األيزيدية ليسوا فرقة إسالمية‪ ،‬وأنهم‬ ‫ديانة مستقلة قائمة بذاتها‪ ،‬تعود جذورها إىل‬ ‫املثرائية والزرادشتية‪ ،‬رغم بعض املؤثرات من‬ ‫األديان األخرى‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل دراسة‬ ‫النصوص الدينية الواردة يف كتبهم املقدسة‬ ‫وصالتهم املتجهة إىل الشمس يف كل األوقات‪،‬‬ ‫وطقوسهم الدينية وأعيادهم‪ ،‬كعيد القاباغ وعيد‬ ‫جل مريان أو مساط جل مريان وغري ذلك‪.‬‬

‫ويشري إىل أنه‪ ،‬ورغم احلمالت العسكرية‬ ‫العثمانية املتكررة على مناطق األيزيديني يف‬ ‫الشيخان وسنجار وغريها من املناطق األخرى‪،‬‬ ‫إال أنها مل تستطع القضاء عليهم‪ ،‬إلصرار‬ ‫األيزيديني على متسكهم مبعتقداتهم‪ ،‬ومتكنهم‬ ‫من املقاومة وبشكل مستمر من خالل اللجوء إىل‬ ‫جبل سنجار‪ ،‬الذي كان دائما املالذ اآلمن‪.‬‬ ‫لكنها أي الدولة العثمانية‪ ،‬استطاعت إحلاق‬ ‫أضرار بالغة بهم‪ ،‬اقتصاديا وبشريا نتيجة‬ ‫وحشية اهلجوم من جهة‪ ،‬وللمصادرات اليت‬ ‫كانت تصيب حماصيلهم وماشيتهم وثرواتهم‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬ناهيك عن القتل والتشريد‬ ‫واهلجرة‪ ،‬اليت وصلت ذروتها إىل القفقاس‬ ‫وأذربيجان ويريفان وغريها من املناطق‪.‬‬ ‫ويرى سينو يف دراسته الصادرة عن دار الزمان‬ ‫أن أضرارا اقتصادية وبشرية كبرية حلقت ببالد‬ ‫الرافدين وكردستان جراء احلروب اإلقليمية‬ ‫بني الدولتني العثمانية والصفوية‪ ،‬خاصة يف‬ ‫بغداد واملوصل يف عهد كل من السلطان مراد‬

‫الرابع ونادر شاه وغريهما من قادة الدولتني‬ ‫وصراعهما املستمر للهيمنة على بالد الرافدين‪،‬‬ ‫مل يكن األيزيديني مبنأى عن ذلك‪.‬‬ ‫ويالحظ أن أوضاع األيزيدية مل تتحسن طيلة‬ ‫الفرتة العثمانية‪ ،‬رغم احملاوالت املتكررة‬ ‫إلعفائهم من اخلدمة العسكرية ألسباب تتعلق‬ ‫مبعتقداتهم‪ ،‬رغم رفع العرائض إىل الباب العالي‬ ‫وتدخل أو توسط بعض سفراء الدولة األجنبية‪،‬‬ ‫إثر قيام الدولة العثمانية ببعض اإلصالحات‬ ‫واصدار قوانني كقانون شريف كلخانه‪ ،‬ألنها‬ ‫كانت تفسر وتطبق على األيزيدية بطريقة‬ ‫سلبية على أيدي والة بغداد واملوصل‪.‬‬ ‫ويشري سينو إىل أن األيزيديني متيزوا بأفضل‬ ‫العالقات مع بعض العرب واألرمن والسريان‬ ‫واآلشوريني‪ ،‬واتضح ذلك من خالل قيام‬ ‫األيزيدية حبماية املسيحيني األرمن واألشوريني‬ ‫من محالت اإلبادة اليت كانت تشنها الدولة‬ ‫العثمانية‪ ،‬قبيل احلرب العاملية األوىل‬ ‫وخالهلا‪ ،‬وحماصرتها جلبل سنجار طالبة من‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫زعيم اجلبل محو شرو تسليم هؤالء‪ ،‬ورفضه‬ ‫ذلك رغم التهديد الكبري‪.‬‬ ‫الكتاب يبحث موقف األيزيدية من التجارة‬ ‫واألعمال التجارية‪ ،‬واليت مل يكونوا يرغبون‬ ‫بها ألسباب تتعلق بعقيدتهم الدينية وموقف‬ ‫العامة منهم من الكرد والعرب وبقية األقوام‬ ‫األخرى‪ ،‬لالعتقاد اخلاطئ بهم على أساس‬ ‫أنهم عبدة ال‪....‬‬ ‫ويضيف أن البعثات التبشرية يف بالد الرافدين‬ ‫وكردستان وعلى اختالف أنواعها‪ ،‬كان‬ ‫هلا دور يف الصراعات احمللية والعشائرية‪،‬‬ ‫وخاصة الربيطانية واألمريكية‪ ،‬واليت كانت‬ ‫ختدم أهداف الدولة اليت أرسلتها‪ ،‬ومثال ذلك‬ ‫مارسته هذه البعثات يف إثارة اخلالفات بني‬ ‫الكرد واآلشوريني يف كل من إمارة بهدينان‬ ‫وبوتان‪.‬‬ ‫ويقول سينو إن مناطق األيزيدية تتميز بوفرة‬ ‫اخلريات والثروات الطبيعية واحليوانات الربية‬ ‫والنباتات الطبيعية‪ ،‬كما متيزت مناطقهم‬ ‫بالوفرة والتنوع يف إنتاج احلبوب والفواكة‬ ‫واجلوز واحلرير‪ ،‬رغم اعتماد اقتصادهم على‬ ‫االكتفاء الذاتي وإتباعهم االقتصاد املنزلي‪ .‬كما‬

‫مقالة‬

‫‪33‬‬

‫أن عشائر األيزيدية‪ ،‬احتفظت جبميع مقومات‬ ‫العالقات العشائرية كبقية عشائر الرافدين‬ ‫من العرب والكرد‪ ،‬سواء من حيث البنية‬ ‫والتنظيم أو التغريات اليت طرأت عليها‪ ،‬مع‬ ‫بقاء العالقات األبوية اإلقطاعية يف اجملتمع‬ ‫األيزيدي‪.‬‬ ‫يتناول سينو بالبحث والدراسة هذا‬ ‫املوضوع“األكراد األيزيديون يف العهد العثماني”‬ ‫يف الفرتة الواقعة بني مطلع القرن الـ ‪ ،16‬وقيام‬ ‫احلرب العاملية األوىل أي ما بني عامي ‪1514‬‬ ‫ـ ‪ 1914‬كدراسة تارخيية حتليلية تشمل‬ ‫اجلوانب السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪..‬‬ ‫إخل‪ ،‬تتجلى فيها اجلوانب احلضارية للكرد‬ ‫األيزيديني من اقتصادية واجتماعية وثقافية‪،‬‬ ‫باعتبارها احملرك األساسي للتواصل احلضاري‬ ‫ضمن احمليط احمللي واإلقليمي‪ ،‬وذلك‬ ‫لتقديم صورة تارخيية شاملة لأليزيديني على‬ ‫قاعدة أن التاريخ اجملزأ ال يفهم وال يعطي‬ ‫الرؤية املناسبة‪ ،‬ويف إطار عدم الفصل بني‬ ‫األحداث السياسية والعسكرية واحلالة الفكرية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬واملؤثرات الدولية واإلقليمية‬ ‫وانعكاساتها على الواقع األيزيدي كجزء ال‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫يتجزأ من التاريخ الكردي احلديث يف املنطقة‪.‬‬ ‫تضم الدراسة مخسة فصول‪ ،‬مقسمة إىل عناوين‬ ‫فرعية أو مباحث‪ ،‬وملحق صور‪ ،‬األول‬ ‫“األيزيدية‪ ...‬األصل والتواجد اجلغرايف”‬ ‫ويعاجل فيه سينو إشكالية التسمية‪“ ،‬هل هي‬ ‫اليزيدية أم األيزيدية وهي األنسب كما يراها‬ ‫الباحثون األيزيديون أنفسهم‪ ،‬كما مت دراسة‬ ‫األصل واالنتماء العرقي وبيان اآلراء املختلفة‬ ‫حول ذلك‪ .‬إىل جانب حبث أماكن توزعهم‬ ‫اجلغرايف يف بالد الرافدين وكردستان بشيء من‬ ‫التفصيل‪ ،‬يف منطقة الشيخان وسنجار وبعض‬ ‫قرى املوصل‪ ،‬نواحي اخلابور ما يعرف اليوم‬ ‫باجلزيرة السورية “حمافظة احلسكة” ويف‬ ‫عفرين وكلس من مناطق وقرى حلب الشمالية‪،‬‬ ‫ويف ديار بكر وماردين والقفقاس وغريها‪ ،‬دون‬ ‫إغفال أهمية املناطق والقرى اليت سكنوها من‬ ‫الناحية املناخية واالقتصادية والبشرية‪،‬‬ ‫واإلشارة إىل العشائر األيزيدية اليت شكلت قوام‬ ‫البلدات والقصبات املذكورة كما سلطت الضوء‬ ‫على تعدادهم يف املناطق املختلفة املذكورة‪،‬‬ ‫استنادا إىل مصادر الفرتة أو القريبة منها‪ ،‬ومت‬ ‫حبث ودراسة أسباب ودواعي هجراتهم‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪34‬‬

‫درس سينو حالة البيوت‬ ‫واملساكن واللباس واألثاث‬ ‫واألدوات املنزلية عند‬ ‫األيزيديني‪ ،‬غري غافل عن ذكر‬ ‫حاالت الفرح متناوال األغاني‬ ‫األيزيدية وأنواع دبكاتهم‬ ‫وآالتهم املوسيقية‪ ،‬إىل جانب‬ ‫تناول األساطري والقصص‬ ‫الشعبية املتداولة يف املخيلة‬ ‫األيزيدية‪ ،‬وتوضيح دور‬ ‫أشهر الكتاب األيزيديني يف‬ ‫جمال الثقافة واألدب الكردي‬ ‫احلديث أمثال عرب مشو‬ ‫وأسرة جاسم جليل وغريهم‬ ‫القسرية إىل معامل جغرافية جديدة أثناء الفرتة‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫وتناول سينو يف الفصل الثاني“احلياة‬ ‫السياسية للكرد األيزيديني وعالقتهم مع‬ ‫احمليط اجملاور” أهم األحداث السياسية اليت‬ ‫طالتهم يف الفرتة العثمانية بني عامي ‪ 1514‬ـ‬ ‫‪ 1914‬متناوال الوضع الدولي العام يف الفرتة‬ ‫املذكورة اليت جتلى فيه الصراع االستعماري‬ ‫بأقوى أشكاله‪ ،‬للبحث عن معامل جغرافية‬ ‫جديدة‪ ،‬أهملت بالد الرافدين من قبلهم ردحا‬ ‫من الزمن‪ ،‬لتنال االهتمام من بريطانيا وفرنسا‬ ‫وهولندا عرب اهتمامها بتجارة الشرق وطريق‬ ‫اهلند‪ ،‬عرب البعثات االستطالعية اجلغرافية‬ ‫والدينية والتبشريية اليت كانت تهدف يف‬ ‫النهاية إىل خدمة الدول اليت أرسلتها‪.‬‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫ويسلط الضوء على الصراع العثماني الصفوي‬ ‫على بالد الرافدين‪ ،‬وبيان أثره على السكان‪،‬‬ ‫خاصة األيزيديني‪ ،‬ألنه بانتصار سليم األول‬ ‫يف معركة جالديران عام ‪ 1514‬ثم معركة قوج‬ ‫حصار ‪ 1516‬صارت معظم مناطق الكرد و‬ ‫األيزيديني يف حوزة الدولة العثمانية‪ ،‬اليت‬ ‫اعرتفت بالزعامات احمللية الكرية واأليزيدية‬ ‫ويرى سينو أن “موقف الدولة العثمانية من‬ ‫األيزيديني‪ ،‬واليت كانت حسنة أول أمرها‪،‬‬ ‫يف عهد سليم األول وسليمان القانوني ومراد‬ ‫الرابع واليت طرأ عليها تغري جذري اتسم‬ ‫بالتوتر والعداوة بني الطرفني إثر جتريد‬ ‫احلمالت العسكرية عليهم عرب والة بغداد‬ ‫واملوصل تارة على سنجار وأخرى على مركزهم‬ ‫يف الشيخان”‪.‬‬ ‫ويلفت إىل أن العالقة بني كل من الكرد و‬ ‫األيزيديني كانت جيدة يف العموم‪ ،‬لكنها مل‬ ‫تكن ختلو من الصراعات العشائرية على مناطق‬ ‫النفوذ ضمن اإلمارات الكردية القائمة واجملاورة‬ ‫لإلمارة األيزيدية يف الشيخان‪ ،‬خاصة إثر‬ ‫توسع أمري راودوز يف مناطقهم وقسوته وسوء‬ ‫معاملته هلم واليت فاقت بشاعة أساليب الدولة‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫وتطرق سينو للعالقات الكردية األرمنية بشكل‬ ‫عام‪ ،‬واليت مل ختل من التوتر وسوء الفهم‪،‬‬ ‫إىل جانب توضيح العالقات األيزيدية األرمنية‬ ‫اليت اتسمت بالتعاون والصداقة والتحالف إىل‬ ‫جانب تسليط األضواء على العالقات األشورية‬ ‫الكردية واليت رغم توترها أحيانا مل تكن‬ ‫ختلو من حسن اجلوار والصداقة‪ ،‬كما تناول‬ ‫موقف األيزيديني من بريطانيا أثناء احتالهلا‬ ‫للعراق وتعاونهم معها للخالص من االضطهاد‬ ‫العثماني‪.‬‬ ‫ويوضح سينو يف مقدمته للفصل الثالث“املعتقدات‬ ‫الدينية عند األيزيديني” األسباب اليت دفعته‬ ‫إىل دراسة هذا اجلانب من حياة األيزيديني‪،‬‬ ‫يف حماولة منه لتسليط الضوء على اإلشكاليات‪،‬‬ ‫اليت المست أو تلبست عقيدتهم الدينية عرب‬ ‫حبوث الفصل وفقراته الرئيسية‪ ،‬مبتدأ حبركة‬ ‫األديان القدمية يف الرافدين وبالد فارس‪ ،‬اللذين‬ ‫شكال املنبعني األساس للفكر الديين يف املنطقة‬ ‫عرب اآلهلة السومرية وتراتيلها ومالحمها‪ ،‬اليت‬ ‫تركت أثرها يف الفكر العاملي‪ ،‬ومثلت املثرائية‬

‫والزرادشتية واملانوية اخلط اآلخر املوازي‪ ،‬كما‬ ‫مت يف الفصل‪ ،‬توضيح اجلذور األوىل للدين‬ ‫األيزيدي‪ ،‬العائدة إىل املثرائية والزردشتية‬ ‫وتفنيد اآلراء اليت نسبته إىل الدين اإلسالمي‪،‬‬ ‫أو اعتربته إحدى الفرق اإلسالمية‪.‬‬ ‫وحبث سينو إشكالية الكتب الدينية‬ ‫املقدسة“كتاب اجللوة يف أرباب اخللوة”‬ ‫وكتاب“مصحف رش” واليت مل متثل الكتب‬ ‫األصلية لدى األيزيديني‪ ،‬ألسباب تتعلق‬ ‫بتالعب أصحاب املآرب بها‪ ،‬وإن كانت‬ ‫مضامينها ال ختلو من التعاليم الصحيحة‬ ‫اخلاصة بهم‪ ،‬كما مت يف أحد البحوث معاجلة‬ ‫إشكالية عدي بن مسافر ونسبه وأصله‪ ،‬وتبيان‬ ‫إشكالية طاووس املالئكة‪ ،‬الذي هو ‪ ...‬أو‬ ‫‪ ...‬يف الدين اإلسالمي‪ ،‬والذي هو يف العقيدة‬ ‫األيزيدية جزء من الذات اإلهلية العليا‪،‬‬ ‫وبالتالي فهو مصدر احلياة واخلري والضياء‪.‬‬ ‫وتناول أهمية وقدسية“اللش” النوراني‪ ،‬الذي‬ ‫يعد أهم مركز ديين وحمج عند األيزيديني‪،‬‬ ‫إىل جانب تبيان بعض النماذج ألهم األقوال‬ ‫واألدعية الدينية الشفاهية اليت تسمى عندهم‬ ‫“بعلم الصدر” كما مت التطرق إىل أهم طقوس‬ ‫وعبادة األيزيدية من الصالة والصيام والتعميد‬ ‫وحاالت املوت والدفن ومراتب رجال الدين إىل‬ ‫جانب مقدسات أخرى‪.‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫وتطرق سينو يف الفصل الرابع“احلياة‬ ‫االجتماعية والثقافية األيزيديني” إىل مسات‬ ‫الوضع االجتماعي العام يف بالد الرافدين مبينا‬ ‫فيه األلقاب العثمانية‪ ،‬والرتاتبية االجتماعية‬ ‫املتعلقة باالمتيازات اإلرادية وملكية األراضي‬ ‫وظهور اإلقطاعي صاحب اتيمار واإلقطاعي‬ ‫صاحب“زعامت” إىل جانب ألقاب أخرى مثل‬ ‫البك والبكلربك والباشا وغريها‪.‬‬ ‫وسلط الضوء على العشائر األيزيدية‪ ،‬وبعض‬ ‫أمناط حياتها القائمة على األسس والنظم‬ ‫القبلية واإلقطاعية القائمة على الوالءات‬ ‫الدينية كما هي احلالة عند األيزيديني أنفسهم‪.‬‬ ‫كاشفا وضع الفالحني األجراء الذين يسمون‬ ‫عند األيزيدية“رجينة بر” كحالة اجتماعية‬ ‫وأداة إنتاج عندهم‪ ،‬كما مت تطرق إىل أبرز‬ ‫األعياد األيزيدية‪ ،‬ذات العالقة بالطقوس‬ ‫الزراعية والرعوية‪ ،‬ودورة التبدالت املناخية أو‬ ‫الفصلية كاالعتدال الربيعي واالنقالب الصيفي‬ ‫أو املرتبطة حبركة الكواكب ال سيما كوكب‬ ‫الشمس‪ .‬كعيد رأس السنة األيزيدي“سري‬ ‫سالي” وعيد اجلماعية وحفلة مسا وعيد القاباغ‬ ‫ووليمة جل مريانس“ماط جل مريان” وغريها‬ ‫من األعياد‪.‬‬ ‫وأوضح سينو يف هذا الفصل أهم العادات‬ ‫االجتماعية الكردية واأليزيدية‪ ،‬كعادات‬

‫مقالة‬

‫‪35‬‬

‫الزواج وطقوسه واخلتان والكرافة‪ ،‬اليت هي‬ ‫نوع من التحالف بني األسر‪ ،‬جلأت إليها‬ ‫األسر األيزيدية حلماية نفسها من الظلم‬ ‫االجتماعي العام‪ ،‬ومت احلديث عن دور املرأة‬ ‫األيزيدية اليت حلق بها الكثري من الغنب‬ ‫واإلجحاف وسوء الفهم‪ ،‬وإبراز دور األمرية‬ ‫األيزيدية ميان خاتون كنموذج حقيقي لدور‬ ‫املرأة األيزيدية يف احلياة االجتماعية إىل جانب‬ ‫البحث يف األوضاع الصحية العامة لأليزيديني‬ ‫يف الفرتة العثمانية واليت ال تتجزأ وال تفصل‬ ‫عن الوضع االجتماعي واالقتصادي والصحي‬ ‫العام يف بالد الرافدين‪ ،‬إضافة إىل توضيح طرق‬ ‫وأساليب العالج املعروفة لديهم آنذاك‪ ،‬غري‬ ‫ناسيا التطرق إىل الكوارث واألوبئة ذات الصلة‬ ‫كاجملاعات واجلفاف والطاعون والكولريا وغري‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫درس سينو حالة البيوت واملساكن واللباس‬ ‫واألثاث واألدوات املنزلية عند األيزيديني‪ ،‬غري‬ ‫غافل عن ذكر حاالت الفرح متناوال األغاني‬ ‫األيزيدية وأنواع دبكاتهم وآالتهم املوسيقية‪،‬‬ ‫إىل جانب تناول األساطري والقصص الشعبية‬ ‫املتداولة يف املخيلة األيزيدية‪ ،‬وتوضيح دور‬ ‫أشهر الكتاب األيزيديني يف جمال الثقافة‬ ‫واألدب الكردي احلديث أمثال عرب مشو‬ ‫وأسرة جاسم جليل وغريهم‪.‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫وتناول سينو يف الفصل اخلامس“احلياة‬ ‫االقتصادية عند األيزيديني” متطرقا للزراعة‬ ‫وأهم احملاصيل الزراعية‪ ،‬ودور العوامل‬ ‫املناخية يف حتديد أنواع احملاصيل الزراعية‬ ‫وأنواع الرتبة ودرجة خصوبتها‪ ،‬واعتماد‬ ‫األيزيدية على الزراعة البعلية املعتمدة على‬ ‫األمطار الشتوية‪ ،‬كما سلط الضوء على النباتات‬ ‫الطبيعية واحليوانات الربية وعلى الثروة‬ ‫احليوانية وتربية املواشي من األغنام واملاعز‬ ‫واألبقار والبغال واحلمري وغريها‪.‬‬ ‫وتوقف سينو عند الصناعة وأهم احلرف اليدوية‬ ‫واليت مل خترج عند األيزيديني من إطار االكتفاء‬ ‫الذاتي‪ ،‬النغالق االقتصاد العثماني على السوق‬ ‫اخلارجي‪ ،‬واليت لن تتعدى صناعة العطور‬ ‫والصابون واخلزف واألواني الفخارية‪ ،‬إىل‬ ‫جانب حرف أخرى كالصباغة واخلياطة‪.‬‬ ‫وقال إن البضائع املتبادلة مل تتعد يف مناطق‬ ‫األيزيدية‪ ،‬حدود السوق احمللية وما ينتجه‬ ‫الرحل من األيزيدية أو سكان القرى واملزارع‬ ‫منهم‪ ،‬كما حبث موقف األيزيدية من التجارة‬ ‫واألعمال التجارية‪ ،‬واليت مل يكونوا يرغبون‬ ‫بها ألسباب تتعلق بعقيدتهم الدينية وموقف‬ ‫العامة منهم من الكرد والعرب وبقية األقوام‬ ‫األخرى‪ ،‬لالعتقاد اخلاطئ بهم على أساس‬ ‫أنهم عبدة ال‪....‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪36‬‬

‫ثقافة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫قدسية كلي كور مببارك يف جبل شنكال‬

‫حيدر عربو اليوسفاين‬

‫وادي كور مببارك‪ ،‬يعترب هذا الوادي من‬ ‫أقدس األودية يف جبل سنجار‪ ،‬يقع يف‬ ‫اجلهة الشمالية الشرقية من اجلبل‪ ،‬مابني‬ ‫قرية اوسفا غرباً و قرية بكرا شرقاً‪.‬‬ ‫و أن هلذا الوادي قدسية كبرية عند‬ ‫ايزيدية جبل سنجار‪ ،‬و حسب ما تناقله‬ ‫األجداد لألحفاد حيكى أن هذا الوادي له‬ ‫خصوصية دينية عظيمة ألن يقع فيه أحد‬ ‫مزارات االيزيدية وهو مزار باسم شرفدين‬ ‫غري مزار له يف قرية الراشد‪ ،‬أي أخذ مكاناً‬ ‫له عندما قدم هو و أصحابه قبل اكثر من‬ ‫مثانيمائة سنة و استقروا فيه حلني غادرت‬ ‫املنطقة باجتاه الغرب‪.‬‬ ‫كما يوجد يف داخل هذا الوادي خزنتني‬

‫مقدستني هما خزنة شرفدين كانوا‬ ‫يف السابق يضع فيها الناس نقوداً‬ ‫مبثابة(دهيك) و خزنة اخلرقة يضع فيها‬ ‫بقايا اخلرقة القدمية و الربيات القدمية‬ ‫و غريها‪ ،‬كما حيتضن هذا الوادي كهوفاً‬ ‫يتسع آلالف األشخاص‪ ،‬جيتمعون فيها‬ ‫أغلب األحيان عند الشدائد ومن أشهر‬ ‫هذه الكهوف يسمى(قوال كور) اي الكهف‬ ‫العميق‪ ،‬حيث يتسع هذه الكهوف آالف‬ ‫األشخاص وهي حصينة و منيعة و كان‬ ‫يؤديها طريق واحد و صعب الوصول إليه‬ ‫اإلنسان و يتخذها أهالي تلك املنطقة ملجأ‬ ‫هلم اثناء الغزوات‪ ،‬و ميتاز هذا الوادي‬ ‫جبماله الطبيعي اخلالب‪ ،‬و يشتهر بأنواع‬ ‫و أصناف كثرية من األشجار منها التني و‬ ‫التفاح و العنب و البلوط و غريها‪.‬‬ ‫هذا و حيرم على أهل املنطقة قطف هذه‬ ‫الفاكهة لغرض بيعها يف السوق السوداء‪،‬‬ ‫إال أنهم ال يرون مانعاً من أكلها‪ ،‬كما ال‬ ‫جيوز أن تأخذ هذه الفاكهة للبيت ألن‬

‫حسب نظرهم من الثمار املقدسة و مبثابة‬ ‫الدواء‪.‬‬ ‫و يقع هذا املزار يف باب الوادي اي يف‬ ‫بداية الوادي‪ ،‬و املسمى على إمسه(مزار‬ ‫كلي كور مببارك) يف البداية كانت عبارة‬ ‫عن هجرة ويف اآلونة االخرية مت بناء قبة يف‬ ‫مكان اهلجرة اي يف نفس املكان خبريات‬ ‫االيزيدية وعشرية بكرا و حسب املعلومات‬ ‫اليت اقتسبت أن تاريخ هذه اهلجرة يعود‬ ‫إىل جميء شرف الدين للمنطقة‪.‬‬ ‫و يقوم خبدمة هذا املزار اسرة‬ ‫بابريي(امساعيل صاحل اغا) من عشرية‬ ‫املرتبية و مازالوا وكيالً للولي شرف‬ ‫الدين منذ مغادرته املنطقة‪ ،‬كما يقع يف‬ ‫اجلانب الشرقي من املزار مقربة لعشرية‬ ‫بكرا‪ ،‬و يقال بأن اوسي دوغو أحد مشاهري‬ ‫االيزيدية من عشرية بكرا قد دفنوا يف تلك‬ ‫املقربة‪.‬‬

‫‪..........‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫مقالة‬

‫‪37‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫ملاذا النصوص االيزيدية مل تكتب و‬ ‫كان نقله من جيل إىل جيل عن طريق احلفظ باالستماع فقط دون اللجوء إىل الكتابة؟‬

‫آ‪ :‬الياس قیراين‬

‫يف السماء لكن مل يصل إليها إال من يصل إىل درجة عالية من النقاء‬ ‫و الطهارة و الوعي لكي ال يستخدمها الغراض خاصة و شريرة‬ ‫لتدمري األرض و لكي ال يتكرر ما حدت يف القرون املاضية كما يقولون‬ ‫اجللوة ألهل اخللوة اي قبل مئات السنني عندما احد ما يصل إىل‬ ‫درجة الكوجك او الصوفية كان احيانا يبتعد عن البشرية حيرر من‬ ‫التعلق باألرض يسكن يف مغار او جهة بعيدة عن البشر و كان يصوم و‬ ‫يتأمل بضعة ايام و شهور يكتب طيلة سنوات و حتى يكتب بالوعي‬ ‫و اإلشارات وليس بالعقل فقط و هلذا اغلب الباحثني يف عصرنا‬ ‫حياولون كتابة النصوص او فك شفرتها بالعقل وحده لكنهم يفشلون‬ ‫او باألحرى يرفضون من يكتب بشكل روحاني الن عقلهم مل يستوعب‬ ‫كما يكتب االستاذ و الباحث االيزيدي فواز فرحان يف سلسلة كتبه عن‬ ‫االيزيدية سوأ كانت عن اهلندسة او املوسيقى او احلضارة اخل و هذه‬ ‫املقالة أيضآ بعضها من كتاب عن االيزيدية(االيزيدية صدى احلضارة)‬ ‫من ضمن سلسلة كتبه العظيمة‪.‬‬ ‫و هلذا شفرة النصوص االيزيدية على يد النيب ابراهيم اخلليل اب‬ ‫األنبياء يف يف أعوام والدته و انتقال روحه بني سنة ‪ ١٨٥٠،١٩٥٠‬ق‬ ‫م يف هذه الفرتة بالذات اي من ‪ ١٩٥٠‬ق م إىل ‪ ٢٠٢١‬م تصبح ‪٤٠٧١‬‬ ‫عام مت تشفري النصوص مت تشفري النصوص االيزيدية لكي ال تصل إىل‬ ‫عامة البشرية إال من يصل إىل درجة عالية من النقاء و االستقامة و‬ ‫الطهارة بالعقل وحده ال ميكن فهم العلم الباطين العظيم الن عصرنا‬ ‫احلالي و باألخص الغرب حياول بكل الطرق تشويه تاريخ الشرق و‬ ‫احلضارات و السيطرة على البشرية و تشويه و تغيري رمز املوسيقى‬ ‫األصلي بالتقليدي من ‪ ٤٣٢‬األصلي إىل التقليدي العنفي ب ‪ ٤٤٠‬و‬ ‫لقد فعلها الكثريون و جنحوا‪ ،‬لكن يف االخري أدركوا ان تاريخ السومر‬ ‫هو األساس قبل الفرعوني و اليوناني كما يبني املخطوطات السومرية‬ ‫املرتمجة يف اآلونة األخرية من املتاحف العاملية‪.‬‬

‫او باإلمكان ان نقول ملاذا مل نستوعب النصوص االيزيدية؟‬ ‫قبل كتابة النصوص االيزيدية و العلم الباطين(به هتنى)على يد‬ ‫املستنريين و الروحانيني أمثال شيخ فخري اديا و بري رشي حريان‬ ‫و شيخ ادي اي(أديان) اخل قبلهم بآالالف من السنني كانت عملية‬ ‫التكوين جاهزة من حيث اهلندسة و الفلسف و احلياة قبل أن تنزل‬ ‫للبشرية و األرض و بعد عملية التكوين بشكل هندسي عظيم أصبحت‬ ‫األرض جاهزة الستقبال البشرية و من هنا انطلقت احلياة و بناء‬ ‫احلضارات القدمية كالسومرية و البابلية و االشورية‪ ،‬حيث أن‬ ‫احلضارة بدأت قبل ‪ ٥٤٧‬الف عام و انتهت حبرب نووية حدث‬ ‫يف عام ‪ ٤٤٤٥‬ق م اي ما يعادل يف سنة ‪ ٢٠٢١‬ب ‪ ٦٤٦٦‬سنة من ُذ‬ ‫سقوط احلضارة‪.‬‬ ‫و من ُذ سقوط سومر حل الظالم يف عاملنا و أصبحت كل شيء فيه‬ ‫مستنسخ من حيث بناء املدن و إدخال البشر ك أكوام و اقوام إىل‬ ‫مدن سيطروا عليها و عينوا هلم حاكم او أمري حيكمهم بضعة آالف‬ ‫من األعوام ليس املدن فحسب بل حتى االنظمة السياسية و األوطان‬ ‫و االديان كلها منذ سقوط سالالت أور نسخة من النموذج السومري‬ ‫األصيل‪.‬‬ ‫و من هنا بدأت شرارة الظلم و و التقليد و السيطرة و سرق احلضارة‬ ‫األصلية و استخدمت الغراض الشر و احلرب و التدمري هذه العلم‬ ‫الباطين العظيم لقد حاولوا احنراف و استخدامه الغراض التدمري‬ ‫بعدما كتب الروحانيني تلك النصوص و هذه النصوص مل يفهما إال‬ ‫من وصل إىل مستوى وعي عالي و روحاني اإلنسان العادي مل يفهم املصادر‪:‬‬ ‫مغزاه العميق الن هذا الكم اهلائل من العلم و الفلسفة و احلكم ختربنا االيزيدية صدى احلضارة‪ ،‬الباحث فواز فرحان‪.‬‬ ‫عن أسرار عظيمة يف الكون و اإلنسان و كل شيء يف األرض و حتى مقالة‪ ،‬االستاذ جندي تويل عن ذبذبات كونية ‪.432‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪38‬‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫قدسية النار يف الديانة االيزيدية‬

‫د‪.‬خليل جندي‬

‫تعود قدسية النار عند أغلب الشعوب‬ ‫واحلضارات القدمية إىل كونه ممثالً للشمس‬ ‫على األرض‪ ،‬أو جتلياً إلله الشمس يف‬ ‫الكون‪ .‬وأول معرفة االنسان للنار قبل‬ ‫ماليني السنني‪ ،‬كان من خالل مشاهدته‬ ‫ملقذوفات الرباكني أو حدوث الصواعق من‬ ‫برق ورعد‪ ،‬أو اشتعال الغابات نتيجة‬ ‫الصواعق أثناء املواسم احلارة‪ ،‬حبيث كان‬ ‫االنسان البدائي خياف خوفاً مجاً من النار‬ ‫عندما كان يراه تلتهم الغابات واحلقول من‬ ‫دون رمحة‪ ،‬ومن دون ان يتمكن هو‬ ‫التدخل والتحكم فيها‪ ،‬مما دفعه إىل‬ ‫االعتقاد ان هنالك قوة غيبية وراء النار‪،‬‬ ‫وختيل أن النار آهلة‪ ،‬فاختذه معبوداً‪،‬‬ ‫كما عند العديد من املظاهر الطبيعية‪،‬‬ ‫وقدسه اما لطاهرته واالنتفاع من حرارته أو‬ ‫اتقاء لش ّره‪ ،‬وبذلك اختذ له طقوساً يف‬ ‫مواسم معددة أو على مدار السنة‪ .‬ولنا‬

‫دالالت كثرية بعبادة وتقديس النار حتتفظ‬ ‫بها أساطري وقصص أغلب الشعوب‪ ،‬نذكر‬ ‫منها وجود(نسكد) إله النار السومري ـ‬ ‫البابلي حتت األرض(جورج حبيب‪،‬‬ ‫اليزيدية بقايا دين قديم‪ ،‬بغداد ‪،1978‬‬ ‫ص ‪ ،).33‬وكان السومريني والبابليني عند‬ ‫بناء معبد جديد لالهلة يشعلون النار يف‬ ‫املساء ويقدمون القرابني‪ ،‬ويقومون بتطهري‬ ‫املوقع باشعال النار حول األسس ورشها‬ ‫بالعطر‪ ،‬مع تنظيف املدينة واشعال النار‬ ‫حوهلا(دراسات يف التاريخ وآثاره‪ ،‬جملة‬ ‫مجعية املؤرخني اآلثاريني يف العراق‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،5‬ص ‪21‬ـ‪ . ).22‬وكان الكلدانيون‬ ‫يوقدون النريان لالله(مشش‪-‬مشس) يف‬ ‫مدينة(سيبار ‪ )Sipar‬وال تنطفي نريانها‬ ‫تكرمياً له(الدملوجي‪ ،‬فاروق‪ ،‬االلوهية يف‬ ‫املعتقدات الوثنية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ .11‬وكذلك‪:‬‬ ‫جورج حبيب‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.).32‬‬ ‫ويذكر هنا أيضاً اسطورة اإلله(بروميثوس)‬ ‫األغريقية لنقله النار من السماء إىل األرض‪.‬‬ ‫كما اعتقد العرب يف(العصر اجلاهلي) أن‬ ‫النار أوسع العناصر خرياً وأعظمها جرماً‬ ‫وأشرفها جوهراً(جاسم حممد شفيع‪ ،‬النار‬ ‫يف املعتقدات العربية‪ ،‬جملة الرتاث‬ ‫الشعيب‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة اخلامسة‬

‫‪ ،1974‬ص ‪(.89‬مقتبس من كتاب‪ :‬أمحد‬ ‫مال خليل‪ ،‬من آذربيجان اىل اللش‪،‬‬ ‫حتقيق وتعليق د‪ .‬خليل جندي‪ ،‬سبرييز‪/‬‬ ‫دهوك ‪ ،2006‬ص ‪ .))76‬وكان إله‬ ‫السماء(شانغ تي) من أعظم آهلة الصني‬ ‫منزلة وقدراً(رشيد عليان وسعدون‬ ‫الساموك‪ ،‬األديان‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫ص‪ ،).107‬أما الشنتوية اليابانية كانت‬ ‫أحد أركان ديانتهم تقوم على“االميان بأن‬ ‫النار مطهر”(فاروق الدملوجي‪ ،‬تاريخ‬ ‫اآلهلة‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.)59‬‬ ‫ال جنايف احلقيقة إذا قلنا ان قدماء اآلريني‬ ‫هم أكثر اجملموعات تعلقاً بعبادة وتقديس‬ ‫النار‪ ،‬فالنار مقدسة وهو العنصر الفاعل‬ ‫من هذا الكون لطرد الظلمة واحياء روح‬ ‫االنسان من الشرور‪ ،‬وان اشعال النار يف‬ ‫العائلة يدل على احلياة وانطفائها يدل‬ ‫على املوت‪ ،‬هلذا جند لوقتنا احلالي يقول‬ ‫االيزيديون ملَ ْن تأتيه مصيبة “جرایي وی‬ ‫فةمریا = ‪)chiraye wi vemirya‬‬ ‫مبعنى‪ :‬انطفأ نور مصباحه”‪ .‬وعندما‬ ‫كان(السنجق ـ الطاووس) يتجول يف القرى‬ ‫االيزيدية‪ ،‬وبعد انتهاء القوالني من تقديم‬ ‫املراسيم الدينية مساءً‪ ،‬كان يشعل جمموعة‬ ‫من الفتائل املصنوعة من القطن املمزوجة مع‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫زيت الزيتون ويعطيها ألصحاب العوائل‬ ‫قائالً هلم “هذا فتيل عائلتك املشتعلة”‪.‬‬ ‫لقد عبد اجملوس‪ ،‬ومن بعدهم الزرادشتيون‬ ‫النار‪ ،‬وبنوا له بيوتاً خاصة توقد فيها‬ ‫النريان املقدسة وتسمى “بيوت النريان”‪.‬‬ ‫وعبدت النار بشكل مباشر من قبل‬ ‫الشعوب اهلندوايرانية حبيث أصبحت‬ ‫النار رمزاً لإلله اهلندي األعظم(آكين ـ‬ ‫آجين)‪ ،‬النار تلك املادة اخلالدة ومصدر‬ ‫احلياة‪ .‬وقد خصصت الريغ فيدا‪ ،‬كتاب‬ ‫اهلندوس املقدس‪ ،‬جمموعة أشعار اىل‬ ‫النار(آجين) وإله املطر(اندرا)‪ .‬وكان‬ ‫الكهان ال ينفخون يف النار بافواههم‬ ‫لئال تنجسه بأنفاسهم‪ .‬ومثَل النار عند‬ ‫الزرادشتية رمز آهورامزدا وجتلياته على‬ ‫األرض‪ ،‬باعتباره رمز الطهارة واحلرارة‬ ‫والفرح واحملبة‪ ،‬تشتعل يف البيوت لطرد‬ ‫القوى الشريرة(االهرمينية)‪ ،‬كما اعتقد‬ ‫الزرادشتيون أن أرواح املوتى(الفروهر) ترتاح‬ ‫وتفرح وتستأنس بها(الدملوجي‪ ،‬فاروق‪،‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪(.96‬مقتبس من‪:‬‬ ‫أمحد مال خليل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.))74‬‬ ‫ويعتقد أمحد مال خليل بأن اسم(أهرمين)‬ ‫الذي توصفه الزرادشتية بإله الش ّر‪ ،‬مركب‬ ‫من كلمتني(آهر = النار) و(مان = الباقي)‬ ‫عكس الزائل‪ ،‬وبرتكيب اللفظتني يصبح‬ ‫املعنى(النار األزلي) أو(النار اخلالد) لذا‬ ‫عبد اجملوس القدماء النار ألنها رمز ل‬ ‫ـ (أهرمين)‪ ،‬وحتى أن النار يف الدين‬ ‫الزردشيت‪ ،‬حسب اعتقاده‪ ،‬رمز ألهرمين‬ ‫والشمس رمز آلهورامزدا‪ ،‬وإال ملاذا حيرم‬ ‫وال جييز ألشعة الشمس أن تقع على النار‬ ‫؟(مال خليل‪ ،‬أمحد‪ ،‬من آذربيجان إىل‬ ‫اللش‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ ).76‬وهذا يدل‬ ‫على أن(اهرمين) ليس بإله للش ّر!‬ ‫لن نبالغ إذا قلنا ان االيزيديون من بني‬ ‫أكثر اجملموعات البشرية‪ ،‬إىل جانب‬ ‫الزرادشتيني واهلندوس‪ ،‬اليت تنظر بعني‬ ‫التبجيل والتقديس للنار يف الوقت احلالي‪،‬‬ ‫فال ختلو مناسبة وطقس ديين إالّ ويشعل‬ ‫فيهاالنار من خالل املصابيح الزيتية(هلكرنا‬ ‫جرا) ممثل ورمز الشمس(ئاتون = روز)‬

‫مقالة‬

‫‪39‬‬

‫ويعتقد االيزيديون أنه يوم‬ ‫ميالد ايزيد‪ ،‬أو يوم طاووس‬ ‫ملك وميالد الشمس‪ ،‬وهذا‬ ‫يطابق يوم ميالد يسوع املسيح‬ ‫ووالدة ميثرا‪ .‬كما يعتقد‬ ‫االيزيديون أن(بيلنده) هو عيد‬ ‫األموات‪ ،‬فتأخذ ربات البيوت‬ ‫ما تتوفر لديهن من مأكوالت‬ ‫وأضاحي إىل قبور أمواتهن‬

‫على األرض‪ .‬ففي معبد اللش‪ ،‬أقدس‬ ‫أماكن أتباع الديانة االيزيدية‪ ،‬تشعل‬ ‫الفتائل الزيتية يومياً عند املساء يف وادي‬ ‫اللش‪ ،‬وأيام األربعاء واجلمعة واملناسبات‬ ‫يف مجيع املزارات املوجودة بقرى وقصبات‬ ‫االيزيدية إضافة إىل العديد من بيوت رجال‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫اشعال النار يف معبد اللش يومياً(صورة رقم‬ ‫‪ )2‬ويف األعياد واملناسبات اليت تقام يف‬ ‫املعبد‪ ،‬خاصة عيد اجلماعية وأربعانية‬ ‫الصيف والشتاء‪ ،‬يشعل النار”فتائل‬ ‫عليه(جقَلْتو‬ ‫زيتية” يف مصباح يطلق‬ ‫َ‬ ‫‪ )Chaqaltu‬وسط باحة معبد اللش‬ ‫مع أداء رقصة السماع من قبل رجال الدين‬ ‫حول(جقَلْتو) لثالث مرات‪.‬‬ ‫ودورانهم‬ ‫َ‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫طقس السماع“مسا”(صورة رقم‪ )1‬اناء‬ ‫معدني يتقل فيه النار مع البخور تسمى(طاو‬ ‫ـ تاو) ومن اجلدير اإلشارة إىل أهم وأعرق‬ ‫طقس ميارس حلد اآلن تسمى(عيد بيلندا‬ ‫‪ )Belanda‬عند ايزيدية العراق‪ ،‬و(عيد‬ ‫باتزمي ‪ )Batizmi‬لدى ايزيدية سوريا‬ ‫وتركيا وذلك يف األسبوع األخري(‪ 25‬كانون‬ ‫األول) من كل عام‪ ،‬علماً حتتفل العديد‬ ‫من الشعوب اإليرانية بهذا العيد ويطلق‬ ‫عليه(يلدا)‪ ،‬كما حيتفل به املسيحيون‬ ‫باعتباره عيد ميالد السيد يسوع‪ ،‬ويقول‬ ‫فاروق الدملوجي‪ :‬ان املسيحيني اختذوا‬ ‫يوم ‪ 13‬أيلول من كل سنة‪ ،‬وهو يوم‬ ‫االعتدال اخلريفي‪ ،‬عيداً للصليب وامتاز‬ ‫هذا العيد بايقاد النريان ليالً على سطوح‬ ‫الدور فريقصون حوهلا ويقفزون من‬ ‫فوقها(الدملوجي‪ ،‬فاروق‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫ص ‪ .).106‬إالّ أن الواقع‪ ،‬وكما يؤكد‬ ‫فاروق الدملوجي وجورج حبيب‪ ،‬يعترب‬ ‫‪ 25‬كانون عيد ميالد ميثرا إله الشمس عند‬ ‫الديانة اجملوسية قبل الزرادشتية‪ ،‬كما‬ ‫يعترب عيد(ابوللو) إله اليونان يف االعتدال‬ ‫اخلريفي وكالهما إله النار‪.‬‬ ‫يوجد نفس العيد يف الديانة االيزيدية‬ ‫متطابقاً مع التاريخ امليثرائي ‪ 25‬كانون‬ ‫األول يعرف بعيد وصيام ايزي أو طاووس‬ ‫ملك‪ ،‬ويلي هذا عيد آخر باسم(عيد كوركا‬ ‫كا ‪ )Gurga Ga‬مبعنى(‪Guriya‬‬ ‫‪ ،)Ga‬أي“هليب‪/‬أو شعلة الثريان” إذ كان‬ ‫االيزيديون يوقدون النريان عصر ذلك اليوم‪،‬‬ ‫وكان على الفالحني أن يعربوا بثريانهم من‬ ‫فوقها‪ ،‬وربة البيت تنثر احللوى من زبيب‬ ‫ومتر خملوطة مع حبات الشعري والقمح‬ ‫والبقوليات على الفالح وثريانه وسط فرحة‬ ‫صغار وشباب القرية‪ ،‬إيذاناً بانتهاء موسم‬ ‫احلرث وتسليم احلبوب إىل األرض بانتظار‬ ‫منوها وحصادها وجين حمصوهلا للموسم‬ ‫القادم! مبعنى أن تلك األعياد والطقوس‬ ‫مرتبط حبركة الطبيعة والتغريات املناخية‬ ‫والعملية الزراعية‪.‬‬ ‫فالح جيمع نبتة سريعة االشتعال‬ ‫تسمى“ َرشك” الشعاهلا يف طقس(بيلندا)‬ ‫نار عيد بيلندا(عيد كوركا كا ‪Gurga‬‬


‫جملة دجلة‬

‫السنة الرابعة‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪40‬‬

‫‪)Ga‬أما كلمة(بيلندا ـ بيلنده) املطابقة‬ ‫لعيد الصليب املسمى(بيت يلده) إذ‬ ‫يشعلون النريان يف عصر يوم قبلها ويقفزون‬ ‫من فوقها ويطرحون فيها الزبيب والتمر‬ ‫ويأكلونها مشوية(مال خليل‪ ،‬أمحد‪ ،‬مصدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪ .).79‬ويعتقد االيزيديون أنه‬ ‫يوم ميالد ايزيد‪ ،‬أو يوم طاووس ملك‬ ‫وميالد الشمس‪ ،‬وهذا يطابق يوم ميالد‬ ‫يسوع املسيح ووالدة ميثرا‪ .‬كما يعتقد‬ ‫االيزيديون أن(بيلنده) هو عيد األموات‪،‬‬ ‫فتأخذ ربات البيوت ما تتوفر لديهن من‬ ‫مأكوالت وأضاحي إىل قبور أمواتهن‪ .‬وأنا‬ ‫مع رأي وحتليل الكاتب أمحد مال خليل‬ ‫بأن(بيلنده) تعين الوالدة‪ ،‬وأنها مركبة‬ ‫من كلمتني(بوون = الوالدة = الوجود)‬ ‫و(هلدا = االرتقاء والعلو)‪ ،‬ألن الشمس ـ‬ ‫ميثرا تشرع بالنهوض واالعتالء يوم ‪25‬‬ ‫كانون األول‪ ،‬وهو يوم ختلصها من قبضة‬ ‫أهرمين(إله النار)‪ ،‬وهو رمز والدتها ويوم‬ ‫ميالد ميثرا‪.‬‬ ‫أما لفظة(هه تاو ـ هه تاف ـ طاف ـ‬ ‫‪ )Hetav- Tav‬الكرماجنية‪ ،‬فالربغم‬ ‫من عالقتها ظاهرياً بـ(آفتاب) الفارسية‪،‬‬ ‫فهي يف احلقيقة رمز اإلله السومري(اوتو)‬ ‫إله الشمس الذي ُقدس ملئات السنني‬ ‫قبل عصر الكتابة كما عبد سكان البالد‬ ‫العليا(سوبارتوم) وأنهم اشتهروا بامسه‬ ‫احمللي(هوري ـ خوري)‪ .‬لذا ال ريب‬ ‫يف تدرج لفظة(آهر‪ ،‬آور‪ ،‬آكر = النار)‬ ‫الكردية من ذهنية هندية أوروبية تواجد‬ ‫أصحابها يف البالد العليا منذ العصر‬ ‫السومري ـ األكدي حيث عربت أجياهلا‬ ‫عن هذا اإلله فيما بعد برمز(آهورا) إله‬ ‫النور واحلكمة(د‪ .‬مجال رشيد أمحد‪،‬‬ ‫دراسات يف بالد سوبارتوم‪ ،‬بغداد ‪،1984‬‬ ‫ص ‪ .13‬وكذلك أمحد مال خليل‪ ،‬مصدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.).79‬‬

‫‪..........‬‬

‫مقالة‬

‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬


‫‪Diclepress13@gmail.com‬‬

‫مقالة‬

‫‪41‬‬

‫العدد ‪22‬‬

‫‪2021/5/30‬‬

‫السنة الرابعة‬

‫جملة دجلة‬

‫قمع لوحات املفاتيح للنشطاء األيزيديني خينق من مل يتحمل الصمود‬

‫شاكر خدر‬

‫نرى أن بعد األبادة اليت حرثت جسد‬ ‫الديانة ‪ #‬األيزيدية يف ‪ ٣‬آب عام ‪٢٠١٤‬‬ ‫يف شنكال(سنجار) أستيقظ الضمري األنساني‬ ‫لدى الشباب والشابات يف الديانة األيزيدية‬ ‫وجعلهم يتجهون حنو الوحدة الشبابية‬ ‫واإلنسانية جتاه أهلهم يف املخيمات وجتاه‬ ‫قضيتهم الكربى وديانتهم العريقة ومن أبرز‬ ‫نشاطاتهم هي األنشطة األنسانية ‪ ،‬تشكيل‬ ‫فرق تطوعية ألغاثة النازحني وتقديم هلم‬ ‫املستلزمات اليت حيتاجونها من إن كانت‬ ‫الصحية أو غذائية أو ثقافية من خالل نشرهم‬ ‫الثقافة القانونية والصحية والنفسية وذلك من‬ ‫خالل أعطاءهم دورات نفسية تثقيفية‪.‬‬ ‫أال أنهم حاربوا العمق املباشر للوحات‬ ‫مفاتيح هواتفهم وحاسباتهم أثناء حتضريهم‬ ‫لقول احلقيقة‪ ،‬فمن منهم قاوموا الصمود‬ ‫تكلمْ ومن مل يقاوم أما أجرب على أن يتعهد‬ ‫مكان‬ ‫بعدم تكراره قول احلقيقة أو ُسج َن يف ٍ‬

‫ال يعرف عنه شيء ومنهم من أجربَ على‬ ‫عبور البحار والذهاب اىل أوربا سواء ليفرغ‬ ‫قلبه ويقول احلقيقة دون ضغو ٍط أو تهديد‬ ‫أو أنه ذهب ليعيش مع عائلته بعيداً عن‬ ‫اإلبادات(الفرمانات) والعبودية والتبعية‬ ‫فمنهم من مات يف طريقه اىل اوربا أو فقد‬ ‫أحد أبناء عائلته ومنهم من يصمت يف األوربا‬ ‫ليحافظ على أقرباءه يف العراق من اجلهات‬ ‫القمعية اليت ختلع حناجر احلق وتقطع‬ ‫جذور أقالمهم وحتول أهدافهم يف النهوض‬ ‫اىل أحال ٌم غري قابل ًة للتحقيق‪.‬‬ ‫مما أدى ذلك اىل ضعف أيصال احلقيقة اىل‬ ‫العامل ونشر القضية كما هي طالئها بألوان‬ ‫حزبية أو طائفية وجعل الدول تعرتف‬ ‫باإلبادة اجلماعية وتكون هلا دور يف بناء‬ ‫مناطق األيزيدية احملررة من داعش واحملتلة‬ ‫أحزاب سياسية سواء فكرية أو عن‬ ‫من قبل‬ ‫ً‬ ‫طريق بعض القوات على األرض‪.‬‬ ‫ولرمبا صمتهم قد يكون رسالة اىل اجملتمع‬ ‫الدولي بأنهم راضني على ما حدث هلم او‬ ‫انهم يستحقون ذلك دون مساع اىل معاناتهم‬ ‫وصعوبات اليت يتعرضون له من منعهم‬ ‫لقول احلقيقة أو سحقهم داخل السجون‬

‫وعرب احملاكم العلنية والتحقيقات السرية‬ ‫والتهديدات املباشرة وغري املباشرة‪.‬‬ ‫فالسؤال هنا ‪ /‬كيف سوف يتحقق العدالة يف‬ ‫دولة تقمع صوت أقلية تعرضت لألضطهاد‬ ‫والعنف والقتل ولألبادة‪.‬‬

‫تشكيل فرق تطوعية ألغاثة‬ ‫النازحني وتقديم هلم‬ ‫املستلزمات اليت حيتاجونها‬ ‫من إن كانت الصحية أو‬ ‫غذائية أو ثقافية من خالل‬ ‫نشرهم الثقافة القانونية‬ ‫والصحية والنفسية وذلك من‬ ‫خالل أعطاءهم دورات نفسية‬ ‫تثقيفية‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.