سور َمي
مجلة فكرية – ثقافية ،تصدر كل شهرين من منشورات مؤسسة جارجرا للثقافة
خميرة الواقع ..نشوة الحقيقة
العدد / 10 :كانون الثاني – شباط
المحتوى
سور َمي مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين العدد / 10كانون الثاني – شباط ملف العدد( :اإلعالم والحريّات العامة) المدير العام :نهاد إسكان هيئة التحرير :عباس علي موسى ،عبدهللا شيخو، سوز حج يونس ،بهار مراد ،محمد مجيد حسين. تحرير وتدقيق القسم العربي :عباس علي موسى تحرير وتدقيق القسم الكردي :عبدهللا شيخو رسمتا الغالف :الفنان السوداني خالد البايح @khalidalbaih تصميم الغالف ،واإلخراج الفني :شفان ديركي المطبعة :سيماف تلفون- )+963( 0938408206 : )+963( 0999656125
البريد اإللكتروني E-Mail: kovara.sormey@gmail.com Facebook: Sormey magazine twitter: Kovara Sormeyê Google plus: Kovara Sormey
حقوق النشر محفوظة لمجلة سور َمي. الكاتب مسؤول عن محتوى مادته. ترتيب المواد يخضع العتبارات فنية.
مقدمة -اإلعالم حين يكون حارسا للحريّة 2/ البروباغندا األمريكية في الحرب العالمية األولى -بول ماكفيدن 3/ اإلعالم في ظل الحروب -بيروز بريك 12/ في حيثيات العالقة ما بين سلطات أمر الواقع واالعالم -عامر خ .مراد 16/ اإلعالم وحرية التعبير (قضايا وإشكاليات) - عزيز توما 20/ المجتمع اإلعالمي -محمد مجيد حسين 24/ اإلعالم ناقال للبؤس والقبح -جوان تتر28/ اإلعالم ومقاربة الحقيقة في الصراع والسلم - هامان علي 30/ عوامل بقاء النظام السلطوي االستبدادي في العالم العربي -سلمان إبراهيم الخليل 42/
نافذة مجلة أبابيل 50/ مركز التنمية واألنشطة المدنية 51/
العدد / 10كانون الثاني – شباط
2
اإلعالم حين يكون حارسا للحريّة P إن لم يكن اإلعالم صانعا للحرّية ،فهل بأنه حارس لها؟! نستطيع القول على األق ّل ّ تساؤ ٌل في زمن غدا فيه اإلعالم لسان الحال ،في فضاء استحال فيه السلم إلى حلم أن اإلعالم كان قبل كبير ،لكن هل يعني هذا ّ حرا ،أو ساعيا إلى الحرية أو حتى حارسا اآلن ّ لها؟! إن اإلعالم يأخذ شكل البالد التي تنتجه، ّ فسنوات طويلة من االستبداد لم تستطع أن حرا ،ناقدا ،أو حتى ساخرا ،ال في تصنع إعالما ّ النور وال في العتمة ،لذلك ربما نرى اآلن الصورة قاتمة في أبعادها كلّها ،في الصورة تلك بصيص نور ،أو شمعة صغيرة في عتمة عظيمة. في الحرب ،الصراع ،أو الثورة ،يكون اإلعالم راصدا لألحداث ،ينقلها إلى اآلخر/ المتلقّي ،يكون أحيانا بعين مفقوءة ،وأحيانا لكنه يمثّل شهادة مخضبة بالدم ،ناقلة للحقيقةّ ، على الحدث دوما. سورمي في عددها العاشر إلى تلتفت َ موضوع اإلعالم ،ودوره في الحريات العامة، وتستقرئ واقع اإلعالم في ظ ّل الحروب والنزاعات ،وتعاطي سلطات أمر الواقع مع الحالة اإلعالمية. في (البروباغندا األمريكية في الحرب العالمية يحدثنا بول ماكفيدن عن كيفية تطويع األولى) ّ
االستخبارات األمريكية لإلعالم ليعمل لصالح وجهة نظرها األحادية ،وتكشف الدراسة عن مدى سفور تدخل السلطة في اإلعالم والتأثير على المصداقية التي ينبغي أن يكون عليها. أما في (المجتمع اإلعالمي) ،فيتن ّقل محمد مجيد حسين ما بين سيرة اإلعالم العالمي ،مرو ار بدور الرقابة في المجتمع اإلعالمي ،وكذلك بأن اإلعالم هو يتوقّف على الفكرة التي تقول ّ التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير. هامان علي وفي دراسته (عن الحقيقة في اإلعالم زمن الحرب والسلم) يتوقّف طويال على الموضوع اإلعالمي إو�شكاالته المتشابكة ،بدءا من التعريفات والبديهيات وانتهاء بمقولة الحقيقة في اإلعالم ،والمصداقية كحقيقة إعالمية. إضافة إلى موضوعات أخرى في اإلعالم الملف ،إلى جانب دراسة حول نطرحها في ّ عوامل بقاء النظام االستبدادي في العالم العربي بقلم سلمان إبراهيم خليل. سورمي في هذا العدد قراء وأخي ار سنؤثر ّ َ بمجموعة صور مختلفة صحفية لمراسل وكالة رويترز رودي سعيد ،فيها الكثير من األناقة البصرية وقوة توثيق الحدث من جانبها اإلنساني.
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
3
البروباغندا األمريكية في الحرب العالمية األولى P بول ماكفيدن /جامعة غالسكو عن اإلنكليزية :سوز حج يونس في السادس من نيسان من العام ،1917 أعلنت الواليات المتحدة األمريكية الحرب على ألمانيا ،وانضمت إلى الحلفاء في حربهم ضد ألمانيا وهنغاريا ،هذه الحرب التي اندلعت منذ العام 1914في أوربا ،وقد انضمت أمريكا إلى هذه الحرب ،رغم حملة إعادة انتخاب الرئيس وودرو ويلسون ،الناجحة والتي كان شعارها (لقد أبقانا الرئيس بعيدا عن الحرب). بعد انضمام الواليات المتحدة مباشرة إلى صصت لها الصراع ،أُطلقت حملة بروباغندا ُخ ّ ماليين الدوالرات ،وقادت هيئة االستخبارات العامة CPIحملة البروباغندا هذه ،وكان من أهدافها العمل على إيصال أسباب ومبررات إيجابية إلى األمريكيين حول دخول الواليات المتحدة إلى هذه الحرب داخل البالد وخارجها، وعملت االستخبارات على تحقيق ذلك ،من خالل حملة بروباغندا واسعة ،شملت إنتاج أفالم ،حوارات ،كتب ،إو�عالنات ،وغيرها من هذه الوسائل المتنوعة ،التي ُوظّفت إلنجاز هذا الهدف. في مقدمة الكتاب الذي كتبه جورج كريل، توجد كلمة لمسؤول االستخبارات العامة ،والذي (إنه لمن األهمية ُيدعى بـ نيوتن باكر يقول فيهاّ : يتم إظهار الواليات المتحدة العظمى بمكان ،أن ّ قوي مدجج في هذه الحرب ،ليس فقط كمحارب ّ قوي بالسالح ،إو�نما ينبغي إظهارها كمحارب ّ مدجج بالسالح ،ومؤمن بالهدف الذي يحارب من أجله). هذا الكتاب الذي كان تحت عنوان (كيف نروج ألمريكا؟) ( ،)London 1920والذي ألفه ّ جورج كريل ،وبدأ مقدمة كتابه بكلمة لمسؤول الـ
، CPIوالتي تعكس الموقف الحكومي األمريكي، حول المضي قُدما في هذه البروباغندا ،التي مجرد فكرة متأخرة ،إو�نما جزءا مساعدا لم تكن ّ ومهما في هذه الحرب. ّ إن هدف هذه المقالة ،هو محاولة كشف ّ دور البروباغندا التي قامت بها االستخبارات العامة الـ ،CPIفي التأثير على الرأي العام في أن التركيز على تاريخ االستخبارات أمريكا ،وكما ّ ودورها ،سيتضمن الكشف عن أربعة محاور أساسية لهذه البروباغندا ،وهي؛ قسم األخبار، قسم الدعاية واإلعالن ،قسم األفالم ،وقسم مشروع (رجال في أربع دقائق)؛ حيث ساعدت هذه المحاور األربعة في الترويج للحرب. سنقوم بتحليل الملصقات التي كانت تُستخدم من قبل هيئة االستخبارات ،والتي كانت تحاول سيتم الكشف تصورات وأفكار ّ معينة ،كما ّ تجسيد ّ عن األحاديث التي كانت تُلقى في برنامج (رجال في أربع دقائق) ،كما سيتم في هذه المقالة أيضا إظهار ردة فعل الشعب األمريكي تجاه هذه الحرب ،وذلك باالعتماد على مصادر حيث سأختار صحفا كـ نيويورك الرأي المختلفةُ ، تايمز ،Newyork Times /ذا كريزيزThe / ،Crisissأتالنتا كونستيتيوشنAtlanta con�/ حيث تمثّل هذه المصادر اإلعالمية ُ ،stitution فئات مختلفة من الشعب األمريكي ،فهي تمثل الشعب األمريكي في الشمال والجنوب ،وكذلك األمريكيين ذوي األصول األفريقية. ففي صحيفة الـ نيويورك تايمز وذا كريزيز، سأركز على المقاالت األخبارية ،بينما في صحيفة أتالنتا كونستيتيوشن ،سأركز على صفحة الرسائل ومقاالت الرأي المثيرة للجدل،
4
أن الصورة التي وسأختتم هذه المقالة بتوضيح؛ ّ كانت تحاول االستخبارات إظهارها عن أمريكا موحدة ،إنما كانت صورة وهمية ،وكانت تحاول ّ التغطية على واقع البالد ،الذي كان أكثر انقساما وتشتتا مما كانت البروباغندا تحاول إظهاره. مراقبة المطبوعات CPI :واإلعالم المكتوب لقد نشأت هيئة االستخبارات العامة ،بعد وقت قصير من دخول أمريكا إلى الحرب، وكان إنشاء هيئة االستخبارات هذه بموجب قرار أن هذا القرار لم يكن واضحا حول تنفيذي ،إال ّ ماهية الدور الذي ستلعبه هيئة االستخبارات هذه ( القرار التنفيذي )1917-2594 ,وكانت الهيئة مقسمة إلى قسمين ،قسم دولي خارجي ،وقسم ّ أهمية الفرع من غم الر وعلى داخلي، محلي ّ الخارجي ،إال ّأننا في هذه المقالة سنركز على الفرع الداخلي بأقسامه الـ ،21والتي تسعى جميعها إلى صياغة الرأي العام الداخلي. كان من بين أدوارها ،العمل على مراقبة اإلعالم الداخلي واإلشراف عليه ،وبشكل خاص الصحف ،في كيفية نشرها للتقارير المتعلقة بالحرب من خالل ما يسمى بقسم األخبار، أن القوانين والتوصيات لم وعلى الرغم من ّ تصدر بشكل تام وواضح ،إال ّأنه كان ثمة ما يشبه (االتفاق الطوعي) بين الجهات المسؤولة عن الحرب وبين الصحافة (حيث كان هناك نوع من التوافق على عدم نشر أية تقارير صحفية عن الحرب ال تخدم مصلحة الوطن)(Mock, .)Larson.1939,p.77 هذه المعايير أدت إلى منع إيصال أية رسائل من شأنها أن تتسبب في نفور الشعب أقر الرئيس ويلسون في القرار من الحرب ،و ّ التنفيذي رقم 2585بـ(االستيالء أو إغالق محطات الراديو غير الضرورية) (القرار التنفيذي ،)1917 ,2585أما بالنسبة لتلك الراديوهات التي تُبث من الخارج ،فينبغي لها أن تطلب اإلذن من الواليات المتحدة قبل أن تباشر بثّها (القرار التنفيذي .)1917 ,2604
العدد / 10كانون الثاني – شباط
في 28أيار ظهرت القوانين الخاصة بـ CPIإلى العلن ،وأُرسلت إلى جميع المحررين ونشرت على الصفحات األولى، في أمريكاُ ، وبينما أبدى الرئيس األمريكي بعض التحفّظات تخيل على هذه القوانين ،حيث قال :ال أستطيع ّ ضرر أعظم على البالد ،من ذلك الضرر الذي يتسببه إنشاء نظام لمراقبة اإلعالم المطبوع، الحق في جمهورية حرة، فهو ينكر على الشعب ّ وكذلك يحرمهم من حقهم الذي ال غنى عنه، في انتقاد مسؤوليهم. حيث تطلب هذه الوثيقة من الصحافة ،أن ُ تضع نفسها في خدمة الدفاع الوطني ،وتطالبها بالتعاون فيما يخص التقارير الصحفية ونقل النزاع ،هذه العالقة ذات الطبيعة االختيارية الطوعية ،هي السمة األساسية التي لعبت عليها ،CPIواستخدمتها في مناسبات عديدة، فكان بإمكان رئيس االستخبارات أن يقاضي المحررين ،وأن يوقف مراسالتهم البريدية ،وكان ّ بإمكانه حتى أن يقطع مصادر التمويل الداعمة للصحف (.)Pinklton 1994,p.231 على الرغم من تصريحات الرئيس ويلسون أن كريل وآخرين مضوا حول هذه الرقابة ،إال ّ في مشروعهم هذا ،حيث مارست هيئة CPI مراقبة على جميع أنواع اإلعالم ،مع التركيز بشكل خاص على الصحف ،وقد صنفت االستخبارات األخبار الصادرة عن الصحافة إلى ثالثة أصناف :خطيرة ,مثيرة للشك ,وروتينية. حيث كانت تسمية «خطيرة» تُطلق على األخبار التي لها عالقة بالمعارك الجارية ،وأما فإنها كانت تطلق على األخبار المثيرة للشكّ ، ولكنها قد تحتوي على تفاصيل التي تبدو عاديةّ ، عسكرية ،كعدد الجنود وتدريباتهم وما إلى ذلك (.)Mock,Larson 1939 لقد كان اإلعالم المطبوع من صحف ومجالت ،مطالبا بعرض كافة المقاالت واآلراء ،حتى يتم التحقّق والتثبت منها من قبل تقرر ما إذا كانت هيئة االستخبارات ،والتي ّ ِ هذه المقاالت واآلراء مناسبة للنشر ،فقد اكتشف أن الحلفاء كانوا قد أرسلوا على سبيل المثالّ ،
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
5
للتزود باللحوم ،والتي سفن شحن إلى أمريكا ّ كانت قليلة التوفّر على مستوى القارة ،ولكن وكالة الـ CPIأجبرت الصحف واإلعالم ،على (أن نقل مثل االمتناع عن نقل هذا الخبر بحجة ّ هذا الخبر ،سيدفع الناس إلى رفع أسعار اللحوم بشكل كبير ،ودفعة واحدة)( (�Mock,Lar .)son1939,p.85 في أيلول العام ،1917أُجبر اإلعالم في الواليات األربع والعشرين ،على تشجيع قرائهم ومستمعيهم ،على االقتصاد في استهالك الخضار ،وقد جاء التوظيف األكبر لبروباغندا في الرابع من تموز في العام ،1917في محاولة إلظهار القوات العسكرية األمريكية المرافقة كأبطال ،والتي أبحرت باتجاه فرنسا في لمحت هيئة االستخبارات يوم االستقالل ،حيث ّ بأن هناك قوارب ألمانية حاولت اعتراض ّ ،CPI السفن األمريكية ،إال ّأنها فشلت في تحقيق ذلك, ولكن مراسل نيويورك تايمز ك ّذب في وقت الحق رواية االستخبارات هذه ،حيث أ ّكد في تقرير ميداني له ،من على سطح إحدى السفن بأن األمريكية التي أقلّت القوات األمريكيةّ ، عبور هذه القوات قد تم بهدوء وبسالسة ،ودون أية ازعاجات (.)Lass Well 1938,p.93 إن هذه الحادثة تبدو عرضية ،إال ّأنها ّ تعكس حجم الجهد الذي كانت االستخبارات لتجنب أية قصص قد تُخلق ،وتؤثر تبذله، ّ صص لقسم على الرأي العام األمريكي ،وقد ُخ ّ اإلعالم في هيئة االستخبارات ،مبلغ كبير من المال ُيقّدر ب 76ألف دوالر. كان لقسم األخبار صحيفة خاصة بها تُعرف بـ The Official Bulletin؛ أي النشرة الرسمية، وتُعتبر هذه الصحيفة هي األولى من نوعها في التاريخ األمريكي ،من حيث دعمها وتمويلها ورعايتها من قبل الحكومة (Mock,Larson .)1939,p.92 االشتراك السنوي بهذه الجريدة كان بـ 5 صص لها هذا السعر دوالرات سنويا ،وقد ُخ ّ لتجنب منافسة الصحف األخرى لها ،وقد قمت باختيار إحدى أعداد هذه الصحيفة بغرض
دراستها ،فكان العدد الصادر بتاريخ 11أيار 1917والذي احتوى على مواضيع وقصص مختلفة ،وكلها كانت تعكس صو ار إيجابية عن الحرب الجارية ،فعلى سبيل المثال نشرت إحدى الصفحات في هذا العدد خب ار عن التزايد الكبير في أعداد قوات البحرية األمريكية ،في حين احتوت الصفحة التالية نصائح حول كيفية التعامل مع العمالء ،الذين يشتبه بتعاملهم مع العدو ،وقد اعتُبرت هذه الصحيفة امتدادا لهيئة االستخبارات ،التي ح ّذرت اإلعالم في شباط العام ،1917من نشر أو طباعة أية أخبار ،من شأنها أن تعيق سياسة الحكومة المتعلقة بالحرب. قسم األخبار التابع لـ CPIكان مصد ار للمعلومات لنحو 20ألف من أعمدة الصحف أسبوعيا ،وكما ّأنها كانت تزود اإلعالم باإلحصائيات ،وغيرها من التفاصيل والمعلومات ،التي تناقلها اإلعالم وقتها كتغطية يومية للحرب. الترويج ألمريكا ,قسم الدعاية واإلعالن قسم الدعاية واإلعالن التابع لـ CPI كان جزءا آخر من أدوات البروباغندا التي استخدمتها هيئة االستخبارات العامة ،وبعد إنشاء هذا القسم ،تم تكليف ويليام أتش جونز الذي كان رئيسا للهيئة األمريكية لوكاالت الدعاية واإلعالن كمدير مسؤول عن هذا القسم. الهدف األساسي من إنشاء هذا القسم كان للترويج إو�يصال رسائل إيجابية عن المشاركة األمريكية في الحرب ،وكذلك للتحذير من وحشية العدو وحلفائه ،وقد استخدمت وسائل وأساليب متعددة في هذا الترويج ،وكان من ضمنها الملصقات ،وبطاقات الباصات والسيارات، والرسوم الكرتونية ،والصور الفوتوغرافية. فنجد إحدى هذه المنشورات على سبيل تصور أحد الجنود األمريكيين ،وهو المثال، ّ يتصدى ألحدب ألماني متوحش ،ويمنعه من ّ اغتصاب امرأة ،وكان العنوان الرئيسي لهذا الملصق (أوقف البربري.) Halt The Hun/
6
العدد / 10كانون الثاني – شباط
إن هذا االستخدام للمرأة كشخص مضطهد ّ ومعرض للتهديد ،كان نوعا من محاولة اللعب ّ على وتر (قدسية المرأة) ،والتي تستفز العديد من األمريكيين وتثيرهم ،وخاصة في الجنوب األمريكي ،حيث عمل هذا البوستر ،على تصور عن واقع المرأة في تلك الحرب، خلق ّ تصو اًر عن مدى وحشية وبربرية العدو وأعطى ّ تجاه المرأة ،في وقت لم تكن فيه التكنولوجيا او التغطية التلفزيونية كما هي اآلن ،إال أنها نجحت في إيصال صورة عن المرأة في تلك التصور صحيحا أم ال. الحرب ،سواء كان ذلك ّ قدمت صو ار أن كثي ار من هذه البوسترات ّ كما ّ عن الحرب للمشاهد ،في إحدى هذه الملصقات التي كان عنوانها (استيقظي أمريكاWake/ ،)Up Americaتم تصوير أمريكا فيها كفتاة شابة بريئة مستغرقة في النوم ،وترتدي فستانا من نجوم وخطوط تمثّل العلم األمريكي ،حيث ملصق آخر ّ يجسد غوريال ضخما ،يرتدي يدعو هذا الملصق األمريكيين ،إلى أن يكونوا خوذة ألمانية ،ويحمل امرأة خائرة القوى ،وكان متنبهين لما يجري من وقائع في الحرب ،وكذلك ّ عنوان هذا الملصق: التنبه من العدو. إلى ّ (دمروا هذا الوحش المجنونDestroy / ّ )This Mad Brute
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
7
تروج لقوات البحرية كما كانت هناك ملصقات ّ جنود أحد الملصق األمريكية ،حيث يمثل هذا في نهاية هذه الحرب ،كان قد تم انفاق البحرية ،وهو يمشي بسعادة على الشاطئ ،وقد 1,5مليون دوالر على أكثر من 9000إعالن كتب على هذا الملصق (إنها فرصة رائعة لك /و 700ملصق ،و 287رسم كرتوني. .)Wonderful Opportunity For You كما أظهرت ملصقات أخرى ،االستخدام الواضح للمصطلحات والصور الدينية ،كما في مصطلح (أمنا العظيمةOur Greatest / ،)Motherالذي استُخدم في إحدى البوسترات، التطوع كممرضات، ودعا النساء في أمريكا إلى ّ لمعالجة جرحى الحرب. صور ملصق آخر ،ممرضة تحمل طفلة ّ صغيرة ،وفي الخلف محارب قديم يركب أحصنة ،حيث تبدو صورة هذا الملصق ،قريبة من صورة السيدة العذراء ،وهي تحمل السيد المسيح ،للداللة على أن الممرضات األمريكيات في هذه الحرب ،قد ترقين إلى نفس المكانة الروحية ،للسيدة العذراء بطريقة أو بأخرى ،كما واستخدم الصليب األحمر في هذا الملصق، بصورة دراماتيكية جدا.
صناعة األفالم السينمائية ,الـ CPIتتجه إلى هوليوود: إن انتاج األفالم السينمائية الضخمة من ّ قبل الـ ،CPIوالتي كانت تتطلب تمويال كبيرا، سيبقى إرثا راسخا للبروباغندا التي استخدمتها االستخبارات. عند البدء بإنشاء قسم خاص باإلفالم في هيئة االستخبارات العامة ،كان انتاج هذه األفالم في البداية محدودا ،وكما ّأنها كانت تعرض مجانا في توسع هذا المشروع، أماكن محددة ،لكن وبعد فترة ّ وبدأ العمل على إنتاج أفالم سينمائية ضخمة، بغرض تصديرها وعرضها خارج البالد ,وبشكل خاص تلك األفالم التي كانت تعرض مشاهد حقيقية ،بقصد عرضها على المشاهدين(وذلك
8
لتحقيق أهداف ومصالح عسكرية) ،وكذلك ليتم تصحيح تلك المشاهد والتفاصيل السلبية، ّ الموجودة في ذهن المشاهد عن الحرب. من أكثر األفالم ضخامة ،والتي تم إنتاجها لتُعرض داخل البالد ،هي فيلم (صليبيو بيرشينك،Pershing,s Crusaders( / و(الرد األمريكي،America,s Answer( / بينما كان فيلم (تحت ظل أربع راياتUn�( ( / der Four Flagsموجها إلى الخارج. الملصق الذي كان مخصصا لفيلم (الرد األمريكي) ،يمثّل الشجاعة التي يتحلّى بها الجنود األمريكيون ،وهم يغرسون العلم األمريكي على التراب األلماني.
بينما البوستر المخصص لفيلم (تحت ظل فإنه يظهر الجنود األمريكيين وهم أربع رايات)ّ ، يحاربون ببسالة ،جنبا إلى جنب مع الحلفاء الفرنسيين والبريطانيين. ربما يعتبر بوستر فيلم ( صليبيو برشينك) هو األكثر إثارة ،حيث ُيظهر سرية من جنود الخيالة األمريكيين في غمرة غروب الشمس، وهم ينتظرون المعركة التي سيخوضونها ضد األلمان.
العدد / 10كانون الثاني – شباط
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
9
جيش الخطباء ،مشروع «رجال في أربع دقائق»: لقد كانت ظاهرة المتحدثين في أربع دقائق، اللفتة في البروباغندا التي من الظواهر الهامة و ّ استخدمتها االستخبارات األمريكية ،لتثبت وجهة أن هناك دعما واسعا للحرب النظر التي تقولّ ، من قبل الشعب األمريكي. كان «رجال في أربع دقائق» هم مجموعات من األشخاص المتطوعين ،الذين تطوعوا حضرتها للحديث واإلشارة إلى مواضيع محددةّ ، االستخبارات ،وقد وصف كل من موك والرسون هؤالء بـ ( مجموعة القوميين األمريكيين) ،وخالل النزاع كانت أحاديث هؤالء تُبث في كل مكان، في دور السينما فبل عرض األفالم وبعدها، وفي السوبر ماركتات ،والكنائس ،ومحطات القطار ،والمطاعم والمقاهي ،حيث قام نحو 57 ألف شخص من مختلف الواليات ،بإلقاء نحو 8 ماليين خطاب ،وقد غطّت هذه الخطابات كامل قدر ستيفن فوغن، لواليات في االتحاد ،حيث ّ بأن نحو أربع مائة مليون شخص ربما قد سمعوا هذه الكلمات.))aughn 1979,p.103، مواضيع هذه الكلمات كانت مختلفة ،فقد تنوعت بين مواضيع كـ (من هو عدونا الحقيقي)، ّ وأخرى حول (فضح البروباغندا األلمانية)، وأخرى عن موضوع (لماذا نحارب؟) ،وما إلى ذلك.
مما نتصور ،فهناك التنوع العرقي الكبير في البالد ،وهناك جزء من الشعب ممن يعتبرون أنفسهم أمريكيين-إيرلنديين ،ومنهم من يعتبر نفسه أمريكيا–ألمانيا ،وآخرون يعتبرون أنفسهم أن هيئة أمريكيين–فرنسيين وهكذا ،وكما ّ االستخبارات لم تكن تمثل المنبر الموحد، الذي يجمع كل وجهات النظر المختلفة ،وكما أن الجيوب المعارضة لهذه الحرب ،أو على ّ األقل المختلفة من حيث وجهة النظر ،كان من الصعب تجاهلها. لكن في المقابل ،تشير دالئل على وجود دعم واسع من قبل فئات معينة من الشعب لهذه الحرب ،من ضمنهم مجموعات دينية، وسياسيين ،وأكاديميين وغيرهم. لقد عملت هيئة االستخبارات على خلق تصورات معينة عن العدو ،وعن الموقف ّ األمريكي في الماضي والحاضر ،حول طبيعة أن هذه لكن تبين فيما بعدّ ، هذا الصراعّ ، التصورات كانت بعيدة عن الواقع.
الخاتمة: إن هيئة االستخبارات العامة تُعتبر مثاال ّ حيا ،عن الدعم الكامل الذي قدمته الحكومة حيث عملت وكالة في أمريكا للبروباغندا، ُ االستخبارات وببراعة على الوصول إلى الماليين ،حيث ساهمت في إيصال البروباغندا إلى المستوى القومي الشامل في البالد، من خالل استخدام وسائلها المتعددة ،من تغطية لألخبار ،وصناعة األفالم السينمائية، والملصقات ،ومشروع «رجال في أربع دقائق». إن الرأي العام في أمريكا هو أمر معقد أكثر ّ
Bibliography Primary Sources 1. ‘A Wonderful Opportunity for You’, Charles E. Ruttan, 1917, [picture] from Learn NC’s World War One Propaganda Collection, http://www.learnnc.org/lp/editions/ww1posters/5 043 ][23/08/12 2. ‘Destroy This Mad Brute’, creator unknown, date unknown, [picture], Learn NC World War One Propaganda Collection, http://www.learnnc.org/lp/editions/ ]ww1posters/4 963 [23/08/12 3. ‘Halt The Hun!’, Henry Patrick Raleigh, 1918, [picture], University of North Texas Digital Library, http://digital.library.unt.edu/ark:/67531/metadc433/ ][23/08/12
كانون الثاني – شباط/ 10 العدد 16. New York Times, ‘Veterans Support Wilson’,13 June 1915,author unknown, p. 2 17. New York Times, ‘The Battle of the Somme’, 6 September 1917, author unknown, p. unknown 18. New York Times, ‘See Gain By Wilson’, 13 October 1916, author unknown, p. 2 19. New York Times, ‘Democrats Support Wilson Peace Note’, 22 December 1916, author unknown, p. unknown 20. New York Times, ‘Stone Issues Appeal to Missouri Loyalty’, April 8 1917, author unknown, p.2 21. New York Times, ‘Presbytery Backs Wilson’, May 23 1917, author unknown, p. unknown 22. New York Times, ‘Catholics Vote Support of Wilson’, 26 July 1918, author unknown, p. unknown 23. Preliminary Statement to The Press of The United States, May 28, 1917, Library of Congress, http://www.archive.org/details/preliminarystate00uni t 24. The Official Bulletin of The United States: America’s First Official Gazette (appendix). In Walters, John, 1992. In Government Publications Review,Vol 19, No. 3., 1992, p. 243 25. Official Bulletin, No. 2., May 11, 1917, HathiTrust Digital Library, http://babel.hathitrust.org/cgi/pt?id=mdp.3901502013 7835;page=root;view=image;size=100;seq=15;num=1 [23/08/12] 26. Pershing’s Crusaders post ers, [picture], http://www.moviegoods.com/Assets/product_images /1020/174144.1020.A.jpg [23/08/12] 27. The Zimmerman Telegram, ‘Our Documents’, http://www.ourdocuments.gov/doc. php?flash=tru e&doc=60 , [23/08/12] 28. Under Four Flags poster, [picture], http://images.moviepostershop.com/underfour-flags- movie-poster-1918-1020547841. jpg [23/08/12] 29. Wilson, Woodrow: “Executive Order 2585 - Taking Over Necessary and Closing
10 4. ‘Our Greatest Mother- Join!’, Corneluis Hicks, American Lithographic Company, USA, date unknown, [picture] Learn NCs World War One Propaganda Collection, http://www.learnnc.org/lp/editions/ww1posters/4 981 [23/08/12] 5. ‘The Gibson Girl’, Vintage Victorian, http://www.vintagevictorian.com/images/99dl_1_1s mall.jpg , [23/08/12] 6. ‘They Are Giving Their Lives Over There’, Charles W. Barnett, 1918, Learn NCs World War One Propaganda Collection, http://www.learnnc.org/lp/editions/ww1posters/5 067 [23/08/12] 7. ‘Wake Up, America!’, James Montgomery, 1917, [picture], Learn NCs World War One Propaganda Collection, http://www.learnnc.org/lp/editions/ww1posters/4 963 [23/08/12] 8. America’s Answer poster, 1918, [picture] http://www.picturehistory.com/ images/products/0/2/4/prod_2495.jpg [23/08/12] 9. Atlanta Constitution, ‘GERMANS BATTLE TO CHECK ALLIES ON SOMME FRONT’, September 6 1916, author unknown, p. 1 10. Atlanta Constitution, ‘Great War Deplored by Mormon Leader’, November 28 1914, author unknown, p. 9 11. Atlanta Constitution, ‘YMCA-YWCA Predicts Great Success for War Fund Drive’, 28 August 1918, author unknown, p. 7 12. Creel, George, 1920. How We Advertised America: The First Telling of The Amazing Story of the Committee of Public Information that carried The Gospel of Americanism to every corner of the Globe, London: Harper and Brothers Publishers 13. Creel, George, 1947. Rebel At Large: Recollections of Fifty Crowded Years, New York:Van Rees Press 14. History Matters, Four Minute Men speeches, http://historymatters.gmu. edu/d/4970/ [23/08/12] 15. New York Times, ‘MULTITUDES CHEER AT BULLETIN BOARDS’, 5 August 1914, author unknown, page unknown
11
مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين- سور َمي
that Won The War: The Story of The Committee of Public Information 1917-19, Princeton: Princeton University Press 7. Lasswell, Harold D. 1938. Propaganda Technique In The World War, New York: PeterSmith 8. Miles Watts, Sarah, Tebbel, John. 1985. The Press and The Presidency: From George Washington to Ronald Reagan,New York: OxfordUniversityPress 9. Milton Cooper Jr., John. 1969. The Vanity of Power: American Isolationism and the First World War, 1914-17, Connecticut: Greenwood Publishing Corporation 10. Milton Cooper Jr., John, 1990. Pivotal Decades:The United States 1900-1920, New York: WW . .Norton and Company 11. Pinkleton, Bruce. 1994. The Campaign of the Committee on Public Information: Its Contributions to the History and Evolution of Public Relations. In Journal of Public Relations Research,Vol. 6, Issue 4. pp. 229-240 12.Rossini, Daniela 2009. Censorship in World War One: The Actions of Wilson’s Committee on Public Information. In CornelisA.von Minnen, Sylvia L. Hilton eds, Political Repression in US History, Amsterdam:VU University Press 13. Shaack, Eric Van Winter 2006. The Division of Pictorial Publicity in World War One. In Design Issues, Vol. 22, No. 1.pp. 32-45 14. Smith, Daniel M. 1965. The Great Departure: The United States and World War One, 1914-1920, New York: John Wiley and Sons, Inc. 15. Vaughn, Stephen. April 1979. First Amendment Liberties and the Committee on Public Information. The American Journal of Legal History,Vol. 23, No.2. pp.95-120 16.Walters, John. 1992. The Official Bulletin of The United States: America’s First Official Gazette. Government Publications Review, Vol 19, No. 3. pp.243-256 17. Williams, T.Harry. 1981. The History of American Wars From 1745 to 1918, NewYork:Alfred A. Knopf
Unnecessary Radio Stations,” April 6, 1917. Online by Gerhard Peters and John T. Woolley, The American Presidency. Project. http:// www.presidency.ucsb.edu/ws/?pid=75407 [23/08/12] 30. Wilson, Woodrow: “Executive Order 2605A - Taking Over Necessary and Closing Unnecessary Radio Stations,” April 30, 1917. Online by Gerhard Peters and John T. Woolley, The American Presidency Project. http:// www.presidency.ucsb.edu/ws/?pid=75415 [23/08/12] 31. Wilson, Woodrow: “Executive Order 2604 - Censorship of Submarine Cables, Telegraph and Telephone Lines,” April 28, 1917. Online by Gerhard Peters and John T. Woolley, The American Presidency Project. http:// www.presidency.ucsb.edu/ws/?pid=75413 [23/08/12]. 32. Wilson, Woodr ow, Peace Without Victory, Speech to American Senate on January 22nd, 1917, http://www.mtholyoke.edu/acad/intrel/ww15.htm , [23/08/12]
Secondary Sources 1. Bagby, Wesley M., 1999. America’s International Relations Since World War One, New York: Oxford University Press 2. Buitenhuis, Peter. 1989. The Great War of Words: Literature as Propaganda 1914-18 and Afterwards,London:B.T.Batsford Ltd 3. Cornbise, Alfred. 1984 (reprint). Four Minute Men: Volunteer Speeches During World War I. In History Matters, Four Minute Men, http://historymatters.gmu. edu/d/4970/[18/03/12] 4. Emery, Robert A. 2010. The Official Bulletin, 1917–1919: A Proto-Federal Register. In Law Library Journal, Vol. 102, No. 3. pp. 441448 5. Gibbs, Christopher C. 1988. The Great Silent Majority: Missouri’s Resistance to World War One, Columbia: University of Missouri Press 6. Larsen, Cedric, Mock, James R. 1939. Words
العدد / 10كانون الثاني – شباط
12
اإلعالم في ظل الحروب P بيروز بريك ش ّكلت حرب فيتنام خالل فترة الستينيات تحوال كبي ار في توظيفات من القرن المنصرمّ , تجسد في بروز دور اإلعالم وأدواره في الحروبّ . التلفزيون كجهاز يدمج المرئي بالمسموع ,مما ش ّكل ثورة على النمط الذي ساد فضاء اإلعالم خالل الحرب العالمية الثانية في األربعينيات حيث برز فيها آنذاك دور جهاز من ذات القرنُ ، الراديو ,فمع استمرار الحرب الدموية في هذا البلد اآلسيوي ،والتي استنزفت كال من الجيش األمريكي وقوات فيتكونغ الشيوعية ,صعد نجم أهم ركائز اإلعالم ,كما ظهر الصورة كإحدى ّ ضمن أجواء هذه الحرب نمط صحفي جديد، وهو القصة الخبرية المكتوبة والمتلفزة الفيتشر/ ،Featureوالتي أضفت عنصر التشويق وحررتها من القوالب على األحداث والقضاياّ , الكالسيكية المملة. ضمن هذا السياق ,شهدت أواخر الستينيات ونظُم اهتماما بنظريات اإلعالم وعلومهُ ، االتصال ,وواكبت الصحافة وباقي فروع اإلعالم، الصراعات والحروب التي اندلعت في تلك الفترة ,وبدأت مالمح النهوض اإلعالمي تظهر رويدا رويدا مرو ار بنهايات القرن العشرين ,إذ كان للتلفزيون دور كبير في نقل أحداث حروب ونزاعات كبيرة جرت في الثمانينيات ,كحرب لبنان وحرب الفوكالند ،وفي التسعينيات كحرب البوسنة والهرسك ،وانتهاءا بما شاهدناه من حروب في مطلع األلفية الجديدة من هجمات على برجي التجارة العالميين ,وما تال ذلك من حروب طويلة في أفغانستان والعراق. تعاظم دور الوظائف اإلعالمية وتأثيراتها عبر السنين ،وصوال إلى ما نعايشه اآلن من تطور تكنولوجي مذهل ،له تمظهرات تجعل من اإلنسان مستهلكا شرها للمعلومة ،وهو جالس في
يمرر أصابعه على شاشه جهازه الذكي بيتهّ ، أن قواعد التلقّي ذي التطبيقات الخارقة ،إال ّ اختلفت أيضا بالترافق مع اختالف الذائقة لدى الجمهور ،وخصوصا بما يتعلّق بتفسيرات البشر للسياسة والحروب وآثارها العميقة على حيواتهم، تحوالت عميقة وصادمة. وما تشكله من ّ الحروب بما تجسده من حركية عالية وأفعال هدامة ،تشكل مضما ار رحبا لتتشكل فيزيقية ّ ضمنه المادة اإلعالمية ،وتأخذ قوامها وتستغرق شروطها ،إذ تغدو النزاعات المسلحة مستودعا وتتبع كبي ار لتحليل السياسات ،ورصد األخبار ّ الصور والتقاط القصص اإلنسانية الموجعة. الحرب وليمة دسمة للصحافة واإلعالم ،إذ ال يقتصر دور اإلعالم في الحروب على مراقبة الميدان ،وتزويد الجمهور بأخبار الجبهات وغلبة الخصوم المتحاربين ،أو اندحارهم فحسب .بل يتعدى ذلك إلى رصد ما ينجم عن هذه الحروب من ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. ُيبدي طيف واسع من الكتاب والصحفيين آراءهم في ما يمكن تسميته بـ ‹حروب اإلعالم›, ومنهم من يفصل بين حروب اإلعالم والحرب بأن بمفهومها التقليدي ,ويعلل هذا الفصل ّ الحروب التقليدية قد تهدأ أو تشهد ُه َدنا ،وقد أن حروب تجد سبيال إلحالل السلم ،غير ّ اإلعالم تبقى مستمرة وتأخذ أشكاال وتجسيدات كثيرة ,وهذا ما يمكن أن ينطبق على حرب اإلعالم والدعاية ,التي سادت فترة الحرب الباردة بين دول حلف الناتو ،وعلى رأسها الواليات المتحدة األمريكية ،وحلف وارسو بزعامة االتحاد السوفيتي ,حيث ُرصدت أموال لشن حروب إعالمية طويلة طائلة من الطرفين ّ لم تقتصر على وسائل إعالم محددة ,بل
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
13
جندت لها ماكينات إعالمية كبيرة ومخصصات ضخمة ,فبينما وضع الغرب الرأسمالي عشرات المحطات اإلذاعية على طول تخوم المعسكر يتحمل كلفة الشرقي ,كان االتحاد السوفيتي ّ تشويش باهظة عليها ،درءا لوصول التحريض الممنهج عبر سالح ذي موجات طويلة ومتوسطة وقصيرة اسمه الراديو. هذا النوع من الحروب اإلعالمية استعمل بين األنظمة واألحالف واألحزاب والتيارات السياسية ،التي يسعى ك ّل منها إلظهار شر مطلق ينبغي إلغاؤه خصومها على ّأنهم ّ ونسفه ،وهذا ما نعايشه حاليا ضمن الحرب السورية المتعددة األوجه والمالمح واألقطاب، والتي تداخل فيها الدولي باإلقليمي بالمحلي، المروع قنوات وأذرع ولك ّل من قوى هذا المشهد ّ وتحرض على السمين الغث و إعالمية تنشر ّ ّ وتبث خطاب كراهية ،متجاو از حدود النقد القتل ّ ليصل إلى مستوى غير الئق ،وال تشفع حالة ألي كان أن يركل قيم العمل االستقطاب الحادة ّ الصحفي الرصين ،أو أن يغدو انتقائيا يستعملها حين الطلب ،ويتخلّى عنها إذا ما تعارضت مع توجهاته.
حيواتهم ضريبة بحثهم عن الخبر والمعلومة, فكانوا ُعرضة لالستهداف والتصفية ,حتى تؤمن في دول الجوار التي من المفترض أن ّ الحماية لالجئين إليها ,وكان اغتيال الصحفي أن ناجي الجرف في تركيا مؤخرا ,مؤش ار على ّ عد أخطر المهن في ظ ّل الحروب، الصحافة تُ ّ أن أمراء الحرب ورعاتها يضعون الصحفيين وّ حيث لم في حساباتهم ,ويتلمسون ‹خطرهم›. ُ تخل منطقة واحدة وصلها لهيب هذه الحرب من انتهاكات فردية ومنهجية بحق الصحفيين واإلعالميين بشكل عام ,ومنها المناطق الخاضعة لسلطة اإلدارة الذاتية ,والتي ُس ّجلت مبرح فيها حاالت اعتقال وخطف وضرب ّ ومنع من مزاولة العمل وسحب للرخص ,وهذه الحاالت إو�ن كانت قليلة إذا ما قيست بباقي المناطق السورية ,غير ّأنها ال تُعفي سلطات اإلدارة من مسؤوليتها المباشرة حيالها ,سواء صدر االنتهاك من جهات محسوبة على اإلدارة ,أو من غيرها ،وليس من المجدي في هذا الصدد إيجاد مقارنات مع النماذج السيئة الصيت أصال. صحافة الحرب أو صحافة خطاب الكراهية، وصمت أغلب صحف اإلعالم السوري الجديد والمسمى بـ «اإلعالم البديل». تنامت حمى التخوين واحتكار ‹الشرعية الثورية› ووصم المختلفين بالرأي معها بتهم عديدة في هذا النمط ،الذي يعمل فيه صحفيون هواة أو قليلو الخبرة ‹مواطنون صحفيون›، وكثي ار ما سيقت التهم على صفحات بعض بحق مكونات بعينها ،كالكرد المواقع والقنوات ّ أو العلويين أو اإلسماعيلية ،كما هو الحال في ‹تلفزيون أورينت› وموقع ‹أورينت نيوز›، فلطالما أدرج القائمون على هذه الوسائل وغيرها من القنوات والمواقع االلكترونية المستتبعة لمزاجيات المالكين والممولين ،فصائل متطرفة وتكفيرية تحت تسمية الثوار!! ومارست إقصاءا ممنهجا تجاه تعبيرات مدنية سلمية؛ ال تزال متشبثة بخيارات نبذ الحرب والتناحر بين المكونات.
اإلعالم والحرب في سوريا في الحالة السورية ،تحطّمت العديد من ص ُعد عدة ‹األصنام اإلعالمية› المتوارثة على ُ من حيث شكل المواد اإلعالمية ومحتواها أي وسيلة أيضا ،فقد غدا من المستحيل لدى ّ إعالمية ،تنحو باتجاه المهنية وتلتزم بمعايير أن تكون حيادية أمام استهداف المدنيين وقتل األطفال ،وبذلك أزيلت اسطورة ‹الحياد› وتنامى استخدام مصطلح ‹التوازن› ،ليغدو شرطا من شروط المهنية لدى الصحفيين ووسائل اإلعالم، التي يعملون ضمنها أو لصالحها. وفي الوقت الذي توفّر فيه الحرب مادة أولية غنية للصحافة ,تعصف هذه الحرب ذاتها بأرواح عشرات الصحفيين والمراسلين ,إذ قدمت الحرب في سوريا نموذجا مؤلما وداميا, ّ فقد دفع صحفيون ومواطنون صحفيون كثر
14
اإلعالم العربي؛ وعلى رأسه محطتا الجزيرة تابع بكثرة ،نظ ار إلمكانياتها والعربية ,والتي تُ َ المادية الهائلة وتقنياتها الحديثة الجاذبة للجمهور ,تنحو لفرض سياسات الدول الراعية يتم التركيز على ملفات محددة لها ,وكثي ار ما ّ ضمن الشأن السوري ,كونها تتصل بسياسات السعودية أو قطر ,ويطال هذا النهج المغ ّذي للحرب إدراج مصطلحات منحازة وتعابير غير مهنية في مجال اإلعالم ,تستهدف الحط من شأن الخصوم ,وال سيما في الحرب اليمنية كعبارة ‹قوات المخلوع› على سبيل المثال في إشارة إلى المسلحين المؤيدين للرئيس اليمني السابق علي عبد اهلل صالح. نجد محطات تلفزيونية غربية ناطقة بالعربية متوازنة في طرح الملفات وبعيدة عن التجييش وحذرة في استعمال تعابير خادشة ،كما هو الحال في فرانس 42ودويتشه فيله ،بينما ال ينطبق هذا التصنيف على بي بي سي العربية، تتعمد تعويم بعض الملفات والطروحات كونها ّ الخاصة بالوضع السوري دون غيرها ،وهذا ما ال يمكن عزله عن تبعات الصراع السوري والتي ينبغي على مؤسسة بحجم بي بي سي، أن تنأى عنه لصالح الحفاظ على رصانة العمل اإلعالمي. عد إعالم اإلعالم الكردي الحزبي أيضاُ ،ي ّ حرب وكراهية ،إذ ال تتوانى القنوات الفضائية بحق من ال يوافقها الحزبية عن رصف التهم ّ الرأي ،فقد بات فضاء اإلعالم الكردي ،وال سيما الخبري المتلفز منه ساحة للتناطح والتخوين واالفتئات والمبالغة والتجييش ضد اآلخر ،في ظ ّل غياب أدنى أخالقيات العمل الصحفي المدرجة في مدونات السلوك ومواثيق الشرف الصحفي الدولية. أما إعالم النظام ,فقد انتفت عنه الصفة ليتحول إلى مضمار عريض للتلفيق اإلعالمية, ّ والكذب ونسف أخالقيات الصحافة ,ولطالما أثبت عدهم عن ‹إعالميو› القنوات الرسمية السورية ُب َ يتصورون مع جثث مقاتلي هذه األخالقيات وهم ّ المعارضة ,وأحيانا مع جثث مدنيين في مناطق
العدد / 10كانون الثاني – شباط
القتال ,وبذلك يغدو المشهد اإلعالمي السوري وكذلك العربي المهتم بالشأن السوري ,مأزوما وخاضعا العتبارات السياسة والحرب وأجندات الدول واألحزاب والشخصيات الداعمة ,والتي ال تقيم أي وزن ألخالقيات العمل اإلعالمي وتجير كل الوسائل واإلمكانيات ,لتشكيل ّ خطابات الكراهية المغ ّذية الستدامة الحروب والنزاعات في المنطقة وال سيما في سوريا. هل من مهام اإلعالم العمل ألجل بناء السالم والدمقرطة؟ اإلعالميون المؤمنون بقيم الصحافة وأخالقياتها ,مطالبون بتقديم أمثلة من صحافة السالم الراقية الخالية من أي تحريض أو تخوين أو تكفير ,وال يستقيم هذا الطرح إذا ما كان الصحفي يتمتع بمزايا معينة ,حين يكتب أو يصور لصالح مؤسسات ووسائل إعالم رصينة, تعج حساباته على السوشيال ميديا ,بعكس بينما ّ ما يلتزم به ،ففي زمن الحرب يغدو العمل على إذكاء الصراعات سهال ,ويلقى قبوال واختضانا من قبل الناس المتماهين مع أجواء الحرب, والداخلين في تفاصيلها ،إذ تغدو الذائقة الجمعية لمجتمعات الحروب نزقة وموتورة ستغل عادة من قبل وقابلة للتحريض ,وهذا ما ُي َ صناع اإلعالم المنغمسين في المال السياسي ّ والمنقادين إلمالءات أمراء الحروب ورعاتها صعب مهمة صحفيي اإلقليميين ,وهذا ما ُي ّ السالم الذين يحاولون – رغم إمكانياتهم الضئيلة -تغليب لغة السالم في الخطابات اإلعالمية ,ونزع الصواعق منها وتهيئة األجواء لمناخات ديمقراطية؛ ال تقصي أحدا من المشهد اإلعالمي ,وهذا ما يقلق الجهات المستفيدة من حالة الحرب والتجييش ضد اآلخر ,ففي وضع يبلغ فيه اإلرهاب الداعشي حدودا قصوى من استهداف القيم الحضارية والمدنية ,وما سبقه من فجوات كبيرة في البنيان المدني ،كان قد أحدثتها يتوجب على الدكتاتورية وحكم الحزب الواحدّ , القوى المدنية والفعاليات السياسية واالجتماعية والثقافية المؤمنة بالتعددية والفكر الحر ,أن
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
15
تحشد الجهود في خدمة إعالء شأن الحريات العامة ,وعلى رأسها حرية الصحافة واإلعالم, ليكون في مقدور اإلعالميين المشاركة الفعالة في التصدي للتطرف والعمل من أجل بناء سالم مستدام ,والخروج من مجتمعات الحرب إلى مجتمعات السلم والحداثة والتنمية.
ما يشهده هذا العصر من ثورة عمالقة في التقنيات اإلعالمية ،ينبغي أن توضع في خدمة إحالل السالم والدمقرطة ،حتى نستطيع التغلّب على مشاهد قطع الرؤوس والسحل والتعذيب وحلقات التحريض الديني والسياسي والحزبوي.
العدد / 10كانون الثاني – شباط
16
في حيثيات العالقة ما بين سلطات أمر الواقع واالعالم P عامر خ .مراد قراءة أولية
ثورات الشعوب ألجل حريتها ،تُسبق بضغط على الواقع اإلعالمي ،وتترافق بذات الضغط وتتبع مستمرة به ,فثورة اإلعالم منفصلة دوما عن أي ثورة ،مهما كانت ميزات تلك الثورة ،فثورة اإلعالم ّ أبدا ،والضغط على اإلعالم كان وسيبقى. العامة في تصور الحالة ّ إن تفسير عملية بقاء اإلعالم دوما تحت ّ سلطة الضغط ستكون ُمفتتح هذه القراءة األولية للواقع اإلعالمي في ظ ّل سلطات أمر الواقع على العموم (على اعتبارها متقاربة في شكل بأن اإلعالم -بما عالقتها مع اإلعالم) ،وأقول ّ نسبت إليه من وظائف ُ -يفترض به أن يبقى في خانة المعارضة الدائمة ،لما تقوم به كافة السلطات؛ من سلطات ُمنتخبة أو سلطات أمر الواقع ،فأعرق الديمقراطيات في العالم تُمارس بين الحين واآلخر ضغوطات على بعض وسائل اإلعالم. الحد الفاصل وتبقى سلطات أمر الواقع هي ّ ما بين موجة هائجة تبحث عن التغيير ،أو حتى موجة انقالبية تحكم الواقع في منطقة جغرافية ما لمدة زمنية معينة ،تنتهي بانتخاب سلطة عبر صناديق االقتراع ،أو عبر توافقات معينة ،وفي ظ ّل هذه الظروف المؤقتة والدخول بغير تراتبية تطور تاريخي على خط السلطة ،يجعل من هذه السلطات غير مهيأة إلدارة كل ما هو متواجد على األرض من جزئيات لوطن ومواطنين، وكذلك تبحث تلك السلطات دوما عن قوانين تحميها من كل المحيط الذي انحدرت منه ،أو أن اإلعالم ُيعتبر الجهة (تسلّلت عبره) ،وبما ّ األكثر نقدا لك ّل ما هو موجود من سلبيات، فإنها تصطدم وما هو غير منطقي أو قانونيّ ، برغبات سلطة أمر الواقع في تكييف ك ّل ما في محيطها وفق رغباتها.
وتبدأ فترة حكم سلطات أمر الواقع بدراسة شبه متأنية للواقع اإلعالمي الموجود، محاولة تطبيق عملية غربلة ،واستمالة لكافة المؤسسات الموجودة ،وحتى اإلعالميين في تلك المؤسسات ،أو خارجها ،للتصنيف ما بين مؤيد ومعارض ،وهنا تبدأ حالة من الفوضى في عملية تطبيق أشباه القوانين المؤقتة ،التي تخلقها هذه السلطات في بداية تواجدها ،وعملية االستم اررية اإلعالمية على وتيرة السلطة األسبق ،أو الفوضى السلطوية السابقة للحكم الحالي. فالعالقة ما بين سلطات أمر الواقع واإلعالم تتميز على الدوام بحالة من التناحر وعدم ّ التوازن ،بسبب االختالف في وجهات النظر إلى الكثير من القضايا التي تكون لسلطات خاص لها ،وهنا أمر الواقع عادة فيها منظار ّ تبدأ عمليات كسر العظم ما بين السلطتين، وتتلون هذه العالقة عادة بألوان غير محببة ّ للطرفين ،وتتخلّلها أمور أكثر حساسية ،وعليه تحاول السلطات وضع قانون توافق عليه سلطة االعالم ،ويتوافق مع مصالحها ،وهو ما تراه السلطة االعالمية غير مقبولة على الدوام مع كافة التغييرات والتعديالت التي تجري عليها بين الحين واآلخر ،وتبدأ االنتهاكات ،سواء من طرف السلطة ،أو حتى من طرف اإلعالم؛ يتحول إلى حامل لرأي معادي الذي كثي ار ما ّ للسلطة ،مهما فعلت تلك السلطة من إيجابيات، تتحول بعض وسائل االعالم إلى إعالم بينما ّ
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
17
التجرد من أهدافها بالط ،تدافع عن وجودها ،مع ّ التحول هو أمران؛ الحقيقية ،والسبب في هذا ّ أولهما الواقع األمني الذي تتح ّكم به سلطة أمر الواقع ،والتي يخشى من سطوتها الكثير من اإلعالميين ،وثانيهما الواقع االقتصادي الذي يتحول إلى واقع سيء بدرجات ،حسب إمكانيات ّ المنطقة التي تتح ّكم بها سلطات أمر الواقع. أي منطقة أو دولة في تندرج عادة أوضاع ّ سمى الفوضى، ظ ّل سلطات أمر الواقع ،تحت ُم ّ التوجهات السياسية والثقافية تعدد وذلك بسبب ّ ّ يؤدي إلى حالة من الفوضى، واالجتماعية ،مما ّ التي ال تستطيع أية سلطة التح ّكم بمعايير ثابتة لها ،وهنا يكون لإلعالم خطوطه الحمر ،وهنا تصبح كافة التجاوزات ما وراء هذه الخطوط، أمور تُحاسب عليها السلطات الموجودة.
ومتجنب للصدام يمتلك المادة اإلعالمية، ّ كلمته ،ولكن يبقى بعيدا عن نقطة المواجهة الحقيقية ،ومعارض للسلطة القائمة يبحث دوما يتعرض بين الحين واآلخر عن وسائل تحميه أو ّ لالنتهاكات.
شكل قوانين اإلعالم في ظل سلطات أمر الواقع تسعى هذه السلطات إلى إيهام المواطنين والوسط اإلعالمي ،بوجود قوانين عصرية لمجمل مفاصل الحياة العامة ،ومن ضمنها الحياة اإلعالمية في النطاق الجغرافي الذي تحكمها، ولذلك تصدر على الدوام تعليمات وقوانين تكون مجزأة غالبا ،فمن جهة يتوفّر بعد فترة من الحكم قانون ينظّم الحالة اإلعالمية في البالد ،ومن جهة أخرى يترافق هذا القانون بقوانين مناسباتية تصدرها هذه السلطات للضرورات ،والسبب هو أن القانون األساسي الناظم لإلعالم في ظ ّل ّ ألن ودقيقة، شاملة التكون اقع، و أمر سلطة أي ّ هذه السلطات تبحث دوما عن ثغرات في ذلك القانون ،لتجيز لنفسها التح ّكم ِ بالحراك اإلعالمي وتوجه هذا المتواجد في المنطقة قبل وجودها، ّ اإلعالم وفق سياساتها المرسومة بقدر أهدافها تتميز سلطات المعلنة أو غير المعلنة ،حيث ّ ُ أمر الواقع بضعف في حالة الشفافية السياسية ما بين السلطة والمواطن. من جهة أخرى تبدأ حالة من التشتت والتشرذم لدى جمهور اإلعالميين ،ما بين مؤيد للسلطة طمعا باالستمرار على حساب نوعية
ُتهم جاهزة إو�جراءات غير قانونية تتح ّكم بسلوكيات سلطات أمر الواقع تجاه معدة مسبقا، اإلعالم عموما عمليات توجيه تُهم ّ ودائما تحت ذريعة العداوة للوطن واألمة أو الحزب والثورة ،فتكون التهمة مرتبطة بقضايا إضعاف ووهن نفسية األمة ،والعداء لقيم الثورة هم تأتي في الدرجة األولى واإلرهاب ،وهي تُ ٌ حيث نوعية األحكام الصادرة تجاهها، من ُ حيث المعتقل ألجلها، ُ وكيفية التعامل مع ُ تتضمن إجراءات االعتقال الكثير من الخروقات القانونية والحقوقية ،وتبدأ غالبا بتهويل في لحظة االعتقال ،التي تُدعى عادة بالمداهمة والسرعة في إجراءات االحتجاز والسرية في المعتقل وحتى بعض اإلجراءات ،ومنع ذوي ُ فن اإلثارة في المحامين من رؤيته ،واللجوء إلى ّ المعتقل التعامل ،وغالبا ما يكون التعامل مع هذا ُ مشوبا بالقسوة ،وينتهي السيناريو بإجراءات غير منطقية كإبقاء المعتقل رهن السرية في كل شيء حيث تغيب كافة األخبار عن حالته ووضعه أو يطلق سراحه دون وضوح في أسباب االعتقال وأسباب إطالق سراح الصحفي. وغالبا ما تلجأ سلطات أمر الواقع إلى مثل هذا اإلجراء لفرض هيبتها على المواطنين عامة ،وارسال رسالة ذات معاني ودالالت مختلفة بحسب طبيعة سلطة أمر الواقع في المنطقة ،وطبيعة الحالة االعالمية المتواجدة تتلخص لمجمل الوسط اإلعالمي ،وغالبا ما ّ في تهديد هذا الوسط للتراجع عن بعض من التهجم والهجوم على هذه السلطة أو عمليات ّ النقد يكافة أشكاله.
18
صيرورة الحالة االعالمية في ظل هكذا سلطات تبدأ الحالة االعالمية في ظ ّل سلطات أمر الواقع بالبحث عن أقصر الطرق لتحقيق إو�ن ولكنها القليل من واجباتها تجاه الواقع المعاشّ ، تصطدم دوما بسلطة الرقيب ،فتبدأ بانتهاج سياسة المراوغة ،فحينا تراوغ ذاتها وواجبها في كشف الحقيقة ،ونقل الواقع كما هو عليه، فتبدأ عملية اللعب على الحقيقة ،وأحيانا تراوغ السلطات عبر التحايل على المصطلحات ،أو الهم الذي ُيثقل البحث عن هموم أخرى غير ّ كاهل المواطن ،نتيجة سلبيات تمارسها هذه السلطات. التطور في العمل اإلعالمي هنا تبقى حالة ّ التخبطات والمراوحة في من مرهونة بحالة ّ المكان ،مع شيء من التطور البطيء في األساليب دون طبيعة تناول القضايا العالقة.
العدد / 10كانون الثاني – شباط
من القنوات واعتقال العاملين فيها ومصادرة جميع معداتها. كما أ ّكد كبير المستشارين في لجنة حماية أن الصحفيين الصحفيين فرانك سمايث ّ إن يواجهون ظروفا عصيبة في مصر ،قائال ّ (الح ّكام العسكريين يسيطرون على اإلعالم، لمنع توجيه أي نقد إليهم). (توجه تهما أن السلطات ّ وأوضح سمايث ّ غير معقولة للصحفيين ،وتستخدم محاكم هزلية لقمع حرية الصحافة) ،وذهب إلى القول بأن (السلطة العسكرية ال تطيق أي انتقادات ّ لسياستها سواء من الداخل أو الخارج). وأعربت منظمة ‹مراسلون بال حدود› عن قلقها إزاء ما أطلقت عليه ‹األعمال العدائية المتزايدة› التي تستهدف مهنيي اإلعالم في مصر ،وذلك عقب البيان الذي أصدرته الهيئة العامة لالستعالمات المصرية واستنكرت من خالله تغطية وسائل اإلعالم األجنبية لألحداث الجارية بمصر. أن الوضع بالنسبة لإلعالميين واعتبرت المنظمة ّ في مصر بات ‹متوت ار للغاية› ،بعد مقتل ثالثة وتعرض عدد كبير من اإلعالميين صحفيينّ ، لالعتداء أو االعتقال خالل األسابيع األخيرة، مذكرة السلطات المصرية بمسؤوليتها في السماح للصحفيين بممارسة مهامهم في أفضل الظروف. من جهته أكد األمين العام المساعد للمجلس األعلى للصحافة المصرية قطب العربي أن اإلعالم هو في إحدى تصريحاته على ّ الضحية األولى النقالب الثالث من تموز فمنذ اللحظة األولى بداية من تراجع للحريات وعودة للممارسات القمعية سواء باعتقال الصحفيين إو�غالق الفضائيات وعسكرة المؤسسات الرسمية.
توثيقات من الحالة االعالمية المصرية بعد اإلطاحة بمبارك أ ّكد تقرير صادر عن المرصد المصري للحقوق والحريات بمناسبة ‹اليوم العالمي بحق الصحفيين لمحاربة إفالت مرتكبي الجرائم ّ من العقاب› ،مقتل تسع صحفيين في الميدان، إو�صابة ستين صحفيا بجروح متنوعة ،ومحاكمة ستة إعالميين عسكريا ،واعتقال ما يزيد عن اثنين وتسعين اعالميا. وأشارت اإلحصاءات إلى غلق عشرة قنوات فضائية ،وغلق ومداهمة اثني عشرة مكتبا لمؤسسات إعالمية ،ومنع صحيفتين من الصدور ،باإلضافة إلى اثنين وعشرين حالة منع من الكتابة ،وفصل ثالثين صحفيا بصورة تعسفية. وكشف تقرير صادر عن لجنة حماية نظرة إلى الحالة السورية الصحفيين باسم ‹حرية الصحافة في خطر تكاد تكون النظرة للحالة اإلعالمية السورية أن حرية اإلعالم في مصر تراجعت بمصر›ّ ، في ظ ّل مجموعة من سلطات أمر الواقع بعد أحداث الثالثين من حزيران ،إو�غالق عدد المؤقتة في المناطق المختلفة ،قريبة ودقيقة في
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
19
تفاصيلها عند المقارنة بما سبق ذكره من قضايا وأحكام عامة ،مع بعض االختالفات الناتجة عن البقاء المؤقت لهذه السلطات في أماكن سيطرتها ،فكيف يمكن مقارنة تعامل تنظيم داعش مع اإلعالميين ،دون أن تكون هناك أية قوانين ناظمة لهذا العمل مع القوانين الناظمة لهذا العمل في مناطق سيطرة الجيش الحر، أو سيطرة اإلدارة الذاتية في المناطق الكردية، أو المناطق التي مازالت تحت سيطرة النظام السوري ،كما تختلف هذه الحاالت بحسب الطبيعة العقائدية لهذه السلطات ،فمن الصعب إجراء عملية تقارب وتوصيف للحالة اإلعالمية، ما بين واقعها في ظل حكم داعش ،وظل الحكومة الكردية ،أو حكومة النظام ،أو سيطرة الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة. فإن حالة من انتهاك للحقوق لكن في المجمل ّ بحق اإلعالميين ،وبدرجات متفاوتة في تمارس ّ ألن ظ ّل هذه الحكومات والسلطات المختلفةّ ، هذه السلطات تبقى في النهاية سلطات راغبة في بسط حكمها في كافة المجاالت ،ورافضة
عموما لحالة النقد التي يمارسها اإلعالم ،أو حالة المعارضة الطبيعية لإلعالم ،لقوانين كافة السلطات الحاكمة في أي بقعة كانت ,وهنا يجب دراسة تفاصيل هذه االنتهاكات وطبيعتها، وطبيعة التعامل مع االعالميين في ك ّل منطقة سورية على حدا ،فرغم بعض القوانين المشتركة المضادة للحرية اإلعالمية ،فهناك الكثير من االختالفات الجوهرية في هذا التعامل بين هذه السلطات. أن حالة في النهاية ّ البد من التأكيد على ّ القمع اإلعالمي متواجدة ،وستبقى في ظ ّل سلطات أمر الواقع مهما كانت طبيعتها ،بحكم جملة من الميزات التي توسم بها هذه السلطات التي تسعى للمحافظة على ذاتها ،بمواجهة جملة واسعة من التحديات الخارجية والداخلية، وهذا ما يجعلها تتلكأ في ترسيم صورة واضحة للتعامل مع الواقع اإلعالمي ,ويجعل من الصحفي ضحية من جهة ،ومناضال في سبيل الكر حريته من جهة أخرى ،وهنا تبدأ حالة ّ الفر بين السلطة الرابعة وسلطات أمر الواقع. و ّ
العدد / 10كانون الثاني – شباط
20
اإلعالم وحرية التعبير ( قضايا وإشكاليات ) P عزيز توما ربما أخالفك الرأي لكني سأظل أدافع عن وجهة نظرك حتى آخر نقطة من دمي /فولتير
تقديم ُسسها من منجزات الحداثة التي وضع أ َ مفكرو التنوير مثل كانط وهيجل وغيرهما، الثورة التكنولوجية لالتصاالت التي ال يختلف اثنان على شموخها وقدرتها في استمرار بريقها على العالم قاطبة ،إذ بفضلها بات الكون قرية صغيرة. إن الدور الذي لعبته األقمار الصناعية ّ ومجاالتها الواسعة في التقريب بين الشعوب والمجتمعات ،كانت ثمرة العقل العلمي بإمكاناته الهائلة الذي بدا وهو ويصحو من كبوته الطويلة كي ينخرط في التاريخ ،ولم تكن تكنولوجيا االتصاالت من مهامها فقط اإلنتاج الصناعي ّإنما تدويل أنماط من المعارف في ما ُيسمى عولمة األفكار والعقليات والظواهر الثقافية، ُّ يحتل دو ار مهما وهكذا فقد أصبح اإلعالم على أصعدة مختلفة ،ويشغل موقعا مركزيا في االستراتيجيات والسياسات ،و ّأدى كل ذلك إلى ظهور خريطة كونية جديدة في طريقها إلى تمخض عن تبدالت جوهرية في التبلور ،كما ّ أنماط االتصال ومصادره ،واستخداماته كأداة للهيمنة المحلية والدولية ،وكسالح حاسم في الحروب والصراعات اإلقليمية ،مما استلزم ضرورة إعادة النظر ومراجعة المفاهيم التقليدية التي تكرست في مجالي اإلعالم واالتصال، مثل مفاهيم؛ حرية الرأي ،وحرية التعبير ،وحرية نشر المعرفة وتداولها .كذلك يأتي دوره بمثابة المحرك الرئيسي في خلق وتشكيل منظومة ّ
المعارف والعالقات الدولية ،سواء على المستوى الرسمي بين الحكومات واألنظمة ،أو المستوى الحضاري بين الثقافات المختلفة. أن طهور إشكال جديدة للرؤية ال ش ّ ك ّ في مجال اإلعالم وعالقته بالعالم المعاصر، أتاحت الفرصة لوجهات النظر بين النخب المثقفة المنتجة للمعرفة ،وما تبعها من سجاالت ومناقشات حادة حول كيفية دمقرطة اإلعالم، أن الحكومات لكن التجارب الحديثة أثبتت كيف ّ ّ أدركت أهمية نشر أجنداتها الخاصة بها في المجاالت االقتصادية ،والثقافية ،والسياسية، عبر اإلعالم واألدوار التي تقوم بها في فرض نظرتها األحادية التي تقوم على إغفال وتهميش الحريات الشخصية ،ومن هنا برزت خطورة اإلعالم في ترسيخ أنماط معينة من السلوك من خالل المنظور البراغماتي ،حيث يظهر االختالف الجذري بين رؤى مختلفة وأساليب مختلفة. ثمة جدل واسع يدور في األوساط اإلعالمية، أن اإلعالم ينبغي أن يكون ُ حيث هناك من يرى ّ أداة تحديث في المجتمعات النامية عبر تدويل، ليس فقط الجانب المادي ،إنما أيضا الجانب الفكري المتمثّل في قيم العصر ،وآخرون يرون أن اإلعالم قد يكون نوعا من االستعمار الثقافي ّ على حساب الثقافات المحلية ،على اعتباره الناقل األساسي للثقافة والقيم االجتماعية والروحية ،وقد يساعد في دعم المواقف والتأثير عليها ،وعلى حفز وتنشيط األنماط السلوكية،
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
21
بمهمة أساسية في تطبيق وقد يقوم أيضا ّ السياسات الثقافية ،إو�ضفاء الطابع الديمقراطي لكنه قد يبدو الوسيلة الوحيدة بالنسبة على الثقافةّ ، للعالم في استقبال الثقافة بأشكالها التعبيرية يقدم روائع اإلبداع على المختلفة ،ويمكنه أن ّ مدى التاريخ ،كما يمكنه أن يلعب دو ار خطي ار من خالل نشر الثقافة المبتذلة والسطحية ،الني تعتمد على عناصر التشويق ،بدال من الثقافة الجادة والعميقة ،وكذلك إثارة النعرات الطائفية، التي عادة ما تفضي إلى نزاعات دامية ،كما يحدث اآلن في المنطقة عموما. فإن أجهزة اإلعالم سالح ذو حدين، وهكذا ّ حيث يمكن استخدامها بغرض نشر الثقافات ُ ومسيرتها الحضارية ،من خالل التأكيد على محتوى هادف ،فيمكن بذلك مواجهة أخطر المشاكل التي تعاني منها اإلنسانية قاطبة، بعيدا عن االرتجال واألطر الخاطئة ،ويمكن استخدامها بغرض اإلساءة إلى الحياة اإلنسانية، إذ تخضع وسائل اإلعالم للضبط واالحتكار معبرة عن من المسيطرين ،األمر الذي يجعلها ّ مصالحهم فقط.
يمكن رصد حرية التعبير في بعده الزمني؟! تأمال في بعض جوانب التجربة البشرية نجد ّ تجسدت إنسانيا، ّ أن الحرية تتمثّل في إشكالية ّ واتسعت عبر العصور ،وأصبح من المتع ّذر اإلمساك بها على المستوى الفكري الدقيق، حيث العناصر اإلشكالية الغموض ،وتباين ُ وجهات النظر وصعوبة التناول الشامل دفعة واحدة ،وقد نسعى جميعا إلى الحرية ،لكننا نتوجس أحيانا من تبعاتها التي قد تكون صادمة لمعتقداتنا وثقافتنا ،ولسلوكنا التعليمي والتربوي. البد من المغامرة في السير تقدم ّ رغم ك ّل ما ّ ألنها تبدو مسألة الغنى عنها للولوج نحو الحريةّ ، إلى العصر؛ عصر الدولة الحديثة .من جهة أخرى تغدو الحرية قضية إشكالية حين تتماهى يتم تأطيرها برؤى مع التعبير ،خاصة عندما ّ مسبقة ،وتتش ّكل حولها مواقف واتجاهات ،فهي تقول -ربما -الحقيقة وعكسها في الوقت الذي ألنها اليمكن تجريدها من إمكاناتها المعرفيةّ ، تعيش عالمها الخاص وتحيا ذاتها الكابوسية، لكننا نجهد للحصول عليها ،فقد النريدها أحيانا ّ أونرفض تبعاتها الثقيلة ،ومع ذلك محكومون البد من اقتفاء أثرها على الصعيد بالحرية ،و ّ ألن الحريات الشخصية تكتسي الشخصيّ ، بالضرورة بعدا هاما في التعامل مع الحقيقة وعكسها ،على اعتبار الكائن اإلنساني جزءا من الطبيعة في تنوعها ،وفي إطار عالقاته مع اآلخر. ألن تداول الفكر وحساب ّإنها حرية اإلرادة ّ تتم في دواخل الذات ،ومن النتائج والغاياتّ ، ضاجة بالتنوير، المتع ّذر فهمها إال على أرضية ّ كما تحصل في عوالم متحضرة ،عوالم تفصل بين إمكانات الحرية الشخصية والسلطة ،وتأبى التدخل في شؤونها .هنا األمر قد يبدو معاكسا في هذا المشرق المضطرب ،والمؤطر بالتابوهات والمحظورات ،مضافا إلى ذلك سطوة السلطات، زائدا إرث ثقيل من الذهنيات التي تقف حجر عثرة أمام إمكانات اإلبداع ،واألحداث التي رافقت مسار التاريخ راهنا في الغرب األوربي،
فضاء الحرية /إشكاليتها بداية ،من الصعب ضبط مفهوم حرية التعبير ،كما من الصعب اختزاله في بضع ألنه يستبطن مزيدا من مواقع صفحاتّ ، الغموض وفضاءات واسعة للتأويل ،األمر الذي يدفعنا إلى البحث في الممكنات ،لإلحاطة بتركة هذا المفهوم اإلشكالي وتفكيك أطره ،إذ ال يختلف اثنان على وعورته بالرغم من بريقه، خاصة حين يتعلّق األمر بمفردة اإلعالم، فالعامل الحاسم هنا هو الوقوف على عتبة التصورات تمهيدا للتأمل في هذا المفهوم. ّإنها العتبة المتمثّلة في إشكالية الحرية ألن اإلطار الطبيعي في ثقافتنا المعاصرةّ ، والحقيقي للحريةّ ،إنما هي الثقافة بمجملها طبقا للمفهوم االنتروبولوجي .تأسيسا على ذلك ،كيف
22
تم مالمسة المقدس عبر اإلعالم المرئي حين ّ والمكتوب ،وكشفت النقاب عن إشكالية فهم طبيعة العالقة بين الحرية والسلطة ،والمعروف تجنب االعتبارات أن الفكر الغربي يميل إلى ّ ّ المتعلّقة بجوهر ما ُينقل عبر اإلعالمّ ،إنما يؤ ّكد الشكلية ،دون االلتفات على النواحي اإلجرائية و ّ بغض الى المحتوى بمعنى نقل اإلحداث، ّ النظر عن مضامينها في منتهى الحرية ،وهو ما يتماشى مع المفهوم الليبرالي لحرية اإلعالم، الذي يرفض تقييد اإلعالم تحت أية ذريعة وبأية قيود مسبقة. أما األطراف األخرى المنهمكة بمصادرة الحريات ،فتكتفي بمعالجة األمر وفق أطر أيديولوجية حتى على المستويات الرسمية ،إذ تقدم مزيدا من الخطابة واإلثارة ،وهنا يظهر ّ جليا التفاوت بين مستويين متناقضين بعمق وحجم التوترات التي تنجم عن هذا االختالل في التوازن ،وكان للشرق دور غير مرتبك في إدراك تلك الثنائية ،مما أثار حفيظة األوساط الثقافية التصدي للظاهرة، في الغرب ،التي سارعت إلى ّ ألن العملية طالما وأبت أن تتراجع عن مواقفهاّ ، حداثي تنويري اليمكن التراجع تعلّقت بإرث ّ مخيبة لآلمال، عنه ،وهكذا فقد جاءت النتيجة ّ وبات الحديث عن صدام الحضارات ،ليس فقط ُمقلقا بل كان دافعا إلى مزيد من التوتر بين الشرق المحافظ ،والمنشغل باليوتوبيا وبمقوالته القبلية ،وعجزه عن مواكبة صيرورة العصر، والمتهافت في في قضايا الميتافيزيقيا ،وصعوبة إدراك الحاضر ،والغرب الطافح بعالم الليبرالية المظفّرة ،الذي يفصل ك ّل عالقة بين سلطة اإلعالم وسلطة جهاز الدولة ،ولعل من المؤسف الهم المعرفي أن يطغى الهم اإليديولوجي على ّ عندما يتعلق األمر بالحرية في التعبير ،كما من المؤسف الخلط بينهما. من أبرز سمات الحضارة الحديثة ّأنها أولت اهتماما كبي ار لحرية التعبير والرأي، كنتيجة طبيعية لثورة االتصاالت ،أو كجزء أصيل من الثورات البورجوازية في أوروبا في
العدد / 10كانون الثاني – شباط
مجرد العصور الماضية ،وحرية التعبير ليست ّ أطر فلسفيةّ ،إنما ممارسات تحكمها سياقات سوسيوثقافية ومصالح اقتصادية ،وقد استطاع يطور مفهوما مشتركا المجتمع الدولي أن ّ لحرية اإلعالم ،واضعا في اعتباره االختالفات الفكرية المتباينة ،في الوقت الذي تصاعدت فيه انتهاكات صارخة لحقوق اإلنسان ولحرية التعبير ،السيما أثناء النزاعات الجارية راهنا في المنطقة ،حيث مارست هذه االنتهاكات اعتداءا وتجسدت في سوء استخدام على حرية التعبير، ّ وسائل اإلعالم من خالل تسخيرها للدعاية العنصرية والطائفية وغيرها. تحركت منظمات حقوق في مواجهة ذلك ّ أن حرية التعبير ،ورفض اإلنسان لتؤ ّكد على ّ عد قيما كافة أشكال الدعاية العنصرية تُ ّ ديمقراطية أساسية تقوم على تحقيق التعايش أهم البنود المتعلّقة السلمي بين الشعوب ،ومن ّ بحرية اإلعالم والتعبير ،البند (– 59فقرة )1 وتعد حق أساسي ّ أن حرية التعبير ّ الذي يعتبر ّ حجر الزاوية لجميع الحريات األخرى التي يتمحور حولها ميثاق األمم المتحدة.
في طبيعة العالقة بين اإلعالم والسلطة البحث في فكرة العالقة بين اإلعالم وحرية التعبير تطرح أحيانا جملة من العقبات تتصل معظمها بالخلفيات اإليديولوجية التي غالبا ما تنجم عنها انتكاسات أو تشوهات وفق المنظور التطرق إلى هذه القضية – الثقافي ،وعند ّ فإن العالقة قد تمنح جدال واسعا إذ الهدفّ ، نجدها ترتبط أحيانا بالوعي الخاطئ ،خصوصا أن كليهما – اإلعالم والحرية – متعاليان على ّ الكائن االجتماعي. إو�ذا كانت السلطة تعمل على ترسيخ رؤى مؤدلجة ،فهي تعمل على ضبط نبض الحياة عند تهميش الفئات االجتماعية ،عبر فتتبدى ديناميتها ّ بث رسائل مرئية أو مكتوبةّ ،
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
23
في صيغ وأشكال متعددة ،فهي سلطة متعالية، عبر صاحب طافحة بالدالالت الضارة ،لقد ّ نص فوكو في كتابه الكلمات واألشياء في ّ وتبدلها في تحولها حول السلطة وكيفية ّ ّ الحقول اإلعالمية التي تتحرك فيها من خالل ممارسة القوة والسيطرة من أجل إلغاء اآلخرين، وتعمل انطالقا من تقنيات قادرة على توفير الضوابط ،وتفعيل أشكال المراقبة ،أو عبر برامج واستراتيجيات معقّدة تستطيع أن تعمل بشكل آلي ومستقل ,وهكذا حين تحت ّل السلطة الحيز األكبر في الظاهرة اإلعالمية تستخرج ّ ظواهر معبرة ،تبريرية ،ألجندات خفية ،فتتوارى ك ّل أشكال حرية التعبير ،وحينها يتعطّل اإلدراك الناجم عن القمع اإلشهاري السلطوي ،وتنتشر ظاهرة االرتزاق الذيلي عند المثقفين اإلعالميين، ويمكن هنا تقديم العديد من القرائن الميدانية بث الرعب وتفتيت ذات مرجعيات هابطة ،مآلها ّ الحضارة عبر تستّرها على الخرافة ،والتخلّف، والعقل السحري الذي اليمكن حصر أضرارها. إن للسلطة دو ار هاما في اإلبقاء على الواقع ّ تؤسس لمفاهيم فهي تها، ر سيط تحت أي هو؛ كما ّ الهيمنة عبر أساليب األجهزة الدعائية لإلعالم الرسمي ،فهي تسعى دوما إلى تكوين معجم داللي جديد ،يضفي على أفعالها مشروعية وتخلق معها طوابير من التابعين ،فهي مزعومة، ُ تغير بشكل سري وسحري محتوى عناصر بنية ّ توجه المعنى وتخلق الخطاب الجديد، المفهوم، ّ
عبر من يمارسه ومن يتبناه ويدافع عنه ،حرصا على النجاعة ،ووعيا عميقا بأساليب تحقيقها، وتتح ّكم بمفاصل المساحة المسموحة لإلعالم الحر ،فتضفي عليه خفاياها وأجنداتها المتوارية ّ عن أنظار العامة ،تصنع الذاكرة التي تم ّكنها من مواقع مراقبة وعقاب. تتميز يؤسس لممارسات ّ اإلعالم السلطوي ّ المَنتج ،من خالل سحر بجمالية المشهد ُ الخطاب المرسل ،وتتمثّل آثار النجاعة في التأثير سلبا ،كما هو مخطط في المشهد؛ أي الخضوع لسلطة الخطاب. إن فعل السلطة ينعكس على الخطاب ّ اإلعالمي بشكل مباشر ،مضافا إليه فعل خاص في الخطاب وعبره ،بحيث يصبح مسكن السلطة المعاصرة ،فهو الذي اإلعالم َ يقود إلى تنميط األفراد ويعمل على تفريغهم من كل نشاط يرتبط بالعقل. أن تكنولوجيا في نهاية المطاف يمكن القول ّ التتضمن طبيعة شريرة بذاتها ،باعتبارها اإلعالم ّ تقوم بخدمات جليلة لإلنسان المعاصر ،لذا الينبغي الخلط بين التكنولوجيا واألخالقيات، فأية تكنولوجيا ليست إال أداة واألدوات يمكن أهم غرض استخدامها ألغراض متعددة ،و ّ يجب أن يتركز على المبادرات الفردية ،مع ك االرتباط مع أية مرجعية سلطوية شريطة فّ المحافظة على المبادئ الديمقراطية األساسية.
العدد / 10كانون الثاني – شباط
24
المجتمع اإلعالمي P محمد مجيد حسين
الذاكرة اإلعالمية هل استوعبت الذاكرة الجمعية على المستوى السياسي ،االقتصادي، الثقافي ،ومختلف العلوم والفنون والنتاج االجتماعي؟!. وهل يحق لنا اعتبار المجتمع اإلعالمي حداثيا؟ أو بصيغة أخرى ،هل الحريات حتى إو�ن عبثت تبقى المرجع الحقيقي بالنسبة لإلنسان القادر على خلق المضي قدما لترسيخ العقالنية اإلبداع؟ أم علينا ُّ في المجتمع اإلعالمي؟ ساهم اإلعالم إو�لى حد بعيد في تحرير المقموع ،وبنسب متفاوتة حسب المراحل التي بلغتها المجتمعات تقبل األفكار من النضوج ،الذي ّ يعد محور ّ المتقدمة تؤسس بدورها للمراحل ّ الحداثية ،والتي ّ في سلّم التطور. التعبير
الموضوعي
لعقلية
اإلعالم، الجماهير إن اإلعالم وبحسب األلماني أوتوجروت ّ حيث هو التعبير الموضوعي لعقلية الجماهيرُ ، يتضاعف حجم التراكيب المتناظرة ،والثنائيات الحجر الحاضنة للخطوات الداعمة المتضامنة ،و ُ لألفكار المتجددة ،والمنتجة لآلليات الباحثة عن خلق المناخ األكثر مالءمة للحياة. التوجه في هل المراجع تشكل جوهرّ أضخم القالع اإلعالمية؟ هل اإلعالم وجد لتعميق الخطابالسلطوي؟ وما دور اإلعالم في النسيج النفسي أو البرمجة الداخلية؟
التوجهات ما دور الحقائق النهائية في ّاإلعالمية؟ سنتناول ثنائية اإلنسان والتاريخ في سياق يعد التاريخ اآلخر تطور أدوات الحوار، ُ حيث ّ المتأرجح ما بين القبول والرفض ،وفي الحالتين يبقى مرتك از ثابتا ومرآة لتسليط الضوء ،الذي ومنذ تبوأ مكانة مرموقة في مختلف المجتمعات وبنسب متفاوتة. حيث يستحوذ اإلنتاج الجمعي على بوصلة ُ االهتمام ،بنوعية األفكار التي تجيب بطريقة أو بأخرى عن تساؤالت المرء ،بعيدا عن خضوعها لمختلف السلطات ،ومن المفترض أن يتم معالجة صيغ األسئلة السالبة ،والتي تصل في النهاية إلى نتائج أكثر بعدا عن الجوهر الذي عليه تبنى المناخات المتوازية والمتزامنة ،مع مسار التطور اآلخذ باالنطالق، مستهدفا الوصول إلى أكثر الظروف المانحة لألمان الداخلي ،المستند العامودي في توظيف الطاقات لتحقيق األهداف. هذه هي صورة اإلنسان الذي استكان للواقع منذ آالف السنين ،حيث دخلت التبعية في أعماق شخصيته ،وباتت محاولة التحديث من المركز األعمال التي تستوجب المزيد من العمل ُ المنتج وبطاقة مضاعفة ،وبالعودة إلى المرجع ُ يعد مصدر توسيع الفوارق ما بين لإلعالم الذي ّ باطن اإلنسان وظاهره ،فنمط المجتمع المنتج الممول ال يملك ثقافة قبول اآلخر ،بل على أو ّ النقيض ،فهو نشأ في سياق اجتماعي؛ أي الحق في إبراز إو�ظهار القوى بكافة أنماطها. ففي أحوال التشابك أو التناحر ،يطفو اللون حيث تدخل مثل هكذا المتعالي على السطح، ُ تفاعالت في خانة المنطق العام ،الذي سار
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
25
عليه التاريخ في مسيرته المتقلّبة والمتجهة رغم كثرة المنغصات صوب تحقيق المزيد من التطور . ّ هنا نستطيع أن نؤكد أهمية المرجع ودوره المحوري في مختلف وسائل اإلعالم من خالل بناء األفكار وتفعيلها ،إو�يصالها وتأثيرها على المتلقي ،الذي قد تكون الثقافة القادمة عبر وسائل االتصال تقف على النقيض من ثقافته، حيث تتسع تداعيات األثر مما يضع المتلقي ُ في موقف الحرج ،مما يخلق مناخا متكامال من الضبابية تجاه المرتكزات في البنيان النفسي، يعد عامودا في االستقرار الداخلي ،الذي الذي ّ وفي حال غيابه يفقد المرء معظم طاقته ،وعلى وجه الخصوص تلك المتعلّقة بالتركيز ،فمهما كانت األجواء مستقرة وبنسبة عالية ،كان التركيز أكثر دقة مما يقودنا نحو المزيد من المكتسبات، والتي تدخل على مضض تدخل في النسيج يتم تفعيل الحاضن لشخصية اإلنسان ،وعندها ّ اإلرادة مما يفتح سقف الفضاءات المنفتحة على المناخ األكثر توفي ار للظروف المتناسبة طردا مع الدوافع التي تقود اإلنسان في الباطن. إن المرجع ذو الثقافة المغلقة أو شبه ّ أن القمع يشكل الحالة المغلقة يقودنا إلى إثبات ّ الطبيعية ،أو نستطيع أن نصل إلى نتائج فحواها بأن الصراعات وبمختلف مستوياتها وأسبابها ّ خلقت الفواصل بين المجتمعات من جهة ،وما بين األفراد داخل المجتمع الواحد ،والتي يصعب تذويبها على المنظور القريب ،ويعود السبب محصلة عوامل تظافرت وعلى حقب طويلة إلى ّ لتنتج الفوارق العميقة ،وجاء اإلعالم الجديد أو ما يسمى الرقمي بعدها بك ّل هذا الزخم الهائل من التطور. بات العالم ناقال لألحداث والمعلومات الهدام والمفيد، منها القديم ومنها الجديد ّ وبات باستطاعة مختلف الشرائح االجتماعية استخدام وسائل اإلعالم بشتى أنواعها ،وهذا من اإلنجازات الهامة التي تُحسب للحداثة، فانخفاض تكلفة مختلف وسائل اإلعالم سواء شرائها مثل التلفاز أوالحاسوب أو الهاتف
أواستعمالها مثل اإلنترنيت هو ما جعلها سهلة في متناول الجميع. نتائج معظم الصراعات تصل إلى آمال أن الوصول الجماهير ،ولكن بنسب متفاوتة؛ أي ّ إلى التوافق هي خطوة باالتجاه الصحيح ،مما يؤسس األرضية لبناء السالم من خالل االرتقاء ّ بمستوى الصراع ،بتفعيل دور العقل والرؤى الماسة المتعددة لألحداث ،وهنا تظهر الحاجة ّ ّ المنور لمختلف الرؤى دور ليلعب لإلعالم ّ التي يستند عليها المتحاورون ،أو المختلفون عبر رؤى جديدة تعكس وبصورة دقيقة أهمية اإلعالم ،في حال توافر البعد اإلنساني في المرجع الذي تستند عليها الجهة اإلعالمية، والتي تنسجم مع مفاهيم وقيم العصر التي تُلهم الفرد الحرية الكاملة. يتبلور الدور المحوري لوسائل اإلعالم هنا ّ بمختلف أنواعها ،فهي باتت عامودا أساسيا في بناء شخصية اإلنسان ،من خالل تسليط تطورها الضوء على أهمية الحضارة ،ونقاط ّ يتقبله العقل ،وبما يتناسب في سياق منطق ّ المستهدف ،والذي هو في طور وثقافة المجتمع ُ بأن التناغم مع المستجدات التطور ،مع العلم ّ غير متناسب وآلية التطور في السياق العام، نمو متسارع في كافة الميادين فالعالم دخل في ّ وخاصة مع مطلع األلفية الجديدة. اإلعالم العالمي المنتج للتقنيات، ُي ّ عد اإلعالم المصدر ُ والمرجع في طرح األفكار التي تعكس سمات الثقافة الغربية ،والتي تملك إرثا غنيا وتراكميا من الصراعات ،وعلى وجه الخصوص الفكرّية تعد أساس سير التاريخ ،فاإلعالم في سياق التي ّ مر بمراحل مفصلية ،استطاع تجاوزها تطوره ّ ّ بفضل الفلسفة اليونانية ومن ثم األلمانية، التي أسست أرضية للفكر الواسع والمستوعب للمتغيرات ،وحتى األديان التي سادت أوروبا، فكان الجانب الروحاني هو محورها ،ومع ذلك باتت في مراحل أخرى عقبة في وجه التطور.
26
تطور وبالعودة إلى السياق العام الذي ّ اإلعالم في طياته ،نستطيع أن نبدأ من المراحل األولى التي ظهرت فيه المالمح الواضحة لإلعالم ،وتحديدا في حقبة لويس الرابع عشر ملك فرنسا في القرن السادس عشر ،حيث نمت القوة داخل فكرة اإلعالم آنذاك ،للمحافظة على ّ البالد ،وفي المستعمرات الستقطاب السياح، حيث باتت فرنسا وبحسب ول ديورانت في قصة (بأنها ذلك النظام عرف الحضارة ّ الحضارة ّ فإنه ّ االجتماعي الذي يدعم اإلبداع الثقافي ،فهو إذن ُينظّم أبواب الحكم؛ االقتصاد ،واألخالق ،وآداب السلوك ،والدين ،والفن ،واألدب ،والموسيقا والعلم ،والفلسفة ،فلقد كان األجانب يؤمون وكأنهم يؤمون مدرسة تهذيبية تصقل ك ّل باريس ّ ألوان الجمال في الجسم والعقل). تطور اإلعالم ،وتحديدا منذ في هذا السياق ّ فعمت الثورات مختلف الميادين، الثورة الفرنسيةّ ، وتطورت معظم القطاعات من الصناعة ّ والتجارة والتعليم ،وكان اختراع الراديو ،والهاتف والتلفزيون دور مهم في عملية التواصل الذي اختزل الزمان والمكان في آن. هنا تثبت معادلة الماضي والحاضر والتداخل بينهما ،وهكذا تتضح صورة المستقبل أهمها رغبة الفرد مع عوامل أخرى ،ومن ّ إو�رادته صوب التغيير وديمومة العمل من أجل التوصيف الدقيق لمكامن الخلل ،إو�يجاد الحلول التهرب من المسؤولية، لها ،وعدم اللجوء إلى ّ ك ّل هذه العوامل تضافرت لتشكل بنيان البيئة التطور مع المساهمة ،وبعدها توقفت عجلة ّ حيث توقفت اندالع الحرب العالمية األولى، ُ وتم مراكز البحوث في معظم الدول بشكل عامّ ، توجيهها نحو المجال العسكري ،وهذا أدى إلى الركود في عملية تطوير وسائل اإلعالم ،حيث ظهر اإلعالم الحربي وعلى نفس المسار دارت عجلة اإلعالم في الحرب العالمية الثانية. تفرغ وبعد انتهاء الصراعات العسكريةّ ، المنتصرون إلى تطوير وسائل اإلعالم ولألسباب التالية؛ المحافظة على المكتسبات، وترسيخ ثقافة االنتصار العسكري ،محاولة
العدد / 10كانون الثاني – شباط
توسيع القاعدة الحضارية لتصبح نواة الحضارة الكونية والتي تلغي بدورها مختلف الحضارات األخرى مدعية بعدم تماشيها مع الحياة الحديثة، وأتخاذ اإلعالم مصد ار للنمو االقتصادي. لتطور وبالعودة إلى المراحل المفصلية ّ وسائل االتصال ،نصل إلى اختراع الحاسوب أهم الثورات في هذا الصدد ،حيث الذي اعتبر ّ فتحت آفاق جديدة من خالل الوصول السريع للمعلومة واالطالع الدقيق على األحداث ،وهذا بدوره خلق أجواء مزدوجة الرؤى ،فهي من ناحية أطلقت العنان لوصول ك ّل ما هو جديد، ومن ناحية أخرى وضعت الصدام الحضاري ك ،وبات المد والجزر عبر الثقافات على المح ّ المتماهية مع ثقافات أخرى رغم التناقض في بنيانها وتوجهها. حيث بدأت مرحلة اإلعالم الرقمي والذي حقق انتصارات باهرة ،وحسب نيغروبونتي، فهي متمثّلة بخروج اإلعالم من أسرة السلطة، والتي كانت تمثّل قادة المجتمع والدولة إلى أيدي الناس جميعا. وتشعب وسائل تطور بالعودة لمراحل ّ ّ أن ظهور الهواتف النقالة مفصال اإلعالم نجد ّ يستحق الوقوف عنده ،حيث بات بمقدور ّ اإلنسان االتصال وتسيير األمور وبسهولة، بالتطور نتيجة العمل وهذه العملية أخذت ّ المستمر في مراكز البحوث العلمية ،حيث ّ توسعت مدارك استعمال النقّال ،والذي تطور فيما بعد وأصبحت تسمى الهواتف الذكية تشعب استعماالتها ،والتي صارت كمدلول على ّ تقوم مقام الحاسوب. إو�ذا ما قمنا بتقييم نتائج وتداعيات اإلعالم بأن النجاح الهائل هو على المجتمع ،نجد ّ الظاهر على السطح ،من خالل عدة نقاط ،ومن أبرزها؛ التفوق الذي بلغته فئة ليست بالقليلة في عدة مجاالت ،على فئات كانت تدعي امتالكها زمام التفوق ،مثل قطاع التعليم والصناعة، ووصل أبناء الطبقة الدنيا إلى المراتب العالية، ودخل هؤالء حتى مراكز البحوث العلمية، وساهم بشكل محوري في تطور األبحاث.
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
27
وبعيدا عن الفئة النخبوية ،فمعظم الناس استفادوا من الثورة اإلعالمية ،وبات بوسع األغلبية متابعة األحداث وابداء الرؤى العقالنية، ولكنها اصطدمت بالموروث االجتماعي ومن ثم الديني ،وفي الضفة المقابلة خلق هذا الصدام ما بين ثقافة المجتمع والثقافة القادمة عبر وسائل االتصال خلال في صميم الشخصية التي بدورها انقسمت فيما بينها ،فظهرت شريحة أعلنت القطيعة مع الموروث متبنية التجربة الغربية. ووصل االصطفاف إلى ذروة توهجه، فأخذت فئة أخرى عدة خطوات في االتجاه المعاكس كردة فعل ،فطبيعة اإلنسان الشرقي على وجه الخصوص التزال تعمل على أساس االنفعال ،ولعدم القدرة على االنسجام مع توسعت لتشكل المنظومة الحديثة ،وهذه الفئة ّ جماعات ،ونتج عنها االتجاه المتطرف ،فهؤالء بأن الحداثة ستقضي على معتقداتهم، اعتقدوا ّ مصدر القيم في نظرهم ،وهناك أسباب أخرى خارج نطاق هذا الدراسة. بأن المجتمعات المنغلقة أخذت من نستنتج ّ المادي ،ورفضت الجانب نتاج الحداثة الجانب ّ المتشددين معظم نجد ذلك، الفكري ،فمثال على ّ يستعملون الحاسوب والهاتف النقّال ويعادون الحرية الفردية ،وحق المرأة إال في إطار قوانين الشريعة ،التي مضى على تطبيقها أكثر من ألف وأربع مائة عام.
في مقدمتها ُبنى األفكار التي يرتكز عليها المرجع ،سواءا كان على الصعيدين الفردي أو المجتمعي ،وفي الدرجة الثانية الجهة الممولة، وحسب توجهها ،والبعد اإلنساني في نسيجها الداخلي. الرقابة والرقيب يوحيان إلى جملة من البراهين الدامغة ،والتي تؤكد تضادها مع معظم مفاهيم وقيم العصر ،إو�ذا كان تواجدها يشكل صورة من التأمين على قيم لمجتمع ما ،حتى في مثل هكذا حالة يستوجب إعادة النظر في مكونها ،بدءا من المرجع مرو ار بآلية عملها، يتم فيها االستعانة ووصوال إلى المناخ الذي ّ يعد في نظر المبدعين بالمقص الحاد الذي ّ ّ ّ جالدا يستوجب إحالته إلى المحاكمة. نستطيع أن نقسم اإلعالم إلى نموذجين، األول يمتلك مساحة من الحرية مع بعض التدخل المحدود ،والثاني محكوم بالخطاب السلطوي مع هامش ضيق من الحرية المعلبة، ولكن حتى الحرية بحاجة لتنظيم وقانون ،فالحياة والديمومة بحاجة ماسة إلى التجديد لتنسجم مع آلية التطور ،نستطيع مما ورد أن نصل لضرورة فيفضل وجود الرقابة ،ولكن بصيغة جديدة، ّ أن تتشكل الرقابة من مختصين يكونون على درجة عالية من الكفاءة ،والجانب الذي يكتسب بالغ األهمية هو استقاللية الرقابة الكاملة عن السلطة. اإلعالم مجموعة من األفكار ،وهي تسعى أن تكون جسر العبور للوصول إلى المجتمع حيث اإلنساني ،بالدرجة األولى واألخيرة، ُ المساوة المتكاملة في مجتمع الكفاءات والفضاء الفسيح إلبداع يكون منبعا للتحديث المستمر.
دور الرقابة في المجتمع اإلعالمي تعد الرقابة من طينة الهياكل التي يمكن ّ أن تعمل باتجاه اليمين أو اليسار ،حسب آلية تحركها ،والخاضعة بدورها لعدة مؤثرات ،ويأتي ّ
العدد / 10كانون الثاني – شباط
28
اإلعالم ناقِال ً للبؤس والقبح P جوان تتر العالمي ,وعلى وجه مفردة وحيدة تشغل الفكر ّ الخصوص -خالل السنوات األربع المنصرمة َّ الكردية التي كان البعث يصول في المناطقويعيث فيها فسادا من ك ّل النواحي ويجول فيها ُ وحيثياتها سابقا ,مفردة شغلت الجميع بالتواءاتها ّ المتعددة .اإلعالم ,بوضع خطّين تحت المفردة وتلوينها بلون مغاير لأللوان التي نراها في حياتنا َّ ثم بنظرة فاحصة نحو العمق، اليومية ,ومن ّ سنرى مدى الخواء الذي يعتورها -على األق ّل ِ َّ أن الركض وراء حاليا ،النظرةُ األولى تطمئنّ ،إل ّ عما هو موجود, المعنى سيعطي تفسي ار مختلفا ّ البت باألسباب لكن ماهي األسباب؟ ال يمكن ّ ُ ألننا لسنا في هذا الوارد في اللحظات مطلقا ّ الراهنة ,والمسألة ال تحتاج إلى نظرَّيات في ّ اإلعالم مسبقة الصنع ،كي يتغ ّذى اإلعالم تعويض األمر يتوقّف على محليا عليها, الموجود ّ ُ األساسية إلى الموروث القديم في التعامل النظرة ّ المحلية ,أعني ذلك الناحية من اإلعالم مع ّ فيهية! أن اإلعالم ليس إال وسيلة تر ّ التعامل على ّ الخطأ األبرز في عالمنا هو النظر إلى اإلعالم كناقل للترفيه ووسيلة من وسائل النسيان, ذاك نوع من األنواع ،ال خالف في األمرَ ,إل وجلية ,ناهيك عن ّأنه بات رائجا كسلعة متوفّرة ّ تتدخل في تركيبة هذه األمور الثانوية التي باتت ّ ّ المفردة .ما يحصل في قرننا الحالي من أحداث متتالية وغير موزونة جعل من اإلعالم جسما متحدا مع عنصرين رئيسين في الحياة هما؛ البؤس والقبح ,هذا االتحاد لم يأت عبثا ّإنما كان مخطّطا له بدرجة معقولة ،ليش ّل المجتمع ويدخل في متاهة االختيار ما بين العنصرين السطحية مرغما ,حيث ال شيء آخر متوفّر عدا ّ صح التعبير. في تناول األمور إن ّ
الحر َخلل الحروب اإلعالم ّ لتطور أيضا في السياقات الطبيعية ّ مهما في تحقيق المجتمعات يغدو اإلعالم العبا ّ التطورّ ،إنما في الحقيقة بنسبة بسيطة من هذا ّ العملية ,فاإلعالم يحتاج إلى حاضنة الناحية ّ بأهميته سابقة اعتقادات على تفكيرّية قائمة ّ المحلي ال مجتمعنا حالة وفي ال, فع كعنصر ّ ّ تتوفر هذه االعتقادات ،إال بين أوساط ما يمكن أن ُيطلق عليهم صفة الـ نخبة ،ولكن حتى هذه اجية في َّ َّ األهمية، النظر إلى النخبة تمتاز بالمز ّ َّ األهمية أو -على أق ّل تقدير -تحقّق عنصر فإن في المساهمة بتطوير المجتمع ,لذلك ّ مارس حرّية اإلعالم كنتيجة لإلعالم الم َ الحالي ُ ّ األلسن مجرد وهم تتقاذفه ُ والمتوفّر ،ليس سوى ّ يومي معتاد ,كيف يمكن لمجتمع أن كك ّل كالم ّ أن إعالمه ُح ّر ،أو أن يجعل من يتحقّق من ّ أسير قوقعة العادة إعالمه ُح َّاًر وهو اليزال أساسا َ السياسية ,هذه والتقليد والموروثات الدينية وحتى ّ مجرد باب آخر األخيرة التي جعلت من اإلعالم ّ من األبواب التي ال تفضي سوى إلى باب آخر ُمحكم اإلغالق ,الصورة تماما تشبه المعتقالت اب من جهة السماء!! التي وضعت لها أبو ٌ الجهود موجودة ومتوفّرة وال يمكن إنكارها أن الغياب لدفع اإلعالم نحو ُّ التحرر ،غير ّ تحرر أو التي األفكار غياب سيد الموقف, هو ّ ّ يتم تداوله اآلن تساهم في تحقيق الحرّية ,ما ّ لمفردة «حرّية اإلعالم» ستؤتى ثمارها بعد ألن الجيل الحالي منشغ ٌل بنقل أجيال ّ عدةّ ، الصورة لينحصر اإلعالم فقط بنقل صورة حدث ٍ كحدث ما ،أو تسليع البشر أو النظر إلى الموت النقل!!. صرف ويستوجب ّ إعالمي َ مجرد استكمال لإلعالم (فيما اإلعالم اآلن ّ َّ العالمية) ,استكما ٌل قبل الحرب السورَّية أو لنقل لعناصر التشويق واإلثارة أو الحركة أو المشهد
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
29
ِ وكم المعلومات عن القتل البصر ّ ي المتعبّ ، والتدمير ،مع نسبة عظيمة ال يستهان بها في ئيسية التي ينطوي عليها االبتعاد عن الفكرة الر ّ فعال في تأسيس نواة مجتمع اإلعالم ،كعنصر ّ الصورة البعيدة عن الخدش والترويج, يحترم الكلمة و ّ ومن هذه النظرة فاإلعالم كحرَّية ال يرتبط بمدى االسترسال في الحديث عن َّتيار سياسي أو تيار معينة ,كال مطلقا, ديني دونما خشية من محاسبة ّ َّ إلنسانية تحقيق حرّية اإلعالم في زمن الحروب ٌ مكملة ليقوم بعناصر اإلنسانية الفرد ،ورفد تلك ّ ّ مهمة االنتقال إلى خطوة الجميع فيما بعد بأداء ّ البت بأمر المجتمع من الناحية أهمية ،وهي ّ أكثر ّ التفكيرّية في النظر إلى اإلعالم ،وتطوير تلك ثم تنميتها. الفكرة في األذهان ومن ّ
على حساب النظر إلى قبح اإلعالم لدينا!! أشد من خالل إبعاد أفراد مجتمعه بي ّ فالقبح الغر ّ عن الفساد ونقل الصور البائسة للمجتمعات لتفسر من بدائية التي تنظر إليها كحالة ّ للتطورّ ، ّ مكانها العالي فقط ما يجري في تلك المجتمعات.
اإلعالم ناقال للبؤس ك َّ أن للسياسة دورها البارز في بؤس ال ش ّ فالناظر إلى الحضارات برمتها!!ّ , الحضارات ّ ٍ أن السياسة أو شطحات سيلحظ بشكل مبدئي ّ (السياسي المجسِّد لدور الحاكم أحد السياسيين ّ ِّ األساسي في تدمير المنظر) كانت السبب وليس ّ للسياسي جفن على يرف أن دون كاملة بنية ّ ّ َّأنه هو من فعل ذلك ,ومن ثم يأتي اإلعالم أن األيديولوجيا التي ليجمل هذا التدمير ،بدعوى ّ ّ البد وأن تتحقّق ،حتّى إو�ن معينة ّ تسير سياسة ّ ّ باالعتداء في محور من المحاور .الفكرة متشابهة, أساسيَين للبؤس دفعة نتجين ّ كم َ السياسة واإلعالم ُ األخص في زمن الحروب .ما واحدة ،وعلى ّ أمر خطير ,ففي يفعله اإلعالم في زمن الحروب ٌ خاص إعالم البلدان التي اجتهدت في صياغة ّ تتطور بها ،نجحت في جعل أخالق المجتمع َّ بعيدا عن صياغات تلك النظرّياتّ ،إنما بالتطبيق الفعلي لحذافير تلك النظرَّيات وفي زمن الحروب, ّ التطور الذي حصل من خالل فكرة أخرى غير ّ اإلعالم بك ّل أجناسه وأنواعه ,لذلك يتجلّى دور ك اإلعالم كمكمل لدور السياسة التي هي (ضح ٌ ّ على اللّحى) كما هو حالة اإلعالم في زمن السياسية أو حتى العسكرّية، اء ّ الصراعات سو ٌ الراهنة ,ال يمكن وهذا ما نعيشه في اللحظات ّ اإلعالمية في بلدان الغرب تجميل النظرّيات ّ
مقارنة أمر بديهي أن تكون هناك خالل الحروب ٌ اغتياالت أو انفجارات ,وما يفعله اإلعالم في النقلّ ,إنه هذه الحالة هو الواجب االساسي في ّ ّ يفع ُل فعال شبيها بما يفعله التاريخ من تدوين أو توثيق ،مع الوقوف على مسافة بعيدة عن التفسير أو التحليل الذي يفعله التاريخ في أغلب األحيان ,في فترات ثورات الربيع العربي التي تطو ار امتّدت لسنوات وال زالت ,شهد العالم ّ ملحوظا على صعيد التفجيرات االنتحارّية وكان وبقوة لنقل ما يحصل ,لم َنر اإلعالم حاض ار ّ مشوهة (فيما عدا ما تنتجه البلدان صورة لجثّة ّ العر ّبية) تناقلتها وسائل اإلعالم الغر ّبية إال بالنذر اليسير كداللة على فعل ِ سيارات خشن ,فقط نرى ّ تتجول في أرجاء اإلسعاف والطواقم ّ الطبية وهي ّ مسرح الحادث ,على العكس مما نفعل نحن محصور في وكأن اإلعالم في نقلنا لما يجريّ , ٌ اآلونة األخيرة و( لدينا على سبيل الحصر) في الكمية األكبر من الصور المؤذية لألعين نقل ّ والقلوب( ,نقل أحدهم فيديو للناشطة المصرية شيماء الصباغ وهي تموت بالرصاص) لكن مهمة هل هذه هي َّ مهمة اإلعالم؟! أجل ,هي ّ إنما بطريقة غير هذه ,صور اإلعالم ّ األساسية ّ الراهن لتنتفى معها اإلعالم محور باتت األشالء ّ أكبر حرّية .احترام العين ,عين المتلقّي التي ال حال الرؤية, تفعل شيئا سوى إغماضة يأس َ ليست مهمة اإلعالم نقل القبح أو تجميل القبيح خاصة وجوهرّية يراهن عليها البعض كفلسفة َ السياسي من أفعاله أو تصل الصورة كي يخجل ّ الدولي) أو المصطلح ـ(المجتمع ـ ب ى يسم إلى ما ّ ّ مهمة العام بما ّ العالمي)!! ,ر ّ الفضفاض (الرأي ّ ّ يدعي ّأنه يناضل اإلعالم األساسية قبل أن ّ ّ ألجل الحرّية ,في أن يكون جدي ار بتحصيل حرّية مما يجري حوله من انتهاكات. الفرد البريء ّ
العدد / 10كانون الثاني – شباط
30
اإلعالم ومقاربة الحقيقة في الصراع والسلم P هامان علي ويهيجه التعصب القومي ،يجري صراع أكثر (في العالم الذي ّ تهزه النزعات اإليديولوجيةُ ، حدة من أجل عقول الناس ،فألغراض المعلومات والدعاية واإليحاءُ ،تستخدم التكنولوجيا عالية الدقة ،و كثي ار ما يحصل عدم تمييز بعضهم عن اآلخر)[]1 هو ذا ليس توصيفا لما تشهده منطقتنا من تحول وصراع منذ أكثر من خمس سنوات؛ تداخل فيها البعد المحلي واإلقليمي مع الدولي، وأصبحت الساحة اإلعالمية واحدة من أكثر الجبهات سخونة بين األطراف المتصارعة ،بل أعد في العام 1953 هو اقتباس من تقرير ّ بطلب من المجلس االقتصادي واالجتماع الدولي التابع لألمم المتحدة ،يتناول حال اإلعالم في مناطق عدة من العالمّ ،إبان الحرب الباردة بين المعسكرين االشتراكي والرأسمالي. ونحن هنا نحاول استشراف الحقيقة في اإلعالم ،وما يط أر عليها من تناقض ما بين المفهوم والممارسة في زمني السلم والحروب. البد وأن نذكر أنه وبالرغم من وجود العديد لكن ّ من الدراسات والبحوث الميدانية والتجريبية، التي حاولت فهم عملية االتصال وتأثيرها على أن علماء االتصال الفرد والمجتمع والثقافة ،إال ّ لم يتوصلوا بعد إلى فهم دقيق وشامل لتأثير وسائل اإلعالم على األفراد والمجتمع]2[ . تقدم ،ما يحتويه بالطبع إذا ما أضفنا إلى ما ّ فضاء اإلعالم /وسائل االتصال الجماهيري من مصطلحات ومفاهيم؛ كالموضوعية واالستقاللية وغيرها من المعايير المهنية ،والتي ال تزال أن التجربة والممارسة إشكالية ،بالرغم من ّ أن الكثير اإلعالمية ّ تمتد ألكثر من قرنين ،عدا ّ من المفاهيم والمصطلحات ضمنه ،ال تزال قابلة إلعادة التعريف والتحديد من جديد ،لذا فمن أي بحث في هذا المجال الطبيعي أن يخرج ّ
بكم من األسئلة ،ربما تفوق ما يمكن أن يخرج ّ به من أجوبة جاهزة وآراء محسومة ،لكن ذلك أن األسئلة ذاتها لن تساهم ال يعني بالضرورة ّ تصور للراهن المعاش ،بحيث يتضح في وضع ّ السلبي من الممارسة ،إضافة إلى تسليط الضوء على التناقض بين ما يعلن من قوانين تشريعية لإلعالم ،وبين التطبيق العملي لها أثناء السلم وفي زمن الحروب والنزاعات. ما من وسيلة إعالمية إال وتتبنى الحقيقة في شعارها تصريحا أو تلميحا ،وكم من تعريف لإلعالم يشير إلى كونه يسعى لتسهيل عملية أن ما من نظرية البحث عن الحقيقة ،كما ّ اتصالية تبحث في عالقة وسائل اإلعالم بالمجتمع والدولة ،إال وتستقر على افتراضات تمس الفرد والدولة وتتناول طبيعة فلسفية معينة؛ ّ المعرفة وطبيعة الحقيقة]3[ . أن هاجس الحقيقة -بك ّل ما هكذا يبدو ّ تحمل هذه الكلمة من معنى إشكالي -حقيقة مفروضة على اإلعالم ،في ك ّل جزئياته وأطره العامة ،بدءا من التعريفات وانتهاء باألطر تبرر وجوده كحاجة النظرية الفلسفية التي ّ للمجتمع ،فهو مخصص بالدرجة األولى لتلبية حاجات ومتطلبات المجتمع ،حيث ال يمكن تصور مجتمع بدون إعالم ،كما ال يمكن تصور إعالم خارج المجتمعات]4[ . ّ هنا يبرز التساؤل ،إذا لم يكن اإلعالم سعيا وراء الحقيقة ،فماذا يمكن أن يكون؟!
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
31
وعن أية حقيقة يمكن أن نتحدث؟ في وقت بات فيه التناقض السمة األبرز لما تعرضه وسائل اإلعالم من مقاربات وروايات حول ذات الحدث والواقعة ،سواء أكان ذلك وقت السلم أو زمن الحروب والصراعات والثورات. يقول تقرير لجنة حرية الصحافة المعنون بـ (الصحافة الحرة والمسؤولية) المنشور في قدم حقائق عن خروقات العام 1947والذي ّ لحرية الصحافة في أمريكا أثناء الحرب العالمية الثانية ،وكان األساس الذي استُنِد على استنتاجاته لصياغة مواضيع نظرية المسؤولية االجتماعية من قبل الصحفي وليم هوكينغ: (أن تعلن عن الواقعة بمصداقية ،هذا أمر غير كاف اآلن ،من الضروري اإلعالن عن الحقيقة حول هذه الواقعة)]5[ . إذا الحقيقة وفق هذا التقرير هي الحقيقة الناجزة القائمة بكليتها هي التي يحتاجها المجتمع لتكوين رأي حول الواقعة ،لكن أال أن تُظهر التجربة الطويلة للممارسة اإلعالميةّ ، السلطات الحاكمة في أي بلد كان ،تسعى إلى نقل الحقيقة التي تريدها إلى مجتمعها ،وفق ما تراه مناسبا لرؤيتها ومصالحها وأهدافها ،كما أن المالكين والقائمين على النشر إال يسعون ّ بدورهم إلى إيصال الحقيقة التي يريدونها إلى الجمهور؟ ضمن ذات السياق يمكن طرح أسئلة أخرى: كيف لإلعالم إظهار الحقيقة في مجتمع مكون من شرائح وفئات متنوعة -قوميات ّ وطوائف -قد تكون على تناقض في المصالح والحاجات؟! وهذه الحقيقة أال يمكن أن تتج أز بين كل هؤالء المعنيين والمتأثرين باإلعالم؟ وأخي ار وليس آخرا ،هل محصلة جمع حقيقة /حقائق ك ّل هذه األطراف المعنية يقدمها باإلعالم والمتأثرة به ،هي ذاتها التي ّ اإلعالم؟
عن نظريات االتصال ( الحقيقة باختالف فلسفات الحكم) ال توجد تجربة إعالمية في أي بقعة من عالمنا -منذ بداية ظهور الصحافة كأقدم وسائل االتصال الجماهيري في القرن السادس عشر ،وحتى وقتنا الحالي -إال وتخضع إلطار نظري والعتبارات فلسفية؛ تصور وتوضح اجتماعي تبرر وجودها بشكل مميز، ّ عالقتها بالسلطة والحقيقة ،وكذلك نظرتها إلى المجتمع إو�لى الفرد]6[ .هذا اإلطار النظري عبر عنه مع هذه االعتبارات ليست إال ما ّ الباحثون بأربع نظريات اتصال رئيسية هي؛ (النظرية االستبدادية ،النظرية الليبرالية ،النظرية السوفيتية ونظرية المسؤولية االجتماعية) ،إذ تقوم نظريات االتصال هذه بتحديد الخطوط المتوجبة على وسائل االتصال العريضة ّ الجماهيري اتباعها ،وكيفية تنظيم نفسها كي تقوم بواجباتها تجاه المجتمع والحقيقة والفرد والدولة. وعندما تواجهنا مشكلة تحديد ماهية أي تجربة إعالمية نعيشها نحن ،أو ُمعاشة في دولة أخرى حاليا أو سابقا ،ليس علينا إال أن نحدد قالبها الفلسفي الذي تنتمي اليه ،حتى نجد كيف ّأنها تسير وفق أحد هذه النظريات األربعة الرئيسية في اإلعالم /االتصال ،أو وفق ما يمكن أن تكون عليه من نظريات ثانوية مشتقة منها. تطور يقول الباحثون في االتصال ّ أن (قصة ّ ظاهرة االتصال اإلنساني ،هي نفسها قصة تطور الحضارة) []7 لكن إذا ما تتبعنا تاريخ ظهور نظريات االتصال األربعة السابقة؛ بدءا بالنظرية االستبدادية في القرن السادس عشر ،وانتهاء بنظرية المسؤولية االجتماعية في منتصف القرن أن قصة العشرين ،وبقدر مشابه يمكن القول ّ تطور ظاهرة اإلعالم ،هي ذاتها قصة تطور وانتشار الشكل الديمقراطي لإلدارة في العالم]8[ .
32
فقد ظهرت الصحافة في انكلت ار في القرن السادس عشر في كنف نظام استبدادي ملكي، بعد فترة وجيزة من اختراع الطباعة ،وقد اتخذت كما هو الحال دائما -شكل ولون البنىاالجتماعية والسياسية التي ظهرت فيها ،فكانت تمارس دورها وفق مبادئ فلسفة استبدادية ،لذا التصور االجتماعي التي كانت أسمى الباحثون ّ تقوم عليها حينها ،بنظرية االتصال االستبدادية. وتقوم هذه النظرية على مبادئ أساسية، أن الحقيقة ال تنطلق من كتلة كبيرة من تعتبر ّ البشر ،بل من عدد غير كبير من الحكماء القادرين على قيادة وتوجيه اآلخرين ،بهذا المنطق تنطلق الحقيقة من أجواء قريبة من مركز السلطة ،فهي قائمة على تطور الفكر السياسي التسلطي عبر القرون من أفالطون إلى ميكافيلي. هكذا يستخدم الحكام اإلعالم إلخبار الناس عما يعتبرونه ضروريا لهم لإلعالن عنه ،وهذه النظرية التي يحتل الفرد أدنى الدرجات في سلّمها القيمي أمام المجتمع والدولة ,كانت ُينظر التصور للصحافة كخادم للدولة ،وقد كان هذا ّ معتمدا في القرن السادس عشر ،بل هي ال تزال معتمدة حتى اآلن في مناطق عدة من العالم إو�ن بأشكال مستترة ،لذا تبقى أطول النظريات عم ار وأكثرها امتدادا في الجغرافية]9[ . الحقا أدى تطور الفكر اإلنساني وظهور األفكار الليبرالية في انكلت ار في مجال الفكر والفلسفة والسياسة في أواخر القرن السابع عشر ،إلى ظهور النظرية الليبرالية التي جاءت بمثابة ردة فعل على النظرية االستبدادية ،إذ صيغت في القرن الثامن عشر وازدهرت في القرن التاسع عشر ،وكانت تعتمد على أعمال جون لوك وجون ميلتون وجون ستيورت ميل والحقوق الطبيعية وأفكار عصر النهضة ،حيث ارتفعت قيمة الفرد ،الذي بات يرى فيه كائنا عقالنيا قاد ار على تمييز الصدق من الكذب في الحاالت التي يضطر فيها للتعامل مع الحقائق المتناقضة.
العدد / 10كانون الثاني – شباط
وطبقا لهذه النظرية أصبحت الصحافة وسيلة لتمثيل الوقائع واألدلة التي يستطيع الشعب من خاللها متابعة الحكومة ومراقبتها، وهنا ظهر مفهوم السلطة الرابعة ,كإحدى األيقونات المنتشرة التي تشير إلى مقدرة الصحافة على التأثير والتغيير في مجتمعها، أن المجتمع يستطيع عبر الصحافة/ وهي تعني ّ السلطة الرابعة مراقبة الدولة بسلطاتها الثالثة؛ التشريعية ،والتنفيذية ،والقضائية) []10 أن الكثير من كما تجدر اإلشارة هنا إلى ّ المفاهيم واألفكار في الصحافة الليبرالية وجدت طريقها لالنتشار في ارجاء العالم ،خارج نطاق أن العديد من الدول ذات النفوذ السوفيتي ،وبدا ّ تقر الحكم التوتاليتاري /الشمولي أصبحت ّ في دساتيرها بمبادئ مثل حرية التعبير عن وتردد أيقونة السلطة الرابعة للصحافة الرأيّ ، في إعالمها ,حتى إو�ن بقي ذلك على مستوى االدعاء دون التطبيق]11[ . فوفق هذه النظرية ،على الصحافة /اإلعالم تتحرر من الرقابة الحكومية ،ومن أجل أن أن ّ البد أن تشق الحقيقة طريقها عبر الصحافة ّ ّ تسمح لجميع األفكار بالظهور ،كما عليها أن تتسع لصوت التنوع الموجود في المجتمع من متعددة لها مصالح متباينة. شرائح وفئات ّ والمبدأ األساسي في هذه النظرية ّأنه وفي السوق الحرة لألفكار ،ستتصارع األفكار الخيرة والشريرة ،كما الروايات المتناقضة حول األحداث ،لكن بحكم عقالنية اإلنسان وميله الطبيعي إلى مصلحته البد أن تنتصر األفكار الخيرة في نهاية المواجهة ،وقد كانت أمريكا وبريطانيا العظمى تؤمنان بهذا النوع من الصحافة المتحررة بالكامل من الرقابة الحكومية طوال قرنين من الزمان. في حين ظهرت النظرية السوفيتية بمثابة شكل وتجربة خاصة متطورة عن النظرية االستبدادية في بدايات القرن العشرين ،وهي نظرية قائمة على الحتمية الماركسية وأفكار أن لينين وستالين ،حيث يرى الماركسيون ّ
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
33
الصحافة هي سالح الصراع الطبقي والدعاية المحرض والمنظّم الجماعي أيضا. الجماعية و ّ فإن أهدافها تتطلّب وبحسب تعاليم الشيوعية ّ إقامة دكتاتورية البروليتارية ،وهي دكتاتورية مؤقتة ستبقى إلى أن تزول بقايا الرأسمالية ،لذا البناء لوسائل دعت الشيوعية إلى االستخدام ّ مكونات الدعاية من أجل بلوغ اإلعالم كأحد ّ الثورة العالمية. هكذا كانت الصحافة أداة للسلطة ،ولم يسبق أن حظيت صحافة في التاريخ بهذا القدر من إن الصرامة في الرقابة من قبل الحكومة ،كما ّ العاملين في المجالس المشرفة على الصحافة ألنها حرة بقولها كانوا يعتبرون صحافتهم حرةّ ، للحقيقة التي يفهمها الحزب الشيوعي الذي كان يشكل أقل من %10من نسبة السكان. أن الصحافة الليبرالية تحاول ففي حين ّ فإن الصحافة السوفيتية الوصول إلى الحقيقةّ ، كانت تحاول إيصال الحقيقة «اللينينية – الستالينية» الماركسية الجاهزة إلى الناس .لذا كانت المجالس المشرفة على الصحافة ترى أن الناس وافراد المجتمع بحاجة إلى نوع من ّ اإلرشاد الدقيق من قبلهم]12[. كما ظهرت نظرية المسؤولية االجتماعية للصحافة بعد الحرب العالمية الثانية ،في أمريكا ثم بريطانيا ،نتيجة احتكار وسائل اإلعالم ومن ّ من قبل فئة محدودة ،وتزايد الخطر على نقل التنوع الموجود في المجتمع ،ونقل الحقيقة وفق ّ منطق المالكين لوسائل اإلعالم ،التي اصبحت تحتاج إلمكانيات مادية كبيرة المتالك أحداها. تبني أن العديد من األسباب دفعت إلى ّ كما ّ نظرية المسؤولية االجتماعية ،منها بروز الثورة في ميدان تداول المعلومات ،كذلك الشكوك المحددة بخصوص فلسفة عصر السلوكية ّ النهضة ،وبحث اإلنسان عن حاجاته ال عن الحقيقة. إذ قامت هذه النظرية على الفرضية الرئيسية إن الحرية تفرض معها التزامات مرافقة، التالية؛ ّ
أن الصحافة التي تتواجد في ظ ّل نظام ليبرالي وّ ُم َلزمة بحمل المسؤولية أمام المجتمع. فبينما تقوم النظرية الليبرالية على مفهوم الحرية من القيود الخارجية -الحكومة وغيرها تقوم نظرية المسؤولية االجتماعية علىمفهوم الحرية اإليجابية ‹›الحرية ألجل شيئا ما›› ،وتعكس النظرية هذه عدم ارتياح لكيفية فهم بعض المالكين /المحتكرين والمشرفين على وسائل اإلعالم لوظائفه وكيفية القيام بها ،وقد قامت هذه النظرية على جهود وليم هوكينغ الذي قام بصياغة مواضيعها ،حيث تَرافق مع بدايات ظهور المسؤولية االجتماعية قيام الناشرين بوضع قوانين السلوك األخالقية على وسائلهم اإلعالمية]12[ . عن اإلعالم وحقيقة التنمية تعتبر النظريات األربع السابقة األصل الذي ترجع اليه جميع نظريات االتصال في المجال اإلعالمي ،فوجود المبدأ بوجوب وتبني إخالص اإلعالم لمصالح المجتمع، ّ وتطور قضاياه بمسؤولية في الفكر الليبرالي، ّ مفاهيم الصحافة االشتراكية بين العام 1830- ]13[1930إضافة إلى التراكم العلمي في بحوث اإلعالم واالتصال الذي اظهر إمكانيات واسعة يتمتع بها اإلعالم في اإلسهام نحو التغيير االجتماعي والثقافي واالقتصادي االيجابي، أدى إلى ظهور النظرية التنموية في االتصال، حيث حاولت بعض األنظمة في دول العالم تبنيها على خلفية الحاجة إلى نظرية الثالث ّ تراعي خصوصيتها وحاجتها إلى ردم الفجوة بينها وبين العالم المتقدم ،خاصة بعد حصولها على استقاللها بعد الحرب العالمية الثانية ،هكذا أصبحت الوظيفة التنموية الوظيفة الرئيسية لإلعالم في إطار مساعدة الدولة على تحقيق أهداف المجتمع في تحقيق التنمية. لكن عن أية تنمية يمكن أن نتحدث ،وهل كانت األنظمة في دول العالم تستخدم النظرية
34
العدد / 10كانون الثاني – شباط
التنموية في توجيه اإلعالم وتسخيره لخدمة والحروب وعن أي نظريات يمكن أن نتحدث، وكيف يمكن لإلعالم أن يقوم بوظائفه وواجباته مجتمعها ،أم لفرض أيديولوجيتها وتأبيدها؟! حيث أن مفهوم التنمية ارتبط بداية بالجانب تجاه الحقيقة ،وكيف تؤول عالقته بالمجتمع ّ االقتصادي فقط ،لكن أثبتت التجارب أن هناك والدولة؟ ّ دول لديها دخل عال جدا ،ولكن ال توجد فيها تنميه حقيقية ،ولهذا أضافوا البعد االجتماعي اإلعالم زمن الحروب ألي تنمية أن والسياسي والثقافي ،لذا ال يمكن ّ أن الحكومات غالبا ما تلجأ من المعروف ّ تحقق أهدافها ،إال إذا كان هناك توازن بين في فترات الحروب والظروف االستثنائية إلى جوانبها األربعة األساسية االجتماعية والثقافية تعليق العمل بالدستور والعمل بقانون الطوارئ، والسياسية واالقتصادية]14[ . وهو ما يعني تلقائيا تعليق أية قوانين تحفظ أن مفهوم التنمية عانى حرية الصحافة واإلعالم ايضا ،ويصبح القانون تد ّل التجربة ّ التوظيف األيديولوجي ،من خالل المدارس مرهونا بيد السلطة التنفيذية ،وما تراه مناسبا في أن الكثير هذه الظروف. الفكرية المختلفة[ ]15كما ال يخفى ّ من السلطات الحاكمة في بلدان العالم الثالث أن تُظهر التجربة اإلنسانية زمن الحروب ّ حاولت تسخير التنمية في محاوالت تأبيد هناك ميال دائما أو نزعة للتضحية بحرية حكمها ،ذلك ّ أن تطبيق ما يسمى بالتنمية اإلعالم زمن األزمات والصراعات []16حتى يستدعي أساسا وجود إقرار من الشعب بشرعية تمسكا بحرية السلطات الحاكمة ،وحالة من االستقرار السياسي لدى أعتى الديمقراطيات وأكثرها ّ الصحافة وحرية التعبير عن الرأي ،ومن بين واألمني ،ما يمنح الدولة الفرصة كي تسعى إلى تتوسل وسائل االتصال تحقيق نمو يساهم في ردم الفجوة مع دول العالم العديد من الوظائف التي ّ ُ الجماهيري القيام بها ،تكاد الدعاية ضمن ستار شهدت نماذج هناك كانت بما ر و الثاني، األول و الحرب النفسية تصبح الوظيفة الوحيدة التي تقوم محاوالت تحقيق ّ تقدم اقتصادي واجتماعي بها هذه الوسائل زمن الحروب والصراعات. لكنها كانت تبقى مترافقة بتوظيف نسبي، ّ استُخدمت الدعاية في حقب التاريخ للدعاية الحزبية الضيقة في الجانبين الثقافي المختلفة ،وكانت األداة السرية الرئيسة في والسياسي ،ما ساهم في تنمية ذهنية تناسب الحرب ،إذ أطلق عليها اإلنجليز (الحرب التحوالت مقاسها وتحقّق غايتها ،وقد كشفت ّ السياسية) ،أما األلمان فأطلقوا عليها (الحرب أن محاوالت شعوبها األخيرة في منطقتنا ،كيف ّ الثقافية) ،واألمريكيون (الحرب السيكولوجية أو في الخروج من عباءة سلطاتها االستبدادية، يلخصه وزير هو جانب واحد من جوانب عدة يجب التخلّص النفسية) ،والهدف من استخدامها ّ (إن الحرب تستهلك منها تباعا ،كي ال تقتصر الثورة على الجانب الدعاية النازي جوبلز بقوله ّ الكثير من القنابل لندمر بها مدفعا واحدا في السياسي ،بل يتعداه إلى ما خلّفته األنظمة من يد جندي ،ولكن أليس األرخص من ذلك أن موروث ثقافي واقتصادي واجتماعي ،سهل ّ نوجد وسيلة تعمل على اضطراب األصابع التي مهمتها طوال عقود في السيطرة إو�دارة المجتمع، ّ تضغط على زناد ذلك المدفع في يد الجندي). وقد كان اإلعالم فيها أمضى األسلحة في تحقيق []17 ذلك وتحت اسم التنمية واإلعالم التنموي. إن تجربة الحكومات في أيام الحرب ّ فسر الممارسة لكن حيث ّ أن هذه النظريات تُ ّ العالمية الثانية ،وعندما اضطرت الصحافة اإلعالمية زمن االستقرار والسلم ،ترى كيف للقبول بالقيود الصارمة على حريتها ،وبالشروط كانت تؤول الممارسات اإلعالمية زمن التحوالت
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
35
الخاصة باألمن الوطني /القومي زمن الحرب توضح نزعة الحد من حرية الصحافة، الباردة ّ أن تسمح بتمرير الرقابة على الصحافة ،كما ّ العديد من الدول التي ال تزال موجودة تكتيكيا أن الحرب النفسية في حالة حرب ،هكذا بدا ّ تفرض نفسها على منطق الموضوعية والحيادية اإلعالمية. تعتبر تجربة حرب فيتنام ،ربما الحرب الوحيدة التي كان اإلعالم األمريكي يقوم بوظيفته الطبيعية في نقل حقيقتها إلى الرأي العام زمن الحرب ،حيث أدى وجود أعداد كبيرة من مراسلي مختلف القنوات اإلعالمية في عديد الجبهات ،إلى نقل الوجه البشع للحرب وتقديم صورة عن حجم المعاناة الكبيرة للجيش األمريكي أثناء مواجهته الفيتناميين ،وعلى النقيض لما كانت تروجه اإلدارة األمريكية، األمر الذي أفقدها تأييد الرأي العام ،خاصة بعد نقل صور المذابح للمدنيين الفيتناميين ،حيث يقول المصور الصحفي كوريل كاربي عن نشر صورة لطفلة فيتنامية ،وهي تجري في شوارع فيتنام عارية بعد أن خلعت مالبسها المحترقة (إن تلك الصور من غارة أمريكية عام ّ ،1972 قامت بما لم تقم به كل المناقشات والمعارضات والمطالبات بوقف الحرب الفيتنامية) []18 أن التغطية اإلعالمية التي رافقت لكن األكيد ّ ّ الحرب الفيتنامية لم تتكرر في أية حروب أخرى خاضتها أمريكا على مدى الـ 54سنة الماضية، إن الرقابة الصارمة المفروضة من قبلها بل ّ على وسائل اإلعالم أثناء حروبها األخيرة - الخليج الثانية والثالثة -لم تختلف في صرامتها وتقليدية أساليبها ،عما تفرضه دول العالم الثالث وكأنها ليست الدولة التي على وسائل إعالمهاّ ، تبنت النظرية الليبرالية طوال قرنين من الزمان، ّ وكأن الدستور األمريكي ال يضمن حرية كما ّ الصحافة والتعبير بنص واضح وصريح]19[ .
ماذا عن السنوات األخيرة في الشرق األوسط؟ يميز السنوات األخيرة من أحداث إن ما ّ ّ عصفت بالعديد من البلدان العربية ،هو ّأنها عكست ما يمكن القول عنه صراعا مزدوجا ،بين حكومات متمسكة بسلطاتها أمام جماهير تريد هامشا أكثر من الحقوق والحريات من جهة، متمسك بأساليبه المنتمية وبين إعالم تقليدي ّ إلى فترة ما قبل ثورة االتصاالت والمعلومات، إو�عالم جديد ال يقيم وزنا العتبارات السيادة الوطنية على االرض ،وينتمي إلى زمن القرية الكونية من جهة أخرى. هكذا لم تفلح وسائل إعالم األنظمة إقناع المتلقّي من أبناء شعبها بعدم المشاركة في حركات االحتجاج ،فتقديم التلفزيون السوري أن جمعا من الناس خرجوا لصالة مقاطع أظهرت ّ االستسقاء ،فضحته موبايالت النشطاء الذين وثّقوها تظاهرة شعارها لم يكن سوى ‹›الشعب يريد اسقاط النظام›› ،لكن على الجانب اآلخر لم يعكس لجوء الناس إلى االعتماد على وسائل إعالم مغايرة ووسائل اإلعالم البديل -بشكل خاص -إال حقيقة تفيد بفقدان هذه الوسائل المصداقية بقدر ما يعكس دخولها في منافسة مع وسائل اإلعالم البديل. أن اإلعالم البديل من وبتعبير آخر يبدو ّ وسائل تواصل اجتماعي كالفيس بوك وتويتر ويتوتويب ،قد كسب جولة في منافستها لوسائل اإلعالم التقليدية التي اضطرت لالعتماد عليها /التحول. كمصادر لتعزيز رواياتها عن الحدث ّ هنا تبرز قضية المصداقية مرة أخرى؛ أي كيف يمكن إلعالم أن يؤثر إن لم يعكس ويقدم رواية قابلة للحضور الوقائع بصدق، ّ والتصديق؟! لكن في حين قد يكون اإلعالم البديل نجح في الطعن في مصداقية اإلعالم لكنه لم ينجح -بحسب الحكومي التقليديّ ، الكثيرين -في إثبات مصداقيته وتباعه لمعايير مهنية تكسبه تأثي ار أكبر.
36
أن السبب فيما يبدو -بحسب المتابعين ّ - غالبية من نشطوا في مجال اإلعالم البديل، بحكم كونهم متظاهرين أوال ،هو ّأنهم لم يكونوا سوى إعالميين طارئين ،افتقدوا إلى ثقافة العمل اإلعالمي المهني المستند إلى معايير مهنية، لكنهم لذا ربما نجحوا في تكذيب رواية السلطةّ ، عجزوا كثي ار في تقديم قصصهم دون أخطاء قاتلة. فمثال يستشهد الصحفي بدر الراشد -في تم ترويج مقالة بجريدة الحياة اللندنية -كيف ّ مسألة استعباد /سبي النساء ،بعد سيطرة تنظيم داعش على مناطق اإليزيديين الكرد ،و كيف مغردون على مواقع التواصل االجتماعي قام ّ بنشر صور لنساء في أسواق لبيع الجواري، أن الصور مزورة ،و الحدث صحيح ،ذلك ورغم ّ أن مجلة داعش اإلنكليزية ‹›دابق›› تحدثت ّ بالتفصيل حول مسألة السبي. إضافة إلى وجود فيديوهات لمقاتلين من داعش على يوتيوب يتحدثون فيها عن الجواري، أن الصور المزورة أضرت بصدقية الحدث، إال ّ صدق الصورة ،ثم اكتشف زورها ،سيرفض فمن ّ تصديق الحدث برمته. مثل هذه األخطاء التي تمنع تحقيق التأثير المرجو لم تكن قليلة ،كحالة نشر الصور الدموية من أجل كسب التعاطف وفضح وحشية أن صور الدماء واألشالء األنظمة ،حيث ّ كانت غالبا ما تؤدي عكس مقصدها ،فتجلب ألن هذه االشمئزاز والتقزز أكثر من التعاطف ّ الصور ال تُحتمل ،ولها تأثيرات سلبية على المدى البعيد على الجمهور. هذه بعض من الحاالت التي تفقد فيها الحقيقة إمكانية الحضور ،والتأثير لعدم مراعاة معايير أخالقية في اإلعالم ،وليست هذه إال أمثلة لبعض الحاالت التي فقدت فيها الحقيقة إمكانية الحضور والتأثير ،لعدم مراعاة معايير مهنية واخالقية في اإلعالم.
العدد / 10كانون الثاني – شباط
عن المصداقية كحقيقة إعالمية ما من وسيلة إعالمية إال وتسعى إلى التأثير على سلوك المتلقي ،وتدفعه إلى التصرف وفق معين يناسب مصالحها ورؤيتها ،فالهدف تجاه ّ النهائي للعملية اإلعالمية هي السعي إلى الـتأثير سلوكيا ،ليس تقديم الحقائق والمعلومات واألخبار السليمة والصحيحة إال سبيال يهدف إلى كسب المصداقية ،وهو ما يساعد على تحقيق التأثير ،فبدون المصداقية وثقة المتلقي بالجهة التي تقف خلفية عملية االتصال ،لن يتأثر بما ُيقدم له من رسائل]20[. أن الدراسين في مجال اإلعالم ُيجمعون كما ّ أن عدم تأثير أي وسيلة إعالمية يزيل على ّ مبرر الوجود ،أنت تتصل لكي تؤثر ودون عنها ّ ذلك ال يكون للعملية اإلعالمية أي معنى. فيما يذهب األكاديمي السوري أديب خضور أن الصحافة/ في كتابه التحرير الصحفي إلى ّ اإلعالم يسعى إلى ممارسة التأثير على المتلقي /القارئ ،المشاهد ،أو المستمع عبر تحقيق اربعة مهمات؛ أوالها اإلسهام في تكوين النسق المعرفي للمتلقي ،وذلك عبر الحقائق تقدمها األنواع والمعلومات والمعارف التي ّ الصحفية اإلخبارية (الخبر ،التقرير ،الحديث الصحفي ،والتحقيق الصحفي) حول مختلف األحداث ،وفي مختلف المجاالت ،وثانيها اإلسهام في تكوين النسق الفكري للقارئ ،عبر مواد الرأي ،وعناصر التفسير والتحليل والتقييم تقدمها األنواع الصحفية الفكرية (المقال، التي ّ التعليق الصحفي ،العامود الصحفي). ثالثا؛ في اإلسهام في تكوين النسق القيمي تقدمها الوسيلة للمتلقي ،عبر المضامين التي ّ اإلعالمية من أعمال أدبية ،فنية ،ودرامية. رابعا؛ وأخي ار عبر تكوين النسق السلوكي للمتلقي ،وذلك عبر مقدرة الخطاب اإلعالمي تقدمه الوسيلة اإلعالمية على ترجمة الذي ّ أنساقه المعرفية والفكرية والقيمية ،إلى سلوك يتم في الواقع ،ويتم في المجتمع بشكل عملي ّ يتناسب مع مواقف الصحيفة وسياستها]21[ .
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
37
هكذا يبدو ترابط الجزء في الك ّل عبر العملية اإلعالمية ،إذ ال وجود لتفصيل في أية عملية أي صورة ،كلمة ،أو فكرة مبرر ،و ّ إعالمية دون ّ يجب أن يكون لها مبررها هكذا بات اإلعالم المعاصر ال يقبل باالرتجالية والتلقائية في عمله ،وحتى حينما نرى تلك التلقائية من جانب مذيعين يتالطفان أطراف الحديث على شاشة إحدى القنوات ،هي ليست إال ارتجالية موظّفة بهدف كسر جدية النشرة ،ومنحها قربا إنسانيا من المتلقي. يحدث هذا في وقت بات يعتمد التخطيط العلمي في العمل اإلعالمي كصناعة تؤدي إلى تضييق هامش الخطأ في الرسالة ،مع التجربة الطويلة في هذا اإلطار. تتوسم الوسائل اإلعالمية تحقيق لكن كيف ّ التأثير عبر مصداقيتها على سلوك المتلقي؟ ومن أين تكسب هذه المصداقية؟
أن أحد األسباب الهامة في يمكن القول ّ مسألة طرح مواثيق الشرف الصحفي التي كانت فاتحة لتحديد قيم ومعايير مهنية لمهنة الصحافة ،هي الحد من تدخل الدولة في تنظيم وسائل اإلعالم ،إضافة إلى كونها محاولة لعالج مسألة فقدان المصداقية بوسائل اإلعالم، حيث تعود أولى مواثيق األخالق المهنية في اإلعالم إلى بدايات القرن العشرين]23[ . يعتبر مبدأ السلوك األخالقي واحدا من أقدم المحررين اللوائح التي أقرت من جانب جمعية ّ األمريكيين للصحف في العام ،1923والتي تدعو إلى العمل مع الشعور بالمسؤولية تجاه الخير االجتماعي ،بمراعاة اإلخالص، والمصداقية ،والنزاهة ،والشرف ،والنظام، واحترام الحياة الخاصة]24[. مع انتهاء الحرب العالمية الثانية إو�بان بداية ظهور نظرية المسؤولية االجتماعية، بدأت تحظى مواثيق الشرف الصحفي بأهمية أكبر ،حيث فرض الناشرون مواثيق شرف على وسائلهم اإلعالمية حينها]25[ . إذ ارتبطت هذه النزعة بظهور شخصيات أن معايير أكثر مبدئية وثقافة في الصحافة ،ورغم ّ المصداقية والتوازن والدقة والموضوعية وعدم االنحياز والحياد والنزاهة والمسؤولية ،من أكثر ما يمكن أن تتقاطع عليه وثائق الشرف الصحفي، إال ّأنها تختلف من حيث تحديد هذه المعايير في عددها أو حتى في تعريف كل واحدة منها. نفسر المصداقية بالتزام من الممكن أن ّ الصدق في رواية الحدث ،وتفسير التوازن بعرض اآلراء المتعارضة بتساو حول الموضوع أن الموضوعية هي الوقوف المختلف عليه ،كما ّ على مسافة واحدة من جميع األطراف ،يمكن أن تفسر هذه القيم نسبيا بشكل آخر من قبل جهات ّ أن هذه القيم ال يمكن تحديدها بدقة ذلك ى، أخر ّ أن ذكر فقط يمكن السياق، هذا ضمن متناهية ّ التحيز استدلت به هناك حوالي 30نوعا من ّ بعض المؤسسات الصحفية المصرية في تقييم عمل الصحف في بالدها.
المعايير المهنية واألخالقية للصحافة واإلعالم أهم تعتبر المعايير المهنية واألخالقية ،من ّ ركائز العمل الصحفي ،الهادف إلى إيصال رسالته بفعالية ،وتعتبر مسألة االلتزام بهذه المعايير ليس أم ار تفرضه الجوانب األخالقية فحسب ،بل تفرضها أيضا الضرورات العملية في ممارسة العمل اإلعالمي ،إذا دون وجود معايير مهنية وأخالقية ال يمكن أن توجد هناك رسالة إعالمية ناجحة. أن تسمية المعايير تجدر اإلشارة هنا إلى ّ األخالقية تلقى جدال في األوساط األكاديمية، حيث أبدى البعض عدم ارتياحه الستخدام كلمة ‹›أخالق›› في وصف معايير العمل الصحفي، كما فعل جان كولن المدير العام لمركز الدوحة أن استخدام كلمة لحرية اإلعالم ،ذلك ّأنه يرى ّ التحدث عن الخير والشر وعن أخالق يعني ّ الجميل والقبيح ،لذا يعتبر ّأنه من األفضل استخدام كلمة المهنية عوضا عنها]22[.
38
أن الهدف والغاية من زرع لكن يبقى ّ ثقافة مراعاة المعايير المهنية ومواثيق الشرف الصحفي ،هو تحقيق أقصى قدر من الضبط الذاتي لعملية الممارسة لدى العاملين في الصحافة واإلعالم ،قبل خشيتهم من محاسبة قوانين مفروضة من قبل الدولة على العمل اإلعالمي. لكن أال توجد أشكال أخرى عدا التنظيم الذاتي للصحافة واإلعالم؟ أشكال تنظيم وسائل اإلعالم لدى كثير من دول العالم قوانين تعالج مسألة حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة في نصوص واضحة أو غير واضحة ،عند التنظيم الذاتي للصحافة /اإلعالم ،ومن المفيد الحق أن حرية الصحافة تشتق من ّ القول هنا ّ األساسي لحرية التعبير عن الرأي والكلمة ،كما أن الضمان الحقيقي لحرية الصحافة تعتبر ّ األساس الذي تبنى عليه بقية الحريات العامة، بها يمكن الدفاع عن حقوق اإلنسان والحريات الديمقراطية]26[ . أن ضمان حرية الصحافة غير ففي حين ّ واضحة في دستوري بريطانيا وأستراليا ،تشكل تجربة السويد في مجال ضمان مبدأ العالنية المثبت في الدستور أهمية بالغة ،حيث تقوم الحكومة بتقديم المعونات للصحف الحزبية السياسية واالجتماعية ،األمر الذي ضمن انعكاس ك ّل طيف العقائد السياسية فيها. كذلك تقوم الحكومات في دول مثل فرنسا النرويج والنمسا ،بمنح قروض للصحف التي تعاني من صعوبات مالية ،هنا يبرز دور التدخل اإليجابي للدولة والمجتمع في استم اررية الصحافة في عملها []27 لكن تظهر التجربة االمريكية في مجال أن أي تدخل في التنظيم الحكومي للصحافةّ ، عمل وسائل اإلعالم ومهما كانت النوايا خيرة، فإن النتائج مدمرة بالنسبة لحرية اإلعالم]28[. ّ
العدد / 10كانون الثاني – شباط
بينما هولندا التي ليس لديها قانون خاص باإلعالم ،تجد العديد من المسائل المتعلّقة بنشاطها معروضة في القانون المدني والجنائي واإلداري ،وقد يكون من الطبيعي أن نجد قانونا في دول العالم الثالث يربط بين حرية الصحافة وعدم تعارضها مع األمن القومي كما في الدستور المصري السابق]29[ . أين نحن من الحقيقة؟ رافق تصاعد الحراك االحتجاجي في سوريا، تصاعد نشاط إعالمي غير مسبوق في البالد، تُرجم بداية بظهور الصفحات الداعمة للحراك ثم تاله على مواقع التواصل االجتماعي ،من ّ تجسدت في وفرة الوسائل ظهور فورة إعالميةّ ، اإلعالمية المختلفة من مطبوعة مسموعة ومرئية ،وبدأت تمارس دو ار في ساحة المواجهة اإلعالمية مع وسائل النظام. حدث هذا في بلد كان شهد ما يمكن تصحر بتصحر إعالمي ،إلى جانب تسميته ّ ّ في الحياة السياسية والمدنية على مدى عقود النظام الخمسة. إذ لم تشهد ك ّل تلك الفترة ظهور وسائل إعالم -مستقلة وغير مستقلة -مقارنة بما ظهر في السنوات الخمس األخيرة. ميز الحدث السوري، أن أكثر ما ّ ويمكن القول ّ هو انتشار الحراك على امتداد مساحات واسعة من الجغرافيا السورية ،األمر الذي رافقه صعود ظاهرة ‹›النشطاء اإلعالميين والمواطنين الصحفيين›› ممن وجدوا أنفسهم مضطرين إلى ممارسة مهام إعالمية ،إذ ساعدهم في ذلك استخدام الموبايالت الحديثة وبعض المهارات في االستعانة بمواقع التواصل االجتماعي لتأدية دور إعالمي في فضاء إعالمي بديل. تحول اإلعالم البديل هذا ،أو ما لكن ّ يسمى أيضا باإلعالم االجتماعي ،إلى مصدر رئيسي للمعلومات لوسائل اإلعالم ،وبخاصة للفضائيات التلفزيونية التي تغدو األكثر تأثي ار
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
39
وحضو ار من غيرها من وسائل اإلعالم زمن التحول في زيادة عدد األزمات ،كانت نقطة ّ هؤالء اإلعالميين ،واتساع دورهم الذي غطى عدم وجود مراسلي القنوات اإلعالمية على األرض وخاصة بعد محاوالت التعتيم الممنهج من قبل السلطات ،والتضييق على وسائل اإلعالم الخارجية المتعاطفة مع الحراك. أن عدد السوريين الذين مارسوا مهام وال شك ّ إعالمية ،في السنوات االخيرة قد فاق عدد نظرائهم في أي بلد آخر سبق وشهد حراك مماثال ،إذ تكاد ال تخلو مدينة أو حي من أحياء المدن الكبيرة إال وكانت له تنسيقيته التي يدير صفحتها نشطاء يقومون بدور إعالمي طارئ في الغالب. الحال هذه انسحبت على المناطق الكردية أيضا في األشهر الثمانية األولى ،إو�ن أخذت أن المناطق الكردية منحى آخر الحقا ،ذلك ّ احتفظت بأمان نسبي ،وهو ما مهد لحدوث فورة في ظهور وسائل إعالم كردية بشكل خاص، وسورية بوجه عام خالل السنوات الخمسة الماضية ،مما شكل تجربة فريدة في ظل أجواء الصراع المستمرة حتى اآلن. الجديد في هذه التجربة التي يوافق عمرها عمر الحدث السوري ،أنه تم اإلعالن مؤخ ار عن صدور قانون ينظّم العمل اإلعالمي من قبل مؤسسات اإلدارة الذاتية ،بعد ما يقارب مرور سنتين على إعالنها هي. وفرة وسائل اإلعالم المطبوعة والمسموعة والمرئية بل واإللكترونية ،تتزامن مع ظهور اتحادات إعالمية ووجود وكاالت وقنوات عالمية عبر موفدين أو مراسلين من المنطقة كانوا سابقا من نشطاء الحراك. أن اإلعالم ال يمكن أن يقوم وعلى اعتبار ّ بوظيفة السلطة الرابعة في الفترات االنتقالية كما تدل التجارب والدراسات [ ]30ربما يكون من اإلجحاف أيضا تحميل هؤالء النشطاء اإلعالميين الذين خضعوا لدورات مكثفة وباتوا يستشفون سبلهم عبر مبدأ التجربة والخطأ ،كما
وغيرهم من َح َملة الشهادات اإلعالمية؛ قليلي الممارسة ،عبء القيام بدور إعالمي يرتقي إلى مستوى الحدث ،ويوفي بمتطلبات المجتمع إو�ن نسبيا في هذه الظروف االستثنائية. حيث تجمع كافة التقارير والدراسات والمؤتمرات والبحوث التي أجريت في مجال السياسات اإلعالمية والتدريب اإلعالمي على النقص الحاد الذي تعانيه الدول النامية من القوى البشرية المدربة تدريبا عاليا في مجاالت اإلعالم المختلفة]31[. إن مسألة نقص الصحفيين واإلعالميين ّ المحترفين ،وعدم توفر الجهاز الفني القادر في المؤسسات اإلعالمية ،يعتبر أحد العقبات الرئيسة في سبيل تنمية وسائل اإلعالم وتطويرها في المناطق الكردية]32[ . سريعا يمكن تسجيل مالحظات عدة على ممارسات وسائل اإلعالم الكردية بشكل خاص وعلى سلوك ممارس العمل اإلعالمي فيها. -تغيب عن غالبية العاملين في المجال اإلعالمي أي دراية بما لإلعالم من أدوار ومهام ووظائف ،سواء في تشكيل الرأي العام، أو في تحقيق التنمية السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية. -عدم الدراية بنظرية األنواع الصحفية، وعدم التمييز بين األنواع اإلخبارية (أخبار، تقارير ،أحاديث وتحقيقات) منها عن األنواع الفكرية (مقال صحفي ،تعليق صحفي عامود صحفي) حيث يشاهد فيها عدم فصل الرأي عن الخبر؛ وأكثر ما يشاهد هذا في المواقع والوسائل اإلعالمية الحزبية أكثر منها من المستقلة. -استعمال خطاب تحريضي وارتفاع خطاب الكراهية في وسائل اإلعالم الحزبية، خاصة في زمن األزمات السياسية بين األطراف المتعارضة في االتجاهات ،وهو يعكس عدم دراية بمسؤولية اإلعالم في الحفاظ على سلم المجتمع وعدم إثار الفتن إو�شاعة الكراهية بين الناس.
40
-ممارسة التحريض إو�هانة الرموز السياسية أو الدينية إو�ن بشكل أقل ،بشكل خاص في اإلعالم الحزبي. -التركيز على مواضيع ال تحظى بقيمة إخبارية عالية ،أو مواضيع تعكس أهمية بالنسبة للمجتمع وحاجاته في هذه المرحلة الحساسة. -وجود نوع من الممارسات التي يحاسب عليها القانون في بعض أنحاء العالم ،كلجوء الخفي أو اإلعالن بعض الوسائل إلى اإلعالن ّ الزاحف ( تقديم إعالن تجاري أو سياسي لجهة ما في قالب مادة صحفية) ،وذلك بغرض تأمين مصادر مالية من جهات سياسية أو اجتماعية، وهو يعكس في حقيقته استخفافا بعقية المتلقي. -مواالة أطراف سياسية أو عسكرية أو التحيز سلطات أمر واقع على حساب أخرى ،و ّ في اختيار المواضيع ومعالجتها. -بعض المواد تبدو أقرب إلى اإلعالن، وبعضها تبدو ترويجا أو دعاية في حين توجد مواد تأتي في إطار العالقات العامة وتعزيز الحظوة لدى جهات معينة. -غياب ثقافة االلتزام بالمعايير المهنية واألخالقية في العمل اإلعالمي ،ومواثيق الشرف لكنها الصحفي رغم وجود 3اتحادات صحفيةّ ، تفتقد إلى الفاعلية كما الدعم والموارد. االستقصائية، الصحافة -غياب وضعف مستوى التحقيقات التي تجرى بالرغم من وجود الكثير من المواضيع والظواهر التي أن غياب ّ تستحق االلتفات والتركيز عليها ،كما ّ أقالم صحفية تمتهن األنواع الفكرية (كالمقاالت والتعليقات كنوع صحفي أصيل) وترك ساحة قادة الرأي للكتاب واألدباء والسياسيين وأصحاب االطالع من خارج المالك اإلعالمي. -ضعف التأثير في الرسالة اإلعالمية للتحيز. التي تفتقد المصداقية وتحمل أوجه عدة ّ -عجز اإلعالم ‹›المستقل›› حتى اآلن عن تقديم صورة ذهنية مغايرة لما رسخه إعالم األنظمة من صورة لدى الجمهور ،وبروز بعض
العدد / 10كانون الثاني – شباط
ظواهر التململ وفقدان الثقة باإلعالم لدى الجمهور. أن الفترات االنتقالية -عدم الوعي بحقيقة ّ الرواد بخاصة في تلقي على كاهل اإلعالميين ّ اإلعالم الكردي ،تأسيس تجربة غنية تشكل أساسا صحيحا للممارسة اإلعالمية لألجيال الالحقة ،إضافة إلى االضطالع بأهمية توسيع هامش الحرية حاليا ،وجعله مبدأ ال يمكن التنازل عنه ،رغم وجود تضامن إيجابي بين كتعرض مختلف اإلعالميين في تجارب سابقّ ، فيها زمالئهم لالعتداءات. -غياب التعاون بين المؤسسات اإلعالمية في تحقيق مصالح مشتركة من ناحية ح ّل ما يعترض العمل اإلعالمي من مصاعب وتحديات. -التركيز على تحقيق السبق الصحفي، ونشر أخبار قد تلقي بتبعات خطيرة على المجتمع ،وعدم تحري الحقيقة من أكثر من مصدر. لكن حتى مع وجود مثل هذه األخطاء أن التجربة اإلعالمية هذه ال ووضع حقيقة ّ يتعدى عمرها خمسة سنوات في الحسبان، التصحر اإلعالمي كما ومجيئها بعد عقود من ّ السياسي والمدني ،قد يجعلنا نلتفت إلى أكثر من بصيص أمل ،البد ستكبر أكثر ،كلما اقترب ح ّل األزمة السياسية وآن عهد من االستقرار. أن اإلعالم في الحرب والسلم ختاما ُ نجد ّ حد بعيد في مختلف الجغرافيات، يتشابه إلى ّ ومع ّأنه اختلف في أكثر من مستوى كما نوهنا بين الحربين العالميتين األولى والثاني، ّ وحرب الفيتنام ،والخليج الثانية والثالثة ،وآخرها أن نقاط االتفاق ي الحي ،إال ّ في المثال السور ّ ّ أن الجميع ينظر إليه بادية للعيان من ُ حيث ّ بعين الريبة ،بعين القادر على صياغة األمور، إنجاحها ،أو إفشالها ،لنصل في النهاية إلى بأن من يمتلك زمام اإلعالم سيمكنه قيادة القولّ ، برمتها في الصراع ،وكذلك باستطاعته جبهة ّ
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
41
أن يكون رقما وسببا نحو التغيير في السلم المراجع والمصادر أن تدخالت 1-الهوامش ( ،)1-15و(23-24-25- أيضا ،لكن خالصة القول أيضا ّ يحيدها ،)26عطا اهلل الرمحين وبارعة شقير ،نظريات االستخبارات والحكومات في الصحافة ّ عن جادة التغيير الخالّق المرجو منه. االتصال ،منشورات جامعة دمشق .2005 2-الهوامش (16-18-27-28-29- ،)30-31عطااهلل الرمحين وسميرة شيخاني ،اإلعالم الدولي منشورات جامعة دمشق .2006 3-شريف درويش اللبان أ .سارة أحمد يسين حرب الصورة :توظيف الصورة الصحفية في الحروب والثورات ( )4دراسة منشورة على موقع المركز العربي للبحوث والدراسات. http://www.acrseg.org/39377 4-أ.د .شريف درويش اللبان أ .سارة أحمد يسين حرب الصورة :توظيف الصورة الصحفية في الحروب والثورات ( )2دراسة منشورة على موقع المركز العربي للبحوث والدراسات http://www.acrseg.org/39332 وسميرة شيخاني 5-عطااهلل الرمحين ،اإلعالم الدولي منشورات جامعة دمشق .2006 6-أديب خضور ،التحرير الصحفي، منشورات جامعة دمشق .2006 7جان كولن ،في إطار الفعاليات التمهيدية - لمنتدى الجزيرة السابع. 8-الهوامش ،)32-33( ،محمد عمر التخطيط اإلعالمي منشورات جامعة دمشق .2006
العدد / 10كانون الثاني – شباط
42
عوامل بقاء النظام السلطوي االستبدادي في العالم العربي P سلمان إبراهيم الخليل
منذ حوالي خمس سنوات أو يزيد ،اندلعت ميت في العديد من دول العالم العربي ثوراتُ ،س ّ بثورات ‹الربيع العربي› ،لكن رغم نجاحها في بعض البلدان إو�زاحتها لألنظمة الدكتاتورية التي كانت قائمة ،كما في تونس ومصر وليبيا لكنها رغم ذلك لم تستطع أن تحقّق ربيعا واليمنّ ، التحول الديمقراطي لشعوبها ،وأن تُنجز عملية ّ في بلدانها ،قد يكون االستثناء الوحيد هي أن شعارات هذه الثورات كانت ‹تونس› ،رغم ّ جميعها تتمحور حول الديمقراطية ،الحرية، العدل ،المساواة ،وحقوق اإلنسان ،وظهر جليا أن المعارضات في هذه البلدان هي األخرى ّ ال تؤمن بهذه الشعارات ،وهي تقف على ذات األرضية االقصائية واألحادية وعدم تقبل اآلخر، وهي ّإنما سعت إلى إسقاط األنظمة الحاكمة من التحول أجل اإلحالل محلها ،وليس من أجل ّ الديمقراطي. قبل هذه الثورات يمكن الحديث عن مسار للتحوالت الديمقراطية في العالم ،ويمكن طويل ّ التحول من النظام السلطوي الدكتاتوري القول ّ أن ّ إلى النظام الديمقراطي ،تم من خالل ثالث موجات كبرى اجتاحت العالم ،على مراحل زمنية متقاربة ،من دون أن يطال تأثيرها أيا من بلدان العالم العربي ،التي على ما يبدو مازالت التحول الديمقراطي. عصية على ّ الموجة الديمقراطية األولى تمتد جذورها إلى الثورتين الفرنسية واألمريكية في أواخر القرن الثامن عشر ،وتمتد زمنيا إلى ما بعد الحرب العالمية األولى ()1828-1926 وشملت حوالي عشرين دولة ،معظمها في أوربا واألمريكتين (فرنسا-أمريكا-هولندا-الدانمرك-
وغيرها). الموجة الثانية ظهرت مع انتهاء الحرب الثانية سنة ،1945وشملت بلدان ( ألمانيا الغربية(سابقا) -النمسا –إيطاليا – اليابان)، باإلضافة إلى ست دول في قارة أمريكا هي (الب ارزيل – األرجنتين –األكوادور – البيرو – لكن بعض هذه الدول لم االورغواي – فنزويال)ّ ، التحول الديمقراطي ،إذ سرعان تنعم طويال بهذا ّ ما ارتدت على أعقابها ،ابتداءا من منتصف لتتحول إلى الخمسينات من القرن الماضي، ّ أنظمة سياسية عسكرية وشمولية مثل (ايطاليا – اسبانيا -البرتغال) وغيرها من دول أمريكا الالتينية إو�فريقيا وآسيا. أما الموجة الديمقراطية الثالثة ،فبدأت مع االنقالب العسكري في البرتغال عام ،1974 ثم شملت كال من اليونان واسبانيا 1976 ّ في أوربا ،لتشمل أمريكا الالتينية التي حقّقت التحول الديمقراطي، العديد من دولها مزيدا من ّ مثل (اإلكوادور 1978واالرجنتين 1983 واألورغواي 1984والب ارزيل 5891والتشيلي ،)1988كما طالت هذه الموجة العديد من بلدان آسيا مثل (كوريا الجنوبية وتايوان والفلبين والباكستان) ،ويمكن القول خالل هذه الموجة الثالثة؛ أي من عام 1975إلى عام ،1991 تحول بنيتها استطاعت خمسون دولة أن ّ السياسية السلطوية إلى بنية ديمقراطية ،ويمكن أن نضيف إلى هذه الموجات الثالث موجة رابعة ،تبدأ من انهيار المنظومة االشتراكية بداية التسعينات من القرن الماضي ،وفي ظ ّل التقدم الهائل للثورة المعلوماتية التي جعلت ّ العالم قرية كونية صغيرة ،وهذه الموجة شملت (جورجيا – أوكرانيا -سلوفاكيا – كرواتيا –
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
43
صربيا -التفيا – روسيا البيضاء – وغيرها). رغم هذه الموجات الديمقراطية التي شملت العالم ،ورغم الدعوات المتتالية التي تطالب األنظمة في العالم العربي للقيام باإلصالحات التحول الديمقراطي، السياسية العميقة لتحقيق ّ ورغم الثورات التي سميت بالربيع العربي ،لكن ما زالت األنظمة السياسية الحاكمة في العالم عصية على الزمن ،وهي في بنيتها العربي ّ وممارساتها دولة تسلطية تكاد تكون مكتملة األركان ،ونراها تملك قدرة فائقة على مقاومة رياح التغيير ،وتستفيد هذه األنظمة من تراكم تنوع مدخراتها السلطوية ،لتطوير وتكثيف ّ واسع من تقنيات العنف البنيوي ،التي تساعدها على الحفاظ على تماسكها وتأمين سلطاتها، وتأكيد مستويات عالية من التكيف مع مختلف الضغوطات التي تطالبها بالتغيير ،واحترام حقوق اإلنسان والحريات العامة والخاصة ،التي تتعرض لها من الخارج والداخل ،بل وااللتفاف ّ على هذه المطالب ،إو�فراغها من محتواها ،حتى إو�ن كلّفها ذلك عشرات اآلالف من الضحايا، المهجرين وتدمير ومئات اآلالف من المشردين و ّ ّ البالد ،كما يحصل في سوريا اآلن ،وتحويل هذه المطالب على ّأنها أجندات خارجية ومؤامرة أن النظام يحارب بالنيابة عن العالم كونية ،و ّ التنظيمات اإلرهابية؛ التي تسعى إلى إشاعة الفوضى وتقسيم البالد ،وحتى في البلدان التي تم ّكنت الثورات فيها من أن تسقط األنظمة الدكتاتورية مثل (مصر -ليبيا -تونس -اليمن) فإن القوى التي استلمت الحكم بعد الثورات ّ أرادت االستئثار بالسلطة أيضا ،كما حاول اإلخوان المسلمين في مصر ،مما حدا بالعسكر القيام بانقالب عسكري إلنهاء حكم اإلخوان، أن هذا البلد يعيش حالة من وفي ليبيا نالحظ ّ الفوضى ،وازدواجية السلطة بسبب تصارع القوى السياسية المدعومة بكتائب مسلحة على أن من أسقط الدكتاتوريات لم الحكم ،هذا يعني ّ يهدف إلى إقامة نظام ديمقراطيّ ،إنما سعى إلى السلطة واستخدم ذات أساليب األنظمة الدكتاتورية السابقة ،إن لم يكن أسوأ منها،
أما المناداة بالديمقراطية من قبل المعارضات، وكذلك من قبل النخب الفكرية والثقافية ،فيتبين بأنها لم تنبع من رؤى وقناعات لنا بالتجربةّ ، سياسية وفكرية حقيقيةّ ،إنما استخدم كتكتيكات سياسية آنية ،بهدف الوصول إلى السلطة. بأن العالم العربي وبحكم هنا يمكننا القول ّ سياقات سياسية تاريخية وجيوسياسية خاصة، تمثّل حالة منفردة في العالم من حيث ّأنها للتحول الديمقراطي الذي ساد األكثر مقاومة ّ غالبية دول العالم ،وصار له طابع كوني منذ الربع األخير للقرن العشرين ،واالستثناء الوحيد هو العالم العربي ،الذي لم تتوافر له بعد إمكانية الخروج من أسر تاريخها السلطوي ،والعبور نحو طوق النجاة الديمقراطي ،فالدكتاتوريات والطغاة الذين يمارسون أبشع أنواع االستبداد والقهر ضد شعوبهم ،ما هم إال نتاج هذه المجتمعات ،وكما (إن الدكتاتوريين يقول المؤرخ كارول موتزلسكي ّ ال يصبحون دكتاتوريين من تلقاء أنفسهم، أن لديهم وال يسيطرون على البلدان لمجرد ّ اتجاهات ديكتاتورية .الناس هم الذين يصنعون الديكتاتور ،الناس هم الذين ينصحونه ،والذين يأخذون منه األوامر الخاصة ،هم الذين يؤيدونه إن وجود ديكتاتور تأييدا مطلقا ،وبمعنى آخرّ ، من عدمه يعتمد على الثقافة السياسية للبالد). سنحاول في هذه الدراسة الوقوف عند األسباب التي جعلت الديمقراطية تُض ّل الطريق إلى العالم العربي ،لتنطبق عليه فرضية ‹االستثناء الديمقراطي› التي جعلته يعيش على وتتحول إلى إشكالية رصيف التاريخ وهامشه، ّ إن هذا االستعصاء يعود بنيوية في مجتمعاتناّ ، فإن إلى عوامل داخلية وخارجية ،لكن برأيناّ ، العوامل الداخلية هي األهم ،واألكثر تأثيرا، وسنرشح فيما يلي بعض هذه العوامل: تتعدد هذه العوامل، أوال :العوامل الداخليةّ : وهي تشمل ما يلي: 1-الثقافة السياسية السائدة في مجتمعات العالم العربي؛ هذه الثقافة تتحكم فيها موروثات ثقافية وذهنيات طاعنة في التقليدية ،أنتجت تبرر التسلّط على نحو تراكمي ،بنية عقلية ّ
44
واالستبداد ،قائمة على ثقافة الخضوع واإلذعان، التي تؤدي إلى تكريس النظم التسلطية وعرقلة التحول الديمقراطي ،هذه الثقافة هي نتيجة عملية ّ ظروف مجتمعية تاريخية معينةّ ،أدت إلى خلق مشوهة لإلنسان في هذه المجتمعات، شخصية ّ تشعر هذه الشخصية بالضعف وروح اإلذعان للسلطة وعدم القدرة على تغييرها ،يقول الدكتور أحمد عكاشة عن الشخصية العربية (يتميز قطاع كبير من المصريين والعرب بسمات الشخصية االعتمادية ،والسلبية العدوانية وتتميز الشخصية االعتمادية/ واالستهوائية، ّ االتكالية باعتماد شامل على اآلخرين ،أو مهمة في السماح لهم بتولّي مسؤولية جوانب ّ حياة الشخص ،وتسخير االحتياجات الذاتية لآلخرين التي يعتمد عليهم الشخص ،ورضوخ غير مبرر لرغباتهم ،وعدم االستعداد لمطالبة هؤالء اآلخرين الذين يعتمد عليهم الشخص، بأي مطالب حتى لو كانت منطقية[ ]1وهذا يعود إلى تاريخ الشرق -موطن هذه المجتمعات المليء بالطغيان ،الذي مورس منذ أقدمإن أرسطو وصف العصور وحتى اآلن ،حتى ّ بأنه النموذج الحقيقي للطغيان، الطغيان الشرقي ّ فالطاغية الشرقي يعامل المواطنين معاملة السيد للعبيد ،وهاهنا نجد أصل الفكرة الهيغلية التي تقول ‹› بأن الشرقيين جميعا كانوا عبيدا للحاكم الذي ظ ّل هو وحده الرجل الحر›› في الدولة، إن أرسطو المملكة ،اإلمارة ،حتى ّإنه يقال؛ ّ أرسل رسالة إلى تلميذه الذي أصبح قائدا، وهو االسكندر المقدوني ،ينصحه فيها بمعاملة اليونانيين معاملة القائد ،وأن يعامل الشرقيين ألنهم بطبيعتهم عبيد ،حيث معاملة السيدّ ، يتحمل أن يستطيع ال الحر إن الرجل يقولّ ›‹ : ّ فإن الرجل اليوناني ال يطيق حكم الطاغية ،لهذا ّ الطغيان ،بل ينفر منه ،أما الرجل فإنه يجده أم ار طبيعيا فهو نفسه طاغية في بيته ،يعامل زوجته معاملة العبيد ،لهذا ال يدهشه أن يعامله استمر الحاكم هو ذاته معاملة العبيد ‹›[ ]2و ّ هذا الطغيان واالستبداد في العالم العربي خالل مرحلة األمويين والعباسيين والعثمانيين ،وصوال
العدد / 10كانون الثاني – شباط
إلى يومنا هذا ،وظ ّل االستبداد قيمة اجتماعية ويتغنى بها الشعراء يمجدها ّ رفيعة ،ومحمودة ّ والحكام فهذا الخليفة األموي الوليد بن عبد الملك ينشد مهلال عند سماع نبأ مقتل أحد معارضيه: فنحن المالكين للناس قش ار نسومهم المذلة والنكاال ونوردهم حياض الخسف وما نألوهم إال خباال وكان علماء الدين هم فقهاء الظالم ،يفتون ويبررون لهم أعمالهم الجائرة وبطشهم للخلفاءّ ، بأن الخليفة بالناس ،وكتب التاريخ تذكر ّ األموي يزيد بن عبد الملك استفتى علماء الدين حول ،محاسبة الخلفاء يوم القيامة على بأنه أفعالهم ،فأفتى له أربعون عالما وفقيها ّ تم ال حساب على الخلفاء يوم القيامة ،بذلك ّ توظيف الدين في ترويض وتدجين المسلمين، إو�حكام القبضة على رقابهم وتكميم أفواههم، يستقر في لذلك فمفهوم الدولة والديمقراطية لم ّ الوعي الجمعي لغالبية فئات مجتمعات العالم العربي ،خاصة مع غياب استقاللية الدولة عن شخص الحاكم ،الذي أصبح هو المثال تتجسد فيها فكرة الدولة ،هذا والواجهة التي ّ األمر خلق نوعا من التماهي ما بين كيان الدولة وشخص الحاكم ،الذي جعل الدولة أداة طيعة بيده ،واألمر ذاته ينسحب على مفهوم الفعل السياسي الذي ما يزال ملتبسا عند هذه المجتمعات على صعيد الفكر والممارسة ،ولهذا أسباب تاريخية يختزلها محمد جابر األنصاري في قوله ›‹ :تبدو السياسة في العالم العربي مفهوما بعيدا عن الخبرة السياسية العربية، فالعربي إما مناضل ضد االستعمار والسلطة، ومستبد في الغلبة ،إو�ما مضطهد إو�ما متسلّط ّ ومنفي في المعارضة ،إو�ما صامت مقهور، ّ ضمن األغلبية الصامتة في أكثر األحوال ،لكن من النادر أن تراه سياسيا يأخذ ويعطي ،يتقاسم ويشارك ،يدير ويبني في إطار جماعة سياسية
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
45
منظمة وملتزمة ،من أجل تحقيق هدف سياسي، متفق عليه ،وممكن التحقيق ،إو�ذا ظهر هذا تم القضاء عليهم في أغلب النوع من الساسةّ ، األحوال ،وقد يشارك المجتمع بحركاته الشمولية وأيديولوجيته المتصلّبة السلطات في القضاء على هذا النوع من الكائنات السياسية ،وبطبيعة فإن غياب الكائن السياسي الطبيعي في الحالّ ، المجتمع العربي ليس ناجما عن نقص وقصور لكنها ظروف أبدي وحتمي في الطبيعة العربيةّ ، ّ مر بها معينة يخية، ر وتا مجتمعية وجذور ّ العرب لقرون طويلة ،أوجدت لديهم نوعا من اإلعاقة السياسية ،القابلة للعالج ،إذا اعترفنا بوجودها أوال ثم عكفنا على عالجها››[.]3
تجعل التحالف مع الخارج ومن بناء السلطة االستبدادية شرطا لبقاء الرأسمالية التابعة نفسها، ومن خصائصها ّأنها تبني اقتصادا أطلقت عليه اسم ‹رأسمالية المضاربة›؛ أي البحث عن أكبر ما يمكن من هامش الربح ،مع بذل أق ّل ما يمكن من العمل المنتج ،رأسمالية المضاربة هي قبل ك ّل شيء رأسمالية االقتصاد غير المنتج ،التي تعطي األسبقية في عالقات اإلنتاج للتوزيع، والتي تدفع إلى إقامة اقتصاد توزيعي ،أكثر منه منتجا خبرات جديدة ،أما الخاصية الثالثة لهذه الطبقة الهجينة التي تتولى مسؤولية إدارة الثروة لمامة المحلية والحياة االقتصادية ،فهي طبقة ّ مكونة من جماعات وفئات تنتمي الى عوالم ّ ومنظومات قيم ومناطق وطموحات ومشارب شتى ،ال يربط بينها أي رابط معنوي ،أخالقي، إن جوهرها هو فكري ،روحي ،أو عقيديّ . البحث األعمى والقصير النفس عن المنافع، ليس بمعنى المصلحة؛ أي المنفعة المنظور إليها من منظور تاريخي متوسط أو طويل، وبالتالي من منظور بناء نظام اقتصادي منتج متكامل ،أو يتكامل تدريجيا ،لكن بمعنى الحصول على أكبر جزء من الفطيرة ،اآلن وفي الحال ،مهما كانت النتائج على االقتصاد كك ّل والمصالح القادمة أو البعيدة ،فالروح المنفعية وما ينبع منها من قصر النظر والوصولية والمادية والسوقية ،هي عقيدتها الحقيقية وعامل توحيدها ومصدر وعيها معا[.]4 لذلك ال يمكن المراهنة على هذه الطبقة الرأسمالية السائدة اقتصاديا في الدفع نحو ألنه أصبحت بينها وبين التحول الديمقراطيّ ، ّ المستبد شراكة إستراتيجية النظام السياسي ّ ودائمة بالنسبة لها .أما بالنسبة للطبقة األخرى، والتي تعتبر من أهم حوامل التغيير الديمقراطي، ونقصد بها الطبقة الوسطى ،التي تضم (الموظفين -المثقفين وأصحاب المهن العليا، وأصحاب ِ الح َرف ،والمهن الصغيرة) ،هذه تضم شرائح عديدة في المجتمع، الطبقة كانت ّ أن دورها تآكل وتضاءل كثيرا ،رغم ّأنها إال ّ تشكل ما نسميه عماد المجتمع المدني ،الذي
أن طباع العرب قد كذلك استنتج ابن خلدون ّ الملك؛ أي سياسة الدولة، ‹› بعدت عن سياسة ُ نظ ار لغياب الدولة المستمرة والمستقرة الدائمة والثابتة في تاريخهم ‹›. إن 2-فساد النظام االقتصادي؛ ّ تمر بمراحل التطور االقتصادي مجتمعاتنا لم ّ مرت بها أوربا ،من الرأسمالي الصناعي ،التي ّ حيث االنتقال من اإلقطاعية إلى الرأسمالية ثم إلى الرأسمالية الصناعية، التجارية ،ومن ّ وهذا ما أدى الى غياب الطبقات االجتماعية القوية التي يمثّل الخيار الديمقراطي بالنسبة لها وتطورها ،فقد أدى إخفاق لنموها ّ اإلطار المالئم ّ اإلقالع الصناعي الى انحطاط البنية الذاتية للطبقة الجديدة /البرجوازية ،وهي الطبقة السائدة في كل بقاع العالم ،بالرغم من ّأنها ليست دائما الطبقة الحاكمة ،فمن الخصائص األساسية والجوهرية لهذه الطبقة ّأنها تفتقر إلى االستقالل تقدمه من خدمات الذاتي ،وال تعيش إال بما ّ مباشرة أو غير مباشرة إلى السوق العالمية ،أو هي تجنح -على األق ّل بسبب غياب السوق الذاتية المستقلّة -إلى الخارج ،وتحويل مركز التراكم الرئيسي أيضا إلى الخارج ،وبقدر ما تعمل هذه العالقة على تقليل فرص النمو الداخلية ،وبناء العالم البرجوازي كعالم معزول ضمن المحيط الشعبي الواسع ،الذي يعيش فإنها على نمط اقتصادي فقير وتوزيعي بسيطّ ،
46
قام في الغرب على الروابط المهنية والوظيفية والمادية ،وتعميم المنظومة الثقافية والفكرية والقيم المرتبطة بالمدن ،إو�نهاء القطع مع كافة البنى االجتماعية القديمة وثقافتها ،بما فيها الروابط الدينية والعقيدية والمذهبية ،وكذلك الروابط األسرية والقبلية ،وهذا لم يحدث في العالم العربي ،بالتالي هذه الطبقة ما زالت فكريا ضعيفة وهشة ،وهي امتداد لثقافات وذهنيات غير مدنية ،والمكونات والمعايير ومنظومات القيم التي تسود .العالقات االجتماعية عند هذه الطبقة ،تقوم على صالت القربى واالرتباطات الدينية والمذهبية ،وما صعود التيارات اإلسالمية إال انعكاس لهذا الواقع ،وهنا أسوق مثال من الكويت حول القوى السياسية المعارضة التي كانت تنادي بحقوق المرأة ،وتطالب بالديمقراطية، تحالفت هذه القوى الليبرالية مع اإلسالميين داخل مجلس األمة الكويتي في 1999\11\23من أجل إسقاط المرسوم األميري الذي أصدره الشيخ جابر الصباح في أيار(مايو)عام ]5[1999؛ حق هذا المرسوم الذي كان يعطي المرأة ّ لكنه أسقط نتيجة تحالف االنتخاب والترشحّ ، الليبراليين واإلسالميين ،أما النقطة الثانية ذات إن فاعلية الطبقة الصلة بالطبقة الوسطى ،فهي ّ الوسطى تاريخيا ،ذات صلة بالبعد االقتصادي، بمعنى قوتها االقتصادية الذاتية هي التي جعلت منها تش ّكل قوة سياسية في أوربا ،بينما في البلدان العربية ،ال يشكل االقتصاد ذاته العنصر المهم والحاسم في فاعلية جماعة ما ألن الهيمنة تجاه النشاط والعمل السياسي ،ذلك ّ للمسألة السياسية /السلطة السياسية؟ وبالتالي فإن الوصول إلى السياسة /مركزها هو الذي ّ يزيد المنافع والقوة االقتصادية وهيبتها ،وليس بأن العكس ،تلك مالحظة خلدونية التي ترى ‹› ّ الملك ،هي مفتاح الشرف اإلمارة /السلطة ُ - واللذات الدنيوية والمالذ النفسية ‹› ومن هنا الملك مفتاح ذلك، كانت وما زالت السلطةُ / وغاية العصبية الجماعة النازعة للسلطة ،وتاليا التصارع والصراع حول السلطة وباتجاهها، فإن مؤسسات ما ُيسمى المجتمع المدني وعليه ّ بأنها سوف تفعل الكثير أمام أوضاع ال تبدو ّ
العدد / 10كانون الثاني – شباط
كهذه ،إال في إطار تشكيالت ذات عصبيات فإن متحفّزة ومعبأة على نحو أفضل ،ومن هنا ّ من ال عصبية له ،سواء كانت أساسية من جماعة محددة بعينها أم مركبة ‹ أحالف-حلف ‹ فال سلطة له أو تأثي ار متوقعا[.]6 إن التحوالت الديمقراطية في العالم العربي، ّ مرتبطة بالتحوالت المدنية وقواها وثقافتها، فإن المدينة في قياسا على مثيالتها في الغربّ ، العالم العربي ما زالت تراوح مكانها وزمانها على مستوى التكوينات االجتماعية ،ومنظوماتها الثقافية المتواصلة دائما مع األرياف ،بما في ذلك القيم االجتماعية التقليدية؛ من هيمنة عائلية ،عشائرية ،مناطقية ،مذهبية ،أو دينية. فإن مفهوم المجتمع المدني ما زال لذلك ّ غريبا في العالم العربي ،بل ويتعارض مع المدنية ،وكذلك مع الريف ،ومع منظوماتها القيمية والروحية ،فالمدينة في العالم العربي فإن القوى المجتمعية مترّيفة ،بل زد على ذلكّ ، التي تشكل هذه المدن لها خلفيات محددة؛ اجتماعية ،قومية ،طائفية ،قبلية ،عشائرية ،أو أسرية ،مما يجعل التواصل بين أحيائها قليال، فالتحوالت الديمقراطية أو أحيانا معدوما ،إذا ّ ترتبط بوجود المجتمع المدني وحيويته وفعاليته، الذي تشكل الطبقة الوسطى عماده ،وهو كما قلنا غير موجود فعليا في العالم العربي. 3-عدم وجود قوى سياسية منظّمة تؤمن أهم أسباب المأزق بالديمقراطيةّ : إن من أحد ّ الديمقراطي في بالدنا ،هو عدم وجود قوى سياسية مجتمعية منظمة تؤمن بالنظرية الديمقراطية وأهميتها ،وتمارسها كسلوك وممارسة عملية في حياتها الداخلية ،ومع اآلخر المختلف معها، تجسدها في برامجها ،ومازال هناك وكذلك ّ تخارج بين الديمقراطية كفكرة وكممارسة في المجتمع ،فالقوى السياسية المعارضة الموجودة تهتم على الساحة السياسية وعلى ندرتها ،ال ّ كثي ار بالمصالح الوطنية لبلدانها ،وتفتقد إلى القدرة على االعتراف باآلخر ،والعمل المشترك فإن مع القوى األخرى المختلفة معها ،لذلك ّ يتعدى مفهوم الديمقراطية ،لدى هذه القوى ال ّ
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
47
إدارة شؤون الحكم وتنسيق بنى المجتمع وتسييرها بما يتناسب وأهدافها ومصالحها ،لذلك فإن مضمون السياسة بالنسبة لها هو النزاع ّ ألنها؛ أي السلطة اليها، الوصول و السلطة على ّ هي األداة الضرورية لتحقيق أهدافها ،وعندما تصل إحدى هذه القوى الى السلطة ،ال تعترف بأنها جزء من المجتمع ،إو�ن صفتها التمثيلية ال ّ تتعدى أعضائها وأنصارها وناخبيها ،في حال ّ بأنها مرتبطة بالك ّل وجود انتخاب ،وأن تعترف ّ االجتماعي /المجتمع ارتباط الجزء بالكل ،بل بأنها تمثّل إرادة المجتمع، تتوهم هذه القوى ّ ّ بأنها الوحيدة المؤتمنة على تطلعات ّ وتدعي ّ المجتمع ومصلحة الشعب والوطن وأهداف األمة ،فتح ّل جزئيتها وخصوصيتها محل كلية المجتمع وعموميته ،هذا هو جذر االستبداد، ألن من ال يعترف اعترافا مبدئيا ونهائيا بجزئيته ّ وتبعيته للك ّل المجتمعي وتساويه مع سائر األجزاء األخرى واألفراد اآلخريين ،لن يكون إال مستبدا وطاغية ،هذه القوى ال تعترف بالفكر باعتباره شكل العالم ،وبوصفه نو ار ضروريا يعمل على تنوير وتغيير وتطوير المجتمعات، وال تعترف أيضا بالثقافة بوصفها تشكيال للعالم في أذهان البشر ،وال بضرورتها ‹ الثقافة والفكر ‹ لتجديد أفكارها ونظرياتها ،وتغيير رؤاها وتصويب برامجها وآليات عملها. إن هذه القوى السياسية الموجودة ،ال تملك ّ سوى رؤية أحادية الجانب ،اقصائية لآلخر المختلف ،تؤمن بالتماثل ،وال تؤمن باالختالف، تؤمن بالرأي الواحد ،وال ترى التعدد والتنوع، تغوص في المثالية ،وتبتعد عن الواقعية المطلوبة دوما في السياسة ،أكبر مثال على ذلك هو اإلسالم السياسي واألحزاب القومية، فالتيارات اإلسالمية معظمها ترفض الديمقراطية ألنها مناهضة ومخالفة لما جملة وتفصيالّ ، جاءت به العقيدة اإلسالمية من أصول وفروع ألن الديمقراطية تجعل الشعب حسب رأيهمّ ، مصدر التشريع ،بينما اإلسالم يرى كالم اهلل هو مصدر التشريع ،والمنظمات الجهادية الموجودة اآلن على الساحة مثل؛ تنظيم الدولة اإلسالمية،
ومنظمة القاعدة ،أكبر برهان على ذلك ،وحتى التيارات اإلسالمية المعتدلة التي تمثّلها بعض الشخصيات والقوى مثل اإلخوان المسلمين، هؤالء يرفعون شعارات الديمقراطية مع اضفاءها كمطية بصبغة اسالمية ،يستعملون الديمقراطية ّ للوصول الى الحكم والسلطة ،ومن ثم إلغاء الديمقراطية نفسها التي أوصلتهم الى السلطة، بأن اإلسالم هم الح ّل ،وممارسات ّ ألنهم يرون ّ إخوان المسلمين في مصر عقب وصولهم الى الحكم عام 2012تؤكد صحة هذا الكالم ،عندما حاولوا أخونة مجمل الحياة العامة في مصر، للفن والنقابات من السياسة إلى الثقافة ،وصوال ّ والقضاء وغيرها ،قد تكون تجربة حركة النهضة اإلسالمية في تونس التي يقودها راشد الغنوشي هي األكثر اعتداال والتزاما ببعض االجراءات الديمقراطية فك ار وممارسة ،فهذه الحركة عندما وصلت الى السلطة في تونس تحالفت مع بعض القوى العلمانية ،وعززت من التجربة الديمقراطية في هذا البلد ،ويعود الفضل في ذلك إلى بعض قياداتها مثل راشد الغنوشي الذي يقوده ،وهو مفكر اسالمي ،دعا منذ سنوات إلى تبني فكرة الديمقراطية بعد إعادة صياغتها حيث يقول ›‹ :لو توفّق الفكر اإلسالمي في عملية احتواء الديمقراطية فاستنبتها في أرضه الخصبة كعادته مع كل نبتة خيرة بعد تهذيبها وتحريرها مده ال يقاوم من أوشاب العلمنة والقومية ،لكان ّ وجاذبيته في تعاظم ‹›[.]7 أما القوى القومية الموجودة وخاصة التي تمثل التيار القومي العروبي ،فهي ما زالت تحت وطأة حزب البعث العربي االشتراكي واالفكار الناصرية ،وهذا التيار يرفض االعتراف بحقوق يؤدي إلى ألن هذا اآلخر سوف ّ مكون آخرّ ، أي ّ تفتيت ‹الوطن العربي› ،وهذا التيار ليس لديه استراتيجية وأهداف وبرامج واضحة بخصوص التحول الديمقراطي ومستقبل دولنا ،أما التيارات ّ الليبرالية فهي تيارات ضعيفة ،ليس لها حضور جماهيري ،رغم ذلك فهي متأثرة باألفكار القومية تتمحور حول عدم االعتراف باآلخر التي ّ المغاير ،سواء كان؛ إثنيا ،قوميا ،لغويا ،أو دينيا ...الخ
48
ثانيا -العوامل الخارجية المعيقة للتحول الديمقراطي؛ الكثير من الدراسات السياسية اهتمت وأوضحت تأثير العوامل الخارجية ‹االقليمية والدولية› التي تقف حجر عثرة أمام التحوالت الديمقراطية في العالم العربي›‹ ، ّ أن التفاعالت التي تجري خارج الحدود ذلك ّ الجغرافية للدولة ،في اطار النظام االقليمي والدولي ،مثل التحالفات العسكرية والحروب والصراعات والعالقات الدبلوماسية وأنشطة المؤسسات العابرة للقوميات ،وتأثير وسائل االعالم ،وحجم االستثمارات ...الخ ،تمثّل في كثير من األحيان عنص ار تفسيريا مهما لكثير من الظواهر الداخلية ‹›[.]8 وفيما يتعلق بتأثير العوامل الخارجية على استمرار النظام السلطوي االستبدادي ،يمكن الحديث عن ثالثة أوجه من هذه العوامل التي لعبت دورها في المرحلة السابقة. التذرع بالصراع العربي اإلسرائيلي؛ لقد ّ 1- كانت ذريعة الصراع مع إسرائيل ،ورفع شعارات المواجهة معها من قبل األنظمة في العالم العربي أهم األسباب التي مثل النظام السوري ،من ّ ساهمت في خداع شعوب هذه الدول والتالعب بمشاعرها القومية من قبل هذه األنظمة ،وخلق حالة تبريرية إلقصاء غالبية الجماهير من المشاركة في صنع القرار السياسي ،وتأجيل قضية الديمقراطية ،والتداول السلمي للسلطة، واستمرار العمل بقانون الطوارئ واالحكام العرفية ،وكان النظام السوري أكبر مثال على ذلك على مدى نصف قرن تقريبا. 2-الدول الكبرى المؤثرة في النظام التحول تتخوف هذه الدول من عملية ّ العالمي؛ ّ الديمقراطي في العالم العربي ،في ظ ّل غياب ثقافة الديمقراطية لدى شعوب هذه المنطقة التي ما زالت أسيرة لالنتماءات القومية والدينية والمذهبية والعشائرية وغيرها من االنتماءات العضوية ،القائمة على العصبية وروابط الدم، واآلن ما نشاهده على مساحة غالبية العالم العربي ،من استفحال ظاهرة التنظيمات األصولية الدينية اإلرهابية ،ووجود حواضن مجتمعية لهذه
العدد / 10كانون الثاني – شباط
بأن فإن الدول الكبرى ترى ّ التنظيمات ،لذلك ّ تحقيق الديمقراطية سيؤدي إلى وصول وهيمنة فإن اإلسالميين والمتطرفين الى الحكم ،لذلك ّ هذه الدول ال تجد حرجا في دعم وبقاء األنظمة االستبدادية في هذه المنطقة ،طالما تحقّق هذه األنظمة االستبدادية مصالح الدول الكبرى وأجنداتها ،مثل ضمان الحصول على النفط، وبقاء قواعدها العسكرية ،الحفاظ على أمن حلفائها الموجودن في المنطقة ،بيع أسلحتها لألطراف المتصارعة ،والمتابع لألوضاع الراهنة في سورية يرى بوضوح الأخالقية الدول الكبرى، والمباالتها بالحجم الهائل ،وغير المسبوق من ممارسات النظام الدموية تجاه شعبه ،على مدى أكثر من أربع سنوات ،والمجتمع الدولي يحرك ساكنا رغم قدرته على وضع حد لهذه ال ّ المأساة المستمرة. -3غياب الدولة النموذج في مجال الديمقراطية في العالم العربي؛ حتى اآلن ال توجد في معظم دول العالم العربي ،دولة تتمتع ألنه إن وجدت بنظام ديمقراطي تعددي مستقرّ ، مثل هذه الدولة ،فمن شأنها التأثير على بقية الدول التي تحكمها أنظمة سلطوية مستبدة ،تاليا كانت ستضطر الكثير من النظم السلطوية إلى التحول الديمقراطي. الحذو حذوها على صعيد ّ إن ما يجري اآلن في العالم العربي من ّ حروب داخلية واقتتال وصراعات طائفية ،تؤ ّكد بأن الديمقراطية مازالت حلما يراود شعوب هذه ّ أن االستبداد مازالت له اليد الطولى، و المنطقة، ّ بأن الصراع الدائر في هذه المنطقة، ويتضح ّ هو صراع على السلطة أكثر مما هو صراع من أجل الديمقراطية ،فالمعارضات هي األخرى تقف مع األنظمة المستبدة على نفس األرضية االقصائية ،وعدم االعتراف باآلخر المغاير، ورفض التعددية ،لذلك نرى بلداننا دخلت في حالة من الفوضى والدمار والتبعية والسقوط، رهينة ألجندات الدول اإلقليمية والدول الكبرى، بأن التحديات التي تواجه العالم لذلك يمكن القول ّ العربي وشعوبه ،ليس بناء الديمقراطية كنظام التحدي األهم هو كيفية بدء عملية جاهز ،بل ّ
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
التحول الديمقراطي ،وهي حتما عملية انتقال ّ لكنها ليست مستحيلة ،وستحمينا من طويلةّ ، تكرار الكوارث والحروب الداخلية واالنفجارات يعزز فرضية نجاح هذا الحاصلة اآلن ،ومما ّ أن غالبية هو طويل، المسعى ،إو�ن على أمد ّ مجتمعاتنا أصبحت على قناعة بعد هذا الدمار الذي لحق ببلدانناّ ،أنه ال يوجد ح ّل لمشاكلنا، صراعنا ،وخالفاتنا السياسية ،االقتصادية، االجتماعية ،التعليمية ،النفسية ،المذهبية، واإلثنية ،دون االنتقال إلى نظام المشاركة الجماعية والتعددية ،وضمان حقوق كافة المكونات اإلثنية، الشعوب واألقليات ،وكافة ّ الدينية ،والمذهبية الموجودة في هذه المنطقة، والتي عانت الحرمان واالقصاء والتهميش ،وهو ما يتماشى مع مفهوم الدولة الوطنية ،ويمهّد الدرب أمام تجديد الحياة السياسية ،إو�عادة بناء القوى المجتمعية ،وترسيخ مبدأ التعايش النظُم السياسية الديمقراطية السلمي ،إو�قامة ُ المستقرة ،وبناء دولة القانون والعدل الشرعية ّ والمساواة.
49
الهوامش والمراجع 1-نبيل هالل هالل ،االستبداد ودوره في انحطاط المسلمين ،دار الكتاب العربي ،دمشق، القاهرة ،الطبعة الثانية ،عام ،2005الصفحة .18 2-نبيل هالل هالل ،مصدر سابق ص19 3-محمد جابر األنصاري ،العرب والسياسة أين الخلل ،بيروت ،دار الساقي ،عام ،1998 الصفحة.38 4-برهان غليون وآخرون ،حول الخيار الديمقراطي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،عام ،2001الطبعة الثانية ،الصفحة .128-127 5-متروك الفالح ،المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،عام ،2002الصفحة.142 6-متروك الفالح ،مصدر سابق، الصفحة.154-143 7راشد الغنوشي ،مستقبل التيار اإلسالمي، - منبر الشرق ،آذارعام ،1992الصفحة.26 8-حسنين توفيق إبراهيم ،النظم السياسية العربية االتجاهات الحديثة في دراستها ،بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية ،عام ،2005 الصفحة.123
50
نافذة
العدد / 10كانون الثاني – شباط
P
مجلة أبابيل األدبية السورّية تُعتبر أبابيل أولى المجالت ّ الرسمية، التي صدرت خارج إطار المؤسسة ّ شخصي لكل من رئيس تحريرها الشاعر بجهد ّ والصحفي عماد الدين موسى ،ومدير القسم التقني المهندس هوزان إبراهيم .ليصدر العدد اإللكترونية في الحادي والعشرين األول بصيغتها ّ ّ من آذار من العام .2006 حصلت أبابيل على منحة من مؤسسة الصندوق العربي للثقافة والفنون في العام وتم بموجبها تحويل أبابيل من مجلة ّ ،2008 نيتية إلى مطبوعة ور ّقية وتم توزيعها بشكل إنتر ّ خاصة في أماكن مجاني من خالل احتفاليات ّ عامة في عدد من المدن السورّية ،من مثل: ّ
الالذقية ،وكافيتريا سينما مقهى قصيدة نثر في ّ الكندي في حمص ،وبيت القصيد في دمشق. األدبية تنوعت مواضيع أبابيل بين المقالة ّ ّ العالمية، والنصوص المترجمة عن اللغات ّ إضافة للحوارات والنصوص ِ الشعرّية وعروض أدبية شهرية كتب. ْ تعرف ّ بأنها مجلة ّ وكانت ّ تُعنى ِ بالشعر. موقع أبابيل في النتwww.ebabil. : netويحتوي على أبرز أعداد المجلة بصيغة الـ( ،)PDFكما يتم توزيعها عبر المكتبة اإللكترونية األكثر شهرة «نيل وفرات» وموقها ّ في النت.www.nwf.com :
سور َمي -مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين
51
مركز التنمية واألنشطة المدنية مركز مدني مستقل ،غير ربحي ،يتخذ من مقر له ،يعمل على تنمية ونشر مدينة تربسبيه ّا مفاهيم المجتمع المدني في المجتمع ،مؤمنا بالديمقراطية والعيش المشترك ،وذلك عبر حمالت وورشات عمل ،وغيرها من عقد ندوات وحلقات نقاش. قيم المركز :الديمقراطية والعيش المشترك. رؤية المركز :مجتمع يعيش فيه الفرد على أساس المواطنة.
أهداف المركز ،يسعى المركز إلى: 1-نشر المفاهيم المدنية. 2-نشر مفاهيم الديمقراطية والعيش المشترك.