مجلة سورمَي - القسم العربي

Page 1

‫سور َمي‬ ‫خميرة الواقع‪ ..‬نشوة الحقيقة‬

‫• في إشكالية العالقة بين االقتصاد والديمقراطية‬ ‫• في مسرحة السرد القصصي‬ ‫• الحرب والقيم األخالقية‬ ‫• هل القـانون العلماني ممكن؟‬

‫مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫من منشورات مؤسسة جارجرا الثقافية‬ ‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬


‫سور َمي‬

‫خميرة الواقع‪ ..‬نشوة الحقيقة‬

‫مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫من منشورات مؤسسة جارجرا الثقافية‬ ‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫سور َمي‬

‫المحتوى‬

‫مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫العدد‪8 :‬‬ ‫أيلول – تشرين األول‬ ‫المدير العام‪ :‬نهاد إسكان‬

‫هيئة التحرير‪ :‬سور َمي في عدد جديد‬ ‫وروح جديدة\ ‪2‬‬

‫هيئة التحرير‪ :‬عباس علي موسى‪ ،‬عبدهللا‬ ‫شيخو‪ ،‬محمد مجيد حسين‪ ،‬خالد عمر‬

‫شيار عيسى‪ :‬في إشكالية العالقة بين‬ ‫االقتصاد والديمقراطية \ ‪4‬‬

‫تحرير وتدقيق القسم العربي‪ :‬عباس علي‬ ‫موسى‬

‫عزيز توما‪ :‬الديمقراطية العابرة للحدود \‬ ‫‪16‬‬

‫تحرير وتدقيق القسم الكردي‪ :‬عبدهللا شيخو‬ ‫لوحتا الغالف‪ :‬زهير حسيب‬ ‫تصميم الغالف‪ ،‬واإلخراج الفني‪ :‬شفان‬ ‫ديركي‬ ‫مجلة سورمّي‬

‫فرحان كلش‪ :‬ماهية الديمقراطية ونشأتها‬ ‫واشكاالتها النظرية والتطبيقية \ ‪22‬‬ ‫محمد باقي محمد‪ :‬في مسرحة السرد‬ ‫القصصي \ ‪29‬‬

‫تلفون‪)+963( 0938408206 :‬‬ ‫‪)+963( 0999656125 -‬‬

‫شفان ابراهيم‪ :‬الحرب والقيم األخالقية \‬ ‫‪34‬‬

‫‪kovara.sormey@gmail.com :‬‬

‫ديفيد ماكلوري‪ :‬هل القانون العلماني‬ ‫ممكن؟ \ ‪38‬‬

‫البريد اإللكتروني‬ ‫حقوق النشر محفوظة لمجلة سور َمي‪.‬‬ ‫الكاتب مسؤول عن محتوى مادته‪.‬‬ ‫ترتيب المواد يخضع العتبارات فنية‬

‫عمران عزالدين‪ :‬أفريقيا بعيني لوكلوزيو‬ ‫\ ‪49‬‬ ‫نافذة \ ‪52‬‬


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪2‬‬

‫سورمي في عدد جديد وروح جديدة‬ ‫َ‬ ‫‪P‬‬

‫سورمي‪ /‬النبيذ األحمر في عدد جديد‪،‬‬ ‫تحمل في طياتها مواضيع ذات إشكاالت‬ ‫تكرس‬ ‫متعددة في الفكر والثقافة‪ ،‬فهي إذ ّ‬ ‫لمفاهيم الحداثة تفتح أفقا آخر وشرفات‬ ‫لتطل على هذا العالم بالعين الحصيفة‬ ‫أخرى ّ‬ ‫ذاتها؛ عين الكتابة‪ .‬سورمي أكدت في بيانها‬ ‫في العدد السابع‪ /‬أو األول في ترتيب‬ ‫انقطاعها الذي فرضته سلطة الخوف في‬ ‫هذه الجغرافية التي أثبتت إلى اآلن ّأنها‬ ‫كم األفواه وحجب الحقيقة‪ّ ،‬أنها‬ ‫األعتى في ّ‬ ‫تؤكد مقولتها‬ ‫ستكون منب ار ّا‬ ‫حر للكلمة‪ ،‬وهي ّ‬ ‫الحرة‪ .‬في هذا‬ ‫دوما‪ ،‬وتفتتح شرفاتها لألقالم ّ‬ ‫سورمي عبر كتابات عديدة‬ ‫العدد توّقفت‬ ‫َ‬ ‫على مواضيع تحمل أهميتها الراهنة‬ ‫والمتجددة‪ ،‬فهي إذ تتناول موضوعا‬ ‫كالديمقراطية تغوص فيه عميقا‪ ،‬ففي بحثه‬ ‫األكاديمي (جزء من كتاب غير منشور‪ ،‬وقد‬ ‫يقدم‬ ‫اختارته سورمي باالتفاق مع الكاتب)‪ّ ،‬‬ ‫الكاتب شيار عيسى بحثه بعنوان (في‬ ‫إشكالية العالقة بين االقتصاد والديمقراطية)‪،‬‬ ‫يطرح الكاتب إشكالية هذه العالقة في مقاربة‬ ‫تطرح األسئلة وتناقش القارئ وتصل إلى‬ ‫نتائج وخالصات‪ ،‬فيقول‪ :‬الهدف من هذا‬ ‫البحث هو دراسة العالقة بين االقتصاد‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬للوصول إلى ُمخرجات قد‬ ‫تكون سبيال إلزالة بعض الغموض حول‬ ‫إشكالية تلك العالقة‪ ،‬ولتوظيف تلك النتائج‬ ‫تصورات للشكل األمثل لنظام‬ ‫لصالح وضع ّ‬ ‫الحكم في تجارب الدول التي تسعى لواقع‬ ‫أفضل في المستقبل كدول تسعى للديمقراطية‪،‬‬ ‫وسبيال لالزدهار االقتصاد‪ .‬أما الكاتب عزيز‬ ‫توما فيتناول موضوع الديمقراطية من زاوية‬

‫أخرى تحت عنوان (الديمقراطية العابرة‬ ‫للحدود‪ ،‬نحو بناء معرفة بديلة)‪ ،‬فهي – كما‬ ‫يقول الكاتب‪ -‬تهدف إلى بناء مقاربة‬ ‫ابستمولوجية ألنماط من الثقافات‪ ،‬وبنى‬ ‫تتصل بالديمقراطية‪ ،‬والصعوبات التي‬ ‫فكرية‬ ‫ُ‬ ‫تحول دون تطبيقها‪ ،‬وصوال إلى تفكيكها ثم‬ ‫إعادة بنائها طبقا لترسيمات العصر‪ ،‬كما‬ ‫ستتناول السياقات الفكرية واالجتماعية‬ ‫المرتبطة بالموضوع‪ .‬وعن (ماهية‬ ‫الديمقراطية ونشأتها واشكاالتها النظرية‬ ‫يقدم الكاتب فرحان كلش‬ ‫والتطبيقية)‪ّ ،‬‬ ‫بانوراما عن تاريخ الديمقراطية‪ ،‬وبعض‬ ‫إسقاطاتها الراهنة‪ ،‬فهو يبدأ بنشأة الديمقراطية‬ ‫وظهور مصطلحها‪ ،‬ورؤية اإلسالميين إلى‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬وكذلك رؤية الماركسيين‬ ‫والليبراليين إليها‪ ،‬وتوقف أيضا على بعض‬ ‫عيوب الديمقراطية من وجهة النظر التي‬ ‫تناول بها المفهوم‪ ،‬وتوقف أيضا على‬ ‫ديمقراطية الشرق األوسط‪ .‬وبعيدا عن‬ ‫سورمي‬ ‫موضوع الديمقراطية فقد تناولت‬ ‫َ‬ ‫موضوعا آخر بعنوان (في مسرحة السرد‬ ‫للقاص محمد باقي محمد‬ ‫القصصي !)‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متنّقال بين السرد القصصي والمسرح عبر‬ ‫عرضه لعمل للمخرج المسرحي إسماعيل‬ ‫الخلف المعنون بـ عن هول ما جرى والذي‬ ‫اشتغل فيه على نصوص قصصية‪ ،‬والكاتب‬ ‫يعرف بخصوصيات‬ ‫إذ يستعرض هذه التجربة ّ‬ ‫المسرح والقصة والتداخالت فيما بينهما‬ ‫وصعوبات مسرحة القصة‪ .‬وعن (الحرب‬ ‫والقيم األخالقية) يتناول الكاتب شفان إبراهيم‬ ‫انتهاك الحرب للقيم األخالقية‪ ،‬فأيديولوجية‬ ‫الحرب في الثورات هي الشكل الفاقع‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫أليديولوجيا القتل‪ ،‬هذه اإليديولوجيا الثورية‬ ‫تقسم القيم إلى قسمين؛ ظاهر وخفي‪ ،‬الظاهر‬ ‫ّ‬ ‫هو األهداف المعلنة الزائفة‪ ،‬والخفي هو‬ ‫األهداف الحقيقية‪ ،‬وبالتالي نحن أمام‬ ‫أيديولوجيتين معا‪ ،‬واحدة تضفي على الثورات‬ ‫دالالت أخالقية وعقالنية وحقانية وهي‬ ‫األيديولوجية العلنية‪ ،‬واألخرى هي الملوثة‬ ‫بكل األهداف الدنيوية‪ .‬في قراءة جديرة‬ ‫ّ‬ ‫القاص عمران عز الدين إلى أدغال‬ ‫يأخذنا‬ ‫ّ‬ ‫أفريقيا في المادة المعنونة بـ (أفريقيا بعيني‬ ‫لوكلوزيو) والتي يتناول فيها رواية الفرنسي‬ ‫لوكلوزيو التي تحمل عنوان اإلفريقي‪ ،‬التي‬ ‫يقول عنها الروائي (هذه هي أفريقيا الحقيقية‪،‬‬ ‫ذات الكثافة السكانية الكبيرة‪ ،‬الرازحة تحت‬ ‫لكنها‬ ‫وطأة األمراض والحروب العشائرية‪ّ ،‬‬ ‫القوية أيضا‪ ،‬والمبهجة‪ ،‬بأعداد أطفالها‪،‬‬ ‫بأعيادها الراقصة‪ ،‬بطبيعة وظرافة رعيانها‬ ‫الذين يرزحون في الطرقات)‪ .‬أخي ار يناقشنا‬ ‫ديفيد ماكلوري العلمانية واإللحاد في دراسة‬ ‫مسهبة عن المفهومين‪ ،‬وذلك في الدراسة‬ ‫المعنونة بـ (هل القانون العلماني ممكن؟!)‪،‬‬

‫‪3‬‬

‫والتي ترجمتها عن اإلنكليزية سوز حج‬ ‫يونس‪ ،‬فيفتتح الكاتب دراسته بتساؤالت‬ ‫عميقة وصادمة رّبما فيقول‪ :‬من الضروري‬ ‫فهم المعاني المختلفة التي قد تعطي‬ ‫بأنه‬ ‫لمصطلح «العلمانية» حيث ُيعرف ّ‬ ‫حصيلة فصل الدين عن السياسة‪ ،‬وهذا‬ ‫الفصل بينهما ليس فقط مستحيال‪ ،‬بل خط ار‬ ‫ويعتبر الدين المسيحي نفسه مساهما‬ ‫أيضا‪َ ،‬‬ ‫رئيسا في ظهور فكرة القانون العلماني‪.‬‬ ‫سورمي بين هذه الشرفات لتحمل‬ ‫تتنّقل‬ ‫َ‬ ‫لقرائها كتابات جديرة‪ ،‬ومتجددة في وقت‬ ‫نسكب‬ ‫تفوح الجغرافيا برائحة الدم والبارود‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الحبر هاهنا بين أيديكم‪ ،‬وندلقها هاهنا‪/‬‬ ‫سورمي‬ ‫عل الحبر يحمل عبقا آخر‪.‬‬ ‫هاهناك ّ‬ ‫َ‬ ‫باللغتين العربية والكردية تأكيدا على بذخ‬ ‫اللغة ومساهمتها في رأب بعض الصدع أو‬ ‫كثيره في العديد من المستويات وخاصة‬ ‫المستوى الثقافي‪.‬‬ ‫هيئة التحرير‬


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪4‬‬

‫في إشكالية العالقة بين االقتصاد والديمقراطية‬ ‫‪P‬‬ ‫شيار عيسى‬ ‫تُعتبر العالقة بين الديمقراطية والتنمية األمثل لنظام الحكم في تجارب الدول التي‬ ‫االقتصادية من اإلشكاليات التي أصبحت تسعى لواقع أفضل في المستقبل كدول تسعى‬ ‫الشغل الشاغل للمواطنين‪ ،‬وكذلك الباحثين للديمقراطية‪ ،‬وسبيال لالزدهار االقتصاد‪.‬‬ ‫وساسة الدول في العالم‪ ،‬لما لهذين المفهومين‬ ‫لذلك سأقوم بشرح عام ومختصر لنظرية‬ ‫تطور ورخاء تلك‬ ‫أن االقتصاد‬ ‫من تأثير مباشر على ّ‬ ‫التحديث؛ التي ّ‬ ‫تتبنى مقولة ّ‬ ‫الدول‪.‬‬ ‫المزدهر يؤدي إلى دمقرطة النظام السياسي‪.‬‬

‫االختالف يكمن في شكل تلك العالقة‬ ‫فالمفكر اإلنكليزي توماس هوبز‬ ‫ومدى تأثيرها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بأن الحاكم في النظام الملكي يحرص‬ ‫يؤمن ّ‬ ‫[‪]1‬‬ ‫المحرك‬ ‫عد‬ ‫على االستقرار السياسي ‪ ،‬الذي ُي ّ‬ ‫ّ‬ ‫األساس للتنمية االقتصادية‪ ،‬بينما كان ال‬ ‫ُّ‬ ‫يؤدي النظام‬ ‫أن ّ‬ ‫ينفك عن إبداء مخاوفه من ّ‬ ‫الديمقراطي إلى إثارة أجواء الفوضى وعدم‬ ‫االستقرار‪ ،‬مما يؤثر سلبا على التنمية‬ ‫االقتصادية[‪.]2‬‬

‫بينما كان للكاتب آدام سميث ‪ -‬رائد‬ ‫ينطلق من‬ ‫أي‬ ‫ُ‬ ‫نظرية فكرة السوق الحرة ‪ -‬ر ٌ‬ ‫مهم للحفاظ على‬ ‫أن النظام الديمقراطي ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫الملكية الفردية‪ ،‬التي تُعد عمادا للنظام‬ ‫فإن العديد من‬ ‫االقتصادي‪ ،‬من جهة أخرى ّ‬ ‫تتحدث عن اتجاه معاكس للعالقة‬ ‫المدارس ّ‬ ‫أن‬ ‫بين االقتصاد والديمقراطية‪ ،‬مفادها ّ‬ ‫تؤدي بشكل تدريجي إلى‬ ‫التنمية االقتصادية ّ‬ ‫يعد سيمور‬ ‫دمقرطة النظام السياسي‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ن‬ ‫أهم رواد تلك النظرية‪ ،‬كما‬ ‫مار يت� ليبست من ّ‬ ‫[‪]3‬‬ ‫أهم رواد نظرية التحديث أيضا ‪.‬‬ ‫ّأنه أحد ّ‬ ‫الهدف من هذا الفصل هو دراسة العالقة‬ ‫بين االقتصاد والديمقراطية‪ ،‬للوصول إلى‬ ‫ُمخرجات قد تكون سبيال إلزالة بعض‬ ‫الغموض حول إشكالية تلك العالقة‪ ،‬ولتوظيف‬ ‫تصورات للشكل‬ ‫تلك النتائج لصالح وضع‬ ‫ّ‬

‫كما سيسلط هذا البحث الضوء على‬ ‫بأن شكل نظام الحكم هو‬ ‫نظرية أخرى تُفيد ّ‬ ‫الذي يؤثّر في االقتصاد؛ أي المقوالت التي‬ ‫مثبط‪ ،‬أو تلك التي‬ ‫ّ‬ ‫تتبنى الديمقراطية كفعل ّ‬ ‫منشط لعملية التنمية‬ ‫كفعل‬ ‫اطية‬ ‫ر‬ ‫الديمق‬ ‫ى‬ ‫تتبن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االقتصادية‪ .‬الهدف من التركيز على هذه‬ ‫الجزئية هو تبيان ما إذا كان االنتقال إلى‬ ‫نظام حكم ديمقراطي له جدوى اقتصادية‪،‬‬ ‫سيؤدي إلى االنحدار اقتصاديا‪.‬‬ ‫أم ّأنه ّ‬ ‫هل تؤدي التنمية االقتصادية إلى‬ ‫دمقرطة النظام السياسي؟!‬ ‫تتبنى مقولة‬ ‫أهم المدارس التي ّ‬ ‫من ّ‬ ‫تؤدي إلى دمقرطة‬ ‫أن التنمية االقتصادية ّ‬ ‫ّ‬ ‫النظام السياسي‪ُ ،‬هم أتباع ما يسمى بنظرّية‬ ‫تم تداولها في نهاية‬ ‫التحديث‪ ،‬التي ّ‬ ‫خمسينيات القرن الماضي وبداية الستينيات‪.‬‬ ‫مرت‬ ‫تعتمد النظرية على مبدأ ّ‬ ‫أن الدول التي ّ‬ ‫بمراحل من التحديث االقتصادي واالجتماعي‬ ‫الت ُمرتفعة لمستوى التعليم‪،‬‬ ‫متمّثلة‬ ‫ّ‬ ‫بمعد َ‬ ‫وتطور تكنولوجي‪،‬‬ ‫وزيادة في دخل الفرد‬ ‫ّ‬ ‫تكون في الغالب ديمقراطية‪.‬‬ ‫رواد نظرية التحديث هو الباحث‬ ‫ُ‬ ‫أهم ن ّ‬ ‫أحد ّ‬ ‫[‪]4‬‬ ‫سيمور مار يت� ليبست الذي يعتمد في نظريته‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫التطور الصناعي يؤدي إلى‬ ‫أن‬ ‫على ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجموعة من المتغيرات التي تؤدي بدورها‬ ‫إلى دمقرطة نظام الحكم‪.‬‬

‫فإن االزدهار‬ ‫بحسب نظرية ليبست ّ‬ ‫نمو الطبقة الوسطى‪،‬‬ ‫االقتصادي ّ‬ ‫يؤدي إلى ّ‬ ‫يختل النظام الطبقي في المجتمع‪،‬‬ ‫وبذلك‬ ‫ّ‬ ‫والذي يتألف من شريحة واسعة من‬ ‫المواطنين من الطبقات الفقيرة‪ ،‬والتي‬ ‫تتقّلص لصالح نمو الطبقة الوسطى في حالة‬ ‫يؤدي‬ ‫ونمو الطبقة الوسطى ّ‬ ‫النمو االقتصادي‪ّ ،‬‬ ‫الحد من النزاعات‪ ،‬وكذلك تحجيم‬ ‫إلى‬ ‫ّ‬ ‫المجموعات المتطرفة في المجتمع‪.‬‬ ‫يتحدث عنه ليبست‬ ‫التغير الثاني الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحسن‬ ‫هو‬ ‫االقتصادي‪،‬‬ ‫النمو‬ ‫افق‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫والذي ُ‬ ‫ّ‬ ‫[‪]5‬‬ ‫تحسن الوضع‬ ‫مستوى التعليم ‪ ،‬فمع‬ ‫ّ‬ ‫تتحسن البنية التحتية كالطرق‪،‬‬ ‫االقتصادي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ووسائل النقل التي تؤثّر على سهولة تنّقل‬ ‫الطالب‪ ،‬وبالتالي رغبة المزيد منهم بالتعّلم‪،‬‬ ‫وكذلك على بناء المزيد من المدارس‪ ،‬وتحسين‬ ‫ما يتعّلق بمستلزمات التعليم‪ ،‬كتوفير كتب‪،‬‬ ‫ومخابر‪ ،‬وأدوات تعليمية حديثة‪ ،‬وزيادة رواتب‬ ‫المعلمين‪ ،‬وهي كّلها أمور تستطيع أن تؤدي‬ ‫إلى زيادة نسبة المتعلمين من خالل تشجيع‬ ‫الطالب على إكمال تحصيلهم العلمي‪ ،‬وزيادة‬ ‫يؤدي إلى إشاعة قيم التسامح‪،‬‬ ‫المتعلمين بدوره ّ‬ ‫إو�لى الحد من القوى التي تقف في التضاد من‬ ‫قيم الديمقراطية والحرية‪.‬‬

‫تحسن الوضع‬ ‫ثالثا‪ ،‬وبحسب ليبست ّ‬ ‫فإن ّ‬ ‫يؤدي إلى تنشيط وتقوية منظمات‬ ‫االقتصادي ّ‬ ‫[‪]6‬‬ ‫المجتمع المدني ‪ ،‬حيث تقوم منظمات‬ ‫المجتمع المدني بدور الرقيب على عمل‬ ‫الحكومة‪ ،‬وتحافظ على القيم الديمقراطية في‬ ‫المجتمع‪.‬‬ ‫أجرى العديد من العلماء أبحاثا للتحّقق مما‬ ‫بأن النمو‬ ‫إذا كان ليبست محّقا في مزاعمه‪ّ ،‬‬ ‫االقتصادي يؤدي إلى تحسين مستوى التعليم‬

‫‪5‬‬

‫ونمو الطبقة الوسطى‪ ،‬وتقوية منظمات‬ ‫المجتمع المدني‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى نشر‬ ‫الحد من القيم غير‬ ‫قيم الديمقراطية‪ ،‬والتسامح‪ ،‬و ّ‬ ‫الديمقراطية‪ .‬كانت تلك األبحاث في تقييمها‬ ‫تعتمد في الغالب‬ ‫لتحسن الوضع االقتصادي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫على ارتفاع مستوى إجمالي الناتج المحلي‬ ‫ّ‬ ‫للنمو االقتصادي[‪ ،]7‬وكانت تعتمد على عدد‬ ‫كمقياس ّ‬ ‫من المعايير لتقييم ديمقراطية أي بلد‪ ،‬على الرغم من‬ ‫ّأن تلك األبحاث أثبتت ّأن النمو االقتصادي في بعض‬ ‫تقدم ملحو ٌظ في ملف حقوق اإلنسان‬ ‫الدول كالهند تبعه ّ‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬إال ّأنه أيضا ّثمة العديد من الدول‬ ‫ِ‬ ‫النمو االقتصادي فيها‬ ‫كالصين‪ ،‬وروسيا‪ ،‬لم ّ‬ ‫يؤد ّ‬ ‫إلى تعزيز قيم التسامح‪ ،‬إو�لى دمقرطة النظام‬ ‫السياسي‪ ،‬ففي دراسة ّتم الوصول إلى نتيجة تقول‬ ‫ّأن قيم التسامح نحو األقليات والمهاجرين مثال لم‬ ‫بعد في المجتمعين الصيني والروسي‪،‬‬ ‫تتأصل ُ‬ ‫ّ‬ ‫[‪]8‬‬ ‫التقدم الصناعي في البلدين ‪.‬‬ ‫رغم ّ‬ ‫هذه النتائج حملت قسما كبي ار من الباحثين‬ ‫أي عالقة طردية بين النمو االقتصادي‬ ‫على نفي ّ‬ ‫ودمقرطة الدولة‪ ،‬والوصول إلى نتيجة مفادها ّأن‬ ‫لكني‬ ‫نظرية ليبست ليس لها إثباتات عملية‪ّ ،‬‬ ‫أختلف مع تلك االستنتاجات ألسباب عدة‬ ‫ُ‬ ‫سألخصها في نقطتين أساسيتين‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫مرده بشكل‬ ‫‪ -1‬أعتقد ّأن نفي نظرية ليبست ّ‬ ‫يؤكد بشكل‬ ‫أساس هو الفهم المجتزء لها‪ ،‬فليبست ّ‬ ‫قطعي ّأن الشرط األساس لفرضيته ليس فقط في‬ ‫ّ‬ ‫ارتفاع مستوى الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬بل أيضا‬ ‫التوزيع العادل للثروات‪ ،‬ارتفاع الناتج المحلي‬ ‫اإلجمالي‪ ،‬قد ال يعني بالضرورة ارتفاع دخل‬ ‫أغلبية المواطنين‪ ،‬فمن الممكن أن تكون هنالك‬ ‫فوارق طبقية‪ ،‬بحيث تكون طبقة صغيرة من‬ ‫السكان ُمسيطرة على غالبية موارد الدولة‪ ،‬وهو‬ ‫فإن‬ ‫أمر شائع في الكثير من الدول‪ ،‬وبالتالي ّ‬ ‫التنمية وزيادة الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬لن‬ ‫تحسن مستوى األفراد‪،‬‬ ‫يكون له تأثير كبير على ّ‬ ‫ألن استثمار موارد الدولة ال يكون في صالح‬ ‫ّ‬


‫‪6‬‬

‫يتم حسب مصلحة الطبقة‬ ‫المواطنين‪ ،‬بل ّ‬ ‫المقربة من نظام الحكم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫تتّبع الكثير من األنظمة الديكتاتورية طريقة‬ ‫محددة في الحفاظ على سلطتها عبر االعتماد‬ ‫على األقليات‪ ،‬سواء أكانت عرقية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬أو‬ ‫اقتصادية‪ ،‬وتمنحها امتيازات سياسية واقتصادية‬ ‫على حساب األغلبية‪ ،‬التي تُخلق لديها حالة‬ ‫تتعرض لالضطهاد‪،‬‬ ‫من الشعور بالغبن وأنها ّ‬ ‫بأن‬ ‫هذه الحالة توّلد شعو ار لدى الغالبية ّ‬ ‫األقلية المتمتعة باالمتيازات شريك ٌة في‬ ‫بأن‬ ‫االضطهاد‪،‬‬ ‫وتخلق لدى األقلية شعو ار ّ‬ ‫ُ‬ ‫الصراع على الحكم هو معركتها‪ ،‬وليست‬ ‫ألنها ستفقد‬ ‫معركة النظام الحاكم وحده‪ّ ،‬‬ ‫تغير النظام الحاكم‪،‬‬ ‫كل امتيازاتها إن ّ‬ ‫وخوفا من انتقام األغلبية‪ ،‬تُدافع هذه األقلية‬ ‫عن النظام باستماتة‪.‬‬

‫ط مساعد‬ ‫‪-2‬‬ ‫النمو االقتصادي شر ٌ‬ ‫ّ‬ ‫لكنه ليس كافيا؛ أي‬ ‫لدمقرطة نظام الحكم‪ّ ،‬‬ ‫ظروف مالئمة‪َّ ،‬‬ ‫فإن‬ ‫ّأنه فيما لو توّفرت‬ ‫ٌ‬ ‫يؤدي مع غيره‬ ‫النمو االقتصادي‬ ‫يمكن أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫من األسباب إلى تشكيل أرضية مالئمة‬ ‫للديمقراطية‪.‬‬ ‫ومن العوامل التي قد تتداخل وتساهم‬ ‫في الديمقراطية‪ ،‬أو إثباطها‪:‬‬

‫ الموروث الثقافي‪ :‬بحسب الباحثَين‬‫ن‬ ‫كل‬ ‫فإن الثقافة‬ ‫ي‬ ‫ال� وأريكسون ّ‬ ‫هي مجموعُ ّ‬ ‫األفكار والعواطف والعادات[‪ ،]9‬وباعتقادي‬ ‫أن لمجموعة اآلراء‪ ،‬واألفكار‪ ،‬والعواطف‬ ‫ّ‬ ‫المتوارثة تأثي ار مباش ار على دمقرطة الدول‬ ‫على عدة مستويات‪:‬‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫كالبرلمان‪ ،‬أو حكومات كانت تتّخذ أشكاال‬ ‫ديمقراطية تبعا للمرحلة التاريخية التي‬ ‫ِ‬ ‫وجدت فيها‪ ،‬فمن المحتمل أن يؤثّر ذلك‬ ‫على األفراد في فترات الحقة من تاريخ‬ ‫النظام‬ ‫ألن‬ ‫تلك الشعوب‪ ،‬أو تلك الدولة‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫السياسي يؤثّر بشكل مباشر على تصرفات‬ ‫ّ‬ ‫األفراد‪ ،‬وينتقل ذلك التأثير بدوره من جيل‬ ‫آلخر‪ ،‬وبالتالي فمن الممكن أن يكون لدى‬ ‫أفكار تستطيع التأقلم بشكل أفضل‬ ‫األفراد‬ ‫ٌ‬ ‫مع المفاهيم الديمقراطية الحديثة‪.‬‬ ‫ المستوى الجمعي‪:‬‬‫تأثير على المستوى‬ ‫للموروث الثقافي ٌ‬ ‫الجمعي أيضا‪ ،‬تؤثّر على تصرفات‬ ‫اء أكانت سياسية أو‬ ‫المجموعات‪ ،‬سو ٌ‬ ‫ثقافية أو دينية‪ ،‬ففي دولة مثل السويد‪،‬‬ ‫أي‬ ‫تؤثّر حقيق ُة كون السويد لم تدخل في ّ‬ ‫حرب مباشرة منذ مئتي عام على تصرفات‬ ‫المجموعات السياسية‪ ،‬والثقافة التي تسعى‬ ‫تجنب الدخول في النزاعات‪،‬‬ ‫دائما إلى ّ‬ ‫تسمى في السويد بعقلية التوافق‪،‬‬ ‫وهي ما ّ‬ ‫التي تُسيطر على عقلية األفراد‪،‬‬ ‫التوصل‬ ‫والمجموعات‪ ،‬وتؤثّر بذلك في‬ ‫ّ‬ ‫بشكل دائم إلى توافقات‪ّ ،‬أدت تاريخيا إلى‬ ‫دمقرطة النظام السياسي‪.‬‬ ‫في بدايات القرن العشرين‪ ،‬كانت‬ ‫هنالك خالفات سياسية كبيرة بين تيارين‬ ‫متصارعين‪ ،‬تمثلت الكتلة األولى بالتيار‬ ‫المحافظ بقيادة الملك‪ ،‬الذي كان يسعى‬ ‫للحفاظ على ُسلطاته شبه المطلقة‪ ،‬والتيار‬ ‫اآلخر بقيادة اليسار‪ ،‬والليبراليين‪ ،‬وبقية‬ ‫القوى الديمقراطية‪ ،‬التي كانت تسعى‬ ‫لتقويض سلطة الملك‪ ،‬إو�قامة إصالحات‪،‬‬ ‫وتعزيز الحياة الديمقراطية‪.‬‬

‫ مستوى األفراد‪:‬‬‫عندما يكون هنالك تاريخ ديمقراطي‬ ‫لشعب ما‪ ،‬سواء على مستوى النظام‬ ‫كان من الممكن أن يأخذ ذلك الصراع‬ ‫السياسي‪ ،‬متمثال في وجود إرث ديمقراطي منحى ُعنفيا‪ ،‬كما في دول أخرى كروسيا‬ ‫ّ‬ ‫محددة‬ ‫منتخبة بآليات‬ ‫في ُسلطات‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عدة عوامل‪ ،‬من‬ ‫لكن‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ثو‬ ‫شهدت‬ ‫التي‬ ‫ّ ّ‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫أهمها عقلية التوافق التي سيطرت على‬ ‫ّ‬ ‫النخب السياسية السويدية ّأدت إلى حصول‬ ‫توافقات‪ ،‬والخروج من تلك األزمات بقوة‪،‬‬ ‫إو�لى دمقرطة النظام السياسي[‪.]10‬‬

‫ثمة مثاال آخر عن تأثير الموروث الثقافي‬ ‫ّ‬ ‫على دمقرطة الدولة‪ ،‬وهو مبدأ المساواة الذي‬ ‫يطغى على الحياة السياسية‪ ،‬وعلى عقلية‬ ‫األفراد‪ ،‬والمجموعات في السويد‪ ،‬وكان من‬ ‫نتيجة دراسة أسبابها الوصول إلى نتيجة‬ ‫موروث ثقافي‪،‬‬ ‫أن مبدأ المساواة‬ ‫ٌ‬ ‫مفادها‪ّ ،‬‬ ‫أن البرلمان السويدي وقبل عدة قرون‪،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫ويسمح لطبقة‬ ‫بدأ يأخذ منحى ديمقراطيا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أن‬ ‫الفالحين بالتمثيل في البرلمان‪ ،‬كما ّ‬ ‫تمت في القرن الثامن‬ ‫اإلصالحات التي ّ‬ ‫عشر كانت سببا لهذا المنحى الديمقراطي‪،‬‬ ‫فقد وزعت األراضي على الفالحين بشكل‬ ‫متساو‪ ،‬وبذلك تناقصت الفوارق الطبقية‪،‬‬ ‫وسيطر مفهوم المساواة بين جميع المواطنين‪،‬‬ ‫تحول إلى ُعرف متج ّذر في‬ ‫ُ‬ ‫األمر الذي ّ‬ ‫العقلية السويدية‪ ،‬حتى الوقت الراهن‪ ،‬وهو ما‬ ‫فثمة في السويد‬ ‫أثّر في دمقرطة الدولة‪ّ ،‬‬ ‫نظاما من الرخاء االقتصادي‪ ،‬الذي يضمن‬ ‫عين من الدخل‪ ،‬حيث أن‬ ‫للفرد مستوى ُم ّ‬ ‫الدولة تتكّفل في تأمين ذلك المستوى‬ ‫األدنى من الدخل‪ ،‬حتى لو لم ينجح الفرد‬ ‫في الحصول على عمل‪ ،‬أو في حالة فقدان‬ ‫ذلك كّله‬ ‫العمل‪ ،‬أو المرض‪ ،‬أو الدراسة‪َ .‬‬ ‫حيث توفير حياة‬ ‫أدى إلى دمقرطة الدولة‪ ،‬من ُ‬ ‫متساوية لجميع المواطنين اقتصاديا‪ ،‬وكذلك من‬ ‫نواح أخرى أيضا‪ ،‬كالمساواة في حالة المثول‬ ‫أمام القانون‪ ،‬وغيرها من النواح السياسية‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫بشكل ُمباشر على مواقف األشخاص‪ ،‬ووجهات‬ ‫نظرهم تجاه السياسة‪ ،‬وكذلك التاريخ السياسي‬ ‫للدولة‪ ،‬والذي يؤثّر أيضا في الموروثين الثقافي‪،‬‬ ‫والسياسي‪ ،‬وفي نشأتهما‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫مهما‬ ‫الظروف السياسية الراهنة‪ ،‬التي تُ ّ‬ ‫عد مؤث ار ّ‬ ‫على الثقافة السياسية‪.‬‬

‫ظل أجواء من انتشار موروث ثقافي‪،‬‬ ‫في ّ‬ ‫وسياسي ُيساعد على خلق أجواء من عدم الثقة‬ ‫جراء تعاقب‬ ‫بين المواطن والسلطة الحاكمة‪ّ ،‬‬ ‫وتعزز تلك النظرة من‬ ‫حكومات مستبدة مثال‪ّ ،‬‬ ‫خالل عدم رضى المواطنين عن النخبة‬ ‫ستتولد حالة ال يمكن من خاللها‬ ‫السياسية‪ّ ،‬‬ ‫ألن أجواء عدم‬ ‫النهوض بالحالة الديمقراطية‪ّ ،‬‬ ‫الثقة قد تؤدي إلى عزوف المواطنين عن العمل‬ ‫السياسي‪ ،‬وبالتالي تضاؤل فرص القيام‬ ‫بإصالحات حقيقية‪.‬‬ ‫ األزمات االقتصادية‪ :‬يكون لألزمات‬‫دور سلبي في دمقرطة نظام الحكم‪،‬‬ ‫االقتصادية ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أن األزمات‬ ‫فقد أثبتت‬ ‫التجارب التاريخية‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫تحد من‬ ‫تؤدي إلى انتشار قيم ّ‬ ‫االقتصادية قد ّ‬ ‫وتقبل اآلخر‪ ،‬وتدفع بالكثيرين نحو‬ ‫قيم التسامح ّ‬ ‫التطرف‪ ،‬فقد نشأت بعد األزمة االقتصادية في‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫حركات‬ ‫‬‫المنصرم‬ ‫القر‬ ‫تسعينيات‬ ‫‬‫أوربا‬ ‫ٌ‬ ‫عنصرية تُعادي المهاجرين في أوربا بشكل‬ ‫بالحد من الهجرة‪ ،‬والتضييق على‬ ‫علني‪ ،‬وطالبت ّ‬ ‫المهاجرين‪.‬‬

‫تضائل دور تلك األحزاب بعد استقرار الوضع‬ ‫االقتصادي‪ ،‬لكن عادت بقوة بعد األزمة االقتصادية‬ ‫األخيرة‪ ،‬ونجحت في حصد نسب قياسية من‬ ‫األصوات في برلمانات تلك الدول‪ ،‬ودخلت‬ ‫برلمانات الدول األوربية‪ ،‬ومن تلك األحزاب‬ ‫ الثقافة السياسية‪ :‬هذا المصطلح تعريفا؛ «حزب الديمقراطيين السويديين» الذي حصل‬‫بأنها‬ ‫يعني ّ‬ ‫ٌ‬ ‫نموذج لمواقف[‪]11‬ووجهات نظر األفراد على نسبة ‪ 12,86‬من األصوات في انتخابات‬ ‫وتصرفاتهم تجاه السياسة ‪.‬‬ ‫البرلمان السويدي[‪.]12‬‬ ‫جراء تضافر عدة‬ ‫تنشأ الثقافة السياسية ّ‬ ‫تصف الصحفية واالختصاصية في مجال‬ ‫أهمها الموروث الثقافي الذي يؤثّر‬ ‫بأنها‬ ‫عوامل من ّ‬ ‫إدارة الدول آن كاترين يونغار تلك األحزاب ّ‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫هل تؤدي الديمقراطية إلى زيادة‬ ‫(عائلة متنافرة من القوميين‪ ،‬النازيين‪ ،‬المحافظين‬ ‫المتطرفين‪ ،‬ومسطحي المبادئ)‪ ،‬ومن األحزاب معدالت التنمية االقتصادية؟!‬ ‫األوربية المتطرفة التي حصلت على نسب عالية‬ ‫في النقاش الدائر حول تأثير الديمقراطية‬ ‫من األصوات في انتخابات االتحاد األوربي‬ ‫يبرز محوران‬ ‫األخيرة عام ‪ ،2014‬حصل حزب الجبهة على التنمية االقتصادية ُ‬ ‫أساسيان‪ ،‬متناقضان تماما‪ ،‬أوالها الفرضية‬ ‫القومية الفرنسية على أكثر من ‪ % 30‬من‬ ‫أن الديمقراطية تؤدي‬ ‫األصوات التي كانت كفيلة بأن تتصدر األحزاب التي تنطلق من مبدأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلى عرقلة النظام االقتصادي‪ ،‬والثانية‬ ‫المتحدة‬ ‫المملكة‬ ‫تصدر حزب‬ ‫الفرنسية‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬ ‫المحرك األساسي‬ ‫أن الديمقراطية‬ ‫األحزاب البريطانية‪ ،‬وحصل هي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المستقل‪ ،‬قائمة‬ ‫للتنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫على ‪ 23‬مقعدا‪ ،‬باإلضافة إلى أحزاب أخرى في‬ ‫كل القارة األوربية تقريبا[‪.]13‬‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطية كمعرِقل للتنمية‬ ‫أن األزمات االقتصادية‬ ‫يجدر بالذكر هنا‪ّ ،‬‬ ‫بدأ النقاش حول مفهوم الديمقراطية‬ ‫ليس بالضرورة أن تبدأ في أي بلد كي تُساهم‬ ‫في تدهور االقتصاد‪ ،‬وكذلك تعطيل الحياة كمعرقل لعملية التنمية منذ عدة قرون‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أن النظام‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬إو�ن‬ ‫بشكل جزئي‪ ،‬إو�ّنما يمكن أن اعتقد الفيلسوف توماس هوبز ّ‬ ‫يتفوق على النظام الديمقراطي‪،‬‬ ‫تؤدي أزمات اقتصادية في بلدان معينة إلى الملكي ّ‬ ‫إصابة دول أخرى بالعدوى‪ ،‬نتيجة العالقة من حيث تأثيره على الوضع االقتصادي‪،‬‬ ‫أن الحاكم في النظام الملكي يحرص‬ ‫االقتصادية بين تلك البلدان‪ ،‬فعلى سبيل المثال‬ ‫ُ‬ ‫حيث ّ‬ ‫جيدة على الحفاظ على االستقرار السياسي‪،‬‬ ‫لو افترضنا ّ‬ ‫أن لسوريا عالقات اقتصادية ّ‬ ‫األساس في التنمية‬ ‫المحرك‬ ‫عد‬ ‫مع األردن‪ ،‬واجتاحت‬ ‫األردن أزم ٌة اقتصادية الذي ُي ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فإن ذلك يؤثّر بشكل مباشر على سوريا‪ ،‬إو�ن االقتصادية‪ ،‬في الحين الذي توجد فيه‬ ‫ّ‬ ‫يؤدي النظام الديمقراطي‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫اجس‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫سعر‬ ‫في‬ ‫انخفاض‬ ‫إلى‬ ‫االقتصادية‬ ‫األزمة‬ ‫ت‬ ‫ّأد‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫صرف العملة األردنية مقابل الليرة السورية‪ ،‬هذا إلى إثارة القالقل‪ ،‬وعدم االستقرار‪ ،‬ما‬ ‫يؤثر سلبا على التنمية االقتصادية[‪.]14‬‬ ‫يعني ّ‬ ‫أن األردن لن يستطيع استيراد البضائع ّ‬ ‫ستتضرر السوق األردنية‬ ‫السورية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ّ‬ ‫الفرضيات الحديثة التي تؤمن بمبدأ‬ ‫طاع االنتاج السوري بالشلل‬ ‫وسيصاب ق ّ‬ ‫أكثر‪ُ ،‬‬ ‫كمعرقل لعملية التنمية‪ ،‬تأخذ‬ ‫تخفيض االنتاج‪ ،‬بعد عزوف التجار الديمقراطية ُ‬ ‫جراء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫مناح متعددة‪ ،‬يمكن أن تُختصر في ّ‬ ‫نتيجة‬ ‫ية‬ ‫ر‬ ‫السو‬ ‫البضائع‬ ‫اء‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫عن‬ ‫األردنيين‬ ‫الديمقراطية تؤدي إلى زيادة االستهالك‬ ‫يح الكثير‬ ‫غالئها‪ ،‬كل ذلك سيؤدي إلى تسر ِ‬ ‫يؤدي بدوره إلى‬ ‫من العمالّفي المصانع السورية‪ ،‬وتضاؤل لدى الفرد‪ ،‬األمر الذي ّ‬ ‫ِ‬ ‫تناقص االستثمارات‪ ،‬وبالتالي عرقلة‬ ‫ربح تلك المعامل‪ ،‬األمر الذي‬ ‫ّ‬ ‫سيحد من التنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫القوة الشرائية للمواطن السوري‪ ،‬إو�لى‬ ‫االدخار في الدولة‪،‬‬ ‫نسبة‬ ‫تزداد‬ ‫عندما‬ ‫ّ‬ ‫تضرر باقي القطاعات من تلك األزمة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يؤدي ذلك إلى إمكانية أكبر لالستثمار في‬ ‫مشاريع جديدة‪ ،‬وكذلك لشراء آالت‪ ،‬وبناء‬ ‫النمو‬ ‫مصانع‪ ،‬وبذلك يزداد االنتاج ويزداد ّ‬ ‫إن العنصر األساس في‬ ‫االقتصادي‪ّ .‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫االدخار‪ ،‬هي كمية‬ ‫كمية ّ‬ ‫عملية تحديد ّ‬ ‫فكل فرد يقوم‬ ‫لكل فرد‪،‬‬ ‫االستهالك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يمتلك من نقود بطريقتين‪،‬‬ ‫بالتصرف بما‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يدخر أو يستهلك‪ ،‬عملية االستهالك‬ ‫أن‬ ‫فإما ّ‬ ‫ّ‬ ‫عضوي بمستوى‬ ‫بشكل‬ ‫تبطة‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫أيضا‬ ‫هي‬ ‫ّ‬ ‫دخل الفرد‪ ،‬ففي حال كان دخل الفرد‬ ‫فإنه يقوم باستهالك جزء كبير من‬ ‫متدنيا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يدخر‬ ‫أن‬ ‫الفرد‬ ‫يستطيع‬ ‫بينما‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫أو‬ ‫دخله‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حين يكون ذلك‬ ‫جزءا كبي ار من دخله‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الدخل كبيرا‪ ،‬بذلك يكون‬ ‫تفاوت مستوى‬ ‫ُ‬ ‫الدخل عامال مشجعا لعملية التنمية‪،‬‬ ‫فالتفاوت في مستوى الدخل والتوزيع غير‬ ‫ُ‬ ‫العادل للثروات يكو ُن عادة في الدول‬ ‫الديكتاتورية‪ ،‬وبذلك نصل إلى نتيجة مفادها‬ ‫أن الديمقراطية تؤدي إلى توزيع أكثر عدالة‬ ‫ّ‬ ‫للثروات‪ ،‬إو�لى زيادة رواتب العمال‪ ،‬وتتناقص‬ ‫يؤدي‬ ‫فوائد صاحب رأس المال‪ ،‬األمر الذي ّ‬ ‫إلى تناقص القدرة على االستثمار لدى‬ ‫التجار[‪.]15‬‬ ‫ّ‬ ‫ينطلق علماء االقتصاد في مقارباتهم‬ ‫الحكام في الدول الديمقراطية‬ ‫أن ّ‬ ‫تلك‪ ،‬من مبدأ ّ‬ ‫ليتم انتخابهم‬ ‫يجب أن ُيصغوا إلى المواطنين‪ّ ،‬‬ ‫مجددا‪ ،‬مما يدفعهم إلى توفير ظروف تؤدي‬ ‫ّ‬ ‫إلى زيادة استهالك الفرد‪ ،‬وبالتالي تقليص‬ ‫االدخار‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬وكذلك عرقلة‬ ‫حجم ّ‬ ‫التنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫تشكل الصين إحدى األمثلة على آلية‬ ‫ّ‬ ‫ظل‬ ‫في‬ ‫االقتصادية‬ ‫التنمية‬ ‫عجلة‬ ‫تسريع‬ ‫ّ‬ ‫أن التنمية‬ ‫نظام غير ديمقراطي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حيث ّ‬ ‫االقتصادية في الصين التي ازدادت في‬ ‫الثالثين سنة األخيرة‪ ،‬ترافقت مع انخفاض‬ ‫ألجور العمال‪ ،‬في مقابل تزايد أرباح‬ ‫أصحاب رؤوس األموال‪ ،‬األمر الذي ّأدى‬ ‫أما‬ ‫بدوره إلى زيادة االدخار‪ ،‬واالستثمارات‪ّ ،‬‬ ‫في ظل نظام حكم ديمقراطي فقد كانت‬ ‫المطالبات بتحسين شروط العمل وزيادة‬

‫‪9‬‬

‫أجور العمال‪ ،‬ستلقى آذانا صاغية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ستتناقص‪،‬‬ ‫باح أرباب العمل‬ ‫كانت أر ُ‬ ‫ُ‬ ‫االدخار‪ ،‬وتناقص‬ ‫وسيؤدي بدوره إلى تناقص ّ‬ ‫القدرة على االستثمار‪ ،‬وعدم تحقيق مستويات‬ ‫جيدة من التنمية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫أن النظام غير الديمقراطي‬ ‫على الرغم من ّ‬ ‫في الصين ‪ -‬بحكم ظروف متعددة ‪-‬‬ ‫استطاع أن يحّقق مستويات عالية من‬ ‫ُّ‬ ‫أشك في‬ ‫التنمية االقتصادية‪ ،‬إال ّأني‬ ‫إمكانية النظام السياسي في الصين‬ ‫المحافظة على هذا المستوى من التنمية‬ ‫االقتصادية بالطريقة المعتمدة حاليا‪ ،‬والتي‬ ‫تعود بالفائدة على أرباب العمل‪ ،‬على حساب‬ ‫العمال‪ ،‬كما تعتمد على أرباب العمل الذين‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫المدخرات الستثمارها في‬ ‫من‬ ‫فائضا‬ ‫يمتلكو‬ ‫ّ‬ ‫ألن زيادة االستثمار في مصانع‬ ‫مشاريع جديدة‪ّ ،‬‬ ‫وآالت جيدة لن يزيد من األرباح بشكل كبير‪،‬‬ ‫فإن استعمال جهاز كمبيوتر‬ ‫فعلى سبيل المثال ّ‬ ‫سيكون أكثر فاعلية من الكتابة على آلة كاتبة‪،‬‬ ‫إال ّأنه ليس من الممكن أن تتم مضاعفة‬ ‫جهازي كمبيوتر‪ ،‬بذات المبدأ‬ ‫االنتاج باستخدام َ‬ ‫فإن استخدام آالت جديدة أو ُمضاعفتها في‬ ‫ّ‬ ‫لكنه لن يكون كبي ار‬ ‫بح‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫يد‬ ‫ز‬ ‫سي‬ ‫ن‬ ‫معي‬ ‫معمل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإنه وعلى المدى البعيد لن يكون‬ ‫وبالتالي‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من المجدي اقتصاديا‪ ،‬من وجهة نظر ربحية‪،‬‬ ‫أن يتم االستثمار في آالت جديدة‪ ،‬ولن يستطيع‬ ‫االدخار‬ ‫أرباب العمل زيادة الربح وزيادة ّ‬ ‫واالستثمار في مشاريع جديدة مجدية اقتصاديا‪.‬‬

‫أعتقد ّأنه يتوجب‬ ‫بناءا على ما سبق ّ‬ ‫فإني ُ‬ ‫على الحكومة الصينية أن تقوم باالستثمار في‬ ‫كالصحة والتعليم‪ ،‬خاصة في‬ ‫مجاالت جديدة‬ ‫ّ‬ ‫أن االستثمار في تلك‬ ‫المناطق النائية‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫فإن‬ ‫المناطق‬ ‫سينهض بها اقتصاديا‪ ،‬وكذلك ّ‬ ‫ُ‬ ‫سيؤدي بدوره إلى‬ ‫مستوى التعليم سيزداد‪ ،‬ما‬ ‫ّ‬ ‫تقليص الفوارق الطبقية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬فمستوى‬ ‫فرص عمل أفضل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جيد من التعليم يوّفر َ‬


‫‪10‬‬

‫وبالتالي فرصا لتحسين المستوى المعيشي‬ ‫بحيث تصبح أفضل‪.‬‬ ‫ُ‬

‫من خالل مثال الصين ‪ -‬الذي يمكن أن‬ ‫يطبق في دولة أخرى تشبه في حالتها الحالة‬ ‫ّ‬ ‫الصينية‪ ،‬كبقية الدول اآلسيوية التي حققت‬ ‫مستويات عالية من التنمية االقتصادية ‪ُ -‬يمكن‬ ‫أن النظام غير الديمقراطي قد يؤدي‬ ‫استنتاج ّ‬ ‫إلى تحقيق مستويات عالية من التنمية‬ ‫االقتصادية‪ ،‬لكن ال يمكن المحافظة على تلك‬ ‫لكل دولة‬ ‫المستويات في المدى البعيد‪ ،‬كما ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫ظروفا عدة‪ ،‬قد تؤثّر على التنمية االقتصادية‪ ،‬وقد‬ ‫ال يكون شكل نظام الحكم المؤثر الوحيد على التنمية‬ ‫االقتصادية‪.‬‬ ‫الموضوع على كل حال ليس بتلك البساطة‪،‬‬ ‫ويتطلب المزيد من البحث واالستقصاء‪ ،‬سنتحدث‬ ‫تتبنى وجهة النظر التي‬ ‫هنا عن الفرضيات التي ّ‬ ‫أساس‬ ‫أن الديمقراطية هي‬ ‫تُبنى على أساس ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لعملية التنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫هل تؤدي الديمقراطية إلى التنمية‬ ‫االقتصادية؟!‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫أن نظام‬ ‫ُ‬ ‫يعتقد الكاتب مانكور أولسون أيضا‪ّ ،‬‬ ‫يلعب دو ار محوريا في التنمية االقتصادية‪،‬‬ ‫الحكم ُ‬ ‫أرضية‬ ‫أن النظام الديكاتوري ال يوّفر‬ ‫ُ‬ ‫حيث ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعد‬ ‫التي‬ ‫الفردية‬ ‫الملكية‬ ‫على‬ ‫الحفاظ‬ ‫لضمان‬ ‫ّ‬ ‫عمادا لالقتصاد‪ .‬ففي األنظمة الديكتاتورية‬ ‫تكون الفئة المسيطرة على زمام األمور قوية‪،‬‬ ‫التصدي لها في حال عدم‬ ‫أحد‬ ‫وال يستطيع ٌ‬ ‫ّ‬ ‫[‪]17‬‬ ‫احترامها للملكية الفردية ‪.‬‬

‫للدولة دور محوري في خلق الظروف‬ ‫المالئمة لعمل األسواق‪ ،‬من خالل معالجة‬ ‫مد‬ ‫مكامن الضعف في عمل األسواق‪ ،‬وكذلك ّ‬ ‫لسد النقص الحاصل‪ ،‬نتيجة‬ ‫يد العون‪ ،‬و ّ‬ ‫التدخل ّ‬ ‫عدم قدرة السوق الحرة على تقديم االنتاج‬ ‫تتميز‬ ‫األفضل‪ ،‬كما في حالة السلع التي ّ‬ ‫تدر فائدة جماعية‪ ،‬وكذلك السلع‬ ‫بكونها ّ‬ ‫التي يكون انتاجها مرتبطا بما يسمى‬ ‫بالتأثيرات اإليجابية‪ ،‬أما السلع التي‬ ‫تدر فائدة جماعية تتميز‬ ‫تتمتع بكونها ّ‬ ‫أن استعمال فرد‬ ‫بصفتين أساسيتين‪ ،‬أوالها ّ‬ ‫لتلك السلعة ال يؤثّر على استعمال األفراد‬ ‫يتم‬ ‫اآلخرين لها‪ ،‬وكذلك ّ‬ ‫بأنه ال يمكن أن ّ‬ ‫أي فرد عن االستفادة من تلك‬ ‫استبعاد ّ‬ ‫السلع‪ ،‬أو يكون استبعاد األشخاص مكلفا‬ ‫تشمل مثال قوى األمن‬ ‫جدا‪ ،‬تلك السلع‬ ‫ُ‬ ‫والدفاع‪ ،‬والحقوق الفردية‪ ،‬والقانون‪،‬‬ ‫أن‬ ‫وغيرها من القطاعات‪ ،‬على اعتبار ّ‬ ‫استهالك هذا النوع من السلع يكون‬ ‫كل‬ ‫جماعيا‪ّ ،‬‬ ‫فإنه من المرّجح أن يحاول ّ‬ ‫التنصل من المساهمة في بناء منظومة‬ ‫فرد‬ ‫ّ‬ ‫دفاعية مثال‪ ،‬ليقوم اآلخرون ببنائها‪ ،‬في‬ ‫حال لم تتدخل الدولة لبناء تلك المنظومة‪،‬‬ ‫فإن السوق لن يستطيع بناء‬ ‫وبالتالي ّ‬ ‫[‪]18‬‬ ‫منظومة دفاعية قوية ‪.‬‬

‫تتبنى أهمية نظام الحكم‬ ‫وجهة النظر التي ّ‬ ‫في عملية التنمية االقتصادية ليست بجديدة في‬ ‫طرحت من ِقبل آدام سميث؛‬ ‫الحقل الفكري‪ ،‬فقد ُ‬ ‫ركزت على‬ ‫رائد نظرية فكرة السوق الحرة‪ ،‬التي ّ‬ ‫شبه‬ ‫عدم ّ‬ ‫تدخل الدولة في حركة السوق‪ ،‬فقد ّ‬ ‫سميث السوق الحرة باليد الخفية التي تستطيع‬ ‫لكنه في‬ ‫أن تقوم بتنظيم السوق دون ّ‬ ‫تدخل أحد‪ّ ،‬‬ ‫أن وجود نظام سياسي‪،‬‬ ‫ذات الوقت ّ‬ ‫أكد على ّ‬ ‫تعد‬ ‫مهم للحفاظ على الملكية الفردية‪ ،‬التي ّ‬ ‫تصوره سميث‪،‬‬ ‫عماد النظام االقتصادي كما‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك لوجود طرف ضامن لتنفيذ االتفاقات‬ ‫ق‬ ‫أما السلع التي تتميز بكونها مرتبطة‬ ‫فعدم‬ ‫التي ّ‬ ‫يتم عقدها بين األطراف في السو ‪ُ ،‬‬ ‫أن‬ ‫يتم تنفيذها‪ ،‬بالتأثيرات اإليجابية‪ ،‬فتتميز‬ ‫بخاصية ّ‬ ‫وجود نظام ما يعني ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن العقود لن ّ‬ ‫[‪]16‬‬ ‫بسبب أجواء عدم الثقة المتبادلة بين األفراد ‪ .‬استعمال الفرد لها يجعل من تصرفاته‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫تنم عن ذلك االستعمال لتلك المادة‪،‬‬ ‫التي ّ‬ ‫تؤثر على محيطه أيضا‪ ،‬ومن األمثلة‬ ‫على تلك السلع القطاعان الصحي‬ ‫فتحسن مستوى تعليم أي‬ ‫والتعليمي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫شخص‪ ،‬لن يؤثر في مستوى معيشة ذلك‬ ‫الفرد بمفرده‪ ،‬بل سيؤدي إلى زيادة االنتاج‬ ‫أيضا من خالل استعمال الخبرات التي‬ ‫اكتسبها ذلك الفرد إلدارة عملية االنتاج‪،‬‬ ‫وستؤدي إلى التنمية االقتصادية وكما في‬ ‫المثال السابق‪ ،‬فإن أصبح الفرد صاحب‬ ‫القرار في شراء السلع اآلنفة الذكر‪،‬‬ ‫كالطبابة‪ ،‬والتعليم من السوق الحرة‪ ،‬بدون‬ ‫فإنه سيقوم بشراء ما يكفيه‬ ‫ّ‬ ‫تدخل الدولة‪ّ ،‬‬ ‫دون االلتفات إلى حاجات اآلخرين‪ ،‬ولن‬ ‫يكون بإمكان كل المواطنين أن يقوموا‬ ‫بتأمين تلك المنتجات‪ ،‬وبخاصة الطبقات‬ ‫التي يكون مستوى دخلها منخفضا‪،‬‬ ‫سيصبح من الصعوبة بمكان‬ ‫وبالتالي ُ‬ ‫تأمين الطبابة والتعليم الكافي لكل‬ ‫المواطنين إن لم تتدخل الدولة‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫تشكل‬ ‫الناخبين في الدول الديمقراطية‪ ،‬بينما ّ‬ ‫فئة قليلة في الدول غير الديمقراطية التي ال‬ ‫ٍ‬ ‫كمنطلق النتخاب‬ ‫تعتمد على االنتخابات‬ ‫الحكومات‪.‬‬

‫‪ -2‬االحتمال اآلخر هو استغالل موارد‬ ‫تدر بالفائدة‬ ‫الدولة‪ ،‬واالستثمار في مشاريع ّ‬ ‫على كل المجتمع‪ ،‬وليس على فئة صغيرة‬ ‫فحسب‪ ،‬كافتتاح المدارس والجامعات‬ ‫والمشاريع‪ ،‬كالسدود‪ ،‬وغيرها من المشاريع‬ ‫التي تُساهم في تنمية الفرد‪ ،‬وكذلك توفير‬ ‫فرص عمل‪.‬‬

‫يشكل‬ ‫أن‬ ‫يمكننا‬ ‫نظام الحكم ّ‬ ‫االستنتاج ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حجر األساس لحجم المشاريع‪ ،‬واالستثمارات‬ ‫يتناسب طردا‬ ‫أن االستثمار‬ ‫في الدولة‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫ُ‬ ‫أن األنظمة‬ ‫والكتلة المؤيدة‪ ،‬على اعتبار ّ‬ ‫تقوم بإعطاء امتيازات لفئات‬ ‫الدكتاتورية‬ ‫ُ‬ ‫سدة السلطة‪،‬‬ ‫قليلة‪،‬‬ ‫تعتمد عليها لبقائها على ّ‬ ‫ُ‬ ‫بينما تكون الحالة في الدول الديمقراطية‬ ‫أن الكتلة المؤدية للنظام‬ ‫مغايرة تماما‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫فيصعب تمويل تلك الكتلة من‬ ‫تكون كبيرة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تتبنى‬ ‫توجد الكثير من النظريات التي ّ‬ ‫ألنها مكلفة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬خالل تقديم امتيازات فردية‪ّ ،‬‬ ‫كمؤدى إلى التنمية‬ ‫الديمقراطية ّ‬ ‫على خزانة الدولة‪ ،‬فيكون تقديم مشاريع‬ ‫تعتمد‬ ‫ولكنها متشابهة إلى حد بعيد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫إحدى انمائية وخدمية عامة‪ ،‬أكثر فعالية إلرضاء‬ ‫[‪]19‬‬ ‫العلماء‬ ‫من‬ ‫مجموعة‬ ‫أطلقها‬ ‫التي‬ ‫يات‬ ‫ر‬ ‫النظ‬ ‫تلك الكتلة‪ ،‬والفوز بأكبر عدد من األصوات‪.‬‬ ‫الحكام بالدرجة األساسية هو‬ ‫أن هدف ّ‬ ‫على ّ‬ ‫في تحليل ُمشابه يقول الكاتب مانكور‬ ‫الحفاظ على الحكم‪ ،‬لذلك تكون االنتخابات‬ ‫أن لنظام الحكم دور رئيس في‬ ‫أولسون‬ ‫ّ‬ ‫مهمة في الدول الديمقراطية‪ ،‬إلعادة انتخاب‬ ‫ّ‬ ‫أولئك الحكام‪ ،‬ولكسب ثقة المواطنين يفترض االستثمار‪ ،‬لكن ليس بسبب تناسب االستثمار‬ ‫ُ‬ ‫ألن‬ ‫استثمار موارد الدولة بطريقة مع الكتلة المؤيدة للحكومة‪ ،‬إو�ّنما ّ‬ ‫بالحكومة‬ ‫ُ‬ ‫الحكام في الدول الديمقراطية ال يمثلون‬ ‫ّ‬ ‫تفضي إلى زيادة أسهمها في العملية‬ ‫االنتخابية‪ ،‬وبما أن موارد الدولة محدودة‪ ،‬فقط أنفسهم‪ ،‬إو�نما أيضا جموعا غفيرة من‬ ‫ّ‬ ‫للحكام مصلحة‬ ‫فإن‬ ‫ّ‬ ‫المواطنين‪ ،‬وبالتالي ّ‬ ‫فإنه يجب استثمارها بطريقتين هما[‪:]20‬‬ ‫ّ‬ ‫تعود بالفائدة على‬ ‫‪ -1‬استثمار موارد الدولة من خالل في االستثمار في مشاريع ُ‬ ‫المجتمع بأكمله[‪.]21‬‬ ‫تقديم امتيازات للفئة المناصرة للحكومة‪،‬‬ ‫من الناحية العملية‪ ،‬حاول الكثير من‬ ‫كل المواطنين الذين صوتوا‬ ‫وهي تشكل ّ‬ ‫تؤدي‬ ‫اطية‬ ‫ر‬ ‫الديمق‬ ‫كانت‬ ‫إذا‬ ‫ما‬ ‫اسة‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫الباحثين‬ ‫ّ‬ ‫للحكومة في أي دولة ديمقراطية‪ ،‬أي غالبية‬ ‫لكن تلك‬ ‫وتنميته‪،‬‬ ‫االقتصاد‪،‬‬ ‫ازدهار‬ ‫إلى‬ ‫فعال‬ ‫ّ‬


‫‪12‬‬

‫تقدم إجابات نهائية على تلك‬ ‫المحاوالت لم ّ‬ ‫التساؤالت‪ ،‬وفي إحدى تلك المحاوالت قام‬ ‫باحثان بدراسة ‪ 83‬بحثا تم إجراؤها بين عامي‬ ‫أن‬ ‫‪ 1983‬و ‪ 2006‬فتوصال إلى نتيجة مفادها ّ‬ ‫أن‬ ‫‪ % 15‬من النتائج‪ ،‬كانت تؤيد فكرة ّ‬ ‫الديمقراطية تؤدي إلى انخفاض مستويات‬ ‫التنمية االقتصادية‪ ،‬بينما كان ‪ % 27‬من النتائج‬ ‫تؤدي إلى ارتفاع مستويات‬ ‫أن الديمقراطية ّ‬ ‫يؤيد ّ‬ ‫ّ‬ ‫التنمية االقتصادية‪ ،‬و ‪ 58‬من النتائج كانت‬ ‫نظام الحكم ليس له أهمية في‬ ‫شير إلى ّ‬ ‫تُ ُ‬ ‫أن َ‬ ‫[‪]22‬‬ ‫التنمية االقتصادية ‪.‬‬ ‫في محاولة أخرى لإلجابة على التساؤالت‬ ‫المتعلقة بالديمقراطية ومدى ارتباطها بالتنمية‬ ‫االقتصادية‪ ،‬قام الكاتب آدم‬ ‫أن‬ ‫ي‬ ‫برشوزك بإثبات ّ‬ ‫التنمية االقتصادية في الدول الديمقراطية يكون‬ ‫بطيئا‪ ،‬بينما ال يكون للديمقراطية ونظام الحكم‬ ‫تأثير ُيذكر على االقتصاد‪ ،‬وحركة االستثمارات‬ ‫في الدول الفقيرة‪ ،‬في تعارض مع الفرضية التي‬ ‫أن الدول غير الديمقراطية تكو ُن‬ ‫تنص على ّ‬ ‫ّ‬ ‫[‪]23‬‬ ‫عامال مساعدا لتحسين االقتصاد ‪.‬‬

‫األبحاث العلمية في مجال الديمقراطية لم‬ ‫تُثبت بشكل قاطع أن الديمقراطية تؤدي إلى‬ ‫التنمية االقتصادية‪ ،‬إال ّأنها أيضا لم تثبت‬ ‫أن الديمقراطية لها‬ ‫العكس‪ ،‬أي ّأنها لم تُثبت ّ‬ ‫أن‬ ‫فعل مثبط لعملية التنمية االقتصادية‪ ،‬كما ّ‬ ‫ظم الحكم غير‬ ‫أن ن ُ‬ ‫الدراسات لم تُثبت ّ‬ ‫الديمقراطية تُساهم في التنمية االقتصادية‪،‬‬ ‫فعلى الرغم من وجود دول غير ديمقراطية إال‬ ‫أن ذلك‬ ‫ّأنها حققت تقدما اقتصاديا‪ ،‬غير ّ‬ ‫التقدم االقتصادي ليس نتيجة لشكل نظام‬ ‫الحكم‪ ،‬حتى مع الحقائق اآلنفة الذكر‪ ،‬إال‬ ‫أفضل نظام‬ ‫أن الديمقراطية هي‬ ‫أنني‬ ‫ُ‬ ‫أعتقد ّ‬ ‫ُ‬ ‫حكم ُيساهم في عملية التنمية االقتصادية‪ ،‬أو على‬ ‫األقل أقّلها سوءا ألسباب عديدة منها‪:‬‬ ‫‪ -1‬يكون توزيع الثروات عادال في الدول‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬أكثر منها في الدول غير‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬فالتنمية االقتصادية شرط الزم‪،‬‬ ‫ألن‬ ‫ّ‬ ‫لكنه غير كاف لضمان زيادة دخل الفرد‪ّ ،‬‬ ‫التنمية االقتصادية يجب أن تترافق مع توزيع‬ ‫عادل للثروات‪ ،‬تضمن استفادة كافة شرائ ِح‬ ‫المجتمع من تلك الثروات بشكل عادل‪ ،‬وكذلك‬ ‫ترافق ازدياد إجمالي الناتج المحلي مع ازدياد‬ ‫دخل كل األفراد‪ ،‬وعدم استيالء فئة صغيرة‬ ‫على مقدرات الدولة‪ ،‬كما في الدول التي يتّجه‬ ‫نظام الحكم فيها نحو الحكم الفردي االستبدادي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يتم ُّ‬ ‫سن قوانين تضمن‬ ‫اطية‬ ‫ر‬ ‫الديمق‬ ‫الدول‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫توزيعا عادال للثروات من خالل ضمان حصول‬ ‫العمال والموظفين على رواتب تتناسب مع‬ ‫المجهود الذي يقدمونه‪ ،‬وكذلك من خالل‬ ‫أن أرباب العمل ال‬ ‫ضمان حقوق العمال‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫يستطيعون االستغناء عنهم بسهولة‪ ،‬أو‬ ‫يقوم أصحاب رؤوس األموال‬ ‫استغاللهم‪ ،‬كما ُ‬ ‫بدفع ضرائب للدولة‪ ،‬فتقوم الدولة بدورها في‬ ‫توظيف هذه الضرائب بهدف تحسين مستوى‬ ‫دخل األفراد‪ ،‬ولضمان الرفاه االجتماعي‬ ‫واالقتصادي‪.‬‬

‫يضمن نظام الرفاه االقتصادي أن يحصل‬ ‫ُ‬ ‫كل فرد على مستوى معين من الدخل‪ ،‬ويضمن‬ ‫ُّ‬ ‫التعليم المجاني والطبابة المجانية‪ ،‬كما يتضمن‬ ‫حق الحصول على إعانة مالية‬ ‫ذلك النظام ّ‬ ‫شهرية في حال فقدان العمل‪ ،‬وكذلك الحصول‬ ‫على مساعدة مالية بشكل دوري‪ ،‬ومساعدة‬ ‫للقيام باألعمال اليومية في حال حصول إعاقة‬ ‫دائمة أو مؤقتة‪ ،‬من خالل أطباء وممرضين‬ ‫مختصين‪.‬‬

‫فإنه عادة ما يتم‬ ‫باإلضافة إلى هذا وذاك‪ّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫سن قوانين خاصة تضمن عيشا كريما لألطفال‪،‬‬ ‫كل‬ ‫حيث ُّ‬ ‫يتم دفع مبالغ شهرية لآلباء عن ّ‬ ‫طفل‪ ،‬حتى يبلغ الطفل سن الرشد (‪ 18‬سنة)‬ ‫ليتم شراء االحتياجات األساسية للطفل‪ ،‬وذلك‬ ‫كي ال يكون الوضع المادي عائقا أما الوالدين‬ ‫وسببا في عدم تقديم الرعاية الكافية لألطفال‪،‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫يتم عادة دفع مبالغ مالية لألطفال في‬ ‫كما ُّ‬ ‫السنة األولى من أعمارهم‪ ،‬وذلك الرتفاع‬ ‫تكاليف تربية الطفل في تلك السنة‪.‬‬

‫يتم اتخاذها‬ ‫ُّ‬ ‫كل تلك اإلجراءات التي ُّ‬ ‫في الدول الديمقراطية‪ ،‬وخاصة في الدول‬ ‫تصب في اتجاه توفير حياة أفضل‬ ‫األوربية‬ ‫ُّ‬ ‫للمواطنين‪ ،‬من خالل استخدام األموال‬ ‫التي تملكها الدولة‪ ،‬والتي تكون عادة من‬ ‫الضرائب التي يدفعها األغنياء‪ ،‬وتستخدمها‬ ‫الدولة في تحسين حياة المواطنين‪ ،‬وتوزيع‬ ‫أكثر عدالة للثروة من الدول غير‬ ‫الديمقراطية التي تتركز الثروات فيها في يد‬ ‫الفئات المتنفذة اقتصاديا‪ ،‬وسياسيا‪ ،‬وبذلك‬ ‫فإن ارتفاع الناتج المحلي اإلجمالي ال‬ ‫ّ‬ ‫يكون له تأثير كبير على تحسين الحالة‬ ‫االقتصادية لتلك الدول‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫‪ -3‬تكون الدول الديمقراطية ضامنة‬ ‫تحسن الوضع‬ ‫للملكية الفردية‪ ،‬مما ّ‬ ‫يؤدي إلى ّ‬ ‫االقتصادي ألصحاب تلك الممتلكات‪،‬‬ ‫الكثير‬ ‫تدر‬ ‫وخاصة األراضي الزراعية‪ ،‬التي ّ‬ ‫َ‬ ‫يتكون لدى أصحاب تلك‬ ‫من األرباح‪ ،‬بذلك ّ‬ ‫يتم غالبا‬ ‫األراضي‪ ،‬رؤوس أموال إضافية ّ‬ ‫استثمارها في مشاريع تؤدي إلى زيادة‬ ‫االنتاج‪ ،‬ومن الممكن أن تؤدي إلى رفع‬ ‫مستويات التنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫‪ -4‬أما في الدول غير الديمقراطية فال‬ ‫تعرض السلطات الحاكمة‬ ‫ضامن لعدم ّ‬ ‫تمنع ذلك‪،‬‬ ‫للملكية الفردية‪ّ ،‬‬ ‫قوة ُ‬ ‫ألنه ال توجد ّ‬ ‫وال سلطة قضائية فاعلة تُعيق تلك الممارسات‪.‬‬

‫تحترم القانون‪ ،‬وال‬ ‫‪ -5‬الدول الديمقراطية‬ ‫ُ‬ ‫تترك مجاال لالعتباطية‪ ،‬وبالتالي تكون‬ ‫األجواء مالئمة ومطمئنة للمستثمرين‬ ‫ألنه وفي تلك الدول قوانين‬ ‫لالستثمار فيها‪ّ ،‬‬ ‫فإن المستثمر‬ ‫متبعة يتم احترامها‪ ،‬ولذلك ّ‬ ‫يعرف تبعات أي خطوة يقوم بها قانونيا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يسهل عليه اتخاذ قرار االستثمار‬ ‫وبالتالي‬ ‫ُ‬ ‫من عدمه‪.‬‬

‫فإن‬ ‫أما في الدول غير الديمقراطية ّ‬ ‫توزيع الثروات يتم بشكل غير عادل‪،‬‬ ‫فإن ازدياد الناتج المحلي‬ ‫وبالتالي‬ ‫ّ‬ ‫اإلجمالي‪ ،‬ال يعني بالضرورة ازدياد دخل‬ ‫ألن طبقة محدودة من البرجوازيين‬ ‫األفراد‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫تتحكم بمفاصل االقتصاد‪ ،‬ولردم الهوة بين‬ ‫ّ‬ ‫فإن عدم‬ ‫أما في الدول غير الديمقراطية‪ّ ،‬‬ ‫يع‬ ‫ز‬ ‫تو‬ ‫يتم‬ ‫أن‬ ‫يجب‬ ‫اء‬ ‫ر‬ ‫الفق‬ ‫و‬ ‫األغنياء‬ ‫ُ‬ ‫يؤدي لعزوف المستثمرين‬ ‫ّ‬ ‫احترام القانون ّ‬ ‫عدالة‪.‬‬ ‫الثروات بشكل أكثر‬ ‫غالبا عن االستثمار في تلك الدول‪ ،‬بسبب‬ ‫‪ -2‬الفساد االقتصادي في الدول‬ ‫تنصل أصحاب القرار في تلك‬ ‫توجسهم من ّ‬ ‫ّ‬ ‫أقل منه في الدول غير الدول من التزاماتهم‪ ،‬لمعرفتهم ّأنهم‬ ‫الديمقراطية يكون ّ‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬ذلك لسيادة القانون‪.‬‬ ‫التهرب من المسؤوليات القانونية‪،‬‬ ‫يستطيعون ّ‬ ‫التنصل من االلتزامات قد يتسبب في‬ ‫من خالل الجداول التي يتم نشرها من ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتم مالحظة خسارة كبيرة للمستثمر‪ ،‬الذي غالبا ما يرفض‬ ‫قبل منظمة الشفافية الدولية‪ُّ ،‬‬ ‫أن الدول الديمقراطية تتصدر مؤشرات الدخول في هكذا مقامرات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ودول‬ ‫اإلسكندنافية‬ ‫أن الدول‬ ‫السياسي يلعب أيضا دو ار‬ ‫النظام‬ ‫‪-6‬‬ ‫الشفافية‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫ُّ‬ ‫أخرى مثل سويس ار ونيوزيلندا وغيرها من محوريا في صقل شخصية مجموعة األفراد‬ ‫الدول الديمقراطية‪،‬‬ ‫وتتحول بالتدريج إلى جزء من‬ ‫مؤشرات في المجتمع‪،‬‬ ‫تتصدر جداول ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشفافية‪ ،‬في حين أن الدول غير الديمقراطية الثقافة السياسية الجمعية ألفراد ذلك المجتمع‪.‬‬ ‫تتذيل تلك الجداول كالصومال وكوريا قام الباحث رونالد اينغلهارت لعقود طويلة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وفنزويال‪.‬‬ ‫ومينمار‬ ‫الشمالية‬ ‫التحول في القيم والمفاهيم في العالم‪،‬‬ ‫اسة‬ ‫ر‬ ‫بد‬ ‫ّ‬


‫‪14‬‬

‫بأن القيم‬ ‫توصل إلى‬ ‫مهمة تقول ّ‬ ‫َ‬ ‫نتائج ّ‬ ‫و ّ‬ ‫تغيرت‬ ‫السائدة في المجتمعات الغربية قد ّ‬ ‫بشكل ملحوظ خالل العقود األخيرة‪ ،‬حيث‬ ‫أن تزايد األمان المادي‪ ،‬أي‬ ‫يعتِبر اينغلهارت ّ‬ ‫بناء المجتمعات األوربية لنظامي الضمان‬ ‫الصحي واالجتماعي وغيرها من اإلصالحات‬ ‫التي زادت من مستوى دخل الفرد‪ّ ،‬أدى إلى‬ ‫ظهور نوع جديد من القيم‪.‬‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫تحقيق ذاته‪ ،‬من خالل أساليب غير مادية‪،‬‬ ‫وانتشرت قيم التسامح وهي األجواء المثالية‬ ‫التي يمكن خاللها أن يقوم المستثمرون‬ ‫ألن أجواء االستقرار‬ ‫بافتتاح مشاريع جديدة‪ّ ،‬‬ ‫تبعد شبح الحروب‪ ،‬والنزاعات التي عادة‬ ‫تلك ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫فزاعة للمستثمرين‬ ‫تكو‬ ‫ما ُ ّ‬

‫* هذا المقال‪ ,‬هو جزء من كتاب غير‬ ‫التغيرات الجذرية في بنية األنظمة منشور للكاتب شيار عيسى‪ ،‬وقد اختارته‬ ‫كانت ّ‬ ‫األوربية نتيجة لحدثين تاريخيين مهمين هما‬ ‫سورمي باالتفاق مع الكاتب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تحول المجتمع الزراعي إلى مجتمع‬ ‫أوال؛ ّ‬ ‫المصادر والمراجع‬ ‫صناعي بعد الثورة الصناعية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫انتقال الكثير من األفراد من الريف إلى‬ ‫تحوالت جذرية‬ ‫المصادر والمراجع‬ ‫المدينة‪ ،‬وما رافق ذلك من ّ‬ ‫األسري‪ ،‬وكذلك طبقات‬ ‫في بنية النظام‬ ‫َ‬ ‫أن الطبقة الوسطى بدأت‬ ‫‪1-Kurzman, Werum & Burkhart, R, 2002,‬‬ ‫المجتمع‪ ،‬حيث ّ‬ ‫تحول في المفاهيم‪،‬‬ ‫‪Democracy`s and effect on econom‬‬‫بالنمو‪ ،‬وترافق ذلك مع ّ‬ ‫‪ic growth: A pooled time-series analysis,‬‬ ‫والبدء باألخذ بالمعايير المادية‪ ،‬وكذلك العقالنية‬ ‫‪1951-1980, Studies in comparative interna‬‬‫في التعامل والعالقات مع الوسط المحيط‪،‬‬ ‫‪tional development, 37, 3-33‬‬ ‫تحول مجتمع الدول ‪2-Smith, A. 1976. An inquiry into the nature‬‬ ‫التحول الثاني َ‬ ‫كان ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪and causes of the wealth of the nations.‬‬ ‫الصناعية الغربية إلى مجتمع المعرفة‬ ‫‪Chicago: University of Chicago Press‬‬ ‫التحول من‬ ‫والخدمات‪ ،‬كان ذلك الحدث يعني ّ‬ ‫‪3-Lipset, S, 1959, Some social requisites‬‬ ‫تركز على البقاء على قيد الحياة عبر‬ ‫قيم ّ‬ ‫‪of democracy: Economic development and‬‬ ‫الوسائل المادية‪ ،‬وعلى وجه التحديد الموارد ‪political legitimacy, American political science‬‬ ‫‪review, 53, 69-105‬‬ ‫تركز على‬ ‫االقتصادية‪ ،‬والعسكرية إلى قيم ّ‬ ‫‪4- Seymour Martin Lipset‬‬ ‫الرضا الشخصي‪ ،‬والثقة‪ ،‬والتسامح‪ ،‬والمساواة‪،‬‬ ‫‪5- Lipset, S, 1959‬‬ ‫وتعدد الفرص للشخص‪ ،‬وكذلك‬ ‫وجودة الحياة‪ّ ،‬‬ ‫‪6-- Lipset, S, 1959‬‬ ‫[‪]24‬‬ ‫للوسط المحيط واآلخرين بشكل عام ‪.‬‬ ‫‪7- Jackman, R, 1973, Democracy and eco‬‬‫‪nomic development: Modernization theory‬‬ ‫الدول الديمقراطية يكون فيها أو يتشكل فيها‬ ‫‪revisited, Comparative Politics, 21, 21-36‬‬ ‫إرث ثقافي‪ ،‬يقوم على التسامح والعدالة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪8-Widmalm, S. & Oskarsson, S, 2008,‬‬ ‫تسمح‬ ‫التي‬ ‫ار‬ ‫ر‬ ‫االستق‬ ‫من‬ ‫اء‬ ‫و‬ ‫أج‬ ‫ل‬ ‫تتشك‬ ‫وبالتالي‬ ‫ّ‬ ‫‪Tolerance and democracy in liberal and‬‬ ‫من‬ ‫الكثير‬ ‫ففي‬ ‫الدول‪،‬‬ ‫تلك‬ ‫في‬ ‫باالستثمار‬ ‫‪authoritarian market economics, Stockholm:‬‬ ‫‪Glasshouse Forum‬‬ ‫تحسن الوضع االقتصادي‬ ‫الدول األوربية وبعد ّ‬ ‫”‪9- Lane, Jan-Erik & Ersson, Svante, 1998,‬‬ ‫حيث أصبح المواطن مكتفيا اقتصاديا نشأت‬ ‫‪Culture and politics. A comparative ap‬‬‫مات�ليازم؛ أي القيم ما بعد المادية‪،‬‬ ‫قيم البوست ي‬ ‫‪proach”, MPG Books Ltd, Bodmin, Cornwall,‬‬ ‫‪Britain‬‬ ‫الفرد إلى‬ ‫في إطار تلك القيم الناشئة اتجه ُ‬


15

‫ مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬- ‫سور َمي‬

17- Olson, M. 2000, Power and Prosperity, New york: Basic Books 18- Buenode Mesquita, J., Morrow, J., Siverson, R., & Smith, A. 2001, Political competition and economic growth, 12, 5872 20- ‫المصدر السابق‬ 21- ‫المصدر السابق‬ 22- Doucouliagos, H. & Ulubasoglu, M. 2008, Democracy and economic growth: A metaanalysis, American Journal of Political Science, 52, 61-83 23- Przewroski, A., Alvarez, M., Cheibub, J. & Limongi, F. 2000, Democracy and development, Cambridge: Cambridge University Press 24- Björkman, Li Bennich & Blomqvist, Paula, 2008

10- Olsson, Stefan, 2000, Den svenska hogerns anpassning till demokratin, printed in Sweden by Elanders Gotab, Stockholm 11- Denk, Thomas, 2009 ”Politisk kultur”, 11 upplagan, Sahara Printing, Egypten 12- ‫المفوضية العليا لالنتخابات في السويد‬http://www. val.se/val/val2014/slutresultat/R/rike/index. html 13- Nyvalda hogerextrema I Europa, Max Bystrom, 23 december 2014, SvD.se http://www.svd.se/nyheter/valet2014/ nyvalda-hogerextrema-partier-i-europa_3603352.svd 14-Kurzman, Werum & Burkhart, 2002 15- Huntington, S. & Dominguez, J. 1975, Political development I F, Greenstein & W, Nelson, Macropolitical theory, Reading: Addison-Wesley 16- Smith, A. 1976, An inquiry into the nature and causes of the wealth of the nations, Chicago: University of Chicago Press


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪16‬‬

‫الديمقراطية العابرة للحدود‬ ‫نحو بناء معرفة بديلة‬ ‫‪P‬‬

‫عزيز توما‬

‫المعرفة الصحيحة اليمكن أن تنهض إال عىل أنقاض المعرفة الخاطئة‪.‬‬ ‫غاستون باشالر‬ ‫فكّر انطالقا من ذاتك‬ ‫هيجل‬ ‫تهدف هذه الدراسة إلى بناء مقاربة‬ ‫ابستمولوجية ألنماط من الثقافات‪ ،‬وبنى‬ ‫تتصل بالديمقراطية‪ ،‬والصعوبات التي‬ ‫فكرية‬ ‫ُ‬ ‫تحول دون تطبيقها‪ ،‬وصوال إلى تفكيكها ثم‬ ‫إعادة بنائها طبقا لترسيمات العصر‪ ،‬كما‬ ‫ستتناول السياقات الفكرية واالجتماعية‬ ‫المرتبطة بالموضوع ‪ -‬الهدف انطالقا من‬ ‫مقاربة استكشافية للواقع الثقافي‪ ،‬ومحاوالت‬ ‫اختراقه بوصفه فضاءا يتّسع لتباينات بال‬ ‫التصدي لمحورية بعض النقاط‬ ‫قاع‪ ،‬ويمكننا‬ ‫ّ‬ ‫تجنب‬ ‫التي تبدو عائمة وفق أطر فكرية‪ ،‬مع ّ‬ ‫التسطيح والتبسيط‪ ،‬ألننا معنيون بضرورة‬ ‫التحديث المستقبلي في عالمنا الذي مازال‬ ‫يعاني من أفخاخ الميتافيزيقيا وتضخيمها‪،‬‬ ‫وبضرورة اللحاق بركب التاريخ‪.‬‬ ‫أن المشروع‬ ‫ليس خافيا على أحد ّ‬ ‫الديمقراطي المتمثّل في تحقيق الفكرة الكونية‪/‬‬ ‫العالمية أصبح ضرورة من ضرورات‬ ‫العصر‪ ،‬ويكفي أن يدّلل اإلنسان على هذا‬ ‫بواقعة انتقال األفكار والتقنيات على حد‬ ‫ألن الديمقراطية نوع‬ ‫سواء ‪ -‬عبر الحدود‪ّ ،‬‬ ‫من التعبير عن الذات اإلنسانية وتطلعاتها‬ ‫في فضاء من المساواة والعدالة‪ ،‬إو�ن شئنا‬ ‫يتميز بعالمية الفعل‬ ‫إيذانا لعصر جديد‬ ‫ّ‬ ‫وبتعميم القيم الحداثية‪ ،‬يمكن القول ‪ -‬بحسب‬

‫أن هذا المسعى كان له‬ ‫الفيلسوف هابرماز ‪ّ -‬‬ ‫الفضل في تحقيق نبوءات كانط في مجتمع‬ ‫العقالنية المظّفرة في الغرب األوروبي‪ ،‬فإذا‬ ‫كانت الديمقراطية نزعة استطاع الغرب‬ ‫يوجه‬ ‫الحديث في رحلة الصراع هذه أن ّ‬ ‫التفكير إلى حيث ينتزع اإلنسان ذاته من‬ ‫موقع االستالب‪ ،‬والتهميش‪ ،‬واإللغاء وفق‬ ‫فإنه‬ ‫سياق فلسفي ووجودي معّقد ومركب‪ّ ،‬‬ ‫استطاع إثبات جدارة اإلنسان ببناء عالمه‬ ‫الخاص وتحسين شروط وجوده‪ ،‬وهذا ال‬ ‫يتأتّى إال بفتوحات العقل الحداثي‪ /‬كانط‪.‬‬ ‫لكن رغم التوصيف الذي أوردناه آنفا‪،‬‬ ‫تتلبس فكرة الديمقراطية لبوسا أيديولوجيا‪،‬‬ ‫فقد ّ‬ ‫مثلها فكرة الثورة وفكرة االشتراكية‪ ،‬فالطرح‬ ‫األيديولوجي للديمقراطية قد يرى البعض فيه‬ ‫مفتاحا سحريا للمعضالت الكامنة في الواقع‪،‬‬ ‫مثله مثل سائر المفاتيح العجائبية كضامنة‬ ‫للنقلة النوعية باتجاه استتباب قيم العصر‬ ‫من غير مجهود‪ ،‬أو تراكم زمني‪ ،‬ما يغيب‬ ‫أن الديمقراطية ذاتها‬ ‫عن الوعي األيديولوجي ّ‬ ‫ألي باب تحتاج هي‬ ‫وقبل أن تكون مفتاحا ّ‬ ‫ولعل بابها ال ينفتح إال بعد‬ ‫ذاتها إلى مفتاح‪ّ ،‬‬ ‫أن تفتح سائر األبواب األخرى‪ ،‬على األقل‬ ‫بالتواقت معها‪ ،‬لذا فهي ذاتها تخضع‬ ‫للمشروطية قبل أن تكون آلية للحكم بوصفها‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫ثقافة وممارسة حضارية‪ ،‬فبدون ثقافة الدول المتقدمة‪ ،‬وخلو «ثورات‬ ‫الديمقراطية تخرج الديمقراطية عن سياقها العربي» من مشروع يهدف إلى‬ ‫الطبيعي للتأدلج‪ ،‬فتغدو مشكلة بدال من أن المجتمع ثقافيا وقيميا (أدونيس ي ف�‬ ‫أ‬ ‫خ�ة ي ف� القاهرة)‪.‬‬ ‫تكون حال للمشكالت‪.‬‬ ‫ال ي‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬هل ثمة إمكانية لتطبيق‬ ‫الديمقراطية في جميع البلدان بال تمييز‪ ،‬أم‬ ‫ّأنها صيغة تتناسب مع مجتمع معين؟ بال‬ ‫شك ثمة تباينا في وجهات النظر حول هذه‬ ‫القضية الشائكة‪ ،‬فثمة من يرفض تعميم‬ ‫الديمقرطية بوصفها حك ار على وقائع خاصة‬ ‫دون غيرها‪ ،‬ويعتبر الغرب المسيحي الساحة‬ ‫لتقبل قيم العصر والسيما‬ ‫األكثر تالؤما ّ‬ ‫العلمانية‪ ،‬وفصل الدين عن السياسة‪،‬‬ ‫فالعلمانية شرط فلسفي‪ ،‬تاريخي‪ ،‬واجتماعي‬ ‫أن‬ ‫وعنصر داعم لتحقيق الديمقراطية‪ ،‬رغم ّ‬ ‫تحقيقها احتاج إلى جهد مضاعف بسبب‬ ‫فج في الحياة‬ ‫ّ‬ ‫تدخل الكنيسة على نحو ّ‬ ‫ى‬ ‫السياسية‪ ،‬ولم تنشأ االختراقات الكبر لنظام‬ ‫عقل الكنيسة وعملها إال بضحايا كثر‪ ،‬ولم‬ ‫تولد حركات اإلصالح الديني على يد بعض‬ ‫الالهوتيين إال بعناء شديد‪ ،‬وهناك من يرى‪،‬‬ ‫بأن الشعوب‬ ‫ومنهم الفيلسوف جون ستيوارت ّ‬ ‫التي لم تبلغ النضج على المستوى الثقافي‬ ‫والمعرفي‪ ،‬ال يمكنها أن تستفيد من إمكانات‬ ‫أن نظام االستبداد‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬ويقول ّ‬ ‫مشروع كنمط من أنماط الحكم‪ ،‬شريطة أن‬ ‫تكون الغاية المنشودة في إصالح الشعوب‪،‬‬ ‫فالديمقراطية ال تشتغل في دولة قبل أن‬ ‫يدركها الناس ويدركوا ممارستها‪ ،‬وتكون‬ ‫لديهم القدرة على تحسين أوضاعهم بالمناقشة‬ ‫الحرة على قدم المساواة (جون ستيوارت‪ ،‬أسس‬ ‫أ‬ ‫فإن‬ ‫ب‬ ‫اللي�الية‪ ،‬المجلد الول‪ ،‬ص ‪ ،)101‬وعليه ّ‬ ‫الديمقراطية ال تتأتى إال في مجتمع ناضج‬ ‫ثقافيا‪ ،‬مجتمع يدرك تقاليد الممارسة‬ ‫الديمقراطية بامتياز‪ ،‬من هنا يمكن تفسير‬ ‫كثرة االنقالبات العسكرية في دول عالم‬ ‫الثالث‪ ،‬ولكن من غير الممكن أن نجدها في‬

‫أزمة عقل أم أزمة ثقافة‬

‫‪17‬‬

‫الربيع‬ ‫تغيير‬ ‫مقابلته‬

‫إن عددا ال يحصى من المفردات‬ ‫ّ‬ ‫أصبحت قيد التداول‪ ،‬ومفردة الديمقراطية‬ ‫هي األكثر شيوعا في هذا الصدد في‬ ‫المجتمعات العالم الثالثية الراهنة‪ ،‬وخاصة‬ ‫تم التواصل مع المجتمعات الغربية‪،‬‬ ‫منذ أن ّ‬ ‫وهي مفردات ولدت فجأة بواسطة النقل عن‬ ‫لكن‬ ‫اللغات األجنبية بواسطة اللغة العربية‪ّ ،‬‬ ‫من دون إعادة التأسيس لها فلسفيا‪ ،‬لذا بقيت‬ ‫مجرد معلومات تُضاف إلى الثروة الثقافية‬ ‫ّ‬ ‫العربية المكونة من معتقدات دينية واجتماعية‬ ‫موروثة من األسالف‪ ،‬وفي أكثر األحيان‬ ‫شفهية لدى السواد األعظم من الناس‪ ،‬مع‬ ‫غياب المؤلفات العلمية والفلسفية‪ ،‬في حين‬ ‫استحوذت الكتب الدينية على كل المجال‬ ‫المعرفي‪ ،‬وفي التصورات األولى للديمقراطية‪،‬‬ ‫جرى االهتمام بمظاهرها وشكلياتها على‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬فبدال من إعادة تأسيسها في‬ ‫يتم استخدامها كترف فكر ّي‬ ‫البيئة الجديدة‪ّ ،‬‬ ‫أن الحداثة األوربية التي‬ ‫ال أكثر‪ ،‬علما ّ‬ ‫أنتجت هذه األفكار منذ عصر األنوار‪،‬‬ ‫تم االعتماد عليها‬ ‫وأسست لمرجعية فكرية ّ‬ ‫لحل مشكالت اإلنسان المعاصر‪ ،‬لم تبتكرها‬ ‫ّ‬ ‫دفعة واحدة إنما أخذت وقتا طويال تالزما مع‬ ‫ظروف سابقة‪ ،‬أفضت إلى نشوء فكر مميز‪،‬‬ ‫لكل نشاط‬ ‫يجعل من الذات المنطلق والنهاية ّ‬ ‫ومرد قيمتها الفعلية إلى مصدرها‬ ‫إنساني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لكل الممارسات‪،‬‬ ‫اإلنساني الذي يؤسس ّ‬ ‫وتتميز هذه‬ ‫ويشكل شرط إبداع الحقيقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذات بنشاط وفاعلية انطالقا من أحكام‬ ‫العقل‪ ،‬في عالقة قصدية يتوجه من خاللها‬


‫‪18‬‬

‫تبني‬ ‫تم ّ‬ ‫نحو العالم بأدواته القبلية‪ ،‬أما إذا ّ‬ ‫األفكار من دون إخضاعها للمحاكمة العقلية‬ ‫فلن تنبت هذه األفكار في التربة الجديدة‪،‬‬ ‫ستظل هكذا من دون فاعلية‪.‬‬ ‫ولن تولد‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫إن النهضة الحقيقية عليها أن تبدأ‬ ‫ّ‬ ‫بالتساؤل عن إمكانية نقل فكر برمته إلى‬ ‫الواقع حتى يتجسد فيه‪ ،‬ويمنحه شكال مناسبا‬ ‫للواقع المختلف‪ ،‬حيث كان نشوؤه األول‪ ،‬أو‬ ‫إمكانية تطويع الواقع ليتالئم مع الفكرة‬ ‫فإن األفكار‬ ‫الصادرة عن واقع آخر‪ ،‬وهكذا ّ‬ ‫حين يتم انتقالها من وسط إلى آخر دون‬ ‫التأسيس لها تغدو الزمنية والمكانية‪ ،‬بل‬ ‫صورية باهتة‪ ،‬واقعة خارج التاريخ إلى عالم‬ ‫أن‬ ‫ظن البعض ّ‬ ‫غارق في جموده‪ ،‬فإذا ّ‬ ‫يتم ببساطة‪ ،‬فهذا محض‬ ‫ترسيخ األفكار ّ‬ ‫ألن نزعها عن موطنها من غير‬ ‫جنون‪ّ ،‬‬ ‫استعداد قد يفقدها حيويتها ويحوّلها إلى‬ ‫أصنام‪ ،‬أما الكالم عن أزمة الفكر أو الوعي‬ ‫أو الثقافة‪ ،‬وغيرها من األزمات التي مازال‬ ‫يجري تداولها لإلشارة إلى عدم سريان‬ ‫التصورات التي نسجت بعد تبني أفكار‬ ‫ثم اختيارها في الوسط العربي‬ ‫الحداثة‪ّ ،‬‬ ‫اعتباطا‪ ،‬ويمكن تفسير أسباب األزمة بالغيبية‬ ‫األسطورية‪ ،‬والجهل‪ ،‬والتخلف‪ ،‬والتعصب‪،‬‬ ‫أو الخوف من القادم الجديد‪ ،‬غير ّأنها‬ ‫ألنه يمكن للعقل أن يولد‬ ‫أسباب غير كافية‪ّ ،‬‬ ‫في عالم األسطورة والغيب والجهل‪ ،‬شريطة‬ ‫ألن القطيعة‬ ‫إجراء القطيعة معها وتجاوزها‪ ،‬و ّ‬ ‫تتم فكان السعي إلى العودة إلى األصوليات‬ ‫لم ّ‬ ‫المعاصرة‪ ،‬المتمثلة بالهواجس التي تستهدف‬ ‫العقل وممارسته‪ ،‬بغية تقييده ورميه خارجا‪.‬‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫بين منطقين‪ ،‬بين العلم واألسطورة‪ ،‬ويدخل‬ ‫الدين في مواجهة الحداثة‪ ،‬بعد أن يغدو أداة‬ ‫صراع إيديولوجي دون أن يستطيع اإلجابة‬ ‫على أسئلة العصر‪ ،‬فينتهي إلى النزول إلى‬ ‫ويتحول إلى‬ ‫القواعد الصارمة المتحجرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نتاج أيديولوجي للتاريخ‪ ،‬وهنا تستنهض‬ ‫الثروة اإليمانية المناضلة الموجودة في‬ ‫الذاكرة الجماعية‪ ،‬وتستنهض معها التيارات‬ ‫اإلسالمية‪ .‬فهل تؤمن هذه التيارات‬ ‫بالديمقراطية أم هي وسيلة للوصول إلى‬ ‫السلطة ثم نفيها؟‬ ‫الحركة اإلسالمية والديمقراطية‬

‫الحديث عن الدين أو عن أنساق متصلة‬ ‫بالدين يقودنا الحديث عن الشرعية‪ ،‬وعن‬ ‫السلطة‪ ،‬واأليديولوجيا‪ .‬األنساق هذه تخلق‬ ‫شبكة من التضامنات الروحية والثقافية‪،‬‬ ‫ويربط األفراد مع األسالف بروابط تفخيمية‪،‬‬ ‫يجد فيها الفرد إجابات عن أسئلة ميتافيزيقية‪،‬‬ ‫تصو ار‬ ‫كما يجد راحة نفسية ويعيش بواسطتها ّ‬ ‫محددا للعالم في مجتمع ما‪ ،‬وفي هذا الصدد‬ ‫(أن التراث ليس له‬ ‫يعتقد نرص حامد أبو زيد ّ‬ ‫يتغير ويتبدل‪،‬‬ ‫مستقل عن واقع‬ ‫وجود‬ ‫حي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يعبر عن روح العصر‪ ،‬وتكوين الجيل‪،‬‬ ‫ومرحلة التطور التاريخي‪ ،‬فليس التراث –‬ ‫كما يقول – مجموعة من العقائد النظرية‬ ‫الثابتة والحقائق الدائمة التي ال تتغير‪ ،‬بل‬ ‫هو مجموع تحققات في ظرف معين‪ ،‬وفي‬ ‫موقف تاريخي مجدد) (مفهوم النص – ص‪)16‬‬ ‫البد من أن ترافقه‬ ‫فالواقع‬ ‫متجدد دوما‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫تبدالت في القوانين‪ ،‬وتراكم في التجارب‬ ‫أول خطر على الديمقراطية ّإنما يأتي بال إو�حداث صدمات كونية بواسطة نشاط العقل‬ ‫شك من الحقائق النهائية‪ ،‬واالطالقيات التي الزمني الذي يعتمد على قدراته الذاتية‪.‬‬ ‫هي سمة الميتافيزيقيا‪ ،‬وفي هذا المناخ‬ ‫بدأ في اآلونة األخيرة االهتمام بموضوع‬ ‫االطالقي يحظى العنف بكل تقدير‪ ،‬ويصبح‬ ‫القمع مالزما للحق المقدس ّوتنبثق المواجهة الديمقراطية وممارستها إو�مكانية تطبيقها في‬ ‫ّ‬ ‫واقع مختلف جذريا‪ ،‬وتزامن مع هذا االهتمام‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫نشاط الحركات اإلسالمية في المجال‬ ‫تبنت لنفسها خطابا إيديولوجيا‪،‬‬ ‫السياسي‪ ،‬إذ ّ‬ ‫وحاولت أن تستبدل بنى الحداثة ببناها‪،‬‬ ‫أهم قضية؛ أال وهي‬ ‫وسعت إلى مناقشة ّ‬ ‫قضية الديمقراطية‪ ،‬في محاولة حثيثة لربط‬ ‫مفاهيم العصر باألصول الدينية وصوال إلى‬ ‫تحدي اآلخر‪ ،‬باالعتماد على قوتها الذاتية‪،‬‬ ‫فإن تلك الحركات قدمت نفسها‬ ‫وعليه ّ‬ ‫أي مشروع‬ ‫كمشروع بديل وجديد‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫حضاري ال تكون الديمقراطية ركيزة أساسية‬ ‫وحيوية في تكوينه مصيره الفشل‪ ،‬ألننا‬ ‫نعيش في عالم منفتح تصبح فيه التعددية‬ ‫شرطا الزما للحياة والتعايش بين البشر‪.‬‬ ‫والمتتبع هنا لهذه التيارات األصولية المناضلة‬ ‫أن لها منحى سياسيا واضحا‪ ،‬يطغى‬ ‫يستنتج ّ‬ ‫على الجوانب األخرى الثقافية والفكرية‪،‬‬ ‫ومرد ذلك البحث عن مبرراتها في الدين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وعودة الحاكمية هلل التي اعتمدتها ركيزة‬ ‫لحركيتها‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫شعارات‪ ،‬بل ممارسة حقيقية لها أسسها في‬ ‫الواقع السياسي المعاصر‪ ،‬وغدت مفاعيلها‬ ‫تشتغل في الساحة العالمية غير آبهة بمنطق‬ ‫األسوار العالية التي أقامها مناصرو الفكر‬ ‫األسطوري الذي انحدر إلى التقليدية بعد أن‬ ‫ولعل رد الفعل على هذه‬ ‫جوبه بالحداثة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العملية يمثّل جوهر األصولية السلفية التي‬ ‫عادة ما تتبع نهج إرادة القوة في تحقيق‬ ‫غاياتها‪.‬‬ ‫نحو ثقافة بديلة‬

‫أن الديمقراطية ال‬ ‫هنا البد من االستنتاج ّ‬ ‫تنشأ بمعزل عن الثقافة‪ ،‬والثقافة هي تراكمات‬ ‫من المعارف والتجارب‪ ،‬فالديمقراطية ليست‬ ‫إذن حقيقة واقعية بذاتها‪ ،‬مثلها مثل العلم‪،‬‬ ‫حاضرة في مجال معطى مباشرة‪ ،‬إو�ّنما‬ ‫ممارسة حضارية تنبذ التباين في الحقوق‪،‬‬ ‫ولكن ما الذي دفع بثورات الربيع العربي إلى‬ ‫شتاء قارس؟! لماذا غاب المشروع الديمقراطي‬ ‫في أدبيات الثورات العربية؟! ال أحد بوسعه‬ ‫هز الكثير من‬ ‫أن هذا الحراك قد ّ‬ ‫انكار ّ‬ ‫لكنه افتقر إلى الهدف الذي يرمي‬ ‫اليقينيات‪ّ ،‬‬ ‫إلى تغيير المجتمع؛ أي تغيير ثقافة المجتمع‪،‬‬ ‫لهذا قام بتشريع العنف كإثبات للذات‪ ،‬بهذا‬ ‫فقد تساوى مع االستبداد‪ ،‬وغاص في دهاليز‬ ‫الذاكرة المتكّلسة في صيغة هستيرية مفعمة‬ ‫بالعنف‪ ،‬فلم يعد باإلمكان الحديث عن‬ ‫الديمقراطية الموعودة‪ ،‬لقد دخلت المنطقة‬ ‫كل أشكال‬ ‫في صراع وجودي وشهدت ّ‬ ‫اإلقصاء المتاحة عبر تنشيط البنى الالاواعية‬ ‫المطالبة بالعودة الصافية إلى األصول‪ ،‬تلك‬ ‫تتميز بـ عبادة البدايات‪ /‬حسب‬ ‫البنى التي ّ‬ ‫سيوران‪.‬‬

‫أما بخصوص فصل الدين عن الدولة في‬ ‫الفكر اإلسالمي الحديث‪ ،‬فترى هذه الحركات‬ ‫الى عدم الحاجة الفصل بين السلطات‬ ‫ألن المعيار‬ ‫التنفيذية والقضائية والتشريعية‪ّ ،‬‬ ‫لضمان الحريات في اإلسالم هو تطبيق‬ ‫الشريعة السيما الشورى والعدالة‪ ،‬لكن دون‬ ‫أن الشرائع تخضع إلى‬ ‫األخذ في االعتبار ّ‬ ‫حد كبير للتاريخانية‪ ،‬وتقع في المحصلة في‬ ‫لتتحول في النهاية إلى‬ ‫فخ خديعة العقل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدرجة الدنيا من نتاج أيديولوجي للتاريخ‪،‬‬ ‫وفي الوقت ذاته‪ ،‬يحاول البعض اعتبار‬ ‫الديمقراطية نتاج ظروف اقتصادية وثقافية‬ ‫واجتماعية مختلفة تماما عن البيئة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬مما يجعل تأثيرها صعبا على‬ ‫المجتمعات اإلسالمية‪ ،‬من جهة أخرى ال‬ ‫يمكن راهنا تجاهل األفكار العابرة للحدود‬ ‫حل نسبي لموضوع الديمقراطية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إن أي ّ‬ ‫حد لهذا العنف الدامي البد من أن‬ ‫ّ‬ ‫ألنها نشطت في الدولة المدنية الحديثة‪ ،‬ولم ووضع ّ‬ ‫أو‬ ‫لفظي‬ ‫تعبير‬ ‫د‬ ‫مجر‬ ‫اطية‬ ‫ر‬ ‫الديمق‬ ‫د‬ ‫تع‬ ‫يمر عبر قطيعة تاريخية تطرح مسألة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬


‫‪20‬‬

‫االنتقال من الذهنية األسطورية إلى إمكانات‬ ‫العقل‪ ،‬ليشعر الفرد بضرورة الحرية والمجتمع‬ ‫وهم‪ ،‬إو�ذا لم‬ ‫المدني‪ّ ،‬‬ ‫فكل عودة إلى الماضي ٌ‬ ‫تتمكن الشعوب من تجاوز األزمة المرتبطة‬ ‫بهذه العودة الحنينية إلى الماضي‪ ،‬فستبقى‬ ‫على الهامش لتغور في حواشي التاريخ‪،‬‬ ‫صنع‬ ‫حيث من الصعب الخروج منها‪ ،‬فما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عظمة الغرب هو االستفادة من إبداعات‬ ‫العقل‪ ،‬من خالل فتح حوارات مع أنماط‬ ‫وجود ال ترقى إلى زمن تاريخي واحد‪ ،‬وال‬ ‫إلى منظومة واحدة من األفكار (داريوش‬ ‫ق‬ ‫السا�‬ ‫شايكان‪ ،‬أوهام الهوية‪ ،‬ت‪ :‬محمد مقلد‪ ،‬دار ي‬ ‫‪ -‬ص ‪)116‬‬

‫لقد فتحت «الثورات العربية» أفقا جديدة‪،‬‬ ‫وكشفت النقاب عن وعي لم يكن بمستوى‬ ‫التغيير الجوهري في بنية المجتمعات‪ ،‬كما‬ ‫حل المشكالت المعقدة‪ ،‬فلن‬ ‫لم تكن بمستوى ّ‬ ‫يتحّقق أي شيء طالما بقيت مستويات‬ ‫أن األحادية‬ ‫الوعي متدنية‪ ،‬ولن يتحقق طالما ّ‬ ‫كل ذلك هو األستبداد‬ ‫مسيطرة‪ ،‬ومآل ّ‬ ‫السياسي واالضطهاد الديني‪ ،‬واإلرهاب‬ ‫الكل‬ ‫العقائدي والفكري‪ ،‬ذلك ُ‬ ‫حيث يتماهى ّ‬ ‫مع الواحد األحد‪ ،‬ويطغى الجمعي فيها على‬ ‫كل أشكال‬ ‫الفردي‪ ،‬ويسعى إلى إزالة ّ‬ ‫ألن األحادية ترادف‬ ‫االختالف والتعارض‪ّ ،‬‬ ‫الظالمية‪ ،‬وتنظر إلى الديمقراطية على ّأنها‬ ‫بدعة وضاللة‪ ،‬فمسعى الخطاب األصولي‬ ‫ّأنه ‪ -‬بنزوعه إلى األصل ‪ -‬ينزعُ إلى أن‬ ‫يصبح هو األصل عبر البحث عن أصالة‬ ‫مفقودة‪ ،‬شكل يستنبطه الفكر من بين أشكال‬ ‫أخرى أبرزها الدوغمائية الشديدة الخطورة‬ ‫ن‬ ‫المع�‪ /‬مجلة شؤون أدبية‪،‬‬ ‫(عل حرب‪ ،‬حول‬ ‫ي‬ ‫العدد ‪ 5‬ص ‪.)86‬‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫الفيلسوف سقراط إلى المحاكمة عام ‪399‬‬ ‫حيث كانت من أشهر المحاكمات في‬ ‫ق‪.‬م‪ُ ،‬‬ ‫التاريخ اإلنساني‪ ،‬وبحضور الفيلسوف‬ ‫أفالطون الذي كان أحد تالمذته‪ ،‬فقد كشف‬ ‫أفالطون عن زيف النظام القضائي في‬ ‫الديمقراطية األثينية‪ ،‬واتهمه بالخلل وعدم‬ ‫احترام حرية الفكر‪ ،‬أما االتهام الذي ُو ّجه به‬ ‫سقراط فيتعّلق بمحاولته إفساد الشباب من‬ ‫لكن هذا االتهام ال‬ ‫خالل تعاليمه الفلسفية‪ّ ،‬‬ ‫ألن‬ ‫يمكن أن يكون سببا للمحاكمة؛ ّ‬ ‫الديمقراطية األثينية كانت معروفة بدفاعها‬ ‫أن دعوة سقراط‬ ‫عن حرية الرأي والفكر‪ ،‬بيد ّ‬ ‫كانت واضحة‪ ،‬وهي العناية بالنفس لتسمو‬ ‫إلى غاية الفضيلة‪ ،‬لكن بدت المحاكمة‬ ‫سياسية محضة‪ ،‬هدفها النيل من الفيلسوف‬ ‫سقراط وألسباب واهية‪.‬‬ ‫رغم األخطاء التي وقعت‪ ،‬حارب‬ ‫اآلثينيون من أجل الديمقراطية إلى الرمق‬ ‫األخير‪ ،‬هنا رغم أننا نتعاطف مع سقراط‪،‬‬ ‫لكن ال‬ ‫ونتفهم المؤامرة التي حيكت ضده‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫غنى من االحتفاء بهذه الديمقراطية األثينية‬ ‫الوليدة التي مازال الشرق يجهلها‪ ،‬ويجهل‬ ‫يتحدد‬ ‫أن الشرق ّ‬ ‫مفاعيلها الثقافية‪ ،‬صحيح ّ‬ ‫بسياق ثقافي مختلف عن الغرب‪ ،‬لكن البد‬ ‫من االتفاق على القيم الكبرى المتمّثلة‬ ‫بالحرية والديمقراطية‪ ،‬والبد من إحداث‬ ‫تغييرات جوهرية داخل أشكال تراثية غير‬ ‫مالئمة‪ ،‬وبناء توليفات خالّقة إلصالح ما‬ ‫يمكن إصالحه‪ ،‬للدخول إلى العصر من‬ ‫أوسع أبوابه‪.‬‬

‫إن التغيير المرادف للتطور مرتبط أوال‬ ‫ّ‬ ‫باإلنسان على المستوين المادي والذهني‪،‬‬ ‫أن اإلنسان هو الكائن األكثر‬ ‫وهذا يعني ّ‬ ‫تفوقا في العالم‪ ،‬وال يعامل العالم على ّأنه‬ ‫دموع سقراط‬ ‫انطالقا من مبادئ الديمقرطية القائمة قدر‪ ،‬بل يعامله بصورة تغييرية ثورية‪ ،‬يعيد‬ ‫على احترام حرية الرأي والفكر‪ ،‬تم تقديم تكوينه بشكل واع وهادف‪.‬‬ ‫ّ‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫اإلنسان بالمعنى التغييري الصاعد هو‬ ‫سيد العصر‪ ،‬يتوق إلى الحياة الحرة ‪ ،‬فال‬ ‫قيمة ألمر‪ ،‬ما لم يكن في خدمة اإلنسان‬ ‫واستقالله وسعادته‪ ،‬وكذا تعامله مع العالم‬ ‫في بحث مستمر‪ ،‬هذا العالم الدائم الحاجة‬ ‫إلى الكشف‪ ،‬وهذا المبدأ يمنحه في صراعه‬ ‫مع العالم الثقة المطلقة بقوته‪ ،‬وقدرة التغلب‬ ‫على الطبيعة في تغييرها‪ ،‬جارفا في طريق‬

‫‪21‬‬

‫تطوره التاريخي أشكال االستعباد والظلم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واضعا الموجود في خدمة مصالحه‪ ،‬فال‬ ‫تحول إال بانخراط هذه الشعوب‬ ‫نجاح ّ‬ ‫ألي ّ‬ ‫في عملية التعليم والتثقيف‪ ،‬وهكذا اختتم‬ ‫أن الديمقراطية تحتاج إلى‬ ‫الكالم‪ ،‬ألقول ّ‬ ‫تربة ثقافية صالحة‪ ،‬إو�ن لم تتوفر هذه التربية‬ ‫تغدو الديمقراطية ذاتها مشكلة بدال من أن‬ ‫تكون حال‪.‬‬


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪22‬‬

‫ماهية الديمقراطية ونشأتها واشكاالتها النظرية والتطبيقية‬ ‫‪P‬‬ ‫فرحان كلش‬ ‫من الخطأ الحديث عن تاريخ للديمقراطية‬ ‫من لحظة بدء تناولها كمصطلح‪ ،‬فهي وقبل‬ ‫أن تدخل في قواميس اللغات القديمة كانت‬ ‫جزءا من فعل االشتباك بين البشر كأفراد‬ ‫حيث كان ما يمكن‬ ‫وكجماعات مختلفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بتسميته بشبح الديمقراطية يجول فضاءات‬ ‫الالوعي في مجمل الصراعات بين التكوينات‬ ‫البشرية‪ ،‬بل ومخيلة كل المصطرعين‪ ،‬إو�ن‬ ‫حد ادراكه واصطالحه‬ ‫لم يعلموا ويصلوا ّ‬ ‫فكل صراع على السلطة ومنذ قابيل‬ ‫كمفهوم‪ّ ،‬‬ ‫مبرر هذا الصراع‬ ‫وهابيل (مهما كان ّ‬ ‫ونتائجه) كانت الديمقراطية هي جزءا من‬ ‫ألنها‬ ‫األرضية التي تؤدي الى هذا الصراع‪ّ ،‬‬ ‫نتيجة رغبة طرف في استعادة ما يعتقد أنه‬ ‫يستحقه‪ ،‬سواء أكان االستحقاق ماديا أم‬ ‫معنويا‪ ،‬واذا كانت الثورة الفرنسية من أرقى‬ ‫فتأمل في هذا الشعار‬ ‫الثورات في التاريخ ّ‬ ‫للثورة (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)‬ ‫وهذا يشير الى أن المستوى الذي بلغته‬ ‫الديمقراطية التي عبرت حقبات من الصراع‬ ‫الدموي‪ ،‬وما زالت تعيش حالة من الصراع‬ ‫حولها فكريا وتطبيقيا‪.‬‬ ‫نشأة الديمقراطية‪:‬‬

‫أن الديمقراطية نشأت صدفة‪ ،‬بل‬ ‫ال أعتقد ّ‬ ‫هي نتاج صراعات سياسية ودموية‪ ،‬نشأت‬ ‫ديالكتيكيا وتراكميا عبر مراحل متعددة‪،‬‬ ‫فديمقراطية أثينا هي نتيجة منطقية للصراعات‬ ‫بين المدن األغريقية‪ ،‬وداخل المجتمع‬ ‫األثيني بالذات‪ ،‬األمر الذي ساهم وعلى‬ ‫قاعدة الحق في تحقيق تكيف مجتمعي سمي‬ ‫بالديمقراطية األثينية‪ ،‬فلم يكن هناك ملك‬

‫قوي اليجاد سلطة مركزية‪ ،‬وما يمكن تسميته‬ ‫بالسلطة االدارية منقسمة على عدة مدن‬ ‫أحيانا‪ ،‬متصارعة‪ ،‬وحتى الحروب التي‬ ‫خاضوها تمت تحت صيغ تحالفية لدرء‬ ‫الخطر الخارجي (الحرب مع الفرس مثاال)‪،‬‬ ‫ورؤية االغريق الفلسفية الى مسائل الموت‬ ‫والخلود‪ ،‬والتكاتف في الحروب خلق وعيا‬ ‫بالمساواة بين المواطنين‪ ،‬ويمكننا أن نق أر في‬ ‫التاريخ األثيني ّأنها مدينة يونانية قديمة‬ ‫أسسها الملك ككروبس‪ ،‬وكان نصفه رجال‬ ‫ونصفه اآلخر ثعبانا‪ ،‬وفصل في النزاع بين‬ ‫اإللهين بوسيدون الذي أوجد الحصان‪ ،‬وبين‬ ‫اآللهة أثينا التي أوجدت شجرة الزيتون حول‬ ‫الوصاية على المدينة التي أنشأها‪ ،‬وحكم‬ ‫لمصلحة أثينا لكون الزيتون أنفع للبشر‪،‬‬ ‫فأطلق اسمها على مدينته‪ ،‬ويمكن أن أشير‬ ‫إلى أولى ارهاصات الديمقراطية األثينية في‬ ‫القرن السابع قبل الميالد‪ ،‬حينما برزت طبقة‬ ‫األثرياء الجدد نتيجة التجاء أثينا الى اقامة‬ ‫مستعمرات لها في البحر المتوسط‪ ،‬خاصة‬ ‫في صقلية وجنوب ايطاليا‪ ،‬فزادت الحركة‬ ‫التجارية‪ ،‬فبرزت فئة من المستفيدين من هذا‬ ‫التوسع اقتصاديا‪ ،‬فحاولت أن تحصل على‬ ‫امتيازات تنسجم مع وضعها االقتصادي‬ ‫الناشئ‪ ،‬وقد يكون قد حصلت محاولة‬ ‫انقالبية على ما هو قائم‪ ،‬فاستشعر الجميع‬ ‫خطر خروج الوضع من تحت السيطرة‪،‬‬ ‫خاصة طبقة النبالء المستفيدة تماما من‬ ‫الوضع القائم‪ ،‬فبدأت فكرة المشاركة في‬ ‫السياسة‪ ،‬فحاول الملك دراكون‪ ،‬ومن بعده‬ ‫بعدهم‬ ‫ومن‬ ‫ق‪.‬م)‬ ‫صولون(‪593‬‬ ‫ي ن‬ ‫كاليسثين�(‪ 507‬ق‪.‬م) باجراء اصالحات‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪23‬‬

‫ومنح األثرياء الجدد امتيازات‪ ،‬وبذلك أقيم تمثال لها وسط أثينا في أواخر القرن‬ ‫توسعت قاعدة المشاركة في الحكم‪ ،‬وهذا الرابع ق‪.‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اطية‪،‬‬ ‫ر‬ ‫الديمق‬ ‫نحو‬ ‫األولى‬ ‫للخطوة‬ ‫تأصيال‬ ‫كان‬ ‫تعريفها‪:‬‬ ‫كما وكانت محاولة زعيم االرستقراطيين‬ ‫تُعرف الديمقراطية(‪ )demoacratia‬لغة‬ ‫كليستنس وبمساعدة األسبرطيين على انهاء‬ ‫بأنها كلمة يونانية مركبة من جزئين األول‬ ‫حكم هيبياس وهيبارخوس‪ ،‬الذين حاوال ّ‬ ‫استخدام العنف في الحكم‪ ،‬خطوة تدل على ‪ demos‬ويعني (الشعب‪-‬الناس‪-‬العامة)‬ ‫ّ‬ ‫سلسة في والجزء الثاني ‪ ،kratia‬وتعني (حكم ‪-‬‬ ‫أن هذه الديمقراطية لم تأت هكذا‬ ‫ّ‬ ‫مجرياتها‪ ،‬حيث أعاد أثينا الى طريق سلطة)‪ ،‬وبالتالي يكون معنى الديمقراطية‬ ‫ُ‬ ‫التأسيس لديمقراطيتها‪ ،‬فوضع األساس (حكم الشعب)‪ ،‬ولكن هذا التعريف خضع‬ ‫االداري لها‪ ،‬لفك ارتباط األفراد بقبائلهم لرؤى متباينة من حيث االنتماء األيديولوجي‬ ‫وزعاماتهم‪ ،‬وأسسّ الوحدات اإلدارية وحقها للجهة التي تتصدى لهذه المسألة‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫حيث االختالف على النظرة الى الشعب‬ ‫ُ‬ ‫في انتخاب ممثليها بالتساوي لمجلس‬ ‫الجمعية العمومية‪ ،‬وأصدر قانونا سمي ونظام الحكم‪ ،‬لذلك نشهد صراعا على فهم‬ ‫باألوستراكيسموس(قانون النفي)؛ أي حق ماهية الديمقراطية‪ ،‬بدءا من تعريفها وليس‬ ‫الجمعية في نفي أي مواطن يكون خط ار انتهاءا بتطبيقاتها‪.‬‬ ‫على أمن النظام السياسي القائم لمدة عشر‬ ‫رؤية اإلسالميين إلى الديمقراطية‪:‬‬ ‫سنوات‪ ،‬ويكون قد وضع األساس القانوني‬ ‫تباينت رؤى المفكرين اإلسالميين حول‬ ‫لحماية هذا النظام من االنقالب عليه‪ ،‬ويقال مسألة الديمقراطية‪ ،‬وهذا االختالف جّله‬ ‫ربما ّ‬ ‫طبق بحقه قانون النفي هذا‪ ،‬وجدير إجرائي متعّلق باستغالل آليات الديمقراطية‬ ‫بالذكر ّ‬ ‫أن تجارب ديمقراطية عدة قامت في للوصول الى السلطة‪ ،‬فقسم منهم يرفض‬ ‫مناطق مختلفة من العالم‪ ،‬وربما ّ‬ ‫أقدم أشكال فكرة الديمقراطية من األساس‪ ،‬ويعتبرها جزءا‬ ‫من الديمقراطيات في التاريخ القديم ظهرت من الثقافة الغربية‪ ،‬ودخيلة على الثقافة‬ ‫ن‬ ‫في الهند القديمة حوالي القر (‪ 6‬ق ‪.‬م) قبل اإلسالمية‪ ،‬فال يمكن األخذ بها‪ ،‬فيما يحاول‬ ‫ميالد بوذا‪ ،‬وكانت تعرف بماها جاناداس‪ ،‬قسم آخر منهم تحت تأثير الفكر البرغماتي‬ ‫أن جمهورية فيشالي‬ ‫وحسب بعض الكتابات ّ‬ ‫حد األخذ‬ ‫التحدث بايجابية عنها‪ ،‬بل يصل ّ‬ ‫هي ّأول جمهورية في التاريخ‪.‬‬ ‫أن‬ ‫بالجانب االجرائي منها‪ ،‬ادراكا منهم ّ‬ ‫ظهور مصطلح الديمقراطية‪:‬‬ ‫الديمقراطية أخذت مدى كبي ار في التأثير‬ ‫وقد ظهر مصطلح الديمقراطية تدريجيا على فكر الناس‪ ،‬لذلك ليس من المنطق‬ ‫بعد الحرب البيلوبونية حوالي عام ‪ 430‬والذكاء في شيء معاداتها علنا‪ ،‬ولكن في‬ ‫ه�ودت في بعض الجوهر علينا االشارة الى مسائل هامة في‬ ‫ق‪.‬م‪ ،‬وقد استخدمها ي‬ ‫كتاباته‪ ،‬وكذلك بعض الشعراء كثيسيوس‪ ،‬هذا المنحى‪ ،‬أوالها أننا إذا أمكننا أن نتكّلم‬ ‫فالبد‬ ‫كما وأطلقت مفردة الديمقراطية على سفن في مصطلح الديمقراطية اإلسالمية‬ ‫ّ‬ ‫بحرية وحتى على البشر‪ ،‬كانت بعض من تحديد المنطلق الفكري لإلسالم في ذلك‪،‬‬ ‫العوائل تسمى بـ ديموس إشارة الى والئهم وهو قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم)‬ ‫لهذه القيم‪ ،‬حتى كانت اآللهة ديمقراطيا التي وبالتأكيد هذا مسند سابق لإلسالم ذاته‪،‬‬ ‫حينما كانت دار الندوة في مكة بمثابة مجلس‬


‫‪24‬‬

‫شورى‪ ،‬وكانت سقيفة بني ساعدة المبعث‬ ‫المكاني لهذه الرؤية بعد موت النبي محمد‪،‬‬ ‫والنتيجة التي خرج بها بعض الصحابة منها‪،‬‬ ‫خلقت ركيزة التطبيق اإلسالمي الحقا‪،‬‬ ‫المفكر اإلسالمي المخلص لسلفيته ‪ -‬وليس‬ ‫و ّ‬ ‫هناك مفكر إسالمي غير سلفي ‪ -‬ملزم‬ ‫حيث‬ ‫التقيد بآليات انتقال الحكم في اإلسالم‪ُ ،‬‬ ‫هناك الخالفة بالمغالبة؛ أي أخذ الخالفة‬ ‫أما بيعة من أهل‬ ‫بالقوة كما فعل العباسيون‪ ،‬و ّ‬ ‫الحل والعقد كاجتماع سقيفة بني ساعدة‪،‬‬ ‫وهنا ال أحد يعرف عدد هؤالء‪ ،‬وال من هم‪،‬‬ ‫ومن يختارهم‪ ،‬فعمر بن الخطاب باجتهاده‬ ‫جعل الشورى في ست من الصحابة‪ ،‬أو‬ ‫تكون الخالفة بوصية خليفة‪ ،‬وحدث ذلك‬ ‫كثيرا‪ ،‬فأغلب الخلفاء مابعد العصر الراشدي‪،‬‬ ‫تم استغالل‬ ‫كانوا يوصونها ألبنائهم‪ ،‬وهكذا ّ‬ ‫النص القرآني وفق متطلبات ومصالح‬ ‫الحاكم‪ /‬الخليفة‪ ،‬ومن هنا ندرك غياب الرؤية‬ ‫االسالمية في نقل السلطة‪ ،‬ومسألة أخرى‬ ‫جديرة باالهتمام‪ ،‬بل هي لب التناقض بين‬ ‫المؤسسة على الشورى‬ ‫الرؤية االسالمية‬ ‫َ‬ ‫أن هذه الشورى فيها‬ ‫وبين الديمقراطية‪ ،‬فعدا ّ‬ ‫من مزاجية الحاكم الكثير‪ ،‬فهي محصورة‬ ‫أقل الديمقراطيات قدرة على إشراك‬ ‫جدا‪ ،‬و ّ‬ ‫الشعب في الق اررالسياسي‪ ،‬وتهدف بالنتيجة‬ ‫وكل‬ ‫إلى إحكام السيطرة بالنص على الناس‪ّ ،‬‬ ‫محاوالت المفكرين اإلسالميين العاملين في‬ ‫حقل السياسة تؤدي إلى النتيجة ذاتها‪ ،‬وهي‬ ‫استغالل الجوانب االجرائية في الديمقراطية‬ ‫عامة‪ ،‬كجزء من مرحلة التمكين التي هي‬ ‫حلقة من حلقات الوصول الى السلطة‪،‬‬ ‫يدل قطعيا‬ ‫وتطبيق الشريعة في النهاية‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫على ّأنهم ال يؤمنون بكون الشعب مصد ار‬ ‫المشرع في المحصلة‪ ،‬بل‬ ‫للسلطات‪ ،‬و ّأنه‬ ‫ّ‬ ‫هذا يتناقض مع شمولية وسرمدية التشريع‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫اإللهي‪ ،‬فها هو حسن ال�ب يا� يشير الى ّ‬ ‫الديمقراطية في اإلسالم ال تعني سلطة‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫الشعب المطلقة‪ ،‬بل هي سلطة الشعب وفقا‬ ‫كل األساليب‬ ‫بااللتزام بالشريعة‪ ،‬وهنا ّ‬ ‫تؤدي إلى فكرة السلطة من أجل‬ ‫والطرق ّ‬ ‫تطبيق التشريع الديني المنصوص عليه في‬ ‫نص خاضع بجزء كبير منه لتفسير عمره‬ ‫كل االسالميين ومهما‬ ‫مئات السنين‪ ،‬فشعار ّ‬ ‫اختلفوا في شكل الخطاب هو (اإلسالم هو‬ ‫دين ودولة) فاختصار مقولة (الشعب مصدر‬ ‫السلطات) مخالفة لرؤية االسالميين الذين‬ ‫يعتبرون الشعب محكوما بشرع هللا‪.‬‬ ‫رؤية الماركسية إلى الديمقراطية‪:‬‬

‫تنظر الماركسية إلى الفكر باعتباره‬ ‫منعكسا لواقع موضوعي‪ ،‬لذلك فهي ال‬ ‫تفصل الديمقراطية عن هذا المنحى‪ ،‬وتعتبر‬ ‫كل تشكيلة اقتصادية‪ -‬اجتماعية لها‬ ‫ّ‬ ‫ديمقراطيتها المنسجمة مع مصالح السلطة‪،‬‬ ‫وتعتبرها شكال من أشكال الدولة التي‬ ‫أوجدتها الطبقة الحاكمة‪ ،‬للحفاظ على‬ ‫وجودها وقمع الطبقات األخرى‪ ،‬فديمقراطية‬ ‫االقطاعي مشروطة باعتبار الليلة األولى‬ ‫أن ما يملكه‬ ‫هي من حقه مع زوجة ّقنه‪ ،‬و ّ‬ ‫حق إلهي ال يمكن المساس به‪ ،‬وتعتبر‬ ‫الديمقراطية البرجوازية أكثر تقدما تاريخيا‪،‬‬ ‫ولكنها هنا تنحصر في السماح للطبقة‬ ‫ّ‬ ‫العاملة بالذهاب إلى صناديق االقتراع‬ ‫الختيار َمن ِمن الرأسماليين سيحكمها في‬ ‫األربع سنوات القادمة‪ ،‬فالماركسية تعتبر‬ ‫الديمقراطية جزءا من لعبة الصراع الطبقي‪،‬‬ ‫ولن تتحقق إال باقامة ديكتاتورية البروليتاريا‪،‬‬ ‫تعبر عن مصالح الجماهير‪ ،‬فضال‬ ‫التي ّ‬ ‫عن ّأنها لن تكون كاملة ّإل بانتفاء الصراع‬ ‫الطبقي وانحالل الطبقات‪ ،‬والتي تكون هذه‬ ‫الديمقراطية ذاتها هي نتيجة منبثقة عن‬ ‫بروزها‪.‬‬ ‫الديمقراطية من المنظور الليبرالي‪:‬‬

‫الليبرالية كلمة مشتقة من اللفظة اليونانية‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪25‬‬

‫والتي بأغلبها ُوجدت في ظروف تاريخية‬ ‫معينة‪ ،‬وتحددت وفق معطيات خاصة‪،‬‬ ‫فديمقراطية الحزب الواحد والتي تعني أحقية‬ ‫هذا الحزب في السلطة بحكم الشرعية الثورية‬ ‫التي أفرزت نمطية الحزب الواحد في زمن‬ ‫ما‪ ،‬فالسلطة محصورة في آليات حزبية‬ ‫داخلية‪ ،‬وكذلك ديمقراطية العائلة مازالت‬ ‫موجودة في عدة مناطق من العالم‪ ،‬ولكن‬ ‫علينا إعطاء المعيار الواحد في أفضلية‬ ‫ديمقراطية على أخرى بقدرتها على جلب‬ ‫أكثر عدد ممكن من الجماهير الحرة‪ ،‬وغير‬ ‫الواقعة تحت تأثيرات مجتمعية‪ ،‬اقتصادية‪،‬‬ ‫وثقافية معينة‪ ،‬إلى ممارسة حقها في صنع‬ ‫القرار‪ ،‬وبذلك يمكن وضع خطوط التباين‬ ‫بين هذه الديمقراطيات‪.‬‬

‫‪ Liber‬بمعنى حر‪ ،‬وهي مذهب اقتصادي‬ ‫في األساس يقول بالحرية االقتصادية‪ ،‬من‬ ‫خالل شعار (دعه يعمل دعه يمر) وترفض‬ ‫تدخل الدولة في نشاط األفراد التجاري‬ ‫ّ‬ ‫واالقتصادي‪ ،‬ودعت إلى أن تكون الحكومة‬ ‫على الحياد‪ ،‬أو بمثابة حارس على الحريات‬ ‫وتبنت مفهوم الفردية‪ ،‬وحق الفرد‬ ‫الفردية‪ّ ،‬‬ ‫أن مصلحة المجتمع‬ ‫في الحرية والتملك‪ ،‬و ّ‬ ‫مرتبطة بما يقوم به الفرد‪ ،‬وأسست على ذلك‬ ‫جملة ركائز أسندت بها فلسفتها‪ ،‬ولكنها بعد‬ ‫الكساد الكبير الذي أصاب االقتصاد‬ ‫الرأسمالي في عام ‪ 1929‬وتدخل الدولة‬ ‫النقاذه‪ ،‬فقدت جزءا من تأثيرات فلسفتها‬ ‫حتى اضطرت إلى التراجع أمام معطيات‬ ‫المرحلة‪ ،‬وكانت النظرية الكينزية قد فرضت‬ ‫واقعا إو�ضافات جديدة‪ ،‬أما الليبرالية والتي‬ ‫بعض عيوب الديمقراطية‪:‬‬ ‫بدأت تربط االقتصاد بالسياسة‪ ،‬فأوجدت‬ ‫هناك جهات ترفض الديمقراطية وترى‬ ‫ديمقراطية مرتبطة بها ووضعت لها أسسا‬ ‫سميت بالديمقراطية الليبرالية‪ ،‬حتى انتشرت ّأنها على التضاد من ديمقراطيتها التي‬ ‫تهدف في النهاية إلى تكريس سلطة هذه‬ ‫في أرجاء أوربا‪.‬‬ ‫بأنها تمارس‬ ‫تقول‬ ‫يات‬ ‫ر‬ ‫فالديكتاتو‬ ‫الجهة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أشكال الديمقراطية‪:‬‬ ‫ديمقراطية خاصة مالئمة لظروف شعوبها‪،‬‬ ‫تعرفنا فيما ورد على رؤى االيديولوجيات حيث تعتبر الشعب من الرعية‪ ،‬تمنحها‬ ‫التطرق ماتراه مناسبا لها‪ ،‬وتقوم بطقوس ّتدعي أنها‬ ‫الكبرى إلى الديمقراطية‪ ،‬فحر ّي بنا‬ ‫ّ‬ ‫إلى أشكال هذه الديمقراطية‪ ،‬والتي في أغلبها ديمقراطيتها الخاصة‪ ،‬وكانت حركة‬ ‫غير مكتملة من ناحية ما‪ ،‬فالديمقراطية الالسلطوية تعادي الديمقراطية بشكل كامل‪،‬‬ ‫المباشرة (الديمقراطية النقية)؛ وهي أن و ّأول من سمى نفسه بالالسلطوي‪ ،‬هو‬ ‫بي� جوزيف‬ ‫يمارس الناس سلطة صنع القرار بشكل الفيلسوف االقتصادي الفرنسي ي‬ ‫حيث برودون (‪1865-1809‬م)‪ ،‬حيث يشير إلى‬ ‫مباشر‪ ،‬وقد مورست في أثينا القديمة‪ُ ،‬‬ ‫(أن الديمقراطية ال شيء‪ ،‬ولكن طغيان‬ ‫كان من يحق له المشاركة محدودا‪ ،‬ولكن‬ ‫ّ‬ ‫اآلن وبعد االزدياد الهائل للسكان بات من األغلبية أسوأ أشكال الطغيان‪ ،‬وذلك ألنه ال‬ ‫المستحيل اتباع هذه المباشرة في اتخاذ يستند إلى سلطة دين‪ ،‬وال نبل عرق‪ ،‬وال‬ ‫تم ايجاد آلية اإلنابة في هذا على ميزة العقل والغنى‪ّ ،‬إنه يستند على أرقام‬ ‫القرار‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫األمر‪ ،‬فكانت الديمقراطية النيابية‪ ،‬حيث مجردة‪ ،‬ويتخّفى خلف اسم الناس) كما‬ ‫ينتخب الشعب نوابا له إلى مجلس لهم‪ ،‬ويعتبر الالسلطوي اآلخر ي ن‬ ‫بنيام� تكر(‪-1854‬‬ ‫يتخذون الق اررات عن الشعب كله‪ ،‬وهكذا ‪1939‬م)‪ ،‬والذي يعتبر الحكم شريرا‪ ،‬غير‬ ‫أن األسوأ منه هو وجود حكم األغلبية‪،‬‬ ‫برزت أشكال متعددة من الديمقراطيات‪ّ ،‬‬


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪26‬‬

‫حل وفق قاعدة‬ ‫ويسخر من ورقة االقتراع‪ ،‬ويعتبرها بمثابة الخالفية من المفترض أن تُ ّ‬ ‫حل القضايا‬ ‫السوط والرصاصة بيد األغلبية‪ ،‬كمثل اإليمان بالحوار وصوال إلى ّ‬ ‫مرسوم أكثر الطغاة قساوة والمدعوم بأعتى الداخلية وحتى الخارجية‪.‬‬ ‫كل‬ ‫الجيوش‪ ،‬ويمكننا أن نالحظ ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫اشكاالت التطبيق‪:‬‬ ‫الديمقراطيات القديمة والمعاصرة تستند إلى‬ ‫هناك صراع ما على مجمل اجراءات‬ ‫جزء من الشعب‪ ،‬وفي هذا المجال يمكننا أن‬ ‫نشير إلى أن ما تسمى بالديمقراطية الديمقراطية ونتائج ممارساتها في النهاية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فكل المكونات تطمح أن تفضي تطبيقات‬ ‫اإلسالمية هي تلك التي تكون فيها الق اررات‬ ‫ّ‬ ‫وكل فرد‬ ‫بنص ثابت وجملة الديمقراطية إلى إبراز مصالحها‪ّ ،‬‬ ‫ومصير الشعب مرتبطا ّ‬ ‫العلم) الذين عكفوا يعمل على أن تكون نتائج انتخابات ما‬ ‫مفسرين (الراسخون في‬ ‫على تفسير المتشابهات من اآليات برؤية تصب في صالحه‪ ،‬وهذا التنافس ال يمكن‬ ‫تاريخية معينة‪ ،‬والديمقراطية االشتراكية تقول أن ينتهي إال بخلق ذهنية ديمقراطية عالية‬ ‫بأن الديمقراطية تعني مصالح الجميع‪،‬‬ ‫بأحقية الطبقة العاملة في السلطة‪ ،‬كونها تقبل ّ‬ ‫الطبقة المنتجة للخيرات المادية‪ ،‬فيما وبدون هذا سوف يتم خرق القوانين بطرق‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطية الليبرالية تركز على الفردانية شتى‪ ،‬وفي ّأول فرصة متاحة‪ ،‬ونعرف‬ ‫ّ‬ ‫التي تخلق في النهاية حالة من تركز الثروة صراعات دموية حدثت كنتيجة لما أفرزتها‬ ‫ّ‬ ‫ألنه في‬ ‫أن صناديق االنتخابات بالذات‪ّ ،‬‬ ‫المالحظ‬ ‫في يد أشخاص محددين‪ ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫تصور فردا كديمقراطي‬ ‫أن‬ ‫يكفي‬ ‫ال‬ ‫الحقيقة‬ ‫تركز على التغيرات‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطية الحديثة ّ‬ ‫الدورية والقصيرة‪ ،‬ومن المعلوم أن الفعل لمجرد ّأنه يضع ورقة في صندوق‪ ،‬بل من‬ ‫ّ‬ ‫البيروقراطي يحتاج وقتا ليأتي أُكله‪ ،‬فضال المفترض توفير عاملين أساسيين ليأخذ هذا‬ ‫عن أن ذلك يساهم في تفكير الذين في االجراء الديمقراطي مداه وفائدته‪ ،‬أن يكون‬ ‫ّ‬ ‫لتقبل ما تفرزه‬ ‫السلطة‪ ،‬بكيفية التمهيد للنجاح في االنتخابات الفرد حرا‪ ،‬وأن يكون مستعدا ّ‬ ‫السريعة القادمة‪ ،‬وهكذا توجه االنتقادات هذه الصناديق‪ ،‬والتي هي بال روح‪ ،‬ونحن‬ ‫ّ‬ ‫جميعها‪ ،‬ومازال من نعطي هذه العملية نجاحها وفشلها‪.‬‬ ‫الكثيرة الى الديمقراطيات‬ ‫البحث عن كيفية اإلجابة على هذه األسئلة‬ ‫الشرق األوسط والديمقراطية‪:‬‬ ‫ضمن الواقع الديمقراطي المتاح جاريا‪.‬‬ ‫تعاقبت على هذه المنطقة حضارات‬ ‫ضرورات الديمقراطية‪:‬‬

‫لطالما كانت الديمقراطية كشكل لنظام‬ ‫حكم‪ ،‬األفضل تطبيقا وحتى نتائجا‪ ،‬لذلك‬ ‫ربما هي تستحق كل هذه التضحيات من‬ ‫أجلها‪ ،‬فهي على األقل تخلق نوعا من‬ ‫االنسجام بين األفراد والمكونات المجتمعية‪،‬‬ ‫على قاعدة المشاركة في الحكم‪ ،‬وهذا يفضي‬ ‫إلى نوع من السلم األهلي المؤدي حتما إلى‬ ‫التنمية كعامل مدعم لكل ديمقراطية‪ ،‬وهي‬ ‫ألن القضايا‬ ‫تساهم في خلق السلم الدولي‪ّ ،‬‬

‫ولكنها إلى اآلن لم تتمكن‬ ‫وحروب ضروس‪ّ ،‬‬ ‫من الوصول إلى نوع من التسوية المجتمعية‪،‬‬ ‫أو مستوى من الديمقراطية يمكن بتوفرها‬ ‫الدخول إلى الحضارة والحداثة‪ ،‬ولذلك‬ ‫مسببات متعددة‪ ،‬ومن نافل القول اإلشارة‬ ‫أن هذه المنطقة لم تتمكن من إحكام‬ ‫إلى ّ‬ ‫السيطرة على نفسها من خالل مكوناتها‬ ‫المختلفة‪ ،‬كما وتأثرت المنطقة بالميثولوجيا‬ ‫الدينية واإلسالمية على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫تحولت في فترات مديدة إلى عامل‬ ‫ُ‬ ‫حيث ّ‬ ‫تأطير لم قد يسمى بالتخلف المشرعن‪،‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫أن المنطقة تعيش كوكتيل ثقافات‬ ‫فضال عن ّ‬ ‫تبدو متصارعة في العمق‪ ،‬ومتباينة في‬ ‫المشروع الحضاري بفعل المؤثرات التاريخية‪،‬‬ ‫جل مراحل السيطرة اإلسالمية‬ ‫عدا عن ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫لم تهتم بقضايا من قبيل الديمقراطية‬ ‫والحريات العامة‪ ،‬فالخالفة اإلسالمية منذ‬ ‫بداية وما اصطلح على تسميته بالعصر‬ ‫الراشدي‪ ،‬وصوال إلى الخالفة العثمانية األشد‬ ‫رجعية‪ ،‬ثم كانت مرحلة االستعمار‬ ‫الكولونيالي‪ ،‬وثم الديكتاتوريات المحلية على‬ ‫اعتبارها واجهة الثورات الوطنية‪ ،‬ولم تستطع‬ ‫تقدم مشروعا حضاريا للمنطقة‪ ،‬وهكذا‬ ‫أن ّ‬ ‫عاشت هذه المنطقة أزمة بنيوية وثقافية‪ ،‬بل‬ ‫أن‬ ‫صراعا مري ار على الهوية‪ ،‬ويمكنني القول ّ‬ ‫المشروع اإلسالمي قد فشل تماما‪ ،‬وما‬ ‫مجرد محاولة متخّلفة إلحياء‬ ‫يحدث اآلن هو ّ‬ ‫ميت بأساليب الصدمة والعنف‪ ،‬وباتت‬ ‫محاولة إقامة حكم إسالمي راشد على تضاد‬ ‫مع التطور الحضاري الذي بلغه الناس‪،‬‬ ‫جر التاريخ إلى الخلف‬ ‫لذلك فمحاولة ّ‬ ‫حضاريا محاولة يائسة تماما‪ ،‬وكذلك فشل‬ ‫المشروع القومي العربي المتمثل بالناصرية‬ ‫حيث قدما كنموذجين عن‬ ‫والبعثية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ديكتاتوريتين متطابقتين في البنية الفكرية‪،‬‬ ‫والمختلفتين في العناوين‪ ،‬بل أحدثا ركودا‬ ‫تاريخا في مناطق نفوذها‪ ،‬وكانت مسألة‬ ‫الديمقراطية تتبع ما يخدم القومية العربيا‪،‬‬ ‫والتي تحولت الحقا إلى سّلم صعود قوى‬ ‫فساد هائلة أسقطت هاتين الديكتاتوريتين‬ ‫كنتيجة حتمية لغياب الديمقراطية في برنامج‬ ‫الطرح القومي‪ ،‬فباتت الناصرية جزءا من‬ ‫لتتحول‬ ‫الماضي‪ ،‬واندثرت البعثية في العراق‬ ‫ّ‬ ‫الحقا إلى جزء من مشروع تكفيري دولي بالغ‬ ‫الخطورة على كل المنطقة وشعوبها‪ ،‬وحتى‬ ‫البعثية السورية أوصلت البالد إلى حرب‬ ‫أهلية طويلة األمد بحكم آليات الحكم القمعية‬ ‫التي اتبعتها‪ ،‬وهي آيلة للسقوط بحكم التاريخ‪،‬‬

‫‪27‬‬

‫واإلرادات الطامحة نحو الحرية والديمقراطية‬ ‫مفصلة‬ ‫في النهاية‪ ،‬وأنا أعتقد ّ‬ ‫أن ديمقراطية ّ‬ ‫على مقاس المنطقة كالديمقراطية التوافقية‪،‬‬ ‫التي قد تعتبر بمثابة العكازة التي تسند‬ ‫مريضا‪ ،‬ولكنها في النهاية ال يمكنها حل‬ ‫األزمات المتداخلة في المنطقة‪ ،‬وهي تعني‬ ‫عملية تقاسم النفوذ والقوة‪ ،‬األمر الذي يخلق‬ ‫حاالت من الالتوافق‪ ،‬كما في لبنان والعراق‬ ‫مثال‪ ،‬لذلك فإن أمراض المنطقة التي يعتبر‬ ‫الكرد جزءا تاريخيا وحيويا منها غير قابلة‬ ‫أهمها نواتج‬ ‫ّ‬ ‫للحل ألسباب متعددة‪ ،‬وربما ّ‬ ‫تقسيمات الكولونياليين الغربيين (سايكس‪-‬‬ ‫بيكو‪ ،)1916‬وبحكم عقلية التخاصم بين‬ ‫أن اجراء عمل جراحي لهذه‬ ‫المكونات‪ ،‬وأرى ّ‬ ‫المنطقة بات ضروريا‪ ،‬إو�عادة الخرائط‬ ‫المكونة األولية حسب‬ ‫المتداخلة إلى عواملها ّ‬ ‫االنسجام المجتمعي الثقافي والقومي‪ ،‬تعتبر‬ ‫ممهدات موضوعية إلحياء ثقافات متقاربة‬ ‫قادرة الى خلق وعي ديمقراطي‪ ،‬والذي كان‬ ‫حتى عند األثينيين من العوامل التي دفعتهم‬ ‫إلى إيجاد صيغة حكم حاملة لهذه القيم‪،‬‬ ‫ودون ذلك سيبقى بحثنا عن الديمقراطية في‬ ‫هذه الجغرافيا كبحث األعمى عن إبرة في‬ ‫بركة دم‪.‬‬ ‫الديمقراطية والكرد‪:‬‬

‫الكرد ككل الشعوب األخرى طامحون إلى‬ ‫الديمقراطية‪ ،‬بل هم في حاجة إليها‪ ،‬لتكون‬ ‫بمثابة رافعة حضارية لحياتهم بمختلف‬ ‫ولكن الظرف الذي يعيشه الكرد من‬ ‫جوانبها‪ّ ،‬‬ ‫ناحية‪ ،‬ووقوعهم تحت احتالالت مختلفة‪،‬‬ ‫من خالل تعاطيها وشكل نظم حكم متباينة‪،‬‬ ‫أفقدهم التوازن التاريخي الموضوعي‪ ،‬ولم‬ ‫تتح لهم الظروف بإقامة ديمقراطية خاصة‬ ‫وكل ما كانوا يقولون به هو دعوتهم‬ ‫بهم‪ّ ،‬‬ ‫إلى آليات حكم تسمح لهم بأخذ مكانهم‬ ‫الطبيعي بين األمم المتحضرة‪ ،‬لذلك كان‬


‫‪28‬‬

‫المشروع الديمقراطي الكردي يهدف إلى‬ ‫التوفيق بين مصالح االحتالل وطموحهم‬ ‫المحدود في هذا التكيف‪ ،‬وبقي العقل الكردي‬ ‫يسبح في هذا الفلك لسنوات مديدة‪ ،‬ولم ينشأ‬ ‫بحكم الواقع المفروض توجه وطني لديهم‬ ‫(االنتماء المزدوج للكردي بين عواصم‬ ‫االحتالالت‪ ،‬وبين االنتماء الكردستاني) مع‬ ‫خلل في‬ ‫التوجه الديمقراطي‪ ،‬وهذا مؤداه ٌ‬ ‫الوعي باألولويات‪ ،‬وحتى ذلك فقد الكرد‬ ‫قدرتهم على التعامل المنطقي‪ ،‬فضال عن‬ ‫الديمقراطي مع بعضهم‪ ،‬فإذا أخذنا الفكر‬ ‫السياسي الكردي‪ ،‬والذي يعتبر رأس التفكير‬ ‫بالمسائل الديمقراطية عاش خلخلة‪ ،‬وصلت‬ ‫إلى اإلقتتال الدموي‪ ،‬فضال عن صراع‬ ‫سياسي بطبيعة الحال‪ ،‬ومازال الكرد يبحثون‬ ‫عن ذواتهم القادرة على خلق حالة من الوعي‬ ‫الحضاري‪ ،‬والذي له عمق في التاريخ أساسا‪،‬‬ ‫ولكن المفقود هو الوعي بالشي ال الشيء‬ ‫إن رحلة البحث الكردي عن إمكانية‬ ‫ذاته‪ّ ،‬‬ ‫تحويل أنظمة الحكم التي يتبعون لها منتفية‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫تماما إلى اآلن على األقل‪ ،‬وال يمكن تحقيق‬ ‫ذلك إال من خالل إلغاء سيطرة األمة الكبير‬ ‫كل‬ ‫على األقليات األخرى (رغم ّ‬ ‫أن الكرد في ّ‬ ‫جزء يشكلون شعبا‪ ،‬لعوامل ّبينة‪ ،‬ولكن‬ ‫أقصد البعد السياسي‪ ،‬والحاكمية‪ ،‬وعدد‬ ‫األفراد‪ ،‬وهذه القضايا الداخلة في سياسة‬ ‫الممكن) إو�ما إنشاء دولة كردية‪ ،‬واستكمال‬ ‫وثم البحث عن شكل‬ ‫عناصر األمة لديهم‪ّ ،‬‬ ‫لنظام حكمهم يتوائم مع الخصوصية الكردية‪.‬‬ ‫أن الديمقراطية‬ ‫خاتمة‪ :‬وهكذا نالحظ ّ‬ ‫ولكنها لم تحصل على شهادة‬ ‫ضرورة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اعتراف بها من الثقافات المختلفة‪ ،‬ومازالت‬ ‫تبحث عن اكسسوارات لها من كل هذه‬ ‫ُ‬ ‫الثقافات‪ ،‬لتكون ابنة الحضارة البشرية‬ ‫ليتحول إلى‬ ‫الصالحة‪ ،‬والتي تساعد اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫مؤمن ومتشارك وليبرالي‪ ،‬وذلك ممكن وفق‬ ‫تقليص حدة التقوقع المعرفي للجميع‪ ،‬إو�براز‬ ‫حاالت البحث عن الذات اإلنسانية‪ ،‬إو�ن إلى‬ ‫الحد الممكن‪.‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪29‬‬

‫القصصي‬ ‫في مسرحة السرد‬ ‫ّ‬ ‫‪P‬‬

‫محمد باقي محمد‬ ‫نصنف المسرح في خانة الفنون‬ ‫نحن إذ ّ‬ ‫بأنه يختلف عنها باحتكامه‬ ‫النثرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سنتذكر ّ‬ ‫عرف‬ ‫وي ّ‬ ‫إلى الحوار عمودا فقرّيا يسوسه‪ُ ،‬‬ ‫كل ّبد حوار ذو شروط‬ ‫بداللته‪ ،‬وهو من ّ‬ ‫خاصة‪ ،‬فنحن نفترض فيه الرشاقة شكال‪،‬‬ ‫هذا إلى جانب إسهامه على نحو رئيس في‬ ‫أن السؤال‬ ‫تنامي المتن حدثا ودراما‪ ،‬بيد ّ‬ ‫يفرض نفسه من خالل تجربة‬ ‫الذي راح‬ ‫ُ‬ ‫ُمغوية بالمقاربة‪ ،‬أن ما هي الممكنات في‬ ‫القص أو الرواية مثال‪ ،‬وذلك باالتكاء‬ ‫مسرحة ّ‬ ‫على اندراجهما في حقل النثر‪ ،‬بمعنى ّأنهما‬ ‫يتمفصالن مع العمل المسرحي في أكثر من‬ ‫ّ‬ ‫مستو!؟ فهل نقف بذلك على تخوم التناص‬ ‫األدبية كمفهوم غير قار‬ ‫أو تداخل األجناس‬ ‫ّ‬ ‫ترسم العالئق بين عناصر‬ ‫بعد تماما في ّ‬ ‫الجنس األدبي الواحد‪ ،‬أوفي العالئق بين‬ ‫ّ‬ ‫األشكال األدبية المتباينة استجابة إلغواء‬ ‫نداء كان الشاعر الكبير أدونيس قد رفعه‪،‬‬ ‫الحث على اشتغال خاص ُينجز‬ ‫وذلك في‬ ‫ّ‬ ‫نصا عاب ار لألجناس األدبية في حدودها‬ ‫ّ‬ ‫الصارمة!؟‬

‫مليا‬ ‫وفي الجواب على سؤالنا‬ ‫سنتفحص ّ‬ ‫ّ‬ ‫تجربة المخرج المسرحي إسماعيل الخلف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وذلك من خالل عرضه المعنون بـ ‪ :‬عن هول‬ ‫ما جرى كعنوان رئيس‪ ،‬إذ ّأنه لجأ إلى‬ ‫االشتغال على نصوص قصصية سبعة‪،‬‬ ‫الفنية‪ ،‬وأساليب تنفيذها‪،‬‬ ‫تختلف في بنيتها ّ‬ ‫لكنها تأتلف في مضامينها؛ أي في الموضوع‬ ‫ّ‬ ‫أو المادة الحياتية‪ ،‬وذلك باالتكاء على‬ ‫تجريب قد ال يكون فريدا في نوعه‪ ،‬إالّ ّأنه‬ ‫‪ -‬يلج فضول السؤال من بابه الوسيع‪ ،‬ذلك‬

‫تصنف في‬ ‫ّأنها ‪ -‬أي القصة القصيرة ‪ّ -‬‬ ‫خانة أخرى كما ّنوهنا‪ ،‬قد تتقاطع مع المسرح‬ ‫في السرد‪ ،‬غير ّأنها تتباين عنه في‬ ‫الخصوصية أو في األدوات‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫ألن الخلف اعتمد في‬ ‫الشكل‬ ‫الفني‪ ،‬رّبما ّ‬ ‫ّ‬ ‫سردية‪ ،‬ما‬ ‫عرضه على مسرحة نصوص‬ ‫ّ‬ ‫األدبية‪،‬‬ ‫يطرح أسئلة عن تداخل األجناس‬ ‫ّ‬ ‫بعيدا عن أسلوبه الخاص في الكتابة‬ ‫اإلبداعية! فهل نحن أمام ُمصادفة محض‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالنية‬ ‫محكوم‬ ‫يء‬ ‫بر‬ ‫فعل‬ ‫!؟‬ ‫قصدي‬ ‫أم فعل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحسنة‪ ،‬أم فعل يحتكم إلى العمد لغير‬ ‫خلفية المشهد‬ ‫غاية!؟ أي الفعلين كان في ّ‬ ‫قاصين خمسة من‬ ‫الذي دفعه إلى إدراج ّ‬ ‫تعمده االتكاء على‬ ‫سورية‪ ،‬هذا إذا نفينا ّ‬ ‫نص‬ ‫نصوص‬ ‫ّ‬ ‫محلية‪ ،‬ذلك ّأننا إذا استثنينا ّ‬ ‫فإن راية‬ ‫المسرحي عدنان خرابشة «العكش»‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫المحلية ستنعقد للنصوص التي أتينا عليها!؟‬ ‫ّ‬ ‫تقد َم من مقال‬ ‫ما‬ ‫أن‬ ‫الحسبان‬ ‫في‬ ‫اضعين‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المشترك بين‬ ‫ال ُيعفينا من البحث في القاسم ُ‬ ‫هذه النصوص‪ ،‬ذاك الذي حرض الخلف‬ ‫ثم كيف‬ ‫على إدراجها في توليفة‬ ‫ّ‬ ‫مسرحية!؟ ّ‬ ‫قص ينهض على السرد كبنية‬ ‫نقوم بمسرحة ّ‬ ‫نص‬ ‫لنحوله إلى ّ‬ ‫حور فيه ّ‬ ‫رئيسة!؟ كيف ُن ّ‬ ‫يتأسس على الحوار والتشخيص ال‬ ‫مسرحي ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبأي آلية أو أسلوب سندمجه‬ ‫السرد!؟‬ ‫على‬ ‫ّ‬ ‫ثم ما هي الحلول‬ ‫نص‬ ‫في ّ‬ ‫مسرحي واحد!؟ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجية التي اعتمدها في بلورة عمله‬ ‫اإلخر ّ‬ ‫كعرض مسرحي ناجز!؟‬ ‫ّ‬ ‫ابتدائيا ألسئلة‬ ‫نتحرى جوابا‬ ‫ّإننا إذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تشغلنا‪ ،‬سنقوم بتفكيك العنوان الرئيس عن‬ ‫بأنه ‪ -‬على المستوى‬ ‫هول ما جرى‪ ،‬لنقول ّ‬


‫‪30‬‬

‫السيميائي ‪ -‬يشي بخطب كبير يروم إدراج‬ ‫ّ‬ ‫المضامين في خانة واحدة‪ ،‬وحتى نغطي‬ ‫الحروف بالنقاط سنتحرى العنوان الفرعي‬ ‫ّ‬ ‫قتل الأحبة‪ ،‬فنرى فيه تراجعا كبي ار لفسحة‬ ‫األمل‪ ،‬إن لم يشي بتالشيها! لكن ‪ -‬وعلى‬ ‫المستوى‬ ‫نشرع سؤاال آخر‪:‬‬ ‫اإلنساني ‪ -‬قد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫يحب‪،‬‬ ‫أن لماذا ُيقدم اإلنسان على قتل من ّ‬ ‫ما يمحض حياته حزنا مقيما!؟ إذ ّأننا‬ ‫أمه‬ ‫سنباغت بأب يقتل ابنه‪ ،‬أو بابن يقتل ّ‬ ‫معنوي ‪ ..‬في ُمباشرة ما‬ ‫مادي أو‬ ‫على نحو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعدها ُمباشرة‪ ،‬أو على نحو غير ُمباشر‪ ،‬أو‬ ‫شقيق ينحر أخته‪ ،‬فلماذا!؟‬ ‫فإن‬ ‫نص العرابشة‪ّ ،‬‬ ‫إذا استبعدنا إلى حين ّ‬ ‫تمهد ‪ -‬والقصة تستمد مادتها من‬ ‫الدراجة ّ‬ ‫قصيدة للشاعر منذر المرصي ‪ -‬للحكاية‬ ‫أن بطلها يحلم‬ ‫األولى في توليفة الخلف‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ائية‪ ،‬نحن أمام عوالم الطفولة ‪-‬‬ ‫بدراجة هو ّ‬ ‫تشهيها لثيمة صغيرة برسم الحلم‬ ‫إذا ‪ -‬في ّ‬ ‫الشخصية‬ ‫يعز‪ّ ،‬إنها ‪ -‬أي‬ ‫اإلنساني‪ ،‬إالّ ّأنه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحورية ‪ -‬قادمة من القاع االجتماعي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هناك حيث تتضاءل األحالم أو توأد‪ ،‬فهي‬ ‫حمال فقير‪ ،‬والدارج غالبا في أحالم‬ ‫ابن ّ‬ ‫هؤالء القادمين من القاع ‪ -‬على تواضعها‬ ‫ التسويف‪ ،‬أو ّأنها ال تتحقق‪ ،‬وها هي‬‫صروف الحياة تماطل الصغير‪ ،‬فتؤجل‬ ‫المرة‪ ،‬حتى إذا تحقق ذات‬ ‫المرة تلو ّ‬ ‫حلمه ّ‬ ‫معجزة‪ ،‬أضحى صاحبه في أرذل العمر‪،‬‬ ‫فالعظم منه قد وهن والعزم‪ ،‬بحيث أضحى‬ ‫فسر لنا‬ ‫عاج از عن قيادة دراجته‪ ،‬بشكل ُي ّ‬ ‫الحمال‬ ‫صرخته المتألمة أن ‪ « :‬أليس ابن ّ‬ ‫إنساناً «!؟ لتبقى صرخته تلك تسوطنا بحرقة‬ ‫تبديه اإلنساني الواسم‪ ،‬وفقط حين‬ ‫السؤال في ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحضره الوفاة ‪ ..‬فقط عندما تصعد روحه‬ ‫إلى المأل األعلى‪ُ ،‬يجلسه االبن على دراجته‪،‬‬ ‫لينقل رفاته إلى مقبرة أخرى‪ ،‬وذلك حينما‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫البلدية استكثرت على‬ ‫أن‬ ‫يتناهى إلى سمعه ّ‬ ‫ّ‬ ‫جسده القبر‪ ،‬جسده الذي أضحى برسم‬ ‫النقل‪ ،‬وهكذا إذاً يكون حلمه قد تحقق‪ ،‬ولكن‬ ‫بعد أن عاد إلى التراب!‬

‫النص الثاني يتكىء الخلف على‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫رائعة الراحل سعيد حورانية المعنونة بـ‬ ‫النحاس‪ ،‬وفيها نحن إزاء طبيب‬ ‫الصندوق‬ ‫ي‬ ‫لكنه ‪ -‬هو اآلخر ‪ -‬انبثق من القاع‬ ‫شاب‪ّ ،‬‬ ‫أمه كانت تقوم بغسل‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكن االبن أنهى دراسته‪،‬‬ ‫ثياب اآلخرين‪ّ ،‬‬ ‫وقام بافتتاح عيادته فوق حطامها اإلنساني‬ ‫ّ‬ ‫رّبما‪ ،‬فهل أزف وقت اختفائها لكي ال تتسبب‬ ‫في إحراجه أمام الناس!؟ هي ‪ -‬من غير أن‬ ‫تتردد أو تناور ‪ -‬تنفذ رغبته‪ ،‬ولكن لتموت‬ ‫ّ‬ ‫ثم ماديا وتتالشى‪ ،‬وحين انتهى من‬ ‫معنويا‬ ‫ّ‬ ‫دفنها بال ندم أو بكاء أو حزن‪ ،‬يباغت‬ ‫بحذائه‪ّ ،‬إنه الحذاء نفسه الذي طوحها به‬ ‫مبرر‪ ،‬يتفاجأ بالحذاء ‪-‬‬ ‫ذات غضب غير ّ‬ ‫إذا ‪ -‬محفوظا إلى جانب صورة أبيه الراحل‬ ‫في صندوقها النحاسي القديم‪ ،‬إذاك فقط ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫رّبما ‪ -‬عرف فظاعة ما كان قد أقدم عليه‪،‬‬ ‫ولكن بعد فوات األوان!‬ ‫العجيل‬ ‫أما في قصة الـ ‪ :‬د عبد السالم‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫الموسومة بـ الصيد ي ن‬ ‫فيقص علينا‬ ‫‪،‬‬ ‫الثم�‬ ‫ّ‬ ‫أن األب يقوم على‬ ‫حكاية غريبة‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫تدريب ابنه حمدان‪ ،‬بهدف أن ُيصبح صيادا‬ ‫يحل‪ ،‬ويسوق النعاس األب‬ ‫ماهرا‪ّ ،‬‬ ‫لكن الليل ّ‬ ‫جهات مملكة النوم‪ ،‬لتنهضه حركة غريبة‪،‬‬ ‫متمرس يهرع إلى إطالق النار‬ ‫وكأي صياد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫تك‬ ‫لم‬ ‫يدته‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫بأن‬ ‫فيتفاجأ‬ ‫‪،‬‬ ‫يز‬ ‫ر‬ ‫غ‬ ‫بشكل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ثم كانت المهة األصعب‪،‬‬ ‫حمدان‪،‬‬ ‫سوى ابنه‬ ‫ّ‬ ‫إذ ال أحد غيره سيتكّلف بنقل الخبر الفاجعي‬ ‫ّ‬ ‫مهمة هي !‬ ‫أمه‪ّ ،‬‬ ‫فأي ّ‬ ‫إلى ّ‬ ‫في ابن حرام للقاص حسن حميد يعرض‬ ‫لنا طفال لقيطا‪ ،‬تقوم على تربيته عجوز‪،‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫يتنكر لها‪ ،‬ويعيش حياته بمعزل‬ ‫غير ّأنه ّ‬ ‫عنها‪ ،‬فتموت حزنا وحسرة‪ ،‬لتطالعنا األسئلة‬ ‫استل الشوق والحنين‬ ‫على نحو حاد ‪ :‬أن هل ّ‬ ‫بأنه قذر إالّ‬ ‫ثم ِل َم ْلم يدرك اللقيط ّ‬ ‫روحها!؟ ّ‬ ‫بعد فوات األوان‪ ،‬فيتمنى موتا لن يستجيب‬ ‫بأنه كان وراء‬ ‫أن الشعور ّ‬ ‫له سريعا!؟ ذلك ّ‬ ‫قتلها على نحو ما يثقل عليه‪ ،‬فهل كان‬ ‫بأنه كان ينتحر!؟‬ ‫يدري ّ‬ ‫وفي نجمة ‪ -‬وهي األخرى لحسن حميد‬ ‫لكنه ‪ -‬هنا ‪ -‬يحضر‬ ‫يتجسد القتل ثانية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫تحت خانة الدفاع عن الشرف‪ ،‬وهو بالتأكيد‬ ‫يضع المرأة في مقاصده‪ ،‬بما هي التجسيد‬ ‫شخص لهذا الشرف‪ ،‬ففي قصته هذه‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬ ‫يتكرر كثيرا‪،‬‬ ‫ال‬ ‫عجيب‬ ‫بانتفاخ‬ ‫الفتاة‬ ‫تصاب‬ ‫ّ‬ ‫أن الداية تذهب بعيدا في تشخيصها‪ ،‬إذ‬ ‫إالّ ّ‬ ‫ليؤكد طبيب القرية‬ ‫تجزم بحمل الفتاة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تدبره‬ ‫تشخيصها‪ ،‬ولسوء الطالع ‪ -‬أو لترتيب ّ‬ ‫ؤكد طبيب المدينة على ما‬ ‫قدر عابث ‪ُ -‬ي ّ‬ ‫ذهبا إليه‪ ،‬إذاك يسرع شقيقها في رعونة ‪ -‬ال‬ ‫تفهم إالّ في سياق خاص ‪ -‬إلى اإلجهاز‬ ‫أن األهل يحسبون أللسنة الناس‬ ‫عليها‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫يؤكد سلطة موروث‬ ‫ألف حساب‪ ،‬بشكل ّ‬ ‫مشوه‪ ،‬فيضعهم تحت سطوة قسر‬ ‫اجتماعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظ!‬ ‫اجتماعي ف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ممي‬ ‫مأساة‬ ‫قصة‬ ‫في‬ ‫‬‫الخلف‬ ‫ى‬ ‫يتصد‬ ‫ثم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫با� محمد ‪ -‬للحرب كفعل جائر‬ ‫آالن لمحمد ي‬ ‫أن‬ ‫فيدينها‪ ،‬صحيح ّ‬ ‫يناقض اإلنسانية‪ُ ،‬‬ ‫النص األصل‪ ،‬فلم‬ ‫المخرج بقي أمينا لفكرة ّ‬ ‫يجر المشاهد خلفه إلى سوح القتال ليطلعه‬ ‫ّ‬ ‫المستباح‪ ،‬غير‬ ‫اإلنساني‬ ‫الدم‬ ‫منظر‬ ‫على‬ ‫ّ ُ‬ ‫ّأنه ينجح في إظهار بشاعتها عبر اندياحها‬ ‫طع تحت تأثيرها‬ ‫على الصالت البشرية‪ ،‬لتتق ّ‬ ‫دمر!‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬

‫‪31‬‬

‫وزوجته يجرح فيه اإلنساني والنبيل‪ ،‬بيد ّأنه‬ ‫ّ‬ ‫يؤجل إخبار أمه بعودته إلى الصباح‪،‬‬ ‫آثر أن ّ‬ ‫تقدمها في‬ ‫ذلك ّأنه أشفق عليها بسبب ّ‬ ‫أن‬ ‫العمر‪ ،‬وارتاح في فراش الزوجية‪ ،‬إالّ ّ‬ ‫فجردت‬ ‫المرأة المسنة شعرت بحركة ُمريبة‪ّ ،‬‬ ‫خنجره‪ ،‬وغرزته ‪ -‬بحسبها ‪ -‬في صدر‬ ‫الرجل الذي يخون ابنها‪ ،‬إو�ذ عرفت فداحة‬ ‫خطئها‪ ،‬تهاوت على ركبتها‪ ،‬ليتناقل المدى‬ ‫آدمية ُم ّلوعة !‬ ‫صدى صرخة ّ‬

‫تتكشف النصوص عن قتل األحبة‬ ‫ثمة‬ ‫وامحاء ّ‬ ‫أي أمل‪ ،‬ثمة غير موت إذا‪ّ ،‬‬ ‫نتفكر في المقبرة‬ ‫موات‬ ‫روحي‪ ،‬فنحن إذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنراها معادال رمزّيا ال تروم اعتقال األجساد‬ ‫فقط‪ ،‬بل ّأنها تخنق األرواح بحصار ثقيل‬ ‫مادي أو قتل‪ ،‬يتبدى في‬ ‫ثمة موت‬ ‫ّ‬ ‫ومبهظ‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫األحبة ‪..‬‬ ‫وجهه المؤلم عبر تحققه بيد‬ ‫ّ‬ ‫األحبة في مقاصده!‬ ‫واضعا‬ ‫ّ‬ ‫وفي مستو آخر سيتجلى العام في‬ ‫تفاصيله المقلقة‪ ،‬سواء أكان قلقا اشتغل عليه‬ ‫المخرج‪،‬‬ ‫كتاب هذه النصوص‪ ،‬أم قلقا ّ‬ ‫تبناه ُ‬ ‫عبر انتقائه لها‪ ،‬واالشتغال على توليفها‪ ،‬إذ‬ ‫قصة نجمة في الفوات االجتماعي‪،‬‬ ‫تبحث ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمجتمع ذكورّية فظة مثال! فيما تنشغل‬ ‫ليشي ُ‬ ‫طبقية مقيتة‪ ،‬تنتفي‬ ‫اتبية‬ ‫ّ‬ ‫قصة الدراجة بتر ّ‬ ‫االجتماعية‪ ،‬من غير أن يسهو‬ ‫معها العدالة‬ ‫ّ‬ ‫عن اإلشارة إلى التبصر في عالقة الحاكم‬ ‫بالمحكوم‪ ،‬عبر إضمار عالقة الرعي‬ ‫أن‬ ‫بالقطيع‬ ‫المسيحية بحسب ميشيل فوكو‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫البلدية ‪ -‬كأحد رموز السلطة ‪ -‬تنقل رفات‬ ‫الموتى‪ ،‬ذلك كله غير بعيد عن أسئلة مقلقة‬ ‫إالم تذهب‬ ‫ُملتفة بأبعادها‬ ‫ّ‬ ‫الوجودية‪ ،‬إذ َ‬ ‫إحدى الشخصيات في لوحة الختام بقولها‪:‬‬ ‫«هكذا أتيت ‪ ..‬هكذا أمضي»‪ ،‬أو أن تقول‬ ‫عاد مم من السفربرلك ‪ -‬إذا ‪ -‬بعد غياب أخرى ‪« :‬كّلنا ضيوف ‪ ..‬ال أحد سيبقى‪،‬‬ ‫زاد على ّالسبع سنوات‪ ،‬كان قلقه على أمه كّلنا ضيوف ‪ ..‬وحدها الحياة هي صاحبة‬ ‫ّ‬


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪32‬‬

‫شخصية ثالثة أزرها بالقول‬ ‫فتشد‬ ‫المنزل»!‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫بأن ثلثي جسدنا‬ ‫‪« :‬قلت لها‪ :‬أمي ‪ ..‬أتعلمين ّ‬ ‫أن ثلثيه دموع»!؟‬ ‫ماء!؟ فقالت‪ :‬ال ‪ ..‬بل ّ‬ ‫أن هذا اإلنساني ال يقع‬ ‫الالفت في المسألة ّ‬ ‫ّ‬ ‫صر‬ ‫في مهاوي التسليم‪ ،‬إو�الّ فما معنى أن ُي ّ‬ ‫أن‪« :‬الحياة لمن سيبقى ُيقاوم‬ ‫أحدها على ّ‬ ‫أعداء الحياة»!؟‬

‫نص العكش‪ ،‬يربط الخلف‬ ‫باالتكاء على ّ‬ ‫موضوعية‪ ،‬إذ‬ ‫المتناثرة في وحدة‬ ‫ّ‬ ‫األجزاء ُ‬ ‫يعتمد فيه على المقبرة كمكان مركز ّي‪ ،‬ذلك‬ ‫ّأنها الموطن الذي سيأوي إليه هؤالء األحبة‬ ‫في موتهم أو مقتلهم أو مواتهم الروحي!؟‬ ‫ّ‬ ‫عنه ‪ -‬بالضرورة إذا ‪ -‬سيرتسم العكش‬ ‫كشخصية محورّية‪ ،‬والعكش حفار قبور‬ ‫ّ‬ ‫كشخصية فوق‬ ‫اوي‬ ‫أيضا‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫بمهمة‬ ‫يطلع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمان والمكان !‬

‫ّإننا إزاء تقنية التغريب في المسرح‪،‬‬ ‫أن الراوي ‪ -‬مثلها في ذلك مثل المجنون‬ ‫ذلك ّ‬ ‫ تقوم على تجاوز المكان والزمان في‬‫إطارهما الفيزيائي‪ ،‬بهذا المعنى فهي إذا فوق‬ ‫ّ‬ ‫المكان‪ ،‬وفوق الزمان‪ ،‬ناهيك عن ّأنها‬ ‫بمنجاة من مفهوم العقاب والثواب‪ ،‬على هذا‬ ‫فهي تستطيع أن تفشي الحقيقة من دون أن‬ ‫تتكون من‬ ‫يطالها العقاب‪ ،‬ناهيك عن ّأنها ّ‬ ‫ودم ما يوقعن العمل‪ ،‬ويكسبه المزيد من‬ ‫لحم ّ‬ ‫ثم ّأنها ليست شخصية محايدة أبدا‪،‬‬ ‫اإلقناع‪ّ ،‬‬ ‫على هذا فهي تتفاعل مع المصير المأساوي‬ ‫المسرحية‪ ،‬وتروح تبكيهم أو تبكي‬ ‫ألبطال‬ ‫ّ‬ ‫ـتأبية على التحقق‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫أحالمهم الم ّ‬ ‫ّأنها ‪ -‬هي األخرى ‪ -‬تروي قصتها‬ ‫المتمفصلة مع القصص األخرى في تداخل‪،‬‬ ‫ذلك ّأنه يأتي على ذكر زوجة تموت ذات‬ ‫البلدي لدواعي‬ ‫يهدمه المجلس‬ ‫فجأة‪ ،‬وكوخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تصعب اإلحاطة بها!‬ ‫على هذا النحو تتالت النصوص عبر‬

‫ثم ‪-‬‬ ‫تقنية التداعي و ّ‬ ‫التذكر‪ّ ،‬‬ ‫لتسر ‪ -‬من ّ‬ ‫بمأساة شخوص يتموضعون في القاع‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ما يشي بانحياز الخلف لجموع‬ ‫بلدية ال‬ ‫الفقراء‪ ،‬إو�الّ فما مناسبة استحضار ّ‬ ‫تجد غضاضة في نقل مقبرة بأكملها‪ ،‬لتخطط‬ ‫في مكانها لسوق تجاري‪ ،‬من غير أن تعبأ‬ ‫بأنات الموتى أو بطقطقة عظامهم‬ ‫المستكينة!؟‬ ‫افتتح الخلف عرضه بمشهد ّلم الشخوص‬ ‫ثم راح العكش يستعيد‬ ‫في ما يشبه الكادر‪ّ ،‬‬ ‫حكاياتها على التوالي‪ ،‬ما يطرح سؤاال ملحا‪،‬‬ ‫إن‬ ‫أن هل نحن أمام مونودراما‬ ‫جماعية!؟ ّ‬ ‫ّ‬ ‫مروا‬ ‫يقص حكايات شخوص ّ‬ ‫العكش إذ أنشأ ّ‬ ‫اجيدي‪ ،‬شرع هؤالء‬ ‫به في مقتلهم التر ّ‬ ‫بتشخيص األحداث على الخشبة‪ ،‬ما وضع‬ ‫المخرج أمام أحد التي صادفته في توليفته‬ ‫تلك‪ ،‬إذ كيف يتأتى له أن بستغل خشبة‬ ‫المسرح بالشكل المطلوب عبر عدد محدود‬ ‫من الشخوص!؟ السيما ّأننا ‪ -‬غالبا ‪ -‬أمام‬ ‫تتحدد بالتفكير‪ ،‬ما أجبر الخلف‬ ‫أفعال داخلية ّ‬ ‫على اعتماد حركة محدودة تتناسب والمقام‪،‬‬ ‫بأن التوفيق جانبه‬ ‫مما أسلف ّ‬ ‫على أالّ ُيفهم ّ‬ ‫أن اللعب على هذا‬ ‫في هذا الجانب‪ ،‬إذ ّ‬ ‫بالمبالغة‬ ‫العنصر كان سيسم أداء شخوصه ُ‬ ‫أو االفتعال‪ ،‬ناهيك عن اللعب على اإليهام‪،‬‬ ‫إذ لجأ إلى كسر الحاجز بينهم وبين‬ ‫الجمهور‪ ،‬فوزّعهم داخل صالة العرض في‬ ‫إحدى الحكايات‪ ،‬ليعملوا على استثارة‬ ‫المشاهدين من جهة‪ ،‬ويوهموهم‬ ‫فضول ُ‬ ‫بأنهم جزء من المسرود من جهة أخرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعدد الرواة!‬ ‫ة‬ ‫تقني‬ ‫على‬ ‫باالتكاء‬ ‫وذلك‬ ‫ّ ّ‬ ‫أما المشكل اآلخر فتجّلى في المسافة‬ ‫ّ‬ ‫القص الرفيعة ومسرحتها‪ ،‬ذلك ّأنها‬ ‫ّ‬ ‫بين لغة ّ‬ ‫قد ترهق الحوار المسرحي‪ ،‬هذا إذا نظرنا‬ ‫ّ‬ ‫إليه كبطل ُينافس الشخوص على البطولة‪،‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫نتوهم ‪ -‬سوى‬ ‫ولم يكن أمامه ‪ -‬في ما ّ‬ ‫قدم تلك اللغة كما وردت في‬ ‫حّل ْين‪ ،‬أن ُي ّ‬ ‫بالنخبوية‪ ،‬أو أن‬ ‫فينتج عرضا يتسم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القص‪ُ ،‬‬ ‫يلجأ إلى البسيط في اللغة لكن األنيق‪ ،‬من‬ ‫غير أن تذهب الظنون بالقارىء إلى إمكان‬ ‫مطب التسطيح مثال!‬ ‫الوقوع في‬ ‫ّ‬ ‫ومرة ثانية لم يجانبه التوفيق عندما اعتمد‬ ‫الحل الثاني‪ ،‬فأنتج لغة تجمع األدبي إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم‬ ‫إسفاف‪،‬‬ ‫ما‬ ‫غير‬ ‫في‬ ‫بسط‬ ‫الم‬ ‫الفصيح‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يتعدى بابا خشبيا‬ ‫ال‬ ‫بسيطا‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫اعتمد ديكو‬ ‫ّ‬ ‫قديما ُمصمتا من األسفل‪ ،‬ومفتوحا من‬ ‫األعلى‪َ ،‬ليبدو كإطار لصورة شخوصه‪،‬‬ ‫وغسالة قديمة صدئة‪ ،‬وعجلة لنقل الشخوص‬ ‫أو الحوائج‪ ،‬إضافة إلى ستارة الصالة‬ ‫تعمداً ديكوره البسيط‬ ‫السوداء‪ ،‬وال نخاله إالّ ُم ّ‬ ‫ثم‬ ‫هذا‪ ،‬في إشارة إلى بساطة المقام وبشره ‪ّ ،‬‬ ‫آزر العكش في ربط الحكايات بموسيقى‬ ‫َ‬ ‫المتفرج عزيفا جنائزّيا‬ ‫محضت‬ ‫ينة‪،‬‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫مهيبا‪ ،‬موسيقى راحت ‪ -‬هي األخرى ‪-‬‬ ‫أن لعبة‬ ‫تسهم في رثاء شخوصها‪ ،‬غير ّ‬ ‫ألنه يجهلها‪ ،‬بل لضعف‬ ‫اإلضاءة خذلته‪ ،‬ال ّ‬ ‫الممثلين فلقد‬ ‫في إضاءة الصالة! ّ‬ ‫أما أداء ُ‬

‫‪33‬‬

‫كان الفتا‪ ،‬لقد حمل العكش ‪ -‬على سبيل‬ ‫التمثيل ال الحصر ‪ -‬عبئا كبي ار طيلة‬ ‫العرض‪ ،‬وشاركته في ذلك المرأة التي حاولت‬ ‫تنوع في أدائها‪ ،‬على الرغم من ّأنها‬ ‫أن ّ‬ ‫قدمت شخصيات ذات مناخات متقاربة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إما ّأم ُم ّلوعة في‬ ‫‬‫ام‬ ‫و‬ ‫الد‬ ‫وعلى‬ ‫‬‫فهي‬ ‫ّ‬ ‫تشخيصها أو زوجة‪ ،‬ربما وقع بعض‬ ‫أن‬ ‫المبالغة جزئيا‪ ،‬إالّ ّ‬ ‫الممثلين في خانة ُ‬ ‫غالبيتهم تفوق على ذاته بشكل الفت!‬ ‫إو�ذا كان الخلف قد افتتح خلف عرضه‬ ‫يتشبه باللوحة التشكيلية‪ ،‬فلقد اختتمه‬ ‫بما‬ ‫ّ‬ ‫لخصوا‬ ‫بها‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫أن الشخوص ‪ -‬وبعد أن ّ‬ ‫أدوارهم في جمل ُمقتصدة ذات داللة ‪-‬‬ ‫عادوا إلى كادرهم‪ ،‬فبدوا كما لوحة ُمغبرة‬ ‫لكنها ‪ -‬بالتأكيد ‪-‬‬ ‫هدم‪ّ ،‬‬ ‫ُمعلقة على جدار ُم ّ‬ ‫لوحة بصرية ال تنسى!‬

‫لقد غنى الرجل ‪ -‬إذا ‪ -‬فشاطأ حقول‬ ‫الشجن والحزن والطرب‪ ،‬ومحض نصوصه‬ ‫رهافة ضافية وشت الشاعري فيها بالمزيد‬ ‫من التوتر‪ ،‬تلك الشاعرية التي كانت في‬ ‫النص ‪ -‬من‬ ‫صلب عملية االنتقاء‪ ،‬وليعيش ّ‬ ‫ثم ‪ -‬دراماه الالفتة!‬ ‫ّ‬


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪34‬‬

‫الحرب والقيم األخالقية‬ ‫‪P‬‬ ‫شفان ابراهيم‬ ‫الممارسة الفردية أو الموقف الشخصي‬ ‫الغريب‪ ،‬بل تكبر دائرة العنف لتتحول إلى‬ ‫فعل جماعي ضد جماعة أخرى في ظل‬ ‫الثورات‪ ،‬خاصة تلك المترافقة مع حاالت‬ ‫ألن الفرد وكما يرى جون‬ ‫الفوضى العارمة؛ ّ‬ ‫لوك يميل ألهوائه ورغباته أكثر من كونه‬ ‫ظل غياب‬ ‫يسعى لقانون الطبيعة‪ ،‬وفي ّ‬ ‫ظم الحياة والنزاعات‬ ‫القانون والسلطة التي تن ّ‬ ‫أهم ما تفتقده‬ ‫بين األفراد أثناء الثورات‪ّ ،‬‬ ‫فإن ّ‬ ‫ظم‬ ‫الطبيعة بحسب لوك هي الحكم المن ّ‬ ‫فض النزاعات‪ ،‬فتؤول في‬ ‫الساعي إلى ّ‬ ‫نهايتها إلى صراعات ودمار وقتل‪ ،...‬وهو‬ ‫ما يعني انعدام أي قيمة أخالقية في فوضى‬ ‫يتحول إلى حالة‬ ‫الثورات‪ ،‬لدرجة ّ‬ ‫أن العنف ّ‬ ‫طبيعية‪ ،‬تشبه حالة استمرار الصيد‪ ،‬وجعل‬ ‫الصراع البشري ضمن الثورات وكأنه ناموس‬ ‫لصراع كلي‪.‬‬

‫يزداد ظهور بوادر الفناء الذي أصاب‬ ‫اإلنسان الحديث في شخصيته الفطرية‪،‬‬ ‫وأُفرغ من محتواه اآلدمي‪ ،‬بسبب ركضه‬ ‫المستمر الذي استغرق وجوده‪ ،‬وهو يلهث‬ ‫أن‬ ‫وراء قيم المادة والسيطرة والسؤدد‪ ،‬علما ّ‬ ‫المتسبب الرئيس في زيادة العنف‪ ،‬ورفع‬ ‫منسوب المآسي‪ ،‬وبؤس اإلنسان في القرن‬ ‫الحالي هو اإلنسان ذاته‪ ،‬فاللذة التي يسعى‬ ‫تؤمن له االطمئنان الداخلي‪،‬‬ ‫الفرد ورائها لم ّ‬ ‫ولم يحصل في النهاية سوى على سالم‬ ‫يئن تحت وزره ماليين البشر‪ ،‬علما‬ ‫شكلي ّ‬ ‫أن اإلنسان الذي ّيدعي حيازته للحضارة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يعيش في اللحظة ذاتها مجموعة من الحروب‬ ‫والثورات‪ ،‬اليزال يخوض غمار بعضها‪ ،‬وهو‬ ‫اليزال يحاول الخروج من انتكاسات حروبه‬ ‫السابقة‪ ،‬وفي اللحظة ذاتها يتأهب إلشعال‬ ‫حرب جديدة ُينهي بها التاريخ بمزيد من‬ ‫المآسي والقتل على الهوية‪ ،‬وانعدام الباعث‬ ‫إن دخول الغرباء إلى ثورات البلدان‬ ‫ّ‬ ‫األخالقي أو القيمي في ثوراته الثالثية‪.‬‬ ‫ُيعتبرون كمرتزقة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬ ‫فإن القتل وفقدان القيم األخالقية تصبح‬ ‫ّ‬ ‫قانونا لضمان البقاء واالستمرار‪ ،‬وهو ما‬ ‫عنف الثورات والطبيعة البشرية‬ ‫يعني شرعنة العنف والقتل وتمجيده بشكل‬ ‫من جهة أخرى فإن السؤال الواجب‬ ‫أن فقدان القيم األخالقية في‬ ‫سافر‪ ،‬علما ّ‬ ‫طرحه‪ ،‬هو عالقة العنف بالطبيعة البشرية‪ ،‬الثورات يجعل من العنف ذا وظيفة اجتماعية‬ ‫ُ‬ ‫شغل بال المفكرين والفالسفة‪ ،‬كمفهوم مشوهة‪ ،‬بحيث يغدو كل ذي قوة أو جماعة‪،‬‬ ‫حيث َ‬ ‫مهم ي ِ‬ ‫صياغة‬ ‫الت‬ ‫و‬ ‫محا‬ ‫ضمن‬ ‫استخدامه‬ ‫ر‬ ‫كث‬ ‫واجهة إلصدار القوانين والفتاوى والتشريعات‬ ‫ُّ‬ ‫نظرية السلوك اإلنساني أثناء فترات الحروب المزاجية‪ ،‬وربما يربط العنف بحالة الدفاع‬ ‫والنزاعات‪ ،‬سواء لدى األفراد أو الجماعات‪ ،‬عن الطبقات االجتماعية المسحوقة‬ ‫فالعنف‬ ‫يحتل مكانا مركزيا في هذا اإلطار‪ ،‬والمقهورة‪ ،‬حتى إو�ن كان حقا ُيراد به باطل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ألنها تَبرز أكثر في ظاهرتي الثورات‬ ‫ّ‬ ‫والحروب‪ ،‬والتي ال تتوقف عند حدود‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪35‬‬

‫لكنها تغرس في‬ ‫التوجه اإلنساني‬ ‫فنغدوا غير مكترثين بها‪ّ ،‬‬ ‫الحرب و ّ‬ ‫في الحروب األهلية تتفجر عدوانية دواخلنا نمطية القتل على ّأنها حالة طبيعية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تمر‬ ‫اإلنسان وعنفه‪ ،‬آالف األبرياء تُزهق أرواحهم جرائم القتل ضد المتظاهرين أصبحت ّ‬ ‫بسبب كلمة مسطورة على هويتهم الشخصية‪ .‬كطرف العين‪ ،‬وبالكاد تنتج شجبا كالميا‪.‬‬ ‫إن كانت الثورة‪ ،‬أي ثورة كانت‪ ،‬هي ثمرة‬ ‫في السلوك العنصري تظهر أقسى وأقصى‬ ‫فإن استحضار تجارب‬ ‫درجات إبادة اإلنسان‪ ،‬وما العنصرية إال الفكر اإلنساني ّ‬ ‫ثم ممارسة ثانيا‪ ،‬أو لنقل التاريخ‪ ،‬والميديا‪ ،‬وما تركته المناهج‬ ‫خطابا أوال ومن ّ‬ ‫وحدة الخطاب العنفي مع الممارسة التدميرية‪ ،‬المدرسية من أثر سلبي بليغ‪ ،‬جعلت من‬ ‫إن اإلنسان غير مكترث بزهق األرواح التي لم‬ ‫وليس نفي اآلخر وقفا على قتله جسديا‪ّ .‬‬ ‫القتل أعلى شكل من أشكال النفي الكثيرة‪ ،‬ترتكب ذنبا لتعاقب عليه‪ ،‬فالقاتل إنسان‬ ‫فلنتأمل بعض أشكال هذا النفي المنتشرة والمقتول إنسان‪ ،‬خاصة مع تفكك الدولة إلى‬ ‫و»كل قوم‬ ‫والمستمرة عبر التاريخ‪ ،‬لنرى كم هي مشابهة دويالت تتدافع فيما بينها وتتنابذ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للقتل إو�ن بصور أخرى‪ ،‬فنفي اآلخر هو في بما لديهم فرحون»‪.‬‬ ‫المحصلة قتال وعدوانية‪ ،‬وانعدام لألخالق‪،‬‬ ‫أقل درجة من القتل المباشر‪ ،‬وحين‬ ‫ليس ّ‬ ‫أثر الموروث الديني في صناعة قيم‬ ‫كل‬ ‫تنحرف الثورة عن مضمونها لن تنجح ّ‬ ‫اإلنسان‪ .‬الثورات‬ ‫الجهود في لجم نزوع اإلنسان لنفي‬ ‫للفكر الديني أثر بالغ األهمية في نشر‬ ‫لذا لم تعد للثورات أي قيم أخالقية‪،‬‬ ‫خاصة مع اعتماد أحد طرفي النزاع على أخالقيات إيجابية أو سيئة في حاالت‬ ‫القتل‪ ،‬والتعذيب‪ ،‬والتمثيل بالجثث‪ ،‬لدرجة األزمات والثورة واالضطرابات خاصة من‬ ‫أن كتب التاريخ تضم بين دفتيها حروب جهة الرغبة في السيطرة‪ ،‬وبسط النفوذ على‬ ‫ّ‬ ‫لبني اإلنسان‪ ،‬وما خلفته من مآسي هي حيثيات الحدث‪ ،‬وهو ناتج عن وعي النخبة‬ ‫أقرب للخيال‪ ،‬و�ذا علمنا أن ابن الثورة الدينية بفقدان هيبتها وماضيها‪ ،‬وضرورة‬ ‫إ‬ ‫ّ‬ ‫بغض‬ ‫المعارضة لنظام الحكم‪ ،‬أو المؤيد للنظام هم استعادة السيطرة إو�عادة األمجاد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نتاجات ذلك التاريخ‪ ،‬ونتاجات المناهج النظر عن المشروعية التأسيسية لرغبات‬ ‫المدرسية التي تشرح وبإسهاب القتل‪ ،‬السيطرة على الثورة ورغبتهم في عدم فصل‬ ‫والسرقة‪ ،‬واالغتصاب‪ ،‬والتعدي على اآلخر الدين عن الدولة وربط السلطة بالخالفة‪.‬‬ ‫ونفيه‪...‬إلخ‪ ،‬حينها عن أية قيم أخالقية‬ ‫ارتبط مفهوم العنف في الثورات بالبعد‬ ‫للثورة سنتحدث‪.‬‬ ‫الديني‪ ،‬لدرجة اعتبار العنف خاصة أساسية‬ ‫إن كانت ثورة الميديا هي إحدى وسائل من خصائص اإلسالم السياسي‪ ،‬واستدلوا‬ ‫تنمية المجتمعات الغربية‪ ،‬فهي لدينا وسيلة على ذلك بمسلك جماعات اإلسالم السياسي‬ ‫إطالع على تاريخ وارث التنكيل‪ ،‬والقتل في مصر وسوريا في السبعينيات‪ ،‬وفي إيران‬ ‫لدرجة أن الشاشة الصغيرة في عصر ثورة حتى بعد الوصول للسلطة‪ ،‬ثم في الجزائر‬ ‫ّ‬ ‫االتصاالت تضعنا كل يوم أمام مشاهد ِألفنا وأفغانستان في التسعينيات‪ ،‬حتى مفهوم‬ ‫تحول من ممارسات الجهاد من‬ ‫رؤيتها دون أن تثير فينا إحساسا بالضحية‪ ،‬الجهاد ّ‬ ‫وبخاصة إذا كانت المشاهد ال تعنينا مباشرة‪ ،‬الخارج إلى الداخل‪ ،‬ورافقه انتفاء حالة‬


‫‪36‬‬

‫التفكير والردة في ممارسة أقصى درجات‬ ‫العنف ضد األنظمة‪ ،‬أو الثورات أو بعض‬ ‫الفئات االجتماعية والثقافية‪.‬‬ ‫أن السلوك العنيف المرادف‬ ‫والواقع ّ‬ ‫للثورات إنما يبنى على أساس تفسير معين‪،‬‬ ‫معينة‪،‬‬ ‫أو خاص آليات أو توجهات دينية ّ‬ ‫المتحول باتجاه الداخل‬ ‫أن الجهاد‬ ‫خاصة و ّ‬ ‫ّ‬ ‫أصبح هو ذاته الصراع الطبقي وحرب‬ ‫الشعب الطويلة األمد‪.‬‬

‫في ‪ 26‬كانون الثاني عام‪1095‬م ألقى‬ ‫البابا أوربان ن‬ ‫الثا� خطابا أمام الجموع المحتشدة‬ ‫ي‬ ‫دعا فيها إلى حمل السالح ضد قبيلة األتراك‬ ‫الفارسية‪ ،‬التي ذبحت وأسرت كثي ار من‬ ‫المسيحيين‪ ،‬إو�لى تحرير قبر السيد المسيح‪،‬‬ ‫وتحرير األخوة العائشين هناك (أنا أقول هذا‬ ‫للحاضرين وأتكّلف بإبالغ الغائبين‪ ،‬هكذا‬ ‫أمر يسوع المسيح)‪ ،‬لم ينسى البابا أن يقول‬ ‫أن الرب سيغفر جميع خطاياهم إن‬ ‫للجموع ّ‬ ‫هم قاتلوا الكفار‪ ،‬وسيثيبهم في الجنة األبدية‬ ‫في السماء‪ .‬كان الفرسان واإلقطاعيون‬ ‫الفرنجة يعرفون ما وراء هذا الخطاب‪ ،‬وراحوا‬ ‫يقاتلون من أجل بالد العسل والثروة‪ ،‬فيما‬ ‫الجنود كانوا ينّفذون إرادة السيد المسيح؛‬ ‫المسيح الذي جاء ليخلص البشر من‬ ‫خطاياهم عبر فدائهم‪ ،‬يتحول إلى مبرر‬ ‫للقتل بسبب إيديولوجية خاصة‪ ،‬وتبريرات‬ ‫تخص شخصا معين‪ ،‬وهو ما يسمى استعارة‬ ‫ّ‬ ‫«أيديولوجيات القتل المقدس» وما هي إال‬ ‫عناصر لتزييف وعي البشر‪ ،‬ودفعهم إلفناء‬ ‫اآلخر من أجل ما هو دنيوي‪.‬‬

‫وحين تدخل الفتوى الدينية في الثورات‬ ‫يتحول المقدس الديني بفعل تأثيره على‬ ‫ّ‬ ‫المؤمنين إلى خطاب تحريضي‪ ،‬تحرير‬ ‫القدس‪ ،‬تحرير األخوة المحتجزين‪ ،‬إعالء‬ ‫راية هللا وكلمته‪ ،‬الوفاء للرسل‪...‬إلخ‪.‬‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫في إحدى أعدادها لعام ‪1914‬م كتبت‬ ‫جريدة التايمز اللندنية في مقالها االفتتاحي‪:‬‬ ‫ليست هناك أمة متحضرة على وجه الكرة‬ ‫األرضية‪ ،‬ترضى بأن تقصف المدن‬ ‫ِ‬ ‫تمض عقود‬ ‫المفتوحة بالقنابل من الجو‪ ،‬ولم‬ ‫قليلة من الزمن حتى كانت العواصم‬ ‫التاريخية الكبرى ألوربا‪ ،‬باريس‪ ،‬موسكو‪،‬‬ ‫ولندن‪ ،‬تترزح تحت قصف القنابل‪ ،‬ثم لم‬ ‫تمض بضع عقود من الزمن حتى قضت‬ ‫قنابل ذرية تسقط من الطائرات على الحياة‬ ‫في هيروشيما وناكازاكي‪ ،‬ولم تمضي عقود‬ ‫قليلة حتى ُقصفت حلبجة بالكيماوي لتكون‬ ‫الوصمة األكثر وحشية على جبين اإلنسانية‪،‬‬ ‫أن يحرق اإلنسان بالكيماوي ويدفن مئات‬ ‫اآلالف من الكرد أحياء تحت التراب‪ ،‬ترى‬ ‫هل قتل اآلخر وتعذيبه خصلة متأصلة في‬ ‫اإلنسان إلى الحد الذي ال يمكن استئصالها!‬ ‫هل هي صفة غريزية ثابتة فيه؟!‬ ‫تأثير الموروث واأليديولوجيا في الجيل‬ ‫الالحق‬

‫إن انتشار السادية في الثورات هي من‬ ‫ّ‬ ‫أهم ركائز انهيار تلكم الثورات‪ ،‬ساد‬ ‫بين ّ‬ ‫الذي اشتقت من اسمه اللذة في تعذيب‬ ‫اآلخر‪ ،‬قد ّبين في قصصه جانبا من المتعة‬ ‫المع ّذب‪ ،‬وأشار فرويد إلى‬ ‫التي يشعر بها ُ‬ ‫وجود غريزة التدمير عند بني البشر إلى‬ ‫أن الظلم من‬ ‫جانب غريزة الحب‪ ،‬وقيل قديما ّ‬ ‫ظر‬ ‫إن غياب‬ ‫المفكر والمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫شيم النفوس‪ّ .‬‬ ‫الثوري ألي ثورة ُيعلي من جانب انتشار‬ ‫ظواهر القتل‪ ،‬التعذيب‪ ،‬اإلذالل‪ ،‬االنتقام‪،‬‬ ‫والجرائم الفردية‪ ،‬وغياب القيم األخالقية عن‬ ‫الثورات وخاصة في بلدان الشرق‪ ،‬وباألخص‬ ‫البلدان العربية تجعل من هذه الثورات آفة‬ ‫تطيح وتفتك بالمجتمعات‪ ،‬فالموروث الديني‬ ‫القائم على التفسيرات والتحليالت الخاطئة‪،‬‬ ‫وطبيعة الحياة البشرية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫واألسرية في فترة الجاهلية‪ ،‬وما تالها‪ ،‬ونقل‬ ‫طبيعة هذه الحياة إلى األجيال الالحقة بما‬ ‫فيها الجيل الراهن عبر المناهج المدرسية‪،‬‬ ‫أو األعالم‪ ،‬أو األفالم وغيرها‪ ،‬قد خلقت‬ ‫تابع‬ ‫وزرعت أيديولوجيا مخفية داخل كل فرد َ‬ ‫هذه المناهج المليئة بأيديولوجيا القتل؛ أي‬ ‫التبرير اإليديولوجي لفعل القتل‪ /‬قتل األخر‪.‬‬

‫ولو دققنا في مصادر أيديولوجيا القتل‬ ‫أن المساهمين الحقيقيين في صناعتها‬ ‫لوجدنا ّ‬ ‫هم الجماعات اإلنسانية‪ ،‬الشعب‪ ،‬األمة‪،‬‬ ‫ويظل‬ ‫الحزب‪ ،‬التنظيم السري‪ ،‬سلطة الدولة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السؤال مطروحا في الثورات والنزاعات‪ ،‬هل‬ ‫أن أيديولوجيا‬ ‫تنتصر قيم الخير والعدالة؟ أم ّ‬ ‫القتل غدت عامل تأثير على البشر‪ ،‬إو�ن لم‬ ‫يكن اإلنسان ينطوي باألصل على نزعة‬ ‫أن االيديولوجيا‬ ‫عدوانية تجاه اآلخر‪ ،‬خاصة و ّ‬ ‫تمجد وتستنكر معا فعل القتل الذي هو قاتل‬ ‫ّ‬

‫‪37‬‬

‫ومقتول‪ ،‬فحين قصف صدام حسين مدينة‬ ‫حلبجة بالكيماوي وزهق أرواح اآلالف من‬ ‫البعض هذا‬ ‫مجد‬ ‫ُ‬ ‫الكرد األبرياء في دقائق‪ّ ،‬‬ ‫ونظر إليه‬ ‫الفعل الذي قام به ( بطل األمة)‪ُ ،‬‬ ‫بوصفه انتصارا‪ ،‬فيما الضحية اليزال يحيي‬ ‫ذكرى هذا الفعل على ّأنه جريمة نكراء بحق‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬ ‫إن أيديولوجية الحرب في الثورات هي‬ ‫ّ‬ ‫الشكل الفاقع أليديولوجيا القتل‪ ،‬هذه‬ ‫تقسم القيم إلى قسمين؛‬ ‫اإليديولوجيا الثورية ّ‬ ‫ظاهر وخفي‪ ،‬الظاهر هو األهداف المعلنة‬ ‫الزائفة‪ ،‬والخفي هو األهداف الحقيقية‪،‬‬ ‫وبالتالي نحن أمام أيديولوجيتين معا‪ ،‬واحدة‬ ‫تضفي على الثورات دالالت أخالقية‬ ‫وعقالنية وحقانية وهي األيديولوجية العلنية‪،‬‬ ‫بكل األهداف الدنيوية‪.‬‬ ‫واألخرى هي الملوثة ّ‬


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪38‬‬

‫مراجعة القـانون الديني‬ ‫ديفيد ماكلوري‬

‫‪P‬‬

‫محاضر في القانون‪ ،‬جامعة لندن‬

‫عن اإلنكليزية‪ :‬سوز حج يونس‬

‫السؤال هو‪ ،‬هل القانون العلماني ممكن‪،‬‬ ‫وهل ُيعتبر أم ار استف اززيا؟!‬ ‫في القرن الواحد والعشرين‪ ،‬في بلد مثل‬ ‫عرف أغلب الناس بأنفسهم‬ ‫بريطانيا‪ُ ،‬‬ ‫حيث ُي ّ‬ ‫على ّأنهم مسيحيون‪ ،‬وهذا يتناقض في‬ ‫أحسن األحوال مع وجهة نظرهم حول رفض‬ ‫تدخل الكنيسة في شؤون السياسة في بلدهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على أية حال وقبل أن نعالج هذه المسألة‪،‬‬ ‫من الضروري فهم المعاني المختلفة التي قد‬ ‫تعطي لمصطلح «العلمانية» حيث ُيعرف‬ ‫بأنه حصيلة فصل الدين عن السياسة‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫الفصل بينهما ليس فقط مستحيال‪ ،‬بل خط ار‬ ‫ويعتبر الدين المسيحي نفسه مساهما‬ ‫أيضا‪َ ،‬‬ ‫رئيسا في ظهور فكرة القانون العلماني‪.‬‬ ‫ ‪I-‬القانون العلماني مستحيل‬

‫أكثر الناس اليوم ينظرون إلى الدين‬ ‫والعلمانية على ّأنهما ثنائي متالزم‪ ،‬فكل‬ ‫شيء ديني ليس علمانيا‪ ،‬وكل ما هو علماني‬ ‫ُينظر إليه على أنه ليس دينيا‪ ،‬وبهذا المعنى‬ ‫ُينظر إلى قوانين مثل القانون اإلسالمي أو‬ ‫القانون الكنسي على أنها أمثلة عن أنظمة‬ ‫قانونية دينية‪ ،‬بينما ُينظر إلى قوانين الشعب‪،‬‬ ‫أو القانون المدني على أنها أمثلة عن أنظمة‬ ‫قانونية علمانية‪ .‬على أية حال ليس من‬ ‫الصعب التمييز بين األنظمة القانونية‬ ‫الدينية‪ ،‬واألنظمة القانونية العلمانية‪ ،‬الحقا‬ ‫أن هذا التمييز متج ّذر في الفهم‬ ‫سنجد ّ‬ ‫المسيحي للعلمانية‪ ،‬وهناك تشويش أيضا‬ ‫بين مفهومين آخرين شائعين حول مصطلح‬

‫«العلمانية»‪ .‬المفهوم األول هو أن‬ ‫«العلمانية» أو أي شيء علماني هو ليس‬ ‫ٍ‬ ‫أي تأثير‬ ‫فقط غير ديني‪ ،‬بل خال أيضا من ّ‬ ‫ديني بشكل مطلق‪ ،‬بينما المفهوم اآلخر‬ ‫والذي ال ينظر للقانون العلماني بمجرد ّأنه‬ ‫ٍ‬ ‫أي تأثير ديني‪ ،‬إو�نما ُينظر إليه‬ ‫خال من ّ‬ ‫يتم الوصول إليه من خالل‬ ‫على ّأنه قانون ّ‬ ‫التحرر‬ ‫الحافز الشعبي المنبثق أساسا من‬ ‫ّ‬ ‫التحرر الذي يهدف ألن يكون‬ ‫العلماني‪ ،‬هذا ّ‬ ‫محايدا وجس ار يوصل بين وجهات نظر‬ ‫العالم المختلفة‪ ،‬وكان هذا المفهوم هو السائد‬ ‫لتفسير فكرة القانون العلماني في النصف‬ ‫الثاني من القرن العشرين‪ ،‬ورغم أن ثقافتنا‬ ‫فإنه‬ ‫تفتقر في أغلب األحيان لهذا الفهم‪ّ ،‬‬ ‫أن المفهومين الذين‬ ‫يبدو لنا وبوضوح ّ‬ ‫أوردناهما حول مصطلح «العلمانية»‬ ‫متناقضان تماما‪ .‬المفهوم األول الذي ينظر‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫إلى القانون العلماني على ّأنه خال من ّ‬ ‫تأثير ديني‪ ،‬فهو بذلك يستثني وجهة النظر‬ ‫ظم‪ ،‬ويلغي دورها من‬ ‫الدينية وبشكل من ّ‬ ‫المساهمة في القانون‪ ،‬وبذلك يمكننا القول‬ ‫أن القانون الخالي من وجهة النظر الدينية‬ ‫ّ‬ ‫ليس قانون محايدا أبدا‪ ،‬إو�ّنما يمكننا أن‬ ‫نعتبره قانونا ملحدا‪ .‬في بريطانيا اليوم يستند‬ ‫جزء مهم من وعينا الجمعي لمفهوم العدالة‬ ‫أن األفراد الذين يمتلكون معتقدات دينية‬ ‫إلى ّ‬ ‫قوية‪ ،‬أو الذين لديهم معتقدات دينية أقل‪ ،‬أو‬ ‫يتبنون ّأية معتقدات دينية‪ ،‬أو‬ ‫أولئك الذين ال ّ‬ ‫آخرين لديهم أفكار ومعتقدات معادية للدين‪،‬‬ ‫ينبغي أن ُيعاملوا بنفس الدرجة في مجتمعنا‪،‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫وأن يلتزموا بقوانين هذا المجتمع بالحد‬ ‫المعقول‪ ،‬ونحن هنا نعطي أفضلية لقانون‬ ‫يقرب وجهات النظر المختلفة‪،‬‬ ‫العلمانية الذي ّ‬ ‫أكثر من ذلك القانون الذي يستبعد وجهة‬ ‫نفضل القانون‬ ‫النظر الدينية؛ أي بمعنى آخر ّ‬ ‫العلماني الحيادي‪ ،‬على القانون العلماني‬ ‫الملحد‪ .‬وتكمن الصعوبة في أن القانون‬ ‫العلماني الملحد يبدو ممكنا أكثر من القانون‬ ‫العلماني الحيادي‪ ،‬الذي ُيعتبر وهما‪،‬‬ ‫ومستحيال‪ .‬وتُعتبر نظرية جون راؤولس حول‬ ‫مفهوم العدالة‪ ،‬الرؤية الفلسفية األقوى عن‬ ‫العدالة التي أنتجها القرن العشرون‪ ،‬وراؤولس‬ ‫في نظريته هذه يسير في ركب التنوير الذي‬ ‫ُرسم اعتبا ار من جون لوك وصوال إلى امانويل‬ ‫كانت‪ ،‬راؤول يطلب إلينا في نظريته أن نأخذ‬ ‫موقفا طبيعيا من أولئك الناس الذين ال‬ ‫اء‬ ‫يعلمون ما إذا كانوا يؤمنون باهلل أو ال‪ ،‬سو ٌ‬ ‫أميين‪،‬‬ ‫أكانوا أغنياء أم فقراء‪ ،‬متعلمين أم ّ‬ ‫موهوبين أو فاشلين‪ ،‬بيضا كانوا أم سودا‪،‬‬ ‫متزوجين أو ال‪ ،‬وقد طرح راؤول سؤاال حول‬ ‫أسس العدالة التي سيتبعها الناس‪ ،‬وهم‬ ‫متخّفون وراء هذا الحجاب من الجهل‪ .‬جزٌء‬ ‫أن الناس في مثل‬ ‫كبير من جوابه كان حول ّ‬ ‫هذه الظروف سيختارون نظاما يزيد الوضع‬ ‫المجتمعي سوءا‪ .‬ما يبحث عنه راؤول في‬ ‫قانونه هو ما يلي[‪ :]2‬بداية إيجاد ما يسمى‬ ‫بالعدالة العلمانية‪ ،‬ثانيا العدالة المعتمدة على‬ ‫السبب فقط‪ ،‬والذي سيقوم بصياغته في‬ ‫عمله التالي حول العلمانية التحررية‪ ،‬والذي‬ ‫يعتبر عمال مقبوال من الجانبين؛ أي أولئك‬ ‫الذين يؤمنون باهلل‪ ،‬والذين ال يؤمنون به[‪،]3‬‬ ‫ثالثا يسعى راؤول لمنح تأييده كفيلسوف‬ ‫للعلمانية الحيادية التحررية‪ ،‬ولكن توجد‬ ‫مشكلتان في علمانية راؤول التحررية‪.‬‬ ‫المشكلة االولى فسرها الناقد القانوني‬ ‫الفيلسوف كوستا دوزيناس‪ ،‬وقد كتب دوزيناس‬ ‫ٍ‬ ‫رد على تحررية راؤول (في ظل غياب‬ ‫في ّ‬

‫‪39‬‬

‫رؤية مشتركة حول الحياة الفاضلة‪ ،‬أصبحت‬ ‫العلمانية التحررية التي تعتمد على اجراءات‬ ‫رسمية كقانون اإليجابية‪ ،‬والمقياس العام‬ ‫ظل غياب‬ ‫للتقسيم‪ ،‬هي القانون البديل في ّ‬ ‫األخالق‪ ،‬والعالم األجوف‪ ،‬لذا يجب أن‬ ‫تؤخذ األخالق والسياسة بنفس القدر من‬ ‫األهمية‪ .‬في الحقيقة نجد أن الشرط الرئيسي‬ ‫ّ‬ ‫في هذا القانون بنسخته المعاصرة للشرعية‪،‬‬ ‫يخص األخالق أو ما‬ ‫هو ّأنه يستبعد كل ما ّ‬ ‫له عالقة بها‪ ،‬من أية عملية لصياغة هذا‬ ‫القانون[‪ ،]4‬ونجد هنا أن دوزيناس قد وضع‬ ‫يخص العلمانية‬ ‫أصبعه على الجرح فيما‬ ‫ّ‬ ‫أن القانون قد انتقل من‬ ‫التحررية‪ ،‬فنجد ّ‬ ‫المساواة في معاملة الناس (العدالة في‬ ‫معاملة مختلف الناس)‪ ،‬إلى ادعاء الحيادية‬ ‫تحولت‬ ‫فيما يخص األخالقيات‪ ،‬والتي‬ ‫ّ‬ ‫بدورها من الالختالف إلى أسئلة أخالقية‪،‬‬ ‫وهذا القانون ال يمكن أن ُيغمض عينيه عن‬ ‫االختالفات األخالقية‪ ،‬أو حتى أن يتجنب‬ ‫أن ميغيل ساندل‬ ‫اتخاذ أحكام أخالقية‪ .‬وكما ّ‬ ‫ناقش أيضا الحيادية التحررية‪ ،‬والتي كانت‬ ‫طاغية على القانون المعاصر والفلسفة‬ ‫الشرعية لعقود؛ وتعني بأننا ال يجب أن نقحم‬ ‫العقائد األخالقية والدينية في النقاشات الدائرة‬ ‫حول العدالة والحقوق[‪ .]5‬في الحقيقة‪ ،‬هذا‬ ‫أن العدالة أمر‬ ‫أمر مستحيل‪ ،‬والسبب هو ّ‬ ‫ٌ‬ ‫اء كان جدالنا أو‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫منه‪،‬‬ ‫مفر‬ ‫ال‬ ‫محتوم‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫نقاشنا حول االنقاذ المالي‪ ،‬أو حول األمومة‬ ‫البديلة‪ ،‬أو زواج المثليين‪ ،‬أو أفعال إيجابية‬ ‫أو غير ذلك‪ ،‬فأسئلة العدالة مرتبطة بشكل‬ ‫كبير مع ﻻ‪-‬تنافس قيم الشرف والفضيلة‪،‬‬ ‫وعن الفخر والتمييز‪ ،‬فالعدالة ليست طريقة‬ ‫لتوزيع االشياء‪ ،‬بل هي الطريقة األمثل لتقييم‬ ‫[‪]6‬‬ ‫أن‬ ‫االشياء ‪ .‬وما يمكن مالحظته هو ّ‬ ‫تعبر عن‬ ‫األمثلة التي أوردها ساندل ال ّ‬ ‫خيارات الخصوصية‪ ،‬بل هي عبارة عن‬ ‫أسئلة تدور حول ما يجب على القانون أن‬


‫‪40‬‬

‫أن‬ ‫توضح كيف ّ‬ ‫يسمح به أو ال‪ ،‬وهي أمثلة ّ‬ ‫القانون ليس سوى انعكاس لمبادئنا األخالقية‬ ‫العامة[‪ ،]7‬وقد كتب يوسف راز (الفكر القانوني‬ ‫ما هو إال فكر أخالقي!) والمذاهب القانونية‬ ‫تبرر األفعال‪ ،‬فقط إذا كانت هذه األفعال‬ ‫ّ‬ ‫مبررة أخالقيا‪ ،‬و ّأنه ينبغي اتباع هذه المذاهب‬ ‫إذا كانت صحيحة من الناحية األخالقية‪،‬‬ ‫والفكرة هنا ّأنه ينبغي على القضاة أن يحكموا‬ ‫يطبقوا القانون أخالقيا‪،‬‬ ‫بأحكام حيادية‪ ،‬وأن ّ‬ ‫وذلك عند مواجهتهم لمتنازعين معارضين‬ ‫للمبادئ األخالقية‪.‬‬

‫في أمريكا مثال ‪ -‬قبل نحو مئة عام‪ ،‬في‬ ‫مطلع القرن العشرين ‪ -‬كان القضاة يصرون‬ ‫على أن القانون وتفسير السوابق القانونية‪،‬‬ ‫ما هو إال تدريب واجراء رسمي‪ ،‬واعتمادا‬ ‫على نظرية التفسير المعروفة بـالشكلية؛‬ ‫تؤكد على أن القاضي ال يجب أن‬ ‫والتي ّ‬ ‫يفصل بين المتنازعين اعتمادا على ق اررات‬ ‫أن‬ ‫اخالقية‪ ،‬إو�نما تطبيقا لحكم قانون معين‪ ،‬و ّ‬ ‫الشخص يطبق الحكم على ّأنه جزء من‬ ‫قاعدة قانونية ال أكثر‪ ،‬وقد ظهر هذا األمر‬ ‫جليا في القرار سيء السمعة الذي اتخذته‬ ‫المحكمة االمريكية العليا في قضية لونشير‬ ‫(نيويورك ‪ 198‬الواليات المتحدة‪ ،‬وذلك سنة‬ ‫‪ 1905‬في لونشير)‪ ،‬حيث أنهت المحكمة‬ ‫العليا تشريعا كان معموال به في والية‬ ‫نيويورك‪ ،‬والذي كان يحدد ساعات العمل‬ ‫للخبازين في الوالية بـ ‪10‬ساعات يوميا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫و‪ 60‬ساعة أسبوعيا‪ ،‬وعند إنهاء المحكمة‬ ‫العليا العمل بهذا القانون أثارت موجة غضب‬ ‫عارمة في الوالية‪ ،‬وأما المحكمة فقد بررت‬ ‫قرارها بأن المشرعين في ذلك التشريع قد‬ ‫انتهكوا حرية العقد؛ أي أن المحكمة لم تتّخذ‬ ‫هذا الحكم اعتمادا على قانون أخالقي[‪،]8‬‬ ‫إو�نما أعطت األولوية لقانون العقد (الذي‬ ‫يعود للقرن التاسع عشر)‪ ،‬والذي أهمل‬ ‫وبشكل ملحوظ تفاوتات القوة في مجال‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫صناعة الخبز‪ .‬دعنا ننتقل من العام ‪1905‬‬ ‫إلى العام ‪ 2012‬من المخابز الى مجال‬ ‫العمل المصرفي‪ ،‬والنقاشات الدائرة حول‬ ‫مستويات الرواتب في المجال المصرفي‪،‬‬ ‫أن السوق هو‬ ‫فمن جانب هناك من يقول ّ‬ ‫من يجب أن يحدد مستويات الرواتب‬ ‫للمصرفيين الكبار‪ ،‬وآخرون يرون أن‬ ‫الحوافز والمكافئات يجب أن تكون متكافئة‬ ‫مع طبيعة النشاط وقيمته االجتماعية‪ ،‬ولكن‬ ‫بشرط أن ال يكون مشجعا على المخاطرة‬ ‫الزائدة‪ .‬وقبل أن نسال أسئلة تقنية أو سياسية‬ ‫حول ضرورة أن تحدد رواتب المدراء‬ ‫وتنظيمها بشكل فعلي‪ ،‬فإنه ثمة سؤاال‬ ‫أخالقيا مطروحا مسبقا‪ ،‬وهو؛ هل يجب أن‬ ‫نحدد رواتب هؤالء المدراء أم ال؟ فالقانون‬ ‫يجب أن يكون متحر ار قدر اإلمكان‪ ،‬لذا‬ ‫ربما ينبغي لنا أن نتغّلب على الهولنديين‬ ‫تؤكد على القيم‬ ‫سن قوانين ّ‬ ‫والدنماركيين في ّ‬ ‫األخالقية‪ ،‬أي القيم األخالقية للحكم الذاتي‬ ‫الشخصي‪ .‬ونستنتج هنا أن تطبيق قانون‬ ‫ألنه من‬ ‫علماني محايد هو أمر غير ممكن‪ّ ،‬‬ ‫المستحيل للقانون أن يكون محايدا أو أال‬ ‫يكون متحي از فيما يخص األسئلة األخالقية‬ ‫الكبيرة في أيامنا هذه‪ .‬طبعا ال نستطيع أن‬ ‫كل األحكام األخالقية بتلهف عند‬ ‫نتبنى ّ‬ ‫مواجهة قضايا مثل قضايا االعتداء على‬ ‫يخص الملكية‬ ‫األطفال أو العبودية أو ما‬ ‫ّ‬ ‫ذكر نيل‬ ‫الفكرية‪ ،‬أو مخالفات األنترنت‪ .‬وقد ّ‬ ‫كل أولئك الذين يسمون أنفسهم‬ ‫ماكورميك ّ‬ ‫أن القانون يستند على‬ ‫بالقانونيين اإليجابيين ّ‬ ‫[‪]9‬‬ ‫ن‬ ‫مجردا من‬ ‫قيم أخالقية ‪ ،‬وأن القانو ليس ّ‬ ‫القيم األخالقية‪ .‬هذه القيم األخالقية التي‬ ‫جاءت من مكان ما‪ .‬فرؤساء وزرائنا الثالث‪،‬‬ ‫الذين تناوبوا مؤخ ار على الحكومة‪ ،‬كانوا‬ ‫ن‬ ‫بل� منذ‬ ‫مدركين تماما لهذه النقطة‪،‬‬ ‫فـتو� ي‬ ‫ي‬ ‫استقالته ال يوفر جهدا للقيام بأعمال (للتقرب‬ ‫الى هللا!)‪ ،‬وهو الذي كان يؤكد في كل‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪41‬‬

‫التنوير‪ ،‬وقد اعتبر في الوقت نفسه أحد‬ ‫األعضاء الدائمين في الكنيسة اإلنجليكانية‪،‬‬ ‫ومؤلف كتاب «معقولية المسيحية»‪ ،‬وإمانويل‬ ‫كانت والذي ولد ألبوين تقيين‪ ،‬والذي حاول‬ ‫رد على تشكيك‬ ‫الدفاع عن الدين‪ ،‬وكما ّأنه ّ‬ ‫دافيد هيوم في كتابه «الدين ضمن حدود‬ ‫السبب»‪ ،‬وأخي ار كان العالم جون راؤولس‪،‬‬ ‫والذي كان يعتبر مأمو ار من قبل الكنسية‪،‬‬ ‫قبل أن ينخرط في حياة الكتابة كفيلسوف‬ ‫سياسي‪.‬‬

‫مناسبة عندما كان في مكتب الرئاسة على‬ ‫أهمية اإليمان المسيحي في حياته‪ ،‬وغوردن‬ ‫براون الذي كان والده مسؤول الكنيسة‬ ‫األسكتلندية‪ ،‬وهو من منحه بوصلته‬ ‫كام�ون ومهما تكن‬ ‫األخالقية‪ ،‬وديفيد ي‬ ‫مؤهالته‪ ،‬فقد سار على نفس الدرب‪ .‬وبذلك‬ ‫أصبحت القيم المسيحية قيم بريطانية[‪،]10‬‬ ‫وأصبحت مقبولة من قبل الجميع‪ ،‬سواء كان‬ ‫أولئك الذين لديهم إيمان قوي بوجود الرب‪،‬‬ ‫أو إيمان ضعيف‪ ،‬أو حتى أولئك الذين ال‬ ‫يعترفون بوجود الرب‪ .‬و ّأنه يستحيل لنا أن‬ ‫القضية هنا ليست متعلقة بقوة العقائد‬ ‫نفكر خارج إطار الفهم المسيحي الذي يدعو الدينية لهؤالء المفكرين الثالثة‪ ،‬إو�نما متعلقة‬ ‫البشر أن ينشؤوا عالقات فيما بينهم ويتآلفوا‪ ،‬بالفرضيات التي وضعها هؤالء عن مبدأ‬ ‫وهذا ما ورثناه‪.‬‬ ‫المساواة بين البشر‪ ،‬فنجد مثال في حالة‬ ‫[‪]12‬‬ ‫تبني‬ ‫ربما نشعر بالصدمة عندما نجد أن لوك ‪ ،‬فقد كتب مثال (الحاجة إلى ّ‬ ‫فيلسوفا مثل أرسطو ينظر إلى العبودية على الحكم المتعّلق بضرورة تقبل اآلخرين)‪،‬‬ ‫تحولهم واألمر ذاته ينطبق على حالة كانت‪ ،‬والذي‬ ‫أنها أمر طبيعي؛ أي ّأنه ّ‬ ‫يبرر للبشر ّ‬ ‫مجرد أدوات حية في يد بشر آخرين! كتب بدوره (حول الحاجة ألن تكون أحكام‬ ‫إلى ّ‬ ‫يستغل آخرون‬ ‫ونشعر بالفزع عندما‬ ‫يخص التعامل مع‬ ‫التحيز المجتمع مبررة فيما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطائفي للتأثير على اآلخرين‪ ،‬وتحصل فئة األفراد المستضعفين فيه)‪ ،‬وفي حالة راؤولس‬ ‫قليلة بموجبه على امتيازات متعلقة بالحصانة فيقول (علينا أن نقبل جميع الفرضيات‪،‬‬ ‫إو�نكار اإلنسانية المشتركة[‪ ،]11‬وموضوع ونعتبرها معقولة وطبيعية ألننا نحن‬ ‫انعدام الرحمة لدى القدماء‪ ،‬وكما أنه وفي واآلخرون نتاج حضارة أثّرت فيها المسيحية‬ ‫[‪]13‬‬ ‫أن القانون‬ ‫الحضارات القديمة كانوا يحكمون وبكل بشكل ملحوظ) ‪ ،‬نستنتج ّ‬ ‫بساطة على المرضى المصابين بأمراض العلماني الحيادي ال يهدف إال لتوفير ساحة‬ ‫مزمنة أو المتضررين والمصابين بعاهات لعب حيادية‪ ،‬وحتى هذا األمر يبدو غير‬ ‫ويبررون فعلهم هذا بأن هؤالء لم ممكن‪ ،‬فليس هناك ما يمكن تسميته بـ ساحة‬ ‫بالموت‪ّ ،‬‬ ‫يعودوا قادرين على االعتماد على أنفسهم أو حيادية‪ ،‬إو�ّنما باألحرى يجب أن نسميه مربعا‬ ‫نرد على مثل‬ ‫عاما‪ ،‬فالمربع الذي يستثني كل التأثيرات‬ ‫المساهمة في المجتمع‪ .‬ونحن ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأن مبادئنا األخالقية والعامة‪ ،‬الدينية‪ ،‬وتعتبر فيه كل النشاطات المناهضة‬ ‫هكذا حاالت‪ّ ،‬‬ ‫التحررية‪ ،‬أو العالمية تحتّم على أي إنسان للعلمانية أم ار مراقبا ومعرضا للمحاسبة‪ ،‬ال‬ ‫سوي أن يرفض مثل هكذا إجراءات‪ ،‬يمكن اعتباره حياديا‪ ،‬إو�ّنما يعتبر مربعا‬ ‫عاقل أو ّ‬ ‫ونؤمن أيضا أن مبادئنا األخالقية هي نتيجة عاما‪ ،‬ال تسمع فيه وجهات النظر الدينية‪،‬‬ ‫أن المفكرين الكبار وعلى العكس تكون األصوات المعادية للدين‬ ‫للتعاليم المسيحية‪ ،‬و ّ‬ ‫الذين قاموا بصياغة مبادئنا األخالقية مسموعة‪ ،‬ومعلنة بشكل أكبر‪ ،‬فمثل هكذا‬ ‫التحررية المقبولة عالميا‪ ،‬أمثال جون لوك؛ مجتمع ال يمكن اعتباره حياديا ومتسامحا‪،‬‬ ‫والذي ُيعتبر من عظماء فالسفة عصر بل يمكن وصفه بالمجتمع االستبدادي‪ ،‬وهنا‬


‫‪42‬‬

‫سنكون في مواجهة خيارين؛ األول هو نظام‬ ‫نظام قانوني مسيحي‪،‬‬ ‫قانوني ملحد‪ ،‬واآلخر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أن القانون الملحد يمكن تطبيقه بشكل‬ ‫ونجد ّ‬ ‫مثال تاريخي أمامنا‪ ،‬وهو‬ ‫واضح‪ ،‬وهناك‬ ‫ٌ‬ ‫االتحاد السوفيتي في القرن الواحد والعشرين؛‬ ‫تصب في‬ ‫والذي لم تكن نتائجه جيدة‪ ،‬ولم‬ ‫ّ‬ ‫مصلحة إعالن القانون اإللحادي‪.‬‬ ‫ ‪II.‬القانون العلماني ممكن‬

‫على الرغم من كون النظام العلماني‬ ‫أن االختيار بين‬ ‫المحايد غير ممكن‪ ،‬إال ّ‬ ‫متناقضين (العلمانية الملحدة‪ ،‬أو القانون‬ ‫المسيحي البحت) يبدو أم ار غير دقيق‪ ،‬فمثال‬ ‫عندما نختار قانونا متأث ار بالمسيحية‪ ،‬فليس‬ ‫معناه أن تكون الكنيسة المؤسساتية مهيمنة‬ ‫على هذا النظام القانوني‪ ،‬فمثال تجربة بالد‬ ‫الويلز التي تتضمن معايير الحكم الذاتي‬ ‫دون أن تتضمن مؤسسة كنسية‪ ،‬إذا فنحن‬ ‫نعني بالنظام القانوني الحيادي؛ أي أنه‬ ‫تخص الدين أو‬ ‫محايد بشأن التساؤالت التي ّ‬ ‫المتعلقة بالشؤون الدينية‪ ،‬فهذا غير ممكن‪،‬‬ ‫إو�ّنما يمكن تطبيق القانون العلماني فقط‬ ‫عندما نعني «علماني»‪ ،‬وليس «إلحاد» أو‬ ‫إن التخّلص من سطوة‬ ‫«محايدة الدين»‪ّ .‬‬ ‫المؤسسة الدينية‪ ،‬هو الهدف الذي يمثّل‬ ‫جوهر العلمانية والذي يعتبر ثمرة عصر‬ ‫التنوير‪ ،‬وهذا التمييز بين الدين والعلمانية‬ ‫حيث‬ ‫لها جذور تمتّد أبعد من المسيحية‬ ‫ُ‬ ‫نجدها مثال في الكتب العبرية المقدسة‪ ،‬وكما‬ ‫ج� ت ن‬ ‫تقول ي ن‬ ‫أوس� (الحقيقة معروفة في كل‬ ‫كل من بريطانيا‬ ‫العالم)‪ ،‬وال ُيعتبر القانون في ّ‬ ‫والعالم الغربي مماثال للمبادئ األخالقية‬ ‫الموروثة‪ ،‬فمثال التمييز بين الجريمة‬ ‫ِ‬ ‫المؤسسة‬ ‫والخطيئة‪ ،‬بالعودة الى النصوص‬ ‫ّ‬ ‫للمبادئ األخالقية المسيحية‪ ،‬وهي الوصايا‬ ‫العشر‪ ،‬والتي عرفت ولفترة طويلة ببنودها‬ ‫كل من الزنا والسرقة والقتل‪،‬‬ ‫تحرم ّ‬ ‫التي ّ‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫وشهادة الزور‪ ،‬وتنتهي بوصية أو اثنتين‬ ‫عد الشخص لهذه‬ ‫(هذا يعتمد على أسلوب ّ‬ ‫الوصايا)‪ .‬الوصية األخيرة التي تدعو إلى‬ ‫االمتناع عن الرغبة في الحصول على‬ ‫زوجة شخص آخر أو ممتلكاته‪ ،‬هذه الوصية‬ ‫تجنب االبتغاء) ال‬ ‫(االمتناع عن الرغبة‪ ،‬أو ّ‬ ‫يمكن أن يكون قانونا علمانيا على اإلطالق‪،‬‬ ‫فالتمييز بين الجريمة والخطيئة‪ ،‬هو من‬ ‫جهة‪ ،‬تمييز بين أمور الأخالقية وخاضعة‬ ‫لحكم هللا‪ ،‬وبين أمور غير قانونية وخاضعة‬ ‫لحكم اإلنسان‪ ،‬وحتى خالل مرحلة المسيحية‬ ‫مفكروها هذا التمييز بين الحكومة‬ ‫فقد درس ّ‬ ‫العلمانية والسلطة الدينية‪ ،‬والتمييز بين‬ ‫األمور التي يكون فيها الفرد مسؤوال أمام‬ ‫الحكومة العلمانية‪ ،‬واألمور التي يكون فيها‬ ‫مسؤوال أمام الكنيسة‪ ،‬وأمور أخرى يكون‬ ‫فيها الفرد مسؤوال أمام هللا وحده‪ ،‬وقد رسم‬ ‫توماس اكونياس ‪ -‬الذي ُيعتبر من أعظم‬ ‫مفكري كنيسة العصور الوسطى ‪ -‬فرقا‬ ‫كل من الحكومة العلمانية‪،‬‬ ‫واضحا بين دور ّ‬ ‫الكنسية‪ ،‬بالنسبة لـ أكونياس ليس‬ ‫والمؤسسة َ‬ ‫[‪]14‬‬ ‫من مهمة الحكومة العلمانية ‪ ،‬حماية‬ ‫السالم واألمان الروحي؛ أي الهدوء الروحي‬ ‫الدنيوي‪ ،‬وذلك من خالل السيطرة على‬ ‫أفعال الناس وتوجيهها بشكل صحيح‪ ،‬حيث‬ ‫تخل بالسالم‬ ‫يقول (هنالك‬ ‫ُ‬ ‫شياطين ربما ّ‬ ‫الروحي للمجتمع)‪ ،‬والمسيحية حتى قبل‬ ‫[‪]15‬‬ ‫استمر لمدة‬ ‫تقليد‬ ‫اإلصالح ‪ ،‬كان لديها ٌ‬ ‫ّ‬ ‫طويلة في تعليم أتباعها أن القانون العلماني‬ ‫هو أمر ممكن‪ ،‬و ّأنه يمكن توفير مساحة‬ ‫الحرة لإلنسان عندما ال يكون‬ ‫لتدريب اإلرادة ّ‬ ‫هذا اإلنسان مرغما تحت ضغط العقوبات‬ ‫القانونية‪ .‬وقد قرأت المسيحية كتاب التوراة‪،‬‬ ‫كوصية قديمة‪ ،‬كما قرأه كل من أكونياس‪،‬‬ ‫وكاي� وآخرون‪ ،‬تلك الكتب المقدسة‬ ‫كالفن‪،‬‬ ‫ب‬ ‫التي تروي قصة شعب إسرائيل‪ ،‬وكيف أن‬ ‫وفضلهم على العالمين‪ ،‬وأعطاهم‬ ‫هللا اختارهم ّ‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫وصايا النبي موسى لتكون بمثابة قانون‬ ‫أن هللا أبقى‬ ‫ُين ّ‬ ‫ظم حياتهم العامة‪ ،‬وكيف ّ‬ ‫إيمانه مع هذا الشعب‪ ،‬على الرغم من‬ ‫انتهاكاتهم المتكررة لذلك القانون‪ ،‬ورفضهم‬ ‫أهم الدروس التي استُخلصت من‬ ‫ّ‬ ‫لحب هللا‪ ،‬و ّ‬ ‫الديانات السماوية من هذا التاريخ‪/‬عصر‬ ‫أن القانون‪ ،‬بل أفضل قانون في‬ ‫التنوير هو ّ‬ ‫العالم‪ ،‬حتى إو�ن كان قانونا إلهيا‪ ،‬سيكون‬ ‫يخص العدالة وحماية‬ ‫ناقصا دائما فيما‬ ‫ّ‬ ‫العالم[‪.]16‬‬

‫تنشر الكنيسة‪ /‬المسيحية األولى‬ ‫لم ُ‬ ‫تعاليمها عن طريق الغزوات أو الحروب‬ ‫السياسية‪ ،‬إو�ّنما عن طريق اإلقناع‪ ،‬ولم يكن‬ ‫مفهوم الكنيسة مرتبطا فقط بشخص المسيح‬ ‫كابن للرب‪ ،‬إو�ّنما من خالل إيمانها بوجود‬ ‫سمى بالروح القدس‪ ،‬وهذا ما‬ ‫قوة ثالثة تُ ّ‬ ‫[‪]17‬‬ ‫المقدس ‪،‬‬ ‫ُيعرف في المسيحية باسم الثالوث ّ‬ ‫تحدث اكويناس عن هذا األمر في‬ ‫وقد ّ‬ ‫ن‬ ‫(إن القانو هو‬ ‫أطروحته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حيث يقول ّ‬ ‫معين)‪ ،‬ويشير للروح‬ ‫الطريق ألداء عمل ّ‬ ‫القدس بـ(بالقانون الجديد)‪ ،‬ويتحدث اكويناس‬ ‫أن الروح القدس تأخذ‬ ‫في أطروحته كيف ّ‬ ‫[‪]18‬‬ ‫هاما في عهد وصايا موسى النبي ‪،‬‬ ‫دو ار ّ‬ ‫بأن العدالة‬ ‫أن جوهر المسيحية هو اإليمان ّ‬ ‫وّ‬ ‫الحقيقية يجب أن تكون عدالة لكل اإلنسانية‪،‬‬ ‫ويجب أن تكون مقبولة من الجميع‪ .‬الروح‬ ‫القدس هي الوسيط الذي تنتقل من خالله‬ ‫عدالة هللا إلى قلوب البشر‪ ،‬وبالتالي تنعكس‬ ‫ويفسر هذا القانون على ّأنه‬ ‫على أفعالهم‪ّ ،‬‬ ‫تتحكم بتصرفات البشر‬ ‫مجموعة القواعد التي ّ‬ ‫الخارجية‪ ،‬والتي تلعب دو ار محددا في‬ ‫إن الحقوق والواجبات‬ ‫المسعى إلى العدالة‪ّ .‬‬ ‫اإلنسانية عادة ما تخلق مجاال للتوقعات‪،‬‬ ‫في إطار العدالة التي سيتم اتباعها‪ ،‬والروح‬ ‫هاما في اإلرث المسيحي‪،‬‬ ‫القدس يلعب دو ار ّ‬ ‫وهو كذلك موجود في األرثوُذكسية اليهودية‪،‬‬ ‫بالرد أو‬ ‫واإلسالمية‪ ،‬والمسيحية ليست ُملزمة ّ‬

‫‪43‬‬

‫يخص تعاليمها‬ ‫بإعطاء أجوبة فيما‬ ‫ّ‬ ‫األخالقية‪ ،‬أو قوانينها الخارجية‪ ،‬أو ما‬ ‫التحول الذي يحدث في القلوب‪.‬‬ ‫يخص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقع‬ ‫القانون العلماني؛ هو ّ‬ ‫كل قانون ُ‬ ‫اء كان‬ ‫خارج سلطة المؤسسة الكنسية‪ ،‬سو ٌ‬ ‫معترفا به من قبل الكاتدرائية أو غيرها من‬ ‫المؤسسات الدينية‪ ،‬وهو قانون ممكن‬ ‫التطبيق‪ ،‬لثالثة أسباب رئيسية موجودة في‬ ‫اإلرث المسيحي‪ ،‬الذي ورثناه بدورنا في‬ ‫ثقافتنا وهي؛ أوال في التوراة والوصايا العشر‪،‬‬ ‫ثم التمييز بين الجريمة التي تخضع للعقاب‬ ‫تكب‪،‬‬ ‫من قبل سلطة البشر بحسب الجرم المر َ‬ ‫وبين الخطيئة التي ال تنطبق عليها األمور‬ ‫ألن المسيحية األصلية لم‬ ‫السابقة‪ ،‬ثانيا‪ّ ،‬‬ ‫تعتمد في انتشارها على قوانين معينة‪ ،‬إو�ّنما‬ ‫ألن المسيحية‬ ‫اعتمدت على اإلقناع‪ ،‬ثالثا‪ّ ،‬‬ ‫بأن ال قانون كامال عندما يتعلق‬ ‫لديها قناعة ّ‬ ‫األمر بتحقيق العدالة‪ ،‬وحماية العالم‪.‬‬ ‫فإن‬ ‫لتلخيص األمور التي أتينا على ذكرها ّ‬ ‫القانون العلماني الذي يقف على الحياد‪،‬‬ ‫عندما يتعلق األمر بالمسائل والقضايا‬ ‫فإنه سيكون غير ممكن‪ ،‬أما القانون‬ ‫الدينية‪ّ ،‬‬ ‫العلماني الذي يعني الخروج عن سلطة‬ ‫المؤسسة الكنيسة‪ ،‬فهو ممكن‪ ،‬أخيرا‪.‬‬ ‫‪ II.‬القانون العلماني هو أمر ضروري‬ ‫إن الكلمة اإلنكليزية ‪ Secular‬هي‬ ‫ّ‬ ‫مشتقة في األصل من الكلمة الالتينية‬ ‫‪Saeculum‬؛ والتي تعني (العصر)‪،‬‬ ‫وكانت هذه الكلمة في العصور الوسطى‬ ‫تعني (العصر الراهن)‪ ،‬أو(الوقت الراهن)‪،‬‬ ‫و(هنا واآلن)‪ ،‬وهذا العالم الذي خلقه الرب‪،‬‬ ‫وأراد المسيح أن يفديه بروحه‪ .‬هذا العالم‬ ‫الذي لم يكتمل إصالحه وترميمه‪ ،‬ولم يبلغ‬ ‫المجد الكامل الذي أراده له الرب‪ .‬إن الكلمة‬ ‫الغالية (‪،)Soghalta‬‬ ‫الويلزية (‪ ،)Bydol‬و ّ‬ ‫واللتين تُرجمتا عن الكلمة اإلنكليزية( (�‪Sec‬‬


‫‪44‬‬

‫‪)ular‬؛ والتي تعني (من العالم)‪ ،‬وتحمل‬ ‫معاني أخرى مثل (دنيوي)‪( ،‬آني‪ ،‬أو زائل)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫(طمع)‪ ،‬وهي المعاني األصلية للكلمة‪،‬‬ ‫ولكنها باتت تُستعمل هذه األيام للداللة على‬ ‫ّ‬ ‫ما هو مجتمعي فقط‪ ،‬وكل من يريد التحرر‪،‬‬ ‫مهما‪ .‬ذلك لكونه‬ ‫ويعتبر القانون العلماني ّ‬ ‫يحدد األمور الدنيوية والشؤون الحالية‪.‬‬

‫توجد في المسيحية ثالث نقاط أساسية‬ ‫فيما يتعلق بـ سيكوليوم‪ ،‬أو الوقت الحاضر‪،‬‬ ‫والذي ُيعتبر أساس القانون والحضارة التي‬ ‫نعيشها‪ ،‬أوال‪ ،‬خلق البشر في صورة الرب‪،‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬سيكون هنالك يوم للحساب؛ أي يوم‬ ‫القيامة‪ ،‬ثالثا‪ ،‬للحكومة دور محدود ال يجب‬ ‫أن البشر‬ ‫تجاوزه‪ ،‬فيما يتعلق بالنقطة األولى؛ ّ‬ ‫[‪]19‬‬ ‫ُخلقوا على صورة الرب على هذه األرض ‪،‬‬ ‫ربما لم نفكر بأنفسنا وباآلخرين‪ ،‬كما نفعل‬ ‫أن مجتمعاتنا‬ ‫في الغرب هذه األيام‪ ،‬حيث ّ‬ ‫باتت مهووسة بالحرية أكثر من القيم األخرى‪،‬‬ ‫وهذا أمر مهم ومرتبط بأصالة اإلنسان‪،‬‬ ‫ألنه مرتبط بالكرامة والحرية اإلنسانية‪،‬‬ ‫ومهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأن‬ ‫المتعلقة‬ ‫بالنقطة‬ ‫تبط‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫المفهوم‬ ‫وهذا‬ ‫ّ‬ ‫[‪]20‬‬ ‫اإلنسان قد ُخلق في صورة الرب ‪ ،‬و ّأنه‬ ‫محبوب ومفضل على غيره من المخلوقات‬ ‫يهتم‬ ‫عنده‪ ،‬وهذا وحده ُيعتبر كافيا كي [‪ّ ]21‬‬ ‫يعامل بها ‪،‬‬ ‫اإلنسان بالطريقة التي‬ ‫َ‬ ‫إو�حساسنا هذا ناتج عن كوننا بشرا‪ ،‬وتفكيرنا‬ ‫نعامل بها تأخ ُذ شكال‬ ‫بالطريقة التي يجب أن َ‬ ‫ومظه ار منفردا في التعاليم المسيحية‪ ،‬وقد‬ ‫بينتل هارت مفهوم الكرامة‬ ‫شرح دافيد‬ ‫ي‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬والتي تنعكس على قوانيننا في‬ ‫بأنه قد جاء منذ‬ ‫المملكة المتحدة‪/‬بريطانيا‪ّ ،‬‬ ‫ميالد المسيح‪ ،‬فهذا الفهم المسيحي لمعنى‬ ‫تجسد وبعمق في‬ ‫َ‬ ‫كونك بشرا‪ ،‬وهذا األمر ّ‬ ‫الثقافة الغربية‪ ،‬المتأثرة بشكل كبير بمفهوم‬ ‫اإلنسان واإلنسانية‪ .‬ماذا لو أن المسيح ُولد‬ ‫في قصر‪ ،‬هل كان الموضوع حينها سيؤثّر‬ ‫أحب‬ ‫فينا بذات الطريقة! وماذا لو ّ‬ ‫أن الرب ّ‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫الفقراء بالقدر ذاته حيال األغنياء! وماذا لو‬ ‫أحب المجرمين والمنبوذين‪ ،‬بنفس‬ ‫ّ‬ ‫أن الرب ّ‬ ‫القدر الذي يحب به البرجوازيين وأصحاب‬ ‫السلطة! هل كان األمر سيؤثّر فينا كما‬ ‫أن الفرضيات األخالقية‬ ‫يفعل اآلن‪ .‬نجد ّ‬ ‫الموجودة في عصرنا هذا ّإنما هي مرتبطة‬ ‫أصال بالنظريات األخالقية المسيحية‪ ،‬فنجد‬ ‫مثال ّأنه حتى أكثر الناس طائفية من‬ ‫المسيحيين‪ ،‬يميلون إلى احترام حقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬واإلنسانية العالمية‪ ،‬والعدالة‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬ورعاية الفقراء‪،‬‬ ‫أن األساس‬ ‫وتساوي الجميع أمام القانون‪ ،‬و ّ‬ ‫هو احترام كرامة اإلنسان‪ ،‬وغيرها من‬ ‫األخالقيات التي أوجدتها المسيحية‪ ،‬ولكن‬ ‫أن‬ ‫ليس بهذه الطريقة المبالغ فيها‪ ،‬ونجد ّ‬ ‫االلتزام بفرضيات كالعدالة االجتماعية‪ ،‬أو‬ ‫استقبال الالجئين‪ ،‬والمضطهدين‪ ،‬والترحيب‬ ‫بهم كان موجودا لدى شعوب العالم[‪،]22‬‬ ‫كالرومان‪ ،‬واإلغريق‪ ،‬والمصريين‪ ،‬وحتى‬ ‫فإن االلتزام بهذه‬ ‫االنكلوساكسونيين‪ ،‬لذا ّ‬ ‫أمر طبيعي‪ ،‬وسيكون من غير‬ ‫المفاهيم ٌ‬ ‫التنصل منها‪ .‬ثانيا‪ّ ،‬أنه سيكون‬ ‫الطبيعي‬ ‫ّ‬ ‫هناك موعد للحساب؛ أي يوم القيامة‪ ،‬والفكرة‬ ‫مهم‬ ‫أمر ٌّ‬ ‫هنا أن وجود يوم للحساب هو ٌ‬ ‫إن قوانين اليوم‬ ‫للقانون من ناحيتين‪ ،‬أوال؛ ّ‬ ‫ستتم‬ ‫مفهومة وواضحة‪ ،‬إو� ّن الشخص‬ ‫ّ‬ ‫محاسبته على أعماله وتصرفاته أمام سلطة‬ ‫دنيوية أو حكومة بشرية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬ ‫مسؤولية الشخص أمام هللا‪ ،‬فوجود يوم‬ ‫أن هناك قاضيا‬ ‫يعلم ّ‬ ‫للحساب سيجعل المرء ُ‬ ‫إن‬ ‫نهائيا وهو هللا‪ ،‬هو من سيحاسبه؛ أي ّ‬ ‫هذا األمر يفسح المجال أمام المسؤولية‬ ‫الشخصية أمام هللا‪ ،‬فيصبح للفرد مجال‬ ‫للتصرف بحرية[‪ ،]23‬وليس من الضروري أن‬ ‫اء األخالقية أو الالأخالقية‬ ‫تكون أفعاله سو ٌ‬ ‫التي يقوم بها في الوقت الحاضر أن تكون‬ ‫القانونية‪.‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫إن مفهوم المسيحية بالنسبة ليوم القيامة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يعطي بعدا إضافيا للقانون العلماني الذي‬ ‫مهما لمساهمته في ضمان حرية‬ ‫يعتبر‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فيوم القيامة لم يأت بعد‪ ،‬وكتّاب‬ ‫أن هللا ينتظر‬ ‫العهد الحديث ركزوا على نقطة ّ‬ ‫يوم القيامة ليحاسبنا‪ ،‬والعلمانية ظهرت‬ ‫بمجرد ضياع ونسيان المعنى الحقيقي لـ‬ ‫سيكوليوم؛ أي الوقت الذي ينتظرنا فيه هللا‬ ‫للحساب‪ ،‬ولم تفهم المسيحية السيكوليوم‪ ،‬أو‬ ‫مستقل‪،‬‬ ‫الحياة الدنيا على ّأنها واقع أو وقت‬ ‫ّ‬ ‫إو�ّنما كوقت تكون فيه غايات محبة هللا قد‬ ‫تكشفت‪ ،‬ويكون االلتباس بين الخير والشر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫[‪]24‬‬ ‫وكل‬ ‫‪،‬‬ ‫الحاضر‬ ‫الوقت‬ ‫مالمح‬ ‫يرسم‬ ‫الذي‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫هذا ناتج عن حقيقة ّ‬ ‫أن هللا قد منح ّ‬ ‫شخص على سطح هذه األرض عم ار ووقتا‬ ‫محددا‪ ،‬وهذا الوقت يمثّل فرصة للتوبة‪،‬‬ ‫ولإليمان والطاعة؛ أي ّإنه الوقت الذي تلعب‬ ‫فيه الرح القدس دورها في حياة البشر‪،‬‬ ‫والوقت الذي يكون فيه أسلوب المحبة‬ ‫واإلقناع هو األسلوب الرئيسي الذي يعتمده‬ ‫الرب الستمالة البشر‪ ،‬وليس من خالل‬ ‫القوانين‪ ،‬والعقود‪ ،‬والفكرة هنا بأن القوانين‬ ‫والشرائع تعتبر ضرورة في الوقت الحالي‪،‬‬ ‫نؤجل ذلك ليوم القيامة‪ ،‬كما‬ ‫وال يجب أن ّ‬ ‫يقول أوليفر دونوفان‪ ،‬فاهلل قد منحنا الحياة‬ ‫الدنيا‪ ،‬لتكون الوقت الذي نعيش فيه ونؤمن‪،‬‬ ‫ونعيش األمل‪ ،‬تحت سلطة أو نظام محدد‪،‬‬ ‫وهنا أيضا نجد ّأنه من الممكن أن نحقق‬ ‫تسوية معينة خالل هذه الفترة‪ ،‬إلى أن تنتهي‬ ‫مرحلة انتظار الرب لبني اإلنسان‪ ،‬و ّأنه من‬ ‫الممكن أن نحمي عالمنا من التدمير الذاتي‬ ‫والتصارع‪ ،‬والتطبيق العملي لهذا الكالم‬ ‫يؤدي لوجود‬ ‫تصرف سياسي ّ‬ ‫يكون من خالل ّ‬ ‫حكومة تكون بمثابة سلطة للمحاسبة‪ ،‬ثالثا؛‬ ‫وجود حكومة محدودة‪ ،‬فالنقطتان المتمثلتان‬ ‫أن‬ ‫بأن اإلنسان قد خلق على صورة هللا‪ ،‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫هنالك يوما للحساب؛ أال وهو يوم الحساب‪،‬‬

‫‪45‬‬

‫أدتا إلى أعظم مكتشفات الحضارة‪ ،‬إال وهي‬ ‫أن اإلنسان‬ ‫الحكومة المحدودة‪ ،‬وعلى اعتبار ّ‬ ‫مكرم‪ ،‬وليس‬ ‫قد خلق على صورة الرب فهو ّ‬ ‫تابعا أو محكوما بسلطة دنيوية‪ ،‬فالحكومة‬ ‫هنا ال تملك سلطة نهائية لتطويع الناس‪ ،‬فلم‬ ‫ُيخلق البشر ليخدموا الحكومات‪ ،‬إو�ّنما‬ ‫تشكلت لخدمة البشر‪،‬‬ ‫الحكومة هي التي ّ‬ ‫بحل المسائل‬ ‫وكذلك الحكومة ليست َمعنية ّ‬ ‫الدينية بالقوة‪ ،‬أو إخضاع المختلفين معها‬ ‫بالرأي‪ .‬ويشرح ميغيل ماكونيل ذلك من‬ ‫خالل قوله (قبل أن تظهر العلمانية الليبرالية‬ ‫بشكل نظري‪ ،‬أو عملي وبوقت طويل‪ ،‬لعب‬ ‫التمييز بين السلطة المؤقتة والروحية دو ار‬ ‫أهم السمات‬ ‫هاما وكبي ار في ظهور أحد ّ‬ ‫الجوهرية للنظام الليبرالي الديمقراطي‪ ،‬إال‬ ‫وهي الحكومة المحدودة الصالحيات‪،‬‬ ‫الضمير الفردي‪ ،‬الحقوق الفردية‪ ،‬وفكرة‬ ‫المساواة بين البشر‪ ،‬وهذه السمات جاءت‬ ‫كدفاع للدين ضد تدخالت الحكومة) والفكرة‬ ‫هنا أن تحديد صالحيات وسلطات الحكومة‪،‬‬ ‫كرد فعل للكنيسة على‬ ‫جاءت في البدايات ّ‬ ‫تدخل الحكومة في شؤونها‪ ،‬وجاءت على‬ ‫ّ‬ ‫شكل دفاع للمؤمنين والجماعات المؤمنة‬ ‫ضد تسّلط الحكومة‪ .‬فالسلطة السياسية‬ ‫ّ‬ ‫ليست الكفيل بمنع الخطيئة أو إنقاذ البشر‪،‬‬ ‫يخص مقاومة‬ ‫وهذا األمر جوهرٌّي فيما‬ ‫ّ‬ ‫المفكر أوليفر‬ ‫الطغيان واالستبداد‪ ،‬وقد ناقش ّ‬ ‫دونافان فكرة وجود يوم للقيامة‪ ،‬و ّأنها جعلت‬ ‫نتفهم أن دور الحكومة‬ ‫من الضروري‪ ،‬أن ّ‬ ‫ينبغي أن يكون محدودا في سيكوليوم؛ أي‬ ‫الوقت الحاضر‪ ،‬وطرح سؤاال في مشروعه‬ ‫وهو‪ ،‬إذا ما أخطأت الليبرالية الديمقراطية‬ ‫التي نمت في بيئة تسودها الثقافة المسيحية‪،‬‬ ‫بوصلتها فيما يخص األبدية أو األزلية‪،‬‬ ‫وفكرة وجود يوم للقيامة‪ ،‬فهل ستكون بعد‬ ‫ذلك قادرة على االقتناع بفكرة الحكومة‬ ‫المؤقتة والمحدودة الصالحيات؟ كل قانون‬


‫‪46‬‬

‫العلماني سيصبح في النهاية الإنسانيا[‪،]25‬‬ ‫ّ‬ ‫فهم؛ المفكرون المسيحيون وقبل فترة طويلة‬ ‫إن‬ ‫من قصة الخادمة مارغريت اتوودس يقولون ّ‬ ‫أية محاولة لتمثيل سلطة السماء على‬ ‫أن أية‬ ‫األرض ستؤدي الى االستبداد‪ ،‬وكما ّ‬ ‫محاولة لتمثيل جنة السماء على األرض‬ ‫على يد يوتوبيا ملحدة‪ ،‬تستثني الدين‪ ،‬ويكون‬ ‫فإنه لن‬ ‫قانونها خاليا من أي تأثير ديني‪ّ ،‬‬ ‫يكون قانونا إنسانيا‪ ،‬وكما أن السلطة‬ ‫تقوض حرية الراي والكتابة‪،‬‬ ‫السياسية التي ّ‬ ‫ليست إنسانية أيضا‪ ،‬والق اررات البيروقراطية‬ ‫تصنف من يجب أن يتمتع باإلنسانية‬ ‫التي ّ‬ ‫ومن ال يتمتع بها‪ ،‬هي أيضا ق اررات‬ ‫الإنسانية‪ ،‬واالجراءات التي تتعامل مع‬ ‫اآلخرين على ّأنهم بشر من الدرجة الثانية‪،‬‬ ‫هي اجراءات الإنسانية‪ ،‬وغير ذلك‪،‬‬ ‫كاإلعدامات التعسفية‪ ،‬وحصر الثروات بيد‬ ‫أن األغلبية تعاني‬ ‫قلة من الناس‪ ،‬في حين ّ‬ ‫إن هذه‬ ‫من المجاعات‪ ،‬وما إلى ذلك‪ّ .‬‬ ‫اإلجراءات تبدو بعيدة عن تعاليم المسيحية‪،‬‬ ‫حول كرامة اإلنسان‪ ،‬وحدود القانون الذي‬ ‫بيتل‬ ‫يتم تجاوزها‪ ،‬وقد ناقش دايفيد ي‬ ‫عادة ما ّ‬ ‫هذه النقطة‪ ،‬وبشكل متألق في كتابه «أوهام‬ ‫يحيرني أكثر‪ ،‬هو االفتراض‬ ‫ملحدة» (ما ّ‬ ‫بأن أي مجتمع علماني سيكون‬ ‫الغريب‪ّ ،‬‬ ‫أقل عنفا من‬ ‫بطبيعته أكثر تسامحا‪ ،‬و ّ‬ ‫المجتمع الديني‪ ،‬ولكن العصر الحديث‬ ‫أعطى مثاال ُيخالف هذا االفتراض‪ ،‬حيث‬ ‫كانت الحكومات الملحدة هي األكثر عنفا‬ ‫ووحشية في التاريخ اإلنساني‪ ،‬فيما يخص‬ ‫يتخيل هؤالء المفكرون‬ ‫عدد الضحايا‪ ،‬لماذا ّ‬ ‫بأن العالم الخالي من الدين يجب أن يقف‬ ‫ّ‬ ‫بتحيز في المسائل األخالقية‪ ،‬ولماذا َيفترض‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫المادية األصلية‪،‬‬ ‫بأن‬ ‫المفكرو‬ ‫الء‬ ‫هؤ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المنبثقة عن علم األحياء الدارويني ستجعل‬ ‫اإلنسان يترك تصرفاته القبلية والالعقالنية‪،‬‬ ‫وتقبال لآلخر‪ ،‬وكما‬ ‫وستجعله أكثر تسامحا ّ‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫حاول هؤالء المفكرون أن يربطوا أية محاولة‬ ‫أخالقية مع العلم الدارويني‪ ،‬والنظرية‬ ‫الداروينية‪ ،‬وجعلها منسجمة مع هذه النظرية‪،‬‬ ‫كما فعلت حركة تحسين النسل االشتراكية‪،‬‬ ‫والحركة النازية التي انبثقت عنها‪ ،‬وقد ناقش‬ ‫رده على نقد‬ ‫جون غراي النقطة ذاتها في ّ‬ ‫المفكر فريدريك نيتشه للمسيحية‪ ،‬حيث‬ ‫أن نيتشه لم ُيثبت مطلقا وجود‬ ‫وضح غراي ّ‬ ‫التحررية‪ ،‬إو�نما‬ ‫أي ارتباط بين اإللحاد والقيم ّ‬ ‫وكأن هذه القيم هي وليدة‬ ‫على العكس بدا‬ ‫ّ‬ ‫المسيحية ومنبثقة عنها‪ ،‬وبينما يقوم نيتشه‬ ‫بنقد المسيحية لنفس السبب‪ ،‬وكذلك‬ ‫الملحدون اإلنجيليون أمثال ريتشارد داوكينس‬ ‫الذي وضع نفسه في خدمة الدفاع عن‬ ‫الحريات‪ ،‬فهؤالء الملحدون ناد ار ما‬ ‫يستفسرون عن األصل الذي نشأت عنه هذه‬ ‫الحرّيات أساسا‪ ،‬ولم يناقشوا أبدا ما إذا كان‬ ‫الدين قد لعب دو ار في ظهور هذه األفكار‬ ‫التحررية‪.‬‬ ‫إن األفكار المتعلقة بالكرامة اإلنسانية‬ ‫ّ‬ ‫والحكومة المحدودة‪ ،‬تُعتبر السبب الرئيسي‬ ‫لظهور المسيحية تاريخيا من منظور‬ ‫هام ينبغي توجيهه‬ ‫المسيحية‪ .‬وهناك تحذير ّ‬ ‫ن‬ ‫سيتحملو الذنب‬ ‫بأنهم‬ ‫للعلمانيين الليبراليين‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعمدوا إهمال وتجاهل المساهمات‬ ‫إذا ما ّ‬ ‫الجوهرية التي قدمتها المسيحية لصياغة‬ ‫القيم اإلنسانية العليا‪ ،‬فإذا أنكروها من‬ ‫السجالت التاريخية والكتب‪ ،‬فهم بذلك‬ ‫سيضعفون وبشكل خطير‪ ،‬المصادر الثقافية‬ ‫ُ‬ ‫الملحة‬ ‫الحاجة‬ ‫و‬ ‫الجانبين‪،‬‬ ‫كال‬ ‫من‬ ‫ها‬ ‫ودور‬ ‫ّ‬ ‫للدفاع عن هذه المصادر ودورها‪ ،‬وقد كان‬ ‫أحد‬ ‫الفيلسوف أرسطو مثاال لذلك‪ّ ،‬‬ ‫ليؤكد بأال َ‬ ‫معصوم عن الخطأ مهما تكن مكانته‬ ‫ٌ‬ ‫التاريخية‪ ،‬فالحكماء أيضا قد يرتكبون‬ ‫أخطاء كبيرة عند تفكيرهم في األمور‬ ‫َ‬ ‫نفكر ضمن سياق ثقافي‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫فك‬ ‫األساسية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معين‪ ،‬والذي بدوره يعيد صياغة تفكيرنا‪،‬‬


47

‫ مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬- ‫سور َمي‬

This essay was first printed in the journal Law and Justice: The Christian Law Review No. 169, Trinity/ Michaelmas 2012 [1]A previous version of this essay was given at in a lecture at Cardiff University on 27th January 2012, the lecture subsequently being printed in Law and Justice. The author is grateful to the participants in that event, and has revised parts of the argument as a result of their contributions. All errors remain his responsibility. [2] Dombrowski, Rawls and Religion, (Albany, NY: State University of New York Press, 2001), ix. [3] Rawls, Political Liberalism, expanded edn. (New York: Columbia University Press, 2005), 40. [4] Douzinas and Gearey, Critical Jurisprudence: The Political Philosophy of Justice, (Oxford: Hart Publishing, 2005), 133. This criticism is possibly unfair with regards to Rawls. He acknowledges, in Political Liberalism, that his political constructivism is a moral stance (446) and restricts the exclusion of moralities derived from comprehensive doctrines to constitutional essentials and questions of basic justice (44, 442). Nonetheless, Douzinas and Gearey’s criticism seems sound with regards to secular liberalism in its popular forms. [5] Sandel, Justice: What’s the Right Thing to Do? (London: Penguin, 2009), 248. [6] Sandel, Justice, 261. [7] Joseph Raz, Ethics in the Public Domain: Essays in the Morality of Law and Politics (Oxford: Clarendon, 1994), 324. [8] Discussed in Tamanaha, Law as a Means to an End: Threat to the Rule of Law (Cambridge: Cambridge University Press, 2006), at 47-52. [9] MacCormick, Legal Reasoning and Legal Theory (Oxford: Clarendon, 1994), 233. [10] Cameron, ‘Prime Minister’s King James Bible Speech’, http://www.number10.gov.uk/ news/king-james-bible/ [11] Aristotle, Nicomachean Ethics tr. D. Ross (Oxford: OUP, 2009) and Eudemian Ethics tr. A. Kenny (Oxford: OUP, 2011). [12] Waldron, God, Locke and Equality: Chris-

،‫بحسن نية‬ ْ ‫وهناك من يخطأ في فهم األمور‬ ‫ كما كان اإلغريق‬،‫وآخرون يتقصدون ذلك‬ ‫ مثال؛ إهمالهم لوجهات نظر‬،‫يفعلون‬ ‫أن من يريد الدفاع‬ ّ ‫ لذا نجد‬،‫الضعفاء منهم‬ ‫فإنه يجب‬ ّ ،‫ والشرعية‬،‫عن الكرامة اإلنسانية‬ ‫ وكما يجب‬،‫أن يتعاون مع حلفائه في الرأي‬ ‫لكل وجهات النظر‬ ‫عليه أن يستمع‬ ّ ‫أن القانون العلماني‬ ّ ‫ وأخي ار نجد‬،‫المطروحة‬ ‫هو ضروري على أن يكون متأث ار بالتعاليم‬ ‫ وضرورة‬،‫ حول الكرامة اإلنسانية‬،‫المسيحية‬ ‫ والحكومة المؤقتة‬،‫وجود يوم للقيامة‬ ‫كنا نريد قوانين جيدة فإننا‬ ّ ‫ فإذا ما‬،‫والمحدودة‬ ‫ وال‬،‫تشوه سمعة البشر‬ ّ ‫بحاجة إلى قوانين ال‬ ‫ وتحترم مكانتهم في هذه‬،‫تنكر إنسانيتهم‬ ‫ ونريد‬،‫ وتعاملهم بكرامة واحترام‬،‫الحياة‬ ،‫حكومة تتعامل بصدق مع مسؤولياتها‬ ‫ونحتاج الى ثقافة المسؤولية في وسائل‬ ‫الحكام‬ ّ ‫ و‬،‫ والمجتمع المدني‬،‫القانون والسياسة‬ ‫الذين يجب أن يتحّلوا بالمسؤولية أمام‬ ‫ الذي سيكون القاضي‬،‫ضمائرهم وأمام هللا‬ ‫ الذي سيحاسبهم على‬،‫والحاكم النهائي‬ ‫تعرف حدود‬ ‫ أي ّأننا نريد حكومة‬،‫أفعالهم‬ ُ ‫ وتدرك أن الناس هم‬،‫ وال تتجاوزها‬،‫سلطتها‬ ‫ من الناحية‬.‫من أوصلوهم إلى الحكم‬ ‫التاريخية كانت المسيحية هي الملهم للعديد‬ ‫ والتي أصبحت جزءا من‬،‫من هذه األفكار‬ .‫ والمقبولة عالميا‬،‫قيمنا المشتركة‬ ‫نشرت ألول مرة في صحيفة القانون‬ .‫ بريطانيا‬،2012 ،169 ‫والعدالة العدد‬


‫ أيلول – تشرين األول‬/ 8 ‫العدد‬ [23] O’Donovan, The Desire of the Nations: Rediscovering the Roots of Political Theology (Cambridge: Cambridge University Press, 1996), 255. [24] Milbank, “The Gift of Ruling”, 217. [25] O’Donovan The Just War Re-visited (Cambridge: CUP, 2003), 6. [26] McConnell, ‘Liberalism and People of Faith’, in McConnell, Cochran and Carmella eds. Christian Perspectives on Legal Thought (New Haven: Yale University Press, 2001), 6. [27] McConnell, ‘Liberalism and People of Faith’, 10. [28] O’Donovan, Common Objects of Love: Moral Reflection and the Shaping of Community (Grand Rapids: Eerdmans, 2002), 42, 69; The Ways of Judgment (Grand Rapids: Eerdmans, 2005), 76-77. [29] McConnell, ‘Liberalism and People of Faith’, 8. There were, however, many ‘Christian’ rulers whose rule was tyrannous. [30] David Bentley Hart, Atheist Delusions, 16. [31] Gray, Gray’s Anatomy: Selected Writings (Penguin: Harmondsworth, 2009), edited extract published at http://www.abc.net.au/ religion/articles/2012/01/09/3213725.htm [32] See the discussion of the exchanges between Athens and Samos, Mytilene and Melos during the fifth-century BC, as discussed in Alasdair MacIntyre, Whose Justice? Which Rationality? (London: Duckworth, 1988), 52-53.

48 tian Foundations in Locke’s Political Thought (Cambridge: CUP< 2002). [13] Dombrowski also notes that Rawls’s attitude to animals ‘relies on the traditional view of animals found in comprehensive Christian doctrine’: Rawls and Religion, 143. [14] Aquinas, Summa Theologiae, I-II.98.1. [15] On the importance of the removal of the Church from political and judicial roles in the Lutheran Reformation, see Witte Law and Protestantism: The Legal Teaching of the Lutheran Reformation (Cambridge: CUP, 2002). [16] The same is true of morality, even Christian morality. Christianity places its hope for the world not in moral education but in a crucified Saviour. [17] Holmes, The Politics of Christmas (London: Theos, 2011). [18] Aquinas, Summa Theologiae, I-II.96.5 ad.2. [19] Ruston, Human Rights and the Image of God (London: SCM, 2004). [20] This is part of Bentley Hart’s argument in Atheist Delusions: The Christian Revolution and its Fashionable Enemies (New Haven: Yale University Press, 2009). [21] Milbank ‘The Gift of Ruling: Secularization and Political Authority’ New Blackfriars 85 (2004) 212-238 at 237; Wolterstorff, Justice; Rights and Wrongs (Princeton: Princeton University Press, 2008). [22] Bentley Hart, Atheist Delusions, 32-33.


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪49‬‬

‫أفريقيا بعيني لوكلوزيو‬ ‫‪P‬‬ ‫عمران عز الدين‬ ‫الكب�ة‪ ،‬الرازحة تحت وطأة الأمراض والحروب‬ ‫هذه هي أفريقيا الحقيقية‪ ،‬ذات الكثافة السكانية ي‬ ‫العشائرية‪ ،‬لك ّنها القوية أيضا‪ ،‬والمبهجة‪ ،‬بأعداد أطفالها‪ ،‬بأعيادها الراقصة‪ ،‬بطبيعة وظرافة رعيانها الذين‬ ‫يرزحون ي ف� الطرقات‪.‬‬ ‫في عمله الروائي الموسوم بـ الأفريقي‪،‬‬ ‫يتحدث الفرنسي جان ماري غوستاف لوكلوزيو‬ ‫‪ 1940‬من أب بريطاني وأم فرنسية عن‬ ‫رحلته إلى أفريقيا‪ ،‬إلى نيجيريا والكاميرون‬ ‫عام ‪ 1948‬ليعيش مع والده الذي كان يعمل‬ ‫طبيبا استعماريا في الجيش البريطاني‪ ،‬وذلك‬ ‫عبر سبعة فصول‪ ،‬هي على التوالي‪:‬‬ ‫(الجسد ‪ -‬األرضة والنمل وسواهما ‪-‬‬ ‫األفريقي ‪ -‬من جورج تاون إلى فكتوريا –‬ ‫بانسو ‪ -‬غضب أبوجا – النسيان)‪ ،‬ترجمة‬ ‫راغدة خوري‪ ،‬ونشر دار عالء الدين‪ ،‬يؤرشف‬ ‫لوكلوزيو في هذه الرواية ما عاصره والده من‬ ‫أحداث؛ والده الذي وصل إلى إفريقيا عام‬ ‫‪ 1928‬بعد أن قضى عامين في غويانا‬ ‫اإلنكليزية‪ ،‬كطبيب جوال حول األنهار‪،‬‬ ‫ترافقه زوجته في جوالته الطبية‪ ،‬يتبعهما‬ ‫الحمالون عبر الجبال الشرقية‪،‬‬ ‫المترجم و ّ‬ ‫يتنقالن من مخيم آلخر‪ ،‬في قرى قام والده‬ ‫بتسجيل أسمائها على دفتره الصغير‬ ‫(بابونغو‪ ،‬نجي نيكوم‪ ،‬أوبوكون)‪.‬‬ ‫سببت‬ ‫لم تكن أفريقيا بالذات هي من ّ‬ ‫لـصاحب الزمة الجوع‪ ،‬نال عنها جائزة نوبل‬ ‫عام ‪ ،2008‬الصدمة‪ ،‬بل اكتشاف هذا‬ ‫األب الغريب المجهول‪ ،‬فالرجل الذي قابله‬ ‫وهو في الثامنة من عمره‪ ،‬كان متعبا‪ ،‬وهرما‬ ‫قبل األوان بتأثير من المناخ المداري‪ ،‬غدا‬ ‫سريع الغضب بسبب التيوفيلين الذي كان‬ ‫يأخذه كي يقاوم نوبات الربو‪ ،‬حزينا بم اررة‬ ‫كونه عاش كل سني الحرب منقطعا عن‬ ‫ّ‬

‫يتحدث عن تأثير‬ ‫العالم‪ ،‬وعن أخبار أسرته‪ّ ،‬‬ ‫الحرب على والده‪ ،‬الحرب التي جعلت منه‬ ‫رجال بمزاج متقّلب‪ ،‬إذ تنشطر شخصيته إلى‬ ‫ما قبل الحرب وما بعدها‪ ،‬لقد جعلت الحرب‬ ‫من والده محبطا ومتشائما ومحبا للتسّلط‪،‬‬ ‫فغادر إفريقيا في مطلع الخمسينيات‪ ،‬بعد‬ ‫أكثر من عشرين عاما قضاها في أفريقيا‬ ‫قرر الجيش أنه قد‬ ‫وأريافها‪ ،‬وذلك عندما ّ‬ ‫سن التقاعد‪.‬‬ ‫تجاوز ّ‬

‫كل األعمال بأدواته‬ ‫كان والده يمارس ّ‬ ‫الطبية البدائية على نحو ما‪ ،‬من التوليد إلى‬ ‫التشريح‪ ،‬ناهيك عن عنايته بالجذام‪،‬‬ ‫والمصابين بالطفيليات‪ ،‬أو ضحايا االلتهاب‬ ‫الدماغي الغارقين في سبات إلهي‪ ،‬اختار‬ ‫والده هذا الوضع بسبب من ميله لروح‬ ‫المغامرة‪ ،‬وليهرب من وضاعة المجتمع‬


‫‪50‬‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬ ‫من األشياء ووصوال إلى أثاث المنزل‪.‬‬ ‫يقدمه لهذه الحالة كان بسبب‬ ‫التفسير الذي ّ‬ ‫كآبة الحرب‪ ،‬والعالم المغلق المظلم‪ ،‬فضال‬ ‫عن الخبز األسود المخلوط بنشارة الخشب‪،‬‬ ‫وانفجار مرفأ نيس الذي رماه أرضا في غرفة‬ ‫حمام جدته‪ ،‬السفر إلى أفريقيا وضع نهاية‬ ‫لكل هذا‪ ،‬نهاية أللم رأسه الرهيب‪ ،‬ونوبات‬ ‫غضب الطفولة‪.‬‬

‫اإلنكليزي‪ ،‬الذي لم يكن اإلنسان بنظر أفراده‬ ‫إال عبارة عن «بطاقة إقامة»‪ ،‬تعّلم منه‬ ‫لوكلوزيو كيف يتحاشاه أكثر مما يحبه‪ ،‬لقد‬ ‫كان رجال قاسيا‪ ،‬متقشفا‪ ،‬ومهووسا بالنظافة‬ ‫أيضا‪ .‬لوكلوزيو المفتون أيضا بعوالم والده‪،‬‬ ‫كان يستنكر بعض تصرفاته على الرغم من‬ ‫قررت‬ ‫حب والده الشديد لوالدته‪ ،‬والتي عندما ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن تذهب وتعيش مع زوجها في الكاميرون‪،‬‬ ‫قال لها أصدقاؤها الباريسيون‪:‬‬ ‫سن الثامنة من عمره‬ ‫يخبرنا أيضا أنه في ّ‬ ‫ ماذا‪ ،‬ستعيشين عند هؤالء المتوحشين؟! تقريبا عاش في غرب أفريقيا في نيجيريا‬‫ إنهم ليسوا أكثر وحشية من سكان بمقاطعة معزولة تماما‪ ،‬بصحبة والده ووالدته‬‫األوربيين الوحيدين في تلك المقاطعة‪ .‬كانت‬ ‫باريس! (ردت عليهم)‪.‬‬ ‫الحرب فيها ال تهدأ‪ ،‬حرب أهلية‪ ،‬وحرب‬ ‫كان يستنكر بعض تصرفات والده‪ّ ،‬‬ ‫وكأنه على الفقر‪ ،‬وحرب على المعاملة السيئة‬ ‫كان مستعم ار لتلك البالد أيضا‪ ،‬كالمشهد للفساد المتوارث من االستعمار‪ ،‬وحرب‬ ‫الذي أحرق فيه عقربا أنثى تحمل صغارها بشكل خاص على الجراثيم‪ ،‬إذ لم يكن العدو‬ ‫فوق ظهرها‪ ،‬فألقى عليها زجاجة من الكحول‪ ،‬قبائل اآلروشوكو واإلله الذي يعبدونه‪ ،‬وال‬ ‫بّلل العقرب‪ ،‬ومن ثم أشعل عود ثقاب ورماها جيوش الفوالني ببنادقهم‪ ،‬بل كان العدو‬ ‫العصيات الباسيلية والدودة‬ ‫به‪ ،‬فاحتوت صغارها تحتها وهي تحاول الحقيقي ُيدعى‬ ‫ّ‬ ‫جاهدة أن تبعدهم عن النار‪ .‬يتأثر لوكلوزيو الشريطية‪ ،‬والبلهارسيا‪ ،‬والجدري‪ ،‬والزحار‬ ‫الطفل بهذا المشهد‪ ،‬ويرى ّ‬ ‫أن الحرب جعلت األميبي‪ .‬أمام هذه الحرب‪ ،‬كان فريق عمل‬ ‫تلك‬ ‫بعد‬ ‫وصلفا‪،‬‬ ‫من والده رجال قاسيا‬ ‫والده بائسا‪ ،‬يفتقر ألبسط األدوات الطبية‪،‬‬ ‫الحادثة‪ ،‬وفي كل ليلة‪ ،‬وكما لو كان انتقاما كانت مساكن الموظفين في ذلك الوقت‬ ‫لعالم الحيوان‪ ،‬كان مسكنهم ُيجتاح من قبل عبارة عن كوخ صغير‪ ،‬تعطيها الحكومة‬ ‫جيوش من الحشرات الطائرة!‬ ‫اإلنكليزية لألطباء العسكريين‪ ،‬ال توجد فيها‬ ‫عاش لوكلوزيو سنواته األولى في الطابق أية امتيازات‪ ،‬وال لوحات أو مرايا‪ ،‬كان والده‬ ‫السادس‪ ،‬ببناية برجوازية في نيس بفرنسا‪ ،‬في أبوجا مسؤوال عن مستوصف هو (عبارة‬ ‫ربته أمه وجدته‪ ،‬حيث كان يحب هذه عن مستشفى ديني قديم مهجور من قبل‬ ‫األخيرة‪ ،‬ألنها تجيد سرد الحكايات‪ ،‬فيتحدث الراهبات)‪ .‬وهنا تعلم لوكلوزيو النسيان‪ ،‬فذلك‬ ‫شكل تاريخا لمحو وجهه‪ ،‬كما وجوه‬ ‫لنا‪ ،‬عبر سرده‬ ‫المشوق‪ ،‬عن عادات وتقاليد الكوخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل الذين من حوله‪ ،‬فيطلق على هذا الزمن‬ ‫أفريقيا‪ ،‬التي تختلف جذريا عما عاشه في ّ‬ ‫بلدته نيس‪ ،‬شتان ما بين فرنسا وأفريقيا‪« ،‬زمن تعاقب األجساد»‪ ،‬إذ الحرية في أبوجا‬ ‫تسيد الجسد‪.‬‬ ‫كانت نيس محتلة من قبل األلمان‪ ،‬وكان كانت ّ‬ ‫يملك وقتذاك جسدا ضعيفا‪ ،‬مصحوبا‬ ‫يوم دخوله إلى أبودو برفقة والديه‪ ،‬تجمع‬ ‫بالسعال المتالحق غير المحمول‪ ،‬وأوجاع الناس حولهم‪ ،‬وأخذت األيادي تتلمسه‬ ‫رأس مؤلمة جدا‪ ،‬ملحة وغير محتملة‪ ،‬فكانت وتمرر أصابعها فوق ذراعيه ورأسه وشعره‬ ‫تنتابه نوبات الغضب المحموم‪ ،‬وعلى إثره وحول أطراف قبعته‪ .‬يتذكر بشكل مؤلم‪،‬‬ ‫كان يرمي من النافذة كل ما يصل إلى يديه‪ ،‬كيف أنه كان مسجونا هو وعائلته في شقة‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫في نيس حيث الحرب الدائرة كانت تمنعهم‬ ‫من الخروج‪ ،‬إذ كان يتوجب على والدته‬ ‫االختباء خوفا من اعتقالها من قبل الجستابو‪،‬‬ ‫بأن الحاضر‪ ،‬حاضره في أفريقيا‪،‬‬ ‫يقول ّ‬ ‫أمحى كل ما كان قد سبقه‪ ،‬أضحى غير‬ ‫حقيقي‪ ،‬ومن اآلن وصاعدا‪ ،‬سيصبح هناك‬ ‫ما قبل وما بعد أفريقيا‪ ،‬فهذه ليست أفريقيا‬ ‫تارتاران بطل رواية الكاتب الفونس دوديه‪ ،‬بل‬ ‫هذه هي أفريقيا الحقيقية‪ ،‬ذات الكثافة‬ ‫السكانية الكبيرة‪ ،‬الرازحة تحت وطأة‬ ‫لكنها القوية‬ ‫األمراض والحروب العشائرية‪ّ ،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬والمبهجة‪ ،‬بأعداد أطفالها‪ ،‬بأعيادها‬ ‫الراقصة‪ ،‬بطبيعة وظرافة رعيانها الذين‬ ‫يرزحون في الطرقات‪ .‬يقول (مازلت أذكر‬ ‫كل ما تلقيته منذ لحظة وصولي إلى أفريقيا‬ ‫الشدة بحيث‬ ‫للمرة األولى‪ ،‬حرية كانت من ّ‬ ‫أحرقتني‪ ،‬وأسكرتني‪ ،‬استمتعت فيها لحد‬ ‫األلم‪ )...‬ص ‪108‬‬ ‫دروب أفريقيا هي األخرى شهدت ركضه‬ ‫مع أخيه حفاة عبر السافانا إلى قالع أعشاش‬ ‫األرضة‪ ،‬وكانت الشمس في ذلك الوقت‬ ‫تحرق جبهتهما البيضاء‪ ،‬كان جسده المغطى‬ ‫بطفح جلدي لحبيبات صغيرة سببتها الح اررة‬ ‫الشديدة‪ ،‬هي حالة يعاني منها بيض البشرة‬ ‫لحظة دخولهم المنطقة االستوائية‪ .‬يتحدث‬ ‫عن وداعة أطفال أفريقيا‪ ،‬الذين لم ينتبهوا‬ ‫للفرق بين سوادهم وبياضه‪ ،‬وبمجرد مغادرة‬ ‫والده إلى العمل‪ ،‬كانا يقصدان أولئك األطفال‪،‬‬ ‫ويلعبون حفاة مع بعضهم بعضا‪ ،‬يهدمون‬ ‫بيوت األرضة‪ ،‬يقتلون الحشرات والنمل‬ ‫والضفادع‪ ،‬ويستخرجونها من أوكارها‪ .‬تلك‬ ‫األيام من الركض على األعشاب العالية في‬ ‫أبوجا شكّلت حريته األولى‪ ،‬يذكر ذلك كنوع‬ ‫يرد بها على السلطة‬ ‫من السيطرة‪ ،‬أو كان ّ‬ ‫المتزايدة لوالده عليهم‪ ،‬معيدين له ضربات‬ ‫عصاه‪ ،‬ضربة إثر ضربة‪ .‬يسرد أيضا كيف‬ ‫أنه تعرض لغزو النمل في أبوجا‪ ،‬كان عبارة‬ ‫عن حشرات ضخمة‪ ،‬حمراء متوحشة‪ ،‬له‬

‫‪51‬‬

‫عينان وفك سفلي‪ ،‬باستطاعته فرز السموم‪،‬‬ ‫ومهاجمة أي كائن يعترض طريقه‪ ،‬النمل‬ ‫ذاك‪ ،‬كان سيد أبوجا الحقيقي‪ ،‬والذي لم يسلم‬ ‫منه‪ ،‬ففتك به‪ ،‬وقرض أظافره‪ ،‬أفقده التوازن‪،‬‬ ‫وكيف أن والدته سارعت إليه وطببته‪،‬‬ ‫اقتلعتهم واحدا واحدا بواسطة ملقط معقم‬ ‫بالكحول‪ .‬أفريقيا إذا‪ ،‬كانت الجسد‪ ،‬ال الوجه‪،‬‬ ‫قوة األحاسيس‪ ،‬قوة الشهوات‪ ،‬عنف الفصول‪،‬‬ ‫وهي إذا كانت قد نزعت عنه وجهه‪ ،‬فإنها‬ ‫أعادت إليه جسده متألما‪ ،‬هذا الجسد الذي‬ ‫كانت فرنسا قد خبأته له ضمن الرقة الباهتة‬ ‫لمنزل جدته دون أية حرية أو غرائز‪.‬‬ ‫يتقاعد والده‪ ،‬وكأنه لم يغادر أفريقيا قط‪،‬‬ ‫فعند عودته إلى فرنسا احتفظ كجندي بعادات‬ ‫مهنته‪ :‬يستيقظ في السابعة صباحا‪ ،‬يرتدي‬ ‫ثيابه وحذاءه الملمع‪ ،‬يضع قبعته على رأسه‪،‬‬ ‫ثم يذهب ليتسوق‪ ،‬كما في السابق عندما‬ ‫أسرة المرضى في‬ ‫كان يذهب ليتجول بين ّ‬ ‫زيارة تفقدية‪ ،‬ويعود في الساعة الثامنة‬ ‫لتجهيز طعامه‪ ،‬يجلي األطباق‪ ،‬ويصلح‬ ‫القطع المكسورة في شقته‪ ،‬يغسل يديه‪،‬‬ ‫ويخيط جواربه‪ .‬لقد غدت تلك البالد وطنه‪،‬‬ ‫جعل كثيرين يرون النور‪ ،‬كما رافق كثيرين‬ ‫إلى القبر‪ ،‬وعلى هذا الشكل‪ ،‬سيبقى حتى‬ ‫نهاية حياته محتفظا بأثر وتأثير تلك‬ ‫الهضاب‪ ،‬والغابات والمروج التي قطعها‪،‬‬ ‫وهؤالء األشخاص الذين عرفهم‪.‬‬ ‫يعري لوكلوزيو المغرم بالترحال‬ ‫ّ‬ ‫والمغامرات‪ ،‬المبحر دوما صوب جغرافيات‬ ‫غريبة‪ ،‬في هذه الرواية‪ /‬السيرة الذاتية‪ ،‬تلك‬ ‫الالإنسانية‬ ‫والممارسات‬ ‫التجاوزات‬ ‫والالأخالقية بحق طبيعة أفريقيا الساحرة‬ ‫والخالبة‪ ،‬ووداعة أناسها البسطاء المسالمين‪.‬‬ ‫إنها الحرب إذا‪ ،‬تلك التي كسرت أحالم والده‬ ‫األفريقية‪ ،‬والتي جعلته يشعر بنوع من‬ ‫بكل أشكاله‪،‬‬ ‫الكراهية العميقة للمستعمر ّ‬ ‫محررة من قيودها‬ ‫ويحلم بنهضة أفريقيا‬ ‫ّ‬ ‫االستعمارية‪ ،‬ومن قدرها المليء بالفساد‪.‬‬


‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫‪52‬‬

‫نافذة‬ ‫‪P‬‬ ‫*هيشون «عيسى بعجانو»‬ ‫‪2011-1953‬‬ ‫كتب القصة القصيرة والشعر‪ ،‬فضال‬ ‫عن المقال والدراسة‪ .‬قدّم العديد من‬ ‫المحاضرات حول قضايا الفن التشكيلي‪.‬‬

‫فنان تشكيلي سوري‪ ،‬من مواليد ريف‬ ‫الالذقية ضيعة «خربة هيشون» ‪،1953‬‬ ‫إجازة في «الرياضيات» من جامعة‬ ‫تشرين بالالذقية‪ .‬درس الفن دراسة‬ ‫مؤلفاته‪:‬‬ ‫خاصة‪ ،‬وأقام الكثير من المعارض‬ ‫ـ «شاللو‪ ..‬ال قبر له»‪ ،‬قصص‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫التشكيلية‪ ،‬فرديا وجماعيا‪ ،‬داخل سوريا‬ ‫‪ ،1984‬مجلة الثقافة‪ .‬ط‪ ،2000 ،2‬دار‬ ‫وخارجها‪ ،‬متخذا لنفسه اللقب (هيشون)‬ ‫الشموس‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫وهو اسم القرية التي ولد فيها الفنان‬ ‫ومدلول االسم يعني؛ إله الكائنات التي تنمو‬ ‫ـ «طائرة هيشون»‪ ،‬قصص‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫دون تربية‪ ،‬من نباتات وحيوانات‪.‬‬ ‫‪ ،1999‬دار الشموس‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫س والفنان محمد سموقان مجموعة‬ ‫أ ّ‬ ‫ـ «حديث التراب»‪ ،‬شعر‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫س َ‬ ‫أوغاريت‪ ،‬وقدمت خالل األعوام (‪ ،2007 1980‬دار الشموس‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫ ‪ )1990‬ما يربو عن ‪ 16‬معرضا حول‬‫ـ «صوتي عصاي‪ ..‬خطو الطريق»‪،‬‬ ‫حضارة أوغاريت‪ ،‬وأسس في العام ‪ 1989‬شعر‪ ،‬ط‪ ،2012 ،1‬دار بعل‪ ،‬دمشق‪.‬‬ ‫مجموعة األبابيل التشكيلية‪ ،‬والتي اعتمدت‬ ‫على ّ‬ ‫حق االختالف‪ ،‬لتقدم هذه المجموعة‬ ‫بدورها ‪ 10‬معارض فنية‪.‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪53‬‬

‫مجلة صور ‪ ...‬تتأصل المدنية بالوعي‬ ‫صور مجلة شهرية تصدر عن مركز ‪ 15‬آب ‪.2013‬‬ ‫المجتمع المدني والديمقراطية‪ ،‬تهتم بالشأن‬ ‫المتوجهة خصوصا‬ ‫تهدف المجلة ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫المدني وحرية التعبير وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫إلى الجمهور السوري ‪ -‬بحسب القائمين‬ ‫بعد قرار المركز باصدار مجلة شهرية عليها إلى « نقل الواقع بموضوعية بهدف‬ ‫مطبوعة تم تكليف الفريق اإلعالمي العامل الوصول إلى الحقيقة‪ ،‬من دون أن تحميل‬ ‫في المركز بالعمل على وضع خطة رسائل ذات شحنة طائفية أو أيديولوجية ألي‬ ‫لإلصدار‪ ،‬حيث بدأت مجلة صور في طرف من أطراف الصراع في سوريا «‪.‬‬ ‫الصدور كمجلة شهرية مطبوعة اعتبا ار من‬


‫‪54‬‬

‫العدد ‪ / 8‬أيلول – تشرين األول‬

‫ومقاالت الرأي لكبار الكتّاب والمفكرين‪ ،‬إلى‬ ‫أهداف‬ ‫تعنى مجلة صور بالمسائل والقضايا جانب العديد من الحوارات مع نخبة من‬ ‫ُ‬ ‫المحلية السورية‪ ،‬في محاولة لتقديم معرفة المثقفين والسياسيين والمهتمين بالشأن‬ ‫عميقة للجمهور حول الواقع‪ ،‬بموضوعية السوري العام‪.‬‬ ‫لدى مجلة صور العديد من المشاريع‬ ‫ودقة‪ ،‬إضافة إلى تناول بعض األفكار‬ ‫والمفاهيم الخاصة بالشأن المدني‪ ،‬وحرية المستقبلية‪ ،‬مثل إطالق موقع باللغة‬ ‫التعبير‪ ،‬وقضايا حقوق اإلنسان بأساليب اإلنكليزية‪ ،‬وذلك باالعتماد على ترجمة‬ ‫الملفات والتحقيقات الخاصة بالمجلة خدمة‬ ‫وقوالب حديثة واحترافية‪.‬‬ ‫بعد عملية رصد للساحة اإلعالمية في للقارئ األجنبي المهتم بالشأن السوري‪.‬‬

‫الماسة إلى صحافة‬ ‫تبين الحاجة‬ ‫َّ‬ ‫سوريا‪ّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫للتخصص‬ ‫حرّية التّعبير‪ ،‬وتميل‬ ‫تكرس قيمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫صحفية ذات‬ ‫في الشأن المدني‪ ،‬وتعتمد أنواع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طابع استقصائي لنقل الواقع والكشف عن‬ ‫االنتهاكات بحق المدنيين‪.‬‬

‫كما تتطّلع مجلة صور إلى عقد شراكات‬ ‫مع وسائل إعالم محلية ودولية بهدف‬ ‫التعاون على تقديم منتج إعالمي مميز‬ ‫للجمهور السوري‪ ،‬يحمل في طياته عوامل‬ ‫تحول ديمقراطي‬ ‫التغيير نحو فكر وعملية ّ‬ ‫داخل المجتمع السوري بهدف تحقيق العدالة‬ ‫والحرية والعيش المشترك‪.‬‬

‫تركز مجلة صور بشكل أساسي على‬ ‫ّ‬ ‫الملفات‪ ،‬والتحقيقات الصحفية من داخل‬ ‫مجلة صور مثل العديد من وسائل‬ ‫سوريا باالعتماد على شبكة واسعة من‬ ‫الصحفيين‪ ،‬والمصوريين الذين تتجاوز اإلعالم السورية التي ظهرت بعد الثورة‬ ‫وصحفية‪ ،‬ينتشرون السورية‪ ،‬تعاني من صعوبات بالغة في‬ ‫أعدادهم ‪ 130‬صحفيا‬ ‫ّ‬ ‫التمويل‪ ،‬كونها تعتبر من المشاريع غير‬ ‫في كافة المحافظات السورية‪.‬‬ ‫تطبع صور ‪ 3000‬نسخة في كل عدد‪ ،‬الربحية‪ ،‬وليست لها إيردات أو موارد مالية؛‬ ‫ويتم توزيعها في ‪ 7‬محافظات تركية تضم هي تحاول فقط العمل مع المنظمات التي‬ ‫تجمعات السوريين المقيمين فيها‪ ،‬باإلضافة تدعم قضايا حقوق اإلنسان وحرية التعبير‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫معينة‪،‬‬ ‫إلى توزيعها في بعض المناطق في شمال كما أنها لم تتخندق خلف أجندات ّ‬ ‫ألي تيار سياسي بهدف جلب‬ ‫سوريا‪ ،‬كما‬ ‫أن لمجلة صور موقع الكتروني ولم تنحاز ّ‬ ‫يضم أرشيفا ّضخما من التحقيقات‪ ،‬الملفات‪ ،‬التمويل‪.‬‬ ‫ّ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.