مجلة سورمَي العدد 9

Page 1


‫سور َمي‬

‫خميرة الواقع‪ ..‬نشوة الحقيقة‬ ‫سور َمي‬ ‫مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫العدد‪9 :‬‬ ‫تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫ملف العدد‪( :‬اللغة األم والتعددية اللغوية)‬ ‫المدير العام‪ :‬نهاد إسكان‬ ‫هيئة التحرير‪ :‬عباس علي موسى‪ ،‬عبدهللا‬ ‫شيخو‪ ،‬سوز حج يونس‪ ،‬بهار مراد‪ ،‬محمد مجيد‬ ‫حسين‪ ،‬خالد عمر‬ ‫تحرير وتدقيق القسم العربي‪ :‬عباس علي موسى‬ ‫تحرير وتدقيق القسم الكردي‪ :‬عبدهللا شيخو‬ ‫صورتا الغالف‪ :‬رودي سعيد (صورة رجل‬ ‫من شنكال)‪ ،‬خوشمان قادو (صورة امرأة من‬ ‫كوباني)‪.‬‬ ‫تصميم الغالف‪ ،‬واإلخراج الفني‪ :‬شفان ديركي‬ ‫المطبعة‪ :‬سيماف‬ ‫تلفون‪- )+963( 0938408206 :‬‬ ‫‪)+963( 0999656125‬‬

‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪E-Mail: Kovara.sormey@gmail.com‬‬ ‫‪Facebook: Sormey magazine‬‬ ‫‪twitter: Kovara Sormeyê‬‬ ‫‪Google plus: Kovara Sormey‬‬

‫حقوق النشر محفوظة لمجلة سور َمي‪.‬‬ ‫الكاتب مسؤول عن محتوى مادته‪.‬‬ ‫ترتيب المواد يخضع العتبارات فنية‬

‫مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫من منشورات مؤسسة جارجرا الثقافية‬ ‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫المحتوى‬ ‫مقدمة‪2/‬‬ ‫الخطاب السلطوي وإبادة اللّغة المغايرة‪ -‬عفاف‬ ‫خليفي ‪4 /‬‬ ‫موضوعة الديمقراطية والتعدد اللغو وارتباطهما‬ ‫بالحق في ممارسة اللغة األم! ‪ -‬عامر خ‪.‬مراد‪6 /‬‬ ‫اللغة األم والتعددية اللغوية (الفضاء السوري‬ ‫نموذجا) ‪ -‬عزيز توما ‪9 /‬‬ ‫لماذا تعتبر اللغة األم مهمة في تعليم األطفال‬ ‫الذين يتحدّثون لغتين في المدرسة ‪ -‬جيم‬ ‫كومينس ‪12 /‬‬ ‫النظام التعليمي متعدّد اللغات من وجهة النظر‬ ‫السويدية ‪ -‬إنكر ليندبيرغ ‪18 /‬‬ ‫الكتابة والغرق في طين المعنى ‪ -‬أوميد عبدو‪25/‬‬ ‫األثر حين تصبح األمكنة جزرا‪ -‬سعيد قاسم ‪29/‬‬ ‫رؤى في الحقل النقدي ‪ -‬محمد مجيد حسين ‪31/‬‬ ‫«في ال ُمخا َط َر ِة جز ٌء من النَّجاة» أو‪ :‬مقاربة‬ ‫لدالالت البحر ‪ -‬جوان تتر‪34 /‬‬ ‫للريح ‪ ..‬للغبار‪ ،‬ولشمدينو أيضا! ‪ -‬محمد باقي‬ ‫محمد ‪36 /‬‬ ‫واشوكاني (تل الفخيرية) ‪ -‬رستم عبدالسالم ‪39/‬‬ ‫نافذة‪44 /‬‬ ‫نيجاتيف آلالف الصور ‪44 /‬‬ ‫مجلة والت ‪46 /‬‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪2‬‬

‫اللغة األم والتعددية اللغوية‬ ‫من حديث الشارع والسياسة إلى خرائط الكتابة‬ ‫‪P‬‬ ‫سورمي‪ /‬النبيذ األحمر‪ ،‬إذ أخذت‬ ‫مجلة‬ ‫َ‬ ‫على عاتقها أن تكون منب ار للكتابة في مجاالت‬ ‫الفكر والثقافة‪ ،‬وأن تكون كذلك مكانا تطرح فيها‬ ‫ولما كانت‬ ‫القضايا اإلشكالية في الفكر والحياة‪ّ ،‬‬ ‫قضية اللغة األم والتعددية اللغوية من القضايا‬ ‫األكثر إشكاال وتناوال في الشارع على جميع‬ ‫المستويات؛ بدءا بحديث الشارع‪ ،‬ومرو ار بحديث‬ ‫اإلعالم والصحافة‪ ،‬ومنظمات المجتمع المدني‪،‬‬ ‫كملف‬ ‫سورمي تناول الموضوع‪ /‬اإلشكال‬ ‫ارتأت‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫لعددها‪ ،‬مؤثرة عدم الخوض فيها بشكل مباشر‪،‬‬ ‫وهو ما تم الحديث والنقاش فيه طويال في‬ ‫تلك المستويات‪ ،‬والتي طغت عليها الصبغة‬ ‫السياسية‪ ،‬مؤِثرًة النقاش بهدوء فيه عبر دراسات‬ ‫ومقاالت أصيلة ومترجمة لتضيء زاوية أخرى‬ ‫من الموضوع أقرب ما يكون نقاشا هادئا بما‬ ‫سورمي‪.‬‬ ‫وقراء‬ ‫يتناسب ّ‬ ‫ّ‬ ‫فتتناول عفاف خليفي في مقالها (الخطاب‬ ‫ظم‬ ‫الن ُ‬ ‫السلطوي إو�بادة الّلغة المغايرة) دور ُ‬ ‫االستبدادية في قمع اللغات القومية الواقعة‬ ‫الدولة سياسة‬ ‫تحت حكمها‪ ،‬فتكتب (تنتهج ّ‬ ‫لكل آخر داخل‬ ‫تكييف مذهبي وتفسيخ ثقافي ّ‬ ‫القومية‬ ‫حيز سلطتها‪ ،‬عندما تلبس السلطة صفة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن عملية اإلبادة الثقافية‬ ‫األغلبية‬ ‫لثقافة‬ ‫وتنتصر‬ ‫ّ‬ ‫ستبدو ممنهجة تعتمد ميكانيزمات سلطوية أكثر‬ ‫عنفا من الحرب المعَلنة)‪.‬‬ ‫بينما يتناول عامر خ‪.‬مراد إشكالية العالقة ما‬ ‫بين الديمقراطية والحق في ممارسة اللغة األم‪،‬‬ ‫إو�ذا ما كانت الديمقراطية شكال متكامال دون‬ ‫إتاحة الفرصة في السماح بالتعلم باللغة األم‬ ‫بالنسبة للقوميات األخرى الواقعة تحت سيطرتها‬ ‫بأي ادماج‬ ‫وسلطتها‪ّ ،‬‬ ‫أهم معالم االرتقاء ّ‬ ‫(إن ّ‬ ‫لغوي وثقافي بغرض خلق حالة من الديمقراطية‪،‬‬ ‫يجب أن تحمل في طياتها انتفاء رغبة لغة في‬ ‫السيطرة على أخرى)‪.‬‬ ‫أما عزيز توما فيتناول الفضاء السور ّي‬ ‫ّ‬

‫نموذجا لمقاربة موضوعة اللغة األم والتعددية‬ ‫اللغوية؛ (يمكن الحديث عن األحادية اللغوية‬ ‫على ّأنها ضرب من ضروب االستبداد في‬ ‫تميز بها المشرق على‬ ‫حدوده القصوى‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫مدى تاريخه الطويل)‪.‬‬ ‫في البحث المعنون بـ (لماذا تعتبر اللغة األم‬ ‫يتحدثون لغتين‬ ‫مهمة في تعليم األطفال الذين ّ‬ ‫في المدرسة) يركز جيم كومينس من جامعة‬ ‫تورنتو – كندا‪ ،‬على محاور عدة عبارة عن‬ ‫إن تخصيص بعض‬ ‫أسئلة ونقاط للمناقشة منها؛ ّ‬ ‫الوقت من العملية التعليمية لتعليم (لغة األقلية)‬ ‫في المدرسة لن يؤثر على تطور األطفال‬ ‫تتحدث بلغة‬ ‫أكاديميا في تلك المدارس التي‬ ‫ّ‬ ‫ثانية (لغة األغلبية)‪ ،‬والتعليم ثنائي اللغة له‬ ‫تأثير إيجابي على تطور األطفال لغويا وتربويا‪،‬‬ ‫وتطور األطفال في‬ ‫تقدم‬ ‫إن مستوى ّ‬ ‫وكذلك‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫لتطورهم في‬ ‫لغتهم األم هو مقياس تنبؤي هام ّ‬ ‫اللغة الثانية التي يتعلمونها في المدرسة‪ .‬وكذلك‬ ‫محاور أخرى في هذا المبحث‪.‬‬ ‫وعن تجربة السويد في مسألة التعددية‬ ‫اللغوية واللغة األم يكتب إنكر ليندبيرغ تحت‬ ‫متعدد اللغات من وجهة‬ ‫عنوان (النظام التعليمي ّ‬ ‫يتحدث فيها عن تجربة السويد‬ ‫النظر السويدية)‪ّ ،‬‬ ‫(إن‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫المهاج‬ ‫األقليات‬ ‫و‬ ‫المحلية‬ ‫مع اللغات األم‬ ‫ّ‬ ‫مسألة التعددية اللغوية التي تواجهها السويد‬ ‫والعديد من الدول غرب أوروبا‪ ,‬هي نتيجة‬ ‫لموجات المهاجرين الكبيرة التي حصلت خالل‬ ‫الـ ‪ 05‬سنة األخيرة‪ ,‬والتي خلقت تحديات كبيرة‬ ‫للنظام التعليمي على جميع المستويات‪ ,‬فعلى‬ ‫سبيل المثال‪ :‬عدد الطالب في مدارس التعليم‬ ‫يتحدثون بلغات أم مغايرة للغة‬ ‫اإللزامي‪ ،‬والذين ّ‬ ‫السويدية ازداد عددهم بنسبة ‪ %30‬من منتصف‬ ‫الثمانينات وحتى بداية التسعينات)‪.‬‬ ‫متنوعة‬ ‫هذا وفي المجلة مواضيع أخرى ّ‬ ‫منها ما يهتم باألدب‪ ،‬والنقد األدبي والمعرفي‪،‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫ويتجاوزه إلى االحتفاء بثقافتنا البصرية‪ ،‬وانتهاءا‬ ‫بدراسة أثرية‪.‬‬ ‫أما في زاوية (نافذة)‪ ،‬فنطل – احتفاءا‬ ‫المصور الفوتوغرافي والكاتب‬ ‫بالصورة ‪ -‬على‬ ‫ّ‬ ‫جاسم علي‪ ،‬ونتوّقف أخي ار مع مجلة والت التي‬ ‫تصدر باللغتين العربية والكردية‪ ،‬وتجربتها في‬ ‫الصحافة والمجتمع‪.‬‬ ‫سورمي‬ ‫أن مجلة‬ ‫ننوه أخي ار إلى ّ‬ ‫بقي أن ّ‬ ‫َ‬ ‫ستؤثر قراءها – مرفقا مع عددها هذا – القصة‬

‫‪3‬‬

‫العالمية الشهيرة ‪Snow White And The‬‬ ‫‪ ))Seven Dwarfs‬مترجمة إلى الكردية؛ اللغة‬ ‫األم التي ُغبن أبناؤها طيلة عقود‪ ،‬تحت عنوان‬ ‫(‪،)Berfînxan û Her Heft Bejnbihost‬‬ ‫بترجمة بهار مراد‪ ،‬مرفقة بنسخة صوتية أدتها‬ ‫سيماف حسن‪.‬‬ ‫هيئة التحرير‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪4‬‬

‫الخطاب السلطوي وإبادة اللّغة المغايرة‬ ‫‪P‬‬ ‫عفاف خليفي‬

‫في الخصومة الكونية يصعب كسر الفاصل‬ ‫المتحجر الذي صنعه الخطاب السياسي بين‬ ‫ّ‬ ‫مختلف الهويات‪ ،‬بادعاء االعتراف األيديولوجي‬ ‫واالنفتاح على التّنوع الثقافي‪ .‬الخطاب السياسي‬ ‫وكأنه فوق المجتمع‬ ‫ذو البعد الواحد ُيظهر نفسه ّ‬ ‫واألحزاب واألفراد والجماعات والطبقات‪ ،‬على‬ ‫العامة التي‬ ‫أساس ّأنه ضامن وحام المصلحة‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة عبر تنظيم‬ ‫تسمو على المصالح‬ ‫ّ‬ ‫عقالني لمجتمع متعدد؛ هو في الحقيقة لم يكن‬ ‫ٍ‬ ‫ضرب من الهيمنة بادعاء‬ ‫في مضمونه غير‬ ‫الكّلية‪.‬‬ ‫الدولة سياسة تكييف مذهبي وتفسيخ‬ ‫تنتهج ّ‬ ‫حيز سلطتها‪ ،‬عندما‬ ‫لكل آخر داخل ّ‬ ‫ثقافي ّ‬ ‫القومية وتنتصر لثقافة‬ ‫تلبس السلطة صفة‬ ‫ّ‬ ‫فإن عملية اإلبادة الثقافية ستبدو‬ ‫األغلبية ّ‬ ‫ممنهجة تعتمد ميكانيزمات سلطوية أكثر عنفا‬ ‫الرقابة والتّهميش‬ ‫من الحرب المعَلنة‪ ،‬تبدأ من ّ‬ ‫أشد‬ ‫ومنع أي تجّلي ثقافي مغاير‪ ،‬وتبدو الّلغة ّ‬ ‫أهمية وتأثيرا‪ ،‬لهذا‬ ‫التجليات الثقافية أصالة و ّ‬ ‫فإن الخطاب السلطوي يعمل على تفسيخ الّلغة‬ ‫ّ‬ ‫المغايرة للغته لضمان الهيمنة‪ ،‬وللسيطرة على‬

‫من يوجد بقدر ما يقوله ويحكيه ويمنع الخوض‬ ‫فيه‪ .‬لسان السلطة «داعر» يخاطب األهواء‬ ‫طب‬ ‫للمخا َ‬ ‫االنفعالية ويثير ّ‬ ‫النعرة العصبية ُ‬ ‫ِ‬ ‫يتحدث بلسانه‪ُ ،‬يخاطب الطبقة السطحية‬ ‫الذي ّ‬ ‫الهشة لألنا االنفعالي ويغ ّذي فيه فكرة االنتماء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الهوية جها از من‬ ‫فتصبح‬ ‫اآلخر‪،‬‬ ‫فض‬ ‫ر‬ ‫وبالتالي‬ ‫ّ‬ ‫أن لسان السلطة هو لسان‬ ‫أجهزة الدولة‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫الخطابة والتعامل الخارجي والبيروقراطية والّلغة‬ ‫َ‬ ‫األساسية في مناهج التّعليم الموجـهة طبعا‪،‬‬ ‫في مقابل منع وتهميش الّلغات المحّلية التي‬ ‫تعبر عن آخر ثقافي مقموع ومرفوض‪ ،‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫المنع ليس قائما على أساس تنظيمي لغايات‬ ‫بيروقراطية‪ ،‬بل هو منهج إبادة هويات مغايرة‬ ‫المحلية مثل الكردية‬ ‫تبدأ من منع الّلغات‬ ‫ّ‬ ‫ومفاضلة الّلغة العر ّبية كلغة تدوين وخطابة‬ ‫وسياسة‪ ،‬وصل المنع إلى رفض أسماء المواليد‬ ‫الكرد‪ ،‬والتضييق على متكّلمي الّلغة المختلفة‬ ‫ومحاولة إخضاعهم وتفسيخ لغتهم األصيلة‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫مقابل هيمنة لغة ّ‬ ‫كل‬ ‫تُراهن السلطة على بسط نفوذها في ّ‬ ‫المجاالت االقتصادية واإليديولوجية واالجتماعية‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫والتّعليمية والفنون‪ ،‬فتتقّلص الّلغات المغايرة‬ ‫السيادة‪ ،‬لقد‬ ‫وتُصهر في مقابل ّ‬ ‫تمدد هيمنة لغة ّ‬ ‫الهوية من‬ ‫غيرت السلطة سؤال الخصوصية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل صراع هويات‬ ‫اع‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫حقل‬ ‫إلى‬ ‫تذاوت‬ ‫أفق‬ ‫ّ‬ ‫هو من افتعال السلطة والمعركة الوجودية بين‬ ‫الذوات من صنيع الدولة األثنية‪.‬‬ ‫الهوية ضربا من ميثولوجيا العقل‬ ‫تصبح‬ ‫ّ‬ ‫فرضتها الدولة دون مشروعية‪ّ ،‬إنه خيار‬ ‫كل انفعاالتنا القومية‬ ‫براغماتي لنظام قمعي‪ .‬إ ًذا ّ‬ ‫وكل‬ ‫المتعصبة و ّ‬ ‫الرافضة لوجود األخر بلغته‪ّ ،‬‬ ‫تجليات وجوده ليست سوى نتاج موروث قمعي‬ ‫ّ‬ ‫هشة صاخبة‬ ‫ال ينطق به العقل‪ ،‬بل بنية أصولية ّ‬ ‫تشربت الخطاب السلطوي مقابل‬ ‫ومهزوزة عنيفة ّ‬ ‫ذات متّهمة‪ ،‬مدانة بسبب حملها لثقافة ولغة‬ ‫مغايرة‪.‬‬ ‫ألي جماعة دينية أو قومية أن‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫يحق ّ‬ ‫حق وجود كوني‪،‬‬ ‫فثمة ّ‬ ‫خاصة ّ‬ ‫تفرض معايير ّ‬ ‫حق مقاومة االنصهار‪ ،‬فرادة الكرد كثقافة ولغة‬ ‫ّ‬ ‫ليست ادعاءا عرقيا أو قوميا‪ ،‬بل هي ُمعطى‬ ‫كل فكر من دون أن‬ ‫كوني يجعلهم في صلة مع ّ‬ ‫يكون وجود العرب والفرس والترك رهين إفنائهم‪،‬‬ ‫أهم تجلياتها‪،‬‬ ‫لهذه الثقافة ّ‬ ‫مقومات وجود الّلغة ّ‬ ‫فهي اإلنتاج االجتماعي‪ ،‬الذي تواضع عليه‬ ‫األفراد للتّعبير عن صالتهم كمجموعة مستقّلة‬ ‫خاصة‪.‬‬ ‫لها ثقافة ّ‬ ‫معقولية ونظام معجمي‬ ‫الّلسان الكردي له‬ ‫ّ‬ ‫مخصوص محكوم بنسق من العالمات والقواعد‬ ‫وداللية‬ ‫قائم بذاته له بالغة وأبعاد صوتية‬ ‫ّ‬ ‫مجرد موروث عرقي‪ ،‬بل‬ ‫متفردة‪ ،‬الّلسان ليس ّ‬ ‫ّ‬ ‫هو الذي يعكس الفكر القائم في األذهان‪ ،‬هو‬ ‫المنطوق من الرؤية الوجودية‪ .‬يقول هيدغير «‬ ‫الّلغة موطن الوجود» لهذا سعت الدولة األثنية‬ ‫لتقويض هذا الوجود‪ .‬نحن ندرك جيدا مع‬

‫‪5‬‬

‫اإلنسانية « (الفال)‬ ‫أن « الّلغة ذاكرة‬ ‫السلطة ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتجمع‬ ‫وّ‬ ‫أن جينوسيد الّلغة إنكار لتاريخ بأكمله‪ّ ،‬‬ ‫طاقة الكينونة في الّلغة‪ ،‬فكان بمقدور الكرد‬ ‫مقاومة اإلرهاب الثقافي والمنع بأن ُحفظت الّلغة‬ ‫في صدور حامليها‪ ،‬مع منع التّدوين واألغاني‬ ‫الشعر واألغاني‬ ‫واألدب ظّلت اللغة شفاهية‪ ،‬لغة ّ‬ ‫اثية األصالة الكردية باتت أدبية بإمتياز‪،‬‬ ‫التر ّ‬ ‫ليس هذا طبعا حكما معياريا لّلغة الكردية‪ ،‬بل‬ ‫هو توصيف مرحلي لفترة المنع والقمع الطويلة‪،‬‬ ‫الكردية‬ ‫وهذا التضييق لم يجعل من الّلغة‬ ‫ّ‬ ‫المدعين في ّأنها ال‬ ‫رومنسية كما يعتبر بعض ّ‬ ‫ترقى إلى لغة العلم أو السياسة‪.‬‬ ‫المتعصبون عادة‬ ‫الحجة التي يركن إليها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هشة ومشدودة إلى أرضية سلطوية‬ ‫ما تكون ّ‬ ‫أن الّلغة‬ ‫حجة عليهم‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫رجعية‪ ،‬وقد تكون ّ‬ ‫تعبر عن ذات أصيلة وعميقة متج ّذرة‬ ‫الكردية ّ‬ ‫يتطور‬ ‫كأي لغة هي كائن‬ ‫داخل التّاريخ‪ّ ،‬‬ ‫حي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويموت أيضا‪ ،‬ولو كانت بهشاشة ادعائهم لما‬ ‫كانت موجودة راهنا‪ ،‬لُلغة السلطة أنصار من‬ ‫داخل الّلغة المحّلية الممنوعة ينظرون‬ ‫لدونية‬ ‫ّ‬ ‫لغتهم‪ ،‬ليس لعيب داخل نظام اللغة في ذاتها‪،‬‬ ‫القوة القمعية‪.‬‬ ‫بل لمصالح سياسية وتواطؤ مع ّ‬ ‫كل األغاني والمالحم والمخيال الجمعي‬ ‫ّ‬ ‫الكردي الناطق والماثل بالّلسان الكردي صنع‬ ‫متفردا وأبعاد ّفنية إو�يتيقيا عميقة‪.‬‬ ‫لنفسه وجودا ّ‬ ‫كان األدب الكردي الشفاهي حصن الفكرة‬ ‫الكردية للوجود‪ ،‬بحث عن المشترك بين العقول‬ ‫بأهمية الّلغة كتجّلي‬ ‫الحرة يقتضي االعتراف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حر لفكرة وجود شعب ما‪ ،‬وصياغة هذا الوجود‬ ‫في الّلغة دون أحكام معيارية عنصرّية‪ ،‬االلتقاء‬ ‫الثقافي والتذاوت ليس من قبيل الطوباوية‪،‬‬ ‫تحررنا من ربقة‬ ‫ّإنما هو إمكان تاريخي إذا ما ّ‬ ‫الخطاب السلطوي‪.‬‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪6‬‬

‫موضوعة الديمقراطية والتعدد اللغوي وارتباطهما بالحق في ممارسة اللغة األم!‬ ‫‪P‬‬ ‫عامر خ‪ .‬مراد‬ ‫«ما من حضارة إنسانية إال وصاحبتها نهضة لغوية‪ ،‬وما من رصاع ش‬ ‫ب�ي إال ويبطن ي ف�‬ ‫جوفه رصاع لغوي‪ ،‬ت‬ ‫ش‬ ‫الب�ية عىل أساس رصاعاتها اللغوية»‪.‬‬ ‫ح� قيل إنّه يمكن صياغة تاريخ‬ ‫من هنا وللبدء بخوض غمار هذا البحث‬ ‫البد من توضيح المطلوب منه بداية أو المبتغى‬ ‫ّ‬ ‫من التطرق له‪ ،‬وهو تماما الرغبة في معرفة‬ ‫اإلجابة عن جملة من االستفسارات ومنها؛ هل‬ ‫تصبح الجماعة باتساع مفهومها (من العالقة‬ ‫ما بين فردين مختلفين في الهوية اللغوية إلى‬ ‫إلثنيات وقوميات مختلفة‬ ‫شكل الدولة الحاضنة ّ‬ ‫في لغاتها األم) قادرة على اكتساب صفة‬ ‫التعدد اللغوي‪ ,‬أم‬ ‫الديمقراطية بمجرد وجود هذا ّ‬ ‫بمنح الحق في ممارسة اللغة األم من قبل كافة‬ ‫المكونات دستوريا وعمليا في مؤسسات الدولة؟‬ ‫هل يمكن لمنح الحق في ممارسة اللغة األم‬ ‫بكل‬ ‫أن يمنح لهذه «الجماعة» صفة الديمقراطية ّ‬ ‫ما فيها من دالالت‪ ،‬إو�ن من أحد الجوانب‪،‬‬ ‫الحق في ممارسة اللغة األم تأخذ‬ ‫أن منح‬ ‫أم ّ‬ ‫ّ‬ ‫دالالت مختلفة في البعد السلطوي‪ ،‬بحيث يأتي‬ ‫منح هذا الحق كعطاء لممارسة وتطبيق مظالم‬ ‫أوسع بحق هذه القومية أو تلك؟‬ ‫مجرد منح هذا الحق ليبطل‬ ‫ثم‪ ،‬أال يكفي ّ‬ ‫شك في الخلفيات السياسية والتبعات‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهمية اكتساب‬ ‫لصالح‬ ‫للمانح‪،‬‬ ‫اتيجية‬ ‫ر‬ ‫االست‬ ‫ّ‬ ‫لحق من حقوقه المشروعة؟‬ ‫الممنوح ّ‬ ‫وهل للديمقراطية كشكل من أشكال الدولة‪،‬‬ ‫ومظّلة دستورية‪ ،‬ونصوصية أن تتبنى قانون‬ ‫مجرد تثبيت‬ ‫أن‬ ‫اللغة الرسمية الوحيدة‪ ،‬أم ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا القانون في الدستور (وهو أصوال العقد‬ ‫االجتماعي ما بين كافة مكونات تلك الدولة)‬ ‫يحمل في طياته انتفاء صفة الديمقراطية عن‬ ‫هذه الدولة؟‬ ‫للبدء في النص القابل ألن يفي بغرض اإلجابة‬ ‫البد من تسليط الضوء‬ ‫عن هذه األسئلة المحورية‪ّ ،‬‬

‫بداية على العالقة ما بين الهوية اللغوية لشعب‬ ‫ما‪ ،‬ومفهوم الديمقراطية في بلد يتمتع بتعددية‬ ‫في مكوناته القومية وبالتالي لغوية (على اعتبار‬ ‫لكل مكون لغته)‪ ،‬وهي الصفة الغالبة لمعظم‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫الدول في العالم الحديث‪ ،‬وكافة الديمقراطيات‬ ‫المعترف بها ضمنيا في الغرب و(الشرق) على‬ ‫األهم في القرن العشرين‪،‬‬ ‫ّأنها المنتج الديمقراطي ّ‬ ‫واألكثر ارتقاء لمفهوم العدالة االجتماعية مع بداية‬ ‫األزمات والثورات في الشرق األوسط‪ ،‬واحتضان‬ ‫هذه الديمقراطيات لجملة من القضايا الناتجة‬ ‫عن هذه األزمات‪ ،‬كقضايا المهاجرين ومسائل‬ ‫االندماج الحضاري بين المهاجر والمواطن‬ ‫األصلي للدولة‪ ،‬وقضايا محاربة االرهاب الناتج‬ ‫عن الصراعات الموجودة وغيرها‪...‬‬ ‫بأن أغلب هذه‬ ‫هنا‬ ‫ّ‬ ‫البد من التذكير ّ‬ ‫الديمقراطيات الغربية تعترف في دساتيرها‬ ‫وتضم في معظمها ضمن‬ ‫باللغة الرسمية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إطار الدولة مجموعات مختلفة من األثنيات‪،‬‬ ‫القوميات‪ ،‬والجماعات اللغوية‪ ،‬وغير المتمتعة‬ ‫بحق إدراج لغتها كلغة رسمية في‬ ‫دستوريا‬ ‫ّ‬ ‫تلك البلدان‪ ,‬فهل يمكن أن نضع للديمقراطية‬ ‫أن‬ ‫تعاريفا ومفاهيما بحسب الزمان والمكان‪ ،‬أم ّ‬ ‫الديمقراطية هي الصفة الممنوحة غالبا لجملة‬ ‫من العالقات السياسية واالجتماعية السائدة في‬ ‫بغض النظر‬ ‫صميم تلك الدولة وبين أفرادها‪ّ ،‬‬ ‫عن التمايزات القومية التي يجب ‪ -‬بحسب‬ ‫تضمحل شيئا فشيئا لصالح‬ ‫هذا المفهوم ‪ -‬أن‬ ‫ّ‬ ‫مفهوم أهم وأشمل‪ ،‬وهو مفهوم المساواة السياسية‬ ‫على حساب مفهوم التمييز العرقي واللغوي‪،‬‬ ‫أن العالقة ما بين الديمقراطية واللغة األم‬ ‫أم ّ‬ ‫والحق في ممارستها كانت هي األكثر قدرة‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫على تأجيج الصراع في الشرق منه في الغرب؟‬ ‫وهل حاولت القوميات المضطهدة في دولة ما‬ ‫شرقية أن تتسّلح بسالح المطالبة بهذا الحق‪،‬‬ ‫للحصول على المساواة السياسية واالقتصادية‬ ‫مع باقي المكونات؟ وهل يمكننا أن نضع كافة‬ ‫الدول الشرقية في كفة ميزان واحدة‪ ،‬عندما نجد‬ ‫أن األوضاع االقتصادية لشعوب (تعتبر من‬ ‫ّ‬ ‫الدرجة الثانية) استطاعت أن تزيل هذا السالح‬ ‫وتغيبه عن واجهة الصراع ما بين الحاكم كدولة‬ ‫ّ‬ ‫ودستور فردي يعترف بلغة رسمية وحيدة‪،‬‬ ‫والمحكوم المتمثّل بالقومية المطالبة بحقها في‬ ‫ممارسة اللغة األم؟‬ ‫أن هذه العالقة اإلشكالية ما بين‬ ‫أعتقد ّ‬ ‫الديمقراطية وممارسة اللغة األم لها وجهان‬ ‫متمايزان بحسب المكان والزمان‪ ،‬ولها أوجه أخرى‬ ‫مختلفة بحسب طبيعة النظام السياسي القائم في‬ ‫الدولة‪ ,‬فبقدر ما تزداد بعض الدول ديمقراطية‬ ‫لحق التمتع باللغة األم لقاطنيها كافة‬ ‫مع منحها ّ‬ ‫بقدر ما تزداد بعض الدول ديمقراطية مع منحها‬ ‫لباقي الحقوق السياسية واالقتصادية للمواطنين‪،‬‬ ‫بغض النظر‬ ‫على أساس المواطنة المتساوية‪ّ ،‬‬ ‫وتعدد اللغات‬ ‫عن عالقة اللغة الرسمية الوحيدة‪ّ ،‬‬ ‫في الواقع المعاش في الدولة‪.‬‬ ‫فاعتبار الحق في ممارسة اللغة األم كإحدى‬ ‫دالالت أو جزئيات البنية الفوقية للمجتمع يجعلنا‬ ‫ندرك العالقة الطردية ما بين الديمقراطية وهذا‬ ‫المكسب القومي‪ ،‬وعالقتها مع البنية التحتية‪،‬‬ ‫ومدى الحالة الديمقراطية التي تتبناها الدولة‬ ‫في مجال المحاصصة االقتصادية والخدمية‬ ‫حد سواء دون التمييز بينهم‬ ‫للمواطنين على ّ‬ ‫على أساس عرقي وقومي‪.‬‬ ‫أي‬ ‫على‬ ‫الحصول‬ ‫في‬ ‫إن اضمحالل الرغبة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫متعددة‬ ‫دولة‬ ‫في‬ ‫ما‬ ‫لقومية‬ ‫الحقو‬ ‫من‬ ‫حق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خضم جزئية‬ ‫في‬ ‫أكثر‬ ‫بالغوص‬ ‫يبدأ‬ ‫القوميات‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطية في المحاصصة االقتصادية‪،‬‬ ‫وتضخم الرغبة في المطالبة بهذه الحقوق التي‬ ‫ّ‬ ‫تميز هذه القومية عن باقي القوميات‪ ،‬يأتي‬ ‫ّ‬ ‫ألسباب عدم المساواة في سياقات البنية التحتية‪،‬‬ ‫مما يضطر المرء لإللتجاء لفضاءات احتضان‬ ‫ولكل المظلومين‬ ‫مفهوم القومية الجامعة له‪،‬‬ ‫ّ‬

‫‪7‬‬

‫تحت مظلة واحدة للمطالبة بحقوق قومية قد‬ ‫يعتبرها قادرة على جعله يتمتع بالقدرة على إدارة‬ ‫الجانب االقتصادي بنفسه‪ ،‬أو بواسطة من هم‬ ‫على درجة من القرابة (القومية)‪.‬‬ ‫لمدعي‬ ‫هل‬ ‫هو‪،‬‬ ‫لكن يبقى السؤال هنا‬ ‫ّ‬ ‫الحق في إرغام هذه الشعوب على‬ ‫الديمقراطية‬ ‫ّ‬ ‫ممارسة فعل المساواة مع اآلخر‪ ،‬وممارسة فعل‬ ‫الضغط عليهم بانتظار (ارتقاء الوعي الجمعي ‪-‬‬ ‫انعدام الفروقات االقتصادية ‪ -‬الوصول للقناعة‬ ‫التميز عن اآلخر)؟‬ ‫بعدم جدوى أو أهمية ّ‬ ‫هل ما قاله السوسيولوجي الفرنسي آالن تورين‬ ‫أن (الديمقراطية اليوم هي الوسيلة السياسية‬ ‫من ّ‬ ‫تمكن أفرادا‬ ‫التي‬ ‫و‬ ‫الثقافي‪،‬‬ ‫ع‬ ‫التنو‬ ‫تحمي‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫وجماعات تختلف فيما بينها أكثر فأكثر من‬ ‫سوية في مجتمع من المفروض فيه أن‬ ‫العيش ّ‬ ‫يشتغل كذلك بوصفه موحدا‪ ,‬ذلك أن أي مجتمع‬ ‫سياسي ال يستطيع أن يعيش إال بلغة وطنية‪،‬‬ ‫ونظام قضائي يسري على الجميع‪ ،‬حتى إو�ن‬ ‫كنا نقبل التعدد الثقافي أكثر فأكثر) هي مقولة‬ ‫ّ‬ ‫تحمل الكثير من الواقعية‪ ،‬ربما؟!‬ ‫بالتأكيد ستكون اإلجابة عن هذا السؤال‬ ‫بنعم مجحفة بحق أجيال عديدة من أبناء هذه‬ ‫أن هذه الديمقراطيات ستبقى‬ ‫القوميات‪ ،‬كما ّ‬ ‫هياكل وأشكال وهمية لمفهوم موجود شكال دون‬ ‫كل ما قد يكون في عمق هذه‬ ‫المضمون‪ ،‬رغم ّ‬ ‫الرغبة من سمو في مفهوم العدالة الجمعية‪،‬‬ ‫ومقاصد مفاهيمية متمركزة في مخيلة بعض‬ ‫الفالسفة والمفكرين الحالمين‪.‬‬ ‫واألهمية هنا تبقى لحالة االعتراف بإنسانية‬ ‫الكائن البشري‪ ،‬وتمركز هذه االنسانية في‬ ‫مبدأ تمتعه بحريته في اختيار الشكل األنسب‬ ‫له للعيش في هذه الدولة‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫مفهوم الحدود والقوانين الوضعية وقضايا سيادة‬ ‫الدستور والقانون الواحد‪.‬‬ ‫هنا تأتي اشكالية اللغة القومية واللغة‬ ‫الوطنية‪ ،‬والتي تضع مفهوم الديمقراطية لدى‬ ‫الدولة على المحك‪ ,‬كما تضع في الوقت نفسه‬ ‫مفهوم الوطنية كصفة ايجابية وضرورية للمواطن‬ ‫أيا كانت قوميته موضع جدال‪ ,‬فهل االعتراف‬ ‫باللغة الرسمية إلى جانب االعتراف بوجود لغات‬


‫‪8‬‬

‫وطنية أخرى هو الحل األمثل لشكل العالقة بين‬ ‫المواطنين المختلفين في الهوية اللغوية‪ ،‬وكذلك‬ ‫الحل األكثر قبوال لحالة الممارسة العملية‬ ‫هو‬ ‫ّ‬ ‫لعملية االكتساب الجمعي المتشابه للروح‬ ‫الوطنية في ذلك البلد‪ ،‬واكتساب كافة المفاهيم‬ ‫توحد مصير‬ ‫واألخالقيات التي من شأنها أن ّ‬ ‫ورغبات وأحالم المواطنين في تلك الدولة‪ ،‬بعيدا‬ ‫عن إشكاليات التعدد اللغوي التي تبقى دائما‬ ‫حجر عثرة أمام أي محاولة لالرتقاء بمفهوم‬ ‫الحس الوطني‪ ،‬إلى الولوج إلى دواخل قاطني‬ ‫ّ‬ ‫هذه البقعة مما نسميه وطنا‪ ،‬من المفترض أن‬ ‫يكون حالة تشاركية بين كافة هؤالء؛ المواطنين‪.‬‬ ‫هل يمكننا أن نعتبر حالة دولة كسويس ار‬ ‫باعترافها بثالث لغات رسمية في الدولة حالة‬ ‫صحية‪ ،‬أم ّأنها يجب أن تتسّلح بشكل آخر من‬ ‫القوننة لتصبح أكثر ديمقراطية‪ ،‬وأكثر قربا من‬ ‫الواقعية في التعامل مع التعدد اللغوي المفرط‬ ‫أحيانا‪ ،‬وفي دول كثيرة وتحتضن تجربة كتجربة‬ ‫السنغال التي جعلت من الفرنسية لغة رسمية‬ ‫لها‪ ،‬ومن ستة لغات أخرى هي لغات؛ الولولوف‪،‬‬ ‫البال‪ ،‬السرير‪ ،‬المانديغ‪ ،‬الديوال‪ ،‬البالنت‪ ،‬لغات‬ ‫وطنية تتساوى في حقوق التداول؟‬ ‫أن الديمقراطية‬ ‫يجب دائما التأكيد على ّ‬ ‫ليست إال وسيلة للعيش بقدر كبير من المساواة‬ ‫مع اآلخر في بلد مشترك‪ ,‬ولكن هل ينبغي أن‬ ‫ننفي مفهوم االندماج الثقافي الذي يتجاوز مفهوم‬ ‫المساواة بين وحدات مختلفة لصالح االنصهار‬ ‫في وحدة متينة‪ ،‬ستشكل حالة تتجاوز مع الزمن‬ ‫كافة هذه الصراعات؟‬ ‫تبقى الحقيقة األهم هي في مدى قدرة الوعي‬ ‫اإلنساني على إدراك المقصد من اللغة كأداة‬ ‫للتواصل وتجميع اإلرث الثقافي والمعرفي‬ ‫لمجموعة ما‪ ،‬واالنفصال بين هاتين الوظيفتين أو‬ ‫منتجهما‪ ،‬وكذلك إدراك العالقة بين الديمقراطية‬ ‫كعامل لتسهيل العيش المشترك‪ ،‬وبأمان مع‬ ‫اآلخر‪ ،‬ومفهوم الهوية الذي جاء لجملة من‬ ‫وردة فعل على عدم‬ ‫األسباب‪ ،‬منها كونه سالحا ّ‬ ‫وجود الديمقراطية سابقا بين الجماعات المتقاربة‬ ‫في جغرافيات العيش على األرض‪ ،‬إو�دراك مدى‬ ‫الترابط بين العالقات السببية والزمان والمكان‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫الذي يجب فيهما أن تزال العالقة المتضادة‬ ‫بين الديمقراطية واالندماج اللغوي‪ ،‬لصالح‬ ‫وحدة الوسيلة‪ ،‬وهي اللغة ووحدة الغاية‪ ،‬وهي‬ ‫مجمل اإلرث الثقافي واالجتماعي واألخالقي‬ ‫كل شيء بحكم‬ ‫الذي يتقارب ويندمج رغما عن ّ‬ ‫التقارب الجغرافي‪.‬‬ ‫بأي ادماج لغوي‬ ‫ّ‬ ‫أهم معالم االرتقاء ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫وثقافي بغرض خلق حالة من الديمقراطية‬ ‫يجب أن تحمل في طياتها انتفاء رغبة لغة‬ ‫في السيطرة على أخرى‪ ،‬وسالحا يحارب به‬ ‫لفض العالقة بين اللغة‬ ‫الغاصب معارضيه ّ‬ ‫ق‬ ‫كحامل للهوية‪ ،‬وكافة حقو المواطنة المترتبة‬ ‫على هذه الهوية التي يجب أن تتساوى مع‬ ‫غيرها من الهويات الموجودة في دولة ما‪.‬‬ ‫هنا تأتي أهمية معرفة ّأيهما يجب أن يتحّقق‬ ‫في البداية‪ ،‬الديمقراطية أم االندماج اللغوي إو�ن‬ ‫أن األمر وصل بنا‬ ‫في دولة ديكتاتورية‪ ,‬ويبدو ّ‬ ‫أن األمرين مترابطين‪ ،‬وال يمكن الفصل‬ ‫إلدراك ّ‬ ‫بينهما‪ ،‬فعدم وجود الديمقراطية يقضي على‬ ‫فرص االندماج الحقيقي لغويا وثقافيا‪ ،‬وعدم‬ ‫المكونات الموجودة‬ ‫وجود اندماج كامل بين‬ ‫ّ‬ ‫لغويا وثقافيا ينفي صفة الديمقراطية عن أي‬ ‫شكل من أشكال الدولة‪.‬‬ ‫البد من االهتمام بشكل واضح وجلي‬ ‫عليه ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالعملية االرتقائية لالندماج اللغوي والثقافي‬ ‫ّ‬ ‫للغات‪ ،‬مع االحترام الكامل لخصوصية هذه‬ ‫وسوية الوعي الحامل لهذه اللغات‬ ‫اللغات‬ ‫ّ‬ ‫كوسيلة تواصل‪ ،‬ريثما نصل بالمواطنين مختلفي‬ ‫الهويات اللغوية إلى حالة من الضبابية التي‬ ‫نجعلهم حينها يدركون أن ال فرق بين لغتهم ولغة‬ ‫اآلخرين‪ ،‬و ّأنهم يتمتّعون بثقافة يحمل اآلخرون‬ ‫القاطنون معهم عوامل تكامل هذه الثقافة في‬ ‫بنية ثقافية ترفع من السوية العامة‪ ،‬المتالك‬ ‫روح االحترام وتجعل من كافة الفروقات المتبقية‬ ‫مجرد فروقات يمكن وضعها في مصاف‬ ‫الفروقات الشخصية بين كائن وآخر‪.‬‬ ‫إذا فالعالقة بين اللغة األم ومدى القدرة على‬ ‫ممارستها‪ ،‬وتعدد اللغات في بلد ما والديمقراطية‪،‬‬ ‫هي عالقة شكل ومضمون ال يستوي الكل إال‬ ‫بكال الجزئيتين‪.‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪9‬‬

‫اللغة األم والتعددية اللغوية‬ ‫( الفضاء السوري نموذجا )‬ ‫‪P‬‬ ‫عزيز توما‬

‫تعد اللغة ‪ -‬ليست فقط ‪ -‬وسيلة من وسائل‬ ‫ّ‬ ‫التواصل‪ّ ،‬إنما أيضا فضاءا شاسعا لألفكار‬ ‫سمي العالم بحسب العالقات‬ ‫والثقافة‪ ،‬فهي تُ ّ‬ ‫والبنى االجتماعية‪ ،‬وتمنحه البعد الوجودي‬ ‫تتضمنه قدرات اللغة الترميزية‪ ،‬بل تمثّل‬ ‫الذي‬ ‫ّ‬ ‫لإلنسانية جمعاء الوسيلة االتصالية األولى‪ ،‬كما‬ ‫تستمد اللغة طاقتها األولى من المناخ األمومي‬ ‫ّ‬ ‫وفق عملية معّقدة تنتقل من الواقع إلى الوعي‪،‬‬ ‫وتستجيب بذلك للسمة اإلدراكية والفاعلية‬ ‫العقلية‪ ،‬ليبقى التعبير قضية إدراك الموجودات‬ ‫المحيطة بالطفولة‪.‬‬ ‫المتخيلة رسوم المحسوسات‬ ‫فإذا أوصلت القوة‬ ‫ّ‬ ‫المفكرة لدى الطفل لبقيت تلك الصور‬ ‫إلى القوة ّ‬ ‫في الفكر بشكل روحاني‪ ،‬حتى إو�ن غابت تلك‬ ‫الصور عن مشاهد الحواس‪.‬‬ ‫ارتبطت اللغة بالهوية‪ ،‬فاكتسابها امتالك‬ ‫للعالم واكتشاف للذات‪ ،‬والبنية اللغوية هي‬ ‫أن كينونة‬ ‫االستحضار الطبيعي للواقع؛ أي ّ‬ ‫الكائن التتحّقق داخل الفضاء الوجودي‪ ،‬إال عبر‬

‫حيث تقوم اللغة‬ ‫شبكة من العالقات االجتماعية‪ُ ،‬‬ ‫بنسجها داخل العقل‪ ،‬ومن هنا يتراءى الترابط‬ ‫من خالل ميكانزمات التعبير بين الذوات‪ ،‬في‬ ‫تقوض إشكال‬ ‫خضم جغرافيا من المفترض أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألن األمر يتعّلق بحقوق المواطنة‬ ‫التمييز قاطبة‪ّ ،‬‬ ‫تتشكل فهي‬ ‫بالمعنى الواسع للمفردة‪ ،‬فاللغة حين ّ‬ ‫تتماهى مع الذات أو مع الفئة البشرية الممثلة‬ ‫لبنيان الواقع‪ ،‬األمر الذي يؤدي الى النهوض‬ ‫بتنوعه إلى مستوى اإلشعاع الفكري بجمع‬ ‫بالواقع ّ‬ ‫مكوناتهم الثقافية حول سمات‬ ‫الناس بمختلف ّ‬ ‫التصورات المختلفة لعالم أفضل‪.‬‬ ‫تنبع منها‬ ‫ّ‬ ‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يمكن الحديث عن‬ ‫األحادية اللغوية على ّأنها ضرب من ضروب‬ ‫تميز بها‬ ‫االستبداد في حدوده القصوى‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫المشرق على مدى تاريخه الطويل‪ ،‬مما حدا‬ ‫باللغات األخرى إلى التراجع والنكوص‪ ،‬إو�لى‬ ‫الغرق في دهاليز العتمة عمدا‪ ،‬والمسؤولية لم‬ ‫تقع فقط على المؤسسة السياسية الحديثة التي‬ ‫انتهجت اإلقصاء ببعديه اللغوي والثقافي‪ ،‬إو�ّنما‬


‫‪10‬‬

‫المؤسسة الدينية حين أضفت القداسة على‬ ‫تم إلحاق الضرر‬ ‫لغة دون غيرها‪ ،‬وهكذا فقد ّ‬ ‫باآلخر دون السعي إلى إدراك أو ترميم التلف‪،‬‬ ‫وبقيت األزمة قائمة إلى حدود الراهن‪ ،‬واليوم‬ ‫ُيعاني أتباع هذه اللغات بعمق الضرر الذي طال‬ ‫لغاتها وثقافاتها‪ ،‬ومن أجل إعادة االعتبار لهذا‬ ‫التحرك على شكل ردات‬ ‫التقصير‬ ‫المتعمد يكون ّ‬ ‫ّ‬ ‫فعل التخلو من هفوات أو مواقف غير مدروسة‪.‬‬ ‫أن العودة إلى الواقع الذي نعيشه‬ ‫غير ّ‬ ‫راهنا مع المعطيات الجديدة التي حصلت‬ ‫مؤخ ار يقتضي إجراء مقاربة ميدانية مع األخذ‬ ‫في االعتبار حقوق المواطنة العادلة على‬ ‫المس بتطلعات‬ ‫الصعيد اللغوي والثقافي‪ ،‬دون ّ‬ ‫الفرد وحقوقه‪ ،‬فما هي إذن التباينات اللغوية‬ ‫المتصلة بالفضاء السور ّي؟ كيف يمكن تفعيلها‪،‬‬ ‫واالستعداد لها وفق غطاء قانوني؟‬ ‫البد من الحديث عن‬ ‫بعد هذا المسرد ّ‬ ‫اللغات الحية في سورية وهي؛ العربية‪ ،‬الكردية‪،‬‬ ‫تشكل‬ ‫السريانية‪ ،‬األرمنية وغيرها‪ .‬إذ جميعها ّ‬ ‫البد من أن يحتفي‬ ‫ثروة ثقافية لهذا البلد‪ّ ،‬‬ ‫أبناؤها بها بعد التغاضي عن مفهومي األكثرية‬ ‫واألقلية اللتين تعارضان حقوق المواطنة‪،‬‬ ‫لهذا ينبغي النظر الى التعليم بتعدديتها على‬ ‫قدم المساواة‪ ،‬إو�زالة الغبن الذي لحق ببعضها‬ ‫على مر التاريخ‪ ،‬ومن المفيد هنا اإلشارة إلى‬ ‫أن العربية كانت اللغة السائدة قديما وحديثا‬ ‫ّ‬ ‫على مستوى التعليم في المراحل‪ :‬االبتدائية‬ ‫واإلعدادية والثانوية والجامعية‪ ،‬وغدت الحقا‬ ‫لغة الحياة اليومية حتى عند بعض المكونات‬ ‫من غير العربية‪ ،‬وبسبب أحاديتها المهيمنة‬ ‫سلطويا وثقافيا نجد تأثيرها صارخا على اللغات‬ ‫تكورت وصغرت مساحتها‬ ‫األخرى‪ ،‬التي بدورها ّ‬ ‫حتى انحسرت لدرجة لم تبقى منها سوى مالمح‬ ‫لغات محكية متهالكة وضعيفة رغم حضورها‬ ‫الالفت في تاريخ المنطقة عموما‪.‬‬ ‫التنوع سمة حضارية وفق مقاييس العصر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫البد من تحقيق‬ ‫الحضار‬ ‫عمقه‬ ‫فة‬ ‫ولمعر‬ ‫ّ‬ ‫نجاحات على صعيد الحريات التي تضمن‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫مفاعيله على الواقع‪ ،‬وتحيله إلى ثروة ليبعث‬ ‫نفسه مجددا بعد كل الحرائق التي أصابه‪.‬‬ ‫إن مولد التنوع ليس سوى إعادة التأكيد‬ ‫ّ‬ ‫البد‬ ‫هنا‬ ‫التبعية‪،‬‬ ‫بعد‬ ‫لما‬ ‫الضامنة‬ ‫لالستقاللية‬ ‫ّ‬ ‫من التفكير بالتنوع كينونيا على قاعدة متينة‬ ‫مع اآلخر المقابل‪ ،‬واليوم اليبدو غريبا أن ُيقال‬ ‫أن الحرية هي؛ تعيين الذات لذاتها‪ ،‬من خالل‬ ‫ّ‬ ‫ما تحققه من حالة معينة تعود إليها وحدها‪،‬‬ ‫اليتم إال من خالل فعل تشاركي لآلخر‬ ‫وهذا‬ ‫ّ‬ ‫المختلف‪ ،‬وهنا أيضا يجري الحديث عن مجتمع‬ ‫متنوع يمجد قيم األنا واآلخر‪ ،‬ويضع‬ ‫حضاري ّ‬ ‫بأنها‬ ‫أسسا لهوية غير مهددة‪ ،‬هوية تشعر ّ‬ ‫جزء ال يتج أز من نسيج المنطقة الحضاري‪.‬‬ ‫بالتنوع هو بمثابة استرداد‬ ‫هذا االحتفال‬ ‫ّ‬ ‫للعمق الثقافي‪ ،‬كما هو استرداد لإلبداع‪،‬‬ ‫تقابله األحادية القاتلة التي أحيطت بالمقدس‪،‬‬ ‫وبالميتافيريقيا الجارفة منذ عصور خلت‪،‬‬ ‫وباألفضليات المبثوثة في الهواء‪ ،‬واالعتبارات‬ ‫التي كانت تحاول تسويغ مفاهيمها تحت أطر‬ ‫من المرجعيات القامعة تارة‪ ،‬وتارة أخرى ّتدعي‬ ‫التصاقا بمفهوم الحرص على حدود البالد‪.‬‬ ‫وضمن األطر الراهنة‪ ،‬وما آل إليه الواقع‬ ‫السوري المأساوي‪ ،‬يجري الحديث عن تفعيل‬ ‫التنوع اللغوي وادراجه في فضاء التعليم انطالقا‬ ‫ّ‬ ‫من مراحله األولى صعودا إلى مراحله العليا‪،‬‬ ‫والمحاولة هذه قد تتكّلل ببعض النجاحات على‬ ‫أن األمر يتعّلق بحقوق الشعوب في‬ ‫اعتبار ّ‬ ‫ممارسة خصوصياتها اللغوية والثقافية التي‬ ‫لكن هذه المحاولة‬ ‫تضمنها المواثيق الدولية‪ّ ،‬‬ ‫قد ترافقها بعض المشكالت البنيوية المتعّلقة‬ ‫بالتوزيع الديموغرافي المتداخل بين المكونات‪.‬‬ ‫إن أي فرز في التعليم على أساس لغوي قد‬ ‫ُيلحق الضرر على مستوى التواصل بين أتباع‬ ‫االثنيات‪ ،‬والحصيلة تفضي إلى مجتمع غير‬ ‫منسجم على مستوى العالقات االجتماعية‬ ‫بغياب مشترك لغوي‪.‬‬ ‫تتعدد فيها‬ ‫ثمة تجارب مماثلة في بلدان ّ‬ ‫أن هذه البلدان تتميز بفرز‬ ‫لكن الفرق ّ‬ ‫اللغات‪ّ ،‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫مناطقي على أساس اللغة والعرق تماما مثلما‬ ‫هو الواقع في كندا على سبيل المثال‪.‬‬ ‫إضافة إلى معضلة التداخل الديموغرافي‬ ‫األثني ثمة مشكلة أخرى تتصل بالكفاءات‬ ‫أن‬ ‫العلمية التي قد التتوفر في فترة وجيزة‪ ،‬كما ّ‬ ‫االستعداد لها يتطلب زمنا فياسيا‪.‬‬ ‫بالطبع التعليم باللغات الكردية والسريانية‬ ‫البد من‬ ‫أمر اليمكن التقليل من قيمته‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫البد من‬ ‫دراسة المسألة بعمق وبشكل عقالني‪ّ ،‬‬ ‫البد‬ ‫عدم االنجرار وراء العواطف وردات الفعل‪ّ ،‬‬ ‫من الحرص على التآلف بين المكونات‪ ،‬ونشر‬ ‫ألن وعي‬ ‫ثقافة التعايش والوعي الحضاري ّ‬ ‫المجتمع كفيل بإنجاح التجربة‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫أمر آخر ينبغي أخذه بعين االعتبار‪ ،‬أال‬ ‫تمر بها البالد‪،‬‬ ‫وهو األزمة المستعصية التي ّ‬ ‫حيث مازال انسداد األفق هو الذي يلقي بظالله‬ ‫فإن أي مشروع مالم‬ ‫القاتمة على المنطقة‪ .‬لذا ّ‬ ‫يتم دراسته وربطه يما يجري في الواقع‪ ،‬قد‬ ‫يتضرر بشكر كبير وقد يكون مآله الفشل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فإن التحليل المنطقي األخير يقتضي‬ ‫ختاما‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعددها‬ ‫في‬ ‫اللغات‬ ‫تقوم‬ ‫حيث‬ ‫ساحة‪،‬‬ ‫البحث عن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫بترسيخ التواصل‪ ،‬والروابط التاريخية بين أفراد‬ ‫المجتمع على مختلف انتماءاتها‪ ،‬على اعتبار‬ ‫أن التواصل من الوظائف األساسية للغات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ولتحقيق هذا الهدف يكفي تفعيل الجهود في‬ ‫لكل‬ ‫خدمة أغراض ترمي إلى بناء مستقبل زاهر ّ‬ ‫شرائح المجتمع‪.‬‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪12‬‬

‫لماذا تعتبر اللغة األم مهمة في تعليم األطفـال الذين يتحدّثون لغتين في المدرسة‬ ‫‪P‬‬

‫جيم كومينس ‪ -‬جامعة تورنتو كندا‬

‫عن اإلنكليزية‪ :‬سوز حج يونس‬

‫إن مصطلح العولمة ليس بعيدا عما تُداوله‬ ‫ّ‬ ‫عناوين الصفحات األولى للصحف‪ ,‬وهذا‬ ‫المصطلح عادة ما يثير مواقف مختلفة حوله‪,‬‬ ‫وهذا يتوّقف على أولئك الذين يؤيدون العولمة‪,‬‬ ‫كالدول التي تمتاز باقتصادياتها الكبيرة إذ تسمح‬ ‫لهم بغزو أسواق عالمية جديدة وفتحا أمام‬ ‫أن آخرين‬ ‫التجارة العالمية الشاملة‪ ,‬وبينما نجد ّ‬ ‫ألنهم يربطون بين‬ ‫ينبذون ويرفضون العولمة‪ّ ,‬‬ ‫مصطلح العولمة وبين اتساع الفجوة بين الفقراء‬ ‫واألغنياء‪ ،‬وبين الدول والشعوب الفقيرة والغنية‪.‬‬ ‫أهم سمات ومظاهر العولمة هي ّأنها‬ ‫ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫تحتوي على مفاهيم هامة‪ ,‬قد يستفيد منها‬ ‫التربويون‪ ,‬حيث ساهمت العولمة في زيادة تنّقل‬ ‫الناس بين بلد وآخر‪ ,‬حيث لعبت عوامل كثيرة‬ ‫دورها في هذا التنقل السكاني‪ ,‬نذكر منها رغبة‬ ‫البعض في الحصول على ظروف اقتصادية‬ ‫أفضل‪ ,‬الحاجة إلى اليد العاملة خاصة في‬ ‫البلدان التي تعاني من معدالت والدة منخفضة‬ ‫وكثافة سكانية متدنية‪ ,‬باإلضافة إلى موجات‬ ‫نزوح الالجئين بسبب النزاعات بين الجماعات‬

‫المختلفة في بلد ما‪ ,‬أو تسّلط طرف على‬ ‫اآلخرين‪ ,‬أو موجات النزوح التي تحصل بسبب‬ ‫أن الوحدة االقتصادية‬ ‫الكوارث الطبيعية‪ ,‬كما ّ‬ ‫بين دول االتحاد األوروبي ساهم في زيادة التنّقل‬ ‫الحر للعاملين بين دول االتحاد األوروبي‪.‬‬ ‫إذا الحقيقة هي أن التنقل بين بلدان العالم‬ ‫بات أسرع وبشكل دائم ومستمر أكثر‪ ,‬وباتت‬ ‫قدرة التنقل السكاني أسهل وأكثر وضوحا في‬ ‫وقتنا الحاضر‪.‬‬ ‫وكان من نتيجة هذا التنقل السكاني‪ ,‬حصول‬ ‫تنوع ثقافي ولغوي وحضاري وعرقي وديني ضمن‬ ‫ّ‬ ‫المدارس حول العالم‪ ,‬فمثال في مدينة تورنتو في‬ ‫أن نحو ‪ %58‬من أطفال الروضات‬ ‫كندا نجد ّ‬ ‫قد جاؤوا من عائالت ال تستخدم اللغة اإلنكليزية‬ ‫الرسمية كلغة تواصل فيما بين أفرادها‪.‬‬ ‫لقد اختبرت المدارس الموجودة في أوروبا‬ ‫وشمال أمريكا هذا التنوع في مدارسها لسنين‪,‬‬ ‫أن هذا األمر اليزال موضع جدل وخالف‪,‬‬ ‫إال ّ‬ ‫تختلف من بلد آلخر‬ ‫بوية‬ ‫ر‬ ‫الت‬ ‫السياسات‬ ‫أن‬ ‫وكما ّ‬ ‫ُ‬ ‫أن‬ ‫وحتى ضمن البلد الواحد‪ُ ،‬‬ ‫حيث نجد مثال ّ‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫المتشددة في بعض البلدان‬ ‫المجموعات اليمينية‬ ‫ّ‬ ‫قد اتخذت سياسات متشددة في تعاملها مع‬ ‫المهاجرين ومع المجموعات المختلفة معها ثقافيا‬ ‫أن أحزابا سياسية‬ ‫وحضاريا‪ ,‬في حين أننا نجد ّ‬ ‫لحل مشكلة‬ ‫ا‬ ‫جدي‬ ‫أخرى في تلك البلدان قد سعت ّ ّ‬ ‫التنوع الثقافي في مدارسها ومجتمعاتها‪ ,‬وتبنت‬ ‫سياسات واعية أكثر في هذا المجال‪.‬‬ ‫ولكن التزال هذه األحزاب تنظر إلى ظاهرة‬ ‫التنوع في مجتمعاتها على ّأنها مشكلة ينبغي‬ ‫ّ‬ ‫أن لظاهرة التنوع فوائد قليلة على‬ ‫حّلها‪ ,‬ويرون ّ‬ ‫ويتخوفون من‬ ‫المجتمع المستضيف لألقليات‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫شكل التنوع اللغوي والعرقي والثقافي والديني‬ ‫أن ُي ّ‬ ‫تهديدا على هوية مجتمعهم وبلدهم المضيف‪,‬‬ ‫مستمر على‬ ‫وكما تعمل هذه األحزاب وبشكل‬ ‫ّ‬ ‫تطوير سياساتهم التربوية التي قد تعمل على‬ ‫التغّلب على المشكلة والتخلص منها‪.‬‬ ‫بينما تعمل المجموعات اليمينية المتشددة‬ ‫تبني سياسات تدعو على استبعاد‬ ‫على ّ‬ ‫المهاجرين‪ ,‬أو على األقل اقصائهم من الحياة‬ ‫العامة (كاعتماد مدارس منفصلة‪ ,‬وعزلهم‬ ‫فإن األحزاب‬ ‫بعيدا في مناطق سكنية محددة)‪ّ ,‬‬ ‫الليبرالية تعمل على دمجهم واستيعابهم في‬ ‫مجتمع األغلبية‪.‬‬ ‫أن كال المفهومين؛ أي الدمج‪،‬‬ ‫إذا نجد ّ‬ ‫أن كال‬ ‫واإلقصاء‪ ،‬مشابه لآلخر إلى حد ما‪ ,‬إذ ّ‬ ‫المفهومين يسعى إللغاء مشكلة التنوع‪ ،‬وبموجب‬ ‫فإن المجموعات‬ ‫هاتين الوجهتين أو السياستين ّ‬ ‫المختلفة ثقافيا لن تعود موجودة أو مقبوال بها‬ ‫في مجتمع األغلبية‪.‬‬ ‫سياسات الدمج أو االستيعاب في مجال‬ ‫تشجع األطفال والطالب‬ ‫التربية والتعليم سوف لن ّ‬ ‫على المحافظة على لغتهم األم‪ ,‬إو�ذا ما حافظ‬ ‫هؤالء على لغتهم وثقافتهم األم سيجدون أنفسهم‬ ‫التعرف على لغة وثقافة‬ ‫أقل قدرة على التعامل و ّ‬ ‫ّ‬ ‫المجتمع السائد‪ ,‬وسيجدون أنفسهم غير مقبول‬ ‫بهم‪ ,‬وكما ّأنهم سيالقون صعوبة في التعّلم في‬ ‫المدرسة‪ ,‬وبينما ال ُيعاقب هؤالء الطالب جسديا‬ ‫لتحدثهم بلغتهم األم (كما كان يحدث سابقا في‬ ‫العديد من الدول) إال ّأنهم يتلّقون دائما رسائل‬ ‫قوية من تلك البلدان التي يعيشون فيها‪ ,‬مفادها‬

‫‪13‬‬

‫تقبلهم من المجتمع وأساتذة‬ ‫يتم ّ‬ ‫ّأنهم إذا أرادوا أن ّ‬ ‫فإن عليهم أن يتخّلوا عن أي إخالص‬ ‫المدرسة‪ّ ,‬‬ ‫أو التزام تجاه لغتهم وثقافتهم األم‪.‬‬ ‫«تحل المشكلة»‬ ‫ربما هذه السياسة برأيهم‬ ‫ّ‬ ‫فإن هذا التوجه سائد في أغلب‬ ‫ولألسف الشديد ّ‬ ‫يخص‬ ‫الدول األوروبية‪ ،‬وفي شمال أمريكا فيما‬ ‫ّ‬ ‫التنوع الثقافي واللغوي في‬ ‫التعامل مع ظاهرة ّ‬ ‫مدمرة على‬ ‫مدارسها‪ ,‬وهذه السياسة لها نتائج ّ‬ ‫األطفال وعلى عائالتهم‪.‬‬ ‫يعد انتهاكا لحقوق الطفل‪,‬‬ ‫إن مثل هذا األمر ّ‬ ‫ّ‬ ‫واستبدادا في مجال التربية‪ ,‬ويعمل على تقليص‬ ‫التواصل بين األطفال وآبائهم‪ ,‬إو� ّن أي معّلم أو‬ ‫البد أن يتفق مع وجهة النظر‬ ‫تربوي واع وحقيقي ّ‬ ‫تؤسس على‬ ‫التي ترى ّ‬ ‫أن المدارس ينبغي أن ّ‬ ‫الخبرات والمعارف التي يأتي بها األطفال من‬ ‫منازلهم وبيئتهم األم إلى المدرسة‪ ,‬و ّأنه يفترض‬ ‫بالمدرسة أن تعمل على تطوير قدرات األطفال‬ ‫ومواهبهم‪ ,‬وعندما تعمل المدرسة على تدمير‬ ‫فإنها‬ ‫وتقوض عالقته بوالديه‪ّ ,‬‬ ‫األم للطفل‪ّ ،‬‬ ‫اللغة ّ‬ ‫بذلك تناقض جوهر عملية التربية والتعليم‪.‬‬ ‫إن تدمير اللغة والثقافة هو أمر موجود حتى‬ ‫ّ‬ ‫في المجتمعات والبلدان المضيفة ذاتها‪ ,‬ففي‬ ‫أن المجتمع الذي يتمكن من‬ ‫زمن العولمة نجد ّ‬ ‫الوصول إلى أكبر عدد من مصادر وموارد‬ ‫فإن لديه فرصة أكبر ليلعب‬ ‫الثقافة واللغات‪ّ ،‬‬ ‫دو ار اقتصاديا واجتماعيا على المسرح العالمي‬ ‫أن التبادل الثقافي والحضاري موجود دائما‬ ‫ُ‬ ‫حيث ّ‬ ‫في التاريخ البشري‪ ،‬إو� ّن شخصية المجتمعات‬ ‫حيث لم تكن شخصية‬ ‫متغيرة وبشكل مستمر‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫المجتمعات والمجموعات اإلثنية ثابتة مطلقا‪،‬‬ ‫بأنه يمكن لها‬ ‫إو�ّنه من الوهم والسذاجة االعتقاد ّ‬ ‫أن تحافظ على صورة أحادية أو ثقافة واحدة‬ ‫يتغير فيه‬ ‫ألجيالها القادمة في الوقت الذي ّ‬ ‫العالم ككل‪ ،‬وبسرعة خيالية كالتي تحصل في‬ ‫يومنا هذا‪.‬‬ ‫التحدي األكبر الذي يواجه التربويين‬ ‫ّ‬ ‫تطور‬ ‫صياغة‬ ‫كيفية‬ ‫هو‬ ‫ار‬ ‫ر‬ ‫الق‬ ‫وصناع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شخصية وهوية األمة أو البلد بطريقة تكون‬ ‫فيها حقوق كل المواطنين (ومن ضمنها حقوق‬ ‫أطفال المدارس) ُمصانة وحترمة‪ ،‬وتكون فيها‬


‫‪14‬‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫كل الموارد االقتصادية والثقافية واللغوية لألمة مستقبال من تطوير مرونة التفكير لديهم نتيجة‬ ‫ّ‬ ‫ضمن المستوى ذاته‪ ،‬إو�ن اإلفراط بأي من هذه تعاملهم مع معلومات مختلفة في كلتا اللغتين‬ ‫المصادر اللغوية في المجتمع كمنع األطفال اللتين يتحدثون بها‪.‬‬ ‫التحدث بلغتهم األم أو عدم تشجيعهم على‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫ى‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫عقالني‪،‬‬ ‫غير‬ ‫أمر‬ ‫بالتأكيد‬ ‫هو‬ ‫ها‪،‬‬ ‫تطوير‬ ‫تقدم وتطور األطفال في لغتهم‬ ‫مستو‬ ‫إن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫لتطورهم في اللغة‬ ‫هام‬ ‫تنبؤ‬ ‫مقياس‬ ‫هو‬ ‫يخدم مصلحة المجتمع‪ ،‬وكما ّأنه بهذه الطريقة األم‬ ‫ّ‬ ‫وكأنه يستبد حقوق الطفل‪.‬‬ ‫الثانية التي يتعلمونها في المدرسة‪.‬‬ ‫يظهر البلد ّ‬ ‫ن‬ ‫كيف يمكن للمدارس أن تستخدم التربية‬ ‫إن األطفال الذين يأتو إلى المدرسة‬ ‫ّ‬ ‫للحفاظ على التنوع الثقافي واللغوي لألطفال؟ ويمتلكون أساسا قويا وصلبا في لغتهم األم‬ ‫وقائمة الخطوات التي سيتم ذكرها هو إلظهار‬ ‫سيتمكنون من تطوير قدراتهم األدبية في اللغة‬ ‫ّ‬ ‫ما يريد هذا البحث قوله بشأن دور اللغة‪ ،‬الثانية (األساسية) في المدرسة‪ ،‬وعندما يقوم‬ ‫تطور األطفال اآلباء بقضاء وقت أطول مع أوالدهم وسرد‬ ‫وبشكل خاص اللغة األم في ّ‬ ‫تربويا وتعليميا‪.‬‬ ‫التحدث إليهم ومناقشة‬ ‫و‬ ‫األم‪،‬‬ ‫بلغتهم‬ ‫لهم‬ ‫قصص‬ ‫ّ‬ ‫األمور معهم بتلك اللغة‪ ،‬فهذا سيساعدهم على‬ ‫يخص تطوير اللغة‬ ‫تطوير مفردات وتراكيب في لغتهم األم‪ ،‬وعندها‬ ‫ما الذي نعرفه فيما ّ‬ ‫ن‬ ‫األم؟‬ ‫محضرين جيدا لدخول‬ ‫سيكو هؤالء األطفال‬ ‫ّ‬ ‫إن البحث واضح جدا بشأن أهمية اللغة األم المدرسة‪ ،‬وتعّلم اللغات األخرى‪ ،‬وتحقيق نجاح‬ ‫ّ‬ ‫الذين‬ ‫لألطفال‬ ‫يتحدثون لغتين في مدارسهم‪ ،‬تعليمي وتربوي فيها‪ ،‬فالمعارف والخبرات التي‬ ‫ّ‬ ‫حيث‬ ‫فيما يخص تطوير شخصيتهم من جهة يمتلكها األطفال عادة ما تنتقل عبر اللغة‪ُ ،‬‬ ‫وتطورهم التعليمي والتربوي من جهة أخرى‪ ،‬تنتقل تلك المهارات من اللغة األم التي تعّلموها‬ ‫والبحث شامل ولكن يمكن أن نختصره في نقاط في منازلهم إلى اللغة األساسية التي يتعّلمونها‬ ‫هامة كالتالي؛‬ ‫تطور مفاهيم ومهارات‬ ‫إن‬ ‫في مدارسهم‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫التفكير لدى األطفال متعّلق بكلتا اللغتين اللتين‬ ‫التعليم ثنائي اللغة له تأثير إيجابي على‬ ‫تؤثّران في بعضهما البعض في شكل متبادل‪،‬‬ ‫تطور األطفال لغويا وتربويا‪:‬‬ ‫ولكن هذا التأثير المتبادل وانتقال المهارات‬ ‫عندما‬ ‫يستمر األطفال بتطوير قدراتهم على عبر اللغات يشترط أن تعتمد المدرسة تدريس‬ ‫ّ‬ ‫تعّلم لغتين أو أكثر خالل السنوات األولى اللغة األم إلى جانب اللغة األساسية‪ ،‬وعندها‬ ‫فإنهم بذلك فقط ستصبح مهارات اللغة واألدب والمفاهيم‬ ‫من المدرسة (المرحلة االبتدائية)‪ّ ،‬‬ ‫يستطيعون كسب فهم أعمق عن اللغة وكيفية التي يتعّلمها األطفال في المدرسة قابلة في‬ ‫استخدامها بشكل أكثر فعالية‪،‬‬ ‫حيث ّأنهم االنتقال عبر اللغتين‪ ،‬وبشكل مختصر يمكننا‬ ‫ُ‬ ‫تغذيان بعضهما اآلخر‬ ‫يتدربون أكثر على التعامل مع اللغة‪ ،‬وخاصة القول ّ‬ ‫بأن كلتا اللغتين ّ‬ ‫ّ‬ ‫عندما‬ ‫يطورون أنفسهم في مجال األدب في كلتا عندما تسمح البيئة التربوية والتعليمية لألطفال‬ ‫ّ‬ ‫اللغتين‪ ،‬وكما ّأنهم يمتلكون عندها القدرة على بالتعامل والتحدث بكلتا اللغتين في المدرسة‪.‬‬ ‫مقارنة الطرق التي تتبعها كلتا اللغتان لصياغة‬ ‫أن الدراسات البحثية التي‬ ‫إن النهوض باللغة األم في المدارس ال‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقة والواقع‪ ،‬وكما ّ‬ ‫أجريت خالل الـ ‪ 53‬عاما الماضية دعمت وبقوة يساعد فقط على تطوير هذه اللغة‪ ،‬إو�ّنما يعمل‬ ‫وجهة النظر هذه‪ .‬يقول أحد الفالسفة األلمان أيضا على تطوير قدرات األطفال في اللغة‬ ‫(الشخص الذي يعرف لغة واحدة فقط‪ ،‬ال يعرف الثانية التي يتحدثونها في المدرسة‪:‬‬ ‫بأن‬ ‫إن وجهة النظر هذه ال تعتبر أم ار مفاجئا‪,‬‬ ‫حقا تلك اللغة) وكما يؤكد هذا البحث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫يتحدثون‬ ‫سيتمكنو‬ ‫يتحدثون لغتين ربما‬ ‫الذين‬ ‫األطفال‬ ‫أن‬ ‫لوحظ‬ ‫حيث‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫األطفال الذين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫لغتين‪ ,‬لديهم أفضلية لغوية على أقرانهم في‬ ‫أن قدراتهم في كلتا اللغتين‬ ‫المدرسة‪ ,‬وكما ّ‬ ‫أن‬ ‫مرتبطة ببعضها البعض‪ ,‬وكما وجد أيضا ّ‬ ‫يقدمون نتائج‬ ‫األطفال الذين‬ ‫يتحدثون لغتين‪ّ ,‬‬ ‫ّ‬ ‫تخصص‬ ‫عندما‬ ‫وخاصة‬ ‫المدرسة‪,‬‬ ‫أفضل في‬ ‫ّ‬ ‫المدرسة حصصا لتلك اللغة‪ ،‬ولتعليم وتطوير‬ ‫األدب بتلك اللغة‪ ,‬ولكن عندما يتم تشجيع هؤالء‬ ‫تطور هذه‬ ‫األطفال على رفض لغتهم األم‪ّ ,‬‬ ‫فإن ّ‬ ‫أن شخصية‬ ‫اللغة سيتوّقف ويتقّلص‪ ،‬وكما ّ‬ ‫هؤالء األطفال وخيالهم التأسيسي المتعّلق‬ ‫بعملية التعّلم ستتقوقع وتضعف‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن تخصيص بعض الوقت من العملية‬ ‫ّ‬ ‫التعليمية لتعليم (لغة األقلية) في المدرسة‬ ‫لن يؤثر على تطور األطفال أكاديميا في‬ ‫تتحدث بلغة ثانية (لغة‬ ‫تلك المدارس التي‬ ‫ّ‬ ‫األغلبية)‪:‬‬ ‫إن بعض اآلباء والتربويين مرتابون من‬ ‫ّ‬ ‫نظام التربية الثنائية (تعليم لغتين)‪ ،‬أو ما يسمى‬ ‫ألنهم قلقون بشأن هذه‬ ‫ببرامج تعليم اللغة األم‪ّ ,‬‬ ‫ن‬ ‫البرامج‪ ،‬إو�ّنها يمكن أن تكو على حساب‬ ‫المخصص لتعليم اللغة (األساسية) في‬ ‫الوقت‬ ‫ّ‬ ‫أن أنظمة‬ ‫المدرسة‪ ,‬فعلى سبيل المثال لوحظ ّ‬ ‫التعليم ثنائية اللغة التي يخصص فيها نحو‬ ‫‪ %50‬من الوقت لتعليم اللغة األم و ‪ %50‬لتعليم‬ ‫فإن األطفال في مثل هكذا برامج‬ ‫اللغة األساسية‪ّ ,‬‬ ‫سيعانون من صعوبات في تعّلم اللغة األساسية‬ ‫التوصل‬ ‫تم‬ ‫في المدرسة‪ّ ,‬‬ ‫ّ‬ ‫أهم ما ّ‬ ‫إن واحدا من ّ‬ ‫يتم اتباعه في‬ ‫الذي‬ ‫و‬ ‫بوي‪,‬‬ ‫ر‬ ‫الت‬ ‫إليه في البحث‬ ‫ّ‬ ‫أن أنظمة التعليم‬ ‫أغلب البلدان حول العالم‪ ,‬هو ّ‬ ‫ثنائية اللغة والتي يتم تطبيقها بشكل جيد‪ ,‬يمكن‬ ‫تطور األدب والمادة المعرفية في اللغة‬ ‫لها أن ّ‬ ‫األم‪ ،‬دون‬ ‫تطور األطفال‬ ‫على‬ ‫سلبا‬ ‫تؤثر‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫في تعلم اللغة األساسية في المدرسة‪ ,‬ففي اوربا‬ ‫أن نظام مايسمى بـ (فوير بروغرام)‬ ‫مثال نجد ّ‬ ‫تحدث‬ ‫في بلجيكا‪ ,‬والذي يعمل على تطوير ّ‬ ‫األطفال وتطوير قدراتهم األدبية في ثالث لغات‬ ‫(لغتهم األم‪ ,‬اللغة األلمانية‪ ,‬واللغة الفرنسية)‬ ‫في المدارس االبتدائية‪ ,‬وهذا النظام يعطي فكرة‬ ‫واضحة عن الفوائد التي يمكن أن تُجنى من‬ ‫النظام ثنائي أو ثالثي اللغة‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫ويمكن أن نفهم ذلك من خالل النقاط التالية‪:‬‬ ‫فإنهم بذلك‬ ‫عندما يتعلم األطفال بلغتهم األم‪ّ ,‬‬ ‫يتعّلمون مفاهيم ومهارات تثقيفية موازية ووثيقة‬ ‫الصلة بتلك المهارات والمفاهيم التي يتعّلمونها‬ ‫باللغة األساسية (لغة األغلبية) في المدرسة‪.‬‬ ‫فعلى سبيل المثال عندما يعرف الطالب‬ ‫كيفية قول الوقت بلغتهم األم‪ ,‬فإنهم بذلك يفهمون‬ ‫بالضبط معنى مفهوم الوقت‪ ,‬وفي حال طلب‬ ‫فإنهم لن‬ ‫إليهم تحديد الساعة باللغة األساسية‪ّ ,‬‬ ‫يحتاجوا عندها إلى إعادة تعّلم مفهوم الوقت‬ ‫أو كيفية تحديد الساعة‪ ,‬هم ببساطة يحتاجون‬ ‫فقط إلى اكتساب رموز جديدة للمهارة الثقافية‬ ‫التي تعّلموها مسبقا بلغتهم األم‪ ,‬واألمر ذاته‬ ‫ينطبق على المهارات األكاديمية واألدبية في‬ ‫حيث تبقى المفاهيم‬ ‫المراحل التعليمية‬ ‫المتقدمة‪ُ ,‬‬ ‫ّ‬ ‫هي ذاتها في كلتا اللغتين‪ ,‬كمعرفة إظهار الفكرة‬ ‫الرئيسية والتفاصيل الداعمة عند كتابة مقطع‬ ‫أو موضوع أو قصة ما‪ ,‬وكذلك كيفية معرفة‬ ‫السبب والمؤثّر‪ ,‬وكيفية إظهار حقيقة الرأي‪,‬‬ ‫وكذلك معرفة تصوير تتالي األحداث في قصة‬ ‫ما أو حدث تاريخي معين‪.‬‬ ‫إن اللغة األم عند األطفال هي لغة هشة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكما أّنه من السهل أن ُتفقد هذه اللغة‪ ،‬أو‬ ‫تضيع في السنوات األولى من المدرسة‪:‬‬ ‫تمكن‬ ‫يتعجب كثير من الناس من سرعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫األطفال الذين يتعّلمون لغتين في المدرسة على‬ ‫التقاط مهارات المحادثة باللغة األساسية التي‬ ‫يتحدث بها األغلبية في السنوات األولى من‬ ‫ّ‬ ‫أن التربويين‬ ‫حال‬ ‫ة‬ ‫أي‬ ‫على‬ ‫ونجد‬ ‫المدرسة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غير مدركين أو واعين تماما لمسألة ّأنه يمكن‬ ‫لهؤالء األطفال أن يفقدوا وبسرعة قدرتهم على‬ ‫أن‬ ‫استخدام لغتهم األم حتى في المنزل‪ ،‬وكما ّ‬ ‫مدى وسرعة فقد هذه اللغة األم يتوّقف على‬ ‫أمور عديدة كوجود العائالت التي تنتمي إلى‬ ‫معينة في المدرسة وسط منطقة‬ ‫أقليات لغوية ّ‬ ‫أو جوار يستخدم تلك اللغة األم بشكل كبير‬ ‫وواسع خارج المدرسة‪ ،‬عندها سيكون فقد اللغة‬ ‫أقل منه‬ ‫عند األطفال الصغار في هكذا محيط ّ‬ ‫في حاالت أخرى‪ ،‬وفي الحالة األخرى التي ال‬


‫‪16‬‬

‫تكون فيها اللغة األم موجودة ومركزة في منطقة‬ ‫وجوار واحد‪ ،‬عندها سيكون فقد األطفال لقدرتهم‬ ‫على التواصل بلغتهم األم وخاصة بعد نحو‬ ‫اثنين إلى ثالث سنوات من بداية تعّلمهم في‬ ‫المدرسة هم سيحافظون على مهاراتهم الذهنية‪/‬‬ ‫الفهم بلغتهم األم‪ ،‬إال ّأنهم سيستخدمون اللغة‬ ‫األساسية المعتمدة في المدرسة للتعبير عن‬ ‫تلك المهارات‪ ،‬وكما سيستخدمون لغة األغلبية‬ ‫للتحدث مع إخوانهم ورفاقهم‪ ،‬وللتجاوب مع‬ ‫ستتحول تلك الفجوة اللغوية‬ ‫الوالدين‪ ،‬وعندها‬ ‫ّ‬ ‫الموجودة بينهم وبين آبائهم إلى فجوة نفسية‪،‬‬ ‫يصبح الطالب منسلخين وبعيدين عن‬ ‫حيث‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كال الثقافتين؛ ثقافة المدرسة وثقافة البيت‪ ،‬وهذه‬ ‫النتائج متوقع حصولها وبقوة‪.‬‬ ‫كما ّأنه وللتقليل من فقد األطفال للغتهم األم‬ ‫ينبغي على األبوين اتباع سياسة لغوية صارمة‬ ‫في المنزل تعمل على توفير الكثير من الفرص‬ ‫تشجع األطفال على استخدام لغتهم األم كـ‬ ‫التي ّ‬ ‫(استخدامها في نشاطات القراءة والكتابة على‬ ‫سبيل المثال) وكذلك اإلكثار من النشاطات التي‬ ‫األم مع اآلخرين‬ ‫تتيح لألطفال استخدام لغتهم ّ‬ ‫(كاالحتفال بيوم للغة األم‪ ،‬وتواصلهم مع أطفال‬ ‫يتكلمون لغتهم ذاتها‪ ،‬وكذلك القيام بزيارات إلى‬ ‫الموطن األصلي والريف وما إلى ذلك)‪.‬‬ ‫وكما يمكن لألساتذة أيضا أن يساعدو‬ ‫األطفال في الحفاظ على لغتهم األم وتطويرها‪،‬‬ ‫وذلك من خالل إيصال رسائل إيجابية إلى‬ ‫الطالب حول قيمة معرفة وتعّلم لغات إضافية‬ ‫أن إتقان لغتين هو أمر هام من الناحية‬ ‫وحقيقة ّ‬ ‫اللغوية‪ ،‬ويعتبر كذلك إنجا از ثقافيا مهما‪ ،‬فعلى‬ ‫سبيل المثال يمكن لألساتذة أن يقيموا أنشطة‬ ‫صفية تركز على أهمية تطوير الطالب للغتهم‬ ‫األم (كالقيام باالحتفال بالتعددية اللغوية الموجودة‬ ‫بين الطالب في الصف الواحد‪ ،‬وكذلك مشاركة‬ ‫كأن يعمل الطالب‬ ‫اللغات في‬ ‫الصف ذاته‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل يوم بمشاركة كلمة مهمة موجودة في لغتهم‬ ‫األم‪ ،‬وأن يتكلموها مع أصدقائهم اآلخرين في‬ ‫الصف‪ ،‬بينما يعمل األستاذ على تعليم اآلخرين‬ ‫كيفية مناقشة تلك الكلمات)‪.‬‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫تقبل اللغة األم للطفل هو‬ ‫إن رفض وعدم ّ‬ ‫إنكار لشخصية وهوية الطفل ذاته‪:‬‬ ‫طنة أو حتى‬ ‫عندما‬ ‫تصل تلك الرسائل المب ّ‬ ‫ُ‬ ‫المباشرة منها لألطفال في المدرسة‪ ،‬والتي تقول‬ ‫التحدث بلغتهم األم‪،‬‬ ‫بأن عليهم أن يبتعدو عن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعن ثقافتهم خارج منازلهم وفي المدارس‪ ،‬فعندها‬ ‫بأنهم مرفوضون وغير مرّحب‬ ‫سيشعر األطفال ّ‬ ‫أقل‬ ‫أقل ثقة و ّ‬ ‫بهم‪ ،‬وعندها يصبح هؤالء الطالب ّ‬ ‫الفعالة واإليجابية في العملية‬ ‫قدرة على المشاركة ّ‬ ‫المدرسية‪ ،‬فليس كافيا‬ ‫التعليمية داخل صفوفهم‬ ‫ّ‬ ‫يتقبلوا االختالف‬ ‫مجرد أن ّ‬ ‫من أساتذة المدرسة ّ‬ ‫الثقافين‪ 4‬واللغوي بين الطالب في المدرسة‪،‬‬ ‫فعال ويأخذوا‬ ‫إو�ّنما عليهم أن يعمّلوا وبشكل ّ‬ ‫بزمام المبادرة في إثبات الهوية اللغوية والثقافية‬ ‫لمختلف الطالب في المدرسة‪ ،‬من خالل عمل‬ ‫بوسترات وملصقات باللغات المختلفة الموجودة‬ ‫والمنتشرة في المجتمع إو�لصاقها على جدران‬ ‫صفوف المدرسة‪ ،‬بتشجيع الطالب على الكتابة‬ ‫بلغتهم األم‪ ،‬باإلضافة إلى اللغة األخرى المعتمدة‬ ‫في المدرسة كـ (العمل على نشر كتب ومؤلفات‬ ‫مكتوبة باللغتين لطالب المدرسة)‪ ،‬والعمل على‬ ‫بكل‬ ‫خلق مناخ تعليمي عام ّ‬ ‫يتقبل ويعترف ّ‬ ‫التجارب الثقافية واللغوية في المدرسة‪.‬‬ ‫رسم مالمح للمستقبل‬ ‫المدرسون‬ ‫عندما‬ ‫يطور التربويون و ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسات اللغوية‪ ،‬ويقومون بتنظيم المسيرة‬ ‫التعليمية وفق أسلوب يكون فيه الجوهر اللغوي‬ ‫والثقافي لألطفال والمجتمعات واألقليات محترما‬ ‫ومرحبا به في المناهج الدراسية‪ ،‬وكذلك عندما‬ ‫ترفض المدرسة تلك المواقف السلبية التي‬ ‫تنكر وتتجاهل التنوع الثقافي واللغوي الموجود‬ ‫بين الطالب في المدرسة والمجتمع‪ ،‬وفي‬ ‫التحديات والعالقات الموجودة بين القوى‬ ‫ظل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تلعب المدرسة دو ار هاما في كونها‬ ‫المختلفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بمثابة مرآة لهؤالء الطالب واألطفال الذين‬ ‫يتحدثون أو يتعلمون لغتين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حيث تعكس لهم صورتهم الحقيقية وكذلك‬ ‫ُ‬ ‫الصورة التي يمكن أن يظهروا بها مستقبال داخل‬ ‫إن األطفال متعددوا اللغات لديهم‬ ‫مجتمعاتهم‪ّ .‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪17‬‬

‫دور كبير وهام ليلعبوه في بناء مجتمعاتهم‪ ،‬ذلك على فتح أعيننا ورؤية األمر بطريقة أخرى‬ ‫وكذلك بناء المجتمع العالمي وخاصة إذا ما على ّأنه يوّفر موارد لغوية وثقافية وحضارية‪،‬‬ ‫قمنا نحن المعّلمون والتربويون بفعل ما نراه يأتي بها هؤالء األطفال من منازلهم ويعملون‬ ‫بها على إغناء مجتمعاتنا ومدارسنا‪.‬‬ ‫صحيحا ومناسبا لجميع األطفال‪.‬‬ ‫إن التجربة واإلرث الثقافي واللغوي لألطفال‬ ‫ّ‬ ‫المراجع‪:‬‬ ‫في منازلهم هو أساس لمستقبلهم‪ ،‬وينبغي علينا‬ ‫أن نبني على هذا األساس بدال من طمسه‬ ‫‪• Baker, C. (2000). A parents’ and teachers’ guide‬‬ ‫إو�لغائه‪.‬‬ ‫‪to bilingualism. 2nd Edition. Clevedon, England:‬‬ ‫اهبه‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫امتالك‬ ‫في‬ ‫الحق‬ ‫يملك‬ ‫طفل‬ ‫وكل‬ ‫‪Multilingual Matters.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة والتي ينبغي للمدرسة أن تعمل على ‪• Cummins, J. (2000). Language, power, and‬‬ ‫‪pedagogy. Bilingual children in the crossfire. Cleve‬‬‫االعتراف بها وتنظيمها وتطويرها‪.‬‬ ‫‪don, England: Multilingual Matters.‬‬ ‫أن اإلرث ‪• Skutnabb-Kangas, T. (2000). Linguistic‬‬ ‫يمكننا القول وبشكل مختصر ّ‬ ‫تقي‬ ‫ر‬ ‫وي‬ ‫ر‬ ‫يتطو‬ ‫‪genocide in education-or worldwide diversity and‬‬ ‫الثقافي واللغوي لمجتمعاتنا سوف ّ‬ ‫تدريجيا إذا ما توقفنا عن النظر إلى هذا التنوع ‪human rights? Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum‬‬ ‫ّ‬ ‫‪Associates.‬‬ ‫على ّأنه مشكلة مطلوبة الحل‪ ،‬وعملنا بدال من‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪18‬‬

‫النظام التعليمي متعدّد اللغات من وجهة النظر السويدية‬ ‫‪P‬‬

‫الكاتب‪ :‬إنكر ليندبيرغ‬ ‫عن اإلنكليزية‪ :‬سوز حج يونس‬

‫إن هذا البحث ّيركز على قضايا السياسة‬ ‫ّ‬ ‫اللغوية المتعلقة بالتربية والتعليم في السويد التي‬ ‫أن البيئة اللغوية‬ ‫بتعددها اللغوي‪ُ ,‬‬ ‫تتميز ّ‬ ‫حيث ّ‬ ‫ّ‬ ‫للسويد اليوم تتكون من تداخل لغات عديدة‪،‬‬ ‫وهي السويدية التي تعتبر اللغة األساسية (لغة‬ ‫األغلبية)‪ ,‬واإلنكليزية التي تعتبر لغة عالمية‪,‬‬ ‫وخمس لغات لألقليات المحلية في السويد؛ وهي‬ ‫لغات محلية معترف بها رسميا‪ ,‬وحوالي ‪ 200‬لغة‬ ‫من لغات األقليات (من المهاجرين) الموجودة في‬ ‫البالد‪ ،‬والتي ليس لها وضع رسمي أو قانوني‪.‬‬ ‫التعددية اللغوية في السويد‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫إن التعددية اللغوية ترسم مالمح وسمات‬ ‫ّ‬ ‫المجتمعات متعددة الثقافات حول العالم‪ ,‬وكذلك‬ ‫هو حال السويد‪ ,‬فاللغة السامية والفنلندية التي‬ ‫تتحدث بها األقليات المحلية التي استوطنت‬ ‫ّ‬ ‫البالد منذ أمد طويل‪ ،‬حتى قبل أن تصبح‬ ‫إن حال‬ ‫السويدية اللغة األساسية في البالد‪ّ .‬‬

‫السويد كثقافة متجانسة‪ ,‬وكذلك مكانة اللغة‬ ‫السويدية لم تكن قابلة للنقاش والجدل‪ ,‬حيث‬ ‫احتلت هذه الللغة موقعا قويا كلغة قومية للبالد‬ ‫منذ القرن السادس عشر‪ ,‬ولم تكن هنالك حاجة‬ ‫لتشريع هذه اللغة‪ ,‬كما يحدث عادة بالنسبة إلى‬ ‫اللغات (األغلبية) األخرى‪ ,‬فعلى خالف الدول‬ ‫فإن مكانة‬ ‫األوروبية األخرى كفرنسا مثال‪ّ ،‬‬ ‫اللغة السويدية لم يحددها قانون أو تشريع‪,‬‬ ‫وفي االتحاد األوروبي تعتبر اللغة السويدية لغة‬ ‫معتمدة من بين عشرين لغة رسمية‪ ،‬أما بالنسبة‬ ‫إلى وضع اللغات المحلية األم الموجودة في‬ ‫تم االعتراف بها رسميا من قبل‬ ‫السويد‪ ,‬فقد ّ‬ ‫القانون السويدي في العام ‪ ,1999‬لكون السويد‬ ‫قد وّقعت على معاهدة القنصلية األوروبية‬ ‫المتعلقة بحماية األقليات ( القنصلية األوروبية‬ ‫‪ ،)1995‬والميثاق األوروبي المتعّلق بلغات‬ ‫األقليات واألقاليم( القنصلية األوروبية ‪.)1992‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫حيث تعتبر اللغات السامية والفنلندية‬ ‫ُ‬ ‫والمانكيلية (فنلندية‪ -‬تورندال) والتي يتحدث‬ ‫بها السكان القاطنون في شمال السويد على‬ ‫الحدود مع فنلندا‪ ,‬واللغة الغجرية (‪Romany‬‬ ‫‪ ,)–Chib‬وكذلك إحدى لهجات اللغة األلمانية‬ ‫التي يتحدث بها بعض سكان السويد المحّليون‪,‬‬ ‫تعتبر جميع هذه اللغات من اللغات األم‬ ‫المعترف بها رسميا في السويد‪ ،‬ضمن المعاهدة‬ ‫ذاتها المتعّلقة بلغات األقليات‪ ,‬وكما اعتمد‬ ‫البرلمان في السويد تشريعين آخرين يقضيان‬ ‫الحق باستخدام‬ ‫بمنح األقليات‬ ‫ّ‬ ‫المدنية في البالد ّ‬ ‫لغاتها للتواصل مع السلطات والمحاكم وغيرها‬ ‫من الدوائر الحكومية‪ ,‬وذلك في المناطق التي‬ ‫تتواجد فيها المجتمعات المحلية شمال البالد‪.‬‬ ‫هناك أيضا توافق على النظام التعليمي ثتائي‬ ‫اللغة بين أغلبية سكان السويد‪ ,‬وفي السويد أيضا‬ ‫تعتبر معرفة اللغة اإلنكليزية أم ار جيدا بالمقارنة‬ ‫مع الدول األوروبية األخرى التي ال تتحدث‬ ‫فإن نسبة ‪%75‬‬ ‫اإلنكليزية‪ ,‬ووفقا لبعض التقديرات ّ‬ ‫من سكان السويد يستطيعون قراءة الصحف‬ ‫اإلنكليزية‪ ,‬إو�جراء محادثات باللغة اإلنكليزية‬ ‫وبشكل جيد (جوسيفون ‪ ,)2003‬وكما أن بعض‬ ‫السويديين يتقنون لغات أوروبية أخرى ويتحدثونها‬ ‫في المدرسة كاأللمانية والفرنسية واإلسبانية‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫إلى إقرار سياسة خاصة باللغات‪ ,‬نتيجة للتغير‬ ‫الدراماتيكي في واقع ومكانة اللغة السويدية في‬ ‫تميزه النقاط التالية‪:‬‬ ‫البالد وهذا التغير ّ‬ ‫ •حصدت اللغة اإلنكليزية مكانة قوية ودو ار‬ ‫متزايدا لدرجة ّأنها أصبحت اللغة األهم في‬ ‫السويد‪.‬‬ ‫ •أصبحت السويد دولة ذات تعدد لغوي كبير‬ ‫ومتزايد‪ ,‬وذلك بسبب موجات المهاجرين إليها‪،‬‬ ‫وكذلك االعتراف الرسمي والقانوني باللغات‬ ‫المحلية الخمس في البالد‪.‬‬ ‫ •تزايد الطلب من قبل مختلف فئات المجتمع‬ ‫على استخدام اللغة شفهيا وكتابيا‪.‬‬ ‫أن‬ ‫إذا نالحظ من قراءة النقطة األولى ّ‬ ‫اإلنكليزية ودورها المتزايد جعل منها تهديدا كبي ار‬ ‫على اللغة السويدية كلغة قومية للبالد‪.‬‬ ‫تبني‬ ‫هذا ما دفع البرلمان السويدي إلى ّ‬ ‫سياسة لغوية جديدة‪ ،‬وذلك في كانون الثاني في‬ ‫تضمنت السياسة اللغوية‬ ‫العام ‪ ,2005‬حيث‬ ‫ّ‬ ‫الجديدة النقاط التالية‪:‬‬ ‫ •ينبغي أن تكون اللغة السويدية هي اللغة‬ ‫األساسية في السويد‪.‬‬ ‫ •اللغة السويدية لغة كاملة ووافية‪ ,‬تخدم‬ ‫وتوحده‪.‬‬ ‫اللمجتمع ّ‬ ‫ •ينبغي أن تكون اللغة السويدية العامة‪ ,‬لغة‬ ‫للثقافة واألدب وأن تكون بسيطة ومفهومة‪.‬‬ ‫حق اللغة؛‬ ‫ •كل شخص في السويد يملك ّ‬ ‫أي يملك حق تعّلم وتطوير اللغة السويدية‪ ,‬وكما‬ ‫ّأنه يملك الحق في استخدام لغته األم‪ ,‬وكذلك‬ ‫له الحق في الحصول على فرص لتعّلم لغات‬ ‫أجنبية أخرى‪.‬‬ ‫تم اعتمادها‪,‬‬ ‫التي‬ ‫الجديدة‬ ‫اللغوية‬ ‫فالسياسة‬ ‫إذا‬ ‫ّ‬ ‫تركز على الحاجة الماسة لتقوية اللغة السويدية‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫يؤكد على أهمية اللغات المحلية‬ ‫بالمقابل‬ ‫ه‬ ‫ولكن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الموجودة‪ ,‬وكذلك على أهمية اللغة اإلنكليزية‪,‬‬ ‫وضرورة إيجاد مناخ يحّقق التوازن فيما يخص‬ ‫مسألة التعددية اللغوية في السويد‪.‬‬

‫قضايا اللغة واألجندات السياسية‪:‬‬ ‫إن مكانة اللغة اإلنكليزية في حديث المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫السويدي باتت أقرب إلى كونها لغة ثانية في‬ ‫أن أغلب‬ ‫البالد عن كونها لغة أجنبية‪ ,‬حيث ّ‬ ‫الناس في السويد باتوا يستخدمون اإلنكليزية في‬ ‫مفردات حياتهم اليومية‪ ,‬وهذا التزايد في استخدام‬ ‫اللغة اإلنكليزية‪ ,‬قابله في ذات الوقت استخدام‬ ‫واسع لالنكليزية في األساليب التربوية في التعليم‬ ‫الثانوي والعالي‪ ,‬كما تزايد استخدام هذه اللغة في‬ ‫المجاالت المختلفة كالصرافة والبنوك والهندسة‬ ‫والنقل‪ ,‬وحتى ضمن الشركات القومية الكبيرة‬ ‫تحد يواجه النظام‬ ‫التعددية اللغوية ‪ٍّ -‬‬ ‫في السويد تزايد استخدام اإلنكليزية وبشكل‬ ‫التعليمي والتربوي في السويد‪:‬‬ ‫كبير‪ ,‬وهذا األمر أدى إلى ظهور قلق كبير‬ ‫إن مسألة التعددية اللغوية التي تواجهها‬ ‫على مكانة ودور اللغة السويدية في حاضر‬ ‫ّ‬ ‫متعدد اللغات‪ ,‬ما دفع بالبرلمان السويدي السويد والعديد من الدول غرب أوروبا‪ ,‬هي‬ ‫السويد ّ‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪20‬‬

‫نتيجة لموجات المهاجرين الكبيرة التي حصلت‬ ‫خالل الـ ‪ 50‬سنة األخيرة‪ ,‬والتي خلقت تحديات‬ ‫كبيرة للنظام التعليمي على جميع المستويات‪,‬‬ ‫فعلى سبيل المثال‪ :‬عدد الطالب في مدارس‬ ‫يتحدثون بلغات أم‬ ‫التعليم اإللزامي‪ ،‬والذين‬ ‫ّ‬ ‫مغايرة للغة السويدية ازداد عددهم بنسبة ‪%30‬‬ ‫من منتصف الثمانينات وحتى بداية التسعينات‪.‬‬ ‫أن ما نسبته‬ ‫على المستوى القومي ُوجد ّ‬ ‫‪ %14.5‬من الطالب في مدارس التعليم اإللزامي‬ ‫هم من خلفيات وأصول أجنبية‪ ,‬وكما ُوجد أيضا‬ ‫أن الطالب الذين يتحدثون لغتين في المدرسة؛‬ ‫ّ‬ ‫أي يتحدثون بلغتهم األم ويتحدثون كذلك اللغة‬ ‫السويدية‪ ,‬تشكل نسبتهم ما يقارب ‪%95-80‬‬ ‫من إجمالي الطالب في العديد من الصفوف‪.‬‬ ‫جدول‪ :‬يوضح عدد ونسبة الطالب ذوي‬ ‫األقليات اللغوية في المدارس السويدية اإللزامية‪:‬‬ ‫عدد الطالب‬

‫نسبة الطالب‬

‫اللغات‬ ‫ ‪1-‬األلبانية‬

‫‪7634‬‬

‫‪0.7‬‬

‫ ‪2-‬العربية‬

‫‪24053‬‬

‫‪2.3‬‬

‫ ‪3-‬البوسنية‪-‬الكرواتية‪14950 -‬‬ ‫الصربية‬

‫‪1.4‬‬

‫ ‪4-‬اإلنكليزية‬

‫‪7250‬‬

‫‪0.7‬‬

‫ ‪5-‬الفارسية‬

‫‪6537‬‬

‫‪0.6‬‬

‫ ‪6-‬الفنلندية‬

‫‪9992‬‬

‫‪1.0‬‬

‫ ‪7-‬الكردية‬

‫‪5181‬‬

‫‪0.5‬‬

‫ ‪8-‬الصومالية‬

‫‪4396‬‬

‫‪0.4‬‬

‫ ‪9-‬اإلسبانية‬

‫‪10074‬‬

‫‪1.0‬‬

‫‪ -10‬التركية‬

‫‪5183‬‬

‫‪0.5‬‬

‫‪ )221( -11‬لغة أخرى ‪48065‬‬ ‫‪ -12‬لغات غير‬ ‫محددة‬

‫‪350‬‬

‫‪4.6‬‬ ‫‪0.03‬‬

‫التعدد‬ ‫يوضح‬ ‫ّ‬ ‫إن نظرة إلى هذا الجدول ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللغوي الكبير في المدارس السويدية‪ ,‬حيث‬ ‫تتواجد نحو ‪ 140‬لغة أم يتحدث بها الطالب‪،‬‬ ‫ويعودون بأصولهم إلى مختلف مناطق العالم‪.‬‬

‫تبّني سياسة ثنائية اللغة في المدارس‪:‬‬ ‫تطوير اللغة األم‪ :‬تحت مسمى لغة المنزل‬ ‫(اللغة األم) والذي ظهر في العام ‪ ,1977‬حيث‬ ‫طلب من مسؤولي المدارس االلتزام بتخصيص‬ ‫ُ‬ ‫ساعتين أسبوعيا على األقل للطالب الذين‬ ‫يرغبون في تعلم لغتهم األم‪ ،‬وكذلك العمل على‬ ‫دعم األم للفرد‪ ،‬وتحقيق التطوير األكاديمي‬ ‫لهؤالء الطالب والحفاظ على الشخصية الثقافية‬ ‫للطالب الذين ينتمون إلى مجموعات إثنية‬ ‫ثم أصبح هذا الموضوع هدفا تربويا‪،‬‬ ‫مختلفة‪ّ ،‬‬ ‫يتحدثون بلغات‬ ‫حيث أعطي الطالب الذين‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أم أخرى غير السويدية في المراحل التعليمية‬ ‫األخرى الفرصة لتطوير إمكاناتهم ومهاراتهم‬ ‫اللغوية بلغتهم األم‪ ،‬باإلضافة إلى الطالب‬ ‫الذين ينتمون إلى أقليات صغيرة (األقليات‬ ‫حيث وجب أن يتوفر لهم دليل‬ ‫المهاجرة)‬ ‫ُ‬ ‫يتسنى لهم التعرف‬ ‫حتى‬ ‫األم‬ ‫بلغتهم‬ ‫دراسي‬ ‫ّ‬ ‫على محتوى الدروس والصفوف بشكل واضح‪،‬‬ ‫وكانت هناك العديد من التعديالت التي أجريت‬ ‫ألول‬ ‫على تعليم اللغة األم‪ُ ،‬‬ ‫تم تقديمها ّ‬ ‫حيث ّ‬ ‫حيث كان هذا‬ ‫خصوصي‪،‬‬ ‫مرة على شكل تعليم‬ ‫ُ‬ ‫التعليم في البداية متوف ار لمجموعة من الطالب‬ ‫تقل أعدادهم عن خمسة طالب‪ ،‬وكما كان‬ ‫ال ّ‬ ‫التعليم باللغة األم متوف ار ألولئك الطالب الذين‬ ‫يستخدمون هذه اللغة في مفردات حياتهم‬ ‫اليومية‪ ،‬وهذه الشروط لم تكن مطبقة على‬ ‫المجموعات المحلية الصغيرة‪.‬‬ ‫ومن التحديات األخرى ألسلوب التعليم‬ ‫الخاص للغة األم‪ ،‬كان موضوع جدولة مواعيد‬ ‫الدروس باللغة األم والتي كانت تأخذ ساعات‬ ‫يتم‬ ‫من وقت اليوم المدرسي العادي‪ ،‬بينما اآلن ّ‬ ‫تعليمها خارج أوقات الدوام الرسمي‪ ،‬وهذا ما‬ ‫جعل من أساتذة هذه اللغة معزولين ويشعرون‬ ‫بالغبن وبعيدين عن التواصل مع أساتذة المواد‬ ‫الدراسية األخرى‪ ،‬وهذا ما جعل من اللغة األم‬ ‫بعيدة عن االدماج مع المواد الدراسية األخرى‪،‬‬ ‫تدني قيمة تعليم اللغة األم‪ ،‬كمادة‬ ‫مما ّأدى إلى ّ‬ ‫تعليمية في المدارس وجعلها موضع شك ونقاش‬ ‫بين أفراد المجتمع‪ ،‬باإلضافة إلى افتقار أساتذة‬ ‫هذه المادة إلى التدريب والخبرة‪ ،‬وهذه الظروف‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫ّأدت بالنتيجة إلى انخفاض كبير في تعليم اللغة‬ ‫األم خالل فترة التسعينات‪.‬‬ ‫تقليل هذه الفجوة بين مصطلح اللغة‬ ‫يتم التدريس بها قامت‬ ‫األم والطريقة التي ّ‬ ‫الحكومة السويدية عام ‪ 2001‬بالطلب من‬ ‫بالتقصي حول‬ ‫الوكالة القومية للتعليم والتربية‬ ‫ّ‬ ‫التغييرات التي يجب إجراؤها في القوانين‬ ‫والتعديالت التي تحتاجها لتحسين الوضع وقد‬ ‫شمل هذا المسح القومي الشامل الذي أجرته‬ ‫الوكالة كال من المنظمات الداعمة للغة األم‬ ‫وجه التعليمات حول هذا المسح إلى‬ ‫وكذلك ّ‬ ‫تقصي حول‬ ‫اء‬ ‫ر‬ ‫بإج‬ ‫السوديدية‪،‬‬ ‫البلديات‬ ‫ّ‬ ‫موضوع اللغة األم والمواقف المتعّلقة بتعليمها‬ ‫باإلضافة إلى مسألة دمج هذه اللغة وما يتعّلق‬ ‫بالتنوع الثقافي والتعددية اللغوية في المدارس‬ ‫السويدية‪ ،‬باإلضافة إلى إجراء مسح على‬ ‫األبحاث والدراسات المتعّلقة بتطوير اللغة األم‬ ‫في المراحل الدراسية األولى اعتبا ار من العام‬ ‫‪ 1970‬حتى عام ‪.2000‬‬ ‫أعدت الوكالة القومية‬ ‫في العام ‪ّ 2002‬‬ ‫للتعليم والتربية تقريرها حول هذا الموضوع‪،‬‬ ‫وكان بعنوان (لغات أكثر‪ ،‬فرص أكثر) والتي‬ ‫تضمنت نقاط عديدة حول المساعدة في تحسين‬ ‫ّ‬ ‫اللغة األم‪ ،‬والتي كان من ضمنها العمل على‬ ‫دمج اللغة األم في الجدول الدراسي اليومي في‬ ‫المدارس السويدية‪ ،‬وذلك من خالل تعليم المواد‬ ‫الدراسية المختلفة للطالب بلغتهم األم‪.‬‬ ‫وإلجراء تغيير في المواقف تجاه تعليم اللغة‬ ‫األم قامت الوكالة بعرض معايير هادفة تتعلق‬ ‫بأهمية نشر ومعرفة اللغة األم‪ ،‬وكذلك مدى‬ ‫أهمية تعليم هذه اللغة‪ ،‬وعرضت هذه النقاط على‬ ‫وصناع القرار‪ ،‬وكما أظهر‬ ‫المسؤولين المدنيين‬ ‫ّ‬ ‫التقرير الحاجة إلى تطوير تقنيات وطرائق تعليم‬ ‫أكد التقرير أيضا على استمرار‬ ‫هذه اللغة‪ ،‬و ّ‬ ‫العمل على دعم وتطوير التعليم في مختلف‬ ‫فإنها تعتبر ّأنه من‬ ‫اللغات‪ .‬وفقا لتقرير الوكالة ّ‬ ‫العمل على‬ ‫الطرائق الناجحة في تعليم اللغة األم‬ ‫ُ‬ ‫زيادة النشاطات المتعلقة بتدريب أساتذة اللغات‬ ‫المختلفة‪ ،‬واندماجهم مع بعضهم‪.‬‬ ‫أكد التقرير على دور اللغة األم في‬ ‫كذلك ّ‬ ‫تحقيق األهداف التربويوية‪ ،‬وتطوير السويد‬

‫‪21‬‬

‫أن القلق‬ ‫وبين ّ‬ ‫كدولة متعددة الثقافات واللغات‪ّ ،‬‬ ‫والنقاشات المطروحة حول تعليم اللغة األم‪ ،‬هي‬ ‫نتيجة حتمية ألي تغيير‪ ،‬وسيتم األخذ بعين‬ ‫االعتبار كل تلك المواقف المتعلقة بنظام التعليم‬ ‫الثنائي اللغة في المدارس السويدية‪.‬‬ ‫تطوير اللغة الثانية‪:‬‬ ‫من أجل تلبية الحاجة إلى تطوير لغة ثانية‬ ‫كان هناك مطلب مبكر في نهاية الستينات من‬ ‫أجل تخصيص حصص درسية لتعليم اللغة‬ ‫السويدية لألطفال الذين يتحدثون بلغات أم‬ ‫أخرى‪ ،‬وأدت هذه المطالبة بتعليم اللغة السويدية‬ ‫إلى ظهور السويدية كمادة تعليمية مساعدة‪،‬‬ ‫التطور في اللغة السويدية‬ ‫وذلك لدعم وتحسين‬ ‫ّ‬ ‫(لغة األغلبية) لدى أولئك الطالب الذين‬ ‫يتحدثون لغتين في المدارس‪ ،‬وهذا الجهد لم‬ ‫ينجح كثي ار في تحقيق أهدافه ألسباب متعلقة‬ ‫بغياب التوجيهات الرسمية‪ ،‬إضافة إلى االفتقار‬ ‫إلى الخبرة والتدريب لدى أساتذة تعليم هذه‬ ‫المادة‪ ،‬وبقي التطور في أسلوب التعليم ثنائي‬ ‫اللغة محدودا بين األساتذة‪ ،‬كما فشلت اإلدارات‬ ‫المدرسية والموظفون فيها في تلبية االحتياجات‬ ‫حيث‬ ‫الخاصة للطالب الذين يتحدثون بلغتين ُ‬ ‫تم وضع هؤالء الطالب ضمن المنهاج الدراسي‬ ‫ّ‬ ‫السائد دون أن يتلّقوا أي دعم أو توجيه من‬ ‫أساتذة متخصصين ومدربين‪.‬‬ ‫سجل في العديد‬ ‫بعد سنوات من التقصير الذي ّ‬ ‫من المدارس‪ ,‬التي كانت تدرس السسويدية كمادة‬ ‫تقرر بعدها اعتماد السويدية كلغة‬ ‫مساعدة‪ ,‬فقد ّ‬ ‫نظامية ورئيسية في المنهاج المدرسي المعتمد‬ ‫في المدارس التي تعتمد نظام التدريس ثنائي‬ ‫يتمكن‬ ‫اللغة‪ ،‬وذلك في العام ‪ ,1995‬وذلك كي ّ‬ ‫الطالب الذين يتحدثون بلغتين من الحصول‬ ‫على الفرصة الجدية لتطوير اللغة السويدية‬ ‫لديهم‪ ,‬على المدى الطويل وتحقيق النجاح‬ ‫المطلوب وذلك بتوجيه من أساتذة متخصصين‪.‬‬ ‫وقد ُسجلت نتائج سلبية عند أولئك الطالب‬ ‫في التعليم ثنائي اللغة‪ ,‬وكان لتقليص الفجوة‬ ‫التعليمية بين الطالب الذين ينتمون إلى خلفيات‬ ‫أجنبية ومحلية‪ ,‬من أخذ مجموعة من العوامل‬


‫‪22‬‬

‫بعين االعتبار‪ ,‬ويأتي في المرتبة األولى؛ العامل‬ ‫المتعّلق بالخلفية االجتماعية واالقتصادية لهؤالء‬ ‫الطالب‪ ,‬وثانيا؛ مستوى التعليم لدى األبوين‪,‬‬ ‫ثالثا؛ الوضع الوظيفي لدى األبوين‪ ,‬وأخيرا؛‬ ‫الحالة العائلية والعالقة بين أفرادها (الطالق‪,‬‬ ‫الزواج ‪.)...‬‬ ‫فكل هذه العوامل تلعب دو ار في األداء الذي‬ ‫يقدمه الطالب في برامج التعليم الثنائي اللغة‬ ‫ّ‬ ‫في السويد‪ ,‬وذلك حسب الوكالة القومية للتربية‬ ‫والتعليم في السويد‪.‬‬ ‫أعدا‬ ‫ووفقا للباحثَين (ثوماس‬ ‫ي‬ ‫الذين ّ‬ ‫وكولي�) َ‬ ‫دراسة بحثية تُعتبر األكثر شموال وتفصيال في‬ ‫مجال التعليم ثنائي اللغة‪ ،‬وذلك في الواليات‬ ‫يوضح النجاح‬ ‫المتحدة األمريكية‪ ,‬وهذا البحث ّ‬ ‫األكاديمي الذي يمكن أن يحّققه الطالب الذين‬ ‫يتحدثون بلغتين‪ ,‬حيث ساهمت هذه الدراسة‬ ‫حيث‬ ‫في إغناء برامج التعليم ثنائي اللغة اللغة‪ُ ,‬‬ ‫أن الطالب الذين ينتمون ألقليات لغوية‪،‬‬ ‫تبين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولديهم فرصة إو�مكانية التعّلم بلغتين منذ المرحلة‬ ‫االبتدائية ووصوال إلى المرحلة الثانوية‪ ,‬وعندما‬ ‫يكون األساتذة الذين يقومون بتعليم هؤالء‬ ‫فإنهم‬ ‫الطالب كفوئين في مجال تعليم اللغة الثانية ّ‬ ‫عندها يستطيعون تحقيق نجاح أكاديمي‪ ,‬وذلك‬ ‫بعد نحو إحدى عشر عاما من التعليم الدراسي‪,‬‬ ‫فإن تعليم المواد باللغة األم‬ ‫ووفقا لثوماس‬ ‫ي‬ ‫وكولي� ّ‬ ‫على األقل حتى الصف الخامس أو السادس في‬ ‫المدرسة‪ُ ,‬يعتبر عامال مهما لنجاح هؤالء الطالب‬ ‫أن هذا األمر يحتاج مدة زمنية ال‬ ‫أكاديميا؛ أي ّ‬ ‫تقل عن خمس إلى عشر سنوات من تطوير‬ ‫المهارات الدراسية‪ ،‬وبكلتا اللغتين للوصول إلى‬ ‫النجاح المطلوب‪ ,‬وهذا األمر ال يعد مفاجئا‪.‬‬ ‫أن االستثمار طويل األمد في مجال‬ ‫كما ّ‬ ‫التعليم باللغة األم‪ ,‬ولغة ثانية‪ ,‬هو نموذج‬ ‫وأسلوب سويدي معتمد على األقل في مرحلة‬ ‫التعليم اإللزامي‪ ،‬وعلى الرغم من الحقيقة التي‬ ‫أظهرتها األبحاث التي أجريت على التعليم‬ ‫ثنائي اللغة في السويد والعالم‪ ,‬والتي تؤكد على‬ ‫األثر اإليجابي لتعّلم اللغة األم على النجاح‬ ‫األكاديمي في المستقبل‪ ،‬وكذلك أثره الهام‬ ‫أن دعم اللغة‬ ‫على سهولة تعلم لغة ثانية‪ ,‬إال ّ‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫األم في السويد تراجع خالل السنوات األخيرة‬ ‫لتخوف البعض من تأثير هذه اللغة على‬ ‫نتيجة ّ‬ ‫يتحدث بها األغلبية‪ ,‬حيث‬ ‫اللغة السويدية التي ّ‬ ‫أدى تزايد التنوع الثقافي واللغوي في السويد‬ ‫إلى زيادة النقاشات حول موضوع اللغة وعلى‬ ‫جميع المستويات‪ ,‬وجعل موضوع اللغة على‬ ‫رأس قائمة أجندات السياسات التربوية والحقوق‬ ‫الديمقراطية‪ ,‬والسياسة اللغوية المتبعة حاليا‬ ‫تعتبر موضع خالف في النقاشات السياسية‪,‬‬ ‫حيث عمل الحزب السويدي الليبرالي على‬ ‫ُ‬ ‫وضع شرط اجتياز اختبارات اللغة السويدية‬ ‫حق المواطنة أو الجنسية‪,‬‬ ‫للحصول على ّ‬ ‫واعتبرت هذه الخطوة خطوة سياسية ناجحة لهذا‬ ‫ولكنه في‬ ‫الحزب الذي حصد أصوات الناخبين‪ّ ,‬‬ ‫المقابل أظهر أصوات معارضة لهذه السياسة‬ ‫التي اعتبرتها سياسة عنصرية تدافع عن المنهج‬ ‫األحادي للسويد من حيث (اللغة والثقافة)‪ ,‬و ّأنها‬ ‫التنوع الثقافي واللغوي تهديدا‬ ‫سياسة ترى في ّ‬ ‫للهوية القومية للسويد‪.‬‬ ‫أن قضايا السياسات اللغوية‬ ‫إذا يمكننا القول ّ‬ ‫المتعّلقة بالتعددية اللغوية تعتبر اليوم جوهر‬ ‫النقاشات في العديد من المجتمعات المعاصرة‬ ‫حيث عملت العولمة‬ ‫في القرن الواحد والعشرين‪ُ ,‬‬ ‫والمهاجرون على تغيير البيئة اللغوية وبطرق‬ ‫عديدة‪ ،‬وفي السويد السياسة اللغوية المتبعة‬ ‫والتي تبناها البرلمان هي العمل على دعم اللغة‬ ‫السويدية القومية في مواجهة اللغة اإلنكليزية‪،‬‬ ‫التي تأخذ دو ار أكثر قوة في السويد يوما بعد‬ ‫آخر‪ ،‬وتضمن هذه السياسة أيضا نظاما متوازنا‬ ‫بحيث‬ ‫يسمى بالتعددية اللغوية والثقافية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لما ّ‬ ‫تكون لغات األقليات واللغات المحلية محترمة‬ ‫وذات قيمة ضمن هذه السياسة‪ ,‬ويمكن لهذه‬ ‫السياسة أن تلعب دو ار توجيهيا لتحديد الق اررات‬ ‫أن األيديولوجيات اللغوية من‬ ‫المستقبلية‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫األمور التي ال يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها‪,‬‬ ‫كل وجهات النظر واالعتراضات‬ ‫وكما ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫سيتم النظر‬ ‫ضد اللغات المختلفة‬ ‫الموجهة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وكل هذا من شأنه أن يلعب دو ار مهما‬ ‫بها‪ّ ،‬‬ ‫في صياغة سياسات لغوية في بلد يبحث عن‬ ‫هويته القومية في عالم العولمة‪.‬‬


23

‫ مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬- ‫سور َمي‬

Second Generation. New York: LFB Scholarly Publishing. Genesee, F. 1987. Learning through two languages: Studies of immersion and bilingual education. Cambridge, MA: Newbury House. Haglund, C. 2005. Social interaction and identification among adolescents in multilingual suburban Sweden. A study of institutional order and sociocultural change. Centre for Research on Bilingualism, Stockholm University: Dissertations in bilingualism. Heath, S. B. 1983. Ways with Words: Language, Life, and Work in Communities and Classrooms. Cambridge: Cambridge Paperback Library. Hyltenstam, K. 1999. ‘Svenska i minoritetsspråksperspektiv’, in K. Hyltenstam (ed.), Sveriges sju inhemska språk: Ett minoritetsspråksperspektiv. Lund: Studentlitteratur. Josephson, O. 2003. ‘Sweden on the threshold to multilingualism – a new Swedish language policy’. http://www.eurfedling.org/ conf/files/Josephson-English.pdf (visited 2006-10-08). Lahdenperä, P. 1997. Invandrarbakgrund eller skolsvårigheter? En textanalytisk studie av åtgärdsprogram för elever med invandrarbakgrund. Stockholm: HLS Förlag. Lambert, W. 1977. ‘The effects of bilingualism on the individual: Cognitive and sociocultural consequences’, in P. Hornby (ed.), Bilingualism: Psychological, social and educational implications. New York: Academic Press. Lewis, A. 2001. ‘There is no “race” in the schoolyard: Color-blindness ideology in an (almost) all-white school’, American Educational Research Journal, Vol. 38, pp. 781-811. Milani, T. 2005. ‘Language planning and national identity in Sweden: Aperformativity approach’, in C. Mar-Molinero and P. Stevenson (eds), Language Ideologies, Policies and Practices: language and the future of Europe. Basingstoke: Palgrave. Mohan, B., C. Leung and C. Davison. 2004. English as a second language in the mainstream. Teaching, learning and identity. London and New York: Longman.

References Alexander, N. 2004. ‘Bilingual education as a stepping stone to mother tongue-based educational systems in Africa’, in K. Fraurud and Hyltenstam, K. (eds), Multilingualism in global and local perspectives. Centre for Research on Bilingualism, Stockholm University, and Rinkeby Institute of Multilingual Research, City of Stockholm and Stockholm University. Bernstein, B. 1990. ‘The social construction of pedagogic discourse’, in Class, Codes and Control, Vol. 4: The Structuring of Pedagogic Discourse. London: Routledge. Boyd, S. 1993. ‘Sociala nätverk och den nordiska språkgemenskapen’, in I. S. Boyd, A. Holmen and J. Jørgensen (eds), Sprogbrug og sprogvalg blandt indvandrere i Norden. Bind 2: Temaartikler. Københavnerstudier i tosprogethed bind 23. Collier, V. and W. Thomas. 2002. A National Study of School Effectiveness for Minority Language Students’ Long-Term Academic Achievement. Final Report: Project 1.1. http://www.crede.ucsc.edu/research/ llaa/1.1_final.html (visited 2006-10-08). Council of Europe 1992. European Charter for Regional or Minority Languages. http://conventions.coe.int/treaty/en/Treaties/ Html/148.htm (visited 2006-10-08). Council of Europe 1995. Framework Convention for the Protection of National Minorities. http://conventions.coe.int/treaty/en/Treaties/ Html/157.htm (visited 2006-10-08). Crago, M. 1992. ‘Communicative interaction and second language acquisition: An Inuit example,’ TESOL Quarterly, Vol. 26, No. 3, 487-506. Dagens Nyheter 2006. ‘Debatt “Blattesvenskan”’. http://www.dn.se/DNet/jsp/polopoly. jsp?d=1058&a=547875&previousRenderTy pe=2 (visited 2006-10-08). Feliciano, C. 2006a. ‘Another way to assess the second generation: Look at the parents’. http://www.migrationinformation.org/Feature/display.cfm?id=396 (visited 2006-10-08). Feliciano, C. 2006b. Unequal Origins: Immigrant Selection and the Education of the


‫ تشرين الثاني – كانون األول‬/ 9 ‫العدد‬ Hasan, R. and G. Williams (eds), Language in society. London: Longman. Schleppegrell, M. 2004. The language of schooling; a functional linguistics perspective. London: Lawrence Erlbaum Associates. Skolverket 2005a. Beskrivande data om förskoleverksamhet, skolbarnsomsorg, skola och vuxenutbildning 2005. Skolverkets rapport No. 265. Stockholm. Skolverket 2005b. Elever med utländsk bakgrund. En sammanfattande bild. Stockholm. Stevenson, P. 2005. ‘National languages in transnational contexts: language, migration and citizenship in Europe’, in C. Mar-Molinero and P. Stevenson (eds), Language Ideologies, Policies and Practices: language and the future of Europe. Basingstoke: Palgrave. Statistiska Centralbyrån 2005. Statistisk årsbok för Sverige 2005. Örebro: Statistiska Centralbyrån. Sunier, T. 2004. ‘National language and mother tongue’, in W. Schiffauer, G. Baumann, R. Kastoryano and S. Vertovec (eds), Civil enculturation. Nation-state, School and Ethnic Difference in four European Countries. Oxford: Berghahn. Teleman, U. 1992. ‘Det svenska riksspråkets utsikter i ett integrerat Europa’, Språkvård, Vol. 4, pp. 7-16. Thomas, W. and V. Collier. 1997. ‘School Effectiveness for Language Minority Students’. http://www.ncela.gwu.edu/ncbepubs/resource/effectiveness/index.htm (visited 2006-10-08). Tuomela, V. and K. Hyltenstam. 1996. ‘Hemspråksundervisningen’, in K. Hyltenstam (ed.), Tvåspråkighet med förhinder? Invandrar- och minoritetsundervisning i Sverige. Lund: Studentlitteratur. Winsa, B. 1999. ‘Language planning in Sweden’, Journal of Multilingual & Multicultural Development, Vol. 20, Nos. 4-5, pp. 376-473. Young, I. 1990. Throwing like a girl and other issues in philosophy and social theory. Bloomington, Ind.: Indiana University Press.

24 Municio, I. 1987. Från lag till bruk: hemspråksreformens genomförande. Stockholm University: Centrum för invandringsforskning. Narrowe, J. 1998. Under one roof: On becoming a Turk in Sweden. Stockholm University: Department of Social Anthropology. National Agency for Education 2003. More Languages – More Opportunities. Stockholm. http://www.skolverket.se/publikationer?id=1111 (visited 2006-12-16). Nauclér, K. 2004. ‘Reading and telling a story in Swedish and Turkish: a cross-cultural perspective on children’s and adults’ narratives’, in K. Fraurud and K. Hyltenstam (eds), Multilingualism in global and local perspectives. Centre for Research on Bilingualism and Rinkeby Institute of Multilingual Research, City of Stockholm and Stockholm University. Nieto, S. 2002. Language, culture and teaching: Critical perspectives for a new century. Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum. Otterup, T. 2004. Jag känner mig begåvad bara. Om flerspråkighet och identitetskonstruktion bland ungdomar i ett mulitetniskt förortsområde. Dissertation, Department of Swedish Language, Göteborg University. Painter, C. 1999. ‘Preparing for school: developing a semantic style for educational knowledge’, in F. Christie (ed.), Pedagogy and the shaping of consciousness. London and New York: Cassell. Parszyk, I-M. 1999. En skola för andra. Minoritetselevers upplevelser av arbets- och livsvillkor i grundskolan. Studies in educational sciences 17. Stockholm: HLS Publications. Prop. 2005/06:2. Best language – a concerted language policy for Sweden. http://www.sweden.gov.se/content/1/ c6/05/34/00/09a827ca.pdf (visited 2006-1008). Reeves, J. 2004. ‘“Like everybody else”: Equalization educational opportunity for English language learners’, TESOL Quarterly Vol. 38, No. 1. Rothery, J. 1996. ‘Making changes: developing an educational linguistics’, in R.


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪25‬‬

‫الكتابة والغرق في طين المعنى‬ ‫‪P‬‬ ‫أوميد عبدو‬ ‫كل منظر هو تجربة حلمية قبل أن يكون مشهداً واعياً‬ ‫« باشالر»‬ ‫مضاعف ٌة‪ ،‬تراكمي ٌة‬ ‫فعل تجاوز‪ ،‬قراءةٌ‬ ‫َ‬ ‫الكتاب ُة ُ‬ ‫فعل مستوى؛ معرفي بالضرورة‪ ،‬إو�ن‬ ‫بجّلها‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫كان الموضوع المعرفيا‪ ،‬أو غير موجه له على‬ ‫اء أكانت متوغلة في األصل‬ ‫نحو مباشر‪ ،‬سو ٌ‬ ‫متشعب‬ ‫نمو‬ ‫ّ‬ ‫أو الهامش‪ُ ،‬‬ ‫فعل نشاط وديمومة‪ّ ،‬‬ ‫اإلحالل‪ ،‬اإلضاف ُة والحذف‪.‬‬ ‫أبدا‪ ،‬من تبعاتها‬ ‫ُ‬ ‫حياد ال م َّ‬ ‫حياد‬ ‫شخص‪ ،‬سوى أنه ٌ‬ ‫الكاتب ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫باعث كذاتٍ‬ ‫حياد‬ ‫الحركة‪،‬‬ ‫و‬ ‫الفعل‬ ‫لمادة‬ ‫متبني‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫فاعلة‪ .‬كـ «أنا» ال يمكنها الفصام عن اآلخر‬ ‫قبال وبعد‪.‬‬ ‫القارئ‬ ‫حياد والقراءة فعل مستوى كذلك‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫سوى أنه‪ ،‬بما هو عليه‪ ،‬ال ينفلت من التحديد‬ ‫المتساهل‬ ‫الحدسي على ّ‬ ‫أقل تقدير‪ ،‬التحديد ُ‬ ‫وغير ذي أهمية في‬ ‫المثالي بالنسبة للكاتب‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫كال طرفي العالقة‪ ،‬الكاتب والقارئ‪ ،‬نقطة‬ ‫انعطاف في حركة الكتابة‪ ،‬كالهما م ِ‬ ‫رسل‬ ‫ُ‬ ‫المجرد واحد‪،‬‬ ‫ومستقِبل في آن‪ ،‬كالهما في العمق‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫تصور لآلخر‬ ‫م‬ ‫فالكاتب‬ ‫ذاته‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ينفصم‬ ‫ال‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ المتلقي – بصورة مباشرة أو غير مباشرة‪،‬‬‫ُمتمثّل له كقارئ واحد على األقل‪ ،‬ومنفصم عن‬ ‫ِ‬ ‫موجها ومنِّقحا؛ قارئا‬ ‫ذاته‪ ،‬محاو ار لها‪ُ ،‬ملهما‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكاتبا في آن‪ ،‬وكذا القارئ‬ ‫منفصم ذاتا وآخ ار هو‬ ‫ٌ‬ ‫الكاتب في العملية التفاعلية للتواصل المعرفي‪،‬‬ ‫تبني‪ ،‬تاركا لذاته مساحة‬ ‫صو ٌب أو ُم ّ‬ ‫تنكر أو ُم ّ‬ ‫ُم ّ‬ ‫حرة للقول – الجوهر المعرفي لعملية الكتابة‪-‬‬ ‫نفسه الكاتب ‪ -‬الذات الفاعلة ‪ -‬إو� ْن‬ ‫ّ‬ ‫وكأنما هو ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كوجود‬ ‫مجسدة‬ ‫عجز عن تحقيق القول إلى كتابة َّ‬ ‫َ‬ ‫السابق المتمِثّل بحركة الفكر‬ ‫كان‬ ‫أن‬ ‫بعد‬ ‫بالفعل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫نشاطا وحسب؛ وجودا بالقوة‪ .‬هذا الوجود القبلي‬ ‫عتبر الحامل األساسي للمعنى برأي دريدا‬ ‫الذي ُي َ‬ ‫(قائم من قبل أن يتمتع بالصياغة‪ّ ،‬إنه طبقة‬ ‫فهو ٌ‬

‫ما قبل لغوية‪ ،‬وما قبل سيميولوجية‪ ،‬وما قبل‬ ‫تعبيرية‪ .‬أما اللغة فال تفعل سوى أن تُظهر هذا‬ ‫وتعبر به إلى نسيج‬ ‫المعنى إلى النور‪ ،‬تترجمه‪ّ ،‬‬ ‫عالئقي‪ ،‬أو اختالفي يصنع منه إحال ًة أو أثرا)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬وبمعنى مقارب يرى بالنشو َّ‬ ‫أن حركة الكالم‬ ‫االمتناع‬ ‫الكالم‬ ‫فضل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫وي ّ‬ ‫أصل له وال مالك‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عن القول بدال من أن يزعم اإلحاطة بكل شيء‪.‬‬ ‫هذه الفكرة التي استحوذت من قبل على‬ ‫بودل� وحملته على التساؤل‪( :‬إذا كان الكون‬ ‫ي‬ ‫شيفرة‪ ،‬لغة مشفرة‪ ،‬هل الشاعر بالمعنى األوسع‬ ‫إال مترجم أو مفكك للشيفرة؟ كل قصيدة هي قراءة‬ ‫للواقع‪ ،‬وهذه القراءة هي ترجمة‪ ،‬وهذه الترجمة‬ ‫كتابة‪ ،‬شيفرة جديدة للواقع الذي تم اكتشافه‪ .‬إن‬ ‫القصيدة هي صنو الكون‪ :‬كتابة سرية‪ ،‬فضاء‬ ‫مغطى بالحروف الهيروغليفية‪ .‬أن تكتب قصيدة‬ ‫هو أن تفك شيفرة الكون كي تخلق شيفرة جديدة‪.‬‬ ‫يكرر القارئ فعل الشاعر‪ :‬أن تق أر قصيدة هو‬ ‫أن تترجمها وتحولها بشكل حتمي إلى قصيدة‬ ‫أخرى) (‪ .)2‬هذه الرؤية القائمة على فكرة‬ ‫التناظر الكوني‪ ،‬أو شعرية التناظر كما يصفها‬ ‫أوكتافيو باث‪ ،‬المؤلفة من تصور العمل اإلبداعي‬ ‫تعدد‬ ‫على ّأنه نوع من الترجمة‪ ،‬تقود إلى مفارقة ّ‬ ‫إن المؤّلف الحقيقي للقصيدة ليس‬ ‫المؤلفين‪ّ .‬‬ ‫الشاعر أو القارئ‪ ،‬إو�نما اللغة‪.‬‬ ‫هذه الرؤية التي تستدعي في أذهاننا مقولة‬ ‫(إن الذي يلمس جسد امرأة يلمس‬ ‫نوفاليس‪ّ :‬‬ ‫السماء)‪ .‬وربما انطالقا من الرؤية ذاتها شرع‬ ‫تز‬ ‫أن‬ ‫كازان�اكيس في كتابة مؤلفه «تصوف» معتب ار ّ‬ ‫الكون كله حاضر في عقله‪ ،‬ترعى الحيوانات في‬ ‫ذهنه وتنمو النباتات‪ ،‬والشمس تشرق من أحد‬ ‫صدغيه وتغرب في اآلخر‪ .‬والرحلة إذ تنطلق‬


‫‪26‬‬

‫فإنها تبدأ من الذات وتنتهي إليها‪.‬‬ ‫لدى نيكوس ّ‬ ‫أن الكشف ليس بتلك السهولة المتوقعة‪ ،‬إذ‬ ‫غير ّ‬ ‫تستدعي درجة رفيعة من التأمل والصفاء والغور‬ ‫في أعماق النفس وتقصي دياميسها‪ ،‬كمرحلة‬ ‫للبت في مرحلة أكثر صعوبة‪،‬‬ ‫تمهيدية فقط ّ‬ ‫تتجلى في إمكانية القبض والقدرة على التعبير‪.‬‬ ‫كان شارلز سميك قد أشار إلى هذه الفكرة في مقدمة‬ ‫أن محاولة كتابة‬ ‫ديوانه «العالم ال ينتهي» مبينا ّ‬ ‫قصيدة نثر كمحاولة اإلمساك بذبابة في غرفة‬ ‫معتمة‪ .‬الذبابة التي يرّجح سميك ّأنها موجودة في‬ ‫الرأس وليس في أي مكان آخر على االطالق‪،‬‬ ‫حيث يغدو الكون كله حاض ار في ذات الشاعر‪،‬‬ ‫وتتحول النفس إلى سجن‪ ،‬عبثا يحاول الشاعر‬ ‫محاوالت فاشلة للهروب منه‪ ،‬فالحقيقة الشعرية‬ ‫قائمة في الماهية بحد ذاتها‪ ،‬والشاعر العبقري‬ ‫هو اإلنسان الحقيقي كما اعتقد وليم بليك‪.‬‬ ‫هذه المنظومة من األفكار أو النظرية‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬التي كانت أقرب ما تكون إلى رؤية‬ ‫شكلت القاعدة التي‬ ‫فلسفية لإلنسان والعالم‪ّ ،‬‬ ‫انطلق منها الكتاب والشعراء في تأليف نتاجهم‬ ‫األدبي من جهة‪ ،‬وكانت بمثابة التعليل المنطقي‬ ‫للحالة اإلبداعية المتمثلة بالفرادة والتميز من‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫الحالة التي تناولها أوكتافيو باث في دراسته‬ ‫للرومانسية التي ولدت في كل من إنكلت ار وألمانيا‬ ‫ثم انتشرت في جميع أنحاء أوربا كمرض روحي‪.‬‬ ‫التفوق‬ ‫توصل باث في دراسته إلى أن ّ‬ ‫سر ّ‬ ‫األلماني اإلنكليزي لم يكن في السبق الزمني‬ ‫وحسب‪ ،‬إو�ّنما في المزج بين البصيرة النقدية‬ ‫واألصالة الشعرية‪ ،‬في الجمع بين النظرية‬ ‫والتطبيق‪ ،‬الشعر والمنظومة الشعرية‪.‬‬ ‫لكل‬ ‫تتيح‬ ‫هذه العالقة التفاعلية الخالّقة التي‬ ‫ّ‬ ‫يطور أحدهما‬ ‫من طرفيها؛ النص والنقد أن ّ‬ ‫وشكلت السمة األساسية أو النفحة‬ ‫اآلخر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحيوية لمنظومة اإلبداع الغربي المطّلة على‬ ‫أفق المتناه عبر متتالية التهشيم والبناء‪ ،‬وقدرة‬ ‫المتناهية على التجاوز في فضاء حيوي مطلق‬ ‫للخيال‪.‬‬ ‫شكل‬ ‫فإن غياب العالقة ذاتها ّ‬ ‫في المقابل ّ‬ ‫غيابا لإلبداع في حالة الكتابة العربية‪ ،‬فإذا ما‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫نتقصى شأن الكتابة العربية‪ ،‬ونتتبع‬ ‫أردنا أن‬ ‫ّ‬ ‫سيرها سيبدو لنا جليا وسندرك دونما عناء األزمة‬ ‫التي تعانيها الكتابة األدبية بشكل عام‪ ،‬والكتابة‬ ‫الشعرية بشكل خاص؛ األزمة التي تتمثل في‬ ‫ماهية الكتابة والتأليف من جهة‪ ،‬إو�مكانية منح‬ ‫الشرعية لها أو النقد من جهة ثانية‪.‬‬ ‫يتمثّل البعد األول لألزمة بعجز الكتابة‬ ‫عن تجاوز الواقع‪ ،‬ومنح الخيال طاقة أكبر‬ ‫ليؤدي وظيفة التهشيم للعالم‪ ،‬وخلق عالم جديد‬ ‫تعبر عن ذاتية المؤلف‬ ‫وفق بنى ورؤى جديدة ّ‬ ‫وفرادته كذات مبدعة‪.‬‬ ‫أما البعد الثاني فيتجّلى كما هو الحال‬ ‫بالنسبة للطرف األول‪ ،‬باالنطالق من رؤى‬ ‫تحد من إمكانية‬ ‫وأُطر مسبقة وقوالب جاهزة ّ‬ ‫اإلبداع في حالتي التأليف والنقد على السواء‪،‬‬ ‫فالبعدان وجهان لعملة واحدة‪ ،‬وما البعد الثاني‬ ‫سوى علة لألول‪.‬‬ ‫في مقدمته لكتاب «الماء واألحالم» لـ غاستون‬ ‫باشالر وصف أدونيس سيرورة الكتابة العربية في‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬أو في النصف الثاني تحديدا‬ ‫بأنها (نوع من الغرق في طين المعنى‪ .‬باسم‬ ‫ّ‬ ‫الموضوعية‪ ،‬أو المنطق والعلم‪ ،‬أو الجمهور‬ ‫الغارق‪ ،‬هو كذلك في طينه اآلخر) (‪)3‬‬ ‫الكتابة العاجزة عن فعل التجاوز واإلضافة‪،‬‬ ‫المقيدة ضمن‬ ‫ّ‬ ‫المتبنية لرؤى سطحية ونفعية‪ ،‬و ّ‬ ‫حو ُل دون االنفتاح على الذات واآلخر‪،‬‬ ‫ت‬ ‫أُطر َ ْ‬ ‫على الحقيقة والجوهر الكامن في العمق‬ ‫َّ‬ ‫ألي ُبنى أو رؤى ُمعيقة‬ ‫الم ّ‬ ‫تعدي ّ‬ ‫الالمؤطر‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫لحركة الفعل اإلبداعي‪ ،‬فالخيال اليزال في‬ ‫الذهنية العربية يمثّل ملكة تشكيل صور عن‬ ‫الواقع وحسب‪ ،‬في حين ّأنه ملكة تشكيل صور‬ ‫تجاوز الواقع‪ ،‬وتغنيه بالصور كما يرى باشالر‪،‬‬ ‫هو ملكة فوق بشرية‪ ،‬واإلنسان يكون نفسه بقدر‬ ‫ما فوق بشري؛ أي يتجاوز الشرط اإلنساني‬ ‫ليبتدع روحا جديدة وحياة جديدة‪ ،‬وهذا بالضبط‬ ‫يفسر إخفاق الكثير من الكتابات في إبداع‬ ‫ما ّ‬ ‫نصوص تتسم بالديمومة وتتضمن عناصر‬ ‫حيويتها في ذاتها‪ ،‬فالتجاوز شرط أساسي‬ ‫وجوهري في حركية الكتابة والمنظومة المعرفية‬ ‫التي تستند اليها‪ ،‬بالتالي يكون النقد أو تناول‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫العمل اإلبداعي مشروطا حكما بإمكانية التجاوز‬ ‫كسمة إبداعية‪ ،‬ال أن يسقط النص ضمن قوالب‬ ‫وأطر معدة مسبقا‪ ،‬فمن اللغو ‪ -‬كما يرى‬ ‫بالنشو‪ -‬محاكمة عمل فني إبداعي انطالقا من‬ ‫لغة عالقته بالواقع‪ ،‬فقصيدة لماالرميه أو لييتس‬ ‫مثال ال نستطيع مناقشتها ونقدها بالطريقة ذاتها‬ ‫التي نناقش فيها حدثا يقع في الواقع والحياة‬ ‫أن لديها واقعها الخاص ملتبس‬ ‫اليومية‪ ،‬إذ ّ‬ ‫أي تناول عقلي ينطلق‬ ‫عن‬ ‫يند‬ ‫الداللة‪ ،‬والذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫فال�ي‬ ‫من رؤية مسبقة وقاصرة‪ ،‬وقد أظهر بول ي‬ ‫هذا االختالف بقوة اللغة‪ ،‬فاللغة العادية أو لغة‬ ‫الحياة اليومية أشبه ما تكون بعملة نتداولها‬ ‫ألنها تشير إلى شيء‬ ‫عوضا عن أي شيء آخر‪ّ ،‬‬ ‫معين ثم تختفي وراءه‪ ،‬على عكس لغة الشعر‬ ‫ّ‬ ‫التي تظهر ذاتها حتى عندما تشير لدرجة ّأنها‬ ‫تبقى ماثلة بذاتها وفقا لحسابها الخاص‪ ،‬لذلك‬ ‫تبتعد عن وظيفة العملة وتكون أشبه بالذهب‪،‬‬ ‫وتشرع في اإلضاءة من الداخل – كما يقول‬ ‫غيورغي غاتشف – بواسطة الفكرة‪.‬‬ ‫(اإلنسان مشروط بالتاريخ‪ ،‬غير ّأنه ال‬ ‫يصير نفسه حقا إال بقدر ما يخترق هذه الشروط‬ ‫خلق‬ ‫نفسه‪ ،‬داخل نفسه ٌ‬ ‫ويتخطاها‪ ،‬فاإلنسان هو ُ‬ ‫ذاتي متواصل‪ ،‬والالمرئي هو الذي ُيضيئه لكي‬ ‫ٌ‬ ‫يحسن رؤية ما يراه‪ ،‬مثل ما يفعل الشعر‪ ،‬فهو‬ ‫َ‬ ‫تقذف بنا خارج ِفراش المرئي) (‪)4‬‬ ‫يقظ ٌة ُ‬ ‫فاألزمة في النقد والكتابة الشعرية هي أزمة‬ ‫مفهوم بالدرجة األولى‪ ،‬كمرحلة تسبق عملية‬ ‫الكتابة‪ ،‬التي تمثّل مرحلة الحقة مجسدة لها‪،‬‬ ‫كل من الكاتب‬ ‫هذا المفهوم الذي يتشاطره ّ‬ ‫حد سواء‪.‬‬ ‫والناقد على ّ‬ ‫إو�ذا ما تناولنا‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬سمة‬ ‫االختالف بين الشعر العربي والغربي نجد ّأنه‬ ‫ال يتمثّل بشكلية النص وقوالبه والموضوعات‬ ‫يتم تناولها‪ ،‬بقدر ما يتمثّل بطريقة الكتابة‬ ‫التي ّ‬ ‫المستندة بدورها على مفهوم عن الكتابة الشعرية‬ ‫يتضمن بدوره فهما‬ ‫نفسها‪ ،‬هذا المفهوم الذي‬ ‫ّ‬ ‫خاصا ومختلفا لشبكة من العالقات والبنى‬ ‫داخل العمل الشعري‪ .‬فماهية اللغة والخيال مثال‬ ‫ووظيفتهما تختلف وفقا لكال المنظورين العربي‬ ‫أو الغربي‪ ،‬فاللغة من حيث هي حاملة للفكر‬

‫‪27‬‬

‫تتضمن عناصر حيويتها في ذاتها‪،‬‬ ‫والخيال‬ ‫ّ‬ ‫االنصياع‬ ‫قابلة بما تمتلك من ثراء ومرونة‬ ‫َ‬ ‫االنسجام مع األشكال واألساليب كافة دون أن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫تكون حك ار على ذات دون أخرى‪ ،‬أو أسلوب‬ ‫دون آخر في عملية الكتابة‪.‬‬ ‫نجز أن يرسم‬ ‫ليس بوسع أي عمل أدبي ُم َ‬ ‫نجز إبداعيا‬ ‫الم َ‬ ‫خطا ألفق اللغة‪ ،‬حتى إو�ن كان ُ‬ ‫وتنوع األشكال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإنه ال يستنفذ طاقات اللغة ّ‬ ‫فإن الكتابة كمحاكاة للكالسيكي‪ ،‬أيا‬ ‫وبالتالي ّ‬ ‫كانت‪ ،‬وفي أفضل حاالتها ال تتعدى عن‬ ‫كونها مجرد نسخ‪ ،‬ال يدخل ضمن إطار العمل‬ ‫بأي شكل من األشكال‪ ،‬وهذا ما أشار‬ ‫اإلبداعي ّ‬ ‫إليه الشاعر الصيني لو‪ -‬جي في مقدمة كتابه‬ ‫(فن الكتابة) (أن تتعّلم الكتابة من األعمال‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬هذا يشبه رسم قبضة فأس بواسطة‬ ‫فأس‪ ،‬النموذج موجود في يدك)‪)5( .‬‬ ‫اللغة العربية على الرغم من كونها أكثر‬ ‫اللغات حاملة للطاقة‪ ،‬سواء من حيث إمكانية‬ ‫حيث النقل‬ ‫الفعل والقدرة على التعبير‪ ،‬أو من ُ‬ ‫والترجمة‪ ،‬متضمنة مساحات شاسعة للحرية‬ ‫ِ‬ ‫للغوص في دياميسها واقتناص‬ ‫واالختيار‪،‬‬ ‫مكبلة‬ ‫المكنون والنفيس‪ ،‬إال ّأنها تبدو خائرة القوى ّ‬ ‫تعيق تجسيدها في كتابة إبداعية‪.‬‬ ‫بمفاهيم ورؤى ُ‬ ‫يتتبعون الكتابة العربية اليوم‪ ،‬في‬ ‫(والذين ّ‬ ‫مختلف ميادينها‪ ،‬يقدرون أن يروا كيف ُي َّ‬ ‫قدم هذا‬ ‫مجرُد خامة‪ ،‬كما هو‬ ‫الطين على الورق ّ‬ ‫كأنه ّ‬ ‫كأنه ال‬ ‫مجرد َكم‪ّ ،‬‬ ‫تقريبا في لباس النوم‪ّ ،‬‬ ‫كأنه ّ‬ ‫يقدرون كذلك‬ ‫الكيف‪.‬‬ ‫يعرف اللمس‪ ،‬والعجن‪ ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫يتحسسوا كيف تتع ّذب اللغة‬ ‫يتخيلوا‪ ،‬بل أن‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية وتشقى)‪)6( .‬‬ ‫فالكتابة باعتبارها وعيا خاصا للكالم‪ ،‬ينبغي‬ ‫المتجسد‬ ‫أن تنطلق من الفراغ‪ ،‬متجاوزة الملئ‬ ‫ّ‬ ‫اء الشكلية أو المتخذة‬ ‫بالقوالب الجاهزة‪ ،‬سو ٌ‬ ‫معينة ضيقة‪،‬‬ ‫كطريقة تفكير جمعية وفق رؤى ّ‬ ‫تتنافى مع االنفتاح الالزم لسبر أغوار العمق‬ ‫المتضمن‬ ‫والتماهي مع الداخل الالمتناهي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الصور واألشكال واألساليب الالمتناهية‪ ،‬الفراغ‬ ‫تفيض‬ ‫كأساس لألنطولوجية الذاتية‪ ،‬الفراغ الذي ُ‬ ‫منه النفحة الحيوية ليخلق عالما ليس إال عزلة‪،‬‬ ‫أو صحراءا ال ينتمي إليها أحد كما يرى بالنشو‪.‬‬


‫‪28‬‬

‫فالفن كما يرى‪ ،‬ذو صلة أوثق وأعمق بالفراغ‬ ‫ّ‬ ‫والصمت والموت منه إلى الملئ والحياة‪ ،‬لدرجة‬ ‫بحد ذاته يمكن‬ ‫ّأنه يستبعد الموت كموضوع ّ‬ ‫ألن الموت هو‬ ‫أن ُيعاَلج ضمن العمل األدبي‪ّ ،‬‬ ‫يلبث في ‪( faux pas‬الخطوة‬ ‫العمل ذاته‪ ،‬وال ُ‬ ‫يعد العمل الفني بال مؤلف‪ ،‬بمعنى‬ ‫الخطأ) أن ّ‬ ‫مسمى‪،‬‬ ‫أن الكتابة تخلق كائنا الشخصيا وغير ّ‬ ‫ف ذاته‪ ،‬ويختفي كإنسان حين‬ ‫بعد أن ُي ّبدد المؤّل ُ‬ ‫وكأن‬ ‫اإلبداعي‪،‬‬ ‫العمل‬ ‫أو‬ ‫يشرعُ في الخلق‬ ‫ّ‬ ‫الفراغ جذ ار‬ ‫المتّخذ من َ‬ ‫بالنشو ّ‬ ‫يتبنى الفكر التاوي ُ‬ ‫الملك والكون‪ .‬إذ (يستطيع‬ ‫وأساسا يولد عنه ُ‬ ‫قلب اإلنسان أن يصبح بوساطة الفراغ قاعدة‬ ‫ألن اإلنسان إذ يمتلك الفراغ‬ ‫نفسه‪ ،‬أو مرآتها ّ‬ ‫يجد نفسه عند منبع‬ ‫ويتماهى مع الفراغ األصلي‪ُ ،‬‬ ‫الصور واألشكال‪ّ .‬إنه يقبض على إيقاع المكان‬ ‫يتحكم بقانون التحول)‪)7( .‬‬ ‫والزمان؛ ّإنه ّ‬ ‫فالرؤية المميزة للذات والعالم تمثّل المنهج في‬ ‫المتعمقة المستكشفة‬ ‫بنية األدب الغربي‪ ،‬الرؤية‬ ‫ّ‬ ‫والمتجاوزة لها في آن‪ ،‬على عكس الرؤية‬ ‫الضيقة المنكمشة – في كثير من الحاالت –‬ ‫على ذاتها وعلى اآلخر‪ ،‬والمتخذة من االبتذال‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫والالمباالة والعبثية السطحية قاعدة لها كحالة‬ ‫ضية مستعصية عن بلوغ اإلبداع أو إدراكه‬ ‫مر ّ‬ ‫َ‬ ‫على أقل تقدير‪ ،‬إذ التزال الذائقة الجمالية‬ ‫العربية تعاني من االضمحالل والعجز عن‬ ‫رصد مكامن النشوة ومعايشتها‪ ،‬ورّبما قصائد‬ ‫الهايكو اليابانية خير مثال كنموذج جمالي رفيع‬ ‫ترك أث ار على مجمل الشعر العالمي‪ ،‬في حين‬ ‫مر على الذائقة العربية مرور الكرام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المراجع‪:‬‬

‫ ‪1-‬جهاد‪ ،‬كاظم‪ :‬مدخل إلى قراءة دريدا‪ ،‬مجلة‬ ‫فصول‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ص‪1990‬‬ ‫ ‪2-‬باث‪ ،‬أوكتافيو‪ :‬أطفال الطين‪ ،‬ص‪.80‬‬ ‫ ‪3-‬باشالر‪ ،‬غاستون‪ :‬الماء واألحالم‪ ،‬ترجمة د‪.‬علي‬ ‫نجيب إبراهيم‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫ ‪4-‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪90‬‬ ‫ ‪5-‬توني بارنستون وتشاوبينغ‪ :‬فن الكتابة‪ ،‬ترجمة‬ ‫د‪.‬عابد اسماعيل‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫ ‪6-‬باشالر‪ ،‬غاستون‪ :‬الماء واألحالم‪ ،‬ترجمة د‪.‬علي‬ ‫نجيب إبراهيم‪ ،‬ص‪.8‬‬ ‫ ‪7-‬شينغ‪ ،‬فرانسوا‪ :‬الفراغ والملء‪ ،‬ترجمة عدنان‬ ‫محمد‪ ،‬ود‪.‬صالح صالح‪ ،‬ص‪.66‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪29‬‬

‫األثر‬ ‫حين تصبح األمكنة جزرا‬ ‫‪P‬‬ ‫سعيد قاسم‬ ‫ألي حياة في‬ ‫في منطق‬ ‫التطور الطبيعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫مكان ما‪ ،‬األمر يكون من خالل ثالثية الزمان‬ ‫والمكان والحدث؛ تلك الثالثية المتناغمة التي‬ ‫تعتمدها اللغة أيضا في إحيائها لكلماتها‪ ،‬والشك‬ ‫أن جوهر هذه الثالثية هو الكائن الحي اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بصورة أساسية‪ ،‬والذي يعمل على تحقيق التناغم‬ ‫القابل للحد الممكن من الكمال والجمال‪.‬‬ ‫ّإننا اذ نعلم تماما أننا سنكون في زمن ما أث ار‬ ‫ُيحيل الى الذاكرة بتراتبية متالصقة مع الماضي‬ ‫والمستقبل في آن‪ ،‬لذلك نغرق في تشابهنا مع‬ ‫أفكار القادة الى ما نحن عليه‪ ،‬ونحلم أن تقود‬ ‫الى الصيغ األرقى لذلك التجّلي‪ ،‬وحين نفتقد‬ ‫ذلك نشعر بالغربة عن المكان‪ ،‬المستقبل‪،‬‬ ‫وعن األثر‪ ،‬فيبدو الرحيل في غايته ومفهومه‬ ‫المجهول حاجة أكثر منها رغبة بالوصول الى‬ ‫شيء آخر‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ال يمكن فهم مكان ما دو معرفة سياق‬ ‫تطوره الزمني الذي ُيحيل بدوره الى أحداث‬ ‫ّ‬ ‫سواء كانت حاضرة أو متوقعة أو أث ار يدل عليه‬ ‫في زمن مضى بخالف مع الجانب اآلخر من‬ ‫الحياة‪ .‬حياة البحر حيث ال وجود فيها لإلنسان‬ ‫أن اإلنسان‬ ‫تمعنا أكثر في الحالة سنجد ّ‬ ‫إو�ذا ما ّ‬ ‫هو الكائن الوحيد الذي يمكن أن يترك أث ار في‬ ‫عمق البحار‪ ،‬من خالل غرق باخرة أو سفينة‬ ‫أو ما شابه‪.‬‬ ‫يلزم‬ ‫ولم ُ‬ ‫إذن ما عالقة اإلنسان باألثر‪َ ،‬‬ ‫األثر كفعل الحياة أو كفعل وجود مضى؟!‬ ‫َ‬ ‫يدل على الحدث أكثر من داللته إلى‬ ‫األثر ُّ‬ ‫ليشكل‬ ‫المكان‪ ،‬الزمان أو الحدث في زمن معين ّ‬ ‫اء أكانت‬ ‫حلقة ْ‬ ‫وصل بتاريخ مضى‪ ،‬بذاكرتنا سو ٌ‬ ‫لكل منا‪ ،‬أو الذاكرة المجتمعية‬ ‫الذاكرة‬ ‫الخاصة ّ‬ ‫ّ‬

‫كآثار الحضارات التي يتشارك فيها شعب أو‬ ‫مجموعة من الشعوب‪.‬‬ ‫األمور تتشابه ليس من الناحية المادية‬ ‫فحسب‪ ،‬إو�ّنما من الناحية المعنوية إذ ّأننا‬ ‫نحمل في جوهر هويتنا‪ ،‬سواء أكانت الدينية‪،‬‬ ‫الثقافية‪ ،‬أو المجتمعية آثار تراكمات وجودنا‬ ‫ألن الوجود التاريخي لنا‬ ‫عبر مختلف العصور‪ ،‬و ّ‬ ‫يمتد إلى عقود مديدة فنحن نمتلك‬ ‫نحن الشرقيين ّ‬ ‫خزينة من البعد األثري الذي يجعل هويتنا تتّسع‬ ‫أكبر بكثير من وعينا لذلك االتساع أو العمق‪.‬‬ ‫األثر هو ما يجمعنا بالماضي وبالذاكرة‪،‬‬ ‫وكذلك الربط المعرفي لتلك اآلثار فيما بينها‪،‬‬ ‫ليشكل الهوية التي نحتفظ بها‪ ،‬فمن الطبيعي‬ ‫مدون بالعربية امتدادا‬ ‫أن تجد في أي ّ‬ ‫نص أدبي ّ‬ ‫أثريا لألدب الجاهلي‪ ،‬ومن الطبيعي كذلك أن‬ ‫نص كردي أث ار للشاعر الكردي‬ ‫تجد في أي ّ‬ ‫أحمدي خاني‪ ،‬بل يمكن القول مثال أن صفة‬ ‫التسامح والبعد العاطفي لإلنسان الكردي عموما‬ ‫تعود إلى تأثّره الشديد بقصة الحب المشهورة‬ ‫«مموزين»‪.‬‬ ‫يستدل الناقد األدبي اإليطالي أمبرتو ايكو‬ ‫ّ‬ ‫في كتابه النقدي «التأويل بين السيميائيات‬ ‫والتفكيكية « بتساؤل توماس األكويني ليثير‬ ‫تفكير القارئ عن مفهوم الزمن على نحو مغاير‬ ‫بإرادة الحدث التي تفوق إرادة هللا بتساؤله عن‬ ‫إمكانية إلغاء حدث ما من الوجود‪ .‬حدث المتعة‬ ‫وفض بكارتها ثم‬ ‫الجنسية لرجل اغتصب فتاة ّ‬ ‫تدخلت إرادة هللا فأعاد للفتاة عذريتها‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫ثم ألغى ما حدث من ذاكرة الفاعل والمفعول‬ ‫ّ‬ ‫تم‪ ،‬وال يمكن‬ ‫الحدث‬ ‫أن‬ ‫إال‬ ‫ا‪،‬‬ ‫و‬ ‫وجد‬ ‫إن‬ ‫الشهود‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلغاء عدم حدوثه حتى بإلغاء الزمان الذي‬ ‫حدث فيه‪.‬‬


‫‪30‬‬

‫أن الحدث هو جوهر الزمان‪ ،‬وال‬ ‫الفكرة هنا ّ‬ ‫تصور زمان ما بدون حدث‪ ،‬وال يمكن‬ ‫يمكن‬ ‫ّ‬ ‫اء أكان ماديا أو‬ ‫ّ‬ ‫تصور حدث بدون أثر‪ ،‬سو ٌ‬ ‫معنويا‪ ،‬فاستم اررنا في الزمان قائم كنتيجة‬ ‫يضخ الدماء‬ ‫طبيعية لحدث نبض القلب الذي‬ ‫ّ‬ ‫الى العروق‪.‬‬ ‫لكن ماذا لو زال األثر؟‬ ‫زوال األثر هو زوال السياق الزمني للحدث‬ ‫ما يعني زوال الذاكرة‪ ،‬وبالتالي تقّلص أبعاد‬ ‫الحد األدنى‪ ،‬مشهد الحرب في‬ ‫الهوية إلى‬ ‫ّ‬ ‫وكأنه عملية ممنهجة لزوال‬ ‫سوريا اآلن يبدو ّ‬ ‫األثر بأشكاله المادية والمعنوية سواء أكان‬ ‫بتدمير اآلثار التاريخية أو تدمير البنية الروحية‬ ‫والثقافية لإلنسان السوري واالستعاضة عنها‬ ‫المجرد من سياقاته التشاركية‪ ،‬سواء‬ ‫بالمختلف‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية والقومية لتحيل المناطق السورية إلى‬ ‫منطق ٍ‬ ‫طعة عن بعضها البعض‪.‬‬ ‫جزر مق ّ‬ ‫ليس األسوأ في قدر الجزر ّأنها تعيش حياة‬ ‫ألنه محكوم عليها‬ ‫الوحدة واالنتظار‪ ،‬إو�ّنما ّ‬ ‫ألن الزمن‬ ‫و‬ ‫ى‪،‬‬ ‫األخر‬ ‫األبدي عن األمكنة‬ ‫انعزالها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في جوهره ال يمكن أن يكون إال مرتبطا في‬ ‫يشكل جوهر‬ ‫تسلسل يحكمه الحدث‪ ،‬فالحدث ّ‬ ‫الزمان‪ ،‬فال زمن بدون حدث‪ ،‬وال يمكن أن‬ ‫يولد حدث إال ضمن تراتبية لها عالقة بالزمن‪،‬‬ ‫مجرد من التراتبية‪ ،‬أو‬ ‫ولذلك فزمن الجزيرة زمن ّ‬ ‫رّبما هو وحدة الزمن أو استراحته من تراتبية‬ ‫الماضي والحاضر والمستقبل‪.‬‬ ‫الجزيرة لها زمنها الخاص وحدثها الخاص‬ ‫الذي ال عالقة له بهذه التركيبة المتسلسلة من‬ ‫الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬وكذلك تبدو‬ ‫منعزلة عن السياقات األخرى‪ ،‬إذ يعزلها البحر‬ ‫عن العالم الخارجي؛ البحر الذي يرفض فكرة‬ ‫األثر‪ ،‬بل األثر فريسته التي سرعان ما يقضي‬ ‫عليها‪ ،‬ولذلك كان الرمل الصديق الوحيد للبحر‪،‬‬ ‫الصديق الذي يوافقه في رفض األثر‪.‬‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫من أنت في الجزيرة؟!‬ ‫ألنك في الجزيرة تربطك عالقة أخرى‬ ‫ّ‬ ‫بالمكان يمكن أن تكون لها فوضوية زمنية‪ ،‬وال‬ ‫أي تسلسل تنتمي‪ ،‬أو صخب‬ ‫يمكن معرفة إلى ّ‬ ‫جل حياته في قريته فيتسع‬ ‫عاش‬ ‫االنتماء لفالح‬ ‫ّ‬ ‫مفهوم الوطن في تلك البقعة الصغيرة من عالم‬ ‫يمتد في دواخله أكثر من امتداها الحقيقي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بحد ذاته‪ ،‬لذلك‬ ‫وطنا‬ ‫صغير‬ ‫تفصيل‬ ‫أي‬ ‫ل‬ ‫فتشك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحبذ التالعب بالطبيعة‪ ،‬بل استم ارريتها‬ ‫تجده ال ّ‬ ‫بالشكل الذي اعتاد عليه فتبعث في نفسه األمان‬ ‫والجمال‪.‬‬ ‫عصيا‬ ‫تحملك أث ار‬ ‫ّ‬ ‫إال أن الجزيرة يمكن أن ّ‬ ‫عصيا على االبتعاد أينما ذهبت‪،‬‬ ‫على النسيان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكيفما رحلت ستعيدك الجزيرة إليها‪ ،‬ولكن فقط‬ ‫يفضلون الموسيقا على الحرب‪،‬‬ ‫بالنسبة لمن ّ‬ ‫أولئك الذين تتجاوز عالقتهم بالمكان مقاسات‬ ‫األثر‪ ،‬والزمن ليظّلوا أسرى لحظات العشق‬ ‫والسالم‪ ،‬تماما كما حدث مع الضابط اإليطالي‬ ‫كوريلي في الفيلم األمريكي اإليطالي( (�‪man‬‬ ‫‪ )dolino del capitano Corelli‬حين أسره‬ ‫المكان وأهل المكان‪ ،‬فلم يسعفه البعد واالبتعاد‪،‬‬ ‫جره الزمن والبعد إلى اللحظة التي عشق‬ ‫إو�ّنما ّ‬ ‫فيها المكان‪.‬‬ ‫ما يحدث اآلن في سوريا بتجريد أمكنتها‬ ‫من تسلسها الزمني‪ ،‬من تاريخها ومن التطور‬ ‫الطبيعي لزمن يمكن أن يرتبط بأحداث اعتيادية‬ ‫فيها يمكن أن تترك أث ار مرتبطا بما مضى‪،‬‬ ‫كتذكرنا لعالقة صداقة‪ ،‬لعالقة حب‪ ،‬لعناق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أو كفعل مساعدة وعالقة ذلك بقصص من‬ ‫الموروث االجتماعي‪.‬‬ ‫األمكنة السورية أصبحت مثل الجزر‪،‬‬ ‫ولكن ليس كتلك الجزر التي عادة ما يأتيها‬ ‫زائر ليغير من تاريخها‪ ،‬إو�ّنما الجزء الذي‬ ‫يلغي تاريخها بزوار جدد يحّلون مكان أهلها‬ ‫ألنها؛ أي األمكنة‪ ،‬ليست جزرا‪ ،‬من‬ ‫األصليين‪ّ ،‬‬ ‫خالل حصارها بالمختلف عنها‪ ،‬إو�نما هي جزر‬ ‫زمنية أيضا‪ ،‬حيث يكون الحاضر منفصال عن‬ ‫الماضي والمستقبل والهوية والحلم‪.‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪31‬‬

‫رؤى في الحقـل النقدي‬ ‫‪P‬‬ ‫محمد مجيد حسين‬ ‫أ‬ ‫خ�ة للفلسفة ستكون مهمة نقدية‪ ،‬وال مكان تقوم عليها إال بالعودة إىل جوهرها الأصيل‪،‬‬ ‫(المهمة ال ي‬ ‫ال ن‬ ‫نسا�)‪.‬‬ ‫فلطالما كانت الفلسفة لحظة نقدية للواقع إ ي‬ ‫هربرت ماركيوز‪ ،‬أحد رواد مدرسة فرانكفورت الفكرية‬ ‫إذا استندنا على هذا التوصيف العميق ألهمية‬ ‫الفكر النقدي نستطيع أن نستنتج توصيفا مواكبا‬ ‫ومستوفيا لمتطّلبات اإلنسان المعاصر‪ ،‬فالنقد‬ ‫رحلة شاقة في عالم المعرفة يهدف إلى الوصول‬ ‫إلى كامل الحقيقة‪ ،‬عبر سياق ينقسم في متنه‬ ‫على المراحل التالية؛ الوصف‪ ،‬التحليل‪ ،‬التقييم‪،‬‬ ‫مرتك از في بحثه على العقل والنقد المستمر لخلق‬ ‫مناخ أكثر مالئمة لإلنسان‪.‬‬ ‫التطور‬ ‫التفكير النقدي هو من سمات‬ ‫ّ‬ ‫فعال‬ ‫المعرفي‪ُ ،‬‬ ‫حيث ّ‬ ‫يؤهل اإلنسان لتشكيل دور ّ‬ ‫في البناء المعرفي للنسيج االجتماعي‪ ،‬الثقافي‪،‬‬ ‫الحضاري‪ ،‬فالمعرفة عند كانط تتألف من‬ ‫عنصرين؛ المادة والصورة‪ ،‬في حال اتحادهما‬ ‫معا‪ ،‬وأما النقد الذي يرتكز في متنه على‬ ‫تتشكل نتيجة القراءات المكثّفة‬ ‫المعرفة‪ ،‬والتي‬ ‫ّ‬ ‫المركزة لالطالع على مختلف الثقافات‪،‬‬ ‫و ّ‬ ‫تطورت بتسلسل‬ ‫ودراسة تاريخ األفكار‪ ،‬والتي ّ‬ ‫زمني على مراحل‪ ،‬كنتيجة لبحث اإلنسان عن‬ ‫حياة أفضل‪.‬‬ ‫يعود الفضل في نشوء الفكر النقدي كعلم‬ ‫ركز‬ ‫ودراسة إلى مؤسسه عمانوئيل كانط‪ ،‬الذي ّ‬ ‫لتطور المجتمعات‬ ‫على أهمية النقد كمرتكز‬ ‫ّ‬ ‫تبنى أفكاره وتحاليله‪ ،‬ومن ثم‬ ‫وتبعه هيجل الذي ّ‬ ‫المنتَقدة‬ ‫انتقده آخذا المسافة بين النقد والمواضيع ُ‬ ‫كركيزة أساسية للوصول إلى النتائج المؤسسة‬ ‫لفكر يجيب عن التساؤالت المكنونة لدى المرء؛‬ ‫أن هيجل أعطى أهمية بالغة للبعد النقدي‬ ‫أي ّ‬ ‫الذي من شأنه وضع األفكار ضمن أطر أكثر‬ ‫موضوعية‪.‬‬

‫فك الطالسم‬ ‫إو�ذا ما حاولنا‬ ‫المضي قدما في ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأن عدم‬ ‫المعيقة لعملية‬ ‫التطور الفكري‪ ،‬نجد ّ‬ ‫ّ‬ ‫وجود ثقافة النقد في المجتمعات التي التزال‬ ‫تعيش تحت وطأة الدين الذي ماتزال قوانينه‬ ‫ستتطور هذه المجتمعات‪،‬‬ ‫فوق النقد‪ ،‬فكيف‬ ‫ّ‬ ‫المكون‬ ‫فالنقد يمثّل اللِبنة األساسية في العمران‬ ‫ّ‬ ‫لشخصية الفرد شريطة مواكبة الدافع الحماسي‬ ‫لنظيره الموضوعي‪.‬‬ ‫لتطور الفكر في‬ ‫بالعودة إلى الخ ّ‬ ‫ط البياني ّ‬ ‫مواجهة السلطة المنبثقة من دوافع اإلنسان‬ ‫الباحث دوما عن أمجاد تروي ظمأ األنا‬ ‫مرت بها أوروبا‬ ‫فيه‪ ،‬نرى ّ‬ ‫أن المراحل التي ّ‬ ‫رغم اتخاذ المجتمع هناك خطوات تاريخية في‬ ‫التطور‪ ،‬بدءا من فصل السلطتين الزمنية‬ ‫مسار‬ ‫ّ‬ ‫والروحية‪ ،‬مرو ار بالثورة الفرنسية‪ ،‬ووصوال إلى‬ ‫صبت معظم القراءات‬ ‫عصر األنوار‪ ،‬عندها ّ‬ ‫في خانة التفاؤل وتنبأ األوربيون بمجتمع سلمي‬ ‫حيوي تسودهُ قوانين متناسبة طردا مع رغبات‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ولكن صدم الغرب بحربيين عالميتين‬ ‫وبماليين الضحايا‪ ،‬كانت تمهيدا للوصول إلى‬ ‫إكسير تلك األفكار لتطبيقها بعد الترويع الذي‬ ‫مروا به في الحرب‪.‬‬ ‫هنا قد‬ ‫بأن الدوافع الداخلية للفرد‬ ‫نستشف ّ‬ ‫ّ‬ ‫توجها مغاي ار لما يراه‬ ‫تلتقي مع مثيالتها ّ‬ ‫لتشكل ّ‬ ‫العقل‪ ،‬فاإلنسان عالم غامض وغاية في التعقيد‬ ‫في باطنه‪ ،‬هذه الدوافع أحيانا تقود المرء نحو‬ ‫المحرك‬ ‫تخلق خلال غير متناه في العمق‬ ‫أجواء‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫المحرض آللية توجيه طاقات اإلنسان صوب‬ ‫و ّ‬ ‫ن‬ ‫مساحات تستهلك طاقاته دو جدوى‪.‬‬


‫‪32‬‬

‫إو�ذا ما تناولنا فكرة االنتماءات بمختلف‬ ‫أنواعها‪ ،‬والتي ال تناسب مفاهيم وقيم العصر‪،‬‬ ‫فهي غير خاضعة بالدرجة األولى لرغبات المرء‬ ‫مخيرا‪ ،‬وبالدرجة‬ ‫الداخلية‪ّ ،‬‬ ‫ألنه لم يكن فيها ّ‬ ‫الثانية ال تكون على األرجح متناسبة طردا مع‬ ‫المشتركات‪ ،‬التي بدورها تنشأ كنتيجة منطقية‬ ‫للتطور التكنولوجي على سبيل المثال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بالعودة إلى السياقات التي نما الفكر النقدي‬ ‫كل البعد‬ ‫طياتها‪ُ ،‬‬ ‫نجد ّ‬ ‫في ّ‬ ‫بأن الشرق بقي بعيدا ّ‬ ‫التطور في هذا المنحى ألسباب‬ ‫عن سرب‬ ‫ّ‬ ‫المفكر السوري أدونيس الذي‬ ‫جوهرية‪ ،‬بحسب‬ ‫ّ‬ ‫دعا إلى القطيعة الكاملة مع الموروث الديني‬ ‫وبناء جبهة علمانية في مواجهة التطرف الديني‪،‬‬ ‫نجد‬ ‫إو�ذا ما حاولنا دراسة الفكر الديني اإلسالمي ُ‬ ‫ّأنه قد نشأ عنيفا ولم يكن تبشيريا‪ ،‬بل كان عنيفا‬ ‫أن الخليفة الثني والثالث‬ ‫ومفروضا‪ُ ،‬‬ ‫ونجد كيف ّ‬ ‫والرابع قد قتلوا قتال‪ ،‬وكذلك أريقت دماء كثيرة‬ ‫في محاولة نشره‪ ،‬وذلك أيضا بحسب أدونيس‪.‬‬ ‫ظاهرة العنف الديني وأهمية النقد‪ ،‬داعش‬ ‫نموذجا‬ ‫إن بقاء هذه األفكار والتعاليم العنفية بهذه‬ ‫ّ‬ ‫الحيوية والنشاط رغم مرور أكثر من ‪1400‬‬ ‫سنة على نشأتها يدلل على وجود قائمة من‬ ‫تضع ما هو ديني خارج إطار‬ ‫المسلمات‪ ،‬والتي‬ ‫ُ‬ ‫محصنة وجاهزة‬ ‫النقد‪ ،‬لذلك بقيت هذه األفكار‬ ‫ّ‬ ‫كل زمان‪ ،‬شريطة توّفر المناخ‬ ‫للتطبيق في ّ‬ ‫المحرض لها‪.‬‬ ‫المناسب و ّ‬ ‫هنا تصبح الرؤى أكثر شفافية من ذي‬ ‫أن اإلنسان الشرقي وخاصة المسلم‬ ‫قبل‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ألن الغيبيات‬ ‫المتذمر ال يملك طاقة للتغيير‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫المكون لشخصيته التي‬ ‫النسيج‬ ‫في‬ ‫متداخلة‬ ‫ّ‬ ‫أي أخفاق إلى القدرة الغيبية‪ ،‬فمثل هكذا‬ ‫تعيد ّ‬ ‫نموذج من الشخصية ال تمتلك القدرة على خلق‬ ‫ِ‬ ‫صدامات نفسية مغلقة من شأنها فتح ممرات‬ ‫تؤدي بدورها إلى الجرأة‪،‬‬ ‫جديدة تفضي إلى رؤى ّ‬ ‫كما يقولها كانط (تج أر واستخدم عقلك)‪.‬‬ ‫على غرار ما جرى في الغرب كما أسلفنا‬ ‫عندما تم فصل السلطتين عن بعضهما ومنح‬ ‫أهمية للعقل‪ ،‬ووصل الفالسفة وبخاصة األلمان‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫أن اإلنسان هو صانع‬ ‫إلى عدة نتائج‪ ،‬أحدها ّ‬ ‫لظروفه التاريخية‪ ،‬فهو بالعمل واإلرادة يصل‬ ‫إلى المكانة التي يستحّقها‪ ،‬على عكس ما هو‬ ‫مسير‬ ‫متداول في مجتمعاتنا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حيث اإلنسان ّ‬ ‫تخضع لمنطق‬ ‫ال‬ ‫منظومة‬ ‫تحركه الغيبيات وفق‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫كأن اإلنسان الشرقي ولد منّفذا لجملة‬ ‫العقل‪ّ ،‬‬ ‫من السلوكيات بعيدة عن منظومة التفكير‬ ‫الباحث عن حياة أفضل بالعمل المدروس‪،‬‬ ‫والخاضع للعقل العملي والمسند إلى النقد‬ ‫المستمر‪ ،‬للوصول إلى األجواء المتاحة لخلق‬ ‫المناخ األكثر مالئمة لإلنسان‪.‬‬ ‫تبنى‬ ‫وبالعودة إلى النموذج الغربي الذي ّ‬ ‫للتطور واإلبداع‬ ‫النقد واستطاع أن يهيأ األجواء‬ ‫ّ‬ ‫رغم وقوعه في المحظور مرتين كما أسلفنا‪،‬‬ ‫أي الحربين العالميتين وبخسائر مريعة‪،‬‬ ‫ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية جلس‬ ‫المتحاربون على طاولة الحوار‪ ،‬وقرروا بناء‬ ‫بلدانهم وتجاوزوا الخالفات رغم عمقها‪ ،‬فهم‬ ‫يؤسس‬ ‫كانوا يمتلكون أرضية لثقافة النقد الذي ّ‬ ‫دوما آلراء ومقترحات جديدة من شأنها تلبية‬ ‫متطلبات اإلنسان العصري‪.‬‬ ‫رغم بروز الفكر الشيوعي وتأسيسه حلفا‬ ‫برئاسة االتحاد السوفيتي الذي أصبح قوة‬ ‫عظمى آنذاك سمي بحلف وارسو‪ ،‬وقابله حلف‬ ‫آخر حمل الفكر الليبرالي لواؤه بقيادة الواليات‬ ‫المتحدة األمريكية‪ ،‬ورغم تضارب مصالح‬ ‫الحلفين فلم يصطدما بشكل مباشر‪ ،‬إال في‬ ‫حاالت نادرة وبشكل جزئي‪ ،‬وبقي الصراع‬ ‫محصو ار على الصعيدين السياسي واالقتصادي‪،‬‬ ‫فهم استفادوا من التجارب السابقة وانتقدوا ذاتهم‬ ‫ثم إدارة مجتمعاتهم؛ أي ما‬ ‫في البداية‪ ،‬ومن ّ‬ ‫يسمى بالديمقراطية رغم عدم اكتمالها‪ ،‬والتي‬ ‫لتقبل الفكر النقدي واالستفادة من‬ ‫تؤسس الفرد ّ‬ ‫ّ‬ ‫مختلف اآلراء التي من شأنها اإلجابة على‬ ‫معظم التساؤالت التي تراود المرء‪.‬‬ ‫هنا نصل إلى استنتاج غاية في األهمية‬ ‫وهو العالقة بين الديمقراطية ونمو الفكر النقدي‬ ‫الذي من متطلبات تواجده وجود ثقافة الحوار‬ ‫الذي يؤسس لثقافة أخرى تكون بدورها مرحلة‬ ‫هامة في الطريق نحو النمو الصائب للفكر‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫النقدي‪ ،‬وهذه الثقافة هي ثقافة قبول اآلخر‬ ‫المتطور‪ ،‬إو�ذا ما تناولنا عائق آخر‬ ‫المختلف و‬ ‫ّ‬ ‫في طريق الفكر النقدي في مجتمعاتنا نصل‬ ‫إلى سلطة أخرى أال وهي سلطة العائلة‪ ،‬هذه‬ ‫األخيرة غير موجودة في الغرب بالكاد‪ ،‬فالنظام‬ ‫الذكوري األحادي الرؤية الذي يقود سلطة‬ ‫العائلة؛ تلك المؤسسة المترهلة‪ ،‬فكيف سينمو‬ ‫فرد ضمن أطر مؤسسة مترهلة وتقودها سلطة‬ ‫ق‬ ‫المثقل بالموروث‬ ‫أحادية الرؤية‪ .‬هذا هو الشر ُ‬

‫‪33‬‬

‫والمسلمات والمستكين للفكر الغيبي‪ ،‬فكيف‬ ‫سيعمل العقل في هكذا أجواء!‬ ‫ُ‬ ‫النقد علم متجدد يعتمد في نسيجيه على‬ ‫االستم اررية للوصول إلى أعلى الدرجات التي‬ ‫من شأنها اإلجابة عن تساؤالت العصر‪،‬‬ ‫ومتطلبات اإلنسان وتحرير العقل من الوظيفية‬ ‫للوصول إلى مجتمع سلمي يكمل فيه الرادع‬ ‫القانوني نظيره األخالقي‪.‬‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪34‬‬

‫المخاطَ​َرِة جزءٌ من النَّجاة»‬ ‫«في ُ‬ ‫أو‪ :‬مقـاربة لدالالت البحر‬ ‫‪P‬‬ ‫جوان تتر‬ ‫ن‬ ‫أوقف� ي ف� البحر فرأيت المراكب تغرق والألواح ت َـ ْسـلم‪ ...،‬ثم غرقت الألواح‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وقال يل‪ :‬ال يسلم من ركب‪.‬‬ ‫وقال يل‪ :‬خاطر من ألقى نفسه ولم يركب‪.‬‬ ‫وقال يل‪ :‬هلك من ركب وما خاطر‪.‬‬ ‫وقال يل‪ :‬ي ف� المخاطرة جزء من النجاة‪.‬‬ ‫هذا ما كتبه النفر ّي‬ ‫المتصوف منذ أعوام‬ ‫ّ‬ ‫الغرق بمعناه‬ ‫بما لم ُ‬ ‫يكن يقصد َ‬ ‫طويلة مضت‪ ,‬ر ّ‬ ‫الحرفي الموجود في ثنايا الكلمات‪ ,‬أو ما توحي‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫إليه المفردات‪ ,‬ولكن بنظرة بسيطة سيتأللئ ّ‬ ‫كل ما كان يعنيه النفر ّي‬ ‫شيء بسهولة بالغة‪ّ ,‬‬ ‫ِ‬ ‫يك يعني‬ ‫هو ّ‬ ‫أن البحر ُيهلك‪ ,‬بكل تأكيد لم ُ‬ ‫ِ‬ ‫إنما كان يعني‬ ‫البحر كما هو اآلن في َّ‬ ‫الراهن‪ّ ,‬‬ ‫ِ‬ ‫يمكن له أن‬ ‫بمفهومه القديم؛ البحر الذي‬ ‫البحر‬ ‫ُ‬ ‫يحة الصوفيَّة في أوقات من العصف‬ ‫ر‬ ‫الق‬ ‫يوِقد‬ ‫َ‬ ‫بما يشير إلى طريقة ما في‬ ‫الذهني الشديد أو ر ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفكير‪ ,‬وفي أغلب األحوال يشير إلى العشق‬ ‫في مراحله العليا‪.‬‬ ‫كل التراكيب بدءا‬ ‫في‬ ‫يدخل‬ ‫عنصر‬ ‫البحر‬ ‫ّ‬ ‫من الشعر ومرو ار بالمسرح والسينما‪ ،‬وليس‬ ‫اليومية المعتادة‪,‬‬ ‫انتهاءا بالرواية‪ ،‬وحتّى الحياة‬ ‫ّ‬ ‫سيدل البحر على رحابة الصدر ووسع‬ ‫رّبما‬ ‫ّ‬ ‫ولعل‬ ‫الدالالت‪،‬‬ ‫من‬ ‫العديد‬ ‫إلى‬ ‫وسيرمز‬ ‫القلب‬ ‫ّ‬ ‫الرحمة‪.‬‬ ‫أبسطها ّ‬ ‫البحر راويا‪:‬‬ ‫ال يكون‬ ‫الشاهد الوحيد‬ ‫ما‬ ‫إن‬ ‫اويا‪,‬‬ ‫ر‬ ‫البحر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتكون‬ ‫على العناصر والجزيئات البسيطة التي ّ‬ ‫أن تلك الجزيئات‬ ‫أي حدث‪َّ ,‬إل ّ‬ ‫منها الحدث‪ّ ,‬‬ ‫تتضافر ِّ‬ ‫لتكون حكاية سحرّية‪ ,‬ما من رقابة على‬ ‫النوارس‪.‬‬ ‫البحر سوى األمواج و ّ‬ ‫ُذ ِكر البحر في أكثر من مكان روائي‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫السور ّي َّ‬ ‫(حنا مينة) هو أكثر من قام بدمجه‬

‫ٍ‬ ‫جعل من‬ ‫وكأن (مينة)‬ ‫كعنصر حكائي ثر ّي‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أقرب إلى البشر ّي الذي يملك َّ‬ ‫خزانا‬ ‫البحر‬ ‫َ‬ ‫للذاكرة منه إلى شيء طبيعي منتشر في الكون‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫شيء جامد‪ ,‬يخدم الطبيع َة في ُّ‬ ‫تبدالتها‪ ,‬لكن‬ ‫على األرجح (مينة) لم ُيفلح في أن يجعل من‬ ‫فكل الشخوص في رواياته‬ ‫البحر راويا بامتياز‪ّ ,‬‬ ‫هم على عالقة مع البحر فقط‪ ,‬ال دور للبحر‬ ‫ِ‬ ‫مكمل ألدوار الشخوص في الحكاية‪,‬‬ ‫سوى ّأنه ّ‬ ‫ما من فسحة للبحر ألن َّ‬ ‫يتحدث ويروي بهدوء‬ ‫عطب ما‬ ‫ثمت‬ ‫ما جرى أو ما سيجري‪ ,‬ولكن َّ‬ ‫ٌ‬ ‫أن البحر‬ ‫في التكوين‪,‬‬ ‫الع َ‬ ‫طب هو ّ‬ ‫ومكمن َ‬ ‫َ‬ ‫خاصة العر ّبية‬ ‫يتحول في أغلب الروايات –‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جسر ما خفي‬ ‫ه‬ ‫وكأن‬ ‫منفصل‪،‬‬ ‫مكان‬ ‫إلى‬ ‫منها‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫كأن‬ ‫المفتَرضة‪ّ ,‬‬ ‫يربط فقط بين ّ‬ ‫مكونات الحكاية ُ‬ ‫ِ‬ ‫كمحدد‬ ‫الموكل إلى البحر هو استخدامه‬ ‫األمر‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫افية التي تدور ضمنها األحداث‬ ‫للرقعة الجغر ّ‬ ‫ليس ّإل‪ ,‬أيضا استُ ِ‬ ‫خدم البحر كمدلول على‬ ‫الر ِ‬ ‫حابة و ِ‬ ‫السعة فقط‪ ,‬أو رّبما لتوطيد العالقة‬ ‫ّ‬ ‫بين الشخوص والمكان‪ ,‬البحر كمدلول مكاني‬ ‫ّ‬ ‫كما أسلفنا‪ ,‬ال شيء ِ‬ ‫يعادل البحر امتالءا!‪,‬‬ ‫يشير إليه الراوي بأصبعه‪،‬‬ ‫هذا هو بالضبط ما ُ‬ ‫َّ‬ ‫وكأنه يهمس في أذنك « انظر‪ ,‬يا له من مكان‬ ‫كل ما في األمر‪ ,‬ما من دالالت‬ ‫واسع!» وهذا ُّ‬ ‫أن البحر بإمكانه أن يأخذ دور‬ ‫توحي إليك ّ‬ ‫بكل بساطة‪ ,‬هذا ينطبق على أعمال‬ ‫ّ‬ ‫الراوي ّ‬ ‫الروائي (عبد الرحمن منيف) و(ابراهيم جبرا)‬ ‫يخص‬ ‫ممن تناولوا البحر‪ ,‬هذا فيما‬ ‫ُّ‬ ‫وآخرين ّ‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫البحر عربيَّا‪ ,‬وعلى الجانب اآلخر استفاد‬ ‫لكل‬ ‫الغرب رو ّ‬ ‫ائيا من البحر بأن يكون مصد ار ّ‬ ‫دال على‬ ‫عنصر‬ ‫هو ٌّ‬ ‫حكائي ضمن رواية‪ ,‬فما َ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫جلي هناك‪ ,‬الغر ‪ ,‬الذي يساوي الهالك‬ ‫البحر ٌّ‬ ‫الرمز غير واضح في الرواية‬ ‫ا‬ ‫بم‬ ‫ر‬ ‫تأكيد‪,‬‬ ‫بكل‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن اآلخر األجنبي ربط ما بين البحر‬ ‫العر ّبية‪ّ ,‬إل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والغرق‪ ,‬عموما البحر في الرواية الغر ّبية بات‬ ‫أكثر وضوحا وداللة وتجريدا‪ ،‬ليس همنغواي إال‬ ‫نموذجا ظاه ار عنها‪.‬‬ ‫البحر شاعرا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الغموض‪ ,‬من أكثر ما يثب إلى الذهن‬ ‫خالل قراءة مفردة (البحر) في قصيدة ما‪ ,‬أو‬ ‫رّبما يرمز أحيانا إلى هدوء ما‪ ،‬غير ُمبان‪ ،‬وفي‬ ‫للصخب بفعل‬ ‫هنيهة أيضا‬ ‫ّ‬ ‫يتحول إلى رمز ّ‬ ‫األمواج‪ ,‬التي هي حركة تعبيرّية للبحر‪ ,‬بات‬ ‫دال على ضياع ما‪ ,‬هناك‬ ‫البحر في الشعر ّ‬ ‫التباس متّفق عليه في رمزّية البحر إو�شاراته‬ ‫شعرّيا‪ ,‬هذا االلتباس ُيغلق أبواب التفاسير إلى‬ ‫كل شاعر أن يستخدمه كعنصر‬ ‫ما النهاية‪ ,‬يكاد ّ‬ ‫خاص به يسقط من خالله ما يعتَ ِور في داخله‬ ‫ّ‬ ‫تؤسس‬ ‫التي‬ ‫َّة‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫الشعو‬ ‫القاعدة‬ ‫هي‬ ‫شكوك‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫لنص ما‪ ,‬على األغلب ال يمكن االستدالل‬ ‫ّ‬ ‫على مدى نجاح الشعر في اقتناص اللحظة‬ ‫ومرد ذلك ما تشير‬ ‫(البحريَّة)‪ ,‬إن َ‬ ‫جاز التعبير‪ّ ,‬‬ ‫إليه المفردة من عنفوان وتحايل في بعض‬ ‫الشاعر‪ ,‬الجميع‬ ‫يخيل إلى ّ‬ ‫اللحظات‪ ,‬هذا ما ّ‬ ‫تحدث عن _أو_ جعل من‪ /‬البحر في قصيدته‬ ‫ّ‬ ‫كعكازة الكهل‪ ,‬يستند عليها فقط وال يمضي نحو‬ ‫ّ‬ ‫هو مختلف عن‬ ‫الذي‬ ‫الداخل‬ ‫العميق‪,‬‬ ‫داخله‬ ‫َ‬ ‫استقصائية للبحر شع ار‬ ‫ظاهر الجلي‪ ,‬في نظرة‬ ‫ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متكوما بين ثنايا‬ ‫«الالشيء»‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫على‬ ‫سنعثر‬ ‫ّ‬ ‫أجل‪ ,‬هناك مفردة (البحر)‪,‬‬ ‫النصوص الشعرّية‪َ ,‬‬ ‫ولكنها تصطدم بالغياب حتما‪ ,‬أي‬ ‫ّإنها حاضرة ّ‬ ‫مفرغة من المعنى‬ ‫ّأنها تأتي بشكل‬ ‫اعتباطي‪ّ ,‬‬ ‫ّ‬ ‫بما أو الالنهاية أو األفق!‪.‬‬ ‫ر‬ ‫االمتداد‬ ‫الجوهر‪,‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫نصوص البحر‪ ,‬ولكن الكثرة ال‬ ‫هي‬ ‫عديدة‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أي دور في إضفاء األهميَّة أو تغيير‬ ‫تلعب ّ‬ ‫ن‬ ‫المدو ‪.‬‬ ‫المراد‬ ‫ُ‬ ‫إيصاله داخل ّ‬ ‫النص ّ‬ ‫الفحوى ُ‬

‫‪35‬‬

‫سورياً ‪:‬‬ ‫البحر‬ ‫َّ‬ ‫ائيا‬ ‫كل ما سبق كان تُجواال في المعنى‪ ,‬رو ّ‬ ‫ّ‬ ‫بما هو سرد ناقص ال طائل منه‪,‬‬ ‫ر‬ ‫ا‪,‬‬ ‫وشعرّي‬ ‫ّ‬ ‫يستكشف الكمال‬ ‫رد‬ ‫الس‬ ‫ذلك‪,‬‬ ‫من‬ ‫غم‬ ‫الر‬ ‫وعلى‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫في المعنى ليصل‪ ,‬وإلتمام السرد األساسي يغدو‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ضرَبا‬ ‫المعاش َ‬ ‫الحديث عن البحر والغر السور ّي ُ‬ ‫بحد ذاته‪ ,‬هذا التناقض ما بين‬ ‫من االلتباس ّ‬ ‫الغوص في معنى البحر جماال وما بين الغوص‬ ‫السير‬ ‫فيه أيضا‪ ,‬إنما غرقا ِوموتا‪ ,‬ال محيد عن ّ‬ ‫الخطرة لدالالت المعنى‪.‬‬ ‫بمحاذاة الخطوط َ‬ ‫ادف الّلصيق للبحر الهائج الذي‬ ‫َ‬ ‫الغ َرق‪ ,‬المر ُ‬ ‫مشهد‬ ‫تهاجر نحو الغياب‪,‬‬ ‫ة‬ ‫غض‬ ‫أجسادا‬ ‫يلفظ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫تبدلته الم ِ‬ ‫ي‬ ‫اح‬ ‫و‬ ‫أر‬ ‫تة‪,‬‬ ‫باغ‬ ‫في‬ ‫للبحر‬ ‫آخر‬ ‫بصر‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫تضرب بأجنحتها جزيئات‬ ‫س‬ ‫ار‬ ‫و‬ ‫كن‬ ‫فرف‬ ‫تر ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الهواء فوق عرض البحر‪ ,‬أو في أحسن األحوال‬ ‫الشاطئ بال أحد‪,‬‬ ‫تشنجة‬ ‫ٌ‬ ‫مرمية على ّ‬ ‫جثث ُم ّ‬ ‫ّ‬ ‫أي إشارة‪,‬‬ ‫دونما‬ ‫المكان‬ ‫تملئ‬ ‫األوهام‬ ‫فقط‬ ‫ّ‬ ‫البحر ال ير ُيد كائنات غريبة في جوفه‪ ,‬أيضا‬ ‫كل‬ ‫هنا دالل ٌة ما‪ ,‬داللة على رفض للسور ّي في ّ‬ ‫مكان‪ ,‬حتى البحر يغلق أبوابه الواسعة في وجوه‬ ‫بحدة ووقاحة!!‬ ‫السورّيين ّ‬ ‫نهاية البحر ‪:‬‬ ‫مع الغرق‬ ‫ي‬ ‫ثمت نهاي ٌة ما للبحر‬ ‫السور‬ ‫ّ ّ‬ ‫متعارف عليه‬ ‫مما هو‬ ‫ٌ‬ ‫على العكس تماما ّ‬ ‫رم از للبحر‪ ,‬الالنهاية!!‪ ,‬الالنهاية التي عندما‬ ‫مطرزة بالموت‬ ‫يصطدم السور ّي بها تغدو نهاية ّ‬ ‫المجاني‪ ,‬الموت ألجل الشيء وفي بحر‬ ‫ّ‬ ‫يب وألجل أسباب غائصة في الغرابة‪ ,‬بقدرة‬ ‫غر ْ‬ ‫تحول‬ ‫ين‬ ‫ر‬ ‫المهاج‬ ‫من‬ ‫ين‬ ‫ر‬ ‫المغام‬ ‫و‬ ‫بين‬ ‫المهر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نسج‬ ‫مادة‬ ‫مادة فكرّية‪ّ ,‬‬ ‫البحر سورّيا إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫خيالية تُ َ‬ ‫تتبدل إلى روايات‬ ‫العدسات ومن ثم ّ‬ ‫من خالل َ‬ ‫كل ما يراه السور ّي من البحر‬ ‫أشعار ساذجة‪ّ ,‬‬ ‫و َ‬ ‫ِ‬ ‫أي‬ ‫الراهن من ّ‬ ‫في ّ‬ ‫األيام والّلحظات ال يماثله ّ‬ ‫أمر مهما بلغت قساوته ووضوح داللته‪ ,‬بعد أن‬ ‫شعبيا‬ ‫كانت الموسيقا واألغاني والعادات تراثا‬ ‫ّ‬ ‫أو مصطلحا ( فولكلور) أصبح الغرق السور ّي‬ ‫فولكلو ار باه ار لآلخر وللسور ّي ذاته‪ ,‬ذلك الغرق‬ ‫كل شيء‬ ‫لحل ما‪ُّ ,‬‬ ‫يتمعن ّ‬ ‫ّ‬ ‫النظر فيه دون جدوى ّ‬ ‫نحو الهالك يسير وبخطوات ثابتة‪ ,‬كل شيءٍ‬ ‫ّ‬ ‫نحو الهباء والفراغ‪.‬‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪36‬‬

‫للريح ‪ ..‬للغبار‪ ،‬ولشمدينو أيضا!‬ ‫‪P‬‬ ‫إلى روح الفنان عمر حسيب في ذكرى رحيله السابع عشر‬

‫محمد باقي محمد‬

‫لوحة للفنان عمر حسيب‬ ‫هي ذي الذاكرة ترتحل خطفا إلى الخلف‪،‬‬ ‫نحو ماض أثيث ودافىء‪ ،‬لتتزاحم الصور‬ ‫واألخيلة كأفراس راحت تحمحم في مسرح‬ ‫تصرمت على‬ ‫الذاكرة‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫أن اثنتا عشرة سنة ّ‬ ‫أن‬ ‫الرحيل‬ ‫الفاجعي للفنان عمر حسيب‪ ،‬غير ّ‬ ‫ّ‬ ‫خيلة ماض‬ ‫القامة الناحلة ماتزال مورقة في ُم ّ‬ ‫راح ينأى حثيثا!‬ ‫كان عمر عائدا من دمشق برفقة زوجته‬ ‫لما تكن قد تجاوزت العامين من‬ ‫وطفلته‪ ،‬التي ّ‬ ‫الممعن‬ ‫عمرها بعد‪ ،‬فجأة‬ ‫ّ‬ ‫اختل انتظام الطبيعة ُ‬ ‫في حصار كائناته! كيف اعترضت شاحنة‬ ‫هوجاء الطريق‪ ،‬لتصطدم بالحافلة التي كانت‬ ‫روعة!؟‬ ‫تقّلهم‪ُ ،‬ليسفر الحادث عن نتائج ُم ّ‬ ‫وحدها الريح تخفي الجواب طي الكتمان! كان‬ ‫ّ‬ ‫عدد الضحايا كبيرا‪ ،‬وكان عمر وزوجته والطفلة‬ ‫من ضمنهم!‬

‫هناك‪ ،‬على المقبرة كان الموت بمعناه‬ ‫ثم أخذ يعلو‬ ‫المادي‬ ‫ّ‬ ‫الكلي الحضور حاضرا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫المكابد قصيدة‬ ‫الحضور‬ ‫وكان‬ ‫‪،‬‬ ‫جنائز‬ ‫يف‬ ‫كعز‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ثم كيف لنا أن ننسى إيفان الطفل‬ ‫ة‪،‬‬ ‫أبدي‬ ‫حز‬ ‫ّ ّ‬ ‫آنذاك‪ ،‬إذ راح يبكي الراحلين بحرقة‪ ،‬فيما‬ ‫الحضور غارق في ذهوله من هول ما جرى!‬ ‫ينتمي عمر حسيب إلى جيل الرواد‪ ،‬أولئك‬ ‫الرعيل من الفنانين الذين اختطوا خطا بك ار في‬ ‫التشكيلية داخل مدينة حسكة!‬ ‫الحركة‬ ‫ّ‬ ‫إو�ذا كان البعض من جيل الرواد ‪-‬‬ ‫احتل مكانه في المشهد التشكيلي‬ ‫هذا ‪ -‬قد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العالمي كما في حالة عمر حمدي ‪ -‬الذي فاجأنا‬ ‫عبدلك وبشار عيىس‬ ‫المباغت ‪ -‬أو يوسف‬ ‫ي‬ ‫برحيله ُ‬ ‫أن عمرا ‪-‬‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫الحصر‪،‬‬ ‫ال‬ ‫التمثيل‬ ‫سبيل‬ ‫على‬ ‫ّ ّ‬ ‫الفنان برصوم برصوما‪،‬‬ ‫حاله في ذلك من حال ّ‬ ‫ص�ي روفائيل ‪ -‬رفض ُمغادرة بلدته‬ ‫أو الراحل ب‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫وتشبث بترابها وبشرها على وله‪ ،‬بل‬ ‫النائية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أن صبري ‪ -‬هو اآلخر ‪ -‬كان قد غادر البلدة‬ ‫ّ‬ ‫ُمؤقتا للحصول على عضوية أكاديمية ليوناردو‬ ‫ظل عمر على موقفه الرافض‬ ‫دافنشي‪ ،‬بينما ّ‬ ‫يتشبه بحبل‬ ‫للمغادرة‪ ،‬حتى ّ‬ ‫كأن ارتباطا عضويا ّ‬ ‫ُ‬ ‫السرة يربطه ببلدته تلك!‬ ‫ضمه‬ ‫كان المرحوم طرفا في ثالثي ّفني‪ّ ،‬‬ ‫ظل‬ ‫انين مدحت عيىس‪ ،‬فؤاد كمو‪ّ ،‬‬ ‫مع ّ‬ ‫الفن ْ‬ ‫لكنه ّ‬ ‫فتحصل على‬ ‫ُمنتميا إلى القاع االجتماعي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خصوصية طاغية‪ ،‬بسبب من التزامه العميق‬ ‫ّ‬ ‫ظل وفيا‬ ‫لهذا‬ ‫منها‪،‬‬ ‫قدم‬ ‫التي‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫الفقي‬ ‫بالشرائح‬ ‫ّ‬ ‫َ‬

‫‪37‬‬

‫إنسانية عميقة الجذور مع التاريخ‬ ‫ذات وشائج‬ ‫ّ‬ ‫بحب‪،‬‬ ‫واللون وحركة اإلنسان واألرض‪ ،‬رسمها ّ‬ ‫دون السؤال عن نتائج هذه الرؤى الجمالية! رسم‬ ‫األرض والناس وهو طفل‪ ،‬وعّلم من حوله محبة‬ ‫المسالمة ذات الدفء‬ ‫الشكل الجمالي لبيئته ُ‬ ‫والمحبة‪ ،‬وغادرنا هكذا دون أن يخبرنا كيف‬ ‫عاش وكيف مات! تاركا خلفه تلك االبتسامة‬ ‫لت أذكر‬ ‫المفعمة بقبول الحزن والجمال! الز ُ‬ ‫ُ‬ ‫لوحة لوجهه الذي ُيشبه أرض حسكة بجانب‬ ‫لوحته األهل في القرية‪ ،‬وكان وجهه يحمل تلك‬ ‫االبتسامة « !‬

‫لوحة للفنان زهير حسيب‬ ‫ككل‪ ،‬ولكن من‬ ‫ط الو‬ ‫للخ ّ‬ ‫اقعي الذي وسم تجربته ّ‬ ‫ّ‬ ‫غير أن يحرمها من حّقها في التجريب والتجريد‬ ‫التحول!‬ ‫و ّ‬ ‫درس بموت‬ ‫الم‬ ‫فاتح‬ ‫الكبير‬ ‫الفنان‬ ‫وقف‬ ‫لقد‬ ‫ُ ّ‬ ‫ط في تجربته بعد‬ ‫ثم خ ّ‬ ‫عمر ملجوما ّ‬ ‫ملوعا‪ّ ،‬‬ ‫يلون األرض‪،‬‬ ‫شهر من رحيله بالقول « ّفنان ّ‬ ‫روحه من عبق السماوات الزرقاء‪ ،‬في البادية‬ ‫السورية والهالل الخصيب‪ ،‬من حسكة حيث‬ ‫األرض والناس في وحدة ُمتكاملة من العواطف‬ ‫والمشاعر وعبادة الجمال اإلنساني والعمل‬ ‫ّ‬ ‫يفية‬ ‫الشاق‪ ،‬عاش هذا الفنان في بيئة سورّية ر ّ‬

‫واآلن‪ ،‬ما الذي يمكن أن نقوله ‪ -‬على عجل‬ ‫ونذكر!؟‬ ‫أنؤبن‬ ‫ّ‬ ‫ في ذكرى ّفنان أحببناه!؟ ّ‬‫يلمها كّلها في محور‬ ‫كيف ندرج أعماله في خيط ّ‬ ‫بأنها‬ ‫ر‬ ‫نتذك‬ ‫إذ‬ ‫نا‬ ‫بهدف الدراسة رّبما!؟ بيد ّأن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متدة في‬ ‫تنتمي إلى مراحل ُمختلفة من تجربة ُم ّ‬ ‫الزمان والمكان‪ ،‬ناهيك عن تباين في الرؤى‬ ‫الفنية والجمالية راح يسوسها‪ ،‬سندرك صعوبة‬ ‫مهمتنا‪ ،‬إن لم نقل باستحالتها!‬ ‫ساردين في عالمه إذا‪ ،‬ها نحن نقف‬ ‫بالحضور الماتع للطبيعة الصامتة في تشكيل‬ ‫خاص‪ ،‬خاص‪ ،‬وهل نقول‪ :‬حنون!؟ هذا إلى‬


‫‪38‬‬

‫أن عمرا ال يترك‬ ‫جانب المنظر‬ ‫الخلوي‪ ،‬إالّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫منظره خاويا إالّ في ما ندر‪ ،‬بل يزرع فيه بش ار‬ ‫حيوية‬ ‫ُمتناثرين في عمق المشهد‪ ،‬ما يمنحه‬ ‫ّ‬ ‫ودفئا كبيرين‪ ،‬ناهيك عن التشكيل اللوني‬ ‫ّ‬ ‫المندرج في تشكيل موضوع ما‪ ،‬طبيعي غالبا!‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫األهل في القرية‪ ،‬خبز التنور‪ ،‬بيوت الطين‬ ‫المصدورة الواطئة‪ ،‬ولكن األليفة والرحيمة‬ ‫المقيمات‬ ‫بآن‪ ،‬والنساء الر ّ‬ ‫يفيات‪ ،‬أو أوالء ُ‬ ‫على أطراف البلدة داخل زنار البؤس‪ ،‬والمدى‬ ‫المنضوي بحنان على ُمفردات‬ ‫الوسيع‪ ،‬المفتوح‪ُ ،‬‬ ‫صغيرة على شكل شجرة أو اثنتين وشخوص‬ ‫بأحجام صغيرة في عمق اللوحة‪ ،‬البورتريه‬ ‫لوجوه صارمة القسمات واضحة المالمح‪ ،‬تلك‬ ‫هي ُمفردات اللوحة عند عمر على ُمستوى‬ ‫اقعية‬ ‫عبر عنها بو ّ‬ ‫الم ّ‬ ‫المضامين‪ ،‬المضامين ُ‬ ‫كم من التجريب إن‬ ‫تعبيرّية ّ‬ ‫غنية‪ ،‬إلى جانب ّ‬ ‫على ُمستوى التلوين ‪ -‬وعمر ُم ّلون ممتاز‪،‬‬ ‫تشهد على ذلك لوحاته القائمة على تشكيل‬ ‫لوني ّثر ‪ -‬أو على ُمستوى التجريب فالتجريد‬ ‫ّ‬ ‫والتحوير والتدوير‪ ،‬حتى ّأننا بالكاد نضع أيدينا‬ ‫اإلنسانية داخل اللوحة‪،‬‬ ‫على انحناء الشخصية‬ ‫ّ‬ ‫لتشير إلى انكسار من نوع آخر‪ ،‬انكسار قد يجد‬ ‫أسبابه في تمفصل االجتصادي بالثقافي‪ ،‬بل‬ ‫وحتى بالسياسي أيضا‪ ،‬ألهذا ‪ -‬مثال ‪ -‬لم يكتف‬ ‫بطمس األبعاد‪ ،‬وذلك باالستناد إلى تشكيل لوني‬ ‫ّ‬ ‫تقدم‪ ،‬بل عمد إلى‬ ‫ّثر‪ ،‬نقول ّ‬ ‫بأنه لم يكتف بما ّ‬ ‫طمس مالمح شخوصه ‪ -‬هي األخرى ‪-‬‬ ‫في إحالة إلى انكسار أحالمها!؟ ألهذا جاءت‬ ‫تلك الشخوص ‪ -‬عدا تلك التي انطوت على‬ ‫البورتوريه ‪ -‬صغيرة في أحجامها كما أسلفنا‪،‬‬ ‫وتذررها!؟‬ ‫لتعكس انكسارها ّ‬ ‫فسيالحظ طغيان األصفر في‬ ‫أما األلوان ُ‬ ‫ّ‬ ‫ألن البلدة‬ ‫عدد غير قليل من اللوحات‪ ،‬رّبما ّ‬ ‫ التي انتهى إليها مع األهل ‪ -‬تتكىء إلى‬‫سيالحظ االشتغال‬ ‫خاصرة بادية ُمرمدة‪ ،‬كما ُ‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫على تداخل الحار منها بالبارد في انسجام‬ ‫ألن البلدة ذاتها كانت تغفو على‬ ‫وتناغم‪ ،‬و ّ‬ ‫ضفة نهرين يوما‪ ،‬حضر األخضر في تداخله‬ ‫ق‬ ‫المفردات بالفيروز ّي‪ ،‬إضافة‬ ‫باألزر ‪ ،‬ليشم ُ‬ ‫يتشبه‬ ‫خاص على التوليد‬ ‫إلى اشتغال‬ ‫اللوني‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫باشتغال شاعر عاشق على االشتقاق والتوليد‬ ‫الجدة والفرادة!‬ ‫المغايرة‪ ،‬تلك التي تروم ّ‬ ‫بهدف ُ‬ ‫فردي أو‬ ‫لقد أقام عمر غير معرض‬ ‫ّ‬ ‫جماعي‪ ،‬كان ّأولها في عام ثمانية وستين‬ ‫ّ‬ ‫وتسعمائة وألف‪ ،‬هنا في مدينة حسكة‪ ،‬وكان‬ ‫ثم عرض لوحاته‬ ‫عمره إذاك سبعة عشر عاما‪ّ ،‬‬ ‫في ُمعظم المناطق السورية‪ ،‬وبخاصة دمشق‪،‬‬ ‫نتذكر‬ ‫كما شارك في معارض خارجية‪ ،‬ولعّلنا ّ‬ ‫ُمشاركته في المعرض الجماعي بالهند‪ ،‬ذلك ّأنه‬ ‫ّ‬ ‫عاش للرسم وبالرسم!‬ ‫لقد حاولنا أن نقارب عوالم عمر على‬ ‫عجالة‪ ،‬تلك التي تعالقت بأمزجة ورؤى ُمتباينة‬ ‫السن ‪ -‬رّبما ‪ -‬أو بحكم التجربة‪ ،‬فهل‬ ‫بحكم ّ‬ ‫كنا‬ ‫تجليا لتلك األعمال‪ ،‬أم ّأننا ّ‬ ‫ّ‬ ‫كنا نضيء ّ‬ ‫ثم تفسيرها!؟ بهذا‬ ‫ومن‬ ‫بها‬ ‫اإلحاطة‬ ‫نحاول‬ ‫ّ‬ ‫المحتكمة‬ ‫اءتنا‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫المعنى نحن ‪ -‬إذن ‪ -‬وعبر‬ ‫ُ‬ ‫إلى الكثير من الذاتي‪ ،‬والقليل من الموضوعي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفني من داخله‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫كنا نسائل العمل ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكننا ‪ -‬بالتأكيد‬ ‫ق‪،‬‬ ‫سب‬ ‫الم‬ ‫و‬ ‫األحكام‬ ‫من‬ ‫الجاهز‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫سنظل عاجزين عن إنجاز التحليل الناجز‬ ‫‬‫ّ‬ ‫ألننا تعاطينا معه كمثال!‬ ‫له‪ ،‬رّبما ّ‬ ‫تبديها‪،‬‬ ‫ومهما كانت االستخالصات في ّ‬ ‫الذي قد ال يخلو من إجحاف أو إفقار لعالم‬ ‫أن ما « اقترفناه‬ ‫ّ‬ ‫الثر‪ ،‬إالّ ّأننا لن ّندعي ّ‬ ‫الفنان ّ‬ ‫بأي حال‪ ،‬وتحت‬ ‫الباطل‬ ‫يأتيه‬ ‫ال‬ ‫اب‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫«‬ ‫ّ‬ ‫أي ظرف‪ ،‬ومن يدري! فقد تحّفز مادتنا هذه‬ ‫ٍ‬ ‫قدم وجهة نظر أخرى‪ُ ،‬معارضة‬ ‫غير‬ ‫في ّ‬ ‫دارس‪ُ ،‬‬ ‫الفنية‬ ‫أو ُمندرجة في فضائها‪ ،‬فتغتني الحركة ّ‬ ‫باحتدام الرؤى وتداخلها أو تخارجها‪.‬‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫‪39‬‬

‫واشوكاني (تل الفخيرية)‬ ‫‪P‬‬ ‫رستم عبدالسالم‬

‫يعد «تل الفخيرية» من ِ‬ ‫ُّ‬ ‫الهامة‬ ‫التّالل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهميته في موقعه‬ ‫والكبيرة في سوريا‪ ،‬وتكمن ّ‬ ‫االستراتيجي‪ ،‬من حيث وقوعه على الطريق‬ ‫التجاري الذي كان يربط بين مناطق زاغروس‬ ‫ِ‬ ‫المتوسط) باإلضافة إلى‬ ‫وبحر ّ‬ ‫الروم (البحر ّ‬ ‫وقوعه في منطقة زراعية خصبة‪ ,‬األمر الذي‬ ‫توسعية‪،‬‬ ‫جعل منه ّا‬ ‫مقر ألعظم امبراطورية ّ‬ ‫كانت قد شهدتها المنطقة خالل األلف الثاني‬ ‫قبل الميالد‪.‬‬ ‫حيث يقع «تل الفخيرية» بالقرب من منابع‬ ‫ُ‬ ‫نهر الخابور‪ ،‬عند مدينة سري كانيه‪ /‬رأس العين‬ ‫على بعد حوالي ‪3‬كم شرق تل حلف األثري‪.‬‬ ‫التل عن مدينة حسكة حوالي ‪85‬كم في‬ ‫َيبعد ُّ‬ ‫الشمال الغربي‪.‬‬ ‫التل ‪ 90‬هكتارا‪َّ ,‬‬ ‫موزعة بين‬ ‫تبلغ مساحة ّ‬ ‫منطقة مرتفعة مساحتها ‪ 12‬هكتار‪ ،‬ومنطقة‬ ‫التل عن‬ ‫منخفضة مساحتها ‪ 78‬هكتار‪ .‬يرتفع ّ‬ ‫السهل المحيط به ‪ 10‬أمتار‪ ،‬ويصل في بعض‬ ‫ّ‬ ‫المناطق إلى ‪51‬مترا‪.‬‬

‫التنقيبات‪ُ :‬يعتبر المنِّقب األثري األلماني‬ ‫ماكس فون أوبنهايم ‪Max Von Oppenheim‬‬ ‫التل‪ ،‬وذلك في‬ ‫ّأول من أشار إلى أهمية هذا ّ‬ ‫عام ‪1929‬م عندما قام ببعض التحرّيات في‬ ‫عام ‪1944‬م‪ ،‬قامت بعثة أمريكية بإدارة كالفن‬ ‫ماك بالتنقيب في الموقع‪ ،‬وفي عام ‪-1955‬‬ ‫‪1956‬م قامت بعثة ألمانية برئاسة أنطوان‬ ‫ٍ‬ ‫بتنقيبات محدودة‪ .‬في عام ‪2001‬‬ ‫مورتكات‬ ‫تشكلت بعثة سورية ‪ -‬ألمانية للعمل في الموقع‬ ‫ّ‬ ‫ثم توّقف العمل لغاية‬ ‫بروس‬ ‫ألكسندر‬ ‫ئاسة‬ ‫ر‬ ‫‪ ،‬ب‬ ‫ّ‬ ‫مجددا‪ ،‬لكن هذه‬ ‫عام ‪2006‬م‪ ،‬حيث استُأنف ّ‬ ‫المرة بإدارة دومينيك بوناتز‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سويات حضارية‬ ‫عن‬ ‫التنقيبات‬ ‫كشفت‬ ‫ّ‬ ‫متباينة‪ ،‬تعود أقدمها إلى األلف الثامن قبل‬ ‫أن‬ ‫الميالد‪ ،‬وأحدثها إلى الفترة العثمانية‪ .‬إال ّ‬ ‫الفترة الذهبية للموقع كانت في األلف الثاني قبل‬ ‫الميالد وتحديدا في منتصفه‪ ،‬عندما أصبحت‬ ‫عاصمة للدولة الحورّية الميتانية تحت اسم‬ ‫واشوكاني‪.‬‬


‫‪40‬‬

‫ال ّتسميات‪ :‬ورد اسم المدينة بصيغة واشوكاني‬ ‫‪ Waṧṧukani‬في أرشيف «خاتوشا»‪ ,‬وهو اسم‬ ‫هوري وتعني «منجم الثروة» كما يقول الباحث‬ ‫ن‬ ‫أنطو�‪ ,‬كذلك وردت في النصوص اآلشورية‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫في عهد الملك أدد ين�اري الول (‪1275-1307‬‬ ‫ثم أصبحت‬ ‫ق‪.‬م) باسم أوشوكاني ‪َّ , Uṧṧukani‬‬ ‫امية سيكاني ‪Sikani‬‬ ‫اسمها خالل الفترة اآلر ّ‬ ‫المشتق من‬ ‫(القرن العاشر ق‪.‬م)‪ ,‬وهو اإلسم‬ ‫ّ‬ ‫واشوكاني كما يقول الباحث ت ز‬ ‫أوبي�‪ ,‬لكن ابتداءا‬ ‫الروماني (القرن الثاني الميالدي)‬ ‫من العصر ّ‬ ‫سميت فخيرية بـ «رساعينا» ‪ ,Resaina‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫مشتق من التّسمية اآلرامية ريش عينا (أي‬ ‫اسم‬ ‫ٌّ‬ ‫الروماني (‪383‬‬ ‫العصر‬ ‫اخر‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫النبع)‪,‬‬ ‫أس‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫م) أصبح اسمها «ثيوديوسيوبوليس» نسبة إلى‬ ‫تم‬ ‫الروماني ثيوديوسيوس‬ ‫ّ‬ ‫اإلمبراطور ّ‬ ‫ومؤخ ار ّ‬ ‫تل الفخيرّية‪.‬‬ ‫تعريبها إلى ّ‬ ‫الفخيرية‪:‬‬ ‫وتل‬ ‫ّ‬ ‫العالقة بين واشوكاني ّ‬ ‫ُّ‬ ‫األولية من خالل اللقى‬ ‫تشير التقديرات ّ‬ ‫أن تل الفخيرية هو ذاته‬ ‫القليلة المكتشفة‪ ،‬إلى ّ‬ ‫واشوكاني عاصمة الدولة الهورية الميتانية خالل‬ ‫القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميالد‪،‬‬ ‫العلوي‪.‬‬ ‫التي قامت في مناطق حوض الخابور ُ‬ ‫الشرق‬ ‫يعد الهورّيون من أقدم وأبرز شعوب ّ‬ ‫القديم‪ ,‬حيث اتَّخذوا من مناطق ميزوبوتاميا‬ ‫أصليا لهم منذ العصور القديمة‪.‬‬ ‫العليا موطنا‬ ‫ّ‬ ‫استوطنوا في مناطق حوض الخابور أوشمال‬ ‫شرق سوريا خالل األلف الثالثة قبل الميالد‪،‬‬ ‫أهم حواضرهم‪,‬‬ ‫وكانت أوركيش (تل موزان) من ّ‬ ‫المدن واإلمارات ضمن‬ ‫فقد ّ‬ ‫أسسوا الكثير من ُ‬ ‫مناطق حوض الخابور كـ تئيدو (تل أحمدي‪-‬‬ ‫حميدية) و واشوكاني (تل الفخيرية) و ّنوار (تل‬ ‫براك) و كحت (تل ّبري) ‪...‬إلخ ‪ ،‬حتّى اعتبرهم‬ ‫سكان البالد دون منازع‪.‬‬ ‫العالّمة أنطوان مورتكات ّ‬ ‫واشوكاني في األلف الثانية قبل الميالد‪:‬‬ ‫كانت أوركيش العاصمة الدينية والسياسية‬ ‫واالقتصادية للدولة الهورية‪ .‬بعد سقوط ماري‬ ‫في أواخر القرن الثامن عشر قبل الميالد‪ ,‬انتشر‬ ‫الهوريون بشكل سريع في مناطق وادي البّليخ‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬ ‫والفرات األوسط وصوال لوادي العاصي‪ .‬إلى أن‬ ‫تمكنوا من تشكيل امبراطورية واسعة بلغت أوج‬ ‫ّ‬ ‫ذروتها في منتصف األلف الثاني قبل الميالد‪،‬‬ ‫وعرفت بإسم امبراطورية هوري‪ -‬ميتاني التي‬ ‫ُ‬ ‫كانت قد اتَّخذت من واشوكاني عاصمة لها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫شكلت مناطق حوض الخابور ومثّلثها‬ ‫التوسعية‪ ،‬التي وصلت‬ ‫قاعدة النطالقاتهم‬ ‫ّ‬ ‫طالئعها شرقا حتّى مناطق زاغروس وغربا حتى‬ ‫المتوسط وشماال حتّى تخوم خاتوشا (العاصمة‬ ‫الحثّية بالقرب من أنقرة) وجنوبا حتّى ما بعد‬ ‫قادش (تل النبي مند ‪ ..‬بالقرب من حمص)‪.‬‬ ‫ُع ِرف فرسانها بالماريانو (المحاربين) الذين‬ ‫وتميزوا في استخدام العربات الحربية‬ ‫برعوا‬ ‫ّ‬ ‫تم اكتشاف العديد من النصوص‬ ‫واألحصنة‪ّ .‬‬ ‫المدونة باللغات‬ ‫الهورية‪ّ ,‬‬ ‫أهمها النصوص ّ‬ ‫ولعل ّ‬ ‫–الحثية‪ ,‬والهورية‪-‬السومرية والهورية‪-‬‬ ‫الهورّية‬ ‫ّ‬ ‫عدة كـ خاتوشا (بوغازكوي)‬ ‫اقع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫األكادية‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫وأوغاريت (رأس شمرا) وآالالخ (تل العطشانة)‬ ‫إو�يمار (مسكنة) ونوزي (يورغان تبه‪ -‬قرب‬ ‫كركوك) وأخيت أتون (تل العمارنة)‪َّ .‬‬ ‫قدمت تلك‬ ‫الوثائق صورة شاملة عن دولة هورية‪-‬ميتانية‬ ‫مترامية األطراف‪.‬‬ ‫انتشرت اللغة الهورية خالل األلف الثانية‬ ‫قبل الميالد بشكل واسع‪ ،‬حتّى غدت ثاني‬ ‫أهم لغة في الشرق القديم بعد اللغة البابلية‪،‬‬ ‫كما عرفت بعض الممالك حينها كـ أوغاريت‪،‬‬ ‫ازدواجية لغوية (أوغاريتية‪ -‬هورية)‪.‬‬ ‫وقف الهوريون إلى جانب اإلمارات الناشئة‬ ‫مثل اوغاريت وأمورو وتونيب في مواجهة‬ ‫األطماع المصرية والحثية واآلشورية والبابلية‬ ‫وصراعها على سوريا طوال قرنين من الزمن‪.‬‬ ‫ففي عام ‪ 1430‬ق‪.‬م تمكن الملك الميتاني‬ ‫ت‬ ‫شاوشت� ‪ ṧauṧtatar‬من إخضاع كل بالد‬ ‫آشور‪ ،‬وجلب من هناك بوابة من الذهب‬ ‫مقره‪ ,‬كما أدخل الملك نفسه‬ ‫والفضة ونصبها في ّ‬ ‫في نزاعات مباشرة مع الفراعنة‪ ،‬تلك النزاعات‬ ‫استمرت في عهد خلفائه حتى بداية القرن‬ ‫التي‬ ‫ّ‬ ‫تم عقد اتفاق بين‬ ‫الرابع عشر ق‪.‬م ‪ ،‬إلى أن ّ‬ ‫الطرفين الهوري والمصري‪ ،‬بشأن رسم الحدود‬ ‫والذي ِّتوج بزواج األميرات الميتانيات وكان‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫آخره رّبما الزواج الذي حصل بين تيتو خيبا‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫تو�تا ‪ Tuṧṧrata‬والفرعون‬ ‫(نفر ي‬ ‫تي�) إبنة الملك ّ‬ ‫المصري امنحوتب الثالث ‪.Amenhotep III‬‬ ‫في نهاية القرن الرابع عشر قبل الميالد‬ ‫ضعفت مملكة هوري‪ -‬ميتاني نتيجة للصراعات‬ ‫فتعرضت للغزو الحثّي‬ ‫الس ألطة‪ّ ,‬‬ ‫الداخلية من أجل ّ‬ ‫بقيادة شوبيليوليوما الول الذي أخفق في السيطرة‬ ‫على كامل مناطق ميتاني‪ ،‬والتي بقيت كدولة‬ ‫ذات مساحة محدودة في أعالي ميزوبوتاميا‬ ‫أن المملكة‬ ‫(مناطق حوض الخابور)‪ .‬إال ّ‬ ‫خضعت للنفوذ اآلشوري في عهد شاتوا ار األول‬ ‫لكن ابن الملك الميتاني وخليفته‬ ‫‪ّ . ṧatuara I‬‬ ‫التمرد‬ ‫حاول‬ ‫‪Waṧaṧatta‬‬ ‫واشاشاتا‬ ‫بذات الوقت‬ ‫ّ‬ ‫شن‬ ‫على الدولة اآلشورية‪ّ ،‬إل ّأن أه أخفق بعد أن ّ‬ ‫الملك اآلشوري أدد ين�اري الول ‪Add Nirari I‬‬ ‫هجوما واسعا على العاصمة واشوكاني والمدن‬ ‫الهورية األخرى‪ .‬خّلف واشاشاتا الملك شاتوارا‬ ‫ن‬ ‫الثا� ‪ ṧattuara II‬على ما تبقى من مملكة‬ ‫ي‬ ‫ميتاني‪ ،‬الذي نقل العاصمة من واشوكاني إلى‬ ‫لكنه لم يصمد‬ ‫تئيدو (تل أحمدي‪ -‬حميدية) ّ‬ ‫طويال‪ ،‬اذ سرعان ما سقطت المملكة بالكامل‬ ‫في عام ‪1274‬ق‪.‬م على يد الملك اآلشوري‬ ‫شلمنرص الأول ‪.ṧalmanasir I‬‬ ‫تم‬ ‫المكتشفات الهورّية –‬ ‫ّ‬ ‫الميتانية التي ّ‬ ‫العثور عليها خالل هذه الفترة (األلف الثانية‬ ‫قبل الميالد) قليل ٌة جدا‪ ،‬وال تتناسب مع وزن‬ ‫كأهم عواصم األلف الثانية قبل‬ ‫وحجم المدينة‬ ‫ّ‬ ‫الميالد‪.‬‬ ‫فقد ُعثر على بقايا بناء مؤّلف من أربع‬ ‫غرف وبعض الجدران واألرضيات المفروشة‬ ‫ٍ‬ ‫بطبقة من القار‪ ،‬وكذلك‬ ‫طاة‬ ‫باللبن المشوي والمغ ّ‬ ‫ُعثر على بعض الفخاريات من نمط «الخابور»‬ ‫و»نوزي»‪َ ،‬إضافة إلى قالب ‪ -‬على هيئة‬ ‫لصب المواد‬ ‫أسد يمسك بغزال بين مخلبيه ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫المعدنية و ٍ‬ ‫أعداد كبيرة من طبعات األختام‪ ،‬إو�َبر‬ ‫من العظم عائدة جميعها إلى العصر الميتاني‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫وحمامات‬ ‫كما ُعثر على بناء مؤّلف من غرف ّ‬ ‫وممرات‪ ،‬مع وجود عدد من الباحات المفروشة‬ ‫ّ‬ ‫بالحصى‪ ،‬باإلضافة إلى العثور على مجموعة‬ ‫مزود‬ ‫من القبور‪ ،‬وقطع أللواح مسمارية بعضها ّ‬ ‫بطبعات أختام‪ ,‬وأيضا طبعات أختام ومسامير‬ ‫جدارية من الطين المشوي وقطع عاجية عائدة‬ ‫للفترة اآلشورية الوسيطة‪.‬‬ ‫واشوكاني في األلف األول قبل الميالد‪:‬‬ ‫قدمت‬ ‫في أواخر األلف الثانية قبل الميالد ّ‬ ‫سامية من مناطق شبه‬ ‫امية‬ ‫ّ‬ ‫قبائل بدوية آر ّ‬ ‫الجزيرة العربية‪ ،‬واستوطنت في مناطق جبل‬ ‫تحركت هذه القبائل‬ ‫بشري (البادية السورية)‪ ,‬ثم ّ‬ ‫وتوزعت‬ ‫الميالد‪،‬‬ ‫مع بداية األلف األول قبل‬ ‫ّ‬ ‫في عموم سوريا ِّ‬ ‫مشكلة بذلك عدد من المدن‬ ‫والممالك اآلرامية الصغيرة والضعيفة‪.‬‬ ‫كانت واشوكاني من نصيب إحدى تلك‬ ‫القبائل‪ ،‬حيث أطلق اسم سيكاني على المدينة‬ ‫خالل فترة حكمهم عليها‪ .‬حيث ُعثر على تمثال‬ ‫من حجر البازلت بارتفاع ‪200‬سم وعرض‬ ‫‪ 45‬سم للملك اآلرامي هدد يسعي بن ش‬ ‫شم� نور‬ ‫ي‬ ‫الذي حكم المدينة بنهاية القرن التاسع وبداية‬ ‫القرن الثامن قبل الميالد‪ُ .‬وجد على التمثال‬ ‫كتابة باللغة اآلرامية (‪ 23‬سطرا) وكذلك باللغة‬ ‫ِ‬ ‫مقدم‬ ‫أن التّمثال ّ‬ ‫توضح ّ‬ ‫اآلشورية (‪ 38‬سطرا) ّ‬ ‫إلله الطقس أدد (تيشوب) وفيه يصف هدد‬ ‫بأنه ملك غوزن وسيكاني وأزران‪،‬‬ ‫يسعي نفسه ّ‬ ‫ان سيكاني كانت‬ ‫ويفهم من سياق ّ‬ ‫النص على ّ‬ ‫تابعة سياسيا واقتصاديا لـ غوزانا (تل حلف)‪،‬‬ ‫حكامها يقومون بدفع الجزية للملك‬ ‫كما كان ّ‬ ‫ن‬ ‫الثا�‪.‬‬ ‫اآلشوري أدد ين�اري ي‬ ‫ٍ‬ ‫كما ُعثر على قصر من نمط بيت هيالني‬ ‫وعدة غرف‬ ‫مؤّلف من مدخل مفروش بالحجارة‪ّ ،‬‬ ‫تركزت حول باحة رئيسية‪ ,‬كذلك ُعثر على عدد‬ ‫ّ‬ ‫من المدافن ولوحات من المرمر والعاج ّوخرز‬ ‫ِ‬ ‫السهام‬ ‫من الحجر والعقيق وتمائم ورؤوس ّ‬ ‫والحراب المصنوعة من البرونز‪.‬‬


‫‪42‬‬

‫واشوكاني بعد الميالد‪:‬‬ ‫خضعت المدينة خالل القرون (الثاني‬ ‫والثالث والرابع الميالدي) لالحتالل الروماني‬ ‫الذين اتخذوا منها حامية عسكرية رومانية منذ‬ ‫سيف�وس�‪Septi‬‬ ‫عصر اإلمبراطو ر سبتيموس ي‬ ‫‪ 211-193( mius Severus‬ب‪.‬م) بسبب‬ ‫وقوعها على خط التماس مع الدولة البارثية‬ ‫الساسانية‪ ,‬عرفت المستعمرة خالل هذه الفترة‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫باسم رساعينا‪ ,‬شهدت المستعمرة ازدها ار ملحوظا‬ ‫حيث وصلت مساحتها إلى حدود ‪ 12‬هكتارا‪،‬‬ ‫زمن اإلمبراطور ثيوديوسيوس حتى غدت على‬ ‫شكل مدينة وأطلق عليها لقب ثيوديوسيوبوليس‪.‬‬ ‫سقطت المدينة بعد ذلك بيد الدولة‬ ‫السادس‬ ‫البيزنطية‪ ،‬و ّ‬ ‫استمر ِت حتى نهاية القرن ّ‬ ‫مرتين على يد الدولة‬ ‫الميالدي حيث ُد ّمرت ّ‬ ‫الساسانية‪ .‬أصبحت واشوكاني بعد احتالل‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬ ‫العرب المسلمين (‪640‬م) من ضمن مناطق‬ ‫حيث لعبت دو ار هاما خالل العصر‬ ‫الخالفة‪ُ ،‬‬ ‫تم تدميرها‬ ‫العباسي ومن بعدها األيوبي‪ ،‬حتى ّ‬ ‫من قبل المغول في القرن الرابع عشر الميالدي‬ ‫لتستوطن بعد ذلك في عهد الدولة العثمانية‪.‬‬ ‫أهم مكتشفات هذه المرحلة بقايا معمارية‬ ‫ّ‬ ‫( أسوار وأبراج وأبنية) وقطع فخارية وأدوات‬ ‫فخارية وعمالت نقدية‪،‬‬ ‫حجرية ومصابيح ّ‬ ‫وتمثال من حجر المرمر لـ امبراطور روماني‬ ‫سيف�وس‪ ،‬وهو‬ ‫ُيدعى إما تراجان أو سبتيموس ي‬ ‫بزٍّي عسكرٍّي وبدون رأس وذراع ‪ ,‬كما ُعثر‬ ‫قطع نقدية ذهبية‪،‬‬ ‫جرة من البرونز بداخلها ٌ‬ ‫على ّ‬ ‫باإلضافة إلى العثور على عمالت نقدية أخرى‬ ‫تحمل اسم القيصر البيزنطي جوستينوس ن‬ ‫الثا�‬ ‫ي‬ ‫‪ 565‬م‪ ,‬كذلك ُعثر على بناء ضخم من الحجر‬ ‫الكلسي واللبن المشوي وعلى بقايا معمارية‬ ‫أخرى وتنانير ومصابيح فخارية ومصكوكات‬ ‫تعود إلى الفترات اإلسالمية‪.‬‬

‫‪---------------‬‬‫المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪43‬‬

‫حنون‪ ,‬نائل‪ :‬واشوكاني‪ .‬مجلة العلوم اإلنسانية‬‫ ‬ ‫للتاريخ والجغرافية واآلثار‪ /‬المجلد ال ـ ‪.22‬‬ ‫مورتكات‪ ,‬أنطوان‪ :‬تنقيبات أثرية لمؤسسة (فون‬‫ ‬ ‫أوبنهايم) في شمال بالد الرافدين‪ .‬مجلة الحوليات األثري‬ ‫السورية‪.1956 .‬‬ ‫القيم‪ ,‬علي‪ :‬الحوريون تاريخهم وحضاراتهم‪ .‬مقالة‬‫ ‬ ‫في جريدة الوحدة ‪.2012/1/8‬‬ ‫فيلهلم‪ ,‬جرنوت‪ :‬الحوريون تاريخهم وحضاراتهم‪.‬‬‫ ‬ ‫ترجمة ‪ ,‬فاروق إسماعيل‪ .‬دار جدل‪-‬حلب ط‪.2000‬‬ ‫مرعي‪ ,‬عيد‪ :‬تاريخ بالد الرافدين منذ أقدم العصور‬‫ ‬ ‫حتى عام ‪ 539‬ق‪.‬م‪ .‬دار نشر‪ -‬دمشق ط ‪.1991‬‬ ‫أبو عساف‪,‬علي‪ :‬دمية هدد يسعي ملك جوزن‪.‬‬‫ ‬ ‫مجلة الحوليات األثرية السورية‪.‬‬ ‫محمود‪ ,‬نضال‪ :‬من واشوكاني إلى رأس العين‬‫ ‬ ‫(لمحة تاريخية عن تل فخيرية وأهم مكتشفاته األثرية)‪ .‬مجلة‬ ‫زين‪ -‬العدد ‪ 6‬كانون األول ‪.2014‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪Dominik Bonatz: The site Descrip‬‬‫‪tion – Tell Fecheriye reports 2006.‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪Dominik Bonatz: Excavation report‬‬ ‫‪of sunding B 2006 – Tell Fecheriye.‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫‪Peter V.Bart: Excavatioin report of‬‬ ‫‪sounding A 2006- Tell Fecheriye.‬‬


‫‪44‬‬

‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫نافذة‬ ‫‪P‬‬

‫نيجاتيف آلالف الصور‬ ‫مصور فوتوغرافي‪ ،‬كاتب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ورسام‪ ،‬من مواليد تربسبيه‪ ،‬قرية‬ ‫كري بري‪ ،‬عرفه أبناء المنطقة‬ ‫كأهم المصورين الفوتوغرافيين في‬ ‫ّ‬ ‫تربسبيه ومحيطها‪ ،‬فكان من أوائل‬ ‫حيث‬ ‫من أدخلوا الكامي ار إليها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّأنه وثّق آالف شرائط الفوتوغراف‬ ‫منذ الثمانينات‪ ،‬وتبدو في صوره‬ ‫بكل تفاصيلها‪،‬‬ ‫مالمح المدينة‬ ‫ّ‬ ‫وشخصياتها‪.‬‬ ‫أن جاسم الذي عرفه‬ ‫إال ّ‬ ‫فوتوغرافي‬ ‫كمصور‬ ‫الناس‬ ‫مصو ار‬ ‫يوثّق ذكرياتهم‪ ،‬لم يكن‬ ‫ّ‬ ‫فحسب‪ ،‬بل كان أيضا كاتبا ترك‬ ‫مجموعة من القصص القصيرة‪،‬‬ ‫ومجموعة مقاالت لم ينشرها‪ ،‬فقد‬ ‫نال شهادة الماجستير في األدب‬ ‫الروسي بدرجة امتياز من االتحاد‬ ‫السوفييتي وذلك عام ‪.1976‬‬ ‫في الوقت الذي كان فيه الطلبة‬ ‫يتهافتون على اإلتحاد السوفييتي‬ ‫لدراسة الطب‪ ،‬اختار جاسم دراسة‬ ‫ألنه‬ ‫األدب‪ ،‬بل لم يكتف بذلك‪ّ ،‬‬ ‫التخرج من معهد الرسم‬ ‫استطاع‬ ‫ّ‬ ‫أيضا في فترة دراسته لألدب‬ ‫الروسي‪.‬‬ ‫وثّق جاسم للعديد من أعياد النوروز منذ‬ ‫بداية إقامتها في الهواء الطلق نهاية الثمانينات‪،‬‬ ‫ووثّق كذلك للكثير من القرى‪ ،‬ومنها قريته كري‬ ‫بري‪ ،‬وليس في المنطقة أحد إال وله ذكرى مع‬ ‫االستوديو الذي أسماه باسمه‪.‬‬

‫جاسم علي ‪2005 -1946‬‬ ‫مع بداية الثمانينات افتتح استوديو باسمه‬ ‫ظل يوثّق من خالله مالمح‬ ‫في تربسبيه‪ّ ،‬‬ ‫المدينة وشخصياتها بكافة مكوناتها‪ ،‬حتى رحل‬ ‫وكأنه نيجاتيف قيد الخروج إلى الضوء‪.‬‬ ‫بهدوء ّ‬


‫سور َمي ‪ -‬مجلة فكرية – ثقافية تصدر كل شهرين‬

‫ريف تربسبيه ‪ /1979 -‬تصوير جاسم علي‬

‫تربسبيه ‪ / 1983 -‬تصوير جاسم علي‬

‫‪45‬‬


‫العدد ‪ / 9‬تشرين الثاني – كانون األول‬

‫‪46‬‬

‫مجلّة والت‬

‫مجلة والت؛ شهريَّة تصدر عن مؤسسة‬ ‫والت اإلعالمية التي تأسست عام ‪,2013‬‬ ‫صدر منها حتَّى اآلن ‪ /24/‬عددا ورقيَّا‪َّ ,‬‬ ‫توزع‬ ‫كل أنحاء «روج آفا» عبر مراسلين َّ‬ ‫موزعين‬ ‫في ّ‬ ‫َّ‬ ‫في معظم المناطق‪ ,‬المجلة ثقافية‪ ،‬اجتماعيَّة‪،‬‬ ‫مستقّلة‪ ,‬تبحث في األمور االجتماعيَّة وتنشر‬ ‫تقارير عن األوضاع المعيشية في كل المناطق‬ ‫منوعة مع‬ ‫الكرديَّة‪ ,‬باإلضافة إلى لقاءات َّ‬ ‫وصحفيين ومواد أخرى لها عالقة‬ ‫مثّقفين‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫بالثقافة والمجتمع والرأي‪ ,‬تعمل المجلة على‬ ‫إيصال صوت المجتمع واحتياجاته المختلفة من‬ ‫المكلفين بمتابعة‬ ‫خالل تقارير تَ ِرد من المراسلين ّ‬

‫األوضاع المعيشيَّة‪ ,‬المجلة تنشر موادها‬ ‫باللغتين العربيَّة والكرديَّة لتكون أقرب إلى‬ ‫المجتمع‪ ,‬للمجلة موقع إلكتروني على الويب‬ ‫تنشر المواد إلكترونيَّا بالتزامن مع النسخة‬ ‫الورقيَّة‪.‬‬ ‫يتم طباعة األعداد في مطابع مدينة قامشلو‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويتم توزيعها بشكل شهر ّي من خالل مراسليها‪,‬‬ ‫يترّأس تحريرها (آراس اليوسف)‪ ,‬تعمل َّ‬ ‫مجلة‬ ‫والت على تأصيل الصحافة كجزيئة أساسية‬ ‫تساهم في تطوير المجتمع ونبذ العنف ونشر‬ ‫الثقافة إو�فساح المجال لألقالم الشابَّة في أن‬ ‫تعبر عن وجهة نظرها إزاء ما يجري‪.‬‬ ‫ّ‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.