Plaza de Santa Isabel, 5
دقّت ساعة البوح! دقّت ساعة البوح! هنري عويس
1
املنحة املنتظرة .سهيلة حامد
2
لوحة .خدجية حُباجة
3
السرية الذاتيّة .عمور الباتول
4
عناقيد اخلري .سينتيا مزنر
7
احلصوة .عمرو حممد سعيد
8
خريف طليطلة .منال شفاعمري
9
حرية .مصطفى شعبان
11
ُمذ ّكرات غرانطيّة .هال عمرو
13
مغامرة طفل .مجال أمحد
15
* دورة الرتمجة املتخصصة ابللغة العربية واإلسبانية. املادة" :عناصر التحرير ابللغة العربية للمرتمجني". املنسق :هنري عويس 16-12( .سبتمرب األستاذ ّ
.)2016
مدرسة طليطلة للمرتمجني ،جامعة كاستيا ال مانتشا.
دقّت ساعة البوح! هنري عويس * كل طالّب هذه الدورة يف طليطلة ّ احململة ابألسرار ترويها ملن يشاء أن يرى وأن يسمع ،كانوا على موعد ،عند ّ صباح على امتداد أربعة ّأّيم ،مع ابقة من الذين ابحوا ابملخبأ من أسرارهم ،أو من بعض أسرارهم ،فقرأوا أبعينهم
كل يوم ومأكله وبقلوهبم وبلغة عربيّة ّ مفصلة على قياس احلنني والعواطف واألفراح واألحزان ،بلغة هي لباس ّ وشرابه. فانضموا اىل املائدة ،وحلّوا ضيوفاً عليها أيكلون منها وحيملون هلا أطباقاً من وفتحت اللّغة والكتاابت شهيّتهم ّ
نودع أحداً بل صار بيننا خبز وملح، صنع أيديهم ،فتقامسنا مجيعاً "العشاء السري" من غري أن نسلّم أحداً ،أو ّ ّ
وتبادلنا ولو القليل من املخزون يف داخلنا.
تسهل البوح وتدفعه من القلوب اىل الشفاه واالقالم مبلمسه اخلشن فإىل اللوايت والذين التقيتهم يف طليطلة اليت ِّّ أو املخملي ،من هنري اىل منال وهال وخدجية وسهيلة ،وحامد وعمرو وبتول ومصطفى ،وسينتيا ومجال ومنال: كل شيء – يطيب انتظركم يف بريوت حيث – رغم ّ
البوح.
1
املنحة املنتظرة سهيلة حامد منذ إهنائي مرحلة الثانوية العامة والتحاقي بكلية اللغات والرتمجة وهي الكلية اليت طاملا أحلم أن ألتحق هبا .ولقد تؤهلين لدراسة اللغة اليت اخرتهتا -وهي اللغة اإلسبانية -يف كنت كثريا ما أحلم ُبصويل على منحة دراسية ّ موطنها األصلي وهو إسبانيا. ففي هناية الفصل الدراسي الثاين هلذا العام وحتديدا قبل خوضنا االمتحاانت النهائية متّ إبالغي أان وزمالئي بقسم اللغة اإلسبانية أ ّن هناك أستاذا جبامعة إسبانية سيقوم بزّيرتنا .وابلفعل قد حضر وألقى علينا حماضرتني عن الرتمجة واحدة ابللغة اإلسبانية وأخرى ابإلجنليزية ،ويف هناية احملاضرتني أعلن عن قيام جامعته مبنح منح دراسية للطلبة املتفوقني .وابلفعل متّ ترشيحي أان وثالثة من زمالئي يف القسم ،حيث قمنا مبقابلة شخصية مع عميدة الكلية سيتم اختيار طالب واحد للفوز بتلك املنحة. ْ كل طالب كتابة سرية ذاتية عنه ومن خالهلا ّ وطلبت من ّ منذ شهرين فقط فوجئت ابتصال من أستاذيت ابلقسم وهي تبلغين أنّين الطالبة اليت وقع االختيار عليها للفوز ابملنحة اليت طال انتظارها ،مل أكن مدركة ملا كانت تقوله يل أستاذيت يف هذه اللحظة ،ولكن بعد فرتة أدركت أنّين حصلت على ما كنت امتناه وهو املنحة املنتظرة حينها غمرتين فرحة مل أشعر هبا من قبل .إنّه حقا يوم ال ينسى.
2
لوحة خدجية ُُباجة بعد يوم سفر متعب ،وصلت إىل مدينة طليطلة ،مل تكن املرة األوىل اليت أزور فيها إسبانيا ،لذلك مل أكن أتوقع عما رأيته يف مدريد أو برشلونة ،إالّ أن مفاجأيت كانت كبرية مبجرد وصويل إىل حمطة القطار، شيئا خمتلفا كثريا ّ
اليت كانت لوحة فنّية على الطراز األندلسي اإلسالمي ،وكانت دهشيت أعظم حني مشيت بني سراديب طليطلة الضيقة ،فأحسست هبا تنبض اترخيا ومجاال عربيا ...أحسست أب ّن فيها جزءا مين ...جزءا من اتريخ أجدادي... وأحببتها أكثر حني اكتشفت أانسها ...وجدهتم غايةً يف اللطف واللباقة ...قرأت يف أعينهم وأان أسري بني األزقة ترتدد الضيقة للمدينة احرتاما كبريا للتاريخ العريب ،كانت أول مدينة إسبانية مسعت فيها كلمات "عريب" و" عرب" ّ كثريا بني أحاديث الناس بدل "موروس" ،علما أ ّن الكلمة يف ح ّد ذاهتا ال تزعجين... لرمبا إحساسي هذا وإعجايب الكبري ابملدينة يرجع حليب وشغفي العظيم بتاريخ األندلس وحنيين الكبري لذاك الزمان. أتفحص املباين اترة ،ووجوه املارين اترة أخرى ،فأضحيت متخيلة احلياة اليومية اليت كان حيياها املسلمون سرت وأان ّ
وغريهم من اليهود واملسيحيني بني تلك السراديب ،ويف تلك البيوت احلجرية ...وبينما أان أمشي بني السياح
تغص هبم امل دينة تآتى إىل مسمعي أكثر من لغة وهلجة ،فساعدين ذلك على استكمال لوحة من العصر الذين ّ
األندلسي...
3
السرية الذاتيّة عمور الباتول من أان؟ تتجول يف حال وصوهلا اىل طليطلة ،انبهرت جبماهلا لكن مل تستغرهبا ،وكأهنا مل تغادر دّيرها ،وكأهنا ال زالت ّ
أحست أبهنا وجدت مكاان آخر يشبه مكاهنا شوارع القصبة العتيقة ،انسجمت مع أهلها ،أعجبت أبكالهتا و ّ
ومرات عديدة ،لكن هذا إبمكاهنا أن ترمتي فيه وحتتمي به طوال حياهتا أل ّهنا أدركت أن العودة إليه أكيدة مرة ّ اجلو الطليطلي أربكها وشتّت أفكارها...
فجأة ،صارت جتهل من تكون ،من أين تنحدر؟ إىل أي دّينة تنتسب؟ وإىل أي ثقافة تنتمي؟ ،فهل هي تعيش يهمها أن تعيش لتكون هي كما هي أم تعيش لتكون واحدة ال غري ...فمن تكون؟ ... لتعرف من تكون؟ هل ّ هل هي عربية؟ هي عربية مبالمح عربية ،مببادئ عربية ،بنظرة عربية ،بنخوة عربية ،بطباع عربية ،بنزعة عربية ،تتحدى صعاب اجملتمع ككل فتاة عربية ،وحترتم األعراف والتقاليد العربية ،تعيش أحالم كل فتاة عربية ،حب صادق ينتهي ابلزواج وبلد آمن حيافظ على االستقرار ،ولكنها ...ليست عربية ،فهي تتحدث بغري اللغة العربية وتشبه األجنبيات إىل حد ما ،...قد تكون غرانطية األصل أو تنحدر من عائلة تركية ،فج ّدها األول كان تركيا ومالحمها تقول أهنا أندلسية ،لباسها ال يشبه لباس العربيات يف شيء هي ال ترتدي "جالّبة " وال عباءة طويلة وال حجااب يسرتها من رأسها اىل كعبها ،هي ترتدي قميصا فاتح اللون وسرواال قضى على حشمتها العربية وقرهبا إىل الثقافة الغربيّة، هي إذن ليست عربية... هل هي غربية؟ قد تكون فرنسية ،فهي تتقن لغة فيكتور هوغو ومتفرنسة بتعلقها ابحلضارة الفرنسية وحبّها لشوارع ابريس اجلميلة
عاصمة اجلن واملالئكة ،هي متذوقة للفن الفرنسي حتفظ أغاين إيديت بياف وّيسرها دفئ صوت سيلني ديون، 4
يسحرها كل ما هو فرنسي وكثريا ما تعشق الكتابة ابللغة الفرنسية ،لكن يستحيل أن تكون فرنسية فبلدها عريب وامسها أكثر عروبة... بقوة عمراهنا ،شغوفة بفن أدهبا قد تكون إسبانية ال هنا جتيد اللغة اإلسبانية ،تعشق احلضارة اإلسبانية ،متيمة ّ
حتب كتاابت دون كيشوت وروائع غابرّيل غارسيا ومشدودة أبسرار اترخيها ،تسحرها إيقاعات الفالمينغوّ ، ماركيز... إىل أي داينة تنتسب؟ قد تكون مسيحية ،هي حتب لباس القس األنيق ،ويعجبها لباس الراهبات احملتشم ،تعشق دقات جرس الكنيسة يف كل صبيحة هادئة ما يبث يف روحها السكينة والطمأنينة ،يبهرها عمران الكنائس والنحت الذي يتحف جو اإلنسانيّة الذي مييز احلياة املسيحية بسماحة املسيحيني وقدسيّتهم ،لكن... مظاهرها ،حترتم ّ هي ال تذهب للكنيسة لتصلي ،ال تعلق صليبا يف عقدها ،ال ترتجى العذراء يف حل مشاكلها ،مل ختلق مسيحية وال أبراض مسيحية ،فهي إذن ليست مسيحية... هي مسلمة ،خلقت يف أراض مسلمة ،تربت يف عائلة مؤمنة ،تنتظر رمضان بفارغ صربها لتصوم وتفعل خريا جتازى به يف عاقبتها ،تؤمن أبن أداء الصالة مخس مرات يف اليوم يقرهبا من رهبا وينري خطى حياهتا ،حتب األعياد الدينية وتستقبلها ببدلة جديدة وفرحة غامرة ،عاشت وتعيش حتت مبادئ اإلسالم لكنها ال تطبق كل فرائضه، فهي ال ترتدي احلجاب وال تؤدي صلواهتا بطريقة منتظمة وغالبا ما تتخلى عن أتديتها ،تؤمن وال تطبق ،حترتم وال تثابر ،فهي مسلمة مسلّمة يف اسالمها ومهملة لتبتلها... راحت تبحث عن نفسها هي كل هذا ،أسئلة تراودها وتساؤالت تؤرقها ،قد يكون اندماجها أكرب مشكلة يف حياهتا... ذهبت تنفرد بنفسها داخل غرفتها ،وأخذت تفكر بصوت عال ،حتاول أن تراجع أفكارها لتستعيد ذاكرهتا وحت ّدد هويتها... ألن يصيح عقلها قائال:...
5
"أان جزائرية عربية مسلمة ،ترعرعت يف اراض جزائرية ،كربت على حب الثورة واالنتفاضة ،ولدت يف أقسى ظروف سياسية ،يف تلك العشرية السوداء ،مسي جيلنا جبيل التفجري للتغيري ،تربيت وسط عائلة وطنية ،حتيا جبزائريتها ومتوت جلزائرها ،...فأان إذن جزائرية. بعد فرتة من الصراع الفكري راحت جتمع أفكارها ،لتختار بعدها أن تكون مبعثرة ،ال تنتمي ألي دّينة بل جلميع الدّيانت وال تنتسب ألي ثقافة بل جلميع الثقافات وال تتكلّم بلغة واحدة بل تتقن الكثري من اللغات ،فهي إذن وقررت أن تعيش لتسال نفسها من تكون... اختارت أن ال حتدد هويتها ،أحبّت السؤال أكثر من اجلواب ّ
6
عناقيد اخلري سينتيا مزنر تعمه الفوضى .كنت أتساءل كل يوم: فجأ ًة، ح وجدت نفسي يف لبنان أي يف عامل آخر مليء ابلصعوابت .بلد ّ ماذا أفعل هنا؟ مل أكن أقصد وطين األم إالّ يف األعياد ولتمضية العطلة الصيفيّة .فهذه كانت أول مرة أسكن فيها يف لبنان .وجدت صعوبةً كبريًة يف التأقلم يف بلدي واالندماج مع أبناء شعبه. يحدفن املاضي عندما ترحل األّيمّ .أما الذكرّيت فليس إبمكاين التخلي عنها وستبقى راسخة يف شخصييت إىل األبد .ومبا أنّين حولدت وترعرعت يف عامل البساطة والنظام ،مل أستطع يف ذلك الوقت أن أختيّل نفسي أعيش يف ٍ أحب منظر اجلمل عندما يتنقل يف الصحراء عند غروب أحب النخيل تتدىل منه عناقيد اخلريّ . مكان آخرّ . أحب ترتيب الشوارع والنظافة .وأحب أن يكون حميطي خليطاً من ثقافات خمتلفة متاماً عن ثقافيت، الشمسّ . األمر الذي ساعدين يف تنمية عالقايت الشخصيّة. وجدت نفسي يف لبنان. وفجأةً، ح
7
احلصوة عمرو حممد سعيد متذمرا إالّ يف حلظات معدودات من الشجار القصري مع كان جدي رجال طيبا حقاً .مل أره يف حيايت غاضبا ّ
حيب الناس وهم كانوا ج ّديت على أمور تستحق وال تستحق شجار األزواج .لقد كان دائم االبتسام واملزاح وكان ّ يبادلونه ابملثل.
يكن حبّا وإعزازا شديدا للسيدة العذراء يف شبابه كان ج ّدي رّيضيّا وكان يقطن يف حي شربا مع عائلته ،وكان ّ
األّيم أصيب ج ّدي آبالم شديدة ابلكلى وأخربه الطبيب بوجود وحيمل صورهتا دائما يف حافظته .ويف أحد ّ حصوة كبرية ابلكلى ووجوب إجراء عمليّة جراحيّة إلزالتها .عاد ج ّدي الشاب مهموما يعتصره األمل إىل منزله املصورة إببداع حىت غالبه النعاس ،فإذا به وقرر أن يستلقي بعض الوقت يف سريره وأخذ ّ يتأمل ابتسامة البتول ّ ّ يرى يف املنام السيدة العذراء متسح بيدها على بطنه يف مكان األمل وعلى وجهها ابتسامة ال يتب ّدل صفاؤها .فإذا
به يستيقظ من نومه -وقد فارقه األمل إىل األبد -على صوت ج ّديت الذي يعلن حلول وقت الغذاء وصالة العصر.
8
خريف طليطلة منال شفاعمري اتكسي أذكر متاما ما حدث يف ذلك اليوم عندما قررت أن أزورك. ف ها أان أصعد إىل الطابق اخلامس على كعيب ،وأقف مبواجهة العني الساحرة ،أقرص خدي وأنتظر صعود الدم اليهما. كثرية هي احلقائب وثقيلة كثقل ذلك السائق املتطفل الذي أوصلين اليك. أجر حقائيب متردت على كل سائقي التاكسي للمرة األوىل وقلت ال ،ونزلت ّ كان يطلب العيديّة يف غري مومسهاّ ،
قبل شارعني.
فكرت فيه ،وندمت. فكرت فيك أكثر وندمت أكثر. نزلت الدرج ،مخسة طوابق ،عشرة شقق سكنية ،عشرة أبواب وأربعة صفوف من النوافذ اليت تفتح على اخلارج أو تغلق على الداخل. نزلت. جررت حقائيب مرة أخرى ووضعت مبلغا للعيدية يف جييب ،فأان أستطيع الصفري للتاكسي كما يفعل الولد "األزعر". وبعد أن حتسست هاتفي واحلقائب قلت للسائق :خذين ،فأجابين :إىل أين؟ هناك ،نعم األصل هناك ولكنّين ال أريد أن أتسلّق الدرج فقد تعبت. أريد أن أصل ولكنّين رمبا سأصعد عندما يكون احلذاء مناسبا. 9
العصفورة تلك العصفورة املازحة الشقيّة! كانت ماهرة جدا يف نقل أخباري ألمي ،فقد غضبت منها كثريا ألهنا أخربت أمي مبا فعلت. فقد تسلّقت اجلدار الذي يفصل بيتنا عن بيت اجلريان وأخربهتا أيضا أين قفزت من الشباك أللعب مع الصبيان على سطح البيت جبانب خزان املياه. مل ترتكين وشأين حىت عندما كنت أكرب فقد وشت يب وأخربت اجلميع عن وقوعي يف احلب ،وأنّين كنت ألتقيه أأتخر نصف ساعة عن موعد عوديت ،وأخربت صاحب العمل أ ّن إجازيت املرضيّة كانت يف احلقيقة "موعد عندما ّ
غرام" .
علي كثريا عندما تغيّبت عن دروسي يف اجلامعة حىت أهنّا رتّبت يل صدفة اللقاء أبستاذي يف مهرجان تآمرت ّ السينما ليلة التحضري لالمتحان. أخربت أمي ،بل أرشدهتا إىل خمبأ سجائري تلك العصفورة!!!! مل تبق يل سرا واحدا أخفيه ،ولكنّنا عندما جلسنا معا وكانت ساهرة على غري عادهتا اعرتفت بكل ما اقرتفت معي من ذنوب الوشاية وقالت يل :نعم أخربهتم مجيعا مبا جيعلهم يضحكون ،ومبا يفرحهم من جنون طفلة مشاكسة ،أخربت عنك ما أحببت أن تقويل دائما. مل أخربهم يوما عن وسادتك اليت امتألت ابلدموع ،ومل أخربهم عن أحالمك اليت يضج هبا رأسك الصغري. ها أان أعدك أيضا أنّين لن أخربهم عمن غادر فضاء شجرتنا من األصحاب وأغلق الباب وراءه على طفولتك، أعدك… أعدك.
10
حرية مصطفى شعبان ماذا أكتب؟ وعن ماذا أكتب؟ وملاذا أصال أكتب؟ كلها أسئلة تدور ّيئسة برأسي ابحثة عن إجاابت ال أعلم خيص السؤال األخري ملاذا أكتب؟ وهو ببساطة ألنين مضطر أن أكتب ،فأان هنا اجملرب ولست منها سوى ما ّ البطل. فمنذ أن طلب مىن األستاذ يف صباح ذلك اليوم أن أكتب عن موضوع حيكي سرييت الذاتية (ختيّل ّي مؤمن لقد
أصبحت شخصا ذا سرية ذاتيّة) وأان واقع يف تلك احلرية كنملة وقعت يف كوب ماء وال تعرف كيف اخلروج.
ماذا يوجد يف حيايت اململّة اخلالية من املغامرات كي أحكي عنه؟ هل أحكي مثال عن كيف كانت رحليت إىل فقررت أن أجلس مدينة طليطلة وكيف أنين رأيت تلك الفتاة ذات املالمح الساحرة وهي جتلس مبفردها يف احلافلة ّ
التنزه خالل املدينة جبوارها وظللت أحتدث معها طوال الرحلة وكيف أنّنا بعد أن وصلنا أمضينا يوماً رائعاً من ّ الساحرة حىت غدوان كهدهدين عاشقني؟ لكن شيئاً من ذلك مل حيدث على اإلطالق ،لقد كنت انئماً طوال
كن داخل احلافلة فكن فعالً ساحرات ولكن ساحرات من ذلك النوع الذي ميكنه أن الرحلة وأما الفتيات اللوايت ّ
يطري مستخدماً عصا املكنسة.
تذ ّكرت وأان يف خضم تفكريي مجلة كنت قد مسعتها يف املذّيع وأان طفل صغري وهي "أن الكتابة عادة" ولكي متكررة ومتشاهبة فيما بينها، مرت األّيم ّ يصري املرء كاتباً مبدعاً ال ب ّد وأن ميارس عادة الكتابة بشكل يومي ،مثّ ّ
مرت مرت ومل أفعل شيئاًّ ، مرت األّيم ومل أكتبّ ، وال أتذ ّكر أنّين قد ضبطت يوماً متلبساً وأان أمارس تلك العادةّ . ومل أحصل منها إالّ على بعض الشعريات البيضاء اليت بدأت تغطي رأسي ماحنة إّيي ابمتياز لقب "عمو". كل هذا اللّوم ألنّين مل أحاول أن ولكن مهالً ألست أقسو على نفسي حني أفكر هبذا الشكل؟ هل أستحق ّ
أطرق ابب الكتابة من قبل؟ ألست أان هو ذلك الشخص الذي أنفق أمواالً طائلة على شراء الكتب حىت يف أش ّد األزمات اليت مررت هبا حني صرت فجأة بال عمل؟ حرصت حينها كما مل أحرص من قبل على القراءة 11
وشفيت وعقلي وكل حواسي تقريباً. عيين وكنت ال ّ ّ أتوقف عن التهام الكتب التهاماً مستخدماً ّ نعم ،لن أقسو على نفسي ولكن مع ذلك تبقى اإلشكالية قائمة ويبقى السؤال مطروحاً ...ماذا أكتب؟ حيرض الكاتب على إخراج أتذ ّكر أنّين قرأت ذات مرة أ ّن للكتابة شيطان يدعى "شيطان الكتابة" دوره هو أن ّ
تتحملها السطور عوضاً عنه ويصري ابله مراتحاً بعد ما بداخله من أفكار متصارعة وحفظها على الورق كي ّ ذلكّ .ي هلا من فكرة غريبة وخميفة أيضاً. توصلت إىل قراري النهائي وإىل اإلجابة عن سؤايل اليت كنت أُبث عنها ،فحني أييت حسناً ،أعتقد اآلن أنّين قد ّ
فسأرد عليه بصوت عما كتبت ّ األول وإذا سألين األستاذ ّ الصباح وأتوجه إىل احملاضرة ،سأجلس كعاديت يف الصف ّ
جهوري مملوء ابلثقة :عفواً لقد انتظرت طوال الليل أن يزورين الشيطان يف غرفيت املظلمة ولكنّه مل ِّ أيت.
12
ُمذ ّكرات غرانطيّة هال عمرو صباح التاسع من سبتمرب من أذكر ذلك اليوم الذي َحطّت َيب الرحال يف مدينة غرانطة ،عروس األندلس ،يف ِّ ح
ت قدماي شوارع عام .2008أخرياً وبعد ثالث سنوات من الدراسة والتحضري وأحالم وصلت عنان السماء ،عان َق ْ كنت أكره املطر وأكره أن غرانطة القدمية وغمرتين سعادة ال ميكن وصفها بكلمات .كان يوماً ماطراً غائماً ،ح أمضيت وضعت حقائيب يف النزل حيث أمشي حتته ،ولكن مطر غرانطة األندلسي كان له وقع أخر على نفسي. ح ح كنت أسري بشوارعها أحمعن النظر األسبوع األول ُبثاً عن منزل كي أبدأ رحلة العمر يف رحاب غرانطيت احلبيبة .ح يف مبانيها ،وأشجارها وشوارعها العريقة ،ومتاجرها اليت كانت تزهو ابملراوح امللونة وأثواب الفالمينكو املزركشة ومتاثيل الثريان ومصارعيها وراقصي الفالمينكو ،كانت تعرتيين سعادة غامرة ،ذلك النوع من السعادة الذي يشبه سعادة األطفال الصغار الذين يتجولون يف حمل سكاكر ألول مرة يف حياهتم يعاينون قطع احللوة املختلفة أبلواهنا وتناسيت التعب والنحعاس وسابقت خيوط الشمس قبل أن متالكت نفسي لكين ح ح وحللها البهيّة .ح كنت منهكة ّ ح مشيت أمياالً وأمياالً أالحق أطياف أعرابنا مروراً مبنطقة تتالشى ويهبط املساء وخييم الليل ألعاين غرانطيت. ح البيازين حىت وصويل إىل املنطقة املطّلة على قصر احلمراء (مريادور دي سان نيكوالس) ،وما أن وقع نظري على ح جلست يف أحد قصر احلمراء حىت انتفخ صدري من الزهو وبدأت حفالت االحتفاء ابلنفس وبتاريخ أجدادان. ح البارات احتسي فنجان القهوة ابحلليب على أغاين وأشجان موسيقى الفالمينكو املنبعثة من القيثارات املهرتئة للغجر ،أستمتع مبناظر القصر اخلالبة واملنطقة احمليطة به اليت كانت تكتسي ابللون األخضر .استمتعت بذلك كنت أقيم فيه .ويف أتخر الوقت املزيج الساحر لتلك املدينة األندلسية َ وبعدما ّ مهمت ابلعودة إىل النزل الذي ح ح ورحت أمتخرت بفرح بينها إىل أن استوقفتين طريق العودة جذبتين املنازل البيضاء اجلميلة املزينة ابألصص والورود ح
عبارة منقوشة على أحد جدران الطريق يف البيازين "تصدقي عليه ّي امرأة ،فليس هناك ما هو أسوأ من حسرةأن
13
مت يومي األول يف عروس األندلس يكون املرء ضريراً يف غرانطة"ّ .ياااااه كم أنت مجيلة ّي غرانطة! ...وهبذا اختت ح غرانطة.
14
مغامرة طفل مجال أمحد ذات يوم يف إحدى قرى صعيد مصر كنت أهلو مع الصغار يف الشارع ،وكانت الدنيا ألعاب ليليّة وأخرى
هناريّة .فلعبة الليل كانت هي "األستغماية" ،وفيها نقسم بعضنا البعض إىل فريقني ،أحدمها يهرب والفريق
األخر عليه أن ميسك ابهلاربنيّ .أما ألعاب النهار فمتع ّددة ،منها لعبة "الرتيك" ،وفيها يقوم الالعب ابلتصويب على هدف بعيد وهناك الكثري من األلعاب ختتلف من قرية إىل أخرى.
جو الطفولة يف القرية .اندتين والدتــي كي أذهب إىل كذلك هناك ألعاب للبنات وأخرى لألوالد .هكذا كان ّ
بيت عمي وأحضر كميّة من "الشعريية البلدي" ،وهي التسمية املتعارف عليها يف حمافظتنا .أخذت كيسا من أمر يف طريقي بقناتني القماش املتني كي ّ يتحمل .خرجت من املنزل قاصداَ بيت عمي ،وكان جيب على أن ّ مملؤتني ابملاء ،إحدامها أكرب من األخرى .عندما انطلقت ويف يدي كيس القماش قمت بفعل شيء غريب .أردت
أن أصل إىل بيت عمي واضعا كيس القماش على رأسي ووجهي مستعرضاً مهاريت يف حفظ الطريق عن ظهر األول بنجاح ،لكين كنت أكشف عن وجهي الكيس حىت ال أصطدم أبحد قلب ومغمض العينني .عربت اجلسر ّ
أو أسقط يف القناة "الرتعة" .اطمأن قليب أنّين قد إقرتبت ،وها أان ذا سأعرب القناة الثانية الصغرية .وضعت الكيس مرة أخرى على وجهي ومشيت حنو اجلسر الثاين ،وبعدها مل أشعر إالّ وقد سقطت يف مياه القناة املمتلئة ابملاء. كان املاء يف األسفل يكتسي ابللون األخضر ،ال أدري ملاذا؟ لعلّه بسبب األعشاب املوجودة يف املاء .هكذا كنت أف ّكر كطفل .شعرت أبن أحداً أيخذ يدي ليخرجين من الرتعة ألين كنت ابلفعل غارقاَ يف ابملاء .خرجت ابكياَ ومل أسأل عن حيايت اليت كدت أن أفقدها ،وسألت فقط عن شيء واحد وهو أين كيس القماش الذي سأحضر فيه الشعريية؟؟!!!
15