دقّت ساعة البوح 2016

Page 1

Plaza de Santa Isabel, 5



‫دقّت ساعة البوح!‬ ‫دقّت ساعة البوح! هنري عويس‬

‫‪1‬‬

‫املنحة املنتظرة‪ .‬سهيلة حامد‬

‫‪2‬‬

‫لوحة‪ .‬خدجية حُباجة‬

‫‪3‬‬

‫السرية الذاتيّة‪ .‬عمور الباتول‬

‫‪4‬‬

‫عناقيد اخلري‪ .‬سينتيا مزنر‬

‫‪7‬‬

‫احلصوة‪ .‬عمرو حممد سعيد‬

‫‪8‬‬

‫خريف طليطلة‪ .‬منال شفاعمري‬

‫‪9‬‬

‫حرية‪ .‬مصطفى شعبان‬

‫‪11‬‬

‫ُمذ ّكرات غرانطيّة‪ .‬هال عمرو‬

‫‪13‬‬

‫مغامرة طفل‪ .‬مجال أمحد‬

‫‪15‬‬


‫* دورة الرتمجة املتخصصة ابللغة العربية واإلسبانية‪.‬‬ ‫املادة‪" :‬عناصر التحرير ابللغة العربية للمرتمجني"‪.‬‬ ‫املنسق‪ :‬هنري عويس‪ 16-12( .‬سبتمرب‬ ‫األستاذ ّ‬

‫‪.)2016‬‬

‫مدرسة طليطلة للمرتمجني‪ ،‬جامعة كاستيا ال مانتشا‪.‬‬


‫دقّت ساعة البوح!‬ ‫هنري عويس‬ ‫*‬ ‫كل‬ ‫طالّب هذه الدورة يف طليطلة ّ‬ ‫احململة ابألسرار ترويها ملن يشاء أن يرى وأن يسمع‪ ،‬كانوا على موعد‪ ،‬عند ّ‬ ‫صباح على امتداد أربعة ّأّيم‪ ،‬مع ابقة من الذين ابحوا ابملخبأ من أسرارهم‪ ،‬أو من بعض أسرارهم‪ ،‬فقرأوا أبعينهم‬

‫كل يوم ومأكله‬ ‫وبقلوهبم وبلغة عربيّة ّ‬ ‫مفصلة على قياس احلنني والعواطف واألفراح واألحزان‪ ،‬بلغة هي لباس ّ‬ ‫وشرابه‪.‬‬ ‫فانضموا اىل املائدة‪ ،‬وحلّوا ضيوفاً عليها أيكلون منها وحيملون هلا أطباقاً من‬ ‫وفتحت اللّغة والكتاابت شهيّتهم‬ ‫ّ‬

‫نودع أحداً بل صار بيننا خبز وملح‪،‬‬ ‫صنع أيديهم‪ ،‬فتقامسنا مجيعاً "العشاء‬ ‫السري" من غري أن نسلّم أحداً‪ ،‬أو ّ‬ ‫ّ‬

‫وتبادلنا ولو القليل من املخزون يف داخلنا‪.‬‬

‫تسهل البوح وتدفعه من القلوب اىل الشفاه واالقالم مبلمسه اخلشن‬ ‫فإىل اللوايت والذين التقيتهم يف طليطلة اليت ِّ​ّ‬ ‫أو املخملي‪ ،‬من هنري اىل منال وهال وخدجية وسهيلة‪ ،‬وحامد وعمرو وبتول ومصطفى‪ ،‬وسينتيا ومجال ومنال‪:‬‬ ‫كل شيء – يطيب‬ ‫انتظركم يف بريوت حيث – رغم ّ‬

‫البوح‪.‬‬

‫‪1‬‬


‫املنحة املنتظرة‬ ‫سهيلة حامد‬ ‫منذ إهنائي مرحلة الثانوية العامة والتحاقي بكلية اللغات والرتمجة وهي الكلية اليت طاملا أحلم أن ألتحق هبا ‪.‬ولقد‬ ‫تؤهلين لدراسة اللغة اليت اخرتهتا ‪-‬وهي اللغة اإلسبانية‪ -‬يف‬ ‫كنت كثريا ما أحلم ُبصويل على منحة دراسية ّ‬ ‫موطنها األصلي وهو إسبانيا‪.‬‬ ‫ففي هناية الفصل الدراسي الثاين هلذا العام وحتديدا قبل خوضنا االمتحاانت النهائية متّ إبالغي أان وزمالئي بقسم‬ ‫اللغة اإلسبانية أ ّن هناك أستاذا جبامعة إسبانية سيقوم بزّيرتنا‪ .‬وابلفعل قد حضر وألقى علينا حماضرتني عن الرتمجة‬ ‫واحدة ابللغة اإلسبانية وأخرى ابإلجنليزية‪ ،‬ويف هناية احملاضرتني أعلن عن قيام جامعته مبنح منح دراسية للطلبة‬ ‫املتفوقني‪ .‬وابلفعل متّ ترشيحي أان وثالثة من زمالئي يف القسم‪ ،‬حيث قمنا مبقابلة شخصية مع عميدة الكلية‬ ‫سيتم اختيار طالب واحد للفوز بتلك املنحة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫كل طالب كتابة سرية ذاتية عنه ومن خالهلا ّ‬ ‫وطلبت من ّ‬ ‫منذ شهرين فقط فوجئت ابتصال من أستاذيت ابلقسم وهي تبلغين أنّين الطالبة اليت وقع االختيار عليها للفوز‬ ‫ابملنحة اليت طال انتظارها‪ ،‬مل أكن مدركة ملا كانت تقوله يل أستاذيت يف هذه اللحظة‪ ،‬ولكن بعد فرتة أدركت أنّين‬ ‫حصلت على ما كنت امتناه وهو املنحة املنتظرة حينها غمرتين فرحة مل أشعر هبا من قبل‪ .‬إنّه حقا يوم ال ينسى‪.‬‬

‫‪2‬‬


‫لوحة‬ ‫خدجية ُ​ُباجة‬ ‫بعد يوم سفر متعب‪ ،‬وصلت إىل مدينة طليطلة‪ ،‬مل تكن املرة األوىل اليت أزور فيها إسبانيا‪ ،‬لذلك مل أكن أتوقع‬ ‫عما رأيته يف مدريد أو برشلونة‪ ،‬إالّ أن مفاجأيت كانت كبرية مبجرد وصويل إىل حمطة القطار‪،‬‬ ‫شيئا خمتلفا كثريا ّ‬

‫اليت كانت لوحة فنّية على الطراز األندلسي اإلسالمي‪ ،‬وكانت دهشيت أعظم حني مشيت بني سراديب طليطلة‬ ‫الضيقة‪ ،‬فأحسست هبا تنبض اترخيا ومجاال عربيا‪ ...‬أحسست أب ّن فيها جزءا مين‪ ...‬جزءا من اتريخ أجدادي‪...‬‬ ‫وأحببتها أكثر حني اكتشفت أانسها‪ ...‬وجدهتم غايةً يف اللطف واللباقة‪ ...‬قرأت يف أعينهم وأان أسري بني األزقة‬ ‫ترتدد‬ ‫الضيقة للمدينة احرتاما كبريا للتاريخ العريب‪ ،‬كانت أول مدينة إسبانية مسعت فيها كلمات "عريب" و" عرب" ّ‬ ‫كثريا بني أحاديث الناس بدل "موروس"‪ ،‬علما أ ّن الكلمة يف ح ّد ذاهتا ال تزعجين‪...‬‬ ‫لرمبا إحساسي هذا وإعجايب الكبري ابملدينة يرجع حليب وشغفي العظيم بتاريخ األندلس وحنيين الكبري لذاك الزمان‪.‬‬ ‫أتفحص املباين اترة‪ ،‬ووجوه املارين اترة أخرى‪ ،‬فأضحيت متخيلة احلياة اليومية اليت كان حيياها املسلمون‬ ‫سرت وأان ّ‬

‫وغريهم من اليهود واملسيحيني بني تلك السراديب‪ ،‬ويف تلك البيوت احلجرية‪ ...‬وبينما أان أمشي بني السياح‬

‫تغص هبم امل دينة تآتى إىل مسمعي أكثر من لغة وهلجة‪ ،‬فساعدين ذلك على استكمال لوحة من العصر‬ ‫الذين ّ‬

‫األندلسي‪...‬‬

‫‪3‬‬


‫السرية الذاتيّة‬ ‫عمور الباتول‬ ‫من أان؟‬ ‫تتجول يف‬ ‫حال وصوهلا اىل طليطلة‪ ،‬انبهرت جبماهلا لكن مل تستغرهبا‪ ،‬وكأهنا مل تغادر دّيرها‪ ،‬وكأهنا ال زالت ّ‬

‫أحست أبهنا وجدت مكاان آخر يشبه مكاهنا‬ ‫شوارع القصبة العتيقة‪ ،‬انسجمت مع أهلها‪ ،‬أعجبت أبكالهتا و ّ‬

‫ومرات عديدة‪ ،‬لكن هذا‬ ‫إبمكاهنا أن ترمتي فيه وحتتمي به طوال حياهتا أل ّهنا أدركت أن العودة إليه أكيدة مرة ّ‬ ‫اجلو الطليطلي أربكها وشتّت أفكارها‪...‬‬

‫فجأة‪ ،‬صارت جتهل من تكون‪ ،‬من أين تنحدر؟ إىل أي دّينة تنتسب؟ وإىل أي ثقافة تنتمي؟‪ ،‬فهل هي تعيش‬ ‫يهمها أن تعيش لتكون هي كما هي أم تعيش لتكون واحدة ال غري‪ ...‬فمن تكون؟ ‪...‬‬ ‫لتعرف من تكون؟ هل ّ‬ ‫هل هي عربية؟‬ ‫هي عربية مبالمح عربية‪ ،‬مببادئ عربية‪ ،‬بنظرة عربية‪ ،‬بنخوة عربية‪ ،‬بطباع عربية‪ ،‬بنزعة عربية‪ ،‬تتحدى صعاب‬ ‫اجملتمع ككل فتاة عربية‪ ،‬وحترتم األعراف والتقاليد العربية‪ ،‬تعيش أحالم كل فتاة عربية‪ ،‬حب صادق ينتهي ابلزواج‬ ‫وبلد آمن حيافظ على االستقرار‪ ،‬ولكنها‪ ...‬ليست عربية‪ ،‬فهي تتحدث بغري اللغة العربية وتشبه األجنبيات إىل‬ ‫حد ما‪ ،...‬قد تكون غرانطية األصل أو تنحدر من عائلة تركية‪ ،‬فج ّدها األول كان تركيا ومالحمها تقول أهنا‬ ‫أندلسية‪ ،‬لباسها ال يشبه لباس العربيات يف شيء هي ال ترتدي "جالّبة " وال عباءة طويلة وال حجااب يسرتها‬ ‫من رأسها اىل كعبها‪ ،‬هي ترتدي قميصا فاتح اللون وسرواال قضى على حشمتها العربية وقرهبا إىل الثقافة الغربيّة‪،‬‬ ‫هي إذن ليست عربية‪...‬‬ ‫هل هي غربية؟‬ ‫قد تكون فرنسية‪ ،‬فهي تتقن لغة فيكتور هوغو ومتفرنسة بتعلقها ابحلضارة الفرنسية وحبّها لشوارع ابريس اجلميلة‬

‫عاصمة اجلن واملالئكة‪ ،‬هي متذوقة للفن الفرنسي حتفظ أغاين إيديت بياف وّيسرها دفئ صوت سيلني ديون‪،‬‬ ‫‪4‬‬


‫يسحرها كل ما هو فرنسي وكثريا ما تعشق الكتابة ابللغة الفرنسية‪ ،‬لكن يستحيل أن تكون فرنسية فبلدها عريب‬ ‫وامسها أكثر عروبة‪...‬‬ ‫بقوة عمراهنا‪ ،‬شغوفة بفن أدهبا‬ ‫قد تكون إسبانية ال هنا جتيد اللغة اإلسبانية‪ ،‬تعشق احلضارة اإلسبانية‪ ،‬متيمة ّ‬

‫حتب كتاابت دون كيشوت وروائع غابرّيل غارسيا‬ ‫ومشدودة أبسرار اترخيها‪ ،‬تسحرها إيقاعات الفالمينغو‪ّ ،‬‬ ‫ماركيز‪...‬‬ ‫إىل أي داينة تنتسب؟‬ ‫قد تكون مسيحية‪ ،‬هي حتب لباس القس األنيق‪ ،‬ويعجبها لباس الراهبات احملتشم‪ ،‬تعشق دقات جرس الكنيسة‬ ‫يف كل صبيحة هادئة ما يبث يف روحها السكينة والطمأنينة‪ ،‬يبهرها عمران الكنائس والنحت الذي يتحف‬ ‫جو اإلنسانيّة الذي مييز احلياة املسيحية بسماحة املسيحيني وقدسيّتهم‪ ،‬لكن‪...‬‬ ‫مظاهرها‪ ،‬حترتم ّ‬ ‫هي ال تذهب للكنيسة لتصلي‪ ،‬ال تعلق صليبا يف عقدها‪ ،‬ال ترتجى العذراء يف حل مشاكلها‪ ،‬مل ختلق مسيحية‬ ‫وال أبراض مسيحية‪ ،‬فهي إذن ليست مسيحية‪...‬‬ ‫هي مسلمة‪ ،‬خلقت يف أراض مسلمة‪ ،‬تربت يف عائلة مؤمنة‪ ،‬تنتظر رمضان بفارغ صربها لتصوم وتفعل خريا‬ ‫جتازى به يف عاقبتها‪ ،‬تؤمن أبن أداء الصالة مخس مرات يف اليوم يقرهبا من رهبا وينري خطى حياهتا‪ ،‬حتب األعياد‬ ‫الدينية وتستقبلها ببدلة جديدة وفرحة غامرة‪ ،‬عاشت وتعيش حتت مبادئ اإلسالم لكنها ال تطبق كل فرائضه‪،‬‬ ‫فهي ال ترتدي احلجاب وال تؤدي صلواهتا بطريقة منتظمة وغالبا ما تتخلى عن أتديتها‪ ،‬تؤمن وال تطبق‪ ،‬حترتم‬ ‫وال تثابر‪ ،‬فهي مسلمة مسلّمة يف اسالمها ومهملة لتبتلها‪...‬‬ ‫راحت تبحث عن نفسها هي كل هذا‪ ،‬أسئلة تراودها وتساؤالت تؤرقها‪ ،‬قد يكون اندماجها أكرب مشكلة يف‬ ‫حياهتا‪...‬‬ ‫ذهبت تنفرد بنفسها داخل غرفتها‪ ،‬وأخذت تفكر بصوت عال‪ ،‬حتاول أن تراجع أفكارها لتستعيد ذاكرهتا وحت ّدد‬ ‫هويتها‪...‬‬ ‫ألن يصيح عقلها قائال‪:...‬‬

‫‪5‬‬


‫"أان جزائرية عربية مسلمة‪ ،‬ترعرعت يف اراض جزائرية‪ ،‬كربت على حب الثورة واالنتفاضة‪ ،‬ولدت يف أقسى ظروف‬ ‫سياسية‪ ،‬يف تلك العشرية السوداء‪ ،‬مسي جيلنا جبيل التفجري للتغيري‪ ،‬تربيت وسط عائلة وطنية‪ ،‬حتيا جبزائريتها‬ ‫ومتوت جلزائرها‪ ،...‬فأان إذن جزائرية‪.‬‬ ‫بعد فرتة من الصراع الفكري راحت جتمع أفكارها‪ ،‬لتختار بعدها أن تكون مبعثرة‪ ،‬ال تنتمي ألي دّينة بل جلميع‬ ‫الدّيانت وال تنتسب ألي ثقافة بل جلميع الثقافات وال تتكلّم بلغة واحدة بل تتقن الكثري من اللغات‪ ،‬فهي إذن‬ ‫وقررت أن تعيش لتسال نفسها من تكون‪...‬‬ ‫اختارت أن ال حتدد هويتها‪ ،‬أحبّت السؤال أكثر من اجلواب ّ‬

‫‪6‬‬


‫عناقيد اخلري‬ ‫سينتيا مزنر‬ ‫تعمه الفوضى‪ .‬كنت أتساءل كل يوم‪:‬‬ ‫فجأ ًة‪،‬‬ ‫ح‬ ‫وجدت نفسي يف لبنان أي يف عامل آخر مليء ابلصعوابت‪ .‬بلد ّ‬ ‫ماذا أفعل هنا؟ مل أكن أقصد وطين األم إالّ يف األعياد ولتمضية العطلة الصيفيّة‪ .‬فهذه كانت أول مرة أسكن‬ ‫فيها يف لبنان‪ .‬وجدت صعوبةً كبريًة يف التأقلم يف بلدي واالندماج مع أبناء شعبه‪.‬‬ ‫يحدفن املاضي عندما ترحل األّيم‪ّ .‬أما الذكرّيت فليس إبمكاين التخلي عنها وستبقى راسخة يف شخصييت إىل‬ ‫األبد‪ .‬ومبا أنّين حولدت وترعرعت يف عامل البساطة والنظام‪ ،‬مل أستطع يف ذلك الوقت أن أختيّل نفسي أعيش يف‬ ‫ٍ‬ ‫أحب منظر اجلمل عندما يتنقل يف الصحراء عند غروب‬ ‫أحب النخيل تتدىل منه عناقيد اخلري‪ّ .‬‬ ‫مكان آخر‪ّ .‬‬ ‫أحب ترتيب الشوارع والنظافة‪ .‬وأحب أن يكون حميطي خليطاً من ثقافات خمتلفة متاماً عن ثقافيت‪،‬‬ ‫الشمس‪ّ .‬‬ ‫األمر الذي ساعدين يف تنمية عالقايت الشخصيّة‪.‬‬ ‫وجدت نفسي يف لبنان‪.‬‬ ‫وفجأةً‪،‬‬ ‫ح‬

‫‪7‬‬


‫احلصوة‬ ‫عمرو حممد سعيد‬ ‫متذمرا إالّ يف حلظات معدودات من الشجار القصري مع‬ ‫كان جدي رجال طيبا حقاً‪ .‬مل أره يف حيايت غاضبا ّ‬

‫حيب الناس وهم كانوا‬ ‫ج ّديت على أمور تستحق وال تستحق شجار األزواج‪ .‬لقد كان دائم االبتسام واملزاح وكان ّ‬ ‫يبادلونه ابملثل‪.‬‬

‫يكن حبّا وإعزازا شديدا للسيدة العذراء‬ ‫يف شبابه كان ج ّدي رّيضيّا وكان يقطن يف حي شربا مع عائلته‪ ،‬وكان ّ‬

‫األّيم أصيب ج ّدي آبالم شديدة ابلكلى وأخربه الطبيب بوجود‬ ‫وحيمل صورهتا دائما يف حافظته‪ .‬ويف أحد ّ‬ ‫حصوة كبرية ابلكلى ووجوب إجراء عمليّة جراحيّة إلزالتها‪ .‬عاد ج ّدي الشاب مهموما يعتصره األمل إىل منزله‬ ‫املصورة إببداع حىت غالبه النعاس‪ ،‬فإذا به‬ ‫وقرر أن يستلقي بعض الوقت يف سريره وأخذ ّ‬ ‫يتأمل ابتسامة البتول ّ‬ ‫ّ‬ ‫يرى يف املنام السيدة العذراء متسح بيدها على بطنه يف مكان األمل وعلى وجهها ابتسامة ال يتب ّدل صفاؤها‪ .‬فإذا‬

‫به يستيقظ من نومه ‪-‬وقد فارقه األمل إىل األبد‪ -‬على صوت ج ّديت الذي يعلن حلول وقت الغذاء وصالة العصر‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫خريف طليطلة‬ ‫منال شفاعمري‬ ‫اتكسي‬ ‫أذكر متاما ما حدث يف ذلك اليوم عندما قررت أن أزورك‪.‬‬ ‫ف ها أان أصعد إىل الطابق اخلامس على كعيب‪ ،‬وأقف مبواجهة العني الساحرة‪ ،‬أقرص خدي وأنتظر صعود الدم‬ ‫اليهما‪.‬‬ ‫كثرية هي احلقائب وثقيلة كثقل ذلك السائق املتطفل الذي أوصلين اليك‪.‬‬ ‫أجر حقائيب‬ ‫متردت على كل سائقي التاكسي للمرة األوىل وقلت ال‪ ،‬ونزلت ّ‬ ‫كان يطلب العيديّة يف غري مومسها‪ّ ،‬‬

‫قبل شارعني‪.‬‬

‫فكرت فيه‪ ،‬وندمت‪.‬‬ ‫فكرت فيك أكثر وندمت أكثر‪.‬‬ ‫نزلت الدرج‪ ،‬مخسة طوابق‪ ،‬عشرة شقق سكنية‪ ،‬عشرة أبواب وأربعة صفوف من النوافذ اليت تفتح على اخلارج‬ ‫أو تغلق على الداخل‪.‬‬ ‫نزلت‪.‬‬ ‫جررت حقائيب مرة أخرى ووضعت مبلغا للعيدية يف جييب‪ ،‬فأان أستطيع الصفري للتاكسي كما يفعل الولد‬ ‫"األزعر"‪.‬‬ ‫وبعد أن حتسست هاتفي واحلقائب قلت للسائق‪ :‬خذين‪ ،‬فأجابين‪ :‬إىل أين؟‬ ‫هناك‪ ،‬نعم األصل هناك ولكنّين ال أريد أن أتسلّق الدرج فقد تعبت‪.‬‬ ‫أريد أن أصل ولكنّين رمبا سأصعد عندما يكون احلذاء مناسبا‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫العصفورة‬ ‫تلك العصفورة املازحة الشقيّة!‬ ‫كانت ماهرة جدا يف نقل أخباري ألمي‪ ،‬فقد غضبت منها كثريا ألهنا أخربت أمي مبا فعلت‪.‬‬ ‫فقد تسلّقت اجلدار الذي يفصل بيتنا عن بيت اجلريان وأخربهتا أيضا أين قفزت من الشباك أللعب مع الصبيان‬ ‫على سطح البيت جبانب خزان املياه‪.‬‬ ‫مل ترتكين وشأين حىت عندما كنت أكرب فقد وشت يب وأخربت اجلميع عن وقوعي يف احلب‪ ،‬وأنّين كنت ألتقيه‬ ‫أأتخر نصف ساعة عن موعد عوديت‪ ،‬وأخربت صاحب العمل أ ّن إجازيت املرضيّة كانت يف احلقيقة "موعد‬ ‫عندما ّ‬

‫غرام" ‪.‬‬

‫علي كثريا عندما تغيّبت عن دروسي يف اجلامعة حىت أهنّا رتّبت يل صدفة اللقاء أبستاذي يف مهرجان‬ ‫تآمرت ّ‬ ‫السينما ليلة التحضري لالمتحان‪.‬‬ ‫أخربت أمي‪ ،‬بل أرشدهتا إىل خمبأ سجائري تلك العصفورة!!!!‬ ‫مل تبق يل سرا واحدا أخفيه‪ ،‬ولكنّنا عندما جلسنا معا وكانت ساهرة على غري عادهتا اعرتفت بكل ما اقرتفت‬ ‫معي من ذنوب الوشاية وقالت يل‪ :‬نعم أخربهتم مجيعا مبا جيعلهم يضحكون‪ ،‬ومبا يفرحهم من جنون طفلة‬ ‫مشاكسة‪ ،‬أخربت عنك ما أحببت أن تقويل دائما‪.‬‬ ‫مل أخربهم يوما عن وسادتك اليت امتألت ابلدموع‪ ،‬ومل أخربهم عن أحالمك اليت يضج هبا رأسك الصغري‪.‬‬ ‫ها أان أعدك أيضا أنّين لن أخربهم عمن غادر فضاء شجرتنا من األصحاب وأغلق الباب وراءه على طفولتك‪،‬‬ ‫أعدك… أعدك‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫حرية‬ ‫مصطفى شعبان‬ ‫ماذا أكتب؟ وعن ماذا أكتب؟ وملاذا أصال أكتب؟ كلها أسئلة تدور ّيئسة برأسي ابحثة عن إجاابت ال أعلم‬ ‫خيص السؤال األخري ملاذا أكتب؟ وهو ببساطة ألنين مضطر أن أكتب‪ ،‬فأان هنا اجملرب ولست‬ ‫منها سوى ما ّ‬ ‫البطل‪.‬‬ ‫فمنذ أن طلب مىن األستاذ يف صباح ذلك اليوم أن أكتب عن موضوع حيكي سرييت الذاتية (ختيّل ّي مؤمن لقد‬

‫أصبحت شخصا ذا سرية ذاتيّة) وأان واقع يف تلك احلرية كنملة وقعت يف كوب ماء وال تعرف كيف اخلروج‪.‬‬

‫ماذا يوجد يف حيايت اململّة اخلالية من املغامرات كي أحكي عنه؟ هل أحكي مثال عن كيف كانت رحليت إىل‬ ‫فقررت أن أجلس‬ ‫مدينة طليطلة وكيف أنين رأيت تلك الفتاة ذات املالمح الساحرة وهي جتلس مبفردها يف احلافلة ّ‬

‫التنزه خالل املدينة‬ ‫جبوارها وظللت أحتدث معها طوال الرحلة وكيف أنّنا بعد أن وصلنا أمضينا يوماً رائعاً من ّ‬ ‫الساحرة حىت غدوان كهدهدين عاشقني؟ لكن شيئاً من ذلك مل حيدث على اإلطالق‪ ،‬لقد كنت انئماً طوال‬

‫كن داخل احلافلة فكن فعالً ساحرات ولكن ساحرات من ذلك النوع الذي ميكنه أن‬ ‫الرحلة وأما الفتيات اللوايت ّ‬

‫يطري مستخدماً عصا املكنسة‪.‬‬

‫تذ ّكرت وأان يف خضم تفكريي مجلة كنت قد مسعتها يف املذّيع وأان طفل صغري وهي "أن الكتابة عادة" ولكي‬ ‫متكررة ومتشاهبة فيما بينها‪،‬‬ ‫مرت األّيم ّ‬ ‫يصري املرء كاتباً مبدعاً ال ب ّد وأن ميارس عادة الكتابة بشكل يومي‪ ،‬مثّ ّ‬

‫مرت‬ ‫مرت ومل أفعل شيئاً‪ّ ،‬‬ ‫مرت األّيم ومل أكتب‪ّ ،‬‬ ‫وال أتذ ّكر أنّين قد ضبطت يوماً متلبساً وأان أمارس تلك العادة‪ّ .‬‬ ‫ومل أحصل منها إالّ على بعض الشعريات البيضاء اليت بدأت تغطي رأسي ماحنة إّيي ابمتياز لقب "عمو"‪.‬‬ ‫كل هذا اللّوم ألنّين مل أحاول أن‬ ‫ولكن مهالً ألست أقسو على نفسي حني أفكر هبذا الشكل؟ هل أستحق ّ‬

‫أطرق ابب الكتابة من قبل؟ ألست أان هو ذلك الشخص الذي أنفق أمواالً طائلة على شراء الكتب حىت يف‬ ‫أش ّد األزمات اليت مررت هبا حني صرت فجأة بال عمل؟ حرصت حينها كما مل أحرص من قبل على القراءة‬ ‫‪11‬‬


‫وشفيت وعقلي وكل حواسي تقريباً‪.‬‬ ‫عيين‬ ‫وكنت ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫أتوقف عن التهام الكتب التهاماً مستخدماً ّ‬ ‫نعم‪ ،‬لن أقسو على نفسي ولكن مع ذلك تبقى اإلشكالية قائمة ويبقى السؤال مطروحاً‪ ...‬ماذا أكتب؟‬ ‫حيرض الكاتب على إخراج‬ ‫أتذ ّكر أنّين قرأت ذات مرة أ ّن للكتابة شيطان يدعى "شيطان الكتابة" دوره هو أن ّ‬

‫تتحملها السطور عوضاً عنه ويصري ابله مراتحاً بعد‬ ‫ما بداخله من أفكار متصارعة وحفظها على الورق كي ّ‬ ‫ذلك‪ّ .‬ي هلا من فكرة غريبة وخميفة أيضاً‪.‬‬ ‫توصلت إىل قراري النهائي وإىل اإلجابة عن سؤايل اليت كنت أُبث عنها‪ ،‬فحني أييت‬ ‫حسناً‪ ،‬أعتقد اآلن أنّين قد ّ‬

‫فسأرد عليه بصوت‬ ‫عما كتبت ّ‬ ‫األول وإذا سألين األستاذ ّ‬ ‫الصباح وأتوجه إىل احملاضرة‪ ،‬سأجلس كعاديت يف الصف ّ‬

‫جهوري مملوء ابلثقة‪ :‬عفواً لقد انتظرت طوال الليل أن يزورين الشيطان يف غرفيت املظلمة ولكنّه مل ِّ‬ ‫أيت‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫ُمذ ّكرات غرانطيّة‬ ‫هال عمرو‬ ‫صباح التاسع من سبتمرب من‬ ‫أذكر ذلك اليوم الذي َحطّت َيب‬ ‫الرحال يف مدينة غرانطة‪ ،‬عروس األندلس‪ ،‬يف ِّ‬ ‫ح‬

‫ت قدماي شوارع‬ ‫عام ‪ .2008‬أخرياً وبعد ثالث سنوات من الدراسة والتحضري وأحالم وصلت عنان السماء‪ ،‬عان َق ْ‬ ‫كنت أكره املطر وأكره أن‬ ‫غرانطة القدمية وغمرتين سعادة ال ميكن وصفها بكلمات‪ .‬كان يوماً ماطراً غائماً‪ ،‬ح‬ ‫أمضيت‬ ‫وضعت حقائيب يف النزل حيث‬ ‫أمشي حتته‪ ،‬ولكن مطر غرانطة األندلسي كان له وقع أخر على نفسي‪.‬‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫كنت أسري بشوارعها أحمعن النظر‬ ‫األسبوع األول ُبثاً عن منزل كي أبدأ رحلة العمر يف رحاب غرانطيت احلبيبة‪ .‬ح‬ ‫يف مبانيها‪ ،‬وأشجارها وشوارعها العريقة‪ ،‬ومتاجرها اليت كانت تزهو ابملراوح امللونة وأثواب الفالمينكو املزركشة‬ ‫ومتاثيل الثريان ومصارعيها وراقصي الفالمينكو‪ ،‬كانت تعرتيين سعادة غامرة‪ ،‬ذلك النوع من السعادة الذي يشبه‬ ‫سعادة األطفال الصغار الذين يتجولون يف حمل سكاكر ألول مرة يف حياهتم يعاينون قطع احللوة املختلفة أبلواهنا‬ ‫وتناسيت التعب والنحعاس وسابقت خيوط الشمس قبل أن‬ ‫متالكت نفسي‬ ‫لكين‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫وحللها البهيّة‪ .‬ح‬ ‫كنت منهكة ّ‬ ‫ح‬ ‫مشيت أمياالً وأمياالً أالحق أطياف أعرابنا مروراً مبنطقة‬ ‫تتالشى ويهبط املساء وخييم الليل ألعاين غرانطيت‪.‬‬ ‫ح‬ ‫البيازين حىت وصويل إىل املنطقة املطّلة على قصر احلمراء (مريادور دي سان نيكوالس)‪ ،‬وما أن وقع نظري على‬ ‫ح‬ ‫جلست يف أحد‬ ‫قصر احلمراء حىت انتفخ صدري من الزهو وبدأت حفالت االحتفاء ابلنفس وبتاريخ أجدادان‪.‬‬ ‫ح‬ ‫البارات احتسي فنجان القهوة ابحلليب على أغاين وأشجان موسيقى الفالمينكو املنبعثة من القيثارات املهرتئة‬ ‫للغجر‪ ،‬أستمتع مبناظر القصر اخلالبة واملنطقة احمليطة به اليت كانت تكتسي ابللون األخضر‪ .‬استمتعت بذلك‬ ‫كنت أقيم فيه‪ .‬ويف‬ ‫أتخر الوقت‬ ‫املزيج الساحر لتلك املدينة األندلسية َ‬ ‫وبعدما ّ‬ ‫مهمت ابلعودة إىل النزل الذي ح‬ ‫ح‬ ‫ورحت أمتخرت بفرح بينها إىل أن استوقفتين‬ ‫طريق العودة جذبتين املنازل البيضاء اجلميلة املزينة ابألصص والورود‬ ‫ح‬

‫عبارة منقوشة على أحد جدران الطريق يف البيازين "تصدقي عليه ّي امرأة‪ ،‬فليس هناك ما هو أسوأ من حسرةأن‬

‫‪13‬‬


‫مت يومي األول يف عروس األندلس‬ ‫يكون املرء ضريراً يف غرانطة"‪ّ .‬ياااااه كم أنت مجيلة ّي غرانطة! ‪ ...‬وهبذا اختت ح‬ ‫غرانطة‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫مغامرة طفل‬ ‫مجال أمحد‬ ‫ذات يوم يف إحدى قرى صعيد مصر كنت أهلو مع الصغار يف الشارع‪ ،‬وكانت الدنيا ألعاب ليليّة وأخرى‬

‫هناريّة‪ .‬فلعبة الليل كانت هي "األستغماية"‪ ،‬وفيها نقسم بعضنا البعض إىل فريقني‪ ،‬أحدمها يهرب والفريق‬

‫األخر عليه أن ميسك ابهلاربني‪ّ .‬أما ألعاب النهار فمتع ّددة‪ ،‬منها لعبة "الرتيك"‪ ،‬وفيها يقوم الالعب ابلتصويب‬ ‫على هدف بعيد وهناك الكثري من األلعاب ختتلف من قرية إىل أخرى‪.‬‬

‫جو الطفولة يف القرية‪ .‬اندتين والدتــي كي أذهب إىل‬ ‫كذلك هناك ألعاب للبنات وأخرى لألوالد‪ .‬هكذا كان ّ‬

‫بيت عمي وأحضر كميّة من "الشعريية البلدي"‪ ،‬وهي التسمية املتعارف عليها يف حمافظتنا‪ .‬أخذت كيسا من‬ ‫أمر يف طريقي بقناتني‬ ‫القماش املتني كي ّ‬ ‫يتحمل‪ .‬خرجت من املنزل قاصداَ بيت عمي‪ ،‬وكان جيب على أن ّ‬ ‫مملؤتني ابملاء‪ ،‬إحدامها أكرب من األخرى‪ .‬عندما انطلقت ويف يدي كيس القماش قمت بفعل شيء غريب‪ .‬أردت‬

‫أن أصل إىل بيت عمي واضعا كيس القماش على رأسي ووجهي مستعرضاً مهاريت يف حفظ الطريق عن ظهر‬ ‫األول بنجاح‪ ،‬لكين كنت أكشف عن وجهي الكيس حىت ال أصطدم أبحد‬ ‫قلب ومغمض العينني‪ .‬عربت اجلسر ّ‬

‫أو أسقط يف القناة "الرتعة"‪ .‬اطمأن قليب أنّين قد إقرتبت‪ ،‬وها أان ذا سأعرب القناة الثانية الصغرية‪ .‬وضعت الكيس‬ ‫مرة أخرى على وجهي ومشيت حنو اجلسر الثاين‪ ،‬وبعدها مل أشعر إالّ وقد سقطت يف مياه القناة املمتلئة ابملاء‪.‬‬ ‫كان املاء يف األسفل يكتسي ابللون األخضر‪ ،‬ال أدري ملاذا؟ لعلّه بسبب األعشاب املوجودة يف املاء‪ .‬هكذا‬ ‫كنت أف ّكر كطفل‪ .‬شعرت أبن أحداً أيخذ يدي ليخرجين من الرتعة ألين كنت ابلفعل غارقاَ يف ابملاء‪ .‬خرجت‬ ‫ابكياَ ومل أسأل عن حيايت اليت كدت أن أفقدها‪ ،‬وسألت فقط عن شيء واحد وهو أين كيس القماش الذي‬ ‫سأحضر فيه الشعريية؟؟!!!‬

‫‪15‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.