تقي الدين النبهاني
الدولة اللسليمية 1372هـ 1953 -م يمن يمنشورات حزب التحرير القدس الطبعة الثانية
-1-
بسم ا الرحمن الرحيم
يمقديمة لم يع الجيل الحاضر على الدولة اللسليمية التي تطِّبا ق اللسلم .والذين عاشوا في أواخر الدولة اللسليمية )الدولة العثمانية( التي أجهز عليها الغرب ،إمّنما رأوا بقايا دولة فيها بقايا حكم إلسليمي؛ ولهذا فإن يمن أصعب يما يجد المسلم تقريب صورة ن يسيطر عليها الواقع ،ول تستطيع أن الحكم اللسليمي إلى أذها ٍ تتصور الحكم إل مّ في يمقياس يما ترى يمن النظمة الديمقراطية الفالسدة المفروضة على البلد اللسليمية فرضا. وليست الصعوبة في هذا وحده ،وإمّنما أصعب الصعوبة في تحويل هذه الذهان )المضبوعة( بالثقافة الغربية .لقد كانت هذه الثقافة الغربية لسلحا شهره الغرب في وجه الدعوة اللسليمية، مل إلى أبنا ء هذه الدولة ح لَ وطعنها به طعنة نجل ء أودت بحياتها ،و لَ لسلحه هذا يقطر يمن ديما ء أيمهم القتيل ،وقال لهم يمفتخرا ) :لقد ت أمّيمكم العجوز التي كانت تستحا ق القتل لسو ء حضانتها لكم، قتل ُ ت لكم عندي حضانة تتذوقون فيها الحياة السعيدة وقد يممّهد ُ والنعيم المقيم( ،ويممّدوا أيديهم يصافحون القاتل ،ويما يزال لسلحه هذا يمخضبا بديما ء أمّيمهم. لقد فعل يمعهم ِفعل الضبع -فيما يروون -حينما تجعل -2-
هل إل مّ عن اللحاق بها ،فل تصحو إل مّ بضربة يسيل لها فريستها لَتذ لَ ديمها ،أو تصل بها الضبع إلى قعر الوادي فتأكلها. فمن لي بأصحاب هذه الذهان المضبوعة أن يعرفوا أن هذا السل ح المسموم الذي قضى على دولتهم اللسليمية ،هو نفسه الذي يقضي دائما -يما تمسكوا به -على حياتهم وكيانهم، وأن هذه الفكار التي يحملونها -يمن القويمية وفصل الدين عن الدولة ويمن آرا ء تطعن في اللسلم -هي بعض السموم التي حملتها لهم هذه الثقافة. وفصل )الغزو التبشيري( يمن كتاب الدولة اللسليمية هذا وكله حقائا ق وأرقام ناطقة -يرينا القاتل المجرم ،ويقفنا علىصرنا بالولسائل التي السبب الذي حمله على ارتكاب الجريمة ،و ُيب مّ لسل بها للقضا ء على القتيل ،ويما كان السبب إل مّ قصد يمحو تو مّ اللسلم ،ويما كان أهم الولسائل إل مّ هذه الثقافة التي جا ءت يمع الغزو التبشيري. لقد غفل المسلمون عن خطر هذه الثقافة ،وصاروا مر ويتناولون يمنه ثقافته ،يمع أنها هي لسبب يحاربون المستع ِ الستعمارهم ،وبها يتركز اللستعمار في بلدهم .ويْل لَينظروا بعد هذا كم يكون يمنظرهم يمتناقضا تناقضا ُيمزريا ويمضحكا يمعا وهم يديرون ظهورهم للجنبي -يمّدعون يمحاربته -ويممّدون إليه أيديهم يمن خلف ليتناولوا بكلتا يديهم لسمويمه القاتلة يتجرعونها، -3-
ف لَيسقطون بين يديه هلكى ،يحسبهم الجاهل شهدا ء نزال ،ويما هم إل مّ صرعى غفلة وضلل. يماذا يريدون؟ أيريدون دولة على غير ألساس اللسلم؟ أم يريدون دول م ً يمتعددة في بلد اللسلم؟ لقد أعطاهم الغرب -يمنذ صار اليمر إليه -دولم ً كثيرة ،ل ُيتم خطته في إبعاد اللسلم عن الحكم ،وفي تقسيم بلد المسلمين ،وفي تخديرهم بالتافه يمن السلطان .ول يزال يعطيهم كل حين دولة ل ُيمعن في تضليلهم وليزيد في تقسيمهم ،وهو على الستعداد لن يعطيهم أكثر يما دايموا يحملون يمبدأه ويمفاهيمه لنهم تابعون له. إن اليمر ليس في قيام دول ،وإمّنما هو في قيام دولة واحدة في العالم اللسليمي كله .وإن اليمر ليس في قيام دولة أي دولة، ول في قيام دولة تسمى إلسليمية وتحكم بغير يما أنزل ا ،بل ول في قيام دولة ُتسمى إلسليمية وتحكم بالقوانين اللسليمية المجردة دون أن تحمل اللسلم قيادة فكرية .إن اليمر ليس في قيام دولة كذلك ،وإمّنما هو في قيام دولة تستأنف الحياة اللسليمية عن عقيدة وتطِّبا ق اللسلم في المجتمع بعد أن يكون يمتغلغل م ً في النفوس يمتمكنا يمن العقول وتحمل الدعوة اللسليمية إلى العالم. عب الحلم؛ لنها قد ايمتلت ليست الدولة اللسليمية خيال م ً يدا ِ بها جوانب التاريخ في يمدى ثلثة عشر قرنا ،فهي حقيقة .كانت -4-
كذلك في الماضي ،وتكون كذلك في المستقبل القريب؛ لن عوايمل وجودها أقوى يمن أن ينكرها الزيمن ،أو يقوى على يمصارعتها .وقد ايمتلت بها اليوم العقول المستنيرة ،وهي أيمنية المّيمة اللسليمية المتعطشة لمجد اللسلم. وليست الدولة اللسليمية رغبة تستأثر بالنفوس عن هوى ،بل هي فرض أوجبه ا على المسلمين ،وأ لَيمرهم أن يقويموا به، صروا في أدائه .وكيف ُيرضون ربهم وحمّذرهم عذابه إذا هم ق مّ والعزة في بلدهم ليست لله ول لرلسوله ول للمؤيمنين؟ وكيف ينجون يمن عذابه وهم ل يقيمون دولة تجمّهز الجيوش وتحمي الثغور ،وتنفذ حدود ا ،وتحكم بما أنزل ا؟ لذلك كان لزايما على المسلمين أن يقيموا الدولة اللسليمية؛ لنه ل وجود لللسلم وجودا يمؤثرا إل مّ بالدولة ،ولن بلدهم ل تعتبر دار إلسلم إل مّ إذا حكمتها دولة اللسلم. وليست الدولة اللسليمية -يمع هذا -يمن السهولة بحيث يستوزر المستوزرون -أفرادا كانوا أو حزبا -فيصبحون وزرا ء يتربعون في دلست الحكم .إن طريقها يمفروشة بالشواك، يمحفوفة بالمخاطر ،يمملو ءة بالعقبات والمصاعب .وناهيك بالثقافة غير اللسليمية صعوبة ،وبالتفكير السطحي عقبة ،وبالحكويمات الخاضعة للغرب خطورة. إن الذين يسلكون طريا ق الدعوة اللسليمية ليجاد الدولة -5-
اللسليمية ،إمّنما يعملون للوصول إلى الحكم ليجعلوه طريقة للستئناف الحياة اللسليمية في البلد اللسليمية ،وحمل الدعوة اللسليمية إلى العالم ،ولذلك تراهم ل لَيقبلون الحكم المجمّزأ يمهما تنوعت ولسائل الغرا ء ،ول يقبلون الحكم الكايمل إل مّ إذا تمكنوا به يمن تطبيا ق اللسلم تطبيقا انقلبيا. وبعد ،فإن كتاب )الدولة اللسليمية( هذا ل ُيقصد به أن يؤرخ هد الناس كيف أقام للدولة اللسليمية ،وإمّنما ُيقصد به أن ُيشا ِ الرلسول صلى ا عليه ولسلم الدولة اللسليمية ،وكيف هدم الكافر مر الدولة اللسليمية ،وكيف يقيم المسلمون الدولة المستع ِ اللسليمية؛ ليعود للعالم النور الذي يضي ء له طريا ق الهدى في حالك الظلمات. وإن هذا الكتاب ليس يمؤَّلفا للدرس ،وإمّنما هو وباقي الكتب التي هي يمن يمنشورات )حزب التحرير( وهي : )ألسس النهضة( و)نظام اللسلم( و)النظام الجتماعي في اللسلم( و)النظام القتصادي في اللسلم( و)نظام الحكم في اللسلم( و)الشخصية اللسليمية( و)التكتل الحزبي( و)يمفاهيم حزب التحرير( و)يمفاهيم لسيالسية لحزب التحرير( ،أقول :إن هذا الكتاب والكتب المذكورة إمّنما هي كتب دعوة تريمي إلى إنهاض المسلمين بالستئناف الحياة اللسليمية ،وحمل الدعوة اللسليمية. حرمّية بأن وهذه الكتب إذا ُأخذت على هذا العتبار ،كانت لَ -6-
سن تفهمها وإدراكها ،وإلى المشاعر تأخذ لسبيلها إلى العقل فيح ُ فتصبح عمل م ً يتحرك في لسبيل إقايمة دولة اللسلم. داوود حمدان
-7-
بسم ا الرحمن الرحيم نقطة البتدا ء حين ُبعث صلى ا عليه ولسلم دعا زوجه خديجة فآيمنت به، ثم دعا ابن عمه عليا فآيمن به ،ودعا يموله زيدا فآيمن به ،ودعا صديقه أبا بكر فآيمن به .ثم صار يدعو الناس ،فآيمن به يمن آيمن ما ألسلم أبو بكر رضي ا عنه أظهر إلسليمه وكفر به يمن كفر .ول مّ لمن وثا ق به ،ودعا إلى ا وإلى رلسوله .وكان أبو بكر رجل م ً يمؤَّلفا ل ،وكان رجال قويمه يأتون إليه ويألفونه لغير لقويمه يمحببا لسه م ً حسن يمجالسته ،فألسلم على يده واحد يمن اليمر ،لعلمه وتجارته و ُ عثمان بن عفان ،والزبير بن العوام ،وعبدالرحمن بن عوف، ولسعد بن أبي وقاص ،وطلحة بن عبيدا ،وجا ء بهم إلى رلسول ا صلى ا عليه ولسلم حين الستجابوا له فألسلموا وصلوا .ثم لس لَلمة والسمه عبدا ألسلم أبو عبيدة والسمه عايمر بن الجرا ح ،وأبو لَ بن عبداللسد ،والرقم بن أبي الرقم ،وعثمان بن يمظعون وغيرهم .ثم دخل الناس في اللسلم أرلسال م ً يمن الرجال والنسا ء حتى فشا ِذكر اللسلم بمكة وتحدث الناس به. وكان صلى ا عليه ولسلم يطوف على الناس في أول أيمره في يمنازلهم ،ويقول إن ا يأيمركم أن تعبدوه ول تشركوا به شيئا، وكان يدعو الناس لللسلم في يمكة جهرا ايمتثال م ً ليمر ا ،قال -8-
ممّدمّثر قم فأنِذر ،وكان يتصل بالناس يعرض تعالى :يا أيها ال ُ عليهم دينه ويكمّتلهم حوله على ألساس هذا الدين لسرا .وكان أصحاب رلسول ا صلى ا عليه ولسلم إذا صمّلوا ذهبوا في خفوا بصلتهم يمن قويمهم .وكان الرلسول صلى ا الشعاب والست يْ لسل لمن يدخل في السلم جديدا يمن يعمّلمه القرآن عليه ولسلم ير ِ يممن ألسلموا يمن لَقيْبل وفقهوا في الدين .فقد أرلسل خباب بن الرت يعمّلم زينب بنت الخطاب وزوجها لسعيدا القرآن ،وحين فاجأهم عمر بن الخطاب كانوا في بيت لسعيد ُيقرئم خباب القرآن ،وألسلم عمر على يد هذه الحلقة. ولم يكتف الرلسول بذلك بل اتخذ له دارا يعمّلم فيها المسلمين اللسلم ويجعلها يمركزا لهذه الكتلة المؤيمنة ،ويمدرلسة لهذه الدعوة الجديدة ،تلك الدار هي دار الرقم بن أبي الرقم ،فقد كان يجمع فيها المسلمين ُيقرئهم القرآن ،ويبمّينه لهم ،ويأيمرهم بالستظهاره مه إلى دار الرقم .ويمكث ثلث وفهمه ،وكلما ألسلم شخص ض مّ لسنين وهو يثمّقف هؤل ء المسلمين ،ويصلي بهم ويتهجد ليل م ً فيتهجدون ،فيبعث فيهم الروحانية بالصلة والتلوة ،ويثير فيهم الفكر بالتأيمل في آيات ا والتدبر في يمخلوقاته ،ويثقف عقولهم بمعاني القرآن وألفاظه ،ويمفاهيم اللسلم وأفكاره ،ويأخذهم بالصبر على الذى ،ويرمّوضهم على الطاعة والنقياد ،حتى خلصوا لله العلي القدير .وظل النبي يمستخفيا هو والمسلمون في دار -9-
الرقم بن أبي الرقم حتى نزل قوله تعالى :فاص لَد ع بما ُتؤيمر وأعِرض عن المشركين. تكمّتل الصحابة وكان عليه الصلة والسلم في أول أيمره يدعو يمن آنس فيه اللستعداد لقبول هذه الدعوة ،بغض النظر عن لسمّنه ويمكانته، وبغض النظر عن جنسه وأصله ،ولم يكن يختار الناس الذي يدعوهم إلى اللسلم اختيارا ،بل كان يدعو جميع الناس ،ويتحرى الستعدادهم للقبول ،وقد ألسلم كثيرون .وكان يحرص على أن يثمّقف جميع الذي يعتنقون اللسلم بأحكام الدين ويحمّفظهم القرآن ،فتكَّتل هؤل ء وحملوا هم الدعوة ،وقد بلغ عددهم يمنذ بعثة الرلسول صلى ا عليه ولسلم حتى ُأيمر بإظهار أيمره نيفا وأربعين شخصا يما بين رجل وايمرأة يمن يمختلف البيئات والعمار، أكثرهم يمن صغار الشباب ،وكان فيهم الضعيف والقوي والغني والفقير. وقد آيمن به صلى ا عليه ولسلم ولزيمه ودأب على الدعوة يمعه كل يمن -1 :علي بن أبي طالب وكان عمره ثماني لسنوات-2 ، والزبير بن العوام وعمره ثماني لسنوات -3 ،وطلحة بن عبيدا وكان ابن إحدى عشرة لسنة -4 ،والرقم بن أبي الرقم وهو ابن اثنتي عشرة لسنة -5 ،وعبدا بن يمسعود وهو ابن أربع عشرة -10-
لسنة -6 ،ولسعد بن أبي وقاص وهو ابن لسبع عشرة لسنة-7 ، ولسعود بن ربيعة وهو ابن لسبع عشرة لسنة -8 ،وجعفر بن أبي طالب وهو ابن ثماني عشرة لسنة -10 ،ولسعيد بن زيد وهو دون العشرين -9 ،وصهيب الرويمي وهو دون العشرين -11 ،وزيد بن حارثة وهو في حدود العشرين -12 ،وعثمان بن عفان في حدود العشرين -13 ،وطليب بن عمير وهو في حدود العشرين-14 ، وخباب بن ال لَ لَرت وهو في حدود العشرين -15 ،وعايمر بن فهيرة وهو ابن ثلث وعشرين لسنة -16 ،ويمصعب بن عمير وهو ابن أربع وعشرين لسنة -17 ،والمقداد بن اللسود وهو ابن أربع وعشرين لسنة -18 ،وعبدا بن جحش وهو ابن خمس وعشرين لسنة -19 ،وعمر بن الخطاب وهو ابن لست وعشرين لسنة-20 ، وأبو عبيدة بن الجرا ح وهو ابن لسبع وعشرين لسنة ،وعتبة بن غزوان وهو ابن لسبع وعشرين لسنة -22 ،وأبوحذيفة بن عتبة في حدود الثلثين لسنة -23 ،وبلل بن ربا ح في حدود الثلثين-24 ، وعياش بن ربيعة وهو في حدود الثلثين -25 ،وعايمر بن ربيعة وهو في حدود الثلثين -26 ،ونعيم بن عبدا وهو في حدود الثلثين -27 ،وعثمان -28 ،وعبدا -29 ،وقدايمة -30 ،والسائب أبنا ء يمظعون بن حبيب ،وكان عمر عثمان في حدود الثلثين، وعبدا لسبع عشرة لسنة ،وقدايمة تسع عشرة لسنة ،والسائب في لس لَلمة عبدا بن عبداللسد المخزويمي حدود العشرين -31 ،وأبو لَ -11-
وعمره في حدود الثلثين -32 ،وعبدالرحمن بن عوف في حدود الثلثين -33 ،وعمار بن يالسر فيما بين الثلثين والربعين-34 ، وأبو بكر الصديا ق وهو ابن لسبع وثلثين لسنة -35 ،وحمزة بن عبدالمطلب وعمره اثنتان وأربعون لسنة -36 ،وعبيدة بن الحارث وعمره خمسون لسنة .كما آيمن عدد يمن النسا ء. ما نضج هؤل ء الصحابة في ثقافتهم ،وتكونت عقليتهم ول مّ عقلية إلسليمية وأصبحت نفسيتهم نفسية إلسليمية في يمدة ثلث لسنوات ،اطمأن الرلسول صلى ا عليه ولسلم عليهم ،وأيقن بنضجهم في عقولهم ،وبسممّوهم في نفسياتهم ،ورأى إدراكهم لصلتهم بالله بارزة آثاره على أعمالهم ،ارتاحت نفسه لذلك كثيرا؛ إذ صارت كتلة المسلمين قوية قادرة على يمجابهة المجتمع كله، فأظهرها حين أيمره ا. انطلق الدعوة كان أيمر الدعوة اللسليمية ظاهرا يمن أول يوم ُبعث به صلى ا عليه ولسلم ،وكان الناس في يمكة يعرفون أن يمحمدا يدعو لدين جديد ،ويعرفون أنه ألسلم يمعه كثيرون ،ويعرفون أن يمحمدا خفون س لَت يْ يكمّتل أصحابه ويسهر عليهم ،ويعرفون أن المسلمين لَي يْ عن الناس في تكتلهم وفي اعتناقهم الدين الجديد .وكانت هذه عر أن الناس كانوا يحسون بالدعوة الجديدة، المعرفة ُتش ِ -12-
سون بوجود يمؤيمنين بها ،وإن كانوا ل يعرفون أين لَيجتمعون ويح مّ ويمن هم هؤل ء الذين لَيجتمعون يمن المؤيمنين ،ولذلك لم يكن إعلن الرلسول صلى ا عليه ولسلم لللسلم شيئا جديدا على كفار يمكة ،وإنما كان الشي ء الجديد ظهور هذه الكتلة المؤيمنة للناس. فقد ألسلم حمزة بن عبدالمطلب ثم ألسلم عمر بن الخطاب بعد إلسلم حمزة بثلثة أيام ،فاشتد لساعد المسلمين ،ونزل على الرلسول قوله تعالى :فاص لَد ع بما تؤيمر وأعِرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون يمع ا إلها آخر فسوف يعلمون .فصد ع صلى ا عليه ولسلم بأيمر ا ،وأظهر أيمر التكتل علنا خفين، للناس جميعا ،وإن كان قد بقي بعض المسلمين ُيمست يْ خفيا حتى فتح يمكة. ويمنهم يمن بقي يمست يْ وكان ألسلوب إظهار الرلسول عليه السلم ليمر هذا التكتل أنه خرج في أصحابه صمّفيْين اثنين ،كان على رأس أحدهما حمزة بن عبدالمطلب ،وعلى رأس الصف الثاني عمر بن الخطاب ،وذهب بهم الرلسول إلى الكعبة في نظام دقيا ق لم تعهده العرب يمن قبل ،فطاف بهم الكعبة .وانتقل الرلسول بذلك في أصحابه يمن ديْور اللستخفا ء إلى دور العلن ،ويمن دور التصال بمن يأنس فيهم اللستعداد إلى دور يمخاطبة الناس جميعا ،فبدأ الصطدام بين اليمان والكفر في المجتمع ،وبدأ الحتكاك بين الفكار الصحيحة وبين الفكار الفالسدة ،وبدأت المرحلة الثانية وهي -13-
يمرحلة التفاعل والكفا ح .وبدأ الكفار يقاِويمون الدعوة و ُيؤذون الرلسول وأصحابه بجميع أنوا ع الذى. عرف وهذه الفترة -فترة التفاعل والكفا ح -هي أشد يما ُ روعة في العصور جميعها ،فقد كان يمنزل الرلسول صلى ا عليه جم ،وكانت أم جميل زوجة أبي لهب ُتلقي النجس أيمام ولسلم ُير لَ بيته ،فكان يكتفي بأن يزيله ،وكان أبو جهل يلقي عليه رحم الشاة يمذبوحة ضحية للصنام فيحتمل الذى ويذهب إلى ابنته فاطمة لتعيد إليه نظافته وطهارته ،فل يزيده ذلك كله إل مّ صبرا وإيمعانا في الدعوة ،وكان المسلمون ُيهَّددون و ُيؤ لَذيْون ،فقد وثبت كل قبيلة على يمن فيها يمن المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ،حتى ألقى أحدهم عبده الحبشي بلل م ً على الريمل تحت الشمس المحرقة ووضع حجرا على صدره وتركه ليموت ل لشي ء إل مّ لنه أصر على اللسلم .ولم يزد بلل وهو في هذه الحال على أن عمّذبت ايمرأة يكرر "أحد أحد" يمحتمل م ً هذا العذاب في لسبيل ربه .و ُ حتى يماتت لنها لم ترض أن ترجع عن اللسلم إلى دين آبائها. جه إليهم أشد صور المهانة، وكان المسلمون بالجملة ُيض لَربون و ُتو َّ فكانوا يصبرون على كل ذلك ابتغا ء رضوان ا تعالى. يمقاويمة الدعوة حين ُبعث صلى ا عليه ولسلم باللسلم تحمّدث الناس عنه -14-
وعن دعوته ،وكانت قريش أقمّلهم حديثا؛ لنهم لم ُيع لَنوا به أول أيمره وظنوا أن حديثه لن يزيد على حديث الرهبان والحكما ء ،وأن الناس عائدون إلى دين آبائهم وآجدادهم ،ولذلك لم ينفروا يمنه ولم ُينكروا عليه ،وكان إذا يممّر عليهم في يمجالسهم يقولون هذا ابن عبدالمطلب يكَّلم يمن السما ء ،والستمر على ذلك. إل مّ أنهم بعد أن يمضت يمدة قصيرة على دعوته وبدأوا يحسون بخطورة هذه الدعوة أجمعوا على خلفه وعلى عداوته ويمحاربته ،وقد رأوا بادئ الرأي أن يحاربوه بالحط يمن شأنه وبتكذيبه فيما يزعم يمن نبوته ،ثم تقديموا إليه يسألونه عن يمعجزاته التي ُيثِبت بها رلسالته ،ويقولون يما بال يمحمد ل ُيحيل الصفا والمروة ذهبا ،ول لَينزل عليه الكتاب الذي يتحدث عنه يمخطوطا يمن السما ء ،وِلم ل يبدو لهم جبريل الذي يطول حديث يمحمد عنه ،وِلم ل يحيي الموتى ،ول ُيسمّير الجبال حتى ل تظل يمكة حبيسة بينها ،وِلم ل يفجر ينبوعا أعذب يمن يما ء زيمزم وهو أعلم بحاجة أهل بلده إلى الما ء ،وِلم ل يوحي إليه ربه أثمان السلع حتى يضاربوا على المستقبل. وهكذا صاروا يهاجمون الرلسول ودعوته بألسلوب تهكمي لذ ع ،وطال بهم اللجاج .ولكن ذلك لم يثنه صلى ا عليه ولسلم عن دعوته بل الستمر يدعو الناس إلى دين ا ويذكر الصنام حلوم يمقمّدلسيها. ع لَب لَدتها و ُ و لَيعيبها و لَيطعن عليها و ُيسمّفه عقول لَ -15-
ظم اليمر عليهم والستعملوا جميع الولسائل لرجاعه عن دعوته ع ُ ف لَ فلم يفلحوا .وكان يمن أهم الولسائل التي اتخذوها لمقاويمة هذه الدعوة ولسائل ثلث : -1
التعذيب.
-2
الدعاية الداخلية والخارجية.
-3
المقاطعة. أمّيما التعذيب ،فقد كان يقع على النبي صلوات ا عليه رغم
اعتصايمه بقويمه ،وعلى أتباعه المسلمين جميعا .وقد تفننوا في عمّذب آل يالسر جميعهم إيقا ع الذى والستعملوا جميع صنوفه ،وقد ُ تعذيبا شديدا ليتركوا دينهم ،فما زادهم ذلك إل مّ ثباتا وإيمانا ،وقد يممّر بهم الرلسول صلى ا عليه ولسلم وهم ُيعَّذبون فقال لهم : }صبرا آل يالسر فإن يموعدكم الجنة إني ل أيملك لكم يمن ا شيئا،{، لسممّية زوجة يالسر إل مّ أن قالت حين قال لهم إن فما كان يمن ُ يموعدكم الجنة ) :إني أراها ظاهرة يا رلسول ا( .وهكذا الستمرت قريش في تعذيب النبي وأصحابه. ما رأت قريش أن ذلك لم ُيفدها ،لجأت إلى لسل ح آخر هو ول مّ لسل ح الدعاية ضد اللسلم وضد المسلمين في كل يمكان ،في يمكة في الداخل ،وفي الحبشة في الخارج ،والستعملت الدعاية بكل نواحيها وبكل يما تنطوي عليه يمن يمجادلة وحجج ويمهاترة وترويج إشاعات ،والستعملت الدعاية ضد العقيدة اللسليمية نفسها ،وضد -16-
صاحب العقيدة ،واتهايمه فيها واتهايمها لذاتها ،وأخذوا يكذبون على الرلسول ،وأخذوا يهمّيئون كل كلم يريدون الدعاية به ضد يمحمد في يمكة وفي خارج يمكة ،وخاصة الدعاية في يمولسم الحج. وقد بلغ يمن اهتمام قريش بالدعاية ضد الرلسول أن اجتمع نفر يمن قريش إلى الوليد بن المغيرة يتشاورون يماذا عيسى أن يقولوا في شأن يمحمد للعرب القاديمين إلى يمكة في يمولسم الحج، فاقتر ح بعضهم أن يقولوا عنه إنه كاهن ،فرد الوليد هذا الرأي بأن يما يقوله يمحمد ليس بزيمزيمة الكاهن ول بهمهمته ول بسجعه. واقتر ح البعض الخر أن يزعموا أن يمحمدا يمجنون ،فرد الوليد هذا الرأي أيضا لنه ل تظهر على يمحمد أية ظاهرة تدل على جنونه. ورأى آخرون أن يتهموا يمحمدا بالسحر ،فرد الوليد ذلك بأن يمحمدا حرة شيئا. س لَ ع لَقد ول يأتي يمن عمل ال لَ ل ينفث في ال ُ وبعد جدال ويمناقشات اتفقوا على اتهام يمحمد بسحر البيان، وانفضوا .ثم انطلقوا بين وفود الحج يمن العرب يحذرونهم اللستما ع إلى يمحمد لنه لساحر ،ويما يقوله لسحر يفمّرق فيه بين المر ء وأخيه وأيمه وأبيه وزوجته وعشيرته ،و ُيخشى على يمن يستمع إليه أن يسحره ف ُيفمّرق بينه وبين أهله .ولكن هذه الدعاية حل بين الناس وبين دعوة اللسلم ،فذهبوا إلى لم تنفع ولم لَت ُ النضر بن الحارث وحملوه على الدعاية ضد الرلسول ،فأخذ النضر خ لَل لَفه في كلما جلس الرلسول في يمجلس يدعو إلى دين ا ،لَ -17-
يمجلسه وصار يقص حديث فارس ودينها ،ويقول :بماذا يكون يمحمد أحسن حديثا يمني؟ أليس يتلو يمن ألساطير المّولين يما أتلو؟ وكانت قريش تأخذ هذه الحاديث وتذيعها بين الناس ،كما كانت تذيع أن يما يقوله يمحمد إمّنما يعمّلمه إياه غلم نصراني السمه جبر وأنه ليس يمن عند ا ،ورمّوجت لهذه الشائعة كثيرا حتى رد ا عليهم فقال :ولقد نعلم أنهم يقولون إمّنما يعلمه بشر لسان حدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي يمبين. الذي ُيل ِ وهكذا الستمرت دعاية قريش داخل الجزيرة .ولم تكتف بذلك بل انها حين لسمعت أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة أرلسلت رلسولين لها لينشرا دعاية ضد المسلمين عند النجاشي حتى ُيخرجهم يمن بلده .وكان الرلسولن هما عمرو بن العاص وعبدا بن ربيعة ،فقد وصل إلى الحبشة وقمّديما لبطارقة النجاشي هدايا كي يساعدوهما على رد المسلمين إلى يمكة ،ثم اجتمعا إلى النجاشي وقال له " :أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك يمنا غلمان لسفها ء ،فارقوا دين قويمهم ولم يدخلوا في دينك، عثنا إليك فيهم وجا ءوا بدين ابتدعوه ،ل نعرفه نحن ول أنت ،وقد لَب لَ أشراف قويمهم يمن آبائهم وأعمايمهم وعشائرهم لترمّدهم إليهم فهم أعلم بهم عينا ،وأعلم بما عابوا عليهم" ،فطلب النجاشي أن ما يسمع يمن المسلمين يما يقولون في ذلك ،وبعث في طلبهم .فل مّ جا ءوا لسألهم يما هذا الدين الذي فارقتم فيه قويمكم ولم تدخلوا به -18-
في ديني ول في دين أحد يمن هذه الملل؟ فأجابه جعفر بن أبي طالب يمبينا حالهم أيام الجاهلية ويما كانوا عليه يمن صفات ،ثم بمّين يما جا ء به اللسلم يمن هداية ،ويما صارت إليه حالهم بعد إلسليمهم، ما قهرونا وظلمونا وضمّيقوا علينا ثم بمّين تعذيب قريش لهم "فل مّ وحالوا بيننا وبين ديننا ،خرجنا إلى بلدك ،واخترناك على لسواك، جوارك ،ورجونا أن ل ُنظ لَلم عندك" ،فقال النجاشي غبنا في ِ ور ِ لجعفر :هل يمعك يمما جا ء به رلسولكم عن ا يمن شي ء تقرؤه ي؟ قال جعفر :نعم ،وتل عليه لسورة يمريم يمن أولها إلى قوله عل مّ تعالى :فأشارت إليه قالوا كيف نكلم يمن كان في المهد صبيا. قال إني عبد ا آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني يمبا لَركا أينما ت حيا .و لَبرا بوالدتي ولم كنت وأوصاني بالصلة والزكاة يما ديم ُ ت ويوم أيموت ويوم ي يوم ُولد ُ يجعلني جبارا شقيا والسلم عل مّ ما لسمع البطارقة هذا القول قالوا :هذه كلمات ُأبعث حيا .فل مّ تصدر يمن النبع الذي صدرت يمنه كلمات لسيدنا يسو ع المسيح. وقال النجاشي :إن هذا والذي جا ء به يمولسى ليخرج يمن يمشكاة واحدة .ثم التفت إلى رلسولي قريش وقال لهما :انطلقا ،وا ل ألسلمهم إليكما. غير أن الرلسولين انصرفا يمن يمجلس النجاشي وأخذا يفكران بطريقة أخرى ،حتى إذا كان اليوم الثاني عاد عمرو بن العاص إلى النجاشي وقال له :إن المسلمين ليقولون في عيسى -19-
لسيْلهم عما يقولون فيه. لسل إليهم و لَ بن يمريم قول م ً فظيعا فأر ِ فأرلسل إليهم والستخ لَب لَرهم ،فقال جعفر :نقول فيه الذي جا ء به نبينا ،يقول عبد ا ورلسوله ،وروحه ،وكلمته ألقاها إلى يمريم طه به على الرض وقال العذرا ء البتول .فأخذ النجاشي عودا وخ مّ ص لَرف لجعفر :ليس بين دينكم وديننا أكثر يمن هذا الخط .و لَ حنين. الرلسولين القرشيين ،فرجعا بخمّفي ُ وهكذا أخفقت جميع ألساليب الدعاية .وكانت قوة الحا ق الذي يدعو إليه الرلسول عليه السلم في الصورة الواضحة التي تتجلى على لسانه لتعلو على جميع الدعايات ،وكان نور اللسلم حين يشرق يبدد جميع الشاعات والدعايات .فلجأت قريش إلى السل ح الثالث وهو لسل ح المقاطعة ،واتفقوا جميعهم على يمقاطعة الرلسول وأقاربه وكتبوا كتابا تعاقدوا فيه على يمقاطعة بني هاشم وبني عبدالمطلب يمقاطعة تايمة فل لَينكحوا إليهم ول ُينكحوهم ،ول يبيعوهم شيئا ول يبتاعوا يمنهم .وعمّلقوا صحيفة هذا ل .واعتقدوا أن هذه العقد في جوف الكعبة توكيدا لها وتسجي م ً السيالسة -لسيالسة المقاطعة -لستكون أفعل أثرا يمن التعذيب والدعاية .وأقايموا على هذا الحصار لسنتين أو ثلث لسنين ،وكانوا ينتظرون أن يترك بنو هاشم وبنو عبدالمطلب يمحمدا ،وأن يترك المسلمون إلسليمهم ،فيصبح يمحمد وحيدا ،وهو إيما أن يرجع عن دعوته وإيما أن ل يبقى لدعوته أي خطر على قريش ول على -20-
ديانتها. إل مّ أن ذلك لم يزد الرلسول عليه السلم إل مّ اعتصايما بحبل ا وتمسكا بدين ا ،وحمالسة في لسبيل الدعوة إلى ا ،ولم يزد حل دون انتشار الدعوة إلى الذين آيمنوا يمعه إل مّ صلبة وقوة ،ولم لَي ُ اللسلم في يمكة وفي خارج يمكة .وبلغ خبر حصار قريش لمحمد العرب خارج يمكة ،فذا ع أيمر الدعوة بين القبائل ،وصار ِذكر اللسلم يفشو في الجزيرة وتتحدث به ال ُركبان. إل مّ أن المقاطعة الستمرت والتجويع ظل لساريا ،وظلت الصحيفة التي تعاقدت قريش فيها على المقاطعة نافذة .واحتمى شعب بظاهر يمكة ،يعانون آلم الجو ع الرلسول وأهله في ال ِ ع لَوز ،ول يجدون في كثير يمن الحيان والحريمان وألوان الفاقة وال لَ سمّدون به ريمقهم .كما أنه لم يكن يتا ح لهم أن يختلطوا بالناس يما ي ُ ح ُرم ،حيث كان ينزل الرلسول إلى ويتحدثوا إليهم إل مّ في الشهر ال ُ شرهم بثوابه وينذرهم عذابه الكعبة ،يدعو العرب إلى دين ا ويب مّ شعب .وكان ذلك يثير عطف العرب عليهم وعقابه ،ثم يرجع إلى ال ِ فكان يمنهم يمن ُيقِبل على دعوته ،ويمنهم يمن كان يرلسل لهم الطعام والشراب خلسة ،وكان هشام بن عمرو يأتي بالبعير -وقد مله الطعام والبر -ويسير به في جوف الليل حتى يصل إلى ح مّ شعب ،وهناك يخلع حطايمه ،ثم يضربه على جنبه حتى يذهب ال ِ حمله ،ويذبحونه شعب ،فيأخذه المسلمون ويقتاتون ب ِ إلى ال ِ -21-
ويأكلون لحمه. وظلوا على هذه الحال يمدة ثلث لسنوات يمتتابعة ،حتى ك الحصار .وذلك ضاقت عليهم الدنيا ،إلى أن أرلسل ا الفرج وف مّ أن خمسة يمن شباب قريش هم زهير بن أبي أيمية ،وهشام بن مطعم بن عدي ،وأبو البخترى بن هشام وزيمعة بن عمرو ،وال ُ اللسود ،اجتمعوا وتذاكروا بأيمر الصحيفة وأيمر المقاطعة ،وتذيمروا معوا أيمرهم وتعاهدوا يمنها ،وأظهروا لسخطهم عنها لبعضهم ،وأج لَ على القيام بأيمر يؤدي إلى نقض الصحيفة وتمزيقها .وفي اليوم التالي ذهبوا إلى الكعبة فجا ء زهير وطاف بالبيت لسبعا ثم نادى في الناس :يا أهل يمكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب ،وبنو هاشم هلكى ل يبتاعون ول ُيبتا ع يمنهم ،وا ل أقعد حتى ُتشا ق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة .ويما كاد أبو جهل يسمعه حتى صا ح به : ت ،وا ل ُتشا ق .فتصايح يمن جوانب البيت زيمعة وأبو البخترى كذب لَ مطعم وهشام وكلهم يكمّذبون أبا جهل ويؤيدون زهيرا .فأدرك وال ُ أبو جهل أن اليمر ُقضي بليل ،وأن القوم قد اتفقوا عليه ،وأن جع .وقام يمخالفتهم قد تثير شرا ،فأوجس في نفسه خيفة وترا لَ مطعم ليشا ق الصحيفة ،فوجد الرضة قد أكلتها إل مّ فاتحتها ال ُ "بالسمك اللهم" .وبذلك أتيح للرلسول وأصحابه أن يعودوا يمن شعب إلى يمكة ،وأن ُيفك عنهم الحصار ،فعادوا والستمر عليه ال ِ السلم على دعوته حتى ازداد عدد المسلمين. -22-
وهكذا أخفقت ولسائل قريش في التعذيب والدعاية والمقاطعة، جع الرلسول ولم تستطع أن تفتن المسلمين عن دينهم ،ول أن ُتر ِ عن دعوته ،حتى أظهرها ا تعالى رغم كل الصعاب والعقبات. تفاعل الدعوة كان اصطدام قريش بالدعوة اللسليمية أيمرا طبيعيا ،لنه مل الدعوة وأظهر الكتلة التي تحمل يمعه ح لَ صلى ا عليه ولسلم لَ الدعوة لسافرة يمتحدية .وفوق ذلك فقد كانت هذه الدعوة بذاتها تتضمن كفا ح قريش والمجتمع في يمكة لنها كانت تدعو لتوحيد ا وعبادته وحده ،وإلى ترك عبادة الصنام والقل ع عن النظام الفالسد الذي يعيشون عليه ،فاصطديمت بقريش اصطدايما كليا. وهل يمكن أل مّ يصطدم الرلسول بقريش وهو يسمّفه أحليمهم، ويحمّقر آلهتهم ،وينمّدد بحياتهم الرخيصة ،وينعى على ولسائل عيشهم الظالمة؟ ينزل عليه القرآن فيهاجمهم ويقول لهم بصراحة :إنكم ويما لَتعبدون يمن دون ا حصب جهنم ،ثم يهاجم الربا الذي يعيشون عليه يمهاجمة عنيفة يمن أصوله ،قال تعالى في لسورة الروم :ويما آتي ُتم يمن ربا ليربو في أيموال الناس فل يربو عن ا ،ويتوعد الذين يطففون الكيل والميزان ،قال تعالى : ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم ُيخسرون. -23-
وبهذا أخذوا يقفون في وجهه ،ويؤذونه هو وأصحابه بالتعذيب تارة ،وبالمقاطعة أخرى ،وبالدعاية ضده وضد دينه .غير أنه ظل يهاجمهم ،والستمر على كفا ح الرا ء الخاطئة ،وهدم هدة في لسبيل نشر الدعوة .وكان يدعو العقائد الفالسدة ،والمجا لَ لللسلم بكل صراحة ،ل يكمّني ،ول يلمّو ح ،ول يلين ،ول يستكين ،ول يحابي ،ول يداهن ،رغم يما لقاه يمن قريش يمن صنوف الذى، ورغم يما يصيبه يمن يمشقات .ويمع أنه فرد أعزل ل يمعين له ول نصير ،ول عمّدة يمعه ول لسل ح ،فإنه جا ء لسافرا يمتحديا ،يدعو لدين ا بقوة وإيمان ل يتطرق إليه أي ضعف عن احتمال تكاليف جسام يمن أجلها ،فكان لذلك كله الثر الدعوة ،والقيام بالعبا ء ال ِ في التغلب على الصعوبات التي كانت تضعها قريش في وجهه حول بينه وبين الناس. لت ُ وقد الستطا ع الرلسول صلى ا عليه ولسلم أن يصل إلى الناس ويبمّلغهم ،فأقبلوا على دين ا ،وأخذت قوة الحا ق تعلو على الباطل ،وأخذ نور اللسلم يزداد كل يوم انتشارا بين العرب، عمّباد الصنام ،ويمن النصارى ،بل أخذ زعما ء فألسلم الكثيرون يمن ُ قريش يسمعون للقرآن وتهفو قلوبهم له. لَقِدم الطفيل بن عمرو الدولسي يمكة وكان رجل م ً شريفا شاعرا لبيبا ،فهمّبت إليه قريش تحذره يمحمدا وأن قوله كالسحر يفرق بين المر ء وأهله ،وأنهم يخشون عليه وعلى قويمه يمثل يما -24-
أصابهم بمكة ،وأن الخير في أل مّ يكمّلمه ول يستمع إليه .وذهب الطفيل يويما إلى الكعبة وكان رلسول ا هناك فسمع بعض قوله فإذا هو كلم حسن فقال في نفسه " :وا ُثكل أمّيمي ،وا إني ي الحسن يمن القبيح ،فما يمنعني لرجل لبيب شاعر يما يخفى عل مّ أن ألسمع يمن هذا الرجل يما يقول ،فإن كان حسنا لَقِبلته ،وإن كان قبيحا تركته" .وامّتبع الرلسول إلى بيته وأظهره على أيمره ويما دار بنفسه ،فعرض رلسول ا عليه اللسلم ،وتل عليه القرآن ،فألسلم وشهد شهادة الحا ق ،ورجع إلى قويمه يدعوهم إلى اللسلم. و لَقِدم على الرلسول صلى ا عليه ولسلم وهو بمكة عشرون رجل م ً يمن النصارى حين لَب لَلغهم خبره ،فجلسوا إليه ولسألوه والستمعوا له ،فالستجابوا وآيمنوا به وصمّدقوه ،يمما غاظ قريشا حتى ع لَثكم لَيمن ورا ءكم يمن لسمّبوهم وقالوا لهم " :خمّيبكم ا ِيمن لَريْكب لَب لَ م تطمئن يمجالسكم عنده حتى أهل دينكم لتأتوهم بخبر الرجل فل يْ فارقتم دينكم وصمّدقتموه بما قال" .ولم تثن يمقالة قريش هذا الوفد عن يمتابعة النبي ،ولم ترمّده عن اللسلم ،بل زادتهم بالله إيمانا على إيمانهم .وبذلك ازداد أيمر النبي ظهورا ،وازداد شوق الناس لسما ع القرآن ،حتى أن أشد قريش خصويمة بدأوا يسائلون هم و ُينذرهم ع ُد ُ أنفسهم أحقا أنه يدعوا إلى الدين القمّيم ،وأن يما لَي ِ هو الصحيح .وحملهم هذا التساؤل على التسلل لسما ع القرآن. خرج أبو لسفيان بن حرب وأبو جهل عمرو بن هشام -25-
والخنس بن شريا ق ،ليلة ليستمعوا إلى يمحمد وهو في بيته ،فأخذ كل يمنهم يمجلسا يستمع فيه ،وكل يمنهم ل يعلم بمكان صاحبه، وكان يمحمد يقوم الليل إل مّ قليل م ً يرمّتل القرآن ترتيل م ً وهم يسمعون آيات ا ،فتألسر قلوبهم ونفولسهم ،ويظمّلون ُينصتون حتى الفجر، فتفَّرقوا عائدين إلى يمنازلهم ،فجمعهم الطريا ق ،فتلويموا وقال بعضهم لبعض :ل تعودوا ،فلو رآكم بعض لسفائكم لضعف ذلك ما كانت الليلة الثانية شعر كل يمن أيمركم ولنصر يمحمدا عليكم .فل مّ واحد يمنهم في يمثل الموعد الذي ذهب فيه أيمس كأن رجليه تحملنه يمن غير أن يستطيع ايمتناعا ليقضي ليله حيث قضاه أيمس، وليستمع إلى يمحمد يتلو كتاب رمّبه ،وتلقوا عند عودتهم يمطلع حل تلويمهم دون الذهاب في الفجر وتلويموا يمن جديد ،فلم لَي ُ ما أدركوا يما بهم لدعوة يمحمد يمن ضعف تعاهدوا الليلة الثالثة .فل مّ أل مّ يعودوا لمثل فعلتهم ،فأقلعوا عن الذهاب لسما ع يمحمد ،ولكن يما لسمعوه في الليالي الثلث ترك في نفولسهم أثرا جعلهم يتسا ءلون فيما بينهم عن الرأي فيما لسمعوا ،وكلهم تضطرب نفسه ،ويخاف أن يضعف وهو لسيد قويمه فيضعف قويمه ويتابعوا يمحمدا يمعه. وهكذا لسرت الدعوة في كل يمكان رغم يما تضعه قريش في وجهها يمن عقبات .فسا ء ذلك قريشا واشتد خوفها يمن انتشار الدعوة بين قبائل العرب بعد أن انتشرت بمكة ،فزادت يمن أذى -26-
أصحابه ،وأخذت تزيد في إيذائه ،وكثرت يمسا ءاتهم نحوه حتى ضاق بهم ذرعا ،فخرج إلى الطائف يلتمس يمن ثقيف النصرة م لَنعة ويرجو إلسليمهم ،لكنهم رمّدوه بشمّر جواب ،وأغروا به وال لَ غلمانهم ولسفها ءهم يسمّبونه ويضربونه بالحجارة حتى ُأديميت قديماه ،ففمّر يمنهم ورجع حتى جلس إلى كرم عنب لشبيب وشيبة ابني ربيعة يفكر في أيمره وأيمر الدعوة ،فهو ل يستطيع أن يدخل يمكة إل مّ في حماية أحد زعما ء يمكة المشركين ،وهو ل يستطيع أن يذهب إلى الطائف بعد يما لقى يمن الذى ،ول يبقى يمكانه لن الكرم لرجلين يمشركين. واشتد الكرب عليه ،فرفع رألسه إلى السما ء يشكو إلى ا ب رضاه، في أشد حالة يمن اللم ،وأعظم حال يمن الثقة بالله وطل ِ ضعف قمّوتي وقمّلة حيلتي وأخذ يدعو هذا الدعا ء }اللهم إليك أشكو لَ عفين، وهواني على الناس ،يا أرحم الراحمين ،أنت رب المستض لَ مني ،أو إلى عدو يمَّلك لَته ك ُلني ،إلى بعيد يتجَّه ُ وأنت ربي ،إلى يمن لَت ِ ي غضب فل أبالي ،ولكن عافيتك أولسع أيمري ،إن لم يكن بك عل مّ ص ُلح عليه أيمر لي .أعوذ بنور وجهك الذي أش لَر لَقت له الظلمات ،و لَ حلمّ عليمّ لسخطك ،لك الدنيا والخرة ،يمن أن ُتنِزل بي غضبك ،أو ُت ِ عتبى حتى ترضى ،ول حول ول قوة إل مّ بك .{،ثم عاد إلى يمكة ال ُ ي. عِد مّ مطعم بن لَ في حماية ال ُ وعرفت قريش يماذا حصل لمحمد في الطائف فازدادت أذى -27-
له وشددت النكير عليه ،وأخذت تمنع الناس يمن اللستما ع إليه، فانصرف عنه أهل يمكة يمن المشركين وأعرضوا عن اللستما ع عل يعرض نفسه ج لَ إليه .فلم يصرفه ذلك عن الدعوة لدين ا ،و لَ في الموالسم على قبائل العرب يدعوهم إلى اللسلم ،ويخبرهم لسل ،ويسألهم أن يصمّدقوه .غير أن عمه عبدالعزى بن أنه نبي يمر لَ عبدالمطلب أبا لهب لم يكن يدعه بل كان يتبعه أينما ذهب ويحمّرض الناس أل مّ يستمعوا له ،فأمّثر ذلك عليهم وانصرفوا عن لسماعه .فصار الرلسول صلى ا عليه ولسلم يغشى القبائل في يمنازلهم ،ويعرض نفسه عليهم ،فأتى كندة في يمنازلها ،وأتى كلبا في يمنازلها ،وأتى بني حنيفة وبني عايمر بن صعصعة ،فلم يسمع له يمنهم أحد ورمّدوه جميعا ردا غير جميل ،بل رده بنو حنيفة ردا قبيحا .أمّيما بنو عايمر فطمعوا إذا هو انتصر بهم أن يكون لهم اليمر ما قال لهم :إن اليمر إلى ا يضعه حيث يشا ء ،لووا ِيمن بعده ،فل مّ عنه وجوههم وردوه كما رده غيرهم .وهكذا أعرضت يمكة عن اللسلم وأعرض أهل الطائف عن رلسول ا ،ورمّدت القبائل جة إلى يمكة يما صار دعوة الرلسول .ورأت القبائل التي تجي ء حا مّ إليه يمحمد يمن عزلة ،ويما أحاطته قريش يمن عداوة ،تجعل كل نصير له عدوا لها وعونا عليها ،فازدادت إعراضا عنه .وزاد ذلك الرلسول عزلة عن الناس ،وصارت الدعوة صعبة في يمكة ويما حولها ،وظهر المجتمع المكي في صلبة الكفر والعناد ،يمما يجعل -28-
اليمل ضعيفا فيه. ديْوران يمن أدوار الدعوة لسار الرلسول صلى ا عليه ولسلم في يمكة في دوريْين يمتتالييْين :أولهما دور التعليم والتثقيف والعداد الفكري والروحي، وثانيهما دور نشر الدعوة والكفا ح .فالدور الول دور فهم الفكار وتجسيدها في أشخاص ،وتكمّتلهم حولها .والدور الثاني دور نقل هذه الفكار إلى قوة دافعة في المجتمع تدفعه لن يطبقها في يمعترك الحياة .لن الفكار تبقى يمجرد يمعلويمات يما دايمت لم تطَّبا ق .ول فرق بين أن تكون هذه المعلويمات في الكتب أو في الديمغة ،فهي يمخزونة في يمكان .ولذلك ل قيمة للفكار إذا لم تنتقل إلى تطبيا ق لها في الحياة. والفكار لكي تطَّبا ق ل بد أن تمر بدور تحويلها يمن فكر إلى قوة دافعة في الناس ،فتؤيمن بها الجماهير ،وتفهمها ،وتحملها، وتكافح في لسبيل تطبيقها ،وحينئذ يصبح تطبيقها أيمرا حتميا ونتيجة طبيعية. وهكذا لسار الرلسول صلى ا عليه ولسلم بالدعوة في يمكة في هذين الدوريْين .أمّيما الدور الول فهو دور دعوة الناس لللسلم، وتثقيفهم بأفكاره وتلقينهم أحكايمه ،وتكتيل يمن يستطيع التكتل على ألساس العقيدة اللسليمية ،وهذا الدور هو دور التكتل السري -29-
في الدعوة .وذلك أن الرلسول صلى ا عليه ولسلم كان ل يفتر عن الدعوة ويدأب على تثقيف يمن يدخلون في اللسلم بالفكار، ويجمعهم في دار الرقم ،ويرلسل يمن يثقفهم كتلة في حلقات، فيجتمع المسلمون في بيوتهم لسرا ،وفي شعاب الجبال لسرا، وفي دار الرقم لسرا ،ويتكتلون ،ويزداد كل يوم إيمانهم ،وتزداد كل صلتهم ببعضهم ،ويزداد كل يوم إدراكهم لحقيقة المهمة التي يوم ِ غرلست الدعوة يحملونها ،فيستعدون للتضحية في لسبيلها ،حتى ُ في نفولسهم ،ولسرى اللسلم فيهم لسريان الدم في أجسايمهم، فأصبحوا إلسليما يمشي في الطريا ق. وبذلك لم تستطع الدعوة أن تبقى حبيسة في نفولسهم رغم لسمّرمّية تكتلهم والحرص على إخفا ء تجمعهم، الستخفائهم ورغم ِ فأخذوا يتحدثون إلى يمن يثقون بهم ،وإلى يمن يأنسون يمنهم الستعدادا لقبول الدعوة .وبهذا أحس الناس على دعوتهم ،وأحسوا على وجودهم ،فاجتازت بذلك الدعوة نقطة البتدا ء ،وصار ل بد لها أن تنطلا ق ،و ُوجدت المحاولت لنطلقها ويمخاطبة الناس جميعا بها .وبذلك انتهى الدور الول وهو دور التكتل السري والتثقيف الذي يبني هذا التكتل ،وصار ل بد يمن النتقال إلى الدور الثاني وهو دور التفاعل والكفا ح بإفهام الناس اللسلم، فيتجاوبون يمعه و ُيقِبلون عليه ،فيختلط بنفولسهم ،أو يرمّدونه ويحملون عليه فيصطديموه بأفكاره ،ويحصل يمن هذا الصطدام -30-
أن ُيهزم الكفر والفساد ،ويستقر اليمان والصل ح ،وينتصر الفكر الصحيح ،لن العقول يمهما تكن يمكاِبرة ل يمكن أن ُتغلا ق أيمام الفكر الصحيح ،ول تستطيع أن ترفضه ،وإن كانت تهرب يمنه حتى ل يؤثر عليها. وهكذا بدأ دور التفاعل وبدأ به الكفا ح بين فكر وفكر ،بين يمسلمين وكافرين .بدأ ذلك يمن الكتلة الحزبية حين خرج الرلسول صلى ا عليه ولسلم ويمعه أصحابه في ترتيب لم تعهده العرب يمن قيْبل ،وفي كتلة واحدة ،فطاف بالكعبة وأعلن أيمره .ويمنذ ذلك الحين صار الرلسول صلى ا عليه ولسلم ينشر الدعوة بين الناس كافة جهارا نهارا لسافرا يمتحديا. وصارت اليات تنزل على الرلسول صلى ا عليه ولسلم في الدعوة إلى التوحيد ،وفي إنكار الوثنية والشرك ،والحملة عليهما، والنعي على تقليد البا ء والجداد يمن غير نظر ،وصارت تنزل في جم الربا ،وتهاجم التجارة الحملة على المعايملت الفالسدة ،فتها ِ الفالسدة ،والغش في الكيل والميزان ،وصار الرلسول يتحدث إلى الناس في اللسلم جماعات ،فيجمع قويمه على طعام في بيته ويحدثهم جماعة ،ويطلب إليهم أن ُيسِلموا وأن يؤازروه ،فيرفضوا شر رفض .ثم يجمع أهل يمكة على الصفا ويحدثهم ،فيثور زعما ء قريش ويرمّده أبو لهب شمّر رمّد .وتزداد الخصويمة بين قريش والنبي يمحمد كما تزداد بين غير قريش يمن العرب وبينه صلى ا عليه -31-
ولسلم. وهكذا تجمع الدعوة إلى التثقيف المرمّكز بالحلقات في البيوت وبين الشعاب وفي دار الرقم ،تثقيفا جماعيا ،وتنتقل يمن دعوة يمن ُيؤ لَنس فيه اللستعداد ،إلى دعوة الناس جميعا ،فيكون لهذه الدعوة الجماعية والتثقيف الجماعي أثر على قريش؛ إذ ازداد حقدها وأحست بالخطر يقترب يمنها ،وبدأت تتخذ الخطوات الجدية للمقاويمة ،بعد أن كانت ل تأبه لمحمد ول لدعوته .فازداد الذى والضطهاد على النبي صلى ا عليه ولسلم وعلى أصحابه. ولكن هذه الدعوة الجماعية كان لها أثر في الدعوة نفسها، فقد ألسمعت الناس جميعا كلمة اللسلم ،وانتشرت الدعوة إلى دين ا بين أهل يمكة جميعا ،فلم يكن يوم إل مّ ألسلم فيه بعضهم لله وجهه ،فآيمن به كل بائس وكل ضعيف وكل يمحروم ،وجميع يمن ل تلهيهم التجارة ول يلهيهم البيع عن التأيمل فيما يدعوهم إليه عرفت رلسول ا ،وآيمن به يمن تجار يمكة وأشرافها وزعمائها يمن لَ نفولسهم الطهر والنزاهة والصدق وارتفعوا عن اللجاج والمكابرة. هؤل ء ألسلموا وجههم لله بمجرد أن أدركوا صحة الدعوة وصدق الداعي ،وانتشر اللسلم بمكة ،ودخل الناس في اللسلم رجال م ً ء .فكان للدعوة الجماعية أث ٌر لَن لَق لَلها إلى أفا ق أولسع ،وإن كان ونسا م ً مل صنوف الذى .وكان يزيد م لَلتها إلى المشقة والعذاب وتح مّ ح لَ لَن لَقل لَ النار اشتعال م ً في نفوس زعما ء قريش يمهاجمة الرلسول للظلم -32-
والقسوة واللستعباد الذي كان يسود يمكة ،وكشفه لحوال الكفار ولعمالهم. وبدأت بين الرلسول ويمعه أصحابه ،وبين كفار قريش ،يمرحلة يمن أشا ق المراحل ،ودور يمن أعنف الدوار .ولئن كان النتقال يمن دور الثقافة إلى يمرحلة التفاعل هو يمن أدق الدوار لنه يحتاج إلى حكمة وصبر ودقة في التصرف ،فإن دور التفاعل هو يمن أشا ق الدوار لنه يحتاج إلى صراحة وتحد دون أن ُيحسب للنتائج والوضا ع أي حساب ،فتحصل فيه فتنة الكفار للمسلمين عن دينهم ،وفيه يظهر اليمان وتظهر قوة الحتمال ،ويظهر يما في النفس يمن صدق اللقا ء. وهكذا لسار الرلسول في هذا الدور ،وهو والصحابة يتحملون ع لَنت، سف و لَ ع لَ يما تنو ء به الجبال الشايمخات يمن ظلم وإرهاق و لَ فكان يمنهم يمن هاجر إلى الحبشة فرارا بدينه ،ويمنهم يمن يمات تحت التعذيب ،ويمنهم يمن احتمل أقسى صنوف الذى .والستمروا على ذلك يمدة طويلة كانت كافية لن يتأثر يمجتمع يمكة بنور اللسلم و ُتبَّدد فيه الظلمات. ولئن يمكث الرلسول ثلث لسنوات في دار الرقم وانتهى يمن الدور الول دور التكتل السري والتثقيف خلل هذه السنوات الثلث ،فقد يمضى على الرلسول ثماني لسنوات أخرى وهو يكافح خف وطأة الكفر )وتظهر المعجزات للناس( .ويمع ذلك فلم ت ِ -33-
خف حمالسهم في يمحاربة قريش عن تعذيب المسلمين ،ولم ي ِ اللسلم. نعم ،كان يمن جرا ء احتكاك المسلمين بقريش أن لسمعت الجزيرة كلها باللسلم ،ولسارت أجوا ء الدعوة في جميع أنحا ء الجزيرة ،نقلها إليهم الحجاج وتحدثوا بها .لكن هؤل ء العرب كانوا يقفون يموقف المتفرج ،ولم يتقديموا خطوة نحو اليمان ،بل كانوا يسعون لعدم إغضاب قريش ،ويبتعدون عن الرلسول حتى ل يثير ذلك غضب قريش .فاشتد ذلك على الرلسول وعلى أصحابه وظهر أن النتقال للدور الثالث -دور تطبيا ق اللسلم -ل بد يمنه ،ولكن قسوة المجتمع في يمكة ل تدل على إيمكانية ذلك التطبيا ق ،وازدياد حول كنهم يمن التفرغ للدعوة ،بل ي ُ الذى على المسلمين ل يم مّ بينهم وبينها ،وإعراض الناس عن الدعوة يزيدهم ألما وحزنا. تولسع يمجال الدعوة زادت يمسا ءات قريش للرلسول وللمسلمين حتى ضاقوا بها لَذرعا ،ولم يبا ق رجا ء في نصرة القبائل إياه بعد أن رمّدته ثقيف يمن الطائف بشمّر جواب ،وبعد أن رمّدته كندة وكلب وبنو عايمر وبنو ما عرض نفسه عليهم في يمولسم الحج ،ولم يبا ق يمطمع حنيفة ل مّ في أن يهتدي إلى اللسلم يمن قريش أحد .ورأت غير قريش يمن القبائل التي تجاور يمكة و التي تجي ء يمن يمختلف أنحا ء بلد -34-
جة إليها يما صار يمحمد إليه يمن عزلة ،ويما أحاطته به العرب حا مّ قريش يمن عداوة تجعل كل نصير له عدوا لها وعونا عليها، فازدادت إعراضا عنه .ورأى صلى ا عليه ولسلم رلسالة ربه تقف في دائرة يمن امّتبعه إلى يويمئذ ،وتطاولت اليام والرلسول يزداد بين قويمه عزلة ،وقريش تزداد عليه حقدا ،والناس يزدادون عنه إعراضا. إل مّ أنه صلى ا عليه ولسلم بالرغم يمن كل ذلك ظل هو وأصحابه ِيمن حوله أشد يما يكون ثقة بنصر ا له وإعل ء دينه على الدين كله ،وظل يدعو الناس كلما أتيح له ذلك .فإذا جا ء يمولسم الحج واجتمع الناس يمن أنحا ء شبه الجزيرة بمكة ،بادأ القبائل فدعاها إلى اللسلم غير آبه أن ُتبدي هذه القبائل رغبة عن دعوته والعراض عنه أو ترمّده ردا غير جميل .ويتحرش به بعض لسفها ء قريش حين إبلغه الناس رلسالة ربه وينالونه بالسو ء ،فل تغير يمسا ءاتهم رضا نفسه ،وطمأنينتها إلى غده .إن ا قد بعثه باللسلم فهو ل ريب ناصره ويمؤيده و ُيمظهر دينه .وأخذ ينتظر فرج ا وهو يويمئذ في ألم يمن وقوف دعوته ،وفي شدة وضيا ق يمن قريش. طل به النتظار حتى بدت تباشير الفوز آتية يمن المدينة. ولم لَي ُ ذلك أن نفرا يمن الخزرج خرجوا إلى يمكة في يمولسم الحج ،فلقيهم الرلسول فكمّلمهم ولسألهم عن شأنهم ودعاهم إلى ا .فنظر -35-
ع ُدكم به يهود، بعضهم إلى بعض وقالوا " :وا إنه لَللنبي الذي ُتوا ِ فل لَيس ُب ُقمّنكم إليه" .وأجابوا دعوة الرلسول وألسلموا وقالوا له " :إنا تركنا قويمنا )أي الوس والخزرج( ول قوم بينهم يمن العداوة والشر ن يجمعهم عليك فل رجل يما بينهم ،فعسى أن يجمعهم ا بك .وإ يْ أعمّز يمنك" .وعاد هؤل ء النفر إلى المدينة ف لَذ لَكروا لقويمهم إلسليمهم، فأِلفوا قلوبا يمنشرحة ونفولسا يمتلهفة للدين الجديد ،فلم تبا ق دار يمن دور الوس والخزرج جميعا إل مّ فيها ِذكر يمحمد عليه السلم. بيعة العقبة الولى ما الستدار العام وجا ء يمولسم الحج ،أتى المولسم اثنا عشر فل مّ رجل م ً يمن أهل المدينة ،فالتقوا هم والنبي بالعقبة ،فبايعوه بيعة العقبة الولى :بايعوه على أن ل ُيشرك أحدهم بالله شيئا ول يسرق ول يزني ول يقتل أولده ول يأتي ببهتان يفتريه بين يديه ورجليه ول يعصيه في يمعروف ،فإن ومّفى في ذلك فله الجنة ،وإن غشي يمن ذلك شيئا فأيْيم ُره إلى ا إن شا ء عمّذب وإن شا ء غفر. وبعد أن أتموا البيعة وانقضى يمولسم الحج عادوا إلى المدينة. الدعوة في المدينة ما انصرف أهل العقبة الولى الثنا عشر وفشا اللسلم في ل مّ ُدور النصار ،أرلسلت النصار رجل م ً إلى رلسول ا صلى ا عليه -36-
ولسلم وكتبت كتابا تقول فيه :ابعث إلينا رجل م ً يفقهنا في الدين، و ُيقرئنا القرآن .وكان عليه الصلة والسلم ل يترك يمن يدخل اللسلم دون أن ُيعنى بتعليمه الحكام وتثقيفه باللسلم ثقافة كنه يمن فهمه وإدراك حقيقته؛ لن الثقافة اللسليمية صحيحة تم مّ ضرورية لكل يمسلم ،وهي ولسيلة لتقوية العقيدة ،ولفهم رلسالة اللسلم ،وهي الضمانة لدوام العمل باللسلم. وقد أحس الذين ألسلموا بذلك ،فطلبوا لَيمن يعلمهم ،فبعث إليهم رلسول ا يمصعب بن عمير ،ف لَقِدم على يمنزل ألسعد بن زرارة ،وكان يأتي الناس في ُدورهم وقبائلهم فيدعوهم إلى اللسلم ،ويقرأ عليهم القرآن ،فيسلم الرجل والرجلن حتى ظهر اللسلم وفشا في ُدور النصار كلها إل مّ دورا يمن أوس ا وهي خطمة ووائل وواقف .وكان يمصعب ُيقرئهم القرآن ويعلمهم، مع بهم، فكتب إلى رلسول ا صلى ا عليه ولسلم يستأذنه أن يج ِّ فأذن له وكتب إليه :انظر يمن اليوم الذي يجهر فيه اليهود لسبتهم، فإذا زالت الشمس فازدِلف إلى ا فيه بركعتين ،واخطب فيهم. مع بهم يمصعب بن عمير في دار لسعد بن خيثمة وهم اثنا عشر فج مّ مع في اللسلم ل ،ويما ُذبح لهم يويمئذ إل مّ شاة ،فهو أول يمن ج مّ رج م ً جمعة. ُ والستمر يمصعب يطوف بالمدينة على الناس ويدعوهم إلى اللسلم ويعلمهم إياه .وذات يوم خرج ألسعد بن زرارة بمصعب بن -37-
عمير يريد به دار بني الشهل ودار بني ظفر -وكان لسعد بن يمعاذ ابن خالة ألسعد بن زرارة -فدخل به حائطا يمن حوائط بني ظفر أي بستانا يمن بساتينهم ،وكان على بئر يقال له بئر يمرق ،فجلسا في الحائط ،واجتمع إليهما رجال يممن ألسلم ،ولسعد بن يمعاذ وألسيد بن حضير يويمئذ لسمّيدا قويمهما يمن بني عبد الشهل ،وكلهما ما لسمعا به قال لسعد بن يمعاذ للسيد يمشرك على دين قويمه .فل مّ بن حضير :ل أبا لك ،انطلا ق إلى هذين الرجلين اللذيْين قد أتيا دارنا ليسمّفها ضعفا ءنا ،فازجرهما وانههما أن يأتيا دارنا ،فإنه لول أن ت كفي ُتك ذلك ،هو ابن خالتي ول ألسعد بن زرارة يمني حيث قد علم لَ أحد عليه يمقديما. ما رآه ألسعد فأخذ ألسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما ،فل مّ بن زرارة قال لمصعب :هذا لسيد قويمه قد جا ءك ،فاص ُدق ا فيه .قال يمصعب :إن يجلس أكلمه .قال :فوقف عليهما يمتشتما، فقال :يما جا ء بكما إلينا تسمّفهان ضعفا ءنا؟ اعتزلنا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة .فقال له يمصعب :أو تجلس فتسمع ،فإن ت .ثم ف عنك يما تكره .قال :أنصف لَ ت أيمرا لَقِبل لَته ،وإن كره لَته ُك مّ رضي لَ ركز حربته وجلس إليهما ،فكلمه يمصعب باللسلم وقرأ عليه ع لَرفنا في وجهه اللسلم القرآن ،فقال -فيما ُيذكر عنهما : -وا ل لَ قبل أن يتكلم ،في إشراقه وتسهله .ثم قال :يما أحسن هذا وأجمله ،كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قال -38-
له :تغتسل فتطمّهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحا ق ثم تصلي ركعتين. قال :فقام فاغتسل وطمّهر ثوبيه وشهد شهادة الحا ق ثم قام فركع عكما لم يتخلف عنه ركعتين .ثم قال لهما :إنمّ ورائي رجل م ً إن امّت لَب لَ أحد يمن قويمه ،ولسأرلسله إليكما الن ،لسعد بن يمعاذ. ثم أخذ حربته وانصرف إلى لسعد وقويمه وهم جلوس في ما نظر إليه لسعد بن يمعاذ يمقبل م ً قال :أحلف بالله لقد ناديهم .فل مّ ما جا ءكم ألسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به يمن عندكم .فل مّ ت الرجلين، ت؟ قال :كلم ُ وقف على النادي قال له لسعد :يما فعل لَ ت بهما بألسا ،وقد نهيتهما فقال نفعل يما أحببت .وقد فوا يما رأي ُ ت أن بني حارثة قد خرجوا إلى ألسعد بن زرارة ليقتلوه ،وذلك حِّدث ُ ُ ضبا أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك .قال :فقام لسعد ُيمغ لَ يمبادرا ،تخوفا للذي لَذ لَكر له يمن بني حارثة ،فأخذ الحربة يمن يده ثم ما رآهما لسعد ت شيئا .ثم خرج إليهما ،فل مّ قال :وا يما أراك أغني لَ يمطمئنين عرف أن ألسيدا إمّنما أراد أن يسمع يمنهما ،فوقف عليهما يمتشتما ثم قال للسعد بن زرارة :يا أبا أيمايمة لول يما بيني وبينك يمن ت هذا يمني ،تغشانا في دارنا بما نكره .وقد قال القرابة يما ُريم لَ ءه يمن قويمه، ألسعد لمصعب :أي يمصعب ،جا ءك وا لسي ُد لَيمن ورا لَ إن يتبعك لم يخالف عليك يمنهم اثنان .فقال له يمصعب :أو تقعد ت أيمرا لَقِبل لَته ،وإن كرهته عزلنا عنك يما تكره. فتسمع ،فإن رضي لَ قال لسعد :أنصفت .ثم ركز الحربة فجلس ،فعرض عليه اللسلم، -39-
وقرأ عليه القرآن .قال :فعرفنا وا في وجهه اللسلم قبل أن يتكلم به ،في إشراقه وتسهله .ثم قال لهما :كيف تصنعون إذا أنتم ألسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قال :تغتسل فتطمّهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحا ق ثم تصلي ركعتين .قال :فقام فاغتسل وطمّهر ثوبيه وشهد شهادة الحا ق وركع ركعتين ،ثم أخذ حربته فأقبل عائدا ما رآه قويمه يمقبل م ً قالوا : إلى نادي قويمه ويمعه ألسيد بن حضير ،فل مّ نحلف بالله لقد رجع لسعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به يمن ما وقف عليهم قال :يا بني عبد الشهل ،كيف تعلمون عندكم .فل مّ أيمري فيكم؟ قالوا :لسيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة .قال :فإ مّ ن ي حرام حتى تؤيمنوا بالله ورلسوله .قال : كلم رجالكم ونسائكم عل مّ فوا يما أيمسى في دار عبد الشهل رجل ول ايمرأة إل مّ يمسلما أو يمسلمة. ورجع يمصعب إلى يمنزل ألسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى اللسلم ،حتى لم تبا ق دار يمن ُدور النصار إل مّ وفيها رجال ونسا ء يمسلمون .وأقام يمصعب بالمدينة يمدة لسنة بين الوس والخزرج ،يعمّلمهم دينهم ،ويرى يمغتبطا ازدياد النصار ليمر لله ولكلمة الحا ق .وكان رضي ا عنه يطرق البواب على الناس لسعيا للتصال بهم ليبمّلغهم دعوة ا ،وكان يجوب الحقول يمتصل م ً بالمزارعين في أعمالهم يدعوهم لللسلم ،وكان يواجه اللسياد يدعوهم لدين ا ،وكان يقوم بحركات يمقصودة كما فعل يمع -40-
ألسعد بن زرارة في اتخاذ الولسائل للوصول إلى الناس حتى يقوم بإلسماعهم صوت الحا ق ،حتى الستطا ع في لسنة واحدة أن يقلب الفكار في المدينة يمن وثنية خرقة ،ويمن يمشاعر خاطئة ،إلى توحيد وإيمان ،وإلى يمشاعر إلسليمية ،تسخط على الشرك ،وتنفر يمن تطفيف الكيل والميزان. وهكذا كان نشاط يمصعب ،وكان نشاط الذين ألسلموا يمعه، أن تحولت المدينة في لسنة واحدة يمن حال الشرك إلى حال اللسلم. بيعة العقبة الثانية كانت بيعة العقبة الولى خيرا وبركة ،فإن الذين ألسلموا على قلة عددهم -كفاهم شخص واحد يمن أصحاب الرلسولوهو يمصعب لن يغير بهم المدينة ،ويقلب الفكار والمشاعر الموجودة في يمجتمعها .ويمع أن الذين ألسلموا في يمكة كانوا كثيرين ،إل مّ أن جماهير الناس كانوا يمنفصلين عنهم ،إذ لم تؤيمن الجماعات ،ولم يتأثر المجتمع بالفكار والمشاعر اللسليمية، بخلف المدينة ،فقد دخلت في اللسلم فيها جماهير الناس ،وتأثر المجتمع فيها باللسلم ،وتأثرت أفكاره ،وتأثرت يمشاعره ،وذلك يدل دللة واضحة على أن إيمان الفراد يمنفصلين عن المجتمع، يمنفصلين عن جماهير الناس ل ُيحِدث أثرا في المجتمع ،ول في -41-
الجماهير ،يمهما تكن قوة هؤل ء الفراد .وأن العلقات القائمة بين الناس إذا تأثرت بتأثير الفكار والمشاعر حدث التحول والنقلب يمهما يكن قليل م ً عدد الحايملين للدعوة .ويدل على أن المجتمع حين يكون جايمدا على الكفر كمجتمع يمكة ،يكون أكثر صعوبة يمن المجتمع الذي لم تتحكم فيه الرا ء الفالسدة كمجتمع المدينة ،وإن كانت يموجودة فيه هذه الرا ء. ولذلك تأثر المجتمع في المدينة باللسلم أكثر يمن يمكة ،فقد كان الناس في المدينة يشعرون بخطأ الفكار التي يحملونها، وكانوا يبحثون عن أفكار أخرى وعن نظام آخر لحياتهم ،في حين أن يمجتمع يمكة كان يمرتاحا إلى يما هو عليه ،حريصا على بقائه ل لسيما رؤوس الكفر أيمثال أبي لهب وأبي جهل وأبي لسفيان .ولذلك يما لبث يمصعب في المدينة يمدة قصيرة حتى وجد القبال على الدعوة ،فأقام يدعو الناس لللسلم ويثقفهم بأفكاره وأحكايمه، فيلمس اللستجابة السريعة ،ويشاهد إقبال الناس على اللسلم سر كثيرا ،ويرى ازدياد عدد وإقبالهم على تفهم أحكايمه ،ف ُي لَ المسلمين ،وازدياد اللسلم بالمدينة ،فيغتبط لذلك ويزداد نشاطا في التعليم وبث الدعوة. حتى إذا أتى يمولسم الحج عاد إلى يمكة وقصمّ على رلسول ا عليه السلم خبر المسلمين وقمّوتهم ،وأنبا ء اللسلم وازدياد انتشاره ،وصمّور له المجتمع بالمدينة بأنه أصبح ل يتحدث إل مّ عن -42-
الرلسول ،ول شي ء في أجوائه إل مّ اللسلم ،وأن قوة المسلمين عتهم هناك لها يمن التأثير يما جعل اللسلم هو الذي له الغلبة و لَيم لَن لَ على كل شي ء ،وأنه لسيحضر هذا العام بعض المسلمين ،وهم أعظم إيمانا بالله ،والستعدادا لحمل رلسالة ا ،والدفا ع عن دين سمّر النبي صلى ا عليه ولسلم لخبار يمصعب كثيرا ،وأخذ ا .ف ُ ل ،ويقاِرن بين يمجتمع يمكة ويمجتمع المدينة. يفكر في اليمر طوي م ً ن يمكة قد قضى يدعو فيها إلى ا اثني عشر عايما يمتتالية ،لم فإ مّ يأل ُ جهدا بالدعوة ،ولم يترك فرصة إل مّ بذل فيها كل يما يستطيع مل جميع صنوف الذى ،ويمع ذلك فالمجتمع يمتحجر، يمن جهد ،وتح مّ ل ،نظرا ِلما في قلوب أهل يمكة يمن قسوة، ل تجد الدعوة إليه لسبي م ً ويما في نفولسهم يمن غلظة ،ويما في عقولهم يمن جمود على القديم .وبذلك كان يمجتمع يمكة قالسيا ضعيف القابلية للدعوةِ ،لما تغلغل في نفوس أهله يمن وثنية الشرك التي كانت يمكة المركز الرئيسي لها. وأمّيما يمجتمع المدينة فقد كان يمرور لسنة على إلسلم نفر يمن ل ،وجهود يمصعب بن عمير يمدة الخزرج ،ثم بيعة اثني عشر رج م ً لسنة أخرى ،كان ذلك كافيا ليجاد الجوا ء اللسليمية في المدينة ودخول الناس في دين ا بهذه السرعة المدهشة .وإذا كانت يمكة قد وقفت فيها رلسالة ا عند حد الذين ألسلموا ،يمع يما يلقي فيها المسلمون يمن أذى قريش ويمسا ءاتها ،فإن المدينة قد بدأت -43-
فيها رلسالة ا تنتشر بهذه السرعة ول يجد المسلمون فيها يمن كن لللسلم في أذى اليهود ول أذى المشركين شيئا ،وذلك يمما يم مّ النفوس ،ويفتح الطريا ق أيمام المسلمين. ولهذا فقد تبين لرلسول ا أن المدينة أصلح يمن يمكة للدعوة إلى اللسلم ،وأن يمجتمع المدينة فيه قابلية لن يكون يمن لَبثا ق نور اللسلم أكثر يمن يمكة .ولهذا فكر أن يهاجر إليه ،وأن يهاجر أصحابه إلى إخوانهم المسلمين ،ليجدوا عندهم أيمنا ول لَيس لَلموا يمن أذى قريش ،حتى يتفرغوا للدعوة وينتقلوا بها إلى يمرحلتها العملية أل وهي تطبيا ق اللسلم ،وحمل رلسالته ،بقوة الدولة ولسلطانها. وكان هو السبب للهجرة إليها ل غيره. ول بد يمن لفت النظر إلى أن الرلسول عليه السلم لم يفكر بالهجرة يمن يمكة لمجرد أن لقى صعوبات أيمام الدعوة ،دون أن يصبر وأن يحاول التغلب على هذه الصعوبات ،فإنه عليه السلم قد صبر عشر لسنين في يمكة ،وهو ل يتحول فكره عنها ،وكان عف يلقي الهوال في لسبيل الدعوة هو وأتباعه ،ولم تض ِ يمسا ءات قريش يمن نفسه شيئا ،ويما أوهنت يمقاويمتهم له عزيما ،بل زاده اليمان بالدعوة التي جا ء بها يمن ربه لسموا ،وزاده اليقين بنصر ا صلبة وثباتا ،ولكنه صلى ا عليه ولسلم رأى بعد هذه التجارب يما عليه هذا المجتمع القالسي في يمكة يمن ضحالة أفكار، عف ويما فيه يمن غلظة أكباد ،ويما هو عليه يمن ضللة ،يمما يض ِ -44-
اليمل فيه ،ويجعل الستمرار التجربة في دعوته جهدا ضائعا ،ولذلك كان ل بد يمن التحول عن هذا المجتمع إلى غيره .ففكر في الهجرة يمن يمكة ،وكان هذا هو الذي حمله على التفكير بالهجرة إلى المدينة ،وليس هو يما ناله ويما نال أصحابه يمن أذى. نعم إن الرلسول أيمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة فرارا يمن الذى؛ إذ يجوز للمؤيمنين أن يهاجروا عن يمواطن الفتنة فرارا بدينهم ،لنه وإن كان الذى يذكي اليمان ،والضطهاد يشعل الخلص ،والمقاويمة ترهف العزائم ،واليمان يحمل صاحبه على اللستهانة بكل شي ء ،وعلى التضحية في لسبيله بالمال والجاه والراحة والحياة. نعم إنه وإن كان اليمان بالله يجعل المؤيمن يقمّدم نفسه عن طيب خاطر في لسبيل ا .ولكن الستمرار الذى ،ويمداويمة التضحية ،تجعل المؤيمن يمشغول م ً بالصبر على الذى ،وببذل التضحيات ،عن دقة التأيمل التي تزيد أفا ق المؤيمن لسعة وإدراكه للحا ق قوة وعمقا .ولذلك كان ل بد يمن هجرة المؤيمنين عن يمواطن الفتنة. غير أن هذا ينطبا ق على هجرة المسلمين إلى الحبشة .أمّيما هجرتهم إلى المدينة فإنها كانت ليتمكنوا يمن النتقال برلسالتهم إلى وضع يجعلها حية في يمجتمعهم الجديد ،يمندفعة في الكرة الرضية لعل ء كلمة ا .ويمن هنا فكر الرلسول أن يأيمر أصحابه -45-
بالهجرة إلى المدينة ،بعد أن دخلها اللسلم وانتشر فيها هذا النتشار .وقبل أن يأيمرهم بالهجرة إلى يثرب ،وقبل أن يقرر هو الهجرة إليها ،ل بد أن يرى الحاج يمن المدينة ،ويرى المسلمين الذين قِديموا للحج ،ويرى يمبلغ الستعدادهم لحماية الدعوة ،ويمبلغ الستعدادهم للتضحية في لسبيل اللسلم ،ويرى أكانوا ُيقِديمون على بيعته بيعة حربية ،بيعة قتال تكون الحجر اللسالسي لقايمة الدولة اللسليمية. وانتظر قدوم الحاج ،وكان ذلك في السمّنة الثانية عشرة للبعثة الموافا ق لسنة 622يميلدية ،وكان الحاج كثيرين بالفعل ،وكان بينهم خمسة ولسبعون يمسلما ،يمنهم ثلثة ولسبعون رجل م ً وايمرأتان هما نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نسا ء بني يمازن بن النجار، وألسما ء بنت عمرو بن عدي إحدى نسا ء بني لسلمة وهي أم يمنيع، فاتصل بهم الرلسول لسرا ،وتحدث إليهم في بيعة ثانية ل تقف عند حد الدعوة فحسب والصبر على الذى ،بل تتجاوز ذلك وتمتد إلى يما يكون به قوة يدفع بها المسلمون عن أنفسهم ،بل تمتد إلى يما هو أبعد يمن ذلك أيضا إلى إيجاد النواة التي تكون حجر الزاوية والدعايمة الولى في إقايمة دولة اللسلم ،التي تطبقه في المجتمع ،وتحمله رلسالة عالمية إلى الناس كافة ،وتحمل يمعه القوة التي تحميه ،وتزيل يمن طريقه كل حاجز يمادي يقف في حسن لسبيل نشره وتطبيقه .تحدث إليهم في ذلك ،وعرف ُ -46-
الستعدادهم ،فواعدهم أن يلتقوا يمعه عند العقبة جوف الليل ،في أوالسط أيام التشريا ق .وقال لهم :ل توقظوا نائما ،ول تنتظروا غائبا. وفي يوم يموعدهم المعين ،وبعد يمضي الثلث الول يمن الليل ،خرجوا يمن رحالهم يتسللون يمستخفين ،يمخافة أن ينكشف أيمرهم ،وذهبوا للعقبة وتسلقوا الجبل جميعا ،وتسلقت يمعهم المرأتان ،وأقايموا ينتظرون الرلسول عليه السلم ،فأقبل ويمعه عمه العباس ،ولم يكن قد ألسلم حينئذ ،وإمّنما جا ء ليستوثا ق لبن أخيه. وكان أول يمن تكلم )فقال :يا يمعشر الخزرج إن يمحمدا يمنا حيث قد علمتم ،وقد يمنعناه يمن قويمنا يممن هو على يمثل رأينا فيه ،وهو في عمّز يمن قويمه ،ويمنعة في بلده ،وقد أبى إل مّ النحياز إليكم، واللحوق بكم ،فإن كنتم ترون أنكم وافون له فيما دعوتموه إليه، ويمانعوه يممن خالفه ،فأنتم ويما تحملتم يمن ذلك .وإن كنتم ما يمسلميه وخاذليه بعد خروجه إليكم ،فمن الن فدعوه( .فل مّ لسمعوا كلم العباس قالوا له :لسمعنا يما قلت .ثم قالوا :تكلم يا رلسول ا ،فخذ لنفسك ولربك يما أحببت .فأجاب الرلسول بعد أن غب في اللسلم }أبايعكم على أن تمنعوني يمما تل القرآن ،ور مّ تمنعون يمنه نسا ءكم وأبنا ءكم .{،فممّد البرا ء لمبايعته على ذلك وقال :بايعنا يا رلسول ا ،فنحن وا أبنا ء الحروب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر .وقبل أن ُيِتم البرا ء كليمه ،اعترضه أبو -47-
ل :يا رلسول ا إن بيننا وبين الرجال -أي الهيثم بن التيهان قائ م ً ت إن نحن فعلنا اليهود -حبال م ً )عهودا( نحن قاطعوها ،فهل عسي لَ سم الرلسول عنا؟ فتب مّ ذلك ،ثم أظهرك ا أن ترجع إلى قويمك و لَت لَد لَ وقال :بل الدم الدم ،والهدم الهدم .أنتم يمني وأنا يمنكم .أحارب م القوم بالبيعة ،فاعترضهم يمن حاربتم ،وألسالم يمن لسالمتم .وه مّ م تبايعون ل :يا يمعشر الخزرج ،أتعلمون عل لَ العباس بن عبادة قائ م ً هذا الرجل؟ إنكم تبايعونه على حرب الحمر واللسود يمن الناس، ل، كت أيموالكم يمصيبة ،وأشرافكم قت م ً فإن كنتم ترون أنكم إذا لَن لَه لَ ألسلمتموه ،فمن الن فدعوه ،فهو وا إن فعلتم خزي الدنيا والخرة ،وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ،على نهكة اليموال وقتل الشراف ،فخذوه فهو وا خير الدنيا والخرة. فأجاب القوم إنا نأخذه على يمصيبة اليموال ،وقتل الشراف ،ثم قالوا :فما لنا يا رلسول ا إن نحن وفينا بذلك .فرد عليهم الرلسول ل :الجنة. يمطمئن النفس قائ م ً ويمدوا إليه أيديهم ،فبسط يده ،فبايعوه قائلين } :بايعنا على عسرنا ،و ُيسرنا ،و لَيمنشطنا ،و لَيمكرهنا ،وأن السمع والطاعة في ُ ما فرغوا نقول الحا ق أينما كان ،ل نخاف في ا لويمة لئم .{،فل مّ ي يمنكم اثني عشر نقيبا ،يكونون على قويمهم قال النبي :أخِرجوا إل مّ بما فيهم كفل ء .فاختار القوم تسعة يمن الخزرج وثلثة يمن الوس ،فقال النبي لهؤل ء النقبا ء :أنتم على قويمكم بما فيهم -48-
كفل ء ،ككفالة الحواريين لعيسى ابن يمريم ،وأنا كفيل على قويمي. ثم رجعوا إلى يمضاجعهم ،ثم احتملوا رحالهم وعادوا إلى المدينة. وبعد ذلك أيمر الرلسول صلى ا عليه ولسلم المسلمين أن يهاجروا إلى المدينة ،وأن يخرجوا يمتفرقين ،وبدأ المسلمون ل ،وكانت قريش قد علمت في أيمر يهاجرون فرادى ،أو نفرا قلي م ً البيعة ،لذلك حاولت أن ت ُرد يمن تستطيع رده إلى يمكة ،وكانت حول بين الزوج حول بين المسلمين والهجرة ،حتى كانت ت ُ ت ُ والزوجة. إل مّ أن ذلك لم يؤثر على الهجرة ،فتتابعت هجرة المسلمين إلى المدينة والرلسول يمقيم في يمكة ،ول يعرف أحد هل اعتزم أن يهاجر إلى المدينة أم قرر القايمة في يمكة؟ ولكن الذي كان يظهر أنه يريد الهجرة إلى المدينة .فقد الستأذنه أبو بكر أن يهاجر إلى المدينة فقال :ل تعجل لعل ا يجعل لك صاحبا .فعرف أبو بكر أنه يريد الهجرة. وكانت قريش تحسب لهجرة النبي إلى المدينة ألف حساب بعد أن كثر المسلمون هناك كثرة جعلتهم أصحاب اليد العليا في المدينة ،وجعلتهم يمع الذين يهاجرون يمن يمكة قوة كبيرة ،فإذا لحا ق بهم النبي وهم في هذه القوة ،كان في ذلك الويل والديمار لهم. ولهذا فكروا في يمنع الرلسول يمن الهجرة إلى المدينة. -49-
وخافوا في نفس الوقت يمن بقائه في يمكة أن يتعرضوا لذى المسلمين في المدينة حين تشتد شوكتهم ،بعد أن صاروا بهذه القوة ،فيأتون إلى يمكة ليدافعوا عن رلسول ا الذي آيمنوا به. لذلك فكروا في قتله حتى ل يلحا ق بالمسلمين في المدينة وحتى ل يكون هنالك يما يسبب اشتباكهم يمع أهل المدينة يمن أجل اللسلم ويمن أجل يمحمد. وقد جا ء في كتب السيرة أنه قد ورد في حديث عائشة وأبي ما صدر السبعون يمن عنده صلى ا عليه ولسلم، أيمايمة بن لسهم :ل مّ طابت نفسه وقد جعل ا له يمنعة أهل حرب ونجدة .وجعل البل ء يشتد على المسلمين يمن المشركين ِلما ُيعلنون يمن الخروج، فضمّيقوا على أصحابه وأتعبوهم ونالوا يمنهم يما لم يكونوا ينالون يمن الشتم والذى ،فشكوا للنبي صلى ا عليه ولسلم ،فقال :قد ت دار هجرتكم لسبخة .ثم يمكث أيايما ،ثم خرج يمسرورا فقال : ُأري ُ ت بدار هجرتكم وهي يثرب ،فمن أراد يمنكم أن يخرج قد ُأخبر ُ فليخرج إليها .فجعلوا يتجهزون ويترافقون ويتواصون ويخرجون ويخفون ذلك ،وقد خرجوا أرلسال م ً -أي أقوايما وفرقا يمتقطعة- وأقام صلى ا عليه ولسلم بمكة ينتظر أن يؤذن له في الخروج، وكان الصديا ق كثيرا يما يستأذن رلسول ا في الهجرة إلى المدينة بعد أن صار المسلمون يهاجرون إليها ،فيقول :ل تعجل ،لعل ا أن يجعل لك صاحبا .فيطمع أبو بكر أن يكون هو. -50-
ما رأت قريش هجرة الصحابة ،وعرفوا أنه أجمع لحربهم، ول مّ اجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيما يصنعون في أيمره عليه الصلة والسلم ،فأجمع رأيهم على قتله ،وتفرقوا على ذلك .ثم أتى جبريل النبي فأيمره أن ل يبيت في يمضجعه الذي كان يبيت فيه ،وأخبره بمكر القوم ،فلم لَيِبت في بيته تلك الليلة ،وأِذن ا عند ذلك له بالخروج. وعلى ذلك فإن وجود القوة اللسليمية في المدينة ،والستعداد المدينة لتلقي الرلسول وإقايمة الدولة اللسليمية فيها ،هو الذي حمل الرلسول عليه السلم على الهجرة ،وهذا هو السبب المباشر للهجرة .ولهذا يخطئ كل يمن يظن بأن يمحمدا عليه السلم قد هاجر يمن يمكة خوفا يمن قريش أن تقتله ،وفرارا يمنها .فإنه عليه السلم لم يكن يحسب للذى أي حساب ،ولم يكن للموت في نظره أي اعتبار في لسبيل الدعوة إلى اللسلم ،ولم تكن تشغله نفسه ول حياته ،ويما كانت هجرته للمدينة إل مّ للدعوة اللسليمية، ولقايمة الدولة اللسليمية .وإمّنما ائتمرت قريش بقتله يمخافة هجرته إلى المدينة ،واعتزازه بها .ولكنه عليه السلم انتصر عليها ،وهاجر إلى المدينة رغم أنفها ،ولم تستطع يمنعه رغم ائتمارها به .فكانت الهجرة الحد الفاصل في اللسلم بين ديْور الدعوة له ،وبين إيجاده معا ودولة تحكم به ،وتطبقه ،وتدعو له بالحجة والبرهان، يمجت لَ وبالقوة التي تحمي هذه الدعوة يمن قوى الشر والطغيان. -51-
قيام الدولة اللسليمية وصل النبي صلى ا عليه ولسلم المدينة والستقبله عدد كبير يمن أهلها ،يمن المسلمين والمشركين واليهود ،وأحاط به المسلمون .وكان الجميع حريصين على الستجل ء طلعته ،وكان المسلمون حريصين على خديمته وراحته ،حريصين على أن يقمّديموا نفولسهم في لسبيله ،وفي لسبيل الدين الذي جا ء به ،وفي لسبيل الدعوة اللسليمية .وكان كل يمنهم حريصا على أن ينزل النبي عنده ،لكنه عليه الصلة والسلم ألقى بخطام ناقته على غاربها إلى أن بركت على يمربد لسهل ولسهيل ابني عمرو ،فابتاعه وأقام عليه يمسجده وأقام حوله يمساكنه .ويما كان بنا ء المسجد ول بنا ء المساكن ليرها ق أحدا ،فقد كانت كلها يمن البساطة بحيث ل تحتاج إلى نفقة طائلة ول إلى جهد كبير .كان المسجد فنا ء فسيحا ُبنيت لسقف جز ء يمنه بسعف النخل جدرانه الربعة يمن الجر والتراب ،و ُ خصصت إحدى نواحيه ليوا ء و ُترك الجز ء الخر يمكشوفا ،و ُ الفقرا ء الذين لم يكونوا يملكون يمسكنا .ولم يكن المسجد يضا ء ليل م ً إل مّ لساعة صلة العشا ء ،إذ تو لَقد فيه أنوار يمن القش أثنا ءها. ولم تكن يمساكن النبي بأكثر يمن المسجد بنا ء لسوى أنها كانت أكثر يمنه الستنارة. وقد يمكث صلى ا عليه ولسلم في بيت أبي أيوب خالد بن زيد النصاري أثنا ء بنا ء المسجد والمساكن حتى انتهى يمن بنائها، -52-
فانتقل إليها والستقر عليه الصلة والسلم ،وأخذ يفكر في هذه الحياة الجديدة التي الستفتحها ،والتي نقلته ونقلت دعوته خطوة والسعة يمن ديْور إلى ديْور ،نقلتها يمن دور التثقيف ويمن دور التفاعل إلى دور تطبيا ق أحكام اللسلم على الناس في علقاتهم ،نقلتها يمن دور الدعوة فحسب والصبر على الذى في لسبيلها ،إلى دور الحكم والسلطان والقوة التي تحمي هذه الدعوة. فالرلسول صلى ا عليه ولسلم يمنذ وصل المدينة أيمر ببنا ء المسجد يمكانا للصلة وللجتما ع وللتشاور ولدارة شؤون المسلمين والقضا ء بينهم ،واتخذ أبا بكر وعمر وزيرين له ،قال عليه الصلة والسلم } :وزيراي في الرض أبو بكر وعمر ،{،والت مّ ف المسلمون حوله وصارون يرجعون إليه ،فكان يقوم بأعمال رئيس الدولة والقاضي وقائد الجيش ،وكان صلى ا عليه ولسلم يرعى شؤون المسلمين ،ويفصل الخصويمات بينهم ،وأخذ يؤِّيمر على السرايا ُقمّوادا ،ويرلسل السرايا خارج المدينة .وبذلك أقام الدولة في المدينة يمن أول يوم أقام فيها ،وأخذ يركز هذه الدولة ببنا ء المجتمع على ألساس ثابت ،وتهيئة القوة الكافية لحماية الدولة ونشر الدعوة .وبعد أن اطمأن لذلك كله بدأ يزيل الحواجز المادية التي تقف في لسبيل نشر اللسلم. بنا ء المجتمع -53-
فطر ا في النسان غريزة البقا ء ،وكان يمن يمظاهرها تجمع النسان يمع النسان ،لذلك كان اجتما ع الناس يمع بعضهم طبيعيا ،وكان التجمع بينهم أيمرا غريزيا .إل مّ أن يمجرد اجتما ع الناس ببعضهم ل يجعل يمنهم يمجتمعا وإمّنما يجعل يمنهم جماعة ،ويبقون جماعة فقط إذا اقتصروا على يمجرد الجتما ع ،فإذا نشأت بينهم علقات لجلب المصالح لهم ودفع المفالسد عنهم ،جعلت هذه العلقات يمن هذه الجماعة يمجتمعا. غير أن هذه العلقات ل تجعل يمنهم يمجتمعا واحدا إل مّ إذا حد توحدت نظرتهم إلى هذه العلقات بتوحيد أفكارهم ،وتو ُّ رضاهم عنها ولسخطهم يمنها بتوحيد يمشاعرهم ،وتوحدت يمعالجاتهم لهذه العلقات بتوحيد النظام الذي يعالجها .ولذلك كان ل بد يمن النظرة إلى الفكار والمشاعر والنظمة حين النظر للمجتمع؛ لنها هي التي تجعله يمجتمعا يمعينا له لون يمعين .وعلى هذا اللساس ننظر إلى المجتمع في المدينة حين لَقِديمها الرلسول صلى ا عليه ولسلم لنعرف يماهيته. كانت تسكن المدينة حينئذ ثلث جماعات :أولها المسلمون يمن يمهاجرين وأنصار ،وكانوا الكثرة الغالبة فيها .وثانيتها المشركون يمن لسائر الوس والخزرج الذين لم ُيسلموا ،وكانوا قلة بين أهلها .وثالثتها اليهود وهم أربعة أقسام :قسم يمنهم في داخل المدينة ،وثلثة أقسام خارجها .أمّيما الذين في داخل المدينة فهم -54-
بنو قينقا ع ،وأمّيما الذين خارجها فهم بنو النضير ،ويهود خيبر ،وبنو قريظة. وقد كان اليهود قبل اللسلم يمجتمعا يمنفصل م ً عن المجتمع في المدينة ،فأفكارهم يمتباينة ،ويمشاعرهم يمتباينة ،والمعا لَلجات التي يحمّلون بها يمشاكلهم يمتباينة؛ ولذلك ل يعتبر اليهود جز ءا يمن المجتمع في المدينة ،وإن كانوا داخلها وعلى يمقربة يمنها. وأمّيما المشركون فقد كانوا قلة ،وكانت الجوا ء اللسليمية التي اكتسحت المدينة قد اجتاحتهم ،ولذلك كان خضوغهم في علقاتهم للفكار اللسليمية وللمشاعر اللسليمية ولنظام اللسلم أيمرا حتميا، حتى ولو لم يعتنقوا اللسلم. وأمّيما المهاجرون والنصار فقد جمعتهم العقيدة اللسليمية وأمّلف اللسلم بينهم ،ولهذا كانت أفكارهم واحدة ويمشاعرهم واحدة ،فكان تنظيم علقاتهم باللسلم أيمرا بديهيا ،ولذلك بدأ الرلسول صلى ا عليه ولسلم يقيم العلقات بينهم على ألساس العقيدة اللسليمية ،ودعاهم ليتآخوا في ا أخويْين أخويْين ،أخمّوة يكون لها الثر الملموس في يمعايملتهم وأيموالهم ولسائر شؤونهم، فآخي بين المسلمين ،فكان هو وعلي بن أبي طالب أخويْين، وكان عمه حمزة ويموله زيد أخويْين ،وكان أبو بكر وخارجة بن زيد أخويْين ،وآخى بين المهاجرين والنصار ،فكان عمر بن الخطاب وعتبان بن يمالك الخزرجي أخويْين ،وكان طلحة بن عبيدا وأبو -55-
أيوب النصاري أخويْين ،وكان عبدالرحمن بن عوف ولسعد بن الربيع أخويْين. وكان لهذه الخمّوة أثر في الناحية المادية ،فقد أظهر النصار يمن الكرم لخوانهم المهاجرين يما يزيد هذه الخمّوة قوة وتوكيدا، فقد أعطوهم اليموال والرزاق ،وشاركوهم في حاجات الدنيا، وقد اتجه التجار للتجارة ،وال ُزمّرا ع للزراعة ،وكلمّ إلى عمله. أمّيما التجار فقد أخذوا يشتغلون بالتجارة ،فقد بدأ عبدالرحمن بن عوف يبيع الزبدة والجبن .وصنع كثي ٌر غير عبدالرحمن صنيعه، وأيْثروا يمن تجاربتهم؛ إذ كانوا على دراية في شؤون التجارة. أمّيما الذين لم يشتغلوا بالتجارة ويمن بينهم أبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب وغيرهم فقد عملت ألسرهم بالزراعة في الراضي التي يمنحهم إياها النصار ،قال عليه الصلة والسلم : }يمن كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه .{،وصاروا جميعا يعلمون لكسب ُقوتهم. وكانت هنالك جماعة صغيرة لم يكن لديها يمال ولم تجد ع لَوز عمل م ً تعمله ،وليس لها يمسكن تسكنه ،وكانوا في حال يمن ال لَ والمتربة ،ولم يكن هؤل ء يمن المهاجرين ول يمن النصار ،وإمّنما عِني بهم الرلسول صلى كانوا عربا وفدوا على المدينة وألسلموا ،ف ُ صمّفة المسجد )القسم المسقوف يمنه( ا عليه ولسلم وأفرد لهم ُ صمّفة ،وجعل لهم رزقا لسموا أهل ال ُ يبيتون بها ويأوون إليها ،ولذلك ُ -56-
يمن يمال المسلمين يمن المهاجرين والنصار الذين آتاهم ا رزقا حسنا. وبذلك انتهى الرلسول صلى ا عليه ولسلم يمن تركيز المسلمين جميعا على حال يمستقرة ،ويمن تركيز العلقات القائمة بينهم على ألساس يمتين .ولهذا أقام الرلسول المجتمع في المدينة على ألساس ثابت وقف في وجه الكفر ،وصمد لدلسائس اليهود والمنافقين ،وظل وحدة واحدة .فاطمأن الرلسول صلى ا عليه ولسلم إلى هذا المجتمع وإلى هذه الوحدة. أمّيما المشركون فقد خضعوا للحكم اللسليمي ثم تلشى وجودهم .ولذلك لم يكن لهم أثر في تكوين المجتمع .وأمّيما اليهود فإنهم يمجتمع آخر قبل اللسلم .وبعد اللسلم ازداد التباين بين يمجتمعهم وبين المجتمع اللسليمي ،وبينهم وبين المسلمين ،وكان ل بد يمن وضع العلقات بينهم وبين المسلمين على ألساس يمعين، ولذلك حدد الرلسول يموقف المسلمين يمنهم ،وحدد لهم هو يما يجب أن يكون عليه وضعهم في علقاتهم يمع المسلمين. فقد كتب صلى ا عليه ولسلم بين المهاجرين والنصار كتابا حددت ذكر فيه اليهود واشترط عليهم شروطا ،فكان الكتاب يمنهاجا ُ حددت علقات فيه علقات قبائل اليهود يمع المسلمين بعد أن ُ عهم .وقد افتتح الكتاب بقوله :هذا المسلمين ببعضهم وبمن لَتِب لَ كتاب يمن يمحمد النبي بين المؤيمنين المسلمين يمن قريش ويثرب -57-
عهم فلحا ق بهم وجاهد يمعهم ،أنهم أمّيمة واحدة يمن دون ويمن لَتِب لَ الناس ،ثم لَذ لَكر يما يجب أن تكون عليه العلقات بين المؤيمنين. ع لَرضا أثنا ء الحديث عن علقات المؤيمنين ،فقال } :ول و لَذ لَكر اليهود لَ لَيقتل يمؤيمن يمؤيمنا في كافر ،ول ينصر كافرا على يمؤيمن ،وأن ذيمة ا واحدةُ ،يجير عليهم أدناهم ،وأن المؤيمنين بعضهم يموالي عنا يمن يهود فلهم ال ُنصرة واللسوة، بعض دون الناس ،وأنه يمن لَتِب لَ لسيْلم المؤيمنين واحدة ،ل ن ِ صر عليهم ،وأ مّ غير يمظلويمين ول يمتنا لَ يساِلم يمؤيمن دون يمؤيمن في قتال في لسبيل ا إل مّ على لسوا ء وعدل بينهم .{،وليس المقصود يمن اليهود المذكورين هنا في هذا النص هم قبائل اليهود المجاورة ،بل المراد كل يمن أراد أن يكون يمن رعية الدولة اللسليمية بايعا لها ،يكون له النصر وتكون له المساواة في المعايملة يمع المسلمين؛ إذ يكون حينئذ ذيميا. وأمّيما قبائل اليهود الذين شملهم الكتاب فقد ُذكروا بألسما ء قبائلهم في القسم الخير يمن الكتاب ،بعد أن انتهى الحديث عن علقات المؤيمنين .فقد ذكر يهود بني عوف ويهود بني النجار ..الخ يما ذكر ،وحدد وضعهم في علقاتهم بالدولة اللسليمية فيما ذكره يمن شروط .وقد جا ء في نصوص الكتاب يما يدل صراحة على أن العلقة بين اليهود وبين المسلمين ُوضعت على ألساس الحتكام علها خاضعة لسلطان اللسلم، إلى اللسلم ،وعلى ألساس ج يْ وعلى ألساس تقمّيد اليهود بما تستلزيمه يمصلحة الدولة اللسليمية. -58-
فقد جا ء في نصوص الكتاب عدة نقاط تدل على ذلك ،يمنها : -1
وأن بطانة يهود كأنفسهم ،وأنه ل يخرج يمنهم أحد إل مّ بإذن
يمحمد. -2
وأن يثرب حرام جوفها لهل هذه الصحيفة.
-3
وأنه يما كان بين أهل هذه الصحيفة يمن حدث واشتجار
ن يمرمّده إلى ا وإلى يمحمد رلسول ا. ُيخاف فساده ،فإ مّ -4
وأنه ل ُتجار قريش ول يمن نصرها. وهكذا حدد كتاب الرلسول صلى ا عليه ولسلم وضع القبائل
ش لَرط عليهم أل لَيخرجوا يمن المدينة المجاورة للمدينة يمن اليهود ،ف لَ إل مّ بإذن الرلسول ،أي بإذن الدولة ،وأنه يحرم عليهم انتهاك حريمة المدينة بحرب أو نصرة على حرب ،وأنه يحرم عليهم أن يجيروا قريشا ول يمن نصر قريشا ،وأن أي خلف بينهم على يما ورد في الكتاب يحكم فيه رلسول ا. وقد وافا ق على يما في هذا الكتاب ووقعه يمن اليهود يمن ُذكروا فيه وهم يهود بني عوف ،ويهود بني النجار ،ويهود بني الحارث ،ويهود بني لساعدة ،ويهود بني جشم ،ويهود بني الوس، ويهود بني ثعلبة .ولم يشترك في توقيع هذه الصحيفة أو هذا الكتاب يمن اليهود بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقا ع ،إل مّ أنهم يما لبثوا بعد قليل أن ومّقعوا بينهم وبين النبي صحفا يمثل هذه الصحيفة ،وخضعوا لنفس الشروط المذكورة في هذه الصحيفة. -59-
وبتوقيع هذه الصحف رمّكز الرلسول صلى ا عليه ولسلم العلقات في الدولة اللسليمية الناشئة على وضع ثابت اللساس، ورمّكز العلقات بين هذه الدولة وبين القبائل اليهودية المجاورة كم ،فاطمأن الرلسول ح لَ على ألسس واضحة يكون اللسلم فيها ال لَ إلى بنا ء المجتمع اللسليمي وأيمن إلى حد يما غدر جيرانه اليهود ويمحاربتهم ،وبدأ يعمل لزالة الحواجز المادية يمن طريا ق الدعوة اللسليمية بالتهيئة للقتال. تهيئة أجوا ء القتال بعد أن اطمأن النبي صلى ا عليه ولسلم إلى بنا ء المجتمع، وبعد أن عقد المعاهدات يمع جيرانه اليهود ،بدأ يهيئ أجوا ء الجهاد في المدينة؛ لن يمهمة الدولة اللسليمية هي تطبيا ق اللسلم كايمل م ً في جميع البلد التي تحكمها ،وحمل الدعوة اللسليمية خارج حدودها. وحمل الدولة اللسليمية الدعوة إلى اللسلم ليس يمعناه التبشير بها على طريقة المبشرين ،بل هو دعوة الناس لللسلم، وتثقيفهم بأفكاره وأحكايمه ،وإزالة كل حاجز يمادي يقف حائل م ً دون هذه الدعوة بقوة يمادية قادرة على إزالته. وقد كانت قريش حاجزا يماديا حال دون الدعوة إلى اللسلم، حول فكان ل بد يمن إعداد القوة لزالة هذا الحاجز المادي الذي ي ُ -60-
عد القوة والجيش لحمل الدعوة خارج دون هذه الدعوة ،فبدأ ُي ِ المدينة ،وقام في أول اليمر بتنظيمات تعتبر حركات يمقصودة، فأرلسل خلل أربعة أشهر ثلث لسرايا يمن المهاجرين يتحدى بها هب بها المنافقين واليهود يمن لسكان المدينة و لَيمن قريشا ،و ُير ِ حولها .فقد بعث صلى ا عليه ولسلم عمه حمزة بن عبدالمطلب في ثلثين راكيا يمن المهاجرين دون النصار ،فلقي أبا جهل بن هشام على شاطئ البحر يمن ناحية العيص في ثلثمائة راكب، وتأهب حمزة لقتاله لول أن حجز بينهم يمجدى بن عمرو الجهني، فانصرفوا عن بعضهم ورجع حمزة دون قتال .وبعث الرلسول عليه السلم يمحمد بن عبيدة بن الحارث في لستين راكبا يمن المهاجرين دون النصار ،فلقي أبا لسفيان على رأس جمع يمن قريش يزيد على يمائتين في وادي رابغ ،وريمى لسعد بن أبي وقاص العدو بسهم ولكن لم يحصل قتال وانسحب الفريقان .ثم بعث لسعد بن أبي وقاص بعشرين راكبا يمن المهاجرين نحو يمكة، ثم رجعوا دون قتال. وبهذه السرايا ُوجدت في المدينة أجوا ء القتال و ُوجدت عند قريش نفسها أجوا ء الحرب ،يمما بعث فيها الرعب ،وجعلها تحسب لرلسول ا صلى ا عليه ولسلم حسابا لم تكن لتحسبه يمن قبل، ولم تكن تدركه لول هذه السرايا. ثم إن النبي صلى ا عليه ولسلم لم يكتف بذلك ،بل خرج -61-
بنفسه للقتال .فقد خرج على رأس اثني عشر شهرا يمن لَيمق لَديمه إلى المدينة ،والستعمل عليها لسعد بن عبادة ،ولسار إلى البوا ء حتى بلغ ودان ،يريد قريشا وبني ضمرة .فلم يلا ق قريشا ،وحالفته بنو ضمرة .وأنه بعد شهر يمن ذلك خرج على رأس يمائتين يمن المهاجرين والنصار إلى بواط يريد قافلة يقودها أيمية بن خلف، عمّدتها ألفان وخمسمائة بعير ،يحميها يمائة يمحارب ،فلم يدركها أن ُ اتخذت طريقا غير طريا ق القوافل )المعَّبد( .وأنه بعد ثلثة أشهر يمن عودته يمن بواط يمن ناحية رضوى الستعمل على المدينة أبا لسلمة بن عبداللسد ،وخرج في أكثر يمن يمائتين يمن المسلمين حتى نزل العشيرة يمن بطن ينبع ،فأقام بها جمادي الولى وليالي يمن جمادي الخرة يمن السنة الثانية للهجرة ،ينتظر يمرور قافلة يمن قريش على رألسها أبو لسفيان ،ففاتته ،وكسب يمن رحلته هذه أن واد ع بني يمدلج وحلفا ءهم يمن بني ضمرة .وأنه يما كاد يرجع إلى المدينة ليقيم بها عشر ليال حتى أغار كرز بن جابر الفهري يمن المتصلين بمكة وبقريش على إبل المدينة وأغنايمها ،فخرج النبي في طلبه والستعمل على المدينة زيد بن حارثة ،وتابع يمسيره حتى بلغ واديا يقال له لسفوان يمن ناحية بدر ،وفاته كرز فلم يدركه. وهذه هي بدر الولى. وهكذا بدأ صلى ا عليه ولسلم بجيوشه يتحدى قريشا ويتجول في الجزيرة يقوم بالغزوات .ويمع أنه صلى ا عليه -62-
ولسلم لم يلا ق حربا في هذه الغزوات ،إل مّ أنه وصل فيها إلى نتائج عظيمة هيأت لبد ء الحروب الكبيرة .فقد هيأ صلى ا عليه ولسلم بهذه الغزوات الجيش الذي يلقى به العدو؛ إذ نقلت هذه الغزوات المسلمين إلى اللستعداد للقتال ،وألقى الرعب بسبب هذه الغزوات في نفوس اليهود والمنافقين في المدينة ويما حولها ،يمما سر نفسية قريش يمنعهم أن ُتحمّدثهم نفسهم بالشغب عليه .و لَك لَ بتحديه إياها ،وقمّوى هيبة المسلمين في نفوس أعدائهم ،وأخذ الطرق على قوافل قريش في رحلتها إلى الشام ،بعقد المعاهدات والحلف يمع القبائل المتصلة يما بين المدينة وشاطئ البحر الحمر ،يمثل بني ضمرة وبني يمدلج وغيرهم. بد ء القتال الستقر صلى ا عليه ولسلم في المدينة ،فأخذ يطبا ق اللسلم ،وصار الوحي ينزل بالتشريع .فأقام صر ح الدولة اللسليمية وبنا ء المجتمع اللسليمي على دعائم اللسلم وأنظمته، وآخى بين المسلمين .وحينئذ أصبح اللسلم -حكما وشريعة -حيا في يمجتمع يحتضنه ويحمل دعوته ،وازداد المسلمون عددا وشوكة وقوة ويمنعة ،وأقبل الناس على اللسلم فرادى وجماعات ،يمن المشركين واليهود .وبعد أن اطمأن عليه السلم إلى اللسلم، وإلى الدعوة له في المدينة ،فكر في الدعوة إلى اللسلم خارج -63-
المدينة في جزيرة العرب ،ولكنه كان يعلم أن قريشا تقف حاجزا يمنيعا دون هذه الدعوة ،وهي حاجز يمادي في طريا ق اللسلم ،لم تنفع فيه الدعوة بالحجة والبرهان .وإذن ل بد يمن قوى يمادية لزالة هذه الحواجز المادية ،وأنه عليه الصلة والسلم إذا كان لم يستطع إزالة هذا الحاجز المادي يوم كان في يمكة ،لعدم وجود دولة إلسليمية تحمل القوة المادية الكافية لدحض تلك القوة ،فإنه وقد ألسس دولة إلسليمية -يستطيع أن يعمل لزالة هذا الحاجزالمادي بالقوى المادية ،بعد أن تيسرت له هذه القوى .ولذلك فما عد أجوا ء الحرب ،وأن يبدأ عد هذه القوة ،وأن ُي ِ عليه إل مّ أن ُي ِ لسيالسة جديدة للدعوة ،بعد أن تهيأت ألسباب هذه السيالسة الجديدة وولسائلها. ولهذا بدأ لسراياه ويمناوشاته الولى ،التي كان يرلسل بعضها، ويذهب يمع البعض الخر ،ليتحدى قريشا ،و ُيفهمها قوته .وكانت آخر هذه السرايا لسرية عبدا بن جحش التي كانت يمقمّديمة لغزوة بدر .وحديث هذه السرية أن رلسول ا صلى ا عليه ولسلم بعث في رجب يمن السنة الثانية للهجرة ،عبدا بن جحش ويمعه جماعة يمن المهاجرين ،ودفع إليه كتابا ،وأيمره أل ينظر فيه إل مّ بعد يويمين يمن يمسيره ،فيمضي لما أيمره ،ول لَيستكِره يمن أصحابه ت في أحدا .وفتح عبدا الكتاب بعد يويمين فإذا فيه "إذا نظر لَ ض حتى تنزل نخلة -يمكان بين يمكة والطائف- كتابي هذا فايم ِ -64-
فترصد بها قريشا ،وتعلم لنا يمن أخبارهم" ،وأعلم أصحابه باليمر، وبأنه ل يستكِره أحدا يمنهم ،فساروا يمعه حتى نزلوا نخلة ،ولم يتخلف يمنهم أحد لسوى لسعد بن أبي وقاص الزهري ،وعتبة بن غزوان؛ فإنهما قد ضل لهما بعير فذهبا يطلبانه ،فألسرتهما قريش. وأقام عبدا بن جحش في نخلة يترصد قريشا ،وأثنا ء يمقايمه يمرت بهم عير لقريش ،تحمل تجارة ،وكان ذلك في آخر رجب وهو ح ُرم .فتشاور عبدا وأصحابه يماذا يصنع بهم ،ولم يمن الشهر ال ُ يؤ لَيمروا يمن ِقبل النبي بشي ء ،وقال بعضهم لبعض ) :وا لئن ن الحرم فليمتنعنمّ يمنكم به ،ولئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخل مّ قتلتموهم لتقتلمّنهم في الشهر الحرام( ،وترمّددوا في قتالهم، ولكنهم جزيموا أخيرا ،فريمى أحد المسلمين رئيس القافلة عمرو بن الحضريمي فقتله ،وألسر المسلمون رجلين يمن قريش ،وأخذوا ما رآهم النبي قال لهم :يما العير ورجعوا حتى لَقِديموا المدينة ،فل مّ أيمرتكم بقتال في الشهر الحرام ،ووقف العير واللسيرين ،وأبى أن يأخذ يمن ذلك شيئا. هذه خلصة لسرية عبدا الذي أرلسله الرلسول صلى ا عليه ولسلم ليرصد أخبار قريش ،ولكنه قاتلها ،وقتل يمنها ،وألسر يمن رجالها ،وأخذ أيموالها ،وفعل ذلك بالشهر الحرام .فماذا يكون كر رلسول ا صلى ا عليه يموقف اللسلم يمن عمله هذا؟ ف مّ ولسلم في ذلك وتوقف عن أخذ اللسيرين والمال ،يمنتظرا حكم -65-
ا في ذلك ،يمنتظرا آيات ا تنزل في هذا اليمر. وانتهزت قريش الفرصة واتخذت يمن هذا العمل ولسيلة للدعاية ضد يمحمد عليه السلم بين العرب ،ونادت في كل يمكان أن يمحمدا وأصحابه الستحمّلوا الشهر الحرام ،ولسفكوا فيه الديما ء، وأخذوا فيه اليموال ،وألسروا الرجال. وكانت بينهم وبين المسلمين في يمكة يمجادلت حول ذلك، يهاجمون المسلمين في هذا العمل ،ويهاجمون نبيهم وأصحابه. فرمّد يمسلمو يمكة بأن اخوانهم المسلمين إمّنما فعلوا ذلك في شعبان وليس في رجب .ولكن هذا الجواب لم يكن كافيا ليقف في وجه الدعاية. ودخلت اليهود في هذه الدعاية ،وصارت تشمّنع على يما فعله عبدا بن جحش .واشتد الحال على المسلمين يمن هذه الدعاية ضدهم ،والرلسول عليه السلم لساكت ينتظر الوحي وينتظر حكم ا في هذا العمل .وإذ ذاك نزل قوله تعالى في لسورة البقرة ل فيه كبير وصمّد عن يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتا ٌ لسبيل ا وكف ٌر به والمسجد الحرام وإخراج أهله يمنه أكبر عند ا والفتنة أكبر يمن القتل ول يزالون يقاتلونكم حتى يرمّدوكم عن لسمّري عن المسلمين، ما نزلت هذه اليةُ ، دينكم إن الستطاعوا .ول مّ وأخذ النبي العير واللسيرين. حم على دعاية قريش؛ فالقرآن وكان في هذه اليات رد يمف ِ -66-
الكريم يجيب قريشا عن تساؤلهم عن القتال في الشهر الحرام بأنه إثم كبير ،ولكن الصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله يمنه أكبر عند ا يمن القتال في الشهر الحرام ،والقتل فيه .ويما فعلته قريش وتفعله يمن فتنة المسلمين عن دينهم ،بالوعد والوعيد، والغرا ء والتعذيب ،أكبر يمن القتل والقتال في الشهر الحرام ،وفي غير الشهر الحرام ،وأن قريشا هذه التي تحاول الرجاف والدعاية ضد المسلمين لقتالهم في الشهر الحرام ،ل يزالون يقاتلون المسلمين حتى يرمّدوهم عن دينهم إن الستطاعوا .وإذن فقتال المسلمين لقريش في الشهر الحرام ليس فيه شي ء ضدهم؛ لن قريشا التي ترتكب هذه الكبائر يمن الوقوف في وجه الدعوة اللسليمية ،والصد عن لسبيل ا ،والكفر بالله ،وإخراج أهل المسجد الحرام يمنه ،وفتنة المسلمين عن دينهم ،إن قريشا هذه، جدير أن تقا لَتل في الشهر الحرام ،وفي غير الشهر الحرام .وإذن فقتال عبدا بن جحش في الشهر الحرام ليس فيه يما يضيره ،ول يما يضير المسلمين. وبهذا كانت لسرية عبدا بن جحش يمفترق طرق في لسيالسة اللسلم ،ولسيالسة الدعوة إلى اللسلم ،فيها ريمى واقد بن عبدا التميمي عمرو بن الحضريمي رئيس القافلة فقتله ،فكان أول دم أراقه المسلمون في لسبيل ا. وقد ظل القتال في الشهر الحرم يممنوعا إلى أن نزلت آيات -67-
القتال التي تأيمر بالقتال في كل زيمان ويمكان ،ف ُنسخ يمنع القتال في الشهر الحرم بعموم آيات القتال. الحياة في المدينة لللسلم طريقة يمعينة في الحياة تنتج عن يمجمو ع يمفاهيمه عن الحياة ،وهذه هي الحضارة اللسليمية ،وهي غير حضارات مل طريقة اللسلم الدنيا ،وتتناقض يمع غيرها يمن الحضارات .و ُتج لَ في الحياة بثلثة أيمور :أحدها أن اللساس الذي ُبنيت عليه هو العقيدة اللسليمية .وثانيها أن يمقياس العمال في الحياة هو أوايمر ا ونواهيه ،وبعبارة أخرى أن تصوير الحياة في نظرها هو الحلل والحرام .وثالثها أن يمعنى السعادة في نظرها هو نوال رضوان ا ،وبعبارة أخرى هو الطمأنينة الدائمة ،وهي ل تحصل إل مّ بنوال رضوان ا. هذه هي طريقة اللسلم في الحياة ،وهذه هي الحياة التي يأنس فيها المسلمون ويسعون إليها ويسيرون في يمنهجها .ولجل أن يتمكنوا يمن هذه الحياة ل بد أن تكون لهم دولة تطبا ق اللسلم وتنفذ أحكايمه .والمسلمون حين انتقلوا للمدينة بدأوا يعيشون على طراز يمعين يمن الحياة ،ألسالسها العقيدة اللسليمية .وبدأت اليات الكريمة تنزل يمبِّينة حكم ا في المعايملت والعقوبات ،وتنزل فيما لم ينزل بعد يمن العبادات .فقد ُفرضت الزكاة و ُفرض الصيام -68-
في السنة الثانية يمن الهجرة ،وشر ع الذان وصار أهل المدينة جميعا يسمعون كل يوم خمس يمرات دعوة الناس للصلة ،يمرَّتلة ترتيل م ً حسنا بصوت رطب جميل ،يوجهها بلل بن ربا ح يمع كل ريح إلى كل النواحي ،فيلبي المسلمون الندا ء للصلة .ويما أن يمكث الرلسول في المدينة لسبعة عشر شهرا حتى تحولت القبلة إلى الكعبة. وهكذا صارت تنزل آيات الحكام لَتيْترى في العبادات والمطعويمات والخلق والمعايملت والعقوبات ،فنزلت آيات تحريم الخمر ولحم الخنزير ،كما نزلت آيات الحدود ،والجنايات، والبيع ،وتحريم الربا ،وغير ذلك .وتتا لَبع نزول آيات الحكام تعالج صلها ويبمّينها، يمشاكل الحياة ،والرلسول صلى ا عليه ولسلم يف مّ ويقضي يمصالح الناس ،ويفصل خصويماتهم ،ويدبر شؤونهم ،ويدير أيمورهم ،ويعالج يمشاكلهم ،بأقواله في التحدث إليهم ،وبأفعاله التي يقوم بها ،وبسكوته عما يقع أيمايمه يمن أعمال ،لن قوله وِفعله ولسكوته شريعة ،لنه ل ينطا ق عن الهوى إنيْ هو إل مّ وحي يوحى. ولسارت الحياة في المدينة في طريقتها وحسب وجهة نظر يمعينة ،هي وجهة نظر اللسلم ،و ُوجد المجتمع اللسليمي المتميز في كل شي ء ،الذي تسوده الفكار اللسليمية ،والمشاعر اللسليمية ،وتطَّبا ق فيه أنظمة اللسلم على الناس في يمعايملتهم -69-
ولسائر علقاتهم. وقد طاب الرلسول صلى ا عليه ولسلم نفسا بما وصلت إليه الدعوة .ولسكن المسلمون إلى دينهم وجعلهم يقيمون فرائضه يمجتمعين ،ويقيمونها فرادى ،ل يخافون أذى ،ول يخشون فتنة، وطفقوا يعالجون أيمورهم بأحكام ا ،ويرجعون فيما لم يعِرفوا إلى رلسول ا ،ول يقويمون بعمل صغير أو كبير إل مّ حسب أوايمر ا ،وينتهون عن كل يما نهى ا .وشعروا بالسعادة ،فصارت نفولسهم يمطمئنة ،وكان الكثير يمنهم يلِزيمون رلسول ا ليتعلموا أحكام ا ،ويحفظوا آيات ا ويتلمّقوا عنه القرآن ,ويثمّقفوا على يديه .وأخذ اللسلم يزداد انتشارا والمسلمون يزدادون كل يوم قوة و لَيم لَنعة. جدال اليهود والنصارى أصبح غير المسلمين يشعرون بقوة المسلمين ،ويشعرون بأن هذه القوة هي قوة يمنبعثة يمن أعماق قلوب عرفت التضحية في لسبيل ا ،وذاقت الذى بسببه ألوانا ،وكانت ل تنتظر عند الصبا ح يمسا ء ول عند المسا ء صباحا ،وها هي ذي اليوم تستمتع برؤية الدين يع لَلن أيمره ،وتنَّفذ أحكايمه ،وتعلو كلمته ،وتستمع بالسعادة. غير أن أعدا ء اللسلم لسا ءهم ذلك ،وظهرت آثار هذا على -70-
جيرانهم اليهود ،فقد بدأت يمخاوفهم ،وأخذوا يفكرون يمن جديد في يموقفهم يمن يمحمد وأصحابه بعد أن رأوا ازدياد المسلمين في المدينة شوكة وقوة ،وازدياد إقبال الناس على اللسلم ،وزادهم غيظا إقبال بعض اليهود على اللسلم ،وخافوا أن يمتد اللسلم إلى صفوفهم ،وأن يفشوا في جماهيرهم .ولذلك بدأوا يهاجمون اللسلم ،عقائده وأحكايمه .وبدأت حرب جدل بين المسلمين واليهود أشد لددا وأكبر يمكرا يمن حرب الجدل التي كانت بينهم وبين قريش بمكة. وفي هذه الحرب الفكرية كانت الدلسيسة والنفاق والعلم لسلين لسلحا بيد اليهود يهاجمون بأخبار السابقين يمن النبيا ء والمر لَ لسوا يمن به يمحمدا ورلسالته وأصحابه المهاجرين والنصار ،فقد د مّ أحبارهم يمن أظ لَهر إلسليمه ،ويمن الستطا ع أن يجلس بين المسلمين ُيظِهر غاية التقوى ،ثم يما يلبث بعد حين أن يبدي يمن الشكوك والريب ،ويلقي على يمحمد يمن اللسئلة يما يحسبه يزعز ع في نفوس المسلمين عقيدتهم به ،وبرلسالة الحا ق التي يدعو إليها. وانضم إلى اليهود جماعة يمن الوس والخزرج الذين ألسلموا نفاقا أيضا ليسألوا وليوِقعوا بين المسلمين .وبلغ الجدال بين اليهود والمسلمين حدا كان يصل أحيانا إلى العتدا ء باليدي ،يمع يما كان بينهم يمن عهد. ويكفي لتصوير تعنت اليهود وشدة خصويمتهم في الجدل -71-
حلمه وهدوئه ،يمع يما كان عليه يمن ديماثة أنهم أخرجوا أبا بكر عن ِ الخلا ق ،وطول الناة ،ولين الطبا ع .فقد ُروي أنه تحدث إلى يهودي يدعى فنحاص يدعوه إلى اللسلم ،فرد فنحاص بقوله " :وا يا أبا بكر يما بنا إلى ا يمن فقر وإنه إلينا لَلفقير ،ويما نتضر ع إليه كما يتضر ع إلينا ،وإنا عنه أغنيا ء ويما هو عنا بغني ،ولو كان غنيا عنا يما ضنا أيموالنا كما يزعم صاحبكم ،ينهاكم عن الربا ويعطيناه، الستق لَر لَ ولو كان عنا غنيا يما أعطانا" ،وفنحاص يشير إلى قوله تعالى :يمن ذا الذي ُيقِرض ا قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة .لكن طا ق هذا الجواب صبرا فغضب وضرب وجه فنحاص أبا بكر لم ُي ِ ضربا شديدا ،وقال :والذي نفسي بيده لول العهد الذي بيننا وبينكم ت رألسك يا عدو ا. لضرب ُ وهكذا اشتد الجدل بين المسلمين واليهود وأخذ أدوارا يمتعددة .وفي هذا الوقت وفد على المدينة وفد يمن نصارى نجران عدتهم لستون راكبا .ولعل هذا الوفد إمّنما جا ء إلى المدينة حين علم بما بين المسلمين واليهود يمن خلف ،طمعا في أن يزيد هذا الخلف شدة حتى يبلغ العداوة ،وبذلك تنتصر النصرانية ويزول الدين القديم والدين الجديد اللذان يزاحمان النصرانية على زعمهم. وقد اتصل هذا الوفد بالنبي صلى ا عليه ولسلم ،وباليهود، وكان النبي ينظر إليهم وإلى اليهود بأنهم أهل كتاب ،فيدعوهم -72-
جميعا لللسلم ،ويتلو عليهم قوله تعالى :قل يا أهل الكتاب تعاليْوا إلى كلم ٍة لسوا ء بيننا وبينكم أل نعبد إل مّ ا ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا يمن دون ا فإن توليْوا فقولوا اشهدوا بأمّنا يمسلمون .ويسأله اليهود والنصارى عمن يؤيمن بهم يمن الرلسل ،فيتلو عليهم قوله تعالى :قولوا آيممّنا بالله ويما ُأنزل إلينا ويما ُأنزل إلى إبراهيم وإلسماعيل وإلسحا ق ويعقوب واللسباط ويما أوتي يمولسى وعيسى ويما أوتي النبيون يمن ربهم ل نفرق بين أحد يمنهم ونحن له يمسلمون .فل يجدون يما يقولونه له وتدفع الحجة نفولسهم ويظهر الحا ق ،لكنهم لم يؤيمنوا حرصا على يمكانتهم ،حتى أن بعضهم صر ح بذلك. فقد ُروي أن أبا حارثة وكان يمن وفد نجران ،وكان أكثر نصارى نجران علما ويمعرفة قد أدلى إلى رفيا ق له باقتناعه بما ما لسأله رفيقه :فما يمنعك يمنه وأنت تعلم هذا؟ يقول يمحمد ،فل مّ كان جوابه :يمنعني يما صنع بنا هؤل ء القوم ،شمّرفونا ويمولونا وأكريمونا وقد أبوا إل مّ خلفه ،فلو فعلت نزعوا يمنا كل يما ترى .يمما يدل على أن عدم إيمانهم كان يمكابرة وتعنتا. ثم إن الرلسول صلى ا عليه ولسلم دعا النصارى إلى جك فيه ِيمن بعد يما المباهلة وتل عليهم قوله تعالى :فمن حا مّ ع أبنا ءنا وأبنا ءكم ونسا ءنا جا ءك يمن العلم فقل تعاليْوا ند ُ ونسا ءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة ا على -73-
الكاذبين ،فتشاوروا ثم أعلنوا أنهم رأوا أل يباهلوه وأن يتركوه على دينه ويرجعوا على دينهم ،ولكنهم طلبوا إليه أن يبعث يمعهم رجل م ً يحكم بينهم في أشيا ء اختلفوا عليها يمن أقوالهم ،فبعث يمعهم أبا عبيدة بن الجرا ح ليقضي بينهم باللسلم فيما اختلفوا فيه. وهكذا قضت قوة الدعوة اللسليمية ،وقوة الفكر اللسليمي، والحجة البالغة التي ظهرت على جميع المجادلت الكليمية التي أثارها اليهود والمنافقون والنصارى ،واختفت تلك الفكار غير اللسليمية جميعها ،ولم يبا ق إل مّ اللسلم ينا لَقش في فهم أحكايمه، وفي الدعوة إليه ،فتركز اللسلم ونشر لوا ءه يمن ناحية الفكر ويمن ناحية الحكم. إل مّ أن نفوس المنافقين واليهود ظلت يمنطوية على كراهة المسلمين ،وظلت تحمل الحقد عليهم والبغض لهم .غير أن تركز لسلطان اللسلم في المدينة ،وتركز المجتمع فيها طغى على كل شي ء .وكان للسرايا المتلحقة وللقوة التي ظهرت ،أثر في ع لَلت كلمة ا واضطر خصوم إلسكات هذه النفوس المريضة ،ف لَ ن يلزيموا جانب الصمت ويخضعوا اللسلم في المدينة ويما حولها ل يْ لسلطان اللسلم. غزوة بدر خرج النبي عليه الصلة والسلم في أصحابه يمن المدينة -74-
ن يمن شهر ريمضان يمن السمّنة الثانية يمن الهجرة ،وجعل ن خلو لَ لثما ٍ عمرو بن أم يمكتوم على الصلة بالناس ،والستعمل على المدينة أبا لبابة ،وكانوا ثلثمائة وخمسة رجال يمعهم لسبعون بعيرا يعتقبونها ،كل اثنين وكل ثلثة وكل أربعة يعتقبون بعيرا .وانطلقوا يريدون قافلة أبي لسفيان .وظلوا لسائرين يتنطسون أخبار القافلة حتى أتوا واديا يقال له دفران ،نزلوا فيه ،وهناك جا ءهم الخبر بأن عيرهم .وحينئذ تغير وجه اليمر، قريشا قد خرجوا يمن يمكة ليمنعوا ِ وأصبح الموضو ع لقا ء قريش أو عدم لقائهم ،وليس يموضو ع قافلة أبي لسفيان .فالستشار الرلسول المسلمين وأخبرهم بما بلغه يمن أيمر قريش ،فأدلى أبو بكر وعمر برأيهما ،ثم قام المقداد بن ض لما أراك ا فنحن يمعك ،وا عمرو ،فقال " :يا رلسول ا ايم ِ ل نقول لك كما قال بنو إلسرائيل لمولسى :اذهب أنت وربك فقاتل إنا ههنا قاعدون ،ولكن اذهب أنت وربك فقاتل إنا يمعكما ي أيها يمقاِتلون" .ولسكت المسلمون .فقال الرلسول :أشيروا عل مّ الناس ،وكان يريد بكلمته هذه النصار الذين بايعوه يوم العقبة على أن يمنعوه يمما يمنعون يمنه أبنا ءهم ونسا ءهم ،ولم يبايعوه ما أحس النصار أنه يريدهم ،وكان على قتال خارج يمدينتهم .فل مّ لسعد بن يمعاذ صاحب را لَيِتهم ،التفت إلى رلسول ا صلى ا عليه ولسلم وقال :لكأنك تريدنا يا رلسول ا .قال :أجل .قال لسعد : "لقد آيمنا بك وصمّدقناك ،وشهدنا أن يما جئت به هو الحا ق، -75-
وأعطيناك على ذلك عهودنا ويمواثيقنا على السمع والطاعة، ت بنا هذا ت فنحن يمعك ،فوالذي بعثك لو الستعرض لَ ض لما أرد لَ فايم ِ البحر فخض لَته لخضناه يمعك ويما تخمّلف يمنا رجل واحد ،ويما نكره أن ق في اللقا ء .لعل صيْد ٌ صيْب ٌر في الحربُ ، تلقى بنا عدونا غدا .إنا ل ُ سر بنا على بركة ا" .ولم يكد ا يريك يمنا يما تقر به عينك .ف ِ لسعد ُيِتم كليمه حتى أشرق وجهه صلى ا عليه ولسلم بالمسمّرة، شروا ،فإن ا قد وعدني إحدى الطائفتين ،وا وقال :لسيروا وأب ِ لكأني الن أنظر إلى يمصار ع القوم. وارتحلوا جميعا ،حتى إذا كانوا على يمقربة يمن بدر عرفوا أن عير قريش قريبة يمنهم ،فبعث الرلسول عليا بن أبي طالب والزبير بن العوام ولسعد بن أبي وقاص في نفر يمن الصحابة إلى يما ء بدر يتلمسون له الخبر ،وعادوا ويمعهم غليمان عرف يمنهما يما يدل على أن عدد قريش بين التسعمائة واللف ،وأن أشراف قريش جميعا خرجوا لمنعه .فعرف أنه أيمام قوم يزيدون عليه في العدد ثلثة أضعاف ،وأنه ينتظر يمعركة حايمية الوطيس .فأخبر المسلمين بأن يمكة ألقت إليهم بأفلذ أكبادها ،ول بد أن يوطدوا أنفسهم على الشدة .وأجمع المسلمون أن لَيث ُبتوا للعدو ،وأقايموا بما ء بدر وبنوا حوضا ويملوه يما ء ،وعطلوا يما ورا ءه يمن البار ليشربوا هم ول يشرب عدوهم ،وبنوا للرلسول عريشا يقيم فيه .وأمّيما قريش فنزلت يمنازل القتال في يمواجهة المسلمين .ثم بدأت يمناوشات القتال، -76-
فقد اندفع اللسود بن عبداللسد المخزويمي يمن بين صفوف قريش إلى صفوف المسلمين يريد أن يهدم الحوض الذي بنوه ،فعاجله حمزة بن عبدالمطلب بضربة أطاحت بساقه فسقط إلى ظهره تشخب رجله ديما ،ثم أتبعه حمزة بضربة أخرى قضت عليه دون الحوض ،فخرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد ،وخرج إليهم حمزة بن عبدالمطلب ،وعلي بن أبي طالب ،وعبيدة بن ن لَق لَتلهما، الحارث ،فلم ُيمِهل حمزة شيبة ،ول أيمهل علي الوليد أ يْ ثم أعانا عبيدة وقد ثبت له عتبة .ثم تزاحف الناس والتقى الجمعان صبيحة يوم الجمعة لسبعة عشر خلت يمن شهر ريمضان يمن السنة الثانية للهجرة ،وقام الرلسول على رأس المسلمين يعدل صفوفهم ويحرضهم على القتال ،فازداد المسلمون قوة بتحريض الرلسول إياهم ووقوفه بينهم ،فاندفع المسلموون وثار ع لَلت هام قريش ج ِ النقع ،وايمتل الجو وحمي وطيس المعركة ،و ُ تطير عن أجسادها والمسلمون يزدادون بإيمانهم قوة ويصيحون : أحد ،أحد .ووقف الرلسول ولسط المعمعة وأخذ حفنة يمن الحصبا ء شمّدوا. وريمى بها قريشا وقال :شاهت الوجوه ،وقال لصحابه ُ : وشمّد المسلمون إلى أن انجلت المعركة عن نصرة المسلمين، وفمّرت قريش ،و ُقتل يمنها يمن ُقتل و ُألسر يمن ُألسر .وكان نصرا يمؤزرا للمسلمين ،وعادوا إلى المدينة وقد ازدادت قوتهم. إجل ء بني قينقا ع -77-
ما انتصر المسلمون كان اليهود قد بدأ تذيمرهم قبل بدر ،فل مّ في بدر ازداد تذيمرهم وازداد حقدهم ،وصاروا يأتمرون بالمسلمين ويتغايمزون عليهم ،ونقضوا عهدهم يمع المسلمين حينئذ ،فاشتد عليهم المسلمون وصاروا يضربونهم كلما بدرت يمنهم بادرة .فتخَّوف اليهود يمن بطش المسلمين ،ولكنهم بدل أن يرتدعوا ازدادوا أذى. وِيمن أذاهم أنه لَقِد لَيمت ايمرأة يمن العرب إلى لسوق اليهود يمن حلية ،وجلست إلى صائغ يمنهم بها ،فجا ء يهودي بني قينقا ع ويمعها ِ ما يمن خلفها في لسر يمنها فأثبت طرف ثوبها بشوكة إلى ظهرها ،فل مّ قايمت انكشفت لسوأتها ،فضحكوا بها ،فصاحب .فوثب رجل يمن المسلمين على الصائغ وكان يهوديا فقتله ،وشمّدت اليهود على المسلم فقتلوه ،فالستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فهاجموهم ،ووقع النزا ع بين المسلمين واليهود .وقد طلب مر .فخرج الرلسول الرلسول يمن اليهود أن يكفوا الذى ،فأظهروا التن مّ صلى ا عليه ولسلم يمع المسلمين وحاصروا بني قينقا ع يمحاصرة شديدة ،وقرر الرلسول بعد يمشورة كبار المسلمين قتلهم جميعا، ي بن لسلول ،وكان لليهود كما كان فقام إليه عبدا بن ُأب مّ ي ،فأبطأ عليه سن في لَيموال مّ للمسلمين حليفا ،فقال :يا يمحمد أح ِ ح إلحاحا شديدا ،فرأى النبي ،فكرر الطلب ،فأعرض النبي عنه ،فأل مّ النبي أن يسدي إليه هذه اليد حتى يصبح يمدينا لحسانه ورحمته، -78-
فأجاب طلبه وقرر عدم قتل بني قينقا ع ،على أن ُيج لَليْو عن المدينة جزا ء لهم على صنيعهم .فأذعنوا وجلوا عن المدينة صوب الشمال حتى بلغوا أذرعات بالشام. القضا ء على الضطرابات الداخلية دخل المسلمون في الحرب يمع قريش ،واشتبكوا يمعهم في أول يمعركة وهي يمعركة بدر ،فانتصر بها المسلمون انتصارا يمؤزرا. وكان يمن أثر هذا النصر زلزلة قريش زلزلة كبرى أطارت صوابها، وتطهير المدينة يمن ولساوس اليهود وفتنتها ،وإجل ء بعضهم ويمهادنة البعض الخر ،وازدياد قوة المسلمين و لَيم لَنعتهم. عد العدة لغزو إل مّ أن قريشا لم يهدأ لها بال ،فمنذ بدر وهي ُت ِ المسلمين والنتقام يمنهم ،وليكون لها يوم بيوم بدر .فكانت يموقعة حد ،وانتصرت فيها قريش بسبب يمخالفة الريماة لوايمر القيادة. أ ُ ُ وانكسر فيها المسلمون .وعادت قريش يممتلئة النفس غبطة ولسرورا بما زال عنها يمن عار بدر .ورجع المسلمون إلى المدينة يمهزويمين ،وكانت تظهر عليهم آثار الهزيمة ،رغم يمطاردتهم للعدو بعد المعركة حتى حمرا ء اللسد .وكان يمن جرا ء انكسار كر لهم الكثير يممن في المدينة ،كما تنكرت لهم المسلمين أن تن َّ بعض قبائل العرب. فإن اليهود والمنافقين في المدينة كانوا بعد بدر وشدة -79-
المسلمين يمعهم قد خضعوا لسلطان المسلمين ودانوا لهم، خل نفولسها الرعب وكذلك كانت قبائل العرب خارج المدينة ،قد دا لَ يمن قوة المسلمين .ولكن كل ذلك تغَّير بعد ُأحد ،فالعرب الذين يقطنون خارج المدينة صاروا يفكرون في يمعارضة يمحمد ويمناوأته ،واليهود في المدينة والمنافقون أيضا صاروا يتحرشون في المسلمين ويناوؤونهم .لذلك كله حرص رلسول ا صلى ا عليه ولسلم على أن يقف يمن أخبار أهل المدينة ويمن أخبار القبائل كنه يمن الستعادة يمكانة المسلمين العربية خارجها على يما يم مّ وهيبتهم في النفوس ،وأخذ يعمل جاهدا لزالة آثار هذه الهزيمة، بالبطش في كل يمن تحمّدثه نفسه بالستصغار المسلمين ،أو النيل يمنهم. فقد بلغه بعد شهر يمن ُأحد ،أن بني ألسد يريدون يمهاجمة المدينة ل لَيغنموا يمن غنم المسلمين التي ترعى حول المدينة ،فأراد أن يهاجمهم في عقر دارهم قبل أن يهاجموه ،ولذلك دعا إليه أبا لسلمة بن عبداللسد ،وعقد له لوا ء لسرية تبلغ عدتها يمائة وخمسين، فيهم يمن خيرة أبطال المسلمين عدد كبير ،وكان يمن بينهم عبيدة أبو الجرا ح ،ولسعد بن أبي وقاص ،وألسيد بن حضير ،وغيرهم خفوا نهارا وأن يسلكوا الطريا ق وأ لَيم لَرهم بأن يسيروا ليل م ً وأن يست يْ طلع أحد على خبرهم ،ليفاجئوا العدو غير المطروق ،حتى ل ي مّ على غرة يمنه .ولسار أبو لسلمة حتى جا ء بني ألسد ،وأحاط بهم في -80-
عماية الصبح ،وحمل عليهم وحض رجاله على الجهاد فأوقعوا بهم حتى هزيموهم وانتصروا عليهم وأخذوا أيموالهم غنائم، ورجعوا إلى المدينة ظافرين ،وقد أعادوا إلى النفوس هيبة المسلمين ولسطوتهم. ثم بلغ الرلسول عليه السلم أن خالد بن لسفيان الهذلي يمقيم بعرنة أو نخلة يجمع الناس ليغزو المدينة ،فدعا إليه عبدا بن أنيس وبعثه يتجسس حتى يقف على جلية الخبر ،فسار عبدا والتقى بخالد ،فسأله يمن الرجل؟ فقال عبدا :أنا رجل يمن ف خالد أنه العرب لسمع بجمعك لمحمد فجا ءك لذلك .فلم ُيخ ِ يجمع الجمو ع ليغزو المدينة .فما كان يمن عبدا إل مّ أن اغتنم كنته فرصة عزلته عن الناس ،فالستدرجه في السير حتى إذا يم مّ الفرصة حمل عليه بالسيف فقتله ،وعاد إلى المدينة وأخبر الرلسول الخبر .وبقتله هدأت بنو لحيان يمن هذيل ،وأِيمن الرلسول شر غزِوه عه العرب لقتاله .وهكذا عالج القبائل العربية خارج المدينة. وجم ِ إل مّ أن هذه المعالجة وإن كانت أفادت في يمنع العرب يمن يمهاجمة المدينة ،إل مّ أنها لم تقض على الستهانة العرب بسلطان المسلمين بعد ُأحد ،فقد وفد على الرلسول رهط يمن قبيلة تجاور ل ،وقالوا له إن فينا إلسليما ،فابعث يمعنا نفرا يمن أصحابك هذي م ً يعمّلموننا شرائعه ويقرؤوننا القرآن ،فبعث يمعهم لستة يمن كبار ء لهذيل بناحية تدعى الصحابة ،ولساروا يمعهم حتى بلغوا يما م ً -81-
ل ،وفوجئ المسلمون الرجيع ،فغدروا بهم والستصرخوا عليهم هذي م ً الستة بالرجال في أيديهم السيوف يغشونهم ،فأخذ المسلمون لسيوفهم ،فقاتلوا حتى ُقتل ثلثة يمنهم والستسلم ثلثة ،فأخذتهم هذيل ألسرى ،وخرجت بهم إلى يمكة تبيعهم فيها ،وبينما هم في الطريا ق اغتنم أحد الثلثة وهو عبدا بن طارق فرصة غفلة غل اللسر وأخذ لسيفه ليقاتل ،ولكنهم لم القوم ،وانتز ع يده يمن ِ كنوه بل قتلوه ،وأخذوا اللسيرين وباعوهما يمن أهل يمكة .أمّيما يم مّ أحدهما وهو زيد بن الدثنة فقد اشتراه صفوان بن أيممّية ليقتله بأبيه ما ُقمّدم زيد ل ُيق لَتل لسأله أبو لسفيان :أنشدك ا يا أيممّية بن خلف ،فل مّ زيد أتحب أن يمحمدا الن عندنا في يمكانك ُتضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال زيد :وا يما أحب أن يمحمدا الن في يمكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي .فعجب أبو لسفيان وقال :يما رأيت يمن الناس أحدا يحبه أصحابه يما يحب أصحاب حبس حتى يمحمد يمحمدا .ثم ُقتل زيد .وأمّيما الثاني وهو خبيب ،فقد ُ خرجوا به ليصلبوه ،فقال لهم :إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا ،فسمحوا له حتى صمّلى الركعتين وأتمهما وأحسنهما ،ثم أقبل عليهم وقال :أيما وا لول أن تظنوا أني إمّنما ت يمن الصلة .فرفعوه إلى خشبة. طمّولت جزعا يمن القتل للستكثر ُ ما أوثقوه إليها نظر إليهم بعين يمغضبة وصا ح "اللهم احصهم فل مّ عددا واقتلهم بددا ول تغادر يمنهم أحدا" ،فارتجفوا يمن صيحته ثم -82-
قتلوه. حِزن الرلسول عليه السلم على هؤل ء الستة ،وحزن ف لَ المسلمون عليهم .وزاد في حزنهم الستهانة هذيل بالمسلمين والستخفافهم بشأنهم .ففكر عليه السلم بهذا اليمر كثيرا ،وأثنا ء تفكيره بذلك لَقِدم عليه أبو برا ء عايمر بن يمالك يملعب اللسمّنة، فعرض الرلسول عليه السلم اللسلم فلم يقبل ولكنه لم ُيظهر ت إلى أهل نجد يمن يدعوهم عداوة لللسلم وقال للرلسول :لو بعث لَ لللسلم لجابوا دعوتك .ولكن الرلسول خاف على أصحابه يمن جب طلب أبي أهل نجد أن يغدروا بهم كما غدرت هذيل ،فلم ُي ِ برا ء .لكن أبا برا ء أقنعه حين أجار الذين يذهبون للدعوة ،وقال للرلسول :أنا لهم جار ،فابعثهم فليدعوا إلى أيمرك .وكان أبو برا ء رجل م ً يمسمو ع الكلمة ،ل ُيخاف على يمن يجيره أن لَيغدر به أحد. فبعث حينئذ رلسول ا صلى ا عليه ولسلم المنذر بن عمر في أربعين رجل م ً يمن خيار المسلمين ،ولساروا حتى نزلوا بئر يمعونة، ويمن هناك بعثوا إلى عايمر بن الطفيل بكتاب يمع رلسول يمنهم ،فلم ينظر عايمر في الكتاب ،بل قتل الرلسول والستصرخ بني عايمر كي يقتلوا المسلمين ،فأبوا عليه ذلك ،وومّفوا بذمّيمتهم ،وبجوار أبي برا ء. ولكن عايمرا الستصرخ قبائل أخرى ،وأحاط بالمسلمين وهم في ما رآهم المسلمون أخذوا لسيوفهم وقاتلوا حتى ُقتلوا رحالهم ،فل مّ عن آخرهم ،ولو ينج يمنهم لسوى رجلين اثنين .فحزن رلسول ا -83-
والمسلمون على هؤل ء الشهدا ء ،وتأثروا لذلك أشد التأثر. ففكر رلسول ا صلى ا عليه ولسلم بذلك وبالطريقة التي يعالج بها هؤل ء العرب لعادة هيبة المسلمين في نفولسهم، ولكنه وقد رأى أن هذه العمال أمّثرت على داخل المدينة ،رأى أن ل ،ثم بعد أن يطمئن إلى يمعالجتها يعالج يعالج الحوال الداخلية أو م ً شؤون العرب واليمور الخارجية. أمّيما يما حصل في الداخل ،فإن المنافقين واليهود قد أضعفت ُأحد وحوادث الرجيع وبئر يمعونة ،هيبة المسلمين في نفولسهم، وصاروا يتربصون بالرلسول الدوائر ،وكشف الرلسول نياتهم بالستدراجهم حتى ظهرت يمؤايمرتهم ضده ،فبعث يمحمد بن يمسلمة إليهم وقال له } :اذهب إلى يهود بني النضير وقل لهم :إن رلسول ا أرلسلني إليكم أن اخرجوا يمن بلدي ،لقد نقضتم العهد الذي جل ُتكم عشرا ،فمن ت لكم بما هممتم به يمن الغدر بي ،فقد أ مّ جعل ُ ضربت عنقه.{، رؤي بعد ذلك ُ وكاد بنو النضير يخرجون لول أن حمّرضهم عبدا بن ُأبيمّ ي بن أخطب على أن يبقوا في ح لَي يْ على البقا ء ،وشجعهم ُ حصونهم .وانقضت اليام العشرة ولم يخرجوا يمن ديارهم، فقاتلهم الرلسول حتى ضَّيا ق عليهم ،فسألوه أن يؤمّيمنهم على أيموالهم وديمائهم وذراريهم حتى يخرجوا .فصالحهم الرلسول على أن يخرجوا يمنها ولكل ثلثة يمنهم بعير يحملون عليه يما شاؤوا يمن -84-
طعام وشراب ،ليس لهم غيره ،فخرجوا وتركوا ورا ءهم جميع يما يملكون يمن أراض ونخيل وغلل ولسل ح ،غنائم للمسلمين ومّزعها رلسول ا على المهاجرين فقط ولم يعط النصار شيئا لسوى رجلين اثنين هما أبو دجانة ولسهل بن حنيف؛ لنهما كانا فقيرين كالمهاجرين. سم الرلسول أيمر السيالسة ح لَ وبإجل ء بني النضير وتأديبهم ،لَ الداخلية ،وعادت هيبة المسلمين .فالتفت إلى السيالسة الخارجية، فكان أن تحدى قريشا في غزوة بدر الخرة ،فلم تجرؤ على يمقابلته .وذلك حين الستدار العام يمنذ ُأحد ،ذكر الرلسول قولة أبي لسفيان "يوم بيوم بدر والموعد العام المقبل" ،وذكر ضرورة يمقابلة أبي لسفيان ،فجهز المسلمين ،والستعمل على المدينة عبدا بن عبدا بن لسلول ،ولسار بالمسلمين حتى نزلوا بدرا ينتظرون قريشا ،يمستعدين لقتالها .وخرجت قريش يمع أبي لسفيان يمن يمكة في أكثر يمن ألفي رجل ،ولكنه يما لبث أن رجع ورجع الناس يمعه. وأقام الرلسول في بدر ثمانية أيام يمتتابعة ،ينتظر قريشا ،فلم تأت وبلغه نبأ رجوعها ،فعاد بالمسلمين بعد أن ربحوا في تجارتهم أثنا ء إقايمتهم في بدر ،وعادوا يمنصورين وإن لمن يقاِتلوا. ثم حمل الرلسول عليه السلم على غطفان بنجد ،ففروا يمن وجهه وتركوا أيموالهم ونسا ءهم ،فغنمها المسلمون وعادوا للمدينة ،ثم خرج إلى دويمة الجندل على الحدود يما بين الحجاز -85-
والشام ،ليؤمّدب القبائل التي كانت ُتغير على القوافل ،ولكنها لم تقابله وأخذها الفز ع وولت يمن وجهه وتركت أيموالها ،فأخذها المسلمون وعادوا ظافرين. وبهذه الغزوات الخارجية والتأديبات الداخلية في المدينة، الستطا ع الرلسول عليه السلم أن يعيد هيبة الدولة اللسليمية إلى نفوس العرب واليهود وأن يمحو آثار هزيمة ُأحد يمحوا تايما. غزوة الحزاب كان للغزوات والتأديبات التي قام بها رلسول ا صلى ا عليه ولسلم بعد غزوة ُأحد أثر كبير في نشر هيبة المسلمين ،وفي ظم ع ُ تركيز الدولة اللسليمية .فقد اتسع بها نفوذ المسلمين ،و لَ لسلطانهم ،وخافتهم شبه الجزيرة ،وصار العرب حين يسمعون بالسم الرلسول يغزوهم يأخذهم الفز ع ويومّلون ُيمدبرين ،كما حصل في غطفان ودويمة الجندل ،وصارت قريش تج ُبن عن لقا ء المسلمين كما حصل في بدر الخرة .وهذا كله جعل المسلمين يركنون إلى شي ء يمن الطمأنينة إلى الحياة في المدينة ،ويأخذون في تنظيم عيشهم على ضو ء الوضع الجديد الذي صار للمهاجرين بعد غنائم بني النضير ،وتوزيع الراضي والنخيل والمساكن والثاث عليهم. غير أن هذا لم يجعلهم يركنون إلى الحياة إركانا يصرفهم -86-
عن يمواصلة الجهاد ،لن الجهاد فرض إلى قيام الساعة ،وإمّنما صاروا في حال يمن العيش أحسن يمن قبل ،وفي حالة يمن اللستقرار أكثر أيمانا يمن قبل ،وكان الرلسول صلى ا عليه ولسلم على طمأنينته حذرا دائما غدرة العدو ،باثا دائما عيونه وأرصاده في أنحا ء شبه الجزيرة ،ينقلون إليه يمن أخبار العرب ويما يأتمرون به يما يممّهد له فرصة الهبة لملقاة العدو وهو على علم بخططه وألساليبه ،وعلى الستعداد لمواجهته ،ل لسيما وأعدا ء المسلمين أصبحوا كثيرين في الجزيرة ،بعد أن أصبح له لسلطان يمرهوب الجانب يمن جميع العرب ،وبعد أن أجلى يهود بني قينقا ع ويهود بني النضير عن المدينة ،وضرب قبائل العرب كغطفان وهذيل وغيرها ضربات قاصمة .ولذلك ظل الرلسول حذرا يتتبع أخبار مع قريش وبعض القبائل لغزو المدينة، العرب ،إلى أن بلغه تج مّ فأخذ يستعد للقائهم. ذلك أن بني النضير بعد أن أجلهم الرلسول عن المدينة، اختمرت في نفولسهم فكرة تأليب العرب على الرلسول ،ليأخذوا بالثأر يمنه .وتنفيذا لهذه الفكرة خرج نفر يمن يهود بني النضير ،ويمن ي بن أخطب ولسلم بن أبي الحقيا ق وكنانة بن أبي ح لَي يْ بينهم ُ الحقيا ق ويمعهم يمن بني وائل هوذة بن قيس وأبو عمار حتى حييا عن قويمه فقال :تركتهم لَقِديموا على قريش يمكة ،فسأل أهلها ُ بين خيبر والمدينة يترددون حتى تأتوهم فتسيروا يمعهم إلى يمحمد -87-
وأصحابه .ولسألوه عن قريظة فقال :أقايموا بالمدينة يمكرا بمحمد جم، حتى تأتوهم فيميلوا يمعكم .وترددت قريش أ ُتقِدم أن ُتح ِ فليس بينها وبين يمحمد خلف إل مّ على الدعوة التي يدعو إلى ا. أليس يمن الممكن أن يكون على حا ق؟ ولذلك قالت قريش لليهود : يا يمعشر يهود إنكم أهل الكتاب الول ،وأهل العلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ويمحمد ،أفديننا خير أم دينه؟ قالت اليهود :بل دينكم خير يمن دينه ،وأنتم أيْولى بالحا ق يمنه .وكان اليهود أهل توحيد وكانوا يعلمون أن دين يمحمد هو الحا ق ،ولكن حرصهم على تأليب العرب جعلهم يتورطون في هذا الخطأ الفاحش، وهذه السبة البدية ،أن يصرحوا بأن عبادة الصنام أفضل يمن التوحيد .ولكنهم فعلوها ويفعلون أيمثالها. وبعد أن اطمأنوا إلى اقتنا ع قريش برأيهم خرجوا إلى غطفان يمن قيس غيلن ويمن بني ُيممّرة ويمن بني فزارة ويمن لس لَليْيم ويمن بني لسعد ويمن ألسد ،ويمن كل يمن لهم عند أشجع ويمن ُ المسلمين ثأر .ويما زالوا بهم يحرضونهم على الخذ بثأرهم، ويذكرون لهم يمتابعة قريش إياهم على حرب يمحمد ،ويحمدون عدونهم النصر .وهكذا الستطاعوا أن يؤلبوا العرب لهم وثنيتهم ،و لَي ِ على حرب الرلسول ،فاجتمع عدد يمن قبائل العرب وخرجوا يمع قريش لغزو المدينة. خرجت قريش وعلى رألسها أبو لسفيان في أربعة آلف -88-
ط بعيره .وخرجت بنو يمجند ،وثلثمائة جواد ،وخمسمائة وألف يممت ٍ فزارة وعلى رألسها عيينة بن حصن بن حذيفة في رجال كثيرين وألف بعير .وخرجت أشجع في أربعمائة يمحارب ،وعلى رألسها يمسعر بن رخيلة .وخرجت ُيممّرة في أربعمائة يمحارب يتزعمها لس لَليْيم وأصحاب بئر يمعونة في لسبعمائة الحارث بن عوف .وجا ءت ُ رجل .واجتمع هؤل ء وانحاز إليهم بنو لسعد وبنو ألسد ،فصاروا في عشرة آلف أو نحوها ،ولساروا جميعا تحت إيمرة أبي لسفيان قاصدين المدينة. صن بالمدينة، ما اتصل نبأ هذه الجمو ع بالرلسول ،قرر التح مّ ول مّ وأشار لسلمان الفارلسي بحفر الخندق حول المدينة والتحصن داخلها ،فحفر الخندق ،وعمل به النبي بيديه ،فكان يرفع التراب ويشجع المسلمين ويدعوهم إلى يمضاعفة الجهد .فتم حفر صنت جدران المنازل التي تواجه العدو، ح مّ الخندق في لستة أيام ،و ُ و ُأخليت المساكن التي ظلت ورا ء الخندق ،وجي ء بالنسا ء صنت ،وخرج الرلسول في ثلثة آلف ح مّ والطفال إلى المنازل التي ُ يمن المسلمين ،فجعل ظهره إلى هضبة لسلع ،وجعل الخندق بينه وبين أعدائه ،وهناك ضرب عسكره و ُنصبت له خيمته الحمرا ء. وأقبلت قريش وأحزابها ،وهي ترجو أن تلقى يمحمدا ب ُأحد، فلم تجده فجاوزته إلى المدينة ،ففاجأها الخندق ،فدهشت لنها ل تعرف هذا النو ع يمن ولسائل الدفا ع ،وعسكرت قريش والحزاب -89-
خارج المدينة ورا ء الخندق. وأيقن أبو لسفيان والذين يمعهم أنهم يمقيمون أيمام الخندق طويل م ً دون أن يستطيعوا اقتحام الخندق .وكان الوقت شتا ء، والريا ح عاصفة ،والبرد قارلسا ،فأخذ يدب إليهم الوهن وأخذوا ي بن أخطب قد لحظ ذلك ح لَي يْ يفضلون أن يعودوا أدراجهم .وكان ُ عليهم ،فتحدث إليهم أنه ُيقِنع بني قريظة بنقض عهد يموادعتهم يمحمدا والمسلمين ،وبالنضمام إليهم ،وأن قريظة يمتى فعلت ذلك انقطع المدد عن المسلمين ،و ُفتحت الطريا ق لدخول المدينة. ي إلى كعب بن ألسد ح لَي يْ سَّرت قريش وغطفان بذلك ،ولسار ع ُ ف ُ ما أحس به كعب أغلا ق دونه باب حصنه ،غير زعيم بني قريظة .فل مّ أن حييا يما زال به حتى فتح له باب الحصن فقال له " :ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر ،وببحر طام ،جئتك بقريش وبغطفان يمع قادتها ولسادتها ،وقد عاهدوني وعاقدوني على أل يبرحوا حتى نستأصل يمحمدا ويمن يمعه" .وتردد كعب ،وذكر وفا ء يمحمد وصدقه لعهده ،وخشي يمغبة يما يدعوه إليه .لكن حييا يما زال به يذكر له يما أصاب اليهود يمن يمحمد ،ويصف له قوة الحزاب ،حتى لن كعب و لَقِبل يما طلب حيي ،ونقض عهده يمع يمحمد والمسلمين. وانضمت قريظة إلى الحزاب دون أن يخ لَبر الرلسول بذلك. فاتصل هذا النبأ بالرلسول عليه السلم وبأصحابه ،فاهتزوا له، وخافوا يمغبته ،فبعث الرلسول لسعد بن يمعاذ لسيد الوس ولسعد -90-
بن عبادة لسيد الخزرج ويمعهما عبدا بن رواحة وخوات بن جبير ليقفوا على جلية اليمر ،وأوصاهم إذا كانت قريظة قد نقضت العهد أن يكتموا ذلك ،حتى ل يفت في أعضاد الناس ،وأن يكتفوا ما أتى هؤل ء الرلسل ألفوا قريظة بالشارة إليه والتعريض به .فل مّ ما حاولوا رمّدهم إلى عهدهم طلب على أخبث يما بلغهم عنهم .فل مّ كعب إليهم أن يرمّدوا اخوانهم يهود بني النضير إلى ديارهم .وأراد لسعد بن يمعاذ وكان حليف قريظة أن يقنعها ،فصاروا يوقعون في يمحمد عليه السلم ،ويقول كعب :يمن رلسول ا؟ ل عهد بيننا وبين يمحمد .فرجع الرلسل وأخبروا بما رأوا ،فاشتد الخوف .وأخذت عد نفسها للقتال. الحزاب ُت ِ عد فيها أمّيما قريظة فإنها الستمهلت الحزاب عشرة أيام ُت ِ عدتها ،على أن تقاِتل الحزاب المسلمين في هذه اليام العشرة أشد القتال .وذلك يما فعلوا ،فقد أمّلفوا ثلث كتائب لمحاربة النبي، فأتت كتيبة ابن العور السلمي يمن فوق الوادي ،وأتت كتيبة عيينة بن حصن يمن الجنب ،ونصب له أبو لسفيان ِيمن ِق لَبل الخندق. وبلغ الفز ع بالمسلمين يمبلغا عظيما ،وزاغت البصار ،وبلغت القلوب الحناجر ،واشتد لساعد الحزاب ،وظهرت قوتهم ،وارتفعت نفولسهم ،فهاجموا الخندق واقتحموه ،فقد اندفع بعض فوارس يمن قريش يمنهم عمرو بن عبد ُود ،وعكريمة بن أبي جهل ،وضرار بن الخطاب ،ورأوا يمكانا ضيقا فضربوا خيلهم فاجتازته ،وجالت -91-
بين لسلع والخندق .فخرج علي بن أبي طالب في نفر يمن المسلمين ،فأخذوا عليهم الثغرة التي اقتحمت يمنها خيلهم ،وتقدم ما دعاه علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ُود ينادي يمن يبارز .ول مّ إلى النزال قال في صلف ِ :لم يا ابن أخي ،فوا يما أحب أن أقتلك .قال علي :لكني أحب وا أن أقتلك .فتنازل فقتله علي، وفمّرت خيل الحزاب يمنهزيمة حتى اقتحمت الخندق يمن جديد يمولية الدبار ل تلوي على شي ء. لكن ذلك لم يوهن يمن نفوس الحزاب ،بل أعظمت نيرانها يمبالغة في تخويف المسلمين ،وبدأ المتحمسون يمن قريظة ينزلون يمن حصونهم إلى يمنازل المدينة القريبة يمنهم ،يريدون إرهاب م الفز ع ،وكان الرلسول ظم الهول وع مّ ع ُ أهلها .فاشتد الكيْرب و لَ صلى ا عليه ولسلم على أعظم الثقة بنصر ا له .فجا ء نعيم بن يمسعود وكان قد ألسلم ،وعرض على رلسول ا أن يقوم بما يثمّبط الكفار ،وذهب بأيمر الرلسول إلى بني قريظة ،وكانت ل تعرف أنه ألسلم ،وكان لها نديما في الجاهلية ،فذمّكرهم بما بينه وبينهم يمن يمومّدة ،ثم ذكر لهم أنهم ظاهروا قريشا وغطفان على يمحمد، وقريش وغطفان ربما ل تطيقان المقام طويل م ً فترتحلن ف ُتخِليان كل بهم ,ونصح لهم أل يقاِتلوا يمع القوم يما بينهم وبين يمحمد فين مّ حتى يأخذوا يمنهم رهنا يكونون بأيديهم ،حتى ل تتنحى قريش وغطفان عنهم .واقتنعت قريظة بما قال .ثم إنه ذهب إلى قريش -92-
فألسمّر لهم أن قريظة نديموا على يما فعلوا يمن نكث عهد يمحمد، وأنهم عايملون للسترضائه وكسب يمودته بأن يقمّديموا له يمن أشراف قريش يمن يضرب أعناقهم ،ولذلك نصح لهم إن بعثت إليهم اليهود يلتمسون رهائن يمن رجالهم أل يبعثوا يمنهم أحدا .وصنع نعيم يمع غطفان يما صنع يمع قريش. شبهة في نفوس العرب يمن اليهود ،فأرلسل أبو ودمّبت ال ُ لسفيان إلى كعب يخبره :أن طالت إقايمتنا وحصارنا لهذا الرجل، وقد رأيت أن تعمدوا إليه في الغداة ونحن يمن ورائكم .فأجاب كعب أن غدا السبت وأمّنا ل نستطيع القتال والعمل يوم السبت. فغضب أبو لسفيان وصمّدق حديث نعيم ،وأعاد الرلسول إلى قريظة يقول لهم اجعلوا لسبتا يمكان هذا السبت فإنه ل بد يمن قتال يمحمد غدا ،وإن خرجنا لقتاله ولستم يمعنا لنبرأن يمن حلفكم ،ولنبدأن ما لسمعت قريظة كلم أبي لسفيان كررت أنها ل بكم قبل يمحمد .فل مّ تتعدى السبت ،ثم أشاروا إلى الرهائن حتى يطمئنوا لمصيرهم. ما لسمع ذلك أبو لسفيان لم يبا ق لديه في كلم نعيم ريبة .وبات فل مّ يفكر يماذا يصنع؟ وتحدث إلى غطفان فإذا هي تتردد في القدام على قتال يمحمد. ما كان الليل أرلسل ا عليهم ريحا عاصفا ،ورعدا قاصفا، فل مّ ويمطرا غزيرا ،فاقتلعت الخيام ،وكفأت القدور ،وأدخلت الرعب في خمّيل إليهم أن المسلمين انتهزوها فرصة ليعبروا إليهم نفولسهم ،و ُ -93-
شر، ويوقعون فيهم ،فقام طليحة فنادى أن يمحمدا قد بدأكم ِب لَ فالنجاة النجاة .وقال أبو لسفيان :يا يمعشر قريش ارتحلوا فإني يمرتحل .فالستخف القوم يما الستطاعوا حمله وفمّروا ،وتبعتهم ما رأى غطفان والحزاب ،وأصبح الصبح ولم يبا ق يمنهم أحد .فل مّ الرلسول ذلك انصرف راجعا إلى يمنازل المدينة والمسلمون يمعه، وكفى ا المؤيمنين القتال. غير أن الرلسول وقد السترا ح يمن قريش وكفاه ا قتالها، رأى أنه ل بد أن ينهي أيمر بني قريظة ،وقد نقضوا عهدهم يمعه وتآيمروا على القضا ء على المسلمين ،لذلك أيمر عليه السلم يمؤمّذنا ن العصر إل مّ في فأمّذن في الناس :يمن كان لسايمعا يمطيعا فل يصمّلي مّ بني قريظة .وقمّدم عليا برايته إليها ،وخف المسلمون للقتال فرحين يمسرورين ورا ء علي رضي ا عنه ،حتى أتوا بني قريظة وحاصروهم حصارا شديدا ظل يمدة خمس وعشرين ليلة ،فبعثوا إلى الرلسول وفاوضوه ،ثم نزلوا على حكم لسعد بن يمعاذ ،فحكم سم اليموال وتسبى الذراري والنسا ء. فيهم أن ُتق لَتل المقاِتلة و ُتق لَ طهرت المدينة يمنها. ف ُنفذ الحكم وقضي على هذه القبيلة ،و ُ وبهزيمة الحزاب انتهت آخر يمحاولة جدية قايمت بها قريش لمواجهة الرلسول وحربه ،وبالقضا ء على بني قريظة ُقضي على القبائل اليهودية الثلث التي كانت حول المدينة وعاهدته ونقضت عهودها؛ فالستتب اليمر بذلك للرلسول وللمسلمين في المدينة ويما -94-
حولها الستتبابا جعل العرب تخافهم وترهب جانبهم. يمعاهدة الحديبية بعد أن انقضت لست لسنوات على هجرته صلى ا عليه ولسلم يمن يمكة ،وبعد أن اطمأن إلى جيشه ،وإلى المجتمع اللسليمي ،وبعد أن أصبحت دولة المسلمين يمرهوبة الجانب عند جميع العرب ،فكر في خطوة أخرى يخطوها في لسبيل الدعوة وفي لسبيل تقوية الدولة اللسليمية وإضعاف أعدائه ،وقد بلغه أن يمواطأة كانت بين أهل خيبر ويمكة على غزو المسلمين ،فرلسم خطة يصل بها إلى يموادعة يمع أهل يمكة ينتج عنها أن ُيخلى بينه وبين العرب لتسهيل نشر الدعوة في الجزيرة ،وأن يعزل بها خيبر عن قريش .ورأى أن هذه الخطة إمّنما هي زيارة بيت ا الحرام يملتزيما بها خطة السلم حتى يصل إلى يمقصوده .ورأى أن عدم ح ُرم تسمّهل له هذه الخطة ،وكان يمحاربة العرب في الشهر ال ُ يعلم أن قريشا قد تفككت وحدتها ،وصار يساورها الخوف يمن المسلمين ،وأنها تحسب له ألف حساب ،فأراد أن يذهب إلى البيت الحرام حاجا ،وأنه إذا يمنعته قريش كان هذا المنع ولسيلة يمن ولسائل الدعوة اللسليمية في العرب ويمن ولسائل الدعاية ضد قريش. ولهذا أذن الرلسول بالحج في شهر ذي القعدة الحرام، -95-
وأرلسل إلى القبائل العربية يمن غير المسلمين يدعوهم إلى الشتراك يمعه في الخروج إلى بيت ا ،آيمنين غير يمقاِتلين .وكان يقصد يمن ذلك أن ُيعِلم العرب أنه خرج حاجا ولم يخرج غازيا، وأنه أشرك يمعه العرب يمن غير المسلمين وهم ليسوا على دينه؛ ل ،وذلك ليكسب الرأي العام يمعهم فيما لو يمنعته لنه ل يريد قتا م ً قريش يمن الحج .وقد قرر خطة السلم؛ ولذلك لم يأذن للمسلمين أن يحملوا لسلحا إل مّ السيوف في أغمادها ،وأعلمهم أنه خارج للحج ل للقتال. وغادر الرلسول عليه السلم المدينة ويمعه ألف وأربعمائة رجل ،وهو يتقدم الناس على ناقته القصوا ء ،وقد لساق يمعه لسبعين ُبدنة ،وأحرم بالعمرة ل ُيعِلم الناس أنه ل يريد قتال م ً وإمّنما ما جاوز المدينة وقطع يمسافة لستة خرج زائرا لبيت ا الحرام .ول مّ ح لَليْيفة ،ولمّبوا بالعمرة هناك. أيميال أو لسبعة أيميال وصلوا إلى ذي ال ُ ولساروا نحو يمكة فبلغ خبرهم قريشا بأنهم لَقِديموا للحج ل للقتال، فخافت أن يكون ذلك حيلة احتالها يمحمد لدخول يمكة على أهلها، حول بين يمحمد وحسبت لهذا اليمر ألف حساب ،وقررت أن ت ُ ودخول يمكة يمهما كلفها ذلك يمن تضحيات ،فجهزت جيشا للقا ء المسلمين وصمّدهم عن يمكة ،إذ عقدوا لخالد بن الوليد وعكريمة بن أبي جهل على جيش كبير كان فيه يمن الفرلسان فقط يمائتا فارس .وخرج جيش المشركين يمن يمكة ،وتقدم نحو القاديمين إلى -96-
الحج ليمنعهم ،ووصل إلى ذي طوى وعسكر هناك. وقد بلغ يمحمدا يما فعلته قريش ،وأنهم جهزوا له جيشا لمنعه ما وصل عليه السلم إلى قرية عسفان على بعد يمن الحج .ول مّ يمرحلتين يمن يمكة لقيه رجل يمن بني كعب فسأله النبي عن أخبار عت قريش بمسيرك فخرجوا وقد لبسوا قريش فقال له " :قد لسم لَ جلود النمور ،ونزلوا بذي طوى ،يعاهدون ا ل تدخلها عليهم أبدا. وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد لَقِديموها إلى كرا ع الغميم -وهو ما يمكان يبعد عن يمعسكر المسلمين لعسفان بثمانية أيميال .-فل مّ لسمع الرلسول ذلك قال } :يا ويح قريش ،لقد أهلكتهم الحرب ،يماذا ن هم أصابوني كان ذلك عليهم لو خلوا بيني وبين لسائر العرب ،فإ يْ الذي أرادوا ،وإن أظهرني ا عليهم دخلوا في اللسلم وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ،فما تظن قريش ،فوا ل أزال أجاهد على الذي بعثني ا به حتى ُيظِهره ا أو تنفرد هذه السالفة {،يعني لسيظل يجاهد حتى ينتصر أو يموت. وهنا وقف عليه الصلة والسلم يفكر في اليمر ويعيد النظر في الخطة التي اختطها ،لقد قرر خطة السلم ولم يهيئ للقتال، ل ،ولكن ولكن قريشا أرلسلت إليه جيشا لتقاتله ،وهو ل يريد قتا م ً أيرجع أم يغمّير خطة السلم إلى خطة القتال؟ إنه يعلم أن المسلمين في إيمانهم قادرون على يمواجهة خصمهم ،ودخول يمعركة يمع عدوهم إن لم يكن يمن الحرب ُبد ،ولكنه لم يحضر -97-
لحرب ولم يقرر القتال ،وأنه إمّنما جا ء ليحج ،وجا ء يمسالما ،ولو ُفرض و ُيمنع يمن الحج ،وكان يمقدرا هذا المنع ،فإنه يريده يمنعا لسلميا أيضا ل يمنعا حربيا ،ول دخول م ً حربيا .إن خطة السلم هذه التي اختطها يريد بها إيجاد رأي عام عند العرب كافة عن الدعوة اللسليمية ،ولسممّوها ،وإيجاد رأي عام عند قريش ،وفي يمكة كذلك ،عن لسممّو هذه الدعوة ،وإيجاد رأي عام عند العرب وعند قريش وفي يمكة عن خطأ قريش وضللها وفجورها وعدوانها. إنه يريد هذا الرأي العام ليجاد أجوا ء الدعوة ،لن هذه الجوا ء عدة للدعوة على النتشار ،وعلى النصر، يمن أكبر العوايمل المسا ِ ولذلك قرر خطة السلم ،ولم يقرر الحرب ،فإذا هو حارب فقد خالف هذه الخطة ،وفمّوت عليه هذه الناحية التي خرج يمن أجلها. لذلك فكر كثيرا فيما يصنع ،وكان في تفكيره أبعد نظرا وأكثر حنكة ،وأدق لسيالسة يمن تفكير أي إنسان. لذلك قرر يمواصلة خطة السلم ،حتى ل يفمّوت عليه قصده الذي خرج يمن أجله ،وحتى ل تنعكس خطته فيكون لقريش عند العرب حجة عليه ،ويكون الرأي العام لقريش بدل أن يكون له، ولهذا نادى في الناس :لَيمن رجل يخرج بنا على طريا ق غير طريقهم التي هم بها؟ فخرج بهم رجل يدمّلهم على الطريا ق ،فساروا في طريا ق وعرة بين شعاب الجبال ،في دروب ضيقة يتنقلون بها في عبة ،وخرجوا إلى يمشقة أي يمشقة ،حتى قطعوها بعد جهود يمت ِ -98-
لسهل انتهوا يمنه إلى ألسفل يمكة ،في يمكان يسمى الحديبية، ما رآهم جيش خالد وعكريمة ،فزعوا وكمّروا وعسكروا هناك .فل مّ خلهم الرعب والفز ع يمن تجاوز راجعين إلى يمكة ليدافعوا عنها ،ودا لَ المسلمين جيشهم واقتحايمهم حدود يمكة .ورابط جيش المشركين داخل يمكة ،ورابط جيش النبي ويمن يمعه في الحديبية .ووقف المعسكران يمقابل بعضهما ،قريش داخل يمكة والمسلمون في ل يفكر في الخطة التي يسلكها تجاه الخر. الحديبية ،وك ٌ وكان بعض المسلمين يفكر في أن قريشا ل يمكن أن عد لهم عدة الحرب ،فل لسبيل إل مّ أن كنهم يمن الحج ،وهي ُت ِ تم مّ يحاربوها لينتصروا عليها ،ويحجوا ،وبذلك يقضون على قريش عد لحرب المسلمين كل القضا ء الخير .وفكرت قريش في أن ُت ِ عدة تقدر عليها وتحارب المسلمين حتى ترمّدهم ،ولو أدى ذلك إلى فنائها كلها .لكن قريشا كانت تحسب للمسلمين ألف حساب ،فلبثت تنتظر يما لسيفعل المسلمون. أمّيما رلسول ا فقد ظل على خطته التي اختطها يمن أن حرم بالعمرة في المدينة ،وهي خطة السلم ،حتى يصل للغرض الذي كرا في الحديبية ،يمنتظرا أن يرى يما جا ء يمن أجله ،فظل يمعس ِ لستفعل قريش ،وكان يعلم أنها ترتجف خوفا يمنه ،وأنها لسترلسل له لتفاوضه في شأن يمجيئه للحج .وآثر التريث حتى ترلسل رلسلها. وبالفعل أرلسلت قريش بديل بن ورقا ء في رجال يمن خزاعة وفد -99-
يمفاوضة ،ليسألوا الرلسول يما الذي جا ء به ،ويما لبثوا بعد يمفاوضة قصيرة ،حتى اقتنعوا بأن المسلمين لم يأتوا يريدون حربا ،وإمّنما ح ُريماته .فعادوا لقنا ع قريش بذلك، ظمين ل ُ أتوا زائرين للبيت ،يمع مّ وحاولوا إقناعها ،حتى اتهمتهم قريش بممالتهم لمحمد ،ولم تثا ق بكليمهم ،فأرلسلت وفدا آخر ،فكان كالوفد الول .ثم أرلسلت الحليس لسيد الحابيش لمفاوضة يمحمد ،وكانت تعتمد عليه وعلى قويمه في صد يمحمد ،وقصدت إثارته على المسلمين إذا رجع ولم تنجح يمفاوضته ،فيزداد حقده ويشتد في الدفا ع عن يمكة. غير أن النبي حين علم بخروجه أيمر بالهيْدي أن ُتطلا ق أيمايمه، لتكون تحت نظره دليل م ً يمحسولسا على أن نية المسلمين الحج ما أقبل على يمعسكر المسلمين، وليس الحرب .فخرج الحليس ،ول مّ رأى البل في عرض الوادي ،ورأى يمناظر المسلمين وهديهم يمناظر يمعتمرين ل يمحاربين ،تظهر في يمعسكرهم أجوا ء العبادة، فتأثر لهذه المناظر ،وأيقن بأن هؤل ء الناس يبغون العبادة ل القتال .ويما لبث أن اقتنع بوجهة نظر المسلمين وانقلب إلى يمكة قبل أن يلقى الرلسول صلى ا عليه ولسلم ،وأخبر قريشا وطلب إليها أن تسمح للمسلمين بالحج ،وغضب عليها واشتد في غضبه، وهددهم بأنه إذا لم ُيخلوا بين يمحمد والكعبة تركهم ونفر بالحابيش عن يمكة .ولكنهم السترضوه وطلبوا إليه أن ُيمهلهم حتى يفكروا في أيمرهم ،فسكت عنهم. -100-
ثم إنهم أرلسلوا عروة بن يمسعود الثقفي بعد أن أكدوا له أنهم يطمئنون إلى رأيه ويثقون به ،فخرج إلى الرلسول صلى ا عليه ولسلم وأخذ يفاوضه أن يرجع عن يمكة ،والستعمل في يمفاوضته كافة اللساليب ،ولكنه لم ينجح في ذلك ،ورجع يمقتنعا بوجهة نظر الرلسول ،وقال لقريش " :يا يمعشر قريش إني جئت كسرى في ُيملكه ،وقيصر في ُيملكه ،والنجاشي في ُيملكه ،وإني وا يما رأيت يملكا في قوم قط يمثل يمحمد في أصحابه ،ل يتوضأ إل مّ ابتدروا وضو ءه ،ول يسقط يمن شعره شي ء إل مّ أخذوه ،وإنهم لن ُيسِلموه لشي ء أبدا ،ف ُروا رأيكم" .فزاد ذلك قريشا عنادا وخصويمة ،وطالت المحادثات دون أن تصل إلى رأي. ففكر الرلسول في أن يرلسل هو وفدا للمفاوضة ،فلعل رلسل قريش تخاف يمنها ،ولعل رلسوله يقنعهم .فأرلسل رلسول م ً إليهم، ولكنهم عقروا جمل الرلسول وأرادوا قتله لول حماية الحابيش له. واشتدت قريش في خصويمتها ،وكانت ترلسل لسفها ءها في الليل يريمون يمعسكر المسلمين بالحجارة ،فغضب لذلك المسلمون، وفكروا في قتال قريش ،ولكن الرلسول كان يخفف يمن غضبهم ويهدئهم. وحدث أن خرج خمسون رجل م ً يمن قريش إلى يمعسكر المسلمين ليضربوهم ،ف ُألقي القبض عليهم و ُأحضروا لرلسول ا، فعفا عنهم وخلى لسبيلهم .فكان لهذا العمل الثر الكبر في يمكة -101-
والدللة القاطعة على صدق يمحمد فيما يقوله يمن أنه إمّنما جا ء للحج ل للحرب. و ُوجد بذلك رأي عام في يمكة في جانب الرلسول ،حتى لو دخلها في ذلك الحين وحاولت قريش يمنعه لكانت الدائرة عليها، وكان أهل يمكة والعرب ضدها .ولهذا لسكتت قريش عن تحرشاتها وصارت تفكر في أيمرها ،وظهرت في أجوائها ايمارات السلم .فأراد الرلسول أن يرلسل إليها يمن يفاوضها يمن المسلمين ،وطلب إلى عمر بن الخطاب أن يذهب فقال له :يا رلسول ا إني أخاف قريشا على نفسي ،وليس بمكة يمن بني عدي بن كعب أحد يمنعني .وقد ع لَر لَفت قريش عدواتي إياها وغلظتي عليها ،ولكن أدلك على رجل أعز بها يمني ،عثمان بن عفان .فدعا النبي عثمان وأرلسله إلى أبي لسفيان ،فانطلا ق عثمان إلى قريش وأبلغهم رلسالته ،فقالوا إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل ،فأجابهم :يما كن ُ ت لفعل حتى يطوف رلسول ا .وفاوضهم في يمهمته ،فرفضت قريش ،وطال بينهم الحديث ،والستمرت المفاوضات ،وانتقلت يمن ِقبل قريش يمن الرفض إلى وضع خطة يمقابلة توفا ق بين يمطالب قريش ويمطالب المسلمين ،وبحثوا يمعه في إيجاد علقات بينهم وبين يمحمد ،وأِنسوا بعثمان أن يجد لهم طريقا يخلصون به يمن يمأزقهم هذا ،ويمن الستمرار العداوة يمع يمحمد. ما طال يمكث عثمان ولم تظهر له آثار في يمكة لسارت ول مّ -102-
إشاعة بين المسلمين بأن قريشا غدرت بعثمان و لَق لَت لَلته ،واشتد القلا ق بالمسلمين ،ودخل في رو ع النبي أن قريشا قتلت عثمان، وهاج المسلمون واضطربوا ،ووضع كل يمنهم يده على قبضة لسيفه ،والستعدوا للحرب والقتال .وحينئذ أعاد الرلسول عليه السلم النظر في خطته التي اختطها وهي خطة السلم ،ورأى أن اليمر يحتاج إلى إعادة النظر في تلك الخطة بعد أن غدرت قريش بعثمان في الشهر الحرام ،وهو رلسول يمفاوضة ،ولذلك قال } :ل نبر ح حتى نناجز القوم ،{،ودعا أصحابه إليه ووقف تحت شجرة وطلب يمبايعة أصحابه له ،فبايعوه جميعا على أن ل يفمّروا حتى الموت ،وكانوا أشد يما يكونون حمالسة وقوة عزيمة وصدق إيمان. ما تمت البيعة ضرب عليه السلم بإحدى يديه على الخرى بيعة ول مّ لعثمان ،كأنه حاضر يمعهم. وكانت هذه البيعة بيعة الرضوان ،ونزل فيها قوله تعالى : عِلم يما لقد رضي ا عن المؤيمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ف لَ في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا .ويما أن تمت البيعة والستعد المسلمون لخوض المعارك والدخول في الحرب، حتى بلغهم أن عثمان لم ُيقتل .ويما لبث أن عاد عثمان وأخبر الرلسول بما قالته قريش. وتجددت المفاوضات السلمية بين الرلسول وبين قريش ،حتى أوفدت قريش لسهيل بن عمرو ليفاوض الرلسول يمفاوضة أولسع -103-
يمن يمسألة الحج والعمرة؛ ليفاوضه على صلح ُيعقد بينه وبينهم، على أن يكون ألساس الصلح أن يرجع عن يمكة هذا العام .وقِبل الرلسول يمفاوضات الصلح على هذا اللساس ،لنها حققت الغرض الذي يقصده يمن يموضو ع زيارة البيت ،ول يضيره أن يزور البيت هذا العام أو يزوره العام القادم .إنه يريد أن يعزل خيبر عن قريش وأن يخمّلى بينه وبين العرب لنشر الدعوة اللسليمية ،ولذلك يرغب في وضع يمعاهدة بينه وبين قريش توِقف القتال الناشب بينها وبينه والحرب المتلحقة بينهما ،أمّيما يموضو ع الحج والعمرة فل يؤثر أكان اليوم أو غدا. ودخل في يمفاوضات يمع لسهيل بن عمرو ،وجرت بينهما يمحادثات طويلة بشأن الهدنة وشروطها ،وكانت تتعرض في كثير يمن الحيان للنقطا ع ،لول حكمة الرلسول وحنكته ودقة لسيالسته. وكان المسلمون حول رلسول ا يسمعون هذه المحادثات ويعتبرونها يمحادثات في شأن العمرة ،في حين الرلسول يعتبرها يمحادثات لوقف القتال .ولذلك ضاق المسلمون بها ذرعا ،في حين أن رلسول ا الستبشر بها وأدارها على الغاية التي يريدها بغض جلة ،حتى تم التفاق النظر عن التفاصيل المؤقتة والفوائد المع َّ بين الفريقين على شروط يمعينة. غير أن هذه الشروط أثارت المسلمين وحمّركت غضبهم، وحاولوا إقنا ع رلسول ا برفضها وبالحرب والقتال ،فقد ذهب -104-
عمر بن الخطاب إلى أبي بكر وقال له :إنا ل نعطى الدنمّية في ديننا .وحاول أن يجعله يمعه ليذهبا لقنا ع رلسول ا بعدم الموافقة على هذه الشروط .ولكن أبا بكر حاول إقناعه أن يرضى بما رضيه رلسول ا ،فلم يقتنع .وذهب عمر إلى النبي وتحدث إليه وهو يمغيظ يمحنا ق ،لكن حديثه هذا لم يغير يمن صبر النبي ول يمن عزيمه ،وقال لعمر } :أنا عبد ا ورلسوله ،لن أخالف أيمره ،ولن يضمّيعني ،{،ثم دعا علي بن أبي طالب وقال له :اكتب بالسم ا الرحمن الرحيم .فقال لسهيل :ايمسك ،ل أعرف الرحمن الرحيم ،بل اكتب بالسمك اللهم .قال رلسول ا :اكتب بالسمك اللهم .ثم قال :اكتب هذا يما صالح عليه يمحمد رلسول ا لسهيل بن ت أنك رلسول ا لم أقاتلك، عمرو .فقال لسهيل :ايمسك ،لو شهد ُ ولكن اكتب السمك والسم أبيك .قال رلسول ا :اكتب هذا يما صالح عليه يمحمد بن عبدا .ثم كتب المعاهدة بين الطرفين وهي تنص على البنود التية : أ -أن تكون المعاهدة يمعاهدة هدنة يتهادن الفريقان فيما بينهما فل يكون فيها حرب أو قتال. ب -أن يمن ألسلم يمن قريش وجا ء يمحمدا بغير إيْذن ولمّيه رمّده عليهم ،ويمن ارتد يمن المسلمين وجا ء قريشا لم يرمّدوه عليه. ج -وأن يمن أحب يمن العرب يمحالفة يمحمد فل جنا ح عليه، ويمن أحب يمحالفة قريش فله ذلك. -105-
د -أن يرجع يمحمد وأصحابه عن يمكة عايمهم هذا ،على أن يعودوا إليها في العام الذي يليه ،فيدخلوها ويقيموا بها ثلثة أيام ويمعهم يمن السل ح السيوف في قربها ول لسل ح غيرها. جعلت يمدتها هـ -أن تكون المعاهدة يمؤقتة بأجل يمعين ،و ُ عشر لسنين يمن تاريخ توقيعها. وومّقع الرلسول ولسهيل المعاهدة في ولسط هياج جيش المسلمين وغضبهم .وقام لسهيل ورجع إلى يمكة ،وأقام رلسول ا يمضطربا ،يمما رأى يمغيظا يمحنقا يمما عليه المسلمون يمن الحماس والشدة والرغبة في القتال؛ ودخل على زوجته أم لسلمة ،وكان قد حبها يمعه ،وأفضى إليها بما عليه الناس .قالت له :يا رلسول ا ص ِ لَ إن المسلمين ل يخالفونك ،وإنهم ليتحمسون لدينهم وإيمانهم بالله لسر بهم وبرلسالتك ،فاحِلا ق وتحمّلل تجد المسلمين امّتبعوك ،ثم ِ راجعا إلى المدينة .فخرج الرلسول على المسلمين وحلا ق إيذانا ما رآه المسلمون بالعمرة ،وايمتلت نفسه بالسكينة والرضا .ول مّ صرون .وعاد النبي ورأوا لسكينته ،تواثبوا ينحرون ويحلقون ويق مّ والمسلمون إلى المدينة .وبينما هم في الطريا ق نزلت على الرلسول لسورة الفتح ،فتلها عليهم يمن أولها إلى آخرها ،فأيقن الجميع أن هذه المعاهدة هي فتح يمبين للمسلمين. ووصل المسلمون إلى المدينة ،وأقام رلسول ا ينفذ خطته في القضا ء على كيان خيبر ،وفي نشر الدعوة خارج الجزيرة، -106-
وتثبيتها داخل الجزيرة ،ويتفرغ في هذه الفترة يمن الهدنة يمع قريش للقضا ء على بعض الجيوب ،وللتصال الخارجي .فتم له ذلك بفضل هذه المعاهدة .وبهذا الستطا ع عليه السلم أن ينفذ خطته التي وضعها حين عزم على الحج تنفيذا دقيقا رغم يما صعاب ،ويما قام في وجهها يمن عقبات ،ووصل إلى اعترضها يمن ِ الغراض السيالسية التي أرادها ،وكانت الحديبية فتحا يمبينا ل ريب فيه ,وكان يمن نتائجها : -1توصل الرلسول إلى إيجاد رأي عام يمؤيد للدعوة اللسليمية عند العرب عايمة ،وفي يمكة وبين قريش خاصة ،يمما قمّوى هيبة المسلمين وأضعف هيبة قريش. -2كشفت عن ثقة المسلمين بالرلسول ،ودمّلت على قوة إيمان المسلمين وشدة إقدايمهم على المخاطر ،وأنهم ل يخافون الموت. -3عمّلمت المسلمين أن المناورات السيالسية هي يمن ولسائل الدعوة اللسليمية. -4جعلت المسلمين الذين ظلوا في يمكة بين المشركين يشكلون جيبا داخل يمعسكر العدو. -5بمّينت الطريقة في السيالسة بأنها يمن جنس الفكرة ،صدق ووفا ء عهد ،لكن الولسيلة ل بد أن يتمثل فيها الدها ء ،وهو إخفا ء الولسائل والغايات الحقيقية عن العدو. -107-
غزوة خيبر لم ُيِقم الرلسول بالمدينة بعد عودته يمن الحديبية إل مّ خمس عشرة ليلة حتى أيمر الناس بالتجهيز لغزو خيبر ،على أل يغزو يمعه إل مّ يمن شهد الحديبية ،وقد بلغه قبل يمسيره إلى الحديبية أن يهود خيبر يأتمرون يمع قريش على غزو المدينة والقضا ء على المسلمين ،وكانت هذه المؤايمرة بينهم لسمّرمّية ،فأراد الرلسول صلى ا عليه ولسلم أن يسلك خطة السلم يمع قريش ليصل إلى ما أتم خطة يموادعات بينه وبينها ،ثم يتفرغ للقضا ء على اليهود .فل مّ السلم كايملة في الحديبية ،وعزل بها خيبر عن قريش ،باشر بإتمام باقي خطته بالقضا ء على اليهود في خيبر ،فأيمر بتجهيز الجيش حال رجوعه يمن الحديبية ،ولسار في ألف ولستمائة يمن المسلمين، ويمعهم يمائة فارس ،وكلهم واثا ق بنصر ا ،وقطعوا يمراحل الطريا ق يما بين خيبر والمدينة في ثلثة أيام. لم تكد خيبر تحسهم أثنا ءها ،حتى لقد باتوا أيمام حصونهم وأصبح الصبا ح ،وغدا عمال خيبر خارجين إلى يمزارعهم ويمعهم ما رأوا جيش المسلمين ولوا الدبار ساحيهم ويمكاتلهم ،فل مّ يم مّ يتصايحون :هذا يمحمد والجيش يمعه .وقال الرلسول حين لسمع قولهم :خربت خيبر ،إنا إذا نزلنا بساحة قوم فسا ء صبا ح المن لَذرين. وكان اليهود يتوقعون أن يغزوهم الرلسول ،ذلك أنهم حين بلغهم صلح الحدييبية ،وأن قريشا عاهدت الرلسول ،اعتبروا ذلك -108-
نكوصا يمن قريش ،فنصح بعضهم لهم أن يبادروا إلى تأليف كتلة يمنهم ويمن يهود وادي القرى وتيما ء لغزو يثرب ،دون اعتماد على البطون العربية في الغزو ،ول لسيما بعد أن عاهدت قريش الرلسول .وأمّيما آخرون فكانوا يرون أن يدخلوا في حلف يمع الرلسول ،لعل ذلك يمحو يما ثبت يمن كراهيتهم في نفوس المسلمين .وكانوا يتذاكرون بذلك لنهم كانوا يحسون بالخطر يقترب يمنهم ،وكانوا يعرفون أن الرلسول قد كشف أيمر يمواطأتهم يمع قريش فل بد أن يغزوهم ،ولكنهم لم يكونوا يتوقعون أن ما فاجأهم الرلسول يكون غزوه لهم بهذه السرعة ،لذلك تحيروا ل مّ بجيشه ،فالستعانوا بغطفان ،وحاولوا أن لَيثبتوا أيمام الرلسول، صنوا بحصونهم. وتح مّ ولكن جيوش المسلمين كانت لسريعة الضربة ،فلم تنفع يمقاويمتهم ،ودمّكت جميع حصونهم ،حتى الستولى عليهم اليأس فطلبوا الصلح يمن الرلسول على أن يحقن ديما ءهم ،ف لَقبل الرلسول ما كانت أرضهم وكرويمهم قد يمنهم ذلك وأبقاهم في بلدهم .ول مّ آلت إليه بحكم الفتح أبقاهم عليها على أن يعملوا بها يمقابل أن يكون لهم النصف وله النصف ،فقبلوا ذلك ،ثم رجع الرلسول إلى المدينة وأقام بها حتى ذهب لعمرة القضا ء. وبالقضا ء على لسلطان خيبر السيالسي وإخضاعهم لسلطان المسلمين أِيمن الرلسول ناحية الشمال إلى الشام ،كما صار يمن -109-
لَقبل ذلك بمأيمن يمن ناحية الجنوب بعد صلح الحديبية ،و ُفتحت الطريا ق أيمام الدعوة في داخل جزيرة العرب ،كما ُفتحت الطريا ق أيمايمها في الخارج. الرلسل إلى الدول المجاورة بعد أن اطمأن الرلسول إلى الدعوة اللسليمية في الحجاز كله ،أخذ يعمل لحمل الدعوة إلى خارج الحجاز؛ لن اللسلم دين الناس كافة ،ولن الرلسول عليه السلم ُأرلسل للعالم كله ،قال تعالى في لسورة النبيا ء :ويما أرلسلناك إل مّ رحمة للعالمين، وقال تعالى في لسورة لسبأ :ويما أرلسلناك إل مّ كافة للناس بشيرا ونذيرا ،وقال تعالى في لسورة التوبة :هو الذي أرلسل رلسوله بالهدى ودين الحا ق ل ُيظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ولذلك كان على الرلسول بعد أن اطمأن على تركيز الدولة والدعوة ،أن يبدأ بالتصال الخارجي بإبلغ دعوته يمع السفرا ء. والمراد بالتصال الخارجي بالنسبة للرلسول صلى ا عليه ولسلم إمّنما هو التصال بمن يكونون خارج حدود حكمه يمن الكفار، فالرلسول حين كان لسلطانه بالمدينة فقط كان التصال بقريش وغيرها يممن هو خارج المدينة وحدودها يعتبر اتصال م ً خارجيا، وحين كان لسلطان الرلسول في الحجاز كله يعتبر اتصاله خارج الحجاز اتصال م ً خارجيا ،وحين كان لسلطانه شايمل م ً جزيرة العرب -110-
كلها كان اتصاله بمن هو خارج الجزيرة كالفرس والروم يمثل م ً يعتبر اتصال م ً خارجيا. والرلسول بعد يمعاهدة الحديبية والقضا ء على خيبر ،صار الحجاز كله تحت لسلطانه تقريبا ،لنه لم يعد لقريش يمن القوة يما عث الرلسول رلسله إلى تستطيع أن تقف في وجه الرلسول .ف لَب لَ الخارج ،ولم يبدأ بإرلسال هؤل ء السفرا ء إل مّ بعد أن اطمأن إلى تركيز السيالسة الداخلية ،وهيأ القوة الكافية لسند السيالسة الخارجية ،فإنه صلى ا عليه ولسلم بعد رجوعه يمن خيبر ،خرج يويما على أصحابه فقال :أيها الناس إن ا قد بعثني رحمة إلى ي كما اختلف الحواريون على عيسى الناس كافة ،فل تختلفوا عل مّ بن يمريم ،قال أصحابه :وكيف اختلف الحواريون يا رلسول ا؟ قال } :دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه فأمّيما يمن بعثه يمبعثا قريبا فرضي ولسلم ،وأمّيما يمن بعثه يمبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل،{، لسل إلى هرقل ،وكسرى ،والمقوقس ،والحارث وذكر لهم أنه يمر ِ الغساني يملك الحيرة ،والحارث الحميري يملك اليمن ،وإلى نجاشي الحبشة ،يدعوهم إلى اللسلم ،فأجابه أصحابه إلى يما أراد ،وصنع له خاتم يمن فضة نقش عليه يمحمد رلسول ا ،وبعث بكتبه يمع الرلسل يدعو هؤل ء إلى اللسلم .فقد دفع بكتاب هرقل إلى دحية بن خليفة الكلبي ،وبكتاب كسرى إلى عبدا بن حذاقة السهمي، وبكتاب النجاشي إلى عمر بن أيمية الضمري ،وبكتاب المقوقس -111-
إلى حاطب بن أبي بلتعة ،وبكتاب يملكي عمان إلى عمر بن العاص السهمي ،وبكتاب يملكي اليمايمة إلى لسليط بن عمرو، وبكتاب يملك البحرين إلى العل ء بن الحضريمي ،وبكتاب الحارث الغساني يملك تخوم الشام إلى شجا ع بن وهب اللسدي ،وبكتاب الحارث الحميري يملك اليمن إلى المهاجر بن أيمية المخزويمي. ل إلى حيث أرلسله النبي. وانطلا ق هؤل ء الرلسل جميعا ك ٌ انطلقوا في وقت واحد ،وبمّلغوا كتب النبي إلى يمن ُأرلسلت إليهم، ثم رجعوا وقد رد أكثر الذين ُأرلسلت إليهم الكتب ردا رقيقا فيه لين، ويمنهم رمّد ردا لسيئا .أمّيما أيمرا ء العرب فقد رد يملك اليمن ويملك عمان على رلسالة النبي ردا لسيئا ،ورد يملك البحرين ردا حسنا صب وألسلم ،ورد يملك اليمايمة ُيمظهرا الستعداده لللسلم إذا هو ُن مّ حاكما فلعنه النبي لمطايمعه .وأمّيما غير العرب فإن كسرى عاهل الفرس يما لبث حين ُتلي عليه كتاب الرلسول يدعوه إلى اللسلم أن الستشاط غضبا ،وشا ق الكتاب ،وكتب إلى باذان عايمله على اليمن ما بلغت النبي بأن يبعث إليه برأس هذا الرجل الذي بالحجاز .فل مّ ما وصل يمقالة كسرى ،ويما فعل بكتابه ،قال :يممّزق ا ُيملكه .ول مّ كتاب كسرى إلى باذان عايمله على اليمن بحث في اللسلم وأعلن إلسليمه ،وقد بقي عايمل النبي على اليمن ،وهو غير يملك اليمن ل، الحارث الحميري .وأمّيما المقوقس عظيم القبط فقد رد ردا جمي م ً وأرلسل هدية للنبي صلى ا عليه ولسلم .وأيما النجاشي فكان رده -112-
ل ،وقيل إنه ألسلم .وأيما هرقل فإنه لم يعبأ بهذا الداعي ولم جمي م ً ما الستأذنه الحارث يفكر في إرلسال جيش ولم يقل شيئا ،ول مّ الغساني في أن يقوم على رأس جيش لمعاقبة هذا المدعي النبوة لم ُيجبه إلى طلبه ،ودعا الحارث إليه لبيت المقدس وكان يمن أثر هذه الكتب أن العرب قد بدأوا يدخلون في دين ا أفواجا ،ثم بدأت وفودهم تتتابع على الرلسول صلى ا عليه ولسلم تعلن إلسليمها .وأمّيما غير العرب فقد بدأ الرلسول صلى ا عليه ولسلم يهيئ القوة لجهادها. غزوة يمؤتة كان يمن أثر رد الملوك خارج جزيرة العرب أن الرلسول بعد أن رجع السفرا ء يمن تبليغ الدعوة ،هيأ الجيش للجهاد خارج جزيرة العرب ،وأخذ يترقب أخبار الروم والفرس ،وكان الروم يمتلصقين في حدودهم لحدوده ،ولذلك كان يتسقط أخبارهم ،وكان يرى أن الدعوة اللسليمية لستنتشر انتشارا كبيرا حال خروجها يمن جزيرة علم الناس بها .ولذلك كان يرى أن بلد الشام هي المنفذ العرب ل ِ ما أِيمن يمن جانب اليمن بإذعان عايمل الول لهذه الدعوة .ول مّ كر في إرلسال جيش إلى بلد الشام كسرى عليها لدعوته ،ف مّ لقتالهم .وفي شهر جمادى الولى يمن السنة السابعة للهجرة ،أي بعد صلح الحديبية ببضعة أشهر ،جهز ثلثة آلف يمقاتل يمن خيرة -113-
إبطال المسلمين ،ووضع عليهم زيد بن حارثة قائدا لهم وقال :إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ،وإن أصيب جعفر فعبدا بن رواحة على الناس. وخرج الجيش ويمعه خالد بن الوليد ،وكان قد ألسلم بعد هر يمعاهدة الحديبية ،ولسار يمعهم الرلسول عليه السلم حتى ظا ِ المدينة ،وأوصاهم أل يقتلوا النسا ء ول الطفال ول المكفوفين ول الصبيان ،وأل يهديموا المنازل ول يقطعوا الشجار ،ودعا هو والمسلمون يمعه للجيش قائلين :صحبكم ا ودفع عنكم وردكم إلينا لسالمين .ولسار الجيش ووضع أيمراؤه الخطة بأن تكون حربا خاطفة ،بأن يأخذوا القوم يمن أهل الشام على غرة يمنهم كما هي عادة النبي في غزواته ،فينتصرون ويرجعون .ولساروا على هذه الخطة ،ولكنهم لما بلغوا يمعان علموا أن شرحبيل الغساني عايمل هرقل على الشام قد جمع لهم يمائة ألف يمقاتل يمن قبائل العرب ،وأن هرقل جا ء على رأس يمائة ألف يمقاتل ،فراعهم هذا النبأ وأقايموا بمعان ليلتين يفكرون في أيمرهم ،وفيما هم صانعون أيمام هذا العدد الهائل يمن الجنود ،وأيمام هذه القوة الكبيرة .وكان الرأي السائد بينهم أن يكتبوا لرلسول ا يخبرونه بعدد العدو ،فإيما أن يممّدهم بالرجال أو يأيمرهم بما يرى .غير أن عبدا بن رواحة قال لهم :يا قوم ،وا إن التي تكرهون لَللتي خرجتم تطلبون، الشهادة .ويما نقاتل الناس بعدد ول قوة ول كثرة ،يما نقاتلهم إل مّ -114-
بهذا الدين الذي أكريمنا ا به ،فانطِلقوا فإمّنما هي إحدى الحسنيين ،إيما ظهور ،وإيما شهادة. وايمتدت حمالسة اليمان إلى الجيش ،ويمضوا حتى وصلوا إلى قرية يمشارف ،فلقيتهم هناك جمو ع الروم فانحازوا عن يمشارف إلى يمؤتة ،وتحصنوا بها ،وهناك بدأت بينهم وبين الروم يمعركة يمن أشد المعارك رهبة ،فيها الموت الحمر يفغر فاه ،فإنها كانت بين ثلثة آلف فقط يمن المؤيمنين الذين يطلبون الموت والشهادة، وبين يمائة ألف أو يمائتي ألف يمن الكافرين الذين جمعوا أنفسهم للقضا ء على جيش المسلمين .وبدأت رحى الحرب بين الفريقين حايمية الوطيس ،فحمل زيد بن حارثة راية النبي واندفع بها في صدر العدو ،وهو يرى الموت أيمايمه ولكنه ل يخافه ،لنه الستشهاد في لسبيل ا؛ ولذلك تقدم بجرأة تفوق حد التصور ،إذ أخذ يحارب حرب المستميت حتى يمزقته ريما ح العدو .فتناول الراية جعفر بن أبي طالب ،وكان شابا جميل م ً شجاعا ل يزال في الثالثة والثلثين ما رأى العدَّو قد أحاط يمن عمره ،فقاتل قتال المستميت ،ول مّ بفرلسه عقرها واندفع ولسط القوم يضرب بسيفه ،فهاجمه رجل يمن الروم وضربه ضربة قطعته نصفين ف ُقتل .فأخذ الراية عبدا بن رواحة ،ثم تقدم بها وهو على فرلسه وتردد بعض التردد ،ولكنه يمضى وقاتل حتى ُقتل .فأخذ الراية ثابت بن أرقم ،وقال :يا يمعشر المسلمين اصطلحوا على رجل يمنكم .فاصطلح الناس على خالد -115-
بن الوليد ،فأخذ الراية وداور بالمسلمين حتى ضم صفوفهم ووقف يمن العدو عند حد المناوشات البسيطة حتى أقبل الليل، وتحاجز الجيشان حتى الصبا ح. كمة ينسحب بموجبها دون وأثنا ء الليل وضع خالد خطة ُيمح لَ قتال بعد أن رأى ضخايمة عدد العدو وضآلة عدد جيشه .وبموجب هذه الخطة وز ع عددا غير قليل يمن الجيش في المؤخرة وأيمرهم أن ُيحدثوا يمن الجلبة والضوضا ء عند الصبا ح يما يوهمون به ما فعلوا ذلك ارتا ع عدوهم أنه يمدد جا ء الجيش يمن عند النبي .ول مّ العدو وتقاعس عن يمهاجمة المسلمين ،وفر ح لعدم يمهاجمة خالد لهم ،ثم يما لبثوا أن رجع جيش المسلمين إلى المدينة يمنسحبا يمن الميدان بموجب الخطة التي وضعها خالد .وبهذا رجعوا غير يمنصورين وغير يمهزويمين ،ولكنهم أبلوا في الحرب بل ء حسنا. لقد كان يعلم ُقواد هذه المعركة وجنودها البطال أن كل م ً يمنهم ُيمقِدم على الموت ،بل كان يرى الموت أيمايمه ُيمقِبل م ً عليه، ولكنهم خاضوا المعارك و ُقتلوا ،لن اللسلم يأيمر المسلم أن يقاتل في لسبيله حتى لَيقتل و ُيقتل ،وأن هذا القتال هو التجارة الرابحة لنه الجهاد في لسبيل ا إن ا اشترى يمن المؤيمنين أنفسهم وأيموالهم بأن لهم الجنة يقاِتلون في لسبيل ا ف لَيقتلون و ُيقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والنجيل والقرآن ويمن أوفى بعهده يمن ا فالستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم، -116-
ولذلك قاتل هؤل ء رغم تحققهم يمن الموت ،ولن المسلم إمّنما يقاِتل إذا كان ل بد يمن القتال ،بغض النظر عما إذا كان الموت يمحَّققا أو غير يمحقا ق ،وأن اليمور ل تقاس في القتال والجهاد بعدد العدو وعمّدته ،ول بكثرته وقمّلته ،وإمّنما تقاس بالنتائج التي تحصل يمنها بغض النظر عما تتطلبه يمن تضحيات ،ويما يرجى فيها يمن نجا ح .فحرب المسلمين للروم في يمؤتة كانت تفرض على المسلمين القتال ،وكانت تفرض على ُقواد الجيش أن يخوضوا المعركة التي جا ءوا يمن أجلها ،ولو كان الموت الحمر جاثما أيمايمهم ،فما ينبغي للمسلم أن يخاف الموت ،ويما ينبغي للمسلم أن يحسب الحساب لشي ء في لسبيل ا .وكان الرلسول يعلم أن إرلسال هذا الجيش لدولة الروم يهاجمها به على حدودها يمخاطرة أمّيما يمخاطرة ،ولكنها يمخاطرة ل بد يمنها لرهاب الروم حين يروا ل .وكانت قتال المؤيمنين والستماتتهم ،يمهما يكن عددهم قلي م ً يمخاطرة ل بد يمنها ليرلسم للمسلمين طريا ق الجهاد لنشر اللسلم وتطبيقه فيما يليهم يمن البلد ،وكانت يمخاطرة ناجحة لنها كانت طليعة لغزوة تبوك وضربة للروم أرهبتهم أن يواجهوا المسلمين بعدها ،حتى كان فتح الشام. فتح يمكة يما كاد عهد الحديبية يوَّقع بين الرلسول وقريش حتى حالفت -117-
خزاعة يمحمدا ،وحالفت بنو بكر قريشا ،واطمأنت العلقات بين قريش ويمحمد ،وأِيمن كل جانب صاحبه ،واتجهت قريش إلى التولسع في تجارتها لتستعيد يما فقدته أيام اتصال الحرب بينها وبين المسلمين ،واتجه الرلسول إلى يمتابعة إبلغ رلسالته للناس جميعا، وإلى تركيز الدولة في شبه الجزيرة العربية وتوفير ألسباب الطمأنينة في هذه الدولة ،فقضى على كيان خيبر ،وأرلسل الرلسل إلى الملوك في يمختلف الدول ،واتصل بالخارج ،وأخذ يركز الدولة ليجعلها تعم جميع أنحا ء الجزيرة. ويما أن الستدار العام بعد الحديبية حتى نادى الرلسول في الناس كي يتجهزوا إلى عمرة القضا ء بعد أن ُيمنعوا يمن لَقبل يمنها، ولسار الركب في ألفين يمن المسلمين ،وتنفيذا لعهد الحديبية لم يحمل أحد يمن هؤل ء الرجال لسلحا إل مّ لسيفا في قرابه .لكن الرلسول كان يخشى الغدر دائما فجهز يمائة فارس جعل على رألسهم يمحمد بن يمسلمة وبعثهم طليعة له على أل يتخطوا حرم يمكة .وذهب المسلمون فقضوا العمرة ،ثم رجعوا إلى المدينة. وبرجوعهم بدأ أهل يمكة يدخلون في اللسلم ،فألسلم خالد بن الوليد ،وعمرو بن العاص ،وحارس الكعبة عثمان بن طلحة، وألسلم بإلسلم هؤل ء الكثيرون يمن أهل يمكة .وبذلك لَقِو لَيت شوكة اللسلم بمكة ،ودب الوهن في صفوف قريش. ما رجع المسلمون يمن يمؤتة وقد ُقتل يمنهم خلا ق كثير ،خ ُمّيل ول مّ -118-
لقريش أن المسلمين قد ُقضي عليهم ،فحمّرضوا بني بكر على خزاعة وأيممّدوهم بالسل ح ،فأغار بنو بكر على خزاعة وقتلوا يمنهم، ففرت خزاعة إلى يمكة ،ولسار ع عمرو بن لسالم الخزاعي إلى المدينة ،وجعل يقص على الرلسول يما حدث لهم ويستنصره ،فقال ت يا عمرو بن لسالم .{،ورأى الرلسول أن يما له رلسول ا ُ } :نصر لَ قايمت به قريش يمن نقض العهد ل يمقابل له إل مّ فتح يمكة. أمّيما قريش فقد خافوا يمن نقض العهد ،فأوفدوا أبا لسفيان إلى المدينة ليثبت العقد ويزيد في المدة ،فذهب أبو لسفيان ولم يشأ أن يلقى الرلسول بل جعل وجهته بيت ابنته أم حبيبة زوج النبي صلى ا عليه ولسلم ،فدخل عليها وأراد أن يجلس على فراش ما لسألها أبوها أطوته رغبة بأبيها عن الفراش أم النبي ،فطوته ،فل مّ رغبة بالفراش عن أبيها ،كان جوابها هو :فراش رلسول ا صلى ا عليه ولسلم وأنت رجل يمشرك نجس فلم أحب أن تجلس عليه. ضبا. قال أبو لسفيان :وا لقد أصابك يا بنية بعدي شر ،وخرج ُيمغ لَ ثم كمّلم يمحمدا في العهد وإطالة يمدته ،فلم لَي ُرد عليه بشي ء ،فكلم أبا بكر ليكلم له النبي فأبى ،فكلم عمر بن الخطاب فأغلظ له في الرد ،وقال :أأنا أشفع لكم إلى رلسول ا؟ فوا لو لم أجد إل مّ الذر لجاهدتكم به .ودخل أبو لسفيان على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة ،فعرض عليه يما جا ء فيه ،والستشفعه إلى الرلسول، فأنبأه علي في رفا ق أنه ل يستطيع أحد أن يرد يمحمدا عن أيمر إذا -119-
هو اعتزيمه .والستشفع أبو لسفيان فاطمة أن يجير ابنها الحسن بين الناس ،فقالت :يما يجير أحد على رلسول ا .واشتدت اليمور على أبي لسفيان فرجع إلى يمكة وقص على قويمه يما لقيه في المدينة. أمّيما الرلسول صلى ا عليه ولسلم فقد ألسر ع وأيمر الناس بالتجهز ولسار بهم إلى يمكة ،وكان يرجو أن يبغت القوم في غرة يمنهم فل يجدوا له دفعا فيسمّلموا يمن غير أن تراق الديما ء .وتحرك جيش المسلمين يمن المدينة إلى يمكة ،وبلغ الجيش يممّر الظهران على أربعة فرالسخ يمن يمكة ،وقد كملت عدته عشرة آلف لم يصل إلى قريش يمن أيمرهم خبر ،وكانت قريش تتحسب لغزو يمحمد لهم وتتجادل فيما تصنع للقا ء يمحمد. ثم إن أبا لسفيان خرج يستطلع يمبلغ الخطر الذي تحس به، فلقيه العباس -وكان قد ألسلم -وقد ركب بغلة النبي وذهب إلى ما يمكة ليخبر قريشا بأن يستأيمنوا الرلسول؛ لنه ل ِقبل لهم به .فل مّ لقي العباس أبا لسفيان قال له :هذا رلسول ا في الناس ،وا صبا ح قريش إذا دخل يمكة عنوة .فقال أبو لسفيان :فما الحيلة؟ ما يممّر بنار عمر بن فأركبه العباس في عجز البغلة ولسار به ،فل مّ الخطاب رأى عمر بغلة النبي وعرف أبا لسفيان وأدرك أن العباس يريد أن يجيره ،فألسر ع إلى خيمة النبي وطلب إليه أن يضرب عنقه، قال العباس :إني يا رلسول ا قد أجرته .وحصلت يمناقشة عنيفة بين العباس وعمر .فقال النبي :اذهب به يا عباس إلى رحلك، -120-
ما كان الصبا ح جي ء بأبي لسفيان فإذا أصبحت فائتني به .فل مّ فألسلم ،وتوجه العباس إلى النبي وقال له :يا رلسول ا إن أبا لسفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا .قال رلسول ا } :نعم، يمن دخل دار أبي لسفيان فهو آِيمن ،ويمن أغلا ق عليه بابه فهو آِيمن، ويمن دخل المسجد فهو آِيمن ،{،وأيمر الرلسول أن ُيحبس أبو لسفيان بمضيا ق الوادي عند يمدخل الجبل إلى يمكة حتى تمر به جنود المسلمين فيراها فيحمّدث قويمه عن بمّينة ،ولكي ل يكون في إلسراعه إليهم خيفة يمقاويمة أيا كان نوعها ،واتخذ الرلسول لدخول يمكة كل يما لديه يمن أهبة وحذر. وبعد أن يمرت القبائل بأبي لسفيان انطلا ق إلى قويمه يصيح فيهم بأعلى صوته :يا يمعشر قريش ،هذا يمحمد قد جا ءكم فيما ل ِقبل لكم به ،فمن دخل دار أبي لسفيان فهو آِيمن ،ويمن أغلا ق عليه بابه فهو آِيمن ،ويمن دخل المسجد فهو آِيمن .فتوقفت قريش عن المقاويمة ،ولسار الرلسول ودخل يمكة وظل يمتخذا حذره ،وأيمر أن يفَّرق الجيش أربع فرق ،وأيمرها جميعا أن ل تقاِتل وأل تسفك ديما ،إل مّ إذا ُأكرهت على ذلك إكراها واضطرت اضطرارا .ودخلت الجيوش يمكة فلم يلا ق يمنها يمقاويمة إل مّ جيش خالد بن الوليد ،فقد لقى بعض المقاويمة وتغلب عليها ،ونزل النبي بأعلى يمكة فأقام قليل م ً ثم لسار حتى بلغ الكعبة فطاف بالبيت لسبعا ،ثم دعا عثمان بن طلحة ففتح الكعبة فوقف على بابها فتكاثر الناس ،فخطبهم -121-
وتل عليهم قوله تعالى :يا أيها الناس إنا خلقناكم يمن ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل ل لَتعا لَرفوا إن أكريمكم عند ا أتقاكم إن ا عليم خبير ،ثم لسألهم :يا يمعشر قريش يما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا :خيرا ،أخ كريم وابن أخ كريم .قال } :فاذهبوا ،فأنتم الطلقا ء.{، وبهذه الكلمة صدر العفو عن قريش وعن أهل يمكة .ودخل صمّورت عليها الملئكة والنبيون ،فأيمر الرلسول الكعبة فرأى جدرانها ُ طمست ،ورأى بها تمثال حمايمة يمن عيدان فكسرها بتلك الصور ف ُ بيده وألقاها على الرض ثم جعل يشير إلى الصنام جميعا بقضيب في يده وهو يقول :وقل جا ء الحا ق وزها ق الباطل إن الباطل كان زهوقا ،و ُكمّبت الصنام ،وطمّهر البيت الحرام يمنها، وأقام بمكة خمسة عشر يويما ينظم خللها شؤون يمكة ،ويفمّقه أهلها في الدين .وتم فتح يمكة و ُقضي بفتحها على ألساس المقاويمة للدعوة اللسليمية ،فتم بذلك النصر المبين ،ولم تبا ق يمن ح لَنيْين والطائف يس ُهل إنهاؤها. المقاويمة الداخلية إل مّ جيوب في ُ ح لَنيْين غزوة ُ مت هوازن بما تم للمسلمين يمن فتح يمكة ،خشيت أن ما عِل لَ ل مّ يغزوها وأن يقتحموا عليها ديارها ،ففكرت في أن تصد المسلمين ،وتهيأت لذلك .فجمع يمالك بن عوف النضري هوازن -122-
وثقيف ،ولسار بها حتى نزلت لسهل أوطاس ،فبلغ المسلمين هذا النبأ بعد خمسة عشر يويما يمن فتحهم يمكة ،والستعدوا للقا ء هوازن وثقيف .غير أن يمالكا لم ُيِقم في لسهل أوطاس بل أيمر الناس أن ينحازوا إلى قمم حنين ،وعند يمضيا ق الوادي ،ورتبهم كما وأعطى أوايمره بأنه إذا نزل المسلمون الوادي هناك ترتيبا يمح لَ فليشمّدوا عليهم شدة رجل واحد ،حتى تتضعضع صفوفهم فيختلط حابلهم بنابلهم ويضرب بعضهم بعضا و ُيهزيمون شمّر هزيمة. وأحكم هذه الخطة وانتظر يمجي ء المسلمين. ويما هي إل مّ أيام حتى لَقِدم جيش المسلمين .فقد لسار رلسول ا صلى ا عليه ولسلم في عشرة اللف الذين غزوا يمكة وانضم إليهم ألفان يممن ألسلم يمن قريش في يمكة .ولسار هذ الجيش الجرار والعدد الوفير يمن الناس للحرب ،وبلغوا حنينا يمسا ء ،وأقايموا بها حتى قبيل الفجر .وفي هذا الوقت المتأخر يمن الليل تحرك الجيش وركب الرلسول بغلته البيضا ء في يمؤخرة الجيش ،ولساروا يمنحدرين إلى الوادي ،ويما شعروا إل مّ والقبائل المعادية قد هاجمتهم .ذلك أن يمالكا بن عوف أيمر رجاله بمهاجمة المسلمين ،فشمّدوا شمّدة رجل واحد وأصلوهم وابل م ً يمن النبال ،ويما شعر المسلمون في عماية الفجر إل مّ والسهام تتساقط عليهم يمن كل صوب ،فدهشوا يمن هذه المفاجأة ،وتحيروا ،فاختلط أيمرهم واضطربوا ،وعادوا يمنهزيمين ل يلوون على شي ء .وقد الستولى -123-
عليهم الفز ع ويملك قلوبهم الرعب ،وأخذ يمنهم الخوف يمن عدوهم كل يمأخذ .وكانوا يمرون على الرلسول عليه السلم وهو في يمؤخرة الجيش دون أن يقفوا أو يتريثوا ،وظلوا يمنهزيمين يتراجعون ولم يبا ق إل مّ رلسول ا صلى ا عليه ولسلم ويمعه العباس في يميدان المعركة ،وأمّيما باقي الجيش فقد انهزم ل يلوي على شي ء. فوقف رلسول ا وقد أحاط به جماعة قليلة جدا يمن النصار والمهاجرين وأهل بيته ،وجعل ينادي الناس وهم يمنهزيمون قائل م ً لهم :إلى أين أيها الناس إلى أين؟ ولكن الناس لم يكونوا يسمعون هذا الندا ء ،ولم يكونوا يلتفتون إليه ِلما أصابهم يمن هول الفز ع وخوف الموت ،إذ كانت هوازن وثقيف تطاردانهم يمطاردة شديدة ،وتطعنهم كلما أدركتهم وتريميهم بالنبال ،وهو يولون الدبار ،ولذلك لم يسمعوا ندا ء الرلسول ،ولم يستجيبوا له. فوقف الرلسول عليه السلم في هذه اللحظة الفاصلة أعظم يموقف وأروعه ،فقد كانت لحظة رهيبة ولساعة يمن أحرج الساعات ،فقد كان الجيش يفر كله ،أصحابه ويمن ألسلموا حديثا ،ل ل .ويتحدث الذين فرق بينهم ،يدعوهم ليرجعوا فل يسمعون له قو م ً ألسلموا أحاديث الشماتة بهزيمته ،حتى يقول كلدة بن حنبل :أل طل السحر اليوم .ويقول شيبة بن عثمان بن طلحة :اليوم ُأدرك لَب ُ ثأري يمن يمحمد .ويقول أبو لسفيان :ل تنتهي هزيمة المسلمين دون البحر .وهؤل ء ويمثلهم يممن كانوا يقولون هذا القول كانوا -124-
في جيش المسلمين يممن ألسلموا في يمكة وجا ءوا يحاربون يمع رلسول ا ،ولكن الهزيمة أظهرت يمكنون نفولسهم. ويمقابل هؤل ء الذين ظهرت نياتهم ،كان المخلصون يمن الصحابة يفمّرون .ولذلك لم يكن هنالك أي أيمل في كسب المعركة .ويمن أجل ذلك كان يموقف الرلسول حرجا ،وكانت تلك الساعة يمن أحرج الساعات وأشدها .وفي هذه اللحظة الحرجة قرر الرلسول البقا ء في يميدان المعركة ،وتقدم إلى الميدان واندفع ببغلته البيضا ء نحو العدو وكان يمعه عمه العباس بن عبدالمطلب وأبو لسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ،فأيما أبو لسفيان بن الحارث فقد أيمسك بخطام بغلته وحال دون تقديمها ،وأيما عمه العباس فقد نادى بصوته الجهوري بما ألسمع الناس يمن كل فج يدعوهم للرجو ع فقال :يا يمعشر النصار الذين آووا ونصروا ،يا يمعشر المهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة ،إن يمحمدا حي موا .وكرر العباس الندا ء ،حتى تجاوبت في كل جنبات الوادي فهل مّ أصداؤه ،وحتى لسمعه المسلمون المنهزيمون ،فتذكروا رلسول ا لس لَبا ق إلى تصورهم يما يترتب على هزيمتهم وتذكروا جهادهم ،و لَ يمن تغلب المشركين وانتصار الشرك ،وأدركوا يما في هذه الهزيمة يمن قضا ء على الدين وعلى المسلمين .فتصايحوا يمن كل صوب يلبون ندا ء العباس ،ورجعوا إلى المعركة يخوضون غمارها ويصطلون بنارها في بسالة نادرة وشجاعة فائقة .وأخذوا -125-
يجتمعون حول رلسول ا ،وأخذ عددهم يزداد ،ودخلوا في المعركة وتناجزوا يمع العدو ،وحمي وطيس القتال ،والرلسول عليه السلم يزداد طمأنينة وقد أخذ حفنة يمن الحصى وألقى بها في ل :شاهت الوجوه. وجه العدو قائ م ً واندفع المسلمون إلى المعركة يمستهينين بالموت في لسبيل ا ،واشتد القتال .وأيقنت هوازن وثقيف أنهما يمعمّرضتان للفنا ء، ففروا يمنهزيمين ل يلوون على شي ء ،تاركين ورا ءهم أيموالهم ونسا ءهم غنيمة للمسلمين .ولحقهم المسلمون وألسروا يمنهم عددا كبيرا كما قتلوا عددا ضخما ،وطاردوهم حتى بلغوا لسهل أوطاس ،وهناك أوقعوا بهم قتل م ً وهزيموهم شر هزيمة ،وفر قائدهم يمالك بن عوف إلى الطائف واحتمى بها. صر ا المؤيمنين نصرا يمؤزرا ،ونزل في ذلك قوله وبهذا لَن لَ تعالى :لقد نصركم ا في يمواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم ح لَبت ثم كثرتكم فلم ُتغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الرض بما ر ُ وليتم يمدبرين .ثم أنزل ا لسكينته على رلسوله وعلى المؤيمنين وأنزل جنودا لم تريْوها وعمّذب الذين كفروا وذلك جزا ء الكافرين. ثم يتوب ا يمن بعد ذلك على يمن يشا ء وا غفور رحيم .وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة ،وقد أحصوها يويمئذ فكانت اثنين وعشرين ألفا يمن البل ،وأربعين ألفا يمن الشاة ،وأربعة آلف أوقية يمن الفضة ،و ُقتل يمن المشركين خلا ق كثير ،كما ُألسر عدد -126-
كبير ،وقد أحصي عدد اللسرى فكان لستة آلف ألسير ُنقلوا يمحرولسين إلى وادي الجعرانة. وأمّيما قتلى المسلمين فلم ُيحص عددهم ،إل مّ أنهم كانوا كثيرين ،فقد ذكرت كتب السيرة أن قبيلتين يمن المسلمين ُفنيتا ،وأن النبي صلى ا عليه ولسلم صمّلى عليهم .وقد ترك الرلسول هذه الغنائم وهؤل ء اللسرى في الجعرانة وحاصر الطائف حيث احتمى يمالك بن عوف بعد هزيمته ،وطبا ق الحصار عليها ،لكن الطائف كانت لثقيف وكانت يمدينة يمحصنة ،وكان أهلها ذوي دراية بحرب الحصار ،وذوي ثروة طائلة ،وكانت ثقيف على دراية بريمي النبال، فريمت المسلمين بالنبال ،وقتلت يمنهم جماعة ،ولم يكن يمن اليسير على المسلمين أن يقتحموا هذه الحصون ،ولذلك عسكروا بعيدين ع بهم عن حصون العدو ،وأقام المسلمون ينتظرون يما ا صان ٌ وبعدمّوهم. وقد الستعان النبي ببني دوس لريماية الطائف بالمنجنيا ق، فجا ءوه بعد أربعة أيام يمن حصاره ويمعهم أدواتهم ،وهاجم المسلمون يمدينة الطائف وريموها بالمنجنيا ق وبعثوا إليها بالدبابات دخل تحتها نفر يمنهم ،ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليحرقوه ،غير أنهم يما شعروا إل مّ وقطع يمن الحديد المحمى بالنار تنزل عليهم تحرق دباباتهم ،ففروا .ذلك أن ثقيفا قد أحموا قطعا يمن الحديد بالنار حتى إذا انصهرت ألقوها على الدبابات فحرقتها ،يمما اضطر -127-
المسلمين أن يفروا ،فريمتهم ثقيف بالنبل وقتلت جماعة يمنهم. وبذلك أخفا ق المسلمون في دخول الطائف ،فبدأوا يقطعون الكروم ويحرقونها حتى تسلم ثقيفا ،ولكنها لم تسلم. ح ُرم قد بدأت إذ قد هلمّ ذو القعدة ،فرجع وكانت الشهر ال ُ الرلسول عن الطائف إلى يمكة ،ونزل الجعرانة حيث تركوا غنائمهم وألسراهم .فجا ءه يمالك بن عوف بنا ء على وعد الرلسول إياه ،أنه إذا أتاه يمسلما رد عليه يماله وأهله وأعطاه يمائة يمن البل .جا ء يمالك فأعلن إلسليمه وأخذ يما وعده الرلسول به .فخاف الناس أن تنقص قسمتهم يمن الغنائم إن ظل الرلسول يعطي يمن يأتيه يمن ل فيأه، حوا أن يأخذ ك ٌ هوازن فطلبوا أن ُتقسم الغنائم بينهم وأل مّ وتهايمسوا فيما بينهم في أيمر الغنائم حتى بلغ همسهم رلسول ا، فوقف إلى جانب بعير فأخذ وبرة يمن لسنايمه فجعلها بين اصبعيه، ثم رفعها وقال } :أيها الناس ،وا يما لي يمن فيئكم ول هذه خمس يمردود عليكم ،{،وأيمر أن لَي ُرد كل واحد خمس وال ُ الوبرة إل مّ ال ُ يما أخذه يمما غنم حتى ُتقسم الغنائم بالعدل ،وقال } :فمن أخذ شيئا في غير عدل ولو كان إبرة كان على أهله عارا ونارا وشنارا خمس لنفسه ووز ع س الغنيمة وفصل ال ُ م لَ خ لَ إلى يوم القيايمة ،{،ثم لَ خمسه الذين كانوا إلى أيام أشد الباقي على أصحابه ،وأعطى يمن ُ الناس عداوة له نصيبا على نصيبهم ،فأعطى كل واحد يمن أبي لسفيان ،وابنه يمعاوية ،والحارث بن الحارث ،والحارث بن هشام -128-
ولسهيل بن عمرو وحويطب بن عبدالعزى ،ولسائر رؤلسا ء العشائر يمائة يمن البل زيادة على نصيبهم ،تألفا لقلوبهم ،وأعطى يمن كان دون هؤل ء شأنا خمسين يمن البل زيادة على نصبيهم ،وقضى لهؤل ء المؤلفة قلوبهم جميع حاجاتهم. وكان عليه الصلة والسلم في توزيع المال يويمئذ في غاية السماحة والكرم ،وفي يمنتهى الحنكة والسيالسة ،ولكن بعض المسلمين لم يدركوا حكمته عليه السلم يمن هذا الكرم وهذا التوزيع للغنائم ،فقد جعل عمله هذا النصار يتحدث بعضهم إلى بعض فيما صنع رلسول ا ،ويقول بعضهم لبعض " :لقي وا رلسول ا قويمه" ،وأمّثر ذلك على نفولسهم ،فما كان يمن لسعد بن عبادة إل مّ أن بمّلغ النبي هذا القول ،فقال له الرلسول :وأين أنت يمنهم يا لسعد؟ فقال :إمّنما أنا رجل يمن قويمي ،وأمّيد قويمه فيما مع لي قويمك ،فجمعهم لسعد ،فقال يقولونه .فقال له النبي :اج لَ لهم الرلسول :يما قالة بلغتني عنكم ،وجدة وجدتموها في أنفسكم ،ألم آتكم ضلل م ً فهداكم ا ،وعالة فأغناكم ا ،وأعدا ء ن وأفضل. فأمّلف ا بين قلوبكم؟ فقالوا :بلى ،ا ورلسوله أيم مّ فقال الرلسول :أل تجيبون يا يمعشر النصار؟ فقالوا :بماذا نجيبك يا رلسول ا؟ لله وللرلسول المنمّ والفضل .فقال عليه السلم :أيما وا لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم أتيتنا يمكَّذبا فصمّدقناك، ويمخذول م ً فنصرناك ،وطريدا فآويناك ،وعائل م ً فآلسيناك .أوجد ُتم يا -129-
ت بها قويما ل ُيسلموا يمعشر النصار في لعاعة يمن الدنيا تألف ُ ووكل ُتكم إلى إلسليمكم .أل ترضون يا يمعشر النصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برلسول ا إلى رحالكم ،فوالذي نفس يمحمد بيده لول الهجرة لكنت ايمر ءا يمن النصار .ولو لسلك شعب النصار .اللهم ت ِ شعبا لسلك ُ شعبا ولسلكت النصار ِ الناس ِ ارحم النصار وأبنا ء النصار وأبنا ء أبنا ء النصار .ويما أن انتهى يمن ء شديدا حتى اخضمّلت لحاهم ،وقالوا : كليمه حتى بكى النصار بكا م ً رضينا برلسول ا قسما وحظا ،ثم عادوا إلى رحالهم. وبعد ذلك خرج الرلسول عليه السلم يمن الجعرانة إلى يمكة ُيمحريما بالعمرة هو والجيش .وبعد أن قضى عمرته جعل على يمكة عتاب بن ُألسيد واليا ،وجعل يمعاذ بن جبل فيها يثقف الناس ويفقههم اللسلم ،وعاد هو والنصار والمهاجرين إلى المدينة. غزوة تبوك اتصل برلسول ا نبأ يمن بلد الروم بأنها تهيئ جيشا لغزو بلد العرب الشمالية غزوا ينسي الناس انسحاب المسلمين الماهر في يمؤتة .اتصل هذا النبأ يمجسما أيما تجسيم ،فقرر أن يواجه ء يمحو في هذه القوة بنفسه ،وهيأ خطة للقضا ء عليها قضا م ً نفوس لسادتها كل أيمل في غزو المسلمين ،أو التعرض لهم .وكان الوقت أواخر الصيف وأوائل الخريف ،والقيظ قد اشتدت حرارته، -130-
ج لَلد والشقه يمن المدينة إلى بلد الشام طويلة شاقة ،تحتاج إلى ال لَ وإلى المؤنة ،وإلى الما ء .وإذن ل بد يمن يمطالعة الناس بهذا اليمر وعدم كتمانه عنهم ،ول بد أن ُيعلمهم بصراحة أنه يعتزم السير إلى الروم لقتالهم .وهذا يخالف خطته صلى ا عليه ولسلم التي كان يرلسمها في لسابا ق غزواته ،فإنه كان يخفي خطته ،ويخفي الجهة التي يسير إليها ،وكان يتوجه في كثير يمن الحيان بجيشه إلى غير الناحية التي يقصد إليها ،تضليل م ً للعدو ،حتى ل يفشو خبر يمسيرته. أمّيما هذه المرة فإنه أعلن يمن أول يوم أنه يريد أن يذهب لقتال الروم في حدود بلدهم ،لذلك أرلسل في القبائل جميعا يدعوهم للتهيئ ،كيما يعد أكبر جيش يمكن إعداده ،وأرلسل إلى أغنيا ء المسلمين يأيمرهم بالنفاق يمما آتاهم ا يمن فضله، لتجهيز جيش كثير العدد والعدة ،وأخذ يحمّرض المسلمين على النضمام لهذا الجيش .فالستقبل المسلمون هذه الدعوة الستقبال م ً يمتباينا. أمّيما الذين أقبلوا على اللسلم بقلوب يممتلئة هدى ونورا فقد أقبلوا يلمّبون دعوة رلسول ا خفافا يمسرعين ،ويمنهم الفقير الذي ل يجد الدابة يحمل نفسه عليها ،ويمنهم الغني يضع يماله بين يديه، يقديمه في لسبيل ا عن رضا واطمئنان ،ويقدم نفسه بشوق طايمعا في اللستشهاد في لسبيل ا. وأمّيما الذين دخلوا في دين ا رغبا ورهبا ،رغبا في يمغانم -131-
الحرب ورهبا يمن قوة المسلمين ،فقد تثاقلوا وبدأوا يلتمسون العذار ،وجعلوا يتهايمسون فيما بينهم ،ويهزأون بدعوة الرلسول إياهم لهذا الغزو النائي ،في ذلك الجو المحِرق .هؤل ء هم المنافقون .وقد كان يقول بعضهم لبعض :ل تنفروا في الحر، فنزل قوله تعالى :وقالوا ل تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ،وقد قال الرلسول للجد بن قيس ،أحد بني لسلمة :يا جد هل لك في جهاد بني الصفر؟ فقال :يا رلسول ا أ لَوتأذن لي ول تفتمّني ،فوا لقد عرف قويمي أنه يما يمن رجل أشد ت نسا ء بني الصفر أل عجبا بالنسا ء يمني ،وإني أخشى إن رأي ُ أصبر .فأعرض عنه رلسول ا ،وفيه نزلت هذه الية ويمنهم يمن يقول ا ءذن لي ول تفتني أل في الفتنة لسقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين. ولم يقف المنافقون عند حد تباطؤهم عن الخروج للقتال، بل صاروا يحرضون الناس على التخلف عن القتال ،فرأى الرلسول أن يأخذهم بالشدة ،وأن يضرب على أيديهم بكل قسوة ،فقد بلغه أن نالسا يمنهم يجتمعون في بيت لسويلم اليهودي يثمّبطون الناس، و ُيلقون في نفولسهم التخاذل والتخلف عن القتال .فبعث إليهم طلحة بن عبيدا في نفر يمن أصحابه ،فحرق عليهم بيت لسويلم، ففمّر أحدهم يمن ظهر البيت فانكسرت رجله ،واقتحم الباقون النار وفروا .فكان ذلك درلسا لغيرهم لم يجرؤ أحد بعدها على يمثل -132-
فعلهم. وقد كان للحزم والشدة اللذين لسلكهما الرلسول صلى ا عليه ولسلم أثر في تجهيز الجيش ،حتى اجتمع جيش عظيم بلغت لسمي هذا الجيش جيش عدته ثلثين ألفا يمن المسلمين ،وقد ُ عسرة ،لنه كلف في شدة القيظ لملقاة عدو كبير ،ولخوض ال ُ يمعركة بعيدة عن المدينة ،والنفقات الكبيرة التي كان يتطلبها تجهيز يمثل هذا الجيش .وقد اجتمع هذا الجيش وقام أبو بكر يؤم الناس للصلة في انتظار عود الرلسول يمن تدبير شؤون المدينة أثنا ء غيبته ،وقد الستخلف الرلسول على المدينة يمحمد بن لَيمسلمة ،وخلف علي بن أبي طالب على أهله وأيمره بالقايمة فيهم ،وأصدر يما رأى أن ُيصدر يمن الوايمر ،ودمّبر يما ينبغي تدبيره يمن اليمور ،ثم عاد إلى الجيش يتولى قيادته ،وأيمر فتحرك الجيش وثار النقع وصهلت الخيل والستعرض الجيش أيمام أهل المدينة ،وارتقت النسا ء لسقف البيوت يشهدن هذا الجحفل الجرار يتوجه يمخترقا الصحرا ء صوب الشام ،يمستهينا في لسبيل ا بالحر والظمأ والمسغبة .فحمّرك يمنظر الجيش وهو يتحرك صوب بلد العدو يتقديمهم عشرة آلف س كانت فارس ،حرك يمنظره بهذه القوة الهائلة بعض نفو ٍ تقاعست عن النضمام إلى الجيش ،فالتحقت بالجيش وانضمت إليه. كرة ولسار الجيش قاصدا تبوك ،وكانت جيوش الروم يمعس ِ -133-
ما بلغها أيمر جيش المسلمين فيها تستعد لغزو المسلمين ،فل مّ وقوته ،وكثرة عدده ،وتذكرت حرب المسلمين في يمؤتة ،ويما كانوا عليه يمن الستبسال ،ولم يكن جيشهم في هذا العدد الضخم وهذه العدة الهائلة ،وزادهم خوفا أن الرلسول صلى ا عليه ولسلم كان على رأس الجيش ،فخافوا يمن ذلك كثيرا ،فآثروا النسحاب بجيوشهم إلى داخل بلد الشام ليحتموا بحصونهم ،وتركوا تبوك كما تركوا جميع حدود الشام يمن جهة الصحرا ء ،وأيمنعوا في انسحابهم إلى داخل البلد. ما عرف الرلسول صلى ا عليه ولسلم أيمر انسحاب الروم فل مّ ونمى إليه يما أصابهم يمن خوف ،لسار حتى وصل تبوك ،واحتلها وعسكر فيها ،ولم ير يمحل م ً لتتبع الروم داخل بلد الشام في ذلك الوقت .فأقام في تبوك يمدة تقرب يمن شهر يناجز يمن شا ء أن ينازله أو يقاويمه يمن أهل تلك المنطقة ،ووجه رلسالة إلى أيمرا ء القبائل والبلدان التابعين للروم ،فأرلسل رلسالة إلى يوحنا بن رؤيمة صاحب أيلة ،وإلى أهل الجربا ء ،وأهل أذر ح أن يذعنوا أو يغزوهم، ف لَقِبلوا الخضو ع ،وقمّديموا الطاعة ،وصالحوا الرلسول صلى ا عليه ولسلم ،وأعطوه الجزية. ثم عاد إلى المدينة فوجد المنافقين قد الستغلوا غياب الرلسول عن المدينة وأخذوا ينفثون لسمويمهم ويركزون قوتهم ليغدروا بالمسلمين .وكان قد بنى جماعة يمنهم يمسجدا بذي أوان، -134-
بينه وبين المدينة نحو لساعة ،وإلى هذا المسجد كان يأوي المنافقون ويحاولون أن يحمّرفوا كلم ا عن يمواضعه وأن يفمّرقوا بذلك بين المؤيمنين ضرارا وكفرا .وكانت هذه الجماعة التي بنت المسجد قد طلبت يمن الرلسول قبل غزوة تبوك أن يصلي في ما عاد وعرف أعمال المنافقين، المسجد فالستمهلهم حتى يعود ،فل مّ وأوحي إليه أيمر المسجد ،وحقيقة يما ُقصد إليه يمن إقايمته ،أيمر بإحراق المسجد ،واشتد على المنافقين .فضرب بذلك يمثل م ً ارتعدت له فرائصهم ،فخافوا وانزووا ولم ت ُقم لهم بعدها قائمة. وبغزوة تبوك تمت كلمة ربك في شبه جزيرة العرب كلها، وأِيمن الرلسول كل عادية عليها ،وأقبلت وفود العرب على الرلسول تقدم الطاعة وتعلن لله اللسلم. لسيطرة الدولة اللسليمية على جزيرة العرب بغزوة تبوك ركز النبي صلى ا عليه ولسلم الناحية الخارجية بتأيمين حدود الدولة يمن جهة ،وبإلقا ء الرعب في قلوب أعدائه يمن جهة أخرى ،ووضع الخطة للمسلمين يمن بعده ليحملوا دعوة اللسلم للعالم خارج جزيرة العرب .ويما أن انتهى يمن غزوة تبوك حتى كان جنوب الجزيرة يمن اليمن وحضر يموت وعمان قد أقبل على إعلن إلسليمه ودخل في طاعة الدولة اللسليمية .ويما أن جا ءت السنة التالسعة حتى كانت الوفود المتتابعة تعلن إلسليمها -135-
وإلسلم قويمها ،وبذلك تمت لسيطرة الدولة اللسليمية على جميع جزيرة العرب ،وتم تأيمين ثغورها يمن جهة الرويمان ،ولم يبا ق فيها إل مّ المشركون الذين ل يزالون على شركهم ،والذين يستطيعون أن جوا إلى بيت ا الحرام ويعبدوا فيه الصنام بسبب العهد الذي يح مّ قطعه الرلسول صلى ا عليه ولسلم للناس أل ُيصد عن البيت أحد جا ءه ول يخاف أحد في الشهر الحرام. وإذا كانت الجزيرة كلها قمّديمت الطاعة لمحمد عليه السلم وخضعت لحكام الدولة اللسليمية ولكن بقي فيها يمن يعبد غير ا يمن المشركين ،فهل ُيتركون على حالهم ،وهل ُيترك بيت ا الحرام يجتمع فيه الناس هذا الجتما ع المتناقض الذي يضم الثائرين على الوثنية والشرك يمن المسلمين ،والمقيمين على الوثنية والشرك يمن المشركين؟ وهل يستطيع أحد أن يفهم اجتما ع عبادتين يمتناقضتين حول بيت ا ،إحداهما ُتحطم بها حطمت؟ وإذن ل بد أن الصنام والخرى ُتعبد فيها الصنام التي ُ ُيقضى على هذا الشرك في كافة أنحا ء الجزيرة ،ول بد أن يحال بين المشركين وبين هذا البيت .فنزلت لسورة برا ءة )التوبة( على النبي صلى ا عليه ولسلم بعد غزوة تبوك وبعد ذهاب أبي بكر على رأس الحج إلى يمكة ،فأوفد النبي عليه السلم عليا بن أبي طالب كي يلحا ق بأبي بكر ويخطب الناس ويتلو عليهم لسورة منى .وقف علي وإلى جانبه التوبة ،فذهب علي ،واجتمع الناس ب ِ -136-
أبو هريرة ،فنادى علي في الناس برا ءة يمن ا ورلسوله إلى الذين عاهدتم يمن المشركين ..إلى أن وصل قوله تعالى : وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن ا يمع ما أتم تلوة هذه اليات وقف هنيهة ثم صا ح بالناس المتقين ،فل مّ "أيها الناس :إنه ل يدخل الجنة كافر ،ول يحج بعد العام يمشرك، ول يطوف بالبيت عريان .ويمن كان له عند رلسول ا عهد فهو إلى يممّدته". جل الناس أربعة صا ح علي بالناس بهذه الوايمر الربعة ،ثم أ مّ أشهر بعد ذلك اليوم ،ليرجع كل قوم إلى يمأيمنهم وبلدهم .ويمن طف بالبيت عريان .وبهذا تم أيمر ربك حج يمشرك ،ولم ي ُ يويمئذ لم ي ُ في جزيرة العرب ،بإقايمة كيان الدولة الناشئة على ألساس العقيدة اللسليمية .وبنزول برا ءة ،وهي آخر لسورة نزلت .وبوضع حد للمشركين في جزيرة العرب ،تم تكوين الدولة اللسليمية بالقضا ء على كل فكر غير اللسلم ،وكل كيان غير كيان الدولة ،وباللستعداد لحمل هذه الدعوة إلى العالم. جهاز الدولة اللسليمية كم ح لَ يمنذ وصل الرلسول صلى ا عليه ولسلم المدينة لَ المسلمين ورعى شؤونهم وأدار أيمورهم ،وأوجد المجتمع اللسليمي ،وعقد يمعاهدة يمع اليهود ،ثم يمع بني ضمرة وبني -137-
يمدلج ،ثم يمع قريش ،ويمع أهل ايلة والجربا ء وأذر ح ،وأعطى الناس عهدا أن ل ُيمنع يمن البيت حاج ،ول يخاف أحد في الشهر الحرام ،وأرلسل حمزة بن عبدالمطلب ويمحمد بن عبيدة بن الحارث ولسعد بن أبي وقاص في لسرايا لمحاربة قريش ،وأرلسل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدا بن رواحة لمحاربة الروم ،وأرلسل خالد بن الوليد لمحاربة دويمة الجندل ،وقاد بنفسه الجيوش في غزوات عديدة خاض بها يمعارك طاحنة .وعمّين ل ،فومّلى عتاب بن ألسيد على يمكة للمقاطعات ولة ،وللبلدان عما م ً له على اليمن، بعد فيْتحها ،وبعد أن ألسلم باذان بن لسالسان و مّ وولى يمعاذ بن جبل الخزرجي على الج لَند ،وولى خالد بن لسعيد بن العاص عايمل م ً على صنعا ء ،وزياد بن لبيد بن ثعلبة النصاري على حضر يموت ،وولى أبو يمولسى الشعري على زبيد وعدن، وولى عمرو بن العاص على عمان ،وكان أبو دجانة عايمل م ً للرلسول على المدينة .وكان صلى ا عليه ولسلم حين يولي الولة يتخيرهم يممن ُيحسنون العمل فيما يتولونه ،و ُيشربون قلوب يمن ينزلون عليهم اليمان ،وكان يسألهم عن الطريقة التي لسيسيرون عليها في حكمهم ،فقد ُروي عنه صلى ا عليه ولسلم أنه قال لمعاذ بن جبل الخزرجي حين بعثه إلى اليمن } :بمن تحكم؟ قال : بكتاب ا .قال :فإن لم تجد؟ قال :بسنة رلسول ا .قال :فإن لم تجد؟ قال :أجتهد رأيي .فقال :الحمد لله الذي ومّفا ق رلسول رلسول -138-
ا لما يحبه ا ورلسوله ،{،و ُروي عنه صلى ا عليه ولسلم أنه ص بعبد قيس ومّلى أبان بن لسعيد على البحرين وقال له } :الستو ِ خيرا وأكِرم لسراتهم.{، وكان صلى ا عليه ولسلم يرلسل الولة يمن أيمثل يمن دخلوا في اللسلم ،وكان يأيمرهم بتلقين الذين ألسلموا الدين ،وأخيْذ الصدقات يمنهم ،ويسند إلى الوالي في كثير يمن الحيان جباية اليموال ،ويأيمره أن يبشر الناس بالخير ،ويعمّلمهم القرآن ،ويفقههم في الدين ،ويوصيه أن يلين للناس في الحا ق ويشتد عليهم في الظلم ،وأن ينهاهم إذا كان بين الناس هيج عن الدعا ء إلى القبائل والعشائر ،ليكون دعاؤهم إلى ا وحده ل شريك له ،وأن خمس اليموال ويما ُكتب على المسلمين في الصدقات ،وأن يأخذ ُ يمن ألسلم يمن يهودي أو نصراني إلسليما خالصا يمن نفسه ودان دين اللسلم فإنه يمن المؤيمنين ،له يمثل يما لهم وعليه يمثل يما عليهم ،ويمن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه ل ُيف لَتن عنها. ويمما قاله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن } :إنك لَتق ُدم على قوم أهل كتاب ،فليكن أول يما تدعوهم إليه عبادة ا تعالى ،فإذا عرفوا ا تعالى فأخبرهم أن ا تعالى فرض عليهم زكاة تؤخذ يمن أغنيائهم و ُت لَرد على فقرائهم ،فإن هم أطاعوا لذلك فخذ يمنهم، ق كرائم أيموالهم ،واتا ق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين وتو َّ ا حجاب.{، -139-
وكان صلى ا عليه ولسلم يرلسل في بعض الحيان رجل م ً يمخصوصا لليموال ،فقد كان يبعث كل عام عبدا بن رواحة إلى يهود خيبر يخرص عليهم ثمرهم ،وقد شكوا إلى الرلسول شدة خرصه وأرادوا أن يرشوا ابن رواحة فجمّللوا له حليا يمن حلي نسائهم ،فقالوا :هذا لك وخفف عنا ،وتجاوز في القسم ،فقال ي ،ويما من أبغض خلا ق ا تعالى إل مّ عبدا :يا يمعشر اليهود إنكم ل ِ ذاك بحايملي على أن أحيف عليكم ،وأمّيما يما عرضتم يمن الرشوة فإنها السحت وإنا ل نأكلها .فقالوا :بهذا قايمت السموات والرض. وكان صلى ا عليه ولسلم يكشف عن حال الولة والعمال، ويسمع يما ُينقل إليه يمن أخبارهم ،وقد عزل العل ء بن الحضريمي عايمله على البحرين لن وفد عبد قيس شكاه .وكان عليه الصلة والسلم يستوفي الحساب على العمال ويحالسبهم على المستخ لَرج ما رجع والمصروف .وقد الستعمل رجل م ً على الصدقات )الزكاة( فل مّ حالسبه ،فقال :هذا لكم وهذا ُأهدي لي .فقال النبي :يما بال لنا ا فيقول هذا لكم وهذا الرجل نستعمله على العمل بما و مّ ي ،أفل قعد في بيت أبيه وأيمه فننظر أ ُيهدى إليه أم ل. ُأهدي إل مّ وقال :يمن الستعميْلنا على عمل ورزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول .{،وشكا أهل اليمن يمن تطويل يمعاذ في الصلة فزجره م في الناس فليخمّفف. وقال :يمن أ لَ مّ وكان صلى ا عليه ولسلم يومّلي قضاة يقضون بين الناس، -140-
فقد عمّين علي بن أبي طالب قاضيا على اليمن ،وعمّين عبدا بن نوفل قاضيا على المدينة ،وأنفذ يمعاذ بن جبل وأبا يمولسى الشعري قاضيين إلى اليمن ،وقال لهما :بم تحكمان؟ فقال :إن لم نجد الحكم في الكتاب ول السمّنة قسنا اليمر باليمر ،فما كان أقرب إلى الحا ق عملنا به .وقد أقمّرهما النبي صلى ا عليه ولسلم على ذلك ،يمما يدل على أنه كان يتخير القضاة ويتثبت يمن طريقتهم في القضا ء. ولم يكتف بتعيين القضاة بل كان ُيعنى بالمظالم ،فقد وجه راشد بن عبدا أيميرا على القضا ء والمظالم وجعل له صلحية النظر في قضايا المظالم. وكان صلى ا عليه ولسلم يدير يمصالح الناس ويعمّين ُكتابا لدارة هذه المصالح ،وكانوا بمقام يمديري الدوائر ،فكان علي بن أبي طالب كاتب العهود إذا عاهد والصلح إذا صالح ،وكان الحارث بن عوث المري على خاتمه ،وكان يمعيقيب بن أبي فاطمة كاتبا على الغنائم ،وكان حذيفة بن اليمان يكتب خرص ثمار الحجاز، وكان الزبير بن العوام يكتب أيموال الصدقات ،وكان المغيرة بن شعبة يكتب المداينات والمعايملت ،وكان شرحبيل بن حسنة يكتب التوقيعات إلى الملوك .وكان يعمّين لكل يمصلحة يمن المصالح كاتبا أي يمديرا ،يمهما تعددت هذه المصالح. وكان صلى ا عليه ولسلم كثير المشاورة لصحابه ،ويما -141-
انفك عن الستشارة أهل الرأي والبصيرة ،ويمن شهد لهم بالعقل ن في بث دعوة اللسلم، والفضل ،وأبانوا عن قوة إيمان ،وتفا ٍ وكانوا لسبعة يمن النصار ولسبعة يمن المهاجرين ،يمنهم حمزة ،وأبو بكر ،وجعفر ،وعمر ،وعلي ،وابن يمسعود ،ولسليمان ،وعمار، وحذيفة ،وأبو ذر ،والمقداد ،وبلل .وكان يستشير أيضا غير هؤل ء، إل مّ أن هؤل ء كانوا أكثر يمن يرجع إليهم في الرأي ،فكانوا بمثابة يمجلس الشورى .وكان صلى ا عليه ولسلم قد وضع على ل، المسلمين وعلى غيرهم وعلى الرضين والثمار والماشية أيموا م ً عشر ،والفي ء ،والخراج ،والجزية ،وكانت النفال هي الزكاة ،وال ُ والغنائم يمن اليموال التي لبيت المال ،وكان يوز ع الزكاة على الشخاص الثمانية الذين ُذكروا في القرآن ول يعطي غيرهم يمنها شيئا ،ول يدير شؤون الدولة بشي ء يمنها ،وكانت إدارة شؤون الناس ينفا ق عليها يمن الفي ء والخراج والجزية والغنائم ،وكانت تكفي لدارة الدولة وتجهيز الجيش ،ولم تكن الدولة تشعر أنها بحاجة إلى يمال. وهكذا أقام الرلسول صلى ا عليه ولسلم جهاز الدولة اللسليمية بنفسه ،وأتمه في حياته ،فقد كان للدولة رئيس ،وكان له يمعاونون ،وولة ،وقضاة ،وجيش ،ويمديرو دوائر ،ويمجلس شورى. وهذا الجهاز في شكله وصلحياته طريقة واجبة التبا ع ،وهو إجمال م ً ثابت بالتواتر .وقد كان صلى ا عليه ولسلم يقوم بأعمال -142-
رئيس الدولة يمنذ أن وصل المدينة حتى وفاته صلى ا عليه ولسلم ،وكان أبو بكر وعمر يمعاونيْين له ،وأجمع الصحابة يمن بعده على إقايمة رئيس للدولة يكون خليفة للرلسول في رئالسة الدولة ختمت به صلى ا عليه فقط ،ل في الرلسالة ول في النبوة ،لنها ُ ولسلم .وهكذا أقام الرلسول جهاز الدولة كايمل م ً في حياته وترك شكل الحكم وجهاز الدولة يمعروفين وظاهرين كل الظهور. يموقف اليهود يمن الدولة اللسليمية لم يكن اليهود شيئا ُيع لَتد به أيمام الرلسول ،وإمّنما كان الشي ء الذي ُيع لَتد بمقاويمته هم العرب بوجه عام ،وقريش بوجه خاص، ولذلك عاهد الرلسول اليهود يمعاهدات تنص على خضوعهم له، وعلى وجوب ابتعادهم عن كل يمن يقف ضده .إل مّ أنهم وقد رأوا دولة اللسلم تنمو ،ولسلطان المسلمين يمتد ،أخذوا يهاجمون ما كانت يمعركة بدر وكان النصر فيها المسلمين بالجدل والطعن .فل مّ للمسلمين شعر اليهود بالخطر عليهم ،فصاروا يطعنون بالمسلمين ويأتمرون بالرلسول ،وكانت أخبار اليهود تصل للرلسول وللمسلمين، وصارت النفوس تمتلئ بالغل والضغينة ،وصار كل يمن اليهود والمسلمين يتربص بصاحبه الدوائر .وقد ازدادت وقاحة اليهود فكان أبو عفك أحد بني عمر بن عوف يرلسل الشعار يطعن بها على يمحمد وعلى المسلمين ،وكانت عصما ء بنت يمروان تعيب -143-
اللسلم وتؤذي النبي وتحمّرض عليه ،وكان كعب بن الشرف يشمّبب بنسا ء المسلمين ،ويذهب إلى يمكة ينشد الشعار ويحمّرض على طا ق المسلمون صبرا على ذلك فقتلوهم حتى ينزجر يمحمد .فلم ُي ِ اليهود. ولكنهم يمع خوفهم زاد أذاهم ،فطلب إليهم الرلسول أن يكفوا عن أذى المسلمين ،وأن يحفظوا عهد الموادعة أو ُينِزل بهم يما نزل بقريش ،فالستخمّفوا بوعيده وأجابوه "ل يغمّرمّنك يا يمحمد أنك ت يمنهم فرصة .إنا وا لئن ت قويما ل علم لهم بالحرب فأصب لَ لقي لَ ن أنا نحن الناس" .فلم يبا ق بعد ذلك إل مّ يمقاتلتهم، م مّ حاربناك لتعل لَ فخرج المسلمون وحاصروا بني قينقا ع في ُدورهم خمسة عشر يويما يمتتابعة ل يخرج يمنهم أحد ول يدخل بطعام أحد ،حتى لم يبا ق لهم إل مّ النزول على حكم يمحمد والتسليم بقضائه .ثم كان أن لسمح لهم أن ُيج لَلوا عن المدينة ف ُأجلوا عنها ،حتى بلغوا وادي القرى فأقايموا هناك زيمنا ،ويمن هناك احتملوا يما يمعهم ولساروا صوب الشمال حتى بلغوا أذرعات على حدود الشام ،فضعفت بإجلئهم شوكة اليهود وصاروا ُيظهرون الخضو ع للمسلمين. ما حانت لهم إل مّ أن ذلك كان خوفا يمن القوة والبطش ،ول مّ غلب المسلمون ب ُأحد تحركت ما ُ الفرصة تحركوا ثانية .فإنهم ل مّ الحقاد في نفولسهم وائتمروا بالرلسول ليقتلوه ،وقد أحس الرلسول بنمّياتهم ،فرأى أن يستدرجهم ليعرف نواياهم ،فذهب هو -144-
وعشرة يمن كبار المسلمين بينهم أبو بكر وعمر وعلي إلى بني سط غبطة ،ولكن الرلسول يما لبث أثنا ء تب مّ النضير فأظهروا الِبشر وال ِ بعضهم يمعه أن رأى لسائرهم يتآيمرون ،ويذهب أحدهم إلى ناحية، ويدخل أحدهم البيت الذي كان الرلسول يمستندا إلى جداره .إذ ذاك رابه أيمرهم ،وزاده ريبة يما كان يبلغه يمن حديثهم عنه وائتمارهم به؛ لذلك يما لبث أن انسحب يمن يمكانه تاركا أصحابه ورا ءه يظنون أنه قام لبعض أيمره .وحينئذ ُألسقط في يد اليهود واختلط عليهم اليمر وصاروا يحاولون السترضا ء المسلمين ،لكن أصحاب الرلسول الستبطئوه فقايموا في طلبه فوجدوه قد ذهب إلى المسجد، فذهبوا إليه فذكر لهم يما رابه يمن أيمر اليهود ،وبعث يمحمدا بن جلهم يمسلمة إلى بني النضير يأيمرهم أن يخرجوا يمن بلده ،وأ مّ عشرة أيام ،ثم حاصرهم وأخرجهم ،فخرجوا ونزل يمنهم بخيبر يمن نزل ولسار آخرون إلى أذرعات بالشام. وبذلك تم تطهير المدينة يمن فتنة اليهود ،ولم يبا ق إل مّ بنو قريظة ،فإنهم لم ينقضوا العهد فلم يتعرض لهم النبي ،ولكنهم حين رأوا يما حل ببني قينقا ع وبني النضير أظهروا المودة ،غير أن ذلك كان يمؤقتا حين رأوا البطش وخافوا يمن قوة المسلمين ،حتى إذا لسنحت لهم الفرصة ورأوا الحزاب قد جا ءت للقضا ء على ح لَيي بن أخطب ،ونقضوا المسلمين ،لسمع بنو قريظة كلم ُ عهدهم ،والستعدوا للستئصال المسلمين ،وأظهروا يمن الخبث -145-
والغدر يما ُيعد أخبث نقض للعهد. ولذلك بادأهم الرلسول بعد ذهاب الحزاب ،فذهب إليهم هو والمسلمون وحاصرهم يمدة خمسة وعشرين ليلة ،ولم يجرؤ ما أيقنوا أن لن تغني اليهود أن يخرجوا طوال يمدة الحصار .ول مّ عنهم حصونهم بعثوا للرلسول أن ابعث إلينا أبا لبابة لنستشيره في ما رأوه قام إليه أيمرنا ،وكان أبو لبابة يمن الوس حلفائهم ،فل مّ ق لهم .فقالوا له : الرجال وأجهش النسا ء والصبيان بالبكا ء حتى ر مّ أترى يا أبا لبابة أن ننزل على حكم يمحمد؟ قال :نعم ،وأشار بيده ما انصرف أبو لبابة عنهم إلى حلقه ،أنه الذبح إن لم تفعلوا .فل مّ عرض كعب بن ألسد عليهم آرا ء لم يقبلوها ،فقال لهم لم يبا ق إل مّ أن تنزلوا على حكم يمحمد ،فبعثوا إلى يمحمد يعرضون عليه الخروج إلى أذرعات تاركين ورا ءهم يما يملكون ،فأبى ذلك عليهم إل مّ أن ينزلوا على الحكم ،فالستشفعوا بالوس فجا ءوا يشفعون لهم ،فقال الرلسول :يا يمعشر الوس أل ترضون أن أجعل بيني وبين حلفائكم رجل م ً يمنكم؟ قالوا :بلى .قال :فقولوا لهم فليختاروا يمن شا ءوا .فاختار اليهود لسعد بن يمعاذ .وأخذ المواثيا ق على ما أعطوه الفريقين أن يسلم كلهما لقضائه وأن يرضى به .فل مّ المواثيا ق أيمر بني قريظة أن ينزلوا وأن يضعوا السل ح ففعلوا، فحكم لسعد فيهم أن ُتقتل المقاِتلة ،و ُتقسم اليموال و ُتسبى الذرية ما لسمع الرلسول هذا الحكم قال :والذي نفس يمحمد والنسا ء .فل مّ -146-
بيده لقد رضي بحكمك هذا ا والمؤيمنون وبه أيمرت .ثم خرج حفرت بها خنادق ثم جي ء باليهود أرلسال م ً إلى لسوق المدينة فأيمر ف ُ ضربت أعناقهم ،وفي هذه الخنادق ُدفنوا .و لَقسم النبي أيموال ف ُ بني قريظة ونسا ءهم وأبنا ءهم على المسلمين بعد أن أخرج يمنها خمس وأبقى يمن الغنائم يما أرلسل به لسعدا بن زيد النصاري ال ُ إلى نجد فابتا ع بها خيل م ً ولسلحا زيادة في قوة المسلمين الحربية. وبذلك ُقضي على بني قريظة .إل مّ أنه لم ُيقض على جميع اليهود ،وكانت هناك خيبر ،وكانت أقوى قبائل اليهود ،ولم تكن قد دخلت يمع الرلسول في حلف ،وكانت قد تواطأت يمع قريش على الرلسول قبل صلح الحديبية ،وكان وجودها أيضا شوكة في جانب الدولة .ويما أن أتم الرلسول يمعاهدة الحديبية حتى الستعد لن يضرب خيبر ضربة قاضية ،فأيمر الناس بالتجهز لغزو خيبر ،وانطلا ق المسلمون في ألف ولستمائة رجل ،ويمعهم يمائة فارس ،كلهم واثا ق بنصر ا ،وذهبوا إلى خيبر ،ووقفوا أيمام حصون خيبر يمتأهبين كايملي العدة .وتشاور اليهود فيما بينهم ،فأشار عليهم لسلم بن يمشكم فأدخلوا أيموالهم وعيالهم حصني الوطيح والسللم ،وأدخلوا ذخائرهم حصن ناعم ،ودخلت المقاِتلة وأهل الحرب حصن نطاة ،ودخل لسلم بن يمشكم يمعهم يحرضهم على الحرب. والتقى الجمعان حول حصن نطاة حيث المقاِتلة وأهل -147-
الحرب ،واقتتلوا قتال م ً شديدا حتى قيل إن عدد الجرحى يمن المسلمين في هذا اليوم بلغ خمسين .وتوفي لسلم بن يمشكم، فتولى الحارث بن أبي زينب قيادة اليهود ،وخرج يمن حصن ناعم حيث الذخائر ،يريد يمنازلة المسلمين ،فدحره بنو الخزرج واضطروه أن يرتد إلى الحصن على أعقابه ،وضمّيا ق المسلمون الحصار على حصون خيبر ،واليهود يستميتون في الدفا ع. وتتابعت اليام فبعث الرلسول أبا بكر إلى حصن ناعم كي يفتحه فقاتل ورجع دون أن يفتح الحصن ،وبعث عمر بن الخطاب في الغداة فكان حظه كحظ أبي بكر ،فدعا إليه علي بن أبي طالب ثم قال له :خذ هذه الراية فايمض بها حتى يفتح ا عليك. ما دنا يمن الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، ويمضى علي بالراية ،فل مّ فضربه رجل يمن اليهود فطر ح ترلسه يمن يده ،فتناول علي بابا كان عند حصن فتترس به ،فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الحصن ،ثم جعل الباب قنطرة اجتاز المسلمون عليها إلى داخل أبنية الحصن. وبعد حصن ناعم فتح المسلمون الحصون واحدا واحدا حتى انتهوا إلى الوطيح والسللم ،وكانا آخر حصنين يمنيعين .هنالك الستولى اليأس على نفوس اليهود فطلبوا الصلح على أن يحقن يمحمد ديما ءهم ،فقِبل الرلسول ذلك وأبقاهم على أرضهم التي آلت له بحكم الفتح على أن يكون لهم نصف ثمرها يمقابل عملهم. -148-
وبذلك خضعت خيبر. ثم لسمع اليهود يمن أهل فدك بخيبر فدب الرعب في قلوبهم فتصالحوا على نصف أيموالهم يمن غير قتال .وتجهز الرلسول للعودة إلى المدينة عن طريا ق وادي القرى ،وفي طريقه لَقِبل يهود تيما ء الجزية يمن غير حرب ول قتال .وبذلك دانت اليهود كلها لسلطان النبي ،وانتهى كل يما كان لهم يمن لسلطان ،فصار الرلسول بمأيمن في جزيرة العرب ،والستقر لسلطانه ،فاطمأن إلى الداخل كل الطمئنان. الستمرار الدولة اللسليمية توفي الرلسول صلى ا عليه ولسلم فأجمع الصحابة على بيعة خليفة له في رئالسة الدولة ،وظل المسلمون يقيمون رئيسا للدولة حتى لسنة 1342هـ1924-م ،وكانوا يسمونه خليفة ،أو أيمير المؤيمنين ،أو اليمام ،ول يكون أي شخص خليفة إل مّ بالبيعة. ولسارت الدولة اللسليمية طوال أيايمها حتى آخر خليفة ،أي حتى نهاية الدولة اللسليمية في هذا السبيل ،ل يكون الشخص خليفة إل مّ بالبيعة. عهد إلى وقد تنمّو ع تطبيا ق البيعة ،فبويع الخليفة يمباشرة ،و لَ غيره يمن غير أقاربه ،وعهد إلى ابنه أو أحد أقاربه ،وعهد إلى أكثر يمن واحد يمن الموجودين يمن أهله ،لكن هذا العهد لم يكن وحده -149-
الذي يجعله خليفة بل كان يأخذ البيعة حين يتولى الخلفة ،ول يوجد خليفة تولى رئالسة الدولة دون بيعة. وقد تنمّو ع أخذ البيعة ،ف ُأخذت يمن أهل الحل والعقد ،و ُأخذت يمن الناس ،و ُأخذت يمن شيخ اللسلم ،وكان يسا ء أخذها أحيانا، ولكنها كانت بيعة ،ولم تكن ولية عهد يستحا ق بها الخلفة. وكان كل خليفة يعمّين يمعه يمعاونين أطلا ق عليهم في بعض العصور أنهم وزرا ء ،أي يمعاونون .وكان الخليفة يعمّين الولة، وقاضي القضاة ،و ُقواد الجيش ،ويمن يتولون دوائر الدولة. وهكذا الستمر شكل الحكم في جميع العصور كما هو لم يتغير بالنسبة لوضعه أي شي ء يمنه .فتكون الدولة اللسليمية قد الستمر قيايمها حتى هديمها الكافر المستعمر حين قضى على سم العالم اللسليمي إلى دويلت. الدولة العثمانية و لَق لَ لقد حصلت في الدولة اللسليمية عدة حوادث داخلية في يمختلف العصور ،ولم يكن حدوثها ناجما عن دوافع غير إلسليمية، وإمّنما كان عن فهم إلسليمي للوضع الذي كان قائما حين حدوثها، فقام هؤل ء الفاهمون للوضع القائم يعملون حسب فهمهم لتصحيحه تصحيحا يتفا ق يمع يما يفهمون ،وكلهم يمجتهد يفهم يمعالجة الوضع بطريقة غير الطريقة القائمة ،وكلهما فه ٌ م إلسليمي ورأي إلسليمي ،ولهذا نجد الخلف دائرا على شخص الخليفة ل يمركز الخلفة ،وعلى يمن يكون في الحكم ل على شكل -150-
الحكم ،والخلف يمحصور في الفرو ع والتفاصيل ل في الصول ول في الخطوط العريضة .ولم يختلف أحد يمن المسلمين في الكتاب والسمّنة وإمّنما اختلفوا في فهمهما ،ولم يختلفوا في نصب خليفة وإمّنما اختلفوا فيمن يكون خليفة ،ولم يختلفوا في وجوب تطبيا ق اللسلم كله وحمله إلى العالم ،ولساروا كلهم على هذا اللساس ينفذون أحكام ا ،ويدعون الناس إلى دين ا. نعم ،إن بعضهم ألسا ء تطبيا ق بعض أحكام اللسلم عن لسو ء فهم ،وبعضهم ألسا ءه عن لسو ء قصد ،ولكنهم جميعا كانوا يطبقون اللسلم ليس غير ،وكانوا جميعا يقيمون علقاتهم يمع غيرهم يمن الدول والشعوب واليمم على ألساس اللسلم وحمل حل الخلفات الداخلية الدعوة اللسليمية إلى العالم ،ولذلك لم ت ُ دون ايمتداد الفتوحات ،ولم تقف دون نشر اللسلم ،وظلت الدولة اللسليمية تفتح البلدان لنشر اللسلم طوال أيايمها حتى القرن الحادي عشر الهجري الموافا ق للقرن السابع عشر الميلدي، ففتحت فارس والهند والقفقاس إلى أن وصلت حدود الدولة اللسليمية إلى الصين ورولسيا حتى يما ورا ء بحر قزوين شرقا، ل ،ويمصر وشمالي افريقيا والسبانيا غربا ،كما وفتحت الشام شما م ً فتحت الناضول والبلقان وجنوب أوروبا وشرقيها حتى شمال البحر اللسود بما في ذلك الِقرم وجنوب أوكرانيا ،وتقديمت جيوش الدولة حتى وصلت إلى ألسوار فينا في النمسا .ولم تقعد عن -151-
الفتوحات وعن حمل الدعوة اللسليمية إل مّ حين بدأ يدب الوهن إليها ،وظهر عليها لسو ء فهم اللسلم .وقد وصل ضعفها في فهم اللسلم حدا كبيرا أدى إلى اضطراب تطبيقها لللسلم ،وإلى الستعانتها في الستعارة يما تعتقد أنه ل يخالفه يمن النظمة الخرى ف ُقضي عليها. ولقد كان لسير الدولة يمتمشيا يمع قوتها الفكرية ،وتومّفر قوة البدا ع والجتهاد فيها ،فهي في القرن الول ايمتدت فتوحاتها، وتولسع الجتهاد فيها ،وواجهت يمشاكل جديدة في البلد المفتوحة ل .وأدى تطبيا ق الحكام الشرعية على المسائل الستنبطت لها حلو م ً الجديدة التي حدثت في فارس والعراق والشام ويمصر والسبانيا والهند والقفقاس وغيرها إلى أن يدخل أهل هذه البلد جميعها في جملتهم في حظيرة اللسلم ،يمما يدل على صدق اللستنباط وقوة البدا ع والجتهاد .إذ اللسلم يمقطو ع بصحته ،وفهمه فهما صحيحا هو الذي يؤدي إلى رؤية الناس له يمشِرقا في تطبيقه وفي تعليم أحكايمه. وقد الستمر هذا البدا ع والجتهاد واللستنباط حتى القرن الخايمس الهجري الحادي عشر الميلدي ،فأخذ البدا ع يضعف والجتهاد يقل ،فأدى ذلك إلى ضعف كيان الدولة ،ثم كانت شغل المسلمون بها إلى أن انتهت بانتصار الحروب الصليبية ،ف ُ المسلمين. -152-
فجا ء المماليك وحكموا وهم ل يقمّدرون الجتهاد ،ول ُيع لَنيْون بالفكار ،فزاد الضعف الفكري والستتبعه الضعف السيالسي .وزاد الطين بلة غزو التتار وطرحهم كتب اللسلم في دجلة وقضاؤهم على ثروة فكرية هائلة؛ فكان هذا الضعف الفكري الذي أوقف جمّدة على إصدار الفتاوى، الجتهاد ،واق ُتصر بحث المسائل المست لَ وتأويل النصوص .فهبط المستوى الفكري في الدولة ،وأدى إلى هبوط المستوى السيالسي. ثم جا ء العثمانيون وتسلموا الحكم في الدولة اللسليمية، شغلوا بالقوة العسكرية وبالفتوحات ،ففتحوا الستانبول والبلقان و ُ واندفعوا في أوروبا اندفاعا قويا جعلهم الدولة الولى في العالم. ولكن المستوى الفكري لم يرتفع ،فلم تزد هذه القوة العسكرية عن وثبة ليس لها لسند فكري ،يما لبثت أن انحسرت قواها عن البلدان اللسليمية شيئا فشيئا إلى أن انتهت .ولكنها كانت على أي حال تحمل الدعوة اللسليمية وتنشر اللسلم ،وقد دخل يمن أهل البلدان المفتوحة المليين يمن الناس في اللسلم ،ول يزالون يمسلمين. نعم ،لقد كان تعدد فهم اللسلم وعدم تبني الخليفة أحكايما يمعينة في نظام الحكم يمع أنه تبنى في القتصاد وغيره أحكايما يمعينة ،لقد كان لذلك أثر في تمكين بعض الحكام يمن الخلفا ء والولة يمن تسيير الحكم وجهة تؤثر على وحدة الدولة وعلى -153-
قوتها ،ولكن ذلك لم يؤثر على وجودها ،فقد كانت الولية العايمة للولة وإعطاؤهم صلحيات والسعة نيابة عن الخليفة لسببا في تحرك أحالسيس السيادة فيهم ،فصاروا شبه يمستقلين في الولية، واكتفوا ببيعة الخليفة ،والدعا ء له على المنابر ،وضرب النقد بالسمه ،ويما شاكل ذلك يمن اليمور الشكلية .وبقي أيمر الحكم في أيديهم يمما جعل هذه الوليات شبه دول يمستقلة ،يمثل الحمدانيين والسلجوقيين وغيرهم. والولية العايمة لم تؤثر على وحدة الدولة باعتبارها ولية عايمة ،فقد كانت ولية عمرو بن العاص في يمصر ولية عايمة، وولية يمعاوية بن أبي لسفيان في الشام ولية عايمة ،ويمع ذلك لم ينفرد الوالي عن الخليفة بشي ء ،وظلت وحدة الدولة يمحفوظة عف الخلفا ء وقِبلوا يمن الولة هذا ما ض ُ لقوة الخلفا ء .ولكن ل مّ الوضع ،حصل هذا المظهر في الوليات ،وهو يمظهر الدولة في الولية يمع كونها ولية تابعة وجز ءا يمن كيان الدولة. وبالرغم يمن كل ذلك فقد ظلت الدولة ِوحدة واحدة، فالخليفة هو الذي يعين الوالي ويعزله ،ويمهما بلغت قوة الوالي يما كان يجرؤ على عدم العتراف بالخليفة ،ولم تكن الدولة اللسليمية في يوم يمن اليام اتحاد وليات ،حتى في أشد عهود الستقلل الولة ،وإمّنما كانت دولة واحدة لها خليفة واحد ،هو وحده صاحب الصلحية في كل ناحية يمن نواحي الدولة ،في المركز ،والوليات، -154-
والمدن ،والقرى ،والدلساكر على السوا ء. أمّيما يما حصل يمن وجود خلفة في الندلس ،ونشو ء خلفة الفاطميين في يمصر ،فإن أيمره يختلف عن يموضو ع الولة .ذلك أن الندلس قد الستولى عليها الولة ،والستقلوا بها ولم يبا لَيع الوالي لسمي فيما بعد بالخليفة لهل تلك الولية ل خليفة للمسلمين وإمّنما ُ للمسلمين عايمة .وظل خليفة المسلمين واحدا وظل الحكم له، وبقيت ولية الندلس ُينظر إليها كولية غير داخلة في حكم الخليفة كما كانت الحال في إيران أيام الدولة العثمانية ،فلم يكن فيها خليفة ثان وإمّنما كانت ولية غير داخلة في حكم الخليفة. وأمّيما نشو ء خلفة الفاطميين في يمصر فلم تكن خلفة ثانية في الدولة اللسليمية وإمّنما كانت يمحاولة لنقل الخلفة إلى آل البيت بنا ء على فهم إلسليمي بأن الخلفة في آل البيت ،وهو يشبه إلى حد كبير يما فعله العبالسيون حين أخذوا الحكم يمن اليمويين ،فقد قايموا على فهم لسيالسي في بلد الفرس والعراق ،وبايعوا الخليفة ثم قضوا على خلفة اليمويين .وكذلك الحال يمع الفاطميين بايعوا علها فيهم فقط، موا توحيد الدولة بنقل الخلفة لهم ،وج يْ خليفة ل ُيِت مّ إلى أن انتهت خلفتهم ،وبقيت خلفة العبالسيين. ولهذا ل نسمي تغيير الحكم يمن اليمويين إلى العبالسيين انقلبا وإمّنما هو تغيير في الحكام ،كذلك ل نسمي قيام خلفة فاطمية في يمصر يمع وجود خلفة عبالسية في بغداد تعدادا -155-
للخلفة وإمّنما هو يمحاولة لنقل الخلفة يمن فئة إلى فئة. وعليه فإن الدولة اللسليمية الستمرت في الحكم دولة واحدة ل ،وإمّنما كانت يمحاولت ووحدة واحدة ،لم تتجزأ ،ولم تكن دو م ً للوصول إلى الحكم رغبة في تنفيذ فهم يمعين لللسلم في شؤون الحكم ،ثم انتهت وظلت الخلفة واحدة ،وظلت الدولة اللسليمية وحدة واحدة. ويمما يدل كذلك على وحدة الدولة اللسليمية رغم تعدد أوضا ع الحكم أن المسلم كان ينتقل يمن بلد إلى بلد يمن يمشارق الرض إلى يمغاربها ،في البقا ع التي يسود فيها اللسلم ،ولم يكن ُيسأل عن بلده ،ول عن السما ح له بالتجول؛ لن بلد اللسلم واحدة. وهكذا ظلت الدولة اللسليمية تجمع المسلمين في وحدة واحدة ،وظلت دولة إلسليمية .والستمرت هذه الدولة قوية يمندفعة في يمختلف العصور ،حتى قضى عليها الكافر المستعمر بوصفها دولة إلسليمية لسنة 1924م حين أزال الخلفة اللسليمية يمن الوجود على يد كمال أتاتورك. السيالسة الداخلية للدولة اللسليمية السيالسة الداخلية للدولة اللسليمية هي تنفيذ أحكام اللسلم في الداخل .وقد كانت الدولة اللسليمية تنفذ أحكام اللسلم في -156-
البلد التي تخضع لسلطانها ،فتنظم المعايملت ،وتقيم الحدود، وتنفذ العقوبات ،وتحرس الخلق ،وتضمن القيام بالشعائر والعبادات ،وترعى جميع شؤون الرعية حسب أحكام اللسلم. وقد بمّين اللسلم الكيفية التي تنَّفذ بها أحكايمه على الناس الذين يخضعون لسلطانه ،يممن يعتنقونه ويممن ل يعتقدون به، فكانت الدولة اللسليمية تطبا ق أحكام اللسلم حسب هذه الكيفية، لن طريقة التنفيذ حكم شرعي ،كما أن يمعالجات المشاكل حكم طبون باللسلم هم جميع الناس؛ لن ا قد شرعي .والمخا لَ خاطب باللسلم جميع بني النسان بوصف النسانية فقط ل بأي وصف آخر ،قال تعالى :يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين ِيمن لَقبلكم لعلكم تتقون يا أيها النسان يما غمّرك بربك الكريم. طب بالحكام وقد اعتبر علما ء أصول الفقه أن المخا لَ الشرعية هو كل عاقل يفهم الخطاب ،لسوا ء أكان يمسلما أو غير يمسلم ،وقد قال اليمام الغزالي في كتاب "المستصفى في الصول" " :إن المحكوم عليه هو المكَّلف ،وشرطه أن يكون عاقل م ً يفهم الخطاب ،وأن أهلية ثبوت الحكام في الذيمة تستفاد يمن النسانية التي بها يستعد لقبول قوة العقل الذي به فهم التكليف". طب باللسلم جميع بني النسان خطاب وعلى ذلك كان المخا لَ دعوة وخطاب تكليف .أمّيما خطاب الدعوة فالمقصود به دعوة -157-
الناس إلى اعتناق اللسلم ،وأمّيما خطاب التكليف فالمقصود به إلزام الناس بالعمل بأحكام اللسلم. هذا بالنسبة للناس عايمة ،أمّيما بالنسبة للذين تحكمهم الدولة اللسليمية ،فإن اللسلم يعتبر الجماعة التي ُتحكم بموجب هذا النظام وحدة إنسانية ،بغض النظر عن طائفتها وجنسها ،ول ُيشترط فيها إل مّ التابعية )وهي الول ء للدولة والنظام( ،ول توجد فيه القليات ،بل جميع الناس باعتبار إنساني فقط هم رعايا في الدولة اللسليمية ،يما دايموا يحملون التابعية .فكل يمن يحمل تابعية الدولة يتمتع بالحقوق التي قررها الشر ع له ،لسوا ء أكان يمسلما أو غير يمسلم ،وكل يمن ل يحمل التابعية ُيحرم يمن هذه الحقوق ولو كان يمسلما .فلو أن رجل م ً يمسلما له أم نصرانية تحمل التابعية اللسليمية ،وله أب يمسلم ل يحمل التابعية اللسليمية ،فإن أيمه تستحا ق النفقة يمنه ول يستحقها أبوه ،فلو طلبت أيمه نفقة يمنه حكم لها القاضي بالنفقة لنها تحمل التابعية ،أمّيما لو طلب أبوه يمنه نفقة ل يحكم له القاضي بالنفقة ويرد دعواه؛ لنه ل يحمل التابعية .فهو قد اعتبر الجماعة التي ُتحكم باللسلم رعية ،وجعل التابعية هي الجايمعة بينهم في الستحقاقهم رعاية شؤونهم باللسلم ،ويصبحون يعيشون في دار اللسلم. هذا بالنسبة للنظرة إليهم يمن ناحية الحكم ورعاية الشؤون، أمّيما يمن ناحية تطبيا ق أحكام اللسلم ،فإنها تأخذ الناحية التشريعية -158-
القانونية ل الناحية الروحية ،وذلك أن اللسلم ينظر للنظام المطَّبا ق عليهم باعتبار تشريعي قانوني ل باعتبار ديني روحي ،أي باعتبار الحكام الشرعية ل باعتبار ناحية التدين ،وذلك لن النصوص حظ فيها الناحية التشريعية ،لن النص قد جا ء الشرعية تل لَ لمعالجة المشكلة ،والشار ع قصد اتبا ع المعاني ل الوقوف على النصوص ،ولذلك يراعى في الستنباط الحكام وجه العمّلة يمن الحكم ،أي تراعى في النص حين الستنباط الحكم الناحية التشريعية. وهذا التشريع حين يأيمر به خليفة المسلمين يصبح قانونا يجب تنفيذه على الجميع .ويمن هنا كان خضو ع الناس جميعا في الدولة اللسليمية للحكام الشرعية أيمرا حتميا ،فالذين يعتقدون اللسلم -أي المسلمين -يكون اعتناقهم له واعتقادهم به هو الذي ُيلزيمهم بجميع أحكايمه؛ لن التسليم بالعقيدة تسليم بجميع الحكام المنبثقة عنها ،فكان اعتقادهم يملِزيما لهم بجميع يما أتت به هذه العقيدة إلزايما حتميا ،ولذلك كان اللسلم بالنسبة للمسلمين شريعة يمنها التشريع ،أي دينا يمنه القانون ،وهم يمج لَبرون على القيام بجميع أحكايمه ،لسوا ء المتعلقة بعلقتهم بالله وهي العبادات ،أو المتعلقة بعلقتهم بأنفسهم وهي الخلق والمطعويمات ،أو المتعلقة بغيرهم وهي المعايملت والعقوبات. والمسلمون يمتفقون في العقيدة اللسليمية ،وفي أن الكتاب -159-
والسمّنة هما يمصدر الدلة الشرعية والقواعد الشرعية والحكام الشرعية ،ول يختلف أحد يمنهم في ذلك يمطلقا ،ولكنهم بحكم الجتهاد يمختلفون في فهم الكتاب والسمّنة ،فكانوا يمن جرا ء هذا الختلف في الفهم يمذاهب يمختلفة ،وفرقا يمتعددة ،وذلك أن اللسلم جعل المسلمين يجتهدون في الستنباط الحكام ،وبطبيعة تفاوت الفهام حصل الختلف في فهم الفكار المتعلقة بالعقائد، وفي كيفية اللستنباط ،وفي الحكام والرا ء المستن لَبطة ،فأدى ذلك إلى وجود الِفرق والمذاهب .وقد حث الرلسول على الجتهاد وبمّين أن الحاكم إذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد وإذا أصاب فله أجران اثنان. وفتح اللسلم باب الجتهاد؛ ولذلك لم يكن عجيبا أن يكون هنالك أهل السمّنة والشيعة والمعتزلة وغيرهم يمن الفرق اللسليمية ،ولم يكن غريبا أن يكون هنالك الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة والجعفرية والزيدية وغيرهم يمن المذاهب اللسليمية .وجميع الفرق اللسليمية والمذاهب اللسليمية تعتنا ق طبون باتبا ع عقيدة واحدة هي العقيدة اللسليمية ،وجميعهم يمخا لَ أوايمر ا واجتناب نواهيه ،ويمأيمورون باتبا ع الحكم الشرعي ل اتبا ع يمذهب يمعين ،ويما المذهب إل مّ فهم يمعين للحكم الشرعي يقلده غير المجتهد حين ل يستطيع الجتهاد ،فالمسلم يمأيمور بالحكم الشرعي ل بالمذهب ،يأخذ هذا الحكم بالجتهاد إن كان -160-
قادرا عليه ،ويأخذه بالتبا ع أو التقليد إن كان غير قادر على الجتهاد. وعلى ذلك فإن جيمع الفرق والمذاهب التي تعتقد العقيدة اللسليمية وتعتقد بالكتاب والسمّنة وأنهما وحدهما يمصدر الدلة الشرعية والقواعد الشرعية والحكام الشرعية ،هذه الفرق والمذاهب كلها يمسلمة ،وهؤل ء جميعهم ُيعتبرون يمسلمين ،وتنَّفذ عليهم أحكام اللسلم ،وعلى الدولة أل تتعرض لهذه الفرق اللسليمية ،ول لتبا ع المذاهب الفقهية ،يما دايمت ل تخرج عن عقيدة اللسلم .أمّيما إذا خرجت عن عقيدة اللسلم أفرادا أو جماعات فإنها لَتعتبر ذلك ارتدادا عن اللسلم ،وتطِّبا ق عليهم أحكام المرتدين. والمسلمون يمطا لَلبون بجميع أحكام اللسلم ،إل مّ أن هذه الحكام يمنها يما هو قطعي ليس فيه إل مّ رأي واحد كقطع يد السارق ،وتحريم الربا ،ووجوب الزكاة ،وكون الصلوات المفروضة خمسا ،ويما شاكل ذلك ،فإن هذه الحكام تنَّفذ على جميع المسلمين في فهم واحد لنها قطعية. وهناك أحكام وأفكار وآرا ء قد اخ لَتلف المسلمون في فهمها، و لَفِهمها كل يمجتهد خلف فهم الخر ،يمثل صفات الخليفة ،وأخذ عشر على الرض الخراجية ،وإجارة الرض ،وغير ذلك ،فهذه ال ُ الحكام المخت لَلف فيها يتبنى الخليفة رأيا يمنها فتصبح طاعته واجبة -161-
على الجميع ،وحينئذ على كل يمن يفهم رأيا غير الرأي الذي أيمر به اليمام أن يترك رأيه ويعمل برأي اليمام فقط ،لن أيمر اليمام يرفع الخلف ،وطاعة اليمام في ذلك واجبة ،ويجب أن ينفذ المسلمون جميعا أيمرا الخليفة فيما يتبناه يمن أحكام ،لن أيمره نافذ ظاهرا وباطنا أي في السر والعلنية ،ويأثم كل يمن عمل بحكم شرعي غير الحكم الذي تبناه اليمام وأيمر به ،لنه بعد أيمر الخليفة يعتبر الحكم الشرعي في حا ق المسلمين هو يما أيمر به اليمام ،ويما عداه ل يعتبر حكما شرعيا بحا ق المسلمين ،لن الحكم الشرعي في المسألة الواحدة ل يتعدد بحا ق الشخص الواحد. إل مّ أن الخليفة ل يتبنى شيئا في العقائد ،لن هذا التبني يجعل الحرج على المسلمين فيما يعتقدون .إل مّ أنه إذا ظهر أهل بد ع وأهوا ء بعقائد غير صحيحة فإن الدولة تتولى تأديبهم بعقوبات زاجرة إذا كانت هذه العقائد ل يك ُفر يمعتقدها ،أمّيما إذا كانت يمما يك ُفر يمعتقدها فيعا لَيملون حينئذ يمعايملة المرتدين. وكذلك ل يتبنى الخليفة شيئا في العبادات ،لن هذ التبني يجعل المشقة على المسلمين في عباداتهم؛ ولذلك ل يأيمر برأي يمعين في العقائد يمطلقا يما دايمت العقيدة إلسليمية ،ول يأيمر بحكم يمعين في العبادات ،يما عدا الزكاة ،يما دايمت هذه العبادات أحكايما شرعية ،ويتبنى فيما عدا ذلك في المعايملت جميعها ،يمن بيع وإجارة وزواج وطلق ونفقة وشركة وكفالة ..الخ ،وفي العقوبات -162-
جميعها يمن حدود وتعزير ،وفي المطعويمات والملبولسات والخلق ،وعلى المسلمين أن يطيعوه فيما يتبناه. نعم إن الخليفة ينفذ أحكام العبادات فيعاِقب تارك الصلة طر في ريمضان ،وينفذ جميع أحكام العبادات ،كما ينفذ لسائر والمف ِ الحكام لسوا ء بسوا ء ،وهذا التنفيذ هو واجب الدولة ،لن وجوب الصلة ليس يمجال اجتهاد ول يعتبر تبنيا في العبادات ،وإمّنما هو تنفيذ لحكم شرعي يمقطو ع به عند الجميع ،ويتبنى لتنفيذ العقوبات على العبادات رأيا شرعيا يلزم الناس بالعمل به ،كما يتبنى لتنفيذ العقوبات على أي حكم يمن لسائر الحكام. هذا بالنسبة للمسلمين ،وأمّيما غير المسلمين فهم يعتنقون عقيدة غير العقيدة اللسليمية وهم : -1الذين يمّدعون أنهم يمسلمون ويعتقدون عقيدة تناقض عقيدة اللسلم. -2الذين هم يمن أهل الكتاب. -3المشركون ويشمل الصابئة والمجوس والهندوك وجميع يمن ليسوا يمن أهل الكتاب. وهؤل ء جميعا ُيتركون ويما يعتقدون ويما يعبدون ،ويسيرون في أيمور الزواج والطلق حسب أديانهم ،وتعِّين الدولة لهم قاضيا يمنهم ينظر في خصويماتهم هذه في يمحاكم الدولة .وأمّيما المطعويمات والملبولسات فإنهم يعا لَيملون بشأنها حسب أحكام -163-
دينهم ضمن النظام العام .ويعا لَيمل غير أهل الكتاب كمعايملة أهل لسمّنوا بهم الكتاب ،قال عليه الصلة والسلم في حا ق المجوس ُ } : لسمّنة أهل الكتاب.{، أمّيما المعايملت والعقوبات فإنها تنَّفذ على غير المسلمين كما تنَّفذ على المسلمين لسوا ء بسوا ء ،فتقام العقوبات على غير المسلمين كما تقام على المسلمين ،وتنَّفذ و ُتفسخ يمعايملت غير المسلمين كما تنَّفذ و ُتفسخ يمعايملت المسلمين لسوا ء بسوا ء ،يمن غير تفريا ق أو تمييز بين شخص وآخر لن جميع يمن يحملون طبون التابعية على اختلف أديانهم وأجنالسهم ويمذاهبهم ،يمخا لَ بأحكام الشريعة اللسليمية في أيمور المعايملت والعقوبات، ويمكَّلفون باتبا ع الحكام والعمل بها ،إل مّ أن تكليفهم بذلك إمّنما هو يمن ناحية تشريعية قانونية ل يمن ناحية دينية روحية ،فل ُيج لَبرون على العتقاد بها لنهم ل ُيج لَبرون على اللسلم ،قال تعالى :ل إكراه في الدين ،ونهى الرلسول صلى ا عليه ولسلم على أن ُيفتن أهل الكتاب في دينهم ،ولكن ُيج لَبرون على الخضو ع لحكام اللسلم يمن ناحية كونها تشريعا وقانونا واجب التنفيذ. والخلصة هي أن الدولة في لسيالستها الداخلية تنفذ الشر ع اللسليمي على جميع الذين يحملون التابعية لسوا ء أكانوا يمسلمين أو غير يمسلمين ،ويكون تنفيذها على الوجه التي : أ -تنَّفذ على المسلمين أحكام اللسلم جميعها. -164-
بُ -يترك غير المسلمين ويما يعتقدون ويما يعبدون. ج -يعا لَيمل غير المسلمين في أيمور المطعويمات والملبولسات حسب أديانهم ضمن النظام العام. صل أيمور الزواج والطلق بين غير المسلمين حسب دُ -تف لَ أديانهم يمن قضاة يمنهم في يمحاكم الدولة ل في يمحاكم خاصة، صل هذه اليمور بينهم وبين المسلمين حسب أحكام اللسلم و ُتف لَ يمن قضاة يمسلمين. هـ -تنفذ الدولة باقي يمور الشريعة اللسليمية يمن يمعايملت وعقوبات ونظم حكم واقتصاد وغيرها على الجميع ،ويكون تنفيذها على المسلمين وعلى غير المسلمين على السوا ء. و -جميع الذين يحملون التابعية اللسليمية هم رعايا الدولة تجب رعايتهم جميعهم على السوا ء دون تفريا ق بين المسلمين وغير المسلمين. السيالسة الخارجية للدولة اللسليمية السيالسة الخارجية هي علقة الدولة بغيرها يمن الدول والشعوب واليمم ،وهذه العلقة هي رعاية شؤون المّيمة خارجيا. والسيالسة الخارجية للدولة اللسليمية هي علقتها بغيرها يمن الدول والشعوب واليمم .وتقوم هذه السيالسة الخارجية على فكرة ثابتة ل تتغير ،هذه الفكرة الثابتة هي نشر اللسلم في -165-
العالم في كل أمّيمة وكل شعب .وهذا هو اللساس الذي تقوم عليه السيالسة الخارجية للدولة اللسليمية ،وهذا اللساس ل يتغير أبدا، ول يختلف يمهما اختلف الشخاص القائمون على الحكم. وقد كان هذا اللساس يموجودا وثابتا في جميع العصور يمنذ أن الستقر الرلسول صلى ا عليه ولسلم حتى انتهت الدولة العثمانية بوصفها آخر الدولة اللسليمية ،ولم يتغير هذا اللساس يمطلقا .فمنذ أن أقام الرلسول صلى ا عليه ولسلم في المدينة بدأ يقيم علقة الدولة اللسليمية بغيرها على ألساس نشر اللسلم، ع لَقد يمع اليهود يمعاهدات ليتفرغ لنشر الدعوة في الحجاز ،ثم ف لَ عقد يمعاهدة الحديبية يمع قريش ليتمكن يمن نشر الدعوة في جزيرة العرب ،ثم أرلسل الكتب للدول الموجودة خارج الجزيرة العربية ليقيم يمعها علقات على ألساس نشر اللسلم بدعوتهم للدخول فيه .ثم جا ء خلفاؤه يمن بعده فأقايموا علقاتهم يمع الدول جميعها على ألساس نشر اللسلم ،وأخذوا يحملون الدعوة اللسليمية إلى العالم. وقد كان الحكام الذين يتولون الحكم يتفاوتون في نشر اللسلم ،فاليمويون كانوا أكثر فتحا للبلدان وأكثر نشرا لللسلم في الخارج يمن العبالسيين ،والعثمانيون كانوا أكثر فتحا للبلدان وأكثر نشرا لللسلم في الخارج يمن المماليك .ولكن هذا التفاوت كان حسب تفاوت عناية الدولة بسيالستها الخارجية .أمّيما نشر اللسلم -166-
فقد ظل اللساس الذي تقوم عليه علقة الدولة اللسليمية بغيرها يمن الدول والشعوب واليمم ،ولم يتغير لدى أي خليفة يمن الخلفا ء. ووجود الدولة إمّنما هو يمن أجل تطبيا ق اللسلم في الداخل، وحمل دعوته في الخارج إلى العالم؛ ولذلك كانت يمهمة الدولة اللسليمية في الخارج إمّنما هي حمل الدعوة اللسليمية. والذي يجعل نشر اللسلم ألسالسا للسيالسة الخارجية هو أن رلسالة يمحمد عليه الصلة والسلم للناس كافة ،قال تعالى :ويما أرلسلناك إل مّ كافة للناس بشيرا ونذيرا ،وقال تعالى :يا أيها الناس قد جا ءكم يموعظة يمن ربكم ، ...وقال تعالى :يا أيها ل :وأوحي الناس إني رلسول ا إليكم جميعا ،وقال عمّز وج مّ ي هذا القرآن لنذركم به و لَيمن لَبلغ ،وقال :يا أيها الرلسول بِّلغ إل مّ يما ُأنزل إليك يمن ربك وإن لم تفعل فما بمّلغت رلسالته ،وقد قام ما التحا ق بالرفيا ق العلى الرلسول بتبليغ الرلسالة للناس ,ول مّ الستمرت رلسالته للناس يبلغهم إياها المسلمون ،فكان حمل الدعوة اللسليمية للعالم الستمرارا لعمل الرلسول صلى ا عليه ولسلم. وقد لسار المسلمون على ذلك والستمروا في حمل الدعوة اللسليمية ،وقد قال عليه السلم في خطبة الودا ع } :أل فليبمّلغ ضر ا ب يمبَّلغ أوعى يمن لسايمع ،{،وقال } :ن مّ الشاهد الغائب ،ف ُر مّ ايمر ءا لسمع يمقالتي فوعاها فأمّداها كما لسمعها.{، -167-
وهكذا كان حمل الدعوة اللسليمية ألسالسا لعلقة الدولة اللسليمية بغيرها يمن الدول والشعوب واليمم في أيام الرلسول، وفي أيام خلفائه ِيمن بعده ،وهذا هو الحكم الشرعي ،وهو ثابت بالكتاب والسمّنة وإجما ع الصحابة ،ولذلك فإن السيالسة الخارجية للدولة اللسليمية هي حمل الدعوة اللسليمية للعالم. وتنَّفذ هذه السيالسة الخارجية بطريقة ثابتة ل تتغير هي الجهاد يمهما اختلف الشخاص القائمون على الحكم. وقد كانت هذه الطريقة ثابتة في جميع العصور يمنذ أن الستقر الرلسول صلى ا عليه ولسلم حتى انتهت آخر الدولة اللسليمية ،ولم تتغير هذه الطريقة يمطلقا .فإن الرلسول صلى ا عليه ولسلم يمنذ أن أقام الدولة في المدينة هيأ الجيش ،وبدأ الجهاد لزالة الحواجز المادية التي تقف دونها ،فكانت قريش حاجزا يماديا يقف في لسبيل الدعوة اللسليمية ،فصمم على إزالته ،ثم أزال قريشا ككيان يقف في وجه الدعوة ،كما أزال غيره يمن الكيانات م اللسلم جميع جزيرة العرب ،ثم التي تقف في لسبيلها ،إلى أن ع مّ بدأت الدولة اللسليمية تطرق أبواب اليمم الخرى لنشر اللسلم بينهم ،فوجدت كيان الحكم القائم على هذه اليمم حاجزا يماديا حول دون الدعوة ،فكان ل بد يمن إزالة هذا الكيان يمن وجه ي ُ الدعوة ،والوصول إلى الشعب نفسه ل ُيدعى إلى اللسلم ،بحكمه به حتى يرى ويلمس عدل اللسلم والرفاهية والهنا ء في العيش -168-
تحت رايته ،ويدعونه إليه بالتي هي أحسن دون إكراه ول إجبار. وهكذا الستمر الجهاد طريقة لنشر اللسلم ،ف ُفتحت بالجهاد البلدان والقطار ،وأزيلت بالجهاد الممالك والدول ،وحكم اللسلم الشعوب واليمم ،و ُنشر اللسلم فاعتنقه يمئات المليين يمن البشر حكموا به ،فكانت الطريقة التي ا ُتبعت في تنفيذ السيالسة بعد أن ُ الخارجية هي الجهاد ،وكانت ثابتة ل تتغير ولن تتغير أبدا. والجهاد هو الدعا ء إلى اللسلم والقتال في لسبيل ا، يمباشرة أو يمعاونة بمال أو رأي أو تكثير لسواد .وهو فرض بنص القرآن والحديث .وكان المسلمون ل يبدأون العدو بالقتال حتى يعرضوا عليه اللسلم أو الجزية ،والحكم الشرعي في الجهاد هو صيْرنا العدا ء يمن الكفار دعوناهم إلى اللسلم ،فإن أنه إذا حا لَ ألسلموا صاروا جز ءا يمن المّيمة اللسليمية وحرم قتالهم .وإن أبوا طلبت يمنهم الجزية ،فإن دفعوها عصموا بها ديما ءهم اللسلم ُ وأيموالهم ،وصارت بلدهم دار إلسلم ُتحكم باللسلم ،وصار لهم يما للمسلمين يمن العدل والنصاف ،ويمن الحماية والرعاية والدفا ع عنهم ،ورعاية شؤونهم كرعاية شؤون المسلمين ،بتأيمين لسائر اليمور التي تلزيمهم في حياتهم ،وعليهم يما على المسلمين يمن الول ء للدولة والنظام .فإن ايمتنع العدو عن اللسلم وعن دفع ل حينئذ قتاله .ولذلك ل يحل القتال إل مّ بعد عرض الدعوة الجزية ح مّ اللسليمية على أهل البلد .وقد نص الفقها ء على أنه ل يحل لنا أن -169-
نقاتل يمن لم تبلغه الدعوة اللسليمية. وعلى ذلك فل بد أن يسبا ق القتال إيجاد رأي عام عن اللسلم ،وإعطا ء فكرة صحيحة عن الدعوة اللسليمية ،ويمحاولت ليصال أحكام اللسلم للناس ،حتى يتسنى لهم إدراك يما فيه يمن إنقاذ لهم ولو بشكل إجمالي ،وعلى الدولة اللسليمية أن تقوم بأعمال لسيالسية يمنها يما يتعلا ق بإعطا ء يمعلويمات واضحة عن اللسلم ،وبث أفكار اللسلم ،والقيام بالدعوة والدعاية لللسلم، ويمنها يما يتعلا ق بإظهارة قوة الدولة اللسليمية ويمقدرتها ،وإظهار صلية المسلمين وجرأتهم. وقد كان الرلسول صلى ا عليه ولسلم يقوم بأعمال عديدة في ذلك ،يمنها إرلسال الدعاة لللسلم في قلب بلد الشرك ،كما أرلسل الربعين رجل م ً إلى أهل نجد ليبمّلغوا اللسلم .وكان يقوم بإظهارة قوة الدولة كما حصل في الستعراضه جيش المسلمين في المدينة يوم غزوة تبوك قبل خروجه لها .ولذلك يقول الرلسول ت بالرعب يمسيرة شهر .{،وكان جيش المسلمين عليه السلم ُ } :نصر ُ في الدولة اللسليمية في يمختلف العصور يمرهوب الجانب ،ولذلك كانت أوروبا تحمل فكرة عن الجيش اللسليمي هي أنه ل ُيغلب أبدا .وظلت تحمل هذه الفكرة عدة قرون .ولهذا ل بد يمن القيام بأعمال لسيالسية تتعلا ق ببث الفكار اللسليمية ،وبإظهار قوة الدولة، ثم المباشرة بالقتال. -170-
والجهاد وإن كان الطريقة الثابتة التي ل تتغير لنشر اللسلم، ولكن العمال السيالسية والحركات المقصودة ل بد يمنها قبل البد ء بالقتال ،وهي أيمر ألسالسي في تركيز العلقة بين الدولة وغيرها يمن الدول والشعوب واليمم على وجه يمعين ،يمن حيث حسن الجوار ،ويمن حيث العلقات القتصادية ،أو غير ذلك يمما يسمّهل أيمر نشر اللسلم. وعلى ذلك فإن الفكرة السيالسية التي تقوم عليها علقة الدولة اللسليمية يمع الدول والشعوب واليمم هي نشر اللسلم بينهم وحمل الدعوة إليهم ،وطريقة ذلك هي الجهاد. غير أن هناك خططا وألساليب تضعها الدولة ولسائل وأدوات ل يمع بعض للتنفيذ .فهي يمثل م ً تعقد يمعاهدات حسن الجوار لج ٍ العدا ء وتحارب الخرين ،كما فعل رلسول ا صلى ا عليه ولسلم في أول نزوله المدينة .أو تعلن الحرب على أعدائها جميعا كما فعل أبو بكر حين وجه الجيوش للعراق والشام في آن واحد. أو تعقد يمعاهدات لجل ،حتى تتمكن يمن إيجاد رأي عام للدعوة كما فعل الرلسول في يمعاهدة الحديبية .وقد تتخذ المناوشات المحلية ولسائل للرهاب كما حصل في السرايا التي كان يرلسلها الرلسول صلى ا عليه ولسلم قبل غزوة بدر ،وكما حصل في أيام اليمويين على حدود الروم يمن ِفرق الصوائف والشواتي .وقد تعقد الدولة يمعاهدات تجارية يمع بعض الدول ول تعقدها يمع -171-
دول أخرى ،على ألساس يمصلحة الدعوة .وقد تنشئ علقات يمع دول ول تنشئها يمع أخرى ،حسب خطة يمرلسويمة للدعوة .وقد تتبع ألساليب الدعوة والدعاية يمع بعض الدول في حين تتبع ألساليب كشف الخطط والحرب الباردة يمع دول أخرى. وهكذا تضع الدولة خططا وتنفذ ألساليب حسب يما يقرره نو ع العمل وتقتضيه يمصلحة الدعوة ،وكانت هذه الخطط واللساليب تسمّهل أيمر نشر اللسلم كما تسمّهل أيمر الجهاد .ولذلك كانت الخطط واللساليب ضرورية في السيالسة الخارجية ،وكان إيجاد الرأي العام عن اللسلم وعن الدولة لدى العالم ضروريا أيضا ،ولكن ذلك كله إمّنما هو لنشر اللسلم بوالسطة طريقة نشره ،وهي الجهاد في لسبيل ا. الفتوحات اللسليمية هي لنشر اللسلم ما كانت المّيمة اللسليمية يمكَّلفة بحمل الدعوة اللسليمية إلى ل مّ الناس كافة كان لزايما على المسلمين أن يتصلوا بالعالم ،وكان لزايما على الدولة اللسليمية أن تقوم بهذا التصال فتبمّلغ الدعوة وتتخذ الطريقة التي قررها اللسلم لنشر هذه الدعوة ،ولذلك كان يمن المحتم أن تقوم الدولة اللسليمية بفتح البلدان ،وأن تكون لها تلك الفتوحات الكبيرة .ويما هذه الفتوحات إل مّ تنفيذ لما على المسلمين يمن واجب ،هو تبليغ اللسلم للناس على وجه يلفت -172-
النظر ،بإقايمة أحكايمه عليهم ،ونشر أفكاره بينهم .ولذلك لم تكن الفتوحات اللسليمية يمن أجل الستغلل الشعوب والستعمارها ،ول يمن أجل يما في بلدها يمن خيرات ،وإمّنما كانت يمن أجل شي ء واحد هو حمل الدعوة اللسليمية إليها لنقاذها يمما هي فيه يمن حياة شقية ويمن نظام فالسد .ويظهر ذلك في نشأة الدولة اللسليمية وفي لسير الفتوحات اللسليمية وفي فرضية الجهاد. وقد نشأت الدولة اللسليمية نشأة قوية يمتركزة ،نشأة اتسا ع ونمو ،نشأة انتشار وفتح ،فكانت بذرة إنشائها بذرة إنشا ء دولة عالمية ل دولة يمحلية؛ لن عقيدتها عقيدة عالمية ،إذ هي عقيدة للنسان ،ولن نظايمها نظام عالمي ،إذ هو نظام للنسان ،فكان طبيعيا أن تنتشر ،وكان طبيعيا أن تفتح البلد ،لن طبيعة إنشائها توجب ذلك وتحتمه. وها هو ذا الرلسول صلى ا عليه ولسلم يبايعه المسلمون بيعة العقبة الثانية ،يبايعونه على حرب الحمر واللسود يمن الناس، ولو أدى ذلك إلى فنا ء اليموال وقتل الشراف ،يبايعونه على عسرهم و ُيسرهم و لَيمنشطهم و لَيمكرههم، السمع والطاعة في ُ وأن يقولوا الحا ق أينما كان ل يخافون في ا لويمة لئم ،يبايعونه على الموت في لسبيل حماية الدعوة اللسليمية ،وليس لهم يمقابل ذلك كله إل مّ الجنة .وهؤل ء هم نواة جيش الدولة اللسليمية التي حملت اللسلم ،فكيف يكون هذا الجيش الذي بايع هذه البيعة؟ -173-
ولماذا أنشئ هذا الجيش ،ويما هي يمهمته الحربية التي تبدو في هذه البيعة؟ أليست هي يمهمة حمل دعوة اللسلم ،وهي وحدها التي جا ءوا يمن أجلها وبايعوا عليها والستعدوا للموت في لسبيلها؟ وقد وضع صلى ا عليه ولسلم خطة الفتوحات قبل وفاته، فإنه عليه الصلة والسلم بعد أن قايمت الدولة اللسليمية في الجزيرة ،وضع خطة نشر الدعوة اللسليمية خارج الجزيرة بإرلسال الكتب في السنة السابعة للهجرة إلى كسرى وقيصر وإلى غيرهما يمن الملوك واليمرا ء يدعوهم جميعا لللسلم ،وبغزوتي يمؤتة وتبوك ،وبإعداده جيش ألسايمة. وقد قام خلفاؤه يمن بعده بتنفيذ هذه الخطة حين أخذوا يفتحون البلدان التي خاطبها الرلسول صلى ا عليه ولسلم باللسلم ،ثم تتالت الفتوحات اللسليمية على هذا اللساس ،ولذلك لم تفرق الدولة اللسليمية في فتحها للعالم بين أن تفتح يمصر بخيراتها ولسهولة فتحها ،وبين أن تفتح شمالي افريقيا على صحراويتها ووعورتها وفقرها وصعوبة فتحها ويمشقة نشر اللسلم فيها ،لنها إمّنما تفتح لنشر اللسلم وحمل دعوته ،وذلك يقتضيها أن تدخل كل بلد يمهما يكن فقره أو غناه ،وأن تواجه كل شعب يمهما يكن الستسليمه أو يمقاويمته؛ لن نشر اللسلم وحمل دعوته للناس ل يعرف فقر بلد أو غناه ،ول قبول أهله أو رفضهم ،وإمّنما يعرف شيئا واحد لَا هو حمل الدعوة اللسليمية قيادة فكرية تنبثا ق عنها -174-
أنظمة الحياة ،وأن يكون هذا الحمل لجميع الناس في جميع البلد. وقد بمّين القرآن الكريم للمسلمين ألسباب القتال وفريضة الجهاد بأنها ل تكون إل مّ في لسبيل اللسلم وحمل رلسالته للعالمين. وهناك آيات يمستفيضة الكثرة تأيمرهم بالقتال يمن أجل اللسلم، قال تعالى في لسورة النفال :وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله ،وقال في لسورة البقرة :وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فل عدوان إل مّ على الظالمين ،وقال في لسورة التوبة :قاِتلوا الذين ل يؤيمنون بالله ول باليوم الخر ول يحِّريمون يما حمّرم ا ورلسوله ول يدينون دين الحا ق يمن الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن ي ٍد وهم صاغرون ،فهذه اليات وغيرها هي التي أيمرت بالجهاد ،وهي عمّينت للمسلمين الغاية يمن الفتوحات ،وهي التي كانت تدفعهم إلى هذه الفتوحات. وعلى ذلك فإن حمل الدعوة اللسليمية هو الذي أقيمت الدولة اللسليمية على ألسالسه ،وأنشئ الجيش اللسليمي يمن أجله، و ُفرض الجهاد في لسبيله ،وكانت الفتوحات لسائرة بحسبه .وحمل الدعوة اللسليمية هو الذي يعيد للمسلمين دولة اللسلم. تركيز الفتوحات اللسليمية -175-
لقد فتح المسلمون ال ُبلدان وحكموها باللسلم ،وقد فرض كموا يمن عليهم اللسلم تولي الحكم والقيادة ،ول يجوز لهم أن ُيح لَ ِقبل غير المسلمين ،قال تعالى في لسورة النسا ء :ولن يجعل ا للكافرين على المؤيمنين لسبيل م ً ،وجعل العزة للمؤيمنين ،قال تعالى في لسورة المنافقين :ولله العزة ولرلسوله وللمؤيمنين ولكن المنافقين ل يعلمون .ولكن ا لم يعطهم العزة ولم يومّلهم الحكم والقيادة إل مّ لِما تحقا ق فيهم يمن نفسية إلسليمية تجعل الحكم لتطبيا ق اللسلم وحمل دعوته ل شهوة حكم ولما ُوجد لديهم يمن عقلية إلسليمية تفهم يمعنى الحكم ولسلطانِ ، وتدرك حقيقة يمسؤوليته عند ا ،وقد ظهر نور اللسلم في أعمال هؤل ء الحكام وأقوالهم كما ظهر هذا النور في تطبيا ق الحكام على الناس الذين يحكمونهم. وقد كان يمن جرا ء تطبيا ق أحكام اللسلم على الناس أن دخلوا في دين ا أفواجا واعتنقوا عقيدة اللسلم ،وصاروا المسلمين لهم العزة ولهم القيادة والحكم ،وأصبحت بلدهم دار إلسلم وبلدا إلسليمية ،فتركزت الفتوحات اللسليمية بحكمها باللسلم ،ثم بدخول أهلها في الدين الجديد ،حتى كان فتح المسلمين لي بلد فتحا أبديا إلى يوم الدين ،لسلخ هذا البلد وأهله عن حالهم الولى إلى حال ثانية ،وأحالهم يمن كفار إلى يمسلمين، كما أحال بلدهم يمن دار كفر إلى دار إلسلم ،وظلت دار إلسلم -176-
حتى ذهب حكم اللسلم عنها ،ولكن أهلها ظلوا يمسلمين ،وظلت بلدا إلسليمية حتى بعد ذهاب حكم اللسلم يمنها وتقُّلص ظل الدولة عنها. وإذا كانت الدولة اللسليمية قد ذهبت فإن البلد التي فتحها المسلمون ل تزال بلدا إلسليمية ،ول يزال أهلها يمسلمين ،ول تزال لعيْود حكم اللسلم إليها ونشر لسلطان الدولة اللسليمية فوق يمحل م ً لَ ربوعها. والذي ركز الفتوحات اللسليمية تركيزا دائميا جعل اللسلم فيها ثابتا إلى يوم الدين عدة أيمور ،يمنها يما لسهل حكمها جميعها يمن أول يوم كالتشريع ،ويمنها يما هيأ أهلها لدخول اللسلم كطريقة الحكم ولسلوك الحكام ،ويمنها يما ركز اللسلم في نفوس يمن ألسلموا تركيزا أبديا كعقيدة اللسلم وتبني الحكام .ويمكن إجمال هذه اليمور في عدة نقاط يمنها : -1أن اللسلم عقلي في عقيدته ،فكري في آرائه وأحكايمه، يمعتنقه أن يؤيمن به عن طريا ق العقل وأن يفهم ِ فهو يفرض على أحكايمه بالعقل ،ولذلك كان يمجرد اعتناقه يحيل النسان إلى إنسان يمفكر حين يلفت نظره إلى يمخلوقات ا ليدرك وجود خالقه ،وحين ينبه فيه الفكر لبحث الحكام الشرعية ليستنبطها ويعالج يمشاكله بها ،وبذلك يكون قد ركز اللسلم في نفسه أبديا حين يعتقده بشكل قطعي ويفهم أحكايمه ويطبقها. -177-
يمعتنقه بالقرا ءة والدرس ،وليس ِ -2يقضي اللسلم على يكفي المسلم أن ينطا ق بالشهادتين ليتعلم اللسلم ويفهمه ،بل ل بد يمن تعلمه والتثقف به بعما ق والستنارة ووعي ،وهذا التعلم لسع أفا ق المسلم ،وينمي يمعارفه ،ويخصب عقليته ،ويجعله يو مّ يمعلما لغيره. مّ جب أن تكون -3أن طبيعة يمبدأ اللسلم وأحكايمه الشرعية تو ِ طريقة تعلمها ارتقائية يمؤثرة في المتعلم وفي الولسط الذي يعيش فيه ،ولذلك كان المسلمون يتعلمون اللسلم للعمل به، وكانوا يتلقون أحكايمه تلقيا فكريا ،فكان هذا يمؤثرا في يمشاعرهم ،ولذلك كان إحسالسهم بالحياة وتبعاتها إحسالسا ناتجا هد في المسلمين يمن التلهب عن فكر يمؤثر ،فنتج عنه يما كان يشا لَ والحماس لللسلم ،ويمن الفكر وغزارة المعرفة ولسعة الفا ق، غرلست في نفولسهم غرلسا ،ولن آرا ء لن العقيدة اللسليمية قد ُ وأفكار وأحكام اللسلم قد أخذوها بعد درس وتمحيص ،ولن الناحية العملية كانت هي المسيطرة. فهم لم يتعلموا اللسلم لمجرد العلم فقط ،وإل مّ لكانوا يمجرد كتب تحوي يمعلويمات عن اللسلم ،ول لسمعوه يمجرد لسما ع يمواعظ وإرشادات ،وإل مّ لكانوا لسطحيين ل حرارة لليمان عندهم، بل تجنبوا هاتين الناحيتين الخطرتين ،وهما :تعلم اللسلم حقائا ق يمجردة للتعلم فقط ،وأخذه يمواعظ وإرشادات فحسب .وحصروا -178-
طريقة أخذهم المفاهيم والحكام بطريقة اللسلم ،التي هي أخذ اللسلم بعما ق وتفهم ووضو ح لتطبيقه عمليا في يمعترك الحياة. -4إن اللسلم ارتقائي يأخذ بيد يمعتنقه ليسير به في طريا ق الكمال ،فهو يفرض أعمال م ً يمعينة على المسلم ،والقيام بهذه العمال يأخذ بيد النسان إلى يمرتقى يمن الكمال يتمتع فيه بالسمو الروحي والطمئنان النفسي والسعادة الحقة ،ويجعل النسان ثابتا على هذا المرتقى ل ينحدر عنه ،وأنه وإن كان الرتقا ء في طريا ق الكمال إلى المرتقى العالي صعبا ،فإن الثبات عليه أصعب ،ولذلك كانت هذه العمال دائمية وليست يمؤقتة ،حتى يظل النسان في لسموه وارتقائه. وهذه العمال هي العبادات ،يمنها يما هو فرض ،ويمنها يما هو فوق الفرض ،والقيام بالفروض يمن ِقبل جميع الناس يحقا ق حدا يمشتركا في الرقي ل بد يمنه ،والقيام بما هو فوق الفروض يحفز على الندفا ع في طريا ق الكمال. وليس القيام بهذه العبادات باليمر الشاق العسير ،ول ها ق المضني ،وليس فيه حريمان يمن يمتا ع الدنيا بالشي ء المر ِ ويملذاتها ،ول إعراض عن يمباهجها ويمسراتها ،ول كبت للغرائز ول يمخالفة للطبائع ،كل ،وإمّنما القيام بهذه العبادات بالنسبة للفرض أيمر يميسور لكل إنسان يمهما تكن قواه ويمهما تكن إرادته ،وهي ل حول بينه وبين زينة الدنيا ،كما أن القيام بما هو فوق هذه ت ُ -179-
ويقبِلون الفروض أيمر يمندوب يقوم بها المسلمون بشوق وشغفُ ، عليها ليقويموا بأكثر يمما فرض ،وهم يشعرون الشعور العميا ق بأنهم ينعمون برضوان يمن ا. -5كان المسلمون يفتحون البلد لحمل الدعوة اللسليمية إليها ونشرها فيها ،ولذلك كانوا يشعرون أنهم رلسل رحمة وهداية، فكانوا يدخلون البلد فيحكمونه باللسلم ،وبمجرد دخول أهل البلد في الذيمة يصبح لهم يما للمسلمين وعليهم يما عليهم ،ويصبح لتلك البلد المفتوحة يمن الحقوق والواجبات في الدولة يما لي بلد آخر يمن بلد المسلمين ،وتصبح قطعة يمنها ،لن نظام الحكم نظام وحدة ،ولهذا لم يكن أهل البلد المفتوحة يشعرون بأنهم مرون ،ول يحسون بأي ناحية تشم يمنها رائحة اللستعمار، يمستع لَ قبل الناس على اللسلم بعد أن رأوا ولذلك لم يكن عجيبا أن ُي ِ عمليا -حقيقة اللسلم في الكيفية التي يحكم بها المسلمون. -6أن يمبدأ اللسلم وأحكايمه عايمة لجميع الناس ،ويبا ح تعلمها لجميع الناس ،بل يفرض تعليمها لجميع الناس حتى يتذوقوا حلوة اللسلم ويدركوا حقائقه .وكان الرلسول عليه الصلة والسلم يرلسل الولة والحكام والمعلمين يحكمون الناس باللسلم ويعلمونهم أحكايمه ،وكذلك كان المسلمون يمن بعده يفتحون البلدان ،ويقيمون بها الحكام والمعلمين ،ويفقهون الناس باللسلم ،ويعلمونهم أحكام القرآن .فأقبل أهل البلد المفتوحة -180-
على المعارف اللسليمية حتى أصبحت ثقافتهم ثقافة إلسليمية، حتى أولئك الذين لم يعتنقوا اللسلم. -7أن الشريعة اللسليمية شريعة عالمية كايملة .ولذلك كان المسلمون حين يفتحون البلدان ،ل يحتاجون إلى تعرف شريعة أهلها وقوانينهم ،ول للتوفيا ق بين يما يحملونه يمن أحكام لمعالجة يمشاكل الحياة وبين القوانين التي كانت تطبا ق على البلد المفتوحة ،بل كانوا يفتحون البلد ويمعهم الشريعة الكايملة ،فكانوا يطبقون اللسلم يمن أول يوم يفتحون فيه البلد .وكانت طريقتهم في التطبيا ق انقلبية ،ليس فيها تدريج أو ترقيع ،ول يراعون الواقع الذي يجدونه ،لنهم إمّنما فتحوا البلد لتبليغها اللسلم وليغمّيروا واقعها الفالسد وحياتها المضطربة ،وهو يقضي برفع النظام ل .ولهذا كان لَيس ُهل عليهم القديم ووضع النظام الجديد وضعا شايم م ً حكم البلد يمن أول يوم .وكان يتركز حكمهم تركزا تايما ،ولم يعانوا أزيمة قانونية ول حالة انتقالية ،لنهم يحملون دعوتهم ،وهي عقيدة تنبثا ق عنها النظمة والقوانين والحكام ،وهي شريعة تطَّبا ق على كل إنسان في كل زيمان ويمكان. علها أمّيمة واحدة ص لَيْهر الشعوب وج يْ توفي رلسول ا صلى ا عليه ولسلم بعد أن دخلت الجزيرة العربية كلها في اللسلم ،وبعد أن ُقضي على الشرك فيها ،وبعد -181-
أن أصبحت دار إلسلم ُتحكم باللسلم كله عقيدة ونظايما ،وبعد أن أكمل ا الدين وأتم نعمته على المسلمين ورضي لهم اللسلم دينا ،وبعد أن بدأ بدعوة اليمم والشعوب المجاورة بإرلسال الكتب إلى يملوكها وحكايمها ،وبالسرايا والغزوات على حدود الروم في يمؤتة وتبوك. وقد جا ء بعده الخلفا ء الراشدون فتتابعت الفتوحات ،ف ُفتح العراق وكان يسكنه خليط يمن النصارى والمزدكية والزرادشتية يمن العرب والفرس ،و ُفتحت فارس وكان يسكنها العجم وقليل يمن اليهود والرويمانيين وكانت تدين بدين الفرس ،و ُفتحت الشام وكانت إقليما رويمانيا يتثقف بثقافة الرويمانيين ويتدين بالنصرانية ويسكنه السوريون والريمن واليهود وبعض الرويمان وبعض العرب ،و ُفتحت يمصر وكان يسكنها المصريون وبعض اليهود وبعض الرويمان ،و ُفتحت شمال افريقيا وكان يسكنها البربر وكانت في يد الرويمان. وجا ء بعد الخلفا ء الراشدين اليمويون ،ففتحوا السند وخوارزم ولسمرقند وأدخلوها ضمن أراضي الدولة اللسليمية ،ثم ُفتحت الندلس وأصبحت ولية يمن وليات الدولة اللسليمية. وكانت هذه القطار المتعددة يمتباينة القويميات واللغة والدين والتقاليد والعادات والقوانين والثقافة ،وطبيعيا كانت يمختلفة العقلية يمختلفة النفسية ،ولذلك كانت عملية صهرها ببعضها -182-
وتكوين أمّيمة واحدة يمنها يموحدة الدين واللغة والثقافة والقوانين أيمرا عسيرا وعمل م ً شاقا ،يعتبر النجا ح فيه شيئا غير عادي ،ولم يحصل لغير اللسلم ،ولم يتحقا ق إل مّ للدولة اللسليمية .فإن هذه الشعوب جميعها بعد أن ظللتها الراية اللسليمية وحكمتها الدولة اللسليمية ودخلت في اللسلم ،صارت أمّيمة واحدة هي المّيمة اللسليمية ،وذلك بتأثير حكمهم باللسلم ،وبتأثير اعتناقهم عقيدته. ولقد عمل على صهر هذه الشعوب عدة أيمور أهمها أربعة أيمور هي : -1أوايمر اللسلم. -2اختلط المسلمين الفاتحين بغيرهم يمن اليمم المفتوحة في المسكن والعيش. -3دخول أهل البلد المفتوحة بجملتهم في اللسلم. -4النقلب الذي حصل لمن ألسلموا ونقلهم يمن حال إلى حال. أمّيما أوايمر اللسلم ،فهي تقضي بأن يدعو أهله له وأن يحملوا دعوته وينشروا هدايته حيثما الستطاعوا ،وهذا يقضي بالجهاد وفتح البلد حتى يتمكن الناس يمن فهمه والوقوف على حقيقة أحكايمه .ويقضي بترك الختيار للناس إن شا ءوا اعتنقوه وإن شا ءوا ظلوا على دينهم ،واكتفى بإخضاعهم لحكايمه في شؤون المعايملت والعقوبات ،ليحصل النسجام في أعمال الناس بتوحيد -183-
النظم التي تعالج يمشاكلهم وتنظم أعمالهم ،وليشعر غير المسلمين بأنهم كالمسلمين يشاركون المجتمع في تطبيا ق النظام الذي يطبا ق فيه ،ويتمتعون بالطمأنينة ،ويستظلون براية الدولة. ظر إلى المحكويمين نظرة وأوايمر اللسلم تقضي بأن ُين لَ إنسانية ل نظرة عنصرية أو طائفية أو يمذهبية ،ولذلك تطَّبا ق الحكام على الجميع بالسوا ء ل فرق بين المسلم وغير المسلم، قال تعالى في لسورة المائدة :ول يجريممّنكم شنآن قوم على أل تعِدلوا اعِدلوا هو أقرب للتقوى إن ا خبير بما تعملون. ويتساوى في الحكم والقضا ء جميع الناس ،فالحاكم حين يرعى شؤون الناس ويحكمهم ،والقاضي حين يقضي بينهم ،ل ينظر لمن يحكمهم أو يقضي بينهم أي نظرة لسوى النظرة إلى النسان ليرعى شؤونه ويفصل خصويماته. ويقضي نظام الحكم في اللسلم بالوحدة بين أجزا ء الدولة، كما يقضي بضمان حاجات كل ولية فيها بالنفاق عليها يمن بيت يمال الدولة ،بغض النظر عما يجبى يمنها قلمّ أو ك ُثر ،لَوف لَى بهذه ف .كما يقضي بوحدة المالية بجبايتها لبيت المال الحاجات أم لم ي ِ يمن جميع الوليات .وبذلك تصبح جميع البلدان المفتوحة وليات في دولة واحدة تجعلها في الحكم لسائرة لسيرا حتميا في طريا ق النصهار. وأمّيما اختلط المسلمين الفاتحين بغيرهم ،فكان يمن أكبر -184-
العوايمل أثرا في دخولهم اللسلم وانصهارهم يمع لسائر المسلمين. وذلك أن المسلمين بعد أن فتحوا البلد لسكنوها وصاروا يعمّلمون أهلها اللسلم ويثقفونهم بالثقافة اللسليمية ،ولسكنوا يمعهم في بيوت يمتجاورة حتى صارت البلد يمسكونة بالفاتحين والمفتوحين جميعا ،وقد اشتركوا في جميع شؤون الحياة وصاروا جميعا لسكان بلد واحد تطَّبا ق عليهم أحكام واحدة ،ولم يكونوا فئتين، فاتحا ويمفتوحا وغالبا ويمغلوبا ،وإمّنما كانوا جميعا رعية الدولة يتعاون أفرادهم في شؤون الحياة جميعا .ورأوا في الحكام نوعا آخر يمن الناس لم يكونوا يعرفونهم ،رأوهم يساوونهم بأنفسهم ويقويمون هم بخديمتهم في شؤونهم وفي خواص حاجاتهم .فرأوا صفات عالية حمّببت إليهم هؤل ء الحكام وحمّببت إليهم اللسلم. وكان الحكام ولسائر المسلمين يتزوجون يمن أهل الكتاب ويأكلون ذبائحهم وطعايمهم ،فكان هذا الختلط حافزا لدخولهم اللسلم؛ لنهم رأوا أثر اللسلم في الحكام ،كما رأوا نوره في تطبيا ق النظام ،وبذلك انصهرت هذه الشعوب بعضها ببعض وصارت أمّيمة واحدة. وأمّيما دخول البلد المفتوحة في اللسلم ،فقد كان بشكل عام ،وكان أهل كل ُقطر يدخلون في دين ا أفواجا ،حتى دخلت الجمهرة الساحقة يمن أهل البلدان المفتوحة في اللسلم ،وظل الناس يدخلون في اللسلم جماعات ،وصار الناس في جملتهم -185-
يمسلمين ،ولم يبا ق اللسلم يمقصورا على الفاتحين .وبدخول أهل البلد في اللسلم انصهروا يمع الفاتحين فصاروا أمّيمة واحدة. وأمّيما النقلب العام الذي أحدثه اللسلم في الذين ألسلموا، فذاك أن اللسلم رفع المستوى العقلي عندهم ،فأوجد لديهم العقيدة اللسليمية ،فكانت قاعدة فكرية ُتبنى عليها جميع الفكار، وتقاس صحتها وفسادها بمقياس هذه القاعدة ،ولذلك نقلهم يمن اليمان الوجداني إلى اليمان العقلي ،ويمن عبادة الصنام والنار والتثليث ويما شاكل ذلك ويما تقتضيه هذه العبادة يمن انحطاط في النظر وإلسفاف في الفكر إلى عبادة ا ويما تقتضيه يمن فكر يصدقون بالحياة الخرى، مّ يمستنير ونظر والسع .وجعلهم ويتصورونها بالصورة التي أوضحها لهم في الكتاب والسمّنة، وأوضح يما فيها يمن عذاب ونعيم ،فصاروا يتصورونها ويرون أنها هي الحياة الحقيقية ،وبذلك صار للحياة عندهم يمعنى وقيمة لنها طريا ق لحياة أخرى ألسعد وأخلد ،ولهذا أقبلوا على هذه الحياة الدنيا ولم يهملوها وأخذوا بألسبابها وتمتعوا بزينة ا التي أخرج لعباده والطيبات يمن الرزق. وجعل للحياة يمقاييس صحيحة وتصويرا حقيقيا ،فبعد أن كان يمقياس الحياة هو المنفعة فقط ،وكانت هذه المنفعة هي المسير للعمال وهي الغاية يمن العمال وهي قيمة العمل ،صار يمقياس الحياة هو الحلل والحرام ،وصار تصوير الحياة هو بأنها -186-
جه لها هو أوايمر ا حلل وحرام ،وصار المسِّير للعمال والمو ِّ ونواهيه ،وصارت الغاية يمن تسيير العمال بأوايمر ا ونواهيه هي رضوان ا ،وصارت قيمة العمل هي يما يقصده يمن القيام به :فتكون روحية إن كان صلة أو جهادا أو يما شاكلها ،وتكون يمادية إن كان بيعا أو إجارة أو يما شاكلها ،وتكون خ ُ ُلقية إن كان جه للعمل، أيمانة أو رحمة أو يما شاكلها .فصاروا يميزون بين المو ِّ وبين قيمة العمل الذي قام بالعمل يمن أجلها .وبذلك جعل تصوير الحياة لهم يمختلفا عن تصويرها السابا ق ،وجعله تصويرا حقيقيا لحقيقة الحياة بالمقياس الذي وضعه له وهو أوايمر ا ونواهيه، أي الحلل والحرام. وجعل للسعادة يمعنى حقيقيا في نظرهم ،فبعد أن كانت السعادة عندهم إشبا ع الجوعات وإعطا ء الجسد يمتعه ،صارت السعادة هي نوال رضوان ا؛ لن السعادة هي الطمأنينة الدائمة للنسان ،وهي ل تتأتى بالملذات ول بالشهوات ،وإمّنما تتأتى بنوال رضوان رب العالمين. وهكذا فإن اللسلم أثر في وجهة نظر الشعوب التي اعتنقته للحياة وللعمال التي يقويمون بها في هذه الحياة ،وغمّير يمراتب الشيا ء فرفع يمن يمرتبة أشيا ء وخفض يمرتبة أخرى ،فبعد أن كانت الحياة هي أعلى يمرتبة عند النسان والمبدأ هو أقل يمرتبة يمنها، قلب هذه المراتب فجعل المبدأ في المرتبة الولى ،وجعل الحياة -187-
في يمرتبة أقل .وبذلك صار يبذل المسلم حياته في لسبيل اللسلم؛ لنه أغلى قيمة يمن الحياة ،ويمن باب أولى أن يتحمل المشقات والمصاعب في لسبيل اللسلم ،وبذلك ُوضعت الشيا ء التي في الحياة في المراتب اللئقة بها ،فصارت الحياة لسايمية وصار يشعر المسلم في هذه الحياة بالطمأنينة الدائمة ،وقد رلسم للعالم كله يمثل م ً أعلى واحد لَا ل يتعدد ،وثابتا ل يتغير ،أل وهو رضوان ا تعالى. وبذلك تغمّير المثل العلى عند الناس ،فبعد أن كانت لتلك الشعوب ُيم ُثل عليا يمتعددة ،يمتغيرة ،صار لهم يمثل أعلى واحد ثابت. وتبعا لتغير المثل العلى عند الشعوب واليمم تغيرت يمعاني الشيا ء عندهم عما كانت عليه ،وتغير يمفهوم الفضائل عما كان عليه .فالشجاعة الشخصية ،والشهايمة الفردية ،والمناصرة العصبية ،والتفاخر باليموال والحساب ،والكرم إلى حد اللسراف، والخلص للقبيلة أو للقوم ،والقسوة في النتقام والخذ بالثأر، ويما شاكل ذلك ،كانت أصول الفضائل ،فجا ء اللسلم ولم يجعلها أصول الفضائل ولم يتركها كما هي عليه بل جعلها صفات يتصف النسان بما أيمر ا به يمنها إجابة ليمره تعالى ،ل لذات الفضائل، ول لما فيها يمن يمنافع ،ول لما تجمّره يمن يمفاخر ،ول لنها عادات وتقاليد وتراث ينبغي أن يحا لَفظ عليها .ثم جعل الخضو ع لله ولوايمره ونواهيه هو الواجب ،فأوجب إخضا ع يمنافع الفرد -188-
والقبيلة والشعب والمّيمة لوايمر اللسلم فحسب. وهكذا نقل اللسلم عقلية الشعوب التي اعتنقته ،كما نقل نفسيتهم ،وبذلك أصبحوا بعد دخولهم في اللسلم غيرهم قبل دخوله في شخصيتهم كلها وفي تقديرهم للكون والنسان والحياة ويمقاييسهم لجميع الشيا ء في الحياة .وصاروا يفهمون أن للحياة يمعنى خاصا هو السمو والكمال ،وصار لهم يمثل أعلى واحد ثابت هو رضوان ا ،وصار نيل هذا المثل العلى ،أي نيل رضوان ا خلقهم خلقا آخر غير لَ هو السعادة التي ينشدون ،وبذلك صاروا لَ الول. وبهذه الشيا ء الربعة انسلخت جميع الشعوب التي دانت للدولة اللسليمية عن حالها الول ،فتوحدت أفكارها ووجهة نظرها في الحياة ،حتى صارت فكرا واحدا ونظرة واحدة ،وتوحدت يمعالجات يمشاكلها بعلج واحد ،وتوحدت يمصالحها فصارت يمصلحة واحدة هي يمصلحة اللسلم ،وتوحدت أهدافهم في الحياة فصار هدفا واحد لَا هو إعل ء كلمة ا .فكان حتميا أن تنصهر هذه الشعوب جميعها في بوتقة اللسلم ،فتصبح أمّيمة واحدة هي المّيمة اللسليمية. عوايمل ضعف الدولة اللسليمية تقوم الدولة اللسليمية على يمبدأ اللسلم ،فيه قوتها وبه -189-
وحده بقاؤها وبه وحده ارتقاؤها ،فهو قوام وجودها؛ ولذلك قايمت الدولة اللسليمية قوية لقوة اللسلم ،وفتحت أقطارا والسعة يمن العالم في يمدة أقل يمن قرن يمع أن ولسيلة يمواصلتها كانت الخيل والبل ،ودانت جميع الشعوب واليمم المفتوحة باللسلم في يمدة وجيزة يمع أن أداة نشرها لم تكن والسعة ويما كانت لسوى اللسان والقلم .غير أن الذي حقا ق ذلك كله بهذه السرعة هو اللسلم الذي جعل للدولة هذه القوة. وقد أدرك أعدا ء اللسلم ذلك ،وعرفوا أنهم لن يستطيعوا إضعاف الدولة يما دام اللسلم قويا في نفوس المسلمين ،قويا في فهمه ،قويا في تطبيقه .فعمدوا إلى إيجاد الولسائل التي ُتضعف فهم المسلمين له و ُتضعف تطبيقهم لحكايمه. أمّيما الولسائل التي الستعملوها لضعاف فهمه فكثيرة ،يمنها يما يتعلا ق بنصوصه ،ويمنها يما يتعلا ق باللغة التي يؤَّدى بها ،ويمنها يما يتعلا ق بانطباقه على وقائع الحياة .فقد عمدوا إلى الحاديث لسون فيها أحاديث يمكذوبة لم يقلها الرلسول صلى ا النبوية يد مّ منوها يمعاني غير إلسليمية عليه ولسلم ولكنهم زمّوروها وض مّ ويمفاهيم تناقض اللسلم حتى يأخذها المسلمون ويعملوا بما فيها فيبعدوا عن اللسلم. لسوها بين وبالفعل كذبوا على الرلسول أحاديث كثيرة د مّ الحاديث وأشاعوها بين الناس .غير أن المسلمين فطنوا لهؤل ء -190-
ب العلما ء ورواة الحديث الزنادقة وقضوا على يمؤايمراتهم ،فه مّ يجمعون الحديث ويضعون تاريخ رواته وأوصافهم ويبمّينون الحديث حصرت حفظ الحديث ف ُ الصحيح يمن الضعيف المكذوب ،حتى ُ رواية الحديث في تابعي التابعين عن التابعين عن الصحابة ،ولم عرف كل واحد يمنهم، حصر الرواة و ُ ُتق لَبل بعدهم أي رواية ،و ُ وب ُينت طبقات كتب الحديث ،حتى أصبح بإيمكان المسلم إذا تتمّبع الحديث أن يعرف صحته يمن ضعفه يمن كذبه ،بمعرفة لسنده ويمتنه. وفوق ذلك فإن الدولة اللسليمية ضربت على يد هؤل ء الزنادقة بيد يمن حديد حتى كان جزا ء الكثيرين يمنهم القتل جزا ء على افترائه الحاديث على رلسول ا صلى ا عليه ولسلم. وبذلك لم يكن لهذه المؤايمرة على اللسلم ول على الدولة أثر ُيذكر .فعمدوا إلى اللغة العربية لنها اللغة التي يؤدى بها اللسلم، وصاروا يحاولون فصلها عن اللسلم ،ولكنهم لم يستطيعوا في أول اليمر؛ لن المسلمين اندفعوا في الفتوحات وهم يحملون الكتاب والسمّنة واللغة العربية ،وكانوا يعمّلمون الناس اللغة العربية كما يعلمّمونهم القرآن والحديث ،فدخل الناس في اللسلم وحذقوا اللغة العربية وأتقنوها ،حتى كان يمنهم أئمة يمجتهدون كأبي حنيفة، وشعرا ء يمبدون كبشار بن ُبرد ،وكمّتاب بليغون كابن المقمّفع .وكان حرص المسلمين على اللغة العربية شديدا ،واليمام الشافعي لم -191-
جز الصلة بغير اللغة العربية ،والذين جز ترجمة القرآن ولم ُي ِ ُي ِ جم قرآنا مون المتر لَ أجازوا ترجمة القرآن كأبي حنيفة فإنهم ل ُيس مّ يمطلقا. وهكذا ظلت العناية يمنصمّبة على اللغة العربية؛ لنها جز ء جوهري في اللسلم وشرط يمن شروط الجتهاد فيه ،ول يتأتى فهم اللسلم يمن يمصادره والستنباط الحكام يمنه إل مّ باللغة العربية. إل مّ أن هذه العناية ُفقدت بعد القرن السادس الهجري حين تولى مل أيمرها .وبذلك الحكم يمن ل يعرف للغة العربية قيمتها ،ف ُأه ِ وقف الجتهاد وصار ل يمكن الستنباط الحكام لمن ل يعرف هذه اللغة ،فانفصلت اللغة العربية عن اللسلم ،واضطرب على الدولة فهم الحكام ،وبالطبع اضطرب عليها تطبيقها ،فكان لذلك أثر كبير على الدولة أضعفها وأضعف فهم الحوادث المتجددة ،يمما جعل المشاكل التي تحدث ل تعا لَلج أو تعا لَلج يمعالجة غير صحيحة، فجعل هذا أيمام الدولة يمشاكل تتراكم إلى أن لسببت لها الهزال والضمحلل. هذا كله بالنسبة لنصوص اللسلم واللغة التي ُيفهم بها .أمّيما بالنسبة لنطباق اللسلم على وقائع الحياة ،فقد عمدوا في القرون الولى إلى يمحاولة التوفيا ق بين الفلسفة الهندية واللسلم، سر الزهد في الدنيا وطلب الخرة بالتقشف وتعذيب الجسد، و ُف مّ فصرف الكثيرين عن يمباهج الحياة وعن خوض غمارها ،يمما -192-
جعلهم غير عايملين في حقل الدولة اللسليمية وفي يمعترك حياة المسلمين ،فأفقد الدولة الكثير يمن جهود أبنا ء المّيمة كان يمكن أن طل في تعذيب تستخديمها في الدعوة إلى اللسلم بدل أن ُتع َّ الجساد. ثم كان الغزو الثقافي يمن الغرب لبلد المسلمين يحمل هم المسلمين أنه أخذها حضارة تناقض حضارة اللسلم ،ويو ِ هم المسلمين يمنهم ،ويأتيهم بأنظمة تناقض نظام اللسلم ،ويو ِ أنها تتفا ق يمع أحكام اللسلم ،ويعطيهم قوانين تناقض الحكام الشرعية ،ويبين للمسلمين أنها ل تخالف اللسلم .فأمّثر ذلك على المسلمين تأثيرا كبيرا ،أدى إلى أن تتحكم فيهم الحضارة الغربية، فيريْون الحياة بأنها المنفعة .وأدى إلى أن يأخذوا ببعض النظمة الغربية في الدولة العثمانية ،فيؤمّولون الربا ويفتحون المصارف. طلون الحدود الشرعية وأدى إلى أن يأخذوا القوانين الغربية ،فيع مّ ويأخذون يمن الغرب قوانين العقوبات .فكان هذا العمل طايمة كبرى على الدولة أبعدها عن الحكم باللسلم ،وإن كانت قد تذرعت بالفتاوى في جواز هذه العمال .فكان ُبعدها هذا قد أضعف فيها حرارة اليمان ،وبالطبع صارت تسير على غير هدى، فأدى ذلك إلى الضعف والنحلل. هذا يمن ناحية الفهم ،أمّيما يمن ناحية التطبيا ق فقد تضافرت عدة عوايمل أدت إلى إلسا ءة التطبيا ق ،يمنها أن الحزاب السيالسية -193-
التي كانت ترى أن رأيها هو الذي يجب أن ينفذ قد اتخذت العمال الحربية طريقة للوصول إلى الحكم لتطبا ق رأيها ،ولم تتخذ المّيمة طريقة لذلك ،فقام العبالسيون والستولوا على فارس والعراق واتخذوها نطقة ارتكاز انتقلوا يمنها حتى الستولوا على الدولة ليكون الحكم في بني هاشم .ثم كان الفاطميون الذين أخذوا يمصر وأقايموا بها خلفة ليتخذوا يمنها نقطة ارتكاز ينتقلون يمنها ليستولوا على الدولة اللسليمية ليكون الحكم في أبنا ء فاطمة رضي ا عنها .فأوجدوا في الحالة الولى صديمة أوقفت الفتوحات عند حد ،وشغلت الدولة بالداخل .وأوجدوا في الثانية خلفتين في آن واحد يمع أن الدولة اللسليمية واحدة ول يجوز أن يكون للمسلمين خليفتان لن الرلسول صلى ا عليه ولسلم يقول : }إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الخر يمنهما .{،فكان لذلك أثر في إضعاف الدولة ،وفي وقوفها عن الفتح وعن حمل الدعوة. إل مّ أن الذي أدى إلى اتخاذ الحزاب السيالسية هذه الطريقة يما حصل يمن الخلفا ء اليمويين يمن اتبا ع طريقة العهد للخليفة ثم البيعة له ،يمما لم يجعل اليمل يموجودا في انتظار البيعة والعتماد عِه لَد يمعاوية إلى ابنه يزيد وأخذ عليها في الوصول إلى الحكم .فقد لَ البيعة له ،ثم صار كل خليفة يعهد إلى لَيمن بعده ،ثم يبايعه الناس. جه المسلمين لمبايعة يمن ُيع لَهد إليه بالخلفة ،وقلما وهذا و مّ يباِيعون شخصا آخر ،فحملت هذه الطريقة الحزاب السيالسية لن -194-
تتخذ القوة طريقة للوصول إلى الحكم. ويمع أن العهد طريقة اتخذها أبو بكر في عهده إلى عمر ،إل مّ أن إلسا ءة تطبيقها أدت إلى هذه النتائج ،فأبو بكر أخذ رأي المسلمين فيمن يكون خليفة بعده ،وظهر يمن المذاكرة أن المرشحين للخلفة يمحصورون بعلي وعمر ،ثم كان العهد لعمر فان ُتخب ،وبعد وفاة أبي بكر حصلت البيعة لعمر ،وهذا أيمر شرعي ،غير أن الخلفا ء الذين عهدوا فيما بعد لغيرهم قد ألسا ءوا تطبيا ق هذه الطريقة ،فجعلوا العهد لبنائهم أو إخوانهم أو يمن ألسرتهم ،وجعلوه لكثر يمن واحد في بعض الحيان ،فكانت إلسا ءة التطبيا ق هذه لسببا في حريمان المسلمين يمن بيعة يمن يريدون، فأدى إلى ضعف الدولة. غير أن هذا لم يؤثر يوم كانت الدولة قوية ،ولكنه ظهر أثره فيما بعد حين ضعفت الدولة .على أن اليمر في الدولة لم يقتصر على أيمر بيعة الخليفة ،بل تعدى ذلك إلى الولة ،فإن لسكوت الدولة العبالسية على عبدالرحمن الداخل في الندلس وتيْرِكها له يستقل فيها ،قطع يمن الدولة اللسليمية جز ءا يدار إدارة يمنفردة يمن ِقبل ولة أطلقوا على أنفسهم فيما بعد السم أيمير المؤيمنين. وإنه وإن كانت الندلس لم تنفصل عن جسم الدولة ولم ينفصل المسلمون فيها عن باقي المسلمين وظلوا جز ءا يمن المّيمة اللسليمية ،ولكنها يمع ذلك كانت يمنفصلة الدارة ،فأدى ذلك إلى -195-
تسرب الضعف لها يمما لسمّهل الستيل ء الكفار عليها وأخذهم لها والدولة اللسليمية في عنفوان يمجدها وفي أوج قوتها ولم تستطع أن تدفع عنها عادية العدا ء للنحلل الذي كان في كيان الندلس. هذا في المغرب ،أمّيما في المشرق فإن إعطا ء الولية العايمة عل الصلحيات الوالسعة لهم ،حمّرك فيهم أحالسيس للولة ،وج يْ السيادة وأطمعهم ،فالستقلوا بالدارة الداخلية ،ورضي الخليفة يمنهم ذلك ،واكتفى بالدعوة له على المنابر ،وفي صدور برا ءة التعيين يمنه ،وفي ضرب النقد بالسمه ،وإرلسال الخراج له ،فكانت الوليات في الستقللها الداخلي تشبه الدويلت ،كما كان الحال يمع السلجوقيين والحمدانيين وغيرهم ،وهذا أيضا كان يمن ألسباب الضعف ،فكانت جميع هذه اليمور لسببا أدى إلى ضعف الدولة حدوا اللسليمية .إلى أن جا ء العثمانيون وحمّولوا الخلفة لهم ،وو مّ أكثر البلد اللسليمية تحت لسلطانهم ،ثم حملوا الدعوة لوروبا والستأنفوا الفتوحات. إل مّ أن ذلك كله لم يكن يمستندا إل مّ على ألساس قوة إيمان الخلفا ء الوائل يمن العثمانيين ،وعلى ألساس قوة الجيش ،ولم يكن يمستندا على ألساس فهم صحيح لللسلم ،وتطبيا ق كايمل له. ولذلك لم تنِتج هذه الفتوحات يما أنتجته الفتوحات الولى ،ولم تكن القوة ألسالسية في المّيمة اللسليمية كلها ،ولهذا يما لبثت هذه عفت ثم انهارت وذهبت الدولة اللسليمية .ولم الدولة أيضا أن ض ُ -196-
يكن ذهابها إل مّ أثرا للعوايمل الكثيرة التي كانت تحصل ،وللمكائد المتعددة التي كانت تحاك لها يمن أعدا ء اللسلم. وتتلخص عوايمل ضعف الدولة التي لسببت ذهابها في عايملين اثنين :ضعف فهم اللسلم ،وإلسا ءة تطبيقه .ولذلك فإن الذي يعيد دولة اللسلم هو فهم اللسلم فهما صحيحا ،والذي يحفظ قوة الدولة هو الستمرارها على الفهم الصحيح لللسلم ،وإحسانها تطبيقه في الداخل وحمل دعوته إلى الخارج. انحلل الدولة اللسليمية لقد بدأ الضعف الفكري في الدولة اللسليمية يمنذ القرن الخايمس الهجري حين قام بعض العلما ء ينادون بسد باب الجتهاد ،وكان ذلك نذير ضعف الدولة .ويمع أنه ُوجد بعد ذلك يمجتهدون ،غير أن الضعف الفكري أخذ يستفحل ،فأثر ذلك على كيان الدولة ،حتى تسرب التفكك إليه ،والستولى عليها الوهن. ويما أن جا ءت الحروب الصليبية حتى كانت الدولة في حال لم تجعلها قادرة على الثبات أيمام الصليبيين ،ووقعت الدولة في حروب يمتتالية الستمرت زها ء قرنين ،كان النصر في أول اليمر حليف الصليبيين ،فالستولوا على جز ء يمن البلد اللسليمية ،ثم الستطاعت أن تنقذ البلد اللسليمية يمن أيديهم. فانتقل الحكم إلى المماليك الذين أهملوا أيمر اللغة العربية، -197-
وأهملوا أيمر النواحي الفكرية والتشريعية ،ف ُأغلا ق باب الجتهاد عف فهم اللسلم ،وأوجب العلما ء التقليد ،فازداد الوهن في وض ُ كيان الدولة. وكانت غزوة التتار ،فزادت الطين بلة ،وأضعفت يمن قوة الدولة .إل مّ أن ذلك كله أمّثر على كيان الدولة الداخلي ولم يؤثر على كيانها الخارجي ،ولم يضعف يموقفها الدولي ،وظلت الدولة اللسليمية قوية الشكيمة ،يمرهوبة الجانب ،تمثل في العالم المعمور الشطر الكبر والقوى فيه. وتسلمت الدولة العثمانية حكم أكثر العالم اللسليمي في القرن التالسع الهجري ،الموافا ق للقرن الخايمس عشر الميلدي، وفي القرن العاشر الهجري ،السادس عشر الميلدي ضمت إليها عنيت بقوة السلطان البلد العربية ،وايمتد لسلطانها ايمتدادا كبيرا ،و ُ وتنظيم الجيش ،وأمّبهة الحكم ،واشتغلت بالفتوحات ،وأهملت أيمر اللغة العربية ،يمع أنها ضرورية لفهم اللسلم ،وشرط يمن شروط ن بأيمر اللسلم يمن حيث الفكر ،ويمن حيث الجتهاد ،ولم ُتع لَ التشريع ،فانخفض يمستواها الفكري والتشريعي .وبسبب ذلك كانت الدولة قوية قوة ظاهرية ،ولكنها في الحقيقة ضعيفة ضعفا بمّينا ،بسبب الضعف الفكري والتشريعي. إل مّ أن هذا الضعف لم تلحظه الدولة اللسليمية حينئذ ،لنها كانت في عنوان يمجدها ،وفي أوج عظمتها ،وفي يمنتهى قوتها -198-
العسكرية .ولنها كانت تقيس فكرها وتشريعها وحضارتها بأفكار أوروبا وتشريعها وحضارتها ،فتجد نفسها خيرا يمن أوروبا فكرا وتشريعا وحضارة ،فترتا ح لذلك وترضى بهذا الضعف؛ لن أوروبا كانت تتخبط في دياجير الجهالة وظلام الفوضى والضطراب، وتتعثر في يمحاولت النهضة وتفشل في كل يمحاولة تقوم فيها. ولذلك كان قياس الدولة العثمانية حالها بحال أوروبا ُيريها أنها في عمِ لَيت وضع حسن ،وعلى نظام صالح ،وذات حضارة فائقة .وقد لَ عن حالتها الداخلية فلم تشاهد الهزال الداخلي ،ولم تشاهد جمود الفكر وجمود التشريع وتفكك المّيمة .وقد أعماها عن رؤية ذلك انتصارها على أوروبا والستيلؤها على البلقان والجز ء الجنوبي الشرقي يمنها ،يمما أثار الرعب في جميع دول أوروبا يمن الدولة العثمانية بوصفها دولة إلسليمية .وصار يمتركزا عند الجميع أن الجيش اللسليمي ل ُيغلب ،وأنه ل ِقبل لحد بمواجهة المسلمين. وظهرت المسألة الشرقية للوجود ،وكان يمعناها حينئذ اتقا ء الخطر يمن زحف العثمانيين تحت قيادة يمحمد الفاتح في القرن التالسع الهجري )الخايمس عشر الميلدي( ،و لَيمن خ لَ لَل لَفه يمن السلطين ،ذلك الزحف الذي الستمر إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري على يد لسليمان القانوني ،وترَّكز تركزا قويا حتى أوالسط القرن الثاني عشر الهجري )الثايمن عشر الميلدي(. وفي هذه المدة كانت قوة اللستمرار في الدولة اللسليمية -199-
عايمل م ً فعال م ً في إعطا ء الدولة هذه القوة ،فقد كانت قوة العقيدة عند المسلمين ،ووجود يمفاهيم يمعينة عن الحياة رغم عدم بلورتها في أذهانهم ،ووجود نظام اللسلم في الحياة رغم إلسا ءة كنها يمن اللستمرار والقوة. تطبيقه ،كل ذلك لسند الدولة ويم مّ ولساعدها على ذلك ،الحال المضطربة فكريا وتشريعيا في أوروبا. وكان يمن الممكن أن تحاول الدولة فهم اللسلم فهما صحيحا ،وأن ُتعنى باللغة العربية ،وتشجع الجتهاد ،وتهتم بالناحية الفكرية والتشريعية ،حتى يحصل تركيز هذه الدولة تركيزا يمتينا، ل ،فتفتح وحتى يكون انطلقها في الكرة الرضية انطلقا كايم م ً باللسلم باقي أجزا ء العالم ،حايملة لهم اللسلم ،وبذلك تركز دولتها ،وتطبع العالم بالحضارة اللسليمية ،وتنقذ بني النسان يمما هم فيه يمن فساد وشرور. إل مّ أن شيئا يمن ذلك لم يحدث ،ولم يكن تشجيع اللغة العربية لسوى إعطا ء العرب بعض يمناصب التدريس وبعض المناصب العلمية ،يمما لم يكن له أي أثر في تقوية اللغة ،ول في إيقاظ علها وحدها لغة الفكر؛ لنه لم ُيعمل على إحيا ء هذه اللغة وج يْ الدولة ،كما هو الواجب في الدولة اللسليمية ،ولنه لم ُيعمل شي ء بالنسبة للناحية الفكرية ول الناحية الفقهية ،ولذلك لم تؤثر هذه الحركة الضعيفة المغلوطة ،وظل الحال لسائرا في لسبيله المعوج. -200-
ويما أن أتى النصف الثاني يمن القرن الثاني عشر الهجري )الثايمن عشر الميلدي( حتى تحمّول اليمر وبدأ الضعف الداخلي يبرز؛ لن كيان الدولة كان قائما على بقايا النظام اللسليمي الذي يسا ء تطبيقه ،وعلى أفكار يمضطربة ،يمنها اللسليمية ويمنها الدخيلة على اللسلم ،وكان الحكم في جملته في جو النظام اللسليمي أكثر يمنه في نظام اللسلم ،يمن جرا ء الفهم المغلوط للفكار اللسليمية ،ويمن جرا ء إلسا ءة تطبيا ق نظام اللسلم ،لفقدان الجتهاد وعدم وجود المجتهدين. ويما أن جا ء القرن الثالث عشر الهجري )التالسع عشر الميلدي( حتى كان يميزان التاريخ بين الدولة اللسليمية والدول غير خف في اللسليمية في تأرجح ،فأخذت كفة العالم اللسليمي ت ِ الوزن ،وكفة الدول الوروبية ترجح شيئا فشيئا .فقد بدأت اليقظة في أوروبا ،وبدأت تظهر نتائجها ،وبدأت تظهر على المسلمين نتائج الجمود الفكري ولسو ء التطبيا ق لللسلم .وذلك أن القرن التالسع عشر شاهد انقلبا خطيرا في الفكار الوروبية على أثر المجهود العظيم الذي بذله الفللسفة والكمّتاب والمفكرون ،والتغيير الشايمل الذي طرأ على الفكر الوروبي لحيا ء الشعوب ،فنشأت الحركات المتعددة التي كان لها أثر في إحداث آرا ء جديدة في وجهة النظر في الحياة. وكان يمن أهم يما وقع :تعديل النظمة السيالسية والتشريعية -201-
كية المستبدة تدريجيا في م لَل ِ وكافة أنظمة الحياة ،فقد زال شبح ال لَ أوروبا ،وحمّلت يمحلها أنظمة حكويمية جديدة قائمة على الحكم النيابي ولسيادة المّيمة ،فكان لهذا أثر كبير في توجيه النهضة الوروبية .كما كان للنقلب الصناعي الذي ظهر في هذا القرن في أوروبا الثر الفعال .كما ظهرت الختراعات المتعدددة .فكان لذلك في يمجموعه الثر الفعال في تقوية أوروبا وفي تقديمها الفكري والمادي .وكان يمن جرا ء هذه القوى المادية والتقدم العلمي أن رجحت كفة العالم الوروبي على العالم اللسليمي في الموقف الدولي رجحانا عظيما ،فتغير يمفهوم المسألة الشرقية، فلم تعد يمسألة اتقا ء الخطار اللسليمية على أوروبا ،وإمّنما صارت يمسألة البقا ء على الدولة العثمانية أو تقسيمها ،حيث اختلفت عليها الدول تبعا لختلفها في المصلحة .وكان هذا النقلب في يمفهوم المسألة الشرقية ،ويما طرأ يمن أحوال أوروبا يمن الرتفا ع الفكري، والتقدم العلمي ،والثورة الصناعية؛ ويما طرأ على العثمانيين يمن الضعف والتفكك ،كل ذلك أدى إلى هذا النقلب السيالسي بين الدولة اللسليمية ودول الكفر ،فرجحت كفة الوروبيين وخمّفت كفة المسلمين. وكان لسبب هذا النقلب السيالسي في حالة أوروبا يمحاولة المفكرين فيها الوصول إلى نظام للحياة .وقد كان اتخاذهم وجهة نظر يمعينة في الحياة ،واعتناقهم عقيدة يمعينة ،وبنا ء النظام على -202-
ألسالسها ،هو الذي قلب يمفاهيم الشيا ء عندهم وق لَ لَلب يمراتب القيم لديهم ،يمما أدى إلى النقلب العام في الحياة ،ويمما لساعد على وجود النقلب الصناعي العظيم .بخلف الحال في العالم اللسليمي أو في الدولة العثمانية التي كانت تتزعمه ،فإنها بدل أن تنظر لوضاعها النظرة الصحيحة ،وتفكر في يمبدئها التفكير العميا ق ،وتثير الفكار وتعمل على إيجاد الجتهاد ،وتعالج يمشاكلها حسب الحكام المنبثقة عن عقيدتها ،و ُتقِبل على العلم والصناعة، بدل أن تفعل كل ذلك أصابتها حيرة وقلا ق يمما حصل في أوروبا، ووقفت جايمدة يمن جرا ء هذه الحيرة ،ونتج عن ذلك تخمّلف الدولة العثمانية يمن الناحية العلمية والصناعية ،فتخلفت في الرقي المادي ،وتخلفت عن باقي الدولة. والسر في ذلك هو أن الدولة العثمانية دولة إلسليمية، والشعوب التي تحكمها شعوب يمسلمة ،واللسلم هو عقيدة الدولة وهو نظايمها ،وأفكاره أفكارها ،ووجهة نظره في الحياة هي وجهة نظرها ،فكان عليها أن تنظر إلى الفكار الجديدة التي حصلت في أوروبا وتقيسها بقاعدتها الفكرية ،وأن تنظر إلى المشاكل الحديثة يمن وجهة نظر إلسليمية فتعطي حكمها على الفكار والمشاكل باجتهاد صحيح حسب وجهة نظر اللسلم ،فت ُبت في شأنها يمن حيث الصحة والفساد .ولكنها لم تفعل؛ لن الفكار اللسليمية لم تكن واضحة لديها ،فلم تكن لها يمفاهيم يمحددة. -203-
ولن العقيدة اللسليمية لم تكن قاعدة فكرية ُتبنى عليها جميع الفكار ،وإمّنما كانت عقيدة تقليدية .فكان اللساس الذي تقوم عليه الدولة وهو العقيدة والفكار غير واضح لدى الدولة العثمانية، وكان النظام جايمدا لعدم وجود الجتهاد ،وكانت الحضارة التي هي يمجمو ع المفاهيم عن الحياة غير يمبلورة وغير يمقترنة بأعمال الدولة ،فسمّبب ذلك النحطاط الفكري وعدم وجود نهضة ،ولهذا وقفوا يمبهوتين أيمام يما شاهدوه في أوروبا يمن النقلب الفكري والصناعي ،فلم يقطعوا بأخذه ،ولم يقطعوا بتركه ،ولم يميزوا بين يما يجوز أن يأخذوه يمن علوم وصناعات واختراعات ،وبين يما ل يجوز أن يأخذوه يمن فلسفة تعِّين وجهة النظر في الحياة، وحضارة هي يمجمو ع المفاهيم عن الحياة. وبذلك جمدوا ولم يتحركوا ،فكان هذا الجمود لسببا في وقوف عجلتهم ،في حين كانت عجلة الدول الوروبية تسير ،ويما ذلك كله إل مّ بسبب عدم فهمهم اللسلم فهما صحيحا ،وعدم إدراكهم التناقض بين الفكار الوروبية وأفكارهم ،وعدم تمييزهم بين العلم والصناعات والختراعات يمما يحثهم اللسلم على أخذها ،وبين الفلسفة والحضارة والفكر يمما يمنعهم اللسلم يمن أخذها. ي اللسلم على العثمانيين فلم يفهموه فهما م لَ ع ِ نعم لقد لَ صحيحا ،وكانت هذه التعمية هي التي جعلت المّيمة والدولة تعيش -204-
كيفما اتفا ق ،دون أن ُتعنى بما عندها يمن نظام ،في حين أن خصويمها تمسكوا بنظام يمعين ولساروا عليه .وبذلك صارت أوروبا صاحبة يمبدأ يمهما كانت عقيدته ،ويمهما كانت فلسفته .وصارت المّيمة اللسليمية صاحبة المبدأ الصحيح تعيش في خيال هذا المبدأ الذي طل عليها يمن ورا ء القرون ،لنها كانت تعيش في وضع يسا ء فيه ُي ِ تطبيا ق يمبدئها. ت فيكم يما ويمع أن الرلسول صلى ا عليه ولسلم يقول } :ترك ُ سكتم به لن تضلوا :كتاب ا ولسمّنتي ،{،ويمع أن الدولة إن تم مّ إلسليمية ،والمّيمة إلسليمية ،ويمع أن الثروة الفكرية والفقهية كانت في يمتناول اليدي ،إل مّ أن الدولة لم تفهم يمعنى هذا الحديث لترجع إلى اللسلم في أصوله على ألساس أنه عقيدة ونظام ،ولم تنتفع بهذه الثروة التي ل يمثيل لها عند اليمم. ما وقف الجتهاد ووقف النشاط نعم لم تنتفع بذلك لنه ل مّ عفت المفاهيم اللسليمية عند المسلمين ،وتخلفت الفكري ض ُ المعارف اللسليمية ،وبقيت الكتب والثروات العلمية يمحفوظة في خزائنها ،ولم يعد هنالك علما ء يمفكرون إل مّ قليلون ،وقمّلت الرغبة في البحث والتقيب عن الحقائا ق ،وصارت المعارف ل ُتطلب للعمل بها في الدولة وفي يمعترك الحياة؛ لن الدولة ل تشجعها، بل صار العلما ء يطلبون العلم والثقافة للترف العقلي و ُيطلقون ل يمنهم عليه أنه طلب العلم للعلم ،أو يطلبون العلم للرتزاق ،و لَق مّ -205-
يمن يطلب اللم لنفع المّيمة والدولة. وبسبب هذه الحال لم تعد هناك حركة علمية أو ثقافية أو تشريعية ،فكان يمن جرا ء ذلك اضطراب فهم اللسلم ،وصار المسلمون يفهمون اللسلم فهما روحيا أكثر يمنه فهما فكريا م لَيت فكرته الصلية وطريقته التي تنَّفذ بها ع ِ ولسيالسيا وتشريعيا؛ إذ لَ ي عليهم فهم الكتاب والسمّنة وصاروا يفهمون م لَ ع ِ هذه الفكرة ،ف لَ بأن اللسلم يمجرد دين روحي ،ويقارنون بينه وبين باقي الديان بما له يمن يمميزات عليها كأديان روحية ،بدل أن ينظروا إليه عقيدة ونظايما لجميع شؤون الحياة. ولذلك لم يكن غريبا أن تقف المّيمة اللسليمية تحت قيادة الدولة العثمانية يموقف الجمود والحيرة والقلا ق يمن الحركة النقلبية التي حصلت في أوروبا ،وأن تظل يمتأخرة تأخرا ظاهرا دون أن تتأثر بالرقي القتصادي الذي شمل أوروبا ،ول بتعدد الختراعات التي كانت فيها ،ول بالحركة الصناعية التي لسادتها، اللهم إل مّ تأثرا جزئيا بشكل يمضطرب يمشوش لم تكن له فائدة، يمكنها يمن وقف عجلة مّ يمكنها يمن التقدم المادي ،بل لم مّ ولم التأخر التي كانت تهوي بها إلى النخفاض والضعف .ولسبب ذلك يرجع إلى أنهم لم يفرقوا بين العلم والثقافة ،وبين الحضارة والمدنية ،ولذلك وقفوا تجاهها وقفة الحائر ،أيأخذونها أم يتركونها؟ فكثيرون كانوا يرونها أنها جميعها تتعارض يمع اللسلم، -206-
ولذلك نادوا بتحريم أخذها ،حتى أنه حين ظهرت المطابع وعزيمت الدولة على طبع القرآن الكريم حمّرم الفقها ء حينئذ طبعه ،وصاروا ُيفتون بتحريم كل جديد ،وتكفير كل يمن يتعلم العلوم الطبيعية، واتهام كل يمفكر بالزندقة واللحاد .وكان هناك جماعة قليلون يرون ضرورة أخذ كل شي ء يمن الغربِ ،يمن علم وثقافة وحضارة ويمدنية ،وهؤل ء كانوا يمن الذين تعلموا في أوروبا أو في المدارس التبشيرية التي كانت قد دخلت البلد ،وهؤل ء لم يكن لهم تأثير في أول اليمر ،وجمهرة الناس كان تحمل فكرة يمحاولة التوفيا ق بين اللسلم وبين الثقافة والعلوم والحضارة والمدنية التي يحملها الغرب. فقد لساد في أواخر الدولة العثمانية فكرة يمؤداها أن الغرب أخذ حضارته يمن اللسلم ،وأن اللسلم ل يمنع أخذ يما يوافقه والعمل بما ل يخالفه .وقد نجح الغرب في نشر هذه الفكرة حتى لسادت وحملتها جمهرة الناس ول لسيما المتعلمون ،وكثير يمنهم يمن الفقها ء والعلما ء ،وكانوا يسمونهم علما ء عصريين ،و ُأطلا ق عليهم أنهم يمصلحون .ونظرا للتناقض الحقيقي بين الحضارة الغربية والحضارة اللسليمية ،وللتباين الواضح بين الثقافة الغربية ويما يمعان تتعلا ق بوجهة النظر في الحياة ،وبين الثقافة ٍ تتضمنه يمن يمعان تتعلا ق بطريقة الحياة ،نظرا لهذا ٍ اللسليمية ويما تتضمنه يمن التناقض لم يمكن التوفيا ق بين يما في اللسلم ويما في الفكار -207-
الغربية ،فأدى ذلك إلى ُبعد هؤل ء عن اللسلم ،و ُقربهم يمن الفكار الغربية بشكل يمشوش ،فعجزوا عن فهم أفكار الغرب وابتعدوا عن اللسلم ،فكان لذلك أثر كبير في إهمال الختراعات والعلوم والصناعات ،وأثر كبير في لسو ء فهم اللسلم ،أدى إلى تحويل المّيمة إلى هذه المجموعة المتناقضة في الفكار ،وإلى عدم الستطاعة الدولة أن تجزم في فكر يمعين ،كما أدى إلى إعراض المّيمة عن الخذ بولسائل الرقي المادي يمن العلوم عفت ضعفا ظاهرا حتى أصبحت غير والختراعات والصناعات ،فض ُ قادرة على الوقوف ،وعاجزة عن حماية نفسها ،فكان يمن جرا ء هذا الضعف أن أخذ أعدا ء اللسلم يقتطعون أجزا ء الدولة اللسليمية جز ءا جز ءا وهي عاجزة يمستسلمة .وأخذ الغزو التبشيري بالسم العلم يتغلغل في كيان المّيمة الداخلي يفمّرق صفوفها ،و ُيشعل نار الفتنة داخل البلد اللسليمية .ونجحت الحركات المتعددة التي تهدم جسم الدولة ،وظهرت فكرة القويمية في جميع أجزا ء الدولة :في البلقان ،وتركيا ،والبلد العربية، وأريمينيا ،وكردلستان. ج ُرف ويما أن جا ءت لسنة 1914حتى كانت الدولة على شفا ُ ها ٍر ،فدخلت الحرب العالمية الولى وخرجت يمنها يمهزويمة ،ف ُقضي عليها .وبذلك ذهبت دولة اللسلم وتحقا ق للغرب الحلم الذي كان يداعبهم قرونا طويلة ،وهو القضا ء على الدولة اللسليمية للقضا ء -208-
على اللسلم .وبذهاب الدولة اللسليمية صار الحكم في جميع البلد اللسليمية غير إلسليمي ،وصار المسلمون يعيشون تحت راية غير إلسليمية ،فاختل أيمرهم ،ولسا ء حالهم ،وصاروا يعيشون على نظام الكفر ،ويحكمون بأحكام الكفر. الغزو التبشيري أخذت أوروبا تغزو العالم اللسليمي غزوا تبشيريا بالسم العلم ،ورصدت لذلك الميزانيات الضخمة .أو بعبارة أخرى غزوا الستعماريا عن طريا ق التبشير بالسم العلم والإنسانية ،وذلك لتمكين دوائر اللستخبارات السيالسية ،ودوائر اللستعمار الثقافي يمن التمركز في البلد ،حتى كانت طليعة اللستعمار الغربي .وبهذا ُفسح المجال لهذا اللستعمار ،و ُفتح باب العالم اللسليمي على يمصراعيه ،وانتشرت الجمعيات التبشيرية في كثير يمن البلدان اللسليمية ،وكان يمعظمها جمعيات انجليزية وفرنسية وأيمريكية. غل النفوذ الفرنسي والبريطاني عن طريقها ،وأصبحت هذه غل لَ فت لَ الجمعيات يمع الزيمن هي الموجهة للحركات القويمية ،وأصبحت هذه المسيطرة على توجيه المتعلمين يمن المسلمين ،أو توجيه القويمية العربية والقويمية التركية لغرضين رئيسيين :الول فصل العرب عن الدولة العثمانية المسلمة للجهاز على دولة اللسلم، وأطلقوا عليها السم )تركيا( لثارة النعرة العنصرية .والثاني إبعاد -209-
المسلمين عن الرابطة الحقيقية التي لم يكونوا يعرفون لسواها وهي رابطة اللسلم .وقد انتهوا يمن الغرض الول وبقي الثاني قائما .ولذلك لسيظل التوجيه إلى القويمية عند الترك والعرب والفرس وغيرهم هو الالسفين الذي يفرق وحدة المسلمين، ويعميهم عن يمبدئهم. وقد يمرت هذه الجمعيات التبشريرية بأدوار عديدة ،وكان أثرها بليغا في العالم اللسليمي ،ويمن نتائجه يمانعانيه اليوم يمن ضعف وانحطاط ،لنها كانت اللبنة الولى التي وضعت في السد الذي أقايمه اللستعمار بيننا وبين النهوض ،وحال به بيننا وبين يمبدئنا وهو اللسلم .والذي حمل الوروبيين على إنشا ء الجمعيات التبشيرية في العالم اللسليمي ،هو يما عانوه في الحروب الصليبية يمن صلبة المسلمين وصبرهم على الجهاد ،وذلك أن الغربيين حين لقوا المسلمين في لساحة النزال كانوا يعتمدون على أيمرين حسب رأيهم ،وكانوا يعلقون أهمية كبرى على هذين اليمرين للقضا ء على اللسلم والمسلمين القضا ء التام. أمّيما أولهما فهو اعتمادهم على النصارى الذين كانوا يسكنون العالم اللسليمي إذ كان في البلد اللسليمية نصارى كثيرون، وخاصة في بلد الشام .وكان هؤل ء النصارى يممن يتمسكون بدينهم ،فكانوا يعتبرونهم إخوانا في الدين وظنوا أنهم لسيكيدون للمسلمين ،ولسيكونون عينا لهم عليهم ،بحجة أنهم أثاروا حربهم -210-
هذه حربا دينية. وأمّيما اليمر الثاني فقد كانوا يعتمدون على كثرة عددهم، وعظم قوتهم ،على حين كان المسلمون يمتقاطعين يمتدابرين ،قد بدأ النحلل يدب في كيانهم ،فظنوا أنهم إذا هزيموهم أول هزيمة أخضعوهم إلى البد ،ولسهل القضا ء عليهم وعلى دينهم ،ولكن خاب فألهم ولم يصدق حدلسهم .وكم كانت دهشتهم عظيمة حين رأوا أثنا ء الحروب أن النصارى العرب وقفوا بجانب المسلمين ،ولم تؤثر فيهم الدعايات ،وكانوا يحاربون يمع المسلمين ،لنهم كانوا يعيشون في دار اللسلم ،ويطبا ق عليهم النظام اللسليمي ،ولهم يما للمسلمين وعليهم يما عليهم ،يأكل المسلمون يمن طعام النصارى ويتزوج المسلم النصرانية ويصاهر أهلها ويخوضون من لهم جميع حقوقهم ،ولسار يمعترك الحياة يمعا لن اللسلم ض لَ ِ على العمل بذلك الخلفا ء والحكام ،وكان عليه العمل في دولة اللسلم ،وقد نص القرافي وابن حزم )على أن ِيمن حا ق حماية أهل ذيمتنا إذا تعرض الحربيون لبلدنا ،وقصدوهم في جوارنا ،أن نموت في الدفا ع عنهم ،وكل تفريط في ذلك يكون إهمال م ً لحقوق الذيمة( ويقول القرافي ) :إن يمن واجب المسلم للذيميين الرفا ق بضعفائهم ،ولسد خلة فقرائهم ،وإطعام جائعهم ،وإلباس عاريهم ،ويمخاطبتهم بلين القول ،واحتمال أذى الجار يمنهم يمع القدرة على الدفع ،رفقا بهم ل خوفا ول تعظيما ،وإخلص النصح -211-
تعرض ليذائهم ،وصون مّ لهم في جميع أيمورهم ،ودفع يمن أيموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ويمصالحهم وأن حسن بكريم الخلق أن يفعله( .وهذا كله يفعل يمعهم كل يما لَي ُ جعل النصارى يدافعون طبيعيا يمع المسلمين .وكانت دهشتهم أعظم حين رأوا أن اليمر الثاني لم يحقا ق ظنهم .وذلك أنهم قد الستولوا على بلد الشام وهزيموا المسلمين شر هزيمة والستعملوا أشد الفظائع ،وكانوا أول يمن ابتد ع يمع المسلمين أجلائهم عن ديارهم .ولساروا على ذلك في جميع حروبهم يمع المسلمين. وظلت هذه طريقتهم حتى الن كما حصل في فلسطين ،وكانوا يظنون أن اليمر قد الستتب لهم ،وأنه لن تقوم للمسلمين قائمة. ولكن المسلمين ظلوا يمصممين على إخراجهم يمن بلدهم، وبالرغم يمن يمكثهم يمدة تقرب يمن قرنين ،أقايموا فيها يممالك وإيمارات في بلد الشام ،فإن المسلمين الستطاعوا في النهاية أن يتغلبوا على الصليبيين ،وأن يطردوهم يمن ديارهم. وقد بحثوا عن السر في ذلك كله فوجدوه في اللسلم ،لن عقيدته هي يمنشأ هذه القوة العظيمة في المسلمين ،وأحكايمه م لَنت لهم حقوقهم ،فنتج هذا التمالسك ض ِ بالنسبة لغير المسلمين لَ بين الرعية ،ولذلك فكر الكافر المستعمر في طريقة يغزو بها هذا العالم اللسليمي ،فوجد أن خير طريقة هي لسلوك الغزو الثقافي عن طريا ق التبشير ليكسبوا النصارى إلى جانبهم ،وليثيروا شكوك -212-
يوجدون ِ المسلمين في دينهم ،ويزعزعوا عقيدتهم .وبذلك النقسام بين المسلمين وغيرهم يمن رعايا الدولة اللسليمية، ويضعفون قوة المسلمين. ونفذوا ذلك بالفعل ،فألسسوا في أواخر القرن السادس عشر يمركزا كبيرا للتبشير في يمالطة ،وجعلوها قاعدة هجويمهم التبشيري على العالم اللسليمي إذ يمنها كانت ترلسل قوات التبشير، فإنهم بعد أن الستقر بهم المقام ويمكثوا يمدة ،شعروا بضرورة يمد نشاطهم ،فانتقلوا لبلد الشام لسنة 1625م ،وحاولوا إيجاد الحركات التبشيرية ،غير أن نشاطهم كان يمحدودا جدا ،لم يتعد تألسيس بعض المدارس الصغيرة ،ونشر بعض الكتب الدينية. وعانوا يمشقات كبيرة يمن اضطهاد وإعراض ويمحاربة يمن الجميع. إل مّ أنهم ثبتوا حتى لسنة 1773م ،حيث ألغيت الجمعيات التبشيرية لليسوعيين ،وأغلقت يمؤلسساتهم يما عدا بعض الجمعيات التبشرية الضعيفة كجمعية المبشرين العازاريين .وبالرغم يمن وجودها انقطع أثر المبشرين والتبشير ،ولم يعد لهم وجود إل مّ في يمالطة حتى لسنة 1820م ،حيث ُألسس أول يمركز للتبشير في بيروت ،وبدأ نشاطهم فيها فلقوا صعوبات كثيرة ،وبالرغم يمن هذه الصعوبات الستمروا في عملهم .وكانت عنايتهم الولى يمنصرفة إلى التبشير الديني والثقافة الدينية ،وكانت عنايتهم بالتعليم ضعيفة .وفي لسنة 1834م انتشرت البعثات التبشيرية في لسائر بلد الشام ،فف ُتحت -213-
كلية في قيرة عنتورة في لبنان ،ون لَقلت الرلسالية اليمريكية يمطبعتها يمن يمالطة إلى بيروت ،لتقوم بطبع الكتب ونشرها. ونشط المبشر اليمريكي المشهور )إيلي لسميث( نشاطا ظاهرا. وقد كان هذا المبشر في يمالطة يشتغل في التبشير يمتطوعا ويتولى أيمر يمطبعة الرلسالية .وفي لسنة 1827م حضر لبيروت، ولكنه يما لبث لسنة حتى توله الذعر والملل ،ولم يطا ق صبرا فرجع إلى يمالطة ،ثم عاد إلى بيروت لسنة 1834م وفتح هو وزوجته يمدرلسة للناث ،واتسع المجال أيمايمه ووقف حياته للعمل في بيروت بوجه خاص وفي بلد الشام بوجه عام ،وبذلك تعاونت هذه الجهود جميعا في بعث حركة التبشير .وكان قيام إبراهيم باشا بتطبيا ق برنايمج للتعليم البتدائي في لسوريا -يمستوحى يمن برنايمج التعليم الموجود في يمصر المأخوذ عن برايمج التعليم في فرنسا -فرصة لهؤل ء المبشرين ،فاغتنموها ولساهموا في الحركة التعليمية يمن وجهة النظر التبشيرية .ثم شملت حركة الطباعة، وبذلك نشطت الحركة التبشيرية وشاركت في الحركة التعليمية يمشاركة ظاهرة .وقد الستطاعوا بنشاطهم هذا أن يوغروا الصدور بين رعايا الدولة اللسليمية بالسم الحرية الدينية .وأوجدوا بين المسلمين والنصارى والدروز نشاطا دينيا يتصل بالعقيدة. وحين انسحب إبراهيم باشا لسنة 1840م يمن بلد الشام انتشر القلا ق والفوضى والضطراب فيها ،وانقسم الناس على -214-
أنفسهم ،واغتنم الموفدون الجانب -ل لسيما رجالت البعثات التبشيرية -ضعف نفوذ الدولة العثمانية في البلد ،وحينئذ أخذوا ُيشعلون نار الفتنة .ويما يممّر عام واحد وحمّلت لسنة 1841م ،حتى وقعت اضطرابات خطيرة في جبل لبنان بين النصارى والدروز الستفحل شرها ،حتى اضطرت الدولة العثمانية -بتأثير ضغط الدول الجنبية -أن تضع للبنان نظايما جديدا تقسمه فيه إلى قسمين : يسود النصارى في قسم يمنه ،ويسود الدروز في القسم الخر، وتعمّين حاكما للقسمين .وأرادت بذلك أن تتفادى الحتكاك بين الطائفتين. غير أن هذا النظام لم ينجح ،لنه لم يكن طبيعيا .وقد تدخلت كل يمن انجلترا وفرنسا في هذا الخلف ،وكانت ُتشعلن نار الفتنة كلما حاول القائمون على اليمر إخمادها .وأخذ النجليز والفرنسيون يتخذون هذا الحتكاك بين الطوائف ذريعة للتدخل في شؤون لبنان .وانحاز الفرنسيون إلى جانب الموارنة ،وانحاز النجليز إلى جانب الدروز يمما أدى إلى تجدد الضطرابات لسنة 1845م بشكل فظيع ،شمل العتدا ء فيها الديرة والكنائس، والس ُتعمل فيه السلب والنهب والقتل ،يمما اضطر الحكويمة العثمانية إلى إرلسال ناظر خارجيتها إلى لبنان ،ليتلفى اليمر بما لديه يمن الصلحيات المطلقة .ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئا هايما ،وإن كان قد أخمد الحالة نوعا يما. -215-
إل مّ أن المبشرين ازداد نشاطهم .ويما أن جا ءت لسنة 1857م حتى بدأت فكرة الثورة والصطدايمات المسلحة في طائفة الموارنة ،فقد قام رجال الدين الموارنة بتحريض الفلحين على القطاعيين ،وهاجموهم في لبنان الشمالي هجويما عنيفا، واشتعلت نار الثورة هناك ،ثم ايمتدت إلى الجنوب ،فثار الفلحون النصارى على القطاعيين الدروز .وأخذت كل يمن انجلترا وفرنسا تؤيد جماعتها ،فالنجليز يؤيدون الدروز والفرنسيون يؤيدون النصارى .وبذلك تولسعت الفتنة تولسعا عايما ،حتى شملت جميع لبنان .وأخذ الدروز يقتلون جميع النصارى ل فرق بين رجال الدين شرد آلف يمن النصارى يمن جرا ء القسوة وغيرهم ،حتى ُقتل و ُ التي كانت تنطبع بها الضطرابات .ثم لسرت يموجة الضطرابات إلى لسائر بلد الشام ،وهمّبت في ديمشا ق يموجة يمن البغضا ء الشديدة بين المسلمين والنصارى ،أدت في شهر تموز لسنة 1860م إلى أن يهاجم المسلمون حي النصارى ،ويقويموا بمذبحة كبيرة .وقد صاحب تلك المذابح شي ء يمن التخريب والتديمير والضطراب ،حتى اضطرت الدولة إلى وقف الفتنة بالقوة. وبالرغم يمن أن الضطرابات خمدت وكادت تنتهي ،إل مّ أن الدول الغربية رأت أن هذه هي الفرصة التي تتيح لها أن تتدخل في بلد الشام .فأرلسلت البوارج الحربية إلى لسواحلها .وفي شهر آب يمن السنة نفسها أرلسلت فرنسا حملة برية يمن الجيش -216-
الفرنسي ،نزلت في بيروت ،وأخذت تعمل لخماد الثورة .وهكذا حصلت للدولة العثمانية في لسوريا فتنة خلقتها الدول الغربية، خلوا وأجبروها على أن تخضع لوضع نظام خلهم .فتد مّ لتكون بابا لتد مّ خاص لسوريا ،يقسمها إلى وليتين ،وأن تمنح لبنان ايمتيازات خاصة ،ففصلت لبنان عن لسائر أجزا ء البلد الشايمية ،ويمنحته الستقلل م ً ذاتيا ،يتمتع فيه بنظام يمحلي للدارة ،على رألسه حاكم يمسيحي ،ويعاونه يمجلس إداري يمثل السكان .ويمن ذلك الحين رعت الدول الجنبية أيمر لبنان ،وجعلته يمركزا لها ،فكان رأس الجسر الذي لَن لَفذ يمنه الجانب إلى قلب الدولة العثمانية والبلد اللسليمية. وفي هذه الثنا ء اتخذت أعمال التبشير يمظهرا آخر لم يكن يموجودا يمن قبل ،فلم يكتفوا بحركة المدارس ودور التبشير والمطابع والمستشفيات ،بل تعدوا ذلك إلى تألسيس الجمعيات. ففي لسنة 1842م تشكلت لجنة لتألسيس جمعية علمية تحت رعاية الإرلسالية اليمريكية وفا ق برنايمجها .وقد لسارت هذه اللجنة في طريقها يمدة خمس لسنوات ،حتى تمكنت في لسنة 1847م يمن متها )جمعية الفنون والعلوم( .وكان أعضاؤها تألسيس جمعية لس مّ ناصيف اليازجي ،وبطرس البستاني يمن نصارى لبنان ،أخذتهما بوصفهما يمن نصارى العرب ،وإيلي لسميث ،وكورنيليوس فان ديك يمن اليمريكان ،والكولونيل تشرشل يمن النجليز .وكانت أهداف -217-
هذه الجمعية في أول اليمر غايمضة ،ولكنها كانت تظهر بمظهر نشر العلوم بين الكبار ،كما تنشر العلوم في المدارس بين مل الكبار كما يحمل الصغار على تثقيفهم بالثقافة الصغار ،وح يْ جهين بتوجيه خاص وفا ق الخطة التبشيرية. الغربية ،يمو َّ وبالرغم يمن نشاط رجال هذه الجمعية وبذل جهودهم الجبارة فيها ،فإنه لم ينتسب لها خلل أيمين لسوى خمسين عضوا عايمل م ً يمن جميع بلد الشام ،كلهم يمن النصارى ،وأكثرهم يمن لسكان بيروت ،ولم يدخل في الجمعية يمن المسلمين ول يمن الدروز أي عضو يمطلقا .وقد ُبذلت جهود جبارة لتولسيعها وتنشيطها ،ولكنها لم ُتثمر ،ويماتت الجمعية بعد خمس لسنوات يمن تألسيسها ،دون أن تترك إل مّ أثرا واحد لَا ،هو الرغبة عند المبشرين في تألسيس الجمعيات. ولذلك ُألسست جمعية أخرى لسنة 1850م بالسم )الجمعية الشرقية( ،ألسسها اليسوعيون تحت رعاية الب اليسوعي الفرنسي "هنري دوبرونير" .وكان أعضاؤها كلهم يمن النصارى ،ولسارت ل ،ويماتت على يمنهاج جمعية العلوم والفنون ،ولكنها لم تعش طوي م ً بعد يموت الجمعية الولى بقليل. ثم تألسست عدة جمعيات كانت كلها تصاب بالخفاق التام، حتى تشكلت لسنة 1857م جمعية على ألسلوب جديد ،روعي فيها أن ل يدخلها أحد يمن الجانب يمطلقا ،فقد كان يمؤلسسوها كلهم -218-
يمن العرب .وبذلك أتيح لها أن توَّفا ق إلى أن تضم بين أعضائها بعض المسلمين وبعض الدروز أخذتهم بوصفهم عربا ،وتألسست بالسم )الجمعية العلمية السورية( .والستطاعت بفضل نشاطها وظهورها بالمظهر العربي ،وعدم وجود أي عضو فيها يمن الغربيين ،أن تؤثر على الناس ،حتى انتسب إليها عدد كبير بلغ يمئة وخمسين عضوا .وكان بين أعضا ء إدارتها شخصيات بارزة يمن العرب ،يمنهم يمحمد أرلسلن يمن الدروز ،وحسين بيهم يمن المسلمين .وانضم إليها كذلك يمن كل طائفة يمن نصارى العرب، ويمن أشهرهم إبراهيم اليازجي وابن بطرس البستاني .وهذه الجمعية الوحيدة التي عاشت يمدة أطول يمن المدة التي عاشها غيرها يمن الجمعيات .وكان يمن برنايمجها التوفيا ق بين الطوائف، وبعث القويمية العربية في النفوس .ولكن غايتها المخفية كانت الستعمارية تبشيرية بالسم العلم ،وكانت تتجلى ببعث الثقافة الغربية والحضارة الغربية. ثم في لسنة 1875م تألفت في بيروت "الجمعية السرية"، وأخذت هذه الجمعية تركز نفسها على فكرة لسيالسية ،فأخذت تبعث فكرة القويمية العربية .والذين قايموا بتألسيسها هم خمسة شبان يمن الذين تلقوا العلم في الكلية البروتستانتية في بيروت، وكانوا جميعا يمن النصارى الذين الستطاعت الجهات التبشيرية أن تؤثر فيهم .فقام هؤل ء الشبان بتألسيس هذه الجمعية ،وبعد -219-
ل .ويمع أن هذه يمضي يمدة الستطاعوا أن يضموا إليهم عددا قلي م ً الجمعية كانت تريمي فيما بينته يمن أقوال ويمنشورات إلى القويمية العربية وإلى الستقلل العرب السيالسي ،وخاصة في لسوريا ولبنان، إل مّ أنه كان يتجلى في عملها وبرايمجها ويما وصل عنها يمن أخبار أنها تريمي إلى صب الرغبات الغايمضة واليمال المب لَهمة في النفوس .وكانت تدعو للقويمية وللعرب وللعروبة ،وتثير العدا ء للدولة العثمانية وتسميها )التركية( وتعمل على فصل الدين عن الدولة ،وجعل القويمية العربية هي اللساس. ويمع أن هذه الجمعية كانت تلبس ثوب العروبة ،إل مّ أن منوا نشراتهم اتهام )تركيا( -حسب القائمين عليها كثيرا يما ض مّ تعبيرهم -بأنها اغتصبت الخلفة اللسليمية يمن العرب ،وأنها تجاوزت على الشريعة اللسليمية الغرا ء ،وأنها فمّرطت في الدين، يمما يدل على الغاية التي ُوجدت يمن أجلها ،وهي إثارة القلقل ضد الدولة اللسليمية وتشكيك الناس في الدين وإقايمة الحركات السيالسية على غير اللسلم. والذي ُيج لَزم به ِيمن تتُّبع تاريخ هذه الحركات أن الغربيين هم الذين أنشأوها ،وأنهم كانوا يراقبونها ،ويشرفون عليها ،ويهتمون بها ،ويكتبون تقاريرهم عنها .فقد كتب قنصل بريطانيا في بيروت بتاريخ 28تموز لسنة 1880م برقية بعثها إلى حكويمته ،ونصها : )ظهرت نشرات ثورية ُيشتبه أن يكون يمدحت يمصدرا لها ،يمع ذلك -220-
يسود الهدو ء .التفاصيل بالبريد( .وكانت هذه البرقية إثر توزيع الجمعية المذكورة يمنشورات لها في الشوار ع ولصقها على الجدران في بيروت .وقد تبعت هذه البرقية عدة رلسائل يمن القناصل البريطانيين في بيروت وديمشا ق .وكانت هذه الرلسائل تر لَفا ق بنسخ يمن النشرات التي كانت توزعها الجمعية .وكانت بمثابة تقارير عن هذه الحركة التي ُولدت في الكلية البروتستانتية وأخذت تعمل في بلد الشام .وكان العمل بارزا في بلد الشام وإن كان يموجودا في جهة أخرى يمن البلد العربية ،يدل على ذلك أن مد البريطاني في جدة كتب إلى حكويمته لسنة 1882م كتابا المعت لَ عن الحركة العربية جا ء فيه )إل مّ أنه قد وصل إلى علمي أن بعض الذهان حتى في يمكة نفسها ،أخذت تتحرك بفكرة الحرية ،ويلو ح لي بعد الذي لسمعته يمن تلميح ،أن هنالك خطة يمرلسويمة ،تريمي إلى توحيد نجد يمع بلد يما بين النهرين أي جنوب العراق وتنصيب يمنصور باشا عليها ،وتوحيد عسير يمع اليمن وتنصيب علي بن عابد عليها(. ولم يقتصر الهتمام بها على انجلترا ،بل إن فرنسا كذلك كانت يمهتمة إلى حد بعيد؛ ففي لسنة 1882م كتب أحد الفرنسيين الذين كانوا في بيروت يما يدل على يمبلغ اهتمام فرنسا ،فقد قال : )إن رو ح اللستقلل يمنتشرة انتشارا كبيرا ،وقد رأيت شباب المسلمين خلل إقايمتي في بيروت يمنهمكين بتشكيل الجمعيات -221-
العايملة على تألسيس المدارس والمستشفيات ،والنهوض بالبلد. ويمما يلفت النظر في هذه الحركة أنها يمحرَّرة يمن أي أثر للطائفية، فإن هذه الجمعية تستهدف قبول النصارى بين أعضائها ،والعتماد على يمعاونتهم في العمل القويمي( .وكتب أحد الفرنسيين يمن بغداد )لقد كان يواجهني في كل يمكان ،وبنفس النسبة ،ذلك الشعور العام المستقر "كراهية الترك" ،وأمّيما فكرة القيام بعمل يمشترك يمرتب لطر ح هذا النير البغيض فهي في دور التكوين. ويلو ح في الفا ق البعيد طيف حركة عربية ُولدت حديثا ،ولسيقوم هذا الشعب الذي كان يمغلوبا على أيمره حتى الن بالمطالبة عما قريب بمركزه الطبيعي في عالم اللسلم ،وفي توجيه يمصير هذا العالم(. ولم يقتصر أيمر الهتمام بالغزو التبشيري بالسم الدين والعلم على أيمريكا وفرنسا وبريطانيا ،بل شمل أكثر الدول غير اللسليمية، ويمنها رولسيا القيصرية ،فقد أرلسلت بعثات تبشيرية ،كما أمّيمت بلد الشام بعثة برولسية )المانية( يمؤلفة يمن راهبات )كابزرودت( لساهمت يمع باقي البعثات. وبالرغم يمن تباين وجهات النظر السيالسية بين البعثات التبشيرية وبين المو لَفدين الغربيين بالنسبة لمنهجها السيالسي باعتبار يمصالحهم الدولية ،فقد كانت يمتفقة في الغاية ،وهي التبشير بالدين المسيحي ،وبعث الثقافة الغربية في الشرق، -222-
وتشكيك المسلمين في دينهم ،وحملهم على اليمتعاض يمنه، وعلى احتقار تاريخهم ،وتمجيد الغرب وحضارته .كل ذلك يمع بغض شديد لللسلم والمسلمين ،واحتقار لهم ،واعتبارهم برابرة يمتأخرين ،كما هو رأي كل أوروبي .وقد وصلوا إلى نتائج كانت هي السبب بما نراه يمن تركيز الكفر واللستعمار. العدا ء الصليبي يقول أحد العلما ء الفرنسيين وهو الكونت هنري دكالستري في كتابه )اللسلم( لسنة 1896م يما نصه ) :لست أدري يما الذي يقوله المسلمون لو علموا أقاصيص القرون الولسطى ،وفهموا يما كان يأتي في أغاني ال ُقمّوال يمن المسيحيين؟ فجميع أغانينا حتى التي ظهرت قبل القرن الثاني عشر صادرة عن فكر واحد ،كان السبب في الحروب الصليبية .وكلها يمحشوة بالحقد على المسلمين للجهل الكلي بديانتهم .وقد نتج عن تلك الناشيد تثبيت هاتيك القصص في العقول ضد ذلك الدين ،ورلسوخ تلك الغلط في شد كان الذهان .ول يزال بعضها رالسخا إلى هذه اليام .فكل يمن ِ عد المسلمين يمشركين غير يمؤيمنين وعبدة أوثان يمارقين(. ي ُ وهكذا كان يوصف المسلمون كما يوصف دينهم يمن ِقبل رجال الدين النصراني في أوروبا بأوصاف فظيعة في القرون الولسطى .وكانت هذه الوصاف يمما الس ُتعمل لثارة الحقد -223-
والبغضا ء ضد المسلمين ،يمما أثار العالم النصراني ،فكانت الحروب الصليبية .وبعد انتهائها بعدة قرون قام المسلمون في القرن الخايمس عشر فغزوا الغرب ،حيث فتحت الدولة اللسليمية القسطنطينية ،ثم فتحت في القرن السادس عشر جنوب وشرق أوروبا وحملت اللسلم إليها ،فدخل في دين ا المليين يمن البانيا ويوغسلفيا وبلغاريا وغيرها ،فتجَّدد العدا ء الصليبي و ُوجدت المسألة الشرقية ،وكانت تعني العمل يمن جانب أوروبا لرد الجيوش اللسليمية ووقف الفتح اللسليمي ودر ء خطر المسلمين. فكان هذا العدا ء المتأصل في نفوس الوروبيين لللسلم والمسلمين هو الذي حمل كافة النصارى في أوروبا أن يبعثوا بالحركات التبشيرية في بلد اللسلم ،بالسم المدارس والمستشفيات والجمعيات والنوادي ،وأن يبذلوا في لسبيل ذلك اليموال الطائلة والجهود الضخمة ،وأن يتفقوا على هذه الخطة رغم اختلف يمصالحهم وتبا ُين لسيالستهم ،وأن ُيجمع على ذلك جميعهم دول م ً وشعوبا ،وأن يجعلوه يمن أعمال قناصلهم ولسفارتهم ،كما هو يمن أعمال المو لَفدين والمبشرين. وهذا العدا ء الصليبي الكايمن في النفوس الغربية كلها ،ول لسيما أوروبا ،وعلى الخص بريطانيا ،هذا العدا ء المتأصل والحقد اللئيم هو الذي أوجد هذه الخطط الجهنمية للقضا ء على اللسلم والمسلمين ،وهو الذي لسمّبب إذللنا في ديارنا هذا الذلل. -224-
وإذا كان اللورد اللنبي قد قال حين فتح القدس وهو يدخلها لسنة 1917م ) :اليوم فقط انتهت الحروب الصليبية( ،فإنما ذلك تعبير صادق عن يمكنون نفسه ،وشدة ُبغضه ،وتأصل الحقد في نفسه ،وهو تعبير عن نفس كل أوروبي يخوض غمار الحرب ص لَدق ا حيث يقول :قد ثقافية أو عسكرية -ضد المسلمين ،و لَبدت البغضا ء يمن أفواههم ويما ُتخفي صدورهم أكبر .ويما بدا يمن فم اللورد اللنبي إن هو إل مّ ُبغض ،ويما كانت تخفيه دولته بريطانيا هو أكبر يمن ذلك ول ريب .وكذلك يما في نفس كل أوروبي على الطلق .وقد ايمتد هذا البغض يمنذ أيام الصليبيين ،ول يزال يمتد حتى اليوم .ويما نلقيه يمن اضطهاد وإذلل والستعمار والستغلل هو -إلى جانب الناحية السيالسية التي فيه -أيمر انتقايمي يمنا نحن المسلمين بوجه خاص. يقول اللستاذ ليبولد فايس في كتابه )اللسلم على يمفترق( : )إن النهضة أو إحيا ء العلوم والفنون الوروبية بالستمدادها الوالسع يمن المصادر اللسليمية والعربية على الخص كانت ُتعزى في الكثر إلى التصال المادي بين الشرق والغرب .لقد الستفادت أوروبا أكثر يمما الستفاد العالم اللسليمي ،ولكنها لم تعترف بهذا الجميل وذلك بأن ُتنِقص يمن بغضائها لللسلم ،بل كان اليمر على العكس ،فإن تلك البغضا ء قد نمت يمع تقدم الزيمن ،ثم الستحالت عادة .ولقد كانت هذه البغضا ء تغمر الشعور الشعبي كلما ُذكرت -225-
كلمة )يمسلم( ،ولقد دخلت في اليمثال السائرة عندهم حتى نزلت في قلب كل أوروبي رجل م ً كان أو ايمرأة .وأغرب يمن هذا كله أنها ظلت حية بعد جميع أدوار التبدل الثقافي ،ثم جا ء عهد الصل ح الديني حينما انقسمت أوروبا شيعا ،ووقفت كل شيعة يمدججة بسلحها في وجه كل شيعة أخرى ،ولكن العدا ء لللسلم كان ن أخذ الشعور الديني فيه يخبو، عايما فيها كلها .وبعدئذ جا ء زيم ٌ ولكن العدا ء لللسلم الستمر ،وإن يمن أبرز الحقائا ق على ذلك أن الفيلسوف والشاعر الفرنسي فولتير ،وهو يمن ألد أعدا ء النصرانية وكنيستها في القرن الثايمن عشر ،كان في الوقت نفسه يمبغضا ن أخذ يمغاليا لللسلم ولرلسول اللسلم .وبعد بضعة عقود جا ء زيم ٌ عمل ء الغرب يدرلسون الثقافات الجنبية ويواجهونها بشي ء يمن العطف .أيما فيما يتعلا ق باللسلم ،فإن الحتقار التقليدي أخذ يتسلل في شكل تحزب غير يمعقول إلى بحوثهم العلمية ،وبقي هذا الخليج الذي حفره التاريخ بين أوروبا والعالم اللسليمي غير يمعقود فوقه بجسر ،ثم أصبح احتقار اللسلم جز ءا ألسالسيا في التفكير الوروبي(. وعلى هذه اللسس قايمت الجمعيات التبشيرية التي أشرنا إليها ،ولذلك كانت تهدف إلى التبشير بالديانة النصرانية ،وإلى تشكيك المسلمين في دينهم ،وتحقيره في نفولسهم وتحميله تبعة ضعفهم ،وتهدف إلى النواحي السيالسية ،ولذلك كانت نتائجها -226-
فظيعة في الناحيتين السيالسية والتشكيكية ،حتى وصلت إلى نتائج أكثر يمما كانوا يتوقعون .فقد كانت الحركات التبشيرية ُتبنى على ألساس يمحو اللسلم بالطعن فيه ،وإثارة المشاكل والشبهات حوله وحول أحكايمه ،لصد الناس عن لسبيل ا ،ولبعاد المسلمين عن دينهم ،وكانت يمن ورا ء هذه الحركات التبشيرية حركات اللستشراق والمستشرقين تريمي إلى ذات الغرض وعن نفس القوس. وتوحدت الجهود كلها في أوروبا في حرب صليبية شنتها أول م ً يمن ناحية ثقافية بتسميم العقل كله بما شوهوه يمن أحكام اللسلم ويمثله العلى ،وبالتسميم الجنبي لعقول أبنا ء المسلمين بما يقولونه عن اللسلم وتاريخ المسلمين بالسم البحث العلمي والنزاهة العلمية ،ويما هو إل مّ السم الثقافي الذي هو أخطر يمن الحروب الصليبية .وكما كان دعاة التبشير يقويمون بهذا التسميم بالسم العلم والنسانية ،كان المستشرقون يقويمون به بالسم اللستشراق .يقول اللستاذ ليوبولد فايس ) :والواقع أن المستشرقين الولين في العصر الحديثة كانوا يمبشرين نصارى يعملون في البلد اللسليمية ،وكانت الصورة المشَّوهة التي اصطنعوها يمن تعاليم اللسلم وتاريخه يمدَّبرة على ألساس يضمن التأثير في يموقف الوروبيين يمن "الوثنيين" -يعني المسلمين -غير أن هذا اللتوا ء العقلي قد الستمر ،يمع أن علوم اللستشراق تحررت -227-
يمن نفوذ التبشير ولم يبا ق لعلوم اللستشراق هذه عذر يمن حممّية دينية جاهلية تسي ء توجيهها .أمّيما تحا ُيمل المستشرقين على اللسلم فغريزة يموروثة وخاص ٌة طبيعية تقوم على المؤثرات التي خلقتها الحروب الصليبية(. وهذا العدا ء الموروث ل يزال هو الذي يورث نار الحقد في نفوس الغربيين على المسلمين ،ويصور اللسلم حتى في بلد المسلمين للمسلمين وغيرهم بأنه )بعبع النسانية( أو المارد الهائل الذي لسيقضي على تقدم النسانية ،يسترون بذلك خوفهم الحقيقي يمنه ،لنه إذا ترَّكز في النفوس ،تزول لسيطرة الكافر المستعمر عن العالم اللسليمي وتعود الدولة اللسليمية تحمل الدعوة اللسليمية إلى العالم -وإنها لعائدة إن شا ء ا -وهي في صالح النسانية ،وفي صالح الغرب نفسه .ولسيذهب عمل المبشرين وغيرهم حسرة في نفولسهم إن الذين كفروا ُينِفقون صمّدوا عن لسبيل ا فس ُينفقونها ثم تكون عليهم حسرة أيموالهم لي ُ ثم ُيغلبون .ول يزال ذلك العدا ء الموروث هو الذي يؤيد كل حركة ضد اللسلم والمسلمين. وإنك لَل لَتجد الغربي يبحث المجولسية والهندوكية والشيوعية فل تجد في بحثه أي تعصب أو بغضا ء ،في حين أنك تجده حين يبحث اللسلم تظهر عليه عليمات البغض والحقد والمقت والكراهية. هزيموا شمّر هزيمة ،وانتصر عليهم الكافر ويمع أن المسلمين قد ُ -228-
المستعمر ،لكن رجال الكنيسة الغربيين -وِيمن ورائهم اللستعمار- ل يزالون ُيبدون يمختلف النشاط ضد اللسلم ،ول يفترون عن الطعن في اللسلم والمسلمين ،والنيل يمن يمحمد عليه الصلة والسلم وِيمن أصحابه ،وإلصاق المثالب بتاريخ اللسلم والمسلمين ،كل ذلك للنتقام يمنهم وتمكين أقدام اللستعمار والمستعمرين. آثار الغزو التبشيري كانت هذه الغزوات التبشيرية هي الطلئع التي يممّهدت الطريا ق لللستعمار الوروبي ليفتح العالم اللسليمي فتحا لسيالسيا ملة القيادة ح لَ بعد أن فتحه فتحا ثقافيا .وبعد أن كان المسلمون لَ الفكرية اللسليمية للغرب حين فتحوا الستنبول والبلقان وأدخلوا اللسلم في أوروبا ،صارت البلد اللسليمية هدفا للغرب ،يحمل قيادته الفكرية إليها ،ويمسرحا لحضارته ويمفاهيمه عن الحياة، يذيعها بشتى الولسائل تحت السم العلم والنسانية والتبشير الديني. ولم يكتف بحمل حضارته ويمفاهيمه ،ولكنه كان يطعن الحضارة اللسليمية ،ويمفاهيم اللسلم عن الحياة حين كان يوجه حملته ضد اللسلم ،فأثر ذلك على الفئة المثقفة ،وعلى رجال السيالسة، ملة الثقافة اللسليمية ،وعلى جمهرة المسلمين. ح لَ بل على لَ أمّيما الفئة المثقفة ،فإن اللستعمار في يمدارلسه التبشيرية قبل -229-
الحتلل ،وفي المدارس كلها بعد الحتلل ،قد وضع بنفسه يمناهج التعليم والثقافة على ألساس فلسفته هو ،وحضارته هو، ويمفاهيمه الخاصة عن الحياة .ثم جعل الشخصية الغربية اللساس الذي ُتنتز ع يمنه الثقافة التي يثقفنا بها ،كما جعل تاريخه ونهضته وبيئته المصدر الصلي لما نحشو به عقولنا .ولم يكتف خل في تفصيلت المناهج حتى ل تخرج جزئية يمن بذلك ،بل تد مّ جزئياتها عن المبدأ العام الذي هو فلسفته وحضارته .وكان ذلك عامّيما حتى في دروس الدين اللسليمي والتاريخ اللسليمي ،فإن يمناهجهما ُبنيت على اللساس الغربي ،وعلى حسب يمفاهيم الغرب ،فالدين اللسليمي يعَّلم في المدارس اللسليمية يمادة روحية أخلقية ،كما هو يمفهوم الغرب عن الدين ،وهو يعَّلم على وجه بعيد جدا عن الحياة وعن حقيقة يمفاهيمه عنها .فحياة الرلسول صلى ا عليه ولسلم تدَّرس لبنائنا يمنقطعة الصلة عن ل، النبوة والرلسالة وتدَّرس كما تدَّرس حياة نابليون أو بسمارك يمث م ً ول تثير في نفولسهم أي يمشاعر أو أفكار .ويمادة العبادات والخلق وهي التي يشتمل عليها يمنهاج الدينُ ،تعطى يمن وجهة النظر النفعية .وبذلك صار تعليم الدين اللسليمي أيضا لسائرا وفا ق المفاهيم الغربية .والتاريخ اللسليمي تعَّلم فيه المثالب التي يخترعها لسو ء القصد ولسو ء الفهم ،ويوضع بإطار ألسود تحت السم النزاهة التاريخية والبحث العلمي .ويزيد الطين بلة ،أنه نبت يمن -230-
المسلمين المثقفين نابتة تعِّلم التاريخ وتؤلف فيه على اللسلوب والمنهج التبشيري. وهكذا كافة البرايمج قد ُوضعت كلها على ألساس الفلسفة الغربية ،ووفا ق يمناهج الغرب ،وبذلك صار أكثر المثقفين أبنا ء الثقافة الغربية وتليميذها .وصاروا يستمرئون هذه الثقافة ويتعشقونها ،ويتجهون في الحياة طبا ق يمفاهيمها ،حتى صار الكثيرون يمنهم يستنكرون الثقافة اللسليمية إذا تناقضت يمع الثقافة الغربية ،وصاروا يمثقفين ثقافة غربية تتحكم فيها وجهة نظر الغرب ،وقد أخلصوا لهذه الثقافة الغربية إخلصا تايما حملهم على تقديس الجنبي وحمل حضارته ،وانطبع كثيرون يمنهم بطابعه، وصارون يمقتون اللسلم والثقافة اللسليمية كما يمقته الغربي، ويحملون لللسلم وللثقافة اللسليمية العدا ء اللئيم كما يحمله الغربي ،وصاروا يعتقدون أن اللسلم والثقافة اللسليمية هي لسبب تأخر المسلمين كما أوحي إليهم أن يعتقدوا ذلك .وبهذا نجحت الحملت التبشيرية نجاحا يمنقطع النظير حين ضمت إليها الفئة المثففة يمن المسلمين وجعلتها في صفوفها تحارب اللسلم والثقافة اللسليمية. وقد تجاوز الحال أيمر المثقفين في أوروبا والمدارس الجنبية إلى أولئك الذين يحملون الثقافة اللسليمية .فقد هالهم أن يهاجمهم اللستعمار الغربي في الطعن على دينهم ،فصاروا -231-
يرمّدون هذا الطعن يمستعملين كل يما تصل إليه أيديهم لسوا ء أكان هذا الرد صحيحا أم فالسدا ،ولسوا ء أكان يما يطعن به الجنبي إلسليمهم يمن يمفاخره أم يمكذوبا عليه .وكانوا في رمّدهم قد لسمّلموا بجعل اللسلم يممّت لَهما ثم أمّولوا نصوصه بما يتفا ق يمع يمفاهيم الغرب .وهكذا صاروا يرمّدون الهجمات ردا يمضطربا كان يمساعدا للغزو التبشيري أكثر يمما كان رادا له. والنكى يمن ذلك أن الحضارة الغربية المناقضة للحضارة اللسليمية ،صارت يمن يمفاهيمهم التي يتقبلونها وينسبونها زورا وبهتانا لللسلم ،وغاب على الكثيرين يمنهم أن يقولوا إن الغرب أخذ حضارته عن اللسلم والمسلمين ،وصاروا يؤمّولون أحكام اللسلم وفا ق هذه الحضارة يمع التناقض المطلا ق الذي بين اللسلم وبين الحضارة الغربية ،وبذلك قِبلوا الحضارة الغربية قبول م ً تايما ورضوا بها حين أظهروا أن عقيدتهم وحضارتهم تتفا ق يمع الحضارة الغربية ،ويمعنى ذلك أنهم قِبلوا الحضارة الغربية ،وتخلوا عن حضارتهم اللسليمية ،وهو يما يهدف إليه اللستعمار أو يما كان يهدف إليه الغرب حين ركز حملت التبشير وحملت اللستعمار. وبوجود المثقفين ثقافة أجنبية ،ولسو ء فهم المثقفين ثقافة إلسليميةُ ،وجدت عند المسلمين المفاهيم الغربية عن الحياة ،كما تحكمت في ديارهم الحضارة الغربية المادية ،وصارت الحياة في المجتمع تخضع للحضارة الغربية ،والمفاهيم الغربية .فعامّيمة -232-
المسلمين ل يدركون أن النظام الديمقراطي في الحكم ،والنظام الرألسمالي في القتصاد هي أنظمة كفر ،وصاروا ل يتأثرون إذا صل بينهم القضا ء على غير يما أنزل ا ،وهم ل يجهلون أن ا لَف لَ قال :ويمن لم يحكم بما أنزل ا فأولئك هم الكافرون .كل ذلك لن الحضارة الغربية المبنية على ألساس فصل الدين عن الدولة هي التي تسيطر على يمجتمعاتهم ،ولن المفاهيم الغربية المادية هي السائدة في أجوائهم .وصاروا يستشعرون القيام بواجبات الدين إذا هم اعتقدوا بالله ،وحافظوا على الصلوات فقط ،ولو أداروا دنياهم على وفا ق يما يرون ويما يشتهون ،لنهم ط يما لقيصر لقيصر ويما يتأثرون بالمفاهيم الغربية التي تقول ) :أع ِ لله لله( .ولم يتأثروا بالمفاهيم اللسليمية التي تجعل قيصر ويما لقيصر كله لله ،وتجعل الصلة والبيع والجارة والحوالة والحكم والتعلم كلها تسير وفا ق أوايمر ا ونواهيه. نعم ،لم يتأثروا بهذه المفاهيم ،ولو قرأوا قوله تعالى :وأ ِ ن كم بينهم بما أنزل ا ،وقوله :إذا تداينتم بدين إلى أجل اح ُ يمسمى فاكتبوه ،وقوله :ويمن يشاقا ق الرلسول يمن بعد يما تبين له الهدى ويتبع غير لسبيل المؤيمنين نومّله يما تولى ونصله جهنم ولسا ءت يمصيرا ،وقوله :يما كان المؤيمنون لينفروا كافة فلول نفر يمن كل فرقة يمنهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قويمهم إذا لَرجعوا إليهم لعلهم يحذرون .نعم ل يتأثرون بهذه المفاهيم في -233-
آيات القرآن ولو قرأوها ،لنهم ل يقرأونها آيات يمن القرآن يقرأها المسلم حية نابضة ليعمل بها في يمعترك الحياة ،وإمّنما يقرأونها في حال تسيطر عليهم فيها يمفاهيم الغرب ،فيتأثرون بروحانية هذه اليات ،ويضعون حاجزا بين أذهانهم وبين يمفاهيمها ويمدلولتها .كل ذلك لن الحضارة الغربية تتحكم فيهم ،ولن يمفاهيم الغرب تسيطر عليهم. هذا بالنسبة لجمهور الشعب وللمثقفين ثقافة إلسليمية وأجنبية .أمّيما بالنسبة لرجال السيالسة فإن البل ء أعم ,والمصيبة أكبر ،إذ أن هؤل ء السالسة يمنذ أن جمعهم اللستعمار ،وأغراهم بالقيام ضد الدولة العثمانية ويممّناهم ووعدهم -ويما يعدهم الشيطان إل مّ غرورا -فإنهم يمنذ ذلك الحين يسيرون في ركاب هذا الجنبي ،وحسب يما يرلسم لهم يمن خطط .ففي أيام الدولة العثمانية انحازوا إلى الجنبي ،وظاهروه على دولتهم ،وهو أيمر ل يجيزه اللسلم ،ولكنهم فعلوه واتخذوا يمن عملهم هذا يمفخرة يذكرونها في كل يمنالسبة ،وعيدا لهم يحتفلون به في كل عام. وأنهم في ذلك الوقت بدل أن يحاربوا الفئة الحاكمة لصل ح الدولة ،لساروا يمع عدوها الكافر ضد الدولة كلها ،حتى كانت النتائج المريرة في الستيل ء الكافر المستعمر على بلدهم ،ثم صاروا بدل أن يستعينوا بالشعب على هذا الكافر المستعمر الستعانوا به على الشعب .وقد تأثروا به إلى حد أفقدهم شخصيتهم اللسليمية، -234-
ولس ُممت أفكارهم بآرا ء لسيالسية وفلسفية ،يمما أفسد عليهم وجهة نظرهم في الحياة وفي الجهاد ،وترتب على ذلك إفساد الجو اللسليمي برمّيمته ،وبلبلة الفكار بلبلة ظاهرة في يمختلف نواحي الحياة. فقد جعلوا بدل الجهاد المفاوضة ،وآيمنوا بقاعدة "خذ وطاِلب" -التي ُتعتبر أنفع لللستعمار يمن جيوش جرارة في البلد- وجعلوا قبلة أنظارهم اللستعانة بالكافر المستعمر ،والتكال عليه، دون أن يعوا أن كل الستعانة بالكافر المستعمر تعتبر إثما كبيرا، وانتحارا لسيالسيا .ورضوا أن يعملوا للقليمية الضيقة ،ويجعلوها يمجال عملهم السيالسي ،ولم يتبين لهم أن هذه القليمية هي التي تجعل العمل السيالسي يمستحيل النتاج ،لعدم إيمكان القليمية يمهما اتسعت بلد القليم -أن تنهض بالعبا ء السيالسية وغيرالسيالسية التي تتطلبها الحياة الصحيحة. ولم يكتفوا بذلك كله ،بل جعلوا يمركز تنبههم الفردي يمصالحهم الفردية ويمركز تنبههم العام هو الدول الجنبية ،وبذلك فقدوا يمركز التنبه الطبيعي وهو يمبدؤهم ،وبفقدانهم يمركز التنبه الطبيعي فقدوا إيمكانية نجا ح يمسعاهم ،يمهما أخلصوا فيه وبذلوا يمن يمجهود .ولذلك صارت جميع الحركات السيالسية حركات عقيمة ،وصارت كل يقظة في المّيمة تتحول إلى حركة يمضطربة يمتناقضة تشبه حركة المذبو ح ،تنتهي بالخمود واليأس واللستسلم. -235-
وذلك لن قادة الحركات السيالسية فقدوا يمركز تنبههم الطبيعي، فصار طبيعيا أن تفقد المّيمة هذا المركز التنبهي لها. لسممت لسممت أفكار السيالسيين بالرا ء المغلوطة كما ُ وهذا ُ بالمبادئ الجنبية ،إذ قايمت في البلد اللسليمية حركات بالسم القويمية والشتراكية ،وبالسم الوطنية والشيوعية ،وبالسم الدين الروحي والخلق ،وبالسم التعليم والرشاد ،وكانت هذه الحركات ضغثا على ابالة ،وعقدة جديدة في المجتمع تضاف إلى العقد الخرى التي يرز ح تحت عبئها .وكانت نتيجتها الخفاق والدوران حول نفسها ،لنها لسارت وفا ق يمفاهيم الحضارة الغربية ،يمتأثرة جهت المّيمة إلى المفاهيم الغربية عن الحياة بالغزو التبشيري ،وو مّ برمّيمتها ،فضل م ً عن أنها نمّفست عواطف المّيمة المتأججة فيما ل ينفع كنت لللستعمار يمن التركز والبقا ء .وهكذا كان ول يأتي بخير .ويم مّ نجا ح الغزو التبشيري نجاحا يمنقطع النظير. الغزو السيالسي للعالم اللسليمي يرجع السبب الحقيقي لغزو الندلس إلى النتقام الذي تأصل في نفوس الغربيين يمن جرا ء الحروب الصليبية .وذلك أن الغرب بعد إخفاقه الذريع في الحروب الصليبية ،وطرده يمن العالم اللسليمي شمّر طرد ،ظلت في نفسه حرقة يمن هذه الهزيمة، وايمتل قلبه حقدا وبغضا وكراهية للمسلمين .وكان يتعذر عليه أن -236-
يعاود الكمّرة على الشرق ،فقد كانت قوته على اختلف أهله كافية لصده والقضا ء على يمحاولته .فرأى أن أيمر هذا النتقام يميسور جه حملته إليها ،وقضى عليها قضا ء وحشيا في الندلس ،لذلك و مّ الستعمل فيه يمحاكم التفتيش والمقاصل وبيوت النيران ،يما يزيد وحشية على فعل الوحوش ،يمما يعتبر عارا على الغرب .وتمادى في انتقايمه ِلما أظهره المسلمون يمن تخاذل عن نصرة الندلس، كنهم يمن نصرة تلك البلد. وكانوا أقويا ء وفي وضع حربي يم مّ ولكنهم تقاعسوا وتركوا تلك البلد لقمة لسائغة ،وبذلك أطمعوا الغرب في أن يفكر في خطوة أخرى للنتقام .ولول قوة المسلمين -ول لسيما الدولة العثمانية -لتتابعت غزوات الغربيين لبلد اللسلم .ولكن قوة المسلمين وغزو العثمانيين لوروبا وفتحهم لها ،أرهب الغربيين ،وحملهم على التريث في غزو المسلمين ،حتى ل ُيهزيموا في حرب صليبية ثانية .ولذلك وقف الغزو الغربي لبلد اللسلم إلى يما بعد يمنتصف القرن الثايمن عشر، وحينئذ أخذ الركود يخيم على العالم اللسليمي برمّيمته ،فقد تخلى عن حمل الدعوة اللسليمية عن طريا ق دولي فخمّفت حرارة اللسلم في النفوس ،وكان يمن جرائها أن زالت هيبتهم يمن نفوس أعدائهم ،وحينئذ نشطت الغزوات الثقافية والتبشيرية في العالم اللسليمي ،وبدأت تصاحبها الغزوات السيالسية لقتطا ع بلد اللسلم جز ءا جز ءا ،ولتمزيا ق العالم اللسليمي والقضا ء عليه .وقد تم لهم -237-
ذلك بالفعل ،ونجحوا نجاحا باهرا. فإن رولسيا في عهد كاترينا )1796-1762م( حاربت العثمانيين وتغلبت عليهم واقتطعت بعض أراضيهم ،وأخذت يمنهم يمدينة آزوف وشبه جزيرة الِقرم ،والستولت على جميع الحوض الشمالي للبحر اللسود ،وأنشأت يمدينة لسبالستبول قاعدة لها في شبه جزيرة الِقرم ،كما أنشأت يمينا ء أوديسا التجاري على البحر اللسود .وأصبحت رولسيا عايمل م ً هايما في لسيالسة الدولة العثمانية الخارجية ،وصارت صاحبة السيادة في اليمارات الرويمانية، واعتبرت نفسها حايمية المسيحية في الدولة العثمانية .ثم اقتطعت يمن تركيا في لسنة 1884التركستان ،ثم أكملت احتللها للقفقاس جميعه. ولم يقتصر اليمر على رولسيا وحدها ،بل شمل ذلك بقية الدول الغربية .ففي أول تموز لسنة 1798م ،هاجم نابليون يمصر والستولى عليها .وفي شباط لسنة 1799م هاجم الجز ء الجنوبي يمن بلد الشام والستولى على غزة والريملة ويافا ،ووقف على حصون عكا .إل مّ أن حملته لم توَّفا ق ،فرجع إلى يمصر ثم رجع إلى فرنسا ،وفشلت الحملة لسنة 1801م .ويمع أن حملته هذه لم توَّفا ق فقد أمّثرت على كيان الدولة العثمانية ،وكانت هزة عنيفة لها. وتتابعت لسائر الدول تهاجم العالم اللسليمي وتستولي على أجزائه .فقد احتل الفرنسيون لسنة 1830م الجزائر وتطمّلعوا إلى -238-
احتلل تونس وعملوا لذلك حتى احتلوها لسنة 1881م ،ثم احتلوا يمراكش لسنة 1912م ،كما احتلت ايطاليا طرابلس لسنة 1911م، عله فتم بذلك اقتطا ع شمال افريقيا ،ولسلخه عن حكم اللسلم وج يْ مرا له. خاضعا لحكم الكفر ،يمستع ِ ولم يكتف الغربيون بذلك بل أكملوا اللستيل ء على البقية الباقية ،فقد الستولت بريطانيا على عدن لسنة 1839م ،وبسطت حمايتها على لحج والمحميات التسع يمن حدود اليمن الجنوبية إلى شرق الجزيرة .وكان النجليز قد الستولوا على الهند قبل ذلك التاريخ بمدة طويلة ،وانتزعوا بالستعمارهم لها لسيادة المسلمين، وأناخوا بكلكلهم عليهم بنو ع خاص ،إذ كان المسلمون هم أصحاب السلطان في الهند ،فانتزعها النجليز يمنهم والستعمروها وأخذوا يعملون على إضعاف يموقف المسلمين فيها بوجه عام .ثم في لسنة 1882م الستولت بريطانيا على يمصر ،وفي لسنة 1898م الستولت على السودان .كما كانت هولندا تسيطر على جزر الهند حصرت أفغانستان تحت الضغط النجليزي والرولسي الشرقية ،و ُ حصرت إيران. كما ُ واشتدت حملة الغربيين في كل يمكان على العالم اللسليمي، حتى شعر جميعه بتعرضه للسقوط نهائيا تحت نير الغرب ،وشعر أن الحملة الصليبية تجددت تحرز النتصار تلو النتصار ،وصار يتشبث بأعمال لوقف هذا الزحف الغربي عند حده ،أو للتخفيف -239-
يمن ثقل كابولسه .فحدثت حركات يمن المقاويمة للغربيين في أكثر ب المسلمون في الصين، يمن يمكان ،فشبت ثورة في الجزائر ،وه مّ وقام المهديون في السودان ،واشتعلت الثورة السنولسية ،فكان كل ذلك دليل م ً على الحيوية الكايمنة في العالم اللسليمي رغم ركوده وضعفه .إل مّ أن هذه المحاولت كلها أخفقت نهائيا ،ولم تنقذ العالم اللسليمي. ولم يقف الغرب عند حده في الغزو بل الستمر الغزو بقسميه السيالسي والثقافي ،ولم يقتصر على اقتطا ع أجزا ء العالم اللسلم ،بل أخذ يعمل للقضا ء على الدولة العثمانية باعتبارها الدولة اللسليمية التي تمثل المسلمين ،فقد أقام في داخلها الحركات القويمية ،إذ أخذت الدول الجنبية تحمّرض شعوب البلقان على الثورة يمنذ لسنة 1804م وتممّدهم لهذه الثورات ،حتى انتهت ثوراتهم باللستقلل لسنة 1878م .كما حمّرضت هذه الدول اليونان على الثورة يمنذ لسنة 1821م حتى انتهت ثورتهم بسبب تدخل الجنبي بالستقلل اليونان عن تركيا لسنة 1830م .وتتابعت لسائر بلد البلقان حتى تقلص ظل الدولة العثمانية بوصفها دولة إلسليمية عن البلقان وعن كريت وقبرص وأكثر جزر البحر البيض المتولسط .والستعمل الغربيون أنوا ع الوحشية يمع المسلمين في جلوا الكثيرين يمنهم عن ديارهم البلقان وجزر البحر المتولسط ،فأ يْ ء ,يمما حمل الكثيرين أيضا يمنهم على الرحيل فرارا بدينهم يمن إجل م ً -240-
وحشية الكفر ،ولجأوا إلى بلد العرب بوصفها بلدا إلسليمية وجز ءا يمن الدولة اللسليمية ،ويما هؤل ء الجركس والبوشناق والشاشان وأيمثالهم إل مّ أبنا ء أولئك البطال يمن المسلمين الذين لم يرضوا أن يخضعوا لحكم الكفر ،وفمّروا بدينهم إلى ديار اللسلم وإلى حكم اللسلم. ولم يقتصر اليمر على ذلك ،بل قام الغربيون -بولسائلهم الخفية -بتشجيع الحركات النفصالية عند المسلمين أنفسهم في داخل كيان الدولة بين الترك والعرب .فشجعوا الحركات القويمية، وشجعوا بل لساعدوا على قيام الحزاب السيالسية التركية والعربية، كحزب تركيا الفتاة ،وحزب التحاد والترقي ،وكحزب اللستقلل العربي ،وحزب العهد ...الخ ،يمما جعل كيان الدولة داخليا في اضطراب واهتزاز ،فأخذ يميد تحت هذه الحداث الداخلية يمع الغزوات الخارجية .ويما أن جا ءت الحرب العالمية الولى حتى جه الحملة على وجد الكفر الممَّثل بالغرب حينئذ الفرصة يمواتية ليو مّ العالم اللسليمي ،فيستولي على الباقي يمن بلده ،ويقضي على الدولة اللسليمية ،ويبيدها يمن الوجود .فدخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الولى التي انتهت بانتصار الحلفا ء وهزيمتها، لسم الغربيون جميع العالم اللسليمي غنيمة لهم ،ولم تبا ق يمنها فتقا لَ إل مّ بلد الترك التي صار يطلا ق عليها السم )تركيا( ،وبقيت بعد الحرب تحت رحمتهم يمنذ انتها ء الحرب لسنة 1918م حتى لسنة -241-
1921م حيث الستطاعت اللستقلل بعد تأيمينها للحلفا ء القضا ء على دولة اللسلم. القضا ء على الدولة اللسليمية انتهت الحرب العالمية الولى و ُأعلنت الهدنة بين المتحاربين بعد أن انتصر الحلفا ء انتصارا باهرا ،وتحطمت الدولة العثمانية وتفككت إلى أجزا ء صغيرة والستولى الحلفا ء على بلد العرب جميعها :يمصر ولسوريا وفلسطين وشرق الردن والعراق، ولسلخوها عن الدولة ،ولم يبا ق في يد العثمانيين لسوى بلد التراك )تركيا( ،وهذه نفسها قد دخلها الحلفا ء ،فقد الستولت البوارج النجليزية على البسفور ،واحتلت الجيوش النجليزية قسما يمن العاصمة وكل قل ع الدردنيل والمواضع الحربية الهايمة في جميع أنحا ء تركيا ،واحتلت الجيوش الفرنسية قسما يمن الستانبول ويمل جنودها السنغاليون الشوار ع .واحتلت الجيوش اليطالية بيرا وخطوط السكك الحديدية ،وأشرف ضباط الحلفا ء على شؤون البوليس والحرس الوطني وعلى المينا ء ،وجمّردوا القل ع يمن ألسلحتها ،وأخذوا يسمّرحون قسما يمن الجيش التركي ،وانحلت جمعية التحاد والترقي ،وفمّر جمال باشا وأنور باشا إلى خارج البلد ،واختفى باقي أعضا ء الجمعية وتألفت حكويمة هزيلة برئالسة توفيا ق باشا لتقوم بتنفيذ أوايمر العدا ء المحتلين. -242-
وكان الخليفة حينئذ وحيدالدين .وكان يرى أنه أيمام اليمر الواقع ،وأنه يجب أن ينقذ الموقف باللسلوب الحكيم ،فح مّ ل البرلمان وألسند ريالسة الوزارة إلى أخلص أصدقائه فريد ،فأمّيده في نظرته التي كانت تريمي إلى يمجايملة الحلفا ء وعدم المقاويمة، لئل تسبب ديمار البلد ،ل لسيما وأن الحرب قد انتهت .ونمّفذ خطته هذه ،وظلت الحال كذلك ،إذ ظل الحلفا ء يمسيطرين ،وظلت تركيا في حالة خمود حتى أوالسط لسنة 1919م ،فتبدلت الحوال وطرأ على يموقف الحلفا ء الضعف ،فقد حصلت في كل يمن ايطاليا وفرنسا وانجلترا يمتاعب داخلية بين الشعب كانت جدية إلى حد أنها ُتنذر بتصد ع صفوفهم الداخلية. ب الخلف بين الحلفا ء أنفسهم ،وظهر بشكل لسافر في ود مّ الستانبول بين الممثلين ،إذ كان الشجار بينهم ظاهرا وتنافسوا على الغنيمة ،وطمع كل يمنهم في أن ينال حصة اللسد يمن المراكز العسكرية واليمتيازات القتصادية ،وصار في إيمكان تركيا أن تجرب آخر لسهم لنقاذ يموقفها ،بعد أن وصل ضعف الحلفا ء واختلفهم إلى حد أن صارت كل دولة يمنهم تثير التراك ضد الدولة الخرى وتساعدهم على غيرها .وكان يمؤتمر الصلح لم ُيعقد بعد، وشروط الصلح لم توضع ،ولذلك بدت تلو ح في الفا ق بوادر اليمل، وصار عند الناس اعتقاد بإيمكان تنظيم حركة يمقاويمات جدية. وتألفت في الستانبول أكثر يمن عشر جمعيات لسرية ،هدفها -243-
لسرقة اللسلحة والمستودعات الخاضعة لشراف العدو ،وإرلسالها إلى يمنظمات لسرية في داخل البلد .وكان بعض الرجال الرلسميين يساعدون في ذلك ،فقد كان عصمت وكيل م ً لوزارة الحرب ،وفوزي رئيس أركان الحرب ،وفتحي وزيرا للداخلية، ورؤوف وزيرا للبحرية ،وكان جميعهم يساعد في هذه الحركات. ولذلك قايمت جمعيات يمتعددة يمهمتها المقاويمة السرية للعدو. ونشطت جمعية التحاد والترقي ،وانضم بعض الجيوش النظايمية لهذه الحركات ،ثم تجمعت في حركة واحدة قادها يمصطفى كمال ،وقام بحركة لمقاويمة الحلفا ء وطردهم يمن البلد، ولمقاويمة جيش الخليفة إذا تصدى لهم .ونجح يمصطفى كمال في ذلك إلى حد كبير .ثم رأى أن الحكويمة المركزية والسلطان في الستانبول واقعان تحت لسيطرة العدا ء ،وأنه يجب أن تقوم حكويمة وطنية في الناضول .فقام بعقد يمؤتمر وطني في لسيواس ،نوقشت فيه الولسائل واللساليب الكفيلة بالحتفاظ بالستقلل تركيا ،وقد اتخذ المؤتمر قرارات ،وانتخب لجنة تنفيذية، واختار يمصطفى كمال رئيسا لهذه اللجنة ،وأرلسل هذه المؤتمر إنذارا إلى السلطان يطلب فيه عزل رئيس الوزرا ء فريد ،وإجرا ء انتخابات لبرلمان جديد حر .فاضطر السلطان تحت هذا الضغط أن يخضع لطلبات المؤتمر ،فعزل رئيس الوزرا ء وومّلى يمكانه علي رضا ،وأيمر بإجرا ء انتخابات جديدة خاض غمارها رجال المؤتمر -244-
ككتلة تريد إنقاذ البلد ،وفازوا بالكثرية الساحقة في البرلمان الجديد. وعلى إثر هذا الفوز انتقل المؤتمر ورجاله إلى أنقرة، وصارت يمنذ ذلك الوقت يمركز العمل .وقد عقد نواب المؤتمر اجتماعا في أنقره عرضوا فيه اقتراحا بأن يجتمع البرلمان في الستانبول ،وأن ُيحل المؤتمر بعد أن صار أعضاؤه نوابا رلسميين. لكن يمصطفى كمال قاوم هاتين الفكرتين وقال ) :إن المؤتمر ينبغي أن يستمر حتى يظهر يمدى التزام البرلمان للعدالة وتستبين لسيالسته .أمّيما النتقال إلى العاصمة فليس لسوى حماقة جنونية، إنكم لو فعلتم ذلك لصبحتم تحت رحمة العدو الجنبي ،فالنجليز يما زالوا هم المسيطرين على البلد ،ولسوف تتدخل السلطات في أيموركم ،وربما اعتقلتكم .وإذن ينبغي أن ُيعقد البرلمان هنا في ل( .وأصر يمصطفى كمال إصرارا كليا أنقرة كي يظل حرا يمستق م ً على رأيه ،ولكنه لم يفلح بإقنا ع النواب أن يعقد البرلمان جلساته في أنقرة .وذهب النواب إلى العاصمة ،وأعربوا للخليفة عن ولئهم له .ثم عكفوا على عملهم .وكان ذلك في كانون الثاني لسنة 1920م. وقد حاول السلطان وِيمن ورائه النجليز أن ُيملوا إرادتهم ما اشتد على النواب ،فرفضوا وأظهروا تمسكهم بحقوق البلد ،ول مّ الضغط عليهم يمن ِقبل الحلفا ء نشروا للرأي العام يميثاقهم -245-
الوطني الذي قرروه في يمؤتمر لسيواس ،وهو الميثاق المشتمل على الشروط التي يقبلون السلم على ألسالسها ،وأهمها أن تكون سَّر ذلك الحلفا ء تركيا حرة يمستقلة داخل نطاق حدود يمقَّررة .ف لَ ول لسيما النجليز ،لن هذا القرار هو الذي يسعون إليه ،ويسعون أن يأتي يمن أهل البلد أنفسهم. حظ أن جميع البلد التي كانت الدولة العثمانية تحكمها ويل لَ بوصفها دولة إلسليمية ،قد لَوضعت لها عقب الحرب العالمية الولى يميثاقا وطنيا يتضمن نصا واحد لَا هو الستقلل الجز ء الذي أراده ل .فالعراق وضعت يميثاقا وطنيا الحلفا ء أن يكون بلدا يمنفص م ً يتضمن الستقلل العراق ،ولسوريا وضعت يميثاقا يتضمن الستقلل لسوريا ،وفلسطين كان يميثاقها الوطني يتضمن الستقلل فلسطين، ويمصر كان يميثاقها الوطني يتضمن الستقلل يمصر ... ،وهكذا، سر الحلفا ء ،ول لسيما النجليز، ولهذا كان يمن الطبيعي أن ُي لَ بالميثاق الوطني التركي ،فإنه جا ء وفا ق يما يريدون ،لن خطتهم تقطيع أوصال الدولة العثمانية وتقسميها إلى دول حتى ل تعود دولة واحدة قوية ،وحتى ُيقضى على دولة المسلمين .ولول هذا الميثاق الوطني الذي نجح الحلفا ء بإقراره في كل يمكان لكان لليمر وجه آخر ،وذلك لن الدولة العثمانية كانت دولة واحدة تعتبر جميع ولياتها جز ءا يمنها ،وهي لسائرة على نظام الوحدة ل التحاد ،فلم يكن هناك فرق بين الحجاز وتركيا ،ول بين لسنجا ق -246-
القدس ولسنجا ق اللسكندرونة ،إذ كلها دولة واحدة ،وهزيمة تركيا كهزيمة ألمانيا لسوا ء بسوا ء ،إذ هما حليفتان في الحرب ،ويما ينطبا ق على واحدة يمن شروط الصلح ينطبا ق على الخرى .وإذا ل، كانت ألمانيا لم يفمّرط أهلها بشبر يمن بلدها ،ولم تقطع أوصا م ً فكذلك يجب أن يكون الحال في الدولة العثمانية ل يجوز أن تقطع ل .وكان الحلفا ء يعرفون ذلك ويحسبون له ألف حساب .أ لَيما أوصا م ً وقد طلب العثمانيون أنفسهم أن تقطع دولتهم أجزا ء :طلبه العرب وطلبه الترك على السوا ء ،فما ألسر ع يما يقبل ذلك الحلفا ء ويشجعونه ،ول لسيما يمن يمركز الدولة )تركيا( لنها كانت تمثل أكثرية الحكم في البلد. ولهذا اعتبر الحلفا ء الميثاق الوطني التركي النتصار النهائي لهم .وعلى إثر نشره تركوا للتراك حرية المقاويمة ،وصاروا سحبت القوات النجليزية والفرنسية يمن ينسحبون يمن كل يمكان ،ف ُ داخل البلد ،واشتدت عزائم التراك ،وقايمت في البلد حركة يمقاويمة للعدو انقلبت إلى ثورة ضد السلطان ،يمما جعله يجهز جيشا ويرلسل لها حملة قوية قاويمتها وقضت عليها .وصار الناس كلهم يمع السلطان يما عدا أنقرة التي كانت يمركز الثورة .وكانت أنقرة ذاتها على وشك السقوط ،فقد كانت القوى المحيطة بها تنضوي واحدة بعد الخرى تحت لوا ء السلطان ،وتنضم إلى جيش الخليفة .وصار يمصطفى كمال ويمن يمعه في أنقرة في حالة -247-
حرجة جدا .إل مّ أن يمصطفى كمال صمم على المقاويمة ،وأشعل في الوطنيين نار حمالسة جديدة ،فاشتدت عزائمهم ،وشاعت في أقاليم تركيا وقراها أنبا ء عن احتلل النجليز للعاصمة ،واعتقالهم الوطنيين ،وإغلقهم دار البرلمان بالقوة ،ويمؤازرة السلطان وحكويمته لهم .فتغمّير الموقف .فانصرف الناس عن السلطان، وانحاز الرأي العام إلى الوطنيين في أنقرة ،وأقبل الرجال والنسا ء على أنقرة ،يتطوعون للدفا ع عن تركيا .وفمّر كثيرون يمن جيش الخليفة وانضموا إلى جيش يمصطفى كمال ،الذي أصبح يمحط أنظار التراك ويمعقد آيمالهم ،وقد قويت جبهته وصارت أكثرية البلد في قبضته .فأصدر يمنشورا بالدعوة إلى انتخاب جمعية وطنية، يكون يمقرها أنقرة. وحصل النتخاب ،فاجتمع النواب الجدد ،وأطلقوا على أنفسهم "الجمعية الوطنية الكبرى" واعتبروا أنفسهم الحكويمة الشرعية ،ثم انتخبوا يمصطفى كمال رئيسا للجمعية .وصارت أنقرة يمركز الحكويمة الوطنية ،وانضم إليها جميع التراك ،فقام يمصطفى كمال ولسحا ق يما تبقى يمن جيش الخليفة ،وأنهى الحرب الهلية، ثم تفرغ لمحاربة اليونان ،واشتبك يمعهم في يمعارك دايمية كان النصر حليفهم في أول اليمر ،ثم تحولت اليمور وصارت كفته هي الراجحة .ويما أن جا ء شهر آب لسنة 1921م حتى قام بهجوم خاطف ،انتهى بانتصاره على اليونانيين الذين كانوا يحتلون ازيمير -248-
وبعض شواطئ تركيا .وفي أوائل شهر أيلول لسنة 1921م أرلسل إلى عصمت ليقابل هارنجتون للتفاق على التفصيلت .وهناك وافا ق الحلفا ء على طرد اليونانيين يمن تريس وجلئهم هم أنفسهم عن القسطنطينية وتركيا بألسرها. والظاهر يمن تتُّبع خطوات يمصطفى كمال أن يموافقة الحلفا ء هذه كانت يمقابل أن يقضي يمصطفى كمال على الحكم اللسليمي ،ولذلك تجده حين ناقشته الجمعية الوطنية في أيمر تركيا بعد النتصارات التي أحرزها ،خاطبها بقوله ) :أنا لست يمؤيمنا بعصبة يمن الدول اللسليمية ،ول حتى بعصبة يمن الشعوب العثمانية ،ولكل يمنا أن يعتنا ق الرأي الذي يراه .أمّيما الحكويمة فينبغي أن تلتزم لسيالسة ثابتة يمرلسويمة يمبنية على الحقائا ق ،لها هدف واحد ،واحد فقط ،أن نحمي حياة الوطن والستقلله داخل نطاق حدوده الطبيعية ،فل العاطفة ول الوهام ينبغي أن تؤثر في لسيالستنا ،ولسحقا للحلم والخيالت ،لقد كلفتنا غاليا في الماضي(. وهكذا أعلن أنه إمّنما يريد الستقلل تركيا بوصفها شعبا تركيا ل أمّيمة إلسليمية .وقد طلب إليه بعض النواب ورجال السيالسة أن يبين رأيه فيما ينبغي أن تكون عليه الحكويمة في تركيا الجديدة، فليس يمن المعقول أن تكون لها حكويمتان كما هو الوضع القائم حينئذ :حكويمة يمؤقتة ذات السلطان يمقرها أنقرة ،وحكويمة رلسمية -249-
)السمية( في العاصمة يرألسها السلطان ووزراؤه .وقد ألح السيالسيون بطلب بيان رأيه في هذا الوضع ،فلم يجبهم وأخفى نواياه .وصار يثير الرأي العام على الخليفة وحيدالدين بأنه يمال النجليز واليونان ،حتى أثار هياج الشعب عليه. وفي ولسط هذا الجو الحمالسي له والمقت للسلطان ،جمع الجمعية الوطنية ليبين خطته في أيمر السلطان والحكويمة .وكان يعلم أنه قد يستطيع إقنا ع النواب بخلع وحيدالدين وبإلغا ء السلطنة ،لكنه ل يجرؤ على يمهاجمة الخلفة ،فذلك يمن شأنه أن يمس المشاعر اللسليمية في الشعب جميعه .لذلك لم يلغ الخلفة ولم يتعرض لها ،وإمّنما اقتر ح أن ُيفصل بين السلطنة والخلفة، ف ُتلغى الخلفة و ُيخلع وحيدالدين .ويما أن لسمع النواب هذا القترا ح حتى وجموا ،وأدركوا خطر هذا القترا ح الذي ُيطلب إليهم أن يقرروه .وأرادوا أن يتناقشوا في اليمر ،فخشي يمصطفى كمال يمن هذه المناقشة ،وطلب أخذ الرأي على القترا ح ،وأيده في ذلك ثمانون نائبا يمن أنصاره الشخصيين .إل مّ أن المجلس رفض ذلك وأحال القترا ح إلى لجنة الشؤون القانونية كي تبحثه. وحينما اجتمعت اللجنة في اليوم التالي حضر يمصطفى كمال في القاعة التي اجتمعت فيها ،وجلس يرقب أعمالها ،فلبثت تناقش في القترا ح بضع لساعات ،وكان أعضاؤها يمن العلما ء والمحايمين ،وكانوا يعرضون هذا القترا ح على النصوص الشرعية -250-
ويرونه يمخالفا للشر ع ،إذ ل يوجد في اللسلم لسلطة دينية وأخرى زيمنية ،فالسلطنة والخلفة شي ء واحد ول يوجد هنالك شي ء يسمى الدين وشي ء يسمى الدولة ،بل هنالك نظام اللسلم وتعتبر الدولة جز ءا يمن هذا النظام ،وهي التي تقوم على تنفيذه. ولذلك لم تجد اللجنة القانونية يما يبرر هذا الفصل ،بل لم تجد يما يبرر هذا البحث ،لن نصوص اللسلم صريحة فيه ،ولذلك صممت على رفض القترا ح .لكن يمصطفى كمال كان يريد فصل الدين عن الدولة بفصل السلطنة عن الخلفة ،وذلك إجابة لطلب الحلفا ء يمنه ،حتى يقضوا على آخر الدولة اللسليمية على يد أهلها ،ولن ثقافته اللستعمارية التي يقلد فيها الغربيين في فصل السلطة الزيمنية عن السلطة الروحية تحمله على القيام بفصل السلطنة عن الخلفة ،كما ُفصلت الكنيسة عن الدولة في الغرب. ولهذا فإن يمصطفى كمال حين رأى يمناقشات اللجنة واتجاهها ،لَف لَق لَد لسيطرته على أعصابه ،وقفز فجأة واعتلى يمقعدا وهو يتميز يمن الغيظ ،وقطع يمناقشات اللجنة صائحا )أيها السادة لقد اغتصب السلطان العثماني السيادة يمن الشعب بالقوة، وبالقوة اعتزم الشعب أن يستردها يمنه ،إن السلطنة يجب أن ُتفصل عن الخلفة و ُتلغى ،ولسوا ء وافقتم أم لم توافقوا فسوف يحدث هذا ،كل يما في اليمر أن بعض رؤولسكم لسوف تسقط في ض اجتما ع اللجنة. غضون ذلك( ،وكان يتكلم بلهجة الدكتاتور ،فانف مّ -251-
ثم دعيت الجمعية الوطنية يمن فورها لتناقش القترا ح ،ولدى يمناقشتها له تبين لمصطفى كمال أن التجاه الغالب يميل إلى مع أنصاره حوله وطلب أخذ الرأي على ج لَ رفض هذا القترا ح ،ف لَ القترا ح برفع اليدي يمرة واحدة ،فاعترض النواب على ذلك وقالوا :إن كان ل بد يمن أخذ الرأي فليكن بالمناداة باللسم. ل : فرفض يمصطفى كمال ذلك ،وصا ح -وفي صوته رمّنة التهديد -قائ م ً )أنا واثا ق يمن أن المجلس لسيقبل القترا ح بإجما ع الرا ء .ويكفي طر ح القترا ح للتصويت ،فلم ترتفع أخذ الصوات برفع اليدي( .و ُ غير أيد قليلة ،لكن النتيجة ُأعلنت بأن المجلس أقر القترا ح بإجما ع الرا ء .ف ُدهش النواب لذلك ،وقفز بعضهم فوق يمقاعدهم يمحتجين صائحين )هذا غير صحيح نحن لم نوافا ق( .فصا ح بهم أنصار الغازي يسكتونهم ،وتبادلوا الشتائم .إل مّ أن الرئيس أعلن النتيجة يمرة أخرى بأن الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا قررت بإجما ع الرا ء إلغا ء السلطنة ،ثم فضت الجلسة .وغادر يمصطفى كمال القاعة يحيط به أنصاره. ما علم الخليفة وحيدالدين بذلك فمّر هاربا .وعلى إثر إعلن ول مّ فراره نودي بابن أخيه عبدالمجيد خليفة للمسلمين ،يمجَّردا يمن كل لسلطان .وبذلك صار الخليفة يمن غير لسلطان ،وظلت البلد يمن غير حاكم شرعي .وإذا كانت السلطنة قد ُفصلت عن الخلفة ،فمن الذي يحكم؟ لقد كان يمصطفى كمال حريصا على فصل السلطنة -252-
عن الخلفة حرصا شديدا ،جعله ُيقِدم عليه قبل أن يعمّين شكل الحكم الذي لستكون عليه تركيا .ولذلك صار يتعين البت في شكل الحكويمة الجديدة بعد إلغا ء السلطنة :هل يؤلف يمصطفى كمال الوزارة وحينئذ يكون رئيسا لحكويمة دلستورية ،ويبقى الخليفة صاحب السلطة ول أثر لقرار اللغا ء؟ لم يقبل يمصطفى كمال أن يؤلف الوزارة ،وأخفى يما هو عازم عليه .وقام بعد ذلك بوالسطة القوة والسلطة التي يحملها ويتحكم بوالسطتها بالشعب ،قام بتأليف حزب لسماه حزب الشعب. وكان يقصد يمن ذلك أن يأخذ الرأي العام بجانبه ،إذ أنه بالرغم يمن هذا فإن الغلبية الساحقة في الجمعية كانت ضده بعد إعلن فصل السلطنة عن الخلفة ،ولذلك أخذ يفكر في أيمر إعلن شكل الحكويمة التي قررها ،وهي إعلن تركيا جمهورية ،وإعلن نفسه رئيسا لها .وعمل على إيقا ع الجمعية في أزيمات حرجة كان يمن جرائها أن الستقالت الوزارة التي كانت تحكم ،وقمّديمت الستقالتها للجمعية الوطنية .ولم تجد الجمعية يمن يتولى الوزارة .وبعد أزيمة يمستحكمة اق ُتر ح على الجمعية أن يتولى الوزارة يمصطفى كمال، فقبلت للظرف العصيب البذي كانت تجتازه ،وطلبت إلى يمصطفى ل ،ثم أجاب كمال أن يتولى الوزارة ويحل الزيمة .فأظهر اليمتنا ع أو م ً الطلب وصعد المنصة وقال للنواب :لقد أرلسلتم في طلبي كي أنقذ الموقف في لحظة الحرج ،لكن هذا الحرج يمن صنعكم أنتم، -253-
فليس يمنشأ هذه الزيمة أيمرا عابرا ،بل خطأ ألسالسيا في نظام حكويمتنا ،فالجمعية الوطنية تقوم بوظيفة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في وقت واحد ،وكل نائب يمنكم يبغي أن يشترك في إصدار كل قرار وزاري ،ويدس إصبعه في كل إدارة حكويمية ،وكل قرار لوزير .أيها السادة يما يمن وزير يستطيع أن يضطلع بمسؤولية ،ويقبل المنصب في يمثل هذه الظروف .يجب أن تدركوا أن حكويمة تقوم على هذه اللسس لهي حكويمة يستحيل إيجادها ،وإذا ُوجدت لم تكن حكويمة ،بل كانت فوضى، ونحن يجب أن نقدر هذا الوضع .لذلك أقرر أن تصير تركيا جمهورية لها رئيس ُيختار بطريا ق النتخاب .وبعد أن أنهى كليمه كان قد أعد المرلسوم بجعل تركيا جمهورية ،وانتخاب يمصطفي كمال أول رئيس للجمهورية التركية وبذلك جعل نفسه الحاكم الشرعي للبلد. إل مّ أن اليمور لم تسر كما يريد يمصطفى كمال ،فإن الشعب التركي شعب يمسلم ويما فعله يمصطفى كمال يخالف اللسلم، لذلك لسادت البلد فكرة يمؤداها أن يمصطفى كمال يعتزم القضا ء على اللسلم ،وأيدت هذه الفكرة تصرفات كمال نفسه فإنه كان يمتنكرا لللسلم في حياته الخاصة يمخالفا لكل الحكام الشرعية، يظهر السخرية يمن كل الوضا ع المقدلسة عند المسلمين .وتيقن الناس في جمهرتهم أن حكام أنقرة الجدد كفرة يملعين .وصار -254-
الناس يلتفون حول الخليفة عبدالمجيد ،ويحاولون أن ُيرجعوا إليه السلطة ،وأن يجعلوه هو الحاكم ليقضي على هؤل ء المرتدين. فأدرك يمصطفى كمال الخطر يمجسما ورأى أن أكثرية الشعب تكرهه وتتهمه بالزندقة والكفر واللحاد ،وفكر في اليمر ونشط في الداية ضد الخليفة والخلفة ،وأثار حمالسة الجمعية الوطنية حتى لسنت قانونا يقضي باعتبار كل يمعارضة للجمهورية وكل يميل إلى السلطان خيانة يعا لَقب عليها بالموت .ثم أخذ يتحدث عن أضرار الخلفة في كل يمجلس ،ول لسيما للجمعية الوطنية ،وأخذ يهيئ الجوا ء للغا ء الخلفة ،فقام بعض النواب يتحدثون عن فائدة الخلفة لتركيا يمن الوجهة الديبلويمالسية ،فقاويمهم يمصطفى كمال ،وقال للجمعية الوطنية :أليس يمن أجل الخلفة واللسلم ورجال الدين قاتل القرويون التراك ويماتوا طيلة خمسة قرون؟ لقد آن أن تنظر تركيا إلى يمصالحها ،وتتجاهل الهنود والعرب، عم المسلمين. وتنقذ نفسها يمن تز مّ وهكذا لسار يمصطفى كمال في دعايته ضد الخلفة يبين أضرارها للتراك ،كما يبين أضرار الخليفة نفسه ،ويصوره وأنصاره في صورة الخونة ،ويظهرهم بمظهر الصنائع للنجليز .ولم يكتف بذلك ،بل أوجد يموجة إرهاب ضد يمن يؤيدون الخلفة ،فإن أحد النواب قد صر ح بلزوم الخلفة والمحافظة على الدين فما كان يمن يمصطفى كمال إل مّ أن كلف شخصا باغتياله في الليلة التي تكلم -255-
فيها فاغتاله شخص يمن أتبا ع يمصطفى كمال وهو راجع إلى بيته يمن الجمعية الوطنية ،وألقى أحد النواب خطابا إلسليميا فأحضره يمصطفى كمال وهدده بالشنا ق إذا فتح فمه بمثلها يمرة أخرى. وهكذا نشر الرعب في طول البلد وعرضها ،ثم أرلسل إلى حاكم إلستانبول يأيمره بوجوب إلغا ء يمظاهر البهة التي تحيط بموكب الخليفة أثنا ء تأدية صلة الجمعة ،وخمّفض يمرمّتب الخليفة ما لخظ إلى الحد الدنى .،وأنذر أتباعه بوجوب التخلي عنه .ول مّ ذلك بعض المعتدلين يمن أنصار يمصطفى كمال أخذتهم الحمية اللسليمية وخافوا يمن إلغا ء الخلفة ،والتمسوا يمن يمصطفى كمال أن ينصب نفسه خليفة للمسلمين ،فلم يقبل ،ثم جا ءه وفدان أحدهما يمن يمصر والخر يمن الهند ،وطلبا إليه أن ينصب نفسه خليفة للمسلمين وكرر الرجا ء ولكنه رفض ذلك وهيأ ضربته القاصمة بإعلن إلغا ء الخلفة ،وأثار في الجوا ء عند الشعب وعند الجيش وعند الجمعية الوطنية الحنا ق والبغض للجانب وللعدا ء ولحليفهم الخليفة -على حد زعمه.- وكانت إثارة الحنا ق على الجانب خدعة قصد يمنها أن يتوصل إلى اتهام الخليفة بأنه حليف الجانب وإلى إثارة الخنا ق عليه. ما لسيطر هذا الجو ولسمم الجو بالشاعات المثيرة ضد الخليفة .ول مّ على البلد تقدم يمصطفى كمال في الثالث يمن شهر اذار لسنة 1924م إلى الجمعية الوطنية بمرلسوم يقضي بإلغا ء الخلفة، -256-
وطرد الخليفة وفصل الدين عن الدولة ،وكان يمما قاله للنواب حين تقدم بهذا المرلسوم لقراره )بأي ثمن يجب صون الجمهورية المهددة وجعلها تقوم على ألسس علمية يمتينة؟ فالخليفة ويمخلفات آل عثمان يجب أن يذهبوا ،والمحاكم الدينية العتيقة وقوانينها يجب أن تستبدل بها يمحاكم وقوانين عصرية ،ويمدارس رجال الدين يجب أن تخلي يمكانها لمدارس حكويمية غير دينية( ،ثم حمل على الدين ويمن لسماهم رجال الدين .وبسلطة دكتاتورية ُأقر هذا المرلسوم يمن الجمعية الوطنية بغير يمناقشة ثم أرلسل إلى حاكم إلسطانبول أيمرا يقضي بأن يغادر الخليفة عبدالمجيد تركيا قبل فجر اليوم التالي فذهب الحاكم ويمعه حايمية يمن رجال الشرطة والجيش إلى قصر الخليفة في يمنتصف الليل وأجبروه أن يركب لسيارة واقتادوه خارج الحدود ،ولم يسمحوا له أن يحمل يمعه لسوى حقيبة فيها بعد الثياب وبعض النقد. وهكذا هدم يمصطفى كمال الدولة اللسليمية والنظام اللسليمي وأقام الدولة الرألسمالية والنظام الرألسمالي وبذلك قضى على الدولة اللسليمية وحقا ق للكفار حلمهم الذي داعبهم يمنذ الحروب الصليبية أل وهو القضا ء على دولة اللسلم. الحيلولة دون قيام الدولة اللسليمية انتهت الحرب العالمية الولى والستولى الحلفا ء على جميع -257-
بلد الدولة اللسليمية ،وكان همهم القضا ء على هذه الدولة نهائيا والحيلولة دون قيايمها يمرة أخرى .أمّيما وقد قضوا عليها نهائيا فإنهم أخذوا يعملون للحيلولة دون قيام الدولة اللسليمية في أي جز ء يمن أجزا ء العالم اللسليمي .وقد وضعوا عدة خطط والستعملوا عدة ألساليب لضمان عدم رجو ع الدولة اللسليمية للوجود ،ول يزالون يعملون يمن أجل هذه الغاية. فمنذ أن احتل الكافر المستعمر بلد المسلمين قام بتثبيت حكمه لها على اللسس التي رلسمها ،فقد احتل البلد التي كانت تحت حكم الدولة العثمانية لسنة 1918وأقام فيها فيها الحكام العسكرية حتى لسنة 1922،فركز حكمه بالسم النتداب في بعضها ،وبالسم اللستقلل الذاتي في البعض الخر ،حتى جائت لسنة ،1924وفي تلك السنة قايمت أعمال عدة أجهز بها العدو ول مت إلى قيام الدولة لسيما بريطانيا على كل يما فيه شبهة لَت ُ اللسليمية ،ففي تلك السنة ألغى يمصطفى كمال الخلفة يمن الدولة العثمانية بتأثير يمن الكافر المستعمر ،وجعل تركيا جمهورية ديمقراطية ،فقضى على شبح الخلفة حتى يقضي على آخر أيمل في رجو ع الدولة اللسليمية .وفي تلك السنة ُأخرج الحسين بن حبس في قبرص لنه كان يطمع في الخلفة. علي يمن الحجاز و ُ وفي تلك السنة تدخل النكليز بوالسطة عملئهم في يمؤتمر الخلفة الذي كان يمعقودا في القاهرة وعملوا على فضه -258-
وإخفاقه .وفي تلك السنة أخذ النكليز يعملون للغا ء جمعية الخلفة في الهند ولحباط يمساعيها وتحويل تيارها إلى الناحية الوطنية والقويمية .وفي تلك السنة أيضا صدرت في يمصر بتأثير يمن الكافر المستعمر يمؤلفات يمن بعض علما ء الزهر تدعو لفصل الدين عن الدولة ،وتدعي أن اللسلم ليس فيه أصول للحكم، وتصِّور اللسلم بأنه دين كهنوتي ،ولم لَيِرد فيه شي ء عن الحكم وعن الدولة .وفي تلك السنة ويما يليها قايمت في الدول العربية يمجادلت بيزنطية حول يموضوعين هما :هل الجايمعة العربية أصلح وأكثر إيمكانية أم الجايمعة اللسليمية ،واشتغلت الصحف والمجلت يمدة في هذا الموضو ع .يمع أن كل يمن الجايمعة حول دون اللسليمية والجايمعة العربية غير صالحة ،ووجودها ي ُ قيام الدولة اللسليمية ،ولكن الكافر المستعمر أوجد هذا الجدل لتحويل الذهان عن الدولة اللسليمية .وبهذا الستطا ع أن ُيبعد عن الذهان في البلد اللسليمية فكرة الخلفة ،وفكرة الدولة اللسليمية. وكان اللستعمار قبل احتلله قد أخذ يشيع بين شباب الترك ألفاظ القويمية التركية ،وأن تركيا تحمل عب ء الشعوب غير التركية، وأنه آن لها أن تتخلى عن هذه الشعوب ،وأ ُمّلفت أحزاب لسيالسية للعمل يمن أجل القويمية التركية والستقلل تركيا عن البلد غير التركية .وأخذ يشيع بين شباب العرب ألفاظ القويمية العربية ،وأن -259-
مرة وأنه آن الوان للعرب لن يتخلصوا يمن نير تركيا دولة يمستع ِ اللستعمار التركي ،وقد أ ُمّلفت الحزاب السيالسية للعمل يمن أجل الوحدة العربية والستقلل العرب .ويما أن جا ء الحتلل حتى أخذ الكافر المحتل يشيع ألفاظ القويمية ،وأخذت تحل يمحل اللسلم، فالستقل التراك على ألساس قويمي وطني ،وأخذ العرب يعملون للحكم الذاتي على ألساس قويمي وطني ،وشاعت كلمة القويمية والوطنية ويملت الجوا ء ،وصارت هي يموضع الفخر والعتزاز. ولم يكتف اللستعمار بذلك بل أشا ع المفاهيم المغلوطة عن الحكم في اللسلم ،وعن اللسلم ،وصمّور الخلفة بأنها بابوية، وبأنها حكم ديني كهنوتي ،حتى صار المسلمون يخجلون ِيمن ِذكر كلمة خليفة ،وِيمن طلب الخلفة .و ُوجد بين المسلمين عرف عام خر وجمود ل يجوز أن يصدر يمن بأن أيمر المطالبة بالخلفة تأ ُّ يمثقف ،ول يقول به يمفكر. سم البلد اللسليمية وفي هذه الجوا ء القويمية والوطنية لَق لَ سم إلى دويلت ،وجعل أهل كل بلد يركزون هذا التقسيم ،ف لَق لَ الدولة العثمانية إلى عدة أقسام هي تركيا ،ويمصر ،والعراق، ولسوريا ،ولبنان ،وفلسطين ،وشرق الردن ،والحجاز ،ونجد، واليمن .وصار المشتغلون بالسيالسة فيه يمن عمل ء هذا الكافر المستعمر ،ويمن غيرهم يمن حسني النية ،يعقدون المؤتمرات في كل بلد يطالبون باللستقلل ،أي الستقلل الجز ء الذي ُرلسم لهم -260-
دولة ،عن غيره يمن باقي الجزا ء .وعلى هذا اللساس قايمت الدولة التركية ،والدولة العراقية ،والدولة المصرية ،والدولة السورية ...الخ ،ثم أقام في فلسطين وطنا قويميا لليهود تحمّول فيما بعد إلى كيان يمستقل تحت السم الدولة ،ليكون رأس جسر له غل به المسلمون عن الكافر المستعمر وهو الدول الغربية و ُيش لَ حول كبريطانيا وأيمريكا وفرنسا ،وليكون حاجزا يمن الحواجز التي ت ُ دون رجو ع الدولة اللسليمية .وبذلك ركز الوضع الجغرافي حول دون تحرير المسلمين. والجوا ء العايمة ،تركيزا ي ُ وقام بتطبيا ق النظام الرألسمالي في القتصاد ،والنظام الديمقراطي في الحكم ،والقوانين الغربية في الدارة والقضا ء، وثمّبت حضارته ويمفاهيمه عن الحياة ،وصار يحاول أن يركز وجهة نظره في الحياة حتى تصبح طريقته في الحياة هي الطريقة التي يعيش عليها المسلمون .وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد ،فقد جعل يمصر لسلطنة ثم أقام فيها النظام الملكي البرلماني ،وأقام في العراق النظام الملكي البرلماني ،وأقام في لبنان ولسوريا النظام الجمهوري ،وأقام في شرقي الردن إيمارة ،وفي فلسطين حكما انتدابيا انتهى بقيام نظام ديمقراطي برلماني بين اليهود تحت السم الدولة ،وضم القسم الباقي لشرق الردن وجعلها يملكية برلمانية ،وأقام في الحجاز وفي اليمن يملكية يمستبدة ،وفي تركيا جمهورية رئالسية ،وفي الفغان يملكية وراثية ،وشجع إيران -261-
مرا الهند ،ثم على التمسك بالنظام اليمبراطوري ،وظل يمستع ِ قسمها إلى دولتين. وبهذا جعل الكافر المستعمر نظايمه هو الذي يطَّبا ق في بلد المسلمين ،وبتطبيقه أضعف في النفوس فكرة إعادة حكم اللسلم .ولم يكتف بذلك بل جعل في نفس أهل البلد المحا لَفظة على النظام الذي أقايمه؛ إذ اعتبر أهل كل إقليم يمن هذه القليم إقليمهم فقط دولة ،وصاروا يفهمون وجوب الستقلله عن غيره يمن القاليم ،وصار العراقي في تركيا أجنبيا ،والسوري في يمصر أجنبيا .وهكذا صار حكام كل بلد يحافظون على هذا النظام الرألسمالي الديمقراطي أكثر يمن يمحافظة أهله عليه .وصاروا يموظفين بوظيفة الحرالسة على يما أقام لهم المستعمر يمن نظام ودلستور ،ويعتبرون تغييره حركة غير يمشروعة يعاِقب عليها قانون المستعمر الذي وضعهم لتنفيذه. وقام بتطبيا ق القوانين الغربية على بلد المسلمين يمباشرة، بعد أن كان يحاول تطبيقهما بالوالسطة عن طريا ق العمل ء في البلد اللسليمية؛ إذ حاول اللستعمار يمنذ أول النصف الثاني يمن القرن التالسع عشر إدخال القوانين الغربية إلى البلد اللسليمية. ففي يمصر بدأ اللستعمار يشجع إدخال القانون المدني الفرنسي ليحل يمحل الحكام الشرعية ،ونجح في ذلك .وبدأت يمصر يمنذ لسنة 1883تطبا ق القانون الفرنسي ،فقد ترجمت القانون -262-
لسَّنته قانونا ،وصار يطَّبا ق في المحاكم بدل الفرنسي القديم و لَ الحكام الشرعية .وفي الدولة العثمانية بدأت يمنذ لسنة 1856م حركة لخذ القوانين الغربية ،غير أنها لم تلق السهولة التي لقتها في يمصر بسبب وجود الخلفة اللسليمية في الدولة العثمانية، كنهم يمن إدخال قانون ولكن إلحا ح الكفار والستجابة العمل ء يم مّ الجزا ء وقوانين الحقوق والتجارة بأخذ فتاوى بأنها ل تخالف اللسلم ،ودخلت فكرة التقنين ،ثم أ ُمّلفت المجلة يمن الحكام جعلت المحاكم قسمين :شرعية تعمل بالحكام الشرعية قانونا ،و ُ الشرعية على شكل قوانين ،ونظايمية تحكم حسب القوانين الغربية التي أفتى العلما ء بأنها ل تخالف اللسلم ،وحسب القوانين الشرعية التي صيغت تقليدا للقوانين الغربية. هذا بالنسبة للقوانين ،أمّيما بالنسبة للدلستور ،فإن الحركة عله يؤخذ يمن الدلستور الفرنسي ،قايمت يمع ليجاد دلستور للدولة وج يْ حركة أخذ القوانين ،وكادت تنجح لسنة 1878م ،غير أن قوة يمقاويمة المسلمين وقفت في وجهها وأخمدتها .إل مّ أن يملحقة كن حركة الكافر المستعمر ونجا ح عملئه والمضبوعين بثقافته يم مّ كنها يمن النجا ح .و ُوضع الدلستور الدلستور يمن الظهور يمرة أخرى ويم مّ يموضع العمل في الدولة لسنة 1908م .وبوضع القوانين ووضع الدلستور يموضع العمل في الدولة العثمانية صارت البلد اللسليمية في جملتها يما عدا جزيرة العرب والفغان تسير نحو القوانين -263-
الغربية. ويما أن احتل الكافر المستعمر البلد حتى قام بتطبيا ق لسائر القوانين الغربية يمباشرة باعتبارها قوانين يمدنية ل علقة لها باللسلم ،و ُتركت الحكام الشرعية ،فثمّبت ذلك حكم الكفر وأبعد حكم اللسلم ،وقد لساعده على ذلك أنه ثمّبت أركانه وأقام جميع شؤونه على ألساس لسيالسة التعليم التي رلسمها ،والمناهج التربوية التي وضعها ،والتي ظلت تطَّبا ق حتى اليوم في كافة البلد اللسليمية ،وأنتجت يما أنتجته يمن هذه الجيوش الجرارة يمن المعلمين الذي يقوم أكثرهم على حرالسة هذه البرايمج وحمايتها، والذين يتولى الكثيرون يمنهم زيمام اليمور ،ويسيرون وفا ق يما يريد الكافر المستعمر. وقد قايمت لسيالسة التعليم و ُوضعت يمناهجه على ألسالسين اثنين :أحدهما فصل الدين عن الحياة ،وينتج عنها طبيعيا فصل الدين عن الدولة ،وذلك يحتم أن يقوم أبنا ء المسلمين بمحاربة قيام دولة إلسليمية ،لنها تتناقض يمع اللساس الذي تعمّلموا على لسيالسته .أمّيما اللساس الثاني فهو جعل شخصية الكافر المستعمر المصدر الرئيسي لما ُتحشى به العقول الناشئة يمن يمعارف ويمعلويمات .وذلك يوجب احترام هذا الكافر المستعمر وتعظيمه، ويمحاولة يمحاكاته وتقليده ،ولو كان كافرا يمستعمرا ،ويوجب احتقار المسلم والبتعاد عنه والشمئزاز يمنه واللستنكاف عن الخذ يمنه، -264-
وهذا يقضي بمحاربة قيام دولة إلسليمية واعتبارها رجعية .ولم يكتف اللستعمار بمناهج المدارس التي يشرف عليها أو تشرف عليها الحكويمات التي أقايمها يمقايمه ،بل جعل إلى جانبها المدارس التبشيرية التي تقوم على ألساس الستعماري يمحض ،والمعاهد الثقافية التي تأخذ على عاتقها التوجيه السيالسي الخاطئ، والتوجيه الثقافي المغلوط .وبذلك صار الجو الفكري في المدارس على اختلفها والمعاهد الثقافية على تنوعها يثقف المّيمة حول بينها وبين ثقافة تبعدها عن التفكير في الدولة اللسليمية ،وت ُ العمل يمن أجلها. وقايمت إلى جانب ذلك المناهج السيالسية في كافة البلد اللسليمية على ألساس فصل الدين عن الحياة ،وصار العرف العام عند المثقفين هو فصل الدين عن الدولة ،وعند عايمة الشعب فصل الدين عن السيالسة .وكان يمن جرا ء ذلك أن ُوجدت فئات يمن المثقفين تزعم أن لسبب تأخر المسلمين هو تمسكهم بالدين، وأن الطريا ق الوحيد للنهضة هو القويمية والعمل لها .كما ُوجدت فئات تمّدعي أن لسبب تأخر المسلمين هو الخلق .فقايمت على اللساس الول تكتلت حزبية لسيالسية السما تعمل للقويمية والوطنية ،و لَتعتبر العمل على ألساس اللسلم دلسيسة الستعمارية، وتعتبرها رجعية وجمودا يؤدي إلى التأخر والنحطاط .كما قايمت على اللساس الثاني تكتلت جمعية على ألساس الخلق والوعظ -265-
خ ُلا ق واشترطت على نفسها والرشاد ،وصارت تعمل للفضيلة وال ُ أن ل تتدخل في السيالسة. وبذلك كانت هذه الحزاب والجمعيات الحائل العملي الذي حول دون السعي ليجاد الدولة اللسليمية ،لن الجمعيات صرفت ي ُ الذهان وانصرفت هي عن العمل السيالسي الواجب شرعا وهو إقايمة الدولة اللسليمية ،إلى العمل الخلقي فقط الذي هو نتيجة حتمية لتطبيا ق المسلم لحكام اللسلم ،ونتيجة طبيعية لقيام حكم اللسلم .ولن الحزاب قايمت على ألساس الستعماري يناقض حول دون قيام الدولة اللسليمية. اللسلم ،وي ُ وقايمت إلى جانب المناهج السيالسية القوانين التي تحفظ حول دون قيام لسمّنت قوانين ت ُ هذه المناهج وتؤِّيمن تنفيذها ،فقد ُ أحزاب أو حركات لسيالسية إلسليمية ،واع لَتبرت تلك القوانين في يمجموعها المسلمين طائفة يمن الطوائف ،يمع أنهم أهل البلد. وتضمنت تلك القوانين نصوصا يمؤداها أنه يشترط في الحزاب والحركات السيالسية أن تكون نظمها ديمقراطية ،وأن ل تحصر عضويتها عمليا في طائفة .ويمعنى ذلك أنه ل يجوز أن تنشأ في البلد اللسليمية أحزاب أو حركات لسيالسية إلسليمية حتى ل تعود الدولة اللسليمية .وأن المسلمين ل حا ق لهم إل مّ بالجمعيات الخيرية ويما إليها ،ويممنوعون يمن العمل السيالسي على ألساس اللسلم، جريما واعتبرت بعض القوانين القيام بالحزاب السيالسية اللسليمية ُ -266-
يعا لَقب عليه .وبذلك تركزت المناهج السيالسية على ألساس الحيلولة دون قيام الدولة اللسليمية بالقوانين الموضوعة. ولم يكتف اللستعمار بذلك بل أخذ يصرف المسلمين عن التفكير بالدولة اللسليمية بأعمال تافهة يتلمّهون بها ،فقد شجع المؤتمرات اللسليمية لتكون ُألِهيات المّيمة اللسليمية عن العمل الحقيقي للدعوة اللسليمية وللستئناف الحياة اللسليمية في ظل الدولة اللسليمية ،فكانت هذه المؤتمرات يمتنَّفسا للعواطف ،تتخذ القرارات وتنشرها بالصحف و ُدور الذاعة لمجرد النشر ،دون أن ينمّفذ شي ء يمنها ،بل دون أن يسعى لتنفيذ شي ء يمنها .ثم شجع المؤلفين والمحاضرين ليبمّينوا خطر وجود الدولة اللسليمية ،وأن اللسلم ليس فيه نظام حكم ،فصدرت كتب ورلسائل لبعض المسلمين المأجورين تحمل دعوة اللستعمار هذه حتى يضَّلل المسلمون وحتى ُيصرفوا عن دينهم وعن العمل للستئناف الحياة حسب أحكايمه .وهكذا دأب اللستعمار يمنذ أن قضى على الدولة حول دون قيام الدولة اللسليمية إلى الن يقيم العراقيل التي ت ُ اللسليمية ،ويركز جهوده للحيلولة دون إيجادها ،بعد أن يمحاها يمن الوجود. قيام الدولة اللسليمية فرض على المسلمين يقوم جهاز الدولة اللسليمية على لسبعة أركان هي :الخليفة، -267-
والمعاونون ،والولة ،والقضاة ،والجهاز الداري ،والجيش، ويمجلس الشورى .فإذا الستكملت الدولة هذه الركان السبعة الس ُتكمل جهازها ،وإذا نقص واحد يمنها نقص جهازها ،ولكنها تبقى دولة إلسليمية ول يضرها نقص شي ء يمن الجهاز ،يما لم يكن الخليفة؛ لنه اللساس في الدولة. أمّيما قواعد الحكم في الدولة اللسليمية فهي أربع قواعد هي : نصب خليفة واحد ،وأن يكون السلطان للمّيمة ،وأن تكون السيادة علها للشر ع ،وأن يتولى الخليفة وحده تبني الحكام الشرعية ،أي ج يْ قوانين .فإذا نقصت قاعدة واحدة يمن هذه القواعد كان الحكم غير إلسليمي ،بل ل بد يمن الستكمال هذه القواعد الربع جميعها. واللساس في الدولة اللسليمية هو الخليفة ،ويما عداه نائب عنه أو يمستشار له .فالدولة اللسليمية هي خليفة يطِّبا ق اللسلم، والخلفة أو اليمايمة هي الستحقاق تصرف عام على المسلمين، وهي ليست يمن العقائد ،بل هي يمن الحكام الشرعية ،إذ هي يمن الفرو ع المتعلقة بأفعال العباد. حل للمسلمين أن صب الخليفة فرض على المسلمين ،ول لَي ِ ون يْ لَيِبيتوا ليلتين دون بيعة .وإذا خل المسلمون يمن خليفة ثلثة أيام أِثموا جميعا حتى يقيموا خليفة .ول يسقط عنهم الثم حتى يبذلوا الجهد لقايمة خليفة ويواصلوا العمل حتى يقيموه .وقد ثبت وجوب نصب الخليفة بالسمّنة وإجما ع الصحابة. -268-
أمّيما السمّنة ،فقد قال صلى ا عليه ولسلم } :يمن يمات ولم لَيعرف إيمام زيمانه يمات يميتة جاهلية ،{،ولحمد والطبراني }ويمن يمات وليس في عنقه بيعة يمات يميتة جاهلية {،خمّرجاه يمن حديث ت رلسول يمعاوية ،ولمسلم في صحيحه عن ابن عمر قال } :لسمع ُ ا صلى ا عليه ولسلم يقول :لَيمن خلع يدا يمن طاعة ا لقي ا يوم القيايمة ول حجة له ،ويمن يمات وليس في عنقه بيعة يمات يميتة جاهلية ،{،وروى هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رلسول ا صلى ا عليه ولسلم قال } :لسيليكم بعدي ولة ،فيليكم البمّر ببمّره ويليكم الفاجر بفجوره ،فالسمعوا لهم وأطيعوا في كل يما وافا ق الحا ق ،فإن أحسنوا فلكم وإن ألساؤوا فلكم وعليهم.{، وأمّيما الجما ع ،فإن الصحابة قد جعلوا أهم المهمات بعد صب الخليفة ،على يما في وفاة النبي صلى ا عليه ولسلم ن يْ الصحيحين يمن حديث لسقيفة بني لساعدة ،وكذا بعد يموت كل خليفة يمن الخلفا ء .وقد تواتر نقل إجما ع الصحابة على وجوب نصب الخليفة حتى جعلوه يمن أهم الواجبات ،ويعتبر ذلك دليل م ً قطعيا .وتوا لَتر إجما ع الصحابة أيضا على ايمتنا ع خلو المّيمة يمن خليفة في أي وقت يمن الوقات .فواجب على المّيمة نصب إيمام أي طب بذلك جميع المّيمة يمن ابتدا ء يموته عليه إقايمته وتوليته ،و ُتخا لَ الصلة والسلم إلى قيام الساعة. -269-
ويتضح يمبلغ اللزوم الحتمي في إقايمة الخليفة ويمبلغ فهم الصحابة هذا اللزوم يمما فعله الصحابة يمن تأخير دفن رلسول ا صلى ا عليه ولسلم حتى بويع خليفة لرئالسة الدولة ،ويتضح كذلك طعن وكان يمشرفا على الموت، يمما فعله عمر بن الخطاب حين ُ فقد طلب إليه المسلمون أن لَيستخلف فأبى ،فألحوا عليه خب يمنهم خليفة، فالستخلف لستة ،أي حصر الترشيح في لستة ُينت لَ ولم يكتف بذلك بل حدد لهم يموعدا نهائيا هو ثلثة أيام ،ثم أوصى أنه إذا لم ُيتفا ق على الخليفة بعد ثلثة أيام فل ُيقتل المخاِلف .نعم ومّكل بهم يمن يقتل المخاِلف يمع أنهم أهل الشورى ،ويمع أنهم كبار الصحابة ،إذ هم علي وعثمان وعبدالرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيدا ولسعد بن أبي وقاص .وإذا كان هؤل ء ُيقتل أحدهم إذا لم يتفا ق على انتخاب خليفة فذلك يدل على اللزوم الحتمي لنتخاب الخليفة. على أن كثيرا يمن الواجبات الشرعية يتوقف عليه ،كتنفيذ الحكام ،وإقايمة الحدود ،ولسد الثغور وتجهيز الجيوش ،وقطع المنازعات الواقعة بين العباد ،وحفظ اليمن ،ونحو ذلك يمن اليمور صبه واجبا. التي بين آحاد المّيمة ،ولذلك كان ن يْ وليس طلب الخلفة يمكروها ،فقد تناز ع فيها الصحابة رضوان ا عليهم في السقيفة ،وتناز ع فيها أهل الشورى ،ولم كر عليهم ذلك أحد يمطلقا ،بل انعقد الجما ع يمن الصحابة في ين ِ -270-
الصدر الول على قبول هذا التناز ع عليها يمنهم. ول ي لَومّلى أكثر يمن خليفة واحد على جميع المسلمين ،لقوله صلى ا عليه ولسلم } :إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الخر يمنهما {،رواه ي ،ولقوله عليه الصلة والسلم : خدر مّ يمسلم يمن حديث أبي لسعيد ال ُ عه إن ط يْ } لَيمن بايع إيمايما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فل ُي ِ الستطا ع ،فإن جا ء آخر ينازعه فاضربوا عنا ق الخر {،وفي رواية }فاضربوه بالسيف كائنا يمن كان .{،واليمر بقتل الخر يمحمول على يما إذا لم يندفع إل مّ بالقتل ُقتل. ة يممن توفرت فيهم صفات الخليفة فالخليفة وإذا اجتمع عد ٌ غ .وهذا إذا يمن انعقدت له البيعة يمن الكثر ،والمخاِلف للكثر با ٍ اجتمعوا في الوجود ل في عقد الولية لكل يمنهم .أمّيما إذا انعقدت ف شروط الخلفة ثم بايع الكثر غيره ،فالول الولية لواحد يمستو ٍ هو الخليفة ،والثاني يجب رده. والشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة هي :اللسلم، والذكورة ،والبلوغ ،والعقل ،والعدالة .أي يجب أن يكون الخليفة ل. ل ،عد م ً ل ،يمسلما ،بالغا ،عاق م ً رج م ً أمّيما شرط اللسلم ،فلقولله تعالى :ولن يجعل ا للكافرين على المؤيمنين لسبيل م ً .وأمّيما شرط الذكورة ،فلقوله صلى ا عليه ح قوم تملكهم ايمرأة .{،وأمّيما البلوغ والعقل ،فلن ولسلم } :كيف ُيفل ُ المجنون والصبي يوَّلى عليهم في تصرفاتهم ،فمن لم يكن له -271-
ولية على نفسه ل تكون له ولية على غيره .وأمّيما العدالة فإن عمل الخليفة هو تنفيذ أحكام الدين ،وإذا لم ينفذها على نفسه ل لَيص ُدق في تنفيذها على غيره؛ لن فاقد الشي ء ل يعطيه ،وقد ل ،فإذا كان فالسقا ،ل يصلح اش ُترط في الخليفة أن يكون عد م ً للخلفة ،ول يبقى في الخلفة؛ لن العدالة شرط في انعقاد الخلفة ،وشرط في الستدايمتها. هذه هي شروط الخليفة الثابتة ،أمّيما يما عداها يمن الشروط التي ذكرها الفقها ء يمن يمثل الشجاعة والعلم وكونه يمن قريش أو يمن آل فاطمة ويما شاكل ذلك فليست هي شروط انعقاد للخلفة، صح أي دليل على أنها شرط لنعقاد الخلفة وصحة البيعة؛ ولم لَي ِ ولذلك ل تعتبر شرطا ،فكل رجل يمسلم بالغ عاقل عدل يصح أن يبا لَيع خليفة للمسلمين ،ول ُيشترط فيه أي شرط آخر. وعلى ذلك فإن إقايمة الدولة اللسليمية فرض على المسلمين جميعا ،وقد ثبت ذلك بالسمّنة وبإجما ع الصحابة؛ ولن المسلمين خاضعون لنفوذ الكفر في بلدهم وتطَّبا ق عليهم أحكام الكفر وأصبحت دارهم دار كفر بعد أن كانت دار إلسلم ،أي أصبحت تابعيتهم ليست تابعية إلسليمية وإن كانت بلدهم بلدا إلسليمية. ووجب عليهم أن يعيشوا في دار اللسلم وأن تكون لهم تابعية إلسليمية ،ول يتأتى لهم ذلك إل مّ بإقايمة الدولة اللسليمية .ولسيظل المسلمون آثمين حتى يعملوا لقايمة الدولة اللسليمية فيباِيعوا -272-
خليفة يطبا ق اللسلم ويحمل دعوته للعالم. صعوبات قيام الدولة اللسليمية ليس قيام الدولة اللسليمية لسهل م ً يميسورا ،لن الستئناف الحياة اللسليمية ليس باليمر الهين .فهناك عراقيل شتى وضخمة تقوم في وجه قيام الدولة اللسليمية ل بد يمن إزالتها ،وصعوبات كثيرة وكبيرة تقف في طريا ق الستئناف الحياة اللسليمية ل بد يمن التغلب عليها ،لن اليمر ل يتعلا ق بقيام دولة أي دولة ،ول بقيام دولة تسمى إلسليمية ،بل اليمر يتعلا ق بقيام دولة إلسليمية تطبا ق اللسلم نظايما يمنبثقا عن العقيدة اللسليمية ،تطبقه أحكايما شرعية باعتبارها حكم ا ،فتستأنف الحياة اللسليمية كايملة في الداخل، وتحمل الدعوة اللسليمية إلى الناس كافة في الخارج. وهذه الدولة اللسليمية يجب أن تقوم على النفسية اللسليمية المكونة يمن العقيدة اللسليمية ويمن أفكار اللسلم وأحكايمه، وعلى العقلية اللسليمية المش لَبعة بالفكر اللسليمي والمكونة تكوينا فكريا على اللسلم بفكرته وطريقته ،حتى تقوم على الشخصية اللسليمية أول م ً وقبل كل شي ء ،ثم تقوم على القوانين والنظم التي تنبثا ق عن العقيدة اللسليمية ،وذلك حتى تنبعث جد العقلية اللسليمية حوافز هذه الحياة يمن داخل النفس ،فتو ِ والنفسية اللسليمية التي تكفل تنفيذ النظم والقوانين تنفيذا طوعيا -273-
عن شوق واطمئنان يمن كل يمن الحاكم والمحكوم على السوا ء. ول بد أن تكون هذه الدولة إلسليمية في المّيمة التي تقيمها ،وفي أولي اليمر الذين يتولون رعاية شؤون المّيمة ،إلسليمية في جميع كنها يمن حمل حياتها ،يمحققة الستئناف الحياة اللسليمية تحقيقا يم مّ كن غير المسلمين يمن يمشاهدة نور اللسلم رلسالتها للعالم ،ويم مّ في دولته حتى يدخلوا في دين ا أفواجا .ولذلك كانت الصعوبات التي تقف في طريا ق الستئناف الحياة اللسليمية أو تقوم في وجه قيام الدولة اللسليمية كثيرة ل بد يمن يمعرفتها ،ول بد يمن العمل على التغلب عليها .وأهم هذه الصعوبات يما يأتي : -1وجود الفكار غير اللسليمية وغزوها للعالم اللسليمي، وذلك أن العالم اللسليمي -وقد يممّر في العصر الهابط وكان ضحل التفكير ،عديم المعرفة ،ضعيف العقلية ،بسبب انحطاطه العام- غزي وهو على هذه الصورة بالفكار غير اللسليمية المناِقضة قد ُ لفكار اللسلم ،والقائمة على ألساس يمغلوط وعلى فهم خاطئ للحياة وِلما لَقبلها ويما بعدها ،فوجدت هذه الفكار تربة خصبة خالية يمن المقاويمة فتمكنت يمنها ،ولذلك تشبعت عقلية المسلمين ول لسيما فئة المثقفين بهذه الفكار ،فكمّونت فيها عقلية لسيالسية يمش لَبعة بالتقليد ،بعيدة عن البتكار ،غير يمستعدة لقبول الفكرة اللسليمية لسيالسيا ،وغير يمدركة لحقيقة هذه الفكرة ،وعلى الخص يمن الناحية السيالسية .ولذلك كان لزايما أن تكون الدعوة -274-
اللسليمية :دعوة إلى اللسلم ،ودعوة إلى الستئناف حياة إلسليمية، ف ُيدعى غير المسلمين لللسلم بشر ح أفكار اللسلم ،و ُيدعى المسلمون إلى العمل للسئناف الحياة اللسليمية بتفهيمهم اللسلم .وهذا يقضي بأن يبَّين يما في الفكار الخرى غير اللسليمية يمن زيف ،ويما في نتائجها يمن أخطار ،وأن تأخذ الدعوة طريقها السيالسي ،وأن ُيسعى لتثقيف المّيمة ثقافة إلسليمية لَتبرز فيها الناحية السيالسية .وبهذا يمكن التغلب على هذه الصعوبة. -2وجود البرايمج التعليمية على اللساس الذي وضعه المستعمر ،والطريقة التي تطَّبا ق عليها هذه البرايمج في المدارس والجايمعات ،وتخريجها لمن يتولى أيمور الحكم والدارة والقضا ء والتعليم والطب ولسائر شؤون الحياة ،بعقلية خاصة تسير فيها وفا ق الخطة التي يريدها الكافر المستعمر ،حتى كان الحكم كما نشاهده هو أن ُيستبدل بموظفين يمستعمرين يموظفين يمن المسلمين ،يكون عملهم حرالسة يما أقام المستعمر يمن حدود وقوانين وثقافة ولسيالسة وأنظمة وحضارة وغير ذلك ،والدفا ع عنها كدفاعه هو أو أشد .وطريا ق التغلب على هذه الصعوبة هو كشف هذه العمال لهؤل ء الحكام والموظفين وغيرهم لهم وللناس جميعا ،حتى تبرز بشاعة الناحية اللستعمارية الموجودة فيها ،ليتخلى هؤل ء عن الدفا ع عنها ،حتى تجد الدعوة طريقها إلى هؤل ء المسلمين. -275-
-3الستمرار تطبيا ق البرايمج التعليمية على اللساس الذي وضعه الكافر المستعمر ،وحسب الطريقة التي أرادها ،يمما جعل جمهرة الشباب يمن المتخرجين ويممن ل يزالون يتعلمون يسيرون باتجاه يناقض اللسلم .ول نعني ببرايمج التعليم البرايمج العلمية والصناعية ،فإن هذه عالمية ل تختص بها أمّيمة يمن اليمم بل هي عالمية لجميع الناس .وإمّنما نعني البرايمج الثقافية التي تؤثر على وجهة النظر في الحياة ،فهذه هي التي جعلت برايمج التعليم تقف صعوبة عن الستئناف الحياة اللسليمية ،وهذه المعارف تشمل التاريخ والدب والفلسفة والتشريع .وذلك لن التاريخ هو التفسير الواقعي للحياة ،والدب هو التصوير الشعوري لها ،والفلسفة هي الفكر الصلي الذي تبنى عليه وجهة النظر في الحياة ،والتشريع هو المعا لَلجات العملية لمشاكل الحياة والداة التي يقوم عليها تنظيم علقات الفراد والجماعات ،وهذه كلها قد كمّون بها الكافر المستعمر عقلية أبنا ء المسلمين تكوينا خاصا جعل بعضهم ل يشعر بضرورة وجود اللسلم في حياته وحياة أمّيمته ،وجعل كرا عليه صلحيته البعض يمنهم أيضا يحمل عدا ء لللسلم يمن ِ لمعالجة يمشاكل الحياة .ولذلك ل بد يمن تغيير هذه العقلية ،وذلك بتثقيف الشباب خارج المدارس والجايمعات ثقافة يمركزة ،وثقافة جماعية ،بالفكار اللسليمية والحكام الشرعية ،حتى يمكن التغلب على هذه الصعوبة. -276-
-4وجود إكبار عام لبعض المعارف الثقافية واعتبارها علويما عالمية ،وذلك كعلم الجتما ع ،وعلم النفس ،وعلوم التربية .فإن الناس يعتبرون هذه المعارف علويما ،وأن الحقائا ق التي جا ءت بها هي نتيجة تجارب ،ويحملون لها إكبارا عايما ،ويأخذون يما تأتي به كمونها في أيمور الحياة ،وهي ُتعَّلم في يمدارلسنا قضايا يمسَّلمة يح مّ وجايمعاتنا كعلوم ،ونطبقها في الحياة ونستعين بها في أيمور الحياة .ولذلك ُيستشهد بما قاله علما ء النفس وعلما ء الجتما ع وعلما ء التربية أكثر يمما ُيستشهد بالقرآن والحديث .ولهذا ُوجدت عندنا أفكار ووجهات نظر خاطئة يمن جرا ء تعُّلم هذه العلوم ،يمن جرا ء إكبارها ،ويمن جرا ء تحكيمها في أيمورنا في الحياة .وصار يمن الصعوبة بمكان أن ُيقبل القول الذي يخالفها ،وهي في جملتها تؤدي إلى فصل الدين عن الحياة ،وتؤدي إلى يمحاربة قيام الدولة اللسليمية. والحقيقة أن هذه المعارف هي ثقافة وليست علما؛ لنها تأتي عن طريا ق الملحظة واللستنباط ،ول توجد فيها تجارب. وتطبيقها على الناس ل يعتبر تجارب ،وإمّنما هو يملحظات يمتكررة على أشخاص يمختلفين ،وفي ظروف وأوضا ع يمختلفة ،فهي حظة والستنباط وليست تجربة كتجربة المختبر حين يجَّرب فيه يمل لَ الشي ء أو يجَّرب عليه ،ولذلك تدخل في الثقافة ل في العلم. وفوق ذلك فهي ظنية قابلة للخطأ والصواب ،على أنها يمبنية على -277-
ألساس يمغلوط؛ لنها يمبنية على النظرة للفرد والمجتمع ،فهي يمبنية على النظرة الفردية ،ولهذا تنتقل نظرتها يمن الفرد إلى اللسرة إلى الجماعة إلى المجتمع ،على اعتبار أن المجتمع يمكون يمن أفراد. ولهذا تعتبر الجماعات يمنفصلة ،وأن يما يصلح لمجتمع ل يصلح لمجتمع آخر. والحقيقة أن المجتمع يمكون يمن النسان والفكار والمشاعر والنظمة ،وأن يما يصلح للنسان يمن أفكار ويمعا لَلجات في يمكان يما يصلح للنسان في كل يمكان ،ويحمّول المجتمعات المتعددة إلى يمجتمع واحد تصلحه الفكار والمشاعر والنظمة .فخطأ النظرة إلى المجتمع ترَّتب عليه خطأ النظريات التربوية في علوم التربية وخطأ النظريات في علم الجتما ع ،لنها يمبنية على هذه النظرة. كما أنها يمبنية على علم النفس وهو في جملته خطأ يمن سما إلى يمناطا ق ،وأن كل يمنطقة وجهين :أول م ً لنه لَيعتبر الديماغ يمق مّ لها قابلية خاصة ،وأن في بعض الديمغة قابليات ليست يموجودة في أديمغة أخرى .يمع أن الحقيقة أن الديماغ واحد وأن تفاوت الفكار التي تنتج واختلفها تابع لتفاوت المحسولسات والمعلويمات جد في الخر السابقة واختلفها .وأنه ل توجد في ديماغ قابلية ل تو لَ بل جميع الديمغة فيها قابلية الفكر في كل شي ء يمتى توفر الواقع المحسوس والحواس والمعلويمات السابقة للديماغ ،وإمّنما تتفاوت الديمغة في قوة الربط وفي قوة الحساس ،كما تتفاوت العيون -278-
في قوة البصار وضعفه ،ولذلك يمكن إعطا ء كل فرد أي يمعلويمات ،وفيه قابلية لهضمها ،ولذلك ل ألساس لما جا ء في علم النفس يمن القابليات .وثانيا لَيعتبر علم النفس الغرائز كثيرة يمنها يما اك ُتشف ويمنها يما لم ُيكتشف ،وبنى العلما ء على هذا المفهوم هد بالحس ِيمن تتُّبع للغرائز نظريات خاطئة .والحقيقة أن المشا لَ الرجع أو رد الفعل أن النسان فيه طاقة حيوية لها يمظهران، أحدهما يتطلب الشبا ع الحتمي وإذا لم ُيش لَبع يموت النسان. والثاني يتطلب الشبا ع وإذا لم ُيش لَبع يبقى النسان حيا ولكنه يكون قلقا يمن عدم الشبا ع .والول هو الحاجات العضوية كالجو ع والعطش وقضا ء الحاجة ،والثاني الغرائز وهي غريزة التدين ،وغريزة النو ع ،وغريزة البقا ء ،وهذه الغرائز هي الشعور بالعجز ،والشعور ببقا ء النو ع ،والشعور ببقا ء الذات ،ول يوجد غير ذلك .ويما عدا هذه الغرائز الثلث هي يمظاهر للغرائز ،كالخوف والسيادة والملكية يمظاهر لغريزة البقا ء ،والتقديس والعبادة يمظاهر لغريزة التدين ،والبوة والخوة يمظاهر لغريزة النو ع. فاعتبار علم النفس للغرائز اعتبارا خاطئا ،واعتباره الديماغ اعتبارا خاطئا ،أدى إلى خطأ النظريات التي ُبنيت على ألسالسهما ،وبالتالي أدى إلى خطأ علوم التربية التي تأثرت بعلم النفس. وعليه ،فعلم الجتما ع وعلوم التربية وعلم النفس يمعارف ثقافية ،وفيها يما يناقض الفكرة اللسليمية ،وهي في جملتها خطأ، -279-
فبقا ء الكبار لها وتحكيمها يؤدي إلى إيجاد صعوبة تقف في وجه العمل للدولة اللسليمية ،ولذلك يجب أن يبَّين أنها يمعارف ثقافية وليست علويما ،وأنها ظنية وليست حقائا ق قطعية ،وأنها يمبنية على كم اللسلم. كم في الحياة وإمّنما يح َّ ألسس خاطئة؛ ولذلك ل تح َّ -5كون المجتمع في العالم اللسليمي يحيا حياة غير إلسليمية ،ويعيش وفا ق طراز يمن العيش يتناقض يمع اللسلم، وذلك لن جهاز الدولة ،ونظام الحكم الذي يقوم عليه هذا الجهاز والمجتمع ،وقواعد الحياة التي يقوم عليها هذا المجتمع بكل يمقويماتها ،والتجاه النفسي الذي يتجهه المسلمون ،والتكوين العقلي الذي يقوم عليه تفكيرهم ،كل ذلك يقوم على ألساس يمفاهيم عن الحياة تناقض المفاهيم اللسليمية .فما لم تتغير هذه حح هذه المفاهيم المغلوطة ،يكون يمن الصعب اللسس ،وتص َّ تغيير حياة الناس في المجتمع ،ويمن الصعب تغيير جهاز الدولة، وقواعد المجتمع ،والتجاهات النفسية والعقلية التي تتحكم بالمسلمين. ُ -6بعد الشمّقة بين المسلمين والحكم اللسليمي ،ول لسيما في لسيالسة الحكم ولسيالسة المال ،يجعل تصور المسلمين للحياة اللسليمية ضعيفا ،ويجعل تصور غير المؤيمنين باللسلم للحياة اللسليمية تصورا عكسيا ،ل لسيما وقد عاش المسلمون يمدة يسا ء فيها تطبيا ق اللسلم عليهم يمن ِقبل الحكام ،كما عاشوا يمدة ثلث -280-
قرن ُيحكمون يمن ِقبل عدوهم على نظام يناقض اللسلم في كل شي ء ،وفي لسيالسة الحكم ولسيالسة المال بوجه خاص .ولهذا كان ل بد يمن أن يرتفع الناس عن الواقع السيئ الذي يعيشون فيه، وأن يتصوروا الحياة التي يجب أن يحيوها ،والتي يجب أن يغيروا واقعهم ويحمّولوه إليها .وكان ل بد أن يتصوروا أن هذا التحول إلى الحياة اللسليمية ل بد أن يكون تحول م ً كايمل م ً غير يمجزأ ،وأن تطبيا ق اللسلم ل بد أن يكون انقلبيا )أي دفعة واحدة( ل تدريجيا بالتجزئة والترقيع ،حتى يقرب إليهم تصور واقع الحياة يوم كان عمّز اللسلم. -7وجود حكويمات في البلد اللسليمية تقوم على ألساس ديمقراطي ،وتطِّبا ق النظام الرألسمالي كله على الشعب ،وترتبط بالدول الغربية ارتباطا لسيالسيا ،وتقوم على القليمية والتجزئة. وهذا يجعل العمل للستئناف الحياة اللسليمية صعبا ،لنه ل يتأتى ل، ل ،لن اللسلم ل يبيح جعل البلد اللسليمية دو م ً إل مّ إذا كان شايم م ً بل يلزم جعلها دولة واحدة .وهذا يقتضي شمول الدعوة وشمول العمل وشمول التطبيا ق ،وهو يتعرض لمقاويمة هذه الحكويمات للدعوة اللسليمية ولو كان رجالها يمن المسلمين ،ولهذا كان ل بد يمن حمل الدعوة اللسليمية في كل إقليم ،ولو أدى إلى تحمل الصعوبات والمشقات التي تنشأ عن يمعارضة الحكويمات في البلد اللسليمية. -281-
-8وجود رأي عام عن الوطنية والقويمية والشتراكية ،وقيام حركات لسيالسية على اللساس الوطني والقويمي والشتراكي. وذلك أن الستيل ء الغرب على بلد اللسلم ،وتسلمه زيمام الحكم فيها وتطبيقه النظام الرألسمالي عليها ،أثار في النفوس الميل للدفا ع عن النفس ،فنتجت عنها العاطفة الوطنية للدفا ع عن الراضي التي يعيش عليها ،وأثار العصبية العنصرية للدفا ع عن النفس وعن العائلة وعن القوم والعمل لجعل الحكم لهم، فنشأت عن ذلك حركات لسيالسية بالسم الوطنية لطرد العدو يمن البلد ،وبالسم القويمية لجعل الحكم عليها لهلها .ثم تبين للناس فساد النظام الرألسمالي وعدم صلحيته ،وانتشرت بينهم دعاية للشتراكية فقايمت تكتلت بالسم الشتراكية لترقيع الرألسمالية ،ولم يكن لهذه الحركات أي تصور لنظام الحياة إل مّ التصور الرتجالي يمما أبعدهم عن المبدأ وأبعدهم عن اللسلم بوصفه يمبدأ عالميا. كيف تقوم الدولة اللسليمية؟ إن قوة الفكرة اللسليمية يمقرونة بطريقتها كافية لقايمة دولة غرلست هذه الفكرة في إلسليمية ،وللستئناف الحياة اللسليمية ،إذا ُ القلوب ،وتغلغلت في النفوس ،وتجسدت في المسلمين ،فأصبحت إلسليما حيا يعمل في الحياة .إل مّ أنه بالرغم يمن ذلك ،ل بد يمن أن تتم أعمال عظيمة قبل قيام الدولة ،وأن ُتبذل جهود جبارة -282-
للستئناف الحياة اللسليمية .ولذلك ل يكفي يمجرد الرغبة والتفاؤل ليجعل هذه الدولة قائمة ،ول يمجرد الحماس واليمل ليحقا ق الستئناف الحياة اللسليمية .فكان يمن أوجب الواجبات أن ُتقَّدر العوائا ق الضخمة التي تقف في وجه اللسلم حا ق التقدير ،للتمكن يمن إزالتها .وكان يمن ألزم الشيا ء أن ينبه المسلمون إلى ثقل التبعة التي تنتظر يمن ينهضون لهذه الغاية ،وأن ُيلفت نظر المفكرين بوجه خاص إلى المسؤولية الكبرى لكل رأي يعطى في يمثل هذا اليمر الهام ،حتى يكون القول والعمل لسائرا في طريقه السوي بوعي وإرادة وحزم وإقدام. ول بد أن ُيعلم أن السائرين في طريا ق الستئناف الحياة اللسليمية إمّنما ينحتون طريقهم في الصخر الصم ،ولكن يمعاولهم هقة ضخمة كفيلة بتكسير صخوره ،وأنهم يعاِلجون أيمرا دقيقا، يمر ِ حسن يمعالجته ،وأنهم يصطديمون بالحداث ولكن رفقهم كفيل ب ُ الكبار ،ولكنهم لسيتغلبون عليها ،ول يحيدون عن طريقهم ،لنها الطريقة التي لسار عليها رلسول ا صلى ا عليه ولسلم ،ولسلوكها لسلوكا صحيحا يجعل النتائج قطعية ل ريب فيها ،والنصر يمحققا ل شك فيه. وهذه الطريا ق هي التي يجب أن يسلكها المسلمون اليوم لسلوكا دقيقا ،على أن يكون القتدا ء بالرلسول دقيقا ،والسير صحيحا حسب خطواته ،حتى ل يتعثر السائر ،لن كل خطأ في -283-
القياس وكل حيد عن الطريا ق يسبب التعثر بالسير والعقم في العمل .ولهذا لم يكن قيام يمؤتمرات للخلفة طريقا لقيام الدولة اللسليمية ،ول السعي لتحاد دول تحكم شعوبا إلسليمية ولسيلة للدولة اللسليمية ،ول عقد يمؤتمرات للشعوب اللسليمية يمحققا الستئناف حياة إلسليمية .ليس ذلك ويمثله هو الطريا ق ،وإمّنما هو ُألهيات تتنفس فيها عواطف المسلمين فتفُّرغ يمخزون حمالسها عد بعد ذلك عن العمل ،فضل م ً عن أنها تخالف طريا ق اللسلم. وتق ُ بل الطريا ق الوحيد لقايمة الدولة اللسليمية هو حمل الدعوة اللسليمية والعمل للستئناف الحياة اللسليمية ،وذلك يقتضي أن ُتتخذ البلد اللسليمية ِوحدة واحدة ،لن المسلمين أمّيمة واحدة ،إذ هي يمجموعة إنسانية تجمعها عقيدة واحدة ،ينبثا ق عنها نظايمها، ولذلك كان حدوث أي عمل في أي ُقطر إلسليمي يؤثر في باقي القطار ،ويثير فيها المشاعر والفكار ،فكان ل بد أن ُتتخذ كافة البلد اللسليمية بلدا واحدا ،و ُتحمل الدعوة لها جميعها ،حتى تؤمّثر في يمجتمعها .وذلك لن المجتمع الواحد الذي يشكل أمّيمة ،يكون ت تحته نارا لسخن الما ء ثم وصل كالما ء في الِقدر ،فإنك إذا وضع لَ إلى درجة الغليان ،ثم تحمّول هذا الغليان إلى بخار لَيدفع و ُيحِدث الحركة والندفا ع ،وكذلك المجتمع يوضع فيه المبدأ اللسليمي، ف ُتحِدث حرارته فيه لسخونة ،ثم غليانا ،ثم يتحول هذا الغليان إلى يما يدفع المجتمع إلى الحركة والعمل .ولهذا كان ل بد يمن أن -284-
ُتبعث الدعوة إلى العالم اللسليمي ،ليعمل للستئناف الحياة اللسليمية ،وذلك بالكتب والرلسائل والتصالت وكافة ولسائل الدعوة ،ول لسيما التصالت لنها أنجح طرق الدعوة. إل مّ أن بعث الدعوة بهذا الشكل المفتو ح إمّنما هو للوقود في المجتمع ،حتى يتحول هذا الجمود الذي فيه إلى حرارة .ول يمكن أن يتحول إلى غليان ثم إلى حركة إل مّ إذا كانت الدعوة العملية في توجيهها السيالسي يمحصورة العمل في إقليم أو أقاليم يبدأ يمنها العمل ،ثم تنطلا ق يمنها الدعوة إلى باقي أجزا ء العالم اللسليمي، ثم ُيتخذ هذا القليم أو عدة أقاليم نقطة ارتكاز تقوم فيها الدولة اللسليمية ،ويبدأ يمنها النمو في تكوين الدولة اللسليمية الكبرى، التي تحمل رلسالة اللسلم للعالم. وهذا كما فعل صلى ا عليه ولسلم ،فإنه بمّلغ دعوته للناس كافة ،وكانت خطوات التبليغ تسير في الطريا ق العملي .فقد دعا أهل يمكة ودعا العرب جميعا في يمولسم الحج ،فكانت دعوته تنتشر في جميع أنحا ء الجزيرة ،وكأنه كان يوِقد تحت المجتمع في الجزيرة العربية وقودا يبعث الحرارة في كافة العرب ،وكان اللسلم ُيدعى إليه العرب يمن ِقبل الرلسول صلى ا عليه ولسلم بالتصال بهم ودعوتهم في يمولسم الحج ،وفي الذهاب إلى القبائل في يمنازلها ودعوتهم لللسلم .كما أن الدعوة كانت تصل إلى لسائر العرب بالحتكاك الذي كان بين الرلسول وبين قريش -285-
حيث كانت أصدا ء هذا التصادم تمل ألسما ع العرب ،وتثير فيهم حب اللستطل ع والتساؤل .إل مّ أنه يمع إرلسال الدعوة إلى العرب ،كان يمجال الدعوة يمحصورا في يمكة ،ثم ايمتد إلى المدينة حيث تكونت الدولة اللسليمية في الحجاز ،وحينئذ كانت حرارة الدعوة وانتصار الرلسول قد أحدثا في العرب الغليان ثم الحركة فآيمنوا جميعا، حتى شملت دولة اللسلم جميع جزيرة العرب وحملت رلسالته للعالم. ولهذا كان لزايما علينا أن نتخذ حمل الدعوة اللسليمية والعمل للستئناف الحياة اللسليمية طريقة لقايمة الدولة اللسليمية ،وكان لزايما علينا أن نتخذ كافة البلد اللسليمية يمجتمعا واحدا وهدفا للدعوة .إل مّ أنه يجب أن نحصر يمجال العمل في إقليم أو أقاليم نقوم فيها بتثقيف الناس باللسلم حتى يحيا فيهم ويحيوا به ويمن أجله ،ونقوم فيها بإيجاد الوعي العام به والرأي العام له ،حتى ملة الدعوة والمجتمع تجاوبا يمنِتجا فعال م ً ح لَ يحصل التجاوب بين لَ يمؤثرا في تحويل الدعوة إلى تفاعل وإنتاج ،هذا التفاعل حركة كفا ح تستهدف إيجاد الدولة اللسليمية المنبثقة عن المّيمة في هذا القليم أو تلك القاليم .وحينئذ تكون الدعوة قد لسارت يمن فكرة في الذهن إلى وجود في المجتمع ،ويمن حركة شعبية إلى دولة. فتكون قد اجتازت أدوارها فانتقلت يمن نقطة ابتدا ء إلى نقطة ملة عناصر انطلق ،ثم إلى نقطة ارتكاز تتمركز في الدولة المستك ِ -286-
الدولة وقوة الدعوة .وحينئذ يبدأ الدور العملي الذي يوجبه الشر ع على هذه الدولة ويوجبه الشر ع على المسلمين الذين يعيشون في أقاليم ل يشملها لسلطان هذه الدولة. ل، أمّيما واجب هذه الدولة فهو الحكم بما أنزل ا حكما كايم م ً عل توحيد باقي القاليم يمعها أو توحيدها يمع باقي القاليم ثم ج يْ شر في حملة الدعوة والدعاية جز ءا يمن السيالسة الداخلية ،فتبا ِ للستئناف الحياة اللسليمية في كافة القاليم اللسليمية ،ول لسيما القاليم المجاورة لها .ثم ترفع الحدود السيالسية الوهمية التي خططها اللستعمار بينها وجعل حكام البلد التابعين لها حرالسا على هذه الحدود السيالسية .ولذلك كان لزايما على هذه الدولة أن تلغي هذه الحدود حتى ولو لم يلغها القليم المجاور ،فتلغي تأشيرات المرور ،ويمراكز ضرائب )الجمارك( وتفتح أبوابها لسكان القاليم اللسليمية ،وبهذا تجعل جميع الذين يسكنون في القاليم اللسليمية يشعرون بأن هذه الدولة إلسليمية ،ويرون بأنفسهم تطبيا ق اللسلم وتنفيذه. أمّيما واجب المسلمين فهو أن يعملوا لن تصبح دارهم التي ل يطبا ق فيها اللسلم والتي تعتبر دار كفر ،دار إلسلم ،بالعمل على ديمجها في الدولة اللسليمية بالدعوة والدعاية .وبهذا يصبح المجتمع في العالم اللسليمي في كافة أقاليمه في حالة غليان تدفعه إلى الحركة الصحيحة التي بها يتحد المسلمون جميعهم في -287-
جد الدولة اللسليمية الكبرى ،وبهذا تتكون دولة واحدة ،وبذلك تو لَ الدولة اللسليمية التي تمثل قيادة فكرية عالمية ،ويكون لها كنها يمن حمل دعوتها ،ويمن العمل على خطرها ويمركزها الذي يم مّ إنقاذ العالم يمن الشرور. وإذا كانت المّيمة اللسليمية قديما في بلد ل تعدو جزيرة العرب ول يزيد عددها عن بضعة يمليين ويمع ذلك فإنها حين اعتنقت اللسلم وحملت الدعوة ،شكلت قوة عالمية أيمام المعسكريْين اللذين كانا قائمين حينئذ وضربتهما يمعا والستولت على بلدهما ونشرت اللسلم في أكثر أجزا ء المعمورة في ذلك الوقت ،فما بالنا في المّيمة اللسليمية اليوم وهي زها ء أربعمائة يمليون تقع في بلد يمتصلة ببعضها تكمّون بلدا واحدا ،وهي يمن يمراكش إلى الهند واندونيسيا ،وهي تحتل بقعة يمن أحسن بقا ع الرض ثروة ويمركزا وتحمل يمبدأ هو وحده المبدأ الصحيح؟ فإنها ول ريب تشكل جبهة أقوى يمن المعسكريْين الحاليين في كل شي ء. ولهذا كان واجب كل يمسلم أن يعمل يمنذ الن ليجاد الدولة اللسليمية الكبرى التي تحمل رلسالة اللسلم للعالم ،وأن يبدأ عمله هذا بحمل الدعوة اللسليمية والعمل للستئناف حياة إلسليمية في جميع البلد اللسليمية ،حاصرا يمجاله العملي في إقليم أو عدة أقاليم ،لتكون نقطة ارتكاز ،حتى يبدأ العمل الجدي .ويمثل هذه -288-
الغاية العظيمة التي يجب أن يهدف إليها المسلم ،لسالكا هذا الطريا ق العملي الواضح الذي يجب أن ُيسلك ،جدير به أن يتحمل في لسبيلها كل يمشقة ،وأن يبذل لها كل جهد ،وأن يسير يمتوكل م ً على ا ،غير طالب أي جزا ء على ذلك لسوى نوال رضوان ا لسبحانه وتعالى.
-289-
فهرس الكتاب المقديمة نقطة البتدا ء تكتل الصحابة انطلق الدعوة يمقاويمة الدعوة تفاعل الدعوة ديْوران يمن أدوار الدعوة لسع يمجال الدعوة تو ُّ بيعة العقبة الولى الدعوة في المدينة بيعة العقبة الثانية قيام الدولة اللسليمية بنا ء المجتمع تهيئة أجوا ء القتال بد ء القتال الحياة في المدينة جدال اليهود والنصارى غزوة بدر إجل ء بني قينقا ع -290-
القضا ء على الضطرابات الداخلية غزوة الحزاب يمعاهدة الحديبية غزوة خيبر الرلسل إلى الدول المجاورة غزوة يمؤتة فتح يمكة حنيْين غزوة ُ غزوة تبوك لسيطرة الدولة اللسليمية على جزيرة العرب جهاز الدولة اللسليمية يموقف اليهود يمن الدولة اللسليمية الستمرار الدولة اللسليمية السيالسة الداخلية للدولة اللسليمية السيالسة الخارجية للدولة اللسليمية الفتوحات اللسليمية هي لنشر اللسلم تركيز الفتوحات اللسليمية صهر الشعوب وجعلها أمّيمة واحدة عوايمل ضعف الدولة اللسليمية انحلل الدولة اللسليمية -291-
الغزو التبشيري العدا ء الصليبي آثار الغزو التبشيري الغزو السيالسي للعالم اللسليمي القضا ء على الدولة اللسليمية الحيلولة دون قيام الدولة اللسليمية قيام الدولة اللسليمية فرض على المسلمين صعوبات قيام الدولة اللسليمية كيف تقوم الدولة اللسليمية؟
-292-