تقي الدين النبهاني
نظام السلم
1372هـ ___ 1953م
من منشورات حزب التحرير
----------
2
بسم ا الرحمن الرحيم
طريق اليمان ينهض النسان بما عنده من فكر عن الحياة والكون والنسان ،وعن علتقتها جميعها بما تقبل الحياة الدنيا وما بعدها .فكان لبد من تغيير فكر النسان الحاضر تغييرا أساسيا شامل ،وإيجاد فكر آخر له حتى ينهض ،لن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الشياء ،ويركز هذه المفاهيم. والنسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها، فمفاهيم النسان عن شخص يحبه تكيف سلوكه نحوه، على النقيض من سلوكه مع شخص يبغضه وعنده مفاهيم البغض عنه ،وعلى خل ف سلوكه مع شخص ل يعرفه ول يوجد لديه أي مفهوم عنه ،فالسلوك النساني مربوط بمفاهيم النسان ،وعند إرادتنا أن نغير سلوك النسان المنخفض ونجعله سلوكا راتقيا ل بد أن نغير مفهومه أول، إن ا ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. والطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا حتى توجد بواسطته المفاهيم الصحيحة عنها. والفكر عن الحياة الدنيا ل يتركز تركزا منتجا إل بعد أن يوجد الفكر عن الكون والنسان والحياة ،وعما تقبل الحياة الدنيا 3
وعما بعدها ،وعن علتقتها بما تقبلها وما بعدها ،وذلك بإعطاء الفكرة الكلية عما وراء هذا الكون والنسان والحياة.لنها القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الفكار عن الحياة .وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الشياء هو حل العقدة الكبرى عـند النسان .ومتى حلت هذه العقدة حلت باتقي العقد ،لنها جزئية بالنسبة لها ،أو فروع عنها .لكن هذا الحل ل يوصل إلى النهضة الصحيحة إل إذا كان حل صحيحا يوافق فطرة النسان ،ويقنع العقل ،فيمل القلب طمأنينة. ول يمكن أن يوجد هذا الحل الصحيح إل بالفكر المستنير عن الكون والنسان والحياة .لذلك كان على مريدي النهضة والسير في طريق الرتقي أن يحلوا هذه العقدة أول ،حل صحيحا بواسطة الفكر المستنير ،وهذا الحل هو العقيدة، وهو القاعدة الفكرية التي يبنى عليها كل فكر فرعي عن السلوك في الحياة وعن أنظمة الحياة. والسلم تقد عمد إلى هذه العقدة الكبرى فحلها للنسان حل يوافق الفطرة ،ويمل العقل تقناعة ،والقلب طمأنينة، وجعل الدخول فيه متوتقفا على التقرار بهذا الحل إتقرارا صادرا عن العقل ،ولذلك كان السلم مبنيا على أساس واحد هو العقيدة .وهي أن وراء هذا الكون والنسان والحياة خالقا خلقها جميعا ،وخلق كل شيء ،وهو ا 4
تعالى .وأن هذا الخالق أوجد الشياء من عدم ،وهو واجب الوجود ،فهو غير مخلوق ،وإل لما كان خالقا ،واتصافه بكونه خالقا يقضي بكونه غير مخلوق ،ويقضي بأنه واجب الوجود، لن الشياء جميعها تستند في وجودها إليه ول يستند هو إلى شيء. أما أنه ل بد للشياء من خالق يخلقها فذلك أن الشياء التي يدركها العقل هي النسان والحياة والكون ،وهذه الشياء محدودة ،فهي عاجزة وناتقصة ومحتاجة إلى غيرها. فالنسان محدود لنه ينمو في كل شيء إلى حـد ما ل يتجاوزه ،فهو محدود .والحياة محدودة ،لن مظهرها فردى فقط ،والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد ،فهي محدودة .والكون محدود لنه مجموع أجرام وكل جرم منها محدود ،ومجموع المحدودات محدود بداهة ،فالكون محدود. وعلى ذلك فالنسان والحياة والكون محدودة تقطعا .وحين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزليا وإل لما كان محدودا فل بد أن يكون المحدود مخلوتقا لغيره ،وهذا الغير هـو خالق النسان والحياة والكون ،وهو أما أن يكون مخلوتقا لغيره ،أو خالقا لنفسه ،أو أزليا واجب الوجود .أما أنه مخلوق لغيره فباطل ،لنه يكون محدودا ،وأما أنه خالق لنفسه فباطل أيضا ،لنه يكون مخلوتقا لنفسه وخالقا لنفسه في آن واحـد 5
وهذا باطل أيضا ،فلبد أن يكون الخالق أزليا واجب الوجود وهو ا تعالى. على أن كل من كان له عقل ،يدرك من مجرد وجود الشياء التي يقع عليها حسه ،أن لها خالقا خلقها ،لن المشاهد فيها جميعها أنها ناتقصة ،وعاجزة ومحتاجة لغيرها، فهي مخلوتقة تقطعا .ولذلك يكفي أن يلفت النظر إلى أي شيء في الكون والحياة والنسان ليستدل به على وجود الخالق المدبر .فالنظر إلى أي كوكب من الكواكب في الكون ،والتأمل في إي مظهر من مظاهر الحياة ،وإدراك أي ناحية في النسان ،ليدل دللة تقطعية على وجود ا تعالى. ولذلك نجد القرآن الكريم يلفت النظر إلى الشياء ،ويدعو النسان لن ينظر إليها والى مـا حولها وما يتعلق بها، ويستدل بذلك على وجود ا تعالى .إذ ينظر إلى الشياء كيف إنها محتاجة إلى غيرها فيدرك من ذلك وجود ا الخالق المدبر إدراكا تقطعيا .وتقد وردت مئات اليات في هذا المعنى ،تقال تعالى في سورة آل عمران إن في خلق السموات والرض ،واختل ف الليل والنهار ليات لولى اللباب وتقال تعالى في سورة الروم ومن آياته خلق السموات والرض واختل ف ألسنتكم وألوانكم وتقال تعالى في سورة الغاشية أفل ينظرون إلى 6
البل كيف خلقت ،والى السماء كيف رفعت ،والى الجبال كيف نصبت ،والى الرض كيف سطحت وتقال تعالى في سورة الطارق فلينظر النسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب وتقال تعالى في سورة البقرة إن في خلق السموات والرض ،واختل ف الليل والنهار ،والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ،وما أنزل ا من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتها ،وبث فيها من كل دابة ،وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض ،ليات لقوم يعقلون إلى غير ذلك من اليات التي تدعو النسان لن ينظر النظرة العميقة إلى الشياء وما حولها وما يتعلق بها ،ويستدل بذلك على وجود الخالق المدبر ،حتى يكون إيمانه بالله إيمانا راسخا عن عقل وبينة. نعم إن اليمان بالخالق المدبر فطري في كل إنسان .إل أن هذا اليمان الفطري يأتي عن طريق الوجدان .وهو طريق غير مأمون العاتقبة ،وغير موصل إلى تركيز إذا ترك وحده .فالوجدان كثيرا ما يضفي على ما يؤمن به أشياء ل حقائق لها ،ولكن الوجدان تخيلها صفات لزمة لما آمن به، فوتقع في الكفر أو الضلل .وما عبادة الوثان ،وما الخرافات 7
والترهات إل نتيجة لخطأ الوجدان .ولهذا لم يترك السلم الوجدان وحده طريقة لليمان ،حتى ل يجعل لله صفات تتناتقض مع اللوهية ،أو يجعله ممكن التجسد في أشياء مادية ،أو يتصور إمكان التقرب إليه بعبادة أشياء مادية، فيؤدي إما إلى الكفر أو الشراك ،وإما إلى الوهام والخرافات التي يأباها اليمان الصادق .ولذلك حتم السلم استعمال العقل مع الوجدان ،وأوجب على المسلم استعمال عقله حين يؤمن بالله تعالى ،ونهى عن التقليد في العقيدة ولذلك جعل العقل حكما في اليمان بالله تعالى .تقال تعالى :إن في خلق السموات والرض واختل ف الليل والنهار ليات لولي اللباب .ولهذا كان واجبا على كل مسلم أن يجعل إيمانه صادرا عن تفكير وبحث ونظر ،وأن يحكم العقل تحكيما مطلقا في اليمان بالله تعـــالى)) .والدعوة إلى النظر في الكون لستنباط سننه وللهتداء إلى اليمان ببارئه ،يكررها القرآن مئات المرات في سوره المختلفة ،وكلها موجهة إلى تقوى النسان العاتقلة تدعوه إلى التدبر والتأمل ليكون إيمانه عن عقل وبينة وتحذره الخذ بما وجد عليه آباءه من غير نظر فيه وتمحيص له وثقة ذاتية بمبلغه من الحق.هذا هو اليمان الذي دعا السلم إليه ،وهو ليس هذا اليمان الذي يسمونه إيمان 8
العجائز ،إنما هو إيمان المستنير المستيقن الذي نظر ونظر، ثم فكر وفكر ،ثم وصل من طريق النظر والتفكير إلى اليقين بالله جلت تقدرته((. ورغم وجوب استعمال النسان العقل في الوصول إلى اليمان بالله تعالى فانه ل يمكنه إدراك ما هو فوق حسه وفوق عقله ،وذلك لن العقل النساني محدود ،ومحدودة تقوته مهما سمت ونمت بحدود ل تتعداها ،ولذلك كان محدود الدراك ومن هنا كان لبد أن يقصر العقل دون إدراك ذات ا ،وأن يعجز عن إدراك حقيقته ،لن ا وراء الكون والنسان والحياة ،والعقل في النسان ل يدرك حقيقة ما وراء النسان ،ولذلك كان عاجزا عن إدراك ذات ا .ول يقال هنا :كيف آمن النسان بالله عقل م ً مع أن عقله عاجز عن إدراك ذات ا ؟ لن اليمان إنما هو إيمان بوجود ا ووجوده مدرك من وجود مخلوتقاته ،وهي الكون والنسان والحياة .وهذه المخلوتقات داخلة في حدود ما يدركه العقل، فأدركها ،وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها ،وهو ا تعالى .ولذلك كان اليمان بوجود ا عقليا وفي حدود العقل ،بخل ف إدراك ذات ا فانه مستحيل ،لن ذاته وراء الكون والنسان والحياة ،فهو وراء العقل .والعقل ل يمكن أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الدراك .وهذا 9
القصور نفسه يجب أن يكون مـن مقويات اليمان ،وليس من عوامل الرتياب والشك فانه لما كان إيماننا بالله آتيا عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكا تاما ،ولما كان شعورنا بوجوده تعالى مقرونا بالعقل كان شعورنا بوجوده شعورا يقينيا ،وهذا كله يجعل عندنا إدراكا تاما وشعورا يقينيا بجميع صفات اللوهية .وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة ذات ا على شدة إيماننا به ،وإننا يجب أن نسلم بما أخبرنا به مما تقصر العقل عن إدراكه أو الوصول إلى إدراكه ،وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل العقل النساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما فوتقه .إذ يحتاج هذا الدراك إلى مقاييس ليست نسبية وليست محـدودة ،وهي مما ل يملكه النسان ول يستطيع أن يملكه. وأما ثبوت الحاجة إلى الرسل ،فهو انه ثبت أن النسان مخلوق لله تعالى ،وأن التدين فطري في النسان ،لنه غريزة من غرائزه ،فهو في فطرته يقدس خالقه ،وهذا التقديس هو العبادة ،وهي العلتقة بين النسان والخالق وهذه العلتقة إذا تركت دون نظام يؤدي تركها إلى اضطرابها والى عبادة غير الخالق ،فل بد من تنظيم هذه العلتقة بنظام صحيح ،وهذا النظام ل يأتي من النسان لنه ل يتأتى 10
له إدراك حقيقة الخالق حتى يضع نظاما بينه وبينه ،فل بد أن يكون هذا النظام من الخالق .وبما أنه ل بد أن يبلغ الخالق هذا النظام للنسان .لذلك كان لبد من الرسل يبلغون الناس دين ا تعالى. والدليل أيضا على حاجة الناس إلى الرسل هو أن إشباع النسان لغرائزه وحاجاته العضوية أمر حتمي ،وهذا الشباع إذا سار دون نظام يؤدي إلى الشباع الخطأ أو الشاذ ويسبب شقاء النسان ،فل بد من نظام ينظم غرائز النسان وحاجاته العضوية ،وهذا النظام ل يأتي من النسان ،لن فهمه لتنظيم غرائز النسان وحاجاته العضوية عرضة للتفاوت والختل ف والتناتقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، فإذا ُترك ذلك له كان النظام عرضة للتفاوت والختل ف والتناتقض وأدى إلى شقاء النسان ،فل بد أن يكون النظام من ا تعالى. وأما ثبوت كون القرآن من عند ا ،فهو أن القرآن كتاب عربي جاء به محمد عليه الصلة والسلم .فهو إما أن يكون من العرب وإما أن يكون من محمد ،وإما أن يكون من ا تعـالى .ول يمكن أن يكون من غير واحد من هؤلء الثلثة، لنه عربي اللغة والسلوب.
11
أما انه من العرب فباطل لنه تحداهم أن يأتوا بمثله تقل فأتوا بعشر سور مثله تقل فأتوا بسورة مثله وتقد حاولوا أن يأتوا بمثله وعجزوا عن ذلك .فهو إذن ليس من كلمهم ،لعجزهم عن التيان بمثله مع تحديه لهم ومحاولتهم التيان بمثله .وأما أنه من محمد فباطل ،لن محمدا عربي من العرب ،ومهما سما العبقري فهو من البشر وواحد من مجتمعه وأمته ،وما دام العرب لم يأتوا بمثله فيصدق على محمد العربي أنه ل يأتي بمثله فهو ليس منه ،علوة أن لمحمد عليه الصلة والسلم أحاديث صحيحة وأخرى رويت عن طريق التواتر الذي يستحيل معه إل الصدق ،وإذا تقورن أي حديث بأي آية ل يوجد بينهما تشابه في السلوب وكان يتلو الية المنزلة ويقول الحديث في وتقت واحد ،وبينهما اختل ف في السلوب ،وكلم الرجل مهما حاول أن ينوعه فانه يتشابه في السلوب لنه جزء منه .وبما أنه ل يوجد أي تشابه بين الحديث والية في السلوب فل يكون القرآن كلم محمد مطلقا ،للختل ف الواضح الصريح بينه وبين كلم محمد .على أن العرب وهم أعلم الناس بأساليب الكلم العربي لم يدع أحد منهم أنه كلم محمد أو أنه يشبه كلمه، وكل ما أدعوه أنه يأتي به من غلم نصراني اسمه )جبر( ولذلك رد عليهم ا تعالى فقال ولقد نعلم أنهم 12
يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين. وبما أنه ثبت أن القرآن ليس كلم العرب ،ول كلم محمد، فيكون كلم ا تقطعا ،ويكون معجزة لمن أتى به. وبما أن محمدا هو الذي أتى بالقرآن ،وهو كلم ا وشريعته ،ول يأتي بشريعة ا إل النبياء والرسل ،فيكون محمد نبيا ورسول تقطعا بالدليل العقلي. هذا دليل عقلي على اليمان بالله وبرسالة محمد وبأن القرآن كلم ا. وعلى ذلك كان اليمان بالله آتيا عن طريق العقل ،ول بد أن يكون هذا اليمان عن طريق العقل .فكان بذلك الركيزة التي يقوم عليها اليمان بالمغيبات كلها وبكل ما أخبرنا ا به .لننا ما دمنا تقد آمنا به تعالى وهو يتصف بصفات اللوهية يجب حتما أن نؤمن بكل ما أخبر به سواء أدركه العقل أو كان من وراء العقل ،لنه أخبرنا به ا تعالى .ومن هنا يجب اليمان بالبعث والنشور والجنة والنار والحساب والعذاب ،وبالملئكة والجن والشياطين وغير ذلك ،مما جاء بالقرآن الكريم أو بحديث تقطعي .وهذا اليمان وان كان عن طريق النقل والسمع لكنه في أصله إيمان عقلي ،لن أصله ثبت بالعقل .ولذلك كان ل بد أن تكون العقيدة للمسلم 13
مستندة إلى العقل أو إلى ما ثبت أصله عن طريق العقل. فالمسلم يجب أن يعتقد ما ثبت له عن طريق العقل أو طريق السمع اليقيني المقطوع به ،أي ما ثبت بالقرآن الكريم والحديث القطعي وهو المتـواتر ،وما لم يثبت عن هاتين الطريقتين :العقل ونص الكتاب والسنة القطعية، يحرم عليه أن يعتقده ،لن العقائد ل تؤخذ إل عن يقين. وعلى ذلك وجب اليمان بما تقبل الحياة الدنيا وهو ا تعالى ،وبما بعدها وهو يوم القيامة .وبما أن أوامر ا هي صلة ما تقبل الحياة بالحياة بالضافة إلى صلة الخلق ،وأن المحاسبة عما عمل النسان في الحياة صلة ما بعد الحياة بالحياة بالضافة إلى صلة البعث والنشور ،فانه ل بد أن تكون لهذه الحياة صلة بما تقبلها وما بعدها ،وأن تكون أحوال النسان فيها مقيدة بهذه الصلة ،فالنسان إذن يجب أن يكون سائرا في الحياة وفق أنظمة ا ،وأن يعتقد أنه يحاسبه يوم القيامة على أعماله في الحياة الدنيا. وبهذا يكون تقد وجد الفكر المستنير عما وراء الكون والحياة والنسان ،ووجد الفكر المستنير أيضا عما تقبل الحياة وعما بعدها ،وأن لها صلم ًة بما تقبلها وما بعدها .وبهذا تكون العقدة الكبرى تقد حلت جميعها بالعقيدة السلمية.
14
ومتى انتهى النسان من هذا الحل أمكنه أن ينتقل إلى الفكر عن الحياة الدنيا ،والى إيجاد المفاهيم الصادتقة المنتجة عنها .وكان هذا الحل نفسه هو الساس الذي يقوم عليه المبدأ الذي يتخذ طريقة للنهوض ،وهو الساس الذي تقوم عليه حضارة هذا المبدأ ،وهو الساس الذي تنبثق عنه أنظمته ،وهو الساس الذي تقوم عليه دولته .ومن هنا كان الساس الذي يقوم عليه السلم -فكرة و طريقة – هو العقيدة السلمية. يا أيها الذين آ َمنوا آ ِمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من تقبل ومن يكفر بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فقد ضل ضل ل م ً بعيدا. أما وتقد ثبت هذا وكان اليمان به أمرا محتوما كان لزاما أن يؤمن كل مسلم بالشريعة السلمية كلها ،لنها جاءت في القرآن الكريم ،وجاء بها الرسول صلى ا عليه وسلم وإل كان كافرا ولذلك كان إنكار الحكام الشرعية بجملتها ،أو القطعية منها بتفصيلها ،كفرا ،سواء أكانت هذه الحكام متصلة بالعبادات أو المعاملت أو العقوبات أو المطعومات، فالكفر بآية وأتقيموا الصلة كالكفر بآية وأحل ا البيع وحرم الربا وكالكفر بـآية والسارق والسارتقة 15
فاتقطعوا أيديهما وكالكفر بآية حرمت عليكم الميتة والـدم ولحم الخنزير وما أهل لغير ا به الية .ول يتوتقف اليمان بالشريعة على العقل ،بل ل بد من التسليم المطلق بكل ما جاء من عند ا تعالى فل وربك ل يؤمنـون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ،ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما تقضيت ويسلموا تسليما.
16
القضاء والقدر تقال تعالى في سورة آل عمران وما كان لنفس أن تموت إل بإذن ا كتابا مؤج ل م ً وتقال في سورة العرا ف ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساع م ًة ول يستقدمون وتقال في سورة الحديد ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من تقبل أن نبرأها إن ذلك على ا يسير وتقال في سورة التوبة تقل لن يصيبنا إل ما كتب ا لنا هو مولنا وعلى ا فليتوكل المؤمنون وتقال في سورة سبأ ل يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ول في الرض ول أصغر من ذلك ول أكبر إل في كتاب مبين وتقال في سورة النعام وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون وتقال في سورة النساء وان تصبهم حسن م ًة يقولوا هذه من عند ا ،وان تصبهم سيئ م ًة يقولوا هذه من عندك .تقل كل من عند ا فما لهؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثا .
17
هذه اليات وما شاكلها من اليات يستشهد بها الكثيرون على مسألة القضاء والقدر استشهادا يفهم منه أن النسان يجبر على القيام بما يقوم به من أعمال ،وأن العمال إنما يقوم بها ملزما بإرادة ا ومشيئته ،وأن ا هو الذي خلق النسان ،وخلق عمله ويحاولون تأييد تقولهم بقوله تعالى وا خلقكم وما تعملون كما يستشهدون بأحاديث أخرى كقوله صلى ا عليه وسلم " نفث روح القدس في روعي ،لن تموت نفس حتى تستوفي رزتقها وأجلها وما تقدر لها ". لقد أخذت مسألة القضاء والقدر دورا هاما في المذاهب السلمية .وكان لهل السنة فيها رأي يتلخص في أن النسان له كسب اختياري في أفعاله فهو يحاسب على هذا الكسب الختياري .وللمعتزلة رأي يتلخص في أن النسان هو الذي يخلق أفعاله بنفسه ،فهو يحاسب عليها لنه هو الذي أوجدها ،وللجبرية فيها رأي يتلخص في أن ا تعالى هو الذي يخلق العبد ويخلق أفعاله ،ولذلك كان العبد مجبرا على فعله وليس مخيرا وهو كالريشة في الفضاء تحركها الرياح حيث تشاء. والمدتقق في مسألة القضاء والقدر يجد أن دتقة البحث فيها توجب معرفة الساس الذي ينبني عليه البحث ،وهذا 18
الساس ليس هو فعل العبد من كونه هو الذي يخلقه أم ا تعالى .وليس هو علم ا تعالى من كونه يعلم أن العبد سيفعل كذا ويحيط علمه به ،وليس هو إرادة ا تعالى من أن إرادته تعلقت بفعل العبد فهو لبد موجود بهذه الرادة، وليس هو كون هذا الفعل للعبد مكتوبا في اللوح المحفوظ فل بد أن يقوم به وفق ما هو مكتوب. نعم ليس الساس الذي يبنى عليه البحث هو هذه الشياء مطلقا ،لنه ل علتقة لها في الموضوع من حيث الثواب والعقاب .بل علتقتها من حيث اليجاد والعلم المحيط بكل شيء والرادة التي تتعلق بجميع الممكنات واحتواء اللوح المحفوظ على كل شيء .وهذه العلتقة موضوع آخر منفصل عن موضوع الثابة على الفعل والعقاب عليه أي: هل النسان مـلزم على القيام بالفعل خيرا أم شرا ،أو مخير فيه ؟ وهل له اختيار القيام بالفعل أو تركه أو ليس له الختيار ؟ والمدتقق في الفعال يرى أن النسان يعيش في دائرتين إحداهما يسيطر عليها وهي الدائرة التي تقع في نطاق تصرفاته وضمن نطاتقها تحصل أفعاله التي يقوم بها بمحض اختياره ،والخرى تسيطر عليه وهي الدائرة التي
19
يقع هو في نطاتقها وتقع ضمن هذه الدائرة الفعال التي ل دخل له بها سواء أوتقعت منه أو عليه. فالفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه ل دخل له بها ول شأن له بوجودها ،وهي تقسمان :تقسم يقتضيه نظام الوجود ،وتقسم تقع فيها الفعال التي ليست في مقدوره والتي ل تقبل له بدفعها ول يقتضيها نظام الوجود. أما ما تقتضيه أنظمة الوجود فهو يخضعه لها ولذلك يسير بحسبها سيرا جبريا لنه يسير مع الكون ومع الحياة طبق نظام مخصوص ل يتخلف .ولذلك تقع العمال في هذه الدائرة على غير إرادة منه وهو فيها مسير وليس بمخير .فقد أتى إلى هذه الدنيا على غير إرادته وسيذهب عنها على غير إرادته ،ول يستطيع أن يطير بجسمه فقـط في الهواء ،ول أن يمشي بوضعه الطبيعي على الماء ،ول يمكن أن يخلق لنفسه لـون عينيه .ولم يوجد شكل رأسه ،ول حجم جسمه، وإنما الذي أوجد ذلك كله هو ا تعالى دون أن يكون للعبد المخلوق أي أثر ول أية علتقة في ذلك ،لن ا هو الذي خلق نظام الوجود ،وجعله منظما للوجود .وجعل الوجود يسير حسبه ول يملك التخلف عنه. وأما الفعال التي ليست في مقدوره والتي ل تقبل له بدفعها ول يقتضيها نظام الوجود فهي الفعال التي تحصل 20
من النسان أو عليه جبرا عنه ول يملك دفعها مطلقا ،كما لو سقط شخص عن ظهر حائط على شخص آخر فقتله ،وكما لو أطلق شخص النار على طير فأصابت إنسانا لم يكن يعلمه فقتله ،وكما لو تدهور تقطار أو سيارة أو سقطت طائرة لخلل طارئ لم يكن بالمكان تلفيه فتسبب عن هذا التدهور والسقوط تقتل الركاب ،وما شاكل ذلك فان هذه الفعال التي حصلت من النسان أو عليه وان كانت ليست مما يقتضيه نظام الوجود ولكنها وتقعت من النسان أو عليه على غير إرادة منه وهي ليست في مقدوره فهي داخلة في الدائرة التي تسيطر عليه ،فهذه الفعال كلها التي حصلت في الدائرة التي تسيطر على النسان هي التي تسمى تقضاء، لن ا وحده هو الذي تقضاه .ولذلك ل يحاسب العبد على هذه الفعال مهما كان فيها من نفع أو ضر أو حب أو كراهية بالنسبة للنسان ،أي مهما كان فيها من خير وشر حسب تفسير النسان لها ،وان كان ا وحده هو الذي يعلم الشر والخير في هذه الفعال ،لن النسان ل أثر له بها .ول يعلم عنها ول عن كيفية إيجادها ،ول يملك دفعها أو جلبها مطلقا، وعلى النسان أن يؤمن بهذا القضاء وأنه من ا سبحانه تعالى.
21
أما القدر فهو أن الفعال التي تحصل سواء أكانت في الدائرة التي تسيطر على النسان أو الدائرة التي يسيطر عليها تقع من أشياء وعلى أشياء من مادة الكون والنسان والحياة ،وتقد خلق ا لهذه الشياء خواص معينه ،فخلق في النار خاصية الحراق ،وفي الخشب خاصية الحتراق، وفي السكين خاصية القطع ،وجعلها لزمة حسب نظام الوجود ل تتخلف .وحين يظهر أنها تخلفت يكون ا تقد سلبها تلك الخاصية وكان ذلك أمرا خارتقا للعادة .وهـو يحصل للنبياء ويكون معجزة لهم ،وكما خلق في الشياء خاصيات كذلك خلق في النسان الغرائز والحاجات العضوية وجعل فيها خاصيات معينة كخواص الشياء فخلق في غريزة النوع خاصية الميل الجنسي ،وفي الحاجات العضوية خاصيات كالجوع والعطش ونحوهما ،وجعلها لزمة لها حسب سنة الوجود .فهذه الخاصيات المعينة التي أوجدها ا سبحانه وتعالى في الشياء وفي الغرائز والحاجات العضوية التي في النسان هي التي تسمى القدر ،لن ا وحده هو الذي خلق الشياء والغرائز والحاجات العضوية وتقدر فيها خواصها .وهي ليست منها ول شأن للعبد فيها ول أثر له مطلقا .وعلى النسان أن يؤمن بأن الذي تقدر في هذه الشياء الخاصيات هو ا سبحانه وتعالى .وهذه الخاصيات 22
فيها تقابلية لن يعمل النسان بواسطتها عمل م ً وفق أوامر ا فيكون خيرا أو يخالف أوامر ا فيكون شرا ،سواء في استعمال الشياء بخواصها أو باستجابته للغرائز والحاجات العضوية خيرا إن كانت حسب أوامر ا ونواهيه ،وشرا إن كانت مخالفم ًة لوامر ا ونواهيه. ومن هنا كانت الفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على النسان من ا خيرا أو شرا ،وكانت الخاصيات التي وجدت في الشياء والغرائز والحاجات العضوية من ا سواء أنتجت خيرا أو شرا ،ومن هنا كان لزاما على المسلم أن يؤمن بالقضاء خيره وشره من ا تعالى ،أي أن يعتقد أن الفعال الخارجة عن نطاتقه هي من ا تعالى ،وأن يؤمن بالقدر خيره وشره من ا تعالى ،أي يعتقد بأن خواص الشياء الموجودة في طبائعها هي من ا تعالى. سواء ما أنتج منها خيرا أم شرا ،وليس للنسان المخلوق فيها أي أثر ،فأجل النسان ورزتقه ونفسه كل ذلك من ا ،كما أن الميل الجنسي والميل للتملك الموجود في غريزتي النوع والبقاء ،والجوع والعطش الموجود في الحاجات العضوية كلها من ا تعالى. هذا بالنسبة للفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على النسان وفي خواص جميع الشـياء .أما الدائرة التي 23
يسيطر عليها النسان فهي الدائرة التي يسير فيها مختارا ضمن النظام الذي يختاره سواء شريعة ا أو غيرها ،وهذه الدائرة هي التي تقع فيها العمال التي تصدر من النسان أو عليه بإرادته ،فهو يمشى ويأكل ويشرب ويسافر في أي وتقت يشاء ،ويمتنع عن ذلك في أي وتقت يشاء وهو يحرق بالنار ويقطع بالسكين كما يشاء ،وهو يشبع جوعة النوع ،أو جوعة الملك ،أو جوعة المعدة كما يشاء ،يفعل مختارا .ويمتنع عن الفعل مختارا ،ولذلك يسأل عن الفعال التي يقوم بها ضمن هذه الدائرة. وأنه وان كانت خاصيات الشياء ،وخاصيات الغرائز، والحاجات العضوية ،التي تقدرها ا فيها وجعلها لزمُة لها هي التي كان لها الثر في نتيجة الفعل ،لكن هذه الخاصيات ل ،بل النسان حين يستعملها هو الذي ل تحدث هي عم م ً يحدث العمل بها ،فالميل الجنسي الموجود في غريزة النوع فيه تقابلية للخير والشر ،والجوع الموجود في الحاجة العضوية فيه تقابلية للخير والشر ،لكن الذي يفعل الخير والشر ،هو النسان وليست الغريزة أو الحاجات العضوية، وذلك أن ا سبحانه وتعالى خلق للنسان العقل الذي يميز ،وجعل في طبيعة العقل هذا الدراك والتمييز ،وهدى النسان لطريق الخير والشر وهديناه النجدين ،وجعل 24
فيها إدراك الفجور والتـقوى فألهمها فجورها وتقواها .فالنسان حين يستجيب لغرائزه وحاجاته العضوية وفق أوامر ا ونواهيه يكون تقـد فعل الخير وسار في طريق التقوى ،وحين يستجيب للغرائز والحاجات العضوية وهو ض عن أوامر ا ونواهيه يكون تقد فعل الشر وسار معر ٌ في طريق الفجور ،فكان في كل ذلك هو الذي يقع منه الخير والشر ،وعليه يقع الخير والشر ،وكان هو الذي يستجيب للجوعات وفق أوامر ا ونواهيه فيفعل الخير، ويستجيب لها مخالفا أوامر ا ونواهيه فيفعل الشر .وعلى هذا الساس يحاسب على هذه الفعال التي تقع في الدائرة التي يسيطر عليها فيثاب ويعاتقب عليها ،لنه تقام بها مختارا دون أن يكون عليه أي إجبار .على أن الغرائز والحاجات العضوية وان كانت خاصيتها هي من ا ،وتقابليتها للشر والخير هي من ا ،لكن ا لم يجعل هذه الخاصية على وجه ملزم للقيام بها ،سواء فيما يرضى ا أو يسخطه، أي سواء في الشر أو الخير ،كما أن خاصية الحراق لم تكن على وجه يجعلها ملزمم ًة في الحراق ،سواء في الحراق الذي يرضي ا أو الذي يسخطه ،أي الخـير والشر ،وإنما جعلت هذه الخاصيات فيها تؤديها إذا تقام بها فاعل على الوجه المطلوب .وا حين خلق النسان وخلق له هذه 25
الغرائز والحاجات وخلق له العقل المميز أعطاه الختيار بأن يقوم بالفعل أو يتركه ولم يلزمه بالقيام بالفعل أو الترك. ولم يجعل في خاصيات الشياء والغرائز والحاجات العضوية ما يلزمه على القيام بالفعل أو الترك ،ولذلك كان النسان مختارا في التقدام على الفعل والتقلع عنه ،بما وهبه ا من العقل المميز ،وجعله مناط التكليف الشرعي ،ولهذا جعل له الثواب على فعل الخير ،لن عقله اختار القيام بأوامر ا واجتناب نواهيه ،وجعل له العقاب على فعل الشر ،لن عقله اختار مخالفة أوامر ا وعمل ما نهي عنه باستجابته للغرائز والحاجات العضوية على غير الوجه الذي ل ،لنه أمر به ا .وكان جزاؤه على هذا الفعل حقا وعد م ً مختار للقيام به ،وليس مجبرا عليه .ول شأن للقضاء والقدر فيه .بل المسألة هي تقيام العبد نفسه بفعله مختارا .وعلى ذلك كان مسؤول م ً عما كسبه كل نفس بما كسبت رهينة . أما علم ا تعالى فانه ل يجبر العبد على القيام بالعمل لن ا علم أنه سيقوم بالعمل مختارا ،ولم يكن تقيامه بالعمل بناء على العلم ،بل كان العلم الزلي أنه سيقوم بالعمل .وليست الكتابة في اللوح المحفوظ إل تعبيرا عن إحاطة علم ا بكل شيء. 26
وأما إرادة ا تعالى فإنها كذلك ل تجبر العبد على العمل ،بل هي آتية من حيث أنه ل يقع في ملكه إل ما يريد: أي ل يقع شيء في الوجود جبرا عنه .فإذا عمل العبد عمل م ً ولم يمنعه ا منه ولم يرغمه عليه ،بل تركه يفعل مختارا، كان فعله هذا بإرادة ا تعالى ل جبرا عنـه ،وكان فعل العبد نفسه باختياره ،وكانت الرادة غير مجبرة على العمل. هذه هي مسألة القضاء والقدر ،وهي تحمل النسان على فعل الخير واجتناب الشر حين يعلم أن ا مراتقبه ومحاسبه ،وأنه جعل له اختيار الفعل والترك ،وأنه إن لم يحسن استعمال اختيار الفعال ،كان الويل له والعذاب الشديد عليه ،ولذلك نجد المؤمن الصادق المدرك لحقيقة القضاء والقدر ،العار ف حقيقة ما وهبه ا من نعمة العقل والختيار ،نجده شديد المراتقبة لله ،شديد الخو ف من ا، يعمل للقيام بالوامر اللهية ولجتناب النواهي ،خوفا من عذاب ا وطمعا في جنته وحبا في اكتساب ما هو أكبر من ذلك أل وهو رضوان ا سبحانه وتعالى.
27
القيادة الفكرية في السلم تنشأ بين الناس كلما انحط الفكر رابطة الوطن ،وذلك بحكم عيشهم في أرض واحدة والتصاتقهم بها ،فتأخذهم غريزة البقاء بالدفاع عن النفس ،وتحملهم على الدفاع عن البلد الذي يعيشون فيه ،والرض التي يعيشون عليها ،ومن ة وأكثرها هنا تأتي الرابطة الوطنية ،وهي أتقل الروابط تقو م ً انخفاضا ،وهي موجودة في الحيوان والطير كما هي موجودة فـي النسان ،وتأخذ دائما المظهر العاطفي .وهي تلزم في حالة اعتداء أجنبي على الوطن بمهاجمته أو الستيلء عليه ،ول شأن لها في حالة سلمة الوطن من العتداء وإذا رد الجنبي عن الوطن أو أخرج منه انتهى عملها ،ولذلك كانت رابطم ًة منخفضم ًة. وحين يكون الفكر ضيقا تنشأ بين الناس رابطة تقومية، وهي الرابطة العائلية ولكن بشكل أوسع ،وذلك أن النسان تتأصل فيه غريزة البقاء فيوجد عنده حب السيادة ،وهي في النسان المنخفض فكريا فردية ،وإذا نما وعيه يتسع حب السيادة لديه ،فيري سيادة عائلته وأسرته ،ثم يتسع باتساع الفق ونمو الدراك فيرى سيادة تقومه في وطنه أول م ً ثم يرى عند تحقق سيادة تقومه في وطنه سيادتهم على 28
غيرهم ،ولذلك تنشأ عن هذه الناحية مخاصمات محلية بين الفراد في السرة على سيادتها ،حتى إذا استقرت السيادة في هذه السرة لحدها بانتصاره على غيره انتقلت إلى مخاصمات بين هذه السرة وبين غيرها من السر على السيادة ،حتى تستقر السيادة على القوم لسرة أو لمجموعة من الناس من أسر مختلفة ،ثم تنشأ المخاصمات بين هؤلء القوم وغيرهم على السيادة والرتفاع في معترك الحياة. ولذلك تغلب العصبية على أصحاب هذه الرابطة ،ويغلب عليهم الهوى ونصرة بعضهم على غيرهم .ولذلك كانت رابطة غير إنسانية ،وتظل هذه الرابطة عرضة للمخاصمات الداخلية إن لم تشغل عنها بالمخاصمات الخارجية. وعلى ذلك فالرابطة الوطنية رابطة فاسدة لثلثة أسباب: أول م ً -لنها رابطة منخفضة ل تنفع لن تربط النسان بالنسان حين يسير في طريق النـهـوض .وثانيا – لنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء بالدفاع عن النفس والرابطة العاطفية عرضم ًة للتغيير والتبديل ،فـل تصلح للربط الدائمي بين النسان والنسان .وثالثا – لنها رابطة مؤتقتة توجد في حالة الدفاع ،أمـا في حالة الستقرار – وهي الحالة الصلية للنسان – فل وجود لها ولذلك ل تصلح لن تكون رابطم ًة بين بني النسان. 29
وكذلك الرابطة القومية فاسدة لثلث أسباب :أول م ً – لنها رابطة تقبليم ًة ول تصلح لن تربط النسان بالنسان حين يسير في طريق النهوض .وثانيا – لنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء ،فيوجد منها حب السيادة .وثالثا – لنها رابطة غير إنسانية ،إذ تسبب الخصومات بين الناس على السيادة. ولذلك ل تصلح لن تكون رابطة بين بني النسان. ومن الروابط الفاسدة التي تقد يتوهم وجودهـا رابطة بين الناس الرابطة المصلحية ،والرابطة الروحية التي ليس لها نظام ينبثق عنها .أما الرابطة المصلحية فهي رابطة مؤتقتة ول تصلح لن تربط بني النسان ،لنها عرضم ًة للمساومة على مصالح اكبر منها ،فتفقد وجودها في حالة ترجيح المصلحة. ولنها إذا تباينت المصلحة تنتهي ،وتفصل الناس عن بعضهم ولنها تنتهي حين تتم هذه المصالح ولذلك كانت رابطة خطرة على أهلها. وأما الرابطة الروحية بل نظام ينبثق عنها ،فإنها تظهر في حالة التدين ،ول تظهر في معترك الحياة .ولذلك كانت رابطم ًة جزئيم ًة غير عملية ،ول تصلح لن تكون رابطة بين الناس في شؤون الحياة ومن هنا لم تصلح العقيدة النصرانية لن تكون رابطة بين الشعوب الوربية مع أنها كلها تعتنقها ،لنها رابطة روحية ل نظام لها. 30
ولذلك ل تصلح جميع الروابط السابقة لن تربط النسان بالنسان في الحياة حين يسير في طريق النهوض .والرابطة الصحيحة لربط بني النسان في الحياة هي رابطة العقيدة العقلية التي ينبثق عنها نظام .وهذه هي الرابطة المبدئية. والمبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام .أما العقيدة فهي فكرة كلية عن الكون والنسان والحيـاة ،وعما تقبل هذه الحياة الدنيا ،وعما بعدها وعن علتقتها بما تقبلها وما بعدها. وأما النظام المنبثق عن هـذه العقيدة فهو معالجات لمشاكل النسان ،وبيان لكيفية تنفيذ المعالجات ،والمحافظة على العقيدة ،وحمل المبدأ .فكان بيان الكيفية للتنفيذ وللمحـافظة ولحـمل الدعـوة :طريقة ،وما عدا ذلك وهو العقيدة والمعالجات :فكرة ،ومن هنا كان المبدأ فكرة وطريقة. والمبدأ ل بد أن ينشأ في ذهن شخص ،إما بوحي ا له به وأمره بتبليغه .وإما بعبقرية تشرق في ذلك الشخص .أما المبدأ الذي ينشأ في ذهن إنسان بوحي ا له به فهو المبدأ الصحيح ،لنه من خالق الكون والنسان والحياة ،وهو ا. فهو مبدأ تقطعي .وأما المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص بعبقرية تشرق فيه فهو مبدأ باطل ،لنه ناشئ عن عقل محدود يعجز عن الحاطة بالوجود ،ولن فهم النسان 31
للتنظيم عرضم ًة للتفاوت والختل ف والتناتقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها مما ينتج النظام المتناتقض المؤدي إلى شقاء النسان .لذلك كان المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص باطل م ً في عقيدته و في نظامه الذي ينبثق عنها. وعلى ذلك كان الساس في المبدأ هو الفكرة الكلية عن الكون والنسان والحياة ،وكانت الطريقة التي تجعل المبدأ موجودا منفذا في معترك الحياة أمرا لزما لهذه الفكرة حتى يوجد المبدأ .أما كون الفكرة الكلية أساسا فإنها هي العقيدة ،وهي القاعدة الفكرية ،وهي القيادة الفكرية، وعلى أساسها يتعين اتجاه النسان الفكري ووجهة نظره في الحياة ،وعليها تبنى جميع الفكار ،وعنها تنبثق جميع معالجات مشاكل الحياة ،وأما كون الطريقة أمرا لزما ،فان النظام الذي ينبثق عن العقيدة إذا لم يتضمن بيان كيفية التنفيذ للمعالجات ،وبيان كيفية المحافظة على العقيدة، وبيان كيفية حمل الدعوة للمبدأ ،كانت الفكرة فلسفة خيالية فرضية تبقى في بطون الكتب مسجلة دون أن يكون لها أثر في الحياة الدنيا .ولذلك كان ل بد من العقيدة ،ول بد من معالجات المشاكل ،ول بد من الطريقة ،حتى يكون المبدأ. على أن مجرد وجود الفكرة والطريقة في العقيدة التي ينبثق عنها نظام ل يدل على أن المبدأ صحيح ،بل يدل فقط 32
على أن هذا يكون مبدأ ،ول يدل على غير ذلك .والذي يدل على صحة المبدأ أو بطلنه هو عقيدة المبدأ من حيث كونها صحيحة أو باطلة ،لن هذه العقيدة هي القاعدة الفكرية التي ينبني عليها كـل فكر ،والتي تعين كل وجهة نظر ،والتي تنبثق عنها كل معالجة ،وكل طريقة .فإذا كانت هذه القاعدة الفكرية صحيحة كان المبدأ صحيحا ،وإذا كانت باطلة كان المبدأ باطل م ً من أسـاسه. والقاعدة الفكرية إذا اتـفقت مع فطرة النسان ،وكانت مبنية على العقل ،فهي تقاعدة صحيحة ،وإذا خالفت فطرة النسان ،أو لم تكن مبنية على العقل ،فهي تقاعدة باطلة. ومعنى اتفاق القاعدة الفكرية مع فطرة النسان كونها تقرر ما في فطرة النسان من عجز واحتياج إلى الخالق المدبر، وبعبارة أخرى ،توافق غريزة التدين .ومعنى كونها مبنية على العقل أن ل تكون مبنية على المادة ،أو على الحل الوسط. وإذا استعرضنا العالم كله الن ل نجد فيه إل ثلثة مبادئ هي :الرأسمالية ،والشتراكية ومنها الشيوعية ،والمبدأ الثالث هو السلم .والمبدآن الولن تحمل كل واحد منهما دولة أو دول ،والمبدأ الثالث ل تحمله دولة ،وإنما يحمله أفراد في شعوب ،ولكنه موجود عالميا في الكرة الرضية.
33
أما الرأسمالية فإنها تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة ،وهذه الفكرة هي عقيدتها ،وهي تقيادتها الفكرية، وهي تقاعدتها الفكرية ،وبناء على هذه القاعدة الفكرية كان النسان هو الذي يضع نظامه في الحياة ،وكان ل بد من المحافظة على الحريات للنسان ،وهي حرية العقـيدة، وحرية الرأي ،وحرية الملكية ،والحرية الشخصية ،وتقد نتج عن حرية الملكية النظام التقتصادي الرأسمالي ،فكانت الرأسمالية هي أبرز ما في هذا المبدأ ،وأبرز ما نتج عن عقيدة هذا المبدأ ،لذلك أطلق على هذا المبدأ انه المبدأ الرأسمالي ،من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه. وأما الديمقراطية التي أخذ بها هذا المبدأ فهي آتية من جهة أن النسان هو الذي يضع نظامه ،ولذلك كانت المة هي مصدر السلطات ،فهي التي تضع النظمة ،وهي التي تستأجر الحاكم ليحكمها ،وتنزع هذا الحكم منه متي أرادت، وتضع له النظام الذي تريـد ،لن الحكم عقد إجارة بين الشعب والحاكم ليحكم بالنظام الذي يضعه له الشعب ليحكمه به. والديمقراطية وان كانت من المبدأ لكنها ليست أبرز من النظام التقتصادي فيه ،بدليل أن النظام الرأسمالي في الغرب يؤثر على الحكم ،ويجعله خاضعا لصحاب رؤوس 34
الموال ،حتى ليكاد يكون الرأسماليون الحكام الحقيقيين في البلد التي تعتنق المبدأ الرأسمالي .وعلوة على ذلك فليست الديمقراطية مختصة بهذا المبدأ ،فان الشيوعيين أيضا يدعون الديمقراطية ويقولون بجعل الحكم للمة .ولذلك كان من الدق أن يطلق على هذا المبدأ بأنه المبدأ الرأسمالي. الصل في نشوء هذا المبدأ أن القياصرة والملوك في أوربا وروسيا كانوا يتخذون الدين وسيلة لستغلل الشعوب، وظلمها ،ومص دمائها ،وكانوا يتخذون رجال الدين مطية لذلك .فنشأ عن هذا صراع رهيب تقام أثناءه فلسفة ومفكرون منهم من أنكر الدين مطلقا ،ومنهم من اعتر ف بالدين ولكنه نادى بفصله عن الحياة .حتى استقر الرأي عند جمهرة الفلسفة والمفكرين على فكرة واحدة هي فصل الدين عن الحياة ،ونتج عن ذلك طبيعيا فصل الدين عن الدولة .واستقر الرأي على عدم البحث في الدين من ناحية إنكاره أو العترا ف به ،وحصر البحث في أنه يجب أن يفصل الدين عن الحياة .وتعتبر هذه الفكرة حل م ً وسطا بين رجال الدين الذين يريدون أن يكون كل شيء خاضعا لهم باسم الدين ،وبين الفلسفة والمفكرين الذين ينكرون الدين وسلطة رجال الدين ،فهي لم تنكر الدين ،ولم تجعل له دخل م ً 35
في الحياة ،وإنما فصلته عن الحياة ،فكانت العقيدة التي اعتنقها الغرب تقاطبم ًة هي هذا الفصل للدين عن الحياة، وكانت هذه العقيدة هي القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الفكار ،ويتعين على أساسها التجاه الفكري للنسان ووجهة نظره في الحياة ،وعلى أساسها تعالج جميع مشاكل الحياة ،وهي القيادة الفكرية التي يحملها الغرب ويدعو العالم إليها. وعقيدة فصل الدين عن الحياة اعترا ف ضمني بأنه يوجد شيء يسمى الدين ،أي يوجد خالق للكون والنسان والحياة ،ويوجد يوم البعث ،لن هذا هو أصل الدين من حيث هو دين ،وهذا العترا ف هو إعطاء فكرة عن الكون والنسان والحياة ،وعما تقبل الحياة ،وعما بعـدها ،لنها لم تنف وجود الدين .بل إنها حين أعطت فكرة فصله ،اعترفت بوجوده ضمنا فتكون تقد أثبتت وجود الدين وأعطت فكرة أنه ل علتقة لهذه الحياة بما تقبلها وبما بعدها حين تقالت بفصل الدين عن الحياة وأن الدين صلم ًة بين الفرد وخالقه فقط. وبهذا تكون عقـيدة )فصل الدين عن الحياة( بمفهومها الشامل فكرة كلية عن الكون والنسان والحياة ،ومن هنا كان المبدأ الرأسمالي على الوجه الذي بيناه مبدأ كباتقي المبادئ. 36
وأما الشتراكية ومنها الشيوعية فهي ترى أن الكون والنسان والحياة مادة فقط ،وأن المادة هي أصل الشياء، ومن تطورها صار وجود الشياء ،ول يوجد وراء هذه المادة شيء مطلقا ،وأن هذه المادة أزلية تقديمة لم يوجدها أحد، أي أنها واجبة الوجود ،ولذلك ينكرون كون الشياء مخلوتقم ًة لخالق ،أي أن ينكرون الناحية الروحية في الشياء ويعتبرون العترا ف بوجودها خطرا على الحياة ،لذلك يعتبرون الدين أفيون الشعوب الذي يخدرها ،ويمنعها من العمل .ول وجود عندهم لشيء سوى المادة ،حتى الفكر إنما هو انعكاس المادة على الدماغ ،وعليه فالمادة أصل الفكر ،وأصل كل شيء ،ومن تطورها المادي توجد الشياء .وعلى هذا فهم ينكرون وجود الخالق ،ويعتبرون المادة أزلية ،فهم ينكرون ما تقبل الحياة وما بعدها ،ول يعترفون إل بالحياة فقط. ومع اختل ف هذين المبدأين في النظرة الساسية إلى النسان والكون والحياة ،فإنهما يتفقان في أن المثل العليا للنسان هي القيم العليا التي يضعها النسان نفسه ،وأن السعادة هي الخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية ،لنها في نظرهما هي الوسيلة إلى السعادة ،بل هي السعادة. ومتفقان معا على إعطاء النسان حريته الشخصية يتصر ف بما يشاء وعلى نحو ما يريد ،مادام يرى في هـذا التصر ف 37
سعادته .ولذلك كان السلوك الشخصي أو الحرية الشخصية بعض ما يقدسه هذان المبدآن. ويختلف هذان المبدآن في النظرة إلى الفرد والمجتمع، فالرأسمالية مبدأ فردي ،يرى أن المجتمع مكون من أفراد، ة ثانويم ًة ،ويخص نظرته بالفرد، ول ينظر للمجتمع إل نظر م ً ولذلك يجب أن تضمن الحريات للفرد .ولضمان الحرية له يعمل أي فرد للمجتمع ،ومن هنا كانت حرية العقيدة بعض ما تقدسه ،وكانت الحرية التقتصادية مقدسم ًة أيضا ول تقيد بناء على فلسفتها ،وإنما تقيد من تقبل الدولة لضمان الحريات ،وتنفذ الدولة هذا التقييد بقوة الجندي وصرامة القانون .إل أن الدولة هي وسيلة ،وليست غاية ،ولذلك كانت السيادة نهائيا للفراد ل للدولة .ولذلك كان المبدأ الرأسمالي يحمل تقيادة فكرية هي فصل الدين عن الحياة ،وعلى أساسها يحكم بأنظمته ،ويدعو لها ،ويحاول أن يطبقها في كل مكان. وأما الشتراكية – ومنها الشيوعية – فهي مبدأ يرى أن المجتمع مجموعة عامة تتألف من البشر وعلتقاتهم بالطبيعة ،تلك العلتقات المحتومة المحددة التي يخضعون لها خضوعا حتميا وآليا .وهذه المجموعة كلها شيء واحد، الطبيعة ،والنسان ،والعلتقات ،كلها شيء واحـد ،ل أجزاء 38
منفصل بعضها عن بعض ،فالنسان تعتبر الطبيعة جانبا من شخصيته ،وهي الجانب الذي يحمله في ذاته ،ولذلك ل يتطور النسان إل وهو معلق بهذا الجانب من شخصيته وهو الطبيعة ،لن صلته بالطبيعة صلة الشيء بنفسه ،ولذلك يعتبر المجتمع مجموعة واحدة تتطور كلها معا تطورا واحدا، ويدور الفرد تبعا لذلك كما يدور السن في الدولب .ولذلك لم تكن عندهم حرية عقيدة للفرد ،ول حرية اتقتصادية. فالعقيدة مقيدة بما تريده الدولة ،والتقتصاد مقيد بما تريده الدولة ،ولهذا كانت الدولة أيضا بعض ما يقدسه المبدأ .وعن هذه الفلسفة المادية انبثقت أنظمة الحياة ،وجعل النظام التقتصادي هو الساس الول ،وهو المظهر العام لجميع النظمة .ولذلك كان المبدأ الشتراكي ومنه الشيوعي يحمل تقيادة فكرية ،هي المادية والتطور المادي ،وعلى أساسها يحكم بأنظمته ،ويدعو لها ،ويحاول أن يطبقها في كل مكان. وأما السلم فهو يبين أن وراء الكون والنسان والحياة خالقا خلقها هو ا تعالى ،ولذلك كان أساسه العتقاد بوجود ا عز وجل ،وكانت هذه العقيدة هي التي عينت الناحية الروحية ،أل وهي كون النسان والحياة والكون مخلوتقة لخالق ،ومن هنا كانت صلة الكون بوصفه مخـلوتقا، بالله الخالق .هي الناحية الروحية في الكون .وصلة الحياة 39
المخلوتقة ،بالله الخالق ،هي الناحية الروحية في الحياة. وصلة النسان المخلوق ،بالله الخالق ،هي الناحية الروحية في النسان ،ومن هنا كانت الروح هي إدراك النسان لصلته بالله تعالى. واليمان بالله يجب أن يقترن باليمان بنبوة محمد ورسالته ،وبأن القرآن كلم ا ،فيجب اليمان بكل ما جاء به .ولهذا كانت العقيدة السلمية تقضي بأنه يوجد تقبل الحياة ما يجب اليمان به وهو ا ،وتقضي باليمان بما بعد الحياة ،وهو يوم القيامة ،وبأن النسان في هذه الحياة الدنيا مقيد بأوامر ا و نواهيه ،وهذه هي صلة الحياة بما تقبلها، ومقيد بالمحاسبة على اتباع هذه الوامر واجتناب هذه النواهي ،وهذه هي صلة الحياة بما بعدها ،ولذلك كان حتما على المسلم أن يدرك صلته بالله حين القيام بالعمال، فيسير أعماله بأوامر ا ونواهيه وكان ذلك هو معنى مزج المادة بالروح والغاية من تسييرها بأوامر ا ونواهيه هي رضوان ا .والغاية المقصودة من القيام بها هي القيمة التي يحققها العمل. ولذلك لم تكن الهدا ف العليا لصيانة المجتمع ،من وضع النسان بل هي من أوامر ا ونواهيه ،وهي ثابتة ل تتغير ول تتطور ،فالمحافظة على نوع النسان ،وعلى العقل، 40
وعلى الكرامة النسانية ،وعلى نفس النسان ،وعـلى الملكية الفردية ،وعلى الدين ،وعلى المن ،وعلى الدولة، أهدا ف عليا ثابتة لصيانة المجتمع ،ل يلحقها التغيير ول التطور ،ووضع للمحافظة عليها عقوبات صارمة ،فوضع الحدود والعقوبات للمحافظة على هذه الهدا ف الثابتة، ولذلك يعتبر القيام بالمحافظة على هذه الهدا ف واجبا، لنها أوامر ونواه من ا ،ل لنها تحقق تقيما مادية .وهكذا يقوم المسلم وتقوم الدولة بكافة العمال حسب أوامر ا ونواهيه لنها هي التي تنظم شئون النسان كلها ،والقيام بالعمال حسب أوامر ا ونواهيه هو الذي يجعل الطمأنينة عند المسلم .ومن هنا كانت السعادة ليست إشباع الجسد وإعطاءه متعه ،بل هي إرضاء ا سبحانه وتعالى. أما الحاجات العضوية والغرائز فقد نظمها السلم تنظيما يضمن إشباع جميع جوعاتها ،من جوعة معدة ،أو جوعة نوع ،أو جوعة روحية ،أو غير ذلك .ولكن ل بإشباع بعضها على حساب بعض ،ول بكبت بعضها وإطلق بعض ول بإطلتقها جميعها ،بل نسقها جميعها وأشبعها جميعها بنظام دتقيق ،مما يهيئ للنسان الهناء والرفاه ،ويحول بينه وبين النتكاس إلى درك الحيوان بفوضوية الغرائز.
41
ولضمان هذا التنظيم ،ينظر السلم للجماعة باعتبارها كل م ً غير مجزأ ،وينظر للفرد باعتباره جزءا من هذه الجماعة غير منفصل عنها .ولكن كونه جزءا من الجماعة ل يعني أن جزئيته هذه كجزئية السن في الدولب ،بل يعنى أنه جزء من كل ،كما إن اليد جزء من الجسم ،ولذلك عني السلم بهذا الفرد بوصفه جزءا من الجماعة ،ل فردا منفصل م ً عنها، بحيث تؤدي هذه العناية للمحافظة على الجماعة ،وعني في نفس الوتقت بالجماعة ل بوصفها كل م ً ليس له أجزاء بل بوصفها كل م ً مكونا من أجزاء هم الفراد بحيث تؤدي هذه العناية إلى المحافظة على هؤلء الفراد كأجزاء ،تقال صلى ا عليه وآله وسلم " مثل القائم على حدود ا والواتقع فيها كمثل تقوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوتقهم ،فقالوا لو أنا خرتقنا في نصيبنا خرتقا ولم نؤذ من فوتقنا ،فان تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ،وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جمـيعا ". وهذه النظرة للجماعة والفرد هي التي تجعل للمجتمع مفهوما خاصا ،لن هؤلء الفراد وهم أجزاء من الجماعة ل بد أن تكون لديهم أفكار تربطهم ،يعيشون حسبها ،وأن يكون لهم مشاعر واحدة يتأثرون بها ويندفعون بحسبها ،وأن 42
يكون لهم نظام واحد يعالج مشاكل حياتهم جميعها .ومن هنا كان المجتمع مؤلفا من النسان والفكار والمشاعر والنظمة ،وكان النسان مقيدا في الحياة بهذه الفكار والمشاعر والنظمة .ولذلك كان المسلم في الحياة مقيدا في كل شيء بالسلم وليس له حريات مطلقا .فالعقيدة للمسلم مقيدة بحدود السلم وليست مطلقة .ولذلك يعتبر ارتداده جريمة كبرى يستحق عليها القتل إن لم يرجع. والناحية الشخصية مقيدة بنظام السلم ،ولذلك كان الزنا جريمم ًة يعاتقب عليها ،دون رأفة مع التـشهير وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ،وكان شرب الخمر جريمة يعاتقب عليـها ،وكان العتداء على آخرين جريمة تختلف باختل ف هذا العتداء من تقذ ف أو تقتل أو ما شابه ذلك ،والناحية التقتصادية مقيدة بالشرع وبالسباب التي أباح للفرد التملك بها ،وبحقيقة هذه الملكية الفردية من أنها إذن الشرع بالنتفاع بالعين .وكان الخروج عن هذه القيود جريمة تختلف باختل ف نوع هذا الخروج من سرتقة أو نهب أو ما شاكل ذلك .ولهذا كان ل بد من الدولة التي تحفظ هذه الجماعة وهذا الفرد ،وتطبق النظام على المجتمع ،وكان لبد من تأثير المبدأ في معتنقه ليكون الحفظ طبيعيا آتيا من تقبل الناس أنفسهم .ولذلك كان المبدأ هو الذي يقيد 43
ويحفظ ،والدولة هي المنفذة .ولهذا كانت السيادة للشرع وليست للدولة ول للمة ،وان كانت السلطة للمة ومظهرها في الدولة ،ومن هنا كانت طريقة تنفيذ النظام هي الدولة وان كان العتماد على تقوى ا في الفرد المؤمن ليقوم بأحكام السلم .وعليه كان ل بد من التشريع الذي تنفذه الدولة ،والتوجيه للفرد المؤمن لينفذ السلم بدافع تقوى ا .ومن هنا كان السلم عقيدة وأنظمة ،وكان مبدأ السلم فكرة وطريقة من جنس هذه الفكرة ،وكان نظامه منبثقا عن عقيدته ،وكانت حضارته طرازا معينا في الحياة. وكانت طريقته في حمل الدعوة أن يطبق من تقبل الدولة، وأن يحمل تقيادة فكرية إلى العالم ،تكون هي الساس لفهم نظام السلم والعمل به ،وكان العمل به في الجماعة التي تحكم بنظام السلم ،نشرا للدعوة السلمية ،لن تطبيق نظام السلم على غير المسلمين من الناس يعتبر من الطريقة العملية للدعوة ،فقد كان لهذا التطبيق الثر الكبر في إيجاد هذا العالم السلمي المترامي الطرا ف. والحاصل أن المبادئ الموجودة في العالم ثلثة هي الرأسمالية ،والشتراكية ومنها الشيوعية ،والمبدأ الثالث هو السلم ،ولكل واحد من هذه المبادئ عقيدة تنبثق عنها
44
أنظمته ،وله مقياس لعمال النسان في الحياة ،ونظرة خاصة للمجتمع ،وطريقة لتنفيذ النظام. أما من حيث العقيدة فالمبدأ الشيوعي يرى أن المادة أصل الشياء ،وأن جميع الشياء تصدر عنها بطريق التطور المادي .والمبدأ الرأسمالي يرى أنه يجب أن يفصل الدين عن الحياة ،وينتج عن ذلك فصل الدين عن الدولة، فالرأسماليون ل يريدون أن يبحثوا هل هناك خالق أم ل، وإنما يبحثون أنه ل دخل للخالق في الحياة ،سواء اعتر ف بوجوده أم أنكره ،ولذلك يستوي عندهم المعتر ف بوجود الخالق والمنكر له في عقيدتهم ،وهي فصل الدين عن الحـياة. وأما السلم فيرى أن ا هو خالق الوجود ،وأنه أرسل النبياء والرسل بدينه لبني النسان ،وأنه سيحاسب النسان يوم القيامة على أعماله ،ولذلك كانت عقيدته اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من ا. وأما من حيث كيفية انبثاق النظام عن العقيدة فالمبدأ الشيوعي يرى أن النظام يؤخذ من أدوات النتاج ،لن المجتمع التقطاعي مثل م ً تكون الفأس فيه هي أداة النتاج، ومنها يؤخذ نظام التقطاع ،فإذا تطور المجتمع إلى 45
الرأسمالية تصبح اللة هي أداة النتاج .ولذلك يؤخذ النظام الرأسمالي منها ،فنظامه مأخوذ من التطور المادي .وأما المبدأ الرأسمالي فيرى أن النسان حين فصل الدين عن الحياة صار ل بد له أن يضع نظاما لنفسه من الحياة ذاتها، فصار يأخذ نظامه من واتقعه يضعه بنفسه .وأما السلم فيرى أن ا جعل له نظاما في الحياة يسير علـيه ،وأرسل سيدنا محمد صلى ا عليه وعلى آله وسلم بهذا النظام وبلغه إيـاه ،فيجب أن يسير عليه ،ولذلك هو يدرس المشكلة، ويستنبط حلها من الكتاب والسنة. وأما من حيث مقياس العمال في الحياة فالمبدأ الشيوعي يرى أن المادية أي النظام المادي هو المقياس في الحياة ،وبتطوره يتطور المقياس ،والمبدأ الرأسمالي يرى أن مقياس العمال في الحياة هو النفعية ،وحسب هذه النفعية تقاس العمال ويقام بها على هذا الساس. والسلم يرى أن مقياس العمال في الحياة هو الحلل والحرام ،أي أوامر ا ونواهيه ،فالحلل يعـمل ،والحرام يترك ،ول يتطور ذلك ول يتغير .ول تحكم فيه النفعية ،بل يحكم الشرع فقط. وأما من حيث النظرة للمجتمع فالمبدأ الشيوعي يرى أن المجتمع مجموعة عامة ،منها الرض ،وأدوات النتاج، 46
والطبيعة ،والنسان ،باعتبارها شيئا واحدا هو المادة ،وحين تتطور الطبيعة وما فيها يتطور معها النسان ،فيتطور المجتمع كله ،ولذلك كان المجتمع خاضعا للتطور المادي، جل هذا التطور، وما على النسان إل أن يوجد التناتقضات ليع ِّ وحين يتطور المجتمع ،يتطور الفرد بتطوره ،فيدور معه كما يدور السن في الدولب. وأما المبدأ الرأسمالي فانه يرى أن المجتمع مكون من أفراد ،وانه إذا انتظمت أمور الفرد انتظمت أمور المجتمع، ولذلك ل بد من النظرة للفرد فقط ،فالدولة إنما تعمل للفرد ولهذا كان هذا المبدأ فرديا .وأما السلم فيرى أن الساس الذي يقوم عليه المجتمع هو العقيدة ،وما تحمل من أفكار ومشاعر ،وما ينبثق عنها من أنظمه ،فحين تسود الفكار السلمية ،والمشاعر السلمية ،ويطبق النظام السلمي على الناس ،يوجد المجتمع السلمي ،ولذلك كان المجتمع مؤلفا مـن النسان ،والفكار ،والمشاعر ،والنظمة .وأن النسان وحده مع النسان يؤلف جماعة ،ولكنه ل يؤلف مجتمعا إل بالفكار التي يحملها النسان ،والمشاعر الموجودة لديه ،والنظمة التي تطبق عليه ،لن الذي يوجد العلتقة بين النسان والنسان إنما هو المصلحة ،وهذه المصلحة إن توحدت الفكار عليها ،وان توحدت المشاعر 47
نحوها فتوحد الرضا والغضب ،وان توحد النظام الذي يعالج، فقد وجدت العلتقة بين النسان والنسان ،وان اختلفت الفكار على المصلحة ،أو اختلفت المشاعر نحوها ،فلم يتوحد الرضا والغضب ،أو اختلف النظام الذي يعالجها بين النسان والنسان لم توجد العلتقة ،وبالتالي لم يوجد المجتمع ،ولذلك كان المجتمع مكونا من النسان ،والفكار، والمشاعر ،والنظمة ،لنها هي التي توجد العلتقة ،وتجعل الجماعة مجتمعا معينا. ولذلك لو كان جميع الناس مسلمين ،وكانت الفكار التي يحملونها رأسمالية ديمقراطية ،والمشاعر التي يحملونها روحية كهنوتية أو وطنية ،والنظام الذي يطبق عليهم رأسماليا ديمقراطيا ،فان المجتمع يكون مجتمعا غير إسلمي ولو كان جل أهله من المسلمين. وأما من حيث تنفيذ النظام فالمبدأ الشيوعي يرى أن الدولة وحدها هي التي تنفذ النظام بقوة الجندي وصرامة القانون ،وتتولى عـن الفرد وعن الجماعة شؤونهم ،وهي التي تطور النـظام .والرأسمالية ترى أن الدولة إنما تشر ف على الحريات ،فإذا اعتدى أحد على حرية غيره منعت هذا العتداء ،لنها وجدت لضمان الحريات ،وإذا لم يعتد أحد على حرية آخر ولو استغله وأخذ حقوتقه ،ولكن برضاه ،ل يكون 48
هناك اعتداء على الحريات ،فل تتدخل الدولة ،ولذلك فالدولة موجودة لضمان الحريات. وأما السلم فيرى أن النظام إنما ينفذه الفرد المؤمن بدافع تقوى ا ،وتنفذه الدولة بشعور الجماعة بعدالته، وبتعاون المة مع الحاكم بالمر بالمعرو ف والنهي عن المنكر ،وبسلطان الدولة .وتتولى الدولة شؤون الجماعة ،ول تتولى عن الفرد شؤونه إل إذا عجز عنها ،ول يتطور النظام أبدا .والدولة لها صلحية تبني الحكام الشرعية إذا تعددت نتائج الجتهاد فيـها. والقيادة الفكرية لمبدأ السلم متفقه مع فطرة النسان، وهي على عمقها سهلة ميسورة ،سرعان ما يفتح لها النسان عقله وتقلبه ،وسرعان ما يقبل عليها ليفهمها، وليتعمق في فهم دتقائقها بشغف وتقدير ،لن التدين فطري في النسان ،وكل إنسان بفطرته ،متدين ،ول تستطيع أي تقوة أن تنزع منه هذه الفطرة ،لنها متأصلة فيه ،فالنسان بطبعه يشعر أنه ناتقص ،وان هناك تقوة أكمل منه ،وان هذه القوة تستحق التقديس ،والتدين هو الحتياج إلى الخالق المدبر ،الناشئ عن العجز الطبيعي في تكوين النسان، وهو غريزة ثابتة لها رجع معين هو التقديس ،ولذلك كانت النسانية في جميع العصور متدينة تعبد شيئا ،فعبدت 49
النسان ،والفلك ،والحجارة ،والحيوان ،والنيران ،وغير ذلك. ولما جاء السلم بعقيدته جاء ليخرج النسانية من عبادة المخلوتقات إلى عبادة ا الذي خلق كل شيء .و لما ظهر المبدأ المادي الذي ينكر وجود ا و ينكر الروح لم يستطع أن يقضي على هذا التدين الطبيعي ،وإنما نقل تصور النسان لـقوة أكبر منه ،ونقل تقديسه لهذه القوة ،نقل كل ذلك إلى تصور هذه القوة في المبدأ وفي حملته ،وجعل تقديسه لهما وحدهما ،فكأنه رجع إلى الوراء ،ونقل تقديس الناس مـن عبادة ا إلى عبادة العباد ،ومن تقديس آيات ا إلى تقديس كلم المخلوتقات ،فكان رجعيا في ذلك .ولم يستطع القضاء على فطرة التدين ،وإنما حولها بالمغالطة تحويل م ً رجعيا .ولذلك كانت تقيادته الفكرية تختلف مع طبيعة النسان ،وكانت تقيادة سلبية .ومن هنا كانت القيادة الفكرية في الشيوعية مخفقة من ناحية فطرية ،وإنما يتحيل لها بالمعدة ،وتستهوى الجائعين ،والخائفين ،والبائسين، ويتمسك بها المنخفضون ،والمخفقون في الحياة الحاتقدون عليها ،والمصابون بالشذوذ العقلي ،حتى يقال أنهم من ذوي الفكر حين يتشدتقون بالنظرية الديالكتيكية التي هي أظهر شيء فسادا وبطلنا بشهادة الحس والعقل معا .وتتوسل بالقوة لخضاع الناس لمبدئها ،ومن هنا كان الضغط 50
والكبت ،وكانت الثورات والقلتقل ،والتخريب والضطراب من أهم وسائلها. وكذلك كانت القيادة الفكرية للرأسمالية مخالفة لفطرة النسان التي هي فطرة التدين ،لن فطرة التدين كما تبرز في التقديس تبرز في تدبير النسان لعماله في الحياة، لظهور اختلفه وتناتقضه حين يقوم بهذا التدبير ،وهذا آية العجز .ولذلك كان ل بد أن يكون الدين هو المدبر لعمال النسان في الحياة .فإبعاد الدين عن الحياة مخالف لفطرة النسان .على أنه ليس معنى وجود الدين في الحياة هو جعل أعمال الحياة الدنيا عبادات بل معنى وجود الدين في الحياة هو جعل النظام الذي أمر ا به هو الذي يعالج مشاكل النسان في الحياة ،وهذا النظام صادر عن عقيدة تقررت ما في فطرة النسان .فإبعاده وأخذ نظام صادر من عقيدة ل توافق غريزة التدين مخالف لفطرة النسان. ولذلك كانت القيادة الفكرية الرأسمالية مخفقة من ناحية فطرية ،لنها تقيادة سلبية في فصلها الدين عن الحياة ،وفي إبعادها التدين عن الحياة ،وجعله مسألة فرديه ،وفي إبعادها النظام الذي أمر ا به عن معالجة مشاكل النسـان.
51
والقيادة الفكرية السلمية هي تقيادة إيجابية لنها تجعل العقل أساسا لليمان بوجود ا ،إذ تلفت النظر إلى ما في الكون والنسان والحياة ،مما يحمل على الجزم بوجود ا الذي خلق هذه المخلوتقات ،وتعين للنسان ما يبحث عنه بفطرته من كمال مطلق ،لم يوجد في النسان والكون والحياة ،وترشد عقله إليه ،فيدركه و يؤمن به. أما القيادة الفكرية الشيوعية فهي مبنية على المادية وليس على العقل ،وان توصل إليها العـقل ،لنها تقول بوجود المادة تقبل الفكر ،وبجعلها أصل الشياء ،فهي مادية. وأما القيادة الفكرية الرأسمالية فهي مبنية على الحل الوسط الذي توصلت إليه من النزاع الدامي الذي استمر عدة تقرون بين رجال الكنيسة ورجال الفكر ،وأنتج فصل الدين عن الدولة .لذلك كانت القيادتان الفكريتان الشيوعية والرأسمالية مخفقتين ،لنهما متناتقضتان مع الفطرة ،وغير مبنيتين على العقل. والحاصل أن القيادة الفكرية السلمية هي وحدها القيادة الفكرية الصحيحة ،وما عداها تقيادات فكرية فاسدة، لن القيادة الفكرية السلمية مبنية على العقل ،في حين أن القيادات الفكرية الخرى غير مبنية على العقل ،ولنها تقيادة فكرية تتفق مع فطرة النسان ،فيتجاوب معها ،في حين أن 52
القيادات الفكرية الخرى تخالف فطرة النسان .وذلك :أن القيادة الفكرية الشيوعية مبنية على المادية ل على العقل، لنها تقول أن المادة تسبق الفكر ،أي تسبق العقل ،ولذلك فالمادة حين تنعكس على الدماغ توجد به الفكر ،فيفكر في المادة التي انعكست عليه .أما تقبل انعكاس المادة على الدماغ فل يـوجد فكر ،ولذلك فكل شيء مبني على المادة، فأصل العقيدة الشيوعية أي القيادة الفكرية الشيوعية هو المادية وليس الفكر. وهذا خطأ من وجهين ،الول أنه ل يوجد انعكاس بين المادة والدماغ فل الدماغ ينعكس على المادة ،ول المادة تنعكس على الدماغ ،لن النعكاس يحتاج إلى وجود تقابلية النعكاس في الشيء الذي يعكس الشياء كالمرآة ،فإنها تحتاج إلى تقابلية النعكاس عليها ،وهذا غير موجود ،ل في الدماغ ،ول في الواتقع المادي .ولذلك ل يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقا ،لن المادة ل تنعكس على الدماغ، ول تنتقل إليه ،بل ينتقل الحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس ،ونقل الحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاسا للمادة على الدماغ ،ول انعكاسا للدماغ على المادة ،وإنما هو حس بالمادة ،ول فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس ،فيحصل من اللمس ،والشم ،والذوق، 53
والسمع ،إحساس كما يحصل من البصار .إذن فالذي يحصل من الشياء ليس انعكاسا على الدماغ ،وإنما هو حس بالشـياء .فالنسان يحس بالشياء بواسطة حواسه الخمس ،ول تعكس على دماغه الشـياء. والثاني أن الحس وحده ل يحصل منه فكر ،بل الذي يحصل هو الحس فقط ،أي الحساس بالواتقع ،وإحساس زائد إحساس ،زائد مليون إحساس ،مهما تعدد نوع الحساس ،إنما يحصل منه إحساس فقط ،ول يحصل فكر مطلقا ،بل ل بد من وجود معلومات سابقة عند النسان يفسر بواسطتها الواتقع الذي أحس به حتى يحصل فكر، ولنأخذ النسان الحالي ،أي إنسان ،ونعطيه كتابا سريانيا ،ول توجد لديه أي معلومات تتصل بالسريانية ،ونجعل حسه يقع على الكتابة ،بالرؤية ،وباللمس ،ونكرر هذا الحس مليون مره ،فانه ل يمكن أن يعر ف كلمة واحدة ،حتى يعطي معلومات عن السريانية ،وعما يتصل بالسريانية ،فحينئذ يبدأ يفكر بها ويدركها .وكذلك لنأخذ الطفل الذي وجد عنده الحساس ولم توجد عنده أي معلومات ،ولنضع أمامه تقطعة ذهب ،وتقطعة نحاس ،وحجرا ،ونجعل جميع احساساته تشترك في حس هذه الشياء ،فانه ل يمكنه أن يدركها، مهما تكررت هذه الحساسات وتنوعت .ولكن إذا أعطي 54
معلومات عنها ،وأحسها ،فإنه يستعمل المعلومات ويدركها. وهذا الطفل لو كبرت سنه وبلغ عشرين سنه ولم يأخذ أي معلومات فانه يبقى كأول يوم يحس بالشياء فقط ول يدركها مهما كبر دماغه ،لن الذي يجعله يدرك ليس الدماغ، وإنما هو المعلومات السابقة مع الدماغ ،ومع الواتقع الذي يحسه .هذا من ناحية الدراك العقلي ،أما من ناحية الدراك الشعوري فناتج عن الغرائز والحاجات العضوية ،والذي يحصل عند الحيوان فأنه يحصل عند النسان ،فيعر ف من تكرار إعطائه التفاحة والحجر أن التفاحة تؤكل والحجر ل يؤكل ،كما يعر ف الحمار أن الشعير يؤكل وان التراب ل يؤكل ،ولكن هذا التميز ليس فكرا ،ول إدراكا وإنما هو راجع للغرائز وللحاجات العضوية ،وهو موجود عند الحيوان كما هو عند النسان ،ولذلك ل يمكن أن يحصل فكر إل إذا وجدت المعلومات السابقة مع نقل الحساس بالواتقع بواسطة الحواس إلى الدماغ. وعليه فالعقل أو الفكر أو الدراك هو نقل الحس بالواتقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقه يفسر بواسطتها الواتقع.
55
وعلى ذلك فالقيادة الفكرية الشيوعية مخطئة وفاسدة، لنها غير مبنية على العقل كما أن معنى الفكر والعقل عندها فاسد. وكذلك القيادة الفكرية الرأسمالية مبنية على الحل الوسط بين رجال الكنيسة والمفكرين ،فإنها بعد ذلك الصراع العنيف الذي أستمر عدة تقرون بين رجال الدين والمفكرين ،توصلوا إلى حل وسط هو فصل الدين عن الحياة ،أي العترا ف بوجود الدين ضمنا وفصله عن الحياة، ولذلك لم تكن القيادة الفكرية مبنية على العقل ،وإنما هي حل ترضيه أو حل وسط .ولذلك نجد فكرة الحل الوسط أصيلة عندهم ،فهم يقربون بين الحق والباطل بحل وسـط، وبين اليمان والكفر بحل وسط ،وبين النور والظلم بحل وسط ،مع إن الحل الوسط غير موجود ،لن المسألة إما الحق أو الباطل ،وإما اليمان أو الكفر ،وإما النور أو الظلم، ولكن الحل الوسط الذي بنو عليه عقيدتهم وتقيادتهم الفكرية أبعدهم عن الحق ،وعن اليمان ،وعن الـنور ،ولذلك كانت تقيادتهم الفكرية فاسدة لنها غير مبنية على العقل. وأما القيادة الفكرية السلمية فإنها مبنية على العقل ،إذ تفرض على المسلم أن يؤمن بوجود ا وبنبوة محمد، وبالقرآن الكريم ،عن طريق العقل .وتفرض اليمان 56
بالمغيبات ،على أن تأتى من شيء ثبت وجوده في العقل، كالقرآن والحديث المتواتر ،ولذلك كانت تقيادة فكرية مبنية على العقل. هذا من ناحية العقل ،أما من ناحية الفطرة فان القيادة الفكرية السلمية توافق الفطرة ،لنها تؤمن بوجود الدين، وبوجوب وجوده في الحياة ،وتسييرها بأوامر ا ونواهيه. والتدين فطري ،لنه غريزة من الغرائز ،لها رجـع خاص هو التقديس ،وهو يختلف عن رجع أي غريزة أخرى غيرها، وهو رجع طبيعي لغريزة معينة ،ولهذا كان اليمان بالدين، وبوجوب تسيير أعمال النسان في الحياة بأوامر ا ونواهيه ،غريزيا ،فهو موافق للفطرة ،ولذلك تتجاوب مع النسان. بخل ف القيادتين الفكريتين الشيوعية والرأسمالية فانهما تخالفان الفطرة ،لن القيادة الفكرية الشيوعية تنكر وجود الدين مطلقا ،وتحارب العترا ف به ،فهي تتناتقض مع الفطرة .والقيادة الفكرية الرأسمالية ل تعتر ف بالدين ول تنكره ،ول تجعل العترا ف به أو إنكاره موضوع بحث ،ولكنها تقول بوجوب فصل الدين عن الحياة ،فهي تريد أن يكون سير الحياة نفعيا بحتا ل شأن للدين به ،وهذا مناتقض للفطرة ،وبعيد عنها .ولذلك كانت مناتقضة لفطرة النسان. 57
ومن هنا كانت القيادة الفكرية السلمية وحدها هي الصالحة ،لموافقتها لفطرة النسان ،ولموافقتها للعقل ،وما عداها فهو باطل .ولذلك كانت القيادة الفكرية السلمية وحدها هي الصحيحة ،وكانت وحدها هي الناجحة. بقيت مسألة واحدة هي هل طبق المسلمون السلم ؟ أم انهم كانوا يعتنقون عقيدة ويطبقون غيره من النظمة والحكام ؟ ! والجواب على ذلك أن المسلمين طبقوا السلم وحده في جميع العصور ،منذ أن وصل الرسول صلى ا عليه وسلم إلى المدينة حتى سنة 1336هـ أي 1918ميلدية حين سقطت آخر دولة إسلمية على يد الستعمار ،وكان تطبيقها شامل م ً حتى نجحت في هذا التطبيق إلى أبعد حدود النجاح. أما كون المسلمين طبقوا عمليا السلم فان الذي يطبق النظام هو الدولة ،والذي يطبق في الدولة شخصان أحدهما القاضي الـذي يفصل الخصومات بين الناس ،والثاني الحاكم الذي يحكم الناس .أما القاضي فإنه نقل بطريق التواتر أن القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهد الرسول صلى ا عليه وعلى آله وسلم حتى نهاية الخلفة في استانبول ،كانوا يفصلونها حسب أحكام الشرع الشريف في جميع أمور الحياة ،سـواء بين المسلمين وحدهم ،وبين 58
المسلمين وغيرهم .وتقد كانت المحكمة التي تفصل جميع الخصومات من حقوق وجزاء وأحوال شخصية وغير ذلك، محكمة واحدة تحكم بالشرع السلمي وحده .ولم يرو أحد أن تقضية واحدة فصلت على غير الحكام الشرعية السلمية ،أو أن محكمة ما في البلد السلمية حكمت بغير السلم تقبل فصل المحاكم إلى شرعية ونظامية بتأثير الستعمار .وأتقرب دليل على ذلك سجلت المحاكم الشرعية المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس وبغداد ودمشق ومصر واستانبول وغيرها فإنها دليل يقيني بأن الشرع السلمي وحده هو الذي كان يطبقه القضاة .حتى أن غير المسلمين من النصارى واليهود كانوا يدرسون الفقه السلمي ويؤلفون فيه مثل سليم الباز شارح المجلة وغيره ممن ألفوا في الفقه السلمي في العصور المتأخرة .وأما ما أدخل من القوانين فانه أدخل بناء على فتوى العلماء بأنها ل تخالف أحكام السلم ،وهكذا أدخل تقانون الجزاء العثماني 1275هـ الموافق 1857م وأدخل تقانون الحقوق والتجارة 1276هـ الموافق 1858م ثم في 1288هـ والموافق 1870م .جعلت المحاكم تقسمين محاكم شرعية ومحاكم نظامية ،ووضع لها نظام ثم في 1295هـ الموافق 1877م وضعت لئحة تشكيل المحاكم النظامية .ووضع 59
تقانون أصول المحاكمات الحقوتقية والجزائية 1296هـ .ولما لم يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة وضعت المجلة تقانونا للمعاملت ،وأستبعد القانون المدني وذلك 1286هـ فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها السلم ،ولم توضع موضع العمل إل بعد أن أخذت الفتوى بإجازتها ،وبعد أن أذن شيخ السلم بها ،كما تبين من المراسيم التي صدرت بها .وانه وان كان الستعمار منذ سنة 1918م أي منذ احتلله البلد أخذ يفصل الخصومات في الحقوق والجزاء على غير الشريعة السلمية ،ولكن البلدان التي لم يدخلها الستعمار بجيوشه وان دخلها بنفوذه ،ل تزال تحكم تقضائيا بالسلم ،فجزيرة العرب كلها :الحجاز ونجد والكويت ،وكذلك بلد الفغان ،ل تزال تطبق السلم تقضائيا ولم تحكم حتى الن في القضاء إل في الشريعة السلمية ولو أن الحكام في هذه البلد الن ل يطبقون السلم .ومع ذلك نرى أن السلم طبق تقضائيا ولم يطبق غيره في جميع عصور الدولة السلمية. أما تطبيق الحاكم للسلم فانه يتمثل في خمسة أشياء: في الحكام الشرعية المتعلقة بالجـتماع ،والتقتصاد، والتعليم ،والسياسة الخارجية ،والحكم .وتقد طبقت هذه الشياء الخمسة جميعها من تقبل الدولة السلمية .أما 60
النظام الجتماعي الذي يعين علتقة المرأة بالرجل ومـا يترتب على هذه العلتقة أي الحوال الشخصية ،فإنها ل تزال تطبق حتى الن رغم وجود الستعمار ووجود حكم الكفر، ولم يطبق غيرها مطلقا حتى الن .وأما النظام التقتصادي فيتمثل في ناحيتين إحداهما كيفية أخذ الدولة للمال من الشعب لتعالج مشاكل الناس ،والثاني كيفية إنفاتقه .أما كيفية أخذه فقد كانت تأخذ الزكاة على الموال ،والراضي، والنعام ،باعتبارها عباده ،وتوزعها فقط على الصنا ف الثمانية الذين ذكروا في القرآن ول تستعملها في إدارة شؤون الدولة ،وتأخذ الموال لدارة شؤون الدولة والمة حسب الشرع السلمي ،فهي لم تأخذ أي نظام للضرائب، وإنما كانت تطبق السلم ،فتأخذ الخراج على الرض ،وتأخذ الجزية من غير المسلمين ،وتأخذ ضرائب الجمارك بحكم إشرافها على التجارة الخارجية والداخلية ،وما كانت تحصل الموال إل حسب الشريعة السلمية .وأما توزيع المال فقد كانت تطبق أحكام النفقة للعاجز ،وتحجر على السفيه والمبذر ،وتنصب عليه وصيا ،وكانت تقيم أمكنة في كل مدينة، وفي طريق الحج ،لإطعام الفقير والمسكين وابن السبيل، ول تزال آثارها موجودة حتى اليوم في أمهات بـلد المسلمين .وبالجملة كان يجري إنفاق المال من الدولة 61
حسب الشريعة ،ولم يجر حسب غيرها مطلقا ،وما يشاهد من التقصير في هذه الناحية هو إهمال ،وإساءة تطبيق، وليس عدم تطبيق. وأما التعليم فان سياسته كانت مبنية على أساس السلم ،فكانت الثقافة السلمية هي الساس في منهاج التعليم ،والثقافة الجنبية يحرص في عدم أخذها إذا تناتقضت مع السلم .وأما التقصير في فتح المدارس فهو إنما كان في أواخر الدولة العثمانية ،على السواء في جميع البلد السلمية ،للنحطاط الفكري الذي بلغ نهايته حينئذ. وأما في باتقي العصور فان من المشهور في العالم كله أن البلد السلمية كانت وحدها محط أنظار العلماء والمتعلمين ،ولجامعات تقرطبة وبغداد ودمشق والسكندرية والقاهرة أثر كبير في توجيه التعليم في العالم. وأما السياسة الخارجية فإنها كانت مبنية على أساس إسلمي ،فالدولة السلمية كانت تبني علتقاتها مع الدول الخرى على أساس السلم ،وكانت جميع الدول تنظر إليها بوصفها دولة إسلمية ،وكانت علتقاتها الخارجية كلها مبنية على أساس السلم ومصلحة المسلمين بوصفهم مسلمين، وإن أمر كون سياسة الدولة السلمية الخارجية هي السياسة السلمية مشهور شهرة عالمية تغني عن الدليل. 62
وأما بالنسبة لنظام الحكم فان جهاز الدولة في السلم يقوم على سبعة أركان هي :الخليفة وهو رئيس الدولة، والمعاونون له في الحكم ،والولة ،والقضاة ،والجيش، والجهاز الداري ،ومجلس الشورى ،وهذا الجهاز كان موجودا ،فان المسلمين لم يمر عليهم زمن لم يكن لهم فيه خليفة ،إل بعد أن أزال الكافر المستعمر الخلفة على يد كمال اتاتورك سنة 1342هـ و 1924م .أما تقبل ذلك فقد كان خليفة المسلمين دائميا ل يذهب خليفة إل وتقد أتى بعده خليفة ،حتى في أشد عصور الهبوط .ومتى وجد الخليفة فقد وجدت الدولة السلمية ،لن الدولة السلمية هي الخليفة، وأمـا المعاونون فقد كانوا كذلك موجودين في جميع العصور ،وكانوا معاونين منفذين وليسوا وزراء ،وأنهم وان أطلق عليهم في عصر العباسيين لقب وزراء ولكنهم كانوا معاونين .ولم تكن لهم صفة الوزارة الموجودة في الحكم الديمقراطي مطلقا ،بل كانوا معاونين ،وهيئة تنفيذية فقط، والصلحيات كلها للخليفة .وأما الولة والقضاة والجهاز الداري فان وجودها ثابت .والكافر المستعمر حين استلم البلد كانت أمورها سائرة ،وفيها الولة والقضاة والجهاز الداري مما ل يحتاج لدليل .وأما الجيش فانه كان جيشا إسلميا ،وكان العالم يتركز في ذهنه أن الجيش السلمي ل 63
يغلب ،وأما مجلس الشورى فانه بعد الخلفاء الراشدين لم يعن بوجوده ،والسبب في ذلك أن الشورى ليست تقاعدة من تقواعد الحكم ،وان كانت من جهاز الدولة ،وإنما هي حق من حقوق الرعية على الراعي ،فان لم يفعل بها يكون تقد تقصر ،ولكن الحكم يبقى حكما إسلميا ،وذلك لن الشورى هي لخذ الرأي وليست للحكم ،بخلفها في مجالس النواب الديمقراطية .ومن هذا يتبين أن نظام الحكم كان مطبقا في السلم. وها هنا مسألة في بيعة الخليفة ،فان من المقطوع به أنه لم يكن في الخلفة نظام وراثة ،أي لم تكن الوراثة حكما مقررا في الدولة يؤخذ الحكم – أي تؤخذ رئاسة الدولة – بموجبها كما هي الحال في النظام الملكي ،وإنما كان الحكم المقرر في الدولة لخذ الحكم هو البيعة ،كانت تؤخذ من المسلمين في بعض العصور ،ومن أهل الحل والعقد في البعض الخر ،ومن شيخ السلم في آخر العصر الهابط .والذي جرى عليه العمل في جميع عصور الدولة السلمية أنـه لم ينصب أي خليفة إل بالبيعة ،ولم ينصب بالوراثة دون بيعة على الطلق ،ولم ترو ول حادثة واحدة أنه نصب خليفة بالوراثة من غير بيعة .غير أنه كان يساء تطبيق أخذ البيعة ،فيأخذها الخليفة من الناس في حياته 64
لبنه ،أو أخيه ،أو أبن عمه ،أو شخص من أسرته ،ثم تجدد البيعة لذلك الشخص بعد وفاة الخليفة ،وهذه إساءة لتطبيق البيعة وليست وراثة ،ول ولية عهد .كما أن إساءة تطبيق نظام النتخابات لمجلس النواب في النظام الديمقراطي تسمي انتخابا ول تسمى تعيينا ،ولو فاز في النتخابات الشخاص الذين تريدهم الحكومة ،ومن ذلك كله نرى أن النظام السلمي طبق عمليا ،ولم يطبق غيره في جميع عصور الـدولة السلمية. أما نجاح هذه القيادة عمليا فقد كان نجاحا منقطع النظير ول سيما في المرين التاليين: أما أحدهما فان القيادة الفكرية السلمية نقلت الشعب العربي بمجموعه من حالة فكرية منحطة تتخبط في دياجير العصبية العائلية ،وظلم الجهل الدامس ،إلى عصر نهضة فكرية ،يتلل بنور السلم الذي لم يقتصر بزوغ شمسه على العرب ،بل عم العالم .فقد اندفع المسلمون في الكرة الرضية ،وحملوا السلم للعالم ،واستولوا على فارس والعراق وبلد الشام ومصر وشمالي أفريقيا .وكانت لكل شعب من هذه الشعوب تقومية غير تقوميات الشعوب الخرى ،ولغة غير لغاتها ،فكانت تقومية الفرس في فارس غير تقومية الروم في الشام ،وغير تقومية القبط في مصر، 65
وغير تقومية البربر في شمالي أفريقيا ،وكانت عاداتهم وتقاليدهم وأديانهم مختلفة .وما أن استظلت بالحكم السلمي ،وفهمت السلم ،حتى دخلت السلم كلها، وأصبحت جميعها أمة واحدة ،هي المة السلمية .ولذلك كان نجاح القيادة الفكرية السلمية في صهر هذه الشعوب والقوميات نجاحا منقطع النظير ،مع أن وسيلة المواصلت في حملها هي الناتقة والجمل ،ووسيلة نشرها اللسان والقلم. أما الفتح فكان لزالة القوة بالقوة ،وكسر الحواجز المادية ،حتى يخلى بين الناس وما يرشدهم إليه العقل ،أو تهديهم إليه الفطرة ،ولذلك دخل الناس في دين ا أفواجا. أما الفتح الجائر فانه يباعد بين الفاتح والمفتوح ،والغالب والمغلوب ،وما أمر استعمار الغرب للشرق عشرات من السنين دون أن يظفر بنائل ببعيد ،ولول أثر من الثقافة المضللة سيمحى ،وضغط من الزعامة المأجورة سيضمحل، لكان العود إلى حظيرة السلم في مبدأه ونظامه أتقرب مـن رد الطر ف ...ونعود فنقول :لقد كان نجاح القيادة الفكرية السلمية في صهر هذه الشعوب نجاحا منقطع النظير ،وظلت هذه الشعوب مسلمة حتى اليوم ،بالرغم من طوارئ الستعمار وخبثه ومكره في إفساد العقائد وتسميم 66
الفكار ،وستظل حتى تقوم الساعة ،أمة واحدة إسلمية. ولم يحصل مطلقا أن أي شعب من الشعوب التي اعتنقت السلم أرتد عـن السلم. أما مسلموا الندلس فقد أفنوا إفناء بمحاكم التفتيش، وبيوت النيران ،ومقاصل الجلدين ،ومسلموا بخارى والقفقاص والتركستان فقد أصابتهم تقارعة الذين سبقوهم. وإسلم هذه الشعوب وصيرورتها أمة واحدة وشدة حرصها على عقيدتها يصور مبلغ نجاح هذه القيادة الفكرية ،ومبلغ نجاح الدولة السلمية في تطبيق نظام السلم. أما المر الثاني الذي يدل على نجاح هذه القيادة ،فهو أن المة السلمية ظلت أعلى أمة في العالم حضارة ومدنية وثقافة وعلما ،وظلت الدولة السلمية أعظم الدول في العالم وأتقدرها مدة أثني عشر تقرنا :من القرن السادس الميلدي حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلدي ،وكانت وحدها زهرة الدنيا ،والشمس المشرتقة بين المم طوال هذه المدة ،مما يؤكد نجاح هذه القيادة ،ونجاح السلم في تطبيق نظامه وعقيدته على الناس .وحينما تخلت الدولة السلمية والمة السلمية عن حمل القيادة الفكرية حين أهملت الدعوة إلى السلم ،وتقصرت في فهم السلم وتطبيقه ،انتكست بين المم. 67
ولهذا نقول أن القيادة الفكرية السلمية هي وحدها الصالحة ،وهي وحدها التي يجب أن تحمل للعالم .وإذا تحققت الدولة السلمية التي تحمل هذه القيادة فسيكون نجاح هذه القيادة اليوم كما كان بالمس. تقلنا أن السلم يوافق فطرة النسان فيما أنبثق عنه من نظم ،ولهذا ل يعتبر النسان كائنا صناعيا يعيش على المسطرة ،ويطبق النظام بل تفاوت بالقياس الهندسي الدتقيق ،بل يعتبر النسان كائنا اجتماعيا يطبق النظام ككائن اجتماعي تتفاوت فيه القوى والخاصيات ،فمن الطبيعي من جهة أن يقارب بين الناس ول يساوى ،مع ضمان الطمأنينة للجميع ،ومن الطبيعي من جهة أخرى وهذا موضع البحث الن أن يشذ على هذا العتبار عن تطبيق هذا النظام أفراد فيخالفونه ،وأن ل يستجيب لهذا النظام أفراد ،وأن يتولى عن هذا النظام أفراد ،ولذلك كان ل غنى عن أن يكون في المجتمع فساق وفجار ،وأن يكون فيه كفار ومنافقون ،وأن يكون فيه مرتدون وملحدون ،ولكن العبرة بالمجتمع بمجموعه من حيث كونه أفكارا ومشاعر وأنظمة وناسا، فيعتبر مجتمعا إسلميا يطبق السلم ،حين تبدو فيه هذه الشياء إسلمية.
68
والدليل على ذلك أنه ل يمكن لحد أن يطبق نظاما كـما طبق محمد رسول ا ،نظام السلم ،ومع ذلك فقد وجد في أيامه كفار ومنافقون ووجد فساق و فجار ،ووجد مرتدون وملحدون ،ولكن ل يستطيع أحد إل أن يقول جازما: ل ،وان المجتمع كان أن السلم كان مطبقا تطبيقا كام م ً إسلميا .ولكن هذا التطبيق كان على النسان الذي هو كائن اجتماعي ،وليس كائنا صناعيا. ولقد ظل السلم يطبق وحده على المة السلمية بكاملها – عـربا وغير عرب – منذ أن استقر عليه الصلة والسلم في المدينة ،إلى أن احتل الستعمار بلد المسلمين، فاستبدل به النظام الرأسمالي. وعلى ذلك فالسلم طبق عمليا منذ السنة الولى للهجرة حتى سنة 1336هجرية الموافق سنة 1918ميلدية .ولم تطبق المة السلمية طوال هذه المدة أي نظام سوى السلم. حتى أن المسلمين مع كونهم تقد ترجموا للعربية الفلسفة والعلوم والثقافات الجنبية المختلفة ،لكنهم لم يترجموا أي تشريع أو تقانون أو نظام لي أمة مطلقا ،ل للعمل به ،ول لدراسته .إل أن السلم بوصفه نظاما كان يحسن الناس تطبيقه أو يسيئون هذا التطبيق ،تبعا لقوة الدولة وضعفها، 69
وتبعا لدتقة فهمها أو مزايلتها للفهم ،وتبعا لقوة حمل القيادة الفكرية أو التراخي فيه ،ولذلك كانت إساءة تطبيق السلم في بعض العصور تجعل المجتمع السلمي منحدرا بعد النحدار ،ول يخلو منه أي نظام ،لنه يعتمد في تطبيقه على البشر ،ولكن إساءة التطبيق ل تعني أن السلم لم يطبق، بل المقطوع فيه أن السلم طبق ،ولم يطبق غيره من المبادئ والنظم ،إذ أن العبرة في التطبيق للقوانين والنظمة التي تأمر الدولة بالعمل بها ،ولم تأخذ الدولة السلمية أي شيء من ذلك من غير السلم ،وكل الذي حصل هو إساءة تطبيق لبعض نظمه من تقبل بعض الحكام .على أن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحا أنه يجب علينا حين نستعرض تطبيق السلم من التاريخ أن نلحظ شيئين اثنين: أما أولهما فيجب أل نأخذ هذا التاريخ عن أعداء السلم المبغضين له ،وأن نأخذه بالتحقيق الدتقيق من المسلمين أنفسهم ،حتى ل نأخذ الصورة المشوهة .والشيء الثاني هو أنه ل يجوز أن نستعمل القياس الشمولي على المجتمع في تاريخ الفراد ،ول في تاريخ ناحـية من المجتمع ،فمن الخطأ ل ،وأن نأخذ تاريخ أن نأخذ العصر الموي من تاريخ يزيد مث م ً العصر العباسي من بعض حوادث خلفائه ،كذلك ل يجوز أن نحكم على المجتمع في العصر العباسي من تقراءة كتاب 70
الغاني الذي ألف لخبار المجان والشعراء والدباء ،أو من تقراءة كتب التصو ف وما شاكلها ،فنحكم على العصر بأنه عصر فسق وفجور ،أو عصر زهـد وانعزال ،بل يجب أن نأخذ المجتمع بأكمله .على أنه لم يكتب تاريخ المجتمع السلمي في أي عصر ،وإنما الذي كتب هو أخبار الحكام وبعض المتنفذين والذين كتبوا ذلك ليسوا من الثـقات ،وكلهم أما تقادح أو مادح ،ول يقبل لواحد منهما تقول. وحين ندرس المجتمع السلمي على هذا الساس ،أي ندرسه مـن جميع نواحيه ،وبالتحقيق الدتقيق ،نجده خير المجتمعات ،لنه هكذا كان في القرن الول والثاني والثالث، ثم سائر القرون حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري، ونجده طبق السلم في جميع عصوره ،حتى أواخر الدولة العثمانية بوصفها دولة إسلمية .على أن الذي يجب أن يلحظ أن التاريخ ل يجوز أن يكون مصدرا للنظام والفقه، بل النظام يؤخذ من مصادره الفقهية ل من التاريخ ،لن التاريخ ليس مصدرا له ،فحين نريد أن نفهم النظام الشيوعي ل نأخـذه من تاريخ روسيا ،بل نأخذه من كتب المبدأ الشيوعي نفسه ،وحين نريد أن نعر ف الفقه النجليزي ل نأخذه من تاريخ إنجلترا بل نأخذه من الفقه النجليزي ،وهذا ينطبق على أي نظام أو تقانون. 71
والسلم مبدأ له عقيدة ونظام ،فحين نريد معرفته وأخذه ل يجوز أن نجعل التاريخ مصدرا له مطلقا ،ل من حيث معرفته ول من حيث استنباط أحكامه. أما من حيث مصدر معرفته فهو كتب الفقه السلمي، وأما من حيث مصدر استنباط أحكامه فهو أدلتها التفصيلية. ولذلك ل يصح أن يكون التاريخ مصدرا للنظام السلمي ،ل من حيث معرفته ،ول من حيث الستدلل به ،وعليه فل يصح أن يكون تاريخ عمر بن الخطاب ،أو عمر بن عبد العزيز ،أو هـارون الرشيد ،أو غيرهم مرجعا للحكام الشرعية ،ل في الحوادث التاريخية التي رويت عنهم ،ول في الكتب التي ألفت في تاريخهم .وإذا أتبع رأي لعمر في حادثة فإنما يتبع باعتباره حكما شرعيا استنبطه عمر وطبقه ،كما يتبع الحكم الذي استنبطه أبو حنيفة والشافعي وجعفر وأمثالهم ،ول يتبع باعتباره حادثة تاريخية .وعلى ذلك فل وجود للتاريخ في أخذ النظام ،ول في معرفته .على أن معرفة كون النـظام كان مطبقا أم ل ،ل تؤخذ كذلك من التاريخ ،بل تؤخذ من الفقه، لن أي عصر من العصور كانت له مشاكل ،وكان يعالج هذه المشاكل بنظام ،فحتى نعر ف ما هو النظام الذي كانت تعالج به المشاكل ل نرجع إلى حوادث التاريخ ،لنه إنما ينقل ل ،بل يجب أن نرجع إلى النظام الذي كان إلينا الخبار نق م ً 72
يطبق ،أي إلى الفقه السلمي .وبالرجوع إليه ل نجد فيه أي نظام أخذه المسلمون من غيرهم ،ول أي نظام اختاره المسلمون من عند أنفسهم ،بل نجده كله أحكاما شرعية مستنبطة من الدلة الشرعية .وأن المسلمين كان حرصهم شديدا على تنقية الفقه من التقوال الضعيفة ،أي من الستنباطات الضعيفة ،حتى نهوا عن العمل بالقول الضعيف ولو كان لمجتهد مطلق. ولذلك ل يوجد نص واحـد تشريعي غير الفقه السلمي في العالم السلمي كله ،بل الموجود هو الفقه السلمي فحسب ،ووجود نص فقهي وحده في أمة دون أن يوجد معه نص آخر يدل على أن المة لم تكن تستعمل في تشريعها غير هذا النص. والتاريخ إذا جاز أن يلتفت إليه فإنما يلتفت إليه لستعراض كيفية التطبيق .ويمكن أن يذكر التاريخ الحوادث السياسية ،فترى فيها كيفية التطبيق .إل أن هذا أيضا ل يجوز أن نأخذه إل بالتحقيق الدتقيق من المسلمين ،وللتاريخ ثلثة مصادر :أحدها الكتب التاريخية ،والثاني الثار ،والثالث الرواية .أما الكتب فل يجوز أن تتخذ مصدرا مطلقا وذلك لنها خضعت في جميع العصور للظرو ف السياسية ،وكانت تحشى بالكذب ،إما بجانب الذي كتبت في أيامه ،وإما ضد 73
الذين كتبت عنهم في أيام غيرهم ،وأتقرب دليل على ذلك تاريخ السرة العلوية في مصر ،فإنها تقبل 1952كانت لها صورة مشرتقة وبعد 1952تغير هذا التاريخ إلى صورة تقاتمة عكس ما كانت عليه .ومثل ذلك تاريخ الحوادث السياسية في عصرنا هذا ،وفيـما تقبله .ولذلك ل يجوز أن نتخذ الكتب التاريخية مصدرا للتاريخ ،حتى ولو كانت مذكرات شخصية كتبها أصحابها. أما من حيث الثار فإنها إذا درست بنزاهة تعطي حقيقة تاريخية عن الشيء ،وهذه وان كانت ل تشكل تسلسل م ً تاريخيا ،ولكنها تدل على ثبوت بعض الحوادث .ومن تتبع آثار المسلمين في بلدهم سواء أكان في بنائهم ،أو أدواتهم ،أو أي شيء يعتبر أثرا تاريخيا ،يدل دللة تقطعية على أنه لم يكن موجودا في العالم السلمي كله إل السلم ،وإل نظام السلم ،وإل أحكام السلم ،وكان عيش المسلمين وحياتهم وتصرفاتهم كلها إسلمية ليس غير. أما المصدر الثالث وهو الرواية فهو من المصادر الصحيحة التي يعتمد عليها إذا صحت الرواية ،ويتبع فيه الطريق الذي سلك في رواية الحديث .وعلى هذا السـلوب يكتب التاريخ .ولذلك تجد المسلمين حين بدأوا يؤلفون ساروا على طريقة الرواية .ولهذا نجد كتب التاريخ القديمة كتاريخ 74
الطبري ،وسيرة أبـن هشام ،ونحوهما ،ألفت على هذا السلوب .وعلى هذا فالمسلمون ل يجوز لهم أن يعلموا أبناءهم تاريخهم من الكتب التي ألفت ومصادرها كتب مثلها، كما ل يجوز أن يؤخذ استعراض تطبيق نظام السلم من هذا التاريخ .ومن ذلك يتبين أن السلم طبق وحده على المة السلمية ،ولم يطبق غيره في جميع العصور. غير أنه منذ انتهت الحرب العالمية الولى بانتصار الحلفاء وأعلن اللورد اللنبي تقائد الحملة حين فتح بيت المقدس ل :الن انتهت الحروب الصليبية ،منذ ذلك الحين والكافر تقائ م ً المستعمر يطبق علينا نظامه الرأسمالي في جميع شؤون الحياة ،حتى يجعل النتصار الذي أحرزه أبديا .ولذلك ل بد من تغيير هذا النظام الفاسد البالي ،الذي بسببه يتمكن الستعمار من بلدنا ،ول بد من تقلعه من جذوره بأكمله جملم ًة وتفصيل م ً حتى نستطيع أن نستأنف حياة إسلمية. وانه لمن سطحية التفكير أن نضع بدل نظامنا أي نظام، ومن ضحالة الفكر أن نظن أن المة إذا طبقت النظام وحده ل ،ثم دون عقيدة ينقذها ،بل ل بد أن تعتنق المة العقيدة أو م ً تطبق النظام المنبثق عن هذه العقيدة ،وحينئذ يكون تطبيق النظام واعتناق العقيدة منقذا .هذا بالنسبة للمة التي تتكون على مبدأ ،وتقوم دولتها على هذا الساس ،أما بالنسبة 75
لغيرها من الشعوب والمم فل ضرورة لن تعتنق تلك الشعوب والمم المبدأ حتى يطبق عليها ،بل المة التي تعتنق المبدأ وتحمله ،تطبقه على أي شعب أو أمة ،ولو لم تعتنق المبدأ ،لنه ينهضها أيضا ،ويجذبها لعتناتقه ،وليس اعتناق المبدأ شرطا فيمن يطبق عليه ،بل اعتناق المبدأ شرط أساسي فيمن يطبقه. ومن الخطر أن نأخذ القومية والنظام الشتراكي ،لنه ل يؤخذ منفصل م ً عن فكرته المادية ،لنه ل ينتج ول يؤثر ،ول يؤخذ متصل م ً بفكرته المادية ،لنها فكرة سلبية تتناتقض مع فطرة النسان ،وتقتضي أن تترك المـة السلمية عقيدة السلم .ول يجوز أن نأخذ الشتراكية ونحتفظ بالناحية الروحية من السلم ،لننا ل نكون أخذنا ل السلم ول الشتراكية ،لتناتقضهما ،ونقص المأخوذ منها ،ول يجوز أن نأخذ نظام السلم ونترك عقيدته المنبثقة عنها أنظمته ،لننا نكون أخذنا النظام جامدا ل روح فيه ،بل ل بد أن نأخذ السلم كامل م ً بعقيدته وأنظمته ،وأن نحمل تقيادته الفكرية حين نحمل دعوته. فسبيل نهضتنا هو سبيل واحد ،وهو أن نستأنف حياة إسلمية .ول سبيل إلى استئنا ف حياة إسلمية إل بالدولة ل: السلمية ،ول سبيل إلى ذلك إل إذا أخذنا السلم كام م ً 76
أخذناه عقيدة تحل العقدة الكبرى ،وتتركز عليها وجهة النظر في الحياة ،وأنظمة تنبثق عن هذه العقيدة ،أساسها كتاب ا وسنة رسوله ،وثروتها الثقافية هي الثقافة السلمية بما فيها ،مـن فقه ،وحديث ،وتفسير ،ولغة ،وغيرها ،ول سبيل إلى ذلك إل بحمل القيادة الفكرية السلمية حمل م ً كامل م ً بالدعوة إلى السلم ،وبإيجاد السلم كامل م ً في كل مكان، حتى إذا انتقل حمل القيادة الفكرية إلى المة بمجموعها والى الـدولة السلمية ،تقمنا بحمل القيادة الفكرية للعالم. هذا هو السبيل الوحيد للنهضة :حمل القيادة الفكرية السلمية للمسلمين لستئنا ف الحياة السلمية ،ثم حملها للناس كافة عن طريق الدولة السلمية.
77
كيفية حمل الدعوة السلمية لم يتخلف المسلمون عن ركب العالم نتيجة لتمسكهم بدينهم ،وإنما بدأ تخلفهم يوم تركوا هذا التمسك وتساهلوا فيه ،وسمحوا للحضارة الجنبية أن تدخل ديارهم، وللمفاهيم الغربية أن تحتل أذهانهم ،يوم أن تخلوا عن القيادة الفكرية في السلم حين تقاعسوا عن دعوته، وأساءوا تطبيق أحكامه .فل بد أن يستأنفوا حياة إسلمية حتى يتاح لهم النهوض ،ولن يستأنفوا هذه الحياة السلمية إل إذا حملوا الدعوة السلمية ،بحمل تقيادة السلم الفكرية، وأوجدوا بهذه الدعوة دولة إسلمية تحمل القيادة الفكرية بحمل دعوة السلم. ويجب أن يكون واضحا أن حمل القيادة الفكرية بحمل الدعوة السلمية لنهاض المسلمين ،إنما هو لن السلم وحده هو الذي يصلح للعالم .ولن النهضة الحقيقية ل تكون إل به ،سواء المسلمون أو غيرهم .وعلى هذا الساس يجب أن تحمل دعوة السلم. ويجب أن يحرص على حمل هذه الدعوة تقيادة فكرية للعالم تنبثق عنها النظم ،وعلى هذه القيادة الفكرية تبنى
78
جميع الفكار ،ومن هذه الفكار تنبثق كافة المفاهيم التي تؤثر في وجهة النظر في الحياة دون استثناء. وتحمل الدعوة السلمية اليوم كما حملت من تقبل، ويسار بها إتقتداء برسول ا صلى ا عليه وسلم دون حيد تقيد شعرة عـن تلك الطريقة في كلياتها وجزئياتها ،ودون أن يحسب لختل ف العصور أي حساب ،لن الذي اختلف هو الوسائل والشكال ،وأما الجوهر والمعنى فهو هو لم يختلف ،ولن يختلف ،مهما تعاتقبت العصور ،واختلفت الشعوب والتقطار. ولذلك فان حمل الدعوة السلمية يقتضي الصراحة والجرأة ،والقوة والفكر ،وتحدى كل ما يخالف الفكرة والطريقة ،ومجابهته لبيان زيفه ،بغض النظر عن النتائج، وعن الوضاع. ويقتضي حمل الدعوة السلمية أن تكون السيادة المطلقة للمبدأ السلمي ،بغض النظر عما إذا وافق جمهور الشعب أم خالفهم ،وتمشى مع عادات الناس أم ناتقضها، وتقبل به الناس أم رفضوه وتقاوموه .فحامل الدعوة ل يتملق الشعب ول يداهنه ،ول يداجي من بيدهم المور ول يجاملهم .ول يعبأ بعادات الناس وتقاليدهم ،ول يحسب لقبول الناس إياه أو رفضهم له أي حساب ،بل يتمسك 79
بالمبدأ وحده ،ويصرح بالمبدأ وحده ،دون أن يدخل في الحساب أي شيء سوى المبدأ .ول يقال لصحاب المبادئ الخرى تمسكوا بمبدئكم ،بل يدعون بل إكراه إلى المبدأ ليعتنقوه ،لن الدعوة تقتضي أن ل يكون غيره ،وأن تكون السيادة له وحده هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون . فرسول ا صلى ا عليه وسلم جاء إلى العالم برسالته متحديا سافرا مؤمنا بالحق الذي يدعو إليه ،يتحدى الدنيا بأكملها ،ويعلن الحرب على الحمر والسود من الناس، دون أن يحسب أي حساب لعادات أو تقاليد ،أو أديان أو عقائد ،أو حكام أو سوتقة ،ولم يلتفت إلى أي شيء سوى رسالة السلم ،فقد بادأ تقريشا بذكر آلهتهم وعابها، وتحداهم في معتقداتهم وسفهها ،وهـو فرد أعزل ،ل عدة معه ،ول معين له ،ول سلح عنده سوى إيمانه العميق بالسلم الذي يدعو إليه .ولم يأبه بعادات العرب وتقاليدهم، ول بأديانهم وعقائدهم ،ولم يجاملهم بها ،ولم يراعهم في شأنها. وكذلك يكون حامل الدعوة السلمية سافرا متحديا كل شيء :متحديا العادات والتقاليد والفكار السقيمة والمفاهيم 80
المغلوطة ،متحديا حتى الرأي العام إذا كان خاطئا ،ولو تصدى لكفاحه ،متحديا العقائد والديان ،ولو تعرض لتعصب أهلها ،ونقمة الجامدين عـلى ضللـها. وحمل الدعوة السلمية يقتضي الحرص على تنفيـذ ل ،وعدم التساهل في أي شيء أحكام السلم تنفيذا كام م ً مهما تقل ،وحامل الدعوة ل يقبل المهادنة ول التساهل ،ول ل ،ويحسمه يقبل التفريط ول التأجيل ،وإنما يأخذ المر كـام م ً ل ،ول يقبل في الحق شفيعا ،فرسول ا صلى ا عاج م ً عليه وسلم لم يقبل من وفد ثـقيف أن يدع لهم صنمهم اللت ثلث سنين ل يهدمه ،وأن يعفيهم من الصلة على أن يدخلوا في السلم ،ولم يقبل أن يدع اللت سنتين أو شهرا كما طلبوا ،بل أبى ذلك كل الباء ،وكان إباؤه حاسما ل تردد فيه ول هوادة لن النسان إما أن يؤمن وإما أن ل يؤمن، لن النتيجة إما الجنة أو النار ،ولكنه عليه السلم تقبل أن ل يهدموا هم صنمهم اللت ،ووكل به أبا سفيان والمغيرة بن شعبة أن يهدماه .نعم لم يقبل إل العقيدة الكاملة ،والتنفيذ الذي تقتضيه ،أما الوسيلة والشكل فقد تقبلهما ،لنهما ل يتصلن بحقيقة هذه العقيدة ،ولذلك ل بد للدعوة السلمية من حرص على بقاء كمال الفكرة ،ومن حرص على كمال
81
تنفيذها ،دون أي تسامح في الفكرة أو الطريقة ،ول يضيرها أن تستعمل من الوسائل ما تشاء. وحمل الدعوة السلمية يقضي أن يكون كل عمل من أعمالها من أجل غاية معينة ،ويقتضي بأن يظل حامل الدعوة دائما يتصور هذه الغاية ،ويعمل دائما للوصول إليها، ويدأب دأبا ل راحة فيه لتحقيق الغاية .ولذلك تجده ل يرضى بالفكر دون العمل ،ويعتبره فلسفة خيالية مخدرة ،ول يرضى بالفكر والعمل لغير غاية ،ويعتبره حركة لولبية تنتهي بالجمود واليأس ،بل يصر على اتقتران الفكر بالعمل ،وعلى جعل الفكر والعمل معا مـن أجل غاية يحققها عمليا ويبرزها للوجود .فالرسول عليه السلم حمل القيادة الفكرية في مكة ،حتى إذا وجد مجتمع مكة ل يحقق جعل السلم نظاما للمجتمع يعمل به ،هيأ مجتمع المدينة ،ثم أوجد الدولة ،وطبق السلم ،وحمل رسالته ،وهيأ المة لتحمله من بعده ،وتسير في الطريق التي رسمها لها .ولذلك ل بد أن يكون حمل الدعوة السلمية في حال عدم وجود خليفة للمسلمين شامل م ً الدعوة إلى السلم ،والى استئنا ف حياة إسلمية بالعمل ليجاد الدولة السلمية التي تطبق السلم، وتحمل رسالته للعالم ،فتنقل من دعوة لستئنا ف حياة
82
إسلمية في المة إلى حمل الدولة الدعوة إلى العالم ،ومن دعوة محلية في العالم السلمي إلى دعوة عالمية. والدعوة إلى السلم ل بد أن يبرز فيها تصحيح العقائد، وتقوية الصلة بالله ،وأن تبين للناس حل مشاكلهم ،حتى تكون هـذه الدعوة حية في جميع ميادين الحياة .فالرسول صلى ا عليه وسلم كان يتلو على الناس في مكة :تبت يدا أبى لهب ويتلو عليهم في نفس الوتقت :إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر ،تقلي ل م ً ما تؤمنون ويتلو عليهم في مكة :ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ويتلو عليهم :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها النهار ،ذلك الفوز الكبير ويتلو عليهم في المدينة :وأتقيموا الصلة وآتوا الزكاة كمـــا يتلو عليهم :انفروا خفافا وثقا ل م ً وجاهدوا بأمـوالكم وأنفسكم في سبيل ا ويتلو عليهم :يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بــدين إلى أجل مسمى فأكتبوه ويتلو عليهم :كي ل يكون دولـة بين الغنياء منكم ويتلو ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ولذلك ل بد أن تكون الدعوة السلمية حاملة للناس النظمة 83
التي يعالجون بها مشاكل حياتهم ،لن سر نجاح الدعوة السلمية هو كونها حية تعالج النسان كله كانسان ،وتحدث فيه كله النقلب الشامل. ول يتأتى لحملة هذه الدعوة أن يضطلعوا بالمسئولية، ويقوموا بالتبعات ،إل إذا غرسوا في نفوسهم النزوع إلى الكمال ،وكانوا ينقبون دائما عن الحقيقة ،ويقلبون دائما في كل ما عرفوه ،حتى ينقوا منه كـل ما يعلق به من شيء غريب عنه ،ويبعدوا عنه كل ما يكون من تقربه منه احتمال أن يلصق به ،حتى تظل الفكار التي يحملونها نقية صافية، وصفاء الفكار ونقاؤها هو الضمان الوحيد للنجاح، ولستمرار النجاح. ثم على حملة هذه الدعوة أن يؤدوا واجبها كواجب كلفهم به ا ،وأن يقبلوا عليه متهللين مستبشرين برضا ا، وان ل يبتغوا من عملهم جزاء ،ول ينتظروا من الناس شكرا، وأن ل يعرفوا إل طلب رضوان ا.
84
الحضارة السلمية هنالك فرق بين الحضارة والمدنية ،فالحضارة هي مجموع المفاهيم عن الحياة ،والمدنية هي الشكال المادية للشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة .وتكون الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في الحياة ،في حين تكون المدنية خاصة وعامة.فالشكال المدنية التي تنتج عن الحضارة كالتماثيل تكون خاصة ،والشكال المدنية التي تنتج عن العلم وتقدمه والصناعة ورتقيها ،تكون عامة ،ول تختص بها أمة من المم ،بل تكون عالمية كالصناعة والعلم. وهذا التفريق بين الحضارة والمدنية يلزم أن يلحظ دائما ،كما يلزم أن يلحظ التفريق بين الشكال المدنية الناجمة عن الحضارة ،وبين الشكال المدنية الناجمة عن العلم والصناعة .وذلك ليلحظ عند أخذ المدنية التفريق بين أشكالها ،والتفريق بينها وبين الحضارة .فالمدنية الغربية الناجمة عن العلم والصناعة ل يوجد ما يمنع من أخذها ،وأما المدنية الغربية الناجمة عن الحضارة الغربية فل يجوز أخذها بحال ،لنه ل يجوز أخذ الحضارة الغربية ،لتناتقضها مع الحضارة السلمية ،في الساس الذي تقوم عليه ،وفي تصوير الحياة الدنيا ،وفي معنى السعادة للنسان. 85
أما الحضارة الغربية فإنها تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة ،وإنكار أن للدين أثرا في الحياة ،فنتج عن ذلك فكرة فصل الدين عن الدولة .لنها طبيعية عند من يفصل الدين عن الحياة ،وينكر وجود الدين في الحياة .وعلى هذا الساس تقامت الحياة ،وتقام نظام الحياة .أما تصوير الحياة فانه المنفعة ،لنها هي مقياس العمال ،ولـذلك كانت النفعية هي التي يقوم عليها النظام ،وتقوم عليها الحضارة، ومن هنا كانت النفعية هي المفهوم البارز في النظام ،وفي الحضارة ،لنها تصور الحياة بأنها منفعة .ولذلك كانت السعادة عندهم إعطاء النسان أكبر تقسط من المتعة الجسدية وتوفير أسبابها له .ولهذا كـانت الحضارة الغربية حضارة نفعية بحتة ،ل تقيم لغير المنفعة أي وزن ،ول تعتر ف إل بالنفعية ،وتجعلها هـي المقياس للعمال .وأما الناحية الروحية فهي فردية ل شأن للجماعة بها ،وهي محصورة في الكنيسة ورجال الكنيسة .ولذلك ل توجد في الحضارة الغربية تقيم أخلتقية ،أو روحية ،أو إنسانية ،وإنما توجد تقيم مادية ونفعية فقط .وعلى هذا الساس جعلت العمال النسانية تابعة لمنظمات منفصلة عن الدولة، كمؤسسة الصليب الحمر ،والرساليات التبشيرية ،وعزلت عن الحياة كل تقيمة إل القيمة المادية وهي الربح .فكانت 86
الحضارة الغربية هي هذه المجموعة من المفاهيم عن الحياة. أما الحضارة السلمية فإنها تقوم على أساس هو النقيض من أساس الحضارة الغربية ،وتصويرها للحياة غير تصوير الحضارة الغربية لها ،ومفهوم السعادة فيها يختلف عن مفهومها في الحضارة الغربية كل الختل ف .فالحضارة السلمية تقوم على أساس اليمان بالله ،وأنه جعل للكون والنسان والحياة نظاما يسير بموجبه ،وانه أرسل سيدنا محمد صلى ا عليه وسلم بالسلم دينا ،أي أن الحضارة السلمية تقوم على أساس العقيدة السلمية ،وهي اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله وباليوم الخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من ا تعالى .فكانت العقيدة هي الساس للحضارة ،فهي تقائمة على أساس روحي. أما تصوير الحياة في الحضارة السلمية فانه يتمثل في فلسفة السلم التي انبثـقت عن العقيدة السلمية ،والتي تقوم عليها الحياة ،وأعمال النسان في الحياة ،هذه الفلسفة التي هي مزج المادة بالروح ،أي جعل العمال مسيرة بأوامر ا ونواهيه ،هي الساس لتصوير الحياة. فالعمل النساني مادة ،وإدراك النسان صلته بالله حين القيام بالعمل من كون هذا العمل حلل م ً أو حراما هو الروح. 87
فحصل بذلك مزج المادة بالروح .وبناء على ذلك كان المسير لعمال المسلم هو أوامر ا ونواهيه .والغاية من تسيير أعماله بأوامر ا ونواهيه ،هي رضوان ا تعالى ،وليس النفعية مطلقا .أما القصد من القيام بنفس العمل فهو القيمة التي يراعى تحقيقها حين القيام بالعمل .وهذه القيمة تختلف باختل ف العمال .فقد تكون تقيمة مادية كمن يتاجر بقصد الربح ،فان تجارته عمل مادي ،ويسيره فيها إدراكه لصلته بالله حسب أوامره ونواهيه ابتغاء رضوان ا. والقيمة التي يراعى تحقيقها من القيام بالعمل هي الربح، وهو تقيمة مادية. وتقد تكون القيمة روحية ،كالصلة والزكاة والصوم والحج .وتقد تكون القيمة أخلتقية ،كالصدق والمانة والوفاء. وتقد تكون القيمة إنسانية ،كإنقاذ الغريق وإغاثة الملهو ف. وهـذه القيم يراعيها النسان حين القيام بالعمل حتى يحققها .إل أنها ليست المسيرة للعمال ،وليست المثل العلى الذي يهد ف إليه ،بل هي القيمة من العمل وتختلف باختل ف نوعه. وأما السعادة فهي نيل رضوان ا ،وليست إشباع جوعات النسان ،لن إشباع جوعات النسان جميعها ،مـن جوعات الحاجات العضوية ،وجوعات الغرائز ،هو وسيلة 88
لزمة للمحافظة على ذات النسان ،ول يلزم من وجودها السعادة .هذا هو تصوير الحياة .وهذا هو الساس الذي يقوم عليه هذا التصوير .وهو الساس للحضارة السلمية. وإنها لتناتقض الحضارة الغربية كل المناتقضة ،كما أن الشكال المدنية الناجمة عنها تناتقض الشكال المدنية ل :الصورة شكل مدني، الناجمة عن الحضارة الغربية .فمث م ً والحضارة الغربية تعتبر صورة امرأة عارية تبرز فيها جميع مفاتنها شكل م ً مدنيا ،يتفق مع مفاهيمها في الحياة عن المرأة .ولذلك يعتبرها الغربي تقطعة فنية يعتز بها كشكل مدني ،وتقطعة فنية إذا استكملت شروط الفن ،ولكن هذا الشكل يتناتقض مع حضارة السلم ،ويخالف مفاهيمه عن المرأة التي هي عرض يجب أن يصان ،ولذلك يمنع هذا التصوير لنه يسبب إثارة غريزة النوع ويؤدي إلى فوضوية الخلق .ومثل ذلك أيضا ما إذا أراد المسلم أن يقيم بيتا وهو شكل مدني ،فانه يراعي فيه عدم انكشا ف المرأة في حال تبذلها لمن هو خارج البيت ،فيقيم حوله سورا ،بخل ف الغربي فانه ل يراعي ذلك حسب حضارته .وهكذا كافة ما ينتج من الشكال المدنية عن الحضارة الغربية كالتماثيل ونحوها .وكذلك الملبس ،فإنها إن كانت خاصة بالكفار باعتبارهم كفارا لم يجز للمسلم أن يلبسها ،لنها تحمل وجهة 89
نظر معينة ،وان لم تكن كذلك بأن تعارفوا على ملبس معينة ل باعتبار كفرهم ،بل أخذوها لحاجة أو زينة فإنها تعد حينئذ من الشكال المدنية العامة ويجوز استعمالها. أما الشكال المدنية الناتجة عن العلم والصناعة كأدوات المختبرات واللت الطبية والصناعية ،والثاث والطنافس وما شاكلها ،فإنها أشكال مدنية عالمية ل يراعى في أخذها أي شيء ،لنها ليست ناجمة عن الحضارة ،ول تتعلق بها. ونظرة خاطفة للحضارة الغربية التي تتحكم في العالم اليوم ،ترينا أن الحضارة الغربية ل تستطيع أن تضمن للنسانية طمأنينتها ،بل إنها على العكس من ذلك سببت هذا الشقاء الذي يتقلب العالم على أشواكه ،ويصطلي بناره. والحضارة التي تجعل أساسها فصل الدين عن الحياة خلفا لفطرة النسان ،ول تقيم للناحية الروحية وزنا في الحياة العامة ،وتصور الحياة بأنها المنفعة فقط ،وتجعل الصلة بين النسان والنسان في الحياة هي المنفعة ،هذه الحضارة ل تنتج إل شقاء وتقلقا دائمين ،فما دامت هذه المنفعة هي الساس ،فالتنازع عليها طبيعي ،والنضال في سبيلها طبيعي، والعتماد على القوة في إتقامة الصلت بين البشر طبيعي. ولذلك يكون الستعمار طبيعيا عند أهل هذه الحضارة، وتكون الخلق مزعزعة ،لن المنفعة وحدها ستظل هي 90
أساس الحياة .ولهذا فمن الطبيعي أن تنفي من الحياة الخلق الكريمة كما نفيت منها القيم الروحية ،وأن تقوم الحياة على أساس التنافس والنضال والعتداء والستعمار. وما هو واتقع في العالم اليوم من وجود أزمات روحية في نفوس البشر ،ومن تقلق دائم وشر مستطير ،خير دليل على نتائج هذه الحضارة الغربية ،لنها هي التي تتحكم في العالم وهي التي أدت إلى هذه النتائج الخطيرة والخطرة على النسانية. ونظرة إلى الحضارة السلمية التي تحكمت في العالم منذ القرن السادس الميلدي حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلدي ،ترينا أنها لم تكن مستعمرة ،وليس من طبعها الستعمار ،لنها لم تفرق بين المسلمين وغيرهم ،فضمنت العدالة لجميع الشعوب التي دانت لها طوال مدة حكمها، لنها حضارة تقوم على الساس الروحي الذي يحقق القيم جميعها :من مادية ،وروحية ،وأخلتقية ،وإنسانية .وتجعل الوزن كله في الحياة للعقيدة .وتصور الحياة بأنها مسيرة بأوامر ا ونواهيه ،وتجعل معنى السعادة بأنها رضوان ا، وحين تسود هذه الحضارة السلمية كما سادت من تقبل، فإنها ستكفل معالجة أزمات العالم ،وتضمن الرفاهية للنسانية جمعاء. 91
92
نظام السلم السلم هو الدين الذي أنزله ا على سيدنا محمد صلى ا عليه وسلم بتنظيم علتقة النسان بخالقه ،وبنفسه، وبغيره من بني النسان .وعلتقة النسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات ،وعـلتقته بنفسه تشمل الخلق والمطعومات والملبوسات ،وعلتقته بغيره من بني النسان تشمل المعاملت والعقوبات .فالسلم مبدأ لشؤون الحياة جميعا ،وليس دينا لهوتيا ،ول يتصل بالكهنوتية بسبب .وانه ليقضي على الوتوتقراطية الدينية ) الستبداد الديني ( فل يوجد في السلم جماعة تسمى رجال دين ،وجماعة تسمى رجال الدنيا ،بل جميع من يعتنقون السلم يسمون مسلمين ،وكلهم أمام الدين سواء .فل يوجد فيه رجال روحيون ،ورجال زمنيون.والناحية الروحية فيه هي كون الشياء مخلوتقة لخالق ،ومدبرة بأمر هذا الخالق .لن النظرة العميقة للكون والنسان والحياة ،ومـا حولها وما يتعلق بها ،والستدلل بذلك يري النسان النقص والعجز والحتياج المشاهد الملموس في هذه الشياء جميعها ،مما يدل دللة تقطعية على أنها مخلوتقة لخالق ،ومدبرة بأمره، وأن النسان وهو سائر في الحياة ل بد له من نظام ينظم 93
غرائزه وحاجاته العضوية .ول يتأتى هذا النظام من النسان.لعجزه وعدم إحاطته .ولن فهمه لهذا التنظيم عرضة للتفاوت والختل ف والتناتقض مما ينتج النظام المتناتقض المؤدي إلى شقاء النسان .ولذلك كان حتما أن يكون النظام من ا تعالى .ولهذا كان لزاما على النسان أن يسير أعماله بنظام من عند ا .إل أن هذا التسيير بالنظام إن كان بناء على منفعة هذا النظام ،ولم يكن بناء على أنه من ا ،ل تكون فيه ناحية روحية .بل ل بد أن يكون تنظيم النسان أعماله في الحياة بأوامر ا ونواهيه ،بناء على إدراكه صلته بالله ،حتى توجد الروح في العمال .أي ل بد من إدراك النسان صلته بالله ،وبناء على إدراكه لهذه الصلة بالله يسير أعماله بأوامر ا ونواهيه ،حتى توجد الروح عند القيام بالعمال ،إذ الروح هي إدراك النسان صلته بالله ،ومعنى مزجها مع المادة ،هو وجود الدراك للصلة بالله حين القيام بالعمل ،فيسير بأوامر ا ونواهيه بناء على إدراك هذه الصلة بالله .فالعمل مادة ،وإدراك الصلة بالله حين القيام به هو الروح ،فصار تسيير العمل بأوامر ا ونواهيه بناء على إدراك الصلة هو مزج المادة بالروح .ومن هنا لم يكن تسيير غير المسلم أعماله بالحكام الشرعية المستنبطة من القرآن والسنة تسييرا بالروح ،ول متحققا فيه 94
معني مزج المادة بالروح ،لنه لم يؤمن بالسلم ،فلم يدرك الصلة بالله ،بل أخذ الحكام الشرعية نظاما أعجبه فنظم به أعماله ،بخل ف المسلم فقد كان تقيامه بأعماله وفق أوامر ا ونواهيه مبنيا على إدراكه لصلته بالله وكانت غايته من تسيير أعماله بأوامر ا ونواهيه هي رضوان ا ،ل النتفاع بالنظام فقط .وعلى ذلك ل بد من وجود الناحية الروحية في الشياء ،و ل بد من الروح حين القيام بالعمال .على أن يكون واضحا دائما عند الجميع أن الناحية الروحية تعني كون الشياء مخلوتقة لخالق خلقها ،أي هي صلة المخلوق بالخالق ،وان الروح هي إدراك هذه الصلة ،أي إدراك النسان صلته بالله تعالى .هذه هي الناحية الروحية ،وهذه هي الروح .وهذا وحده هو المفهوم الصحيح ،وما عداه مفهوم مغلوط تقطعا .والنظرة العميقة المستنيرة إلى الكون والحياة والنسان هي التي أدت إلى النتائج الصادتقة ،وهي التي أدت إلى هذا المفهوم الصحيح. وتقد نظرت بعض الديان إلى أن الكون فيه المحسوس والمغيب ،والنسان فيه السمو الروحي والنزعة الجسدية، والحياة فيها الناحية المادية والناحية الروحية ،وأن المحسوس يتعارض مع المغيب ،وأن السمو الروحي ل يلتقي مـع النزعة الجسدية ،وأن المادة منفصـلة عن الروح. 95
ولذلك فهاتان الناحيتان منفصلتان عندهم ،لن التعارض بينهما أساسي في طبيعتهما ،ول يمكن امتزاجهما ،وأن كل ترجيح لحداهما في الميزان فيه تخفيض لوزن الخرى. ولهذا كان على مريد الخرة أن يرجح الناحية الروحية .ومن هنا تقامت في المسـيحية سلطتان :السلطة الروحية، والسلطة الزمنية )أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ( وكان رجال السلطة الروحية هم رجال الدين وكهنته ،وكانوا يحاولون أن تكون السلطة الزمنية بأيديهم ،حتى يرجحوا عليها السلطة الروحية في الحياة ،ومن ثم نشأ النزاع بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية .وأخيرا تم جعل رجال الدين مستقلين بالسلطة الروحية ،ل يتدخلون بالسلطة الزمنية ،وتقد فصل الدين عن الحياة لنه كهنوتي ،وهذا الفصل بين الدين والحياة ،هو عقيدة المبدأ الرأسمالي ،وهو أساس الحضارة الغربية ،وهو القيادة الفكرية التي يحملها الستعمار الغربي للعالم ويدعو لها ،ويجعلها عماد ثقافته، ويزعزع على أساسها عقيدة المسلمين بالسلم ،لنه يقيس السلم بالمسيحية على طريقة القياس الشمولي .فكل مـــن يحمل هذه الدعوة )) فصل الدين عن الحياة (( أو فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة ،إنما هو تابع وموجه بتوجيه القيادة الفكرية الجنبية ،وعامل – بحسن نية أو 96
بسوئها – من عمـلء الستعمار .وهو جاهل بالسلم أو معاد له. وأما السلم فيرى أن الشياء التي يدركها الحس هي أشياء مادية ،والناحية الروحية هي كونها مخلوتقة لخالق، والروح هي إدراك النسان صلته بالله ،وعلى ذلك ل توجد ناحية روحية منفصلة عن الناحية المادية ،ول توجد في النسان أشـواق روحـية ونزعـات جسدية ،بل النسان فيه حـاجات عضوية ،وغرائز ،ل بد من إشباعها ،ومن الغرائز غريزة التدين التي هي الحتياج إلى الخالق المدبر الناشئ عن العجز الطبيعي في تكوين النسان .وإشباع هذه الغرائز ل يسمى ناحية روحية ول ناحية مادية ،وإنما هو إشباع فقط .إل أن هذه الحاجات العضوية والغرائز إذا أشبعت بنظام من عند ا بناء على إدراك الصلة بالله كانت مسيرة بالروح ،وان أشبعت بدون نظام ،أو بنظام من عند غير ا ،كان إشباعا ماديا بحتا يؤدي إلى شقاء النسان. فغريزة النوع إن أشبعت من غير نظام أو بنظام من عند غير ا كان ذلك مسببا للشقاء ،وان أشبعت بنظام الزواج الذي من عند ا حسب أحكام السلم كان زواجا موجدا للطمأنينة .وغريزة التدين إن أشبعت من غير نظام أو بنظام من عند غير ا بعبادة الوثان أو عبادة النسان ،كان ذلك 97
إشراكا وكفرا ،وان أشبعت بأحكام السلم كان ذلك عبادة. ولهذا كان لزاما أن تراعى الناحية الروحية في الشياء ،وأن تسير جميع العمال بأوامر ا ونواهيه ،بناء على إدراك النسان صلته بالله ،أي أن تسير بالروح ،ولذلك لم يكن في العمل الواحد شيئان اثنان ،بل الموجود شيء واحد هو العمل ،وأما وصفه بأنه مادي بحت ،أو مسير بالروح ،فانه ليس آتيا من نفس العمل ،بل آت من تسييره بأحكام السلم ،أو عدم تسييره بها .فقتل المسلم عدوه في الحرب يعتبر جهادا يثاب عليه ،لنه عمل مسير بأحكام السلم، وتقتل المسلم نفسا معصومة ) مسلمة أو غير مسلمة ( بغير حق يعتبر جريمة يعاتقب عليها ،لنه عمل مخالف لوامر ا ونواهيه .وكل العملين شيء واحد هو القتل ،صادر عن النسان ،فالقتل يكون عبادة حين يسير بالروح ،ويكون جريمة حين ل يسير بالروح .ولذلك كان لزاما على المسلم أن يسير أعماله بالروح ،وكان مزج المادة بالروح ليس أمرا ممكنا فحسب بل هو أمر واجب .ول يجوز أن تفصل المادة عن الروح ،أي ل يجوز أن يفصل أي عمل عن تسييره بأوامر ا ونواهيه بناء على إدراك الصلة بالله .ولهذا يجب أن يقضى على كل ما يمثل الناحية الروحية منفصلة عن الناحية المادية .فل رجال دين في السلم ،وليس فيه سلطة دينية 98
بالمعنى الكهنوتي ،ول سلطة زمنية منفصلة عن الدين ،بل السلم دين منه الدولة ،وهي أحكام شرعية كأحكام الصلة ،وهي طريقة لتنفيذ أحكام السلم وحمل دعوته. ويجب أن يلغى كل ما يشعر بتخصيص الدين بالمعنى الروحي وعزله عن السياسة والحكم ،فتلغى المؤسسات التي تشر ف على النواحي الروحية ،فتلغى إدارة المساجد وتكون إدارتها تابعة لدارة المعار ف ،وتلغى المحاكم الشرعية والمحاكم النظامية ،ويجعل القضاء واحدا ل يحكم إل بالسلم ،فسلطان السلم سلطان واحد. والسلم عقيدة ونظم ،أما العقيدة فهي اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله ،وباليوم الخر ،وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من ا تعالى .وتقد بنى السلم العقيدة على العقل فيما يدركه العقل ،كاليمان بالله ،وبنبوة محمد عليه السلم ،وبالقرآن الكريم ،وبناها في المغيبات ،أي ما ل يمكن للعقل أن يدركه كيوم القيامة والملئكة والجنة والنار على التسليم على أن يكون مصدرها ثابتا بالعقل وهو القرآن الكريم والحديث المتواتر .وتقد جعل السلم العقل مناط التكليف. أما النظم فهي الحكام الشرعية التي تنظم شؤون الحياة ،وتقد تناول نظام السلم جميع هذه الشؤون ،ولكنه 99
تناولها بشكل عام ،بمعان عامة ،وترك التفصيلت تستنبط من هذه المعاني العامة حين إجراء التطبيقات .فقد جاء القرآن الكريم والحديث الشريف يتضمنان خطوطا عريضة، أي معاني عامة لمعالجة شؤون النسان من حيث هو إنسان ،وترك للمجتهدين أن يستنبطوا من هذه المعاني العامة الحكام الجزئية ،للمشاكل التي تحدث على مر العصور واختل ف المكنة. وللسلم طريقة واحدة في معالجة المشاكل ،فهو يدعو المجتهد لن يدرس المشكلة الحادثة حتى يفهمها ،ثم يدرس النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المشكلة ،ثم يستنبط حل هذه المشكلة ،من النصوص ،أي يستنبط الحكم الشرعي لهذه المسألة من الدلة الشرعية ،ول يسلك طريقة غيرها، مطلقا .على أنه حين يدرس هذه المشكلة ،يدرسها باعتبارها مشكلة إنسانية ليس غير ،ل باعتبارها مشكلة اتقتصادية أو اجتماعية أو مشكلة حكم أو غير ذلك ،بل باعتبارها مسألة تحتاج إلى حكم شرعي ،حتى يعر ف حكم ا فيها.
100
)) الحكم الشرعي (( هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ،وهو إما أن يكون تقطعي الثبوت كالقرآن الكريم والحديث المتواتر ،أو ظني الثبوت كالحديث غير المتواتر :فان كان تقطعي الثبوت ينظر ،فان كان تقطعي الدللة يكون الحكم الذي تضمنه تقطعيا كركعات الفرائض كلها ،فإنها وردت في الحديث المتواتر ،وكتحريم الربا وتقطع يد السارق وجلد الزاني ،فإنها أحكام تقطعية ،والصواب فيها متعين ،وليس فيها إل رأي واحد تقطعي. وان كان خطاب الشارع تقطعي الثبوت ظني الدللة فان الحكم الذي تضمنه ظني مثل آية الجزية ،فإنها تقطعية الثبوت ،ولكنها ظنية الدللة في التفصيل ،فالحنفية يشترطون أن تسمى جزية ،وأن يظهر الذل على معطيها حين إعطائها. والشافعية ل يشترطون تسميتها جزية ،بل يصح أن تؤخذ باسم زكـاة مضاعفة ،ول ضرورة لظهار الذل ،بل يكفي الخضوع لحكام السلم. أما إن كان خطاب الشارع ظني الثبوت كالحديث غير المتواتر ،فيكون الحكم الذي تضمنه ظنيا ،سواء أكان تقطعي
101
الدللة كصيام ستة أيام من شوال فإنها ثبتت بالسنة ،أو ظني الدللة كمنع إجارة الرض فانه ثبت بالسنة. وخطاب الشارع يفهم منه الحكم الشرعي باجتهاد صحيح ،ولذلك كان اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر الحكم الشرعي ،وعلى ذلك فحكم ا في حق كل مجتهد هو ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه. فالمكلف إذا حصلت له أهلية الجتهاد بتمامها في مسألة من المسائل فان اجتهد فيها وأداه اجتهاده إلى حكم فيها، فقد اتفق الكل على انه ل يجوز له تقليد غيره من المجتهدين ،في خل ف ما أوجبه ظنه ،ول يجوز له ترك ظنه إل إذا تبنى الخليفة حكما شرعيا ،فانه يجب عليه حينئذ العمل بما أمر به الخليفة ،لن ما أدي إليه اجتهاده وغلب على ظنه هو حكم ا في المسألة وهو حكم شرعي ،ولن أمر المام يرفع الخل ف .أما إذا لم يجتهد من له أهلية الجتهاد فانه يجوز له تقليد غيره من المجتهدين ،لن إجماع الصحابة منعقد على انه يجوز للمجتهد أن يترك اجتهاده ويقلد غيره من المجتهدين. وأما من ليس له أهلية الجتهاد فهو المقلد ،وهو تقسمان متبع وعامي ،فالمتبع هو الذي لم يكن محصل م ً لبعض العلوم المعتبرة في الجتهاد ،فانه يقلد المجتهد بعد أن 102
يعر ف دليله ،وحينئذ يكون حكم ا في حق هـذا المتبع هو تقول المجتهد الذي اتبعه .وأما العامي فهو الذي لم يكن محصل م ً لبعض العلوم المعتبرة في الجتهاد فانه يقلد المجتهد دون أن يعر ف دليله .وهذا العامي يلزمه تقليد تقول المجتهدين والخذ بالحكام التي استنبطوها ،ويكون الحكم الشرعي في حقه هو الذي استنبطه المجتهد الذي تقلده. وعلى ذلك فالحكم الشرعي هـو الذي استنبطه مجتهد له أهلية الجتهاد ،وهو في حقه حكم ا ل يجوز له أن يخالفه ويتبع غيره مطلقا ،وكذلك هو في حق من تقلده حكم ا ل يجوز له أن يخالفه. والمقلد إذا تقلد بعض المجتهدين في حكم حادثة من الحوادث وعمل بقوله فيها ،فليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره مطلقا .وأما تقليد غير ذلك المجتهد في حكم آخر فانه يجوز له لما وتقع عليه إجماع الصحابة من تسويغ استفتاء المقلد لكل عالم في مسألة .وأما إذا عين المقلد مذهبا كمذهب الشافعي مثل م ً وتقال أنا على مذهبه وملتزم له فهناك تفصيل في ذلك وهو :أن كل مسألة من المذهب الذي تقلده اتصل عمله بها فليس له تقليد غيره فيها مطلقا ،وما لم يتصل عمله بها فل مانع من اتباع غيره فيها. وأما المجتهد فانه إذا توصل باجتهاده إلى حكم مسألة فانه 103
يجوز له أن يترك ما توصل إليه اجتهاده فيها وأن يقلد غيره إذا كان ذلك لجمع المسلمين على رأي واحد كما حصل مع عثمان عند بيعته.
104
أنواع الحكام الشرعية الحكام الشرعية هي الفرض ،والحرام ،والمندوب، والمكروه ،والمباح .والحكم الشرعي إما أن يكون بخطاب الطلب للفعل ،وإما أن يكون بخطاب الطلب للترك ،فإن كان بخطاب الطلب للفعل فهو إن تعلق بالطلب الجازم للفعل، فهو الفرض والواجب وكلهما بمعنى واحد .وإن تعلق بالطلب غير الجازم للفعل فهو الندب ،وإن تعلق بخطاب الطلب للترك فإن تعلق الطلب الجازم للترك فهو الحرام والمحظور ،وكلهما بمعنى واحد .وإن تعلق بالطلب غير الجـازم للترك فهو الكراهة .وعلى ذلك فالفرض والواجب هو ما يمدح فاعله ويذم تاركـه ،أو هو ما يستحق تاركه العقاب على تركه .والحرام هو ما يذم فاعله ويمدح تاركه، أو هو ما يستحق فاعله العقاب على فعله .والمندوب هـو ما يمدح فاعله ول يذم تاركه ،أو هو ما يثاب على فعله ول يعاتقب على تركه ،والمكروه هو ما يمدح تاركه ،أو هو ما كان تركه أولى من فعله .والمباح هو ما دل الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك.
105
السنة السنة في اللغة :الطريقة .وأما في الشرع فقد تطلق على ما كان نافلة منقولة عن النبي صلى ا عليه وعلى آله وسلم كركعات السنن ،فإنها تسمى سنة ،أي مقابل الفرض، وليس معنى تسميتها سنة أنها من النبي عليه السلم، والفرض من ا ،بل السنة والفرض من ا ،والرسول إنما هو مبلغ عن ا ،لنه ل ينطق عن الهوى ،إن هو إل وحي يوحى .فهي وإن كانت سنة منقولة عن النبي عليه السلم ولكنها منقولة نافلة ،فسميت سنة ،كما أن الفرض منقول فرضا فسمي فرضا ،فركعتا الفجر فرضا منقولة عن النبي عليه السلم بطريق التواتر فرضا ،وركعتا الفجر سنة كذلك ل ،وكلتاهما من ا تعالى منقولة عن النبي بطريق التواتر نف م ً وليستا من شخص الرسول .فالمر فرض .ونافلة في العبادات ،وفرض ومندوب في غيرها .فالنافلة هي نفس المندوب سميت نافلة وأطلق عليها سنة. وكذلك تطلق السنة على ما صدر عن الرسول من الدلة الشرعية مما ليس تقرآنا .ويدخل في ذلك أتقوال النبي وأفعاله وتقاريره -سكوته .-
106
التأسي بأفعال الرسول عليه الصلة والسلم الفعال التي صدرت عن النبي صلى ا عليه وعلى آله وسلم تقسمان ،منها ما كان من الفعال الجبلية ومنها ما سوى ذلك :أمـا الفعال الجبلية كالقيام ،والقعود ،والكل، والشرب ،ونحوه ،فل نزاع في كونها على الباحة بالنسبة إليه ولمته ،ولذلك ل تدخل في المندوب. وأما الفعال التي ليست جبيّلية فهي إما أن تكون مما ثبت كونها من خواصه التي ل يشاركه فيها أحد ،أو ل تكون من خواصه ،فان كانت مما ثبت كونها من خواصه ،صلى ا عليه وسلم ،وذلك كاختصاصه بإباحة الوصال في الصوم ،أي مواصلة النهار بالليل في الصوم ،وكالزيادة في النكاح على أربعة نسوة إلى غير ذلك من خصائصه ،فل يجوز لنا أن نشاركه بها ،فقد ثبت أنها من خواصه بالجماع ،ولذلك ل يجوز التأسي به فيها. وأما ما عر ف كون فعله بيانا لنا فهو دليل من غير خل ف، وذلك أما بصريح مقاله كقوله صلى ا عليه وعلى آله وسلم " صلوا كــــما رأيتموني أصلي " و " خذوا عني مناسككم " فانه دل على أن فعله بيان لنا لنتبعه ،وإما بقرائن الحوال، وذلك كقطعه يد السارق من الكوع بيانا لـقوله تعالى 107
فاتقطعوا أيديهما ،وهذا البيان في فعله بالقول أو تقرائن الحوال تابع للمبين في الوجوب أو الندب أو الباحة على حسب دللة الدليل. أما الفعال التي لم يقترن بها ما يدل على أنها للبيان ل نفيا ول إثباتا فهي إما أن يظهر فيها تقصد القربة وإما أن ل يظهر ،فان ظهر فيها تقصد القربة فهي تدخل في المندوب يثاب المرء على فعلها ول يعاتقب على تركها مثل سنة الضحى ،وان لم يظهر فيها تقصد القربة فهي تدخل في المباح.
108
تبني الحكام الشرعية لقد كان المسلمون في عصر الصحابة يأخذون الحكام الشرعية بأنفسهم من الكتاب والسنة ،وكان القضاة حين يفصلون الخصومات بين الناس يستنبطون بأنفسهم الحكم الشرعي في كل حادثة تعرض عليهم ،وكان الحكام من أمير المؤمنين إلى الولة وغيرهم ،يقومون بأنفسهم باستنباط الحكام الشرعية لمعالجة كل مشكلة من المشاكل تعرض لهم أثناء حكمهم ،فأبو موسى الشعري و شريح كانا تقاضيين يستنبطان الحكام ويحكمان باجتهادهما ،وكان معاذ بن جبل واليا في أيام الرسول يستنبط الحكام ويحكم في وليته باجتهاده ،وكان أبو بكر وعمر في خلفتهما يستنبطان الحكام بأنفسهما ويحكم كل واحد منهما الناس بما يستنبطه هو ،وكان معاوية وعمرو بن العاص واليين، وكان كل واحد منهما يستنبط الحكام بنفسه ويحكم الناس في وليته ،بما استنبطه في اجتهاده ،ومع هذا الجتهاد لدى الولة والقضاة ،فقد كان الخليفة يتبنى حكما شرعيا خاصا يأمر الناس بالعمل به ،فكانوا يلتزمون العمل به ويتركون رأيهم ،واجتهادهم ،لن الحكم الشرعي إن أمر المام نافذ ظاهرا وباطنا ومن ذلك أن أبا بكر تبنى إيقاع الطلق الثلث 109
واحدة ،وتوزيع المال على المسلمين بالتساوي من غير نظر إلى القدم في السلم أو غير ذلك ،فاتبعه المسلمون في ذلك ،وسار عليه القضاة والولة .ولما جاء عمر تبنى رأيا في هاتين الحادثتين خل ف رأي أبي بكر ،فألزم وتقوع الطلق الثلث ثلثا .ووزع المال حسب القدم والحاجة بالتفاضل ل بالتساوي ،واتبعه في ذلك المسلمون وحكم به القضاة والولة .ثم تبنى عمر جعل الرض التي تغنم في الحرب غنيمة لبيت المال تبقى في يد أهلها ول تقسم على المحاربين ول على المسلمين فاتبعه في ذلك الولة والقضاة وساروا على الحكم الذي تبناه ،فكان الجماع )) إجماع الصحابة (( منعقدا على أن للمام أن يتبنى أحكاما معينة ويأمر بالعمل بها ،وعلى المسلمين طاعتها ولو خالفت اجتهادهم .والقواعد الشرعية المشهورة هي )) للسلطان أن يحدث من التقضية بقدر ما يحدث من مشكلت (( و )) أمر المام يرفع الخل ف (( و )) أمر المام نافذ ظاهرا وباطنا (( ولذلك صار الخلفاء بعد ذلك يتبنون أحكاما معينة ،فقد تبنى هارون الرشيد كتاب )) الخراج (( في الناحية التقتصادية وألزم الناس بالعمل بالحكام التي وردت فيه.
110
الدستور والقانون كلمة القانون اصطلح أجنبي ،ومعناه عندهم المر الذي يصدره السلطان ليسير عليه الناس ،وتقد عر ف القانون بأنه ))مجموع القواعد التي يجبر السلطان الناس عـلى اتباعها في علتقاتهم (( وتقد أطلق على القانون الساسي لكل حكومة كلمة الدستور ،وأطلق على القانون الناتج من النظام الذي نص عليه الدستور كلمة القانون .وتقد عر ف الدستور بأنه )) القانون الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، ويبين حدود واختصاص كل سلطة فيها (( أو )) القانون الذي ينظم السلطة العامة أي الحكومة ويحدد علتقاتها مع الفراد ويبين حقوتقها وواجباتها تقبلهم وحقوتقهم وواجباتهم تقبلها (( ،والدساتير مختلفة المنشأ ،منها ما صدر بصورة تقانون ،ومنها ما نشأ بالعادة والتقاليد كالدستور النجليزي، ومنها ما تولى وضعه لجنة من جمعية وطنية كان لها السلطان في المة وتقتئذ ،فسنت الدستور وبينت كيفية تنقيحه ثم انحلت هذه الهيئة وتقام مقامها السلطات التي أنشأها الدستور كما حدث في فرنسا وأمريكا .وللدستور والقانون مصادر أخذ منها ،وهي تقسمان :الول يقصد بـه المنبع الذي نبع منه الدستور والقانون مباشرة ،كالعادات ،والدين ،وآراء 111
الفقهاء ،وأحكام المحاكم ،وتقواعد العدل والنصا ف، ويسمى هذا بالمصدر التشريعي ،مثل دساتير بعض الدول ل .والثاني يقصد به المأخذ الغربية كإنجلترا وأمريكا مث م ً المشتق منه ،أو الذي نقل عنه الدستور أو القانون ،مثل دستور فرنسا ،ودساتير بعض الدويلت القائمة في العالم السلمي ،كتركيا ،ومصر ،والعراق ،وسوريا مثل م ً ويسمى هذا بالمصدر التاريخي. هذه خلصة الصطلح الذي تعنيه كلمتا دستور وتقانون، وهو في خلصته يعني أن الدولة تأخذ من مصادر متعددة، سواء أ كانت مصدرا تشريعيا ،أو مصدرا تاريخيا ،أحكـاما معينة ،تتبناها وتأمر بالعمل بها ،فتصبح هذه الحكام بعد تبنيها من تقبل الدولة دستورا ،إن كانت من الحكام العامة، وتقانونا ،أن كانت من الحكام الخاصة. والسؤال الذي يواجه المسلمين الن هو :هل يجوز استعمال هذا الصطلح أم ل يجوز ؟ والجواب على ذلك أن اللفاظ الجنبية التي لها معان اصطلحية ،إن كان اصطلحها يخالف اصطلح المسلمين ل يجوز استعمالها، مثل كلمة عدالة اجتماعية ،فإنها تعني نظاما معينا ،يتلخص في ضمان التعليم والتطبيب للفقراء ،وضمان حقوق العمال والموظفين .فان هذا الصطلح يخالف اصطلح المسلمين، 112
لن العدل عند المسلمين هو ضد الظلم ،وأما ضمان التعليم والتطبيب فهو لجميع الناس أغنياء وفقراء ،وضمان حقوق المحتاج والضعيف حق لجميع الناس الذين يحملون التابعية السلمية .سواء أ كانوا موظفين أو لم يكونوا ،وكانوا عمال م ً أو مزارعين أو غيرهم .أما إن كانت الكلمة تعني اصطلحا موجودا معناه عند المسلمين فيجوز استعمالها ،مثل كلمة ضريبة ،فإنها تعني المال الذي يؤخذ من الناس لدارة الدولة ،ويوجد لدى المسلمين مال تأخذه الدولة لدارة المسلمين ولذلك صح أن نستعمل كلمة ضرائب .وكذلك كلمة الدستور والقانون ،فإنها تعني تبني الدولة لحكام معينة تعلنها للناس وتلزمهم العمل بها وتحكمهم بموجبها ،وهذا المعنى موجود عند المسلمين .ولذلك ل نجد ما يمنع من جواز استعمال كلمتي دستور وتقانون .ويراد بهما الحكام التي تبناها الخليفة من الحكام الشرعية .إل أن هناك فرتقا بين الدستور السلمي والقوانين السلمية ،وبين غيرها من الدساتير والقوانين .فان باتقي الدساتير والقوانين مصدرها العادات وأحكام المحاكم الخ .ومنشؤها جمعية تأسيسية تسن الدستور ،ومجالس منتخبة مـن الشعب تسن القوانين، لن الشعب عندهم مصدر السلطات ،والسيادة للشعب .أما الدستور السلمي والقوانين السلمية فان مصدرها الكتاب 113
والسنة ليس غير ،ومنشؤها اجتهاد المجتهدين يتبنى الخليفة منه أحكاما معينة يأمر بها فيلزم الناس العمل بها .لن السيادة للشرع .والجتهاد لستنباط الحكام الشرعية حق لجميع المسلمين ،وفرض كفاية عليهم ،وللخليفة وحده حق تبني الحكام الشرعية. هذا من ناحية جواز استعمال الكلمتين دستور وتقانون، أما من ناحية وجود ضرورة تبني الحكام ،فالذي عليه المسلمون منذ أيام أبي بكر حتى آخر خليفة مسلم ،هو ضرورة تبني أحكام معينة يؤمر المسلمون بالعمل بها .لكن هذه التبني كان لحكام خاصة ،ولم يكن تبنيا عاما لجميع الحكام التي تحكم بها الدولة ،ولم تتبن الدولة تبنيا عاما إل في بعض العصور ،فقد تبنى اليوبيون مذهب الشافعي، وتبنت الدولة العثمانية مذهب الحنفية. والسؤال الذي يرد ،هو :هل من مصلحة المسلمين وضع دستور شامل وتقوانين عامة لهم أم ل ؟ والجواب على ذلك أن وجود دستور شامل وتقوانين عامة لجميع الحكام ل يساعد على البداع والجتهاد ،ولذلك كان يتجنب المسلمون في العصور الولي عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين تبني جميع الحكام من تقبل الخليفة ،بل كانوا يقتصرون في تبني الحكام على أحكام معينة ل بد من تبنيها لبقاء وحدة 114
الحكم والتشريع والدارة ،وعلى ذلك فالفضل ليجاد البداع والجتهاد أن ل يكون للدولة دستور شامل لجميع الحكام، بل يكون لها دستور يحوي الحكام العامة التي تحدد شكل الدولة ،وتضمن بقاء وحدتها .ويترك للولة والقضاة الجتهاد والستنباط ،غير أن هذا إنما يكون إذا كان الجتهاد متيسرا، وكان الناس مجتهدين كما هو الحال في عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ،أما إذا كان الناس جميعا مقلدين، ول يوجد بينهم مجتهدون إل نادرا ،فان من المحتم على الدولة أن تتبنى الحكام التي تحكم الناس بها ،سواء الخليفة ،والولة ،والقضاة ،لنه يتعسر الحكم بما أنزل ا من تقبل الولة والقضاة لعدم اجتهادهم إل تقليدا مختلفا ومتناتقضا ،والتبني إنما يكون بعـد الدرس ومعرفة الحادثة ومعرفة الدليل ،علوة على أن ترك الولة والقضاة يحكمون بما يعرفون يؤدي إلى اختل ف الحكام وتناتقضها في الدولة الواحدة ،بل في البلد الواحد ،بل تقد يؤدي إلى أن يحكم بغير ما أنزل ا .ولذلك كان لزاما على الدولة السلمية ،والحال من الجهل في السلم على ما هي عليه الن ،أن تتبنى أحكاما معينة ،وأن يكون هذا التبني في المعاملت، والعقوبات ل في العقائد والعبادات .وأن يكون هذا التبني عاما لجميع الحكام ،حتى تضبط شؤون الدولة .وتسير 115
جميع أمور المسلمين ،وفق أحكام ا .على أن الدولة حين تتبنى الحكام ،وتضع الدستور والقوانين ،يجب أن تتقيد بالحكام الشرعية فقط ،ول تأخـذ غيرها ،بل ل تدرس غيرها مطلقا ،فل تأخذ من غير الحكام الشرعية أي شيء، بغض النظر عما إذا وافق السلم أم خالفه ،فل تأخذ التأميم مثل م ً بل تضع حكم الملكية العامة .ولذلك يجب أن تتقيد بالحكام الشرعية في كل ما يتعلق بالفكرة والطريقة، أما القوانين والنظمة التي تتعلق بغير الفكرة والطريقة والتي ل تعبر عن وجهة نظر مثل القوانـين الدارية ،وترتيب الدوائر ،وما شاكل ذلك ،فإنها تعتبر من الوسيلة والسلوب، وهي كالعلوم والصناعات والفنون تأخذها الدولة وتنظم بها شؤونها ،كما فعل عمر بن الخطاب حين دون الدواوين فانه أخذها من الفارسية ،وهذه الشياء الدارية والفنية ليست من الدستور ،ول من القوانين الشرعية ،فل توضع في الدستور ،ولذلك كان واجب الدولة السلمية أن يكون دستورها أحكاما شرعية ،أي أن يكون دستورها إسلميا، وتقانونها إسلميا .وحين تتبنى أي حكم يجب أن تتبناه على أساس تقوة الدليل الشرعي ،مع الفهم الصحيح للمشكلة القائمة .ولذلك كان عليها أن تدرس المشكلة ،أول م ً لتفهمها، لن فـهم المشكلة ضروري جدا ،ثم تفهم الحكم الشرعي 116
الذي ينطبق على هذه المشكلة ،ثم تدرس دليل الحكم الشرعي ،ثم تتبنى هذا الحكم على أساس تقوة الدليل ،على أن تؤخذ هذه الحكام الشرعية إما من رأي مجتهد من المجتهدين ،بعد الطلع على الدليل والطمئنان إلى تقوته، وإما من الكتاب والسنة أو الجماع أو بالقياس ولكن باجتهاد شرعي ،ولو اجتهادا جزئيا وهو اجتهاد المسألة .فإذا أرادت ل ،عليها أن تدرس أول م ً أن تتبنى منع التأمين على البضاعة مث م ً ما هو التأمين على البضاعة ،حتى تعرفه ،ثم تدرس وسائل التملك ،ثم تطبق حكم ا في الملكية على التأمين وتتبنى الحكم الشرعي في ذلك .ولهذا كان ل بد أن تكون للدستور، ولكل تقانون ،مقدمة تبين بوضوح المذهب الذي أخذت منه كل مادة ،ودليله الذي اعتمد عليه ،أو تبين الدليل الذي استنبطت منه المادة إن كان استنباطها باجتهاد صحيح ،حتى يعر ف المسلمون أن الحكام التي تبنتها الدولة في الدستور والقانون هي أحكام شرعية ،مسـتنبطة باجتهـاد صحيح ،لن المسلمين ل يلزمون بطاعة الدولة فيما تحكم إل إذا كان حكما شرعيا تبنته الدولة .وعلى هذا الساس تتبنى الدولة أحكاما شرعية تكون دستورا وتقوانين ،لتحكم بها الناس الذين يحملون تابعيتها.
117
وعلى سبيل المثال نضع بين أيدي المسلمين مشروعا لدستور الدولة السلمية في العالم السلمي ،حتى يدرسه المسلمون وهم يعملون لتقامة الدولة السلمية لتحمل الدعوة السلمية إلى العالم .ول بد أن يلحظ أن هذا الدستور ليس مختصا بقطر معين ،بل هو للدولة السلمية في العالم السلمي ،ول يقصد به أي تقطر أو أي بلد مطلقا.
118
مشروع الدستور أحكام عامة المادة – 1العقيدة السلمية هي أساس الدولة ،بحيث ل يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها ،أو كل ما يتعلق بها ،إل بجعل العقيدة السلمية أسـاسا لـه .وهي في نفس الوتقت أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث ل يسمح بوجود شيء مما له علتقة بأي منهما إل إذا كان منبثقا عن العقيدة السلمية. المادة – 2يتبنى رئيس الدولة أحكاما شرعية معينة يسنها دستورا وتقوانين ،وإذا تبنى حكما شرعيا في ذلك صار هذا الحكم وحده هو الحكم الشرعي الواجب العمل به ،وأصبح حينئذ تقانونا نافذا وجبت طاعته على كل فرد من الرعية ظاهرا وباطنا. المادة - 3ل يتبنى رئيس الدولة أي حكم شرعي معين في العبادات ما عدا الزكاة والجهاد ،ول يتبنى أي فكر من الفكار المتعلقة بالعقيدة السلمية. المادة – 4جـميع الذين يحملون التابعية السلمية يتمتعون بالحقوق والواجبات الشـرعية. 119
المادة – 5ل يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك ،بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك. المادة – 6تنفذ الدولة الشرع السلمي على جميع الذين يحملون التابعية السلمية سواء أ كانوا مسلمين أم غير مسلمين على الوجه التالي: أ – تنفذ على المسلمين جميع أحكام السلم دون أي استثناء. ب – يترك غير المسلمين وما يعتقدون وما يعبدون. ج – المرتدون عن السلم يطبق عليهم حكم المرتد إن كانوا هم المرتدين ،فإذا كانوا أولد مرتدين وولدوا غير مسلمين فيعاملون معاملة غير المسلمين حسب وضعهم الذي هم عليه مـن كونهم مشركين أو أهل كتاب. د – يعامل غير المسلمين في أمور المطعومات والملبوسات حسب أديانهم ضمن ما تجيزه الحكام الشرعية.
120
هـ – تفصل أمور الزواج والطلق بين غير المسلمين حسب أديانهم ،وتفصل بينهم وبين المسلمين حسب أحكام السلم. و – تنفذ الدولة باتقي الحكام الشرعية وسائر أمور الشريعة السلمية من معاملت وعقوبات وبينات ونظم حكم واتقتصاد وغير ذلك على الجميع ،ويكون تنفيذها على المسلمين وعلى غير المسلمين على السواء ،وتنفذ كذلك على المعاهدين والمستأمنين وكل من هو تحت سلطان السلم كما تنفذ على أفراد الرعية إل السفراء والرسل وما شاكلهم فيعاملون في تصرفاتهم حسب ما يجري التفاق عليه مع دولهم. المادة – 7اللغة العربية هي وحدها لغة السلم وهي وحدها اللغة التي تستعملها الدولة. المادة – 8الجتهاد فرض كفاية ،ولكل مسلم الحق بالجتهاد إذا توفرت فيه شروطه. المادة – 9جميع المسلمين يحملون مسئولية السلم ،فل رجال دين في السلم ،وعلى الدولة أن تمنع كل ما يشعر بوجودهم من المسلمين.
121
المادة – 10حمل الدعوة السلمية هو العمل الصلي للدولة. المادة – 11الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس هي وحدها الدلة المعتبرة للحكام الشرعية .ول يجوز أن يؤخذ التشريع من غير هذه الدلة. المادة – 12الصل براءة الذمة ،ول يعاتقب أحد إل بحكم محكمة ،ول يجوز تعذيب أحد مطلقا ،وكل من يفعل ذلك يعاتقب. المادة – 13الصل في الفعال التقيد بالحكم الشرعي فل يقام بفعل إل بعد معرفة حكمه ،والصل في الشياء الباحة ما لم يرد دليل التحريم. المادة – 14الوسيلة إلى الحرام محرمة إذا تحقق فيها أمران :أحدهما أن تكون موصلة إلى الحرام حتما بحيث ل تتخلف ،وثانيهما أن يكون الفعل تقد ورد الشرع بتحريمه.
122
نظام الحكم المادة – 15نظام الحكم هو نظام وحدة وليس نظاما اتحاديا. المادة – 16يكون الحكم مركزيا والدارة ل مركزية. المادة – 17ل يجوز أن يتولى الحكم أو أي عمل يعتبر مـن الحكم إل رجل حر عدل ،ول يجوز أن يكون إل مسلما. المادة – 18محاسبة الحكام من تقبل المسلمين حق من حقوتقهم وفرض كفاية عليهم .ولغير المسلمين من أفراد الرعية الحق في إظهار الشكوى من ظلم الحاكم لهم ،أو إساءة تطبيق أحكام السلم عليهم. المادة – 19للمسلمين الحق في إتقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام ،أو الوصول للحكم عن طريق المة على شرط أن يكون أساسها العقيدة السلمية ،وأن تكون الحكام التي تتبناها أحكاما شرعية .ول يحتاج إنشاء الحزب لي ترخيص .ويمنع أي تكتل يقوم على غير أساس الإسلم. المادة – 20يقوم نظام الحكم على أربعة تقواعد هي: أ – السيادة للشرع ل للشعب. ب – السلطان للمة. 123
ج – نصب رئيس دولة واحد فرض على المسلمين. د – لرئيس الدولة وحده حق تبني الحكام الشرعية فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين. المادة – 21يقوم جهاز الدولة على سبعة أركان وهي: أ – رئيس الدولة. ب – المعاونون. ج – الولة. د – القضاة. هـ – الجهاز الداري. و – الجيش. ز – مجلس الشورى.
مجلس الشورى المادة – 22الشخاص الذين يمثلون المسلمين في الرأي ليرجع إليهم رئيس الدولة هم مجلس الشورى. ويجوز لغير المسلمين أن يكونوا في مجلس الشورى من أجل الشكوى من ظلم الحكام ،أو من إساءة تطبيق أحكام السلم. المادة – 23ينتخب أعضاء مجلس الشورى انتخابا.
124
المادة – 24لكل من يحمل التابعية إذا كان بالغا عاتقل الحق في أن يكون عضوا في مجلس الشورى رجل م ً كان أو امرأة مسلما كان أو غير مسلم ،إل أن عضوية غير المسلم تقاصرة على إظهار الشكوى من ظلم الحكام ،أو إساءة تطبيق السلم. المادة – 25الشورى هي أخذ الرأي مطلقا ،والمشورة هي أخذ الرأي الملزم .و ليس التشريع ول التعريف ول المور الفكرية ككشف الحقائق وكالمور الفنية والعلمية من المشورة ،وأما ما عداها من الراء فانه يدخل تحت المشورة. المادة – 26الشورى حق للمسلمين فحسب ول حق لغير المسلمين في الشورى ،وأما إبداء الرأي فانه يجوز لجميع أفراد الرعية مسلمين وغير مسلمين. المادة – 27المسائل التي تدخل تحت الشورى وتكون من نوع المشورة يؤخذ فيها برأي الكثرية بغض النظر عن كونه صوابا أم خطم ًأ .أمـا ما عداها مما يدخل تحت الشورى فيتحرى فيها عن الصواب ،بغض النظر عن الكثرية أو التقلية. المادة – 28لمجلس الشورى صلحيات أربع وهي:
125
أول م ً -أ -كل ما هو داخل تحت ما تنطبق عليه كلمة مشورة من المور الداخلية يجب أن يؤخذ رأي مجلس الشورى فيه ،وذلك مثل شؤون الحكم والتعليم والصحة والتقتصاد ونحوها .ويكون رأيه ملزما .وكل ما ليس داخل م ً تحت ما تنطبق عليه كلمة مشورة ل يجب أن يؤخذ رأي مجلس الشورى فيه ،فل يجب أن يؤخذ رأيه في السياسة الخارجية والمالية والجيش. ب – لمجلس الشورى الحق في المحاسبة على جميع العمال التي تحصل بالفعل في الدولة سواء أ كانت من المور الداخلية أم الخارجية أم المالية أم الجيش ،ورأيه ملزم فيما كان رأي الكثرية فيه ملزما ،وغير ملزم فيما كان رأي الكثرية فيه غير ملزم .وان اختلف مجلس الشورى والحكام على عمل من الناحية الشرعية يرجع فيه لرأي محكمة المظالم. ثانيا – لمجلس الشورى حق إظهار عدم الرضى من الولة أو المعاونين ويكون رأيه في ذلك ملزما وعلى رئيس الـدولة عزلهم في الحال. ثالثا – يحيل رئيس الدولة إلى مجلس الشورى الحكام التي يريد أن يتبناها في الدستور والقوانين .و 126
للمسلمين من أعضائه حق مناتقشتها وإعطاء الرأي فيها ،ورأيهم في ذلك غير ملزم. رابعا – للمسلمين من أعضاء مجلس الشورى حق حصر المرشحين لرئاسة الدولة ورأيهم في ذلك ملزم فل يقبل ترشيح غير من رشحهم.
رئاسة الدولة المادة – 29رئيس الدولة هو الذي ينوب عن المة في السلطان وفي تنفيذ الشرع. المادة – 30رئاسة الدولة عقد مراضاة واختيار ،فل يجبر أحـد على تقبولها ،ول يجبر أحد على اختيار من يتولها. المادة – 31لكل مسلم بالغ عاتقل رجل م ً كان أو امرأة الحق في انتخاب رئيس الدولة وفي بيعته ،ول حق لغير المسلمين في ذلك. المادة - 32إذا تم عقد رئاسة الدولة لواحد بمبايعة من يتم انعقاد البيعة بهم تكون حينئذ بيعة الباتقين بيعة طاعة ل بيعة انعقاد فيجبر عليها كل من يلمح فيه إمكانية التمرد.
127
المادة – 33ل يكون أحدا رئيسا للدولة إل إذا وله المسلمون ،ول يملك أحد صلحيات رئاسة الدولة إل إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي كأي عقد من العقود في السلم. المادة – 34يشترط في القطر أو البلد التي تبايع رئيس الدولة بيعة انعقاد أن يكون سلطانا ذاتيا يستند إلى المسلمين وحدهم ل إلى أي دولة كافرة ،وأن يكون أمان المسلمين في ذلك القطر داخليا وخارجيا بأمان السلم ل بأمان الكفر .أما بيعة الطاعة فحسب من البلد الخرى فل يشترط فيها ذلك. المادة – 35ل يشترط فيمن يبايع لرئاسة الدولة إل أن يكون مستكمل شروط النعقاد ليس غير ،وان لم يكن مستوفيا شروط الفضلية لن العبرة بشروط النعقاد. المادة – 36يشترط في رئيس الدولة حتى تنعقد له الرئاسة ل ،مسلما ،حرا ،بالغا، ستة شروط وهي :أن يكون رج م ً ل. عاتقل م ً عد م ً المادة – 37إذا خل منصب رئاسة الدولة بموت رئيسها أو اعتزاله ،أو عزله يجب نصب رئيس للدولة مكانه خلل ثلثة أيام من تاريخ خلو منصب رئاسة الدولة. 128
المادة – 38طريقة نصب رئيس الدولة هي: أ – يجري العضاء المسلمون في مجلس الشورى حصر المرشحين لهذا المنصب وتعلن أسماؤهم ثم يطلب من المسلمين انتخاب واحد منهم. ب – تعلن نتيجة النتخاب ويعر ف المسلمون من نال أكثر أصوات المنتخبين. ج – يبادر المسلمون بمبايعة من نال أكثر الصوات رئيسا للدولة على العمل بكتاب ا وسنة رسول ا صلى ا عليه وسلم. د – بعد تمام البيعة يعلن من أصبح رئيسا للدولة على المل حتى يبلغ خبر نصبه كافة المة ،مع ذكر اسمه وكونه يحوز الصفات التي تجعله أهل م ً لنعقاد رئاسة الدولة له. المادة – 39المة هي التي تنصب رئيس الدولة ولكنها ل تملك عزله متى تم انعقاد بيعته على الوجه الشرعي. المادة – 40رئيس الدولة هو الدولة ،فهو يملك جميع الصلحيات التي تكون للدولة ،فيملك الصلحيات التالية:
129
أ – هو الذي يجعل الحكام الشرعية حين يتبناها نافذة فتصبح حينئذ تقوانين تجب طاعتها ،ول تجوز مخالفتها. ب – هو المسئول عن سياسة الدولة الداخلية والخارجية معا ،وهو الذي يتولى تقيادة الجيش ،وله حق إعلن الحرب ،وعقد الصلح والهدنة وسائر المعاهدات. ج – هو الذي له تقبول السفراء الجانب و رفضهم، وتعيين السفراء المسلميـن وعزلهم. د – هو الذي يعين ويعزل المعاونين والولة ،وهم جميعا مسؤولون أمامه ،كما أنهم مسئولون أمام مجلس الشورى. هـ – هو الذي يعين ويعزل تقاضي القضاة ،ومديري الدوائر ،وتقواد الجيش وأمراء ألويته ،وهم جميعا مسئولون أمامه مسئولين أمام مجلس الشورى. و – هو الذي يتبنى الحكام الشرعية التي توضع بموجبها ميزانية الدولة وهو الذي يقرر فصول الميزانية والمبالغ التي تلزم لكل جهة سواء أ كان ذلك متعلقا بالواردات أم بالنفقات.
130
المادة – 41رئيس الدولة مقيد في التبنى في الحكام الشرعية فيحرم عليه أن يتبنى حكما لم يستنبط استنباطا صحيحا من الدلة الشرعية وهو مقيد بما تبناه من أحكام ،وبما التزمه من طريقة استنباط، فل يجوز له أن يتبنى حكما استنبط حسب طريقة تناتقض الطريقة التي تبناها ،ول أن يعطي أمرا يناتقض الحكام التي تبناها. المادة – 42لرئيس الدولة مطلق الحق في رعاية شئون الرعية حسب رأيه واجتهاده .إل انه ل يجوز له أن يخالف أي حكم شرعي بحجة المصلحة ،فل يمنع الرعية من استيراد البضائع بحجة المحافظة على ل ،ول يسعر على الناس بحجة منع صناعة البلد مث م ً ل ،ول يجبر المالك على تـأجير ملكه الستغلل مث م ً ل ،ول غير ذلك مما يخالف بحجة تسيير السكان مث م ً أحكام الشرع فل يجوز له أن يحرم مباحا أو يبيح حراما. المادة – 43ليس لرئاسة الدولة مدة محدودة ،فما دام رئيس الدولة محافظا على الشرع منفذا لحكامه، تقادرا على القيام بشؤون الدولة يبقى رئيسا للدولة ما
131
لم تتغير حاله تغيرا يخرجه عن رئاسة الدولة .فإذا تغيرت حاله هذا التغير وجب عزله في الحال. المادة – 44المور التي يتغير بها حال رئيس الدولة فيخرج بها عن رئاسة الدولة ثلثة أمور هي: أ – إذا اختل شرط من شروط انعقاد رئاسة الدولة، كأن ارتد أو فسق فسقا ظاهرا ،أو جن ،أو ما شاكل ذلك .لن هذه الشروط شروط انعقاد ،وشروط استمرار. ب – العجز عـن القيام بأعباء رئاسة الدولة لي سبب من السباب. ج – القهر الذي يجعله عاجزا عن التصر ف بمصالح المسلمين برأيه وفق الشرع .فإذا تقهره تقاهر إلى حد أصبح فيه عاجزا عن رعاية مصالح الرعية برأيه وحده حسب أحكام الشرع يعتبر عاجزا حكما عن القيام بأعباء الدولة فيخرج بذلك عن رئاسة الدولة. وهذا يتصور في حالتين: الحالة الولى – أن يتسلط عليه فرد واحد أو عدة أفراد من حاشيته فيستبدون بتنفيذ المور .فان كان مأمون الخلص من تسلطهم ينذر مدة معينة ثم إن لم يرفع 132
تسلطهم يخلع .وان لم يكن مأمون الخلص يخلع في الحال. الحالة الثانية – أن يصير مأسورا في يد عدو تقاهر، أما بأسره بالفعل ،أو بوتقوعه تحت تسلط عدوه ،وفي هذه الحال ينظر، فان كان مأمون الخلص يمهل حتى يقع اليأس من خلصه ،فان يئس من خلصه يخلع وان لم يكن مأمول الخلص يخلع في الحال. المادة – 45محكمة المظالم وحدها هي التي تقرر ما إذا كانت تقد تغيرت حال رئيس الدولة تغيرا يخرجه عن الرئاسة أم ل ،وهي وحدها التي لها صلحية عزله أو إنذاره.
المعاونون المادة – 46يعين رئيس الدولة معاونين له يتحملون مسئولية الحكم ،فيفوض إليهم تدبير المور برأيهم وإمضاءها على اجتهادهم. المادة – 47يشترط في المعاون ما يشترط في رئيس الدولة ،أي أن يكون رجل م ً حرا مسلما بالغا عاتقل م ً 133
ل ،ويشترط فيه علوة على ذلك أن يكون من عد م ً أهل الكفاية فيما وكل إليه من أعمال. المادة – 48يشترط في تقليد المعاون أن يشتمل على أمرين: أحدهما عموم النظر ،والثاني النيابة .ولذلك يجب أن يقول له رئيس الدولة تقلدتك ما هو إلى نيابة عني، أو ما في هذا المعنى من اللفاظ التي تشتمل على عموم النظر والنيابة .فان لم يكن التقليد على هذا الوجه ل يكون معاونا ،ول يملك صلحيات المعاون إل إذا كان تقليده على هذا الوجه. المادة - 49عمل المعاون هو مطالعة رئيس الدولة لما أمضاه من تدبير ،وأنفذه من ولية وتقليد ،حتى ل يصير في صلحياته كرئيس الدولة .فعمله أن يرفع مطالعته وأن ينفذ هذه المطالعة ،ما لم يوتقفه الخليفة عن تنفيذها. المادة – 50يجب على رئيس الدولة أن يتصفح أعمال المعاون وتدبيره للمور ،ليقر منها الموافق للصواب، ويستدرك الخطأ .لن تدبير شؤون المة موكول لرئيس الدولة ومحمول على اجتهاده هو.
134
المادة – 51إذا دبر المعاون أمرا وأتقره رئيس الدولة فان له أن ينفذه كما أتقره الرئيس ليس بزيادة ول نقصان. فان عاد رئيس الدولة وعارض المعاون في رد ما أمضاه ينظر ،فان كان في حكم نفذه على وجهه ،أو مال وضعه في حقه ،فرأي المعاون هو النافذ ،لنه بالصل رأي رئيس الدولة ،وليس لرئيس الدولة أن يستدرك ما نفذ من أحكام وأنفق من أموال .وان كان ما أمضاه المعاون في غير ذلك مثل تقليد وال أو تجهيز جيش ،جاز لرئيس الدولة معارضة المعاون، وينفذ رأي رئيس الدولة ،ويلغى عمل المعاون لن لرئيس الدولة الحق في أن يستدرك ذلك من فعل نفسه فله أن يستدركه من فعل معاونه. المادة – 52ل يخصص كل واحد من المعاونين بدائرة من الدوائر أو بقسم خاص من العمال ،لن وليتهم عامة .وكذلك ل يباشرون المور الدارية ،ويكون إشرافهم عاما على الجهاز الداري.
الجهاز الداري
135
المادة – 53الجهاز الداري تقسمان :أحدهما إدارة التنفيذ، والخر إدارة المصالح .وكلهما ليس من الحكم، ومن يتولون العمل فيهما أجراء وليسوا حكاما. المادة – 54إدارة التنفيذ هي جهاز لتنفيذ ما يصدر عن رئيس الدولة للجهات الداخلية والخارجية ،ولرفع ما يرد إليه من هذه الجهات ،فهي واسطة بين رئيس الدولة وغيره تؤدي عنه وتؤدى إليه. المادة – 55يشترط فيمن يتولى إدارة التنفيذ أن يكون مسلما لنه من بطانة رئيس الدولة. المادة – 56يتولى إدارة التنفيذ مدير واحد ،ويجوز أن يتولها أكثر من واحد ،بحيث يخصص كل واحد بعمل وهي متصلة مباشرة مع رئيس الدولة كالمعاونين، فمديرها يعتبر معاونا ولكن في التنفيذ وليس في الحكم. المادة – 57إدارة المصالح تقوم على مصالح الناس الذين يعيشون في ظل سلطان الدولة .ويعين لكل مصلحة من المصالح مدير يتولى إدارتها ،ويكون مسؤول م ً عنها مباشرة ولهؤلء المديرين صلحية تعيين موظفي دوائرهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم ضمن النظمة الدارية ،ويكون هؤلء الموظفون مسؤولين أمام 136
مديري دوائرهم من حيث عملهم ،ومسؤولين أمام رئيس الدولة والمعاونين والولة من حيث التقيد بالحكام والنظمة العامة. المادة – 58سياسة إدارة المصالح تقوم على البساطة في النظام ،والسراع في إنجاز العمال ،والكفاية فيمن يتولون الدارة. المادة – 59لكل من يحمل التابعية وتتوفر فيه الكفاية رجل م ً كان أو امرأة مسلما كان أو غير مسلم أن يعين مديرا لدارة أية مصلحة من المصالح ،وأن يكون موظفا فيها. المادة – 60المدراء في الجهاز الداري كله سواء في إدارة التنفيذ ،أو في إدارة المصالح ل يعزلون إل لسباب موجبة ضمن النظمة الدارية .ولكن يجوز أن ينقل من عمل إلى عمل آخر حسب ما يرى المسؤولون عنه من حيث التوظيف.
الولة المادة – 61تقسم البلد التي تحكمها الدولة إلى وحدات، وتسمى كل وحدة ولية .وتقسم كل ولية إلى وحدات تسمى كل واحدة منها عمالة ،ويسمى كل 137
من يتولى الولية واليا أو أميرا ،ويسمى كل من يتولى العمالة عامل م ً أو حاكما. المادة – 62يعين الولة من تقبل رئيس الدولة ،ويعين العمال من تقبل رئيس الدولة ومن تقبل الولة إذا فوض إليهم ذلك .ويشترط في الولة والعمال ما يشترط في المعاونين ،فل بد أن يكونوا رجال م ً أحرارا ل ،وأن يكونوا من أهل مسلمين بالغين عقلء عدو م ً الكفاية فيما وكل إليهم من أعمال ،ويتخيرون من أهل التقوى والقوة. المادة – 63للوالي صلحية الحكم والشرا ف على أعمال الدوائر في وليته نيابة عن رئيس الدولة فله من الصلحيات في وليته جميع ما للمعاون في الدولة، فله المارة على أهل وليته ،والنظر في جميع ما يتعلق بها ماعدا المالية والقضاء والجيش .إل أن الشرطة توضع تحت إمارته من حيث التنفيذ ل من حيث الدارة. المادة – 64ل يجب على الوالي مطالعة رئيس الدولة بما أمضاه في عمله على مقتضى إمارته إل على وجه الختيار ،فإذا حدث إنشاء جديد غير معهود وتقفه على مطالعة رئيس الدولة ،ثم عمل بما أمر به .فإن خا ف 138
فساد المر بالنتظار تقام بالمر وأطلع رئيس الدولة وجوبا على المر وعلى سبب عدم مطالعته تقبل القيام بعمله. المادة – 65يكون في كل ولية مجلس منتخب من أهلها يرأسه الوالي وتكون لهذا المجلس صلحية المشاركة في الرأي في الشؤون الدارية ل في شؤون الحكم، ورأيه غير ملزم للوالي. المادة – 66ينبغي أن ل تطول مدة ولية الشخص الواحد على الولية بل يعفى من وليته عليها كلما رؤي له تركز في البلد ،أو افتتن الناس به. المادة – 67ل ينقل الوالي من ولية إلى ولية ،لن توليته عامة النظر محدودة المكان ،ولكن يعفى ويولى ثانية. المادة – 68يعزل الوالي إذا رأى رئيس الدولة عزله ،أو إذا أظهر مجلس الشورى عدم الرضى منه بسبب أو بدون سبب ،أو إذا أظهر جمهرة أهل وليته السخط منه. وعزله إنما يجري من تقبل رئيس الدولة. المادة – 69على رئيس الدولة أن يتحرى أعمال الولة ،وأن يكون شديد المراتقبة لهم ،وأن يعين من ينوب عنه للكشف عن أحوالهم ،والتفتيش عليهم وأن يجمعهم أو
139
تقسما منهم بين الحين والخر ،وان يصغي إلى شكاوي الرعية منهم.
القضاء المادة – 70القضاء هو الخبار بالحكم الشرعي على سبيل اللزام ،وهو يفصل الخصومات بين الناس ،أو يمنع ما يضر حق الجماعة ،أو يرفع النزاع الواتقع بين الناس، وأي شخص ممن هو في جهاز الحكم ،حكاما أو موظفين ،رئيس الدولة أو من دونه. المادة – 71يعين رئيس الدولة تقاضيا للقضاة من الرجال البالغين الحرار المسلمين العقلء العدول من أهل الفقه ،وتكون له صلحية تعيين القضاة وتأديبهم وعزلهم ضمن النظمة الدارية ،أما باتقي موظفي المحاكم فمربوطون بمدير الدائرة التي تتولى إدارة شؤون المحاكم. المادة – 72القضاة ثلثة :أحدهم القاضي ،وهو الذي يتولى الفصل في الخصومات بين الناس في المعاملت والعقوبات .والثاني المحتسب وهو الذي يتولى الفصل في المخالفات التي تضر حق الجماعة.
140
والثالث تقاضي المظالم ،وهو الذي يتولى رفع النزاع الواتقع بين الناس والدولة. المادة – 73يشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون مسلما، ل ،فقيها ،مــــدركا لتنزيل الحكام ل ،عد م ً حرا ،بالغا ،عاتق م ً على الواتقع .ويشترط فيمن يتولى تقضاء المظالم زيادة على هذه الشروط أن يكون رجل م ً وأن يكون مجتهدا. المادة – 74يجوز أن يقلد القاضي والمحتسب تقليدا عاما في القضاء بجميع القضايا في جميع البلد ،ويجوز أن يقلد تقليدا خاصـا بالمكان وبأنواع القضاء .أما تقاضي المظالم فل يقلد إل تقليدا عاما من حيث القضاء ،أما من حيث المكان فيجوز أن يقلد في جميع أنحاء البلد، ويجوز أن يقلد في ناحية من النواحي. المادة – 75ل يجوز أن تتألف المحكمة إل من تقاض واحد له صلحية الفصل في القضاء ،ويجوز أن يكون معه تقاض آخر أو أكثر ،ولكن ليست لهم صلحية الحكم وإنما لهم صلحية الستشارة وإعطاء الرأي ،ورأيهم غير ملزم له. المادة – 76ل يجوز أن يقضي القاضي إل في مجلس القضاء ،ول تعتبر البينة واليمين إل في مجلس القضاء. 141
المادة – 77يجوز أن تتعدد درجات المحاكم بالنسبة لنواع القضايا .فيجوز أن يخصص بعض القضاة بأتقضية معينة إلى حد معين ،وأن يوكل أمر غير هذه القضايا إلى محاكم أخرى. المادة – 78ل توجد محاكم استئنا ف ،ول محاكم تمييز، فالقضاء من حيث البت في القضية درجة واحدة ،فإذا نطق القاضي بالحكم فحكمه نافذ ،ول ينقضه حكم تقاض آخر مطلقا. المادة – 79المحتسب هو القاضي الذي ينظر في كافة القضايا التي هي حقوق عامة ل يوجد فيها مدع ،على أن ل تكون داخلة في الحدود والجنايات. المادة – 80يملك المحتسب الحكم في المحالفة فور العلم بها في أي مكان دون الحاجة لمجلس القضاء ،ويجعل تحت يده عدد من الشرطة لتنفيذ أوامره ،وينفذ حكمه في الحال. المادة – 81للمحتسب الحق في أن يختار نوابا عنه تتوفر فيهم شروط المحتسب ،يوزعهم في الجهات المختلفة، وتكون لهؤلء -النواب -صلحية القيام بوظيفة الحسبة في المنطقة أو المحلة التي عينت لهم في القضايا التي فوضوا فيها. 142
المادة – 82تقاضي المظالم هو تقاض ينصب لرفع كل مظلمة تحصل على أي شخص يعيش تحت سلطان الدولة ،سواء أ كان من رعاياها أم من غيرهم ،وسواء حصلت هذه المظلمة من رئيس الدولة أو ممن هو دونه من الحكام الموظفين. المادة – 83يعين تقاضي المظالم من تقبل رئيس الدولة ،أو من تقبل تقاضي القضاة .ولكن ليس لرئيس الدولة ،ول لقاضي القضاة حق عزله ،وإنما تنظر أعماله من تقبل محكمة المظالم ،وهي التي تملك صلحية عزله. المادة – 84ل يحصر تقاضي المظالم بشخص واحد أو أكثر بل لرئيس الدولة أن يعين عددا من تقضاة المظالم حسب ما يحتاج رفع المظالم مهما بلغ عددهم .ولكن عند مباشرة القضاء ل تكون صلحية الحكم إل لقاض واحد ليس غير ،ويجوز أن يجلس معه عدد من تقضاة المظالم أثناء جلسة القضاء ،ولكن تكون لهم صلحية الستشارة ليس غير ،وهو غير ملزم بالخذ برأيهم. المادة – 85لمحكمة المظالم حق عزل أي حاكم أو موظف في الدولة ،كما لها حق عزل رئيس الدولة. المادة – 86تملك محكمة المظالم صلحية النظر في أية مظلمة من المظالم سواء أ كانت متعلقة بأشخاص من 143
جهاز الدولة .أم متعلقة بمخالفة رئيس الدولة لحكام الشرع ،أم متعلقة بمعنى نص من نصوص التشريع في الدستور والقانون وسائر الحكام الشرعية ضمن تبنى رئيس الدولة ،أم متعلقة بفرض ضريبة مـن الضرائب ،أم غير ذلك. المادة – 87ل يشترط في تقضاء المظالم مجلس تقضاء ،ول دعوة المدعى عليه ،ول وجود مدع ،بل لها حق النظر في المظلمة ولو لم يدع بها أحد. المادة – 88لكل إنسان الحق في أن يوكل عنه في الخصومة وفي الدفاع من يشاء سواء أ كان مسلما أم غير مسلم رجل م ً كان أو امرأة .ول فرق في ذلك بين الوكـيل والموكل .ويجوز للوكيل أن يوكل بأجر ويستحق الجرة على الموكل حسب تراضيهما. المادة – 89يجوز للشخص الذي يملك صلحيات في أي عمل من العمال الخاصة كالوصي والوالي ،أو العمال العامة كرئيس الدولة والحاكم والموظف ،وكقاضي المظالم والمحتسب ،أن يقيم مقامه في صلحيته وكيل م ً عنه في الخصومة والدفاع فقط باعتبار كونه وصيا أو وليا أو رئيس دولة أو حاكم أو موظف أو تقاضي مظالم
144
أو محتسب .ول فرق في ذلك بين أن يكون مدعيا أو مدعى عليه.
الجيش المادة – 90الجهاد فرض عـلى المسلمين ،والتدريب على الجندية إجباري ،فكل رجل مسلم يبلغ الخامسة عشرة من عمره فرض عليه أن يتدرب على الجندية استـعدادا للجهاد .وأما التجنيد فهو فرض على الكفاية. المادة – 91الجيش تقسمان تقسم احتياطي ،وهم جميع القادرين على حمل السلح من المسلمين .وتقسم دائم في الجندية تخصص لهم رواتب في ميزانية الدولة كالموظفين. المادة – 92القوى المسلحة تقوة واحدة هي الجيش وتختار منها فرق خاصة تنظم تنظيما خاصا وتعطى ثقافة معينة هي الشرطة. المادة – 93يعهد إلى الشرطة بحفظ النظام ،والشرا ف على المن الداخلي ،والقيام بجميع النواحي التنفيذية. المادة – 94تجعل للجيش ألوية ورايات ،ورئيس الدولة هو الذي يعقد اللواء لمن يوليه على الجيش ،أما الرايات فيقدمها رؤساء اللوية. 145
المادة – 95رئيس الدولة هو تقائد الجيش ،وهو الذي يعين رئيس الركان ،وهو الذي يعين لكل لواء أميرا ،ولكل فرتقة تقائدا .أما باتقي رتب الجيش فيعينهم تقواده وأمراء ألويته .وأما تعيين الشخص في الركان فيكون حسب درجة ثـقافته الحربية ويعينه رئيس الركان. المادة – 96يجعل الجيش كله جيشا واحدا يوضع في معسكرات خاصة .إل أنه يجب أن توضع بعض هذه المعسكرات في مختلف الوليات ،وبعضها في المكنة الستراتيجية ،ويجعل بعضها معسكرات متنقلة تنقل م ً دائما تكون تقوات ضاربه .وتنظم هذه المعسكرات في مجموعات متعددة يطلق على كل مجموعة منها أسم ل، جيش ويوضع لها رتقم الجيش الول ،الجيش الثالث مث م ً أو تسمى باسم ولية من الوليات أو عمالة من العمالت. المادة – 97يجب أن يوفر في الجيش التعليم العسكري العالي على أرفع مستوى ،وأن يرفع المستوى الفكري لديه بقدر المستطاع وأن يثقف كل شخص في الجيش ثقافة إسلمية تمكنه من الوعي على السلم ولو بشكل إجمالي.
146
المادة – 98يجب أن يكون في كل معسكر عدد كا ف من الركان الذين لديهم المعرفة العسكرية العالية والخبرة في رسم الخطط وتوجيه المعارك ،وأن يوفر في الجيش بشكل عام هؤلء الركان بأوفر عدد مستطاع. المادة – 99يجب أن تتوفر لدى الجيش السلحة والمعدات والتجهيزات واللوازم والمهمات التي تمكنه مـن القيام بمهمته بوصفه جيشا إسلميا.
النظام الجتماعي المادة -100الصل في المرأة أنها أم وربة بيت ،وهي عرض يجب أن يصان. المادة -101الصل أن ينفصل الرجال عن النساء ول يجتمعون إل لحاجة يقرها الشرع كالبـيع ،ويقر الجتماع من أجلها كالحج. المادة -102تعطى المرأة ما يعطى الرجل من الحقوق، ويفرض عليها ما يفرض عليه من الواجبات إل ما خصها 147
السلم به ،أو خص الرجل به بالدلة الشرعية .فلها الحق في أن تزاول التجارة .والزراعة والصناعة ،وأن تتولى العقود والمعاملت ،وأن تملك كـل أنواع الملك ،وأن تنمى أموالها بنفسها وبغيرها ،وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها. المادة -103يجوز للمرأة أن تعين في وظائف الدولة ،وفي مناصب القضاء ما عدا محكمة المظالم ،وأن تنتخب أعضاء مجلس الشورى ،وأن تكون عضوا فيه ،وأن تشترك في انتخاب رئيس الـدولة ومبايعته. المادة -104ل يجوز أن تتولى المرأة الحكم ،فل تكون رئيس دولة ول تقاضيا في محكمة المظالم ول واليا ول عامل م ً ول تباشر أي عمل يعتبر من الحكم. المادة -105المرأة تعيش في حياة عامة وفي حياة خاصة. ففي الحياة العامة يجوز أن تعيش مع النساء والرجال المحارم والرجال الجانب على أن ل يظهر منها إل وجهها وكفاها ،غير متبرجة ول متبذلة .وأما في الحياة الخاصة فل يجوز أن تعيش إل مع النساء أو مع محارمها ،ول يجوز أن تعيش مع الرجال الجانب .وفي كلتا الحياتين تتقيد بجميع أحكام الشرع.
148
المادة -106تمنع الخلوة بغير محرم ،ويمنع التبرج وكشف العورة أمام الجانب. المادة -107يمنع كل من الرجل والمرأة من مباشرة أي عمل فيه خطر على الخلق ،أو فساد في المجتمع إذا كان مندرجا تحت حكم من الحكام الشرعية ،كاستئجار المرأة أو غلم للنتفاع بالميل الجنسي من الرجال لهم كمضيفة الطائرة ،وكالصبي الجميل عند الحلتقين أو في المطاعم. المادة -108الحياة الزوجية حياة اطمئنان ،وعشرة الزوجين عشرة صحبة .وتقوامة الزوج تقوامة رعاية ل تقوامة حكم. وتقد فرضت عليها الطاعة ،وفرض عليه نفقتها حسب المعرو ف لمثلها. المادة -109يتعاون الزوجان في القيام بأعمال البيت تعاونا تاما ،وعلى الزوج أن يقوم بجميع العمال التي يقام بها خارج البيت ،وعلى الزوجة أن تقوم بجميع العمال التي يقام بها داخل البيت حسب استطاعتها .وعليه أن يحضر لها خداما بالقدر الذي يكفي لقضاء الحاجات التي ل تستطيع القيام بها. المادة -110كفالة الصغار واجب على المرأة وحق لها، سواء أ كانت مسلمة أو غير مسلمة ما دام الصغير محتاجا 149
إلى هذه الكفالة فإن استغنى عنها ينظر ،فإن كانت الحاضنة والولي مسلمين خرْير الصغير في التقامة مع من يريد ،فمن يختاره له أن ينضم إليه سواء أكان الرجل أم المرأة ،ول فرق في الصغير بين أن يكون ذكرا أو أنثى. أما إن كان أحدهما غير مسلم فل يخير بـل ينضم إلى المسلم منهما.
النظام التقتصادي المادة -111سياسة التقتصاد هي النظرة إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع عند النظرة إلى إشباع الحاجات. فيجعل ما يجب أن يكون عليه المجتمع أساسا لشباع الحاجات. المادة -112المشكلة التقتصادية هي توزيع الموال والمنافع على جميع أفراد الرعية ،وتمكينهم من النتفاع بها بتمكينهم من حيازتها ومن السعي لها. المادة -113يجب أن يضمن إشباع جميع الحاجات الساسية لجميع الفراد فردا فردا إشباعا كليا ،وأن يضمن تمكين 150
كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع. المادة -114المال لله وحده وهو الذي استخلف بني النسان فيه فصار لهم بهذا الستخل ف العام حق ملكيته، وهو الذي أذن للفرد بحيازته فصار له بهذا الذن الخاص ملكيته بالفعل. المادة -115الملكية ثلث أنواع :ملكية فردية ،وملكية عامة، وملكية الدولة. المادة -116الملكية الفردية هي حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضا ف إليه من انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه. المادة -117الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالشتراك في النتفاع بالعين. المادة -118كل مال مصرفه موتقو ف على رأي رئيس الدولة واجتهاده يعتبر ملكا للدولة ،كأموال الضرائب والخراج والجزية. المادة -119الملكية الفردية في الموال المنقولة وغير المنقولة مقيدة بالسباب الشرعية الخمسة وهي: أ -العمل. ب – الرث. 151
ج – الحاجة إلى المال لجل الحياة. د – إعطاء الدولة من أموالها للرعية. هـ – الموال التي يأخذها الفراد دون مقابل مال أو جهد. المادة -120التصر ف بالملكية مقيد بأذن الشارع ،سواء أكان تصرفا بالنفاق أم تصرفا بتنمية الملك .فيمنع السر ف والتر ف والتقتير ،وتمنع الشركات الرأسمالية والجمعيات التعاونية وسائر المعاملت المخالفة للشرع، ويمنع الربا والغبن الفاحش والحتكار والقمار وما شابه ذلك. المادة -121الرض العشرية هي التي أسلم أهلها عليها وأرض جزيرة العرب ،والرض الخراجية هي التي فتحت حربا أو صلحا ما عدا جزيرة العرب .والرض العشرية يملـك الفراد رتقبتها ومنفعتها .وأما الرض الخراجية فرتقبتها ملك للدولة ومنفعتها يملكها الفراد ،ويحق لكل فرد تبادل الرض العشرية ،ومنفعة الرض الخراجية بالعقود الشرعية ،وتورث عنهم كسائر الموال. المادة -122الرض الموات تملك بالحياء والتحجير ،وأما غير الموات فل تملك إل بسبب شرعي كالرث والشراء والتقطاع. 152
المادة -123يمنع تأجير الرض للزراعة مطلقا سواء أ كانت خراجية أم عشرية ،كما تمنع المزارعة .أما المساتقاة فجائزة مطلقا. المادة -124يجبر كل من ملك أرضا على استغللها ،ويعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من هذا الستغلل .وكل من يهمل الرض ثلث سنين من غير استغلل تؤخذ منه وتعطى لغيره. المادة -125تتحقق الملكية العامة في ثلثة أشياء هي: أ – كل ما هو من مرافق الجماعة كساحات البلدة. ب – المعادن التي ل تنقطع كمنابع البترول. ج – الشياء الني طبيعتها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها كالنهار. المادة -126المصنع من حيث هو من الملك الفردية .إل أن المصنع يأخذ حكم المادة التي يصنعها .فإن كانت المادة من الملك الفردية كان المصنع ملكا فرديا كمصانع النسيج .وإن كانت المادة من الملك العامة كان المصنع ملكا عاما كمصانع استخراج الحديد. المادة -127ل يجوز للدولة أن تحول ملكية فردية إلى ملكية عامة ،لن الملكية العامة ثابتة في طبيعة المال وصفته ل برأي الدولة. 153
المادة -128لكل فرد من أفراد المة حق النتفاع بما هو داخل في الملكية العامة ،ول يجوز للدولة أن تأذن لحد دون باتقي الرعية بملكية الملك العامة أو استغللها. المادة -129يجوز للدولة أن تحمي من الرض الموات ومما هو داخل في الملكية العامة لية مصلحة تراها من مصالح الرعية. المادة -130يمنع كنز المال ولو أخرجت زكاته. المادة -131تجبى الزكاة من المسلمين ،وتؤخذ على الموال التي عين الشرع الخذ منها من نقد وعروض تجارة ومواش وحبوب ،ول تؤخذ من غير ما ورد الشرع به .وتؤخذ من كل مالك سواء أ كان مكلفا كالبالغ العاتقل أم غير مكلف كالصبي والمجنون .وتوضع في باب خاص من بيت المال ،ول تصر ف إل لواحد أو أكثر من الصنا ف الثمانية الذين ذكرهم القرآن الكريم. المادة -132تجبى الجزية من الذميين ،وتؤخذ على الرجال البالغين إذا كانوا يحتملونها ،ول تؤخذ على النساء ول على الولد. المادة -133يجبى الخراج على الرض الخراجية بقدر احتمالها ،وأما الرض العشرية فتجبى منها الزكاة على الناتج الفعلي. 154
المادة -134تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها لسد نفقات بيت المـال ،على شرط أن يكون استيفاؤها مما يزيد على الحاجات التي يجب توفيرها لصاحب المال بالمعرو ف ،وأن يراعى فيها كفايتها لسد حاجات الدولة ،ول تؤخذ من غير المسلمين ضريبة مطلقا ،ول يحصل منهم مال إل الجزية. المادة -135كل ما أوجب الشرع على المة القيام به من العمال وليس في بيت المال القيام به فإن وجوبه ينتقل على المة ،وللدولة حينئذ الحق في أن تحصله من المة بفرض الضريبة عليها .وما لم يجب على المة شرعا القيام به ل يجوز للدولة أن تفرض أي ضريبة من أجله، فل يجوز أن تأخذ رسوما للمحاكم أو الدوائر أو لقضاء أي مصلحة. المادة -136لميزانية الدولة أبواب دائمية تقررتها أحكام شرعية .وأما فصول الميزانية والمبالغ التي يتضمنها كل فصل ،والمور التي تخصص لها هذه المبالغ في كل فصل ،فإن ذلك موكول لرأي رئيس الدولة واجتهاده. المادة -137واردات بيت المال الدائمية هي الفيء كله، والجزية والخراج ،وخمس الركاز ،والزكاة .وتؤخذ هذه الموال دائميا سواء أ كانت هنالك حاجة أم لم تكن. 155
المادة -138إذا لم تكف واردات بيت المال الدائمية لنفقات الدولة فإن لها أن تحصل من المسلمين ضرائب ،ويجب أن تسير في تحصيل الضرائب على الوجه التالي: أ -لسد النفقات الواجبة على بيت المال للفقراء والمساكين وأبن السبيل وللقيام بفرض الجهاد. ب – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على سبيل البدل كنفقات الموظفين وأرزاق الجند وتعويضات الحكام. ج – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه المصلحة والرفاق دون بدل كإنشاء الطرتقات واستخراج المياه وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات. د – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه الضرورة كحادث طرأ على الرعية من مجاعة أو طوفان أو زلزال. المادة -139يعتبر من الواردات التي توضع في بيت المال الموال التي تؤخذ من الجمارك على ثغور البلد، والموال الناتجة من الملكية العامة أو من ملكية الدولة، والموال الموروثة عمن ل وارث له.
156
المادة -140نفقات بيت المال مقسمة على ست جهات هي: أ – الصنا ف الثمانية الذين يستحقون أموال الزكاة يصر ف لهم من باب الزكاة .فإذا لم يوجد مال في باب الزكاة ل يصر ف لهم شيء. ب – الفقراء والمساكين وأبن السبيل والجهاد والغارمين إذا لم يوجد في باب أموال الزكاة مال صر ف لهم من واردات بيت المال الدائمية ،وإذا لم يوجد ل يصر ف للغارمين شيء .وأما الفقراء والمساكين وأبن السبيل والجهاد فتحصل ضرائب لسد نفقاتهم ويقترض لجل ذلك في حالة خو ف الفساد. ج – الشخاص الذين يؤدون خدمات للدولة كالموظفين والجند فإنه يصر ف لهم من بيت المال .وإذا لم يكف مال بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه النفقات ويقترض لجلها في حالة خو ف الفساد. د – المصالح والمرافق الساسية كالطرتقات والمساجد والمستشفيات والمدارس يصر ف عليها من بيت المال فإذا لم يف ما في بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه النفقات. 157
هـ – المصالح والمرافق الكمالية يصر ف عليها من بيت المال فإذا لم يوجد ما يكفي لها في بيت المال ل يصر ف لها وتؤجل. و – الحوادث الطارئة كالزلزل والطوفان يصر ف عليها من بيت المال ،وإذا لم يوجد يقترض لجلها المال في الحال ثم يسدد من الضرائب التي تجمع. المادة -141تضمن الدولة إيجاد العمال لكل من يحمل التابعية. المادة -142الموظفون عند الفراد والشركات كالموظفين عند الدولة في جميع الحقوق والواجبات ،وكل من يعمل بأجر موظف مهما اختلف نوع العمل أو العامل .وإذا اختلف الجير والمستأجر على الجرة يحكم أجر المثل. أما إذا اختلفوا على غيرها فيحكم عقد الجارة على حسب أحكام الشرع. المادة -143يجوز أن تكون الجرة حسب منفعة العمل، وأن تكون حسب منفعة العامل ،ول تكون حسب معلومات الجير ،أو شهاداته العلمية ،ول توجد زيادات سنوية للموظفين بل يعطون جميع ما يستحقون من أجر سواء أ كان على العمل أم على العامل.
158
المادة -144تضمن الدولة نفقة من ل مال عنده ول عمل له ،ول يوجد من تجب عليه نفقتـه .وتتولى إيواء العجزة وذوي العاهات. المادة -145تعمل الدولة على تداول المال بين الرعية، وتحول دون تداوله بين فئة خاصة. المادة -146تعالج الدولة تمكين كل فرد من الرعية من إشباع حاجاته الكمالية ،وإيجاد التوازن في المجتمع على الوجه التالي: أ – أن تعطي المال منقول م ً أو غير منقول من أموالها التي تملكها في بيت المال ،ومن الفيء وما شابهه. ب – أن تقطع من الراضي العامرة من ل يملكون أرضا كافية .أما من يملكون أرضا ول يستغلونها فل تعطيهم وتعطي العاجزين عن الزراعة مال م ً لتجعل لديهم القدرة على الزراعة. ج – تقوم بسداد ديون العاجزين عن السداد من مال الزكاة ومن الفيء وما شابهه. د – تعطي المحتاج وغير المحتاج من أموال الملكية العامة حسب ما تراه مؤديا للتمكين من إشباع الحاجات الكمالية ،وليجاد التوازن.
159
المادة -147تشر ف الدولة على الشؤون الزراعية ومحصولتها وفق ما تتطلبه السياسة الزراعية التي تحقق استغلل الرض على أعلى مستوى من النتاج. المادة -148تشر ف الدولة على الشؤون الصناعية برمتها، وتتولى مباشرة الصناعات التي تتعلق بما هو داخل في الملكية العامة. المادة -149التجارة الخارجية تعتبر حسب تابعية التاجر ل حسب منشأ البضاعة ،فالتجار الحربيون يمنعون من التجارة في بلدنا .إل بإذن خاص للتاجر أو للمال .والتجار المعاهدون يعاملون حسب المعاهدات التي بيننا وبينهم، والتجار الذين من الرعية يمنعون من إخراج ما تحتاجه البلد من المواد ومن إخراج المواد الستراتيجية ،ول يمنعون من إدخال أي مال يملكونه. المادة -150لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات العلمية المتعلقة بكافة شؤون الحياة ،وعلى الـدولة أن تقوم هي بإنشاء هذه المختبرات. المادة -151يمنع الفراد من ملكية المختبرات التي تنتج مواد تؤدي ملكيتهم لها حتما إلى ضرر على المة أو على الدولة تقد نص الشرع على تحريمه.
160
المادة -152توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجانا للجميع ولكنها ل تمنع استئجار الطباء ،ول بيع الدوية. المادة -153يمنع استغلل واستثمار الموال الجنبية في البلد ،كما يمنع منح المتيازات لي أجنبي. المادة -154تصدر الدولة نقدا خاصا بها يكون مستقل م ً ول يجوز أن يرتبط بأي نقد أجنبي. المادة -155نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ،ول يجوز أن يكون لها نقد غيرهما. ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئا آخر على شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما يساويه من الذهب والفضة .فيجوز أن تصدر الدولة نحاسا أو برونزا أو ورتقا أو غير ذلك وتضربه باسمها نقدا لها إذا كان له مقابل يساويه تماما من الذهب والفضة. المادة -156يمنع فتح المصار ف منعا باتا ،ول يكون إل مصر ف الدولة ،ول يتعامل بالربا ويكون دائرة من دوائر بيت المال .ويقوم بإتقراض الموال حسب أحكام الشرع، وبتسهيل المعاملت المالية والنقدية. المادة -157الصر ف بين عملة الدولة وبين عملت الدول الخرى جائز كالصر ف بين عملتها هي سواء بسواء، وجائز أن يتفاضل الصر ف بينهما إذا كانا من جنسين 161
مختلفين على شرط أن يكون يد بيد ،ول يصح أن يكون نسيئة .ويسمح بتغيير سعر الصر ف دون أي تقيد ما دام الجنسان مختلفين ،ولكل فرد من أفراد الرعية أن يشتري العملة التي يريدها من الداخل والخارج وان يشتري بها دون أي حاجة إلى إذن عملة أو غيره.
سياسة التعليم المادة -158يجب أن يكون الساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة السلمية ،فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي ل يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الساس. المادة -159سياسة التعليم هي تكوين العقلية السلمية والنفسية السلمية ،فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه السياسة. المادة -160الغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية السلمية وتزويد الناس بالعلوم والمعار ف المتعلقة بشؤون الحياة .فتجعل طرق التعليم على الوجه الذي يحقق هذه الغاية وتمنع كل طريقة تؤدي لغير هذه الغاية. 162
المادة -161يجب أن يفرق في التعليم بين العلوم التجريبية وما هو ملحق بها كالرياضيات ،وبين المعار ف الثقافية. فتدرس العلوم التجريبية وما يلحق بها حسب الحاجة ،ول تقيد في أي مرحلة من مراحل التعليم .أما المعار ف الثقافية فإنها تؤخذ في المرحلتين البتدائية والثانوية وفق سياسة معينة ل تتناتقض مع أفكار السلم وأحكامه .وأما في المرحلة العالية فتؤخذ هذه المعار ف كما يؤخذ العلم على شرط أن ل تؤدي إلى أي خروج عن سياسة التعليم وغايته. المادة -162يجب تعليم الثقافة السلمية في جميع مراحل التعليم ،وأن يخصص في المرحلة العالية فروع لمختلف المعار ف السلمية كما يخصص فيها للطب والهندسة والطبيعيات وما شاكلها. المادة -163الفنون والصناعات تقد تلحق بالعلم من ناحية كالفنون التجارية والملحة والزراعة وتؤخذ دون تقيد أو شرط ،وتقد تلحق بالثقافة عندما تتأثر بوجهة نظر خاصة كالتصوير والنحت فل تؤخذ إذا ناتقضت وجهة نظر السلم. المادة -164يكون برنامج التعليم واحدا ،ول يسمح ببرنامج غير برنامج الدولة .ول تمنع المدارس الهلية ما دامت مقيدة ببرنامج الدولة ،تقائمة على أساس منهج التعليم، 163
متحققا فيها سياسة التعليم وغايته على أن ل تكون أجنبية. المادة -165تعليم ما يلزم للنسان في معترك الحياة فرض على الدولة لكل فرد ذكرا كان أو أنثى ،في المرحلتين البتدائية والثانوية ،فعليها أن توفر ذلك للجميع مجانا، ويفسح مجال التعليم العالي مجانا للجميع بأتقصى ما يتيسر من إمكانيات. المادة -166تهيئ الدولة المكتبات والمختبرات وسائر وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات لتمكين الذين يرغبون مواصلة البحاث في شتى المعار ف من فقه وأصول فقه وحديث وتفسير ،ومن فكر وطب وهندسة وكيمياء ،ومن اختراعات واكتشافات ومن غير ذلك ،حتى يوجد في المة حشد من المجتهدين والمبدعين والمخترعين. المادة -167يمنع استغلل التأليف للتعليم في جميع مراحله ول يملك أحد مؤلفا كان أو غير مؤلف حقـوق الطبع والنشر إذا طبع الكتاب ونشره .أما إذا كان أفكارا لديه لم تطبع ولم تنشر فيجوز له أن يأخذ أجرة إعطائها للناس كما يأخذ أجرة التعليم.
164
المادة -168لكل فرد من الرعية أن يصدر أي جريدة أو مجلة سياسية كانت أم غير سياسية ،وأن يصدر أي كتاب دون حـاجة لي ترخيص .ويعاتقب كل من يطبع أو ينشر أو يصدر أي شيء من شأنه أن يهدم الساس الذي تقوم عليه الدولة. المادة -169تعمل الدولة على مكافحة المية ،وتثقيف من فاتتهم الثقافة في سن التعليم.
السياسة الخارجية المادة -170السياسة هي رعاية شؤون المة داخليا و خارجيا ،وتكون من تقبل الدولة والمة .فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عمليا ،والمة هي التي تحاسب بها الدولة. المادة -171ل يجوز لي فرد ،أو حزب ،أو كتلة ،أو جماعة، أن تكون لهم علتقة بأي دولة من الدول الجنبية مطلقا. والعلتقة بالدول محصورة بالدولة وحدها ،لن لها وحـدها حق رعاية شؤون المة عمليا .وعلى المة والتكتلت أن تحاسب الدولة على هذه العلتقات الخارجية. 165
المادة -172الغاية ل تبرر الواسطة ،لن الطريقة من جنس الفكرة فل يتوصل بالحرام إلى الواجب ول إلى المباح. والوسيلة السياسية ل يجوز أن تناتقض طريقة السياسة. المادة -173المناورات السياسية ضرورية في السياسة الخارجية ،والقوة فيها تكمن في إعلن العمال وإخفاء الهدا ف. المادة -174الجرأة في كشف جرائم الدول ،وبيان خطر السياسات الزائفة ،وفضح المؤامرات الخبيثة ،وتحطيم الشخصيات المضللة ،هي من أهم السالـيب السياسية. المادة -175يعتبر إظهار عظمة الفكار السلمية في رعاية شؤون الفراد والمم والدول من أعظم الطرق السياسية. المادة -176القضية السياسية للمة هي السلم في تقوة شخصية دولته ،وإحسان تطبيق أحكامه ،والدأب على حمل دعوته إلى العالم. المادة -177السلم هو المحور الذي تدور حوله السياسة الخارجية ،وعلى أساسه تبنى علتقة الدولة بجميع الدول. المادة -178علتقة الدولة بغيرها من الدول القائمة في العالم تقوم على اعتبارات أربعة:
166
أحدها :الدول القائمة في العالم السلمي تعتبر كأنها تقائمة في بلد واحدة .فل تدخل ضمن العلتقات الخارجية ،ول تعتبر العلتقات معها من السياسة الخارجية ،ويجب أن يعمل لتوحيدها كلها في دولة واحدة .ول يعتبر رعاياها أجانب ،بل لهم الحق كأي فرد من أفراد الرعية إن كانت دارهم دار إسلم ،أما إن كانت دارهم دار كفر فيعتبر رعاياها أجانب. ثانيها :الدول التي بيننا ،وبينها معاهدات اتقتصادية ،أو معاهدات تجارية ،أو معاهدات حسن جوار ،أو معاهدات ثقافية تعامل وفق ما تنص عليه المعاهدات .ولرعاياها الحق في دخول البلد بالهوية دون حاجة إلى جواز سفر إذا كانت المعاهدة تنص على ذلك ،على شرط المعاملة ل .وتكون العلتقات التقتصادية والتجارية بالمثل فع م ً معها محدودة بأشياء معينة ،وصفات معينة على أن تكون ضرورية ،ومما ل يؤدي إلى تقويتها. ثالثها :الدول التي ليس بيننا وبينها معاهدات ،والدول الستعمارية فعل م ً كإنجلترا وأمريكا وفرنسا والدول التي تطمع في بلدنا كروسيا ،تعتبر دول م ً محاربة حكما ،فتتخذ جميع الحتياطات بالنسبة لها ،ول يصح 167
أن تنشأ معها أية علتقات دبلوماسية .ولرعايا هذه الدول أن يدخلوا بلدنا ،ولكن بجواز سفر وبتأشيرة خاصة لكل فرد ولكل سفرة. رابعها :الدول المحاربة فعل م ً كإسرائيل مثل م ً يجب أن نتخذ معها حالة الحرب أساسا لكافة التصرفات .وتعامل كأننا وإياها في حرب فعلية سواء أ كانت بيننا وبينها هدنة أم ل .ويمنع جميع رعاياها من دخول البلد، وتستباح دماء وأموال غير المسلمين منهم. المادة -179تمنع منعا باتا المعاهدات العسكرية ،وما هو من جنسها ،أو ملحق بها كالمعاهدات السياسية، واتفاتقيات تـأجير القواعد والمطارات ،ويجوز عقد معاهدات حسن الجوار ،والمعاهدات التقتصادية، والتجارية ،والمالية ،والثقافية ،ومعاهدات الهدنة. ل ،وغير الدول المادة -180يسمح للدول غير المحاربة فع م ً ل ،وغير الدول الطامعة في بلدنا ،أن الستعمارية فع م ً تفتح سفارات في البلد على شرط أن تمنع نشاطها الثقافي والسياسي ،وتقيد صلحيتها وتنقلتها. المادة -181تفتح الدولة سفارات لدي الدول غير المحاربة فعل م ً حسب ما تقتضيه مصلحة الدعوة ويكون من عمل هذه السفارات حمل الدعوة والدعاية للسلم. 168
المادة -182المنظمات التي تقوم على غير أساس السلم، أو تطبق أحكاما غير أحكام السلم ،ل يجوز للدولة أن تشترك فيها ،وذلك كالمنظمات الدولية مثل هيئة المم، ومحكمة العدل الدولية ،وصندوق النقد الدولي ،والبنك الدولي .وكالمنظمات التقليمية مثل الجامعة العربية، ومؤسسة النماء العربي.
169
الخلق في السلم عر ف السلم بأنه الدين الذي أنزله ا على سيدنا محمد صلى ا عليه وعلى آله وسلم ،بتنظيم علتقة النسان بخالقه ،وبنفسه ،وبغيره من بني النسان .وعلتقة النسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات ،وعلتقة النسان بنفسه تشمل الخلق والمطعومات والملبوسات وعلتقته بغيره من بني النسان تشمل المعاملت والعقوبات. والسلم يعالج مشاكل النسان كلها ،وينظر للنسان كـل م ً ل يتجزأ ،ولذلك يعالج مشاكله بطريقة واحدة ،وتقد بنى نظامه على أساس روحي ،هو العقيدة ،فكانت الناحية الروحية هي أساس حضارته ،وهي أساس دولته ،وهي أساس شريعته. ومع أن الشريعة السلمية فصلت النظمة تفصيل م ً دتقيقا، كأنظمة العبادات والمعاملت والعقوبات ،فإنها لم تجعل ل ،وإنما عالجت أحكام الخلق على للخلق نظاما منفص م ً اعتبار أنها أوامر ونواه من ا ،دون النظر إلى تفصيل أنها أخلق يجب أن تعطى جانبا خاصا من العناية يمتاز على غيره ،بل هي من حيث تفصيل الحكام ،أتقل تفصيل م ً من غيرها ،ولم تجعل لها في الفقه بابُا خاصا ،فل نجد في كتب 170
الفقه التي تحوي الحكام الشرعية بابا يسمى باب الخلق. ولم يعن الفقهاء والمجتهدين في أمر الحكام الخلقية بالبحث والستنباط. والخلق ل تؤثر على تقيام المجتمع بحال ،لن المجتمع يقوم على أنظمة الحياة ،وتؤثر فيه المشاعر والفكار ،وأما الخلق فل يؤثر في تقيام المجتمع ،ول في رتقيه أو انحطاطه، بل المؤثر هو العر ف العام الناجم عن المفاهيم عن الحياة، والمسير للمجتمع ليس الخلق ،وإنما هي النظمة التي تطبق فيه ،والفكار والمشاعر التي يحملها الناس والخلق ذاته ناجم عن الفكار والمشاعر ونتيجة لتطبيق النظام. وعلى ذلك فل يجوز أن تحمل الدعوة إلى الخلق في المجتمع ،لن الخلق نتائج لوامر ا ،فهي تأتي من الدعوة إلى العقيدة ،وإلى تطبيق السلم بصفة عامة .ولن في الدعوة إلى الخلق تقلبا للمفاهيم السلمية عن الحياة، وإبعادا للناس عن تفهم حقيقة المجتمع ومقوماته ،وتخديرا لهم بالفضائل الفردية يؤدي إلى الغفلة عن الوسائل الحقيقية لرتقي الحياة .ولهذا كان من الخطر أن تجعل الدعوة السلمية دعـوة إلى الخلق ،لنها توهم أن الدعوة السلمية دعوة خلقية ،وتطمس الصورة الفكرية عن السلم ،وتحول دون فهم الناس له ،وتصرفهم عن الطريقة 171
الوحيدة التي تؤدي إلى تطبيقه وهي تقيام الدولة السلمية. والشريعة السلمية حين عالجت علتقة النسان بنفسه بالحكام الشرعية المتعلقة بالصفات الخلقية ،لم تجعل ذلك نظاما كالعبادات والمعاملت ،وإنما راعت فيها تحقيق تقيم معينة ،أمر ا بها ،كالصدق والمانة وعدم الغش والحسد، فهي تحصل من شيء واحد هو المر من ا تعالى بالقيمة الخلقية ،كالمكارم والفضائل .فالمانة خلق أمر ا به، فيجب أن تراعى تقيمتها الخلقية حين القيام بها ،ولذلك تتحقق بها القيمة الخلقية وتسمى أخلتقا .وأما حصول هذه الصفات من نتائج العمال كالعفة الناتجة عن الصلة ،أو حصولها من وجوب مراعاتها عند القيام بالمعاملت كالصدق في البيع ،فل تحصل فيه تقيمة خلقية ،لنها لم تكن مقصودة من القيام بالعمل ،بل كانت هذه الصفات الحاصلة من نتائج العمال ،ومن وجوب المراعاة ،صفات خلقية للمؤمن حين يعبد ا ،وحين يقوم بالمعاملت .فإن المؤمن حقق بالقصد الول القيمة الروحية من الصلة وحقق بالقصد الثاني القيمة المادية من التجارة ،واتصف في نفس الوتقت بالصفات الخلقية. وتقد بين الشارع الصفات التي يعتبر التصا ف بها خلقا حسنا والتي يعتبر التصا ف بها خلقا سيئا ،فحث على الحسن 172
منها ونهى عن السيئ :حث على الصدق ،والمانة ،وطلتقـة الوجه ،والحياء ،وبر الوالدين ،وصلة الرحم ،وتفريج الكربات، وأن يحب المرء لخيه ما يحبه لنفسه ،واعتبر كل ذلك ومثله حثا على اتباع أوامر ا .ونهى عن أضدادها كالكذب والخيانة والحسد والفجور وأمثالها ،واعتبر ذلك ومثله نهيا عما نهى ا عنه. والخلق جزء من هذه الشريعة ،وتقسم من أوامر ا ونواهيه ،ل بد من تحقيقها في نفس المسلم.ليتم عمله بالسلم ،ويكمل تقيامه بأوامر ا .غير أن الوصول إليها في المجتمع كله يكون عن طريق إيجاد المشاعر السلمية، والفكار السلمية ،وبتحقيقها في الجماعة تتحقق في الفراد ضرورة ،وبديهي أن الوصول إليها ل يكون بالدعوة إلى الخلق ،بل بالطريق المشار إليها من إيجاد المشاعر والفكار ،غير أن البدء يقضي بإعداد كتلة بالسلم كله، يكون فيها الفراد كأجزاء في جماعة ،ل كأفراد مستقلين، ليحملوا الدعوة السلمية الكاملة في المجتمع ،فيوجدوا المشاعر السلمية ،والفكار السلمية ،فيدخل الناس في الخلق أفواجا تبعا لدخولهم في السلم أفواجا .وينبغي أن يفهم جليا أن تقولنا هذا يجعل الخلق لزمة لزوما حتميا
173
لوامر ا ،وتطبيق السلم ،ويؤكد ضرورة اتصا ف المسلم، بالخلق الحسنة. وتقد بين ا تعالى في كثير من سور القرآن الكريم الصفات التي يجب أن يتصف بها النسـان ،والتي يجب أن يسعى إليها .وهذه الصفات هي العقائد ،العبادات، والمعاملت ،والخلق ،ول بد أن تكون هذه الصفات الربع مجتمعة ،تقال تعالى في سورة لقمان وإذ تقال لقمان لبنه وهو يعظه يا بني ل تشرك بالله أن الشرك لظلم عظيم ،ووصينا النسان بوالديه ،حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلى المصير ،وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فل تطعهما ،وصاحبهما في الدنيا معروفا ،واتبع سبيل من أناب إلى ،ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون .يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة ،أو في السموات ،أو في الرض ،يأت بها ا ،أن ا لطيف خبير .يا بني أتقم الصلة وأمر بالمعرو ف وأنه عن المنكر ،وأصبر على ما أصابك ،أن ذلك من عزم المور .ول تصعر خدك للناس ول تمش في الرض مرحا أن ا ل يحب كل مختال فخور .واتقصد في 174
مشيك وأغضض من صوتك إن أنـكر الصوات لصوت الحمير و يقول ا تعالى في سورة الفرتقان وعباد الرحمن الذين يمشون على الرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون تقالوا سلما .والذين يبيتون لربهم سجدا وتقياما .والذين يقولون ربنا اصر ف عنا عذاب جهنم أن عذابها كان غراما .إنها ساءت مستقرا ومقاما .والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك تقواما .والذين ل يدعون مع ا إلها آخر ،ول يقتلون النفس التي حرم ا إل بالحق ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما .يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا .إل من تاب وآمن وعمل عم ل م ً صالحا فأولئك يبدل ا سيئاتهم حسنات ،وكان ا غفورا رحيما .ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى ا متابا .والذين ل يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا .والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا تقرة أعين واجعلنا للمتقين إماما .أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلما ،خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما .ويقول ا تعالى في سورة 175
السراء وتقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا .إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أ ف ول تنهرهما ،وتقل لهما تقو ل م ً كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة .وتقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا .ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للوابين غفورا ،وآت ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل ول تبذر تبذيرا أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ،وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم تقو ل م ً ميسورا .ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا .ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزتقهم وإياكم إن تقتلهم كان خطئا كبيرا .ول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل .ول تقتلوا النفس التي حرم ا إل بالحق ومن تقتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسر ف في القتل إنه كان منصورا. ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤول .وأوفوا 176
الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويل .ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول. ول تمش في الرض مرحا أنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال طو ل م ً .كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها . فهذه اليات في هذه السور الثلث كل منها وحدة كاملة تعرض الصفات المختلفة .تجلو صورة المسلم وتبين الشخصية السلمية في ذاتها المتميزة عن غيرها ويلحظ فيها أنها أوامر ونواه من ا تعالى ،منها أحكام تتعلق بالعقيدة ،كما أن منها أحكاما تتعلق بالعبادات ،وأحكاما تتعلق بالمعاملت ،وأحكاما تتعلق بالخلق ،ويلحظ أنها لم تقتصر على صفات خلقية ،بل اشتملت على العقيدة، والعبادات ،والمعاملت ،كما اشتملت على الخلق .وهي الصفات التي تكون الشخصية السلمية ،والتقتصار على الخلق ل يوجد الرجل الكامل ،والشخصية السلمية ،ولكي تحقق الغاية التي وجدت من أجلها ل بد أن تكون مبنية على الساس الروحي ،وهو العقيدة السلمية ،وأن يكون التصا ف بها مبنيا على هذه العقيدة .وعلى ذلك فإن المسلم ل يتصف بالصدق لذات الصدق ،بل يتصف به لن ا أمر به. 177
وإن كان يراعي تحقيق القيمة الخلقية حين يصدق. فالخلق ل يتصف بها لذاتها ،بل لن ا أمر بها. ولهذا ل بد أن يتصف المسلم بصفاتها ،وأن يقوم بها طوعا وانقيادا لنها مما يتصل بتـقوى ا .وبما أنها تأتي من نتائج العبادة إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ومما يجب أن يراعى في المعاملت " الدين المعاملة " علوة على كونها وحدها أوامر ونواهي معينة ،فإن ذلك يثبتها في نفس المسلم ،ويجعلها شيمة لزمة .وعليه فقد كان اندماج الخلق بباتقي أنظمة الحياة – مع كونها صفات مستقلة – كفيل بأن يهيئ المسلم تهيئة صالحة ،لسيما وأن التصا ف بالخلق هو إجابة لمر ا تعالى واجتناب لنواهيه، ل لن هذا الخلق ينفع أو يضر في الحياة .وهذا مما يجعل التصا ف بالخلق الحسن دائميا وثابتا .ما ثبت المسلم على القيام بتطبيق السلم ،ول يدور حيث دارت المنفعة .لنـه ل تقصد منه النفعية ،بل يجب أن تستبعد منه ،لن المقصود منه هـو القيمة الخلقية فقط .ل القيمة المادية أو النسانية أو الروحية ،بل ل يجوز أن تدخل هذه القيم فيه لئل يحصل اضطراب في القيام به .أو التصا ف به .ومما يجب التنبيه إليه أنه يجب استبعاد القيمة المادية عن الخلق ،واستبعاد أن
178
يكون القيام به من أجل المنافع والفوائد ،لن ذلك خطر عليه. والحاصل :أن الخلق ليست من مقومات المجتمع ،بل هي من مقومات الفرد .ولذلك ل يصلح المجتمع بالخلق، بل يصلح بالفكار السلمية والمشاعر السلمية وبتطبيق النظمة السلمية .ومع أن الخلق من مقومات الفرد، ولكنها ليست هي وحدها ،ول يجوز أن تكون وحدها ،بل ل بـد أن تكون معها العقائد ،والعبادات ،والمعاملت، والخلق .ولذلك ل يعتبر من كانت أخلتقه حسنة وعقيدته غير إسلمية ،لنه يكون حينئذ كافرا ،وليس بعد الكفر ذنب. وكذلك من كانت أخلتقه حسنة وهو غير تقائم بالعبادات ،أو غير سائر في معاملته حسب أحكام الشرع .ومن هنا كان لزاما أن يراعى في تقويم الفرد وجود العقيدة ،والعبادات، والمعاملت ،والخلق .ول يجوز شرعا العناية بالخلق وحدها وترك باتقي الصفات ،بل ل يجوز أن يعنى بشيء ما تقبل الطمئنان إلى العقيدة .والمر الساسي في الخلق هو أنه يجب أن تكون مبنية على العقيدة السلمية ،وأن يتصف المؤمن بها على إنها أوامر ونواه من ا تعالى.
179
محتويات الكتاب طريق اليمان ------------------------ القضاء والقدر
2
10 ------------------------
القيادة الفكرية في السلم -------------- كيفية حمل الدعوة السلمية
17
--------------
46
الحضارة السلمية 50 ---------------------- نظام السلم ------------------------ الحكم الشرعي
55
------------------------
أنواع الحكام الشرعية -------------------- السنة -----------------------------
60 62
63
التأسي بأفعال الرسول عليه الصلة والسلم ------- تبني الحكام الشرعية -------------------- الدستور والقانون -----------------------
65 67
مشروع الدستور -----------------------
72
نظام الحكم --------------------------
75
النظام الجتماعي ---------------------- 180
90
64
النظام التقتصادي ----------------------
92
سياسة التعليم -------------------------
99
السياسة الخارجية ----------------------
101
الخلق في السلم -------------------- محتويات الكتاب -----------------------
181
104 110