Nidham

Page 1

‫تقي الدين النبهاني‬

‫نظام‬ ‫السلم‬


‫‪ 1372‬هـ ___ ‪ 1953‬م‬

‫من منشورات‬ ‫حزب التحرير‬

‫‪----------‬‬

‫‪2‬‬


‫بسم ا الرحمن الرحيم‬

‫طريق اليمان‬ ‫ينهض النسان بما عنده من فكر عن الحياة والكون‬ ‫والنسان‪ ،‬وعن علتقتها جميعها بما تقبل الحياة الدنيا وما‬ ‫بعدها‪ .‬فكان لبد من تغيير فكر النسان الحاضر تغييرا‬ ‫أساسيا شامل‪ ،‬وإيجاد فكر آخر له حتى ينهض‪ ،‬لن الفكر‬ ‫هو الذي يوجد المفاهيم عن الشياء‪ ،‬ويركز هذه المفاهيم‪.‬‬ ‫والنسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها‪،‬‬ ‫فمفاهيم النسان عن شخص يحبه تكيف سلوكه نحوه‪،‬‬ ‫على النقيض من سلوكه مع شخص يبغضه وعنده مفاهيم‬ ‫البغض عنه‪ ،‬وعلى خل ف سلوكه مع شخص ل يعرفه ول‬ ‫يوجد لديه أي مفهوم عنه‪ ،‬فالسلوك النساني مربوط‬ ‫بمفاهيم النسان‪ ،‬وعند إرادتنا أن نغير سلوك النسان‬ ‫المنخفض ونجعله سلوكا راتقيا ل بد أن نغير مفهومه أول‪،‬‬ ‫‪ ‬إن ا ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪.‬‬ ‫والطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر عن‬ ‫الحياة الدنيا حتى توجد بواسطته المفاهيم الصحيحة عنها‪.‬‬ ‫والفكر عن الحياة الدنيا ل يتركز تركزا منتجا إل بعد أن يوجد‬ ‫الفكر عن الكون والنسان والحياة‪ ،‬وعما تقبل الحياة الدنيا‬ ‫‪3‬‬


‫وعما بعدها‪ ،‬وعن علتقتها بما تقبلها وما بعدها‪ ،‬وذلك‬ ‫بإعطاء الفكرة الكلية عما وراء هذا الكون والنسان‬ ‫والحياة‪.‬لنها القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الفكار‬ ‫عن الحياة‪ .‬وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الشياء هو حل‬ ‫العقدة الكبرى عـند النسان‪ .‬ومتى حلت هذه العقدة حلت‬ ‫باتقي العقد‪ ،‬لنها جزئية بالنسبة لها‪ ،‬أو فروع عنها‪ .‬لكن هذا‬ ‫الحل ل يوصل إلى النهضة الصحيحة إل إذا كان حل صحيحا‬ ‫يوافق فطرة النسان‪ ،‬ويقنع العقل‪ ،‬فيمل القلب طمأنينة‪.‬‬ ‫ول يمكن أن يوجد هذا الحل الصحيح إل بالفكر المستنير‬ ‫عن الكون والنسان والحياة‪ .‬لذلك كان على مريدي النهضة‬ ‫والسير في طريق الرتقي أن يحلوا هذه العقدة أول‪ ،‬حل‬ ‫صحيحا بواسطة الفكر المستنير‪ ،‬وهذا الحل هو العقيدة‪،‬‬ ‫وهو القاعدة الفكرية التي يبنى عليها كل فكر فرعي عن‬ ‫السلوك في الحياة وعن أنظمة الحياة‪.‬‬ ‫والسلم تقد عمد إلى هذه العقدة الكبرى فحلها للنسان‬ ‫حل يوافق الفطرة‪ ،‬ويمل العقل تقناعة‪ ،‬والقلب طمأنينة‪،‬‬ ‫وجعل الدخول فيه متوتقفا على التقرار بهذا الحل إتقرارا‬ ‫صادرا عن العقل‪ ،‬ولذلك كان السلم مبنيا على أساس‬ ‫واحد هو العقيدة‪ .‬وهي أن وراء هذا الكون والنسان‬ ‫والحياة خالقا خلقها جميعا‪ ،‬وخلق كل شيء‪ ،‬وهو ا‬ ‫‪4‬‬


‫تعالى‪ .‬وأن هذا الخالق أوجد الشياء من عدم‪ ،‬وهو واجب‬ ‫الوجود‪ ،‬فهو غير مخلوق‪ ،‬وإل لما كان خالقا‪ ،‬واتصافه بكونه‬ ‫خالقا يقضي بكونه غير مخلوق‪ ،‬ويقضي بأنه واجب الوجود‪،‬‬ ‫لن الشياء جميعها تستند في وجودها إليه ول يستند هو‬ ‫إلى شيء‪.‬‬ ‫أما أنه ل بد للشياء من خالق يخلقها فذلك أن الشياء‬ ‫التي يدركها العقل هي النسان والحياة والكون‪ ،‬وهذه‬ ‫الشياء محدودة‪ ،‬فهي عاجزة وناتقصة ومحتاجة إلى غيرها‪.‬‬ ‫فالنسان محدود لنه ينمو في كل شيء إلى حـد ما ل‬ ‫يتجاوزه‪ ،‬فهو محدود‪ .‬والحياة محدودة‪ ،‬لن مظهرها فردى‬ ‫فقط‪ ،‬والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد‪ ،‬فهي‬ ‫محدودة‪ .‬والكون محدود لنه مجموع أجرام وكل جرم منها‬ ‫محدود‪ ،‬ومجموع المحدودات محدود بداهة‪ ،‬فالكون محدود‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فالنسان والحياة والكون محدودة تقطعا‪ .‬وحين‬ ‫ننظر إلى المحدود نجده ليس أزليا وإل لما كان محدودا فل‬ ‫بد أن يكون المحدود مخلوتقا لغيره‪ ،‬وهذا الغير هـو خالق‬ ‫النسان والحياة والكون‪ ،‬وهو أما أن يكون مخلوتقا لغيره‪ ،‬أو‬ ‫خالقا لنفسه‪ ،‬أو أزليا واجب الوجود‪ .‬أما أنه مخلوق لغيره‬ ‫فباطل‪ ،‬لنه يكون محدودا‪ ،‬وأما أنه خالق لنفسه فباطل‬ ‫أيضا‪ ،‬لنه يكون مخلوتقا لنفسه وخالقا لنفسه في آن واحـد‬ ‫‪5‬‬


‫وهذا باطل أيضا‪ ،‬فلبد أن يكون الخالق أزليا واجب الوجود‬ ‫وهو ا تعالى‪.‬‬ ‫على أن كل من كان له عقل‪ ،‬يدرك من مجرد وجود‬ ‫الشياء التي يقع عليها حسه‪ ،‬أن لها خالقا خلقها‪ ،‬لن‬ ‫المشاهد فيها جميعها أنها ناتقصة‪ ،‬وعاجزة ومحتاجة لغيرها‪،‬‬ ‫فهي مخلوتقة تقطعا‪ .‬ولذلك يكفي أن يلفت النظر إلى أي‬ ‫شيء في الكون والحياة والنسان ليستدل به على وجود‬ ‫الخالق المدبر‪ .‬فالنظر إلى أي كوكب من الكواكب في‬ ‫الكون‪ ،‬والتأمل في إي مظهر من مظاهر الحياة‪ ،‬وإدراك أي‬ ‫ناحية في النسان‪ ،‬ليدل دللة تقطعية على وجود ا تعالى‪.‬‬ ‫ولذلك نجد القرآن الكريم يلفت النظر إلى الشياء‪ ،‬ويدعو‬ ‫النسان لن ينظر إليها والى مـا حولها وما يتعلق بها‪،‬‬ ‫ويستدل بذلك على وجود ا تعالى‪ .‬إذ ينظر إلى الشياء‬ ‫كيف إنها محتاجة إلى غيرها فيدرك من ذلك وجود ا‬ ‫الخالق المدبر إدراكا تقطعيا‪ .‬وتقد وردت مئات اليات في هذا‬ ‫المعنى‪ ،‬تقال تعالى في سورة آل عمران ‪ ‬إن في خلق‬ ‫السموات والرض‪ ،‬واختل ف الليل والنهار ليات‬ ‫لولى اللباب‪ ‬وتقال تعالى في سورة الروم ‪ ‬ومن آياته‬ ‫خلق السموات والرض واختل ف ألسنتكم وألوانكم‬ ‫‪ ‬وتقال تعالى في سورة الغاشية ‪ ‬أفل ينظرون إلى‬ ‫‪6‬‬


‫البل كيف خلقت‪ ،‬والى السماء كيف رفعت‪ ،‬والى‬ ‫الجبال كيف نصبت‪ ،‬والى الرض كيف سطحت ‪ ‬وتقال‬ ‫تعالى في سورة الطارق ‪ ‬فلينظر النسان مم خلق‪،‬‬ ‫خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب ‪‬‬ ‫وتقال تعالى في سورة البقرة ‪ ‬إن في خلق السموات‬ ‫والرض‪ ،‬واختل ف الليل والنهار‪ ،‬والفلك التي تجري‬ ‫في البحر بما ينفع الناس‪ ،‬وما أنزل ا من السماء‬ ‫من ماء فأحيا به الرض بعد موتها‪ ،‬وبث فيها من كل‬ ‫دابة‪ ،‬وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين‬ ‫السماء والرض‪ ،‬ليات لقوم يعقلون ‪ ‬إلى غير ذلك‬ ‫من اليات التي تدعو النسان لن ينظر النظرة العميقة إلى‬ ‫الشياء وما حولها وما يتعلق بها‪ ،‬ويستدل بذلك على وجود‬ ‫الخالق المدبر‪ ،‬حتى يكون إيمانه بالله إيمانا راسخا عن عقل‬ ‫وبينة‪.‬‬ ‫نعم إن اليمان بالخالق المدبر فطري في كل إنسان‪ .‬إل‬ ‫أن هذا اليمان الفطري يأتي عن طريق الوجدان‪ .‬وهو‬ ‫طريق غير مأمون العاتقبة‪ ،‬وغير موصل إلى تركيز إذا ترك‬ ‫وحده‪ .‬فالوجدان كثيرا ما يضفي على ما يؤمن به أشياء ل‬ ‫حقائق لها‪ ،‬ولكن الوجدان تخيلها صفات لزمة لما آمن به‪،‬‬ ‫فوتقع في الكفر أو الضلل‪ .‬وما عبادة الوثان‪ ،‬وما الخرافات‬ ‫‪7‬‬


‫والترهات إل نتيجة لخطأ الوجدان‪ .‬ولهذا لم يترك السلم‬ ‫الوجدان وحده طريقة لليمان‪ ،‬حتى ل يجعل لله صفات‬ ‫تتناتقض مع اللوهية‪ ،‬أو يجعله ممكن التجسد في أشياء‬ ‫مادية‪ ،‬أو يتصور إمكان التقرب إليه بعبادة أشياء مادية‪،‬‬ ‫فيؤدي إما إلى الكفر أو الشراك‪ ،‬وإما إلى الوهام‬ ‫والخرافات التي يأباها اليمان الصادق‪ .‬ولذلك حتم السلم‬ ‫استعمال العقل مع الوجدان‪ ،‬وأوجب على المسلم استعمال‬ ‫عقله حين يؤمن بالله تعالى‪ ،‬ونهى عن التقليد في العقيدة‬ ‫ولذلك جعل العقل حكما في اليمان بالله تعالى‪ .‬تقال‬ ‫تعالى‪  :‬إن في خلق السموات والرض واختل ف‬ ‫الليل والنهار ليات لولي اللباب‪ .‬ولهذا كان واجبا‬ ‫على كل مسلم أن يجعل إيمانه صادرا عن تفكير وبحث‬ ‫ونظر‪ ،‬وأن يحكم العقل تحكيما مطلقا في اليمان بالله‬ ‫تعـــالى‪)) .‬والدعوة إلى النظر في الكون لستنباط سننه‬ ‫وللهتداء إلى اليمان ببارئه‪ ،‬يكررها القرآن مئات المرات‬ ‫في سوره المختلفة‪ ،‬وكلها موجهة إلى تقوى النسان العاتقلة‬ ‫تدعوه إلى التدبر والتأمل ليكون إيمانه عن عقل وبينة‬ ‫وتحذره الخذ بما وجد عليه آباءه من غير نظر فيه وتمحيص‬ ‫له وثقة ذاتية بمبلغه من الحق‪.‬هذا هو اليمان الذي دعا‬ ‫السلم إليه‪ ،‬وهو ليس هذا اليمان الذي يسمونه إيمان‬ ‫‪8‬‬


‫العجائز‪ ،‬إنما هو إيمان المستنير المستيقن الذي نظر ونظر‪،‬‬ ‫ثم فكر وفكر‪ ،‬ثم وصل من طريق النظر والتفكير إلى اليقين‬ ‫بالله جلت تقدرته((‪.‬‬ ‫ورغم وجوب استعمال النسان العقل في الوصول إلى‬ ‫اليمان بالله تعالى فانه ل يمكنه إدراك ما هو فوق حسه‬ ‫وفوق عقله‪ ،‬وذلك لن العقل النساني محدود‪ ،‬ومحدودة‬ ‫تقوته مهما سمت ونمت بحدود ل تتعداها‪ ،‬ولذلك كان محدود‬ ‫الدراك ومن هنا كان لبد أن يقصر العقل دون إدراك ذات‬ ‫ا‪ ،‬وأن يعجز عن إدراك حقيقته‪ ،‬لن ا وراء الكون‬ ‫والنسان والحياة‪ ،‬والعقل في النسان ل يدرك حقيقة ما‬ ‫وراء النسان‪ ،‬ولذلك كان عاجزا عن إدراك ذات ا‪ .‬ول‬ ‫يقال هنا‪ :‬كيف آمن النسان بالله عقل م ً مع أن عقله عاجز‬ ‫عن إدراك ذات ا ؟ لن اليمان إنما هو إيمان بوجود ا‬ ‫ووجوده مدرك من وجود مخلوتقاته‪ ،‬وهي الكون والنسان‬ ‫والحياة‪ .‬وهذه المخلوتقات داخلة في حدود ما يدركه العقل‪،‬‬ ‫فأدركها‪ ،‬وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها‪ ،‬وهو ا‬ ‫تعالى‪ .‬ولذلك كان اليمان بوجود ا عقليا وفي حدود‬ ‫العقل‪ ،‬بخل ف إدراك ذات ا فانه مستحيل‪ ،‬لن ذاته وراء‬ ‫الكون والنسان والحياة‪ ،‬فهو وراء العقل‪ .‬والعقل ل يمكن‬ ‫أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الدراك‪ .‬وهذا‬ ‫‪9‬‬


‫القصور نفسه يجب أن يكون مـن مقويات اليمان‪ ،‬وليس‬ ‫من عوامل الرتياب والشك فانه لما كان إيماننا بالله آتيا عن‬ ‫طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكا تاما‪ ،‬ولما كان‬ ‫شعورنا بوجوده تعالى مقرونا بالعقل كان شعورنا بوجوده‬ ‫شعورا يقينيا‪ ،‬وهذا كله يجعل عندنا إدراكا تاما وشعورا يقينيا‬ ‫بجميع صفات اللوهية‪ .‬وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن‬ ‫نستطيع إدراك حقيقة ذات ا على شدة إيماننا به‪ ،‬وإننا‬ ‫يجب أن نسلم بما أخبرنا به مما تقصر العقل عن إدراكه أو‬ ‫الوصول إلى إدراكه‪ ،‬وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل‬ ‫العقل النساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما‬ ‫فوتقه‪ .‬إذ يحتاج هذا الدراك إلى مقاييس ليست نسبية‬ ‫وليست محـدودة‪ ،‬وهي مما ل يملكه النسان ول يستطيع أن‬ ‫يملكه‪.‬‬ ‫وأما ثبوت الحاجة إلى الرسل‪ ،‬فهو انه ثبت أن النسان‬ ‫مخلوق لله تعالى‪ ،‬وأن التدين فطري في النسان‪ ،‬لنه‬ ‫غريزة من غرائزه‪ ،‬فهو في فطرته يقدس خالقه‪ ،‬وهذا‬ ‫التقديس هو العبادة‪ ،‬وهي العلتقة بين النسان والخالق‬ ‫وهذه العلتقة إذا تركت دون نظام يؤدي تركها إلى اضطرابها‬ ‫والى عبادة غير الخالق‪ ،‬فل بد من تنظيم هذه العلتقة‬ ‫بنظام صحيح‪ ،‬وهذا النظام ل يأتي من النسان لنه ل يتأتى‬ ‫‪10‬‬


‫له إدراك حقيقة الخالق حتى يضع نظاما بينه وبينه‪ ،‬فل بد أن‬ ‫يكون هذا النظام من الخالق‪ .‬وبما أنه ل بد أن يبلغ الخالق‬ ‫هذا النظام للنسان‪ .‬لذلك كان لبد من الرسل يبلغون‬ ‫الناس دين ا تعالى‪.‬‬ ‫والدليل أيضا على حاجة الناس إلى الرسل هو أن إشباع‬ ‫النسان لغرائزه وحاجاته العضوية أمر حتمي‪ ،‬وهذا الشباع‬ ‫إذا سار دون نظام يؤدي إلى الشباع الخطأ أو الشاذ ويسبب‬ ‫شقاء النسان‪ ،‬فل بد من نظام ينظم غرائز النسان‬ ‫وحاجاته العضوية‪ ،‬وهذا النظام ل يأتي من النسان‪ ،‬لن‬ ‫فهمه لتنظيم غرائز النسان وحاجاته العضوية عرضة‬ ‫للتفاوت والختل ف والتناتقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها‪،‬‬ ‫فإذا ُترك ذلك له كان النظام عرضة للتفاوت والختل ف‬ ‫والتناتقض وأدى إلى شقاء النسان‪ ،‬فل بد أن يكون النظام‬ ‫من ا تعالى‪.‬‬ ‫وأما ثبوت كون القرآن من عند ا‪ ،‬فهو أن القرآن كتاب‬ ‫عربي جاء به محمد عليه الصلة والسلم‪ .‬فهو إما أن يكون‬ ‫من العرب وإما أن يكون من محمد‪ ،‬وإما أن يكون من ا‬ ‫تعـالى‪ .‬ول يمكن أن يكون من غير واحد من هؤلء الثلثة‪،‬‬ ‫لنه عربي اللغة والسلوب‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫أما انه من العرب فباطل لنه تحداهم أن يأتوا بمثله ‪ ‬تقل‬ ‫فأتوا بعشر سور مثله‪  ‬تقل فأتوا بسورة مثله‪ ‬وتقد‬ ‫حاولوا أن يأتوا بمثله وعجزوا عن ذلك‪ .‬فهو إذن ليس من‬ ‫كلمهم‪ ،‬لعجزهم عن التيان بمثله مع تحديه لهم ومحاولتهم‬ ‫التيان بمثله‪ .‬وأما أنه من محمد فباطل‪ ،‬لن محمدا عربي‬ ‫من العرب‪ ،‬ومهما سما العبقري فهو من البشر وواحد من‬ ‫مجتمعه وأمته‪ ،‬وما دام العرب لم يأتوا بمثله فيصدق على‬ ‫محمد العربي أنه ل يأتي بمثله فهو ليس منه‪ ،‬علوة أن‬ ‫لمحمد عليه الصلة والسلم أحاديث صحيحة وأخرى رويت‬ ‫عن طريق التواتر الذي يستحيل معه إل الصدق‪ ،‬وإذا تقورن‬ ‫أي حديث بأي آية ل يوجد بينهما تشابه في السلوب وكان‬ ‫يتلو الية المنزلة ويقول الحديث في وتقت واحد‪ ،‬وبينهما‬ ‫اختل ف في السلوب‪ ،‬وكلم الرجل مهما حاول أن ينوعه‬ ‫فانه يتشابه في السلوب لنه جزء منه‪ .‬وبما أنه ل يوجد أي‬ ‫تشابه بين الحديث والية في السلوب فل يكون القرآن كلم‬ ‫محمد مطلقا‪ ،‬للختل ف الواضح الصريح بينه وبين كلم‬ ‫محمد‪ .‬على أن العرب وهم أعلم الناس بأساليب الكلم‬ ‫العربي لم يدع أحد منهم أنه كلم محمد أو أنه يشبه كلمه‪،‬‬ ‫وكل ما أدعوه أنه يأتي به من غلم نصراني اسمه )جبر(‬ ‫ولذلك رد عليهم ا تعالى فقال ‪ ‬ولقد نعلم أنهم‬ ‫‪12‬‬


‫يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه‬ ‫أعجمي وهذا لسان عربي مبين‪.‬‬ ‫وبما أنه ثبت أن القرآن ليس كلم العرب‪ ،‬ول كلم محمد‪،‬‬ ‫فيكون كلم ا تقطعا‪ ،‬ويكون معجزة لمن أتى به‪.‬‬ ‫وبما أن محمدا هو الذي أتى بالقرآن‪ ،‬وهو كلم ا‬ ‫وشريعته‪ ،‬ول يأتي بشريعة ا إل النبياء والرسل‪ ،‬فيكون‬ ‫محمد نبيا ورسول تقطعا بالدليل العقلي‪.‬‬ ‫هذا دليل عقلي على اليمان بالله وبرسالة محمد وبأن‬ ‫القرآن كلم ا‪.‬‬ ‫وعلى ذلك كان اليمان بالله آتيا عن طريق العقل‪ ،‬ول بد‬ ‫أن يكون هذا اليمان عن طريق العقل‪ .‬فكان بذلك الركيزة‬ ‫التي يقوم عليها اليمان بالمغيبات كلها وبكل ما أخبرنا ا‬ ‫به‪ .‬لننا ما دمنا تقد آمنا به تعالى وهو يتصف بصفات اللوهية‬ ‫يجب حتما أن نؤمن بكل ما أخبر به سواء أدركه العقل أو‬ ‫كان من وراء العقل‪ ،‬لنه أخبرنا به ا تعالى‪ .‬ومن هنا‬ ‫يجب اليمان بالبعث والنشور والجنة والنار والحساب‬ ‫والعذاب‪ ،‬وبالملئكة والجن والشياطين وغير ذلك‪ ،‬مما جاء‬ ‫بالقرآن الكريم أو بحديث تقطعي‪ .‬وهذا اليمان وان كان‬ ‫عن طريق النقل والسمع لكنه في أصله إيمان عقلي‪ ،‬لن‬ ‫أصله ثبت بالعقل‪ .‬ولذلك كان ل بد أن تكون العقيدة للمسلم‬ ‫‪13‬‬


‫مستندة إلى العقل أو إلى ما ثبت أصله عن طريق العقل‪.‬‬ ‫فالمسلم يجب أن يعتقد ما ثبت له عن طريق العقل أو‬ ‫طريق السمع اليقيني المقطوع به‪ ،‬أي ما ثبت بالقرآن‬ ‫الكريم والحديث القطعي وهو المتـواتر‪ ،‬وما لم يثبت عن‬ ‫هاتين الطريقتين‪ :‬العقل ونص الكتاب والسنة القطعية‪،‬‬ ‫يحرم عليه أن يعتقده‪ ،‬لن العقائد ل تؤخذ إل عن يقين‪.‬‬ ‫وعلى ذلك وجب اليمان بما تقبل الحياة الدنيا وهو ا‬ ‫تعالى‪ ،‬وبما بعدها وهو يوم القيامة‪ .‬وبما أن أوامر ا هي‬ ‫صلة ما تقبل الحياة بالحياة بالضافة إلى صلة الخلق‪ ،‬وأن‬ ‫المحاسبة عما عمل النسان في الحياة صلة ما بعد الحياة‬ ‫بالحياة بالضافة إلى صلة البعث والنشور‪ ،‬فانه ل بد أن‬ ‫تكون لهذه الحياة صلة بما تقبلها وما بعدها‪ ،‬وأن تكون‬ ‫أحوال النسان فيها مقيدة بهذه الصلة‪ ،‬فالنسان إذن يجب‬ ‫أن يكون سائرا في الحياة وفق أنظمة ا‪ ،‬وأن يعتقد أنه‬ ‫يحاسبه يوم القيامة على أعماله في الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫وبهذا يكون تقد وجد الفكر المستنير عما وراء الكون‬ ‫والحياة والنسان‪ ،‬ووجد الفكر المستنير أيضا عما تقبل الحياة‬ ‫وعما بعدها‪ ،‬وأن لها صلم ًة بما تقبلها وما بعدها‪ .‬وبهذا تكون‬ ‫العقدة الكبرى تقد حلت جميعها بالعقيدة السلمية‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫ومتى انتهى النسان من هذا الحل أمكنه أن ينتقل إلى‬ ‫الفكر عن الحياة الدنيا‪ ،‬والى إيجاد المفاهيم الصادتقة‬ ‫المنتجة عنها‪ .‬وكان هذا الحل نفسه هو الساس الذي يقوم‬ ‫عليه المبدأ الذي يتخذ طريقة للنهوض‪ ،‬وهو الساس الذي‬ ‫تقوم عليه حضارة هذا المبدأ‪ ،‬وهو الساس الذي تنبثق عنه‬ ‫أنظمته‪ ،‬وهو الساس الذي تقوم عليه دولته‪ .‬ومن هنا كان‬ ‫الساس الذي يقوم عليه السلم ‪ -‬فكرة و طريقة – هو‬ ‫العقيدة السلمية‪.‬‬ ‫‪ ‬يا أيها الذين آ َمنوا آ ِمنوا بالله ورسوله والكتاب‬ ‫الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من تقبل‬ ‫ومن يكفر بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‬ ‫فقد ضل ضل ل م ً بعيدا‪.‬‬ ‫أما وتقد ثبت هذا وكان اليمان به أمرا محتوما كان لزاما‬ ‫أن يؤمن كل مسلم بالشريعة السلمية كلها‪ ،‬لنها جاءت في‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬وجاء بها الرسول صلى ا عليه وسلم وإل‬ ‫كان كافرا ولذلك كان إنكار الحكام الشرعية بجملتها‪ ،‬أو‬ ‫القطعية منها بتفصيلها‪ ،‬كفرا‪ ،‬سواء أكانت هذه الحكام‬ ‫متصلة بالعبادات أو المعاملت أو العقوبات أو المطعومات‪،‬‬ ‫فالكفر بآية ‪ ‬وأتقيموا الصلة‪ ‬كالكفر بآية ‪ ‬وأحل ا‬ ‫البيع وحرم الربا‪ ‬وكالكفر بـآية ‪ ‬والسارق والسارتقة‬ ‫‪15‬‬


‫فاتقطعوا أيديهما‪ ‬وكالكفر بآية ‪ ‬حرمت عليكم الميتة‬ ‫والـدم ولحم الخنزير وما أهل لغير ا به‪ ‬الية‪ .‬ول‬ ‫يتوتقف اليمان بالشريعة على العقل‪ ،‬بل ل بد من التسليم‬ ‫المطلق بكل ما جاء من عند ا تعالى ‪ ‬فل وربك ل‬ ‫يؤمنـون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‪ ،‬ثم ل‬ ‫يجدوا في أنفسهم حرجا مما تقضيت ويسلموا‬ ‫تسليما‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫القضاء والقدر‬ ‫تقال تعالى في سورة آل عمران ‪ ‬وما كان لنفس أن‬ ‫تموت إل بإذن ا كتابا مؤج ل م ً ‪ ‬وتقال في سورة‬ ‫العرا ف ‪ ‬ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم ل‬ ‫يستأخرون ساع م ًة ول يستقدمون‪ ‬وتقال في سورة‬ ‫الحديد ‪ ‬ما أصاب من مصيبة في الرض ول في‬ ‫أنفسكم إل في كتاب من تقبل أن نبرأها إن ذلك على‬ ‫ا يسير ‪ ‬وتقال في سورة التوبة ‪ ‬تقل لن يصيبنا إل ما‬ ‫كتب ا لنا هو مولنا وعلى ا فليتوكل المؤمنون ‪‬‬ ‫وتقال في سورة سبأ ‪ ‬ل يعزب عنه مثقال ذرة في‬ ‫السموات ول في الرض ول أصغر من ذلك ول أكبر‬ ‫إل في كتاب مبين ‪ ‬وتقال في سورة النعام ‪ ‬وهو الذي‬ ‫يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم‬ ‫فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم‬ ‫بما كنتم تعملون ‪ ‬وتقال في سورة النساء ‪ ‬وان تصبهم‬ ‫حسن م ًة يقولوا هذه من عند ا‪ ،‬وان تصبهم سيئ م ًة‬ ‫يقولوا هذه من عندك‪ .‬تقل كل من عند ا فما‬ ‫لهؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثا ‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫هذه اليات وما شاكلها من اليات يستشهد بها الكثيرون‬ ‫على مسألة القضاء والقدر استشهادا يفهم منه أن النسان‬ ‫يجبر على القيام بما يقوم به من أعمال‪ ،‬وأن العمال إنما‬ ‫يقوم بها ملزما بإرادة ا ومشيئته‪ ،‬وأن ا هو الذي خلق‬ ‫النسان‪ ،‬وخلق عمله ويحاولون تأييد تقولهم بقوله تعالى ‪‬‬ ‫وا خلقكم وما تعملون ‪ ‬كما يستشهدون بأحاديث‬ ‫أخرى كقوله صلى ا عليه وسلم " نفث روح القدس في‬ ‫روعي‪ ،‬لن تموت نفس حتى تستوفي رزتقها وأجلها وما تقدر‬ ‫لها "‪.‬‬ ‫لقد أخذت مسألة القضاء والقدر دورا هاما في المذاهب‬ ‫السلمية‪ .‬وكان لهل السنة فيها رأي يتلخص في أن‬ ‫النسان له كسب اختياري في أفعاله فهو يحاسب على هذا‬ ‫الكسب الختياري‪ .‬وللمعتزلة رأي يتلخص في أن النسان‬ ‫هو الذي يخلق أفعاله بنفسه‪ ،‬فهو يحاسب عليها لنه هو‬ ‫الذي أوجدها‪ ،‬وللجبرية فيها رأي يتلخص في أن ا تعالى‬ ‫هو الذي يخلق العبد ويخلق أفعاله‪ ،‬ولذلك كان العبد مجبرا‬ ‫على فعله وليس مخيرا وهو كالريشة في الفضاء تحركها‬ ‫الرياح حيث تشاء‪.‬‬ ‫والمدتقق في مسألة القضاء والقدر يجد أن دتقة البحث‬ ‫فيها توجب معرفة الساس الذي ينبني عليه البحث‪ ،‬وهذا‬ ‫‪18‬‬


‫الساس ليس هو فعل العبد من كونه هو الذي يخلقه أم‬ ‫ا تعالى‪ .‬وليس هو علم ا تعالى من كونه يعلم أن العبد‬ ‫سيفعل كذا ويحيط علمه به‪ ،‬وليس هو إرادة ا تعالى من‬ ‫أن إرادته تعلقت بفعل العبد فهو لبد موجود بهذه الرادة‪،‬‬ ‫وليس هو كون هذا الفعل للعبد مكتوبا في اللوح المحفوظ‬ ‫فل بد أن يقوم به وفق ما هو مكتوب‪.‬‬ ‫نعم ليس الساس الذي يبنى عليه البحث هو هذه‬ ‫الشياء مطلقا‪ ،‬لنه ل علتقة لها في الموضوع من حيث‬ ‫الثواب والعقاب‪ .‬بل علتقتها من حيث اليجاد والعلم المحيط‬ ‫بكل شيء والرادة التي تتعلق بجميع الممكنات واحتواء‬ ‫اللوح المحفوظ على كل شيء‪ .‬وهذه العلتقة موضوع آخر‬ ‫منفصل عن موضوع الثابة على الفعل والعقاب عليه أي‪:‬‬ ‫هل النسان مـلزم على القيام بالفعل خيرا أم شرا‪ ،‬أو مخير‬ ‫فيه ؟ وهل له اختيار القيام بالفعل أو تركه أو ليس له‬ ‫الختيار ؟‬ ‫والمدتقق في الفعال يرى أن النسان يعيش في‬ ‫دائرتين إحداهما يسيطر عليها وهي الدائرة التي تقع في‬ ‫نطاق تصرفاته وضمن نطاتقها تحصل أفعاله التي يقوم بها‬ ‫بمحض اختياره‪ ،‬والخرى تسيطر عليه وهي الدائرة التي‬

‫‪19‬‬


‫يقع هو في نطاتقها وتقع ضمن هذه الدائرة الفعال التي ل‬ ‫دخل له بها سواء أوتقعت منه أو عليه‪.‬‬ ‫فالفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه ل دخل‬ ‫له بها ول شأن له بوجودها‪ ،‬وهي تقسمان‪ :‬تقسم يقتضيه‬ ‫نظام الوجود‪ ،‬وتقسم تقع فيها الفعال التي ليست في‬ ‫مقدوره والتي ل تقبل له بدفعها ول يقتضيها نظام الوجود‪.‬‬ ‫أما ما تقتضيه أنظمة الوجود فهو يخضعه لها ولذلك يسير‬ ‫بحسبها سيرا جبريا لنه يسير مع الكون ومع الحياة طبق‬ ‫نظام مخصوص ل يتخلف‪ .‬ولذلك تقع العمال في هذه‬ ‫الدائرة على غير إرادة منه وهو فيها مسير وليس بمخير‪ .‬فقد‬ ‫أتى إلى هذه الدنيا على غير إرادته وسيذهب عنها على غير‬ ‫إرادته‪ ،‬ول يستطيع أن يطير بجسمه فقـط في الهواء‪ ،‬ول أن‬ ‫يمشي بوضعه الطبيعي على الماء‪ ،‬ول يمكن أن يخلق‬ ‫لنفسه لـون عينيه‪ .‬ولم يوجد شكل رأسه‪ ،‬ول حجم جسمه‪،‬‬ ‫وإنما الذي أوجد ذلك كله هو ا تعالى دون أن يكون للعبد‬ ‫المخلوق أي أثر ول أية علتقة في ذلك‪ ،‬لن ا هو الذي‬ ‫خلق نظام الوجود‪ ،‬وجعله منظما للوجود‪ .‬وجعل الوجود‬ ‫يسير حسبه ول يملك التخلف عنه‪.‬‬ ‫وأما الفعال التي ليست في مقدوره والتي ل تقبل له‬ ‫بدفعها ول يقتضيها نظام الوجود فهي الفعال التي تحصل‬ ‫‪20‬‬


‫من النسان أو عليه جبرا عنه ول يملك دفعها مطلقا‪ ،‬كما لو‬ ‫سقط شخص عن ظهر حائط على شخص آخر فقتله‪ ،‬وكما‬ ‫لو أطلق شخص النار على طير فأصابت إنسانا لم يكن‬ ‫يعلمه فقتله‪ ،‬وكما لو تدهور تقطار أو سيارة أو سقطت‬ ‫طائرة لخلل طارئ لم يكن بالمكان تلفيه فتسبب عن هذا‬ ‫التدهور والسقوط تقتل الركاب‪ ،‬وما شاكل ذلك فان هذه‬ ‫الفعال التي حصلت من النسان أو عليه وان كانت ليست‬ ‫مما يقتضيه نظام الوجود ولكنها وتقعت من النسان أو عليه‬ ‫على غير إرادة منه وهي ليست في مقدوره فهي داخلة في‬ ‫الدائرة التي تسيطر عليه‪ ،‬فهذه الفعال كلها التي حصلت في‬ ‫الدائرة التي تسيطر على النسان هي التي تسمى تقضاء‪،‬‬ ‫لن ا وحده هو الذي تقضاه‪ .‬ولذلك ل يحاسب العبد على‬ ‫هذه الفعال مهما كان فيها من نفع أو ضر أو حب أو كراهية‬ ‫بالنسبة للنسان‪ ،‬أي مهما كان فيها من خير وشر حسب‬ ‫تفسير النسان لها‪ ،‬وان كان ا وحده هو الذي يعلم الشر‬ ‫والخير في هذه الفعال‪ ،‬لن النسان ل أثر له بها‪ .‬ول يعلم‬ ‫عنها ول عن كيفية إيجادها‪ ،‬ول يملك دفعها أو جلبها مطلقا‪،‬‬ ‫وعلى النسان أن يؤمن بهذا القضاء وأنه من ا سبحانه‬ ‫تعالى‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫أما القدر فهو أن الفعال التي تحصل سواء أكانت في‬ ‫الدائرة التي تسيطر على النسان أو الدائرة التي يسيطر‬ ‫عليها تقع من أشياء وعلى أشياء من مادة الكون والنسان‬ ‫والحياة‪ ،‬وتقد خلق ا لهذه الشياء خواص معينه‪ ،‬فخلق‬ ‫في النار خاصية الحراق‪ ،‬وفي الخشب خاصية الحتراق‪،‬‬ ‫وفي السكين خاصية القطع‪ ،‬وجعلها لزمة حسب نظام‬ ‫الوجود ل تتخلف‪ .‬وحين يظهر أنها تخلفت يكون ا تقد سلبها‬ ‫تلك الخاصية وكان ذلك أمرا خارتقا للعادة‪ .‬وهـو يحصل‬ ‫للنبياء ويكون معجزة لهم‪ ،‬وكما خلق في الشياء خاصيات‬ ‫كذلك خلق في النسان الغرائز والحاجات العضوية وجعل‬ ‫فيها خاصيات معينة كخواص الشياء فخلق في غريزة النوع‬ ‫خاصية الميل الجنسي‪ ،‬وفي الحاجات العضوية خاصيات‬ ‫كالجوع والعطش ونحوهما‪ ،‬وجعلها لزمة لها حسب سنة‬ ‫الوجود‪ .‬فهذه الخاصيات المعينة التي أوجدها ا سبحانه‬ ‫وتعالى في الشياء وفي الغرائز والحاجات العضوية التي‬ ‫في النسان هي التي تسمى القدر‪ ،‬لن ا وحده هو الذي‬ ‫خلق الشياء والغرائز والحاجات العضوية وتقدر فيها‬ ‫خواصها‪ .‬وهي ليست منها ول شأن للعبد فيها ول أثر له‬ ‫مطلقا‪ .‬وعلى النسان أن يؤمن بأن الذي تقدر في هذه‬ ‫الشياء الخاصيات هو ا سبحانه وتعالى‪ .‬وهذه الخاصيات‬ ‫‪22‬‬


‫فيها تقابلية لن يعمل النسان بواسطتها عمل م ً وفق أوامر ا‬ ‫فيكون خيرا أو يخالف أوامر ا فيكون شرا‪ ،‬سواء في‬ ‫استعمال الشياء بخواصها أو باستجابته للغرائز والحاجات‬ ‫العضوية خيرا إن كانت حسب أوامر ا ونواهيه‪ ،‬وشرا إن‬ ‫كانت مخالفم ًة لوامر ا ونواهيه‪.‬‬ ‫ومن هنا كانت الفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر‬ ‫على النسان من ا خيرا أو شرا‪ ،‬وكانت الخاصيات التي‬ ‫وجدت في الشياء والغرائز والحاجات العضوية من ا‬ ‫سواء أنتجت خيرا أو شرا‪ ،‬ومن هنا كان لزاما على المسلم‬ ‫أن يؤمن بالقضاء خيره وشره من ا تعالى‪ ،‬أي أن يعتقد‬ ‫أن الفعال الخارجة عن نطاتقه هي من ا تعالى‪ ،‬وأن‬ ‫يؤمن بالقدر خيره وشره من ا تعالى‪ ،‬أي يعتقد بأن‬ ‫خواص الشياء الموجودة في طبائعها هي من ا تعالى‪.‬‬ ‫سواء ما أنتج منها خيرا أم شرا‪ ،‬وليس للنسان المخلوق فيها‬ ‫أي أثر‪ ،‬فأجل النسان ورزتقه ونفسه كل ذلك من ا‪ ،‬كما‬ ‫أن الميل الجنسي والميل للتملك الموجود في غريزتي النوع‬ ‫والبقاء‪ ،‬والجوع والعطش الموجود في الحاجات العضوية‬ ‫كلها من ا تعالى‪.‬‬ ‫هذا بالنسبة للفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر‬ ‫على النسان وفي خواص جميع الشـياء‪ .‬أما الدائرة التي‬ ‫‪23‬‬


‫يسيطر عليها النسان فهي الدائرة التي يسير فيها مختارا‬ ‫ضمن النظام الذي يختاره سواء شريعة ا أو غيرها‪ ،‬وهذه‬ ‫الدائرة هي التي تقع فيها العمال التي تصدر من النسان أو‬ ‫عليه بإرادته‪ ،‬فهو يمشى ويأكل ويشرب ويسافر في أي وتقت‬ ‫يشاء‪ ،‬ويمتنع عن ذلك في أي وتقت يشاء وهو يحرق بالنار‬ ‫ويقطع بالسكين كما يشاء‪ ،‬وهو يشبع جوعة النوع‪ ،‬أو جوعة‬ ‫الملك‪ ،‬أو جوعة المعدة كما يشاء‪ ،‬يفعل مختارا‪ .‬ويمتنع عن‬ ‫الفعل مختارا‪ ،‬ولذلك يسأل عن الفعال التي يقوم بها ضمن‬ ‫هذه الدائرة‪.‬‬ ‫وأنه وان كانت خاصيات الشياء‪ ،‬وخاصيات الغرائز‪،‬‬ ‫والحاجات العضوية‪ ،‬التي تقدرها ا فيها وجعلها لزمُة لها‬ ‫هي التي كان لها الثر في نتيجة الفعل‪ ،‬لكن هذه الخاصيات‬ ‫ل‪ ،‬بل النسان حين يستعملها هو الذي‬ ‫ل تحدث هي عم م ً‬ ‫يحدث العمل بها‪ ،‬فالميل الجنسي الموجود في غريزة النوع‬ ‫فيه تقابلية للخير والشر‪ ،‬والجوع الموجود في الحاجة‬ ‫العضوية فيه تقابلية للخير والشر‪ ،‬لكن الذي يفعل الخير‬ ‫والشر‪ ،‬هو النسان وليست الغريزة أو الحاجات العضوية‪،‬‬ ‫وذلك أن ا سبحانه وتعالى خلق للنسان العقل الذي‬ ‫يميز‪ ،‬وجعل في طبيعة العقل هذا الدراك والتمييز‪ ،‬وهدى‬ ‫النسان لطريق الخير والشر ‪ ‬وهديناه النجدين ‪ ،‬وجعل‬ ‫‪24‬‬


‫فيها إدراك الفجور والتـقوى ‪ ‬فألهمها فجورها وتقواها‬ ‫‪ .‬فالنسان حين يستجيب لغرائزه وحاجاته العضوية وفق‬ ‫أوامر ا ونواهيه يكون تقـد فعل الخير وسار في طريق‬ ‫التقوى‪ ،‬وحين يستجيب للغرائز والحاجات العضوية وهو‬ ‫ض عن أوامر ا ونواهيه يكون تقد فعل الشر وسار‬ ‫معر ٌ‬ ‫في طريق الفجور‪ ،‬فكان في كل ذلك هو الذي يقع منه‬ ‫الخير والشر‪ ،‬وعليه يقع الخير والشر‪ ،‬وكان هو الذي‬ ‫يستجيب للجوعات وفق أوامر ا ونواهيه فيفعل الخير‪،‬‬ ‫ويستجيب لها مخالفا أوامر ا ونواهيه فيفعل الشر‪ .‬وعلى‬ ‫هذا الساس يحاسب على هذه الفعال التي تقع في‬ ‫الدائرة التي يسيطر عليها فيثاب ويعاتقب عليها‪ ،‬لنه تقام بها‬ ‫مختارا دون أن يكون عليه أي إجبار‪ .‬على أن الغرائز‬ ‫والحاجات العضوية وان كانت خاصيتها هي من ا‪ ،‬وتقابليتها‬ ‫للشر والخير هي من ا‪ ،‬لكن ا لم يجعل هذه الخاصية‬ ‫على وجه ملزم للقيام بها‪ ،‬سواء فيما يرضى ا أو يسخطه‪،‬‬ ‫أي سواء في الشر أو الخير‪ ،‬كما أن خاصية الحراق لم تكن‬ ‫على وجه يجعلها ملزمم ًة في الحراق‪ ،‬سواء في الحراق‬ ‫الذي يرضي ا أو الذي يسخطه‪ ،‬أي الخـير والشر‪ ،‬وإنما‬ ‫جعلت هذه الخاصيات فيها تؤديها إذا تقام بها فاعل على‬ ‫الوجه المطلوب‪ .‬وا حين خلق النسان وخلق له هذه‬ ‫‪25‬‬


‫الغرائز والحاجات وخلق له العقل المميز أعطاه الختيار بأن‬ ‫يقوم بالفعل أو يتركه ولم يلزمه بالقيام بالفعل أو الترك‪.‬‬ ‫ولم يجعل في خاصيات الشياء والغرائز والحاجات العضوية‬ ‫ما يلزمه على القيام بالفعل أو الترك‪ ،‬ولذلك كان النسان‬ ‫مختارا في التقدام على الفعل والتقلع عنه‪ ،‬بما وهبه ا‬ ‫من العقل المميز‪ ،‬وجعله مناط التكليف الشرعي‪ ،‬ولهذا‬ ‫جعل له الثواب على فعل الخير‪ ،‬لن عقله اختار القيام‬ ‫بأوامر ا واجتناب نواهيه‪ ،‬وجعل له العقاب على فعل‬ ‫الشر‪ ،‬لن عقله اختار مخالفة أوامر ا وعمل ما نهي عنه‬ ‫باستجابته للغرائز والحاجات العضوية على غير الوجه الذي‬ ‫ل‪ ،‬لنه‬ ‫أمر به ا‪ .‬وكان جزاؤه على هذا الفعل حقا وعد م ً‬ ‫مختار للقيام به‪ ،‬وليس مجبرا عليه‪ .‬ول شأن للقضاء والقدر‬ ‫فيه‪ .‬بل المسألة هي تقيام العبد نفسه بفعله مختارا‪ .‬وعلى‬ ‫ذلك كان مسؤول م ً عما كسبه ‪ ‬كل نفس بما كسبت رهينة‬ ‫‪.‬‬ ‫أما علم ا تعالى فانه ل يجبر العبد على القيام بالعمل‬ ‫لن ا علم أنه سيقوم بالعمل مختارا‪ ،‬ولم يكن تقيامه‬ ‫بالعمل بناء على العلم‪ ،‬بل كان العلم الزلي أنه سيقوم‬ ‫بالعمل‪ .‬وليست الكتابة في اللوح المحفوظ إل تعبيرا عن‬ ‫إحاطة علم ا بكل شيء‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫وأما إرادة ا تعالى فإنها كذلك ل تجبر العبد على‬ ‫العمل‪ ،‬بل هي آتية من حيث أنه ل يقع في ملكه إل ما يريد‪:‬‬ ‫أي ل يقع شيء في الوجود جبرا عنه‪ .‬فإذا عمل العبد عمل م ً‬ ‫ولم يمنعه ا منه ولم يرغمه عليه‪ ،‬بل تركه يفعل مختارا‪،‬‬ ‫كان فعله هذا بإرادة ا تعالى ل جبرا عنـه‪ ،‬وكان فعل‬ ‫العبد نفسه باختياره‪ ،‬وكانت الرادة غير مجبرة على العمل‪.‬‬ ‫هذه هي مسألة القضاء والقدر‪ ،‬وهي تحمل النسان‬ ‫على فعل الخير واجتناب الشر حين يعلم أن ا مراتقبه‬ ‫ومحاسبه‪ ،‬وأنه جعل له اختيار الفعل والترك‪ ،‬وأنه إن لم‬ ‫يحسن استعمال اختيار الفعال‪ ،‬كان الويل له والعذاب‬ ‫الشديد عليه‪ ،‬ولذلك نجد المؤمن الصادق المدرك لحقيقة‬ ‫القضاء والقدر‪ ،‬العار ف حقيقة ما وهبه ا من نعمة العقل‬ ‫والختيار‪ ،‬نجده شديد المراتقبة لله‪ ،‬شديد الخو ف من ا‪،‬‬ ‫يعمل للقيام بالوامر اللهية ولجتناب النواهي‪ ،‬خوفا من‬ ‫عذاب ا وطمعا في جنته وحبا في اكتساب ما هو أكبر من‬ ‫ذلك أل وهو رضوان ا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫القيادة الفكرية في السلم‬ ‫تنشأ بين الناس كلما انحط الفكر رابطة الوطن‪ ،‬وذلك‬ ‫بحكم عيشهم في أرض واحدة والتصاتقهم بها‪ ،‬فتأخذهم‬ ‫غريزة البقاء بالدفاع عن النفس‪ ،‬وتحملهم على الدفاع عن‬ ‫البلد الذي يعيشون فيه‪ ،‬والرض التي يعيشون عليها‪ ،‬ومن‬ ‫ة وأكثرها‬ ‫هنا تأتي الرابطة الوطنية‪ ،‬وهي أتقل الروابط تقو م ً‬ ‫انخفاضا‪ ،‬وهي موجودة في الحيوان والطير كما هي‬ ‫موجودة فـي النسان‪ ،‬وتأخذ دائما المظهر العاطفي‪ .‬وهي‬ ‫تلزم في حالة اعتداء أجنبي على الوطن بمهاجمته أو‬ ‫الستيلء عليه‪ ،‬ول شأن لها في حالة سلمة الوطن من‬ ‫العتداء وإذا رد الجنبي عن الوطن أو أخرج منه انتهى‬ ‫عملها‪ ،‬ولذلك كانت رابطم ًة منخفضم ًة‪.‬‬ ‫وحين يكون الفكر ضيقا تنشأ بين الناس رابطة تقومية‪،‬‬ ‫وهي الرابطة العائلية ولكن بشكل أوسع‪ ،‬وذلك أن النسان‬ ‫تتأصل فيه غريزة البقاء فيوجد عنده حب السيادة‪ ،‬وهي في‬ ‫النسان المنخفض فكريا فردية‪ ،‬وإذا نما وعيه يتسع حب‬ ‫السيادة لديه‪ ،‬فيري سيادة عائلته وأسرته‪ ،‬ثم يتسع باتساع‬ ‫الفق ونمو الدراك فيرى سيادة تقومه في وطنه أول م ً ثم‬ ‫يرى عند تحقق سيادة تقومه في وطنه سيادتهم على‬ ‫‪28‬‬


‫غيرهم‪ ،‬ولذلك تنشأ عن هذه الناحية مخاصمات محلية بين‬ ‫الفراد في السرة على سيادتها‪ ،‬حتى إذا استقرت السيادة‬ ‫في هذه السرة لحدها بانتصاره على غيره انتقلت إلى‬ ‫مخاصمات بين هذه السرة وبين غيرها من السر على‬ ‫السيادة‪ ،‬حتى تستقر السيادة على القوم لسرة أو لمجموعة‬ ‫من الناس من أسر مختلفة‪ ،‬ثم تنشأ المخاصمات بين هؤلء‬ ‫القوم وغيرهم على السيادة والرتفاع في معترك الحياة‪.‬‬ ‫ولذلك تغلب العصبية على أصحاب هذه الرابطة‪ ،‬ويغلب‬ ‫عليهم الهوى ونصرة بعضهم على غيرهم‪ .‬ولذلك كانت‬ ‫رابطة غير إنسانية‪ ،‬وتظل هذه الرابطة عرضة للمخاصمات‬ ‫الداخلية إن لم تشغل عنها بالمخاصمات الخارجية‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فالرابطة الوطنية رابطة فاسدة لثلثة أسباب‪:‬‬ ‫أول م ً ‪ -‬لنها رابطة منخفضة ل تنفع لن تربط النسان‬ ‫بالنسان حين يسير في طريق النـهـوض‪ .‬وثانيا – لنها‬ ‫رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء بالدفاع عن النفس‬ ‫والرابطة العاطفية عرضم ًة للتغيير والتبديل‪ ،‬فـل تصلح للربط‬ ‫الدائمي بين النسان والنسان‪ .‬وثالثا – لنها رابطة مؤتقتة‬ ‫توجد في حالة الدفاع‪ ،‬أمـا في حالة الستقرار – وهي‬ ‫الحالة الصلية للنسان – فل وجود لها ولذلك ل تصلح لن‬ ‫تكون رابطم ًة بين بني النسان‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫وكذلك الرابطة القومية فاسدة لثلث أسباب‪ :‬أول م ً – لنها‬ ‫رابطة تقبليم ًة ول تصلح لن تربط النسان بالنسان حين يسير‬ ‫في طريق النهوض‪ .‬وثانيا – لنها رابطة عاطفية تنشأ عن‬ ‫غريزة البقاء‪ ،‬فيوجد منها حب السيادة‪ .‬وثالثا – لنها رابطة‬ ‫غير إنسانية‪ ،‬إذ تسبب الخصومات بين الناس على السيادة‪.‬‬ ‫ولذلك ل تصلح لن تكون رابطة بين بني النسان‪.‬‬ ‫ومن الروابط الفاسدة التي تقد يتوهم وجودهـا رابطة‬ ‫بين الناس الرابطة المصلحية‪ ،‬والرابطة الروحية التي ليس‬ ‫لها نظام ينبثق عنها‪ .‬أما الرابطة المصلحية فهي رابطة مؤتقتة‬ ‫ول تصلح لن تربط بني النسان‪ ،‬لنها عرضم ًة للمساومة على‬ ‫مصالح اكبر منها‪ ،‬فتفقد وجودها في حالة ترجيح المصلحة‪.‬‬ ‫ولنها إذا تباينت المصلحة تنتهي‪ ،‬وتفصل الناس عن بعضهم‬ ‫ولنها تنتهي حين تتم هذه المصالح ولذلك كانت رابطة‬ ‫خطرة على أهلها‪.‬‬ ‫وأما الرابطة الروحية بل نظام ينبثق عنها‪ ،‬فإنها تظهر في‬ ‫حالة التدين‪ ،‬ول تظهر في معترك الحياة‪ .‬ولذلك كانت رابطم ًة‬ ‫جزئيم ًة غير عملية‪ ،‬ول تصلح لن تكون رابطة بين الناس في‬ ‫شؤون الحياة ومن هنا لم تصلح العقيدة النصرانية لن‬ ‫تكون رابطة بين الشعوب الوربية مع أنها كلها تعتنقها‪ ،‬لنها‬ ‫رابطة روحية ل نظام لها‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫ولذلك ل تصلح جميع الروابط السابقة لن تربط النسان‬ ‫بالنسان في الحياة حين يسير في طريق النهوض‪ .‬والرابطة‬ ‫الصحيحة لربط بني النسان في الحياة هي رابطة العقيدة‬ ‫العقلية التي ينبثق عنها نظام‪ .‬وهذه هي الرابطة المبدئية‪.‬‬ ‫والمبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام‪ .‬أما العقيدة فهي‬ ‫فكرة كلية عن الكون والنسان والحيـاة‪ ،‬وعما تقبل هذه‬ ‫الحياة الدنيا‪ ،‬وعما بعدها وعن علتقتها بما تقبلها وما بعدها‪.‬‬ ‫وأما النظام المنبثق عن هـذه العقيدة فهو معالجات‬ ‫لمشاكل النسان‪ ،‬وبيان لكيفية تنفيذ المعالجات‪ ،‬والمحافظة‬ ‫على العقيدة‪ ،‬وحمل المبدأ‪ .‬فكان بيان الكيفية للتنفيذ‬ ‫وللمحـافظة ولحـمل الدعـوة‪ :‬طريقة‪ ،‬وما عدا ذلك وهو‬ ‫العقيدة والمعالجات‪ :‬فكرة‪ ،‬ومن هنا كان المبدأ فكرة‬ ‫وطريقة‪.‬‬ ‫والمبدأ ل بد أن ينشأ في ذهن شخص‪ ،‬إما بوحي ا له‬ ‫به وأمره بتبليغه‪ .‬وإما بعبقرية تشرق في ذلك الشخص‪ .‬أما‬ ‫المبدأ الذي ينشأ في ذهن إنسان بوحي ا له به فهو المبدأ‬ ‫الصحيح‪ ،‬لنه من خالق الكون والنسان والحياة‪ ،‬وهو ا‪.‬‬ ‫فهو مبدأ تقطعي‪ .‬وأما المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص‬ ‫بعبقرية تشرق فيه فهو مبدأ باطل‪ ،‬لنه ناشئ عن عقل‬ ‫محدود يعجز عن الحاطة بالوجود‪ ،‬ولن فهم النسان‬ ‫‪31‬‬


‫للتنظيم عرضم ًة للتفاوت والختل ف والتناتقض والتأثر بالبيئة‬ ‫التي يعيش فيها مما ينتج النظام المتناتقض المؤدي إلى‬ ‫شقاء النسان‪ .‬لذلك كان المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص‬ ‫باطل م ً في عقيدته و في نظامه الذي ينبثق عنها‪.‬‬ ‫وعلى ذلك كان الساس في المبدأ هو الفكرة الكلية عن‬ ‫الكون والنسان والحياة‪ ،‬وكانت الطريقة التي تجعل المبدأ‬ ‫موجودا منفذا في معترك الحياة أمرا لزما لهذه الفكرة حتى‬ ‫يوجد المبدأ‪ .‬أما كون الفكرة الكلية أساسا فإنها هي‬ ‫العقيدة‪ ،‬وهي القاعدة الفكرية‪ ،‬وهي القيادة الفكرية‪،‬‬ ‫وعلى أساسها يتعين اتجاه النسان الفكري ووجهة نظره‬ ‫في الحياة‪ ،‬وعليها تبنى جميع الفكار‪ ،‬وعنها تنبثق جميع‬ ‫معالجات مشاكل الحياة‪ ،‬وأما كون الطريقة أمرا لزما‪ ،‬فان‬ ‫النظام الذي ينبثق عن العقيدة إذا لم يتضمن بيان كيفية‬ ‫التنفيذ للمعالجات‪ ،‬وبيان كيفية المحافظة على العقيدة‪،‬‬ ‫وبيان كيفية حمل الدعوة للمبدأ‪ ،‬كانت الفكرة فلسفة خيالية‬ ‫فرضية تبقى في بطون الكتب مسجلة دون أن يكون لها أثر‬ ‫في الحياة الدنيا‪ .‬ولذلك كان ل بد من العقيدة‪ ،‬ول بد من‬ ‫معالجات المشاكل‪ ،‬ول بد من الطريقة‪ ،‬حتى يكون المبدأ‪.‬‬ ‫على أن مجرد وجود الفكرة والطريقة في العقيدة التي‬ ‫ينبثق عنها نظام ل يدل على أن المبدأ صحيح‪ ،‬بل يدل فقط‬ ‫‪32‬‬


‫على أن هذا يكون مبدأ‪ ،‬ول يدل على غير ذلك‪ .‬والذي يدل‬ ‫على صحة المبدأ أو بطلنه هو عقيدة المبدأ من حيث كونها‬ ‫صحيحة أو باطلة‪ ،‬لن هذه العقيدة هي القاعدة الفكرية‬ ‫التي ينبني عليها كـل فكر‪ ،‬والتي تعين كل وجهة نظر‪ ،‬والتي‬ ‫تنبثق عنها كل معالجة‪ ،‬وكل طريقة‪ .‬فإذا كانت هذه القاعدة‬ ‫الفكرية صحيحة كان المبدأ صحيحا‪ ،‬وإذا كانت باطلة كان‬ ‫المبدأ باطل م ً من أسـاسه‪.‬‬ ‫والقاعدة الفكرية إذا اتـفقت مع فطرة النسان‪ ،‬وكانت‬ ‫مبنية على العقل‪ ،‬فهي تقاعدة صحيحة‪ ،‬وإذا خالفت فطرة‬ ‫النسان‪ ،‬أو لم تكن مبنية على العقل‪ ،‬فهي تقاعدة باطلة‪.‬‬ ‫ومعنى اتفاق القاعدة الفكرية مع فطرة النسان كونها تقرر‬ ‫ما في فطرة النسان من عجز واحتياج إلى الخالق المدبر‪،‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬توافق غريزة التدين‪ .‬ومعنى كونها مبنية على‬ ‫العقل أن ل تكون مبنية على المادة‪ ،‬أو على الحل الوسط‪.‬‬ ‫وإذا استعرضنا العالم كله الن ل نجد فيه إل ثلثة مبادئ‬ ‫هي‪ :‬الرأسمالية‪ ،‬والشتراكية ومنها الشيوعية‪ ،‬والمبدأ الثالث‬ ‫هو السلم‪ .‬والمبدآن الولن تحمل كل واحد منهما دولة أو‬ ‫دول‪ ،‬والمبدأ الثالث ل تحمله دولة‪ ،‬وإنما يحمله أفراد في‬ ‫شعوب‪ ،‬ولكنه موجود عالميا في الكرة الرضية‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫أما الرأسمالية فإنها تقوم على أساس فصل الدين عن‬ ‫الحياة‪ ،‬وهذه الفكرة هي عقيدتها‪ ،‬وهي تقيادتها الفكرية‪،‬‬ ‫وهي تقاعدتها الفكرية‪ ،‬وبناء على هذه القاعدة الفكرية كان‬ ‫النسان هو الذي يضع نظامه في الحياة‪ ،‬وكان ل بد من‬ ‫المحافظة على الحريات للنسان‪ ،‬وهي حرية العقـيدة‪،‬‬ ‫وحرية الرأي‪ ،‬وحرية الملكية‪ ،‬والحرية الشخصية‪ ،‬وتقد نتج‬ ‫عن حرية الملكية النظام التقتصادي الرأسمالي‪ ،‬فكانت‬ ‫الرأسمالية هي أبرز ما في هذا المبدأ‪ ،‬وأبرز ما نتج عن‬ ‫عقيدة هذا المبدأ‪ ،‬لذلك أطلق على هذا المبدأ انه المبدأ‬ ‫الرأسمالي‪ ،‬من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه‪.‬‬ ‫وأما الديمقراطية التي أخذ بها هذا المبدأ فهي آتية من‬ ‫جهة أن النسان هو الذي يضع نظامه‪ ،‬ولذلك كانت المة‬ ‫هي مصدر السلطات‪ ،‬فهي التي تضع النظمة‪ ،‬وهي التي‬ ‫تستأجر الحاكم ليحكمها‪ ،‬وتنزع هذا الحكم منه متي أرادت‪،‬‬ ‫وتضع له النظام الذي تريـد‪ ،‬لن الحكم عقد إجارة بين‬ ‫الشعب والحاكم ليحكم بالنظام الذي يضعه له الشعب‬ ‫ليحكمه به‪.‬‬ ‫والديمقراطية وان كانت من المبدأ لكنها ليست أبرز من‬ ‫النظام التقتصادي فيه‪ ،‬بدليل أن النظام الرأسمالي في‬ ‫الغرب يؤثر على الحكم‪ ،‬ويجعله خاضعا لصحاب رؤوس‬ ‫‪34‬‬


‫الموال‪ ،‬حتى ليكاد يكون الرأسماليون الحكام الحقيقيين‬ ‫في البلد التي تعتنق المبدأ الرأسمالي‪ .‬وعلوة على ذلك‬ ‫فليست الديمقراطية مختصة بهذا المبدأ‪ ،‬فان الشيوعيين أيضا‬ ‫يدعون الديمقراطية ويقولون بجعل الحكم للمة‪ .‬ولذلك‬ ‫كان من الدق أن يطلق على هذا المبدأ بأنه المبدأ‬ ‫الرأسمالي‪.‬‬ ‫الصل في نشوء هذا المبدأ أن القياصرة والملوك في‬ ‫أوربا وروسيا كانوا يتخذون الدين وسيلة لستغلل الشعوب‪،‬‬ ‫وظلمها‪ ،‬ومص دمائها‪ ،‬وكانوا يتخذون رجال الدين مطية‬ ‫لذلك‪ .‬فنشأ عن هذا صراع رهيب تقام أثناءه فلسفة‬ ‫ومفكرون منهم من أنكر الدين مطلقا‪ ،‬ومنهم من اعتر ف‬ ‫بالدين ولكنه نادى بفصله عن الحياة‪ .‬حتى استقر الرأي عند‬ ‫جمهرة الفلسفة والمفكرين على فكرة واحدة هي فصل‬ ‫الدين عن الحياة‪ ،‬ونتج عن ذلك طبيعيا فصل الدين عن‬ ‫الدولة‪ .‬واستقر الرأي على عدم البحث في الدين من ناحية‬ ‫إنكاره أو العترا ف به‪ ،‬وحصر البحث في أنه يجب أن يفصل‬ ‫الدين عن الحياة‪ .‬وتعتبر هذه الفكرة حل م ً وسطا بين رجال‬ ‫الدين الذين يريدون أن يكون كل شيء خاضعا لهم باسم‬ ‫الدين‪ ،‬وبين الفلسفة والمفكرين الذين ينكرون الدين‬ ‫وسلطة رجال الدين‪ ،‬فهي لم تنكر الدين‪ ،‬ولم تجعل له دخل م ً‬ ‫‪35‬‬


‫في الحياة‪ ،‬وإنما فصلته عن الحياة‪ ،‬فكانت العقيدة التي‬ ‫اعتنقها الغرب تقاطبم ًة هي هذا الفصل للدين عن الحياة‪،‬‬ ‫وكانت هذه العقيدة هي القاعدة الفكرية التي تبنى عليها‬ ‫جميع الفكار‪ ،‬ويتعين على أساسها التجاه الفكري للنسان‬ ‫ووجهة نظره في الحياة‪ ،‬وعلى أساسها تعالج جميع مشاكل‬ ‫الحياة‪ ،‬وهي القيادة الفكرية التي يحملها الغرب ويدعو‬ ‫العالم إليها‪.‬‬ ‫وعقيدة فصل الدين عن الحياة اعترا ف ضمني بأنه يوجد‬ ‫شيء يسمى الدين‪ ،‬أي يوجد خالق للكون والنسان‬ ‫والحياة‪ ،‬ويوجد يوم البعث‪ ،‬لن هذا هو أصل الدين من حيث‬ ‫هو دين‪ ،‬وهذا العترا ف هو إعطاء فكرة عن الكون‬ ‫والنسان والحياة‪ ،‬وعما تقبل الحياة‪ ،‬وعما بعـدها‪ ،‬لنها لم‬ ‫تنف وجود الدين‪ .‬بل إنها حين أعطت فكرة فصله‪ ،‬اعترفت‬ ‫بوجوده ضمنا فتكون تقد أثبتت وجود الدين وأعطت فكرة أنه‬ ‫ل علتقة لهذه الحياة بما تقبلها وبما بعدها حين تقالت بفصل‬ ‫الدين عن الحياة وأن الدين صلم ًة بين الفرد وخالقه فقط‪.‬‬ ‫وبهذا تكون عقـيدة )فصل الدين عن الحياة( بمفهومها‬ ‫الشامل فكرة كلية عن الكون والنسان والحياة‪ ،‬ومن هنا‬ ‫كان المبدأ الرأسمالي على الوجه الذي بيناه مبدأ كباتقي‬ ‫المبادئ‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫وأما الشتراكية ومنها الشيوعية فهي ترى أن الكون‬ ‫والنسان والحياة مادة فقط‪ ،‬وأن المادة هي أصل الشياء‪،‬‬ ‫ومن تطورها صار وجود الشياء‪ ،‬ول يوجد وراء هذه المادة‬ ‫شيء مطلقا‪ ،‬وأن هذه المادة أزلية تقديمة لم يوجدها أحد‪،‬‬ ‫أي أنها واجبة الوجود‪ ،‬ولذلك ينكرون كون الشياء مخلوتقم ًة‬ ‫لخالق‪ ،‬أي أن ينكرون الناحية الروحية في الشياء ويعتبرون‬ ‫العترا ف بوجودها خطرا على الحياة‪ ،‬لذلك يعتبرون الدين‬ ‫أفيون الشعوب الذي يخدرها‪ ،‬ويمنعها من العمل‪ .‬ول وجود‬ ‫عندهم لشيء سوى المادة‪ ،‬حتى الفكر إنما هو انعكاس‬ ‫المادة على الدماغ‪ ،‬وعليه فالمادة أصل الفكر‪ ،‬وأصل كل‬ ‫شيء‪ ،‬ومن تطورها المادي توجد الشياء‪ .‬وعلى هذا فهم‬ ‫ينكرون وجود الخالق‪ ،‬ويعتبرون المادة أزلية‪ ،‬فهم ينكرون‬ ‫ما تقبل الحياة وما بعدها‪ ،‬ول يعترفون إل بالحياة فقط‪.‬‬ ‫ومع اختل ف هذين المبدأين في النظرة الساسية إلى‬ ‫النسان والكون والحياة‪ ،‬فإنهما يتفقان في أن المثل العليا‬ ‫للنسان هي القيم العليا التي يضعها النسان نفسه‪ ،‬وأن‬ ‫السعادة هي الخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية‪ ،‬لنها في‬ ‫نظرهما هي الوسيلة إلى السعادة‪ ،‬بل هي السعادة‪.‬‬ ‫ومتفقان معا على إعطاء النسان حريته الشخصية يتصر ف‬ ‫بما يشاء وعلى نحو ما يريد‪ ،‬مادام يرى في هـذا التصر ف‬ ‫‪37‬‬


‫سعادته‪ .‬ولذلك كان السلوك الشخصي أو الحرية الشخصية‬ ‫بعض ما يقدسه هذان المبدآن‪.‬‬ ‫ويختلف هذان المبدآن في النظرة إلى الفرد والمجتمع‪،‬‬ ‫فالرأسمالية مبدأ فردي‪ ،‬يرى أن المجتمع مكون من أفراد‪،‬‬ ‫ة ثانويم ًة‪ ،‬ويخص نظرته بالفرد‪،‬‬ ‫ول ينظر للمجتمع إل نظر م ً‬ ‫ولذلك يجب أن تضمن الحريات للفرد‪ .‬ولضمان الحرية له‬ ‫يعمل أي فرد للمجتمع‪ ،‬ومن هنا كانت حرية العقيدة بعض‬ ‫ما تقدسه‪ ،‬وكانت الحرية التقتصادية مقدسم ًة أيضا ول تقيد‬ ‫بناء على فلسفتها‪ ،‬وإنما تقيد من تقبل الدولة لضمان‬ ‫الحريات‪ ،‬وتنفذ الدولة هذا التقييد بقوة الجندي وصرامة‬ ‫القانون‪ .‬إل أن الدولة هي وسيلة‪ ،‬وليست غاية‪ ،‬ولذلك كانت‬ ‫السيادة نهائيا للفراد ل للدولة‪ .‬ولذلك كان المبدأ الرأسمالي‬ ‫يحمل تقيادة فكرية هي فصل الدين عن الحياة‪ ،‬وعلى‬ ‫أساسها يحكم بأنظمته‪ ،‬ويدعو لها‪ ،‬ويحاول أن يطبقها في‬ ‫كل مكان‪.‬‬ ‫وأما الشتراكية – ومنها الشيوعية – فهي مبدأ يرى أن‬ ‫المجتمع مجموعة عامة تتألف من البشر وعلتقاتهم‬ ‫بالطبيعة‪ ،‬تلك العلتقات المحتومة المحددة التي يخضعون‬ ‫لها خضوعا حتميا وآليا‪ .‬وهذه المجموعة كلها شيء واحد‪،‬‬ ‫الطبيعة‪ ،‬والنسان‪ ،‬والعلتقات‪ ،‬كلها شيء واحـد‪ ،‬ل أجزاء‬ ‫‪38‬‬


‫منفصل بعضها عن بعض‪ ،‬فالنسان تعتبر الطبيعة جانبا من‬ ‫شخصيته‪ ،‬وهي الجانب الذي يحمله في ذاته‪ ،‬ولذلك ل‬ ‫يتطور النسان إل وهو معلق بهذا الجانب من شخصيته وهو‬ ‫الطبيعة‪ ،‬لن صلته بالطبيعة صلة الشيء بنفسه‪ ،‬ولذلك يعتبر‬ ‫المجتمع مجموعة واحدة تتطور كلها معا تطورا واحدا‪،‬‬ ‫ويدور الفرد تبعا لذلك كما يدور السن في الدولب‪ .‬ولذلك‬ ‫لم تكن عندهم حرية عقيدة للفرد‪ ،‬ول حرية اتقتصادية‪.‬‬ ‫فالعقيدة مقيدة بما تريده الدولة‪ ،‬والتقتصاد مقيد بما تريده‬ ‫الدولة‪ ،‬ولهذا كانت الدولة أيضا بعض ما يقدسه المبدأ‪ .‬وعن‬ ‫هذه الفلسفة المادية انبثقت أنظمة الحياة‪ ،‬وجعل النظام‬ ‫التقتصادي هو الساس الول‪ ،‬وهو المظهر العام لجميع‬ ‫النظمة‪ .‬ولذلك كان المبدأ الشتراكي ومنه الشيوعي يحمل‬ ‫تقيادة فكرية‪ ،‬هي المادية والتطور المادي‪ ،‬وعلى أساسها‬ ‫يحكم بأنظمته‪ ،‬ويدعو لها‪ ،‬ويحاول أن يطبقها في كل مكان‪.‬‬ ‫وأما السلم فهو يبين أن وراء الكون والنسان والحياة‬ ‫خالقا خلقها هو ا تعالى‪ ،‬ولذلك كان أساسه العتقاد‬ ‫بوجود ا عز وجل‪ ،‬وكانت هذه العقيدة هي التي عينت‬ ‫الناحية الروحية‪ ،‬أل وهي كون النسان والحياة والكون‬ ‫مخلوتقة لخالق‪ ،‬ومن هنا كانت صلة الكون بوصفه مخـلوتقا‪،‬‬ ‫بالله الخالق‪ .‬هي الناحية الروحية في الكون‪ .‬وصلة الحياة‬ ‫‪39‬‬


‫المخلوتقة‪ ،‬بالله الخالق‪ ،‬هي الناحية الروحية في الحياة‪.‬‬ ‫وصلة النسان المخلوق‪ ،‬بالله الخالق‪ ،‬هي الناحية الروحية‬ ‫في النسان‪ ،‬ومن هنا كانت الروح هي إدراك النسان لصلته‬ ‫بالله تعالى‪.‬‬ ‫واليمان بالله يجب أن يقترن باليمان بنبوة محمد‬ ‫ورسالته‪ ،‬وبأن القرآن كلم ا‪ ،‬فيجب اليمان بكل ما جاء‬ ‫به‪ .‬ولهذا كانت العقيدة السلمية تقضي بأنه يوجد تقبل‬ ‫الحياة ما يجب اليمان به وهو ا‪ ،‬وتقضي باليمان بما بعد‬ ‫الحياة‪ ،‬وهو يوم القيامة‪ ،‬وبأن النسان في هذه الحياة الدنيا‬ ‫مقيد بأوامر ا و نواهيه‪ ،‬وهذه هي صلة الحياة بما تقبلها‪،‬‬ ‫ومقيد بالمحاسبة على اتباع هذه الوامر واجتناب هذه‬ ‫النواهي‪ ،‬وهذه هي صلة الحياة بما بعدها‪ ،‬ولذلك كان حتما‬ ‫على المسلم أن يدرك صلته بالله حين القيام بالعمال‪،‬‬ ‫فيسير أعماله بأوامر ا ونواهيه وكان ذلك هو معنى مزج‬ ‫المادة بالروح والغاية من تسييرها بأوامر ا ونواهيه هي‬ ‫رضوان ا‪ .‬والغاية المقصودة من القيام بها هي القيمة‬ ‫التي يحققها العمل‪.‬‬ ‫ولذلك لم تكن الهدا ف العليا لصيانة المجتمع‪ ،‬من وضع‬ ‫النسان بل هي من أوامر ا ونواهيه‪ ،‬وهي ثابتة ل تتغير‬ ‫ول تتطور‪ ،‬فالمحافظة على نوع النسان‪ ،‬وعلى العقل‪،‬‬ ‫‪40‬‬


‫وعلى الكرامة النسانية‪ ،‬وعلى نفس النسان‪ ،‬وعـلى‬ ‫الملكية الفردية‪ ،‬وعلى الدين‪ ،‬وعلى المن‪ ،‬وعلى الدولة‪،‬‬ ‫أهدا ف عليا ثابتة لصيانة المجتمع‪ ،‬ل يلحقها التغيير ول‬ ‫التطور‪ ،‬ووضع للمحافظة عليها عقوبات صارمة‪ ،‬فوضع‬ ‫الحدود والعقوبات للمحافظة على هذه الهدا ف الثابتة‪،‬‬ ‫ولذلك يعتبر القيام بالمحافظة على هذه الهدا ف واجبا‪،‬‬ ‫لنها أوامر ونواه من ا‪ ،‬ل لنها تحقق تقيما مادية‪ .‬وهكذا‬ ‫يقوم المسلم وتقوم الدولة بكافة العمال حسب أوامر ا‬ ‫ونواهيه لنها هي التي تنظم شئون النسان كلها‪ ،‬والقيام‬ ‫بالعمال حسب أوامر ا ونواهيه هو الذي يجعل الطمأنينة‬ ‫عند المسلم‪ .‬ومن هنا كانت السعادة ليست إشباع الجسد‬ ‫وإعطاءه متعه‪ ،‬بل هي إرضاء ا سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫أما الحاجات العضوية والغرائز فقد نظمها السلم تنظيما‬ ‫يضمن إشباع جميع جوعاتها‪ ،‬من جوعة معدة‪ ،‬أو جوعة‬ ‫نوع‪ ،‬أو جوعة روحية‪ ،‬أو غير ذلك‪ .‬ولكن ل بإشباع بعضها‬ ‫على حساب بعض‪ ،‬ول بكبت بعضها وإطلق بعض ول‬ ‫بإطلتقها جميعها‪ ،‬بل نسقها جميعها وأشبعها جميعها بنظام‬ ‫دتقيق‪ ،‬مما يهيئ للنسان الهناء والرفاه‪ ،‬ويحول بينه وبين‬ ‫النتكاس إلى درك الحيوان بفوضوية الغرائز‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫ولضمان هذا التنظيم‪ ،‬ينظر السلم للجماعة باعتبارها‬ ‫كل م ً غير مجزأ‪ ،‬وينظر للفرد باعتباره جزءا من هذه الجماعة‬ ‫غير منفصل عنها‪ .‬ولكن كونه جزءا من الجماعة ل يعني أن‬ ‫جزئيته هذه كجزئية السن في الدولب‪ ،‬بل يعنى أنه جزء‬ ‫من كل‪ ،‬كما إن اليد جزء من الجسم‪ ،‬ولذلك عني السلم‬ ‫بهذا الفرد بوصفه جزءا من الجماعة‪ ،‬ل فردا منفصل م ً عنها‪،‬‬ ‫بحيث تؤدي هذه العناية للمحافظة على الجماعة‪ ،‬وعني في‬ ‫نفس الوتقت بالجماعة ل بوصفها كل م ً ليس له أجزاء بل‬ ‫بوصفها كل م ً مكونا من أجزاء هم الفراد بحيث تؤدي هذه‬ ‫العناية إلى المحافظة على هؤلء الفراد كأجزاء‪ ،‬تقال صلى‬ ‫ا عليه وآله وسلم " مثل القائم على حدود ا والواتقع‬ ‫فيها كمثل تقوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها‬ ‫وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من‬ ‫الماء مروا على من فوتقهم‪ ،‬فقالوا لو أنا خرتقنا في نصيبنا‬ ‫خرتقا ولم نؤذ من فوتقنا‪ ،‬فان تركوهم وما أرادوا هلكوا‬ ‫جميعا‪ ،‬وان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جمـيعا "‪.‬‬ ‫وهذه النظرة للجماعة والفرد هي التي تجعل للمجتمع‬ ‫مفهوما خاصا‪ ،‬لن هؤلء الفراد وهم أجزاء من الجماعة ل‬ ‫بد أن تكون لديهم أفكار تربطهم‪ ،‬يعيشون حسبها‪ ،‬وأن‬ ‫يكون لهم مشاعر واحدة يتأثرون بها ويندفعون بحسبها‪ ،‬وأن‬ ‫‪42‬‬


‫يكون لهم نظام واحد يعالج مشاكل حياتهم جميعها‪ .‬ومن‬ ‫هنا كان المجتمع مؤلفا من النسان والفكار والمشاعر‬ ‫والنظمة‪ ،‬وكان النسان مقيدا في الحياة بهذه الفكار‬ ‫والمشاعر والنظمة‪ .‬ولذلك كان المسلم في الحياة مقيدا‬ ‫في كل شيء بالسلم وليس له حريات مطلقا‪ .‬فالعقيدة‬ ‫للمسلم مقيدة بحدود السلم وليست مطلقة‪ .‬ولذلك يعتبر‬ ‫ارتداده جريمة كبرى يستحق عليها القتل إن لم يرجع‪.‬‬ ‫والناحية الشخصية مقيدة بنظام السلم‪ ،‬ولذلك كان الزنا‬ ‫جريمم ًة يعاتقب عليها‪ ،‬دون رأفة مع التـشهير ‪ ‬وليشهد‬ ‫عذابهما طائفة من المؤمنين ‪ ،‬وكان شرب الخمر‬ ‫جريمة يعاتقب عليـها‪ ،‬وكان العتداء على آخرين جريمة‬ ‫تختلف باختل ف هذا العتداء من تقذ ف أو تقتل أو ما شابه‬ ‫ذلك‪ ،‬والناحية التقتصادية مقيدة بالشرع وبالسباب التي أباح‬ ‫للفرد التملك بها‪ ،‬وبحقيقة هذه الملكية الفردية من أنها إذن‬ ‫الشرع بالنتفاع بالعين‪ .‬وكان الخروج عن هذه القيود‬ ‫جريمة تختلف باختل ف نوع هذا الخروج من سرتقة أو نهب أو‬ ‫ما شاكل ذلك‪ .‬ولهذا كان ل بد من الدولة التي تحفظ هذه‬ ‫الجماعة وهذا الفرد‪ ،‬وتطبق النظام على المجتمع‪ ،‬وكان‬ ‫لبد من تأثير المبدأ في معتنقه ليكون الحفظ طبيعيا آتيا من‬ ‫تقبل الناس أنفسهم‪ .‬ولذلك كان المبدأ هو الذي يقيد‬ ‫‪43‬‬


‫ويحفظ‪ ،‬والدولة هي المنفذة‪ .‬ولهذا كانت السيادة للشرع‬ ‫وليست للدولة ول للمة‪ ،‬وان كانت السلطة للمة ومظهرها‬ ‫في الدولة‪ ،‬ومن هنا كانت طريقة تنفيذ النظام هي الدولة‬ ‫وان كان العتماد على تقوى ا في الفرد المؤمن ليقوم‬ ‫بأحكام السلم‪ .‬وعليه كان ل بد من التشريع الذي تنفذه‬ ‫الدولة‪ ،‬والتوجيه للفرد المؤمن لينفذ السلم بدافع تقوى‬ ‫ا‪ .‬ومن هنا كان السلم عقيدة وأنظمة‪ ،‬وكان مبدأ‬ ‫السلم فكرة وطريقة من جنس هذه الفكرة‪ ،‬وكان نظامه‬ ‫منبثقا عن عقيدته‪ ،‬وكانت حضارته طرازا معينا في الحياة‪.‬‬ ‫وكانت طريقته في حمل الدعوة أن يطبق من تقبل الدولة‪،‬‬ ‫وأن يحمل تقيادة فكرية إلى العالم‪ ،‬تكون هي الساس‬ ‫لفهم نظام السلم والعمل به‪ ،‬وكان العمل به في الجماعة‬ ‫التي تحكم بنظام السلم‪ ،‬نشرا للدعوة السلمية‪ ،‬لن‬ ‫تطبيق نظام السلم على غير المسلمين من الناس يعتبر‬ ‫من الطريقة العملية للدعوة‪ ،‬فقد كان لهذا التطبيق الثر‬ ‫الكبر في إيجاد هذا العالم السلمي المترامي الطرا ف‪.‬‬ ‫والحاصل أن المبادئ الموجودة في العالم ثلثة هي‬ ‫الرأسمالية‪ ،‬والشتراكية ومنها الشيوعية‪ ،‬والمبدأ الثالث هو‬ ‫السلم‪ ،‬ولكل واحد من هذه المبادئ عقيدة تنبثق عنها‬

‫‪44‬‬


‫أنظمته‪ ،‬وله مقياس لعمال النسان في الحياة‪ ،‬ونظرة‬ ‫خاصة للمجتمع‪ ،‬وطريقة لتنفيذ النظام‪.‬‬ ‫أما من حيث العقيدة فالمبدأ الشيوعي يرى أن المادة‬ ‫أصل الشياء‪ ،‬وأن جميع الشياء تصدر عنها بطريق التطور‬ ‫المادي‪ .‬والمبدأ الرأسمالي يرى أنه يجب أن يفصل الدين‬ ‫عن الحياة‪ ،‬وينتج عن ذلك فصل الدين عن الدولة‪،‬‬ ‫فالرأسماليون ل يريدون أن يبحثوا هل هناك خالق أم ل‪،‬‬ ‫وإنما يبحثون أنه ل دخل للخالق في الحياة‪ ،‬سواء اعتر ف‬ ‫بوجوده أم أنكره‪ ،‬ولذلك يستوي عندهم المعتر ف بوجود‬ ‫الخالق والمنكر له في عقيدتهم‪ ،‬وهي فصل الدين عن‬ ‫الحـياة‪.‬‬ ‫وأما السلم فيرى أن ا هو خالق الوجود‪ ،‬وأنه أرسل‬ ‫النبياء والرسل بدينه لبني النسان‪ ،‬وأنه سيحاسب النسان‬ ‫يوم القيامة على أعماله‪ ،‬ولذلك كانت عقيدته اليمان بالله‬ ‫وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وبالقضاء والقدر خيرهما‬ ‫وشرهما من ا‪.‬‬ ‫وأما من حيث كيفية انبثاق النظام عن العقيدة فالمبدأ‬ ‫الشيوعي يرى أن النظام يؤخذ من أدوات النتاج‪ ،‬لن‬ ‫المجتمع التقطاعي مثل م ً تكون الفأس فيه هي أداة النتاج‪،‬‬ ‫ومنها يؤخذ نظام التقطاع‪ ،‬فإذا تطور المجتمع إلى‬ ‫‪45‬‬


‫الرأسمالية تصبح اللة هي أداة النتاج‪ .‬ولذلك يؤخذ النظام‬ ‫الرأسمالي منها‪ ،‬فنظامه مأخوذ من التطور المادي‪ .‬وأما‬ ‫المبدأ الرأسمالي فيرى أن النسان حين فصل الدين عن‬ ‫الحياة صار ل بد له أن يضع نظاما لنفسه من الحياة ذاتها‪،‬‬ ‫فصار يأخذ نظامه من واتقعه يضعه بنفسه‪ .‬وأما السلم‬ ‫فيرى أن ا جعل له نظاما في الحياة يسير علـيه‪ ،‬وأرسل‬ ‫سيدنا محمد صلى ا عليه وعلى آله وسلم بهذا النظام‬ ‫وبلغه إيـاه‪ ،‬فيجب أن يسير عليه‪ ،‬ولذلك هو يدرس المشكلة‪،‬‬ ‫ويستنبط حلها من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫وأما من حيث مقياس العمال في الحياة فالمبدأ‬ ‫الشيوعي يرى أن المادية أي النظام المادي هو المقياس‬ ‫في الحياة‪ ،‬وبتطوره يتطور المقياس‪ ،‬والمبدأ الرأسمالي‬ ‫يرى أن مقياس العمال في الحياة هو النفعية‪ ،‬وحسب‬ ‫هذه النفعية تقاس العمال ويقام بها على هذا الساس‪.‬‬ ‫والسلم يرى أن مقياس العمال في الحياة هو الحلل‬ ‫والحرام‪ ،‬أي أوامر ا ونواهيه‪ ،‬فالحلل يعـمل‪ ،‬والحرام‬ ‫يترك‪ ،‬ول يتطور ذلك ول يتغير‪ .‬ول تحكم فيه النفعية‪ ،‬بل‬ ‫يحكم الشرع فقط‪.‬‬ ‫وأما من حيث النظرة للمجتمع فالمبدأ الشيوعي يرى أن‬ ‫المجتمع مجموعة عامة‪ ،‬منها الرض‪ ،‬وأدوات النتاج‪،‬‬ ‫‪46‬‬


‫والطبيعة‪ ،‬والنسان‪ ،‬باعتبارها شيئا واحدا هو المادة‪ ،‬وحين‬ ‫تتطور الطبيعة وما فيها يتطور معها النسان‪ ،‬فيتطور‬ ‫المجتمع كله‪ ،‬ولذلك كان المجتمع خاضعا للتطور المادي‪،‬‬ ‫جل هذا التطور‪،‬‬ ‫وما على النسان إل أن يوجد التناتقضات ليع ِّ‬ ‫وحين يتطور المجتمع‪ ،‬يتطور الفرد بتطوره‪ ،‬فيدور معه كما‬ ‫يدور السن في الدولب‪.‬‬ ‫وأما المبدأ الرأسمالي فانه يرى أن المجتمع مكون من‬ ‫أفراد‪ ،‬وانه إذا انتظمت أمور الفرد انتظمت أمور المجتمع‪،‬‬ ‫ولذلك ل بد من النظرة للفرد فقط‪ ،‬فالدولة إنما تعمل للفرد‬ ‫ولهذا كان هذا المبدأ فرديا‪ .‬وأما السلم فيرى أن الساس‬ ‫الذي يقوم عليه المجتمع هو العقيدة‪ ،‬وما تحمل من أفكار‬ ‫ومشاعر‪ ،‬وما ينبثق عنها من أنظمه‪ ،‬فحين تسود الفكار‬ ‫السلمية‪ ،‬والمشاعر السلمية‪ ،‬ويطبق النظام السلمي‬ ‫على الناس‪ ،‬يوجد المجتمع السلمي‪ ،‬ولذلك كان المجتمع‬ ‫مؤلفا مـن النسان‪ ،‬والفكار‪ ،‬والمشاعر‪ ،‬والنظمة‪ .‬وأن‬ ‫النسان وحده مع النسان يؤلف جماعة‪ ،‬ولكنه ل يؤلف‬ ‫مجتمعا إل بالفكار التي يحملها النسان‪ ،‬والمشاعر‬ ‫الموجودة لديه‪ ،‬والنظمة التي تطبق عليه‪ ،‬لن الذي يوجد‬ ‫العلتقة بين النسان والنسان إنما هو المصلحة‪ ،‬وهذه‬ ‫المصلحة إن توحدت الفكار عليها‪ ،‬وان توحدت المشاعر‬ ‫‪47‬‬


‫نحوها فتوحد الرضا والغضب‪ ،‬وان توحد النظام الذي يعالج‪،‬‬ ‫فقد وجدت العلتقة بين النسان والنسان‪ ،‬وان اختلفت‬ ‫الفكار على المصلحة‪ ،‬أو اختلفت المشاعر نحوها‪ ،‬فلم‬ ‫يتوحد الرضا والغضب‪ ،‬أو اختلف النظام الذي يعالجها بين‬ ‫النسان والنسان لم توجد العلتقة‪ ،‬وبالتالي لم يوجد‬ ‫المجتمع‪ ،‬ولذلك كان المجتمع مكونا من النسان‪ ،‬والفكار‪،‬‬ ‫والمشاعر‪ ،‬والنظمة‪ ،‬لنها هي التي توجد العلتقة‪ ،‬وتجعل‬ ‫الجماعة مجتمعا معينا‪.‬‬ ‫ولذلك لو كان جميع الناس مسلمين‪ ،‬وكانت الفكار التي‬ ‫يحملونها رأسمالية ديمقراطية‪ ،‬والمشاعر التي يحملونها‬ ‫روحية كهنوتية أو وطنية‪ ،‬والنظام الذي يطبق عليهم رأسماليا‬ ‫ديمقراطيا‪ ،‬فان المجتمع يكون مجتمعا غير إسلمي ولو كان‬ ‫جل أهله من المسلمين‪.‬‬ ‫وأما من حيث تنفيذ النظام فالمبدأ الشيوعي يرى أن‬ ‫الدولة وحدها هي التي تنفذ النظام بقوة الجندي وصرامة‬ ‫القانون‪ ،‬وتتولى عـن الفرد وعن الجماعة شؤونهم‪ ،‬وهي‬ ‫التي تطور النـظام‪ .‬والرأسمالية ترى أن الدولة إنما تشر ف‬ ‫على الحريات‪ ،‬فإذا اعتدى أحد على حرية غيره منعت هذا‬ ‫العتداء‪ ،‬لنها وجدت لضمان الحريات‪ ،‬وإذا لم يعتد أحد على‬ ‫حرية آخر ولو استغله وأخذ حقوتقه‪ ،‬ولكن برضاه‪ ،‬ل يكون‬ ‫‪48‬‬


‫هناك اعتداء على الحريات‪ ،‬فل تتدخل الدولة‪ ،‬ولذلك فالدولة‬ ‫موجودة لضمان الحريات‪.‬‬ ‫وأما السلم فيرى أن النظام إنما ينفذه الفرد المؤمن‬ ‫بدافع تقوى ا‪ ،‬وتنفذه الدولة بشعور الجماعة بعدالته‪،‬‬ ‫وبتعاون المة مع الحاكم بالمر بالمعرو ف والنهي عن‬ ‫المنكر‪ ،‬وبسلطان الدولة‪ .‬وتتولى الدولة شؤون الجماعة‪ ،‬ول‬ ‫تتولى عن الفرد شؤونه إل إذا عجز عنها‪ ،‬ول يتطور النظام‬ ‫أبدا‪ .‬والدولة لها صلحية تبني الحكام الشرعية إذا تعددت‬ ‫نتائج الجتهاد فيـها‪.‬‬ ‫والقيادة الفكرية لمبدأ السلم متفقه مع فطرة النسان‪،‬‬ ‫وهي على عمقها سهلة ميسورة‪ ،‬سرعان ما يفتح لها‬ ‫النسان عقله وتقلبه‪ ،‬وسرعان ما يقبل عليها ليفهمها‪،‬‬ ‫وليتعمق في فهم دتقائقها بشغف وتقدير‪ ،‬لن التدين فطري‬ ‫في النسان‪ ،‬وكل إنسان بفطرته‪ ،‬متدين‪ ،‬ول تستطيع أي‬ ‫تقوة أن تنزع منه هذه الفطرة‪ ،‬لنها متأصلة فيه‪ ،‬فالنسان‬ ‫بطبعه يشعر أنه ناتقص‪ ،‬وان هناك تقوة أكمل منه‪ ،‬وان هذه‬ ‫القوة تستحق التقديس‪ ،‬والتدين هو الحتياج إلى الخالق‬ ‫المدبر‪ ،‬الناشئ عن العجز الطبيعي في تكوين النسان‪،‬‬ ‫وهو غريزة ثابتة لها رجع معين هو التقديس‪ ،‬ولذلك كانت‬ ‫النسانية في جميع العصور متدينة تعبد شيئا‪ ،‬فعبدت‬ ‫‪49‬‬


‫النسان‪ ،‬والفلك‪ ،‬والحجارة‪ ،‬والحيوان‪ ،‬والنيران‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫ولما جاء السلم بعقيدته جاء ليخرج النسانية من عبادة‬ ‫المخلوتقات إلى عبادة ا الذي خلق كل شيء‪ .‬و لما ظهر‬ ‫المبدأ المادي الذي ينكر وجود ا و ينكر الروح لم يستطع‬ ‫أن يقضي على هذا التدين الطبيعي‪ ،‬وإنما نقل تصور‬ ‫النسان لـقوة أكبر منه‪ ،‬ونقل تقديسه لهذه القوة‪ ،‬نقل كل‬ ‫ذلك إلى تصور هذه القوة في المبدأ وفي حملته‪ ،‬وجعل‬ ‫تقديسه لهما وحدهما‪ ،‬فكأنه رجع إلى الوراء‪ ،‬ونقل تقديس‬ ‫الناس مـن عبادة ا إلى عبادة العباد‪ ،‬ومن تقديس آيات‬ ‫ا إلى تقديس كلم المخلوتقات‪ ،‬فكان رجعيا في ذلك‪ .‬ولم‬ ‫يستطع القضاء على فطرة التدين‪ ،‬وإنما حولها بالمغالطة‬ ‫تحويل م ً رجعيا‪ .‬ولذلك كانت تقيادته الفكرية تختلف مع طبيعة‬ ‫النسان‪ ،‬وكانت تقيادة سلبية‪ .‬ومن هنا كانت القيادة الفكرية‬ ‫في الشيوعية مخفقة من ناحية فطرية‪ ،‬وإنما يتحيل لها‬ ‫بالمعدة‪ ،‬وتستهوى الجائعين‪ ،‬والخائفين‪ ،‬والبائسين‪،‬‬ ‫ويتمسك بها المنخفضون‪ ،‬والمخفقون في الحياة الحاتقدون‬ ‫عليها‪ ،‬والمصابون بالشذوذ العقلي‪ ،‬حتى يقال أنهم من ذوي‬ ‫الفكر حين يتشدتقون بالنظرية الديالكتيكية التي هي أظهر‬ ‫شيء فسادا وبطلنا بشهادة الحس والعقل معا‪ .‬وتتوسل‬ ‫بالقوة لخضاع الناس لمبدئها‪ ،‬ومن هنا كان الضغط‬ ‫‪50‬‬


‫والكبت‪ ،‬وكانت الثورات والقلتقل‪ ،‬والتخريب والضطراب من‬ ‫أهم وسائلها‪.‬‬ ‫وكذلك كانت القيادة الفكرية للرأسمالية مخالفة لفطرة‬ ‫النسان التي هي فطرة التدين‪ ،‬لن فطرة التدين كما تبرز‬ ‫في التقديس تبرز في تدبير النسان لعماله في الحياة‪،‬‬ ‫لظهور اختلفه وتناتقضه حين يقوم بهذا التدبير‪ ،‬وهذا آية‬ ‫العجز‪ .‬ولذلك كان ل بد أن يكون الدين هو المدبر لعمال‬ ‫النسان في الحياة‪ .‬فإبعاد الدين عن الحياة مخالف لفطرة‬ ‫النسان‪ .‬على أنه ليس معنى وجود الدين في الحياة هو‬ ‫جعل أعمال الحياة الدنيا عبادات بل معنى وجود الدين في‬ ‫الحياة هو جعل النظام الذي أمر ا به هو الذي يعالج‬ ‫مشاكل النسان في الحياة‪ ،‬وهذا النظام صادر عن عقيدة‬ ‫تقررت ما في فطرة النسان‪ .‬فإبعاده وأخذ نظام صادر من‬ ‫عقيدة ل توافق غريزة التدين مخالف لفطرة النسان‪.‬‬ ‫ولذلك كانت القيادة الفكرية الرأسمالية مخفقة من ناحية‬ ‫فطرية‪ ،‬لنها تقيادة سلبية في فصلها الدين عن الحياة‪ ،‬وفي‬ ‫إبعادها التدين عن الحياة‪ ،‬وجعله مسألة فرديه‪ ،‬وفي‬ ‫إبعادها النظام الذي أمر ا به عن معالجة مشاكل‬ ‫النسـان‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫والقيادة الفكرية السلمية هي تقيادة إيجابية لنها تجعل‬ ‫العقل أساسا لليمان بوجود ا‪ ،‬إذ تلفت النظر إلى ما في‬ ‫الكون والنسان والحياة‪ ،‬مما يحمل على الجزم بوجود ا‬ ‫الذي خلق هذه المخلوتقات‪ ،‬وتعين للنسان ما يبحث عنه‬ ‫بفطرته من كمال مطلق‪ ،‬لم يوجد في النسان والكون‬ ‫والحياة‪ ،‬وترشد عقله إليه‪ ،‬فيدركه و يؤمن به‪.‬‬ ‫أما القيادة الفكرية الشيوعية فهي مبنية على المادية‬ ‫وليس على العقل‪ ،‬وان توصل إليها العـقل‪ ،‬لنها تقول‬ ‫بوجود المادة تقبل الفكر‪ ،‬وبجعلها أصل الشياء‪ ،‬فهي مادية‪.‬‬ ‫وأما القيادة الفكرية الرأسمالية فهي مبنية على الحل الوسط‬ ‫الذي توصلت إليه من النزاع الدامي الذي استمر عدة تقرون‬ ‫بين رجال الكنيسة ورجال الفكر‪ ،‬وأنتج فصل الدين عن‬ ‫الدولة‪ .‬لذلك كانت القيادتان الفكريتان الشيوعية والرأسمالية‬ ‫مخفقتين‪ ،‬لنهما متناتقضتان مع الفطرة‪ ،‬وغير مبنيتين على‬ ‫العقل‪.‬‬ ‫والحاصل أن القيادة الفكرية السلمية هي وحدها‬ ‫القيادة الفكرية الصحيحة‪ ،‬وما عداها تقيادات فكرية فاسدة‪،‬‬ ‫لن القيادة الفكرية السلمية مبنية على العقل‪ ،‬في حين أن‬ ‫القيادات الفكرية الخرى غير مبنية على العقل‪ ،‬ولنها تقيادة‬ ‫فكرية تتفق مع فطرة النسان‪ ،‬فيتجاوب معها‪ ،‬في حين أن‬ ‫‪52‬‬


‫القيادات الفكرية الخرى تخالف فطرة النسان‪ .‬وذلك‪ :‬أن‬ ‫القيادة الفكرية الشيوعية مبنية على المادية ل على العقل‪،‬‬ ‫لنها تقول أن المادة تسبق الفكر‪ ،‬أي تسبق العقل‪ ،‬ولذلك‬ ‫فالمادة حين تنعكس على الدماغ توجد به الفكر‪ ،‬فيفكر في‬ ‫المادة التي انعكست عليه‪ .‬أما تقبل انعكاس المادة على‬ ‫الدماغ فل يـوجد فكر‪ ،‬ولذلك فكل شيء مبني على المادة‪،‬‬ ‫فأصل العقيدة الشيوعية أي القيادة الفكرية الشيوعية هو‬ ‫المادية وليس الفكر‪.‬‬ ‫وهذا خطأ من وجهين‪ ،‬الول أنه ل يوجد انعكاس بين‬ ‫المادة والدماغ فل الدماغ ينعكس على المادة‪ ،‬ول المادة‬ ‫تنعكس على الدماغ‪ ،‬لن النعكاس يحتاج إلى وجود تقابلية‬ ‫النعكاس في الشيء الذي يعكس الشياء كالمرآة‪ ،‬فإنها‬ ‫تحتاج إلى تقابلية النعكاس عليها‪ ،‬وهذا غير موجود‪ ،‬ل في‬ ‫الدماغ‪ ،‬ول في الواتقع المادي‪ .‬ولذلك ل يوجد انعكاس بين‬ ‫المادة والدماغ مطلقا‪ ،‬لن المادة ل تنعكس على الدماغ‪،‬‬ ‫ول تنتقل إليه‪ ،‬بل ينتقل الحساس بالمادة إلى الدماغ‬ ‫بواسطة الحواس‪ ،‬ونقل الحساس بالمادة إلى الدماغ ليس‬ ‫انعكاسا للمادة على الدماغ‪ ،‬ول انعكاسا للدماغ على‬ ‫المادة‪ ،‬وإنما هو حس بالمادة‪ ،‬ول فرق في ذلك بين العين‬ ‫وغيرها من الحواس‪ ،‬فيحصل من اللمس‪ ،‬والشم‪ ،‬والذوق‪،‬‬ ‫‪53‬‬


‫والسمع‪ ،‬إحساس كما يحصل من البصار‪ .‬إذن فالذي‬ ‫يحصل من الشياء ليس انعكاسا على الدماغ‪ ،‬وإنما هو‬ ‫حس بالشـياء‪ .‬فالنسان يحس بالشياء بواسطة حواسه‬ ‫الخمس‪ ،‬ول تعكس على دماغه الشـياء‪.‬‬ ‫والثاني أن الحس وحده ل يحصل منه فكر‪ ،‬بل الذي‬ ‫يحصل هو الحس فقط‪ ،‬أي الحساس بالواتقع‪ ،‬وإحساس‬ ‫زائد إحساس‪ ،‬زائد مليون إحساس‪ ،‬مهما تعدد نوع‬ ‫الحساس‪ ،‬إنما يحصل منه إحساس فقط‪ ،‬ول يحصل فكر‬ ‫مطلقا‪ ،‬بل ل بد من وجود معلومات سابقة عند النسان‬ ‫يفسر بواسطتها الواتقع الذي أحس به حتى يحصل فكر‪،‬‬ ‫ولنأخذ النسان الحالي‪ ،‬أي إنسان‪ ،‬ونعطيه كتابا سريانيا‪ ،‬ول‬ ‫توجد لديه أي معلومات تتصل بالسريانية‪ ،‬ونجعل حسه يقع‬ ‫على الكتابة‪ ،‬بالرؤية‪ ،‬وباللمس‪ ،‬ونكرر هذا الحس مليون‬ ‫مره‪ ،‬فانه ل يمكن أن يعر ف كلمة واحدة‪ ،‬حتى يعطي‬ ‫معلومات عن السريانية‪ ،‬وعما يتصل بالسريانية‪ ،‬فحينئذ يبدأ‬ ‫يفكر بها ويدركها‪ .‬وكذلك لنأخذ الطفل الذي وجد عنده‬ ‫الحساس ولم توجد عنده أي معلومات‪ ،‬ولنضع أمامه تقطعة‬ ‫ذهب‪ ،‬وتقطعة نحاس‪ ،‬وحجرا‪ ،‬ونجعل جميع احساساته‬ ‫تشترك في حس هذه الشياء‪ ،‬فانه ل يمكنه أن يدركها‪،‬‬ ‫مهما تكررت هذه الحساسات وتنوعت‪ .‬ولكن إذا أعطي‬ ‫‪54‬‬


‫معلومات عنها‪ ،‬وأحسها‪ ،‬فإنه يستعمل المعلومات ويدركها‪.‬‬ ‫وهذا الطفل لو كبرت سنه وبلغ عشرين سنه ولم يأخذ أي‬ ‫معلومات فانه يبقى كأول يوم يحس بالشياء فقط ول‬ ‫يدركها مهما كبر دماغه‪ ،‬لن الذي يجعله يدرك ليس الدماغ‪،‬‬ ‫وإنما هو المعلومات السابقة مع الدماغ‪ ،‬ومع الواتقع الذي‬ ‫يحسه‪ .‬هذا من ناحية الدراك العقلي‪ ،‬أما من ناحية الدراك‬ ‫الشعوري فناتج عن الغرائز والحاجات العضوية‪ ،‬والذي‬ ‫يحصل عند الحيوان فأنه يحصل عند النسان‪ ،‬فيعر ف من‬ ‫تكرار إعطائه التفاحة والحجر أن التفاحة تؤكل والحجر ل‬ ‫يؤكل‪ ،‬كما يعر ف الحمار أن الشعير يؤكل وان التراب ل‬ ‫يؤكل‪ ،‬ولكن هذا التميز ليس فكرا‪ ،‬ول إدراكا وإنما هو راجع‬ ‫للغرائز وللحاجات العضوية‪ ،‬وهو موجود عند الحيوان كما‬ ‫هو عند النسان‪ ،‬ولذلك ل يمكن أن يحصل فكر إل إذا‬ ‫وجدت المعلومات السابقة مع نقل الحساس بالواتقع‬ ‫بواسطة الحواس إلى الدماغ‪.‬‬ ‫وعليه فالعقل أو الفكر أو الدراك هو نقل الحس بالواتقع‬ ‫بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقه يفسر‬ ‫بواسطتها الواتقع‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫وعلى ذلك فالقيادة الفكرية الشيوعية مخطئة وفاسدة‪،‬‬ ‫لنها غير مبنية على العقل كما أن معنى الفكر والعقل‬ ‫عندها فاسد‪.‬‬ ‫وكذلك القيادة الفكرية الرأسمالية مبنية على الحل‬ ‫الوسط بين رجال الكنيسة والمفكرين‪ ،‬فإنها بعد ذلك‬ ‫الصراع العنيف الذي أستمر عدة تقرون بين رجال الدين‬ ‫والمفكرين‪ ،‬توصلوا إلى حل وسط هو فصل الدين عن‬ ‫الحياة‪ ،‬أي العترا ف بوجود الدين ضمنا وفصله عن الحياة‪،‬‬ ‫ولذلك لم تكن القيادة الفكرية مبنية على العقل‪ ،‬وإنما هي‬ ‫حل ترضيه أو حل وسط‪ .‬ولذلك نجد فكرة الحل الوسط‬ ‫أصيلة عندهم‪ ،‬فهم يقربون بين الحق والباطل بحل وسـط‪،‬‬ ‫وبين اليمان والكفر بحل وسط‪ ،‬وبين النور والظلم بحل‬ ‫وسط‪ ،‬مع إن الحل الوسط غير موجود‪ ،‬لن المسألة إما‬ ‫الحق أو الباطل‪ ،‬وإما اليمان أو الكفر‪ ،‬وإما النور أو الظلم‪،‬‬ ‫ولكن الحل الوسط الذي بنو عليه عقيدتهم وتقيادتهم الفكرية‬ ‫أبعدهم عن الحق‪ ،‬وعن اليمان‪ ،‬وعن الـنور‪ ،‬ولذلك كانت‬ ‫تقيادتهم الفكرية فاسدة لنها غير مبنية على العقل‪.‬‬ ‫وأما القيادة الفكرية السلمية فإنها مبنية على العقل‪ ،‬إذ‬ ‫تفرض على المسلم أن يؤمن بوجود ا وبنبوة محمد‪،‬‬ ‫وبالقرآن الكريم‪ ،‬عن طريق العقل‪ .‬وتفرض اليمان‬ ‫‪56‬‬


‫بالمغيبات‪ ،‬على أن تأتى من شيء ثبت وجوده في العقل‪،‬‬ ‫كالقرآن والحديث المتواتر‪ ،‬ولذلك كانت تقيادة فكرية مبنية‬ ‫على العقل‪.‬‬ ‫هذا من ناحية العقل‪ ،‬أما من ناحية الفطرة فان القيادة‬ ‫الفكرية السلمية توافق الفطرة‪ ،‬لنها تؤمن بوجود الدين‪،‬‬ ‫وبوجوب وجوده في الحياة‪ ،‬وتسييرها بأوامر ا ونواهيه‪.‬‬ ‫والتدين فطري‪ ،‬لنه غريزة من الغرائز‪ ،‬لها رجـع خاص هو‬ ‫التقديس‪ ،‬وهو يختلف عن رجع أي غريزة أخرى غيرها‪،‬‬ ‫وهو رجع طبيعي لغريزة معينة‪ ،‬ولهذا كان اليمان بالدين‪،‬‬ ‫وبوجوب تسيير أعمال النسان في الحياة بأوامر ا‬ ‫ونواهيه‪ ،‬غريزيا‪ ،‬فهو موافق للفطرة‪ ،‬ولذلك تتجاوب مع‬ ‫النسان‪.‬‬ ‫بخل ف القيادتين الفكريتين الشيوعية والرأسمالية فانهما‬ ‫تخالفان الفطرة‪ ،‬لن القيادة الفكرية الشيوعية تنكر وجود‬ ‫الدين مطلقا‪ ،‬وتحارب العترا ف به‪ ،‬فهي تتناتقض مع‬ ‫الفطرة‪ .‬والقيادة الفكرية الرأسمالية ل تعتر ف بالدين ول‬ ‫تنكره‪ ،‬ول تجعل العترا ف به أو إنكاره موضوع بحث‪ ،‬ولكنها‬ ‫تقول بوجوب فصل الدين عن الحياة‪ ،‬فهي تريد أن يكون‬ ‫سير الحياة نفعيا بحتا ل شأن للدين به‪ ،‬وهذا مناتقض‬ ‫للفطرة‪ ،‬وبعيد عنها‪ .‬ولذلك كانت مناتقضة لفطرة النسان‪.‬‬ ‫‪57‬‬


‫ومن هنا كانت القيادة الفكرية السلمية وحدها هي‬ ‫الصالحة‪ ،‬لموافقتها لفطرة النسان‪ ،‬ولموافقتها للعقل‪ ،‬وما‬ ‫عداها فهو باطل‪ .‬ولذلك كانت القيادة الفكرية السلمية‬ ‫وحدها هي الصحيحة‪ ،‬وكانت وحدها هي الناجحة‪.‬‬ ‫بقيت مسألة واحدة هي هل طبق المسلمون السلم ؟‬ ‫أم انهم كانوا يعتنقون عقيدة ويطبقون غيره من النظمة‬ ‫والحكام ؟ ! والجواب على ذلك أن المسلمين طبقوا‬ ‫السلم وحده في جميع العصور‪ ،‬منذ أن وصل الرسول‬ ‫صلى ا عليه وسلم إلى المدينة حتى سنة ‪1336‬هـ أي‬ ‫‪1918‬ميلدية حين سقطت آخر دولة إسلمية على يد‬ ‫الستعمار‪ ،‬وكان تطبيقها شامل م ً حتى نجحت في هذا‬ ‫التطبيق إلى أبعد حدود النجاح‪.‬‬ ‫أما كون المسلمين طبقوا عمليا السلم فان الذي يطبق‬ ‫النظام هو الدولة‪ ،‬والذي يطبق في الدولة شخصان أحدهما‬ ‫القاضي الـذي يفصل الخصومات بين الناس‪ ،‬والثاني الحاكم‬ ‫الذي يحكم الناس‪ .‬أما القاضي فإنه نقل بطريق التواتر أن‬ ‫القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهد‬ ‫الرسول صلى ا عليه وعلى آله وسلم حتى نهاية الخلفة‬ ‫في استانبول‪ ،‬كانوا يفصلونها حسب أحكام الشرع الشريف‬ ‫في جميع أمور الحياة‪ ،‬سـواء بين المسلمين وحدهم‪ ،‬وبين‬ ‫‪58‬‬


‫المسلمين وغيرهم‪ .‬وتقد كانت المحكمة التي تفصل جميع‬ ‫الخصومات من حقوق وجزاء وأحوال شخصية وغير ذلك‪،‬‬ ‫محكمة واحدة تحكم بالشرع السلمي وحده‪ .‬ولم يرو أحد‬ ‫أن تقضية واحدة فصلت على غير الحكام الشرعية‬ ‫السلمية‪ ،‬أو أن محكمة ما في البلد السلمية حكمت بغير‬ ‫السلم تقبل فصل المحاكم إلى شرعية ونظامية بتأثير‬ ‫الستعمار‪ .‬وأتقرب دليل على ذلك سجلت المحاكم الشرعية‬ ‫المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس وبغداد ودمشق‬ ‫ومصر واستانبول وغيرها فإنها دليل يقيني بأن الشرع‬ ‫السلمي وحده هو الذي كان يطبقه القضاة‪ .‬حتى أن غير‬ ‫المسلمين من النصارى واليهود كانوا يدرسون الفقه‬ ‫السلمي ويؤلفون فيه مثل سليم الباز شارح المجلة وغيره‬ ‫ممن ألفوا في الفقه السلمي في العصور المتأخرة‪ .‬وأما‬ ‫ما أدخل من القوانين فانه أدخل بناء على فتوى العلماء‬ ‫بأنها ل تخالف أحكام السلم‪ ،‬وهكذا أدخل تقانون الجزاء‬ ‫العثماني ‪1275‬هـ الموافق ‪1857‬م وأدخل تقانون الحقوق‬ ‫والتجارة ‪1276‬هـ الموافق ‪1858‬م ثم في ‪1288‬هـ‬ ‫والموافق ‪1870‬م‪ .‬جعلت المحاكم تقسمين محاكم شرعية‬ ‫ومحاكم نظامية‪ ،‬ووضع لها نظام ثم في ‪1295‬هـ الموافق‬ ‫‪1877‬م وضعت لئحة تشكيل المحاكم النظامية‪ .‬ووضع‬ ‫‪59‬‬


‫تقانون أصول المحاكمات الحقوتقية والجزائية ‪1296‬هـ‪ .‬ولما‬ ‫لم يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة‬ ‫وضعت المجلة تقانونا للمعاملت‪ ،‬وأستبعد القانون المدني‬ ‫وذلك ‪1286‬هـ فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها‬ ‫السلم‪ ،‬ولم توضع موضع العمل إل بعد أن أخذت الفتوى‬ ‫بإجازتها‪ ،‬وبعد أن أذن شيخ السلم بها‪ ،‬كما تبين من‬ ‫المراسيم التي صدرت بها‪ .‬وانه وان كان الستعمار منذ سنة‬ ‫‪1918‬م أي منذ احتلله البلد أخذ يفصل الخصومات في‬ ‫الحقوق والجزاء على غير الشريعة السلمية‪ ،‬ولكن البلدان‬ ‫التي لم يدخلها الستعمار بجيوشه وان دخلها بنفوذه‪ ،‬ل تزال‬ ‫تحكم تقضائيا بالسلم‪ ،‬فجزيرة العرب كلها‪ :‬الحجاز ونجد‬ ‫والكويت‪ ،‬وكذلك بلد الفغان‪ ،‬ل تزال تطبق السلم تقضائيا‬ ‫ولم تحكم حتى الن في القضاء إل في الشريعة السلمية‬ ‫ولو أن الحكام في هذه البلد الن ل يطبقون السلم‪ .‬ومع‬ ‫ذلك نرى أن السلم طبق تقضائيا ولم يطبق غيره في جميع‬ ‫عصور الدولة السلمية‪.‬‬ ‫أما تطبيق الحاكم للسلم فانه يتمثل في خمسة أشياء‪:‬‬ ‫في الحكام الشرعية المتعلقة بالجـتماع‪ ،‬والتقتصاد‪،‬‬ ‫والتعليم‪ ،‬والسياسة الخارجية‪ ،‬والحكم‪ .‬وتقد طبقت هذه‬ ‫الشياء الخمسة جميعها من تقبل الدولة السلمية‪ .‬أما‬ ‫‪60‬‬


‫النظام الجتماعي الذي يعين علتقة المرأة بالرجل ومـا‬ ‫يترتب على هذه العلتقة أي الحوال الشخصية‪ ،‬فإنها ل تزال‬ ‫تطبق حتى الن رغم وجود الستعمار ووجود حكم الكفر‪،‬‬ ‫ولم يطبق غيرها مطلقا حتى الن‪ .‬وأما النظام التقتصادي‬ ‫فيتمثل في ناحيتين إحداهما كيفية أخذ الدولة للمال من‬ ‫الشعب لتعالج مشاكل الناس‪ ،‬والثاني كيفية إنفاتقه‪ .‬أما‬ ‫كيفية أخذه فقد كانت تأخذ الزكاة على الموال‪ ،‬والراضي‪،‬‬ ‫والنعام‪ ،‬باعتبارها عباده‪ ،‬وتوزعها فقط على الصنا ف‬ ‫الثمانية الذين ذكروا في القرآن ول تستعملها في إدارة‬ ‫شؤون الدولة‪ ،‬وتأخذ الموال لدارة شؤون الدولة والمة‬ ‫حسب الشرع السلمي‪ ،‬فهي لم تأخذ أي نظام للضرائب‪،‬‬ ‫وإنما كانت تطبق السلم‪ ،‬فتأخذ الخراج على الرض‪ ،‬وتأخذ‬ ‫الجزية من غير المسلمين‪ ،‬وتأخذ ضرائب الجمارك بحكم‬ ‫إشرافها على التجارة الخارجية والداخلية‪ ،‬وما كانت تحصل‬ ‫الموال إل حسب الشريعة السلمية‪ .‬وأما توزيع المال فقد‬ ‫كانت تطبق أحكام النفقة للعاجز‪ ،‬وتحجر على السفيه‬ ‫والمبذر‪ ،‬وتنصب عليه وصيا‪ ،‬وكانت تقيم أمكنة في كل مدينة‪،‬‬ ‫وفي طريق الحج‪ ،‬لإطعام الفقير والمسكين وابن السبيل‪،‬‬ ‫ول تزال آثارها موجودة حتى اليوم في أمهات بـلد‬ ‫المسلمين‪ .‬وبالجملة كان يجري إنفاق المال من الدولة‬ ‫‪61‬‬


‫حسب الشريعة‪ ،‬ولم يجر حسب غيرها مطلقا‪ ،‬وما يشاهد‬ ‫من التقصير في هذه الناحية هو إهمال‪ ،‬وإساءة تطبيق‪،‬‬ ‫وليس عدم تطبيق‪.‬‬ ‫وأما التعليم فان سياسته كانت مبنية على أساس‬ ‫السلم‪ ،‬فكانت الثقافة السلمية هي الساس في منهاج‬ ‫التعليم‪ ،‬والثقافة الجنبية يحرص في عدم أخذها إذا‬ ‫تناتقضت مع السلم‪ .‬وأما التقصير في فتح المدارس فهو‬ ‫إنما كان في أواخر الدولة العثمانية‪ ،‬على السواء في جميع‬ ‫البلد السلمية‪ ،‬للنحطاط الفكري الذي بلغ نهايته حينئذ‪.‬‬ ‫وأما في باتقي العصور فان من المشهور في العالم كله أن‬ ‫البلد السلمية كانت وحدها محط أنظار العلماء‬ ‫والمتعلمين‪ ،‬ولجامعات تقرطبة وبغداد ودمشق والسكندرية‬ ‫والقاهرة أثر كبير في توجيه التعليم في العالم‪.‬‬ ‫وأما السياسة الخارجية فإنها كانت مبنية على أساس‬ ‫إسلمي‪ ،‬فالدولة السلمية كانت تبني علتقاتها مع الدول‬ ‫الخرى على أساس السلم‪ ،‬وكانت جميع الدول تنظر إليها‬ ‫بوصفها دولة إسلمية‪ ،‬وكانت علتقاتها الخارجية كلها مبنية‬ ‫على أساس السلم ومصلحة المسلمين بوصفهم مسلمين‪،‬‬ ‫وإن أمر كون سياسة الدولة السلمية الخارجية هي‬ ‫السياسة السلمية مشهور شهرة عالمية تغني عن الدليل‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫وأما بالنسبة لنظام الحكم فان جهاز الدولة في السلم‬ ‫يقوم على سبعة أركان هي‪ :‬الخليفة وهو رئيس الدولة‪،‬‬ ‫والمعاونون له في الحكم‪ ،‬والولة‪ ،‬والقضاة‪ ،‬والجيش‪،‬‬ ‫والجهاز الداري‪ ،‬ومجلس الشورى‪ ،‬وهذا الجهاز كان‬ ‫موجودا‪ ،‬فان المسلمين لم يمر عليهم زمن لم يكن لهم فيه‬ ‫خليفة‪ ،‬إل بعد أن أزال الكافر المستعمر الخلفة على يد‬ ‫كمال اتاتورك سنة ‪1342‬هـ و ‪1924‬م‪ .‬أما تقبل ذلك فقد‬ ‫كان خليفة المسلمين دائميا ل يذهب خليفة إل وتقد أتى بعده‬ ‫خليفة‪ ،‬حتى في أشد عصور الهبوط‪ .‬ومتى وجد الخليفة فقد‬ ‫وجدت الدولة السلمية‪ ،‬لن الدولة السلمية هي الخليفة‪،‬‬ ‫وأمـا المعاونون فقد كانوا كذلك موجودين في جميع‬ ‫العصور‪ ،‬وكانوا معاونين منفذين وليسوا وزراء‪ ،‬وأنهم وان‬ ‫أطلق عليهم في عصر العباسيين لقب وزراء ولكنهم كانوا‬ ‫معاونين‪ .‬ولم تكن لهم صفة الوزارة الموجودة في الحكم‬ ‫الديمقراطي مطلقا‪ ،‬بل كانوا معاونين‪ ،‬وهيئة تنفيذية فقط‪،‬‬ ‫والصلحيات كلها للخليفة‪ .‬وأما الولة والقضاة والجهاز‬ ‫الداري فان وجودها ثابت‪ .‬والكافر المستعمر حين استلم‬ ‫البلد كانت أمورها سائرة‪ ،‬وفيها الولة والقضاة والجهاز‬ ‫الداري مما ل يحتاج لدليل‪ .‬وأما الجيش فانه كان جيشا‬ ‫إسلميا‪ ،‬وكان العالم يتركز في ذهنه أن الجيش السلمي ل‬ ‫‪63‬‬


‫يغلب‪ ،‬وأما مجلس الشورى فانه بعد الخلفاء الراشدين لم‬ ‫يعن بوجوده‪ ،‬والسبب في ذلك أن الشورى ليست تقاعدة من‬ ‫تقواعد الحكم‪ ،‬وان كانت من جهاز الدولة‪ ،‬وإنما هي حق‬ ‫من حقوق الرعية على الراعي‪ ،‬فان لم يفعل بها يكون تقد‬ ‫تقصر‪ ،‬ولكن الحكم يبقى حكما إسلميا‪ ،‬وذلك لن الشورى‬ ‫هي لخذ الرأي وليست للحكم‪ ،‬بخلفها في مجالس النواب‬ ‫الديمقراطية‪ .‬ومن هذا يتبين أن نظام الحكم كان مطبقا في‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫وها هنا مسألة في بيعة الخليفة‪ ،‬فان من المقطوع به‬ ‫أنه لم يكن في الخلفة نظام وراثة‪ ،‬أي لم تكن الوراثة‬ ‫حكما مقررا في الدولة يؤخذ الحكم – أي تؤخذ رئاسة‬ ‫الدولة – بموجبها كما هي الحال في النظام الملكي‪ ،‬وإنما‬ ‫كان الحكم المقرر في الدولة لخذ الحكم هو البيعة‪ ،‬كانت‬ ‫تؤخذ من المسلمين في بعض العصور‪ ،‬ومن أهل الحل‬ ‫والعقد في البعض الخر‪ ،‬ومن شيخ السلم في آخر العصر‬ ‫الهابط‪ .‬والذي جرى عليه العمل في جميع عصور الدولة‬ ‫السلمية أنـه لم ينصب أي خليفة إل بالبيعة‪ ،‬ولم ينصب‬ ‫بالوراثة دون بيعة على الطلق‪ ،‬ولم ترو ول حادثة واحدة‬ ‫أنه نصب خليفة بالوراثة من غير بيعة‪ .‬غير أنه كان يساء‬ ‫تطبيق أخذ البيعة‪ ،‬فيأخذها الخليفة من الناس في حياته‬ ‫‪64‬‬


‫لبنه‪ ،‬أو أخيه‪ ،‬أو أبن عمه‪ ،‬أو شخص من أسرته‪ ،‬ثم تجدد‬ ‫البيعة لذلك الشخص بعد وفاة الخليفة‪ ،‬وهذه إساءة‬ ‫لتطبيق البيعة وليست وراثة‪ ،‬ول ولية عهد‪ .‬كما أن إساءة‬ ‫تطبيق نظام النتخابات لمجلس النواب في النظام‬ ‫الديمقراطي تسمي انتخابا ول تسمى تعيينا‪ ،‬ولو فاز في‬ ‫النتخابات الشخاص الذين تريدهم الحكومة‪ ،‬ومن ذلك كله‬ ‫نرى أن النظام السلمي طبق عمليا‪ ،‬ولم يطبق غيره في‬ ‫جميع عصور الـدولة السلمية‪.‬‬ ‫أما نجاح هذه القيادة عمليا فقد كان نجاحا منقطع النظير‬ ‫ول سيما في المرين التاليين‪:‬‬ ‫أما أحدهما فان القيادة الفكرية السلمية نقلت الشعب‬ ‫العربي بمجموعه من حالة فكرية منحطة تتخبط في دياجير‬ ‫العصبية العائلية‪ ،‬وظلم الجهل الدامس‪ ،‬إلى عصر نهضة‬ ‫فكرية‪ ،‬يتلل بنور السلم الذي لم يقتصر بزوغ شمسه على‬ ‫العرب‪ ،‬بل عم العالم‪ .‬فقد اندفع المسلمون في الكرة‬ ‫الرضية‪ ،‬وحملوا السلم للعالم‪ ،‬واستولوا على فارس‬ ‫والعراق وبلد الشام ومصر وشمالي أفريقيا‪ .‬وكانت لكل‬ ‫شعب من هذه الشعوب تقومية غير تقوميات الشعوب‬ ‫الخرى‪ ،‬ولغة غير لغاتها‪ ،‬فكانت تقومية الفرس في فارس‬ ‫غير تقومية الروم في الشام‪ ،‬وغير تقومية القبط في مصر‪،‬‬ ‫‪65‬‬


‫وغير تقومية البربر في شمالي أفريقيا‪ ،‬وكانت عاداتهم‬ ‫وتقاليدهم وأديانهم مختلفة‪ .‬وما أن استظلت بالحكم‬ ‫السلمي‪ ،‬وفهمت السلم‪ ،‬حتى دخلت السلم كلها‪،‬‬ ‫وأصبحت جميعها أمة واحدة‪ ،‬هي المة السلمية‪ .‬ولذلك‬ ‫كان نجاح القيادة الفكرية السلمية في صهر هذه الشعوب‬ ‫والقوميات نجاحا منقطع النظير‪ ،‬مع أن وسيلة المواصلت‬ ‫في حملها هي الناتقة والجمل‪ ،‬ووسيلة نشرها اللسان‬ ‫والقلم‪.‬‬ ‫أما الفتح فكان لزالة القوة بالقوة‪ ،‬وكسر الحواجز‬ ‫المادية‪ ،‬حتى يخلى بين الناس وما يرشدهم إليه العقل‪ ،‬أو‬ ‫تهديهم إليه الفطرة‪ ،‬ولذلك دخل الناس في دين ا أفواجا‪.‬‬ ‫أما الفتح الجائر فانه يباعد بين الفاتح والمفتوح‪ ،‬والغالب‬ ‫والمغلوب‪ ،‬وما أمر استعمار الغرب للشرق عشرات من‬ ‫السنين دون أن يظفر بنائل ببعيد‪ ،‬ولول أثر من الثقافة‬ ‫المضللة سيمحى‪ ،‬وضغط من الزعامة المأجورة سيضمحل‪،‬‬ ‫لكان العود إلى حظيرة السلم في مبدأه ونظامه أتقرب‬ ‫مـن رد الطر ف‪ ...‬ونعود فنقول‪ :‬لقد كان نجاح القيادة‬ ‫الفكرية السلمية في صهر هذه الشعوب نجاحا منقطع‬ ‫النظير‪ ،‬وظلت هذه الشعوب مسلمة حتى اليوم‪ ،‬بالرغم من‬ ‫طوارئ الستعمار وخبثه ومكره في إفساد العقائد وتسميم‬ ‫‪66‬‬


‫الفكار‪ ،‬وستظل حتى تقوم الساعة‪ ،‬أمة واحدة إسلمية‪.‬‬ ‫ولم يحصل مطلقا أن أي شعب من الشعوب التي اعتنقت‬ ‫السلم أرتد عـن السلم‪.‬‬ ‫أما مسلموا الندلس فقد أفنوا إفناء بمحاكم التفتيش‪،‬‬ ‫وبيوت النيران‪ ،‬ومقاصل الجلدين‪ ،‬ومسلموا بخارى‬ ‫والقفقاص والتركستان فقد أصابتهم تقارعة الذين سبقوهم‪.‬‬ ‫وإسلم هذه الشعوب وصيرورتها أمة واحدة وشدة حرصها‬ ‫على عقيدتها يصور مبلغ نجاح هذه القيادة الفكرية‪ ،‬ومبلغ‬ ‫نجاح الدولة السلمية في تطبيق نظام السلم‪.‬‬ ‫أما المر الثاني الذي يدل على نجاح هذه القيادة‪ ،‬فهو أن‬ ‫المة السلمية ظلت أعلى أمة في العالم حضارة ومدنية‬ ‫وثقافة وعلما‪ ،‬وظلت الدولة السلمية أعظم الدول في‬ ‫العالم وأتقدرها مدة أثني عشر تقرنا‪ :‬من القرن السادس‬ ‫الميلدي حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلدي‪ ،‬وكانت‬ ‫وحدها زهرة الدنيا‪ ،‬والشمس المشرتقة بين المم طوال‬ ‫هذه المدة‪ ،‬مما يؤكد نجاح هذه القيادة‪ ،‬ونجاح السلم في‬ ‫تطبيق نظامه وعقيدته على الناس‪ .‬وحينما تخلت الدولة‬ ‫السلمية والمة السلمية عن حمل القيادة الفكرية حين‬ ‫أهملت الدعوة إلى السلم‪ ،‬وتقصرت في فهم السلم‬ ‫وتطبيقه‪ ،‬انتكست بين المم‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫ولهذا نقول أن القيادة الفكرية السلمية هي وحدها‬ ‫الصالحة‪ ،‬وهي وحدها التي يجب أن تحمل للعالم‪ .‬وإذا‬ ‫تحققت الدولة السلمية التي تحمل هذه القيادة فسيكون‬ ‫نجاح هذه القيادة اليوم كما كان بالمس‪.‬‬ ‫تقلنا أن السلم يوافق فطرة النسان فيما أنبثق عنه من‬ ‫نظم‪ ،‬ولهذا ل يعتبر النسان كائنا صناعيا يعيش على‬ ‫المسطرة‪ ،‬ويطبق النظام بل تفاوت بالقياس الهندسي‬ ‫الدتقيق‪ ،‬بل يعتبر النسان كائنا اجتماعيا يطبق النظام ككائن‬ ‫اجتماعي تتفاوت فيه القوى والخاصيات‪ ،‬فمن الطبيعي من‬ ‫جهة أن يقارب بين الناس ول يساوى‪ ،‬مع ضمان الطمأنينة‬ ‫للجميع‪ ،‬ومن الطبيعي من جهة أخرى وهذا موضع البحث‬ ‫الن أن يشذ على هذا العتبار عن تطبيق هذا النظام أفراد‬ ‫فيخالفونه‪ ،‬وأن ل يستجيب لهذا النظام أفراد‪ ،‬وأن يتولى عن‬ ‫هذا النظام أفراد‪ ،‬ولذلك كان ل غنى عن أن يكون في‬ ‫المجتمع فساق وفجار‪ ،‬وأن يكون فيه كفار ومنافقون‪ ،‬وأن‬ ‫يكون فيه مرتدون وملحدون‪ ،‬ولكن العبرة بالمجتمع‬ ‫بمجموعه من حيث كونه أفكارا ومشاعر وأنظمة وناسا‪،‬‬ ‫فيعتبر مجتمعا إسلميا يطبق السلم‪ ،‬حين تبدو فيه هذه‬ ‫الشياء إسلمية‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫والدليل على ذلك أنه ل يمكن لحد أن يطبق نظاما كـما‬ ‫طبق محمد رسول ا‪ ،‬نظام السلم‪ ،‬ومع ذلك فقد وجد‬ ‫في أيامه كفار ومنافقون ووجد فساق و فجار‪ ،‬ووجد‬ ‫مرتدون وملحدون‪ ،‬ولكن ل يستطيع أحد إل أن يقول جازما‪:‬‬ ‫ل‪ ،‬وان المجتمع كان‬ ‫أن السلم كان مطبقا تطبيقا كام م ً‬ ‫إسلميا‪ .‬ولكن هذا التطبيق كان على النسان الذي هو كائن‬ ‫اجتماعي‪ ،‬وليس كائنا صناعيا‪.‬‬ ‫ولقد ظل السلم يطبق وحده على المة السلمية‬ ‫بكاملها – عـربا وغير عرب – منذ أن استقر عليه الصلة‬ ‫والسلم في المدينة‪ ،‬إلى أن احتل الستعمار بلد المسلمين‪،‬‬ ‫فاستبدل به النظام الرأسمالي‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فالسلم طبق عمليا منذ السنة الولى للهجرة‬ ‫حتى سنة ‪1336‬هجرية الموافق سنة ‪1918‬ميلدية‪ .‬ولم‬ ‫تطبق المة السلمية طوال هذه المدة أي نظام سوى‬ ‫السلم‪.‬‬ ‫حتى أن المسلمين مع كونهم تقد ترجموا للعربية الفلسفة‬ ‫والعلوم والثقافات الجنبية المختلفة‪ ،‬لكنهم لم يترجموا أي‬ ‫تشريع أو تقانون أو نظام لي أمة مطلقا‪ ،‬ل للعمل به‪ ،‬ول‬ ‫لدراسته‪ .‬إل أن السلم بوصفه نظاما كان يحسن الناس‬ ‫تطبيقه أو يسيئون هذا التطبيق‪ ،‬تبعا لقوة الدولة وضعفها‪،‬‬ ‫‪69‬‬


‫وتبعا لدتقة فهمها أو مزايلتها للفهم‪ ،‬وتبعا لقوة حمل القيادة‬ ‫الفكرية أو التراخي فيه‪ ،‬ولذلك كانت إساءة تطبيق السلم‬ ‫في بعض العصور تجعل المجتمع السلمي منحدرا بعد‬ ‫النحدار‪ ،‬ول يخلو منه أي نظام‪ ،‬لنه يعتمد في تطبيقه على‬ ‫البشر‪ ،‬ولكن إساءة التطبيق ل تعني أن السلم لم يطبق‪،‬‬ ‫بل المقطوع فيه أن السلم طبق‪ ،‬ولم يطبق غيره من‬ ‫المبادئ والنظم‪ ،‬إذ أن العبرة في التطبيق للقوانين والنظمة‬ ‫التي تأمر الدولة بالعمل بها‪ ،‬ولم تأخذ الدولة السلمية أي‬ ‫شيء من ذلك من غير السلم‪ ،‬وكل الذي حصل هو إساءة‬ ‫تطبيق لبعض نظمه من تقبل بعض الحكام‪ .‬على أن الشيء‬ ‫الذي ينبغي أن يكون واضحا أنه يجب علينا حين نستعرض‬ ‫تطبيق السلم من التاريخ أن نلحظ شيئين اثنين‪:‬‬ ‫أما أولهما فيجب أل نأخذ هذا التاريخ عن أعداء السلم‬ ‫المبغضين له‪ ،‬وأن نأخذه بالتحقيق الدتقيق من المسلمين‬ ‫أنفسهم‪ ،‬حتى ل نأخذ الصورة المشوهة‪ .‬والشيء الثاني هو‬ ‫أنه ل يجوز أن نستعمل القياس الشمولي على المجتمع في‬ ‫تاريخ الفراد‪ ،‬ول في تاريخ ناحـية من المجتمع‪ ،‬فمن الخطأ‬ ‫ل‪ ،‬وأن نأخذ تاريخ‬ ‫أن نأخذ العصر الموي من تاريخ يزيد مث م ً‬ ‫العصر العباسي من بعض حوادث خلفائه‪ ،‬كذلك ل يجوز أن‬ ‫نحكم على المجتمع في العصر العباسي من تقراءة كتاب‬ ‫‪70‬‬


‫الغاني الذي ألف لخبار المجان والشعراء والدباء‪ ،‬أو من‬ ‫تقراءة كتب التصو ف وما شاكلها‪ ،‬فنحكم على العصر بأنه‬ ‫عصر فسق وفجور‪ ،‬أو عصر زهـد وانعزال‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫نأخذ المجتمع بأكمله‪ .‬على أنه لم يكتب تاريخ المجتمع‬ ‫السلمي في أي عصر‪ ،‬وإنما الذي كتب هو أخبار الحكام‬ ‫وبعض المتنفذين والذين كتبوا ذلك ليسوا من الثـقات‪ ،‬وكلهم‬ ‫أما تقادح أو مادح‪ ،‬ول يقبل لواحد منهما تقول‪.‬‬ ‫وحين ندرس المجتمع السلمي على هذا الساس‪ ،‬أي‬ ‫ندرسه مـن جميع نواحيه‪ ،‬وبالتحقيق الدتقيق‪ ،‬نجده خير‬ ‫المجتمعات‪ ،‬لنه هكذا كان في القرن الول والثاني والثالث‪،‬‬ ‫ثم سائر القرون حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري‪،‬‬ ‫ونجده طبق السلم في جميع عصوره‪ ،‬حتى أواخر الدولة‬ ‫العثمانية بوصفها دولة إسلمية‪ .‬على أن الذي يجب أن‬ ‫يلحظ أن التاريخ ل يجوز أن يكون مصدرا للنظام والفقه‪،‬‬ ‫بل النظام يؤخذ من مصادره الفقهية ل من التاريخ‪ ،‬لن‬ ‫التاريخ ليس مصدرا له‪ ،‬فحين نريد أن نفهم النظام الشيوعي‬ ‫ل نأخـذه من تاريخ روسيا‪ ،‬بل نأخذه من كتب المبدأ‬ ‫الشيوعي نفسه‪ ،‬وحين نريد أن نعر ف الفقه النجليزي ل‬ ‫نأخذه من تاريخ إنجلترا بل نأخذه من الفقه النجليزي‪ ،‬وهذا‬ ‫ينطبق على أي نظام أو تقانون‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫والسلم مبدأ له عقيدة ونظام‪ ،‬فحين نريد معرفته‬ ‫وأخذه ل يجوز أن نجعل التاريخ مصدرا له مطلقا‪ ،‬ل من‬ ‫حيث معرفته ول من حيث استنباط أحكامه‪.‬‬ ‫أما من حيث مصدر معرفته فهو كتب الفقه السلمي‪،‬‬ ‫وأما من حيث مصدر استنباط أحكامه فهو أدلتها التفصيلية‪.‬‬ ‫ولذلك ل يصح أن يكون التاريخ مصدرا للنظام السلمي‪ ،‬ل‬ ‫من حيث معرفته‪ ،‬ول من حيث الستدلل به‪ ،‬وعليه فل يصح‬ ‫أن يكون تاريخ عمر بن الخطاب‪ ،‬أو عمر بن عبد العزيز‪ ،‬أو‬ ‫هـارون الرشيد‪ ،‬أو غيرهم مرجعا للحكام الشرعية‪ ،‬ل في‬ ‫الحوادث التاريخية التي رويت عنهم‪ ،‬ول في الكتب التي ألفت‬ ‫في تاريخهم‪ .‬وإذا أتبع رأي لعمر في حادثة فإنما يتبع‬ ‫باعتباره حكما شرعيا استنبطه عمر وطبقه‪ ،‬كما يتبع الحكم‬ ‫الذي استنبطه أبو حنيفة والشافعي وجعفر وأمثالهم‪ ،‬ول يتبع‬ ‫باعتباره حادثة تاريخية‪ .‬وعلى ذلك فل وجود للتاريخ في أخذ‬ ‫النظام‪ ،‬ول في معرفته‪ .‬على أن معرفة كون النـظام كان‬ ‫مطبقا أم ل‪ ،‬ل تؤخذ كذلك من التاريخ‪ ،‬بل تؤخذ من الفقه‪،‬‬ ‫لن أي عصر من العصور كانت له مشاكل‪ ،‬وكان يعالج هذه‬ ‫المشاكل بنظام‪ ،‬فحتى نعر ف ما هو النظام الذي كانت‬ ‫تعالج به المشاكل ل نرجع إلى حوادث التاريخ‪ ،‬لنه إنما ينقل‬ ‫ل‪ ،‬بل يجب أن نرجع إلى النظام الذي كان‬ ‫إلينا الخبار نق م ً‬ ‫‪72‬‬


‫يطبق‪ ،‬أي إلى الفقه السلمي‪ .‬وبالرجوع إليه ل نجد فيه أي‬ ‫نظام أخذه المسلمون من غيرهم‪ ،‬ول أي نظام اختاره‬ ‫المسلمون من عند أنفسهم‪ ،‬بل نجده كله أحكاما شرعية‬ ‫مستنبطة من الدلة الشرعية‪ .‬وأن المسلمين كان حرصهم‬ ‫شديدا على تنقية الفقه من التقوال الضعيفة‪ ،‬أي من‬ ‫الستنباطات الضعيفة‪ ،‬حتى نهوا عن العمل بالقول الضعيف‬ ‫ولو كان لمجتهد مطلق‪.‬‬ ‫ولذلك ل يوجد نص واحـد تشريعي غير الفقه السلمي‬ ‫في العالم السلمي كله‪ ،‬بل الموجود هو الفقه السلمي‬ ‫فحسب‪ ،‬ووجود نص فقهي وحده في أمة دون أن يوجد‬ ‫معه نص آخر يدل على أن المة لم تكن تستعمل في‬ ‫تشريعها غير هذا النص‪.‬‬ ‫والتاريخ إذا جاز أن يلتفت إليه فإنما يلتفت إليه‬ ‫لستعراض كيفية التطبيق‪ .‬ويمكن أن يذكر التاريخ الحوادث‬ ‫السياسية‪ ،‬فترى فيها كيفية التطبيق‪ .‬إل أن هذا أيضا ل يجوز‬ ‫أن نأخذه إل بالتحقيق الدتقيق من المسلمين‪ ،‬وللتاريخ ثلثة‬ ‫مصادر‪ :‬أحدها الكتب التاريخية‪ ،‬والثاني الثار‪ ،‬والثالث‬ ‫الرواية‪ .‬أما الكتب فل يجوز أن تتخذ مصدرا مطلقا وذلك لنها‬ ‫خضعت في جميع العصور للظرو ف السياسية‪ ،‬وكانت‬ ‫تحشى بالكذب‪ ،‬إما بجانب الذي كتبت في أيامه‪ ،‬وإما ضد‬ ‫‪73‬‬


‫الذين كتبت عنهم في أيام غيرهم‪ ،‬وأتقرب دليل على ذلك‬ ‫تاريخ السرة العلوية في مصر‪ ،‬فإنها تقبل ‪ 1952‬كانت لها‬ ‫صورة مشرتقة وبعد ‪ 1952‬تغير هذا التاريخ إلى صورة‬ ‫تقاتمة عكس ما كانت عليه‪ .‬ومثل ذلك تاريخ الحوادث‬ ‫السياسية في عصرنا هذا‪ ،‬وفيـما تقبله‪ .‬ولذلك ل يجوز أن‬ ‫نتخذ الكتب التاريخية مصدرا للتاريخ‪ ،‬حتى ولو كانت مذكرات‬ ‫شخصية كتبها أصحابها‪.‬‬ ‫أما من حيث الثار فإنها إذا درست بنزاهة تعطي حقيقة‬ ‫تاريخية عن الشيء‪ ،‬وهذه وان كانت ل تشكل تسلسل م ً‬ ‫تاريخيا‪ ،‬ولكنها تدل على ثبوت بعض الحوادث‪ .‬ومن تتبع آثار‬ ‫المسلمين في بلدهم سواء أكان في بنائهم‪ ،‬أو أدواتهم‪ ،‬أو‬ ‫أي شيء يعتبر أثرا تاريخيا‪ ،‬يدل دللة تقطعية على أنه لم‬ ‫يكن موجودا في العالم السلمي كله إل السلم‪ ،‬وإل نظام‬ ‫السلم‪ ،‬وإل أحكام السلم‪ ،‬وكان عيش المسلمين وحياتهم‬ ‫وتصرفاتهم كلها إسلمية ليس غير‪.‬‬ ‫أما المصدر الثالث وهو الرواية فهو من المصادر‬ ‫الصحيحة التي يعتمد عليها إذا صحت الرواية‪ ،‬ويتبع فيه‬ ‫الطريق الذي سلك في رواية الحديث‪ .‬وعلى هذا السـلوب‬ ‫يكتب التاريخ‪ .‬ولذلك تجد المسلمين حين بدأوا يؤلفون ساروا‬ ‫على طريقة الرواية‪ .‬ولهذا نجد كتب التاريخ القديمة كتاريخ‬ ‫‪74‬‬


‫الطبري‪ ،‬وسيرة أبـن هشام‪ ،‬ونحوهما‪ ،‬ألفت على هذا‬ ‫السلوب‪ .‬وعلى هذا فالمسلمون ل يجوز لهم أن يعلموا‬ ‫أبناءهم تاريخهم من الكتب التي ألفت ومصادرها كتب مثلها‪،‬‬ ‫كما ل يجوز أن يؤخذ استعراض تطبيق نظام السلم من‬ ‫هذا التاريخ‪ .‬ومن ذلك يتبين أن السلم طبق وحده على‬ ‫المة السلمية‪ ،‬ولم يطبق غيره في جميع العصور‪.‬‬ ‫غير أنه منذ انتهت الحرب العالمية الولى بانتصار الحلفاء‬ ‫وأعلن اللورد اللنبي تقائد الحملة حين فتح بيت المقدس‬ ‫ل‪ :‬الن انتهت الحروب الصليبية‪ ،‬منذ ذلك الحين والكافر‬ ‫تقائ م ً‬ ‫المستعمر يطبق علينا نظامه الرأسمالي في جميع شؤون‬ ‫الحياة‪ ،‬حتى يجعل النتصار الذي أحرزه أبديا‪ .‬ولذلك ل بد‬ ‫من تغيير هذا النظام الفاسد البالي‪ ،‬الذي بسببه يتمكن‬ ‫الستعمار من بلدنا‪ ،‬ول بد من تقلعه من جذوره بأكمله‬ ‫جملم ًة وتفصيل م ً حتى نستطيع أن نستأنف حياة إسلمية‪.‬‬ ‫وانه لمن سطحية التفكير أن نضع بدل نظامنا أي نظام‪،‬‬ ‫ومن ضحالة الفكر أن نظن أن المة إذا طبقت النظام وحده‬ ‫ل‪ ،‬ثم‬ ‫دون عقيدة ينقذها‪ ،‬بل ل بد أن تعتنق المة العقيدة أو م ً‬ ‫تطبق النظام المنبثق عن هذه العقيدة‪ ،‬وحينئذ يكون تطبيق‬ ‫النظام واعتناق العقيدة منقذا‪ .‬هذا بالنسبة للمة التي تتكون‬ ‫على مبدأ‪ ،‬وتقوم دولتها على هذا الساس‪ ،‬أما بالنسبة‬ ‫‪75‬‬


‫لغيرها من الشعوب والمم فل ضرورة لن تعتنق تلك‬ ‫الشعوب والمم المبدأ حتى يطبق عليها‪ ،‬بل المة التي‬ ‫تعتنق المبدأ وتحمله‪ ،‬تطبقه على أي شعب أو أمة‪ ،‬ولو لم‬ ‫تعتنق المبدأ‪ ،‬لنه ينهضها أيضا‪ ،‬ويجذبها لعتناتقه‪ ،‬وليس‬ ‫اعتناق المبدأ شرطا فيمن يطبق عليه‪ ،‬بل اعتناق المبدأ‬ ‫شرط أساسي فيمن يطبقه‪.‬‬ ‫ومن الخطر أن نأخذ القومية والنظام الشتراكي‪ ،‬لنه ل‬ ‫يؤخذ منفصل م ً عن فكرته المادية‪ ،‬لنه ل ينتج ول يؤثر‪ ،‬ول‬ ‫يؤخذ متصل م ً بفكرته المادية‪ ،‬لنها فكرة سلبية تتناتقض مع‬ ‫فطرة النسان‪ ،‬وتقتضي أن تترك المـة السلمية عقيدة‬ ‫السلم‪ .‬ول يجوز أن نأخذ الشتراكية ونحتفظ بالناحية‬ ‫الروحية من السلم‪ ،‬لننا ل نكون أخذنا ل السلم ول‬ ‫الشتراكية‪ ،‬لتناتقضهما‪ ،‬ونقص المأخوذ منها‪ ،‬ول يجوز أن‬ ‫نأخذ نظام السلم ونترك عقيدته المنبثقة عنها أنظمته‪ ،‬لننا‬ ‫نكون أخذنا النظام جامدا ل روح فيه‪ ،‬بل ل بد أن نأخذ‬ ‫السلم كامل م ً بعقيدته وأنظمته‪ ،‬وأن نحمل تقيادته الفكرية‬ ‫حين نحمل دعوته‪.‬‬ ‫فسبيل نهضتنا هو سبيل واحد‪ ،‬وهو أن نستأنف حياة‬ ‫إسلمية‪ .‬ول سبيل إلى استئنا ف حياة إسلمية إل بالدولة‬ ‫ل‪:‬‬ ‫السلمية‪ ،‬ول سبيل إلى ذلك إل إذا أخذنا السلم كام م ً‬ ‫‪76‬‬


‫أخذناه عقيدة تحل العقدة الكبرى‪ ،‬وتتركز عليها وجهة النظر‬ ‫في الحياة‪ ،‬وأنظمة تنبثق عن هذه العقيدة‪ ،‬أساسها كتاب‬ ‫ا وسنة رسوله‪ ،‬وثروتها الثقافية هي الثقافة السلمية بما‬ ‫فيها‪ ،‬مـن فقه‪ ،‬وحديث‪ ،‬وتفسير‪ ،‬ولغة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ول سبيل‬ ‫إلى ذلك إل بحمل القيادة الفكرية السلمية حمل م ً كامل م ً‬ ‫بالدعوة إلى السلم‪ ،‬وبإيجاد السلم كامل م ً في كل مكان‪،‬‬ ‫حتى إذا انتقل حمل القيادة الفكرية إلى المة بمجموعها‬ ‫والى الـدولة السلمية‪ ،‬تقمنا بحمل القيادة الفكرية للعالم‪.‬‬ ‫هذا هو السبيل الوحيد للنهضة ‪ :‬حمل القيادة الفكرية‬ ‫السلمية للمسلمين لستئنا ف الحياة السلمية‪ ،‬ثم حملها‬ ‫للناس كافة عن طريق الدولة السلمية‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫كيفية حمل الدعوة السلمية‬ ‫لم يتخلف المسلمون عن ركب العالم نتيجة لتمسكهم‬ ‫بدينهم‪ ،‬وإنما بدأ تخلفهم يوم تركوا هذا التمسك وتساهلوا‬ ‫فيه‪ ،‬وسمحوا للحضارة الجنبية أن تدخل ديارهم‪،‬‬ ‫وللمفاهيم الغربية أن تحتل أذهانهم‪ ،‬يوم أن تخلوا عن‬ ‫القيادة الفكرية في السلم حين تقاعسوا عن دعوته‪،‬‬ ‫وأساءوا تطبيق أحكامه‪ .‬فل بد أن يستأنفوا حياة إسلمية‬ ‫حتى يتاح لهم النهوض‪ ،‬ولن يستأنفوا هذه الحياة السلمية‬ ‫إل إذا حملوا الدعوة السلمية‪ ،‬بحمل تقيادة السلم الفكرية‪،‬‬ ‫وأوجدوا بهذه الدعوة دولة إسلمية تحمل القيادة الفكرية‬ ‫بحمل دعوة السلم‪.‬‬ ‫ويجب أن يكون واضحا أن حمل القيادة الفكرية بحمل‬ ‫الدعوة السلمية لنهاض المسلمين‪ ،‬إنما هو لن السلم‬ ‫وحده هو الذي يصلح للعالم‪ .‬ولن النهضة الحقيقية ل تكون‬ ‫إل به‪ ،‬سواء المسلمون أو غيرهم‪ .‬وعلى هذا الساس يجب‬ ‫أن تحمل دعوة السلم‪.‬‬ ‫ويجب أن يحرص على حمل هذه الدعوة تقيادة فكرية‬ ‫للعالم تنبثق عنها النظم‪ ،‬وعلى هذه القيادة الفكرية تبنى‬

‫‪78‬‬


‫جميع الفكار‪ ،‬ومن هذه الفكار تنبثق كافة المفاهيم التي‬ ‫تؤثر في وجهة النظر في الحياة دون استثناء‪.‬‬ ‫وتحمل الدعوة السلمية اليوم كما حملت من تقبل‪،‬‬ ‫ويسار بها إتقتداء برسول ا صلى ا عليه وسلم دون حيد‬ ‫تقيد شعرة عـن تلك الطريقة في كلياتها وجزئياتها‪ ،‬ودون أن‬ ‫يحسب لختل ف العصور أي حساب‪ ،‬لن الذي اختلف هو‬ ‫الوسائل والشكال‪ ،‬وأما الجوهر والمعنى فهو هو لم‬ ‫يختلف‪ ،‬ولن يختلف‪ ،‬مهما تعاتقبت العصور‪ ،‬واختلفت‬ ‫الشعوب والتقطار‪.‬‬ ‫ولذلك فان حمل الدعوة السلمية يقتضي الصراحة‬ ‫والجرأة‪ ،‬والقوة والفكر‪ ،‬وتحدى كل ما يخالف الفكرة‬ ‫والطريقة‪ ،‬ومجابهته لبيان زيفه‪ ،‬بغض النظر عن النتائج‪،‬‬ ‫وعن الوضاع‪.‬‬ ‫ويقتضي حمل الدعوة السلمية أن تكون السيادة‬ ‫المطلقة للمبدأ السلمي‪ ،‬بغض النظر عما إذا وافق جمهور‬ ‫الشعب أم خالفهم‪ ،‬وتمشى مع عادات الناس أم ناتقضها‪،‬‬ ‫وتقبل به الناس أم رفضوه وتقاوموه‪ .‬فحامل الدعوة ل يتملق‬ ‫الشعب ول يداهنه‪ ،‬ول يداجي من بيدهم المور ول‬ ‫يجاملهم‪ .‬ول يعبأ بعادات الناس وتقاليدهم‪ ،‬ول يحسب‬ ‫لقبول الناس إياه أو رفضهم له أي حساب‪ ،‬بل يتمسك‬ ‫‪79‬‬


‫بالمبدأ وحده‪ ،‬ويصرح بالمبدأ وحده‪ ،‬دون أن يدخل في‬ ‫الحساب أي شيء سوى المبدأ‪ .‬ول يقال لصحاب المبادئ‬ ‫الخرى تمسكوا بمبدئكم‪ ،‬بل يدعون بل إكراه إلى المبدأ‬ ‫ليعتنقوه‪ ،‬لن الدعوة تقتضي أن ل يكون غيره‪ ،‬وأن تكون‬ ‫السيادة له وحده ‪ ‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى‬ ‫ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره‬ ‫المشركون ‪.‬‬ ‫فرسول ا صلى ا عليه وسلم جاء إلى العالم‬ ‫برسالته متحديا سافرا مؤمنا بالحق الذي يدعو إليه‪ ،‬يتحدى‬ ‫الدنيا بأكملها‪ ،‬ويعلن الحرب على الحمر والسود من الناس‪،‬‬ ‫دون أن يحسب أي حساب لعادات أو تقاليد‪ ،‬أو أديان أو‬ ‫عقائد‪ ،‬أو حكام أو سوتقة‪ ،‬ولم يلتفت إلى أي شيء سوى‬ ‫رسالة السلم‪ ،‬فقد بادأ تقريشا بذكر آلهتهم وعابها‪،‬‬ ‫وتحداهم في معتقداتهم وسفهها‪ ،‬وهـو فرد أعزل‪ ،‬ل عدة‬ ‫معه‪ ،‬ول معين له‪ ،‬ول سلح عنده سوى إيمانه العميق‬ ‫بالسلم الذي يدعو إليه‪ .‬ولم يأبه بعادات العرب وتقاليدهم‪،‬‬ ‫ول بأديانهم وعقائدهم‪ ،‬ولم يجاملهم بها‪ ،‬ولم يراعهم في‬ ‫شأنها‪.‬‬ ‫وكذلك يكون حامل الدعوة السلمية سافرا متحديا كل‬ ‫شيء‪ :‬متحديا العادات والتقاليد والفكار السقيمة والمفاهيم‬ ‫‪80‬‬


‫المغلوطة‪ ،‬متحديا حتى الرأي العام إذا كان خاطئا‪ ،‬ولو‬ ‫تصدى لكفاحه‪ ،‬متحديا العقائد والديان‪ ،‬ولو تعرض لتعصب‬ ‫أهلها‪ ،‬ونقمة الجامدين عـلى ضللـها‪.‬‬ ‫وحمل الدعوة السلمية يقتضي الحرص على تنفيـذ‬ ‫ل‪ ،‬وعدم التساهل في أي شيء‬ ‫أحكام السلم تنفيذا كام م ً‬ ‫مهما تقل‪ ،‬وحامل الدعوة ل يقبل المهادنة ول التساهل‪ ،‬ول‬ ‫ل‪ ،‬ويحسمه‬ ‫يقبل التفريط ول التأجيل‪ ،‬وإنما يأخذ المر كـام م ً‬ ‫ل‪ ،‬ول يقبل في الحق شفيعا‪ ،‬فرسول ا صلى ا‬ ‫عاج م ً‬ ‫عليه وسلم لم يقبل من وفد ثـقيف أن يدع لهم صنمهم‬ ‫اللت ثلث سنين ل يهدمه‪ ،‬وأن يعفيهم من الصلة على أن‬ ‫يدخلوا في السلم‪ ،‬ولم يقبل أن يدع اللت سنتين أو شهرا‬ ‫كما طلبوا‪ ،‬بل أبى ذلك كل الباء‪ ،‬وكان إباؤه حاسما ل تردد‬ ‫فيه ول هوادة لن النسان إما أن يؤمن وإما أن ل يؤمن‪،‬‬ ‫لن النتيجة إما الجنة أو النار‪ ،‬ولكنه عليه السلم تقبل أن ل‬ ‫يهدموا هم صنمهم اللت‪ ،‬ووكل به أبا سفيان والمغيرة بن‬ ‫شعبة أن يهدماه‪ .‬نعم لم يقبل إل العقيدة الكاملة‪ ،‬والتنفيذ‬ ‫الذي تقتضيه‪ ،‬أما الوسيلة والشكل فقد تقبلهما‪ ،‬لنهما ل‬ ‫يتصلن بحقيقة هذه العقيدة‪ ،‬ولذلك ل بد للدعوة السلمية‬ ‫من حرص على بقاء كمال الفكرة‪ ،‬ومن حرص على كمال‬

‫‪81‬‬


‫تنفيذها‪ ،‬دون أي تسامح في الفكرة أو الطريقة‪ ،‬ول يضيرها‬ ‫أن تستعمل من الوسائل ما تشاء‪.‬‬ ‫وحمل الدعوة السلمية يقضي أن يكون كل عمل من‬ ‫أعمالها من أجل غاية معينة‪ ،‬ويقتضي بأن يظل حامل‬ ‫الدعوة دائما يتصور هذه الغاية‪ ،‬ويعمل دائما للوصول إليها‪،‬‬ ‫ويدأب دأبا ل راحة فيه لتحقيق الغاية‪ .‬ولذلك تجده ل يرضى‬ ‫بالفكر دون العمل‪ ،‬ويعتبره فلسفة خيالية مخدرة‪ ،‬ول‬ ‫يرضى بالفكر والعمل لغير غاية‪ ،‬ويعتبره حركة لولبية تنتهي‬ ‫بالجمود واليأس‪ ،‬بل يصر على اتقتران الفكر بالعمل‪ ،‬وعلى‬ ‫جعل الفكر والعمل معا مـن أجل غاية يحققها عمليا‬ ‫ويبرزها للوجود‪ .‬فالرسول عليه السلم حمل القيادة الفكرية‬ ‫في مكة‪ ،‬حتى إذا وجد مجتمع مكة ل يحقق جعل السلم‬ ‫نظاما للمجتمع يعمل به‪ ،‬هيأ مجتمع المدينة‪ ،‬ثم أوجد‬ ‫الدولة‪ ،‬وطبق السلم‪ ،‬وحمل رسالته‪ ،‬وهيأ المة لتحمله‬ ‫من بعده‪ ،‬وتسير في الطريق التي رسمها لها‪ .‬ولذلك ل بد‬ ‫أن يكون حمل الدعوة السلمية في حال عدم وجود خليفة‬ ‫للمسلمين شامل م ً الدعوة إلى السلم‪ ،‬والى استئنا ف حياة‬ ‫إسلمية بالعمل ليجاد الدولة السلمية التي تطبق السلم‪،‬‬ ‫وتحمل رسالته للعالم‪ ،‬فتنقل من دعوة لستئنا ف حياة‬

‫‪82‬‬


‫إسلمية في المة إلى حمل الدولة الدعوة إلى العالم‪ ،‬ومن‬ ‫دعوة محلية في العالم السلمي إلى دعوة عالمية‪.‬‬ ‫والدعوة إلى السلم ل بد أن يبرز فيها تصحيح العقائد‪،‬‬ ‫وتقوية الصلة بالله‪ ،‬وأن تبين للناس حل مشاكلهم‪ ،‬حتى‬ ‫تكون هـذه الدعوة حية في جميع ميادين الحياة‪ .‬فالرسول‬ ‫صلى ا عليه وسلم كان يتلو على الناس في مكة‪  :‬تبت‬ ‫يدا أبى لهب ‪ ‬ويتلو عليهم في نفس الوتقت‪  :‬إنه لقول‬ ‫رسول كريم وما هو بقول شاعر‪ ،‬تقلي ل م ً ما تؤمنون ‪‬‬ ‫ويتلو عليهم في مكة‪  :‬ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا‬ ‫على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم‬ ‫يخسرون‪ ‬ويتلو عليهم‪  :‬إن الذين آمنوا وعملوا‬ ‫الصالحات لهم جنات تجري من تحتها النهار‪ ،‬ذلك‬ ‫الفوز الكبير ‪ ‬ويتلو عليهم في المدينة‪  :‬وأتقيموا الصلة‬ ‫وآتوا الزكاة ‪ ‬كمـــا يتلو عليهم‪  :‬انفروا خفافا وثقا ل م ً‬ ‫وجاهدوا بأمـوالكم وأنفسكم في سبيل ا ‪ ‬ويتلو‬ ‫عليهم‪  :‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بــدين إلى‬ ‫أجل مسمى فأكتبوه ‪ ‬ويتلو عليهم‪  :‬كي ل يكون‬ ‫دولـة بين الغنياء منكم ‪ ‬ويتلو ‪ ‬ل يستوي أصحاب‬ ‫النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ‪‬‬ ‫ولذلك ل بد أن تكون الدعوة السلمية حاملة للناس النظمة‬ ‫‪83‬‬


‫التي يعالجون بها مشاكل حياتهم‪ ،‬لن سر نجاح الدعوة‬ ‫السلمية هو كونها حية تعالج النسان كله كانسان‪ ،‬وتحدث‬ ‫فيه كله النقلب الشامل‪.‬‬ ‫ول يتأتى لحملة هذه الدعوة أن يضطلعوا بالمسئولية‪،‬‬ ‫ويقوموا بالتبعات‪ ،‬إل إذا غرسوا في نفوسهم النزوع إلى‬ ‫الكمال‪ ،‬وكانوا ينقبون دائما عن الحقيقة‪ ،‬ويقلبون دائما في‬ ‫كل ما عرفوه‪ ،‬حتى ينقوا منه كـل ما يعلق به من شيء‬ ‫غريب عنه‪ ،‬ويبعدوا عنه كل ما يكون من تقربه منه احتمال‬ ‫أن يلصق به‪ ،‬حتى تظل الفكار التي يحملونها نقية صافية‪،‬‬ ‫وصفاء الفكار ونقاؤها هو الضمان الوحيد للنجاح‪،‬‬ ‫ولستمرار النجاح‪.‬‬ ‫ثم على حملة هذه الدعوة أن يؤدوا واجبها كواجب‬ ‫كلفهم به ا‪ ،‬وأن يقبلوا عليه متهللين مستبشرين برضا ا‪،‬‬ ‫وان ل يبتغوا من عملهم جزاء‪ ،‬ول ينتظروا من الناس شكرا‪،‬‬ ‫وأن ل يعرفوا إل طلب رضوان ا‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫الحضارة السلمية‬ ‫هنالك فرق بين الحضارة والمدنية‪ ،‬فالحضارة هي‬ ‫مجموع المفاهيم عن الحياة‪ ،‬والمدنية هي الشكال المادية‬ ‫للشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة‪ .‬وتكون‬ ‫الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في الحياة‪ ،‬في حين‬ ‫تكون المدنية خاصة وعامة‪.‬فالشكال المدنية التي تنتج عن‬ ‫الحضارة كالتماثيل تكون خاصة‪ ،‬والشكال المدنية التي تنتج‬ ‫عن العلم وتقدمه والصناعة ورتقيها‪ ،‬تكون عامة‪ ،‬ول تختص‬ ‫بها أمة من المم‪ ،‬بل تكون عالمية كالصناعة والعلم‪.‬‬ ‫وهذا التفريق بين الحضارة والمدنية يلزم أن يلحظ‬ ‫دائما‪ ،‬كما يلزم أن يلحظ التفريق بين الشكال المدنية‬ ‫الناجمة عن الحضارة‪ ،‬وبين الشكال المدنية الناجمة عن‬ ‫العلم والصناعة‪ .‬وذلك ليلحظ عند أخذ المدنية التفريق بين‬ ‫أشكالها‪ ،‬والتفريق بينها وبين الحضارة‪ .‬فالمدنية الغربية‬ ‫الناجمة عن العلم والصناعة ل يوجد ما يمنع من أخذها‪ ،‬وأما‬ ‫المدنية الغربية الناجمة عن الحضارة الغربية فل يجوز أخذها‬ ‫بحال‪ ،‬لنه ل يجوز أخذ الحضارة الغربية‪ ،‬لتناتقضها مع‬ ‫الحضارة السلمية‪ ،‬في الساس الذي تقوم عليه‪ ،‬وفي‬ ‫تصوير الحياة الدنيا‪ ،‬وفي معنى السعادة للنسان‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫أما الحضارة الغربية فإنها تقوم على أساس فصل الدين‬ ‫عن الحياة‪ ،‬وإنكار أن للدين أثرا في الحياة‪ ،‬فنتج عن ذلك‬ ‫فكرة فصل الدين عن الدولة‪ .‬لنها طبيعية عند من يفصل‬ ‫الدين عن الحياة‪ ،‬وينكر وجود الدين في الحياة‪ .‬وعلى هذا‬ ‫الساس تقامت الحياة‪ ،‬وتقام نظام الحياة‪ .‬أما تصوير الحياة‬ ‫فانه المنفعة‪ ،‬لنها هي مقياس العمال‪ ،‬ولـذلك كانت‬ ‫النفعية هي التي يقوم عليها النظام‪ ،‬وتقوم عليها الحضارة‪،‬‬ ‫ومن هنا كانت النفعية هي المفهوم البارز في النظام‪ ،‬وفي‬ ‫الحضارة‪ ،‬لنها تصور الحياة بأنها منفعة‪ .‬ولذلك كانت‬ ‫السعادة عندهم إعطاء النسان أكبر تقسط من المتعة‬ ‫الجسدية وتوفير أسبابها له‪ .‬ولهذا كـانت الحضارة الغربية‬ ‫حضارة نفعية بحتة‪ ،‬ل تقيم لغير المنفعة أي وزن‪ ،‬ول‬ ‫تعتر ف إل بالنفعية‪ ،‬وتجعلها هـي المقياس للعمال‪ .‬وأما‬ ‫الناحية الروحية فهي فردية ل شأن للجماعة بها‪ ،‬وهي‬ ‫محصورة في الكنيسة ورجال الكنيسة‪ .‬ولذلك ل توجد في‬ ‫الحضارة الغربية تقيم أخلتقية‪ ،‬أو روحية‪ ،‬أو إنسانية‪ ،‬وإنما‬ ‫توجد تقيم مادية ونفعية فقط‪ .‬وعلى هذا الساس جعلت‬ ‫العمال النسانية تابعة لمنظمات منفصلة عن الدولة‪،‬‬ ‫كمؤسسة الصليب الحمر‪ ،‬والرساليات التبشيرية‪ ،‬وعزلت‬ ‫عن الحياة كل تقيمة إل القيمة المادية وهي الربح‪ .‬فكانت‬ ‫‪86‬‬


‫الحضارة الغربية هي هذه المجموعة من المفاهيم عن‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫أما الحضارة السلمية فإنها تقوم على أساس هو‬ ‫النقيض من أساس الحضارة الغربية‪ ،‬وتصويرها للحياة غير‬ ‫تصوير الحضارة الغربية لها‪ ،‬ومفهوم السعادة فيها يختلف‬ ‫عن مفهومها في الحضارة الغربية كل الختل ف‪ .‬فالحضارة‬ ‫السلمية تقوم على أساس اليمان بالله‪ ،‬وأنه جعل للكون‬ ‫والنسان والحياة نظاما يسير بموجبه‪ ،‬وانه أرسل سيدنا‬ ‫محمد صلى ا عليه وسلم بالسلم دينا‪ ،‬أي أن الحضارة‬ ‫السلمية تقوم على أساس العقيدة السلمية‪ ،‬وهي‬ ‫اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله وباليوم الخر وبالقضاء‬ ‫والقدر خيرهما وشرهما من ا تعالى‪ .‬فكانت العقيدة هي‬ ‫الساس للحضارة‪ ،‬فهي تقائمة على أساس روحي‪.‬‬ ‫أما تصوير الحياة في الحضارة السلمية فانه يتمثل في‬ ‫فلسفة السلم التي انبثـقت عن العقيدة السلمية‪ ،‬والتي‬ ‫تقوم عليها الحياة‪ ،‬وأعمال النسان في الحياة‪ ،‬هذه‬ ‫الفلسفة التي هي مزج المادة بالروح‪ ،‬أي جعل العمال‬ ‫مسيرة بأوامر ا ونواهيه‪ ،‬هي الساس لتصوير الحياة‪.‬‬ ‫فالعمل النساني مادة‪ ،‬وإدراك النسان صلته بالله حين‬ ‫القيام بالعمل من كون هذا العمل حلل م ً أو حراما هو الروح‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫فحصل بذلك مزج المادة بالروح‪ .‬وبناء على ذلك كان المسير‬ ‫لعمال المسلم هو أوامر ا ونواهيه‪ .‬والغاية من تسيير‬ ‫أعماله بأوامر ا ونواهيه‪ ،‬هي رضوان ا تعالى‪ ،‬وليس‬ ‫النفعية مطلقا‪ .‬أما القصد من القيام بنفس العمل فهو‬ ‫القيمة التي يراعى تحقيقها حين القيام بالعمل‪ .‬وهذه‬ ‫القيمة تختلف باختل ف العمال‪ .‬فقد تكون تقيمة مادية كمن‬ ‫يتاجر بقصد الربح‪ ،‬فان تجارته عمل مادي‪ ،‬ويسيره فيها‬ ‫إدراكه لصلته بالله حسب أوامره ونواهيه ابتغاء رضوان ا‪.‬‬ ‫والقيمة التي يراعى تحقيقها من القيام بالعمل هي الربح‪،‬‬ ‫وهو تقيمة مادية‪.‬‬ ‫وتقد تكون القيمة روحية‪ ،‬كالصلة والزكاة والصوم‬ ‫والحج‪ .‬وتقد تكون القيمة أخلتقية‪ ،‬كالصدق والمانة والوفاء‪.‬‬ ‫وتقد تكون القيمة إنسانية‪ ،‬كإنقاذ الغريق وإغاثة الملهو ف‪.‬‬ ‫وهـذه القيم يراعيها النسان حين القيام بالعمل حتى‬ ‫يحققها‪ .‬إل أنها ليست المسيرة للعمال‪ ،‬وليست المثل‬ ‫العلى الذي يهد ف إليه‪ ،‬بل هي القيمة من العمل وتختلف‬ ‫باختل ف نوعه‪.‬‬ ‫وأما السعادة فهي نيل رضوان ا‪ ،‬وليست إشباع‬ ‫جوعات النسان‪ ،‬لن إشباع جوعات النسان جميعها‪ ،‬مـن‬ ‫جوعات الحاجات العضوية‪ ،‬وجوعات الغرائز‪ ،‬هو وسيلة‬ ‫‪88‬‬


‫لزمة للمحافظة على ذات النسان‪ ،‬ول يلزم من وجودها‬ ‫السعادة‪ .‬هذا هو تصوير الحياة‪ .‬وهذا هو الساس الذي‬ ‫يقوم عليه هذا التصوير‪ .‬وهو الساس للحضارة السلمية‪.‬‬ ‫وإنها لتناتقض الحضارة الغربية كل المناتقضة‪ ،‬كما أن‬ ‫الشكال المدنية الناجمة عنها تناتقض الشكال المدنية‬ ‫ل‪ :‬الصورة شكل مدني‪،‬‬ ‫الناجمة عن الحضارة الغربية‪ .‬فمث م ً‬ ‫والحضارة الغربية تعتبر صورة امرأة عارية تبرز فيها جميع‬ ‫مفاتنها شكل م ً مدنيا‪ ،‬يتفق مع مفاهيمها في الحياة عن‬ ‫المرأة‪ .‬ولذلك يعتبرها الغربي تقطعة فنية يعتز بها كشكل‬ ‫مدني‪ ،‬وتقطعة فنية إذا استكملت شروط الفن‪ ،‬ولكن هذا‬ ‫الشكل يتناتقض مع حضارة السلم‪ ،‬ويخالف مفاهيمه عن‬ ‫المرأة التي هي عرض يجب أن يصان‪ ،‬ولذلك يمنع هذا‬ ‫التصوير لنه يسبب إثارة غريزة النوع ويؤدي إلى فوضوية‬ ‫الخلق‪ .‬ومثل ذلك أيضا ما إذا أراد المسلم أن يقيم بيتا وهو‬ ‫شكل مدني‪ ،‬فانه يراعي فيه عدم انكشا ف المرأة في حال‬ ‫تبذلها لمن هو خارج البيت‪ ،‬فيقيم حوله سورا‪ ،‬بخل ف‬ ‫الغربي فانه ل يراعي ذلك حسب حضارته‪ .‬وهكذا كافة ما‬ ‫ينتج من الشكال المدنية عن الحضارة الغربية كالتماثيل‬ ‫ونحوها‪ .‬وكذلك الملبس‪ ،‬فإنها إن كانت خاصة بالكفار‬ ‫باعتبارهم كفارا لم يجز للمسلم أن يلبسها‪ ،‬لنها تحمل وجهة‬ ‫‪89‬‬


‫نظر معينة‪ ،‬وان لم تكن كذلك بأن تعارفوا على ملبس‬ ‫معينة ل باعتبار كفرهم‪ ،‬بل أخذوها لحاجة أو زينة فإنها تعد‬ ‫حينئذ من الشكال المدنية العامة ويجوز استعمالها‪.‬‬ ‫أما الشكال المدنية الناتجة عن العلم والصناعة كأدوات‬ ‫المختبرات واللت الطبية والصناعية‪ ،‬والثاث والطنافس وما‬ ‫شاكلها‪ ،‬فإنها أشكال مدنية عالمية ل يراعى في أخذها أي‬ ‫شيء‪ ،‬لنها ليست ناجمة عن الحضارة‪ ،‬ول تتعلق بها‪.‬‬ ‫ونظرة خاطفة للحضارة الغربية التي تتحكم في العالم‬ ‫اليوم‪ ،‬ترينا أن الحضارة الغربية ل تستطيع أن تضمن‬ ‫للنسانية طمأنينتها‪ ،‬بل إنها على العكس من ذلك سببت هذا‬ ‫الشقاء الذي يتقلب العالم على أشواكه‪ ،‬ويصطلي بناره‪.‬‬ ‫والحضارة التي تجعل أساسها فصل الدين عن الحياة خلفا‬ ‫لفطرة النسان‪ ،‬ول تقيم للناحية الروحية وزنا في الحياة‬ ‫العامة‪ ،‬وتصور الحياة بأنها المنفعة فقط‪ ،‬وتجعل الصلة بين‬ ‫النسان والنسان في الحياة هي المنفعة‪ ،‬هذه الحضارة ل‬ ‫تنتج إل شقاء وتقلقا دائمين‪ ،‬فما دامت هذه المنفعة هي‬ ‫الساس‪ ،‬فالتنازع عليها طبيعي‪ ،‬والنضال في سبيلها طبيعي‪،‬‬ ‫والعتماد على القوة في إتقامة الصلت بين البشر طبيعي‪.‬‬ ‫ولذلك يكون الستعمار طبيعيا عند أهل هذه الحضارة‪،‬‬ ‫وتكون الخلق مزعزعة‪ ،‬لن المنفعة وحدها ستظل هي‬ ‫‪90‬‬


‫أساس الحياة‪ .‬ولهذا فمن الطبيعي أن تنفي من الحياة‬ ‫الخلق الكريمة كما نفيت منها القيم الروحية‪ ،‬وأن تقوم‬ ‫الحياة على أساس التنافس والنضال والعتداء والستعمار‪.‬‬ ‫وما هو واتقع في العالم اليوم من وجود أزمات روحية في‬ ‫نفوس البشر‪ ،‬ومن تقلق دائم وشر مستطير‪ ،‬خير دليل على‬ ‫نتائج هذه الحضارة الغربية‪ ،‬لنها هي التي تتحكم في‬ ‫العالم وهي التي أدت إلى هذه النتائج الخطيرة والخطرة‬ ‫على النسانية‪.‬‬ ‫ونظرة إلى الحضارة السلمية التي تحكمت في العالم‬ ‫منذ القرن السادس الميلدي حتى أواخر القرن الثامن عشر‬ ‫الميلدي‪ ،‬ترينا أنها لم تكن مستعمرة‪ ،‬وليس من طبعها‬ ‫الستعمار‪ ،‬لنها لم تفرق بين المسلمين وغيرهم‪ ،‬فضمنت‬ ‫العدالة لجميع الشعوب التي دانت لها طوال مدة حكمها‪،‬‬ ‫لنها حضارة تقوم على الساس الروحي الذي يحقق القيم‬ ‫جميعها‪ :‬من مادية‪ ،‬وروحية‪ ،‬وأخلتقية‪ ،‬وإنسانية‪ .‬وتجعل‬ ‫الوزن كله في الحياة للعقيدة‪ .‬وتصور الحياة بأنها مسيرة‬ ‫بأوامر ا ونواهيه‪ ،‬وتجعل معنى السعادة بأنها رضوان ا‪،‬‬ ‫وحين تسود هذه الحضارة السلمية كما سادت من تقبل‪،‬‬ ‫فإنها ستكفل معالجة أزمات العالم‪ ،‬وتضمن الرفاهية‬ ‫للنسانية جمعاء‪.‬‬ ‫‪91‬‬


92


‫نظام السلم‬ ‫السلم هو الدين الذي أنزله ا على سيدنا محمد صلى‬ ‫ا عليه وسلم بتنظيم علتقة النسان بخالقه‪ ،‬وبنفسه‪،‬‬ ‫وبغيره من بني النسان‪ .‬وعلتقة النسان بخالقه تشمل‬ ‫العقائد والعبادات‪ ،‬وعـلتقته بنفسه تشمل الخلق‬ ‫والمطعومات والملبوسات‪ ،‬وعلتقته بغيره من بني النسان‬ ‫تشمل المعاملت والعقوبات‪ .‬فالسلم مبدأ لشؤون الحياة‬ ‫جميعا‪ ،‬وليس دينا لهوتيا‪ ،‬ول يتصل بالكهنوتية بسبب‪ .‬وانه‬ ‫ليقضي على الوتوتقراطية الدينية ) الستبداد الديني ( فل‬ ‫يوجد في السلم جماعة تسمى رجال دين‪ ،‬وجماعة تسمى‬ ‫رجال الدنيا‪ ،‬بل جميع من يعتنقون السلم يسمون‬ ‫مسلمين‪ ،‬وكلهم أمام الدين سواء‪ .‬فل يوجد فيه رجال‬ ‫روحيون‪ ،‬ورجال زمنيون‪.‬والناحية الروحية فيه هي كون‬ ‫الشياء مخلوتقة لخالق‪ ،‬ومدبرة بأمر هذا الخالق‪ .‬لن‬ ‫النظرة العميقة للكون والنسان والحياة‪ ،‬ومـا حولها وما‬ ‫يتعلق بها‪ ،‬والستدلل بذلك يري النسان النقص والعجز‬ ‫والحتياج المشاهد الملموس في هذه الشياء جميعها‪ ،‬مما‬ ‫يدل دللة تقطعية على أنها مخلوتقة لخالق‪ ،‬ومدبرة بأمره‪،‬‬ ‫وأن النسان وهو سائر في الحياة ل بد له من نظام ينظم‬ ‫‪93‬‬


‫غرائزه وحاجاته العضوية‪ .‬ول يتأتى هذا النظام من‬ ‫النسان‪.‬لعجزه وعدم إحاطته‪ .‬ولن فهمه لهذا التنظيم‬ ‫عرضة للتفاوت والختل ف والتناتقض مما ينتج النظام‬ ‫المتناتقض المؤدي إلى شقاء النسان‪ .‬ولذلك كان حتما أن‬ ‫يكون النظام من ا تعالى‪ .‬ولهذا كان لزاما على النسان‬ ‫أن يسير أعماله بنظام من عند ا‪ .‬إل أن هذا التسيير‬ ‫بالنظام إن كان بناء على منفعة هذا النظام‪ ،‬ولم يكن بناء‬ ‫على أنه من ا‪ ،‬ل تكون فيه ناحية روحية‪ .‬بل ل بد أن يكون‬ ‫تنظيم النسان أعماله في الحياة بأوامر ا ونواهيه‪ ،‬بناء‬ ‫على إدراكه صلته بالله‪ ،‬حتى توجد الروح في العمال‪ .‬أي ل‬ ‫بد من إدراك النسان صلته بالله‪ ،‬وبناء على إدراكه لهذه‬ ‫الصلة بالله يسير أعماله بأوامر ا ونواهيه‪ ،‬حتى توجد‬ ‫الروح عند القيام بالعمال‪ ،‬إذ الروح هي إدراك النسان صلته‬ ‫بالله‪ ،‬ومعنى مزجها مع المادة‪ ،‬هو وجود الدراك للصلة بالله‬ ‫حين القيام بالعمل‪ ،‬فيسير بأوامر ا ونواهيه بناء على‬ ‫إدراك هذه الصلة بالله‪ .‬فالعمل مادة‪ ،‬وإدراك الصلة بالله‬ ‫حين القيام به هو الروح‪ ،‬فصار تسيير العمل بأوامر ا‬ ‫ونواهيه بناء على إدراك الصلة هو مزج المادة بالروح‪ .‬ومن‬ ‫هنا لم يكن تسيير غير المسلم أعماله بالحكام الشرعية‬ ‫المستنبطة من القرآن والسنة تسييرا بالروح‪ ،‬ول متحققا فيه‬ ‫‪94‬‬


‫معني مزج المادة بالروح‪ ،‬لنه لم يؤمن بالسلم‪ ،‬فلم يدرك‬ ‫الصلة بالله‪ ،‬بل أخذ الحكام الشرعية نظاما أعجبه فنظم به‬ ‫أعماله‪ ،‬بخل ف المسلم فقد كان تقيامه بأعماله وفق أوامر‬ ‫ا ونواهيه مبنيا على إدراكه لصلته بالله وكانت غايته من‬ ‫تسيير أعماله بأوامر ا ونواهيه هي رضوان ا‪ ،‬ل النتفاع‬ ‫بالنظام فقط‪ .‬وعلى ذلك ل بد من وجود الناحية الروحية في‬ ‫الشياء‪ ،‬و ل بد من الروح حين القيام بالعمال‪ .‬على أن‬ ‫يكون واضحا دائما عند الجميع أن الناحية الروحية تعني كون‬ ‫الشياء مخلوتقة لخالق خلقها‪ ،‬أي هي صلة المخلوق‬ ‫بالخالق‪ ،‬وان الروح هي إدراك هذه الصلة‪ ،‬أي إدراك‬ ‫النسان صلته بالله تعالى‪ .‬هذه هي الناحية الروحية‪ ،‬وهذه‬ ‫هي الروح‪ .‬وهذا وحده هو المفهوم الصحيح‪ ،‬وما عداه‬ ‫مفهوم مغلوط تقطعا‪ .‬والنظرة العميقة المستنيرة إلى الكون‬ ‫والحياة والنسان هي التي أدت إلى النتائج الصادتقة‪ ،‬وهي‬ ‫التي أدت إلى هذا المفهوم الصحيح‪.‬‬ ‫وتقد نظرت بعض الديان إلى أن الكون فيه المحسوس‬ ‫والمغيب‪ ،‬والنسان فيه السمو الروحي والنزعة الجسدية‪،‬‬ ‫والحياة فيها الناحية المادية والناحية الروحية‪ ،‬وأن‬ ‫المحسوس يتعارض مع المغيب‪ ،‬وأن السمو الروحي ل‬ ‫يلتقي مـع النزعة الجسدية‪ ،‬وأن المادة منفصـلة عن الروح‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫ولذلك فهاتان الناحيتان منفصلتان عندهم‪ ،‬لن التعارض‬ ‫بينهما أساسي في طبيعتهما‪ ،‬ول يمكن امتزاجهما‪ ،‬وأن كل‬ ‫ترجيح لحداهما في الميزان فيه تخفيض لوزن الخرى‪.‬‬ ‫ولهذا كان على مريد الخرة أن يرجح الناحية الروحية‪ .‬ومن‬ ‫هنا تقامت في المسـيحية سلطتان‪ :‬السلطة الروحية‪،‬‬ ‫والسلطة الزمنية )أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ( وكان‬ ‫رجال السلطة الروحية هم رجال الدين وكهنته‪ ،‬وكانوا‬ ‫يحاولون أن تكون السلطة الزمنية بأيديهم‪ ،‬حتى يرجحوا‬ ‫عليها السلطة الروحية في الحياة‪ ،‬ومن ثم نشأ النزاع بين‬ ‫السلطة الزمنية والسلطة الروحية‪ .‬وأخيرا تم جعل رجال‬ ‫الدين مستقلين بالسلطة الروحية‪ ،‬ل يتدخلون بالسلطة‬ ‫الزمنية‪ ،‬وتقد فصل الدين عن الحياة لنه كهنوتي‪ ،‬وهذا‬ ‫الفصل بين الدين والحياة‪ ،‬هو عقيدة المبدأ الرأسمالي‪ ،‬وهو‬ ‫أساس الحضارة الغربية‪ ،‬وهو القيادة الفكرية التي يحملها‬ ‫الستعمار الغربي للعالم ويدعو لها‪ ،‬ويجعلها عماد ثقافته‪،‬‬ ‫ويزعزع على أساسها عقيدة المسلمين بالسلم‪ ،‬لنه يقيس‬ ‫السلم بالمسيحية على طريقة القياس الشمولي‪ .‬فكل‬ ‫مـــن يحمل هذه الدعوة )) فصل الدين عن الحياة (( أو‬ ‫فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة‪ ،‬إنما هو تابع وموجه‬ ‫بتوجيه القيادة الفكرية الجنبية‪ ،‬وعامل – بحسن نية أو‬ ‫‪96‬‬


‫بسوئها – من عمـلء الستعمار‪ .‬وهو جاهل بالسلم أو‬ ‫معاد له‪.‬‬ ‫وأما السلم فيرى أن الشياء التي يدركها الحس هي‬ ‫أشياء مادية‪ ،‬والناحية الروحية هي كونها مخلوتقة لخالق‪،‬‬ ‫والروح هي إدراك النسان صلته بالله‪ ،‬وعلى ذلك ل توجد‬ ‫ناحية روحية منفصلة عن الناحية المادية‪ ،‬ول توجد في‬ ‫النسان أشـواق روحـية ونزعـات جسدية‪ ،‬بل النسان فيه‬ ‫حـاجات عضوية‪ ،‬وغرائز‪ ،‬ل بد من إشباعها‪ ،‬ومن الغرائز‬ ‫غريزة التدين التي هي الحتياج إلى الخالق المدبر الناشئ‬ ‫عن العجز الطبيعي في تكوين النسان‪ .‬وإشباع هذه‬ ‫الغرائز ل يسمى ناحية روحية ول ناحية مادية‪ ،‬وإنما هو‬ ‫إشباع فقط‪ .‬إل أن هذه الحاجات العضوية والغرائز إذا‬ ‫أشبعت بنظام من عند ا بناء على إدراك الصلة بالله كانت‬ ‫مسيرة بالروح‪ ،‬وان أشبعت بدون نظام‪ ،‬أو بنظام من عند‬ ‫غير ا‪ ،‬كان إشباعا ماديا بحتا يؤدي إلى شقاء النسان‪.‬‬ ‫فغريزة النوع إن أشبعت من غير نظام أو بنظام من عند غير‬ ‫ا كان ذلك مسببا للشقاء‪ ،‬وان أشبعت بنظام الزواج الذي‬ ‫من عند ا حسب أحكام السلم كان زواجا موجدا‬ ‫للطمأنينة‪ .‬وغريزة التدين إن أشبعت من غير نظام أو بنظام‬ ‫من عند غير ا بعبادة الوثان أو عبادة النسان‪ ،‬كان ذلك‬ ‫‪97‬‬


‫إشراكا وكفرا‪ ،‬وان أشبعت بأحكام السلم كان ذلك عبادة‪.‬‬ ‫ولهذا كان لزاما أن تراعى الناحية الروحية في الشياء‪ ،‬وأن‬ ‫تسير جميع العمال بأوامر ا ونواهيه‪ ،‬بناء على إدراك‬ ‫النسان صلته بالله‪ ،‬أي أن تسير بالروح‪ ،‬ولذلك لم يكن في‬ ‫العمل الواحد شيئان اثنان‪ ،‬بل الموجود شيء واحد هو‬ ‫العمل‪ ،‬وأما وصفه بأنه مادي بحت‪ ،‬أو مسير بالروح‪ ،‬فانه‬ ‫ليس آتيا من نفس العمل‪ ،‬بل آت من تسييره بأحكام‬ ‫السلم‪ ،‬أو عدم تسييره بها‪ .‬فقتل المسلم عدوه في الحرب‬ ‫يعتبر جهادا يثاب عليه‪ ،‬لنه عمل مسير بأحكام السلم‪،‬‬ ‫وتقتل المسلم نفسا معصومة ) مسلمة أو غير مسلمة ( بغير‬ ‫حق يعتبر جريمة يعاتقب عليها‪ ،‬لنه عمل مخالف لوامر ا‬ ‫ونواهيه‪ .‬وكل العملين شيء واحد هو القتل‪ ،‬صادر عن‬ ‫النسان‪ ،‬فالقتل يكون عبادة حين يسير بالروح‪ ،‬ويكون‬ ‫جريمة حين ل يسير بالروح‪ .‬ولذلك كان لزاما على المسلم‬ ‫أن يسير أعماله بالروح‪ ،‬وكان مزج المادة بالروح ليس أمرا‬ ‫ممكنا فحسب بل هو أمر واجب‪ .‬ول يجوز أن تفصل المادة‬ ‫عن الروح‪ ،‬أي ل يجوز أن يفصل أي عمل عن تسييره بأوامر‬ ‫ا ونواهيه بناء على إدراك الصلة بالله‪ .‬ولهذا يجب أن‬ ‫يقضى على كل ما يمثل الناحية الروحية منفصلة عن الناحية‬ ‫المادية‪ .‬فل رجال دين في السلم‪ ،‬وليس فيه سلطة دينية‬ ‫‪98‬‬


‫بالمعنى الكهنوتي‪ ،‬ول سلطة زمنية منفصلة عن الدين‪ ،‬بل‬ ‫السلم دين منه الدولة‪ ،‬وهي أحكام شرعية كأحكام‬ ‫الصلة‪ ،‬وهي طريقة لتنفيذ أحكام السلم وحمل دعوته‪.‬‬ ‫ويجب أن يلغى كل ما يشعر بتخصيص الدين بالمعنى‬ ‫الروحي وعزله عن السياسة والحكم‪ ،‬فتلغى المؤسسات‬ ‫التي تشر ف على النواحي الروحية‪ ،‬فتلغى إدارة المساجد‬ ‫وتكون إدارتها تابعة لدارة المعار ف‪ ،‬وتلغى المحاكم‬ ‫الشرعية والمحاكم النظامية‪ ،‬ويجعل القضاء واحدا ل يحكم‬ ‫إل بالسلم‪ ،‬فسلطان السلم سلطان واحد‪.‬‬ ‫والسلم عقيدة ونظم‪ ،‬أما العقيدة فهي اليمان بالله‬ ‫وملئكته وكتبه ورسله‪ ،‬وباليوم الخر‪ ،‬وبالقضاء والقدر‬ ‫خيرهما وشرهما من ا تعالى‪ .‬وتقد بنى السلم العقيدة‬ ‫على العقل فيما يدركه العقل‪ ،‬كاليمان بالله‪ ،‬وبنبوة محمد‬ ‫عليه السلم‪ ،‬وبالقرآن الكريم‪ ،‬وبناها في المغيبات‪ ،‬أي ما ل‬ ‫يمكن للعقل أن يدركه كيوم القيامة والملئكة والجنة والنار‬ ‫على التسليم على أن يكون مصدرها ثابتا بالعقل وهو‬ ‫القرآن الكريم والحديث المتواتر‪ .‬وتقد جعل السلم العقل‬ ‫مناط التكليف‪.‬‬ ‫أما النظم فهي الحكام الشرعية التي تنظم شؤون‬ ‫الحياة‪ ،‬وتقد تناول نظام السلم جميع هذه الشؤون‪ ،‬ولكنه‬ ‫‪99‬‬


‫تناولها بشكل عام‪ ،‬بمعان عامة‪ ،‬وترك التفصيلت تستنبط‬ ‫من هذه المعاني العامة حين إجراء التطبيقات‪ .‬فقد جاء‬ ‫القرآن الكريم والحديث الشريف يتضمنان خطوطا عريضة‪،‬‬ ‫أي معاني عامة لمعالجة شؤون النسان من حيث هو‬ ‫إنسان‪ ،‬وترك للمجتهدين أن يستنبطوا من هذه المعاني‬ ‫العامة الحكام الجزئية‪ ،‬للمشاكل التي تحدث على مر‬ ‫العصور واختل ف المكنة‪.‬‬ ‫وللسلم طريقة واحدة في معالجة المشاكل‪ ،‬فهو يدعو‬ ‫المجتهد لن يدرس المشكلة الحادثة حتى يفهمها‪ ،‬ثم يدرس‬ ‫النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المشكلة‪ ،‬ثم يستنبط حل‬ ‫هذه المشكلة‪ ،‬من النصوص‪ ،‬أي يستنبط الحكم الشرعي‬ ‫لهذه المسألة من الدلة الشرعية‪ ،‬ول يسلك طريقة غيرها‪،‬‬ ‫مطلقا‪ .‬على أنه حين يدرس هذه المشكلة‪ ،‬يدرسها‬ ‫باعتبارها مشكلة إنسانية ليس غير‪ ،‬ل باعتبارها مشكلة‬ ‫اتقتصادية أو اجتماعية أو مشكلة حكم أو غير ذلك‪ ،‬بل‬ ‫باعتبارها مسألة تحتاج إلى حكم شرعي‪ ،‬حتى يعر ف حكم‬ ‫ا فيها‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫)) الحكم الشرعي ((‬ ‫هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد‪ ،‬وهو إما أن‬ ‫يكون تقطعي الثبوت كالقرآن الكريم والحديث المتواتر‪ ،‬أو‬ ‫ظني الثبوت كالحديث غير المتواتر‪ :‬فان كان تقطعي الثبوت‬ ‫ينظر‪ ،‬فان كان تقطعي الدللة يكون الحكم الذي تضمنه‬ ‫تقطعيا كركعات الفرائض كلها‪ ،‬فإنها وردت في الحديث‬ ‫المتواتر‪ ،‬وكتحريم الربا وتقطع يد السارق وجلد الزاني‪ ،‬فإنها‬ ‫أحكام تقطعية‪ ،‬والصواب فيها متعين‪ ،‬وليس فيها إل رأي‬ ‫واحد تقطعي‪.‬‬ ‫وان كان خطاب الشارع تقطعي الثبوت ظني الدللة فان‬ ‫الحكم الذي تضمنه ظني مثل آية الجزية‪ ،‬فإنها تقطعية‬ ‫الثبوت‪ ،‬ولكنها ظنية الدللة في التفصيل‪ ،‬فالحنفية يشترطون‬ ‫أن تسمى جزية‪ ،‬وأن يظهر الذل على معطيها حين إعطائها‪.‬‬ ‫والشافعية ل يشترطون تسميتها جزية‪ ،‬بل يصح أن تؤخذ‬ ‫باسم زكـاة مضاعفة‪ ،‬ول ضرورة لظهار الذل‪ ،‬بل يكفي‬ ‫الخضوع لحكام السلم‪.‬‬ ‫أما إن كان خطاب الشارع ظني الثبوت كالحديث غير‬ ‫المتواتر‪ ،‬فيكون الحكم الذي تضمنه ظنيا‪ ،‬سواء أكان تقطعي‬

‫‪101‬‬


‫الدللة كصيام ستة أيام من شوال فإنها ثبتت بالسنة‪ ،‬أو ظني‬ ‫الدللة كمنع إجارة الرض فانه ثبت بالسنة‪.‬‬ ‫وخطاب الشارع يفهم منه الحكم الشرعي باجتهاد‬ ‫صحيح‪ ،‬ولذلك كان اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر الحكم‬ ‫الشرعي‪ ،‬وعلى ذلك فحكم ا في حق كل مجتهد هو ما‬ ‫أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه‪.‬‬ ‫فالمكلف إذا حصلت له أهلية الجتهاد بتمامها في مسألة‬ ‫من المسائل فان اجتهد فيها وأداه اجتهاده إلى حكم فيها‪،‬‬ ‫فقد اتفق الكل على انه ل يجوز له تقليد غيره من‬ ‫المجتهدين‪ ،‬في خل ف ما أوجبه ظنه‪ ،‬ول يجوز له ترك ظنه‬ ‫إل إذا تبنى الخليفة حكما شرعيا‪ ،‬فانه يجب عليه حينئذ العمل‬ ‫بما أمر به الخليفة‪ ،‬لن ما أدي إليه اجتهاده وغلب على ظنه‬ ‫هو حكم ا في المسألة وهو حكم شرعي‪ ،‬ولن أمر‬ ‫المام يرفع الخل ف‪ .‬أما إذا لم يجتهد من له أهلية الجتهاد‬ ‫فانه يجوز له تقليد غيره من المجتهدين‪ ،‬لن إجماع الصحابة‬ ‫منعقد على انه يجوز للمجتهد أن يترك اجتهاده ويقلد غيره‬ ‫من المجتهدين‪.‬‬ ‫وأما من ليس له أهلية الجتهاد فهو المقلد‪ ،‬وهو تقسمان‬ ‫متبع وعامي‪ ،‬فالمتبع هو الذي لم يكن محصل م ً لبعض‬ ‫العلوم المعتبرة في الجتهاد‪ ،‬فانه يقلد المجتهد بعد أن‬ ‫‪102‬‬


‫يعر ف دليله‪ ،‬وحينئذ يكون حكم ا في حق هـذا المتبع هو‬ ‫تقول المجتهد الذي اتبعه‪ .‬وأما العامي فهو الذي لم يكن‬ ‫محصل م ً لبعض العلوم المعتبرة في الجتهاد فانه يقلد‬ ‫المجتهد دون أن يعر ف دليله‪ .‬وهذا العامي يلزمه تقليد تقول‬ ‫المجتهدين والخذ بالحكام التي استنبطوها‪ ،‬ويكون الحكم‬ ‫الشرعي في حقه هو الذي استنبطه المجتهد الذي تقلده‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فالحكم الشرعي هـو الذي استنبطه مجتهد له‬ ‫أهلية الجتهاد‪ ،‬وهو في حقه حكم ا ل يجوز له أن يخالفه‬ ‫ويتبع غيره مطلقا‪ ،‬وكذلك هو في حق من تقلده حكم ا ل‬ ‫يجوز له أن يخالفه‪.‬‬ ‫والمقلد إذا تقلد بعض المجتهدين في حكم حادثة من‬ ‫الحوادث وعمل بقوله فيها‪ ،‬فليس له الرجوع عنه في ذلك‬ ‫الحكم بعد ذلك إلى غيره مطلقا‪ .‬وأما تقليد غير ذلك المجتهد‬ ‫في حكم آخر فانه يجوز له لما وتقع عليه إجماع الصحابة من‬ ‫تسويغ استفتاء المقلد لكل عالم في مسألة‪ .‬وأما إذا عين‬ ‫المقلد مذهبا كمذهب الشافعي مثل م ً وتقال أنا على مذهبه‬ ‫وملتزم له فهناك تفصيل في ذلك وهو‪ :‬أن كل مسألة من‬ ‫المذهب الذي تقلده اتصل عمله بها فليس له تقليد غيره فيها‬ ‫مطلقا‪ ،‬وما لم يتصل عمله بها فل مانع من اتباع غيره فيها‪.‬‬ ‫وأما المجتهد فانه إذا توصل باجتهاده إلى حكم مسألة فانه‬ ‫‪103‬‬


‫يجوز له أن يترك ما توصل إليه اجتهاده فيها وأن يقلد غيره‬ ‫إذا كان ذلك لجمع المسلمين على رأي واحد كما حصل مع‬ ‫عثمان عند بيعته‪.‬‬

‫‪104‬‬


‫أنواع الحكام الشرعية‬ ‫الحكام الشرعية هي الفرض‪ ،‬والحرام‪ ،‬والمندوب‪،‬‬ ‫والمكروه‪ ،‬والمباح‪ .‬والحكم الشرعي إما أن يكون بخطاب‬ ‫الطلب للفعل‪ ،‬وإما أن يكون بخطاب الطلب للترك‪ ،‬فإن كان‬ ‫بخطاب الطلب للفعل فهو إن تعلق بالطلب الجازم للفعل‪،‬‬ ‫فهو الفرض والواجب وكلهما بمعنى واحد‪ .‬وإن تعلق‬ ‫بالطلب غير الجازم للفعل فهو الندب‪ ،‬وإن تعلق بخطاب‬ ‫الطلب للترك فإن تعلق الطلب الجازم للترك فهو الحرام‬ ‫والمحظور‪ ،‬وكلهما بمعنى واحد‪ .‬وإن تعلق بالطلب غير‬ ‫الجـازم للترك فهو الكراهة‪ .‬وعلى ذلك فالفرض والواجب‬ ‫هو ما يمدح فاعله ويذم تاركـه‪ ،‬أو هو ما يستحق تاركه‬ ‫العقاب على تركه‪ .‬والحرام هو ما يذم فاعله ويمدح تاركه‪،‬‬ ‫أو هو ما يستحق فاعله العقاب على فعله‪ .‬والمندوب هـو ما‬ ‫يمدح فاعله ول يذم تاركه‪ ،‬أو هو ما يثاب على فعله ول‬ ‫يعاتقب على تركه‪ ،‬والمكروه هو ما يمدح تاركه‪ ،‬أو هو ما‬ ‫كان تركه أولى من فعله‪ .‬والمباح هو ما دل الدليل السمعي‬ ‫على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك‪.‬‬

‫‪105‬‬


‫السنة‬ ‫السنة في اللغة‪ :‬الطريقة‪ .‬وأما في الشرع فقد تطلق‬ ‫على ما كان نافلة منقولة عن النبي صلى ا عليه وعلى آله‬ ‫وسلم كركعات السنن‪ ،‬فإنها تسمى سنة‪ ،‬أي مقابل الفرض‪،‬‬ ‫وليس معنى تسميتها سنة أنها من النبي عليه السلم‪،‬‬ ‫والفرض من ا‪ ،‬بل السنة والفرض من ا‪ ،‬والرسول إنما‬ ‫هو مبلغ عن ا‪ ،‬لنه ل ينطق عن الهوى‪ ،‬إن هو إل وحي‬ ‫يوحى‪ .‬فهي وإن كانت سنة منقولة عن النبي عليه السلم‬ ‫ولكنها منقولة نافلة‪ ،‬فسميت سنة‪ ،‬كما أن الفرض منقول‬ ‫فرضا فسمي فرضا‪ ،‬فركعتا الفجر فرضا منقولة عن النبي‬ ‫عليه السلم بطريق التواتر فرضا‪ ،‬وركعتا الفجر سنة كذلك‬ ‫ل‪ ،‬وكلتاهما من ا تعالى‬ ‫منقولة عن النبي بطريق التواتر نف م ً‬ ‫وليستا من شخص الرسول‪ .‬فالمر فرض‪ .‬ونافلة في‬ ‫العبادات‪ ،‬وفرض ومندوب في غيرها‪ .‬فالنافلة هي نفس‬ ‫المندوب سميت نافلة وأطلق عليها سنة‪.‬‬ ‫وكذلك تطلق السنة على ما صدر عن الرسول من الدلة‬ ‫الشرعية مما ليس تقرآنا‪ .‬ويدخل في ذلك أتقوال النبي‬ ‫وأفعاله وتقاريره ‪ -‬سكوته ‪.-‬‬

‫‪106‬‬


‫التأسي بأفعال الرسول عليه الصلة والسلم‬ ‫الفعال التي صدرت عن النبي صلى ا عليه وعلى آله‬ ‫وسلم تقسمان‪ ،‬منها ما كان من الفعال الجبلية ومنها ما‬ ‫سوى ذلك‪ :‬أمـا الفعال الجبلية كالقيام‪ ،‬والقعود‪ ،‬والكل‪،‬‬ ‫والشرب‪ ،‬ونحوه‪ ،‬فل نزاع في كونها على الباحة بالنسبة إليه‬ ‫ولمته‪ ،‬ولذلك ل تدخل في المندوب‪.‬‬ ‫وأما الفعال التي ليست جبيّلية فهي إما أن تكون مما ثبت‬ ‫كونها من خواصه التي ل يشاركه فيها أحد‪ ،‬أو ل تكون من‬ ‫خواصه‪ ،‬فان كانت مما ثبت كونها من خواصه‪ ،‬صلى ا عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬وذلك كاختصاصه بإباحة الوصال في الصوم‪ ،‬أي‬ ‫مواصلة النهار بالليل في الصوم‪ ،‬وكالزيادة في النكاح على‬ ‫أربعة نسوة إلى غير ذلك من خصائصه‪ ،‬فل يجوز لنا أن‬ ‫نشاركه بها‪ ،‬فقد ثبت أنها من خواصه بالجماع‪ ،‬ولذلك ل‬ ‫يجوز التأسي به فيها‪.‬‬ ‫وأما ما عر ف كون فعله بيانا لنا فهو دليل من غير خل ف‪،‬‬ ‫وذلك أما بصريح مقاله كقوله صلى ا عليه وعلى آله وسلم‬ ‫" صلوا كــــما رأيتموني أصلي " و " خذوا عني مناسككم "‬ ‫فانه دل على أن فعله بيان لنا لنتبعه‪ ،‬وإما بقرائن الحوال‪،‬‬ ‫وذلك كقطعه يد السارق من الكوع بيانا لـقوله تعالى ‪‬‬ ‫‪107‬‬


‫فاتقطعوا أيديهما ‪ ،‬وهذا البيان في فعله بالقول أو تقرائن‬ ‫الحوال تابع للمبين في الوجوب أو الندب أو الباحة على‬ ‫حسب دللة الدليل‪.‬‬ ‫أما الفعال التي لم يقترن بها ما يدل على أنها للبيان ل‬ ‫نفيا ول إثباتا فهي إما أن يظهر فيها تقصد القربة وإما أن ل‬ ‫يظهر‪ ،‬فان ظهر فيها تقصد القربة فهي تدخل في المندوب‬ ‫يثاب المرء على فعلها ول يعاتقب على تركها مثل سنة‬ ‫الضحى‪ ،‬وان لم يظهر فيها تقصد القربة فهي تدخل في‬ ‫المباح‪.‬‬

‫‪108‬‬


‫تبني الحكام الشرعية‬ ‫لقد كان المسلمون في عصر الصحابة يأخذون الحكام‬ ‫الشرعية بأنفسهم من الكتاب والسنة‪ ،‬وكان القضاة حين‬ ‫يفصلون الخصومات بين الناس يستنبطون بأنفسهم الحكم‬ ‫الشرعي في كل حادثة تعرض عليهم‪ ،‬وكان الحكام من أمير‬ ‫المؤمنين إلى الولة وغيرهم‪ ،‬يقومون بأنفسهم باستنباط‬ ‫الحكام الشرعية لمعالجة كل مشكلة من المشاكل تعرض‬ ‫لهم أثناء حكمهم‪ ،‬فأبو موسى الشعري و شريح كانا‬ ‫تقاضيين يستنبطان الحكام ويحكمان باجتهادهما‪ ،‬وكان‬ ‫معاذ بن جبل واليا في أيام الرسول يستنبط الحكام ويحكم‬ ‫في وليته باجتهاده‪ ،‬وكان أبو بكر وعمر في خلفتهما‬ ‫يستنبطان الحكام بأنفسهما ويحكم كل واحد منهما الناس‬ ‫بما يستنبطه هو‪ ،‬وكان معاوية وعمرو بن العاص واليين‪،‬‬ ‫وكان كل واحد منهما يستنبط الحكام بنفسه ويحكم الناس‬ ‫في وليته‪ ،‬بما استنبطه في اجتهاده‪ ،‬ومع هذا الجتهاد لدى‬ ‫الولة والقضاة‪ ،‬فقد كان الخليفة يتبنى حكما شرعيا خاصا‬ ‫يأمر الناس بالعمل به‪ ،‬فكانوا يلتزمون العمل به ويتركون‬ ‫رأيهم‪ ،‬واجتهادهم‪ ،‬لن الحكم الشرعي إن أمر المام نافذ‬ ‫ظاهرا وباطنا ومن ذلك أن أبا بكر تبنى إيقاع الطلق الثلث‬ ‫‪109‬‬


‫واحدة‪ ،‬وتوزيع المال على المسلمين بالتساوي من غير نظر‬ ‫إلى القدم في السلم أو غير ذلك‪ ،‬فاتبعه المسلمون في‬ ‫ذلك‪ ،‬وسار عليه القضاة والولة‪ .‬ولما جاء عمر تبنى رأيا في‬ ‫هاتين الحادثتين خل ف رأي أبي بكر‪ ،‬فألزم وتقوع الطلق‬ ‫الثلث ثلثا‪ .‬ووزع المال حسب القدم والحاجة بالتفاضل ل‬ ‫بالتساوي‪ ،‬واتبعه في ذلك المسلمون وحكم به القضاة‬ ‫والولة‪ .‬ثم تبنى عمر جعل الرض التي تغنم في الحرب‬ ‫غنيمة لبيت المال تبقى في يد أهلها ول تقسم على‬ ‫المحاربين ول على المسلمين فاتبعه في ذلك الولة‬ ‫والقضاة وساروا على الحكم الذي تبناه‪ ،‬فكان الجماع‬ ‫)) إجماع الصحابة (( منعقدا على أن للمام أن يتبنى أحكاما‬ ‫معينة ويأمر بالعمل بها‪ ،‬وعلى المسلمين طاعتها ولو خالفت‬ ‫اجتهادهم‪ .‬والقواعد الشرعية المشهورة هي )) للسلطان أن‬ ‫يحدث من التقضية بقدر ما يحدث من مشكلت (( و )) أمر‬ ‫المام يرفع الخل ف (( و )) أمر المام نافذ ظاهرا وباطنا ((‬ ‫ولذلك صار الخلفاء بعد ذلك يتبنون أحكاما معينة‪ ،‬فقد تبنى‬ ‫هارون الرشيد كتاب )) الخراج (( في الناحية التقتصادية‬ ‫وألزم الناس بالعمل بالحكام التي وردت فيه‪.‬‬

‫‪110‬‬


‫الدستور والقانون‬ ‫كلمة القانون اصطلح أجنبي‪ ،‬ومعناه عندهم المر الذي‬ ‫يصدره السلطان ليسير عليه الناس‪ ،‬وتقد عر ف القانون بأنه‬ ‫))مجموع القواعد التي يجبر السلطان الناس عـلى اتباعها‬ ‫في علتقاتهم (( وتقد أطلق على القانون الساسي لكل‬ ‫حكومة كلمة الدستور‪ ،‬وأطلق على القانون الناتج من النظام‬ ‫الذي نص عليه الدستور كلمة القانون‪ .‬وتقد عر ف الدستور‬ ‫بأنه )) القانون الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها‪،‬‬ ‫ويبين حدود واختصاص كل سلطة فيها (( أو )) القانون‬ ‫الذي ينظم السلطة العامة أي الحكومة ويحدد علتقاتها مع‬ ‫الفراد ويبين حقوتقها وواجباتها تقبلهم وحقوتقهم وواجباتهم‬ ‫تقبلها ((‪ ،‬والدساتير مختلفة المنشأ‪ ،‬منها ما صدر بصورة‬ ‫تقانون‪ ،‬ومنها ما نشأ بالعادة والتقاليد كالدستور النجليزي‪،‬‬ ‫ومنها ما تولى وضعه لجنة من جمعية وطنية كان لها‬ ‫السلطان في المة وتقتئذ‪ ،‬فسنت الدستور وبينت كيفية تنقيحه‬ ‫ثم انحلت هذه الهيئة وتقام مقامها السلطات التي أنشأها‬ ‫الدستور كما حدث في فرنسا وأمريكا‪ .‬وللدستور والقانون‬ ‫مصادر أخذ منها‪ ،‬وهي تقسمان‪ :‬الول يقصد بـه المنبع الذي‬ ‫نبع منه الدستور والقانون مباشرة‪ ،‬كالعادات‪ ،‬والدين‪ ،‬وآراء‬ ‫‪111‬‬


‫الفقهاء‪ ،‬وأحكام المحاكم‪ ،‬وتقواعد العدل والنصا ف‪،‬‬ ‫ويسمى هذا بالمصدر التشريعي‪ ،‬مثل دساتير بعض الدول‬ ‫ل‪ .‬والثاني يقصد به المأخذ‬ ‫الغربية كإنجلترا وأمريكا مث م ً‬ ‫المشتق منه‪ ،‬أو الذي نقل عنه الدستور أو القانون‪ ،‬مثل‬ ‫دستور فرنسا‪ ،‬ودساتير بعض الدويلت القائمة في العالم‬ ‫السلمي‪ ،‬كتركيا‪ ،‬ومصر‪ ،‬والعراق‪ ،‬وسوريا مثل م ً ويسمى‬ ‫هذا بالمصدر التاريخي‪.‬‬ ‫هذه خلصة الصطلح الذي تعنيه كلمتا دستور وتقانون‪،‬‬ ‫وهو في خلصته يعني أن الدولة تأخذ من مصادر متعددة‪،‬‬ ‫سواء أ كانت مصدرا تشريعيا‪ ،‬أو مصدرا تاريخيا‪ ،‬أحكـاما‬ ‫معينة‪ ،‬تتبناها وتأمر بالعمل بها‪ ،‬فتصبح هذه الحكام بعد‬ ‫تبنيها من تقبل الدولة دستورا‪ ،‬إن كانت من الحكام العامة‪،‬‬ ‫وتقانونا‪ ،‬أن كانت من الحكام الخاصة‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يواجه المسلمين الن هو‪ :‬هل يجوز‬ ‫استعمال هذا الصطلح أم ل يجوز ؟ والجواب على ذلك أن‬ ‫اللفاظ الجنبية التي لها معان اصطلحية‪ ،‬إن كان‬ ‫اصطلحها يخالف اصطلح المسلمين ل يجوز استعمالها‪،‬‬ ‫مثل كلمة عدالة اجتماعية‪ ،‬فإنها تعني نظاما معينا‪ ،‬يتلخص‬ ‫في ضمان التعليم والتطبيب للفقراء‪ ،‬وضمان حقوق العمال‬ ‫والموظفين‪ .‬فان هذا الصطلح يخالف اصطلح المسلمين‪،‬‬ ‫‪112‬‬


‫لن العدل عند المسلمين هو ضد الظلم‪ ،‬وأما ضمان التعليم‬ ‫والتطبيب فهو لجميع الناس أغنياء وفقراء‪ ،‬وضمان حقوق‬ ‫المحتاج والضعيف حق لجميع الناس الذين يحملون التابعية‬ ‫السلمية‪ .‬سواء أ كانوا موظفين أو لم يكونوا‪ ،‬وكانوا عمال م ً‬ ‫أو مزارعين أو غيرهم‪ .‬أما إن كانت الكلمة تعني اصطلحا‬ ‫موجودا معناه عند المسلمين فيجوز استعمالها‪ ،‬مثل كلمة‬ ‫ضريبة‪ ،‬فإنها تعني المال الذي يؤخذ من الناس لدارة‬ ‫الدولة‪ ،‬ويوجد لدى المسلمين مال تأخذه الدولة لدارة‬ ‫المسلمين ولذلك صح أن نستعمل كلمة ضرائب‪ .‬وكذلك كلمة‬ ‫الدستور والقانون‪ ،‬فإنها تعني تبني الدولة لحكام معينة‬ ‫تعلنها للناس وتلزمهم العمل بها وتحكمهم بموجبها‪ ،‬وهذا‬ ‫المعنى موجود عند المسلمين‪ .‬ولذلك ل نجد ما يمنع من‬ ‫جواز استعمال كلمتي دستور وتقانون‪ .‬ويراد بهما الحكام‬ ‫التي تبناها الخليفة من الحكام الشرعية‪ .‬إل أن هناك فرتقا‬ ‫بين الدستور السلمي والقوانين السلمية‪ ،‬وبين غيرها من‬ ‫الدساتير والقوانين‪ .‬فان باتقي الدساتير والقوانين مصدرها‬ ‫العادات وأحكام المحاكم الخ‪ .‬ومنشؤها جمعية تأسيسية‬ ‫تسن الدستور‪ ،‬ومجالس منتخبة مـن الشعب تسن القوانين‪،‬‬ ‫لن الشعب عندهم مصدر السلطات‪ ،‬والسيادة للشعب‪ .‬أما‬ ‫الدستور السلمي والقوانين السلمية فان مصدرها الكتاب‬ ‫‪113‬‬


‫والسنة ليس غير‪ ،‬ومنشؤها اجتهاد المجتهدين يتبنى الخليفة‬ ‫منه أحكاما معينة يأمر بها فيلزم الناس العمل بها‪ .‬لن‬ ‫السيادة للشرع‪ .‬والجتهاد لستنباط الحكام الشرعية حق‬ ‫لجميع المسلمين‪ ،‬وفرض كفاية عليهم‪ ،‬وللخليفة وحده حق‬ ‫تبني الحكام الشرعية‪.‬‬ ‫هذا من ناحية جواز استعمال الكلمتين دستور وتقانون‪،‬‬ ‫أما من ناحية وجود ضرورة تبني الحكام‪ ،‬فالذي عليه‬ ‫المسلمون منذ أيام أبي بكر حتى آخر خليفة مسلم‪ ،‬هو‬ ‫ضرورة تبني أحكام معينة يؤمر المسلمون بالعمل بها‪ .‬لكن‬ ‫هذه التبني كان لحكام خاصة‪ ،‬ولم يكن تبنيا عاما لجميع‬ ‫الحكام التي تحكم بها الدولة‪ ،‬ولم تتبن الدولة تبنيا عاما إل‬ ‫في بعض العصور‪ ،‬فقد تبنى اليوبيون مذهب الشافعي‪،‬‬ ‫وتبنت الدولة العثمانية مذهب الحنفية‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يرد‪ ،‬هو‪ :‬هل من مصلحة المسلمين وضع‬ ‫دستور شامل وتقوانين عامة لهم أم ل ؟ والجواب على ذلك‬ ‫أن وجود دستور شامل وتقوانين عامة لجميع الحكام ل‬ ‫يساعد على البداع والجتهاد‪ ،‬ولذلك كان يتجنب المسلمون‬ ‫في العصور الولي عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين‬ ‫تبني جميع الحكام من تقبل الخليفة‪ ،‬بل كانوا يقتصرون في‬ ‫تبني الحكام على أحكام معينة ل بد من تبنيها لبقاء وحدة‬ ‫‪114‬‬


‫الحكم والتشريع والدارة‪ ،‬وعلى ذلك فالفضل ليجاد البداع‬ ‫والجتهاد أن ل يكون للدولة دستور شامل لجميع الحكام‪،‬‬ ‫بل يكون لها دستور يحوي الحكام العامة التي تحدد شكل‬ ‫الدولة‪ ،‬وتضمن بقاء وحدتها‪ .‬ويترك للولة والقضاة الجتهاد‬ ‫والستنباط‪ ،‬غير أن هذا إنما يكون إذا كان الجتهاد متيسرا‪،‬‬ ‫وكان الناس مجتهدين كما هو الحال في عصر الصحابة‬ ‫والتابعين وتابعي التابعين‪ ،‬أما إذا كان الناس جميعا مقلدين‪،‬‬ ‫ول يوجد بينهم مجتهدون إل نادرا‪ ،‬فان من المحتم على‬ ‫الدولة أن تتبنى الحكام التي تحكم الناس بها‪ ،‬سواء‬ ‫الخليفة‪ ،‬والولة‪ ،‬والقضاة‪ ،‬لنه يتعسر الحكم بما أنزل ا‬ ‫من تقبل الولة والقضاة لعدم اجتهادهم إل تقليدا مختلفا‬ ‫ومتناتقضا‪ ،‬والتبني إنما يكون بعـد الدرس ومعرفة الحادثة‬ ‫ومعرفة الدليل‪ ،‬علوة على أن ترك الولة والقضاة يحكمون‬ ‫بما يعرفون يؤدي إلى اختل ف الحكام وتناتقضها في الدولة‬ ‫الواحدة‪ ،‬بل في البلد الواحد‪ ،‬بل تقد يؤدي إلى أن يحكم بغير‬ ‫ما أنزل ا‪ .‬ولذلك كان لزاما على الدولة السلمية‪ ،‬والحال‬ ‫من الجهل في السلم على ما هي عليه الن‪ ،‬أن تتبنى‬ ‫أحكاما معينة‪ ،‬وأن يكون هذا التبني في المعاملت‪،‬‬ ‫والعقوبات ل في العقائد والعبادات‪ .‬وأن يكون هذا التبني‬ ‫عاما لجميع الحكام‪ ،‬حتى تضبط شؤون الدولة‪ .‬وتسير‬ ‫‪115‬‬


‫جميع أمور المسلمين‪ ،‬وفق أحكام ا‪ .‬على أن الدولة حين‬ ‫تتبنى الحكام‪ ،‬وتضع الدستور والقوانين‪ ،‬يجب أن تتقيد‬ ‫بالحكام الشرعية فقط‪ ،‬ول تأخـذ غيرها‪ ،‬بل ل تدرس‬ ‫غيرها مطلقا‪ ،‬فل تأخذ من غير الحكام الشرعية أي شيء‪،‬‬ ‫بغض النظر عما إذا وافق السلم أم خالفه‪ ،‬فل تأخذ‬ ‫التأميم مثل م ً بل تضع حكم الملكية العامة‪ .‬ولذلك يجب أن‬ ‫تتقيد بالحكام الشرعية في كل ما يتعلق بالفكرة والطريقة‪،‬‬ ‫أما القوانين والنظمة التي تتعلق بغير الفكرة والطريقة‬ ‫والتي ل تعبر عن وجهة نظر مثل القوانـين الدارية‪ ،‬وترتيب‬ ‫الدوائر‪ ،‬وما شاكل ذلك‪ ،‬فإنها تعتبر من الوسيلة والسلوب‪،‬‬ ‫وهي كالعلوم والصناعات والفنون تأخذها الدولة وتنظم بها‬ ‫شؤونها‪ ،‬كما فعل عمر بن الخطاب حين دون الدواوين فانه‬ ‫أخذها من الفارسية‪ ،‬وهذه الشياء الدارية والفنية ليست‬ ‫من الدستور‪ ،‬ول من القوانين الشرعية‪ ،‬فل توضع في‬ ‫الدستور‪ ،‬ولذلك كان واجب الدولة السلمية أن يكون‬ ‫دستورها أحكاما شرعية‪ ،‬أي أن يكون دستورها إسلميا‪،‬‬ ‫وتقانونها إسلميا‪ .‬وحين تتبنى أي حكم يجب أن تتبناه على‬ ‫أساس تقوة الدليل الشرعي‪ ،‬مع الفهم الصحيح للمشكلة‬ ‫القائمة‪ .‬ولذلك كان عليها أن تدرس المشكلة‪ ،‬أول م ً لتفهمها‪،‬‬ ‫لن فـهم المشكلة ضروري جدا‪ ،‬ثم تفهم الحكم الشرعي‬ ‫‪116‬‬


‫الذي ينطبق على هذه المشكلة‪ ،‬ثم تدرس دليل الحكم‬ ‫الشرعي‪ ،‬ثم تتبنى هذا الحكم على أساس تقوة الدليل‪ ،‬على‬ ‫أن تؤخذ هذه الحكام الشرعية إما من رأي مجتهد من‬ ‫المجتهدين‪ ،‬بعد الطلع على الدليل والطمئنان إلى تقوته‪،‬‬ ‫وإما من الكتاب والسنة أو الجماع أو بالقياس ولكن باجتهاد‬ ‫شرعي‪ ،‬ولو اجتهادا جزئيا وهو اجتهاد المسألة‪ .‬فإذا أرادت‬ ‫ل‪ ،‬عليها أن تدرس أول م ً‬ ‫أن تتبنى منع التأمين على البضاعة مث م ً‬ ‫ما هو التأمين على البضاعة‪ ،‬حتى تعرفه‪ ،‬ثم تدرس وسائل‬ ‫التملك‪ ،‬ثم تطبق حكم ا في الملكية على التأمين وتتبنى‬ ‫الحكم الشرعي في ذلك‪ .‬ولهذا كان ل بد أن تكون للدستور‪،‬‬ ‫ولكل تقانون‪ ،‬مقدمة تبين بوضوح المذهب الذي أخذت منه‬ ‫كل مادة‪ ،‬ودليله الذي اعتمد عليه‪ ،‬أو تبين الدليل الذي‬ ‫استنبطت منه المادة إن كان استنباطها باجتهاد صحيح‪ ،‬حتى‬ ‫يعر ف المسلمون أن الحكام التي تبنتها الدولة في الدستور‬ ‫والقانون هي أحكام شرعية‪ ،‬مسـتنبطة باجتهـاد صحيح‪ ،‬لن‬ ‫المسلمين ل يلزمون بطاعة الدولة فيما تحكم إل إذا كان‬ ‫حكما شرعيا تبنته الدولة‪ .‬وعلى هذا الساس تتبنى الدولة‬ ‫أحكاما شرعية تكون دستورا وتقوانين‪ ،‬لتحكم بها الناس‬ ‫الذين يحملون تابعيتها‪.‬‬

‫‪117‬‬


‫وعلى سبيل المثال نضع بين أيدي المسلمين مشروعا‬ ‫لدستور الدولة السلمية في العالم السلمي‪ ،‬حتى يدرسه‬ ‫المسلمون وهم يعملون لتقامة الدولة السلمية لتحمل‬ ‫الدعوة السلمية إلى العالم‪ .‬ول بد أن يلحظ أن هذا‬ ‫الدستور ليس مختصا بقطر معين‪ ،‬بل هو للدولة السلمية‬ ‫في العالم السلمي‪ ،‬ول يقصد به أي تقطر أو أي بلد مطلقا‪.‬‬

‫‪118‬‬


‫مشروع الدستور‬ ‫أحكام عامة‬ ‫المادة ‪ – 1‬العقيدة السلمية هي أساس الدولة‪ ،‬بحيث ل‬ ‫يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو‬ ‫محاسبتها‪ ،‬أو كل ما يتعلق بها‪ ،‬إل بجعل العقيدة‬ ‫السلمية أسـاسا لـه‪ .‬وهي في نفس الوتقت‬ ‫أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث ل يسمح‬ ‫بوجود شيء مما له علتقة بأي منهما إل إذا كان‬ ‫منبثقا عن العقيدة السلمية‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 2‬يتبنى رئيس الدولة أحكاما شرعية معينة يسنها‬ ‫دستورا وتقوانين‪ ،‬وإذا تبنى حكما شرعيا في ذلك صار‬ ‫هذا الحكم وحده هو الحكم الشرعي الواجب العمل‬ ‫به‪ ،‬وأصبح حينئذ تقانونا نافذا وجبت طاعته على كل‬ ‫فرد من الرعية ظاهرا وباطنا‪.‬‬ ‫المادة ‪ - 3‬ل يتبنى رئيس الدولة أي حكم شرعي معين في‬ ‫العبادات ما عدا الزكاة والجهاد‪ ،‬ول يتبنى أي فكر من‬ ‫الفكار المتعلقة بالعقيدة السلمية‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 4‬جـميع الذين يحملون التابعية السلمية يتمتعون‬ ‫بالحقوق والواجبات الشـرعية‪.‬‬ ‫‪119‬‬


‫المادة ‪ – 5‬ل يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد‬ ‫الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون‬ ‫أو ما شاكل ذلك‪ ،‬بل يجب أن تنظر للجميع نظرة‬ ‫واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو‬ ‫غير ذلك‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 6‬تنفذ الدولة الشرع السلمي على جميع الذين‬ ‫يحملون التابعية السلمية سواء أ كانوا مسلمين أم‬ ‫غير مسلمين على الوجه التالي‪:‬‬ ‫أ – تنفذ على المسلمين جميع أحكام السلم دون أي‬ ‫استثناء‪.‬‬ ‫ب – يترك غير المسلمين وما يعتقدون وما يعبدون‪.‬‬ ‫ج – المرتدون عن السلم يطبق عليهم حكم المرتد إن‬ ‫كانوا هم المرتدين‪ ،‬فإذا كانوا أولد مرتدين وولدوا‬ ‫غير مسلمين فيعاملون معاملة غير المسلمين حسب‬ ‫وضعهم الذي هم عليه مـن كونهم مشركين أو أهل‬ ‫كتاب‪.‬‬ ‫د – يعامل غير المسلمين في أمور المطعومات‬ ‫والملبوسات حسب أديانهم ضمن ما تجيزه الحكام‬ ‫الشرعية‪.‬‬

‫‪120‬‬


‫هـ – تفصل أمور الزواج والطلق بين غير المسلمين‬ ‫حسب أديانهم‪ ،‬وتفصل بينهم وبين المسلمين حسب‬ ‫أحكام السلم‪.‬‬ ‫و – تنفذ الدولة باتقي الحكام الشرعية وسائر أمور‬ ‫الشريعة السلمية من معاملت وعقوبات وبينات‬ ‫ونظم حكم واتقتصاد وغير ذلك على الجميع‪ ،‬ويكون‬ ‫تنفيذها على المسلمين وعلى غير المسلمين على‬ ‫السواء‪ ،‬وتنفذ كذلك على المعاهدين والمستأمنين‬ ‫وكل من هو تحت سلطان السلم كما تنفذ على‬ ‫أفراد الرعية إل السفراء والرسل وما شاكلهم‬ ‫فيعاملون في تصرفاتهم حسب ما يجري التفاق عليه‬ ‫مع دولهم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 7‬اللغة العربية هي وحدها لغة السلم وهي‬ ‫وحدها اللغة التي تستعملها الدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 8‬الجتهاد فرض كفاية‪ ،‬ولكل مسلم الحق‬ ‫بالجتهاد إذا توفرت فيه شروطه‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 9‬جميع المسلمين يحملون مسئولية السلم‪ ،‬فل‬ ‫رجال دين في السلم‪ ،‬وعلى الدولة أن تمنع كل ما‬ ‫يشعر بوجودهم من المسلمين‪.‬‬

‫‪121‬‬


‫المادة ‪ – 10‬حمل الدعوة السلمية هو العمل الصلي‬ ‫للدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 11‬الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس هي‬ ‫وحدها الدلة المعتبرة للحكام الشرعية‪ .‬ول يجوز أن‬ ‫يؤخذ التشريع من غير هذه الدلة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 12‬الصل براءة الذمة‪ ،‬ول يعاتقب أحد إل بحكم‬ ‫محكمة‪ ،‬ول يجوز تعذيب أحد مطلقا‪ ،‬وكل من يفعل‬ ‫ذلك يعاتقب‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 13‬الصل في الفعال التقيد بالحكم الشرعي فل‬ ‫يقام بفعل إل بعد معرفة حكمه‪ ،‬والصل في الشياء‬ ‫الباحة ما لم يرد دليل التحريم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 14‬الوسيلة إلى الحرام محرمة إذا تحقق فيها‬ ‫أمران‪ :‬أحدهما أن تكون موصلة إلى الحرام حتما‬ ‫بحيث ل تتخلف‪ ،‬وثانيهما أن يكون الفعل تقد ورد‬ ‫الشرع بتحريمه‪.‬‬

‫‪122‬‬


‫نظام الحكم‬ ‫المادة ‪ – 15‬نظام الحكم هو نظام وحدة وليس نظاما‬ ‫اتحاديا‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 16‬يكون الحكم مركزيا والدارة ل مركزية‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 17‬ل يجوز أن يتولى الحكم أو أي عمل يعتبر مـن‬ ‫الحكم إل رجل حر عدل‪ ،‬ول يجوز أن يكون إل‬ ‫مسلما‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 18‬محاسبة الحكام من تقبل المسلمين حق من‬ ‫حقوتقهم وفرض كفاية عليهم‪ .‬ولغير المسلمين من‬ ‫أفراد الرعية الحق في إظهار الشكوى من ظلم‬ ‫الحاكم لهم‪ ،‬أو إساءة تطبيق أحكام السلم عليهم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 19‬للمسلمين الحق في إتقامة أحزاب سياسية‬ ‫لمحاسبة الحكام‪ ،‬أو الوصول للحكم عن طريق المة‬ ‫على شرط أن يكون أساسها العقيدة السلمية‪ ،‬وأن‬ ‫تكون الحكام التي تتبناها أحكاما شرعية‪ .‬ول يحتاج‬ ‫إنشاء الحزب لي ترخيص‪ .‬ويمنع أي تكتل يقوم على‬ ‫غير أساس الإسلم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 20‬يقوم نظام الحكم على أربعة تقواعد هي‪:‬‬ ‫أ – السيادة للشرع ل للشعب‪.‬‬ ‫ب – السلطان للمة‪.‬‬ ‫‪123‬‬


‫ج – نصب رئيس دولة واحد فرض على المسلمين‪.‬‬ ‫د – لرئيس الدولة وحده حق تبني الحكام الشرعية‬ ‫فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 21‬يقوم جهاز الدولة على سبعة أركان وهي‪:‬‬ ‫أ – رئيس الدولة‪.‬‬ ‫ب – المعاونون‪.‬‬ ‫ج – الولة‪.‬‬ ‫د – القضاة‪.‬‬ ‫هـ – الجهاز الداري‪.‬‬ ‫و – الجيش‪.‬‬ ‫ز – مجلس الشورى‪.‬‬

‫مجلس الشورى‬ ‫المادة ‪ – 22‬الشخاص الذين يمثلون المسلمين في الرأي‬ ‫ليرجع إليهم رئيس الدولة هم مجلس الشورى‪.‬‬ ‫ويجوز لغير المسلمين أن يكونوا في مجلس الشورى‬ ‫من أجل الشكوى من ظلم الحكام‪ ،‬أو من إساءة‬ ‫تطبيق أحكام السلم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 23‬ينتخب أعضاء مجلس الشورى انتخابا‪.‬‬

‫‪124‬‬


‫المادة ‪ – 24‬لكل من يحمل التابعية إذا كان بالغا عاتقل‬ ‫الحق في أن يكون عضوا في مجلس الشورى رجل م ً‬ ‫كان أو امرأة مسلما كان أو غير مسلم‪ ،‬إل أن عضوية‬ ‫غير المسلم تقاصرة على إظهار الشكوى من ظلم‬ ‫الحكام‪ ،‬أو إساءة تطبيق السلم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 25‬الشورى هي أخذ الرأي مطلقا‪ ،‬والمشورة هي‬ ‫أخذ الرأي الملزم‪ .‬و ليس التشريع ول التعريف ول‬ ‫المور الفكرية ككشف الحقائق وكالمور الفنية‬ ‫والعلمية من المشورة‪ ،‬وأما ما عداها من الراء فانه‬ ‫يدخل تحت المشورة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 26‬الشورى حق للمسلمين فحسب ول حق لغير‬ ‫المسلمين في الشورى‪ ،‬وأما إبداء الرأي فانه يجوز‬ ‫لجميع أفراد الرعية مسلمين وغير مسلمين‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 27‬المسائل التي تدخل تحت الشورى وتكون من‬ ‫نوع المشورة يؤخذ فيها برأي الكثرية بغض النظر‬ ‫عن كونه صوابا أم خطم ًأ‪ .‬أمـا ما عداها مما يدخل‬ ‫تحت الشورى فيتحرى فيها عن الصواب‪ ،‬بغض النظر‬ ‫عن الكثرية أو التقلية‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 28‬لمجلس الشورى صلحيات أربع وهي‪:‬‬

‫‪125‬‬


‫أول م ً ‪ -‬أ ‪ -‬كل ما هو داخل تحت ما تنطبق عليه كلمة مشورة‬ ‫من المور الداخلية يجب أن يؤخذ رأي مجلس‬ ‫الشورى فيه‪ ،‬وذلك مثل شؤون الحكم والتعليم‬ ‫والصحة والتقتصاد ونحوها‪ .‬ويكون رأيه ملزما‪ .‬وكل‬ ‫ما ليس داخل م ً تحت ما تنطبق عليه كلمة مشورة ل‬ ‫يجب أن يؤخذ رأي مجلس الشورى فيه‪ ،‬فل يجب أن‬ ‫يؤخذ رأيه في السياسة الخارجية والمالية والجيش‪.‬‬ ‫ب – لمجلس الشورى الحق في المحاسبة على جميع‬ ‫العمال التي تحصل بالفعل في الدولة سواء أ كانت‬ ‫من المور الداخلية أم الخارجية أم المالية أم‬ ‫الجيش‪ ،‬ورأيه ملزم فيما كان رأي الكثرية فيه‬ ‫ملزما‪ ،‬وغير ملزم فيما كان رأي الكثرية فيه غير‬ ‫ملزم‪ .‬وان اختلف مجلس الشورى والحكام على‬ ‫عمل من الناحية الشرعية يرجع فيه لرأي محكمة‬ ‫المظالم‪.‬‬ ‫ثانيا – لمجلس الشورى حق إظهار عدم الرضى من‬ ‫الولة أو المعاونين ويكون رأيه في ذلك ملزما‬ ‫وعلى رئيس الـدولة عزلهم في الحال‪.‬‬ ‫ثالثا – يحيل رئيس الدولة إلى مجلس الشورى الحكام‬ ‫التي يريد أن يتبناها في الدستور والقوانين‪ .‬و‬ ‫‪126‬‬


‫للمسلمين من أعضائه حق مناتقشتها وإعطاء الرأي‬ ‫فيها‪ ،‬ورأيهم في ذلك غير ملزم‪.‬‬ ‫رابعا – للمسلمين من أعضاء مجلس الشورى حق حصر‬ ‫المرشحين لرئاسة الدولة ورأيهم في ذلك ملزم فل‬ ‫يقبل ترشيح غير من رشحهم‪.‬‬

‫رئاسة الدولة‬ ‫المادة ‪ – 29‬رئيس الدولة هو الذي ينوب عن المة في‬ ‫السلطان وفي تنفيذ الشرع‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 30‬رئاسة الدولة عقد مراضاة واختيار‪ ،‬فل يجبر‬ ‫أحـد على تقبولها‪ ،‬ول يجبر أحد على اختيار من‬ ‫يتولها‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 31‬لكل مسلم بالغ عاتقل رجل م ً كان أو امرأة الحق‬ ‫في انتخاب رئيس الدولة وفي بيعته‪ ،‬ول حق لغير‬ ‫المسلمين في ذلك‪.‬‬ ‫المادة ‪ - 32‬إذا تم عقد رئاسة الدولة لواحد بمبايعة من يتم‬ ‫انعقاد البيعة بهم تكون حينئذ بيعة الباتقين بيعة طاعة‬ ‫ل بيعة انعقاد فيجبر عليها كل من يلمح فيه إمكانية‬ ‫التمرد‪.‬‬

‫‪127‬‬


‫المادة ‪ – 33‬ل يكون أحدا رئيسا للدولة إل إذا وله‬ ‫المسلمون‪ ،‬ول يملك أحد صلحيات رئاسة الدولة إل‬ ‫إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي كأي عقد من‬ ‫العقود في السلم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 34‬يشترط في القطر أو البلد التي تبايع رئيس‬ ‫الدولة بيعة انعقاد أن يكون سلطانا ذاتيا يستند إلى‬ ‫المسلمين وحدهم ل إلى أي دولة كافرة‪ ،‬وأن يكون‬ ‫أمان المسلمين في ذلك القطر داخليا وخارجيا بأمان‬ ‫السلم ل بأمان الكفر‪ .‬أما بيعة الطاعة فحسب من‬ ‫البلد الخرى فل يشترط فيها ذلك‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 35‬ل يشترط فيمن يبايع لرئاسة الدولة إل أن يكون‬ ‫مستكمل شروط النعقاد ليس غير‪ ،‬وان لم يكن‬ ‫مستوفيا شروط الفضلية لن العبرة بشروط‬ ‫النعقاد‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 36‬يشترط في رئيس الدولة حتى تنعقد له الرئاسة‬ ‫ل‪ ،‬مسلما‪ ،‬حرا‪ ،‬بالغا‪،‬‬ ‫ستة شروط وهي‪ :‬أن يكون رج م ً‬ ‫ل‪.‬‬ ‫عاتقل م ً عد م ً‬ ‫المادة ‪ – 37‬إذا خل منصب رئاسة الدولة بموت رئيسها أو‬ ‫اعتزاله‪ ،‬أو عزله يجب نصب رئيس للدولة مكانه خلل‬ ‫ثلثة أيام من تاريخ خلو منصب رئاسة الدولة‪.‬‬ ‫‪128‬‬


‫المادة ‪ – 38‬طريقة نصب رئيس الدولة هي‪:‬‬ ‫أ – يجري العضاء المسلمون في مجلس الشورى‬ ‫حصر المرشحين لهذا المنصب وتعلن أسماؤهم ثم‬ ‫يطلب من المسلمين انتخاب واحد منهم‪.‬‬ ‫ب – تعلن نتيجة النتخاب ويعر ف المسلمون من نال‬ ‫أكثر أصوات المنتخبين‪.‬‬ ‫ج – يبادر المسلمون بمبايعة من نال أكثر الصوات رئيسا‬ ‫للدولة على العمل بكتاب ا وسنة رسول ا صلى‬ ‫ا عليه وسلم‪.‬‬ ‫د – بعد تمام البيعة يعلن من أصبح رئيسا للدولة على‬ ‫المل حتى يبلغ خبر نصبه كافة المة‪ ،‬مع ذكر اسمه‬ ‫وكونه يحوز الصفات التي تجعله أهل م ً لنعقاد رئاسة‬ ‫الدولة له‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 39‬المة هي التي تنصب رئيس الدولة ولكنها ل‬ ‫تملك عزله متى تم انعقاد بيعته على الوجه‬ ‫الشرعي‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 40‬رئيس الدولة هو الدولة‪ ،‬فهو يملك جميع‬ ‫الصلحيات التي تكون للدولة‪ ،‬فيملك الصلحيات‬ ‫التالية‪:‬‬

‫‪129‬‬


‫أ – هو الذي يجعل الحكام الشرعية حين يتبناها نافذة‬ ‫فتصبح حينئذ تقوانين تجب طاعتها‪ ،‬ول تجوز‬ ‫مخالفتها‪.‬‬ ‫ب – هو المسئول عن سياسة الدولة الداخلية‬ ‫والخارجية معا‪ ،‬وهو الذي يتولى تقيادة الجيش‪ ،‬وله‬ ‫حق إعلن الحرب‪ ،‬وعقد الصلح والهدنة وسائر‬ ‫المعاهدات‪.‬‬ ‫ج – هو الذي له تقبول السفراء الجانب و رفضهم‪،‬‬ ‫وتعيين السفراء المسلميـن وعزلهم‪.‬‬ ‫د – هو الذي يعين ويعزل المعاونين والولة‪ ،‬وهم‬ ‫جميعا مسؤولون أمامه‪ ،‬كما أنهم مسئولون أمام‬ ‫مجلس الشورى‪.‬‬ ‫هـ – هو الذي يعين ويعزل تقاضي القضاة‪ ،‬ومديري‬ ‫الدوائر‪ ،‬وتقواد الجيش وأمراء ألويته‪ ،‬وهم جميعا‬ ‫مسئولون أمامه مسئولين أمام مجلس الشورى‪.‬‬ ‫و – هو الذي يتبنى الحكام الشرعية التي توضع‬ ‫بموجبها ميزانية الدولة وهو الذي يقرر فصول‬ ‫الميزانية والمبالغ التي تلزم لكل جهة سواء أ كان‬ ‫ذلك متعلقا بالواردات أم بالنفقات‪.‬‬

‫‪130‬‬


‫المادة ‪ – 41‬رئيس الدولة مقيد في التبنى في الحكام‬ ‫الشرعية فيحرم عليه أن يتبنى حكما لم يستنبط‬ ‫استنباطا صحيحا من الدلة الشرعية وهو مقيد بما‬ ‫تبناه من أحكام‪ ،‬وبما التزمه من طريقة استنباط‪،‬‬ ‫فل يجوز له أن يتبنى حكما استنبط حسب طريقة‬ ‫تناتقض الطريقة التي تبناها‪ ،‬ول أن يعطي أمرا‬ ‫يناتقض الحكام التي تبناها‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 42‬لرئيس الدولة مطلق الحق في رعاية شئون‬ ‫الرعية حسب رأيه واجتهاده‪ .‬إل انه ل يجوز له أن‬ ‫يخالف أي حكم شرعي بحجة المصلحة‪ ،‬فل يمنع‬ ‫الرعية من استيراد البضائع بحجة المحافظة على‬ ‫ل‪ ،‬ول يسعر على الناس بحجة منع‬ ‫صناعة البلد مث م ً‬ ‫ل‪ ،‬ول يجبر المالك على تـأجير ملكه‬ ‫الستغلل مث م ً‬ ‫ل‪ ،‬ول غير ذلك مما يخالف‬ ‫بحجة تسيير السكان مث م ً‬ ‫أحكام الشرع فل يجوز له أن يحرم مباحا أو يبيح‬ ‫حراما‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 43‬ليس لرئاسة الدولة مدة محدودة‪ ،‬فما دام‬ ‫رئيس الدولة محافظا على الشرع منفذا لحكامه‪،‬‬ ‫تقادرا على القيام بشؤون الدولة يبقى رئيسا للدولة ما‬

‫‪131‬‬


‫لم تتغير حاله تغيرا يخرجه عن رئاسة الدولة‪ .‬فإذا‬ ‫تغيرت حاله هذا التغير وجب عزله في الحال‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 44‬المور التي يتغير بها حال رئيس الدولة فيخرج‬ ‫بها عن رئاسة الدولة ثلثة أمور هي‪:‬‬ ‫أ – إذا اختل شرط من شروط انعقاد رئاسة الدولة‪،‬‬ ‫كأن ارتد أو فسق فسقا ظاهرا‪ ،‬أو جن‪ ،‬أو ما شاكل‬ ‫ذلك‪ .‬لن هذه الشروط شروط انعقاد‪ ،‬وشروط‬ ‫استمرار‪.‬‬ ‫ب – العجز عـن القيام بأعباء رئاسة الدولة لي سبب‬ ‫من السباب‪.‬‬ ‫ج – القهر الذي يجعله عاجزا عن التصر ف بمصالح‬ ‫المسلمين برأيه وفق الشرع‪ .‬فإذا تقهره تقاهر إلى‬ ‫حد أصبح فيه عاجزا عن رعاية مصالح الرعية برأيه‬ ‫وحده حسب أحكام الشرع يعتبر عاجزا حكما عن‬ ‫القيام بأعباء الدولة فيخرج بذلك عن رئاسة الدولة‪.‬‬ ‫وهذا يتصور في حالتين‪:‬‬ ‫الحالة الولى – أن يتسلط عليه فرد واحد أو عدة‬ ‫أفراد من حاشيته فيستبدون بتنفيذ‬ ‫المور‪ .‬فان كان مأمون الخلص من‬ ‫تسلطهم ينذر مدة معينة ثم إن لم يرفع‬ ‫‪132‬‬


‫تسلطهم يخلع‪ .‬وان لم يكن مأمون‬ ‫الخلص يخلع في الحال‪.‬‬ ‫الحالة الثانية – أن يصير مأسورا في يد عدو تقاهر‪،‬‬ ‫أما بأسره بالفعل‪ ،‬أو بوتقوعه تحت‬ ‫تسلط عدوه‪ ،‬وفي هذه الحال ينظر‪،‬‬ ‫فان كان مأمون الخلص يمهل حتى يقع‬ ‫اليأس من خلصه‪ ،‬فان يئس من خلصه‬ ‫يخلع وان لم يكن مأمول الخلص يخلع‬ ‫في الحال‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 45‬محكمة المظالم وحدها هي التي تقرر ما إذا‬ ‫كانت تقد تغيرت حال رئيس الدولة تغيرا يخرجه عن‬ ‫الرئاسة أم ل‪ ،‬وهي وحدها التي لها صلحية عزله‬ ‫أو إنذاره‪.‬‬

‫المعاونون‬ ‫المادة ‪ – 46‬يعين رئيس الدولة معاونين له يتحملون‬ ‫مسئولية الحكم‪ ،‬فيفوض إليهم تدبير المور برأيهم‬ ‫وإمضاءها على اجتهادهم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 47‬يشترط في المعاون ما يشترط في رئيس‬ ‫الدولة‪ ،‬أي أن يكون رجل م ً حرا مسلما بالغا عاتقل م ً‬ ‫‪133‬‬


‫ل‪ ،‬ويشترط فيه علوة على ذلك أن يكون من‬ ‫عد م ً‬ ‫أهل الكفاية فيما وكل إليه من أعمال‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 48‬يشترط في تقليد المعاون أن يشتمل على‬ ‫أمرين‪:‬‬ ‫أحدهما عموم النظر‪ ،‬والثاني النيابة‪ .‬ولذلك يجب أن‬ ‫يقول له رئيس الدولة تقلدتك ما هو إلى نيابة عني‪،‬‬ ‫أو ما في هذا المعنى من اللفاظ التي تشتمل على‬ ‫عموم النظر والنيابة‪ .‬فان لم يكن التقليد على هذا‬ ‫الوجه ل يكون معاونا‪ ،‬ول يملك صلحيات المعاون‬ ‫إل إذا كان تقليده على هذا الوجه‪.‬‬ ‫المادة ‪ - 49‬عمل المعاون هو مطالعة رئيس الدولة لما‬ ‫أمضاه من تدبير‪ ،‬وأنفذه من ولية وتقليد‪ ،‬حتى ل‬ ‫يصير في صلحياته كرئيس الدولة‪ .‬فعمله أن يرفع‬ ‫مطالعته وأن ينفذ هذه المطالعة‪ ،‬ما لم يوتقفه‬ ‫الخليفة عن تنفيذها‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 50‬يجب على رئيس الدولة أن يتصفح أعمال‬ ‫المعاون وتدبيره للمور‪ ،‬ليقر منها الموافق للصواب‪،‬‬ ‫ويستدرك الخطأ‪ .‬لن تدبير شؤون المة موكول‬ ‫لرئيس الدولة ومحمول على اجتهاده هو‪.‬‬

‫‪134‬‬


‫المادة ‪ – 51‬إذا دبر المعاون أمرا وأتقره رئيس الدولة فان له‬ ‫أن ينفذه كما أتقره الرئيس ليس بزيادة ول نقصان‪.‬‬ ‫فان عاد رئيس الدولة وعارض المعاون في رد ما‬ ‫أمضاه ينظر‪ ،‬فان كان في حكم نفذه على وجهه‪ ،‬أو‬ ‫مال وضعه في حقه‪ ،‬فرأي المعاون هو النافذ‪ ،‬لنه‬ ‫بالصل رأي رئيس الدولة‪ ،‬وليس لرئيس الدولة أن‬ ‫يستدرك ما نفذ من أحكام وأنفق من أموال‪ .‬وان‬ ‫كان ما أمضاه المعاون في غير ذلك مثل تقليد وال أو‬ ‫تجهيز جيش‪ ،‬جاز لرئيس الدولة معارضة المعاون‪،‬‬ ‫وينفذ رأي رئيس الدولة‪ ،‬ويلغى عمل المعاون لن‬ ‫لرئيس الدولة الحق في أن يستدرك ذلك من فعل‬ ‫نفسه فله أن يستدركه من فعل معاونه‪.‬‬ ‫المادة ‪– 52‬ل يخصص كل واحد من المعاونين بدائرة من‬ ‫الدوائر أو بقسم خاص من العمال‪ ،‬لن وليتهم‬ ‫عامة‪ .‬وكذلك ل يباشرون المور الدارية‪ ،‬ويكون‬ ‫إشرافهم عاما على الجهاز الداري‪.‬‬

‫الجهاز الداري‬

‫‪135‬‬


‫المادة ‪ – 53‬الجهاز الداري تقسمان‪ :‬أحدهما إدارة التنفيذ‪،‬‬ ‫والخر إدارة المصالح‪ .‬وكلهما ليس من الحكم‪،‬‬ ‫ومن يتولون العمل فيهما أجراء وليسوا حكاما‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 54‬إدارة التنفيذ هي جهاز لتنفيذ ما يصدر عن‬ ‫رئيس الدولة للجهات الداخلية والخارجية‪ ،‬ولرفع ما‬ ‫يرد إليه من هذه الجهات‪ ،‬فهي واسطة بين رئيس‬ ‫الدولة وغيره تؤدي عنه وتؤدى إليه‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 55‬يشترط فيمن يتولى إدارة التنفيذ أن يكون‬ ‫مسلما لنه من بطانة رئيس الدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 56‬يتولى إدارة التنفيذ مدير واحد‪ ،‬ويجوز أن‬ ‫يتولها أكثر من واحد‪ ،‬بحيث يخصص كل واحد بعمل‬ ‫وهي متصلة مباشرة مع رئيس الدولة كالمعاونين‪،‬‬ ‫فمديرها يعتبر معاونا ولكن في التنفيذ وليس في‬ ‫الحكم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 57‬إدارة المصالح تقوم على مصالح الناس الذين‬ ‫يعيشون في ظل سلطان الدولة‪ .‬ويعين لكل مصلحة‬ ‫من المصالح مدير يتولى إدارتها‪ ،‬ويكون مسؤول م ً عنها‬ ‫مباشرة ولهؤلء المديرين صلحية تعيين موظفي‬ ‫دوائرهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم ضمن النظمة‬ ‫الدارية‪ ،‬ويكون هؤلء الموظفون مسؤولين أمام‬ ‫‪136‬‬


‫مديري دوائرهم من حيث عملهم‪ ،‬ومسؤولين أمام‬ ‫رئيس الدولة والمعاونين والولة من حيث التقيد‬ ‫بالحكام والنظمة العامة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 58‬سياسة إدارة المصالح تقوم على البساطة في‬ ‫النظام‪ ،‬والسراع في إنجاز العمال‪ ،‬والكفاية فيمن‬ ‫يتولون الدارة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 59‬لكل من يحمل التابعية وتتوفر فيه الكفاية رجل م ً‬ ‫كان أو امرأة مسلما كان أو غير مسلم أن يعين مديرا‬ ‫لدارة أية مصلحة من المصالح‪ ،‬وأن يكون موظفا‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 60‬المدراء في الجهاز الداري كله سواء في إدارة‬ ‫التنفيذ‪ ،‬أو في إدارة المصالح ل يعزلون إل لسباب‬ ‫موجبة ضمن النظمة الدارية‪ .‬ولكن يجوز أن ينقل‬ ‫من عمل إلى عمل آخر حسب ما يرى المسؤولون‬ ‫عنه من حيث التوظيف‪.‬‬

‫الولة‬ ‫المادة ‪ – 61‬تقسم البلد التي تحكمها الدولة إلى وحدات‪،‬‬ ‫وتسمى كل وحدة ولية‪ .‬وتقسم كل ولية إلى‬ ‫وحدات تسمى كل واحدة منها عمالة‪ ،‬ويسمى كل‬ ‫‪137‬‬


‫من يتولى الولية واليا أو أميرا‪ ،‬ويسمى كل من يتولى‬ ‫العمالة عامل م ً أو حاكما‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 62‬يعين الولة من تقبل رئيس الدولة‪ ،‬ويعين‬ ‫العمال من تقبل رئيس الدولة ومن تقبل الولة إذا‬ ‫فوض إليهم ذلك‪ .‬ويشترط في الولة والعمال ما‬ ‫يشترط في المعاونين‪ ،‬فل بد أن يكونوا رجال م ً أحرارا‬ ‫ل‪ ،‬وأن يكونوا من أهل‬ ‫مسلمين بالغين عقلء عدو م ً‬ ‫الكفاية فيما وكل إليهم من أعمال‪ ،‬ويتخيرون من‬ ‫أهل التقوى والقوة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 63‬للوالي صلحية الحكم والشرا ف على أعمال‬ ‫الدوائر في وليته نيابة عن رئيس الدولة فله من‬ ‫الصلحيات في وليته جميع ما للمعاون في الدولة‪،‬‬ ‫فله المارة على أهل وليته‪ ،‬والنظر في جميع ما‬ ‫يتعلق بها ماعدا المالية والقضاء والجيش‪ .‬إل أن‬ ‫الشرطة توضع تحت إمارته من حيث التنفيذ ل من حيث‬ ‫الدارة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 64‬ل يجب على الوالي مطالعة رئيس الدولة بما‬ ‫أمضاه في عمله على مقتضى إمارته إل على وجه‬ ‫الختيار‪ ،‬فإذا حدث إنشاء جديد غير معهود وتقفه على‬ ‫مطالعة رئيس الدولة‪ ،‬ثم عمل بما أمر به‪ .‬فإن خا ف‬ ‫‪138‬‬


‫فساد المر بالنتظار تقام بالمر وأطلع رئيس الدولة‬ ‫وجوبا على المر وعلى سبب عدم مطالعته تقبل القيام‬ ‫بعمله‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 65‬يكون في كل ولية مجلس منتخب من أهلها‬ ‫يرأسه الوالي وتكون لهذا المجلس صلحية المشاركة‬ ‫في الرأي في الشؤون الدارية ل في شؤون الحكم‪،‬‬ ‫ورأيه غير ملزم للوالي‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 66‬ينبغي أن ل تطول مدة ولية الشخص الواحد‬ ‫على الولية بل يعفى من وليته عليها كلما رؤي له‬ ‫تركز في البلد‪ ،‬أو افتتن الناس به‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 67‬ل ينقل الوالي من ولية إلى ولية‪ ،‬لن توليته‬ ‫عامة النظر محدودة المكان‪ ،‬ولكن يعفى ويولى ثانية‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 68‬يعزل الوالي إذا رأى رئيس الدولة عزله‪ ،‬أو إذا‬ ‫أظهر مجلس الشورى عدم الرضى منه بسبب أو بدون‬ ‫سبب‪ ،‬أو إذا أظهر جمهرة أهل وليته السخط منه‪.‬‬ ‫وعزله إنما يجري من تقبل رئيس الدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 69‬على رئيس الدولة أن يتحرى أعمال الولة‪ ،‬وأن‬ ‫يكون شديد المراتقبة لهم‪ ،‬وأن يعين من ينوب عنه‬ ‫للكشف عن أحوالهم‪ ،‬والتفتيش عليهم وأن يجمعهم أو‬

‫‪139‬‬


‫تقسما منهم بين الحين والخر‪ ،‬وان يصغي إلى شكاوي‬ ‫الرعية منهم‪.‬‬

‫القضاء‬ ‫المادة ‪ – 70‬القضاء هو الخبار بالحكم الشرعي على سبيل‬ ‫اللزام‪ ،‬وهو يفصل الخصومات بين الناس‪ ،‬أو يمنع ما‬ ‫يضر حق الجماعة‪ ،‬أو يرفع النزاع الواتقع بين الناس‪،‬‬ ‫وأي شخص ممن هو في جهاز الحكم‪ ،‬حكاما أو‬ ‫موظفين‪ ،‬رئيس الدولة أو من دونه‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 71‬يعين رئيس الدولة تقاضيا للقضاة من الرجال‬ ‫البالغين الحرار المسلمين العقلء العدول من أهل‬ ‫الفقه‪ ،‬وتكون له صلحية تعيين القضاة وتأديبهم‬ ‫وعزلهم ضمن النظمة الدارية‪ ،‬أما باتقي موظفي‬ ‫المحاكم فمربوطون بمدير الدائرة التي تتولى إدارة‬ ‫شؤون المحاكم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 72‬القضاة ثلثة‪ :‬أحدهم القاضي‪ ،‬وهو الذي‬ ‫يتولى الفصل في الخصومات بين الناس في‬ ‫المعاملت والعقوبات‪ .‬والثاني المحتسب وهو الذي‬ ‫يتولى الفصل في المخالفات التي تضر حق الجماعة‪.‬‬

‫‪140‬‬


‫والثالث تقاضي المظالم‪ ،‬وهو الذي يتولى رفع النزاع‬ ‫الواتقع بين الناس والدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 73‬يشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون مسلما‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬فقيها‪ ،‬مــــدركا لتنزيل الحكام‬ ‫ل‪ ،‬عد م ً‬ ‫حرا‪ ،‬بالغا‪ ،‬عاتق م ً‬ ‫على الواتقع‪ .‬ويشترط فيمن يتولى تقضاء المظالم‬ ‫زيادة على هذه الشروط أن يكون رجل م ً وأن يكون‬ ‫مجتهدا‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 74‬يجوز أن يقلد القاضي والمحتسب تقليدا عاما‬ ‫في القضاء بجميع القضايا في جميع البلد‪ ،‬ويجوز أن‬ ‫يقلد تقليدا خاصـا بالمكان وبأنواع القضاء‪ .‬أما تقاضي‬ ‫المظالم فل يقلد إل تقليدا عاما من حيث القضاء‪ ،‬أما من‬ ‫حيث المكان فيجوز أن يقلد في جميع أنحاء البلد‪،‬‬ ‫ويجوز أن يقلد في ناحية من النواحي‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 75‬ل يجوز أن تتألف المحكمة إل من تقاض واحد‬ ‫له صلحية الفصل في القضاء‪ ،‬ويجوز أن يكون معه‬ ‫تقاض آخر أو أكثر‪ ،‬ولكن ليست لهم صلحية الحكم وإنما‬ ‫لهم صلحية الستشارة وإعطاء الرأي‪ ،‬ورأيهم غير ملزم‬ ‫له‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 76‬ل يجوز أن يقضي القاضي إل في مجلس‬ ‫القضاء‪ ،‬ول تعتبر البينة واليمين إل في مجلس القضاء‪.‬‬ ‫‪141‬‬


‫المادة ‪ – 77‬يجوز أن تتعدد درجات المحاكم بالنسبة لنواع‬ ‫القضايا‪ .‬فيجوز أن يخصص بعض القضاة بأتقضية معينة‬ ‫إلى حد معين‪ ،‬وأن يوكل أمر غير هذه القضايا إلى‬ ‫محاكم أخرى‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 78‬ل توجد محاكم استئنا ف‪ ،‬ول محاكم تمييز‪،‬‬ ‫فالقضاء من حيث البت في القضية درجة واحدة‪ ،‬فإذا‬ ‫نطق القاضي بالحكم فحكمه نافذ‪ ،‬ول ينقضه حكم‬ ‫تقاض آخر مطلقا‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 79‬المحتسب هو القاضي الذي ينظر في كافة‬ ‫القضايا التي هي حقوق عامة ل يوجد فيها مدع‪ ،‬على‬ ‫أن ل تكون داخلة في الحدود والجنايات‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 80‬يملك المحتسب الحكم في المحالفة فور العلم‬ ‫بها في أي مكان دون الحاجة لمجلس القضاء‪ ،‬ويجعل‬ ‫تحت يده عدد من الشرطة لتنفيذ أوامره‪ ،‬وينفذ حكمه‬ ‫في الحال‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 81‬للمحتسب الحق في أن يختار نوابا عنه تتوفر‬ ‫فيهم شروط المحتسب‪ ،‬يوزعهم في الجهات المختلفة‪،‬‬ ‫وتكون لهؤلء ‪ -‬النواب ‪ -‬صلحية القيام بوظيفة الحسبة‬ ‫في المنطقة أو المحلة التي عينت لهم في القضايا التي‬ ‫فوضوا فيها‪.‬‬ ‫‪142‬‬


‫المادة ‪ – 82‬تقاضي المظالم هو تقاض ينصب لرفع كل‬ ‫مظلمة تحصل على أي شخص يعيش تحت سلطان‬ ‫الدولة‪ ،‬سواء أ كان من رعاياها أم من غيرهم‪ ،‬وسواء‬ ‫حصلت هذه المظلمة من رئيس الدولة أو ممن هو دونه‬ ‫من الحكام الموظفين‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 83‬يعين تقاضي المظالم من تقبل رئيس الدولة‪ ،‬أو‬ ‫من تقبل تقاضي القضاة‪ .‬ولكن ليس لرئيس الدولة‪ ،‬ول‬ ‫لقاضي القضاة حق عزله‪ ،‬وإنما تنظر أعماله من تقبل‬ ‫محكمة المظالم‪ ،‬وهي التي تملك صلحية عزله‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 84‬ل يحصر تقاضي المظالم بشخص واحد أو أكثر‬ ‫بل لرئيس الدولة أن يعين عددا من تقضاة المظالم‬ ‫حسب ما يحتاج رفع المظالم مهما بلغ عددهم‪ .‬ولكن‬ ‫عند مباشرة القضاء ل تكون صلحية الحكم إل لقاض‬ ‫واحد ليس غير‪ ،‬ويجوز أن يجلس معه عدد من تقضاة‬ ‫المظالم أثناء جلسة القضاء‪ ،‬ولكن تكون لهم صلحية‬ ‫الستشارة ليس غير‪ ،‬وهو غير ملزم بالخذ برأيهم‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 85‬لمحكمة المظالم حق عزل أي حاكم أو موظف‬ ‫في الدولة‪ ،‬كما لها حق عزل رئيس الدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 86‬تملك محكمة المظالم صلحية النظر في أية‬ ‫مظلمة من المظالم سواء أ كانت متعلقة بأشخاص من‬ ‫‪143‬‬


‫جهاز الدولة‪ .‬أم متعلقة بمخالفة رئيس الدولة لحكام‬ ‫الشرع‪ ،‬أم متعلقة بمعنى نص من نصوص التشريع في‬ ‫الدستور والقانون وسائر الحكام الشرعية ضمن تبنى‬ ‫رئيس الدولة‪ ،‬أم متعلقة بفرض ضريبة مـن الضرائب‪ ،‬أم‬ ‫غير ذلك‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 87‬ل يشترط في تقضاء المظالم مجلس تقضاء‪ ،‬ول‬ ‫دعوة المدعى عليه‪ ،‬ول وجود مدع‪ ،‬بل لها حق النظر‬ ‫في المظلمة ولو لم يدع بها أحد‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 88‬لكل إنسان الحق في أن يوكل عنه في‬ ‫الخصومة وفي الدفاع من يشاء سواء أ كان مسلما أم‬ ‫غير مسلم رجل م ً كان أو امرأة‪ .‬ول فرق في ذلك بين‬ ‫الوكـيل والموكل‪ .‬ويجوز للوكيل أن يوكل بأجر ويستحق‬ ‫الجرة على الموكل حسب تراضيهما‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 89‬يجوز للشخص الذي يملك صلحيات في أي‬ ‫عمل من العمال الخاصة كالوصي والوالي‪ ،‬أو العمال‬ ‫العامة كرئيس الدولة والحاكم والموظف‪ ،‬وكقاضي‬ ‫المظالم والمحتسب‪ ،‬أن يقيم مقامه في صلحيته وكيل م ً‬ ‫عنه في الخصومة والدفاع فقط باعتبار كونه وصيا أو‬ ‫وليا أو رئيس دولة أو حاكم أو موظف أو تقاضي مظالم‬

‫‪144‬‬


‫أو محتسب‪ .‬ول فرق في ذلك بين أن يكون مدعيا أو‬ ‫مدعى عليه‪.‬‬

‫الجيش‬ ‫المادة ‪ – 90‬الجهاد فرض عـلى المسلمين‪ ،‬والتدريب على‬ ‫الجندية إجباري‪ ،‬فكل رجل مسلم يبلغ الخامسة عشرة‬ ‫من عمره فرض عليه أن يتدرب على الجندية استـعدادا‬ ‫للجهاد‪ .‬وأما التجنيد فهو فرض على الكفاية‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 91‬الجيش تقسمان تقسم احتياطي‪ ،‬وهم جميع‬ ‫القادرين على حمل السلح من المسلمين‪ .‬وتقسم دائم‬ ‫في الجندية تخصص لهم رواتب في ميزانية الدولة‬ ‫كالموظفين‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 92‬القوى المسلحة تقوة واحدة هي الجيش وتختار‬ ‫منها فرق خاصة تنظم تنظيما خاصا وتعطى ثقافة معينة‬ ‫هي الشرطة‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 93‬يعهد إلى الشرطة بحفظ النظام‪ ،‬والشرا ف‬ ‫على المن الداخلي‪ ،‬والقيام بجميع النواحي التنفيذية‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 94‬تجعل للجيش ألوية ورايات‪ ،‬ورئيس الدولة هو‬ ‫الذي يعقد اللواء لمن يوليه على الجيش‪ ،‬أما الرايات‬ ‫فيقدمها رؤساء اللوية‪.‬‬ ‫‪145‬‬


‫المادة ‪ – 95‬رئيس الدولة هو تقائد الجيش‪ ،‬وهو الذي يعين‬ ‫رئيس الركان‪ ،‬وهو الذي يعين لكل لواء أميرا‪ ،‬ولكل‬ ‫فرتقة تقائدا‪ .‬أما باتقي رتب الجيش فيعينهم تقواده وأمراء‬ ‫ألويته‪ .‬وأما تعيين الشخص في الركان فيكون حسب‬ ‫درجة ثـقافته الحربية ويعينه رئيس الركان‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 96‬يجعل الجيش كله جيشا واحدا يوضع في‬ ‫معسكرات خاصة‪ .‬إل أنه يجب أن توضع بعض هذه‬ ‫المعسكرات في مختلف الوليات‪ ،‬وبعضها في المكنة‬ ‫الستراتيجية‪ ،‬ويجعل بعضها معسكرات متنقلة تنقل م ً‬ ‫دائما تكون تقوات ضاربه‪ .‬وتنظم هذه المعسكرات في‬ ‫مجموعات متعددة يطلق على كل مجموعة منها أسم‬ ‫ل‪،‬‬ ‫جيش ويوضع لها رتقم الجيش الول‪ ،‬الجيش الثالث مث م ً‬ ‫أو تسمى باسم ولية من الوليات أو عمالة من‬ ‫العمالت‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 97‬يجب أن يوفر في الجيش التعليم العسكري‬ ‫العالي على أرفع مستوى‪ ،‬وأن يرفع المستوى الفكري‬ ‫لديه بقدر المستطاع وأن يثقف كل شخص في الجيش‬ ‫ثقافة إسلمية تمكنه من الوعي على السلم ولو بشكل‬ ‫إجمالي‪.‬‬

‫‪146‬‬


‫المادة ‪ – 98‬يجب أن يكون في كل معسكر عدد كا ف من‬ ‫الركان الذين لديهم المعرفة العسكرية العالية والخبرة‬ ‫في رسم الخطط وتوجيه المعارك‪ ،‬وأن يوفر في‬ ‫الجيش بشكل عام هؤلء الركان بأوفر عدد مستطاع‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 99‬يجب أن تتوفر لدى الجيش السلحة والمعدات‬ ‫والتجهيزات واللوازم والمهمات التي تمكنه مـن القيام‬ ‫بمهمته بوصفه جيشا إسلميا‪.‬‬

‫النظام الجتماعي‬ ‫المادة ‪ -100‬الصل في المرأة أنها أم وربة بيت‪ ،‬وهي‬ ‫عرض يجب أن يصان‪.‬‬ ‫المادة ‪ -101‬الصل أن ينفصل الرجال عن النساء ول‬ ‫يجتمعون إل لحاجة يقرها الشرع كالبـيع‪ ،‬ويقر الجتماع‬ ‫من أجلها كالحج‪.‬‬ ‫المادة ‪ -102‬تعطى المرأة ما يعطى الرجل من الحقوق‪،‬‬ ‫ويفرض عليها ما يفرض عليه من الواجبات إل ما خصها‬ ‫‪147‬‬


‫السلم به‪ ،‬أو خص الرجل به بالدلة الشرعية‪ .‬فلها الحق‬ ‫في أن تزاول التجارة‪ .‬والزراعة والصناعة‪ ،‬وأن تتولى‬ ‫العقود والمعاملت‪ ،‬وأن تملك كـل أنواع الملك‪ ،‬وأن‬ ‫تنمى أموالها بنفسها وبغيرها‪ ،‬وأن تباشر جميع شؤون‬ ‫الحياة بنفسها‪.‬‬ ‫المادة ‪ -103‬يجوز للمرأة أن تعين في وظائف الدولة‪ ،‬وفي‬ ‫مناصب القضاء ما عدا محكمة المظالم‪ ،‬وأن تنتخب‬ ‫أعضاء مجلس الشورى‪ ،‬وأن تكون عضوا فيه‪ ،‬وأن‬ ‫تشترك في انتخاب رئيس الـدولة ومبايعته‪.‬‬ ‫المادة ‪ -104‬ل يجوز أن تتولى المرأة الحكم‪ ،‬فل تكون‬ ‫رئيس دولة ول تقاضيا في محكمة المظالم ول واليا ول‬ ‫عامل م ً ول تباشر أي عمل يعتبر من الحكم‪.‬‬ ‫المادة ‪ -105‬المرأة تعيش في حياة عامة وفي حياة خاصة‪.‬‬ ‫ففي الحياة العامة يجوز أن تعيش مع النساء والرجال‬ ‫المحارم والرجال الجانب على أن ل يظهر منها إل وجهها‬ ‫وكفاها‪ ،‬غير متبرجة ول متبذلة‪ .‬وأما في الحياة الخاصة‬ ‫فل يجوز أن تعيش إل مع النساء أو مع محارمها‪ ،‬ول يجوز‬ ‫أن تعيش مع الرجال الجانب‪ .‬وفي كلتا الحياتين تتقيد‬ ‫بجميع أحكام الشرع‪.‬‬

‫‪148‬‬


‫المادة ‪ -106‬تمنع الخلوة بغير محرم‪ ،‬ويمنع التبرج وكشف‬ ‫العورة أمام الجانب‪.‬‬ ‫المادة ‪ -107‬يمنع كل من الرجل والمرأة من مباشرة أي‬ ‫عمل فيه خطر على الخلق‪ ،‬أو فساد في المجتمع إذا‬ ‫كان مندرجا تحت حكم من الحكام الشرعية‪ ،‬كاستئجار‬ ‫المرأة أو غلم للنتفاع بالميل الجنسي من الرجال لهم‬ ‫كمضيفة الطائرة‪ ،‬وكالصبي الجميل عند الحلتقين أو في‬ ‫المطاعم‪.‬‬ ‫المادة ‪ -108‬الحياة الزوجية حياة اطمئنان‪ ،‬وعشرة الزوجين‬ ‫عشرة صحبة‪ .‬وتقوامة الزوج تقوامة رعاية ل تقوامة حكم‪.‬‬ ‫وتقد فرضت عليها الطاعة‪ ،‬وفرض عليه نفقتها حسب‬ ‫المعرو ف لمثلها‪.‬‬ ‫المادة ‪ -109‬يتعاون الزوجان في القيام بأعمال البيت تعاونا‬ ‫تاما‪ ،‬وعلى الزوج أن يقوم بجميع العمال التي يقام بها‬ ‫خارج البيت‪ ،‬وعلى الزوجة أن تقوم بجميع العمال التي‬ ‫يقام بها داخل البيت حسب استطاعتها‪ .‬وعليه أن يحضر‬ ‫لها خداما بالقدر الذي يكفي لقضاء الحاجات التي ل‬ ‫تستطيع القيام بها‪.‬‬ ‫المادة ‪ -110‬كفالة الصغار واجب على المرأة وحق لها‪،‬‬ ‫سواء أ كانت مسلمة أو غير مسلمة ما دام الصغير محتاجا‬ ‫‪149‬‬


‫إلى هذه الكفالة فإن استغنى عنها ينظر‪ ،‬فإن كانت‬ ‫الحاضنة والولي مسلمين خرْير الصغير في التقامة مع من‬ ‫يريد‪ ،‬فمن يختاره له أن ينضم إليه سواء أكان الرجل أم‬ ‫المرأة‪ ،‬ول فرق في الصغير بين أن يكون ذكرا أو أنثى‪.‬‬ ‫أما إن كان أحدهما غير مسلم فل يخير بـل ينضم إلى‬ ‫المسلم منهما‪.‬‬

‫النظام التقتصادي‬ ‫المادة ‪ -111‬سياسة التقتصاد هي النظرة إلى ما يجب أن‬ ‫يكون عليه المجتمع عند النظرة إلى إشباع الحاجات‪.‬‬ ‫فيجعل ما يجب أن يكون عليه المجتمع أساسا لشباع‬ ‫الحاجات‪.‬‬ ‫المادة ‪ -112‬المشكلة التقتصادية هي توزيع الموال‬ ‫والمنافع على جميع أفراد الرعية‪ ،‬وتمكينهم من النتفاع‬ ‫بها بتمكينهم من حيازتها ومن السعي لها‪.‬‬ ‫المادة ‪ -113‬يجب أن يضمن إشباع جميع الحاجات الساسية‬ ‫لجميع الفراد فردا فردا إشباعا كليا‪ ،‬وأن يضمن تمكين‬ ‫‪150‬‬


‫كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع‬ ‫مستوى مستطاع‪.‬‬ ‫المادة ‪ -114‬المال لله وحده وهو الذي استخلف بني‬ ‫النسان فيه فصار لهم بهذا الستخل ف العام حق ملكيته‪،‬‬ ‫وهو الذي أذن للفرد بحيازته فصار له بهذا الذن الخاص‬ ‫ملكيته بالفعل‪.‬‬ ‫المادة ‪ -115‬الملكية ثلث أنواع‪ :‬ملكية فردية‪ ،‬وملكية عامة‪،‬‬ ‫وملكية الدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -116‬الملكية الفردية هي حكم شرعي مقدر بالعين‬ ‫أو المنفعة يقتضي تمكين من يضا ف إليه من انتفاعه‬ ‫بالشيء وأخذ العوض عنه‪.‬‬ ‫المادة ‪ -117‬الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة‬ ‫بالشتراك في النتفاع بالعين‪.‬‬ ‫المادة ‪ -118‬كل مال مصرفه موتقو ف على رأي رئيس‬ ‫الدولة واجتهاده يعتبر ملكا للدولة‪ ،‬كأموال الضرائب‬ ‫والخراج والجزية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -119‬الملكية الفردية في الموال المنقولة وغير‬ ‫المنقولة مقيدة بالسباب الشرعية الخمسة وهي‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬العمل‪.‬‬ ‫ب – الرث‪.‬‬ ‫‪151‬‬


‫ج – الحاجة إلى المال لجل الحياة‪.‬‬ ‫د – إعطاء الدولة من أموالها للرعية‪.‬‬ ‫هـ – الموال التي يأخذها الفراد دون مقابل مال أو‬ ‫جهد‪.‬‬ ‫المادة ‪ -120‬التصر ف بالملكية مقيد بأذن الشارع‪ ،‬سواء‬ ‫أكان تصرفا بالنفاق أم تصرفا بتنمية الملك‪ .‬فيمنع‬ ‫السر ف والتر ف والتقتير‪ ،‬وتمنع الشركات الرأسمالية‬ ‫والجمعيات التعاونية وسائر المعاملت المخالفة للشرع‪،‬‬ ‫ويمنع الربا والغبن الفاحش والحتكار والقمار وما شابه‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫المادة ‪ -121‬الرض العشرية هي التي أسلم أهلها عليها‬ ‫وأرض جزيرة العرب‪ ،‬والرض الخراجية هي التي فتحت‬ ‫حربا أو صلحا ما عدا جزيرة العرب‪ .‬والرض العشرية‬ ‫يملـك الفراد رتقبتها ومنفعتها‪ .‬وأما الرض الخراجية‬ ‫فرتقبتها ملك للدولة ومنفعتها يملكها الفراد‪ ،‬ويحق لكل‬ ‫فرد تبادل الرض العشرية‪ ،‬ومنفعة الرض الخراجية‬ ‫بالعقود الشرعية‪ ،‬وتورث عنهم كسائر الموال‪.‬‬ ‫المادة ‪ -122‬الرض الموات تملك بالحياء والتحجير‪ ،‬وأما‬ ‫غير الموات فل تملك إل بسبب شرعي كالرث والشراء‬ ‫والتقطاع‪.‬‬ ‫‪152‬‬


‫المادة ‪ -123‬يمنع تأجير الرض للزراعة مطلقا سواء أ كانت‬ ‫خراجية أم عشرية‪ ،‬كما تمنع المزارعة‪ .‬أما المساتقاة‬ ‫فجائزة مطلقا‪.‬‬ ‫المادة ‪ -124‬يجبر كل من ملك أرضا على استغللها‪ ،‬ويعطى‬ ‫المحتاج من بيت المال ما يمكنه من هذا الستغلل‪ .‬وكل‬ ‫من يهمل الرض ثلث سنين من غير استغلل تؤخذ منه‬ ‫وتعطى لغيره‪.‬‬ ‫المادة ‪ -125‬تتحقق الملكية العامة في ثلثة أشياء هي‪:‬‬ ‫أ – كل ما هو من مرافق الجماعة كساحات البلدة‪.‬‬ ‫ب – المعادن التي ل تنقطع كمنابع البترول‪.‬‬ ‫ج – الشياء الني طبيعتها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها‬ ‫كالنهار‪.‬‬ ‫المادة ‪ -126‬المصنع من حيث هو من الملك الفردية‪ .‬إل‬ ‫أن المصنع يأخذ حكم المادة التي يصنعها‪ .‬فإن كانت‬ ‫المادة من الملك الفردية كان المصنع ملكا فرديا‬ ‫كمصانع النسيج‪ .‬وإن كانت المادة من الملك العامة كان‬ ‫المصنع ملكا عاما كمصانع استخراج الحديد‪.‬‬ ‫المادة ‪ -127‬ل يجوز للدولة أن تحول ملكية فردية إلى ملكية‬ ‫عامة‪ ،‬لن الملكية العامة ثابتة في طبيعة المال وصفته ل‬ ‫برأي الدولة‪.‬‬ ‫‪153‬‬


‫المادة ‪ -128‬لكل فرد من أفراد المة حق النتفاع بما هو‬ ‫داخل في الملكية العامة‪ ،‬ول يجوز للدولة أن تأذن لحد‬ ‫دون باتقي الرعية بملكية الملك العامة أو استغللها‪.‬‬ ‫المادة ‪ -129‬يجوز للدولة أن تحمي من الرض الموات ومما‬ ‫هو داخل في الملكية العامة لية مصلحة تراها من‬ ‫مصالح الرعية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -130‬يمنع كنز المال ولو أخرجت زكاته‪.‬‬ ‫المادة ‪ -131‬تجبى الزكاة من المسلمين‪ ،‬وتؤخذ على‬ ‫الموال التي عين الشرع الخذ منها من نقد وعروض‬ ‫تجارة ومواش وحبوب‪ ،‬ول تؤخذ من غير ما ورد الشرع‬ ‫به‪ .‬وتؤخذ من كل مالك سواء أ كان مكلفا كالبالغ العاتقل‬ ‫أم غير مكلف كالصبي والمجنون‪ .‬وتوضع في باب خاص‬ ‫من بيت المال‪ ،‬ول تصر ف إل لواحد أو أكثر من الصنا ف‬ ‫الثمانية الذين ذكرهم القرآن الكريم‪.‬‬ ‫المادة ‪ -132‬تجبى الجزية من الذميين‪ ،‬وتؤخذ على الرجال‬ ‫البالغين إذا كانوا يحتملونها‪ ،‬ول تؤخذ على النساء ول على‬ ‫الولد‪.‬‬ ‫المادة ‪ -133‬يجبى الخراج على الرض الخراجية بقدر‬ ‫احتمالها‪ ،‬وأما الرض العشرية فتجبى منها الزكاة على‬ ‫الناتج الفعلي‪.‬‬ ‫‪154‬‬


‫المادة ‪ -134‬تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز‬ ‫الشرع استيفاءها لسد نفقات بيت المـال‪ ،‬على شرط أن‬ ‫يكون استيفاؤها مما يزيد على الحاجات التي يجب‬ ‫توفيرها لصاحب المال بالمعرو ف‪ ،‬وأن يراعى فيها‬ ‫كفايتها لسد حاجات الدولة‪ ،‬ول تؤخذ من غير المسلمين‬ ‫ضريبة مطلقا‪ ،‬ول يحصل منهم مال إل الجزية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -135‬كل ما أوجب الشرع على المة القيام به من‬ ‫العمال وليس في بيت المال القيام به فإن وجوبه ينتقل‬ ‫على المة‪ ،‬وللدولة حينئذ الحق في أن تحصله من المة‬ ‫بفرض الضريبة عليها‪ .‬وما لم يجب على المة شرعا‬ ‫القيام به ل يجوز للدولة أن تفرض أي ضريبة من أجله‪،‬‬ ‫فل يجوز أن تأخذ رسوما للمحاكم أو الدوائر أو لقضاء أي‬ ‫مصلحة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -136‬لميزانية الدولة أبواب دائمية تقررتها أحكام‬ ‫شرعية‪ .‬وأما فصول الميزانية والمبالغ التي يتضمنها كل‬ ‫فصل‪ ،‬والمور التي تخصص لها هذه المبالغ في كل‬ ‫فصل‪ ،‬فإن ذلك موكول لرأي رئيس الدولة واجتهاده‪.‬‬ ‫المادة ‪ -137‬واردات بيت المال الدائمية هي الفيء كله‪،‬‬ ‫والجزية والخراج‪ ،‬وخمس الركاز‪ ،‬والزكاة‪ .‬وتؤخذ هذه‬ ‫الموال دائميا سواء أ كانت هنالك حاجة أم لم تكن‪.‬‬ ‫‪155‬‬


‫المادة ‪ -138‬إذا لم تكف واردات بيت المال الدائمية لنفقات‬ ‫الدولة فإن لها أن تحصل من المسلمين ضرائب‪ ،‬ويجب‬ ‫أن تسير في تحصيل الضرائب على الوجه التالي‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬لسد النفقات الواجبة على بيت المال للفقراء‬ ‫والمساكين وأبن السبيل وللقيام بفرض الجهاد‪.‬‬ ‫ب – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على سبيل‬ ‫البدل كنفقات الموظفين وأرزاق الجند وتعويضات‬ ‫الحكام‪.‬‬ ‫ج – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه‬ ‫المصلحة والرفاق دون بدل كإنشاء الطرتقات‬ ‫واستخراج المياه وبناء المساجد والمدارس‬ ‫والمستشفيات‪.‬‬ ‫د – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه‬ ‫الضرورة كحادث طرأ على الرعية من مجاعة أو‬ ‫طوفان أو زلزال‪.‬‬ ‫المادة ‪ -139‬يعتبر من الواردات التي توضع في بيت المال‬ ‫الموال التي تؤخذ من الجمارك على ثغور البلد‪،‬‬ ‫والموال الناتجة من الملكية العامة أو من ملكية الدولة‪،‬‬ ‫والموال الموروثة عمن ل وارث له‪.‬‬

‫‪156‬‬


‫المادة ‪ -140‬نفقات بيت المال مقسمة على ست جهات‬ ‫هي‪:‬‬ ‫أ – الصنا ف الثمانية الذين يستحقون أموال الزكاة‬ ‫يصر ف لهم من باب الزكاة‪ .‬فإذا لم يوجد مال في‬ ‫باب الزكاة ل يصر ف لهم شيء‪.‬‬ ‫ب – الفقراء والمساكين وأبن السبيل والجهاد‬ ‫والغارمين إذا لم يوجد في باب أموال الزكاة مال‬ ‫صر ف لهم من واردات بيت المال الدائمية‪ ،‬وإذا لم‬ ‫يوجد ل يصر ف للغارمين شيء‪ .‬وأما الفقراء‬ ‫والمساكين وأبن السبيل والجهاد فتحصل ضرائب‬ ‫لسد نفقاتهم ويقترض لجل ذلك في حالة خو ف‬ ‫الفساد‪.‬‬ ‫ج – الشخاص الذين يؤدون خدمات للدولة كالموظفين‬ ‫والجند فإنه يصر ف لهم من بيت المال‪ .‬وإذا لم يكف‬ ‫مال بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه‬ ‫النفقات ويقترض لجلها في حالة خو ف الفساد‪.‬‬ ‫د – المصالح والمرافق الساسية كالطرتقات والمساجد‬ ‫والمستشفيات والمدارس يصر ف عليها من بيت‬ ‫المال فإذا لم يف ما في بيت المال تحصل ضرائب‬ ‫في الحال لسد هذه النفقات‪.‬‬ ‫‪157‬‬


‫هـ – المصالح والمرافق الكمالية يصر ف عليها من بيت‬ ‫المال فإذا لم يوجد ما يكفي لها في بيت المال ل‬ ‫يصر ف لها وتؤجل‪.‬‬ ‫و – الحوادث الطارئة كالزلزل والطوفان يصر ف عليها‬ ‫من بيت المال‪ ،‬وإذا لم يوجد يقترض لجلها المال‬ ‫في الحال ثم يسدد من الضرائب التي تجمع‪.‬‬ ‫المادة ‪ -141‬تضمن الدولة إيجاد العمال لكل من يحمل‬ ‫التابعية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -142‬الموظفون عند الفراد والشركات كالموظفين‬ ‫عند الدولة في جميع الحقوق والواجبات‪ ،‬وكل من يعمل‬ ‫بأجر موظف مهما اختلف نوع العمل أو العامل‪ .‬وإذا‬ ‫اختلف الجير والمستأجر على الجرة يحكم أجر المثل‪.‬‬ ‫أما إذا اختلفوا على غيرها فيحكم عقد الجارة على‬ ‫حسب أحكام الشرع‪.‬‬ ‫المادة ‪ -143‬يجوز أن تكون الجرة حسب منفعة العمل‪،‬‬ ‫وأن تكون حسب منفعة العامل‪ ،‬ول تكون حسب‬ ‫معلومات الجير‪ ،‬أو شهاداته العلمية‪ ،‬ول توجد زيادات‬ ‫سنوية للموظفين بل يعطون جميع ما يستحقون من أجر‬ ‫سواء أ كان على العمل أم على العامل‪.‬‬

‫‪158‬‬


‫المادة ‪ -144‬تضمن الدولة نفقة من ل مال عنده ول عمل‬ ‫له‪ ،‬ول يوجد من تجب عليه نفقتـه‪ .‬وتتولى إيواء العجزة‬ ‫وذوي العاهات‪.‬‬ ‫المادة ‪ -145‬تعمل الدولة على تداول المال بين الرعية‪،‬‬ ‫وتحول دون تداوله بين فئة خاصة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -146‬تعالج الدولة تمكين كل فرد من الرعية من‬ ‫إشباع حاجاته الكمالية‪ ،‬وإيجاد التوازن في المجتمع على‬ ‫الوجه التالي‪:‬‬ ‫أ – أن تعطي المال منقول م ً أو غير منقول من أموالها‬ ‫التي تملكها في بيت المال‪ ،‬ومن الفيء وما شابهه‪.‬‬ ‫ب – أن تقطع من الراضي العامرة من ل يملكون‬ ‫أرضا كافية‪ .‬أما من يملكون أرضا ول يستغلونها فل‬ ‫تعطيهم وتعطي العاجزين عن الزراعة مال م ً لتجعل‬ ‫لديهم القدرة على الزراعة‪.‬‬ ‫ج – تقوم بسداد ديون العاجزين عن السداد من مال‬ ‫الزكاة ومن الفيء وما شابهه‪.‬‬ ‫د – تعطي المحتاج وغير المحتاج من أموال الملكية‬ ‫العامة حسب ما تراه مؤديا للتمكين من إشباع‬ ‫الحاجات الكمالية‪ ،‬وليجاد التوازن‪.‬‬

‫‪159‬‬


‫المادة ‪ -147‬تشر ف الدولة على الشؤون الزراعية‬ ‫ومحصولتها وفق ما تتطلبه السياسة الزراعية التي تحقق‬ ‫استغلل الرض على أعلى مستوى من النتاج‪.‬‬ ‫المادة ‪ -148‬تشر ف الدولة على الشؤون الصناعية برمتها‪،‬‬ ‫وتتولى مباشرة الصناعات التي تتعلق بما هو داخل في‬ ‫الملكية العامة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -149‬التجارة الخارجية تعتبر حسب تابعية التاجر ل‬ ‫حسب منشأ البضاعة‪ ،‬فالتجار الحربيون يمنعون من‬ ‫التجارة في بلدنا‪ .‬إل بإذن خاص للتاجر أو للمال‪ .‬والتجار‬ ‫المعاهدون يعاملون حسب المعاهدات التي بيننا وبينهم‪،‬‬ ‫والتجار الذين من الرعية يمنعون من إخراج ما تحتاجه‬ ‫البلد من المواد ومن إخراج المواد الستراتيجية‪ ،‬ول‬ ‫يمنعون من إدخال أي مال يملكونه‪.‬‬ ‫المادة ‪ -150‬لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات‬ ‫العلمية المتعلقة بكافة شؤون الحياة‪ ،‬وعلى الـدولة أن‬ ‫تقوم هي بإنشاء هذه المختبرات‪.‬‬ ‫المادة ‪ -151‬يمنع الفراد من ملكية المختبرات التي تنتج‬ ‫مواد تؤدي ملكيتهم لها حتما إلى ضرر على المة أو على‬ ‫الدولة تقد نص الشرع على تحريمه‪.‬‬

‫‪160‬‬


‫المادة ‪ -152‬توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجانا‬ ‫للجميع ولكنها ل تمنع استئجار الطباء‪ ،‬ول بيع الدوية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -153‬يمنع استغلل واستثمار الموال الجنبية في‬ ‫البلد‪ ،‬كما يمنع منح المتيازات لي أجنبي‪.‬‬ ‫المادة ‪ -154‬تصدر الدولة نقدا خاصا بها يكون مستقل م ً ول‬ ‫يجوز أن يرتبط بأي نقد أجنبي‪.‬‬ ‫المادة ‪ -155‬نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة كانت‬ ‫أو غير مضروبة‪ ،‬ول يجوز أن يكون لها نقد غيرهما‪.‬‬ ‫ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئا آخر على‬ ‫شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما يساويه من الذهب‬ ‫والفضة‪ .‬فيجوز أن تصدر الدولة نحاسا أو برونزا أو ورتقا‬ ‫أو غير ذلك وتضربه باسمها نقدا لها إذا كان له مقابل‬ ‫يساويه تماما من الذهب والفضة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -156‬يمنع فتح المصار ف منعا باتا‪ ،‬ول يكون إل‬ ‫مصر ف الدولة‪ ،‬ول يتعامل بالربا ويكون دائرة من دوائر‬ ‫بيت المال‪ .‬ويقوم بإتقراض الموال حسب أحكام الشرع‪،‬‬ ‫وبتسهيل المعاملت المالية والنقدية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -157‬الصر ف بين عملة الدولة وبين عملت الدول‬ ‫الخرى جائز كالصر ف بين عملتها هي سواء بسواء‪،‬‬ ‫وجائز أن يتفاضل الصر ف بينهما إذا كانا من جنسين‬ ‫‪161‬‬


‫مختلفين على شرط أن يكون يد بيد‪ ،‬ول يصح أن يكون‬ ‫نسيئة‪ .‬ويسمح بتغيير سعر الصر ف دون أي تقيد ما دام‬ ‫الجنسان مختلفين‪ ،‬ولكل فرد من أفراد الرعية أن يشتري‬ ‫العملة التي يريدها من الداخل والخارج وان يشتري بها‬ ‫دون أي حاجة إلى إذن عملة أو غيره‪.‬‬

‫سياسة التعليم‬ ‫المادة ‪ -158‬يجب أن يكون الساس الذي يقوم عليه منهج‬ ‫التعليم هو العقيدة السلمية‪ ،‬فتوضع مواد الدراسة‬ ‫وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي ل يحدث أي‬ ‫خروج في التعليم عن هذا الساس‪.‬‬ ‫المادة ‪ -159‬سياسة التعليم هي تكوين العقلية السلمية‬ ‫والنفسية السلمية‪ ،‬فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد‬ ‫تدريسها على أساس هذه السياسة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -160‬الغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية‬ ‫السلمية وتزويد الناس بالعلوم والمعار ف المتعلقة‬ ‫بشؤون الحياة‪ .‬فتجعل طرق التعليم على الوجه الذي‬ ‫يحقق هذه الغاية وتمنع كل طريقة تؤدي لغير هذه‬ ‫الغاية‪.‬‬ ‫‪162‬‬


‫المادة ‪ -161‬يجب أن يفرق في التعليم بين العلوم التجريبية‬ ‫وما هو ملحق بها كالرياضيات‪ ،‬وبين المعار ف الثقافية‪.‬‬ ‫فتدرس العلوم التجريبية وما يلحق بها حسب الحاجة‪ ،‬ول‬ ‫تقيد في أي مرحلة من مراحل التعليم‪ .‬أما المعار ف‬ ‫الثقافية فإنها تؤخذ في المرحلتين البتدائية والثانوية وفق‬ ‫سياسة معينة ل تتناتقض مع أفكار السلم وأحكامه‪ .‬وأما‬ ‫في المرحلة العالية فتؤخذ هذه المعار ف كما يؤخذ العلم‬ ‫على شرط أن ل تؤدي إلى أي خروج عن سياسة التعليم‬ ‫وغايته‪.‬‬ ‫المادة ‪ -162‬يجب تعليم الثقافة السلمية في جميع مراحل‬ ‫التعليم‪ ،‬وأن يخصص في المرحلة العالية فروع لمختلف‬ ‫المعار ف السلمية كما يخصص فيها للطب والهندسة‬ ‫والطبيعيات وما شاكلها‪.‬‬ ‫المادة ‪ -163‬الفنون والصناعات تقد تلحق بالعلم من ناحية‬ ‫كالفنون التجارية والملحة والزراعة وتؤخذ دون تقيد أو‬ ‫شرط‪ ،‬وتقد تلحق بالثقافة عندما تتأثر بوجهة نظر خاصة‬ ‫كالتصوير والنحت فل تؤخذ إذا ناتقضت وجهة نظر السلم‪.‬‬ ‫المادة ‪ -164‬يكون برنامج التعليم واحدا‪ ،‬ول يسمح ببرنامج‬ ‫غير برنامج الدولة‪ .‬ول تمنع المدارس الهلية ما دامت‬ ‫مقيدة ببرنامج الدولة‪ ،‬تقائمة على أساس منهج التعليم‪،‬‬ ‫‪163‬‬


‫متحققا فيها سياسة التعليم وغايته على أن ل تكون‬ ‫أجنبية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -165‬تعليم ما يلزم للنسان في معترك الحياة فرض‬ ‫على الدولة لكل فرد ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬في المرحلتين‬ ‫البتدائية والثانوية‪ ،‬فعليها أن توفر ذلك للجميع مجانا‪،‬‬ ‫ويفسح مجال التعليم العالي مجانا للجميع بأتقصى ما‬ ‫يتيسر من إمكانيات‪.‬‬ ‫المادة ‪ -166‬تهيئ الدولة المكتبات والمختبرات وسائر‬ ‫وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات لتمكين‬ ‫الذين يرغبون مواصلة البحاث في شتى المعار ف من‬ ‫فقه وأصول فقه وحديث وتفسير‪ ،‬ومن فكر وطب‬ ‫وهندسة وكيمياء‪ ،‬ومن اختراعات واكتشافات ومن غير‬ ‫ذلك‪ ،‬حتى يوجد في المة حشد من المجتهدين‬ ‫والمبدعين والمخترعين‪.‬‬ ‫المادة ‪ -167‬يمنع استغلل التأليف للتعليم في جميع مراحله‬ ‫ول يملك أحد مؤلفا كان أو غير مؤلف حقـوق الطبع‬ ‫والنشر إذا طبع الكتاب ونشره‪ .‬أما إذا كان أفكارا لديه لم‬ ‫تطبع ولم تنشر فيجوز له أن يأخذ أجرة إعطائها للناس‬ ‫كما يأخذ أجرة التعليم‪.‬‬

‫‪164‬‬


‫المادة ‪ -168‬لكل فرد من الرعية أن يصدر أي جريدة أو‬ ‫مجلة سياسية كانت أم غير سياسية‪ ،‬وأن يصدر أي كتاب‬ ‫دون حـاجة لي ترخيص‪ .‬ويعاتقب كل من يطبع أو ينشر‬ ‫أو يصدر أي شيء من شأنه أن يهدم الساس الذي تقوم‬ ‫عليه الدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -169‬تعمل الدولة على مكافحة المية‪ ،‬وتثقيف من‬ ‫فاتتهم الثقافة في سن التعليم‪.‬‬

‫السياسة الخارجية‬ ‫المادة ‪ -170‬السياسة هي رعاية شؤون المة داخليا و‬ ‫خارجيا‪ ،‬وتكون من تقبل الدولة والمة‪ .‬فالدولة هي التي‬ ‫تباشر هذه الرعاية عمليا‪ ،‬والمة هي التي تحاسب بها‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -171‬ل يجوز لي فرد‪ ،‬أو حزب‪ ،‬أو كتلة‪ ،‬أو جماعة‪،‬‬ ‫أن تكون لهم علتقة بأي دولة من الدول الجنبية مطلقا‪.‬‬ ‫والعلتقة بالدول محصورة بالدولة وحدها‪ ،‬لن لها‬ ‫وحـدها حق رعاية شؤون المة عمليا‪ .‬وعلى المة‬ ‫والتكتلت أن تحاسب الدولة على هذه العلتقات‬ ‫الخارجية‪.‬‬ ‫‪165‬‬


‫المادة ‪ -172‬الغاية ل تبرر الواسطة‪ ،‬لن الطريقة من جنس‬ ‫الفكرة فل يتوصل بالحرام إلى الواجب ول إلى المباح‪.‬‬ ‫والوسيلة السياسية ل يجوز أن تناتقض طريقة السياسة‪.‬‬ ‫المادة ‪ -173‬المناورات السياسية ضرورية في السياسة‬ ‫الخارجية‪ ،‬والقوة فيها تكمن في إعلن العمال وإخفاء‬ ‫الهدا ف‪.‬‬ ‫المادة ‪ -174‬الجرأة في كشف جرائم الدول‪ ،‬وبيان خطر‬ ‫السياسات الزائفة‪ ،‬وفضح المؤامرات الخبيثة‪ ،‬وتحطيم‬ ‫الشخصيات المضللة‪ ،‬هي من أهم السالـيب السياسية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -175‬يعتبر إظهار عظمة الفكار السلمية في رعاية‬ ‫شؤون الفراد والمم والدول من أعظم الطرق‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫المادة ‪ -176‬القضية السياسية للمة هي السلم في تقوة‬ ‫شخصية دولته‪ ،‬وإحسان تطبيق أحكامه‪ ،‬والدأب على‬ ‫حمل دعوته إلى العالم‪.‬‬ ‫المادة ‪ -177‬السلم هو المحور الذي تدور حوله السياسة‬ ‫الخارجية‪ ،‬وعلى أساسه تبنى علتقة الدولة بجميع الدول‪.‬‬ ‫المادة ‪ -178‬علتقة الدولة بغيرها من الدول القائمة في‬ ‫العالم تقوم على اعتبارات أربعة‪:‬‬

‫‪166‬‬


‫أحدها‪ :‬الدول القائمة في العالم السلمي تعتبر كأنها‬ ‫تقائمة في بلد واحدة‪ .‬فل تدخل ضمن العلتقات‬ ‫الخارجية‪ ،‬ول تعتبر العلتقات معها من السياسة‬ ‫الخارجية‪ ،‬ويجب أن يعمل لتوحيدها كلها في دولة‬ ‫واحدة‪ .‬ول يعتبر رعاياها أجانب‪ ،‬بل لهم الحق كأي‬ ‫فرد من أفراد الرعية إن كانت دارهم دار إسلم‪ ،‬أما‬ ‫إن كانت دارهم دار كفر فيعتبر رعاياها أجانب‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬الدول التي بيننا‪ ،‬وبينها معاهدات اتقتصادية‪ ،‬أو‬ ‫معاهدات تجارية‪ ،‬أو معاهدات حسن جوار‪ ،‬أو‬ ‫معاهدات ثقافية تعامل وفق ما تنص عليه‬ ‫المعاهدات‪ .‬ولرعاياها الحق في دخول البلد‬ ‫بالهوية دون حاجة إلى جواز سفر إذا كانت‬ ‫المعاهدة تنص على ذلك‪ ،‬على شرط المعاملة‬ ‫ل‪ .‬وتكون العلتقات التقتصادية والتجارية‬ ‫بالمثل فع م ً‬ ‫معها محدودة بأشياء معينة‪ ،‬وصفات معينة على أن‬ ‫تكون ضرورية‪ ،‬ومما ل يؤدي إلى تقويتها‪.‬‬ ‫ثالثها‪ :‬الدول التي ليس بيننا وبينها معاهدات‪ ،‬والدول‬ ‫الستعمارية فعل م ً كإنجلترا وأمريكا وفرنسا والدول‬ ‫التي تطمع في بلدنا كروسيا‪ ،‬تعتبر دول م ً محاربة‬ ‫حكما‪ ،‬فتتخذ جميع الحتياطات بالنسبة لها‪ ،‬ول يصح‬ ‫‪167‬‬


‫أن تنشأ معها أية علتقات دبلوماسية‪ .‬ولرعايا هذه‬ ‫الدول أن يدخلوا بلدنا‪ ،‬ولكن بجواز سفر وبتأشيرة‬ ‫خاصة لكل فرد ولكل سفرة‪.‬‬ ‫رابعها‪ :‬الدول المحاربة فعل م ً كإسرائيل مثل م ً يجب أن نتخذ‬ ‫معها حالة الحرب أساسا لكافة التصرفات‪ .‬وتعامل‬ ‫كأننا وإياها في حرب فعلية سواء أ كانت بيننا وبينها‬ ‫هدنة أم ل‪ .‬ويمنع جميع رعاياها من دخول البلد‪،‬‬ ‫وتستباح دماء وأموال غير المسلمين منهم‪.‬‬ ‫المادة ‪ -179‬تمنع منعا باتا المعاهدات العسكرية‪ ،‬وما هو‬ ‫من جنسها‪ ،‬أو ملحق بها كالمعاهدات السياسية‪،‬‬ ‫واتفاتقيات تـأجير القواعد والمطارات‪ ،‬ويجوز عقد‬ ‫معاهدات حسن الجوار‪ ،‬والمعاهدات التقتصادية‪،‬‬ ‫والتجارية‪ ،‬والمالية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬ومعاهدات الهدنة‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬وغير الدول‬ ‫المادة ‪ -180‬يسمح للدول غير المحاربة فع م ً‬ ‫ل‪ ،‬وغير الدول الطامعة في بلدنا‪ ،‬أن‬ ‫الستعمارية فع م ً‬ ‫تفتح سفارات في البلد على شرط أن تمنع نشاطها‬ ‫الثقافي والسياسي‪ ،‬وتقيد صلحيتها وتنقلتها‪.‬‬ ‫المادة ‪ -181‬تفتح الدولة سفارات لدي الدول غير المحاربة‬ ‫فعل م ً حسب ما تقتضيه مصلحة الدعوة ويكون من عمل‬ ‫هذه السفارات حمل الدعوة والدعاية للسلم‪.‬‬ ‫‪168‬‬


‫المادة ‪ -182‬المنظمات التي تقوم على غير أساس السلم‪،‬‬ ‫أو تطبق أحكاما غير أحكام السلم‪ ،‬ل يجوز للدولة أن‬ ‫تشترك فيها‪ ،‬وذلك كالمنظمات الدولية مثل هيئة المم‪،‬‬ ‫ومحكمة العدل الدولية‪ ،‬وصندوق النقد الدولي‪ ،‬والبنك‬ ‫الدولي‪ .‬وكالمنظمات التقليمية مثل الجامعة العربية‪،‬‬ ‫ومؤسسة النماء العربي‪.‬‬

‫‪169‬‬


‫الخلق في السلم‬ ‫عر ف السلم بأنه الدين الذي أنزله ا على سيدنا محمد‬ ‫صلى ا عليه وعلى آله وسلم‪ ،‬بتنظيم علتقة النسان‬ ‫بخالقه‪ ،‬وبنفسه‪ ،‬وبغيره من بني النسان‪ .‬وعلتقة النسان‬ ‫بخالقه تشمل العقائد والعبادات‪ ،‬وعلتقة النسان بنفسه‬ ‫تشمل الخلق والمطعومات والملبوسات وعلتقته بغيره من‬ ‫بني النسان تشمل المعاملت والعقوبات‪.‬‬ ‫والسلم يعالج مشاكل النسان كلها‪ ،‬وينظر للنسان كـل م ً‬ ‫ل يتجزأ‪ ،‬ولذلك يعالج مشاكله بطريقة واحدة‪ ،‬وتقد بنى‬ ‫نظامه على أساس روحي‪ ،‬هو العقيدة‪ ،‬فكانت الناحية‬ ‫الروحية هي أساس حضارته‪ ،‬وهي أساس دولته‪ ،‬وهي‬ ‫أساس شريعته‪.‬‬ ‫ومع أن الشريعة السلمية فصلت النظمة تفصيل م ً دتقيقا‪،‬‬ ‫كأنظمة العبادات والمعاملت والعقوبات‪ ،‬فإنها لم تجعل‬ ‫ل‪ ،‬وإنما عالجت أحكام الخلق على‬ ‫للخلق نظاما منفص م ً‬ ‫اعتبار أنها أوامر ونواه من ا‪ ،‬دون النظر إلى تفصيل أنها‬ ‫أخلق يجب أن تعطى جانبا خاصا من العناية يمتاز على‬ ‫غيره‪ ،‬بل هي من حيث تفصيل الحكام‪ ،‬أتقل تفصيل م ً من‬ ‫غيرها‪ ،‬ولم تجعل لها في الفقه بابُا خاصا‪ ،‬فل نجد في كتب‬ ‫‪170‬‬


‫الفقه التي تحوي الحكام الشرعية بابا يسمى باب الخلق‪.‬‬ ‫ولم يعن الفقهاء والمجتهدين في أمر الحكام الخلقية‬ ‫بالبحث والستنباط‪.‬‬ ‫والخلق ل تؤثر على تقيام المجتمع بحال‪ ،‬لن المجتمع‬ ‫يقوم على أنظمة الحياة‪ ،‬وتؤثر فيه المشاعر والفكار‪ ،‬وأما‬ ‫الخلق فل يؤثر في تقيام المجتمع‪ ،‬ول في رتقيه أو انحطاطه‪،‬‬ ‫بل المؤثر هو العر ف العام الناجم عن المفاهيم عن الحياة‪،‬‬ ‫والمسير للمجتمع ليس الخلق‪ ،‬وإنما هي النظمة التي‬ ‫تطبق فيه‪ ،‬والفكار والمشاعر التي يحملها الناس والخلق‬ ‫ذاته ناجم عن الفكار والمشاعر ونتيجة لتطبيق النظام‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فل يجوز أن تحمل الدعوة إلى الخلق في‬ ‫المجتمع‪ ،‬لن الخلق نتائج لوامر ا‪ ،‬فهي تأتي من‬ ‫الدعوة إلى العقيدة‪ ،‬وإلى تطبيق السلم بصفة عامة‪ .‬ولن‬ ‫في الدعوة إلى الخلق تقلبا للمفاهيم السلمية عن الحياة‪،‬‬ ‫وإبعادا للناس عن تفهم حقيقة المجتمع ومقوماته‪ ،‬وتخديرا‬ ‫لهم بالفضائل الفردية يؤدي إلى الغفلة عن الوسائل‬ ‫الحقيقية لرتقي الحياة‪ .‬ولهذا كان من الخطر أن تجعل‬ ‫الدعوة السلمية دعـوة إلى الخلق‪ ،‬لنها توهم أن الدعوة‬ ‫السلمية دعوة خلقية‪ ،‬وتطمس الصورة الفكرية عن‬ ‫السلم‪ ،‬وتحول دون فهم الناس له‪ ،‬وتصرفهم عن الطريقة‬ ‫‪171‬‬


‫الوحيدة التي تؤدي إلى تطبيقه وهي تقيام الدولة السلمية‪.‬‬ ‫والشريعة السلمية حين عالجت علتقة النسان بنفسه‬ ‫بالحكام الشرعية المتعلقة بالصفات الخلقية‪ ،‬لم تجعل ذلك‬ ‫نظاما كالعبادات والمعاملت‪ ،‬وإنما راعت فيها تحقيق تقيم‬ ‫معينة‪ ،‬أمر ا بها‪ ،‬كالصدق والمانة وعدم الغش والحسد‪،‬‬ ‫فهي تحصل من شيء واحد هو المر من ا تعالى بالقيمة‬ ‫الخلقية‪ ،‬كالمكارم والفضائل‪ .‬فالمانة خلق أمر ا به‪،‬‬ ‫فيجب أن تراعى تقيمتها الخلقية حين القيام بها‪ ،‬ولذلك‬ ‫تتحقق بها القيمة الخلقية وتسمى أخلتقا‪ .‬وأما حصول هذه‬ ‫الصفات من نتائج العمال كالعفة الناتجة عن الصلة‪ ،‬أو‬ ‫حصولها من وجوب مراعاتها عند القيام بالمعاملت كالصدق‬ ‫في البيع‪ ،‬فل تحصل فيه تقيمة خلقية‪ ،‬لنها لم تكن مقصودة‬ ‫من القيام بالعمل‪ ،‬بل كانت هذه الصفات الحاصلة من نتائج‬ ‫العمال‪ ،‬ومن وجوب المراعاة‪ ،‬صفات خلقية للمؤمن حين‬ ‫يعبد ا‪ ،‬وحين يقوم بالمعاملت‪ .‬فإن المؤمن حقق‬ ‫بالقصد الول القيمة الروحية من الصلة وحقق بالقصد‬ ‫الثاني القيمة المادية من التجارة‪ ،‬واتصف في نفس الوتقت‬ ‫بالصفات الخلقية‪.‬‬ ‫وتقد بين الشارع الصفات التي يعتبر التصا ف بها خلقا‬ ‫حسنا والتي يعتبر التصا ف بها خلقا سيئا‪ ،‬فحث على الحسن‬ ‫‪172‬‬


‫منها ونهى عن السيئ‪ :‬حث على الصدق‪ ،‬والمانة‪ ،‬وطلتقـة‬ ‫الوجه‪ ،‬والحياء‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وصلة الرحم‪ ،‬وتفريج الكربات‪،‬‬ ‫وأن يحب المرء لخيه ما يحبه لنفسه‪ ،‬واعتبر كل ذلك ومثله‬ ‫حثا على اتباع أوامر ا‪ .‬ونهى عن أضدادها كالكذب‬ ‫والخيانة والحسد والفجور وأمثالها‪ ،‬واعتبر ذلك ومثله نهيا عما‬ ‫نهى ا عنه‪.‬‬ ‫والخلق جزء من هذه الشريعة‪ ،‬وتقسم من أوامر ا‬ ‫ونواهيه‪ ،‬ل بد من تحقيقها في نفس المسلم‪.‬ليتم عمله‬ ‫بالسلم‪ ،‬ويكمل تقيامه بأوامر ا‪ .‬غير أن الوصول إليها في‬ ‫المجتمع كله يكون عن طريق إيجاد المشاعر السلمية‪،‬‬ ‫والفكار السلمية‪ ،‬وبتحقيقها في الجماعة تتحقق في‬ ‫الفراد ضرورة‪ ،‬وبديهي أن الوصول إليها ل يكون بالدعوة‬ ‫إلى الخلق‪ ،‬بل بالطريق المشار إليها من إيجاد المشاعر‬ ‫والفكار‪ ،‬غير أن البدء يقضي بإعداد كتلة بالسلم كله‪،‬‬ ‫يكون فيها الفراد كأجزاء في جماعة‪ ،‬ل كأفراد مستقلين‪،‬‬ ‫ليحملوا الدعوة السلمية الكاملة في المجتمع‪ ،‬فيوجدوا‬ ‫المشاعر السلمية‪ ،‬والفكار السلمية‪ ،‬فيدخل الناس في‬ ‫الخلق أفواجا تبعا لدخولهم في السلم أفواجا‪ .‬وينبغي‬ ‫أن يفهم جليا أن تقولنا هذا يجعل الخلق لزمة لزوما حتميا‬

‫‪173‬‬


‫لوامر ا‪ ،‬وتطبيق السلم‪ ،‬ويؤكد ضرورة اتصا ف المسلم‪،‬‬ ‫بالخلق الحسنة‪.‬‬ ‫وتقد بين ا تعالى في كثير من سور القرآن الكريم‬ ‫الصفات التي يجب أن يتصف بها النسـان‪ ،‬والتي يجب أن‬ ‫يسعى إليها‪ .‬وهذه الصفات هي العقائد‪ ،‬العبادات‪،‬‬ ‫والمعاملت‪ ،‬والخلق‪ ،‬ول بد أن تكون هذه الصفات الربع‬ ‫مجتمعة‪ ،‬تقال تعالى في سورة لقمان ‪ ‬وإذ تقال لقمان‬ ‫لبنه وهو يعظه يا بني ل تشرك بالله أن الشرك‬ ‫لظلم عظيم‪ ،‬ووصينا النسان بوالديه‪ ،‬حملته أمه‬ ‫وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي‬ ‫ولوالديك إلى المصير‪ ،‬وإن جاهداك على أن تشرك‬ ‫بي ما ليس لك به علم فل تطعهما‪ ،‬وصاحبهما في‬ ‫الدنيا معروفا‪ ،‬واتبع سبيل من أناب إلى‪ ،‬ثم إلي‬ ‫مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون‪ .‬يا بني إنها إن‬ ‫تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة‪ ،‬أو في‬ ‫السموات‪ ،‬أو في الرض‪ ،‬يأت بها ا‪ ،‬أن ا لطيف‬ ‫خبير‪ .‬يا بني أتقم الصلة وأمر بالمعرو ف وأنه عن‬ ‫المنكر‪ ،‬وأصبر على ما أصابك‪ ،‬أن ذلك من عزم‬ ‫المور‪ .‬ول تصعر خدك للناس ول تمش في الرض‬ ‫مرحا أن ا ل يحب كل مختال فخور‪ .‬واتقصد في‬ ‫‪174‬‬


‫مشيك وأغضض من صوتك إن أنـكر الصوات لصوت‬ ‫الحمير ‪ ‬و يقول ا تعالى في سورة الفرتقان ‪ ‬وعباد‬ ‫الرحمن الذين يمشون على الرض هونا وإذا‬ ‫خاطبهم الجاهلون تقالوا سلما‪ .‬والذين يبيتون‬ ‫لربهم سجدا وتقياما‪ .‬والذين يقولون ربنا اصر ف عنا‬ ‫عذاب جهنم أن عذابها كان غراما‪ .‬إنها ساءت‬ ‫مستقرا ومقاما‪ .‬والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم‬ ‫يقتروا وكان بين ذلك تقواما‪ .‬والذين ل يدعون مع‬ ‫ا إلها آخر‪ ،‬ول يقتلون النفس التي حرم ا إل‬ ‫بالحق ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما‪ .‬يضاعف‬ ‫له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا‪ .‬إل من تاب‬ ‫وآمن وعمل عم ل م ً صالحا فأولئك يبدل ا سيئاتهم‬ ‫حسنات‪ ،‬وكان ا غفورا رحيما‪ .‬ومن تاب وعمل‬ ‫صالحا فإنه يتوب إلى ا متابا‪ .‬والذين ل يشهدون‬ ‫الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا‬ ‫بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا‪ .‬والذين‬ ‫يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا تقرة أعين‬ ‫واجعلنا للمتقين إماما‪ .‬أولئك يجزون الغرفة بما‬ ‫صبروا ويلقون فيها تحية وسلما‪ ،‬خالدين فيها‬ ‫حسنت مستقرا ومقاما ‪ .‬ويقول ا تعالى في سورة‬ ‫‪175‬‬


‫السراء ‪ ‬وتقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين‬ ‫إحسانا‪ .‬إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما‬ ‫فل تقل لهما أ ف ول تنهرهما‪ ،‬وتقل لهما تقو ل م ً كريما‪.‬‬ ‫واخفض لهما جناح الذل من الرحمة‪ .‬وتقل ربي‬ ‫ارحمهما كما ربياني صغيرا‪ .‬ربكم أعلم بما في‬ ‫نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للوابين‬ ‫غفورا‪ ،‬وآت ذي القربى حقه والمسكين وابن‬ ‫السبيل ول تبذر تبذيرا أن المبذرين كانوا إخوان‬ ‫الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا‪ ،‬وإما تعرضن‬ ‫عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم تقو ل م ً‬ ‫ميسورا‪ .‬ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول‬ ‫تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك‬ ‫يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا‬ ‫بصيرا‪ .‬ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزتقهم‬ ‫وإياكم إن تقتلهم كان خطئا كبيرا‪ .‬ول تقربوا الزنا‬ ‫إنه كان فاحشة وساء سبيل‪ .‬ول تقتلوا النفس التي‬ ‫حرم ا إل بالحق ومن تقتل مظلوما فقد جعلنا‬ ‫لوليه سلطانا فل يسر ف في القتل إنه كان منصورا‪.‬‬ ‫ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ‬ ‫أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤول‪ .‬وأوفوا‬ ‫‪176‬‬


‫الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير‬ ‫وأحسن تأويل‪ .‬ول تقف ما ليس لك به علم إن‬ ‫السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول‪.‬‬ ‫ول تمش في الرض مرحا أنك لن تخرق الرض ولن‬ ‫تبلغ الجبال طو ل م ً‪ .‬كل ذلك كان سيئه عند ربك‬ ‫مكروها ‪.‬‬ ‫فهذه اليات في هذه السور الثلث كل منها وحدة كاملة‬ ‫تعرض الصفات المختلفة‪ .‬تجلو صورة المسلم وتبين‬ ‫الشخصية السلمية في ذاتها المتميزة عن غيرها ويلحظ‬ ‫فيها أنها أوامر ونواه من ا تعالى‪ ،‬منها أحكام تتعلق‬ ‫بالعقيدة‪ ،‬كما أن منها أحكاما تتعلق بالعبادات‪ ،‬وأحكاما‬ ‫تتعلق بالمعاملت‪ ،‬وأحكاما تتعلق بالخلق‪ ،‬ويلحظ أنها لم‬ ‫تقتصر على صفات خلقية‪ ،‬بل اشتملت على العقيدة‪،‬‬ ‫والعبادات‪ ،‬والمعاملت‪ ،‬كما اشتملت على الخلق‪ .‬وهي‬ ‫الصفات التي تكون الشخصية السلمية‪ ،‬والتقتصار على‬ ‫الخلق ل يوجد الرجل الكامل‪ ،‬والشخصية السلمية‪ ،‬ولكي‬ ‫تحقق الغاية التي وجدت من أجلها ل بد أن تكون مبنية على‬ ‫الساس الروحي‪ ،‬وهو العقيدة السلمية‪ ،‬وأن يكون‬ ‫التصا ف بها مبنيا على هذه العقيدة‪ .‬وعلى ذلك فإن المسلم‬ ‫ل يتصف بالصدق لذات الصدق‪ ،‬بل يتصف به لن ا أمر به‪.‬‬ ‫‪177‬‬


‫وإن كان يراعي تحقيق القيمة الخلقية حين يصدق‪.‬‬ ‫فالخلق ل يتصف بها لذاتها‪ ،‬بل لن ا أمر بها‪.‬‬ ‫ولهذا ل بد أن يتصف المسلم بصفاتها‪ ،‬وأن يقوم بها‬ ‫طوعا وانقيادا لنها مما يتصل بتـقوى ا‪ .‬وبما أنها تأتي من‬ ‫نتائج العبادة ‪ ‬إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ‪‬‬ ‫ومما يجب أن يراعى في المعاملت " الدين المعاملة "‬ ‫علوة على كونها وحدها أوامر ونواهي معينة‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫يثبتها في نفس المسلم‪ ،‬ويجعلها شيمة لزمة‪ .‬وعليه فقد‬ ‫كان اندماج الخلق بباتقي أنظمة الحياة – مع كونها صفات‬ ‫مستقلة – كفيل بأن يهيئ المسلم تهيئة صالحة‪ ،‬لسيما وأن‬ ‫التصا ف بالخلق هو إجابة لمر ا تعالى واجتناب لنواهيه‪،‬‬ ‫ل لن هذا الخلق ينفع أو يضر في الحياة‪ .‬وهذا مما يجعل‬ ‫التصا ف بالخلق الحسن دائميا وثابتا‪ .‬ما ثبت المسلم على‬ ‫القيام بتطبيق السلم‪ ،‬ول يدور حيث دارت المنفعة‪ .‬لنـه ل‬ ‫تقصد منه النفعية‪ ،‬بل يجب أن تستبعد منه‪ ،‬لن المقصود منه‬ ‫هـو القيمة الخلقية فقط‪ .‬ل القيمة المادية أو النسانية أو‬ ‫الروحية‪ ،‬بل ل يجوز أن تدخل هذه القيم فيه لئل يحصل‬ ‫اضطراب في القيام به‪ .‬أو التصا ف به‪ .‬ومما يجب التنبيه إليه‬ ‫أنه يجب استبعاد القيمة المادية عن الخلق‪ ،‬واستبعاد أن‬

‫‪178‬‬


‫يكون القيام به من أجل المنافع والفوائد‪ ،‬لن ذلك خطر‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫والحاصل‪ :‬أن الخلق ليست من مقومات المجتمع‪ ،‬بل‬ ‫هي من مقومات الفرد‪ .‬ولذلك ل يصلح المجتمع بالخلق‪،‬‬ ‫بل يصلح بالفكار السلمية والمشاعر السلمية وبتطبيق‬ ‫النظمة السلمية‪ .‬ومع أن الخلق من مقومات الفرد‪،‬‬ ‫ولكنها ليست هي وحدها‪ ،‬ول يجوز أن تكون وحدها‪ ،‬بل ل‬ ‫بـد أن تكون معها العقائد‪ ،‬والعبادات‪ ،‬والمعاملت‪،‬‬ ‫والخلق‪ .‬ولذلك ل يعتبر من كانت أخلتقه حسنة وعقيدته‬ ‫غير إسلمية‪ ،‬لنه يكون حينئذ كافرا‪ ،‬وليس بعد الكفر ذنب‪.‬‬ ‫وكذلك من كانت أخلتقه حسنة وهو غير تقائم بالعبادات‪ ،‬أو‬ ‫غير سائر في معاملته حسب أحكام الشرع‪ .‬ومن هنا كان‬ ‫لزاما أن يراعى في تقويم الفرد وجود العقيدة‪ ،‬والعبادات‪،‬‬ ‫والمعاملت‪ ،‬والخلق‪ .‬ول يجوز شرعا العناية بالخلق‬ ‫وحدها وترك باتقي الصفات‪ ،‬بل ل يجوز أن يعنى بشيء ما‬ ‫تقبل الطمئنان إلى العقيدة‪ .‬والمر الساسي في الخلق‬ ‫هو أنه يجب أن تكون مبنية على العقيدة السلمية‪ ،‬وأن‬ ‫يتصف المؤمن بها على إنها أوامر ونواه من ا تعالى‪.‬‬

‫‪179‬‬


‫محتويات الكتاب‬ ‫طريق اليمان ‪------------------------‬‬ ‫القضاء والقدر‬

‫‪2‬‬

‫‪10 ------------------------‬‬

‫القيادة الفكرية في السلم ‪--------------‬‬ ‫كيفية حمل الدعوة السلمية‬

‫‪17‬‬

‫‪--------------‬‬

‫‪46‬‬

‫الحضارة السلمية ‪50 ----------------------‬‬ ‫نظام السلم ‪------------------------‬‬ ‫الحكم الشرعي‬

‫‪55‬‬

‫‪------------------------‬‬

‫أنواع الحكام الشرعية ‪--------------------‬‬ ‫السنة ‪-----------------------------‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪63‬‬

‫التأسي بأفعال الرسول عليه الصلة والسلم ‪-------‬‬ ‫تبني الحكام الشرعية ‪--------------------‬‬ ‫الدستور والقانون ‪-----------------------‬‬

‫‪65‬‬ ‫‪67‬‬

‫مشروع الدستور ‪-----------------------‬‬

‫‪72‬‬

‫نظام الحكم ‪--------------------------‬‬

‫‪75‬‬

‫النظام الجتماعي ‪----------------------‬‬ ‫‪180‬‬

‫‪90‬‬

‫‪64‬‬


‫النظام التقتصادي ‪----------------------‬‬

‫‪92‬‬

‫سياسة التعليم ‪-------------------------‬‬

‫‪99‬‬

‫السياسة الخارجية ‪----------------------‬‬

‫‪101‬‬

‫الخلق في السلم ‪--------------------‬‬ ‫محتويات الكتاب ‪-----------------------‬‬

‫‪181‬‬

‫‪104‬‬ ‫‪110‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.