دعاة لا قضاة - المستشار حسن الهضيبي

Page 1

‫‪1‬‬

‫دعـاة ال قضـاة‬ ‫لألستاذ المستشار‬ ‫حسـن الهضـيبي‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫·‬

‫‪‬‬

‫·‬

‫‪‬‬

‫·‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫·‬

‫والنفاق‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫·‬ ‫·‬ ‫·‬ ‫·‬ ‫·‬

‫‪‬‬

‫·‬

‫‪‬‬

‫·‬

‫تقديم للشيخ محمد عبد اهلل الخطيب‬

‫مقدمة‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫محمدا رسول اهلل‬ ‫عن شهادة أن ال إله إال اهلل وأن‬ ‫ً‬ ‫الردَّة –‬ ‫في معاني الجحود – والكفر – والشرك – و ِّ‬

‫الفصل األول‪:‬‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫الح ِ‬ ‫اكميَّة‬ ‫َ‬

‫الفصل الرابع‪﴿ :‬إِ ِن ا ْلح ْكم إِالَّ ِ‬ ‫هلل﴾ عقيدتنا‬ ‫ُ ُ‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬الجهل والخطأ في العقيدة‬

‫الفصل السادس‪ :‬الرد على من خالف األصول السابقة‬ ‫الفصل السابع‪ :‬الطاعة واالتباع‬

‫الفصل الثامن‪ :‬الحكومة اإلسالمية أو واإلمام الحق ومعنى السمع‬

‫والطاعة والحكم والتحكيم والمعلوم من الدين بالضرورة‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫·‬ ‫·‬

‫الفصل التاسع‪ :‬الكفر بالطاغوت‬

‫الفصل العاشر‪ :‬التعامل المباشر مع القرآن الكريم‬

‫تساؤالت حول موضوع البحث "نحن دعاة ال قضاة" واجابات فضيلة‬

‫المرشد العام األستاذ حسن الهضيبي ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪2‬‬

‫تقديم‬ ‫الحمد هلل رب العالمين والعاقبة للمتقين والصالة والسالم على سيدنا محمـد وعلـى آلـه‬

‫وصحبه أجمعين ‪ ...‬أما بعد‪،‬‬

‫فهذه هي الطبعة الثانية من كتاب دعاة ال قضاة والـذ أصـدر هـذا الكتـاب هـو اإلمـام‬

‫حسن الهضيبي المرشد العام لإلخوان المسـلمين ـ رحمـه اهلل ورضـي عنـه ـ‪ ،‬وهـو أحـد‬ ‫قـــادة الجهـــاد بحـــق‪ ،‬وأحـــد رجـــال الـــدعوة اإلســـالمية الـــذين وهبـــوا أنفســـهم وأرواحهـــم‬ ‫وأموالهم هلل تعالى‪ ،‬إنه الرجل الذ قاد الجماعة في أشد فترات حياتهـا وعـاا المحـن‬

‫ال لها‪.‬‬ ‫التي لم تعرف الدعوة اإلسالمية – خالل األربعة عشر قرًنا الماضية _ مثي ً‬ ‫قويا في الحق لـم تلـن لـه قنـاة‪ ،‬ولـم‬ ‫وكان اإلمام رحمه اهلل كالجبل األشم‬ ‫ً‬ ‫صلبا ً‬ ‫صامدا ً‬ ‫يهن له عزم ولم تضعف له إرادة‪ ،‬ولم تزحزحه األحداث قيد أنملة رغـم المـرو والسـن‬ ‫ِ‬ ‫يقول الحق سبحانه ﴿و َكأ َِّين ِّمن َّن ِب ٍّي قَاتَ َل مع ُه ِرِّبي َ ِ‬ ‫ـاب ُه ْم ِفـي‬ ‫صَ‬ ‫ير فَ َما َو َهنُوا ل َمـا أَ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ‬ ‫ُّون َكث ٌ‬ ‫يل ِ‬ ‫س ِب ِ‬ ‫ان قَ ْـوَل ُه ْم إِالَّ أَن قَـالُوا‬ ‫استَ َكا ُنوا َواهللُ ُي ِح ُّب َّ‬ ‫ين * َو َما َك َ‬ ‫الصا ِب ِر َ‬ ‫اهلل َو َما َ‬ ‫ض ُعفُوا َو َما ْ‬ ‫َ‬ ‫ْـدام َنا وا ْنصـرَنا علَـى ا ْلقَـوِم ا ْل َكـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين *‬ ‫س َا‬ ‫ـرفَ َنا ِفـي أ َْم ِرَنـا َوثَِّب ْ‬ ‫اف ِر َ‬ ‫ـت أَق َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َرَّب َنا ا ْغف ْر لَ َنا ُذنُ َ‬ ‫ْ‬ ‫وب َنا َوِا ْ‬ ‫اب ار ِ‬ ‫ـن ثَ َـو ِ‬ ‫اب ُّ‬ ‫ين﴾ (سـورة آل عمـران‬ ‫َخ َـرِة َواهللُ ُي ِح ُّ‬ ‫َفآتَ ُ‬ ‫ـب ا ْل ُم ْح ِس ِـن َ‬ ‫سَ‬ ‫اه ُم اهللُ ثَ َـو َ‬ ‫الـد ْن َيا َو ُح ْ‬ ‫‪.)641 :641‬‬ ‫لقد صبر على المحن واحتسب هلل كل ماالقاه هو واخوانه‪ ،‬وبقى حتـى آخـر نـبو فـي‬

‫مستشـعر أعئـم المسـ ولية وثقـل األمانـة الملقــاة‬ ‫ًا‬ ‫عروقـه وآخـر نفـس يتـردد فـي صـدره‬ ‫عليه‪ ..‬وامامنـا ـ رحمـه اهلل ـ لـيس فـي حاجـة إلـى االعتـراف بجهـوده أو تسـجيل مـآثره‬ ‫فإنه عند اهلل في دار كرامة‪ ،‬وقد وفد على رب كريم يجزيه على مـا قـدم أفضـل الجـزا‬ ‫ُضـيع عم َـل ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫امـل ِّمـ ْن ُكم ِّمـن َذ َكـر أ َْو أُْنثَـى‬ ‫ُّه ْم أ َِّنـي الَ أ ُ َ َ َ‬ ‫استَ َج َ‬ ‫قال اهلل تعالى ﴿فَ ْ‬ ‫اب لَ ُه ْم َرب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُخ ِر ُجوا ِمـن ِد َي ِ‬ ‫سـ ِبيلِي َوقَـاتَلُوا َوقُِتلُـوا‬ ‫اج ُروا َوأ ْ‬ ‫ض ُكم ِّمن َب ْعو فَالَّ ِذ َ‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫ين َه َ‬ ‫ـارِه ْم َوأُوُذوا فـي َ‬ ‫ألُ َكفِّر َّن عـ ْنهم س ِّـي َ ِات ِهم وأل ُْد ِخ َل َّـنهم ج َّنـات تَ ْج ِـر ِمـن تَ ْح ِتهـا األ ْنهـار ثَوابـا ِّمـن ِع ْن ِـد ِ‬ ‫اهلل‬ ‫َ ُ ًَ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫ِ‬ ‫س ُن الثََّو ِ‬ ‫اب﴾‪( ،‬سورة آل عمران ‪.)691‬‬ ‫َواهللُ ع ْن َدهُ ُح ْ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪3‬‬

‫ولما تم النصر للمسلمين في معركة نهاوند أرسل قا ـد الجـيا مـن يبشـر سـيدنا عمـر‬

‫بالنصــر ويخبــره باستشــهاد القا ــد النعمــان بــن مقــرن – ولمــا ســمع عمــر بــالخبر بكــى‬

‫واسترجع‪ ،‬ثم قال‪ :‬ومن ويحك؟؟ قال فالن وفالن‪ ..‬ثم قال‪ :‬وآخرون يا أمير المـؤمنين‬ ‫ال تعــرفهم قــال عمــر وهــو يبكــى‪ :‬ال يضــرهم أن عمــر ال يعــرفهم‪ ،‬ولكــن اهلل يعــرفهم "‬

‫تاريخ الطبر جـ ‪ 4‬لكننـا نتحـدث عـن أ متنـا األعـالم ال مـن بـاب التقـديس‪ ،‬ولكـن مـن‬

‫باب التقدير واالعتراف بالفضل ألهلـه وشـكر مـن أسـدي إلينـا معروًفـا‪ ،‬أو وقـف موق ًفـا‬

‫فيــه زود عــن هــذه الرســالة‪ ،‬ففــي هــذا التشــجيع لألجيــال لتقليــد ه ـؤال والســير علــى‬

‫طريقهم والثبات واالحتساب‪ ،‬والقرآن الكريم يبين لنا العالقة الطيبة بين الرواد وأبنا هم‬ ‫س َــبقُوَنا‬ ‫ـون َرَّب َنــا ا ْغ ِف ْــر َل َنــا َوِإل ْخ َو ِان َنــا الَّـ ِـذ َ‬ ‫ين َجــا ُوا ِمــن َب ْع ِــد ِه ْم َيقُولُـ َ‬ ‫فيقــول‪َ ﴿ ،‬والَّـ ِـذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ـك ر ُؤ ٌ ِ‬ ‫ِب ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ـيم﴾‪ ،‬سـورة الحشـر‬ ‫ان َو َال تَ ْج َع ْل ِفـي ُقلُوِب َنـا ِغـالِّ لِّلَّ ِـذ َ‬ ‫آم ُنـوا َرَّب َنـا إَِّن َ َ‬ ‫ين َ‬ ‫اإل َ‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫ارية ‪.61‬‬

‫يقول األستاذ المرشد عمر التلمساني ـ رحمه اهلل رضي اهلل عنه ـ وأرضـاه‪ " :‬واذا كـان‬

‫حسن البنا قد مضى إلى ربه وترك النبتة يانعة يافعة فتيـة‪ ،‬فقـد كـان حسـن الهضـيبي‬

‫كريمـا‬ ‫ًا‬ ‫حريصـا لـم يفـرط‪،‬‬ ‫عالمة زمانه‪ ،‬ومشعل عصره‪ ،‬يوم حمل الراية‬ ‫ً‬ ‫عزيـز لـم يلـن‪ً ،‬‬ ‫قويا في حزم‪ ،‬ثابـت الخطـأ فـي فهـم‪ ،‬فأكـد معـالم‬ ‫لم يهن‪ ،‬وأدي األمانة أمي ًنا في عزم‪ً ،‬‬

‫الفهم السليم لإلسالم الصحيح فـي القـول وفـى العمـل لـم يثنـه حبـل مشـنقة ولـم يرهبـه‬

‫ـمودا فــوق الصــمود " مجلــة‬ ‫ســجن وال تعــذيب‪ ،‬بــل زاده األمــر إصـر ًارا علــى إصـرار وصـ ً‬ ‫الدعوة العدد األول رجب ‪ 6991‬هـ‬ ‫يقول األستاذ الهضيبي ـ رحمه اهلل تعالى ـ في االحتفال بغزوة بدر " أيها اإلخوان‪:‬‬ ‫إن دعوة اإلخوان المسلمين لم تعد دعوة محلية تنحصر في حـدود وطـن صـغير‪ ،‬وانمـا‬

‫غدت عالمية تشـمل العـالم اإلسـالمي بأسـره وتـوقئ فـي المسـلمين رو العـزة والكرامـة‬

‫والتقوي‪ ،‬فهي اليوم عنوان ابنعاث ال نوم بعـده‪ ،‬وتحـرر ال عبوديـة معـه وعلـم ال جهـل‬

‫ورا ه‪ ،‬ولــم يعــد مــن الســهل علــى أيــة طاغيــة أن يحــول دون انتشــار هــذه الــرو أو‬

‫جميعا‬ ‫امتدادها وما ذاك إال ألنها تعبير صادق عن شعور عميق مأل نفوس المسلمين‬ ‫ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪4‬‬

‫ويســـتولي علـــى مشـــاعرهم وعقـــولهم‪ ،‬وهـــو أنهـــم ال يســـتطيعون اليـــوم نهضـــة بـــدون‬

‫اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم في حقيقته ضرورة وطنية واجتماعية وانسانية " مجلة الدعوة العـدد‬ ‫السابع غرة المحرم ‪.6991‬‬ ‫ـودا لقضــية‬ ‫ويقــول‬ ‫ـددا دورهــم ومهمــتهم " إن اهلل جعلكــم جنـ ً‬ ‫موجهــا كالمــه لإلخـوان محـ ً‬ ‫ً‬ ‫الحق والفضيلة والعزة في طنكم وفى العالم اإلسالمي كله‪ ،‬واذا كان من واجب الجند‬

‫مستعدا دا ًما للقيام بواجبه‪ ،‬فكونوا مستعدين دا ًما لما يؤدي بكم إلى النصر‬ ‫أن يكون‬ ‫ً‬ ‫في الحياة‪ ،‬فطهروا قلوبكم وحاربوا أهوا كم وشهواتكم قبل أن تحاربوا أعدا كم فإن من‬ ‫انهزم بينه وبين نفسه في ميدان اإلصال ‪ ،‬أعجز من أن ينتصر مـع غيـره فـي معركـة‬

‫السال " المرجع السابق‪.‬‬ ‫وهذا تعريف موجز بكتاب – دعاة ال قضاة – وموضوعه يـدور حـول القواعـد الشـرعية‬ ‫والمـوازين اإلسـالمية الدقيقــة التـي يجـب علينــا أن نسـتخدمها فـي نئرتنــا للنـاس‪ ،‬كمــا‬ ‫يجــب علينــا أن نســير علــى مقتضــاها ونحــن نمضــى فــي هــذا نــؤدي مــا كلفنــا الحــق‬

‫سبحانه وتعالى بـه‪ ،‬وهـو الـدعوة إلـى اإليمـان بـاهلل وااللتـزام بمنهجـه واتبـاع رسـوله ـ‬

‫صلى اهلل عليه وسلم ـ ومواجهة األفكار بالبيان والتصحيح وازالة الشبهات‪ ،‬ورد األمـر‬

‫إلى كتاب اهلل وسـنة رسـوله صـلى عليـه وسـلم‪ ،‬والجـدال بـالتى هـي أحسـن كمـا علمنـا‬ ‫ـك ِبا ْل ِح ْكم ِـة وا ْلمو ِعئَ ِـة ا ْلحسـ َن ِة وج ِ‬ ‫سـ ِب ِ‬ ‫ـاد ْل ُه ْم‬ ‫يل َرِّب َ‬ ‫َ َ َ​َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫القرآن هو الطريق السليم‪ْ ﴿:‬ادعُ إِلَـى َ‬ ‫ين﴾‪ ،‬سـورة‬ ‫س ُن إِ َّن َرب َ‬ ‫َعلَ ُم ِبا ْل ُم ْهتَ ِـد َ‬ ‫س ِبيلِ ِه َو ُه َو أ ْ‬ ‫َّك ُه َو أ ْ‬ ‫ِبالَّ ِتي ِه َي أ ْ‬ ‫َعلَ ُم ِب َم ْن َ‬ ‫ض َّل َعن َ‬ ‫َح َ‬ ‫النحل ‪ ...621‬سمع عمر بن عبد العزيز ـ رضي اهلل عنه ـ أن الخـوار عـادوا لئهـور‬

‫كتابـا يقـول‬ ‫في بعو مناطق الدولة‪ ،‬وأخذوا يثيرون القالقـل فأرسـل إلـيهم علـى الفـور ً‬ ‫فيه‪ :‬من عمر بن عبد العزيز إلى فالن و فالن‪ . .‬أما بعـد‪ " :‬فلقـد بلغنـى أنكـم خـرجتم‬ ‫غضبا هلل ولنصرة دينه‪ ،‬ولسـمت فـي هـذا بـأولى منـى فهلمـوا لنتحـاور فـإن كـان الحـق‬ ‫ً‬ ‫معنا لزمكم السمع والطاعة‪ ،‬وان كان معكم نئرنا فيما نحـن عليـه‪ " . .‬ووصـلت إلـيهم‬ ‫الرسالة فحضروا إليه وجلس معهم في المسجد‪ ،‬وفتح لهم قلبه واستمع إليهم الرسالة‬

‫إلـيهم ثـم اسـتمعوا إليـه‪ . .‬اسـتمعوا إلـى كلمــة اإلسـالم مـن رجـل أمـين صـادق فــاقتنعوا‬ ‫برأيه ورجعوا عما هم فيه وتابوا إلى اهلل‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪5‬‬

‫أمـا أســلوب مواجهــة الفكــرة بــالتربا بأصــحابها والكيــد لهــم‪ :‬واالضــطهاد والفتنــة فهــو‬

‫وتجـاوز لكـل الحـدود‬ ‫ًا‬ ‫عنـادا‬ ‫أسلوب فاشل ال يليق باإلنسان وال يزيـد صـاحب الفكـرة إال‬ ‫ً‬ ‫وهذا ما حدث لألسف الشديد‪.‬‬

‫يقول مصطفى صادق الرافعى رحمه اهلل‪ " :‬إذا كنت تشنق مـن يخالفـك فـي الـرأ ففـي‬

‫رأسك عقل اسمه الحبل‪ ،‬واذا كنت تسجن من يخالفك في الرأ ففي رأسك عقل اسـمه‬

‫الجدار‪ ،‬واذا كنت تقتـل مـن يخالفـك فـي الـرأ ففـي رأسـك عقـل اسـمه السـكين أمـا إن‬ ‫كنت تأخذ وتعطى وتقنع وتقتنع ففي رأسك العقل الذ اسمه العقل "‬

‫وحى القلم‪.‬‬

‫والقضــايا التــي عالجهــا هــذا الكتــاب قضــايا دقيقــة وخطيــرة تحتــا إلــى اطــالع ودراســة‬

‫وعلم غزير حتى يمكن اإلحاطة بها والوقوف على منهج السلف‪ ،‬ولعل بعو األسباب‬

‫التــي تكمــن فــي حــدوث مــا حــدث هــو قلــة بضــاعة الــبعو مــن المعرفــة بفقــة اإلســالم‬ ‫وجوانبه‪ ،‬و األخذ ببعو النصوا دون بعضها‪ ،‬وعدم الدراسة واإللمـام بـآرا السـلف‬

‫الصالح وال بمعرفة مواقع النصوا دون بعضها‪ .‬وعدم الدرايـة واإللمـام بـآرا السـلف‬ ‫الصالح وال بمعرفة مواقـع إجمـاع الصـحابة والتـابعين ـ رضـوان اهلل علـيهم ـ‪ ،‬وقـد أفـرد‬

‫األستاذ ـ رحمه اهلل ـ فصـالً كـامالً لهـذه الضـوابط تحـت عنـوان – التعامـل المباشـر مـع‬

‫القرآن الكريم – وقد حذرنا األسالف من االندفاع والحكم بغير علم ومن التصد لبيان‬ ‫هــذا الــدين أو تفســير أحكامــه مــن غيــر أن نلــم بالشــروط والقواعــد ونحققهــا قبــل أن‬

‫نتعرو الستنباط األحكام‪.‬‬ ‫يقــول الحســن البصــر " العامــل علــى غيــر علــم‪ ،‬كالســالك علــى غيــر طريــق‪ ،‬والعامــل‬

‫طلبــا ال يضــر بالعبــادة‪،‬‬ ‫علــى غيــر علــم مــا يفســده أكثــر ممــا يصــلحه‪ ،‬فــاطلبوا العلــم ً‬ ‫قوما طلبـو العبـادة وتركـوا العلـم‪ ،‬حتـى خرجـوا‬ ‫واطلبوا العبادة ً‬ ‫طلبا ال يضر بالعلم‪ ،‬فإن ً‬

‫بأسيافهم على أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم ولو طلبوا العلم لم يدلهم على فعلوه "‪.‬‬ ‫الفيصل‪:‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪6‬‬

‫يقول إمامنا الشهيد حسن البنا رحمه اهلل ورضي عنه في رسالة التعاليم القول الفصل‬

‫ـلما أقــر بالشــهادتين وعمــل بمقتضــاهما وأدي‬ ‫فــي هــذه القضــية‪ . .‬وهــو " ال نكفــر مسـ ً‬ ‫معلومـا مـن الـدين بالضـرورة‪،‬‬ ‫الف ار و برأ أو معصية‪ ،‬إال إن أقر بكلمة الكفر وأنكر‬ ‫ً‬

‫أو كذب صريح القرآن‪ ،‬أو فسره على وجه ال تحتملـه أسـاليب اللغـة العربيـة بحـال‪ ،‬أو‬

‫عمل عمالً ال يحتمل تأويالً غير الكفر "‪ .. .‬رسالة التعاليم‪.‬‬

‫وهذا هو األصل الذ قامت عليه الجماعة من أول يوم في نئرتها للناس‪ ،‬وهو الحق‬

‫الكامل والفقه السليم لدور الجماعة‪.‬‬

‫مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدي الفرا و"‬ ‫وقوله ـ رحمه اهلل ـ‪" :‬ال نكفر‬ ‫ً‬ ‫ـلما حتـى يعمــل بمقتضــاهما‬ ‫هـذا القــول قــد يـوهم أن مــن نطــق الشـهادتين ال يعتبــر مسـ ً‬

‫ويؤد الف ار و‪ . .‬وليس هذا بصحيح‪ ،‬وال هو مراد إمامنـا رحمـه اهلل بـدليل قولـه بعـد‬ ‫ذلك – برأ أو معصية – أ ال نكفر المسلم برأ أو معصية‪ ،‬ومعلوم أن تـرك بعـو‬ ‫الف ار و من المعاصي والعبادة التي خالطها بعو الريا مما يخالف مقتضـى شـهادة‬

‫أيضا‪ ،‬وأهل السـنة ال يكفـرون بكـل ذنـب أو بكـل معصـية فئهـر‬ ‫التوحيد من المعاصي ً‬ ‫مــن ذلــك أن م ـراد اإلمــام ـ رضــي اهلل عنــه ـ أن النطــق بالشــهادتين يســتلزم العمــل‬ ‫بمقتضاهما‪ ،‬ومن مقتضاهما أدا الف ار و واجتناب النواهي‪.‬‬

‫معلومـا مـن الـدين بالضـرورة أو‬ ‫ثم قال ـ رحمه اهلل ـ إال إن أقـر بكلمـة الكفـر‪ ،‬أو أنكـر‬ ‫ً‬ ‫كذب صريح القرآن‪ ،‬أو فسره على وجه ال تحتمله أساليب اللغة العربية بحال‪ ،‬أو عمل‬ ‫عمالً ال يحتمل تأويالً غير الكفر‪.‬‬ ‫اضيا غير مكره‬ ‫فهذه خمسة أمور واضحة جلية – ومعنى أقر بكلمة الكفر – أقر بها ر ً‬ ‫منشرحا بها صدره‪.‬‬ ‫أو أكره فجعل فتنة الناس كعذاب اهلل‪ .‬فأقر بكلمة الكفر‬ ‫ً‬ ‫معلوما من الدين بالضـرورة – يعنـى أنكـر المسـلمات الشـرعية اليقينيـة‬ ‫ومعنى – أنكر‬ ‫ً‬ ‫– كفريضة الصالة أو حرمة الخمر أو رد آية من القـرآن وأنكـر كونهـا منـه – والشـرط‬ ‫فــي هــذا كمــا ســنري فــي هــذا الكتــاب‪ ،‬أن يكــون اإلنكــار بعــد العلــم وقيــام الحجــة علــى‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪7‬‬

‫ال بأن أمثال هذه األمـور ممـا‬ ‫المنكر بالبيان الواضح والبالغ المبين‪ ،‬أما من أنكر جاه ً‬

‫علم من الدين بالضرورة فيعذر حتى يعلم واثمه على من وجب عليه البالغ ولم يفعل‪.‬‬

‫أما قوله – أو كذب صريح القرآن – فالمراد التكذيب بعلوم واضـحة صـر بهـا القـرآن‪،‬‬ ‫كرفضه ألخبـار األمـم السـابقة أو قصـا األنبيـا علـيهم الصـالة والسـالم التـي وردت‬

‫في القرآن‪.‬‬ ‫وقوله – أو فسره على وجه ال تحتمله أساليب اللغة العربية – فإن األصـل فـي تفسـير‬ ‫القـرآن هـو النقـل الصـحيح عـن لمعصـوم ـ صـلى اهلل عليـه وسـلم ـ‪ ،‬فـإن لـم يكـن فعـن‬ ‫الصحابة ـ رضوان اهلل عليهم ـ فإن لـم يكـن فـأقوال األ مـة الثقـات مـن سـلفنا الصـالح‪،‬‬

‫فإن لم يكن فلالجتهاد نصـيب بشـرط اسـتيفا األهليـة لـذلك واسـتيفا شـروط المفسـر‪،‬‬

‫وقــد أفــرد لهــا كتابنــا هــذا فصـالً كــامالً هــو افصــل الحــاد عشــر تحــت عنـوان التعامــل‬ ‫المباشر مع القرآن الكريم‪.‬‬

‫أما من تجاوز كل هذه الشروط وفسر القـرآن بهـواه فليبتـوأ مقعـده مـن النـار كمـا جـا‬

‫في الحديث وهذا إذا فسره بهواه واحتملتـه أسـاليب اللغـة العربيـة أمـا مـن فسـره بمـا ال‬

‫ـريحا‬ ‫ـذيبا صـ ً‬ ‫تحتملــه أســاليب اللغــة العربيــة بوجــه مــن الوجــوه فيعتبــر تفســيره هــذا تكـ ً‬ ‫للقرآن‪.‬‬

‫وقوله رحمه اهلل‪ :‬أو عمل عمالً ال يحتمل غير الكفر – ومثل هذا‪ :‬الذ يفـر مـن بـالد‬ ‫المسلمين إلى بالد الكفار فيدلهم على عـورات أمتـه وأسـرارها‪ ،‬ويناصـرهم علـى إخوانـه‬

‫عالمـا بمـا يفعـل‬ ‫المسلمين بالقوة أو بالعمل‪ ،‬أو خر معهـم لحـرب المسـلمين‪ ،‬ويكـون ً‬ ‫وبما يأتي من أعمال‪.‬‬

‫وهـذا الضـوابط واألصـول التـي وضـعها مؤسـس الجماعـة اإلمـام الشـهيد حسـن البنـا ـ‬ ‫رحمه اهلل ـ هي التي سار عليها خليفته األستاذ المرشد حسـن الهضـيبي ـ رحمـه اهلل ـ‬

‫وحافئ عليها‪ ،‬وكـان ـ رحمـه اهلل ـ أمي ًنـا علـى كـل نئـم الجماعـة‪ ،‬حمـل الرايـة فـي أشـد‬ ‫وفيـا ببيعتـه‪ ،‬أمي ًنـا‬ ‫الئروف وأشقها ومضى بها حتـى سـلمها كمـا تحملهـا ممـن سـبقه ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪8‬‬

‫على دعوته‪ ،‬ما النت له قناة وال انحنى إال هلل‪ ،‬وضرب المثل على قوة التحمل وصدق‬ ‫اهلل‬ ‫صـ َـدقُوا َمــا َع َ‬ ‫ـن ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫العزيمــة واإلخــالا وصــدق اهلل العئــيم ﴿ ِمـ َ‬ ‫ين ِر َجــا ٌل َ‬ ‫اهـ ُـدوا َ‬ ‫ضى َن ْح َب ُه َو ِم ْن ُهم َّمن َينتَ ِئ ُر َو َما َب َّدلُوا تَْب ِـديالً﴾‪ ،‬سـورة األحـزاب اريـة‬ ‫َعلَ ْي ِه فَ ِم ْن ُهم َّمن قَ َ‬ ‫‪.29‬‬

‫ال‪ ،‬وقـد تضـمنت المقدمـة األصـول التــي‬ ‫هـذا الكتـاب كـون مـن مقدمـة وأحـد عشـر فصـ ً‬

‫يجب أن تتبع في حياتنا ل ال نحيد عن الطريق‪.‬‬

‫ـاز ْعتُ ْم ِفــي َ‬ ‫‪ -6‬وجـوب االحتكـام إلــى اهلل ورسـوله قــال اهلل تعـالى‪﴿ :‬فَـِإن تَ​َن َ‬ ‫ـي فَـ ُـردُّوهُ‬ ‫شْ‬ ‫اهلل وا ْليـوِم ار ِ‬ ‫ول إِن ُك ْنتُم تُ ْؤ ِمنُ َ ِ‬ ‫إَِلى ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ـن تَـأ ِْويالً﴾ سـورة‬ ‫اهلل َو َّ‬ ‫َخ ِـر َذلِ َ‬ ‫سُ‬ ‫ـك َخ ْي ٌـر َوأ ْ‬ ‫ون ِب َ َ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫الر ُ‬ ‫ْ‬ ‫النسا ‪.19 :‬‬

‫‪-2‬‬

‫كل قول ال يقوم على صحته برهـان أو دليـل ال يلزمنـا ولـيس حجـة علينـا‪ ،‬وعلـى‬

‫من قال به أن يأتي بالدليل المثبت لصحة قوله‪.‬‬

‫‪ -9‬أشار إلى قضية العقـل وأنـه ال دخـل لـه فـي إيجـاب شـريعة بـأمر أو نهـى‪ ،‬فالعقـل‬ ‫نعمة من اهلل ال جدال في ذلك‪ .‬كرمه اهلل وأعطاه دوره في معالجة شـ ون الحيـاة وحـل‬

‫اضحا كما قـال أسـتاذنا ـ رحمـه‬ ‫معضالتها لكن دوره من النا يجب أن يكون‬ ‫ً‬ ‫محددا و ً‬ ‫اهلل ـ – وئيفة العقل في فهم النصوا ومعرفة مراد اهلل عز وجـل منهـا – فهـو يتلقـى‬ ‫ويحاول أن يفهم ويدرك ما يتلقاه ثم يذعن ويطبق وينفذ ما ال يفهمه اليوم مـن الـنا‬

‫غدا‪ ،‬وبهذا تكون رؤيته للنا أسلم وأكرم‪.‬‬ ‫الثابت فسيدركه ً‬ ‫وأشار في المقدمة إلى أمر آخر أال وهـو‪ :‬كـل امـر‬

‫غيـر المعصـوم ـ صـلى اهلل عليـه‬

‫وسلم ـ يؤخذ من قوله ويرد ويؤخذ من قوله ما قام الدليل والبرهان علـى أنـه حـق ويـرد‬

‫من قوله ما لم يقم دليل أو برهان على صحته‪.‬‬ ‫في الفصل األول‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪9‬‬

‫محمدا رسول اهلل‪ ،‬ومـن نطـق بهـا فقـد أصـبح‬ ‫تحدث عن شهادة أن ال إله إال اهلل وأن‬ ‫ً‬ ‫مسلما في التو واللحئة ويطالب بباقي فرا و اإلسالم ثـم أثبـت بالـدليل بطـالن القـول‬ ‫ً‬

‫بعــدم إســالم مــن نطــق بالشــهادتين إذا جهــل مفهمومهــا وأثبــت بطــالن القــول باشــتراط‬

‫العمل وبطالن التكفير بالذنب والمعصية‪ ،‬ثم تحـدث عـن مـذهب أهـل السـنة والجماعـة‬

‫في هذا األمر‪.‬‬

‫وفى الفصل الثاني‪.‬‬ ‫تحدث عن معاني الجحود والكفر والشرك والردة والنفاق‪.‬‬ ‫وفى الفصل الثالث‪.‬‬ ‫تحـــدث عـــن " إن الحكـــم إال هلل‪ .‬هـــو عقيـــدتنا وعـــن حكـــم الجاهـــل بـــاألوامر والنـــواهي‬ ‫والواجــب عليــه والواجــب علــى المجتمــع نحــوه وعــن حكــم ســن الق ـوانين ووضــع الــنئم‬ ‫التشـريعات وعـن حـد الخطــأ والتأويـل واإلكـراه وحكـم المكــره وأنواعـه والفـرق بـين عمــل‬

‫القاضي والداعية‪ ،‬وعن التطبيقات المختلفة‪.‬‬ ‫وفى الفصل الرابع‪:‬‬ ‫تحدث عن الجهـل والخطـأ فـي العقيـدة وأثبـت أنـه بعـد ثبـوت عقـد اإلسـالم لـه ال يـزول‬ ‫عنه إال بنا أو إجماع‪ . .‬واستدل على ذلك بالبراهين المختلفة من الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫وفى الفصل الخامس‪.‬‬ ‫تعرو لمن خالف األصول السابقة‪ ..‬فرد على تلك الدعاوي وأبطلها بالبرهان‪.‬‬ ‫وفى الفصل السادس‬ ‫تحدث عن الطاعة واالتباع ومعناها‪ ،‬والفرق بين االعتقاد والعمل‪.‬‬ ‫وفى الفصل السابع‪:‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪11‬‬

‫أشار إلى معنـى الحكومـة اإلسـالمية أو إمامـة الحـق ومعنـى الحكـم والتحكـيم والمعلـوم‬ ‫من الدين بالضرورة وشروط اإلمام المسلم‪ ،‬ووجوب إقامة الحكومـة اإلسـالمية‪ ،‬وحكـم‬

‫الحاكم على خالف األمر‪.‬‬ ‫وفى الفصل الثامن‪.‬‬ ‫معنى الطاغوت في اللغة والشرع ومعنى الكفر به‪.‬‬ ‫وفى الفصل التاسع‪:‬‬ ‫تحدث باستفاضة عن التعامل المباشر مع القرآن الكريم‪ ،‬ورد على بعو الشبهات في‬ ‫الشبهات في هذا الموضوع ثم أشار إلى الشروط التي يجب أن يتحلى بها من يتعرو‬

‫لهــذا األمــر الخطيــر وهــى شــروط االجتهــاد مــن معرفــة للغــة العربيــة و معرفــة التفســير‬

‫ومعرفــة الســنة‪ ،‬ومــا هــو الفــرق بــين الواجــب والمنــدوب والمبــا المحئــور والكراهــة‬ ‫يضــاف إلــى هــذه الثــروة معرفــة واقــع إجمــاع الصــحابة والتــابعين مــن الســلف واإللمــام‬

‫بآرا السلف الصالح‪.‬‬ ‫وفى الفصل العاشر‬ ‫رد على بعو التساؤالت ووضح الكثير من الشبهات التي كانت عند البعو والتـذكير‬ ‫بخط الجماعة من أول يوم في نشأتها والى اليوم‪.‬‬ ‫أخي‪:‬‬ ‫إن هذا الكتاب يجب أن يق أر من أوله إلى آخره مرة ومرات‪.‬‬ ‫يــدرس مــع األنــاة والدقــة والتجــرد فقضــية اإليمــان والكفــر مــن أخطــر قضــايا الوجــود‪،‬‬

‫والخـوو فيهـا بغيــر علـم وال برهــان وال هـدي أمـر عئــيم يجـب عليــك أن تحتـرس منــه‬

‫وأن تنتبه إليه وأن تشـغل نفسـك بغيـر هـذا‪ ،‬تشـغل فكـرك وتتجـه باهتماماتـك كلهـا إلـى‬ ‫الدعوة إلى اهلل الدعوة الفردية وحسن الصلة‪ .‬وتقديم القدوة الطيبة وترك األثر الصالح‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪11‬‬

‫في نفوس من يحيط بك أو يجاورك أو يتعامل معـك‪ ،‬أمـا أن تتحـول إلـى قـاو تصـدر‬ ‫األحكــام وتقســم النــاس إلــى ف ــات فهــذا أمــر ســهل لكنــه قــد يكلفــك مــا ال تقــدر عليــه‬

‫ورسولنا ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ" ومن دعا رجال بالكفر أو قال‪ :‬عدو اهلل وليس كـذلك‬

‫جـادا بتعلـيم الجاهـل‬ ‫إال جار عليه " اترك هذا المنحنى الخطيـر واشـغل نفسـك إن كنـت ً‬ ‫وتبصيره واألخذ بيده وتنبيه الغافل وتذكيره‪.‬‬ ‫جمعيا إلى الخير وجعلنا هداة مهتدين‪.‬‬ ‫هدانا اهلل‬ ‫ً‬

‫محمد عبد اهلل الخطيب‬ ‫‪ 61‬جمادي األولى ‪ 6411‬هـ ‪ 61‬يناير ‪ 6911‬م‬

‫تقديم الناشر‬ ‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل ومن وااله ‪ ...‬وبعد‪،‬‬ ‫لقـد مـرت بـاإلخوان المسـلمين المحـن الطاحنــة بأطوارهـا وتوالـت علـيهم الفـتن لســنوات‬

‫طوال ففتن من فتن ووفق اهلل تعالى برحمته من شا فثبته علـى الحـق الـذ جـا بـه‬ ‫المصطفى ـ عليه الصالة والسالم ـ في كل موافقة وجميع حاالته‪.‬‬

‫ولقد كان ممـا ابتلـى بـه اإلخـوان فـي سـجونهم ومعـتقالتهم مـا أئهـره الـبعو مـن رأي‬

‫بتكفير المسلمين أو التشكيك في حقيقة إسالمهم وايمانهم‪.‬‬

‫ولقد سارع اإلخوان – رغم قسـوة سـجنهم ومعـتقالتهم إلـى تصـحيح هـذا الفهـم ال رهبـة‬

‫كفـوا أحـد‬ ‫من أحد وال زلفى ألحد سوي الواحد األحد الذ لم يلد ولم يولـد ولـم يكـن لـه ً‬ ‫ردا‬ ‫وقال مرشدهم – آنذاك – األستاذ‪ /‬حسن إسـماعيل الهضـيبي ـ رضـوان اهلل عليـه ـ ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪12‬‬

‫على تلـك الـدعوي كلمتـه الجامعـة التـي حـددت طريـق اإلخـوان المسـلمين وعبـرت عـن‬

‫مــنهجهم وصــورت مهمــتهم " نحــن دعــاة ولســنا قضــاة " وأشــرف – رحمــه اهلل – علــى‬ ‫وضـع أبحــاث فـي عقيــدة أهــل السـنة فــي الموضـوعات التــي أثــار حولهـا أصــحاب تلــك‬

‫الدعوي شبهات‪.‬‬ ‫وكان من فضل اهلل ورحمتـه أن جعـل فيهـا الشـفا فهـدأت الخـواطر واطمأنـت النفـوس‬ ‫بعد أن ال الحق و انتقمت الشبهات‪.‬‬ ‫ولقد كان الواضح أن أمر تلك الفتنة قد انقضى غير أن خصوم الحق ما كاون ليرضوا‬ ‫بــذلك أو يقعــدوا عــن محــاوالتهم تشــوية الــدعوات اإلســالمية الخالصــة خاصــة بعــد أن‬ ‫لمسوا تشوق الناس لدعوة اإلسالم أيقنوا أن األمة قد استقر في وجدانها زيف كـل مـا‬

‫عـداها مـن دعـوات وأنهـا راغبـة رغبـة صـادقة ملحـة أن تعـود إلـى ربهـا وتلـوذ بشــريعة‬ ‫اقتصاديا يشمل كل جوانب‬ ‫اجتماعيا و‬ ‫وسياسيا و‬ ‫أخالقيا‬ ‫ونئاما‬ ‫دستور وقانوًنا‬ ‫ًا‬ ‫اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حياتهــا ويخرجهــا ممــا حــاق بهــا فــإذا بنــا نفاجــأ بمقــاالت تكــررت فــي الصــحف عــن "‬

‫جماعــات الهجــرة " تغــالي فــي أمرهــا وتهــول مــن مخاطرهــا‪ . .‬ولعــل القصــد مــن ذلــك‬ ‫محاوالت حاقدة لتنفير الناس من الدعاة إلى شريعة اهلل‪.‬‬ ‫لذا رأينا من المفيد نشر تلكـم األبحـاث التـي أصـدرها المرشـد العـام لإلخـوان المسـلمين‬

‫خيـر وقـد ألحقنـا بهـا رسـا ل بعـث بهـا –‬ ‫األستاذ حسن الهضيبي ـ رحمـه اهلل ـ وجـزاه ًا‬ ‫رحمه اهلل – إلى بعو إخوانه وأبنا ـه إجابـة عـن تسـاؤالت مـنهم عسـى أن يكـون فـي‬

‫ذلـــك إيضـــا لمـــن طلـــب الحـــق وبيـــان لعقيـــدة اإلخـــوان المســـلمين وتحديـــد لمـــوقفهم‬ ‫ومنهجهم ﴿ َواهللُ َيقُو ُل ا ْل َح َّ‬ ‫يل﴾‪.‬‬ ‫ق َو ُه َو َي ْه ِد‬ ‫َّ‬ ‫الس ِب َ‬ ‫القاهرة‪ :‬ربيع األول ‪6919‬‬ ‫مارس ‪.6911‬‬ ‫الناشر‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪13‬‬

‫(دار التوزيع والنشر اإلسالمية)‬ ‫مقدمة‬ ‫الح مد هلل رب العالمين ونشهد أن ال إله إال اهلل الواحد القهار الحكم العدل الخالق لكـل‬ ‫شي العالم بكـل شـي نسـتغفره ونتـوب إليـه ونسـتهديه ونسـأله التوفيـق والرشـاد وبـه‬

‫تعالى نستعين وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬ ‫ونصلى ونسلم على سيد ولد آدم أجمعين‪ .‬محمد بن عبد اهلل رسول اهلل وخاتم النبيين‬ ‫ونــذيره وبشــيره إلــى اإلنــس والجــن فــي العــالمين ونشــهد أنــه عبــد اهلل ورســوله وخــاتم‬

‫أنبيا ــه ورســله بلــا الرســالة وأدي األمانــة ومــا نطــق فــي شــي مــن الــدين إال بــالحق‬ ‫بوحي من اهلل عز وجل ﴿ومـا ي ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫نط ُ ِ‬ ‫ـوحى﴾‪ ،‬مـا تـرك‬ ‫ـي ُي َ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫ـق َعـن ا ْل َه َـوي * إ ْن ُه َـو إال َو ْح ٌ‬ ‫خيـر قـط يقربنـا‬ ‫شريعة تلزمنا وفيها رضا اهلل عنا إال فصلها ووضحها وبينها وما تـرك ًا‬ ‫من اهلل عز وجل إال نصحنا به وما كان من شـر يسـتجلب غضـب اهلل علينـا إال حـذرنا‬

‫منــه ونهانــا عنــه وتركنــا بعــد ذلــك وفينــا كتــاب اهلل وســنته عليــه الصــالة والســالم علــى‬ ‫المحجة البيضا ليها كنهارها ال يزيا عنها إال هالك‪.‬‬ ‫اللهم صل وسلم عليـه أعئـم وأتـم سـالم وعلـى آلـه وصـحبه ومـن تـبعهم بإحسـان إلـى‬ ‫يوم الدين‪.‬‬ ‫أما بعد‬ ‫فهذه بعو أبحاث حول بعو اررا التـي ئهـرت بـين حـين وحـين ولمـا لـم يكـن وجـه‬

‫ئاهر رأينا أن نتعرو لها بالتمحيا والرد إلى كتاب اهلل العزيز والى سنة‬ ‫ًا‬ ‫الحق فيها‬ ‫جليـا ويتميـز عنـه غيـره فـال يقـع أحـد‬ ‫اضحا ً‬ ‫رسوله عليه الصالة والسالم ليبين الحق و ً‬

‫في شبهة أو إشكال ولينئر طالب الحق فيما وافق كتاب اهلل وسنة رسوله ـ صـلى اهلل‬

‫صحيحا ال شبهة فيه ويعمل به ويلتزمه وفيما حاد عن كتاب اهلل‬ ‫عليه وسلم ـ فيعتقده‬ ‫ً‬ ‫وســنة الرســول ولـم يكــن لــه فيهمــا مــا يؤيــده ويثبــت صــحته فينبــذه وال يلتفــت إليــه بــل‬ ‫يؤمن ببطالنه ويعمل على تغييره‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪14‬‬

‫أصول نتبعها‪:‬‬ ‫ال ال نحيد عنه ألن اهلل عز وجل قد أمرنا به قال تعالى‬ ‫وفى هذا الذ بحثناه نلتزم أص ً‬ ‫شي فَح ْكم ُه إَِلى ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫اهلل﴾‪.‬‬ ‫﴿ َو َما ْ‬ ‫اخ َت َل ْفتُ ْم فيه من َ ْ ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األم ِـر ِمـ ْن ُك ْم فَـِإن‬ ‫يعـوا َّ‬ ‫س َ‬ ‫ُّها الَّ ِـذ َ‬ ‫أَي َ‬ ‫الر ُ‬ ‫اهلل َوأَط ُ‬ ‫آم ُنـوا أَط ُ‬ ‫ـول َوأُوِلـي ْ‬ ‫يعـوا َ‬ ‫ين َ‬ ‫اهلل وا ْليوِم ار ِ‬ ‫ول إِن ُك ْنتُم تُ ْؤ ِمنُ َ ِ‬ ‫فَردُّوه إِلَى ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ـك َخ ْيـٌر‬ ‫اهلل َو َّ‬ ‫َخ ِر َذلِ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ون ِب َ َ ْ‬ ‫الر ُ‬ ‫ْ‬

‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬يا‬ ‫ش ْي‬ ‫تَ​َن َاز ْعتُ ْم ِفي َ‬ ‫ال﴾ فأمرنا اهلل عز وجل بطاعتـه وطاعـة رسـوله عليـه الصـالة والسـالم ثـم‬ ‫س ُن تَأ ِْوي ً‬ ‫َوأ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫طاعة أولى األمر فإن وقع االخـتالف سـوا بيننـا وبـين أولـى األمـر أو فيمـا بيننـا فقـط‬ ‫فال يكون الرد إال إلى اهلل ورسوله ليكون الحكم الحق الشريعة الالزمة وبدهي أن الرد‬

‫إلى اهلل تعالى مقصود به الرد إلى ما أوحاه اهلل تعالى إلى نبيه عليـه الصـالة والسـالم‬ ‫ن الذكر المتلو المتعبد بتالوته وهو القرآن الكريم المنقول إلينا نقل الكافة عـن الكافـة‬

‫وأن الرد إلى الرسول ـ عليه الصالة والسالم ـ مقصود به الرد غلى ما أوحاه اهلل إليه ـ‬

‫عليه الصالة والسالم ـ من ذكر غير متلو وهو األحاديث الثابتة عنه ـ صـلى اهلل عليـه‬ ‫وسلم ـ‪.‬‬ ‫وأصل ثان‪:‬‬ ‫هو أن كل قول ال يقوم على صحته برهان مثبت له ال يلزمنا وليس حجـة علينـا وعلـى‬ ‫من قال به أن يأتي بالدليل والبرهان المثبتين لصحة قوله ولسنا نحن المكلفين بإقامة‬

‫البرهان على عدم صحة ما قال به دون أن يقيم هو البرهان على صحة قوله واال كان‬

‫صـحيحا فـي ذاتـه وبمجـرد قولـه وهـذا مـا ال يسـتقيم فـي البديهـة إذ‬ ‫كل قول قالـه قا ـل‬ ‫ً‬ ‫مؤداه أن تكون األقـوال المتعارضـة المتضـاربة كـل منهـا صـحيح فـي ذاتـه وهـذا يـؤدي‬ ‫بعضـا وانمـا‬ ‫بعضـا ويهـدم بعضـها ً‬ ‫إلى الحكم بصحة المتناقضـات التـي يـنقو بعضـها ً‬ ‫يلزمنا إقامة البرهان على عدم صحة ما قال به القا ل إن هو أقام مـا يطـن أنـه برهـان‬ ‫على صحة قوله فأ‪ ،‬لم نسلم بصحة برهانه وأن قوله الحق لزمنا أن نقـيم الـدليل علـى‬

‫ـك‬ ‫س لَ َ‬ ‫فساد برهانه الذ استدل به على صحة قوله‪ ،‬قال اهلل تعـالى‪َ ﴿ :‬والَ تَ ْق ُ‬ ‫ـف َمـا لَ ْـي َ‬ ‫ِب ِه ِع ْل ٌم﴾‪ ،‬وم ا ليم يقم البرهان على صحته فـال علـم لنـا بـه وقـد نهانـا اهلل عـن أتباعـه‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪15‬‬

‫َِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـاموا‬ ‫آم ُنـوا ِبـ َـرِّب ِه ْم َو ِزْد َن ُ‬ ‫ـاه ْم ُه ًـدي * َوَرَب ْط َنــا َع َلـى ُقلُـوِب ِه ْم إ ْذ قَـ ُ‬ ‫وقـال تعـالى‪﴿ :‬إن ُهـ ْـم ف ْت َيـ ٌة َ‬ ‫شـطَطًا * َه ُـؤالَ ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫و لَن َّن ْد ُع َو ِمن ُدوِن ِه إِلَ ًها لَّقَ ْد ُق ْل َنـا إِ ًذا َ‬ ‫فَقَالُوا َرُّب َنا َر ُّب َّ َ َ‬ ‫س ْلطَان َب ِّين فَ َم ْن أَ ْئلَ ُم ِم َّم ِن افْتَ​َري َعلَى‬ ‫قَ ْو ُم َنا اتَّ َخ ُذوا ِمن ُدوِن ِه آلِ َه ًة لَّ ْوالَ َيأْتُ َ‬ ‫ون َعلَ ْي ِهم ِب ُ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َكـ ِـذ ًبا﴾ والســلطان فــي اللغــة هــو الحجــة أ البرهــان – فــأثنى اهلل عــز وجــل علــى‬ ‫هؤال الفتية في إنكارهم قول قومهم إذ لم يقم قومهم على قـولهم حجـة بينـة وصـدقهم‬

‫تعلى في قولهم إن من ادعى قـو ًال بـال دليـل فإنـه يقـول علـى اهلل الكـذب وقولـه تعـالى‪:‬‬ ‫َه َوا َ ُه ْم ِب َغ ْي ِر ِع ْلم﴾ فأخبرنا اهلل تعالى بأن مـن اتبـع قـو ًال وافقـه‬ ‫ين َ‬ ‫ئ َل ُموا أ ْ‬ ‫﴿َب ِل اتََّب َع الَّ ِذ َ‬

‫بال علم بصحته فهو ئالم وقال تعالى‪ُ ﴿ :‬ق ْل َهاتُوا برَها َن ُكم إِن ُك ْنتُم ص ِ‬ ‫ين﴾‪ ،‬فأوجـب‬ ‫ـاد ِق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫تعلى أن من كان صاد ًقا فـي دعـواه فعليـه أن يـأتي بالبرهـان علـى صـحته وان لـم يـأت‬

‫بالبرهان فال صحة لقوله‪.‬‬ ‫وأصل ثالث‪:‬‬

‫هو أن ليس للعقل مدخل في إيجاب شريعة بأمر أو نهى أو بخطر أو إباحة إنما عمل‬ ‫العقــل فــي تفهــم النصــوا ومعرفــة مـراد اهلل عــز وجــل منهــا والقــا لون بجـواز القيــاس‬

‫والنافون له في تقرير هذا األصل سوا وانما احتج القا لون بالقياس بأنهم فهموا مـن‬

‫النصوا أنه يتعدي حكمهـا إلـى مـا اشـترك معهـا فـي ذات علـة الحكـم وبرهـان صـحة‬ ‫ـه إِلَـى ِ‬ ‫اخ َتلَ ْفـتُم ِف ِ‬ ‫اهلل﴾وقولـه تعـالى‪:‬‬ ‫يـه ِمـن َ‬ ‫ـي فَ ُح ْك ُم ُ‬ ‫هذا األصل قولـه تعـالى‪َ ﴿ :‬و َمـا ْ ْ‬ ‫شْ‬ ‫ـــذب َهـــ َذا حــــالَ ٌل و َهــــ َذا حــــرام لِّتَ ْفتَــــروا علَــــى ِ‬ ‫ِ‬ ‫صـ ُ ِ‬ ‫﴿والَ تَقُولُـــوا لِمــــا تَ ِ‬ ‫اهلل‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ـــف أَْلســــ َنتُ ُك ُم ا ْل َكـ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌَ‬ ‫ا ْل َك ِذب﴾وقال تعالى‪ُ ﴿ :‬ق ْل إَِّنما حَّرم رِّبي ا ْل َفو ِ‬ ‫ط َن َو ِ‬ ‫اإل ثْ َم َوا ْل َب ْغ َي‬ ‫ئ َه َر ِم ْن َها َو َما َب َ‬ ‫ا َما َ‬ ‫اح َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫اهلل ما لَم ي َنِّز ْل ِب ِه س ْلطَا ًنا وأَن تَقُولُوا علَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون﴾‬ ‫ِب َغ ْي ِر ا ْل َح ِّ‬ ‫ق َوأَن تُ ْ‬ ‫اهلل َما الَ تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫َ‬ ‫ش ِرُكوا ِب َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والقـول بـأن اهلل تعـالى أمـر بكـذا أو نهـى عـن كـذا أو حـرم كـذا أو أبـا كـذا دون ســند‬ ‫شرعي موحى به منه تعالى هو قول على اهلل تعالى بغير علم‪.‬‬

‫أيضـا فـأن كــل امـر فيمـا عــدا المعصـوم عليـه الصــالة والسـالم يؤخـذ مــن قولـه ويــرد‬ ‫و ً‬ ‫يؤخذ من قوله ما قام بها على أنه حق ويرد من قوله ما لم يقم عليه ذلك‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪16‬‬

‫ونحن حين نستشهد بأقوال السابقين من أ مة الفقة واللغة ال يدور بخلـدنا أن الواجـب‬ ‫علينــا أتبــاعهم فــي أ شــي قــالوه إنمــا نحــتج بفهمهــم اللغــة وهــم أ متهــا والعــالمون‬ ‫بمختلف أساليبها وأن فهمنا للنفس قد شاركنا فيـه أصـحاب العقـول الراجحـة والمتفقـة‬

‫في اللغة والدين‪.‬‬ ‫واهلل نســأل أن يهــدينا الرشــاد ويجنبنــا الزلــل ويبلغنــا الحــق وأن يجعــل أقوالنــا وأعمالنــا‬ ‫خالصة لوجهه تعالى مأجورة منه مقبولـة لديـه وأن يجـزي عنـا خيـر الجـزا كـل وجـدنا‬

‫علــى خطــأ فصــوبه لنــا بالحجــة والبرهــان مــن كتــاب اهلل وســنه رســوله عليــه الصــالة‬ ‫والسالم وأرشدنا إلى حقيقة ما أمر اهلل به‪.‬‬

‫محمدا رسول اهلل‬ ‫الفصل األول‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن‬ ‫ً‬ ‫معناها (مضمونها)‪ :‬دخول اإلنسان بها في دين اإلسالم‪ ،‬وما يتصل بـذلك مـن معـاني‬ ‫كلمات‪ :‬اإلله ‪ -‬الرب‪ -‬العبادة – الدين‪.‬‬ ‫الشهادة‪:‬‬ ‫في اللغة معناها الحضور والمعاينة وما ينتج عن ذلك في النفس من علم وتيقن‪.‬‬ ‫والشهادة على الشي ‪:‬‬ ‫شاهدا‪.‬‬ ‫قاطعا فيكون المخبر‬ ‫اإلخبار به خب ًرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والشهادة ما يتلفئ به المر لإلخبار بما علم‪.‬‬ ‫والعلم في اللغة‪:‬‬ ‫حصول حقيقة العلم فالعلم بالشي تيقنه على ما هو عليه في الحقيقة‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪17‬‬

‫وعلـى ذلــك تكــون لشــهادة أن ال إلــه إال اهلل لفئــة ينطقهـا المــر لإلخبــار بمــا وقــع فــي‬

‫نفسه من تيقن من وجود ذات اهلل تعلـى وأنـه تعـالى أحـد ال إلـه سـواه إقـرار منـه بـذلك‬

‫وهذا التلفئ بما يفيد هذا المعنى يسـمى شـهادة سـوا أكـان المخبـر صـادقًا فيمـا أخبـر‬

‫به عن نفسه أم غير صادق قال ـ عليه الصالة والسالم ـ‪" :‬أال وشهادة الزور" فسمي ـ‬

‫عليه الصالة والسالم ـ اإلخبار بما ال يطابق الحقيقة شهادة‪.‬‬ ‫ولفئ الجاللة "اهلل" علم على الرب تبارك وتعالى‪.‬‬

‫قال ابن كثير القرشي‪ :‬اهلل علم على الرب تبارك وتعـالى يقـال إنـه االسـم األعئـم ألنـه‬ ‫ـه إِالَّ ُهـ َـو َعــالِم ا ْل َغ ْيـ ِ‬ ‫ـب‬ ‫يوصــف بجميــع الصــفات كمــا قــال تعــالى‪ُ ﴿ :‬هـ َـو اهللُ الَّـ ِـذ الَ إِلَـ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫اد ِة ُهــو الـ َّـر ْحم ُن الـ َّـر ِحيم * ُهــو اهلل الَّـ ِـذ َال إَِلـ َ َّ‬ ‫َو َّ‬ ‫ال ُم‬ ‫ُّوس َّ‬ ‫الس ـ َ‬ ‫الشـ َ‬ ‫ـه إِال ُهـ َـو ا ْل َمل ـ ُك ا ْلقُــد ُ‬ ‫ـه َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ان ِ‬ ‫ق‬ ‫اهلل َع َّمـا ُي ْ‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِم ُن ا ْل ُم َه ْـي ِم ُن ا ْل َع ِز ُ‬ ‫ون * ُه َـو اهللُ ا ْل َخـالِ ُ‬ ‫ش ِـرُك َ‬ ‫س ْـب َح َ‬ ‫َّـار ا ْل ُمتَ َك ِّب ُـر ُ‬ ‫يـز ا ْل َجب ُ‬ ‫السـماو ِ‬ ‫ار ا ْلمص ِّور لَ ُه األَسما ا ْلحس َنى يس ِّـبح لَ ُ ِ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫يـز‬ ‫و َو ُه َـو ا ْل َع ِز ُ‬ ‫َْ ُ ُ ْ ُ َ ُ‬ ‫ـه َمـا فـي َّ َ َ‬ ‫ا ْل َب ِ ُ ُ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سـ َنى‬ ‫َسـ َـما ُ ا ْل ُح ْ‬ ‫ـيم﴾ فــأجري األســما الباقيــة صــفات لــه كمــا قــال تعــالى‪َ ﴿ :‬وهلل األ ْ‬ ‫ا ْل َحكـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل أ َِو ْاد ُعـوا َّ‬ ‫فَ ْ‬ ‫الـر ْح َم َن أَيِّـا َّمـا تَ ْـد ُعوا َف َل ُ‬ ‫ـه األ ْ‬ ‫َس َـما َ‬ ‫اد ُعوهُ ِب َها﴾ وقال تعالى ﴿ ُقـل ْاد ُعـوا َ‬ ‫س ـ َنى﴾ وفــى الصــحيحين عــن أبــى هريــرة رضــي اهلل عنــه أن رســول اهلل صــلى اهلل‬ ‫ا ْل ُح ْ‬

‫احدا من أحصـاها دخـل الجنـة‬ ‫عليه وسلم قال‪ " :‬إن هلل تسعة وتسعين اسماً ما ة إال و ً‬ ‫" واستطرد ابن كثير قا الً إن اسم الجاللة اسم لم ُيسم به غيره تبارك وتعالى‪ ،‬ولهذا ال‬ ‫يعالف في كالم العرب له اشتشقاق من فعل يفعل فذهب من ذهب من النحاة إلـى أنـه‬ ‫اسـم جامـد ال اشـتقاق لــه وقـد نقلـه القرطبــي عـن جماعـة مــن العلمـا مـنهم الشــافعي‬

‫والخاطبي وامام الحرمين والغزالي وغيرهم‪.‬‬ ‫وقيل إنه مشتق واستدلوا على ذلك بقول رؤبة بن العجا ‪:‬‬ ‫هلل در الغانيات المده‬

‫سبحن واسترجعن من تألهي‬

‫وتألهــا كمــا روي عــن ابــن‬ ‫وقـد صــر الشــاعر بلفــئ المصــدر وهــو التألــه ألــه يألــه إلــه‬ ‫ً‬ ‫عباس أنه قرأ ﴿ويذرك و الهتك﴾‪ ،‬بمعنى عبادتك أ أنه كان يعبد وال يعبد وكذلك قال‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪18‬‬

‫مجاهـــد وغيـــره وقـــد اســـتدل بعضـــهم علـــى أنـــه مشـــتق بقولـــه تعـــالى‪َ ﴿ :‬و ُهـ َــو اهللُ ِفـــي‬ ‫السماو ِ‬ ‫الس َما ِ إِلَ ٌه َوِفـي األ َْر ِ‬ ‫ات َوِفي األ َْر ِ‬ ‫ـه﴾‬ ‫و﴾ وبقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و ُه َو الَّ ِذ ِفي َّ‬ ‫و إِلَ ٌ‬ ‫َّ َ َ‬

‫ونقــل ســيبويه عــن الخليــل أن أصــل "إلــه" مثــل فعــال وقيــل أصــل الكلمــة "اله" فــدخلت‬ ‫األلف والالم للتعئيم وهذا اختيار سيبويه قال الشاعر‪:‬‬ ‫اله ابن عمك ال أفضلت في حسب‬

‫عنى وال أنت دياني فتحزوني‬

‫وقال الكسا ي والفـ ار ‪ :‬أصـله "اإللـه" حـذفوا الهمـزة وأضـغموا الـالم واألولـى فـي الثانيـة‬ ‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬ل ِك َّن ُه َو اهللُ َرِّبي﴾ أ "لكن أنا" وقـد قرأهـا كـذلك الحسـن ثـم قيـل هـو‬ ‫مشتق مـن " ولـه " إذا تحيـر‪ ،‬و " الولـه" ذهـاب العقـل يقـال رجـل "والـه" وامـرأة "ولهـى"‬

‫"مولوهة" إذا أرسل في الصحرا واهلل تعالى يحير هـؤال فـي الفكـر فـي حقـا ق صـفاته‬

‫قال الراز ‪ :‬وقيل إنه مشتق من "ألهت إلى فالن" أ ركنـت إليـه والعقـول ال تسـكن إال‬ ‫إلى ذكره واألروا ال تفر إال بمعرفته ألنه الكامل على اإلطالق دون غيره قال تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا وقيل من "اله يلوه" إذا احتجب وقيل‬ ‫وب﴾‪ ،‬وقال الراز‬ ‫ً‬ ‫﴿أَ َال ِبذ ْك ِر اهلل تَ ْط َم ُّن ا ْل ُقلُ ُ‬ ‫أيضــا‪ :‬اشــتقاقه مــن "ألــه الفصــيل" أولــع بأمــه وال معنــى أن العبــاد "مؤهلــون" مولعــون‬ ‫ً‬ ‫بالتضرع إليه في كل األحوال وقال أيضا‪ :‬وقيل من " أله " الرجل إذا فزع من أمر نـزل‬

‫به "فألهه" أ أجاره فالمجير لجميع الخال ق من كل المضار هو اهلل سبحانه وتعـالى‪:‬‬ ‫ـن ِ‬ ‫اهلل﴾‬ ‫﴿ َو ُه َو ُي ِج ِي ُر َوالَ ُي َج ُار َعلَ ْي ِه﴾‪ ،‬وهو المنعم لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما ِب ُكم ِّمن ِّن ْع َمة فَ ِم َ‬ ‫وهو المطعم لقوله تعالى‪َ ﴿:‬و ُه َـو ُي ْط ِعـ ُم َوالَ ُي ْط َع ُـم﴾‪ ،‬هـو الموجـد لقولـه تعـالى‪ُ ﴿ :‬ق ْـل ُكـل‬ ‫ِّم ْن ِع ْن ِد ِ‬ ‫اهلل﴾‪ ،‬وقـد اختـار الـراز أنـه اسـم غيـر مشـتق البتـة وقـال‪ :‬وهـو قـول الخليـل‬ ‫وسيبويه وأكثر األصوليين والفقها ثم أخذ يستدل علـى ذلـك بوجـوه منهـا أنـه لـو كـان‬

‫مشــتقًا ال شــترك فــي معنــاه كثيــرون وفيهــا أن بقيــة األســما تــذكر صــفات فنقــول "اهلل‬ ‫الرحمن الرحيم الملك القدوس" فدل ذلك على أنه ليس بالمشتق ثـم اسـتطرد ابـن كثيـر‬

‫قا الً‪ :‬وحكى الراز عن بعضهم أن اسم اهلل تعالى عبرانى ثم ضعفه وروي عن الخليل‬ ‫بن أحمد أنه قال‪ :‬ألن الخلق يألهون إليه بفـتح الـالم وكسـرها لغتـان وقيـل إنـه مشـتق‬ ‫مــن االرتفــاع فكانــت العــرب تقــول لكــل شــي مرتفــع "الهــا" وكــانوا يقولــون إذا طلعــت‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪19‬‬

‫الشــمس "الهــت" وقيــل إنــه مشــتق مــن " ألــه " الرجــل إذا تعبــد و " تألــه " إذا تنســك‬ ‫انتهى‪.‬‬ ‫االختالف حول األصل اللغو لكلمة "اإلله" وآثاره‪:‬‬ ‫هذا االختالف الواضح في تحقيق اللغـويين أهـل الثقـة والمعرفـة لكلمـة "اإللـه" أو "اهلل"‬

‫جامدا غير مشتق أم أنه اسم‬ ‫اسما‬ ‫ً‬ ‫وعدم توصلهم إلى القطع بما إذا كان لفئ الجاللة ً‬ ‫مشــتق مـــن مصــدر فعـــل معــروف واذا كـــان مشــت ًقا فـــأ مصــدر أو فعـــل اشــتق منـــه‬ ‫والمعاني المتعددة للمصدر أو الفعل الذ ذهب إليه من قالوا باالشتقاق وعدم االتفاق‬

‫علـى معنـى معــين أو مجموعـة معــان محـددة يشــملها المصـدر أو الفعــل الـذ قيــل إن‬ ‫اللفئة مشتقة منه هذا االختالف ليس بـذي أهميـة ونحـن فـي غنـى عـن الخـوو فيـه‬ ‫ذلــك أن اهلل تعلــى أخبرنــا بــالقول اليقــين والصــدق الخــالا وفصــل الخطــاب أن القــدرة‬

‫علــى الخلــق والعلــو والتســامي والســلطان الكبيــر العئــيم واإلجــارة واج ـرا الــرزق وكــذا‬

‫الملك والتصرف كانـت مـن المعـاني المعروفـة بـين كثيـرين فـي الجاهليـة للفـئ الجاللـة‬ ‫السـ َـما ِ َواأل َْر ِ‬ ‫ـار َو َمــن‬ ‫َمــن َي ْملِـ ُك َّ‬ ‫ـن َّ‬ ‫و أ َّ‬ ‫قــال تعــالى‪ُ ﴿:‬قـ ْـل َمــن َيـ ْـرُزقُ ُكم ِّمـ َ‬ ‫السـ ْـم َع َواأل َْب َ‬ ‫صـ َ‬ ‫ون اهللُ﴾‪ ،‬فـدل‬ ‫يْ‬ ‫ُّخ ِر ُ ا ْل َح َّي ِم َن ا ْل َم ِّي ِت َوُي ْخ ِر ُ ا ْل َم ِّي َت ِم َن ا ْل َح ِّي َو َمن ي َ‬ ‫س َـيقُولُ َ‬ ‫األم َر فَ َ‬ ‫ُّد ِّب ُر ْ‬ ‫قوله تعـالى أنهـم سـيجيبون بـأن الـرازق والمالـك للسـمع واألبصـار والمخـر للحـى مـن‬ ‫الميت و الميت من الحي والمدبر لألمر هـو اهلل شـأنه دل ذلـك علـى أنهـم يعلمـون أن‬

‫هــذه القــدرات هــي مــن صــفات اهلل عــز وجــل وكــذلك األمــر فــي قولــه تعــالى‪ُ ﴿ :‬قــل لِّ َمـ ِـن‬ ‫ون ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون * ُقـ ْـل َمــن َّر ُّب‬ ‫هلل ُقـ ْـل أَفَ ـ َ‬ ‫األ َْر ُ‬ ‫ال تَ ـ َذ َّك ُر َ‬ ‫سـ َـيقُولُ َ‬ ‫يهــا إِن ُك ْنــتُ ْم تَ ْع َل ُمـ َ‬ ‫و َو َمــن ف َ‬ ‫ـون * َ‬ ‫ون ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ْـب ِع ور ُّب ا ْلعـر ِ ِ ِ‬ ‫هلل ُق ْـل أَفَـالَ تَتَّقُـو َن * ُق ْـل َمـن ِب َي ِـد ِه‬ ‫َّ‬ ‫س َـيقُولُ َ‬ ‫ا ا ْل َعئـيم * َ‬ ‫َْ‬ ‫الس َـم َاوات َّ َ َ‬ ‫ون ِ‬ ‫هلل ُق ْـل فَـأ ََّنى‬ ‫وت ُك ِّل َ‬ ‫َملَ ُك ُ‬ ‫س َـيقُولُ َ‬ ‫ش ْي َو ُه َو ُي ِج ِي ُر َوالَ ُي َج ُار َعلَ ْي ِـه إِن ُك ْنـتُ ْم تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫ـون * َ‬ ‫ون﴾‪.‬‬ ‫س َح ُر َ‬ ‫تُ ْ‬

‫وئـاهر هـذه اريـات أن اإلجابـة بمفهـوم لفـئ الجاللـة سـيكون مـن الجميـع دون تمييــز‬

‫ولو لم تكن غير هذه اريات لقلنا بذلك ولكنـا وجـدنا آيـات أخـري تقطـع بـأن هنـاك مـن‬ ‫ينكر ويجحد وجود اهلل كليـة ومثـل هـذا الجاحـد ال تصـدر عنـه اإلجابـة بـاالعتراف بـاهلل‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪21‬‬

‫عز وجل وسلطانه وقدراته قال تعـالى‪َ ﴿ :‬وقَـالُوا َمـا ِهـي إِالَّ َح َياتَُنـا ُّ‬ ‫ـوت َوَن ْح َيـا‬ ‫الـد ْن َيا َن ُم ُ‬ ‫َ‬ ‫ــن َغ ْيـ ِ‬ ‫ون * أ َْم َخلَقُـــوا‬ ‫ــر َ‬ ‫َو َمـــا ُي ْهلِ ُك َنـــا إِالَّ الـــد ْ‬ ‫َّه ُر﴾‪﴿ ،‬أ َْم ُخلِقُـــوا ِمـ ْ‬ ‫ــم ا ْل َخـــالِقُ َ‬ ‫ــي أ َْم ُهـ ُ‬ ‫شـ ْ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ون﴾‪ ،‬فدل ذلك على أن اإلجابة التي أنبأنا اهلل عـز وجـل‬ ‫ات َواأل َْر َ‬ ‫و َبل الَّ ُيوِقنُ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫أنها ستكون له باإلقرار له عز وجل بسلطانه وقدراته هي من البعو دون البعو‪.‬‬ ‫حكم الناطق بالشهادتين‪.‬‬ ‫مسلما تجري‬ ‫محمدا رسول اهلل أن نعتبره‬ ‫وحكم الناطق بشهادتي أن ال إله إال اهلل وأن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عليه أحكام المسلمين وليس لنا أن نبحث في مـدي صـدق شـهادته إذ أن ذلـك متعلـق‬ ‫بما استشعره واستيقنه بقلبه وهو أمر ال سبيل لنا للشكف عنه والتثبت منه ولكن ذلـك‬

‫مسـلما‬ ‫من شأن الذ يعلم السر وأخفى فمـن اسـتيقن قلبـه مـا نطـق بـه كـان عنـد اهلل‬ ‫ً‬ ‫مؤم ًنا ونفعه ما تلفئه بلسانه‪.‬‬

‫وبرهان ما قدمنا‪ :‬قول الرسـول عليـه الصـالة والسـالم فيمـا حـدث بـه أبـو هريـرة رضـي‬ ‫اهلل تعالى قال‪ " :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل ويؤمنوا بي وبما‬ ‫ج ت به فإذا فعلوا ذلك عصموا ممنى دما هم وأموالهم إال بحقها وحسابهم على اهلل "‬

‫والمجمـع عليــه مـن أهــل اإلسـالم أن الــذ يعصـم مالــه ودمـه بالشــهادتين هـو المســلم‬

‫وأمــا عصــمة أم ـوال ودمــا أهــل الذمــة فتكــون بالعهــد وأدا الجزيــة مــع الصــغار وال‬ ‫يشترط فيهم النطق بالشهادتين‪.‬‬ ‫وقوله عليه الصالة والسـالم فيمـا حـدث بـه أنـس بـن مالـك رضـي اهلل عنـه "يخـر مـن‬ ‫النار من قال ال إله إال اهلل وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخر مـن النـار‬

‫من قال ال إله إال اهلل وكان في قلبه من الخير ما يزن بره ثم يخر من النـار مـن قـال‬ ‫اهلل الَ َي ْغ ِف ُـر أَن‬ ‫ال إله إال اهلل وكان فـي قلبـه مـن الخيـر مـا يـزن ذرة" وقـال تعـالى ﴿إِ َّن َ‬ ‫شا ُ﴾ فعلمنا يقي ًنا أن من قـال ال إلـه إال اهلل وكـان‬ ‫ُي ْ‬ ‫ون َذلِ َك لِ َمن َّي َ‬ ‫ش َر َك ِب ِه َوَي ْغ ِف ُر َما ُد َ‬

‫في قلبه مثقال ذرة من خير ليس مشرًكا والكافر والمشرك سوا ‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪21‬‬

‫بدر أنه قال‪ :‬يا رسول اهلل إن لقيـت‬ ‫وحدث المقداد بن عمرو الكند وهو ممن شهدوا ًا‬ ‫كافر فاقتتلنا فضرب يد بالسيف فقطعها ثم الذ بشجرة وقال أسلمت هلل آقتله بعـد أن‬ ‫ًا‬ ‫قالها ؟ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬ال تقتله " قال يـا رسـول اهلل فإنـه طـر‬

‫إحدي يد ثم قال ذلـك بعـدما قطعهمهـا آقتلـه قـال " ال تقتلـه فـإن قتلتـه فإنـه بمنزلتـك‬

‫قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال"‬

‫وحدث أسامة بن زيد بن حارثة قال‪ :‬بعثنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى الحرقة‬ ‫من جهينـة فصـبحنا القـوم فهزمنـاهم ولحقـت أنـا ورجـل مـن األنصـار رجـالً مـنهم قـال‪:‬‬

‫فلما غشيناه قال‪ :‬ال إال إال اهلل ؟ قال فكف عنه األنصار فطعنته برمحي فقتلته قـال‪:‬‬

‫فلما قدمنا بلا ذلك النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬فقـال لـي‪ " :‬يـا أسـامة أقتلتـه بعـد‬

‫أن قال ال إله إال اهلل! "قلت يا رسول اهلل إنما كان متعوًذا قال‪" :‬أقتلتـه بعـد أن قـال ال‬

‫إله إال اهلل ؟ "فما زال يكررها على حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم"‬

‫وحدث أبو ذر الغفار رضي اهلل عنه عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسـلم فـي حـديث‬

‫طويل قال فيه قال رسول اهلل صلى اهلل عليـه وسـلم "ذلـك جبريـل أتـاني فقـال مـن مـات‬ ‫من أمتك ال يشرك باهلل شي ًا دخـل الجنـة قلـت‪ :‬و إن زنـا وان سـرق قـال‪ :‬وان زنـا وان‬ ‫سرق"‪.‬‬

‫فهذه النصوا الثابتة عن رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ قاطعة في داللتها على‬

‫مسـلما‬ ‫صحة الحكم الذ قلنا به وهو أن حكم اهلل أن نعتبر أن مـن نطـق بالشـهادتين‬ ‫ً‬

‫تجري عليه أحكام المسـلمين وأن نعاملـه بمقتضـى أحكـام الشـريعة اإلسـالمية باعبتـاره‬

‫مسلما وأن نكل سريرته إلى عالم السرا ر جل شأنه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كلمة الرب‪:‬‬ ‫أيضــا‬ ‫كملـة الـرب معناهـا – كمـا قــال ابـن كثيـر – المالـك المتصــرف ويطلـق فـي اللغـة ً‬

‫علـى السـيد وعلــى المتصـرف لإلصـال وبمثــل ذلـك قـال النســفي – وقـال آخـرون إنهــا‬

‫أيضــا بمعنــى المربــى الكفيــل بقضــا الحاجــات القــا م بــأمر التربيــة والتنش ـ ة والرقيــب‬ ‫ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪22‬‬

‫والر يس المطاع صاحب السلطة النافذ الحكم‪ ،‬المعترف له بالعال والسـيادة وكـل ذلـك‬ ‫واضح وأنه داخل في معنى المالك المتصرف والسيد المتعهد لإلصال ‪.‬‬ ‫كلمة العبادة‪:‬‬ ‫أيضــا إقامــة الشــعا ر الدينيــة بقصــد التعئــيم‬ ‫العبــادة هــي االتبــاع واالنقيــاد المطلقــان و ً‬ ‫واإلجالل واعالن الخضوع والتذلل‪.‬‬ ‫كلمة الدين‪:‬‬ ‫وكلمة الدين معناها‪:‬‬ ‫‪ -6‬القهر والغلبة‪.‬‬ ‫‪ -2‬التعبد والطاعة‪.‬‬ ‫‪ -9‬الشريعة أ الحدود والقوانين والطريقة التي تتبع‪.‬‬ ‫‪ -4‬المحاسبة والجزا والعقاب‪.‬‬ ‫بعو آرا األستاذ المودود ‪:‬‬ ‫قال األستاذ المودودي في كتابه المصطلحات األربعة‪.‬‬ ‫" لما نزل القرآن الكريم في العرب وعرو على الناطقين بالضـاد كـان كـل امـر مـنهم‬ ‫يعــرف معنــى اإللــة ومــا الم ـراد بــالرب ألن كلمتــي اإللــة والــرب كانتــا مســتعملتين فــي‬

‫علما بجميـع المعـاني التـي تطلـق الكلمتـان عليهـا‬ ‫كالمهم من ذ قبل وكانوا يحيطون ً‬ ‫ومن ثم إذا قيل ال إله إال اهلل وال رب سواه وال شريك له فـي ألوهيتـه وربوبيتـه‪ ،‬أدركـوا‬ ‫تماما وبين لهم من غيـر مـا لـبس أو إبهـام أ شـي هـو الـذ قـد نفـاه‬ ‫ما دعوا إليه ً‬ ‫القا ــل ومنــع غيــر اهلل أن يوصــف بــه وأ شــي قــد خصــه وأخلصــه هلل تعــالى والــذين‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪23‬‬

‫كفروا إنما كفروا عـن بينـه ومعرفـة بكـل مـا يبطلـه وينعـى عليـه كفـره بألوهيـة غيـر اهلل‬ ‫وربوبيته‪.‬‬ ‫وكذلك من آمن فق آمن عن بينة وبصيرة بكـل مـا يوجـب قبـول تلـك العقيـدة األخـذ بـه‬ ‫واالنسالخ عنه وكذلك كانت كلمتا العبادة والدين شا عتين في لغتهم وكانوا يعلمون ما‬ ‫العبد وما الحال التي يعبر عنها بالعبودية وما هـو المنهـا العملـي الـذ يطلـق عليـه‬ ‫اسم العبادة وما مغزي الدين وما هي المعاني التي تشـمل عليهـا هـذه الكلمـة ومـن ثـم‬

‫لما قيل لهم اعبدوا اهلل واجتنبوا الطـاغوت وادخلـوا فـي ديـن اهلل منقطعـين عـن األديـان‬

‫كلها ما أخطأوا في فهم هذه الدعوة التي جا بها القرآن وما إن قرعن أسماعهم حتى‬ ‫تبينوا أ نوع من التغيير في نئام حياتهم جا ت تطالبهم به تلك الدعوة‪.‬‬ ‫ولكـــن القـــرون التـــي تلـــت تلـــك العصـــر الزاهـــر جعلـــت تتبـــدل فيهـــا المعـــاني األصـــلية‬ ‫الصحيحة لجميع تلك الكلمات تلك المعاني التي كانـت شـا عة بـين القـوم عصـر نـزول‬

‫القرآن حتى أخذت تضيق كل كلمة من تلكم الكلمات األ ربع لما كانت تتسع له و تحيط‬ ‫به من قبل وعادت منحصرة فـي معـان ضـيقة محـدودة ومخصوصـة لمـدلوالت غامضـة‬

‫ومشتبهة ذلك لسببين‪:‬‬ ‫أ – قلـــة الـــذوق العربـــي الســـلمي ونضـــوب معـــين العربيـــة الخالصـــة فـــي العصـــور‬ ‫المتأخرة‪.‬‬ ‫ب – إن الذين ولدوا في المجتمع اإلسالمي ونشأوا فيه لم يكن قد بقى لهم من معاني‬ ‫كلمــات اهلل والعبــادة والــرب والــدين مــا كــان شــا ًعا فــي المجتمــع الجــاهلي وقــت نــزول‬ ‫القرآن‪.‬‬

‫وألجل هذين السببين أصبح اللغويون والمفسرون في العصور المتأخرة يشرحون أكثر‬ ‫كلمـات القـرآن فـي معـاجم اللغـة وكتـب التفسـير بالمعـاني التـي فهمهـا المتـأخرون مـن‬

‫المسلمين بد ًال من معانيها األصلية وأمثلة ذلك‪:‬‬ ‫‪-6‬‬

‫أن كلمة اإلله جعلوها كأنها مترادفة مع الذ األوثان واألصنام‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪24‬‬

‫‪-2‬‬

‫أن كلمة الرب جعلوها مرادفة مع الذ يربى وينشـ وللـذات القا مـة بـأمر تربيـة‬

‫الخلق وتنش تهم‪.‬‬ ‫‪-9‬‬

‫العبــادة‪ :‬حــددوها فــي معــاني التألــه والتنســك والخضــوع والص ـالة بــين يــد اهلل‬

‫تعالى‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫الدين‪ :‬جعلوها نئير كلمة النحلة‪.‬‬

‫‪-1‬‬

‫الطاغوت‪ :‬فسروها بالصنم أو الشيطان‪.‬‬

‫والنتيجة‪ :‬أن تعذر على الناس أن يدركوا حتى الغرو الحقيقي والمغزي الجـوهر مـن‬ ‫إلهـا ئنـوا أنهـم وفـوا مطالـب‬ ‫دعـوة القـرآن فـإذا دعـاهم القـرآن أال يتخـذوا مـن دون اهلل ً‬ ‫القرآن حقها لما تركوا األصنام واعتزلوا األوثان والحال أنهم ال يزالون متشبثين بكل ما‬ ‫يسعه ويحيط به مفهوم اإللة ما عـدا األوثـان واألصـنام وهـم ال يشـعرون أنهـم بعملهـم‬

‫إلها واذا ناداهم القرآن بأن اهلل تعالى هو الرب فـال تتخـذوا مـن‬ ‫هذا قد اتخذوا غير اهلل ً‬ ‫ومتعهدا ألمرنـا وبـذلك قـد‬ ‫مربيا لنا‬ ‫ً‬ ‫دونه رًبا قالوا‪ :‬ها نحن أوال ال نعتقد من دون اهلل ً‬

‫كملت عقيدتنا في باب التوحيد والواقع أنه قد أذعن أكثرهم لربوبية غير اهلل تعالى مـن‬

‫حيث المعاني األخري التي تطلق عليها كلمة "الرب" غير هذا المعنى "المربى"‪.‬‬ ‫واذا خــاطبهم الق ـرآن أن عبــدوا اهلل واجتنب ـوا الطــاغوت "قــالوا ال نعبــد األوثــان ونــبغو‬ ‫الشيطان ونلعنه وال نخشع إال هلل‪ ،‬وقد امتثلنا هذا األمر القرآني امتثا ًال والحال أنهم ال‬

‫يزالــون متمســكين بأذيــال الطواغيــت األخــري غيــر األصــنام المنحوتــة مــن الحجــارة وقــد‬

‫خصوا سا ر ضروب العبادة – اللهم إال التأله – لغير اهلل وقل مثل ذلك في الدين فـإن‬ ‫ال يفهـم النــاس مــن معنــى إخــالا الــدين هلل تعــالى غيــر أن ينتحــل المــر مــا يســمونه‬

‫بالديانة اإلسالمية‪.‬‬ ‫وأال يبقى في ملة الهنادك أو اليهود أو النصاري ومن هنا يزعم كل من هو معدود من‬

‫أهل الديانة اإلسـالمية أنـه قـد أخلـا دينـه هلل تعـالى والحـق أن أغلبيـتهم لـم يخلصـوا‬

‫دينهم هلل تعالى من حيث المعاني الواسعة التي تشتمل على كلمة "الدين" انتهى‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪25‬‬

‫أحكام شرعية رتبها البعو على ما قدمناه من رأ األستاذ المودود ‪:‬‬ ‫وقد رتب البعو على ذلك الذ قدمناه من كالم األستاذ المودود نتـا ج وبنـوا عليهـا‬ ‫أحكاما زعموا أنها مقتضى شريعة اهلل تعالى فقالوا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫إنه لما كـان النـاس ارن ال يعرفـون حقيقـة معنـى كلمـات اإللـه والـرب والعبـادة والـدين‬

‫كالما ال يدركون‬ ‫فإنهم إذ يرددون شهادة "ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل" إنما يرددون ً‬ ‫حقيقة معناه وهم ال ينطقون بالشهادة التي كان ينطق بها العربي حين البعثة ألن هذا‬ ‫كان على بينة من معنى ما كان يشهد به ويقرره‪ ،‬ولذا كان الرسول – صلى اهلل عليه‬

‫حكمـا‬ ‫وسلم – يقبل تلـك الشـهادة المعلـوم مضـمونها ومفهومهـا لمـن أداهـا‪ ،‬ويعتمـدها ً‬

‫بإسالمه‪ ،‬أمـا ارن ال نسـتطيع أن نعتمـد إسـالم مـن نطـق بالشـهادتين مـا دام ال يـدرك‬

‫كثيـر ممـن ينطقـون بالشـهادتين‬ ‫حقيقة مفهومها‪ ،‬وواقع الحال شـاهد علـى ذلـك إذ أن ًا‬ ‫يــأتون فــي نفــس الوقــت أحكــام الــدين فيمــا يتعلــق بــأنئمتهم السياســية واالجتماعيــة‬ ‫واالقتصادية وسا ر ش ون حياتهم مع إصـرارهم علـى النطـق بالشـهادتين والـزعم بـأنهم‬

‫مسلما تجوز معاملتـه علـى هـذا األسـاس‬ ‫مسلمون‪ ،‬وخلصوا من ذلك إلى أنه ال يعتبر‬ ‫ً‬ ‫والصالة ورا ه إال من تأكدنا من فهمه لحقيقة معاني الشهادتين ومفهومها‪.‬‬

‫وزاد الــبعو علــى ذلــك أنــه البــد باإلضــافة إلــى تأكيــدنا مــن علــم النــاطق بالشــهادتين‬

‫ـاهدا علــى صــدق مــا نطــق بــه ومؤيـ ًـدا لــه حتــى يعتبــر‬ ‫بمفهومهمــا أن يقــوم عملــه شـ ً‬ ‫مسلم ا‪ ،‬فإن لم تكن أعماله مصدقة لشهادته فإننـا ال نسـتطيع أن نحكـم بإسـالمه‪ ،‬فـال‬ ‫ً‬ ‫ـلما‪ ،‬واحتجـوا بــالقول المنســوب إلــى الرســول عليــه الصــالة والســالم‪" :‬لــيس‬ ‫نعتبــره مسـ ً‬ ‫اإليمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل"‪.‬‬

‫اعتراو على بعو ما قرره األستاذ المودود ‪:‬‬ ‫ونــرد أوال علــى التقريــر بــأن معــاني األلوهيــة والربوبيــة والعبــادة والــدين كانــت شــا عة‬ ‫معروفة بين العـرب مـن قبـل البعثـة وأنهـا بعـد ذلـك قـد ضـاعت وتبـدلت وانحصـرت فـي‬

‫معان ضيقة محدودة غير ما كانت تتسع له من قبل‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪26‬‬

‫فنقول بعون اهلل إن هذا التقرير ال يتفـق مـع الواقـع‪ ،‬ذلـك أنـه ًأيـا كانـت المعـاني التـي‬ ‫محـددا مـا يقصـده‬ ‫كانت شا عة في الجاهلية لتلكم الكلمات فإن القـرآن الكـريم قـد جـا‬ ‫ً‬ ‫المعني من كل لفئة من ألفائها‪ ،‬مبي ًنا ذلك غاية البيان‪،‬‬ ‫من كل منها‪ ،‬معرفًا المفهوم‬ ‫ّ‬ ‫مجليا المعنى المراد بما ال يدع مجاال للبس أو وغموو وهذا البيان القرآني قـد أغنـى‬ ‫ً‬ ‫عن الرجوع إلى أصل تلك الكلمات في اللغـة ومـا كـان لهـا مـن معـان قبـل نزولـه‪ ،‬نـوال‬

‫يستريب مسـلم أن بيـان القـرآن الكـريم هـو األحكـم واألوضـح واألشـمل واألجـل‪ ،‬بـل هـو‬

‫الذ يتعين األخذ به والتسليم بمقتضاه سوا وافق ذلك ما كان قبل نزوله أم ال‪.‬‬ ‫والقرآن الكريم يزخر باريات البينات لمعـاني األلوهيـة والربوبيـة والعبـادة والـدين‪ ،‬وأول‬ ‫ـــم اللَّـ ِ‬ ‫مـــا يجـــده القـــار لكتـــاب اهلل تعـــالى اريـــة الكريمـــة‪ِ ﴿:‬بس ِ‬ ‫الـــر ِح ِيم﴾‪،‬‬ ‫ــه الـ َّــر ْح َم ِن َّ‬ ‫ْ‬ ‫نوعـا مـن التعريـف بلفـئ الجاللـة‪ ،‬ثـم يلـي ذلـك علـى‬ ‫(الفاتحة‪ ،)6:‬وهي ال شك تشـمل ً‬ ‫ِ​ِ‬ ‫الر ِح ِيم * َمالِ ِك َي ْوِم الـد ِ‬ ‫ِّين *‬ ‫الر ْحمـَ ِن َّ‬ ‫ين * َّ‬ ‫العا َل ِم َ‬ ‫الفور تعريفات أخري ﴿ا ْل َح ْم ُد للَّه َر ِّب َ‬ ‫الص ارطَ المستَ ِقيم * ِ‬ ‫ين * ْ ِ‬ ‫ـت َعلَ ْـي ِه ْم َغ ْي ِـر‬ ‫َّاك َن ْع ُب ُد َوِاي َ‬ ‫إِي َ‬ ‫ين أَْن َع ْم َ‬ ‫ص َارطَ الَّ ِـذ َ‬ ‫ستَ ِع ُ‬ ‫َّاك َن ْ‬ ‫اهد َنا ِّ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ين﴾ (فاتحة الكتاب)‪.‬‬ ‫وب َعلَ ْي ِه ْم َوالَ َّ‬ ‫الضالِّ َ‬ ‫الم ْغ ُ‬ ‫َ‬ ‫فلــه ســبحانه وتعــا لى الحمــد والثنــا وهــو رب العــالمين أ المالــك المتصــرف لجميــع‬ ‫مخلوقاتــه وهــو ومالــك يــوم الحســاب يــوم القيامــة وهــو الــذ ُيعبــد وال يعبــد سـواه وهــو‬ ‫المسـتعان والمتوكـل عليـه‪ ،‬وهـو المطلـوب منـه الهدايـة إلـى مـا فيـه الخيـر والفـال ثــم‬

‫تفيو اريات‪:‬‬ ‫ُّها َّ‬ ‫ـون * الَّ ِـذ َج َع َـل‬ ‫ين ِم ْـن قَ ْـبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْـم تَتَّقُ َ‬ ‫اع ُب ُدوا َرَّب ُك ُم الَّ ِذ َخلَقَ ُك ْم َوالَّ ِذ َ‬ ‫اس ْ‬ ‫﴿ َيا أَي َ‬ ‫الن ُ‬ ‫َخر ِب ِه ِم َن الثَّمر ِ‬ ‫السما ِب َنا وأَْن َز َل ِم َن َّ ِ‬ ‫ات ِرْزًقا َل ُك ْم‬ ‫و ِف َار ً‬ ‫األر َ‬ ‫الس َما َما ً َفأ ْ َ َ‬ ‫شا َو َّ َ َ ً َ‬ ‫َل ُك ُم ْ‬ ‫َ​َ‬ ‫ون﴾ (البقرة‪.)22-26:‬‬ ‫فَال تَ ْج َعلُوا لِلَّ ِه أَْن َد ً‬ ‫ادا َوأَْنتُ ْم تَ ْع َل ُم َ‬ ‫َح َيا ُك ْم ثَُّم ُي ِميتُ ُك ْم ثَُّم ُي ْح ِيي ُك ْم ثَُّم إَِل ْي ِه تُْر َج ُعـو َن * ُه َـو‬ ‫﴿ َك ْي َ‬ ‫ون ِباللَّ ِه َو ُك ْنتُ ْم أ َْم َواتًا فَأ ْ‬ ‫ف تَ ْكفُ​ُر َ‬ ‫و ج ِميعـا ثُ َّـم اسـتَوي إِلَـى َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س َـم َاوات‬ ‫س َّـو ُ‬ ‫الَّ ِـذ َخلَ َ‬ ‫س ْـب َع َ‬ ‫اه َّن َ‬ ‫الس َـما فَ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫األر ِ َ ً‬ ‫ـق لَ ُك ْـم َمـا فـي ْ‬ ‫ِ‬ ‫يم﴾ (البقرة‪.)29:‬‬ ‫َو ُه َو ِب ُك ِّل َ‬ ‫ش ْي َعل ٌ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪27‬‬

‫﴿ما َن ْنس ْخ ِم ْن آية أَو ُن ْن ِسها َنأ ِ‬ ‫ش ْي‬ ‫ْت ِب َخ ْير ِم ْن َها أ َْو ِم ْثلِ َها أَ​َل ْم تَ ْع َل ْم أ َّ‬ ‫َن اللَّ َه َع َلى ُك ِّل َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َن اللَّ َه لَ ُه م ْل ُك َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫و َو َما لَ ُك ْم ِم ْن ُد ِ‬ ‫ـي َوال‬ ‫ير * أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أ َّ‬ ‫ون اللَّ ِه ِم ْن َولِ ٍّ‬ ‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫قَد ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َن ِ‬ ‫صير﴾‪( ،‬البقرة‪.)611:‬‬ ‫﴿ب ِديع َّ ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫ون﴾ (البقرة‪.)661:‬‬ ‫ضى أ َْم ًار فَِإ َّن َما َيقُو ُل لَ ُه ُك ْن فَ َي ُك ُ‬ ‫و َوِا َذا قَ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـه و ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫يم * إِ َّن ِفــي َخ ْل ـ ِ‬ ‫و‬ ‫ق َّ‬ ‫احـ ٌـد ال إِلَـ َ‬ ‫السـ َـم َاوات َو ْ‬ ‫﴿ َوِالَ ُه ُكـ ْـم إِلَـ ٌ َ‬ ‫ـه إال ُهـ َـو الـ َّـر ْح َم ُن الـ َّـرح ُ‬ ‫اخ ِت ِ‬ ‫ار َوا ْل ُف ْل ِك الَّ ِتي تَ ْج ِر ِفي ا ْل َب ْح ِر ِبما َي ْن َفعُ َّ‬ ‫الف اللَّْي ِل َو َّ‬ ‫الن َه ِ‬ ‫اس َو َما أَْن َز َل اللَّ ُه ِمـ َن‬ ‫َو ْ‬ ‫الن َ‬ ‫َ‬ ‫ـث ِفيهـا ِم ْـن ُك ِّـل َدابَّـة وتَص ِـر ِ‬ ‫السما ِ ِم ْن ما فَأ ْ ِ‬ ‫الرَيـا ِ‬ ‫يف ِّ‬ ‫األر َ‬ ‫َ ْ‬ ‫و َب ْع َد َم ْوِت َها َوَب َّ َ‬ ‫َح َيا ِبه ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫اب ا ْلمس َّخ ِر ب ْي َن َّ ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫ون﴾ (البقرة‪.)614:‬‬ ‫َو َّ‬ ‫و َريات لِقَ ْوم َي ْع ِقلُ َ‬ ‫الس َح ِ ُ َ َ‬ ‫الس َما َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ستَ ِقيم﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)269‬‬ ‫﴿ َواللَّ ُه َي ْه ِد َم ْن َي َ‬ ‫شا ُ إَِلى ص َراط ُم ْ‬ ‫ون﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)261‬‬ ‫﴿ َواللَّ ُه َي ْع َل ُم َوأَْنتُ ْم ال تَ ْع َل ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫يم﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)261‬‬ ‫﴿ َوالل ُه َغفُ ٌ‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫يم﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)221‬‬ ‫﴿ َوالل ُه َغفُ ٌ‬ ‫ور َحل ٌ‬ ‫﴿إِ َّن اللَّ َه ع ِز ٌ ِ‬ ‫يم﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)221‬‬ ‫َ‬ ‫يز َحك ٌ‬ ‫ِ‬ ‫﴿واللَّ ُه ِ‬ ‫يم﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)224‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سميعٌ َعل ٌ‬ ‫﴿إِ َّن اللَّ َه ِبما تَعملُ َ ِ‬ ‫ير﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)661‬‬ ‫ون َبص ٌ‬ ‫َ َْ‬ ‫ِ‬ ‫يم﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)296‬‬ ‫اع َل ُموا أ َّ‬ ‫َن اللَّ َه ِب ُك ِّل َ‬ ‫﴿ َو ْ‬ ‫ش ْي َعل ٌ‬ ‫ير﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)294‬‬ ‫﴿ َواللَّ ُه ِب َما تَ ْع َملُ َ‬ ‫ون َخ ِب ٌ‬ ‫﴿ َّ‬ ‫الل ُه ال إَِل َه إال ُه َو‬ ‫األر ِ‬ ‫و َم ْن َذا الَّ ِذ‬ ‫ْ‬

‫السـماو ِ‬ ‫ا ْلح ُّي ا ْل َقيُّـوم ال تَأْ ُخـ ُذه ِسـ َن ٌة وال َنـوم َل ُ ِ‬ ‫ات َو َمـا ِفـي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ـه َمـا فـي َّ َ َ‬ ‫َ ٌْ‬ ‫ُ‬ ‫ـون‬ ‫َي ْ‬ ‫شفَعُ ِع ْن َدهُ إال ِبِإذ ِْن ِه َي ْعلَ ُم َما َب ْي َن أ َْي ِـدي ِه ْم َو َمـا َخ ْلفَ ُه ْـم َوال ُي ِحيطُ َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪28‬‬

‫ش ْي‬ ‫ِب َ‬ ‫ا ْل َعلِ ُّي‬

‫ُّه َّ ِ‬ ‫ودهُ ِح ْفئُ ُه َمـا َو ُه َـو‬ ‫ِم ْن ِع ْل ِم ِه إال ِب َما َ‬ ‫و َوال َي ُؤ ُ‬ ‫األر َ‬ ‫شا َ َو ِس َع ُك ْر ِسي ُ‬ ‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫يم﴾ (البقرة‪.)211:‬‬ ‫ا ْل َعئ ُ‬

‫و وِا ْن تُْب ُدوا ما ِفي أَْنفُ ِس ُكم أَو تُ ْخفُوه يح ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿لِلَّ ِه ما ِفي َّ ِ‬ ‫اس ْـب ُك ْم ِب ِـه‬ ‫ُ َُ‬ ‫األر ِ َ‬ ‫الس َم َاوات َو َما في ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ير﴾ (البقرة‪.)214:‬‬ ‫شا ُ َواللَّ ُه َعلَى ُك ِّل َ‬ ‫ب َم ْن َي َ‬ ‫اللَّ ُه فَ َي ْغ ِف ُر لِ َم ْن َي َ‬ ‫شا ُ َوُي َع ِّذ ُ‬ ‫ش ْي قَد ٌ‬ ‫﴿إِ َّن اللَّ َه ال ي ْخفَى علَ ْي ِه َ ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫الس َما ِ ﴾ (آل عمران‪.)1:‬‬ ‫و َوال ِفي َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش ْي ٌ في ْ‬ ‫ـاب﴾ (آل‬ ‫﴿رَّب َنــا ال تُـ ِـز ْ‬ ‫ـب لَ َنــا ِمـ ْـن لَـ ُـد ْن َك َر ْح َمـ ًة إَِّنـ َك أَْنـ َ‬ ‫وب َنــا َب ْعـ َـد إِ ْذ َهـ َـد ْيتَ​َنا َو َهـ ْ‬ ‫ـت ا ْل َو َّهـ ُ‬ ‫غ ُقلُ َ‬ ‫َ‬ ‫عمران‪.)1:‬‬ ‫شـا ُ َوتُِع ُّـز َم ْـن تَ َ‬ ‫شا ُ َوتَْن ِزعُ ا ْل ُم ْل َك ِم َّم ْن تَ َ‬ ‫﴿ ُق ِل اللَّ ُه َّم َمالِ َك ا ْل ُم ْل ِك تُ ْؤِتي ا ْل ُم ْل َك َم ْن تَ َ‬ ‫شـا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ير * تُـولِ ُج اللَّْيـ َل ِفـي َّ‬ ‫الن َه ِ‬ ‫ـار َوتُـولِ ُج‬ ‫شا ُ ِب َي ِد َك ا ْل َخ ْي ُر إَِّن َك َع َلى ُك ِّـل َ‬ ‫َوتُِذ ُّل َم ْن تَ َ‬ ‫ـي َقـد ٌ‬ ‫شْ‬ ‫ـن ا ْلم ِّي ِ‬ ‫النهار ِفي اللَّْي ِـل وتُ ْخ ِـر ا ْلح َّ ِ‬ ‫ق َم ْـن تَ َ‬ ‫ـن ا ْل َح ِّ‬ ‫ـي َوتَ ْـرُز ُ‬ ‫ـت َوتُ ْخ ِـر ُ ا ْل َم ِّي َ‬ ‫ـت ِم َ‬ ‫ُ َ‬ ‫شـا ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ـي م َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ساب﴾ (آل عمران‪.)21-21:‬‬ ‫ِب َغ ْي ِر ح َ‬ ‫﴿قَالَ ْت ر ِّب أ ََّنـى ي ُك ُ ِ‬ ‫شـا ُ إِ َذا‬ ‫ـق َمـا َي َ‬ ‫س ِـني َب َ‬ ‫ـه َي ْخلُ ُ‬ ‫ش ٌـر قَـا َل َكـ َذلِ ِك اللَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫سْ‬ ‫ـون لـي َولَ ٌـد َولَ ْـم َي ْم َ‬ ‫َ‬ ‫ون﴾ (آل عمران‪.)41:‬‬ ‫ضى أ َْم ًار فَِإ َّن َما َيقُو ُل لَ ُه ُك ْن فَ َي ُك ُ‬ ‫قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َل ِبي ِد اللَّ ِه ي ْؤِت ِ‬ ‫َّ‬ ‫يم * َي ْختَ ُّ‬ ‫ا ِب َر ْح َم ِت ِه َم ْن َي َ‬ ‫يه َم ْن َي َ‬ ‫ُ‬ ‫﴿ ُق ْل إِ َّن ا ْلفَ ْ َ‬ ‫شا ُ‬ ‫شا ُ َوالل ُه َواسعٌ َعل ٌ‬ ‫ض ِل ا ْل َع ِئ ِيم﴾ (آل عمران‪.)14-19:‬‬ ‫َواللَّ ُه ُذو ا ْل َف ْ‬ ‫الناس اتَّقُوا رَّب ُكم الَّ ِذ َخ َل َق ُكم ِم ْن َن ْفس و ِ‬ ‫ق ِم ْن َها َزْو َج َها َوَب َّث ِم ْن ُه َما‬ ‫اح َدة َو َخ َل َ‬ ‫﴿ َيا أَي َ‬ ‫َ‬ ‫ُّها َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ـه الَّ ِـذ تَسـا لُ َ ِ‬ ‫يبـا﴾‬ ‫ِر َجا ًال َك ِث ًا‬ ‫ـام إِ َّن اللَّ َ‬ ‫سا ً َواتَّقُوا اللَّ َ‬ ‫ـه َك َ‬ ‫ـان َع َل ْـي ُك ْم َرِق ً‬ ‫ون ِبـه َو ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ير َوِن َ‬ ‫األر َح َ‬

‫(النسا ‪.)6:‬‬

‫و وجع َل الئُّلُم ِ‬ ‫ق َّ ِ‬ ‫ات َو ُّ‬ ‫ين َكفَ ُروا ِب َرِّب ِه ْم‬ ‫﴿ا ْل َح ْم ُد لِلَّ ِه الَّ ِذ َخلَ َ‬ ‫ور ثَُّم الَّ ِذ َ‬ ‫األر َ َ َ َ‬ ‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫الن َ‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫س ّم ًى ِع ْن َدهُ ثَُّم أَْنـتُ ْم تَ ْمتَ ُـر َ‬ ‫َي ْع ِدلُ َ‬ ‫ون * ُه َو الَّ ِذ َخلَقَ ُك ْم ِم ْن ِطين ثَُّم قَ َ‬ ‫َجالً َوأ َ‬ ‫ضى أ َ‬ ‫َج ٌل ُم َ‬ ‫و يع َلـ ِ‬ ‫الســـماو ِ‬ ‫* و ُهـــو اللَّـ ُ ِ‬ ‫ات َوِفـــي ْ ِ‬ ‫ون﴾‬ ‫ــم َمـــا تَ ْك ِسـ ُــب َ‬ ‫ــه فـــي َّ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ــم سـ َّــرُك ْم َو َج ْهـ َــرُك ْم َوَي ْع َلـ ُ‬ ‫األر َ ْ ُ‬ ‫(األنعام‪.)9:‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪29‬‬

‫الل ِـه أَتَّ ِخـ ُذ وِليِّـا فَ ِ‬ ‫الس ِـميعُ ا ْل َعلِـيم * ُق ْـل أَ َغ ْيـر َّ‬ ‫س َك َن ِفي اللَّْي ِل َو َّ‬ ‫الن َه ِ‬ ‫ـاط ِر‬ ‫ار َو ُه َو َّ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َوَل ُه َما َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫و َو ُه َو ُي ْط ِع ُم َوال ُي ْط َع ُم﴾ (األنعام‪.)64-69:‬‬ ‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫ضٍّر‬ ‫س َك اللَّ ُه ِب ُ‬ ‫سْ‬ ‫﴿ َوِا ْن َي ْم َ‬ ‫قَ ِدير * و ُهو ا ْلقَ ِ‬ ‫ق‬ ‫اه ُر فَ ْو َ‬ ‫ٌ َ َ‬

‫فَال َك ِ‬ ‫ـي‬ ‫س َك ِب َخ ْير فَ ُه َو َع َلـى ُك ِّـل َ‬ ‫اش َ‬ ‫سْ‬ ‫ف َل ُه إال ُه َو َوِا ْن َي ْم َ‬ ‫شْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ير﴾ (األنعام‪.)61-61:‬‬ ‫يم ا ْل َخ ِب ُ‬ ‫ع َباده َو ُه َو ا ْل َحك ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سـقُطُ ِم ْـن َوَرقَـة‬ ‫﴿ َو ِع ْن َدهُ َمفَات ُح ا ْل َغ ْي ِب ال َي ْعلَ ُم َها إال ُه َو َوَي ْعلَ ُم َما في ا ْل َبِّر َوا ْل َب ْح ِـر َو َمـا تَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫و َوال َر ْطـب َوال َيـا ِبس إال ِفـي ِكتَـاب ُم ِبـين * َو ُه َـو‬ ‫إال َي ْع َل ُم َها َوال َحبَّـة فـي ئُلُ َمـات ْ‬ ‫ار ثَُّم ي ْبعثُ ُكم ِف ِ‬ ‫الَّ ِذ َيتَ​َوفَّا ُك ْم ِباللَّْي ِل َوَي ْع َلم ما َج َر ْحتُ ْم ِب َّ‬ ‫س ّم ًى ثَُّم إَِل ْي ِه‬ ‫يه لِ ُي ْق َ‬ ‫ضى أ َ‬ ‫َج ٌل ُم َ‬ ‫الن َه ِ َ َ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ق ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـاد ِه َوُي ْر ِسـ ُل َعلَ ْـي ُك ْم َحفَئَـ ًة‬ ‫َم ْر ِج ُع ُك ْم ثَُّم ُي َن ِّبـ ُ ُك ْم ِب َمـا ُك ْنـتُ ْم تَ ْع َملُ َ‬ ‫ـون * َو ُه َـو ا ْلقَـاه ُر فَ ْـو َ َ‬ ‫اله ُم‬ ‫ـون * ثُ َّـم ُرُّدوا إَِلـى اللَّ ِـه َم ْـو ُ‬ ‫ت تَ​َوفَّ ْت ُ‬ ‫َح َـد ُك ُم ا ْل َم ْـو ُ‬ ‫سـلُ َنا َو ُه ْـم ال ُي َفِّرطُ َ‬ ‫َحتَّى إِ َذا َجـا َ أ َ‬ ‫ـه ُر ُ‬ ‫ين * ُق ْـل مـ ْـن ي َن ِّجــي ُكم ِمـ ْـن ئُلُمـ ِ‬ ‫ـه ا ْلح ْكــم و ُهــو أَســرعُ ا ْلح ِ‬ ‫ـات ا ْل َبـ ِّـر َوا ْل َب ْحـ ِـر‬ ‫ا ْل َح ِّ‬ ‫اسـ ِب َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ـق أَال َلـ ُ ُ ُ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـن َّ‬ ‫ـه ُي َن ِّجــي ُك ْم‬ ‫ين * ُق ِـل اللَّ ُ‬ ‫تَ ْد ُعوَن ُ‬ ‫ـاك ِر َ‬ ‫ض ُّـر ًعا َو ُخ ْف َيـ ًة لَـ ِ ْن أَْن َجا َنــا ِم ْـن َه ِـذ ِه لَ َن ُكـوَن َّن ِمـ َ‬ ‫ـه تَ َ‬ ‫ون * ُق ْل ُهو ا ْل َق ِ‬ ‫ـث َع َل ْـي ُك ْم َعـ َذ ًابا ِم ْـن‬ ‫َن َي ْب َع َ‬ ‫ِم ْن َها َو ِم ْن ُك ِّل َك ْرب ثَُّم أَْنتُ ْم تُ ْ‬ ‫ـاد ُر َع َلـى أ ْ‬ ‫ش ِرُك َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـف‬ ‫ْس َب ْعــو ا ْنئُـ ْـر َك ْيـ َ‬ ‫س ـ ُك ْم ِشـ َـي ًعا َوُيـ ِـذ َ‬ ‫يق َب ْع َ‬ ‫ض ـ ُك ْم َب ـأ َ‬ ‫فَـ ْـوِق ُك ْم أ َْو مـ ْـن تَ ْحــت أ َْر ُجل ُكـ ْـم أ َْو َي ْل ِب َ‬ ‫ف ْار ِ‬ ‫ون﴾ (األنعام‪.)11-19:‬‬ ‫صِّر ُ‬ ‫يات لَ َعلَّ ُه ْم َي ْفقَ ُه َ‬ ‫نُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ـه ا ْل َحـ ُّ‬ ‫ـه‬ ‫و ِبـا ْل َح ِّ‬ ‫ـق َّ‬ ‫ـق َولَـ ُ‬ ‫ـون قَ ْولُـ ُ‬ ‫األر َ‬ ‫﴿ َو ُهـ َـو الَّـ ِـذ َخلَـ َ‬ ‫ق َوَيـ ْـوَم َيقُــو ُل ُكـ ْـن فَ َي ُكـ ُ‬ ‫السـ َـم َاوات َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫الشه َ ِ‬ ‫الص ِ ِ‬ ‫ير﴾ (األنعام‪.)19:‬‬ ‫ا ْل ُم ْل ُك َي ْوَم ُي ْنفَ ُخ ِفي ُّ‬ ‫ور َعال ُم ا ْل َغ ْي ِب َو َّ َ‬ ‫يم ا ْل َخ ِب ُ‬ ‫ادة َو ُه َو ا ْل َحك ُ‬ ‫ق ا ْل َح ِّب َو َّ‬ ‫الن َوي﴾ (األنعام‪ :‬من ارية ‪.)91‬‬ ‫﴿إِ َّن اللَّ َه َفالِ ُ‬ ‫الشمس وا ْلقَمر حسـبا ًنا َذلِ َ ِ‬ ‫يـز ا ْلعلِ ِ‬ ‫ق ِْ‬ ‫ـيم﴾‬ ‫﴿فَالِ ُ‬ ‫س َك ًنا َو َّ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫اإل ْ‬ ‫ير ا ْل َع ِز ِ َ‬ ‫ص َبا ِ َو َج َع َل اللَّْي َل َ‬ ‫ـك تَ ْقـد ُ‬ ‫(األنعام‪.)91:‬‬ ‫النجوم لِتَهتَ ُدوا ِبها ِفي ئُلُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ا ْل َبِّر َوا ْل َب ْح ِـر﴾ (األنعـام‪ :‬مـن اريـة‬ ‫﴿ َو ُه َو الَّذ َج َع َل لَ ُك ُم ُّ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪.)91‬‬ ‫شأَ ُكم ِم ْن َن ْفس و ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫اح َدة﴾ (األنعام‪ :‬من ارية ‪.)91‬‬ ‫َ‬ ‫﴿ َو ُه َو الذ أَْن َ ْ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪31‬‬

‫ـي ﴾ (األنعـام‪ :‬مـن اريـة‬ ‫ـن َّ‬ ‫الس َـما ِ َمـا ً فَأ ْ‬ ‫ـات ُك ِّـل َ‬ ‫َخ َر ْج َنـا ِب ِـه َن َب َ‬ ‫﴿ َو ُه َو الَّ ِذ أَْن َـز َل ِم َ‬ ‫شْ‬ ‫‪.)99‬‬ ‫ـي َو ِكيـ ٌل﴾‬ ‫ـي فَا ْع ُب ُـدوهُ َو ُه َـو َع َلـى ُك ِّـل َ‬ ‫ق ُك ِّـل َ‬ ‫ـه إال ُه َـو َخـالِ ُ‬ ‫ـه َرُّب ُك ْـم ال إَِل َ‬ ‫﴿ َذلِ ُك ُم اللَّ ُ‬ ‫شْ‬ ‫شْ‬ ‫(األنعام‪.)612:‬‬ ‫ير﴾ (األنعام‪.)619:‬‬ ‫ص َار َو ُه َو اللَّ ِط ُ‬ ‫ص ُار َو ُه َو ُي ْد ِر ُك ْ‬ ‫﴿ال تُ ْد ِرُك ُه ْ‬ ‫األب َ‬ ‫األب َ‬ ‫يف ا ْل َخ ِب ُ‬ ‫ين﴾ (األنعام‪.)649:‬‬ ‫﴿ ُق ْل َفلِلَّ ِه ا ْل ُح َّج ُة ا ْل َبالِ َغ ُة َف َل ْو َ‬ ‫َج َم ِع َ‬ ‫شا َ َل َه َدا ُك ْم أ ْ‬ ‫يك َل ُه وِب َذلِ َك أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ين * ال َ‬ ‫ُم ْر ُ‬ ‫س ِكي َو َم ْح َيا َ َو َم َم ِاتي لَِّل ِه َر ِّب ا ْل َعا َل ِم َ‬ ‫ش ِر َ َ‬ ‫صالتي َوُن ُ‬ ‫﴿ ُق ْل إِ َّن َ‬ ‫ين﴾ (األنعام‪.)619-612:‬‬ ‫سلِ ِم َ‬ ‫َوأَ​َنا أ ََّو ُل ا ْل ُم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫ســتَْوَد َع َها ُكــل ِفــي‬ ‫ســتَقَ​َّرَها َو ُم ْ‬ ‫و إال َعلَــى اللَّــه ِرْزقُ َهــا َوَي ْعلَـ ُـم ُم ْ‬ ‫﴿ َو َمــا مـ ْـن َد َّابــة فــي ْ‬ ‫ِكتَاب ُم ِبين﴾ (هود‪.)1:‬‬ ‫نـدهُ ِب ِم ْق َـدار *‬ ‫اد َو ُك ُّل َ‬ ‫ـي ِع َ‬ ‫ام َو َما تَْزَد ُ‬ ‫﴿اللَّ ُه َي ْعلَ ُم َما تَ ْح ِم ُل ُك ُّل أُنثَى َو َما تَ ِغ ُ‬ ‫يو األ َْر َح ُ‬ ‫شْ‬ ‫اد ِة ال َك ِبير المتَ َع ِ‬ ‫َعالِ ُم ال َغ ْي ِب َو َّ‬ ‫َسَّر ال َق ْو َل َو َمـن َج َه َـر ِب ِـه َو َم ْـن‬ ‫الش َه َ‬ ‫س َوا ٌ ِّمن ُكم َّم ْن أ َ‬ ‫ال * َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ب ِب َّ‬ ‫الن َه ِ‬ ‫سِ‬ ‫ـه‬ ‫ـات ِّم ْـن َب ْـي ِن َي َد ْي ِـه َو ِم ْـن َخ ْل ِف ِـه َي ْحفَئُوَن ُ‬ ‫ـه ُم َعقِّ َب ٌ‬ ‫ـار * َل ُ‬ ‫ار ٌ‬ ‫ُه َو ُم ْ‬ ‫ستَ ْخف ِباللَّْي ِل َو َ‬ ‫سـو ً ا‬ ‫ِم ْن أ َْم ِر اللَّ ِه إِ َّن اللَّ َه الَ ُي َغ ِّي ُر َما ِبقَ ْوم َحتَّى ُي َغ ِّي ُروا َما ِبأَنفُ ِس ِه ْم َوِا َذا أ َ​َر َ‬ ‫اد اللَّ ُه ِبقَ ْـوم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ق َخ ْوًفـا َو َ‬ ‫َف َ‬ ‫الب ْـر َ‬ ‫ال َم َرَّد َل ُه َو َمـا َل ُهـم ِّمـن ُدوِنـه مـن َوال * ُه َـو الَّـذ ُي ِـري ُك ُم َ‬ ‫ط َم ًعـا َوُينشـ ُ‬ ‫اع َ ِ‬ ‫الصـو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ​ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ـيب‬ ‫َّ‬ ‫س ِّب ُح َّ‬ ‫اب الثِّ َق َ‬ ‫ق فَ ُيص ُ‬ ‫الس َح َ‬ ‫الر ْع ُد ِب َح ْمده َوا ْل َمال َك ُة م ْن خيفَتـه َوُي ْرسـ ُل َّ َ‬ ‫ال * َوُي َ‬ ‫يد ِ‬ ‫شــا و ُهــم يجـ ِ‬ ‫الم َحـ ِ‬ ‫ين‬ ‫الحـ ِّ‬ ‫ون ِفــي اللَّـ ِـه َو ُهـ َـو َ‬ ‫ـال * لَـ ُ‬ ‫شـ ِـد ُ‬ ‫ـق َوالَّـ ِـذ َ‬ ‫ـادلُ َ‬ ‫ـه َد ْعـ َـوةُ َ‬ ‫ِب َهــا َمــن َي َ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْدع َ ِ‬ ‫ون َل ُهم ِب َ ِ َّ ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫الما ِ لِ َيْبلُ َا فَاهُ َو َما ُه َو‬ ‫يب َ‬ ‫ستَ ِج ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ون من ُدوِنه َال َي ْ‬ ‫ش ْي إال َك َباسط َكف ْيه إ َلى َ‬ ‫السـمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِببالِ ِغ ِه وما ُدعا ال َك ِ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫و طَ ْو ًعـا‬ ‫اف ِر َ‬ ‫ين إِالَّ ِفي َ‬ ‫َ‬ ‫ضالل * َولِلَّه َي ْ‬ ‫س ُج ُد َمن في َّ َ َ‬ ‫َ​َ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ارص ِ‬ ‫ال﴾ (األنعام‪.)61-1 :‬‬ ‫َو َك ْرًها َوئال لُ ُهم ِبا ْل ُغ ُد ِّو َو َ‬ ‫﴿اللَّ ُه نُور َّ ِ‬ ‫األرو﴾ (النور‪ :‬من ارية ‪.)91‬‬ ‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّك َن ِسيِّا﴾ (مريم‪ :‬من ارية ‪.)14‬‬ ‫ان َرب َ‬ ‫﴿ َو َما َك َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪31‬‬

‫ِ‬ ‫اهر وا ْلب ِ‬ ‫األو ُل و ْار ِخر و َّ ِ‬ ‫يم﴾ (الحديد‪.)9:‬‬ ‫اط ُن َو ُه َو ِب ُك ِّل َ‬ ‫الئ ُ َ َ‬ ‫﴿ ُه َو َّ َ ُ َ‬ ‫ش ْي َعل ٌ‬ ‫الر ْحم ُن َّ ِ‬ ‫الشه َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫يم * ُه َو اللَّ ُه الَّ ِذ‬ ‫﴿ ُه َو اللَّ ُه الَّذ َال إَِل َه إِال ُه َو َعال ُم ال َغ ْي ِب َو َّ َ‬ ‫ادة ُه َو َّ َ‬ ‫الرح ُ‬ ‫ِ‬ ‫الَ إَِل َه إِالَّ ُهو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان‬ ‫ُّوس َّ‬ ‫الع ِز ُ‬ ‫س ْـب َح َ‬ ‫يـز َ‬ ‫المتَ َك ِّب ُـر ُ‬ ‫الم َه ْـيم ُن َ‬ ‫الملـ ُك القُـد ُ‬ ‫الجب ُ‬ ‫َّـار ُ‬ ‫الم ْـؤم ُن ُ‬ ‫ـالم ُ‬ ‫َ َ‬ ‫الس ُ‬ ‫الب ِ‬ ‫س ِّب ُح لَ ُه َما‬ ‫اللَّ ِه َع َّما ُي ْ‬ ‫ون * ُه َو اللَّ ُه َ‬ ‫الخالِ ُ‬ ‫ش ِرُك َ‬ ‫َس َما ُ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫الح ْ‬ ‫ص ِّوُر لَ ُه األ ْ‬ ‫س َنى ُي َ‬ ‫الم َ‬ ‫ار ُ ُ‬ ‫يز ِ‬ ‫السمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫يم﴾ (الحشر‪.)24-22 :‬‬ ‫الع ِز ُ َ‬ ‫و َو ُه َو َ‬ ‫في َّ َ َ‬ ‫الحك ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ان ِم ْن َع َلق * اق َأْ‬ ‫ُّك األَ ْك َرُم * الَّ ِـذ َعَّل َـم‬ ‫ْر َوَرب َ‬ ‫ق * َخ َل َ‬ ‫اسِم َرِّب َك الَّ ِذ َخ َل َ‬ ‫نس َ‬ ‫﴿ا ْقرأْ ِب ْ‬ ‫اإل َ‬ ‫ِبا ْل َق َلِم * َعلَّ َم ِ‬ ‫ان َما َل ْم َي ْع َل ْم﴾ (العلق‪.)1-6 :‬‬ ‫نس َ‬ ‫اإل َ‬ ‫ــد﴾‬ ‫ــه َّ‬ ‫َحـ ٌ‬ ‫ــم ُد * َل ْــم َيلِـ ْــد َوَل ْــم ُيوَل ْــد * َوَل ْــم َي ُكــن لَّ ُ‬ ‫ــد * اللَّ ُ‬ ‫َح ٌ‬ ‫﴿ ُقــ ْل ُه َــو اللَّ ُ‬ ‫ــه ُكفُ ًــوا أ َ‬ ‫ــه أ َ‬ ‫الص َ‬ ‫(اإلخالا)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َعـوُذ ِب َـر ِّب ال َف َلـ ِ‬ ‫ش ِّـر‬ ‫ـب * َو ِمـن َ‬ ‫ـق * َو ِمـن َ‬ ‫ق * ِمـن َ‬ ‫ش ِّـر َمـا َخ َل َ‬ ‫ش ِّـر َغاسـق إِ َذا َوقَ َ‬ ‫﴿ ُق ْـل أ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ َّ ِ ِ‬ ‫س َد﴾ (الفلق)‪.‬‬ ‫العقَ ِد * َو ِمن َ‬ ‫شِّر َحاسد إِ َذا َح َ‬ ‫النفاثَات في ُ‬ ‫ـاس * إِلَ ِـه َّ‬ ‫ـاس * ملِ ِـك َّ‬ ‫َّ‬ ‫الخ َّن ِ‬ ‫س َـو ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ـاس *‬ ‫اس َ‬ ‫ـاس * ِمـن َ‬ ‫﴿ ُق ْل أ ُ‬ ‫الو ْ‬ ‫ش ِّـر َ‬ ‫َعوُذ ِب َر ِّب الن ِ َ‬ ‫الَّ ِذ يوس ِو ِ‬ ‫اس * ِم َن ِ‬ ‫الج َّن ِة َو َّ‬ ‫ور َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫اس﴾ (الناس)‪.‬‬ ‫س في ُ‬ ‫َُ ْ ُ‬ ‫ــحا معنـــى األلوهيـــة مبي ًنـــا‬ ‫هـــذا قليـــل مـــن الكثيـــر الـــذ جـــا بـــه القـــرآن الكـــريم موضـ ً‬ ‫خصا صها وأبعادها وقدراتها وسلطانها‪..‬‬ ‫أيرقى إلى هذا الذ سقناه أو يدانيه ولو من بعيد أ مفهوم كان شا ًعا فـي الجاهليـة‬ ‫لمعنى األلوهية!!؟‬ ‫أيحتا أ مفسر بعد هذا الذ تضمنه دفتا المصحف الشريف على الرجوع إلى أصل‬

‫كلمــة "اإل لــه" فــي اللغــة وممــا اشــتقت ومــا كــان مفهومهــا فــي الجاهليــة وقبــل نــزول‬ ‫القرآن‪..‬؟!‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪32‬‬

‫أيصح بعد ذلك القول بأن معاني األلوهية قد ضاعت وتبـدلت ولـم تعـد شـا عة معروفـة‬

‫وأن الذين ولدوا في اإلسالم وفي رحاب ذلك الفيو الزاخر مـن آيـات اهلل لـم يبـق لهـم‬

‫من معاني كلمات "اإلله والعبادة والرب والدين" ما كان شا ًعا معروفًا في الجاهلية قبل‬ ‫نزول القرآن! ؟ أيصح في الواقع أنه لما كان العرب قبا ل شـتى متفرقـة ومختلفـة ولكـل‬ ‫منها لهجتها‪ ،‬ال تجمعها ر اسة أو ثقافة أو معتقدات موحدة وكانوا أمة أمية ندر فيهم‬

‫من ألم بالقرا ة وبالكتابة يكسوهم الجهل واالنحطاط ليس لهم كتاب أو إحاطة بعلم أو‬

‫فن‪ ،‬لما كانوا كذلك كان مفهوم كلمات اإلله والرب والعبادة والدين شا ًعا بينهم معروفًا‬ ‫لدي كل امر منهم علـى حـد سـوا وعلـى صـفة معينـة محـددة – فلمـا نـزل كتـاب اهلل‬ ‫تعالى بالذكر المحفوئ الذ ال يأتيه الباطل من بـين يديـه وال مـن خلفـه مشـتمال علـى‬ ‫البيــان الجلــي واإليضــا الشـــامل‪ ،‬يتعبــد النــاس بتالوتــه آنـــا الليــل وأطــراف النهـــار‬

‫ويجهــرون بــه فــي صــلوات تقــام جماعــة فــي المســاجد وغيرهــا ضــاعت تلــك المعــاني‬

‫واندثرت ولم تعد شا عة بين الناس بمثل ما كانت شا عة بينهم فـي الجاهليـة – أيصـح‬

‫ذلــك وكتــاب اهلل محفــوئ بــين المســلمين ولــو ق ـرأ أيهــم الفاتحــة وقــل هــو اهلل أحــد أو‬ ‫المعوذتين أو سمعها الطّلع وعرف وأبصر ما لم يكن يعرف الجاهلي عنه شي ًا‪..‬؟‬ ‫أما كان الواجب قبل أن يلقى ذلك القول أن يقدم له بالدال ل التي تدل على صحته؟‪.‬‬ ‫أما واذا جا القول "إن الذين ولدوا في المجتمع اإلسالمي ونشأوا فيه لم يكن قـد بقـي‬ ‫لهم من معاني كلمات اإلله والرب والعبادة والدين ما كان شا ًعا في المجتمع الجاهلي‬ ‫قبل نزول القرآن بال برهان يقـوم حجـة علـى صـدقه وصـحته فإنـه يكـون مجـرد قـول ال‬ ‫حجـة لــه وال يجـوز أتباعــه وال يصـح أن تبنــى عليــه أحكـام ومــا سـبق أن اجتزأنــاه مــن‬

‫كتاب اهلل من آيات شامل على معاني األلوهية والربوبية‪ ،‬والمفسرون ما اقتصـروا قـط‬ ‫فســروا‬ ‫علــى تفســير كلمــة الــرب بمعنــى دون ســا ر المعــاني التــي تشــملها‪ ،‬وانمــا هــم ّ‬ ‫الكلمة في كل موضع على المعنى الذ يدل عليه السياق‪.‬‬

‫واريــات القرآنيــة قــد أبــرزت معنــى كلمــة الــرب سـوا فيمــا يتعلــق بالملــك والتصـرف أو‬ ‫التعهد باإلصال والتربية والتنش ة والكفالة أو الرقابة أو والسيادة والعـال والرياسـة‪..‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪33‬‬

‫ِ‬ ‫﴿رَّب َنا ال تُ َؤ ِ‬ ‫ين‬ ‫َخ َ‬ ‫اخ ْذ َنا إِ ْن َن ِسي َنا أ َْو أ ْ‬ ‫ص ًار َك َما َح َم ْلتَ ُ‬ ‫ـه َع َلـى الَّ ِـذ َ‬ ‫طأْ َنا َرَّب َنا َوال تَ ْحم ْل َع َل ْي َنا إِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ـت َم ْوال َنـا‬ ‫اع ُ‬ ‫ـف َع َّنـا َوا ْغ ِف ْـر لَ َنـا َو ْار َح ْم َنـا أَْن َ‬ ‫ِم ْن قَْبلِ َنا َرَّب َنا َوال تُ َح ِّم ْل َنا َما ال طَاقَ َة لَ َنـا ِب ِـه َو ْ‬ ‫فَا ْنصرَنا علَى ا ْلقَوِم ا ْل َك ِ‬ ‫ين﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)211‬‬ ‫اف ِر َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫يمـا * َوِا َذا‬ ‫ضـلِ ِه إَِّن ُ‬ ‫﴿ َرُّب ُك ُم الَّ ِذ ُي ْز ِجي لَ ُك ُم ا ْل ُف ْل َك ِفـي ا ْل َب ْح ِـر لِتَْبتَ ُغـوا ِم ْـن فَ ْ‬ ‫ـه َك َ‬ ‫ـان ِب ُك ْـم َرح ً‬ ‫ـان‬ ‫س ُك ُم ُّ‬ ‫َم َّ‬ ‫َع َر ْ‬ ‫ضـتُ ْم َو َك َ‬ ‫ون إال إِيَّـاهُ َف َل َّمـا َنجَّـا ُك ْم إَِلـى ا ْل َب ِّـر أ ْ‬ ‫ض َّـل َم ْـن تَ ْـد ُع َ‬ ‫الضُّر ِفي ا ْل َب ْح ِـر َ‬ ‫ـف ِب ُكــم ج ِانــب ا ْلبـ ِّـر أَو ير ِسـ َـل ع َلـ ْـي ُكم ح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـور * أَفَ ـأ ِ‬ ‫اصـ ًـبا ثُـ َّـم ال‬ ‫ـان َكفُـ ًا‬ ‫َم ْنتُ ْم أ ْ‬ ‫سـ ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َن َي ْخسـ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫اإل ْن َ‬ ‫تَ ِج ُدوا لَ ُك ْم َو ِكيالً﴾ (اإلسرا ‪.)11-11:‬‬ ‫ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫ـه ُقـ ْـل أَفَاتَّ َخ ـذْتُ ْم ِمـ ْـن ُدوِنـ ِـه‬ ‫﴿ ُقـ ْـل َمـ ْـن َر ُّب َّ‬ ‫و ُقـ ِـل اللَّـ ُ‬ ‫السـ َـم َاوات َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ستَ ِو‬ ‫ستَ ِو‬ ‫ْ‬ ‫أل ْنفُ ِس ِه ْم َن ْف ًعا َوال َ‬ ‫ير أ َْم َه ْل تَ ْ‬ ‫ضِّار ُق ْل َه ْل َي ْ‬ ‫األع َمى َوا ْل َبص ُ‬ ‫(الرعد‪.)61 :‬‬

‫ـون‬ ‫أ َْولِ َيــا َ ال َي ْملِ ُكـ َ‬ ‫ات َو ُّ‬ ‫ور﴾‬ ‫الئُّلُ َم ُ‬ ‫الن ُ‬

‫﴿ ُق ْل م ْن يرُزقُ ُكم ِم َن َّ ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫ص َار َو َم ْن ُي ْخ ِر ُ ا ْل َح َّي ِم َن‬ ‫َم ْن َي ْملِ ُك َّ‬ ‫و أ َّ‬ ‫الس ْم َع َو ْ‬ ‫األب َ‬ ‫الس َما َو ْ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫ا ْلم ِّيـ ِ‬ ‫ـون *‬ ‫ـن ا ْل َحـ ِّ‬ ‫ون اللَّـ ُ‬ ‫ـت َوُي ْخـ ِـر ُ ا ْل َم ِّيـ َ‬ ‫ـه فَ ُقـ ْـل أَفَــال تَتَّقُـ َ‬ ‫سـ َـيقُولُ َ‬ ‫ـت ِمـ َ‬ ‫األمـ َـر فَ َ‬ ‫ـي َو َمـ ْـن ُيـ َـد ِّب ُر ْ‬ ‫َ‬ ‫فَ َذلِ ُك ُم اللَّ ُه َرُّب ُك ُم ا ْل َح ُّ‬ ‫ون﴾ (يونس‪.)92-96:‬‬ ‫ق فَ َما َذا َب ْع َد ا ْل َح ِّ‬ ‫ق إال َّ‬ ‫ص َرفُ َ‬ ‫الضال ُل فَأ ََّنى تُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫و َوال ِفـي‬ ‫﴿ َرَّب َنا إَِّن َك تَ ْعلَ ُم َما نُ ْخ ِفي َو َما نُ ْعلِ ُن َو َما َي ْخفَى َعلَـى اللَّ ِـه ِم ْـن َ‬ ‫ـي فـي ْ‬ ‫شْ‬ ‫الس َما ِ ﴾ (إبراهيم‪.)91 :‬‬ ‫َّ‬ ‫الصـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ر ِّب ْ ِ‬ ‫ـالة َو ِمـ ْـن ُذِّري َِّتــي َرَّب َنــا َوتَ َقَّبـ ْـل ُد َعــا ِ * َرَّب َنــا ا ْغ ِفـ ْـر لِــي َولِ َو ِالـ َـد َّ‬ ‫ـيم َّ‬ ‫َ‬ ‫اج َع ْلنــي ُمقـ َ‬ ‫ِ‬ ‫اب﴾ (إبراهيم‪.)46-41:‬‬ ‫َولِ ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫س ُ‬ ‫وم ا ْلح َ‬ ‫ين َي ْوَم َيقُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫آم َن ُه ْم ِم ْن َخ ْوف﴾ (قريا‪.)4-9:‬‬ ‫﴿ َف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّب َه َذا ا ْل َب ْيت * الذ أَ ْط َع َم ُه ْم م ْن ُجوع َو َ‬ ‫هذا يسير من كثير جا به القرآن الكريم فأبرز به معاني األلوهية والربوبية – والحـق‬ ‫أن النائر فيما قدمناه وفي سا ر ما جا بـه القـرآن الكـريم ليجـد أن القـرآن الكـريم قـد‬ ‫ـت‬ ‫استعمل في أكثر اريات كلمتي "اإلله والرب" كمترادفين‪ ،‬ومـا قـول فرعـون ﴿ َمـا َعلِ ْم ُ‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪34‬‬

‫األع َلــى﴾ (النازعـــات‪ :‬مــن‬ ‫َل ُكـ ْـم ِمـ ْـن إَِلــه َغ ْيـ ِـر ﴾ (القصــا‪ :‬مــن اريــة ‪﴿ )91‬أَ​َنــا َرُّب ُكـ ُـم ْ‬ ‫ارية ‪.)24‬‬ ‫وكذلك األمر بالنسبة لكلمتي "العبادة والدين" فقـد جـا بيانهـا فـي القـرآن الكـريم كـامال‬ ‫شافيا‪َ ﴿ :‬مالِ ِك َي ْـوِم الـد ِ‬ ‫ِّين﴾ (الفاتحـة‪ )4:‬وال نئـن أنـا بحاجـة إلـى إقامـة دليـل علـى أن‬ ‫ً‬ ‫الشا ع المعروف بين المسـلمين أن ذلـك معنـاه يـوم القيامـة الـذ يكـون فيـه الحسـاب‬ ‫والجزا والعقاب‪.‬‬ ‫ِّين ِع ْن َد اللَّ ِـه ِ‬ ‫ـالم﴾ (آل عمـران‪ :‬مـن اريـة ‪ )69‬ويفهـم األمـي مـن ذلـك أن‬ ‫﴿إِ َّن الد َ‬ ‫اإل ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ال مـراد كافـة مـا جـا بـه الرسـول عليـه الصـالة والسـالم وكافـة شـ ار ع اإلسـالم وهـو مــا‬ ‫ِّين ا ْل َق ِّي ُم﴾ (يوسف‪ :‬من ارية ‪ )41‬ومن قولـه تعـالى‪:‬‬ ‫يفهمه من قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ذ ِل َك الد ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـت ع َل ْـي ُكم ِنعم ِتـي ور ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ِدينـا﴾ (الما ـدة‪:‬‬ ‫ض ُ‬ ‫﴿ا ْل َي ْوَم أَ ْك َم ْل ُ‬ ‫ـيت َل ُك ُـم ْاأل ْ‬ ‫ت َل ُك ْم دي َن ُك ْم َوأَ ْت َم ْم ُ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫سـ َ‬ ‫ـك ِم ْـن ِد ِ‬ ‫ُّهـا َّ‬ ‫ش ٍّ‬ ‫ون‬ ‫ـاس إِ ْن ُك ْنـتُ ْم ِفـي َ‬ ‫ين تَ ْع ُب ُـد َ‬ ‫َع ُب ُـد الَّ ِـذ َ‬ ‫ينـي فَـال أ ْ‬ ‫من ارية ‪ُ ﴿ )9‬ق ْل َيا أَي َ‬ ‫الن ُ‬ ‫ِم ْن ُد ِ‬ ‫َع ُب ُد اللَّ َه الَّ ِذ‬ ‫ون اللَّ ِه َوَل ِك ْن أ ْ‬ ‫َو ْج َه َك لِلد ِ‬ ‫ِّين َح ِني ًفا َوال تَ ُكوَن َّن ِم َن‬

‫يتَوفَّـا ُكم وأ ِ‬ ‫َن أ َِق ْـم‬ ‫ين * َوأ ْ‬ ‫ت أْ‬ ‫ُم ْـر ُ‬ ‫ـن ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫ـون ِم َ‬ ‫َن أَ ُك َ‬ ‫َ​َ ْ َ‬ ‫ين﴾ (يونس‪.)611-614:‬‬ ‫ا ْل ُم ْ‬ ‫ش ِرِك َ‬

‫أيضا معاني العبادة من إقامة الشعا ر والنسك فضال‬ ‫ولقد تناولت اريات التي قدمناها ً‬ ‫عن الخضوع والذلة والطاعة واالتباع واالنقياد المطلقين‪.‬‬ ‫ولقد ورد بالقرآن الكريم النصوا الكثيرة الصـريحة فـي داللتهـا علـى أن اهلل تعـالى –‬

‫هو دون غيره – الحاكم ارمر الناهي‪ ،‬وأن األتباع واالنقياد المطلقين واجبان لـه دون‬ ‫سواه بما أغنى عن االستدالل بمفهوم كلمة الرب للتدليل على ذلك ﴿إِ ِن ا ْل ُح ْك ُم إال لِلَّ ِـه‬ ‫َطيعـوا اللَّ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـول َوأُولِـي‬ ‫يعـوا َّ‬ ‫س َ‬ ‫الر ُ‬ ‫ـه َوأَط ُ‬ ‫َم َر أال تَ ْع ُب ُدوا إال إِيَّـاه﴾ (يوسـف‪ :‬مـن اريـة‪﴿ )41‬أ ُ‬ ‫أَ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ـون ِباللَّـ ِـه‬ ‫ـي فَـ ُـردُّوهُ إِلَــى اللَّـ ِـه َو َّ‬ ‫ـاز ْعتُ ْم ِفــي َ‬ ‫األمـ ِـر ِم ـ ْن ُك ْم فَ ـِإ ْن تَ​َنـ َ‬ ‫ـول إِ ْن ُك ْنــتُ ْم تُ ْؤ ِمنُـ َ‬ ‫الر ُ‬ ‫ْ‬ ‫شـ ْ‬ ‫ين َي ْز ُعم َ َّ‬ ‫آم ُنوا ِب َما أُْن ِـز َل‬ ‫س ُن تَأ ِْوي ً‬ ‫ال * أَ​َل ْم تَ​َر إَِلى الَّ ِذ َ‬ ‫َوا ْل َي ْوِم ْار ِخ ِر َذلِ َك َخ ْيٌر َوأ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫ون أَن ُه ْم َ‬ ‫ُ‬ ‫وت وقَ ْـد أ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َن َي ْكفُ ُـروا ِب ِـه‬ ‫إِلَ ْي َك َو َما أُْن ِز َل ِم ْـن قَْبلِ َ‬ ‫ُم ُـروا أ ْ‬ ‫ون أ ْ‬ ‫ـك ُي ِر ُ‬ ‫يـد َ‬ ‫َن َيتَ َحـا َك ُموا إِلَـى الطـا ُغ َ‬ ‫َن ي ِ‬ ‫َوُي ِريـ ُـد َّ‬ ‫ـون‬ ‫ضــالالً َب ِعيـ ًـدا﴾ (النســا ‪﴿ )11-19:‬فَــال َوَرِّبـ َ‬ ‫ـك ال ُي ْؤ ِمنُـ َ‬ ‫الشـ ْـيطَ ُ‬ ‫ضــلَّ ُه ْم َ‬ ‫ان أ ْ ُ‬ ‫حتَّـى يح ِّكمـ َ ِ‬ ‫ســلِّ ُموا‬ ‫يمــا َ‬ ‫ـج َر َب ْيـ َن ُه ْم ثُـ َّـم ال َي ِج ُـدوا ِفــي أَْنفُ ِسـ ِه ْم َح َر ًجـا ِم َّمــا قَ َ‬ ‫شَ‬ ‫ضـ ْـي َت َوُي َ‬ ‫ـوك ف َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪35‬‬

‫تَ ِ‬ ‫ـه﴾ (النســا ‪ :‬مــن اريــة‪)11‬‬ ‫ـول فَ َقـ ْـد أَ َ‬ ‫يما﴾ (النســا ‪َ ﴿ )11:‬مـ ْـن ُي ِطـ ِـع َّ‬ ‫سـ َ‬ ‫ـاع اللَّـ َ‬ ‫طـ َ‬ ‫ْ‬ ‫الر ُ‬ ‫ســل ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫سولَ ُه ُي ْد ِخ ْل ُه َج َّنات تَ ْج ِر ِم ْن تَ ْح ِت َها األ ْن َه ُار َخالِ ِـد َ‬ ‫﴿ت ْل َك ُح ُدو ُد اللَّه َو َم ْن ُيط ِع اللَّ َه َوَر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـك ا ْلفَـ ْـوُز ا ْل َع ِئـيم * َو َمـ ْـن َي ْع ِ‬ ‫ـار َخالِـ ًـدا‬ ‫ـه َن ًا‬ ‫يهـا َوَذلِ َ‬ ‫ودهُ ُي ْد ِخ ْلـ ُ‬ ‫سـولَ ُه َوَيتَ َعـ َّـد ُح ُـد َ‬ ‫ـا اللَّـ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ـه َوَر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـه اللَّـ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـاب‬ ‫ـان لِ َب َ‬ ‫شــر أ ْ‬ ‫َن ُي ْؤِت َيـ ُ‬ ‫يهــا َوَلـ ُ‬ ‫ـين﴾ (النســا ‪َ ﴿ )64-69:‬مــا َكـ َ‬ ‫اب ُم ِهـ ٌ‬ ‫ـه ا ْلكتَـ َ‬ ‫ـه َع ـ َذ ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫ون اللَّ ِـه ولَ ِك ْـن ُكونُـوا رب ِ‬ ‫َوا ْل ُح ْكم َو ُّ‬ ‫ول لِ َّلن ِ‬ ‫ـادا لِـي ِم ْـن ُد ِ‬ ‫ين ِب َمـا‬ ‫الن ُب َّوةَ ثَُّم َيقُ َ‬ ‫اس ُكونُـوا ِع َب ً‬ ‫َّـان ِّي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُك ْنتُم تُعلِّم َ ِ‬ ‫ون﴾ (آل عمران‪.)19:‬‬ ‫س َ‬ ‫ون ا ْلكتَ َ‬ ‫اب َوِب َما ُك ْنتُ ْم تَ ْد ُر ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫حكما وال نبوة‪!!..‬؟‪.‬‬ ‫فكيف ببشر لم يؤته اهلل ً‬ ‫كتابا وال ً‬ ‫ِ‬ ‫َه َل ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫ـه‬ ‫﴿ ُق ْل َيا أ ْ‬ ‫س َـوا َب ْي َن َنـا َوَب ْيـ َن ُك ْم أال َن ْع ُب َـد إال اللَّ َ‬ ‫اب تَ َعالَ ْوا إِلَـى َكل َمـة َ‬ ‫ون اللَّـ ِ‬ ‫ــن ُد ِ‬ ‫ــه َفـــِإ ْن تَ​َولَّـ ْــوا َفقُولُـــوا‬ ‫َ‬ ‫ضـــا أ َْرَب ًابـــا ِمـ ْ‬ ‫ضـــ َنا َب ْع ً‬ ‫شـ ْــي ًا َوال َيتَّ ِخـــ َذ َب ْع ُ‬ ‫ون﴾ (آل عمران‪.)14:‬‬ ‫سلِ ُم َ‬ ‫ُم ْ‬

‫ش ِـر َك ِبـ ِه‬ ‫َوال نُ ْ‬ ‫ــه ُدوا ِبأ ََّنـــا‬ ‫اْ‬ ‫شـ َ‬

‫﴿اتَِّب ُعوا َما أُْن ِز َل إَِل ْي ُك ْم ِم ْن َرِّب ُك ْم َوال تَتَِّب ُعوا ِم ْن ُدوِن ِه أ َْوِل َيا َ﴾ (ألعراف‪ :‬من ارية‪.)9‬‬ ‫﴿إَِّنـــا أَْن َزْل َنـــا إَِل ْيـ َ ِ‬ ‫ق لِـــتَ ْح ُكم َبـ ْــي َن َّ‬ ‫النـ ِ‬ ‫ــه﴾ (النســـا ‪ :‬مـــن‬ ‫ــاب ِبـــا ْل َح ِّ‬ ‫ــاس ِب َمـــا أ َ​َر َ‬ ‫اك اللَّـ ُ‬ ‫ــك ا ْلكتَـ َ‬ ‫َ‬ ‫ارية‪.)611‬‬ ‫﴿وم ْن َلم ي ْح ُكم ِبما أَْن َز َل اللَّ ُه فَأُوَل ِ َك ُهم ا ْل َك ِ‬ ‫ون﴾ (الما دة‪ :‬من ارية‪.)44‬‬ ‫اف ُر َ‬ ‫َ​َ ْ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ون﴾ (الما دة‪ :‬من ارية‪.)41‬‬ ‫﴿ َو َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ِب َما أَْن َز َل اللَّ ُه َفأُوَل ِ َك ُه ُم الئَّالِ ُم َ‬ ‫﴿وم ْن لَم ي ْح ُكم ِبما أَْن َز َل اللَّ ُه فَأُوَل ِ َك ُهم ا ْلفَ ِ‬ ‫ون﴾ (الما دة‪ :‬من ارية‪.)41‬‬ ‫اسقُ َ‬ ‫َ​َ ْ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫﴿وأَْن َزْل َنـا إِلَ ْيـ َ ِ‬ ‫صـ ِّـدقًا‬ ‫ـاب ِبــا ْل َح ِّ‬ ‫ـك ا ْلكتَـ َ‬ ‫ق ُم َ‬ ‫َ‬ ‫َه َوا َ ُه ْم‬ ‫َب ْي َن ُه ْم ِب َما أَْن َز َل اللَّ ُه َوال تَتَِّب ْع أ ْ‬

‫ـن ا ْل ِكتَـ ِ‬ ‫ـاح ُك ْم‬ ‫ـاب َو ُم َه ْي ِم ًنــا َعلَ ْيـ ِـه فَـ ْ‬ ‫لِ َمــا َب ْـي َن َي َد ْيـ ِـه ِمـ َ‬ ‫َع َّما َجا َ َك ِم َن ا ْل َحق﴾ (الما دة‪..)41 :‬‬

‫ـوك َع ْـن َب ْع ِ‬ ‫﴿ َوأ ِ‬ ‫ـو َمـا‬ ‫َن َي ْف ِت ُن َ‬ ‫ـع أ ْ‬ ‫احـ َذ ْرُه ْم أ ْ‬ ‫اح ُك ْم َب ْي َن ُه ْم ِب َمـا أَْن َـز َل اللَّ ُ‬ ‫َه َـوا َ ُه ْم َو ْ‬ ‫َن ْ‬ ‫ـه َوال تَتَِّب ْ‬ ‫أَْن َز َل اللَّ ُه إَِل ْي َك﴾ (الما دة‪ :‬من ارية‪.)49‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪36‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلِ َّيـ ِ‬ ‫﴿أَفَح ْكــــــم ا ْلج ِ‬ ‫ـــــون﴾‪1‬‬ ‫ـــــون َو َمـ ْ‬ ‫ـــــوم ُيوِق ُنـ َ‬ ‫ـــــن ِمـ َ‬ ‫سـ ُ‬ ‫ـــــن أ ْ‬ ‫ـــــة َي ْب ُغـ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ـــــن اللَّــــــه ُح ْك ًمــــــا ل َقـ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫(الما دة‪.)11:‬وعـاب اهلل عـز وجـل علـى اليهـود والنصـاري طـاعتهم ألحبـارهم ورهبـانهم‬ ‫من دون اهلل تعالى وحكم بكفرهم إذ بلغت تلك الطاعة االعتقاد بأن لهـم أن يحرمـوا مـا‬ ‫ـارُه ْم َوُرْه َبـا َن ُه ْم أ َْرَب ًابـا ِم ْـن ُد ِ‬ ‫ون‬ ‫أحل اهلل أو يحلوا ما حرم اهلل‪ ،‬قـال تعـالى‪﴿ :‬اتَّ َخـ ُذوا أ ْ‬ ‫َح َب َ‬ ‫اللَّه﴾ (التوبة‪ :‬من ارية‪.)96‬‬ ‫ولما غفل َع ِد ُّ بن حاتم عن المعنى الحقيقـي المقصـود مـن هـذه اريـة الكريمـة وئـن‬ ‫أن العبادة هي مجرد إقامة الشعا ر والتنسك‪ ،‬وقال للرسول عليه الصالة والسالم إنهم‬ ‫لم يعبدوهم‪ ،‬وضَّح عليه الصالة والسالم له ما فاته‪.‬‬ ‫عن عد بن حـاتم قـال‪ :‬أتيـت النبـي – صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪ :-‬وفـي عنقـي صـليب‬

‫من ذهب فقال‪" :‬يا ابن حاتم‪ ،‬ألق هذا الوثن عن عنقك" فألقيته‪ ،‬ثم افتتح سورة بـرا ة‬ ‫َح َب َارُه ْم َوُرْه َبا َن ُه ْم أ َْرَب ًابا ِم ْـن ُد ِ‬ ‫ون اللَّـه) فقلـت‪ :‬يـا رسـول اهلل مـا كنـا‬ ‫حتى بلا‪( :‬اتَّ َخ ُذوا أ ْ‬ ‫نعبدهم فقال‪"" :‬كانوا يحلون لكم الحرام فتستحلونه ويحرمون عليكم الحالل فتحرمونه"؟‬

‫فقلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪" :‬فتلك عبادتهم"‪[ .‬رواه ابن حزم فـي اإلحكـام فـي أصـول األحكـام جــ‪1‬‬ ‫ا‪ ،692،699‬والطحـــــان الكـــــوفي جــــــ‪ 2‬ا‪ ،614‬وابـــــن جريـــــر فـــــي تفســـــيره جــــــ‪6‬‬ ‫ا‪ ،11،16‬والترمذ ]‪.‬‬

‫ومـن األحاديــث الثابتــة عــن رســول اهلل – صـلى اهلل عليــه وســلم – قولــه‪" :‬علــى المــر‬

‫المسلم السمع والطاعة فيمـا أحـب وكـره إال أن يـؤمر بمعصـية‪ ،‬فـإن أمـر بمعصـية فـال‬

‫سمع وال طاعة"‪[ .‬رواه مسلم المحلى جـ‪ 6‬ا‪.]92‬‬ ‫وفيما رواه ابن مسعود عـن الرسـول – صـلى اهلل عليـه وسـلم ـ أنـه قـال‪" :‬مـا مـن نبـي‬ ‫بعثـــه اهلل فـــي أمـــة قبلـــي إال كـــان لـــه مـــن أمتـــه حواريـــون وأصـــحاب يأخـــذون بســـنته‬

‫ويقتــدون بــأمره‪ ،‬ثــم يحــدث مــن بعــدهم خلــوف يقولــون مــا ال يفعلــون‪ ،‬ويفعلــون مــا ال‬

‫يــؤمرون فمـــن جاهـــدهم بيـــده فهـــو مـــؤمن ومــن جاهـــدهم بلســـانه فهـــو ومـــؤمن ومـــن‬ ‫جاهــدهم بقلبــه فهــو مــؤمن ولــيس ورا ذلــك مــن اإليمــان حبــة خــردل" [المحلــى جـــ‪1‬‬

‫ا‪.]911‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪37‬‬

‫وكل ذلك محفوئ معروف مشهور يكفي أن يسمعه من ال يعرف من العربيـة إال إحـدي‬

‫لهجاتها العامية فيفهمه ويلم بمقاصده العامة فتستنير بصيرته وان جهل الفواصل بين‬ ‫األحكام الشرعية المختلفة‪.‬‬ ‫وما عمل المفسرين في هذا الشأن إال إيضـا معنـى كلمـة قـد ال يعـرف معناهـا مـن ال‬

‫يجيد اللغة العربية أو إيراد أسباب النزول أو بعو األحاديث المناسبة لآلية والمتعلقة‬

‫بها‪ ،‬أو المقابلة بين اريـة والحـديث أو اريـة واريـة ثـم اإلشـارة إلـى األحكـام الشـرعية‬ ‫التي تستنبط من مجموع اريات واألحاديث المتعلقة بموضوع ما‪.‬‬

‫أمــا مــن ال يتكلمــون العربيــة فــاألمر بالنســبة لهــم مــرده الترجمــة‪ :‬فــإن وقعــت صــحيحة‬

‫فهي – وان لم تبلا بال ريب القرآن العربي المعجز – تكون كافية في تحصيل المعاني‬ ‫المقصــودة وابــالغ البيــان المطلــوب‪ ،‬وان لــم تكــن كــذلك والبســها التحريــف فهــي كــذب‬

‫وافترا ‪ ،‬وقول على اهلل بغير الحق‪.‬‬ ‫ثــم نــرد علــى القــول بأنــه‪ " :‬لمــا نــزل القـرآن الكــريم فــي العــرب وعــرو علــى النــاطقين‬ ‫بالضاد كان حين ذ يعرف كل امر منهم مـا معنـى اإللـه ومـا المـراد بـالرب ومـن ثـم إذا‬

‫قيل ال إله إال اهلل وال رب سواه وال شريك له في ألوهيته وربوبيته أدركوا مـا دعـوا إليـه‬ ‫تماما وبين لهم من غير لبس وال إبهام أ شي هو الذ قـد نفـاه القا ـل ومنـع غيـر‬ ‫ً‬ ‫اهلل أن يوصف به وأ شي قد خصه وأخلصه هلل تعالى"‪.‬‬

‫فنقــول بعــون اهلل إنــه كــان المقصــود بهــذا القــول القطــع بــأن كــل فــرد ممــن كــان بنجـد‬

‫والحجاز وغيرهما وقت بعثة الرسول عليه الصالة والسالم على وجه التحديد والتعيين‪،‬‬

‫قــد أدرك بغيــر مــا لــبس وال إبهــام مــا دعــى إليــه وكــان علــى علــم كامــل شــامل بمعنــى‬

‫كلمتي "اإلله والرب" وحقيقة التوحيد‪ ،‬بالجملة المفهوم الكامـل الشـامل لشـهادة "ال إلـه‬ ‫إال اهلل" إن كــان هــذا هــو المقصــود فإنــه يكــون ق ـوال فــي حاجــة إلقامــة البرهــان علــى‬ ‫صحته وال يكفي للتدليل على صحة هذه الدعوي االدعـا بشـيوع معـاني كلمتـي "اإللـه‬

‫والرب" بين العرب الناطقين بالضاد‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪38‬‬

‫أوال‪ :‬ألن الشيوع مهما بلا واشتد‪ ،‬معناه‪ :‬معرفة الكثرة الغالبة باألمر وال يرقى إلى حد‬ ‫القطــع والتــيقن مــن حقيقــة علــم كــل فــرد علــى وجــه التحديــد والتعيــين‪ ،‬فمــن ذا الــذ‬

‫فـردا‪ ،‬ليجـزم باسـتحالة أن يكــون‬ ‫فـردا ً‬ ‫عـددا وتأكـد مـن حقيقـة أمـر كـل مـنهم ً‬ ‫أحصـاهم ً‬ ‫بينهم من أخطأ الفهم أو لم يصله العلم‪..‬؟‪.‬‬

‫ثانيــا‪ :‬أن الـــذين كـــانوا بنجـــد والحجــاز وغيرهـــا‪ ،‬لـــم يكونـــوا كلهــم مـــن العـــرب الخلـــا‬ ‫ً‬ ‫العــالمين باللغــة العربيــة كأهلهــا بــل كــان فــيهم بيقــين كثيــر مــن المســتعربين واألرقــا‬ ‫أيضـــا األحـــرار األجانـــب‬ ‫المســـتجلبين مـــن نـــوا شـــتى وأجنـــاس مختلفـــة وكـــان فـــيهم ً‬ ‫األعجميو اللسان فال يصدق في حقهم القول بالفهم كفهم الناطق بالضـاد‪ ،‬ولقـد حفـئ‬

‫لنــا التــاريخ أســما كثيــرين مــن صــحابة رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – مــن‬ ‫ِ‬ ‫ـان‬ ‫سـ ُ‬ ‫فارســيين وروميــين وأحبــاا‪ ،‬وأشــار القـرآن الكــريم إلــى وجــود هـؤال األجانــب ﴿ل َ‬ ‫ِ‬ ‫ون إَِل ْي ِه أ ْ ِ‬ ‫ين﴾ (النحل‪ :‬من ارية‪.)619‬‬ ‫ان َع َرِبي ُم ِب ٌ‬ ‫س ٌ‬ ‫الَّ ِذ ُي ْل ِح ُد َ‬ ‫َع َجمي َو َه َذا ل َ‬ ‫ولقد كانت دعوة الرسول – صلى اهلل عليه وسلم – موجهـة للجميـع علـى سـوا وقبـل‬ ‫عليـه الصــالة والسـالم إســالم مـن نطــق مـنهم بالشــهادتين دون تفرقـة أو تمييــز‪ ،‬ولقــد‬ ‫كان يكفي لدحو تلك الـدعوي أن تكـون بغيـر دليـل‪ ،‬ولقـد قـدمنا مـا يعارضـها‪ ،‬ونؤكـد‬

‫هذه المعارضة بواقعة علم بها الرسول عليه الصالة والسالم تؤكد جهل الكثيرين ممـن‬

‫أســلموا واعتبــرهم النبــي – صــلى اهلل عليــه وســلم – مســلمين بــبعو معــاني التوحيــد‬ ‫ومفهوم الشهادة‪.‬‬ ‫أورد الشاطبي في كتابه االعتصام أنه ورد في الصحيح عن أبي واقد الليثـي – رضـي‬ ‫اهلل عنــه – قــال‪ :‬خرجنــا مــع رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – ِقبـ َـل خيبــر ونحــن‬ ‫حديثو عهـد بكفـر وللمشـركين سـدرة يعكفـون حولهـا وينوطـون بهـا أسـلحتهم يقـال لهـا‬ ‫ذات أنواط فقلنا يا رسول اهلل اجعل لنـا ذات أنـواط كمـا لهـم ذات أنـواط‪ ،‬فقـال – صـلى‬

‫إلها كما لهم آلهة‪ ،‬لتـركبن‬ ‫اهلل عليه وسلم‪" :‬اهلل أكبر كما قالت بنو إسرا يل‪ ،‬اجعل لنا ً‬ ‫شبر بشبر وذر ًعا حتى لو دخلوا في جحر ضب التبعتموهم" قلنا يا‬ ‫سنن من كان قبلكم ًا‬

‫رسول اهلل‪ :‬اليهود والنصاري؟ قال‪" :‬فمن؟" [االعتصام للشاطبي جـ‪ 6‬ا‪.]41‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪39‬‬

‫ولقد أورد ابن كثير والقرطبي وابن حـزم روايـات مماثلـة [ابـن كثيـر ا‪ ،649‬القرطبـي‬ ‫جـ‪ 1‬ا‪ ،219‬جامع السير البن حزم ا‪.]291‬‬ ‫إلهــا مــن دون اهلل يصــدق فــي حقهــم‬ ‫أفهـؤال الــذين طلبـوا مــن رســولهم أن يجعــل لهــم ً‬ ‫تمامــا مــا دع ـوا إليــه‬ ‫القــول إنهــم إذا شــهدوا أن ال إلــه إال اهلل وال رب سـواه قــد أدركـوا ً‬ ‫وبين لهم من غير ما لبس وال إبهـام أ شـي هـو قـد نفـاه القا ـل ومنـع غيـر اهلل أن‬

‫يوصف به وأ شي من خصه وأخلصه هلل تعالى‪!!...‬؟‪.‬‬ ‫هذا وقد سبق أن أوردنا ما كـان مـن أمـر عـد بـن حـاتم – رضـي اهلل عنـه – وجهلـه‬

‫بحقيقــة معنــى كلمــة العبــادة حتــى بـ ّـين لــه رســوله – صــلى اهلل عليــه وســلم – المعنــى‬ ‫المقصود‪.‬‬ ‫بطالن القول بعدم إسالم من نطق بالشهادتين إذا جل مفهومهما‪:‬‬ ‫ثم نقول للذ ذهب على عدم الحكم بإسـالم مـن نطـق بالشـهادتين فـي وقتنـا الحاضـر‬

‫مفهومـا علـى‬ ‫بزعم أن معناهما الـذ كـان شـا ًعا وقـت البعثـة قـد تبـدل وتغيـر ولـم يعـد‬ ‫ً‬ ‫حقيقته – نقول له‪ :‬إنا قد أسقطنا حجتك فيما أسلفناه وبما أثبتناه من أن معناهما لـم‬ ‫وضوحا مما كان قبل نزول القرآن الكريم‪.‬‬ ‫شيوعا وأكثر‬ ‫يزل شا ًعا بين الناس بل أكثر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفضال عن ذلك‪ ،‬فإنه لم يرد شرع يفيد الربط بـين شـيوع معنـى األلوهيـة والربوبيـة فـي‬ ‫مجمــوع مــن النــاس وبــين قبــول شــهادة مــن شــهد مــنهم أن ال إلــه إال اهلل وأن محمـ ًـدا‬

‫رسـول اهلل وحكمنــا بإسـالمه بقولهــا‪ ،‬واشــتراط هـذا الشــرط شـريعة از ــدة ال تقبــل إال أن‬

‫يقيم القا ل بها البرهان عليها من كتاب اهلل وسنة الرسول عليه الصالة والسالم‪.‬‬ ‫وقـول الرســول – صـلى اهلل عليــه وسـلم – وفعلــه المعتبـر شــريعة الزمـة‪ ،‬علــى خــالف‬ ‫تلـك الشـريعة ال از ـدة المسـتحدثة‪ :‬فقـد قبـل الرسـول – صـلى اهلل عليـه وسـلم – إسـالم‬

‫اجـا مـن العـرب والمسـتعربين واألرقـا والمسـتجلبين‬ ‫الناس الذين دخلوا في دين اهلل أفو ً‬ ‫وأهل الحيرة وأهل الـيمن ممـن فتحـت بالدهـم علـى عهـده – صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪،-‬‬

‫دون إجرا ما يفيد ضرورة التأكد أن كل فرد منهم قد فهم من الشـهادتين اللتـين شـهد‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪41‬‬

‫ـددا معي ًنــا‪ ،‬أو أن معــاني محــددة معينــة شــا عة معروفــة‬ ‫بهمــا معل ًنــا إســالمه معنــى محـ ً‬ ‫بيــنهم‪ ،‬بــل ثبــت لديــه عليــه الصــالة والســالم أن بعــو العــرب يجهلــون حقيقــة معنــى‬ ‫بعو األلفائ كما كـان مـن أمـر عـد بـن حـاتم كمـا قـدمنا‪ ،‬وأن بعـو مـن قبـل عليـه‬ ‫الصالة والسالم إسالمهم يجهلون بعو معاني شهادة أن "ال إله إال اهلل" كما كان من‬

‫أمر الـذين قـالوا‪( :‬اجعـل لنـا ذات أنـواط كمـا لهـم ذات أنـواط) فـدل عملـه عليـه الصـالة‬

‫والسالم على افتراو ما يكفي من العلم في حق من نطق بالشهادتين للحكم بإسـالمه‬

‫وان جهله ما قد يكون جاهال به من معاني األلوهية والربوبية والعبادة والدين ومفهـوم‬

‫الشهادتين وغير ذلك من األحكام الشرعية‪ ،‬ال يضر إسـالمهم شـي ًا‪ ،‬ولـيس بمـانع مـن‬ ‫الحكم بإسـالمه‪ ،‬وأن تجـر ع لـيهم األحكـام الشـرعية كمـا يجـر علـى سـا ر المسـلمين‬ ‫وهذا الدليل منقول إلينا نقل الكافة الذ هو أقوي أنواع التواتر وأشدها قـوة فـي إثبـات‬

‫صحة الخبر ويقين العلم‪ .‬وما كان الرسول – صلى اهلل عليـه وسـلم – غـافال عـن أنـه‬ ‫مبعوث إلـى النـاس كافـة عـربيهم وأعجمهـم وهـو القا ـل‪" :‬أمـرت أن أقاتـل النـاس حتـى‬

‫يشهدوا أن ال إله إال اهلل ويؤمنوا بي وبما ج ت به‪ ..‬إلخ" نعم‪ ..‬النـاس كـل النـاس بـال‬ ‫تمييز بين أناس وأناس ودون تمييز بين العـرب وغيـرهم‪ ،‬ودون التفرقـة بـين النـاطقين‬

‫بالضاد وغيرهم‪ ،‬هذا هو حكم اهلل نطق به الرسـول األمـين – صـلى اهلل عليـه وسـلم –‬

‫وعم ـل بــه وطبقــه‪ ،‬ولــو كــان النطــق بالشــهادتين يختلــف شــأنه وحكمــه بــين النــاطقين‬ ‫بالضاد وبين غيرهم‪ ،‬أو يلزم إجرا آخر في حق الناطق به من العـرب أو غيـر العـرب‬

‫حتى يحكم بإسالمه‪ ،‬ما سكت الرسول – صلى اهلل عليه وسلم – عـن بيـان ذلـك‪ ،‬ومـا‬

‫ُّـك‬ ‫ـان َرب َ‬ ‫كان عليه الصالة والسالم ليغفل عن إعمال ذلك الشرط ال از د وتطبيقه ﴿ َو َما َك َ‬ ‫َن ِسيِّا﴾ (مريم‪ :‬من ارية‪.)14‬‬

‫وم ْن أحدث تلك التفرقة وأتـى بـذلك الشـرط الزا ـد فقـد خـالف نـا حـديث رسـول اهلل –‬ ‫َ‬ ‫صلى اهلل عليـه وسـلم – واليقـين الثابـت مـن عملـه والمعتبـر شـريعة بـال خـالف‪ ،‬وأتـى‬ ‫بشريعة غير شريعة اهلل مستحدثًا في الدين ما لم يرد فيه نا من كتاب أو سنة‪.‬‬ ‫ولقد فتح المسلمون على عهد الصحابة والتابعين‪ ،‬بالد الشام وفـارس والعـراق ومصـر‬

‫وبالد البربر "شمال أفريقيا" والسودان واألندلس وتركيا وأجزا من البلقان والهند وغير‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪41‬‬

‫ذلك‪ ،‬وكلها بالد لم تكن تعرف العربية وكان إجماع الصحابة والتابعين – المنقول إلينا‬

‫نقل الكافة عن الكافة – على قبول أهل تلك الـبالد فـي اإلسـالم بشـهادة "أن ال إلـه إال‬

‫محمدا رسول اهلل" وعصمت بها دماؤهم وأموالهم‪ ،‬وأجريـت علـيهم شـ ار ع اإلسـالم‪،‬‬ ‫اهلل‬ ‫ً‬ ‫ثم علموا شي ًا فشي ًا مـا كـانوا يجهلونـه مـن أحكـام وشـرا ع‪ ،‬ومـا ذهـب قا ـل إلـى عـدم‬ ‫قبول إسـالمهم حتـى يتحقـق شـرط أو أمـر مضـاف إلـى شـهادتهم التـي نطقـوا بهـا‪ ،‬وال‬ ‫يصح في العقل االدعا بأن معاني األلوهية والربوبية كما كانت شا عة بين العرب في‬

‫شيوعا بيننا ارن‪.‬‬ ‫الجاهلية كانت شا عة في هؤال الجاهلين بالعربية بأكثر‬ ‫ً‬ ‫بطالن القول باشتراط العمل‪:‬‬ ‫ثم نقول للذ اشترط أن تكون أعمال الشخا مصدقة لشهادته حتى ُيحكم بإسـالمه‪:‬‬ ‫إن فيما قدمناه ما يثبت فساد ذلك القول‪ ،‬فقـد أقمنـا األدلـة القاطعـة علـى أن حكـم اهلل‬ ‫مسـلما فـي ذات اللحئـة التـي ينطـق فيهـا بالشـهادتين‪ ،‬وأنـه‬ ‫تعالى أن يعتبر الشخا‬ ‫ً‬ ‫لما ويحرم علينا دمه وماله‪.‬‬ ‫حال نطقه بالشهادتين يلزمنا اعتباره مس ً‬

‫فمن أين جا الشرط الذ تقول به من وجوب عمل مـا وتعليـق حكـم إسـالم مـن نطـق‬ ‫بالشهادتين حتى يأتي بعمل يعتبر مصدقًا لشهادته‪!..‬؟‪.‬‬ ‫ولقد كان أبو طالب يحتضر في فراا الموت والرسول عليه الصالة والسالم إلى جواره‬

‫ويلــح عليــه أن ينطــق "ال إلــه إال اهلل محمــد رســول اهلل" حتــى يشــهد بهــا لــه عنــد اهلل‬

‫[البخار جـ‪ 2‬ا‪ 669‬مسلم‪ :‬المحلى جـ‪ 66‬ا‪ ،]261‬فمـا جـدوي هـذه الشـهادة ومـا‬ ‫قيمتها وما الداعي ألن يطلبها الرسول – صلى اهلل عليه وسـلم – مـن عمـه إن كانـت‬ ‫بذاتها ال تخر قا لها من الكفر وتدخل به في اإلسالم‪..‬؟‪.‬‬

‫أما االحتجا في هذا المقام بالحديث "ليس اإليمـان بـالتمني ولكـن مـا وقـر فـي القلـب‬

‫وصدقه العمل" [لم نجد هذا الحديث في كتـب الحـديث الممتـدة التـي بـين أيـدينا – كمـا‬ ‫أن عمد كتب الفقه التي تعرضت بالتفصيل لقضية الكفر واإليمان "مما أشرنا إليها في‬

‫هذا البحث" حيث وطن االستشهاد لم يشر إليه بل قال ابن تيمية والغزالي في األحيـا‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪42‬‬

‫والقرطبي إن هذا القـول لحسـن البصـر أو لعلـي بـن أبـي طالـب] فـال حجـة فـي ألنـه‪،‬‬

‫علــى فــرو صــحة نســبية هــذا الحــديث إلــى الرســول – صــلى اهلل عليــه وســلم – فإنــه‬ ‫سمي النطق بالشهادتين عمال‪:‬‬ ‫عليه الصالة والسالم قد ّ‬ ‫عن أبي هريرة رضي اهلل تعـالى عنـه أن رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم – سـ ل‪:‬‬ ‫أ العمل أفضل؟ قال‪" :‬إيمان باهلل ورسوله" قيل ثم ماذا؟ قال‪" :‬الجهاد فـي سـبيل اهلل"‬

‫قيل ثم ماذا؟ قال‪" :‬حج مبرور" [البخار ‪ :‬جـ‪ 6‬ا‪.]69‬‬ ‫وحدث ابن العباس – رضي اهلل تعالى عنهما – أن وفد عبد القيس أتوا النبي – صلى‬ ‫ّ‬ ‫اهلل عليــه وســلم – فقــالوا مــا معنــاه إنهــم علــى بعــد منــه وال يســتطيعون الحضــور إليــه‬ ‫عليه الصالة والسالم إال في شهر حرام وقالوا‪ :‬فمرنا بـأمر نخبـر بـه مـن ورا نـا نـدخل‬

‫به الجنـة‪ ،‬فـأمرهم – صـلى اهلل عليـه وسـلم – بـأربع ونهـاهم عـن أربـع‪ ،‬وكـان أول مـا‬ ‫أمرهم به اإليمان باهلل وحده ثم قال – صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬هل تدرون ما اإليمان‬

‫محمـدا رسـول‬ ‫باهلل وحده؟ قالوا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬شهادة أن ال إله إال اهلل وأن‬ ‫ً‬ ‫اهلل" [البخار ‪ :‬جـ‪ 6‬ا‪.]699 ،92‬‬

‫عرفنا رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – اإليمـان بـاهلل وحـده بأنـه شـهادة أن‬ ‫وهكذا ّ‬ ‫ــدا رســـول اهلل‪ ،‬وهكـــذا ســـمي عليـــه الصـــالة والســـالم النطـــق‬ ‫ال إلـــه إال اهلل وأن محمـ ً‬ ‫بالشهادتين عمال‪.‬‬

‫وبــذلك يكــون الثابــت يقي ًنــا مــن األحاديــث مجتمعــة أن مــن شــهد أن ال إلــه إال اهلل وأن‬

‫مخلصا من قلبه فإنه يكون قد أتى عمال مصد ًقا لمـا وقـر فـي قلبـه‪،‬‬ ‫محمدا رسول اهلل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأن حكم اهلل أنه بذلك قد آمن وأسلم‪.‬‬ ‫واإلخالا فعل النفس والقلب الذ ال يطّلع عليـه إال عـالم السـرا ر جـل شـأنه‪ ،‬ولـيس‬

‫لنــا نحــن البشــر إال أن نعامــل النــاس بمــا ينطقــون بــه بألســنتهم‪ :‬قــال خالــد بــن الوليــد‬

‫صــل يقــول بلســانه مــا لــيس فــي‬ ‫لرســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم ‪" :-‬وكــم مــن ُم َ‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪43‬‬

‫قلبه"‪ ،‬فقال – صلى اهلل عليه وسـلم ‪" :-‬إنـي لـم أومـر أن أنقـب عـن قلـوب النـاس وال‬ ‫أشق بطونهم" [مسلم‪ :‬المحلى جـ‪ 66‬ا‪.]221‬‬ ‫ولـيس فـي وجــوب الحكـم بإســالم مـن نطــق بالشـهادتين مــا يتعـارو مــع كـون المســلم‬

‫مكلفًا بعد النطق بالشهادتين بفرا و أخري هي مـن اإليمـان كالصـالة والزكـاة والصـوم‬

‫والحج والجهاد والدعوة إلى اهلل‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫يما ًنــا﴾ (المــدثر‪ :‬مــن اريــة‪)96‬‬ ‫واإليمــان يزيــد بازديــاد الطاعــة‪َ ﴿ :‬وَيـ ْـزَد َ‬ ‫اد الَّـ ِـذ َ‬ ‫آم ُنـوا إ َ‬ ‫ين َ‬ ‫اد ُهم إال إِيما ًنا وتَ ِ‬ ‫يما﴾‬ ‫ين ْ‬ ‫﴿ َوَي ِز ُ‬ ‫يد اللَّ ُه الَّ ِذ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫اهتَ َد ْوا ُه ً‬ ‫دي﴾ (مريم‪ :‬من ارية‪َ ﴿ )11‬و َما َز َ ْ‬ ‫سل ً‬ ‫(األحزاب‪ :‬من ارية‪﴿ )22‬فَأ َّ َّ ِ‬ ‫ين آمنُـوا فَ َـز َ ِ‬ ‫ون﴾ (التوبـة‪:‬‬ ‫ستَْب ِش ُـر َ‬ ‫يما ًنـا َو ُه ْـم َي ْ‬ ‫اد ْت ُه ْم إ َ‬ ‫َما الـذ َ َ‬

‫من ارية‪ )624‬وعـن أبـي هريـرة رضـي اهلل عنـه أن النبـي – صـلى اهلل عليـه وسـلم –‬

‫قال‪" :‬اإليمان بضع وستون شعبة والحيا شعبة مـن اإليمـان" [البخـار ‪ :‬جــ‪ 6‬ا‪]49‬‬ ‫ثم نقول للذ يأبى التسليم بذلك‪:‬‬ ‫حــدد لنــا العمــل الــذ تريــد أن تجعلــه مصــدقًا لقــول النــاطق بالشــهادتين حتــى نحكــم‬ ‫بإسالمه وحدد لنا صفة ذلك العمل ومقداره‪.!!..‬‬

‫أبدا‪ ،‬إال أن تأتي بشريعة مـن عنـد ذات نفسـك وال يـأذن بهـا اهلل‬ ‫وال سبيل لك إلى ذلك ً‬ ‫تعالى‪ ،‬وحذار من ذلك ألنك إن فعلت هذا سقطت فيمـا قمـت تنهـى عنـه وحكمـت بغيـر‬ ‫ما أنزل اهلل من حيث ندبت نفسك للدعوة بأن ال حكم إال هلل‪.‬‬ ‫واذا قــال قا ــل إن واقــع حيــاة النــاس يــدل علــى أنهــم ينهجــون فــي حيــاتهم االجتماعيــة‬ ‫واالقتصادية والسياسية مناهج تخالف شريعة اله‪ ،‬قلنا‪ ،‬نعم صدقت‪.‬‬ ‫وهذا حال الكثيرين منهم وهم بذلك عاصون ألوامر اهلل‪.‬‬ ‫ولكن من تعدي ذلك إلى القول بفساد عقيدة الناس بمـا أخـرجهم عـن اإلسـالم قلنـا لـه‬ ‫إنـــك أنـــت الـــذ خرجـــت علـــى حكـــم اهلل بحكمـــك هـــذا الـــذ حكمـــت بـــه علـــى عمـــوم‬

‫ئـن ال يرقـى‬ ‫الناس‪،‬وان استداللك على فساد عقيـدة النـاس بمـا يخـرجهم عـن اإلسـالم ٌ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪44‬‬

‫شـ ْـي ا﴾ (يــونس‪ :‬مــن‬ ‫ـن ا ْل َحـ ِّ‬ ‫إلــى الجــزم واليقــين‪ ،‬قــال تعــالى‪﴿ :‬إِ َّن الئَّـ َّ‬ ‫ـق َ‬ ‫ـن ال ُي ْغ ِنــي ِمـ َ‬ ‫ارية‪ )91‬وقـال عليـه الصـالة والسـالم‪" :‬إيـاكم والئـن فـإن الئـن أكـذب الحـديث" إال أن‬ ‫محددا في شريعة اهلل بأنه‬ ‫يثبت في حق شخا معين أنه قد ارتكب عمال أو قال قوال‬ ‫ً‬ ‫مخر من اإلسالم إلى الكفر‪.‬‬

‫وليس المعالنة بالمعاصي وشيوعها‪ ،‬وليس الئواهر العامة التي ركنت إليها مما يجيز‬ ‫حكمــا علــى عمــوم النــاس بخــروجهم مــن اإلســالم إلــى‬ ‫لــك فــي شــريعة اهلل أن تصــدر ً‬ ‫الكفر‪ ،‬أو وبعدم دخولهم اإلسالم أصال رغم النطق بالشهادتين‪.‬‬

‫ونحــن ال نقــول بــأن مــن نطــق بالشــهادتين فإنــه يلزمنــا الحكــم بإســالمه ّأيــا مــا قــال أو‬ ‫أبـدا أن المسـلم ال يرتـد إلـى الكفـر مهمـا قـال أو‬ ‫عمل بعد النطق بهما‪ ،‬ونحن ال نقول ً‬

‫عمل‪.‬‬

‫فممــا ال شــك فيــه أن شــريعة اهلل قــد حــددت أقـواال وأعمــاال إذ قالهــا المســلم أو عملهــا‬ ‫خرجت به من اإلسالم وارتد بها إلى الكفر‪.‬‬ ‫والــذ نقــول بــه إن تلــك األقـوال واألعمــال قــد حــددها اهلل عــز وجــل ووضــحها الرســول‬ ‫عليه الصالة والسالم فليس لنا أن نزيد فيها أو ننقا منها‪.‬‬ ‫كمــا أن شــريعة اهلل لــيس فيهــا مــا يبــيح لنــا إذا مــا شــاعت تلــك األق ـوال واألفعــال فــي‬

‫مجموع من الناس أن نرميهم جملة بالخرو عن دين اإلسالم ما دامت شعا ر اإلسالم‬

‫من أذان وصالة وصيام وحج متعالنين بها بينهم‪ ،‬ولـيس لنـا أن نئـن بكـل فـرد مـنهم‪،‬‬ ‫لم نتيقن من حاله على وجه التحقيق‪ ،‬أنه خر عن اإلسالم بل هو علـى ئـاهره حتـى‬

‫يقوم الدليل الشرعي المقبول على أنه هو بذاته قد قال قوال أو أتى عمـال ارتـد بـه إلـى‬ ‫الكفر‪.‬‬ ‫فإذا نادي مناد من هؤال القوم "حي على الصالة" ولـم نكـن نعلـم أنـه هـو بذاتـه يصـر‬ ‫على قول أو عمل يخر به يقي ًنا من اإلسالم إلى الكفـر لـم يجـز لنـا القـول بـأن نـدا ه‬ ‫باطل وال يلزمنا إجابته‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪45‬‬

‫أمنا في الصالة من هو في ئاهره اإلسالم لم يجز لنا التخلف عن الجماعـة بئـن‬ ‫واذا ّ‬ ‫أن هذا اإلمام ربما كان من القا لين أو العاملين بما يخرجه عن اإلسالم‪.‬‬ ‫ولو جاز لنا التحلل من الش ار ع بالئن لما لزمتنا أغلب الف ار و ولما جازت لنا صـالة‬

‫خلف أ شخا بعد المعصوم عليه الصالة والسالم ومن شـهد لهـم بالجنـة‪ً ،‬أيـا كـان‬ ‫ذلك الشخا‪ ،‬إذ أننا ال نستطيع أن نحصي على كل شخا كافة أقواله وأفعالـه وهـو‬ ‫كثيـرا مـن‬ ‫إن أبدي لنا فيما يئهر لنا منه ما يوافق شريعة اإلسالم فإننا على يقـين أن ً‬ ‫أقواله وأعماله خافية علينا ونحن ال نستطيع أن نقطع بشي فيمـا خفـي علينـا بـل إن‬

‫ما يئهر لنا من أقوالـه وأعمالـه ال نسـتطيع أن نجـزم بحقيقـة األمـر فيـه وصـحته‪ ،‬واذ‬

‫منــاط ذلــك ســالمة نيتــه واتجاهــه بقلبــه فيمــا يقــول ويفعــل إلــى اهلل تعــالى‪ ،‬وذلــك مــا ال‬

‫سبيل لبشر التأكد منه‪.‬‬ ‫ولقد أسلفنا ذكر األحاديث الدالة على أننا أمرنا أن نعامل كل شخا حسبما يئهر لنا‬ ‫من أقواله وأعماله‪.‬‬ ‫الكبا ر والكفر‪:‬‬ ‫واذا قـال قا ــل إن الكبــا ر مـن المعاصــي أو إن المعاصــي علــى وجـه العمــوم يكفــر بهــا‬

‫المسلم قلنا له‪ :‬قد كفيتنا مؤونة مجادلتك فأنت لست منا‪ ،‬ألننا منذ بدأ أمرنـا نعلـم أن‬

‫قديما بمثل ذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مذهبا شا ًذا من مذاهب غير أهل السنة قال ً‬ ‫مسلما بمعصية‪.‬‬ ‫وقد أعلنا منذ بدأ أمرنا أننا ال نكفر‬ ‫ً‬ ‫ثـم ننصـح إلخواننــا فنقـول بعــون اهلل‪ :‬إن جمـاع مــا احـتج بــه مـن جـ ّـوز تكفيـر المســلم‬ ‫بالمعصية‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أن إبليس أعاذنا اهلل منه لم يجحد اهلل عز وجل‪ ،‬وانما هو عصى وأصر على‬ ‫المعصية‪ ،‬فحكم اهلل بكفره‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪46‬‬

‫اؤه جه َّنم َخالِ ًدا ِفيها و َغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َب اللَّ ُه َع َل ْي ِه‬ ‫َ َ‬ ‫ب‪ -‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َم ْن َي ْقتُ ْل ُم ْؤم ًنا ُمتَ َع ِّم ًدا فَ َج َز ُ ُ َ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫عمـدا لـم يجحـد اهلل‪ ،‬وانمـا‬ ‫يما﴾ (النسـا ‪ ،)99:‬فقاتـل الـنفس ً‬ ‫َولَ َع َن ُه َوأ َ‬ ‫َع َّد لَ ُه َع َذ ًابا َعئ ً‬ ‫هو مرتكب لكبيرة فحكم اهلل بخلوده في النار‪.‬‬

‫‪ -‬ما حدث به أبو وهريرة رضي اهلل عنه من أن رسول اهلل – صلى اهلل عليـه وسـلم‬

‫– قال‪ " :‬ال يزني الزانـي وهـو حـين يزنـي مـؤمن‪ ،‬وال يسـرق السـارق وهـو حـين يسـرق‬

‫مؤمن‪ ،‬وال يشرب الخمر وهو حين يشـربها مـؤمن‪ ،‬وال ينتهـب َن ْه َبـة يرفـع النـاس منهـا‬ ‫أبصــارهم وهــو وحــين ينتهبهــا مــؤمن" [المحلــى‪ :‬جـــ‪ 6‬ا‪ 699‬وانئــر بــاقي الروايــات‬

‫ا‪ 626 – 669‬وهو متفق عليه] وبما رو فـي معنـاه عـن أبـي هريـرة وعـن عا شـة‬

‫أم المؤمنين وابن عبـاس رضـي اهلل عـنهم عـن رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم –‬

‫وقالوا‪ :‬قد ارتفع اإليمان بنا كالم الرسول عليه الصالة والسالم عن الزاني والسـارق‬ ‫وشارب الخمر والمنتهب والغال‪ ،‬ومن ارتفع عنه اإليمان فهو كافر‪.‬‬ ‫بـين إذ أنـه جـادل‬ ‫أما القول‪ :‬إن إبليس لعنه اهلل لم يجحد اهلل عز وجـل‪ ،‬فخطـأ واضـح ّ‬ ‫معترضــا علــى أمــره لــه بالســجود ردم عليــه الســالم‪:‬‬ ‫فــي صـواب حكــم اهلل تعــالى فقـال‬ ‫ً‬ ‫ـال‬ ‫ال أَ​َنا َخ ْيٌر ِم ْن ُه َخلَ ْقتَِني ِم ْن َنار َو َخلَ ْقتَ ُه ِم ْن ِطـين﴾ (ألعـراف‪ :‬مـن اريـة‪﴿ ،)62‬قَ َ‬ ‫﴿قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ُنون﴾ (الحجر‪ )99:‬فعـاب اللعـين‬ ‫ألس ُج َد لِ َب َ‬ ‫صال م ْن َح َمأ َم ْ‬ ‫َل ْم أَ ُك ْن ْ‬ ‫ص ْل َ‬ ‫شر َخ َل ْقتَ ُه م ْن َ‬ ‫فخطَّــأ اهلل تعــالى فهــو بــذلك‬ ‫علـى اهلل عــز وجــل أن يــأمره بالســجود ردم عليـه الســالم‪َ ،‬‬ ‫جحد صواب حكم اهلل‪ ،‬ومن توهم الخطأ فـي جانـب الـه عـز وجـل فقـد نفـى عنـه تعـالى‬

‫يصـوب‬ ‫نـدا هلل عـز وجـل‬ ‫علـوا ًا‬ ‫ِّ‬ ‫كبيـر – وجعـل مـن نفسـه ً‬ ‫الكمال – تعالى اهلل عـن ذلـك ً‬ ‫ويخطِّ من أحكامه تعالى ما يري‪ ،‬وهذا هو الشرك بعينه‪.‬‬

‫أما آدم عليه السالم فلم يجادل في صواب حكم اهلل وسارع بـاإلقرار بخطي تـه إذ نسـى‪:‬‬ ‫ـن ا ْل َخ ِ‬ ‫ين﴾ (ألعـراف‪ :‬مـن‬ ‫اس ِـر َ‬ ‫سـ َنا َوِا ْن لَ ْـم تَ ْغ ِف ْـر لَ َنـا َوتَْر َح ْم َنـا لَ َن ُكـوَن َّن ِم َ‬ ‫﴿ َرَّب َنا ئَلَ ْم َنـا أَْنفُ َ‬ ‫ارية‪.)29‬‬ ‫وهــذا هــو الفــرق بــين مــنن يــأتي المعصــية وهــو مقــر بحكــم اهلل ومــن يســتحل مخالفــة‬ ‫أوامر اهلل‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪47‬‬

‫وال خالف بين المسلمين أن من استحل المعاصي فقد جحد أمر اهلل وأنـه كـافر مشـرك‬ ‫بال جدال‪.‬‬ ‫وهذا هو مدار الفهم لقوله تعالى‪﴿ :‬وال تَأْ ُكلُوا ِم َّما َلم ي ْذ َك ِر اسم اللَّ ِـه ع َل ْي ِـه وِا َّن ُ ِ‬ ‫ـق‬ ‫س ٌ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ـه َلف ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ـــون إِلَــــى أَولِيــــا ِ ِهم لِيج ِ‬ ‫الشـــي ِ‬ ‫شـ ِ‬ ‫ون﴾‬ ‫ـــم لَ ُم ْ‬ ‫ـــادلُو ُك ْم َوِا ْن أَطَ ْعتُ ُمـ ُ‬ ‫ـــرُك َ‬ ‫وحـ َ‬ ‫اط َ‬ ‫ْ َ ْ َُ‬ ‫ين لَ ُي ُ‬ ‫َوِا َّن َّ َ‬ ‫ـــوه ْم إَِّن ُكـ ْ‬

‫(األنعام‪.)626:‬‬

‫فمن يجادل في صواب حكم اهلل فهو كافر مشرك‪.‬‬ ‫عمدا في النار‪ ،‬فهو احتجا مردود‪.‬‬ ‫أما االحتجا بخلود قاتل النفس المؤمنة ً‬ ‫أوالً‪ :‬ألن الــنا خــاا بفعــل معــين وهــو قتــل الــنفس المؤمنــة عمـ ًـدا‪ ،‬وقــد وضــع اهلل‬ ‫تعــالى الج ـزا المنصــوا عليــه فــي اريــة لتلــك المعصــية علــى وجــه التحديــد‪ ،‬ولــيس‬

‫عاما فيما عداها من الكبـا ر حتـى يحـتج بـه إلطـالق القـول بـأن مرتكـب الكبيـرة‬ ‫النا ً‬ ‫كافر مشرك‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ألن المقابلة بين النصوا تدل على أن الخلود المعني فـي اريـة الكريمـة لـيس‬ ‫ً‬ ‫هو الخلود األبد في النار الذ هو جزا الكافر المشرك‪.‬‬ ‫حــدَّث عبــادة بــن الصــامت – رضــي اهلل تعــالى عنــه – قــال‪" :‬أخــذ علينــا رســول اهلل –‬

‫صلى اهلل عليه وسلم – كما أخذ على النسا أال نشرك باهلل شي ًا وال نسـرق وال نزنـي‬ ‫بعضــا‬ ‫ضُ‬ ‫ـه [أ يرميـه بالعضــيهة وهـي البهتـان والكـذب] بعضـنا ً‬ ‫وال نقتـل أوالدنـا وال َي ْع َ‬ ‫حدا فأقيم عليه فهو كفارة له ومن سـتره‬ ‫فمن وفى منكم فأجره على اهلل ومن أتى منكم ً‬ ‫اهلل عليه فأمره إلى اهلل إن شا عذبه وان شا غفر له" [المحلى‪ :‬جـ‪ 6‬ا‪.]19‬‬

‫وأخـر مسـلم عـن عبـادة بــن الصـامت رضـي اهلل عنـه أنــه قـال‪ :‬كنـا مـع رســول اهلل –‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم – في مجلـس فقـال‪" :‬بـايعوني علـى أن ال تشـركوا بـاهلل شـي ًا وال‬ ‫تزنوا وال تسرقوا وال تقتلوا النفس التي حرم اهلل إال بالحق‪ ،‬فمن وفـى مـنكم فـأجره علـى‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪48‬‬

‫اهلل‪ ،‬ومن أصاب شي ًا من ذلك فعوقب بـه فهـو كفـارة لـه ومـن أصـاب شـي ًا فسـتره اهلل‬ ‫عليه فأمره إلى اهلل إن شا عفا عنه وان شا عذبه" [المحلى‪ :‬جـ‪ 66‬ا‪.]616‬‬ ‫وداللة الحديثين واضحة على أن المعاصي المذكورة فيهما ومنها القتل‪ ،‬إن أقيم الحـد‬

‫على مرتكبيها فهو كفارة له‪ ،‬وان سـتر اهلل عليـه فـأمره إليـه تعـالى إن شـا عذبـه وان‬

‫شا غفـر‪ ،‬وال يـدخل فـي المشـي ة كـافر مشـرك إذ أخبرنـا عـز وجـل بسـبق مشـي ته أال‬ ‫يغفر لكافر مشرك‪ ،‬ويغفر ما دون ذلك لمن يشا ‪.‬‬ ‫أما االحتجا بارتفاع اإليمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والغال والمنتهب فإن‬

‫األحاديـــث الـــواردة عـــن الرســـول عليـــه الصـــالة والســـالم هـــي أحاديـــث صـــحيحة تامـــة‬

‫قطعا كما قال عليه الصالة والسالم انتفا اإليمان عن الزانـي حـين‬ ‫األسانيد وهي تفيد ً‬ ‫يزني والسارق حين يسرق وشارب الخمر حين يشربها والمنتهب والغال‪.‬‬

‫أيضا باألسانيد التامة المتواترة أنه عليه الصالة والسالم قـد أتـى‬ ‫ولكن لما كان الثابت ً‬ ‫له الزاني والزانية والسارق والتي جحدت العارية والغال والمنتهـب وشـارب الخمـر‪ ،‬فلـم‬ ‫كفار ولم يقم عليهم حد الردة وهو عليه الصالة والسالم القا ل فيمـا رواه عنـه‬ ‫يعتبرهم ًا‬ ‫ســيدنا عثمــان رضــي اهلل تعــالى عنــه‪" :‬ال يحــل دم امــر مســلم إال بإحــدي ثــالث‪ :‬رجــل‬

‫نفسا فقتل بها" [المحلى‪ :‬جـ‪ 66‬ا‪.]221‬‬ ‫كفر بعد إيمانه أو زًنا بعد إحصان أو وقتل ً‬ ‫فبيقين ندر أنه عليه الصالة والسالم لم يعتن بـذهاب اإليمـان المـذكور فـي األحاديـث‬ ‫ذهاب التصديق ذلك أن أهل اإلسالم انقسموا في تعريف اإليمان على قـولين‪ ،‬أحـدهما‬

‫أن اإليمان اسم واقع على ثالث معـان‪ :‬أحـدها العقيـدة بالقلـب وارخـر النطـق باللسـان‬

‫والث الث عمل بجميع الطاعات فرضها ونفلهـا واجتنـاب المحرمـات – والقـول الثـاني أن‬ ‫اإليمــان اســم واقــع علــى معنيــين وهــو العقــد بالقلــب والنطــق باللســان فقــط وأن أعمــال‬

‫الطاعــات واجتنــاب المحرمــات إنمــا هــي ش ـرا ع اإليمــان وليســت إيما ًنــا‪ ،‬وعمــل الزانــي‬ ‫والسارق وشارب الخمر والغال والمنتهب ليس قوال باللسان ولو وأن العمـل يقـوم مقـام‬ ‫مرتدا وأقام عليه حد الردة‪.‬‬ ‫القول العتبره الرسول عليه الصالة والسالم ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪49‬‬

‫وبضرورة الحس يدر من واقع شي ًا من الذنوب المذكورة من المسلمين من نفسه أن‬ ‫تصــديقه لــم يــزل وأنــه كمــا كــان‪ ،‬وكــل قــول تكذبــه الضــرورة فهــو قــول متعــين الســقوط‬

‫فصح بطالن القول أن اإليمان الذ جا النا بذهابه هو التصـديق‪ ،‬وثبـت يقي ًنـا أن‬

‫اإليمان المزايل لمرتكب هذه األفاعيل حال ارتكابه لها ليس هـو عقـد القلـب الـذ يرتـد‬

‫كافرا وانما هو الطاعة هلل فقط‪.‬‬ ‫به ً‬

‫وهـذا أمــر مشــاهد بــاليقين ألن الزنــا والقتــل والغلــول والنهــب وشــرب الخمــر لــيس فيهــا‬

‫طاعة هلل تعالى فليسـت إيما ًنـا‪ ،‬فـإ ًذا لـيس شـي منهـا إيما ًنـا ففاعلهـا لـيس مؤم ًنـا أ‬

‫مطيعا‪ ،‬إذ لم يفعـل الطاعـة لكنـه عـاا فاسـق [المحلـى‪ :‬جــ‪ 66‬ا‪]622-661‬‬ ‫ليس‬ ‫ً‬ ‫يؤكد ذلك قول الرسـول عليـه الصـالة والسـالم فـي حـديثي عبـادة بـن الصـامت السـابق‬ ‫ذكرهما في الفقرة السابقة أن السارق والزانـي وقاتـل الـنفس العمـد إذا أقـيم عليـه الحـد‬

‫فهو كفارة له وان ستره اهلل عليه فـأمره إلـى اهلل إن شـا عذبـه وان شـا غفـر لـه‪ ،‬وال‬

‫أيضا حديث أبي ذر أن رسول اهلل – صـلى اهلل عليـه‬ ‫يدخل في المشي ة كافر مشرك‪ ،‬و ً‬ ‫وسلم – قال‪" :‬وما من عبد قال ال إله إال اهلل ثم مات على ذلك إال دخل الجنة‪ ..‬قلـت‪:‬‬ ‫وان زنا وان سرق؟ قال‪" :‬وان زنا وان سـرق" قلـت‪ :‬وان زنـا وان سـرق؟ قـال‪" :‬وان زنـا‬

‫وان ســرق" قلــت‪ :‬وان زنــا وان ســرق"؟ قــال‪" :‬وان زنــا وان ســرق رغــم أنــف أبــي ذر"‬ ‫اجلِ ُـدوا ُك َّـل و ِ‬ ‫الز ِان َيـ ُة َو َّ‬ ‫[البخار ‪ :‬جـ‪ 1‬ا‪ ]699-692‬وقال تعالى‪َّ ﴿ :‬‬ ‫احـد ِم ْن ُه َمـا‬ ‫الز ِانـي َف ْ‬ ‫َ‬ ‫ِما َـ َة َج ْلـ َـدة﴾ (النــور‪ :‬مــن اريــة‪ )2‬وقــال تعــالى‪َّ ﴿ :‬‬ ‫شـ ِـرَك ًة‬ ‫الز ِانــي ال َيـ ْن ِك ُح إال َز ِان َيـ ًة أ َْو ُم ْ‬ ‫َو َّ‬ ‫ش ِرك﴾ (النور‪ :‬من ارية‪ )9‬ففرق اله تعـالى بـين الزانـي‬ ‫الز ِان َي ُة ال َي ْن ِك ُح َها إال َزان أ َْو ُم ْ‬ ‫السـ ِ‬ ‫ق‬ ‫والمشــرك والزانيــة والمشــركة وجعــل لكــل منهمـا وصـ ًفا‬ ‫خاصــا وقــال تعــالى‪َ ﴿ :‬و َّ‬ ‫ـار ُ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫س َبا َن َكاالً ِم َن اللَّ ِه﴾ (الما دة‪ :‬من ارية‪ )91‬فصح‬ ‫َو َّ‬ ‫ارقَ ُة فَا ْقطَ ُعوا أ َْيد َي ُه َما َج َاز ً ِب َما َك َ‬ ‫يقي ًنا أن الزاني والزانية والسارق والسارقة لكـل مـنهم عقوبـة غيـر عقوبـة المرتـد الـذ‬

‫عقوبته القتل وفراق لزوجة واستيفا المال "أ مصادرة أمواله"‪.‬‬ ‫مذاهب أهل السنة‪:‬‬ ‫وهذا الذ قلنا به هو ما اتفقت عليه مذاهب أهل السنة‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪51‬‬

‫قـال صـاحب العقيــدة الطحاويـة اإلمــام الطحـاو المصــر الحنفـي المــذهب [أبـو جعفــر‬ ‫أحمد بن محمد بن سالمة بن سـليم بـن عبـد الملـك الطحـاو نسـبة إلـى قريـة بصـعيد‬

‫مصر المحدث الفقيه الحافئ]‪:‬‬ ‫"ونسـمي أهـل قبلتنـا مسـلمين مـؤمنين مـا دامـوا بمـا جـا بـه النبـي – صـلى اهلل عليـه‬ ‫وسلم – معترفين وله بكل ما قال وأخبر مصدقين‪.‬‬ ‫وال نخوو في اهلل وال نمار في دين‪.‬‬ ‫وال نجادل في القرآن ونشهد أنه كالم رب العالمين رب العالمين نزل بـه الـرو األمـين‬

‫محمدا – صلى اهلل عليه وسلم – وهو كالم اهلل تعالى ال يساويه‬ ‫فعلمه سيد المرسلين‬ ‫ً‬ ‫شــي مــن كــالم المخلــوقين وال نقــول بخلقــه‪ ،‬وال نخــالف جماعــة المســلمين‪ ،‬وال نكفــر‬ ‫أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وال نقول ال يضر مع اإليمان ذنب لمن عمله‪.‬‬ ‫ونرجو للمحسنين من المسلمين أن يعفو اهلل عـنهم ويـدخلهم الجنـة برحمتـه وال نشـهد‬ ‫لهم بالجنة‪.‬‬ ‫ونستغفر لمسي هم ونخاف عليهم‪ ،‬وال نُقَ ِّنطُ ُه ْم‪.‬‬ ‫واألمن واليأس ينقالن عن ملـة اإلسـالم‪ ،‬وسـبيل الحـق بينهمـا ألهـل القبلـة‪ ،‬وال يخـر‬ ‫العبد من اإليمان إال بجحود ما أدخله فيه‪.‬‬ ‫واإليمان هـو اإلقـرار باللسـان والتصـديق بالجنـان‪ ،‬وأن جميـع مـا صـح عـن الرسـول –‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم – حق‪ ،‬واإليمان واحـد‪ ،‬وأهلـه فـي أصـله سـوا والتفاضـل بيـنهم‬

‫بالخشية والتقى ومخالفة الهوي ومالزمة األولى‪.‬‬ ‫وأهل الكبا ر من أمة محمد – صلى اهلل عليه وسلم – فـي النـار‪ ،‬ال يخلـدون فيهـا إذا‬

‫موحــدون وان لــم يكونـوا تــا بين بعـد أن لقـوا اهلل عــارفين‪ ،‬وهــم فــي مشــي ته‬ ‫مـاتوا وهــم ِّ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪51‬‬

‫ـك﴾‬ ‫ون َذلِ َ‬ ‫وحكمه‪ ،‬إن شا غفر لهم بفضله كما ذكر عز وجل في كتابه ﴿ َوَي ْغ ِف ُـر َمـا ُد َ‬ ‫(النســا ‪ :‬مــن اريــة‪ )41‬وان شــا عــذبهم فــي النــار بعدلــه ثــم يخــرجهم منهــا برحمتــه‬

‫وبشفاعة الشافعين من أهل طاعتـه‪ ،‬ثـم يبعـثهم إلـى الجنـة‪ ،‬ذلـك بـأن اهلل تعـالى تـولى‬ ‫أهل معرفته ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا بعد هدايته ولم ينـالوا مـن‬

‫واليته‪:‬‬

‫لي اإلسالم وأهله ثبتنا على اإلسالم حتى نلقاك به‪.‬‬ ‫اللهم يا َو َّ‬ ‫حـدا‬ ‫ونري الصالة خلف كل بار وفاجر من أهل القبلة‪ ،‬وعلى من مات منهم وال ننـزل أ ً‬

‫ـارا‪ ،‬وال نشــهد علــيهم بكفــر وال شــرك مــا لــم يئهــر مــنهم شــي مــن‬ ‫مــنهم جنــة وال نـ ً‬ ‫ذلك‪،‬ونذر س ار رهم هلل تعالى" [كتاب شر العقيدة الطحاوية الطبعة الثالثة تحقيـق عبـد‬ ‫الرحمن البابي وآخرين]‪.‬‬ ‫وقال اإلمام المحدث الفقيه األصـولي الحـافئ أبـو محمـد علـي بـن أحمـد بـن سـعيد بـن‬ ‫حزم إمام أهل الئاهر‪:‬‬ ‫"أول ما يلزم كل أحد وال يصح اإلسالم إال به أن يعلم المر بقلبه‪ ،‬علم يقين واخـالا‬ ‫محمـدا‬ ‫ال يكون لشي من الشك فيه أثر‪ ،‬وينطق بلسانه والبد‪ ،‬بأن ال إله إال اهلل وأن‬ ‫ً‬

‫رســول اهلل‪ :‬وبرهــان ذلــك قــول رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – "أمــرت أن أقاتــل‬ ‫الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل ويؤمنوا بي وبما ج ت به فإذا فعلوا ذلك عصـموا‬ ‫مني دما هم وأموالهم إال بحقها وحسابهم على اهلل"‪.‬‬ ‫ــا َغ ْيــر اإلس ِ‬ ‫ــن‬ ‫ــن ُي ْقَب َ‬ ‫ــالم ِدي ًنــا َفلَ ْ‬ ‫وقولــه تعــالى‪َ ﴿ :‬و َم ْ‬ ‫ــل ِم ْن ُ‬ ‫ــه َو ُه َــو ِفــي ْار ِخ َــرِة ِم َ‬ ‫ْ‬ ‫ــن َي ْبتَ ِ َ‬ ‫ين﴾ (آل عمران‪ .)11:‬وأما وجوب عقد ذلك بالقلب فلقولـه تعـالى‪﴿ :‬ومـا أ ِ‬ ‫ا ْل َخ ِ‬ ‫ُم ُـروا‬ ‫اس ِر َ‬ ‫َ​َ‬ ‫إال لِيعب ُدوا اللَّ َه م ْخلِ ِ‬ ‫ين َل ُه الدِّين﴾ (البينة‪ :‬من ارية ‪ )1‬واإلخالا فعل النفس‪.‬‬ ‫ص َ‬ ‫َُْ‬ ‫ُ‬ ‫أما وجوب النطـق باللسـان فـإن الشـهادة بـذلك المخرجـة للـدم والمـال مـن التحليـل إلـى‬

‫التحريم كما قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسـلم ‪ :-‬ال تكـون إال باللسـان ضـرورة‪،‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪52‬‬

‫وتفسير هذه الجملة – أ الشهادة – هو أن اهلل تعالى إله كل شي دونه وخالق كـل‬ ‫شي دونه‪.‬‬ ‫وأنه تعالى واحد لم يزل‪ ،‬وأنه خالق كل شـي بغيـر علَّـة أوجبـت عليـه أن يخلـق‪ ،‬وأن‬ ‫النفس مخلوقة وأن العرا مخلوق‪.‬‬ ‫وأنه تعالى ليس كمثله شي وال يتمثل في صورة شي ‪.‬‬ ‫وأن النبوة حق‪.‬‬ ‫وأن محمـد بــن عبــد اهلل بــن عبـد المطلــب رســول اهلل إلــى جميـع اإلنــس والجــن كــافرهم‬ ‫ومؤمنهم‪.‬‬ ‫ومحمدا – صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬مخلوقون نـاس كسـا ر‬ ‫وأن جميع النبيين وعيسى‬ ‫ً‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫وأن الجنة حق والنار حق‪ ،‬كل منهما دار مخلوقة‪.‬‬ ‫أبدا‪.‬‬ ‫والجنة ال يدخلها كافر ً‬ ‫والنار ال يخلد فيها مؤمن‪.‬‬ ‫ويـــدخل النـــار مـــن شـــا اهلل مـــن المســـلمين الـــذين رجحـــت كبـــا رهم وســـي اتهم علـــى‬

‫حســناتهم‪ ،‬ثــم يخرجــون منهــا بالشــفاعة‪ ،‬قــال رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم ‪:-‬‬

‫"يخـر مــن النــار مـن قــال ال إلــه إال اهلل وكــان فـي قلبــه مــن الخيــر مـا يــزن شــعيرة ثــم‬ ‫يخر من النـار مـن قـال ال إلـه إال اهلل وكـان فـي قلبـه مـن الخيـر مـا يـزن ذرة" [متفـق‬

‫عليه‪ ،‬مسلم كتاب اإليمان جـ‪ 6‬ا‪ ،612‬البخار جـ‪ 6‬ا‪ ]61 ،61‬وقال تعالى‪﴿ :‬فَال‬

‫ـت َم َو ِ‬ ‫ـه *‬ ‫ش ْـي ًا﴾ (االنبيـا ‪ :‬مـن اريـة‪ )41‬وقـال تعـالى‪َ ﴿ :‬فأ َّ‬ ‫ـس َ‬ ‫َمـا َم ْـن ثَ ُق َل ْ‬ ‫ازي ُن ُ‬ ‫تُ ْئ َل ُم َن ْف ٌ‬ ‫شة ر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُم ُه َه ِ‬ ‫َما َم ْن َخفَّ ْت َم َو ِ‬ ‫اك َما ِه َي ْـه *‬ ‫ازي ُن ُه * فَأ ُّ‬ ‫اض َية * َوأ َّ‬ ‫اوَي ٌة * َو َما أ َْد َر َ‬ ‫فَ ُه َو في عي َ َ‬ ‫َنار ح ِ‬ ‫ام َي ٌة﴾ (القارعة‪.)66-1:‬‬ ‫ٌ َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪53‬‬

‫وكــل مــن كفــر بمــا بلغــه وصــح عنــده عــن النبــي – صــلى اهلل عليــه وســلم – أو أجمــع‬ ‫عليه المؤمنون مما جا به النبي – صلى اهلل عليه وسلم – فهو كافر‪.‬‬ ‫وغربــا فمــا بــين ذلــك‪ ،‬مــن أم‬ ‫وأن القـرآن الــذ فــي المصــاحف بأيــد المســلمين شــرقًا‬ ‫ً‬ ‫القري إلى المعوذتين كالم اهلل أنزله علـى قلـب نبيـه محمـد – صـلى اهلل عليـه وسـلم –‬ ‫من كفر بحرف فيه فهو كافر‪.‬‬ ‫وال سر في الدين عند أحد‪.‬‬ ‫وأن البعث حق‪.‬‬ ‫وأن الموازين حق‪.‬‬ ‫وأن شــفاعة رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – فــي أهــل الكبــا ر مــن أمتــه حــق‪،‬‬ ‫شفَعُ ِع ْن َـدهُ إال ِبِإذ ِْن ِـه﴾‬ ‫فيخرجون من النار ويدخلون الجنة‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬م ْن َذا الَّ ِذ َي ْ‬ ‫(البقــرة‪ :‬مــن اريــة ‪ .)211‬وقــال – صــلى اهلل عليــه وســلم ‪" :-‬لكــل نبــي دعــوة دعاهــا‬ ‫ألمتـه‪ ،‬وانـي اختبــأت دعـوتي شـفاعة ألمتــي يـوم القيامـة" [متفــق عليـه‪ ،‬البخـار جـــ‪9‬‬

‫ا‪ ،611‬مسلم جـ‪ 6‬ا‪ .]691‬وقال عليه الصالة والسالم‪" :‬أمـا أهـل النـار الـذين هـم‬ ‫أهلها فـإنهم ال يموتـون فيهـا وال يحيـون‪ ،‬ولكـن نـاس أصـابتهم النـار بـذنوبهم أو قـال‪:‬‬

‫فحمــا أذن بالشــفاعة فجــي بهــم ضــبا ر‬ ‫بخطايــاهم فأمــاتهم اهلل إماتــة حتــى إذا كــانوا ً‬ ‫ضـبا ر فبثـوا علـى أنهـار الجنــة ثـم قيـل‪" :‬يـا أهـل الجنــة أفيضـوا علـيهم فينبتـون نبــات‬ ‫ِ‬ ‫الح َّبـ ِـة تكــون فــي حميــل الســيل" [متفــق عليــه‪ ،‬البخــار جـــ‪ 6‬ا‪ ،62‬مســلم جـــ‪ 6‬ا‬

‫‪.]619 ،612‬‬

‫وأن الصـحف التـي تكتــب فيهـا أعمــال العبـاد والمال كـة حــق نـؤمن بهــا وال نـدر كيــف‬ ‫هي‪.‬‬ ‫وأن الناس يعطون كتبهم يوم القيامة‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪54‬‬

‫وأن عذاب القبر حق‪ ،‬ومسا لة األروا بعد الموت حـق‪ ،‬وال يحيـا أحـد بعـد موتـه إلـى‬ ‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫وأن الحســنات يـــذهبن الســـي ات بالموازنـــة‪ ،‬والتوبــة تســـقط الســـي ات‪ ،‬والقصـــاا مـــن‬ ‫َّ‬ ‫ـار لِ َم ْـن تَـا َب﴾ (طــه‪ :‬مـن اريـة ‪ )12‬وقـال تعـالى‪:‬‬ ‫الحسنات قال عـز وجـل‪َ ﴿ :‬وِا ِّنـي لَ َغف ٌ‬ ‫الس ِّي َ ِ‬ ‫ات يذ ِ‬ ‫﴿إِ َّن ا ْلح ِ‬ ‫ات﴾ (هود‪ :‬من اريـة ‪)664‬وقـال – صـلى اهلل عليـه وسـلم‬ ‫ْه ْب َن َّ‬ ‫س َن ُ‬ ‫َ َ‬ ‫‪" :-‬أتــدرون مــا المفلــس؟" قــالوا‪ :‬المفلــس فينــا مــن ال درهــم لــه وال متــاع‪ ،‬فقــال‪" :‬إن‬

‫المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصالة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف‬

‫هــذا وأكــل مــال هــذا وســفك دم هــذا وضــرب هــذا‪ ،‬فيعطــى هــذا مــن حســناته وهــذا مــن‬ ‫حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه‪ ،‬أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم‬

‫سـ َـب ْت﴾‬ ‫طــر فــي النــار" [متفــق عليــه] وقــال عــز وجــل‪﴿ :‬ا ْل َيـ ْـوَم تُ ْجـ َـزي ُكـ ُّـل َن ْفــس ِب َمــا َك َ‬ ‫(غافر‪ :‬من ارية ‪.)61‬‬

‫وأن الوحي قد انقطع منذ مات النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬والدين قد تم وال يـزاد‬ ‫فيه وال ينقا وال يبدل‪.‬‬ ‫وأن حجة اهلل قد قامت واستبانت لكل من بلغته النذارة من مؤمن وكافر وبار وفاجر‪.‬‬ ‫وأن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان على كـل أحـد علـى قـدر طاقتـه باليـد‪،‬‬ ‫فمن لم يقدر فبلسانه فمن لم يقدر فبقلبه وهـذا أضـعف اإليمـان‪ ،‬ولـيس ورا ذلـك مـن‬

‫اإليمان شي ‪.‬‬ ‫فمن عجـز لجهلـه أو عتمتـه عـن معرفـة كـل هـذا فالبـد لـه مـن أن يعتقـد بقلبـه ويقـول‬

‫بلسانه حسب طاقته بعد أن يفسر له‪ :‬ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل‪ ،‬كل مـا جـا بـه‬ ‫حق‪ ،‬وكل دين سواه باطل‪.‬‬ ‫ومن ضيع األعمال كلها فهو مؤمن عاا ناقا اإليمان ال يكفر لقول الرسـول عليـه‬

‫الصـالة والســالم فــي حـديث طويــل‪" :‬حتــى إذا فــرغ اهلل مـن قضــا ه بــين العبــاد وأراد أن‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪55‬‬

‫يخر برحمته من أراد مـن أهـل النـار‪ ،‬أمـر المال كـة أن يخرجـوا مـن النـار مـن كـان ال‬ ‫يشرك باهلل شي ًا ممن أراد عز وجل أن يرحمه ممن يقول ال إله إال اهلل" [متفق عليه]‪.‬‬ ‫واليقين ال يتفاضل‪ ،‬لكن إذا دخل فيه شي من شك أو جحد بطل كله‪.‬‬ ‫والمعاصــي‪ :‬كبــا ر ف ـواحا‪ ،‬وســي ات صــغا ر‪ ،‬ولمــم‪ ،‬واللمــم مغفــور جملــة‪ ،‬والكبــا ر‬

‫الفواحا هي ما توعد اهلل عليه بالنار في القرآن أو علـى لسـان رسـوله عليـه الصـالة‬ ‫ـون‬ ‫ين َي ْجتَِن ُب َ‬ ‫والسالم فمن اجتنبها غفرت له جميـع سـي اته الصـغا ر‪ ،‬قـال تعـالى‪﴿ :‬الَّ ِـذ َ‬ ‫ـك و ِ‬ ‫َكبـا ِر اإل ثْـِـم وا ْل َفـو ِ‬ ‫اسـعُ ا ْل َم ْغ ِفـ َـرة﴾ (لــنجم‪ :‬مـن اريــة ‪ )92‬وقــال‬ ‫اح َ‬ ‫ا إال اللَّ َمـ َـم إِ َّن َرَّبـ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫يمـا﴾‬ ‫تعالى‪﴿ :‬إِ ْن تَ ْجتَن ُبوا َك َبا َر َما تُْن َه ْو َن َع ْن ُه نُ َكف ْر َع ْن ُك ْم َ‬ ‫س ِّي َات ُك ْم َونُ ْـدخ ْل ُك ْم ُم ْـد َخالً َك ِر ً‬ ‫(النسا ‪ )96:‬واللمم هو الهم بالشي وهو مغفـور جملـة‪ ،‬قـال عليـه الصـالة والسـالم‪:‬‬ ‫حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به" [متفـق عليـه]‬ ‫"إن اهلل تجاوز ألمتي عما ّ‬ ‫ومـن لــم يجتنــب الكبــا ر ُحوسـب علــى كــل عمــل ووازن اهلل عـز وجــل بــين أعمالــه مــن‬ ‫حـدها‪ ،‬فمـن رجحـت‬ ‫الحسنات وبين جميع معاصيه التـي لـم يتـب منهـا ولـم يقـم عليهـا ّ‬ ‫حسناته فهو وفي الجنة وكذلك من ساوت حسناته سي اته‪.‬‬ ‫أما التوبة فال خالف في أنها تسقط الذنوب‪.‬‬ ‫ومن رجحت سي اته فهم الخارجون من النار بالشفاعة على قدر أعمالهم‪.‬‬ ‫والناس في الجنة على قدر فضـلهم‪ ،‬فأفضـل النـاس أعالهـم فـي الجنـة درجـة‪ ،‬والتوبـة‬ ‫من الكفر والزنـا وفعـل قـوم لـوط وشـرب الخمـر وأكـل األشـيا المحرمـة كـالخنزير والـدم‬

‫أبـدا واسـتغفار اهلل‪،‬‬ ‫والميتة وغير ذلك تكون بالندم واإلقالع والعزيمة على أن ال عـودة ً‬ ‫وهذا إجماع ال خالف فيه‪.‬‬

‫والتوبة من ئلم الناس في أعراضهم وأبشارهم وأموالهم ال تكون إال بـرد أمـوالهم إلـيهم‬

‫ورد كل ما تولد منها‪ ،‬أو مثـل ذلـك عـن فـات‪ ،‬فـإن ُج ِهلـوا ففـي المسـاكين ووجـوه البـر‬

‫مع الندم واإلقالع واالستغفار وتحللهم من أعراضهم وأبشارهم فإن لم يمكن ذلك فاألمر‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪56‬‬

‫هلل تعالى‪ ،‬والبد للمئلوم من االنتصـاف يـوم القيامـة‪ ،‬يـوم يقـتا للشـاة الجمحـا مـن‬ ‫القرنا ‪.‬‬ ‫والتوبة من القتل أعئم من ذلك كله وال تكون إال بالقصاا‪ ،‬فإن لم يمكن فليكثر مـن‬ ‫فعل الخير ليرجح ميزان الحسنات‪.‬‬ ‫وان الدجال سيأتي وهو كافر أعور ممخرق ذو حيل‪.‬‬ ‫وان إبليس باق حي"‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫وقال اإلمام النوو ‪ " :‬اعلم أن مذهب أهل الحق أال يكفر أحد مـن أهـل القبلـة وال يكفـر‬ ‫أهل األهوا والبدع وان من يجحد ما ُيعلم من دين اإلسالم ضرورة‪ُ ،‬حكم بردته وكفره‪،‬‬ ‫عرف‬ ‫إال أن يكون قريب عهد باإلسالم أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه‪ُ ،‬‬ ‫في ّ‬

‫ذلك" انتهى‪.‬‬

‫وقال اإلمـام أبـو الحسـن علـي بـن خلـف بـن بطـال المـالكي المغربـي فـي شـر صـحيح‬

‫البخار ‪ " :‬مذهب جماعـة أهـل السـنة مـن سـلف األمـة وخلفهـا أن اإليمـان قـول وعمـل‬

‫يزيــد ويــنقا‪ ،‬والحجــة علــى زيادتــه ونقصــه مــا أورده البخــار مــن اريــات أ قولــه‬ ‫ِ‬ ‫تعالى‪﴿ ) :‬لِ َي ْزَد ُ ِ‬ ‫اد ُه ْم‬ ‫يم ِان ِهم﴾ (الفتح‪ :‬من ارية ‪ )4‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما َز َ‬ ‫يما ًنا َم َع إ َ‬ ‫ادوا إ َ‬ ‫إال إِيما ًنا وتَ ِ‬ ‫يما﴾ (األحزاب‪ :‬من ارية ‪ )22‬فإيمان من لم يحصل له الزيـادة نـاقا‪،‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫سل ً‬ ‫فإن قيل اإليمان في اللغة التصديق فالجواب إن التصديق يكمل بالطاعـات كلهـا فكلمـا‬

‫ازداد المـــؤمن مـــن أعمـــال البـــر فإيمانـــه أكمـــل‪ ،‬وبهـــذه الجملـــة يـــزداد اإليمـــان بزيـــادة‬ ‫الطاعات وينقا بنقصها‪ ،‬فمتى نقصت أعمال البر نقـا كمـال اإليمـان‪ ،‬ومتـى زادت‬

‫زاد اإليمان كماال‪ ،‬وهذا توسط القول في اإليمان وأما التصديق بـاهلل تعـالى ورسـله فـال‬ ‫ينقا" انتهى‪.‬‬ ‫وقال األصـفهاني الشـافعي رحمـه اهلل تعـالى‪" :‬اإليمـان فـي لسـان الشـرع هـو التصـديق‬

‫بالقلب والعمل باألركان واذا فسـر بهـذا تتطـرق إليـه الزيـادة والـنقا وهـو مـذهب أهـل‬ ‫السنة" [شر النوو على مسلم جـ‪ 6‬ا ‪ ]641‬انتهى‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪57‬‬

‫ونحن ال نقول بهذا الذ قلناه اسـتهانة بمعصـية كبيـرة كانـت أو صـغيرة حاشـا هلل مـن‬ ‫ذلك‪ ،‬إنما هو حكم اهلل تعالى يتعين التسليم به واالنقياد إليه‪.‬‬ ‫وأما أمرنا ودعاؤنا فئاهر هو أن الطاعة في كل كبيرة وصغيرة مما أمـر اهلل تعـالى بـه‬ ‫واجبة مفروضة‪ ،‬واألصل في المسلم التزام طاعة اهلل عز وجل‪..‬‬ ‫ال يستهين بصغيرة وال يجتر على كبيرة‪.‬‬ ‫ونحن نسأل اله أن يعيننا على أن نكـون لكـل أوامـره ممتثلـين‪ ،‬وعـن كـل مـا نهـى عنـه‬ ‫تعالى منتهين‪.‬‬ ‫أيضا قامت على ذلك منذ بداية أمرها وقلناها ألنفسنا وللناس‬ ‫وتلك هي دعوتنا للناس ً‬ ‫من باد األمر واضحة صريحة‪.‬‬ ‫"أقيموا دعوة اإلسالم في قلوبكم تقم في أرضكم"‪.‬‬ ‫ونقول ما علمنا رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬اللهم فاطر السماوات واألرو‬ ‫عــالم الغيــب والشــهادة‪ ،‬أنــت تحكــم بــين عبــادك فيمــا كــانوا فيــه يختلفــون‪ ،‬اهــدنا لمــا‬

‫اختلف فيه من الحق بإذنك‪ ،‬إنك تهد من تشا إلى صراط مستقيم" وصل اللهم على‬ ‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫الردَّة – والنفاق(‬ ‫في معاني )الجحود – والكفر – والشرك – و ِّ‬ ‫الجحود‪:‬‬ ‫في اللغة اإلنكار والتكذيب‪.‬‬ ‫الكفر‪:‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪58‬‬

‫في اللغة التغطية والستر‪.‬‬ ‫وهو في الدين صفة من جحد شي ًا ممـا افتـرو اهلل شـي ًا تعـالى اإليمـان بـه بعـد قيـام‬ ‫الحجة وبلوغ الحق‪.‬‬ ‫والجحود إما أن يكون‪:‬‬ ‫بالقلب دون اللسان‪.‬‬ ‫أو باللسان دون القلب في غير إكراه‪.‬‬ ‫معا‪.‬‬ ‫أو بهما ً‬ ‫أيضا صفة من عمل عمالً جا النا بأنه مخر لفاعله عن اسم‬ ‫وهو – أ الكفر – ً‬ ‫اإليمان‪.‬‬ ‫برهان ذلك‪ :‬قـال رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪" :-‬أمـرت أن أقاتـل النـاس حتـى‬ ‫يشهدوا أن ال إله إال اهلل ويؤمنوا بي وبما ج ت به" فمن جحد وكذب شي ًا مما جا به‬ ‫عليه الصالة والسالم فقد انتفى عنه اسم اإليمان بصريح حديث الرسول عليه الصالة‬

‫والسالم‪.‬‬

‫حتمــا معرفــة الجاحــد بمــا‬ ‫وجحــود شــي ممــا جــا بــه عليــه الصــالة والســالم يقتضــي ً‬ ‫افترو اهلل عز وجل عز وجل عليه اإليمان به أ ‪ :‬بلوغ الحق إليه وقيام الحجة عليه‬

‫بأن اهلل تعالى فرو عليه اإليمان بما جحد به وك ّذبـه‪ ،‬وأمـا أن الجحـود يكـون بالقلـب‬ ‫ُمــروا إِالَّ لِيعبـ ُـدوا اهلل م ْخلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــه‬ ‫ـين لَ ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫َُْ‬ ‫فيخــر عــن اإليمــان فبرهانــه قولــه تعــالى‪َ ﴿ :‬و َمــا أ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِّين﴾ (البينة‪ :‬من ارية ‪.)1‬‬ ‫الد َ‬ ‫ـاس مـن يقُـو ُل آم َّنـا ِب ِ‬ ‫ـن َّ‬ ‫ـاهلل َوِبـا ْل َي ْوِم‬ ‫أيضا قوله تعـالى‪َ ﴿ :‬و ِم َ‬ ‫واإلخالا فعل القلب‪ ،‬و ً‬ ‫الن ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين * ي َخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين آم ُنـوا ومـا َي ْخ َـد ُع َ َّ‬ ‫ـه ْم َو َمـا‬ ‫ـاد ُع َ‬ ‫ارَخ ِر َو َمـا ُهـم ِب ُم ْـؤ ِمن َ ُ‬ ‫سُ‬ ‫ون إِال أَْنفُ َ‬ ‫ون َ‬ ‫اهلل َوالـذ َ َ َ َ‬ ‫ضـا ولَهـم عـ َذ ِ‬ ‫ون﴾‬ ‫َي ْ‬ ‫و فَ َـز َ‬ ‫ون * ِفي ُقلُوِب ِهم َّم َـر ٌ‬ ‫ـيم ِب َمـا َكـانُوا َي ْك ِـذ ُب َ‬ ‫ش ُع ُر َ‬ ‫اد ُه ُم اهللُ َم َر ً َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪59‬‬

‫(البقرة‪ :‬اريات ‪ .)61-1‬فقطع اهلل تعالى أن من ادعى اإليمان باللسان دون أن يعتقد‬ ‫ذلك بقلبه فهو كـافر‪ ،‬فمـن جحـد بقلبـه شـي ًا ممـا افتـرو اهلل تعـالى عليـه اإليمـان بـه‬ ‫فهو كاذب فيمـا زعمـه بلسـانه مـن إيمـان‪ ،‬وقـد توعـده اهلل تعـالى بالعـذاب األلـيم ونفـى‬

‫عنه اإليمان‪.‬‬ ‫هذا هو حكم الجاحد بقلبه عند اهلل‪.‬‬ ‫بعضا حسبما‬ ‫أما نحن البشر فال سبيل لنا أن نعرف ما في قلوب غيرنا ويعامل بعضنا ً‬ ‫يئهره لسان كل منا‪ ،‬أما الشخا نفسه فإنه يعرف حقيقة ما في قلبه ومـا تحدثـه بـه‬

‫نفسه فليعرف كل امر حقيقة أمره‪ ،‬وليكن على يقين أن اهلل تعالى مطلع على ما فـي‬ ‫قلبه‪ ،‬عالم بما توسـوس بـه نفسـه إليـه‪َ ﴿ :‬وَل َق ْـد َخ َل ْق َنـا ِ‬ ‫س ِب ِـه‬ ‫س َ‬ ‫ـان َوَن ْع َل ُـم َمـا تَُو ْ‬ ‫س ِـو ُ‬ ‫اإل ْن َ‬ ‫َن ْفس ُه وَن ْح ُن أَقْرب إَِل ْي ِه ِم ْن حْب ِل ا ْلو ِر ِ‬ ‫يد﴾ (ق‪ :‬ارية ‪.)61‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫أما قولنا إن الجحود باللسان دون القلب مخر عن اإليمـان فبرهـان ذلـك قولـه تعـالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫إيم ِان ِه إِالَّ َم ْن أُ ْك ِرهَ َوَق ْل ُب ُه ُم ْط َم ِن ِب ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ـان﴾ (النحـل‪ :‬مـن اريـة‬ ‫اإل َ‬ ‫﴿ َمن َكفَ َر ِباهلل من َب ْعد َ‬ ‫‪ .)611‬فدلت ارية على أن الناطق بها إال فـي حالـة اإلكـراه فـال يعتـد بقـول المكـره أو‬ ‫عمله‪ ،‬وما دام قلبه مطم ًنا باإليمان فهو عند اهلل مسلم مؤمن‪ ،‬واهلل هو المطلع علـى‬ ‫ما في القلب‪ ،‬العالم بحقيقة ما يختلج في النفس‪.‬‬

‫أما األعمال – فيما عدا ما ورد النا بأن مقترفها قد انتفى عنـه اإليمـان رغـم النطـق‬

‫خاصا‪ ،‬ووردت النصوا بأن العامل علـى خـالف‬ ‫حكما‬ ‫ً‬ ‫بالشهادتين‪ ،‬فقد جعل اهلل لها ً‬ ‫األوامر والنواهي‪ ،‬عاا وليس بجاحد وال مكـذب‪ ،‬ولـذا قلنـا إن الكفـر صـفة مـن عمـل‬

‫عمالً جا النا بأنه مخر لفاعله عن اسم اإليمان‪.‬‬

‫وال يجـوز إطـالق اســم الكفـر إال علــى مـن هــذه صـفته فــي الـدين أ علــى الـذ جحــد‬

‫شي ًا مما افترو اهلل تعالى اإليمان به بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه أو الذ‬ ‫ال جا النا بأنه مخر له عـن اسـم اإليمـان‪ ،‬وذلـك أن اهلل تعـالى نقـل عـن‬ ‫عمل عم ً‬ ‫خاصــا هــو الــذ‬ ‫لفئــة الكفــر معناهــا اللغــو الــذ كــان لهــا أص ـالً‪ ،‬وجعــل لــه معنــى‬ ‫ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪61‬‬

‫أسلفناه وأصبح هذا المعنى هو ومعناها األصلي الـذ إذا مـا أطلقـت أفادتـه‪ ،‬ومـن ثـم‬

‫ـافرا‪ ،‬واال فــإن كــل إنســان يــؤمن‬ ‫فإنــه ال يجــوز لنــا أن نســمي كـ ًا‬ ‫ـافر إال مــن ســماه اهلل كـ ً‬ ‫بأ شــيا ويكفــر بأشــيا ‪ ،‬فالمســلم كــافر بقــول اليهــود عزيــر ابــن اهلل‪ ،‬وبقــول النصــاري‬ ‫كافر على اإلطالق‪ ،‬وانما‬ ‫المسيح ابن اهلل‪ ،‬واإلجماع أنه ال يجوز لذلك تسمية المسلم ًا‬ ‫كافر بكذا وكذا‪ ،‬وكذلك فإن اليهود مؤمن بـأن موسـى رسـول اهلل عليـه السـالم‪،‬‬ ‫يقال ًا‬

‫واإلجماع أنه ال يجوز تسميته لذلك مؤم ًنـا علـى اإلطـالق‪ ،‬ولكـن يقـال إنـه مـؤمن بكـذا‬

‫وكذا على وجه التحديد‪.‬‬ ‫الشرك‪:‬‬

‫هو في اللغة أن يجمع شي ًا إلى شي ‪ ،‬ويشرك بينهما فيما جمعا فيه‪.‬‬ ‫وهو في الدين بمعنى الكفر سـوا ً بسـوا ‪ ،‬إذ أوقعهمـا البـار تعـالى علـى ذات المعنـى‬ ‫ـددا‪ ،‬هــو ومــا ســبق أن‬ ‫احــدا محـ ً‬ ‫عيا و ً‬ ‫وجمعهمــا متــرادفين يفيــد كــل منهمــا معنــى شــر ً‬ ‫أسلفناه في معنى الكفر والتسمية هلل وحده‪.‬‬

‫يـد َه ِـذ ِه أ َ​َب ًـدا‬ ‫ال َما أَئُ ُّ‬ ‫برهان ذلك‪ :‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَد َخ َل َج َّنتَ ُه َو ُه َو ئَالِ ٌم لِّ َن ْف ِس ِه قَ َ‬ ‫ـن أَن تَِب َ‬ ‫ـاع َة قَا ِ مـ ًة َولَـ ِن ُّرِددت إِلَـى رِّبــي ِ‬ ‫ـه‬ ‫ألجـ َـد َّن َخ ْيـ ًا‬ ‫* َو َمــا أَئُـ ُّ‬ ‫ـن َّ‬ ‫ـر ِّم ْن َهــا ُم ْن َقلَ ًبــا * قَـ َ‬ ‫ـال لَـ ُ‬ ‫السـ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫اح ُب ُه َو ُه َو ُي َح ِ‬ ‫ـن‬ ‫ال * َل ِك َّ‬ ‫اك َر ُجـ ً‬ ‫س َّـو َ‬ ‫اوُرهُ أَ َك َف ْر َت ِبالَّذ َخ َل َق َك من تَُراب ثَُّم مـن ُّن ْط َفـة ثُ َّـم َ‬ ‫َ‬ ‫شـا اهلل الَ قُ َّـوةَ إِالَّ‬ ‫ُه َو اهللُ َرِّبي َوالَ أُ ْ‬ ‫ـت َج َّنتَ َ‬ ‫ـك ُق ْل َ‬ ‫َح ًـدا * َوَل ْـوالَ إِ ْذ َد َخ ْل َ‬ ‫ش ِر ُك ِب َرِّبي أ َ‬ ‫ـت َمـا َ َ ُ‬ ‫ِب ِ‬ ‫ـك َوُي ْر ِس َـل‬ ‫سـى َرِّبـي أَن ُي ْـؤِت َي ِن َخ ْي ًا‬ ‫ـر ِّمـن َج َّن ِت َ‬ ‫اهلل إِن تَ​َر ِن أَ​َنا أَ َق َّل ِم ْن َ‬ ‫ـك َمـاالً َوَولَ ًـدا * فَ َع َ‬ ‫اؤ َهـا َغـو ار َف َلـن تَ ِ‬ ‫ع َل ْيها حسبا ًنا ِّم َن َّ ِ‬ ‫يع‬ ‫صـ ِب َح َم ُ‬ ‫ص ِـع ً‬ ‫َ َ ُ َْ‬ ‫سـتَط َ‬ ‫ْ‬ ‫يدا َزَل ًقـا * أ َْو ُي ْ‬ ‫الس َما فَتُ ْ‬ ‫ص ِب َح َ‬ ‫ًْ‬ ‫ُحــيطَ ِبثَمـ ِـرِه فَأَصــبح ي َقلِّــب َكفَّ ْيـ ِـه علَــى مــا أَْنفَـ َ ِ‬ ‫ـه طَلَبــا * وأ ِ‬ ‫يهــا َو ِهــي َخ ِ‬ ‫اوَي ـ ٌة َعلَــى‬ ‫َ‬ ‫ْ َ​َ ُ ُ‬ ‫لَـ ُ ً‬ ‫ـق ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عر ِ‬ ‫َح ًدا﴾ (الكهف‪ :‬اريات ‪ )42-91‬وواضح من‬ ‫وش َها َوَيقُو ُل َيا لَ ْيتَِني لَ ْم أُ ْ‬ ‫ش ِر ْك ِب َرِّبي أ َ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫اريات استعمال كلمتي الكفر والشرك كمصطلح شرعي يقع على معنى واحد تحقق في‬

‫الــذ دخــل جنتــه وهــو ئــالم لنفســه إذ ئــن دوامهــا وتشــكك فــي البعــث ولقــا ارخــرة‪،‬‬ ‫ـن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ود ع َزْير ْاب ُن ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َوقَالَ ْت َّ‬ ‫ـك‬ ‫اهلل َذلِ َ‬ ‫ـيح ْاب ُ‬ ‫و ً‬ ‫ص َاري ا ْل َمس ُ‬ ‫الن َ‬ ‫أيضا قال تعالى‪َ ﴿ :‬وقَالَت ا ْل َي ُه ُ ُ ٌ‬ ‫ض ِ‬ ‫قَولُهم ِبأَفْو ِ‬ ‫ـون * اتَّ َخـ ُذوا‬ ‫ين َك َف ُروا ِمن قَْب ُل قَ َ‬ ‫ـات َل ُه ُم اهللُ أ ََّنـى ُي ْؤفَ ُك َ‬ ‫ون قَ ْو َل الَّ ِذ َ‬ ‫اه ُ َ‬ ‫اه ِه ْم ُي َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪61‬‬

‫ـن مــريم ومــا أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحبــارُهم ورْهبــا َنهم أَربابــا ِّمــن ُد ِ ِ‬ ‫ُمـ ُـروا إِالَّ لِ َي ْع ُبـ ُـدوا إَِل ًهــا‬ ‫ون اهلل َوا ْل َمسـ َ‬ ‫أ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُْ َْ ً‬ ‫ـيح ْابـ َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫أيضا قـال اهلل‬ ‫س ْب َحا َن ُه َع َّما ُي ْ‬ ‫ش ِرُك َ‬ ‫ون﴾ (التوبة‪ :‬اريات ‪ ،)96-91‬و ً‬ ‫َواح ًدا ال إِلَ َه إِال ُه َو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يحوا ِفي األ َْر ِ‬ ‫و‬ ‫اهدتُّم ِّم َن ا ْل ُم ْ‬ ‫ين َع َ‬ ‫ش ِرِك َ‬ ‫سولِ ِه إِلَى الَّ ِذ َ‬ ‫ين * فَس ُ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬ب َار َ ةٌ ِّم َن اهلل َوَر ُ‬ ‫ـن ِ‬ ‫َن اهلل م ْخ ِـز ا ْل َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اهلل‬ ‫أ َْرَب َعـ َة أَ ْ‬ ‫ان ِّمـ َ‬ ‫ين * َوأَ َذ ٌ‬ ‫ـاف ِر َ‬ ‫ـهر َو ْ‬ ‫شُ‬ ‫اع َل ُمـوا أَن ُكـ ْم َغ ْي ُـر ُم ْعجـ ِـز اهلل َوأ َّ َ ُ‬ ‫سـولِ ِه إِلَـى َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫سـولُ ُه فَـِإن تُْبــتُ ْم‬ ‫ـج األ ْك َب ِـر أ َّ‬ ‫ـاس َي ْـوَم ا ْل َح ِّ‬ ‫ـن ا ْل ُم ْ‬ ‫ش ِـرِك َ‬ ‫اهلل َب ِـر ٌ ِّم َ‬ ‫ين َوَر ُ‬ ‫َوَر ُ‬ ‫َن َ‬ ‫اع َلموا أ ََّن ُكم َغ ْير مع ِج ِز ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اهلل َوَب ِّ‬ ‫ين َك َف ُروا ِب َع َذاب أ َِليم﴾‬ ‫ش ِر الَّ ِذ َ‬ ‫ْ ُ ُْ‬ ‫َف ُه َو َخ ْيٌر ل ُك ْم َوِان تَ​َول ْيتُ ْم َف ْ ُ‬ ‫(التوبة‪ :‬اريات ‪.)9-6‬‬ ‫كـافرا‬ ‫وقال البعو‪ :‬إن المشرك من لم تبلغه النذارة ولم يعلم بدعوة اإلسـالم وال يسـمى ً‬ ‫إال إذا بلغته الدعوة فلم يذعن وعاند وقاوم الدعوة إلى اهلل‪.‬‬ ‫شِ‬ ‫ين ثُـ َّـم َل ْــم‬ ‫ـن ا ْل ُم ْ‬ ‫ين َع َ‬ ‫ــرِك َ‬ ‫اهــدتُّم ِّمـ َ‬ ‫ويــنقو هــذا القــول‪ ،‬قــول اهلل عــز وجــل‪﴿ :‬إِالَّ الَّـ ِـذ َ‬ ‫ين أَن َي ْع ُم ُـروا‬ ‫ـان لِ ْل ُم ْ‬ ‫صو ُك ْم َ‬ ‫ش ِـرِك َ‬ ‫ش ْي ًا﴾ (التوبة‪ :‬من ارية ‪ .)4‬وقولـه تعـالى‪َ ﴿ :‬مـا َك َ‬ ‫َينقُ ُ‬ ‫شـ ِ‬ ‫ـاج َد ِ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ين َع َلــى أَْنفُ ِســ ِه ْم ِبــا ْل ُك ْف ِر﴾ (التوبــة‪ :‬مــن اريــة ‪ )61‬وقولــه تعــالى‪:‬‬ ‫اهلل َ‬ ‫ـاه ِد َ‬ ‫َم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ـج ِد‬ ‫ـون لِ ْل ُم ْ‬ ‫﴿ َك ْيـ َ‬ ‫ين َع َ‬ ‫ســولِ ِه إِالَّ الَّـ ِـذ َ‬ ‫شـ ِـرِك َ‬ ‫ـف َي ُكـ ُ‬ ‫اهــدتُّ ْم ع ْنـ َـد ا ْل َم ْ‬ ‫ين َع ْهـ ٌـد ع ْنـ َـد اهلل َو ِع ْنـ َـد َر ُ‬ ‫ا ْلحــرِام فَمــا اســتَقَاموا لَ ُكــم فَ ِ‬ ‫ـين‪ ﴾ ..‬إلــى قولــه تعــالى‪:‬‬ ‫اهلل ُي ِحـ ُّ‬ ‫ـب ا ْل ُمتَّ ِقـ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫يموا لَ ُهـ ْـم إِ َّن َ‬ ‫اســتَق ُ‬ ‫َ​َ َ ْ ُ‬ ‫طع ُنوا ِفي ِد ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ـان‬ ‫ين ُك ْم فَ َق ِاتلُوا أَِ َّم َة ا ْل ُك ْف ِر إَِّن ُه ْـم َال أَ ْي َم َ‬ ‫﴿ َوِان َّن َكثُوا أ َْي َما َن ُهم ِّمن َب ْعد َع ْهده ْم َو َ َ‬ ‫ون﴾ (التوبة‪ :‬اريات ‪.)62 ،1‬‬ ‫َل ُه ْم َل َعلَّ ُه ْم َينتَ ُه َ‬ ‫فهذه اريات‪ ،‬فضال عن أنها من سورة بـرا ة التـي نزلـت بعـد الفـتح وبعـد أن ذاع أمـر‬ ‫الرسول عليه الصالة والسالم وبعد أن علت كلمة اهلل في جزيرة العرب وخارجها‪ ،‬وعلم‬ ‫بها القاصي والداني فإن فيها النا على العهد الذ كان بين رسول اهلل – صلى اهلل‬

‫عليــه وســلم – والمســلمين وبــين غيــرهم ممــن ســماهم اهلل تعــالى مشــركين‪ ،‬ومــا كــان‬

‫الرســول عليــه الصــالة والســالم ليبــرم عهـ ًـد مــع قــوم مــن غيــر المســلمين إال بعــد أن‬ ‫يــدعوهم لإلســالم ويــبلغهم النــذارة ويعــذر إلــى اهلل فــيهم‪ ،‬فتلــك هــي مهمتــه األساســية‬ ‫سـا َلتَ ُه‬ ‫ُّها َّ‬ ‫ـك ِمـن َّرِّب َ‬ ‫سو ُل َبلِّ ْا َمـا أُْن ِـز َل إَِل ْي َ‬ ‫ـك َوِان لَّ ْـم تَ ْف َع ْـل فَ َمـا َبلَّ ْغ َ‬ ‫واألولى‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬ ‫ـت ِر َ‬ ‫الر ُ‬ ‫واهلل يع ِ‬ ‫ـن َّ‬ ‫النـ ِ‬ ‫ُّهــا ا ْل ُمـ َّـدثُِّر * قُـ ْـم فَأَْنـ ِـذ ْر﴾‬ ‫صـ ُـم َك ِمـ َ‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫ـاس﴾ (الما ــدة‪ :‬مــن اريــة ‪َ ﴿ .)11‬يــا أَي َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪62‬‬

‫(المدثر‪ :‬اريات ‪ ،)2-6‬وليس بمسلم من قامت عليه الحجة ثم ئن أن الرسول عليـه‬ ‫قومــا وقــد كــتم عــنهم الرســالة ولــم يــبلغهم أمــر اهلل بمــا لــو‬ ‫الصــالة والســالم قــد عاهــد ً‬ ‫واستجابوا إليه دخلوا اإلسالم‪ ،‬فهـؤال الـذين سـماهم اهلل "مشـركين" كـانوا ممـن بلغـتهم‬ ‫الدعوة بال ريب وبدون أدنى شك‪ ،‬فعاندوا ولم يذعنوا‪ ،‬وقاوموا دعوة اإلسالم‪.‬‬ ‫ين َك َف ُـروا ِم ْـن‬ ‫وقد احتج البعو للتفرقة بين الكفر والشـرك بقولـه تعـالى‪َ ﴿ :‬ل ْـم َي ُك ِـن الَّ ِـذ َ‬ ‫َه ِل ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫ين َحتَّى تَأ ِْت َي ُه ُم ا ْل َب ِّي َن ُة﴾ (البينـة‪ :‬اريـة ‪ ،)6‬وبقولـه تعـالى‪:‬‬ ‫اب َوا ْل ُم ْ‬ ‫أْ‬ ‫ين ُمنفَ ِّك َ‬ ‫ش ِرِك َ‬ ‫ار جه َّنم َخالِ ِد َ ِ‬ ‫ش ِرِك َ ِ‬ ‫َه ِل ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫ش ُّـر‬ ‫اب َوا ْل ُم ْ‬ ‫يها أُولَ ِ َك ُه ْم َ‬ ‫ين َكفَ ُروا ِم ْن أ ْ‬ ‫﴿إِ َّن الَّ ِذ َ‬ ‫ين ف َ‬ ‫ين في َن ِ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫فرقتا بين الكافر والمشرك وأهل الكتاب‪.‬‬ ‫ا ْل َب ِريَّة﴾ (البينة‪ :‬ارية ‪ ،)1‬وقالوا إن اريتين ّ‬ ‫ولو لم يكن غير هاتين اريتين لقلنا بذلك ولكان ذلك ح ًقـا‪ ،‬ولكـن اريـات األخـري التـي‬

‫سبق أن أوردناها قاطعة فـي إطـالق اسـم الكفـر والشـرك كمصـطلح شـرعي واحـد‪ ،‬فـدل‬

‫ذلك على أن اريتين مـن سـورة البينـة إنمـا ورد فيهمـا ذكـر المشـرك وأهـل الكتـاب بعـد‬

‫عموما من قبيل ذكر الخاا بعد العام وهو أمر معروف معهود فـي لغـة‬ ‫ذكر الكافرين‬ ‫ً‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫سـلِ ِه‬ ‫العرب‪ ،‬ومستعمل في القرآن الكريم‪ ،‬قـال تعـالى‪َ ﴿ :‬مـن َك َ‬ ‫ـان َع ُـد ِّوا هلل َو َمالَ َكتـه َوُر ُ‬ ‫ـال فَ ـِإ َّن اهلل عـ ُـدو لِ ْل َكـ ِ‬ ‫ين﴾ (البقــرة‪ :‬اريــة ‪ ،)11‬وال خــالف أن جبريــل‬ ‫َو ِج ْب ِريـ َـل َو ِمي َكـ َ‬ ‫ـاف ِر َ‬ ‫َ َ‬ ‫وميكال عليهما السالم من المال كة الرسل‪ ،‬يؤكد ذلك ما ثابت في السيرة المطهـرة أنـه‬ ‫لما خر الرسول عليـه الصـالة والسـالم والمؤمنـون لمالقـاة قـريا عنـد جبـل أحـد‪ ،‬ثـم‬

‫انصرف عبد اهلل بن أبي بن سلول بثلـث النـاس الـذين كـانوا مـع الرسـول – صـلى اهلل‬ ‫عليه وسلم – م ِ‬ ‫غاض ًبا إذ ُخولف رأيه الذ كان قد أشار به‪ ،‬وهو البقا داخل المدينـة‬ ‫ُ‬ ‫ومالقاة قريا بها دون الخرو إليهم‪ ،‬لما حـدث ذلـك ذكـر قـوم مـن األنصـار للرسـول‬ ‫عليه الصالة والسالم أن يستعينوا بحلفا هم من يهود‪ ،‬فأبى عليه الصالة والسالم ذلـك‬

‫وقال‪" :‬إنا ال نستعين بمشرك" [مالـك المحلـى‪ :‬جــ‪ 1‬ا‪ ،])991‬فسـمي ـ عليـه الصـالة‬ ‫والســالم ـ اليهــود وهــم أهــل الكتــاب المشــركين‪ ،‬وال ريــب أن هـؤال اليهــود قــد بلغــتهم‬ ‫الدعوة منذ مقدم الرسول عليـه الصـالة والسـالم إلـى المدينـة بـل مـن قبـل ذلـك فعانـدوا‬

‫وأبوا اإلسالم‪ ،‬بل كانت غزوة الرسول عليه الصالة والسالم ليهـود بنـي قيقنـاع والبعـث‬ ‫لقتل كعب بن األشرف سابقتين على واقعة أحد‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪63‬‬

‫أيضا‪ ،‬أمـا مـن لـم تبلغـه‬ ‫كافرا ومشرًكا ً‬ ‫وقال البعو‪ :‬إن من بلغته الدعوة فعاند يسمى ً‬ ‫الدعوة فإنه يسمى مشرًكا فقط‪ ،‬وال يقال له‪ :‬كافر‪.‬‬ ‫وهذا القول يفتقر إلى الدليل من نا كتاب اهلل أو سنة الرسول عليه الصالة والسـالم‬ ‫ولقد قلنا إن األسما الشرعية هلل عز وجل وليست ألحد سواه‪ ،‬ولقد قدمنا األدلة علـى‬ ‫أن لفئــي المشــرك والكــافر اســتعملهما الق ـرآن الكــريم والرســول عليــه الصــالة والســالم‬

‫كمصطلحين شرعيين يفيدان معنى واحد‪.‬‬ ‫ـافرا‪ ،‬ألن اهلل عــز وجــل قــد أقــام‬ ‫ومــن الناحيــة اللغويــة فــإن المشــرك البــد وأن يكــون كـ ً‬ ‫تكذيبا على وجوده تعالى ووحدانيته‪ ،‬فمن أشرك‬ ‫جحدا وال‬ ‫الحجة الدامغة التي ال تقبل ً‬ ‫ً‬

‫نـدا فقـد سـتر الحـق وكفـره‪ ،‬فهـو كـافر‪ ،‬وكـذلك الكـافر‬ ‫وجحد اهلل عز وجل‪ ،‬أو جعل هلل ً‬ ‫فإنه والبد أن يكون مشرًكا ألنه إذا جحد الحجة التامة علـى وجـود اهلل ووحدانيتـه فقـد‬ ‫رماها بالنقصان فهو قد جعل حجته التـي ابتـدعها أو حجـة مـن اتبعـه فـي هـذا الشـأن‬

‫نـدا‬ ‫أكمل وأعدل من حجة اهلل عز وجل‪ ،‬فهو قـد جعـل مـن نفسـه أو ممـن اتبـع حجتـه ً‬

‫هلل عز وجل فهو ومشرك والبد‪.‬‬

‫شخصا أو مجموعة من الناس لـه سـلطان‬ ‫ومن الشرك أن يعتقد الشخا أن شي ًا أو‬ ‫ً‬ ‫نــابع مــن ذات نفســه أ خــار عــن ســلطان اهلل وان لــم يعتقــد مســاواة ذلــك الســلطان‬ ‫لسلطان اهلل عز وجل ألنه متى أخر شي ًا عن سلطان اهلل عز وجل‪ ،‬فهو قـد انـتقا‬ ‫سلطان اهلل ولم يعتقد فيه الكمال والشمول‪ ،‬ومن نقا سلطانه فهو مخلـوق لـه أنـداد‬

‫أيضـا االعتقـاد أن‬ ‫وشركا –تعالى اهلل عن ذلك عل ًوا ًا‬ ‫كبير – ويندر تحت هذا المعنى ً‬ ‫شخصا له أن يشفع عند اهلل عز وجل شفاعة الزمة القبـول‪ ،‬ألن لـزوم قبـول‬ ‫شي ًا أو‬ ‫ً‬ ‫الشفاعة مقتضاه أن الشفيع له سلطان خـار عـن سـلطان اهلل وملـزم هلل تعـالى‪ ،‬فهـو‬ ‫كبيرا –‪.‬‬ ‫شريك هلل تعالى – تعالى اهلل عن ذلك ً‬ ‫علوا ً‬ ‫شخصا قد يكون أقرب قبوالً عنـد اهلل إذا مـا دعـي‪ ،‬فلـيس شـرًكا‪ ،‬قـال‬ ‫أما االعتقاد بأن‬ ‫ً‬ ‫ش ـفَعُ ِع ْنـ َـدهُ إِالَّ ِبِإذ ِْنـ ِـه﴾ (البقــرة‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)211‬وقــال عليــه‬ ‫تعــالى‪َ ﴿ :‬مــن َذا الَّـ ِـذ َي ْ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪64‬‬

‫الصالة والسالم‪" :‬لكل نبي دعوة دعاها ألمته واني اختبأت دعوتي شـفاعة ألمتـي يـوم‬ ‫القيامة" [المحلى جـ‪ 6‬ا‪.]21‬‬ ‫أيضا التكذيب برسالة محمد – صـلى اهلل عليـه وسـلم – أو وبشـي‬ ‫ويدخل في الشرك ً‬ ‫مما جا – صلى اهلل عليه وسلم – به‪ ،‬فقـد قـدمنا أن الشـرك والكفـر اسـمان شـرعيان‬ ‫يقعـان علـى كـل مـن جحـد أو كـذب بشــي ممـا افتـرو اهلل علـى النـاس واإليمـان بــه‪،‬‬

‫كذلك فإن اهلل تعالى قد أقام الحجة الدامغة على صحة رسالة محمد – صلى اهلل عليه‬

‫وسلم – وصدق ما جا به‪ ،‬وأن كل ما نطق به عليه الصالة والسالم من أمور الـدين‬ ‫ـي مــن عنــد اهلل تعــالى‪ ،‬فمــن جحــد تلــك الحجــة وكــذبها أو كـ َّـذب بعــو مــا جــا بــه‬ ‫َو ْحـ ٌ‬ ‫الرسول – صلى اهلل عليه وسلم – فقد جعل حجته التي يركن إليها في ذلـك أو وحجـة‬ ‫مــن اتبعــه فــي هــذا الشــأن أكمــل وأعــدل وأبلــا مــن حجــة اهلل تعــالى ورمــى حجــة اهلل‬

‫نـدا هلل عــز وجــل – تعـالى اهلل عــن ذلــك‬ ‫بالنقصـان‪ ،‬فهــو قـد جعــل نفســه أو مـن اتبعــه ً‬ ‫كبير‪..‬‬ ‫علوا ًا‬ ‫ً‬ ‫حكمــا آخــر أو اســتحل مــا‬ ‫كــذلك األمــر بالنســبة لمــن لــم يــرو بحكــم اهلل وفضــل عليــه ً‬ ‫حرم ما أحله اهلل تعالى بعد بلوغ الحق إليه وقيام الحجـة عليـه‪ ،‬إذ‬ ‫حرمه اهلل تعالى أو َّ‬ ‫ّ‬

‫هو يجحد النا القرآني أو حديث الرسول عليه الصالة والسالم ويجعل حكمه أو حكم‬ ‫من اتبعه أفضل وأعدل من حكم اهلل عز وجل‪ ،‬فهو قد جعـل مـن نفسـه أو ممـن اتبعـه‬ ‫﴿أَفَ َأر َْي َت َم ِن اتَّ َخ َذ إِلَ َه ُه﴾ (سورة الجاثية‪ :‬مـن اريـة ‪،)29‬‬ ‫أَن الَّ تَ ْع ُب ُدوا َّ‬ ‫ان﴾ (يس‪ :‬من ارية ‪ ،)11‬وقد أسلفنا‬ ‫الش ْي َ‬ ‫ط َ‬

‫ندا هلل عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ً‬ ‫آد َم‬ ‫َع َه ْد إَِل ْي ُك ْم َيا َب ِني َ‬ ‫﴿أَ​َل ْم أ ْ‬ ‫ذكر حديث عد بن حاتم عن رسول اهلل – صلى اهلل عليـه وسـلم – فـي إيضـا قـول‬ ‫أربابا مـن دون اهلل‪،‬‬ ‫اهلل عز وجل عن اليهود والنصاري وأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ً‬ ‫لما أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحالل فحرموه‪.‬‬

‫وينبغــي هنــا توضــيح ضــرورة التفرقــة بــين العمــل والعقيــدة‪ ،‬فالعامــل قــد يكــون مخال ًفــا‬ ‫بعمله ألمر مع بقا اعتقاده أن حكم اهلل هو الحق وأنه بعمله عـاا ألمـر اهلل‪ ،‬وهـذه‬

‫هي المعصية غير المخرجة إلـى الكفـر‪ ،‬وقـد يكـون العمـل علـى خـالف أمـر اهلل تعـالى‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪65‬‬

‫مـع اقتـران ذلــك بعــدم الرضـى بحكــم اهلل تعلــى أو االعتقــاد بـبطالن حكــم اهلل عــزم وجــل‬

‫وتفضيل حكم آخر عليه‪ ،‬وهذا هو الكفر والشـرك المخرجـان مـن اإلسـالم‪ ،‬بـل إن عـدم‬

‫تامـا واالعتقـاد بـبطالن حكـم اهلل وتفضـيل حكـم‬ ‫الرضى وعدم التسليم بحكم اهلل‬ ‫تسـليما ً‬ ‫ً‬ ‫ـون‬ ‫آخر عليه كفر وشـرك ولـو لـم يتبـع ذلـك عمـل مـا‪ ،‬قـال تعـالى‪﴿ :‬فَـ َ‬ ‫ال َوَرِّب َ‬ ‫ـك َال ُي ْؤ ِم ُن َ‬ ‫حتَّـى يح ِّكمـ َ ِ‬ ‫ســلِّ ُموا‬ ‫يمــا َ‬ ‫ـج َر َب ْيـ َن ُه ْم ثُـ َّـم الَ َي ِج ُـدوا ِفــي أَْنفُ ِسـ ِه ْم َح َر ًجـا ِّم َّمـا قَ َ‬ ‫شَ‬ ‫ضـ ْـي َت َوُي َ‬ ‫ـوك ف َ‬ ‫َ َُ ُ‬

‫تَ ِ‬ ‫يما﴾ (النسـا ‪ :‬اريـة ‪ ،)11‬فمـن اغتـاب آخـر وهـو عـالم بحكـم اهلل تعـالى فـي ذلـك‬ ‫ْ‬ ‫سل ً‬ ‫وأن اهلل تعالى قد حرم الغيبة ونهى عنها‪ ،‬إن أتى ذلك وهو مقـر بحكـم اهلل وأنـه الحـق‬ ‫الواجب اتباعه‪ ،‬فهو عـاا لـم يخـر مـن اإلسـالم فـإن فعـل ذلـك غيـر راو بحكـم اهلل‬

‫حكمـا آخـر فهـو مشـرك كـافر ال بارتكـاب الغيبـة‬ ‫تعالى غير مقـر بعدالتـه مفضـال عليـه ً‬ ‫حكما آخر عليه‪.‬‬ ‫ولكن بعدم تسليمه بحكم اهلل تعالى وباعتقاده بطالنه وبتفضيله ً‬ ‫وعلى ذلك يكون مدار الحكم في مخالفة سا ر األوامر والنواهي إال ما ورد نا خاا‬ ‫بأن عامله قد انتفى عنه اسم اإليمان بمقتضى عمله دون نئر إلى عقيدته‪.‬‬ ‫واألصل في المسلم أنـه وقـد شـهد أن ال إلـه إال اهلل وآمـن بكـل مـا جـا بـه الرسـول –‬

‫صــلى اهلل عليــه وســلم – األصــل فيــه أنــه مقــر بحكــم اهلل تعــالى وأنــه الحــق الواجــب‬

‫نهيا من النـواهي فهـو وعـاا مفتـرو‬ ‫اتباعه‪ ،‬فإذا خالف المسلم ًا‬ ‫أمر من األوامر أو ً‬ ‫سـَ ل عمــا إذا كــان قــد‬ ‫فيـه أصــل اإلقـرار بالتوحيــد وأن حكــم اهلل تعــالى هــو الحــق‪ ،‬وال ُي ْ‬ ‫ـر لحكــم اهلل تعــالى وجاحـ ًـدا بــه أم علــى ســبيل العصــيان ويؤاخــذ عمــا‬ ‫خــالف األمــر منكـ ًا‬ ‫ارتكبه بإقامة الحد الشرعي عليه أو بتعزيره‪ ،‬إال أن يجـاهر هـو بـأن خروجـه عـن أمـر‬ ‫ــودا بـــاألمر‬ ‫اهلل تعــالى كـــان اســتحالال للمخالفـــة وعــدم رضـــا بحكــم الـــه تعــالى أ جحـ ً‬ ‫المخالف وبوجوب الطاعة‪ ،‬فإن أئهر ذلك‪ ،‬حكم بكفره‪ ،‬وشركه‪ ،‬وأقيم عليه حد الردة‪.‬‬

‫اتر نقـل الكافـة عـن‬ ‫برهان ذلـك‪ :‬عمـل الرسـول عليـه الصـالة والسـالم المنقـول إلينـا تـو ًا‬ ‫الكافة – فإنه عليه الصـالة والسـالم‪ ،‬كمـا ورد فـي األخبـار الصـحا الثابتـة المتـواترة‪،‬‬ ‫أقام الحد الشرعي على السارق وعلى التي جحدت العارية وعلى الزاني والزانية‪ ،‬وجلد‬

‫شــارب الخمــر‪ ،‬وعنــف وزجــر علــى المعاصــي التــي وقعــت فــي حضــرته عليــه الصــالة‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪66‬‬

‫والســالم أو والتــي علــم بهــا‪ ،‬مــن ذلــك مــا رواه معــاذ بــن جبــل‪ ،‬قــال رضـوان اهلل تعــالى‬

‫عليه‪ :‬خرجنا مع رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسـلم – عـام غـزوة تبـوك‪ ،‬فقـال رسـول‬ ‫غدا إن شا اهلل عين تبـوك وانكـم لـن تأتوهـا حتـى يضـحى النهـار‪،‬‬ ‫اهلل‪" :‬إنكم ستأتون ً‬ ‫فمــن جا هــا مــنكم فــال يمــس مــن ما هــا شــي ًا حتــى آتــي" فج ناهــا وقــد ســبقنا إليهــا‬ ‫رجالن‪ ،‬والعين مثل الشراك [الشراك هو سير النعـل أ كانـت العـين تسـيل قلـيالً قلـيالً]‬

‫قال‪ :‬فسألهما رسول اهلل – صلى اهلل عليـه وسـلم –‪" :‬هـل مسسـتما مـن ما هـا شـي ًا؟"‬

‫قــاال‪ :‬نعــم‪ .‬فســبهما النبــي – صــلى اهلل عليــه وســلم – مــا شــا اهلل أن يقــول‪ ،‬ثــم ذكــر‬ ‫باقي الحديث" [األحكام البن حزم‪ :‬جـ‪ 9‬ا‪.]61‬‬ ‫كل ذلك ولم ير إلينا خبر بأن الرسـول عليـه الصـالة والسـالم قـد سـأل مـن أقـام علـيهم‬ ‫الحدود أو عزرهم عمـا إذا كـانوا قـد أتـوا مـا اقترفـوه مـن المعاصـي اسـتحالالً للمعصـية‬

‫فرضا لفعله الرسول عليه الصالة والسالم ولـوردت‬ ‫ً‬ ‫وجحودا باألمر أم ال‪ ،‬ولو كان ذلك ً‬ ‫إلينا األخبـار الثابتـة بـه‪ ،‬فـدل عمـل الرسـول عليـه الصـالة والسـالم مـع عـدم ورود أ‬

‫نا في القرآن الكريم أو فـي قـول النبـي – عليـه الصـالة والسـالم علـى وجـوب سـؤال‬

‫وجحـودا – دل ذلـك علـى‬ ‫من خالف األمر عـن وجـه المخالفـة ومـا إذا كانـت اسـتحال ًال‬ ‫ً‬ ‫األصــل فــيمن شــهد أن ال إلــه إال اهلل وأن محمـ ًـدا رســول اهلل ثــم أتــى معصــية‪ ،‬افتـراو‬

‫اسـ تمرار إق ـراره بأصــل التوحيــد وأن مقــر بحكــم اهلل تعــالى‪ ،‬وأنــه الحــق الواجــب اتباعــه‬

‫وليس بجاحد وال مكذب – يستثنى من ذلك جميعه ما ورد فيه النا بأن عامله يعتبر‬ ‫محكوما بردته بمقتضى عمله فقط دون حاجة إلى قوله‪.‬‬ ‫مكذبا‬ ‫ً‬ ‫جاحدا ً‬ ‫ً‬ ‫وقد يقال للعاصي إنه اتبع هواه فيما خـالف فيـه أمـر اهلل تعـالى أو أنـه اتبـع الشـيطان‬ ‫في ذلك ولكن ال يجوز أن يقال إنه اتخذ إلهـه هـواه أو يقـال إنـه عبـد الشـيطان إال إذا‬ ‫أتى ما يخرجه من اإلسـالم ذلـك أن اتخـاذ إلـه دون اهلل تعـالى هـو الكفـر والشـرك‪ ،‬فـال‬

‫يصح أن يوصف به إال من هذه صفته في الدين‪ ،‬والعاصي ليس بكافر مشـرك مـا دام‬

‫مقـ ًـرا بأصــل التوحيــد ومــا دام العمــل الــذ أتــاه لــم يــرد نــا بأنــه مخــر فاعلــه عــن‬ ‫أيضــا لفــئ العبــادة إذا أطلــق أفــاد التأليــه واالنقيــاد واالتبــاع المطلقــين وذلــك‬ ‫اإلسـالم‪ ،‬و ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪67‬‬

‫بالنسبة لمن دون اهلل تعالى كفر وشرك‪ ،‬فال يوصـف بـه إال مـن كانـت تلـك صـفته فـي‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫الردة‪:‬‬ ‫هـي فــي ا للغــة الرجــوع عـن األمــر الســابق فعلــه تقــول ارتـد عــن ســفره أ رجــع عنــه‪..‬‬ ‫وارتد هبته ارتجعها‪ ،‬وهي في الدين‪ :‬الرجوع إلى الكفر بعد اإلسالم‪.‬‬ ‫وحكم المرتد القتل‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪" :‬من بدل دينـه فـاقتلوه" (المحلـى‪ :‬جــ‪66‬‬

‫أيضا فيما أخرجه الترمذ عـن ابـن مسـعود‪" :‬ال يحـل دم امـر مسـلم‬ ‫ا‪ ،)629‬وقال ً‬ ‫يشهد أن ال إله إال اهلل وأني رسـول اهلل إال فـي إحـدي ثـالث‪ :‬رجـل كفـر بعـد إيمانـه أو‬ ‫وزنا بعد إحصانه أو نفـس بـنفس" [المحلـى‪ :‬جــ‪ 66‬ا‪ ،)221‬وفيمـا رو عـن سـيدنا‬ ‫عثمان بن عفان رضي اهلل تعالى عنه أنـه قـال وهـو محصـور فـي الـدار‪ :‬بـم تقتلـونني‬

‫وقـد سـمعت رسـول اهلل – صـلى اهلل عليــه وسـلم – يقـول‪" :‬ال يحــل دم امـر مســلم إال‬

‫نفســا فقتــل بهـــا"‬ ‫بإحــدي ثــالث‪ :‬رجــل كفـــر بعــد إيمــان أو زنـــا بعــد إحصــان أو وقتـــل ً‬ ‫[المحلى‪ :‬جـ‪ 66‬ا‪ ،]221‬وأخر البخار ومسـلم أنـه عليـه الصـالة والسـالم قـال‪" :‬ال‬ ‫يحـل دم امــر مسـلم يشــهد أن ال إلـه إال اهلل وأن محمـ ًـدا رسـول اهلل إال بإحــدي ثــالث‪:‬‬ ‫النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة" [االعتصام للشاطبي]‪.‬‬

‫واإلجمــاع أن مــن جحــد شــي ًا ممــا افتــرو اهلل تعــالى اإليمــان بــه‪ ،‬فقــد كفــر وارتــد عــن‬ ‫اإلسالم‪ ،‬إال أن يكون الجاحد غير عالم بالنا فيبلا إليه ويعرف بما هو واجـب عليـه‬

‫أصر بعد ذلـك علـى الجحـود والتكـذيب‪ ،‬حكـم بكفـره‬ ‫اإليمان به وتقام عليه الحجة‪ ،‬فإن ّ‬ ‫وردته‪.‬‬

‫والجحــود يكــون بــالقول إال فيمــا ورد نــا صــريح فيــه بــأن عاملــه ينتفــي عنــه اســم‬

‫اإليمان ولو ولم يتكلم‪.‬‬

‫وكل ما يقع عليه في اللغة اسم القول يعتبـر قـوالً ّأيـا كانـت الصـورة التـي يتخـذها و ّأيـا‬ ‫كان االسم الذ يطلق عليه‪ :‬فمثال الكتابة سوا ئهرت في صورة كتاب أو مقالـة فـي‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪68‬‬

‫ار أو وغيـر ذلـك‪،‬‬ ‫جريدة أو مجلة أو في صـورة رسـم أو سـميت قانوًنـا أو ال حـة أو قـر ًا‬ ‫هي في اللغة قول‪.‬‬ ‫اقعا على أن الجاحد يحكم بردته وكفره‪ ،‬فإنه قـد يقـع االخـتالف فـي‬ ‫واذا كان اإلجماع و ً‬ ‫فه م القول وما إذا كان يتضمن الجحد والتكذيب أم ال‪ ،‬واألصل فيمن نطق بالشـهادتين‬ ‫أنه مسلم مؤمن قد ثبت له عقد اإلسالم واإليمان فال يحكم بخروجه منـه وردتـه بئـن‪،‬‬

‫قاطعـا فـي الداللـة علـى الجحـد والتكـذيب – وممـا‬ ‫ولذا يتعين أن يكـون القـول الصـادر‬ ‫ً‬ ‫يتعــين البعــد عنــه فــي هــذا نســبة هـذا التفســير إليــه ووضــعه علــى لســانه والــزعم بأنــه‬ ‫قا له‪.‬‬ ‫أيضا اإلجمـاع علـى أن مـا ورد الـنا‬ ‫وبعد اإلجماع على الحكم بردة الجاحد المكذب و ً‬ ‫بأن عامله يحكم بردته وكفره‪ ،‬حصل الخالف حول بعو األعمال وما إذا كان مرتكبها‬ ‫مرتدا أم ال‪.‬‬ ‫يعتبر ً‬ ‫وذلك الخالف يرجع إلى سببين‪:‬‬ ‫األول‪ :‬االختالف في فهم النصوا‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬االختالف في صحة بعو األحاديث المنسوبة إلى رسول اهلل – صـلى اهلل عليـه‬ ‫ً‬ ‫وســلم – وقبــول الــبعو ألحاديــث واعتقــاده صــحتها‪ ،‬وعــدم قبــول الــبعو ارخــر لهــا‬ ‫وطعنه في سندها إلى الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬فمثال‪ :‬تارك الصـالة‪ ،‬فقـد صـحح‬

‫بعــو الفقهــا حــديثًا أن الرســول عليــه الصــالة والســالم‪ ،‬فمــثال‪ :‬تــارك الصــالة‪ ،‬فقــد‬ ‫صحح بعو الفقها حديثًا أن الرسول عليه الصالة والسـالم قـال‪" :‬بـين المسـلم وبـين‬ ‫الكــافر تــرك الصــالة" [مســلم بلفــئ "بــين الرجــل وبــين الشــرك الكفــر وتــرك الصــالة" جـــ‪6‬‬

‫ا‪ ،]11‬ورد البعو ارخر الحديث وقرر عـدم ثبوتـه [مـن هـؤال ابـن حـزم وقـد طعـن‬ ‫في سند الحديث]‪.‬‬

‫والذين قالوا بصحة الحديث عارضهم حديث آخر وهو‪" :‬خمس صلوات كتبهن اهلل على‬ ‫يضيع منهن شي ًا استخفافًا بحقهن كان له عند اهلل عهد أن‬ ‫العباد فمن جا بهن ولم ّ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪69‬‬

‫يدخلــه الجنــة‪ ،‬ومــن لــم يــأت بهــن فلــيس لــه عنــد اهلل عهــد‪ ،‬إن شــا عذبــه وان شــا‬ ‫حبان]‪.‬‬ ‫أدخله الجنة" [االعتصام‪ :‬للشاطبي عن مالك وأبي داود والنسا ي وابن ّ‬ ‫فبمقتضــى هــذا الحــديث األخيــر أن تــارك الصــالة لــيس بكــافر بــالمعنى الــذ ســبقت‬ ‫المشي ة اإللهية أن ال يدخل الجنة من اتصف به‪ ،‬فتأولوا الحديث األول على وجهين‪.‬‬ ‫جحودا‪ ،‬فذلك كافر مشرك بال جدال‪.‬‬ ‫أولهما‪ :‬أن يكون المقصود منه ترك الصالة‬ ‫ً‬ ‫كفـرا مـن‬ ‫ثانيهما‪ :‬أن يكون المقصود بكلمة الكفر الـواردة بـه العصـيان الشـديد وسـمي ً‬ ‫باب التغليئ والترهيب‪.‬‬ ‫ولسنا بصدد استقصا األعمال التي وردت بشأنها نصـوا قـد تـدل علـى أن مرتكبهـا‬

‫ينتفي عنه اسم اإليمان‪ ،‬وأوجه االختالف الواقع فيها بـين الفقهـا ‪ ،‬ونكتفـي بـأن نـورد‬

‫يضـاحا لوجهـة نئـر فقهـا أهـل السـنة فـي‬ ‫طرفًا مما قيل في هذا الشأن فيـه تبصـرة وا‬ ‫ً‬ ‫هذا المقام‪ ،‬ونشير إلى أن بعو األحاديث الواردة مما هو مختلـف فـي صـحة نسـبتها‬ ‫إلــى الرســول عليــه الصــالة والســالم وان ذكرهــا الفقيــه الــذ ننقــل عنــه باعتبــار أنه ـا‬

‫صحيحة‪.‬‬

‫قــال شــار العقيــدة الطحاويــة‪ :‬تعلي ًقــا علــى مــا قــرره صــاحب المــتن اإلمــام أبــو وجعفــر‬ ‫أحـدا‬ ‫أحمد بن محمد بن سالمة األزد الطحاو الحنفي المذهب في قولـه‪" :‬وال نكفـر ً‬

‫من أهل القبلة بذنب لم يستحله‪ ،‬وال نقول ال يضر مع اإليمان ذنب لمن عمله"‪.‬‬

‫وقال الشار ‪" :‬ولكن بقي هنا إشكال يـرد علـى كـالم الشـيخ رحمـه اهلل وهـو أن الشـارع‬ ‫ـك ُهـ ُـم‬ ‫قــد ســمى بعــو الــذنوب كفـ ًـرا‪ ،‬قــال تعــالى‪َ ﴿ :‬و َمــن لَّـ ْـم َي ْح ُكـ ْـم ِب َمــا أَْنـ َـز َل اهللُ فَأُوَل ِـ َ‬ ‫ا ْل َك ِ‬ ‫ون﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪ ،)44‬وقال – صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬سباب المـؤمن‬ ‫اف ُر َ‬ ‫فسوق وقتاله كفر"‪ ،‬متفق عليه من حديث ابن مسعود‪ ،‬وقال – صلى اهلل عليـه وسـلم‬ ‫كفار يضرب بعضكم رقاب بعو" وقال‪" :‬إذا قال الرجـل ألخيـه‬ ‫ًا‬ ‫‪" :‬ال ترجعوا من بعد‬‫يا كافر فقـد بـا بهـا أحـدهما" متفـق عليهمـا مـن حـديث ابـن عمـر‪ ،‬وقـال – صـلى اهلل‬

‫خالصـا‪ ،‬ومـن كانـت فيـه خصـلة مـنهن‬ ‫عليه وسـلم ‪" :-‬أربـع مـن كـن فيـه كـان منافقًـا‬ ‫ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪71‬‬

‫كانت فيـه خصـلة مـن النفـاق حتـى يـدعها‪ :‬إذا حـدث كـذب واذا وعـد أخلـف واذا عاهـد‬

‫غدر واذا خاصم فجر" متفق عليه من حديث عبد اهلل بن عمر وقال – صلى اهلل عليه‬ ‫وسلم ‪ " :-‬ال يزني الزاني حين يزني وهـو مـؤمن وال يسـرق السـارق حـين يسـرق وهـو‬ ‫مؤمن وال يشرب الخمـر حـين يشـربها وهـو ومـؤمن والتوبـة معروضـة بعـد" وقـال عليـه‬

‫الســالم‪" :‬بــين المســلم وبــين الكفــر تــرك الصــالة" رواه مســلم عــن جــابر‪ ،‬وقــال عليــه‬

‫الصالة والسالم‪" :‬من أتى كاه ًنا أو أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنـزل علـى محمـد"‬ ‫[متفق عليه]‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪" :‬من حلف بغير اهلل فقـد كفـر" [رواه الحـاكم‬ ‫بهــذا اللفــئ وقــال‪ :‬صــحيح علــى شــرط الشــيخين"‪ ،‬المســتدرك جـــ‪ 6‬ا‪ ]61‬وقــال عليــه‬ ‫الســالم‪" :‬اثنــان فــي أمتــي همــا بهــم كفــر‪ :‬الطعــن فــي األنســاب والنياحــة علــى الميــت"‬

‫ونئا ره كثيرة‪.‬‬ ‫كفـر ينقـل عـن‬ ‫والجواب‪ :‬أن أهل السنة كلهم متفقون علـى أن مرتكـب الكبيـرة ال يكفـر ًا‬ ‫كفـر ينقـل عــن الملـة لكـان مرتـ ًـدا يقتـل علـى كــل‬ ‫الملّـة كمـا قالــت الخـوار ‪ ،‬إذ لـو كفــر ًا‬

‫حال‪ ،‬وال يقبل عفو ولي القصاا‪ ،‬وال تجر الحدود في الزنا والسرقة وشـرب الخمـر‪،‬‬

‫وهذا القول معلوم بطالنـه وفسـاده بالضـرورة مـن ديـن اإلسـالم‪ ،‬ومتفقـون علـى أنـه ال‬ ‫يخر مـن اإليمـان واإلسـالم وال ُي ْـد ِخل فـي الكفـر وال يسـتحق الخلـود مـع الكـافرين كمـا‬ ‫أيضـا‪ ،‬إذ قـد جعـل اهلل مرتكـب الكبيـرة مـن المـؤمنين‪،‬‬ ‫قالت المعتزلة‪ ،‬فإن قـولهم باطـل ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـاا ِفـي ا ْل َق ْت َلـى ا ْل ُح ُّـر ِبـا ْل ُحِّر َوا ْل َع ْب ُـد‬ ‫ُّها الَّ ِذ َ‬ ‫آم ُنوا ُكت َ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ـب َع َل ْـي ُك ُم ا ْلق َ‬ ‫ين َ‬ ‫شــي فَاتِّبــاعٌ ِبــا ْلمعر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِبا ْلع ْبـ ِـد واألُ ْنثَــى ِبــاألُ ْنثَى فَمـ ْـن ع ِفــي لَـ ُ ِ‬ ‫وف َوأ َ​َدا ٌ إِلَ ْيـ ِـه‬ ‫ـه مـ ْـن أَخيــه َ ْ ٌ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫أخـا لـولي‬ ‫سان﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪ ،)611‬فلم يخر القاتل من الذين آمنوا وجعله ً‬ ‫ِبِإ ْح َ‬ ‫ُخــوة الـــدين بــال ريـــب‪ ،‬وقــال ســـبحانه وتعــالى‪َ ﴿ :‬وِان طَا ِ فَتَـ ِ‬ ‫ــن‬ ‫القصــاا المـــراد أ َّ‬ ‫ــان ِمـ َ‬ ‫ين اقْتَ َتلُوا فَأ ِ‬ ‫َخ َوْي ُك ْم﴾ (الحجرات‪ :‬من اريات ‪،9‬‬ ‫َصلِ ُحوا َب ْي َن أ َ‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫َصل ُحوا َب ْي َن ُه َما ‪ ...‬فَأ ْ‬ ‫ْ‬

‫‪ ،)61‬ونصوا الكتاب والسنة واإلجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف ال يقتل‬ ‫بل يقام عليه الحد‪ ،‬فدل ذلك على أنه ليس بمرتد‪ ،‬وقـد ثبـت تفـي الصـحيح عـن النبـي‬ ‫– صلى اهلل عليه وسلم – أنه قال‪" :‬من كانت عنده ألخيه اليوم مئلمة من عرو أو‬ ‫شي فليتحلله منه اليوم قبل أن ال يكون درهم وال دينار‪ ،‬إن كان له عمل صـالح أخـذ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪71‬‬

‫منه بقدر مئلمته وان لم يكـن لـه حسـنات أخـذ مـن سـي ات صـاحبه فطرحـت عليـه ثـم‬

‫ألقي في النار" أخرجاه في الصحيحين فثبت أن الئالم يكون له حسنات يستوفي منها‬ ‫المئلوم حقه‪ ،‬وكذلك ثبـت فـي الصـحيحين عـن النبـي – صـلى اهلل عليـه وسـلم – أنـه‬

‫قال‪" :‬ما تعدون المفلس فيكم؟" قالوا‪ :‬المفلس من ال له درهم وال دينار‪ ،‬قال‪" :‬المفلس‬ ‫مـن يـأتي يـوم القيامـة ولـه حسـنات أمثـال الجبــال فيـأتي وقـد شـتم هـذا وأخـذ مـال هــذا‬ ‫وسفك دم هذا وقذف هذا وضرب هذا فيقتا هذا من حسناته‪ ،‬فإذا فنيت حسناته قبل‬

‫أن يقضـي مـا عليــه أخـذ مــن خطايـاهم فطرحــت عليـه ثــم طـر فــي النـار" رواه مســلم‪،‬‬ ‫الس ِّـي َ ِ‬ ‫ات يذ ِ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬إِ َّن ا ْلح ِ‬ ‫ات﴾ (هـود‪ :‬مـن اريـة ‪ .)664‬فـدل ذلـك علـى‬ ‫ْه ْب َن َّ‬ ‫س َن ُ‬ ‫َ َ‬ ‫أنه في حال إسا ته يعمل حسنات تمحو سي اته وهذا مبسوط في موضعه‪.‬‬ ‫والمعتزلــة‪ :‬موافقــون للخ ـوار هنــا فــي حكــم ارخــرة‪ ،‬فــإنهم وافقــوهم علــى أن مرتكــب‬ ‫كـافر وقالـت المعتزلـة نسـميه فاسـ ًقا‪،‬‬ ‫الكبيرة مخلد في النار لكن قالت الخـوار نسـميه ًا‬ ‫فالخالف بينهما لفئي فقط‪.‬‬

‫وأهل السنة‪ :‬متفقون على أنه يستحق الوعيد المترتب على ذلـك الـذنب كمـا وردت بـه‬ ‫النصوا‪.‬‬ ‫ال كما يقول المرج ة‪ :‬من أنه ال يضر مع اإليمان ذنب وال ينفع مع الكفر طاعة‪.‬‬ ‫واذا اجتمعت نصوا الوعيد التي استدلت بها المرج ة ونصوا الوعيد التي استدلت‬

‫بهــا الخ ـوار والمعتزلــة ثبــت لــك فســاد القــولين‪ ،‬وال فا ــدة فــي كــالم ه ـؤال ســوي أنــك‬

‫تستفيد من كالم كل طا فة فساد األخري‪.‬‬ ‫لفئيا ال يترتب عليه فساد وهو‬ ‫ثم بعد هذا االتفاق تبين أن أهل السنة اختلفوا اختال ًفا ً‬ ‫كفر دون كفر‪ ،‬كما اختلفوا‪ ،‬هل اإليمان على مراتـب‪،‬‬ ‫أنه هل يكون الكفر على مراتب‪ً ،‬ا‬

‫إيمان دون إيمان‪ ،‬وهذا االختالف نشأ من اختالفهم في مسمى اإليمان‪ :‬هـل هـو قـول‬

‫كـافرا‪،‬‬ ‫وعمل يزيد وينقا أم ال؟ بعد اتفاقهم على من سماه اهلل ورسوله ًا‬ ‫كـافر نسـميه ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪72‬‬

‫كـافرا‬ ‫إذ من الممتنع أن يسمي اهلل ـ سبحانه وتعالى ـ الحاكم بغير مـا أنـزل الـه تعـالى ً‬ ‫كافرا‪ ،‬ال نطلق عليهما اسم الكفر‪.‬‬ ‫ويسمي رسوله عليه الصالة والسالم من تقدم ذكره ً‬ ‫ولكن نمن قال إن اإليمان قول وعمل يزيـد ويـنقا قـال وهـو كفـر عملـي ال اعتقـاد ‪،‬‬ ‫والكفر عنده على مراتب كفر دون كفر كاإليمان عنده‪.‬‬ ‫ومــن قــال إن اإليمــان هــو التصــديق وال يــدخل العمــل فــي مســمى اإليمــان‪ ،‬والكفــر هــو‬

‫الجحود وال يزيدان وال ينقصان‪ ،‬قال هو كفر مجاز غير حقيقي إذ الكفر الحقيقي هو‬

‫الذ ينقل عن الملـة‪ ،‬وكـذلك يقولـون فـي تسـمية بعـو األعمـال كقولـه تعـالى‪َ ﴿ :‬و َمـا‬ ‫ـان اهلل لِي ِ‬ ‫ضـ َ ِ‬ ‫يمــا َن ُك ْم﴾ (البقــرة‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)649‬أ صــالتكم إلــى بيــت المقــدس‪،‬‬ ‫َكـ َ ُ ُ‬ ‫ـيع إ َ‬ ‫مجـاز لتوقـف صـحتها علـى اإليمـان ولـداللتها علـى اإليمـان إذ هـي‬ ‫ًا‬ ‫إنها سميت إيما ًنـا‬ ‫دالة على كون مؤديها مؤمنة‪ ،‬ولذا يحكم بإسالم الكافر إذا صلى صالتنا‪.‬‬

‫ئاهر وباط ًنا بما جا‬ ‫ًا‬ ‫فليس بين فقها األمة نزاع في أصحاب الذنوب إذ كانوا مقرين‬ ‫به الرسول وما تواتر عنهم أنهم من أهل الوعيد‪ ،‬ولكن األقوال المنحرفة قـول مـن قـال‬ ‫بتخليدهم في النار كالخوار والمعتزلة‪.‬‬ ‫ولكــن أردأ مــا فــي هــذا التعصــب علــى مــن يضــادهم والزامــه لمــن يخــالف قولــه بمــا ال‬ ‫يلزمــه‪ ،‬والتشــنيع عليــه‪ ،‬واذا كنــا مــأمورين بالعــدل فــي مجادلــة الكــافرين وأن يجــادلوا‬

‫بالتي هي أحسن فكيف ال يعدل بعضنا على بعو فـي مثـل هـذا الخـالف‪ ،‬قـال تعـالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ين ِ‬ ‫ين آمنُوا ُكونُوا قَ َّو ِ‬ ‫﴿يا أَي َّ ِ‬ ‫آن قَ ْـوم َعلَـى أَالَّ‬ ‫س ِط َوالَ َي ْج ِرَم َّن ُك ْم َ‬ ‫هلل ُ‬ ‫شـ َن ُ‬ ‫ام َ‬ ‫ش َه َدا َ ِبا ْلق ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّها الذ َ َ‬ ‫تَع ِدلُوا ْ ِ‬ ‫ب لِلتَّ ْق َوي﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪.)1‬‬ ‫اعدلُوا ُه َو أَق َْر ُ‬ ‫ْ‬ ‫كفـر ينقـل عـن‬ ‫وهنا أمر يجب أن يتفطن له وهو أن الحكم بغير ما أنزل اهلل قـد يكـون ًا‬ ‫كفر أصغر علـى‬ ‫مجازيا واما ًا‬ ‫كفر إما‬ ‫الملة وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة‪ ،‬ويكون ًا‬ ‫ً‬

‫القولين المذكورين‪ ،‬وذلك بحسب حال الحاكم‪ ،‬فإنـه إن اعتقـد أن الحكـم بمـا أنـزل اهلل‬

‫غير واجب وأنه مخير فيـه‪ ،‬أو واسـتهان بـه مـع تيقنـه أنـه حكـم اهلل‪ ،‬فهـذا كفـر أكبـر‪،‬‬

‫وان اعتقـد وجـوب الحكـم بمـا أنــزل اهلل تعـالى وعلمـه فـي هــذه الواقعـة وعـدل عنـه مــع‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪73‬‬

‫كفـر أصـغر‪،‬‬ ‫كـافر ًا‬ ‫كفـر‬ ‫اعترافه بأنه مستحق العقوبة‪ ،‬فهـذا عـاا ويسـمى ًا‬ ‫ً‬ ‫مجازيـا أو ً‬ ‫وان جهل حكم اهلل فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطـأه‪ ،‬فهـذا‬ ‫مخط له أجره على اجتهاده‪ ،‬وخطأه مغفور‪.‬‬ ‫وأراد الشـيخ رحمـه اهلل تعـالى بقولــه‪" :‬وال نقـول ال يضـر مـع اإليمــان ذنـب لمـن عملــه"‬

‫مخالفة المرج ة وشبهتهم كانت قد وقعت لبعو األولين‪ ،‬فاتفق الصـحابة علـى قـتلهم‬

‫إن لم يتوبوا من ذلك‪ ،‬فإن قدامـة بـن عبـداهلل شـرب الخمـر بعـد تحريمهـا وهـو وطا فـة‬ ‫ِ‬ ‫ين آمنُوا وع ِملُوا َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يما طَ ِع ُمـوا﴾‬ ‫س َعلَى الَّذ َ َ َ َ‬ ‫وتأولوا قول اهلل تعالى‪﴿ :‬لَ ْي َ‬ ‫الصال َحات ُج َنا ٌ ف َ‬ ‫(سورة الما دة‪ :‬من ارية ‪ ،)99‬فلما ذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي اهلل تعالى عنه‬ ‫اتفق هو ووعلي بن أبي طالب وسا ر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلـدوا‪،‬‬

‫وان أصروا على استحاللها قتلوا‪ ،‬وقال عمـر لقدامـة‪" :‬أخطـأت اسـتك الحفـرة‪ ،‬أمـا إنـك‬ ‫لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر" وذلك أن هذه اريـة نزلـت بسـبب‬ ‫أن اهلل ـ سبحانه وتعـالى ـ لمـا حـرم الخمـر وكـان تحريمهـا بعـد واقعـة أحـد‪ ،‬قـال بعـو‬

‫الصحابة‪ :‬كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فأنزل اهلل هـذه اريـة‪ ،‬بـين‬ ‫فيها أن من طعـم الشـي فـي الحـال التـي لـم يحـرم فيهـا فـال جنـا عليـه إذا كـان مـن‬

‫المؤمنين المتقين المصلحين‪ ،‬كما كان من أمر استقبال بيت المقدس‪.‬‬ ‫ثم إن هؤال الذين فعلوا ذلك يذمون على أنهـم أخطـأوا وأيسـوا مـن التوبـة فكتـب عمـر‬ ‫ـيم * َغـ ِ‬ ‫ـن ِ‬ ‫اهلل ا ْلع ِزيـ ِـز ا ْلعلِـ ِ‬ ‫ـاف ِر الـ َّـذ ِ‬ ‫نزيـ ُل ا ْل ِكتَـ ِ‬ ‫إلــى قدامــة يقــول‪﴿ :‬حــم * تَ ِ‬ ‫نب َوقَا ِبـ ِـل‬ ‫ـاب ِمـ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ش ِد ِ‬ ‫يد ا ْل ِع َق ِ‬ ‫اب﴾ (غافر‪ :‬من اريات ‪ ،)9-6‬ما أدر أ ذنبيك أعئـم؟ اسـتحاللك‬ ‫التَّْو ِب َ‬ ‫ثانيا؟‪.‬‬ ‫المحرم أوال‪ ،‬أم يأسك من رحمة اهلل ً‬

‫وهذا الذ اتفق عليه الصحابة متفق عليه من أ مة اإلسالم" [شر العقيدة الطحاويـة‬ ‫ا‪ ]919-291‬انتهى‪.‬‬ ‫النفاق‪:‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪74‬‬

‫تشـبيها لليربـوع‬ ‫ويـبطن ويقـال لـه منـافق‬ ‫هو في اللغة أن يئهر اإلنسان غير ما ُيسر ُ‬ ‫ً‬ ‫جحـر يقـال لـه النافقـا وآخـر يقـال لـه القاصـعا وذلـك بـأن يخـر األرو‬ ‫ًا‬ ‫إذ يجعل له‬

‫حتــى إذا كــاد يبلــا ئــاهر األرو أرق التـراب فــإذا أرابــه ريــب دفــع ذلــك التـراب برأســه‬

‫فخر فئاهر جحره تراب وباطنه َح ْفر [الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي‪ :‬جـ‪ 6‬ا‪]691‬‬ ‫ولما كان المنافق يئهر خالف ما يبطن فقد سمي منافقًا‪.‬‬

‫أيضا بذات المعنى أ أن يئهر المر بلسانه شي ًا من الدين خالف ما‬ ‫وهو في الدين ً‬ ‫وكفـر وقـد يكـون دون ذلـك‪،‬‬ ‫ًا‬ ‫مخرجـا مـن الملـة‬ ‫ُيسر ويبطن والنفاق في الدين قد يكون‬ ‫ً‬ ‫وما يخر من الملة‪ :‬أن يجحد اإلنسان بقلبه شي ًا مما افترو اهلل تعالى اإليمان بـه‪،‬‬ ‫ـاس مـن يقُـو ُل آم َّنـا ِب ِ‬ ‫ـن َّ‬ ‫ـاهلل‬ ‫وان أئهر لسـانه اإلقـرار باإليمـان بـه‪ ،‬قـال تعـالى‪َ ﴿ :‬و ِم َ‬ ‫الن ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫وِبا ْليوِم ار ِ‬ ‫ين آمنُوا وما َي ْخ َد ُع َ َّ‬ ‫س ُه ْم‬ ‫ين * ُي َخ ِاد ُع َ‬ ‫َخ ِر َو َما ُهم ِب ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ون إِال أَْنفُ َ‬ ‫ون َ‬ ‫اهلل َوالذ َ َ َ َ‬ ‫ضـــا وَلهـــم عـــ َذ ِ‬ ‫ــيم ِب َمـــا َكـــا ُنوا‬ ‫َو َمـــا َي ْ‬ ‫و فَـ َــز َ‬ ‫ون * ِفـــي ُقلُـــوِب ِهم َّمـ َــر ٌ‬ ‫ــع ُر َ‬ ‫اد ُه ُم اهللُ َم َر ً َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫شـ ُ‬ ‫اب أَلـ ٌ‬ ‫ون﴾ (البقرة‪ :‬اريات ‪ ،)61-1‬فنفى اهلل اإليمان عـن المنـافق بقولـه تعـالى‪َ ﴿ :‬و َمـا‬ ‫َي ْك ِذ ُب َ‬ ‫ين ﴾ وحكـــم أن القـــول باللســـان دون العقـــد بالقلـــب بمـــا افتـــرو اهلل تعـــالى‬ ‫ُهــم ِب ُمـ ْ‬ ‫ــؤ ِم ِن َ‬ ‫ِ‬ ‫اف ِق َ ِ‬ ‫اإليمان به هو مكذب‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬إِ َّن ا ْلم َن ِ‬ ‫األس َف ِل ِم َن َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫ار﴾ (سورة‬ ‫ين في الد َّْرك ْ‬ ‫ُ‬ ‫النسا ‪ :‬من ارية ‪ ،)641‬وقال تعالى‪﴿ :‬إِ َذا جا َك ا ْلم َن ِ‬ ‫سـو ُل‬ ‫ون قَـالُوا َن ْ‬ ‫ـه ُد إَِّن َ‬ ‫ـافقُ َ‬ ‫شَ‬ ‫ـك لَ َر ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ين َل َك ِ‬ ‫شـه ُد إِ َّن ا ْلم َن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون﴾ (المنـافقون‪ :‬اريـة ‪،)6‬‬ ‫اهلل َواهللُ َي ْع َل ُم إَِّن َ‬ ‫ـاذ ُب َ‬ ‫ـاف ِق َ‬ ‫سـولُ ُه َواهللُ َي ْ َ‬ ‫ـك َل َر ُ‬ ‫ُ‬ ‫وهذا هو حكـم هـذا النـوع مـن النفـاق عنـد اهلل تعـالى‪ ،‬أمـا فيمـا بيننـا نحـن البشـر وفـي‬

‫أحكام هذه الدنيا فإن المنافق ال يسمى منافقًا إال إذا أئهر ما يبطنه من الكفـر‪ ،‬وانمـا‬

‫هو يئهر اإلسالم واإليمان فهو في ئاهره لنا مسلم مؤمن يجب علينا أن نعامله بهذه‬

‫الصفة وأن نجر عليه أحكام المسلمين‪ ،‬ولقد أ َْوَردت آيات من القرآن الكريم وأحاديث‬ ‫صحيحة صفات النفاق والمنافقين ليعرف كل شـخا حقيقـة أمـره وحقيقـة صـفته عنـد‬ ‫اهلل تعالى‪ ،‬وقد نالحئ نحن البشر تلك الصفات أو بعضها بـآخرين ولكـن ذلـك ال يعـدو‬

‫أن يكـون ئ ًنـا ال يترتـب عليـه أحكـام‪ ،‬وال ينبنـي عليـه القطـع بكفـر مـن لوحئـت بعـو‬ ‫تلك الصـفات بـه وان وجـب الحـذر منـه ومجاهدتـه باللسـان بنصـحه بـاإلقالع عـن تلـك‬ ‫الصفات المذمومة‪ ،‬قال الطبر [الجامع ألحكام القرآن للطبـر ‪ :‬جــ‪ 6‬ا‪" :]211‬جعـل‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪75‬‬

‫اهلل األحكـام بــين عبــاده علــى الئــاهر وتــولى الحكـم فــي سـرا رهم دون أحــد مــن خلقــه‪،‬‬

‫فليس ألحد أن يحكم بخـالف مـا ئهـر ألنـه حكـم بـالئنون‪ ،‬ولـو وكـان ذلـك ألحـد لكـان‬

‫أولـــى النـــاس بـــه رســـول اهلل – صـــلى اهلل عليـــه وســـلم – وقـــد حكـــم للمنـــافقين بحكـــم‬

‫المسلمين بمـا أئهـروا‪ ،‬ووكـل سـ ار رهم إلـى اهلل تعـالى [يقـول اإلمـام الشـافعي فـي هـذا‬ ‫لمقام "ومن هذا المعنى من كتاب اهلل تعالى قوله عز وجـل‪﴿ :‬إِ َّن ا ْلم َن ِ‬ ‫ين ِفـي الـد َّْرِك‬ ‫ـاف ِق َ‬ ‫ُ‬ ‫األس َف ِل ِمـ َن َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫ت مـن تـرك الداللـة الباطنـة‬ ‫صـ ْف ُ‬ ‫ْ‬ ‫ـار‪ ﴾ ...‬وهـذا يوجـب علـى الحكـام مـا َو َ‬ ‫والحكم بالئاهر من القول أو البينة أو االعتراف أو والحجـة ودل أن علـيهم أن ينتهـوا‬ ‫إلـى مــا انتهـى إليــه‪ ،‬فمــن بعـده مــن الحكــم أولـى أال يحــدث فــي شـي هلل فيــه حكــم أو‬

‫لرســـوله عليـــه الصـــالة والســـالم غيـــر مـــا حكـــم بـــه بعينـــه "الرســـالة للشـــافعي هـــاما‬ ‫ا‪ 611-616‬نقال عن اإلمام جـ‪ 1‬ا‪.]666‬‬ ‫أما النفاق الذ هو دون الكفر‪ :‬فهو أن يبطن المر غير ما يئهـر فـي بعـو األمـور‬

‫المنهـي عنهــا شـر ًعا والمعتبــرة معـاا‪ ،‬مــن ذلــك قـول الرســول عليـه الصــالة والســالم‪:‬‬ ‫خالصا إذا حـدث كـذب واذا وعـد أخلـف واذا أؤتمـن خـان‬ ‫"ثالث من كن فيه كان مناف ًقا‬ ‫ً‬

‫وان صــام وصــلى وزعــم أنــه مســلم" [المحلــى‪ :‬جـــ‪ 66‬ا‪ ]212‬وقولــه عليــه الصــالة‬

‫خالصـا ومـن كانـت فيـه ُخلّـة مـنهن كانـت فيـه‬ ‫والسالم‪" :‬أربع من كـن فيـه كـان منافقًـا‬ ‫ً‬ ‫خلــة مــن النفــاق حتــى يــدعها‪ :‬إذا حــدث كــذب واذا وعــد أخلــف واذا عاهــد غــدر واذا‬

‫أيضــا‪ :‬جـــ‪ 66‬ا‪ 212‬وفــي المعنــى نفســه‬ ‫خاصــم فجــر" [المحلــى عــن طريــق مســلم ً‬ ‫سـر خـالف مـا‬ ‫البخار ‪ :‬جـ‪ 6‬صــ‪ ]61‬فلمـا كـان فاعـل إحـدي هـذه الخصـال المذمومـة ُي ُّ‬ ‫وعصـيان ال يخـر عـن اإلسـالم‪،‬‬ ‫مـذموما‬ ‫يئهر ويقول ما ال يفعل كان فعله ذلـك نفا ًقـا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وبرهــان ذلــك أن المرتــد عــن اإلســالم إلــى الكفــر حكمــه القتــل وه ـؤال المــذكورون مــن‬ ‫المخاصــم الفـــاجر والواعــد المخلـــف والمعاهــد الغـــادر والمــؤتمن الخـــا ن والكــذاب فـــي‬

‫حديثه‪ ،‬المذكورون ال قتل عليهم ألنه ال نـا فـي قـتلهم وال قـال بـه أحـد مـن الفقهـا‬ ‫فضال عن أن يكون فيه إجماع‪.‬‬

‫والمنـافق الــذ يــبطن الكفـر ويئهــر اإليمــان واإلسـالم إنمــا يخــدع نفسـه فــي الحقيقــة‪،‬‬

‫ومــن كــالم حكمــا العــرب‪ :‬مــن خــدع مــن ال ُيخــدع فإنمــا خــدع نفســه‪ ،‬وهــو بنفاقــه لــم‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪76‬‬

‫يعــرف اهلل عــز وجــل‪ ،‬إذ لــو عرفــه ســبحانه لعلــم أنــاهلل يعلــم مــا يســره‪ ،‬وأنــه تعــالى ال‬

‫يخدعه أحد‪ ،‬ومن قول الرسول عليه الصالة والسـالم‪" :‬ال تخـادع اهلل فإنـه مـن يخـادع‬

‫اهلل يخدعه اهلل ونفسـه يخـدع لـو يشـعر" قـالوا يـا رسـول اهلل‪ ،‬وكيـف يخـادع اهلل؟ قـال‪:‬‬

‫"تعمل ما أمرك اهلل به وتطلب به غيره" [أخرجه الطبر في كتاب آداب النفس‪ ،‬الجامع‬ ‫ألحكام القرآن‪ :‬جـ‪ 6‬ا‪.]69‬‬

‫الفصل الثالث‬ ‫الح ِ‬ ‫اكميَّة‬ ‫َ‬ ‫"أمـران تركتهمــا فــيكم لــن تضــلوا مــا تمسـكتم بهمــا‪ :‬كتــاب اهلل وســنة نبيــه – صــلى اهلل‬ ‫عليه وسلم –" حديث شريف" [عن مالك بن أنس – اإلحكـام فـي أصـول األحكـام البـن‬

‫حزم‪ :‬جـ‪ 1‬ا‪.]91‬‬ ‫جــرت علــى بعــو األلســن لفئــة "الحاكميــة" تعبيـ ًـرا عــن معــان وأحكــام تضــمنتها آيــات‬ ‫القرآن الكـريم واألحاديـث الشـريفة ثـم أسـندت اللفئـة إلـى اسـم المـولى عـز وجـل فقيـل‬ ‫"حاكمية اهلل"‪.‬‬ ‫ثــم تفرعــت عــن اللفئــة مضــافة إلــى اســم المــولى عــز وجــل أحكــام‪ ،‬فقيــل‪ :‬إن مفهــوم‬

‫فرضــا‬ ‫"حاكميـة اهلل" كـذا وكــذا ومقتضـى ذلــك أن يعتقـد الشــخا كـذا وكــذا‪ ،‬وأن يكـون ً‬

‫عليــه أن يقــوم بكــذا وكــذا مــن األعمــال‪ ،‬فــإن لــم يعملهــا وعمــل غيرهــا فهــو خــار عــن‬

‫"حاكمية اهلل" تعالى فوصفه كذا‪.‬‬ ‫ونحن علـى يقـين أن لفئـة "الحاكميـة" لـم تـرد بأيـة آيـة مـن الـذكر الحكـيم‪ ،‬ونحـن فـي‬

‫بحثنا في الصحيح من أحاديث الرسول عليـه الصـالة والسـالم لـم نجـد منهـا حـديثًا قـد‬ ‫تضمن تلك اللفئة فضال عن إضافتها إلى اسم المولى عز وجل‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪77‬‬

‫والتجارب وواقع حال الناس يقول لنا إن أصحاب الفكر والنئـر والبـاحثين قـد يلحئـون‬ ‫ارتباطًا بين معاني مجموعة من اريات بالقرآن الكريم واألحاديث الشـريفة وفكـرة بـارزة‬

‫مصطلحا لتلكم المعاني‪.‬‬ ‫فيها فيضعون‬ ‫ً‬

‫غيــر أنــه ال يمــر إال الــوجيز مــن الــزمن حتــى يستســهل النــاس المصــطلح الموضــوع‬

‫فيتداولونه بينهم ثم يتشـدق بـه أنـاس قليـل مـنهم مـن قـرأ الكثيـر الـذ كتبـه البـاحثون‬

‫ـرحا لآليــات واألحاديــث التــي كانــت هــي األصــل عنــدهم‬ ‫والمفكــرون أصــحاب النئــر شـ ً‬ ‫وتعبير عن المعاني التي الحئوها واألقل من هـؤال القليـل مـن يكـون قـد اسـتوعب مـا‬ ‫ًا‬ ‫كتبـــه البــــاحثون والمفكـــرون واســــتطاع أن يفهــــم مـــا أرادوه وأدرك حقيقــــة مقصــــدهم‪،‬‬

‫والغالبيـ ة العئمــى تنطــق بالمصــطلح وهــي ال تكــاد تعــرف مــن حقيقــة مـراد واضــعيه إال‬ ‫عفـوا هنــا وهنـاك‪ ،‬أو ألقاهـا إليهــا مـن قــد ال يحسـن الفهــم أو‬ ‫عبـارات مبهمـة ســمعتها ً‬ ‫يجيد النقل والتعبير‪.‬‬

‫وقد ال يمضي كثيـر وقـت حتـى يسـتقل المصـطلح بنفسـه فـي أذهـان النـاس‪ ،‬ويقـر فـي‬

‫آذانهم أنه األصل الذ يرجع إليه‪ ،‬وأنه الحكم الكلي الجامع الذ تتفرع عنـه مختلـف‬ ‫األحكام التفصيلية‪ ،‬وينسى الناس أن اريات واألحاديث التي لوحئ فيهـا المعنـى الـذ‬

‫وضع المصطلح عنوا ًنا له هو األصل الذ يتعين الرجوع إليه‪ ،‬بـل قـد يغيـب عـنهم أن‬ ‫مراد واضعي المصطلح لم يكن غير التعبير عن معان عامة أرادوا إبرازها وجذب انتبـاه‬ ‫الناس إلى أهميتها‪ ،‬دون أن يقصدوا وضع أحكام فقهية‪ ،‬خاصة التفصيلية منها‪.‬‬ ‫مصطلحا لم يـرد لـه نـا مـن كتـاب اهلل أو‬ ‫أساسا لمعتقدهم‬ ‫وهكذا يجعل بعو الناس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سنة الرسول‪.‬‬ ‫أساسا من كالم بشر‪ ،‬غير معصوم‪ ،‬وارد عليه الخطأ والوهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أساسا من كالم بشـر‪ ،‬غيـر معصـوم‪ ،‬علمهـم بمـا قالـه فـي األغلـب األعـم علـم مبتسـر‬ ‫ً‬ ‫مغلوط‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪78‬‬

‫اما علينا أال نتعلق بالمصطلحات التـي يقـول بهـا البشـر غيـر المعصـومين‬ ‫لذلك كان لز ً‬ ‫وأن نتشــبث ونلــوذ بكــالم رب العــالمين وكــالم المعصــوم ســيد المرســلين عليــه الصــالة‬ ‫والسالم‪.‬‬ ‫هذا هو الكالم المحكم الذ ال يئن فيه خطأ أو نقصان أو وهم‪.‬‬ ‫وهو الكالم المحفوئ حفئًا كامال‪ ،‬ال يلحقه تبديل أو تغيير حتى يـرث اهلل األرو ومـن‬

‫عليها‪.‬‬

‫وهو الكالم الذ ال يكون فيه تناقو أو يقع بين بعضه وبعو اختالف‪.‬‬ ‫بعضا‪.‬‬ ‫بعضا كما يحد بعضها ً‬ ‫وهو الكالم الذ يكون جملة واحدة يفسر بعضه ً‬ ‫تجد ارية مطلقة تكاد تعم كل شي ثم تجد ارية األخري قد خصصتها واستثنت منها‪،‬‬ ‫ثم تجد الحديث الصحيح يضع الشروط المكملة لما في اريتين‪.‬‬ ‫وقد نجد اللفئين في ارية له معنى لغو معروف ثم نجد الحديث الصحيح وقـد عـرف‬ ‫أن المراد من اللفئ معنى شرعي محدد‪.‬‬ ‫واألحكام الشرعية تؤخذ من كالم اهلل تعـالى وحـديث الرسـول عليـه الصـالة والسـالم‪ ،‬ال‬ ‫من أقوال أو مصطلحات يضعها الناس‪ّ ،‬أيا كان هؤال الناس‪.‬‬ ‫واريات واألحاديث هي التي تحدد الحكم الشرعي وشروط تحقيقه وحدود استعماله‪.‬‬ ‫ويؤخذ الحكم من مختلف اريات واألحاديث طبقًا ألصول وردت بها ار واألحاديث‪.‬‬ ‫فل ـتكن إذن آيــات الق ـرآن الكــريم‪ ،‬دا ًمــا‪ ،‬هــي األصــل الــذ نتلــوه ونرجــع إليــه ونتــدبره‬ ‫ِ‬ ‫آي ِات ِه َولِ َيتَ َذ َّك َر أُولُو األ ْل َب ِ‬ ‫اب﴾ (ا‪ :‬ارية ‪.)29‬‬ ‫اب أَْن َزْل َناهُ إَِل ْي َك ُم َب َار ٌك لِّ َيدَّب َُّروا َ‬ ‫﴿كتَ ٌ‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪79‬‬

‫وليكن الثابت الصحيح من أحاديث الرسول عليه أفضل الصالة والسالم هو البيان لكل‬ ‫ما احتا إلى بيان ﴿وأَْن َزْل َنا إِلَ ْي َك ِّ‬ ‫الذ ْك َر لِتَُب ِّي َن لِ َّلن ِ‬ ‫ون﴾‬ ‫اس َمـا ُن ِّـز َل إِلَ ْـي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْـم َيتَفَ َّك ُـر َ‬ ‫َ‬ ‫(النحل‪ :‬ارية ‪.)44‬‬ ‫أبدا أ مصطلحات يضعها بشر غير معصوم‪.‬‬ ‫ولن تغني عن ذلك ً‬ ‫وال حاجـة لنــا بعــد كتــاب اهلل وأحاديـث الرســول عليــه الصــالة والسـالم بــأن نتعلــق بأيــة‬ ‫مصطلحات يضعها بشر غير معصوم‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬ ‫﴿إِ ِن ا ْلح ْكم إِالَّ ِ‬ ‫هلل﴾‬ ‫ُ ُ‬ ‫عقيدتنا‬ ‫يقيننا الذ ال شك فيه أن الحكم هلل تعالى وحـده‪ ،‬وأنـه سـبحانه وتعـالى وحـده صـاحب‬

‫األمر والنهي دون سواه‪ ،‬وهـو جـل وعـال دون غيـره الـذ يجعـل الحـالل حـالالً والحـرام‬ ‫حراما ﴿إِ ِن ا ْلح ْكم إِالَّ ِ‬ ‫األم ُر﴾ (األعـراف‪:‬‬ ‫هلل﴾ (يوسف‪ :‬من ارية ‪﴿ ،)41‬أَ َال َل ُه ا ْل َخ ْل ُ‬ ‫ق َو ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫مـن اريــة ‪﴿ )14‬و َال تَقُولُـوا لِمــا تَ ِ‬ ‫ـام لِّتَ ْفتَـ ُـروا‬ ‫ـف أَْل ِسـ َنتُ ُك ُم ا ْل َكـ ِـذ َب َهـ َذا َحـ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ال ٌل َو َهـ َذا َح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ريـ ٌ‬ ‫علَى ِ‬ ‫اهلل ا ْل َك ِذ َب﴾ (النحل‪ :‬من ارية ‪.)661‬‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ونحن نؤمن إيما ًنا كامال أن شريعة اهلل هي الحق وأن ما دونها باطل وئلم‪َ ﴿ :‬وِبا ْل َح ِّ‬ ‫الض ـالَ ُل﴾‬ ‫ق َنـ َـز َل﴾ (اإلس ـرا ‪ :‬مــن اريــة ‪﴿ ،)611‬فَ َمــا َذا َب ْعـ َـد ا ْل َحـ ِّ‬ ‫أَْن َزْل َنــاهُ َوِبــا ْل َح ِّ‬ ‫ـق إِالَّ َّ‬ ‫(يونس‪ :‬من ارية ‪.)92‬‬ ‫ويقيننا الذ ال شك فيه أن شريعة اهلل تعالى هي التي تلزمنا دون غيرهـا وهـي تلزمنـا‬ ‫بمقتضى أمره تعالى‪ ،‬سوا ارتضاها حاكم أم لم يرتضها‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪81‬‬

‫تامــا أن شــريعة اهلل هــي الواجبــة النفــاذ وأن واجــب كــل فــرد‬ ‫ونحــن نــؤمن إيما ًنــا كــام ً‬ ‫ال ً‬ ‫مسلم العمل بمقتضاها وانفاذها فعال ما استطاع إلى ذلك سـبيالً‪ ،‬سـوا ً أنفـذها الحـاكم‬ ‫ـر أَن‬ ‫ســولُ ُه أ َْمـ ًا‬ ‫أم عمــل علــى تعطيلهــا ﴿ َو َمــا َكـ َ‬ ‫ـان لِ ُمـ ْـؤ ِمن َوالَ ُم ْؤ ِم َنــة إِ َذا قَ َ‬ ‫ضــى اهللُ َوَر ُ‬ ‫ون َل ُهم ا ْل ِخ َي َرةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم َو َمن َي ْع ِ‬ ‫ال ًال ُّم ِبي ًنـا﴾ (األحـزاب‪:‬‬ ‫ضـ َ‬ ‫ض َّل َ‬ ‫سوَل ُه فَ َق ْد َ‬ ‫اهلل َوَر ُ‬ ‫ا َ‬ ‫َي ُك َ ُ‬ ‫ارية ‪.)92‬‬ ‫ويقيننا الذ ال شك فيه أن شريعة اهلل هي الشـريعة التـي ال يجـوز التحـاكم إال إليهـا‪،‬‬

‫فإليها يرد الحالل والحرام وما هو فرو وما هـو منـدوب إليـه ومـا هـو مكـروه ومـا هـو‬ ‫ون حتَّى يح ِّكم َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـج َر َب ْيـ َن ُه ْم ثُ َّـم َال َي ِج ُـدوا ِفـي أَْنفُ ِسـ ِه ْم‬ ‫مبا ‪﴿ :‬فَ َ‬ ‫يما َ‬ ‫شَ‬ ‫وك ف َ‬ ‫ال َوَرِّب َك َال ُي ْؤم ُن َ َ ُ َ ُ‬ ‫ض ْي َت ويسلِّموا تَ ِ‬ ‫يما﴾ (النسا ‪ :‬ارية ‪.)11‬‬ ‫َح َر ًجا ِّم َّما قَ َ َ ُ َ ُ ْ‬ ‫سل ً‬ ‫وما أحله اهلل‪ ،‬حالل إلى يوم القيامة‪ ،‬ال يملك كا ن من كان أن يحرمه‪.‬‬ ‫وما حرمه اهلل‪ ،‬حرام إلى يوم القيامة‪ ،‬ال يملك كا ن من كان أن يحله‪9.‬‬ ‫ـت ع َل ْـي ُكم ِنعم ِتـي ور ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـيت َل ُك ُـم ِ‬ ‫ال َم ِدي ًنـا﴾ (الما ـدة‪:‬‬ ‫سـ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫﴿ا ْل َي ْوَم أَ ْك َم ْل ُ‬ ‫اإل ْ‬ ‫ت َل ُك ْم دي َن ُك ْم َوأَ ْت َم ْم ُ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّل لِ َكلِم ِات ِـه و ُهـو َّ ِ‬ ‫ـت َكلِمـ ُة رِّب َ ِ‬ ‫َّ‬ ‫ـيم﴾‬ ‫ـك ص ْـدقًا َو َع ْـدالً ال ُم َبـد ِ َ َ َ‬ ‫من اريـة ‪َ ﴿ ،)9‬وتَ َّم ْ َ َ‬ ‫السـميعُ ا ْل َعل ُ‬ ‫(األنعام‪ :‬ارية ‪.)661‬‬ ‫أن َم ْن اعتقد – بعد أن بلغه الحـق وقامـت‬ ‫ونحن نقول بما أجمع عليه المسلمون ِم ْن َّ‬ ‫شخصا ما أو هي ة ما أو جماعة ما‪ ،‬أو كا ًنا من كان له الحق أن‬ ‫عليه الحجة – أن‬ ‫ً‬ ‫يحل ما حرم اهلل وثبت حكم تحريمه األبد بانقطاع الوحي بوفاة الرسول عليه الصالة‬ ‫والسـالم‪ ،‬أو ويحــرم مـا أحلــه اهلل وثبـت حكــم حلــه األبـد الــوحي ووفـاة الرســول عليــه‬

‫اجبا حين موته عليه الصالة والسالم‪ ،‬أو يشـرع‬ ‫الصالة والسالم‪ ،‬أو يحد ً‬ ‫حدا لم يكن و ً‬ ‫شريعة لم تكن في حياته عليه الصـالة والسـالم – مـن اعتقـد ذلـك بعـد أن بلغـه الحـق‬ ‫وقامــت عليــه الحجــة‪ ،‬ولــم يكــن متــأوالً لــنا مــن كتــاب اهلل أو مــن ســنة رســوله عليــه‬ ‫ـن‬ ‫ش َـرَكا ُ َ‬ ‫الصالة والسالم‪ :‬فهو كافر مشرك خار عن اإلسـالم ﴿أ َْم َل ُه ْـم ُ‬ ‫ش َـر ُعوا َل ُهـم ِّم َ‬ ‫الد ِ‬ ‫ِّين َما َل ْم َيأْ َذن ِب ِه﴾ (الشوري‪ :‬من ارية ‪.)66‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪81‬‬

‫وزيادة في اإليضا نقول بعون اهلل‪ :‬إن مقتضى اإليمان باهلل تعالى ومقتضـى توحيـده‬ ‫تعالى‪ ،‬وبعبارة أخري‪ ،‬مقتضى شهادة أن ال إله إال اله االعتقاد الجازم بأنه تعالى دون‬ ‫غيــره صــاحب األمــر المطلــق الــذ ال يحــده حــد‪ ،‬يــأمر بمــا يشــا ‪ ،‬ويقضــي بمــا شــا ‪،‬‬ ‫ويحكم بما يشـا وقـت مـا يشـا ‪ ،‬ال لعلـة تلزمـه أن يقضـي أو يـأمر أو ويحكـم‪ ،‬تعـالى‬

‫سـأَ ُل َع َّمـا َي ْف َعـ ُل‬ ‫كبيرا‪ ،‬وال ُيسأل لم قضى أو لم أمر أو لم حكـم ﴿الَ ُي ْ‬ ‫اهلل عن ذلك ً‬ ‫علوا ً‬ ‫ون﴾ (األنبيـا ‪ :‬اريـة ‪ ،)29‬ومـن اعتقـد – بعـد أن بلغـه الحـق وقامـت عليـه‬ ‫سـأَلُ َ‬ ‫َو ُه ْم ُي ْ‬ ‫حد لسلطان اهلل تعالى أو ألمـره أو لحكمـة تعـالى فقـد أشـرك‪ ،‬إذ لـو صـح أن‬ ‫الحجة – ً‬ ‫اما أن يكون هناك من هـو خـار عـن هـذا الحـد‪ ،‬أ مـن ال سـلطان‬ ‫لذلك ً‬ ‫حدا‪ ،‬لكان لز ً‬

‫هلل تعالى عليه‪ ،‬أ من هو ند هلل تعالى‪ ،‬وذلك هو الشرك بعينه‪ ،‬أعاذنا اهلل منه‪.‬‬

‫وكذلك فإن مقتضى اإليمان باهلل تعـالى وتوحيـده‪ ،‬االعتقـاد الجـازم بأنـه تعـالى المعبـود‬

‫بحق دون سواه أ المستحق االتباع واالنقيـاد المطلقـين‪ ،‬أ اإلسـالم لـه تعـالى دون‬

‫غيره‪ ،‬إذ لـو وجـب بعـو االنقيـاد واالتبـاع‪ ،‬أ اإلسـالم لغيـره تعـالى بغيـر إذنـه‪ ،‬لكـان‬

‫ندا وشري ًكا له تعالى‪ ،‬تتعالى اهلل عـن ذلـك‬ ‫ذلك الغير‬ ‫خارجا عن سلطان اهلل تعالى أ ً‬ ‫ً‬ ‫كبير‪.‬‬ ‫علوا ًا‬ ‫ً‬

‫أيضا فإن مقتضى اإليمان باهلل تعالى توحيـده ومقتضـى االعتقـاد بأنـه تعـالى المعبـود‬ ‫و ً‬ ‫بحق الواجب االنقياد لـه علـى اإلطـالق‪ ،‬مقتضـى ذلـك تنفيـذ أمـر اهلل والعمـل فعـال بمـا‬ ‫أمر اهلل تعالى به واالنتها فعال عما نهى عنه‪ ،‬وهذا داخل في مضـمون العبـادة والزم‬

‫من االعتقاد بأنه تعالى هو المعبود بحق وثابت من النصوا القاطعة الصريحة‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـول﴾ (النسـا ‪ :‬مـن اريـة ‪،)19‬‬ ‫يعـوا َّ‬ ‫س َ‬ ‫ُّهـا الَّ ِـذ َ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬يـا أَي َ‬ ‫الر ُ‬ ‫اهلل َوأَط ُ‬ ‫آم ُنـوا أَط ُ‬ ‫يعـوا َ‬ ‫ين َ‬ ‫ِ‬ ‫اع ِبِإذ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل‬ ‫سول إِالَّ لِ ُيطَ َ‬ ‫س ْل َنا من َّر ُ‬ ‫﴿ َو َما أ َْر َ‬ ‫ْن اهلل﴾ (النسا ‪ :‬من ارية ‪َ ﴿ ،)14‬و َمن ُيط ِع َ‬ ‫ِ‬ ‫ـه ج َّنــات تَ ْجـ ِـر ِمــن تَ ْح ِتهــا األ ْنهــار َخالِـ ِـد َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـيم﴾‬ ‫يهــا َوَذلِـ َ‬ ‫ســوَل ُه ُي ْدخ ْلـ ُ َ‬ ‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫َوَر ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ـك ا ْل َفـ ْـوُز ا ْل َعئـ ُ‬ ‫(النسا ‪ :‬من ارية ‪ ،)69‬فبين اهلل تعالى بهذه اريات أنـه لـم يـرد منـا اإلقـرار بالطاعـة‬ ‫لـه تعــالى ولرســوله عليــه الصــالة والســالم بــال عمــل بــأوامره واجتنــاب لنواهيــه‪ ،‬وحــذرنا‬ ‫تعالى من العصـيان‪ ،‬فقـال جـل شـأنه‪َ ﴿ :‬و َمـن َي ْع ِ‬ ‫ـه‬ ‫ودهُ ُي ْد ِخ ْل ُ‬ ‫سـوَل ُه َوَيتَ َع َّـد ُح ُـد َ‬ ‫اهلل َوَر ُ‬ ‫ـا َ‬ ‫َن ا ِ ِ‬ ‫ون َع ْـن‬ ‫ين ُي َخـالِفُ َ‬ ‫ين﴾ (النسا ‪ :‬اريـة ‪َ ﴿ ،)64‬ف ْل َي ْحـ َذ ِر الَّ ِـذ َ‬ ‫اب ُّم ِه ٌ‬ ‫يها َولَ ُه َع َذ ٌ‬ ‫ار َخال ًدا ف َ‬ ‫ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪82‬‬

‫صيبهم ع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـال‬ ‫يم﴾ (النور‪ :‬ارية ‪﴿ ،)69‬فَ َمـن َي ْع َم ْـل ِمثْ َق َ‬ ‫يب ُه ْم ف ْت َن ٌة أ َْو ُي َ ُ ْ َ ٌ‬ ‫أ َْم ِرِه أَن تُص َ‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫شِّار َي َرهُ﴾ (الزلزلة‪ :‬اريات ‪ ،)1-1‬وروي ابن كثير‬ ‫َذَّرة َخ ْي ًار َي َرهُ * َو َمن َي ْع َم ْل ِمثْقَ َ‬ ‫ال َذَّرة َ‬

‫[تفسير ابن كثيـر‪ :‬جــ‪ 4‬ا‪ ]412‬أن الترمـذ أخـر عـن أبـي هريـرة أن رسـول اهلل –‬

‫ذنبا كانت نكتـة سـودا فـي قلبـه فـإن‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم – قال‪" :‬إن العبد إذا أذنب ً‬ ‫ان َعلَى ُقلُوِب ِهم َّمـا َكـانُوا‬ ‫تاب منه صقل قلبه وان زاد زادت فذلك قوله تعالى‪َ ﴿ :‬كالَّ َب ْل َر َ‬ ‫ون﴾ (المطففــين‪ :‬اريـة ‪ ،)64‬فمــن وفقــه اهلل تعـالى للطاعــة والعمــل بمـا أمــر بــه‬ ‫َي ْك ِس ُـب َ‬ ‫واالنتها عما نهى عنـه فقـد عبـد اهلل فـي كـل طاعـة مـن طاعاتـه‪ ،‬وزاد إيمانـه بزيـادة‬ ‫عابـدا هلل‬ ‫طاعته ومن أتى معصية فلم يعبـد اهلل لتلـك المعصـية وال فيهـا‪ ،‬ولكنـه يكـون‬ ‫ً‬ ‫فــي ســا ر طاعاتــه واقــراره بالتوحيــد‪ ،‬وقــد ســبق أن فصــلنا القــول بــأن اإليمــان يزيــد‬

‫بالطاعة وينقا بالمعصية‪ ،‬ومن اعتقد – بعد أن بلغـه الحـق وقامـت عليـه الحجـة –‬ ‫أن شريعة اهلل تعالى التي أمر اهلل تعالى بنفاذها والعمل بها متوقف على إذن شـخا‬

‫حكامـا علـى اهلل تعـالى بحـد‬ ‫أو هي ة أو جماعة أو كا ن من كان فقـد جعـل مـن هـؤال‬ ‫ً‬ ‫علـو‬ ‫سلطانهم من سلطان اهلل‪ ،‬فهو قـد جعلهـم شـركا هلل تعـالى‪ ،‬تعـالى اهلل عـن ذلـك ً‬

‫كبير‪.‬‬ ‫ًا‬

‫ومن اعتقد أن كا ًنا من كان من كان فـي مكانتـه أو مـن حقـه‪ ،‬بغيـر إذن مـن اهلل‪ ،‬أن‬

‫يحل ما حرم اهلل أو يحرم ما أحل اهلل فقـد جعـل ذلـك الكـا ن شـري ًكا هلل‪ ،‬تعـالى اهلل عـن‬ ‫كبير‪.‬‬ ‫علوا ًا‬ ‫ذلك ً‬ ‫حكم الجاهل باألوامر والنواهي‪ ،‬والواجب عليه‪ ،‬والواجب على المجتمع نحوه‪:‬‬ ‫ال بشــريعة مــا تقضــي بإقامــة شــعا ر‬ ‫أمــا إن اهلل تعلــى قــد شــا ت إرادتــه أن يرســل رسـ ً‬

‫معينة وتأمر بأعمال محددة وتنهـى عـن غيرهـا‪ ،‬وتحـل كـذا وتحـرم كـذا‪ ،‬وتـنئم العالقـة‬ ‫بين الناس وبعضهم البعو أو بين السواد من الناس وبعضهم البعو أو بين السواد‬ ‫من الناس ومن يتولون أمرهم‪ ،‬فهذا ما ال يعرف إال بوصول البالغ من اهلل تعـالى إلـى‬

‫عباده‪ ،‬فمن بلغه األمر وقامت عليه الحجـة لزمـه االعتقـاد بحكـم اهلل تعـالى فيمـا بلغـه‬ ‫من وجوب أو ونهي أو تحريم أو إباحة‪ ،‬ولزمه العمل بالشريعة التي بلغته‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪83‬‬

‫أما من لم يبلغه األمر كلـه أو بعضـه فهـذا معـذور بجهلـه فلـيس بكـافر وال بفاسـق وال‬

‫بعاا يستثني من ذلك ما ورد بـه الـنا صـراحة وأجمـع عليـه المسـلمون مـن أنـه ال‬

‫ـلم وال يعامــل معاملــة المســلمين إال مــن شــهد أن ال إلــه إال اهلل وأن محمـ ًـدا‬ ‫يســمى مسـ ً‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬ولذا قالوا إن هذا معلوم من الدين بالضرورة إذ من جهله ال يعتبر في هذه‬ ‫مسلما وال يعامل معاملة المسلمين‪.‬‬ ‫لدنيا‬ ‫ً‬

‫" ذلــك أن اهلل تعــالى لــم يأمرنــا قــط بشــي مــن الــدين إال بعــد بلــوغ األمــر إلــى المــأمور‬

‫وكذ لك النهي وال فرق‪ ،‬وأما قبل انتها األمر والنهي إليـه فإنـه غيـر مـأمور وال منهـي‬ ‫لقوله‪﴿ :‬أل ِ‬ ‫ُنذ َرُك ْم ِب ِه َو َمن َب َل َا﴾ (األنعام‪ :‬من ارية ‪ ،)69‬ولقوله تعـالى‪َ ﴿ :‬ال ُي َكلِّ ُ‬ ‫ـف اهللُ‬ ‫سـ َـع َها﴾ (البقــرة‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)211‬وإلخبــار رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه‬ ‫ســا إِالَّ ُو ْ‬ ‫َن ْف ً‬ ‫وســلم – أنـــه ال يســمع بـــه يهــود أو ونصـــراني فلـــم يــؤمن بـــه إال وجبــت لـــه النـــار‪،‬‬ ‫ولحديث قتـادة عـن عبـد األسـود بـن سـريع عـن النبـي – صـلى اهلل عليـه وسـلم – أنـه‬

‫قــال‪" :‬يعــرو علــى اهلل ســبحانه وتعــالى األصــم الــذ ال يســمع شــي ًا واألحمــق والهــرم‬ ‫ورجل مات في الفترة فيقول األصم‪ :‬رب جا اإلسالم وما أسمع شي ًا‪ ،‬ويقول األحمق‪:‬‬

‫رب جا اإلسالم وما أعقل شي ًا‪ ،‬ويقـول الـذ مـات فـي الفتـرة‪ :‬رب مـا أتـاني لـك مـن‬ ‫رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه‪ ،‬فيرسل اهلل إليهم‪ :‬ادخلوا النار‪ ،‬فوالذ نفسي بيـده لـو‬

‫ـالما" وعــن أبــي هريــرة مثلــه وزاد فــي آخــره‪" :‬ومــن لــم‬ ‫دخلوهــا لكانــت علــيهم بـ ً‬ ‫ـردا وسـ ً‬ ‫يدخلها دخل النار" فصح أنه ال نذارة إال بعد بلـوغ الشـريعة إلـى المنـذر‪ ،‬وأنـه ال يكلـف‬ ‫أحد بما ليس في وسعه‪ ،‬وليس في وسع أحد علم الغيب في أن يعرف شريعة قبـل أن‬

‫تبلا إليه‪ ،‬فصح يقي ًنا أن من لم تبلغـه الشـريعة لـم يكلفهـا" [األحكـام البـن حـزم‪ :‬جــذ‪6‬‬

‫ا‪ 11‬وما بعدها]‪.‬‬

‫تعبـدا هلل تعـالى‬ ‫واذا صح هذا فإن الجاهل بأن شريعة من اهلل تقضي بإقامة شعيرة مـا ً‬ ‫أو تـأمر بفــرو مــن الفــروو أو تنهــى عــن عمــل مــن األعمــال أو تــنئم العالقــة بينــه‬ ‫وبين غيره أو بينه وبين مـن يتـولى أمـره علـى صـفة محـددة وعلـى تنئـيم محـدد‪ ،‬فهـو‬

‫ليس بكافر وال بفاسق وال عاا‪ ،‬معذور بجهله إال أن يكون قد بلغه النا بأن عليه‬ ‫أن يسعى ليعرف حكم اهلل فيما نزل به فقعد عن السـعي غيـر جاحـد األمـر فإنـه يكـون‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪84‬‬

‫جاحـدا أمـر اهلل‪،‬‬ ‫عاصيا فـي قعـوده عـن السـعي المـأمور بـه‪ ،‬أمـا إن قعـد عـن السـعي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فهو وكافر مشرك بال خالف‪.‬‬ ‫وهكــذا القــول فــي الشــريعة كلهــا كالقتــل ووط الفــر الحــرام وأكــل الحــرام واســتباحة‬

‫العرو الحرام وغير ذلك‪ ،‬كل هذا من فعله مخط ًا غير عـالم بأنـه خـالف مـا جـا مـن‬ ‫عنــد اهلل تعــالى علــى لســان نبيــه – صــلى اهلل عليــه وســلم – فــال يكفــر وال يفســق وال‬

‫عامدا غير معتقـد إلباحـة مـا حـرم اهلل تعـالى مـن ذلـك فهـو فاسـق‪،‬‬ ‫يعصي‪ ،‬ومن فعله‬ ‫ً‬ ‫عامــدا مســتحالً خــالف اهلل تعــالى فهــو وكــافر [األحكــام البــن حــزم‪ :‬جــــ‪1‬‬ ‫ومــن فعلــه‬ ‫ً‬

‫ا‪ ]641‬وقد فرو اهلل تعالى على كل فرقة من المؤمنين الذين بلغتهم شـريعته علـى‬ ‫لسان خاتم رسله وأنبيا ه أن تنفر منهم طا فة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قـومهم‪ ،‬أ‬

‫يبلغــوهم أوامــر اهلل تعــالى ونواهيــه ومــا شــرعه اهلل تعــالى للنــاس مــن مختلــف الش ـ ار ع‬ ‫طا ِ َف ٌة لِ َيتَ َفقَّ ُهوا ِفي الـد ِ‬ ‫ِّين‬ ‫الواجب العمل بها‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ف َل ْو َال َن َف َر ِمن ُك ِّل ِف ْرقَة ِّم ْن ُه ْم َ‬ ‫ون﴾ (التوبــة‪ :‬مــن اري ـة ‪ ،)622‬وأمــر‬ ‫َولِ ُينـ ِـذ ُروا قَـ ْـو َم ُه ْم إِ َذا َر َج ُع ـوا إِلَـ ْـي ِه ْم لَ َعلَّ ُهـ ْـم َي ْح ـ َذ ُر َ‬

‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – أن يبلا الشاهد الغا ب‪ ،‬فقـال فـي َحجَّـة الـوداع‪:‬‬ ‫"أال فليبلا الشاهد الغا ب" [األحكام البن حـزم‪ :‬جــ‪ 2‬ا‪ ،]649‬كمـا أن اهلل تعـالى أمـر‬

‫كل مسلم أن يسعى ما استطاف ليعرف حكم اهلل في النازلة التي نزلت به‪ ،‬قال تعـالى‪:‬‬ ‫َه َل ِّ‬ ‫ون﴾ (النحل‪ :‬من ارية ‪.)49‬‬ ‫اسأَلُوا أ ْ‬ ‫الذ ْك ِر إِن ُك ْنتُم الَ تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫﴿فَ ْ‬

‫وفرو النذارة من فروو الكفاية‪ :‬أ هو فـرو تسـأل عنـه األمـة اإلسـالمية جميعهـا‬ ‫متضامنة في مجموع أفرادها‪ ،‬إن لم يقم به منها من يسـد حاجـة النـاس ويكفـيهم‪ :‬أثـم‬

‫كل فرد من أفراد األمة بعينه بما لـم يبذلـه مـن جهـد كـان فـي وسـعه أن يبذلـه لتحقيـق‬ ‫فرو اهلل‪ ،‬فإن قام بالفرو العدد الكافي لسد حاجة األمة‪ ،‬سقط اإلثم عن الجميع‪.‬‬ ‫أما الجاهل فالفرو عليـه بعينـه أن يسـعى لمعرفـة حكـم اهلل فيمـا نـزل بـه‪ ،‬فـإن قصـر‬ ‫وقعد عن السؤال بعد أن بلغه التكليف بالسعي‪ ،‬فحكمه ما سبق بيانه‪.‬‬ ‫وفي هذا كفاية لبيان فساد القول‪" :‬بـأن مـن تصـور أن الربوبيـة والعبـادة إنمـا تقتضـي‬ ‫إقامة الشعا ر من صلوات وصيام وحج وزكاة فقط‪ ،‬فإن عقيدته تكون فاسدة وال يعتبر‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪85‬‬

‫مسلما فليست المسألة مسألة تصور وانما المدار على بلوغ األمر إلى المـأمور‪ ،‬فمـن‬ ‫ً‬ ‫بلغه أمر اله بالصالة والصوم وأدا الزكاة والحج وكان هذا هو كل ما بلغـه ولـم تبلغـه‬ ‫شــريعة اهلل فـــي أحكـــام البيــع والقـــرو والمزارعـــة وغيرهـــا‪ ،‬فهــو معـــذور بجهلـــه بتلـــك‬

‫الشرا ع وليس بكافر وال فاسق وال عاا وعقيدته سليمة وان ئـن علـى خـالف الواقـع‬ ‫أن تلك هي كافة الش ار ع التي أمره اهلل تعالى بها‪.‬‬

‫وواجبنــا تجــاه هــذا وأمثالــه – وهــم الكثــرة الغالبــة ارن التــي لــم يصــلها علــم بمختلــف‬ ‫الش ار ع التي أوجبهـا اهلل علـيهم واقتصـر علمهـم علـى وجـوب الصـالة والزكـاة والصـوم‬

‫والحج – أن نبلغهم وننذرهم بأوامر اهلل ونواهيه ونحثهم علـى القيـام بهـا وأدا هـا‪ ،‬وهـم‬ ‫من قبل ذلك مسلمون ال ينقا جهلهم بتلك الشرا ع من سالمة عقيدتهم شي ًا‪.‬‬ ‫وهــم وقــع فيــه الــبعو‪ :‬فــي معــرو شــر مفهــوم حاكميــة اهلل تعــالى يقــول األســتاذ‬ ‫المودود في كتابه المصطلحات األربعة‪" :‬ومما يقتضيه توحد السلطة العليا أن يكون‬ ‫جميــع ضــروب الحكــم واألمــر مرجعــه إلــى مســير قــاهر واحــد وأال ينتقــل منــه جــز مــن‬

‫الحكم إلى غيره‪ ،‬فإنه إذا لم يكـن الخلـق إال لـه‪ ،‬ولـم يكـن لـه شـريك فيـه واذا كـان هـو‬ ‫الذ يرزق الناس ولم تكـن ألحـد مـن دونـه يـد فـي األمـر‪ ،‬واذا كـان هـو القـا م بتـدبير‬

‫نئام هـذا الكـون وتسـيير شـ ونه ولـم يكـن لـه فـي ذلـك شـريك‪ ،‬فممـا يتطلبـه العقـل أال‬

‫يكون الحكم واألمر والتشريع إال بيده كذلك" انتهى‪.‬‬ ‫وقــد تــوهم الــبعو أن قا ــل تلــك المقالــة يــري اســتحالة أن يــأذن اهلل تعــالى للنــاس أن‬ ‫جانبا من حياتهم‪.‬‬ ‫يضعوا ألنفسهم بعو التنئيمات أو التشريعات التي تنئم ً‬ ‫وهــذا فهــم خــاط لــم يقلــه قا ــل تلــك المقالــة‪ ،‬كمــا أن عقولنــا ليســت حاكمــة علــى اهلل‬ ‫حدا لسلطان اهلل تعالى‪.‬‬ ‫بشي ‪ ،‬وال يجوز لمسلم أن يجعل من عقله ً‬ ‫وبالذ ينفي أن يكون هلل عز وجـل حـق اإلذن للنـاس فـي وضـع بعـو التشـريعات أو‬

‫حاكمــا علــى اهلل عــز وجــل‬ ‫التنئيمــات إنمــا يحــد بعقلــه مــن ســلطان اهلل‪ ،‬ويجعــل عقلــه‬ ‫ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪86‬‬

‫وقيما علـى اهلل عـز وجـل‬ ‫ومشي ته وهو بذلك يقع في المحئور إذ يجعل من نفسه ً‬ ‫ندا ً‬ ‫كبير‪.‬‬ ‫علوا ًا‬ ‫تعالى اهلل عن ذلك ً‬ ‫ولــو شــا اهلل لتركنــا مــن غيــر شــريعة‪ ،‬نــنئم كافــة أمــور حياتنــا كيفمــا نشــا وحســبما‬

‫تهدينا إليه عقولنـا‪ ،‬ولـو فعـل اهلل تعـالى ذلـك لمـا نقـا ذلـك مـن سـلطانه شـي ًا‪ ،‬ولمـا‬ ‫نقا ذلك من عزته شـي ًا‪ ،‬ولمـا نقـا ذلـك مـن حكمتـه تعـالى شـي ًا‪ ،‬ولكنـا علمنـا أن‬

‫ـب ِ‬ ‫ـان أَن ُي ْت َـر َك‬ ‫س ُ‬ ‫س ُ‬ ‫اإل ْن َ‬ ‫ذلك ما كان وال يكون ألنـه تعـالى أخبرنـا بـه‪ ،‬قـال تعـالى‪﴿ :‬أ َ​َي ْح َ‬ ‫س ًدي﴾ (القيامة‪ :‬اريـة ‪ ،)91‬والسـد هـو المهمـل الـذ ال يـؤمر وال ينهـى‪ ،‬وألن الـه‬ ‫ُ‬ ‫تعــالى أرســل الرســل إلينــا والــى مــن قبلنــا بالــدين والهــدي‪" :‬بــاألوامر والنـواهي" مبلغــين‬ ‫رســاالت رب هـــم إلينـــا‪ ،‬وأمرنــا بطاعتـــه تعـــالى وطــاعتهم‪ ،‬وتواعـــدنا إن خالفنـــا بالعـــذاب‬ ‫الشديد‪ ،‬ووعدنا إن أطعناه بالنعيم المقيم‪.‬‬ ‫س ُّن القوانين ووضع النئم والتشريعات‪:‬‬ ‫َ‬ ‫كثيـر مـن أمـور دنيانـا ننئمهـا حسـبما تهـدينا إليـه‬ ‫والحق أن اهلل عز وجل قد تـرك لنـا ًا‬ ‫عقولنا في إطـار مقاصـد عامـة وغايـات تحـددها لنـا سـبحانه وتعـالى وأمرنـا بتحقيقهـا‪،‬‬ ‫اما أو نحرم حال ًال‪.‬‬ ‫وبشرط أال نحل حر ً‬ ‫ذلك أن األفعال في الشريعة إما فرو أو وحرام أو مبا ‪.‬‬ ‫والفرو‪ :‬الذ فرضـه اهلل علينـا واجـب ال يملـك إنسـان أن يقـرر عـدم وجوبـه أو ُيقبـل‬

‫منه‪ ،‬وفاعل ذلـك بعـد أن بلغـه الحـق وقامـت عليـه الحجـة‪ ،‬جاحـد للـنا‪ ،‬مكـذب لربـه‬

‫تعالى‪ ،‬فهو كافر مشرك بال جدال‪.‬‬ ‫ومـا حرمــه اهلل تعـالى‪ :‬حـرام إلـى يــوم القيامـة ال يملــك أحـد أن يحلــه‪ ،‬وفاعـل ذلــك بعــد‬ ‫بلــوغ الحــق إليــه وقيــام الحجــة عليــه جاحــد للــنا مكــذب لربــه‪ ،‬فهــو كــافر مشــرك بــال‬

‫جدال‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪87‬‬

‫أما المباحات‪ :‬فإن للمسلمين أن يسنوا فيها مـن األنئمـة – التـي قـد تتخـذ شـكل قـرار‬

‫أو ال حــة أو قــانون – مــا تقتضــيه الحاجــة تنفيــ ًذا لنصــوا وردت بضــرورة تحقيــق‬

‫مقاصــد عامـــة‪ ،‬ومـــن هـــذا القبيـــل قـــوانين تنئــيم الشـــوري التـــي أمـــر اهلل تعـــالى بهـــا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫شِ‬ ‫األم ِر﴾ (آل عمران‪ :‬مـن‬ ‫وري َب ْي َن ُه ْم﴾ (الشوري‪ :‬ارية ‪َ ﴿ ،)91‬و َ‬ ‫﴿ َوأ َْم ُرُه ْم ُ‬ ‫اوْرُه ْم في ْ‬ ‫ش َ‬ ‫أيضا قوانين تنئيم المرور في الشوارع العامة وقوانين الوقايـة الصـحية‬ ‫ارية ‪ ،)619‬و ً‬ ‫وقوانين مقاومة ارفـات الزراعيـة وتنئـيم اسـتعمال ميـاه الـر وقـوانين التعلـيم وقـوانين‬

‫تنئــيم المهــن المختلفــة كالطــب والهندســة والصــيدلة وتحديــد الشــروط التــي يجــب أن‬

‫تتوافر فيمن يزاوله ا‪ ،‬وقوانين تنئـيم اإلدارات والمصـالح وتحديـد اختصاصـات وسـلطات‬ ‫كــل منهــا‪ ،‬وتنئــيم الجــيا وتحديــد الشــروط التــي يجــب توافرهــا فــيمن يلتحــق بــه وفــي‬ ‫ضــباطه وصــف ضــباطه‪ ،‬وق ـوانين شــروط بنــا المســاكن بمــا يحقــق ســالمتها وت ـوافر‬ ‫الشـــروط الصـــحية فيهـــا‪ ،‬والقـــوانين المتعلقـــة بالشـــروط الـــالزم توافرهـــا فـــي المصـــانع‬ ‫المختلفة كل على حسب طبيعة العمل فيها‪ ،‬وقوانين تنئيم المحال العامـة‪ ..‬إلـخ علـى‬

‫ما ماثل ذلك‪.‬‬ ‫ولنضــرب مــثال بق ـوانين تنئــيم المــرور فــي الشـوارع العامــة‪ ،‬فــإن الحــديث الثابــت عــن‬

‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – الذ يقول فيه‪" :‬إن دما كم وأمـوالكم وأعراضـكم‬

‫وأبشاركم عليكم حرام" [المحلـى‪ :‬جــ‪ 66‬ا‪ ،]611‬والحـديث الثابـت عنـه عليـه الصـالة‬ ‫والســالم الــذ يقــول فيــه "المســلم أخــو المســلم ال يئلمــه وال يســلمه" [المحلــى‪ :‬جـــ‪66‬‬

‫ا‪ ]649‬قد فهمنا منهما وجوب المحافئة علـى دما نـا وأبشـارنا وأعراضـنا وأال يسـلم‬ ‫أحــدنا ارخــر لمــا فيــه هالكــه أو اإلض ـرار ب ـه‪ ،‬ووجــدنا أننــا لــو تركنــا أمــر الســير فــي‬ ‫الطرقــات العامــة بالمركبــات والســيارات والــدراجات وغيرهــا مــن وســا ل النقــل مــن غيــر‬

‫تنئيم وقواعـد يلتـزم بهـا الكـل‪ ،‬وتكفـل سـالمة األمـوال واألبـدان فإننـا نكـون قـد عرضـنا‬ ‫دمــا النــاس وأبشــارهم وأم ـوالهم لإلهــدار وأســلمناهم بــذلك لمــا فيــه هالكهــم واإلض ـرار‬

‫المحقق بهم‪ ،‬لذلك كان ح ًقا على أمـة المسـلمين أن تضـع التشـريعات وتسـن القـوانين‬

‫والتنئيمات التي تكفل باتباعها سالمة األبدان واألمـوال وتصـونها مـن التهلكـة والتلـف‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪88‬‬

‫وأن تحــدد للمخــالف لهــذه التشــريعات والقواعــد عقوبــة فــي حــدود العقوبــات التعزيريــة‬ ‫المنصوا عليها شر ًعا‪.‬‬ ‫وال يجــوز ألحــد أن يــزعم أن تشــريعات تنئــيم المــرور فــي هــذه الحالــة مــن تشــريع اهلل‬

‫تعالى عز وجل‪ ،‬إنما هي من تشريعنا واجتهادنا تنفي ًذ َ​َا لمقصد عام‪ ،‬أمرنـا اهلل تعـالى‬

‫بـــه‪ ،‬وهـــي تشـــريعات وقـــوانين تتبـــدل وتتغيـــر حســـبما تقتضـــيه الحاجـــة بغيـــر وســـا ل‬

‫المواصالت‪ ،‬ونحن غير معصـومين مـن الخطـأ فـي سـنها وفـي اجتهادنـا فيهـا‪ ،‬والخطـأ‬

‫والوهم واردان علينا فيهـا وقـد ال نحسـن وضـع النئـام بمـا يحقـق المقصـد المطلـوب –‬

‫وقد ينتج عن خط نا اإلضرار ببعو الناس بدال من حمايتهم من الضرر والهالك‪.‬‬ ‫وفي هذا كفاية إلبطال قول من زعـم أن "التشـريع صـفة مـن صـفات اهلل عـز وجـل وأن‬

‫ـريعا فقــد انتــزع لنفســه إحــدي صــفات اهلل عــز وجــل وجعــل نفســه نـ ًـدا هلل‬ ‫مـن وضــع تشـ ً‬ ‫خارجــا علــى ســلطانه" ومــا بنــاه علــى ذلــك مــن أحكــام إال أن يكــون المقصــود‬ ‫تعــالى‬ ‫ً‬ ‫بالتشريع التحليل والتحريم‪ ،‬فهذا بال ريب مما اختا اهلل تعالى به نفسه‪ ،‬وقـد أسـلفنا‬

‫البيــان أن التشــريعات والقـوانين واأل نئمــة تــدخل فــي مــدلول لفــئ "القــول" فــإذا احتــوي‬

‫ار أو ال حـة تحليــل مـا حـرم اهلل أو تحـريم مــا‬ ‫التشـريع ًأيـا كانـت صــورته‪ ،‬قانوًنـا أو قـر ًا‬ ‫أحــل اهلل أو النهــي عمــا فرضــه اهلل أو األمــر بمــا نهــى اهلل عنــه فهــو باطــل ال يجــوز‬

‫العمـل بــه وال اتباعـه‪ ،‬وواضــعه مســتحالً [وان الجحـود أن يســن الحـاكم للنــاس شــريعة‬ ‫ويجبرهم بسلطانه على تنفيذها ما دامت علـى خـالف مـا شـرع اهلل تعـالى] مخالفـة اهلل‬

‫ورســوله‪ ،‬متــى كــان قــد بلغــه الحــق وقامــت عليــه الحجــة‪ ،‬كــافر مشــرك بــال خــالف‪ ،‬إذ‬ ‫مكذبا لربه تعالى‪.‬‬ ‫يكون‬ ‫ً‬ ‫جاحدا بقوله للنا الثابت ً‬ ‫ومما يتعين التنويـه عنـه أن صـفات اهلل تعـالى وأسـما ه قـد وردت النصـوا المحـددة‬

‫لها‪ ،‬والتي ال يجوز أن نتعداها وأن نزعم من عند أنفسنا أسما وصـفات هلل عـز وجـل‬ ‫ين ي ْل ِح ُـد َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َس َـما ِ ِه﴾ (األعـراف‪ :‬مـن‬ ‫س َنى َف ْ‬ ‫اد ُعوهُ ِب َها َوَذ ُروا الَّذ َ ُ‬ ‫ون فـي أ ْ‬ ‫َس َما ُ ا ْل ُح ْ‬ ‫﴿ َوهلل األ ْ‬ ‫ارية ‪.)611‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪89‬‬

‫ثم نقول للـذين قـالوا‪" :‬إن الحاكميـة هـي مـن مفهـوم شـهادة أن ال إلـه إال اهلل أو ومـن‬ ‫كـــون الربوبيـــة هلل تعـــالى دون غيـــره" إن عنيـــتم بهـــذا أن اهلل تعـــالى مطلـــق الســـلطان‬ ‫ومطلق األمر يحكم ويشرع كمـا يشـا وقـت مـا يشـا ‪ ،‬فـإذا حكـم اهلل تعـالى أو أمـر أو‬

‫شرع لزمتنا طاعته وكان أمره الحق المطلق والعدل المطلق واإلنصاف الكامل الشامل‪،‬‬

‫أيضـا‬ ‫فإنا واياكم على صراط مستقيم‪ ،‬وال خالف بين أحد المسلمين في ذلك وال خالف ً‬

‫أن من زعم لنفسه – بعـد بلـوغ الحـق إليـه وقيـام الحجـة عليـه حـق التشـريع المطلـق‪،‬‬ ‫وأنــه يســتمد ســلطانه بــذلك مــن ذات نفســه‪ ،‬وأن تشــريعه واجــب الطاعــة كتشــريع اهلل‪،‬‬

‫ندا هلل تعالى وشري ًكا له‪.‬‬ ‫وأمره واجب الطاعة كأمر اهلل‪ ،‬فإنه يكون قد جعل نفسه ً‬ ‫وان كنتم تعنون أن ليس ألحد أن يقول هذا عند اهلل حرام أو هذا عنـد اهلل حـالل بغيـر‬

‫سند مـن اهلل‪ ،‬فـنحن نـوافقكم علـى ذلـك وتلـك هـي عقيـدتنا ألن القا ـل هـذا حـالل وهـذا‬

‫حرام‪ ،‬وهذا فرو وهذا نهي بدون سـند مـن اهلل إنمـا يقـول علـى اهلل مـا ال يعلـم‪ ،‬وهـذا‬ ‫هـو الكــذب علــى اهلل‪ ،‬وقــد نهانــا اهلل عنــه قـال تعــالى‪﴿ :‬والَ تَقُولُـوا لِمــا تَ ِ‬ ‫ـف أَْل ِسـ َنتُ ُك ُم‬ ‫صـ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل َك ِذب َه َذا حالَ ٌل و َه َذا حرام لِّتَ ْفتَروا علَى ِ‬ ‫اهلل ا ْل َك ِذ َب﴾ (النحل‪ :‬من ارية ‪.)661‬‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ ٌ‬ ‫أحدا ال يملك من نفسه أن يحل ما حرم اهلل أو يحرم مـا‬ ‫وان كنتم تعنون بالحاكمية أن ً‬ ‫أيضا ما نعتقده ونقره ونؤمن به‪ ،‬ونقول عن من بلغه الحق وقامت عليه‬ ‫أحل هلل فهذا ً‬

‫الحجة ثم اعتقد أو قال إنه يملك أن يحل ما حرم اهلل أو يحـرم مـا أحـل اهلل‪ ،‬فقـد جعـل‬

‫ندا هلل‪ ،‬وهو كافر مشرك بال خالف‪.‬‬ ‫نفسه ً‬ ‫وان كنـتم تعنــون أن النــاس يتعــين علـيهم االعتقــاد أن أحـ ًـدا – بغيــر إذن مــن اهلل – ال‬ ‫يملــك أن يحــرم علــيهم مــا أحلــه اهلل لهــم أو أن يحــل لهــم مــا حــرم اهلل علــيهم وأن مــن‬ ‫اعتقد جواز ذلك – ولو لم يعمل به فإنه يكون قد اتخذ ربا من دون اهلل وجعل مـع اهلل‬

‫إلهـا آخــر‪ ،‬فتلــك هــي عقيــدتنا التــي ال نتشـكك فــي صــحتها أبـ ًـدا‪ ،‬قــال تعــالى‪﴿ :‬أ َْم لَ ُهـ ْـم‬ ‫ً‬ ‫ـن الــد ِ‬ ‫ِّين َمــا َلـ ْـم َيـأْ َذن ِبـ ِـه اهللُ﴾ (الشــوري‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)26‬وعــن‬ ‫شـ َـرَكا ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫شـ َـر ُعوا َل ُهــم ِّمـ َ‬ ‫عد بن حاتم رضي اهلل تعالى عنه قال‪ :‬أتيت النبي – صـلى اهلل عليـه وسـلم – وفـي‬

‫عنقي صليب من ذهب‪ ،‬قال‪" :‬يا ابن حاتم ألق هذا الوثن من عنقك"‪ ،‬فألقيته ثم افتتح‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪91‬‬

‫ون ِ‬ ‫ـارُه ْم َوُرْه َبــا َن ُه ْم أ َْرَب ًابــا ِّمــن ُد ِ‬ ‫اهلل﴾‪،‬‬ ‫سـورة بـرا ة حتــى بلــا قولــه تعــالى‪﴿ :‬اتَّ َخـ ُذوا أ ْ‬ ‫َح َبـ َ‬ ‫فقلت يا رسول اهلل ما كنا نعبدهم‪ ،‬فقال – صـلى اهلل عليـه وسـلم – "كـانوا يحلـون لكـم‬ ‫الحرام فتستحلونه ويحرمون عليكم الحالل فتحرمونه" قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قـال‪" :‬فتلـك عبـادتهم"‬

‫[سبق ذكره وسنده ورواته]‪.‬‬ ‫وان كنتم تعنون من قولكم إن الحاكمية هلل وجوب االعتقاد بلزوم الرد عنـد التنـازع فـي‬

‫الحكم على شي أوفى من األمور إلى شريعة اهلل دون غيرهـا‪ ،‬وأن مـن اعتقـد – بعـد‬

‫قيام الحجة عليه – بوجوب الرد إلـى غيـر شـريعة اهلل التـي بلغتـه‪ ،‬أو بعـدم لـزوم الـرد‬ ‫جاحـدا أمـر اهلل‬ ‫إليها‪ ،‬ولو لم يفعل شي ًا‪ ،‬ولو لم يتحكم فعال‪ ،‬فإنـه يكـون مشـرًكا ًا‬ ‫كـافر‬ ‫ً‬ ‫مختـاران بأنــه يريـد التحـاكم إلـى غيـر شـريعة اهلل التــي‬ ‫الـذ بلغـه‪ ،‬وأن مـن جهـر ًا‬ ‫حـر‬ ‫ً‬

‫بلغته ليعرف ما هو حالل وما هو حـرام ومـا هـو فـرو عليـه ومـا هـو منهـي عنـه‪ ،‬أو‬ ‫ماله من حق وما عليه من واجبات فإنه يكـون قـد أعلـن عقيدتـه الفاسـدة وأنـه يفضـل‬

‫تلك الشريعة التي يريـد التحـاكم إليهـا علـى شـريعة اهلل تعـالى التـي بلغتـه‪ ،‬وأنـه يكـون‬

‫بذلك قـد جحـد شـريعة اهلل تعـالى التـي بلغتـه فهـو كـافر ومشـرك‪ ،‬وال شـأن لنـا بمـا فـي‬

‫قلبه‪ ،‬ألن من جحد بلسانه شي ًا مما افترو اهلل تعالى اإليمان به‪ ،‬في غير إكـراه فقـد‬ ‫أيضا هي عقيدتنا التي ال نحيد عنهـا بحـول اهلل‬ ‫كفر وأشرك وارتد عن اإلسالم – فتلك ً‬ ‫ون حتَّى يح ِّكم َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـج َر َب ْيـ َن ُه ْم ثُـ َّم َال َي ِج ُـدوا‬ ‫أبدا‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ف َ‬ ‫يمـا َ‬ ‫ً‬ ‫شَ‬ ‫ـوك ف َ‬ ‫ال َوَرِّب َك َال ُي ْؤم ُن َ َ ُ َ ُ‬ ‫ض ْـي َت ويسـلِّموا تَ ِ‬ ‫يما﴾ (النسـا ‪ :‬اريـة ‪ ،)11‬ولقولـه تعـالى‪:‬‬ ‫ِفي أَْنفُ ِس ِه ْم َح َر ًجا ِّم َّما قَ َ‬ ‫ْ‬ ‫سـل ً‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫ـاهلل وا ْليـوِم ار ِ‬ ‫ِ‬ ‫شي فَردُّوه إِلَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َخ ِـر﴾‬ ‫اهلل َو َّ‬ ‫ـول إِن ُك ْنـتُ ْم تُ ْؤ ِمنُ َ‬ ‫﴿فَِإن تَ​َن َاز ْعتُ ْم في َ ْ ُ ُ‬ ‫ـون ِب َ َ ْ‬ ‫الر ُ‬ ‫ين إِ َذا ُدعـوا إَِلـى ِ‬ ‫اهلل‬ ‫ـان َق ْـو َل ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫(النسا ‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)19‬ولقولـه تعـالى‪﴿ :‬إَِّن َمـا َك َ‬ ‫ُ‬ ‫ور ِ ِ‬ ‫ـون﴾ (النــور‪ :‬اريــة‬ ‫سـ ِـم ْع َنا َوأَطَ ْع َنــا َوأُوَل ِـ َ‬ ‫ـك ُهـ ُـم ا ْل ُم ْفلِ ُحـ َ‬ ‫ســولِه لـ َـي ْح ُك َم َب ْيـ َن ُه ْم أَن َيقُولُـوا َ‬ ‫َ​َ ُ‬ ‫‪.)16‬‬ ‫ثم نعود فنكرر القول‪ :‬إن االعتقاد بـأن اهلل تعـالى مطلـق السـلطان الـذ ال يحـده حـد‪،‬‬ ‫ومطلق األمر‪ ،‬يحكم بما يشـا ويشـرع مـا يشـرع ويقضـي بمـا يشـا ‪ ،‬فـإذا حكـم تعـالى‬

‫حكمــا وشــرع لنــا شــر ًعا وقضــى علينــا أمـ ًـرا لزمتنــا طاعتــه تعــالى‪ ،‬وكــان أمــره وشــرعه‬ ‫ً‬ ‫وقضــاؤه تعــالى الحــق المطلــق والعــدل المطلــق واإلنصــاف الشــامل‪ ،‬هــذا كلــه توجــب‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪91‬‬

‫النصوا القاطعة والبراهين المبينة على ما توجبه بديهة العقل‪ ،‬أنه من مفهوم أن ال‬ ‫إله إال اهلل وأنه سبحانه وتعالى المنزه عن كل نقا وعن كل عيب‪ ،‬وأنـه وحـده تعـالى‬ ‫الذ له الكمال التام والرفعة الحقيقية‪ ،‬وأنه تعالى خالق كل شي دونـه‪ ،‬القـاهر فـوق‬

‫كل شي دونه ال ينازعه في الملك أحد‪ ،‬وال يشاركه في سلطانه شي ‪.‬‬ ‫حتما أن يكون ثمة‬ ‫وكما سبق أن قلنا فإن االعتقاد بحد ما لسلطان اهلل تعالى يقتضي ً‬ ‫ما هو خار عن هذا الحـد‪ ،‬أ مـن ال سـلطان هلل تعـالى عليـه‪ .‬وال يعـدو ذلـك الخـار‬ ‫عن سلطان اهلل أن يكون غير مخلوق‪ ،‬أ هو إله مع اهلل‪ ،‬أو وخلقه خالق آخر‪ ،‬أ‬

‫هو من صنع إله آخر‪ ،‬وذلك كله هو الشرك أعاذنا اهلل تعالى منه‪.‬‬ ‫تفرقة يتعين مالحئتها‪:‬‬ ‫إال أنه ينبغي التنبه الكامـل للفـرق بـين تلـك العقيـدة الفاسـدة التـي توجـب الشـرك بـاهلل‬

‫تعالى‪ ،‬وبين جهل المر بمجموع مـن الشـ ار ع التـي فرضـها اهلل وعلمـه ببعضـها ارخـر‬

‫واعتقاده بنا ً على ذلك أن شريعة اهلل تعالى تحكم جوانـب محـددة مـن حياتـه وأعمالـه‬ ‫وعالقاته بالناس‪ ،‬وأن اهلل تعالى قـد تـرك لـه وللجماعـة التـي يعـيا فيهـا حريـة تنئـيم‬ ‫باقي جوانب حياته وعالقاته بغيره من الناس‪.‬‬ ‫فهذا االعتقاد األخير ليس فيه شبه الكفر والشرك بل هو قد يصدر عن معتقـد بتوحيـد‬

‫اهلل عز وجل ووجوب طاعته‪ ،‬وصاحبه كما سبق أن قدمنا الدليل من كتـاب اهلل وسـنة‬ ‫الرسول عليه الصالة والسالم معذور بجهله ال هو وكافر وال هو فاسق وال هو عاا‪.‬‬ ‫وعلــى ذلــك فــإن القــول‪" :‬بــأن المســلمين فــي هــذا الوقــت الــذ نعــيا فيــه قــد فســدت‬ ‫عقيـدتهم وخرجـوا عـن ديـن اإلسـالم‪ ،‬ألنهـم إذا جهلـوا معئـم الشـ ار ع التـي فرضـها اهلل‬ ‫تعالى لتنئيم حياتهم السياسية واالجتماعية واالقتصادية وأصبح تصورهم – بعد أن لم‬ ‫يعد يعرف أغلبهم إال بعـو أحكـام الصـالة والصـوم والزكـاة والحـج والقليـل النـادر عمـا‬

‫هــو مبــا أكلــه ولبســه – أصــبح تصــورهم أن شــريعة اهلل تكــاد تكــون أحكامهــا قاصــرة‬ ‫على العبادات‪ ،‬وذلك الجز القليل مما عرفوه من غيرها فقط"‪ ،‬هذا القول ال يصح وهي‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪92‬‬

‫تهمة خاط ة كان ينبغي التحرز في الدعا بها‪ ،‬ألنه كما سـبق أن قـدمنا البرهـان مـن‬

‫أحـدا قبـل أن‬ ‫كتاب اهلل تعالى وسنة رسوله عليـه السـالم‪ ،‬فـإن أحكـام الشـريعة ال تلـزم ً‬ ‫تبلغه ويعلم بها وتقوم عليه الحجة بوجوبها‪ ،‬أما قبل ذلك فالجاهل معذور بجهله‪.‬‬ ‫واألولى‪ ،‬بل الفرو على من علم شريعة اهلل تعالى وتفقه فيها وأصبح أهالً للنذارة أن‬

‫يبلغها للناس ويشرحها لهم ويدلل على صحة قوله بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي‬

‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬وأن يدعوهم إلى االعتقاد والعمل بالحق الذ جا هم من ربهم‪،‬‬

‫وهذه هي مهمة الداعية لإلسالم‪.‬‬

‫أحـدا ال يملـك أن يحـل مـا حـرم اهلل‬ ‫وكذلك القول فيما قدمناه مـن وجـوب االعتقـاد بـأن ً‬ ‫أحـدا – بغيـر‬ ‫تعالى أو يحرم ما أحل اهلل تعالى‪ ،‬وأن النـاس يتعـين علـيهم االعتقـاد أن ً‬ ‫إذن من اهلل – ال يملك أن يحرم عليهم ما أحله اهلل تعالى لهم أو ويحل لهم مـا حرمـه‬ ‫أيضــا مــن مقتضــى االعقتــاد بوحدانيــة اهلل عــز وجــل وتمــام‬ ‫اهلل تعــالى علــيهم‪ ،‬فهــذا ً‬ ‫سلطانه‪ ،‬ألن الذ يملك مـن ذات نفسـه وبـدون إذن مـن اهلل تعـالى تغييـر شـريعة اهلل‬

‫وخارجا عن سلطان اهلل تعالى وهذا هو الشرك‪.‬‬ ‫ندا هلل تعالى‬ ‫وتبديلها ال يكون إال ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا ينبغي التفرقة بين مثل هذه العقيدة الفاسدة الموجبة للشرك وبين من يعتقد‬ ‫وهنا ً‬ ‫متــأوالً بعــو النصــوا القرآنيــة أو بعــو نصــوا الســنة المطهــرة‪ ،‬إن مــن الش ـرا ع‬

‫التي جا بها اإلسالم ما يتغير ويتبدل مع تغيـر األزمـان وتبـدل الئـروف والمناسـبات‪،‬‬

‫أيضا بين اعتقاد عامة الناس أن ألولي األمر حق إصدار التشـريعات وسـن القـوانين‬ ‫و ً‬ ‫ووضـــع التنئيمـــات التـــي تلـــزمهم طاعتهـــا بنـــا ً علـــى نصـــوا قرآنيـــة وأحاديـــث عـــن‬ ‫الرســول عليــه الصــالة والســالم منهــا الصــحيح ومنهــا مــا اعتقــدوا صــحته وهــو غيــر‬

‫صحيح‪.‬‬ ‫فالمعتقد أن بعو أحكام الشريعة مما يجوز أن يتغير أو يتبدل متـأو ًال فـي ذلـك بعـو‬

‫نـدا هلل تعـالى‪ ،‬وانمـا هـو ويقـول‬ ‫النصوا ليس بكافر وال مشرك‪ ،‬فهو ال يجعـل نفسـه ً‬ ‫ويفعــل مــا يعتقــد أن اهلل تعــالى قــد أباحــه لــه وأذن فيــه‪ ،‬وهــو معــذور بخط ــه لقــول اهلل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـوب ُك ْم﴾ (األحـزاب‪ :‬مـن‬ ‫َخ َ‬ ‫يما أ ْ‬ ‫طأْتُ ْم ِبه َوَلكـن َّمـا تَ َع َّم َـد ْت ُقلُ ُ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬وَل ْي َ‬ ‫س َع َل ْي ُك ْم ُج َنا ٌ ف َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪93‬‬

‫ارية ‪ ،)1‬ولقول الرسول عليه الصالة والسالم‪" :‬عفي ألمتي عن الخطأ والنسيان ومـا‬ ‫اســتكرهوا عليــه" [المحلــى‪ :‬جـــ‪ 2‬ا ‪ ،]994‬ولقولــه عليــه الصــالة والســالم‪" :‬إذ اجتهــد‬ ‫الحاكم فأخطأ فله أجر واذا اجتهد وأصاب فله أجـران" [األحكـام‪ :‬جــ‪ 1‬ا ‪ ،]691‬وكـل‬ ‫قا ل في دين اهلل ممـن تتـوافر فيـه شـروط االجتهـاد حـاكم فـي المسـألة التـي قـال قولـه‬

‫فيها‪.‬‬

‫حد الخطأ والتأويل‪:‬‬ ‫وبـدهي أنــه ال يكــون متــأو ًال مــن ال علــم لـه بالشــريعة وال باللغــة التــي نــزل بهــا القـرآن‬

‫فذلك إن قال في دين اهلل بجهله وهو عالم بجهله وأن ال قدرة لـه علـى فهـم النصـوا‬

‫ضـا فـي ديـن اهلل بغيـر‬ ‫واستنباط األحكام من مختلف اريات واألحاديث‪ ،‬فإنه يكون خا ً‬ ‫علم وقا ال على اهلل تعالى بما ال يعلم‪ ،‬مستخ ًفا بدين اهلل تعالى‪.‬‬ ‫أيضــا أن التأويــل الـذ يعضــر مــن قـال بــه‪ ،‬مــا يكـون لــه وجــه تسـمح بــه لغــة‬ ‫وبـدهي ً‬ ‫القـرآن – وفيمــا هــو خــار عمــا وقــع فيــه اإلجمــاع وبــات بعيـ ًـدا عــن موضــع االجتهــاد‬

‫واحتمال الخطأ والتأويل‪.‬‬

‫وهذا المتأول ينبغي إقامة الحجة عليه أوال وائهار خط ه واعالمه بـالحق‪ ،‬فـإذا قامـت‬

‫عليه الحجة الال حة الئاهرة التي ال محل للجدل بعدها‪ ،‬فإن تمادي على معتقـده فإنـه‬

‫جاحدا لما افترو اهلل تعالى عليه اإليمان به فهو كافر مشرك‪.‬‬ ‫يكون‬ ‫ً‬ ‫واعتقاد عامة الناس أن ألولي األمر حق إصدار القوانين ووضع التنئيمات التي تنئم‬

‫جوانب من حياتهم السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بنا ً على نصوا مـن القـرآن‬ ‫أيضا شبهة الكفر والشرك‪ ،‬بل هو اعتقاد في‬ ‫الكريم والسنة الشريفة‪ ،‬اعتقاد ليس فيه ً‬

‫أصــله حــق‪ ،‬وســبق أن قــدمنا البرهــان علــى أن اهلل عــز وجــل قــد أمــر أمــة المســلمين‬

‫بتحقيق مقاصد عامة منها المحافئة على دما هم وأبشارهم وأموالهم وأعراضـهم وتـرك‬ ‫لها االجتهاد في تنئيم ذلك وتحقيقه‪ ،‬وقد وردت النصوا بوجـوب طاعـة أولـي األمـر‬

‫في ذلك‪ ،‬وانما جا الخلل ووقع االضطراب من جهل الناس بحدود ما ألولي األمر من‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪94‬‬

‫أيضا من جهلهم بحقيقة أولي األمر المعتبرين بهـذه الصـفة فـي‬ ‫حق في هذا الشأن‪ ،‬و ً‬ ‫شريعة اهلل‪ ،‬فأدي جهل الناس إلى طاعة من ئنوهم من أولي األمر وهم ليسوا مـنهم‪،‬‬

‫يـرا مـن‬ ‫والى طاعتهم فيما اعتقدوا أنه مـن حقهـم إصـدار أوامـرهم فيـه‪ ،‬فـي حـين أن كث ً‬ ‫تلك األوامر التي تصدر في شكل قوانين وقرارات ولوا ح خار عن حدود مـا أباحـه اهلل‬ ‫ألولي األمر‪.‬‬

‫وفيمـا سـبق قـدمنا البرهـان علـى أن الجاهـل معـذور بجهلـه لـيس بكـافر وال بفاسـق وال‬

‫بعاا‪ ،‬والواجب على مـن نـدب نفسـه للـدعوة إلـى اهلل أن يبـين للنـاس حقيقـة شـريعة‬

‫اهلل ويفصل لهم بالبرهـان مـن كتـاب اهلل وسـنة رسـوله عليـه الصـالة والسـالم مـا أحلـه‬ ‫وما حرمه وما أباحه وما ألزمنا تعالى بـه مـن شـ ار ع لـم يجعـل ألولـي األمـر أو لغيـرهم‬

‫حقًا في تبديلها أو تغييرها‪ ،‬وحدود ما أبا اهلل ألولي األمر تنئيمه بالقوانين والقرارات‬

‫واللوا ح فضال عن أن يبين لهم الشـروط الواجـب توافرهـا فـيمن يعتبـر ولـي أمـر يتعـين‬

‫طاعته فيما أمرنا اهلل بطاعته فيه‪.‬‬ ‫والناس من قبل ذلك وحتى تقوم عليهم الحجة‪ ،‬معذورون بجهلهم‪ ،‬وهم مسلمون غير‬ ‫عاصين وال فاسقين إال من ثبت لنـا بالبينـة الشـرعية أنـه بعينـه عـالم بحقيقـة أمـر اهلل‬

‫ربــا مــن دون اهلل‪ ،‬أخــر مســلم عــن أم‬ ‫مطيــع عــن رضــا رمــر بمعصـية اهلل متخـ ًذا لــه ً‬ ‫المـؤمنين أم سـلمة رضـي اهلل تعــالى عنهـا عـن النبـي – صــلى اهلل عليـه وسـلم – أنــه‬

‫قال‪ " :‬إنه يستعمل عليكم أمرا فتعرفـون وتنكـرون‪ ،‬فمـن كـره فقـد بـر ‪ ،‬ومـن أنكـر فقـد‬ ‫سلم‪ ،‬ولكن من رضي وتابع" [أورده صاحب رياو الصالحين]‪.‬‬ ‫وا لحــق أن عقيــدة قداســة أولــي األمــر أو عصــمتهم أو والئــن أن أوامــرهم كــأوامر اهلل‬

‫تعــالى أو أن لهــم أن يحل ـوا مــا حرمــه اهلل أو يحرم ـوا مــا أحلــه اهلل‪ ،‬ذلــك كلــه معــدوم‬ ‫الوجــود بــين غالــب عامــة المســلمين‪ ،‬وينطــق الواقــع أنــه حيــث يكــون أمــر اهلل تعــالى‬

‫أحـدا مـن عامـة النـاس ال يتشـكك فـي‬ ‫معلوما غير خاف وال محل الخـتالف اررا فـإن ً‬ ‫ً‬ ‫أن أمـــر اهلل تعـــالى هـــو الحـــق الواجـــب االتبـــاع‪ ،‬ال يبطلـــه قـــول قا ـــل وال تشـــريع ذ‬

‫سلطان‪ ،‬وأن عامة المسـلمين هـم علـى العقيـدة األكيـدة أن الخمـر حـرام‪ ،‬شـاربها آثـم‪،‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪95‬‬

‫رغم توالي السنوات الطوال وأصحاب السلطة في بالد اإلسالم ال يعاقبون شارب الخمر‬ ‫بعقوبة ما‪،‬وعامة المسـلمين ال يتشـككون فـي أن الزنـا حـرام رغـم شـيوعه والتعـالن بـه‪،‬‬ ‫وقعود الحكام عن إقامة الحدود على مقارفة‪ ،‬وعامة المسلمين على عقيدتهم أن الربـا‬

‫– وان جهلوا تفصيالت أحكامه – آثم آخذه ومعطيه‪ ،‬رغـم أن القـوانين السـا دة تبيحـه‬

‫وال تعاقب عليه‪ ،‬ومثال ذلك كثير‪ ،‬بل إنا لنقول إنه حتـى الكثيـرين مـن الـذين يقـارفون‬ ‫مثل تلك الكبا ر ويجهرون بها لشعورهم من أنهم في مأمن من العقاب فإنهم يقارفون‬

‫ما يقارفونه وليس عندهم شك في أن ما يأتونه محرم عنـد اهلل‪ ،‬لـم يجعلـه حـال ًال قعـود‬ ‫ذو السلطان عن إنفاذ أمر اهلل فيهم‪.‬‬

‫وكذلك األمر فيما قلناه من وجوب التحاكم إلى شريعة اهلل تعالى والرد عند التنازع إلى‬ ‫جاحـدا أن‬ ‫اهلل تعالى والرسول عليه الصالة والسـالم‪ ،‬فإنـه يجـب حتـى يعتبـر الشـخا‬ ‫ً‬ ‫يكــون قــد أعلــن إعراضــه عــن شــريعة اإلســالم جملــة‪ ،‬أو أن يعلــم حكــم اهلل تعــالى فــي‬ ‫النازلة المتنازع عليها ثم يأباه ويسـتحل خالفـه‪ ،‬أمـا مـن آمـن بشـريعة اهلل جملـة وهـو‬ ‫غيـــر عـــالم بمختلـــف مـــا تتضـــمنه مـــن أحكـــام‪ ،‬واعتقـــد أن لـــيس هلل تعـــالى حكـــم فـــي‬ ‫الموضـوع المتنـازع عليـه أو اعتقـد أن القـانون المعمـول بـه علـى مقتضـى شـريعة اهلل‬

‫فـي المسـألة موضـوع التنـازع‪ ،‬أو أنـه ممـا يجـب طاعـة أولـي األمـر فيـه‪ ،‬فهـذا معـذور‬ ‫بجهله ليس بكافر وال بفاسق وال بعاا لما قـدمناه مـن البـراهين مـن كتـاب اهلل تعـالى‬

‫وسنة رسوله عليه الصالة والسالم من أن الشريعة ال تلزم إال مـن بلغتـه‪ ،‬وأن الجاهـل‬ ‫معذور بجهله والمخط مرفوع عنه حكم خط ه‪.‬‬ ‫والواجـب علــى مــن نـدب نفســه للــدعوة لإلسـالم وســيادة شــريعة اهلل تعـالى والحكــم بمــا‬ ‫أنزل اهلل تعالى‪ ،‬أن يبلا الناس حقيقة أمر اهلل ويوضـح لهـم شـريعته تعـالى وحكـم اهلل‬ ‫الواجب اعتقاده والعمل به وأن يقـيم البرهـان علـى ذلـك مـن الكتـاب والسـنة حتـى تقـوم‬

‫الحجة على الناس‪ ،‬والناس من قبل ذلك معذورون بجهلهم وهم مسلمون ال فساد فـي‬

‫عقيدتهم‪ ،‬فمن قامت عليه الحجة ثم ثبت بالبينة الشرعية أنه قد أعرو عن حكم اهلل‬ ‫كافرا فاسـ ًقا مشـرًكا‪ ،‬أمـا مـن سـلم‬ ‫تعالى الذ علمه‪ ،‬فإنه بذاته دون غيره الذ يكون ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪96‬‬

‫بحكم اهلل تعالى ولم يعترو عليه فإنـه يكـون قـد ح ّكـم شـريعة اهلل فـإذا عمـل بعـد ذلـك‬

‫عاصيا على نحو ما سبق أن أوضحناه وفصلناه‪.‬‬ ‫على خالفها فإنه يكون فاسقًا‬ ‫ً‬ ‫اإلكراه وحكم المكره‪:‬‬

‫تعرضــنا فيمــا قــدمنا إلــى أصــلين مــن األصــول العامــة فــي الشــريعة اإلســالمية وهمــا‪:‬‬

‫الجهل والخطأ‪ ،‬وهما أصالن من األصـول العامـة التـي يكـون عليهـا المـدار فـي الحكـم‬

‫على كافة األقوال واألعمال وسقنا البراهين الواضحة من كتاب اهلل وسنة رسـوله عليـه‬ ‫الصالة والسالم على وجوب اعتبار هذين األصلين وما ينبني على كل منهما من حكـم‬ ‫شرعي يقضـي بـأن الجاهـل معـذور بجهلـه وأن المخطـ مـأجور علـى اجتهـاده ومعفـو‬

‫عن خط ه‪.‬‬

‫أيضا من األصول العامة التـي يكـون المـدار‬ ‫وأصل ثالث نري ضرورة التعرو له ألنه ً‬ ‫عليها ف ي الحكم على األقوال واألعمال‪ ،‬وسبق أن أشرنا إلى ذلـك األصـل عنـد تعريفنـا‬ ‫كافر وال يحكم بردته إذا ما نطق بها‬ ‫معنى الكفر فقلنا إن الناطق بكلمة الكفر ال يعتبر ًا‬ ‫مكرًها‪ ،‬وكذلك من عمل عمال أتـى الـنا بـأن فاعلـه ينتفـي عنـه اسـم اإليمـان فإنـه ال‬

‫يحكم بكفره وال بردته إذ عمل ذلك العمل مكرًها‪.‬‬

‫أيضا شرطنا الحرية واالختيار فـيمن جهـر بأنـه يريـد التحـاكم إلـى‬ ‫وتطبي ًقا لهذا األصل ً‬ ‫وتوضيحا لذلك األصل الهام الذ يعتبر مـن الركـا ز‬ ‫غير شريعة اهلل تعالى التي بلغته‬ ‫ً‬

‫التي تبنى عليها األحكام في الشريعة اإلسـالمية‪ ،‬نعـود فنـورد اريـة الكريمـة التـي مـن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـه ُم ْط َمـ ِن ِب ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ـان َوَل ِكـن‬ ‫إيم ِان ِه إِالَّ َم ْـن أُ ْك ِـرهَ َوَق ْل ُب ُ‬ ‫اإل َ‬ ‫سورة النحل‪َ ﴿ :‬من َك َف َر ِباهلل من َب ْعد َ‬ ‫ِ‬ ‫ضــب ِّمـ َ ِ‬ ‫ـيم﴾ (النحــل‪ :‬اريــة‬ ‫َّمــن َ‬ ‫ـن اهلل َولَ ُهـ ْـم َع ـ َذ ٌ‬ ‫صـ ْـد ًار فَ َعلَـ ْـي ِه ْم َغ َ ٌ‬ ‫شـ َـر َ ِبــا ْل ُك ْف ِر َ‬ ‫اب َعئـ ٌ‬ ‫‪.)611‬‬

‫فالنا واضح في استثنا إلحاق حكم الكفر بمن صدر عنه وهو مكره ما كان يعتبر‬ ‫مرتدا ولو لم يكن مكرًها‪ ،‬والنا عام مطلق يشمل كل ما ينفي عن المسلم‬ ‫به ًا‬ ‫كافر ً‬ ‫اسم اإليمان من قول وعمل‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪97‬‬

‫قــال أبــو عبــد اهلل محمــد بــن أحمــد األنصــار القرطبــي فــي تفســيره "الجــامع ألحكــام‬

‫القرآن"‪" :‬إن هذه ارية نزلت في عمار بن ياسر وقال إن ابن عباس رضي اهلل عنهمـا‬

‫عمـار – المشـركون وأخـذوا أبـاه وأمـه سـمية‬ ‫ًا‬ ‫قال في ذلك‪ :‬أخذه – أ‬ ‫وصـهيبا وبـالالً‬ ‫ً‬ ‫وسالما‪ ،‬وربطت سمية بين بعيرين ووج قبلهـا بحربـة‪ ،‬وقيـل لهـا إنـك أسـلمت‬ ‫وخبابا‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫من أجل الرجـال فقتلـت وقتـل زوجهـا ياسـر وهمـا أول قتيلـين فـي اإلسـالم‪ ،‬وأمـا عمـار‬

‫فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرًها فشكا ذلك إلـى رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم –‬ ‫فقال له رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – "كيف تجد قلبك" فقال‪ :‬مطمـ ن باإليمـان‬

‫أيضا أن‬ ‫فقال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬فإن عادوا فعد"‪ ،‬وروي القرطبي ً‬ ‫عيوًنا لمسيلمة أخذوا رجلين من أصحاب رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – فذهبوا‬ ‫محمدا رسول اهلل؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أتشهد‬ ‫بهما إلى مسيلمة‪ ،‬فقال ألحدهما‪ :‬أتشهد أن‬ ‫ً‬ ‫محمدا رسول اهلل؟ قال‪:‬‬ ‫أني رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فخلى عنه‪ ،‬وقال لآلخر‪ :‬أتشهد أن‬ ‫ً‬

‫نعم‪ ،‬قال‪ :‬أتشهد أني رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أنا أصم ال أسـمع‪ ،‬فقدمـه وضـرب عنقـه‪ ،‬فجـا‬

‫األول إلــى رســـول اهلل – صـــلى اهلل عليــه وســـلم – فقـــال‪ :‬هلكــت فقـــال عليـــه الصـــالة‬

‫والسالم‪" :‬وما أهلكـك؟" فـذكر الحـديث‪ ،‬قـال عليـه الصـالة والسـالم‪" :‬أمـا صـاحبك فأخـذ‬ ‫بالثقة" وفي رواية‪ " :‬أما صاحبك فمضى على إيمانـه وأمـا أنـت فأخـذت بالرخصـة علـى‬ ‫ما أنـت عليـه السـاعة قـال الرجـل‪ :‬أشـهد أنـك رسـول اهلل‪ ،‬قـال عليـه الصـالة والسـالم‪:‬‬

‫"أنت على ما أنت عليه" واستطرد القرطبي قا ال‪ :‬لما سمح اهلل عـز وجـل بـالكفر بـه –‬ ‫مـل العلمـا عليـه فـروع الشــريعة‬ ‫وهـو أصـل الشـريعة – عنـد اإلكـراه ولـم يؤاخــذ بـه‪َ ،‬ح َ‬ ‫كلها‪ ،‬فإذا وقع اإلكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم‪ ،‬وقال ذهبت طا فة من‬ ‫العلما إلى أن الرخصة في القول أو الفعل فال رخصة فيـه مثـل اإلكـراه علـى السـجود‬

‫لغير اهلل أو والصالة لغير القبلة أو قتل مسلم أو ضربه أو أكل ماله أو الزنا أو شـرب‬

‫الخمر وأكـل الربـا وذهبـت طا فـة أخـري مـن العلمـا مـنهم عمـر بـن الخطـاب ومكحـول‬ ‫ومالك وطا فة من أهل العراق إلى أن اإلكراه في الفعل والقول سوا إذا أسر اإليمان‪.‬‬

‫ثم قال القرطبي‪ :‬أجمع العلما علـى أن مـن أكـره علـى الكفـر فاختـار القتـل أنـه أعئـم‬ ‫أجر عند اهلل ممن اختار الرخصة‪ ،‬واختلفوا فيمن أكره على غيـر الكفـر مـن فعـل مـا ال‬ ‫ًا‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪98‬‬

‫يحل له‪ ،‬فقال أصحاب مالك‪ :‬األخذ بالشدة في ذلك واختيار القتل والضرب أفضـل عنـد‬ ‫اهلل من األخذ بالرخصة‪ ،‬وذكر ابن سحنون عن أهل العراق أنه إذا تهدد بقتل أو قطـع‬ ‫أو ضرب يخاف منه التلـف فلـه أن يفعـل مـا أكـره عليـه مـن شـرب خمـر أو أكـل خزيـر‬

‫آثما ألنه كالمضطر‪ ،‬وقال القرطبـي‪ :‬روي خبـاب‬ ‫فإن لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون ً‬ ‫بن األرت قال‪ :‬شكونا إلى رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – وهـو متوسـط بـردة لـه‬

‫فــي ئــل الكعبــة فقلــت‪ :‬أال تستنصــر لنــا أال تــدعو لنــا؟ قــال‪" :‬قــد كــان مــن قــبلكم يؤخــذ‬ ‫الرجـل فيحفـر لـه فـي األرو فيجعـل فيهـا فيجـا بالمنشـار فيوضـع علـى رأسـه فيجعــل‬ ‫نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعئمه فمـا يصـده ذلـك عـن دينـه‪ ،‬واهلل‬ ‫ليـتمن اهلل هــذا األمـر حتــى يسـير الراكــب مـن صــنعا إلـى حضــرموت ال يخــاف إال اهلل‬

‫والذ ب على غنمه ولكنكم تستعجلون" وعقـب القرطبـي علـى لـك بقولـه‪ :‬فوصـفه صـلى‬ ‫اهلل عليه وسلم هذا عن األمم السابقة على وجه المد لهم والصبر على المكـروه فـي‬ ‫ذات اهلل وأنهم لم يكفروا في الئاهر ويبطنوا اإليمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم‪ ،‬وهذه‬

‫حجة من آثر الضرب والقتل والهوان على الرخصة‪.‬‬ ‫أيضــا‪ :‬أجمــع العلمــا علــى أن مــن أكــره علــى قتــل غيــره أنــه ال يجــوز‬ ‫وقــال القرطبــي ً‬ ‫اإلقدام على قتله وال انتهاك حرمته بجلد أو غيره‪ ،‬ويصـبر علـى الـبال الـذ نـزل بـه‪،‬‬ ‫وال يحل له أن يفد نفسه بغيره ويسأل اهلل العافية في الدنيا وارخرة‪.‬‬ ‫أيضـا‪ :‬اختلــف العلمــا فـي حــدود اإلكـراه فــرو عــن عمـر بــن الخطــاب‬ ‫وقـال القرطبــي ً‬ ‫رضي اهلل عنـه أنـه قـال‪ :‬لـيس الرجـل آم ًنـا إذا خفتـه أو ووثقتـه أو ضـربته‪ ،‬وقـال ابـن‬ ‫متكلما بـه‪ ،‬وقـال الحسـن‪ :‬التَّ ِقيـة جـا زة‬ ‫مسعود ما من كالم يدرأ عني سوطين إال كنت‬ ‫ً‬ ‫للمــؤمن إلــى يــوم القيامــة إال أن اهلل تبــارك وتعــالى لــيس يجعــل فــي القتــل تقيــة‪ ،‬وقــال‬ ‫النخعي‪ :‬القيد إكراه والسجن إكراه وهذا قول مالـك إال أنـه قـال‪ :‬والوعيـد المخـوف إكـراه‬

‫وان لــم يقــع إذا تحقــق ئلــم ذلــك المعتــد وانفــاذه لمــا يتوعــد بــه‪ ،‬ولــيس عنــد مالــك‬

‫وأصحابه في الضرب والسجن توقيت‪ ،‬إنما هو ما كان يؤلم مـن الضـرب ومـا كـان مـن‬

‫سجن يدخل فيه الضيق على المكره‪ ،‬وذهب مالك إلى أن من أكره على يمين بوعيد أو‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪99‬‬

‫وسجن أو ضرب أنه يحلف وال حنث عليه وهو قـول الشـافعي وأحمـد وأبـي ثـور وأكثـر‬ ‫العلما " انتهى‪.‬‬ ‫والحق أن النصوا من الكتـاب والسـنة جـا ت مطلقـة وعامـة وشـاملة ومقـررة ألصـل‬

‫ص َـل لَ ُكـم َّمـا‬ ‫عام في الشريعة كلها‪ ،‬مقتضاه رفع اإلثم عن المكره‪ ،‬قال تعـالى‪َ ﴿ :‬وقَ ْـد فَ َّ‬ ‫اض ـطُ ِرْرتُ ْم إَِل ْيـ ِـه﴾ (األنعــام‪ :‬مــن اريــة ‪ .)669‬وقــال عليــه الصــالة‬ ‫َحـ َّـرَم َع َلـ ْـي ُك ْم إِالَّ َمــا ْ‬

‫والســالم‪" :‬عفــي ألمتــي عــن الخطــأ والنســيان ومــا اســتكرهوا عليــه" [المحلــى‪ :‬جـــ‪ 2‬ا‬ ‫‪.]994‬‬

‫ومـن األصــول المقـررة أن العــام يحمـل علــى عمومـه إال فيمــا ورد فيـه نــا أو إجمــاع‬

‫باستثنا ه‪ ،‬فإذا أورد نا أو إجماع بـأن اإلكـراه ال يرفـع اإلثـم عـن عمـل معـين‪ ،‬كقتـل‬ ‫الغير أو انتهاك حرمته‪ ،‬أو عن قول معين‪ ،‬صرنا إليه وقلنا به‪.‬‬ ‫وفي ذلـك يقـول اإلمـام أبـو محمـد علـي بـن أحمـد بـن حـزم‪[ :‬المحلـى‪ :‬جــ‪ 1‬ا‪:]929‬‬

‫اإلكراه ينقسم قسمين‪ :‬إكراه على كالم واكراه على فعل‪ ،‬فاإلكراه على الكالم ال يجب به‬

‫شي وان قاله المكره كالكفر والقذف واإلقرار والنكا واإلنكا والرجعة والطالق والبيع‬ ‫واالبتياع والنذر واإليمان والعتق والهبة‪ ،‬واكراه الذمي الكتابي على اإليمان وغير ذلك‪،‬‬ ‫ألنـه فــي قولـه مــا أكــره عليـه إنمــا هـو حــاك للفــئ الـذ أمــر أن يقولـه وال شــي علــى‬

‫الحاكي بال خـالف‪ ،‬ومـن فـرق بـين األمـرين فقـد تنـاقو قولـه‪ ،‬وقـد قـال رسـول اهلل –‬

‫صلى اهلل عليه وسلم –‪" :‬إنما األعمال بالنيات ولكل امـر مـا نـوي" فصـح أن كـل مـن‬ ‫مختار له‪ ،‬فإنه ال يلزمه‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫أكره على قول ولم ينوه‬ ‫واإلكـراه علـى الفعـل ينقسـم قسـمين‪ :‬أحـدهما‪ :‬كـل مـا تبيحـه الضـرورة كاألكـل والشــرب‬

‫فهذا يبيحه اإل كراه ألن اإلكراه ضرورة‪ ،‬فمن أكره على شـي مـن هـذا فـال شـي عليـه‬ ‫مباحا له إتيانه‪.‬‬ ‫ألنه أتى ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪111‬‬

‫والثاني‪ :‬ما ال تبيحه الضـرورة كالقتـل والجـرا والضـرب وافسـاد المـال‪ ،‬فهـذا ال يبيحـه‬ ‫محرمــا عليــه‬ ‫اإلك ـراه فمــن أكــره علــى شــي مــن ذلــك لزمــه القــود والضــمان ألنــه أتــى‬ ‫ً‬ ‫إتيانه‪.‬‬ ‫اها وعرف بالحس أنه إكراه‪ ،‬كالوعيد بالقتل ممن‬ ‫واإلكراه هو كل ما سمي في اللغة إكر ً‬ ‫ال يؤمن منه إنفاذ ما توعد به‪ ،‬والوعيد بالضرب كذلك أو الوعيد بالسجن كذلك أو‬ ‫الوعيد بإفساد المال كذلك‪ ،‬أو والوعيد في مسلم وغيره بقتل أو ضرب أو سجن أو‬

‫إفساد مال لقوله عليه الصالة والسالم‪" :‬المسلم أخو المسلم ال يئلمه وال يسلمه" وقال‬ ‫اضطُ ِرْرتُ ْم إَِل ْي ِه﴾ (األنعام‪ :‬من ارية ‪)669‬‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬وقَ ْد فَ َّ‬ ‫ص َل َل ُكم َّما َحَّرَم َع َل ْي ُك ْم إِالَّ َما ْ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬فَم ِن ْ ِ‬ ‫صة َغ ْي َر ُمتَ َج ِانف ِإل ثْم﴾ (األنعام‪ :‬من ارية ‪.)9‬‬ ‫اضطَُّر في َم ْخ َم َ‬ ‫َ‬ ‫فــإن قيــل‪ :‬هــال أبحــتم قتــل الــنفس للمكــره والزنــا والج ـرا والضــرب وافســاد المــال بهــذا‬ ‫االستدالل؟‬ ‫قلنـا‪ :‬ألن الــنا ال يبــيح لــه قــط أن يــدفع عــن نفســه بئلــم غيــره ممــن لــم يتعــد عليــه‪،‬‬ ‫بـر َوالتَّ ْق َـوي َوالَ‬ ‫ـاونُوا َعلَـى ا ْل ِّ‬ ‫وانما الواجب عليه دفع الئالم أو قتله لقولـه تعـالى‪َ ﴿ :‬وتَ َع َ‬ ‫ـاوُنوا َع َلــى ِ‬ ‫اإل ثْـ ِـم َوا ْل ُعـ ْـد َو ِ‬ ‫ان﴾ (الما ــدة‪ :‬مــن اريــة ‪ )2‬ولقــول رســول اهلل – صــلى اهلل‬ ‫تَ َعـ َ‬ ‫منكر فليغيـره بيـده إن اسـتطاع فـإن لـم يسـتطع فبلسـانه‬ ‫عليه وسلم ‪" :-‬من رأي منكم ًا‬ ‫فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان‪ ،‬ليس ورا ذلك مـن اإليمـان شـي " فصـح‬

‫أنه لم يبح له قط العون على الئلم ال لضرورة وال لغيرها‪ ،‬وانما فسح له إن عجز فـي‬

‫أال يغيــر بيــده وال بلســانه وبقــي عليــه التغييــر بقلبــه والبــد‪ ،‬والصــبر لقضــا اهلل تعــالى‬

‫فقط" انتهى‪.‬‬ ‫وممــا ورد الــنا فيــه بــأن اإلك ـراه إذن ال يبيحــه "عقــد القلــب" أ التصــديق واطم نــان‬ ‫ـه ُم ْط َمـ ِن ِب ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ـان﴾ (النحـل‪ :‬مـن اريـة ‪)611‬‬ ‫النفس‪ ،‬قـال تعـالى‪﴿ :‬إِالَّ َمـ ْن أُ ْك ِـرهَ َوَق ْل ُب ُ‬ ‫اإل َ‬ ‫فقطع النا بأن تحول القلب غير معفو عنه وان وقع اإلكراه‪ ،‬فـاإلكراه ال يبـيح تحـول‬ ‫ِ‬ ‫ضــب ِّمـ َ ِ‬ ‫ـيم﴾‬ ‫القلــب‪َ ﴿ :‬ولَ ِكــن َّمــن َ‬ ‫ـن اهلل َولَ ُهـ ْـم َع ـ َذ ٌ‬ ‫صـ ْـد ًار فَ َعلَـ ْـي ِه ْم َغ َ ٌ‬ ‫شـ َـر َ ِبــا ْل ُك ْف ِر َ‬ ‫اب َعئـ ٌ‬ ‫(النحل‪ :‬من ارية ‪.)611‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪111‬‬

‫وتحــول القلــب وانشـرا الصــدر‪ ،‬عمــل الــنفس الــذ ال يطلــع عليــه ويعــرف حقيقتــه إال‬ ‫المولى عز وجل الذ يعلم ما توسوس به النفس وما تخفي الصدور ثـم إن كـل امـر‬

‫يعرف حقيقة ما في قلبه‪ ،‬أما نحن البشـر فلـيس لنـا إال الئـاهر‪ ،‬وال سـبيل لنـا للتثبـت‬

‫من حقيقة ما ف ي قلب الغيـر‪ ،‬فـإذا وجـدت حالـة اإلكـراه وجـب علينـا عـدم إيقـاع الحكـم‬ ‫الشرعي باإلثم على قول المكره وفعله إال ما ورد نـا أو إجمـاع باسـتثنا ه‪ ،‬وسـريرته‬

‫موكولة إلى البار جل شأنه‪.‬‬ ‫وكذلك فإنه لم يرد إلينا نا يحدد اإلكراه أو قدره‪ ،‬فالنا بذلك محمول على عموم ما‬ ‫يقع عليه اسم اإلكراه في اللغة‪.‬‬ ‫قال صاحب القاموس المحيط‪ :‬االضطرار‪ :‬االحتيا إلى الشي ‪.‬‬ ‫واضطره إلى الشي ‪ :‬أحوجه إليه وألجأه إليه‪ ،‬واضطره على األمر‪ :‬أكرهه عليه‪.‬‬ ‫قهـرا‪ ،‬وكـره وتكـاره‬ ‫وقال صاحب القاموس المنجـد‪ :‬أكـره فال ًنـا علـى األمـر‪ :‬حملـه عليـه ً‬ ‫كريها أو عده كذلك‪.‬‬ ‫األمر‪ :‬لم يرضه‪ ،‬واستكره الشي ‪ ،‬وجده‬ ‫ً‬ ‫ومن هذا التعريف اللغو الذ هو مطـابق لمـا أسـلفناه مـن أقـوال الصـحابة والتـابعين‬

‫وكبــار فقهــا اللغــة والــدين نقــول بحــق‪ ،‬إن كــل مــا يقــع علــى الشــخا مــن ضــروب‬ ‫اإليذا أو التهديد باإليذا في النفس أو المال على شخصه أو على مسلم غيره‪ ،‬ممـا‬

‫تضيق به النفس وتكرهه وال تجد قدرة على تحمله‪ ،‬يندر في اللغـة تحـت اسـم اإلكـراه‬ ‫أو االضـطرار‪ ،‬وذلــك يختلـف مــن شـخا إلــى آخـر‪ ،‬كــل حسـب مــا وهبـه اهلل مــن قــدرة‬

‫وطاقة وقوة واحتمال‪ ،‬واهلل عز وجل هو والمطلع على الس ار ر العالم بحقيقة ما اخـتلج‬

‫بقلــب كــل مخلــوق‪ ،‬ولــيس لنــا نحــن البشــر إال ئــاهر الح ـال‪ ،‬فمتــى وجــدت حالــة مــن‬ ‫األحوال التي قد تكون مدعاة للخوف من األذي واإلضرار بـالنفس أو المـال‪ ،‬لـم يسـعنا‬

‫إال االمتثال إلى شريعة اهلل وعدم مؤاخذة الواقع فيها بمـا صـدر عنـه مـن قـول أو فعـل‬

‫إال ما استثنى بنا أو إجماع‪ ،‬ونحن وهو عا دون – بال ريب – إلى خالقنا ومصورنا‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪112‬‬

‫جل ش أنه‪ ،‬واقفون بين يديه في يوم ال ينفع فيـه كـذب وال ادعـا وال مـال وال بنـون إال‬ ‫من أتى اهلل بقلب سليم‪.‬‬ ‫الصبر أولى وأحب‪:‬‬ ‫وقــد نـــدبنا اهلل تعـــالى للصـــبر والثبــات والعمـــل علـــى إعـــال كلمــة الحـــق والجهـــر بهـــا‬

‫والتمكين لها ودفع المئالم ورد البغي والعدوان‪ ،‬وجعـل للعـاملين فـي سـبيل ذلـك أعئـم‬

‫األجــر وأعلــى درجــات الرفعــة عنــده فــي جنــات النعــيم‪ ،‬واذا كــان حــديث الرســول عليــه‬

‫الصــالة والســالم الــذ رواه القرطبــي يمتــد األمــم الســابقة لثباتهــا وصــبرها رغــم مــا‬ ‫أصــابها مــن عــذاب وتنكيــل فــإن القـرآن الكــريم قــد ضــرب لنــا األمثــال الحيــة علــى ذلــك‬

‫وعــرو علينــا أوفــى العــرو مــا يبعثــه اإليمــان فــي القلــب العــامر مــن شــجاعة وصــبر‬ ‫وتحمل وتضحية كما عرو علينا اهلل سبحانه وتعالى النتيجة الالزمة التي وعدها من‬

‫مخلصـا فـي ذلـك كـل‬ ‫صدق وصبر واستمسـاك بحبـل اهلل تعـالى با ًعـا "الفانيـة بالباقيـة"‬ ‫ً‬ ‫انكسـار ورضـا ً ب َق َـد ِرِه تعـالى‪ ،‬وضـرب لنـا‬ ‫ًا‬ ‫وخشـوعا و‬ ‫نيته لوجهه تعالى طاعـة وامتثـا ًال‬ ‫ً‬

‫تعالى مثالً بالرجل الذ جا من أقصى المدينة يسعى لنصرة الحق واعال كلمـة اهلل‪،‬‬ ‫ون * َو َما لِ َي الَ‬ ‫َج ًار َو ُهم ُّم ْهتَ ُد َ‬ ‫سأَلُ ُك ْم أ ْ‬ ‫سلِ َ‬ ‫ين * اتَِّب ُعوا َمن الَّ َي ْ‬ ‫يقول‪َ ﴿ :‬يا قَ ْوِم اتَِّب ُعوا ا ْل ُم ْر َ‬ ‫ضٍّر الَّ تُ ْغ ِن‬ ‫َع ُب ُد الَّ ِذ فَ َ‬ ‫ون * أَأَتَّ ِخ ُذ ِمن ُدوِن ِه آلِ َه ًة إِن ُي ِرْد ِن َّ‬ ‫ط َرِني َوِا َل ْي ِه تُْر َج ُع َ‬ ‫أْ‬ ‫الر ْح َم ُن ِب ُ‬ ‫ضالَ ل ُّم ِبين﴾ (يس‪ :‬اريات ‪)24 :21‬‬ ‫اعتُ ُه ْم َ‬ ‫َع ِّني َ‬ ‫ش ْي ًا َوالَ ُي ْن ِق ُذ َ‬ ‫ون * إِ​ِّني إِ ًذا لَّ ِفي َ‬ ‫شفَ َ‬

‫ِ‬ ‫اس َم ُع ِ‬ ‫ـت قَ ْـو ِمي‬ ‫يل ْاد ُخ ِـل ا ْل َج َّنـ َة قَ َ‬ ‫ون﴾ (يس‪ :‬ارية ‪ِ ﴿ )21‬ق َ‬ ‫ـال َيـا لَ ْي َ‬ ‫آم ُ‬ ‫نت ِب َرِّب ُك ْم فَ ْ‬ ‫﴿إ ِّني َ‬ ‫ين﴾ (يس‪ :‬اريـات ‪ ،)21 :21‬وضـرب‬ ‫ون * ِب َما َغ َف َر لِي َرِّبي َو َج َع َل ِني ِم َن ا ْل ُم ْك َرِم َ‬ ‫َي ْع َل ُم َ‬ ‫اهلل لنا مثالً آخر بمؤمن آل فرعون الذ كان يكتم إيمانه ثم هـب لنصـرة موسـى عليـه‬

‫ـون َر ُجـالً‬ ‫دفاعا عن الحق واعال لكلمـة اهلل‪ ،‬ابتغـا مرضـات اهلل قـا ال‪﴿ :‬أَتَ ْقتُلُ َ‬ ‫السالم ً‬ ‫ـول رِّبــي اهلل وقَـ ْـد جــا ُكم ِبا ْلب ِّي َنـ ِ‬ ‫ـه َوِان َي ـ ُك‬ ‫ـات ِمــن َّرِّب ُكـ ْـم َوِان َي ـ ُك َك ِاذ ًبــا فَ َع َل ْيـ ِـه َك ِذ ُبـ ُ‬ ‫أَن َيقُـ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫و الَّ ِذ ي ِع ُد ُكم إِ َّن اهلل الَ يه ِد م ْن ُهو مس ِـر ٌ َّ‬ ‫ص ِادقًا ي ِ‬ ‫اب * َيـا قَ ْـوِم لَ ُك ُـم‬ ‫ص ْب ُك ْم َب ْع ُ‬ ‫ف َكـذ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْس ِ‬ ‫ا ْلم ْل ُك ا ْليوم ئَ ِ‬ ‫نص ُرَنا ِمن َبـأ ِ‬ ‫ين ِفي األ َْر ِ‬ ‫اهلل إِن َجا َ َنـا﴾ (غـافر‪ :‬اريـات‬ ‫اه ِر َ‬ ‫و فَ َمن َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َهـ ِـدي ُك ْم إِ َّال‬ ‫ـر متجبـ ًا‬ ‫‪ ،)29 :21‬فلمــا نــادي فرعــون متكبـ ًا‬ ‫ـر‪َ ﴿ :‬مــا أ ُِري ُكـ ْـم إِ َّال َمــا أ َ​َري َو َمــا أ ْ‬ ‫ش ِاد﴾ (غافر‪ :‬من ارية ‪ ،)29‬لـم يـزد ذلـك المـؤمن إال إيما ًنـا بدعوتـه واصـر ًا‬ ‫ار‬ ‫يل َّ‬ ‫س ِب َ‬ ‫الر َ‬ ‫َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪113‬‬

‫اف َع َل ْي ُكم ِّم ْث َل‬ ‫على تبليغها واعالنها وتحذير قومه من خشية غير اهلل قا ال‪﴿ :‬إِ​ِّني أ َ‬ ‫َخ ُ‬ ‫اب * ِم ْث َـل َدأ ِ‬ ‫َح َز ِ‬ ‫يـد ئُْل ًمـا‬ ‫ين ِمـن َب ْع ِـد ِه ْم َو َمـا اهللُ ُي ِر ُ‬ ‫ْب قَ ْـوِم ُنـو َو َعـاد َوثَ ُم َ‬ ‫ـود َوالَّ ِـذ َ‬ ‫َي ْوِم األ ْ‬ ‫ين ما لَ ُكم ِّم َن ِ‬ ‫اهلل ِم ْـن‬ ‫لِّ ْل ِع َب ِاد * َوَيا قَ ْوِم إِ​ِّني أ َ‬ ‫َخ ُ‬ ‫اف َعلَ ْي ُك ْم َي ْوَم التََّن ِاد * َي ْوَم تَُولُّ َ‬ ‫ون ُم ْد ِب ِر َ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ـه ِم ْـن َهـاد﴾ (غـافر‪ :‬اريـات ‪ ،)99 :91‬ثـم كانـت النتيجـة‬ ‫ُّضلِ ِل اهللُ فَ َما َل ُ‬ ‫اصم َو َمن ي ْ‬ ‫َ‬ ‫ـاق ِبـ ِ ِ‬ ‫﴿فَوقَــاه اهلل سـ ِّـي َ ِ‬ ‫ســو ُ ا ْل َع ـ َذ ِ‬ ‫اب﴾ (غــافر‪ :‬اريــة ‪،)41‬‬ ‫ات َمــا َم َكـ ُـروا َو َحـ َ‬ ‫ـآل ف ْر َعـ ْـو َن ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َّا ِب ُك ْـم أَن‬ ‫سـ َن َي ْي ِن َوَن ْح ُ‬ ‫َّص َ‬ ‫ـون ِب َنـا إِالَّ إِ ْح َـدي ا ْل ُح ْ‬ ‫ـن َنتَ َـرب ُ‬ ‫وصدق اهلل العئيم‪ُ ﴿ :‬ق ْل َه ْل تَ​َرب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـون﴾ (التوبـة‪ :‬اريـة‬ ‫ص َ‬ ‫ُيص َ‬ ‫َّصـوا إَِّنـا َم َع ُكـم ُّمتَ​َرِّب ُ‬ ‫يب ُك ُم اهللُ ِب َع َذاب ِّم ْن ع ْنده أ َْو ِبأ َْيـدي َنا فَتَ​َرب ُ‬ ‫‪.)12‬‬ ‫وامتد اهلل عز وجل الصابرين العاملين وأرشدنا اهلل تعالى إلى طريق االسـتقامة علـى‬ ‫الص ْـب ِر و َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـع َّ‬ ‫ين * َوالَ‬ ‫الصـا ِب ِر َ‬ ‫ُّها الَّ ِذ َ‬ ‫اهلل َم َ‬ ‫آمنُـوا ْ‬ ‫ذلك قال‪َ ﴿ :‬يا أَي َ‬ ‫اسـتَعينُوا ِب َّ َ‬ ‫الصـالَة إِ َّن َ‬ ‫ين َ‬ ‫يل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِب ِ‬ ‫ـي‬ ‫َح َيـا ٌ َوَل ِكـن الَّ تَ ْ‬ ‫ون * َوَل َنْبلُ َـوَّن ُك ْم ِب َ‬ ‫اهلل أ َْم َو ٌ‬ ‫ش ُـع ُر َ‬ ‫ات َب ْـل أ ْ‬ ‫تَقُولُوا ل َمن ُّي ْق َت ُل في َ‬ ‫شْ‬ ‫س والثَّمر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َوَب ِّ‬ ‫ين إِ َذا‬ ‫ش ِر َّ‬ ‫ين * الَّ ِـذ َ‬ ‫الصا ِب ِر َ‬ ‫ِّم َن ا ْل َخ ْوف َوا ْل ُجوِع َوَن ْقا ِّم َن األ َْم َوال َواألنفُ ِ َ َ َ‬

‫صــيب ٌة َقــالُوا إَِّنــا ِ‬ ‫ِ‬ ‫هلل َوِا َّنــا إَِل ْيـ ِـه ر ِ‬ ‫ات ِّمــن َّرِّب ِهـ ْـم‬ ‫ـون * أُوَل ِـ َ‬ ‫ص ـ َل َو ٌ‬ ‫اج ُعـ َ‬ ‫ـاب ْت ُهم ُّم َ‬ ‫َصـ َ‬ ‫ـك َع َلـ ْـي ِه ْم َ‬ ‫أ َ‬ ‫َ‬ ‫ين‬ ‫ون﴾ (البقـرة‪ :‬اريـات ‪ ،)611 :619‬وقـال عـز وجـل‪﴿ :‬الَّ ِـذ َ‬ ‫َوَر ْح َم ٌة َوأُوَل ِ َك ُه ُم ا ْل ُم ْهتَ ُـد َ‬

‫ش ْو ُه ْم فَ َز َ ِ‬ ‫اس إِ َّن َّ‬ ‫ال لَ ُهم َّ‬ ‫س ُـب َنا اهللُ َوِن ْع َـم‬ ‫اس قَ ْد َج َم ُعوا لَ ُك ْم فَ ْ‬ ‫اخ َ‬ ‫يما ًنا َوقَالُوا َح ْ‬ ‫الن َ‬ ‫الن ُ‬ ‫اد ُه ْم إ َ‬ ‫قَ َ ُ‬ ‫ـه ِرِّبي َ ِ‬ ‫يـر َف َمـا َو َه ُنـوا‬ ‫ـي َق َ‬ ‫ا ْل َو ِكي ُل﴾ (آل عمران‪ :‬ارية ‪َ ﴿ ،)619‬و َكأ َِّين ِّمن َّن ِب ٍّ‬ ‫ات َـل َم َع ُ‬ ‫ُّـون َكث ٌ‬ ‫يل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سـ ِب ِ‬ ‫ـان‬ ‫اسـتَ َكا ُنوا َواهللُ ُي ِح ُّ‬ ‫ـب َّ‬ ‫ين * َو َمـا َك َ‬ ‫الصـا ِب ِر َ‬ ‫اهلل َو َمـا َ‬ ‫ض ُـعفُوا َو َمـا ْ‬ ‫َص َاب ُه ْم في َ‬ ‫ل َما أ َ‬ ‫ِ‬ ‫ص ْـرَنا َعلَـى‬ ‫س َا‬ ‫ـرفَ َنا ِفـي أ َْم ِرَنـا َوثَِّب ْ‬ ‫ـت أَق َ‬ ‫قَ ْولَ ُه ْم إِالَّ أَن قَالُوا َرَّب َنا ا ْغف ْر لَ َنا ُذنُ َ‬ ‫وب َنا َوِا ْ‬ ‫ام َنا َوا ْن ُ‬ ‫ْـد َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يرةً‬ ‫ا ْل َق ْوِم ا ْل َكاف ِرين﴾ (آل عمران‪ :‬اريات ‪َ ﴿ ،)641 :641‬كم ِّمن ف َة َقلي َلة َغ َل َب ْت ف َ ًة َكث َ‬ ‫ْن ِ‬ ‫ِبِإذ ِ‬ ‫الصا ِب ِرين﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪ ،)249‬وحـذرنا عليـه الصـالة والسـالم‬ ‫اهلل َواهللُ َم َع َّ‬ ‫فقـــال‪ " :‬لتـــأمرن بـــالمعروف ولتنهـــون عـــن المنكـــر أو ليعمـــنكم اهلل بعـــذاب مـــن عنـــده"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـيب َّن‬ ‫[الفصل البـن حـزم‪ :‬ا ‪ 611‬مـن هـذا البحـث]‪ ،‬وقـال تعـالى‪َ ﴿ :‬واتَّقُـوا ف ْت َنـ ًة َال تُص َ‬ ‫اصة﴾ (األنفال‪ :‬من ارية ‪.)21‬‬ ‫ئ َل ُموا ِم ْن ُك ْم َخ َّ‬ ‫ين َ‬ ‫الَّ ِذ َ‬

‫والحــق أن ســنن الحيــاة تؤكــد لنــا أن الــدعوات واألمــم إنمــا تنتصــر ويعلـوا شــأنها بمــن‬

‫يسخرهم اهلل عز وجل بفضله ورحمته من الصادقين الصابرين الثـابتين الـذين يشـرون‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪114‬‬

‫الحياة الدنيا بارخرة والذين يبغون في كل قول وعمل وجه اهلل تعـالى‪ :‬وال يخـافون فـي‬ ‫ـه ْم‬ ‫اهلل ا ْ‬ ‫شتَ​َري ِم َن ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫سُ‬ ‫ين أَْنفُ َ‬ ‫الحق لومة ال م أو ذهاب دنيا أو وضياع جاه‪﴿ :‬إِ َّن َ‬ ‫ـون ِرســاالَ ِت ِ‬ ‫اهلل‬ ‫َوأ َْمـ َـوالَ ُه ْم ِبــأ َّ‬ ‫َن لَ ُهـ ُـم ا ْل َج َّنــة﴾ (التوبــة‪ :‬مــن اريــة ‪﴿ ،)666‬الَّ ِــذ َ‬ ‫ين ُيَبلِّ ُغـ َ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ش ْو َن أ َ َّ‬ ‫يبا﴾ (األحزاب‪ :‬ارية ‪.)99‬‬ ‫ش ْوَن ُه َو َال َي ْخ َ‬ ‫َوَي ْخ َ‬ ‫اهلل َو َك َفى ِباهلل َحس ً‬ ‫َح ًدا إِال َ‬ ‫األصول الثالثة السابقة مجمع عليها‪:‬‬ ‫ثم نقول بعون اهلل‪ :‬إن األصول الثالثة التي قدمنا شرحها وهي الجهل والخطأ واإلكراه‬

‫أو االضطرار هي أصول أجمع على صحتها علما المسلمين وفقهـاؤهم فلـم يشـذ أحـد‬

‫عن شرعيتها ووجوب اعتبارها‪ ،‬وان حـدث بعـو االخـتالف فـي التعريـف بهـا أو مـدي‬ ‫ارثار المترتبة عليها وهي أحكام شرعية يتعين على من جلس مجلس القضا إلجـرا‬

‫ويعمـل آثارهـا مـن تلقـا نفسـه‪ ،‬وحتـى ولـو لـم‬ ‫أحكام الشريعة علـى العبـاد أن يراعيهـا ُ‬ ‫يدفع بها الشخا عن نفسه‪ ،‬ولو جهل أنها مقررة شر ًعا وجهـل مـا يترتـب عليهـا مـن‬

‫آثار‪.‬‬

‫الفرق بين عمل القاضي وعمل الداعية‪:‬‬ ‫ولذلك نقول بحق إن الفرق كبير وخطير بين عمل الداعية وعمل القاضي فهذا األخير‬

‫منشغل بإجرا األحكام الشرعية وتطبيقها على وقا ع فردية يحققها ويسـتجلي مشـكلها‬ ‫ويستوضـح غامضـها ويتثبـت ممـا دق مـن جوانبهـا وخفـي مـن أحـداثها ويسـمع شــهود‬ ‫الحال‪ ،‬ويطلـع علـى الوثـا ق واألوراق ويفسـح ألطـراف الخصـومة المجـال أن يـدلي كـل‬

‫وتقوم البينات‪ ،‬ثم هو بعد استنفاذ‬ ‫منهم بحجته‪ ،‬كل ذلك طب ًقا لنئم مقررة تحدد األدلة ِّ‬ ‫ذلك كله واستفراغ جميع جهده يطبق حكم اهلل تعالى على ما ثبت لديه من وقا ع‪.‬‬

‫وقد أدبنا سيد قضاة األ رو عليه الصالة والسالم في ذلك بأسـمى وأجـل مـا يتعـين أن‬

‫يكون عليـه القاضـي مـن حـرا واسـتيثاق واسـتجال للواقعـة المعروضـة محـالً للحكـم‬

‫الشرعي – أخر مسلم عن سليمان بن يزيد عـن أبيـه قـال‪ :‬جـا مـاعز بـن مالـك إلـى‬

‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسـلم – فقـال‪ :‬طهرنـي‪ ،‬قـال عليـه السـالم‪" :‬ويحـك ارجـع‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪115‬‬

‫استغفر اهلل وتب" قال‪ :‬فرجع غير بعيد ثـم جـا فقـال‪ :‬يـا رسـول اهلل طهرنـي‪ ،‬فقـال لـه‬ ‫مثــل ذلــك حتــى إذا كانــت الرابعــة قــال لــه رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم‪" :‬فــيم‬

‫أطهرك؟" قال‪ :‬من الزنا‪ ،‬قال رسول اهلل – صلى اله عليه وسلم "أبه ِج َّنة؟" فـأخبر أنـه‬ ‫لــيس بمجنــون‪ ،‬وفــي روايــة أنــه عليــه الســالم أرســل إلــى قومــه فقــال‪" :‬أتعلمــون بعقلــه‬

‫بأســا؟ أتنكــرون منــه شــي ًا" فقــالوا‪ :‬مــا نعلمــه إال وفــي العقــل مــن صــالحينا‪ ،‬قــال عليــه‬ ‫ً‬ ‫الصــالة والســالم‪" :‬أشــرب خمـ ًـرا؟" فقــام رجــل فاســتنكهه فلــم يجــد ريــح الخمــر‪ ،‬فقــال لــه‬ ‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬أزنيت؟" قال‪ :‬نعم وفـي روايـة ابـن عبـاس للواقعـة‬ ‫أنه عليه الصالة والسالم قال لماعز‪" :‬ويحك لعلك قبلت أو غمـزت أو نئـرت" قـال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫فـأمر عليــه الصــالة والسـالم بــه فــرجم‪ ،‬وفـي واقعــة األســلمي سـأله عليــه الســالم‪" :‬هــل‬

‫اما مثـل مـا يـأتي الرجـل مـن أهلـه حـال ًال" [انئـر‬ ‫تدر ما الزنا؟ قال‪ :‬نعم أتيت منها حر ً‬ ‫الواقعتين وأسانيدهما بالمحلى‪ :‬جـ‪ 66‬ا ‪.]616-611‬‬ ‫فهذا رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – يتثبـت قبـل إنفـاذ الحكـم الشـرعي مـن حجـة‬ ‫إقرار المقر – واإلقرار هو سيد األدلة وأقواها‪ ،‬وكل دليل آخر دونه فـي القـوة – ويتأكـد‬ ‫مـن فهــم المقــر للمعنــى الشــرعي لكلمــة الزنــا وأنـه غيــر جاهــل بــه وال مخطـ فيــه كمــا‬ ‫يتثبــت مــن ســالمة عقلــه وأنــه حــال إقـراره عــالم عاقــل لمــا يقــر ويعتــرف بــه‪ ،‬ال يشــوب‬

‫عقله آفة دا مة أو عارضة طار ة‪.‬‬ ‫تطبيقات مختلفة لألصول السابقة‪:‬‬ ‫ونحن بعد أن قدمنا البراهين من كتاب اهلل والثابت الصحيح من أحاديث الرسول عليـه‬

‫الصالة والسالم على ثبوت تلك األصول الثالثة وحكم كل منها‪ ،‬نـورد بعـون اهلل تعـالى‬ ‫تطبيقات مختلفة لها وقا عها تخا أجلة صـحابة رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم‬ ‫– والتابعين وكبار فقها األمة‪.‬‬ ‫فهـــذا أول الخلفـــا الراشـــدين رضـــوان اهلل علـــيهم‪ ،‬جهـــل حكـــم وجـــوب إجـــال اليهـــود‬

‫والنصاري والمجوس عن جزيرة العرب طوال سـنوات خالفتـه‪ ،‬ومـات رضـوان اهلل تعـالى‬ ‫عليه وهو مقر لهم بها‪ ،‬وتابعه على ذلك أمير المؤمنين عمـر رضـي اهلل عنـه سـنوات‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪116‬‬

‫من خالفتـه حتـى بلغـه أمـر النبـي – صـلى اهلل عليـه وسـلم – فـي ذلـك فـأجالهم عنهـا‬ ‫واستقر إجماع المسلمين منذ ذلك التاريخ على أنه ال يجتمع بجزيرة العرب دينـان ولـم‬

‫أيضا فإن أبا بكر‬ ‫يختلف أحد في أن أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما لم يعصيا بذلك‪ ،‬و ً‬ ‫الصديق رضي اهلل تعالى عنه لم يعرف فرو ميـراث الجـدة وعرفـه محمـد بـن مسـيلمة‬ ‫والمغيرة بن شعبة وقد سأل أبو بكر رضي اهلل عه عا شة أم المؤمنين‪ :‬كم كفن رسول‬

‫اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬؟‪.‬‬ ‫أيضا فإن أبا بكر رضي اهلل تعالى عنه سبى نسا المرتدين‪ ،‬فلما كانـت واليـة عمـر ـ‬ ‫و ً‬ ‫رضي ااهلل عنه ـ رأي ومن معه من الصحابة عدم جـواز ذلـك واسـتقر الـرأ منـذ ذلـك‬ ‫الوقت على أن امرأة المرتد ال تسبى‪ ،‬ولم يقـل أحـد أن أبـا بكـر رضـي اهلل عنـه قـد أثـم‬

‫لما فعل‪.‬‬ ‫وهذا عمر بن الخطاب استغلق عليه فهم آية الكاللـة وكـرر سـؤال رسـول اهلل – صـلى‬

‫اهلل عليه وسلم – عن معناها حتى عنفه الرسول عليه السالم لكثرة سؤاله وأخبـره أنـه‬ ‫أ عمر لن يفهمها‪.‬‬ ‫أيضا فإن عمر بن الخطاب رضي اهلل تعالى عنه لما بلغه القول بوفاة الرسـول عليـه‬ ‫و ً‬ ‫السالم هب قا الً‪" :‬واهلل ما مات رسول اهلل – صلى اهلل عليـه وسـلم – وال يمـوت حتـى‬

‫ـون﴾ (الزمـر‪:‬‬ ‫كالما هذا معناه حتى قر ت عليه‪﴿ :‬إَِّن َك َم ِّي ٌ‬ ‫ـت َوِا َّن ُهـم َّم ِّيتُ َ‬ ‫يكون آخرنا" أو ً‬ ‫ارية ‪ ،)91‬فسقط السيف من يده وخـر علـى األرو وقـال‪" :‬كـأني واهلل لـم أكـن قرأتهـا‬ ‫البتة" ثم هو يتوجه الغداة إلـى المسـجد وقـد اجتمـع النـاس لمبايعـة أبـي بكـر الصـديق‬ ‫رضي اهلل عنه فلما استوي أبو بكر على المنبر قام عمر فتشهد قبله ثم قال‪" :‬أما بعد‬

‫فإني قلت لكم باألمس مقالة وانها لم تكن كما قلت وانـي واهلل مـا وجـدت المقالـة التـي‬

‫قلت لكم في كتـاب اهلل وال فـي عهـد عهـده إلـي رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم –‬ ‫ولكني كنت أرجو أن يعيا رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – حتى ُي ْـد ِبرنا‪ ،‬فاختـار‬ ‫اهلل لرسوله الذ عنده على الذ عندكم‪ ،‬وهذا الكتاب الذ هدي به رسوله فخذوا بـه‬

‫تهتــدوا بمــا هــدي لــه رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم ‪ ،-‬فهــذا عمــر رض ـوان اهلل‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪117‬‬

‫تعــالى عليــه فــي مســجد رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – وفــي حضــور جميــع‬ ‫حكمــا‬ ‫الصـحابة يقـول إنـه قـال قـوالً لـيس فـي كتـاب اهلل وال فـي سـنة رسـول اهلل وحكـم ً‬

‫ليس فيهما وأنه أخطأ فيما قال‪.‬‬

‫ولقــد صــح وثبــت عنــد جميــع أهــل العلــم أن المســلمين كــانوا بــأرو الحبشــة وبأقصــى‬

‫جزيرة العرب‪ ،‬فنزل األمر من اهلل تعالى على رسوله – صلى اهلل عليه وسلم – بما لم‬ ‫امــا كــالخمر وامســاك‬ ‫يكــن فيــه قبــل ذلــك أمــر كالصــوم والزكــاة وتحــريم مــا لــم يكــن حر ً‬ ‫المشركات‪ :‬فال شك أنه لم يأثم أحد منهم بتماديه على ما لم يعلم نزول الحكم فيه‪.‬‬

‫وكذلك كان ينزل األمر مما تقدم فيه حكم بخالف األمر النازل كتحويل القبلة عن بيت‬ ‫المقدس فال شك أنهم لم يأثموا ببقا هم على العمل المنسـوخ‪ ،‬وحـدث هشـام بـن عـروة‬

‫عن أبيه عـن يحيـى بـن عبـد الـرحمن بـن حاطـب قـال‪" :‬تـوفى عبـد الـرحمن بـن حاطـب‬ ‫وأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له نوبية قد صلت وصامت وهـي أعجميـة لـم‬

‫ثيبا‪ ،‬فذهب إلى عمر بن الخطاب فحدثه فأرسل إليهـا‬ ‫تفقه فلم يرعه إال َحَبلُها‪ ،‬وكانت ً‬ ‫عمر فسألها فقال‪ :‬أحبلت؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬من مرعوا بدرهمين‪ ،‬واذا هي تسـتهله بـه وال‬

‫تكتمه فصادف عنده علـي بـن أبـي طالـب وعبـد الـرحمن بـن عـوف وعثمـان بـن عفـان‬

‫جالسـا فاضـطجع‪ ،‬فقـال علـي وعبـد‬ ‫رضي اهلل عنهم فقال‪ :‬أشيروا علـي‪ ،‬وكـان عثمـان‬ ‫ً‬ ‫الرحمن‪ :‬قـد وقـع عليهـا الحـد‪ ،‬فقـال عمـر أشـر علـي يـا عثمـان‪ ،‬قـال‪ :‬قـد أشـار عليـك‬ ‫أخواك‪ ،‬قال أشر علي أنت‪ ،‬قال عثمان‪ :‬أرها تستهل به كأنها ال تعلمه وليس الحـد إال‬

‫على من علمه‪ ،‬فقال عمر لعثمـان‪ :‬صـدقت‪ ،‬والـذ نفسـي بيـده مـا الحـد إال علـى مـن‬

‫تأديبـا لهـا لقعودهـا عـن‬ ‫عاما ً‬ ‫علمه‪،‬ثم أمر عمر رضي اهلل عنه بجلدها ما ة وتغريبها ً‬ ‫السؤال عما يلزمها معرفته من أمر دينها" [األحكام‪ :‬جـ‪ 4‬ا‪ ]619-616‬وهذه الواقعة‬

‫تتضمن‪:‬‬

‫‪ -6‬اتفاق عمر وعثمان بحضرة علي وعبد الرحمن بن عـوف علـى أن الجاهـل معـذور‬

‫بجهله وال حد عليه فيما اقترفه غير عالم بتحريمه‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪118‬‬

‫‪-2‬‬

‫خطأ علي وعبد الرحمن بن عوف فيما حكما به من استحقاق الجارية الحد دون‬

‫مالحئة جهلها‪.‬‬ ‫‪ -9‬أن هذه األعجمية كانت من الجهل وعدم القدرة على الفهم حتى إنهـا لـم تـدرك أن‬ ‫الزنا محرم‪ ،‬وهي محكوم بإسالمها‪ ،‬أعتقت ألنها صلت وصامت‪ ،‬ولم يتشـكك أحـد مـن‬ ‫الصحابة األربعة الكرام في إسالمها ولم يمتحنها أحد منهم ليعرف مدي فهمهـا لمعنـى‬

‫الشهادتين‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫لم يقل أحد من الصحابة األربعة الكرام إنها ارتدت عن اإلسالم الرتكابها الزنا أو‬

‫مشهور من أحكام الشريعة‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫عاما‬ ‫حكما ً‬ ‫لجهلها ً‬ ‫‪ -1‬أن الجاهــل غيــر مؤاخــذ بالحــد لجهلــه‪ ،‬قــد يــؤدب تعزيـ ًـرا لعــدم سـؤاله عمــا يلزمــه‬ ‫معرفته من أمر دينه‪.‬‬ ‫ونهى عمر رضـي اهلل تعـالى عنـه وهـو علـى المنبـر فـي مسـجد الرسـول عليـه الصـالة‬

‫والسالم عن التغالي في مهور النسا استدال ًال بمهور زوجات النبي – صلى اهلل عليه‬ ‫ـار﴾ (النسـا ‪ :‬مـن‬ ‫اه َّن ِق ْنطَ ًا‬ ‫وسلم – حتى ذكرته امرأة بقـول اهلل عـز وجـل ﴿ َوآتَْيـتُ ْم إِ ْح َـد ُ‬ ‫ارية ‪ )21‬فرجع عن نهيه‪.‬‬ ‫وأمــر رض ـوان اهلل عليــه بــرجم مجنونــة حتــى علــم بقــول رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه‬ ‫وسلم – "رفع القلم عن ثالث" فأمر أال ترجم‪.‬‬ ‫وأمر عثمان عليه رضوان اهلل برجم التي ولدت لستة أشهر‪ ،‬فذ ّكره علي بن أبي طالـب‬

‫شـ ْـه ًار﴾ (األحقــاف‪ :‬مــن اريــة ‪ )61‬مــع قولــه‬ ‫صــالُ ُه ثَ َ‬ ‫ـون َ‬ ‫بقولــه تعــالى‪َ ﴿ :‬و َح ْملُـ ُ‬ ‫ال ثُـ َ‬ ‫ـه َوِف َ‬ ‫ضع َن أَوالَ َد ُه َّن حولَ ْي ِن َك ِ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬وا ْلوالِ َد ُ ِ‬ ‫اع َة﴾ (البقرة‪:‬‬ ‫اد أَن ُي ِت َّم َّ‬ ‫املَ ْي ِن لِ َم ْن أ َ​َر َ‬ ‫الر َ‬ ‫ض َ‬ ‫َْ‬ ‫ات ُي ْر ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫من ارية ‪ )299‬فرجع عن األمر برجمها‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪119‬‬

‫وخفـــي علـــى عمـــر بـــن الخطـــاب حـــديث لرســـول اهلل – صـــلى اهلل عليـــه وســـلم – فـــي‬

‫االســت ذان حتــى قــال‪ :‬أخفــي علــي هــذا مــن أمــر الرســول – صــلى اهلل عليــه وســلم ‪-‬؟‬ ‫ألهاني الصفق في األسواق‪.‬‬ ‫وخفي على األنصار ِ‬ ‫وع ْلية المهـاجرين كعثمـان وعلـي وطلحـة والزبيـر وحفصـة وجـوب‬

‫أمـي المــؤمنين‬ ‫الغسـل مـن اإليـال إال أن يكــون أنـزل‪ ،‬وخفـي علـى عا شــة وأم حبيبـة ّ‬ ‫وابن عمر وأبي هريرة وأبي موسى وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وسا ر الجلة من‬

‫فقهـا المدينـة وغيـرهم نســخ الوضـو ممـا مسـت النــار‪[ .‬بالتفصـيل فـي األحكـام‪ :‬جـــ‪6‬‬ ‫ا‪ ،11‬جـ‪ 2‬ا‪ 24‬في بيان سبب االختالف الواقع بين األ مة في صدر هذه األمة]‪.‬‬

‫ال أهدي لرسـول اهلل – صـلى اهلل‬ ‫وروي القرطبي أن مسلم روي عن ابن عباس أن رج ً‬

‫عليه وسلم – راوية "قربة" خمر‪ ،‬فقال له رسول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪" :-‬هـل‬ ‫فسـار الرجـل رجـالً آخـر‪ ،‬فقـال لـه رسـول اهلل – صـلى‬ ‫علمت أن اهلل حرمها؟" قال‪ :‬ال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪" :-‬بم ساررته؟" قال‪ :‬أمرته ببيعها‪ ،‬قال رسول اهلل – صـلى اهلل عليـه‬

‫وسلم – "إن الذ حرم شربها حرم بيعها" ففتح الرجـل المـزادة "القربـة" حتـى أذهـب مـا‬ ‫فيها‪[ .‬الجامع ألحكام القرآن للقرطبي‪ :‬جـ‪ 1‬ا‪.]219‬‬ ‫فهذا رجل ثبت لدي رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – حيازته للخمـر المحرمـة واذا‬

‫بدا له عليه الصالة والسالم أن الرجل لـم يعلـم بـاألمر النـازل بتحريمهـا‪ ،‬لـم يقـم عليـه‬

‫تعزير وال عنفه سوا فيما يتعلق بحيازته الخمر أو بجهله باألمر‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫حدا وال‬ ‫ً‬

‫أما التابعون ومن جا بعدهم من فقها األنصار كأبي حنيفة وسفيان وابـن أبـي ليلـى‬

‫الب َ​َني واألوزاعي والليث والشافعي وأحمد‬ ‫وابن جريج ومالك وابن الماجشون وعثمان ِّ‬

‫عـرف أو تُعـد‬ ‫بن حنبل وابن حزم وابن تيمية وغيرهم فاختالفـاتهم أشـهر وأكثـر مـن أن تُ َّ‬ ‫وكلهــم قــال‪ :‬إذا صــح الحــديث فاضــربوا بقــولي عــرو الحــا ط‪ ،‬والحــديث مــذهبي‪ ،‬مقـ ًا‬ ‫ـر‬

‫بذلك بجهله ببعو الش ار ع واألوامر وكلهم بال شك قد أخطأ في بعو ما حكم بـه فـي‬

‫دين اهلل تعالى‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪111‬‬

‫نتا ج حتمية خطيرة‪:‬‬ ‫والحق أن القول "بأن من غابت عنه األوامر وجهـل الشـ ار ع فإنـه يكـون فاسـد العقيـدة‬ ‫كافر ليس بمسلم"‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫مقتضاه الحتمي بأنه ما كان مسلم على وجـه األرو فـي لحئـة مـا‪ ،‬مـن حـين البعثـة‬

‫إلـى يومنـا هـذا سـوي المعصـوم الـذ علـم الشـ ار ع كلهـا بـال شـك‪ ،‬أمـا مـن عـده عليـه‬ ‫الصالة والسالم فما من أحد إال غاب عنه شي من أحكام الشريعة وبعو من أوامـر‬

‫اهلل تعـــالى‪ ،‬والمفـــرق بـــين بعـــو األوامـــر وبعضـــها ارخـــر وبعـــو األحكـــام الشـــرعية‬

‫حـدا مـن‬ ‫وبعضها ارخر من حيث وجوب العلم بها حتـى يكـون الشـخا‬ ‫مسـلما‪ ،‬يحـد ً‬ ‫ً‬ ‫عنده‪ ،‬ويحكم بغيـر مـا أنـزل اهلل‪ ،‬ويتبـع فـي ذلـك هـواه‪ ،‬إال مـا أجمـع عليـه المسـلمون‬

‫بنا ً على البرهان الثابت من حديث رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – مـن ضـرورة‬ ‫النطــق بشــهادة أن ال إلــه إال اهلل وأن محمـ ًـدا رســول اهلل‪ ،‬واإليمــان بمــا جــا بــه عليــه‬ ‫الصــالة والســالم جملــة وعل ـى الغيــب‪ ،‬والشــهادة بــذلك تقتضــي العلــم بالمشــهود عليــه‬ ‫والبــد‪ ،‬وأمــا مــا زاد علــى ذلــك فلــو جهلــه المــر كلــه فهــو معــذور بجهلــه غيــر كــافر وال‬

‫فاسق وال عاا‪.‬‬ ‫واإلجماع أن كل من كان في أقاصي األرو ولـم يبلغـه سـوي أن اهلل تعـالى قـد ابتعـث‬

‫رسو ًال اسمه محمد بـن عبـداهلل يـدعو النـاس أن يشـهدوا أن ال إلـه إال اهلل وأنـه رسـول‬ ‫اهلل وأن يؤمنوا بلسانه ثم مات لساعته وهو لـم يعلـم حكـم مـن لـم يصـدق الرسـول ولـم‬

‫ينطـق الشـهادتين ولـم يفكـر فـي ذلـك إطالقًــا‪ ،‬وهـو ولـم يصـل إلـى علمـه أن اهلل تعــالى‬ ‫سوف يبعث الناس لـدار أخـري بعـد مـوتهم أو أن اهلل خلـق مال كـة أو سـبق أن أرسـل‬

‫كتابا ولم يعرف أن اهلل حرم أشيا وأحل أشـيا أو فـرو فـرا و أو حـد‬ ‫رسال أو أنزال ً‬ ‫ـدودا‪ ،‬اإلجمــاع المؤكــد أن هــذا الشــخا مســلم مــؤمن مــات علــى اإلســالم واإليمــان‪،‬‬ ‫حـ ً‬ ‫مقطوع بأنه من أهل الجنة‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪111‬‬

‫أيضا فإنه ما من أحد بعد المعصوم عليه الصالة والسالم من الصحابة األجال وأ مة‬ ‫و ً‬ ‫ا لمسلمين وفقها هم المأمورين بالنذارة واالجتهاد‪ ،‬ال وقد أخطأ في حكـم مـا مـن أحكـام‬ ‫الشريعة‪ ،‬فليس بعد المعصوم عليه الصالة والسالم معصوم‪.‬‬ ‫وفقهـا وأقـل قـدرة علــى النئـر فـي األدلـة وأكثـر خطـأ فـي فهــم‬ ‫علمـا‬ ‫ً‬ ‫وعامـة النـاس أقـل ً‬ ‫وجلهم عاجز عـن النئـر فـي األدلـة جاهـل‬ ‫النصوا واستنباط األحكام الشرعية منها‪ُ ،‬‬ ‫بمعرفــة كيفيــة إقامــة الب ـراهين لمعرفــة الحكــم‪ ،‬غيــر قــادر علــى الموازنــة بــين األق ـوال‬ ‫المتضاربة بشـأن كثيـر مـن األحكـام الشـرعية‪ ،‬فلـو كـان الخطـأ فـي معرفـة حكـم اهلل أو‬

‫مخرجــا للمســلم عــن اإلســالم مهمــا صــحت نيتــه‬ ‫الخطــأ المــؤد للعمــل بغيــر حكــم اهلل‬ ‫ً‬ ‫وقصـد إلــى معرفـة اهلل واتباعــه‪ ،‬لمــا وجـد دون المعصــوم عليــه الصـالة والســالم مســلم‬ ‫على اإلطالق‪.‬‬ ‫والقا ــل بالتفرقــة بــين خطــأ فــي حكــم دون حكــم‪ ،‬قا ــل بــدعوي دون برهــان ومخصــا‬

‫لعموم حديث رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬عفي ألمتي عن الخطـأ والنسـيان‬

‫وما استكرهوا عليه"‪" ،‬إذ اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجـر واذا اجتهـد وأصـاب فلـه أجـران"‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـوب ُك ْم﴾‬ ‫يمـا أ ْ‬ ‫َخطَـأْتُ ْم ِبـه َولَكـن َّمـا تَ َع َّم َـد ْت ُقلُ ُ‬ ‫ولقول اهلل عـز وجـل‪﴿ :‬لَ ْـي َ‬ ‫س َعلَ ْـي ُك ْم ُج َنـا ٌ ف َ‬ ‫(األحـزاب‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)1‬إال مــا ورد الــنا صـراحة باســتثنا ه كقاتــل الــنفس المؤمنــة‬ ‫خطأ فتجب عليه الكفارة والدية ولكن ال ينتفي عنه اسم اإليمان‪ ،‬ومن تعدي النصوا‬

‫فقد ئلم نفسه‪ ،‬وقال في دين اهلل برأيه واتبع هواه‪.‬‬

‫الفصل الخامس‬ ‫الجهل والخطأ في العقيدة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وف‬ ‫سو ٌل ِّم ْن أَ​َنفُ ِس ُك ْم َع ِز ٌ‬ ‫ين َر ُؤ ٌ‬ ‫يا َع َل ْـي ُك ْم ِبـا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫يز َع َل ْيه َمـا َعنـتِّ ْم َح ِـر ٌ‬ ‫﴿ َل َق ْد َجا َ ُك ْم َر ُ‬ ‫ِ‬ ‫يم﴾ (التوبة‪ :‬ارية ‪.)621‬‬ ‫َّرح ٌ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪112‬‬

‫ذهبت طا فة إلى أن من خالفهم في شي من مسا ل االعتقاد أو العبادات أو األحكام‬ ‫أو والفتيـا فهـو وكـافر‪ ،‬وذهبــت طا فـة أخـري إلـى أن مــن خـالفهم فـي مسـا ل االعتقــاد‬

‫كافر وال فاسـقًا‪ ،‬ولكنـه‬ ‫فهو وكافر وأن من خالفهم في مسا ل األحكام والعبادات فليس ًا‬ ‫مجتهد معذور إن أخطأ مأجور بنيته‪.‬‬ ‫اقعـا فـي صـفات اهلل عـز وجـل فمـن‬ ‫وذهبت طا فة إلى أنه إذا كان الخالف أو الجهل و ً‬ ‫خالفهم في ذلك أو جهل ذلك فهو كافر وان كان فيما دون ذلك فهو فاسق‪.‬‬ ‫وذهبت طا فة إلى أنه ال يكفر وال يفسق مسلم بقوله في اعتقـاد أو عبـادات أو أحكـام‬

‫ان بما رأي أنـه الحـق‬ ‫أو بجهله شي ًا من ذلك وان كل من اجتهد في شي من ذلك فَ َد َ‬ ‫مأجور على كل حـال‪ :‬إن أصـاب الحـق فـأجران‪ ،‬وان أخطـأ فـأجر‪ ،‬وهـذا قـول ابـن أبـي‬

‫ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثور وداود بن علي وابن حـزم رضـي الـه عـنهم‬

‫جميعا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أيضــا قــول كــل مــن عــرف لـه قــول فــي هــذه المســألة مــن الصــحابة رضـوان اهلل‬ ‫وهــو و ً‬ ‫أبـدا إال‬ ‫عليهم ال يعرف عنهم خـالف فـي ذلـك أصـال وال فـي مسـألة مـن هـذه المسـا ل ً‬ ‫متعمدا حتى يخر وقتها أو ترك أدا الزكاة أو ترك‬ ‫اختالفهم في تكفير من ترك صالة‬ ‫ً‬ ‫الحج أو ترك الصيام في رمضان أو شرب الخمر بعد أن ُح ّد ثال ثًا‪.‬‬

‫والحــق أن كــل مــن ثبــت لــه عقــد اإلســالم فإنــه ال يــزول عنــه إال بــنا أو إجمــاع أو‬ ‫وبالدعوي واالفترا فال‪.‬‬ ‫فوجب أال يكفر أحد بقول قاله إال بأن يخالف ما قـد صـح عنـده أن اهلل تعـالى قالـه أو‬

‫وأن رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – قالــه‪ ،‬فيســتجيز خــالف الــه تعــالى وخــالف‬ ‫رسوله – صلى اهلل عليه وسلم – وسوا كـان ذلـك فـي عقـد ديـن أو فـي نحلـة أو فـي‬

‫فتيا‪ ،‬وسوا كان مـا صـح عنـده مـن ذلـك عهـد رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم –‬

‫منقو ًال نقل إجماع تواتر أو نقل آحاد‪ ،‬إال أن من خالف اإلجماع المتيقن المقطوع على‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪113‬‬

‫صحته فهو أئهر في قطع حجته ووجوب تكفيره باتفـاق الجميـع علـى معرفـة اإلجمـاع‬ ‫وتكفير مخالفه‪.‬‬ ‫ـون حتَّـى يح ِّكم َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يمـا‬ ‫وبرهان صحة قولنا هذا قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬فَالَ َوَرِّب َ‬ ‫ـوك ف َ‬ ‫ـك الَ ُي ْؤم ُن َ َ ُ َ ُ‬ ‫ضـ ْـي َت ويســلِّموا تَ ِ‬ ‫يما﴾ (النســا ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ـج َر َب ْيـ َن ُه ْم ثُـ َّـم الَ َي ِجـ ُـدوا ِفــي أَْنفُ ِسـ ِه ْم َح َر ًجــا ِّم َّمــا قَ َ‬ ‫شـ َ‬ ‫َُ َ ُ ْ‬ ‫ســل ً‬

‫ارية ‪.)11‬‬

‫ال‪ ،‬وال جـا برهـان‬ ‫ال‪ ،‬وال جـا نـا يخرجـه عـن ئـاهره أصـ ً‬ ‫وهذا النا ال يحتمـل تـأوي ً‬ ‫بتخصيصه في بعو وجوه اإليمان‪.‬‬

‫فمــن اســتجاز الحكــم علــى خــالف اهلل ورســوله فقــد انتفــى عنــه اإليمــان بــنا اريــة‬ ‫الكريمة‪.‬‬ ‫والحكم في الدين‪ :‬تحريم أو إيجاب أو إباحة مطلقة أو بكراهة أو باختيار‪.‬‬ ‫وال عبرة بما إذا كانت استجازة خالف اهلل ورسوله في مسا ل االعتقـاد أو العبـادات أو‬ ‫األحكام أو الفتيا‪.‬‬ ‫وأما من لم تقم الحجة عليـه ولـم يقطـع باسـتجازته خـالف اهلل ورسـوله فيمـا بلغـه مـن‬

‫كـافر إال أن يـأتي نـا بتكفيـره‪ ،‬فيتوقـف عنـد‬ ‫الحق وقامت عليه الحجة به‪ ،‬فال يكون ًا‬ ‫النا‪ ،‬كمن بلغه وهو في أقاصي البالد ذكر النبي – صلى اهلل عليه وسلم – فأمسـك‬ ‫عن البحث عن خبره ولم يصدق به‪ ،‬فإنه كافر‪.‬‬ ‫فــإن شــهد أحــد أن ال إلــه إال اهلل وأن محمـ ًـدا رســول اهلل‪ ،‬وقــال‪ :‬ال أدر أحــي هــو أم‬ ‫ميــت‪ ،‬وال أدر لعلــه الرجــل الحاضــر أمـــامي أم غيــره‪ ،‬وقــال‪ :‬ال أدر أقرشــي هـــو أم‬ ‫ال ال علـم‬ ‫تميمي أم فارسي‪ ،‬وال هل كان بالحجاز أو بخراسان‪ ،‬وان كان قا ـل هـذا جـاه ً‬

‫عنده بشي من األخبار والسير‪ ،‬لم يضره ذلك‪ ،‬ووجب تعليمه فإذا ُع َل َِ َم وصح عنده‬ ‫الحق فإن عاند فهو كافر محكوم عليه بحكم المرتد‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪114‬‬

‫ونقول لمن كفر إنسا ًنا بنفس مقالته – دون أن تقوم عليه الحجة فيعاند رسول اهلل –‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم – ويجد في نفسه الحر مما أتى به عليه السـالم – أو بجهلـه‪،‬‬ ‫نقول لمن فعل ذلك‪ :‬أخبرنا‪ ،‬هل تـرك رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم – شـي ًا مـن‬

‫اإلســالم الــذ يكفــر مــن لــم يقــل بــه أو ال يصــح إســالم مــن جهلــه إال وقــد بينــه عليــه‬

‫السالم ودعا إليه الناس كافة؟ فالبد من‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫ومن أنكر ذلك فهو كافر بال خالف‪.‬‬

‫فإذا ذاك هو اليقين‪ ،‬فهل جا قط عـن النبـي – صـلى اهلل عليـه وسـلم – أنـه لـم يقبـل‬ ‫إيمان أهل قرية أو أهل محلة أو إنسـان أتـاه مـن حـر أو عبـد أو امـرأة إال حتـى سـأله‬

‫عـن مفهــوم الشــهادتين ومعــاني كلمـات "اإللــه والــرب والعبــادة والــدين" ومعنــى التوحيــد‬ ‫ومواطن الوقـوع فـي الشـرك ومعنـى الربوبيـة ومـا إذا كـان مقتضـاها حاكميـة اهلل تعـالى‬

‫ومدي قدرته عز وجل وما ماثل ذلـك مـن القضـايا مثـل‪ ،‬هـل االسـتطاعة قبـل الفعـل أو‬

‫ــمعا‬ ‫مـــع الفعـــل أو وأن القـــرآن مخلـــوق أو أن اهلل تعـــالى يـــري أو ال يـــري أو أن لـــه سـ ً‬

‫وبصـرا وحيــاة أو غيـر ذلــك مـن فضــول المتكلمــين التـي أوقعهــا الشـيطان بيــنهم ليوقــع‬ ‫ً‬ ‫بينهم العداوة والبغضا ؟‪.‬‬ ‫أحدا يسلم إال حتى يوقفـه‬ ‫فإن ادعى أحد أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – لم يدع ً‬ ‫على هذه المعاني كان قد كذب بإجماع المسلمين من أهل األرو‪ ،‬وقال مـا يـدر أنـه‬

‫فيه كـاذب‪ ،‬وادعـى أن جميـع الصـحابة رضـي اهلل عـنهم تواط ـوا علـى كتمـان ذلـك مـن‬ ‫فعلـه عليــه الصــالة والســالم‪ ،‬وهــذا محــال ممتنـع فــي الطبيعــة‪ ،‬إذ المحــال الممتنــع فــي‬ ‫الطبيعـة أن يتواطـأ الم ـات بـل ارالف مـن أكــرم أهـل األرو علـى الكـذب وكتمـان أمــر‬

‫هام ثم ال يعـرف ذلـك عـنهم وال يفتضـح كـذبهم‪ ،‬ثـم إن االدعـا بهـذا القـول فيـه نسـبة‬ ‫الكفر إلى الصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬إذ تواط وا على كتمان ما ال يتم إسالم أحـد إال‬

‫به‪.‬‬ ‫أحـدا إلـى شـي مـن هـذا‪ ،‬ولكنـه‬ ‫فإن قال‪ :‬إنه – صلى اهلل عليه وسـلم – لـم َي ْـدعُ قـط ً‬ ‫مـودع فـي القـرآن وفــي كالمـه – صـلى اهلل عليــه وسـلم – قيـل لــه‪ :‬صـدقت‪ ،‬وقـد صــح‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪115‬‬

‫كفر لمـا ضـيع رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه‬ ‫بهذا أنه لو كان جهل شي من هذا كله ًا‬ ‫وسلم – بيان ذلك الحر والعبد والحرة واألمة‪ ،‬ومن جوز هذا فقد قال‪ :‬إن رسول اهلل –‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم – لم يبلا كما أُمر‪،‬ن وأنه عليه الصالة والسالم حكم بإسالم من‬ ‫ال يجوز الحكم بإسالمه‪.‬‬ ‫وهذا كفر مجرد ممن أجازه‪.‬‬ ‫السـير مـن المسـلمين واليهـود والنصـاري والمجـوس‬ ‫وال يشك أحد ممن يدر شي ًا مـن‬ ‫ِّ‬ ‫والمنانيَّة والدهرية في أن رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – مذ بعث لم يزل يـدعو‬ ‫الناس الجما الغفير إلى اإليمان باهلل تعالى وبما أتى به‪ ،‬ويقاتل من أهل األرو من‬

‫متقربـا‬ ‫يقاتله ممن َع َنـد ويسـتحل سـفك دمـا هم وسـبي نسـا هم وأوالدهـم وأخـذ أمـوالهم‬ ‫ً‬ ‫إلى اهلل تعالى بـذلك‪ ،‬وأخـذ الجزيـة واصـغاره‪ ،‬ويقبـل ممـن آمـن بـه‪ ،‬ويحـرم مالـه ودمـه‬

‫وأهله وولده ويحكم لـه بحكـم اإلسـالم وفـيهم المـرأة البدويـة‪ ،‬والراعـي والرعيـة‪ ،‬والغـالم‬ ‫الصـحراو والوحشـي والزنجـي والمسـبي والزنجيـة المجلوبـة والرومـي واألغثـر [الغثــرة‪:‬‬

‫سفلة الناس "القاموس المحيط"] الجاهل والضـعيف فـي فهمـه‪ ،‬فمـا مـنهم أحـد وال مـن‬

‫غيرهم قال عليه السالم‪ :‬أني ال أقبل إسالمك وال يصح لك دين إال حتـى تعـرف مفهـوم‬ ‫الشهادتي‪ ،‬ومعنى الربوبية والحاكمية وصفات اهلل عز وجل وأسما ه وقدراته‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫ومن المحال الممتنع عند أهل اإلسالم أن يكـون عليـه الصـالة والسـالم يغفـل أن يبـين‬ ‫للناس ما ال يصـح ألحـد اإلسـالم إال بـه أو تتفـق علـى إغفـال ذلـك أو تعمـد عـدم ذكـره‬

‫جميع أهل اإلسالم‪ ،‬فإن زعم زاعم أن الناس على عهده عليه الصالة والسالم كان كـل‬ ‫فرد منهم على وجه القطـع والتحديـد يعلـم جميـع ذلـك مـن مجـرد نطقـه بالشـهادة أن ال‬ ‫إله إال اهلل فقد ادعى الكذب وقال ما ال برهان على صحته‪ ،‬وقال بخـالف مـا وردت بـه‬

‫األخبــار الصــحا الثابتــة عــن رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – وبخــالف الواقــع‬ ‫المحسوس‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪116‬‬

‫فإن الثابت في الصحيح من األخبار أن من كانوا بنجد والحجاز وما حولهما في حياته‬ ‫خلصـا‪ ،‬بـل كـان فـيهم المسـتعرب والحبشـي‬ ‫عربـا‬ ‫عليه الصالة والسالم لم يكونوا كلهـم ً‬ ‫ً‬ ‫والفارسي وغير ذلك من األجناس‪.‬‬

‫والثابت الصحيح في األخبار أن من العرب الخلا مـن كـان يجهـل الكثيـر مـن معـاني‬ ‫كلمات "اإلله والرب والعبادة والدين" ومعـاني التوحيـد‪ ،‬وقـد َعلِـم الرسـول عليـه الصـالة‬ ‫والسالم بذلك‪ ،‬ووقع الوهم والخطأ في ذلك من الناس بحضرته عليه الصالة والسالم‪.‬‬ ‫وما اجتمع قط قوم بلا عددهم عشرات األلوف وهـم علـى حـد واحـد مـن الفهـم والـذكا‬

‫والعلم وقوة التمييز وسعة اإلدراك ونفاذ البصيرة‪ ،‬بل مـا اجتمـع قـط قـوم فـي عـدد دون‬ ‫ذلك بكثير إال وكان فيهم المفـرط فـي الـذكا والمفـرط فـي الغبـا ومـا بـين ذلـك‪ ،‬وقـو‬

‫التمييز وضعيفه وما بين ذلك‪ ،‬والعالم المتسع األفق النافذ البصيرة ذو التجربة والخبرة‬ ‫والجاهل قليل اإلدراك‪ ،‬وما بين ذلك‪.‬‬ ‫ومــن كــابر فــي ذلــك وعانــد فإنمــا يحــاول عبثًــا أن يجحــد الواقــع الملمــوس فــي كافــة‬ ‫المجتمعات بين كافة األجناس في كافة األقطار والجهات واألزمان‪.‬‬ ‫وليس يصح في األذهان شي‬

‫إذا احتا النهار إلى دليل‬

‫فصح ضرورة أن الجهل بكل ما سبق أن ذكرنا ال يضر الناطق بالشـهادتين شـي ًان وال‬ ‫يمنع الحكم بإسالمه‪.‬‬ ‫ـن اهلل عليهـا بالتفقـه فـي‬ ‫والفرو علـى الطا فـة العالمـة الواجـب عليهـا النـذارة التـي َم َّ‬ ‫الدين أن تعلم الجاهل ما جهله مما هـو الزم لـه ومـا هـو فـي حاجـة إليـه حتـى ال يقـع‬ ‫فــي مهــاو الشــرك والضــالل وأمــا مــا زاد علــى حــد الحاجــة واللــزوم‪ ،‬فإنمــا هــو ومــن‬

‫فضــول الك ـالم الــذ يثيــره الشــيطان ليوقــع العــداوة والبغضــا بــين المــؤمنين ويفــرق‬

‫صفهم ويشتت جمعهم‪ ،‬وال يلزم الكالم فيه إال إذا خاو الناس فيه‪ ،‬فيلزم حين ـذ بيـان‬ ‫ين ِ‬ ‫وجــه الحــق فيــه مــن الق ـرآن والســنة‪ ،‬لقــول اهلل عــز وجــل‪ُ ﴿ :‬كوُن ـوا قَـ َّـو ِ‬ ‫هلل ُ‬ ‫ام َ‬ ‫شـ َ‬ ‫ـه َدا َ‬ ‫ِ‬ ‫س ِط﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪.)1‬‬ ‫ِبا ْلق ْ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪117‬‬

‫فمـن عانـد بعـد بيـان الحـق وقيـام الحجــة الال حـة فهـو كـافر إذ لـم يحكـم رســول اهلل –‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم – وال سلّم بما قضى به عليه الصالة والسالم‪.‬‬ ‫وانه لجدير بنا أن نمعن النئر في ذلك البرهان الذ قدمناه وأن نقدره حـق قـدره‪ ،‬فهـو‬

‫برهــان مــن عمــل رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – وقولــه فــي مقــام ال يختلــف‬ ‫مسلمان أو وغير مسلمين أنه بيـان للشـرع وشـريعة الزمـة‪ ،‬وهـو وبرهـان منقـول إلينـا‬

‫نقل الكافة عن الكافة الذ هو أقوي أنواع التواتر وأئهر أوجه اإلجماع‪.‬‬ ‫ونحن لم نعـرف شـي ًا عـن مبعـث رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم – وال شـي ًا ممـا‬ ‫جــا بــه أو عملــه إال عــن طريــق الصــحابة األجــال رضـوان اهلل علــيهم‪ ،‬وأقــوي وأثبــت‬ ‫وأبعد عن كل شك من ذلك ما أجمعوا عليه ونقل عنهم إلينا جيال بعد جيـل نقـل الكافـة‬

‫عن الكافة‪.‬‬ ‫ونحــن لــم نتــيقن مــن صــحة حــرف ممــا ورد بــالقرآن الكــريم وأن الرســول عليــه الصــالة‬

‫والسالم نطق به‪ ،‬إال عن طريق الصحابة رضـوان اهلل تعـالى علـيهم ومـا أجمعـوا عليـه‬ ‫من ذلك‪ ،‬ونقل إلينا عنهم نقل الكافة عن الكافة جيالً بعد جيل‪.‬‬ ‫ومن استجاز التشكك في خبر عـن رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم – هـو موضـع‬ ‫ال بعــد‬ ‫إجمــاع الصــحابة ورضـوان اهلل علــيهم المنقــول إلينــا نقــل الكافــة عــن الكافــة جــي ً‬

‫جيـل‪ ،‬فقــد أسـقط برهانــه علــى صـحة مبعــث الرســول عليـه الســالم وجميــع مـا جــا بــه‬ ‫وصحة القرآن الكريم وأنه كله حق نطق بكل حرف فيه الرسـول عليـه الصـالة والسـالم‬

‫لم يلحقه منذ ذلك الحين تغيير وال تبديل‪.‬‬ ‫وبرهان آخر‪:‬‬ ‫خيـرا قـط فلمـا‬ ‫فقد صـح عـن رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم – أن رجـالً لـم يعمـل ً‬ ‫حضره الموت قال ألهله‪ ،‬إذا مت فأحرقوني ثم ذروا رماد في يوم را [أ يوم شـديد‬

‫عذابا‬ ‫علي اهلل تعالى ليعذبني ً‬ ‫ريحه] نصفه في البحر ونصفه في البر‪ ،‬فواهلل ل ن قدر ّ‬ ‫أحدا من خلقه‪ ،‬وأن اهلل عز وجل جمع رماده فأحيـاه وسـأله‪ ،‬مـا حملـك علـى‬ ‫لم يعذبه ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪118‬‬

‫ذلك؟ قال‪ :‬خوفك يا رب‪ ،‬وان اهلل تعـالى غفـر لـه لهـذا القـول [الفصـل البـن حـزم‪ :‬جــ‪4‬‬ ‫ا ‪.]21‬‬ ‫فهـذا إنسـان جهـل إلـى أن مـات أن اهلل عـز وجــل يقـدر علـى جمـع رمـاده واحيا ـه وقــد‬ ‫غفر اهلل تعالى له إلقراره وخوفه وجهله‪ ،‬فصح يقي ًنا أن هذا الذ‬ ‫اهلل َال َي ْغ ِف ُر‬ ‫معذور بجهله‪ ،‬غير كافر وال مشرك‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬إِ َّن َ‬ ‫شا ُ﴾ (النسا ‪ :‬من ارية ‪.)41‬‬ ‫ون َذلِ َك لِ َمن َّي َ‬ ‫َما ُد َ‬

‫جهل قدرة اهلل تعالى‬ ‫ش َـر َك ِب ِـه َوَي ْغ ِف ُـر‬ ‫أَن ُي ْ‬

‫ولقد حاول البعو الخرو من هذا الدليل فقال‪ :‬إن معنى "ل ن قدر اله علي" هـو ألن‬ ‫َما إِ َذا َما ْابتَالَهُ فَقَ َد َر َعلَ ْي ِه ِرْزقَ ُه﴾ (الفجر‪ :‬من‬ ‫علي‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وأ َّ‬ ‫ضيق اهلل ّ‬ ‫ارية ‪.)61‬‬ ‫وهذا تأويل باطل إذ ال برهان عليه‪ ،‬ولو صح ذلك التأويل لمـا كـان ألمـر ذلـك اإلنسـان‬

‫بأن يحرك وي ّذر رماده معنى‪ ،‬والـذ ال شـك فيـه أنـه إنمـا أمـر بـذلك ليفلـت مـن عـذاب‬ ‫اهلل فقد توهم أن اهلل تعالى ال يقدر على جمعه واحيا ه إذا فعل ذلك‪.‬‬

‫برهان ثالث‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ــال ا ْل َح َو ِ‬ ‫ــل‬ ‫ــن َم ْــرَي َم َه ْ‬ ‫هــو أبــين وأوضــح وهــو قولــه تعــالى‪﴿ :‬إِ ْذ قَ َ‬ ‫يســى ْاب َ‬ ‫اري َ‬ ‫ُّــون َيــا ع َ‬ ‫الس َما ِ ﴾ (الما دة‪ :‬مـن اريـة ‪ )662‬إلـى قولـه‪:‬‬ ‫ُّك أَن ُي َنِّز َل َعلَ ْي َنا َما ِ َدةً ِّم َن َّ‬ ‫ستَ ِطيعُ َرب َ‬ ‫َي ْ‬

‫ص َد ْقتَ​َنا﴾ (النسـا ‪ :‬مـن اريـة ‪ )669‬فهـؤال الحواريـون الـذين أثنـى اهلل‬ ‫﴿ َوَن ْع َل َم أَن َق ْد َ‬ ‫ُّـك أَن ُي َن ِّـز َل َع َل ْي َنـا َما ِ َـدةً‬ ‫سـتَ ِطيعُ َرب َ‬ ‫عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليه السالم‪َ ﴿ :‬ه ْل َي ْ‬ ‫الس َما ِ ﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪ )662‬ولم يبطل بذلك إيمانهم‪.‬‬ ‫ِّم َن َّ‬ ‫وقد رام الـبعو الخـالا مـن هـذا الـدليل فقـالوا إن اريـة وارد فيهـا قـرا ة أخـري‪( :‬هـل‬ ‫تستطيع) بالتا (ربَّك) بفتح البا بمعنى هل يطيعك ربك إن سألته‪.‬‬ ‫ومع التسليم بصحة هذه القرا ة األخيرة فإن القاعدة األصولية الواجبة االتبـاع أنـه إذا‬

‫كانت لآلية أكثر من قرا ة فإن الواجب إعمال كل قرا ة صحيحة ثابتة‪ ،‬واألخذ واعتبار‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪119‬‬

‫المعنــى الــذ تــدل عليــه كــل قـرا ة‪ ،‬إذ مــا دامــت القـرا ات كلهــا ثابتــة عــن الرســول –‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم – فكلها قرآن موحى به من اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫وليس قرآن بأولى من قرآن‪.‬‬ ‫ومؤدي األخذ بمعنـى قـرا ة دون قـرا ة أخـري إبطـال إحـدي القـرا تين وفـي ذلـك إبطـال‬

‫لــبعو الق ـرآن‪ ،‬واذ الق ـرا ة األولــى صــحيحة باالتفــاق وهــي المكتوبــة فــي المصــاحف‬ ‫المتداولة بين أيد الناس‪ ،‬فواجب األخذ بموجبها واعتبار داللة معناها‪.‬‬

‫وقد ذهـب بعـو آخـر إلـى أن السـؤال إنمـا وقـع مـن أنـاس كـانوا مـع الحـواريين ال مـع‬ ‫الحواريين أنفسهم‪ ،‬ويكفي إلبطال هذا القول أن اهلل تعـالى قـد نـا فـي اريـة الكريمـة‬

‫ـال ا ْل َح َو ِ‬ ‫ـون﴾‬ ‫علــى أن الس ـؤال وقــع مــن الح ـواريين أنفســهم‪ ،‬قــال اهلل تعــالى‪﴿ :‬إِ ْذ قَـ َ‬ ‫ارُّيـ َ‬ ‫(الما دة‪ :‬من ارية ‪.)662‬‬ ‫وبرهان رابع‪:‬‬

‫أخر البخار رضي اهلل تعالى عنه عـن أنـس رضـي اهلل تعـالى عنـه أنـه قـال‪ :‬كسـرت‬

‫الربيعة "وهي عمـة أنـس بـن مالـك" ثنيـة جاريـة مـن األنصـار فطلـب القـوم القصـاا‪،‬‬

‫فأتوا النبي – صلى اهلل عليـه وسـلم – فـأمر النبـي بالقصـاا‪ ،‬فقـال أنـس بـن النضـر‬ ‫عم أنس بن مالك‪ ،‬ال واهلل ال تكسر سنها يـا رسـول اهلل‪ ،‬فقـال رسـول اهلل – صـلى اهلل‬

‫الديـة" فقـال‬ ‫عليه وسلم ‪" :-‬يا أنس‪ .‬كتاب اهلل القصاا" فرضي القوم وقبلـوا األرا " ِّ‬ ‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬إن من عباد اهلل مـن لـو أقسـم علـى اهلل ألبـره"‬

‫[البخار ‪ :‬جـ‪ 2‬ا‪.]11‬‬ ‫برهان خامس‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫َص َنام لَّ ُه ْم قَالُوا‬ ‫س َار ِ َ‬ ‫يل ا ْل َب ْح َر فَأَتَْوا َع َلى قَ ْوم َي ْع ُكفُ َ‬ ‫ون َع َلى أ ْ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َج َاوْزَنا ِب َبني إِ ْ‬ ‫اج َعل لَّ َنا إِلَ ًها َك َما لَ ُه ْم آلِ َه ٌة﴾ (األعراف‪ :‬من ارية ‪.)691‬‬ ‫وسى ْ‬ ‫َيا ُم َ‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪121‬‬

‫فهؤال قوم موسى جهلوا قـدر اهلل عـز وجـل ومـا يجـب أن ينـزه عنـه تعـالى مـن المثيـل‬

‫والشـريك‪ ،‬ولسـنا نحـن الــذين نقـول بجهلهـم هــذا‪ ،‬وانمـا هـو قــول موسـى عليـه الســالم‬

‫ون﴾ (األعراف‪ :‬من ارية ‪.)691‬‬ ‫لهم‪﴿ :‬قَ َ‬ ‫ال إَِّن ُك ْم قَ ْوٌم تَ ْج َهلُ َ‬ ‫وبرهان سادس‪:‬‬

‫أيضا ما رواه ابن حزم والقرطبي وابن كثيـر مـن‬ ‫ما سبق أن رويناه عن الشاطبي وهو ً‬ ‫أن جهال العرب قالوا لرسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬اجعل لنا ذات أنـواط كمـا‬ ‫لهم ذات أنواط فقال عليه الصالة والسالم‪" :‬قلتم والذ نفس محمد بيـده كمـا قـال قـوم‬

‫إلها كما لهم آلهة‪ ،‬قال‪ :‬إنكم قوم تجهلون‪ ،‬إنها السنن‪ ،‬لتركبن سـنن‬ ‫موسى اجعل لنا ً‬ ‫مــن كــان قــبلكم" [جوامــع الســيرة البــن حــزم‪ :‬ا‪ 291‬واللفــئ البــن حــزم وســبق ذكــر‬ ‫رواياته]‪.‬‬ ‫فردا على‬ ‫فردا ً‬ ‫وهذا برهان يدحو الزعم بأن جميع من قبل عليه الصالة والسالم كانوا ً‬ ‫علم كامل بجميع معاني األلوهية والربوبية والتوحيد‪.‬‬ ‫وهو برهان كسابقه دال على أن الجاهل معذور بجهله حتى تقوم عليه الحجة‪.‬‬ ‫وبرهان سابع‪:‬‬ ‫أخر أحمد والطبر رضي اهلل عنهما عن أبي موسـى األشـعر رضـي اهلل تعـالى عنـه‬

‫أنه قال‪ :‬خطبنا رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – فقـال‪" :‬يـا أيهـا النـاس اتقـوا هـذا‬ ‫الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل" فقال له من شا اهلل تعالى أن يقول‪ :‬وكيـف نتقيـه‬

‫وهو وأخفى من دبيب النمل‪ ،‬قال‪" :‬قولوا اللهم إنـا نعـوذ بـك أن نشـرك بـك شـي ًا نعلمـه‬ ‫ونستغفرك لما ال نعلمه" فهذا رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم – يعلمنـا أن الشـرك‬

‫نوعان‪ :‬مـا هـو ومعلـوم لنـا‪ ،‬ومـا خفـي علينـا وأمرنـا عليـه السـالم أن نسـتغفر اهلل عـز‬

‫وجل مما نقع فيه من شرك نجهله أ نجهل أنه شرك وبالضرورة ندر أن الرسـول –‬

‫عليـه الصــالة والســالم – ال يأمرنـا أن نطلــب مــن اهلل أن يغفـر لنــا إال مــا أجــاز اهلل أن‬ ‫ـي بقــول اهلل عــز‬ ‫يغفــره لنــا‪ ،‬فصــح أن ذلــك الشــرك الــذ يجهلــه المــر لــيس هــو المعنـ ّ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪121‬‬

‫شــا ُ﴾ (النســا ‪ :‬مــن‬ ‫اهلل َال َي ْغ ِفـ ُـر أَن ُي ْ‬ ‫ـك لِ َمــن َّي َ‬ ‫ون َذلِـ َ‬ ‫شـ َـر َك ِبـ ِـه َوَي ْغ ِفـ ُـر َمــا ُد َ‬ ‫وجــل‪﴿ :‬إِ َّن َ‬ ‫ارية ‪ ،)41‬والذ يسمى المتصف بـه فـي الشـريعة مشـرًكا‪ ،‬وصـح أن الجاهـل معـذور‬ ‫بجهله‪ ،‬إذ ال اخـتالف بـين أحـد مـن األمـة أن أ نـوع مـن الشـرك إذا مـا ئهـر وعلمـه‬ ‫الشخا فهو ليس بخاف عليه بل هو معلوم له حين ذلـك فـإذا وقـع فيـه وقارفـه وهـو‬

‫عالم به فهو كافر مشرك محكوم بردته‪.‬‬ ‫وبرهان ثامن‪:‬‬

‫أخر الشافعي رضـي اهلل تعـالى عنـه فـي شـأن مـا سـنه رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه‬

‫وسلم – في كل من امتحنهم لإليمـان – وهـو مـا أخرجـه اإلمـام مالـك فـي الموطـأ رواه‬

‫أيضا – أن معاوية بن الحكم قال‪ :‬أتيت رسـول اهلل بجاريـة‪،‬‬ ‫مسلم وأبو داود والنسا ي ً‬ ‫علي رقبة‪ ،‬أفأعتقها؟ فقال لها رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫فقلت‪ :‬يا رسول اهلل ّ‬ ‫‪" :-‬أيــن اهلل؟" فقالــت‪ :‬فــي الســما ‪ ،‬فقــال‪" :‬ومــن أنــا؟" قالــت‪ :‬أنــت رســول اهلل‪ ،‬قــال‪:‬‬

‫"فأعتقها"‪[ .‬الرسالة للشافعي‪ :‬ا‪.]11‬‬ ‫وبرهان تاسع‪:‬‬ ‫وهـو برهـان ضـرور ال خـالف عليـه‪ ،‬ذلـك أن األمــة مجمعـة كلهـا بـال خـالف مـن أحــد‬

‫عامـدا وهـو يـدر أنهـا فـي المصـاحف بخـالف‬ ‫بـدل آيـة مـن القـرآن‬ ‫منهم على أن من ّ‬ ‫ً‬ ‫عامدا فإنه كافر بإجماع األمة كلها‪.‬‬ ‫ذلك أو أسقط منها كلمة أو زاد فيها كلمة‬ ‫ً‬

‫ثــم إن المــر يخطـ فــي الــتالوة فيزيــد كلمــة ويــنقا أخــري ويبــدل كــالم اهلل عــز وجــل‬

‫ـدرا أنــه مصــيب واذا عارضــه آخــر كــابره ونــائره قبــل أن يبــين لــه الحــق‪ ،‬وال‬ ‫جــاهالً مقـ ً‬ ‫آثما‪.‬‬ ‫يكون بذلك عند أحد من األمة ًا‬ ‫كافر أو وفاسقًا أو ً‬

‫فإذا وقـف علـى المصـاحف أو أخبـره بـذلك مـن القـرا مـن تقـوم الحجـة بخبـره فإنـه إن‬ ‫تمادي على مكابرته فهو عند اهلل كافر بذلك ال محالة‪.‬‬ ‫وهذا هو الحكم الجار في جميع الديانة‪:‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪122‬‬

‫وقد احتج البعو لقولهم بتكفير من خالفهم في شي من المعتقـدات بحـديث منسـوب‬

‫القدرية المرج ة مجوس هذه األمة‪ ،‬وبحديث‬ ‫لرسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – أن‬ ‫ّ‬ ‫آخر فيه أنه تفترق األمة على بضع وسبعين فرقة كلهـا فـي النـار‪ ،‬حاشـا واحـدة فهـي‬ ‫في الجنة‪.‬‬ ‫وهذان حديثان ال يصحان من طريق اإلسناد‪ ،‬وما كان هكذا فليس حجة‪.‬‬ ‫أيضا القا لون بتكفير مـن خـالفهم فـي شـي مـن المعتقـدات أو جهلهـا‬ ‫ومما احتج به ً‬ ‫ض َّـل سـعيهم ِفـي ا ْلحيـ ِ‬ ‫ـاة‬ ‫قـول اهلل تعـالى‪ُ ﴿ :‬ق ْـل َه ْـل ُن َن ِّبـ ُ ُكم ِب ْ‬ ‫َع َمـا ًال * الَّ ِـذ َ‬ ‫ين أ ْ‬ ‫س ِـر َ‬ ‫َ​َ‬ ‫األخ َ‬ ‫ين َ َ ْ ُ ُ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ص ْن ًعا﴾ (الكهف‪ :‬اريات ‪.)614 :619‬‬ ‫ون أ ََّن ُه ْم ُي ْح ِس ُن َ‬ ‫س ُب َ‬ ‫ون ُ‬ ‫الد ْن َيا َو ُه ْم َي ْح َ‬ ‫وآخــر هــذه اريــة مبطــل الحتجــا مــن احــتج بهــا ألن اهلل تعــالى وصــل قولــه تعــالى‪:‬‬ ‫ين َكفَــروا ِبآيـ ِ‬ ‫ون ص ـ ْنعا﴾ بقولــه تعــالى‪﴿ :‬أُولَ ِـ َ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـت‬ ‫ـات َرِّب ِهـ ْـم َولِقَا ِـ ِـه فَ َح ِبطَـ ْ‬ ‫َ‬ ‫﴿ ُي ْحس ـنُ َ ُ ً‬ ‫ـك الــذ َ ُ‬ ‫اؤ ُهم جه َّـنم ِبمـا َك َفـروا واتَّ َخـ ُذوا آي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعمالُهم فَ َ ِ‬ ‫ـاتي‬ ‫ام ِة َوْزًنا * َذلِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫أ ْ َ ُْ‬ ‫ـك َج َـز ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫يم َل ُه ْم َي ْوَم ا ْلق َي َ‬ ‫ال ُنق ُ‬ ‫سلِي ُه ُزًوا﴾ (الكهف‪ :‬اريـات ‪ )611 :611‬فـدل ذلـك علـى أن أول اريـة فـي الكفـار‬ ‫َوُر ُ‬ ‫المخالفين لديانة اإلسالم جملة‪.‬‬

‫فإن قال قا ـل‪ :‬إن عـذرتم المجتهـدين إذا أخطـأوا والجـاهلين إذا جهلـوا فأعـذروا اليهـود‬ ‫والنصاري وسا ر الملل فإنهم مجتهدون قاصدون الخير‪.‬‬ ‫فنقـول بعــون اهلل‪ :‬إننــا لــم نعـذر مــن عــذرنا بآرا نــا‪ ،‬كمــا أننـا ال نحكــم بكفــر أحــد بئننــا‬ ‫وهوانــا‪ ،‬ولكــن مــن عــذره اهلل تعــالى وقبــل عــذره وعفــا عــن جهلــه وخط ــه وأجــره علــى‬

‫اجتهــاده وان أخطــأ وحكــم تعــالى بإســالمه وايمانــه وان جهــل أو أخطــأ‪ ،‬حكمنــا نحــن‬ ‫بإسالمه وايمانه وقلنا بحكم اهلل فيه‪.‬‬

‫ومن لم يعذره ربه وحكم تع الى بأنه قد قامت عليه الحجة البالغة الدامغة التـي ال تقبـل‬ ‫ال أو خطأ‪ ،‬وقضى تعالى بأنه كافر مشرك‪ ،‬حكمنا نحن بأنـه كـافر مشـرك‪،‬‬ ‫ًا‬ ‫عذر أو جه ً‬ ‫وقلنا بحكم اهلل تعالى فيه وليس أحد يدخل الجنة أو النـار‪ ،‬ولكـن اهلل تعـالى هـو الـذ‬

‫يدخل فيهما من يشا ‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪123‬‬

‫وال يختلف اثنان من أهل األرو وال نقول من المسـلمين فقـط بـل نقـول مـن كـل ملـة‪،‬‬

‫فــي أن رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم – قطــع بــالكفر علــى أهــل كــل ملــة غيــر‬ ‫اإلسالم الذ تبرأ أهله من كل ملة حاشا التـي أتـاهم بهـا عليـه الصـالة والسـالم فقـط‪،‬‬

‫فوقفنا عند ذلك وقلنا وحكمنا به‪.‬‬ ‫أيضا في أنه عليه الصالة والسالم قطع عند ذلك باسم اإليمـان علـى‬ ‫وال يختلف اثنان ً‬ ‫كل من اتبعه وصدق بكل ما جا به وتب أر من كل دين سوي ذلك‪ ،‬فوقفنا عنـد ذلـك وال‬

‫نزيد‪.‬‬

‫فمن جا نا في إخراجه عن اإلسالم بعد حصول اسم اإلسالم له أخرجناه منه سوا‬

‫أجمع على خروجه عنه أو لم يجمع وكذلك من أجمـع أهـل اإلسـالم علـى خروجـه عـن‬

‫اإلسالم فواجب اتباع اإلجماع في ذلك‪.‬‬ ‫أما ما ال نا فـي خروجـه عـن اإلسـالم بعـد حصـول اسـم اإلسـالم لـه‪ ،‬وال إجمـاع فـي‬ ‫خروجه عني فال يجوز إخراجه عما صح يقي ًنا حصوله فيه بئن أو بدعوي بال برهان‪.‬‬ ‫ُنوجز ما قدمنا فنقول بعون اهلل‪:‬‬ ‫س ـو ًال﴾ (اإلس ـرا ‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)61‬وقــال‬ ‫ين َحتَّــى َن ْب َعـ َ‬ ‫قــال تعــالى‪َ ﴿ :‬و َمــا ُك َّنــا ُم َعـ ِّـذ ِب َ‬ ‫ـث َر ُ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬أل ِ‬ ‫ـك الَ‬ ‫ُنذ َرُك ْم ِب ِه َو َمـن َبلَـاَ﴾ (األنعـام‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)69‬وقـال تعـالى‪﴿ :‬فَـالَ َوَرِّب َ‬ ‫ـون حتَّــى يح ِّكمـ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضـ ْـي َت‬ ‫يمــا َ‬ ‫ـج َر َب ْيـ َن ُه ْم ثُـ َّـم َال َي ِجـ ُـدوا ِفــي أَْنفُ ِسـ ِه ْم َح َر ًجــا ِّم َّمــا َق َ‬ ‫شـ َ‬ ‫ـوك ف َ‬ ‫ُي ْؤم ُنـ َ َ ُ َ ُ‬ ‫ويسلِّموا تَ ِ‬ ‫يما﴾ (النسا ‪ :‬ارية ‪ )11‬فهذه اريات بها حكم جميع ما قدمنا‪ ،‬فصح أن‬ ‫ْ‬ ‫سل ً‬ ‫َُ َ ُ‬ ‫من بلغه أمر النبي – صلى اهلل عليه وسلم – فلم يؤمن به فهو كافر‪.‬‬ ‫فإن آمن ثم اعتقد مـا شـا اهلل أن يعتقـده مـن نحلـة أو فتيـا أو عمـل مـا شـا اهلل أن‬

‫كـم بخـالف مـا‬ ‫يعمله دون أن يبلغـه فـي ذلـك عـن النبـي – صـلى اهلل عليـه وسـلم – ُح ٌ‬ ‫ال – حتى يبلغه حكم النبي – صلى‬ ‫اعتقد أو ما عمل أو ما قال – فال شي عليه أص ً‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪124‬‬

‫مجتهـدا‪،‬‬ ‫فإن بلغه حكم النبي – صلى اهلل عليه وسـلم – وصـح عنـده‪ ،‬فـإن مـا خالفـه‬ ‫ً‬

‫فما لم َي ِب ْن له وجه الحق في ذلك فهو مخط معذور مأجور مرة واحدة كما قال عليـه‬ ‫الصـالة والســالم‪" :‬إذا اجتهــد الحـاكم فأخطــأ فلــه أجــر‪ ،‬واذا اجتهـد فأصــاب فلــه أجـران"‬ ‫وكل معتقد أو قا ل أو عامل فهو وحاكم في ذلك الشي ‪.‬‬ ‫معتقدا بخالف ما عمل فهو مؤمن فاسق‪.‬‬ ‫معاند الحق‬ ‫فإن خالفه بعمله‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫معاندا بقوله أو قلبه فهو كافر مشرك ألنه لـم ُي ِّ‬ ‫حكـم الرسـول عليـه الصـالة‬ ‫وان خالفه‬ ‫ً‬ ‫والسالم ولم يسلم بما قضى به‪.‬‬ ‫كــل ذلــك ســوا فـــي المعتقــدات أو األحكــام أو العبــادات أو الفتيـــا [أخــذنا هــذا البـــاب‬

‫بتصــرف عــن الفصــل البــن حــزم جـــ‪ 6‬ا‪ 61‬تحــت عنـوان الكــالم فــيمن يكفــر وال يكفــر‬ ‫ا‪ 19‬تحت عنوان هل يكون مؤم ًنا من اعتقد اإلسالم دون استدالل]‪.‬‬ ‫ونختم هذا الفصل فنقول بعون اهلل تعالى‪:‬‬ ‫إن من علم بهذه اريات البينات من كتاب اهلل تعالى والثابت الصـحيح عـن رسـول اهلل‬

‫– صلى اهلل عليه وسلم – فوضح لـه الحـق‪ ،‬ثـم علـم قـول الرسـول – صـلى اهلل عليـه‬

‫وسـلم ‪" :-‬مـن قـال ألخيـه يـا كـافر فقـد بـا بهـا أحـدهما" وتـذكر قـول اهلل تعــالى‪َ ﴿ :‬و َال‬ ‫ـن‬ ‫س لَ َك ِب ِه ِع ْل ٌم﴾ (اإلسرا ‪ :‬ارية ‪ )91‬وقوله تعـالى‪﴿ :‬إِ َّن الئَّ َّ‬ ‫تَ ْق ُ‬ ‫ـن الَ ُي ْغ ِنـي ِم َ‬ ‫ف َما لَ ْي َ‬ ‫شـ ْـي ًا﴾ (الــنجم‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)21‬وقــول المعصــوم عليــه الصــالة والســالم‪" :‬إيــاكم‬ ‫ا ْل َحـ ِّ‬ ‫ـق َ‬ ‫والئـن فـإن الئـن أكـذب الحـديث" لحـر بـه أن يمسـك لسـانه قبـل أن يلقـي علـى غيـره‬ ‫بأعئم وأشنع وأسقط ما يتهم به إنسان‪ ،‬وهو الكفر والشرك يخالقه دون أن تقوم على‬ ‫ذلـك البينـة الشــرعية القاطعـة واألدلـة التــي ال شـك وال ئـن فيهــا‪ ،‬أو أن يتبـع ئنـه فــال‬

‫يحكم عليه بما أمره اهلل تعالى أن يحكم به عليه من اإلسالم‪.‬‬ ‫روي ابــن حــزم فــي جوامــع الســيرة أن العبــاس رضــي اهلل عنــه أتــى بــأبي ســفيان يــوم‬

‫الفتح‪ ،‬فقال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – ألبي سفيان‪" :‬ألم يأن لك؟ ألـم تعلـم‬

‫أنه ال إله إال اهلل؟" فقال أبو سفيان‪ :‬بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمـك وأوصـلك‪ ،‬واهلل‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪125‬‬

‫لقد ئننت أنه لو كان معه إله غيره لقد أغنى‪ ،‬ثم قال له رسول اله – صلى اهلل عليـه‬

‫وسلم ‪" :-‬ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك؟ ألم تعلم أني رسول اهلل؟" فقال أبو سـفيان‪:‬‬ ‫بأبي أنت وأمي‪ :‬ما أحلمك وأكرمك وأوصلك‪ ،‬أمـا هـذه واهلل فـإن فـي نفسـي منهـا شـي ًا‬

‫حتى ارن‪ ،‬فقال له العباس‪ :‬ويحك أسلم قبـل أن تضـرب عنقـك فأسـلم‪ ،‬فقـال العبـاس‪:‬‬

‫يا رسول اهلل‪ ،‬إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل لـه شـي ًا‪ ،‬فقـال رسـول اهلل –‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬من دخـل دار أبـي سـفيان فهـو آمـن‪ ،‬ومـن أغلـق بابـه فهـو‬ ‫آمن ومن دخل المسجد فهو آمن" [جوامع السيرة البن حزم‪ :‬ا‪.]229‬‬ ‫وهذا هو الحكم باإلسالم على الئاهر الذ حكم به رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪.‬‬‫ثم نقول للذين قالوا إن البيعة ولزوم الجماعة من شروط اإليمان‪:‬‬ ‫إن كل مـن نطـق بالشـهادتين فهـو مسـلم مـؤمن ولـو جهـل لـزوم البيعـة ووجـوب التـزام‬ ‫الجماعة حتى يبلغه األمر بذلك‪ ،‬وتقوم عليه الحجة الال حة بثبوته‪ ،‬ثـم إنـه إن اعتقـد‬

‫خــالف مــا رآه غيــره فــي معنــى البيعــة والجماعــة واإلمامــة الحقــة مجتهـ ًـدا فــي ذلــك مــا‬ ‫مسترشدا بأقوال الفقها المشهود لهم بـالعلم والـورع‪ ،‬وهـم قـد‬ ‫وسعه من اجتهاد – أو‬ ‫ً‬ ‫اختلفــوا فـــي ذلــك اختالفـــات كثيـــرة وذهبــوا مـــذاهب شـــتى – فإنــه وان أخطـــأ واعتقـــدنا‬

‫بخط ه‪ ،‬فهو معذور بخط ه مأجور على نيته‪ ،‬محكوم بإسالمه وايمانه‪.‬‬ ‫وقد أجمع المسلمون عقب وفاة الرسول – صلى اهلل عليه وسلم – على بيعة أبي بكر‬ ‫الصديق رضي اهلل تعالى عنه حاشا الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب‪ ،‬وقد استبان‬

‫سريعا‪ ،‬أما علـي فمكـث سـتة أشـهر حتـى ئهـر لـه‬ ‫الحق للزبير بن العوام فرجع وبايع‬ ‫ً‬ ‫حـر طليقًـا ال يرقـب عليـه وال يمنـع‬ ‫الحق فرجع وبايع‪ ،‬وبقي خالل تلـك األشـهر السـتة ًا‬ ‫من لقا الناس وما زعم أحد أنه رضوان اهلل عليه قد كفر‪ ،‬وما تشكك أحد في إسالمه‬

‫عليه رضوان اهلل‪.‬‬ ‫ال ويرزقنا اجتنابه‪.‬‬ ‫واهلل نسأل أن يرينا الحق ح ًقا ويرزقنا اتباعه‪ ،‬ويرينا الباطل باط ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪126‬‬

‫الفصل السادس‬ ‫الرد على من خالف األصول السابقة‬ ‫وقد حاول البعو الخرو على األصول العامة التي سبق أن شرحناها‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬إن الشخا قد يكون مشرًكا من أصحاب النار الخالدين فيها الذين أمرنا بقتالهم‬

‫وأحل اهلل لنا دما هم وأموالهم‪ ،‬وهـو مـع ذلـك ال يعلـم أنـه مشـرك‪ ،‬وأن ذلـك دليـل علـى‬

‫ـافر مشــرًكا إن وقــع فــي أ نــوع مــن أنـواع‬ ‫أن المســلم الــذ نطــق بالشــهادتين يرتــد كـ ًا‬ ‫عامدا أو كان جاهال أو متأوالً مخط ًا‪ ،‬واحتجوا على‬ ‫الشرك وان جهل ذلك وان لم يكن‬ ‫ً‬ ‫اسـتَ َجار َك َفـأ ِ‬ ‫سـ َـم َع‬ ‫ـن ا ْل ُم ْ‬ ‫شـ ِـرِك َ‬ ‫َح ٌـد ِّم َ‬ ‫هـذه الـدعوي بقولــه عـز وجــل‪َ ﴿ :‬وِا ْن أ َ‬ ‫َج ْرهُ َحتَّـى َي ْ‬ ‫ين ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َك َ ِ‬ ‫ون﴾ (التوبة‪ :‬ارية ‪.)1‬‬ ‫ْم َن ُه َذلِ َك ِبأ ََّن ُه ْم قَ ْوٌم الَّ َي ْع َل ُم َ‬ ‫ال َم اهلل ثَُّم أَْبل ْغ ُه َمأ َ‬

‫ــون﴾ معنــاه أنهـــم ال يعلمــون أنهـــم‬ ‫وقــالوا إن قولــه تعـــالى‪َ ﴿ :‬ذلِ َ‬ ‫ــك ِبـــأ ََّن ُه ْم قَ ْــوٌم َّال َي ْع َل ُمـ َ‬ ‫مشركون‪.‬‬ ‫والعجب أن الـذين قـالوا بـذلك هـم الـذين افتتحـوا دعـواهم المسـتحدثة بقـولهم‪" :‬إنـه لمـا‬ ‫نزل القرآن على الناطقين بالضـاد كـان كـل مـنهم يعـرف معنـى اإللـه ومـا المـراد بـالرب‬

‫ومــن ثــم إذا قيــل لهــم ال إلــه إال اهلل وال رب سـواه وال شــريك لــه فــي ألوهيتــه وربوبيتــه‬

‫تمامـا‪ ،‬وبـين لهـم مـن غيـر مـا لـبس وال إبهـام أ شـي قـد نفـاه‬ ‫أدركوا مـا دعـوا إليـه ً‬ ‫القا ل ومنع غير اهلل أن يوصف به‪ ،‬وأ شي قد خصه وأخلصه هلل تعالى وأن الذين‬ ‫كفروا إنما كفروا عن بينة"‪.‬‬ ‫ثم إنهم نسوا قولهم هـذا ليزعمـوا أن العـرب قـد جهلـوا معنـى كلمـة الشـرك ذلـك المعنـى‬

‫المحــدد غيــر المختلــف عليه‪،‬ونسـوا أن الرســول عليــه الصــالة والســالم مــا كــان يقاتــل‬ ‫النــاس علــى الر اســة أو الملــك أو ولخــالف شخصــي بينــه وبيــنهم‪ ،‬وأنــه لــم تكــن بينــه‬

‫عليه الصالة والسالم وبين أحـد مـن النـاس مقاتلـة إال علـى شـهادة أن ال إلـه إال اهلل‪،‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪127‬‬

‫أرادها منهم‪ ،‬فلم يسلموا بها‪ ،‬وقالوا‪﴿ :‬أَجع َل ارلِه َة إَِلها و ِ‬ ‫اب﴾‬ ‫اح ًدا إِ َّن َه َذا َل َ‬ ‫ش ْي ٌ ُع َج ٌ‬ ‫َ ً َ‬ ‫َ​َ‬ ‫(ا‪ :‬ارية ‪.)1‬‬ ‫ثــم يــأتي بعــد هــذا مــن يقــول إن الــذ كــان يســجد لهبــل والــالت والعــزي ومنــاة الثالثــة‬

‫األخــري‪ ،‬ويقــول إن عزيـ ًـرا ابــن اهلل وان عيســى عليــه الســالم ابــن اهلل‪ ،‬ويقاتــل محمـ ًـدا‬ ‫عليه الصالة والسالم ال لشي إال ألنه يأبى أن يسلم بأن تلـك ليسـت آلهـة‪ ،‬فـإن هـذا‬ ‫لم يكن يعرف أنه يشرك في السلطان على الدنيا وما فيها أكثر من إله‪.!!..‬‬ ‫ـون﴾ (الما ـدة‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)11‬معنـاه‬ ‫والزعم أن قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ذلِ َ‬ ‫ـك ِبـأ ََّن ُه ْم قَ ْـوٌم الَّ َي ْع ِقلُ َ‬ ‫أنهم ال يعلمون أنهم مشركون إدخال على ارية ما ليس فيها‪.‬‬ ‫أما إنهم ال يعلمون فحق‪ ،‬وصدق اهلل العئيم‪ ،‬فهـم ال يعلمـون عئمـة اهلل وجاللـه ومـا‬ ‫يجب أن ينزه عنه من المثيل والشريك فهم قوم ال يعلمون‪.‬‬ ‫والــذ يطلــب مــن هـؤال المقــاتلين األمــان ليعــرف حقيقــة دعــوة اإلســالم ومــا جــا بــه‬

‫الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬جاهل ئاهره أنه غير معانـد وال متكبـر‪ ،‬حـر بـأن يعلـم‬

‫ويعرف وتقام عليه الحجة ويوضح له األمر حتى يعلم بعد أن لم يكن يعلم‪.‬‬

‫يقول ابن كثير في تفسير هذه ارية‪" :‬يقـول اهلل تعـالى لنبيـه – صـلى اهلل عليـه وسـلم‬ ‫ين﴾ الــذين أمرتــك بقــاتلهم فأحللــت لــك اســتباحة نفوســهم‬ ‫ـن ا ْل ُم ْ‬ ‫شـ ِـرِك َ‬ ‫َحـ ٌـد ِّمـ َ‬ ‫‪َ ﴿ :‬وِا ْن أ َ‬‫الم ِ‬ ‫اهلل﴾ أ‬ ‫اســـتَ َج َار َك﴾ أ اســـتأمنك فأجبـــه إلـــى طلبـــه ﴿ َحتَّـــى َي ْ‬ ‫وأمـــوالهم ﴿ ْ‬ ‫سـ َ‬ ‫ــم َع َكـــ َ َ‬ ‫ـه‬ ‫القرآن‪ ،‬فاقرأه عليه‪ ،‬وتذكر له شي ًا من أمر الدين تقيم بـه عليـه حجـة اهلل ﴿ثُ َّـم أَْبلِ ْغ ُ‬ ‫ـك ِبـأ ََّن ُه ْم‬ ‫ْم َن ُه﴾ أ هو آمن مسـتمر األمـان حتـى يرجـع إلـى بـالده وداره ومأمنـه ﴿ َذلِ َ‬ ‫َمأ َ‬ ‫ت أمـان مثـل هـؤال ليعلمـوا ديـن اهلل وتنتشـر دعـوة اهلل‬ ‫ون﴾ أ إنمـا َ‬ ‫ش َـر ْع ُ‬ ‫َق ْوٌم الَّ َي ْع َل ُم َ‬ ‫في عباده"‪[ .‬تفسير ابن كثير‪ :‬جـ‪ 2‬ا‪.]991‬‬

‫وبذلك سقط االستدالل بهذه ارية الكريمة على ما أرادوا االستدالل بها عليه‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪128‬‬

‫أما نحن فنقول بفضل اهلل تعالى‪ :‬إن األحكام إنما هي هلل وحـده‪ ،‬فمـا سـماه اهلل تعـالى‬ ‫كفرا وشرًكا فهو كما قال اهلل تعالى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والــذ ال شــك فيــه‪ ،‬أخـ ًذا بالنصــوا الثابتــة‪ ،‬أنــه لــيس فــي النــاس إال مســلم أو كــافر‬

‫مشرك‪.‬‬

‫وليس في أحكام هذه الدنيا دون هاتين الصفتين صفة ثالثة‪.‬‬ ‫والمســلم هــو المــؤمن وقــد يكــون عاصـ ًـيا فاسـقًا‪ ،‬وهــو مــا لــم تئهــر منــه ردة بــاق فــي‬ ‫أحكام هذه الدنيا من المسلمين المؤمنين‪.‬‬ ‫أيضا المبني على نصوا ثابتة كقـول رسـول اهلل – صـلى‬ ‫واإلجماع الذ ال شك فيه ً‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬أمرت أن أقاتل الناس حتـى يشـهدوا أن ال إلـه إال اهلل ويؤمنـوا بـي‬

‫سلما‪ ،‬وهو في هـذه الـدنيا‬ ‫وبما ج ت به‪ ". .‬إلخ‪ ..‬إن من لم ينطق بالشهادتين ليس م ً‬ ‫في عداد الكافرين المشركين‪.‬‬

‫أما المسلم – وكل من نطق بالشهادتين وقال إنه آمن بما جا به رسول اهلل – صلى‬

‫اهلل عليه وسلم – جملـة وعلـى الغيـب‪ ،‬وبـر مـن كـل ديـن غيـر اإلسـالم فهـو ومسـلم‪،‬‬ ‫فهو إما مكلف أو غير مكلف‪.‬‬ ‫وغير المكلف‪ ،‬المجنون أو غير البالا‪ ،‬مرفوعة عنه األحكام‪.‬‬ ‫أما المكلـف‪ ،‬فهـو العاقـل‪ ،‬والبـد للعاقـل مـن قـدر مـن الفهـم والتمييـز والعلـم مهمـا قـل‪،‬‬

‫وعلى قدر فهمه وتميزه وعلمه يكـون إدراكـه لمعنـى الشـهادتين ومضـمونهما‪ ،‬والـنقا‬

‫فــي فهمــه معنــى الشــهادتين ومضــمونهما ال يقــد فــي إســالمه ووجــوب حرمــة دمــه‬

‫وماله‪ ،‬وعلى ال قـادرين تعليمـه‪ ،‬فمـا أبلـا بـه مـن الحـق وقامـت عليـه بـه الحجـة وجـب‬ ‫عليه اعتقاده‪ ،‬فـإن عانـد فهـو مرتـد كـافر ومشـرك‪ ،‬وهـو قبـل ذلـك مسـلم معصـوم الـدم‬

‫والمــال مهمــا اعتــور فهمــه معنــى الشــهادتين ومضــمونهما مــن نقــا بســب جهلــه أو‬ ‫بسبب خط ه في تفهم النصوا‪ ،‬وهو معذور بجهله وخط ه‪ ،‬وقد سبق إيضا ذلك‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪129‬‬

‫أيضا‪ :‬إن اهلل تعالى عاب على من لم يتبع الرسول عليه الصـالة والسـالم‬ ‫ثانيا‪ :‬وقالوا ً‬ ‫ً‬ ‫خــوفهم مــن بطــا النــاس بهــم وتخطفهــم لهــم وحكــم بكفــرهم وذلــك رغــم تصــديقهم أنــه‬ ‫عليه السالم رسول وأن الذ جا به هو الهدي من اهلل عز وجـل‪ ،‬فـدل ذلـك علـى أن‬

‫اتباع الرسول هـو العمـل بمـا جـا بـه وأنـه ال يعـذر أحـد بتخوفـه صـاحب السـلطان أن‬

‫يبطا به وأن ينكل بـه أن يتبـع ويعمـل وذلـك قولـه تعـالى عـز وجـل‪َ ﴿ :‬وقَـالُوا إِن َّنتَِّب ِـع‬ ‫ض َنا أَو َلم ُنم ِّكن لَّهم حرما ِ‬ ‫ف ِم ْن أَر ِ‬ ‫ـي‬ ‫ا ْل ُه َدي َم َع َك ُنتَ َخطَّ ْ‬ ‫ات ُك ِّل َ‬ ‫آم ًنا ُي ْج َبى إَِل ْي ِه ثَ َم َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ َ​َ ً‬ ‫َ ْ َ‬ ‫شْ‬ ‫ون﴾ (القصا‪ :‬ارية ‪.)11‬‬ ‫ِّرْزقًا ِّمن لَّ ُد َّنا َوَل ِك َّن أَ ْكثَ​َرُه ْم َال َي ْع َل ُم َ‬

‫أيضا إن اهلل تعالى قد أعلمنا أن المستضعفين الـذين اتبعـوا كبـرا هم ولـم يتبعـوا‬ ‫وقالوا ً‬ ‫أمر اهلل ورسوله هم مـن الكفـار المشـركين الخالـدين فـي النـار‪ ،‬وقـد نفـى تعـالى عـنهم‬

‫ـن َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫ـاس‬ ‫اإليمان رغم أنهم كانوا مستضعفين خا فين‪ ،‬وذلك مقتضى قولـه تعـالى‪َ ﴿ :‬و ِم َ‬ ‫ش ُّـد ح ِّبــا ِ‬ ‫ـب ِ‬ ‫ون ِ‬ ‫َمـن َيتَّ ِخـ ُذ ِمــن ُد ِ‬ ‫هلل َوَلـ ْـو َيـ َـري‬ ‫ادا ُي ِحبُّـوَن ُه ْم َك ُحـ ِّ‬ ‫اهلل أَْنـ َـد ً‬ ‫اهلل َوالَّـ ِـذ َ‬ ‫آم ُنـوا أَ َ ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يد ا ْل َع َذ ِ‬ ‫ين‬ ‫يعا َوأ َّ‬ ‫اب أ َّ‬ ‫اهلل َ‬ ‫ش ِد ُ‬ ‫اب * إِ ْذ تَ​َبَّأرَ الَّ ِـذ َ‬ ‫الَّ ِذ َ‬ ‫ين ئَلَ ُموا إِ ْذ َي َرْو َن ا ْل َع َذ َ‬ ‫َن ا ْلقَُّوةَ هلل َجم ً‬ ‫َن َ‬ ‫اب وتَ َق َّ‬ ‫َن‬ ‫ين اتََّب ُعـوا َل ْـو أ َّ‬ ‫اب * َوَق َ‬ ‫ـال الَّ ِـذ َ‬ ‫اتُِّب ُعوا ِم َن الَّ ِذ َ‬ ‫َس َب ُ‬ ‫ط َع ْت ِب ِه ُم األ ْ‬ ‫ين اتََّب ُعوا َوَأر َُوا ا ْل َع َذ َ َ‬ ‫س َـرات َع َل ْـي ِه ْم َو َمـا ُهـم‬ ‫َل َنا َك َّـرةً فَ َنتَ​َب َّأ‬ ‫ـرَ ِمـ ْن ُه ْم َك َمـا تَ​َب َّـرؤوا ِم َّنـا َكـ َذلِ َك ُي ِـري ِه ُم اهللُ أ ْ‬ ‫َع َمـا َل ُه ْم َح َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ين ِم َن َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِب َخ ِ‬ ‫يعـا فَقَ َ‬ ‫ار ِج َ‬ ‫ُّـعفَا ُ‬ ‫ـال الض َ‬ ‫ار﴾ (البقـرة‪ :‬اريـات ‪َ ﴿ .)611 :614‬وَب َـرُزوا هلل َجم ً‬

‫اب ِ‬ ‫ون َع َّنا ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫ش ْي َقالُوا َل ْـو‬ ‫اهلل ِمن َ‬ ‫استَ ْك َب ُروا إَِّنا ُك َّنا َل ُك ْم تَ​َب ًعا َف َه ْل أَْنتُ ْم ُّم ْغ ُن َ‬ ‫لِلَّ ِذ َ‬ ‫ين ْ‬ ‫ص َـب ْرَنا َمـا َل َنـا ِمـن َّم ِحـيا﴾ (إبـراهيم‪ :‬اريـة‬ ‫س َوا ٌ َع َل ْي َنا أ َ‬ ‫َج ِز ْع َنـا أ َْم َ‬ ‫َه َدا َنا اهللُ َل َه َد ْي َنا ُك ْم َ‬ ‫وه ُه ْم ِفي َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫سوالَ * َوقَـالُوا‬ ‫هلل َوأَطَ ْع َنا َّ‬ ‫ب ُو ُج ُ‬ ‫ار َيقُولُ َ‬ ‫‪َ ﴿ .)21‬ي ْوَم تُ َقلَّ ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫ون َيا لَ ْيتَ​َنا أَطَ ْع َنا ا َ‬ ‫السـ ِبيال﴾ (األحـزاب‪ :‬اريـات ‪َ ﴿ .)11 :11‬وَل ْـو‬ ‫َضـلُّوَنا َّ‬ ‫َرَّب َنا إَِّنا أَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ـادتَ​َنا َو ُك َب َار َ َنـا َفأ َ‬ ‫ط ْع َنـا َ‬ ‫ين‬ ‫ـه ْم إَِلــى َب ْعــو ا ْل َقـ ْـو َل َيقُــو ُل َّالـ ِـذ َ‬ ‫ون َم ْوقُوفُـ َ‬ ‫تَـ َـري إِ​ِذ الئَّــالِ ُم َ‬ ‫ـون ِع ْنـ َـد َرِّب ِهـ ْـم َي ْر ِجــعُ َب ْع ُ‬ ‫ضـ ُ‬ ‫ين‬ ‫ين * قَـ َ‬ ‫اســـتَ ْك َب ُروا لَـ ْــوالَ أَْنـــتُ ْم لَ ُك َّنـــا ُمـ ْ‬ ‫استُ ْ‬ ‫اســـتَ ْك َب ُروا لِلَّـ ِــذ َ‬ ‫ــال الَّـ ِــذ َ‬ ‫ــؤ ِم ِن َ‬ ‫ضـ ِــعفُوا لِلَّـ ِــذ َ‬ ‫ين ْ‬ ‫ين ْ‬ ‫ْ‬ ‫استُ ْ ِ‬ ‫ين‬ ‫ين * َوَق َ‬ ‫ـال الَّ ِـذ َ‬ ‫ص َد ْد َنا ُك ْم َع ِـن ا ْل ُه َـدي َب ْع َـد إِ ْذ َجـا َ ُك ْم َب ْـل ُك ْنـتُم ُّم ْج ِـرِم َ‬ ‫ْ‬ ‫ضعفُوا أَ​َن ْح ُن َ‬ ‫ـار إِ ْذ تَأْمروَن َنـا أَن َّن ْكفُـر ِب ِ‬ ‫استَ ْك َبروا َب ْل م ْكر َّ‬ ‫اللْي ِـل َو َّ‬ ‫الن َه ِ‬ ‫ـه‬ ‫ـاهلل َوَن ْج َع َـل َل ُ‬ ‫استُ ْ‬ ‫ض ِعفُوا لَِّل ِذ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ين ْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َع َنــا ِ‬ ‫ين َكفَـ ُـروا َهـ ْـل‬ ‫أَْنـ َـد ً‬ ‫ق الَّـ ِـذ َ‬ ‫اب َو َج َع ْل َنــا األ ْغ ـالَ َل ِفــي أ ْ‬ ‫ام ـ َة لَ َّمــا َأر َُوا ا ْل َع ـ َذ َ‬ ‫ادا َوأ َ‬ ‫َسـ ُّـروا الن َد َ‬ ‫ون﴾ (سبأ‪ :‬من ارية ‪َ ﴿ .)99 :91‬قالُوا إَِّن ُك ْم ُك ْنتُ ْم تَأْتُوَن َنا َع ِـن‬ ‫ُي ْج َز ْو َن إِ َّال َما َكا ُنوا َي ْع َملُ َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪131‬‬

‫ا ْل َي ِم ِ‬ ‫ين﴾ (الصافات‪ :‬اريـات ‪ .)21 :21‬وقـالوا إن اليمـين‬ ‫ين * قَالُوا َبل لَّ ْم تَ ُكوُنوا ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫معناها القوة‪ ،‬وآيات أخري في ذات المعنى‪.‬‬ ‫وأضافوا أن اهلل تعالى قد حكم بأن ما من إنسان إال ويبتليه اهلل فالبد من البال ‪ ،‬والبد‬

‫كاذبــا فــي ادعا ــه اإلســالم‬ ‫مــن تحمــل الــبال والصــبر عليــه واال كــان الشــخا منافقًــا ً‬ ‫واإليمان‪ ،‬وذلك مقتضى قوله تعـالى‪﴿ :‬الـم * أ ِ‬ ‫ـب َّ‬ ‫آم َّنـا‬ ‫َحس َ‬ ‫َ‬ ‫الن ُ‬ ‫ـاس أَن ُي ْت َرُكـوا أَن َيقُولُـوا َ‬ ‫ــدقُوا َوَلـ َــي ْع َل َم َّن‬ ‫صـ َ‬ ‫ين ِمـــن قَـ ْــبلِ ِه ْم َف َلـ َــي ْع َل َم َّن اهللُ الَّـ ِــذ َ‬ ‫ــون * َوَل َقـ ْــد فَتَ​َّنـــا الَّـ ِــذ َ‬ ‫َو ُهـ ْــم الَ ُي ْفتَُنـ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ـاس مـن يقُـو ُل آم َّنـا ِب ِ‬ ‫ين﴾ (العنكبوت‪ :‬اريات ‪ )9 :6‬إلى قوله ﴿ َو ِم َن َّ‬ ‫ـاهلل فَـِإ َذا‬ ‫ا ْل َك ِاذ ِب َ‬ ‫الن ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ـاس َكعـ َذ ِ ِ ِ‬ ‫ُوذ ِفــي ِ‬ ‫اهلل َج َعـ َـل ِف ْت َنـ َة َّ‬ ‫ـك َل َيقُــولُ َّن إَِّنــا ُك َّنــا‬ ‫صـ ٌـر ِّمــن َّرِّبـ َ‬ ‫اب اهلل َوَلـ ْن َجــا َ َن ْ‬ ‫النـ ِ َ‬ ‫أ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫ين﴾ (العنكبوت‪ :‬ارية ‪.)61‬‬ ‫ور ا ْل َعا َل ِم َ‬ ‫س اهللُ ِبأ ْ‬ ‫َع َل َم ِب َما في ُ‬ ‫َم َع ُك ْم أ َ​َو َل ْي َ‬

‫ونحن نقول بعون اهلل‪ :‬إن كـالم اهلل تعـالى حـق والقـرآن الكـريم واألحاديـث الثابتـة عـن‬

‫رسول اهلل – صلى اهلل عليـه وسـلم – جميـع ذلـك وحـي مـن اهلل إلـى رسـوله وكـل ذلـك‬

‫بعضا ويبين كل منها المعنى المراد من باقيها‬ ‫جملة واحدة وعبارة واحدة يفسر بعضها ً‬ ‫وليس في أ جز من آية أو حديث صحيح ما ينافي أو يتعارو أو يختلف مع آيات‬ ‫ــر ِ‬ ‫ــن ِع ْنـ ِـد َغ ْي ِ‬ ‫يــر)‬ ‫اخ ِتالَفًــا َك ِث ًا‬ ‫ــدوا ِفيـ ِـه ْ‬ ‫ــان ِم ْ‬ ‫اهلل لَ َو َج ُ‬ ‫أو أحاديــث صــحا أخــر‪َ ﴿ ،‬ولَـ ْـو َك َ‬ ‫(النسا ‪ :‬من ارية ‪.)12‬‬ ‫وكل آيـات القـرآن الكـريم وأحاديـث الرسـول عليـه الصـالة والسـالم حـق واجـب اعتقـاده‬

‫والعمل به‪ ،‬وليست هناك آية تقدم على آية أخري وال تطر آية من أجل آية أخري وال‬

‫حــديث مــن أجــل حــديث وال مــن أجــل آيــة‪ ،‬إال مــا ثبــت بالــدليل الجــازم أنــه منســوخ‪:‬‬ ‫و ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫ون ِب َب ْع ِ‬ ‫ـك ِمـ ْن ُك ْم إِالَّ ِخ ْـز ٌ ِفـي‬ ‫ون ِب َب ْعو َف َما َج َاز ُ َمن َي ْف َع ُل َذلِ َ‬ ‫اب َوتَ ْكفُ​ُر َ‬ ‫﴿أَ َفتُ ْؤ ِم ُن َ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْلحي ِ‬ ‫ش ِّد ا ْل َع َذ ِ‬ ‫اة ُّ‬ ‫اب﴾ (البقرة‪ :‬من ارية ‪.)11‬‬ ‫ُّون إَِلى أَ َ‬ ‫ام ِة ُي َرد َ‬ ‫َ​َ‬ ‫الد ْن َيا َوَي ْوَم ا ْلق َي َ‬

‫واإليمان في اللغة‪ :‬لـيس مجـرد العلـم‪ ،‬أ تـيقن الشـي علـى حقيقتـه أو بعبـارة أخـري‬ ‫ليس مجرد التصديق‪ ،‬بل هو العقد بالقلب‪ ،‬أ التصـديق بالقلـب والنطـق باللسـان بمـا‬

‫يفيد اإلقرار بما صدقه القلب‪ ،‬فليس بمؤمن من قال بلسانه وهو وال يعتقد بقلبه وليس‬ ‫مقرا بلسانه‪.‬‬ ‫بمؤمن من استيقن بقلبه ولم ينطق ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪131‬‬

‫و ًأيا كان االختالف حول المعنـى اللغـو لكلمـة اإليمـان فـإن الـذ أسـلفناه هـو معناهـا‬ ‫الشرعي "مع اختالف حول ما إذا كانت األعمال تـدخل فـي مـدلول اإليمـان شـر ًعا علـى‬

‫ما سبق أن أشرنا إليه وما سنعرو له تفصيالً بعـد قليـل بـإذن اهلل"‪،‬ولـذا كـان البـد أن‬

‫محمـدا رسـول اهلل وأن‬ ‫مقـر ومعل ًنـا اعتقـاده أنـه ال إلـه إال اهلل وأن‬ ‫ينطق العبد بلسـانه ًا‬ ‫ً‬ ‫كل ما جا به رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – حق من عند اهلل ولو كان اإليمان‬ ‫مجرد العلم وتيقن الـنفس لكـان فرعـون وملـؤه مـن المـؤمنين‪ ،‬فقـد علمـوا واسـتيقنوا أن‬

‫موسى عليه السالم رسـول حـق مـن عنـد اهلل رغـم أنهـم أبـوا اإلقـرار بـذلك والنطـق بـه‪،‬‬

‫ـه ْم ئُْل ًمـا َو ُعلُـ ِّـوا﴾ (النحـل‪ :‬مـن اريــة ‪،)64‬‬ ‫قـال تعـالى‪َ ﴿ :‬و َج َح ُـدوا ِب َهــا َو ْ‬ ‫سُ‬ ‫اسـتَْيقَ َنتْ َها أَْنفُ ُ‬ ‫ولكانت اليهود والنصاري مؤمنين فقد عرفوا النبي عليه الصالة والسالم واسـتيقنوا مـن‬ ‫ذلك ومنهم من ذكر ذلك بلسانه ولكن ليس على سبيل التسليم واإلقرار بل علـى سـبيل‬ ‫ين آتَْي َن ُ ِ‬ ‫ـون أ َْب َنـا َ ُه ْم َوِا َّن فَ ِريقًـا‬ ‫ـاب َي ْع ِرفُوَن ُ‬ ‫ـه َك َمـا َي ْع ِرفُ َ‬ ‫الحكاية‪ ،‬قـال تعـالى‪﴿ :‬الَّ ِـذ َ‬ ‫ـاه ُم ا ْلكتَ َ‬ ‫ون ا ْل َح َّ‬ ‫ون﴾ (البقـرة‪ :‬اريـة ‪ ،)641‬وهـؤال إذ جحـدوا مـا علمـوه‬ ‫ق َو ُه ْم َي ْع َل ُم َ‬ ‫ِّم ْن ُه ْم َل َي ْكتُ ُم َ‬ ‫واستيقنوا منه وأبوا اإلقرار بلسانهم الحق والتسليم به كفروا ولم يكونوا مـن المـؤمنين‪،‬‬

‫وأصــل كلمــة الكفــر فــي اللغــة‪ ،‬كمــا قــدمنا‪ :‬التغطيــة والســتر‪ ،‬فه ـؤال ضــاقت صــدورهم‬ ‫بالحق الذ عرفوه‪ ،‬وأعرضت قلوبهم عن التسليم واإلقـرار بمـا اسـتيقنته‪ ،‬فعملـوا علـى‬

‫تغطيته وستره عن أنفسهم وعـن غيـرهم وجحـدوا بـه وأبـوا اإلقـرار والنطـق بكلمـة الحـق‬

‫صدرا‪ ،‬ونعوو باهلل من سو العاقبة‪.‬‬ ‫فهم ممن شر بالكفر ً‬

‫وهذا بيقين هو ذات الحال من قطع اهلل بكفـرهم مـن اريـات السـالف اإلشـارة إليهـا مـن‬

‫الضعفا الذين اتبعوا سادتهم وكبرا هم في الكفر والشرك‪ ،‬إذ ال يعجـز أحـد مهمـا كـان‬

‫وشنيعا أن يعتقد ويؤمن بقلبه بالحق ويسـر إلـى ربـه‬ ‫ًا‬ ‫وكبير‬ ‫عئيما‬ ‫اإلكراه الواقع عليه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مقر بالحق الذ وقر في قلبه‪ ،‬إذ ال سلطان ألحد فـي‬ ‫تعالى ناطقًا بلسانه بالشهادتين ًا‬

‫أبدا أن يجد برهة وجيزة يتمتم فيها‬ ‫أبدا‪ ،‬وال يعجز أحد ً‬ ‫الدنيا على ما في قلب اإلنسان ً‬ ‫مقر بالحق دون أن يسمعه أحد سوي مواله جل‬ ‫مسر إلى السميع البصير ًا‬ ‫بالشهادتين ًا‬ ‫شأنه‪ ،‬وال يعجز عن ذلـك إال كـاذب دعـى قاصـد التـولي عـن الحـق واإلعـراو عنـه قـد‬

‫صدر لم يرد اهلل تعالى أن يهديه‪.‬‬ ‫شر بالكفر ًا‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪132‬‬

‫وذلك على وجه القطع واليقين هو شأن كل مستضـعف اتبـع سـادته وكبـرا ه ولـم يعقـد‬

‫اعما أن سلطا ًنا ما في األرو حال بينه وبين ذلك‬ ‫بقلبه وينطق شهادة الحق بلسانه ز ً‬ ‫ـاب﴾ (آل‬ ‫﴿ َرَّب َنــا الَ تُـ ِـز ْ‬ ‫ـب لَ َنــا ِمــن لَّـ ُـد ْن َك َر ْح َمـ ًة إَِّنـ َ‬ ‫ـك أَنـ َ‬ ‫وب َنــا َب ْعـ َـد إِ ْذ َهـ َـد ْيتَ​َنا َو َهـ ْ‬ ‫ـت ا ْل َو َّهـ ُ‬ ‫غ ُقلُ َ‬ ‫عم ـران‪ :‬اريــة ‪ ،)1‬أمــا فيمــا عــدا عقــد القلــب والنطــق بشــهادة الحــق باللســان إق ـر ًا‬ ‫ار‬ ‫وتسليما فقد وردت النصوا الصريحة التي ال شـبهة فيهـا‪ ،‬والتـي ال إشـكال فـي أنهـا‬ ‫ً‬ ‫اقعا تحت اإلكراه بأ كالم حتـى ولـو كـان ذلـك‬ ‫أباحت للمكره أن ينطق بلسانه ما دام و ً‬

‫كافر لو أنه قاله في غير إكراه ولم يستثن اهلل تعالى من ذلك‬ ‫الكالم مما كان يعتبر به ًا‬ ‫أيضا ما فيه بغي على الغير واضـرار بـه قـال تعـالى‪﴿ :‬إَِّن َمـا‬ ‫شي ًا إال عقد القلب فقط‪ ،‬و ً‬ ‫ون * من َك َفر ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ِب ِ ِ‬ ‫اهلل ِمـن َب ْع ِـد‬ ‫َي ْفتَ ِر ا ْل َك ِذ َب الَّ ِذ َ‬ ‫ين َال ُي ْؤ ِم ُن َ َ‬ ‫َ‬ ‫آيات اهلل َوأُوَل َك ُه ُم ا ْل َكاذ ُب َ َ‬ ‫إيم ِان ِه إِالَّ َم ْن أُ ْك ِرهَ َوَق ْل ُب ُه ُم ْط َم ِن ِب ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ـب‬ ‫ان َوَل ِكن َّمن َ‬ ‫ص ْـد ًار فَ َع َل ْـي ِه ْم َغ َ‬ ‫ضٌ‬ ‫ش َـر َ ِبـا ْل ُك ْف ِر َ‬ ‫اإل َ‬ ‫َ‬ ‫الـد ْنيا علَـى ار ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخ َـرِة َوأ َّ‬ ‫اهلل الَ‬ ‫اسـتَ َح ُّبوا ا ْل َح َيـاةَ ُّ َ َ‬ ‫ِّم َن اهلل َولَ ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫يم * َذل َك ِبأ ََّن ُه ُم ْ‬ ‫َن َ‬ ‫اب َعئ ٌ‬ ‫يه ِد ا ْل َقوم ا ْل َك ِ‬ ‫ين﴾ (النحل‪ :‬اريات ‪.)611 :611‬‬ ‫اف ِر َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫كذلك ال إشكال في أن النصوا أباحت للمكره أن يعمل كل ما اضطر وأكره على عمله‬

‫كافر لو أنه عمله في غير إكـراه ومـا دام‬ ‫اقعا تحت اإلكراه‪ ،‬مما كان يعتبر به ًا‬ ‫ما دام و ً‬ ‫قلبه مطم ًنا باإليمان‪ ،‬ولم يستثن اهلل تعالى من األعمال التي تبـا للمكـره إال مـا كـان‬ ‫فيه اعتدا على حقوق غيره من العباد طبقًا للنصوا التي سبق شرحها‪.‬‬

‫وقد أسلفنا الحديث الوارد في شأن عمار بن ياسـر ـ رضـي اهلل عنـه ـ‪ ،‬وأنـه لمـا عذبـه‬

‫المشركون نطق بلسانه بما ال شك أنه كلمة الكفـر‪ ،‬لـو لـم يكـن مكرًهـا حـال نطقـه بهـا‬ ‫مرتدا مشرًكا رضوان اهلل تعالى عليه‪ ،‬وأن الرسـول عليـه الصـالة والسـالم مـا‬ ‫لكان بها ً‬

‫عمـار هـو الـذ أبلـا النبـي عليـه الصـالة والسـالم بمـا‬ ‫ًا‬ ‫علم بما نطق به عمار‪ ،‬بل إن‬ ‫حدث‪ ،‬فما زاد عليه الصالة والسالم على أن سأله عن حال قلبه فلمـا أجـاب بـأن قلبـه‬ ‫مطم ن باإليمان‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪" :‬فإن عادوا فعد" فكان التصريح منه عليه‬

‫تأكيدا بأن اإلكراه يبيح حتى كلمة الكفر‪.‬‬ ‫الصالة والسالم‬ ‫ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪133‬‬

‫أيضــا قــد أســلفنا مــا أورده القرطبــي بشــأن الــرجلين اللــذين أســرهما عيــون مســيلمة‬ ‫و ً‬ ‫الكذاب وأنهمـا أحضـرا إليـه فسـأل أولهمـا إن كـان يشـهد أنـه "أ مسـيلمة" رسـول مـن‬

‫عند ا هلل تعالى فأجاب بالموافقة وال شك أن هذه كلمة كفر صريحة من قالهـا فـي غيـر‬ ‫إكـــراه ارتـــد وكفـــر بإجمـــاع أمـــة المســـلمين وان الرســـول عليـــه الصـــالة والســـالم علـــم‬

‫بالموافقــة والــذ أعلمــه هــو ذاتــه الــذ نطــق بكلمــة الكفــر‪ ،‬فلــم يعتبــره عليــه الصــالة‬

‫كافرا وانما أعلمه بأن العبرة باطم نان قلبه باإليمان‪.‬‬ ‫والسالم ً‬ ‫مرتدا ً‬ ‫والمقابلة بين اريات واألحاديث والجمع بينها واعمال كـل منهـا كمـا هـو الواجـب وعـدم‬ ‫إغفــال بعضــها واعمــال الــبعو دون الــبعو وهــو مــا ال يجــوز شــر ًعا ينتهــي بنــا إلــى‬ ‫إحدي نتيجتين ال ثالث لهما‪:‬‬

‫األولى‪ :‬وهو ما نقول بـه‪ ،‬أن اريـات الـواردة فـي شـأن عـذاب المستضـعفين والمبتلـين‬ ‫الــذين حكــم اهلل بكفــرهم خاصــة أول ــك الــذين انشــرحت صــدورهم بــالكفر وجحــدوا الحــق‬

‫الذ عرفوه واستيقنوا منه‪ ،‬فستروه عن أنفسهم وحجبوه عن قلـوبهم فلـم يعقـدوا عليـه‬

‫قلــوبهم‪ ،‬ويقــروا نــاطقين بــه بألســنتهم أو الــذين بعــد مــا عقــدوا قلــوبهم علــى اإليمــان‬

‫ونطقوا مقرين به مالت عنه نفوسهم وانفرط عقد قلوبهم فانقلبوا على وجوههم خسروا‬ ‫ِ‬ ‫ين﴾ (الحج‪ :‬من ارية ‪.)66‬‬ ‫ان ا ْل ُم ِب ُ‬ ‫س َر ُ‬ ‫الدنيا وارخرة ﴿ َذل َك ُه َو ا ْل ُخ ْ‬ ‫الثانيــة‪ :‬أن يقــال إن اريــات ال ـواردة فــي شــأن المستضــعفين المبتلــين الــذين حكــم اهلل‬ ‫بكفرهم قد نسخت اريات واألحاديث الخاصـة بـاإلكراه وحكـم المكـره وهـذه تكـون دعـوي‬

‫بال برهان وقوالً ال دليل عليه إذ نسخ األحكام ال يكون إال بالنا الصريح أو وحيث ال‬

‫يمكن إعمال النصوا كلها مع بعضها علـى أيـة حـال مـن األصـول أو بـأ وجـه مـن‬

‫الوجوه‪ ،‬ألننا مأمورون بطاعـة اهلل وذلـك بإعمـال كافـة نواهيـه وأوامـره وأحكامـه‪ ،‬ومـن‬ ‫العصيان أن يعطل النا وال ينفذ مع إمكان العمل به‪.‬‬ ‫واألمة جميعها مجمعة على أن آيات وأحاديث وحكم المكره لم يلحقها أ نسخ‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪134‬‬

‫وأنه لمما يتعين تقريره أن اريات التي صدرنا بها كالمنا هذا ليست كلها حاكمـة بكفـر‬

‫مــن توعــدهم اهلل بالعــذاب مــن المستضــعفين والمبتلــين‪ ،‬ومــن المعلــوم أن المســلم قــد‬ ‫يعـــذب فـــي نـــار جهـــنم فيقـــتا اهلل منـــه بعدلـــه بعـــد الموازنـــة إذا مـــا رجحـــت ســـي اته‬

‫بحسناته‪ ،‬ثم يخرجه بعد ذلك من النار بفضله ورحمته وبشفاعة الشافعين‪.‬‬ ‫وليس كل ضعيف متبع لسادته وكب ار ـه بمكـره وهـذا واقـع محسـوس ملمـوس فـي وقتنـا‬

‫هــذا‪ ،‬فــإن الكثيــرين مــن الضــعف ا يحــاكون أصــحاب الجــاه والســلطان والنفــوذ لضــعف‬ ‫نفوسهم يتبعونهم ويقلدونهم في ملبسهم وعاداتهم واحتفـاالتهم واجتمعـاتهم وغيـر ذلـك‬ ‫رغم ما فيها من عصيان هلل عز وجل وخرو عن أحكام الشريعة الغـرا كـل ذلـك وهـو‬

‫غير مكرهين وال مضطرين إنما هو وحب الدنيا وتسلط الشهوات‪.‬‬ ‫واذا ك ان المكره مبتلى باإلكراه الواقع عليه‪ ،‬فليس اإلكراه هو الصورة الوحيدة لالبـتال‬

‫وليس كل ابتال إكراه وقد يكون االبتال بمـا يـؤذ ويحـزن ويـؤلم كفقـد المـال وذهـاب‬ ‫الجــاه والســلطان وضــيق العــيا وتفــرق األحبــاب واألنصــار والمــرو ومــوت الزوجــة‬

‫والولد إلـى غيـر ذلـك‪ ،‬وقـد يكـون االبـتال بعكـس ذلـك مـن إقبـال الـدنيا وكمـال الصـحة‬ ‫والعافية وسعة العيا وقوة السلطان وكثرة األحباب واألنصار‪ ،‬وجميع ذلـك ال يقـع فـي‬

‫اللغــة تحــت اســم اإلك ـراه أو االضــطرار وهــو كلــه ابــتال مــن اهلل عــز وجــل‪َ ﴿ :‬وَنْبلُــو ُكم‬ ‫ِب َّ‬ ‫ـك‬ ‫سـى َرُّب ُك ْـم أَن ُي ْهلِ َ‬ ‫الشِّر َوا ْل َخ ْي ِر ِف ْت َن ًة َوِالَ ْي َنـا تُْر َج ُع َ‬ ‫ـون) (األنبيـا ‪ :‬مـن اريـة ‪َ ﴿ ،)91‬ع َ‬ ‫ستَ ْخلِفَ ُك ْم ِفي األ َْر ِ‬ ‫ون) (األعراف‪ :‬من ارية ‪.)629‬‬ ‫و فَ َينئَُر َك ْي َ‬ ‫ف تَ ْع َملُ َ‬ ‫َع ُد َّو ُك ْم َوَي ْ‬ ‫ونستدرك ما فاتنا فنقول بعون اهلل‪ :‬إن اهلل عز وجل قـد قطـع بـنا واضـح مفسـر فـي‬

‫ـق المطمـ ن قلبــه باإليمـان معــذور‬ ‫شـأن المستضــعفين وحكـم تعــالى أن المستضـعف حـ ً‬ ‫ئـالِ ِمي‬ ‫ال ِ َكـ ُة َ‬ ‫ـاه ُم ا ْل َم َ‬ ‫ين تَ​َوفَّ ُ‬ ‫وليس بكافر وال عاا‪ ،‬بل مغفور له‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬ ‫اهلل و ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ِفي األ َْر ِ‬ ‫اس َـع ًة‬ ‫و قَالُوا أَلَ ْم تَ ُك ْـن أ َْر ُ‬ ‫ستَ ْ‬ ‫ض َع ِف َ‬ ‫يم ُك ْنتُ ْم قَالُوا ُك َّنا ُم ْ‬ ‫َ‬ ‫أَْنفُس ِه ْم قَالُوا ف َ‬ ‫اهم جه َّنم وسـا ْت م ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفتُه ِ ِ‬ ‫ـير) (النسـا ‪ :‬اريـة ‪ .)91‬ثـم اسـتثنى‬ ‫ص ًا‬ ‫اج ُروا ف َ‬ ‫َ‬ ‫يها َفأُوَل َك َمأ َْو ُ ْ َ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫عز وجل من جملة هؤال المستضعفين ح ًقا‪ ،‬المكرهين فعالً المطم نة قلـوبهم باإليمـان‬ ‫ان الَ ي ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫الر َج ِ‬ ‫ون‬ ‫ين ِم َن ِّ‬ ‫ستَ ْ‬ ‫ون ِحيلَـ ًة َوالَ َي ْهتَ ُـد َ‬ ‫يع َ‬ ‫ض َع ِف َ‬ ‫سا َوا ْل ِوْل َد ِ َ ْ‬ ‫فقال‪﴿ :‬إِالَّ ا ْل ُم ْ‬ ‫سـتَط ُ‬ ‫ال َو ِّ َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪135‬‬

‫ـور﴾ (النســا ‪ :‬اريــات‬ ‫ـان اهللُ َعفُـ ِّـوا َغفُـ ًا‬ ‫سـ ِبي ً‬ ‫ال * فَأُوَل ِـ َ‬ ‫ســى اهللُ أَن َي ْعفُـ َـو َعـ ْن ُه ْم َو َكـ َ‬ ‫ـك َع َ‬ ‫َ‬ ‫‪.)99-91‬‬ ‫مفسر لغيره من آيات المستضعفين فصح بتوفيق اهلل ما سبق أن قلناه‪.‬‬ ‫وهذا النا ِّ‬

‫الفصل السابع‬ ‫الطاعة واالتباع‬ ‫قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪" :‬سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات من‬ ‫القرآن فخذوهم بالسنن‪ ،‬فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب اهلل عز وجل" [األحكام في‬

‫أصول اإلحكام البن حزم‪ :‬جـ‪ 2‬ا‪.]641‬‬ ‫قال البعو‪:‬‬

‫كافرا مشرًكا متى أطاع من لم يحكم بما أنزل اهلل تعالى واتبعه‪.‬‬ ‫إن المسلم يرتد ً‬ ‫والطاعة واالتباع يكونان – حسبما قالوا – بالعمل دون النئر إلى النية واالعتقاد‪.‬‬ ‫وقالوا إن الشخا متى عمل عمالً مما دعا إليـه ارمـر بغيـر مـا أنـزل اهلل فإنـه يكـون‬ ‫ربا من دون اهلل عز وجل سوا ‪:‬‬ ‫مطيعا‬ ‫ومتبعا له متخ ًذا له ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫‪-6‬‬

‫عمل العمل وهو معتقد خطأ أن ارمر إنما بحكم حكم اهلل به‪ ،‬أو أبا اهلل تعـالى‬

‫له أن يأمر به‪.‬‬ ‫‪ -2‬أو عمــل بــأمر ارمــر وهــو عــالم أن ارمــر إنمــا يــأمر بخــالف حكــم اهلل ومعتقــد أن‬ ‫ارمر ال يملك أن يغير حكم اهلل تعالى‪ ،‬وأن عمله تنفيـ ًذا ألمـر ذلـك ارمـر عصـيان اهلل‬

‫تعالى‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪136‬‬

‫‪ -9‬أو عمل بأمر ارمـر وهـو عـالم بـأن ارمـر يـأمر بخـالف حكـم اهلل ولكنـه يعتقـد أن‬ ‫ذلك ارمر لقداسته وفضله لـه أن يحـل مـا حـرم اهلل‪ ،‬أو يحـرم مـا أحلـه اهلل‪ ،‬وأن يـأمر‬

‫بخالف حكم اهلل‪ ،‬وأن طاعته واتباعه أمر واجب دون نئر إلى أمر اهلل‪.‬‬ ‫مسـلما يـؤمن بـأن اهلل تعـالى هـو الخـالق لكـل شـي‬ ‫وضربوا لـذلك مـثالً فقـالوا‪ :‬لـو أن‬ ‫ً‬ ‫حريصـا علــى اتبــاع‬ ‫دونـه‪ ،‬وأنــه تعـالى هــو الحـاكم وال حــاكم سـواه‪ ،‬وكــان ذلـك المســلم‬ ‫ً‬

‫أوامر اهلل واجتناب نواهيه قا ًما بالفرا و من صالة وزكـاة وصـيام وحـج ثـم إنـه نزلـت‬ ‫به نازلة ال يعرف حكم اهلل فيها وهو غير قادر على النئر في األدلة واستنباط األحكام‬

‫مشـهودا لـه بالفقـه والـورع عـن حكـم اهلل فيمـا نـزل بـه فأفتـاه ذلـك‬ ‫عالمـا‬ ‫منها‪ ،‬فسـأل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العالم فأخطأ ولم يصب حكم اهلل في الحقيقة‪ ،‬ثـم إن ذلـك المسـلم المسـتفتي اعتقـد أن‬ ‫ذلك الحكم الذ أفتاه به من وثق به هو حكم اهلل فعمل به على عقيـدة أنـه إنمـا ينفـذ‬

‫ربـا لـه‬ ‫حكم اهلل – قالوا إنه يكون بعمله هذا قـد أشـرك بـاهلل تعـالى واتخـذ ذلـك المفتـي ً‬ ‫من دون اهلل‪.‬‬

‫ـارُه ْم َوُرْه َبـا َن ُه ْم أ َْرَب ًابـا ِّمـن ُد ِ‬ ‫ون‬ ‫واحتجوا لذلك الذ قالوه بقـول اهلل تعـالى‪﴿ :‬اتَّ َخـ ُذوا أ ْ‬ ‫َح َب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يح ْاب َن َم ْرَي َم﴾ (التوبة‪ :‬من ارية ‪ ،)96‬وبحديث عد بن حاتم وأنه لما قـال‬ ‫اهلل َوا ْل َمس َ‬ ‫للرسول عليه الصالة والسالم‪ :‬إنهم لم يعبدوهم فإنه عليه الصالة والسالم قال حسـبما‬

‫قـال ابـن كثيـر فــي تفسـيره للقـرآن‪" :‬بلــى إنهـم حرمـوا علـيهم الحــالل وأحلـو لهـم الحـرام‬

‫فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم" وقـالوا االتبـاع كـان العمـل بمـا قـال بـه الرهبـان واألحبـار‬ ‫دون نئر إلى ما اعتقده العامل وأن تلك هي الطاعة‪ ،‬وأن نا ارية الكريمة قد سوي‬

‫بين ربوبية طاعة األحبار والرهبان بالعمل بما أمروا به وبربوبية االعتقاد وأن المسـيح‬ ‫ابن اهلل‪ ،‬وأن ذلك دليل على أن العمل واالعتقاد في حكم الشريعة متساويان يؤد كـل‬

‫منهم إلى الوقـوع فـ ي الشـرك‪ ،‬وأنـه ممـا يؤكـد ذلـك أن اريـة الكريمـة فيهـا الحكـم علـى‬

‫أربابــا مــن دون اهلل دون اســتثنا‬ ‫جميــع اليهــود والنصــاري باتخــاذهم األحبــار والرهبــان ً‬ ‫أحد منهم ودون تفرقة بين المخط وغير المخط والمعتقد وغير المعتقد‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪137‬‬

‫أيضـا بقـول اهلل تعـالى‪﴿ :‬إَِّنمـا َّ‬ ‫ـادةٌ ِفـي ا ْل ُك ْف ِـر﴾ (التوبـة‪ :‬مـن اريــة‬ ‫الن ِسـي ُ ِزَي َ‬ ‫واحتجـوا ً‬ ‫َ‬ ‫أيضا وقد حكم اهلل بكفر مرتكبه‪.‬‬ ‫‪ ،)91‬وقالوا إن النسي عمل ً‬ ‫اهلل فَـاتَِّب ُعوِني ُي ْح ِب ْـب ُك ُم اهللُ َوَي ْغ ِف ْـر َل ُك ْـم‬ ‫أيضا بقوله تعالى‪ُ ﴿ :‬ق ْل إِن ُك ْنتُ ْم تُ ِحب َ‬ ‫واحتجوا ً‬ ‫ُّـون َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ــب‬ ‫اهلل الَ ُي ِحـ ُّ‬ ‫اهلل َو َّ‬ ‫سـ َ‬ ‫ُذنُـ َ‬ ‫الر ُ‬ ‫ــيم * ُقـــ ْل أَط ُ‬ ‫ــول فـــِإ ْن تَ​َولـ ْــوا فَـــِإ َّن َ‬ ‫يعـــوا َ‬ ‫ــوب ُك ْم َواهللُ َغفُـ ٌ‬ ‫ــور َّرحـ ٌ‬ ‫ا ْل َكـ ِ‬ ‫ين﴾ (آل عم ـران‪ :‬اريــات ‪ ،)92-96‬وقــال إن االتبــاع هــو والعمــل بمــا جــا بــه‬ ‫ـاف ِر َ‬ ‫الرسول – صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬ومن لم يعمـل بمـا جـا بـه عليـه الصـالة والسـالم‬

‫فهو لم يتبعه فهو قد تولى فهو من الكافرين‪.‬‬

‫اهلل علَ ْيـ ِـه وِا َّنـ ُ ِ‬ ‫كــذلك احتجـوا بقولــه تعــالى‪﴿ :‬والَ تَـأْ ُكلُوا ِم َّمــا لَــم يـ ْذ َك ِر اســم ِ‬ ‫ـق َوِا َّن‬ ‫سـ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ـه لَف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ـون إَِلــى أَولِيـا ِ ِهم لِيجـ ِ‬ ‫الشـي ِ‬ ‫ون﴾ (األنعــام‪:‬‬ ‫ـادلُو ُك ْم َوِا ْن أَ َ‬ ‫ـوه ْم إَِّن ُك ْـم َل ُم ْ‬ ‫ط ْعتُ ُمـ ُ‬ ‫شـ ِـرُك َ‬ ‫وحـ َ‬ ‫اط َ‬ ‫ْ َ ْ َُ‬ ‫ين َل ُي ُ‬ ‫َّ َ‬

‫اريــة ‪ .)626‬وقــالوا إن الطاعــة المقصــودة باريــة هــي األكــل ممــا حرمــه اهلل بصــرف‬ ‫النئر عن عقيدة اركل واذا كان المسلم يرتد مشرًكا إذا أطاع في أكل قطعة من اللحـم‬

‫ال تسمن وال تغني من جوع فكيف إذا أطاع فيما هو وأعئم من ذلك شأ ًنا؟‪.‬‬ ‫وكل ذلك الذ احتجوا به ال حجة لهم فيه‪.‬‬

‫ـن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـن ِ‬ ‫وارية الكريمـة‪﴿ :‬وقَالَ ِ‬ ‫ـت َّ‬ ‫ـك‬ ‫اهلل َذلِ َ‬ ‫اهلل َوقَالَ ْ‬ ‫ـت ا ْل َي ُه ُ‬ ‫ـيح ْاب ُ‬ ‫ـود ُع َزْي ٌـر ْاب ُ‬ ‫ـاري ا ْل َمس ُ‬ ‫الن َ‬ ‫َ‬ ‫صَ‬ ‫ض ِ‬ ‫َقولُهم ِبأَفْو ِ‬ ‫ـون * اتَّ َخـ ُذوا‬ ‫ين َك َف ُروا ِمن َقْب ُل َق َ‬ ‫ـات َل ُه ُم اهللُ أ ََّنـى ُي ْؤفَ ُك َ‬ ‫ون َق ْو َل الَّ ِذ َ‬ ‫اه ُ َ‬ ‫اه ِه ْم ُي َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ـن مــريم ومــا أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحبــارُهم ورْهبــا َنهم أَربابــا ِّمــن ُد ِ ِ‬ ‫ُمـ ُـروا إِالَّ لِ َي ْع ُبـ ُـدوا إَِل ًهــا‬ ‫ون اهلل َوا ْل َمسـ َ‬ ‫أ ْ َ َ ْ َ ُ َ ُْ َْ ً‬ ‫ـيح ْابـ َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫وِ‬ ‫احـ ًـدا الَّ إِلَـ َ َّ‬ ‫ون﴾ (التوبــة‪ :‬اريــات ‪ .)96-91‬هــذه اريــة‬ ‫سـ ْـب َحا َن ُه َع َّمــا ُي ْ‬ ‫شـ ِـرُك َ‬ ‫ـه إِال ُهـ َـو ُ‬ ‫َ‬ ‫ين آتَْي َن ُ ِ‬ ‫ـون * َوِا َذا ُي ْت َلـى‬ ‫اب ِمـن َقْبلِ ِـه ُهـم ِب ِـه ُي ْؤ ِم ُن َ‬ ‫بمقابلتها بقوله تعـالى‪﴿ :‬الَّ ِـذ َ‬ ‫ـاه ُم ا ْلكتَـ َ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫علَ ْي ِهم قَالُوا آم َّنا ِب ِه إَِّن ُه ا ْلح ُّ ِ‬ ‫ين﴾ (القصـا‪ :‬اريـات‬ ‫سـلِ ِم َ‬ ‫َ‬ ‫ق من َّرِّب َنا إَِّنـا ُك َّنـا مـن قَْبلـه ُم ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫عامـا فـي جميـع اليهـود والنصـاري ألن‬ ‫‪ .)19-12‬يبين أن حكم كـل مـن اريتـين لـيس ً‬ ‫هؤال الذين لعـنهم الـه‪ ،‬وقـال جـل شـأنه إنهـم اتخـذوا أحبـارهم ورهبـانهم والمسـيح ابـن‬

‫قطعا وبدون أدنى شك غيـر هـؤال الـذين أخبرنـا تعـالى‬ ‫مريم ً‬ ‫أربابا من دونه تعالى هم ً‬ ‫أنهم كانوا قبل بعثة المصطفى عليه السالم ومن قبل نزول القـرآن مسـلمين يؤكـد ذلـك‬ ‫ون ِ ِ‬ ‫اب أ َّ ِ‬ ‫َه ِل ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫ون *‬ ‫قوله تعالى‪ِّ ﴿ :‬م ْن أ ْ‬ ‫ـج ُد َ‬ ‫سُ‬ ‫ُم ٌة قَا َم ٌة َي ْتلُ َ َ‬ ‫آيـات اهلل آ َنـا َ اللَّْي ِـل َو ُه ْـم َي ْ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪138‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ون ِفــي‬ ‫ـار ُع َ‬ ‫ْم ُر َ‬ ‫ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬ ‫ون ِبــا ْل َم ْع ُروف َوَي ْن َهـ ْـو َن َعـ ِـن ا ْل ُم ْن َكـ ِـر َوُي َ‬ ‫ـون ِبــاهلل َوا ْل َيـ ْـوِم ارَخـ ِـر َوَيـأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْل َخ ْير ِ‬ ‫ين﴾‬ ‫ات َوأُولَ ِ َك ِم َن َّ‬ ‫يم ِبـا ْل ُمتَّ ِق َ‬ ‫الصالِ ِح َ‬ ‫َ‬ ‫ين * َو َما َي ْف َعلُوا م ْن َخ ْير َفلَ ْن ُي ْكفَ ُروهُ َواهللُ َعل ٌ‬

‫(آل عمران‪ :‬من اريات ‪ .)661 :669‬فالذين أعلمنا اهلل تعالى أنهم من الصالحين هم‬ ‫يقي ًنا وبغير أدنى شك طا فـة غيـر التـي لعنهـا اهلل تعـالى وقضـى أنهـا أشـركت واتخـذت‬ ‫أربابا من دون اهلل‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫أحبارها ورهبانها‬ ‫وعزير والمسيح ً‬

‫فصح يقي ًنا أن آيـة سـورة البـرا ة ليسـت حاكمـة علـى اليهـود والنصـاري كافـة بـل علـى‬ ‫الطا فة منهم التي أشركت فقط‪.‬‬ ‫واالتباع في اللغة‪ :‬هو واالمتثال والطاعة‪.‬‬ ‫والطاعة في اللغة‪ :‬هي العمل باألمر‪.‬‬ ‫والطاعة في الشرع‪ :‬العمل تنفي ًذا لألمر مـع النيـة واالعتقـاد وهـذا صـريح مـا قضـى بـه‬ ‫الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬في حديث عمر بن الخطاب رضي اهلل تعالى عنـه قـال‪:‬‬

‫سمعت رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسـلم – يقـول‪" :‬إنمـا األعمـال بالنيـات وانمـا لكـل‬

‫امــر مــا نــوي‪ ،‬فمــن كانــت هجرتــه إلــى اهلل ورســوله فهجرتــه إلــى اهلل ورســوله‪ ،‬ومــن‬

‫كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها‪ ،‬فهجرته إلـى مـا هـاجر إليـه" [متفـق عليـه‬ ‫أورده صاحب رياو الصالحين وسبق ذكـره بألفـائ أخـري]‪ .‬وهـذا الحـديث متفـق علـى‬

‫صحته وهو متواتر من حيث المعنى ألنه قد رو عن طرق مختلفة متفرقة بألفـائ قـد‬ ‫جميعا متفقة من حيث المعنى‪.‬‬ ‫وقع اختالف في بعو أحرفها إال أنها‬ ‫ً‬ ‫وطبقًا لنا الحديث فإن األعمـال المـأمور بهـا والمنهـي عنـه فـي الشـرع إذا مـا أتاهـا‬ ‫العبد فإن المدار في حكمها يتوقف على نيته "وانما لكل امر ما نوي"‪.‬‬

‫مطيعـا لمـن نقـل‬ ‫متبعـا أو‬ ‫فمن قصد طاعة اهلل تعالى وتنفيذ حكمـه فإنـه ال يكـون ً‬ ‫ً‬ ‫أبـدا ً‬ ‫أبـدا أن يكـون الناقـل‬ ‫إليه ذلك الحكم أو وأمره به أو وأفتاه به‪ ،‬وال يغير من ذلـك شـي ًا ً‬ ‫أو ارمر أو المفتي قد أصاب حكم اهلل في الحقيقة أو أخطأه‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪139‬‬

‫والذ قصد طاعة شخا ما وتنفيذ أمره فيما يـدين بـه ولـو خـالف أمـره أمـر اهلل فهـو‬

‫ومتبع له في المعنى الشرعي‪ ،‬وال يغير من ذلك شي ًا أن يكون ذلـك الشـخا قـد أمـره‬ ‫بما وافق حكم اهلل أو خالفه‪.‬‬ ‫والذ يعتقد أن ارمر لـه ال يملـك تبـديل شـريعة اهلل وأن أمـره علـى خـالف شـريعة اهلل‬

‫باطل ال يحرم ما أحل اهلل وال يحل ما حرم اهلل‪ ،‬وأنه إن عمل بمقتضى أمـر ذلـك ارمـر‬

‫فإنــه يكــون عاصـ ًـيا هلل تعــالى فعملــه بمقتضــى أمــر ذلــك ارمــر أو المفتــي ال يكــون لــه‬ ‫ربا من دون اهلل تعالى يسـتثني مـن ذلـك األعمـال‬ ‫متبعا بالمعنى الشرعي وال متخ ًذا له ً‬ ‫ً‬ ‫التي ورد بشأنها نا بأن فاعلها ينتفي عنه اسم اإليمان دون نئر إلى نيته وعقيدته‬

‫رغم نطقه بالشـهادتين‪ ،‬فقـد نـا رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم – علـى أن مـن‬

‫هـاجر حــين أمـر – صــلى اهلل عليـه وســلم – بــالهجرة وهـو إنمــا قصـد دنيــا يصــيبها أو‬ ‫امرأة ينكحها فإن هجرته كانت لما هاجر إليه‪ ،‬أ أنهـا لـم تكـن طاعـة هلل ورسـوله وال‬

‫اتباعا هلل ورسوله‪ ،‬وال يختلف مسلمان أن من جا من أقصـى األرو مـتحمالً مشـاق‬ ‫ً‬ ‫مرتديا مالبس اإلحرام وطاف وسعى ووقف‪ ،‬بعرفات في التاسع مـن ذ الحجـة‬ ‫السفر‬ ‫ً‬ ‫ثم أفاو إلى المزدلفة ثم إلى منى فرمى الجمـرات وأقـام بهـا يـومين ثـم طـاف بالبيـت‪،‬‬

‫متبعـا أمـر اهلل ورسـوله وال‬ ‫إنه إن فعل ذلك‬ ‫ً‬ ‫معتقدا بطالن شريعة الحـج فإنـه ال يكـون ً‬ ‫َح َب َارُه ْم َوُرْه َبا َن ُه ْم‬ ‫مطيعا لها بالمعنى الشرعي‪ ،‬وارية الكريمة من سورة برا ة ﴿اتَّ َخ ُذوا أ ْ‬ ‫ً‬ ‫ون ِ‬ ‫أ َْرَب ًابا ِّمن ُد ِ‬ ‫اهلل﴾ (التوبة‪ :‬من ارية ‪ ،)96‬ليس فيها ذكر للعمل وال إشارة إليه إنما‬

‫فيهــا الــنا علــى "االتخــاذ"‪ ،‬واالتخــاذ يــتم بمجــرد النيــة واالعتقــاد دون عمــل‪ ،‬فمجــرد‬ ‫اعتقاد شخا وجوب أن يدين ألمر شخا آخر ولو خالف أمره أمر اهلل كاف ليكـون‬

‫ربا من دون اهلل‪.‬‬ ‫قد اتخذه ً‬ ‫وحــديث عــد بــن حــاتم بــاللفئ ال ـوارد فــي تفســير ابــن كثيــر "بلــى إنهــم حرم ـوا علــيهم‬

‫أيضا ذكر للعمـل وانمـا فيـه ذكـر االتبـاع‪،‬‬ ‫الحالل وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم" ليس فيه ً‬ ‫واالتباع المعتبر شر ًعا البد فيه من النية واالعتقاد‪.‬‬ ‫واالعتقاد‪ :‬فعل النفس منفردة ال شركة للجسد معها فيه‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪141‬‬

‫والعمل‪ :‬فعل النفس بتحريك الجسد فهو شـي آخـر غيـر االعتقـاد‪ ،‬وقـد فـرق الرسـول‬ ‫عليه الصالة والسالم بينهما بقوله‪" :‬إنما األعمـال بالنيـات" فجعـل النيـة وهـي االعتقـاد‬

‫غير العمل‪.‬‬ ‫والحديث الذ ذكره ابن كثير لم يورد سنده المتصل إلى رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه‬

‫مسندا عن‬ ‫وسلم ‪ ،-‬وقد رواه ابن حزم والترمذ والطحان والكوفي وابن جرير الطبر‬ ‫ً‬ ‫الثقـات العـدول إلـى الرسـول عليـه الصـالة والسـالم بـاللفئ الـذ سـبق أن ذكرنـاه وهـو‬

‫و"كـانوا يحلــون لكـم الحـرام فتســتحلونه ويحرمـون علــيكم الحــالل فتحرمونـه" قلــت بلــى‪.‬‬ ‫قال‪" :‬فتلك عبادتهم"‪.‬‬

‫واالستحالل والتحريم يتمان بمجرد العقيدة فقط دون عمل فمن اعتقـد أن الخمـر حـالل‬

‫حرمـه ولـو لـم يكـن‬ ‫امـا فقـد ّ‬ ‫فقد استحلها ولو لم يذق منها قطرة ومن اعتقد الطالق حر ً‬ ‫متزوجا ولم تكن له امرأة يطلقها‪ ،‬وطبقًا لكـل مـن الـروايتين فـإن التحـريم ال يكـون فيـه‬ ‫ً‬

‫أبـدا ألنـه امتنـاع عـن عمـل‪ ،‬فكيـف يصـح القـول أن العبـرة بالعمـل دون العقيـدة‪،‬‬ ‫عمل ً‬ ‫وكيف يكون اتباع الرهبان واألحبار فيما حرموه بغير عقيدة وغير عمل‪.‬‬ ‫والحـق أن اريـة الكريمـة قـد سـوت ال بـين عمـل وعقيـدة وانمـا بـين عقيـدتين جوهرهمـا‬

‫ـر ابـن اهلل والمســيح ابـن اهلل واالعتقــاد والقــول إن‬ ‫واحـد‪ :‬بــين االعتقـاد والقــول إن عزيـ ًا‬ ‫للرهبــان واألحبــار قداســة وعصــمة توجبــان االتبــاع واالنقيــاد لهمــا‪ ،‬ولــو خــالف أمرهمــا‬ ‫شريعة اهلل‪.‬‬

‫ال والمشاهد فهم يسمون "بابهم" "قداسة البابا" والقداسـة فـي‬ ‫وهذا هو واألمر الواقع فع ً‬ ‫اللغة هي الطهارة أ أنه هو الطهارة بعينها وهم يعتقدون عصمته فهو وفـي نفوسـهم‬

‫ار بتحـريم وسـا ل منـع الحمـل والمعـروف لـدي‬ ‫ال يخط ومنذ مدة غير بعيدة أصدر قـر ًا‬ ‫امــا‪،‬‬ ‫كافــة أتباعــه أنــه لحــين صــدور ق ـراره بتحريمهــا فقــد أصــبحت طب ًقــا لعقيــدتهم حر ً‬

‫مباحـا وأنـه لـيس فـي‬ ‫أيضا والثابت‬ ‫ً‬ ‫والمعروف ً‬ ‫تاريخا أن الطالق كان لدي المسيحيين ً‬ ‫أناجيلهم ما يحرمه ثم اجتمع مجلس كنسي فحرم "قرر تحريمه" الطالق فأصبحت تلـك‬ ‫عقيدتهم‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪141‬‬

‫ونحــن نســأل الــذين قــالوا‪ :‬إن العبــرة بالطاعــة بمعنــى العمــل دون العقيــدة‪ ،‬مــاذا يكــون‬ ‫لزوما‬ ‫موقف مسلم أفتاه مفت أن الطالق حرام أو وأمره حاكم أال يطلق زوجته‪ ،‬أيكون ً‬

‫ربــا مــن دون اهلل؟ أم أنــه إذا‬ ‫ـع لــه دون اهلل ومتخـ ًذا لــه ً‬ ‫عليــه أن يطلقهــا واال كـان متبـ ً‬ ‫ربا ولو لم يطلق زوجته؟‪.‬‬ ‫اعتقد فساد الفتوي وبطالن األمر فإنه ال يكون متخ ًذا له ً‬ ‫أيضــا‪ :‬مــا الحكــم إذا مــا أفتــى مفــت أو قــرر حــاكم أن الخمــر حــالل فاعتقــد‬ ‫ونســألهم ً‬ ‫شخا ذلك‪ ،‬وأنها قد باتت حالالً له أن يشربها رغم علمه أن اهلل قد حرمها‪..‬؟ أيكون‬ ‫ربــا مـن دون اهلل أم ال‪ .‬سـوا شـربها أم لــم‬ ‫ذلـك الشـخا قــد اتخـذ المفتــي أو الحـاكم ً‬ ‫أحدا سوف يزعم أنه ما دام لـم يعمـل ولـم يشـرب الخمـر فإنـه ال‬ ‫يشربها‪..‬؟ ال نئن أن ً‬ ‫متبعا فال مرا أنه باستحالله الخمر‪ ،‬طاعة لذلك المفتي أو الحاكم من دون اهلل‬ ‫يكون ً‬ ‫ربا من دون اهلل سوا أنفذ الفتوي أو األمر فشرب أم لم يشرب‪.‬‬ ‫فإنه يكون قد اتخذه ً‬ ‫فالمدار إذن على النية واالعتقاد ال على العمل المجرد عن النية واالعتقاد‪.‬‬ ‫أيضـا‪ :‬مـا الفـرق بـين حكـم مسـلم فـي بلـد تسـوده وتنفـذ فيـه أحكـام الشــريعة‬ ‫ونسـألهم ً‬ ‫اإلسالمية فشرب الخمر وهـو معتقـد حرمتهـا‪ ،‬وبـين حكمـه إذا شـربها فـي بلـد ملحـد ال‬ ‫أيضـا معتقــد حرمتهــا وأن شــريعة تلـك البلــد التــي صــادف‬ ‫يـدين لحــالل أو حـرام‪ ،‬وهــو و ً‬ ‫وجــوده بهــا شــريعة باطلــة‪..‬؟ وأ نــا مــن كتــاب اهلل وســنة رســوله تســتندون إليــه‬ ‫للتفرقــة بــين الحــالتين حتــى تســتجيزون قــولكم إنــه بعملــه فــي البل ـد الملحــد قــد اتبــع‬

‫أربابا من دون اهلل؟‪.‬‬ ‫شريعتها واتخذ حكامها ً‬

‫فإن قلتم إنه حين يشرب الخمر في البلد الذ تسـوده أحكـام الشـريعة اإلسـالمية فإنـه‬

‫خاضعا لها وتوقّع عليه العقوبة الشـرعية‪ ،‬قلنـا إن الحكـم إنمـا يكـون علـى حالـه‬ ‫يكون‬ ‫ً‬ ‫وقت شربه الخمر‪ ،‬أما توقيع العقوبة فأمر الحق لفعله وال دخل إلرادته فيه وغيـره هـو‬ ‫المس ول عنه‪ ،‬واألحكام إنما تصف الشخا وتلحقه وقت مقارفتـه مـا عمـل وال تتغيـر‬

‫بما يلي عمل العامل من أعمال يقوم بها غيره وال دخل إلرادته فيها‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪142‬‬

‫أيضا إن المسلم قد يشرب الخمر في بلد تسوده أحكام الشريعة اإلسالمية ثم ال‬ ‫ونقول ً‬ ‫يئهر أمره فـال توقـع عليـه عقوبـة‪ ،‬وقـد عـرو رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم –‬ ‫لهذه الحالة فقال في حديث عبادة بن الصامت الذ سبق أن أوردنا نصه‪" :‬ومن أتـى‬

‫حدا فأقيم عليه فهو كفارة لـه‪ ،‬ومـن سـتر اهلل عليـه فـأمره إلـى اهلل إن شـا عذبـه وان‬ ‫ً‬ ‫شا غفر له"‪.‬‬

‫واليقين الذ ال شك فيه هو مـا أخبرنـا بـه رسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم – مـن‬ ‫أن أعمــال الشــخا متوقــف الحكــم عليهــا علــى نيتــه هــو وال علــى نوايــا غيــره وعلــى‬

‫مقصده هو فيها ال على مقاصد غيره وعلى عقيدته هو ال على ما اعتقده سواه‪.‬‬ ‫فإن قال قا ل‪ :‬فكيف يكون حكمنا في هذه الدنيا علـى أعمـال النـاس وأنـتم تقولـون إن‬ ‫النية هي عمل النفس المجرد الذ ال يطلع عليه إال عالم األسرار جل شأنه؟‪.‬‬ ‫قلنا إن الرسول عليه الصالة والسالم أمرنا أن نحكم في هذه الدنيا بئاهر حال النـاس‬

‫وبما يقوله المر بلسانه‪ ،‬قال خالد بن الوليد لرسـول اهلل – صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪:-‬‬

‫"وكم من مصل يقول بلسانه مـا لـيس فـي قلبـه‪ ،‬فقـال عليـه الصـالة والسـالم‪" :‬إنـي لـم‬ ‫أومـــر أن أنقـــب عـــن قلـــوب النـــاس وال أشـــق بطـــونهم" [المحلـــى البـــن حـــزم‪ :‬جــــ‪66‬‬

‫ا‪ ،]221‬وســبق أن قــدمنا البرهــان مــن عمــل رســول اهلل – صــلى اهلل عليــه وســلم –‬ ‫علــى أن مــن شــهد أن ال إلــه إال اهلل وأن محمـ ًـدا رســول اهلل‪ ،‬فإنــه إن خــالف بعــد ذلــك‬ ‫عاصيا والفرو أنه لم يستحل مخالفة الـنا ولـم يجحـد بـه إال‬ ‫نصا فإنه يكون‬ ‫ً‬ ‫بعمله ً‬ ‫أنه يقول هو بلسانه ما يدل على جحده واستحالل العمل على خالف النا‪.‬‬

‫واذا صــح مــا قــدمنا بالبرهــان مــن كتــاب اهلل وســنة رســوله عليــه الصــالة والســالم فإنــه‬

‫يكــون اليقــين المقطــوع بــه أن الطا فــة التــي لعنهــا اهلل تعــالى مــن اليهــود والنصــاري‬

‫أربابا من دونه تعالى هي الطا فـة التـي اعتقـدت أن‬ ‫ًا‬ ‫التخاذها‬ ‫عزير والمسيح والرهبان ً‬ ‫ـر ابــن اهلل وأن المســيح ابــن اهلل أو أن األحبــار والرهبــان واجــب طــاعتهم واالنقيــاد‬ ‫عزيـ ًا‬ ‫المطلق ألمرهم ولو جا أمرهم على خالف أمر اهلل‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪143‬‬

‫قـــال اإلمـــام ابـــن تيميـــة فـــي كتابـــه اإليمـــان [كتـــاب اإليمـــان طبعـــة دار أنصـــار الســـنة‬

‫المحمديــة‪ :‬ا‪" :]49-46‬قــال الربيــع بــن أنــس قلــت ألبــي العاليــة كيــف كانــت تلــك‬ ‫الربوبية في بنـي إسـرا يل قـال‪ :‬كانـت الربوبيـة أنهـم وجـدوا فـي كتـاب اهلل مـا أمـروا بـه‬

‫ونهـوا عنــه‪ ،‬فقــالوا لــن نســبق أحبارنــا بشــي فمــا أمرونــا بــه ا تمرنــا ومــا نهونــا عنــه‬ ‫انتهينا لقولهم‪ ،‬فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب اهلل ورا ئهورهم"‪.‬‬

‫أربابا حيث أطاعوهم في تحليـل مـا‬ ‫وقال ً‬ ‫أيضا‪" :‬وهؤال الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ً‬ ‫حرم اهلل وتحريم ما أحل اهلل يكونون على وجهـين‪ :‬أحـدهما أن يعلمـوا أنهـم بـدلوا ديـن‬ ‫اتباعــا‬ ‫اهلل فيتبعــونهم علــى التبــديل فيعتقــدون تحليــل مــا حــرم اهلل وتحــريم مــا أحــل اهلل‬ ‫ً‬

‫لرؤسا هم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسول‪ ،‬فهذاا كفر وقد جعله اهلل ورسوله شرًكا‬

‫وان لم يكونوا يصـلون لهـم ويسـجدون لهـم فكـان مـن اتبـع غيـره فـي خـالف الـدين مـع‬

‫علمه بأنه خـال ف الـدين‪ ،‬واعتقـد مـا قالـه ذلـك دون مـا قالـه اهلل تعـالى ورسـوله عليـه‬ ‫السالم‪ ،‬مشرًكا مثل هؤال ‪ ،‬الثاني‪ :‬أن يكون اعتقادهم وايمانهم بتحليل الحالل والحرام‬ ‫ثابتًا لكنهم أطـاعوهم فـي معصـية اهلل كمـا يفعـل المسـلم مـا يفعلـه مـن المعاصـي التـي‬

‫يعتقد أنها معاا‪ ،‬فهؤال لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب" انتهى‪.‬‬

‫وأما قوله تعالى‪﴿ :‬إَِّنمـا َّ‬ ‫امـا‬ ‫ين َك َف ُـروا ُي ِحلُّوَن ُ‬ ‫الن ِسـي ُ ِزَي َ‬ ‫ض ُّـل ِب ِـه الَّ ِـذ َ‬ ‫ـادةٌ ِفـي ا ْل ُك ْف ِـر ُي َ‬ ‫ـه َع ً‬ ‫َ‬ ‫ويحِّرموَن ُه عاما لِّيو ِ‬ ‫َع َمـالِ ِه ْم‬ ‫سـو ُ أ ْ‬ ‫اط ُوا ِع َّدةَ َمـا َح َّـرَم اهللُ فَ ُي ِحلُّـوا َمـا َح َّـرَم اهللُ ُزِّي َ‬ ‫ـن لَ ُه ْـم ُ‬ ‫َ ً َُ‬ ‫ََُ ُ‬ ‫واهلل الَ يه ِـد ا ْلقَـوم ا ْل َك ِ‬ ‫ين﴾ (التوبـة‪ :‬اريـة ‪ )91‬فقــد قـال ابـن كثيـر فـي ذلـك‪" :‬هــذا‬ ‫ـاف ِر َ‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫َْ‬ ‫مما ذم اهلل بـه المشـركين مـن تصـرفهم فـي شـرع اهلل بـآ ار هم الفاسـدة وتغييـرهم أحكـام‬

‫اهلل بأهوا هم الباردة وتحليلهم ما حرم اهلل وتحريمهم ما أحل اهلل فإنهم كان فيهم القوة‬ ‫والعصبية والشهامة والحمية‪.‬‬ ‫ما استطالوا به مدة األشهر الثالثة في التحريم المانع لهـم مـن قضـا أوطـارهم فكـانوا‬

‫قد أحدثوا قبل اإلسالم بمـدة تحليـل المحـرم فـأخروه إلـى صـفر‪ ،‬فيحلـون الشـهر الحـرام‬

‫ويحرمون الشهر الحالل ليواط وا عدة مـا حـرم اهلل األشـهر األربعـة‪ ،‬كمـا قـال شـاعرهم‬ ‫وهو عمير بن قيس المعروف بجزل الطعان‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪144‬‬

‫لقد علمت معد بأن قومي‬

‫اما‬ ‫كرام الناس أن لهم كر ً‬

‫ألسنا الناس ين على معد‬

‫اما‬ ‫شهور الحل نجعلها حر ً‬

‫وقال علي بن أبـي طلحـة عـن ابـن عبـاس فـي قولـه تعـالى‪﴿ :‬إَِّنمـا َّ‬ ‫ـادةٌ ِفـي‬ ‫الن ِسـي ُ ِزَي َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل ُك ْف ِر﴾ (التوبة‪ :‬من ارية ‪ ،)91‬قال النسي إن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان‬ ‫يوافي في الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فيناد ‪ :‬أال إن أبا ثمامـة ال يجـاب وال‬

‫عامـا ويحـرم‬ ‫ًا‬ ‫يعاب‪ ،‬أال وان صفر العام األول العام حال ٌل‪ ،‬فيحلـه للنـاس‪ ،‬فيحـرم‬ ‫صـفر ً‬ ‫عاما" [تفسير ابن كثير‪ :‬جـ‪ 2‬ا‪.]911‬‬ ‫المحرم ً‬ ‫ال بـل هـو قـول باللسـان واتفـاق علـى تبـديل شـريعة اهلل‬ ‫وهذا كما هـو واضـح لـيس عمـ ً‬ ‫وقصد بالعمد إلى تحليل ما حرم اهلل وتحريم ما أحل اهلل‪.‬‬ ‫المعلومة المعروفة‪،‬‬ ‫ٌ‬

‫وليس كل محارب في األشهر الحرم بناس ‪ ،‬وال كل قاعد عن القتال في غيرهـا بناسـ‬

‫إنما الناس من أعلن أو اتفق أو اعتقد تحليل القتال في أ ٍّ من األشهر الحرام‪ ،‬على‬ ‫أن يعوو ذلك بتحريم القتال في شهر آخر من غيرها‪.‬‬

‫ألست تري الشاعر يفتخر والعياذ باهلل بأن قومـه هـم الـذين كـانوا يقومـون علـى إجـرا‬ ‫تلك الشريعة المخالفة لشريعة اهلل فيقول‪.‬‬ ‫ألسنا الناس ين على معد‬

‫اما‬ ‫شهور الحل نجعلها حر ً‬

‫ال خالف شريعة‬ ‫وقولنا الذ ندين به هلل تعالى أن من قال بلسانه في غير إكراه مستح ً‬ ‫متعمدا تحليل ما علـم أن اهلل تعـالى‬ ‫قاصدا‬ ‫اهلل التي بلغته أو بتبديل حكم من أحكامها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حرمه أو تحريم ما علم أن اهلل تعالى أحله فهو كافر مشرك‪.‬‬

‫أما ارية الكريمة من سورة آل عمـران ﴿ ُق ْـل إِن ُك ْنـتُ ْم تُ ِحب َ‬ ‫اهلل فَـاتَِّب ُعوِني ُي ْح ِب ْـب ُك ُم اهللُ‬ ‫ُّـون َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اهلل الَ‬ ‫اهلل َو َّ‬ ‫سـ َ‬ ‫َوَي ْغفـ ْـر لَ ُكـ ْـم ُذنُـ َ‬ ‫الر ُ‬ ‫ـيم * ُقـ ْـل أَط ُ‬ ‫ـول فـِإ ْن تَ​َولـ ْـوا فَـِإ َّن َ‬ ‫يعـوا َ‬ ‫ـوب ُك ْم َواهللُ َغفُـ ٌ‬ ‫ـور َّرحـ ٌ‬ ‫ي ِح ُّب ا ْل َك ِ‬ ‫فإن العامل بمقتضـى أمـر اهلل ورسـوله‬ ‫ين﴾ (آل عمران‪ :‬اريات ‪َّ ،)92-96‬‬ ‫اف ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪145‬‬

‫ال هو متبع وال هو مطيع إال أن يكون عمله بنية االمتثال ألمر اهلل ورسـوله‪ ،‬كمـا قـال‬ ‫عليه الصالة والسالم‪" :‬إنما األعمال بالنيات ولكل امر ما نوي"‪.‬‬ ‫وال مرا في أن المسلم مأمور باالتباع والطاعة في كل ما أمر اهلل تعالى بـه وفـي كـل‬ ‫مــا نهــى عنــه ال يستســهل صــغيرة وال يجتــر علــى كبيــرة ومــن لــم يعتقــد بوجــوب ذلــك‬ ‫وبوجوب االتباع والطاعـة فـي كافـة أوامـر اهلل ونواهيـه فهـو جاحـد كـافر مشـرك منتـف‬

‫عنه اإليمـان بـنا قـول رسـول اهلل ـ عليـه الصـالة والسـالم ـ‪" :‬أمـرت أن أقاتـل النـاس‬

‫حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل ويؤمنوا بـي وبمـا ج ـت بـه" واهلل تعـالى الـذ حكـم بهـذا‬

‫ففـرق بـين النيـة والعمــل‪،‬‬ ‫هـو سـبحانه الـذ تفضـل علـى خلقـه وعبــاده بواسـع رحمتـه َّ‬

‫وجعل العامل على خالف األمـر ممـن آمـن بـه تعـالى وبرسـوليه عليـه الصـالة والسـالم‬

‫وحيــا عــن ربــه‪ ،‬غيــر كــافر وال مشــرك إال مــن عمــل عمـالً ورد‬ ‫وبجميــع مـا أبلغــه إلينــا ً‬ ‫النا بانتفا اسم اإليمان عن فاعله برغم النطق بالشهادتين‪ ،‬وقـد أسـلفنا القـول فـي‬ ‫الفــرق بــين الكفــر والعصــيان‪ ،‬وقــدمنا الب ـراهين مــن كتــاب اهلل وســنة رســوله ـ عليــه‬

‫الصالة والسالم ـ بمـا ال حاجـة لنـا بعـده إلـى مزيـد‪ ،‬فصـح يقي ًنـا أن الكـافرين فـي قولـه‬ ‫تعالى‪﴿ :‬فِإ ْن تَولَّوا فَِإ َّن اهلل َال ي ِح ُّب ا ْل َك ِ‬ ‫ين﴾ (آل عمـران‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)92‬هـم الـذين‬ ‫اف ِر َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫تولـوا مــن الــذين أبـوا اإلســالم هلل والنطــق بالشــهادتين مــع العقــد بالقلــب‪ ،‬أو مــن نكــث‬

‫عهده وارتد بعد إسالم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫سٌ‬ ‫اس ُم اهلل َعلَ ْيه َوِا َّن ُه لَف ْ‬ ‫أما ارية الكريمة من سورة األنعام‪َ ﴿ :‬والَ تَأْ ُكلُوا م َّما لَ ْم ُي ْذ َك ِر ْ‬ ‫ـــون إَِلــــى أَولِيــــا ِ ِهم لِيج ِ‬ ‫الشـــي ِ‬ ‫شـ ِ‬ ‫ون﴾‬ ‫ـــادلُو ُك ْم َوِا ْن أَ َ‬ ‫ـــم َل ُم ْ‬ ‫ط ْعتُ ُمـ ُ‬ ‫ـــرُك َ‬ ‫وحـ َ‬ ‫اط َ‬ ‫ْ َ ْ َُ‬ ‫ين َل ُي ُ‬ ‫َوِا َّن َّ َ‬ ‫ـــوه ْم إَِّن ُكـ ْ‬

‫(األنعــام‪ :‬اريــة ‪ ،)626‬فقــد ئهــر وجــه الخطــأ فــي االســتدالل بهــا بعــد أن بينــا معنــى‬ ‫الطاعة في الشرع وأن لكل امر ما نوي كما هو الحديث‪.‬‬ ‫وواضــح أن أوليــا الشــيطان إنمــا يجــادلون فــي وجاهــة التحــريم وبــذلك وردت ارثــار‪،‬‬

‫يقول ابن كثيـر والقرطبـي‪" :‬إن المشـركين كـانوا يجـادلون المسـلمين فيقولـون‪ :‬مـا قتـل‬ ‫اهلل لم تأكلوه وما قتتلتموه أكلتموه" انتهى‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪146‬‬

‫والمجادلة‪ :‬دفع القول عن طريق الحجة بـالقوة [الجـامع ألحكـام القـرآن للقرطبـي‪ :‬جــ‪1‬‬ ‫ا‪.]11‬‬ ‫ـوه ْم إَِّن ُك ْـم‬ ‫وواضح من التركيب اللفئي لآلية ومن السياق أن قولـه تعـالى‪َ ﴿ :‬وِا ْن أَطَ ْعتُ ُم ُ‬ ‫ون) (األنعام‪ :‬من ارية ‪ ،)626‬مقصود منه االقتناع بما جـادلوا بـه‪ ،‬ولـذا يقـول‬ ‫لَ ُم ْ‬ ‫ش ِرُك َ‬ ‫وه ْم﴾ (األنعام‪ :‬من ارية ‪ ،)626‬في تحليل الميتة‪.‬‬ ‫القرطبي‪َ ﴿ :‬وِا ْن أَ َ‬ ‫ط ْعتُ ُم ُ‬

‫وهذا ما نقول به ألن مـن أطـاع غيـر اهلل فيمـا حـا بـه مـن تحليـل مـا حـرم اهلل تعـالى‬ ‫فقد أكذب ربه وجحد النا المعلوم له‪ ،‬فهو كافر مشرك بال خالف‪.‬‬ ‫قال ابن العربـي‪" :‬إنمـا يكـون المـؤمن بطاعـة المشـرك مشـرًكا إذ أطاعـه فـي االعتقـاد‪،‬‬ ‫فـــإن أطاعـــه فـــي الفعـــل وعقلـــه ســـليم مســـتمر علـــى التوحيـــد والتصـــديق فهـــو عـــاا‬ ‫فافهموه" انتهى [الجامع ألحكام القرآن للقرطبي‪ :‬جـ‪ 1‬ا‪.]11 ،11‬‬ ‫أيضا قال ابن تيمية وقد سبق ذكر قوله [انئر هذا البحث ا‪.]611‬‬ ‫وبذلك ً‬

‫الفصل الثامن‬ ‫الحكومة اإلسالمية أو واإلمام الحق‬ ‫ومعنى السمع والطاعة والحكم والتحكيم‬ ‫والمعلوم من الدين بالضرورة‬ ‫الزَكاةَ وأَمـروا ِبـا ْلمعر ِ‬ ‫اه ْم ِفي األ َْر ِ‬ ‫وف َوَن َه ْـوا َع ِـن‬ ‫اموا َّ‬ ‫ين إِن َّم َّك َّن ُ‬ ‫﴿الَّ ِذ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫الصالَةَ َوآتَُوا َّ َ َ ُ‬ ‫و أَقَ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُم ِ‬ ‫ور﴾ (الحج‪ :‬ارية ‪.)46‬‬ ‫ا ْل ُم ْن َك ِر َوهلل َعاق َب ُة األ ُ‬ ‫الحكومة اإلسالمية‪:‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪147‬‬

‫تعريفها‪ :‬قلنا فيما سبق إن الدين قد تم فليس ألحد أن يزيد فيه أو وينـتقا منـه وأن‬ ‫شريعة اهلل قد كملت وليس الناس في حاجة بعد تمام نعمة اهلل عليهم وكمـال شـريعته‬ ‫ت علَ ْي ُكم ِنعم ِتي ور ِ‬ ‫ِ‬ ‫يت لَ ُك ُم ِ‬ ‫سـالَ َم‬ ‫ض ُ‬ ‫لمزيد من الش ار ع ﴿ا ْل َي ْوَم أَ ْك َم ْل ُ‬ ‫اإل ْ‬ ‫ت لَ ُك ْم دي َن ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ َ ْ ْ َ َ َ‬ ‫ـت َكلِ َمـ ُة‬ ‫ِدي ًنا﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪ ،)9‬وليس ألحد أن يبدل شي ًا مـن شـرا ع اهلل ﴿ َوتَ َّم ْ‬ ‫رِّب َك ِ‬ ‫أيضـا إن مـا أحلـه اهلل وثبـت حكـم‬ ‫ص ْدقًا َو َع ْدالً﴾ (األنعام‪ :‬من ارية ‪ ،)661‬وقلنـا ً‬ ‫َ‬ ‫ِحلِّه األبد بانقطاع الوحي ووفاة الرسول عليه الصالة والسالم حالل إلى يوم القيامة‬ ‫ال يملك كـا ن مـن كـان أن يحرمـه‪ ،‬وأن مـا ثبـت حكـم تحريمـه األبـد بانقطـاع الـوحي‬

‫ووفاة الرسول ـ عليه الصالة والسالم ـ حرام إلى يوم القيـام ال يملـك كـا ن مـن كـان أن‬

‫يحله‪ ،‬وكذلك ما فرضه اهلل من فـ ار و ومـا نهـى عنـه مـن نـواه فـإن كا ًنـا مـن كـان ال‬ ‫يملـك تغييـره وال تبديلـه‪ ،‬ومـا قـدمناه مـن أن اهلل ـ عـز وجـل ـ قـد تـرك ألمـة المسـلمين‬ ‫جوانب غير قليلة من حياتها السياسـية واالقتصـادية واالجتماعيـة تجتهـد فـي تنئيمهـا‬

‫ار أو غير ذلـك‪ ،‬قـد أوضـحنا أنـه‬ ‫بمقتضى تشريعات قد نسميها قانوًنا أو ال حة أو وقر ًا‬ ‫اما أو ونحرم حالالً أو نقبل من فرو أو نهي كما أوضحنا أن‬ ‫مشروط فيه أال نحل حر ً‬ ‫ذلك إنما يكون تنفي ًذا لمقاصد حددها اهلل عز وجـل وأمرنـا بتحقيقهـا فهـي فـي الحقيقـة‬ ‫وسا ل لبلوغ الغاية التي أمر اهلل تعالى بها وهي في جوهرها تنفيذ ألمر اهلل تعالى‪.‬‬

‫أيضــا إن اهلل عــز وجــل لــم يــرد منــا مجــرد اإلقـرار بالطاعــة لــه ولرســوله ـ عليــه‬ ‫وقلنــا ً‬ ‫ال عــن‬ ‫الصــالة والســالم ـ بــال عمــل بــأوامره واجتنــاب لنواهيــه‪ ،‬ولكننــا مــأمورون فض ـ ً‬

‫االعتقــاد بوجــوب الطاعــة بالطاعــة الفعليــة وذلــك بإنفــاذ شــ ار ع اهلل فيمــا أمــر ونهــى‬

‫وفرو وأبا وتحويل ذلك إلى واقع حي قا م متمكن في األرو‪.‬‬

‫واذ ذلك كذلك فإنه يخلا لك أن الحكومـات اإلسـالمية غيـر مكلفـة بابتـداع شـرا ع وال‬

‫استحداث أهداف وغايات تري فيها من ذات نفسها مصلحة للعباد – وهي ليست غيـر‬

‫مكلفــة بــذلك فقــط بــل هــي منهيــة عنــه‪ ،‬لمــا فــي ذلــك مــن خــرو علــى أحكــام الشــريعة‬ ‫وتبديل وتغيير لها‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪148‬‬

‫ومــن ثــم فــإن الحكومــة اإلســالمية "أو اإلمــام الحــق" إنمــا هــي الحكومــة التــي تعتنــق‬ ‫اإلسالم دي ًنا وتقوم على تنفيذ أحكام الشريعة وحراسة الدين‪.‬‬ ‫ويقـــول أبـــو الحســـن المـــارود فـــي كتابـــه األحكـــام الســـلطانية [نقـــالً عـــن النئريـــات‬

‫السياسية اإلسالمية للدكتور محمد ضيا الدين الريس أسـتاذ قسـم التـاريخ اإلسـالمي‬

‫بكليـــة دار العلـــوم جامعـــة القـــاهرة ‪6911‬م إصـــدار دار المعـــارف ا‪" :]661‬اإلمامـــة‬ ‫موضوعه لخالفة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا"‪.‬‬ ‫ويقول التفتازاني [نقال عن المصدر السابق ذكـره] تعري ًفـا لإلمامـة إنهـا‪" :‬ر اسـة عامـة‬

‫في أمر الدين والدنيا خالفة عن النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬

‫ويعلــق الــدكتور محمــد ضــيا الــدين الــريس علــى تعريــف المــاورد فيقــول‪" :‬إن هــذا‬

‫التعريف يشمل ثالثة عناصر‪-6 :‬أن اإلمامة للخالفة عـن النبـوة‪-9 ،2 .‬وأن موضـوع‬

‫ثانيا‪ ،‬ويالحئ أن الـنا علـى العنصـر‬ ‫هذه الخالفة حراسة الدين أو ًال ثم سياسة الدنيا ً‬ ‫ا ألخيــر كــاف للداللــة علــى أن المــاورد ‪ ،‬قاضــي قضــاة بغــداد ومــن كبــار علمــا فقــه‬ ‫الشـافعية كــان يــري أن ممــا يــدخل فــي صـميم اختصاصــات النبــوة سياســة الــدنيا‪ ،‬ولــذا‬

‫وجــب أن يخلــف الرســول فــي هــذا األمــر‪ ،‬وقولــه حراســة الــدين يفيــد أن وئيفــة اإلمــام‬

‫حراســته وحمايتــه والــذب عنــه‪ ،‬أ ال شــرحه أو التبــديل فيــه‪ ،‬وممــا ينطــو تحــت هــذه‬ ‫الحراسة أن يدل اإلمام بتصرفاته وأعماله على أنه حافئ للدين مراع ألوامره"‪.‬‬ ‫ويعــرف ابــن خلــدون نئــم الحكــم علــى أنهــا علــى ثالثــة أن ـواع‪ :‬األول الحكــم أو الملــك‬ ‫الطبيعــي وهــو حمــل الكافــة علــى مقتضــى الغــرو والشــهوة‪ ،‬والثــاني الحكــم أو الملــك‬

‫السياســي وهــو حمــل الكافــة علــى مقتضــى النئــر العقلــي فــي جلــب المصــالح الدنيويــة‬ ‫ودفع المضار‪ ،‬والثالث وهو الخالفة اإلسالمية أو اإلمامة الحقة وهو حمل الكافة على‬ ‫مقتضــى النئــر الشــرعي فــي مصــالحهم الدنيويــة واألخرويــة الراجعــة إليهــا‪ ،‬إذ أح ـوال‬

‫الدنيا ترجع كلها عند الشـارع إلـى اعتبارهـا لمصـالح ارخـرة‪ ،‬فهـي فـي الحقيقـة خالفـة‬ ‫عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسـة الـدنيا‪ ،‬ثـم يعقـب ابـن خلـدون علـى ذلـك‬

‫فيقول إن ما كان من هـذه الـنئم بمقتضـى القهـر والتغلـب واعمـال القـوة الغضـبية فـي‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪149‬‬

‫أيضـا ألنـه‬ ‫مراعها‪ :‬فجور وعدوان‪ ،‬وما كان فيها بمقتضى السياسة وأحكامها فمـذموم ً‬ ‫ـه ِمـن ُنـور﴾ (النـور‪ :‬مـن اريـة‬ ‫ـه ُن ًا‬ ‫ـور فَ َمـا لَ ُ‬ ‫نئر بغير نور اهلل‪َ ﴿ :‬و َمن لَّ ْم َي ْج َع ِـل اهللُ لَ ُ‬ ‫‪ ،)41‬ألن الشــارع أعلــم بمصــالح الكافــة فيمــا هــو مغيــب عــنهم مــن أمــور آخــرتهم‪،‬‬ ‫وأعمــال البشــر كلهــا عا ــدة علــيهم فــي معاهــدهم مــن ملــك أو غيــره‪ ،‬قــال – صــلى اهلل‬

‫عليه وسلم – "إنما هي أعمالكم ترد عليكم" [المقدمة البن خلدون نقـالً عـن النئريـات‬ ‫السياسية اإلسالمية]‪.‬‬

‫وينهـــي الـــدكتور محمـــد ضـــيا الـــدين الـــريس مؤلفـــة عـــن النئريـــات السياســـية بعـــد‬ ‫استعراضــه مختلــف أق ـوال الفقهــا إلــى أن التعريــف الحقيقــي لإلمامــة أنهــا "الحكومــة‬

‫اإلســالمية الشــرعية أو كمــا نقــول اليــوم‪ :‬الدســتورية أو بعبــارة تعــين المعنــى وتحــدده‬

‫"الحكومة التي تكون الشريعة اإلسالمية قانونها" قانونها األكبر أو األم وهو ما نسميه‬ ‫اليوم بالدستور‪ ،‬وقانونها الفرع وهو مجموعة األحكام التشـريعية التـي تـنئم بهـا حيـاة‬

‫األمـة‪ :‬سـوا أكانـت تلــك األحكـام تتعلـق بالمعــامالت الماليـة أو األحـوال الشخصــية أو‬ ‫المس وليات الجنا ية أو غير ذلك‪ ،‬وهدف هذا القانون هـو تحقيـق مصـالح النـاس فـي‬

‫حيـــاتهم الدنيويـــة واألخرويـــة" "فليســـت إذن هـــي الحكومـــة التـــي تعمـــل وف ًقـــا للقـــانون‬

‫الطبيعي‪ :‬قانون "طبيعة الفرد" وهي المؤلفة من الغ ار ـز والنـوازع الذاتيـة‪ :‬قـانون األثـرة‬

‫واال ستبداد وقهـر النـاس لبلـوغ غايـات المجـد والثـرا أو الـتحكم أو بعبـارة أخـري الحكـم‬ ‫أيضـــا بـــالتي تعمـــل وف ًقـــا "للقـــانون‬ ‫الـــذ تحـــدد وجهاتـــه األهـــوا والشـــهوات‪ ،‬وليســـت ً‬ ‫السياســي" وي ـراد بــه مجموعــة األحكــام التــي يضــعها ويتفــق عليهــا علمــا األمــة مــن‬ ‫ساسـة وحكـام بحسـب مـا تمليـه المصـالح الدنيويـة فقـط‪ ،‬أو كمـا يمكـن أن يعبـر عنهـا‬

‫بكلمة أخري "المادية" غير نائرين إال إلى حدود هذه الحياة ومـا يحـدث فيهـا ومقيـاس‬ ‫التشريع عندهم المنفعـة‪ ..‬وانمـا هـي الحكومـة التـي يكـون قانونهـا شـرع اإلسـالم وهـو‬

‫الذ يستمد مباد ه من القرآن والسنة"‪.‬‬ ‫وفيما نري فإن هـذه التعريفـات للحكومـة اإلسـالمية يشـملها مـا قلنـاه مـن أن الحكومـة‬

‫اإلسـالمية "أو اإلمــام الحــق" إنمـا هــي الحكومــة التـي تعتنــق اإلســالم دي ًنـا وتقــوم علــى‬ ‫تنفيــذ أحكــام الشــريعة‪ ..‬فأحكــام الشــريعة هــي التــي تأمرنــا بحراســة الــدين والــذب عنــه‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪151‬‬

‫وص ُّد العدوان الـذ قـد يقـع علـيهم‪ ،‬والعمـل علـى نشـر‬ ‫والتمكين للمسلمين في األرو َ‬ ‫دعــوة اهلل والقتــال لتكــون كلمــة اهلل هــي العليــا ﴿وقَـ ِ‬ ‫ـون‬ ‫ـاتلُ ُ‬ ‫ـون ِف ْت َن ـ ٌة َوَي ُكـ َ‬ ‫وه ْم َحتَّــى الَ تَ ُكـ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّين ِ‬ ‫هلل﴾ (األنفال‪ :‬من اريـة ‪ ،)99‬وأحكـام الشـريعة هـي التـي تأمرنـا بمـا حددتـه لنـا‬ ‫الد ُ‬ ‫مــن أحكــام متعلقــة بتنئــيم العالقــة بــين الحــاكم والمحكــوم وتعيــين شــكل ونئــام الدولــة‬ ‫والحريات التي تكفل لألفراد والجماعات‪ ،‬وهي التي تأمرنا باتباع وتنفيذ مـا حددتـه مـن‬ ‫ش ار ع تحكم الحياة االجتماعية واالقتصادية وعالقة األمة اإلسالمية بغيرهـا مـن األمـم‪،‬‬ ‫إلى غير ذلك مما يشمل حياة األمة واألفـراد فـي مختلـف نواحيهـا وهـي تـربط بـين ذلـك‬

‫جمي ًعا وبين حياة األمة وأفرادها وبين المصير في ارخرة‪ ،‬وهي التي تؤكد أن ذلك كلـه‬ ‫مما أمرت بـه‪ ،‬إنمـا يجـب اعتقـاده والعمـل بـه وتحقيقـه طاعـة هلل تعـالى وامتثـا ًال ألمـره‬

‫انكسار لـه‪ ،‬وابتغـا وجهـه تعـالى‪ ،‬فـال يقبـل أ عمـل مهمـا عـاد بـالنفع فـي‬ ‫ًا‬ ‫وخشوعا و‬ ‫ً‬ ‫الــدنيا علــى صــاحبه وعلــى النــاس إال إذا صــدر ممــن يــدين هلل عــز وجــل بــدين الحــق‬

‫وابتغا وجه ربه األعلى‪.‬‬ ‫ـاه ْم ِفــي األ َْر ِ‬ ‫ـاموا‬ ‫ين إِن َّم َّك َّنـ ُ‬ ‫ذلــك جميعــه تتضــمنه اريــة الكريمــة الجامعــة‪َّ ﴿ :‬الـ ِـذ َ‬ ‫و أَ َقـ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الةَ َوآتَ ُـوا َّ‬ ‫ُم ِ‬ ‫ـور﴾ (الحـج‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫الص َ‬ ‫َم ُـروا ِبـا ْل َم ْع ُروف َوَن َه ْـوا َع ِـن ا ْل ُم ْن َك ِـر َوهلل َعاق َبـ ُة األ ُ‬ ‫الزَكـاةَ َوأ َ‬

‫ارية ‪.)46‬‬

‫وذلك الذ قدمناه هو جـوهر الحكومـة اإلسـالمية واإلمـام الحـق وهـو محـل اتفـاق بـين‬ ‫جميع الفقها ‪ ،‬وتقوم عليه نصوا قاطعة‪.‬‬ ‫فوجوب أن يكون اإلمام مسـلما مشـترط بقـول اهلل عـز وجـل ﴿ولَـن ي ْجع َـل اهلل لِ ْل َك ِ‬ ‫ين‬ ‫ـاف ِر َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫إمامـا‬ ‫س ِبي ً‬ ‫َع َلى ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ين َ‬ ‫ال﴾ (النسا ‪ :‬من ارية ‪ ،)646‬وأعئم سبيل أن يكون الكـافر ً‬

‫للمسلمين قا ًما على تصريف ش ونهم – كما أن اإلمـام هـو القـا م علـى حراسـة الـدين‬ ‫مسلما‪.‬‬ ‫وتنفيذ أحكام الشريعة فوجب ضرورة أن يكون‬ ‫ً‬ ‫كــذلك يجــب أن يكــون اإلمــام قــد بلــا ســن التكليــف ألن الصــبي الــذ لــم يبلــا الحلــم‪،‬‬ ‫واإلمام مخاطب بتكاليف الشريعة فوجب أن يكون من المكلفين بها‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪151‬‬

‫ال‪ :‬لقول رسول اهلل ـ عليـه الصـالة والسـالم ـ‪" :‬لـن يفلـح‬ ‫كما يتعين أن يكون اإلمام رج ً‬ ‫قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة" [المحلى البن حزم‪ :‬جـ‪ 9‬ا‪.]911‬‬

‫وهنــاك بعــو شــروط أخــري محــل اخــتالف بــين الفقهــا مثــل اشـتراط أن يكــون اإلمــام‬

‫قرشيا واشتراط القدرة الجسمية‪ ،‬وكذلك العلم بالشرا ع وبلوغ رتبـة االجتهـاد‪ ،‬وأال يكـون‬ ‫ً‬ ‫مجاهر بالفسوق والعصيان ومثل طريقة اختيار اإلمام وشروط البيعة‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫وجوبها‪ :‬إقامة الحكومة اإلسالمية واإلمام المسلم‪ ،‬القا م علـى إنفـاذ أحكـام اهلل والـذ‬

‫يسوس األ مة بمقتضى أحكام الشريعة التي أتى بها رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسـلم‬ ‫ـ فرو ثابت وجوبه على أمة المسلمين باإلجماع المبني على نصوا شرعية ثابتة‪.‬‬ ‫فقد أجمع الصحابة رضوان اله عليهم عقب وفاة الرسـول عليـه الصـالة والسـالم علـى‬

‫وجوب أن يخلفه إمام للمسلمين يقوم على حراسـة الـدين وتنفيـذ أحكـام الشـريعة‪ ،‬وهـم‬

‫أحـدا مـنهم لـم يـذهب إلـى القـول‬ ‫إن اختلفوا في باد األمر على شخا اإلمام إال أن ً‬ ‫بـأن ال حاجـة غليـه ثـم انعقــد اإلجمـاع علـى اختيـار أبــي بكـر الصـديق رضـي اهلل عنــه‬

‫ماما للمسلمين‪ ،‬واذا كان اختيار أبي بكـر‬ ‫خليفة لرسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ وا ً‬ ‫قــد تــم فــي حضــور بعــو المهــاجرين واألنصــار بســقيفة بنــي ســاعدة علــى مــا هــو‬ ‫ومشهور‪ ،‬إال أن هؤال الذين حضـروا ذلـك االجتمـاع وتولـوا أمـر االختيـار كـانوا أكـابر‬ ‫الصحابة من المهاجرين واألنصار من أصحاب الشوكة والكلمة النافذة والنيابـة الحقـة‬

‫عن أقوامهم وقبا لهم‪ ،‬ثـم إن األمـر لـم يقتصـر علـى ذلـك وانمـا طـر الصـديق رضـوان‬

‫اهلل عليــه أمــر الخالفــة فــي جمــع حاشــد حضــره الصــحابة رض ـوان اهلل علــيهم بمســجد‬

‫محمدا قد قضى بسبيله والبد‬ ‫رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ‪ ،‬وقال ما معناه‪" :‬وان‬ ‫ً‬ ‫لهذا األمر من قا م يقوم به فانئروا وهاتوا آرا كم" فناداه الناس من كل جانب صـدقت‬ ‫يا أبا بكر‪ ،‬ولم يوجب من يقول إن األم يصلح من غير قا م بـه أو أن الـدين ال حاجـة‬

‫به لمن يقوم على حراسته [النئريات السياسية] ومن ثم كان إجماع أفضـل المسـلمين‬ ‫على وجوب قيام اإلمامة أ الحكومة اإلسالمية‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪152‬‬

‫ثـم تكـرر هـذا اإلجمـاع عنـد مبايعـة عمـر بـن الخطـاب وعثمـان بـن عفـان ـ رضـي اهلل‬ ‫عنهما ـ بل إنه بعد مقتل عثمان رضي اهلل عنه فإن النزاع الذ قام بين علي بن أبـي‬ ‫طالب كرم اهلل وجهه ومعاوية بن أبي سفيان رضي اهلل عنه لم يكن حـول وجـوب قيـام‬

‫ال من الفريقين لم يكن ينازع في وجوبه وفي ضرورة قيـام اإلمـام المسـلم‬ ‫اإلمام‪ ،‬فإن ك ً‬ ‫القا م على حراسة الدين وتنفيذ أحكامـه وانمـا اقتصـر النـزاع علـى التصـرف نحـو قتلـة‬

‫عثمان رضي اهلل عنه وصحة البيعة لعلي كرم اهلل وجهه‪.‬‬ ‫ثم أجمع المسلمون من بعد خالفة علي كرم اهلل وجهـه وبعـد ئهـور الفـرق اإلسـالمية‬

‫على وجوب قيام اإلمام المسلم‪ :‬فاتفق جميع أهل السنة على وجوب ذلك وكذا الشيعة‬ ‫والمعتزلــة والمرج ــة والخ ـوار حاشــا النجــدات مــن الخ ـوار فقــد رأوا أن النــاس يتعــين‬

‫فرضـا‬ ‫عليهم أن يتعاطوا الحق فيما بينهم‪ ،‬وأجازوا قيام اإلمام ولكـنهم لـم يعتبـروا ذلـك ً‬ ‫وقد اندثرت هذه الطا فة بفضل اهلل‪.‬‬

‫ين‬ ‫ُّهــا الَّـ ِـذ َ‬ ‫وذلــك اإلجمــاع يقــوم علــى نصــوا شــرعية منهــا قــول اهلل عــز وجــل‪َ ﴿ :‬يــا أَي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األم ِر ِم ْن ُك ْم﴾ (النسا ‪ :‬من اريـة ‪ ،)19‬فنصـت‬ ‫يعوا َّ‬ ‫س َ‬ ‫الر ُ‬ ‫اهلل َوأَط ُ‬ ‫آم ُنوا أَط ُ‬ ‫ول َوأُولِي ْ‬ ‫يعوا َ‬ ‫َ‬ ‫ارية على وجوب طاعة أولي األمر فدل ذلك علـى أن يكـون بـين المسـلمين أولـو أمـر‬

‫تجب طاعتهم‪.‬‬

‫نبـي بعـد ‪ ،‬وسـتكون خلفـا‬ ‫ومنهـا قـول رسـول اهلل ـ صـلى اهلل عليـه وسـلم ـ‪" :‬إنـه ال ّ‬ ‫فتكثر" قالوا فما تأمرنا يا رسول اهلل؟ قال‪" :‬أوفوا ببيعـة األول فـاألول وأعطـوهم حقهـم‪،‬‬ ‫فإن اهلل سا لهم عما استرعاهم" [المحخلـى‪ :‬جــ‪ 9‬ا‪ 91‬عـن أبـي هريـرة رواه مسـلم]‪،‬‬

‫وفي نا الحديث ذكر الخلفـا وأن لهـم حقوًقـا واألمـر بالوفـا بالبيعـة لهـم‪ ،‬كـذلك دل‬ ‫عمر الرسول عليه الصالة والسالم على وجوب وجود اإلمام المسلم القـا م علـى تنفيـذ‬

‫أحكـام الشـريعة‪ ،‬فإنـه ـ عليـه الصـالة والسـالم ـ كـان علـى رأس المسـلمين قا ًمـا علـى‬ ‫تنفيذ أحكـام الشـريعة فـيهم‪ ،‬وتـولى عليـه الصـالة والسـالم القضـا بـين النـاس واقامـة‬ ‫الصالة واقامة الحج وجمع الزكاة واعطا هـا ألصـحاب الحقـوق فيهـا وتجهيـز الجيـوا‬

‫واعدادها للدفاع وللغـزو – كمـا أنـه ـ عليـه الصـالة والسـالم ـ ولـى األمـرا علـى الـبالد‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪153‬‬

‫التي خضعت لإلسالم في عهده من ذلك [جوامع السيرة البن حـزم‪ :‬ا‪ 21-29‬وغيـره‬

‫أمر "باذان الفارسي" على اليمن كلها فلما مات ولى عليه الصالة‬ ‫من كتب السيرة] أنه َّ‬

‫الصـدف‪ ،‬وولـى‬ ‫والسالم ابنه "شهر"‪ :‬صنعا وأعمالها‪ ،‬وولى المهـاجرين أميـة‪ :‬ك ْنـدة و ّ‬ ‫زياد بن لبيد‪ :‬حضرموت‪ ،‬وولى أبا موسى األشعر ‪ :‬زبيد وعدن ورمح والساحل‪ ،‬وولى‬ ‫معاذ بن جبل‪ :‬الجنـد‪ ،‬وولـى عتـاب بـن أسـيد‪ :‬مكـة واقامـة الموسـم والحـج بالمسـلمين‬ ‫ســنة ثمــان‪ ،‬وولــى أبــا ســفيان بــن حــرب‪ :‬نجـران‪ ،‬وولــى علــي بــن أبــي طالــب كــرم اهلل‬ ‫وجهه على األخماس بالسمن والقضا بها‪ ،‬وكان له ـ عليه الصالة والسالم ـ على كل‬

‫قبيلة وال يقبو صدقاتها‪.‬‬ ‫ف‬ ‫وكذلك فإن قيام الحكومة اإلسالمية ضرورة تقتضيها النصوا‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬الَ ُي َكلِّ ُ‬ ‫س َع َها﴾ (البقـرة‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)211‬فوجـب اليقـين أن اهلل تعـالى ال يكلـف‬ ‫سا إِالَّ ُو ْ‬ ‫اهللُ َن ْف ً‬ ‫النــاس مــا لــيس فــي بنيــتهم واحتمــالهم‪ ،‬وقــد علمنــا بضــرورة العقــل وبديهتــه أن قيــام‬ ‫الناس بما أوجبه اهلل تعالى من األحكام عليهم في األمـوال والجنايـات والـدما والنكـا‬

‫والطـالق وســا ل األحكــام كلهــا ومنــع الئــالم وانصــاف المئلــوم وأخــذ القصــاا‪ ،‬علــى‬

‫تباعد أقطارهم وشواغلهم واختالف آ ار هم كل ذلك ممتنع غير ممكن‪ ،‬إذ قـد يريـد واحـد‬ ‫أو أكثـر أو جماعــة أن يكــون علــيهم إنســان ويريـد آخــر أو جماعــة أخــري أن ال يحكــم‬

‫ـردا‪ ،‬وهــذا‬ ‫علــيهم‪ ،‬إمــا ألنهــا تــري فــي اجتهادهــا خــالف مــا رأي هـؤال ‪ ،‬وامــا خال ًفــا مجـ ً‬ ‫الذ البد منه ضرورة‪ ،‬وهذا مشاهد فـي الـبالد التـي ال ر ـيس لهـا‪ ،‬فإنـه ال يقـام هنـاك‬

‫حكــم حــق وال َحـ ٌـد وقــد ذهــب الــدين فــي أكثرهــا‪ ،‬فــال تصــح إقامــة الــدين إال باإلســناد"‬ ‫[الفصل في الملل‪ :‬جـ‪ 4‬ا‪.]611‬‬

‫"والخلق مع اختالف األهوا وتشتت اررا وما بينهم من الشـحنا قلمـا ينقـاد بعضـهم‬ ‫جميعـا وتشـهد لـه‬ ‫لبعو فيقضي ذلك إلى التنازع والتواثب‪ ،‬بل ربمـا أدي إلـى هالكهـم‬ ‫ً‬ ‫التجربــة والفــتن القا مــة عنــد مــوت ال ـوالة إلــى نصــب آخــر‪ ،‬بحيــث لــو تمــادي لعطلــت‬ ‫المعايا وصار كل أحد مشغوالً بحفئ ماله ونفسـه تحـت قـا م سـيفه وذلـك يـؤد إلـى‬

‫رفع الدين وهالك جميع المسلمين" [اإليجي في المواقف‪ :‬النئريات اإلسالمية]‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪154‬‬

‫"وال ينـتئم الـدين إال بتحقيــق األمـن علـى هــذه المهمـات الضـرورية واال فمــن كـان فــي‬ ‫جميع أوقاته مستغرقًا بحراسة نفسه من سيوف الئلمة‪ ،‬وطلب قوته من وجوه الغلبـة‪،‬‬

‫فمتى يتفرغ للعلم والعمل وهما وسـيلتاه إلـى سـعادة ارخـر؟"‪" ،‬عـن الـدين واألمـن علـى‬ ‫األنفــس واألمـوال ال ينــتئم إال بســلطان مطــاع‪ ،‬وهــذا تشــهد لــه مشــاهدة أوقــات الفــتن‬

‫بموت السالطين واأل مة‪ ،‬وان ذلك لـو دام ولـم يتـدارك بنصـب سـلطان آخـر مطـاع دام‬ ‫الهر وعم السيف‪ ،‬وشمل القحط‪ ،‬وهلكت المواشي وبطلت الصناعات وكـان كـل غلـب‬

‫حيــا‪ ،‬واألكثــرون يهلكــون تحــت ئــالل‬ ‫س ـ َلب ولــم يتفــرغ أحــد للعبــادة والعلــم إن بقــي ً‬ ‫َ‬ ‫السيوف ولهذا قيل‪" :‬الدين والسلطان توأمان" [الغزالي في االقتصاد واالعتقاد نقالً عن‬ ‫المصدر السابق]‪.‬‬

‫وقد فرو [ الدكتور ضيا الدين الريس فـي كتـاب النئريـات اإلسـالمية‪ :‬ا‪ ]691‬اهلل‬

‫تعا لى على األمة المسلمة واجبات هـي مسـ ولية أن تؤديهـا كوحـدة متضـامنة وهـو مـا‬ ‫ِ‬ ‫سـ َـبة واألمــر بــالمعروف‬ ‫اصــطلح علــى تســميته بفــروو الكفايــة‪ ،‬مــن ذلــك الجهــاد والح ْ‬ ‫والنهي عن المنكر وسد حاجات الفقـرا والمسـاكين والشـوري‪ ..‬إلـخ وهـذه الفـروو ال‬ ‫ادا ًأيـا مـا كـانوا‪ ،‬وانمـا هـي تحتـا إلـى تـدبير‬ ‫يمكن أن يقوم بها فرد على حـدة أو وافـر ً‬ ‫وتنئيم وال يمكن أن ينهو بها إال سلطة عامة تكون لها إرادة فوق اإلرادات الفردية‪،‬‬ ‫وتتـــوفر لـــه الطاعـــة وتســـتطيع األمـــر والنهـــي والتوجيـــه‪ ،‬وهـــذه هـــي ســـلطة اإلمامـــة‪،‬‬

‫فاإلمامة واجبة لتأدية كل هذه الفروو ولهذا يقول الشهرستاني‪ :‬إذ البـد لكـافتهم مـن‬ ‫إمام ينفذ أحكامهم ويقيم حـدودهم ويحفـئ بيضـتهم‪ ،‬ويحـرس حـوزتهم يعبـ جيوشـهم‪،‬‬

‫ويقســم غنــا مهم وصــدقاتهم‪ ،‬ويتحــاكمون إليــه فــي خصــوماتهم‪ ،‬ويراعــي أمــور الجمــع‬ ‫واألعياد‪ ،‬وينصف المئلوم وينتصف من الئالم وينصب القضا والوالة في كل ناحية‪،‬‬

‫ويبعث القرا والدعاة إلى كل طرف" [نقالً عن المصدر السابق "للشهرستاني في نهاية‬ ‫األقدام في علم الكالم]‪.‬‬

‫والواضح مما تقدم أن غيار الحكومة اإلسالمية أو اإلمام المسلم مؤداه الحتمي تعطيل‬

‫أيضـا‬ ‫تنفيذ الكثير مـن األحكـام الشـرعية وتضـييع مـا شـرعه اهلل لعبـاده مـن الحقـوق‪ ،‬و ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪155‬‬

‫تشــتت شــمل المســلمين وضــعفهم وتعرضــهم للفــتن والهـوان وشــيوع المئــالم والفســاد‪،‬‬ ‫وحال بالد المسلمين في هذا الوقت شاهد على صدق ذلك‪..‬‬ ‫واقامة الحكومة اإلسالمية أ "اإلمام الحق" من فروو الكفاية أ هـو وفـرو تسـأل‬ ‫عن األمة متضامنة في جميـع أفرادهـا إلـى أن يتحقـق‪ ،‬وكـل فـرد بعينـه آثـم مـا دام أن‬

‫ذلك الفرو لم يتحقق‪ ،‬وال شك أن كل فرد من أفراد األمة اإلسالمية مس ول مسـ ولية‬ ‫شخصــية أمــام ربــه عمــا يقصــر فيــه مــن جهــد يســتطيع بذلــه فــي ســبيل تحقيــق ذلــك‬

‫الغرو الذ ألزمه اهلل تعالى به‪.‬‬

‫وال شك أن اهلل تعالى قـد أمرنـا بالتعـاون علـى البـر والتقـوي ونهانـا عـن التعـاون علـى‬

‫أبر من إعطا كل ذ حق حقه‪.‬‬ ‫اإلثم والعدوان وليس ُّ‬

‫ولـيس حقًـا إال مــن شـرعه اهلل تعـالى وقضــى بأنـه حـق‪ ،‬وحكــم رسـوله ـ عليـه الصــالة‬

‫والسالم ـ بأنه حق‪.‬‬

‫وليس إعطا الحق سوي إنفاذه وتمكين صاحبه منه‪.‬‬ ‫والئلم الواضح البين منع الناس مما جعله اهلل حقًا لهم‪ ،‬وأن يفِّذ فـيهم ويقضـي بيـنهم‬

‫بما حكم اهلل تعالى بأنه إثم وعدوان وهذا ما نهانا اهلل تعالى عنه‪.‬‬

‫ومن أجيال مضت قالوا‪" :‬الدين أصل والسلطان حـارس‪ :‬ومـا ال أصـل لـه فهـو مهـدوم‪،‬‬ ‫وما ال حارس لـه فضـا ع" ونكـرر القـول إننـا نعتقـد أن اإلمامـة والخالفـة اإلسـالمية أو‬ ‫الحكومــة اإلســالمية رمــز الوحــدة اإلســالمية ومئهــر اال رتبــاط بــين أمــم اإلســالم وأنهــا‬ ‫شــعيرة إســالمية يجــب علــى المســلمين التفكيــر فيهــا واالهتمــام بهــا‪ ،‬واألحاديــث التــي‬

‫وردت فـــي وجـــوب نصـــب اإلمـــام وبيـــان أحكـــام اإلمامـــة‪ ..‬أ الخالفـــة أو الحكومـــة‬

‫اإلسالمية – وتفصيل مـا تعلـق بهـا‪ ،‬ال تـدع مجـاالً للشـك فـي أن واجـب المسـلمين أن‬

‫يهتموا بأمر خالفتهم – منذ حورت ثم ألغيـت بتاتًـا – ولـذلك فـإن فكـرة الخالفـة والعمـل‬ ‫علـــى إعادتهـــا أصـــل نلتزمـــه ونحـــن مـــع ذلـــك نعتقـــد أن ذلـــك يحتـــا إلـــى الكثيـــر مـــن‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪156‬‬

‫التمهيــدات التــي البــد منهــا وأن الخط ـوات المباشــرة إلعــادة الخالفــة البــد أن تســبقها‬ ‫خطوات‪.‬‬ ‫السمع والطاعة‪:‬‬ ‫ال مرا أن األمة مأمورة أن تنقاد لإلمام المسـلم الـذ يقـيم فيهـا أحكـام اهلل ويسوسـها‬ ‫بأحكام الشـريعة ووحـدة الصـف وتماسـك أفـراد األمـة بعضـهم بـبعو والحـرا الشـديد‬

‫على اجتماع الكلمة ومنع الفتنة من صفات المؤمنين البـارزة حتـى إن الرسـول ـ عليـه‬

‫الصــالة والســالم ـ ليقــول‪" :‬مــن أتــاكم وأمــركم جميــع علــى رجــل واحــد يريــد أن يشــق‬

‫عصــاكم أو يفــرق جمــاعتكم فــاقتلوه" [مســلم المحلــى البــن حــزم‪ :‬جـــ‪ 9‬ا‪ ،]911‬كمــا‬

‫إمامــا فأعطــاه صــفقة يــده وثمــرة قلبــه‬ ‫يقــول ً‬ ‫أيضــا عليــه الصــالة والســالم‪" :‬مــن بــايع ً‬ ‫فليطعه إن استطاع فإن جا آخر ينازعه فاضربوا عنق ارخر" [أخرجه مسلم المحلى‪:‬‬ ‫اخ َتلَفُـوا ِمــن َب ْعـ ِـد َمــا َجــا َ ُه ُم‬ ‫ين تَفَ​َّرقُـوا َو ْ‬ ‫جـــ‪ 9‬ا‪ ،]911‬وقــال تعــالى‪َ ﴿ :‬والَ تَ ُكونُـوا َكالَّـ ِـذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ـيم﴾ (آل عم ـران‪ :‬اريــة ‪ ،)611‬وقــال عــز وجــل‪َ ﴿ :‬و َال‬ ‫ـات َوأُوَل ِـ َ‬ ‫ا ْل َب ِّي َنـ ُ‬ ‫ـك َل ُهـ ْـم َع ـ َذ ٌ‬ ‫اب َعئـ ٌ‬ ‫يح ُك ْم﴾ (األنفال‪ :‬من ارية ‪.)41‬‬ ‫تَ​َن َاز ُعوا فَتَ ْف َ‬ ‫شلُوا َوتَذ َ‬ ‫ْه َب ِر ُ‬

‫وال اجتماع للكلمة وال وحدة للصف إال مع السمع والطاعة‪.‬‬ ‫ووجــوب الســمع والطاعــة وردت بـــه نصــوا ال شــك فـــي ثبوتهــا وصــحتها وصـــراحة‬ ‫مدلولها ومعناها‪.‬‬ ‫إال أن للسمع والطاعة في هذا المقام معنى يجب التفطن إليه‪.‬‬ ‫فما دام أن اإلمام ليست له من مهمة إال تنفيذ أحكام الشريعة الغرا وتحقيق المقاصد‬ ‫التي أمر اهلل تعالى األمة المسلمة أن تجتهد لبلوغها‪ ،‬ومـا دام أن األمـر شـوري‪ ،‬فـإن‬

‫الســمع والطاعــة إنمــا يكونــان فــي الحقيقــة ألمــر اهلل ومــا يجــب لــه تعــالى مــن صــدع‬ ‫وخشوع وتسليم‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪157‬‬

‫واذ كــان المســلمون يتلــون مــن الق ـرآن الكــريم قــول اهلل عــز وجـ ّـل لرســوله ونبيــه أكــرم‬ ‫ِ‬ ‫ش ْي ٌ﴾ (آل عمران‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)621‬وقولـه تعـالى‪ُ ﴿ :‬ق ْـل‬ ‫األم ِر َ‬ ‫خلقه‪﴿ :‬لَ ْي َ‬ ‫س لَ َك م َن ْ‬

‫شٌر ِّم ْثلُ ُك ْم﴾ (الكهف‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)661‬فإنـه ال يكـون ثمـة مجـال ألن يخـتلط‬ ‫إَِّن َما أَ​َنا َب َ‬ ‫األمر على إنسان ما فيئن في إمام المسلمين أن يكون سوي بشر كسا ر البشر مثله‬

‫مثلهم‪ ،‬مخلوق عاد كسا ر خلق اهلل‪ ،‬مأمور بما أمر اهلل به كافة عباده‪ ،‬متوعَّد بما‬

‫توعد اهلل به كافة عباده إن عصوا‪ ،‬وموعود بما وعد اله به كافة عباده إن أطاعوا‪ ،‬ال‬ ‫يتميز عن أحد غيره من سـا ر البشـر علـى اخـتالف أجناسـهم إال بمـا يجـوز أن يتميـز‬

‫به غيره من سا ر البشر من كرامة عند اهلل ال على الناس‪ ،‬لمن وفق للطاعـة والشـكر‬ ‫﴿إِ َّن أَ ْكرم ُكم ِع ْن َد ِ‬ ‫اهلل أَ ْت َقا ُك ْم﴾ (الحجرات‪ :‬من ارية ‪.)69‬‬ ‫َ​َ ْ‬ ‫واذ هذه صفة إمام المسلمين وأنه بشر محو بشر‪.‬‬ ‫واذ ليس بعد المعصوم عليه الصالة والسالم معصوم‪.‬‬ ‫فإن احتماالت انحراف إمام المسلمين قا مة كاحتماالت استقامته وال فرق‪.‬‬ ‫واذ ليس الغرو من إقامـة اإلمـام إال الـذود عـن الـدين وتنفيـذ أحكـام الشـريعة‪ ،‬فلـيس‬

‫تقريبا ارمرة بالسمع والطاعة قد تضـمنت‬ ‫من المستغرب إذن أن تجد جميع النصوا‬ ‫ً‬ ‫النا الصريح والبيان الواضح الذ ال شبهة وال إشكال فيه على أن السـمع والطاعـة‬ ‫إنما هما في المعروف وأنه ال سمع وال طاعة في معصية‪ ،‬وأوجب على اإلمام والرعية‬

‫أن يردا األمر دا ًمـا وعنـد وقـوع التنـازع بينهمـا أن يتحاكمـا شـأنهما شـأن غيرهمـا إلـى‬ ‫تسـليما‪ ،‬وطاعـة اهلل‬ ‫الرسول عليه الصالة والسالم ويسلما بما قضـى بـه عليـه السـالم‬ ‫ً‬

‫ورسوله وتنفيذ ما أمر به مفروضة على الراعي والرعية على سوا وبـال أدنـى تمييـز‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األم ِـر ِمـ ْن ُك ْم﴾‬ ‫يعـوا َّ‬ ‫س َ‬ ‫ُّهـا الَّ ِـذ َ‬ ‫قال عز وجـل‪َ ﴿ :‬يـا أَي َ‬ ‫الر ُ‬ ‫اهلل َوأَط ُ‬ ‫آمنُـوا أَط ُ‬ ‫ـول َوأُولِـي ْ‬ ‫يعـوا َ‬ ‫ين َ‬ ‫ش ْي فَ ُـردُّوهُ إَِلـى‬ ‫(النسا ‪ :‬من ارية ‪ ،)19‬ثم وصل قوله هذا بقوله‪﴿ :‬فَِإن تَ​َن َاز ْعتُ ْم ِفي َ‬ ‫اهلل وا ْليوِم ار ِ‬ ‫ول إِن ُك ْنتُم تُ ْؤ ِم ُن َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َخ ِر﴾ (النسا ‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)19‬وبقـدر مـا‬ ‫اهلل َو َّ‬ ‫ون ِب َ َ ْ‬ ‫الر ُ‬ ‫ْ‬ ‫حـذرنا ـ عليـه الصـالة والسـالم ـ مـن الخـرو عـن الطاعـة فقـد حـذرنا مـن الطاعـة فـي‬

‫المعصية قال عليـه الصـالة والسـالم‪" :‬ال طاعـة لبشـر فـي معصـية اهلل" [أخرجـه مسـلم‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪158‬‬

‫المحلى‪ :‬جـ‪ 9‬ا‪ ،]916‬كما قال عليه الصالة والسالم‪" :‬من خر عن الطاعـة وفـارق‬ ‫أيضا‪" :‬السمع‬ ‫الجماعة مات ميتة جاهلية" [أخرجه مسلم]‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم ً‬ ‫والطاعة على المر المسلم فيما أحب أو كره مـا لـم يـؤمر بمعصـية فـإذا أمـر بمعصـية‬

‫أيضـــا قـــال‪" :‬الســـمع‬ ‫فـــال ســـمع وال طاعـــة" [رواه أبـــو داود المحلـــى‪ :‬جــــ‪ 9‬ا‪ ،]916‬و ً‬ ‫والطاعــة حــق مــا لــم يــؤمر بمعصــية‪ ،‬فــإذا أمــر بمعصــية فــال ســمع وال طاعــة" [رواه‬ ‫البخار المحلى‪ :‬جـ‪ 1‬ا‪.]292‬‬ ‫بــل إن األمــر يتعــدي الموقــف الســلبي بعــدم الســمع والطاعــة فــي المعصــية إلــى أمــر‬

‫إيجـابي بضــرورة رد البغـي ومنــع العصـيان وتغييــر لمنكـر وازالتــه قـال عــز وجــل‪َ ﴿ :‬وِان‬ ‫ُخـري فَقَ ِ‬ ‫طَا ِ فَتَ ِ‬ ‫ـاتلُوا‬ ‫َصلِ ُحوا َب ْي َن ُه َمـا فَـِإن َب َغ ْ‬ ‫ـت إِ ْح َـد ُ‬ ‫ان ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ين اقْتَ َتلُوا فَأ ْ‬ ‫اه َما َعلَـى األ ْ َ‬ ‫الَّ ِتي تَْب ِغي حتَّى تَ ِفي إِلَى أَم ِر ِ‬ ‫اهلل﴾ (الحجرات‪ :‬من ارية ‪ ،)9‬فأمر تعالى بقتال الف ـة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الباغية حتى ترضخ وتستسلم ألمر اهلل تعالى وحكمه‪ ،‬والف ة الباغية قد تكون مجتهدة‬ ‫مــأجورة علــى اجتهادهــا ولكنهــا أخطــأت ولــم تصــب حكــم اهلل تعــالى ومــع ذلــك فواجــب‬

‫قتالها إذا جارت على حقوق الغير‪.‬‬

‫وقال عليه الصالة والسالم‪ " :‬ما من نبي بعثـه اهلل فـي أمـة قبلـي إال كـان لـه مـن أمتـه‬ ‫حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم يحدث مـن بعـدهم خلـوف يقولـون‬ ‫مـا ال يفعلــون ويفعلــون مـا ال يــؤمرون فمــن جاهـدهم بيــده فهــو مـؤمن‪ ،‬ومــن جاهــدهم‬

‫بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بقلبه فهو مـؤمن ولـيس ورا ذلـك مـن اإليمـان حبـة‬

‫خردل" [المحلى‪ :‬جـ‪ 9‬ا‪ ،]916‬فنفى عليه الصالة والسالم اإليمـان عمـن رضـي قلبـه‬ ‫أيضـا عـن كـل مـن‬ ‫بالئلم والعدوان واإلثم والعصيان‪ ،‬وقد نفاه ـ عليه الصالة والسالم ـ ً‬ ‫منكر فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسـانه فـإن لـم‬ ‫رضي بالمنكر‪ ،‬فقال‪" :‬من رأي منكم ًا‬ ‫يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان" [أخرجه مسلم المحلى‪ :‬جـ‪ 9‬ا ‪]916‬؟‬

‫وقد اتفقت األمة على وجوب األمر بالمعروف والنهي عـن المنكـر بـال خـالف مـن أحـد‬

‫ُم ٌة َي ْـد ُع َ ِ‬ ‫ون‬ ‫منهم لألحاديث السابقة ولقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وْلتَ ُكن ِّم ْن ُك ْم أ َّ‬ ‫ْم ُر َ‬ ‫ون إ َلـى ا ْل َخ ْي ِـر َوَيـأ ُ‬ ‫ِبا ْلمعر ِ‬ ‫وف َوَي ْن َه ْو َن َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر﴾ (آل عمران‪ :‬من ارية ‪ ،)614‬ثم اختلفـوا فـي كيفيتـه‪،‬‬ ‫َ ُْ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪159‬‬

‫فذهب بعو أهل السنة مـن القـدما مـن الصـحابة رضـي اهلل عـنهم – فمـن بعـدهم –‬ ‫أيضا قول أحمد بن حنبل وسعد بن أبي وقاا وأسامة بن زيد وابن عمر ومحمد‬ ‫وهو ً‬ ‫سلَمة وغيرهم – رضي اهلل عنهم – إلى أن الغرو من ذلك إنما هو بالقلـب فقـط‬ ‫بن َم ْ‬ ‫ال إال أن‬ ‫والبــد‪ ،‬أو باللســان إن قــدر علــى ذلــك وال يكــون باليــد وال بســل الســيوف أص ـ ً‬

‫يخــر النــاطق فــإذا خــر وجــب ســل الســيوف حين ــذ معــه إال أن جميــع القــا لين بهــذه‬

‫المقالة من أهل السنة إنما رأوا ذلك إذ لم يكن اإلمـام عـد ًال فـإن كـان عـد ًال وقـام عليـه‬

‫فاسق وجب عندهم بال خالف سل السيوف مع اإلمام العدل [هذا الجز منقول بـبعو‬

‫التصرف عن الفصل في الملل والنحل جـ‪ 1‬ا‪ 61-66‬طبعة محمـد علـي صـبيح عـام‬ ‫‪.]6914‬‬ ‫وذهبت طوا ف من أهل السـنة وجميـع المعتزلـة وجميـع الخـوار والزيديـة إلـى أن سـل‬ ‫الســيوف فــي األمــر بــالمعروف والنهــي عــن المنكــر واجــب إذا لــم يكــن دفــع المنكــر إال‬

‫بــذلك‪ ،‬وقــالوا‪ :‬إذا كــان أهــل الحــق فــي عصــابة يمكــنهم الــدفع وال ييأســون مــن الئفــر‬ ‫ففرو عليهم ذلك‪ ،‬وان كانوا في عدد ال يرجون لقلتهم وضعفهم بئفر كانوا فـي سـعة‬

‫من ترك التغيير باليد‪ ،‬وهذا قول علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه وكـل مـن معـه مـن‬ ‫الصحابة وقول أم المـؤمنين عا شـة ـ رضـي اهلل عنهـا ـ وطلحـة والزبيـر وكـل مـن كـان‬

‫معهم من الصحابة وقـول معاويـة وعمـرو والنعمـان بـن بشـير وغيـرهم ومـن معهـم مـن‬ ‫الصحابة ـ رضي اهلل عنهم ـ أجمعين‪ ،‬وهو قول عبد اهلل بن الزبير ومحمد والحسن بن‬

‫علــي وبقيــة الصــحابة مــن المهــاجرين واألنصــار القــا مين يــوم الحــرة رضــي اهلل عــنهم‬

‫أجمعين‪ ،‬وقول كل من قام على الفاسـق الحجـا ‪ ،‬ومـن وااله مـن الصـحابة رضـي اهلل‬

‫عن جميعهم كأنس بن مالك وكل من كـان مـن أفاضـل التـابعين كعبـد الـرحمن بـن أبـي‬ ‫ليلى وسعيد بن جبير وابـن البحتـر الطـا ي وعطـا السـلمي األزد والحسـن البصـر‬

‫أيضـا الـذ تـدل‬ ‫ومالك بن دينار ومسلم بن بشار وعطا بن السا ب‪ ..‬وغيرهم‪ ،‬وهـو و ً‬ ‫ـي وشــريك ومالــك والشــافعي وداود‬ ‫علي ـه أق ـوال الفقهــا كــأبي حنيفــة والحســن بــن حيـ ّ‬ ‫وأصـحابهم فـإن كـل مـن ذكرنــا مـن قـديم وحـديث إمـا نــاطق بـذلك فـي فتـواه وامـا فاعــل‬ ‫منكر‪.‬‬ ‫لذلك بسل سيفه في إنكار ما رأواه ًا‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪161‬‬

‫وقد احتجت الطا فة األولى بأحاديث فيهـا‪ :‬أنقـاتلهم يـا رسـول اهلل؟ قـال‪" :‬ال مـا صـلوا"‬

‫احــا عنــدكم فيــه مــن اهلل برهــان" وفــي بعضــها وجــوب‬ ‫وفــي بعضــها "إال أن تــروا كفـ ًا‬ ‫ـر بو ً‬ ‫الصـبر وان ضـرب ئهرنـا أحـد أخـذ مالـه‪ ،‬وفـي بعضـها‪ :‬فـإن خشـيت أن يبهـرك شـعاع‬ ‫ـون ِمـ ْـن‬ ‫الســيف فــاطر ثوبــك علــى وجهــك وقــل ﴿إِ​ِّنــي أ ُِريـ ُـد أَن تَُبــو َ ِبـِإثْ ِمي َوِاثْ ِمـ َ‬ ‫ـك فَتَ ُكـ َ‬ ‫اب َّ‬ ‫َص َح ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ار﴾ (الما ـدة‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)29‬وفـي بعضـها‪" :‬كـن عبـد اهلل القتيـل وال تكـن‬ ‫أ ْ‬

‫ق﴾ (الما ـدة‪ :‬مـن اريـة‬ ‫آد َم ِبا ْل َح ِّ‬ ‫عبد اهلل القاتل" وبقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وا ْت ُل َع َل ْي ِه ْم َن َبأَ ْاب َن ْي َ‬ ‫‪ )21‬وكل هذا ال حجة لهم فيه‪.‬‬ ‫أما أمره ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ بالصبر على أخذ المال وضرب الئهر فإنمـا ذلـك بـال‬

‫شك إذا تولى اإلمام ذلك بحق‪ ،‬وهذا ما ال شك فيه أنه فرو علينا الصبر له وان مـن‬ ‫امتنع عن ذلك بل من ضرب رقبته إن وجب عليه‪ ،‬فهـو فاسـق عـاا هلل تعـالى‪ ،‬وأمـا‬

‫إن كان ذلك بباطـل فمعـاذ اهلل أن يأمرنـا رسـول اهلل ـ صـلى اهلل عليـه وسـلم ـ بالصـبر‬

‫بر َوالتَّ ْق َوي َوالَ تَ َع َاوُنوا َعلَـى‬ ‫على ذلك‪ ،‬برهان ذلك قول اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬وتَ َع َاوُنوا َعلَى ا ْل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫اإل ثْـِـم َوا ْل ُعـ ْـد َو ِ‬ ‫ان﴾ (الما ــدة‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)2‬وقــد علمنــا أن كــالم رســول اهلل ـ صــلى اهلل‬ ‫عليه وسلم ـ ال يخالف كالم ربه‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬وما ي ِ‬ ‫ق َع ِن ا ْل َهـ َوي * إِ ْن ُه َـو‬ ‫نط ُ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫ـان ِمـ ْـن ِع ْنـ ِـد َغ ْيـ ِـر ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫اهلل‬ ‫ـوحى﴾ (الــنجم‪ :‬اريــات ‪ ،)4-9‬وقــال تعــالى‪َ ﴿ :‬ولَـ ْـو َكـ َ‬ ‫ـي ُيـ َ‬ ‫إال َو ْحـ ٌ‬ ‫َلوج ُـدوا ِف ِ‬ ‫يـر﴾ النسـا ‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)12‬فصـح أن كـل مـا قالـه رســول اهلل‬ ‫ال ًفـا َك ِث ًا‬ ‫اخ ِت َ‬ ‫يـه ْ‬ ‫َ​َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم فهو وحي من عنـد اهلل عـز وجـل ال اخـتالف فيـه وال تعـارو وال‬ ‫تناقو‪ ،‬فإذا كان هذا كذلك وبيقين ال شك فيه يـدر كـل مسـلم إن أخـذ مـال مسـلم أو‬

‫ذمي بغير حق وضرب ئهره بغير حـق إثـم وعـدوان وحـرام‪ ،‬قـال رسـول اهلل ـ صـلى اهلل‬

‫عليـه وســلم ـ‪" :‬إن دمــا كم وأمـوالكم وأعراضـكم حـرام علــيكم" فـإ ًذا ال شــك فــي هــذا وال‬ ‫ِّ‬ ‫ئلمـا‬ ‫ئلمـا وئهـره للضـرب ً‬ ‫اختالف من أحد مـن المسـلمين فيـه‪ ،‬فالمسـلم مالـه لألخـذ ً‬ ‫معاون لئالمه على اإلثم والعـدوان‪،‬‬ ‫وهو يقدر على االمتناع من ذلك بأ وجه أمكنه‪،‬‬ ‫ٌ‬

‫وهذا حرام بنا القرآن‪.‬‬

‫أما قصة ابني آدم فتلك شريعة أخري غير شريعتنا‪ ،‬قال عـز وجـل‪﴿ :‬لِ ُك ٍّـل َج َع ْل َنـا ِمـ ْن ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫أيضا عن رسول اهلل‬ ‫اجا﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪ ،)41‬أما األحاديث فقد صح ً‬ ‫ش ْر َع ًة َو ِم ْن َه ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪161‬‬

‫منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فـإن‬ ‫ـ صلى اهلل عليه وسلم ـ‪" :‬من رأي منكم ً‬ ‫أيضـا عليـه الصـالة والسـالم أنـه‬ ‫لم يستطع فبقلبـه وذلـك أضـعف اإليمـان" وصـح عنـه ً‬

‫قال‪" :‬ال طاعة في معصية إنما الطاعة في الطاعة‪ ،‬وعلـى أحـدكم السـمع والطاعـة مـا‬ ‫لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فال سمع وال طاعة" وأنـه ـ عليـه الصـالة والسـالم ـ‬

‫قال‪" :‬من قتل دون ماله فهو وشهيد والمقتول دون دينه شهيد‪ ،‬والمقتول دون مئلمة‬ ‫شـهيد" وقـال ـ عليـه الصـالة والسـالم ـ‪" :‬لتـأمرون بـالمعروف ولتنهـون عـن المنكـر أو‬ ‫ليعمنكم اهلل بعذاب من عنده"‪.‬‬ ‫معارضــا لآلخــر‪ ،‬فصــح أن إحــدي هــاتين الجملتــين ناســخة‬ ‫فكــان ئــاهر هــذه األخبــار‬ ‫ً‬ ‫لألخري‪ ،‬ال يمكن غير ذلك‪ ،‬فوجب النئر في أيهما هو الناسخ‪.‬‬ ‫فوجدنا تلك األحاديث التـي فيهـا النهـي عـن القاتـل موافقـة لمعهـود األصـل ولمـا كانـت‬

‫علي ه الحال في أول اإلسالم بال شك‪ ،‬ذلك أن رد العدوان شريعة ال تجـب وال تجـوز إال‬ ‫بالنا‪ ،‬وكانت هذه األحاديث األخر واردة باإليجاب وشريعة از دة على معهـود األصـل‬

‫وهي القتال‪ ،‬هذا ما ال شك فيه‪.‬‬ ‫فصح نسخ معنى األحاديث المنهي فيها عن القتال ورفع حكمها من حين نطقـه عليـه‬ ‫الصالة والسالم بهذه األحاديث األخر ارمرة بالقتال بال شك‪.‬‬ ‫ومن المحال المحرم أن يؤخذ المنسوخ ويترك الناسخ‪.‬‬ ‫ومن ادعى أن األحاديث ارمرة بالقتال بعد أن كانت هي الناسخة عادت منسوخة‪ ،‬فقد‬

‫أخذ بالشك وادعى الباطل وقفًا ما ال علم له به‪ ،‬وال يجوز القول بنسـخ شـريعة وجبـت‬

‫بغير دليل جازم‪ ،‬ولو كانت األحاديث ارمرة بالقتال هي المتقدمة المنسوخة باألحاديث‬

‫الناهية عـن القتـال‪ ،‬لحفـئ اهلل لنـا برهـان نسـخها ولمـا أخلـى اهلل عـز وجـل هـذا الحكـم‬ ‫ناسـخا لقولـه تعـالى فـي القـرآن‪ِ ﴿ :‬ت ْب َيا ًنـا‬ ‫عن دليل وبرهان يبين لنا بـه رجـوع المنسـوخ‬ ‫ً‬ ‫ـي ﴾ (النحــل‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)19‬وبرهــان آخــر هــو أن اهلل عــز وجــل قــال‪َ ﴿ :‬وِان‬ ‫لِّ ُكـ ِّـل َ‬ ‫شـ ْ‬ ‫ُخـري فَ َق ِ‬ ‫طَا ِ فَتَ ِ‬ ‫ـاتلُوا‬ ‫َصلِ ُحوا َب ْي َن ُه َمـا فَـِإن َب َغ ْ‬ ‫ـت إِ ْح َـد ُ‬ ‫ان ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫ين اقْتَ َتلُوا فَأ ْ‬ ‫اه َما َع َلـى األ ْ َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪162‬‬

‫الَّ ِتي تَْب ِغي حتَّى تَ ِفي إَِلى أَم ِر ِ‬ ‫اهلل﴾ (الحجرات‪ :‬من ارية ‪ ،)9‬لم يختلف مسـلمان فـي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أن هذه ارية التي فيهـا فـرو قتـال الف ـة الباغيـة محمكـة غيـر منسـوخة‪ ،‬فصـح أنهـا‬ ‫الحاكمـة فـي تلـك األحاديـث فمـا كـان موافقًــا لهـذه اريـة فهـو الناسـخ الثابـت ومـا كــان‬

‫مخال ًفا لها المنسوخ المرفوع‪.‬‬

‫وقد ادعى قوم أن هذه األحاديث وهذه ارية في اللصوا دون السلطان‪.‬‬ ‫وهذا باطل متيقن ألنه قول بال برهان ما يعجز مـدع أن يـدعى فـي تلـك األحاديـث أنهـا‬

‫فــي قــوم دون قــوم وفــي زمــان دون زمــان‪ ،‬والــدعوي بــال برهــان ال تصــح‪ ،‬وتخصــيا‬ ‫النصوا بالدعوي ال يجوز ألنه قـول علـى اهلل تعـالى بـال علـم‪ ،‬وقـد جـا عـن رسـول‬

‫ال ســأل عــن طلــب مالــه بغيــر حــق فقــال عليــه‬ ‫اهلل ـ صــلى اهلل عليــه وســلم ـ أن ســا ً‬

‫الصالة والسالم‪" :‬ال تعطه" قال‪ :‬فإن قـاتلني‪ ،‬قـال‪" :‬قاتلـه" قـال‪ :‬فـإن قتلتـه؟ قـال‪" :‬إلـى‬

‫كالما هـذا معنـاه‪ ،‬وصـح عنـه ـ عليـه‬ ‫النار" قال‪ :‬فإن قتلني؟ قال‪" :‬فأنت في الجنة" أو ً‬ ‫أيضـا‬ ‫الصالة والسالم ـ أنه قال‪" :‬المسلم أخو المسلم ال يسلمه وال يئلمه" وصـح عنـه ً‬ ‫فليعطها‪ ،‬ومن سألها‬ ‫عليه الصالة والسالم أنه قال في الزكاة‪" :‬من سألها على وجهها ُ‬

‫على غير وجهها فال ُيعطها" وهذا خبر ثابـت رواه الثقـاة عـن أنـس بـن مالـك عـن أبـي‬ ‫بكـر الصـديق عـن رسـول اهلل ـ صـلى اهلل عليـه وسـلم ـ‪ ،‬وهـذا يبطـل تأويـل مـن تـأول‬

‫أحاديث القتال عن المال ألن اللصوا ال يطلبون الزكـاة وانمـا السـلطان فـأمر ـ عليـه‬ ‫الصالة والسالم ـ بمنعها إذا سألها السلطان على غير ما أمر به عليه السالم‪.‬‬ ‫ولو اجتمع أهل الحق ما قواهم [قاويته فقويته "غلبته" القاموس المحيط] أهل الباطل‪.‬‬

‫وقـال بعضــهم إن فــي القيــام إباحـة الحــريم وســفك الــدما وأخـذ األمـوال وهتــك األســتار‬

‫وانتشار األمر‪ ،‬فقـال لهـم ارخـرون‪ :‬كـال ألنـه ال يحـل لمـن أمـر بـالمعروف ونهـى عـن‬

‫حريما‪ ،‬وال أن يأخذ ما ًال بغير حـق وال أن يتعـرو لمـن ال يقاتلـه فـإن‬ ‫المنكر أن يهتك‬ ‫ً‬ ‫فعــل شــي ًا مــن هــذا فهــو الــذ ينبغــي أن ُي َغ َّيــر عليــه‪،‬ن إمــا قتلــه أهــل المنكــر َقلُّـوا أو‬ ‫مانعا من تغييـر المنكـر‪ ،‬ومـن األمـر‬ ‫كثروا‪ ،‬فهو فرو عليه‪ ،‬ولو كان خوف ما ذكروا ً‬ ‫مانعا من جهاد أهل الحرب‪ ،‬وهذا ما ال يقوله مسلم‪.‬‬ ‫بالمعروف لكان هذا بعينه ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪163‬‬

‫والواجب أن دفع شي من الجور‪ ،‬وان قل‪ ،‬أن ُي َكَّلـم اإلمـام فـي ذلـك ويمنـع منـه‪ ،‬فـإن‬ ‫امتنع وراجع الحق وأضعن للقَ َوْد من البشرة أو من األعضا وإلقامة حد الزنا والقـذف‬

‫والخمر عليه فقد نفذ أمر اهلل‪ ،‬وامتثـل لحكمـه تعـالى‪ ،‬فـإن امتنـع مـن إنفـاذ شـي مـن‬

‫هـــذه الواجبـــات عليـــه‪ ،‬وجـــب خلعـــه واقامـــة غيـــره ممـــن يقـــوم بـــالحق‪ ،‬لقولـــه تعـــالى‪:‬‬ ‫بر َوالتَّ ْق َوي َوالَ تَ َع َاونُوا َعلَى ِ‬ ‫اإل ثِْم َوا ْل ُع ْد َو ِ‬ ‫ان﴾ (الما ـدة‪ :‬مـن اريـة ‪،)2‬‬ ‫﴿ َوتَ َع َاونُوا َعلَى ا ْل ِّ‬ ‫وال يجوز تضييع شي من واجبات الشرع وباهلل تعالى التوفيق" انتهى‪.‬‬ ‫التحكيم‪:‬‬

‫َّ ِ ِ‬ ‫ِّ ِ ِ‬ ‫ـن إِ َّن َّ‬ ‫نـزغُ َب ْيـ َن ُه ْم﴾ (اإلسـرا ‪ :‬مـن اريـة‬ ‫ان َي َ‬ ‫الش ْـيطَ َ‬ ‫سُ‬ ‫ـي أ ْ‬ ‫َح َ‬ ‫﴿ َوُقل لع َباد َيقُولُـوا التـي ه َ‬ ‫‪ ، )19‬قال البعو إن األمـة ينتفـي عـن أفرادهـا اسـم اإليمـان إال أن تقـوم فيهـا حكومـة‬ ‫إسالمية أ ولي أمر مسلم يقوم على تطبيق وتنفيذ أحكام شريعة اهلل‪.‬‬ ‫ـون حتَّـى يح ِّكم َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يمـا‬ ‫واحتجوا لقولهم هذا بقول اهلل ـ عز وجل ـ‪﴿ :‬فَـ َ‬ ‫ال َوَرِّب َ‬ ‫ـوك ف َ‬ ‫ـك َال ُي ْؤم ُن َ َ ُ َ ُ‬ ‫ضـ ْـي َت ويســلِّموا تَ ِ‬ ‫يما﴾ (النســا ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ـج َر َب ْيـ َن ُه ْم ثُـ َّـم الَ َي ِجـ ُـدوا ِفــي أَْنفُ ِسـ ِه ْم َح َر ًجــا ِّم َّمــا قَ َ‬ ‫شـ َ‬ ‫َُ َ ُ ْ‬ ‫ســل ً‬ ‫ارية ‪.)11‬‬ ‫ِ‬ ‫َه َل ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫يموا التَّْوَارةَ َو ِ‬ ‫يل َو َمـا أُْن ِـز َل إِلَ ْـي ُكم ِّمـن‬ ‫اإل ْن ِج َ‬ ‫ستُ ْم َعلَى َ‬ ‫﴿ ُق ْل َيا أ ْ‬ ‫اب لَ ْ‬ ‫ش ْي َحتَّى تُق ُ‬ ‫َّرِّب ُك ْم﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪.)11‬‬ ‫اهلل ور ِ ِ‬ ‫ين إِ َذا ُدع ـوا إَِلــى ِ‬ ‫سـ ِـم ْع َنا‬ ‫ـان َقـ ْـو َل ا ْل ُمـ ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫﴿إَِّن َمــا َكـ َ‬ ‫ُ‬ ‫ســولِه لـ َـي ْح ُك َم َب ْي ـ َن ُه ْم أَن َيقُولُـوا َ‬ ‫َ​َ ُ‬ ‫ون﴾ (النور‪ :‬ارية ‪.)16‬‬ ‫َوأَ َ‬ ‫ط ْع َنا َوأُوَل ِ َك ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُح َ‬ ‫وقالوا إن ارية األولى أوجبت التحكيم إلى رسول اهلل ـ عليـه الصـالة والسـالم ـ والرضـا‬

‫تسـليما‪ ،‬وان ذلـك ال يكـون إال بقيـام الحكومـة اإلسـالمية وسـيادة‬ ‫بقضا ه والتسـليم بـه‬ ‫ً‬ ‫شريعة اإلسالم في األمة وانفاذها فعالً‪ ،‬ألنـه إذا لـم تكـن شـريعة اإلسـالم هـي السـا دة‬

‫فالبد أن تسود شريعة أخري يضطر الناس إلى التحاكم إليها ولو على كـره مـنهم‪ ،‬وأن‬ ‫يخضعوا لها في كافة ش ون حياتهم فال يتحقق بذلك ما أمر الـه تعـالى بـه مـن تحكـيم‬

‫رســول اهلل عليــه الصــالة والســالم والرضــا والتســليم بقضــا ه‪ ،‬وقــالوا‪ :‬إن مــا ال يــتم‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪164‬‬

‫الواجب إال به فهو واجب وأنه إذا كان تحقيق حكـم اهلل فـي األرو حسـبما تقضـي بـه‬

‫ارية الكريمـة مـن سـورة النسـا ال يـتم وال يتحقـق إال بقيـام الحكومـة اإلسـالمية‪ ،‬فـإن‬

‫قيامها يكون مما نصت عليه ارية وأوجبته فينتفي اسم اإليمان عن أفراد الناس بنا‬ ‫ارية ما دام أن الحكومة اإلسالمية غير قا مة‪.‬‬ ‫ونحن نقول بعون اهلل‪:‬‬ ‫أمــا إن اريــة الكريمــة توجــب تحكــيم الرســول عليــه الصــالة والســالم والتســليم بقضــا ه‬

‫ـليما‪ ،‬وبعبــارة أخــري تحكــيم شــريعة اهلل والرضــا والتســليم بحكــم اهلل فيمــا أحــل وحــرم‬ ‫تسـ ً‬ ‫فرو ونهى وأبا ‪ ،‬فهذا حق خالا ال شبهة فيه‪.‬‬ ‫أما إن التحكيم ال يكون إال بقيام الحكومة اإلسالمية فهذا غير صحيح‪.‬‬ ‫ويتعين التفرقـة بـين تحكـيم شـريعة اهلل‪ ،‬وبـين إنفـاذ حكـم اهلل واجـرا األحكـام الشـرعية‬

‫على العباد فتحكيم شريعة اهلل إنما يكون بالرجوع على النصـوا الشـرعية التـي نطـق‬

‫وح ًيا عن ربه‪ ،‬لنعرف منها إذا كان الشي حـال ًال‬ ‫بها الرسول ـ عليه الصالة والسالم ـ ْ‬ ‫اما‪ ،‬وهل األمـر فـرو أو منهـي عنـه وهـل لنـا حـق مـا أو علينـا واجـب مـا؟ وكـل‬ ‫أم حر ً‬ ‫ذلك يعرف من مجرد الرجوع إلى النصوا‪.‬‬

‫وهــذا هــو معنــى تحكــيم الرســول عليــه الصــالة والســالم وتحكــيم الشــريعة اإلســالمية‪،‬‬ ‫أيضا معنى التحاكم إليها‪ ،‬ومعنى الرد إليها‪.‬‬ ‫و ً‬ ‫وعــرف حكــم اهلل‪ ،‬وجــب اطم نــان‬ ‫فــإذا تــم تحكــيم الرســول ‪ -‬عليــه الصــالة والســالم ‪ُ -‬‬ ‫تسليما‪.‬‬ ‫القلب أنه الحق الواجب اعتقاده والعمل به‪ ،‬وذلك هو معنى التسليم به‬ ‫ً‬ ‫وذلك كله كما تري ال عالقة له بوجود الحكومة اإلسالمية أو عدمها‪.‬‬ ‫فأنت حيثما كنت تستطيع أن ترد إلى شريعة اله لتعـرف حكـم اهلل فيمـا تأكلـه وتلبسـه‪،‬‬

‫والمرأة التي يحل لك تزوجها‪ ،‬والمال الذ بين يديك وبين ارخرين وعالقتك مع زوجك‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪165‬‬

‫وأوالدك‪ ،‬وجيرانـك والقــا مين علـى أمــر البلـد الــذ تعـيا فيــه ونئرتـك إلــى النـاس فــي‬ ‫غيرها‪ ،‬إلى غير ذلك مما يشمل جميع ش ون حياتك‪.‬‬ ‫أيضا فإنه إن قامت بينك وبين غيرك منازعة حول أمر من األمور‪ ،‬فالفرو عليكمـا‬ ‫و ً‬ ‫أن تتحاكما إلى الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ،-‬وذلـك بـالرجوع إلـى مـا قـال بـه ‪-‬‬

‫عليه الصالة والسالم ‪ -‬من أحكام الشريعة فتعرفا حكم اهلل في الواقعة موضع التنازع‪،‬‬ ‫فيعـرف كـل ذ حـق حقــه فـإذا وقـع االخـتالف علــى مقصـود اهلل مـن اريـة الكريمــة أو‬ ‫الحــديث الشــريف وبعبــارة أخــري إذا وقــع الخــالف حــول حقيقــة حكــم اهلل فــي الواقعــة‬

‫موضوع ال تنازع‪ ،‬فال سبيل إلى قطع الخـالف إال أن يقـيم أحـد الطـرفين الحجـة الال حـة‬ ‫على ارخر فإذا أقام أحد الطرفين الحجة الال حة الئاهرة الدالة على حقيقة حكـم اهلل‪،‬‬

‫وجب على الطرف ارخر أن يصدع للبرهان ويعتقد بحكم اهلل الذ دل عليه وأنه الحق‬

‫تسليما‪ ،‬ثـم هـو مـأمور بعـد ذلـك‪ ،‬أ بعـد أن تمـت عمليـة التحكـيم والتسـليم‬ ‫فيسلم به‬ ‫ً‬ ‫بالطاعة أ بتنفيذ حكم اهلل‪.‬‬ ‫وقد أسلفنا القول إن عمل الحكومة اإلسالمية أو اإلمام المسلم أو ولي األمر المسلم‪،‬‬

‫تشريعا وال أن يقضي بما يراه بعقله حس ًنا أو حقًا ولكن أن ينفـذ حكـم اهلل‬ ‫ال أن يبتدع‬ ‫ً‬ ‫وما قضى به تعـالى أنـ ه الحـق‪ ،‬فـإذا كـان الحكـم الشـرعي ممـا وقـع فيـه اإلجمـاع‪ ،‬فقـد‬ ‫خــر عــن مجــال االجتهــاد وانتفــت احتمــاالت الخطــأ والتأويــل‪ ،‬أمــا إذا كــان الحكــم ممــا‬

‫تعددت فيه اررا واختلفت فيه وجهات النئر‪ ،‬فإن ولي األمر يجتهد ما وسعه ثم ينفذ‬ ‫ما أداه إليه اجتهاده‪ ،‬فما عمل ولي األمر المسلم – والقاضي المسلم إنما ينـوب عنـه‬

‫ويستمد واليته منه – إال أن يـأمر بإنفـاذ مـا يـراه هـو أنـه حكـم اهلل حسـبما يـؤد إليـه‬ ‫وحسـما للنـزاع‪ ،‬وهـو وبعـد غيـر معصـوم فقـد يخطـ فـي فهـم ار والحـديث‪،‬‬ ‫اجتهـاده‬ ‫ً‬ ‫امــا وال يحــرم‬ ‫وقــد ال يصــيب حكمــه حكــم اهلل فــي الحقيقــة‪ ،‬ولــذا فــإن حكمــه ال يحــل حر ً‬

‫حالالً‪ ،‬والعبرة في الحالل والحرام بحكم اهلل في الحقيقة‪.‬‬

‫فحكــم ولــي األمــر إنمــا هــو إنفــاذ لمــا يعتقــد أنــه حكــم اهلل وحســبما يبــين لــه الحــق مــن‬ ‫الواقع واألدلة التي قد تتوافر لدي غير ذ الحق ويعجز عنها ذو الحق‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪166‬‬

‫إلي وانمـا أنـا بشـر مـثلكم‪،‬‬ ‫يقول الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪" :-‬إنكم تختصمون َّ‬ ‫ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من ارخـر‪ ،‬فأقضـي لـه علـى نحـو مـا أسـمع‪ ،‬فمـن‬ ‫قضيت له بشي من حق أخيه فال يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" [اإلحكـام فـي‬

‫أصول األحكام‪ :‬جـ‪ 6‬ا‪.]9‬‬ ‫وئــاهر مــن قــول الرســول عليــه الصــالة والســالم أنــه يقضــي فــي النـزاع والقضــا هنـا‬

‫بمعنـى إنفـاذ األمــر‪ ،‬حسـب الئــاهر‪ ،‬وطب ًقـا لــم تثبتـه البينــات وتقـوم عليــه األدلـة التــي‬

‫يقدمها كل من طرفي النزاع ويقول الرسول عليه الصـالة والسـالم إن أحـد الطـرفين قـد‬

‫يكون أقوي حجة من ارخر وأقدر على تقديم البرهان‪ ،‬ورغـم ذلـك قـد ال يكـون صـاحب‬

‫حــق‪ ،‬فــإذا مــا قضــى لــه ‪ -‬عليــه الصــالة والســالم ‪ ،-‬أ أنفــذ األمــر لصــالحه‪ ،‬فلــيس‬ ‫معنى ذلك أن ما لم يكن له حق قد صار له حق بل هـو رغـم القضـا وانفـاذ األمـر لـم‬

‫محرما عليه ولـذا ينهـاه الرسـول عليـه الصـالة والسـالم عـن أخـذه ويعلمـه أنـه إن‬ ‫يزل‬ ‫ً‬ ‫أخذه فإنما يأخذ قطعة من النار‪.‬‬ ‫واذا كــان هــذا هــو شــأن قضــا رســو اهلل ‪ -‬صــلى اهلل عليــه وســلم ‪ ،-‬والقضــا هنــا‬ ‫بمعنى إنفاذ األمر‪ ،‬وهو المعصوم عليه الصـالة والسـالم مـن الخطـأ فـي معرفـة حقيقـة‬

‫حكم اهلل والوهم في فهم ارية وحقيقة مقصود اهلل تعالى منها فغيره ممن يرد عليه في‬

‫معرفـة حقيقـة حكـم اهلل ومـن الــوهم فـي فهـم الحركـة أو الحــديث كمـا يـرد عليـه الجهــل‬

‫امـا وال يحـرم حـالالً ويبقـى كـل مـن طرفـي‬ ‫ببعو الشرا ع‪ ،‬هـذا الغيـر حكمـه ال يحـل حر ً‬ ‫ـأمور بالتحــاكم إلــى الرســول ‪ -‬عليــه الصــالة والســالم ‪ -‬أ بــالرد علــى‬ ‫الخصــومة مـ ًا‬ ‫ومـأمور باتبـاع الحـق الـذ يقـر فـي قلبـه نتيجـة ذلـك التحكـيم ولـو‬ ‫ًا‬ ‫نصوا الشريعة‪،‬‬ ‫خفي ذلك الحق على ولي األمر أو القاضي وحكم بخالفه [يقول اإلمام الشـافعي عليـه‬

‫رضوان اهلل تعلي ًقا علـى مـا حكـى عـن رسـول اهلل ‪ -‬صـلى اهلل عليـه وسـلم ‪ -‬إذ العـن‬ ‫بين أخو بني العجـالن "ففـي حكـم اللعـان فـي كتـاب اهلل ثـم سـنة رسـول اهلل ‪ -‬صـلى‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬دال ل واضحة ينبغي ألهل العلم أن ينتدبوا لمعرفته ثم يتحروا أحكام‬

‫رسـول اهلل ‪ -‬صـلى اهلل عليــه وسـلم ‪ -‬فــي غيـره علــى مثلـه‪ ،‬فيــؤدون الغـرو وينتفــي‬ ‫عــنهم الشــبهة التــي عــارو بهــا مــن جهــل لســان العــرب وبعــو الســنن‪ ،‬وغــابى عــن‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪167‬‬

‫موضــوع الحجــة‪ ..‬منهــا أن اهلل تعــالى أمــره أن يحكــم علــى الئــاهر وال يقــيم حـ ًـدا بــين‬ ‫اثنـين إال بــه‪ ،‬ألن ا لئــاهر شــبه االعتـراف مــن المقــام عليــه الحــد أو بينــه وال يســتعمل‬

‫أحـدا بداللـة علـى‬ ‫على أحد‪ ،‬في حد وال حق واجب عليه‪ ،‬داللة علـى كذبـه‪ ،‬وال يعطـي ً‬ ‫صدقه‪ ،‬حتى تكون الداللة من الئاهر في لعام ال من الخاا‪.‬‬

‫فإذا كان هكذا في أحكام رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان من بعـده أولـى أال‬

‫أبدا‪ :‬فإن قـال القا ـل‪ :‬مـا دل علـى هـذا؟ قلنـا‪ :‬قـال‬ ‫يستعمل داللة وال يقضي إال بئاهر ً‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فـي المتالعنـين‪" :‬إن أحـدكما كـاذب" فحكـم علـى‬ ‫حكمــا واحـ ًـدا‪ :‬أن أخرجهمــا مــن الحــد‪ ،‬وقــال رســول اهلل ‪ -‬صــلى اهلل‬ ‫الصــادق والكــاذب ً‬ ‫عليه وسلم ‪" :-‬إن جا ت به أُحيمر فال أراه إال كذب عليهـا وان جـا ت بـه أديعـج فـال‬ ‫أراه إال قد صدق" فجا ت به على النعت المكـروه‪ ،‬وقـال رسـول اهلل ‪ -‬صـلى اهلل عليـه‬

‫وسلم ‪" :-‬إن أمره لبين لوال ما حكم اهلل" فأخبر أن صدق الزو على المتالعنة بداللة‬ ‫على صدقه أو كذبه بصفتين‪ ،‬فجا ت داللـة علـى صـدقه‪ ،‬فلـم يسـتعمل عليهـا الداللـة‬

‫وأنفذ عليها ئاهر حكم اهلل تعالى من إدرا الحد واعطا ها الصـداق مـع قولـه ‪ -‬عليـه‬ ‫الصالة والسالم ‪ -‬إن أمره لبين لوال ما حكم اهلل‪ ،‬في مثـل معنـى هـذا مـن سـنة رسـول‬

‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قوله‪" :‬إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم‬ ‫أن يكون ألحن بحجته من بعو فأقضي له على نحو ما أسمع منه‪ ،‬فمـن قضـيت لـه‬

‫بشي من حق أخيه فال يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" فأخبر أنه يقضـي علـى‬

‫الئـاهر مـن كـالم المتخاصـمين وانمـا يحـل لهمـا ويحـرم عليهمـا فيمـا بينهمـا وبـين اهلل‬

‫تعالى على ما يعلمـان" "األم‪ :‬لإلمـام الشـافعي جــ‪ 1‬ا‪ 626‬نقـال عـن هـاما الرسـالة‬ ‫ا‪."611-616‬‬ ‫اما قبـل‬ ‫وفي هذا المعنى ً‬ ‫أيضا يقول اإلمام ابن حزم‪" :‬وحكم القاضي ال يحل ما كان حر ً‬ ‫قضا ه وال يجـرم مـا كـان حـالالً قبـل قضـا ه وانمـا القاضـي منفـذ علـى الممتنـع فقـط ال‬

‫مزية له سوي هذا‪ ،‬وبعد أن أورد الحديث قال‪ :‬فإذا كـان حكمـه عليـه الصـالة والسـالم‬

‫امـا فكيـف القـول فـي قضـا أحـد بعـده؟" انتهـى‪.‬‬ ‫وقضاؤه ال يحل ألحد ما كان عليـه حر ً‬ ‫"المحلى البن حزم‪ :‬جـ‪ 9‬ا‪.]"422‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪168‬‬

‫وباالحتكــام إلــى رســول اهلل ‪ -‬صــلى اهلل عليــه وســلم ‪ -‬يعــرف مــا قضــى بــه فيتعــين‬

‫تسليما أ االعتقاد والجازم أنـه الحـق مـن اهلل ‪ -‬عـز وجـل ‪-‬‬ ‫الرضا به والتسليم به‬ ‫ً‬ ‫الواجب طاعته وهذا كله يتم ويكون سوا وجدت حكومة إسـالمية أم لـم توجـد‪ ،‬بـل إن‬ ‫وجــود الحكومــة اإلســالمية ال يكفــي لتحقيقــه‪ ،‬فقــد توجــد الحكومــة اإلســالمية ويعتقــد‬

‫شخا بخالف حكم اهلل فـال ُي َح ِّك َـم بـذلك الرسـول ‪ -‬عليـه السـالم ‪ ،-‬أو ال يسـلم قلـب‬ ‫إنسان بما قضى به ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬في مسألة من المسا ل‪.‬‬ ‫وليس أبين في أن التحاكم إلى شريعة اهلل ال يتوقف على وجود ولي األمر المسلم من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـول َوأُولِــي‬ ‫يعـوا َّ‬ ‫سـ َ‬ ‫ُّهــا الَّـ ِـذ َ‬ ‫ذات النصــوا قــال تعــالى‪َ ﴿ :‬يــا أَي َ‬ ‫الر ُ‬ ‫اهلل َوأَط ُ‬ ‫آم ُنـوا أَط ُ‬ ‫يع ـوا َ‬ ‫ين َ‬ ‫شي فَردُّوه إِلَـى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ـول﴾ (النسـا ‪ :‬مـن اريـة ‪،)19‬‬ ‫اهلل َو َّ‬ ‫األم ِر م ْن ُك ْم فَِإن تَ​َن َاز ْعتُ ْم في َ ْ ُ ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫ْ‬ ‫والرد المنصـوا عليـه فـي هـذه اريـة هـو وبـال شـك التحـاكم‪ ،‬فـإذا كـان التحـاكم علـى‬ ‫شريعة اهلل على قولهم ال يكون إال عن طريق ولي األمـر المسـلم فكيـف يمكـن أن نـرد‬

‫ونتحاكم إلى اهلل ورسول ه إذا وقع النزاع بيننا وبين ولـي األمـر؟ ولقـد أسـلفنا األحاديـث‬ ‫أيضا أنه ال سمع وال طاعـة فـي معصـية‪ ،‬ونحـن‬ ‫ارمرة بطاعة أولي األمر والتي تنا ً‬ ‫ال نسـتطيع أن نعـرف إذا كـان أمـر ولـي األمـر معصـية هلل أم ال إال إذا رددنـا وتحاكمنـا‬ ‫إلى اهلل ورسوله‪ ،‬أ عرضنا األمر الصادر من ولي األمر على الكتاب والسنة‪ ،‬فنتبين‬

‫خروجــا ومعصــية ومخالفــة لهمــا فنعــرف أنــه معصــية‪ ،‬فــإذا كــان التحــاكم إلــى‬ ‫أن فيــه‬ ‫ً‬ ‫الرسول ال يتم وال يكون كما يقولون إال عن طريق ولي األمر لعجزنا عن رد أمـر ولـي‬ ‫األمر إلى الرسول وتبين ما إذا كان معصية هلل أم طاعة له تعالى‪.‬‬ ‫والحق أن إنفاذ حكم اهلل واجرا األحكام الشرعية – وليس التحاكم – هو الذ يقتضي‬ ‫ويوجب قيام الحكومة اإلسالمية‪ ،‬وما ولي األمر المسـلم أو الحكومـة اإلسـالمية‪ ،‬علـى‬ ‫مــا ســبق أن بينــا إال تلــك التــي تنفــذ أحكــام اهلل تعــالى وتجــر األحكــام الشــرعية علــى‬

‫العباد‪.‬‬ ‫فــنحن إذ نحــتكم إلــى الرســول ‪ -‬عليــه الصــالة والســالم ‪ -‬نعــرف أن الســرقة حـرام وأن‬ ‫السارق والسارقة حكم اهلل فيهما أن يعاقبا بحد معين هو قطع اليد‪ ،‬وهذا االحتكام يـتم‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪169‬‬

‫س ـوا وجــدت الحكومــة اإلســالمية أم ال‪ ،‬ولكــن البــد حتــى ينفــذ حكــم اهلل فــي الســارق‬

‫والسارقة من وجود السلطة العامـة بـين أمـة المسـلمين التـي تقـوم بإنفـاذ تلـك العقوبـة‬ ‫المحددة في الشريعة‪.‬‬ ‫فاالحتكام إلى شريعة اهلل والرضا بما يحكم به اله تعالى ورسوله‪ :‬قضية‪.‬‬ ‫وانفاذ حكم اهلل تعالى الذ يعرف نتيجة االحتكام‪ :‬قضية أخري‪.‬‬ ‫وكل خطاب مـن اهلل تعـالى ورسـوله إنمـا يعطينـا حكـم مـا فيـه‪ ،‬وال يعطينـا حكـم مـا فـي‬ ‫ين‬ ‫غيره‪ ،‬فمثالً خطاب اهلل تعالى إلينا باريـة الكريمـة‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬ ‫الصـالَةَ َكا َن ْ‬ ‫ـت َعلَـى ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫ِكتَ ًابـــا َّم ْوقُوتًـــا﴾ (النســـا ‪ :‬مـــن اريــــة ‪ ،)619‬يعطينـــا حكـــم أن الصـــالة فـــرو علــــى‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وأنه فرو موصوف بوصف معين هو الوقت وهذا هو كل ما يعطينـا حكمـه‬

‫ذلك الخطاب‪ ،‬أما ما خر عن مدلول معنى خطـاب اريـة فـال حكـم لهـا فيـه‪ ،‬فاريـة ال‬

‫حكمـا فـي السـارق والزانـي وشـارب الخمـر إلـى‬ ‫تعطينا حكم تارك الصالة كما ال تعطينا ً‬ ‫غير ذلك‪ ..‬وانما حكم ذلك كله نجده ونطلبه من خطاب يتضمنه‪.‬‬

‫ـون َحتَّــى‬ ‫واريــة الكريمــة مــن ســورة النســا والتــي نحــن بصــددها ﴿فَ ـالَ َوَرِّبـ َ‬ ‫ـك الَ ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬ ‫وك﴾ (النسا ‪ :‬من ارية ‪ ،)11‬إنما تعطينا الحكم بوجوب تحكيم الرسـول ‪ -‬عليـه‬ ‫ُي َح ِّك ُم َ‬ ‫أيضـا حكـم مـن لـم ِّ‬ ‫يحكـم‬ ‫الصالة والسالم ‪ -‬والرضا والتسليم بمـا قضـى بـه‪ ،‬وتعطينـا ً‬ ‫الرسول أو لم يرو ويسلم بقضا ه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪.-‬‬

‫وليس في ارية حكم من لم ينفذ حكم اهلل تعالى والرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪.-‬‬ ‫فهــذه القضــية األخيــرة خارجــة عــن مــدلول خطــاب اريــة الكريمــة التــي نحــن بصــددها‬ ‫فالحكم فيها متوقف على الدليل الذ يرد فيها‪.‬‬ ‫كذلك فإن الخطاب الموجه إلينا بارية الكريمة التي نحن بصددها ليس فيها تكليف لنا‬

‫بـرد ودفـع مـا قـد يقـع مـن عـدوان يمنــع مـن التحـاكم إلـى الرســول‪ ،‬وانمـا خطابهـا إلينــا‬

‫قاصر على وجوب تحكيم الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬والرضـا بقضـا ه – وقـد‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪171‬‬

‫علمنا من آيات وأحاديث رفع اإلثم عن المكره أن حكم اريـة التـي نحـن بصـددها غيـر‬

‫وارد علـى مـن أكـره علــى التحـاكم إلـى غيــر مـا قضـى بـه الرســول مـا دام قلبـه مطم ًنــا‬

‫باإليمان‪.‬‬

‫حتما تكليفًا برد العدوان المانع من تنفيذ األمر‪.‬‬ ‫وليس كل تكليف بأمر يتضمن ً‬ ‫فاألمر بإقامة الصالة – كما قدمنا – ال يتضمن تكليفًا برد عدوان مانع من إقامتها‪.‬‬ ‫أمر بمقاتلة ومدافعة من منع من أدا ها‪.‬‬ ‫واألمر بأدا فريضة الحج ال يتضمن ًا‬ ‫فاألمر والخطاب الوارد بتكليف ما‪ :‬قضية‪.‬‬ ‫ورد العدوان المانع من تحقيق األمر والتكليف قضية أخري وشريعة أخري يقـوم الـدليل‬ ‫ون ِبـأ ََّن ُه ْم ئُلِ ُمـوا َوِا َّن‬ ‫ين ُيقَ َ‬ ‫ـاتلُ َ‬ ‫على وجوبها من نصوا أخـري كقولـه تعـالى‪﴿ :‬أ ُِذ َن لِلَّ ِـذ َ‬ ‫اهلل علَى َنص ِـرِهم لَقَ ِـدير﴾ (الحـج‪ :‬اريـة ‪ )99‬وكقولـه تعـالى‪﴿ :‬وقَ ِ‬ ‫ـون‬ ‫ـاتلُ ُ‬ ‫وه ْم َحتَّـى الَ تَ ُك َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِّين ِ‬ ‫هلل﴾ (البقــرة‪ :‬مــن اريــة ‪ )699‬إلــى غيــر ذلــك مــن النصــوا التــي‬ ‫ـون الــد ُ‬ ‫ِف ْت َنـ ٌة َوَي ُكـ َ‬ ‫أوجبت رد العدوان ومدافعة المعتدين والقتال لتكون كلمة اهلل هي العليا وتغييـر المنكـر‬

‫على ما سبق شرحه‪.‬‬ ‫أما القول بأن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب فهذا مصطلح من وضع البشـر غيـر‬ ‫المعصــومين لــم يــرد بــه نــا مــن قـرآن أو ســنة‪ ،‬والــذين وضــعوا هــذا المصــطلح إنمــا‬

‫عبــروا بــه عــن معنــى الحئــوه فــي نصــوا تــأتي بتكــاليف قــالوا إنهــا لــيس مقصــودة‬ ‫لذاتها‪ ،‬ولكن خدمة لمقصـود آخـر يـراد تحقيقـه‪ ،‬فـاألمر بالوضـو مقصـود بـه‪ ،‬حسـبما‬ ‫قالوا‪ ،‬التطهر للصـالة‪ ،‬واألمـر بطلـب المـا مقصـود بـه تحقيـق الوضـو واألمـر بغـو‬ ‫النئر ومنع المالمسة مقصود به ما قد يترتب على ذلك مـن الوقـوع فـي الـوط الحـرام‬ ‫المنهي عنه‪ ،‬فعبروا عن هذه المعاني التي الحئوها بذلك المصطلح‪ ،‬أمـا حيـث يكـون‬

‫الخطــاب بــاألمر يتضــمن اإلتيــان بأعمــال البــد منهــا لتنفيــذ األمــر‪ ،‬فقــد اعتبــر بعــو‬ ‫الفقها تلك األعمال من قبيل ما ال يتم الواجب إال بـه فهـو واجـب‪ ،‬والحـق مـا قـال بـه‬

‫حتمـا تنفيـذ‬ ‫آخرون من أن تلـك األعمـال هـي مـن مـدلول ذلـك الخطـاب وممـا يقتضـيه ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪171‬‬

‫األمر‪ ،‬إذ ال يـأتي تنفيـذه بحـال مـن األحـوال بـدونها فهـي جـز مـن ذات األمـر [كـاألمر‬

‫بالحج‪ :‬فالحج لغة هو القصد في األمر بالقصد إلى البيت الحرام معناه اللغـو ‪ :‬إتيـان‬ ‫الحركـات الالزمـة لالنتقـال مــن حيـث يوجـد المــر إلـى حيـث يوجــد البيـت الحـرام فلــيس‬ ‫االنتقال إذن إلى البيت الحرام بالسفر من قبيل ما ال يـتم الواجـب إال بـه إنمـا هـو ذات‬

‫التكليف المأمور به]‪.‬‬

‫ذهب البعو إلى محاولة اتخاذ مصطلح "ما ال يتم الواجب إال به فهـو واجـب" كقاعـدة‬ ‫شرعية‪ ،‬غير أنهم اختلفوا في تطبيقها‪.‬‬

‫وحتــى الــذين حــاولوا جعــل ذلــك المصــطلح قاعــدة فــإنهم لــم يزعم ـوا أن حكــم مــا ال يــتم‬

‫اجبا هو ذات حكم الواجب األصلي‪ ،‬فعـدم غـو‬ ‫الواجب األصلي إال به‪ ،‬ولذا اعتبروه و ً‬ ‫النئر أو المالمسة غير المشروعة ليس حكمها الزنا‪.‬‬ ‫وحيــازة الخمــر وبيعهــا إثــم ال شــك فيــه ولكــن حكــم الحــا ز والبــا ع لــيس حكــم الشــارب‬ ‫والعبرة في تحديد األحكام بالنا الوارد في شأن كل منها‪.‬‬ ‫ون‪. .‬‬ ‫وعلى ذلك فإنه لو صح – وهو وال يصح – أن ارية الكريمة ﴿فَالَ َوَرِّب َك َال ُي ْؤ ِم ُن َ‬ ‫﴾ (النســا ‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)11‬تتضــمن تكليفًــا بــرد العــدوان الــذ قــد يقــع ويمنــع مــن‬ ‫التحـاكم إلــى الرســول عليـه الصــالة والســالم‪ ،‬فإنهــا ال تتضـمن حكــم القاعــدة عــن أدا‬

‫ذلك التكليف ورد العدوان‪.‬‬ ‫ومن ذلك يتضح وجه الخطـأ فـي التفسـير الـذ قـالوا بـه لهـذه اريـة ووجـه الخطـأ فـي‬ ‫االستناد إليها للزعم بانتفا اإليمان عن الناس ما لم تقم الحكومة اإلسالمية‪.‬‬ ‫على أنه يتعين علينا أن نفرق بين القول بانتفا اإليمان عن كافـة أفـراد األمـة إذا لـم‬

‫تكن الحكومة اإلسالمية قا مة‪ ،‬وبين حكم الفرد الذ يستجيز عدم قيامهـا‪ ،‬فالمسـتحل‬ ‫عدم قيام الحكومة المسلمة بعد علمه بالنصوا القاطعة الداللة على وجوبها‪ ،‬جاحـد‬ ‫للنا مستجيز خـالف اهلل تعـالى ورسـوله‪ ،‬وهـذا كـافر مشـرك بـال خـالف‪ ،‬أمـا المعتقـد‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪172‬‬

‫بوجوبهــا‪ ،‬وأن أمــر اهلل أن تقــوم الحكومــة اإلســالمية‪ ،‬فإنــه إن قعــد عــن العمــل علــى‬ ‫معذور بعذر شرعي مقبول‪.‬‬ ‫ًا‬ ‫قيامها فهو فاسق آثم كما قدمنا ما لم يكن‬ ‫والحــق أن القــول بانتفــا اســم اإليمــان عــن جميــع أف ـراد األمــة إذا لــم توجــد الحكومــة‬ ‫اإلسالمية يؤد إلى نتا ج خطيرة تعارو النصوا القاطعة واإلجماع‪ ،‬إذ مما ال شـك‬

‫ـك﴾ (النســا ‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)11‬خطابهــا عــام موجـه إلــى جميــع‬ ‫فيــه أن اريــة ﴿فَـ َ‬ ‫ال َوَرِّبـ َ‬ ‫اإلنـس والجــن‪ ،‬ومقتضـى القــول الـذ قــالوا بـه أنــه ال يـؤمن أحــد حتـى تقــوم الحكومــة‬ ‫اإلســالمية التــي تحكــم العــالم كلــه وتمنــع الحــاكم فــي أ جهــة مــا وفــي أ بقعــة مــن‬

‫األرو غير شريعة اهلل تعالى‪ ،‬كما أنه – طب ًقا لذلك القول – ينتفي اسم اإليمـان عـن‬

‫جميع المسـلمين وعـن جميـع النـاس إذا وجـد مسـلم فـي بقعـة مـن األرو مكرًهـا علـى‬ ‫التحاكم إلى شريعة غير شريعة اإلسالم‪ ،‬كما أنه إذا عدل الحاكم المسلم في قضية ما‬

‫عامـ ًـدا عــن أمــر اهلل فإنــه ينتفــي اســم اإليمــان عــن جميــع أفـراد األمــة ألنــه متــى عــدل‬ ‫عامدا عن أمر اهلل تعالى في قضية ما فقد انتفت عنه فيها صفة اإلمام الحق‪،‬‬ ‫الحاكم‬ ‫ً‬ ‫فينتفي في لحئتها وجـود ولـي األمـر المسـلم‪ ،‬وتكـون قـد سـادت بحكمـه غيـر الموافـق‬ ‫للشريعة‪ ،‬شريعة غير شريعة اهلل تعالى‪ ،‬ومعنى هذا أنه لم يكن هناك مسلم على وجه‬

‫األرو في أ وقت ما غير الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪.-‬‬ ‫ونحن نقول بعون اهلل تعالى‪ :‬إن الحكم الوارد في تلك ارية هـو تكليـف موجـه إلـى كـل‬

‫فرد بعينه أن يحكم الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬فيما يعرو له من كافة ش ون‬ ‫حياته سوا فـي ذلـك المعتقـدات أو العبـادات أو المعـامالت وغيرهـا فيـرد فـي ذلـك كلـه‬

‫جازمـا أن‬ ‫وحيـا عـن ربـه ثـم يعتقـد‬ ‫إلى شريعة اهلل تعالى‪ ،‬فيعرف ما قضى به الرسـول ً‬ ‫ً‬ ‫ـليما‪ ،‬وان مـن لـم يــرتو تحكـيم الرســول‬ ‫ذلـك هـو الحــق الواجـب االتبـاع فيســلم بـه تسـ ً‬

‫تسليما بقضا ه فقد انتفى عنه اسم اإليمان‪.‬‬ ‫بقلبه أو بقوله أو لم يسلم‬ ‫ً‬

‫وسبق بيان عذر الجاهل بجهله والمخط في اجتهاده بخط ـه‪ ،‬والمكـره والمضـطر بمـا‬

‫هو واقع عليه من إكراه واضطرار‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪173‬‬

‫ِ‬ ‫َه َل ا ْل ِكتَ ِ‬ ‫يمـوا التَّ ْـوَارةَ َو ِ‬ ‫يـل‬ ‫اإل ْن ِج َ‬ ‫ستُ ْم َع َلـى َ‬ ‫أما ارية الكريمة‪ُ ﴿ :‬ق ْل َيا أ ْ‬ ‫اب َل ْ‬ ‫ـي َحتَّـى تُق ُ‬ ‫شْ‬ ‫َو َما أُْن ِز َل إِلَ ْي ُكم ِّمن َّرِّب ُك ْم﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪ )11‬فيكفي لبيان وجه الخطـأ لالحتجـا‬

‫بها في هذا المقام أنها بعو سور الما دة التـي نزلـت بالمدينـة بعـد هجـرة الرسـول ‪-‬‬

‫عليه الصالة والسالم ‪-‬إليهـا‪ ،‬وبعـد أن كانـت دعـوة اإلسـالم موجهـة للعـالمين وللنـاس‬ ‫محمـدا عبــد اهلل‬ ‫كافـة بمـا فـيهم أهـل الكتـاب‪ ،‬وكـان الفـرو علـى هـؤال أن يؤمنـوا أن‬ ‫ً‬ ‫ورسـوله وأن يؤمنـوا بجميــع مــا جـا بــه ـ عليــه الصــالة والســالم ـ فينصــاعوا لحكمــه‬ ‫ولجميع الش ار ع التي أتى بها وال شك أن شريعته ناسخة لكافة ما سبقها فال يتأتى أن‬ ‫يكــون أهــل الكتــاب كــانوا مكلفــين فــي ذات الوقــت بإقامــة دولــة أو حكومــة إلنفــاذ حكــم‬ ‫التوراة واإلنجيل والش ار ع التي وردت بهما بعد نسخها‪ ،‬اللهـم إال إذا قيـل إن المقصـود‬

‫إقامة ما في التوراة واإلنجيل من ش ار ع لـم تنسـخ تقضـي بـأن اهلل واحـد ال شـريك لـه‪،‬‬

‫جميعـا ومـنهم‬ ‫ومن نصوا منذرة بمبعثه عليه ودالـة علـى صـدق رسـالته وأن النـاس‬ ‫ً‬ ‫أهل الكتاب عليهم أن يؤمنوا به عليه الصالة والسـالم وبكـل مـا جـا بـه وأن يخضـعوا‬ ‫لحكمه وينضووا تحت لوا ه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سوِل ِه لِ َي ْح ُك َم َب ْي َن ُه ْم أَن‬ ‫ان قَ ْو َل ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫أما ارية الكريمة‪﴿ :‬إِ َّن َما َك َ‬ ‫ين إِ َذا ُد ُعوا إَِلى اهلل َوَر ُ‬ ‫ـون﴾ (النــور‪ :‬اريــة ‪ )16‬فحــق‪ ،‬وهــي تكليــف‬ ‫سـ ِـم ْع َنا َوأَطَ ْع َنــا َوأُولَ ِـ َ‬ ‫ـك ُهـ ُـم ا ْل ُم ْفلِ ُحـ َ‬ ‫َيقُولُـوا َ‬ ‫شخصــي لكــل فــرد‪ ،‬ولــيس فيهــا حكــم عــام ينســحب علــى مجمــوع مــن النــاس‪ ،‬بص ـرف‬ ‫النئر عن موقف كل منهم وعقيدته وقولـه وعملـه‪ ،‬ومـا سـبق أن قلنـاه هـو مـا حكمـت‬ ‫به هذه ارية وغيرها من اريات التي سبق لنا االستدالل بها ونحن نقول بما قالـه اهلل‬

‫عز وجل من أنه ليس بمؤمن من إذا دعي إلـى اهلل تعـالى ورسـوله لمعرفـة الحكـم فـي‬

‫سـتكبرا مسـتحالً خـالف اهلل تعـالى ورسـوله ولـم يقـل‬ ‫أمر متنـازع عليـه‪ ،‬أبـى وأعـرو م‬ ‫ً‬ ‫سمعنا وأطعنا‪.‬‬

‫مختار عـن حكـم اهلل‪ ،‬وأبـى االحتكـام إلـى شـريعة‬ ‫ًا‬ ‫وقد سبق أن قلنا إن من أعرو ًا‬ ‫حر‬ ‫اهلل تعـالى التــي بلغتــه وعانــد بلســانه أو بقلبــه فهــو كــافر مشــرك بــال خــالف‪ ،‬وأمــا مــن‬

‫معتقـدا بطـالن عملـه‬ ‫ال على خـالف األمـر‬ ‫عاند بعمله بعد أن سّلم بقلبه‪ ،‬أ عمل عم ً‬ ‫ً‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪174‬‬

‫وأنه بعمله عاا ألمر اهلل ورسوله الواجب لهما االتباع والطاعة‪ ،‬فذلك فاسق عـاا‬ ‫وان لم يخر عن اإلسالم ولم ينتف عنه اسم اإليمان‪.‬‬ ‫الحكم والمعلوم من الدين بالضرورة‪:‬‬ ‫قال البعو‪ :‬إن الحـاكم بمعنـى ولـي األمـر‪ ،‬الـذ ال يحكـم بمـا أنـزل اهلل كـافر بصـريح‬ ‫ـك ُهـم ا ْل َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ون﴾ (الما ـدة‪ :‬مـن اريـة‬ ‫ـاف ُر َ‬ ‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َمن ل ْم َي ْح ُك ْـم ب َمـا أَْن َـز َل اهللُ فَأُولَ َ ُ‬ ‫‪ ،)44‬وقــالوا إن حكــم هــذه اريــة مــن المعلــوم مــن الــدين بالضــرورة‪ ،‬وان حــال الحــاكم‬ ‫أيضا فلـزم مـن ذلـك ضـرورة‬ ‫الذ ال يحكم بما أنزل اهلل معروف لدي الناس بالضرورة ً‬ ‫أن يقطع كل مكلـف بكفـر ذلـك الحـاكم وأن يعتقـد ذلـك فيـه بقلبـه ويعلنـه بلسـانه‪ ،‬فمـن‬

‫معلوما من الدين بالضـرورة فهـو‬ ‫توقف عن الحكم على ذلك الحاكم بذلك فهو قد أنكر‬ ‫ً‬ ‫كافر‪ ،‬ومن باب أولى من لم يتوقف‪ ،‬بل لم يوافق على الحكم بتكفير ذلـك الحـاكم‪ ،‬وأن‬ ‫من لم يحكم بتكفير ذلك الحاكم فهو بدوره لم يحكم بما أنزل اهلل فهو وكافر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ونـري أنــه يلزمنــا أن نبــدأ بتعريــف المقصـود بالمصــطلح الموضــوع "المعلــوم مــن الــدين‬ ‫بالضرورة"‪.‬‬ ‫األصل في اإلنسان‪ :‬الجهل وعدم العلـم‪ ،‬وهـذا ثابـت بصـريح نـا القـرآن‪ :‬قـال تعـالى‪:‬‬ ‫ُمهـ ِ‬ ‫َخ َــر َج ُكم ِّمـــن ُبطُـــ ِ‬ ‫ش ْــي ًا﴾ (النحـــل‪ :‬مـــن اريـــة ‪ ،)11‬ثـــم‬ ‫﴿ َواهللُ أ ْ‬ ‫ــون َ‬ ‫ــات ُك ْم َال تَ ْع َل ُمـ َ‬ ‫ون أ َّ َ‬ ‫بالبديهة التي ركبها اهلل في اإلنسان وعن طريق الحواس مثل السمع والبصر والمـذاق‬ ‫قصـدا فيتعمـد أن‬ ‫واللمس يكتسب اإلنسان ما يعلم‪ ،‬وما يعلمه اإلنسان قـد يقصـد إليـه‬ ‫ً‬ ‫يتعلمـه فيعلمــه‪ ،‬وقــد ال يقصــد اإلنســان تعلــم شــي ولكنــه يعلمــه علــى غيــر إرادتــه بــل‬ ‫يعلمه ولو على كره منه‪ ،‬فـإذا وقـع البصـر علـى شـي فقـد علـم مـن وقـع بصـره عليـه‬ ‫وأدرك منه ما شاهده سوا قصد النئر إلى ذلك الشي أم لم يقصـد‪ ،‬ومـن وصـل إلـى‬ ‫أذنه كالم فإنـه قـد علـم بمضـمون ذلـك الكـالم ومعنـاه ولـو كـان الصـوت قـد وصـل إلـى‬

‫أذنه على غير رغبة منه‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪175‬‬

‫وبطبيعة معيشة اإلنسان ضمن جماعة من الناس فإنه البد وأن يقع بصـره علـى كثيـر‬ ‫من أحوالهم الئاهرة وأن يصل إلى سمعة الكثير من أقـوالهم وأصـواتهم التـي يجهـرون‬

‫بها‪.‬‬ ‫فيعلم بالضرورة ما يصل إلى سمعه وما يقع عليه بصره وما تدركه سا ر حواسه‪.‬‬ ‫وما يصل إ لى علم اإلنسان من أخبار تختلف طرقها‪ ،‬فقد يراه ببصره من حال شخصه‬ ‫واحد أو مجموعة من الناس‪ ،‬وقد يسمعه من شخا أو مجموعـة مـن النـاس‪ ،‬وأقـوي‬

‫ال بعد جيال بغير اخـتالف وال تبـديل‪،‬‬ ‫وأصدق طرق نقل األخبار ما نقله كافة الناس جي ً‬

‫ومع التسليم من الجميع بصـحة الخبـر وصـدقه‪ ،‬إذ مـن الممتنـع فـي طبيعـة البشـر أن‬ ‫تتفـــق الجمـــوع المختلفـــة المشـــارب واألهـــوا والطبـــا ع والمصـــالح علـــى ابتـــداع قصـــة‬

‫ال بعـد جيـل دون أن يئهـر الكـذب‬ ‫مكذوبة أو خبر غير صحيح وتتناقله فيما بينهـا جـي ً‬ ‫أو تختلف في شأنه الروايات أو ينقسم الناس حياله مـا بـين مصـدق ومكـذب‪ ،‬ومسـلِّم‬

‫ومســتريب‪ ،‬ومــن ثــم فــإن الخبــر المنقــول نقــل الكافــة دون اخــتالف مــع اإلجمــاع علــى‬ ‫حقيقته‪ ،‬يوجب ضرورة العلم‪ ،‬ويقين صدق الخبر‪.‬‬ ‫ومـن المعلومـات مــا البـد أن يعلمـه الشــخا لينصـف بصـفة معينــة فـإذا جهلـه انتفــت‬ ‫عنه تلك الصفة‪.‬‬ ‫فإذا ما تقرر هذا قلنا إن المعلوم من الدين بالضرورة ينقسم إلى قسمين‪:‬‬ ‫محمدا رسول اهلل‪ ،‬فهذه البد أن يعلمهـا اإلنسـان‬ ‫أولهما‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل وأن‬ ‫ً‬ ‫حتــى تلحقــه صــفة اإلســالم‪ ،‬ويقــع عليــه اســم المســلم أو المــؤمن‪ ،‬فمــن لــم يعلــم هــذه‬ ‫مقر بها فهو ليس في أحكام هـذه الـدنيا فـي عـداد المسـلمين‪ ،‬وسـبق‬ ‫الشهادة وينطق ًا‬ ‫أن قدمنا البرهان على ذلك‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬أحكام بش ار ع كرر الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬األمر والعمل بها علـى‬ ‫مأل من الناس واستفاو العلم بها بين المسلمين‪ ،‬ونقل إلينا خبر وجوبها وفرضها أو‬ ‫النهي عنها نقـل الكـواف عـن الكـواف مـع اإلجمـاع علـى أنهـا فـرو أو نهـي دون أ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪176‬‬

‫خالف بين المسلمين في ذلك‪ ،‬أ أنها نقلت إلينا عن طريق موجب ضرورة التصديق‬

‫مستفيضـا‬ ‫خارجا عن مجال االجتهاد واحتمال الخطأ وهـي لـم يـزل خبرهـا‬ ‫وبات حكمها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جهـار بـين النـاس‪ ،‬فـال يعـيا إنسـان فتـرة‬ ‫ًا‬ ‫مسـلما بصـحته ومعمـوالً بـه‬ ‫بين المسلمين‬ ‫ً‬

‫بين جماعة من المسلمين إال ويشاهد من أحوالهم ويسمع من أقوالهم التي يجاهر بها‬ ‫ما يوجب ضرورة علمه بتلك الف ار و والنواهي‪ ،‬فال يقبل منه بعـد االدعـا بجهلهـا أو‬

‫المجادلة في صحته‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬وجوب الصلوات المفروضـة وأنهـا خمـس صـلوات فـي‬ ‫اليوم والليلة وعـدد ركعـات كـل منهـا بالنسـبة للمقـيم وهيأتهـا العامـة مـن حيـث ضـرورة‬

‫استقبال الكعبة ثم قيام وركوع وسجود‪ ،‬ووجوب صيام شـهر رمضـان ولـزوم الحـج إلـى‬ ‫البيــت الحــرام وأن ثمـــة زكــاة مفروضــة فـــي أمــوال األغنيــا وحرمـــة دمــا المســـلمين‬

‫وأموالهم وأعراضهم وكما قدمنا فإن أساس افتراو العلم بهذه الش ار ع كثرة العمـل بهـا‬

‫جهار بحيث ال يخفى أمرها على أحد وبحيث البد وأن يقع بصر المقيم بـين المسـلمين‬ ‫ًا‬ ‫ســلِّم بوجوبهــا وأنهــا‬ ‫ويصــل إلــى ســمعه مــا يوجــب علمــه ضــرورة بهــا‪ ،‬وأن الجميــع ُم َ‬ ‫فريضـــة مـــن فـــ ار و اإلســـالم شـــرعها اهلل تعـــالى‪ ،‬ال يختلـــف أحـــد فـــي ذلـــك‪ ،‬وقاعـــدة‬

‫"المعلوم من الدين بالضرورة" لم يرد بها نا من كتاب اهلل تعالى أو سـنة الرسـول ‪-‬‬ ‫عليــه الصـــالة والســالم ‪ ،-‬وانمـــا هـــي نتيجــة اســـتقرا حـــال النــاس ومالحئـــة الواقـــع‬

‫أحدا ال يستطيع أن يقطع على‬ ‫المشاهد‪ ،‬واذ ال يعلم الغيب إال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬فإن ً‬ ‫الغيب باستحالة أن يكون قد شذ عن تلـك القاعـدة شـاذ‪ ،‬فلـم يصـله العلـم رغـم تواجـده‬ ‫فــي الئـــروف المفتـــرو فيهـــا أن يكـــون قـــد وصـــله العلـــم‪ ،‬ولـــذا فـــإن جمهـــور فقهـــا‬

‫المسلمين على أنه إذا ما قام ما يستراب معه أن يكون الشخا قد وصـله العلـم فعـالً‬

‫فلــم نســتطع أن نتــيقن مــن ذلــك ونقطــع بــه‪ ،‬فإنــه يتعــين عــدم مؤاخــذة ذلــك الشــخا‬

‫ـذورا بجهلــه فــال ينتفــي عنــه اســم اإليمــان بجهلــه تلــك الش ـرا ع أو‬ ‫واعتبــاره جــاه ً‬ ‫ال معـ ً‬ ‫بعضها أو إلنكـاره إياهـا‪ ،‬وانمـا يبلـا الحـق ويعلّـم مـا جهـل ومتـى قامـت عليـه الحجـة‪،‬‬ ‫ومن ئهر له نقل الكافة واإلجماع‪ ،‬لم يقبل منه جدل وال إنكـار‪ ،‬وسـبق أن قـدمنا مـثالً‬

‫ال‪ ،‬تلــك الخاصــة باألعجميـة التــي كانــت جاريــة لعبــد الــرحمن بــن‬ ‫عـن واقعــة حــدثت فعـ ً‬

‫حاطب والتي لما استراب عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنـه ‪ -‬فـي أنهـا تجهـل حرمـة‬ ‫الزنا‪ ،‬إذ رآها تستهل بما قارفته وال تنكره كأنها ال تعلم حرمته‪ ،‬فإنه لم ير وجوب الحـد‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪177‬‬

‫عليها ورأي أن تعذر بجهلها ووافقه عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل تعالى عنه ‪ -‬على‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫ـك ُهـ ُـم‬ ‫وقــد تــوهم الــبعو أن قــول اهلل عــز وجــل‪َ ﴿ :‬و َمــن لَّـ ْـم َي ْح ُكـ ْـم ِب َمــا أَ ْنـ َـز َل اهللُ فَأُوَل ِـ َ‬ ‫ا ْل َك ِ‬ ‫ون﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪ )44‬مقصود بـه الحـاكم بمعنـى ولـي األمـر أو القاضـي‬ ‫اف ُر َ‬

‫وهذا غير صحيح‪ ،‬وانمـا اريـة عامـة فـي كـل مـن حكـم فـي ديـن اهلل تعـالى سـوا كـان‬

‫مفتيـا أم غيــر ذلـك مـن عامــة النـاس إذ تخصــيا الـنا بغيــر‬ ‫ولـي أمـر أم قاضـ ًـيا أم ً‬ ‫برهان مما ال يجوز شر ًعا‪.‬‬ ‫ذلــك أن معنــى الحكــم‪ :‬إنفــاذ األمــر فــي قضــية مــا وهــو فــي الــدين تحــريم أو إيجــاب أو‬

‫واباحــة مطلقــة أو بكراهــة أو باختيــار [اإلحكــام فــي أصــول األحكــام البــن حــزم‪ :‬جـــ‪6‬‬ ‫ا‪.]49‬‬ ‫فالحكم إذن هو وبإنفاذ األمر أو وضع صفة شرعية للشي أو الفعل‪.‬‬

‫وحكـ َـم العــرس‪ .‬وأحكمــه‪ :‬وضــع‬ ‫قــال صــاحب أســاس البالغــة‪ :‬أحكــم الشــي اســتحكم‪َ ،‬‬ ‫حكما‪ ،‬وحكمـه فـي مالـه فـاحتكم وتحكـم‪ ،‬وفـي الحـديث‪:‬‬ ‫عليه الحكمة‪ ،‬وحكموه‪ :‬جعلوه ً‬

‫َّ‬ ‫للمحكمــين" وهــم الــذين حكمــوا فــي القتــل واإلســالم فاختــاروا الثبــات علــى‬ ‫"إن الجنــة‬ ‫اإلســـالم‪ ،‬وحاكمتــــه إلـــى القاضــــي أ رافعتـــه‪ :‬وهــــو يتـــولى الحكومــــات‪ :‬يفصـــل فــــي‬

‫الخصومات‪.‬‬ ‫حكمــا‪،‬‬ ‫وقـال صـاحب مختـار الصـحا ‪ :‬الحكـم‪ :‬القضــا ‪ ،‬وقـد حكـم بيـنهم بحكـم بالضـم ً‬

‫حكيما‪ ،‬وحكمـه‬ ‫أيضا‪ :‬المتقن لألمور‪ ،‬وقد َح ُك َم أ صار‬ ‫وحكم له وحكم عليه‪ ،‬والحكم ً‬ ‫ً‬ ‫تحكيما‪ ،‬إذ جعل إليه الحكم فيه فاحتكم عليه في ذلك‪.‬‬ ‫في ماله‬ ‫ً‬ ‫حكمـا وحكومـة‪ :‬بـاألمر وللرجـل أو عليـه وبيـنهم‪،‬‬ ‫وقال صاحب القاموس المنجد‪ :‬حكـم ً‬ ‫قضــى وفصــل وحكمــه فــي األمــر‪ :‬فــوو إليــه الحكــم فيــه‪ ،‬تحكــم فــي األمــر‪ :‬حكــم فيــه‬

‫وجها للحكم فيه‪ ،‬احتكم فـي الشـي ‪ :‬تصـرف فيـه‬ ‫وفصل برأ نفسه من غير أن يبرز ً‬ ‫وفق مشي ته‪ ،‬الحكم‪ :‬القضا ‪ ،‬الحكم‪ :‬منفذ الحكم‪ ،‬الحاكم‪ :‬الفاصل‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪178‬‬

‫حاكما فيما اعتقـد‬ ‫واذ ذلك هو معنى الحكم فإن كل معتقد في دين اهلل يكون‪ ،‬باعتقاده‬ ‫ً‬ ‫حاكمـا بعملـه‬ ‫حاكما بقوله فيما قال به‪ ،‬ويكـون كـل عامـل‬ ‫ويكون كل قا ل في دين اهلل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الذ فعله ويستو في ذلك ولي األمر والقاضي والمفتي وأ شخا آخر‪.‬‬

‫ولقد سـبق أن قـدمنا البرهـان مـن كتـاب اهلل وسـنة رسـوله ‪ -‬عليـه الصـالة والسـالم ‪-‬‬

‫كـافر إال مـا اسـتثنى‬ ‫على أن العامل من المسلمين على خالف أمر اهلل تعالى ال يكون ًا‬ ‫بنا خاا يقضي بأن فاعله ينتفي عنـه اسـم اإليمـان رغـم نطقـه بالشـهادتين‪ ،‬ومـن‬

‫جاهدا‪.‬‬ ‫ثم خر الحاكم بعمله من عموم نا ارية الكريمة غال أن يكون‬ ‫ً‬

‫ولقد اخت لف موقف الفقها بالنسبة لولي األمر أو القاضي حين يحكم أ يأمر بتنفيذ‬ ‫أمر على خالف حكم اهلل تعالى‪ ،‬وهـذا االخـتالف سـبق أن أشـرنا إليـه فيمـا نقلنـاه عـن‬

‫شار العقيدة الطحاوية [انئر ا‪ 49‬من هذا البحث] وسبق ذكر خالف لفئي قاصـر‬ ‫علــى التســمية إذ إجمــاع أهــل الســنة علــى أن الح ـاكم بمعنــى المنفــذ لألمــر أو وارمــر‬

‫جاحـدا‪ ،‬ونزيـد‬ ‫بتنفيذ أمر على خالف حكم اهلل ال ينتفي عنه اسم اإليمان إال أن يكون‬ ‫ً‬ ‫هذه المسالة بعو اإليضا فنقول بعونه تعالى‪" :‬إن المتكلمين من الفقها في معنى‬ ‫اإليمان انقسم قولهم على أربعة أوجه‪:‬‬ ‫األول‪ :‬القول بأن اإليمان هو مجرد التصـديق بالقلـب أ المعرفـة والعلـم بالقلـب فقـط‪،‬‬ ‫ولو نطق اللسان على خالف ذلـك‪ ،‬وهـذا القـول خـر مـن قـال بـه مـن اإلسـالم لجحـده‬ ‫النا الصريح على وجوب النطق باللسان‪ ،‬ولكـان مقتضـاه الحكـم بإسـالم فرعـون‪ ،‬إذ‬

‫هــو قــد اســتيقن أن موســى عليــه الســالم رســول مــن عنــد اهلل تعــالى‪َ ﴿ :‬و َج َحـ ُـدوا ِب َهــا‬ ‫ــؤ َال ِ إِالَّ َر ُّب‬ ‫ـت َمــا أَْنـ َـز َل َه ُ‬ ‫ـه ْم﴾ (النمــل‪ :‬مــن اريــة ‪َ ﴿ ،)64‬ل َقـ ْـد َعلِ ْمـ َ‬ ‫َو ْ‬ ‫سـ ُ‬ ‫اســتَْي َق َن ْت َها أَْنفُ ُ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫أيضـا أن اليهـود والنصـاري‬ ‫و﴾ (اإلسرا ‪ :‬من اريـة ‪ ،)612‬ومقتضـاه ً‬ ‫َّ َ َ‬ ‫محمـدا عليـه الصـالة والسـالم رسـول‬ ‫هم من أهل الجنة ألنهم عرفـوا اهلل واسـتيقنوا أن‬ ‫ً‬ ‫ين آتَْي َن ُ ِ‬ ‫ون أ َْب َنـا َ ُه ْم َوِا َّن َف ِري ًقـا ِّمـ ْن ُه ْم‬ ‫اب َي ْع ِرفُوَن ُه َك َما َي ْع ِرفُ َ‬ ‫حق من عند اهلل ﴿الَّ ِذ َ‬ ‫اه ُم ا ْلكتَ َ‬ ‫ون ا ْل َح َّ‬ ‫ون﴾ (البقرة‪ :‬ارية ‪.)641‬‬ ‫ق َو ُه ْم َي ْع َل ُم َ‬ ‫َل َي ْكتُ ُم َ‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪179‬‬

‫ثانيا‪ :‬القول بأن اإليمان هو القول باللسان فقط دون عقد القلب أ التصديق بالقلب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضــا خــر القــا لون بــه عــن اإلســالم لجحــدهم الــنا الصــريح بضــرورة‬ ‫وهــذا القــول ً‬ ‫ُمـروا إِالَّ لِيعب ُـدوا اهلل م ْخلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّين﴾ (البينـة‪ :‬مـن اريـة‬ ‫ـين لَ ُ‬ ‫ـه الـد َ‬ ‫ص َ‬ ‫َُْ‬ ‫التصديق بالقلب‪َ ﴿ :‬و َما أ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫‪ )1‬ولجحــدهم الــنا الصــريح أن المنــافقين‪ ،‬وهــم الــذين قــالوا بألســنتهم باإليمــان ولــم‬ ‫يعقدوا ذلك بقلوبهم‪ ،‬كاذبون‪ ،‬وفي الدرك األسفل من النار‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬القول بأن اإليمـان تصـديق أ عقـد بالقلـب وقـول باللسـان وال يزيـد وال يـنقا‪،‬‬

‫وأمــا األوامــر والن ـواهي فهــي مــن ش ـ ار ع اإليمــان وليســت مــن اإليمــان‪ ،‬ومــا ورد مــن‬ ‫ـان اهلل لِي ِ‬ ‫ض َِ‬ ‫يمـا َن ُك ْم﴾‬ ‫النصوا بتسميتها إيما ًنا كقول اهلل ‪ -‬عـز وجـل ‪َ ﴿ :-‬و َمـا َك َ ُ ُ‬ ‫ـيع إ َ‬ ‫(البقــرة‪ :‬مــن اريــة ‪ )649‬أ صــالتكم إلــى بيــت المقــدس‪ ،‬فهــو علــى ســبيل المجــاز‪،‬‬ ‫وبهذا القول يقول اإلمام أبو حنيفة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬ ‫ابعـا‪ :‬مــا قـال بــه جمهـور فقهــا المسـلمين [كتــاب اإليمـان البــن تيميـة ا‪ 694‬وهــو‬ ‫رً‬ ‫قول سا ر فقها أهل الرأ في جميـع األقطـار مـنهم مالـك ابـن أنـس والليـث بـن سـعد‬ ‫وسفيان الثور واألوزاعي وابن حنبل والطبر وابن حـزم ومـن سـلك سـبيلهم]‪ ،‬مـن أن‬ ‫اإليمان مصطلح شـرعي معنـاه التصـديق بالقلـب والقـول باللسـان والعمـل بـالجوار أ‬

‫االمتثال لأل وامـر والنـواهي‪ ،‬والتصـديق بالقلـب ال يزيـد وال يـنقا وهـو بعـو اإليمـان‪،‬‬ ‫ويزيد اإليمان بالطاعة وينقا بالمعصية‪.‬‬ ‫وتبعا لهذا االختالف في مسمى اإليمان بين أهـل اإلسـالم أ أصـحاب القـولين الثالـث‬ ‫ً‬ ‫والرابع‪ ،‬اختلفوا في تسمية من حكم بغير ما أنزل اهلل بمعنى أنفذ األمـر أو أمـر بإنفـاذ‬ ‫األمر على خالف ما أمر اهلل تعالى به‪ ،‬فالـذين قـالوا بـأن األعمـال ليسـت مـن اإليمـان‬

‫كـافرا‬ ‫وانما هي مـن شـرا ع اإليمـان وانمـا تسـمى علـى سـبيل المجـاز‪ ،‬قـالوا إنـه يسـمى ً‬ ‫ـر دون كفــر أ لــيس بــالكفر المخــر عــن اإليمــان‪ ،‬وبعضــهم‬ ‫عمليــا أو كفـ ًا‬ ‫أيضــا كفـ ًا‬ ‫ـر‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫ارخر قال‪ :‬إنه متى قام الدليل باإلجماع على أنه ليس بخار بعمله هذا عن اإلسالم‪،‬‬

‫ـافرا‪ ،‬وانمــا هــو‬ ‫فـإن ذلــك مفــاده تخصـيا اريــة‪ ،‬وأنهــا ال تشـمله فــال يجــوز تسـميته كـ ً‬ ‫فاسق عاا شأنه شأن كل عامل على خالف األمر‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪181‬‬

‫أمــا الحــاكم علــى خــالف األمــر بمعنــى المعطــي صــفة شــرعية للشــي أو الفعــل علــى‬

‫خالف أمر اهلل فهـو باإلجمـاع مسـتجيز خـالف اهلل ورسـوله جاحـد للـنا المعلـوم لـه‪،‬‬ ‫كافر مشرك‪.‬‬ ‫واذا تبين هذا‪ ،‬وعلمت مـا سـبق أن شـرحناه فـي تعريـف المعلـوم مـن الـدين بالضـرورة‬

‫وعلمــت أن الفــرق واضــح بــين مــا تقتضــيه البديهــة مــن ضــرورة علــم المســلم بوجــوب‬

‫طاعة اهلل‪ ،‬وبين ماال يتأتى له من علم بحكم المخالف ألمر اهلل تعالى إال بوصول أمر‬

‫أحدا مـن الفقهـا‬ ‫اله إليه في هذا الشأن وبلوغ الحكم إليه في ذلك‪ ،‬واذا ما علمت أن ً‬ ‫َّ‬ ‫لم يقل بأن الحكم الشرعي المستنبط مـن اريـة الكريمـة ﴿ َو َمـن ل ْـم َي ْح ُك ْـم ِب َمـا أَْن َـز َل اهللُ‬ ‫فَأُولَ ِ َك ُهم ا ْل َك ِ‬ ‫ون﴾ (الما دة‪ :‬من ارية ‪ ،)44‬باإلضافة إلى غيرهـا مـن اريـات علـى‬ ‫اف ُر َ‬ ‫ُ‬ ‫ما سبق شـرحه هـو مـن المعلـوم مـن الـدين بالضـرورة‪ ،‬واذا مـا كـان واقـع حـال النـاس‬ ‫يشهد أن الغالبية ال تعرف شي ًا عن مضمون ارية واألحكام الشرعية التي تـدل عليهـا‬ ‫أيضا أن األخبار الصحا قـد وردت بـأن‬ ‫باالنضمام إلى غيرها من اريات‪ ،‬واذا علمت ً‬

‫الصحا بي الجليل ابن عباس رضي اهلل عنهمـا الـذ ضـمه رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه‬

‫ال‪" :‬اللهــم علمــه الكتــاب" [البخــار ‪ :‬جـــ‪ 6‬ا‪ ]29‬والتــابعي الجليــل‬ ‫وســلم ودعــا لــه قــا ً‬ ‫طاووس اليماني قا ال‪ :‬إن ارية ليست على ئاهرها واطالقها وان الكافر هـو مـن حكـم‬

‫جاحدا‪ ،‬وأن من أقر بحكم اهلل وحكم أ أقام األمر على خالفه‪ ،‬فهـو‬ ‫بغير ما أنزل اهلل‬ ‫ً‬ ‫ئالم فاسق‪ :‬وبذلك قال السد وعطا وجميع فقها أهل السنة [هو قـول أبـي حنيفـة‬ ‫ومالك والشافعي وابن حنبل وابن حزم وابن القيم وابن تيميـة وجميـع الفـرق اإلسـالمية‬

‫إال الخوار والمعتزلة الذين قالوا بتكفير مرتكب الكبيرة] وأن هذا هـو المـدون فـي كتـب‬

‫الفقــه وتفاســير القــرآن المتداولــة بــين أيــد النــاس‪ ،‬واذا أضــفت إلــى ذلــك أن تبـــين‬

‫لم ْئهــر شــعا ر اإلســالم‪،‬‬ ‫الجحـود ممــا يــدق وتختلــف فيــه أوجــه النئـر خاصــة بالنســبة ُ‬

‫وضح لك عدم صواب القول بأن اريات الكريمة والحكم الذ قـالوا إنـه مضـمونها مـن‬

‫المعلوم من الدين بالضرورة وما بنوه على ذلك من أحكام بتكفير عامة الناس‪.‬‬ ‫والحــق أن مــن لــم يئهــر لــه وجــه الحــق فــي مســألة أو عجــز عــن فهــم حكــم اهلل فــي‬ ‫موضوع أو وكان علمـه دون أن يسـتطيع اسـتنباط األحكـام الشـرعية مـن مجمـوع ار‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪181‬‬

‫واألحاديث فإن واجبه أن يمسك عن القول في ذلك بحكم ال يعلم صوابه من خط ه فقد‬ ‫ـك ِب ِـه ِع ْل ٌـم﴾ (اإلسـرا ‪ :‬مـن اريـة‬ ‫س لَ َ‬ ‫نهاه اهلل عن ذلك‪ ،‬قـال تعـالى‪َ ﴿ :‬والَ تَ ْق ُ‬ ‫ـف َمـا لَ ْـي َ‬ ‫‪ ،)91‬وقــال عــز وجــل‪ُ ﴿ :‬قـ ْـل إَِّنمــا حـ َّـرم رِّبــي ا ْلفَــو ِ‬ ‫ـن َو ِ‬ ‫اإل ثْـ َـم‬ ‫اح َ‬ ‫ا َمــا ئَ َهـ َـر ِم ْن َهــا َو َمــا َبطَـ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫طا ًنا وأَن تَقُولُـوا ع َلـى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َمـا َال‬ ‫َوا ْل َب ْغ َي ِب َغ ْي ِر ا ْل َح ِّ‬ ‫ق َوأَن تُ ْ‬ ‫َ‬ ‫سـ ْل َ َ‬ ‫ش ِرُكوا ِباهلل َمـا َل ْـم ُي َن ِّـز ْل ِبـه ُ‬ ‫ون﴾ (األعراف‪ :‬ارية ‪ ،)99‬وسـبق أن ذكرنـا خبـر عجـز عمـر بـن الخطـاب رضـي‬ ‫تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫اهلل تعالى عنه عن فهـم آيـة الكاللـة رغـم تكـرار سـؤاله للرسـول عليـه الصـالة والسـالم‬

‫وما قد ذلك في إيمانه شي ًا‪.‬‬

‫الفصل التاسع‬ ‫الكفر بالطَّاغوت‬ ‫وت ويـ ْـؤ ِمن ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿الَ إِ ْك َـراهَ ِفـي الــد ِ‬ ‫ـاهلل فَقَـ ِـد‬ ‫َّن ُّ‬ ‫الر ْ‬ ‫ـن ا ْل َغ ِّ‬ ‫ش ُـد ِمـ َ‬ ‫ِّين قَـد تََّبــي َ‬ ‫ـي فَ َم ْـن َي ْكفُـ ْـر ِبالطَّـا ُغ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫انفصام َلها واهلل ِ‬ ‫استَمس َك ِبا ْلعروِة ا ْلوثْ َقى َال ِ‬ ‫ـيم﴾ (البقـرة‪ :‬اريـة ‪ ،)211‬وقـال‬ ‫َ َ َ َ ُ َ‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫سميعٌ َعل ٌ‬ ‫ين َي ْز ُعمـ َ َّ‬ ‫ـك‬ ‫ـك َو َمــا أُْنـ ِـز َل ِمــن قَْبلِـ َ‬ ‫آم ُن ـوا ِب َمــا أُْنـ ِـز َل إَِل ْيـ َ‬ ‫تعــالى‪﴿ :‬أَ​َلـ ْـم تَـ َـر إَِلــى الَّـ ِـذ َ‬ ‫ـون أَن ُهـ ْـم َ‬ ‫ُ‬ ‫وت وقَ ْد أ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ُم ُروا أَن َي ْكفُ​ُروا ِب ِـه﴾ (النسـا ‪ :‬مـن اريـة ‪)11‬‬ ‫ُي ِر ُ‬ ‫يد َ‬ ‫ون أَن َيتَ َحا َك ُموا إِلَى الطا ُغ َ‬ ‫وها وأَ​َنـابوا إَِلـى ِ‬ ‫شـ َـري﴾‬ ‫اهلل َل ُه ُـم ا ْل ُب ْ‬ ‫اجتَ​َن ُبـوا الطَّـا ُغ َ‬ ‫ين ْ‬ ‫وقـال عـز وجـل‪َ ﴿ :‬والَّ ِـذ َ‬ ‫وت أَن َي ْع ُب ُـد َ َ ُ‬

‫(الزمر‪ :‬من ارية ‪ .)61‬وما ماثل ذلك من اريات وقالوا إن اهلل أمر باإليمان به تعـالى‬ ‫والكفر بالطاغوت فال سبيل إلى قسم ثالث فإما إيمان بـاهلل وكفـر بالطـاغوت وذلـك هـو‬

‫اإلسالم واما اتباع للطاغوت وذلك كفر باهلل‪.‬‬ ‫أيضا إن الكفر بالطاغوت مقتضاه الحكم عليه بأنه كافر ومن لم يعتقد ذلك فيـه‬ ‫وقالوا ً‬ ‫بقلبه وينطق معل ًنا ذلك بلسانه فهو لـم يحكـم بمـا أنـزل اهلل فهـو كـافر‪ ،‬ومـن لـم يحكـم‬ ‫بكفر هذا األخير فهو بدوره لم يحكم بما أنزل اهلل فهو كافر وهكذا‪..‬‬

‫ونحن نقول بعون اهلل تعالى‪:‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪182‬‬

‫إن الطـاغوت فــي اللغـة‪ :‬مــن الطغيــان‪ ،‬وهـو كــل مـا زاد علــى الحــد المقـرر لــه‪ ،‬وكانــت‬

‫أيضــا علــى كــل مــن ُع ِبـ َـد مــن دون اهلل‪ ،‬يقــول القرطبــي‬ ‫العــرب تطلــق اســم الطــا ُغوت ً‬ ‫[الجامع ألحكام القرآن للقرطبي‪ :‬جـ‪ 9‬ا‪" :]216‬والطاغوت مؤنثة من طغـا يطغـو‪ ،‬أو‬ ‫طغـا يطغــى‪ ،‬إذا جــاوز الحــد بزيــادة عليــه‪ ،‬وقيـل‪ :‬أصــل طــاغوت فــي اللغــة مــأخوذ مــن‬ ‫الطغيان يؤد معناه من غير اشتقاق‪ ،‬قـال الجـوهر ‪ :‬والطـاغوت‪ :‬الكـاهن‪ ،‬والشـيطان‬

‫وكل رأس في الضالل والجمع طواغيت" انتهى‪.‬‬ ‫وعلــى ذلــك فــإن الطــاغوت قــد يكــون الــوثن أو الصــنم أو الشــخا‪ ،‬وقــد يكــون ذات‬ ‫الشريعة ال از دة عن حد اهلل تعالى‪.‬‬ ‫والنصوا السالف ذكرها صريحة في أمرها أن نكفر بالطاغوت وأن تجتنبه‪.‬‬ ‫ومعنى الكفر بالشي أن نجحده ونسـتره أن ننكـره ونكـذب بـدعواه ونعتقـد بطالنـه وأنـه‬

‫غير حق‪.‬‬

‫ال‪.‬‬ ‫واجتناب الطاغوت معناه أال نتبعه وأال نعتقد أن له طاعة واجبة وأال نطيعه فع ً‬ ‫وفــرق كبيــر بــين أن نكفــر بالطــاغوت فننكــره ونجحــده ونكــذب بــدعواه‪ ،‬وال نتبعــه وال‬ ‫حكما بأنه كافر‪.‬‬ ‫نطيعه‪ ،‬وبين أن نصدر عليه ً‬ ‫فهـــذه قضـــية وتلـــك قضـــية أخـــري متمـــايزة عنهـــا مختلفـــة والواجـــب عـــدم الخلـــط بـــين‬ ‫القضيتين واريات التـي أوردناهـا ومـا جـا فـي معناهـا مـن نصـوا أخـري‪ ،‬إنمـا فيهـا‬

‫اما با لكفر بالطاغوت فيكفينا أن نعرف أنه أمر خار عن حد اهلل تعالى فننكـر عليـه‬ ‫إلز ً‬ ‫ذلك الخرو ونجحده ونكذب بدعواه الخارجة عن حد اهلل تعـالى‪ ،‬وأال نعتقـد أنـه واجـب‬ ‫الطاعة‪ ،‬وال نطيعه فعالً‪.‬‬ ‫ـنما فإننــا ننكــر أن يكــون ذلــك الــوثن أو الصــنم حقيــق‬ ‫فــإذا كــان الطــاغوت وث ًنــا أو صـ ً‬ ‫بالتعائم أو اإلجالل ويتعـين أن نكـون علـى يقـين مـن أنـه ال يضـر وال ينفـع وال يتعـين‬ ‫علينــا اجتنابــه أ اجتنــاب تعئيمــه واجاللــه واقامــة الشــعا ر لــه أو طلــب البركــة منــه‪،‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪183‬‬

‫فمن وفقه اهلل تعالى لـذلك فقـد اسـتوفى األمـر الـوارد بالنصـوا‪ ،‬أمـا الحكـم واالعتقـاد‬

‫بأن الصنم أو الوثن كافر فهـذا مـا ال ذكـر لـه فـي تلـك النصـوا بـل إن اهلل عـز وجـل‬ ‫أعلمنـا أن ذلـك الصـنم أو الـوثن جمـاد غيــر عاقـل وال مميـز وال مكلـف وال يحكـم عليــه‬

‫بكفر أو إسالم‪.‬‬ ‫وقد يكون الطاغوت شريعة‪ ،‬من قال بها ليس بكافر وال بعاا بل محسن مأجور عن‬

‫مجتهدا ور ًعا لم يصب وجه الحق في إحدي فتاويه وئهر لنا‬ ‫عالما‬ ‫ً‬ ‫اهلل تعالى‪ ،‬فلو أن ً‬ ‫اضحا ال لبس فيه‪ ،‬فـإن فتـواه تكـون شـريعة طاغيـة مـن اتبعهـا بمعنـى االتبـاع‬ ‫خطأه و ً‬ ‫في الشرع الذ سـبق أن أوضـحناه فهـو قـد اتبـع الطـاغوت مـا دام ئهـر لـه بطالنهـا‪،‬‬

‫وذلــك ال يغيــر شــي ًا مــن أن الــذ أفتــى بتلــك الفتــوي مجتهــد محســن مــأجور عنــد اهلل‬ ‫تعالى على اجتهاده وقصده وجه الحق وان أخطأه‪.‬‬ ‫والقول إن اهلل تعالى قد أمرنا باإليمان به‪ ،‬والكفر بالطاغوت حتى خالا‪.‬‬

‫والقول إن اهلل تعالى قد أمرنا بطاعته واتباع رسوله عليه الصالة والسالم حق خـالا‬ ‫واجب اعتقاده والعمل به وتنفيذه‪.‬‬ ‫والقول بأن اهلل أمرنا بعـدم اتبـاع الطـاغوت‪ :‬حـق خـالا سـوا أكـان االتبـاع بـالمعنى‬ ‫الشرعي أ االنقياد المطلق أم بالمعنى اللغو أ مجرد العمل باألمر ولو مع اعتقـاد‬

‫بطالنه‪ ،‬ذلك بأن اهلل تعالى لم يأمرنا قط بالعصيان‪.‬‬ ‫أما القول‪ :‬أن من اتبـع الطـاغوت فهـو كـافر‪ :‬فتلـك جملـة تحتـا إلـى تفسـير وايضـا‬

‫سبق ذكرهما‪ ،‬وقلنا إنـ ه إذا كـان االتبـاع بمعنـى االنقيـاد المطلـق ووجـوب الطاعـة مـن‬

‫ـافر بـال جــدال وأمــا إذا كـان االتبــاع بالعمــل‬ ‫دون اهلل فـإن المتبــع بهــذا المعنـى يكــون كـ ًا‬ ‫دون االعتقـاد بضـرورة االنقيـاد المطلـق أ مـع اإلقـرار بـأن العمـل عصـيان ألمـر اهلل‪،‬‬ ‫وأمر ارمر على خالف ذلك ال يغيره‪ ،‬فإن المتبع أو المطيـع بهـذا المعنـى عـاا لـيس‬ ‫بكافر إال ما ورد فيه النا بأن عامله ينتفي عنه اسم اإليمان بمجرد العمل‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪184‬‬

‫أيضا الفرق بين المعصـية والكفـر‪ ،‬وقـد علـم اهلل تعـالى أن عبـاده يعصـون‬ ‫وقد أسلفنا ً‬ ‫بعــو أوامــره ونواهيــه ويتبعــون فــي ذلــك – بالعمــل دون العقيــدة – الشــيطان والهــوي‪،‬‬

‫وكفر وبين العصيان‬ ‫وفرق سبحانه وتعالى‪ ،‬رحمة بنا‪ ،‬بين العصيان الذ سماه شرًكا ًا‬ ‫ذنبــا يغفـر أو قـد أو قــد ال يغفـر ويجــاز مرتكبـه بالعــذاب‬ ‫الـذ سـماه ســبحانه وتعـالى ً‬

‫ولكن ال يخلد في النار وتلك هي المعصية "المعاصي" التي حكم اهلل تعالى أن مرتكبها‬ ‫ِ‬ ‫وها‬ ‫س َّم ْيتُ ُم َ‬ ‫ال ينتفي عنه اسم اإليمان‪ ،‬وقلنا إن األسما هلل تعالى‪﴿ :‬إِ ْن ه َي إِ َّال أ ْ‬ ‫َس َما ٌ َ‬ ‫ِ‬ ‫طان﴾ (النجم‪ :‬من ارية ‪.)29‬‬ ‫س ْل َ‬ ‫آب ُ‬ ‫أَْنتُ ْم َو َ‬ ‫اؤ ُكم َّما أَْن َز َل اهللُ ِب َها من ُ‬ ‫وقلنا إنه ال يجوز أن نطلق اسم الكفر أو الشرك على من ليست هـذه صـفته فـي ديـن‬

‫اهلل كمـا ال يجــوز أن نطلــق اســم اإليمــان أو اإلســالم علــى مــن ليســت هــذه صــفته فــي‬ ‫شريعة اهلل تعالى‪.‬‬ ‫وأوضحنا أن هذه معان شرعية يلزمنا الوقوف عندها واعتقادها والعمل بها‪ ،‬واال حرفنـا‬ ‫الكالم عن مواضعه‪ ،‬وابتدعنا أسما وصفات ما أنزل اهلل بها من سلطان‪.‬‬ ‫ـافرا مشــرًكا‪،‬‬ ‫وقــال الــبعو‪ :‬إن الطــاغوت مصــطلح شــرعي ال يســمى بــه إال مــن كــان كـ ً‬ ‫نصوصـا تؤيـد ذلـك وتحـدد‬ ‫ومن ثم فإنه يتعين الحكـم بكفـر الطـاغوت‪،‬ن ونحـن ال نعلـم‬ ‫ً‬ ‫أن الطــاغوت ال يســمى بــه إال اإلنســان المشــرك الــداعي إلــى الضــالل‪ ،‬واذا ورد نــا‬

‫بذلك قلنا به وصرنا إليه‪.‬‬ ‫ولو صح ذلـك القـول فإنـه والبـد – حتـى يكـون الواجـب علـى كافـة النـاس الحكـم بكفـر‬

‫الطـاغوت وشـركه – أن يكــون معل ًنـا بـالكفر وأن يكــون متبرًـا مـن ديــن اإلسـالم جملــة‬ ‫وعالنية بحيث ال يجوز االختالف في حقيقة صفته‪ ،‬أما من يئهر اإلسالم ويأتي عل ًنا‬

‫شعا ره ولكن يكون كفره من جهة تحتا إلى علم ببعو أعماله وأقواله على حقيقتهـا‬

‫وعلى حقيقة أمر اهلل تعالى فيها‪ ،‬فهذا في األغلب مما تختلف فيه اررا ‪ ،‬ويخفي أمره‬ ‫على كثير من الناس خاصة عامتهم‪ ،‬فال يتأتى القـول بـأن عامـة النـاس أو المتـأولين‬

‫في شأنه قد خرجوا عن الحكم الواجب وصفه به‪ ،‬وأنهم بذلك آثمون أو كافرون‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪185‬‬

‫وسبق أن أوضحنا عذر الجاهل بجهله والمخط بخط ه‪ ،‬وقلنـا بالبرهـان إن مـن خفـى‬ ‫عليه أمر فواجب عليه أن ال يقول فيه بحكم ال يتحقق من صوابه‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪186‬‬

‫الفصل العاشر‬ ‫التعامل المباشر مع القرآن الكريم‬ ‫"أيحسب أحدكم متك ًا على أريكته قد يئن أن اهلل تعالى لم يحـرم شـي ًا إال مـا فـي هـذا‬ ‫القـرآن أال وأنـي واهلل قـد أمـرت ووعئـت ونهيـت عـن أشـيا إنهـا لمثـل القـرآن"‪ .‬حـديث‬ ‫شريف [عن العرباو بن سارية‪ :‬اإلحكام في أصول األحكـام البـن حـزم‪ :‬جــ‪ 2‬ا‪،26‬‬ ‫‪.]22‬‬ ‫قال البعو إن العربي إنما كان يسمع ارية من آيات القرآن ليعمل بمقتضاها ببساطة‬ ‫ويقوم بتنفيذها على الفور وان علينا أن نفعل مثله‪.‬‬ ‫وقال البعو إن األحكام الشرعية التـي قـال بهـا الفقهـا إمـا قـالوا بهـا لتكـون مناسـبة‬

‫فـــي الئـــروف التـــي أحاطـــت بهـــا وا َّن مـــنهم مـــن خضـــع لتوجيهـــات الساســـة أصـــحاب‬

‫السلطان ممن كانوا في عصرهم وأن الئروف التي تمـر بهـا دعـوة اإلسـالم فـي الوقـت‬

‫جانبا‬ ‫الحاضر لم يسبق أن مرت بها‪ ،‬وأنه لذلك يجب علينا أن نطر ذلك الفقه القديم ً‬

‫أحكامـا تال ـم الئـروف التـي نعـيا‬ ‫وأن نتعامل مباشرة مع القرآن الكـريم ونسـتمد منـه‬ ‫ً‬ ‫فيها والمالبسات التي تمر بها دعوة اإلسالم في عصرنا هذا‪.‬‬ ‫أما عن القول بما كان يفعله العربي‪ ،‬فإننا ال ندر المقصود مـن "البسـاطة" المنسـوبة‬

‫إليه فإن كان المقصود أنه يتعين تنفيذ أوامر اهلل تعـالى ورسـوله دون تـردد أو تهـاون‬

‫ال‪ ،‬فما نئن أن ذلك موضع اختالف‪ ،‬وال يئن في شـي ممـا‬ ‫ما استطعنا إلى ذلك سبي ً‬ ‫سبق أن قلنا به أنه معارو لذلك‪.‬‬

‫أمــا إذا كــان المقصــود "بالبســاطة" العمــل باريــة أو الحــديث إثــر ســماعها دون مقابلــة‬

‫وجمــع بــين مختلــف اريــات واألحاديــث المتعلقــة بالموضــوع‪ :‬فــذلك قــول ال يصــح‪ ،‬بــل‬ ‫الفرو علينـا الرجـوع إلـى آيـات القـرآن الكـريم والصـحيح الثابـت مـن أحاديـث الرسـول‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪187‬‬

‫عليه الصـالة والسـالم وضـم اريـات واألحاديـث بعضـها لـبعو والمقابلـة بينهـا لمعرفـة‬ ‫جميعا وحكم اهلل المقصود‪.‬‬ ‫مراد اهلل منها‬ ‫ً‬ ‫منئومـا علـى نمـط خـاا معجـز‬ ‫متلـوا‬ ‫فهكذا شا اهلل عز وجل أن يجعل بعو الـذكر ً‬ ‫ً‬ ‫متعبـ ًـدا بتالوتــه وذلــك هــو القـرآن الكــريم‪ ،‬وبعضــه ارخــر أحاديــث غيــر منئومــة علــى‬ ‫النمط األول وجعل في كل منهما مراده تعالى وأحكامـه المقصـودة‪ ،‬وجعـل بعضـه مبي ًنـا‬ ‫لبعو ومفصالً لبعو‪﴿ :‬لِتَُب ِّي َن لِ َّلن ِ‬ ‫اس َما ُنِّز َل إَِل ْي ِه ْم﴾ (النحل‪ :‬من ارية ‪.)44‬‬ ‫ولو شا اهلل تعالى لجعل كل األحكـام فـي القـرآن الكـريم فقـط أوفـى األحاديـث الشـريفة‬

‫نصـا عليهـا بعينهـا تجـده فـي آيـة واحـدة أو‬ ‫فقط ولو وشا اهلل لجعل حكـم كـل مسـألة ً‬ ‫في حديث واحد ال يختلف شخصان في فهم المراد منهما‪.‬‬ ‫سـأَ ُل‬ ‫فليس يعجز اهلل تعالى عن شي ‪ ،‬ولكن مشي ته تعالى جرت على غير ذلـك ﴿الَ ُي ْ‬ ‫ون﴾ (األنبيا ‪ :‬ارية ‪.)29‬‬ ‫سأَلُ َ‬ ‫َع َّما َي ْف َع ُل َو ُه ْم ُي ْ‬

‫أحكامـــا متعلقـــة‬ ‫ال ثانيـــة ســـور القـــرآن الكـــريم وهـــي ســـورة البقـــرة تتضـــمن‬ ‫فوجــدنا مـــث ً‬ ‫ً‬ ‫بالطالق‪ ،‬ثم وجدنا في سورة األحزاب وهي فـي الثلـث األخيـر مـن القـرآن الكـريم سـورة‬ ‫صـحاحا ثابـت‬ ‫الطالق وبها الكثير من أحكام الطالق‪ ،‬ووجدنا فضالً عـن ذلـك أحاديـث‬ ‫ً‬ ‫اما علي ًنا‬ ‫إسنادها عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم متعلقة بذات الموضوع‪ ،‬فكان لز ً‬

‫أن نجمع جميع ذلك لنعرف مراد اهلل تعالى منا وحكمه المطلوب اعتقاده وتنفيـذه‪ ،‬ولـو‬

‫أننا عملنا ببعو اريات دون بعضها أو ببعو األحاديث دون بعضها أو بـار دون‬ ‫الحديث أو بالحديث دون ار لكنا آثمين عاصين لعـدم طاعتـه تعـالى وطاعـة رسـوله‬

‫عليه الصالة والسـالم فيمـا تركنـاه ولـم نعمـل بـه ولكنـا متعمـدين تغييـر حكـم اهلل تعـالى‬

‫وتحريــف الكلــم عــن مواضــعه والقــول علــى اهلل تعــالى بالكــذب‪ ،‬إذ الناقــل بعــو الكــالم‬ ‫دون بعو محرف للكلم عن مواضعه‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪188‬‬

‫وقــد علمنــا رســول اهلل عليــه الصــالة والســالم الجمــع بــين اريــات واألحاديــث والمقابلــة‬ ‫بينهمــا ومعرفــة الخــاا منهــا والعــام واســتنباط الحكــم الشــرعي الواجــب العمــل بــه بعــد‬

‫ذلك‪.‬‬ ‫شخصـا وهـو‬ ‫فمثالً‪ :‬فإن في الخبـر الصـحيح الثابـت‪ ،‬أنـه عليـه الصـالة والسـالم نـادي‬ ‫ً‬ ‫ال بــاألمر العــام "إن فــي الصــالة لشــغال" وان الصــالة ال‬ ‫يصــلي فلــم يجبــه المصــلي عم ـ ً‬

‫يصح فيها الكالم واألعمـال التـي تجـوز فـي غيرهـا‪ ،‬فلمـا قضـى المصـلي صـالته سـأله‬

‫عليه الصالة والسالم عما منعه من أن يجيبـه إذ نـاداه‪ ،‬فلمـا أجابـه بأنـه كـان مشـغوالً‬ ‫ين‬ ‫ُّهـا َّالـ ِـذ َ‬ ‫بالصـالة عارضــه الرسـول عليــه الصـالة والســالم بقـول اهلل عــز وجـل‪َ ﴿ :‬يــا أَي َ‬ ‫ِ‬ ‫سـ ِ‬ ‫ـول إِ َذا َد َعــا ُكم لِ َمــا ُي ْح ِيـي ُك ْم﴾ (األنفــال‪ :‬مــن اريــة ‪[ )24‬انئــر‬ ‫اســتَ ِج ُ‬ ‫آم ُنـوا ْ‬ ‫يبوا هلل َولِ َّلر ُ‬ ‫َ‬ ‫رواية الواقعة في اإلحكام فـي أصـول األحكـام‪ :‬جــ‪ 9‬ا‪ ،]96‬واألمثلـة علـى ذلـك كثيـرة‬ ‫من عمل الرسول عليه الصالة والسـالم وعمـل الصـحابة رضـوان اهلل عليهم‪،‬وسـبق أن‬

‫ذكرنا أن عثمان رضي اهلل تعالى عنه أمر بـرجم التـي ولـدت لسـتة أشـهر‪ ،‬فـذكره علـي‬

‫ش ْـه ًار﴾ (األحقـاف‪ :‬مــن‬ ‫صـالُ ُه ثَ َ‬ ‫ـون َ‬ ‫كـرم اهلل وجهـه بقـول اهلل عـز وجـل‪َ ﴿ :‬و َح ْملُـ ُ‬ ‫ال ثُ َ‬ ‫ـه َوِف َ‬ ‫ـن حـوَل ْي ِن َك ِ‬ ‫ارية ‪ ،)61‬مع قولـه تعـالى‪﴿ :‬وا ْلوالِ َـد ُ ِ‬ ‫اد أَن‬ ‫ـام َل ْي ِن لِ َم ْـن أ َ​َر َ‬ ‫ات ُي ْرض ْـع َن أ َْو َال َد ُه َّ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫اع َة﴾ (البقرة‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)299‬وبـالحكم الشـرعي المسـتنبط مـن الجمـع بـين‬ ‫ُي ِت َّم َّ‬ ‫الر َ‬ ‫ض َ‬ ‫اريتـين وهــو وأن مـدة الحمــل قـد تكــون سـتة أشــهر‪ ،‬فعـدل عثمــان عـن األمــر بــالرجم‪،‬‬

‫وليس أمر المقابلة بين ار واألحاديث بالبدعة المستحدثة‪.‬‬ ‫أما القول بضرورة التعامل مع القرآن الكريم مباشرة‪ ،‬فإننـا نقـول بعـون اهلل تعـالى‪ :‬إن‬

‫أحدا أن يتبع ما سوي أمره تعالى ورسوله عليه الصالة والسالم‪ ،‬ولذا فإن‬ ‫اهلل لم يأمر ً‬ ‫الفــرو علــى المســلم أن يرجــع مــا أمكنــه إلــى كتــاب اهلل تعــالى والثابــت الصــحيح مــن‬ ‫أحاديث الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬وأن يتبع الدليل منها المؤد إلى معرفة الحكم‬

‫الشــرعي‪ ،‬فــإن عجــز عــن ذلــك وتلقــى عــن غيــره‪ ،‬فمــن المتعــين عليــه أن يكــون علــى‬ ‫اعتقاد جازم بأنه إنما ينفذ حكم اهلل تعـالى ورسـوله عليـه الصـالة والسـالم ال أنـه ينفـذ‬

‫أمر أحد سواهما‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪189‬‬

‫وليس ثمة من له الحق أن يحجر على أحد أن يتعامـل مباشـرة مـع القـرآن الكـريم وأن‬

‫يجتهــد ويســتنبط مــن آياتــه األحكــام التــي يقــوم البرهــان علــى أنهــا حكــم اهلل الواجــب‬ ‫اتباعه‪ ،‬وهو إذ يفعل ذلك فإنه البد أن يجد في آيات القرآن الكـريم النصـوا القاطعـة‬

‫علـــى وجـــوب اتبـــاع الرســـول وأن كالمـــه عليـــه الصـــالة والســـالم‪ ،‬بـــالقرآن الكـــريم أو‬ ‫باألحاديــث الشــريفة كلــه حــق يتعــين العمــل بــه جميعــه‪ ،‬ومــن اســتقل بــالقرآن الكــريم‬ ‫وأعرو عن األحاديث الشريفة فقد خـالف نصـوا القـرآن الكـريم القاطعـة الصـريحة‪،‬‬

‫وضل بال شك عن معرفة حقيقة حكـم اهلل‪ ،‬علـى أنـه يتعـين علـى مـن يتصـدي للتعامـل‬

‫مع القرآن الكريم واألحاديث الشريفة الستنباط األحكام أن يكون أهالً لذلك‪ :‬وذلـك بـأن‬ ‫يســتوفي مــا شــرطه اهلل تعــالى علــى مــن يتصــدي لمثــل هــذا األمــر "ففــرو عليــه أن‬ ‫يتقصى‪ ،‬حسب طاقته‪ ،‬أحكام القرآن الكريم وأحاديث النبي عليه الصالة والسالم ورتب‬

‫النقل‪ ،‬وص فات النقلة ومعرفة السند الصـحيح ممـا عـداه مـن مرسـل وضـعيف‪ ،‬وفـرو‬

‫أيضــا أن يــتعلم كيفيــة إقامــة البـراهين التــي يميــز بهــا الحــق مــن الباطــل‪ ،‬وكيــف‬ ‫عليــه ً‬ ‫يعمل فيما ئاهره التعارو" "قال تعالى‪َ ﴿ :‬ف َل ْوالَ َنفَ َر ِمن ُك ِّل ِف ْرقَـة ِّمـ ْن ُه ْم طَا ِ فَـ ٌة لِ َيتَفَقَّ ُهـوا‬ ‫ِفــي الــدِّي ِن﴾ (التوبــة‪ :‬مــن اريــة ‪[ )622‬والتفقــه هــو تعلــم أحكــام القـرآن وأحكــام أوامــر‬ ‫النبـي صــلى اهلل عليــه وســلم ألن هـذين أصــل الــدين] والتفقــه هـو وتعلــم أحكــام القـرآن‬

‫وأحكام أوامر النبي صلى اهلل عليه وسلم هذين أصل الدين‪.‬‬ ‫وقـال تعـالى‪﴿ :‬إِن جـا ُكم فَ ِ‬ ‫ـق ِب َن َبـأ فَتَ​َب َّي ُنـوا﴾ (الحجـرات‪ :‬مــن اريـة ‪ ،)1‬فوجـب بــذلك‬ ‫اسـ ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫معرفة عدول النقلة من فساقهم‪.‬‬ ‫وقــال تعــالى‪ُ ﴿ :‬قـ ْـل َهــاتُوا برَهــا َن ُكم إِن ُك ْنــتُم صـ ِ‬ ‫ين﴾ (النمــل‪ :‬مــن اريــة ‪ ،)14‬فوجــب‬ ‫ـاد ِق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫بذلك معرفة كيفية إقامة البرهـان وبنـا الحـديث بعضـه علـى بعـو ومـع القـرآن وبنـا‬ ‫ار بعضها مع بعو‪.‬‬

‫ـخ ِمـ ْـن آيــة أَو ُن ْن ِســها َنـأ ِ‬ ‫ْت ِب َخ ْيــر ِّم ْن َهــا أ َْو ِم ْثلِ َهــا﴾ (البقــرة‪ :‬مــن‬ ‫سـ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫وقــال تعـالى‪َ ﴿ :‬مــا َن ْن َ‬ ‫ارية ‪ ،)611‬فوجب معرفة الناسخ من المنسوخ‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪191‬‬

‫وفــرو علــى مــن قصــد التفقــه فــي الــدين ونصــب نفســه للنــذارة أن يســتعين علــى ذلــك‬

‫بسا ر العلـوم بمـا تقتضـيه حاجتـه فـي فهـم كـالم اهلل تعـالى‪ ،‬وكـالم نبيـه عليـه الصـالة‬ ‫والسالم‪.‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫سِ‬ ‫ان قَ ْو ِم ِه لِ ُي َب ِّي َن لَ ُه ْم﴾ (إبراهيم‪ :‬من ارية ‪)4‬‬ ‫سول إِال ِبل َ‬ ‫س ْل َنا من َّر ُ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َما أ َْر َ‬ ‫ِ‬ ‫ـي ُّم ِبـين﴾ (الشـعرا ‪ :‬اريــات ‪،694‬‬ ‫سـان َع َرِبـ ٍّ‬ ‫ـن ا ْل ُم ْن ِـذ ِر َ‬ ‫ـون ِمـ َ‬ ‫وقـال تعـالى‪﴿ :‬لِتَ ُك َ‬ ‫ين * ِبل َ‬ ‫عالمــا بــالنحو الــذ هــو ترتيــب العــرب لكالمهــم‬ ‫‪ ،)691‬ففــرو علــى الفقيــه أن يكــون ً‬ ‫الذ نزل به القرآن وبه يفهم معاني الكـالم التـي يعبـر عنهـا بـاختالف الكلمـات وبنـا‬ ‫األلفائ‪ ،‬فمن جهل اللغة‪ ،‬وهي األلفائ الواقعة على المسميات‪ ،‬ومن جهل النحو الذ‬

‫هو علم اختالف الحركات الواقعة الختالف المعاني‪ ،‬فلم يعرف اللسان الذ خاطبنا به‬

‫اهلل تعالى ونبيه عليه الصالة والسالم‪ ،‬ومن لم يعرف ذلك‪ ،‬لم يحل له الفتيـا فيـه ألنـه‬ ‫ـك ِبـ ِـه‬ ‫س َلـ َ‬ ‫يفتــي بمــا ال يــدر ‪ ،‬وقــد نهــاه اهلل تعــالى عــن ذلــك بقولــه‪َ ﴿ :‬و َال تَ ْقـ ُ‬ ‫ـف َمــا َلـ ْـي َ‬ ‫ـاد ُل ِفـي ِ‬ ‫ـاس مـن يج ِ‬ ‫ِع ْلم﴾ (اإلسرا ‪ :‬مـن اريـة ‪ ،)91‬وقـال تعـالى‪َ ﴿ :‬و ِمـ َن َّ‬ ‫اهلل ِب َغ ْي ِـر‬ ‫الن ِ َ ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِع ْلم﴾ (الحج‪ :‬من ارية ‪.)9‬‬ ‫عالمـا بسـيرة النبـي عليـه الصـالة والسـالم لـيعلم‬ ‫كما أنـه فـرو علـى الفقيـه أن يكـون ً‬ ‫آخر أوامره وأولها‪ ،‬وحربـه عليـه السـالم لمـن حـارب وسـلمه لمـن سـالم‪ ،‬وليعـرف علـى‬ ‫ماذا حارب ولماذا وضع الحربن وحرم الدم بعد تحليله‪ ،‬وأحكامه عليه الصـالة والسـالم‬

‫التي حكم بها"‪.‬‬ ‫أبدا إال أحد ثالثة أناس‪ :‬إما عالم فيفتـي بمـا بلغـه مـن النصـوا بعـد‬ ‫"فال يوجد مفت ً‬ ‫البحث والتقصي كما يلزمه‪ ،‬فهذا مأجور أخطأ أو أصـاب‪ ،‬وواجـب عليـه أن يفتـي بمـا‬ ‫علـم‪ ،‬وامـا فاسـق يفتـي بمـا لـه وهـو يـدر أنـه يفتـي بغيـر واجـب‪ ،‬وامـا جاهـل ضـعيف‬

‫العقـل يفتــي بغيــر يقــين علــم وهــو يئــن أنــه مصــيب‪ ،‬ولــم يبحــث حــق البحــث‪،‬ولو كــان‬

‫ال لعرف أنه جاهل فلم يتعرو لما ال يحسن؟" [اإلحكام‪ :‬جـ‪ 1‬ا‪ ]624‬انتهى‪.‬‬ ‫عاق ً‬ ‫ويقول اإلمام الشهرستاني‪" :‬إن شـ ار ط االجتهـاد خمسـة‪ :‬قـدر صـالح مـن اللغـة بحيـث‬

‫يمكنه فهم لغات ا لعـرب والتمييـز بـين األلفـائ الوضـعية والمسـتعارة‪ ،‬والـنا والئـاهر‪،‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪191‬‬

‫والعام‪ ،‬والخاا والمطلق والمقيد والمجمل والمفصل‪ ،‬وفحوي الخطاب ومفهوم الكـالم‪،‬‬ ‫ومــا يــدل علــى مفهومــه بالمطابقــة ومــا يــدل بالتضــمن‪ ،‬ومــا يــدل باالســتتباع فــإن هــذه‬

‫المعرفة كارلة التي يحصل بها الشي ‪.‬‬ ‫ومن لم يحكم ارلة واألداة لم يصل تمام الصنعة‪.‬‬ ‫خصوصـا مـا يتعلـق باألحكـام ومـا ورد مـن األخبـار فـي معـاني‬ ‫ثم معرفـة تسـير القـرآن‬ ‫ً‬ ‫اريات‪ ،‬وما ر ي من الصـحابة المعتبـرين كيـف سـلكوا مناهجهـا وأ معنـى فهمـوا مـن‬ ‫مدارجها‪.‬‬ ‫ثـم معرفـة األخبــار بمتونهـا وأسـانيدها واإلحاطــة بـأقوال النقلـة والــرواة عـدولها وثقاتهــا‬ ‫ومطعونهــا ومردودهــا‪ ،‬واإلحاطــة بالوقــا ع الخاصــة بهــا‪ ،‬ومــا هــو عــام ورد فــي حادثــة‬

‫عم في الكل حكمه‪.‬‬ ‫خاصة‪ ،‬وما هو خاا ّ‬ ‫ثم الفرق بين الواجب والمندوب واإلباحة والحئر‪ ،‬والكراهة حتى ال يشذ عـن وجـه مـن‬ ‫هذه الوجوه وال يختلط عليه باب بباب‪.‬‬ ‫ثـــم معرفـــة مواقـــع إجمـــاع الصـــحابة والتـــابعين مـــن الســـلف الصـــالحين حتـــى ال يقعـــع‬ ‫اجتهــاده فــي مخالفــة اإلجمــاع" [الملــل والنحــل للشهرســتاني علــى هــاما الفصــل فــي‬

‫الملل والنحل‪ :‬جـ‪ 2‬ا‪ ]612-611‬انتهى‪.‬‬

‫ولـيس المقصـود ممـا قلنـاه اإلحاطـة بجميــع الشـ ار ع واألحكـام‪ ،‬فمـا مـن فقيـه إال وعلــم‬

‫شي ًا وجهل أشيا ‪ ،‬وكل من علم مسألة واحدة من دينه عليا لرتبة التي ذكرنا من قبل‬ ‫جاز له أن يفتي بها‪ ،‬وليس جهله بما جهل مـن غيرهـا بمـانع مـن أن يفتـي بمـا علـم‪،‬‬ ‫مبيحا له أن يفتي بما جهل‪.‬‬ ‫كما أن علمه بما علم ليس ً‬ ‫ومــن تـوافرت لــه تلــك الخصــا ا التــي تجعلــه أهـالً للنئــر واالجتهــاد واســتنباط األدلــة‬

‫واإلفتــا أ التوقيــع عــن رب العــالمين‪ ،‬ثــم حــرم نفســه مــن محصــول وفيــر مــن آرا‬

‫الســلف الصــالح ذو القـ ار ح النيــرة والــذكا الوقــاد‪ ،‬أهــل التقــى والــورع المشــهود لهــم‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪192‬‬

‫بالصبر والثبات على دين اهلل‪ ،‬ذو الهمم العالية والعزا م القوية الذين مكنوا لدين اهلل‬

‫وباعوا أنفسهم في سبيل نصر دعوة الحق فقـد حـرم نفسـه مـن خيـر كثيـر وبـدأ خطتـه‬ ‫بخطأ خطير‪.‬‬ ‫أما نحن‪ :‬فإننا ننئر بعون اهلل فيما قاله أهـل اللغـة مـن النحـويين واللغـويين ومـا قالـه‬ ‫خبرا المحدثين المشهود لهم بالعدالة والعلم والتثبت‪ ،‬وما قاله أ مة فقهـا المسـلمين‬

‫في تفسير اريات واألحاديث‪ ،‬وما قالوا به مـن أحكـام‪ ،‬اسـتنبطوها مـن مختلـف اريـات‬ ‫واألحاديث ال نحجب أنفسنا عن شي مـن ذلـك بـل ننئـر فيـه كلـه ونتدارسـه ونـرد كـل‬

‫قــول علــى كتــاب اهلل والثابــت الصــحيح مــن أحاديــث رســول اهلل‪ ،‬فمــا قــام البرهــان مــن‬ ‫كتاب اهلل وسنة رسـول اهلل عليـه السـالم علـى صـحته كـان هـو الحقـن أمـا غيـره فلمـن‬

‫اجتهد وقال به أجر عنداهلل على اجتهاده‪ ،‬ولكنه بشر يخط ويصيب‪ ،‬ونحن لـم نـؤمر‬ ‫باتباع غير المعصوم عليه الصالة والسالم الناطق بالوحي من رب العالمين‪.‬‬ ‫وذلــك هــو الطريــق الــذ ســلكناه فــي كــل مــا قــدمناه‪ :‬علمنــا بعجزنــا وأنــا دون التصــدر‬ ‫لمطلق الفتيا واالجتهاد‪ ،‬فألقينا ثقلنا على الثقاة‪ ،‬فقلنـا مـا قـرروه ولـم نضـف إليـه مـن‬

‫عندنا إال اليسير مما يسر اهلل تعـالى لنـا فهمـه مـن كتابـه وسـنة رسـوله عليـه الصـالة‬

‫والسالم‪.‬‬

‫واهلل نسأل‪ :‬أن يفعو عما أخطانا‪ ،‬وأن يبارك فيمـا أصـبنا وأن ييسـر الحـق لمـن قصـده‬ ‫جميعـا فـي مشـارق األرو ومغاربهـا إلـى الحفـائ علـى عقـد قلبـي‬ ‫وأن يهدينا واخوتنـا‬ ‫ً‬ ‫طاهر سليم والـى فهـم وبصـيرة بمـراده تعـالى منـا‪ ،‬والـى عمـل صـالح متقـبلن وأن يؤكـد‬ ‫رباطنــا بحبلــه المتــين‪ ،‬وأن يــؤمن تمســكنا بعروتــه الــوثقى وأن يحيينــا بمعرفتــه علــى‬ ‫ص ـراطه المســتقيم‪ ،‬وأن يميتنــا علــى دينــه الحــق القــويم‪ ،‬وأن يتقبلنــا مــن أهــل جنتــه‪،‬‬

‫وينجينا برحمته وفضله من عذاب جهنم‪ ،‬ومن غضبه وسخطه في الدنيا وارخرة‪.‬‬ ‫اللهم أعل كلمة الحق‪ ،‬وانصر المتمسـكين بهـا‪ ،‬العـاملين مـن أجلهـا‪ ،‬ابتغـا مرضـاتك‬ ‫إنك نعم المولى ونعم النصير‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪193‬‬

‫وصل اللهم على سـيدنا محمـد وسـلم‪ ،‬وعلـى آلـه وصـحبه وعلـى سـا ر رسـلك وأنبيا ـك‬ ‫ّ‬ ‫أجمعين‪.‬‬

‫تم بحمد اهلل تعالى يوم األحد الموافق‬ ‫‪1‬من ذ الحجة ‪6911‬هـ‬ ‫‪29‬من فبراير سنة ‪6919‬م‬ ‫تساؤالت حول موضوع البحث‬ ‫"نحن دعاة ال قضاة" واجابات فضيلة المرشد العام‬ ‫األستاذ حسن الهضيبي ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫السؤال األول‪:‬‬ ‫إن الرجل كان حين ينطق بالشهادتين يجد الكيان الذ يعلن دخوله فيه‪ ،‬وبهـذا يكـون‬

‫عمليا من كيان يشرك باهلل إلى كيان يسلم هلل يعطيه كل وال ه‪ ..‬وبهـذا يكـون‬ ‫قد انتقل‬ ‫ً‬ ‫اضحا لديه تكاليف النطق بالشهادتين فهمهما أم لم يفهمهما – أما ارن فليس هناك‬ ‫و ً‬ ‫كيــان إســالمي يــدخل فيــه المــر الــذ ينطــق بالشــهادتين ويعطيــه وحــده وال ه‪ ،‬ورتــب‬

‫الـ بعو علــى ذلــك أن وال ه دخــول الفــرد فــي الكيــان شــرط للحكــم بإســالمه‪ ،‬وال يكفــي‬ ‫مجرد النطق بالشـهادتين وعنـد السـؤال عـن الـدليل علـى جعـل الكيـان شـرط فـي الحكـم‬

‫ال بـايع رسـول اهلل صـلى‬ ‫بإسالم الفرد‪ ،‬قيـل إن الواقـع نفسـه يكفينـا كـدليل فلـم نجـد رجـ ً‬

‫اهلل عليــه وســلم وانصــرف إلــى مجتمعــه ليعــيا فيــه كمــا يعيشــون‪ ،‬بــل يــدخل مجتمــع‬ ‫بعيـدا عـن‬ ‫المسلمين ويعلن له وال ه العام حتى لو اضطرته ئـروف الحركـة أن يعـيا ً‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪194‬‬

‫المجتمع بأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه الصالة والسالم واستشهد آخر بحديث حذيفة‬

‫بن اليمان رضـي اهلل عنـه حـين يقـول لـه رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم مـا معنـاه‪:‬‬

‫"عليك أن تلزم جماعة المسلمين وامامهم‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم يكـن لهـم جمعـة وال إمـام؟ قـال‬ ‫فـاعتزل تلــك الفــرق كلهـا ولــو أن تعضــد بأصـل شــجرة حتــى يـدركك المــوت وأنــت علــى‬

‫ذلك‪.‬‬

‫اإلجابة‪:‬‬ ‫نقــول بعــون اهلل‪ :‬إن عبــارة "الكيــان اإلســالمي" عبــارة تحتــا إلــى تحديــد وضــبط علــى‬ ‫أسس شرعية حتى ال يقع االختالف الجـوهر فـي مـدلولها‪ ،‬علـى أنـه علـى أيـة صـورة‬ ‫يمكن تأويل تلك العبارة إليهـا‪ ،‬فـإن الـذ ال شـك فيـه أنـه لـم يـدخل "الكيـان اإلسـالمي"‬

‫أحد على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أو فيما تال ذلك من العهود إلى عهـدنا‬

‫هذا إال مسلم حكم الرسول صلى اهلل عليه وسلم بإسالمه – فإسـالم المـر شـرط يجـب‬

‫أن يتحقق فيه أو ًال وصفة يجب أن تثبت له قبل دخوله "الكيان اإلسـالمي" أ أن ذلـك‬ ‫األمــر وتلــك الصــفة مــن المتعــين الــالزم ثبوتهمــا فــي حــق المــر ســابقين علــى دخولــه‬

‫"الكيــان اإلســالمي" وانتما ــه ألمــة المســلمين – وعمــل الرســول عليــه الصــالة والســالم‬

‫وقوله ا لمنقوالن إلينا نقل الكافة عن الكافة الذ هـو أشـد وأقـوي أنـواع التـواتر وأقـوي‬ ‫درجــات اإلجمــاع والــذ اتفــق عليــه المســلمون فقهــاؤهم وعــامتهم منــذ ألــف وأربعما ــة‬

‫مقر بهمـا وبمـا جـا‬ ‫سنة بدون أدنى شذوذ أن المر يحكم بإسالمه بنطقه الشهادتين ًا‬ ‫بــه الرســول صــلى اهلل عليــه وســلم جملـة وعلــى الغيــب‪ ،‬والمــر محكــوم بإســالمه حــين‬ ‫نطقه بالشهادتين وفور نطقه بهما دون أدنى تـأخثر ولـو طرفـة عـين‪ ،‬ودون أ شـرط‬

‫آخر يعلق عليه الحكم بإسالمه – فإذا نطق المر بالشهادتين وحكم باإلسالم كان من‬

‫ـردا مــن المســلمين وانتما ــه إلــى أمــة‬ ‫نتيجــة ذلــك دخولــه "الكيــان اإلســالمي" وقبولــه فـ ً‬ ‫المســـلمين – فدخولـــه الكيـــان اإلســـالمي واالنتمـــا إليـــه هـــو إذن نتيجـــة لثبـــوت عقـــد‬ ‫اإلسالم للمر وهو واحدي النتا ج الكثيرة التي تترتب على ثبوت عقد اإلسالم للمر ‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪195‬‬

‫ال بايع رسـول اهلل صـلى اهلل عليـه وسـلم وانصـرف إلـى مجتمـع‬ ‫والقول بأننا لم نجد رج ً‬

‫ليعيا فيه‪ ،‬بل يدخل مجتمع المسلمين ويعلن له وال ه التام‪ ،‬هذه القضـية إن صـحت‬ ‫ال تؤد إلى النتيجة التي يراد االستدالل بها عليهـا‪ ،‬فلـيس فيهـا شـبهة دليـل علـى أن‬

‫دخول "الكيان اإلسالمي" شرط يعلق عليه الحكم بإسـالم النـاطق بالشـهادتين – وغايـة‬ ‫ما يمكن أن تـدل عليـه إن صـحت – أن المسـلم المحكـوم بإسـالمه لنطقـه بالشـهادتين‬ ‫والــذ ثبــت لــه عقــد اإلســالم بنطقــه بالشــهادتين مــأمور أن يهــاجر مــن بــين أئهــر‬ ‫المشركين وأن يقيم بين المسلمين‪ ،‬والشأن في ذلك هو ذات الشـأن فـي التـزام النـاطق‬

‫بالشهادتين المحكوم بإسالمه بنطقه بهما بالعمل وتنفيذ كافة ش ار ع اإلسالم من صالة‬

‫وصيام وزكاة وحج وصدق في القول وانتها عن الغيبة وعن شـرب الخمـر وعـن الزنـا‬ ‫وعن السرقة والتزام الجهاد في سبل اهلل‪ ..‬إلى كافة ش ار ع اإلسالم التي تلزمـه ويتعـين‬ ‫عليه العمل بها سوا علمها حـال النطـق بالشـهادتين أو وجهلهـا فلـم يعلمهـا كلهـا أو‬

‫بعضها إال بعد النطق بالشهادتين ألن مقتضى نطقـه بالشـهادتين إعالنـه قبـول شـ ار ع‬ ‫اإلسالم جملة وعلى الغيب‪ ،‬والتزامه أن يعمل بها ويخضع لها وهذا هـو معنـى اإليمـان‬

‫بجميع ما جا به الرسول صلى اهلل عليه وسلم جملة وعلى الغيب – فالهجرة إلى دار‬ ‫اإلسالم أو التزام جماعة المسلمين شريعة من ش ار ع اإلسالم ال تلزم إال المسـلم الـذ‬

‫ثبت له فعالً عقـد اإلسـالم وال تقبـل إال مـن مسـلم محكـوم لـه باإلسـالم شـأنها فـي ذلـك‬

‫شأن الصالة والزكاة والصوم والحج إلى آخر ش ار ع اإلسالم التي ما ترك الرسول عليه‬

‫أحدا ممن بايعه وقبل إسالمه إال وأمره باعتقادها والعمل بها وتنفيـذها‬ ‫الصالة والسالم ً‬ ‫وال خــالف أنــه ال تقبــل صــالة إال مــن مســلم محكــوم بإســالمه فع ـالً قــد ثبــت لــه عقــد‬ ‫اإلسالم يقي ًنا قبل قيامه للصالة أو إمساكه عن الطعام أو توجهه إلى البيت الحرام‪.‬‬

‫فالمر يحكم له باإلسالم بنطقـه بالشـهادتين ويثبـت لـه بـذلك عقـد اإلسـالم يقي ًنـا وفـور‬

‫نطقه بالشـهادتين وفـي ذات لحئـة تلفئـه بهمـا دون أدنـى تـأخير أو تأويـل و ًأيـا كانـت‬ ‫الئروف التي ينطق فيها بهما‪ ،‬وحتى لو نطق بهما وقد بهره شعاع السيف الـذ كـاد‬ ‫أن يقتل رأسه من فوق عنقه ثم هـو بعـد ثبـوت عقـد اإلسـالم لـه مـأمور بتنفيـذ شـ ار ع‬

‫اإلسالم التي أعلن قبوله لها والتزامـه بتنفيـذها بنطقـه بالشـهادتين‪ ،‬فـإذا أخـل بشـريعة‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪196‬‬

‫من الش ار ع ولم يعمل بها‪ ،‬نئرنا إلى ما أمرنا اهلل ورسوله به في شأن المخالف لألمر‬

‫مرتـدا عـن اإلسـالم بعـد‬ ‫الذ وقعت فيه المخالفة فما حكم اهلل تعالى بأن فاعلـه يعتبـر‬ ‫ً‬ ‫ثبوت عقد اإلسالم له حكمنا على فاعله بذلك‪ ،‬وما حكـم اهلل بـأن فاعلـه – وان عصـى‬

‫مرتدا عن اإلسالم بل‬ ‫وفسق واستحق القتل أو قطع اليد أو الرجم أو الجلد – ال يعتبر ً‬ ‫باق له عقد اإلسالم أجرينا عليه حكم اهلل فيه فالناطق بالشهادتين إذا بلغه األمر بأن‬ ‫عليه أن يهجر اإلقامة بين المشركين وأن ينضم إلى أمة المسلمين أو أن يلزم جماعة‬

‫المسلمين وامامهم وجـب عليـه تنفيـذ ذلـك األمـر والعمـل بـه والشـأن فـي ذلـك هـو ذات‬ ‫الشأن فيما إذا بلغه األمر بوجوب الصالة والزكاة والحج واالنتها عن السـرقة وشـرب‬

‫الخمر والزنا والغيبة‪ ،‬وبفرو األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫فإذا لم يبلغه األمر بذلك كله أو بعضـه فهـو معـذور بجهلـه ثـم نقـول لمـن قـال أننـا لـم‬

‫ال بــايع رسـول اهلل صـلى اهلل عليــه وسـلم ثــم انصـرف إلـى مجتمعــه الـذ كــان‬ ‫نجـد رجـ ً‬

‫يعيا فيه من قبل – نقول له إن اشتراط الحضور إلى الرسول عليـه الصـالة والسـالم‬ ‫طا‬ ‫وجهـا لوجـه لـم يكـن لحئـة مـا فـي تـاريخ اإلسـالم شـر ً‬ ‫ومبايعته مشافهة ومصـافحة ً‬ ‫لصحة إسالم المر – وكم من ضارب في أعماق الصحار علـم بـدعوة الرسـول عليـه‬ ‫الصالة والسالم فنطق بالشهادتين وآمن به عليـه الصـالة والسـالم رسـوالً مـن عنـد اهلل‬

‫ال ينطق بالشـهادتين وآمـن بـه عليـه الصـالة والسـالم رسـو ًال مـن عنـد اهلل ال ينطـق إال‬

‫بـالحق‪ ،‬ومــات علــى اإلســالم دون أن يلتقــي بالرســول عليــه الصــالة والســالم ثــم لــيعلم‬ ‫قا ل هذه المقالة أن النجاشي رضي اهلل عنه ما بر أرو الحبشة‪ ،‬وما التقى برسول‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم وتوفاه اهلل وهو مقيم بين قومه صاحب السلطان فـيهم‪ ،‬وهـو‬ ‫مع ذلك يخفـي إسـالمه عـنهم وعـن غيـرهم وكـان مـن المعجـزات التـي أجراهـا اهلل علـى‬

‫لسان رسولنا عليه الصالة والسالم وأنه – أ النجاشي – مـات علـى اإلسـالم‪ ،‬وجمـع‬ ‫عليــه الصــالة والســالم مــن شــا اهلل أن يجمعهــم مــن الصــحابة فصــلوا علــى النجاشــي‬

‫صالة الغا ب‪ ،‬فكيف يجوز بعد ذلك لقا ل أن يقول أن دخول "الكيان اإلسالمي" بمعنى‬ ‫االنتقـــال والهجـــرة لإلقامـــة بـــين المســـلمين شـــرط للـــدخول فـــي اإلســـالم‪ ،‬وأن النـــاطق‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪197‬‬

‫بالشهادتين يبقى حكمه معل ًقـا ال هـو مسـلم وال هـو غيـر مسـلم حتـى تـتم الهجـرة‪ ،‬وقـد‬

‫يطر هنا سؤال وهو‪:‬‬

‫ما حكم المسلم الذ لم يهاجر من بين ئهراني المشركين إلى جماعة المسلمين؟‬ ‫نقول بعون اهلل‪ :‬إن ذلك المسلم إن كان يجهل لزوم تلك الشريعة له فـال شـي عليـه‪،‬‬ ‫وهو معذور بجهله محكوم بإسالمه بنطقه بالشـهادتين‪ ،‬فـإذا بلغـه األمـر وقامـت عليـه‬

‫محكومـا عليـه بحكـم المرتـد عـن‬ ‫مرتـدا‬ ‫الحجة فهو إن جحد األمر واستحل خالفـه كـان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال وبـين‬ ‫اإلسالم بعد ثبوت عقد اإلسالم له – وفرق كبير بين من لم يصح إسالمه أصـ ً‬

‫من ثبت له عقد اإلسالم ثم ثبتـت عليـه الـردة‪ ،‬فمـثالً إذا كـان النـاطق بالشـهادتين فـي‬

‫األصل من اليهود والنصاري وقيل إنه بنطقه بالشهادتين لم يثبت له عقد اإلسالم فإنه‬

‫مرتــدا ويكـــون معصــوم الــدم والمـــال بــأدا الجزيــة إذا خضـــع بلــده لســـلطان‬ ‫ال يعتبــر‬ ‫ً‬ ‫المسلمين‪ ،‬أما إذ قلنا بالحكم بإسالمه بنطقه بالشهادتين فإن جحـوده الـنا بعـد ذلـك‬ ‫واستحالله مخالفته مؤداه أنه يحكم بقتله‪ ،‬وال تقبل عودته إلى اليهوديـة أو النصـرانية‬ ‫أو أ دين آخر حاشا اإلسالم‪ ،‬وال يكون له مع المسلمين عهد وال ذمة‪.‬‬ ‫أما المقيم بين أئهر المشركين بعـد نطقـه بالشـهادتين وبعـد بلـوغ األمـر إليـه بضـرورة‬

‫جاحدا األمر فهو إما معذور بعذر منعه من‬ ‫الهجرة إلى الجماعة المسلمة‪ ،‬إذا لم يكن‬ ‫ً‬ ‫الهجرة أو وغير معذور‪ ،‬أما غير المعـذور فقـد وقـع االخـتالف فـي شـأنه فقـال الـبعو‬

‫مرتدا عـن اإلسـالم بإقامتـه بـين أئهـر المشـركين وذلـك لقـول الرسـول عليـه‬ ‫إنه يعتبر ً‬ ‫الصالة والسالم‪" :‬أنا بر من كل مسلم أقام بين أئهر المشـركين" وقـالوا إن الرسـول‬ ‫عليــه الصــالة والســالم ال يب ـرأ إال ممــن خــر عــن اإلســالم‪ ،‬ومــن القــا لين بهــذا ال ـرأ‬

‫اإلمام ابن حزم "انئر المحلى جـ‪ 66‬ا‪."691‬‬ ‫ورد البعو على هذا الرأ بأن الرسول صلى اهلل عليه وسلم وقد أثبت لمـن تبـرأ منـه‬

‫اســم المســلم وصــلة المســلم‪ ،‬فالحــديث فيــه ثبــوت اســم المســلم وصــفته لمــن حصــلت‬ ‫البرا ة منه‪ ،‬فدل ذلك على أن البرا ة ليست برا ة خرو من الدين‪ ،‬بل فقط في التـزام‬

‫بود "أ إعطا الدية" من يقتل منهم أو يصاب أثنا اإلغـارة علـى المشـركين الـذين‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪198‬‬

‫يقيم بينهم على الئـن أنـه مـنهم يؤكـد صـحة هـذا القـول قـول اهلل عـز وجـل فـي سـورة‬ ‫شـي َحتَّـى ُي َه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ـاج ُروا َوِا ِن‬ ‫األنفال‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َ‬ ‫ين َ‬ ‫آم ُنوا َولَ ْم ُي َهاج ُروا َمـا لَ ُكـم ِّمـن َوالَ َيـتهم ِّمـن َ ْ‬ ‫ِّين فَ َعلَ ْي ُكم َّ‬ ‫نص ُرو ُك ْم ِفي الد ِ‬ ‫ـاق﴾ (األنفـال‪ :‬مـن‬ ‫ص ُر إِالَّ َعلَى قَ ْوم َب ْي َن ُك ْم َوَب ْيـ َن ُهم ِّميثَ ٌ‬ ‫الن ْ‬ ‫ْ‬ ‫استَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ارية ‪ ،)12‬فأثبتت ارية اسم وصفة المؤمن لمن لم يهاجر رغم إثباتهـا انتفـا الواليـة‬

‫بينها وبين المهاجرين‪ ،‬أ الدولـة اإلسـالمية أو الجماعـة المسـلمة‪ ،‬كمـا أثبتـت اريـة‬ ‫ِّين َف َع َل ْـي ُكم َّ‬ ‫نص ُـرو ُك ْم ِفـي الـد ِ‬ ‫ص ُـر﴾ (األنفـال‪ :‬مـن‬ ‫الن ْ‬ ‫وحدة الدين بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وِا ِن ْ‬ ‫استَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ارية ‪ ،)12‬واذا كان ثمة خالف في شأن من ليس له عذر فليس ثمة خالف في شأن‬ ‫مــن يقــيم بــين ئهرانــي المشــركين عــن عــذر‪ ،‬فاالتفــاق بأنــه محكــوم بإســالمه بنطقــه‬ ‫بالشــهادتين ثابــت لــه عقــد اإلســالم بمقتضــاهما معــذور بعــذره ال يكفــر وال يفســق وال‬

‫يعصي‪.‬‬ ‫وسوا أخـذنا بهـذا الـرأ أو ذاك فيمـا يتعلـق بحكـم المقـيم بـين أئهـر المشـركين بغيـر‬ ‫عذر‪ ،‬فيجب التنبيه إلى أن هذا الحكم خاا بالمسلم الذ يقيم بـين أئهـر المشـركين‬

‫ال الذ يقيم بين مسلمين عصاة‪.‬‬

‫أمــا ال ـوال لإلســالم والمســلمين ألمــر آخــر غيــر الهجــرة وهــو أمــر متعلــق باإلحســاس‬

‫والشعور مفروو فيمن نطق بالشـهادتين بـافتراو صـدقه واخالصـه فـي النطـق بهمـا‬

‫والمنهي عنه شر ًعا تـولي غيـر المسـلمين مـن دون المسـلمين أ مناصـرته لهـم علـى‬ ‫المســلمين‪ ،‬وفاعــل ذلــك لــيس مــن اهلل فــي شــي فهــو مرتــد‪ ،‬ونكــرر القــول هنــا بأنــه‬ ‫محكوم له باإلسالم بأصل نطقه بالشهادتين حين نطقه بهما‪ ،‬ثم هو محكوم بردته عن‬

‫اإلسالم وبخروجه عن اإلسالم بعد سابقة إسالمه بتوليه الكافرين دون المؤمنين حـين‬

‫يأتي ذلك‪.‬‬ ‫ثم نقول بعون اهلل‪ :‬إن أحاديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم صريحة قاطعة الداللة‬ ‫على أن من نطق بالشهادتين محكوم بإسالمه حال نطقه بهمـا ثابـت لـه عقـد اإلسـالم‬

‫في التو واللحئة معصوم الدم والمال بنطقه بهما منهي عـن أ محاولـة لتأويـل نطقـه‬ ‫بهمــا ًأيــا كانــت الئــروف التــي نطــق بالشــهادتين فيهــا‪ ،‬وقــد فصــلنا هــذا وأقمنــا األدلــة‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪199‬‬

‫القاطعــة علــى ثبوتــه وصــحته فــي بحثنــا – والــذ ال شــك فيــه أن حكــم إســالم النــاطق‬

‫بالشــهادتين الــذ قــرره الرســول صــلى اهلل عليــه وســلم إنمــا أخبــر بــه عليــه الصــالة‬ ‫والســالم وحيــا عــن اهلل ﴿ومــا ي ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫نطـ ُ ِ‬ ‫ـوحى﴾ (الــنجم‪:‬‬ ‫ـي ُيـ َ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫ً‬ ‫ـق َعــن ا ْل َهـ َـوي * إ ْن ُهـ َـو إال َو ْحـ ٌ‬ ‫وحيا من اهلل عز وجل الذ علم ويعلم ما كان وما هو كا ن ومـا سـوف‬ ‫اريات ‪ً )4 ،9‬‬ ‫يكون‪ ،‬فكيف وقد نبأ عليه الصالة والسالم بما سيكون عليه أمر المسلمين وأنـه يـأتي‬ ‫عليهم زمان ال يكون لهـم فيـه جماعـة وال إمـام وال كيـان‪ ،‬وفـي ذات حـديث حذيفـة بـن‬ ‫اليمــان الــذ أشــار إليــه الســا ل التنبــؤ بــتلكم الحــال والــذكر الصــريح لهــا‪ ،‬وقــد ســمى‬

‫الرسـول عليــه الصــالة والسـالم الطريقــة التــي يلزمهـا بمــا يقطــع أنـه تبقــى للفــرد صــفة‬ ‫المسلم ويثبت له عقد اإلسالم واإليمان رغم انعدام الجماعة واإلمام‪..‬‬ ‫ولو كان النطق بالشهادتين يختلف أمره من الزمان الذ يكون فيه للمسلمين جماعـة‬

‫وامام عن الزمان الذ ال يكون لهم فيه ذلك ألوضح لنا الرسول عليه الصالة والسالم‬ ‫ُّـك َن ِسـيِّا﴾ (مـريم‪ :‬مـن‬ ‫ـان َرب َ‬ ‫ذلك األمر الهام الذ هو الحد بين الكفر واإلسالم ﴿ َو َما َك َ‬ ‫ارية ‪.)14‬‬ ‫ثم نقول للذ يفترو ضـرورة دخـول "الكيـان اإلسـالمي" كشـرط لصـحة إيمـان النـاطق‬ ‫بالشهادتين ثم هو يقول في نفس الوقت إن ذلـك الكيـان معـدوم فـي هـذا الزمـان الـذ‬

‫يعــيا فيــه‪ ،‬نقــول لــه‪ :‬أمــا تنبهــت كيــف حكمــت علــى نفســك وانــك بــذلك تقضــي علــى‬

‫نفسك بعدم صـحة إسـالمك؟ فـإن قلـت إنـك داع وعامـل علـى إيجـاد "الكيـان اإلسـالمي"‬

‫طا بشرط فأنت أو ًال ادعيت أن الشرط هو دخـول "الكيـان‬ ‫كان الواضح أنك استبدلت شر ً‬ ‫اإلسـالمي" فعـالً وقــررت أن ذلــك الكيــان معــدوم الوجـود ثــم إنــك عــدت تصــحح إســالمك‬

‫بشرط آخر وهـو وأنـك عامـل ومجاهـد لتحقيـق "الكيـان اإلسـالمي" والعمـل علـى تحقيـق‬ ‫الكيان اإلسالمي أمر مختلف وشرط مخالف لشرطك األول‪ ،‬فما دليلك عليه مـن كتـاب‬

‫اهلل وسنة رسوله؟ وقد أسلفنا األدلة القاطعة على أن حكم اهلل أن يحكم بإسالم الناطق‬

‫بالشـــهادتين حـــال نطقـــه بهمـــا‪ ،‬وأن كـــل تكليـــف وكـــل شـــريعة غيـــر شـــريعة النطـــق‬ ‫بالشهادتين ال تقبل من أحد إال بعد أن يثبت له عقد اإلسالم بنطقه بالشهادتين بل وال‬

‫تتطلب من أحد وال تلزمه إال بعد أن يثبت له عقد اإلسالم بنطقه بالشهادتين‪.‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪211‬‬

‫واذا كــان هــذا هــو الحكــم الشــرعي فــإن الجماعــة التــي تنتســب إليهــا قــد اعتنقتــه مبــدأ‬

‫أساسيا من مباد ها منذ نشأت ومنذ بدأت تزاول نشاطها لم تحد عن ذلك لحئة وواقع‬ ‫ً‬ ‫حالها وحال منش ها رضوان اهلل عليه والقا مين عليها ال يجعل مجاالً لمناقشة في هذا‬ ‫األمر‪ ،‬والذ يحاول الجدل في هذا األمر إنما يحاول عبثًا إنكار الوقا المادية الثابتة‬

‫ثبوتًا ال شك فيه‪ ،‬ثبوتًا ال يقبل تأويال على أ وجه من الوجوه‪ ،‬ومـن حـاول مثـل ذلـك‬ ‫كان من مبطلي الحقا ق فال يقبل منه قو ٌل وال فا دة من مناقشة أو نصحه وهو يعتبـر‬ ‫غير ملتزم بالجماعة وال بمنهجها – وقد أورد اإلمـام الشـهيد فـي رسـالة التعـاليم البنـد‬

‫مسـلما أقـر بالشـهادتين وعمـل بمقتضـاهما وأدي الفـ ار و –‬ ‫العشرين فقال‪" :‬وال نكفر‬ ‫ً‬ ‫معلومــا مــن الــدين بالضــرورة أو كــذب صــريح القـرآن أو‬ ‫بـرأ أو معصــية مــا لــم ينكــر‬ ‫ً‬

‫ال‬ ‫ال ال يحتمـل تـأوي ً‬ ‫فسره على وجه ال تحتمله أساليب اللغة العربية بحال‪ ،‬أو عمل عمـ ً‬ ‫إال الكفر"‪.‬‬

‫تماما لما قمنا في بحثنا من شر للعبارة المأثورة‬ ‫والمتأمل لهذه العبارة يجدها مطابقة ً‬ ‫مسلما بمعصية وال نقول ال يضر مع اإليمان ذنب" وقد أجهـد بعضـهم نفسـه‬ ‫"وال نكفر‬ ‫ً‬ ‫مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما"‬ ‫محاو ًال التعلق بقول اإلمام الشهيد "وال نكفر‬ ‫ً‬ ‫فادعى ضرورة العمل باإلسالم بمعنى ضرورة العمل بكافة الش ار ع واألحكام وهذا تمويه‬

‫فاسد ألن معنى هذا القول أن يكون ما جا بعده من تقرير عدم اتهام المسـلم بـالكفر‬ ‫لغوا‪.‬‬ ‫برأ أو معصية ً‬ ‫ألن الـذ ال شـك فيـه أن المعصـية خــرو عـن مقتضـى العمـل بالشـهادتين إذا فســرت‬

‫هذه العبارة على إطالقها دون مراعاة االصطالحات الفقهية المتعارف عليها والتي كان‬

‫اإلمــام الشــهيد رضــي اهلل عنــه مــن أكثــر النــاس معرفــة بهــا ودرايــة بأصــولها وأوجــه‬

‫تحديدا دقي ًقا األحوال التي يجوز فيهـا اتهـام المسـلم بـالكفر وهـي‬ ‫استعمالها‪ ،‬ولذا حدد‬ ‫ً‬ ‫معلوما من الدين بالضرورة أو يكذب صـريح القـول أو أن يفسـر القـرآن علـى‬ ‫أن ينكر‬ ‫ً‬ ‫وجــه ال تتحملــه أســاليب اللغــة العربيــة بحــال مــن األحـوال أو أن يــأتي عمـالً ال يحتمــل‬

‫ال إال الكفر‪ ،‬ولقد كان سير اإلمام الشهيد بالجماعة والخط الذ رسـمه لهـا سـوا‬ ‫تأوي ً‬

‫فـي معاملتـه أعضـا الجماعـة أو مـن كــانوا أعضـا بالجماعـة ثـم وقـع مـنهم الشــقاق‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪211‬‬

‫ال من أعضا الجماعة‪ ،‬أقول كانت سيرته رضـي اهلل‬ ‫واالنفصال أو ومن لم يكونوا أص ً‬

‫عمليا صادقًا أمي ًنا لما جا برسالة التعاليم ونكرر القول إن شأن الجماعة‬ ‫عنه تطبيقًا‬ ‫ً‬ ‫وما استقرت عليه منذ نشأتها في هـذا األمـر واضـح لكـل ذ بصـر بحـال الجماعـة أو‬ ‫معلومـا بالضـرورة لكـل مـن اتصـل بالجماعـة‬ ‫علم بسيرتها وهو ما رسخ واسـتقر وبـات‬ ‫ً‬ ‫وعرف شي ًا عنها‪.‬‬ ‫انتهى‪.‬‬ ‫السؤال الثاني‪:‬‬ ‫أحدا نطق بالشهادتين ولكن ليس معنى هذا أن يحكم‬ ‫هناك من يقول إنه ال يكفر ً‬ ‫تماما أن فيهم كثرة تأتي أعماالً وأقواالً هي‬ ‫للناس مجتمعين باإلسالم وهو متأكد‬ ‫ً‬ ‫بنفسها تخر عن الملة – وكما أنه ال يستطيع أن يرميهم جملة بالكفر فهو كذلك‬

‫يتحر من وصفهم جملة باإلسالم‪.‬‬

‫وهو يسال ما الفرق بـين أن يقـال أن النـاس فـي جملـتهم مسـلمون وأن يقـول مجتمـع‬

‫حاليــا باإلســالم وال‬ ‫مســلم – وهــل األصــل أن يحكــم للفــرد فــي هــذه المجتمعــات القا مــة ً‬ ‫يخر عن الملة حتى نتبين أنه هو وبنفسـه أتـى فعـالً أو قـوالً يخـر بـه عـن الملـة أو‬

‫أننا ال نحكم له باإلسالم إال أن نتأكد من نطقه هو بالشهادتين أو ما يدل عليهمـا مـن‬

‫اعتبار يحكم له باإلسالم بمقتضاه؟‪.‬‬ ‫أعمال وليس ألصل وجوده في هذه المجتمعات‬ ‫ٌ‬ ‫اإلجابة‪:‬‬ ‫ورد بالبند الخامس من رسالة التعاليم ما نصه‪:‬‬ ‫"وكل مسألة ال ينبني عليهـا عمـل فـالخوو فيهـا مـن التكلـف الـذ نهينـا عنـه شـر ًعا"‬ ‫أحكامــا‬ ‫وفــي حــدود هــذا األصــل نجيــب علــى هــذا الس ـؤال فنقــول بعــون اهلل‪ :‬إن هنــاك‬ ‫ً‬

‫تنبني على النئر في حال الغالب من الناس أ حال الئاهر للمجتمع مثل إلقا تحية‬ ‫اإلسالم ومثل ديانة اللقيط الذ ال يعرف له أبوان فأنت تلقـي تحيـة اإلسـالم علـى مـن‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪212‬‬

‫ال تعرف من الناس آخ ًذا بالئاهر العام من أن الناس أغلبهم مسلمون مع احتمال أن‬ ‫يكون من ألقيت عليه السالم أو بعو من ألقيت عليهم ليسوا مسلمين‪.‬‬

‫أما فيما عدا ذلك من األحكام فإنك أيها األخ لو أنك عشت في عصر الخالفة الرشيدة‬

‫لكان الفرو عليـك آنـذاك كمـا هـو الفـرو عليـك ارن أن تتبصـر حـال مـن تعاملـه أو‬

‫ترتبط به – فأنت دا ًما في العالقات الفرديـة تسـتطيع أن تـدرك مـن أحـوال مـن يعاملـك‬ ‫مــا يئهــرك علــى حالــه – ومــا دمــت تســلم باألصــل المتفــق عليــه مــن أن مــن نطــق‬ ‫بالشهادتين قد ثبت له عقـد اإلسـالم‪ ،‬وأن مـن أتـى عمـالً دل علـى إسـالمه فهـو مسـلم‬

‫على ئاهر حاله حتى يقـوم الـدليل علـى عكـس ذلـك فلـن تقـع بـإذن اهلل فـي حـر ولـن‬ ‫تخــر بعــون اهلل عــن الســبيل القــويم أمــا الفــرق فــي قولنــا فــي أن النــاس فــي جملــتهم‬

‫جميعا مسلمون وبين أن تقول مجتمع مسلم فهو كـالفرق بـين قولـك عـن شـخا إنـه‬ ‫ً‬ ‫مســلم رغــم مــا يقترفــه مــن ذنــوب ومعــاا بينمــا يعــز عليــك أن تقــول أن خلقــه خلــق‬

‫إسالمي مع تسليمك بأنه لم يخر عن اإلسالم ولم يرتد إلى الكفر وأن بعو ما يأتيـه‬

‫هو وعمل بشرا ع اإلسالم وان كان ذلك قليالً إلى جانب ما يقترفه من معاا‪.‬‬

‫حاليـا وعمـا‬ ‫أما التساؤل عن األصل في الحكم على الفرد في هذه المجتمعـات القا مـة ً‬ ‫إذا كنــا نحكــم لــه باإلســالم حتــى يئهــر منــه مــا يخرجـه إلــى الكفــر أو أننــا ال نحكــم لــه‬ ‫باإلســالم أ نحكــم عليــه بــالكفر حتــى نتأكــد مــن نطقــه بذاتــه بالشــهادتين أو مــا يــدل‬ ‫عليهما من أعمال وعمـا إذا كـان ألصـل وجـوده فـي هـذه المجتمعـات اعتبـار يحكـم لـه‬

‫باإلسالم بمقتضاه‪.‬‬ ‫فــالجواب علــى ذلــك هــو‪ :‬أننــا نحكــم علــى الفــرد فــي المجتمــع الــذ عــم في ـه اإلســالم‬ ‫باإلســـالم حتـــى نتبـــين خـــالف ذلـــك‪ ،‬هـــذا رغـــم عـــدم ســـماع غالبيـــة المســـلمين للفـــئ‬

‫الشهادتين من كل من فـي هـذا المجتمـع‪ ،‬وانمـا يكفـي للعلـم بـأن الشـخا مسـلم وأنـه‬

‫نطق بالشهادتين أنه تصدر عنه أعمال مما وردت في شـ ار ع اإلسـالم كـأن تـراه يـؤذن‬

‫أو يردد األذان أو يصلي على الرسـول عليـه الصـالة والسـالم أو يقـرأ القـرآن أو يـدعو‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪213‬‬

‫النـــاس إلـــى اإلســـالم أو إلـــى إقامـــة شـــريعة اهلل أو يـــأمرهم بـــالمعروف وينهـــاهم عـــن‬ ‫المنكر‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫كما أن حكم من يولد ألبوين مسلمين أو ألب مسـلم وأم كتابيـة حكمـه اإلسـالم‪ ،‬ولـيس‬

‫له أن يختار عند البلوغ دي ًنا غير اإلسالم‪ ،‬فإن فعل فإنه مرتد‪ ،‬وعلـى ذلـك فإننـا نحكـم‬ ‫لكل من يولد هكذا باإلسالم ويدل على والدته كـذلك االسـم الـذ أطلقـه والـده عليـه إن‬

‫كــان ممــا ال يســمى بمثلــه غيــر المســلمين‪ ،‬فهــذا كســابقيه يحكــم لــه باإلســالم ويطالــب‬

‫بش ار عه ويلزم أحكامه إال أن يخر عنه بما يخر عن اإلسـالم أو دخـل فـي ديـن آخـر‬

‫ـبيا خــر مــن اإلســالم‬ ‫– فهــذا مرتــد بعــد إســالمه ولــيس كـ ًا‬ ‫ـافر مــن األصــل ولــو كــان صـ ً‬ ‫لحئة بلوغه‪.‬‬

‫أثر في الحكـم عليـه باإلسـالم‬ ‫من هذا يتعين أن ألصل وجود الفرد في هذه المجتمعات ًا‬ ‫بالرغم من أننا متأكـدون مـن أن فـيهم الكثيـر ممـن خـر عـن اإلسـالم وارتـد عنـه فمـن‬ ‫علمنا عنه ذلك بذاته حكمنا بردته‪ ،‬وكفره بعد إسالمه‪.‬‬ ‫انتهى‬ ‫السؤال الثالث‪:‬‬ ‫الجاهليــة مــن األلفــائ التــي وردت فــي الق ـرآن الكــريم واألحاديــث النبويــة الشــريفة وقــد‬

‫شــاع اســتعمالها فــي الفتــرة األخيــرة دون أن يتحــدد معناهــا أو مفهومهــا‪ ،‬ولــم يطــرق‬

‫البحـث مــن قريــب أو بعيــد‪ ،‬ولــم ُيـ ِ‬ ‫ـحا‪ ،‬ومــاذا عمــا يســمى بــالمجتمع‬ ‫ـورْد فيهـا قـو ًال واضـ ً‬ ‫الجــاهلي؟ ومــاذا تعنــي هــذه التســمية علــى وجــه التحديــد؟ وهــل يصــح إطالقهــا علــى‬ ‫المجتمعات القا مة ارن؟‪.‬‬ ‫اإلجابة‪:‬‬ ‫نعود فنلفت النئر إلى أن البحث السابق إرسـاله إنمـا قصـد منـه فقـط الـرد علـى أقـوال‬

‫أخير رأينا خطورتها وخروجها على أصول دعوتنا‪ ،‬فعنينـا بـالرد علـى مـا‬ ‫معنية ئهرت ًا‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪214‬‬

‫جميعا ونكرر القول بأننا‬ ‫وجدنا أنه يلزم الرد عليه من هذه األفكار دون استقصا لها‬ ‫ً‬ ‫لم نكتـب بحثًـا فـي الـدعوة بمفهومهـا الكامـل أو برنامجهـا الشـامل ومـا كـان لنـا حاجـة‬

‫بذلك وللدعوة رسا لها وكتبها وليس الوقـت وال الئـروف التـي نعـيا فيهـا بالمناسـبين‬

‫للكالم في ش ون الدعوة على وجه التفصيل – ولذا فإننا إنما بحثنا ما اضـطررنا علـى‬

‫بحثه والرد عليه درً ا لخطر أكبر من األخطار التي تهددنا بالكتابـة فـي الئـروف التـي‬ ‫تحيط بنا‪.‬‬

‫والجاهلية كالضالل والعصيان والفسوق والئلم من األلفـائ التـي اسـتعملت فـي القـرآن‬

‫الكريم وفي األحاديث النبوية‪ ،‬وتعني الخـرو علـى أحكـام الـدين ذلـك الخـرو الـذ ال‬

‫يبلــا أحيا ًنــا حــد الخــرو عــن الملــة وأحيا ًنــا يبلــا حــد الخــرو عــن الملــة والــردة عــن‬ ‫اإلسالم‪ ،‬قال عليه الصـالة والسـالم ألبـي ذر الغفـار رضـي اهلل عنـه‪" :‬إنـك امـرؤ فيـك‬

‫جاهلية" ويعلق البخار الـذ أورد هـذا الحـديث فيقـول‪" :‬المعاصـي مـن أمـر الجاهليـة‬ ‫وال يكفر صاحبها بارتكابها إال بالشرك" "البخار جـ‪ 6‬ا‪."64‬‬ ‫ومن ذلـك يتضـح لـك أن كلمـة الجاهليـة يقصـد بهـا كـل خـرو علـى أحكـام الـدين‪ ،‬أمـا‬

‫تحديد ما إذا كان ذلك الخرو قد بلا حد الردة عن اإلسالم أم ال‪ ،‬فيرجـع فيـه لألحكـام‬

‫مرتـدا وبـين تلـك التـي‬ ‫الشرعية التي تحدد الفرق بين المعصية التي ال يعتبـر مرتكبهـا‬ ‫ً‬ ‫مرتدا – والقول أن المجتمع جـاهلي يـواز القـول أن المجتمـع ضـال أو‬ ‫يعتبر مرتكبها ً‬ ‫المجتمع فاسق‪ ،‬فجميع هـذه األلفـائ إنمـا تـدل علـى أن فيـه خـرو ئـاهر علـى أحكـام‬

‫الدين – وأن تلك الصفة الغالبة على حال أفراده وأنئمته ولكن لتحديد ما إذا كان ذلك‬ ‫الخرو قد بلا بفرد معين أو وبالمجموع كله حد الردة والكفر أم ال‪ ،‬يتعين الرجوع إلـى‬

‫أحكام الشريعة المأخوذة من اريات واألحاديث في هذا الشأن‪.‬‬ ‫انتهى‬ ‫السؤال الرابع‪:‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪215‬‬

‫مــا هــو دور الجماعــة ومــا هــو وشــرعية وجودهــا وأهميتــه إذا حكــم النــاس باإلســالم –‬ ‫والحاكم لم يرد فيه نا قاطع في البحث؟‬ ‫اإلجابة‪:‬‬ ‫بالنسبة للحاكم‪ ،‬لقد عنينا في بحثنا بذكر القاعدة الشـرعية أمـا تطبيقهـا علـى شـخا‬

‫ار إن الجماعة منذ نشأتها التزمت‬ ‫أو أشخاا معينين فليس من مهمتنا‪ ،‬ولقد لقنا مر ًا‬ ‫ال ال محل للخرو عليه وهو أال تتعرو لألشخاا بحكـم مـا وانمـا الجماعـة تعلـن‬ ‫أص ً‬

‫األحكام الشرعية تالية على الناس آيات القرآن الكريم وأحاديـث الرسـول عليـه الصـالة‬

‫والسالم مستشهدة إذا لزم األمر بأقوال أ مة الفقـه واللغـة والحـديث تاركـة لكـل مسـتمع‬

‫أن يضع نفسه في الموضع الذ هو أعلم بنفسه أن ينطبـق عليهـا – وقلنـا مـر ًارا أننـا‬ ‫دعاة ولسنا قضاة – فالقول بأن الحاكم لم يرد فيه نا قاطع‪ :‬إذا كـان السـا ل يطلـب‬

‫حكما على شخا أو أشخاا فقوله مردود – أما إذا كان يسـأل عـن رأ فقهـي فـإن‬ ‫ً‬ ‫في رسا ل الجماعة التي وضعها اإلمام الشهيد الـرد علـى السـؤال كمـا أننـا أوردنـا فـي‬ ‫بحثنــا أق ـوال الفقهــا فــي هــذا الشــأن بمــا يتفــق مــع االختيــار الفقهــي للجماعــة منــذ‬

‫نشأتها‪.‬‬ ‫ون إَِلـى‬ ‫أما دور الجماعة فنقول باختصـار قـال اهلل عـز وجـل‪َ ﴿ :‬وْلـتَ ُكن ِّمـ ْن ُك ْم أ َّ‬ ‫ُمـ ٌة َي ْـد ُع َ‬ ‫ون ِبــا ْلمعر ِ‬ ‫ـون﴾ (آل عمـران‪:‬‬ ‫وف َوَي ْن َهـ ْـو َن َعـ ِـن ا ْل ُم ْن َكـ ِـر َوأُوَل ِـ َ‬ ‫ـك ُهـ ُـم ا ْل ُم ْفلِ ُحـ َ‬ ‫ْم ُر َ َ ْ ُ‬ ‫ا ْل َخ ْيـ ِـر َوَيـأ ُ‬ ‫ون ِبـا ْلمعر ِ‬ ‫ُخ ِر َج ْت لِ َّلن ِ‬ ‫وف َوتَْن َه ْـو َن‬ ‫ارية ‪ ،)614‬وقال تعالى‪ُ ﴿ :‬ك ْنتُ ْم َخ ْي َر أ َّ‬ ‫ُمة أ ْ‬ ‫ـأم ُر َ َ ْ ُ‬ ‫ـاس تَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـاونُوا َعلَــى‬ ‫َعـ ِـن ا ْل ُم ْن َكـ ِـر َوتُ ْؤ ِمنُـ َ‬ ‫ـون ِبــاهلل﴾ (آل عمـران‪ :‬اريــة ‪ ،)661‬وقــال تعــالى‪َ ﴿ :‬وتَ َعـ َ‬ ‫ــاوُنوا َع َلـــى ِ‬ ‫طا ِ َفتَـ ِ‬ ‫اإل ثْـ ِــم َوا ْل ُعـ ْــد َو ِ‬ ‫ــن‬ ‫ان﴾ وقـــال تعـــالى‪َ ﴿ :‬وِان َ‬ ‫ــان ِمـ َ‬ ‫ا ْلبـ ِّــر َوالتَّ ْقـ َــوي َو َال تَ َعـ َ‬ ‫ُخـري فَ َقـ ِ‬ ‫ـاتلُوا الَّ ِتـي تَْب ِغــي‬ ‫َصـلِ ُحوا َب ْي َن ُه َمــا فَـِإن َب َغـ ْ‬ ‫ـت إِ ْح َـد ُ‬ ‫ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫ين اقْتَ َتلُـوا فَأ ْ‬ ‫اه َما َع َلــى األ ْ َ‬ ‫حتَّى تَ ِفي إِلَى أَم ِر ِ‬ ‫اهلل﴾ (الحجرات‪ :‬من اريـة ‪ ،)9‬وقـال عليـه الصـالة والسـالم‪" :‬مـن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ـر فليغيــره بيــده فــإن لــم يســتطع فبلســانه فــإن لــم يســتطع فبقلبــه وذلــك‬ ‫رأي مــنكم منكـ ًا‬ ‫أضعف اإليمان" وقال عليه الصالة والسالم‪" :‬لتـأمرن بـالمعروف ولتنهـون عـن المنكـر‬ ‫أو ليعمنكم اهلل بعذاب من عنده" وقال عليه الصالة والسالم‪" :‬ما من نبي بعثه اهلل في‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪216‬‬

‫أمة إال كان له من أمته حواريون يقولون ما ال يفعلـون ويفعلـون مـا ال يـؤمرون فمـن‬ ‫جاهدهم بيـده فهـو مـؤمن ومـن جاهـدهم بلسـانه فهـو مـؤمن ومـن جاهـدهم بقلبـه فهـو‬

‫مؤمن وليس ورا ذلك من اإليمان حبة خردل"‪.‬‬ ‫وهل من بغي أوضح من تعطيل شرا ع اهلل والحكم بين الناس وانفاذ األمـر بيـنهم علـى‬ ‫خالف أمر اهلل ورسوله؟!!‪.‬‬ ‫وهــل مــن بــر يجــب التعــاون عليــه كــأمر اهلل – أعئــم مــن إنفــاذ أوامــر اهلل وشــ ار عه‬ ‫والتمكــين لدينــه والجهــاد لتكــون كلمــة اهلل هــي العليــا؟ وهــذا هــو الهــدف الــذ قامــت‬

‫ادا‬ ‫الجماعة أصالً لتحقيقه وهو أمر واجب على كل المسلمين وال يمكـن أن يحققـوه أفـر ً‬

‫فلزم الع مل في جماعة تهدف لتحقيـق هـذا الهـدف الكبيـر‪ ،‬ومـن تخلـف عـن االنضـمام‬ ‫لمثل هذه الجماعة والعمل معها يأثم كإثمـه عـن تـرك أ فـرو أو تكليـف شـرعي‪ ،‬وال‬

‫كـافرا‬ ‫نخرجـه مـن الملـة بسـبب ذلـك إال أن يجحـد الهـدف وهـو تحكـيم شـرع اهلل فيكـون ً‬ ‫مرتدا"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫انتهى‬ ‫السؤال الخامس‪:‬‬

‫النقطة التي عالج ت مسألة اإلكراه في حاجة إلى مزيد من اإليضا ‪ ،‬ويري البعو أن‬ ‫األخذ بالرخصة ال يصلح ليجتمع عليه صف يريد أن يتحمل عب الدعوة‪..‬‬ ‫اإلجابة‪:‬‬ ‫لقــد اســتوعبنا فــي بحثنــا كافــة النصــوا المتعلقــة بموضــوع اإلكـراه والكثيــر مــن أقـوال‬

‫ـر لهـا‪ ،‬ولقــد أثبتنـا حكــم الــرخا لمـا شــاهدناه مــن‬ ‫ـتيعابا يكـاد يكــون حاصـ ًا‬ ‫الفقهـا اسـ ً‬ ‫استسهال البعو إلقا تهمة الكفـر علـى غيـرهم لمجـرد التـرخا دون إلمـام باألحكـام‬ ‫ـون َمــا‬ ‫ين َي ْكتُ ُمـ َ‬ ‫الشــرعية‪ ،‬وأوضــحنا مــا أوضــحناه عم ـالً بقــول اهلل عــز وجــل‪﴿ :‬إِ َّن الَّـ ِـذ َ‬ ‫اس ِفي ا ْل ِكتَ ِ ِ‬ ‫أَْن َزْل َنا ِم َن ا ْلب ِّي َن ِ‬ ‫ات َوا ْل ُه َدي ِمن َب ْع ِد َما َبي ََّّناهُ لِ َّلن ِ‬ ‫لع ُن ُه ُم اهللُ َوَي ْل َع ُن ُه ُم‬ ‫َ‬ ‫اب أُوَل َك َي َ‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪217‬‬

‫ون﴾ (البقرة‪ :‬ارية ‪ ،)619‬وألننا نؤمن بأنه ليس في الدين سـر يكـتم عـن أحـد‪،‬‬ ‫الالَّ ِع ُن َ‬ ‫جميعا وأن يتصرف كـل امـر وهـو علـى‬ ‫وانما األحكام الشرعية يجب أن يعرفها الناس‬ ‫ً‬

‫علم بها وفهم لها‪..‬‬

‫ونحــن نــؤمن بــأن األخــذ بالرخصــة ال يصــلح ألن يجتمــع عليــه صــف يريــد أن يتحمــل‬ ‫عب الدعوة‪ ،‬وقد أوفى اإلمام الشهيد رضي اهلل عنـه هـذا الموضـوع حقـه مـن الشـر‬

‫في رسا له إلى اإلخوان "راجع رسالة بين األم واليوم"‪.‬‬ ‫ولقد قلنا في بحثنا‪ " :‬إن اهلل تعـالى قـد نـدبنا للصـبر والثبـات والعمـل علـى إعـال كلمـة‬ ‫الحق والجهر بها والتمكين لها ودفع المئـالم ورد البغـي والعـدوان وجعـل للعـاملين فـي‬

‫سـبيل ذلــك أعئــم األجــر وأعلــى درجــات الرفعــة عنــده فــي جنــات النعــيم" "‪ ..‬والحــق أن‬ ‫سنن الحياة تؤكد أن الدعوات واألمم إنمـا تنتصـر ويعلـو شـأنها بمـن يسـخرهم اهلل عـز‬

‫وجـل بفضــله ورحمتــه مـن الصــادقين الصــابرين الثــابتين الـذين يشــرون الــدنيا بــارخرة‬

‫ويبتغون في كل قول وعمل وجه اهلل تعالى وال يخافون في الحـق لومـة ال ـم أو ذهـاب‬ ‫َن َل ُه ُـم ا ْل َج َّنـ َة﴾‬ ‫ـه ْم َوأ َْم َـوا َل ُه ْم ِبـأ َّ‬ ‫اهلل ا ْ‬ ‫ـن ا ْل ُم ْـؤ ِم ِن َ‬ ‫شـتَ​َري ِم َ‬ ‫سُ‬ ‫ين أَْنفُ َ‬ ‫دنيا أو ضياع جـاه ﴿إِ َّن َ‬ ‫ون ِرسـاالَ ِت ِ‬ ‫َح ًـدا إِالَّ‬ ‫ش ْـوَن ُه َوالَ َي ْخ َ‬ ‫اهلل َوَي ْخ َ‬ ‫(التوبة‪ :‬من ارية ‪﴿ ،)666‬الَّ ِذ َ‬ ‫ش ْـو َن أ َ‬ ‫ين ُيَبلِّ ُغ َ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يبا﴾ (األحـزاب‪ :‬اريـة ‪ ،)99‬وانمـا اجتمـع صـفنا علـى العزيمـة وبهـا‬ ‫اهلل َو َك َفى ِباهلل َحس ً‬ ‫َ‬ ‫بعون اهلل نأخذ ونأمر إخوتنا أن يستعينوا باهلل وبلزومها"‪.‬‬ ‫مالحئة هامة‪:‬‬ ‫عاما ولكنه رد محدد على أفكار محددة فـال مجـال لمـن يسـتنتج‬ ‫البحث لم يكن‬ ‫ً‬ ‫توجيها ً‬ ‫أنه يدعو إلى الترخا‪.‬‬ ‫السؤال السادس‪:‬‬ ‫النقطــة التــي عالجــت موضــوع الجماعــة والبيعــة جــا ت مقتضــبة وأثــارت أس ـ لة منهــا‬

‫حـــديث ابـــن مســـعود‪ " :‬ال يحـــل دم امـــر مســـلم إال بإحـــدي ثـــالث منهـــا التـــارك لدينـــه‬ ‫المخــالف للجماعــة" وحــديث‪" :‬مــن مــات ولــيس فــي عنقــه بيعــة مــات ميتــة جاهليــة"‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪218‬‬

‫وحديث‪ " :‬من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلـع ربقـة اإلسـالم مـن عنقـه إال أن يراجـع"‬

‫وتســا ل الــبعو هــل يصــح أن يوجــد المســلم بغيــر جماعــة؟ وهــل يعنــي خروجــه عــن‬ ‫الجماعــة خروجــه عــن الملــة؟ وتســا ل آخــرون هــل إذا عمــل الشــخا فــي منئمــة‬

‫معروف أنها تتعارو مع ما يقرره اإلسالم أو أنها تعمل لمحاربة جماعة اإلسالم فهل‬

‫يحكم له باإلسالم؟‬ ‫اإلجابة‪:‬‬

‫الذ عنينا بالرد عليه في بحثنا بيـان حكـم الجاهـل بضـرورة لـزوم الجماعـة وبضـرورة‬

‫أيضا حكم المخالف لنا في فهم معنى البيعـة ومعنـى لـزوم الجماعـة أو معنـى‬ ‫البيعة‪ ،‬و ً‬ ‫الجماعـة ذاتهــا وأنـه ال يجــوز لنـا أن نــتهم غيرنـا بــالكفر فـي غيــر األحـوال التــي يثبــت‬

‫فيها حكم الكفر شر ًعا ويقي ًنا على الشخا‪ ،‬وقد أسلفنا القاعدة التي وضـعها مؤسـس‬ ‫الجماعة رضي اهلل عنه في البند العشـرين مـن رسـالة التعـاليم كمـا أوضـحنا السياسـة‬ ‫التي التزمتها الجماعة من أنها تقرر األحكام الشرعية‪ ،‬ولكنها ال تنصب نفسها قاضية‬

‫لتحكم على األفراد‪.‬‬ ‫وزيادة في اإليضا نقول بعون اهلل إن الجماعة التي ورد ذكرها في األحاديث المشار‬ ‫إليهــا فــي الســؤال قـــد وردت معرفــة بــأل العهديــة والعلميـــة‪ ،‬فخــر بــذلك مــن مفهـــوم‬

‫النصــوا أن يكــون المقصــود أيــة جماعــة مــن المســلمين‪ ،‬وانمــا المقصــود جماعــة‬

‫خاصة معينة لها شروطها وأحكامها‪.‬‬

‫وهناك اختالف كبير بين الفقها في بيان الجماعة وشروطها وأحكامها ومعنـى البيعـة‬

‫وحكم من لم يبايع‪.‬‬

‫ومـن المســلم بــه أن جماعــة اإلخـوان المســلمين‪ ،‬مـع إيمانهــا الكامــل أنهــا قامــت علــى‬

‫الحق ويقينها الذ ال شك فيه أن دعوتها دعوة حق خالصة أمـر اهلل بهـا أمـر وجـوب‬

‫والزام فإن المؤكد أن االختيار الفقهي لمؤسسها لم يكن النئر إليهـا باعتبارهـا جماعـة‬ ‫المســـلمين المقصـــودة فـــي األحاديـــث‪ ،‬وانمـــا هـــي داعيـــة بعـــون اهلل لتحقيـــق جماعـــة‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪219‬‬

‫المسلمين‪ ،‬يؤكد ذلك أن مؤسس الجماعة رضي اهلل عنه قد اعترف طـوال فتـرة قيادتـه‬ ‫للجماعة وجميع صحبه الذين آزروه واجتمعوا معه على دعوته قـد اعترفـوا لغيرهـا مـن‬

‫الجماعــات بأنهــا جماعــات إســالمية كمــا اعترفـوا بصــفة المســلم لمــن لــم يكــن منضـ ًـما‬ ‫لجماعة اإلخوان المسلمين أو فصل منها‪.‬‬

‫وقد قرر اإلمـام الشـهيد فصـل وكيلـي الجماعـة السـابقين وعشـرات غيرهـا كـان بعضـهم‬

‫أعضا بمكتب اإلرشاد والهي ة التأسيسية ولم يكن قد نسب ألحدهم أنه أتـى عمـالً أو‬

‫قال قوالً ارتد به عن اإلسالم‪ ،‬وال زعم أحد أنهم بفصـلهم مـن الجماعـة قـد أخرجـوا مـن‬

‫اإلسالم – وبعد اإلمام الشهيد صدق مكتب اإلرشاد والهي ة التأسيسية على فصل عدد‬

‫عضـوا بمكتـب اإلرشـاد أكثـر مـن‬ ‫غير قليل من أعضا كانوا بالجماعة مـنهم مـن كـان‬ ‫ً‬ ‫مرة ومـنهم مـن تـولى مراكـز قياديـة فـي الجماعـة وأنئمتهـا‪ ،‬وكـان القـول الصـريح مـن‬ ‫قيادة الجماعة في هذه المناسبات أن المفصولين مسلمون معصومو الدم والمال ترجو‬ ‫الجماعــة لهــم أن يخــدموا اإلســالم بمجهــوداتهم الفرديــة وبأســاليبهم الخاصــة بعــد أن‬ ‫استعصــى علــيهم تــوطين أنفســهم علــى نئــام الجماعــة وااللتـزام بمفهوماتهــا وبرامجهــا‬

‫ومناهجها‪.‬‬ ‫وفي رسالة المؤتمر الخامس لجماعة اإلخـوان المسـلمين يقـول اإلمـام الشـهيد‪" :‬ولعـل‬

‫من تمام هذا البحث أن أعرو لموقف اإلخوان المسلمين من الخالفة وما يتصل بها‪،‬‬

‫وبيــان ذلــك أن اإلخـوان يعتقــدون أن الخالفــة رمــز الوحــدة اإلســالمية ومئهــر االرتبــاط‬ ‫بـين أمــم اإلســالم وأنهــا شــعيرة إســالمية يجــب علــى المســلمين التفكيــر فيهــا واالهتمــام‬

‫بهـا‪ ،‬ويــري اإلخـوان أن األحاديــث التــي وردت فـي وجــوب تنصــيب اإلمـام وبيــان أحكــام‬

‫اإلمامة ال تدع مجاالً للشك في أن من واجب المسلمين أن يهتمـوا بـأمر خالفـتهم منـذ‬

‫تمام إلى ارن‪ ،‬واإلخوان المسلمون لهذا يجعلـون فكـرة‬ ‫حورت عن مناهجها‪ ،‬ثم ألغيت ً‬ ‫الخالفة والعمل إلعادتها في رأس مناهجهم وهم مع هـذا يعتقـدون أن ذلـك يحتـا إلـى‬ ‫كثيــر مــن التمهيــدات التــي البــد منهــا وأن الخطــوة المباشــرة إلعــادة الخالفــة البــد أن‬

‫تسبقها خطوات‪.‬‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪211‬‬

‫أما التساؤالت عما إذا كان يصح للمسلم أن يوجد بغير جماعة فاإلجابة أننـا سـبق أن‬

‫قلنا إن المراد بالجماعة الواردة في األحاديـث السـالف اإلشـارة إليهـا لـيس أيـة جماعـة‬

‫وانمــا جماعــة خاصــة لهــا أحكامهــا وشــروطها فمــن وجــد فــي إحــدي الجماع ـات تلــك‬ ‫األحكام والشروط واعتقـد أنهـا الجماعـة المقصـودة باألحاديـث لزمـه أن يـدخلها ويعمـل‬

‫فيها وان كان اعتقاده هذا ليس حجة على غيره ممن ال يرون في الجماعة التي دخـل‬

‫فيهــا هــذا الـرأ – وعلــى أ حــال فــأمر اهلل لنــا بالتعــاون علــى البــر والتقــوي يتضــمن‬ ‫التآلف في جماعة لتنفيـذ أمـر اهلل‪ ،‬إذ االنتئـام فـي جماعـة ضـرورة يقتضـيها التعـاون‬

‫المأمور به لتحقيق المقصود المطلوب شر ًعا وقد أسلفنا بيان أنه قد ورد في األحاديث‬ ‫النبويـة الشــريفة التنبــؤ أنـه يــأتي علــى المسـلمين زمــان ال يكــون لهـم جماعــة فيــه وال‬

‫إمام وأن ذلك ال ينفي عنهم صفة اإلسـالم وان كـان ذلـك بطبيعـة الحـال ال يعفـيهم مـن‬ ‫فرو المجاهدة لتحقيق الجماعة وتنصيب اإلمام‪.‬‬

‫أما الذ يعمل في منئمة تحارب اإلسالم والمسلمين فهو متول للكافرين – وليس من‬

‫اهلل فــي شــي – وتلــك قاعــدة عامــة أمــا تطبيقهــا علــى األفــراد فيحتــا إلــى تحقيــق‬ ‫واستيضاحات قلما تتوافر لغير ذ سلطة ما لم تكن المنئمة متبر ة من اإلسالم جملة‬ ‫بحيث ال يشـتبه علـى أحـد أنهـا خارجـة علـى اإلسـالم محاربـة لـه – ونكـرر القـول أننـا‬

‫دعاة ولسنا قضاة‪.‬‬ ‫انتهى‬ ‫السؤال السابع‪:‬‬ ‫تماما مع البعد عن شـريعة اهلل‪ ،‬ألـيس ذلـك معنـاه‬ ‫إذا كان واقع الناس وئاهرهم متفقًا ً‬ ‫اعتقاديا‪ ،‬فدليل اإليمان والعمـل بـه‪ ،‬والقا ـل بهـذا الـرأ يستشـهد باريـة‬ ‫أن هناك خلالً‬ ‫ً‬ ‫ـون ِبـ ِ‬ ‫ـاهلل و َّ‬ ‫وه ْم أ َْولِ َيــا َ ﴾ فجعــل تعــالى‬ ‫ـي َو َمــا أُْنـ ِـز َل إَِل ْيـ ِـه َمــا اتّ َخ ـ ُذ ُ‬ ‫الن ِبـ ِّ‬ ‫﴿ َوَلـ ْـو َكــا ُنوا ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬ ‫مترتبا على عدم إيمانهم دليالً عليه‪.‬‬ ‫اتخاذهم أوليا‬ ‫ً‬ ‫اإلجابة‪:‬‬ ‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


‫‪211‬‬

‫ونقــول بعــون اهلل أن لــو فــرو جــد ًال صــحة القــول بــأن الخــرو أو البعــد عــن أحكــام‬ ‫الشريعة دليل على وجود خلل اعتقاد لدي الخار ‪ ،‬فإن َّ‬ ‫مرد الحكم على الخار ليس‬

‫إلى آرا نا‪ ،‬ولكن ما حكم اهلل أن الخرو عن أحكام الشـريعة فيـه دليـل علـى أن الخلـل‬

‫كـافرا مشـرًكا‪ ،‬قلنـا نحـن بحكـم‬ ‫حدا يجعل الخـار‬ ‫ً‬ ‫االعتقاد قد بلا ً‬ ‫مرتـدا عـن اإلسـالم ً‬ ‫مرتـدا وأنـه بـاق لـه‬ ‫اهلل فيه‪ ،‬أما من حكم اهلل بأن بعده أو وخروجـه عصـيان ال يجعلـه‬ ‫ً‬

‫حكم اإلسالم‪ ،‬فواجب علينـا أن نحكـم بحكـم اهلل فيـه‪ ،‬وال يجـوز لنـا أن نبتـدع مـن عنـد‬

‫حكما آخر إال كنا نحن الحاكمين بغير ما أنزل اهلل وهذا بذاتـه موضـوع التفرقـة‬ ‫أنفسنا ً‬ ‫بين المعاصي التي ال تكفـر صـاحبها وال تخرجـه عـن الملـة‪،‬وتلك التـي تخـر صـاحبها‬

‫مرتدا‪ ،‬وقـد سـبق اسـتيفا ذلـك بالبحـث مـع وضـو أن هـذه األحكـام‬ ‫عن الملة ويعتبر ً‬ ‫تكون بالنسبة لكل فرد بذاته وليس على عامة الناس بجملتهم‪..‬‬ ‫تم بحمد اهلل‬

‫موقع مصر أوالً ‪www.egypt1.info‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.