aqwas 3adad 2

Page 1

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫ملحق فصلي جمللة (كةوانة)‬ ‫صاحب األمتياز‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫مدير التحرير‬

‫ساالر عمر نوري‬ ‫معتصم جنم الدين‬ ‫آوات حممد أمني‬

‫هيئة التحرير ‪ :‬جنم الدين فقي عبداهلل‬ ‫عبدالرمحن كريم درويش‬

‫املدير الفين‬ ‫آزر عثمان‬

‫مسؤول املكتب فى اوروبا ‪ :‬نهاد القاضي‬ ‫‪0031627621171 - 009647508606740‬‬ ‫‪E-mail:alkadi13@hotmail.com‬‬

‫نسخة‬

‫‪1000‬‬

‫السعر ‪2500‬‬

‫طبع‬

‫مطبعة كارو‬


‫أقواس‬


‫المحتويات‬ ‫اإلفتتاحية‬ ‫أ ‪.‬د‪ .‬كاظم حبيب‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬حسني عبد علي عيسى‬ ‫أ‪.‬م ‪.‬د‪ .‬جالل كريم رشيد اجلاف‬ ‫د‪.‬عبد الرزاق حممود القيسـي‬ ‫يوسف يوسف‬ ‫أمحد حيدر علي‬ ‫عزيز ياور‬ ‫بسار شالي‬ ‫أ‪.‬م ‪.‬د‪ .‬شريزاد أمحد أمني النجار‬ ‫د‪ .‬أمحد حممود اخلليل‬ ‫أمحد خليل ابراهيم‬ ‫د‪ .‬حسام الدين علي جميد‬ ‫أ‪.‬م ‪.‬د‪.‬كريم اجلاف‬ ‫أميـره عبـداهلل اجلـاف‬ ‫ريبه ر كوران مصطفى‬ ‫د‪.‬حسن حسني صديق‬

‫سطور من الذاكرة اجلرحية‬ ‫مرور ربع قرن على إرتكاب الدكتاتورية البعثية‪...‬‬ ‫دراستان حول جرائم اإلبادة اجلماعية‬ ‫مفهوم اجلرائم ضد اإلنسانية‬ ‫االقتصاد يف إقليم كوردستان‬ ‫( اللغة واهلوية – املقدس الكردي)‬ ‫الثورة الكوردية يف كوردستان العراق‬ ‫كوردستانية خانقني حقيقة يبصم هلا التاريخ‬ ‫أهم احلروب اليت خاضها أهالي العمادية (آميدي)‬ ‫آراء يف التنمية واإلصالح السياسي‪ :‬إقليم كوردستان‬ ‫حضارة كوزانا ُ‬ ‫(غوزانا) ‪ Guzana‬الكردستانية‬ ‫العالقات الصينية ‪ -‬اهلندية وأبعادها الدولية واإلقليمية‬ ‫ٍاحلوار اإلسالمي ‪ -‬املسيحي‪ٌ :‬‬ ‫قراءة يف املاه ّية واألهداف‬ ‫هيدغر و اشكالية تأويل العمل الفين‬ ‫دراسة نظرية يف مفهوم اإلعالم املتخصص‬ ‫أشكال الربامج لإلذاعة الرقمية‪ ..‬الباحث‬ ‫(احلتمية والالحتمية يف فلسفة العلم عند كارل بوبر)‬

‫‪6‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪158‬‬ ‫‪175‬‬ ‫‪194‬‬ ‫‪200‬‬ ‫‪205‬‬ ‫‪237‬‬ ‫‪259‬‬ ‫‪272‬‬ ‫‪297‬‬ ‫‪335‬‬


‫اإلفتتاحية‬


‫أقواس‬

‫‪6‬‬

‫سطور من الذاكرة اجلرحية‬ ‫بقلم مدير التحرير‬ ‫مع ربيع كل عام تتجدد ذكرى ابشع اجلرائم اليت ارتكبت حبق الشعب الكردي يف كردستان العراق‬ ‫واليت متثلت يف استخدام االسلحة الكيميائية وخاصة يف مدينة حلبجة يف ‪ 16‬آذار ‪ 1988‬والقيام حبمالت‬ ‫االنفال السيئة الصيت يف العام نفسه‪ .‬لقد كتب الكثري عن تلك اجلرائم وما حصدتها من ارواح عشرات‬ ‫االالف من املواطنني االبرياء العزل وما خلفته من دمار وخراب وآثار نفسية وبيئية مازالت قائمة‪،‬‬ ‫لكننا ويف جملة (اقواس) ارتأينا ان نقف وقفة استذكار وقراءة متأنية وذلك من خالل نشر ملف‬ ‫خاص بتلك اجلرائم اليت ارتكبت قبل مخسة وعشرين عاما‪ .‬مبا ان اهلدف االساس من اصدار ملحق‬ ‫عربي جمللة (كةوانة) يتمثل بتعزيز آليات التواصل الثقايف والفكري بني الكرد وغريهم وخاصة‬ ‫الناطقني بالعربية‪ ،‬فان احلديث عن املآسي اليت حلقت بالشعب الكردي يعترب جزءا من عميلة‬ ‫التعريف بالتاريخ املعاصر هلذا الشعب‪ .‬لقد بدا واضحا بان عمليات االنفال وفاجعة حلبجة كانتا‬ ‫تطبيقا ممنهجا لسياسة عنصرية بنيت على ايديولوجية فاشية تبناها حزب البعث بقيادة صدام‬ ‫حسني الذي حكم العراق الكثر من ثالثة عقود‪ .‬اليوم وبعد ان انكشفت جرائم النظام البائد اىل‬ ‫املأل و عوقب بعض من مرتكبيها الرئيسيني وبدات الربملانات واحلكومات االوربية تتحدث وتتحقق‬ ‫فيها وبعضها اعرتف بها كجرائم ضد االنسانية وجرائم ابادة مجاعية‪ ،‬لكن مع ذلك مازال هناك‬ ‫الكثري من اجلوانب املتعلقة باالبعاد االنسانية والسياسية لتلك اجلرائم وما رافقتها من تداعيات‬ ‫حباجة اىل الوقوف عندها وقراءتها بتمعن ملا هلا من اهمية يف فهم مالبسات االحداث والنتائج اليت‬ ‫افرزتها‪ .‬من الواضح بان استذكار املآسي لدى الشعوب ال حيدث دون استحضار الوقائع والظروف اليت‬ ‫رافقت االحداث واملآسي وقد يكون ذلك من خالل متثالت احلدث التارخيي او السرد الدرامي كما‬ ‫تفعل طائفة الشيعة يف ايام عاشوراء من كل عام او كما تفعل امم العامل املتحضر عند التذكري مبآسي‬ ‫حروب االبادة اجلماعية اليت شهدتها وخاصة االرمن واليهود‪ .‬اول ما يبادر اىل اذهان الكرد عند‬ ‫استذكارهم جرائم البعث يف ‪ 1988‬ويبعث فيهم مشاعر احلزن واالسى هو الصمت العربي و االسالمي‬ ‫وحتى الدولي الذي رافق تلك اجلرائم البشعة‪ .‬كذلك اليوم وبعد مرور ربع قرن على تلك اجلرائم‬ ‫تبقى هناك تساؤالت حية ومربرة تطرح نفسها بقوة يف ظل عالقات اجتماعية تتحكم بها متغريات‬ ‫االحداث والتطورات السياسية ومن بني اهم تلك التساؤالت نشري اىل‪ ،‬هل انتهت العقلية اليت ارتكبت‬ ‫تلك اجلرائم ام هل انقضى زمن االيديولوجيات الشمولية اليت تنتج التعصب والعنف؟ فمن الواضح‬ ‫باننا و بعد عشر سنوات من سقوط النظام البعثي يف العراق ما زلنا جند تيارات سياسية تنتهج‬ ‫التطرف والعنف و تؤمن بضرورة الغاء اآلخر من اجل استمرارها يف البقاء سواء كانت حتت غطاء‬ ‫ديين ام احياء الرتاث الفاشي حلزب االبعث املنهار‪ .‬لذا يبقى السؤال الكردي مشروعا حول امكانية‬


‫تكرار تلك اجلرائم و املآسي يف ظل غياب مبادرات او نوايا صادقة تهدف اىل مصاحلة وطنية‬ ‫واجتماعية حقيقية مبنية قبل كل شيء على تقديم اعتذار رمسي من الدولة العراقية ملا‬ ‫ارتكب بإمسها من جرائم حبق املواطنني الكرد كما حبق الشعبني االيراني و الكوييت و ابداء‬ ‫االلتزام الرمسي بادانة تلك اجلرائم والتعهد بعدم تكرارها مع العمل اجلاد مبعاجلة آثارها‬ ‫وتبعاتها القانونية‪.‬‬ ‫ال خيفى على احد بان سقوط نظام صدام يف ‪ 2003‬قد اعقبه اجياد فضاء من حرية التعبري‬ ‫واالعالم باالضافة اىل حرية العمل السياسي‪ .‬فهناك املئات من القنوات االعالمية ومنها‬ ‫العشرات من الفضائيات العراقية تعمل داخل وخارج البلد حبرية وهي متثل اجتاهات‬ ‫وتيارات اجتماعية ومذهبية و سياسية وتعكس رؤى وافكار خمتلفة ولكن ما حيزن الكردي‬ ‫هو استمرار الصمت والتجاهل عند اكثرية القنوات اإلعالمية عندما نستذكر تلك اجلرائم‬ ‫كل عام ويشعر الكردي بانه مازال يداوي جراحاته وحيدا‪ .‬على سبيل املثال ال احلصر فان‬ ‫بعض وسائل اإلعالم و الفضائيات اليت تؤكد بانها تعكس رؤى وتطلعات قومية معينة مل‬ ‫تهتم اصال بكل جمريات احملاكمات اليت استهدفت مرتكيب جرائم االنفال وحلبجة واملقابر‬ ‫اجلماعية كما انها ال تكن اي احرتام حتى لضحايا النظام البعثي و ذويهم عندما تتحدث‬ ‫بشيء من االعجاب وحتى التمجيد ألفكار وسياسيات النظام البعثي البائد والقرارات‬ ‫الالإنسانية للدكتاتور السابق‪ .‬فاننا ما زلنا نسمع اصواتا تشكك يف حقيقة املقابر اجلماعية‬ ‫وتذكر بان ايران هي اليت استخدمت االسلحة الكيميائية يف حلبجة وال تتوانى يف الدفاع عن‬ ‫الكثري من رموز النظام السابق الذين ادينوا جبرائم ضد اإلنسانية وصدرت حبقهم احكام‬ ‫قضائية‪ .‬ان استذكار املاضي بافراحه واتراحه حالة طبيعية ميارسها الناس على خمتلف‬ ‫مذاهبهم ومشاربهم ولكن السؤال الذي مل يهتم به الكثريون هو الغاية من االستذكار‪ .‬فيا‬ ‫ترى هل الغاية هي شحن ذاكرة االجيال باحلقد واالنتقام وكأن يوما مل ميضي على الزمن‬ ‫الذي حدثت فيه املأساة؟ ام استنباط الدروس والعرب الضرورية لتفادي تكرارها والعمل على‬ ‫بناء جيل مؤمن بالتعايش السلمي فيما بينه ومع غريه؟! مع االسف فان ما حيدث يف العراق‬ ‫وحتى يف احمليط االقليمي‪ ،‬وخاصة بعد زوال االنظمة الدكتاتورية يف عدد من دوهلا‪ ،‬ال يبشر‬ ‫بغد موعود لشعوبها مع ازدياد ظاهرة التطرف والعنف و غياب السلم االجتماعي والتوجه‬ ‫حنو تفكك الدولة وهيمنة النخب السياسية اليت ال تؤمن بالتعددية وال حترتم مباديء حقوق‬ ‫االنسان‪ .‬فهناك من يرون مصلحة يف احياء روح العداء القومي واملذهيب بني ابناء البلد الواحد‬ ‫وجيدون يف استغالل املناسبات القومية والدينية فرصة لنشر ثقافة الكراهية واالنتقام بدال‬ ‫من ثقافة التعايش السلمي والتسامح‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪8‬‬

‫مرور ربع قرن عىل إرتكاب الدكتاتورية‬ ‫البعثية لجرائم اإلبادة الجامعية وضد اإلنسانية‬ ‫(جينوسايد) األنفال بإقليم كردستان العراق‬ ‫[يف الذكرى الحزينة]‬ ‫كاظم حبيب‬


‫منذ أن أُحلقت والي��ة املوصل‪ ،‬بعد أن كانت‬ ‫خاضعة للدولة العثمانية حتى العام ‪1918‬‬ ‫إذ أصبحت منذ نهاية احل��رب العاملية األوىل‬ ‫حتت االحتالل الربيطاني‪ ،‬بالدولة العراقية‬ ‫امللكية احلديثة يف العام ‪ 1926‬وف��ق قرار‬ ‫جملس عصبة األم��م‪ ،‬واجه الشعب الكردي يف‬ ‫إقليم كردستان العراق سياسات قومية ميينية‬ ‫شوفينية وعمليات عسكرية أجهزت على أرواح‬ ‫الكثري من الكرد وخربت العديد من املنازل‬ ‫بفعل القصف اجلوي‪ ،‬إضافة إىل التهميش وعدم‬ ‫االستفادة من إيرادات املوارد األولية املتوفرة يف‬ ‫اإلقليم ومنها النفط اخلام املستخرج واملصدر‬ ‫والغاز املصاحب الذي كان حيرق ً‬ ‫دوما‪ ،‬وكذلك‬ ‫ختريب بعض املناطق الكردية‪ ،‬وخاصة األرياف‬ ‫والقرى الفالحية والغابات‪ ،‬وكان املفروض على‬ ‫أساس االتفاق الذي مت بني امللك فيصل األول‬ ‫واحلكومة من جهة وجملس عصبة األمم من‬ ‫جهة أخرى أن مينح الشعب الكردي الكثري من‬ ‫احلقوق املشروعة والعادلة دون أن تتحقق له‪.‬‬ ‫لقد ناضل الشعب الكردي مع الشعب العربي‬ ‫ضد سياسات النظام امللكي وقامت الثورة ضد‬ ‫هذا النظام بسبب التمييز والتهميش وغياب‬ ‫احلريات الدميقراطية ومصادرة احلياة احلزبية‬ ‫ومنظمات اجملتمع املدني واتساع البطالة والفقر‬ ‫وع��دم امل��س��اواة ووج��ود كثرة من احملكومني‬ ‫ً‬ ‫سياسيا يف السجون وكثرة من املوقوفني يف‬ ‫املعتقالت‪..‬اخل‪.‬‬ ‫ويف العهد اجلمهوري األول‪ ،‬ورغ��م االع�تراف‬ ‫بشراكة الكرد مع العرب يف الوطن الواحد‪،‬‬ ‫ولكن باملمارسة العملية مل مينح الشعب الكردي‬ ‫حقوقه القومية املشروعة اليت ناضل من أجلها‬

‫طويال‪ ،‬كما تعرض لعمليات عسكرية واسعة‬ ‫يف العام ‪ 1961‬مما أدى إىل انطالق ثورة أيلول‬ ‫يف نفس ال��ع��ام‪ .‬وبسبب ع��دم التحول صوب‬ ‫اجملتمع املدني الدميقراطي والدولة الدستورية‬ ‫والربملانية واالستجابة إلرادة الشعب‪ ،‬جتمعت‬ ‫الكثري م��ن العوامل السلبية ون��ش��أت جبهة‬ ‫معادية حلكومة عبد الكريم قاسم ومضامني‬ ‫الثورة الوطنية اليت قادت إىل سقوط اجلمهورية‬ ‫األوىل بانقالب قومي شوفيين واغتيال قادة‬ ‫ال��ث��ورة ومنهم عبد الكريم قاسم يف العام‬ ‫‪ .1963‬بعدها تعرض الكرد حملنة جديدة‬ ‫على أي��دي البعثيني والقومني ال��ع��رب‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذل��ك ب��دء القتال من جانب احلكومة ضد‬ ‫الشعب الكردي‪ .‬ثم جاءت اجلمهورية الثالثة‬ ‫ذات الوجهة القومية اليمينية الشوفينية اليت‬ ‫شنت احلرب ضد الشعب الكردي إليقاف نضاله‬ ‫املشروع والعادل من أجل حقوقه القومية يف‬ ‫العام ‪ 1965‬و‪.1966‬‬ ‫وإذ حتمل الشعب الكردي الكثري من التضحيات‬ ‫البشرية واملادية خالل نضاالته ألكثر من أربعة‬ ‫عقود يف ظل امللكية والعهد اجلمهوري بسبب‬ ‫السياسات الشوفينية والرجعية للحكومات‬ ‫املركزية ببغداد‪ ،‬فإن القوات النظامية خسرت‬ ‫الكثري من اجلنود وامل��وارد املالية دون أن تعي‬ ‫تلك احلكومات املتعاقبة أهمية حصول الشعب‬ ‫الكردي على حقوقه وإرساء دعائم األخوة بني‬ ‫املكونات القومية للشعب العراقي والكف عن‬ ‫التفكري باحلرب ومصادرة احلقوق‪.‬‬ ‫ولكن ما تعرض له الشعب ال��ك��ردي يف ظل‬ ‫البعث‪ ،‬الذي وصل إىل السلطة يف انقالب القصر‬ ‫اجلمهوري يف العام ‪ 1968‬يفوق كل العذابات‬ ‫‪9‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪10‬‬

‫وآآلالم واخلسائر البشرية واملادية اليت حصلت‬ ‫خالل العقود السابقة واملرارات اليت ذاقها الشعب‬ ‫وسقوط عدد من الشهداء من أبناء هذا الشعب‪.‬‬ ‫لقد أجرب نضال الشعب الكردي بالتضامن مع‬ ‫القوى الدميقراطية العراقية حكومة البعث‬ ‫يف العام ‪ 1970‬على االعرتاف بوجود القومية‬ ‫الكردية وحقوق الشعب الكردي واملوافقة على‬ ‫إقامة احلكم الذاتي على أرض كردستان العراق‪،‬‬ ‫والذي جتلى يف بيان أذار ‪ .1970‬ومل يك هذا‬ ‫صميميا وأص ً‬ ‫ً‬ ‫��ي�لا‪ ،‬بل ج��اء نتيجة‬ ‫االع�ت�راف‬ ‫اخلشية من تعرض نظام البعث إىل االهتزاز‬ ‫والسقوط وه��و يف ب��داي��ة وص��ول��ه الثاني إىل‬ ‫السلطة‪.‬‬ ‫ك��ان��ت اإليديولوجية القومية اليمينية‬ ‫والشوفينية اليت ترتقي إىل مستوى العنصرية‬ ‫يف املوقف من القوميات والشعوب األخرى قد‬ ‫برزت وتكرست منذ التأسيس األول يف العام‬ ‫‪ 1948/1947‬يف مبادئ وسياسات وممارسات‬ ‫وأه��داف حزب البعث العربي االشرتاكي‪ ،‬ومن‬ ‫ثم يف سياسات ومواقف وسلوك دولته اجلديدة‬ ‫وسلطته السياسية وقادته‪ .‬فالذهنية العسكرية‬ ‫والتطلع للهيمنة والتوسع على حساب الغري‬ ‫والتمسك بالعنف واحلرب باعتبارهما الطريق‬ ‫لتأمني األه���داف كانت السياسة ال�تي ميزت‬ ‫وج��ود البعث يف السلطة طيلة نيف وثالثة‬ ‫عقود من السنني‪.‬‬ ‫مل مي��ض وق��ت طويل على ال��ب��دء بتطبيق‬ ‫احلكم الذاتي يف أغلب حمافظات إقليم كردستان‬ ‫حتى ب��دأ البعث يتآمر على الشعب الكردي‬ ‫وعلى احلكم الذاتي وعلى احلركة التحررية‬ ‫الكردية بشكل ع��ام وال�تي جتلت يف البداية‬

‫مبحاولة فاشلة الغتيال املال مصطفى البارزاني‬ ‫قائد الثورة الكردية والشعب الكردي بتاريخ‬ ‫‪ ،1971/9/29‬ومن ثم يف اهلجوم على الشعب‬ ‫الكردي وخوض معارك دموية يف العام ‪.1974‬‬ ‫وانتهى ذلك بعقد اتفاقية اجلزائر بني العراق‬ ‫وإيران يف العام ‪ 1975‬برعاية الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية وإسرائيل‪ ،‬اليت قادت إىل انهيار سريع‬ ‫وشديد للحركة الكردية الوطنية املسلحة‬ ‫ً‬ ‫مؤقتا‪ .‬إذ سرعان ما نهضت وب��دأت كفاحها‬ ‫الوطين والقومي املسلح وبقوى أكثر وأوسع‬ ‫واشد عزمية على النضال‪.‬‬ ‫مل مت��ض ف�ترة طويلة على ذل��ك حتى بدأ‬ ‫النظام الدكتاتوري حربه العدوانية ضد الشعب‬ ‫اإليراني يف العام ‪ ،1980‬وك��ان قبل ذاك قد‬ ‫بدأ خبوض املعارك ضد قوات احلركة الكردية‬ ‫املسلحة املتمثلة بقوات البيشمركة الكردية‬ ‫التابعة لعدد من األحزاب الكردستانية‪ ،‬إضافة‬ ‫إىل تشكيل احل��زب الشيوعي العراقي لقواته‬ ‫األنصارية والتحاقها باحلركة الوطنية املسلحة‬ ‫باإلقليم ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫وبسبب احلرب مع إيران خسر الشعب العراقي‬ ‫والشعب اإليراني مئات ألوف القتلى واجلرحى‬ ‫وامل��ع��وق�ين وم��ئ��ات امل��ل��ي��ارات م��ن ال���دوالرات‬ ‫األمريكية وتدمري البنية التحتية والكثري من‬ ‫املشاريع االقتصادية‪ ،‬إذ استمرت احلرب طوال‬ ‫مثاني سنوات عجاف‪ .‬وقبل نهاية هذه احلرب‬ ‫اجملنونة مل يكف النظام الدكتاتوري عن شن‬ ‫هجماته العسكرية ض��د ق��وات البيشمركة‬ ‫واألنصار وخيوض املعارك ضدها‪ .‬وكان اهلدف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وسياسيا من تلك املعارك‬ ‫إيديولوجيا‬ ‫احملدد‬ ‫العدوانية ليس احلركة الكردية املسلحة فحسب‪،‬‬


‫بل وجممل احلركة الكردية التحررية والشعب‬ ‫الكردي‪ .‬وقد بدأت أشرس تلك العمليات يف‬ ‫ربيع العام ‪ 1987‬حني وجه النظام أسلحته‬ ‫الكيماوية ضد قرى ونواحي كردستانية‪،‬‬ ‫كما حصل يف اهلجوم باألسلحة الكيماوية على‬ ‫كل من سركلو وبركلو‪ ،‬ويف اليوم التالي‪ ،‬أي‬ ‫يف ‪ ،1987/4/16‬قامت القوات النظامية‬ ‫احلكومية بقصف قرى باليسان‪ ،‬شيخ وسان‪،‬‬ ‫حيث استشهد الكثري من املواطنات واملواطنني‬ ‫الكرد وجرح عدد أكرب‪ .‬وكانت هذه العمليات‬ ‫هي البداية ملا حصل يف شباط‪/‬فرباير من العام‬ ‫‪ 1988‬حيث بدأت عمليات األنفال اإلجرامية‬ ‫بأبشع ص��وره��ا وأك��ث��ر فاشية وعنصرية‬ ‫ودموية‪ .‬تضمنت العمليات األنفالية يف مثاني‬ ‫مراحل استمرت طوال تسعة شهور‪ ،‬وكانت‬ ‫على النحو التالي‪:‬‬ ‫«* األن��ف��ال األوىل‪ :‬منطقة السليمانية‪،‬‬ ‫حماصرة منطقة (سركه لو) يف ‪ 23‬شباط‬ ‫لغاية ‪ 19‬مارت‪.1988/‬‬ ‫* األنفال الثانية‪ :‬منطقة ق��رداغ‪ ،‬بازيان‬ ‫ودربندخيان يف ‪ 22‬مارت لغاية ‪ 1‬نيسان‪.‬‬ ‫* األنفال الثالثة‪ :‬منطقة كرميان‪ ،‬كالر‪،‬‬ ‫باونور‪ ،‬كفري‪ ،‬دووز‪ ،‬سنكاو‪ ،‬قادر كرم‪ ،‬يف ‪20‬‬ ‫نيسان من نفس العام‪.‬‬ ‫* األن��ف��ال ال��راب��ع��ة‪ :‬يف ح��دود سهل (زي��ي‬ ‫جب��وك) أي مبعنى منطقة كويه وط��ق طق‬ ‫وآغجلر وناوشوان‪ ،‬يف ‪ 3‬مايس اىل ‪ 8‬مايس‪.‬‬ ‫* األن��ف��ال اخلامسة والسادسة والسابعة‪:‬‬ ‫حميط شقالوة وراوندز يف ‪ 15‬مايس ولغاية‬ ‫‪ 26‬آب‪.‬‬ ‫األنفال الثامنة‪ :‬املرحلة األخ�يرة‪ ،‬منطقة‬

‫بادينان‪ ،‬آميدي‪ ،‬آكري‪ ،‬زاخو‪ ،‬شيخان‪ ،‬دهوك‪،‬‬ ‫يف ‪ 25‬آب ولغاية ‪ 6‬ايلول من نفس العام‪».‬‬ ‫(راج��ع‪ :‬جريدة االحت��اد‪« .‬األن��ف��ال‪ ..‬مرحلة‬ ‫متقدمة من اإلبادة اجلماعية (اجلينوسايد)‬ ‫اليت تعرض هلا شعب كردستان»‪،‬‬ ‫بقلم ساالر حممود‪ /‬رئيس اللجنة القانونية‬ ‫يف برملان كردستان)‪.‬‬ ‫استخدم النظام البعثي يف ه��ذه احلمالت‬ ‫اإلبادية أغلب صنوف القوات املسلحة اليت‬ ‫ميكن استخدامها يف املنطقة‪ ،‬إضافة إىل قوات‬ ‫من اجليش الشعيب وأجهزة األمن والشرطة‬ ‫واجلواسيس ومجهرة من اجلحوش الكرد الذين‬ ‫تعانوا مع النظام ضد إرادة وحقوق ومصاحل‬ ‫وحياة بنات وأب��ن��اء شعبهم امل��ق��دام‪ .‬ولكن‬ ‫بشاعة هذه العمليات جتلت يف استخدام السالح‬ ‫الكيمياوي ال��واس��ع لضرب مدينة حلبجة‬ ‫وقتل ما يزيد عن ‪ 5000‬مواطنة ومواطن‬ ‫من خمتلف األعمار بتاريخ ‪،1988/3/16‬‬ ‫أي يف نهاية املرحلة األوىل من هذه احلمالت‪،‬‬ ‫مبن فيهم الشيوخ واملرضى واألطفال الرضع‪،‬‬ ‫إضافة إىل عدد أكرب من هذا بكثري من اجلرحى‬ ‫واملعوقني‪ .‬وتشري املعلومات إىل ما يقرب من‬ ‫‪ 182000‬إنسان قتل أو غيب أو دفن ً‬ ‫حيا‪،‬‬ ‫وهم كلهم من الكرد ما عدا مجهرة صغرية من‬ ‫املسيحيني من سكان املنطقة‪.‬‬ ‫إن اإلجراءات والسياسات واملمارسات الفعلية‬ ‫لنظام البعث الدكتاتوري بقيادة صدام حسني‬ ‫وابن عمه علي حسن اجمليد تؤكد مبا ال يقبل‬ ‫الشك ب��إن ه��ذه العمليات كانت منذ البدء‬ ‫تستهدف القيام بإنهاء حركة التحرر الوطين‬ ‫الكردية وتصفية فعلية للشعب الكردي من‬ ‫‪11‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪12‬‬

‫خالل ارتكاب جرائم اإلب��ادة اجلماعية وضد‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬إنها اجلينوسايد بأبشع صورها وأعلى‬ ‫مستوياتها‪.‬‬ ‫والسؤال الذي ال بد من اإلجابة عليه هو‪ :‬ملاذا‬ ‫تدخل العمليات األنفالية يف إقليم كردستان‬ ‫العراق يف العام ‪ 1978‬و‪ 1988‬من النواحي‬ ‫الفكرية والسياسية والعسكرية والثقافية ضمن‬ ‫املفهوم الدولي جلرائم اجلينوسايد ضد الشعب‬ ‫الكردي؟‬ ‫إن دراس�تي املستمرة جلرائم األنفال تؤكد‬ ‫أنها تتطابق مع األسس الدولية احملددة ملفهوم‬ ‫ومضامني اجلينوسايد يف القانون الصادر بهذا‬ ‫الصدد يف العام ‪ .1948‬وميكن تلخيص اإلجابة‬ ‫عن السؤال بالنقاط التالية‪:‬‬ ‫‪.1‬إن القيادة اليت خططت ونظمت ووجهت‬ ‫لتنفيذ جرائم األن��ف��ال حتمل إيديولوجية‬ ‫ً‬ ‫مناهضة للقوميات‬ ‫شوفينية وعنصر ًية‬ ‫األخ��رى وتؤمن مبمارسة األساليب الفاشية‬ ‫القمعية يف الوصول إىل أهدافها ويف مناهضة‬ ‫القوى املناضلة يف سبيل احلرية والدميقراطية‬ ‫وحقوق اإلنسان واحلقوق القومية العادلة‪.‬‬ ‫‪.2‬وإن ه��ذه القيادة قد خططت ووجهت‬ ‫ون��ف��ذت ه��ذه اجل��رائ��م ب��وض��وح إيديولوجي‬ ‫ع��ن��ص��ري ممنهج وت��ص��م��ي��م ف��اش��ي عنفي‬ ‫للوصول إىل أه��داف حم��ددة هي القضاء على‬ ‫احليوية النضالية للشعب الكردي وعلى إصراره‬ ‫لتحقيق أرادته ومصاحله وحقوقه املشروعة‬ ‫والعادلة واملقرة ً‬ ‫دوليا وفق الئحة األمم املتحدة‪.‬‬ ‫فهي ليست عمليات عفوية بل مع سبق إصرار‬ ‫وتصميم حتى لو انتهت بإبادة مجاعية‪ .‬وميكن‬ ‫لواحدة من الوثائق املهمة التالية يف هذا الصدد‬

‫أن تكشف حقيقة وجوهر ووجهة هذه احلمالت‬ ‫اإلبادية للشعب الكردي‪:‬‬ ‫«قيادة مكتب تنظيم الشمال التاريخ ‪1987‬‬ ‫‪6/‬‬ ‫‪ 1987/6/‬العدد‬ ‫مكتب السكرتارية‬ ‫من ‪ /‬قيادة مكتب تنظيم الشمال إىل‪/‬قيادة‬ ‫الفيلق األول‪/‬قيادة الفيلق الثاني‪/‬قيادة الفيلق‬ ‫اخلامس‬ ‫املوضوع ‪“ /‬التعامل مع القرى احملذورة أمنيا»ً‬ ‫ً‬ ‫رمسيا “لتجميع‬ ‫بالنظر النتهاء الفرتة املعلنة‬ ‫هذه القرى وال�تي سينتهي موعدها يوم ‪21‬‬ ‫حزيران ‪ 1987‬قررنا العمل ابتدا ًء من يوم‬ ‫‪ 22‬حزيران ‪ 1987‬مبا يلي (‪ )1‬نعترب مجيع‬ ‫القرى احمل��ذورة ً‬ ‫أمنيا واليت مل تزل حلد اآلن‬ ‫أماكن لتواجد املخربني عمالء إيران وسليلي‬ ‫اخليانة وأمثاهلم من خونة العراق (‪ )2‬حيرم‬ ‫ً‬ ‫نهائيا “وتعترب‬ ‫التواجد البشري واحليواني فيها‬ ‫منطقة عمليات حمرمة ويكون الرمي فيها‬ ‫حراً “غري مقيد” بأية تعليمات ما مل تصدر من‬ ‫مقرنا (‪ )3‬حيرم السفر منها وإليها أو الزراعة‬ ‫واالستثمار الزراعي أو الصناعي واحليواني‬ ‫وعلى مجيع األج��ه��زة املختصة متابعة هذا‬ ‫املوضوع جبدية كل ضمن اختصاصه (‪ )4‬تعد‬ ‫قيادات الفيالق ضربات خاصة بني فرتة وأخرى‬ ‫باملدفعية والسمتيات والطائرات لقتل أكرب عدد‬ ‫ممكن ممن يتواجد ضمن هذه احملرمات وخالل‬ ‫مجيع األوقات ً‬ ‫ليال ونهاراً وإعالمنا (‪ )5‬حيجز‬ ‫مجيع من يلقى القبض عليه لتواجده ضمن‬ ‫قرى هذه املنطقة وحتقق معه األجهزة األمنية‬ ‫وينفذ حكم اإلعدام مبن يتجاوز عمره (‪)15‬‬


‫سنة داخل صعوداً إىل عمر (‪ )70‬سنة داخل‬ ‫بعد االستفادة من معلوماته وإعالمنا(‪)6( ).‬‬ ‫تقوم األجهزة املختصة بالتحقيق مع من يسلم‬ ‫نفسه إىل األجهزة احلكومية أو احلزبية ملدة‬ ‫أقصاها ثالثة أيام وإذا تطلب األمر حلد عشرة‬ ‫أيام ال بد من إعالمنا عن مثل هذه احلاالت وإذا‬ ‫استوجب التحقيق أكثر من هذه املدة عليهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫برقيا وعن طريق‬ ‫هاتفيا أو‬ ‫أخذ موافقتنا‬ ‫الرفيق طاهر العاني‬ ‫(‪ )7‬يعترب كل ما حيصل عليه مستشارو أفواج‬ ‫ً‬ ‫جمانا‬ ‫الدفاع الوطين أو مقاتلوهم يؤول إليهم‬ ‫ما عدا األسلحة الثقيلة والساندة واملتوسطة‬ ‫أم��ا األسلحة اخلفيفة فتبقى لديهم ويتم‬ ‫إعالمنا بأعداد هذه األسلحة فقط وعلى قيادة‬ ‫اجلحافل أن تنشط لتبليغ مجيع املستشارين‬ ‫وأم��راء السرايا واملفارز وإعالمنا بالتفصيل‬ ‫عن نشاطاتهم ضمن أف��واج ال��دف��اع الوطين‬ ‫مكرر رئاسة اجمللس التشريعي رئاسة اجمللس‬ ‫التنفيذي جهاز املخابرات رئاسة أركان اجليش‬ ‫حمافظو (رؤس���اء اللجان األم��ن��ي��ة) نينوى‪،‬‬ ‫التأميم‪ ،‬دي���اىل‪ ،‬ص�لاح ال��دي��ن‪ ،‬السليمانية‪،‬‬ ‫أربيل‪ ،‬دهوك أمناء سر فروع احملافظات أعاله‬ ‫مديرية االستخبارات العسكرية العامة مديرية‬ ‫األم��ن العامة مديرية أم��ن منطقة احلكم‬ ‫الذاتي منظومة استخبارات املنطقة الشمالية‬ ‫منظومة استخبارات املنطقة الشرقية مدراء‬ ‫أمن حمافظات ‪ -‬نينوى‪ ،‬التأميم‪ ،‬دياىل صالح‬ ‫ال��دي��ن‪ ،‬السليمانية‪ ،‬أرب��ي��ل‪ ،‬ده���وك يرجى‬ ‫اإلطالع والتنفيذ كل ضمن اختصاصه انبؤونا‪.‬‬ ‫(التوقيع) الرفيق علي حسن اجمليد‬ ‫عضو القيادة القطرية ‪ -‬أم�ين سر مكتب‬

‫تنظيم الشمال»‪.‬‬ ‫(‪ 11‬راجع‪ :‬مشال عادل سليم‪ ،‬األنفال فرمان‬ ‫قراقوشي إلب��ادة اجلنس البشري( ‪، ) 2 - 2‬‬ ‫موقع الناس يف ‪ .2006/4/18‬راج��ع ً‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫نصيف الناصري‪ ،‬الفصل السادس‪ ،‬مقدمات‬ ‫إبادة األكراد وتهجريهم وتهديم مدنهم وقراهم‬ ‫‪ ،..‬معركة جبل { أمحد رومي } ليلة ‪/ 1 / 15‬‬ ‫‪ .1988‬املقصود بالقرى احملذورة هنا بالقرى‬ ‫احمل��ظ��ورة ال�تي مينع وج��ود البشر فيها‪ .‬ك‪.‬‬ ‫حبيب )‬ ‫‪.3‬اطلق الدكتاتور صدام حسني على هذه‬ ‫العمليات اس��م األن��ف��ال‪ ،‬وه��ي س��ورة من سور‬ ‫ال��ق��رآن للتغطية على العمليات اإلجرامية‬ ‫لضمان ثالثة أهداف‪:‬‬ ‫أ‌‪.‬إعطاء االنطباع ملن يسمع بالعمليات األنفالية‬ ‫بإنها مقدسة وضد جمموعة من الكفار الذين‬ ‫يستحقون املوت‪.‬‬ ‫ب‌‪.‬وهي قادرة على إقناع اجلهلة من اجلنود‬ ‫املؤمنني واألميني والشوفينيني املتعصبني‬ ‫باستخدام الشدة وعدم الرمحة يف حماربة الكرد‪.‬‬ ‫ت‌‪.‬م��ن��ح اجل��ن��ود والشرطة وم��ن ي��ش��ارك يف‬ ‫القتال مع اجليش النظامي احلق يف ممارسة‬ ‫القتل والسلب والنهب دون حماسبة كما كانت‬ ‫جتري يف احلروب أثناء الفتوح اإلسالمية واليت‬ ‫ترافق كل احلروب‪.‬‬ ‫‪.4‬وقد سبق تنفيذ ه��ذه اجل��رائ��م اخت��اذ‬ ‫النظام الدكتاتوري جمموعة من اإلج��راءات‬ ‫العدوانية لتهيئة األجواء ومستلزمات تنفيذها‬ ‫يف مقدمتها‪:‬‬ ‫أ‌‪.‬التهجري القسري لسكان ك��رد من مناطق‬ ‫سكناهم وقراهم ومدنهم الكردية إىل مناطق‬ ‫‪13‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪14‬‬

‫أخ��رى يف جنوب ووس��ط ال��ع��راق م��ن أجل‬ ‫تعريبهم وإب��ع��اده��م ع��ن النضال إلضعاف‬ ‫الشعب الكردي‪.‬‬ ‫ب‌‪.‬إجراء التغيري الدميغرايف للمدن والنواحي‬ ‫والقرى الكردية بنقل سكانها األصليني إىل‬ ‫مناطق عربية وإح�لال عائالت عربية من‬ ‫الوسط واجلنوب يف املدن الكردستانية‪ .‬وميكن‬ ‫أن نتابع ذل��ك يف كركوك وخانقني وبعض‬ ‫املدن يف حمافظة دياىل‪.‬‬ ‫ت‌‪.‬تغيري التشكيالت اإلداري����ة للمناطق‬ ‫الكردية وذل��ك باقتطاع الكثري م��ن امل��دن‬ ‫وال��ن��واح��ي وال��ق��رى الكردية وإضافتها إىل‬ ‫احملافظات العربية‪ ،‬كما حصل يف إدماج بعض‬ ‫مناطق حمافظة كركوك مبحافظة صالح‬ ‫الدين‪.‬‬ ‫ث‌‪.‬عمليات تعريب الكرد يف مناطق سكناهم‬ ‫واعتبارهم وتسجيلهم عربا بالقوة وفرض‬ ‫التنكر هلويتهم القومية‪ ،‬وقد حصل ذلك‬ ‫يف ك��رك��وك وخ��ان��ق�ين وغ�يره��ا م��ن امل��دن‬ ‫الكردستانية‪.‬‬ ‫ج‌‪.‬حشر مجاهري واسعة من الكرد من قرى‬ ‫وأري���اف ون��واح��ي كردستانية يف جممعات‬ ‫سكنية قسرية ميكن الرقابة والسيطرة‬ ‫عليهم من قبل قوات اجليش واألجهزة األمنية‬ ‫القمعية وعزهلم عن بقية الناس ومناطق‬ ‫سكناهم األصلية وجماالت عملهم ونشاطهم‬ ‫االقتصادي‪ ،‬إضافة إىل عزهلم عن املشاركة يف‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا قتل عدد غري قليل‬ ‫نضال شعبهم بل‬ ‫منهم ألسباب قرقوشية‪،‬‬ ‫ح‌‪.‬زج أع��داد غفرية من الكرد يف السجون‬ ‫واملعتقالت وتسليط التعذيب ضدهم وقتلهم‬

‫أو دفعهم إىل الصفوف األمامية يف القتال ضد‬ ‫إيران وموت الكثري منهم يف احلرب‪،‬‬ ‫خ‌‪.‬تهجري مجيع العائالت الكردية الفيلية‬ ‫من العراق إىل إيران أو زج شبابهم يف السجون‬ ‫وقتلهم أو وضعهم يف اجلبهة األمامية للقتال‬ ‫مع إيران وموت الكثري منهم يف احلرب‪ .‬وقد‬ ‫اعرتف الربملان العراقي بأن محالت التهجري‬ ‫والقتل ضد الكرد الفيلية جتسد ً‬ ‫فعليا جرائم‬ ‫إبادة مجاعية ً‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫‪.5‬تنظيم مح�لات إعالمية وتثقيفية‬ ‫للتالميذ والطلبة واجملتمع وممارسة الدعاية‬ ‫امللفقة ذات املضامني العرقية والعدوانية ضد‬ ‫الشعب الكردي وحقوقه القومية املشروعة‬ ‫بني اجلماهري الشعبية لتأليب ال��رأي العام‬ ‫العربي بالعراق وبالدول العربية ضد الشعب‬ ‫الكردي‪.‬‬ ‫‪.6‬البدء بتنفيذ املخطط املوضوع من قبل‬ ‫ق��ي��ادة النظام واهل���ادف إىل تنفيذ محالت‬ ‫اإلبادة اجلماعية املناهضة لإلنسان و حقوقه‬ ‫اليت أدت إىل تغييب أكثر من ‪ 182000‬إنسان‬ ‫كردي من سكان اإلقليم باستخدام األساليب‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫أ‌‪.‬هجوم أرت��ال من القوات املسلحة وأجهزة‬ ‫األم��ن والشرطة على م��دن ونواحي وقرى‬ ‫كردستانية ومجع الناس ووضعم يف شاحنات‬ ‫ً‬ ‫مجيعا إىل مناطق نائية وقتلهم‬ ‫كبرية ونقلهم‬ ‫ً‬ ‫مجيعا مبن فيهم النساء والرجال واألطفال ثم‬ ‫استخدام جرافات لدفنهم يف مقابر مجاعية‪،‬‬ ‫أي يف حفر واسعة معدة ً‬ ‫سلفا هلذا الغرض‪.‬‬ ‫ب‌‪.‬نقل أعداد كبرية من الرجال من خمتلف‬ ‫األعمار بشاحنات إىل مناطق نائية ودفهم يف‬


‫حفر معدة ً‬ ‫سلفا ودفنهم أحيا ًء بعد سلبهم ما‬ ‫ميلكون من نقود وساعات وخوامت وغريها‪.‬‬ ‫ت‌‪.‬سلب النساء من حليهم وقتلهم ثم نقلهم‬ ‫ودفنهم مع أطفال رضع أو صغار السن سوية يف‬ ‫مقابر مجاعية‪.‬‬ ‫ث‌‪.‬نقل الكثري من النساء الكرديات إىل مناطق‬ ‫نائية وهم أحياء وتركهم فرتة طويلة ثم‬ ‫ً‬ ‫تدرجيا‪.‬‬ ‫اللجوء إىل قتل الكثري منهم‬ ‫‪.7‬استخدام السالح الكيماوي عرب صواريخ‬ ‫قذفت بواسطة الطائرات احلربية يف العام‬ ‫‪ ،1987‬وم��ن ث��م يف ال��ع��ام ‪ .1988‬وهي‬ ‫الضربة الكيماوية االنتقامية املدمرة اليت‬ ‫استهدفت مدينة حلبجة وأودت حبياة أكثر‬ ‫من ‪ 5000‬آالف إنسان كردي‪ ،‬إضافة إىل أالف‬ ‫مماثلة من اجلرحى واملعوقني الذين ما زال‬ ‫الكثري منهم يعاني من آثار السالح الكيماوي‬ ‫رغم مرور ربع قرن على تلك اجلرمية‪.‬‬ ‫‪.8‬مت إشعال احلرائق يف القرى الكردستانية‬ ‫ويف الغابات واملزارع يف اإلقليم عرب الطائرات‬ ‫احلربية اليت أدت إىل تدمري حولي ‪4250‬‬ ‫قرية يف خمتلف مناطق اإلقليم‪ .‬وفرضت‬ ‫على الفالحني مغادرة قراهم ومزارعهم‪.‬‬ ‫وقد استشهد الكثري من املواطنات واملواطنني‬ ‫الكرد بسبب هذه العمليات اإلجرامية ودمرت‬ ‫مزارعهم وحماصيلهم‪.‬‬ ‫‪.9‬جرى تنفيذ ه��ذه العمليات من قبل‬ ‫ال��ق��وات املسلحة وتوابعها يف ف�ترة اختارها‬ ‫النظام ألسباب كثرية‪ ،‬إذ كان اجلهد الدولي‬ ‫منصب ع��ل��ى إي��ق��اف احل���رب ب�ين ال��ع��راق‬ ‫وإي��ران‪ ،‬وكان املوقف الدولي متحيز لصاحل‬ ‫العراق ضد إيران‪ .‬وقد توقفت احلرب ً‬ ‫فعال يف‬

‫خريف ذلك العام‪ ،‬اليت غطت هذه احلرب على‬ ‫تلك احلمالت اإلبادية اإلجرامية ومل حترك‬ ‫شعور التضامن الدولي والرأي العام العاملي مع‬ ‫الشعب الكردي وضحاياه‪ ،‬بل حاولت بعض‬ ‫الدول الكربى أن تشكك بالضربة الكيماوية‬ ‫ً‬ ‫مثال وتتهم إيران بها بالضد من احلقيقة اليت‬ ‫كانت ناصعة وال تقبل الشك‪.‬‬ ‫‪ .10‬أج�ب�رت ه��ذه احل��م�لات اإلج��رام��ي��ة‬ ‫عشرات ألوف الكرد ومن القوميات األخرى‬ ‫القاطنة يف اإلقليم على اهلجرة إىل خارج‬ ‫إقليم كردستان العراق والعيش يف الشتات‬ ‫اجملاور أو يف الدول الغربية‪.‬‬ ‫جن��ح ال��دك��ت��ات��ور ص���دام حسني ونظامه‬ ‫السياسي الفاشي والعنصري يف تنفيذ تلك‬ ‫احلمالت اإلجرامية دون ضجة دولية وإقليمة‬ ‫أو حتى عراقية أو عربية ودون احتجاج‬ ‫وإدانة هلا‪.‬‬ ‫كشفت حماكمات بعض أقطاب نظام البعث‬ ‫وص��دام حسني عن العقلية اليت كانت تسري‬ ‫األم��ور وع��ن الرغبة احلقيقية ل��دى هؤالء‬ ‫اجملرمني لتحقيق أقصى ما ميكن من إبادة‬ ‫سكانية للكرد وتصفية قضيتهم العادلة‬ ‫وحقوقهم املشروعة‪.‬‬ ‫ومن املؤمل ً‬ ‫حقا أن هناك غالبية شعوب الدول‬ ‫العربية وكذلك الكثري من عرب العراق الذين‬ ‫ما زالوا حتى اآلن‪ ،‬ورغم الكثري من النشر حول‬ ‫هذا املوضوع والتعريف بهولوكوست األنفال‬ ‫ضد الشعب الكردي‪ ،‬يرفضون االعرتاف بوقوع‬ ‫هذه اجلرائم البغيضة ضد الشعب الكردي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متاما كما يرفض النازيون اجلدد األملان حتى‬ ‫اآلن االعرتاف باجلرائم البشعة (اهللوكوست)‬ ‫‪15‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪16‬‬

‫ال�تي ت��ع��رض هل��ا ال��ي��ه��ود بأملانيا وأورب����ا يف‬ ‫املعتقالت النازية ويف احمل��ارق اهلتلرية‪ .‬فقد‬ ‫تراوح عدد اليهود الذين قتلوا يف اهلولوكوست‬ ‫ما بني مخسة وستة ماليني يهودي ويهودية‬ ‫من أصل تسعة ماليني من السكان اليهود الذين‬ ‫كانوا يعيشون حينذاك يف أوروبا‪( .‬قارن‪ :‬موقع‬ ‫اهلولوكوست نداء الوجدان‪ .‬أخذ املقطع بتاريخ‬ ‫‪ .)2013/1/22‬وه��ذا يعرب إم��ا عن جهل‬ ‫بأحداث التاريخ ووقائعه‪ ،‬وإما بسبب السقوط‬ ‫يف مستنقع الشوفينية والعنصرية واحلقد‬ ‫والكراهية ضد القوميات أو الشعوب األخرى‪،‬‬ ‫وبسبب الدعايات ال�تي مورست أو ما تزال‬ ‫متارس بتشويه مسعة الشعب الكردي وحقوقه‬ ‫العادلة واملشروعة بالدول العربية وكذلك ما‬ ‫ميارسه البعض حتى اآلن بالعراق‪.‬‬ ‫لقد اع�ترف الربملان العراقي وك��ذا احلكومة‬ ‫العراقية ب��أن تلك احلمالت األنفالية كانت‬ ‫محالت إبادة مجاعية وجرائم ضد اإلنسانية‪.‬‬ ‫ويرتتب على هذا االع�تراف الرمسي مسؤولية‬ ‫كبرية ورئيسية على احلكومة االحتادية ببغداد‪،‬‬ ‫باعتبارها حكومة تسلمت املسؤولية والتبعات‬

‫اليت تقع على عاتق احلكومة املركزية البعثية‬ ‫ببغداد اليت مارست تلك اجلرائم‪.‬‬ ‫وهذا ال يعين االعتذار للشعب الكردي عن ذلك‬ ‫فحسب‪ ،‬بل وااللتزام بتعويض اإلقليم وذوي‬ ‫الضحايا وباخلسائر املادية مبا يتم االتفاق عليه‬ ‫من جلنة حيادية حملية أو دولية‪ ،‬إذ يفرتض‬ ‫أن توزع تلك التعويضات على ذوي الضحايا من‬ ‫جهة وإعادة بناء ما خربته تلك احلمالت من‬ ‫دمار وخراب من جهة أخرى‪.‬‬ ‫وميكن ال��ع��ودة إىل مقال ل��ي حت��ت ع��ن��وان «‬ ‫مح�لات جم��ازر األن��ف��ال ض��د الشعب ال ُ��ك��ردي‬ ‫وم��واق��ف ال��ع��رب منها «يف ال��ذك��رى السنوية‬ ‫الرابعة والعشرين جملازر األنفال املشؤومة»‪ ،‬نشر‬ ‫يف جملة «كه وانه» باللغة العربية اليت تصدر يف‬ ‫السليمانية‪ .‬وقد تطرقت فيه إىل ما يفرتض‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ودوليا لصاحل ذوي‬ ‫وعربيا‬ ‫حمليا‬ ‫القيام به‬ ‫ضحايا األنفال واملناطق اليت دمرت يف حينها‪.‬‬ ‫برلني يف شباط‪/‬أذار‪2013‬‬


‫دراستان حول جرائم اإلبادة‬ ‫الجامعية‬ ‫(األنفال أمنوذجاً )‬ ‫د‪.‬حسني عبد عيل عيىس‬ ‫استاذ القانون الجنايئ‬ ‫كلية القانون والسياسة جامعة السليامنية‬

‫‪17‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪18‬‬

‫الدراسة االوىل( )‬ ‫املسؤولية القانونية لقاء جرائم االب��ادة‬ ‫اجلماعية‬ ‫ً‬ ‫أمنوذجا)‬ ‫(األنفال‬ ‫املقدمة‬ ‫لقد أدانت جلنة حقوق اإلنسان التابعة هليئة‬ ‫األمم املتحدة غري مرة «االنتهاكات املنظمة‬ ‫اليت متارسها احلكومة العراقية ضد حقوق‬ ‫اإلنسان والقانون الدولي على نطاق واسع‬ ‫وعلى حنو بالغ اخلطورة‪ ،‬مما أدى اىل انتشار‬ ‫أشكال من القمع واالضطهاد تستمد وجودها‬ ‫من اتساع دائ��رة التمييز وتفشي عمليات‬ ‫الرتويع‪ ،‬وعمليات اإلعدام خارج دائرة القضاء‪،‬‬ ‫وممارسة التمييز على حنو واس��ع ومنظم‪،‬‬ ‫وتطبيق وتنفيذ ال���ق���رارات ال�تي تقضي‬ ‫بعقوبات قاسية والإنسانية»‪)1(.‬‬ ‫تعترب»جمازر األنفال» اليت قام بها النظام‬ ‫الدكتاتوري العراقي يف الفرتة احملصورة بني‬ ‫‪ 1988/2/23‬و ‪ 1988 /9/6‬من اكرب‬ ‫اجلرائم النكراء ال�تي ارتكبت حبق الشعب‬ ‫الكردي‪ .‬أن ما أرتكب يف عمليات األنفال هلو‬ ‫دليل بينّ على فظاعة االنتهاكات اليت إقرتفها‬ ‫النظام العراقي ازاء حقوق اإلنسان يف العراق‬ ‫وحرياته األساسية‪ ،‬ال�تي كفلتها املواثيق‬ ‫واالت��ف��اق��ي��ات ال��دول��ي��ة‪ .‬ان ج��رائ��م األنفال‬ ‫هي ص��ورة بالغة البشاعة من صور اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬اليت انتهجها هذا النظام املقيت إزاء‬ ‫أبناء الشعب العراقي‪ً ،‬‬ ‫عربا وأك��راداً وأقليات‬ ‫قومية‪.‬‬

‫ان الكثري من التساؤالت ميكن أن تطرح‬ ‫بصدد األس��س القانونية املرتبطة بكيفية‬ ‫جتسيد مطلب حماكمة أزالم هذا النظام اجملرم‪،‬‬ ‫وكذلك كيفية مساءلتهم عن اجلرائم البالغة‬ ‫اجلسامة اليت ارتكبوها حبق الشعب العراقي‬ ‫عامة‪ ،‬والشعب الكردي خاصة‪ ،‬يف ظل وجود‬ ‫سجل بشع هلذا النظام من اجلرائم املقرتفة‪ ،‬ال‬ ‫ميكن وصف جسامتها‪ ،‬إال بكونها ال تقل عن‬ ‫جسامة اجلرائم اليت اقرتفتها النازية املقبورة‬ ‫اب��ان احل��رب العاملية الثانية‪ ،‬وه��ي جرائم‬ ‫ينفرد بها النظام العراقي يف الوقت الراهن‪،‬‬ ‫دون م��ن��ازع‪ ،‬وه��ي موثقة يف تقارير جلنة‬ ‫حقوق اإلنسان التابعة هليئة األمم املتحدة‬ ‫أو املنظمات الدولية‪ ،‬غري احلكومية املعنية‬ ‫بالدفاع عن حقوق اإلنسان‪ ،‬بل ومثبتة يف‬ ‫ماليني الوثائق الرمسية الصادرة عن أجهزة‬ ‫السلطة العراقية‪ ،‬اليت مت العثور عليها خالل‬ ‫انتفاضة آذار ‪ ،1991‬وبعدها‪ ،‬وكذلك ُبعيد‬ ‫سقوطه يف التاسع من نيسان ‪ ،2003‬هذا‬ ‫إضافة اىل وجود أعداد ال حتصى من الشهادات‬ ‫احلية لضحايا انتهاكات حقوق اإلنسان يف‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫أن حماكمة أزالم النظام العراقي املذنبني‬ ‫يف ارتكاب اجلرائم ضد السالم واإلنسانية‬ ‫وح��ق��وق اإلن��س��ان تعد جت��س��ي��داً للمبادئ‬ ‫األساسية اليت يقوم عليها القانون الدولي‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وقد أكد تقرير اجمللس االقتصادي‬ ‫واالج��ت��م��اع��ي ل�لأم��م امل��ت��ح��دة ال��ص��ادر يف‬ ‫‪ ،1966/8/15‬واملتعلق بقضية معاقبة‬ ‫جمرمي احلرب واألشخاص مرتكيب اجلرائم‬ ‫ضد اإلنسانية على أن املالحقة القضائية لقاء‬


‫جرائم احلرب واجلرائم ضد اإلنسانية واملعاقبة‬ ‫عليها ستعمالن على ردع اآلخرين من ارتكاب‬ ‫جرائم مماثلة‪ ،‬وستعمالن على كفالة الدفاع‬ ‫عن حقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪.‬‬ ‫وبغية تقديم توضيح لعدد من اجلوانب‬ ‫القانونية املتعلقة مبساءلة ه��ذا النظام عن‬ ‫جرائم األنفال‪ ،‬كواحدة من جرائمه اجلسيمة‪،‬‬ ‫سنقوم بالتوقف‪ ،‬يف مطلب متهيدي‪ ،‬عند‬ ‫خصائص املسؤولية القانونية عن االنتهاكات‬ ‫املعاقب عليها يف القانون الدولي االنساني‪ ،‬ومن‬ ‫ثم سنعمل‪ ،‬يف إطار مبحثني‪ ،‬على حتليل أبعاد‬ ‫جرائم االنفال‪ ،‬مع إعطاء توصيفها القانوني‬ ‫يف ضوء االتفاقية اخلاصة مبنع جرمية االبادة‬ ‫اجلماعية واملعاقبة عليها لعام ‪ ،1948‬وكذلك‬ ‫سنتطرق اىل السبل القانونية املمكنة ملساءلة‬ ‫ً‬ ‫قضائيا عن هذه اجلرائم‪.‬‬ ‫النظام العراقي البائد‬ ‫أما يف خامتة البحث فسنوجز فيها أهم ما ورد‬ ‫فيه من إستنتاجات‪ .‬وقد إعتمدنا يف مجع مادة‬ ‫البحث وكتابته على مجلة من املناهج‪ ،‬وخنص‬ ‫منها بالذكر‪ :‬املنهج التارخيي ومنهج حتليل‬ ‫النصوص القانونية الوطنية والدولية‪.‬‬ ‫مطلب متهيدي‬ ‫املسؤولية يف القانون الدولي اإلنساني‬ ‫أش��ار ميثاق هيئة األم��م املتحدة اىل أن أحد‬ ‫األهداف األساسية اليت تضطلع بالقيام بها إمنا‬ ‫ينحصر يف توسيع وتطوير االح�ترام حلقوق‬ ‫اإلنسان وحرياته األساسية بالنسبة للجميع‪،‬‬ ‫بصرف النظر عن العنصر أو اجلنس أو اللغة‬ ‫أو الدين (املادة‪ 1/‬فقرة ‪ ،)3‬وتضمنت املادة‪/‬‬ ‫‪ 55‬من امليثاق نفسه تأكيداً على ان هيئة األمم‬

‫املتحدة جيب أن تعمل على حتقيق االحرتام العام‬ ‫وتطبيق حقوق اإلنسان واحلريات األساسية‬ ‫بالنسبة للجميع‪ ،‬بصرف النظر عن العنصر‪،‬‬ ‫واجلنس‪ ،‬واللغة‪ ،‬والدين (فقرة ج)‪.‬كما وأُلزمت‬ ‫الدول املوقعة على امليثاق بتنفيذ االلتزامات‬ ‫النابعة عن ذل��ك‪ ،‬س��واء بالتعاون مع األمم‬ ‫املتحدة أو بصورة مشرتكة أو منفردة‪ ،‬والقيام‬ ‫باألعمال اجملسدة هلذه االلتزامات (املادة‪.)56 /‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ومل يقتصر األم��ر على ميثاق هيئة األمم‬ ‫املتحدة يف إب��راز االهتمام بتحقيق احلقوق‬ ‫واحل��ري��ات األس��اس��ي��ة ل�لإن��س��ان‪ ،‬وامن���ا عربت‬ ‫املواثيق الدولية املكرسة لكفالة هذه احلقوق‬ ‫واحلريات‪ ،‬والصادرة عن مؤسساتها املتخصصة‪،‬‬ ‫بشكل أو آخر عن هذا االهتمام‪ ،‬واحلرص الدائم‬ ‫على تنفيذه يف الواقع العملي‪)3(.‬‬ ‫فبمقتضى املادة‪ ،1/‬وه��ي امل���ادة املشرتكة‬ ‫بالنسبة لكافة اتفاقيات جنيف األرب��ع لعام‬ ‫‪ ،1949‬وك��ذا امل��ادة ‪ 19 /‬من بروتوكوهلا‬ ‫التكميلي الثاني لعام ‪ 1977‬تلتزم كافة الدول‬ ‫األطراف يف االتفاقيات الدولية املوقعة عليها‪،‬‬ ‫ليس فقط بتطبيق أجهزتها للقواعد اإلنسانية‬ ‫ال�تي تضمنتها ه��ذه االتفاقيات فحسب‪ ،‬بل‬ ‫وبتطبيقها كذلك من جانب كل األشخاص‬ ‫املتواجدين يف دائرة اختصاصها‪ .‬فعلى أساس‬ ‫املواثيق الدولية اليت تشكل القانون الدولي‬ ‫اإلنساني‪ ،‬يعد هذا االلتزام‪ ،‬إضافة اىل التزامات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أساسيا يقع على عاتق كافة‬ ‫واجبا‬ ‫هامة أخرى‪،‬‬ ‫ال��دول األط��راف دون متييز‪ .‬أن اح�ترام أحكام‬ ‫القانون الدولي اإلنساني يستند اىل مبدأ احرتام‬ ‫العقود ال��ذي يقضي بأن االتفاقيات الدولية‬ ‫‪19‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪20‬‬

‫املعمول بها جيب أن تنفذ حبسن نية مما يشكل‬ ‫الضمان األهم بالنسبة لتطبيق قواعد القانون‬ ‫الدولي اإلنساني (املادة‪ 26 /‬من اتفاقية فيينا‬ ‫املتعلقة بقانون املعاهدات الدولية لعام ‪.)1969‬‬ ‫وع��ل��ى ال��رغ��م م��ن ك��ل ال��ت��داب�ير السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية والقانونية‪ ،‬املتخذة‬ ‫على الصعيدين الدولي والوطين‪ ،‬اال ان انتهاك‬ ‫أحكام القانون الدولي اإلنساني يبقى على‬ ‫ً‬ ‫ممكنا‪ ،‬سواء من قبل الدول األطراف‪ ،‬أم‬ ‫الدوام‬ ‫األشخاص الطبيعيني‪ .‬وهو ما يستدعي بدوره‬ ‫اخت��اذ تدابري تكميلية ردعية للحيلولة دون‬ ‫ذلك‪ ،‬سيما وأن عدم اختاذ مثل هذه التدابري يف‬ ‫الوقت املناسب ميكن أن خيلق الرتبة املناسبة‪،‬‬ ‫ليس لتكرار ارتكابها فحسب‪ ،‬بل وقد يؤدي ذلك‬ ‫اىل ارتكاب انتهاكات أشد جسامة وأكثر بشاعة‬ ‫من االنتهاكات السابقة‪)4(.‬‬ ‫ان الدول األطراف جيب أن تلتزم‪ ،‬يف احلاالت‬ ‫املنطوية على انتهاكات جسيمة للقانون الدولي‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وذل��ك بالتعاون مع األم��م املتحدة‬ ‫ً‬ ‫وانطالقا من ميثاق األم��م املتحدة (امل��ادة‪/‬‬ ‫‪ ،)89‬باختاذ اإلج��راءات والتدابري الرادعة‪.‬‬ ‫وينبع هذا االلتزام من أن انتهاكات القانون‬ ‫الدولي اإلنساني متس مصاحل اجملتمع الدولي‬ ‫بأمجله‪ .‬وتشكل إحالة املذنبني يف ارتكاب مثل‬ ‫هذه االنتهاكات اىل القضاء‪ ،‬وإيقاع املسؤولية‬ ‫اجلنائية بهم أحد التدابري اهلامة اليت يلجأ إليها‬ ‫اجملتمع الدولي حلماية قواعد القانون الدولي‬ ‫اإلنساني‪ .‬أن االلتزام بتجسيد مبدأ املساءلة عن‬ ‫اجلرائم املاسة باحلقوق األساسية لإلنسان يف‬ ‫احلياة والصحة واحلصانة الشخصية والكرامة‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬ينطوي على أهمية خاصة بالنسبة‬

‫لضمان السالم وتطور اإلنسان واجملتمع والدولة‪.‬‬ ‫أن التزام ال��دول األط��راف ب��ردع االنتهاكات‬ ‫اجلسيمة يتصف بطبيعته املطلقة‪ ،،‬فعلى‬ ‫الرغم من أن هذا االلتزام‪ ،‬املنصوص عليه ً‬ ‫مثال‬ ‫يف اتفاقيات جنيف لعام ‪ ،1949‬ويف بروتوكوهلا‬ ‫التكميلي األول لعام ‪ ،1977‬ال يطبق بالنسبة‬ ‫النتهاكات أحكام القانون الدولي اإلنساني خالل‬ ‫النزاعات املسلحة «غري الدولية»‪ ،‬إال أن التشريعات‬ ‫العقابية لكثري من ال��دول تعاقب على هذه‬ ‫االنتهاكات‪ ،‬سوا ًء حصلت خالل احلرب أو وقت‬ ‫السلم‪ .‬بل إن هذا املبدأ أصبح من املبادئ اليت‬ ‫يتضمنها النظام األساسي للمحكمة العسكرية‬ ‫الدولية املختصة بيوغسالفيا السابقة‪ .‬فعلى‬ ‫أساس املادة‪ 29 /‬من ميثاق األمم املتحدة اصدر‬ ‫جملس األم��ن يف ‪ 1993/5/25‬ق��راره املرقم‬ ‫(‪ )827‬بشأن إنشاء احملكمة العسكرية الدولية‬ ‫للمالحقة القضائية لألشخاص املذنبني يف‬ ‫انتهاكات القانون الدولي اإلنساني على أراضي‬ ‫يوغسالفيا‪ ،‬ابتدا ًء من عام ‪ )5(.1991‬ويدخل‬ ‫ضمن االختصاص القضائي هلذه احملكمة ً‬ ‫وفقا‬ ‫لنظامها األساسي‪:‬‬ ‫‪ .1‬االنتهاكات اجلسيمة التفاقيات جنيف‬ ‫(املادة‪.)2 /‬‬ ‫‪ .2‬انتهاكات ق��وان�ين وع���ادات احل��رب‬ ‫(املادة‪.)3 /‬‬ ‫‪ .3‬اإلبادة اجلماعية (املادة‪.)4 /‬‬ ‫‪ .4‬اجلرائم ضد اإلنسانية (املادة‪.)5 /‬‬ ‫أن ال��ت��زام اجملتمع ال��دول��ي بتطبيق مبدأ‬ ‫«حتمية» معاقبة األشخاص املذنبني يف انتهاك‬ ‫ً‬ ‫عامال‬ ‫قواعد القانون الدولي اإلنساني يعد‬ ‫هاما ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا بالنسبة ل��ردع ارتكاب هذا النوع‬


‫من اجلرائم(‪ )6‬من ط��رف األشخاص الذين‬ ‫يستغلون صالحياتهم الوظيفية ومواقعهم‬ ‫اهلامة يف أجهزة سلطة الدولة‪ .‬أن هذا النوع‬ ‫من األشخاص‪ ،‬مبقتضى أحكام القانون الدولي‬ ‫اإلنساني‪ ،‬جيب أن حيال اىل القضاء‪ ،‬وان يعاقب‬ ‫لقاء جرائمه‪ .‬كما وأن هذا املبدأ جيد جتسيده‬ ‫من خالل عدد من الضمانات اليت تتضمنها‬ ‫أحكام القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬ومنها على وجه‬ ‫اخلصوص عدم سريان قواعد تقادم املالحقة‬ ‫القانونية أو تقادم العقاب بالنسبة للجرائم‬ ‫الواقعة على السالم واإلنسانية وحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫كما ال يطبق عليها نظام العفو‪ ،‬العام أو اخلاص‪،‬‬ ‫وال تعد من اجلرائم السياسية‪ ،‬اليت ال جيوز فيها‬ ‫التسليم‪.‬‬ ‫ان األش��خ��اص املذنبني يف ارت��ك��اب جرائم‬ ‫احلرب واجلرائم ضد اإلنسانية وحقوق اإلنسان‬ ‫جيب أن حيملوا املسؤولية اجلنائية الشخصية‬ ‫(الفردية)‪ )7(.‬أن إيقاع املسؤولية القانونية‬ ‫الشخصية هو أحد املبادئ األساسية للقانون‬ ‫ً‬ ‫وارتباطا بذلك‪ ،‬منح النظام‬ ‫الدولي اإلنساني‪.‬‬ ‫األس��اس للمحكمة العسكرية الدولية اخلاصة‬ ‫برواندا‪ ،‬اليت شكلت ً‬ ‫وفقا لقرار جملس األمن‬ ‫رقم (‪ )955‬يف ‪ )8(،1994/11/8‬وكذلك‬ ‫النظام األس��اس للمحكمة العسكرية الدولية‬ ‫اخلاصة بيوغسالفيا السابقة‪ ،‬هاتني احملكمتني‬ ‫الدوليتني صالحية القيام باملالحقة القضائية‬ ‫لألشخاص املذنبني يف ارت��ك��اب االنتهاكات‬ ‫اجلسيمة للقانون الدولي اإلنساني‪ ،‬مثل اإلبادة‬ ‫اجلماعية واجل��رائ��م ضد اإلنسانية‪ .‬بعبارة‬ ‫أخرى‪ ،‬أن النظامني األساسيني ينصان‪ ،‬وبشكل‬ ‫موحد‪ ،‬على سريان االختصاص القضائي هلاتني‬

‫احملكمتني الدوليتني على األشخاص الطبيعيني‬ ‫بصورة شخصية‪ ،‬عن ارتكاب اجلرائم املدرجة‬ ‫يف نظاميهما األساسيني‪ ،‬أو التخطيط الرتكابها‪،‬‬ ‫أو التحريض عليها‪ ،‬أو األم��ر بارتكابها‪ ،‬أو‬ ‫التحريض على التخطيط الرتكابها‪ ،‬أو التحضري‬ ‫الرتكابها‪)9(.‬‬ ‫أن الوضع الوظيفي للمتهم بوصفه رئيساً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫م��س��ؤوال يف‬ ‫موظفا‬ ‫للدولة أو للحكومة أو‬ ‫ً‬ ‫أس��اس��ا إلع��ف��ائ��ه من‬ ‫أج��ه��زة ال��دول��ة ال يعد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املسؤولية اجلنائية أو ظرفا خمففا للعقوبة‪.‬‬ ‫أن هذا يعكس مضمون عدد من أحكام القانون‬ ‫األساسي حملكمة نورمربج العسكرية (امل��ادة‪/‬‬ ‫‪ .)200‬كما ويتضمن النظامان األساسيان‬ ‫للمحكمتني العسكريتني الدوليتني اخلاصتني‬ ‫ً‬ ‫نصوصا مماثلة‬ ‫بيوغسالفيا السابقة وروان��دا‬ ‫تتعلق بأن ارتكاب اجلرائم املدرجة فيهما من‬ ‫قبل األشخاص املرؤوسني ال يستبعد املسؤولية‬ ‫اجلنائية عن رئيسهم ان كان يعلم‪ ،‬أو كان جيب‬ ‫أن يعلم ان من هم حتت إمرته قد امجعوا على‬ ‫ارتكابها أو ارتكبوها‪ ،‬ومل يتخذ التدابري الالزمة‬ ‫ملنع ارتكابها أو ملعاقبة مرتكبيها‪ .‬أما اذا ارتكب‬ ‫املتهم أفعاله بنا ًء على أمر صادر من الدولة‬ ‫أو رئيسه‪ ،‬ف��أن ه��ذا الظرف ال يستبعد عنه‬ ‫املسؤولية اجلنائية‪ ،‬اال أن احملكمة العسكرية‬ ‫الدولية ميكن أن ختفف العقوبة احملددة حبقه‪،‬‬ ‫ان رأت يف ذلك جتسيداً ملصاحل العدالة‪.‬‬ ‫اىل جانب ذلك‪ ،‬يالحظ يف التطبيق العملي‬ ‫وجود مسعى لتوسيع حلقة اجلرائم املعاقب‬ ‫عليها كانتهاكات متس بالقانون الدولي اإلنساني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انطالقا‬ ‫فعلى الرغم من أن املسؤولية القانونية‪،‬‬ ‫من اتفاقيات جنيف وبروتكوالتها‪ ،‬كما سبقت‬ ‫‪21‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪22‬‬

‫اإلش���ارة‪ ،‬ال تسري على االنتهاكات اجلسيمة‬ ‫للقانون الدولي اإلنساني املقرتفة أثناء النزاعات‬ ‫املسلحة «غري الدولية»‪ ،‬إال أن السنوات األخرية‬ ‫شهدت وقوع الكثري من النزاعات املسلحة «غري‬ ‫الدولية»‪ ،‬واليت يف مسارها ارتكبت انتهاكات‬ ‫ال حتصى للقانون ال��دول��ي اإلن��س��ان��ي‪ ،‬وال�تي‬ ‫بلغت من الوحشية واجلسامة بالنسبة حلقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ما يستدعي‪ ،‬بل وأستدعى تكييفها‪،‬‬ ‫م��ن الناحية القانونية‪ ،‬ك��ص��ورة م��ن صور‬ ‫«االنتهاكات اجلسيمة»‪ ،‬وهو األمر الذي يتطلب‬ ‫ع��دم إبقائها خ��ارج دائ��رة العقاب‪ .‬ان األخذ‬ ‫مبثل هذه التطبيقات يؤكد على ضرورة ردع‬ ‫مثل هذه االنتهاكات اجلسيمة للقانون الدولي‬ ‫اإلنساني‪ ،‬املرتكبة خ�لال النزاعات املسلحة‬ ‫«الدولية» وكذلك «غري الدولية»‪.‬‬ ‫لقد جسد هذا املبدأ بشكل واضح يف النظام‬ ‫األساسي للمحكمة الدولية اجلنائية املقر(‪)10‬‬ ‫يف روم��ا يف ‪ .1998/7/17‬وبهذا الصدد‪ ،‬أن‬ ‫انتهاك قواعد القانون الدولي اإلنساني خالل‬ ‫النزاعات املسلحة غري الدولية ال يعين يف واقع‬ ‫احلال انتهاك قواعد القانون الدولي اإلنساني‬ ‫(اتفاقيات جنيف) فحسب‪ ،‬بل وكذلك انتهاك‬ ‫نصوص القوانني الوطنية‪ ،‬إن وجدت أحكام‬ ‫ً‬ ‫انعكاسا هلا يف هذه القوانني‪.‬‬ ‫هذه االتفاقيات‬ ‫أن قواعد القانون الدولي تنص على إلزام‬ ‫ال��دول األط��راف بسن التشريعات الضرورية‬ ‫لضمان اختاذ العقوبات اجلنائية الفاعلة إزاء‬ ‫األشخاص املذنبني يف ارتكاب هذه االنتهاكات‬ ‫اجلسيمة أو تلك‪ .‬ومثل هذا املطلب يشري دون‬ ‫شك اىل الرتابط بني القانون الدولي اإلنساني‬ ‫والتشريعات الداخلية للدول‪ ،‬كما ويؤكد على‬

‫أهمية ودور هذه التشريعات يف جتسيد أحكام‬ ‫القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬فيما يتعلق باملسؤولية‬ ‫القانونية عن اجلرائم املقرتفة ضد السالم‬ ‫واإلنسانية وحقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫وبهذا الصدد‪ ،‬إتصف القانون الذي أصدرته‬ ‫بلجيكا يف ‪ 1993/6/16‬بصدد ردع االنتهاكات‬ ‫اجلسيمة التفاقيات جنيف وبروتوكوالتها‬ ‫التكميلية بأهمية خاصة على صعيد القانون‬ ‫ال��دول��ي اإلنساني‪ ،‬فعلى أس��اس ه��ذا القانون‬ ‫أصبحت بلجيكا من أوىل دول العامل اليت تعاقب‬ ‫قوانينها الداخلية لقاء االنتهاكات اجلسيمة‬ ‫للقانون الدولي اإلنساني‪ .‬وعلى أساس املادة‪7 /‬‬ ‫من هذا القانون ثبت مبدأ االختصاص الشامل‪،‬‬ ‫وال��ذي مبوجبه أصبح االختصاص القضائي‬ ‫للمحاكم البلجيكية غري حمدد بأراضيها‪ ،‬أو‬ ‫باالنتماء الوطين لألشخاص املذنبني‪ .‬وهذا‬ ‫يعين أن احملاكم البلجيكية‪ ،‬مبوجب هذا القانون‬ ‫الداخلي‪ ،‬الذي ألغي عام ‪ )11(،2003‬كانت‬ ‫تتمتع بصالحيات مالحقة األجانب املذنبني‬ ‫يف ارتكاب اجلرائم اجلسيمة‪ ،‬املنتهكة لقواعد‬ ‫القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬واملرتكبة خارج إقليم‬ ‫بلجيكا‪.‬‬ ‫كما أن التشريعات العقابية لكل من السويد‬ ‫ً‬ ‫حاليا‬ ‫(‪ )1986‬وأسبانيا (‪ )1995‬تتضمن‬ ‫ً‬ ‫فصوال خاصة باملالحقة القضائية لقاء انتهاك‬ ‫القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬إذ تقوم بتجريم‬ ‫االنتهاكات اجلسيمة املرتكبة أثناء النزاعات‬ ‫املسلحة الدولية وغ�ير الدولية‪ ،‬كما وجتيز‬ ‫النظر فيها ً‬ ‫أيضا أمام حماكمها الوطنية‪ .‬وعلى‬ ‫امل��ن��وال نفسه مينح قانون اجل��زاء العسكري‬ ‫النمساوي احملاكم العسكرية الوطنية صالحية‬


‫النظر يف الدعاوى املتعلقة بانتهاكات القانون‬ ‫الدولي اإلنساني‪ ،‬اليت ترتكب أثناء النزاعات‬ ‫املسلحة غري الدولية‪.‬‬ ‫أن املالحقة اجلنائية لقاء االنتهاكات اجلسيمة‬ ‫للقانون ال��دول��ي اإلن��س��ان��ي‪ ،‬تنظم أي��ض ً��ا يف‬ ‫التشريعات اجلنائية لكل من الدامنارك وهولندا‬ ‫وفنلندا والنرويج وكندا وغريها من البلدان‪.‬‬ ‫ومن املهم التأكيد على أن هذه الدول تعرتف يف‬ ‫تشريعاتها مببدأ االختصاص الشامل بالنسبة‬ ‫لالنتهاكات اجلسيمة املرتكبة خالل النزاعات‬ ‫املسلحة الداخلية‪ .‬ح��ري ب��اإلش��ارة ً‬ ‫أيضا‪ ،‬أن‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية قد أص��درت عام‬ ‫ً‬ ‫تعديال على قانونها املتعلق جبرائم‬ ‫‪1997‬‬ ‫احل��رب لعام ‪ ،1966‬ومبوجب ه��ذا التعديل‬ ‫منحت صالحية النظر يف االنتهاكات غري‬ ‫املعتربة جرائم مبوجب امل��ادة‪ 3 /‬العامة من‬ ‫اتفاقيات جنيف حملاكمها الداخلية‪ ،‬معتربة هذه‬ ‫االنتهاكات جرائم حرب‪.‬‬ ‫أن تطور مضمون املسؤولية القانونية لقاء‬ ‫االنتهاكات املتعلقة بالقانون الدولي اإلنساني‬ ‫يشري اىل‪:‬‬ ‫‪ .1‬توسع حلقة جتريم االنتهاكات املاسة‬ ‫بالقانون الدولي اإلنساني على ضوء االتفاقيات‬ ‫واملواثيق الدولية‪ ،‬املقرة واملوقع عليها من‬ ‫قبل الدول‪ ،‬إذ شهدت املرحلة ما بعد تأسيس‬ ‫هيئة األمم املتحدة على وجه اخلصوص إقرار‬ ‫الكثري من اللوائح الدولية املتضمنة جتريم هذه‬ ‫االنتهاكات واملعاقبة عليها‪.‬‬ ‫‪ .2‬السعي احلثيث حن��و جتسيد مبدأ‬ ‫املالحقة القانونية لقاء اجلرائم املاسة بأحكام‬ ‫القانون ال��دول��ي اإلن��س��ان��ي‪ ،‬س���وا ًء م��ن خالل‬

‫املعاهدات الدولية املربمة‪ ،‬أم عن طريق التجسيد‬ ‫العملي هلا‪ ،‬وخاصة على صعيد تأسيس احملاكم‬ ‫الدولية اجلنائية اخلاصة‪ ،‬مع وجود مسعى جاد‬ ‫لتفعيل دورها يف ردع انتهاكات القانون الدولي‬ ‫اإلنساني‪.‬‬ ‫‪ .3‬قيام جمموعة من ال��دول بتجريم‬ ‫انتهاكات القانون الدولي اإلنساني وحتديد‬ ‫ال��ع��ق��اب عليها يف قوانينها ال��داخ��ل��ي��ة‪ ،‬مع‬ ‫م��د س��ري��ان تشريعاتها اجلنائية ال��ن��اف��ذة‪،‬‬ ‫واختصاص هيئاتها القضائية اىل خارج حدود‬ ‫إقليمها‪ ،‬وعلى مواطين الدول األخرى‪ ،‬املذنبني‬ ‫يف ارتكاب االنتهاكات اجلسيمة لقواعد القانون‬ ‫الدولي اإلنساني‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫التوصيف القانوني جلرائم األنفال‬ ‫لقد ن��ف��ذت ج��رائ��م األن��ف��ال‪ ،‬أو م��ا يسمى‬ ‫ً‬ ‫اصطالحا بعمليات األنفال‪ ،‬يف الفرتة احملصورة‬ ‫بني ‪ 1988/2/23‬و ‪ ،1988/9/6‬بصورة‬ ‫عمليات عسكرية‪ ،‬من جانب قوات عسكرية‬ ‫منتقاة من احلرس اجلمهوري والقوات اخلاصة‬ ‫واملغاوير واألم��ن والطوارئ واملفارز اخلاصة‪،‬‬ ‫إضافة اىل اجليش الشعيب وأفواج الدفاع الوطين‪.‬‬ ‫(‪)12‬‬ ‫وق���د س��ب��ق ه���ذه ال��ع��م��ل��ي��ات تسلم اجمل��رم‬ ‫ع��ل��ي ح��س��ن اجمل��ي��د‪ ،‬امل���ع���روف ب��ل��ق��ب علي‬ ‫«كيماوي»‪ )13(،‬يف ‪ 1987/2/29‬مسؤولية‬ ‫أمني سر مكتب تنظيم الشمال حلزب البعث‬ ‫العربي االشرتاكي‪ ،‬وذلك على ضوء قرار جملس‬ ‫قيادة الثورة العراقي رقم (‪ )160‬الصادر يف‬ ‫‪ ،1987/3/29‬ومنحه صالحيات مطلقة يف‬ ‫‪23‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪24‬‬

‫كردستان العراق‪ .‬وقد حصل على أساس قرار‬ ‫الحق صدر يف ‪ 1987/4/20‬على صالحيات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مطلقا على‬ ‫حاكما‬ ‫استثنائية إضافية‪ ،‬جعلته‬ ‫مشال العراق‪.‬‬ ‫لقد اشتملت عمليات األن��ف��ال على مثاني‬ ‫عمليات عسكرية‪ ،‬أطلق على كل منها تسمية‬ ‫األنفال‪ ،‬بدأت باألنفال األوىل‪ ،‬وأختتمت باألنفال‬ ‫الثامنة‪ ،‬وأستخدمت يف تنفيذها خمتلف‬ ‫األسلحة‪ ،‬مبا يف ذلك األسلحة الكيماوية احملرمة‬ ‫ً‬ ‫دوليا‪ ،‬وكان حصيلتها ‪ 182‬ألف ضحية من أكثر‬ ‫من أربعة آالف قرية‪ .‬إضافة اىل آالف ال حتصى‬ ‫من املفقودين واملغيبني‪ ،‬وتدمري آالف القرى‬ ‫واملؤسسات املدنية‪ ،‬كاملدارس وحمطات الطاقة‬ ‫الكهربائية‪ ،‬ونهب املمتلكات والتهجري القسري‬ ‫والتعريب واحلجز الكيفي‪ ،‬وتدمري البنية‬ ‫االقتصادية للمنطقة وتلويث البيئة‪..‬اىل غري‬ ‫ذلك‪)14(.‬‬ ‫لقد ب��دأت عمليات األن��ف��ال األوىل بتاريخ‬ ‫‪ 1988/2/23‬بشن اهلجمات العسكرية يف وادي‬ ‫(جفاتي) يف حمافظة السليمانية‪ ،‬واختتمت‬ ‫بإبادة كل ق��وات املقاومة يف ‪.1988/3/19‬‬ ‫ويف الفرتة ذاتها‪ ،‬وحتديداً يف ‪1988/3/16‬‬ ‫مت القيام بأكرب هجوم كيماوي على كردستان‬ ‫العراق بقصف مدينة حلبجة باملواد الكيماوية‬ ‫احملرمة ً‬ ‫دوليا‪ ،‬والذي راح ضحيته حوالي مخسة‬ ‫آالف إنسان ودفعة واحدة‪ ،‬هذا إضافة اىل تعرض‬ ‫اكثر من عشرة آالف إنسان يف الضواحي اجملاورة‬ ‫للمدينة ملختلف اإلصابات‪ ،‬ومل تسلم من هذه‬ ‫الكارثة‪ ،‬حتى احليوانات والنباتات املوجودة يف‬ ‫املنطقة‪)15(.‬‬ ‫وب��دأت العملية الثانية يف ‪1988/3/22‬‬

‫بشن اهلجمات باألسلحة الكيماوية على عدد‬ ‫من القرى‪ ،‬واحتجاز العشرات من سكانها يف‬ ‫خميمات االعتقال وسجن «ن��ق��رة السلمان»‪،‬‬ ‫ومن ثم تغيبهم‪ .‬وقد انتهت هذه العملية يف‬ ‫‪ .1988/4/1‬ويف ‪ 1988/4/7‬بدأت العملية‬ ‫الثالثة بشن هجوم واسع النطاق مشل منطقة‬ ‫كرميان مبحافظة كركوك‪ ،‬دمرت خالله كافة‬ ‫القرى يف املنطقة‪ ،‬ومت كذلك تغييب سكانها‪ ،‬وقد‬ ‫انتهت هذه العملية يف ‪ .1988/4/3‬وقد كانت‬ ‫هذه العملية أقسى عمليات األنفال‪ ،‬ويعتقد أن‬ ‫اكثر من ‪ً 150‬‬ ‫ألفا من جمموع املؤنفلني‪ ،‬البالغ‬ ‫‪ً 182‬‬ ‫ألفا‪ ،‬قد أُخذ من هذه العملية وحدها‪ .‬ويف‬ ‫‪ 1988/5/7‬بدأت عمليات األنفال الرابعة بشن‬ ‫هجوم عنيف‪ ،‬ش��ارك فيه الطريان باستخدام‬ ‫األسلحة الكيماوية‪ ،‬مما أدى اىل وقوع ضحايا‬ ‫كثرية يف صفوف املدنيني‪ ،‬إضافة اىل تنفيذ‬ ‫عمليات اإلعدام اجلماعية‪ ،‬وتدمري املستوطنات‬ ‫السكانية كافة‪.‬‬ ‫ويف ال��ف�ترة ب�ين ‪ 1988/5/15‬وحتى‬ ‫‪ 1988/8/28‬نفذت عمليات األنفال اخلامسة‬ ‫والسادسة والسابعة‪ ،‬وقد شهدت شن هجمات‬ ‫عسكرية مكثفة على وادي شقالوة وراوندوز‪،‬‬ ‫مع استخدام األسلحة الكيماوية‪ ،‬وارتكاب‬ ‫االعدامات اجلماعية‪ ،‬وتغييب اآلالف من سكان‬ ‫املناطق املستهدفة‪ .‬ويف ‪ 1988/8/25‬نفذت يف‬ ‫منطقة بهدينان عمليات األنفال الثامنة‪ ،‬واليت‬ ‫ً‬ ‫تضمنت ً‬ ‫استخداما لألسلحة الكيماوية‪،‬‬ ‫أيضا‬ ‫وقتل آالف السكان األكراد وتدمري القرى‪ .‬وقد‬ ‫انتهت هذه العمليات يف ‪)16(.1988/9/6‬‬ ‫وعليه‪ ،‬مل تكن عمليات األنفال مقتصرة على‬ ‫منطقة صغرية حم��ددة‪ ،‬إذ أن ه��ذه العمليات‬


‫مشلت من الناحية العملية أري��اف كردستان‬ ‫العراق كافة‪ ،‬يف حمافظات كركوك والسليمانية‬ ‫واربيل ودهوك‪ ،‬وحتى األرياف املقتطعة من‬ ‫ً‬ ‫إداري���ا مبحافظة‬ ‫حمافظة كركوك‪ ،‬وامللحقة‬ ‫صالح الدين‪)17(.‬‬ ‫أن ما حدث يف الفرتة الزمنية احملصورة بني‬ ‫‪ 1988/2/23‬وحتى ‪ ،1988/9/6‬يتطلب‬ ‫أن يك ّيف م��ن الناحية القانونية الدولية‬ ‫كجرائم إبادة مجاعية‪ )18(،‬وذلك على أساس‬ ‫أحكام االتفاقية الدولية اخلاصة مبنع جرمية‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية واملعاقبة عليها‪ ،‬املقرة من‬ ‫قبل اجلمعية العمومية هليئة األمم املتحدة يف‬ ‫‪ ،1948/12/9‬اليت دخلت حيز التنفيذ يف‬ ‫‪ )19( .1951/12/12‬وهي االتفاقية اليت‬ ‫أعلنت ديباجتها عن عد اإلب���ادة اجلماعية‬ ‫جرمية يف القانون الدولي «تتعارض مع روح‬ ‫األمم املتحدة وأهدافها ويدينها العامل املتمدن»‪.‬‬ ‫(‪)20‬‬ ‫ً‬ ‫فاستنادا اىل املادة‪ 2 /‬من هذه االتفاقية يعترب‬ ‫إب��ادة مجاعية ارتكاب ً‬ ‫أيا من األفعال التالية‪،‬‬ ‫واملرتكبة بقصد التدمري الكلي أو اجلزئي‬ ‫جلماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية‪،‬‬ ‫وهذه األفعال‪:‬‬ ‫(أ) قتل أعضاء من اجلماعة‪.‬‬ ‫(ب) إحل���اق أذى ج��س��دي أو روح���ي خطري‬ ‫بأعضاء من اجلماعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(ج) إخضاع اجلماعة‪ ،‬عمدا لظروف معيشية‬ ‫ً‬ ‫يراد بها تدمريها املادي ً‬ ‫جزئيا‪.‬‬ ‫كليا أو‬ ‫(د) فرض تدابري تستهدف احلؤول دون إجناب‬ ‫األطفال داخل اجلماعة‪.‬‬ ‫(هـ) نقل أطفال من اجلماعة‪ ،‬عنوة اىل مجاعة‬

‫أخرى‪.‬‬ ‫أن تعريف جرمية اإلب��ادة اجلماعية ال��وارد‬ ‫ً‬ ‫متاما على‬ ‫يف امل��ادة‪ 2 /‬من االتفاقية ينطبق‬ ‫جمازر األنفال املرتكبة من قبل النظام العراقي‬ ‫البائد‪ ،‬ولعله م��ن املهم التوقف بشيء من‬ ‫التفصيل عند أركان جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫اليت حددتها االتفاقية الدولية‪ ،‬وحتديد مدى‬ ‫تطابقها مع أركان جرائم األنفال املرتكبة يف‬ ‫كردستان العراق‪ ،‬فبدون حتديد هذا التطابق‬ ‫بصورة كاملة ودقيقة‪ ،‬من الصعب احلديث عن‬ ‫جرائم األنفال باعتبارها صورة من صور اإلبادة‬ ‫اجلماعية على ضوء اتفاقية ‪.1948/12/9‬‬ ‫لقد ح��ددت امل���ادة‪ 2 /‬من االتفاقية ص��وراً‬ ‫متعددة لتجسيد الركن املادي جلرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬اال أن هذه الصور رغم تعددها متت‬ ‫صياغتها بصورة حمددة‪ ،‬فهي تنحصر يف ارتكاب‬ ‫األعمال اإلجرامية اآلتية‪:‬‬ ‫‪.‬القتل‪.‬‬ ‫‪.‬األضرار اجلسمانية أو الروحية البالغة‪.‬‬ ‫‪.‬اإلخضاع لظروف معيشية بالغة اخلطورة‪.‬‬ ‫‪.‬اختاذ تدابري حتول دون اإلجناب‪.‬‬ ‫‪.‬نقل األطفال من مجاعة اىل مجاعة أخرى‪.‬‬ ‫ومن خالل دراسة الطبيعة اإلجرامية هلذه‬ ‫األعمال تتضح درجة خطورتها البالغة‪ ،‬فهي‬ ‫تتمحور بني إزهاق احلياة (القتل)‪ ،‬أو التسبيب‬ ‫يف أضرار جسمانية او معنوية بالغة‪ ،‬أو إخضاع‬ ‫اجلماعة امل��ش��ار اليها يف االتفاقية لظروف‬ ‫معيشية خطرة على احلياة أو الصحة‪ ،‬أو اختاذ‬ ‫تدابري‪ ،‬كالتعقيم ً‬ ‫مثال‪ ،‬للحيلولة دون اإلجناب‪،‬‬ ‫أو نقل األطفال التابعني للجماعة املذكورة اىل‬ ‫مجاعة أخرى‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪26‬‬

‫لقد متت صياغة هذه األعمال اإلجرامية يف‬ ‫االتفاقية على شكل أركان مادية وشكلية يف آن‬ ‫واحد‪ ،‬مبعنى‪ ،‬أن فاعل جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫ميكن أن يقوم بأفعال أو أن ميتنع عن القيام‬ ‫بأفعال (كما ورد ً‬ ‫آنفا) من أجل إبادة اجلماعة‬ ‫املستهدفة‪ ،‬أي أن تستهدف األعمال اإلجرامية‬ ‫الوارد وصفها حتقيق نتيجة إجرامية‪ ،‬حددتها‬ ‫االتفاقية هي اإلب���ادة اجلماعية للجماعة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫موضوع اإلبادة‪ً ،‬‬ ‫جزئيا‪ .‬ومن املهم من‬ ‫كليا أو‬ ‫الناحية القانونية حتديد توافر رابطة السببية‬ ‫بني األفعال (أو االمتناع عن األفعال) والنتيجة‬ ‫اإلجرامية املنحصرة يف اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬اذ‬ ‫جيب أن تكون اإلبادة اجلماعية حصيلة مباشرة‬ ‫لألفعال (أو االمتناع عن األفعال) اليت أقدم‬ ‫اجلناة على اقرتافها‪ .‬أن هذه املسألة تنطوي من‬ ‫الناحية القانونية على أهميتها البالغة بالنسبة‬ ‫إليقاع املسؤولية اجلنائية مبرتكيب عمليات‬ ‫األنفال‪.‬‬ ‫أن حتديد النتائج اإلجرامية املتمثلة يف املوت‪،‬‬ ‫واألضرار اجلسمانية أو الروحية البالغة‪ ،‬يشري‬ ‫دون شك اىل ما يسمى بأركان اجلرمية املادية‪،‬‬ ‫إال ان االتفاقية تشري يف وصفها جلرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية اىل أفعال تنحصر يف إخضاع اجلماعة‬ ‫لظروف معيشية معينة‪ ،‬أو اختاذ تدابري حمددة‪،‬‬ ‫أو نقل األطفال عنوة من اجلماعة املستهدفة اىل‬ ‫أخ��رى‪ ،‬وذلك دون التطرق اىل نتائج معينة‪،‬‬ ‫ففي هذه احلالة جيري احلديث عما يسمى يف‬ ‫القانون بأركان اجلرمية الشكلية‪ ،‬أي أن الركن‬ ‫امل��ادي جلرمية اإلب��ادة اجلماعية (فيما يتعلق‬ ‫بإخضاع اجلماعة لظروف معيشية معينة‪،‬‬ ‫أو اختاذ تدابري للحيلولة دون اإلجناب‪ ،‬أو نقل‬

‫األطفال عنوة من اجلماعة املستهدفة اىل أخرى)‬ ‫يكون متوافراً مبوجب االتفاقية حال ارتكاب‬ ‫هذه األفعال‪ ،‬دون انتظار ملا ميكن أن يرتتب‬ ‫عليها من نتائج‪ ،‬فاالتفاقية تعاقب لقاء األفعال‬ ‫احملددة بصرف النظر عن نتائجها‪ .‬وهلذا فأن‬ ‫ع��دم وق��وع نتائج جسيمة ال ميكن أن يكون‬ ‫ً‬ ‫ظرفا مستبعداً للمسؤولية اجلنائية أو العقوبة‪.‬‬ ‫أن توافر مسات الركن املادي جلرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬السابقة الذكر‪ ،‬يف الواقعة اإلجرامية‬ ‫املرتكبة يعد ً‬ ‫مهما بالنسبة لتحديد توافر أركان‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية من جهة‪ ،‬وكذلك من‬ ‫أجل عزل جرمية اإلبادة اجلماعية عن غريها‬ ‫م��ن اجل��رائ��م املماثلة األخ���رى املرتكبة ضد‬ ‫اإلنسانية أو الواقعة على اإلنسان‪ ،‬من جهة‬ ‫ثانية‪.‬‬ ‫أن جرائم اإلبادة اجلماعية عبارة عن صورة‬ ‫خاصة من اجلرائم الواقعة على اإلنسانية‪ ،‬إذ أن‬ ‫اجلرائم الواقعة على اإلنسانية ميكن أن تشتمل‬ ‫على القتل‪ ،‬واإلب��ادة‪ ،‬واالسرتقاق‪ ،‬والرتحيل‪،‬‬ ‫وسواها من األعمال الالإنسانية اليت ترتكب ضد‬ ‫السكان املدنيني‪ ،‬واالضطهاد ألسباب سياسية أو‬ ‫ِعرقية أو دينية‪ ،‬حني متارس تلك األعمال أو‬ ‫ذلك االضطهاد تنفيذاً ألية جرمية ضد السلم أو‬ ‫أية جرمية حرب أو باالرتباط بأي منهما‪)21(.‬‬ ‫بعبارة أخ���رى‪ ،‬أن اجل��رائ��م ال��واق��ع��ة على‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬مقارنة جبرائم اإلب��ادة اجلماعية‪،‬‬ ‫تعتدي على عدد غفري من املواضيع (حقوق‬ ‫اإلنسان وحرياته األساسية) اليت حتميها دساتري‬ ‫ال��دول وتشريعاتها القانونية األخ��رى‪ ،‬ومن‬ ‫أبرزها‪ :‬حياة اإلنسان وحريته وأمنه الشخصي‪،‬‬ ‫وعدم التعرض للتعذيب أو العقوبة القاسية‬


‫أو الالإنسانية أو املهينة‪ ،‬وعدم التعرض للرق‬ ‫أو للسخرة أو العمل اإللزامي‪ ،‬وعدم التعرض‬ ‫للتوقيف أو احلبس التعسفيني‪ ،‬واحل��ق يف‬ ‫احملاكمة اجلزائية العادلة‪ ،‬ويف املعاملة املتساوية‪،‬‬ ‫وح��ري��ة التنقل وال��دي��ن وال����رأي والتعبري‬ ‫واالجتماع واحلق يف أسرة‪ ،‬وحق كل إنسان يف‬ ‫االعرتاف بشخصيته القانونية‪)22(.‬‬ ‫ومن خالل الرجوع اىل اتفاقية منع جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية واملعاقبة عليها لعام ‪1948‬‬ ‫يالحظ أن موادها قد حددت أن هذه اجلرمية‬ ‫ميكن أن ترتكب يف وقت السلم‪ ،‬وكذا يف وقت‬ ‫احلرب (املادة‪ ،)1 /‬وهي تستهدف محاية نفس‬ ‫احلقوق (املواضيع) السابقة الذكر‪ ،‬واملعتدى‬ ‫عليها بارتكاب اجلرائم الواقعة على اإلنسانية‪،‬‬ ‫املتمثلة يف احل��ق يف احل��ي��اة واحل��ري��ة واألم��ن‬ ‫الشخصي‪ ،‬وعدم التعرض للتعذيب أو املعاملة‬ ‫القاسية‪ ،‬وعدم التعرض للرق‪ ،‬وحرية الدين‬ ‫والتنقل والرأي واالجتماع‪ ،‬واحلق يف أسرة‪..‬اخل‪.‬‬ ‫أن جتسيد ال��رك��ن امل���ادي جل��رمي��ة اإلب���ادة‬ ‫اجلماعية مياثل جتسيد الركن املادي جلرائم‪،‬‬ ‫كالقتل أو تسبيب اإليذاء اجلسماني اجلسيم أو‬ ‫احلجز غري القانوني على احلرية أو ما شابه‬ ‫من اجلرائم اليت توصف بكونها جرائم واقعة‬ ‫على اإلنسان‪ ،‬وليست من اجلرائم الواقعة على‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬ ‫ان اجلانب األساس الفاصل بالنسبة للجرائم‬ ‫ً‬ ‫انعكاسا هلا يف‬ ‫الواقعة على اإلنسان‪ ،‬واليت جتد‬ ‫مدونات القوانني العقابية الداخلية‪.‬الوطنية‪،‬‬ ‫كما يف الكتاب الثالث من القسم اخلاص يف قانون‬ ‫العقوبات العراقي رقم (‪ )111‬لعام ‪ 1969‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬إمنا يرتبط‪ ،‬اىل جانب مسات أخرى‬

‫أساسية‪ ،‬بطبيعة اجلماعة املستهدفة‪ ،‬فاألعمال‬ ‫اإلجرامية املرتكبة هي يف واقع احلال جرائم‬ ‫تقع على اإلنسان‪ ،‬أي أن موضوعها هو اإلنسان‬ ‫دون غريه‪ ،‬فال حديث عن احليوانات أو األرض‬ ‫أو ما شابه من األموال املنقولة أو غري املنقولة‬ ‫(امللكية)‪ .‬إضافة اىل ذلك جيب أن يكون املوضوع‬ ‫املعتدى عليه بصورة «مجاعة من الناس»‪ ،‬أي‬ ‫شخصني أو أكثر (‪( )23‬وهو ما قد حيدث يف‬ ‫عدد من اجلرائم‪ ،‬كالقتل ً‬ ‫مثال يف ظل توافر‬ ‫عدد من الظروف املشددة للمسؤولية اجلنائية)‪،‬‬ ‫لكن اجلماعة املعتدى عليها يف اإلبادة اجلماعية‬ ‫تتصف مبميزات إضافية‪ ،‬تعزهلا عن اجلماعة‬ ‫املعتدى عليها يف اجلرائم الواقعة على األشخاص‪،‬‬ ‫فاستناداً اىل أحكام املادة‪ 2 /‬من اتفاقية «منع‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية واملعاقبة عليها» هي‬ ‫مجاعة «قومية» أو «إثنية» أو «عنصرية» أو‬ ‫«دينية»‪ ،‬ف��اإلب��ادة اجلماعية ترتكب ضدها‬ ‫لصفتها ه��ذه‪ ،‬ول��وال هذه الصفة (القومية أو‬ ‫اإلثنية‪..‬اخل) ملا أرتكبت ضدها أعمال القتل أو‬ ‫اإليذاء اجلسماني أو الروحي اجلسيم‪..‬اىل غري‬ ‫ذلك‪ .‬وعليه‪ ،‬ان أحد األسباب الرئيسة املعتمدة‬ ‫يف عزل جرمية اإلبادة اجلماعية عن اجلرائم‬ ‫الواقعة على اإلنسان امنا ينحصر يف أن اإلبادة‬ ‫اجلماعية ت��ك��ون موجهة ض��د جماميع من‬ ‫الناس‪ ،‬وكقاعدة جماميع كبرية‪ ،‬على أن جيري‬ ‫ً‬ ‫ارتباطا بانتمائهم القومي‪ ،‬أو اإلثين‪ ،‬أو‬ ‫ذلك‬ ‫العنصري‪ ،‬أو الديين‪.‬‬ ‫أن أحكام املادة‪ 2 /‬من االتفاقية تشري بنص‬ ‫صريح اىل مسة غاية يف األهمية تؤكد االستنتاج‬ ‫السابق‪ ،‬واملتعلق بكون اإلب��ادة اجلماعية هي‬ ‫إبادة جملاميع كبرية من الناس‪ ،‬ذلك كونها تشري‬ ‫‪27‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪28‬‬

‫اىل ان امل��وض��وع املستهدف إمن��ا هو «مجاعة»‪،‬‬ ‫كذلك فأن هذه املادة نفسها تنوه بنص واضح‬ ‫اىل أن األعمال اإلجرامية املرتكبة هي من أجل‬ ‫التدمري الكامل أو اجلزئي هلذه اجلماعة‪ ،‬وهلذا‬ ‫فأن قتل أحد أفراد مجاعة‪ ،‬حتى وأن كان بسبب‬ ‫انتمائه القومي أو اإلثين أو العنصري أو الديين‪،‬‬ ‫ال ميكن اعتباره‪ ،‬يف ضوء هذه االتفاقية‪ ،‬من‬ ‫جرائم اإلبادة اجلماعية‪ .‬أن جرمية قتل شخص‬ ‫واحد النتمائه القومي أو اإلثين أو العنصري‬ ‫ً‬ ‫تكييفا كجرمية قتل عمدي‪،‬‬ ‫أو الديين تتطلب‬ ‫ولكن مع تشديد املسؤولية اجلنائية‪ .‬ويف الوقت‬ ‫ذاته‪ ،‬يف حالة توافر النية االجرامية لقتل أكثر‬ ‫من شخص واح��د من مجاعة بسبب االنتماء‬ ‫القومي أو اإلثين أو العنصري أو الديين‪ ،‬من‬ ‫أجل التدمري الكامل أو اجلزئي هلذه اجلماعة‪،‬‬ ‫مع عدم امكانية جتسيد هذه النية بصورة‬ ‫كاملة‪ ،‬بازهاق حياة شخص واحد فقط‪ ،‬فأن‬ ‫هذه الواقعة ميكن أن تك ّيف كشروع يف االبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬وذلك بالنظر لعدم حتقق النتيجة‬ ‫االجرامية‪ ،‬اليت يتطلبها الركن املادي لالبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬واملتمثلة احدى صورها بقتل «أفراد»‬ ‫من اجلماعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أن الصفتني امل��ذك��ورت�ين آن��ف��ا‪ ،‬هما اللتان‬ ‫ترفعان م��ن درج��ة خ��ط��ورة ه��ذا ال��ن��وع من‬ ‫اجلرائم (اإلبادة اجلماعية)‪ ،‬فإذا كانت جرمية‬ ‫القتل تعتدي على موضوع مباشر واحد حيميه‬ ‫قانون العقوبات هو حياة اإلنسان أو حق اإلنسان‬ ‫يف احلياة‪ ،‬يف حني أن جرمية أخرى‪ ،‬كتسبيب‬ ‫اإليذاء اجلسماني اجلسيم تعتدي على موضوع‬ ‫مباشر آخر هو صحة اإلنسان أو حق اإلنسان يف‬ ‫احلفاظ على صحته‪ )24(،‬فأن جرمية اإلبادة‬

‫اجلماعية تعتدي يف آن واحد على عدد ال حيصى‬ ‫من املواضيع املباشرة اليت حيميها القانون‪.‬‬ ‫إضافة اىل ذلك‪ ،‬أن االعتداء على هذه املواضيع‬ ‫امنا جيري من خالل ارتكاب خمتلف اجلرائم‬ ‫الواقعة على األشخاص‪ ،‬كالقتل وتسبيب اإليذاء‬ ‫اجلسماني واحلجز على احل��ري��ة‪..‬اخل‪ ،‬بل أن‬ ‫املواضيع املباشرة املعتدى عليها ميكن أن تكون‬ ‫متنوعة وبال حصر‪ ،‬وذلك على عكس املواضيع‬ ‫املباشرة اليت حتميها وحتددها بنص صريح‬ ‫التشريعات اجلنائية النافذة‪ .‬أن خطورة اإلبادة‬ ‫ً‬ ‫ضمنا عن‬ ‫اجلماعية تربز من خالل ما أشري اليه‬ ‫أن ركنها املادي ميكن أن يتحقق بارتكاب أفعال‬ ‫أو امتناع عن أفعال‪ ،‬ينظر إليها يف املدونات‬ ‫العقابية كجرائم مستقلة وبالغة اخلطورة‪،‬‬ ‫كالقتل أو اإلي���ذاء اجلسماني أو احلجز على‬ ‫احلرية‪...،‬اىل غري ذلك‪.‬‬ ‫وعلى ه��ذا األس���اس تنبع خ��ط��ورة جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية من تعدد املواضيع اليت حيميها‬ ‫القانون واليت تتعرض للضرر من جهة‪ ،‬وكذا‬ ‫من خطورة الصور املتعددة لتجسيد الركن‬ ‫امل��ادي للجرمية‪ ،‬من قتل وإي��ذاء وحجز وما‬ ‫شابه‪ ،‬من جهة ثانية‪ .‬هذا اىل جانب طبيعة‬ ‫األعمال اإلجرامية ذاتها‪ ،‬فهي انتهاكات جسيمة‬ ‫على وج��ه التحديد‪ ،‬وليست انتهاكات غري‬ ‫جسيمة‪ .‬فاإليذاء اجلسماني أو الروحي املسبب‬ ‫ً‬ ‫جسيما‪ ،‬يف حني ال يعد‬ ‫للجماعة جيب أن يكون‬ ‫إب��ادة مجاعية‪ً ،‬‬ ‫وفقا لالتفاقية‪ ،‬ان كان غري‬ ‫جسيم! وهو أمر جدير بالدراسة واملراجعة‬ ‫من أج��ل توفري احلماية للجماعة املستهدفة‬ ‫م��ن االع��ت��داءات اإلج��رام��ي��ة ك��اف��ة‪ ،‬مب��ا فيها‬ ‫االنتهاكات غري اجلسيمة‪ ،‬وكذلك الستبعاد أية‬


‫تفسريات ميكن أن تكون يف غري صاحل ضحايا‬ ‫االبادة اجلماعية فيما يتعلق مبفهوم االنتهاكات‬ ‫«اجلسيمة»‪.‬‬ ‫لقد أك���دت امل����ادة‪ 1 /‬م��ن االت��ف��اق��ي��ة على‬ ‫أن ج��رمي��ة اإلب����ادة اجل��م��اع��ي��ة ه��ي جرمية‬ ‫دولية(‪ ،)25‬ميكن أن ترتكب يف زمن احلرب‬ ‫او زمن السلم‪ .‬وهذه الصفة (اىل جانب ما سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬بالنسبة ملفهوم اجلماعة يف جرمية اإلبادة‬ ‫ً‬ ‫عامال ع ً‬ ‫��ازال جلرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية) متثل‬ ‫اجلماعية عن جرائم احلرب اليت تنطبق على‬ ‫خمتلف االنتهاكات اجلسيمة التفاقيات جنيف‬ ‫األربع لعام ‪ 1949‬وبروتوكوهلا التكميلي األول‪،‬‬ ‫واملتعلقة بانتهاك قوانني وع���ادات احل��رب‪.‬‬ ‫مبعنى أن اإلب��ادة اجلماعية ميكن أن تتداخل‬ ‫كإبادة مجاعية وجرائم حرب أن حدثت زمن‬ ‫احلرب وتضمنت انتهاك قوانني وعادات احلرب‬ ‫املثبتة يف اتفاقيات جنيف األربع وبروتوكوهلا‬ ‫التكميلي األول‪ ،‬وكانت تستهدف اإلبادة الكلية‬ ‫أو اجلزئية جلماعة النتمائها القومي أو اإلثين أو‬ ‫العنصري أو الديين‪.‬‬ ‫ان اإلش��ارة‪ ،‬يف اتفاقية «منع جرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية واملعاقبة عليها» لعام ‪ ،1948‬اىل زمن‬ ‫ارتكاب اإلب��ادة اجلماعية تنطوي على أهمية‬ ‫بالغة بالنسبة لتكييف جرائم اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫مبعنى أن اإلشارة من جانب السلطات العراقية‬ ‫اىل أن «عمليات األنفال» قد أرتكبت ابان احلرب‬ ‫العراقية‪.‬اإليرانية‪ ،‬أي رب��ط ه��ذه العمليات‬ ‫بزمن حمدد هو زمن احلرب‪ ،‬هو سبب ال يعتد‬ ‫به من الناحية القانونية‪ .‬فمثل هذا التأكيد‬ ‫هو دليل آخر يضاف اىل أدلة اإلدانة الكثرية ضد‬ ‫النظام العراقي ملقاضاته عن جرائم األنفال‪ ،‬إذ‬

‫أن االتفاقية‪ ،‬كما سبقت اإلش��ارة‪ ،‬تعاقب لقاء‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬سوا ًء أرتكبت هذه اإلبادة يف‬ ‫زمن احلرب أم زمن السلم‪.‬‬ ‫كما وان ملثل ه��ذه اإلش��ارة أهميتها البالغة‬ ‫بالنسبة للتوصيف القانوني لإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫إذ أن التأكيد على زمنني‪ ،‬أوهلما زمن احلرب‪،‬‬ ‫جانبا ً‬ ‫ً‬ ‫مهما آخر‪،‬‬ ‫وثانيهما زمن السلم‪ ،‬امنا يؤكد‬ ‫فتعريف احلرب جيب أن يرتبط بتعريف آخر‬ ‫يف القانون الدولي هو العدوان‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬أن‬ ‫احلرب املعنية يف االتفاقية هي احلرب الناشبة‬ ‫كقاعدة بني الدول‪ ،‬مبعنى أن االتفاقية تنوه‬ ‫اىل ال��ن��زاع املسلح ال��دول��ي‪ ،‬بإشارتها اىل زمن‬ ‫احلرب‪ ،‬وهذا ميكن من وضع استنتاج بأن زمن‬ ‫«السلم» املذكور يف االتفاقية ميكن أن ينطبق‬ ‫على فرتة النزاع املسلح غري الدولي‪ ،‬وكذلك اىل‬ ‫الفرتة الزمنية اخلالية من هذين النوعني من‬ ‫النزاع املسلح (الدولي وغري الدولي)‪ .‬وبصرف‬ ‫النظر عن مدى دقة مثل هذا التفسري القانوني‬ ‫ملفهومي «أيام السلم» و»أثناء احلرب» الواردين يف‬ ‫املادة‪ 1 /‬من االتفاقية‪ ،‬فأن املالحظ أن صياغة‬ ‫هذه املادة قد جاءت شاملة‪ ،‬حبيث يكون مبدأ‬ ‫حتمية إيقاع املسؤولية اجلنائية مبرتكيب‬ ‫جرائم اإلبادة اجلماعية ً‬ ‫قابال للتجسيد‪ ،‬بصرف‬ ‫النظر عن زمان ارتكابها‪ ،‬فاالبادة اجلماعية‬ ‫جرمية معاقب على ارتكابها يف مجيع االوقات‪،‬‬ ‫على حد سواء‪.‬‬ ‫وم��ن ه��ذا املنطلق‪ ،‬أن توافر مس��ات اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية يف الوقائع اإلجرامية املرتكبة يتطلب‬ ‫ً‬ ‫تكييفا باالستناد اىل أحكام اتفاقية «منع جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية واملعاقبة عليها» لعام ‪.1948‬‬ ‫اال أن افتقار الوقائع اإلجرامية املرتكبة اىل‬ ‫‪29‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪30‬‬

‫مسات اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬احملددة يف االتفاقية‪،‬‬ ‫مع إمكانية اعتبارها جرائم حرب أو جرائم‬ ‫ضد اإلنسانية‪ ،‬يستبعد بطبيعة احلال تكييفها‬ ‫على أساس االتفاقية‪ ،‬لكنه ال يستبعد تكييفها‬ ‫ً‬ ‫وفقا ألحكام القانون الدولي اإلنساني املتعلقة‬ ‫بذلك‪ ،‬كجرائم حرب أو كجرائم ضد اإلنسانية‪،‬‬ ‫يف حالة توافر املواصفات القانونية الالزمة ملثل‬ ‫هذا التكييف القانوني‪.‬‬ ‫ومن خالل دراسة املادة‪ 2/‬من االتفاقية ميكن‬ ‫أن يستخلص استنتاج عن ان جرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية هي جرمية عمدية‪ ،‬فمن املستبعد‪ ،‬بل‬ ‫من املستحيل اعتبارها من اجلرائم غري العمدية‬ ‫ً‬ ‫مثال‪ ،‬ذلك ألن فاعل اإلبادة اجلماعية يرتكب‬ ‫األفعال اإلجرامية اليت تصفها هذه املادة وذلك‬ ‫من أج��ل حتقيق ه��دف حم��دد (يضعه نصب‬ ‫عينيه) هو التدمري الكلي أو اجلزئي جلماعة‬ ‫قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية لصفتها‬ ‫هذه‪ .‬ومثل هذا ينطبق ً‬ ‫متاما على األوامر اليت‬ ‫أص��دره��ا علي حسن اجمليد يف مت��وز ‪،1987‬‬ ‫واليت أمر فيها بـ»القصف اجلوي واملدفعي ً‬ ‫ليال‬ ‫ونهاراً لقتل أكرب عدد من املتواجدين يف املناطق‬ ‫احملظورة» وكذلك بإعدام كل من يلقى القبض‬ ‫عليه فيها من البالغني من العمر ‪ً 15.70‬‬ ‫عاما‪،‬‬ ‫بعد التحقيق معهم‪ ،‬واحلصول على املعلومات‬ ‫املفيدة منهم!!‬ ‫أن االش��ارة يف االتفاقية اىل هذا اهلدف تؤكد‬ ‫على أن اإلب��ادة اجلماعية هي جرمية عمدية‪،‬‬ ‫إذ أن فاعل ه��ذه اجلرمية يعي‪ ،‬ل��دى إقدامه‬ ‫على جرائم القتل واإليذاء اجلسماني اجلسيم‬ ‫وغري ذلك من التصرفات اإلجرامية احملددة يف‬ ‫املادة‪ 2 /‬من االتفاقية‪ ،‬أن هذه التصرفات ذات‬

‫خطورة بالغة‪ ،‬وهو يف الوقت ذاته‪ ،‬مع وعيه‬ ‫خلطورتها‪ ،‬يريد أن يرتكبها هي‪ ،‬على وجه‬ ‫ً‬ ‫واضعا يف حسبانه‪ ،‬من‬ ‫التحديد‪ ،‬دون غريها‪،‬‬ ‫خالل ارتكاب هذه األفعال حتقيق نتيجة معينة‬ ‫جسدها اهلدف الذي يرمي الفاعل اىل حتقيقه‪،‬‬ ‫وهو التدمري الكلي أو اجلزئي جلماعة قومية أو‬ ‫إثنية أو عنصرية أو دينية‪ .‬فطاملا أن عنصري‬ ‫الوعي واإلرادة موجودان‪ ،‬فأن هذا يستبعد‪،‬‬ ‫من الناحية القانونية اجلنائية‪ ،‬أي حديث‬ ‫عما يسمى بتوافر مسات اإلبادة اجلماعية «غري‬ ‫العمدية» وفق أحكام االتفاقية‪)26( .‬‬ ‫ويف الواقع العملي‪ ،‬من املمكن أن تصادف حاالت‬ ‫تنطوي على قتل غري عمدي (بإهمال أو خبطأ)‬ ‫جملموعة أشخاص ينتمون اىل جمموعة قومية‬ ‫أو إثنية أو عنصرية أو دينية معينة‪ ،‬كحصيلة‬ ‫حلادث مرور أو نتيجة لعدم االلتزام بقواعد‬ ‫حفظ املتفجرات‪..‬اخل‪ ،‬فأن هذه الوقائع‪ ،‬على‬ ‫الرغم من كونها جرائم جنائية‪ ،‬اال أن اتفاقية‬ ‫«منع جرمية اإلبادة اجلماعية واملعاقبة عليها»‬ ‫لعام ‪ 1948‬ال تنطبق عليها‪ ،‬ففيها ينتفي‬ ‫اهلدف الذي أكدته املادة‪ 2 /‬منها‪ ،‬وهو « قصد‬ ‫التدمري الكلي أو اجلزئي جلماعة قومية أو إثنية‬ ‫أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه»‪.‬‬ ‫إضافة اىل اهلدف السابق الذكر‪ ،‬الذي حدد رغم‬ ‫خصوصيته‪ ،‬كهدف عام لكل األعمال اإلجرامية‬ ‫ال�تي أوردت��ه��ا الفقرات أ‪.‬ه��ـ من امل��ادة‪ 2 /‬من‬ ‫االتفاقية‪ ،‬من املالحظ أن الفقرة (ج) من املادة‬ ‫نفسها أكدت عمدية جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫فيما خيص إخضاع اجلماعة لظروف معينة يراد‬ ‫ً‬ ‫بها تدمريها املادي ً‬ ‫جزئيا‪ ،‬فاإلخضاع‪،‬‬ ‫كليا أو‬ ‫حسب هذه املادة‪ ،‬هو إخضاع عمدي‪ ،‬كما وأنه‬


‫ً‬ ‫حتقيقا للهدف «العام»‪ ،‬املنحصر يف‪ :‬إبادة‬ ‫جيري‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اجلماعة كليا أو جزئيا‪ .‬ومثل ذلك يالحظ يف‬ ‫الفقرة (د) من املادة ذاتها إذ نصت على فرض‬ ‫تدابري تستهدف (أي بهدف) احلؤول دون إجناب‬ ‫األطفال داخل اجلماعة‪ ،‬مما يؤكد ً‬ ‫أيضا النية‬ ‫«العمدية» املبيتة لدى مرتكب اجلرمية الدولية‪.‬‬ ‫فاهلدف العام السابق الذكر‪ ،‬وكذلك األهداف‬ ‫احمل��ددة تشري دون شك اىل الطبيعة العمدية‬ ‫جلرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬بل أن االتفاقية‪ ،‬من‬ ‫خالل اإلشارة‪ ،‬يف الفقرة (ب) من املادة‪ ،2 /‬اىل‬ ‫«خطورة» اإليذاء اجلسماني أو الروحي املسبب‬ ‫ألعضاء اجلماعة‪ ،‬وكذا يف الفقرة (هـ) من املادة‬ ‫نفسها‪ ،‬اىل أن نقل أطفال من مجاعة اىل مجاعة‬ ‫أخرى امنا جيري «عنوة» تؤكد بتحديدها هلذه‬ ‫السمات على الطبيعة العمدية جلرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪.‬‬ ‫أن طبيعة اجلماعة املستهدفة (اخلصائص‬ ‫اليت يتمتع بها اجملين عليهم) يف جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية هي أس��اس بالغ األهمية يف حتديد‬ ‫التوجه اإلجرامي «العمدي» ملرتكبها‪ ،‬ومن هنا‬ ‫فأن الدراسة التفصيلية واملتأنية هلذه املسألة‬ ‫(أي حتديد ت��واف��ر القصد اجلنائي واهل��دف‬ ‫املتوخى حتقيقه وال��دواف��ع من وراء ارتكاب‬ ‫األف��ع��ال اإلج��رام��ي��ة) تعد إلزامية يف عملية‬ ‫التكييف القانوني على أس��اس اتفاقية «منع‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية واملعاقبة عليها» لعام‬ ‫‪.1948‬‬ ‫وعليه‪ ،‬أن األهداف اليت يضعها فاعل جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية يف حسبانه وكذا األساليب اليت‬ ‫يلجأ إليها جيب أن تؤكد اجتاه نيته اإلجرامية‬ ‫اىل اإلب��ادة اجلماعية جلماعة قومية او إثنية‬

‫او عنصرية أو دينية‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فأن‬ ‫اإلشارة اىل أن ارتكاب اإلبادة اجلماعية قد مت بنا ًء‬ ‫على قانون نافذ أو أمر صادر من الرئيس‪ ،‬هي‬ ‫حجج ال تستبعد‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬املساءلة‬ ‫القانونية الدولية ملرتكيب هذه اجلرمية‪)27(.‬‬ ‫ان اتفاقية «منع جرمية اإلب��ادة اجلماعية‬ ‫واملعاقبة عليها» لعام ‪ 1948‬قد نصت على‬ ‫معاقبة مرتكيب اإلبادة اجلماعية «سوا ًء كانوا‬ ‫ً‬ ‫حكاما دستوريني أو موظفني عامني أو أفراداً»‬ ‫(امل���ادة‪ .)4 /‬وعليه‪ ،‬ف��أن املساءلة اجلنائية‬ ‫ميكن أن ترتتب بصرف النظر عن احلصانة‬ ‫أو املكانة اليت يتمتع بها فاعل جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية(‪ )28‬ول��ن��ا يف حماكمة الرئيس‬ ‫اليوغساليف السابق سلوبودان ميالسوفتش‬ ‫مثال على ما حنن بصدده‪)29( .‬‬ ‫لقد حددت االتفاقية عدداً من أشكال النشاط‬ ‫اإلجرامي الذي يستهدف ارتكاب جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬فاستناداً اىل أحكام امل��ادة‪ 3 /‬من‬ ‫االتفاقية يعاقب لقاء‪( :‬أ) اإلب��ادة اجلماعية‪،‬‬ ‫و(ب) التآمر على ارتكاب اإلب��ادة اجلماعية‪،‬‬ ‫و(ج) التحريض املباشر العلين على ارتكاب‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬و(د) حماولة ارتكاب اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬و(هـ) االشرتاك يف اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫أن الفقرات (أ)‪( ،‬ب)‪( ،‬ج)‪( ،‬ه��ـ) من امل��ادة‪/‬‬ ‫‪ 3‬من االتفاقية حتدد املساءلة القانونية عن‬ ‫خمتلف أشكال املساهمة املتمثلة يف املساهمة يف‬ ‫تنفيذ اإلبادة اجلماعية (فقرة أ)‪ ،‬واملساهمة من‬ ‫خالل التآمر على ارتكابها (فقرة ب)‪ ،‬واملساهمة‬ ‫بالتحريض على ارتكابها‪ ،‬الذي أُشرتط أن يكون‬ ‫ً‬ ‫مباشراً‬ ‫وعلنيا (فقرة ج)‪ ،‬وأخ�ي�راً‪ ،‬تقديم‬ ‫املساعدة وال��ع��ون‪ ،‬س��وا ًء السابق على ارتكاب‬ ‫‪31‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪32‬‬

‫اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬أو الالحق على ارتكابها أو‬ ‫املتزامن معها (فقرة هـ)‪.‬‬ ‫أما الفقرة (د) من املادة‪ 3 /‬من االتفاقية فهي‬ ‫حتدد املسؤولية لقاء النشاط اإلجرامي غري‬ ‫التام املتمثل يف حماولة ارتكاب اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫كالشروع على سبيل املثال يف قتل أعضاء مجاعة‬ ‫قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية‪ ،‬مع عدم‬ ‫التمكن من حتقيق ذل��ك‪ ،‬دون وق��وع ضحايا‬ ‫ً‬ ‫مثال‪ ،‬أو التحضري الرتكاب القتل دون السعي‬ ‫اىل البدء بالتنفيذ ً‬ ‫أيضا‪ .‬ففي هاتني احلالتني‪،‬‬ ‫تلعب معرفة اجتاه النية اإلجرامية اليت يرمي‬ ‫الفاعل اىل حتقيقها دوراً كبرياً يف حتديد صورة‬ ‫النشاط اإلجرامي املرتكب‪ ،‬وبالتالي تكييف‬ ‫الوقائع اإلجرامية‪ ،‬كجرمية إب��ادة مجاعية‪،‬‬ ‫تامة أو غري تامة‪)30(.‬‬ ‫أن املطابقة القانونية بني السمات املفصلة‬ ‫والسابقة الذكر ألركان جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫املصاغة يف اتفاقية عام ‪ 1948‬من جهة‪ ،‬ومسات‬ ‫أرك��ان اجلرائم ال�تي اقرتفها النظام العراقي‬ ‫املقبور إزاء الشعب الكردي فيما أمسي بعمليات‬ ‫األنفال‪ ،‬من جهة ثانية‪ ،‬متكن من وضع عدد من‬ ‫االستنتاجات الرئيسة اآلتية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬ال خيتلف اثنان يف أن عمليات األنفال‬ ‫امل��ن��ف��ذة يف ال��ف�ترة ب�ين ‪ 1988/2/23‬و‬ ‫‪1988/9/6‬كانت موجهة ضد مجاعة من‬ ‫ال��ن��اس‪ ،‬هلا مواصفاتها البشرية (القومية)‬ ‫اخلاصة بها‪ ،‬ولكونها كذلك فقد كانت هي‪،‬‬ ‫دون غريها من اجلماعات البشرية اليت تسكن‬ ‫العراق‪ ،‬املستهدفة بهذه العمليات‪ ،‬وألنها بهذه‬ ‫املواصفات فأن هذه العمليات اإلجرامية كانت‬ ‫ترمي اىل حتقيق خمطط وضع ً‬ ‫سلفا‪ ،‬بإبادة‬

‫ً‬ ‫أفرادها بصورة مجاعية‪ً ،‬‬ ‫جزئيا‪ .‬وميكن‬ ‫كليا أو‬ ‫من خالل دراسة مرحلة التخطيط والتحضري‬ ‫لعمليات األنفال‪ ،‬وال سيما األوام��ر والقرارات‬ ‫الصادرة متهيداً هلا‪ ،‬وك��ذا جمريات العمليات‬ ‫العسكرية‪ ،‬واجمل���ازر ال�تي ارتكبت خالهلا‪،‬‬ ‫التوصل اىل أن م��ا ج��رى ه��و إب���ادة مجاعية‬ ‫جملاميع بشرية كبرية‪ ،‬تنتمي اىل القومية‬ ‫الكردية على وجه التحديد‪ .‬ان مسات اجلماعة‬ ‫املستهدفة يف عمليات األنفال تتوافق ً‬ ‫متاما مع‬ ‫السمات اليت حددتها اتفاقية ‪ 1948‬بالنسبة‬ ‫للجماعة املستهدفة باإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬لقد ارتكبت خالل عمليات األنفال الكثري‬ ‫من اجلرائم اجملسدة للركن املادي جلرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬وخاصة احملددة يف الفقرات (أ)‪( ،‬ب)‪،‬‬ ‫(ج) من املادة‪ 2 /‬من االتفاقية‪ ،‬واملتمثلة يف‪:‬‬ ‫‪.‬قتل أعضاء من اجلماعة‪.‬‬ ‫‪.‬إحلاق أذى جسدي أو روحي خطري بأعضاء‬ ‫من اجلماعة‪.‬‬ ‫‪.‬إخضاع اجلماعة لظروف معيشية (يراد بها‬ ‫ً‬ ‫تدمريها ً‬ ‫جزئيا)‪.‬‬ ‫كليا أو‬ ‫إضافة اىل ذلك‪ ،‬فأن كافة األفعال املعاقب عليها‬ ‫وفق املادة‪ 3 /‬من االتفاقية وجدت جتسيداً هلا‬ ‫ً‬ ‫أيضا يف عمليات األنفال‪ ،‬وهذه األفعال هي‪:‬‬ ‫‪.‬تنفيذ اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫‪.‬التآمر على ارتكاب اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫‪.‬التحريض املباشر والعلين على ارتكاب اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪.‬‬ ‫‪.‬حماولة ارتكاب اإلب��ادة اجلماعية (حتضرياً‬ ‫ً‬ ‫وشروعا)‪.‬‬ ‫‪.‬االشرتاك يف اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫ول��ع��ل وج���ود آالف ال حتصى م��ن الوثائق‬


‫الرمسية العائدة ألجهزة األمن واالستخبارات‬ ‫واملخابرات العامة اخلاصة بالنظام العراقي‪،‬‬ ‫واملتضمنة األوام��ر املتعلقة بكيفية ارتكاب‬ ‫األفعال اجملسدة لإلبادة اجلماعية‪ ،‬أثناء عمليات‬ ‫األنفال‪ ،‬هو دليل ال يقبل الدحض على توافر‬ ‫مس��ات ال��رك��ن امل���ادي هل��ذه اجل��رمي��ة البالغة‬ ‫اخلطورة‪ .‬تكفي اإلشارة بهذا الصدد اىل القرار‬ ‫املرقم ‪ ،2650/28‬امل��ؤرخ يف ‪1987/6/3‬‬ ‫الذي نص على ما يلي‪»:‬تقتل القوات املسلحة أي‬ ‫كائن حي أو حيوان يتواجد يف املناطق احملددة‬ ‫بالتعليمات وفرض حصار اقتصادي صارم يف‬ ‫املنطقة»!!(‪)31‬‬ ‫(كليا أو جزئيا)ً‬ ‫ثالثا‪ :‬أن توافر هدف اإلبادة ً‬ ‫ً‬ ‫للجماعة املستهدفة يف عمليات األنفال يشري‬ ‫دون شك اىل أن ما أرتكب‪ ،‬إمنا أرتكب عمداً‪ ،‬كما‬ ‫وتشري طبيعة العمليات العسكرية آن��ذاك اىل‬ ‫ذلك‪ ،‬سواء من حيث طبيعة األسلحة املدمرة‬ ‫املتنوعة و املستخدمة يف هذه العمليات‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك األسلحة الكيماوية‪ ،‬أو وحشية ما أرتكب‬ ‫(االع��دام��ات اجلماعية خ��ارج القضاء‪ ،‬دفن‬ ‫اجملين عليهم وهم أحياء‪ ،‬قصف القرى وغري‬ ‫ذلك)‪ ،‬بل وميكن أن جيري التوصل اىل عمدية‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من تسمية‬ ‫اجلرائم املرتكبة‪ ،‬حتى‬ ‫هذه العمليات بـ»األنفال»(‪ )32‬أو على أساس‬ ‫الشعارات املرفوعة خالهلا‪ ،‬مثل تصفية «اخلونة‬ ‫واملرتدين وعمالء األجنيب»‪..‬اىل غري ذلك‪.‬‬ ‫وعلى أساس هذه االستنتاجات ميكن القول‬ ‫أن جرمية اإلب��ادة اجلماعية احمل��ددة كجرمية‬ ‫دولية يف اتفاقية «منع جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫ً‬ ‫انعكاسا‬ ‫واملعاقبة عليها» لعام ‪ 1948‬قد وجدت‬ ‫ألركانها وبصورة كاملة يف عمليات األنفال‪ ،‬ما‬

‫يعين أن هذه االتفاقية جيب أن تتخذ كأساس‬ ‫قانوني حم��دد وه��ام ملساءلة النظام العراقي‬ ‫البائد‪ ،‬كما وجيب االسرتشاد بأحكامها بالنسبة‬ ‫جلمع األدلة املطلوبة حملاكمته وأدانته‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬ ‫املساءلة القضائية لقاء جرائم األنفال‬ ‫أن وجود أطنان من األدلة املدللة على انتهاك‬ ‫النظام العراقي البائد التفاقية «منع جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية واملعاقبة عليها» لعام ‪،1948‬‬ ‫باقرتافه جملازر األنفال‪ ،‬يطرح دون شك مسألة‬ ‫ً‬ ‫قضائيا‪.‬‬ ‫كيفية مساءلته من الناحية القانونية‬ ‫لقد سبقت اإلشارة اىل أن التوصيف القانوني‬ ‫جلرائم اإلبادة اجلماعية يف اتفاقية عام ‪1948‬‬ ‫يتطابق‪ ،‬من حيث أرك��ان ه��ذه اجل��رائ��م‪ ،‬مع‬ ‫توصيف اجل��رائ��م اجلسيمة املرتكبة‪ ،‬فيما‬ ‫أُمسي بعمليات األنفال‪ ،‬مما يعين توافر األساس‬ ‫القانوني املطلوب بالنسبة ملساءلة النظام‬ ‫العراقي عن هذه اجلرائم باعتبارها جرائم‬ ‫«إب���ادة مجاعية»‪ ،‬وه��و ما يعين ً‬ ‫أيضا أهمية‬ ‫االلتزام بتطبيق اتفاقية ‪ 1948‬واالستناد‬ ‫إليها على وجه التحديد بالنسبة ملقاضاة أركان‬ ‫النظام العراقي لقاء اجلرائم املعنية املرتكبة‪،‬‬ ‫خاصة وان العراق يعد إح��دى ال��دول املوقعة‬ ‫على هذه االتفاقية(‪ ،)33‬كما أن أحكام هذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاصا للمقاضاة لقاء‬ ‫نظاما‬ ‫االتفاقية تتضمن‬ ‫جرائم اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫تنص اتفاقية «منع جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫واملعاقبة عليها» لعام ‪1948‬على ما يلي‪»:‬حياكم‬ ‫األشخاص املتهمون بارتكاب اإلبادة اجلماعية أو‬ ‫‪33‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪34‬‬

‫أي من األفعال األخرى املذكورة يف املادة الثالثة‬ ‫أم��ام حمكمة خمتصة من حماكم الدولة اليت‬ ‫أرتكب الفعل على أرضها‪ ،‬أو أمام حمكمة جزائية‬ ‫دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من‬ ‫األطراف املتعاقدة قد اعرتف بواليتها» (املادة‪/‬‬ ‫‪.)6‬‬ ‫فعلى أساس هذا النص القانوني الدولي جتوز‬ ‫حماكمة النظام العراقي لقاء جرائم األنفال وفق‬ ‫السبيلني التاليني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬من قبل احملاكم الوطنية العراقية‪.‬‬ ‫ال��ث��ان��ي‪ :‬م��ن قبل حمكمة جنائية دولية‬ ‫خمتصة‪)34( .‬‬ ‫ان تشكيل حمكمة وطنية عراقية ملقاضاة‬ ‫النظام العراقي لقاء جرائمه‪ ،‬املقرتفة حبق‬ ‫الشعب العراقي عامة‪ ،‬والشعب الكردي خاصة‪،‬‬ ‫يعد يف رأي الكثري م��ن ض��ح��اي��اه‪ ،‬ويف نظر‬ ‫املتخصصني يف القانون الدولي االنساني‪ ،‬وكذا‬ ‫التيارات السياسية ومنظمات الدفاع عن حقوق‬ ‫االن��س��ان العراقية على اختالفها‪ )35(،‬هو‬ ‫السبيل األمثل‪ ،‬خاصة وأن جرائم هذا النظام‪،‬‬ ‫مبا فيها جم��ازر االنفال قد وقعت يف العراق‪،‬‬ ‫وهل��ذا يفرتض أن جت��ري حماكمة املذنبني يف‬ ‫ارتكابها من قبل اهليئات القضائية يف العراق‪،‬‬ ‫فاىل جانب وجود أو إمكانية توفري كل األدلة‬ ‫املطلوبة بالنسبة للجرائم املرتكبة‪ ،‬من السهل‬ ‫تقديم الكثري من األدلة الدامغة على جرائم‬ ‫النظام العراقي‪ ،‬نتيجة لوجود كل األط��راف‬ ‫املعنية‪ ،‬من متهمني وضحايا وشهود‪ ،‬هذا إضافة‬ ‫اىل ان احملاكمات الداخلية متكن الضحايا (اجملين‬ ‫عليهم) أنفسهم من املساهمة الفاعلة فيها‪،‬‬ ‫ومعايشة أحداثها بشكل مباشر وعن كثب‪.‬‬

‫(‪ )36‬أن األمر األساس بالنسبة ملقاضاة النظام‬ ‫العراقي البائد‪ ،‬حسبما ورد يف تقرير منظمة‬ ‫العفو الدولية عام ‪ ،2004‬امنا ينحصر يف اقامة‬ ‫العدل بالنسبة الع��داد ال حتصى من ضحايا‬ ‫انتهاكات حقوق االنسان يف العراق‪ ،‬أولئك الذين‬ ‫تعرضوا النتهاكات جسيمة وطوال عقود من‬ ‫السنني‪)37( .‬‬ ‫ً‬ ‫أما السبيل الثاني املمكن وفقا التفاقية ‪1948‬‬ ‫فيستند اىل ما يسمى «االختصاص القضائي‬ ‫الدولي»‪ ،‬والذي على أساسه ميكن إجراء احملاكمة‬ ‫املطلوبة أمام هيئة قضائية دولية‪.‬‬ ‫أن «االختصاص القضائي الدولي» أو «عاملية‬ ‫االختصاص القضائي» ينحصر يف أن من مصلحة‬ ‫كل الدول يف أن حيال اىل العدالة مرتكبو جرائم‬ ‫معينة‪ ،‬تهم كل اجملتمع الدولي‪ ،‬وذلك بصرف‬ ‫النظر عن مكان ارتكابها‪ ،‬وبغض النظر عن‬ ‫جنسية مرتكبيها أو جنسية ضحاياها‪ .‬أن هذه‬ ‫اجلرائم توصف بكونها جرائم دولية‪ ،‬فهي إضافة‬ ‫اىل كونها جرائم بالغة اخلطورة واجلسامة من‬ ‫جهة‪ ،‬فأن غالبية الدول تتفق‪ ،‬من جهة ثانية‪،‬‬ ‫على اعتبارها كذلك فهي تعتدي على أسس‬ ‫اجملتمع الدولي واالنساني‪ ،‬وجتسيداً لصفات هذه‬ ‫اجلرائم اجلسيمة يالحظ أن الدول قد اتفقت‬ ‫على جترميها ً‬ ‫وفقا لعدد من االتفاقيات الدولية‬ ‫اخلاصة بها‪ ،‬ونصت ضمن أحكامها على إمكانية‬ ‫اللجوء اىل تشكيل حماكم جنائية دولية خمتصة‬ ‫للنظر فيها ومساءلة املذنبني يف ارتكابها‪.‬‬ ‫ولعل ما مييز هذه اجلرائم‪ ،‬مقارنة بغريها من‬ ‫اجلرائم‪ ،‬هو ارتكابها من جانب الدولة‪ ،‬وذلك‬ ‫بنا ًء على ختطيط مدبر من جانبها‪ ،‬كما وأنها‬ ‫تعتمد يف تنفيذها على قدراتها اليت ال تتوفر‬


‫لدى األشخاص الطبيعيني‪ ،‬وليس من املستبعد‬ ‫أن يقوم هؤالء حلسابها باألفعال اجملسدة هلا‪.‬‬ ‫أن االختصاص القضائي الدولي يسري خاصة‬ ‫على اجلرائم الدولية اآلتية‪:‬‬ ‫‪.‬التعذيب‪ ،‬وذلك استناداً اىل اتفاقية «مناهضة‬ ‫التعذيب وغريه من ضروب املعاملة والعقوبة‬ ‫القاسية أو الالإنسانية أو املهينة» الصادرة يف‬ ‫‪.1984/12/10‬‬ ‫‪.‬اإلبادة اجلماعية ً‬ ‫وفقا ألحكام اتفاقية «منع‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية واملعاقبة عليها» لعام‬ ‫‪.1948‬‬ ‫‪.‬اجل��رائ��م ض��د اإلن��س��ان��ي��ة‪ ،‬وال�ت�ي حددتها‬ ‫املادة‪( 6/‬ج) م��ن ال��ق��ان��ون األس���اس حملكمة‬ ‫نورمربج بكونها‪« :‬القتل‪ ،‬اإلب��ادة‪ ،‬االسرتقاق‪،‬‬ ‫التهجري القسري وكل األفعال غري اإلنسانية‬ ‫املرتكبة ضد أي جمموعة من السكان املدنيني‬ ‫قبل أو أثناء احلرب‪ ،‬وأي اضطهاد ألية جمموعة‬ ‫من السكان يقوم على أساس سياسي أو عرقي أو‬ ‫ً‬ ‫متصال‬ ‫ديين‪ ،‬طاملا أن تنفيذ هذه األفعال كان‬ ‫بأي شكل باجلرائم اليت تدخل يف نطاق هذه‬ ‫احملاكمة‪ ،‬حتى ولو كان ارتكاب هذه اجلرائم‬ ‫غري مؤثم يف البلد اليت مت ارتكاب هذه اجلرائم‬ ‫يف إقليمها»‪.‬‬ ‫‪.‬جرائم احلرب املدرجة يف اتفاقيات جنيف‬ ‫األربع لعام ‪1949‬وبروتوكوالتها التكميلية‪.‬‬ ‫أن تشكيل حمكمة جنائية دولية استناداً اىل‬ ‫أحكام اتفاقية «منع جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫واملعاقبة عليها» لعام ‪1948‬يدخل ضمن‬ ‫صالحيات هيئة األمم املتحدة‪ ،‬اذ حيق جمللس‬ ‫األم��ن فيها‪ ،‬على ضوء أحكام امل��ادة‪ 29 /‬من‬ ‫ميثاق هيئة األمم املتحدة «إقامة التنظيمات‬

‫القانونية اليت يراها مناسبة وضرورية للقيام‬ ‫بتأدية مهامه»‪ ،‬كما ونصت املادتان‪51 ،42 /‬‬ ‫من امليثاق نفسه على صالحيات مماثلة‪ ،‬يف‬ ‫حني ألزمت امل��ادة‪ 25 /‬منه ال��دول األعضاء‬ ‫بتنفيذ قرارات جملس األمن املتعلقة بإقامتها‪.‬‬ ‫ل��ق��د أرس����ى إع��ل�ان م��وس��ك��و ال���ص���ادر يف‬ ‫‪ 1943/10/30‬ع��دداً من األس��س املتعلقة‬ ‫مب��س��اءل��ة اجمل��رم�ين ال��ن��ازي�ين ع��ن اجل��رائ��م‬ ‫الوحشية اليت اقرتفوها‪ .‬ومن أبرز هذه األسس‬ ‫إرسال اجملرمني اىل البلد الذي أرتكبت فيه هذه‬ ‫اجلرائم بهدف مقاضاتهم ومعاقبتهم مبقتضى‬ ‫قوانني ذلك البلد‪ .‬لكن هذا اإلعالن مل يتطرق‬ ‫اىل املسألة املتعلقة بكبار اجملرمني‪ ،‬الذين ال‬ ‫ترتبط جرائمهم مبنطقة جغرافية معينة‪.‬‬ ‫وقد حسمت هذه املسألة ً‬ ‫وفقا لالتفاقية املوقعة‬ ‫يف ‪ 1945/8/8‬بني االحتاد السوفييت والواليات‬ ‫املتحدة األمريكية وبريطانيا وفرنسا واملتعلقة‬ ‫باملالحقة القضائية لكبار جمرمي احلرب لدول‬ ‫احملور ومعاقبتهم‪ .‬وعلى أساس هذه االتفاقية‬ ‫مت تشكيل احملكمة العسكرية الدولية ملقاضاة‬ ‫كبار جمرمي احل��رب‪ ،‬وأعترب القانون األساس‬ ‫هل��ذه احملكمة ج��زءاً ال يتجزأ من االتفاقية‪.‬‬ ‫وبهذه الصورة‪ ،‬ثبتت هذه االتفاقية املسؤولية‬ ‫اجلنائية الدولية لألشخاص الطبيعيني‪ ،‬كما‬ ‫وشكلت مبوجبها أول حمكمة عسكرية دولية‬ ‫حملاكمة املذنبني يف ارتكاب اجلرائم ضد السالم‬ ‫واإلنسانية(‪ ،)38‬ولقد عقدت هذه احملكمة‬ ‫جلساتها يف مدينة «نورمربغ» األملانية‪ ،‬ونسبة‬ ‫ً‬ ‫تارخييا حتت اسم‬ ‫اليها عرفت هذه احملاكمات‬ ‫«حماكمات ن��ورم�برغ»‪ ،‬وق��د ب��دأت جلساتها يف‬ ‫‪ .1946/8/20‬كما وشكلت يف ‪1946/1/19‬‬ ‫‪35‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪36‬‬

‫يف طوكيو حمكمة عسكرية دول��ي��ة مماثلة‬ ‫اختصت بالنظر يف جرائم كبار جمرمي احلرب‬ ‫العاملية الثانية يف الشرق األقصى‪.‬‬ ‫لقد طرحت االتفاقية املوقعة يف ‪1945/8/8‬‬ ‫مبدأ عدم تطبيق زمن التقادم بالنسبة جلرائم‬ ‫احلرب واجلرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬وعلى أساس‬ ‫ذلك وقعت يف ‪ 1968/11/26‬اتفاقية «عدم‬ ‫تقادم جرائم احلرب واجلرائم املرتكبة ضد‬ ‫اإلنسانية»‪ ،‬وال�تي أصبحت نافذة املفعول يف‬ ‫‪ ،1970/11/11‬وقد التزمت الدول األطراف‬ ‫مبوجبها باختاذ التدابري التشريعية وغريها من‬ ‫التدابري الضرورية لضمان عدم تطبيق زمن‬ ‫التقادم‪ ،‬احملدد وفق القانون أو بأية طريقة‬ ‫أخ��رى‪ ،‬فيما يتعلق باملالحقة القضائية لقاء‬ ‫جرائم احلرب واجلرائم ضد اإلنسانية واملعاقبة‬ ‫عليها (املادة‪ 1 /‬فقرة ب)‪.‬‬ ‫أن النظام األساس للمحكمة العسكرية الدولية‬ ‫يلعب دوراً كبرياً يف حتديد اختصاصها القضائي‬ ‫الدولي‪ ،‬فعلى أساس اتفاقية ‪ً 1945/8/8‬‬ ‫مثال‪،‬‬ ‫ُح��دد اختصاص احملكمة العسكرية الدولية‬ ‫املشكلة مبقاضاة جمرمي احلرب العاملية الثانية‬ ‫ومعاقبتهم‪ .‬ومبقتضى الفصل السابع من ميثاق‬ ‫األمم املتحدة قام جملس األمن يف ‪1993/2/22‬‬ ‫بتشكيل احملكمة العسكرية الدولية من أجل‬ ‫املالحقة القضائية لألشخاص املتهمني بارتكاب‬ ‫انتهاكات جسيمة للقانون الدولي اإلنساني على‬ ‫أراضي يوغسالفيا السابقة‪ .‬وعلى أساس النظام‬ ‫األساس الذي اقره جملس األمن يف ‪1994/11/8‬‬ ‫شكلت احملكمة العسكرية الدولية من أجل‬ ‫املالحقة القضائية لألشخاص املسؤولني عن‬ ‫جرائم اإلبادة اجلماعية وغري ذلك من انتهاكات‬

‫القانون الدولي اإلنساني املرتكبة على أراضي‬ ‫روان���دا‪ ،‬وكذلك ملساءلة مواطين روان��دا عن‬ ‫جرائم اإلب��ادة اجلماعية وغريها من اجلرائم‬ ‫املماثلة املرتكبة على أراض��ي ال��دول اجمل��اورة‬ ‫خالل الفرتة من ‪.1994/12/1.31/1‬‬ ‫وعليه‪ ،‬على الرغم من ان احملاكم الدولية‬ ‫السابقة الذكر هي حماكم ذات اختصاص قضائي‬ ‫دولي‪ ،‬فيما يتعلق بالنظر يف اجلرائم الدولية‪ ،‬اال‬ ‫انها يف الوقت نفسه ال تتمتع بصالحيات دولية‬ ‫شاملة‪ .‬مبعنى أن اختصاصها القضائي يتعلق‬ ‫يف الغالب مبقاضاة جمرمني حمددين (جمرمي‬ ‫احلرب العاملية الثانية) أو مواطين دول معينة‬ ‫(يوغسالفيا‪ ،‬روان���دا)‪ ،‬كما وان االختصاص‬ ‫القضائي هلذه احملاكم يتصف بطبيعته املؤقتة‪،‬‬ ‫إذ تفقد ه��ذه احمل��اك��م اختصاصها «ال��دول��ي»‬ ‫ح��ال استكماهلا ملهامها‪ ،‬م��ا يتطلب «إع���ادة»‬ ‫تشكيلها للنظر يف قضايا جديدة تدخل دائرة‬ ‫االختصاص القضائي ال��دول��ي‪ ،‬وذل��ك يف ظل‬ ‫ظروف دولية استثنائية‪ ،‬من الصعب تكرارها‪.‬‬ ‫هلذه األسباب وغريها طرحت فكرة تشكيل‬ ‫احملكمة اجلنائية ال��دول��ي��ة ال��دائ��م��ة‪ ،‬اليت‬ ‫وج��دت جتسيداً هلا يف مؤمتر روم��ا املنعقد يف‬ ‫‪ ،1998/7/17‬الذي متخض عن إقرار نظامها‬ ‫األساس‪ ،‬الذي حدد اختصاصها القضائي بالنظر‬ ‫يف جرمية اإلب���ادة اجلماعية‪ ،‬واجل��رائ��م ضد‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وجرائم احلرب‪ ،‬وجرمية العدوان‬ ‫(الفقرات أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬من املادة‪.)5 /‬‬ ‫أن هذه احملكمة‪ ،‬وعلى الرغم من كونها قد‬ ‫حصلت على اع�تراف دول��ي كامل بها‪ ،‬إذ مت‬ ‫التوقيع على نظامها االساس من قبل اغلبية‬ ‫دول العامل‪ ،‬باستثناء ع��دد منها‪ ،‬كالواليات‬


‫املتحدة األمريكية وإسرائيل‪ ،‬اال أن نظامها‬ ‫االساس حيتوي على عدد من الثغرات‪ ،‬اليت ال‬ ‫خيدم وجودها‪ ،‬بكل أسف‪ ،‬قضية حماكمة النظام‬ ‫العراقي لقاء جرائم األنفال‪ ،‬ومن أبرزها‪ ،‬أن‬ ‫صالحيات احملكمة اجلنائية الدولية ال تسري‬ ‫بأثر رجعي‪ ،‬أي أن هذه احملكمة تنظر فقط‬ ‫يف تلك اجلرائم اليت ترتكب بعد نفاذ نظامها‬ ‫األس��اس! فاستناداً اىل احكام الفقرة (‪ )1‬من‬ ‫امل��ادة‪ 24 /‬من النظام االس��اس للمحكمة‪« :‬ال‬ ‫ً‬ ‫جنائيا مبوجب هذا النظام االساس عن‬ ‫يسأل‬ ‫سلوك سابق لبدء نفاذ النظام»‪ ،‬ما يعين أن‬ ‫االختصاص القضائي هلذه احملكمة ال يسري‪ ،‬بأي‬ ‫حال من االحوال‪ ،‬على جرائم النظام العراقي‬ ‫عامة‪ ،‬وجرائم االنفال خاصة‪.‬‬ ‫اىل جانب ذل��ك‪ ،‬أن الصالحيات اليت تتمتع‬ ‫بها احملكمة اجلنائية الدولية ليست صالحيات‬ ‫مطلقة‪ ،‬فالدعاوى اليت حتال إليها‪ ،‬جيب أن حتال‬ ‫من قبل جملس األمن‪ ،‬أو من قبل الدولة اليت‬ ‫ارتكبت اجلرائم على إقليمها‪ ،‬أو الدولة اليت‬ ‫حيمل املتهم جنسيتها‪ ،‬على أن تكون من الدول‬ ‫األط��راف يف نظامها األس��اس‪ ،‬أو أن توافق على‬ ‫االختصاص القضائي هلذه احملكمة!!‬ ‫لقد سبقت االش��ارة اىل وجود امكانية‪ ،‬فيما‬ ‫مضى‪ ،‬ملقاضاة النظام العراقي السابق أمام‬ ‫احملاكم الوطنية (الداخلية) لعدد من البلدان‪،‬‬ ‫ومنها بشكل خاص بلجيكا‪ ،‬فقد كانت توجد‬ ‫فيها‪ ،‬يف السابق‪ ،‬إمكانية حملاكمة «غري دولية»‬ ‫ل��ق��اء انتهاكات ال��ق��ان��ون ال��دول��ي اإلنساني‪.‬‬ ‫فبموجب القانون الذي أصدرته بلجيكا يف عام‬ ‫‪ ،1993‬على أساس اتفاقيات جنيف األربع‬ ‫لعام ‪ 1949‬وبروتوكوالتها التكميلية‪ ،‬أصبح‬

‫االختصاص القضائي للمحاكم البلجيكية‬ ‫مبوجبه ساري املفعول بالنسبة جلرائم اإلبادة‬ ‫اجلماعية واجلرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬وذلك بغض‬ ‫النظر عن مكان ارتكابها‪ ،‬وبصرف النظر عن‬ ‫جنسية املتهمني أو الضحايا‪ ،‬أو مكان إقامتهم!!‬ ‫ومبوجب هذا القانون كان باملستطاع حماكمة‬ ‫غ�ير البلجيكيني أم���ام احمل��اك��م البلجيكية‬ ‫لقاء جرائم اإلب��ادة اجلماعية واجلرائم ضد‬ ‫اإلنسانية‪ .‬إضافة اىل ذلك ال تعترب مبقتضى‬ ‫هذا القانون احلصانة اليت يتمتع بها الرؤساء‬ ‫األجانب ً‬ ‫أساسا لعدم مقاضاتهم‪.‬‬ ‫ومن هنا فأن االمكانية حملاكمة املذنبني يف‬ ‫ارتكاب جرائم االنفال من طرف اركان النظام‬ ‫العراقي البائد أمام احملاكم البلجيكية كانت‬ ‫متوفرة ً‬ ‫أيضا قبل سقوطه‪ ،‬اال أن هناك عدداً‬ ‫من الصعوبات كانت تعرتض جتسيد ذلك‪ ،‬واليت‬ ‫ميكن حصر أبرزها يف اآلتي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬أن بلجيكا تعد إحدى الدول املوقعة على‬ ‫النظام األس��اس للمحكمة اجلنائية الدولية‪،‬‬ ‫وال����ذي ي��ن��ص ع��ل��ى ع���دم ق��ب��ول امل�لاح��ق��ات‬ ‫القضائية بالنسبة ملواطين دولة أخرى‪ ،‬إذا ما‬ ‫قررت الدولة املعنية (العراق ً‬ ‫مثال) عدم القيام‬ ‫مبالحقتهم‪ ،‬فاحملكمة العليا اإلسرائيلية‪ ،‬على‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬سبق أن قررت منذ سنوات عدم‬ ‫ً‬ ‫قضائيا‪ ،‬لقاء جرائمه يف صربا‬ ‫مالحقة شارون‬ ‫وشاتيال عام ‪ ،1982‬رغم امتالكها لصالحية‬ ‫مالحقته‪ .‬وه���ذا م��ا يعين وج���ود معوقات‬ ‫قانونية أمام جتسيد املساءلة القضائية ملواطين‬ ‫الدول األخرى‪ ،‬فيما لو طرحت بالنسبة للقضاء‬ ‫البلجيكي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬عانت بلجيكا يف السنوات األخرية من‬ ‫‪37‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪38‬‬

‫مشاكل على الصعيدين السياسي والدبلوماسي‬ ‫الدوليني بسبب قانون ‪ ،1993‬خاصة وأن‬ ‫القانون كان يسمح ملواطين الدول برفع الدعاوى‬ ‫ضد رؤساء دوهلم وقادتها‪ ،‬وهذا ما شكل ً‬ ‫سببا‬ ‫ً‬ ‫رئيسا يف تعديل هذا القانون عام ‪.2003‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬أن مقاضاة املسؤولني يف النظام العراقي‬ ‫عن جرائم األنفال أمام احملاكم البلجيكية كانت‬ ‫تعين موافقة العراق‪ ،‬كدولة‪ ،‬على االع�تراف‬ ‫باالختصاص القضائي هلذه احملاكم الداخلية‬ ‫ً‬ ‫أي��ض��ا تسليم‬ ‫األجنبية‪ ،‬كما وك��ان��ت تعين‬ ‫املتهمني بهذه اجلرائم اىل بلجيكا‪ ،‬حملاكمتهم‬ ‫أمام حماكمها!! ومثل هذا االستنتاج ال يتفق‪،‬‬ ‫من جهة‪ ،‬مع موقف احلكومة العراقية آنذاك‪،‬‬ ‫ومل يكن جي��س��د‪ ،‬م��ن جهة ثانية‪ ،‬تطلعات‬ ‫ضحايا انتهاكات حقوق االن��س��ان يف العراق‬ ‫عامة‪ ،‬وكردستان خاصة‪ ،‬يف حماكمة تكفل‬ ‫ً‬ ‫حقا عدم افالت أي من أركان النظام العراقي‬ ‫السابق املتورطني يف هذه االنتهاكات من العقاب‬ ‫«الصارم» و»السريع»‪ ،‬وهو ما قد يكون مستبعداً‬ ‫يف حالة مقاضاتهم أم��ام احملاكم االجنبية‪،‬‬ ‫الدولية والوطنية على حد سواء‪.‬‬ ‫وعلى ضوء ما تقدم‪ ،‬ميكن التوصل اىل استنتاج‬ ‫عن أن قضية كيفية مقاضاة النظام العراقي‬ ‫السابق عن جرائمه املرتكبة إزاء الشعب العراقي‬ ‫عامة والشعب الكردي خاصة‪ ،‬كانت إحدى‬ ‫املعضالت القانونية‪ ،‬اليت كانت مطروحة يف‬ ‫السابق على بساط البحث دون أن جتد اجلواب‬ ‫املناسب‪ ،‬خاصة وان رؤوس النظام قد عملوا‬ ‫وهم يف سدة احلكم على محاية أنفسهم من أية‬ ‫مساءلة قضائية ميكن أن تؤدي اىل إيقاع العقاب‬ ‫بهم‪ ،‬وذلك من خالل منح أنفسهم احلصانات‬

‫الدستورية الكاملة‪)39( .‬‬ ‫اال أن سقوط النظام العراقي يف ‪2003/4/9‬‬ ‫شكل العامل االساس لتجسيد مطلب مقاضاته‬ ‫وذلك من خالل تشكيل حمكمة داخلية عراقية‪،‬‬ ‫إذ قام جملس احلكم العراقي املؤقت بتجسيد‬ ‫األمر رقم ‪ 48‬لعام ‪ ،2003‬القاضي بـ‪« :‬إنشاء‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية املختصة باجلرائم‬ ‫ضد االنسانية» الصادر يف ‪.2003/12/10‬‬ ‫(‪)40‬‬ ‫أن أغلبية أحكام هذا القانون قد إستندت اىل‬ ‫النظام االساس للمحكمة اجلنائية الدولية لعام‬ ‫‪ ،1998‬كما وأخذ بعني االعتبار‪ ،‬لدى صياغته‪،‬‬ ‫بأحكام عدد من القوانني العراقية املتعلقة‬ ‫بالقضايا اجلنائية‪ ،‬مثل قانون العقوبات رقم‬ ‫(‪ )111‬لعام ‪ ،1969‬وقانون أصول احملاكمات‬ ‫اجلزائية رق��م (‪ )23‬لعام ‪ ،1971‬وقانون‬ ‫التنظيم القضائي رقم (‪ )160‬لعام ‪،1979‬‬ ‫وقانون االدعاء العام رقم (‪ )159‬لعام ‪،1979‬‬ ‫اال أنه باالختالف عن القوانني العراقية النافذة‬ ‫يسمح باستخدام قضاة وخرباء ومراقبني من‬ ‫االمم املتحدة أو أية دولة‪ ،‬وذلك كمتخصصني‬ ‫بقضايا اجلرائم ضد االنسانية‪ ،‬وكذلك من‬ ‫أجل مراقبة مدى االلتزام من طرف احملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية املختصة باملعايري املعتمدة يف‬ ‫احملاكمات‪)41( .‬‬ ‫لقد كون إصدار قانون إنشاء احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية املختصة أرضية قانونية مناسبة للبت‬ ‫يف معضلة كيفية مقاضاة النظام العراقي البائد‪.‬‬ ‫إضافة اىل ذلك‪ ،‬أن وجود هذه احملكمة قد قدم‬ ‫االمكانية حملاكمة هذا النظام‪ ،‬ليس عن جرائم‬ ‫االب��ادة اجلماعية املرتكبة يف نطاق «عمليات‬


‫االنفال» فحسب‪ ،‬بل وكذلك مقاضاته عن جممل‬ ‫اجلرائم املقرتفة من قبل أقطابه‪ ،‬واملرتكبة‬ ‫حبق أبناء الشعب ال��ك��ردي خاصة‪ ،‬والشعب‬ ‫العراقي عامة‪ )42( .‬حري بالذكر ان تشكيل‬ ‫هذه احملكمة قد جاء ليؤكد جمدداً على أهمية‬ ‫وضرورة‪ ،‬بل وكذلك حتمية املساءلة اجلنائية‬ ‫عن االنتهاكات اجلسيمة حلقوق االنسان وغريها‬ ‫من اجلرائم املقرتفة‪ ،‬اليت يعاقب عليها القانون‬ ‫الدولي‪)43( .‬‬ ‫اخلامتة‬ ‫من خ�لال مضمون حبثنا ميكن إستخالص‬ ‫مجلة من االستنتاجات‪ ،‬ومن أبرزها‪:‬‬ ‫‪ .1‬لقد شهد ال��ق��رن املنصرم اق�تراف‬ ‫اعدادا ال حتصى من االنتهاكات املاسة بالسالم‬ ‫ً‬ ‫خرقا‬ ‫واالنسانية وحقوق االنسان‪ ،‬واليت تشكل‬ ‫ً‬ ‫صارخا للكثري من االتفاقيات واملواثيق الدولية‪،‬‬ ‫املقرة واملوقع عليها من قبل الدول‪،‬وقد برز‬ ‫هذا خاصة بعد تأسيس هيئة األمم املتحدة‪،‬‬ ‫اليت قامت بدور هام يف ابرام الكثري من اللوائح‬ ‫الدولية املتضمنة جتريم ه��ذه االنتهاكات‬ ‫واملعاقبة عليها‪.‬‬ ‫‪ .2‬أن اغلبية دول العامل تعمل على بذل‬ ‫جهود حثيثة من أجل جتسيد مبدأ املالحقة‬ ‫القانونية عن اجلرائم املاسة بأحكام القانون‬ ‫الدولي االنساني‪ ،‬وقد متثل هذا باملعاهدات‬ ‫الدولية املربمة‪ ،‬أو بالعمل على تطبيقها‪ ،‬وكذلك‬ ‫من خ�لال تشكيل احملاكم الدولية اجلنائية‬ ‫اخلاصة‪،‬مع السعي اجل��اد من طرفها لتفعيل‬ ‫دور احملكمة اجلنائية الدولية يف ردع انتهاكات‬ ‫القانون الدولي االنساني‪.‬‬

‫‪ .3‬هناك توجه ل��دى ع��دد من ال��دول‬ ‫لتجريم انتهاكات القانون الدولي االنساني‬ ‫وحتديد العقاب عليها يف قوانينها الداخلية‪،‬‬ ‫م��ع قيام ع��دد منها مب��د س��ري��ان تشريعاتها‬ ‫اجلنائية النافذة‪ ،‬واختصاص هيئاتها القضائية‬ ‫اىل خ��ارج ح��دود اقليمها‪ ،‬بل وعلى مواطين‬ ‫الدول االخرى‪ ،‬املذنبني يف ارتكاب االنتهاكات‬ ‫اجلسيمة لقواعد القانون الدولي االنساني‪.‬‬ ‫‪ .4‬ان جم��ازر االن��ف��ال ال�تي أق��دم على‬ ‫ارتكابها النظام العراقي البائد‪ ،‬واملقرتفة يف‬ ‫الفرتة بني ‪ 1988/2/23‬وحتى ‪1988/9/6‬‬ ‫تعد واحدة من اجلرائم الدولية البالغة اجلسامة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫انتهاكا لقواعد القانون الدولي‬ ‫وه��ي تشكل‬ ‫ً‬ ‫االنساني‪ ،‬وارتباطا مبجرياتها ومضامينها فهي‬ ‫تتطلب أن تك ّيف كجرائم ابادة مجاعية‪ ،‬وذلك‬ ‫على اساس احكام االتفاقية الدولية اخلاصة‬ ‫مبنع جرمية االبادة اجلماعية واملعاقبة عليها‪،‬‬ ‫املقرة من قبل اجلمعية العمومية هليئة االمم‬ ‫املتحدة يف ‪ ،1948/12/9‬واليت دخلت حيز‬ ‫التنفيذ يف ‪.1951/12/1‬‬ ‫‪ .5‬ان السبل املمكن سلوكها ملقاضاة‬ ‫ال��ن��ظ��ام ال��ع��راق��ي ع��ن جم���ازر االن��ف��ال ً‬ ‫وفقا‬ ‫لالتفاقية الدولية اخلاصة مبنع جرمية االبادة‬ ‫اجلماعية واملعاقبة عليها لعام ‪ ،1948‬ميكن‬ ‫أن تنحصر بني تشكيل احملاكم الدولية وانشاء‬ ‫احملاكم الوطنية‪ ،‬وقد أتبع يف العراق السبيل‬ ‫الثاني‪ ،‬وذلك من خالل انشاء احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية املختصة باجلرائم ضد االنسانية‪ً ،‬‬ ‫وفقا‬ ‫لألمر رقم (‪ )48‬الصادر يف ‪.2003/12/10‬‬ ‫أن تشكيل هذه احملكمة يؤكد جمدداً على حتمية‬ ‫املساءلة اجلنائية عن االنتهاكات اجلسيمة‬ ‫‪39‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪40‬‬

‫حلقوق االنسان وغريها من اجلرائم املقرتفة‪،‬‬ ‫اليت يعاقب عليها القانون الدولي‪.‬‬ ‫‪ .6‬أن مساءلة النظام العراقي البائد‬ ‫ً‬ ‫قضائيا عن اجلرائم الفظيعة املرتكبة يف الفرتة‬ ‫ب�ين ‪ 1968/7/17‬وح��ت��ى ‪،2003/5/1‬‬ ‫وبضمنها جرائم االبادة اجلماعية‪ ،‬اليت متثلت‬ ‫إحدى صورها يف عمليات االنفال للفرتة بني‬ ‫‪ 1988/2/23‬وحتى ‪ ،1988/9/6‬تشكل‬ ‫سابقة فريدة من نوعها بالنسبة ملنطقتنا‪ ،‬فهي‬ ‫إضافة اىل كونها تستهدف معاقبة املذنبني يف‬ ‫ارتكابها‪ ،‬وطي صفحة دامية وسوداء من تاريخ‬ ‫العراق احلديث‪ ،‬فأنها تهدف اىل تضميد جراح‬ ‫املاليني من أبناء الشعب العراقي‪ ،‬الذين أكتووا‬ ‫بنريان النظام الدكتاتوري املقبور‪ ،‬وحتقيق‬ ‫العدالة اليت طال انتظارها يف العراق‪.‬‬ ‫هوامش الدراسة االوىل‪:‬‬ ‫(‪ )1‬ق��رار جلنة حقوق اإلن��س��ان التابعة‬ ‫لألمم املتحدة رقم ‪ 14/1999‬الصادر يف ‪23‬‬ ‫نيسان ‪ 1999‬حول انتهاكات حقوق اإلنسان يف‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫(‪ )2‬للمزيد من التفاصيل‪ :‬األجهزة القائمة‬ ‫حبماية حقوق اإلنسان‪ ،‬أعمال األمم املتحدة يف‬ ‫ميدان حقوق اإلنسان‪ ،‬منشورات األمانة العامة‬ ‫لألمم املتحدة‪.1983 ،‬‬ ‫(‪ )3‬عمران الشافعي‪ ،‬العهد الدولي للحقوق‬ ‫املدنية والسياسية بني النظرية والتطبيق‪ ،‬يف‬ ‫كتاب‪ :‬حقوق اإلنسان‪ ،‬اجمللد الثاني‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار‬ ‫العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،1989 ،‬ص ‪.92.93‬‬ ‫(‪ )4‬ليدياخ إز‪.‬أ‪ .‬محاية احل��ق يف احلياة‬ ‫يف مرحلة النزاعات املسلحة‪ ،‬يف كتاب‪ :‬حقوق‬

‫اإلنسان كعامل السرتاتيجية التنمية املستدامة‪،‬‬ ‫موسكو‪ ،‬دار نورما‪ ،2000 ،‬ص ‪( 253‬باللغة‬ ‫الروسية)‪.‬‬ ‫(‪ )5‬ت��اري��خ جل��ان التحقيق واحملاكمات‬ ‫الدولية من فرساي (‪ )1919‬اىل روما (‪،)1998‬‬ ‫يف ك��ت��اب‪ :‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية‪ ،‬ط‪ ،2‬نادي القضاة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.2001‬‬ ‫(‪ )6‬زيدان مريبوط‪ ،‬مدخل اىل القانون‬ ‫الدولي اإلنساني‪ ،‬يف كتاب‪ :‬حقوق اإلنسان‪ ،‬اجمللد‬ ‫الثاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬ ‫(‪ )7‬ح��ول املسؤولية اجلنائية الدولية‬ ‫ال��ف��ردي��ة أن��ظ��ر‪ :‬ي��ون��س ال���ع���زاوي‪ ،‬مشكلة‬ ‫املسؤولية اجلنائية الشخصية يف القانون الدولي‪،‬‬ ‫دراسة قانونية مقارنة‪ ،‬مطبعة شفيق‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،1967‬ضاري خليل حممود‪ ،‬وباسيل يوسف‪،‬‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬هيمنة القانون أم‬ ‫قانون اهليمنة‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬بغداد‪ ،2003 ،‬ص‬ ‫‪ 165‬وما يليها‪.‬‬ ‫(‪ )8‬حم��م��ود ش��ري��ف ب��س��ي��ون��ي‪ ،‬مدخل‬ ‫لدراسة القانون االنساني الدولي‪ ،‬معهد القانون‬ ‫ال��دول��ي حل��ق��وق االن��س��ان‪ ،‬جامعة دي ب��ول‪،‬‬ ‫شيكاغو‪ ،2003 ،‬ص ‪.183.184‬‬ ‫(‪ )9‬ت��ي��ون��وف أو‪ .‬إ‪ ،.‬ال��ق��ان��ون ال��دول��ي‬ ‫اإلن��س��ان��ي‪ ،‬موسكو‪ ،‬دار ن��ورم��ا‪ ،1999 ،‬ص‬ ‫‪(196.199‬باللغة الروسية)‪.‬‬ ‫(‪ )10‬النظام االس��اس للمحكمة اجلنائية‬ ‫الدولية‪ ،‬متاح على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪h t t p ://w w w .i c r c .o r g /a r a /‬‬ ‫‪r e s o u r c e s /d o c u m e n t s /‬‬ ‫‪misc/6e7ec5.htm‬‬


‫(‪ )11‬مت الغاء ه��ذا القانون ع��ام ‪،2003‬‬ ‫للتفاصيل أنظر‪:‬‬ ‫‪http://www.iccarabic.org/‬‬ ‫‪docs/wmprint.php?ArtID.259‬‬ ‫(‪ )12‬للتفاصيل ح��ول ج��رائ��م األن��ف��ال‪:‬‬ ‫جبار ق��ادر‪ ،‬األن��ف��ال‪ :‬جتسيد لسيادة الفكر‬ ‫الشمولي والعنف والقسوة‪ ،‬متاح على الصفحة‬ ‫االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.ahewar.org/debat/‬‬ ‫‪show.art.asp?aid=%202944‬‬ ‫وكذلك تقرير منظمة ‪New Middel‬‬ ‫‪ ،) )East Wacht‬التابعة ملنظمة الدفاع عن‬ ‫حقوق االنسان‪ ،‬املعنون «االب��ادة اجلماعية يف‬ ‫العراق‪ ،‬محلة االنفال ضد الشعب الكردي»‪ ،‬متاح‬ ‫على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.pukmedia.com/‬‬ ‫‪anfal/Genoside.pdf‬‬ ‫(‪« )13‬ال ب��د م��ن تقديم علي الكيمياوي‬ ‫للمحاكمة‪ ،‬مستشار صدام حسني متهم باقرتاف‬ ‫الفظائع ضد االك��راد»‪ ،‬منظمة مراقبة حقوق‬ ‫االنسان (هيومن رايتس ووتش)‪ ،‬بيان صادر يف‬ ‫‪ ،2003/1/17‬متاح على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.hrw.org/arabic/‬‬ ‫‪press/2003/iraq117.htm‬‬ ‫وكذلك بيانها‪ »:‬العراق‪ :‬عيوب يف احملاكمة‬ ‫تثري القلق‪ ،‬ح��ول ضمانات احملاكمة العادلة‬ ‫من أجل حتقيق العدالة‪ ،‬حماكمات مسؤولي‬ ‫ح��زب البعث جيب أن تكون ع��ادل��ة»‪ ،‬الصادر‬ ‫يف ‪ ،2004/12/17‬م��ت��اح على الصفحة‬ ‫االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.hrw.org/arabic/‬‬

‫‪press/2004/iraq1217.htm‬‬ ‫(‪ )14‬رسالة اىل األمني العام لألمم املتحدة‪،‬‬ ‫اجمللة العراقية حلقوق اإلنسان‪ ،‬العدد ‪ ،1‬كانون‬ ‫الثاني ‪ ،2000‬سوريا‪ ،‬ص ‪.199.211‬‬ ‫(‪ )15‬يف ال��ذك��رى الثانية ع��ش��رة جمل��زرة‬ ‫حلبجة‪ ،‬بيان ص��ادر عن املنظمة العراقية‬ ‫للدفاع عن حقوق اإلنسان‪ ،‬هولندا‪ ،‬منتصف‬ ‫آذار‪ ،2000 ،‬نداء مركز حلبجة ملناهضة أنفلة‬ ‫وابادة الشعب الكردي الصادر يف ‪،2004/4/6‬‬ ‫متاح على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.chak.info/arabish/‬‬ ‫‪bayanat/doc/06.04.htm‬‬ ‫(‪ )16‬للتفاصيل‪ :‬رياض العطار‪ ،‬انتهاكات‬ ‫حقوق اإلنسان يف العراق‪ ،‬اجمللة العراقية حلقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.28.30‬‬ ‫(‪ )17‬األنفال‪..‬لكي ال تصبح جرمية منسية‪،‬‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬دورية املنظمة العراقية للدفاع‬ ‫عن حقوق اإلنسان‪ ،‬هولندا‪ ،‬العدد ‪ ،2‬ص ‪،2‬‬ ‫يوسف أبو الفوز‪ ،‬مبناسبة قرب حماكمة الكتاتور‬ ‫املهزوم‪ .‬االنفال شاهد اثبات على جرائم النظام‬ ‫املقبور‪ ،‬متاح على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.rezgar.com/debat/‬‬ ‫‪show.art.asp?aid=26082‬‬ ‫(‪ )18‬تقرير منظمة مراقبة حقوق االنسان‬ ‫«االب���ادة اجلماعية يف ال��ع��راق‪ :‬محلة االنفال‬ ‫ض��د االك����راد»‪ ،1993 ،‬متاح على الصفحة‬ ‫االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.hrw.org/‬‬ ‫‪doc/?=mideast_pub&c=iraq‬‬ ‫(‪ )19‬حول اخللفية التارخية جلرمية االبادة‬ ‫اجلماعية‪ :‬ضاري خليل حممود‪،‬وباسيل يوسف‪،‬‬ ‫‪41‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪42‬‬

‫احملكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬هيمنة القانون أم‬ ‫قانون اهليمنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.78.82‬‬ ‫(‪ )20‬لالطالع على مضمون االتفاقية‪:‬‬ ‫‪h t t p ://w w w 1 .u m n .e d u /‬‬ ‫‪humanrts/arab/b087.html‬‬ ‫(‪ )21‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬التجريم يف‬ ‫القانون اجلنائي الدولي ومحاية حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫يف كتاب‪ :‬حقوق اإلنسان‪ ،‬اجمللد الثاني‪ ،‬مرجع‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.453‬‬ ‫(‪ )22‬حم��م��ود ش��ري��ف ب��س��ي��ون��ي‪ ،‬امل��رج��ع‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪ 458‬وما يليها‪.‬‬ ‫(‪ )23‬م��ن امل�لاح��ظ أن ال��ن��ظ��ام االس���اس‬ ‫للمحكمة اجلنائية الدولية توسع يف تفسري‬ ‫مفهوم «قتل أفراد اجلماعة»‪ ،‬وهو تفسري ال نتفق‬ ‫معه لكونه ال يتوافق مع مضمون جرمية االبادة‬ ‫اجلماعية واملغزى من جترميها والعقاب عليها‬ ‫ً‬ ‫دوليا‪ ،‬كما الينبع من تعريفها يف اتفاقية منع‬ ‫جرمية االبادة اجلماعية واملعاقبة عليها‪ ،‬إذ أن‬ ‫النظام االساس املذكور يعد أركان جرمية االبادة‬ ‫اجلماعية بصورة (قتل أفراد اجلماعة) متوفرة‬ ‫عندما يقوم مرتكب اجلرمية بقتل شخص أو‬ ‫أكثر بقصد اهالك مجاعة قومية أو اثنية أو‬ ‫ً‬ ‫عنصرية أو دينية‪ً ،‬‬ ‫جزئيا بصفتها هذه‪.‬‬ ‫كليا أو‬ ‫ويف رأي انصار هذا التفسري ان هذه الصورة ال‬ ‫تشرتط تعدد القتل‪ ،‬وامنا يكفي لتحققها وقوع‬ ‫قتل شخص واحد مادامت نية مرتكب اجلرمية‬ ‫قد انصرفت اىل تعدد القتل باالبادة (للتفاصيل‪:‬‬ ‫ضاري خليل حممود‪،‬وباسيل يوسف‪ ،‬احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية‪ ،‬هيمنة القانون أم قانون‬ ‫اهليمنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.)81‬‬ ‫(‪ )24‬مؤلفنا‪ :‬ق��ان��ون العقوبات‪ ،‬القسم‬

‫اخلاص‪ ،‬اجلرائم الواقعة على األشخاص‪ ،‬عدن‪،‬‬ ‫جامعة عدن‪ ،1994 ،‬ص ‪.109.114 ،55.64‬‬ ‫(‪ )25‬تصف جلنة القانون الدولي اجلرمية‬ ‫الدولية بكونها اجلرمية اليت متس أساس اجملتمع‬ ‫البشري نفسه‪ ،‬وميكن استخالص خطورتها من‬ ‫طابع الفعل املتميز بالقسوة والوحشية‪ ،‬أو من‬ ‫اتساع آثاره الضارة‪ ،‬أو من الدافع اىل ارتكابه‬ ‫كجرمية إب��ادة مجاعية‪ ،‬أو من اجتماع بعض‬ ‫هذه العوامل أو كلها‪ ،‬ومثل هذه اخلطورة تشكل‬ ‫الركن األساس للجرمية املخلة بسلم اإلنسانية‬ ‫وأمنها (للتفاصيل حول مفهوم اجلرمية الدولية‬ ‫انظر على سبيل املثال‪ :‬محيد السعدي‪ ،‬مقدمة‬ ‫يف دراس��ة القانون ال��دول��ي اجلنائي‪ ،‬مطبعة‬ ‫املعارف‪ ،‬بغداد‪ ،1971 ،‬ص ‪.)132.323‬‬ ‫(‪ )26‬هناك وجهات نظر أخرى بصدد صور‬ ‫الركن املعنوي جلرمية االبادة اجلماعية‪ ،‬أنظر‬ ‫على سبيل املثال‪ :‬ضاري خليل حممود‪ ،‬املبادئ‬ ‫اجلنائية العامة يف النظام االس��اس للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية‪ ،‬دراس��ات قانونية‪ ،‬العدد‪،2‬‬ ‫بيت احلكمة‪ ،‬بغداد‪ ،1999 ،‬ص‪.9.10‬‬ ‫(‪ )27‬اتفاقية ع��دم تقادم جرائم احلرب‬ ‫واجلرائم ضد اإلنسانية لعام ‪ ،1968‬املادة‪1 /‬‬ ‫فقرة (ب)‪ ،‬متاحة على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪h t t p ://w w w 1 .u m n .e d u /‬‬ ‫‪humanrts/arab/b088.html‬‬ ‫(‪ )28‬أنظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬املادة‪.2 /‬‬ ‫(‪ )29‬حول هذه احملاكمة أنظر ً‬ ‫مثال‪:‬‬ ‫‪http//www.un.org/arabic/‬‬ ‫‪news/fullstorynews.asp?regio‬‬ ‫‪n=europe&regionID=5$news‬‬ ‫‪ID=3261‬‬


‫(‪ )30‬مؤلفنا‪ :‬تكييف اجلرائم يف القانون‬ ‫اجلنائي اليمين واملقارن‪ ،‬جامعة عدن‪ ،‬عدن‪،‬‬ ‫‪ ،1993‬ص ‪.128.153‬‬ ‫(‪ )31‬ري���اض ال��ع��ط��ار‪ ،‬ان��ت��ه��اك��ات حقوق‬ ‫اإلنسان يف العراق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫(‪ )32‬ح��ول مضمون مصطلح «االن��ف��ال»‬ ‫انظر‪ :‬صباح حممد جنيب الربزجني‪ ،‬مفهوم‬ ‫االنفال يف املنظور والتاريخ االسالميني‪ ،‬املثقف‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،6.7‬السليمانية‪ ،2003 ،‬ص ‪.17.18‬‬ ‫(‪ )33‬سبق للعراق أن صادق على اتفاقية‬ ‫«منع جرمية اإلبادة اجلماعية واملعاقبة عليها»‬ ‫لعام ‪ 1948‬يف ‪( 1959/1/20‬أنظر ً‬ ‫مثال‪:‬‬ ‫حممود شريف بسيوني‪ ،‬وحممد عبدالعزيز‬ ‫جاد احلق ابراهيم‪ ،‬حول قانون انشاء احملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية‪ ،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،157‬يوليو ‪ ،2004‬اجمللد ‪ ،29‬ص ‪/11‬‬ ‫اهلامش)‪.‬‬ ‫(‪ )34‬يطرح ع��دد من الباحثني امكانية‬ ‫تشكيل ثالثة أنواع من احملاكم اجلنائية للنظر‬ ‫يف جرائم النظام العراقي البائد‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬تشكيل حمكمة دولية مبعرفة جملس‬ ‫األم��ن وذل��ك على غ��رار حمكميت يوغسالفيا‬ ‫ورواندا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬تشكيل حمكمة وطنية مبعرفة السلطة‬ ‫الوطنية‪ ،‬قضاتها وطنيون باالشرتاك مع هيئة‬ ‫االمم املتحدة‪ ،‬حبيث تتضمن هيئتها القضائية‬ ‫قضاة وطنيني وأج��ان��ب‪ ،‬كما حصل ه��ذا يف‬ ‫سرياليون وتيمور الشرقية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬تشكيل حمكمة وطنية متخصصة أو‬ ‫ختصيص دائرة لدى حمكمة اجلنايات مبعرفة‬ ‫السلطة الوطنية‪ ،‬يكون قضاتها وطنيني‪،‬‬

‫كالنهج ال��ذي أتبع يف ع��دد من البلدان‪ ،‬مثل‬ ‫انكلرتا وأسرتاليا وفرنسا وايطاليا وفرنسا‪.‬‬ ‫(للتفاصيل‪ :‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬و حممد‬ ‫عبدالعزيز جاد احلق ابراهيم‪ ،‬حول قانون‬ ‫انشاء احملكمة اجلنائية العراقية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪.)14.15‬‬ ‫(‪ )35‬أن��ظ��ر ع��ل��ى سبيل امل��ث��ال‪ :‬وث��ائ��ق‬ ‫االجتماع املوسع للخرباء القانونيني العراقيني‬ ‫حول العدالة االنتقالية ما بعد صدام‪ ،‬سرياكوزا‪.‬‬ ‫ايطاليا‪ ،2002/10/9.2/27 ،‬احلقوقي‪،‬‬ ‫ال��ع��دد ‪ ،8‬مجعية احلقوقيني العراقيني‪،‬‬ ‫لندن‪ ،2003 ،‬وكذلك املرجع نفسه‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،2003 ،7‬ص ‪ 156‬وما يليها‪ ،‬متاح على‬ ‫الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.ija2.co.uk/html/‬‬ ‫‪pdf/jurist_arabic8.pdf‬‬ ‫(‪ )36‬حول مجلة من اآلراء املتعلقة مبحاكمة‬ ‫النظام العراقي البائد أنظر ً‬ ‫مثال‪ :‬زهري كاظم‬ ‫عبود‪ ،‬القضاء وحماكمات أقطاب النظام البائد‪،‬‬ ‫متاح على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪w w w .a e i d p .j e e r a n .c o m /‬‬ ‫‪zuhai1003.doc‬‬ ‫(‪ )37‬انظر ن��ص التقرير على الصفحة‬ ‫االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪www.ara.amnesty.org/library/‬‬ ‫‪indexraMED140062004?open‬‬ ‫‪&of=araIRQ‬‬ ‫(‪ )38‬املواد‪ 26.28 /‬من اتفاقية لندن لعام‬ ‫‪.1945‬‬ ‫(‪ )39‬نصت املادة‪ 40 /‬من الدستور العراقي‬ ‫املؤقت لعام ‪ 1970‬بهذا الصدد على اآلتي‪:‬‬ ‫‪43‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪44‬‬

‫«يتمتع رئيس جملس قيادة ال��ث��ورة ونائبه‬ ‫واالعضاء حبصانة تامة‪ ،‬و ال جيوز اخت��اذ أي‬ ‫اجراء حبق أي منهم اال بإذن مسبق من اجمللس»‪.‬‬ ‫ويف الوقت ذاته نصت املادة‪ 45 /‬من الدستور‬ ‫نفسه على امكانية مساءلة رئيس ونائب‬ ‫وأعضاء جملس قيادة الثورة امام اجمللس نفسه‪،‬‬ ‫عن خ��رق الدستور أو عن احلنث مبوجبات‬ ‫اليمني الدستورية أو عن أي عمل او تصرف يراه‬ ‫اجمللس ً‬ ‫خمال بشرف املسؤولية اليت ميارسها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا لقواعد يضعها اجمللس حول‬ ‫ويكون ذلك‬ ‫تشكيل احملكمة واالج���راءات الواجب اتباعها‬ ‫فيها (ح��ول هذا املوضوع أنظر‪ :‬علي حسني‬ ‫اخللف‪ ،‬وسلطان الشاوي‪ ،‬املبادئ العامة يف قانون‬ ‫العقوبات‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،‬بغداد‪ ،1982 ،‬ص‬ ‫‪.)115‬‬ ‫(‪ )40‬ن��ص األم���ر م��ت��اح ع��ل��ى الصفحة‬ ‫االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.iraqcoalition.org/‬‬ ‫_‪arabic/20031210_CPAORD48_IST‬‬ ‫‪and_Appendix_A..Arabic_pdf‬‬

‫(‪ )41‬جعفر احلسين‪ ،‬اجلوانب القانونية‬ ‫حملاكمة صدام‪ ،‬متاح على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪www.iraqgate.net/article/‬‬ ‫‪publisch/article_1591.shtm‬‬ ‫(‪ )42‬نصت امل��ادة‪ 10 /‬من قانون احملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية املختصة على سريان والية‬ ‫احملكمة على كل مواطن عراقي أو غري عراقي‬ ‫مقيم يف ال��ع��راق ومتهم ب��ارت��ك��اب اجلرائم‬ ‫املنصوص عليها يف املواد‪ 11.14 /‬من القانون‪،‬‬ ‫واملرتكبة م��ن ت��اري��خ ‪ 1968/7/7‬ولغاية‬ ‫‪ 2003/5/1‬يف العراق‪ .‬وقد اشتملت املواد‬

‫املذكورة يف القانون جرائم االب��ادة اجلماعية‬ ‫واجل��رائ��م ض��د االن��س��ان��ي��ة وج��رائ��م احل��رب‬ ‫وانتهاكات القوانني العراقية‪.‬‬ ‫(‪ )43‬أنظر‪« :‬العراق‪ :‬ضمان تقديم مرتكيب‬ ‫انتهاكات حقوق االنسان اىل العدالة‪ ،‬الوثيقة‬ ‫رق��م ‪ 2003/080/MDE14‬ال��ص��ادرة عن‬ ‫منظمة العفو الدولية يف ‪ ،2004/8/11‬متاحة‬ ‫على الصفحة االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://ara.amnesty.org/library/Inde‬‬ ‫‪x?ARAMDE140802003?open&of=A‬‬ ‫‪RA.IRQ‬‬


‫الدراسة الثانية‪:‬‬ ‫حتمية العقاب عن جرمية اإلبادة اجلماعية يف‬ ‫قانون احملكمة اجلنائية العراقية العليا‬ ‫املقدمة‪:‬‬ ‫تشكل ج��رمي��ة اإلب����ادة اجل��م��اع��ي��ة إح��دى‬ ‫اجلرائم الدولية البالغة اجلسامة‪ ،‬لذلك أحاطها‬ ‫املشرع الدولي بعنايته‪ ،‬فكرس إتفاقية دولية‬ ‫خاصة ملكافحتها‪ ،‬هي إتفاقية «منع جرمية‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية والعقاب عليها»‪ ،‬اليت أقرتها‬ ‫منظمة األمم املتحدة يف ‪ ،1948/12/9‬واليت‬ ‫أصبحت نافذة إعتباراً من ‪ .1951/1/12‬كما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تشريعيا‬ ‫إنعكاسا‬ ‫ووجدت أحكام هذه اإلتفاقية‬ ‫يف تشريعات ال��دول األط��راف فيها‪ ،‬ويف النظم‬ ‫األساسية للمحاكم اجلنائية الدولية اخلاصة‬ ‫بيوغسالفيا السابقة ورواندا‪ ،‬أو غريها‪ ،‬وكذلك‬ ‫يف النظام األساس للمحكمة اجلنائية الدولية‪.‬‬ ‫إن النص على جتريم اإلبادة اجلماعية والعقاب‬ ‫عليها يف القواعد القانونية الدولية والوطنية‬ ‫يدل على مسعى املشرع الدولي والوطين على‬ ‫حد سواء ملكافحة هذا النوع من اجلرائم الدولية‬ ‫وردعها‪ ،‬ويف هذا ً‬ ‫أيضا تأكيد منهما على إن يد‬ ‫ً‬ ‫وحتقيقا‬ ‫العدالة ستطال املتهمني يف إرتكابها‪،‬‬ ‫هلذا الغرض إشتملت القواعد القانونية ذات‬ ‫الصلة بهذه اجلرمية على مجلة من الضمانات‬ ‫اليت تكفل عدم اإلف�لات من العقاب يف حالة‬ ‫إرتكابها‪.‬‬ ‫وعلى ذات الصعيد عمل امل��ش��رع العراقي‬ ‫على ضمان حتمية العقاب عن جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية يف قانون احملكمة اجلنائية العراقية‬

‫العليا رقم (‪ )10‬لعام ‪ ،2005‬وذلك على أساس‬ ‫عدد من القواعد القانونية اليت إشتمل عليها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن جتسيد أحكامه يف الواقع العملي‬ ‫هذا‬ ‫من خالل تطبيقها على املتهمني بإرتكاب هذه‬ ‫اجلرمية من أركان النظام العراقي البائد‪ ،‬فيما‬ ‫يتعلق بقضايا مثل الدجيل أو عمليات األنفال‬ ‫أو قصف مدينة حلبجة باالسلحة الكيماوية‪ .‬إن‬ ‫إلقاء الضوء على مضمون القانون املذكور من‬ ‫هذا اجلانب يكتسب أهمية نظرية وتطبيقية‬ ‫على صعيد ردع إقرتاف هذا النوع من اجلرائم‬ ‫الدولية‪ ،‬سواء يف العراق أو يف سائر بلدان العامل‪،‬‬ ‫وهو ما جيسد يف الوقت عينه أحد مبادئ القانون‬ ‫اجلنائي املنحصر يف حتمية العقاب عن اجلرمية‬ ‫املرتكبة عامة‪ ،‬وعن جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫خاصة‪ .‬وبهذا يتبني اهداف البحث بـ‪:‬‬ ‫‪.1‬إعطاء نبذة تارخيية موجزة عن جتريم‬ ‫اإلبادة اجلماعية والعقاب عنها‪.‬‬ ‫‪.2‬بيان دواع��ي وجوب العقاب عن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫‪ .3‬دراسة أهمية تأسيس احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية العليا بالنسبة لتجسيد حتمية العقاب‬ ‫عن جرمية اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫‪.4‬دراسة احكام قانون احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية العليا رقم (‪ )10‬لعام ‪ ،2005‬لبيان‬ ‫كيفية جتسيد حتمية العقاب ع��ن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية فيها‪.‬‬ ‫يتطلب حبث هذا املوضوع االعتماد من حيث‬ ‫االس��اس على منهجني للبحث‪ ،‬أحدهما املنهج‬ ‫ال��ت��ارخي��ي‪ ،‬ال��ذي م��ن خالله ميكن البحث يف‬ ‫تاريخ جتريم اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها‪،‬‬ ‫وثانيهما املنهج التحليلي‪ ،‬الذي بواسطته ميكن‬ ‫‪45‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪46‬‬

‫دراسة املواثيق الدولية ونظم احملاكم اجلنائية‬ ‫ال��دول��ي��ة املختصة والتشريعات القانونية‬ ‫العراقية ذات الصلة‪ ،‬سيما قانون احملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية العليا رقم (‪ )10‬لعام ‪،2005‬‬ ‫لبيان االحكام املتعلقة بتجسيد حتمية العقاب‬ ‫عن جرمية اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫ولغرض دراسة موضوع حتمية العقاب عن‬ ‫جرمية اإلب���ادة اجلماعية يف قانون احملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية العليا‪ ،‬سنقوم بتوزيعه على‬ ‫مبحثني‪ ،‬نبني يف األول منهما حتمية العقاب‬ ‫عن جرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬وندرس يف الثاني‬ ‫االب��ادة اجلماعية يف قانون احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية العليا‪ ،‬وعلى الوجه اآلتي‪:‬‬ ‫املبحث األول‬ ‫حتمية العقاب عن جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫سنقسم هذا املبحث على مطلبني‪ ،‬نتناول‬ ‫بالبحث يف األول‪ ،‬جتريم اإلبادة اجلماعية‪ ،‬ويف‬ ‫الثاني وجوب العقاب عنها‪ ،‬وعلى الوجه اآلتي‪:‬‬ ‫املطلب األول‬ ‫جتريم اإلبادة اجلماعية‬ ‫إختلف الفقهاء يف تعريف جرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية‪ )1(،‬فمنهم من يعرفها بأنها‪« :‬كل‬ ‫ً‬ ‫منتميا جلماعة‬ ‫إعتداء يصيب اإلنسان بصفته‬ ‫معينة يف حياته وصحته وكرامته البدنية‪،‬‬ ‫وتسمى يف هذه احلالة (اإلب��ادة امل��ادي��ة)‪ ،‬وقد‬ ‫تأخذ هذه اجلرمية شكل (اإلبادة البايلوجية)‬ ‫عن طريق حرمان اجلماعة اإلنسانية املستهدفة‬ ‫من النسل والتكاثر عن طريق وسائل اإلسقاط‬ ‫ومنع التكاثر‪ ،‬وقد تنصب اإلبادة على حرمان‬

‫هذه اجلماعة من لغتها وثقافتها فتسمى عند‬ ‫ذلك (اإلبادة الثقافية)»‪ )2(،‬كما يعرفها آخرون‬ ‫بكونها «إستئصال متعمد ومنهجي جملموعة‬ ‫أفراد يكونون أمة»‪ )3(،‬أو «هي جرمية القتل‬ ‫اجلماعي جملموعة من البشر على أساس متييزي‬ ‫بقصد فنائهم الكلي كعرق أو شعب أو جمموعة‬ ‫ثقافيا أو ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لغويا أو‬ ‫حضاريا أو‬ ‫متميزة مستقلة‬ ‫ً‬ ‫دينيا أو ألي سبب مييزهم من الباقني»‪)4(.‬‬ ‫إن الفظائع الوحشية اليت إقرتفتها النازية‬ ‫األملانية خاصة‪ ،‬قبيل احلرب العاملية الثانية‬ ‫وابانها‪ ،‬ال�تي متثلت يف إب��ادة ماليني البشر‪،‬‬ ‫من دون متييز من حيث العمر أو اجلنسية او‬ ‫اجلنس‪ ،‬وكذلك املرتكبة ازاء قوميات وأعراق‬ ‫معينة‪ ،‬كان هلا ال��دور الكبري يف طرح مسألة‬ ‫جتريم اإلب��ادة اجلماعية والعقاب عليها على‬ ‫الصعيد الدولي‪)5( .‬‬ ‫وب��ال��رج��وع اىل وث��ائ��ق حمكمة ن��ورم�برج‬ ‫العسكرية الدولية يالحظ وجود ادلة كثرية‬ ‫على إرتكاب النازية جلرائم اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫ب��ل أن التهم ال�تي وج��ه��ت اىل ك��ب��ار جمرمي‬ ‫احلرب العاملية الثانية من طرف هذه احملكمة‬ ‫قد إشتملت على جرائم احلرب واجلرائم ضد‬ ‫السالم واجلرائم ضد اإلنسانية‪)6(.‬‬ ‫وق��د عملت منظمة األم���م امل��ت��ح��دة حال‬ ‫تأسيسها على إخت��اذ خطوات هامة من أجل‬ ‫جتريم اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها‪ ،‬ففي‬ ‫قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة رقم (‪)96‬‬ ‫الصادر يف ‪ 1946/12/11‬جرى التأكيد على‬ ‫إن «اإلب���ادة اجلماعية هي إنكار حق الوجود‬ ‫جلماعات بشرية بأكملها‪...‬كالقتل الذي ميثل‬ ‫حق الشخص يف احلياة‪...‬هذا اإلنكار حلق الوجود‬


‫يتنافى مع الضمري العام ويصيب اإلنسانية‬ ‫بأضرار جسيمة‪ ،‬س��واء من ناحية الثقافة‪،‬‬ ‫أم من ناحية األمور األخ��رى‪ ،‬اليت تساهم بها‬ ‫هذه اجلماعات اإلنسانية‪ ،‬األمر الذي ال يتفق‬ ‫مع القانون األخالقي وروح ومقاصد األمم‬ ‫املتحدة»‪)7(.‬‬ ‫إن ال��ق��رار امل��ذك��ور للجمعية العامة لألمم‬ ‫املتحدة يكتسب أهمية خاصة بالنسبة لتجريم‬ ‫اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها‪ ،‬إذ نص كذلك‬ ‫على اآلتي‪...»:‬وملا كانت قد وجدت أمثلة كثرية‬ ‫ً‬ ‫جلرائم اإلبادة اجلماعية‪ ،‬إذ أبيدت ً‬ ‫جزئيا‬ ‫كليا أو‬ ‫مجاعات بشرية لصفتها العنصرية أو السياسية‬ ‫أو غريها‪ ،‬ومل��ا كانت معاقبة جرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية هي مسألة ذات إختصاص دولي‪ ،‬لذا‬ ‫تؤكد اجلمعية العامة إن اإلبادة اجلماعية هي‬ ‫جرمية يف نظر القانون الدولي ويدينها العامل‬ ‫املتمدن»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا فضال عن إشارة القرار نفسه اىل «عقاب‬ ‫اجلناة يف اإلبادة اجلماعية‪ ،‬سواء أكانوا اصليني‬ ‫أو شركاء‪ ،‬بصرف النظر عن صفاتهم‪.‬حكام أو‬ ‫أفراد عاديني‪ .‬وسواء قاموا بارتكابها على أسس‬ ‫تتعلق بالدين أو السياسة أو اجلنس أو اي أساس‬ ‫آخر»‪ ،‬ودعت اجلمعية العامة فيه اىل سن قوانني‬ ‫ملنع ه��ذه اجلرمية والعقاب عليها‪ ،‬والتعاون‬ ‫الدولي لتجرميها‪.‬‬ ‫كما أص���درت اجلمعية العامة ال��ق��رار رقم‬ ‫(‪ )180‬يف ‪ ،1947/12/21‬الذي حدد اإلبادة‬ ‫اجلماعية بكونها جرمية دولية‪ ،‬تستوجب‬ ‫املسؤولية الدولية والفردية (الشخصية)‪)8(.‬‬ ‫ويف ‪ 1948/8/26‬إستكمل اجمللس اإلقتصادي‬ ‫واإلجتماعي التابع لألمم املتحدة صياغة‬

‫مشروع اإلتفاقية الدولية بشأن «منع جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها»‪ ،‬والذي حظي‬ ‫مبوافقة مجعيتها العامة يف ‪.1948/12/9‬‬ ‫وق��د دخلت ه��ذه اإلتفاقية حيز التنفيذ يف‬ ‫‪)9(.1951/1/12‬‬ ‫وهذه اإلتفاقية تتصف بأهميتها على الصعيد‬ ‫قانونيا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا لتجريم‬ ‫أساسا‬ ‫الدولي كونها تعد‬ ‫اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها‪ ،‬إذ نصت املادة‪/‬‬ ‫‪ 2‬فيها على تعريف اإلبادة اجلماعية كاآلتي‪»:‬يف‬ ‫هذه اإلتفاقية‪ ،‬تعين اإلبادة اجلماعية ً‬ ‫أيا من‬ ‫األفعال التالية‪ ،‬املرتكبة بقصد التدمري الكلي أو‬ ‫اجلزئي جلماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو‬ ‫دينية ‪ ،‬بصفتها هذه‪:‬‬ ‫(أ‌) قتل اعضاء اجلماعة‪.‬‬ ‫(ب‌) إحل��اق أذى جسدي أو روح��ي خطري‬ ‫بأعضاء من اجلماعة‪.‬‬ ‫(ت‌) إخ��ض��اع اجل��م��اع��ة‪ ،‬ع��م��داً‪ ،‬لظروف‬ ‫ً‬ ‫معيشية يراد بها تدمريها املادي ً‬ ‫جزئيا‪.‬‬ ‫كليا أو‬ ‫(ث‌) فرض تدابري تستهدف احليلولة دون‬ ‫إجناب األطفال داخل اجلماعة‪.‬‬ ‫( ‌ج) نقل اطفال من اجلماعة‪ ،‬عنوة‪ ،‬اىل‬ ‫مجاعة أخرى‪)10(.‬‬ ‫وبصرف النظر عن الثغرات اليت إحتوتها‬ ‫ه��ذه اإلتفاقية‪ ،‬ما جعلها عرضة لعدد من‬ ‫اإلنتقادات‪ )11(،‬اال ان أهميتها كبرية‪)12(،‬‬ ‫وهي تربز خاصة يف اجلوانب اآلتية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬ع��دت اإلتفاقية يف ديباجتها اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية جرمية دولية ً‬ ‫وفقا للقانون الدولي‪،‬‬ ‫كما نصت على ذل��ك املادة‪ 1/‬من اإلتفاقية‪،‬‬ ‫مع التأكيد على طبيعتها الدولية هذه‪ ،‬وذلك‬ ‫بصرف النظر عن إرتكابها يف وقت احلرب أو‬ ‫‪47‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪48‬‬

‫السلم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬إستنادا اىل املادة‪ 1/‬من اإلتفاقية ألزمت‬ ‫ال��دول األعضاء فيها بالتعهد مبنعها والعقاب‬ ‫عليها‪ ،‬لذلك مل تعد جرمية اإلب��ادة اجلماعية‬ ‫ً‬ ‫بهذه الصورة ً‬ ‫داخليا بدولة ما‪ ،‬إذ أن الدولة‬ ‫شأنا‬ ‫اليت ترتكبها ستتعرض للمساءلة عنها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬حصرت اإلتفاقية صور اإلبادة اجلماعية‬ ‫من خالل النص عليها يف املادة‪ 2/‬املتقدم ذكرها‬ ‫من اإلتفاقية‪ ،‬وكذلك يف املادة‪ 3/‬منها‪ ،‬اليت‬ ‫نصت على صورها كاآلتي‪:‬‬ ‫(أ‌) اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫(ب‌) التآمر على إرتكاب اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫(ت‌) التحريض املباشر والعلين على إرتكاب‬ ‫اإلبادة اجلماعية‬ ‫(ث‌) حماولة إرتكاب اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫(ج‌) اإلشرتاك يف اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫راب��ع ً��ا‪ :‬ح��ددت اإلتفاقية األح��ك��ام املتعلقة‬ ‫بالعقاب عن جرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬إذ قضت‬ ‫بإيقاع العقاب مبرتكيب اإلبادة اجلماعية‪ ،‬سواء‬ ‫ً‬ ‫حكاما دستوريني أم موظفني عامني أم‬ ‫أكانوا‬ ‫ً‬ ‫أفرادا‪ )13(،‬كما طرحت على الدول األعضاء‬ ‫فيها التزامات بإصدار التشريعات القانونية‪،‬‬ ‫اليت تكفل جتسيد أحكامها‪ ،‬ومبا يشتمل على‬ ‫التدابري العقابية ال�تي تتخذ أزاء مرتكيب‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية‪)14(.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا‪ :‬ألزمت اإلتفاقية الدول األعضاء فيها‬ ‫بأن «حياكم املتهمون بإرتكاب اإلبادة اجلماعية‬ ‫أو أي من األفعال املذكورة يف املادة الثالثة أمام‬ ‫حمكمة خمتصة من حماكم الدولة اليت أرتكب‬ ‫الفعل على أرضها أو أمام حمكمة جزائية دولية‬ ‫تكون ذات إختصاص إزاء من يكون من األطراف‬

‫املتعاقدة قد إع�ترف بواليتها»‪ )15(.‬وبذلك‬ ‫طرحت اإلتفاقية إمكانية املقاضاة عن جرمية‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية على الصعيد الوطين‪ ،‬من‬ ‫خالل احملاكم الوطنية‪ ،‬وكذلك على الصعيد‬ ‫الدولي‪ ،‬بتشكيل حمكمة جنائية دولية خمتصة‪.‬‬ ‫س��ادس ً��ا‪ :‬قضت اإلتفاقية بعدم عد اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية من اجلرائم السياسية‪ ،‬وبذلك كفلت‬ ‫تسليم املذنبني يف إرتكاب هذه اجلرمية الدولية‪،‬‬ ‫وكذلك بإستبعاد منحهم اللجوء السياسي‪،‬‬ ‫إذ نصت على ان تتعهد ال���دول األع��ض��اء يف‬ ‫مثل هذه احلاالت بتلبية طلب التسليم ً‬ ‫وفقا‬ ‫لقوانينها ومعاهداتها النافذة املفعول‪)16(،‬‬ ‫وبهذه الصورة كفلت اإلتفاقية عدم إفالتهم من‬ ‫احملاكمة وبالتالي من العقاب‪)17(.‬‬ ‫ً‬ ‫سابعا‪ :‬منحت اإلتفاقية ألي من الدول األعضاء‬ ‫أن يطلب من اجهزة األم��م املتحدة املختصة‬ ‫باإلستناد اىل ميثاق األم��م املتحدة ما تراه‬ ‫ً‬ ‫مناسبا من التدابري (ملنع وقمع أفعال اإلبادة‬ ‫اجلماعية أو أي من األفعال األخ��رى املذكورة‬ ‫يف املادة الثالثة) يف اإلتفاقية‪ )18(،‬ما يشكل‬ ‫ضمانة قانونية دولية ملنع إرتكاب جرائم‬ ‫اإلبادة اجلماعية وكذلك لردعها‪ ،‬كون اإلتفاقية‬ ‫ً‬ ‫طرفا يف الرقابة‬ ‫جعلت من الدول األعضاء فيها‬ ‫على بعضها البعض‪ ،‬وعلى الدول غري األعضاء‬ ‫أي��ض ً��ا‪ ،‬فيما يتعلق بإرتكاب جرائم اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية أو أي من األفعال األخرى احملددة يف‬ ‫املادة‪ 3/‬من اإلتفاقية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثامنا‪ :‬إن اإلتفاقية من خالل نصها على جتريم‬ ‫اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها‪ ،‬والزامها كذلك‬ ‫بعدم عد هذه اجلرمية من اجلرائم السياسية‪،‬‬ ‫والزامها ال��دول بالتعهد بتسليم مرتكبيها‪،‬‬


‫وبيان احملاكم اليت ميكن أن يدخل يف واليتها‬ ‫إختصاص النظر يف قضايا اإلب��ادة اجلماعية‪،‬‬ ‫تكون قد أقرت املسؤولية اجلزائية للفرد على‬ ‫الصعيد الدولي‪)19(.‬‬ ‫ف ً‬ ‫��ض�لا ع��ن إتفاقية «م��ن��ع ج��رمي��ة اإلب���ادة‬ ‫اجلماعية والعقاب عليها» لعام ‪ ،1948‬وجد‬ ‫ً‬ ‫إنعكاسا‬ ‫جتريم اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها‬ ‫له يف عدد من املواثيق الدولية‪ ،‬اليت من أبرزها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬مشروع التقنني اخلاص باجلرائم ضد‬ ‫السالم وأمن البشرية‪ ،‬الذي إعتمد يف املادة‪2/‬‬ ‫فقرة (‪ )10‬منه تعريف اإلبادة اجلماعية نفسه‬ ‫املدرج يف إتفاقية «منع جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫والعقاب عليها» لعام ‪)20(.1948‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬أخذ النظام األساس للمحكمة اجلنائية‬ ‫الدولية اخلاصة بيوغسالفيا السابقة يف الفقرة‬ ‫(‪ )2‬من املادة‪ً 4/‬‬ ‫أيضا بالتعريف نفسه‪ ،‬وكذلك‬ ‫يف الفقرة (‪ )2‬من املادة‪ 2/‬من النظام األساس‬ ‫للمحكمة اجلنائية الدولية اخلاصة برواندا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬جرى إعتماد تعريف اإلبادة اجلماعية‬ ‫الوارد يف اإلتفاقية يف النظام األساس للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية يف املادة‪ 6/‬منه‪)21(.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫وجوب العقاب عن اإلبادة اجلماعية‬ ‫تقوم حتمية العقاب ع��ن جرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية بادئ ذي بدء على أساس كونها ً‬ ‫نوعا‬ ‫من اجلرائم الدولية اجلسيمة‪ ،‬اليت ادرجت‬ ‫ضمن اإلختصاص القضائي للمحكمة اجلنائية‬ ‫الدولية‪ ،‬وكذا يف النظامني االساسيني للمحكمة‬ ‫اجلنائية ليوغسالفيا السابقة وروان��دا‪ .‬هذا‬ ‫ً‬ ‫فضال عن إفراد إتفاقية دولية خاصة بالعقاب‬ ‫عليها وردعها‪ ،‬اال وهي إتفاقية «منع جرمية‬

‫اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها» لعام ‪.1948‬‬ ‫فإستناداً اىل املادة‪ 6/‬من هذه اإلتفاقية تلتزم‬ ‫الدول األعضاء فيها مبقاضاة املتهمني بإرتكاب‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية أمام حماكمها الوطنية‪،‬‬ ‫وإن تطلب األمر جيري تشكيل حمكمة جزائية‬ ‫دولية خمتصة هلذا الغرض‪)22(.‬‬ ‫مبعنى إن اإلتفاقيات وامل��ع��اه��دات الدولية‬ ‫تشكل احد املصادر الرئيسة لعقاب األشخاص‬ ‫الطبيعيني عن اجلرائم الدولية‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫كما تستند حتمية ال��ع��ق��اب ع��ن اإلب���ادة‬ ‫اجلماعية على إتفاقية «ع��دم تقادم جرائم‬ ‫احلرب واجلرائم ضد اإلنسانية» لعام ‪،1968‬‬ ‫إذ نصت املادة‪ 1/‬من هذه اإلتفاقية على عدم‬ ‫سريان أي تقادم على «اجلرائم ضد اإلنسانية‪،‬‬ ‫سواء يف زمن احلرب أو يف زمن السلم‪ ،‬واملدرج‬ ‫تعريفها يف النظام األس��اس حملكمة نورمربج‬ ‫العسكرية الدولية الصادر يف ‪ 8‬آب ‪،1945‬‬ ‫والوارد تأكيدها يف قراري اجلمعية العامة لألمم‬ ‫املتحدة ‪(3‬د‪ )1.‬املؤرخ يف ‪ 13‬شباط ‪،1946‬‬ ‫و‪( 95‬د‪ )1.‬املؤرخ يف ‪ 11‬كانون األول ‪،1946‬‬ ‫والطرد باالعتداء املسلح أو اإلحتالل‪ ،‬واألفعال‬ ‫املنافية لإلنسانية والنامجة عن سياسة الفصل‬ ‫العنصري‪ ،‬وجرمية اإلب��ادة اجلماعية ال��وارد‬ ‫تعريفها يف إتفاقية ع��ام ‪ 1948‬بشأن منع‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها‪ ،‬حتى لو‬ ‫ً‬ ‫إخالال بالقانون‬ ‫كانت األفعال املذكورة ال تشكل‬ ‫الداخلي للبلد الذي ارتكبت فيه»‪)23(.‬‬ ‫إن جتسيد حتمية العقاب عن جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية مب��ق��اض��اة املتهمني أم���ام احملاكم‬ ‫الوطنية يتطلب بداية النص على هذه اجلرمية‬ ‫‪49‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪50‬‬

‫ً‬ ‫تطبيقا‬ ‫يف التشريعات اجلنائية والعقاب عليها‬ ‫ملبدأ «ال جرمية وال عقوبة اال بنص»‪ ،‬هذا على‬ ‫الرغم من إن إمكانية اإلحالة اىل القضاء ميكن‬ ‫أن تتوافر باالستناد اىل نص املادة‪ 6/‬من إتفاقية‬ ‫«منع جرمية اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها»‬ ‫لعام ‪ ،1948‬اليت أج��ازت ذلك‪ .‬اال إن جتريم‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية والعقاب عليها يف التشريع‬ ‫اجلنائي الوطين يعد عنصراً ً‬ ‫هاما بالنسبة‬ ‫لردع هذه اجلرمية والعقاب عنها‪،‬وهو ضمانة‬ ‫اساسية لعدم الدفع بإنتفاء جتريم اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية والعقاب عليها يف التشريعات الوطنية‬ ‫زمان إرتكاب اجلرمية‪ ،‬وهو أحد الدفوع اليت‬ ‫سبق أن أثريت ً‬ ‫مثال يف حماكمات نورمربج لكبار‬ ‫جمرمي احلرب العاملية الثانية‪ )24(،‬وكذلك‬ ‫يف حماكمات اركان النظام العراقي البائد أمام‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية العليا‪)25(.‬‬ ‫ويف ضوء ما تقدم‪ ،‬إن جتسيد حتمية العقاب‬ ‫عن جرمية اإلبادة اجلماعية ميكن أن يتحقق‬ ‫عن طريق (اإلحالة)‪ ،‬اليت تعين إحالة القانون‬ ‫الداخلي يف أمر معني لقواعد القانون الدولي‬ ‫العام‪ ،‬وهو ما يعين إعتماد أحكام إتفاقية «منع‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها» لعام‬ ‫‪ ،1948‬وهو األسلوب الذي إعتمدته فرنسا‬ ‫وبريطانيا والسويد‪ .‬كما ميكن أن يتحقق ذلك‬ ‫عن طريق (اإلدم���اج)‪ ،‬وه��و إستقبال قواعد‬ ‫القانون الداخلي لقواعد القانون الدولي يف‬ ‫مسألة حمددة ومعينة‪ ،‬فتصبح بهذه الصورة‬ ‫جزءاً من القانون الداخلي وتعامل معاملته‪،‬‬ ‫وهذا يعين إن أحكام اإلتفاقية تدرج يف القانون‬ ‫الداخلي‪ ،‬كما حتقق هذا يف عدد من البلدان‪ ،‬مثل‬ ‫روسيا وبلجيكا وفرنسا‪ )26(،‬وكذلك يف العراق‬

‫يف قانون احملكمة اجلنائية العراقية العليا رقم‬ ‫(‪ )10‬لعام ‪( 2005‬املادة‪.)11/‬‬ ‫إن احملاكمات اليت تقام للمتهمني يف إقرتاف‬ ‫جرمية اإلب��ادة اجلماعية تلعب دوراً ً‬ ‫هاما يف‬ ‫جتسيد حتمية العقاب عن هذه اجلرمية‪ ،‬فهي‬ ‫من جهة تعيد الثقة اىل املواطنني‪ ،‬خاصة يف‬ ‫البلدان اليت تنتقل من النظام الشمولي اىل‬ ‫النظام الدميقراطي‪ ،‬بسيادة القانون‪ ،‬وبأن‬ ‫ً‬ ‫فضال عن كونها‬ ‫القانون يعلو وال يعلى عليه‪،‬‬ ‫رادع���ا ً‬ ‫ً‬ ‫عاما وخ��اص ً��ا‪ ،‬وه��ي تعبري عن‬ ‫تشكل‬ ‫إدانة إجتماعية عامة جلرائم اإلبادة اجلماعية‬ ‫املقرتفة‪ ،‬كما إنها شكل مباشر من احملاسبة‬ ‫ملرتكيب هذه اجلرائم‪ ،‬وهي قد تساعد يف بعض‬ ‫احل��االت على إع��ادة تأهيل املتهمني بها‪ .‬ولعل‬ ‫أبرز غايات هذه احملاكمات إمنا تنحصر يف إعادة‬ ‫الكرامة للضحايا‪ ،‬وإعادة الثقة بني املواطنني‬ ‫ومؤسسات الدولة‪.‬‬ ‫إن جتسيد حتمية العقاب عن جرائم اإلبادة‬ ‫اجلماعية ميكن أن يصطدم بعدد من املعوقات‬ ‫يف حالة إعتماد احملاكمات اجلنائية‪ ،‬ولعل‬ ‫أبرزها طبيعة اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬فهي خاصة‬ ‫باجلرائم الدولية‪ ،‬ما يتطلب تأسيس حماكم‬ ‫خاصة بها‪ ،‬أو إعتماد خربات أجنبية متخصصة‬ ‫يف هذا اجملال‪ ،‬هذا ً‬ ‫فضال عن الصعوبات املتعلقة‬ ‫باملوارد املالية ملثل هذه احملاكمات وتوفري األدلة‪،‬‬ ‫بالكشف عن املقابر اجلماعية ً‬ ‫مثال وفحص‬ ‫الضحايا فيها وعالقتها ب��اإلب��ادة اجلماعية‪،‬‬ ‫وكذلك معرفة الشهود والضحايا‪ ،‬وتوفري آليات‬ ‫محايتهم‪ ،‬وموارد التعويضات‪ ،‬وفساد النظام‬ ‫القضائي‪ ،‬وك��ث��رة ع��دد املتهمني‪ ،‬وإمكانية‬ ‫إفالتهم من العقاب‪ ،‬إما من خالل التسرت عليهم‬


‫أو هربهم أو ع��دم تسليمهم باالستناد على‬ ‫القوانني الوطنية النافذة ذاتها‪ ،‬فيما يتعلق‬ ‫بالعفو أو تقادم املسؤولية اجلنائية أو حظر‬ ‫التجريم بأثر رجعي‪ ،‬اىل جانب احلصانات اليت‬ ‫ميكن أن يتمتع بها ممثلو السلطتني التشريعية‬ ‫والتنفيذية‪.‬‬ ‫ولكن بصرف النظر عن سلبيات احملاكمات‬ ‫اجلنائية الوطنية (الداخلية)‪ ،‬اال إن هلا إجيابيات‬ ‫تفوق فيها احملاكمات اجلنائية الدولية‪ ،‬من حيث‬ ‫تكاليفها‪ ،‬وثقة الضحايا والشهود بها وجتاوبهم‬ ‫معها‪ ،‬ف ً‬ ‫��ض�لا ع��ن ت��واف��ر األدل���ة ومصداقية‬ ‫وصرامة احملاسبة عن اإلبادة اجلماعية وإنفاذ‬ ‫العقوبات املتخذة‪.‬‬ ‫اال إن جتسيد هذه احملاكمات للغايات احملددة‬ ‫هلا يف املقاضاة عن جرائم اإلب��ادة اجلماعية‬ ‫يتطلب مجلة من اآلليات التحضريية واملساعدة‪،‬‬ ‫ومن أبرزها وجود وحدة خاصة للتحقيقات‬ ‫اجلنائية لتحديد اع��م��ال اإلب���ادة اجلماعية‬ ‫املرتكبة‪ ،‬وفرق متخصصة من األطباء العدليني‬ ‫لتشريح اجلثث (يف املقابر اجلماعية ً‬ ‫مثال)‪،‬‬ ‫وتوفري اآلليات الضرورية والكافية حلماية‬ ‫الضحايا والشهود(‪)27‬‬ ‫إن احملاكمات اجلنائية ميكن أن ال تشمل املتهمني‬ ‫كافة يف جرائم اإلبادة اجلماعية‪ ،‬وذلك لألسباب‬ ‫املذكورة ً‬ ‫آنفا‪ ،‬واليت ميكن أن يتصدرها النقص‬ ‫يف املوارد املالية واخلربات التحقيقية والقضائية‬ ‫والطبية‪ ،‬كما إن احملاكمات يف اجلرائم الدولية‪،‬‬ ‫وبضمنها اإلبادة اجلماعية‪ ،‬تتطلب عادة سنوات‬ ‫عديدة إلجرائها‪ ،‬لذلك جيري كقاعدة الرتكيز‬ ‫على عدد حمدود من كبار املسؤولني عن إقرتاف‬ ‫جرائم اإلبادة اجلماعية‪ ،‬أو على جرائم اإلبادة‬

‫اجلماعية األش��د جسامة‪ ،‬وه��ذا ينبع يف واقع‬ ‫احل��ال من طبيعة جرائم اإلب���ادة اجلماعية‬ ‫ذاتها‪ ،‬فهي جرائم يقرتفها النظام السياسي‪ ،‬فهي‬ ‫جتسيد لسياسة تتبعها دولة ما‪ ،‬ولذلك تطلق‬ ‫عليها تسمية (جرائم االنظام)‪.‬‬ ‫إن احملكمة اجلنائية الدولية ليوغسالفيا‬ ‫السابقة‪ ،‬ال�تي اسست بناء على ق��رار جملس‬ ‫األمن رقم (‪ )827‬يف ‪ ،1993/5/25‬وكذلك‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية لرواندا (اليت تعرض‬ ‫فيها حنو (‪ )800‬أل��ف من التوتسي واهلوتو‬ ‫لإلبادة اجلماعية) وفق قرار جملس األمن رقم‬ ‫(‪ )955‬يف ‪ )28(،1994/11/18‬تشكالن‬ ‫جتسيداً حلتمية العقاب عن اجلرائم الدولية‪،‬‬ ‫وبضمنها اإلبادة اجلماعية‪ ،‬وقد حققت هاتان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملحوظا على صعيد ذلك‪ ،‬إذ‬ ‫جناحا‬ ‫احملكمتان‬ ‫جرت حماكمات ألركان النظامني اليوغساليف‬ ‫والرواندي‪ ،‬وأبرزهم سلوبودان ميلوسفتش‬ ‫ال��رئ��ي��س ال��ي��وغ��س�لايف (ال���ذي ت��ويف يف أثناء‬ ‫احملاكمات عام ‪ ،)2006‬وجان كامباندا رئيس‬ ‫وزراء رواندا‪ ،‬الذي حوكم بالسجن مدى احلياة‬ ‫عن جرائم اإلب��ادة اجلماعية واجل��رائ��م ضد‬ ‫اإلنسانية‪)29(.‬‬ ‫كما ال تغيب عن البال جتربة احملاكم اجلنائية‬ ‫الدولية املختلطة يف سرياليون وتيمور الشرقية‪،‬‬ ‫اليت يقوم بها قضاة حمليون وقضاة دوليون‪،‬‬ ‫وال�تي تطبق القانونني اجلنائيني‪ ،‬الدولي‬ ‫والوطين‪.‬‬ ‫ويعد تأسيس احملكمة اجلنائية الدولية‪،‬‬ ‫بوصفها حمكمة جنائية دولية (دائمة) ضمانة‬ ‫أساسية على صعيد جتسيد حتمية العقاب عن‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬إذ مت النص على جتريم‬ ‫‪51‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪52‬‬

‫هذه اجلرمية يف املادة‪ 5/‬من نظامها األساس‪،‬‬ ‫كما تضمن هذا النظام آليات إجرائية واضحة‬ ‫للمقاضاة عن اجلرائم الدولية‪ ،‬وبضمنها اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬بدءاً من التحقيق فيها وإنتها ًء بإنفاذ‬ ‫العقوبات املتخذة إزاء املذنبني يف إقرتافها‪.‬‬ ‫إن التعقب القضائي ع��ن ج��رائ��م اإلب���ادة‬ ‫اجلماعية قد ال يكون ً‬ ‫قابال للتجسيد على املدى‬ ‫املنظور بعيد إرتكاب هذه اجلرائم‪ ،‬وقد يعود‬ ‫ذلك ألسباب ذات طبيعة حملية (وطنية)‪ ،‬كما‬ ‫ميكن أن يرتبط بالعالقات مع الدول األخرى‪،‬‬ ‫اليت متتنع عن تسليم املتورطني يف إرتكاب‬ ‫ج��رائ��م اإلب����ادة اجلماعية أو تتدعي عدم‬ ‫وجودهم يف محايتها أو ما شابه ذلك من احلجج‪،‬‬ ‫ففي مثل هذه األحوال قد تطول عملية تأسيس‬ ‫حماكم جنائية أو إج��راء حماكمات‪ ،‬خمتصة‬ ‫بالنظر يف جرائم اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬سنوات‬ ‫عديدة‪ ،‬ومثال ذلك ما خيص جرائم اإلب��ادة‬ ‫ً‬ ‫تقريبا)‪،‬‬ ‫اجلماعية يف يوغسالفيا (عشر سنوات‬ ‫ورواندا (ست سنوات)‪ ،‬وسرياليون (‪ 4‬سنوات)‪،‬‬ ‫ويف كمبوديا (أكثر من ثالثني سنة)‪ ،‬ودافور‪،‬‬ ‫وغريها‪)30(.‬‬ ‫إن ط��ول امل��دة الفاصلة بني إرتكاب جرائم‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية واملقاضاة عليها أمام حماكم‬ ‫جنائية خمتصة ينتهك دون ش��ك (م��ب��دأ)‬ ‫حتمية العقاب عن هذه اجلرائم‪ ،‬بل إن هذا‬ ‫يرسي يف الواقع التطبيقي مبدأ آخر‪ ،‬اال وهو‬ ‫اإلفالت من العقاب‪.‬‬ ‫إن احملاكمات اجلنائية للمذنبني يف إرتكاب‬ ‫جرائم اإلب��ادة اجلماعية على أساس جترميها‬ ‫والعقاب عليها يف التشريعات اجلنائية ال تعد‬ ‫اآللية الوحيدة لتجسيد حتمية العقاب عن‬

‫هذه اجلرائم‪ ،‬فاىل جانبها هناك آليات أخرى‪،‬‬ ‫أبرزها‪ :‬جرب الضرر‪ ،‬وإحياء الذكرى‪ ،‬واإلعرتاف‬ ‫باجلرائم كونها جرائم إب��ادة مجاعية‪ ،‬وسن‬ ‫قوانني املساءلة والعدالة‪ ،‬وجلان تقصي احلقائق‪،‬‬ ‫وجلان املصاحلة‪ ،‬وغريها‪)31(.‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية يف قانون احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية العليا‬ ‫نقسم ه��ذا املبحث على مطلبني‪ ،‬نكرس‬ ‫املطلب األول للتعريف باحملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية العليا‪ ،‬ونبني يف املطلب الثاني حتمية‬ ‫العقاب عن اإلبادة اجلماعية يف قانون احملكمة‪،‬‬ ‫وكما يأتي‪:‬‬ ‫املطلب األول‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية العليا‬ ‫متثلت إحدى أبرز آليات جتسيد العقاب عن‬ ‫جرائم اإلبادة اجلماعية املرتكبة يف العراق يف‬ ‫تشكيل حمكمة وطنية (عراقية)‪ ،‬فإستناداً‬ ‫اىل القانون رقم (‪ )1‬لعام ‪ ،2003‬الذي جسد‬ ‫األم���ر رق��م (‪ )48‬ل��ع��ام ‪ ،2003‬ال��ص��ادر يف‬ ‫‪ 2003/12/10‬عن املدير اإلداري لسلطة‬ ‫اإلئ��ت�لاف املؤقتة (ب��ول ب��رمي��ر) مت تأسيس‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية املختصة باجلرائم‬ ‫ضد اإلنسانية‪.‬‬ ‫وقد الغي هذا القانون بالقانون رقم (‪ )10‬لعام‬ ‫‪ 2005‬يف املادة‪ 37/‬منه‪ ،‬اليت نصت على أن‬ ‫«يلغى قانون احملكمة اجلنائية العراقية املختصة‬ ‫باجلرائم ضد اإلنسانية رقم (‪ )1‬لسنة ‪2003‬‬ ‫وقواعد اإلجراءات الصادرة ً‬ ‫وفقا ألحكام املادة‬ ‫(‪ )16‬منه وذلك من تاريخ نفاذ القانون»‪ .‬وقد‬


‫منح القانون اجلديد احملكمة تسمية جديدة هي‬ ‫(احملكمة اجلنائية العراقية العليا)‪.‬‬ ‫لقد شكل تأسيس احملكمة اجلنائية العراقية‬ ‫ً‬ ‫العليا جتسيداً‬ ‫صرحيا حلتمية العقاب عن‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية‪ )32(،‬وينبع ذلك من‬ ‫عدة إعتبارات أبرزها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬لقد أرست املادة‪ 134 /‬من دستور العراق‬ ‫لعام ‪ 2005‬األساس الدستوري لتأسيس احملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية العليا بكونها هيئة قضائية‬ ‫مستقلة للنظر يف جرائم النظام البائد‪ ،‬وهي‬ ‫تشكل يف الوقت نفسه ضمانة دستورية هامة‬ ‫لتجسيد حتمية العقاب عن جرائم النظام‬ ‫العراقي البائد عامة‪ ،‬وجرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫خاصة‪ ،‬كونها أكدت على إستقالليتها بوصفه‬ ‫إياها بكونها (هيئة قضائية مستقلة)‪ ،‬وحصرت‬ ‫إختصاصها يف النظر يف (جرائم النظام البائد)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن إنها كفلت عدم إلغائها اال بعد‬ ‫هذا‬ ‫إكماهلا لذلك‪ ،‬وبناء على قرار من جملس النواب‪.‬‬ ‫(‪)33‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬إن اجلرائم اليت إقرتفها النظام العراقي‬ ‫البائد تتصف يف غالبيتها بكونها من اجلرائم‬ ‫الدولية‪ً ،‬‬ ‫فضال عن كونها تضمنت أعمال اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬ولعل اهمها ما يأتي‪:‬‬ ‫إزه��اق أرواح ما يربو على ثالمثائة‬ ‫أ‌‪ .‬‬ ‫أل��ف ع��راق��ي‪ ،‬يشكل ضحايا عمليات األنفال‬ ‫منهم حوالي ‪ 180‬ألف إنسان‪ )34(،‬ويقدر‬ ‫عدد ضحايا قصف حلبجة باألسلحة الكيماوية‬ ‫خبمسة آالف إنسان‪ ،‬هذا إضافة اىل ضحايا احلرب‬ ‫العراقية‪.‬اإليرانية (‪ ،)1980.1988‬وغزو‬ ‫الكويت (‪ ،)1990.1991‬الذين ال يقل عددهم‬ ‫ع��ن نصف مليون ج��ن��دي‪ ،‬وضحايا جتفيف‬

‫األهوار‪ ،‬وضحايا إنتفاضة ‪...،1991‬اخل‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬إرت��ك��اب إنتهاكات جسيمة للحقوق‬ ‫األساسية لإلنسان واملواطن‪ ،‬وعلى مدى ثالثة‬ ‫عقود‪ ،‬متثلت يف الرتحيل والتهجري والتعريب و‬ ‫اإلبادة والتعذيب واإلعدام خارج القضاء‪.‬‬ ‫ت‌‪ .‬االنتهاك الصارخ لإلتفاقيات واملواثيق‬ ‫الدولية بإستخدام النظام العراقي البائد ملختلف‬ ‫ً‬ ‫دول��ي��ا‪ ،‬يف حروبه‬ ‫اص��ن��اف األسلحة احمل��رم��ة‬ ‫اخلارجية‪ ،‬أو يف عملياته العسكرية الداخلية‪،‬‬ ‫ومن أبرزها‪ :‬بروتوكول جنيف لعام ‪1925‬‬ ‫اخلاص حبظر إستعمال املواد اخلانقة والسامة‬ ‫وما شابهها والوسائل اجلرثومية يف احلرب‪،‬‬ ‫وإتفاقية الهاي لعام ‪ 1907‬اخلاصة بإحرتام‬ ‫ق��وان�ين واع���راف احل��رب ال�بري��ة‪ ،‬وإتفاقيات‬ ‫ً‬ ‫فضال عن‬ ‫جنيف األرب���ع لعام ‪ .1949‬ه��ذا‬ ‫إنتهاك تلك االتفاقيات الدولية اليت وقع عليها‬ ‫العراق‪ ،‬واملتعلقة بالتعذيب‪ ،‬و اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫وجرائم احلرب‪ ،‬واجلرائم ضد اإلنسانية‪)35(.‬‬ ‫تكفي اإلشارة بهذا الصدد اىل املقابر اجلماعية‬ ‫اليت عثر عليها ومازال يعثر عليها بعد سقوط‬ ‫النظام يف ‪ ،2003/4/9‬اليت جتاوزت يف الوقت‬ ‫الراهن أكثر من (‪ )300‬مقربة‪ ،‬وهي دليل على‬ ‫جسامة اخلسائر البشرية‪ ،‬لذلك من الصعب‬ ‫إح��ص��اء أع���داد الضحايا يف ص��ف��وف الشعب‬ ‫العراقي‪ ،‬ويف الوقت ذاته هي دليل ال يدحض‬ ‫على إرت��ك��اب جرائم اإلب���ادة اجلماعية حبق‬ ‫أبنائه‪ ،‬وتعددها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬إن الطبيعة اخلاصة للمحكمة‪ ،‬من حيث‬ ‫التأسيس واإلختصاص واإلختالف عن األطر‬ ‫القضائية العراقية األخرى‪ )36(،‬تدل على‬ ‫املسعى من اج��ل جتسيد حتمية العقاب عن‬ ‫‪53‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪54‬‬

‫جرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬إذ إن تأسيس احملكمة‬ ‫بالصورة املميزة املذكورة‪ ،‬كان حصيلة ألسباب‬ ‫أبرزها‪:‬‬ ‫(أ‌) إن ع���دداً م��ن اجل��رائ��م ال�تي إقرتفها‬ ‫أقطاب النظام العراقي البائد ال تعد من اجلرائم‬ ‫العادية‪ ،‬اليت تسري عليها التشريعات اجلنائية‬ ‫العراقية النافذة‪ ،‬إذ بضمنها‪.‬كما تقدم‪ .‬جرائم‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬وجرائم احلرب‪ ،‬واجلرائم ضد‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬اليت تعد من اجلرائم الدولية‪ ،‬اليت ال‬ ‫يعاقب على إرتكابها التشريع العقابي العراقي‬ ‫(ق��ان��ون العقوبات العراقي رق��م ‪ 111‬لعام‬ ‫‪ ،)1969‬هذا ً‬ ‫فضال عن إن احملاكم العراقية‪ ،‬وإن‬ ‫كان من املمكن أن تكون خمتصة بالنظر فيها‪ ،‬اال‬ ‫إن القضاة اليتمتعون فيها باخلربة الكافية اليت‬ ‫يتطلب توافرها يف احملاكمات اخلاصة باجلرائم‬ ‫الدولية‪ .‬مبعنى إن اجلرائم اليت إقرتفها اركان‬ ‫النظام العراقي البائد‪ ،‬وبضمنها اجلرائم ضد‬ ‫اإلنسانية و اإلب��ادة اجلماعية»هي بطبيعتها‬ ‫جرائم تستعصي احملاكمة عنها على النصوص‬ ‫واإلمكانيات اليت تتوفر على الصعيد الوطين»‪.‬‬ ‫(‪)37‬‬ ‫ب) على رأس التهم اليت وجهت اىل أركان‬ ‫(‌‬ ‫النظام البائد أم��ام ه��ذه احملكمة هي جرائم‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية يف قضايا الدجيل واألنفال‬ ‫وحلبجة‪.‬‬ ‫(ت‌) جاءت جرمية اإلبادة اجلماعية على‬ ‫رأس اجلرائم اليت تدخل يف إختصاص احملكمة‪.‬‬ ‫(‪)38‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬إن تشكيل احملكمة اجلنائية العراقية‬ ‫العليا‪ ،‬ومنحها إختصاص النظر يف القضايا‬ ‫املتعلقة باإلبادة اجلماعية ينبع من إتفاقية‬

‫«منع جرمية اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها»‬ ‫ل��ع��ام ‪ ،1948‬ال�ت�ي ن��ص��ت ع��ل��ى أن «حي��اك��م‬ ‫األشخاص املتهمون بإرتكاب اإلبادة اجلماعية او‬ ‫أي من األفعال األخرى املذكورة يف املادة الثالثة‬ ‫ام��ام حمكمة خمتصة من حماكم الدولة اليت‬ ‫أرتكب الفعل على أرضها‪ ،‬أو أمام حمكمة جزائية‬ ‫دولية تكون ذات إختصاص أزاء من يكون من‬ ‫األطراف قد إعرتف بواليتها»‪)39(.‬‬ ‫إن هذا النص يؤكد وجود االساس القانوني‬ ‫الدولي لتأسيس احملكمة اجلنائية العراقية‬ ‫العليا‪ ،‬إذ إن أحد اسباب تأسيسها هو إنها شكلت‬ ‫لكي ختتص من حيث األساس بأنواع معينة من‬ ‫اجلرائم‪ ،‬وبضمنها جرمية اإلب��ادة اجلماعية‪.‬‬ ‫هذا إضافة اىل أن إتفاقية «منع جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية والعقاب عليها» لعام ‪ 1948‬قد شكلت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قانونيا لصياغة النموذج القانوني‬ ‫اساسا‬ ‫كذلك‬ ‫جلرمية اإلبادة اجلماعية يف املادة‪ 11/‬من قانون‬ ‫احملكمة‪ ،‬م��ا يعرب أي��ض ً��ا ع��ن مسعى مؤسسي‬ ‫احملكمة اىل جتسيد مضامينها‪ ،‬وبالتالي كفالة‬ ‫حتمية العقاب عن جرمية اإلب��ادة اجلماعية‬ ‫على وجه اخلصوص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا‪ :‬إن النص القانوني املذكور من إتفاقية‬ ‫«منع جرمية اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها»‬ ‫لعام ‪ 1948‬قد حدد نوعني من احملاكم‪ ،‬تلك‬ ‫اليت ميكن أن تتوىل مقاضاة املتهمني بإقرتاف‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫(‌أ) حمكمة خمتصة من حماكم الدولة اليت‬ ‫أرتكبت اإلبادة اجلماعية على أرضها‪.‬‬ ‫(‌ب) حمكمة جزائية دولية خمتصة‪.‬‬ ‫إن إختيار النوع األول من احمل��اك��م‪ ،‬وذلك‬ ‫بتشكيل حمكمة وطنية (عراقية) خمتصة‬


‫يدخل يف إختصاصها النظر يف جرائم اإلبادة‬ ‫اجلماعية يدل بدوره على املسعى حنو جتسيد‬ ‫حتمية العقاب عن جرائم اإلب��ادة اجلماعية‬ ‫املرتكبة يف العراق‪ ،‬ذلك إن هلذا النوع من احملاكم‬ ‫االفضلية مقارنة باحملاكم اجلنائية الدولية‬ ‫املختصة‪ ،‬اليت تتطلب إج��راءات دولية خاصة‬ ‫ً‬ ‫فضال عما تتطلبه من وقت وموارد‬ ‫لتشكيلها‪،‬‬ ‫مالية وبشرية‪ .‬كما إن التقاضي أمام حمكمة‬ ‫وطنية (عراقية) حيقق اىل حد كبري حتمية‬ ‫العقاب عن اإلب��ادة اجلماعية من عدة أوجه‪،‬‬ ‫أبرزها إن جرائم اإلب��ادة اجلماعية إمنا جرت‬ ‫وقائعها يف العراق‪ ،‬وبالتالي يكون من األصوب‬ ‫إجراء احملاكمة عنها يف إقليم العراق حتديداً‪،‬‬ ‫فاملتهمون فيها‪ ،‬وكذلك الضحايا والشهود‪،‬‬ ‫هذا إضافة اىل وجود األدلة الكافية على هذه‬ ‫ً‬ ‫فضال ع��ن إن معايشة وقائع‬ ‫اجل��رائ��م‪ .‬ه��ذا‬ ‫احملاكمة املتعلقة باإلبادة اجلماعية على الصعيد‬ ‫الوطين متنح الضحايا‪ ،‬وما أكثرهم يف العراق‪،‬‬ ‫الشعور بالعدالة اإلجتماعية وبعدم إفالت‬ ‫املتهمني يف إرتكاب جرائم اإلبادة اجلماعية من‬ ‫العقاب‪)40(.‬‬ ‫س��ادس ً��ا‪ :‬إن مطلب جتسيد حتمية العقاب‬ ‫عن جرائم النظام العراقي البائد‪ ،‬وبضمنها‬ ‫ً‬ ‫إنعكاسا له يف‬ ‫جرمية اإلب��ادة اجلماعية وجد‬ ‫ق��رارات جملس األم��ن خبصوص ال��ع��راق‪ ،‬اليت‬ ‫تضمنت الدعوة اىل مساءلة هذا النظام عن‬ ‫اجلرائم واألعمال الوحشية اليت إقرتفها‪ ،‬ففيها‬ ‫جاء التأكيد على أن جملس األمن «يناشد الدول‬ ‫األعضاء عدم منح مالذ آمن ألعضاء النظام‬ ‫العراقي السابق الذين يزعم إنهم يتحملون‬ ‫املسؤولية عن إرتكاب جرائم وفظائع‪ ،‬ودعم‬

‫اإلجراءات الرامية اىل تقدميهم للعدالة»‪)41(.‬‬ ‫وهذا القرار كما يالحظ يؤكد دعم جملس‬ ‫األمن جتسيد حتمية العقاب عن جرائم النظام‬ ‫العراقي البائد وعدم إفالت أركانه منه‪ ،‬من‬ ‫خالل عدم تقديم العون إلخفائهم‪ ،‬ومطالبته‬ ‫بدعم إج���راءات مقاضاتهم لتأخذ العدالة‬ ‫جمراها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سابعا‪ :‬غ�ني ع��ن البيان إن ال��ق��رار املتخذ‬ ‫مبقاضاة أرك��ان النظام العراقي البائد عن‬ ‫ج��رائ��م��ه‪ ،‬وبضمنها خاصة جرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية يقوم على أحد مطالب أبناء الشعب‬ ‫العراقي‪ ،‬الذي عانى الويالت من هذا النظام‬ ‫منذ تربعه على سدة احلكم يف ‪1963/2/8‬‬ ‫ولغاية سقوطه يف ‪ ،2003/4/9‬وهذا املطلب‬ ‫وجد صداه يف الكثري من الفعاليات اليت أقامتها‬ ‫منظمات الدفاع عن حقوق اإلنسان العراقي‪،‬‬ ‫سواء العراقية‪ ،‬أم الدولية‪ ،‬إذ أعدت على سبيل‬ ‫املثال مجاعة حقوق اإلنسان (إندايت) ً‬ ‫ملفا‬ ‫ً‬ ‫ضخما عن إنتهاكات حقوق اإلنسان يف العراق‪،‬‬ ‫تضمن ما يقارب مخسة ماليني وثيقة عراقية‪،‬‬ ‫ومنها ما يتعلق جبرائم اإلب��ادة اجلماعية يف‬ ‫االنفال وحلبجة‪ ،‬اليت كانت تسعى إلستخدامها‬ ‫«إلقناع» األم��م املتحدة بإنشاء حمكمة دولية‬ ‫للنظر يف جرائم النظام العراقي املرتكبة ضد‬ ‫السالم واإلنسانية وحقوق اإلنسان‪ .‬ومل تكن‬ ‫مسألة مقاضاة ارك��ان النظام العراقي امام‬ ‫حمكمة جنائية وطنية ختطر آن��ذاك يف بال‬ ‫أحد‪ ،‬وهل كان من املنطقي آنذاك مقاضاتهم عن‬ ‫جرائم مثل عمليات األنفال أو قصف حلبجة أو‬ ‫عمليات القمع اليت طالت املشاركني يف إنتفاضة‬ ‫ً‬ ‫فضال عن صعوبات‬ ‫عام ‪ 1991‬أو غريها؟ هذا‬ ‫‪55‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪56‬‬

‫حتقيق مثل هذا الفرض يف ظل احلصانات اليت‬ ‫أحاط بها أركان النظام العراقي البائد أنفسهم‬ ‫خشية املساءلة القانونية‪ ،‬وعلى رأسها أحكام‬ ‫الدستور العراقي املؤقت لعام ‪)42(.1970‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫حتمية العقاب عن اإلبادة اجلماعية يف قانون‬ ‫احملكمة‬ ‫شكل تأسيس احملكمة اجلنائية العراقية العليا‬ ‫ً‬ ‫مرتكزاً‬ ‫هاما لتجسيد مبدأ حتمية العقاب‬ ‫عن جرمية اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬بوصفها إحدى‬ ‫اجلرائم البارزة اليت إقرتفها النظام العراقي‬ ‫البائد‪ ،‬كما إن حماكمات أركان النظام عن هذا‬ ‫الصنف من اجلرائم الدولية ومعاقبتهم وتنفيذ‬ ‫العقوبات حبقهم جسدت هذا املبدأ على الوجه‬ ‫األمثل‪ً .‬‬ ‫فضال عن هذا‪ ،‬إن املشرع أدرج يف قانون‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية العليا رقم (‪ )1‬لعام‬ ‫‪ 2005‬عدداً من األحكام‪ ،‬اليت عربت عن غايته‬ ‫يف جتسيد حتمية العقاب عن جرائم اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬فإستناداً على حتليل نصوص القانون‬ ‫ميكن إستخالص اإلستنتاجات اآلتية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬نص املشرع يف (األسباب املوجبة) الصدار‬ ‫ال��ق��ان��ون على ج��رمي��ة (اإلب����ادة اجلماعية)‬ ‫بوصفها إحدى اجلرائم اليت إستوجبت إصداره‪،‬‬ ‫وبكونها إحدى اجلرائم اليت تدخل يف إختصاص‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية العليا‪ ،‬وبإنها إحدى‬ ‫اجلرائم اليت يتوجب املقاضاة والعقاب عنها‪،‬‬ ‫إذ تضمنت (األسباب املوجبة) التأكيد اآلتي‪:‬‬ ‫«ألجل إظهار اجلرائم اليت أرتكبت يف العراق‬ ‫من ‪ 1968/7/17‬لغاية ‪ 2003/5/1‬ضد‬ ‫الشعب العراقي وشعوب املنطقة‪ ،‬وما متخضت‬

‫عنه من جمازر وحشية‪ ،‬ولغرض وضع القواعد‬ ‫والعقوبات اليت تدين مرتكيب هذه اجلرائم يف‬ ‫حماكمة عادلة عن جرائمهم يف شن احلروب‬ ‫و اإلب���ادة اجلماعية واجل��رائ��م املرتكبة ضد‬ ‫اإلنسانية ولغرض تشكيل حمكمة جنائية‬ ‫عراقية عليا من قضاة عراقيني يتمتعون‬ ‫بكفاءة وخربة عالية ونزاهة‪ ،‬ختتص مبحاكمة‬ ‫هؤالء اجملرمني‪ ،‬ومن أجل إظهار احلقيقة وما‬ ‫سببه مرتكبو تلك اجلرائم من عنت وظلم‪،‬‬ ‫ومحاية حلقوق العديد من العراقيني ورفع‬ ‫احليف عنهم وإبراز عدالة السماء كما أرادها اهلل‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬شرع هذا القانون»‪.‬‬ ‫وبالرجوع اىل أحكام املادة‪ 1/‬من القانون‬ ‫يالحظ أن جرمية اإلبادة اجلماعية جاءت على‬ ‫رأس اجلرائم اليت ختتص بها احملكمة‪ ،‬وتلتها‬ ‫اجلرائم ضد اإلنسانية وجرائم احلرب‪ ،‬واخرياً‬ ‫إنتهاكات القوانني العراقية املنصوص عليها يف‬ ‫املادة‪ 14/‬من القانون‪)43(.‬‬ ‫ً‬ ‫وق��د أك��د امل��ش��رع جم���ددا يف املادة‪ 11/‬من‬ ‫القانون على حتمية العقاب عن جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية من خالل تعريفها وحتديد صورها‪،‬‬ ‫وقد جاء تعريف اإلبادة اجلماعية يف هذه املادة‬ ‫ً‬ ‫مطابقا لتعريفها يف إتفاقية «منع جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية والعقاب عليها» لعام ‪ ،1948‬كما‬ ‫جسد املشرع حتمية العقاب عن جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية من خالل التأكيد على الصور احملتملة‬ ‫ً‬ ‫كافة هلذه اجلرمية‪ ،‬واليت جاءت ً‬ ‫إنعكاسا‬ ‫أيضا‬ ‫ملضمون اإلتفاقية املذكورة‪ ،‬مع تأكيد املشرع يف‬ ‫نص املادة ذاتها على تطبيقه ألحكام اإلتفاقية‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ ،‬ومصادقة العراق عليها يف ‪ 20‬كانون الثاني‬ ‫‪ً 1959‬‬ ‫ثانيا‪)44(.‬‬


‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬إن املادة‪ 15/‬من قانون احملكمة تكتسب‬ ‫أهمية خ��اص��ة‪ ،‬فقد إشتملت على ع��دد من‬ ‫امل��ب��ادئ القانونية ال�تي تطبق على اجلرائم‬ ‫كافة اليت تدخل يف إختصاص احملكمة‪ ،‬وهي‬ ‫ذات أهمية خاصة بالنسبة لتجسيد حتمية‬ ‫العقاب عن جرمية اإلب���ادة اجلماعية‪ ،‬ذلك‬ ‫إنها تشكل ضمانات أساسية لعدم اإلفالت من‬ ‫ً‬ ‫فوفقا للمادة‪15/‬‬ ‫العقاب عن هذه اجلرمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫(أوال) من القانون‪« :‬يعد الشخص الذي يرتكب‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال عنها‬ ‫جرمية تدخل ضمن والية احملكمة‬ ‫ً‬ ‫بصفته الشخصية وعرضة للعقاب وفقا ألحكام‬ ‫هذا القانون»‪ .‬فعلى أساس هذا النص‪ ،‬حددت‬ ‫املسؤولية اجلنائية الشخصية ع��ن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية (بوصفها إحدى اجلرائم اليت‬ ‫تدخل ضمن والية احملكمة)‪ ،‬كما أكد املشرع يف‬ ‫هذا النص ً‬ ‫أيضا على حتمية العقاب عن هذه‬ ‫اجلرمية باإلشارة اىل كون مرتكب جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية يكون عرضة للعقاب ً‬ ‫وفقا لقانون‬ ‫ً‬ ‫طبقا لقانون العقوبات العراقي‬ ‫احملكمة‪ ،‬أو‬ ‫رقم (‪ )111‬لعام ‪ ،1969‬ويف هذا النص تأكيد‬ ‫من املشرع على عقاب كل شخص يقرتف هذه‬ ‫ً‬ ‫شخصيا باإلشارة فيه اىل (الشخص الذي‬ ‫اجلرمية‬ ‫يرتكب جرمية تدخل ضمن والية احملكمة)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن هذا‪ ،‬مل يغفل املشرع جتسيد حتمية‬ ‫العقاب عن الصور احملتملة جلرمية اإلب��ادة‬ ‫ً‬ ‫اجلماعية‪ ،‬بتحديدها ً‬ ‫(ثانيا) من‬ ‫طبقا للفقرة‬ ‫املادة‪ 15/‬من قانون احملكمة‪ ،‬سواء أكانت تتعلق‬ ‫باملساهمة يف إرتكاب ه��ذه اجلرمية‪ )45(،‬أم‬ ‫بالنشاط اإلجرامي غري التام‪)46(.‬‬ ‫وتأكيداً حلتمية العقاب عن جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية نص املشرع يف البندين (ب) و(ج)‬

‫ً‬ ‫(ثانيا) من قانون احملكمة على‬ ‫من املادة‪15/‬‬ ‫املسؤولية عن التحريض عامة يف اجلرائم اليت‬ ‫تدخل يف إختصاص احملكمة‪ )47(،‬و عاد يف‬ ‫ً‬ ‫(ثانيا) من املادة نفسها‬ ‫البند(هـ) من الفقرة‬ ‫اىل التأكيد على العقاب عن التحريض املباشر‬ ‫والعلين على إرتكاب جرمية اإلبادة اجلماعية‬ ‫على وجه التحديد‪ .‬فإستناداً اىل أحكام الفقرة‬ ‫ً‬ ‫(ثانيا‪ .‬ه��ـ) من املادة‪ 15/‬من القانون عد‬ ‫التحريض ص��ورة من صور اإلب��ادة اجلماعية‬ ‫ً‬ ‫عقابا‪)48(.‬‬ ‫املستوجبة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬حتقيقا حلتمية العقاب عن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية نص املشرع يف قانون احملكمة‬ ‫على مجلة من الضمانات‪ ،‬اليت تستهدف إستبعاد‬ ‫أي��ة دف��وع أو معوقات أم��ام ذل��ك‪ ،‬ال�تي متثلت‬ ‫خاصة يف اآلتي‪:‬‬ ‫(‌أ) عدم ج��واز الدفع بالصفة الرمسية‬ ‫أو احلصانة اليت يتمتع بها املتهم لإلفالت من‬ ‫ً‬ ‫ختفيفا)‪ ،‬إستناداً اىل أحكام‬ ‫العقاب (إعفا ًء أو‬ ‫ً‬ ‫(ثالثا)‪ )49(،‬ففي ه��ذه امل��ادة مت‬ ‫املادة‪15/‬‬ ‫التأكيد على حتمية العقاب عن جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية بغض النظر عن صفة اجلاني‪ ،‬سيما‬ ‫إنها قضت بعدم ج��واز اإلح��ت��ج��اج بالصفة‬ ‫الرمسية او احلصانة «للتخلص من املسؤولية عن‬ ‫اجلرائم املذكورة يف املواد (‪ )11‬و(‪ )12‬و(‪)13‬‬ ‫و(‪ )14‬من هذا القانون»‪ ،‬إذ ان املادة‪ 11/‬من‬ ‫القانون‪ ،‬ختتص جبرمية اإلبادة اجلماعية على‬ ‫وجه التحديد‪.‬‬ ‫(ب‌) حتمية عقاب الرئيس عن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬اليت يرتكبها األشخاص الذين‬ ‫يعملون بإمرته إذا كان على علم بها‪ ،‬وهذا يعين‬ ‫إن تطبيق أحكام هذا النص على الرئيس األعلى‬ ‫‪57‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪58‬‬

‫يتطلب توافر العلم لديه بإرتكاب األشخاص‬ ‫الذين يعملون بإمرته جلرائم اإلبادة اجلماعية‬ ‫دون إختاذ اإلجراءات ملنع إرتكابها أو للتحقيق‬ ‫ً‬ ‫فضال عن هذا‪ ،‬إن هذا النص‬ ‫فيها واحملاكمة‪.‬‬ ‫يثبت ً‬ ‫أيضا حتمية العقاب عن جرائم اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬حتى يف حالة التهيئة (التحضري)‬ ‫إلرت��ك��اب��ه��ا‪ ،‬فالرئيس األع��ل��ى ال يعفى من‬ ‫املسؤولية اجلنائية عن جرائم األشخاص الذين‬ ‫يعملون بإمرته إذا كانوا على وشك إرتكابها ومل‬ ‫يتخذ اإلجراءات الالزمة ملنع وقوعها‪)50(.‬‬ ‫(ت‌) إن تنفيذ األمر الصادر من الرئيس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(خامسا) من قانون احملكمة ال‬ ‫وفقا للمادة‪15/‬‬ ‫ً‬ ‫ظرفا مستبعداً للعقاب عن جرائم اإلبادة‬ ‫يعد‬ ‫ً‬ ‫اجلماعية‪ ،‬فطبقا للنص املذكور‪« :‬يف حالة قيام‬ ‫أي شخص متهم بإرتكاب فعل تنفيذاً ألمر صادر‬ ‫من احلكومة أو من رئيسه فإن ذلك لن يعفيه‬ ‫من املسؤولية اجلنائية‪ ،‬وجيوز أن يراعى ذلك‬ ‫يف ختفيف العقوبة إذا رأت احملكمة إن حتقيق‬ ‫العدالة يتطلب ذلك»‪ .‬مبعنى إن املرؤوس يكون‬ ‫عرضة للعقاب يف كل األحوال يف حالة ارتكابه‬ ‫بنا ًء على أمر صادر من رئيسه جلرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬اال إن احملكمة جيوز هلا أن تراعي ذلك‬ ‫(أي التزام املرؤوس بتنفيذ األمر الصادر اليه‬ ‫من الرئيس) لغرض ختفيف عقوبته فقط‪،‬‬ ‫وليس اإلعفاء منها‪.‬‬ ‫(ث‌) إن قرارات العفو ال ميكن أن تكون أساساً‬ ‫إلستبعاد العقاب عن جرائم اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(سادسا) من قانون احملكمة‪:‬‬ ‫فطبقا للمادة‪15/‬‬ ‫«ال تشمل قرارات العفو الصادر قبل نفاذ هذا‬ ‫القانون ً‬ ‫أيا من املتهمني يف إرتكاب إحدى اجلرائم‬ ‫املنصوص عليها فيه»‪ .‬وهذا يعين إن القانون‬

‫قد أكد على حتمية العقاب عن جرائم اإلبادة‬ ‫اجلماعية حتى يف حالة صدور قرار العفو عن‬ ‫مرتكبيها‪ ،‬وإن كان مثل هذا القرار نافذاً قبل‬ ‫صدور قانون احملكمة‪ ،‬وهو يعد إستثنا ًء من‬ ‫األحكام العامة يف قانون العقوبات العراقي رقم‬ ‫(‪ )111‬لعام ‪)51(.1969‬‬ ‫(ج‌) تتجسد حتمية العقاب عن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية إستناداً اىل أحكام املادة‪17/‬‬ ‫ً‬ ‫(رابعا) من قانون احملكمة‪ ،‬كونها قضت بعدم‬ ‫خضوع هذه اجلرمية للتقادم املسقط للدعوى‬ ‫اجلزائية والعقوبة‪ ،‬إذ نصت‪»:‬ال ختضع اجلرائم‬ ‫املنصوص عليها يف امل��واد ‪ 11‬و‪ 12‬و‪ 13‬من‬ ‫هذا القانون للتقادم املسقط للدعوى اجلزائية‬ ‫والعقوبة»‪ ،‬وه��ذا يعين بالتالي إن املسؤولية‬ ‫اجلنائية عن جرمية اإلبادة اجلماعية سترتتب‬ ‫بصرف النظر عن املدة الزمنية اليت إنقضت أو‬ ‫ستنقضي على إرتكابها‪ ،‬فال الدعوى اجلزائية‬ ‫ميكن أن تسقط‪ ،‬وال العقوبة ال�تي تتخذها‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية العليا ستسقط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا ً‬ ‫(ثالثا) من املادة‪ 17/‬من‬ ‫علما إن الفقرة‬ ‫قانون احملكمة نصت على سريان أحكام قانون‬ ‫العقوبات العراقي رقم (‪ )111‬لعام ‪ 1969‬مبا‬ ‫ال يتعارض وأحكام قانون احملكمة‪ ،‬ما يعين إن‬ ‫ً‬ ‫(رابعا) من هذه امل��ادة جاءت إستثنا ًء‬ ‫الفقرة‬ ‫على هذه األحكام‪ ،‬وإن كان هذا النص ال يعد يف‬ ‫واقع احلال كذلك‪ ،‬إذ أن املشرع العراقي ال يعتد‬ ‫ً‬ ‫اصال يف قانون العقوبات املذكور بتقادم الدعوى‬ ‫اجلزائية أو العقوبة‪ ،‬لذلك إن التأكيد على‬ ‫عدم خضوع اجلرائم املنصوص عليها يف املواد‬ ‫‪ 11‬و‪ 12‬و‪ 13‬من قانون احملكمة‪ ،‬وبضمنها‬ ‫جرمية اإلب���ادة اجلماعية للتقادم املسقط‬


‫للدعوى اجلزائية والعقوبة‪ ،‬إمنا هو تأكيد آخر‬ ‫على أهمية العقاب عن هذه اجلرائم ً‬ ‫أوال‪ ،‬وعلى‬ ‫إستبعاد أية معوقات قانونية ميكن أن تعرتض‬ ‫املساءلة اجلنائية عنها ً‬ ‫ثانيا‪ ،‬ومن ذلك اإلعتداد‬ ‫بتقادم الدعوى اجلزائية أو العقوبة‪ ،‬يف حالة‬ ‫تعديل قانون العقوبات العراقي النافذ ً‬ ‫مثال‪،‬‬ ‫سواء يف أثناء إجراء احملاكمات عن هذه اجلرائم‬ ‫أم يف حالة إختاذ أحكام غيابية حبق املتهمني يف‬ ‫إرتكابها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬إن جتسيد حتمية العقاب عن جرمية‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية يتطلب من دون شك كفالة‬ ‫حقوق ضحايا اإلبادة اجلماعية أنفسهم‪ ،‬لذلك‬ ‫احاطهم املشرع يف قانون احملكمة بعناية خاصة‬ ‫متثلت يف تأمني احلماية هلم ولذويهم‪)52(.‬‬ ‫وبهدف جتسيد حتمية العقاب‪ ،‬من األوجه‬ ‫كافة‪ ،‬فقد نص املشرع يف املادة‪ 22/‬من قانون‬ ‫احملكمة‪ ،‬اىل جانب أح��ك��ام القانون األخ��رى‬ ‫املتعلقة باملسؤولية اجلزائية‪ ،‬على حق ذوي‬ ‫الضحايا واملتضررين من العراقيني يف رفع‬ ‫الدعاوى املدنية ضد املتهمني عما أصابهم من‬ ‫ضرر‪ ،‬وهذا النص ينطبق ً‬ ‫أيضا على املتضررين‬ ‫من جرمية اإلبادة اجلماعية‪)53(.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا‪ :‬إن حتمية العقاب عن جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية تفرتض إجراء حماكمة عادلة‪ ،‬اليت ال‬ ‫تعين إدانة املذنبني ً‬ ‫حقا يف إرتكاب هذه اجلرمية‬ ‫فحسب‪ ،‬بل وكذلك عدم مساءلة األبرياء‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يستوجب‪ ،‬ضمن أسباب اخ��رى‪ ،‬عالنية‬ ‫احملاكمة لغرض الكشف ع��ن احلقيقة أم��ام‬ ‫ً‬ ‫فضال عن أهمية حتديد عقوبة‬ ‫اجملتمع‪ ،‬هذا‬ ‫عادلة إزاء املذنبني‪ ،‬ومبا يتوافق مع درجة‬ ‫جسامة اجلرمية املرتكبة وشخصية مرتكبها‪،‬‬

‫وه��ذا ما يتطلب اإلل��ت��زام مببادئ العدالة يف‬ ‫احملاكمة املنشودة‪ .‬اليت تتصف خبضوع إجراءات‬ ‫احملاكمة ملعايري احملاكمة العادلة اليت وضعها‬ ‫اجملتمع ال��دول��ي‪ ،‬وال�تي تضطلع بها سلطة‬ ‫قضائية مستقلة وحمايدة‪)54(.‬‬ ‫أي إن احملاكمة العادلة‪ ،‬هي اليت جتسد فيها‬ ‫حقوق املتهم‪ ،‬وكذلك حقوق الضحايا‪ ،‬لذلك‬ ‫ً‬ ‫(رابعا) من قانون احملكمة‬ ‫فقد نصت املادة‪20/‬‬ ‫على أن تكون جلسات احملاكمة علنية‪ ،‬بالنسبة‬ ‫للجرائم اليت تدخل يف واليتها‪ ،‬وهو ما جيسد‬ ‫حتمية العقاب عن جرمية اإلب��ادة اجلماعية‬ ‫بالنسبة للمتهم‪ ،‬ويؤكد للضحايا القيام بذلك‪.‬‬ ‫ومل جيز قانون احملكمة اللجوء اىل عقد جلسات‬ ‫ً‬ ‫احملاكمة بصورة سرية ً‬ ‫(رابعا)‬ ‫طبقا للمادة‪20/‬‬ ‫اال يف بعض األحوال‪)55(.‬‬ ‫ً‬ ‫سادسا‪ :‬جتسيداً للمادة‪ 3/‬من إتفاقية «منع‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها» لعام‬ ‫ً‬ ‫حتقيقا حلتمية العقاب عن جرمية‬ ‫‪ 1948‬وكذا‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬حدد قانون احملكمة تدابري‬ ‫العقاب اليت ميكن أن تتخذ بالنسبة ملرتكيب‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬وهي العقوبات ذاتها‪،‬‬ ‫اليت ينص عليها قانون العقوبات العراقي رقم‬ ‫(‪ )111‬لعام ‪ ،1969‬بإستثناء عقوبة السجن‬ ‫املؤبد اليت جيب أن متتد مدى حياة احملكوم‬ ‫عليه‪)56(.‬‬ ‫ً‬ ‫وطبقا للفقرة (خامسا) من امل��ادة‪ 24 /‬من‬ ‫قانون احملكمة أكد املشرع العقاب عن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬باإلشارة اىل حتديد العقوبة‬ ‫عن أي جرمية منصوص عليها يف املواد‪11.13/‬‬ ‫من قانون احملكمة‪ ،‬اليت ال يوجد هلا ما مياثلها‬ ‫يف القانون العراقي‪ ،‬وهو ما ينطبق على جرمية‬ ‫‪59‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪60‬‬

‫اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬بأن احملكمة لتحديد هذه‬ ‫العقوبة جيب أن تراعي ع��دداً من الظروف‪،‬‬ ‫ومنها‪ :‬خطورة اجلرمية‪ ،‬والظروف الشخصية‬ ‫للمدان‪ ،‬مع اإلسرتشاد يف ظل ذلك بالسوابق‬ ‫القضائية للمحاكم اجلنائية الدولية‪ ،‬والعقوبات‬ ‫اليت تتخذها يف هذا اجملال‪.‬‬ ‫ولغرض التجسيد الفعلي للعقوبة اليت حتددها‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية العليا عن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬فقد عمل املشرع على ضمان‬ ‫ذلك ً‬ ‫أيضا من خالل النص يف قانون احملكمة‬ ‫على عدم اإلعفاء من العقاب احملدد عن هذه‬ ‫اجلرمية‪ ،‬وغريها من اجلرائم اليت تدخل يف‬ ‫والي��ة احملكمة‪ ،‬ون��ص ً‬ ‫أيضا على ع��دم جواز‬ ‫التخفيف‪ ،‬كما أضاف املشرع بأن العقوبة تكون‬ ‫واجبة التنفيذ (أي يف كل األحوال) مبرور ‪30‬‬ ‫ً‬ ‫يوما من تاريخ إكتساب احلكم أو القرار درجة‬ ‫البتات‪)57(.‬‬ ‫ً‬ ‫سابعا‪ :‬بهدف ضمان جتسيد حتمية العقاب‬ ‫عن اجلرائم‪ ،‬اليت تدخل والية احملكمة‪ ،‬وعلى‬ ‫رأسها جرمية اإلب��ادة اجلماعية أحاط املشرع‬ ‫يف قانون احملكمة تشكيلة احملكمة اليت تضطلع‬ ‫مبحاكمة املتهمني يف هذه اجلرائم مبا يأتي‪:‬‬ ‫(أ‌) نص املشرع يف قانون احملكمة(‪)58‬‬ ‫على حصر تشكيلة احملكمة من قضاة التحقيق‬ ‫وقضاة احملكمة وأعضاء هيئة اإلدع��اء العام‬ ‫وغ�يره��م م��ن العاملني يف احملكمة يف نطاق‬ ‫املواطنني العراقيني‪ ،‬دون غريهم‪ ،‬هذا على‬ ‫الرغم من إن املادة‪ 4/‬من قانون احملكمة إحتوت‬ ‫على إستثناء من هذه املادة بنصها على إمكانية‬ ‫اإلستعانة باخلرباء الدوليني‪ ،‬وه��ذا جيسد يف‬ ‫ً‬ ‫جانبا آخر من حرص املشرع على‬ ‫واقع احلال‬

‫ضمان قيام احملكمة بدورها املتطلب يف جتسيد‬ ‫حتمية العقاب عن جرائم اإلب��ادة اجلماعية‬ ‫وإحقاق حقوق الضحايا‪ ،،‬ذلك ألن هذا النوع‬ ‫ً‬ ‫مطلوبا كونه يتعلق باجلرائم‬ ‫من اخلربة يعد‬ ‫الدولية‪ ،‬أو اإلجراءات التحقيقية او القضائية‬ ‫املتخذة‪ ،‬وذلك بهدف جتسيد حتمية العقاب‬ ‫بصورة سليمة وعادلة بالنسبة للجرائم اليت‬ ‫تدخل يف إختصاص احملكمة‪ ،‬وبضمنها جرمية‬ ‫ً‬ ‫(خامسا)‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ .‬كما نصت املادة‪3/‬‬ ‫من قانون احملكمة على إستثناء آخر فيما يتعلق‬ ‫باإلستعانة بقضاة غري عراقيني‪ ،‬ويرتبط هذا‬ ‫بطبيعة احلال بإمكانية اللجوء اىل عون قضاة‬ ‫متخصصني يف اجلرائم الدولية اليت تدخل يف‬ ‫والية احملكمة‪)59(.‬‬ ‫(ب‌) لضمان ق��ي��ام احملكمة ب��دوره��ا يف‬ ‫جتسيد حتمية العقاب ع��ن ج��رائ��م اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية وإحقاق حقوق الضحايا فقد نصت‬ ‫املادة‪ 33/‬من قانون احملكمة على حظر العمل‬ ‫يف احملكمة اجلنائية العراقية العليا على أي‬ ‫ً‬ ‫قاضيا‬ ‫منتم اىل حزب البعث أن يكون‬ ‫شخص ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدعيا عاما أو موظفا أو أيا من العاملني يف‬ ‫أو‬ ‫احملكمة‪ )60(.‬ويشكل هذا ضمانة هامة لردع‬ ‫حاالت اإلفالت من العقاب أو ختفيفه أو التسرت‬ ‫على اجلناة أو التأثري على الضحايا والشهود أو‬ ‫الكشف عنهم فيما يتعلق باجلرائم اليت ختتص‬ ‫احملكمة بها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثامنا‪ :‬من أجل ضمان جتسيد حتمية العقاب‬ ‫عن اجلرائم اليت تدخل يف إختصاص احملكمة‬ ‫فقد نص املشرع يف قانون احملكمة على كونها‬ ‫خت��ت��ص (أي وح��ده��ا) بالنظر يف اجل��رائ��م‬ ‫املنصوص عليها يف املواد‪ 11.13/‬من قانون‬


‫احملكمة‪ ،‬وهو ما ينطبق على جرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية‪)61(.‬‬ ‫ً‬ ‫وجتسيداً ملا تقدم أيضا فقد نص القانون‬ ‫نفسه على ضمان األولوية هلذه احملكمة مقارنة‬ ‫باحملاكم الوطنية بالنسبة إلختصاص النظر‬ ‫يف هذه اجلرمية‪ .‬وتأكيداً هلذه األولوية أجاز‬ ‫املشرع للمحكمة‪ ،‬ويف اي مرحلة‪ ،‬أن تطلب‬ ‫من أي حمكمة وطنية أن حتيل اليها أي قضية‬ ‫منظورة أمامها (مما يدخل يف إختصاصها)‪،‬‬ ‫ويتوجب على احملكمة املعنية أن تستجيب هلذا‬ ‫الطلب‪)62(.‬‬ ‫وعلى الصعيد ذاته‪ ،‬اجاز القانون للمحكمة‪،‬‬ ‫إعادة حماكمة أي شخص عن هذه اجلرائم إذا‬ ‫قررت إن إج��راءات حماكمته مل تكن نزيهة أو‬ ‫حمايدة أو إنها كانت معدة حلمايته من املساءلة‬ ‫اجلنائية‪)63(.‬‬ ‫اخلامتة‬ ‫من خالل هذا البحث توصلنا اىل مجلة من‬ ‫االستنتاجات والتوصيات‪ ،‬اليت من أبرزها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬اإلستنتاجات‪:‬‬ ‫(‪ )1‬تشكل اإلتفاقية الدولية بشأن «منع‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها» لعام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا لتجريم اإلبادة‬ ‫قانونيا‬ ‫أساسا‬ ‫‪1948‬‬ ‫اجلماعية والعقاب عليها‪ ،‬كونها إحتوت على‬ ‫تعريف هلا وبينت صورها‪ ،‬وحددتها بوصفها‬ ‫جرمية دول��ي��ة‪ ،‬وعملت على ضمان جتسيد‬ ‫حتمية العقاب عنها‪.‬‬ ‫(‪ )2‬إن جتسيد حتمية العقاب عن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية على الصعيد الوطين يتطلب‬ ‫النص عليها بوصفها جرمية يف التشريعات‬

‫ً‬ ‫تطبيقا ملبدأ‬ ‫اجلنائية الوطنية والعقاب عليها‬ ‫مشروعية اجلرائم والعقوبات‪ .‬اىل جانب ذلك‪،‬‬ ‫تلعب احملاكمات اجلنائية دوراً ً‬ ‫هاما يف جتسيد‬ ‫حتمية العقاب عن جرمية اإلب��ادة اجلماعية‪،‬‬ ‫كونها تعيد الثقة اىل املواطنني بسيادة القانون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫رادعا ً‬ ‫ً‬ ‫وخاصا يف الوقت نفسه‪،‬‬ ‫عاما‬ ‫وهي تشكل‬ ‫فهي تعبري ع��ن اإلدان���ة االجتماعية العامة‬ ‫جلرائم اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬وهي شكل مباشر‬ ‫للمساءلة عنها‪ ،‬ولعل أبرز غاياتها إعادة الكرامة‬ ‫لضحاياها‪.‬‬ ‫(‪ )3‬على الرغم من الصعوبات اليت تعرتض‬ ‫إقامة ه��ذه احملاكمات فيما يتعلق بطبيعة‬ ‫االج���راءات القضائية‪ ،‬كونها تتعلق جبرائم‬ ‫دولية‪ ،‬فهي تتطلب حماكم خاصة وخ�برات‬ ‫متخصصة‪ ،‬وكذلك موارد مالية وتوفري األدلة‬ ‫والكشف عن املقابر اجلماعية ومعرفة الضحايا‬ ‫والشهود ومحايتهم وتوفري التعويضات والكشف‬ ‫عن املتهمني‪ ،‬وإدانتهم‪...،‬اخل‪ ،‬اال إن هلا إجيابيات‬ ‫تفوق سلبياتها‪.‬‬ ‫(‪ )4‬على صعيد العراق‪ ،‬متثل جتسيد حتمية‬ ‫العقاب عن جرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬اىل جانب‬ ‫آليات رئيسة أخرى‪ ،‬يف تشكيل حمكمة وطنية‬ ‫ً‬ ‫طبقا للقانون رقم (‪ )1‬لعام‬ ‫عراقية‪ ،‬وذل��ك‬ ‫‪ ،2003‬ال��ذي جسد األم��ر رق��م (‪ )18‬لعام‬ ‫‪ ،2003‬الصادر يف ‪ 2003/12/10‬عن املدير‬ ‫اإلداري لسلطة اإلئ��ت�لاف املؤقتة‪ ،‬القاضي‬ ‫بتأسيس (احملكمة اجلنائية العراقية املختصة‬ ‫باجلرائم ضد اإلنسانية)‪ ،‬وقد ألغي هذا القانون‬ ‫بالقانون رقم (‪ )10‬لعام ‪ ،2005‬الذي منح‬ ‫احملكمة تسمية (احملكمة اجلنائية العراقية‬ ‫العليا)‪.‬‬ ‫‪61‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪62‬‬

‫(‪ )5‬جاء تأسيس هذه احملكمة جتسيداً ً‬ ‫هاما‬ ‫حلتمية العقاب عن جرمية اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫ويقوم ذل��ك من جهة على طبيعة اجلرائم‬ ‫اليت ختتص بها احملكمة‪ ،‬فهي تتصف بكونها‬ ‫من اجلرائم الدولية‪ ،‬وبضمنها جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬وم��ن جهة ثانية ح��ددت جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية على رأس اجلرائم اليت تدخل‬ ‫يف إختصاص احملكمة (املادة‪ 11/‬من قانون‬ ‫احملكمة)‪ ،‬كما إنها شكلت أبرز اجلرائم اليت وجه‬ ‫االتهام بإرتكابها اىل أركان النظام العراقي البائد‪،‬‬ ‫اليت متثلت خاصة يف جرائم الدجيل واألنفال‬ ‫وحلبجة‪.‬‬ ‫(‪ )6‬أرست املادة‪ 134/‬من دستور العراق لعام‬ ‫‪ 2005‬األساس الدستوري ملشروعية تأسيس‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية العليا‪ ،‬كما وحددت‬ ‫إختصاصها بالنظر يف جرائم النظام العراقي‬ ‫البائد‪ ،‬مبا يشتمل على جرائم اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دستوريا بالنص فيها‬ ‫مع ضمان حتقيق ذلك‬ ‫ً‬ ‫أيضا على عدم إلغائها اىل حني اإلنتهاء من ذلك‪،‬‬ ‫وبقرار من جملس النواب بهذا اخلصوص‪.‬‬ ‫(‪ )7‬شكلت إتفاقية «منع جرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية والعقاب عليها» لعام ‪ 1948‬مرتكزاً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتطبيقا‬ ‫قانونيا دول��ي ً��ا لتأسيس احملكمة‪،‬‬ ‫للمادة‪ 6 /‬فيها‪ ،‬فيما يتعلق مبقاضاة املتهمني‬ ‫بإرتكاب جرمية اإلبادة اجلماعية أمام حمكمة‬ ‫خمتصة من حماكم الدولة اليت أرتكبت على‬ ‫إقليمها‪ ،‬كما جرى إعتماد أحكام هذه اإلتفاقية‬ ‫يف صياغة النموذج القانوني جلرمية اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية وبيان صورها‪ ،‬واملبادئ اليت تقوم‬ ‫عليها املسؤولية اجلنائية للمذنبني يف إقرتافها‪.‬‬ ‫(‪ )8‬إن قانون احملكمة اجلنائية العراقية‬

‫العليا رقم (‪ )10‬لعام ‪ 2005‬يتضمن عدداً من‬ ‫القواعد القانونية‪ ،‬اليت جسدت غاية املشرع‬ ‫يف جتسيد حتمية العقاب عن جرائم اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬اليت شهدها العراق‪ ،‬وأبرزها ما يأتي‪:‬‬ ‫(أ‌) نصت (األس��ب��اب امل��وج��ب��ة) لصدور‬ ‫القانون على إن الغاية من سن قانون احملكمة‬ ‫إمنا تتمثل يف إظهار اجلرائم املرتكبة يف العراق‬ ‫للفرتة من ‪ 1968/7/17‬لغاية ‪،2003/5/1‬‬ ‫املذكورة‪ ،‬وبضمنها جرمية اإلب��ادة اجلماعية‪،‬‬ ‫ومقاضاة مرتكبيها وإحقاق حقوق الضحايا‬ ‫وحتقيق العدالة‪.‬‬ ‫(ب‌) ح��ددت جرمية اإلب��ادة اجلماعية يف‬ ‫قانون احملكمة (املادة‪ )1/‬على رأس اجلرائم اليت‬ ‫ختتص احملكمة بالنظر فيها‪ ،‬وتلتها اجلرائم ضد‬ ‫اإلنسانية وجرائم احلرب وإنتهاكات القوانني‬ ‫العراقية‪.‬‬ ‫ت) إحتوت املادة‪ 11/‬من القانون‪ ،‬على‬ ‫(‌‬ ‫تعريف ج��رمي��ة اإلب����ادة اجلماعية وبينت‬ ‫صورها‪ ،‬وذلك مبا يتطابق مع إتفاقية «منع‬ ‫جرمية اإلبادة اجلماعية والعقاب عليها» لعام‬ ‫‪ ،1948‬مع تأكيد املشرع على توقيع العراق‬ ‫ً‬ ‫فضال عن إن‬ ‫عليها يف ‪ ،1959/12/20‬هذا‬ ‫هذه املادة أوجبت العقاب عن اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫سواء أمت إرتكابها على إنفراد أم يف ظل املساهمة‬ ‫يف ذلك‪ ،‬وكذلك يف حالة الشروع فيها‪.‬‬ ‫(ث‌) تتصف املادة‪ً 15/‬‬ ‫(أوال) من القانون‬ ‫بأهمية كبرية كونها شكلت ضمانات عامة‬ ‫ورئيسة لتجسيد حتمية العقاب عن جرمية‬ ‫اإلب���ادة اجلماعية‪ ،‬إذ نصت على املسؤولية‬ ‫اجلنائية الشخصية ملن يرتكب جرمية تدخل يف‬ ‫إختصاص احملكمة‪ ،‬وهو ما ينطبق على اإلبادة‬


‫اجلماعية‪ .‬هذا ً‬ ‫فضال عن فرض العقاب عن هذه‬ ‫اجلرائم يف حاليت إرتكابها بصورة شخصية أو‬ ‫بالواسطة‪ ،‬أو لدى األمر بإرتكابها‪ ،‬او الشروع‬ ‫فيها أو اإلغراء او احلث على إرتكابها أو تقديم‬ ‫العون أو التحريض أو املساهمة باي شكل لغرض‬ ‫تيسري إرتكابها أو الشروع يف إرتكابها‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫توفري وسائل إرتكابها‪ ،‬أو املساهمة بأي طريقة‬ ‫اخرى يف إرتكابها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(ث��ان��ي��ا‪.‬ه��ـ) من‬ ‫(ج‌) نصت املادة‪15/‬‬ ‫القانون على وج��وب العقاب عن (التحريض‬ ‫املباشر والعلين على إرتكاب اجلرمية) فيما‬ ‫يتعلق حتديداً جبرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬وهو‬ ‫تأكيد خاص بهذه اجلرمية ملا سبق للمشرع ان‬ ‫ً‬ ‫(ثانيا‪.‬ج) من القانون‪،‬‬ ‫أورده عامة يف املادة‪11/‬‬ ‫خبصوص العقاب عن التحريض على إرتكاب‬ ‫اجل��رائ��م الدولية‪ ،‬ال�تي تدخل يف إختصاص‬ ‫احملكمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(ح‌) إستبعدت املادة‪( 15/‬ث��ال��ث��ا) من‬ ‫ال��ق��ان��ون إمكانية ال��دف��ع بالصفة الرمسية‬ ‫للمتهم لإلعفاء من العقاب عن جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية أو ختفيفه‪ ،‬وإستبعدت ً‬ ‫أيضا إمكانية‬ ‫اإلحتجاج باحلصانة اليت يتمتع بها لإلفالت من‬ ‫املسؤولية عن إرتكابها‪ .‬كما إن الرئيس األعلى‬ ‫ً‬ ‫الفقرة(رابعا) من امل��ادة نفسها ال يعفى‬ ‫وفق‬ ‫من العقاب عن اإلبادة اجلماعية اليت يرتكبها‬ ‫األشخاص الذين يعملون بإمرته‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫نفسه‪ ،‬إن املتهم ال��ذي يرتكب هذه اجلرمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(خامسا) من املادة ذاتها‪ ،‬ال يعفى‬ ‫طبقا للفقرة‬ ‫من العقاب إن قام بذلك تنفيذاً ألمر صادر من‬ ‫احلكومة أو من رئيسه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(خ‌) نصت املادة‪( 15/‬سادسا) من القانون‬

‫على عدم مشول ق��رارات العفو الصادرة قبل‬ ‫نفاذ قانون احملكمة مرتكيب جرائم اإلب��ادة‬ ‫اجلماعية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(رابعا) من املادة‪/‬‬ ‫(د‌) إستكملت الفقرة‬ ‫‪ 17‬من القانون الضمانات السابقة بالتأكيد على‬ ‫عدم خضوع جرمية اإلبادة اجلماعية للتقادم‬ ‫املسقط للدعوى اجلزائية والعقوبة‪.‬‬ ‫(ذ‌) كفل املشرع يف املادة‪ ،20/‬واملادة‪21/‬‬ ‫ً‬ ‫(ثانيا) من القانون محاية الضحايا وذويهم‬ ‫ً‬ ‫فضال عن‬ ‫والشهود‪ ،‬كما نص يف املادة‪ 22/‬منه‪،‬‬ ‫املساءلة اجلنائية للمتهمني يف إرتكاب اجلرمية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مدنيا‬ ‫على حق املتضررين منها يف اإلدع��اء‬ ‫ضدهم عما أصابهم من ضرر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(ر‌) نصت املادة‪( 24/‬أوال) من القانون‬ ‫على حتديد العقوبات ال��واج��ب إخت��اذه��ا عن‬ ‫إرتكاب جرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬وهي العقوبات‬ ‫اليت ينص عليها قانون العقوبات العراقي رقم‬ ‫(‪ )111‬لعام ‪ ،1969‬بإستثناء عقوبة السجن‬ ‫املؤبد اليت متتد مدى حياة احملكوم عليه‪ .‬هذا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(خامسا) من القانون‬ ‫فضال عن إن املادة‪24/‬‬ ‫حددت الظروف الواجب مراعاتها عند حتديد‬ ‫العقوبة بالنسبة للجرائم غري املنصوص عليها‬ ‫يف قانون العقوبات العراقي‪ ،‬وهو ما ينطبق‬ ‫على جرمية اإلبادة اجلماعية‪ ،‬ومنها‪ :‬خطورة‬ ‫اجل��رمي��ة‪ ،‬وال��ظ��روف الشخصية للمدان‪ ،‬مع‬ ‫أهمية اإلسرتشاد بالسوابق القضائية للمحاكم‬ ‫اجلنائية الدولية والعقوبات اليت تتخذها‪.‬‬ ‫(ز‌) قضت املادة‪ً 27/‬‬ ‫(أوال) من القانون‬ ‫بعدم اإلعفاء من العقوبة احملددة عن اجلرمية‪،‬‬ ‫كما نصت على ع��دم ج��واز التخفيف‪ ،‬بل إن‬ ‫العقوبة احملددة تكون واجبة التنفيذ (أي يف كل‬ ‫‪63‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪64‬‬

‫األحوال) مبضي ثالثني ً‬ ‫يوما من تاريخ إكتساب‬ ‫احلكم درجة البتات‪.‬‬ ‫(س‌) عمل املشرع على جتسيد حتمية العقاب‬ ‫عن جرمية اإلبادة اجلماعية من خالل النص‬ ‫على عدد من الضوابط الواجب مراعاتها فيما‬ ‫يتعلق بتشكيلة احملكمة‪ ،‬إذ نصت املادة‪18/‬‬ ‫من القانون على حصر تشكيلة احملكمة من‬ ‫قضاة التحقيق وقضاة احملكمة وأعضاء هيئة‬ ‫اإلدعاء العام وغريهم من العاملني يف احملكمة‪،‬‬ ‫يف املقام األول يف نطاق املواطنني العراقيني‪ ،‬مع‬ ‫ً‬ ‫(خامسا)‪،‬‬ ‫مراعاة اإلستثناء الوارد يف املادة‪3/‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وثامنا)‬ ‫(سابعا‬ ‫واملادة‪( 8/‬عاشراً) واملادة‪9/‬‬ ‫من القانون فيما يتعلق بإمكانية اإلستعانة‬ ‫بقضاة غري عراقيني‪ ،‬وكذلك اإلستثناء الوارد يف‬ ‫املادة‪ 4/‬من القانون‪ ،‬املتعلق باإلستعانة باخلرباء‬ ‫الدوليني‪ .‬كما نصت املادة‪ 23/‬من القانون على‬ ‫منتم اىل‬ ‫حظر العمل يف احملكمة على أي شخص ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدعيا عاما أو‬ ‫قاضيا او‬ ‫حزب البعث بوصفه‬ ‫موظفا أو ً‬ ‫ً‬ ‫أيا من العاملني يف احملكمة‪.‬‬ ‫(ش‌) جاءت إج��راءات التقاضي احمل��ددة يف‬ ‫قانون احملكمة مكملة للضمانات اليت حددها‬ ‫امل��ش��رع لكفالة حتمية العقاب ع��ن جرمية‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬وقد متثل هذا خاصة يف إن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪(29‬ثانيا) من القانون‪،‬‬ ‫طبقا للمادة‪/‬‬ ‫احملكمة‪،‬‬ ‫ختتص (أي وحدها)‪ ،‬بالنظر يف جرائم معينة‪،‬‬ ‫وعلى رأسها جرمية اإلبادة اجلماعية‪ .‬كما تكون‬ ‫ً‬ ‫للمحكمة‪ً ،‬‬ ‫(ثالثا) من القانون‬ ‫وفقا للمادة‪29/‬‬ ‫األولوية مقارنة باحملاكم الوطنية بالنسبة‬ ‫للنظر يف هذه اجلرائم‪ ،‬وبضمنها جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬لذلك جيوز هلا يف أي مرحلة ان تطلب‬ ‫من أي حمكمة وطنية إحالة القضية اليت تدخل‬

‫يف إختصاصها اليها‪ ،‬وجيب على احملكمة املعنية‬ ‫ان تستجيب لذلك‪ .‬وجيوز للمحكمة‪ ،‬إستناداً‬ ‫ً‬ ‫ثانيا من القانون‪،‬‬ ‫على املادة‪ 20/‬فقرة (‪)2‬‬ ‫إعادة حماكمة أي شخص عن هذه اجلرائم إذا‬ ‫قررت إن إج��راءات حماكمته مل تكن نزيهة أو‬ ‫حمايدة أو إنها كانت معدة حلمايته من املساءلة‬ ‫اجلنائية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬التوصيات‪:‬‬ ‫(‪)1‬نوصي ب��ع��دم إل��غ��اء احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية العليا اىل حني إستكماهلا النظر يف‬ ‫القضايا اليت تدخل يف إختصاصها‪ ،‬ولغرض‬ ‫حتقيق األهداف اليت إستدعت تأسيسها‪ ،‬وكذلك‬ ‫من أجل جتسيد قواعد القانون الدولي‪ ،‬وكذلك‬ ‫القانون اجلنائي الوطين فيما يتعلق حبتمية‬ ‫العقاب عن اجلرائم الدولية عامة‪ ،‬وجرائم‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‪.‬‬ ‫اإلبادة اجلماعية‬ ‫(‪)2‬نقرتح إدراج اجلرائم الدولية‪ ،‬اليت نص‬ ‫عليها قانون احملكمة اجلنائية العراقية العليا‬ ‫رقم (‪ )10‬لعام ‪ ،2005‬وهي‪ :‬جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية واجلرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬وجرائم‬ ‫احلرب‪ ،‬يف قانون العقوبات العراقي رقم (‪)111‬‬ ‫لعام ‪ ،1969‬وذلك للتأكيد على حتمية العقاب‬ ‫عنها ً‬ ‫أيضا‪ ،‬سواء أكان هذا يف الوقت الراهن‪ ،‬أم‬ ‫ً‬ ‫رادع��ا لعدم‬ ‫على صعيد املستقبل‪ ،‬ما يشكل‬ ‫إرتكابها‪.‬‬ ‫(‪)3‬نوصي‪ ،‬لدى النص على اجلرائم الدولية‪،‬‬ ‫وبضمنها جرمية اإلبادة اجلماعية يف التشريع‬ ‫العراقي‪ ،‬باألخذ بالصياغة التشريعية للنماذج‬ ‫القانونية هلذه اجلرائم‪ ،‬الواردة يف قانون احملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية العليا رقم (‪ )10‬لعام ‪،2005‬‬ ‫كما نوصي مب��راع��اة جتربة حماكمات أرك��ان‬


‫النظام العراقي البائد امام احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية العليا‪ ،‬لدى النظر يف هذه اجلرائم أمام‬ ‫احملاكم الوطنية‪.‬‬ ‫(‪)4‬من الضروري أن تلعب احملاكمات اجلارية‬ ‫أم��ام احملكمة اجلنائية العراقية العليا دوراً‬ ‫ً‬ ‫ردعيا للجرائم الدولية عامة‪ ،‬وجرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية خاصة‪ .‬لذلك من املهم إستبعاد أية‬ ‫سلبيات رافقت عملها‪ ،‬وحتسني أداء العاملني‬ ‫فيها‪ ،‬مع تسليط الضوء على احملاكمات اليت‬ ‫تقوم بها من اجلوانب كافة‪ ،‬وعلى الصعيدين‬ ‫الوطين والدولي على حد سواء‪.‬‬ ‫(‪)5‬نوصي بأن تولي االجهزة املعنية يف الدولة‬ ‫العناية املتطلبة باآلليات األخ��رى لتجسيد‬ ‫حتمية العقاب عن جرمية اإلب��ادة اجلماعية‪،‬‬ ‫مثل‪( :‬جرب الضرر‪ ،‬وإحياء الذكرى‪ ،‬وتقصي‬ ‫احلقائق‪ ،‬وغريها)‪.‬‬ ‫هوامش الدراسة الثانية‪:‬‬ ‫(‪ )1‬اإلب��ادة اجلماعية أو إب��ادة األجناس هي‬ ‫ترمجة ملصطلح (‪ ،)Genocide‬الذي يتكون‬ ‫م��ن مقطعني‪ ،‬أحدهما (‪ )Genus‬مبعنى‬ ‫اجلنس أو األمة أو القبيلة‪ ،‬وثانيهما (‪)Cide‬‬ ‫ال��ذي يعين القتل‪ ،‬ومن كليهما تتكون كلمة‬ ‫(‪ .)Genocide‬د‪ .‬دولي محد‪ ،‬جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬املفهوم واألركان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ ،2003‬ص ‪.10‬‬ ‫(‪ )2‬د‪ .‬عبدالواحد حممد ال��ف��ار‪ ،‬اجلرائم‬ ‫الدولية وسلطة العقاب عليها‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1995 ،‬ص ‪.296‬‬ ‫(‪ )3‬ج�ي�رار ك��ورن��و‪ ،‬معجم املصطلحات‬

‫القانونية‪ ،‬ترمجة منصور القاضي (عربي‪.‬‬ ‫إنكليزي‪.‬فرنسي)‪ ،‬ط‪ ،1‬املؤسسة اجلامعية‬ ‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،1998 ،‬ص‬ ‫‪.21‬‬ ‫(‪ )4‬وليم جنيب جورج ّ‬ ‫نصار‪ ،‬مفهوم اجلرائم‬ ‫ضد اإلنسانية يف القانون الدولي‪ ،‬مركز دراسات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،2008 ،‬ص ‪.76‬‬ ‫(‪ )5‬د‪ .‬علي عبدالقادر القهوجي‪ ،‬القانون‬ ‫الدولي اجلنائي‪ ،‬أهم اجلرائم الدولية‪ ،‬احملاكم‬ ‫الدولية اجلنائية‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،2001 ،‬ص ‪.121‬‬ ‫(‪ )6‬فاال فريد إبراهيم‪ ،‬املسؤولية املدنية‬ ‫الدولية عن جرمية اإلب��ادة اجلماعية‪ ،‬دراسة‬ ‫تطبيقية على حالة كوردستان العراق‪ ،‬مطبعة‬ ‫جامعة صالح الدين‪ ،‬اربيل‪ ،2004 ،‬ص ‪19‬‬ ‫وما يليها‪.‬‬ ‫(‪ )7‬د‪ .‬عبدالواحد حممد ال��ف��ار‪ ،‬اجلرائم‬ ‫الدولية وسلطة العقاب عليها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪.297‬‬ ‫(‪ )8‬فريق فروق عبداهلل‪ ،‬األنفال والقانون‬ ‫ال��دول��ي‪ ،‬دراس���ة يف أح��ك��ام إتفاقية اإلب���ادة‬ ‫اجلماعية‪ ،‬سه نته ري برايه تى ‪ ،‬زمارة (‪،)24‬‬ ‫‪ ،2002‬ص ‪ 244‬وما يليها‪.‬‬ ‫(‪ )9‬لإلطالع على مضمون اإلتفاقية أنظر‪:‬‬ ‫‪h t t p ://w w w 1 .u m n .e d u /‬‬ ‫‪humanrts/arab/b087.html‬‬ ‫(‪ )10‬للتفاصيل حول أركان جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية أنظر حبثنا‪ : :‬املسؤولية القانونية‬ ‫ً‬ ‫منوذجا)‪،‬‬ ‫لقاء جرائم اإلبادة اجلماعية (األنفال‬ ‫ك��وف��ارى زان��ك��وى سليمانى (جم��ل��ة جامعة‬ ‫السليمانية)‪ ،‬القسم (‪ ،)B‬العدد(‪ ،)18‬تشرين‬ ‫‪65‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪66‬‬

‫األول‪/‬أكتوبر ‪.2006‬‬ ‫(‪ )11‬د‪.‬عبداهلل علي عبو سلطان‪ ،‬دور القانون‬ ‫اجلنائي يف محاية حقوق اإلنسان‪ ،‬دار دجلة‪،‬‬ ‫عمان‪ ،2008 ،‬ص ‪.108 101‬‬ ‫(‪ )12‬للتفاصيل حول أهمية اإلتفاقية انظر‪:‬‬ ‫حممد حممد سعيد أمحد‪ ،‬املسؤولية اجلنائية‬ ‫عن جرمية اإلبادة اجلماعية يف حلبجة‪ ،‬رسالة‬ ‫ماجستري‪ ،‬كلية القانون‪ ،‬جامعة السليمانية‪،‬‬ ‫‪ ،2007‬ص ‪ 16‬وما يليها‪.‬‬ ‫(‪ )13‬املادة‪ 4/‬من اإلتفاقية‪.‬‬ ‫(‪ )14‬املادة‪ 5/‬من اإلتفاقية‪.‬‬ ‫(‪ )15‬املادة‪ 6/‬من اإلتفاقية‪.‬‬ ‫(‪ )16‬املادة‪ 7/‬من اإلتفاقية‪.‬‬ ‫(‪ )17‬د‪ .‬عبدالواحد حممد الفار‪ ،‬اجلرائم‬ ‫الدولية وسلطة العقاب عليها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪.306‬‬ ‫(‪ )18‬املادة‪ 8/‬من اإلتفاقية‪.‬‬ ‫(‪ )19‬د‪.‬وائ��ل امح��د ع�لام‪ ،‬مركز الفرد يف‬ ‫النظام القانوني للمسؤولية الدولية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2001 ،‬ص ‪.104‬‬ ‫(‪ )20‬ل�لإط�لاع على ه��ذا امل��ش��روع أنظر‪:‬‬ ‫عبدالواحد حممد ال��ف��ار‪ ،‬اجل��رائ��م الدولية‬ ‫وسلطة العقاب عليها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪53.54‬‬ ‫(اهلامش)‪.‬‬ ‫(‪ )21‬تعين اإلبادة اجلماعية وفق املادة‪ 6 /‬من‬ ‫النظام األساس للمحكمة اجلنائية الدولية «أي‬ ‫فعل من األفعال التالية‪ ،‬يرتكب بقصد إهالك‬ ‫مجاعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إهالكا ً‬ ‫ً‬ ‫جزئيا‪:‬‬ ‫كليا أو‬ ‫بصفتها هذه‪،‬‬ ‫‪ .1‬قتل أفراد اجلماعة‪.‬‬ ‫‪ .2‬احلاق أذى جسدي أو عقلي جسيم بأفراد‬

‫اجلماعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .3‬إخضاع اجلماعة عمدا ألحوال معيشية‬ ‫ً‬ ‫بقصد إهالكها الفعلي ً‬ ‫جزئيا‪.‬‬ ‫كليا أو‬ ‫‪ .4‬فرض تدابري تستهدف منع اإلجناب داخل‬ ‫اجلماعة‪.‬‬ ‫‪ .5‬نقل اطفال اجلماعة عنوة اىل مجاعة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫(‪ )22‬ح��ول جتريم اإلب��ادة اجلماعية على‬ ‫الصعيد الدولي انظر‪ :‬وليم جنيب جورج ّ‬ ‫نصار‪،‬‬ ‫مفهوم اجلرائم ضد اإلنسانية يف القانون الدولي‪،‬‬ ‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 98‬وما يليها‪.‬‬ ‫(‪ )23‬املادة‪ 1/‬فقرة (ب) م��ن اإلتفاقية‪.‬‬ ‫متاحة على الصفحة اإللكرتونية‪:‬‬ ‫‪h t t p ://w w w 1 .u m n .e d u /‬‬ ‫‪humanrts/arab/b088.html‬‬ ‫(‪ )24‬د‪ .‬محيد السعدي‪ ،‬مقدمة يف دراسة‬ ‫القانون الدولي اجلنائي‪ ،‬ط ‪ ،1‬مطبعة جامعة‬ ‫بغداد‪ ،‬بغداد‪ ،1971 ،‬ص ‪.360 – 352‬‬ ‫(‪ )25‬زان��ا رفيق سعيد‪ ،‬رجعية القانون‬ ‫على املاضي يف اجلرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬رسالة‬ ‫ماجستري‪ ،‬كلية القانون والسياسة‪ ،‬جامعة‬ ‫السليمانية‪ ،2009 ،‬ص ‪.115.125‬‬ ‫(‪ )26‬د‪ .‬أمحد عبدالعليم شاكر علي‪ ،‬املعاهدات‬ ‫الدولية امام القضاء اجلنائي‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتب‬ ‫القانونية‪ ،‬القاهرة‪ ،2006 ،‬ص ‪.27.29‬‬ ‫(‪ )27‬ح��ول أهمية احملاكمات ضمن آليات‬ ‫العدالة اإلنتقالية‪ ،‬أنظر‪ ،‬احملاكمات‪ ،‬املركز‬ ‫الدولي للعدالة اإلنتقالية‪ ،‬متاح على الصفحة‬ ‫اإللكرتونية‪:‬‬ ‫‪http://www.ictj.net/arabic/‬‬ ‫‪trialsar.htm‬‬


‫(‪ )28‬للتفاصيل ح��ول احمل��اك��م اجلنائية‬ ‫الدولية أنظر‪ :‬د‪ .‬علي عبدالقادر القهوجي‪،‬‬ ‫القانون الدولي اجلنائي‪ ،‬أهم اجلرائم الدولية‪،‬‬ ‫احملاكم الدولية اجلنائية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪ 270‬وما يليها‪ ،‬وكذلك وليم جنيب جورج‬ ‫ّ‬ ‫نصار‪ ،‬مفهوم اجلرائم ضد اإلنسانية يف القانون‬ ‫الدولي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100.110‬‬ ‫(‪ )29‬يعد احلكم الذي أصدرته حمكمة رواندا‬ ‫يف ‪ 1998/9/4‬على رئيس وزراء روان��دا‬ ‫احلكم الدولي األول يف جرمية اإلبادة اجلماعية‪،‬‬ ‫كما أص��درت حمكمة يوغسالفيا حكمها األول‬ ‫يف ه��ذا ال��ن��وع م��ن اجل��رائ��م الدولية بتأريخ‬ ‫‪ ،2007/2/27‬يف اجملازر اليت وقعت يف مدينة‬ ‫(س��ري برينتشا) ‪ ،‬للتفاصيل انظر‪ :‬د‪ .‬علي‬ ‫مجيل حرب‪ ،‬نظام اجل��زاء الدولي‪ ،‬العقوبات‬ ‫الدولية ضد الدول واألفراد‪ ،‬منشورات احلليب‬ ‫احلقوقية‪ ،‬بريوت‪ ،2010 ،‬ص ‪.441‬‬ ‫(‪ )30‬احمل��اك��م��ات‪ ،‬امل��رك��ز ال��دول��ي للعدالة‬ ‫اإلنتقالية‪ ،‬ص ‪ 6‬وما يليها‪ ،‬مرجع إلكرتوني‬ ‫سابق‪.‬‬ ‫(‪ )31‬الج��ان حممد أم�ين عثمان‪ ،‬العدالة‬ ‫ً‬ ‫منوذجا‪ ،‬رسالة ماجستري‪،‬‬ ‫اإلنتقالية‪ ،‬العراق‬ ‫كلية القانون والسياسة‪ ،‬جامعة السليمانية‪،‬‬ ‫‪ ،2009‬ص ‪.18.35‬‬ ‫(‪ )32‬متثل ه��ذه احملكمة أح��د أه��م اجلهود‬ ‫اليت بذلت يف العقود األخرية لتقديم مرتكيب‬ ‫اجلرائم اجلماعية اىل العدالة‪ ،‬تقرير املركز‬ ‫الدولي للعدالة اإلنتقالية عن إنشاء احملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية العليا وأوىل حماكماتها‪،‬‬ ‫أكتوبر‪/‬تشرين األول ‪ ،2005‬ص ‪ ،2‬متاح على‬ ‫الصفحة اإللكرتونية‪:‬‬

‫‪http://www.ictj.net/arabic/‬‬ ‫‪I C T J .S I C T .B a c k g r o u n d .‬‬ ‫‪AR.20051118.pdf‬‬ ‫(‪ )33‬نصت املادة‪ 134 /‬من الدستور العراقي‬ ‫لعام ‪ 2005‬على اآلتي‪»:‬تستمر احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية العليا بأعماهلا بوصفها ً‬ ‫هيئة قضائية‬ ‫مستقلة‪ ،‬بالنظر يف جرائم النظام الدكتاتوري‬ ‫بقانون‪،‬‬ ‫البائد ورموزه‪ ،‬وجمللس النواب الغاؤها‬ ‫ٍ‬ ‫بعد اكمال اعماهلا»‪.‬‬ ‫(‪ )34‬حبثنا حول األنفال‪ :‬املسؤولية القانونية‬ ‫ً‬ ‫منوذجا)‪،‬‬ ‫لقاء جرائم اإلبادة اجلماعية (األنفال‬ ‫مرجع سابق‪.‬‬ ‫(‪ )35‬حول جرائم النظام العراقي البائد‬ ‫أنظر ً‬ ‫مثال‪ :‬د‪ .‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬حممد‬ ‫عبدالعزيز جاد احلق إبراهيم‪ ،‬احملكمة اجلنائية‬ ‫العراقية املختصة باجلرائم ضد اإلنسانية يف‬ ‫ضوء ضمانات احملاكمة املنصفة‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،2005 ،‬ص ‪ ،16.22‬الج��ان حممد‬ ‫ً‬ ‫منوذجا‪،‬‬ ‫أمني عثمان‪ ،‬العدالة اإلنتقالية‪ ،‬العراق‬ ‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.73.79‬‬ ‫(‪ )36‬حول طبيعة احملكمة وإختصاصاتها‬ ‫أن��ظ��ر‪ :‬حممد رشيد حسن‪ ،‬م��ب��ادئ العدالة‬ ‫اجلنائية يف قانون احملكمة اجلنائية العراقية‬ ‫العليا‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية القانون والسياسة‪،‬‬ ‫جامعة صالح الدين‪ ،2007 ،‬ص ‪.17.55‬‬ ‫(‪ )37‬د‪ .‬حم��م��ود ش��ري��ف بسيوني‪ ،‬حممد‬ ‫عبدالعزيز جاد احلق إبراهيم‪ ،‬حول قانون‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية املختصة باجلرائم‬ ‫ضد اإلنسانية‪ ،‬جملة السياسة الدولية‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،157‬متوز ‪ ،2004‬اجمللد ‪ ،39‬ص ‪.14‬‬ ‫(‪ )38‬املادة‪ 11/‬من قانون احملكمة‪.‬‬ ‫‪67‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪68‬‬

‫(‪ )39‬املادة‪ 6 /‬من االتفاقية‪.‬‬ ‫(‪ )40‬حبثنا‪ :‬املسؤولية القانونية لقاء جرائم‬ ‫اإلب��ادة اجلماعية (األن��ف��ال من��وذج ً��ا)‪ ،‬مرجع‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫(‪ )41‬املادة‪ 3/‬من ق��رار جملس األم��ن رقم‬ ‫(‪ )1483‬الصادر يف ‪.2003/5/22‬‬ ‫(‪ )42‬نصت املادة‪ 40/‬من الدستور العراقي‬ ‫املؤقت لعام ‪1970‬على أن «يتمتع رئيس جملس‬ ‫قيادة الثورة ونائبه واألعضاء حبصانة تامة‪،‬‬ ‫وال جيوز إختاذ أي إجراء حبق أي منهم اال بإذن‬ ‫مسبق من اجمللس»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(ثانيا) من قانون احملكمة‬ ‫(‪ )43‬نصت املادة‪1/‬‬ ‫على أن تشمل والية احملكمة «اجلرائم اآلتية‪:‬‬ ‫(أ) جرائم اإلبادة اجلماعية‪.‬‬ ‫(ب) اجلرائم ضد اإلنسانية‪.‬‬ ‫(ج) جرائم احلرب‪.‬‬ ‫(د) إنتهاكات القوانني العراقية املنصوص‬ ‫عليها يف املادة ‪ 14‬من هذا القانون»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(أوال) م��ن قانون‬ ‫(‪ )44‬نصت املادة‪11/‬‬ ‫احملكمة على اآلت���ي‪»:‬ألغ���راض ه��ذا القانون‬ ‫ً‬ ‫وطبقا لإلتفاقية اخلاصة مبنع جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية واملعاقبة عليها املؤرخة يف ‪/9‬كانون‬ ‫األول‪.‬ديسمرب‪ 1948/‬املصادق عليها من العراق‬ ‫يف ‪/20‬كانون الثاني‪.‬يناير‪ 1959/‬فإن اإلبادة‬ ‫اجلماعية تعين‪.»...‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )45‬نصت املادة‪( 11/‬أوال) م��ن قانون‬ ‫احملكمة على اآلت���ي‪»:‬ألغ���راض ه��ذا القانون‬ ‫ً‬ ‫وطبقا لإلتفاقية اخلاصة مبنع جرمية اإلبادة‬ ‫اجلماعية واملعاقبة عليها املؤرخة يف ‪/9‬كانون‬ ‫األول‪.‬ديسمرب‪ 1948/‬املصادق عليها من العراق‬ ‫يف ‪/20‬كانون الثاني‪.‬يناير‪ 1959/‬فإن اإلبادة‬

‫اجلماعية تعين‪.»...‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )46‬نصت املادة‪( 15 /‬ثانيا‪ .‬و) من قانون‬ ‫احملكمة على العقاب عن «الشروع يف إرتكاب‬ ‫اجلرمية من خالل البدء بتنفيذ فعل بقصد‬ ‫إرتكابها‪ ،‬لكن اجلرمية مل تقع ألسباب ال دخل‬ ‫إلرادة الفاعل فيها»‪ ،‬وحدد البندان (ج) و(د) من‬ ‫ً‬ ‫(ثانيا) من القانون نفسه املسؤولية‬ ‫املادة‪15/‬‬ ‫اجلنائية عن الشروع يف اجلرمية اليت تدخل‬ ‫ضمن والي��ة احملكمة‪ ،‬س��واء أمت إرتكابها على‬ ‫إنفراد أو باإلشرتاك مع آخرين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )47‬نصت املادة‪( 15/‬ثانيا) من قانون‬ ‫احملكمة على مسؤولية اجلاني عن‪:‬‬ ‫«ب‪ .‬األمر بإرتكاب جرمية وقعت بالفعل أو‬ ‫شرع فيها أو اإلغراء أو احلث على إرتكابها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(ثانيا‪ .‬هـ) من قانون‬ ‫(‪ )48‬نصت املادة‪15/‬‬ ‫احملكمة على جتريم وعقاب «التحريض املباشر‬ ‫والعلين على إرت��ك��اب اجل��رمي��ة فيما يتعلق‬ ‫جبرمية اإلبادة اجلماعية»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )49‬نصت املادة‪( 15/‬ثالثا) من قانون‬ ‫احملكمة على اآلتي‪»:‬ال تعد الصفة الرمسية اليت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حيملها املتهم ً‬ ‫خمففا‬ ‫معفيا من العقاب أو‬ ‫سببا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رئيسا‬ ‫رئيسا للدولة أو‬ ‫للعقوبة‪ ،‬سواء كان املتهم‬ ‫ً‬ ‫أو عضواً يف جملس قيادة الثورة أو رئيسا أو‬ ‫عضواً يف جملس الوزراء أو عضواً يف قيادة حزب‬ ‫البعث‪ ،‬وال جيوز اإلحتجاج باحلصانة للتخلص‬ ‫من املسؤولية عن اجلرائم املذكورة يف املواد‬ ‫(‪ )11‬و(‪ )12‬و(‪ )13‬و(‪ )14‬من هذا القانون»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(راب��ع��ا م��ن قانون‬ ‫(‪ )50‬نصت املادة‪15/‬‬ ‫احملكمة على اآلت��ي‪»:‬ال يعفى الرئيس األعلى‬ ‫م��ن املسؤولية اجلنائية ع��ن اجل��رائ��م اليت‬ ‫يرتكبها األشخاص الذين يعملون بإمرته‪ ،‬إذا‬


‫كان الرئيس قد علم أو كان لديه من األسباب‬ ‫ما يفيد بأن مرؤوسه قد إرتكب هذه األفعال‬ ‫أو كان على وشك إرتكابها ومل يتخذ الرئيس‬ ‫اإلجراءات الضرورية واملناسبة ملنع وقوع هذه‬ ‫األفعال أو أن يرفع احلالة اىل السلطات املختصة‬ ‫بغية إجراء التحقيق واحملاكمة»‪.‬‬ ‫(‪ )51‬نصت املادة‪ 150/‬من قانون العقوبات‬ ‫العراقي لعام ‪ 1969‬على إن العفو العام يعد‬ ‫أح��د أسباب سقوط اجل��رمي��ة‪ ،‬يف حني نصت‬ ‫امل��ادة‪ 151 /‬منه على سقوط احلكم اجلزائي‬ ‫الصادر بعقوبة أو بتدبري إحرتازي ً‬ ‫ايضا بالعفو‬ ‫العام‪.‬‬ ‫(‪ )52‬نصت املادة‪ 21/‬من قانون احملكمة‬ ‫على تأمني احلماية للشهود ولذويهم‪ ،‬كما نصت‬ ‫ً‬ ‫(ثانيا) من القانون نفسه على إن‬ ‫املادة ‪20/‬‬ ‫‪»:‬على حمكمة اجلنايات ‪...‬ضمان حقوق املتهم‬ ‫واإلعتبارات املطلوبة حلماية الضحايا أو ذويهم‬ ‫والشهود»‪ .‬وبهذا الصدد‪ ،‬إن محاية الشهود يف‬ ‫ه��ذه امل��ادة من قانون احملكمة يشكل ضمانة‬ ‫أخ��رى لتجسيد حتمية العقاب عن جرمية‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬ذلك ألن الشهود يلعبون دوراً‬ ‫ً‬ ‫هاما يف إدانة املتهمني يف إرتكاب هذا النوع من‬ ‫اجلرائم‪.‬‬ ‫(‪ )53‬نصت املادة‪ 22/‬من قانون احملكمة على‬ ‫إن «لذوي الضحايا واملتضررين من العراقيني‬ ‫ً‬ ‫مدنيا أمام هذه احملكمة ضد املتهمني‬ ‫اإلدع��اء‬ ‫عما أصابهم من ضرر من األفعال اليت تشكل‬ ‫جرمية مبقتضى أحكام هذا القانون‪.»...‬‬ ‫(‪ )54‬د‪.‬عبداهلل علي عبو سلطان‪ ،‬دور القانون‬ ‫اجلنائي يف محاية حقوق اإلنسان‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫ص ‪.199.215‬‬

‫ً‬ ‫(رابعا) على أن «تكون‬ ‫(‪ )55‬نصت املادة‪20/‬‬ ‫جلسات احملاكمة علنية اال إذا قررت احملكمة‬ ‫جعلها سرية ً‬ ‫وفقا لقواعد اإلج��راءات واألدلة‬ ‫امللحقة بهذا القانون مبا يف ذلك تأمني السرية‬ ‫هلوية الضحايا أو ذويهم وللشهود»‪.‬‬ ‫(‪ )56‬املادة‪ً 24/‬‬ ‫(أوال) من قانون احملكمة‪.‬‬ ‫(‪ )57‬املادة‪ً 27/‬‬ ‫(أوال) من قانون احملكمة‪.‬‬ ‫(‪ )58‬املادة‪ 28/‬من قانون احملكمة‪.‬‬ ‫(‪ )59‬نصت على ذلك ً‬ ‫أيضا املادة‪( 8/‬عاشراً)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وثامنا) من قانون احملكمة‪.‬‬ ‫(سابعا‬ ‫واملادة‪9/‬‬ ‫(‪ )60‬نصت املادة‪ 33/‬من قانون احملكمة‪»:‬ال‬ ‫منتم اىل ح��زب البعث أن‬ ‫حي��ق ألي شخص‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قاضيا أو مدعيا عاما أو موظفا أو أيا من‬ ‫يكون‬ ‫العاملني يف احملكمة»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(‪ )61‬املادة‪( 29/‬ثانيا) من قانون احملكمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫(ثالثا) من القانون نفسه‪.‬‬ ‫(‪ )62‬املادة‪29/‬‬ ‫(‪ )63‬املادة‪ 20/‬فقرة (‪ً )2‬‬ ‫ثانيا من القانون‬ ‫نفسه‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪70‬‬

‫مفهوم الجرائم ضد اإلنسانية‬ ‫يف النظام األسايس للمحكمة‬ ‫الجنائية الدولية‬ ‫د‪ .‬جالل كريم رشيد الجاف‬ ‫كلية القانون ‪ -‬جامعة السليامنية‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫اسرتعت اجلرائم ضد االنسانية اهتمام الرأي‬ ‫العام العاملي ملا تتضمنه من خماطر جسيمة على‬ ‫اجملتمع الدولي بأسرة‪،‬وميكن للمتابع لألحداث‬ ‫االستنتاج عما ميكن أن يلحقه االنسان بأخيه‬ ‫االنسان من أقصى أنواع القسوة والبطش‪،‬اليت‬ ‫بلغت ذروتها خالل احلربني العامليتني االوىل‬ ‫والثانية من القرن املاضي ومانتج عنهما من‬ ‫موت املاليني من البشر‪ ،‬هذا إضافة اىل ما حصل‬ ‫م��آس ووي�لات نتيجة‬ ‫وم��ا حيصل اليوم من ٍ‬ ‫احلروب والنزاعات الداخلية‪)1(.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن القرن املاضي كان القرن‬ ‫ال��ذي أُعلنت فيه حقوق االنسان ومت��ت فيه‬ ‫بلورة عدة معايري قانونية حلماية االنسان‪،‬إال‬ ‫انه شهد الكثري من املآسي و الويالت‪ ،‬فخالل‬ ‫احلرب العاملية االوىل مت خرق معاهدات جنيف‬ ‫واله��اي لسنوات ‪1864،1899‬و‪،1907‬اليت‬ ‫أدرجت فيها قواعد للقانون الدولي االنساني‪ ،‬و‬ ‫عاقبت فيها منتهكي هذه املعاهدات‪)2(...‬‬ ‫وبعد احلرب العاملية االوىل قام احللفاء يف سنة‬ ‫‪ 1919‬بتأسيس جلنة للتحقيق يف جرائم‬ ‫احلرب ّ‬ ‫عدت‪.‬قتل االتراك لألرمن عام ‪1915‬‬ ‫من اجلرائم ضد االنسانية‪) 3(.‬‬ ‫ونصت امل��ادة ‪ 227‬من معاهدة فرساي على‬ ‫مسؤولية كبار احلكام األملان عن اجلرائم اليت‬ ‫إرتكبت أثناء احل��رب العاملية االوىل‪ ،‬ورغم‬ ‫وضوح هذه امل��ادة اال أن حمكمة دولية خاصة‬ ‫بهذا الشأن مل تشكل وذلك للجوء قيصر املانيا‬ ‫مع ولي عهده إىل هولندا ورفض حكومة هولندا‬ ‫تسليمهما(‪.) 4‬‬ ‫وقد تضمنت املادتان ‪ 229 – 228‬من معاهدة‬

‫ً‬ ‫نصوصا تتعلق باملسؤولية اجلنائية‬ ‫فرساي‬ ‫الفردية لكبار جمرمي احلرب األملان‪ ،‬ومل يتم‬ ‫ً‬ ‫تسليم احللفاء اال ع��دداً‬ ‫قليال من الضباط‬ ‫االملان‪ ،‬ومت انشاء حمكمة خاصة بهذا الشأن يف‬ ‫‪ 1919 /12 /18‬بأسم احملكمة األملانية العليا‬ ‫يف ليبزغ‪ ،‬ولكن ه��ذه احملكمة مل تستطع أن‬ ‫تؤدي مهامها كما جيب نظراً لفرار الكثريين‬ ‫من جمرمي احلرب األملان خارج البالد إضافة‬ ‫اىل الصعوبات املالية واالدارية إلستجالب الشهود‬ ‫من خارج‬ ‫املانيا (‪.)5‬‬ ‫ونصت معاهدة سيفر املعقودة يف سنة ‪1920‬‬ ‫ب�ين دول احللفاء م��ن جهة واالم�براط��وري��ة‬ ‫العثمانية من جهة أخرى على تعهد احلكومة‬ ‫العثمانية بتسليم احللفاء االشخاص الذين‬ ‫ارتكبوا جم��ازر يف االراض��ي ال�تي كانت تشكل‬ ‫يف االول م��ن آب ‪ 1914‬ج���زءاً م��ن أراض��ي‬ ‫االمرباطورية العثمانية وذلك حملاكمتهم وإيقاع‬ ‫العقاب عليهم من قبل حمكمة مت تشكيلها من‬ ‫قبل دول احللفاء بهذا اخلصوص‪ ،‬اال ان احملكمة‬ ‫املقرتح انشاؤها مل تر النور وذلك بسبب عدم‬ ‫التصديق على املعاهدة املذكورة وحلت حملها‬ ‫معاهدة اخ���رى‪ ،‬ه��ي معاهدة ل���وزان املربمة‬ ‫عام‪ ،)6( 1924.‬اليت نصت على إعالن العفو‬ ‫العام عن مجيع اجلرائم املرتكبة خالل االعوام‬ ‫م��ن ‪ 1914‬وحتى ‪ 1922‬على أث��ر صفقه‬ ‫سياسية مع تركيا‪ ،‬وكيال ترمتي يف أحضان املد‬ ‫الشيوعي البولشفي الروسي آنذاك‪.‬‬ ‫وبعد احلرب العاملية الثانية طالب الرأي العام‬ ‫العاملي مبعاقبة جمرمي احلرب وخاصة بعد أن مت‬ ‫معرفة فظائع احلرب واجملازر الوحشية املرتكبة‬ ‫‪71‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪72‬‬

‫من قبلهم وتقدميهم اىل العدالة الدولية‪ ،‬فتم‬ ‫تشكيل احملكمة العسكرية الدولية لنورنربغ يف‬ ‫مؤمتر لندن املنعقد يف ‪ 1945/6/26‬على أثر‬ ‫االتفاق بني ممثلي حكومات الواليات املتحدة‬ ‫االمريكية واالحتاد السوفييت واململكة املتحدة‬ ‫وفرنسا يف ‪ 1945/8/8‬ومن ثم انضمت إليه‬ ‫تسع عشرة دولة حليفة‪.‬‬ ‫ومت إن��ش��اء حمكمة عسكرية اخ���رى بإسم‬ ‫احملكمة العسكرية الدولية للشرق االقصى يف‬ ‫‪ 1946/1/19‬من قبل اجلنرال االمريكي‬ ‫ماك آرثر القائد االعلى لقوات احللفاء يف الشرق‬ ‫االقصى‪) 7(.‬‬ ‫وتعترب ه��ات��ان احملكمتان م��ن أوىل احملاكم‬ ‫املختصة بالنظر يف جرائم احل��رب واجلرائم‬ ‫ضد االنسانية‪ ،‬وعلى أساس املسؤولية اجلنائية‬ ‫الفردية لكبار جمرمي احلرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫أهمية البحث ‪:‬‬ ‫تكمن أهمية البحث يف حماكمة األش��خ��اص‬ ‫الطبيعيني واحلكام واملسؤولني يف الدولة عن‬ ‫دوره��م يف االض��ط�لاع بإرتكاب اجل��رائ��م ضد‬ ‫االنسانية لكي ال يتهربوا من مسؤولياتهم‬ ‫اجلنائية الفردية حتت ستار الدولة وسيادتها‬ ‫واحلصانات اليت قد يتذرعون بها‪.‬وذلك استناداً‬ ‫على أساس املسؤولية اجلنائية‪.‬الدولية الفردية‪.‬‬ ‫أن املسؤولني عن اجلرائم ضد االنسانية هم‬ ‫ً‬ ‫غالبا ممثلو احلكومات الرمسية يف الدول‪ ،‬وأن‬ ‫الدول هي من أشخاص القانون الدولي‪ ،‬وهناك‬ ‫مبدأين أساسني يف القانون الدولي ويشكالن‬ ‫اجلزء األساس يف العالقات الدولية وهما مبدأ‬ ‫السيادة ومبدأ عدم التدخل يف الشؤون الداخلية‬

‫للدول‪ ،‬لذا فمن املهم معرفة كيفية حكم هذه‬ ‫العالقة‪ ،‬وكيفية تقنني اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫ومعاقبتها يف القانون الدولي املعاصر‪.‬واليوم فأن‬ ‫ّاي مسؤول يف الدولة مهما كان مركزه اليستطيع‬ ‫التملص من املسؤولية اجلنائية عما مت يف فرتة‬ ‫حكمه من إنتهاك للقانون ال��دول��ي اجلنائي‬ ‫واملثال احلي على ذلك هو حماكمة كبار جمرمي‬ ‫احلرب العاملية الثانية وحماكمة جمرمي احلرب‬ ‫األهلية يف يوغوسالفيا السابقة وروندا(‪)8‬‬ ‫مشاكل البحث ‪:‬‬ ‫نظراً إلهمية وخطورة اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫ف��ان ه��ذه اجل��رائ��م تثري الكثري من املصاعب‬ ‫واالشكاالت سوا ًء أكان ذلك فيما يتعلق اخللط‬ ‫بينها وبني جرمية االبادة اجلماعية وجرائم‬ ‫احلرب أو فيما خيص مفهوم هذه اجلرائم‪ ،‬إذ أنها‬ ‫تثري العديد من االسئلة منها‪ :‬ماذا نعين باجلرائم‬ ‫ضد االنسانية ؟ وكيف ميكننا حتديد مفهومها ؟‬ ‫هل هي جرائم مستقلة قائمة لوحدها هلا ذاتيها‬ ‫واستقالليتها عن اجلرائم االخرى؟ واخرياً كيف‬ ‫ميكننا تصنيف اجلرائم ضد االنسانية ؟ وما هو‬ ‫املعيار الذي ميكن االعتماد عليه ملعرفة ما إذا‬ ‫كانت اجلرمية املرتكبة تدخل ضمن اجلرائم‬ ‫ضد االنسانية ؟‬ ‫منهجية البحث ‪:‬‬ ‫حن��اول االعتماد يف منهجية حبثنا ه��ذا على‬ ‫التحليل العلمي القانوني لنصوص ومضمون‬ ‫املعاهدات الدولية اليت تنص على اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية واالستدالل بها وكذلك حتليل أحكام‬ ‫احملاكم اجلنائية الدولية ملعرفة املقصود من‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية و استخالص‪.‬خصائصها‬ ‫واركانها‪.‬‬


‫خطة البحث ‪:‬‬ ‫سنقوم ب��دراس��ة امل��وض��وع يف ثالثة مباحث‬ ‫سنخصص املبحث األول منه للخصائص العامة‬ ‫للجرائم ضد االنسانية وسنقوم يف املبحث الثاني‬ ‫بدراسة أركان هذه اجلرائم وأخرياَ سنتطرق يف‬ ‫املبحث الثالث من البحث اىل تصنيف اجلرائم‬ ‫ضد االنسانية كما جاء ذلك يف نص املادة السابعة‬ ‫من النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية‪.‬‬ ‫املبحث االول‬ ‫اخلصائص العامة للجرائم ض��د االنسانية‬ ‫وتدويلها‬ ‫عرفت امل���ادة السادسة م��ن النظام االساسي‬ ‫للمحكمة العسكرية الدولية لنورنربغ اجلرائم‬ ‫ضد االنسانية كما يلي(‪( :)9‬القتل العمد‪،‬‬ ‫اإلبادة‪ ،‬االسرتقاق‪ ،‬االبعاد‪ ،‬واالفعال الالنسانية‬ ‫االخرى املرتكبة ضد أية جمموعة من السكان‬ ‫املدنيني قبل احلرب أو أثنائها‪ ،‬أو االضطهادات‬ ‫ألسباب سياسية‪ ،‬عرقية أو دينية تنفيذاً ألي‬ ‫من اجلرائم اليت تدخل يف اختصاص احملكمة‬ ‫ً‬ ‫ارتباطا بهذه اجلرائم‪ ،‬سوا ًء‪.‬أكانت تشكل‬ ‫أو‬ ‫ً‬ ‫انتهاكا للقانون الوطين للدولة اليت ارتكبت فيها‬ ‫ام التشكل ذلك) وقد نصت املادة اخلامسة جـ‬ ‫من ميثاق احملكمة العسكرية الدولية لطوكيو‬ ‫املشكلة يف ‪ 19‬كانون الثاني ‪ 1946‬على نفس‬ ‫التعريف ال��وارد يف النظام االساسي للمحكمة‬ ‫العسكرية الدولية لنورنربغ يف تعريفها للجرائم‬ ‫ضد االنسانية‪.‬‬ ‫وأك��دت اجلمعية العامة لألمم املتحدة على‬ ‫املباديء املعرتف بها من قبل احملكمة العسكرية‬ ‫الدولية لنورنربغ وبهذا فقد أصبحت هذه‬

‫امل��ب��اديء من القواعد القانونية العرفية يف‬ ‫القانون الدولي العام‪)10(.‬‬ ‫وميكن القول هنا بأن النظام االساسي للمحكمة‬ ‫العسكرية الدولية لنورنربغ يعد من ضمن‬ ‫الوثائق االوىل لتثبيت قواعد وأسس القانون‬ ‫اجلنائي الدولي‪ ،‬و اليت عرفت ثالثة انواع من‬ ‫اجل��رائ��م وه��ي جرائم احل��رب واجل��رائ��م ضد‬ ‫السالم وجرمية اخرى ذو مفهوم حديث وهي‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وغالبا مامت اخللط بني اجلرائم ضد االنسانية‪.‬‬ ‫(‪ )Crime contre l’humanité‬وجرائم‬ ‫االب��ادة اجلماعية (‪ )Génocide‬أو جرائم‬ ‫احلرب (‪ )Crime de guerre‬ويعود سبب‬ ‫هذا اخللط‪.‬اىل أراء‪.‬عدد من الفقهاء يف القانون‬ ‫الدولي(‪ ،)11‬أو اىل التشريعات الداخلية لبعض‬ ‫الدول(‪ )12‬وجيب االشارة هنا اىل عدم وجود‬ ‫اتفاقية دولية خاصة باجلرائم ضد االنسانية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نصوصا متبعثرة هنا وهناك ضمن‬ ‫إذ جند‬ ‫اتفاقيات دولية تذكر اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫وم��ن ه��ذه النصوص اخلاصة باجلرائم ضد‬ ‫االنسانية‪) 13(.‬‬ ‫ميكننا أستخالص عدة خصائص هلذه اجلرائم‬ ‫إذ انها تتصف باستقالليتها عن جرائم االبادة‬ ‫اجلماعية وجرائم احل��رب ومن ثم انها ذات‬ ‫طابع عاملي واخ�يراً فان هذه اجلرائم تتصف‬ ‫بعدم تقادمها وسنقوم بدراسة هذه اخلصائص‬ ‫يف ثالثة مطالب متتالية يف هذا املبحث‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪74‬‬

‫املطلب االول‬ ‫استقاللية أو ذاتية اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫جاء ذكر اجلرائم ضد االنسانية‪.‬ضمن اتفاقية‬ ‫لندن يف ‪ 8‬آب ‪ ،1945‬ال�تي وضعت النظام‬ ‫االساس للمحكمة العسكرية الدولية لنورنربغ‬ ‫واخلاص مبالحقة ومعاقبة كبار جمرمي احلرب‬ ‫العاملية الثانية‪ ،‬وأدرجت اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫ضمن اختصاصات احملكمة‪)14(.‬‬ ‫واعيد النص على اجلرائم ضد االنسانية يف‬ ‫النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية‬ ‫ليوغوسالفيا السابقة واحملكمة اجلنائية‬ ‫الدولية ل��روان��دا وكذلك يف النظام االساسي‬ ‫للمحكمة اجلنائية الدولية‪.‬‬ ‫ولقد حاول مشرعو اتفاقية لندن عام ‪1945‬‬ ‫اخلاصة بإنشاء احملكمة العسكرية الدولية‬ ‫لنورنربغ ع��دم ال��وق��وف عند ح��دود جرائم‬ ‫احل��رب‪ ،‬إذ كانت هناك جرائم اخ��رى خترج‬ ‫عن نطاق جرائم احلرب‪ ،‬وكان من املفروض‬ ‫معاقبة مرتكيب مثل هذه اجلرائم وذلك نظراً‬ ‫لفظاعتها ووحشيتها‪ ،‬ألنه قد مت ارتكابها من‬ ‫قبل احلزب النازي قبل احلرب وضد املواطنني‬ ‫األملان أو ضد رعايا الدول احملتلة من قبل أملانيا‪.‬‬ ‫ومت تفادي مثل هذا النقص الكبري يف معاهدات‬ ‫جنيف املعقودة يف ‪ 12‬آب ‪ 1949‬بهذا الشأن‬ ‫وبذلك فقد مت االعرتاف باجلرائم ضد االنسانية‬ ‫كجرمية قائمة‪.‬مستقلة ومت حتديد عقاب هلذه‬ ‫اجلرائم سواء كان ذلك خالل وقت احلرب أم‬ ‫السلم‪)15(.‬‬ ‫ففي قضية (‪ )Dusko Tadic‬ذهبت غرفة‬ ‫استئناف احملكمة اجلنائية الدولية ليوغوسالفيا‬

‫ً‬ ‫سابقا اىل “ان عدم وجود عالقة أو ربط بني‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية والنزاع املسلح هو االن‬ ‫قاعدة ثابتة يف القانون الدولي العريف”(‪)16‬‬ ‫ويعترب البعض من الفقهاء ادراج اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية يف الوثائق الدولية مبثابة (ثورة) يف‬ ‫القانون الدولي وذلك من ناحيتني(‪:)17‬‬ ‫االوىل وهي انها متيز اجلرائم ضد االنسانية عن‬ ‫جرائم احل��رب‪ ،‬إذ ان اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫ميكن ارتكابها خارج نطاق وقت احلرب (قبل أو‬ ‫اثناء احلرب)‪.‬‬ ‫والثانية هي ان اجلرائم ضد االنسانية ميكن‬ ‫ان ترتكب ضد مواطين نفس الدولة أو حالة‬ ‫اجل��رائ��م ض��د االنسانية املرتكبة م��ن قبل‬ ‫جمموعة من مواطين ال��دول��ة ضد جمموعة‬ ‫اخرى يف دولة ما (كما هو احلال اليوم يف اقليم‬ ‫دارفور يف السودان‪ -‬اجلرائم املرتكبة من قبل‬ ‫اجلنجويد ضد مواطين اقليم دارفور)‪.‬‬ ‫ولو أمعنا النظر يف النظام االساسي للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية جن��د بأنه أستعمل بعض‬ ‫املصطلحات يف املادة اخلامسة منه فينص على‬ ‫ان اختصاص احملكمة حمدد باجلرائم البالغة‬ ‫اخلطورة اليت تصيب اجملتمع الدولي كله‪ ،‬ومن‬ ‫هذة اجلرائم جرائم االبادة اجلماعية واجلرائم‬ ‫ض��د االن��س��ان��ي��ة وج��رائ��م احل���رب وج��رمي��ة‬ ‫العدوان‪،‬وان هذه اجلرائم ميكن متييزها عن‬ ‫اجلرائم االخرى وذلك النها تشكل‪:‬‬ ‫‪1‬ـ تهديداً للسلم وأمن اجملتمع الدولي‪ ،‬سواء‬ ‫أكان ذلك مباشراً أم غري مباشر‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن هذه‪.‬اجلرائم تهز الضمري العام العاملي من‬ ‫خالل مساسها بالقيم املشرتكة هلذا اجملتمع‪.‬‬ ‫أن هذه امل��ادة أدرج��ت اجلرائم ضد االنسانية‬


‫كجرمية مستقلة وقائمة لوحدها سواء أكانت‬ ‫هذه اجلرائم قد ارتكبت اثناء احلرب أم يف وقت‬ ‫داخليا كان أم ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا‪،‬‬ ‫السلم أم يف اي نزاع مسلح‪،‬‬ ‫وجيب عدم خلطها مع جرائم االبادة اجلماعية‬ ‫أذ ان هذه االخرية يتم اقرتافها ضد اجلماعات‬ ‫القومية او االثنية او العرقية او الدينية ً‬ ‫كليا‬ ‫ً‬ ‫جزئيا (املادة السادسة من النظام االساسي‬ ‫أو‬ ‫للمحكمة اجلنائية الدولية)‪.‬أما جرائم احلرب‬ ‫فهي اجلرائم اليت يتم ارتكابها اثناء احلرب يف‬ ‫ً‬ ‫أهدافا‬ ‫هجوم على أعيان مدنية ّاى اليت ال تشكل‬ ‫عسكرية وان يصدر السلوك يف سياق نزاع‬ ‫مسلح دولي(املادة الثامنة من النظام االساسي‬ ‫للمحكمة اجلنائية الدولية)‪.‬كماوأن املسؤولية‬ ‫هنا تقع على عاتق األف��راد مهما كانت درجة‬ ‫مسؤولياتهم يف حكومات الدول‪ ،‬وهذا مايسمى‬ ‫يف القانون الدولي باملسؤولية اجلنائية الدولية‬ ‫لألفراد‬ ‫»‪International de l´individu‬‬ ‫‪.)«Responsabilité pénal (18‬‬ ‫وه��ن��ا ميكن مالحظة خصوصية وأهمية‬ ‫املسؤولية اجلنائية الدولية لألفراد مقارنة مع‬ ‫االسس أو القواعد اخلاصة باملسؤولية الدولية‬ ‫ً‬ ‫شخصا من أشخاص‬ ‫للدول‪ ،‬إذ ان الفرد ليس‬ ‫القانون الدولي العام حسب املفهوم التقليدي‪،‬‬ ‫ولكنه يعاقب ويتلقى العقوبات املنصوص عليها‬ ‫يف القانون الدولي اجلنائي‪،‬أن ظهور املسؤولية‬ ‫اجلنائية الدولية لألفراد ومن ضمنهم احلكام‬ ‫وامل��س��ؤول��ون الكبار يف ال��دول��ة يشكل تطوراً‬ ‫ً‬ ‫مهما يف القانون الدولي املعاصر (‪ )19‬وبهذا‬ ‫يتم انزال العقوبة باحلكام واملسؤولني الكبار‬ ‫يف الدولة واملتهمني باجلرائم ضد اإلنسانية‬

‫والميكنهم االفالت من قبضة العدالة وليكونوا‬ ‫عربة لآلخرين‪)20(.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫االختصاص العاملي للمحاكم اجلنائية يف قضايا‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫اليوجد نص يف املعاهدات الدولية خاص مببدأ‬ ‫االختصاص العاملي للمحاكم اجلنائية للنظر يف‬ ‫القضايا املتعلقة باجلرائم ضد االنسانية‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك فان هذا املبدأ مت االع�تراف به يف العرف‬ ‫الدولي وكذلك من قبل القضاء الدولي‪ ،‬إذ أقر‬ ‫مبدأ االختصاص العاملي للمحاكم يف قضايا‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية حتى يف حالة عدم وجود‬ ‫نص صريح الختصاص احملاكم الداخلية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا فانه مت ادراج اجلرائم ضد‬ ‫كما ذكرنا‬ ‫االنسانية‪.‬بصورة مستقلة عن جرائم احلرب‬ ‫واالبادة اجلماعية يف النظام االساسي للمحكمة‬ ‫العسكرية لنورنربغ يف مادتها السادسة من هذا‬ ‫النظام‪)21(.‬‬ ‫ففي الئحة االتهامات املوجهة ضد جمرمي‬ ‫احلرب للحكام النازيني االملان‪ ،‬تصدرت اجلرائم‬ ‫ض��د االنسانية رأس قائمة االت��ه��ام��ات إذ ان‬ ‫الالئحة يف االتهام الرابع منها ضد كبار جمرمي‬ ‫احلرب وصفت بعض األحداث وك ّيفتها كجرائم‬ ‫حرب منها بعض جرائم القتل واالضطهاد بيد‬ ‫ان مثل هذه اجلرائم تدخل حتت طائلة اجلرائم‬ ‫ضد االنسانية املنصوص عليها يف املادة السادسة‬ ‫يف نظام احملكمة‪)22(.‬‬ ‫وبالرغم من فظاعة اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫املرتكبة من قبل النظام النازي قبل واثناء‬ ‫احلرب العاملية الثانية فأنه مت احلكم على اثنني‬ ‫‪75‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪76‬‬

‫ً‬ ‫جمرما‬ ‫فقط من اجملرمني من ضمن عشرين‬ ‫ً‬ ‫استناداً‬ ‫ووفقا للجرائم ضد االنسانية(‪)23‬‬ ‫ويرجع ذلك اىل أن احملكمة قد خلطت مرات‬ ‫ع��دي��دة ب�ين ج��رائ��م احل���رب واجل��رائ��م ضد‬ ‫االنسانية‪.‬‬ ‫وق��د أش��ارت احملكمة العسكرية لنورنربغ اىل‬ ‫االختصاص العاملي إذ اك��دت على أن القوى‬ ‫العظمى امل��وق��ع��ة لتشكيل احملكمة ح��ددت‬ ‫القوانني املطبقة من قبلها وثبتت القواعد‬ ‫اخلاصة ب��االج��راءآت‪ ،‬وهل��ذا ف��ان ه��ذه القوى‬ ‫(الدول) عملت ً‬ ‫معا إذ كان بإمكان أي منها العمل‬ ‫منفرداً‪ ،‬اذ ان اخليار العقابي بإنشاء احملكمة‬ ‫اخلاصة هو امتياز مشرتك جلميع الدول(‪)24‬‬ ‫ويذهب البعض من كتاب القانون الدولي اىل‬ ‫تفسري ((امتياز مشرتك جلميع ال��دول)) بأنه‬ ‫اع�تراف أو إق��رار لقاعدة االختصاص العاملي‬ ‫لكل دول��ة يف حماكمة جمرمي احل��رب العاملية‬ ‫الثانية(‪)25‬‬ ‫ويف استقراء قرارات احملكمة اجلنائية الدولية‬ ‫ليوغوسالفيا السابقة جند ب��أن هناك عدة‬ ‫قرارات تشري اىل االختصاص العاملي للجرائم ضد‬ ‫االنسانية‪ ،‬ففي قضية (‪Dusko Tadic).‬‬ ‫‪ )(26‬تعترب غرفة االستئناف بأن االتهامات‬ ‫املوجهة ضد (‪ )Dusko Tadic‬المتس دولة‬ ‫واحدة ولكنها تصدم الضمري العاملي‪ ،.‬وتذهب‬ ‫اىل ان اجلرائم املطلوب من احملكمة النظر فيها‬ ‫ليست جبرائم ذات صفة داخلية حبته ولكنها‬ ‫يف حقيقة االمر جرائم ذات طابع عاملي‪،‬اليت‬ ‫يتجاوز نطاقها حدود دولة واحدة‪)27(.‬‬ ‫ويف قضية (فروندزيا ‪ )Furundzia‬ذهبت‬ ‫نفس احملكمة اىل أنه “مبا أن اجلرائم الدولية‬

‫عامليا ً‬ ‫ً‬ ‫أيا كان مكان وقوعها‪ ،‬فان‬ ‫معاقب عليها‬ ‫لكل دولة احلق يف متابعة و إيقاع العقاب على‬ ‫مثل هذه اجلرائم” (‪.)28‬‬ ‫ويف قضية (‪ )Erdemovic‬يشري قرار احلكم‬ ‫املؤرخ يف ‪ 20‬كانون االول ‪ 1996‬الصادر من‬ ‫نفس احملكمة اىل ان اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫المتس فقط مصاحل دولة واحدة ولكنها تصدم‬ ‫الضمري العاملي وانها ليست من اجلرائم ذات‬ ‫الصفة الداخلية البحتة‪ ،‬أذ ان هذه اجلرائم‬ ‫هي جرائم ذات صفة عاملية‪ ،‬ومعرتف بها يف‬ ‫القانون الدولي وان مثل هذه اجلرائم تعترب من‬ ‫االنتهاكات اخلطرية للقانون الدولي االنساني‬ ‫وبهذا فهي تتجاوز مصلحة دولة واحدة (تتجاوز‬ ‫حدود دولة واحدة) وبالنتيجة فان هذا المينع‬ ‫ً‬ ‫قانونا‬ ‫واحلالة هذه بأن ((تقوم حمكمة مشكلة‬ ‫بالنظر واحلكم يف مثل ه��ذه اجلرائم بأسم‬ ‫اجملتمع الدولي)‪)29(.‬‬ ‫وميكن االستنتاج من االحكام السابقة بانه‪.‬‬ ‫حتى يف حالة عدم وجود نص قانوني صريح‬ ‫يف القانون الداخلي فان القاضي اجلنائي له‬ ‫احلق مبالحقة اجلاني يف اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫وإيقاع العقاب عليه وذلك باالستناد على قواعد‬ ‫القانون الدولي العريف ملمارسة اختصاصاته‪.‬‬ ‫فيمكننا القول هنا بأنه عندما تقع جرمية‬ ‫ضد االنسانية يف دولة ما‪ ،‬فان ذلك ميس الدول‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيعا محاية‬ ‫مجيعا‪ ،‬ولذا من مصلحة الدول‬ ‫احلقوق اليت مت انتهاكها‪.‬ومن هنا فأن عقاب‬ ‫املسؤولني ع��ن اجل��رائ��م ض��د االنسانية يهم‬ ‫مجيع الدول ً‬ ‫ايضا‪.‬فعندما يتم ارتكاب اجلرائم‬ ‫ً‬ ‫اخالال باجملتمع‬ ‫ضد االنسانية فان ذلك يشكل‬ ‫ال��دول��ي ب��أس��ره حيث ان النتيجة احلتمية‬


‫هلذا االمر هي وجوب وجود تعاون وثيق بني‬ ‫الدول ألجل احلد من حدوث مثل هذه اجلرائم‬ ‫ومعاقبة فاعليها‪ ،‬فعندما يقوم فرد ما خبرق‬ ‫القواعد القانونية اآلمره (‪)Jus Cognes‬‬ ‫فأن هذا االنتهاك أو اخلرق يؤثر على اجملتمع‬ ‫الدولي بأسره‪ ،‬وهلذا لكل دولة احلق مبالحقة‬ ‫وحماكمة املسؤولني عن مثل هذه اخلروقات‪،‬‬ ‫ففي مثل هذه احلاالت يكون االختصاص العاملي‬ ‫للمحاكم الداخلية نتيجة طبيعية لتطبيق‬ ‫القواعد اآلمرة يف القانون الدولي‪)30(.‬‬ ‫املطلب الثالث‬ ‫مبدأ عدم التقادم يف اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫تعرتف القوانني اجلنائية الداخلية للدول‬ ‫مببدأ التقادم‪ ،‬والغرض منه هو إعطاء املتهم‬ ‫فرصة العودة واملساهمة يف احلياة االجتماعية‬ ‫زمن على‬ ‫كغريه من املواطنني وذلك بعد مرور ٍ‬ ‫ارتكابه للجرمية‪ ،‬غري ان بعض اجلرائم نظراً‬ ‫خلطورتها على اجملتمع الدولي‪ ،‬منها اجلرائم‬ ‫ضد االنسانية‪ ،‬دفعت لعدم تطبيق هذا املبدأ‬ ‫على صعيد القانون اجلنائي الدولي‪.‬وذلك‬ ‫لقناعة اجملتمع الدولي بان املعاقبة الفعالة‬ ‫للجرائم املرتكبة ضد االنسانية هي عنصر مهم‬ ‫لتفادي وقوع مثل هذه اجلرائم وحلماية حقوق‬ ‫االنسان ولتشجيع الثقة وتوطيد التعاون بني‬ ‫الشعوب‪ ،.‬ولطمأنة الرأي العام العاملي مبعاقبة‬ ‫املسؤولني عن ارتكابها‪ ،‬لذا مت النص على هذا‬ ‫املبدأ يف املادة ‪ 29‬من النظام االساسي للمحكمة‬ ‫اجلنائية ال��دول��ي��ة وذل���ك لتأمني تطبيقه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شامال‪.‬إذ نصت هذه املادة على‬ ‫عامليا‬ ‫تطبيقا‬ ‫أن (التسقط اجلرائم اليت تدخل يف اختصاص‬

‫احملكمة بالتقادم ً‬ ‫أيا كانت احكامه) ان نص هذه‬ ‫املادة واضح إذ الميكن ألي دولة طرف يف معاهدة‬ ‫تشكيل احملكمة وضع مدة زمنية لغرض محاية‬ ‫شخص ما و لإلفالت من العقاب‪.‬وقد مت حتديد‬ ‫اختصاص احملكمة اجلنائية الدولية يف املادة‬ ‫اخلامسة من نظامها االساسي وهذه اجلرائم هي‬ ‫االبادة اجلماعية‪ ،‬اجلرائم ضد االنسانية جرائم‬ ‫احلرب وجرمية العدوان‪.‬‬ ‫كما سبق أن نصت اتفاقية ع��دم التقادم يف‬ ‫جرائم احلرب واجلرائم ضد االنسانية على هذا‬ ‫املبدأ ً‬ ‫ايضا (‪ )31‬إذ جاء يف ديباجتها بان جرائم‬ ‫احلرب واجلرائم املرتكبة ضد االنسانية تعترب‬ ‫من أخطر اجلرائم يف القانون الدولي‪ ،‬وانه مل‬ ‫يتم النص عليها يف الوثائق الدولية ولتاليف مثل‬ ‫هذا النقص فقد نصت املادة االوىل من االتفاقية‬ ‫على أنه (اليسرى اي تقادم على اجلرائم التالية‬ ‫بصرف النظر عن وقت ارتكابها ‪:‬‬ ‫أ‪.‬ج��رائ��م احل��رب ال���وارد تعريفها يف النظام‬ ‫االساسي حملكمة نورمربغ العسكرية الدولية‬ ‫الصادر يف ‪ 8‬آب ‪.1945‬‬ ‫ب‪.‬اجل��رائ��م املرتكبة ضد االنسانية س��واء يف‬ ‫زمن احلرب أو يف زمن السلم وال��وارد تعريفها‬ ‫يف النظام االساسي حملكمة نورمربغ العسكرية‬ ‫الدولية‪)...‬‬ ‫ونصت كذلك على أنه اذا ارتكبت أية جرمية‬ ‫من اجلرائم املذكورة يف املادة االوىل تطبق احكام‬ ‫هذه االتفاقية على ممثلي سلطة الدولة وعلى‬ ‫االفراد الذين يقومون‪ ،‬بوصفهم فاعلني أصليني‬ ‫أو شركاء‪ ،‬باملساهمة يف ارتكاب أية جرمية من‬ ‫تلك اجلرائم او بتحريض غري مباشر أو الذين‬ ‫يتآمرون إلرتكابها وتطبق احكام املعاهدة ً‬ ‫أيضا‬ ‫‪77‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪78‬‬

‫على ممثلي السلطة الذين يتساحمون يف ارتكابها‬ ‫(امل��ادة الثانية من االتفاقية) وج��اء يف املادة‬ ‫الثالثة منها النص على تعهد الدول االطراف‬ ‫بإختاذ مجيع التدابري الداخلية الالزمة بتسليم‬ ‫االش��خ��اص املشار اليهم يف امل��ادة الثانية من‬ ‫االتفاقية‪.‬‬ ‫ويرتتب على احكام هذه امل��واد بانه متى ما‬ ‫ارت��ك��ب شخص م��ا جرمية م��ن اجل��رائ��م ضد‬ ‫االنسانية فأنه الميكنه االفالت من العقاب سواء‬ ‫من قبل احملاكم اجلنائية الداخلية أو الدولية‬ ‫طاملا كان على قيد احلياة‪ ،‬وذلك أن مثل هذه‬ ‫االحكام تعترب من القواعد اآلم��رة يف القانون‬ ‫اجلنائي الدولي (‪ )Jus cognes‬واليت الجيوز‬ ‫االخالل بها مهما كانت درجة مسؤولية الشخص‬ ‫يف الدولة(‪ )32‬وه��ذا مامت أج��راءه يف فرنسا‬ ‫إذ متت حماكمة عدة مسؤولني كبار متهمني‬ ‫جبرائم مرتكبة ضد االنسانية اثناء احلرب‬ ‫العاملية الثانية امام احملاكم الفرنسية‪.‬ومن هذه‬ ‫القضايا نذكر قضية كالوس باربي (‪Klaus‬‬ ‫‪ )Barbie‬وقضية موريس بابون (‪Morris‬‬ ‫‪ )Papon‬وب��رن��ارد توفيه (‪Bernard‬‬ ‫‪ ،)Touvier) (33‬إذ مت تقدميهم للمحاكمة‬ ‫يف سنوات الثمانينات من القرن املاضي‪،‬‬ ‫ومت احلكم عليهم حسب ال��ق��ان��ون اجلنائي‬ ‫الفرنسي‪)34(.‬‬ ‫واستطاع البعض اآلخر االفالت من العدالة اذ‬ ‫كانوا قاب قوسني من حماكمتهم وايقاع العقاب‬ ‫عليهم‪ ،‬وجنوا من قبضة العدالة نتيجة مؤازرة‬ ‫بعض ال���دول ال��ك�برى هل��م‪ ،‬وم��ن ضمن ه��ؤالء‬ ‫الدكتاتور السابق بينوشية (‪.)Pinochet‬‬ ‫(وجت��در االش��ارة هنا اىل ان احملاكم اجلنائية‬

‫املختصة يف بلجيكا قد اصدرت امراً بالتحقيق‬ ‫حبق اريل شارون بتهمة اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫املرتكبة يف خميم ص�برا وشتيال يف لبنان‬ ‫وذلك بنا ًء على عدة شكاوى مقدمة من قبل‬ ‫الفلسطينيني املقيميني هناك)‪.‬‬ ‫ويف ال��ع��راق فقد مت تشكيل حمكمة باسم‬ ‫احملكمة اجلنائية العراقية املختصة باجلرائم‬ ‫ضد االنسانية‪ )35(،‬حملاكمة رم��وز النظام‬ ‫السابق وبعدها مت تبديل اسم احملكمة باحملكمة‬ ‫اجلنائية العراقية العليا مبوجب القانون رقم‬ ‫‪ 10‬لسنة ‪ ،2005‬ومت ختصيص املادة الثانية‬ ‫عشر للجرائم ضد االنسانية‪ ،‬وان هذه املادة‬ ‫مقتبسة من امل��ادة السابعة للنظام االساسي‬ ‫حملكمة اجلنائية الدولية مع بعض التعديالت‬ ‫الطفيفة عليها‪ ،‬وقد حكمت احملكمة يف عدة‬ ‫قضايا معروضة أمامها باحكام متفرقة على‬ ‫مرتكيب اجلرائم باالستناداىل جرائم االبادة‬ ‫اجلماعية و اجلرائم ضد االنسانية وجرائم‬ ‫احل��رب منها االع��دام والسجن املؤبد واحكام‬ ‫اخرى بالسجن ملدد متفرقة (‪)36‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫أركان اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫نصت امل���ادة السابعة م��ن ال��ن��ظ��ام االس��اس��ي‬ ‫للمحكمة اجلنائية الدولية على أنه » ألغراض‬ ‫هذا النظام‪.‬فأن اجلرائم ضد االنسانية تعين أيا‬ ‫من االفعال التالية حينما ترتكب يف اطار هجوم‬ ‫واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية جمموعة‬ ‫من السكان املدنني‪ ،‬وعن علم باهلجوم‪...:‬اخل‬ ‫«وع��ددت هذه امل��ادة أحدى عشرة جرمية من‬


‫ً‬ ‫عمال باملبدأ السائد‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫(الجرمية والعقوبة اال بنص)‪.‬واليت سنقوم‬ ‫بدراستها يف املبحث الثالث من هذه الدراسة‪.‬‬ ‫وبالنظر ألن املادة السابعة من النظام االساسي‬ ‫للمحكمة اجلنائية الدولية تتعلق بالقانون‬ ‫الدولي اجلنائي لذا البد من تفسري احكامها‬ ‫ً‬ ‫تفسرياً‬ ‫دقيقا‪ ،‬إذ تعترب مثل هذه اجلرائم من‬ ‫أخطر اجلرائم اليت تهز اجملتمع الدولي وترتتب‬ ‫عليها مسؤولية جنائية دولية فردية‪.‬‬ ‫وكأي من اجلرائم االخرى يف القانون اجلنائي‬ ‫فالبد من توافر‪.‬ركنني اساسيني للجرائم ضد‬ ‫االنسانية وهما الركن املادي والركن املعنوي‪،‬‬ ‫فالركن املادي يتحقق بوجود العناصر الثالثة‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫الفعل (السلوك االجيابي أو السليب)‪.‬‬ ‫اجلرمية‪.‬‬ ‫العالقة السببية‪.‬‬ ‫أما الركن املعنوي فيتمثل بالقصد اجلنائي‬ ‫أو العلم باجلرمية‪.‬هذا ماميكن قوله بالنسبة‬ ‫ألركان أية جرمية مرتكبة يف القانون اجلنائي‬ ‫ً‬ ‫الداخلي‪،‬فضال عن هذا أن ما سنتناوله يف حبثنا‬ ‫هذا هو األركان اخلاصة باجلرائم ضد االنسانية‬ ‫ً‬ ‫وفقا للقانون الدولي العام وليس غريه أو بعبارة‬ ‫ً‬ ‫جرمية‬ ‫أخ��رى متى ميكن أعتبار جرمية ما‬ ‫دولية‪ ،‬هلذا جيب الرجوع اىل نص املادة السابعة‬ ‫من النظام االساسي‪ ،‬اليت نستطيع أن نستخلص‬ ‫منها ثالثة أرك���ان للجرائم ض��د االنسانية‬ ‫وبتحقق ه��ذه االرك����ان ن��ك��ون أم���ام جرمية‬ ‫ضد االنسانية حسب‪.‬مفهوم القانون الدولي‬ ‫العام‪،‬وهذه االركان هي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ ضخامة الفعل اجلرمي ‪ :‬هجوم واسع النطاق‬

‫أو منهجي‬ ‫ّ‬ ‫‪2‬ـ‪.‬أن‪.‬يوجه‪.‬هذا اهلجوم‪.‬ضد سكان مدنيني‬ ‫‪3‬ـ القصد اجلنائي‪ :‬العلم باهلجوم‬ ‫وجيب ان تكون اجلرمية املرتكبة من احدى‬ ‫اجلرائم امل��ذك��ورة يف الفقرة االوىل من امل��ادة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاصا حتت عنوان‬ ‫مبحثا‬ ‫السابعة وسنفرد هلا‬ ‫تصنيف اجلرائم ضد االنسانية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سابقا فان اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫كما مت ذكره‬ ‫يلزم لقيامها وج��ود الركن امل��ادي من جهة‬ ‫والركن املعنوي من جهة أخرى فالركن املادي‬ ‫للجرمية ضد االنسانية‪ ،‬يتمثل يف عدة أفعال‬ ‫أوردها نص املادة السابقة‪ ،‬وذلك ‪:‬‬ ‫ــ إذا مت ارتكاب هذه االفعال يف اطار هجوم واسع‬ ‫النطاق او منهجي‪.‬‬ ‫ــ ان يتم هذا اهلجوم ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫املطلب االول‬ ‫ضخامة الفعل اجلرمي‪:‬هجوم واسع النطاق أو‬ ‫منهجي‬ ‫إن ارتكاب هذه اجلرائم على نطاق واس��ع أو‬ ‫منهجي هو مامييز اجلرائم ضد االنسانية عن‬ ‫اجلرائم االخرى املذكورة يف املادة اخلامسة من‬ ‫النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية هو‬ ‫أن هذه اجلرائم جيب ان تتم على شكل هجوم‬ ‫واس��ع النطاق أو بأسلوب منهجي وليس على‬ ‫شكل ح��وادث منعزلة هنا وه��ن��اك‪ ،‬بل جيب‬ ‫أن يتسم اهلجوم بالضخامة (واس��ع النطاق أو‬ ‫منهجي)‪.‬‬ ‫ولكن ماذا يعين اهلجوم؟ هل يعين هجوم القوات‬ ‫النظامية ام القوات غري املنظمة؟ وهل جيب‬ ‫ان يتسم هذا اهلجوم بالطابع العام ام يشمل‬ ‫‪79‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪80‬‬

‫ً‬ ‫ايضا اهلجوم ذا الطابع احمللي ؟ ومتى يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واسعا‬ ‫هجوما‬ ‫ضخما اهلجوم‬ ‫الفعل االجرامي‬ ‫ً‬ ‫منهجيا ؟ ليس هناك تعريف دقيق ملثل‬ ‫او‬ ‫هذه املعايري لتكييف جرمية ما كجرمية ضد‬ ‫االنسانية وهل ان عدد الضحايا هو املقياس ؟‬ ‫لإلجابة على مثل هذه االسئلة ميكننا الرجوع‬ ‫اىل ماقررته احملكمتان اجلنائيتان اخلاصتان‬ ‫برواندا وبيوغوسالفيا السابقة ‪:‬‬ ‫لو رجعنا اىل بعض االحكام الصادرة من احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية لرواندا‪.‬ففي قضية روتكاندا‬ ‫ً‬ ‫هجوما ما‬ ‫‪.Rutaganda‬تقول احملكمة‪“.‬أن‬ ‫يعد هجوما عاما واسع النطاق عندما يكون‬ ‫ً‬ ‫ضخما وله صفة االستمرار وعلى نطاق‬ ‫اهلجوم‬ ‫واسع ومقاد بصورة مجاعية ضد جمموعة من‬ ‫الضحايا”(‪.)37‬ويف قضية أكاسيو‪Akayesu.‬‬ ‫تذهب نفس احملكمة اىل‪«.‬ان اهل��ج��وم يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منظما بصورة‬ ‫منهجيا عندما يكون‬ ‫هجوما‬ ‫ً‬ ‫دقيقة وحسب منوذج حمدد وتطبيقا لسياسة‬ ‫منظمة ويتم تنفيذها بواسطة وسائل عامة‬ ‫وخاصة ضخمة»‪)38(.‬‬ ‫وميكننا التسائل هنا هل أن طابع اهلجوم‪.‬جيب‬ ‫أن يقتصر على إستعمال االسلحة فقط أم ان‬ ‫املنشورات والصحف‪.‬والنشرات االخبارية يف‬ ‫االذاعة و التلفزيون ميكن إعتبارها مبثابة نوع‬ ‫من السالح لنشر الكراهية بني السكان ؟‬ ‫كانت للمحكمة اجلنائية الدولية ل��روان��دا‬ ‫امل��ن��اس��ب��ة‪.‬ل�لإش��ارة اىل ه���ذه النقطة‪.‬عند‬ ‫إص��داره��ا احلكم يف قضية (‪Ferdinand‬‬ ‫‪ )Nahimaia‬إذ بينت يف حكمها “ بأن مقاالت‬ ‫جريدة ‪ Kangura‬ومطبوعات ‪RTLM‬‬ ‫وال�برام��ج االذاع��ي��ة تشكل ج���زءاً م��ن هذه‬

‫اهلجمات(‪)39‬‬ ‫أم��ا احملكمة اجلنائية الدولية ليوغوسالفيا‬ ‫السابقة فكانت هلا املناسبة للتطرق اىل هذا‬ ‫املوضوع يف قضية (‪ )Erdemovic‬إذ علقت‬ ‫على طابع اهلجوم الواسع او ضخامة اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية بأن اجلرمية تكون ضخمة جداً عندما‬ ‫تصدم الضمري العام للمجتمع الدولي(‪)40‬‬ ‫ولكن يثور السؤال حول ما إذا كان هجوم واحد‬ ‫ً‬ ‫كافيا ألن ُي ّكون جرمية ضد‬ ‫ذو طابع اح��ادي‬ ‫االنسانية حسب الفقرة االوىل من املادة السابعة‬ ‫؟ لألجابة على مثل هذا السؤال ميكننا الرجوع‬ ‫اىل ماذهبت اليه احملكمة اجلنائية الدولية‬ ‫ليوغوسالفيا السابقة اذ خصت بالذكر هذا‬ ‫النوع من احلاالت يف قرارها مبستشفى فيكوفار‬ ‫‪ )Vukovar (41‬إذ قضت احملكمة أىل ان فعل‬ ‫واحد ميكن ان يشكل جرمية ضد االنسانية‪،‬‬ ‫(اجلرائم ضد االنسانية جيب ان تكون خاصة‬ ‫ذات صفة عامة او تكون ذات صفة منهجية‪،‬‬ ‫ومع ذلك ففي حالة وجود عالقة سببية بني‬ ‫اهلجوم الواسع او املنهجي‪ ،‬ضد السكان املدنني‪،‬‬ ‫فان فعل واحد ميكن ان يستويف شروط اجلرائم‬ ‫ضد االنسانية) وميكن القول واحلالة هذه بأن‬ ‫شخص واحد عندما يرتكب جرمية ضد ضحية‬ ‫واحدة أو عدد حمدود من الضحايا ميكن ادانته‬ ‫بتهمة اجلرائم ضد االنسانية‪ ،‬على ان يكون‬ ‫الفعل االحادي املرتكب قد مت ضمن ‪:‬‬ ‫هجمات واسعة النطاق املرتكبة ضد جمموعة‬ ‫من السكان‪.‬‬ ‫أو ضمن الفرتة الزمنية اليت متت فيها هذه‬ ‫اهلجمات‪.‬‬ ‫وجي��ب االش��ارة هنا اىل ان مفهوم اهلجوم هنا‬


‫يشمل هجمات القوات النظامية احلكومية أو‬ ‫غري احلكومية ((امليليشيات)) سواء أمت ذلك‬ ‫يف وقت نزاع مسلح أم يف وقت السلم سواء أكان‬ ‫ً‬ ‫نزاعا ً‬ ‫النزاع املسلح ً‬ ‫داخليا‪)42(.‬‬ ‫دوليا أم‬ ‫والسؤال املهم اآلخر الذي جيب طرحه هنا هل‬ ‫جيب أن يتوفر عنصر السياسة يف اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية أي وج��ود خطة سياسية مرسومة‬ ‫م��ن قبل حكومة أو منظمة ض��د السكان‬ ‫املدنيني؟(‪)43‬‬ ‫لورجعنا قليال اىل ماقبل احلرب العاملية الثانية‬ ‫وخالهلا لوجدنا بأن املانيا النازية قد طبقت‬ ‫سياسة متيزية خاصة ض��د بعض االقليات‬ ‫(اليهود والغجر) ومجاعات اخرى واستعملت‬ ‫أجهزة الدولة االملانية لتنفيذ سياستها ضد‬ ‫معارضيها وخ��اص��ة ض��د جمموعات دينية‬ ‫واثنية‪ ،‬وان مساهمة السلطة يف تنظيم وتنفيذ‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية تظهر بوضوح يف احكام‬ ‫احملكمة العسكرية الدولية لنورنربغ(‪)44‬‬ ‫وكذلك االمر يف احكام احملكمة اجلنائية الدولية‬ ‫ليوغسالفيا السابقة‪.‬واحملكمة اجلنائية الدولية‬ ‫لرواندا‪.‬‬ ‫ففي قضية ((‪)Dusko Tadic)) (45‬‬ ‫تعطي احملكمة اجلنائية الدولية ليوغسالفيا‬ ‫ً‬ ‫السابقة‪ ،‬تفسرياً‬ ‫مرنا لعنصر سياسة الدولة‬ ‫اليت تتخذ صورة أبعد من تدخل الدولة املباشر‬ ‫إذ يذهب االدع��اء ويقول ب��أن (اجل��رائ��م ضد‬ ‫االنسانية ميكن ارتكابها من قبل أو ملصلحة‬ ‫كيانات تكون هلا السيطرة الفعلية على اقليم‬ ‫خاص دون ان يكون هلا ّاي اعرتاف دولي او دون‬ ‫ان يكون هلا اي كيان قانوني رمسي للدولة او من‬ ‫قبل مجاعة أو منظمة ارهابية)‪)46(.‬‬

‫وأما احملكمة اجلنائية الدولية لرواندا فانها مل‬ ‫تلمح صراحة اىل توافر عنصر السياسية يف‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية اال انها نوهت اليه بصورة‬ ‫غري مباشرة يف قضييت (اكايسو (‪ Akayesu‬و‬ ‫روتكندا ‪)Rutaganda).(47‬‬ ‫أما ماخيص احملكمة اجلنائية الدولية فقد نصت‬ ‫الفقرة الثانية من امل��ادة السابعة من نظامها‬ ‫االساسي على أنه (تعين عبارة هجوم موجه‬ ‫ضد اي��ة جمموعة من السكان املدنيني ً‬ ‫نهجا‬ ‫ً‬ ‫سلوكيا يتضمن االرتكاب املتكرر لالفعال املشار‬ ‫اليها يف الفقرة (‪ )1‬ضد اية جمموعة من السكان‬ ‫املدنيني‪ً ،‬‬ ‫عمال بسياسة دولة أو منظمة تقضي‬ ‫بإرتكاب هذا اهلجوم أو تعزيزاً هلذه السياسة))‪.‬‬ ‫ويتضح من هذا النص بأنه البد ان تكون هناك‬ ‫سياسة دولة او منظمة سواء أكانت صرحية ام‬ ‫معلنة أو ذات طابع ضمين او غري معلن(‪.)48‬‬ ‫فمتى توافر هذا العنصر حسب البعض اصبحت‬ ‫اجلرمية املرتكبة ذات طابع دولي وتكون بذلك‬ ‫جرمية ضد االنسانية‪)49(.‬‬ ‫ونعتقد أن��ه جي��ب ع��دم التعويل فقط على‬ ‫سياسة الدولة لوحدها فللدولة اساليب متعددة‬ ‫لتنفيذ سياساتها ويف كثري من االحيان تستخدم‬ ‫الدولة قنوات اخرى لتنفيذ سياستها‪ ،‬كمامت‬ ‫ذكره‪،‬كاملليشيات أو املنظمات االرهابية أو‬ ‫اجملموعات املسلحة كاجلنجويد يف السودان لذا‬ ‫وللحفاظ على مصلحة اجملتمع الدولي ومعاقبة‬ ‫مرتكيب هذا اجلرائم ول��درء اخلطر احلاصل‬ ‫وقبل ان يصل اىل مستوى اهلجوم ذي الطابع‬ ‫الضخم (اهلجوم الواسع النطاق أو املنهجي)‬ ‫جيب هنا تفسري نص الفقرة الثانية‪ /‬أ من املادة‬ ‫السابعة السابقة الذكر بشكل واسع و تعديلها‬ ‫‪81‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪82‬‬

‫بأن يكون اهلجوم املرتكب ً‬ ‫عمال بسياسة منظمة‬ ‫س��واء أكانت من قبل الدولة أو أية جمموعة‬ ‫انسانية اخرى مدعومة من قبل الدولة‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫ه��ج��وم م��وج��ة ض��د اي��ة جمموعة م��ن سكان‬ ‫مدنيني‬ ‫يتمثل الركن الثاني للجرائم ضد االنسانية يف‬ ‫ان يكون اهلجوم موجه ضد اية جمموعة من‬ ‫السكان املدنني‪.‬‬ ‫فبموجب امل��ادة السابعة من النظام االساسي‬ ‫يتطلب أن يكون اهلجوم ال��واس��ع النطاق او‬ ‫ً‬ ‫موجها ضد السكان املدنيني‪.‬‬ ‫املنهجي‬ ‫لقد مت ذكر (السكان املدنيني) يف املادة ‪/6‬جـ‬ ‫من نظام احملكمة العسكرية لنورنربغ الدولية‬ ‫لسنة ‪ ،1945‬إذ نص على جتريم االفعال غري‬ ‫االنسانية اليت ترتكب (ضد السكان املدنيني)‬ ‫بينما حذف نظام احملكمة العسكرية الدولية‬ ‫للشرق االقصى عبارة (ضد السكان املدنيني)‬ ‫من الفقرة الثالثة من امل��ادة اخلامسة لغرض‬ ‫توسيع دائرة االفراد حمل احلماية‪)50(.‬‬ ‫وكما مت ذكرهذا يف امل��ادة اخلامسة من نظام‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية ليوغسالفيا السابقة‬ ‫لسنة ‪ 1993‬ويف املادة الثالثة من نظام احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية لرواندا لسنة ‪.1994‬‬ ‫ونصت عليه كذلك امل��ادة السابعة من النظام‬ ‫االساسي للمحكة اجلنائية الدولية املشار إليها‬ ‫ً‬ ‫سابقا واستعماهلا عباره (هجوم موجه ضد أية‬ ‫جمموعة من السكان املدنيني) ولكن ً‬ ‫أيا من هذه‬ ‫النصوص مل حيدد مفهوم (السكان املدنيني)‪،‬‬ ‫فمن أج��ل تطبيق ه��ذه امل���ادة جي��ب معرفة‬

‫وحتديد مدلول عبارة (السكان املدنيني) فما‬ ‫املقصود بعبارة ّاي من السكان املدنيني ؟‬ ‫تطرقت املادة اخلامسة من الربوتوكول االول‬ ‫امللحق باتفاقيات جنيف لسنة ‪)51(1949‬‬ ‫وأعطت بعض اإليضاحات ملفهوم (املدني) كما‬ ‫يلي‪“ :‬هو ذلك الشخص الذي الينتمي اىل القوات‬ ‫املسلحة أو امليليشيات أو الوحدات املتطوعة‪ ،‬مبن‬ ‫فيها حركات املقاومة املنظمة سواء أكانت هذه‬ ‫احلركات معرتف بها يف الطرف املعادي ام ال”‪.‬‬ ‫ويف قضية ديسكو تاجيك ( ‪)Dusko Tadic‬‬ ‫سالفة الذكر وضحت احملكمة اجلنائية الدولية‬ ‫ليوغوسالفيا السابقة هذه العبارة على انها‬ ‫تشمل مجيع املدنيني املواطنني منهم وغري‬ ‫املواطنني كما أنها تشمل غري املدنيني من‬ ‫العسكريني النظاميني أو أعضاء اجلماعات‬ ‫املسلحة الذين توقفوا بالفعل عن املشاركة يف‬ ‫صراعات مسلحة‪)52(.‬‬ ‫ويثار التسائل حول الشخص الذي الينتمي اىل‬ ‫القوات املسلحة أو امليلشيات ولكنه كان من ضمن‬ ‫ً‬ ‫متورطا يف األعمال العدوانية‬ ‫هذه القوات وكان‬ ‫؟ فهل تطبق عليه مفهوم (السكان املدنيني)‬ ‫ام ال ؟(‪ )53‬ففي قضية (‪)Dusko Tadic‬‬ ‫سالفة الذكر أعطت احملكمة اجلنائية الدولية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واسعا ملصطلح‪.‬‬ ‫مفهوما‬ ‫ليوغوسالفيا السابقة‬ ‫السكان املدنيني‪ ،‬إذا اخ��ذت هذه احملكمة مبا‬ ‫ذهبت اليه حمكمة التمييز الفرنسية يف قضية‬ ‫باربي (‪ )Barbi‬لسنة ‪ ،1983‬إذا اعتربت‬ ‫احملكمة االخرية أن اجلرائم املرتكبة ضد أفراد‬ ‫املقاومة الفرنسية أبان احلرب العاملية الثانية‬ ‫ميكن اعتبارها من اجل��رائ��م ضد االنسانية‬ ‫ولكن هل يعين ذلك بأن مجيع أفراد املقاومة‬


‫يعتربون من السكان املدنيني؟ لو متعنا جيداً يف‬ ‫احلكم نرى بان احملكمة استعملت عبارة (وجود‬ ‫البعض م��ن غ�ير املدنيني الي��ب��دل م��ن صفة‬ ‫السكان املدنيني) هذا من جهة ومن جهة اخرى‬ ‫ففي قضية مستشفى فيكوفار ((‪Hospital‬‬ ‫‪ )Vukovar))(54‬تذهب احملكمة اجلنائية‬ ‫الدولية ليوغسالفيا السابقة اىل ان (االشخاص‬ ‫الذين مارسوا أعمال املقاومة‪ ،‬ميكن اعتبارهم‪،‬‬ ‫ويف ظ��روف معينة‪ ،‬من ضحايا اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية)‪)55(.‬‬ ‫املطلب الثالث‬ ‫الركن املعنوي‬ ‫القصد اجلنائي ‪ :‬العلم باجلرمية‬ ‫أن الركن املعنوي للجرائم ضد االنسانية يتمثل‬ ‫ب��أن يكون مرتكبها على علم ب��أن سلوكه أو‬ ‫تصرفه الذي يقوم به يشكل جزءاً من هجوم‬ ‫واسع النطاق أو منهجي تقوم به دولة أو منظمة‬ ‫أو جمموعة مسلحة ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫يراعى يف شأن كل اجلرائم‪.‬الدولية وجوب توافر‬ ‫الركن املعنوي املنصوص علية يف املادة‪ 30.‬من‬ ‫النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية‬ ‫ومل حت��دد‪.‬امل��ادة السابعة‪.‬ما املقصود بالعلم‬ ‫باهلجوم‪ ،‬ففي قضية (‪)Tadic Dusko‬‬ ‫كانت للمحكمة اجلنائية الدولية ليوغوسالفيا‬ ‫املناسبة للتطرق اىل ركن العلم باهلجوم فحددت‬ ‫ثالثة شروط لتحقق هذا الركن وهي ‪ :‬أن يعلم‬ ‫الشخص بوجود هجوم وأن يعلم هذا الشخص‬ ‫انه يقوم بفعلة يف نطاق هذا اهلجوم وأخرياً ان‬ ‫اليقوم مرتكب اجلرمية بفعله اجلرمي لدوافع‬ ‫ً‬ ‫ووفقا‬ ‫شخصية حبتة ال عالقة هلا بالنزاع املسلح‬

‫للمحكمة املذكورة فيمكن االستدالل على وجود‬ ‫ه��ذا الركن من الظروف احمليطة باجلرمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن هذا‬ ‫ان املنفذين االدن��ى مرتبة ال ميكنهم االفالت‬ ‫من العقاب حبجة عدم علمهم بدقائق املخطط‬ ‫الشامل أذ أشارت اىل هذا الفقرة الثانية من املادة‬ ‫السابعة كما يلي ‪:‬‬ ‫“ أال أنه الميكن تفسري العنصر االخري بوصفه‬ ‫يتطلب ً‬ ‫أثباتا على علم املتهم جبميع خصائص‬ ‫ذلك اهلجوم أو التفاصيل الدقيقة للخطة أو‬ ‫السياسة اليت تتبعها الدولة أو املنظمة‪ ،‬ففي‬ ‫حالة ظهور اهلجوم الواسع النطاق أو املنهجي‬ ‫ضد السكان املدنيني يشري شرط القصد للعنصر‬ ‫االخري اىل استيفاء هذا العنصر املعنوي إذا نوى‬ ‫املتهم مواصلة هذا اهلجوم”‪.‬و جيب هنا تفسري‬ ‫ً‬ ‫عنصر العلم تفسرياً‬ ‫واسعا فمتى ما استنتجت‬ ‫احملكمة مبعرفة مرتكب اجلرمية للهجوم ونوى‬ ‫مع ذلك مواصلة اهلجوم فال ميكنه التنصل‬ ‫من املسؤولية على اساس عدم علمه بدقائق‬ ‫وتفاصيل اخلطة الكلية للهجوم‪ ،‬فباالمكان‬ ‫ً‬ ‫جنائيا مهما كان منصبه يف السلم‬ ‫مسائلتة‬ ‫الوظيفي يف الدولة‪ ،‬هذا إذا كان الشخص من‬ ‫موظفي الدولة‪ ،‬ويكون االمر كذلك بالنسبة ملن‬ ‫شارك يف اهلجوم إذا كان من القوات غري النظامية‬ ‫او امليليشيات املوالية للقوات احلكومية‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬ ‫تصنيف اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫حسب امل���ادة السابعة م��ن النظام االس��اس��ي‬ ‫‪83‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪84‬‬

‫للمحكمة اجلنائية الدولية (‪)56‬‬ ‫ادرج النظام االساس للمحكمة اجلنائية الدولية‬ ‫يف الفقرة االوىل من امل��ادة السابعة احد عشر‬ ‫ً‬ ‫صنفا من اجلرائم ضد االنسانية إذ وسعت هذه‬ ‫املادة من نطاق اجلرائم اليت تدخل يف تصنيف‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية لو قورنت مع انظمة‬ ‫ً‬ ‫سابقا ملعاقبة جمرمي‬ ‫احملاكم اليت مت تشكيلها‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ ،‬او احملكمتني اجلنائيتني‬ ‫الدوليتني ليوغسالفيا السابقة ولرواندا‪)57(.‬‬ ‫ولعل وض��ع مثل ه��ذا اجل��دول للجرائم ضد‬ ‫االنسانية هو احلرص على حتديد والدقة يف‬ ‫ً‬ ‫دوليا‪.‬وإستبعاد أو‬ ‫املعاني لألفعال احملرمة‬ ‫تقليل التأويل من قبل حكام احملكمة ملثل هذه‬ ‫اجلرائم‪)58(.‬‬ ‫سنقوم بالتطرق اىل ه��ذه اجلرائم بشئ من‬ ‫االجياز‪،‬متوخني يف ذلك إمتام وتكملة البحث يف‬ ‫مطلبني كما يلي‪:‬‬ ‫اجلرائم املاسة باحلياة‪ :‬وتشتمل‪.‬القتل العمدـ‬ ‫اإلفناء (اإلبادة)‬ ‫‪.2‬االفعال االجرامية االخرى‬ ‫املطلب االول‬ ‫اجلرائم املاسة باحلياة‬ ‫نصت الكثري من الوثائق الدولية على احلق يف‬ ‫احلياة فجاء يف املادة الثانية من االعالن العاملي‬ ‫حلقوق االنسان‪.‬ان “لكل انسان احلق يف احلياة‬ ‫واحلرية واالمن” كما أشارت املادة السادسة من‬ ‫االتفاقية الدولية للحقوق املدنية والسياسية‬ ‫لسنة ‪ 1966‬على محاية هذا احلق اذ تنص‬ ‫الفقرة االوىل على أن “ احلق يف احلياة حق مالزم‬

‫لكل انسان‪.‬وعلى القانون ان حيمي هذا احلقوق‬ ‫ً‬ ‫تعسفا”‪.‬‬ ‫الجيوز حرمان أحد من حياته‬ ‫والواضح هنا ان هذا احلق اليقتصر على عدم‬ ‫املساس به من جانب سلطات الدولة‪ ،‬بل يتطلب‬ ‫التزام الدولة مبنع حدوث االعتداء عليه من‬ ‫جانب االفراد أواهليئات أواجلماعات‪ ،‬او من أي‬ ‫جهة اخرى‪ ،‬وذلك عن طريق وضع القوانني‬ ‫اليت حتقق هذه احلماية‪ ،‬وتوقع العقاب على من‬ ‫ينتهك هذا احلق‪.‬ونصت الفقرة االوىل “أ وب”من‬ ‫امل��ادة السابعة من النظام االساسي للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية على جرائم القتل العمد و‬ ‫االفناء‪.‬‬ ‫‪1‬ـ القتل العمد (‪)’assassinat L‬‬ ‫إدرجت جرمية القتل العمد على رأس قائمة‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية يف امل��ادة السابعة من‬ ‫النظام االساسي الذي مل حيدد معنى جرمية‬ ‫القتل يف الفقرة الثانية من املادة السابعة كما‬ ‫فعل بالنسبة إلغلب اجلرائم االخرى الواردة يف‬ ‫الفقرة االوىل من املادة املذكورة‪)59(.‬‬ ‫وحتدد امل��ادة السابعة الفقرة االوىل (أ) أركان‬ ‫جرمية القتل كما يلي ‪ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪1‬ـ أن يقتل املتهم شخصا أو أكثر‬ ‫‪2‬ـ أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي ّ‬ ‫سكان مدنيني‪.‬‬ ‫موجه ضد ٍ‬ ‫‪3‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني‪.‬‬ ‫أو أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫‪2‬ـ ج��������رمي��������ة اإلف������������ن������������اء“أو‬ ‫االبادة”(‪)’extermination L‬‬ ‫جيب التنويه قبل كل ش��يء اىل ع��دم وجوب‬


‫اخل��ل��ط ب�ي�ن مصطلحي (‪)génocide‬‬ ‫(االب��ادة اجلماعية) و(‪)Extermination‬‬ ‫اإلفناء او “اإلب���ادة” ولقد نصت معظم نظم‬ ‫احملكام اجلنائية الدولية على جرمية االفناء‬ ‫(‪)Extermination).(60‬‬ ‫ان جرمية االفناء ميكن متييزها عن جرمية‬ ‫القتل العمد بانها موجهة ضد جمموعة من‬ ‫االف��راد بقصد تدمريهم او افنائهم اجلماعي‬ ‫س��واء أك��ان ذل��ك نتيجة فعل اجيابي ام سليب‬ ‫كعدم مد يد العون جملموعة من األفراد (وليس‬ ‫بالضرورة أن يكون هناك فعل مباشر للعنف)‬ ‫للحصول على الطعام او ال���دواء بقصد قتل‬ ‫جمموعة من السكان او قسم مهم من السكان‬ ‫وليس قتل شخص واحد‪.‬‬ ‫وميكن متييز هذه اجلرمية كذلك عن االبادة‬ ‫اجلماعية (‪ )Génocide‬بانه الترتكب بسبب‬ ‫القومية او االصل العرقي او االنتماء االثين او‬ ‫الديين فقط فقد حيصل الفعل اجلرمي ضد‬ ‫اجملين عليهم السباب اخرى (كما لو حصل ذلك‬ ‫ضد االف��راد املثليني مثال أو بعض اجملموعات‬ ‫ذات العقائد الوجودية)‪.‬‬ ‫جاء يف الفقرة‪ 1‬من املادة السابعة من النظام‪.‬‬ ‫األساسي للمحكمة اجلنائية الدولية تعريف‬ ‫االفناء ويف الفقرة الثانية من نفس املادة‪.‬لغرض‬ ‫الفقرة‪):‬ب) تشمل‪.‬االفناء “تعمد فرض احوال‬ ‫معيشية‪ ،‬من بينها احلرمان من احلصول على‬ ‫الطعام او الدواء‪ ،‬بقصد اهالك جزء من السكان”‬ ‫وميكن االستنتاج من هذا التعريف لالفناء‪،‬‬ ‫بأن أهم ما مييز هذه اجلرمية هو فرض احوال‬ ‫معيشية من شانها ان تؤدي اىل هالك جزء من‬ ‫السكان‪.‬‬

‫ويف اشارة لعبارة فرض احوال معيشية بينت‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية لرواندا على انه جيب‬ ‫عدم تفسري هذه العبارة على انها طريقة للقتل‬ ‫الفوري جملموعة من السكان‪ ،‬ولكنه يسعى بها اىل‬ ‫افنائهم يف نهاية االمر(‪)61‬‬ ‫وميكن حتديد أرك��ان جرميه االفناء‪.‬مبوجب‬ ‫املادة ‪ 7‬الفقرة االوىل (ب) كما يلي ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪1‬ـ أن يقتل مرتكب اجلرمية شخصا أو أكثر‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك إجبار الضحايا على العيش يف ظروف‬ ‫ستؤدي ُ‬ ‫حتما اىل هالك جزء من السكان‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يشكل السلوك عملية قتل مجاعي ألفراد‬ ‫جمموعة من السكان املدنيني‪ ،‬أو يكون جزءاُ من‬ ‫تلك العملية‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني أو ينوي أن يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫االفعال االجرامية االخرى‬ ‫تضمنت امل��ادة السابعة من النظام االساسي‬ ‫للمحكمة اجلنائية الدولية إضافة إىل جرمية‬ ‫القتل العمد واالفناء‪ “ ‬جرائم أخ��رى تدخل‬ ‫ضمن اجلرائم ضد االنسانية وميكننا وصفها‬ ‫حسب التصنيف االتي مع مراعاة التدرج يف ذكر‬ ‫هذه اجلرائم يف املادة املذكورة كما يلي‪:‬‬ ‫‪1‬ـ جرائم االسرتقاق (‪La réduction en‬‬ ‫‪)esclavage‬‬ ‫ك��ان االس�ترق��اق ظاهرة مألوفة يف اجملتمعات‬ ‫‪85‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪86‬‬

‫واحلضارات القدمية‪ ،‬وبلغ اوجه عند اكتشاف‬ ‫االوروبيني لقارة امريكا واستعمارهم ألفريقيا‬ ‫حيث مت اس�ترق��اق امل�لاي�ين م��ن االفريقيني‬ ‫ومت شحنهم عنوة اىل القارة اجلديدة‪ ،‬وبدأت‬ ‫حم��اوالت جتريم االجت��ار بالرقيق يف القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬وشهدت نهاية القرن التاسع عشر‬ ‫مؤمترين دوليني حلظر االجتار بالرقيق هما‬ ‫مؤمتر برلني عام ‪ 1885‬ومؤمتر بروكسل عام‬ ‫‪ ,1889‬ومت النص على جتريم االسرتقاق يف‬ ‫عدة وثائق دولية منها االتفاقية اخلاصة حبظر‬ ‫الرق املوقع عليها يف جنيف بتاريخ ‪ 25‬أيلول‬ ‫‪ 1926‬ومت تعديلها مبوجب بروتوكول صدر‬ ‫عن اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف ‪ 1953‬ثم‬ ‫صدرت اتفاقية تكميلية لتحريم الرق وجتارة‬ ‫الرقيق والنظم واملمارسات املشابهة بالرق يف‬ ‫‪ 30‬نيسان ‪)62(1957‬‬ ‫كذلك مت النص على جترميه يف االعالن العاملي‬ ‫حلقوق االنسان حيث تنص املادة الرابعة فيه‬ ‫على (انه الجيوز ابقاء احد حتت العبودية او‬ ‫الرق‪ ،‬فالرق وجتارة العبيد حمظوران حتت كافة‬ ‫اشكاهلما)‪.‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫جرم النظام االساسي لروما (نظام احملكة‬ ‫اجلنائية الدولية) يف الفقرة االوىل ج من املادة‬ ‫السابعة االسرتقاق حيث عرفته الفقرة ‪ 2‬ج‬ ‫من نفس املادة بأنه (ممارسة أي من السلطات‬ ‫املرتتبة على حق امللكية‪ ،‬أو ه��ذه السلطات‬ ‫مجيعها‪ ،‬على شخص ما‪ ،‬مبا يف ذلك ممارسة هذه‬ ‫السلطات يف سبيل االجتار باألشخاص‪ ،‬والسيما‬ ‫النساء واالطفال)‪.‬‬ ‫ويشرتط لقيام جرمية االس�ترق��اق –كاحدى‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية‪.‬مبوجب املادة ‪ 7‬الفقرة‬

‫االوىل (ج) االركان التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن ميارس مرتكب اجلرمية إحدى أو مجيع‬ ‫السلطات املتصلة باحلق يف ملكية شخص أو‬ ‫أشخاص كأن يشرتيهم أو يعريهم أو يقايضهم أو‬ ‫يؤجرهم أو كأن يفرض عليهم ما ماثل ذلك من‬ ‫معاملة سالبة للحرية‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫السكان املدنيني أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫‪.2‬إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان‪:..‬‬ ‫(‪Déportation ou transfert forcée‬‬ ‫‪)de la population‬‬ ‫تنص الفقرة الثانية‪/‬د من املادة السابعة على‬ ‫أنه (يعين ابعاد السكان أو النقل القسري للسكان‬ ‫نقل االشخاص املعنيني قسراً من املنطقة اليت‬ ‫يوجدون فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي‬ ‫فعل قسري‬ ‫آخر دون مربرات يسمح بها القانون الدولي‪.‬‬ ‫ويشرتط هلذه اجلرمية االركان التالية ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫شخصا أو أكثر اىل‬ ‫‪1‬ـ أن يرحل‪.‬أو ينقل املتهم‬ ‫دولة أخرى أو مكان آخر بالطرد أو بأي فعل‬ ‫قسري آخر ألسباب ال يقرها القانون الدولي‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يكون الشخص أو االشخاص املعنيون‬ ‫موجودين بصفة مشروعة يف املنطقة اليت‬ ‫أبعدوا أو ُنقلومنها‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يرتكب هذا السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬


‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني أو ينوي أن يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫ويشرتط لقيام ه��ذه اجلرمية ان يتم ابعاد‬ ‫السكان أو نقلهم قسراً من املنطقة املوجودين‬ ‫بها بشكل غري قانوني اىل دولة اخرى او منطقة‬ ‫اخرى دون مربرات يسمح بها القانون الدولي‪،‬‬ ‫وان من املربرات اليت يسمح بها القانون الدولي‬ ‫هو ان يتم النقل املربر أو الرتحيل كما نصت‬ ‫عليه املادة ‪ 49‬من االتفاقية الرابعة جلنيف‬ ‫عام ‪ 1949‬وهو النقل للحاالت االضطرارية أو‬ ‫الكوارث املهددة حلياة السكان‪)63(.‬‬ ‫‪.3‬السجن أو احلرمان الشديد على أي حنو آخر‬ ‫من احلرية البدنية مبا خيالف القواعد االساسية‬ ‫للقانون الدولي‬ ‫(‪Emprisonnement ou toute‬‬ ‫‪autre forme de privation grave‬‬ ‫‪de liberté physique en violation‬‬ ‫‪des dispositions fondamentales‬‬ ‫‪).du droit international‬‬ ‫تنص عدة وثائق دولية على عدم جواز سجن أو‬ ‫إعتقال أحد او نفيه بصورة حتكيمية إذ أن هذا‬ ‫احلق يشكل أحد احلقوق االساسية لإلنسان اليت‬ ‫الجيوز املساس بها دون مسوغ قانوني فاملادة‬ ‫التاسعة من االع�لان العاملي‪.‬العاملي حلقوق‬ ‫االنسان تنص على ان « ال جيوز القبض على أي‬ ‫ً‬ ‫تعسفا»‪.‬‬ ‫إنسان أو حجزه أو نفيه‬ ‫ولتحقق هذه اجلرمية مبوجب الفقرة االوىل‬ ‫(ه��ـ) من امل��ادة السابعة جيب توافر االرك��ان‬ ‫التالية ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪.1‬أن يسجن مرتكب اجلرمية شخصا أو أكثر أو‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫حرمانا شديداً من احلرية‬ ‫شخصا أو اكثر‬ ‫حيرم‬ ‫البدنية بصورة أخرى‪.‬‬ ‫‪.2‬أن تصل جسامة السلوك اىل احلد الذي يشكل‬ ‫ُ‬ ‫انتهاكا للقواعد االساسية للقانون الدولي‪ « ،‬كما‬ ‫جاء يف الوثيقة االمريكية يف شباط ‪ ،1999‬اىل‬ ‫عدم خمالفةالقواعد االساسية للقانون الدولي‬ ‫حاالت احلرمان الشديد للحرية عند انتشار‬ ‫وباء معدي أو ألي سبب صحي آخر أو للضرورات‬ ‫االمنية فال ميكن أعتبارها من اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية يف مثل هذه االحوال»‪)64(.‬‬ ‫‪.3‬أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪.4‬أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪4‬ـ التعذيب ‪)La Torture( :‬‬ ‫وردت جرمية التعذيب يف العديد من الوثائق‬ ‫الدولية منها على سبيل املثال املادة اخلامسة‬ ‫من االع�لان العاملي حلقوق االن��س��ان و امل��ادة‬ ‫السابعة من العهد الدولي للحقوق املدنية و‬ ‫السياسية كما سنت إتفاقيات خاصة بهذا الشأن‬ ‫منها ‪ :‬اتفاقية مناهضة التعذيب وغريه من‬ ‫ضروب املعاملة أو العقوبات القاسية أو املهينة‬ ‫لعام ‪ 1984‬و االتفاقية االمريكية ملنع وعقاب‬ ‫التعذيب لعام ‪ 1985‬واالتفاقية االوروبية ملنع‬ ‫التعذيب وغريه من ضروب املعاملة الالإنسانية‬ ‫او املهينة لعام ‪ ،1987‬كما ادرج��ت جرمية‬ ‫التعذيب كأحدى اجلرائم ضد االنسانية يف‬ ‫إتفاقية منع تقادم جرائم احلرب واجلرائم ضد‬ ‫االنسانية لعام ‪)65(.1968‬‬ ‫‪87‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪88‬‬

‫وعرفت الفقرة الثانية‪(.‬و) من املادة السابعة‬ ‫من النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية‬ ‫التعذيب كالتالي ‪ “.:‬يعين التعذيب تعمد احلاق‬ ‫ُ‬ ‫امل شديد او معاناة شديدة‪ ،‬سواء ً‬ ‫عقليا‬ ‫بدنيا أو‬ ‫بشخص موجود حتت اشراف املتهم أو سيطرته‬ ‫ولكن اليشمل التعذيب أي امل او معاناة ينجمان‬ ‫فحسب عن عقوبات قانونية أو يكون جزءاً منها‬ ‫أو نتيجة هلا “ ويشرتط هلذه اجلرمية االركان‬ ‫التالية ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يلحق مرتكب اجلرمية عمداً ً‬ ‫املا شديداً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نفسيا بشخص‬ ‫بدنيا أم‬ ‫أو معاناة شديدة‪ ،‬سواء‬ ‫أو أكثر‪.‬‬ ‫‪.2‬أن يكون هؤالء االشخاص حمتجزين من قبل‬ ‫مرتكب اجلرمية و حتت سيطرته‪.‬‬ ‫‪.3‬أال يكون ذلك االمل أو تلك املعاناة ناشئني‬ ‫فقط عن عقوبات مشروعة او مالزمني أو‬ ‫تابعني هلا‪.‬‬ ‫‪.4‬جيب ان يرتكب اجلرمية كجزء من هجوم‬ ‫واسع النطاق أو منهجي موجه ضد جمموعة من‬ ‫السكان املدنيني‪.‬‬ ‫‪.5‬أن يعلم مرتكب اجلرمية بان السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجة ضد‬ ‫سكان مدنيني او ينوي أن يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاُ من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫‪5‬ـ االغتصاب‪ ،‬أو االستعباد اجلنسي‪ ،‬أو االكراه‬ ‫على البغاء‪ ،‬أو احلمل القسرى‪ ،‬أو التعقيم‬ ‫القسري‪ ،‬أو أي شكل آخ��ر من أشكال العنف‬ ‫اجلنسي على مثل هذه الدرجة من اخلطورة‪.: ‬‬ ‫‪Viol, esclavage‬‬ ‫(‪sexuel,‬‬ ‫‪prostitution forcée, grossesse‬‬

‫‪forcée, stérilisation forcée et‬‬ ‫‪toute autre forme de violence‬‬ ‫‪))sexuelle de gravité comparable‬‬ ‫مل تذكر اتفاقيات الهاي لسنة ‪ 1899‬و‪1907‬‬ ‫االغتصاب‪.‬أو غريه من اشكال العنف اجلنسي‬ ‫ص��راح��ة وك��ذل��ك االم��ر بالنسبة إلتفاقيات‬ ‫جنيف لعام ‪ 1949‬غري ان ذل��ك المينع من‬ ‫اعتبار االغتصاب من االنتهاكات اجلسيمة‬ ‫ً‬ ‫وفقا للفقرات املتعلقة بالتعذيب واالض��رار‬ ‫اخلطرية بالسالمة البدنية أو الصحية أو املعاملة‬ ‫الالإنسانية يف اتفاقيات جنيف االربع‪.‬‬ ‫وتنص املادتان الثالثة واخلامسة من االعالن‬ ‫العاملي حلقوق االن��س��ان بعدم ج��واز تعرض‬ ‫شخص ما لالغتصاب أو غريه من اشكال العنف‬ ‫اجلنسي إذ تنص امل��ادة الثالثة على ان “لكل‬ ‫فرد احلق يف احلياة واحلرية وسالمة شخصه”‬ ‫واما املادة اخلامسة فتنص على ان “اليتعرض‬ ‫أي انسان للتعذيب وال للعقوبات أو املعامالت‬ ‫القاسية أو الوحشية أو احملطة بالكرامة‪”.‬‬ ‫واشارت الفقرة االوىل‪/‬ز من املادة السابعة من‬ ‫النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية اىل‬ ‫أصناف العنف اجلنسي وهي ‪:‬‬ ‫االغتصاب‪ ،‬االستعباد اجلنسي‪ ،.‬االك��راه على‬ ‫البغاء‪،‬احلمل القسري‪ ،‬التعقيم القسري‪ ،‬او اي‬ ‫شكل آخر من اشكال العنف اجلنسي‪.‬فجرمية‬ ‫االغتصاب تتحقق بأن يقوم مرتكبها باالعتداء‬ ‫ً‬ ‫جنسيا على جسد شخص اخر‪ ،‬وذلك عن طريق‬ ‫استخدام القوة او التهديد بها او االكراه‪ ،‬وسواء‬ ‫مت ذلك بني ذكر او انثى او بني شخصني من‬ ‫نفس اجلنس‪ ،‬وسواء مت بايالج عضو جنس يف‬ ‫ّأي جزء من جسد الضحية أو جسد الفاعل او‬


‫ايالج ّاي عضو آخر يف جسم الضحية‪.‬‬ ‫اما جرمية االستعباد اجلنسي فتتم مبمارسة‬ ‫مرتكب اجلرمية ً‬ ‫ايا من السلطات املتصلة حبق‬ ‫ً‬ ‫مجيعا على شخص‬ ‫امللكية او ه��ذه السلطات‬ ‫او اكثر مثل شراء او بيع او اعارة او مقايضة‬ ‫ه��ذا الشخص او ه��ؤالء األش��خ��اص او يفرض‬ ‫عليهم ح��رم��ان ً��ا م��ن احل��ري��ة‪ ،‬او غريها من‬ ‫حاالت االسرتقاق اليت مت حتديدها يف االتفاقية‬ ‫التكميلية النهاء ال��رق وجت��ارة ال��رق والنظم‬ ‫واملمارسات املشابهة للرق لعام ‪.1956‬‬ ‫واما جرمية االكراه على البغاء‪ ،‬فان هذه اجلرمية‬ ‫تتحقق حال قيام اجلاني بارغام شخص او اكثر‬ ‫على ممارسة افعال جنسية باستعمال القوة او‬ ‫بالتهديد باستعماهلا او قسراً من قبيل االفعال‬ ‫اليت تنجم عن اخلوف من التعرض للعنف او‬ ‫االك��راه او االحتجاز او الضغوط النفسية او‬ ‫اساءة استعمال السلطة او باستغالل وجود بيئة‬ ‫بشرية او عجز الشخص او االشخاص عن التعبري‬ ‫عن حقيقة رضاهم‪.‬وان حيصل اجلاني او غريه‬ ‫او ان يتوقع احلصول على اموال او فوائد اخرى‬ ‫لقاء تلك االفعال اجلنسية او لسبب مرتبط بها‪.‬‬ ‫اما احلمل القسري يعين اكراه النساء على احلمل‬ ‫قسرا وعلى الوالدة غري املشروعة‪ ،‬بهدف التأثري‬ ‫على الرتكيبة العرقية جملموعة من السكان‪.‬‬ ‫ويتم ذل��ك حببس اجلاني ام��رأة أو أكثر ثم‬ ‫حتبيلها قسرا بنية التأثري يف التكوين العرقي‬ ‫جملموعة معينة من السكان املدنيني‪ ،‬او ان‬ ‫يرتكب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي بهذا‬ ‫الصدد‪.‬‬ ‫واما ما خيص التعقيم القسري فان هذه اجلرمية‬ ‫تتحقق اذ قام الفاعل حبرمان شخص او اكثر‬

‫من القدرة على االجناب‪ ،‬وذلك عن طريق اعطاء‬ ‫هذا الشخص او هؤالء االشخاص عقاقري طبية‬ ‫او اجراء عمليات جراحية ال تربرها الضرورات‬ ‫الطبية ودون رضاء حقيقي من اجملنى عليه او‬ ‫اجملنى عليهم‪.‬‬ ‫وماخيص جرائم العنف اجلنسي االخرى فيتم‬ ‫ذلك بأن يرتكب اجلاني ً‬ ‫فعال ذا طبيعة جنسية‬ ‫ضد شخص أو أكثر او ان يرغمهم على ممارسة‬ ‫االفعال اجلنسية‪ ،‬عن طريق استخدام القوة‬ ‫او التهديد بها او قسراً أي االفعال اليت تنجم‬ ‫عن اخل��وف من التعرض للعنف أو االك��راه او‬ ‫االحتجاز او الضغوط النفسية او إساءة استعمال‬ ‫السطة ضد الشخص او االشخاص‪ ،‬دون التعبري‬ ‫عن رضائهم احلقيقي‪.)66(.‬ويشرتط إلركان‬ ‫هذه اجلرائم ً‬ ‫وفقا للفقرة االوىل (ز) من املادة‬ ‫السابعة اضافة اىل ما ذكر‪ ،‬االركان التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني أو ان ينوي أن يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫‪6‬ـ االختفاء القسري(‪La Disparation‬‬ ‫‪)forcée‬‬ ‫نصت الفقرة االوىل‪/‬ط من املادة السابعة من‬ ‫النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية‬ ‫على ذكر االختفاء القسري كجرمية مستقلة‬ ‫من اجلرائم ضد االنسانية وعرفتها الفقرة‬ ‫الثانية‪/‬ط من نفس املادة مبا يلي‪ :‬ـ‬ ‫(يعين االختفاء القسري لالشخاص القاء القبض‬ ‫‪89‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪90‬‬

‫على اشخاص او احتجازهم او خطفهم من قبل‬ ‫دولة او منظمة سياسية‪ ،‬او باذن او دعم منها‬ ‫هلذا الفعل او بسكوتها عليه‪ ،‬ثم رفضها االقرار‬ ‫حبرمان هؤالء االشخاص من حريتهم او اعطاء‬ ‫معلومات عن مصريهم او عن اماكن وجودهم‪،‬‬ ‫بهدف حرمانهم من محاية القانون لفرتة‬ ‫زمنية طويلة)‪.‬‬ ‫ويشرتط لقيام هذه اجلرمية ان يقوم مرتكب‬ ‫اجلرمية بالقاء القبض على شخص او اكثر او‬ ‫إحتجازهم او اختطافهم‪ ،‬او غريها من االمور‬ ‫اليت يرتتب عليها وان يرفض االقرار حبرمان‬ ‫هذا الشخص او االشخاص من حريتهم او اعطاء‬ ‫معلومات عن مصريهم او عن اماكن وجودهم‪.‬‬ ‫وان يهدف مرتكب اجلرمية من وراء تصرفاته‬ ‫هذه حرمان اجملين عليه او اجملنى عليهم من‬ ‫احلماية اليت يكفلها هلم القانون فرتة طويلة من‬ ‫الزمن‪)67(.‬‬ ‫ً‬ ‫طبقا للمادة ‪ 7‬الفقرة االوىل (ط) تشرتط‬ ‫و‬ ‫االرك���ان التالية جلرمية االختفاء القسري‬ ‫لألشخاص اليت تشكل جرمية ضد االنسانية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن يقوم مرتكب اجلرمية ‪:‬‬ ‫أـ بالقاء القبض على شخص أو أكثر أو احتجازه‬ ‫أو أختطافه‬ ‫ب‪.‬أن يرفض اإلقرار بالقبض على أو احتجاز‬ ‫أو اختطاف هذا الشخص أو ه��ؤالء االشخاص‬ ‫أو إعطاء معلومات عن مصريهم أو عن أماكن‬ ‫وجودهم‪.‬‬ ‫‪2‬ـ (أ) أن يعقب هذا القبض أو االحتجاز أو‬ ‫االختطاف رفض االقرار حبرمان هذا الشخص أو‬ ‫هؤالء االشخاص من حريتهم أو إعطاء املعلومات‬ ‫عن مصريهم وعن أماكن وجودهم‪.‬‬

‫(ب)ـ أن يسبق هذا الرفض احلرمان من احلرية‬ ‫أو يتزامن معه‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية ‪:‬‬ ‫(أ)‪.‬أن القاء القبض على هذا الشخص أو هؤالء‬ ‫االشخاص أو احتجازهم أو أختطافهم سيليه يف‬ ‫سري االحداث العادية رفض لإلقرار حبرمانهم‬ ‫من احلرية أو إعطاء معلومات عن مصريهم أو‬ ‫مكان وجودهم‪.‬‬ ‫(ب) أن يسبق هذا الرفض احلرمان من احلرية‬ ‫أو يتزامن معه‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن تقوم بهذا القبض أو االحتجاز أو اخلطف‬ ‫دولة أو منظمة سياسية أو يتم بإذن أو دعم أو‬ ‫إقرار منها‪.‬‬ ‫‪5‬ـ أن يكون رفض االقرار حبرمان هذا الشخص‬ ‫أو ه��ؤالء االش��خ��اص م��ن حريتهم أو إعطاء‬ ‫معلومات عن مصريهم أو مكان وجودهم قد مت‬ ‫من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بأذن أو دعم‬ ‫أو إقرار منها‪.‬‬ ‫‪6‬ـ أن ينوي مرتكب اجلرمية منع الشخص أو‬ ‫االشخاص من احلماية اليت يكفلها القانون لفرتة‬ ‫طويلة من الزمن‪.‬‬ ‫‪7‬ـ أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪8‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني أو ينوي أن يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫‪7‬ـ االضطهاد (‪)persécution La‬‬ ‫نصت الفقرة االوىل‪/‬ح من امل��ادة السابعة من‬ ‫النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية‬ ‫على جرمية االضطهاد كاحدى اجلرائم ضد‬


‫االنسانية وعرفتها بانها “اضطهاد مجاعة‬ ‫حم��ددة او جمموع حم��دد من السكان السباب‬ ‫سياسية او عرقية او قومية او اثنية او ثقافية‬ ‫او دينية او متعلقة بنوع اجلنس على النحو‬ ‫املعرف يف الفقرة الثالثة ون��وع اجلنس يشري‬ ‫اىل الذكر واالن��ث��ى يف اط��ار اجملتمع وال يشري‬ ‫نوع اجلنس اىل ّأي معنى اخر خيالف ذل��ك‪...‬‬ ‫او االسباب اخرى من املسلم عامليا بان القانون‬ ‫الدولي الجييزها‪ ،‬وذلك فيما يتصل باي فعل‬ ‫مشار اليه يف هذه الفقرة او باية جرمية تدخل‬ ‫يف اختصاص احملكمة”‪.‬‬ ‫ويعرف الدكتور بسيوني االضطهاد بانه “ فعل‬ ‫او سياسة الدولة املوجهة جتاه شخص‪ ،‬ملضايقته‬ ‫او إليذائه‪ ،‬أو اجلور عليه أو بباعث متييزي‪,‬‬ ‫وليسبب له اآلالم اجلسدية أو العقلية‪ ،‬أو املتاعب‬ ‫االقتصادية بسبب معتقداته أو آرائه أو إلنتمائه‬ ‫جملموعة حمددة قابلة للتعيني)‪)68(.‬‬ ‫ويشرتط إلرك��ان هذه اجلرمية حسب الفقرة‬ ‫االوىل (ح) من املادة السابعة مايلي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫شخصا أو اكثر‬ ‫‪1‬ـ أن حيرم مرتكب اجلرمية‬ ‫ً‬ ‫حرمانا ش��دي��داً من حقوقهم االساسية مبا‬ ‫يتعارض مع القانون الدولي‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يستهدف مرتكب اجلرمية ذلك الشخص أو‬ ‫أولئك االشخاص بسبب انتمائهم لفئة أو مجاعة‬ ‫حمددة‪ ،‬أو يستهدف الفئة أو اجلماعة لطبيعتها‬ ‫تلك‪ ،‬وان يكون ذل��ك االستهداف على اسس‬ ‫سياسية او عرقية او وطنية أو أثنية أو دينية أو‬ ‫غريها من االسس اليت حيظرها القانون الدولي‪.‬‬ ‫ويشرتط ان ياتي هذا السلوك كجزء من تنفيذ‬ ‫او تعزيز سياسة دولة إلضطهاد مجاعة حمددة‬ ‫أو جمموع حمدد من السكان ألسباب سياسية او‬

‫عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية‬ ‫أو متعلقة بنوع اجلنس “ نوع اجلنس يشري اىل‬ ‫الذكر و االنثى يف إطار اجملتمع” أو غريها من‬ ‫االسس اليت حيظرها القانون الدولي‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يرتكب هذا السلوك كجزء من تنفيذ‬ ‫أو تعزيز سياسة دولة أو منظمة تنتهجها ضد‬ ‫جمموعة من سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني أو ينوي أن يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫‪.8‬الفصل العنصري (‪)’apartheid L‬‬ ‫تعترب االتفاقية الدولية للقضاء على التمييز‬ ‫العنصري بكافة أشكاله لعام ‪ 1965‬من أهم‬ ‫الوثائق الدولية يف موضوع الفصل العنصري‬ ‫اذ عرفت مادتها االوىل التمييز‪.‬العنصري بانه‬ ‫ّ‬ ‫“أي تفرقة او استثناء او تقييد او افضلية على‬ ‫اساس العرق او اللون او واقعة امليالد او االصل‬ ‫االثين او العرقي واليت يكون غرضها او اثرها‬ ‫ابطال او افساد االعرتاف او التمتع او ممارسة‬ ‫حقوق االنسان واحلريات االساسية‪ ،‬على قدم‬ ‫املساواة‪ ،‬يف اجملاالت السياسية او االقتصادية او‬ ‫االجتماعية او الثقافية او اي جمال اخر من‬ ‫ميادين احلياة العامة”‪.‬والوثيقة املهمة الثانية‬ ‫يف ه��ذا اجمل��ال ه��ي االتفاقية الدولية لقمع‬ ‫جرمية الفصل العنصري والعقاب عليها لعام‬ ‫‪)69(1973‬‬ ‫ونظراً خلطورة هذه اجلرمية وضرورة العقاب‬ ‫عليها‪ ،‬فقد مت اعتبارها اح��دى اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية اذ عرفت الفقرة الثانية‪/‬ي من املادة‬ ‫السابعة من النظام االساسي للمحكمة اجلنائية‬ ‫‪91‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪92‬‬

‫الدولية جرمية الفصل العنصري بانه “اية‬ ‫افعال الانسانية متاثل يف طابعها االفعال املشار‬ ‫اليها يف الفقرة ‪ 1‬وترتكب يف سياق نظام‬ ‫مؤسسي قوامه االضطهاد املنهجي والسيطرة‬ ‫املنهجية من جانب مجاعة عرقية واحدة ازاء‬ ‫اية مجاعة او مجاعات عرقية اخرى‪ ،‬وترتكب‬ ‫بنية االبقاء على ذلك النظام”‪.‬‬ ‫وتشرتط االركان التالية هلذه اجلرمية مبوجب‬ ‫الفقرة االوىل (ي) من املادة السابعة من النظام‬ ‫االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أن ُيرتكب مرتكب اجلرمية ً‬ ‫فعال ال إنسانياً‬ ‫ضد شخص أو أكثر‬ ‫‪2‬ـ أن يكون ذلك الفعل من االفعال املشار اليها يف‬ ‫الفقرة ‪ 1‬من املادة السابعة من النظام االساسي‬ ‫أو مياثل يف طابعه ً‬ ‫أيا من تلك االفعال‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن يكون مرتكب اجلرمية على علم بالظروف‬ ‫الواقعية اليت تثبت طبيعة ذلك الفعل‪.‬‬ ‫‪4‬ـ أن ُيرتكب السلوك يف إطار نظام مؤسسي‬ ‫قائم على القمع و السيطرة بصورة منهجية‬ ‫من جانب مجاعة عرقية أو مجاعات عرقية‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫‪5‬ـ أن ينوي مرتكب اجلرمية من خالل سلوكه‬ ‫اإلبقاء على ذلك النظام‪.‬‬ ‫‪6‬ـ أن ُيرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪7‬ـ أن يعلم مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي ّ‬ ‫موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬ ‫‪9‬ـ األفعال الال إنسانية األخ��رى (‪Autres‬‬ ‫‪)actes inhumains) (70‬‬

‫مت إدراج هذه اجلرمية يف نهاية اجلرائم ضد‬ ‫ً‬ ‫مفتوحا أمام ما‬ ‫االنسانية وذلك ليرتك الباب‬ ‫قد يبتكره االنسان ألخيه االنسان من أساليب‬ ‫إجرامية جديدة أخرى ولكي تشمل كل االفعال‬ ‫الالانسانية اليت ترتكب ضد شخص أو اكثر‬ ‫واليت يرتتب عليها معاناة شديدة أو ضرر بالغ‬ ‫ً‬ ‫ايضا عقوبة‬ ‫باجلسم أو الصحة وق��د يشمل‬ ‫اجللد او عقوبة برت االيدي يف جرائم السرقة أو‬ ‫االعتقال االداري الطويل االمد‪.‬‬ ‫اذ نصت الفقرة االوىل‪/‬ك من املادة السابعة من‬ ‫النظام االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية على‬ ‫حتريم (االفعال الالانسانية االخرى ذات الطابع‬ ‫املماثل اليت تتسبب عمداً يف معاناة شديدة أو‬ ‫أذى خطري يلحق باجلسم او بالصحة العقلية أو‬ ‫البدنية) وتشرتط ملثل هذه االفعال الالانسانية‬ ‫االركان التالية‪:‬‬ ‫‪1‬ـ‪.‬أن يلحق مرتكب اجلرمية معاناة شديدة‬ ‫أو ض��رراً بالغا باجلسم أو بالصحة العقلية أو‬ ‫البدنية بإرتكابه ً‬ ‫ً‬ ‫إنسانيا‪.‬‬ ‫فعال ال‬ ‫‪2‬ـ أن يكون ذلك الفعل ذا طابع مماثل ألي فعل‬ ‫آخر مشار اليه يف الفقرة االوىل من املادة السابعة‬ ‫من النظام االساسي‪.‬‬ ‫‪3‬ـ أن ي��ك��ون مرتكب اجل��رمي��ة على علم‬ ‫بالظروف الواقعية اليت تثبت طبيعة الفعل‪.‬‬ ‫‪4‬ـ ان يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع‬ ‫النطاق أو منهجي موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪5‬ـ ان يعلم‪.‬مرتكب اجلرمية بأن السلوك جزء‬ ‫من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد‬ ‫سكان مدنيني أو ينوي ان يكون هذا السلوك‬ ‫جزءاً من ذلك اهلجوم‪.‬‬


‫اخلامتة‬ ‫ّ‬ ‫مماسبق ميكننا إستخالص االستنتاجات و‬ ‫التوصيات التالية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪.‬االستنتاجات ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أشواطا كبرية يف‬ ‫أن اجملتمع الدولي قد قطع‬ ‫اآلون��ة االخ�يرة يف جم��ال املسؤولية اجلنائية‬ ‫ً‬ ‫عرضة‬ ‫الفردية وأصبح مرتكيب هذه اجلرائم‬ ‫للمالحقة و احملاكمة من قبل احملاكم اجلنائية‬ ‫الدولية‪،‬‬ ‫إذ عرفت امل��ادة السابعة من النظام االساسي‬ ‫للمحكمة اجلنائية ال��دول��ي��ة اجل��رائ��م ضد‬ ‫ً‬ ‫تفصيال‬ ‫االنسانية بصورة أوسع وبطريقة اكثر‬ ‫ً‬ ‫مقارنة باالنظمة االساسية للمحاكم اجلنائية‬ ‫الدولية االخرى وتعكس بهذا التطور املتنامي‬ ‫و السريع للقانون الدولي كما وان التفاصيل‬ ‫املنصوص عليها يف املادة السابعة تعطي مزيداً‬ ‫من الدقة وج��اءت اكثر مش ً‬ ‫��وال وتركت الباب‬ ‫ً‬ ‫مفتوحا ام��ام أن��واع اخ��رى من اجل��رائ��م قد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملموسا مما‬ ‫يشكل‪.‬تقدما‬ ‫مستقبال مما‬ ‫حتدث‬ ‫هو عليه احل��ال‪.‬يف احملاكم اجلنائية الدولية‬ ‫االخرى ( احملكمة العسكرية الدولية لنورنربغ و‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية ليوغوسالفيا السابقة‬ ‫و احملكمة اجلنائية الدولية لرواندا‪).‬‬ ‫وبالنظر ألهمية مالحقة و معاقبة مرتكيب‬ ‫اجل��رائ��م ضد االنسانية فأنه من الضروري‬ ‫ً‬ ‫حتديد مفهوم هذه اجلرائم حتديداً‬ ‫دقيقا إذ‬ ‫جند بان هذه اجلرائم تتميز باخلصائص التالية‬ ‫‪1‬ـ إستقاللية هذه اجلرائم عن كل من جرائم‬ ‫االب���ادة اجلماعية وج��رائ��م احل��رب أذ ميكن‬ ‫متييزها‬ ‫عنهما‪ ،‬ففي اجلرائم ضد االنسانية يشرتط أن‬

‫يكون هناك هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد‬ ‫سكان مدنيني والعلم من قبل مرتكب اجلرمية‬ ‫بهذا اهلجوم‪ ،‬أما جرائم االبادة اجلماعية فيتم‬ ‫اقرتافها ض��د اجلماعات القومية اواالثنية‬ ‫ً‬ ‫او العرقية او الدينية ً‬ ‫جزئيا (امل��ادة‬ ‫كليا أو‬ ‫السادسة من النظام االساسي للمحكمة اجلنائية‬ ‫الدولية)‪.‬أما جرائم احلرب فهي اجلرائم اليت‬ ‫ُ‬ ‫وأنتهاكا لقوانني‬ ‫يتم ارتكابها اثناء احل��رب‬ ‫واع���راف احل��روب ال�تي نصت عليها معاهدة‬ ‫الهاي يف ‪ 18‬تشرين االول‪ /‬أوكتوبر ‪،1907‬‬ ‫او يف هجوم على أعيان مدنية ّاى اليت ال تشكل‬ ‫ً‬ ‫أهدافا عسكرية وان يصدر السلوك يف سياق‬ ‫ن��زاع مسلح دول��ي(امل��ادة الثامنة من النظام‬ ‫االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية) واملسؤولية‬ ‫هنا تقع على عاتق األف��راد مهما كانت درجة‬ ‫مسؤولياتهم يف حكومات الدول‪ ،‬وهذا مايسمى‬ ‫يف القانون الدولي باملسؤولية اجلنائية الدولية‬ ‫لألفراد مبالحقة وحماكمة املسؤولني عن مثل‬ ‫هذه‬ ‫اخلروقات (‪ )71‬ففي مثل هذه احلاالت فان‬ ‫االختصاص العاملي للمحاكم الداخلية يكون‬ ‫نتيجة طبيعية لتطبيق القواعد اآلم��رة يف‬ ‫القانون الدولي‪.‬‬ ‫أن املادة السابقة من النظام االساسي للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية أدرجت اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫كجرمية مستقلة وقائمة لوحدها سواء أكانت‬ ‫هذه اجلرائم قد ارتكبت اثناء احلرب أم يف وقت‬ ‫داخليا كان أم ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا‪.‬‬ ‫السلم أم يف اي نزاع مسلح‬ ‫‪ - 2‬عاملية االختصاص القضائي ‪:‬‬ ‫استناداً لقرارات‪.‬احملاكم اجلنائية الدولية أنه يف‬ ‫حالة عدم وجود نص قانوني صريح يف القانون‬ ‫‪93‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪94‬‬

‫الداخلي فان القاضي اجلنائي له احلق مبالحقة‬ ‫اجلاني يف اجلرائم ضد االنسانية وإيقاع العقاب‬ ‫عليه وذل��ك باالستناد على قواعد القانون‬ ‫الدولي العريف ملمارسة اختصاصاته‪.‬‬ ‫فيمكن القول هنا بأنه عندما تقع يف دولة‬ ‫م��ا ج��رمي��ة ض��د االن��س��ان��ي��ة‪ ،‬ف��ان ذل��ك ميس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجيعا‬ ‫مجيعا‪ ،‬فانه من مصلحة الدول‬ ‫الدول‬ ‫محاية احلقوق اليت مت انتهاكها‪.‬لذا فأن عقاب‬ ‫املسؤولني عن اجلرائم ضد االنسانية يهم مجيع‬ ‫الدول ً‬ ‫ايضا‪.‬‬ ‫‪.3‬عدم التقادم يف اجل��رائ��م ضد االنسانية‪،‬‬ ‫ويرتتب على احكام هذه القاعدة بانه متى‬ ‫ما ارتكب شخص ما جرمية من اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية فأنه الميكنه االفالت من العقاب سواء‬ ‫من قبل احملاكم اجلنائية الداخلية أو الدولية‬ ‫طاملا كان على قيد احلياة‪ ،‬وذلك أن مثل هذه‬ ‫اجلرائم تعترب من اجلرائم اليت ال تسقط بتقادم‬ ‫الزمن‪.‬‬ ‫ولكي تعترب اجلرمية ضد االنسانية من اجلرائم‬ ‫الدولية جيب ان تتوافر فيها ثالثة أركان مهمة‬ ‫هي‪:‬‬ ‫‪.1‬ضخامة الفعل اجلرمي ‪ :‬هجوم واسع النطاق‬ ‫أو منهجي تقوم به دولة أو منظمة أو جمموعة‬ ‫مسلحة‬ ‫‪.2‬هجوم ّ‬ ‫موجه ضد سكان مدنيني‪.‬‬ ‫‪ - 3‬القصد اجلنائي ‪ :‬العلم باهلجوم الواسع‬ ‫النطاق أو املنهجي‬ ‫أضافة هلذه االركان جيب أن يكون الفعل املرتكب‬ ‫أحد االفعال املنصوص عليها يف الفقرة االوىل‬ ‫من املادة السابعة من النظام االساسي للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية‪.‬‬

‫وان اجلرائم ضد االنسانية يلزم لقيامها وجود‬ ‫الركن املادي من جهة والركن املعنوي من جهة‬ ‫أخرى فالركن املادي للجرمية ضد االنسانية‪،‬‬ ‫يتمثل يف عدة أفعال أوردها نص املادة السابقة‬ ‫على سبيل احلصر‪ ،‬وذلك إذا مت ارتكاب هذه‬ ‫االفعال يف اطار هجوم واسع النطاق او منهجي‬ ‫ضد السكان املدنيني‪.‬‬ ‫أما الركن املعنوي فيتمثل بأن يكون مرتكبها‬ ‫على علم بأن سلوكه أو تصرفه الذي يقوم به‬ ‫يشكل جزءاً من هجوم واسع النطاق أو منهجي‬ ‫تقوم به دولة أو منظمة أو جمموعة مسلحة ضد‬ ‫السكان املدنني‪.‬‬ ‫فعندما يتم ارتكاب اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫ً‬ ‫اخالال باجملتمع الدولي بأسره‬ ‫فان ذلك يشكل‬ ‫ف��ان النتيجة احلتمية هل��ذا االم��ر هو وجوب‬ ‫وجود تعاون وثيق بني الدول ألجل احلد من‬ ‫ح��دوث مثل ه��ذه اجل��رائ��م ومعاقبة فاعلي‬ ‫مثل هذه اجلرائم‪ ،‬فعندما يقوم فرد ما خبرق‬ ‫القواعد القانونية االمرة (‪)Jus Cognes‬‬ ‫فأن هذا االنتهاك أو اخلرق يؤثر على اجملتمع‬ ‫الدولي بأسره‪ ،‬وهلذا لكل دولة احلق يف مالحقة‬ ‫ومعاقبة مرتكيب اجلرائم ضد االنسانية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪.‬التوصيات‬ ‫ميكننا ابداء التوصيات التالية حول موضوع‪.‬‬ ‫مفهوم اجلرائم ضد االنسانية ‪:‬‬ ‫‪.1‬تهيئة ووضع دراسات خاصة من قبل جلنة‬ ‫القانون الدولي حول اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫لتحديد مفهومها حتديدا دقيقا بعيدا عن اللبس‬ ‫و التشابك مع اجلرائم الدولية االخرى و تهيئة‬ ‫اتفاقية دولية خاصة باجلرائم ضد االنسانية‬ ‫من قبل اجلمعية العامة لالمم املتحدة وذلك‬


‫لتنظيم هذه اجلرمية و العقاب عليها‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تسهيل التعاون القضائي الدولي او الوطين‬ ‫ألجل مالحقة مرتكيب هذه اجلرائم يف كافة‬ ‫الدول ومنع إيوائهم من قبل بعض من الدول‬ ‫وضرورة الضغط وبكافة الوسائل على الدول‬ ‫اليت يشك بانها‪.‬تأوي جمرميني يف اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية‪.‬‬ ‫‪ - 3‬العمل على توعية ال��راي العام العاملي و‬ ‫حث الدول االخرى على املصادقة على النظام‬ ‫االساسي للمحكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬لتستطيع‬ ‫احملكمة اجلنائية ال��دول��ي��ة‪.‬أن تقوم مبهامها‬ ‫بصورة منتظمة و ان تقوم بواجبها التكميلي يف‬ ‫مالحقة ومعاقبة املذنبني يف اجلرائم الدولية‬ ‫بصورة عامة و مرتكيب اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫بصورة خاصة‪ ،‬ولكي اليتمكن ّأي جمرم من‬ ‫االفالت من العدالة سواء أكان ذلك على‪.‬نطاق‪.‬‬ ‫القانون الداخلي أم القانون الدولي العام‬ ‫املصادر ‪:‬‬ ‫أ‪.‬باللغة العربية ‪:‬‬ ‫‪.‬د‪.‬أمحد أبو وفا‪ ،‬احلماية الدوليةحلقوق االنسان‬ ‫يف اطار منظمة االمم املتحدة والوكاالت الدولية‬ ‫املتخصصة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪.2000‬‬ ‫ــ د‪.‬ح��س��ام أمح��د ه��ن��داوي‪ ،‬القانون الدولي‬ ‫ومح��اي��ة احل��ري��ات الشخصية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهره‪1997.‬‬ ‫ــ د‪.‬سوسن مترخان بكه‪ ،‬اجلرائم ضد االنسانية‬ ‫يف ض��وء أح��ك��ام ال��ن��ظ��ام االس��اس��ي للمحكمة‬ ‫اجلنائية الدولية‪،‬‬ ‫ط‪ ،1.‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬دمشق‬

‫‪.2006‬‬ ‫ـ د‪.‬ع��ب��دال��وه��اب ح��وم��د‪ ،‬االج����رام ال��دول��ي‪،‬‬ ‫مطبوعات جامعة الكويت‪.1978،‬‬ ‫ـ د عبد الواحد حممد الفار‪ ،‬اجلرائم الدولية‬ ‫وسلطة العقاب عليها‪ ،،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القاهرة ‪.1996‬‬ ‫ـ د‪.‬حممد يوسف علوان‪ ،‬اجلرائم ضد االنسانية‪،‬‬ ‫حبث مقدم اىل الندوة العلمية حول احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية‪.‬‬ ‫‪.‬اللجنة الدولية للصليب االمحر دمشق‪4-3 ،‬‬ ‫اكتوبر تشرين االول ‪.2001‬‬ ‫ـ ل��ي��ون ف��ري��دم��ان (ق��ان��ون احل��رب‪.‬ال��وث��ائ��ق‬ ‫التارخيية‪ ،‬اجلزء الثاني ‪ 1972‬قانون الصراعات‬ ‫املسلحة‪ ،‬جمموعة من االتفاقيات‪.‬قانون جرائم‬ ‫احلرب ‪ 1993‬باللغة االنكليزية‪.‬‬ ‫ـ د‪.‬وائل أمحد عالم « االتفاقات الدولية حلقوق‬ ‫االنسان» دار النهضة العربية‪.‬القاهرة‪1999.‬‬ ‫ص ‪.60‬‬ ‫ـ د‪.‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬احملكمة اجلنائية‬ ‫الدولية نشأتها ونظامها االساسي‪ ،‬مطابع روز‬ ‫اليوسف احلديثة‪،‬‬ ‫ـ د‪.‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬مدخل لدراسة‬ ‫القانون االنساني الدولي‪ )IARLI( ،‬معهد‬ ‫حقوق االنسان يف جامعة دي بول‪ -‬كلية احلقوق‪،‬‬ ‫الوالية املتحدة االمريكية ‪2003‬‬ ‫ـ د‪.‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬مدخل يف القانون‬ ‫االنساني الدولي اعمال الندوة التعليمية حول‬ ‫القانون الدولي االنساني املنعقد يف سرياكوزا‪-‬‬ ‫ايطاليا من ‪ 27‬حزيران اىل‪ 3.‬متوز ‪1998‬‬ ‫طبعت يف ‪.1999‬‬ ‫د‪.‬حممود شريف بسيوني‪،‬احملكمة اجلنائية‬ ‫‪95‬‬

‫أقواس‬


96

H.KELSEN, Théorie pure de droit, -.....Dalloz, Paris 1962 L.Clergerie, la nation de crime. contre l’humanité, in Revue de droit public 1988 .6-n° 4 Oscar SCHACHTER, International Law in theory and practice, Dordrech.Martinus .Nijhoff publisher, 1985 Paul REUTER, Droit International .Public, Paris, Dalloz, 1973 Paul Tavernier,..« Vers une ‫ـ‬ juridiction internationale , mutation internationale.et.évolutions.des. normes in.Caottny.Thuan..et.Alain Fenet ,.1994 P.M DUPUY, normes international pénales et droit impératif (Jus cognes) in Hervé ASCENSIO et autres, Droit International Pénal, édition .A.Pedone, Paris X, 2000 Schabas William A., In Droit international pénal, Hervé Ascensio et autre, cedin Paris.Edition, .A.pédone, paris 2000 Robert Badinter « avant propos » Barbie, Touvier, Papon, Des procès ‫ ـ‬pour mémoire éditions Autrement, Paris 2002

‫أقواس‬

‫ م��دخ��ل ل��دراس��ة واح��ك��ام وآل��ي��ات‬،‫ال��دول��ي��ة‬ ،‫ دار الشروق‬،‫االنفاذالوطين للنظام االساسي‬ ،2004 ،1‫ ط‬،‫القاهرة‬ ‫ اجل��رائ��م ضد‬،‫حم��م��ود ش��ري��ف بسيوني‬.‫ـ د‬ ‫ الطبعة‬،‫االنسانية يف القانون اجلنائي الدولي‬ ..1998 ‫القاهرة‬،‫الثانية‬ ‫ احملكمة اجلنائية‬،‫حممود شريف بسيوني‬.‫د‬ ،2002 ،‫ القاهرة‬،‫ دار النهضة العربية‬،،‫الدولية‬ .14 ‫ص‬ ‫ مدخل يف القانون‬،‫حممود شريف بسيوني‬.‫ـ د‬ ‫الدولي االنساني و الرقابة الدولية على إستخدام‬ .1999 ،‫ القاهرة‬،‫االسلحة‬ : ‫باللغة الفرنسية‬.‫ب‬ Peyrollopis, La compétence universelle en matière de crime ‫ ـ‬contre l’humanité , Ana .Editions Bruylant, Bruxelles, 2003 international Aroneanu ,Le crime contre l’humanité, Nouvelle revue de ‫ ـ‬droit .Privé, 1946 A.DE LA PRADELLE, « Une révolution dans le droit pénal ‫ ـ‬,international » Paris .Éditions international, 1946 Alvarez J , crime of states/crimes of ..Hatie lessons Rwanda in Yale J.I.L Vol.24 n° 2.1999 P375 BASSIOUNI Chérif,.Introduction au Droit Pénal International, éditions .Bruylant, Bruxelles, 2002


1994.A.G.N.U.Doc.Off.Suppl.no 1, p.76.101/A/49 la Cours criminelle.international ٌRapport préparatoire de la Commission de NU, Doc.pcnicc /2000/INF/3/add.2 de 30 juin 2000 1-T, 10/Affaire Furundzia IT- 956 17 décembre 1998 s 156 Tribunal Pénal International de l’ex Yougoslavie, Affaire Erdemovic , IT ‫ ـ‬96.22.A l .Le 29 November 1996 Le Procureur contre DUSKO Tadic, ...72-1-cas n° IT – 94 ‫) الغرفة‬Dusko Tadic( ‫قضية دوسكو تاجيك‬ IT 94 1T le 7 mai 1997 ‫الثانية القضية رقم‬ P 654 2-R61, 20 October1995,par-IT-94.‫ـ قضية‬ ‫ ـ‬26...Dragan likolic

‫امللخص‬ ‫إن اجل��رائ��م ضد االنسانية هي من اجلرائم‬ ‫اخلطرية نظراً ملا تتضمنة من تهديد لألمن و‬ ‫السلم الدولي وخماطر على اجملتمع الدولي لذا‬ ‫نصت على جترميها العديد من الوثائق الدولية‬ ً ..‫عمال مببدأ الجرمية وال عقوبة اال بنص‬ ‫إذ نصت أنظمة احملاكم اجلنائية الدولية على‬ ‫ضرورة معاقبة مرتكيب اجلرائم الدولية من‬ ‫االشخاص الطبيعيني ومن ضمنهم املسؤولني‬

‫أقواس‬

97

Zenneth RAHDALL, Universal‫ـ‬ Jurisdiction under international law, .Texas law Review 1988, P.831 : ‫باللغة االنكليزية‬.‫ج‬ BASSIOUNI.M Sharif, crimes -‫ـ‬ against humanity, Klumer International Law,.The Huge , second .édition, 1999 E.Schwelb, Crime against humanity, in British year book of.international -...law .Vol 23, 1949 Robinson Darryl, Defining Crime against Humanity at the Rome conference .in (A.J.I.L.)Vol 93.1999 Oscar SCHACHTER, International Law in theory and practice,. ‫ ـ‬Dordrech- Martinus .Nijhoff publisher, 1985, p 261 Zenneth RAHDALL, Universal Jurisdiction under International law, ‫ـ‬Texas law Review .P.831 ,1988 : ‫دـ الوثائق والتقارير‬ 13-Affaire Hôpital de Vukovar, TI-95 - R61 1996 Par 3 Rqpport PNCNICC/1999/DP4/ ‫ـ‬Add.1,4 février 1999 Rapport C.D.I 49 ème sessions


‫أقواس‬

‫‪98‬‬

‫يف الدولة مهما كانت درجة مسؤولياتهم و لكي‬ ‫ال يتملصوا من مسؤولياتهم اجلنائية الفردية‬ ‫حبجة سيادة الدولة و احلصانات اليت يتمتعون‬ ‫بها‪.‬‬ ‫إذ عرفت امل��ادة السابعة من النظام االساسي‬ ‫للمحكمة اجلنائية ال��دول��ي��ة اجل��رائ��م ضد‬ ‫ً‬ ‫تفصيال‬ ‫االنسانية بصورة أوسع وبطريقة اكثر‬ ‫ً‬ ‫مقارنة باالنظمة األساسية للمحاكم اجلنائية‬ ‫الدولية االخرى وتعكس بهذا مواكبة التطور‬ ‫امل��ه��م للقانون ال��دول��ي كما وأن التفاصيل‬ ‫املنصوص عليها يف املادة السابعة تعطي مزيداً‬ ‫من الدقة وج��اءت اكثر مش ً‬ ‫��وال وتركت الباب‬ ‫ً‬ ‫مفتوحا امام أنواع اخرى من اجلرائم اليت قد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ملموسا مما‬ ‫يشكل‪.‬تقدما‬ ‫مستقبال مما‬ ‫حتدث‬ ‫هو عليه احل��ال‪.‬يف احملاكم اجلنائية الدولية‬ ‫االخ��رى وبالنظر ألهمية مالحقة و معاقبة‬ ‫مرتكيب اجل��رائ��م ض��د االنسانية ف��أن��ه من‬ ‫الضروري حتديد مفهوم هذه اجلرائم حتديداً‬ ‫ً‬ ‫دقيقا إذ جند بان هذه اجلرائم تتميز بعدة‬ ‫خصائص منها‪ :‬إستقاللية هذه اجلرائم عن‬ ‫كل من جرائم االبادة اجلماعية وجرائم احلرب‬ ‫و عاملية االختصاص القضائي فيها وأن هذه‬ ‫اجلرائم التتقادم مبرور الزمن‬ ‫و يلزم لقيام اجلرائم ضد االنسانية وجود‬ ‫الركن املادي من جهة والركن املعنوي من جهة‬ ‫أخرى فالركن املادي للجرمية ضد االنسانية‪،‬‬ ‫يتمثل يف عدة أفعال أوردها نص املادة السابعة‪.‬‬ ‫وذلك إذا مت ارتكاب هذه االفعال يف اطار هجوم‬ ‫واسع النطاق او منهجي ضد السكان املدنيني‪.‬‬ ‫أما الركن املعنوي فيتمثل بأن يكون مرتكبها‬ ‫على علم بأن سلوكه أو تصرفه الذي يقوم به‬

‫يشكل جزءاً من هجوم واسع النطاق أو منهجي‬ ‫تقوم به دولة أو منظمة أو جمموعة مسلحة ضد‬ ‫السكان املدنني‪.‬‬ ‫‪Abstract‬‬ ‫‪Crimes against humanity are serious‬‬ ‫‪crimes and represent as a threat to‬‬ ‫‪international peace and security.‬‬ ‫‪They pose a risk to the international‬‬ ‫‪community,‬‬ ‫‪many‬‬ ‫‪international‬‬ ‫‪documents; provide them with the‬‬ ‫‪principle of criminality nulla poena sine‬‬ ‫‪.lege‬‬ ‫‪International criminal tribunals systems‬‬ ‫‪provide for the need to punish individuals‬‬ ‫‪for international crimes, including‬‬ ‫‪officials in the country, irrespective of‬‬ ‫‪the rank of their responsibilities and not‬‬ ‫‪to renounce their individual criminal‬‬ ‫‪responsibility under the pretext of state‬‬ ‫‪.sovereignty and immunities they enjoy‬‬ ‫‪Article VII of the Statute of the‬‬ ‫‪International Criminal Court defines‬‬ ‫‪crimes against humanity in a more‬‬ ‫‪broad and more detailed compared to‬‬ ‫‪other systems of international criminal‬‬ ‫‪.tribunals‬‬ ‫‪It reflects a fast changing and developing‬‬ ‫‪international law and gives more‬‬ ‫‪precistions details as stated.This‬‬ ‫‪definition is more complete it left the‬‬ ‫‪door open to other types of crimes that‬‬ ‫‪.may occur in the future‬‬ ‫‪Article VII constitute a significant‬‬ ‫‪advance comparing with others‬‬ ‫‪international criminal tribunals’ reflecte‬‬


‫ الطبعة‬،‫االنسانية يف القانون اجلنائي الدولي‬ .11 ‫ ص‬،1998 ،‫الثانية‬ ‫ اجلرائم الدولية‬،‫ـ د عبد الواحد حممد الفار‬4 ،‫ دار النهضة العربية‬،،‫وسلطة العقاب عليها‬ .69 ‫ ص‬،1996 ‫القاهرة‬ ‫ احملكمة اجلنائية‬،‫حممود شريف بسيوني‬.‫ـ د‬5 ،2002 ،‫ القاهرة‬،‫ دار النهضة العربية‬،،‫الدولية‬ .14 ‫ص‬ ‫ مدخل يف القانون‬،‫حممود شريف بسيوني‬.‫ـ د‬6 ‫الدولي االنساني و الرقابة الدولية على إستخدام‬ ،‫ القاهرة‬،‫االسلحة‬ .69 ‫ ص‬1999 ،‫ املرجع السابق‬،‫عبد الواحد حممد الفار‬.‫د‬.‫ـ‬7 .112.‫ص‬ ‫متت إنشاء حمكمتني خاصتني بقرارين من‬.‫ـ‬8 ‫ احملكمة اجلنائية الدولية‬: ‫وهما‬.‫جملس االمن‬ .‫ليوغوسالفيا السابقة و‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية لرواندا وذلك للنظر‬ .‫يف جرائم احلرب االهلية يف هاتني الدولتني‬ ‫ـ حول النظام االساسي للمحكمة العسكرية‬9 ‫حم��م��ود شريف‬.‫ال��دول��ي��ة ل��ن��ورن�برغ ان��ظ��ر د‬ ‫ احملكمة اجلنائية‬،‫البسيوني‬ 23.‫ ص‬،‫ املرجع السابق‬،‫الدولية‬ Paul Tavernier,..« Vers : ‫ ينظر‬10 une juridiction internationale , mutation internationaleet. évolutions.des.normes in.Caottny.Thuan..et.Alain .Fenet ,.1994.P.147 E.Schwelb, Crime against ‫ـ‬11 humanity, in British year book

‫أقواس‬

99

the importance of prosecute and punishe the perpetrators of crimes against humanity, it is necessary to define the notion of such crimes because we find :that, these crimes characterized by The independence of these crimes compared with each of the crimes of genocide and war crimes, universal jurisdiction and that these crimes are .not prescripted over time For the existence of crimes against humanity must be two elements: the material and the morale element, the material element represented by several acts cited by the text of Article VII, and the commission of such acts need to be a part of a widespread or systematic attack against a civilian population. The mental element is the fact that the offender is aware that his behavior is part of a widespread or systematic attack by a State or an organization or a group of armed attacks against the civilian .population

‫ـ كما حدث يف العراق و يوغوسالفيا السابقة‬1 ‫وروندا وما حيدث االن يف تركيا وايران ويف أقليم‬ .‫دارفور يف السودان ويف‬ .‫غريها من الدول االخرى‬ .‫ـ ينظر ليون فريدمان (ق��ان��ون احل��رب‬2 ‫ قانون‬1972 ‫ اجلزء الثاني‬،‫الوثائق التأرخيية‬ ‫ جمموعة‬،‫الصراعات املسلحة‬ 1993 ‫قانون جرائم احلرب‬.‫من االتفاقيات‬ : ‫باللغة االنكليزية‬ ‫ اجل��رائ��م ضد‬،‫حم��م��ود شريف بسيوني‬.‫ـ د‬3


‫أقواس‬

‫‪100‬‬

‫‪....of.international law‬‬ ‫‪.187-Vol 23, 1949, P183‬‬ ‫‪12‬ـ‪.‬على سبيل املثال‪.‬املواد ‪ 211‬و‪ 213‬من‬ ‫قانون العقوبات الفرنسي اليت تدخل جرائم‬ ‫االبادة اجلماعية ضمن‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية‪.‬‬ ‫‪13‬ـ‪.‬إضافة اىل النصوص ال���واردة يف النظام‬ ‫االساسي للمحكمة العسكرية الدولية لنورنربغ‬ ‫و لطوكيو إنظر كذلك إتفاقية‬ ‫مناهضة التعذيب و غريه من ضروب املعاملة او‬ ‫العقوبة القاسية او الالإنسانية أو املهينة املوقع‬ ‫عليها يف ‪.10‬‬ ‫كانون االول ‪.1984‬‬ ‫‪ 14‬مطبوعات االمم املتحدة (‪RTUN Vol,‬‬ ‫‪)82 P 281‬‬ ‫‪.15‬معاهدة جنيف يف ‪ 12‬آب ‪ 1949‬االوىل‬ ‫امل��واد ‪ 49‬اىل ‪ 54‬و الثانية املواد‪ 50.‬و‪51‬‬ ‫والثالثة املواد ‪129‬و‪130‬‬ ‫واملعاهدة الرابعة املادة ‪.147‬‬ ‫‪16‬ـ ‪Le Procureur contre DUSKO‬‬ ‫‪..72-1-Tadic, cas n° IT – 94‬‬ ‫‪17‬ـ ‪A.DE LA PRADELLE, « Une‬‬ ‫‪révolution dans le droit pénal‬‬ ‫‪..international » Paris‬‬ ‫‪éditions international, 1946, p 8‬‬ ‫‪Paul‬‬ ‫‪REUTER,‬‬ ‫‪18‬ـ‪Droit‬‬ ‫‪International Public, Paris,‬‬ ‫‪....Dalloz, 1973, PP 175 et.176‬‬ ‫‪H.KELSEN, Théorie pure de.19‬‬ ‫‪ droit, Paris, Dalloz 1962, P.428‬ـ‬ ‫‪20‬ـ وعلى ه��ذا االس��اس متت حماكمة كبار‬

‫جمرمي احلرب العاملية الثانية وكذلك االمر‬ ‫جملرمي احلرب االهلية يف‪.‬‬ ‫يوغوسالفيا سابقا‪.‬وكان من ضمنهم رئيس‬ ‫يوغوسالفيا السابق ميلوزوفيتش و الذي قضى‬ ‫حنبة يف السجن‪.‬‬ ‫‪.21‬استعمل نظام احملكمة العسكرية لطوكيو‬ ‫حملاكمة جمرمي احل��رب اليابانيني يف مادته‬ ‫اخلامسة مفردات مشابهة‪.‬‬ ‫‪....‬وق��ري��ب��ة م��ن امل���ادة ال��س��ادس��ة للمحكمة‬ ‫العسكرية لنورنبورغ و أدرجت اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية كجرائم معاقب عليها‪.‬‬ ‫‪Procès des grandes criminels.22‬‬ ‫‪de guerre, acte d’accusation,‬‬ ‫‪Nuremberg‬‬ ‫‪p33.14‬‬ ‫‪novembre‬‬ ‫‪1er‬‬ ‫‪octobre1946, 1946‬‬ ‫‪..23‬وه�����������������م�����������������ا ق�����ض�����ي��ت��ي‪.‬‬ ‫‪STREICHER.« Procès‬‬ ‫‪des‬‬ ‫‪..» grandes Criminels de guerre‬و‬ ‫‪VON SCHIRACH‬‬ ‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪268‬‬ ‫‪..24‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.279‬‬ ‫‪25.Peyrollopis, La compétence‬‬ ‫‪universelle en matière de crime‬‬ ‫ـ ‪contre l’humanité..Ana‬‬ ‫‪Editions Bruylant, Bruxelles,‬‬ ‫‪2003 P 41 et Suits.‬‬ ‫‪ Décision de la chambre‬ـ‪26‬‬ ‫‪d’appel relative à l’exception‬‬ ‫‪préjudicielle sur la‬‬ ‫‪compétentDans l’affaire Tadic‬‬


‫‪2 octobre 1995..‬‬ ‫‪..27‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬ ‫‪Affaire Furundzia IT- 956..28‬‬ ‫‪ 1-T, 10 décembre 1998 s 156/17‬ـ‬ ‫‪Tribunal Pénal International 29‬‬ ‫‪de l’ex Yougoslavie, Affaire‬‬ ‫‪ Erdemovic , IT 96.22.A l‬ـ‬ ‫‪.Le 29 November 1996‬‬ ‫(( ‪Oscar SCHACHTER,‬‬ ‫‪ 30‬‬ ‫‪International Law in theory and‬‬ ‫‪ practice, Dordrech- Martinu‬ـ‬ ‫‪Nijhoff publisher, 1985, p 261 et‬‬ ‫‪: voir.aussi‬‬ ‫ـ‪Zenneth RAHDALL, Universal‬‬ ‫‪Jurisdiction under international‬‬ ‫‪law, Texas law Review 1988,‬‬ ‫‪.P.831‬‬ ‫‪BASSIOUNI‬‬ ‫‪Charif‬‬ ‫‪Introduction au Droit Pénal‬‬ ‫‪international, éditions Bruylant‬ـ‬ ‫‪.Bruxelles, 2002, PP34 ,‬‬ ‫‪31‬ـ ابرمت هذة االتفاقية وعرضت للتوقيع‬ ‫و التصديق و االنضمام اليها مبوجب قرار‬ ‫اجلمعية العامة االمم املتحدة‪..‬‬ ‫‪....‬املرقم‪.2391.‬واملؤرخ يف‪ 26.‬تشرين الثاني‬ ‫‪ 1968‬ودخلت حيز النفاذ يف ‪11‬تشرين الثاني‬ ‫‪ً 1970‬‬ ‫وفقا إلحكام املادة‬ ‫الثامنة من االتفاقية‪.‬‬ ‫‪P.M‬‬ ‫‪DUPUY, normes.32‬‬ ‫‪international pénales et droit‬‬ ‫‪...impératif(Jus cognes) in‬‬

‫‪Hervé ASCENSIO et autres,‬‬ ‫‪Droit International Pénal,‬‬ ‫‪éditionA.Pedone, Paris X, 2000‬‬ ‫‪.79-P 71‬‬ ‫ً‬ ‫وانظر ايضا‪..‬‬ ‫ـ ‪BASSIOUNI.M Sharif, crimes‬‬ ‫‪against‬‬ ‫‪humanity, Klumer‬‬ ‫‪International Law,.The Huge ,‬‬ ‫‪.second édition, 1999 P.170‬‬ ‫‪..33‬متت حماكمة ه��ؤالء اجملرمني من قبل‬ ‫احملاكم اجلنائية الفرنسية املختصة إذ مت احلكم‬ ‫على آخر جمرم موريس‬ ‫ً‬ ‫ب���اب���ون ع���ن ع��م��رن��اه��ز ‪ 87‬ع���ام���ا يف ‪2‬‬ ‫نيسان‪.1998.‬وحكم عليه ملدة ‪ 10‬سنوات‬ ‫مع حرمانه من احلقوق املدنية‪،‬‬ ‫انظر جريدة اللموند الفرنسية العدد ‪19459‬‬ ‫يف ‪ 2007 /8/17‬ص ‪.13‬‬ ‫‪Robert Badinter « avant....34‬‬ ‫‪propos » Barbie, Touvier, Papon,‬‬ ‫‪ Des procès pour mémoire‬ـ‬ ‫‪.éditions Autrement, Paris 2002‬‬ ‫‪ 35‬القانون رقم ‪ 1‬لسنة ‪.2003‬الصادر من‬ ‫قبل جملس احلكم العراقي وبقى هذا القانون‬ ‫نافذاً حتى صدور القانون رقم ‪10‬‬ ‫لسنة ‪.2005‬‬ ‫‪.36‬مت تنفيذ حكم االعدام حبق كل من صدام‬ ‫حسني وب��رزان التكرييت وعلى حسن اجمليد‬ ‫وطه ياسني رمضان‪.‬وعواد البندر واحلكم‬ ‫بالسجن على اجملرمني االخ��ري��ن الرتكابهم‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية ومن هؤالء طارق عزيز‬ ‫و سلطان هاشم ومطلق صاحل‪ ،‬كل ذلك‬ ‫‪101‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪102‬‬

‫يف ع��دة قضايا بتت فيها احملكمة والت���زال‬ ‫احمل��اك��م��ات ج��اري��ة حب��ق متهمني أخ��ري��ن‬ ‫وينتظرون نيل عقابهم‪.‬‬ ‫‪ 37‬ينظر قضية روتكاندا ‪Rutaganda‬‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية ل��روان��دا الغرفة‬ ‫االبتدائية االوىل ‪ 6‬كانون االول ‪1999‬‬ ‫امل�لاح��ظ��ة ‪ note‬رق���م ‪ 345‬الفصل‪SS‬‬ ‫‪ 69‬وكذلك قضية ميسيما‪ Musema.‬نفس‬ ‫احملكمة الغرفة االبتدائية االوىل‪ 27‬كانون‬ ‫الثاني ‪ 2000‬النقطة ‪ 311‬الفصل ‪.204‬‬ ‫‪38‬ـ ينظر قضية أكايسوـ ‪.Akayesu‬احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية لرواندا‪ ،‬الغرفة االبتدائية‬ ‫االوىل ‪2‬أيلول ‪ 1998‬النقطة‬ ‫‪.580‬من القضية‬ ‫‪..39‬ينظر قضية ‪.Nahimana‬الغرفة‪.‬‬ ‫االبتدائية االوىل‪.‬القضية املرقمة‪ICTR –..‬‬ ‫‪.99 – 52.- T , P 387‬‬ ‫‪40‬ـ ‪Procureur contre/Erdemovic‬‬ ‫‪22T le 29 novembre-Cas n° IT-96‬‬ ‫‪.1996 P‬‬ ‫‪.41‬ينظر قضية فيكوفار«‪Hôpital de‬‬ ‫‪)13-Vukovar” affaire n° (IT-95‬‬ ‫‪Robinson‬‬ ‫‪.42‬ينظر‪Darryl,‬‬ ‫‪Defining‬‬ ‫‪Crime‬‬ ‫‪Against‬‬ ‫‪Humanity at the Rome‬‬ ‫‪conference‬‬ ‫‪in (A.J.I.L.)Vol 93.1999, p45‬‬ ‫‪.43‬يذهب االستاذ بسيوني اىل اعتبار (سياسة‬ ‫ال��دول��ة) رك��ن ق��ائ��م ل��ذات��ه يف اجل��رائ��م ضد‬ ‫االنسانية‪ ،‬انظر‪.:‬‬ ‫حممود شريف بسيوني‪ ،‬احملكمة اجلنائية‬

‫الدولية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،2004 ،1‬‬ ‫ص‪30‬و ‪.31‬‬ ‫‪ :international‬ينظر‪44.‬‬ ‫‪Aroneanu ,Le crime contre‬‬ ‫‪l’humanité, Nouvelle revue de‬‬ ‫ـ ‪droit‬‬ ‫‪Privé, 1946.p 167.‬‬ ‫‪J.LClergerie, ((la nation de‬‬ ‫‪crime contre l’humanité)) in‬‬ ‫‪Revue de droit public 1988 n°‬‬ ‫‪6‬ـ‪4‬‬‫‪45‬ـ قضية دوسكو تاجيك (‪)Dusko Tadic‬‬ ‫الغرفة الثانية القضية رقم ‪IT 94 1T le 7‬‬ ‫‪mai 1997 P 654‬‬ ‫‪46‬ـ ال��ق��ض��ي��ة االن���ف���ة ال���ذك���ر وك��ذل��ك‬ ‫االم����ر يف قضية‪2-R61, 20-IT-94.‬‬ ‫‪October1995,par 26....Dragan‬‬ ‫‪likolic‬‬ ‫‪.47‬ينظر ‪Alvarez J , crime of‬‬ ‫‪states/crimes of Hatie lessons‬‬ ‫‪..:..Rwanda in Yale J.I.L‬‬ ‫‪vol.24 n° 2.1999 P375‬‬ ‫‪.48‬ينظر ‪la Cours criminelle. :‬‬ ‫‪international‬‬ ‫‪ٌRapport‬‬ ‫‪préparatoire de la Commission‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪NU, Doc.pcnicc /2000/INF/3/‬‬ ‫‪.add.2 de 30 juin 2000‬‬ ‫‪.49‬يذهب االستاذ البسيوني اىل مايلي‪( :‬وركن‬ ‫السياسية هو احملك يف االختصاص الذي عمل‬ ‫على حتويل اجلرائم من‬


‫جرمية وطنية اىل جرمية دولية‪...‬اخل)‪ ،‬انظر‬ ‫حم��م��ود ش��ري��ف بسيوني احملكمة اجلنائية‬ ‫الدولية‪ ،‬نشأتها ونظامها‬ ‫االساسي مرجع سابق من ص‪ 156‬ولنفس‬ ‫املؤلف احملكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬مدخل لدراسة‬ ‫واحكام وآليات‬ ‫االنفاذالوطين للنظام االساسي‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬ط‪ 2004 ،1‬ص‪.31‬‬ ‫‪.50‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬مدخل لدراسة‬ ‫القانون االنساني الدولي‪ )IARLI( ،‬معهد‬ ‫حقوق االنسان يف جامعة دي بول‪ -‬كلية‬ ‫احلقوق‪ ،‬الوالية املتحدة االمريكية ‪2003‬‬ ‫ص‪169‬وراجع كذلك‪.‬نفس املؤلف‪ ،‬مدخل يف‬ ‫القانون االنساني الدولي اعمال الندوة‬ ‫التعليمية حول القانون الدولي االنساني املنعقد‬ ‫يف سرياكوزا‪ -‬ايطاليا من ‪ 27‬حزيران اىل‪ 3.‬متوز‬ ‫‪ 1998‬طبعت يف ‪1999‬‬ ‫(مل يذكر مكان الطبع)ص ‪.1179‬‬ ‫‪..51‬اتفاقيات جنيف وهي اربع اتفاقيات وقعت‬ ‫يف جنيف يف ‪ 12‬آب ‪ :1949‬االوىل اتفاقية‬ ‫جنيف لتحسني حال اجلرحى واملرضى‬ ‫ولغرقى القوات املسلحة يف امليدان والثانية‪:‬‬ ‫اتفاقية جنيف لتحسني حال اجلرحى واملرضى‬ ‫والغرقى للقوات املسلحة يف البحار‬ ‫والثالثة‪ :‬اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى‬ ‫احلرب والرابعة (السكان املدنيني) إذ أشارت‬ ‫الفقرة األوىل من املادة الثالثة‬ ‫املشرتكة ألتفاقيات جنيف اىل مبدأ التفرقة‬ ‫بني املقاتلني وغ�ير املقاتلني‪.‬لالفراد الذين‬ ‫اليشاركون مباشرة يف الصراع املسلح‬ ‫مبا يف ذلك اف��راد القوات املسلحة الذين القوا‬

‫عنهم اسلحتهم واألفراد العاجزين عن القتال‬ ‫بسبب اإلصابة مبرض أو جرح أو ألي‬ ‫سبب آخر يتم من كافة االحوال معاملتهم على‬ ‫حنو إنساني دون اي متييز يقوم على العنصر أو‬ ‫اللون أو الدين أو املعتقد أو‬ ‫اجلنس أو املولد أو الثروة أو أي معيار آخر‪.‬‬ ‫‪.52‬راجع يف ذلك الغرفة الثانية للمحكمة‪،‬‬ ‫قضية (‪ )Dusko Tadic‬املرجع السابق ص‬ ‫‪.639‬‬ ‫‪..53‬الغرفة الثانية للمحكمة –احلكم‪ ،‬لقضية‪.‬‬ ‫‪ Tadic‬املرجع السابق ص‪641‬‬ ‫‪.54‬ينظر قضية فيكوفار‪Hôpital de.‬‬ ‫‪R61 1996 Par 13-Vukovar, TI-95‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪.55‬إذ كان ضمن اجلرحى واملرضى املدنيني‬ ‫يف املستشفى بعض من املقاتلني الذين كانوا قد‬ ‫تركوا السالح فان هؤالء اعتبارهم‬ ‫من ضحايا اجلرائم ضد االنسانية أنظر قضية‬ ‫فيكوفار املرجع السابق الغرفة االوىل االتهام‬ ‫ص‪.29‬‬ ‫‪.56‬ينظر‪ :‬ارك��ان ه��ذه اجل��رائ��م‪ :‬د‪.‬حممود‬ ‫شريف بسيوني‪ ،‬احملكمة اجلنائية الدولية‬ ‫نشأتها ونظامها االساسي‪ ،‬مطابع‬ ‫روز اليوسف احلديثة‪ 2001 ،‬ص‪217-212‬‬ ‫وكذلك د‪.‬سوسن مترخان بكه‪ ،‬اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية يف ضوء أحكام النظام‬ ‫‪....‬االس��اس��ي للمحكمة اجلنائية الدولية‪ ،‬ط‬ ‫‪،1‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬دمشق ‪،2006‬‬ ‫ص ‪ 301‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪..57‬وسعت ه��ذه امل��ادة أن��واع اجلرائم اليت‬ ‫أدخلتها ضمن اجلرائم ضد االنسانية مقارنة‬ ‫‪103‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪104‬‬

‫مع نظام احملاكم السابقة ويعترب‬ ‫ً‬ ‫ذلك تطوراً‬ ‫ملحوظا يف هذا الشأن‪.‬‬ ‫‪.58‬ينظر ‪Rapport C.D.I 49 ème..:‬‬ ‫‪session 1994.A.G.N.U.Doc.Off.‬‬ ‫‪p.76.101/Suppl.no 1, A/49‬‬ ‫‪.59‬أن الوثيقة املقدمة من قبل الواليات‬ ‫املتحدة االمريكية يف اجللسة االوىل للجنة‬ ‫التحضريية للمحكمة اجلنائية‬ ‫الدولية يف شباط ‪1999‬حددت الشروط اليت‬ ‫مبوجبها ميكن إعتبار جرمية القتل العمد‬ ‫كجرمية من اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية فأ خذت بنظر االعتبار ما يلي‪:‬‬ ‫ان مرتكب اجلرمية اراد قتل شخص او عدة‬ ‫اشخاص او تسبب يف املوت‪.‬‬ ‫قتل شخص او عدة اشخاص او التسبب يف املوت‪.‬‬ ‫مل يكن للقتل العمد اي مربر او عذر شرعي‬ ‫وكان مرتكب اجلرمية على علم بذلك‪.‬‬ ‫ارتكاب القتل العمد ضمن هجوم واسع النطاق‬ ‫ومنهجي ضد سكان مدنيني وك��ان مرتكب‬ ‫اجلرمية على علم بذلك‪.‬‬ ‫ان علم مرتكب اجلرمية بوقائع خاصة وعن‬ ‫حالة هذه اهلجوم الواسع النطاق او املنهجي‪،‬‬ ‫ميكن استخالصه او استنباطه‪ ،‬مثل‬ ‫العناصر االخرى بالواقعة ومالبسات الظروف‬ ‫اخلاصة بالقتل العمد من قبل احملكمة‪.‬وحسب‬ ‫املقرتحات املقدمة من قبل‬ ‫الواليات املتحدة واليت تقول قتل او تسبب يف‬ ‫املوت‪ ،‬فان التسبب يف املوت قد يكون عن طريق‬ ‫الفعل (اجلانب االجيابي) او‬ ‫االمتناع عن الفعل‪(.‬اجلانب السليب)‪.‬وال عربة‬ ‫هنا يف كيفية استخدام وسيلة القتل فهناك‬

‫وسائل خمتلفة للقتل ولقد ابدع‬ ‫االنسان باجياد وسائل شتى لقتل اخيه اإلنسان‬ ‫وال حاجة لنا بتعدادها هنا‪.‬‬ ‫‪.60‬الحظ عبدالوهاب حومد‪ ،‬االجرام الدولي‪،‬‬ ‫مطبوعات جامعة الكويت‪.1978،‬ص‪.237.‬‬ ‫‪.61‬مشار اليه من قبل‪SchabasWilliam -.‬‬ ‫‪A., In Droit international pénal,‬‬ ‫‪Hervé Ascensio et...autre, cedin‬‬ ‫‪Paris.Edition, A.pédone, paris‬‬ ‫‪.2000, pp318‬‬ ‫‪.62‬ينظر ارك��ان ه��ذه اجلرمية ‪ :‬د‪.‬حممود‬ ‫شريف بسيوني‪ ،‬احملكمة اجلنائية الدولية‪،‬‬ ‫نشأتها ونظامها االساسي‬ ‫املرجع السابق ص ‪ 213‬و د‪.‬سوسن مترخان‪،‬‬ ‫املرجع السابق‪.‬ص ‪..397‬‬ ‫‪.63‬ينظر د‪.‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية‪ ،‬نشأتها ونظامها االساسي‪.‬‬ ‫املرجع السابق‬ ‫ص‪ 214‬ود‪.‬سوسن مترخان‪،‬املرجع السابق ص‬ ‫‪.423‬‬ ‫‪..64‬انظر وثيقة املقرتحات املقدمة من قبل‬ ‫الواليات املتحدة االمريكية مشروع العناصر‬ ‫املكونة للجرائم الدولية ‪:‬‬ ‫‪PNCNICC/1999/DP4/Add.1,4‬‬ ‫‪février 1999‬‬ ‫‪.65‬حول التعذيب واجلرائم االخرى ينظر ‪:‬‬ ‫د‪.‬حسام أمحد هنداوي‪ ،‬القانون الدولي ومحاية‬ ‫احلريات الشخصية‪ ،‬دار النهضة‬ ‫العربية‪ ،‬القاهره‪ 1997.‬ص ‪ ،.35‬وكذلك‬ ‫د‪.‬أمحد أبو وفا‪ ،‬احلماية الدوليةحلقوق االنسان‬


‫يف اطار منظمة االمم املتحدة والوكاالت‬ ‫الدولية املتخصصة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫القاهرة ‪ 2000‬ص ‪.111‬‬ ‫‪..66‬د‪.‬حممود ش��ري��ف ب��س��ي��ون��ي‪ ،‬احملكمة‬ ‫اجلنائية الدولية‪ ،‬املرجع السابق ص ‪219‬ود‪.‬‬ ‫سوسن مترخان‪،‬املرجع‬ ‫السابق ص‪.359‬‬ ‫‪.67‬د‪.‬حممود شريف بسيوني‪ ،‬احملكمة اجلنائية‬ ‫الدولية‪،‬املرجع السابق ص‪.222.‬‬ ‫‪.68‬ينظر ‪BASSIOUNI Charif ,‬‬ ‫‪crimes Against Humanity in‬‬ ‫‪international criminal Law,‬‬ ‫‪ ,Hijhoff‬ـ‬ ‫‪Dordrecht, 1992, p..820‬‬ ‫‪.69‬مت إستخدام مصطلح الفصل العنصري‪.‬‬ ‫‪ Apartheid‬يف افريقيا اجلنوبية‪،‬و للمزيد‬ ‫حول موضوع الفصل العنصري‬ ‫راج���ع ‪ :‬د‪.‬وائ����ل أمح���د ع�ل�ام « االت��ف��اق��ات‬ ‫الدولية حلقوق االنسان» دار النهضة العربية‪.‬‬ ‫القاهرة‪ 1999.‬ص ‪.60‬‬ ‫‪.70‬ينظر د‪.‬حممد يوسف علوان‪ ،‬اجلرائم ضد‬ ‫االنسانية‪ ،‬حبث مقدم اىل الندوة العلمية حول‬ ‫احملكمة اجلنائية الدولية‬ ‫اللجنة الدولية للصليب االمحر دمشق‪4-3 ،‬‬ ‫اكتوبر تشرين االول ‪.2001‬‬ ‫‪71‬ـ ينظر‪Oscar SCHACHTER,.‬‬ ‫‪International Law in theory and‬‬ ‫‪ practice,.Dordrech- Martinus‬ـ‬ ‫‪.Nijhoff publisher, 1985, p 261.‬‬ ‫‪....‬وكذلك‪:.‬‬ ‫ـ‪Zenneth RAHDALL, Universal‬‬

‫‪Jurisdiction under International‬‬ ‫‪law, Texas law Review‬‬ ‫‪.P.831 ,1988.‬‬ ‫‪BASSIOUNI‬‬ ‫‪Chérif,.‬‬ ‫‬‫‪Introduction au Droit Pénal‬‬ ‫‪International, éditions Bruylant,‬‬ ‫‪,Bruxelles‬‬ ‫‪..2002.‬‬

‫‪105‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪106‬‬

‫االقتصاد يف إقليم كوردستان‬ ‫ترجمها من اإلنكليزية‬ ‫عبد الرزاق محمود القيسـي‬ ‫من املواقع اإللكرتونية‬


‫نتكلم ها هنا عن اقتصاد املنطقة الكوردية‪،‬‬ ‫ذات احلكم الشبه الذاتي يف مشال العراق‪.‬‬ ‫إن اقتصاد « إقليم كوردستان « يغلب عليه ما له‬ ‫عالقة بالصناعة النفطية والزراعة والسياحة‪،‬‬ ‫وذل��ك ناجم عن اهل��دوء األم�ني النسيب فيه‪،‬‬ ‫والذي انتج اقتصاداً أكثر تطوراً باملقارنة مع‬ ‫باقي أجزاء العراق ‪.‬‬ ‫االقليم ‪ :‬مابني عامي ‪2003 1992-‬‬ ‫إن حمافظات احلكومة اإلقليمية لكوردستان‪،‬‬ ‫يف مش��ال ال��ع��راق‪ ،‬ومنذ ح��رب اخلليج يف عام‬ ‫(‪ ،)1990‬أصبحت يف وضع املنطقة ذات احلكم‬ ‫شبه الذاتي; وم��ا أعقب ذل��ك من إعتبارها‬ ‫منطقة « حممية « ضد أية قوات معادية تابعة‬ ‫لنظام صدام حسني‪ ،‬وذلك بقيام « قوات احللفاء‬ ‫« بفرض « منطقة حظر طريان « هناك‪.‬‬ ‫يف الفرتة اليت سبقت إزالة نظام صدام حسني‪،‬‬ ‫فإن احلكومة اإلقليمية لكوردستان كانت تستلم‬ ‫قرابة ‪ 13%‬من ع��ائ��دات « برنامج النفط‬ ‫مقابل الغذاء «‪.‬‬ ‫وعند قيام الواليات املتحدة بغزو العراق‪ ،‬يف‬ ‫عام ‪ ،2003‬كان الربنامج قد صرف ما مقداره‬ ‫( ‪ ) 8‬مليارات و( ‪ ) 350‬مليون دوالر أمريكي‬ ‫اىل احلكومة اإلقليمية لكوردستان‪.‬‬ ‫إن األمن الغذائي يف « كوردستان العراق « قد‬ ‫فسح اجملال أمام صرف مبالغ‪ ،‬اليستهان بها‪ ،‬من‬ ‫أجل مشاريع التنمية‪ ،‬و أكرب بكثري مما ُصرف يف‬ ‫باقي أحناء العراق ‪.‬‬ ‫وبإنتهاء هذا الربنامج يف عام ( ‪ ) 2003‬بقي‬ ‫من حصة احلكومة اإلقليمية لكوردستان من‬ ‫عائدات « برنامج النفط مقابل الغذاء « مبلغ‬ ‫(‪ )4‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬غري مصروفة‪.‬‬

‫خ�لال مرحلة اإلحتالل األمريكي ‪ :‬مابني‬ ‫عامي ‪ 2003‬و ‪2011‬‬ ‫بعد إزاحة إدارة صدام حسني‪ ،‬وما تال ذلك‬ ‫من أعمال عنف‪ ،‬فإن احملافظات الثالث اليت‬ ‫حتت السيطرة الكاملة للحكومة األقليمية‬ ‫لكوردستان‪ ،‬كانت الثالث الوحيدة يف العراق‪،‬‬ ‫اليت ُتعترب « آمنة‪ ،‬حبسب تقديرات السلطة‬ ‫العسكرية للواليات املتحدة وحبسب املوقع‬ ‫اإللكرتوني للحكومة اإلقليمية لكوردستان‪ ،‬فلم‬ ‫يلقى أي جندي من قوات التحالف مصرعه‪ ،‬ومل‬ ‫جيري إختطاف أي شخص اجنيب‪ ،‬منذ غزو‬ ‫العراق يف سنة ‪ ،2003‬يف املناطق امل��دارة من‬ ‫قبل احلكومة اإلقليمية لكوردستان ‪.‬‬ ‫إن االمان واإلستقرار النسبيني‪ ،‬يف « اإلقليم‪،‬‬ ‫مكنا احلكومة اإلقليمية ل��ك��وردس��ت��ان من‬ ‫توقيع عدد من إتفاقيات اإلستثمار مع شركات‬ ‫اجنبية‪ .‬ويف عام ‪ 2006‬مت حفر أول بئر نفط‪،‬‬ ‫منذ غزو العراق‪ ،‬يف « إقليم كوردستان « من‬ ‫قبل شركة ‪ DNO‬النروجيية للطاقة‪ .‬إن‬ ‫التقديرات األولية تدل على أن حقل النفط‬ ‫ه��ذا يضم م��ا ال يقل ع��ن ( ‪ ) 100‬مليون‬ ‫برميل‪ ،‬أي (‪ )16‬مليون مرت مكعب من النفط‪،‬‬ ‫و سوف يكون الضخ منه مبا يساوي ( ‪) 790‬‬ ‫ً‬ ‫يوميا‪ ،‬وذلك يف األشهر‬ ‫مرت مكعب من النفط‬ ‫األوىل من عام ‪ .2007‬كما أن احلكومة اإلقليمية‬ ‫لكوردستان قد وقعت عقود إستكشاف مع‬ ‫العديد من شركات النفط ُ‬ ‫األخ��رى بضمنها‬ ‫شركة ‪ Western Oil Sands‬الكندية و‬ ‫‪ Sterling Energy‬الربيطانية وكذلك مع‬ ‫شركة ‪.Gulf Keystone Petroleum‬‬ ‫‪107‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪108‬‬

‫اإلس��ت��ق��رار يف « إقليم ك��وردس��ت��ان « مكن «‬ ‫اإلقليم « من نيل مستوى أعلى من التطور‬ ‫عن باقي أحن��اء العراق‪ .‬ويف عام ‪ 2004‬كان‬ ‫الدخل الفردي يزيد عن دخل الفرد يف سائر‬ ‫أحناء العراق مبقدار ‪ . 25%‬إن حكومة اإلقليم‬ ‫ال زال��ت تستلم حصة م��ن ص���ادرات النفط‬ ‫العراقية; و احلكومة على وشك تطبيق قانون‬ ‫موحد لإلستثمارات األجنبية‪ .‬كما أن للحكومة‬ ‫اإلقليمية لكوردستان خطط لبناء مدينة‬ ‫إعالمية يف اربيل‪ ،‬وكذلك « منطقة جتارة حرة‬ ‫« قريبة من احلدود مع كل من تركيا و ايران‪.‬‬ ‫ومنذ عام ‪ ،2003‬فإن االقتصاد القوي يف «‬ ‫كوردستان العراق « قد جذب قرابة (‪ )20‬الف‬ ‫يد عاملة من باقي أحناء العراق ‪.‬‬ ‫يف الوقت احلالي‬ ‫ب��اش��رت احل��ك��وم��ة اإلقليمية لكوردستان‬ ‫بتصدير النفط اخل���ام إىل تركيا بواسطة‬ ‫الشاحنات‪ ،‬وذل��ك خ�لال صيف ع��ام ‪;2012‬‬ ‫كما إن مشروع خط أنبوب النفط‪ ،‬من املتوقع‪،‬‬ ‫إجنازه سنة ‪2014‬‬ ‫الثروات‬ ‫إستناداً اىل تصرحيات الرئيس العراقي‪ ،‬جالل‬ ‫طالباني‪ ،‬فإن عدد من هم من أصحاب املاليني يف‬ ‫مدينة السليمانية قد إرتفع‪ ،‬منذ عام ‪،2003‬‬ ‫من (‪ )12‬مليونري إىل (‪ )2000‬مليونري‪ ،‬مما‬ ‫يعكس النمو اإلقتصادي يف اإلقليم‪ .‬كما إن إقليم‬ ‫كوردستان سجل يف الوقت الراهن‪ ،‬أوطأ مستوى‬ ‫للفقر يف العراق‪.‬‬ ‫اإلمكانيات‪ :‬املنافع و اإلمكانيات اإلقتصادية‬ ‫إلقليم كوردستان‬ ‫‪-‬القطاع الزراعي‪:‬‬

‫إن ظروف اإلقليم املالئمة و مساته الطبيعية‬ ‫و مناخه قد أمنت أرضية منو زراعي و تطور يف‬ ‫كوردستان؛ و عليه فإن من بني املساحة الكلية‬ ‫لإلقليم‪ ،‬و البالغة (‪ )2.8‬مليون هكتار‪ ،‬هناك‬ ‫‪ 49.6%‬خمصص للرعي و ‪ 29%‬للزراعة و‬ ‫‪ 11.4%‬منها ُتعد حممية غابات طبيعية يف‬ ‫جبال زاكروس‪.‬‬ ‫و بنا ًء على امل��وارد الفنية و م��وارد املياه و‬ ‫الرتبة‪ ،‬فإن إقليم كوردستان يعترب من أخصب‬ ‫املناطق يف البلد‪ ،‬و إن ترتيبه يف العراق كاآلتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬املرتبة اخلامسة بالنسبة حلقول البذار‬ ‫‪-2‬الثانية ‪ -‬اىل الزراعة اجلافة ( الدميية )‬ ‫‪ُ -3‬‬ ‫األوىل يف إنتاج التوت األرضي (السرتوبري)‬ ‫( الشليك )‬ ‫‪ -4‬املنتجات الزراعية األكثر أهمية يف إقليم‬ ‫كوردستان هي (و حسب اإلحصائيات الرمسية‬ ‫لسنة ‪-:)2002‬‬ ‫احلنطة (يف الزراعة املروية و الدميية)‪482 :‬‬‫ً‬ ‫سنويا‬ ‫ألف طن‬ ‫ً‬ ‫سنويا‬ ‫الشعري‪ 42 :‬ألف طن‬‫األعناب‪ 61 :‬ألف طن سنوياً‬‫ً‬ ‫سنويا‬ ‫السرتوبري (الشليك)‪ 25 :‬ألف طن‬‫ً‬ ‫سنويا‬ ‫البطاطة‪ 212 :‬ألف طن‬‫و بالنظر ل��وج��ود م��راع��ي غنية و م��وارد‬ ‫طبيعية‪ ،‬فإن إقليم كوردستان ميتلك (‪)3.5‬‬ ‫مليون من احليوانات الداجنة ( و هذا يمُ ثل‬ ‫‪ 2.3%‬من اجملموع الكلي يف البالد )؛ و كذلك‪،‬‬ ‫فإن اإلقليم ميتلك إمكانات جيدة يف تربية‬ ‫األمساك و احليوانات املائية‪ .‬و يف الوقت احلاضر‪،‬‬ ‫فإن هناك (‪ )88‬وحدة فاعلة لرتبية األمساك‬ ‫م��ع ث�لاث جممعات حوضية ل�لأمس��اك ضمن‬


‫إقليم كوردستان‪.‬‬ ‫قطاع األعمال و اإلقتصاد‪:‬‬ ‫إن القطاع اإلقتصادي اإلستريادي و التصديري‬ ‫يف إقليم كوردستان ميتلك مكامن القدرات و‬ ‫اإلمكانيات؛ و بإستغالل الفرص اإلقتصادية‪،‬‬ ‫فإنه باإلمكان حتقيق إقتصاد خارجي دائم يف‬ ‫إقليم كوردستان‪.‬‬ ‫إن اإلقليم حي��ادد إي��ران و له معها (‪)230‬‬ ‫كيلومرت من احلدود املشرتكة؛ و بالنظر للتشابه‬ ‫الكبري يف الثقافة ما بني الكورد و اإليرانيني‬ ‫و باقي العراقيني‪ ،‬فإن ذلك قد قاد اىل تبادل‬ ‫جتاري دام لقرون‪ .‬إن هذا اإلقليم يقع ضمن‬ ‫نظام عبور ( ترانزيت ) مديين ج��ارف يف‬ ‫جنوبه و مشاله الشرقي‪.‬‬ ‫إن البنية اإلقتصادية و القواعد األساسية‬ ‫إلقتصاد كوردستان قد سهلت األمور التجارية‬ ‫خالل فرتة وجيزة‪ ،‬و ذلك لتوفر شبكة توزيع‬ ‫مالئمة و عدد كبري من باعة التجزئة‪ ،‬باإلضافة‬ ‫اىل (‪ )30‬ألف وحدة جتارية‪ .‬لقد أُجنز العديد‬ ‫من ُ‬ ‫األمور خالل السنوات األخرية‪ ،‬مثل إقامة‬ ‫ثالث أس��واق حدودية تضم (‪ )42‬ألف تاجر‬ ‫حملي؛ و إن واردات ه��ذه األس��واق تتجاوز الـ‬ ‫(‪ )100‬مليون دوالر س��ن��وي ً��ا؛ و ب��ن��ا ًء على‬ ‫الظروف اإلقتصادية هلذه األس��واق‪ ،‬فإن إقليم‬ ‫كوردستان قد نال اعلى مستوى يف البالد‪ .‬كما‬ ‫أن هناك‪ ،‬يف اإلقليم‪ )13( ،‬تعاونية حدودية‬ ‫ُيديرها (‪ )282‬ألف من قاطين احل��دود‪ .‬أما‬ ‫الصادرات و الواردات الرمسية‪ ،‬فإنها قائمة منذ‬ ‫عام (‪.)1935‬‬ ‫إن غرف جتارة كوردستان‪ ،‬مبوظفيها األكفاء‪،‬‬ ‫تشكل ع��وام��ل إجيابية للكمارك؛ م��ن أجل‬

‫التصدير و اإلسترياد اىل و من خمتلف أحناء‬ ‫إيران و تركيا و سوريا و لبنان باإلضافة اىل كافة‬ ‫أحناء العراق‪.‬‬ ‫إن املؤسسات التالية تدعم التجارة الداخلية و‬ ‫اخلارجية‪ ،‬يف إقليم كوردستان‪ ،‬و تبذل اجلهود‬ ‫للقيام بتسيري األعمال اإلقتصادية اخلارجية‪-:‬‬ ‫•املصارف التجارية‬ ‫•شركات التأمني‪ ،‬اليت متتلك اإلمكانيات‬ ‫لتهيئة و حت��وي��ل ال��وث��ائ��ق‪ ،‬ب اإلض��اف��ة اىل‬ ‫املعلومات اإلقتصادية‪ ،‬و خالل فرتة وجيزة‪،‬‬ ‫فيما خيص مسائل التصدير و اإلسترياد‪.‬‬ ‫•األسواق الداخلية و اخلارجية‪ ،‬ال�تي مت‬ ‫تأسيسها إلدارة الفعاليات املالية‪.‬‬

‫‪109‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪110‬‬

‫( اللغة والهوية – املقدس الكردي)‬ ‫أنت كردي ولست عريب‪ ..‬وعليك االهتامم بهويتك‬‫ّ‬ ‫إن ما شاهدته من آثار ‪ ،‬ما هو إال من صنع أجدادك األكراد األيوبيني‬‫( من حديث األستاذ األرناؤوطي لتلميذه عيل سيدو الكردي ‪ ،‬وهو يطوف به يف‬ ‫مدينة القدس التي كان يدرس فيها إبان عرشينيات القرن املايض )‬

‫يوسف يوسف‬


‫إذا ما تأثرت اللغة الكردية بأي من هذه اللغات‬ ‫الثالث‪ :‬العربية أو الفارسية أو الرتكية‪ ،‬فذلك‬ ‫أمر طبيعي متاما‪ ،‬ليس بسبب عالقة اجلوار‬ ‫بني هذه اللغات وبني الكردية فقط‪ ،‬وإمنا حبكم‬ ‫الغلبة اليت حتققت لألقوام الناطقة بهذه اللغات‬ ‫واحتالهلا أراضي كردستان‪ ،‬بصرف النظر عن‬ ‫الكيفية اليت حتققت بها هذه الغلبة‪ .‬إال أن‬ ‫هذه اللغة وعلى الرغم من مرور عقود عديدة‬ ‫متواصلة بقي الكرد فيها مستليب االرادة‪ ،‬مل‬ ‫تستطع أن تهزمها أو تفت يف عضدها لغات‬ ‫القاهرين بالقوة واحليلة‪ ،‬الذين استنفدوا كل‬ ‫ما يف حوزتهم من األساليب املاكرة واجلهنمية‪،‬‬ ‫اليت حاولوا بواسطتها إما صهر الكرد‪ ،‬أو تغييب‬ ‫لغتهم مثلما مت تغييب تارخيهم‪ ،‬وعلى غرار‬ ‫ما حدث يف بلدان عديدة يف أمريكا اجلنوبية‬ ‫وإفريقيا وآسيا‪ ،‬وحيث حلت اللغات االسبانية‬ ‫واالجنليزية والفرنسية‪ ،‬يف أمكنة لغات اندثرت‪،‬‬ ‫أو هي مل يعد هلا ذلك االنتشار الذي كان قبل‬ ‫االستعمار‪ .‬وتأثر الكردية ه��ذا ال��ذي ميتاز‬ ‫باحملدودية وع��دم املساس باألساس اللغوي‪،‬‬ ‫ال يعين مطلقا ب��أن ه��ذه اللغات قد أصبحت‬ ‫رئيسية فوق ألسنة الناس يف كردستان‪ ،‬وإمنا‬ ‫بقيت جمرد لغات ثانوية قلما يلم بها غالبية‬ ‫الكرد‪ .‬واللغة الكردية إمنا بهذا الثبات‪ ،‬يقدم‬ ‫أصحابها الدليل على مسألتني يف غاية األهمية‪:‬‬ ‫فأما املسألة االوىل فإنهم وبعكس ما يقرره ابن‬ ‫خلدون ع��امل االجتماع الشهري يف مقدمته‪،‬‬ ‫من أن املغلوب مولع أب��دا باالقتداء بالغالب‬ ‫يف شعاره وزيه وحنلته وسائر أحواله‪ ،‬وأنهم‬ ‫بالتمسك بلغتهم أبقوها اجلدار الذي حيتمون‬ ‫به للمحافظة على هويتهم وشخصيتهم‪ .‬وأما‬

‫املسألة الثانية فإنه وبعكس ما قاله كذلك من‬ ‫أن لغات األمصار إمنا تكون بلسان املختطني هلا‪،‬‬ ‫إال إذا كان ابن خلدون يقصد القول بأن اللغة‬ ‫الكردية بقيت هي الغالبة يف جغرافيا كردستان‪،‬‬ ‫اليت يقطن فيها الكرد باعتبارها أرضهم وليست‬ ‫أرض أي من القوميات األخ��رى املشار إليها‬ ‫بالقوميات القاهرة بالقوة‪ ،‬اليت تقامست هذه‬ ‫اجلغرافيا بالعدوان والظلم وباملؤامرة الدولية‬ ‫مجيعها معا (‪ .)1‬وهذه املالحظة اهلامة هي‬ ‫نفسها اليت لفتت انتباه فرست مرعي الكاتب‬ ‫الكردي فقال‪ :‬إن احتفاظ الكرد خبصائصهم‬ ‫القومية وبلغتهم يف ظل االس�لام وحضارته‪،‬‬ ‫هلو درس بليغ من التاريخ كان جيب أن يؤخذ‬ ‫يف االعتبار (‪ .)2‬ومما نعتقده يف أسباب هذه‬ ‫الظاهرة أن عامل األرض املشرتكة‪ ،‬اليت هي يف‬ ‫غالبية مساحتها جبلية وعرة يصعب وصول‬ ‫اجليوش إليها والتحرك فيها بيسر وسهولة‪،‬‬ ‫بقي هو األس��اس ال��ذي تعاورت فيه اللغة مع‬ ‫الرغبة الداخلية القوية‪ ،‬يف احملافظة على‬ ‫الوجود الكردي يف إطاره املعشري االجتماعي‬ ‫املتماسك‪ .‬الذي يرفض خمتلف أشكال التذويب‬ ‫والصهر من ترتيك وتفريس وتعريب حتى‬ ‫(‪ .)3‬صحيح أن الدول اليت احتلت كردستان‬ ‫قد استطاعت أن ختضع املدن والقصبات حلكمها‬ ‫كما يقول البدليسي يف كتابه ( شاهنامه) ‪ ،‬إال‬ ‫أن أبناء الكرد يف اجلبال مل خيضعوا أبدا ألحد‬ ‫من احملتلني كما يقول الواقع‪ ،‬وبالتالي فإنهم مل‬ ‫يغريوا عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم القومية‪ .‬أو‬ ‫يف معنى آخر فإن تشبث الكرد بأرضهم‪،‬وبقائهم‬ ‫فيها وعدم مغادرتها‪ ،‬وعودتهم إليها سرا حتى‬ ‫يف احلاالت اليت كانت تتم فيها عمليات ترحيلهم‬ ‫‪111‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪112‬‬

‫عنها قسرا (‪ ،)4‬هو ما حافظ على وجودهم‬ ‫القومي الذي ضمن هلم احملافظة على لغتهم‬ ‫كذلك‪ .‬وسوف يالحظ الباحث هنا‪ ،‬بأن هذه‬ ‫اللغة ليست لغة جاليات متناثرة هنا وهناك‬ ‫بني اجلبال أو يف الوديان لكل منها لغة خاصة‬ ‫بها كما حياول أعداء الكرد تصوير األمر ‪ ،‬حتى‬ ‫وإن كانت فيها هلجات‪ ،‬على اعتبار أن ما يذهب‬ ‫إليه علماء اللغة ال يقر بوجود تباينات بني‬ ‫هذه اللهجات يف البنية والرتكيب وفق تقسيم‬ ‫جغرايف حمدد أوأثين‪ .‬ومن هنا فإن الكرماجنية‬ ‫على سبيل املثال بقيت هي نفسها حتمل ذات‬ ‫االسم‪ ،‬وإن أصبحت منها الكرماجنية الشمالية‬ ‫واجلنوبية‪ ،‬وسواها مما يتوقف أمامها ذوو‬ ‫االختصاص يف اللغات (‪ ،)5‬واجلامع الذي يربط‬ ‫هذه اللهجات ببعضها أقوى من أن يفرقها سبب‬ ‫ما‪ ،‬وهذا واحد من أسباب عديدة جعلتها عصية‬ ‫على املوت واالندثار‪ ،‬أو التقاعس أمام غريها من‬ ‫اللغات الدخيلة (‪.)6‬‬ ‫إننا بالربط بني كل من اللغة واهلوية‪ ،‬هذا‬ ‫الثنائي الذي ال يفرق بني شقيه أي عامل أو‬ ‫سبب‪ ،‬والنظر إليه باعتباره أمرا مقدسا عند‬ ‫الكرد‪ ،‬مل نأت باألمر اعتباطا أو بال مربر واقعي‪.‬‬ ‫ويف أغلب الظن ف��إن ما ك��ان متوقعا حدوثه‬ ‫بسبب متوالية احل��روب اليت شنها اآلخ��رون‬ ‫على الكرد‪ ،‬يف حالتيها املعلنة غالبا واملسترتة‬ ‫أحيانا‪ ،‬مل حيدث بسبب ما هي عليه حال البنية‬ ‫الذهنية الكردية‪ ،‬اليت بقيت ترى يف اللغة‪،‬‬ ‫حتى وإن كانت شفاهية تتناقلها األلسن جيال‬ ‫عن جيل وألسباب قاهرة مفروضة على الكرد‪،‬‬ ‫اجل��دار ال��ذي يعين انهياره سحق الشخصية‬ ‫الكردية‪ ،‬والقضاء على خمتلف العناصر اليت‬

‫تساهم يف بلورتها واحملافظة عليها‪ ،‬كاللغة‬ ‫والعادات والتقاليد واألحالم املتشابهة والشعور‬ ‫بوحدة املصري‪ ،‬وسوى ذلك من مكونات الوجدان‬ ‫والثقافة املشرتكة اليت يتم تناقلها عرب السنني‪،‬‬ ‫ويف خمتلف مناطق كردستان‪ ،‬مدينية كانت‬ ‫وحضرية‪ ،‬أم يف القرى واملناطق النائية‪ .‬ولعله‬ ‫مما جيدر االنتباه إليه‪ ،‬أن الكرد حتى يف األزمنة‬ ‫اليت كان االقطاع فيها هو الذي حيرك حياتهم‪،‬‬ ‫حافظوا على لغتهم بسبب حرص هذا االقطاع‬ ‫هو اآلخ��ر على احملافظة عليها‪ ،‬وه��ي صفة‬ ‫خيتلف بها هذا االقطاع عن س��واه من أشكال‬ ‫االقطاع‪ ،‬عند األق��وام األخ��رى من غري الكرد‪،‬‬ ‫ممن عرفت مراحل االقطاع املتسلط (‪ .)7‬إنه‬ ‫االقطاع الذي تغلب عليه النظرة النرية للغة‪،‬‬ ‫ودورها يف احملافظة على روح العشرية الكردية‪،‬‬ ‫اليت وإن كان عندها االستعداد رمبا حملاربة‬ ‫عشرية كردية أخرى ألسباب اقتصادية حبتة‪،‬‬ ‫بقيت حتافظ على لغتها اليت وجدت فيها سببا‬ ‫للتوحد أم��ام اخلصوم من القوميات اجمل��اورة‬ ‫الغازية ألرضهم‪ ،‬واليت بقي الكرد يرون فيها‬ ‫قوميات غري صديقة‪ ،‬أو معادية يف الغالب‪،‬‬ ‫حتاول أن تفرض لغاتها على ألسنتهم حتى يف‬ ‫أرضهم اليت مل خيرجوا منها ويرتكوها لسواهم‬ ‫من الطامعني بها‪ .‬ومبعنى آخر فإن قادة الكرد‬ ‫السياسيني‪ ،‬وكذلك القادة العشائريون‪ ،‬وعلى‬ ‫ام��ت��داد سنوات نضاهلم وقيادتهم لشعبهم‪،‬‬ ‫بقوا ينظرون إىل اللغة باعتبارها قوة كبرية‬ ‫من القوى ال�تي تقوم عليها عملية التنشئة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ولرمبا تعمق هذا اإلميان وازدادت‬ ‫وتريته‪ ،‬بعد ما رأوها من حماوالت خصومهم‬ ‫اليت كانوا يهدفون من ورائها إىل إقصاء لغة الكرد‬


‫ونفيها من الوجود متاما‪ ،‬وبالذات عرب برامج‬ ‫التعليم يف املدارس (‪ .)8‬ومثة أكثر من إشارة إىل‬ ‫أن أولئك القادة‪ ،‬وبضمنهم زعماء العشائر أيضا‪،‬‬ ‫كانوا حيرصون على تعليم أبنائهم لغتهم األم‬ ‫– الكردية‪ ،‬مستخدمني يف ذلك طرقا خمتلفة‬ ‫وأحيانا مسترتة‪.‬‬ ‫لقد كان واضحا هلؤالء ومنذ زمن بعيد‪ ،‬أن‬ ‫م��ن ب�ين اوىل العقبات وأخطرها ال�تي جيب‬ ‫ختطيها من أجل التأسيس هلوية قومية‪ ،‬تلك‬ ‫اليت تتمثل يف عدم وجود لغة قومية مشرتكة‪،‬‬ ‫معيارية وميكنها أن جتمع حتى أشتات األمة‬ ‫املتناثرة هنا وهناك (‪ .)9‬وهنا نأخذ عن‬ ‫اللغوي واألنثروبولوجي إدوارد سابري قوله يف‬ ‫اللغة‪ :‬وحسب احلقيقة الواضحة‪ ،‬فإن العالقات‬ ‫االجتماعية املهمة ال ميكن هلا أن تكون واقعا‬ ‫من دون لغة إال بصعوبة كبرية‪ .‬إن وجود كالم‬ ‫مشرتك‪ ،‬ي��ؤدي وظيفة رم��ز فعال على حنو‬ ‫مميز للتضامن االجتماعي‪ ،‬عند أولئك الذين‬ ‫يتكلمونها (‪.)10‬‬ ‫وهنا من حقنا التساؤل حول نظرة الكردي‬ ‫الذي يف العراق مثال‪ ،‬فردا كان أو مجاعة إىل‬ ‫هويته ؟ وهذا واحد من أسئلة عديدة يطرحها‬ ‫الدكتور سعد بشري اسكندر هو اآلخر يف كتابه‬ ‫الذي حيمل عنوان ( عن الدولة احلديثة واألمة‬ ‫والنزعة القومية )(‪ ،)11‬فهل يعتربها هوية‬ ‫عراقية أم كردية أم االثنتني معا ؟ ومثة أيضا‬ ‫مما ميكن أن نسأله‪ :‬ما هي مصادر الذاكرة‬ ‫التارخيية عند هذا الفرد الكردي‪ ،‬وهل هلذه‬ ‫الذاكرة قواسم مشرتكة مع ذاكرة الفرد العربي‬ ‫يف العراق كما يوحي حنا بطاطو عامل االجتماع‬ ‫الشهري‪ ،‬الذي كتب الكثري حول اجملتمع العراقي‪،‬‬

‫ونال استحسان الكثريين من القراء ؟ ومن أسئلة‬ ‫إسكندر األخرى واملهمة‪ :‬هل انتماء الفرد الكردي‬ ‫إىل العراق كدولة وجمتمع تغلب ( بتشديد الالم‬ ‫) يف نهاية املطاف على والئه األثين‪ ،‬وهل يشعر‬ ‫باالنتماء إىل وطن متعدد األثنيات والثقافات‪،‬‬ ‫وبالوالء إىل دولة متثل مصاحلها كافة اجلماعات‬ ‫املتواجدة يف البلد (‪ )12‬؟‬ ‫ويف ال��وق��ت ال��ذي يأخذ فيه إسكندر على‬ ‫بطاطو استخدامه منهجا أفقيا يتصف كما‬ ‫يقول بضيق األفق وحمدودية النظرة والتعسف‬ ‫حتى يف التحليل‪ ،‬فإنه ي��رى بأنه س��وى ذلك‬ ‫يتناسى اخلصوصيات التارخيية واالجتماعية‬ ‫والسياسية والثقافية للكرد‪ ،‬وهذه أمور ينبغي‬ ‫على امل��ؤرخ والباحث االجتماعي اجل��اد عدم‬ ‫صرف النظر عنها ألهميتها‪ .‬ولعل احتفاظ‬ ‫الكرد بلغتهم‪ ،‬وخبصائصهم القومية يف ظل‬ ‫االسالم وحضارته يف مراحل الدولة االسالمية‬ ‫االوىل‪ ،‬واحتفاظهم بها الحقا‪ ،‬هلو درس بليغ‬ ‫كما قال الدكتور فرست مرعي وسبقت االشارة‬ ‫إليه‪ ،‬وجيب عدم إغفال النظر إليه ‪ .‬ولو افرتضنا‬ ‫أن االجابة على األسئلة السابقة س��وف تتم‬ ‫باالجياب‪ ،‬فإنه مما ينفي صحتها‪ ،‬حمافظة الكرد‬ ‫على لغتهم الكردية‪ ،‬وعلى عاداتهم وطقوسهم‬ ‫مجيعها معا‪ .‬بل وإنه مما يؤكد فرضية االجابة‬ ‫بالنفي‪ ،‬أن دخول الكرد يف االسالم‪ ،‬رمبا أشعرهم‬ ‫بكينونتهم كجماعة متميزة بلغتها وتراثها‬ ‫ضمن اجلماعة االسالمية (‪ .)13‬وهكذا فإنه‬ ‫من الصواب القول بأنه على الرغم من أن الكرد‬ ‫قد رحبوا بالعربية بوصفها لغة القرآن‪ ،‬وأداة‬ ‫الروح والتقوى من اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬إال أنهم‬ ‫وعلماؤهم مل ي��روا أي تعارض بني إميانهم‬ ‫‪113‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪114‬‬

‫باالسالم وإخالصهم للغة قومهم (‪ .)14‬ولرمبا‬ ‫يرى البعض أن هذا السلوك يف احملافظة على‬ ‫اللغة الكردية وعدم االقدام على تعلم العربية‬ ‫ّ‬ ‫الكرد‪،‬يعد أمرا غري مقبول على‬ ‫من قبل عامة‬ ‫اعتبار أن العربية هي لغة النص الديين املقدس‪،‬‬ ‫وأنها لغة العبادة – الصالة على وجه التحديد‪،‬‬ ‫إال أن��ه موقف ال حيالفه ال��ص��واب‪ ،‬وإال فلماذا‬ ‫أغلبنا ممن نباهي بلغتنا وهويتنا العربيتني‬ ‫ننظر بازدراء إىل املبدعني العرب الذين يكتبون‬ ‫بلغات أجنبية‪ ،‬وننعتهم مبزدوجي اهلوية أو‬ ‫املتفرنسني واملتنجلزين ؟ ومثل هذا أيضا‪،‬‬ ‫ملاذا كان ابن خلدون يرى بأن اللسان العربي قد‬ ‫فسدت ملكته وتغيرّ إعرابه‪ ،‬بسبب االحتكاك‬ ‫بغريه من ألسنة األقوام اليت دخلت يف االسالم ؟‬ ‫إنه حينما يقول بأن فساد هذا اللسان إمنا وقع‬ ‫بسبب خمالطة اللغات األخرى وإن كان قد بقي‬ ‫يف الدالالت على أصله‪ ،‬إمنا مينح الكرد احلق يف‬ ‫احملافظة على لسانهم ولغتهم‪ ،‬وهو ما جيب أن‬ ‫نأخذه على حممل اجلد فال نرفضه ألي سبب‬ ‫(‪.)15‬‬ ‫الكثريون مسعوا مبرض األنوميا الذي هو شكل‬ ‫من فقدان الذاكرة عند االنسان‪ ،‬يؤدي به عادة‬ ‫إىل نسيان هويته اخلاصة‪ .‬واهلوية مفهوم ذو‬ ‫داللة لغوية وفلسفية واجتماعية وثقافية‪.‬‬ ‫ولفظ اهلوية مشتق من أص��ل التيين ويعين‬ ‫«ال��ش��يء نفسه «‪ ،‬كما يتضمن مفهوم اهلوية‬ ‫االحساس باالنتماء القومي والدين واألثنية‬ ‫(‪ .)16‬وملا كانت اللغة هي األساس الصلد الذي‬ ‫تقوم عليه قصة األمة حبسب أندرسون‪ ،‬فإنها‬ ‫اليت تقوم عليها اهلوية أيضا‪ .‬وهذا يؤكد بأنها‬ ‫ليست جمرد أبنية وأمن��اط صوتية‪ ،‬وإمنا هي‬

‫أكرب من هذا التحديد كله‪ .‬ثم إنها من جانب‬ ‫آخر دليل واضح على فاعلية االنسان يف الواقع‪،‬‬ ‫وعليها يتوقف استمرار وجود اجلماعة البشرية‬ ‫كنظام معشري متجانس‪ ،‬وعند فقدانها فإن‬ ‫التفتت هو ما سيؤول إليه حال هذه اجلماعة‪،‬‬ ‫اليت ستفقد بالتالي سندها الشرعي الذي يربر‬ ‫القول بوجود هوية خاصة بها‪ .‬ومما يالحظه‬ ‫الباحثون يف علم اجتماع اللغة‪ ،‬أن األمثلة‬ ‫املشينة اليت يرغم (برفع الياء وفتح الغني )‬ ‫فيها الناس على حنو مباشر على التخلي عن‬ ‫لغتهم‪ ،‬تشكل االستثناء وليس القاعدة‪ ،‬وعادة‬ ‫ما كانت نتائجها تارخييا تقوي عزمهم على‬ ‫التمسك بها (‪.)17‬‬ ‫يف ي��وم شتائي ب��ارد م��ن مثانينيات القرن‬ ‫املاضي‪ ،‬وكان املطر ينهمر بغزارة على مدينة‬ ‫خانقني ذات الغالبية الكردية (‪ ،)18‬فتكاد‬ ‫مالمح البساتني بنخيلها الشاهق‪ ،‬تضيع حتت‬ ‫موجات متتالية من مياه السماء اليت جعلت‬ ‫سيقاننا تغوص يف حبر من الطني‪ ،‬قبل أن جند‬ ‫جسدينا اللذين هدهما االعياء من مغالبة املطر‬ ‫املتساقط باجلريان السريع‪ ،‬أمام بوابة البستان‬ ‫اخلشبية اليت يبدو عليها اهلرم بسبب اإليغال‬ ‫يف املاضي البعيد‪ ،‬وحيث قال شقيق زوجيت (‬ ‫العسكري برتبة مالزم آنذاك )‪ ،‬أننا سوف نقضي‬ ‫وقتا ممتعا مع أحد املزارعني‪ ،‬الذين حيولون‬ ‫عادة غرف احلراسة اليت ينامون فيها إىل جمامر‬ ‫من نار ال تتوقف عن إطالقها زفريا متواصال‪،‬‬ ‫وح���رارة حت�� ّول ش��ت��اءات البساتني إىل أزمنة‬ ‫تتعانق فيها رومانسياتنا مع أحاديث مل نكن‬ ‫نشعر خالهلا بأي ملل‪ .‬حينما سقطت نظرات‬ ‫علي‪ ،‬أعين نظرات إبي إياد‪ ،‬وكانت تلك‬ ‫الرجل ّ‬


‫أول مرة يراني فيها‪ ،‬توقف لسانه عن احلركة‪،‬‬ ‫وران صمت خلته طويال وصعبا علينا كلينا‪:‬‬ ‫أنا وهو يف األوان ذاته‪ ،‬ثم سأل شقيق زوجيت‬ ‫بالكردية عمن أكون‪ ،‬وهل أنا عربي أم كردي ال‬ ‫يتقن رمبا التكلم باللغة الكردية ؟ لرمبا اعرتى‬ ‫الرجل الضيق حينما عرف حقيقيت‪ ،‬ولكنه‬ ‫سرعان ما انفرجت أساريره مبجرد أن طمأنه‬ ‫شقيق الزوجة فقال‪ :‬صحيح أن��ه موظف يف‬ ‫الدولة‪ ،‬لكنه ليس من رجاالتها‪ ،‬ثم إنه نسيب‬ ‫وليس غريب‪ ،‬فاطمئن وتكلم كما تريد‪..‬‬ ‫إن الكردي بالقبض على كرديته وعدم التخلي‬ ‫عنها‪ ،‬كمثل القابض على اجلمر‪ ،‬يعرف صعوبة‬ ‫التصريح جبنسية لسانه (‪ ،)19‬لكنه وإن كان‬ ‫يسترت وراء لغة أخرى مضطرا يف بعض األوقات‪،‬‬ ‫ال يتنازل عن لغة أمه اليت تهدهده بها عادة‬ ‫وهو يف املهد رضيعا‪ ،‬وهو إمنا حيتمي بها كمثل‬ ‫ما يفعل ذلك املزارع‪،‬على اعتبار أنها األرض اليت‬ ‫يزرع فيها أحالمه وتطلعاته يف احلياة‪ .‬إن اللغة‬ ‫اليت مجعت كال من شقيق زوجيت وذلك املزارع‪،‬‬ ‫هي قبل غريها ما جعلتهما يشعران باالنتماء إىل‬ ‫أمة ليست هي نفسها األمة اليت أنتمي إليها‪ .‬ومن‬ ‫هنا تتحدد إجاباتنا على األسئلة السابقة حول‬ ‫أي االنتماءات أقرب إىل نفسية الكردي‪ :‬العراقية‬ ‫يف إطارها العام أم الكردية ؟‬ ‫إن اهلوية مفهوم دالل��ي واض��ح وثابت‪ .‬ويف‬ ‫معنى آخر‪ ،‬فإنها كمفردة ال تنتقل من مدلول‬ ‫إىل آخر سواه‪ .‬وهكذا فإن ذلك املزارع الذي كان‬ ‫حيرص على التمسك بهويته الكردية بالتحدث‬ ‫بلغته وليس بالعربية اليت يتقنها‪ ،‬إال إذا كان‬ ‫يريد إيصال أمر بعينه لي ‪ ،‬إمنا كان هو اآلخر‬ ‫يقدم االجابة على أسئلة الدكتور سعد بشري‬

‫إسكندر‪ .‬وهي إجابة متتاز باإلجياز والبالغة‬ ‫منقطعة النظري وإن مل يكن خيطط لذلك‪،‬‬ ‫بيد أنها العفوية اليت جيب عدم صرف النظر‬ ‫عنها ألهميتها يف إصدار احلكم حول هذه املسألة‬ ‫حتديدا‪ .‬إن حال هذا الكردي مع اللغة العربية‪،‬‬ ‫كمثل حال غري العربي الذي جيد نفسه أمام‬ ‫االس�لام ومل يعد مثة من خم��رج له س��وى أن‬ ‫يعلن إسالمه‪ .‬صحيح أن االسالم دعوة جامعة‬ ‫إىل البشرية مجعاء‪ ،‬وق��د اختص اهلل العرب‬ ‫بنزوله يف جزيرتهم وبلغتهم‪ ،‬وملا أسلم أعاجم‬ ‫من الفرس والروم واألحباش وسواهم‪ ،‬وكانت‬ ‫العربية لغة القرآن والدين اجلديد‪ ،‬أصبح‬ ‫مفروضا على هؤالء فرضا ضمنيا أن يتعلموا‬ ‫العربية ليؤدوا بها عباداتهم‪ ،‬وليتمكنوا من‬ ‫التواصل مع مصادره الشرعية واملعرفية (‪،)20‬‬ ‫إال أنه ومع كل ما بذله هؤالء من طاقة وجهد يف‬ ‫حتصيل العربية‪ ،‬بقي حتصيلهم قاصرا حبكم‬ ‫ما استحكم فيهم من ع��ادات لغوية حتصلت‬ ‫لديهم باالكتساب (‪ .)21‬ومعنى هذا فإن ذلك‬ ‫املزارع يف لكنته اليت فيها حلن وزوغ عن لكنة‬ ‫ابن العرب الذي يتحدث بلغته‪ ،‬ستبدو متساوقة‬ ‫مع املنطق الذي يقول بأن كل صاحب لغة إذا ما‬ ‫تعلم لغة أخرى‪ ،‬فال بد أن تتمايز لكنته عند‬ ‫التحدث بها عن لكنة ابن اللغة األصلي‪ .‬إنه‬ ‫االختالف الذي يتطابق مع واحدة من السنن‬ ‫الكونية‪ :‬ومن آياته اختالف ألسنتكم وألوانكم‪.‬‬ ‫وهو أيضا التساوق املنطقي‪ ،‬ألن التباين حتى يف‬ ‫إطار اللغة الواحدة‪ ،‬من حيث الصيغ الصوتية‬ ‫والصرفية واملعجمية وال��دالل��ي��ة والنحوية‬ ‫واألسلوبية‪ ،‬واسرتاتيجيات اخلطاب‪ ،‬والسياقات‬ ‫التداولية للعالمة اللغوية‪ ،‬ميثل ظاهرة لغوية‬ ‫‪115‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪116‬‬

‫عامة‪ ،‬ويعرب عن التنوع الثقايف االجتماعي يف‬ ‫اجملتمع اللغوي الواحد (‪.)22‬‬ ‫بدون اللغة القومية اجلامعة‪ ،‬اليت هي كمثل‬ ‫اللغة اليت مجعت ذلك املزارع وشقيق زوجيت‪ ،‬ال‬ ‫وجود هلوية قومية‪ .‬وإىل صحة هذا التصور يرى‬ ‫جون جوزيف يف كتابه ( اللغة واهلوية) أن بروز‬ ‫اللغة األملانية إىل الوجود يعود إىل مارتن لوثر‬ ‫كنج ( ‪ )1541-1483‬الذي سعى من خالل‬ ‫ترمجته للكتاب املقدس‪ ،‬إىل خلق شكل من اللغة‬ ‫األملانية ّ‬ ‫متكن من توحيد العديد من اجملموعات‬ ‫ذات اللهجات املتعددة‪ ،‬عرب ما اعتربت إىل حدود‬ ‫أواخ��ر القرن التاسع عشر‪ ،‬خليطا من دول‬ ‫صغرية وكبرية (‪.)23‬بيد أن مثال مارتن لوثر‬ ‫ال ينطبق على حالة الكرد‪ ،‬إذ وحنن نتناول أمر‬ ‫اللغة واهلوية عندهم‪ ،‬فإمنا ليس من منظور‬ ‫التحدث عن أمة حمتملة الظهور أو هي يف طور‬ ‫التكوين‪ ،‬وذل��ك ألن ه��ذه األم��ة هلا جذورها‬ ‫الضاربة يف أعماق التاريخ (‪ ،)24‬وهي أمة هلا‬ ‫وج��ود واقعي ب��دالالت عديدة منها التفكري‬ ‫املشرتك‪ ،‬واهل��م املشرتك‪ ،‬والثقافة الواحدة‪،‬‬ ‫والعادات والتقاليد الواحدة‪ ،‬ومثل هذا كله اللغة‬ ‫املشرتكة‪ ،‬اليت حافظت عليها مشافهاتهم اليت مل‬ ‫تتوقف‪ ،‬فنقلوها جيل عن جيل‪ ،‬حتى وصلت‬ ‫إىل الكرد احلاليني‪ ،‬أحفاد امليديني القدماء كما‬ ‫يرى مؤرخوهم‪ .‬أي إنه ّ‬ ‫احلس اجلماعي الذي‬ ‫أوجد اللغة واهلوية كلتيهما معا‪ .‬ولرمبا يقول‬ ‫البعض بأنه مثة هلجات بني الكرد متباينة‪ ،‬وأنه‬ ‫ليس مثة هناك لغة معيارية جتمع الكردي الذي‬ ‫يف اجلزء الكردي من تركيا‪ ،‬مع الكردي الذي يف‬ ‫اجلزء الكردي من العراق أوإي��ران‪ ،‬وهذا فيه‬ ‫قدر من الصحة‪ ،‬إال أن هذه التنوعات اللغوية يف‬

‫اجملتمع الواحد وحبسب اللسانيات االجتماعية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تعد أمرا طبيعيا‪ ،‬وهلا أٍسبابها اليت منها اهلجرات‬ ‫السكانية‪ ،‬ودوافع التجارة والصناعة‪ ،‬والتبادل‬ ‫الثقايف والغزو العسكري (‪ .)25‬ومما له أهميته‬ ‫يف هذا امليدان‪ ،‬التنبيه إىل العالقة املتبادلة بني‬ ‫كل من مناهج الدرس اللساني ومناهج الدرس‬ ‫االجتماعي‪ ،‬واليت بسببها نشأ علم اللسانيات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬الذي وكما يشري امسه‪ ،‬يقوم على‬ ‫دراس��ة اللغة يف إطارها االجتماعي‪ ،‬من أجل‬ ‫التوصل إىل ضوابط حتكم العالقة كما يقول‬ ‫الناقد العناتي بني الوظائف اللغوية والوظائف‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وكيفية عكس البنية اللغوية‬ ‫للبنية االجتماعية وعلى وف��ق متغرياتها‬ ‫املتعددة‪ ،‬كاملستوى االجتماعي واجلنس والعمر‬ ‫واملوطن وغريها من املتغريات‪.‬‬ ‫ما دام يف األمر ما يفيد هذه الدراسة‪ ،‬فلن‬ ‫نتوقف عن االشارة إىل مثال املزارع الكردي‪ ،‬ما‬ ‫دامت هذه االشارة حتمل فائدة وتبني حقيقة‬ ‫ينبغي عدم صرف النظر عنها ألي سبب‪ ،‬بل‬ ‫والتوسل بكل ما يلزم إلظهارها واالنتصار‬ ‫هلا‪ .‬وهو مثال على الرغم من ظاهره الفردي‬ ‫احملدود‪ ،‬ميكن أن يكون مقياسا‪ ،‬ألن حال هذا‬ ‫املزارع كمثل حال ماليني الكرد‪ ،‬ممن تعلموا‬ ‫الكردية بالفطرة ورضعوها مع حليب أمهاتهم‪،‬‬ ‫يف زمن كان حيرم عليهم تعلمها حتى يف املدارس‬ ‫اليت كانوا يذهبون إليها (‪.)26‬‬ ‫لقد شكلت معرفة الكرد بلغتهم أهم ركيزة‬ ‫ميكنهم االتكاء عليها لتحصني اهلوية والذات‬ ‫والشخصية مجيعها معا‪ .‬وإن دفاعهم عنها‪،‬‬ ‫مبعنى السعي لتعلمها بالفطرة يف منازهلم‬ ‫وبشكل خيرجون فيه على رغبات األنظمة‬


‫السياسية اليت كانت تأمرهم بعدم استخدام‬ ‫لغتهم األصلية‪ ،‬إمنا من أجل أن يضمنوا ألنفسهم‬ ‫البقاء كأمة على قيد احلياة‪ ،‬هلا هويتها اليت‬ ‫ختتلف عما عند اآلخرين من اهلويات‪ .‬هنا وإىل‬ ‫مثال أهمية اللغة يف حياة األمة واحملافظة على‬ ‫هويتها‪ ،‬نشري إىل ما يأخذه جون جوزيف عن‬ ‫هوتون‪ :‬إن سياسات هتلر االضطهادية وإبادته‬ ‫لليهود يف نهاية املطاف (‪ ،)27‬كانت مبنية‬ ‫أساسا على مسوغ يفيد بأنه على الرغم من كون‬ ‫لغتهم الييدية – اليديشية – لغة يهود أوروبا‬ ‫كانت شكال من أشكال اللغة األملانية‪ ،‬فقد كانت‬ ‫هلم خصوصية عرقية غري معقولة ال تسمح‬ ‫هلم بامتالك لغة أم‪ ،‬وبالتالي فإنهم مل ينتموا‬ ‫إىل اجلهاز السياسي األملاني‪ ،‬وإمنا كانوا داخله‬ ‫عالة عليه (‪.)28‬‬ ‫وخالصة القول بأن ذلك امل��زارع حتى لو مل‬ ‫يكن قد ذهب إىل املدرسة‪ ،‬حيث ميكن أن تتم‬ ‫عملية تهذيب طريقته يف التفكري‪ ،‬ومل يكن قد‬ ‫اشتغل يف السياسة‪ ،‬كان يشعر وهو يف شعوره‬ ‫يلتقي مع شعور كردي مجاعي أوسع وأكرب‪ ،‬بأن‬ ‫مدينة خانقني اليت هو من سكانها األصليني‪،‬‬ ‫كانت تواجه شأن كثري من األمكنة الكردية‬ ‫ليس يف العراق وحده‪ ،‬وإمنا يف سواه من البلدان‬ ‫(‪ ،)29‬عملية تعريب تشمل املكان واالنسان‬ ‫كليهما معا (‪ .)30‬إنها احل��ي��اة يف مرارتها‬ ‫الالذعة‪ ،‬ويف حماولة خلق واقع لغوي جديد‪،‬‬ ‫هما ما كان يواجههما‪ ،‬فاعتقد يف البدء أنين أداة‬ ‫ممن حياولون قتل لغته فوق لسانه‪ .‬ولكنه ما إن‬ ‫شعر بالطمأنينة‪ ،‬وأنين لست من عمال الغالب‬ ‫بالقوة الذين يسوطون الناس بقسوة‪ ،‬انفرجت‬ ‫أساريره‪ ،‬فأدركت أن اللغة تزداد صمودا يف وجه‬

‫أندادها كلما ازداد الضغط عليها‪ ،‬متاما كالشجرة‬ ‫اليت تلطمها الرياح من كل اجلهات‪ ،‬سرعان‬ ‫ما تتحول جذورها إىل أوت��اد‪ ،‬فتزيدها قوة يف‬ ‫األرض وثباتا‪.‬‬ ‫ومما نود االش��ارة إليه هنا‪ ،‬نظرا ملا له من‬ ‫دالالت واسعة‪ ،‬أن أي شكل من أشكال احتالل‬ ‫النفوس الذي يصاحب عملية احتالل األرض‬ ‫ع��ادة‪ ،‬مل يتعرض إليه الكرد‪ .‬وهم يف الوقت‬ ‫الذي مل يظهر عليهم فيه ما يشري إىل الرغبة يف‬ ‫التمثل باآلخر الغالب بالقوة واحليلة‪ ،‬مل يقبلوا‬ ‫التنازل عن متسكهم بلغتهم‪ ،‬اليت يعدونها يف‬ ‫مكان الروح اليت إذا انتزعت من جسم الكائن‬ ‫احلي مات ونفق‪ .‬وهم يف هذا إمنا كانوا حيرصون‬ ‫على أن حيافظوا على اللحمة التارخيية اليت‬ ‫مجعت اللغة بالقومية‪ ،‬ومجعت االثنتني معا‬ ‫باهلوية أيضا‪ .‬صحيح أنه لرمبا بقيت اللغة‬ ‫الكردية سنوات طويلة حمكية وغري مكتوبة‪ ،‬أو‬ ‫إنها مل تكن مما يدرسه التالميذ يف املدارس‪ ،‬إال‬ ‫أن اللغات األخرى املشار إليها سابقا‪ ،‬مل تستطع‬ ‫مزامحتها على اجلغرافيا ال�تي هي موطنها‬ ‫وليست موطن هذه اللغات الوافدة‪ ،‬وهذا مما‬ ‫يفيد بأنها إحدى اللغات اليت مل يفت يف عضدها‬ ‫استعمار أو احتالل‪ ،‬وهي يف هذا تكون كمثل‬ ‫غريها من اللغات‪ ،‬اليت مل تستطع اللغة العربية‬ ‫إقصاءها من احلياة‪ ،‬على رغم دخول األقوام‬ ‫الناطقة بها يف االس�لام‪ ،‬كاللغة الفارسية يف‬ ‫إيران‪ ،‬والبشتو يف أفغانستان‪ ،‬وسواهما من لغات‬ ‫الرببر وأندونيسيا والباكستان واهلند وتركيا‪،‬‬ ‫متاما وكمثل العربية ذاتها الحقا‪ ،‬مل تستطع أن‬ ‫تهزمها حماوالت الفرنسة والنجلزة واألمركة‪،‬‬ ‫حتديدا يف بلدان الشمال االفريقي العربية‪ ،‬ويف‬ ‫‪117‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪118‬‬

‫تلك اليت كانت حتت االنتداب الربيطاني‪.‬‬ ‫إنها يف استمراريتها فوق األلسن الناطقة بها‪،‬‬ ‫على الرغم من وي�لات احل��روب اليت واجهها‬ ‫الكرد ونتائجها امل��ري��رة‪ ،‬تستحق أن توصف‬ ‫باللغة الطود العظيم‪ .‬صحيح أننا يعوزنا‬ ‫التصور الدقيق لتارخيها وملختلف ما أصابها‬ ‫خالل عمرها‪ ،‬إال أنها تبقى واحدة من اللغات‬ ‫القدمية‪ ،‬اليت مل تصادف أيا من حاالت التوقف‬ ‫واإلقصاء إىل الظالل املعتمة‪ ،‬يف منأى عن التداول‬ ‫بني الناطقني بها‪.‬‬ ‫صحيح أن للغة الكوردية صلة بعيدة باللغة‬ ‫الفارسية باعتبارهما تنتميان إىل جمموعة‬ ‫اللغات اهلندو – أوروبية‪ ،‬إال أنهما ختتلفان فيما‬ ‫بينهما يف ن��واح عديدة‪ ،‬س��واء يف املفردات أو‬ ‫النحو والصرف أو يف النطق‪ ،‬فاللغة الكوردية كما‬ ‫أكد سدني مسيث‪ ،‬لغة مستقلة متام االستقالل‬ ‫هلا تطوراتها التارخيية احلقيقية‪ ،‬وهي لغة‬ ‫آرية ممتازة منذ القدم إىل يومنا هذا يف جبال‬ ‫كردستان (‪ .)31‬إنها بعكس العربية مثال‪ ،‬اليت‬ ‫ظهرت كما تشري بعض الكتابات قبل ميالد‬ ‫املسيح ‪ ،‬غابت عن الوجود ومل يعد هلا مكان‬ ‫إال يف الكنس ودور العبادة اليهودية‪ .‬لقد بقيت‬ ‫الكردية يف مكانتها فوق األلسن ومل تعرف أيا‬ ‫من مراحل السبات ال�تي م��رت بها العربية‪،‬‬ ‫اليت ال ينفي ابن يهودا وجود دوافع سياسية‬ ‫وقومية حفزته إلحيائها‪ .‬هنا وعلى سبيل‬ ‫املقايسة‪ ،‬ف��إذا كانت العربية حباجة إىل زمن‬ ‫طويل تعود بدايته إىل القرن الثامن عشر‪ ،‬لكي‬ ‫يدرك القائمون على شؤونها أهمية اللغة كما‬ ‫يرد على لسان ابن يهودا‪ ،‬فإن الكرد ويف خمتلف‬ ‫مستوياتهم الثقافية‪ ،‬بداللة عدم توقفهم عن‬

‫استخدام لغتهم يف حياتهم‪ ،‬ظلوا ميتلكون وعيا‬ ‫قويا بأهمية اللغة يف تقرير وج��ود االنسان‪،‬‬ ‫ومن هنا نالحظ رفضهم اهليمنة عليهم عن‬ ‫طريق لغة أخرى‪ ،‬عدا رفض احتالل أرضهم‪،‬‬ ‫ودفاعهم عن هذه اللغة اليت عن طريقها يبقون‬ ‫سادة أنفسهم‪ .‬ومبعنى يوضح هذا األمر‪ ،‬فإن‬ ‫فعالية املقاومة اللغوية‪ ،‬وهي حدث اجتماعي‬ ‫أيضا‪ ،‬إمن��ا هلا ارت��ب��اط متني بقدرة االنسان‬ ‫الكردي على تطوير وعيه باهليمنة وأشكاهلا‪،‬‬ ‫وبأساليب مقاومتها‪ ،‬وبضمن ذلك هيمنة لغة‬ ‫أخرى على لغة قومه‪ ،‬الذي يعيش فيها وتعيش‬ ‫فوق ألسنة أهله‪ .‬وهذا مما حال دون اآلخرين‬ ‫والقدرة على إحكام سيطرتهم على الكردي‬ ‫ليس يف العراق وح��ده‪ ،‬وإمن��ا يف كل من إيران‬ ‫وتركيا وسوريا كذلك‪ .‬يقول فاندايك‪ :‬وتكون‬ ‫اهليمنة األيديولوجية كاملة‪ ،‬حينما ال متلك‬ ‫اجلماعات املهيمن عليها القدرة على التمييز‬ ‫بني مصاحلها ومواقفها اخلاصة بها‪ ،‬ومصاحل‬ ‫ومواقف اجلماعات املهيمنة(‪.)32‬‬ ‫إننا إذا ما أخذنا بنظر االعتبار بأن سلوك ذلك‬ ‫املزارع الكردي ال ّ‬ ‫يعد استثنائيا‪ ،‬وأن االستثنائي‬ ‫إمنا يتمثل مبن يقدم االحنناءة لسارق األرض‬ ‫منه‪ .‬إن الكرد بصورة عامة‪ ،‬وكمثل ذلك املزارع‪،‬‬ ‫حياولون االحتماء بلغتهم حتى أمام أقرانهم من‬ ‫أصحاب اللغات والقوميات األخرى‪ ،‬الذين هم‬ ‫اآلخرون ال بد سيحتمون بلغاتهم إذا ما اقتضت‬ ‫الضرورة ذلك‪ .‬ومما ميكننا استنتاجه هنا‪ ،‬أن‬ ‫اللغة – أية لغة ترهص دوما بنظام اجتماعي‬ ‫وسياسي وثقايف‪ ،‬ال ّ‬ ‫بد أن يكون خمتلفا عما‬ ‫حوله من األنظمة‪ ،‬وله خصائص ومميزات رمبا‬ ‫ال نراها يف غريه من األنظمة احمليطة‪ ،‬ومن هنا‬


‫كانت حيطة ذلك املزارع الذي ما إن اطمأن بأن‬ ‫العربي الذي حل عليه زائرا يف بستانه‪ ،‬ال يهدد‬ ‫وجوده املعنوي قبل أي وحود مادي آخر له يف‬ ‫هذه احلياة‪ ،‬بدأ التحدث يف حببوحة من االرتياح‬ ‫والزهو‪ ،‬وهو يقدم لنا كأسني من الشاي الذي‬ ‫يستخدم الكرد ما يسمونه « السماور «(‪ )33‬يف‬ ‫إع��داده‪ ،‬بعد أن يكونوا قد طيبوه بالدارسني‬ ‫( القرفة يف ب�لاد الشام ) ذي الطعم اللذيذ‬ ‫والرائحة النفاذة‪.‬‬ ‫هنا من واجب الكردي التساؤل حول أخطر‬ ‫األزمات اليت يواجهها‪ ،‬وعلى غرار تلك األسئلة‬ ‫ال�تي سبقت االش���ارة إليها‪ .‬وه��و كما نفهمه‬ ‫تساؤل الباحث عن الذات ومكانها يف هذا العامل‪.‬‬ ‫وبالطبع فإنه من املستحيل أن حيدد الكردي‬ ‫هويته املنشودة‪ ،‬يف منأى عن وجود لغة جامعة‪.‬‬ ‫فأي الكرماجنيتني على سبيل املثال سيختار‪:‬‬ ‫الكرماجنية الشمالية أم اجلنوبية ؟ أم أن اللهجة‬ ‫اللورية يف مقدورها اإليفاء بالغرض ؟ ولرمبا‬ ‫يطل لغوي ك��ردي يقرر بأن هلجة ال��زازا هي‬ ‫األفضل من سواها من هلجات الكرد‪ ،‬وق��د ال‬ ‫يقبل بهذا االختيار لغوي آخر يفضل استخدام‬ ‫السورانية هلجة السليمانية ونواحيها‪ .‬لسنا‬ ‫هنا بصدد حتديد إجابة قاطعة ودقيقة‪ ،‬ومثة‬ ‫هناك من يدعو الستخدام احلرف الالتيين يف‬ ‫الكتابة‪ ،‬وآخر سواه قد يفضل استخدام احلرف‬ ‫العربي (‪.)34‬وهكذا ف��إن الكرد إمن��ا ميرون‬ ‫مبرحلة ينتقلون فيها من وضعهم كضحايا‬ ‫مسلوبي االرادة‪ ،‬إىل أخ��رى عليهم فيها إبراز‬ ‫هويتهم بوضوح كامل‪.‬‬ ‫وعندما حت��دث إدوارد سعيد ح��ول أزم��ة‬ ‫العرب األساسية ورأى أنها ال توجد يف اللغة بقدر‬

‫وجودها يف هوية هذه اللغة‪ ،‬وأن العرب إمنا‬ ‫يعبرّ ون عن أنفسهم بلغة اآلخر بعد ان انتزع‬ ‫اهلل منهم لغتهم وجعلها لغة القرآن – النص‬ ‫الديين املقدس‪ ،‬فإمنا ألنه أراد الوصول إىل حكم‬ ‫مفاده‪ :‬إن االنسان تاريخ‪ ،‬وحيتاج يف التعبري عن‬ ‫نفسه إىل لغة تتطور (‪ .)35‬مبعنى‪ ،‬فإن الكرد‬ ‫إمنا هم حباجة إىل اللغة اليت تكشفهم ألنفسهم‬ ‫مجيعهم بال إقصاء‪ ،‬أولئك الذين يف تركيا‪،‬‬ ‫واآلخرون الذين يف إيران وسوريا‪ ،‬وتتالءم مع‬ ‫حاجاتهم وض��رورات حياتهم‪ ،‬وتكون أخريا‬ ‫لغة معيارية يستقر وجدانهم اجلماعي حوهلا‪.‬‬ ‫وكما سبق القول‪ ،‬فإنه على الكردي لكي حيقق‬ ‫تطوره اللغوي واالجتماعي وم��ا يصاحبهما‬ ‫عادة من أشكال هذا التطور‪ ،‬عدم مقارنة نفسه‬ ‫بالغرب أو بسواه‪ ،‬ذلك ألنه ليس مثة جدوى‬ ‫حقيقية من هذه املقارنة‪ ،‬وهي غالبا ما تؤدي‬ ‫بصاحبها إىل اهلاوية من االنفصام عن التاريخ‬ ‫الكردي‪ ،‬والتأخر بالتالي عن مواكبة العصر‬ ‫وتطوراته‪ .‬وأما مسألة اللهجات‪ ،‬والتباين يف‬ ‫إطار اللغة الواحدة‪ ،‬فإنه أمر طبيعي حبسب‬ ‫إش��ارة سابقة‪ ،‬وكحالة للمقايسة‪ ،‬فقد مضى‬ ‫العرب يف جاهليتهم يتوسلون العربية أداة‬ ‫للتواصل والتفاهم فيما بينهم‪ ،‬صادرين عن‬ ‫وعي وإحساس باتفاق جامع على أمنوذج لغوي‬ ‫واحد‪ ،‬صادفني عن الفروقات الشكلية والسمات‬ ‫اللهجية الفارقة‪ ،‬اليت كانت ت�تراءى أحيانا يف‬ ‫مستوى األداء النطقي (‪.)36‬‬ ‫وإذا كانت الكلمات كائنات حتيا بالشعر كما‬ ‫يذهب إىل ذلك الشاعر شيلي‪ .‬فإن استخدام‬ ‫الشعراء املتكرر للكلمات هو الذي حيول دون‬ ‫حتول اللغة مع الزمن إىل أداة عاجزة يف تعبريها‬ ‫‪119‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪120‬‬

‫عن األغراض االنسانية النبيلة(‪ .)37‬إنه مما‬ ‫حيافظ على اللغة‪ ،‬وجي��دد شبابها باستمرار‪،‬‬ ‫دوام��ه��ا ف��وق األل��س��ن‪ ،‬ومصاحبة التطورات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ال�تي ال تنفك حتمل اجلديد يف‬ ‫كل حلظة‪ ،‬تأتي يف أعقاب حلظة سبقتها‪ ،‬يقول‬ ‫املنطق بأنها لن تعود بتاتا‪.‬‬ ‫إن القول باجتماعية اللغة‪ ،‬إمنا يعين ضمنا أنها‬ ‫تدور على ألسنة أفراد بأعينهم جيمعهم انتماء‬ ‫اجتماعي وجغرايف (‪ .)38‬ومن السريورة فيها‬ ‫انفعاهلا بالقوم الذين يتداولونها على ألسنتهم‬ ‫ويف معامالتهم احلياتية‪ .‬أي أنها يف عالقة مع‬ ‫اجملتمع متبادلة وذات اجتاهني‪ ،‬فهي تؤثر يف‬ ‫هذا اجملتمع‪ ،‬وتتأثر به كذلك‪ .‬وحينما أطلت‬ ‫املدرسة التحويلية ال�تي ج��اء بها تشومسكي‬ ‫وجت��اوزت البعد االجتماعي للغة‪ ،‬قيلت كما‬ ‫يوضح الدكتور العناتي أهم االنتقادات حبقها‪.‬‬ ‫ومن هنا جيمع علماء االجتماع واللغة كل واحد‬ ‫منهم بطريقته‪ ،‬على أنه ليس هناك تاريخ للغة‬ ‫– أية لغة ميكن النظر إليه ودراسته مبعزل عن‬ ‫دراسة احلياة االجتماعية‪ .‬ويف حدود هذا املبحث‬ ‫أيضا‪ ،‬فإن العالقة اللغوية بني الناطقني بلغة‬ ‫واح��دة‪ ،‬جتسد العالقات االجتماعية بينهم‪.‬‬ ‫وضمن هذا التصور‪ ،‬فإن اهلوية االجتماعية‬ ‫حاضرة يف اللغة ذاتها‪ .‬وإذا كانت اهلوية تهتم‬ ‫بالتماثل « األصل االيتمولوجي»‪ ،‬أي بكون املرء‬ ‫أفغانيا أو مسيحيا لرتبطه بأفغان أو مبسيحيني‬ ‫آخرين‪ ،‬حبيث يكونون فئة من الناس ذوي‬ ‫هوية أفغانية أو مسيحية دينيا‪ ،‬فإنه من واجب‬ ‫الكرد البحث يف مالمح اهلوية اليت توحدهم هي‬ ‫األخ��رى‪ ،‬حاهلم يف هذا كمثل حال غريهم من‬ ‫األقوام‪ ،‬بصرف النظر عن املؤامرات اليت حيكت‬

‫ضدهم وما تزال حتاك‪ ،‬وهذا فعل يف حتقيق‬ ‫الوجود الفاعل وغري اهلامشي يف احلياة البشرية‪.‬‬


‫اهلوامش‪:‬‬ ‫(‪)1‬لقد أث��رت اللغة الرتكية والعربية على البنية‬ ‫النحوية للغة الكردية‪ ،‬ولكن بشكل غري فعال‪ ،‬فكال‬ ‫العنصرين يتميزان ب��ص��ورة واض��ح��ة ع��ن العنصر‬ ‫الكردي احلقيقي‪ .‬أنظر ‪ /‬لريخ ‪ /‬دراسات حول األكراد‬ ‫وأسالفهم اخلالدين‪ /‬ترمجة د‪ .‬عبدي حاجي‪ ،‬مكتبة‬ ‫حلب ‪1993‬ص‪34‬‬ ‫ويقول ديرك كينن يف كتابه ( الكرد وكردستان )‪:‬‬ ‫ومع كون اللغة الكردية تتصل بالفارسية‪ ،‬إال أنها متتلك‬ ‫القواعد اللغوية الفارقية مع الرتاكيب واملفردات اخلاص‬ ‫بها ص‪17‬‬ ‫(‪)2‬د‪ .‬فرست مرعي ‪ /‬الدور التارخيي للكرد ‪ /‬جملة‬ ‫سردم العربي‪ ،2007/18-17‬سليمانية‬ ‫(‪)3‬نقرأ يف كتاب (ص��ورة العرب يف األدب الفارسي‬ ‫احلديث) ما يلي‪ :‬وقد سعى النظام البهلوي إىل تغيري‬ ‫اهلوية األثنية للشعوب غري الفارسية يف إيران‪ ،‬جاعال‬ ‫إياها جزءا من األمة اإليرانية احلديثة مجعتها اللغة‬ ‫والثقافة الفارسيتان‪ .‬واحنصر استخدام اللغة الفارسية‪،‬‬ ‫اللغة الرمسية إلي��ران يف احلكومة ووسائل االع�لام‪،‬‬ ‫وللغاية ذاتها وضع التعليم حتت وصاية احلكومة‪ ،‬كما‬ ‫متت مراقبته وعلمنته‪ ،‬ومن بني أهداف التعليم كان‬ ‫تهييج املشاعر القومية اإليرانية وتفريس إي��ران‪،‬‬ ‫وقد فرضت اللغة الفارسية بوصفها اللغة الرمسية‬ ‫للتدريس‪ ...‬ص‪25-24‬‬ ‫ونقرأ يف كتاب ( عن الدولة احلديثة واألمة والنزعة‬ ‫القومية ) ما يلي‪ :‬فيما خيص العراق‪ ،‬عكس إعطاء‬ ‫احلصري أهمية كبرية للغة والتاريخ كعاملني أساسيني‬ ‫مكونني لألمة‪ ،‬رغبته يف استخدامهما كأداة تربر تعريب‬ ‫أثين وفكري جملتمع متعدد األثنيات والثقافة‪ ..‬ص‪72‬‬ ‫ونقرأ يف كتاب ( الكرد وكردستان ) ما يلي‪ :‬فاستعمال‬ ‫اللغة الكردية يف التعليم يف ما عدا العراق‪ ،‬يعترب يف‬ ‫كردستان من األم��ور اخلارجة عن صلب املوضوع‪ ،‬إذ‬ ‫ان احلكومتني الرتكية واإليرانية دأبتا على التحكم يف‬ ‫فرض ثقافتيهما على الكرد‪ ...‬ص‪18‬‬

‫(‪)4‬حدث يف النصف الثاني من تسعينيات القرن‬ ‫املاضي‪ ،‬أن مت ترحيل أعداد‬ ‫كبرية من كرد خانقني وضواحيها‪ ،‬إىل بلدات الفلوجة‬ ‫والرمادي واحللة والناصرية يف غرب ووسط وجنوب‬ ‫العراق‪ ،‬وبضمنهم أق��ارب من عشرية زوجيت املسماة‬ ‫عشرية اجلمور‪ ،‬لكن شقيقتها األرملة سرعان ما غادرت‬ ‫الفلوجة س��را‪ ،‬وسكنت يف حملة باب الشيخ يف وسط‬ ‫بغداد‪ ،‬حيث ميكن أن تغيب نفسها وعائلتها عن العيون‬ ‫يف هذه احمللة الشعبية املزدمحة‪ ،‬وهي احمللة اليت تقع‬ ‫على مقربة من جامع الشيخ عبدالقادر الكيالني‬ ‫الشهري‪ ،‬الذي له يف اوساط الكرد مكانة املتصوف الكبري‪،‬‬ ‫وحتت ذريعتني‪ :‬واحدة أنها ال حتتمل العيش يف مكان ال‬ ‫تعرف فيه كردا تتكلم معهم بلغتها اليت ال تتقن سواها‪،‬‬ ‫وقد وجدت منهم الكثريين يف هذه احمللة‪ ،‬والثانية أن‬ ‫هذه احمللة على مقربة من كراج السيارات الذاهبة إىل‬ ‫خانقني والقادمة منها‪ ،‬وكأنها بذلك إمنا أرادت متابعة‬ ‫أخبار مدينتها‪ .‬وحتى يف هذا املكان فإن السيدة فهيمة‬ ‫مل حتتمل العيش‪ ،‬وسرعان ما عادت بشكل سري كذلك‪،‬‬ ‫لتسكن يف خانقني يف حملة أخ��رى غري حملة املزرعة‬ ‫اليت فيها بيتها الذي طردت منه‪ ،‬وإن مل تسلم فأعيد‬ ‫ترحيلها‪ ،‬وبقيت هكذا إىل عام ‪ ،2003‬حينما عادت إىل‬ ‫بيتها‪ ،‬لكن بدون بصر أو قدرة على السمع يف هذه املرة‪،‬‬ ‫فأصيبت جبلطة يف الدماغ يف داخل بيتها الذي مل تشعر‬ ‫حبالوة العودة إليه‪ ،‬وما تزال حتى اليوم حتيا عمياء‬ ‫صماء ومشلولة عن احلركة‪ .‬إنها إحدى صور عذابات‬ ‫الكرد املتنوعة‪.‬‬ ‫(‪)5‬اللهجات الكردية األساسية هي‪ :‬هلجة ال��زازا يف‬ ‫الشمال‪ ،‬وهلجة الكرماجني يف الوسط واجلنوب‪ ،‬وأخريا‬ ‫هناك اللهجة الكورانية الشائعة يف منطقة كرمنشاه من‬ ‫كردستان اليت حتت السيطرة اإليرانية‪.‬‬ ‫(‪ )6‬يف منطقة هامة تنتج السجاد وهي بيزار‪ ،‬ميتزج‬ ‫الكرد بالرتك‪ ،‬ورغم ذلك فإن اللغة الكردية تعترب من‬ ‫امل��وروث الشفاهي الكردي‪ ،‬وبدونها ال تكتمل اهلوية‬ ‫الكردية‪ ..‬أنظر – ويليام إيغلتون ‪ /‬القبائل الكردية‪،‬‬ ‫‪121‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪122‬‬

‫ترمجة د‪ .‬أمحد حممود خليل – مؤسسة موكرياني‬ ‫للطباعة‪2006‬ص‪18‬‬ ‫(‪)7‬يقول الدكتور هلكوت حكيم يف املدخل إىل كتاب‬ ‫باسيل نيكيتني ( الكرد – دراسة سوسيولوجية )‪ :‬وقد‬ ‫بقي النظام االقطاعي القائم على العشرية زمنا طويال‬ ‫يف كردستان‪ ،‬وإذا كان هذا النظام عنصرا سلبيا يف كيان‬ ‫اجملتمع الكردي‪ ،‬فإنه حسب نيكيتني يعد واحدا من‬ ‫العوامل اليت ساعدت يف احلفاظ والبقاء على خصوصية‬ ‫هوية كردستان والكرد‪..‬ص‪70‬‬ ‫ويقول البدليسي يف كتابه ( شرفنامه )‪ :‬ويف مرحلة‬ ‫االقطاعية املتطورة‪ ،‬وهي مرحلة انفصال احلرفة عن‬ ‫الزراعة ومنو املدن والقصبات والبلدات يف كردستان‪،‬‬ ‫تكونت القومية الكردية ص‪6‬‬ ‫(‪)8‬يقول باسيلي نيكيتني يف كتابه ( الكرد – دراسة‬ ‫سوسيولوجية )‪ :‬وألن الكردي حم��روم من إمكانية‬ ‫الدراسة بلغته القومية‪ ،‬فهو ال يستطيع أن يكتب بلغته‬ ‫الكردية‪ .‬ولذلك فإنه مظلوم يف هذا اجملال باملقارنة مع‬ ‫جريانه الرتك والفرس والعرب الذين يدرسون بلغاتهم‪.‬‬ ‫ومن هنا جنده مضطرا لينكب على األدب الشفاهي‬ ‫الفولكلوري ص‪424‬‬ ‫(‪)9‬نقرأ يف كتاب (صورة العرب يف األدب الفارسي )‬ ‫ما يلي‪ :‬وهناك جانب آخر من سريورة التفريس تلك‪،‬‬ ‫جتلى يف سياسة إصالح اللغة اليت بدأها رضا شاه واليت‬ ‫متاشت بالقسوة ذاتها مع حركة االصالح اللغوي يف تركيا‬ ‫اليت فرضها كمال أتاتورك‪ .‬ففي عام ‪ 1935‬أسس رضا‬ ‫شاه األكادميية الثقافية اليت هدفت إىل تطوير اللغة‬ ‫الفارسية واألدب الفارسي ( ألنهما وحدهما ما سوف‬ ‫تدور حوهلما عملية التمركز لبناء إيران احلديثة –‬ ‫املؤلف)‪ ...‬ص‪25‬‬ ‫(‪ )10‬ج��ون جوزيف ‪ /‬اللغة واهل��وي��ة‪ ،‬ترمجة د‪.‬‬ ‫عبدالنور خراقي ‪ /‬سلسلة عامل املعرفة ‪2007/342‬‬ ‫الكويت ص‪85‬‬ ‫(‪)11‬للمزيد أنظر – د‪ .‬سعد بشري إسكندر ‪ /‬عن‬ ‫الدولة احلديثة واألمة والنزعة القومية ‪ /‬منشورات‬

‫مكتب الفكر والتوعية‪ ،‬سليمانية ‪2005‬‬ ‫(‪)12‬نالحظ أن إسكندر يشري إىل ه��ذه األثنيات‬ ‫باعتبارها مجاعات‪ ،‬وهذا أقرب إىل الصواب‪ ،‬بينما يشري‬ ‫إليها بطاطو باعتبارها أقلية كبرية‪ ،‬وأخ��رى غريها‬ ‫أقليات صغرية‪ ،‬وهذا أمر غري دقيق وخيضع يف اعتقادنا‬ ‫لألدجلة السياسية ودوغمائيتها أحيانا‪.‬‬ ‫(‪ )13‬د‪ .‬فرست مرعي ‪ /‬الدور التارخيي للكرد ‪ /‬جملة‬ ‫سردم العربي‪ ،2007/18-17‬سليمانية‬ ‫(‪)14‬د‪ .‬فرست مرعي ‪ /‬نفسه‪..‬‬ ‫(‪)15‬يقول رفيق حلمي يف دراسته (األك���راد منذ‬ ‫فجر التاريخ ) ‪ :‬وكانت هذه اللغة‪ -‬الكردية تكتب قبل‬ ‫االسالم من الشمال إىل اليمني بأجبدية مستقلة مشابهة‬ ‫لألجبدية اآلشورية واألرمنية‪ ،‬وقد تركت هذه األجبدية‬ ‫بعد االسالم اكتفاء باألجبدية العربية ألنها لغة القرآن‪..‬‬ ‫جملة سردم العربي ‪2008 /21‬‬ ‫وي��ق��ول نيكيتني يف ك��ت��اب��ه ( ال��ك��رد – دراس���ة‬ ‫سوسيولوجية )‪ :‬استطاع الشعب الكردي مع إميانه‬ ‫باالسالم‪ ،‬أن حيافظ على أو ينشئ له قيمه الروحية اليت‬ ‫ال ترتك أي شك حول ذاتيته وشخصيته املتميزة متاما‬ ‫عما لآلخرين‪ ..‬ص‪420‬‬ ‫(‪)16‬جون جوزيف ‪ /‬املرجع نفسه ص‪8‬‬ ‫(‪)17‬جون جوزيف ‪ /‬نفسه ص‪45‬‬ ‫(‪)18‬تقع مدينة خانقني إىل الشمال الشرقي من‬ ‫العاصمة العراقية بغداد‪ ،‬على مسافة مائة ومثانون‬ ‫كيلو مرتا تقريبا‪ ،‬قريبا من احلدود مع إيران‪ .‬وكانت يف‬ ‫القديم حتمل اسم أرمتيتا‪ ،‬وقد أسسها السلوقيون خلف‬ ‫االسكندر ومسوها باسم اإلهلة اإلغريقية ( أرمتيت –‬ ‫أرمتيس ) اليت كانت حتمل صفات عشتار السومرية‪.‬‬ ‫(‪)19‬يقول فاضل كريم أمح��د يف كتابه ( تاريخ‬ ‫الفكر الكردي )‪ :‬إن إحدى املشاكل اليت تواجهنا‪ ،‬هي‬ ‫عدم وضوح هوية قسم من مؤرخينا وكتابنا‪،‬إذ إنهم‬ ‫مل يكتبوا شيئا عن هويتهم القومية‪ ،‬كما أن نتاجاتهم‬ ‫ليست باللغة الكردية‪ ،‬باالضافة إىل أن بعضا منهم‬ ‫أرج��ع��وا ج��ذوره��م وأص��وهل��م إىل عشرية من العشائر‬


‫العربية او الفارسية‪ ،‬وكان من الصعب عليه أن يقول‪:‬‬ ‫أنا كردي بكل صراحة ووضوح‪ ...‬ص‪15‬‬ ‫وم��ن ال�لاف��ت لالنتباه ب��ه��ذا ال��ص��دد أن شرفخان‬ ‫البدليسي وعلى الرغم من املكانة اهلامة اليت وصل‬ ‫إليها عند شاه إيران‪ ،‬مل يكن يعلن عن كرديته‪ ،‬ومثة‬ ‫أسباب قد تكون مقنعة لنا‪ .‬مبعنى فإن البدليسي الذي‬ ‫كان حيمل طموحا كبريا للصعود إىل أعلى املناصب‪ ،‬كان‬ ‫خيشى باالعالن عن كرديته أن يثري حفيظة احلكام‬ ‫ممن كان يعمل يف معيتهم‪.‬‬ ‫(‪ )20‬يقول فاضل كريم أمح��د يف كتابه (تاريخ‬ ‫الفكر الكردي)‪ :‬لقد اضطر املفكرون الكرد إىل قطع‬ ‫املراحل الدراسية املطلوبة باللغة العربية مرحلة‬ ‫مرحلة‪ ،‬وبنجاح تام‪ ،‬واكتساب أعلى الدرجات يف اخلربة‬ ‫واملعرفة يف قواعد اللغة العربية والفقه وتفسري القرآن‬ ‫واحلديث‪ .‬ولرمبا مل يبذل هؤالء ‪ 1%‬من ذلك اجلهد‬ ‫لالهتمام باللغة واألدب الكرديني‪ ..‬ص‪8‬‬ ‫(‪)21‬د‪ .‬وليد العناتي ‪ /‬التباين وأث��ره يف تشكيل‬ ‫النظرية اللغوية العربية ‪ /‬وزارة الثقافة‪ ،‬عمان ‪2001‬‬ ‫ص‪47‬‬ ‫(‪)22‬أنظر مقدمة كتاب التباين وأثره بقلم د‪ .‬وليد‬ ‫سيف‬ ‫(‪ )23‬جون جوزيف ‪ /‬املرجع السابق ص‪139‬‬ ‫(‪ )24‬احتفل الكرد يف هذا العام ‪ 2012‬م بعامهم‬ ‫الكردي اجلديد ‪2712‬‬ ‫(‪ )25‬للمزيد أنظر – د‪ .‬وليد العناتي ‪ /‬املرجع السابق‬ ‫ص‪22-21‬‬ ‫(‪)26‬ميكن االط�لاع على كتاب عزيز ي��اور حول‬ ‫التعليم يف خانقني ففيه من‬ ‫الوثائق الكثري مما يبني هذا األمر‪.‬‬ ‫(‪)27‬ميكن للقارئ االطالع على كتابنا الذي حيمل‬ ‫عنوان ( التزوير يف األدب اليهودي ) الصادر عن دار‬ ‫القلم يف دمشق عام ‪ ،2000‬وبالذات الفصل اخلاص‬ ‫برواية ( كوكب الرماد ) للروائي االسرائيلي حيئيل‬ ‫دينور اليت تصور هذه االبادة املزعومة‪.‬‬

‫(‪)28‬جون جوزيف ‪ /‬نفسه ص‪139‬‬ ‫(‪)29‬يقول فاروق حجي مصطفى يف دراسته (حقوق‬ ‫االنسان الكردي)‪:‬كما أن احلظر املفروض على اللغة‬ ‫والثقافة الكردية ما زال معموال به‪ ،‬فالكردي ممنوع‬ ‫عليه تعلم لغته األم‪ ،‬علما أنها اللغة الثانية بعد العربية‬ ‫من حيث عدد املتحدثني بها‪ ..‬جملة سردم العربي ‪-17‬‬ ‫‪2007 /18‬‬ ‫(‪ )30‬لقد أجربت عمليات التعريب اليت كانت جتري‬ ‫يف خانقني وسواها من املناطق الكردية‪ ،‬الكثريين وكما‬ ‫أشار فاضل كريم أمحد سابقا هو اآلخر‪ ،‬إىل أن يقوم‬ ‫البعض من عشرية « اجلمور « الكردية بنسب أنفسهم‬ ‫إىل عشرية « اجلبور» العربية‪ .‬وجدير بالذكر هنا إىل أنه‬ ‫مثة مقولة تقال على ألسنة العراقيني‪ ،‬لالشارة إىل كثرة‬ ‫تعداد هذه العشرية العربية‪ :‬من يض ّيع أصله يقول أنا‬ ‫جبوري‪،‬‬ ‫(‪ )31‬د‪ .‬ف��ؤاد محه خورشيد ‪ /‬اللغة واللهجات‬ ‫الكردية ‪ /‬ص‪3‬ويقول كنياز إبراهيم مريزيف يف كتابه‬ ‫(موسوعة الكرد الصغرى)‪ :‬بغض النظر عن الظهور‬ ‫الواضح لصفات وخصائص اللهجات واملتعلقة بسنوات‬ ‫طويلة من التقيد واالسكان اإلقليمي االجباري للشعب‬ ‫ال��ك��ردي‪ ،‬حافظت اللغة الكردية على استقالليتها‬ ‫وخصائصها على امتداد مساحة‬ ‫انتشارها‪..‬ص‪319‬‬ ‫(‪)32‬عبد اهلل احلراصي ‪ /‬من اهليمنة اخلفية إىل‬ ‫التدافع الواعي ‪ /‬جملة نزوى‪(2003/34‬سلطنة عمان)‬ ‫(‪)33‬يصنع السماور عادة من النحاس أو من الستيل‬ ‫الذي ال يصدأ‪ ،‬ويتكون عادة من خزان سفلي يوضع‬ ‫فيه النفط‪،‬ويف أع�لاه مثة خ��زان للماء‪ ،‬يوضع فوقه‬ ‫إبريق الشاي‪ ،‬ويتم إشعاله متاما كما تشعل فتيلة املدفأة‬ ‫النفطية‪ ،‬فتغلى املياه يف خزانها وكذلك الشاي الذي يف‬ ‫االبريق‪،‬‬ ‫(‪)34‬يستخدم الكرد احلرف العربي يف كتابة لغتهم‬ ‫يف كل من العراق وإيران‪،‬واحلرف الروسي يف أرمينيا‬ ‫وجورجيا‪،‬واحلرف الالتيين يف احتاد الدول املستقلة‪.‬‬ ‫‪123‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪124‬‬

‫(‪)35‬إدوارد سعيد ‪ /‬تأمالت حول البداية – بدايات‬ ‫‪ /2008‬دمشق ص‪44‬‬ ‫(‪)36‬د‪ .‬وليد العناتي ‪ /‬املرجع السابق ص‪11‬‬ ‫(‪)37‬د‪ .‬إبراهيم خليل ‪ /‬يف النقد والنقد األلسين‪،‬‬ ‫عمان ‪ 2005‬ص‪21‬‬ ‫(‪)38‬د‪ .‬العناتي ‪ /‬نفسه ص‪21‬‬


‫«الثورة الكوردية يف كوردستان العراق و‬ ‫انعكاساتها يف الصحافة السوفيتية»‬ ‫قدم البحث أحمد حيدر عيل عام ‪ 1989‬يف جامعة الصداقة بني الشعوب‬ ‫«باتريس لومومبا » يف موسكو وترجمها من الروسية الباحث نفسه‬

‫‪125‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪126‬‬

‫مال مصطفى البارزاني؛ البطل األسطوري‬ ‫للشعب الكوردي‪ ،‬رئيس احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني أمضى كل حياته مناضآل يف‬ ‫سبيل حقوق شعبه‪ .‬االنتفاضة اليت قام بها‬ ‫عام ‪ 1931‬ضد احملتلني االنكليز وانتفاضة‬ ‫عام ‪ 1943‬ضد حكومة نوري السعيد‪ ،‬سنوات‬ ‫املعارك الدامية ضد جيوش عبدالكريم قاسم‪،‬‬ ‫وسنوات النضال املستمرة واحلرمان القاسية‪،‬‬ ‫كل هذه األمور مل تثن عزمية وإرادة هذا املناضل‬ ‫الشجاع‪ ،‬وهاهو اليوم ومن جديد يقود شعبه»‪.‬‬ ‫هذه الكلمات اقتطفتها من ريبورتاج بعنوان‬ ‫(هليب احلرب خييم على كوردستان) نشرته‬ ‫جملة «نيديليا» السوفيتية عام ‪ 1963‬العدد‬ ‫‪.25‬‬ ‫لقد ضحى الشعب ال��ك��وردي وعلى امتداد‬ ‫تارخيه بأشجع أبنائه يف سبيل احلرية‪ ،‬يف سبيل‬ ‫حترير وتوحيد كوردستان‪.‬‬ ‫لقد قسمت كوردستان بني سوريا‪ ،‬إيران عراق‬ ‫وتركيا ان حكومات هذه الدول مارست ومتارس‬ ‫السياسات الشوفينية والعنصرية حبق الشعب‬ ‫الكوردي‪ ،‬والكورد كانوا ومازالوا مناضلني أشداء‬ ‫يف سبيل احلرية والدميقراطية‪.‬‬ ‫موضوع هذا البحث يعيدنا عدة عقود اىل‬ ‫الوراء‪ ،‬لكن حيويته التدعو للشك‪ ،‬ألن دروس‬ ‫التاريخ تتطلب منا االدراك والتفهم‪ ،‬ويعترب‬ ‫هذا ضروريا يف الوقت الراهن ويف املستقبل ‪.‬‬ ‫ان جتربة وسائل االعالم السوفيتية بتسليط‬ ‫الضوء على األحداث يف كوردستان العراق أعوام‬ ‫‪1963/‬ـ‪ /1975‬جتعلنا نستخلص بعض‬ ‫النتائج والعرب املهمة‪.‬‬ ‫ان موضوع حبثنا هذا مل يتم التطرق اليه من‬

‫قبل‪ ،‬ال يف االحتاد السوفييت وال يف الشرق األوسط‬ ‫و ال يف أي مكان آخر ال الصحفيني وال املؤرخني‬ ‫كتبوا عن هذا املوضوع‪ ،‬وذلك العتبارات عدة‬ ‫النريد الدخول يف تفاصيلها بل نرتكها للقارىء‪،‬‬ ‫من هنا تأتي أهمية وحيوية هذا البحث‪.‬‬ ‫يتألف البحث من ثالثة فصول وملحق (مقابلة‬ ‫حول موضوع البحث)‪.‬‬ ‫الفصل األول هو عبارة عن س��رد للوقائع‬ ‫التارخيية ألح��داث الثورة‪ ،‬وذل��ك كي يتمكن‬ ‫ال��ق��ارىء من التعرف على احلياة السياسية‬ ‫للعراق وكوردستان يف تلك احلقبة من التاريخ‬ ‫أعوام ‪1958/‬ـ‪. /1975‬‬ ‫الفصل الثاني هو انعكاس الثورة الكوردية‬ ‫وس�ير أحداثها يف ك��وردس��ت��ان ويف ال��ع��راق يف‬ ‫الصحافة السوفيتية أعوام ‪1963/‬ـ‪/1969‬‬ ‫حيث يتم عرض أهم املواد املنشورة يف الصحافة‪،‬‬ ‫كل عام على حدا‪.‬‬ ‫الفصل الثالث هو عبارة عن مواقف وآراء‬ ‫الصحافة السوفيتية عن ال��ث��ورة واألح��داث‬ ‫أعوام ‪1970 /‬ـ ‪ /1975‬هذه الفرتة الزمنية‬ ‫من عمر الثورة مليئة باألحداث واالتفاقيات‬ ‫واملؤامرات‪ ،‬حيث مت توقيع اتفاقية ‪ 11‬آذار‬ ‫‪ 1970‬مع احلكومة العراقية حول منح الكورد‬ ‫حكما ً‬ ‫ً‬ ‫ذاتيا‪ ،‬وكذلك مت توقيع اتفاقية الصداقة‬ ‫والتعاون بني النظام العراقي واالحتاد السوفييت‬ ‫بتاريخ ‪ 9‬نيسان ‪ 1972‬كذلك مت تأميم املنشآت‬ ‫النفطية من قبل احلكومة العراقية‪ ،‬وكذلك مت‬ ‫إقامة اجلبهة الوطنية التقدمية عام‪/1973/‬‬ ‫‪ .‬هذه املرحلة هي مرحلة اإلختالف اجلذري‬ ‫بني السلطة العراقية والشعب الكوردي بقيادة‬ ‫احل��زب الدميقراطي الكوردستاني بزعامة‬


‫البارزاني اخلالد ح��ول قانون احلكم الذاتي‬ ‫ل��ك��وردس��ت��ان‪ ،‬وك��ذل��ك ه��ي مرحلة انطالقة‬ ‫شرارة احلرب من جديد يف كوردستان العراق‬ ‫يف ‪ 11‬آذار ‪ ،1974‬وهي مرحلة تغيري املوقف‬ ‫السوفييت من الثورة الكوردية‪.‬‬ ‫والبد لي من التوجه بالشكر للذين ساعدوني‬ ‫باحلصول على اجلرائد واجمل�لات السوفيتية‬ ‫مبوادها ما خيص موضوع البحث وأخص بالذكر‬ ‫منهم الدكتور امل���ؤرخ والباحث يف الشؤون‬ ‫الكوردية جليلي جليل‪ ،‬والربوفسور امل��ؤرخ‬ ‫والباحث شاكرو حمو رئيس القسم الكوردي‬ ‫يف معهد االستشراق يف أكادميية العلوم ألرمينيا‬ ‫السوفيتية ‪.‬‬ ‫أؤكد مرة أخرى أهمية دراسة موقف االحتاد‬ ‫السوفييت من نضال الشعوب املضطهدة املناضلة‬ ‫يف سبيل حقها يف تقرير املصري‪ ،‬ألن النسبة‬ ‫العظمى من قادة حركة التحرر الوطين ومن‬ ‫ضمنهم القادة الكورد‪ ،‬يعتربون دعم ومساندة‬ ‫اإلحتاد السوفييت لنضال الشعوب املضطهدة يف‬ ‫سبيل احلرية واالنعتاق من األمور البديهية‪،‬‬ ‫ألن جوهر النظام السوفييت هو النضال ضد‬ ‫االمربيالية واالستغالل واالضطهاد القومي‪.‬‬ ‫هذا البحث ما هو إال جهد بسيط يف سبيل‬ ‫الكشف عن بعض احلقائق ووضع اإلصبع على‬ ‫اجلراح‪ ،‬كي ال تتعمق جراحنا يف القادمات من‬ ‫األيام‪.‬‬ ‫الفصل األول‪:‬‬ ‫الثورة يف كوردستان العراق‬ ‫(جمريات األحداث)‬ ‫إن تاريخ الشعب الكوردي هو تاريخ النضال‬

‫يف سبيل احلرية وإن��ت��زاع حقوقه القومية‬ ‫املشروعة ‪ .‬منذ نهاية القرن التاسع عشر‬ ‫وبدايات القرن العشرين وحتى يومنا هذا قام‬ ‫الكورد بأكثر من مخسة وعشرون إنتفاضة‬ ‫أهمها تلك اليت قامت يف كوردستان العراق من‬ ‫عام ‪1961/‬ـ‪. /1975‬‬ ‫سنحاول إسرتجاع األحداث السياسية يف العراق‬ ‫يف مرحلة الثورة الكوردستانية لنصل لتحليل‬ ‫مانشر يف وس��ائ��ل اإلع�ل�ام ع��ن تلك املعارك‬ ‫واألحداث بشكل علمي و واقعي ‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪ 14‬متوزعام ‪ 1958‬متت اإلطاحة‬ ‫وبإنقالب عسكري بالنظام امللكي وحبكومة‬ ‫ن��وري السعيد يف ال��ع��راق‪ ،‬وق��د ق��ام قائد هذا‬ ‫اإلن��ق�لاب عبدالكريم القاسم بإلغاء امللكية‬ ‫وإع�ل�ان النظام اجل��م��ه��وري‪ ،‬وب�لا أدن��ى شك‬ ‫إنتعشت آمال كل القوى الدميقراطية يف العراق‬ ‫ورؤوا يف النظام اجلمهوري احملقق ألحالمهم‬ ‫بالدميقراطية والعدالة مبن فيهم القادة الكورد‬ ‫كما هو معلوم الشعب الكوردي كان حمروما‬ ‫من أبسط حقوقه اإلنسانية مقارنة بالعرب‪:‬‬ ‫مل يكن هلم مسؤولني يف الدولة‪ ،‬وكان حمرما‬ ‫عليهم التعلم بلغتهم وكانوا يهانون جمرد‬ ‫كونهم كوردا ‪ .‬قام عبدالكريم قاسم خبطوات‬ ‫إجيابية ففي البند الثالث من الدستور املؤقت‬ ‫جلمهورية العراق عام ‪ 1958‬ورد مايلي‪« :‬إن‬ ‫الكورد والعرب شركاء يف هذا الوطن‪ ،‬والدستور‬ ‫حيفظ للكورد كافة حقوقهم القومية ضمن‬ ‫إطار العراق املوحد»هذا أدى إىل إرتفاع أسهم‬ ‫النظام اجلديد يف صفوف الكورد ‪.‬‬ ‫(إن الشعب الكوردي سيدافع عن اجلمهورية‬ ‫الدميقراطية الفتية حتى آخ��ر قطرة من‬ ‫‪127‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪128‬‬

‫دمائه ‪ ...‬سنغلق كل املنافذ بوجه اإلمربيالية‬ ‫وعمالئها وسنكون مثاال حيتذى به للتعايش‬ ‫والتآخي القومي يف ظل النظام الدميقراطي‬ ‫احلر ) كان هذا من أحد قرارات اإلجتماع املوسع‬ ‫املنعقد يف تشرين األول ع��ام ‪ 1958‬لقيادة‬ ‫احلزب الدميقراطي الكوردستاني ‪.‬‬ ‫لكن هذا مل يدم طويال‪ ،‬حيث تغري الوضع‬ ‫وإبتدا ًء من النصف الثاني من عام ‪ 1959‬شن‬ ‫هجوما ً‬ ‫ً‬ ‫عاما على القوى‬ ‫نظام عبدالكريم قاسم‬ ‫الدميقراطية داخل البلد ‪.‬‬ ‫إن جوهر سياسة النظام املعادية للدميقراطية‬ ‫برزت بشكل واضح يف املسألة القومية‪ ،‬حيث‬ ‫صرح نائب رئيس جملس ال��وزراء عبد السالم‬ ‫عارف يف مدينة املوصل وبعد شهر واحد من‬ ‫إقامة النظام اجلمهوري مبا يلي‪« :‬إعتباراً من‬ ‫ه��ذه اللحظة اليوجد يف بلدنا رجعيني وال‬ ‫طبقات وال إمتيازات‪ ،‬بل يوجد فقط شعب‬ ‫واحد ‪ ،‬أمة واحدة ‪»...‬‬ ‫بهذا الشكل حاول أن يوجه الرأي العام لسياسة‬ ‫إنكار وجود الكورد واألقليات القومية ‪.‬‬ ‫لقد دخل الكورد يف مناقشات وح��وارات مع‬ ‫السلطة إلحقاق احلقوق وبناء البلد‪ ،‬فكان‬ ‫ج���واب السلطة إغ�ل�اق اجل��ري��دة ال��ك��وردي��ة‬ ‫الوحيدة يف بغداد « خبات» يف آذار عام ‪1961‬‬ ‫وبذلك أصبحت مواد الدستور املؤقت مبا خيص‬ ‫الكورد واألقليات القومية يف خرب كان ‪.‬‬ ‫صدرت جريدة «خبات» يف متوز عام ‪1958‬‬ ‫وكان رئيس حتريرها إبراهيم أمحد سكرتري‬ ‫احلزب الدميقراطي الكوردستاني ‪.‬‬ ‫يف تشرين الثاني عام ‪ 1960‬مت منع الصحافة‬ ‫الشيوعية‪ ،‬وكذلك أص��درت السلطات ق��راراً‬

‫بإعتقال إبراهيم أمحد بسبب مقالة «األمة‬ ‫الكوردية « وال�تي إعتربتها السلطات معادية‬ ‫للعرب وتدعو إىل تقسيم العراق ‪.‬‬ ‫بعد إغالق «خبات» أرسل احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني رسالتني إىل سلطات بغداد‪ ،‬الرسالة‬ ‫األوىل مل يستلم جوابها أما جواب الرسالة الثانية‬ ‫فكان مظاهرة إستفزازية أمام مقر احلزب يف‬ ‫بغداد‪ ،‬وقد حاول املتظاهرون الدخول إىل املقر‬ ‫وإعتقال املوجودين فيه‪ ،‬لكنهم مل يفلحوا ‪ .‬بعد‬ ‫تلك األحداث وبقرار من املكتب السياسي غادر‬ ‫قادة احلزب بغداد سراً متوجهني إىل كوردستان‬ ‫‪.‬‬ ‫بدأت الصدامات املسلحة يف املناطق الكوردية‪،‬‬ ‫وبدأت السلطات بتصفية العناصر التقدمية‬ ‫وإرس���ال ق��وات ج��دي��دة م��ن اجليش ومفارز‬ ‫للشرطة إىل كوردستان حبجة إجراء مناورات‬ ‫عسكرية‪ ،‬وإحتجاجا على ذلك أصدر احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني يف بداية أيلول عام‬ ‫‪ 1961‬ن��دا ًء دعى فيه املواطنني الكورد إىل‬ ‫املظاهرات‪ ،‬وقد عمت اإلحتجاجات واملظاهرات‬ ‫عموم كوردستان ‪.‬‬ ‫يف أيلول عام ‪ 1961‬وبقرار من عبدالكريم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شامال على‬ ‫هجوما‬ ‫القاسم شن اجليش العراقي‬ ‫ً‬ ‫مستخدما خمتلف صنوف األسلحة‬ ‫كوردستان‬ ‫من ط�يران ودب��اب��ات وع��رب��ات م��درع��ة‪ ،‬وقد‬ ‫شارك يف املعارك ثلثي اجليش العراقي‪ ،‬وهكذا‬ ‫بدأت احلرب يف كوردستان وإنطلقت معها شرارة‬ ‫الثورة‪ ،‬وأحلقت الثورة الكوردية اهلزمية تلو‬ ‫األخ��رى باجليش العراقي يف املعارك الضارية‬ ‫بينهما ‪.‬‬ ‫يف ‪ 8‬شباط عام ‪ 1963‬حدث إنقالب عسكري‪،‬‬


‫وعلى أثره مت القضاء على نظام قاسم وإستلم‬ ‫السلطة حزب البعث العربي اإلشرتاكي‪ ،‬وأصبح‬ ‫ً‬ ‫رئيسا للجمهورية‪ ،‬حيث‬ ‫عبدالسالم ع��ارف‬ ‫أعلنت السلطات اجلديدة عن تشكيل (اجمللس‬ ‫الثوري) كأعلى هيئة يف الدولة وعلى جناح‬ ‫السرعة أمر عبدالسالم عارف بتشكيل مايسمى‬ ‫«احل��رس القومي»‪ ،‬وال��ذي أم��ر بالقضاء على‬ ‫الشيوعيني بإعتبارهم حلفاء قاسم وأعلن بأن‬ ‫املشكلة الكوردية ستحل بالطرق السلمية‪ ،‬ومت‬ ‫وقف إطالق النار بني الطرفني‪ ،‬ويف ‪ 18‬شباط‬ ‫وصل وفد احلزب الدميقراطي الكوردستاني‬ ‫إىل بغداد وأجرى مباحثات مع احلكومة‪ ،‬ويف‬ ‫اللقاءات املتعاقبة األخرى كان الوفد احلكومي‬ ‫يتهرب من حبث املسائل األساسية ويتطرق إىل‬ ‫املسائل الثانوية ‪.‬‬ ‫بتاريخ (‪ 6‬ــ‪ )17‬نيسان عام ‪ 1963‬جرت يف‬ ‫القاهرة حمادثات بني وفود اجلمهورية العربية‬ ‫املتحدة والعراق وسوريا حول إقامة الوحدة‬ ‫بني هذه الدول العربية الثالث ‪.‬‬ ‫مل يضم الوفد العراقي يف صفوفه الكورد‬ ‫شركاء الوطن مع أنه من حقهم أن يتمثلوا فيه‪،‬‬ ‫لذلك أرسل الكورد وفدهم اخلاص إىل القاهرة ‪.‬‬ ‫بعد حمادثات القاهرة س��اءت العالقات بني‬ ‫الكورد والسلطات العراقية ‪.‬‬ ‫خضع الوفد الكوردي ال��ذي كان يفاوض يف‬ ‫بغداد للمراقبة الشديدة ومن ثم حتولت املراقبة‬ ‫ً‬ ‫عمليا إىل إقامة جربية يف فندق «مسرياميس» ‪.‬‬ ‫بأمر من القائد العسكري حملافظات الشمال‬ ‫بتاريخ ‪ 20‬أي��ار ‪1963‬قام اجليش العراقي‬ ‫بإغالق مجيع الطرق املؤدية إىل كوردستان‬ ‫وإح��ك��ام احلصار اإلق��ت��ص��ادي‪ ،‬وبعد إجتماع‬

‫سري ملمثلي السلطة يف بداية حزيران أصدرت‬ ‫السلطات ً‬ ‫بيانا يف ‪ 10‬حزيران عام ‪1963‬حول‬ ‫الوضع يف مشال العراق جاء فيه‪« :‬لقد قررنا‬ ‫وإبتدا ًء من هذا اليوم تنظيف املناطق الشمالية‬ ‫من بقايا مناصري البارزاني»‪.‬‬ ‫يف ه��ذا ال��ب��ي��ان مت تسمية ق��ي��ادة احلركة‬ ‫التحررية الكوردستانية ب��ـ‪« :‬جمموعة من‬ ‫اخلونة واإلنفصاليني عمالء اإلمربيالية»‪....‬‬ ‫أما جملة «نيديليا» السوفيتية ويف عددها ‪25‬‬ ‫الصادر بتاريخ (‪16‬ـ‪ )22‬حزيران عام ‪1963‬‬ ‫ً‬ ‫ريبورتاجا مع صورة كبرية للبارزاني‬ ‫نشرت‬ ‫جاء فيه‪« :‬املال مصطفى البارزاني‪(...‬البطل‬ ‫األسطوري للشعب ال��ك��وردي)‪ »....‬بتاريخ ‪9‬‬ ‫تشرين األول ‪ 1963‬مت إعالن التحالف العسكري‬ ‫العراقي ـ ال��س��وري وتشكيل غرفة عمليات‬ ‫مشرتكة‪ ،‬وقد شارك اجليش السوري يف املعارك‬ ‫ضد الكورد ألن السلطات السورية كانت تعترب‬ ‫قمع حركة الكورد يف العراق هو مبثابة القضاء‬ ‫على التطلعات التحررية والدميقراطية للكورد‬ ‫يف سوريا‪ ،‬وبذلك تنتهي من املشكلة الكوردية‪،‬‬ ‫لكن حساب احلقل مل ينطبق على حساب البيدر‬ ‫ومل تستطع القوات العراقية والسورية مشرتكة‬ ‫من القضاء على إرادة الشعب الكوردي املناضل يف‬ ‫سبيل حقوقه املشروعة ‪.‬‬ ‫ب��ت��اري��خ ‪ 18‬تشرين ال��ث��ان��ي ع��ام ‪1963‬‬ ‫قامت جمموعة من الضباط القوميني بقيادة‬ ‫الرئيس عبدالسالم ع��ارف بإنقالب سلطوي‬ ‫وإستلموا مجيع زمام األمور بأيديهم وأعلنت‬ ‫اجملموعة احلاكمة اجلديدة عن عدم شرعية‬ ‫وحل ((احلرس القومي))‪ ،‬وبتاريخ ‪ 28‬تشرين‬ ‫الثاني وجه عارف ندا ًء للمقاتلني الكورد دعاهم‬ ‫‪129‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪130‬‬

‫فيه إىل‪« :‬تسليم أسلحتهم وأنفسهم»‪ ،‬وقد رفض‬ ‫احلزب الدميقراطي الكوردستاني نداء عارف‪.‬‬ ‫مل يبق أم��ام السلطة من منفذ س��وى البدء‬ ‫باحملادثات‪ ،‬وبدأت احملادثات ومت التوقيع على‬ ‫ق��رار وق��ف إط�لاق ال��ن��ار بتاريخ ‪ 10‬شباط‬ ‫‪ 1964‬على أن يضمن الدستور املؤقت حقوق‬ ‫الكورد‪ .‬مل يشر الدستور املؤقت الذي أقر بتاريخ‬ ‫‪ 3‬أيار ‪ 1964‬الجبملة والحتى بكلمة واحدة إىل‬ ‫حقوق الكورد‪ .‬لقد إعترب احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني الدستور اجلديد بأنه دستور‬ ‫رجعي عنصري بالنسبة للشعب الكوردي‪ ،‬مما‬ ‫دفع بالسلطات إىل التحضري إلعتداءات جديدة‬ ‫على الكورد‪.‬‬ ‫تفاقم الوضع يف كوردستان وب��أواخ��ر عام‬ ‫‪ 1964‬ب��دأت صدامات مسلحة بني الكورد‬ ‫ً‬ ‫عمليا بتاريخ ‪10‬‬ ‫والسلطة وإندلعت احلرب‬ ‫شباط عام ‪ 1965‬وتعرض اجليش العراقي‬ ‫خلسائر فادحة ‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪ 13‬نيسان عام ‪ 1966‬قتل الرئيس‬ ‫العراقي عبدالسالم ع��ارف حب��ادث طائرة‪،‬‬ ‫وإستلم مكانه شقيقه عبدالرمحن عارف‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪ 29‬حزيران عام ‪ 1966‬مت التوصل‬ ‫إىل إتفاق بوقف إط�لاق النار‪ ،‬وب��دأت مرحلة‬ ‫ً‬ ‫نسبيا يف كوردستان والعراق‪.‬‬ ‫سلمية‬ ‫بدأت أوساط بغداد احلاكمة بالرتاجع رويداً‬ ‫رويداً عن وعودها للشعب الكوردي‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪ 17‬متوز عام ‪ 1968‬حدث إ نقالب‬ ‫جديد يف العراق ونتيجة لذلك أصبح أمحد‬ ‫ً‬ ‫رئيسا للعراق‪ ،‬وب��دأت حمادثات‬ ‫حسن البكر‬ ‫ج��دي��دة ب�ين السلطة واحل���زب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني إستمرت حتى أيلول من نفس‬

‫العام‪ ،‬ويف شهر تشرين الثاني بدأت صدامات‬ ‫مسلحة وإستمرت بني مد وجزر حتى أواخر‬ ‫عام ‪.1969‬‬ ‫بتاريخ ‪ 11‬آذار عام ‪ 1970‬مت التوقيع على‬ ‫إتفاقية يتم مبوجبها حل املشكلة الكوردية ً‬ ‫حال‬ ‫سلميا وإعطاء الشعب الكوردي ً‬ ‫ً‬ ‫حكما ذاتيا ًضمن‬ ‫إطار اجلمهورية العراقية‪ ،‬وتضمنت اإلتفاقية‬ ‫مخسة عشر ب��ن��داً خ�لال املباحثات توصل‬ ‫الطرفان إىل إتفاق وإصدار بيان بأن يتم إقامة‬ ‫منطقة احلكم الذاتي لكوردستان العراق بشكل‬ ‫تدرجيي‪ ،‬وذلك خالل أربعة أع��وام من تاريخ‬ ‫توقيع بيان ‪ 11‬آذار ‪. 1970‬‬ ‫مت إعالن قانون احلكم الذاتي يف بغداد من‬ ‫قبل جملس قيادة الثورة العراقي بتاريخ ‪11‬‬ ‫آذار عام ‪. 1974‬‬ ‫يف هذا القانون وخالل رسم حدود منطقة‬ ‫احلكم الذاتي لكوردستان مت إستثناء بعض‬ ‫املناطق ال��ك��وردي��ة مثل (ك��رك��وك‪ ،‬خانقني‬ ‫وغريهم) الغنية بالنفط‪ ،‬هذا أدى إىل الرفض‬ ‫القاطع للحزب الدميقراطي الكوردستاني‬ ‫هلذا القانون وطالب بتغيريه إال أن السلطات‬ ‫مل تقبل بالتغيري ألنها باألساس التريد حل‬ ‫املشكلة الكوردية‪ ،‬وكما أنها قامت خالل فرتة‬ ‫األربع سنوات جبذب احلزب الشيوعي العراقي‬ ‫إىل جانبها وكذلك وقعت إتفاقية للصداقة‬ ‫والتعاون مع اإلحت��اد السوفييت‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫اخل��ط��وات التكتيكية موجهة ض��د احلركة‬ ‫التحررية الكوردية إلبقائها وحيدة يف الساحة‬ ‫وعزهلا عن أصدقائها ‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪ 9‬نيسان ع��ام ‪ 1972‬مت التوقيع‬ ‫على إتفاقية الصداقة والتعاون بني العراق‬


‫واإلحتاد السوفييت ملدة مخسة عشر ً‬ ‫عاما‪ ،‬متتد‬ ‫ً‬ ‫أوتوماتيكيا مل��دة مخسة أع��وام يف ح��ال عدم‬ ‫إع�تراض أي من الطرفني على ذل��ك‪ ،‬وأصبح‬ ‫اإلتفاق ساري املفعول بتاريخ ‪ 20‬متوز ‪1972‬‬ ‫**ال��ق��ام��وس الدبلوماسي‪ :‬موسكو‪ ،‬طبعة‬ ‫‪ ،1986‬اجلزء الثالث ص ‪ 171‬بالروسية ‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪ 1‬حزيران عام ‪ 1972‬أممت احلكومة‬ ‫العراقية ((شركة نفط كركوك))‪ ،‬ويف شهر متوز‬ ‫من عام ‪ 1973‬مت اإلتفاق بني حزب البعث‬ ‫واحلزب الشيوعي العراقي على إقامة حتالف‬ ‫بينهما يف إطار اجلبهة الوطنية التقدمية‪ ،‬لقد‬ ‫ورد يف ميثاق اجلبهة بأن حزب البعث هو احلزب‬ ‫القائد للجبهة والدولة‪ ،‬وقد شكل أعضاء حزب‬ ‫البعث األغلبية يف قيادة اجلبهة بالنسبة لعدد‬ ‫باقي أعضاء األحزاب األخرى يف اجلبهة واليت‬ ‫كان من املفروض أن تتشكل من حزب البعث‪،‬‬ ‫احل��زب الدميقراطي الكوردستاني واحل��زب‬ ‫الشيوعي لذلك رف��ض احل��زب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني الدخول يف اجلبهة ألنه الميكن‬ ‫حتقيق أية دميقراطية يف اجلبهة يف ظل هكذا‬ ‫ميثاق‪.‬‬ ‫بعد ‪11‬آذار ‪ 1974‬بدأت املعارك من جديد‬ ‫بني الشعب الكوردي بقيادة احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني والسلطة العراقية‪ ،‬إستمرت‬ ‫املعارك الطاحنة قرابة العام‪ ،‬ولزيادة التوضيح‬ ‫نقول بأن الشعب الكوردي مل خيرق حالة السلم‬ ‫والبدء باملعارك‪ ،‬بل السلطة العراقية هي اليت‬ ‫بدأت‪ ،‬لقد أصدر فرع أوربا للحزب الدميقراطي‬ ‫ً‬ ‫بيانا يف ‪ 1‬أيلول ع��ام ‪1972‬‬ ‫الكوردستاني‬ ‫(باللغة العربية) يقول فيه‪« :‬لتمرير سياستها‬ ‫الشوفينية تلجأ السلطة لوسائل وأساليب‬

‫جديدة‪ ،‬إنها تدعم قادة العشائر واإلقطاعيني‬ ‫العرب باملال لشراء األراض��ي من اإلقطاعيني‬ ‫ً‬ ‫وخاصة يف مناطق كركوك‪ ،‬لقد‬ ‫الكورد اخلونة‪،‬‬ ‫قام اجليش العراقي بتاريخ ‪ 9‬متوز من هذا‬ ‫العام باهلجوم على قرية لويس وهدم العشرات‬ ‫من املنازل ألنها كانت ألعضاء من حزبنا‪.»...‬‬ ‫بعد نشوب املعارك يف آذار ‪ 1974‬إضطرت‬ ‫الثورة الكوردية للبحث عن سند هلا‪ ،‬وكان هذا‬ ‫السند هو إيران‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعد عام من املعارك الدامية وب��دال من حل‬ ‫املشكلة الكوردية ً‬ ‫ً‬ ‫سلميا مرة ولألبد‪ ،‬جلأ‬ ‫حال‬ ‫النظام العراقي للمساومة مع شاه إيران حممد‬ ‫رضا بهلوي‪ ،‬حيث مت بتاريخ ‪ 6‬آذار عام ‪1975‬‬ ‫يف اجلزائر التوقيع على إتفاق ترسيم احلدود‬ ‫بني إي��ران والعراق‪ ،‬لكن يف احلقيقة كان هذا‬ ‫ً‬ ‫موجها ضد الثورة الكوردية يف العراق‪،‬‬ ‫اإلتفاق‬ ‫وحبسب هذا اإلتفاق تنازل العراق إليران عن‬ ‫ثالث جزر هي طنب الكربى‪ ،‬طنب الصغرى‬ ‫وأبو موسى وجزء من شط البصرة‪ ،‬شريطة‬ ‫ان تقطع إيران طريق اإلم��دادات على الثورة‬ ‫الكوردية‪ ،‬و مت هذا االتفاق وهذا ما أدى إىل وقف‬ ‫املعارك وإنهيار الثورة ‪.‬‬ ‫خالل وجود وإستمرارية الثورة يف كوردستان‬ ‫العراق إنصب إهتمام ال��رأي العام العاملي على‬ ‫املشكلة الكوردية‪ ،‬حيث إهتمت الدول العظمى‬ ‫إشرتاكية كانت أم رأمسالية بتطور أح��داث‬ ‫الثورة يف كوردستان‪ .‬إن الشرق األوسط يشكل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إسرتاتيجيا من الناحية‬ ‫موقعا‬ ‫للدول العظمى‬ ‫السياسية واإلقتصادية‪ ،‬حيث منابع النفط‬ ‫واملواد اخلام‪ ،‬ويشكل كذلك ً‬ ‫سوقا ضخمة لرتويج‬ ‫البضائع ومن ضمنها السالح‪.‬‬ ‫‪131‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪132‬‬

‫إن إهتمام الدول العظمى بالثورة إنعكس يف‬ ‫وسائل إعالمها واليت شكلت مادة دمسة للبحث‬ ‫والتحليل وسأكتفي بتحليل وحبث م��اورد يف‬ ‫وسائل اإلعالم السوفيتية‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫ج��دول بأهم األح��داث السياسية يف العراق‬ ‫أعوام (‪:)1975 – 1958‬‬

‫_‬

‫" "‬ ‫"‬

‫"‬


‫‪-‬‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬ ‫الصحافة السوفيتية‬ ‫(مرآة األحداث يف كوردستان)‬ ‫حتت عنوان (الكفاح العادل للكورد) نشرت‬ ‫جريدة «ازفيستيا» بتاريخ ‪12‬حزيران عام‬ ‫‪ 1963‬ملراسلها (ك‪.‬فيشنيفسكي) مقابلة مع‬ ‫جالل الطالباني عضو اللجنة املركزية للحزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني نذكر بأنه بعد‬ ‫انقالب شباط بدأت يف بغداد حمادثات مكثفة‬ ‫بني قادة احلركة التحررية الكوردية وحكومة‬ ‫عبدالسالم ع��ارف اجل��دي��دة‪ .‬املقابلة تستبق‬ ‫املعلومات ال��واردة من القاهرة‪ ،‬حيث يعرف‬ ‫مراسل «ازفيستيا»القارىء بآخر األخبار حول‬ ‫املشكلة الكوردية‪ ،‬ه��ذه األنباء مستمدة من‬ ‫الصحف القاهرية الصادرة حديثآ حول بداية‬ ‫املعارك يف مشال العراق واالنذار النهائي للحكومة‬ ‫املوجه لقوات الثورة يف كوردستان‪ ،‬حيث عليها‬ ‫وحسب ان��ذار احلكومة وخ�لال ‪ 24‬ساعة أن‬ ‫تلقي أسلحتها‪ ،‬وعلى قائد الثورة البارزاني‬ ‫أن يسلم نفسه‪ ،‬وعلى القطعات العسكرية‬

‫ً‬ ‫سابقا من كوردستان أن‬ ‫العراقية املنسحبة‬ ‫تعود اىل مواقعها يف غضون يوم واحد‪ ،‬وكذلك‬ ‫أوامر القيادة العسكرية العراقية باغالق مجيع‬ ‫املنافذ املؤدية ملواقع املنشآت النفطية يف مشال‬ ‫العراق‪ ،‬وستتعرض مجيع املناطق والقرى اليت‬ ‫سيلجأ اليها املسلحون الكورد للقصف العنيف‪.‬‬ ‫إن العنوان الذي نشرت حتته املقابلة يربز بشكل‬ ‫واض��ح دعم ومساندة «إزفيستيا» لسان حال‬ ‫جملس السوفيت األعلى للنضال العادل للكورد‬ ‫يف احلرية وحقهم يف تقرير املصري والقارىء‬ ‫ً‬ ‫الشعوريا يقارن بني هذا العنوان وبعض عناوين‬ ‫الصحف القاهرية اليت ذكرها املراسل يف جريدة‬ ‫«إزفيستيا»مثل (التطور اخلطري واملفاجىء‬ ‫للمشكلة الكوردية) (األبواب املفتوحة للحرب‬ ‫األهلية يف العراق)نالحظ الفرق بني حمتوى‬ ‫ومعنى عنوان «إزفيستيا»وعناوين الصحف‬ ‫القاهرية ‪.‬‬ ‫إذا دققنا يف تركيبة مواد املقابلة‪ ،‬حيث يبدأ‬ ‫املراسل بسرد تاريخ املشكلة الكوردية‪ ،‬وهذا‬ ‫يتوافق مع تاريخ الشعب ال��ك��وردي وتاريخ‬ ‫كوردستان‪ .‬إن هذا يدخل حتى القارىء الذي مل‬ ‫ً‬ ‫سابقا على املوضوع يف جو احلدث‪ ،‬حيث‬ ‫يتعرف‬ ‫يعطيه معلومات تفصيلية ووافية عن خبايا‬ ‫األمور يف العراق‪ ،‬فاخلرب معد ليس لألخصائيني‬ ‫فقط باملسألة ال��ك��وردي��ة‪ ،‬بل ألوس��ع شرحية‬ ‫ممكنة من الناس‪ ،‬حيث املواطن السوفييت‬ ‫البسيط يتكون عنده رأي بأن الكورد شعب‬ ‫مضطهد وهم ليسوا عصاة متمردين‪ ،‬بل أبطال‬ ‫ومناضلني يف سبيل حقوقهم‪.‬‬ ‫ويظهر اإلهتمام والتعاطف غري املصطنع‬ ‫بصيغة طرح السؤال حبد ذات��ه‪ ،‬وعلى سبيل‬ ‫‪133‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪134‬‬

‫املثال يسأل مراسل جريدة «إزفيستيا» السيد‬ ‫جالل الطالباني السؤال التالي‪:‬‬ ‫ـ ملاذا أنظار العامل كله متجهة لنضال الكورد يف‬ ‫سبيل احلرية وحق تقرير املصري؟‬ ‫إن م��راس��ل «إزفيستيا»يظهر ب��أن املشكلة‬ ‫الكوردية ليست مشكلة العراق فقط‪ ،‬بل يرتبط‬ ‫حبلها مستقبل الشرق األوسط واملنطقة برمتها‬ ‫وال�تي متتلك أهمية قصوى للعامل كله من‬ ‫الناحية السياسية واإلقتصادية ‪.‬‬ ‫املراسل (ك‪.‬فيشنيفسكي) يسأل السيد جالل‬ ‫الطالباني عن نتائج احملادثات مع احلكومة‬ ‫العراقية‪ ،‬فيجيبه الطالباني‪»:‬لقد وعدتنا‬ ‫احلكومة بإجياد حل للمشكلة الكوردية وحتقيق‬ ‫مطالبنا‪ ،‬وحنن ننتظر من احلكومة ليس ً‬ ‫كالما‬ ‫فقط‪ ،‬بل ً‬ ‫أفعاال*‪».‬‬ ‫*أجرى املقابلة ك‪.‬فيشنيفسكي قبل بضعة‬ ‫أيام من إنذار احلكومة النهائي للمقاتلني الكورد‪.‬‬ ‫يثري إنتباه القارىء وبشكل عفوي اإلن��ذار‬ ‫النهائي من قبل السلطة للكورد‪ ،‬حيث إنتظر‬ ‫ً‬ ‫حال للمشكلة وتلقى ً‬ ‫ً‬ ‫بدال منه إنذاراً‬ ‫إستفزازيا‪،‬‬ ‫وترفع «إزفيستيا»من وترية تأثريها‪ ،‬حيث تنهي‬ ‫املقابلة بالكلمات التالية‪»:‬كما تظهر لنا األحداث‬ ‫إن سلطات بغداد بأعماهلا احلالية مل تبق على‬ ‫أية آمال من وعودها للشعب الكوردي‪».‬‬ ‫يف هذه املادة املنشورة (املقابلة) يثري اإلنتباه‬ ‫ً‬ ‫أيضا الشخصية اليت متت معها إجراء املقابلة‪،‬‬ ‫لقد كان بإستطاعة «إزفيستيا» إجراء املقابلة‬ ‫مع شخصية متثل السلطة العراقية‪ ،‬عندها‬ ‫ك��ن��ا سنحصل ع��ل��ى أج��وب��ة م��غ��اي��رة لليت‬ ‫حصلنا عليها وهذا مايؤثر على القارىء‪ ،‬لكن‬ ‫«إزفيستيا» إختارت التوجه إىل أصحاب القضية‬

‫احلقيقيني ألنهم أفضل من ميكنهم الكشف‬ ‫الصريح عن األمور وتسمية األشياء مبسمياتها‬ ‫كما هي موجودة‪ ،‬ونقطة أخرى تسجل لصاحل‬ ‫«إزفيستيا»‪ ،‬فقد نشرت املقابلة يف اليوم التالي‬ ‫ً‬ ‫مباشرة للحدث‪.‬‬ ‫نشرت جريدة «الربافدا»بتاريخ ‪/ 10‬متوز‬ ‫‪ 1963/‬ن��ص م��ذك��رة احلكومة السوفيتية‬ ‫املوجه للحكومة العراقية‪ ،‬وكذلك نص مذكرة‬ ‫احلكومة السوفيتية املوجه للحكومة اإليرانية‬ ‫ً‬ ‫ومصرحة ب��أن مذكرة احلكومة السوفيتية‬ ‫للحكومة الرتكية‪ ،‬واحلكومة السورية مشابه‬ ‫للمذكرة املوجهة للحكومة اإليرانية‪ ،‬نشرت‬ ‫«الربافدا»نصوص املذكرات حتت عنوان‪»:‬جيب‬ ‫وضع حد للتدخل اخلارجي يف أح��داث مشال‬ ‫ال��ع��راق»‪ .‬وقد سلمت املذكرات لسفري العراق‬ ‫فيصل خيزران‪ ،‬سفري إيران تهموراس أدميات‪،‬‬ ‫سفري تركيا فخري توروتورك‪ ،‬وسفري سوريا‬ ‫جودت أتاسي يف اإلحتاد السوفييت من قبل وزير‬ ‫اخلارجية السوفييت آنذاك أندريه غـروميكو‪.‬‬ ‫إن عنوان امل��ذك��رات ال��ذي نشرته «ال�براف��دا»‬ ‫يعكس امل��وق��ف ال��س��وف��ي�تي م��ن ال��ت��دخ�لات‬ ‫اخلارجية‪ ،‬حيث يدينها‪ ،‬وهو حبد ذاته إدانة‬ ‫لألنظمة الغاصبة لكوردستان‪ .‬يف نص املذكرة‬ ‫املوجهة للحكومة العراقية ورد مايلي‪»:‬إن‬ ‫احلكومة العراقية تدري بال أدنى شك بإدانتها‬ ‫من قبل الشعب السوفييت وكذلك شعوب العامل‬ ‫بسب إرتكابها اجمل��ازر الدموية حبق الشعب‬ ‫ً‬ ‫تقريبا ربع عدد‬ ‫الكوردي املسامل والذي يشكل‬ ‫سكان العراق»‪.‬إن اإلحتاد السوفييت يؤكد بأنه‬ ‫ماعـدا الشعوب السوفيتية‪ ،‬شعوب العامل األخرى‬ ‫كذلك تدين اجمل��ازر الوحشية ال�تي ترتكبها‬


‫احلكومة العراقية حبق الشعب الكوردي‪ ،‬أي أن‬ ‫هذا املوقف هو ليس موقف اإلحتاد السوفييت‬ ‫ال��ذات��ي واخل���اص فقط ول��ك��ون��ه حيقد على‬ ‫احلكومة العراقية هكذا وبدون سبب‪ ،‬بل ألن‬ ‫العامل كله يدين جرائم اإلبادة اليت ترتكب حبق‬ ‫شعب بأكمله‪ ،‬والذي ذنبه الوحيد إذا كان يعترب‬ ‫ً‬ ‫ذنبا‪ ،‬مطلبه العيش بسالم ومساواة مع شعوب‬ ‫العامل‪ ،‬واليت تتوافق مع مبادىء منظمة األمم‬ ‫املتحدة وقرارات حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫ويقول نص املذكرة بأنه وحسب صحافة بعض‬ ‫ال��دول العربية بأنه مت عقد عدة إجتماعات‬ ‫للمسؤولني العسكريني ممثلي كل من تركيا‪،‬‬ ‫إي���ران ال��ع��راق وتوصلو إىل إتفاقات مفادها‬ ‫القيام بأعمال عسكرية مشرتكة بهدف القضاء‬ ‫على احلركة ال��ك��وردي��ة‪ ،‬ويؤكد ب��أن اجليش‬ ‫السوري يشارك بفعالية يف املعارك ضد الكورد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫املذكرة‪»:‬إنطالقا من احلقائق املوجودة‬ ‫وتقول‬ ‫إن مشاركة ال��دول األجنبية يف هذه األح��داث‬ ‫اليدعوا للشك»‪ .‬إن احلكومة السوفيتية الحتتج‬ ‫على إب��ادة الشعب ال��ك��وردي من قبل النظام‬ ‫العراقي فقط‪ ،‬بل وتدين كذلك التحضريات‬ ‫اليت جتريها الدول األخرى للقضاء على احلركة‬ ‫الكوردية‪ ،‬وكذلك حتذر احلكومة السوفيتية‬ ‫النظام العراقي من إمكانية تدخل ال��دول‬ ‫األجنبية يف الشؤون الداخلية للعراق‪.‬‬ ‫إن اإلحتاد السوفييت يدعو رؤساء هذه الدول‬ ‫إىل عدم التدخل وإتباع سياسة حمايدة‪ ،‬ألن‬ ‫التدخل يشكل خطراً على الدول اجملاورة‪ ،‬ورد‬ ‫يف نص املذكرة‪»:‬إن تدخل القوى والدول األخرى‬ ‫يف املشكلة‪ ،‬وتشكيل حلف عسكري عدواني‬ ‫بالقرب من احل��دود السوفيتية يشكل خطراً‬

‫على جمموعة من ال��دول‪ ،‬ومن ضمنها اإلحتاد‬ ‫السوفييت»‪ .‬من الواضح بأن التحذير الرمسي‬ ‫لدولة عظمى مثل اإلحتاد السوفييت قد فعل‬ ‫فعله*‪.‬‬ ‫*إضطر الرئيس العراقي عارف على توقيع‬ ‫إتفاقية وقف إطالق النار يف ‪/10‬شباط‪1964/‬‬ ‫وجت��در اإلش���ارة إىل دور وس��ائ��ل اإلع�ل�ام يف‬ ‫ال��وص��ول إىل نتيجة‪ ،‬إن نشر نص امل��ذك��رة يف‬ ‫اجلريدة الرئيسية يف اإلحتاد السوفييت «الربافدا»‬ ‫عرف ال��رأي العام باملوقف السوفييت الرافض‬ ‫لتدخل ال���دول األجنبية يف ش���ؤون ال��ع��راق‬ ‫الداخلية‪ ،‬وهكذا وقع الرئيس العراقي عارف‬ ‫إتفاقية وقف إطالق النار ووعد الكورد مبنحهم‬ ‫حقوقهم‪ ،‬وذهب إنذار احلكومة النهائي للكورد‬ ‫أدراج الرياح‪.‬‬ ‫ولننظر ك��ي��ف تفاعلت وس��ائ��ل اإلع�ل�ام‬ ‫السوفيتية مع تغريات املوقف يف العراق‪ .‬على‬ ‫صفحات «برافدا»‪« ،‬إزفيستيا»‪« ،‬كراسنيا زفيزدا»‬ ‫وصحف أخرى برزت خمتلف األنواع األدبية‬ ‫لنقل ونشر املعلومات من مقاالت وتعليقات‬ ‫ً‬ ‫مرحبة « بإقامة السالم يف ربوع‬ ‫ومقابالت‬ ‫كوردستان‪ ،‬بتاريخ ‪/13‬شباط‪ 1964/‬نشرت‬ ‫ً‬ ‫تعليقا ملراسلها يفغيين‬ ‫صحيفة «ال�براف��دا»‬ ‫برمياكوف بعنوان (ال��ق��رار احلكيم) حيث‬ ‫ي��رح��ب ب��احل��ل السلمي للمشكلة الكوردية‬ ‫ويتهم املعلق احلكومة العراقية باملماطلة‬ ‫باحلل‪ ،‬السبب الذي إضطر الكورد بسببه حلمل‬ ‫السالح يف سبيل حقوقهم القومية‪ ،‬حيث ورد‬ ‫يف التعليق‪»:‬أعلن الرئيس العراقي عارف بأن‬ ‫حكومته حتفظ احلقوق القومية للكورد ضمن‬ ‫‪135‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪136‬‬

‫إطار العراق‪ ،‬ونذكر بأن الكورد ناضلو ألجل‬ ‫هذا»‪.‬‬ ‫برمياكوف يفضح ماقالته احلكومة العراقية‬ ‫واإلم�بري��ال��ي�ين ع��ن قائد احل��رك��ة الكوردية‬ ‫مصطفى ال��ب��ارزان��ي على أن��ه ي��ري��د فصل‬ ‫كوردستان عن العراق‪« :‬كل ماقيل عن أن قائد‬ ‫الكورد مصطفى البارزاني وضع نصب عينيه‬ ‫فصل كوردستان عن ال��ع��راق ماهو إال كذب‬ ‫وخزعـبالت الدعاية اإلمربيالية والبعثية»‬ ‫ويوضح برمياكوف بأن كفاح الكورد أنفسهم‬ ‫وتضامن القوى التقدمية واإلحتجاجات من‬ ‫قبل اإلحت���اد السوفييت وال���دول اإلشرتاكية‬ ‫ً‬ ‫عامال ً‬ ‫األخ��رى كل ه��ذا ً‬ ‫قويا أجرب‬ ‫معا شكل‬ ‫عارف على التنازالت ‪.‬‬ ‫«وجت��در اإلش��ارة إىل ال��دور املؤثر ال��ذي لعبه‬ ‫الرأي العام العاملي حول قرار وقف إطالق النار‬ ‫يف كوردستان‪ ،‬وكذلك املواقف املعروفة لإلحتاد‬ ‫السوفييت والدول اإلشرتاكية األخرى ضد احلرب‬ ‫وحمرضيها» ويواصل يفغيين برمياكوف‪»:‬أمتنى‬ ‫وآمل أن تكون احلكمة والعقل هي السائدة يف‬ ‫ق���رارات احلكومة املتعلقة بوقف امل��ع��ارك يف‬ ‫مشال العراق وأن خترج هذه القرارات إىل حيذ‬ ‫التنفيذ» بهذه الكلمات يوضح برمياكوف عدم‬ ‫ثقته بإستطاعة احلكومة العراقية حل املشكلة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سلميا‪ ،‬ألنه ليس للمرة األوىل يتم إعالن‬ ‫حال‬ ‫وقف إطالق النار يف كوردستان وضمان احلقوق‬ ‫القومية للكورد‪ ،‬ويف حال جتدد املعارك يعين‬ ‫بأن احلكومة هي اليت تهربت من احلل السلمي‬ ‫وليس الكورد‪ .‬وهذا ماحصل بالفعل‪ ،‬فبعد‬ ‫مدة ليست بالطويلة نكثت احلكومة العراقية‬ ‫بوعودها بضمان احلقوق العادلة للكورد‪.‬‬

‫ومن جديد تصدرت أخبار كوردستان الصحف‬ ‫السوفيتية‪ ،‬وسنتعرض على سبيل املثال ملقالة‬ ‫نشرت يف صحيفة «الربافدا» بتاريخ ‪/13‬أيار‬ ‫‪ 1965/‬إن حجم املقالة الكبري يدل على اإلهتمام‬ ‫السوفييت بالوضع يف العراق‪ ،‬يلفت اإلنتباه‬ ‫العنوان الكبري للمقالة (إنعطاف خطري لألحداث‬ ‫يف العراق) تبدأ املقالة بعبارات مؤثرة تربز‬ ‫موقف الكاتب بشكل واض��ح‪»:‬وردت من العراق‬ ‫أنباء مقلقة‪...‬لقد حترك اجليش العراقي بإجتاه‬ ‫الشمال‪ ،‬حيث جتري معارك دامية ويتعرض‬ ‫الشعب الكوردي من جديد لتعسف شديد»‪ .‬إن‬ ‫موقف جريدة الربافدا هو موقف املدافع عن‬ ‫السالم وه��ي تظهر القلق من أفعال السلطة‬ ‫العدوانية حبق الكورد الذين يتعرضون للسحق‬ ‫واإلبادة‪ ،‬أي أن الربافدا تتهم السلطات العراقية‬ ‫بالتهرب من وعودها حبل املشكلة الكوردية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سلميا وأن احلكومة العراقية احلالية مل‬ ‫حال‬ ‫تتعظ من جتارب سابقاتها‪ ،‬ألن الشعب الكوردي‬ ‫الميكن القضاء عليه بالقنابل والدبابات وال‬ ‫بأية وسيلة أخرى‪ ،‬يظهر هذا يف كلمات «الربافدا»‬ ‫التالية‪»:‬إن األح���داث اجل��اري��ة يف كوردستان‬ ‫العراق تظهر بأن املغامرات العسكرية لقاسم‬ ‫والبعثيني ضد احلركة القومية الدميقراطية‬ ‫ً‬ ‫دروسا تتعظ منها‬ ‫للكورد العراقيني مل تصبح‬ ‫تلك القوى اليت تقوم بالعمليات العسكرية يف‬ ‫مشال العراق» وكذلك العبارة التالية‪»:‬الكورد‬ ‫يطالبون حبصة عادلة من ميزانية الدولة‬ ‫ً‬ ‫إقتصاديا‪،‬‬ ‫ختصص لتطوير املناطق الكوردية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وثقافيا»‪ .‬وهذا يؤكد بأن السلطة‬ ‫وإجتماعيا‪،‬‬ ‫العراقية مل تبد أي إهتمام حتى ولو كان صغرياً‬ ‫لتطوير املناطق الكوردية وكأنها ليست جزأً من‬


‫العراق‪ .‬وجتدر اإلشارة بأن كوردستان العراق‬ ‫هو أغنى جزء ليس من العراق فقط‪ ،‬بل ومن‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬لكنه الحيصل على أي شيء من‬ ‫موارده لتطوير ذاته وإذا حصل على شيء فإنه‬ ‫حيصل على اخلراب والدمار وبكلمات أخرى إن‬ ‫حكام العراق يطبقون سياسة إستعمارية يف‬ ‫كوردستان ‪.‬‬ ‫إن الصحف العراقية الرمسية حت���اول أن‬ ‫تلصق صفة اإلنفصالية واخليانة باحلركة‬ ‫الكوردية وبزعيمها البارزاني‪ ،‬لكن جريدة‬ ‫الربافدا تفند هذه اإلتهامات الباطلة وتكتب‪»:‬إن‬ ‫احلركة القومية للكورد العراقيني تعترب جزءاً‬ ‫ً‬ ‫أساسيا من احلركة الدميقراطية املناضلة ضد‬ ‫اإلمربيالية لعموم الشعب العراقي»‬ ‫ً‬ ‫دائ��م��ا م��ع احل��ل السلمي‬ ‫إن ال��ك��ورد ك��ان��وا‬ ‫لقضيتهم وفضلوا ويفضلون احلصول على‬ ‫مطالبهم العادلة بالطرق السلمية‪ .‬وتكتب‬ ‫الربافدا حول هذا املوضوع‪»:‬إن البارزاني نفسه‬ ‫صرح أكثر من مرة وحتى عندما كانت جتري‬ ‫املباحثات مع السلطات بأنه مع السلم ويفضل‬ ‫ً‬ ‫دائما حل املشكلة الكوردية بالوسائل السلمية‬ ‫وذلك باإلتفاق مع الطرف اآلخر»‬ ‫وتؤكد الربافدا مرة أخرى بأن الكورد جينحون‬ ‫للسلم أما السلطة فال تريده‪»:‬إن القوى الرجعية‬ ‫احلاكمة يف العراق إعتربوا حب الكورد للسلم‬ ‫وجنوحهم حنوه ضعفا»‪.‬‬ ‫وتظهر ال�براف��دا كيف أن السلطة نكثت‬ ‫بوعودها للكورد وأجابت على مطالبهم العادلة‬ ‫بقصف مناطقهم‪« :‬مل تثبت السلطة حقوق‬ ‫الكورد بالطرق القانونية‪ ،‬وإن املطالب املعتدلة‬ ‫للبارزاني اليت تظهر يف رسالته األخرية للسلطة‬

‫بتاريخ ‪/12‬آذار‪ 1965/‬وندائه إلستمرار‬ ‫احملادثات كل ذلك قوبل بالرفض من السلطات‬ ‫وك���ان ج���واب السلطة على ن����داءات السالم‬ ‫الكوردية‪ ،‬بدأ املعارك العسكرية ضد الكورد»‪.‬‬ ‫عندما يتم إب��ادة الشعب ال��ك��وردي‪ ،‬كذلك‬ ‫جت��ري إب���ادة الدميقراطيني والوطنيني يف‬ ‫ال��ع��راق‪ ،‬ألن احلركة الكوردية جبوهرها هي‬ ‫حركة دميقراطية مناهضة لإلمربيالية‪« :‬إن‬ ‫األعمال املعادية للكورد يف العراق يرافقه يف هذه‬ ‫األيام أحداث معادية للدميقراطيني وخاصة‬ ‫الشيوعيني»‪ .‬ويف ختام هذه املقالة تؤكد جريدة‬ ‫الربافدا مرة أخرى دعم املواطنني السوفيت‬ ‫للشعوب املضطهدة وخاصة الشعب الكوردي‬ ‫يف سبيل حقه يف تقرير املصري‪« :‬إن الشعب‬ ‫السوفييت هو الصديق الويف للشعوب املضطهدة‪،‬‬ ‫كان والزال مع احلقوق القومية العادلة للكورد‬ ‫العراقيني»‪.‬إن املوضوعية هي أحد أهم املبادىء‬ ‫األس��اس��ي��ة للصحافة السوفيتية مب��ا يتعلق‬ ‫باملشكلة الكوردية يف هذه املرحلة‪ ،‬واملوضوعية‬ ‫تتحقق عندما نأخذ أخبار احلوادث من خمتلف‬ ‫املصادر وننشر كل احلوادث املتعلقة مبوضوع‬ ‫اخل�بر‪ ،‬عندها يستطيع ال��ق��ارىء الوصول إىل‬ ‫نتائج وتكوين رأي موضوعي حول احلدث ‪.‬‬ ‫نشرت صحيفة «سوفيتسكايا روسيا» بتاريخ‬ ‫‪/21‬كانون الثاني ‪/‬عام ‪ 1966‬خربين لوكالة‬ ‫تاس السوفيتية وحتت عنوان واحد هو(معارك‬ ‫يف كوردستان العراق) واعتمد مراسلوا تاس يف‬ ‫أخبارهم على املصادر األجنبية‪ ،‬اخلرب األول هو‬ ‫رأي حمايد وذلك بنشر معلومات من اجلرائد‬ ‫اإليرانية (إطالعات)‪ ،‬و (كيهان إنرتناشيونال)‬ ‫حيث ينشرون أخبار حول إستمرار املعارك يف‬ ‫‪137‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪138‬‬

‫كوردستان‪ ،‬حيث أن «املنتفضني الكورد تغلغلوا‬ ‫يف مناطق املدن الكربى مثل كركوك‪ ،‬املوصل‬ ‫والسليمانية وأث��اروا الذعر» وماذا كان جواب‬ ‫قوات السلطة؟ شن الغارات على سكان القرى‬ ‫الكوردية املساملة»املئات من النساء واألطفال‬ ‫والشيوخ غادروا قراهم إىل اجلبال ً‬ ‫حبثا عن ملجأ»‬ ‫أي أن القوات النظامية املهزومة من البيشمركة‬ ‫قليلة العدد والعتاد التواجه البيشمركة بل تغري‬ ‫على السكان اآلمنني‪.‬‬ ‫اخلرب الثاني من بغداد‪ ،‬رئيس غرفة العمليات‬ ‫اجلنرال عارف صرح لصحيفة (املنار)‪« :‬كذب‬ ‫األخبار القائلة بأن املنتفضني سيطروا على‬ ‫كركوك‪ ،‬وأعلن بأن اجليش العراقي حياصر‬ ‫أن��ص��ار ال��ب��ارزان��ي يف منطقة كاللة بالقرب‬ ‫م��ن ح��اج ع��م��ران»‪ ،‬نذكر بأنه تقع يف حاج‬ ‫عمران غرفة عمليات الثورة وقيادة احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني‪ ،‬حياول عارف اإلحياء‬ ‫بأن الثورة الكوردية غري شعبية ويقوم بها‬ ‫بعض املتمردين والعصاة بزعامة البارزاني‬ ‫ً‬ ‫وقريبا سيتم القضاء عليهم ‪.‬‬ ‫هناك تناقض واض��ح ب�ين اخل�بري��ن‪ ،‬رأي��ان‬ ‫خمتلفان بعض الشيء حول حدث واحد‪ ،‬لكن‬ ‫موضوعية اخلرب هنا مل تكتمل ألن املوضوعية‬ ‫كانت تقتضي نشر خرب الرأي الثالث وهو رأي‬ ‫القيادة الكوردية ‪.‬‬ ‫بعد أن تأكد للسلطات العراقية عدم قدرتها‬ ‫القضاء على الثورة الكوردية جلأت إىل املفاوضات‬ ‫وهذا ماكانت تريده القيادة الكوردية وبنتيجة‬ ‫ه��ذه امل��ف��اوض��ات توصل الطرفان إىل إتفاق‬ ‫‪/29‬حزيران‪ 1966/‬ت��ق��دم��ت احلكومة‬ ‫العراقية مبشروع من إثنا عشر بنداً تضمن‬

‫تأمني احلقوق القومية للكورد على أساس‬ ‫دميقراطي وضمن إطار العراق الواحد‪ .‬جريدة‬ ‫«كومسومولسكايا برافدا» وبعددها الصادر يف‬ ‫ً‬ ‫تعليقا لـ «أ‪ .‬أغريشيفا»‬ ‫‪/14‬متوز‪1966/‬نشرت‬ ‫وباخلط العريض حتت عنوان (لصاحل العرب‬ ‫والكورد) للعنوان داللة واضحة على أن اإلحتاد‬ ‫السوفييت مع احلل السلمي للقضية الكوردية‪،‬‬ ‫يقول التعليق‪»:‬توقفت امل��ع��ارك يف العراق‬ ‫بني اجليش احلكومي واملنتفضني الكورد‪...‬‬ ‫وم��ن خ�لال التصرحيات للقادة العسكريني‬ ‫احلكوميني مت التأكيد على احل��ف��اظ على‬ ‫الوحدة والسعي حلل القضية الكوردية على‬ ‫أسس دميقراطية»‪ .‬يوضح املعلق أغريشيفا‬ ‫بالعبارات السابقة على أن احلكومة العراقية‬ ‫وأخرياً رجحت العقل واملنطق على احلرب وأنه‬ ‫الحل للقضية الكوردية إال بالطرق السلمية‬ ‫لكن جمرد توقف املعارك اليعين حل املشكلة‪،‬‬ ‫يؤكد املعلق جيب‪»:‬إزالة آثار الدمار الذي خلفته‬ ‫السنني الطويلة من احلرب‪ ،‬ومن الضروري يف‬ ‫القريب العاجل إعطاء الكورد احلكم الذاتي على‬ ‫أسس اإلعرتاف حبقوقهم القومية»‪.‬‬ ‫ويؤكد املعلق للقارىء من تعليقه شكوكه‬ ‫وخم��اوف��ه م��ن م��ن��اورات احلكومة العراقية‬ ‫على إعتبار إنها ليست املرة األوىل اليت جتنح‬ ‫فيها احلكومة للسلم وكذلك يعتمد يف شكوكه‬ ‫على مصدر رئيسي وهو تصريح قائد الثورة‬ ‫الكوردية املال مصطفى البارزاني ملراسل وكالة‬ ‫األنباء العراقية‪« :‬من الضروري تطبيق بنود‬ ‫اإلت��ف��اق‪ ،‬إن حتقيق بنود اإلتفاق على أرض‬ ‫الواقع يتوافق مع أهداف ثورتنا»‪.‬‬ ‫كذلك نشرت الصحافة السوفيتية مواد كثرية‬


‫ح��ول املسألة ال��ك��وردي��ة‪ ،‬وك��ان المي��ر إسبوع‬ ‫إال وتنشر خمتلف األن��واع األدبية يف الصحف‬ ‫واجملالت السوفيتية‪ ،‬وبعد مضي مخسة عشر‬ ‫شهراً من توقيع إتفاقية السالم نشرت جريدة‬ ‫«سوفيتسكايا روسيا» يف عددها الصادر بتاريخ‬ ‫ً‬ ‫تعليقا ملراسلها (ب‪.‬‬ ‫‪/25‬تشرين الثاني‪1967 /‬‬ ‫دميجنكو) حتت عنوان رئيسي «طريق احلل‬ ‫السلمي» وبعنوان فرعي «الوضع يف مشال العراق»‬ ‫يشري املعلق بأنه وبعد عدة شهور من توقيع‬ ‫اإلتفاق‬ ‫ً‬ ‫«الزال الوضع متوترا يف كوردستان» ومسبيب‬ ‫التوتر ه��م‪« :‬الرجعيني العراقيني؛ عمالء‬ ‫الشركات النفطية الغربية العاملة يف البلد» إن‬ ‫هؤالء الرجعيني حياولون وبشتى السبل عدم‬ ‫تطبيق بنود اإلتفاقية السلمية على أرض‬ ‫الواقع‪ ،‬وإبقاء املناطق الكوردية املدمرة كما هي‬ ‫بال إعمار وتؤكد اجلريدة‪»:‬بأنه وهلذه األهداف‬ ‫إستمر ه��ؤالء الرجعيني بدعم اإلقطاعيني‬ ‫الكورد والشخصيات السياسية املناوئة للقائد‬ ‫مصطفى ال��ب��ارزان��ي» وهكذا تؤكد اجلريدة‬ ‫دعمها للمال مصطفى ال��ب��ارزان��ي وبشخصه‬ ‫تدعم احلركة التحررية الكوردية‪ ،‬وتدين‬ ‫ً‬ ‫الرجعيني الذين يؤدون دوراً‬ ‫سلبيا يف السياسة‬ ‫الداخلية العراقية وبعد أن زار رئيس وزراء‬ ‫العراق طاهر حييى كوردستان يف أيلول من‬ ‫نفس العام أظهرت جريدة سوفيتسكايا روسيا‬ ‫املوقف الكوردي احملب للسالم وذلك باإلعتماد‬ ‫على جريدة « التآخي» الكوردية الصادرة يف‬ ‫بغداد‪ ،‬وكذلك سخط الكورد من عدم حتقيق‬ ‫بنود اإلتفاقية واإلشارة إىل مضاعفة احلكومة‬ ‫العراقية ملخصصات اجليش ‪.‬‬

‫«إن اجلريدة الكوردية (التآخي) رحبت بزيارة‬ ‫رئيس احلكومة العراقية لكوردستان مؤكدة‬ ‫ب��أن ال��زي��ارة حتمل معان إجيابية باإلضافة‬ ‫لذلك أش��ارت اجلريدة إىل عدم تطبيق بنود‬ ‫إتفاقية السالم وأن السلطات تنفق الكثري من‬ ‫امل��وارد لألهداف احلربية»‪ .‬وكذلك إعتمدت‬ ‫جريدة»سوفيتسكايا روس��ي��ا» على الصحف‬ ‫ً‬ ‫تصرحيا للبارزاني‪« :‬لقد‬ ‫البغدادية اليت نشرت‬ ‫عرب مصطفى البارزاني عن متنياته بأن تؤدي‬ ‫احملادثات املباشرة مع املسؤولني احلكوميني إىل‬ ‫احلل السلمي والقضاء على األسباب اليت تؤدي‬ ‫إىل احلرب»‪ .‬إن مصطفى البارزاني نفسه يشك‬ ‫بأن السلطات العراقية ستحل املشكلة الكوردية‬ ‫املزمنة ً‬ ‫ً‬ ‫سلميا‪،‬وقد أظهرت اجلريدة لقرائها‬ ‫حال‬ ‫ه��ذا ال��واق��ع وم��اجي��ري يف كوردستان العراق‬ ‫ويف ال��ع��راق ككل‪.‬بتاريخ ‪/17‬متوز‪1968/‬‬ ‫وقع إنقالب جديد يف العراق‪ ،‬وأعلنت القيادة‬ ‫اجلديدة عن رغبتها حبل القضية الكوردية‬ ‫بالطرق السلمية‪ ،‬نشرت صحيفة «ال�براف��دا»‬ ‫ً‬ ‫ريبورتاجا مصوراً‬ ‫بتاريخ ‪/1‬أيلول‪1968/‬‬ ‫بعنوان‪( :‬يف مشال العراق) مشرية إىل اإلرتياح‬ ‫العاملي لتصرحيات البارزاني وتكتب الربافدا‪:‬‬ ‫«ب��األم��س القريب زار مش��ال ال��ع��راق مراسل‬ ‫ال�براف��دا اخل��اص يفغيين برمياكوف واليوم‬ ‫ننشر له الصور اليت أرسلها لنا من تلك املنطقة‬ ‫اجلبلية وال�تي يقطنها رج��ال أش��داء ذو فخر‬ ‫وإعتزاز» يشري املراسل مبيل وعاطفة كبرية‬ ‫إىل نبل وشهامة الكورد وأن هذا الشعب اليبخل‬ ‫بشيء يف سبيل حريته‪ .‬يظهر يف إحدى الصور‬ ‫خيمة وفيها يقف إثنان من البيشمركة قرب‬ ‫جهاز بث ميسك أحدهم املايكروفون يف يده‬ ‫‪139‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪140‬‬

‫وعلى مايبدو جي��ري إتصال مع ق��وة أخرى‬ ‫م��ن البيشمركة‪ ،‬واآلخ���ر مشغول باألجهزة‬ ‫لسالمة البث‪ ،‬ويف لقطة أخ��رى يظهر صف‬ ‫من البيشمركة وأمامهم قائدهم على مايبدو‬ ‫يشرح هلم مهمتهم القادمة ويعطيهم األوامر‬ ‫الضرورية‪ ،‬ويف اللقطة الثالثة يظهر زعيم‬ ‫الثورة الكوردية‪ ،‬رئيس احلزب الدميقراطي‬ ‫ً‬ ‫جالسا ذو‬ ‫الكوردستاني املال مصطفى البارزاني‬ ‫نظرات رجولية وتفكري عميق‪ ،‬وحيضن بيده‬ ‫ً‬ ‫طفال مل يتجاوز اخلامسة من عمره‬ ‫اليمنى‬ ‫يلبس لباس البيشمركة وبالرغم من صغر‬ ‫سنه تبدو الصرامة يف نظراته وعلى مايبدو‬ ‫أنه يفكر بالسري على طريق اآلباء واألجداد‪.‬إن‬ ‫الوضع الصعب للشعب الكوردي مل مينح هذا‬ ‫الطفل ومن هم يف سنه العيش بسالم وأمان‪ .‬إن‬ ‫األطفال الكورد ومنذ والدتهم يسمعون أصوات‬ ‫القنابل والرشقات ويكربون وهم يشاهدون‬ ‫اجلرحى والشهداء ينتظرون ع��ودة آبائهم‬ ‫من املعارك وق��د يعودون أو الي��ع��ودون وهم‬ ‫حمرومون من التعلم بلغتهم خبالف األطفال‬ ‫اآلخ��ري��ن ال��ذي��ن تتوفر هل��م مجيع الوسائل‬ ‫األخرى للنمو الطبيعي‪ ،‬إن الطفل الذي يظهر‬ ‫يف الصورة يتحمل مع الكبار احلياة الصعبة‪ ،‬إن‬ ‫احلرية بالنسبة له ولشعبه هي احلياة ذاتها‪.‬‬ ‫إن صحيفة «الربافدا» بنشرها هذه الصور تبني‬ ‫للقارىء بأن الثورة الكوردية ليست عصابة كما‬ ‫يقول أعداء الشعب الكوردي‪ ،‬بل هي بكل معنى‬ ‫الكلمة ث��ورة شعب بطل يتعرض لرتاجيديا‬ ‫كبرية‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪/7‬أيلول‪ 1968/‬نشرت جريدة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صحفيا ليفغيين برمياكوف‬ ‫حتقيقا‬ ‫«الربافدا»‬

‫الذي زار كوردستان العراق مؤخراً حتت عنوان‬ ‫(الطريق ت��ؤدي إىل السماء)إىل جانب صورة‬ ‫لبيشمركة يف اجلبال‪ ،‬يبدأ التحقيق بنبذة‬ ‫تارخيية موجزة عن ع��دد الكورد يف العراق‬ ‫ونضاهلم يف سبيل حقوقهم القومية ويعيد‬ ‫لألذهان التاريخ القريب إلتفاق عام ‪« :1966‬يف‬ ‫حزيران من عام ‪ 1966‬وبعد إخفاقات جيش‬ ‫احلكومة باهلجوم على الكورد يف ديانا إلتقى‬ ‫ممثلي األطراف املتحاربة»‪.‬‬ ‫إن يفغيين برمياكوف يشرح للقارىء بأن‬ ‫احلكومة وافقت على وقف إطالق النار وحتقيق‬ ‫األماني القومية للكورد ليس ألنها حمبة للسالم‪،‬‬ ‫بل ألنها مل تستطع القضاء على الثورة الكوردية‪،‬‬ ‫وي���رى ال��ك��ات��ب ب��أن ه��ذا اإلت��ف��اق م��ن طرف‬ ‫احلكومة ليس سوى مناورة‪« :‬جتدر اإلشارة إىل‬ ‫أنه مل يتم حل املشكلة الكوردية خالل العامني‬ ‫املنصرمني»‪.‬‬ ‫ي��ب��دأ ب��رمي��اك��وف حتقيقه ب��وص��ف طبيعة‬ ‫كوردستان اخلالبة وبأنه يف هذه الطبيعة الرائعة‬ ‫يضطر البيشمركة عمر مرافق برمياكوف لعدم‬ ‫التخلي عن سالحه أبداً ألن السالح هو وسيلة‬ ‫الدفاع الوحيدة يف وجه الظلم لذلك اليتخلى‬ ‫الكوردي عن سالحه حتت أي ظرف كان‪»:‬جلس‬ ‫عمر بصعوبة خلف املقود وهو متمنطق حبزام‬ ‫حمشو بالطلقات م��ع خم��زن�ين إحتياطيني‬ ‫للبارودة‪ ،‬مل يفارق بارودته والحلظة واحدة‬ ‫حتى عندما كان ينزل من وراء املقود إللقاء‬ ‫نظرة على حمرك الالندروفر»‬ ‫ويستمر برمياكوف بالكتابة‪« :‬يف الطريق‬ ‫ً‬ ‫تقريبا‬ ‫إىل الشمال ك��ان كل اجليش العراقي‬ ‫حمتشداً ومنذ عدة سنني» بهذه الكلمات يوصل‬


‫برمياكوف للقارىء الفكرة القائلة بأنه ورغم‬ ‫ً‬ ‫تقريبا يف احلرب‬ ‫مشاركة كل اجليش العراقي‬ ‫مل يستطع أن يقضي على الشعب الكوردي أو‬ ‫القضاء على إرادت��ه وسعيه إىل احلرية رغم‬ ‫مساعدة العمالء واخلونة الكورد للسلطة‪ ،‬وأن‬ ‫هكذا شعب جلدير باإلحرتام‪ ،‬ويظهر برمياكوف‬ ‫ع��زة نفس وشجاعة البيشمركة‪« :‬أوقفنا‬ ‫أحد اجلنود عند مدخل كركوك وسأل عمر‪:‬‬ ‫«فرسان»؟ (هكذا يسمي أنفسهم بعض الكورد‬ ‫الذين يقاتلون إىل جانب جيش السلطة ضد‬ ‫الثورة‪ ،‬أما عند البارزاني وعلى سبيل السخرية‬ ‫يسمونهم «جحوش» ألنهم حياربون ضد الشعب)‬ ‫أجاب عمر كال‪ ،‬بيشمركة»‪.‬‬ ‫وي��وض��ح برمياكوف ب��أن احمل��ارب�ين الكورد‬ ‫يقومون بالدوريات يف مناطقهم وأن كوردستان‬ ‫تقع حتت سيطرة البيشمركة‪« :‬على مفرق‬ ‫ديانا‪-‬راوندوز املعروف الميكنك أن ترى وال حتى‬ ‫دورية واحدة للسلطة‪ ،‬لقد سافرنا يف منطقة‬ ‫تسيطر عليها قوات البارزاني بشكل مطلق»‪.‬‬ ‫يكتب برمياكوف عن الثقة بني املقاتلني الكورد‪،‬‬ ‫وكيف أن الثورةالترتك مصري عائالت الشهداء‬ ‫للمجهول بل هي على إتصال دائم معهم‪« :‬كان‬ ‫سائقنا عمر جيول يف ش��وارع أربيل وشقالوة‬ ‫حبرية وك��ان يعطي اإلعانات املالية لعائالت‬ ‫الشهداء بال أية وص��والت فاألمور مبنية على‬ ‫الثقة التامة»‪ .‬إن صحيفة الربافدا بتحقيقها هذا‬ ‫تزود القارىء باملعلومات حول مجيع جوانب‬ ‫القضية الكوردية‪ :‬تزوده باملعلومات التارخيية‬ ‫حول القضية‪ ،‬وكذلك تعرفه بعادات وطبيعة‬ ‫حياة البيشمركة والنظام السائد فيما بينهم‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪/5‬نيسان ‪/‬عام ‪ 1969‬نشرت صحيفة‬

‫«الربافدا» ً‬ ‫مقاال بعنوان‪« :‬إقامة اجلبهة الوطنية»‬ ‫نشرت خرباً حول البيان املشرتك بني احلزب‬ ‫الشيوعي العراقي واحلركة اإلشرتاكية العربية‬ ‫ورد فيه بأن القوى الوطنية والتقدمية العراقية‬ ‫أيدت التصرحيات اإلجيابية للسلطة «لكن الكثري‬ ‫من هذه التصرحيات ومن ضمنها الدعوة إلقامة‬ ‫جبهة موحدة للقوى الوطنيةوالتقدمية مل‬ ‫تدخل حيز التنفيذ العملي»‪ .‬لكن السلطات‬ ‫مل ت��ت��وق��ف ع��ن��د ذل���ك‪« :‬يف ال��ف�ترة األخ�ي�رة‬ ‫جرت إعتقاالت يف صفوف العناصر الوطنية‬ ‫والتقدمية»‬ ‫«الربافدا» بنشرها هذه املعلومات توضح بأن‬ ‫احلكومة العراقية احلالية مثل سابقاتها التلتزم‬ ‫بكالمها والحت�ترم حقوق اإلنسان والواجبات‬ ‫اليت أخذتها على عاتقها الربافدا تشري بأنه‬ ‫ورد يف بيان احلزب الشيوعي العراقي واحلركة‬ ‫اإلشرتاكية العربية‪« :‬من الضروري أن تلغي‬ ‫السلطات قانون الطوارىء‪،‬وإعالن العفو العام‬ ‫عن السجناء السياسيني وإط�لاق سراحهم»‪.‬‬ ‫وباإلعتماد على البيان تشري الربافدا بأن املشكلة‬ ‫الكوردية مل حتل هلذه اللحظة‪« :‬يشري البيان‬ ‫إىل ض��رورة حل املشكلة الكوردية على أساس‬ ‫إعطاء الشعب الكوردي احلكم الذاتي ضمن إطار‬ ‫اجلمهورية العراقية»‪.‬‬ ‫بتحليل املواد املنشورة يف الصحافة السوفيتية‬ ‫الدورية حول الثورة يف كوردستان العراق يف‬ ‫أعوام ‪ 1963‬إىل ‪ 1969‬نصل لنتيجة مفادها‬ ‫إن موقف اإلحتاد السوفييت واضح وينعكس من‬ ‫خالل املقابالت والريبورتاجات واملقاالت بدعم‬ ‫الثوار الكورد وقضيتهم‪ .‬إن املواد املنشورة يف‬ ‫الصحف السوفيتية مليئة باجلمل اإلنفعالية‬ ‫‪141‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪142‬‬

‫املؤثرة لصاحل الكورد‪ ،‬وكذلك عناوين املواد‬ ‫املنشورة وكيفية بناء املقالة‪ ،‬كل هذا يشكل لدى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وداعما للنضال التحرري‬ ‫إجيابيا‬ ‫موقفا‬ ‫القارىء‬ ‫للشعب الكوردي‪.‬‬ ‫يف الفصل التالي نستمر بتحليل املواد املنشورة‬ ‫يف الصحف السوفيتية ملا خيص حبثنا بدأً من عام‬ ‫‪1970‬‬ ‫الفصل الثالث‪:‬‬ ‫الصحافة السوفيتية‬ ‫(مبادىء أم مصاحل)‬ ‫بعد نضال مرير وشاق يف كوردستان العراق‬ ‫مت يف ‪/11‬آذار‪1970/‬التوصل إىل إتفاق وقف‬ ‫إط�ل�اق ال��ن��ار ب�ين جيش السلطة واحل��رك��ة‬ ‫التحررية الكوردية بقيادة احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني وزعيمها مصطفى البارزاني‪ ،‬ومت‬ ‫إصدار بيان ‪/11‬آذار‪ 1970/‬وتضمن البيان‬ ‫‪ 15‬بنداً حتفظ حقوق الشعب الكوردي‪ ،‬وسيتم‬ ‫تطبيق بنود البيان خالل فرتة أرب��ع سنوات‬ ‫من يوم صدور البيان‪ ،‬ويتوج بصدور قانون‬ ‫احلكم الذاتي لكوردستان‪ .‬لقد جتاوبت صحيفة‬ ‫«الربافدا» بسرعة مع هذه األحداث ففي عددها‬ ‫الصادر بتاريخ ‪/13‬آذار‪ 1970/‬نشرت على‬ ‫صفحاتها جمموعة من األخبار حتت عنوان‪:‬‬ ‫«العراق‪ :‬إتفاق حول تسوية املشكلة الكوردية»‪،‬‬ ‫وأسفل هذا العنوان‪« :‬تصريح الرئيس العراقي‬ ‫أمحد حسن البكر‪ :‬الكورد يرحبون باإلتفاق‬ ‫ يقول قائدهم مصطفى البارزاني»‪ ،‬وتنشر‬‫الربافدا خربا لوكالة تاس السوفيتية لتاريخ‬ ‫‪/12‬آذار‪ 1970/‬حيث ورد‪« :‬لقد اشار الرئيس‬ ‫العراقي إىل أن ماقامت به احلكومة من خطوات‬

‫ً‬ ‫مسبقا‬ ‫لتسوية املشكلة الكوردية هو متفق عليه‬ ‫مع القائد الكوردي مصطفى البارزاني وهو‬ ‫حمل ترحيبه»‪ ،‬ويف مكان آخر نشرت الربافدا‬ ‫وباإلعتماد على راديو بغداد تقييم البارزاني‬ ‫هلذا اإلتفاق على أنه‪« :‬إتفاق دميقراطي وسلمي»‪،‬‬ ‫وكذلك نشرت تصريح البارزاني املأخوذ من‬ ‫برقيته للرئيس العراقي البكر على أن هذا‬ ‫اإلتفاق‪« :‬موجه لتقوية التعاون بني القوميتني‬ ‫الكوردية والعربية وينري تاريخ األخوة العربية‬ ‫الكوردية «‪ .‬إن جريدة «ال�براف��دا» تظهر مرة‬ ‫أخرى موقف الكورد احملب للسلم ‪.‬‬ ‫ويف أسفل الصفحة نشرت الربافدا معلومات عن‬ ‫الكورد بقلم (ي‪.‬باغودينا)‪« :‬منذ العهود الغابرة‬ ‫ويف اجلبال يف مشال العراق يعيش الكورد‪ ،‬تبلغ‬ ‫مساحة املنطقة الكوردية ‪ 72‬ألف كم‪²‬ويعترب‬ ‫النفط من أهم املوارد الطبيعية لشمال العراق»‪،‬‬ ‫وتستمر املراسلة بالكتابة عن كيفية وحتت أية‬ ‫ظروف مت تقسيم أرض كوردستان إىل أربعة‬ ‫أجزاء وعن كوردستان العراق تقول‪« :‬لقد كانت‬ ‫كوردستان العراق احلالية تابعة لإلمرباطورية‬ ‫ال��ع��ث��م��ان��ي��ة ح��ت��ى ق��ب��ي��ل احل����رب العاملية‬ ‫األوىل‪،‬وبعدها أتى اإلحتالل اإلنكليزي ً‬ ‫بدال من‬ ‫العثماني‪ ،‬ويف العراق وبعد اخلالص من السيادة‬ ‫السياسية اإلنكليزية بقيت املشكلة الكوردية‬ ‫لفرتة طويلة تقلق البلد»‪ .‬وتستمر الربافدا مبد‬ ‫القارىء باملعلومات وأنه وخالل مرحلة النضال‬ ‫الطويلة والشاقة للكورد يف سبيل السيادة‬ ‫واإلستقالل‪،‬مت التوصل إىل إتفاق إعطاء الكورد‬ ‫حقوقهم مرتني‪ ،‬مرة يف شباط عام ‪،1964‬‬ ‫ومرة أخرى يف حزيران ‪1966‬إال أن العمليات‬ ‫العسكرية ضد الكورد مل تتوقف»‪.‬بهذه الكلمات‬


‫تأمل مراسلة الربافدا بأنه ويف هذه املرة أن حتل‬ ‫املشكلة الكوردية ً‬ ‫مرة لألبد ‪ .‬ومن سياق حديث‬ ‫املقالة واضح بأن خرق وقف إطالق النار وعدم‬ ‫تنفيذ اإلتفاقات حلل املشكلة الكوردية تتم‬ ‫ً‬ ‫دائما من طرف احلكومة العراقية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أي��ض��ا م��وق��ف احلكومة‬ ‫وت��وض��ح ال�براف��دا‬ ‫السوفيتية من بيان ‪/11‬آذار‪« :‬اإلتفاق املوقع‬ ‫يف ‪/11‬آذار يضع ح��داً لنهاية احل��رب ويفتح‬ ‫ً‬ ‫آف��اق��ا واس��ع��ة للتعاون العملي ب�ين ال��ك��ورد‬ ‫وال��ع��رب القوميتان اللتان تعيشان يف دولة‬ ‫واحدة»‪ .‬ونشرت جريدة الربافدا بعددها ‪/16‬‬ ‫آب‪ 1971/‬وعلى الصفحة األوىل رسالة اللجنة‬ ‫املركزية للحزب الشيوعي السوفييت إىل اللجنة‬ ‫املركزية للحزب الدميقراطي الكوردستاني‪-‬‬ ‫العراق‪ .‬والبوند العريض‪« :‬إىل اللجنة املركزية‬ ‫للحزب الدميقراطي الكوردستاني‪-‬العراق»‬ ‫وحتمل هذه الرسالة التهنئة للحزب ورئيسه‬ ‫مصطفى البارزاني مبناسبة اليوبيل الفضي‬ ‫ومرور ‪ 25‬مخسة وعشرون ً‬ ‫عاما على تأسيسه‪.‬‬ ‫رسالة التهنئة تشري إىل أن احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني ومنذ تأسيسه يقود النضال‬ ‫التحرري للشعب الكوردي‪ ،‬وهو نضال موجه‬ ‫ضد اإلمربيالية‪ ،‬ويف سبيل التقدم اإلجتماعي‬ ‫يف العراق‪».‬إن احلزب الدميقراطي الكوردستاني‬ ‫وخالل نضاله يف سبيل احلقوق العادلة للكورد‬ ‫العراقيني يقود النضال العام للشعب العراقي‬ ‫ضد اإلمربيالية ويف سبيل الوحدة والتقدم‬ ‫اإلجتماعي للجمهورية العراقية»‪ .‬بهذه الكلمات‬ ‫ي��ؤك��د احل���زب الشيوعي السوفييت اجلوهر‬ ‫الدميقراطي للحركة التحررية الكوردية‬ ‫وطليعته احلزب الدميقراطي‪ ،‬وأن كل ماقيل‬

‫ً‬ ‫عن توجهاته اإلنفصالية تعترب ً‬ ‫ونفاقا‬ ‫كذبا‬ ‫وليس له أس��اس من الصحة وه��و من تلفيق‬ ‫وسائل اإلعالم الرجعية واإلمربيالية‪ ،‬ويثمن‬ ‫ً‬ ‫عاليا دور احلزب‬ ‫احلزب الشيوعي السوفييت‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني‪« :‬يستحق احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني ك��ل تقدير من‬ ‫جانب القوى الوطنية والتقدمية» وكذلك تثمن‬ ‫ً‬ ‫عاليا إتفاق آذار ‪ 1970‬حلل املشكلة‬ ‫الرسالة‬ ‫الكوردية‪« :‬إن طريق التعاون ال��ذي إختاره‬ ‫احل��زب الدميقراطي الكوردستاني مع القوى‬ ‫املناهضة لإلمربيالية يف إطار اجلبهة الوطنية‬ ‫الدميقراطية يصب يف صاحل توطيد النظام‬ ‫الوطين يف اجلمهورية العراقية»‪ .‬إن حمتوى‬ ‫الرسالة يبني بشكل واضح بأن احلزب الشيوعي‬ ‫السوفييت وبالتالي اإلحت��اد السوفييت يعترب‬ ‫احلزب الدميقراطي الكوردستاني حزب ثوري‬ ‫يقود النضال العادل للشعب الكوردي والقوى‬ ‫الوطنية والتقدمية يف العراق ‪.‬‬ ‫ب��ع��دده��ا ال���ص���ادر ب��ت��اري��خ ‪/31‬تشرين‬ ‫ً‬ ‫حتقيقا‬ ‫األول‪1972/‬نشرت جريدة الربافدا‬ ‫ً‬ ‫صحفيا من بغداد ملراسلها (ف‪.‬نيكراسوف‪-‬ب‪.‬‬ ‫أرخيوفا) حتت عنوان‪ »:‬العراق‪-‬بلد يتحرك»‬ ‫يكتبون يف التحقيق عن لقاءاتهم مع ال��وزراء‬ ‫وق��ادة النقابات‪ ،‬وبعض أعضاء جملس قيادة‬ ‫الثورة يف العراق‪ ،‬ومع ممثلني لثالثة أحزاب‬ ‫سياسية أس��اس��ي��ة‪« :‬إن ال��ق��وى اإلجتماعية‬ ‫السياسية األساسية يف العراق ويف هذه املرحلة‬ ‫ه��ي ث�لاث‪:‬ح��زب البعث واحل���زب الشيوعي‬ ‫العراقي واحل��زب الدميقراطي الكوردستاني‪،‬‬ ‫وخالل وجودنا يف العراق إلتقينا مرات عدة مع‬ ‫ممثلني هلذه القوى الثالث الذين مل خيفوا عنا‬ ‫‪143‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪144‬‬

‫خالفاتهم اليت مل حتل بعد‪ ،‬وكذلك صارحونا‬ ‫بأنه مل يتم تسوية مجيع اخلالفات وكذلك مل‬ ‫حتل مجيع املسائل العالقة»‪ .‬إىل جانب بانوراما‬ ‫احلياة السياسية يعطينا التحقيق الصحفي‬ ‫حملة عامة عن الوضع اإلقتصادي يف العراق‬ ‫حيث عملية البناء واملنشآت اجلديدة يف البلد‪:‬‬ ‫«على هذا األساس يقولون بأنه سيتم يف العراق‬ ‫بناء املقدمات الضرورية للدخول يف مرحلة‬ ‫البناء اإلشرتاكي»‪ .‬ومن مواد التحقيق يستطيع‬ ‫القارىء التوصل إىل معرفة املدى الذي وصلت‬ ‫إليه العالقات بني العراق واإلحتاد السوفييت»‪.‬‬ ‫وخالل زيارة الوفد السوفييت احلزبي واحلكومي‬ ‫إىل بغداد بقيادة أ‪.‬ن‪.‬كوسيغني مت التوقيع على‬ ‫إتفاقية الصداقة والتعاون بني العراق واإلحتاد‬ ‫السوفيت»‪ .‬إن املوضوع األساسي يف هذا التحقيق‬ ‫الصحفي وحسب رأي هو موضوع تطوير خمتلف‬ ‫جوانب العالقات بني العراق واإلحتاد السوفييت‪،‬‬ ‫حيث يقول‪« :‬يف أيلول قام وفد عراقي بزيارة‬ ‫ودي��ة ورمسية إىل اإلحت��اد السوفييت بقيادة‬ ‫األم�ين العام للقيادة القطرية حلزب البعث‪،‬‬ ‫رئيس جملس قيادة الثورة‪ ،‬رئيس اجلمهورية‬ ‫العراقية أمحد حسن البكر»‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪/10‬آذار‪/‬عام‪ 1973‬نشرت جريدة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫موسعا ملراسلها املعروف‬ ‫صحفيا‬ ‫حتقيقا‬ ‫الربافدا‬ ‫يفغيين برمياكوف حتت عنوان‪:‬‬ ‫«الربيع يف ال��ع��راق» وال��ذي حيمل يف طياته‬ ‫معنيني إث��ن�ين‪ ،‬األول يعين فصل الربيع‪،‬‬ ‫والثاني هو مرحلة إنبعاث ويقظة العراق‬ ‫حسب رأي املراسل‪ ،‬يف القسم األكرب من التحقيق‬ ‫يكتب املراسل عن الذهب األسود‪-‬النفط‪-‬عن‬ ‫املشاكل اليت تعرتض طريق العراق بعد تأميم‬

‫«شركة نفط العراق» وعلى أن إتفاقية الصداقة‬ ‫والتعاون مع اإلحت��اد السوفييت ستلعب الدور‬ ‫احلاسم وهي العامل الفعال يف إخ��راج العراق‬ ‫من احلصار اإلقتصادي اإلمربيالي‪« .‬بالنسبة‬ ‫للعراق ويف حلظة تأميم النفط كانت إتفاقية‬ ‫الصداقة والتعاون مع اإلحتاد السوفييت جارية‬ ‫وقيد التنفيذ وك��ان العراق قد أق��ام خمتلف‬ ‫العالقات مع ال��دول اإلشرتاكية األخ���رى‪....‬‬ ‫ومباشرة بعد تأميم النفط عقد العراق إتفاقية‬ ‫جتارية لتصدير النفط إىل اإلحتاد السوفييت‪،‬‬ ‫بلغاريا‪ ،‬أملانيا الشرقية هنغاريا‪ ،‬بولونيا‪،‬‬ ‫وتشكوسلوفاكية»‪ .‬وكذلك يكتب برمياكوف‬ ‫عن أن كل القوى الوطنية املناهضة لإلمربيالية‬ ‫أيدت موقف احلكومة من تأميم «شركة نفط‬ ‫العراق « حيث يقول‪« :‬على هذا األس��اس لقد‬ ‫بدى يف العراق تبلور جبهة وطنية موحدة‬ ‫مؤلفة من احلزب الشيوعي العراقي‪ ،‬واحلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني واألحزاب واملنظمات‬ ‫التقدمية األخ���رى»‪ .‬ويوضح برمياكوف أن‬ ‫املشكلة الكوردية يف العراق مل حتل بعد‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫«طبعا وح��ت��ى اآلن مل حت��ل املشكلة‬ ‫ي��ق��ول‪:‬‬ ‫عبئا ثقيالً‬ ‫ً‬ ‫الكوردية بالكامل وال�تي تشكل‬ ‫على العراق»‪ .‬يف العراق وبعد ثالث سنوات من‬ ‫تاريخ اإلتفاق‪»:‬توجد عناصر غري مهتمة بإجياد‬ ‫ظروف حلل املشكلة الكوردية يف العراق»‪ .‬ويورد‬ ‫املراسل رأي طريف اخلالف‪»:‬تكلم البعض عن‬ ‫البطىء يف تنفيذ بعض بنود اإلتفاقية‪ ،‬وكذلك‬ ‫قيلت عبارات اللوم والعتاب حبق الطرف اآلخر»‪.‬‬ ‫وكذلك يعرفنا برمياكوف برأي قائد الشعب‬ ‫الكوردي‪« :‬الأحد يستطيع اإلنكار بأن السالم‬ ‫ً‬ ‫مجيعا‪-‬قال لي مصطفى‬ ‫هو إجن��از كبري لنا‬


‫ً‬ ‫عربا وك��ورداً أبناء بلد واحد‪،‬‬ ‫البارزاني‪-‬حنن‬ ‫وإذا كان البعض يزور أهدافنا وحياول تصويرنا‬ ‫بأننا نريد اإلنفصال عن العراق‪ ،‬أقول وعلى‬ ‫املأل بأننا لسنا كذلك‪ ،‬حنن نرى بأن مستقبلنا‬ ‫وسعادتنا هي بالعيش املشرتك مع األخوة العرب‬ ‫على أرض عراقنا احلبيب»‪.‬‬ ‫بتحليلنا لتصرحيات مصطفى البارزاني‬ ‫نصل لنتيجة مفادها بأن العناصر الرجعية‬ ‫والشوفينية يف احلكومة العراقية التريد ً‬ ‫حال‬ ‫للمشكلة الكوردية‪ ،‬وتظهر القيادة الكوردية‬ ‫مبظهر اإلنفصاليني الذين يريدون تقسيم‬ ‫العراق والقضاء على النظام العراقي املناهض‬ ‫لإلمربيالية‪ ،‬لكن كالم البارزاني عكس ذلك‬ ‫وه��و واض���ح وص��ري��ح‪ ،‬وإلستكمال ال��ص��ورة‬ ‫يعرفنا برمياكوف برأي قائد آخر وهو الدكتور‬ ‫حممود عثمان عضو املكتب السياسي للحزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني‪« :‬إن اإلتفاقية‪-‬‬ ‫إتفاقية آذار ‪1970-‬لعبت والزالت تلعب دوراً‬ ‫ً‬ ‫إجيابيا»‪.‬‬ ‫بتاريخ ‪/26‬آذار‪ 1974/‬نشرت صحيفة‬ ‫الربافدا مايسمى معلومات خاصة حتت عنوان‪:‬‬ ‫«معارك حربية يف مشال العراق» تنشر اجلريدة‬ ‫أخباراً عن بدأ املعارك بني الكورد واجليش‬ ‫احلكومي مشرية إىل أنه‪« :‬لقد رفضت القيادة‬ ‫الكوردية اإلعرتاف بقانون احلكم الذاتي الذي‬ ‫أصدرته احلكومة العراقية يف آذار من نفس‬ ‫العام‪ ،‬مع أن القانون املذكور يضمن للسكان‬ ‫الكورد والبالغ عددهم حوالي ‪ 2‬مليون نسمة‪،‬‬ ‫احلقوق الدميقراطية والقومية واإلجتماعية‬ ‫ضمن إط��ار اجلمهورية العراقية»‪ .‬إن أعضاء‬ ‫هيئة حترير جريدة الربافدا واليت هي لسان‬

‫حال اللجنة املركزية للحزب الشيوعي السوفييت‬ ‫صحفيون ع��ل��ى م��س��ت��وى ع���ال م��ن املهنية‬ ‫واحلرفية ‪ ،‬كان جيب عليهم أن يعرفوا وأعتقد‬ ‫بأنهم يعرفون مجيع تلك الظروف واملالبسات‬ ‫واألسباب اليت إضطرت القيادة الكوردية إىل‬ ‫رفض قانون احلكم الذاتي لكوردستان العراق‬ ‫وال��ص��ادر بتاريخ ‪/11‬آذار‪1974/‬إن هذا‬ ‫القانون اجملحف حبق الكورد إستقطع أجزاء‬ ‫من أرض كوردستان التارخيية‪-‬بعض املناطق‬ ‫واملدن‪-‬وبشكل رئيسي كركوك وخانقني حيث‬ ‫أغنى منابع النفط ليس فقط يف العراق‪ ،‬بل ويف‬ ‫الشرق األدنى واألوسط‪ ،‬إال أن جريدة «الربافدا»‬ ‫التكتب عن هذا والكلمة! وكذلك إن مانشرته‬ ‫الربافدا توصل للقارىء فكرة أن‪ :‬قانون احلكم‬ ‫الذاتي حيقق للكورد مطاليبهم‪ ،‬إال أن الكورد‬ ‫الي��ري��دون العيش بسالم مع العرب!وتكتب‬ ‫الربافدا ً‬ ‫أيضا‪« :‬كما يتضح من األنباء الواردة بأن‬ ‫موقف القيادة الكوردية الرافض للقانون مل يأت‬ ‫مبعزل عن تدخالت القوى اإلمربيالية واليت‬ ‫حتاول إضعاف النظام التقدمي يف العراق وهلذه‬ ‫األه��داف تقوم القوى اإلمربيالية مبد الكورد‬ ‫املتطرفني بالسالح والعتاد واملال»‪ .‬إن صحيفة‬ ‫الربافدا مل تكشف عن مصدر معلوماتها هذه‪ ،‬إن‬ ‫القارىء الغري ملم باملوضوع الكوردي اليساوره‬ ‫الشك أب��داً ب��أن القيادة الكوردية يف العراق‬ ‫عميلة لإلمربيالية‪ ،‬لكن هناك فئة أخرى من‬ ‫القراء ملمة باملوضوع الكوردي‪ ،‬إن هكذا قارىء‬ ‫وبالتأكيد سيقع يف حرية من أمره‪ ،‬ألنه وعلى‬ ‫صدر صفحات هذه اجلريدة بالذات «الربافدا»‬ ‫وباألمس القريب «املتطرفني» الكورد‪ ،‬كانوا‬ ‫ث��وار‪ ،‬مناضلني يف سبيل حقوقهم القومية‪،‬‬ ‫‪145‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪146‬‬

‫أعداء اإلستعمار اإلنكليزي وأعداء اإلمربيالية‬ ‫وأعداء نظام نوري السعيد واألنظمة العراقية‬ ‫الرجعية املتعاقبة‪.‬‬ ‫قبل ثالث‪-‬أربع سنوات وحسب رأي الربافدا‬ ‫أي��ض ً��اال��ث��وار ال��ك��ورد ك��ان��وا السند الرئيسي‬ ‫للدميقراطية يف العراق‪ ،‬كانوا بشكل دائم مع‬ ‫احلل السلمي للقضية الكوردية‪ ،‬إن قيادة احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني وبالكامل ساندت‬ ‫ودعمت تأميم «شركة نفط العراق» وكذلك‬ ‫النشاطات التقدمية األخرى يف العراق‪ ،‬كل هذا‬ ‫ورد يف الصحافة السوفيتية الدورية‪ .‬أخالق‬ ‫غريبة وعجيبة للصحافة السوفيتية ‪-‬اليوم‬ ‫أنت ث��وري وغ��داً متطرف‪ -‬م��اذا حصل؟ ملاذا‬ ‫تغري موقف الصحافة السوفيتية مئة و مثانني‬ ‫درجة؟! ملاذا حتاول جريدة «الربافدا» ويف عام‬ ‫‪ 1974‬أن «تغطي الشمس بالغربال»؟ كما يقول‬ ‫املثل‪.‬‬ ‫سنعود لإلجابة على هذه األسئلة فيما بعد‪.‬‬ ‫تستمر ال�براف��دا بالكتابة‪- « :‬فاعلي اخلري‪-‬‬ ‫األجانب يشجعون بعض العناصر يف القيادة‬ ‫الكوردية والذين يقفون ضد التغريات التقدمية‬ ‫اجلارية يف البلد»‪ .‬إن جريدة الربافدا تصنف‬ ‫القادة الكورد كأناس الموقف هلم وبأنهم ألعوبة‬ ‫يف يد اإلمربياليني وهم أنفسهم الذين ناضلوا‬ ‫ولفرتة طويلة ضد اإلمربياليني وعلى لسان‬ ‫الربافدا ذاتها!!‪ .‬إن الربافدا حتاول إيهام القارىء‬ ‫بأن القيادة الكوردية تقف ضد مجيع التغيريات‬ ‫التقدمية يف البلد إال أن احلقيقة هي أن الشعب‬ ‫ال��ك��وردي وبطليعته احل���زب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني رف��ض��وا ق��ان��ون احلكم الذاتي‬ ‫اجملحف حبقهم‪.‬‬

‫وتستمر الربافدا بنشر األخبار عن كوردستان‬ ‫العراق وبنفس الروح والنربة وعلى سبيل املثال‬ ‫بعددها الصادر بتاريخ ‪/14‬أيار‪ 1974 /‬كتب‬ ‫(ب‪.‬نادجيدين) وحتت عنوان «املعارك الدائرة‬ ‫يف مشال العراق»األخبار الواردة من العراق حول‬ ‫الصدامات املسلحة بني القطعات العسكرية‬ ‫العراقية والقوات الكوردية وأن حل املسألة‬ ‫القومية الكوردية يف العراق ليس باألمر السهل‪:‬‬ ‫«كم كانت دامغة ومقنعة تلك اإلج��راءات اليت‬ ‫إختذتها السلطة لتذليل الصعوبات اليت كانت‬ ‫تعرتض طريق احلل»‪.‬‬ ‫إن صاحب املقال وبهذه الكلمات يقول أن‬ ‫احلكومة العراقية قامت بكل مابوسعها حلل‬ ‫املشكلة الكوردية‪ ،‬لكن الكورد اليريدون السالم!‬ ‫وك��ذل��ك يستمر كاتب امل��ق��ال بالكتابة ‪ ،‬أن‬ ‫العراق قدم للكورد مجيع احلقوق من ثقافية‬ ‫وإجتماعية وقومية‪ ،‬ويف حقيقة األم��ر إن‬ ‫الكورد حصلوا على الكثري من حقوقهم‪ ،‬وذلك‬ ‫ليس منة أو هبة من النظام‪ ،‬بل بفضل نضاهلم‬ ‫الشاق وتضحياتهم اجلسيمة‪ .‬وتستمر الربافدا‬ ‫بالكتابة بأنه جتري يف العراق عملية الدمقرطة‬ ‫خبطوات سريعة‪« :‬الذي يقوم بدور أساسي يف هذا‬ ‫هي اجلبهة الوطنية التقدمية‪ ،‬اليت أنشأت العام‬ ‫املاضي وينضم حتت لواءها حزب البعث احلاكم‪،‬‬ ‫واحل��زب الشيوعي والدميقراطيني املستقلني‬ ‫والقوميني التقدميني‪ ،‬وكذلك مت دعـوة احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني لإلنضمام للجبهة إال‬ ‫ً‬ ‫متذرعا بأن بغداد مل‬ ‫أنه رفض تلبية الدعوة‬ ‫تنفذ مجيع بنود بيان آذار»‪ .‬لندقق بكلمات‬ ‫ً‬ ‫متذرعا»‪.‬‬ ‫الربافدا «رفض تلبية الدعوة‬ ‫إنها بهذا ختلق الشك لدى القارىء وتضع اللوم‬


‫على القيادة الكوردية متناسية قانون احلكم‬ ‫الذاتي اجملحف والذي يقتطع جزءاً من أرض‬ ‫كوردستان‪ ،‬وكذلك إن الربافدا ت��زور وتشوه‬ ‫احلقائق‪ ،‬إن احلزب الدميقراطي الكوردستاني‬ ‫مل ينضم للجبهة ليس فقط بسبب عدم تنفيذ‬ ‫بنود بيان آذار‪ ،‬بل ألنه يف ميثاق اجلبهة هناك‬ ‫بند يقول بأن حزب البعث هو احلزب القائد‬ ‫للدولة واجمل��ت��م��ع‪ ،‬وألن البعثيني يشكلون‬ ‫األغلبية يف األطر القيادية للجبهة نسبة إىل باقي‬ ‫األحزاب جمتمعة‪ ،‬وإذا أراد حزب البعث إختاذ أي‬ ‫قرار خيص البلد فإنه سينال املوافقة رغم أنف‬ ‫اجلميع فإذاً اجلبهة ليست سوى زينة وإكسسواراً‬ ‫يتزين بها ح��زب البعث أم��ام أن��ظ��ار العامل‬ ‫وكان هذا هو السبب الرئيسي لرفض احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني اإلنضمام للجبهة‪.‬أية‬ ‫دميقراطيةهذه؟! يوجد تسمية واحدة هلكذا‬ ‫دميقراطية إنها «دميقراطية بعثية» وهكذا‬ ‫دميقراطية رحب بها وباركها اإلحتاد السوفييت‬ ‫عام ‪.1974‬إن الربافدا يف هذه احلالة خانت‬ ‫مبادىء الصحافة الشيوعية وأعطت معلومات‬ ‫كاذبة وذل��ك إلتباعها سياسة وتكتيك عدم‬ ‫إظهار موقف الطرف اآلخر من املشكلة‪.‬‬ ‫يف ‪/1‬أيلول‪/‬عام ‪ 1972‬قام فرع أوروبا للحزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني بتوزيع بيان باللغة‬ ‫العربية بعنوان‪« :‬بيان حول الوضع يف كوردستان‬ ‫« ورد يف البيان‪« :‬إن العالقة بني حزبنا وشعبنا‬ ‫ال��ك��وردي م��ن جهة والسلطة وح��زب البعث‬ ‫من جهة أخرى ساءت كثرياً يف الفرتة األخرية‬ ‫بعد بيان آذار ‪ ....1970‬إىل اآلن التوجد أية‬ ‫آفاق لبناء اجلبهة الوطنية امل��وح��دة‪ ....‬ففي‬ ‫كوردستان تسري سياسة تعريب بعض املناطق‬

‫الكوردية وخاصة ك��رك��وك‪ ،‬وتطبق وسائل‬ ‫وط��رق جديدة للسياسة الشوفينية؛ حيث‬ ‫السلطة تهيء كل الظروف لإلقطاعيني العرب‬ ‫لشراء القرى واألراضي من اإلقطاعيني واخلونة‬ ‫الكورد لطرد السكان الكورد وإح�لال العرب‬ ‫مكانهم‪ ،‬وإىل تاريخ هذا البيان مت ش��راء ‪13‬‬ ‫قرية (أمساء القرى الثالثة عشرة مذكورة يف‬ ‫البيان) إن عملية شراء وبيع األراض��ي جارية‬ ‫بني اإلقطاعيني الكورد والعرب يف الوقت الذي‬ ‫يتكلم فيه ممثلوا السلطة عن القضاء على‬ ‫اإلقطاع يف العراق»‪.‬‬ ‫يف نص البيان تظهر حقائق صارخة عن عمل‬ ‫السلطة البعثية يف كوردستان‪« :‬هناك ظاهرة‬ ‫خطرية ج��داً؛ يف شهر مت��وز قامت السلطات‬ ‫وحبماية اجليش وبإستعمال البلدوزرات بهدم‬ ‫عشرات القرى الكوردية يف املنطقة‪ ،‬حيث‬ ‫ظهرت املشاكل بني الكورد والسلطات‪ .‬ويف ‪/9/‬‬ ‫مت��وز‪ 1972 /‬قامت ق��وات اجليش يرافقهم‬ ‫حمافظ دي��اىل وقائد الشرطة وممثلي البعث‬ ‫احملليني حوالي مدينة مندلي باهلجوم على‬ ‫قرية لويس وهدم ‪ 10‬منازل بالبلدوزرات‪ ،‬وقد‬ ‫توجه أصحاب هذه البيوت بالشكوى إىل احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني»‪.‬‬ ‫وألجل توضيح الصورة بشكل أفضل إليكم‬ ‫املثال التالي‪ ،‬ففي ‪/4‬كانون الثاني‪1974 /‬‬ ‫أص���در ف���رع أوروب����ا ل��ل��ح��زب ال��دمي��ق��راط��ي‬ ‫ً‬ ‫بيانا باللغة العربية بعنوان‪:‬‬ ‫الكوردستاني‬ ‫«نداء إىل الرأي العام العاملي واألوروب��ي» ورد يف‬ ‫البيان‪« :‬يف هذه األيام أمرت السلطات العراقية‬ ‫بطرد ‪ 30‬ألف مواطن كوردي من املوصل إىل‬ ‫تركيا‪ ،‬إن هذا األمر يشكل اجلزء األساسي من‬ ‫‪147‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪148‬‬

‫خمطط شوفيين عنصري تطبقه السلطات‬ ‫العراقية إن جوهر هذا املخطط هو تعريب‬ ‫املناطق الكوردية وإح��داث تغيري دميغرايف‪-‬‬ ‫قومي ضاربة عرض احلائط جبميع احلقوق‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وهكذا يكون عدد الكورد املطرودين‬ ‫نتيجة هذه السياسة الوحشية قد وصل إىل‬ ‫حوالي ‪ 80‬ألف نسمة‪ ،‬ألنه وقبل عامني طردت‬ ‫السلطات حوالي ‪ 40‬ألف كوردي إىل إيران‪ ،‬حنن‬ ‫ندعوا كل الشرفاء والتقدميني‪ ،‬وكل املنظمات‬ ‫الدميقراطية يف العامل لإلحتجاج والتأثري على‬ ‫السلطات العراقية لوقف أعماهلا الوحشية هذه‪.‬‬ ‫حنن واثقون بأن الضمري اإلنساني سيستيقظ‬ ‫وستوضع نهاية هلذه األعمال الوحشية املطبقة‬ ‫حبق شعبنا ال��ك��وردي املسامل واحمل��ب للحياة‬ ‫واحلرية»‪ .‬هل تعترب جريدة الربافدا كل هذه‬ ‫ً‬ ‫تطبيقا‬ ‫األعمال الوحشية املوجهة ضد الكورد‬ ‫لبنود بيان آذار؟!!‪.‬‬ ‫إن صحافة اإلحت��اد السوفييت مل تشر المن‬ ‫قريب والمن بعيد إىل نص هذا البيان‪ ،‬الذي‬ ‫أوردنا مقتطفات منه‪ ،‬لقد حجبت عن ماليني‬ ‫القراء املعلومات ال��واردة من مصدرها ‪-‬احلزب‬ ‫ال��دمي��ق��راط��ي ال��ك��وردس��ت��ان��ي‪ ، -‬ألن��ه��ا كانت‬ ‫ستضطر لشرح التغيري املفاجىء يف سياستها‬ ‫املعادية للكورد ويواصل (ب‪ .‬نادجيدين) مقالته‬ ‫بأنه وخ�لال التحضري لقانون احلكم الذاتي‬ ‫لكوردستان العراق‪« :‬قسم من القادة الكورد على‬ ‫سبيل املثال طالبوا بضم كركوك لكوردستان‬ ‫حيث أغنى منابع النفط يف الشرق األوسط‪ ،‬وقد‬ ‫مت رفض هذه املطالب من قبل احلكومة»‪.‬‬ ‫وتوضح الربافدا مجيع احلقوق اليت حصل‬ ‫عليها الكورد من خالل قانون احلكم الذاتي‪،‬‬

‫وهذا خيلق عند القارىء ً‬ ‫رأيا بأن الكورد حيبون‬ ‫املشاكل‪ ،‬إنهم حصلوا على الكثري من احلقوق‬ ‫ويريدون كركوك ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وكأن كركوك ليست‬ ‫جزءاً من كوردستان!! وتواصل الربافدا‪« :‬أواخر‬ ‫العام املاضي حاولت العناصر الرجعية الكوردية‬ ‫تأجيج املشاعر املعادية للشيوعية يف كوردستان‬ ‫عرب اإلعتداء على العناصر الكوردية الشيوعية»‬ ‫وتستمر الربافدا‪« :‬إن اجلناح اليميين للحزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني تكتب لسان حال‬ ‫الشيوعيني العراقيني (طريق الشعب) يوجهون‬ ‫احل��رك��ة القومية ال��ك��وردي��ة حن��و إجت��اه��ات‬ ‫ومنزلقات خ��ط�يرة»‪ .‬بهذه الكلمات حت��اول‬ ‫الربافدا إقناع القارىء بأن احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني ميثل القوى الرجعية املعادية‬ ‫للشيوعية يف ال��ع��راق‪ ،‬وخ�ل�ال ه��ذه املقالة‬ ‫ال��ك��ب�يرة مل ي���ورد ال��ك��ات��ب والك��ل��م��ة واح��دة‬ ‫والتصريح والم��وق��ف للحزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني‪ ،‬الذي كان سيشرح موقف الكورد‬ ‫لسبب رفض قانون احلكم الذاتي‪ ،‬وكذلك فيما‬ ‫يتعلق بالشيوعيني يف كوردستان إن الربافدا‬ ‫تتجاهل والتنشر املعلومات الواردة من احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني لتوضيح موقفه من‬ ‫هذا األمر بتاريخ ‪/24‬كانون الثاني‪1974 /‬‬ ‫فرع أوروبا للحزب أعاد طبع ونشر بالغ احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني ال��ص��ادر يف ‪/10‬‬ ‫كانون الثاني‪ 1974/‬واملوقعة باسم املكتب‬ ‫السياسي للحزب‪ ،‬وذلك باللغة العربية‪ ،‬ورد‬ ‫يف البالغ‪« :‬إن جريدة (طريق الشعب) تستمر‬ ‫حبملتها اليت بدأتها قبل شهرين بنشر األكاذيب‬ ‫واملعلومات املضللة حول وضع الشيوعيني يف‬ ‫كوردستان العراق‪ ،‬إن اجلريدة تكذب عندما‬


‫حت��اول إقناع ال��رأي العام واألح���زاب والقوى‬ ‫الوطنية يف العراق وخارجه بأن الشيوعيني‬ ‫يف كوردستان يتعرضون للقتل والرتهيب من‬ ‫قبل احلزب الدميقراطي الكوردستاني وجناحه‬ ‫املسلح»وكذلك ورد يف نص البالغ‪« :‬نشعر باألسى‬ ‫والضيق عندما تصدق بعض القوى التقدمية‬ ‫ه��ذه املعلومات الكاذبة دون أن تتأكد منها‬ ‫ونتمنى من هذه الدول التقدميةواليت تربطنا‬ ‫بها عالقات صداقة وتعاون متينة وتقليدية أال‬ ‫تصدق هذه اإلتهامات الكاذبة»‪.‬‬ ‫من الواضح جداً بأن الدولة املقصودة بهذا هي‬ ‫اإلحتاد السوفييت‪.‬‬ ‫ويستمر البالغ بتوضيح العالقات اجليدة‬ ‫بني احلزب الدميقراطي الكوردستاني واحلزب‬ ‫الشيوعي العراقي عندما تعرض الشيوعيني‬ ‫للمالحقة والقتل يف عام ‪ 1963‬بعد سقوط‬ ‫حكم عبدالكريم قاسم‪ ،‬مل جيد الشيوعيون هلم‬ ‫مكانا ً‬ ‫ً‬ ‫آمنا سوى كوردستان‪ ،‬لقد توصل احلزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني لقناعة بأنه يوجد يف‬ ‫صفوف قيادة احلزب الشيوعي العراقي جمموعة‬ ‫إنتهازية شوفينية وحتظى بدعم السلطة‬ ‫ويتخذون امل��وق��ف امل��ع��ادي للكورد لتخريب‬ ‫العالقات التقليدية بني احلزبني وذلك للحصول‬ ‫على مكاسب آنية زائلة‪ .‬إن التيار الشوفيين‬ ‫وبالتدريج خيفف من دعمه لنضال الوطنيني‬ ‫الكورد‪ ،‬ويغض النظر عن السياسة السلبية‬ ‫للسلطة جتاه الشعب الكوردي غري آخذين بعني‬ ‫اإلعتبار التغيري القومي‪-‬الدميغرايف يف املناطق‬ ‫الكوردية ال��ذي تقوم به السلطة‪ ،‬وكذلك مل‬ ‫يعلنوا عن حماولتني للسلطة إلغتيال زعيم‬ ‫احلزب املال مصطفى البارزاني‪ .‬ورد يف البالغ‪:‬‬

‫«حنن ندعوا مجيع املنظمات العاملية إلرسال‬ ‫ممثليها إىل كوردستان‪ ،‬كي يتعرفوا على الوضع‬ ‫احلقيقي للشيوعيني‪ ،‬وحنن نضمن ونتكفل‬ ‫بكل مايرتتب على الزيارة»‪.‬‬ ‫أعتقد بأن هذه الكلمات اليت وردت يف البالغ‬ ‫تبني بشكل واض���ح ب��أن ل��س��ان ح��ال احل��زب‬ ‫الشيوعي العراقي «طريق الشعب» ولسان حال‬ ‫احلزب الشيوعي السوفييت «الربافدا» يزورون‬ ‫املعلومات ويشوهون احلقائق وهذا غري مسموح‬ ‫ً‬ ‫أخالقيا وخاصة جلريدة «الربافدا» فهي تورد‬ ‫به‬ ‫ماتنشره صحيفة الشيوعيني العراقيني واليت‬ ‫تتهم الكورد بإتباع سياسة معادية للشيوعيني‬ ‫يف ك��وردس��ت��ان‪ ،‬لكنها مل تنشر والكلمة من‬ ‫ب�لاغ املكتب السياسي للحزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني ومل تنشر وال كلمة من أي تصريح‬ ‫ألي قيادي من احلزب‪.‬‬ ‫نعود للصحافة السوفيتية‪ ،‬نشرت جريدة‬ ‫«إزفيستيا» بتاريخ ‪ 14‬آذار عام ‪ 1975‬خرباً‬ ‫لوكالة «ت��اس» السوفيتية من بغداد وحتت‬ ‫ع��ن��وان‪« :‬م��ن أج��ل متتني الوحدة»تنشر به‬ ‫خرباً عن إجتماع مجاهريي يف بغداد وذلك يف‬ ‫الذكرى السنوية اخلامسة لصدور بيان آذار‬ ‫لتسوية املشكلة الكوردية‪ ،‬ورد يف اخلرب‪« :‬لقد‬ ‫إشرتك يف هذا اإلجتماع قيادة اجلبهة الوطنية‬ ‫التقدمية يف العراق‪ ،‬وكذلك احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني‪-‬العراق‪ ،‬والوزراء وممثلي النخبة‬ ‫يف اجملتمع العراقي وسكان العاصمة»‬ ‫إن احلزب الدميقراطي الكوردستاني والذي‬ ‫ورد ذكره يف اخلرب ماهو إال عبارة عن جمموعة‬ ‫من العمالء واليت خانت قضيتها وفضلت رغد‬ ‫العيش يف بغداد ً‬ ‫بدال من متابعة النضال‪ .‬إن‬ ‫‪149‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪150‬‬

‫«إزفيستيا» مل حتاول حتى أن تشرح للقارىء بأن‬ ‫هذا احلزب الدميقراطي اليت ذكرت إمسه ماهو‬ ‫سوى جمموعة منشقة من احلزب عام ‪،1974‬‬ ‫حيث يتشكل عند ال��ق��ارىء وجهة نظر بأن‬ ‫العراق بألف خري‪ ،‬وأن املشكلة الكوردية مل تعد‬ ‫قائمة‪ ،‬ألن احلزب الدميقراطي الكوردستاني‬ ‫ومبشاركة احلكومة العراقية قد إحتفلوا ً‬ ‫معا‬ ‫بالذكرى السنوية اخلامسة لبيان آذار وهذا‬ ‫خيالف احلقيقة ‪.‬‬ ‫لقد آن اآلوان ألقول وجهة نظري حول التغيري‬ ‫اجلذري للموقف السوفييت من املشكلة الكوردية‪،‬‬ ‫يف سبيل أي شيء حاولت الصحافة السوفيتية‬ ‫يف أعوام (‪ ) 1975 - 1974‬أن تغطي الشمس‬ ‫بالغربال؟!‬ ‫بتاريخ ‪ 9‬نيسان ‪ 1972‬وقع اإلحتاد السوفييت‬ ‫مع احلكومة العراقية يف بغداد إتفاقية للصداقة‬ ‫والتعاون‪ ،‬وإعتباراً من ه��ذه اللحظة أصبح‬ ‫عند اإلحتاد السوفييت نقطة إرتكاز جديدة يف‬ ‫منطقة هامة جداً من العامل‪ ،‬حيث أهم منابع‬ ‫النفط يف الشرق األوسط‪ .‬إن الصحافة السوفيتية‬ ‫ومعربة عن موقف احلكومة السوفيتية‪ ،‬كتبت‬ ‫كثرياً عن الوجود اإلنكليزي واألمريكي‪ ،‬وكذلك‬ ‫وج��ود ال��دول الرأمسالية األخ��رى يف الشرق‬ ‫األوس��ط وع��ن إستغالل خ�يرات ه��ذه املنطقة‬ ‫من قبل الدول املذكورة‪ ،‬حيث مل يكن لإلحتاد‬ ‫السوفييت مكانا يف املنطقة وعندما وافق العراق‬ ‫على أن يقتسم نفطه مع اإلحتاد السوفييت‪ ،‬فإن‬ ‫احلركة الكوردية مل تعد مهمة بالنسبة له‪ ،‬ملاذا‬ ‫خيتلف اإلحتاد السوفييت مع العراق السخي من‬ ‫أجل الكورد؟!‬ ‫ورد يف نص إتفاقية الصداقة والتعاون املوقعة‬

‫يف ‪/9‬نيسان ‪ 1972‬مايلي‪« :‬أعلن الطرفان عن‬ ‫متتني أواصر الصداقة بني بلديهما وشعبيهما‬ ‫وع��ن تطوير عالقات التعاون على خمتلف‬ ‫األصعدة السياسية واإلقتصادية والتجارية‪،‬‬ ‫والعلمية‪-‬التكنيكية والثقافية واجملاالت األخرى‬ ‫على أساس إح�ترام إستقاللية وسيادة الدولة‬ ‫ووح��دة أراضيها وع��دم التدخل يف الشؤون‬ ‫الداخلية ألي طرف»* *القاموس الدبلوماسي‪،‬‬ ‫طبعة موسكو ‪ ،1986‬اجل��زء الثالثص‪171‬‬ ‫باللغة الروسية‪.‬‬ ‫قبل توقيع اإلتفاقية ساند اإلحتاد السوفييت‬ ‫نضال ال��ك��ورد وك��ان ه��ذا يعترب دع��م نضال‬ ‫الشعوب املضطهدة املناضلة يف سبيل حقوقها‪،‬‬ ‫أما بعد التوقيع على اإلتفاقية فإن دعم نضال‬ ‫ً‬ ‫(تدخاليف الشؤون الداخلية‬ ‫الكورد أصبح يعترب‬ ‫للعراق!!!) أما األم��ر األساسي اآلخ��ر هو فتح‬ ‫سوق جديدة أمام اإلحتاد السوفييت للتجارة‪،‬‬ ‫وكذلك بيع خمتلف صنوف األسلحة‪ .‬ويف مكان‬ ‫آخر ورد يف نص اإلتفاقية‪« :‬إتفق الطرفان على‬ ‫التشاور بشكل دوري وعلى خمتلف املستويات‬ ‫حول مجيع املسائل الدولية اهلامة مبا خيص‬ ‫مصاحل ال��دول��ت�ين‪ ....‬ويف ح��ال تعرض أمن‬ ‫وسالمة أحد الطرفني للخطر جيب وبالسرعة‬ ‫القصوى إجراء اإلتصاالت وذلك لتوحيد مواقف‬ ‫الطرفني»**القاموس الدبلوماسي‪ ،‬طبعة‬ ‫موسكو ‪ 1986‬اجلزء الثالث ص‪ 171‬باللغة‬ ‫الروسية‪.‬‬ ‫لقد أصبح األمر األساسي لإلحتاد السوفييت‬ ‫ه��و مصاحله اإلق��ت��ص��ادي��ة بعكس مايقول‬ ‫جوهر الفكر اإلشرتاكي يف دعم نضال الشعوب‬ ‫املقهورة‪ ،‬والذي هو سبب وجود دولة اإلحتاد‬


‫السوفييت‪ ،‬عندما بدأت املعارك من جديد يف‬ ‫كوردستان العراق بني النظام العراقي واحلركة‬ ‫التحررية الكوردية بقيادة احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني يف نيسان عام ‪ 1974‬إن اإلحتاد‬ ‫ً‬ ‫طبعا مل يقم بإجراء اإلتصاالت مع‬ ‫السوفييت‬ ‫احل��زب الدميقراطي الكوردستاني لتوحيد‬ ‫املواقف‪ ،‬بل أجرى اإلتصاالت مع النظام العراقي‬ ‫ً‬ ‫طبقا لنص اإلتفاقية‬ ‫لتوحيد املواقف‪ ،‬وذلك‬ ‫املوقعة بينهما عام ‪ ،1972‬عدا ذلك يف عام‬ ‫‪ 1974‬عمل يف ال��ع��راق اآلالف من اخل�براء‬ ‫السوفيت ومن ضمنهم خرباء عسكريون والذين‬ ‫كانوا جيلبون لإلحتاد السوفييت العملة الصعبة ‪.‬‬ ‫فأيهما فضل اإلحت��اد السوفييت امل��ب��ادىء أم‬ ‫املصاحل ؟‬ ‫كل األدلة واإلثباتات والوثائق اليت بني أيدينا‬ ‫تشري إىل أنه فضل املصاحل على املبادىء ‪.‬‬ ‫نص اللقاء مع الربوفيسور شاكرو‪:‬‬ ‫الربوفسور شاكرو غين عن التعريف هو رئيس‬ ‫القسم الكردي يف األكادميية العلمية ألرمينيا‬ ‫السوفيتية–كورديولوج‪-‬أخصائي يف شؤون‬ ‫كوردستان العراق‪ .‬وكان لنا معه اللقاء التالي‪:‬‬ ‫سؤال‪ :‬يف أواسط آذار عام ‪ 1988‬قام النظام‬ ‫العراقي بضرب مدينة حلبجة يف كوردستان‬ ‫ال��ع��راق بالسالح الكيمياوي و نتيجة لذلك‬ ‫استشهد ‪ 5000‬مواطن ك��وردي و أكثر من‬ ‫‪ 10000‬جريح و جلهم من النساء و االطفال و‬ ‫الشيوخ حيث ادان العامل هذا العمل اهلمجي لكن‬ ‫النظام العراقي الفاشي كرر استخدامه للسالح‬ ‫الكيمياوي يف ايلول من نفس العام و نتيجة‬ ‫لذلك تشرد اكثر من ‪ 100‬ألف مواطن كوردي‬ ‫و جلؤوا إىل تركيا و إيرا ن‪ ،‬كيف تفسرون عدم‬

‫تعليق و سكوت احلكومة والصحافة السوفياتية‬ ‫عن هذا احلدث؟‬ ‫اجلواب‪ :‬سأقول لكم موقفي‪ ،‬موقف الكوردي‬ ‫الذي و بال ادنى شك يتقاسم مصيبة شعبه‪،‬‬ ‫موقف امل���ؤرخ‪ ،‬موقف االخصائي بالشؤون‬ ‫الكوردية؛ ادين بشدة هذا العمل ان استخدام‬ ‫السالح الكيمياوي عمل وحشي و همجي وال‬ ‫يقوم بهذا العمل إال النظام املفلس متاما و‬ ‫املتجرد من كل االخالق و ليس عبثا مقارنة‬ ‫العامل حللبجة بهريوشيما و حتت يدي مواد‬ ‫و صور حول احلدث و عندما اتصفحها اشعر‬ ‫باهللع انه عار ليس فقط على النظام العراقي‬ ‫بل عار على البشرية املتحضرة مجعاء و اجزم‬ ‫بأن هذا حدث باتفاق العراق و تركيا ان تركيا‬ ‫بإستقباهلا لالجئني الكورد ارادت بذلك ان‬ ‫ختفف عن حليفتها العراق و من ناحية اخرى‬ ‫ارادت تركيا ان تظهر امام ال��دول االوربية و‬ ‫خاصة الربملان االوربي باملظهر االنساني حيث‬ ‫ادان الربملان االورب��ي النظام الرتكي اكثر من‬ ‫مرة بسبب سياسته املعادية للكورد يف تركيا‬ ‫لكن اجلميع يعلم بأن النظام الرتكي مل يسمح‬ ‫حتى للصليب االمح��ر الدولي و اية منظمة‬ ‫دولية اخرى بتقديم املساعدة لالجئني الكورد‪،‬‬ ‫أن تركيا تستمر بشكل او بآخر بإتباع سياسة‬ ‫صدام حسني وذلك عندما ميوت كل يوم االطفال‬ ‫الكورد من الربد و اجلوع‪ ،‬هذا ايضا جينوسايد‬ ‫أما فيما يتعلق بالصحافة السوفياتية‪ ،‬فأنا أنظر‬ ‫لسؤالكم بتحفظ و ارتياب إن القول بأن الصحافة‬ ‫السوفياتية مل تنشر عن املوضوع اي شئ هو‬ ‫جتن على احلقيقة‪ ،‬يف جريدة (األزفيستيا) نشر‬ ‫خرب صغري عن استخدام السالح الكيمياوي و‬ ‫‪151‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪152‬‬

‫نشرت ايضا عن الالجئني الكورد إىل تركيا لكن‬ ‫ما نشر ال يتوافق مع حجم احلدث اعتقد ان‬ ‫يف عصر الربيسرتويكا و التفكري اجلديد سيتم‬ ‫تاليف هذا التقصري و على الصحافة السوفيتية‬ ‫ان تهتم بشكل اكرب باملسألة الكوردية انا نفسي‬ ‫كتبت مقاال حول االحداث يف حلبجة يف جريدة‬ ‫(ري��ات��ازه)* *ريا ت��ازه‪ :‬جريدة نصف شهرية‬ ‫تصدر باللغة الكوردية و هي لسان حال احلزب‬ ‫الشيوعي ألرمينيا السوفياتية‬ ‫و كذلك املعلق السياسي املعروف ألكسندر‬ ‫بوفني ادار حلقة حول األح��داث و ساند فيها‬ ‫الشعب الكوردي يف هذه الساعة العصيبة‪ ،‬ان‬ ‫القول بأنه مل ينشر ش��يء عن املوضوع غري‬ ‫صحيح‪ ،‬لكن مانشر قليل وهذا التقصري غري‬ ‫مربر‪.‬‬ ‫س��ؤال‪ :‬بعد أح��داث حلبجة مت عقد مؤمتر‬ ‫صحفي يف مبنى وزارة اخلارجية السوفياتية‬ ‫و كذلك نشرت جريدة (الربافدا) خربا بعنوان‬ ‫«املوقف الصلب» حيث ادان فيه االحتاد السوفياتي‬ ‫استخدام السالح الكيمياوي‪ ،‬خالل سري احداث‬ ‫احلرب االيرانية‪-‬العراقية لكن (الربافدا) مل‬ ‫توضح من استخدم السالح الكيمياوي و ضد من‬ ‫استخدم هذا السالح‪ ،‬ماهو تعليقكم على هذا؟‬ ‫اجلواب‪ :‬بصراحة اتعجب من هذه التصرحيات‬ ‫مل��اذا ال نقول احلقيقة مباشرة؟ ان السالح‬ ‫الكيمياوي استخدم ضد الشعب الكوردي ضد‬ ‫االطفال و الشيوخ و النساء‪ ،‬ال أحد يستطيع‬ ‫ان ينكر حقيقة ان االحتاد السوفياتي يدعم‬ ‫و بشكل تقليدي النضال التحرري للشعب‬ ‫الكوردي‪ ،‬و لذلك اتعجب من بعض املوظفني‬ ‫الذين ال يقولون ما جيب ان يقال‪ ،‬ان دعم‬

‫الكورد ينبع من جوهر النظام السوفياتي‪ ،‬من‬ ‫جوهر السياسة السوفياتية حنن كورد األحتاد‬ ‫السوفياتي نتمتع مبا ال يتمتع به املاليني من‬ ‫شعبنا يف كوردستان يوجد مركز للدراسات‬ ‫الكوردية‪ ،‬ان حقيقة انكم جت��رون معي هذا‬ ‫اللقاء هو حبد ذات��ه تعبري عن دع��م الشعب‬ ‫السوفياتي لنضال الكورد‪ ،‬ان االحتاد السوفياتي‬ ‫يعرتف بالشعب الكوردي و حقوقه القومية و هو‬ ‫مهتم بأن حيصل هذا الشعب على كامل حقوقه‪،‬‬ ‫لكن مع كل اسف يوجد تهيب و وجل من هذه‬ ‫املسألة ال أستطيع ان اتفهمه اعتقد بأنه و مع‬ ‫التفكري اجلديد احلاصل عندنا من الضروري ان‬ ‫حتتل املشكلة الكوردية املكان الالئق و املناسب‬ ‫هلا يف سياسة دولتنا‪.‬‬ ‫سؤال‪ :‬ملاذا تغري موقف االحتاد السوفياتي من‬ ‫الثورة يف كوردستان العراق بعد توقيع اتفاقية‬ ‫الصداقة و التعاون مع العراق عام ‪ 1972‬مع‬ ‫العلم ان الثورة الكوردية جبوهرها و بقواها‬ ‫الفاعلة مل تتغري؟‬ ‫اجلواب‪:‬سؤالكم صحيح يف الستينات دعم‬ ‫االحت���اد السوفياتي ال��ك��ورد و بعدها اتسم‬ ‫املوقف السوفياتي بالفتور و هذا يتوافق مع‬ ‫حلول املراحل األوىل من عهد الركود السياسي‬ ‫يف االحتاد السوفياتي لقد حل برجيينف مكان‬ ‫خروتشوف ومن هنا بدأت االخطاء و اهلفوات يف‬ ‫السياسة اخلارجية ليس لدي تفسري آخر‪.‬‬ ‫س��ؤال‪ :‬لكن اح��داث حلبجة ليست يف عهد‬ ‫ال��رك��ود‪ ،‬بل يف عهد الربيسرتويكا و التفكري‬ ‫اجلديد‪ ،‬ماذا تقولون؟‬ ‫اجلواب‪ :‬الربيستوريكا و الشفافية و التفكري‬ ‫اجلديد ال يستطيعون تغيري السياسة بلحظة‬


‫و احدة‪ ،‬ال زالت هناك افكار متحجرة بنظرتها‬ ‫للقضية الكوردية النه ال يزال هناك اناس يف‬ ‫السلطة مذنبون اجتاه هذه القضية و ال يزال‬ ‫هلم تأثري‪ ،‬لكنين اعيد و اكرر بأن سياسة االحتاد‬ ‫السيوفياتي ال تستطيع ان تكون معادية للكورد‬ ‫و اكرب شاهد على ذلك وضع الكورد السوفيات‬ ‫يلزم بعض الوقت لتغيري السياسة الرمسية ان‬ ‫احلركة الكوردية هي حركة شعب مضطهد‬ ‫هي حركة دميقراطية هي حركة ذات مشارب‬ ‫شيوعية يف الشرق االوسط و االدنى و جيب ان ال‬ ‫ننسى هذا‪ ،‬جيب ان نكون اكثر تفاؤال باملستقبل‪،‬‬ ‫امتنى بأن حتظى املشكلة الكوردية مبكانتها‬ ‫الالئقة يف املستقبل يف الصحافة السوفياتية‪ ،‬ال‬ ‫يوجد اي شيء يربطنا بسياسة صدام حسني‬ ‫هذه السياسة غريبة عنا هذا هو رأيي الشخصي‪،‬‬ ‫حنن و جدنا يف انفسنا اجل��رأة يف حل مشاكل‬ ‫الشعوب الصغرية يف االحتاد السوفياتي و بذلك‬ ‫حرمنا اعدائنا من استغالهلا لصاحلهم لذلك‬ ‫حنن سنكتب عن االخطاء و سنصلح اخطائنا‬ ‫بأنفسنا‪ ،‬أمتنى ان تأخذ املشكلة الكوردية‬ ‫استحقاقاتها من قبل سياسة دولتنا و ذلك على‬ ‫ضوء التغيريات اجلارية عندنا‪.‬‬ ‫س���ؤال‪ :‬لقد مسعت م��ن بعض الشخصيات‬ ‫السوفياتية الرمسية بأن القضية الكوردية بال‬ ‫افاق مستقبلية‪ ،‬ما رأيكم بذلك؟‬ ‫اجل��واب‪ :‬القضية الكوردية ليست بال افاق‬ ‫بل ان الذي يعطي هذا التقييم هو بال افق‪ ،‬ال‬ ‫تستطيع ان ختلق وضعا مبجرد التفوه بكلمات‬ ‫غري مسؤولة و غري علمية ان الكورد موجودون‬ ‫و هم يناضلون و ال تستطيع ان تغري الوضع‬ ‫بكلمات ان حكمة اي مؤرخ‪ ،‬صحفي‪ ،‬سياسي و‬

‫كاتب تكمن يف ان يبين موقفه بشكل موضوعي و‬ ‫يتلمس مجيع جوانب القضية اليت هو بصددها‬ ‫ان الذي يعرف القضية الكوردية بشكل جيد‬ ‫ابدا اليستطيع القول بأن القضية الكوردية بال‬ ‫آفاق ان السنوات املتبقية من القرن العشرين‬ ‫ستسري حتت راية احلركة التحررية الكوردية‪،‬‬ ‫انا واثق من ذلك ان القضية الكوردية لن خترج‬ ‫من الساحة‪ ،‬اوال‪ :‬ألن عدد الكورد يف ازدي��اد‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ان الكورد يعيشون على ارضهم بتواصل‬ ‫و امتداد بغض النظر عن التقسيم و احلدود‬ ‫املوجودة‪ .‬ثالثا‪ :‬هناك ازدي��اد كبري يف الوعي‬ ‫السياسي للشعب الكوردي‪ ،‬بالوسائل العسكرية‬ ‫وبالسالح الكيمياوي الأحد يستطيع القضاء‬ ‫على الشعب الكوردي واألبعد من ذلك أنا واثق‬ ‫بأن حلبجة ستقوي نضال الكورد ضد نظام‬ ‫صدام حسني‪.‬‬ ‫شكراً على هذا اللقاء ‪.‬‬ ‫يريفان ‪7‬آذار ‪1989‬‬ ‫ً‬ ‫بدال عن اخلامتة‪:‬‬ ‫ه��ذا البحث ال��ذي ب�ين أيديكم ع��ب��ارة عن‬ ‫حماولة لتحليل مانشر يف الصحافة السوفيتية‬ ‫ح��ول األح���داث يف ك��وردس��ت��ان ال��ع��راق أع��وام‬ ‫‪1963/‬ـ‪ /1975‬يف مرحلة من مراحل نضال‬ ‫الشعب الكوردي بقيادة احل��زب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني بزعامة قائده مال مصطفى‬ ‫البارزاني ضد السلطات العراقية‪.‬‬ ‫بعد دراسة جمموعة من املواد اليت اخرتتها من‬ ‫مصادرها األساسية والوثائق باللغات ( الروسية‬ ‫والكوردية والعربية ) وامل��ق��االت والصحافة‬ ‫ال��دوري��ة واس��ت��ط�لاع��ات ال���رأي وامل��ق��اب�لات‬ ‫‪153‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪154‬‬

‫من بعض املختصني السوفيت ح��ول املسألة‬ ‫الكوردية‪ ،‬استطعنا لدرجة ما حتديد مسار‬ ‫أح��داث الثورة الكوردية ووضع جدول زمين‬ ‫لتسلسلها‪ ،‬وهذا ماجيعلنا نؤكد وبشكل أساسي‬ ‫أن جوهر وطبيعة الثورة الكوردية وقواها‬ ‫الفاعلة مل تتغري خالل أعوام ‪1963/‬ـ‪/1975‬‬ ‫ان الثورة كانت حتررية‪ ،‬وطنية‪ ،‬تقدمية منذ‬ ‫البداية وحتى النهاية‪.‬‬ ‫إن الشعب الكوردي ناضل يف سبيل حقه يف‬ ‫تقرير املصري‪ ،‬ومن أجل املساواة يف احلقوق مع‬ ‫العرب ضد السياسة الشوفينية للنظام العراقي‪.‬‬ ‫يف الفصل الثاني نوضح اهتمام الصحافة‬ ‫السوفيتية بالثورة الكوردية‪ ،‬وموقفها اإلجيابي‬ ‫منها يف السنوات السبع األوىل‪ ،‬حيث تقوم الصحف‬ ‫السوفيتية الرئيسية (برافدا*‪ ،‬ازفيستيا*)‬ ‫• ب��راف��دا (احلقيقة)‪ :‬لسان ح��ال اللجنة‬ ‫املركزية للحزب الشيوعي السوفييت‪.‬‬ ‫• ازفيستيا (األخ��ب��ار)‪ :‬لسان ح��ال جملس‬ ‫السوفيت األعلى يف عموم االحتاد السوفييت‪.‬‬ ‫بتكوين رأي ع��ام متعاطف وإجي��اب��ي لدى‬ ‫القارىء من القضية الكوردية‪ ،‬وتصور الكورد‬ ‫بأنهم مناضلون وطنيون وجيب دعم ثورتهم‬ ‫ألنهم أصحاب حق‪.‬‬ ‫إال أنه ويف بداية السبعينات من القرن العشرين‬ ‫تغري موقف الصحافة السوفيتية مئة ومثانون‬ ‫درج���ة وه���ذا يعين تغيري م��وق��ف احلكومة‬ ‫السوفيتية وهذا ماحبثناه بالتفصيل يف الفصل‬ ‫الثالث ونعيد التذكري بأن جوهر الثورة مل‬ ‫يتغري‪.‬‬ ‫ان حتليل األحداث التارخيية يف ذلك الوقت يف‬ ‫الشرق األوسط يظهر لنا مدى النفاق السياسي‬

‫للصحافة السوفيتية‪ ،‬وذلك برتجيحها احلسابات‬ ‫واملنافع الدنيئة على املبادىء اإلنسانية والعدالة‬ ‫وال�تي يعتربها األيديولوجيون الشيوعيون‬ ‫جوهر االشرتاكية !!!‬ ‫وم��ن املهم ج��داً أن ننوه ب��أن ه��ذا املوقف‬ ‫الالمبدئي يتكرر يف وقتنا احلاضر مع أن زمن‬ ‫الركود واخلمول السياسي يف االحتاد السوفييت‬ ‫قد وىل كما يقول أصحاب الربيسرتويكا‪.‬‬ ‫لننظر كيف انعكست املشكلة الكوردية يف‬ ‫الصحافة يف عصر الربيسرتويكا‪.‬‬ ‫يف أواس��ط آذار من العام ‪ 1988‬قام النظام‬ ‫العراقي بضرب املدينة ال��ك��وردي��ة حلبجة‬ ‫ً‬ ‫دوليا‪ ،‬حيث يعيش‬ ‫بالسالح الكيميائي احملرم‬ ‫السكان اآلمنون‪ ،‬ونتيجة هذا العمل الوحشي‬ ‫املنايف لكل القوانني الدولية واملبادىء االنسانية‬ ‫سقط مخسة آالف شهيد وأكثر من عشرة آالف‬ ‫جريح وأكثريتهم من النساء واألطفال والشيوخ‪.‬‬ ‫صحافة ال��ع��امل كله امل��ق��روءة واملسموعة‬ ‫واملرئية أوردت ه��ذه األنباء وبعض حمطات‬ ‫التلفزة الغربية بثت ريبورتاجاتها من موقع‬ ‫احلدث من مدينة حلبجة‪ ،‬وقامت بعض الدول‬ ‫باستقبال اجلرحى واملصابني‪ ،‬أم��ا الصليب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتعليقا‬ ‫متاما‪،‬‬ ‫غائبا‬ ‫األمحر السوفييت فكان‬ ‫على ه��ذا احل���دث األل��ي��م ورد خ�بر صغري يف‬ ‫جريدة (ب��راف��دا) بعنوان‪« :‬املوقف الصلب»‬ ‫حيث يشري اخلرب بأنه وخالل جمريات أحداث‬ ‫احلرب العراقية ـ اإليرانية مت استخدام األسلحة‬ ‫الكيميائية‪ ،‬أما من قام باستخدام هذه األسلحة‬ ‫احملرمة ً‬ ‫دوليا وضد من استخدمت فان (برافدا)‬ ‫مل تأت على ذكره ولو بكلمة واحدة!! واألنكى‬ ‫من ذلك عندما قام النظام العراقي يف أيلول‬


‫من نفس العام ‪ /1988/‬باستخدام األسلحة‬ ‫الكيميائية واليت بنتيجتها جلأ أكثر من مائة‬ ‫ألف مواطن كوردي إىل تركيا وإيران ً‬ ‫هربا من‬ ‫اإلبادة‪.‬‬ ‫لقد أدان العامل كله هذا العمل الوحشي ضد‬ ‫السكان الكورد املساملني‪ ،‬أما جريدة (برافدا)‬ ‫ويف عددها الصادر يف ‪ 11‬أيلول عام ‪1988‬‬ ‫فقد نشرت خ�براً صغرياً ملراسلها (ف‪ .‬كان)‬ ‫من واشنطن بعنوان «الضغط على العراق «‬ ‫لودققنا ً‬ ‫قليال يف العنوان وماحيتويه من معنى‬ ‫نصل لنتيجة مفادها بأن هناك من يضغط‬ ‫على النظام العراقي املسامل ال لشيء ارتكبه‬ ‫ً‬ ‫كرها به‪ ،‬أما اخلرب فيقول‪« :‬ان‬ ‫النظام‪ ،‬وإمنا‬ ‫(األخ�ل�اق العالية) لواشنطن وال�تي متيزها‬ ‫عن العامل‪ ،‬وعند مراجعتها‪ ،‬ماهي إال نفاق‬ ‫سياسي‪ ،‬لقد وافق جملس الشيوخ يف الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية وباإلمجاع بفرض العقوبات‬ ‫ً‬ ‫متهما إياه (باخلرق‬ ‫االقتصادية على العراق‬ ‫الفاضح للقوانني الدولية )‪».....‬‬ ‫لو أمعنا النظر يف معاني الكلمات املوضوعة بني‬ ‫هاللني من قبل جريدة برافدا‪ ،‬وبنربة وصيغة‬ ‫إيصال اخلرب الكتشفنا بوضوح تام كيف حتاول‬ ‫(برافدا) الدفاع عن النظام العراقي الفاشي‪،‬‬ ‫ويستمر اخل�بر فيقول‪« :‬مب��اذا أغ��اظ العراق‬ ‫جملس الشيوخ؟ احلديث يدور بإختصار حول‬ ‫ورود أخبار مبهمة وغامضة للغاية‪ ،‬والقائلة‬ ‫بأن العراق استخدم م��واداً سامة يف عملياته‬ ‫احلربية ضد املنتفضني الكورد‪ ،‬إن هذه األخبار‬ ‫تعتمد على مشاهدة بعض الكورد اهلاربني»‪.‬‬ ‫إن األخبار «املبهمة والغامضة للغاية « على‬ ‫لسان (برافدا) ماهي إال أخبار خمتلف وسائل‬

‫اإلعالم و وكاالت األنباء العاملية أي أن العامل كله‬ ‫خمطىء ومضلل‪ ،‬وفقط جريدة (برافدا) تقول‬ ‫احلقيقة !‬ ‫ان «بعض الكورد اهلاربني «حسب قول برافدا‬ ‫يفوق عددهم يف الواقع على املائة ألف نسمة‪،‬‬ ‫لكن املسألة هنا ليست يف األرقام بل يف املبادىء‪.‬‬ ‫عندما حتضر امل��ص��احل اإلقتصادية تغيب‬ ‫املبادىء اإلنسانية‪ ،‬عن أية بريسرتويكا ميكننا‬ ‫التحدث؟!!‬ ‫يف اإلحتاد السوفييت ينسبون مجيع املظاهر‬ ‫السلبية يف طبيعة اإلن��س��ان م��ن سياسية‬ ‫وإج��ت��م��اع��ي��ة وإق��ت��ص��ادي��ة إىل ال��رأمس��ال��ي��ة‪،‬‬ ‫وحيضرني اآلن عنوان أحد أعمال لينني «كذب‬ ‫الرأمسالية الوقح»‪ ،‬أال ينطبق الكذب الوقح‬ ‫على النظام اإلشرتاكي السوفييت يف موضوعنا‬ ‫هذا؟!!!‬ ‫نشرت جريدة (كومونيست)* *كومونيست‪:‬‬ ‫لسان حال اللجنة املركزية للحزب الشيوعي يف‬ ‫أرمينيا السوفيتية (تصدر باللغة الروسية)‪.‬‬ ‫يف ع��دده��ا ال��ص��ادر بتاريخ ‪/16/‬حزيران‬ ‫‪ /1963/‬بيان لوكالة األنباء السوفيتية «تاس»‬ ‫يقول نص البيان‪« :‬يف العاشر من حزيران بدأت‬ ‫احلكومة العراقية بأعمال حربية ضد الشعب‬ ‫ال��ك��وردي‪ ....‬ولكي تربر قيامها بهذه األعمال‬ ‫الوحشية وحماولة تضليل ال��رأي العام تؤكد‬ ‫بغداد بأن للكورد أهداف انفصالية‪ ،‬وحياولون‬ ‫تقسيم ال��دول��ة العراقية‪ ،‬مت��ارس احلكومة‬ ‫العراقية سياسة اإلب��ادة يف كوردستان و اليت‬ ‫تتناقض مع أبسط حقوق اإلنسان‪ ،‬وميثاق‬ ‫منظمة األمم املتحدة‪ ،‬إن كل إنسان ذو ضمري‬ ‫حي يف العامل وكل ال��دول اليت حترتم مبادىء‬ ‫‪155‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪156‬‬

‫األم��م املتحدة التستطيع إال أن ترفع صوتها‬ ‫ً‬ ‫إحتجاجا على املمارسات الوحشية للحكومة‬ ‫العراقية احلالية جتاه الشعب الكوردي»‪.‬‬ ‫إذا قارنا ما ورد أعاله يف جريدة كومونيست‬ ‫وم��ا ورد يف غ�يره��ا خ�لال تلك احلقبة من‬ ‫التاريخ‪ ،‬وماتالها بعد (‪ )20-10‬سنة نرى‬ ‫بأن الكورد حتولوا وحسب الصحافة السوفيتية‬ ‫من مناضلني اىل متطرفني‪ ،‬وم��ن مطالبني‬ ‫حلقوقهم املشروعة إىل إنفصاليني إىل‪..‬إخل من‬ ‫النعوت والصفات السلبية‪.‬‬ ‫أمتنى أن أكون قد استطعت إبراز بعض األسباب‬ ‫اليت أدت إىل تغيري املوقف السوفييت من القضية‬ ‫الكوردية‪ ،‬و إذا أسقطنا احلالة الكوردية على‬ ‫قضايا بعض الشعوب األخرى‪ ،‬نرى املوقف ذاته‪،‬‬ ‫حيث ال تنفعنا ال الرأمسالية و ال اإلشرتاكية‪ ،‬ألن‬ ‫املصاحل الدولية هي اليت تفعل فعلها‪ ،‬وليس لنا‬ ‫إال شعبنا‪ ،‬ألنه وكما يقول املثل الكوردي‪« :‬الحيك‬ ‫جلدك سوى ظفرك»‪.‬‬

‫مصادر البحث ‪:‬‬ ‫ــ آشرييان ‪ :‬احلركة القومية الدميقراطية يف كوردستان‬ ‫العراق أعوام (‪1961‬ـ ‪ )1968‬موسكو ‪. 1975‬‬ ‫ـ��ـ ي‪ .‬دمي��ج��ن��ك��و‪ :‬ك��وردس��ت��ان ال��ع��راق يف ال��ن��ار ‪،‬‬ ‫موسكو‪. 1963‬‬ ‫ـ��ـ ال�بروف��س��ور ش��اك��رو حم��و‪ :‬مشكلة احلكم الذاتي‬ ‫للشعب الكوردي يف اجلمهورية العراقية أعوام (‪1970‬‬ ‫ـ ‪ ،)1978‬يريفان ‪.1977‬‬ ‫ــ القاموس الدبلوماسي‪ ،‬موسكو ‪ ،1986‬اجلزء الثالث‬ ‫ص‪.171‬‬ ‫ــ الصحافة السوفيتية الدورية‪.‬‬ ‫ــ جماة (نيديليا) (األسبوع) العدد ‪ 25‬عام ‪،1963‬‬ ‫مقال بعنوان ( هليب احلرب خييم على كوردستان)‪.‬‬ ‫ــ الدستور املؤقت جلمهورية العراق عام ‪. 1958‬‬ ‫ـ��ـ ق���رارات اإلجتماع امل��وس��ع للحزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني املنعقد يف تشرين األول عام ‪. 1958‬‬ ‫ــ بيان للسلطات العراقية بتاريخ ‪ 10‬حزيران ‪1963‬‬ ‫ــ بيان لفرع أوروبا للحزب الدميقراطي الكوردستاني‬ ‫‪ 1 ،‬أيلول ‪( 1972‬باللغة العربية)‪.‬‬ ‫ــ جريدة (أزفيستيا) ‪ 12 ،‬حزيران ‪ ،1963‬ك‪.‬‬ ‫فيشنيفسكي ‪ :‬الكفاح العادل للكورد‪.‬‬ ‫ــ جريدة الربافدا ‪ 10 :‬متوز ‪(1963‬نص مذكرة‬ ‫احلكومة السوفيتية املوجه‬ ‫للحكومات األربعة ‪ ،‬اليت تقتسم بلدانها كوردستان ‪،‬‬ ‫وقد مت نشر املذكرات‬ ‫حتت عنوان ‪( :‬جيب وضع حد للتدخل اخلارجي يف‬ ‫أحداث مشال العراق)‪.‬‬ ‫ــ الربافدا‪ 13 :‬شباط ‪ 1964‬تعليق للمراسل ( يفغيين‬ ‫برمياكوف) بعنوان ‪( :‬القرار احلكيم)‪.‬‬ ‫ــ الربافدا‪ 13 :‬أيار ‪ 1965‬خرب بعنوان ( إنعطاف‬ ‫خطري لألحداث يف العراق)‪.‬‬ ‫ــ جريدة (سوفيتسكايا روسيا) ‪ 21‬كانون الثاني‬


‫‪( ،1966‬معارك يف كوردستان العراق)‬ ‫ــ جريدة (كومسومولسكليا برافدا) ‪ 14‬متوز ‪،1966‬‬ ‫تعليق لـ ‪(:‬أ‪.‬غريشفيا)‪( :‬لصاحل العرب والكورد)‪.‬‬ ‫ــ جريدة (سوفيتسكايا روسيا) ‪ 25‬تشرين الثاني‬ ‫‪، 1964‬تعليق للمراسل (ب‪.‬دميجنكو) بعنوان رئيسي‬ ‫‪(:‬طريق احلل السلمي ) ‪ ،‬وعنوان فرعي‪( :‬الوضع يف‬ ‫مشال العراق)‪.‬‬ ‫ــ جريدة الربافدا‪ 1 :‬أيلول ‪ ،1968‬ريبورتاج مصور‬ ‫بعنوان (يف مشال العراق) للمراسل يفغيين برمياكوف‪.‬‬ ‫ـ��ـ ال�براف��دا ‪ 7‬أي��ل��ول ‪ ،1968‬حتقيق ل��ـ ‪ :‬يفغيين‬ ‫برمياكوف بعنوان ‪(:‬الطريق تؤدي إىل السماء)‪.‬‬ ‫ــ الربافدا ‪ 5‬نيسان ‪ ،1969‬مقال بعنوان ‪(:‬إقامة‬ ‫اجلبهة الوطنية)‪.‬‬ ‫ــ الربافدا ‪ 13‬آذار ‪،1970‬جمموعة من األخبار حتت‬ ‫عنوان ‪( :‬العراق‪:‬إتفاق حول تسوية املشكلة الكوردية)‪.‬‬ ‫ــ الربافدا ‪ 16‬آب ‪ ،1971‬رسالة اللجنة املركزية‬ ‫للحزب الشيوعي السوفييت إىل اللجنة املركزية للحزب‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني بعنوان‪(:‬إىل اللجنة املركزية‬ ‫للحزب الدميقراطي الكوردستاني العراق)‪.‬‬ ‫ـ��ـ ال�براف��د ‪ 31‬تشرين األول ‪ ،1972‬حتقيق من‬ ‫بغداد للمراسلني ‪ (:‬ف‪.‬نيكراسوف ــ ب‪.‬ارخي��وف��ا)‬ ‫بعنوان‪(:‬العراق بلد يتحرك)‪.‬‬ ‫ــ الربافدا ‪ 10‬آذار ‪ ،1973‬حتقيق للمراسل يفغيين‬ ‫برمياكوف بعنوان ‪(:‬الربيع يف العراق)‪.‬‬ ‫ــ الربافدا ‪ 26‬آذار ‪،1974‬معلومات بعنوان‪( :‬معارك‬ ‫حربية يف مشال العراق)‪.‬‬ ‫ال�براف��دا ‪ 14‬أي��ار ‪ ،1974‬مقال لـ‪(:‬ب‪.‬نادجدين)‬ ‫بعنوان ‪ ( :‬املعارك الدائرة يف مشال العراق)‪.‬‬ ‫ــ بيان لفرع أوروبا للحزب الدميقراطي الكوردستاني‬ ‫‪ 4 :‬كانون الثاني ‪ ( 1974‬باللغة العربية)بعنوان‪( :‬نداء‬ ‫إىل الرأي العام العاملي واألوروبي)‪.‬‬ ‫ــ بالغ احلزب الدميقراطي الكوردستاني ‪ 10‬كانون‬ ‫الثاني ‪ 1974‬موقع بإسم املكتب السياسي (باللغة‬ ‫العربية)‪.‬‬

‫ــ جريدة أزفيستيا ‪ 14‬آذار ‪ ،1975‬خربلوكالة(تاس)‬ ‫السوفيتية يف بغداد بعنوان‪(:‬من أجل متتني الوحدة)‪.‬‬ ‫ــ برافدا ‪ 11‬أيلول ‪ ، 1988‬خربللمراسل‪(:‬ف‪.‬كان)‬ ‫من واشنطن بعنوان (الضغط على العراق)‪.‬‬ ‫ــ جريدة كومونيست ‪ :‬لسان حال اللجنة املركزية‬ ‫للحزب الشيوعي يف أرمينيا السوفيتية(تصدر باللغة‬ ‫الروسية) ‪ 16‬حزيران ‪ ،1963‬بيان لوكالة ( تاس )‬ ‫السوفيتية‪.‬‬

‫‪157‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪158‬‬

‫كوردستانية خانقني حقيقة يبصم لها التاريخ‬ ‫عزيز ياور‬


‫ان حت��اول الربهنة على صحة قضية ‪ ،‬او‬ ‫اظهار حقيقة يلفها الغموض ويعرتيها الشك ‪،‬‬ ‫اسهل عندي احيانا من اظهارها وهي ناصعة‬ ‫ال لبس فيها وال غموض ‪ .‬واملثال على ذلك هو‬ ‫ما حنن بصدده يف موضوعنا هذا‪ ،‬اي حقيقة‬ ‫كوردستانية خانقني ‪ ،‬تلك احلقيقة اليت‬ ‫حاول الشوفينيون مبختلف انتمائاتهم تزييفها‬ ‫وتشويهها الهداف كانت على النقيض من حقوق‬ ‫الكورد ‪ ،‬واستمروا يف ذلك ومتادوا حتى احلقوها‬ ‫بوالية بغداد يف العهد العثماني ‪ .‬ثم مبحافظة‬ ‫دياىل بعد تأسيس الدولة العراقية عام ‪1921‬م‬ ‫‪ ،‬وهي على ذلك املنوال اىل يومنا هذا ‪.‬‬ ‫من البديهي ان جتعلنا هذه الرؤية خمالفني‬ ‫للقاعدة ‪ ،‬وخارجني عن منطق االكثرية ‪ ،‬ولكن‬ ‫خمالفتنا تلك من عدمها ‪ ،‬ال تؤثر يف ثباتها ‪ ،‬فهي‬ ‫رؤية تالزمنا باستمرار وال تفارقنا ‪ .‬فضال عن‬ ‫انها ليست طارئة او تراودنا من غري سبب ودون‬ ‫علة ؛ بل قائمة يف ذاتنا ‪ ،‬وحاضرة ‪ ،‬كلما حاولنا‬ ‫ان نطرق باب املوضوع واالستشهاد حبجج وادلة‬ ‫تثبت كوردستانية خانقني ال�تي يتجاهلها‬ ‫العنصريون قصداً ‪ .‬ومتى ما تسلحنا بها وحاولنا‬ ‫املواجهة ‪ ،‬زادت قناعتنا بان تلك احمل��اوالت‬ ‫الخترج عن اطار ردود افعال بوجه ظلم طال‬ ‫الكورد من غري حق ‪ .‬واال ف��ان كوردستانية‬ ‫خانقني كحقيقة تغنينا عن كل دليل وبرهان‬ ‫‪ ،‬وهي فراداً كانت او جمتمعة ‪ ،‬ستظل عاجزة‬ ‫عن اضافة شيء اىل املوضوع ‪ ،‬سوى االستمرار‬ ‫يف التكرار اململ وال��دوران حول ذات احمل��ور ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الفاظا هزيلة ‪ ،‬عقيمة‬ ‫لتصبح يف نهاية املطاف‬ ‫‪ ،‬مرتحنة امام عظمة تلك احلقيقة ومشوخها ‪،‬‬ ‫حقيقة كوردستانية خانقني ‪ .‬هكذا نراها طاملا‬

‫كانت تطالبنا اخضاع البديهيات اىل التجربة !‬ ‫بهذه الرؤية فان القضية عندما تعلن عن‬ ‫نفسها ‪ ،‬ترفض األحكام الرتكيبية ‪ ،‬وتلزمنا ان‬ ‫خنضعها ألحكام حتليلية ‪ ،‬ذلك الن كوردستانية‬ ‫خانقني كموضوع وحم��م��ول الخي��رج��ان عن‬ ‫نتيجة حتصيل احلاصل فتغدو االدلة والرباهني‬ ‫تائهة حائرة ال تفيد يف كشف جديد ‪ ,‬وما هي‬ ‫سوى تعريفات لفظية ملدلول ومسمى واحد هو‬ ‫كوردستانية خانقني ‪ .‬وحتى لو سلمنا جدال‬ ‫(رغم رؤيتنا تلك) بضرورة التذكري لتأكيد‬ ‫تلك احلقيقة ‪ ...‬فانها باعتقادنا ولالسباب‬ ‫املذكورة الخترج عن اطار االعادة والتكرار ‪ ،‬او‬ ‫انها يف احسن االحوال تدخل ضمن دائرة االمر‬ ‫الواقع ال��ذي يفرض ان نسلك طريقا نهايته‬ ‫هي ذات البداية ‪ .‬مع ذلك فلو اقحمنا املوضوع‬ ‫فاننا سنختار زوايا صغرية وابواب غري مطروقة‬ ‫خمتلفة عن املألوف واملتداول ‪ ،‬وهي وان كانت‬ ‫صغرية يف مساحاتها اال انها عميقة يف دالالتها‬ ‫ومعانيها ‪ .‬وب��اي استدالل حنكم عليها فانها‬ ‫تفضي اىل ذات النتيجة ( خانقني كوردستانية‬ ‫) ‪ .‬وهي احلقيقة اليت تعرضت اىل حماوالت‬ ‫االغتيال طوال قرون من الزمن ‪.‬‬ ‫* خانقني ضمن والي��ة بغداد ‪ ...‬الصورة‬ ‫والداللة ‪:‬‬ ‫ج��غ��راف��ي��ة وت���اري���خ خ��ان��ق�ين وم�لاحم��ه��ا‬ ‫الطوبوغرافية والدميوغرافية ‪ ،‬من ابسطها‬ ‫اىل اكثرها تعقيداً تنادي مجيعها حبقيقة‬ ‫كوردستانية هذه املدينة ‪ ،‬وتؤكد عليها ‪ .‬فبغض‬ ‫النظر عن اجلوانب النظرية ‪ ،‬او الدراسات‬ ‫السوسيولوجية واالثنوغرافية ‪ ،‬فان اي باحث‬ ‫ميداني يعيش واق��ع املدينة باحاسيسه او‬ ‫‪159‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪160‬‬

‫ببعضها ‪ ،‬سيعي بكل بساطة ان كوردستانية‬ ‫خانقني حقيقة ال تقبل الشك ‪ .‬وسيؤمن بان‬ ‫عجز سنوات التعريب الطويلة عن تغيري روحها‬ ‫الكوردستانية امنا الصالتها وجلذورها اليت‬ ‫ضربت يف عمق التاريخ ‪.‬‬ ‫تعرضت كوردستانية خانقني باستمرار‬ ‫اىل حم��اوالت املصادرة والتشويه من االنظمة‬ ‫اليت تعاقبت على حكم العراق ‪ .‬ورغ��م قدم‬ ‫تلك احملاوالت اال انها بدأت رمسيا بعد صدور‬ ‫التنظيمات االدارية للدولة العثمانية املقرتنة‬ ‫مبرسوم (كلخانة) الشهري عام ‪1839‬م ‪ ،‬حيث‬ ‫حاجة الدولة الدارة مدنها واص�لاح شؤونها‬ ‫بتقسيمات اداري��ة وفقا للقوانني االوربية (‬ ‫سيما الفرنسية ) اليت اعتمدها العثمانيون‬ ‫‪ .‬فتم رسم حدود والية بغداد لتجاورها من‬ ‫الشمال والية املوصل اليت تشكل سلسلة جبال‬ ‫ً‬ ‫محرين ح��داً‬ ‫طبيعيا فاصال بينهما ‪ ،‬ومن‬ ‫الشرق بالد فارس اما جنوبها الشرقي فوالية‬ ‫البصرة ‪ ،‬ومن اجلنوب الغربي فبادية الشام‬ ‫‪ .‬يف حني حتدها من الغرب متصرفية دير‬ ‫الزور واقسام من بادية الشام ‪ .‬لتصل مبساحتها‬ ‫الكلية اىل (‪ )141 /200‬كيلومرت مربع ‪ .‬ورغم‬ ‫االختالف الكبري والفرق الواضح بني دميغرافية‬ ‫خانقني ومتيزها عن مدن والية بغداد ‪ ،‬اال انها‬ ‫وفق تلك التقسيمات اجتازت جبال محرين‬ ‫واحلقت مرغمة ببغداد يف حني ان املنطق‬ ‫يفرض ان تكون ضمن ادارة كوردستان ( والية‬ ‫املوصل ) مع اخواتها املدن الكوردية االخرى ‪.‬‬ ‫كل ذلك ملوقعها املؤثر ودورها يف حسم الكثري‬ ‫م��ن ال��ص��راع��ات ال��دائ��رة ب�ين املتنافسني يف‬ ‫املنطقة ‪ .‬فأهمية املدينة من النواحي السياسية‬

‫والعسكرية واالقتصادية ‪ ،‬اصبحت جمتمعة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫اسرتاتيجيا شغلت احلكومات املتعاقبة‬ ‫هدفا‬ ‫باستمرار ‪ ،‬فجلبت هلا والهلها اخلراب والويالت‬ ‫ال�تي استمرت تداعياتها حتى يومنا ه��ذا ‪.‬‬ ‫ومصريها معلق بني اروقة دوائر املادة ‪140‬‬ ‫دون حل حقيقي ‪ ،‬رغم التبجحات اليت نسمعها‬ ‫عن حقوق االنسان وسيادة القانون والفدرالية‬ ‫والشراكة ‪.‬‬ ‫استناداً اىل الصفحة املرقمة (‪ )184‬من‬ ‫سالنامة والي��ة بغداد لسنة ‪1325‬هجرية‬ ‫(‪1907‬م) ‪ ،‬فان نفوس هذه الوالية يف تلك السنة‬ ‫بلغ (‪ )1/300/000‬نسمة اغلبهم من العرب‬ ‫يليهم الكورد ومن ثم االتراك واقوام اخرى ‪.‬‬ ‫وال احسب ب��ان اي متابع سيشك مبصداقية‬ ‫هذه املعلومة اليت اوردتها السالنامة من حيث‬ ‫تصنيف الكورد كثاني اكرب قومية يف الوالية ‪ ،‬الن‬ ‫الرابطة االسالمية اليت تبنتها الدولة العثمانية‬ ‫‪ ،‬اقتنعت باحتواء قوميات مسلمة غري تركية ‪،‬‬ ‫وهي ختضع للوائها يف نهجها االسالمي وسيادة‬ ‫اللغة الرتكية ‪ .‬اما خارج اطار تلك القناعة فان‬ ‫اي��ة قومية او طائفة غري تركية ستتعرض‬ ‫اىل احلساب وفق بنود سلطة السلطان وقوتها‬ ‫املستمدة من السماء ‪ .‬لذلك الميكن التشكيك‬ ‫ً‬ ‫اساسا بابسط حقوق‬ ‫بتقرير سلطة التعرتف‬ ‫الكورد ‪ ،‬وحتاول التعتيم على هويتهم وتهديد‬ ‫وجودهم السياسي والثقايف ‪ ،‬بل وكل مفاصل‬ ‫حياتهم املادية واملعنوية ‪ .‬ومع ذلك تقر بانهم‬ ‫من حيث النفوس يشكلون القومية الثانية‬ ‫بعد العرب يف والية بغداد ‪ .‬وهذا ما يستوجب‬ ‫التوقف والتأمل للوصول اىل املعطيات اليت‬ ‫فرضت هذا الواقع ‪ .‬يف حني ان القسم االعظم‬


‫من مدن وسناجق والية بغداد هي ذات اغلبية‬ ‫عربية وتقع يف وسط العراق بل تتوسع جنوبا‬ ‫لتصل اىل مدينة السماوة ‪ ،‬فيفرتض خلصوصية‬ ‫املنطقة ان ميثل االتراك القومية الثانية فيها‬ ‫وليس ال��ك��ورد ‪ .‬ذل��ك الن ال��دول��ة العثمانية‬ ‫وعلى مدى حنو اربعة قرون من حكم العراق‬ ‫جلبت االالف من العوائل الرتكية للسكن يف هذه‬ ‫الوالية ‪ ،‬ونقلت اليها اعداداً مؤثرة الدارة شؤون‬ ‫الدولة املدنية والعسكرية ومؤسساتهما ‪ .‬ومثلها‬ ‫من املوظفني واملعلمني واملدرسني للعمل يف‬ ‫املدارس واملعاهد والكليات املدنية والعسكرية‬ ‫‪ ،‬وامل��ؤس��س��ات املهنية ‪ ،‬وامل��ئ��ات م��ن الضباط‬ ‫واضعافها من املراتب العسكرية وعوائلها اىل‬ ‫بغداد حيث مركز اجليش السادس العثماني ‪.‬‬ ‫هذا فضال عن عوائل كانت تسكن الوالية اصال‬ ‫أو هاجرت اليها بعد الغزو العثماني للعراق ‪ .‬ثم‬ ‫فان سيادة لغة السلطة (الرتكية) على املنطقة‬ ‫لفرتة طويلة اثرت كثرياً يف لغة وثقافة اعداد‬ ‫كبرية من العوائل غري العربية فهجرت لغاتها‬ ‫ودخلت حتت لواء قوم السلطة ولغتها ‪.‬‬ ‫اذا ما صادف واطلع القارىء الكريم على‬ ‫املنجز املوسوم ( االدارة العثمانية يف والية بغداد‬ ‫‪ )1917-1869‬ملؤلفه الدكتور مجيل موسى‬ ‫النجار وركز على الصفحتني ( ‪ 105‬و‪) 106‬‬ ‫فانه سيقف على قراءة مغايرة لقراءتنا اليت‬ ‫توافق السالنامة يف هذا املوضوع ‪ .‬والسبب يف‬ ‫ذلك كما يبدو هو ان الدكتور النجار اعتمد يف‬ ‫قراءته تلك على مصادر الباحثني االجانب‬ ‫واملستشرقني الذين جابوا املنطقة ‪ ،‬ومل يعتمد‬ ‫(قصدا او دون قصد) سالنامات والية بغداد ‪.‬‬ ‫فجاءت رؤيته وقراءته خمالفة ليست لرؤيتنا‬

‫فحسب بل لواقع احل��ال ً‬ ‫ايضا وال��ذي دونته‬ ‫السالنامة ‪ .‬فكان طبيعيا ان يصنف قوميات‬ ‫الوالية من حيث عدد نفوسها وتواجدها على‬ ‫النحو االتي ‪ ( :‬سكان والية بغداد كانوا ‪ -‬يف فرتة‬ ‫البحث ‪ -‬يتألفون من العرب والرتكمان واالكراد‬ ‫والفرس والغالبية العظمى من السكان كانت‬ ‫من العرب ‪ .‬اما اقليات السكان اليت احتفظت‬ ‫بسماتها وكونت جمتمعات عرقية مستقلة فكان‬ ‫منها الرتكمان وانتشروا يف قرى ومدن الوالية‬ ‫الشرقية وكان الفرس من اجلاليات اليت عاشت‬ ‫يف مدينة بغداد ومدن العتبات املقدسة االربع‬ ‫‪ ،‬الكاظمية وسامراء والنجف وكربالء ‪ .‬اما‬ ‫االقلية الكوردية فعلى الرغم من ان مناطق‬ ‫توطنها كانت ترتكز يف كوردستان فان كثريا‬ ‫منهم قد هاجر طلبا للرزق اىل بغداد وغريها‬ ‫من مدن الوالية ) ‪.‬‬ ‫اكاد ان اكون واثقا بان الدكتور النجار‬ ‫سيوافقين ال��رأي ‪ ،‬على ان سالنامات الوالية‬ ‫اليت اضطلعت مبهمة االحصاء وتوثيق شؤون‬ ‫الدولة وامورها االداري��ة املختلفة ‪ ،‬هي االكثر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقربا اىل احلقيقة من غريها من املصادر‬ ‫دقة‬ ‫‪ ،‬سيما يف موضوع كالذي حنن بصدده ؛ كونها‬ ‫وث��ائ��ق رمس��ي��ة تعتمدها ال��دول��ة والختضع‬ ‫معلوماتها اله��واء شخصية او ت��اث�يرات فئة‬ ‫معينة يف تلك الفرتة على االقل ‪ ،‬حيث يشرف‬ ‫على حتريرها احد كبار موظفي الدولة يطلق‬ ‫عليه (ركن الوالية ) ويعني من قبل احلكومة‬ ‫املركزية يف استنبول ‪ .‬وهو املسؤول عن مهمة‬ ‫حفظ املراسالت الرمسية ‪ .‬ومن واجباته ً‬ ‫ايضا‬ ‫االش��راف على ( مطبعة الوالية ) وااله��م من‬ ‫ذلك اصدار التقارير السنوية اليت عرفت ب (‬ ‫‪161‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪162‬‬

‫السالنامة ) مهامها تدوين كل ما يتعلق بالوالية‬ ‫من معلومات ‪ .‬هذه احلقائق اذن تفرض علينا‬ ‫ان نبحث عن االسباب اليت وضعت الكورد من‬ ‫حيث نفوسهم يف املرتبة الثانية بعد القومية‬ ‫العربية ( حسب السالنامة )‪ .‬متفوقني بذلك‬ ‫على الرتكمان واالقليات االخرى ‪.‬‬ ‫للوقوف على تلك االسباب ‪ ،‬فان املسألة‬ ‫ويف مجيع جوانبها ترفض السري سوى يف اجتاه‬ ‫واح��د ‪ ،‬وه��و اإلجت��اه ال��ذي ي��ؤدي اىل مدينة‬ ‫خانقني وناحيتيها ( بنكورة) و (قزربات )‬ ‫والقرى والقصبات التابعة هلما ‪ .‬وبغري هذا‬ ‫اإلجتاه سنبعد املوضوع عن حقيقته ‪ .‬وبعيداً‬ ‫عن التعقيد واالجن���رار وراء العاطفة فاننا‬ ‫ازاء صورة واضحة املعامل ‪ ،‬سهلة القراءة ‪ .‬أما‬ ‫عناوينها فتنطق وتؤكد على ان حضور سكان‬ ‫خانقني الكورد يف الوالية هو الذي احدث الفارق‬ ‫‪ ،‬ولوالهم ملا كانت املعادلة بتلك الصورة ‪ .‬وجيب‬ ‫هنا ان الننسى قضاء مندلي الكوردستانية‬ ‫‪ ،‬ذات االغلبية الكوردية فهي اضافة مؤثرة‬ ‫لكورد الوالية ‪ .‬وبعبارة اخرى فانه الميكن ان‬ ‫نتصور النتيجة ذاتها وخانقني خارج والية‬ ‫بغداد ‪ .‬فلو امعنا النظر يف دميغرافية مدن‬ ‫والية بغداد ( اجلدوالن رقم‪1‬ورقم ‪ )2‬المكن‬ ‫تصور النتيجة احلتمية اليت ستؤول هلا املنافسة‬ ‫‪ .‬واليت تؤدي اىل قراءة واحدة وهي ‪ :‬لوال كورد‬ ‫خانقني بالدرجة االساس ‪ ،‬فان الساكنني منهم‬ ‫يف مدن الوالية االخرى الميكنهم لوحدهم تبؤ‬ ‫املركز الوصيف من حيث عدد النفوس ‪ .‬وهذه‬ ‫النتيجة االستنباطية التقبل الشك النها تاتي‬ ‫وفق مقدمات صادقة مل نتدخل يف صياغتها‬ ‫‪ .‬وال ميكن اعتبارها اال دليال على كوردستانية‬

‫خانقني ‪ .‬وما يؤكدها هي ذات السالنامة اليت‬ ‫وثقت املعلومة ال�تي ذكرناها‪ .‬حيث ج��اء يف‬ ‫صفحتها ‪ 243‬على ان القسم االعظم من سكان‬ ‫خانقني هم اكراد ‪.‬‬ ‫ولتوضيح املشهد بشكل افضل ندون هنا‬ ‫أقضية والية بغداد كما ذكرتها السالنامة عام‬ ‫‪1325‬هجرية ‪ .‬حيث صنفت لدرجات ثالث ‪:‬‬ ‫اوىل ‪ ،‬ثانية ‪ ،‬ثالثة ‪ .‬وميكن من خالهلا تصور‬ ‫الثقل الذي حتمله كورد املدينة يف منافسة املدن‬ ‫ذات االغلبية العربية ‪.‬‬ ‫اجلدول رقم (‪)1‬‬ ‫ادن��اه نواحي األقضية التابعة لوالية بغداد‬ ‫وكما جاءت يف نفس السالنامة ويالحظ فيها‬ ‫بنكدرة وقزلرباط وهما مصنفتان يف الدرجة‬ ‫االوىل و تتبعان قضاء خانقني ‪.‬‬

‫)‬

‫(‬


‫)‬

‫(‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫)‬

‫(‪.‬‬

‫اجلدول رقم (‪)2‬‬

‫صفحة السالنامة وه��ي تؤكد ان األكثرية‬ ‫املطلقة من سكان خانقني تنتمي اىل القومية‬ ‫الكوردية ‪ .‬يف حني ان اللغة السائدة هي الرتكية‬ ‫وهذه املفارقة ان كانت تؤكد فانها تؤكد على‬ ‫كوردستانية املدينة ‪.‬‬

‫صفحة السالنامة اليت دونت موقع وحدود‬ ‫ونفوس والية بغداد ويالحظ فيها تصنيف‬ ‫الكورد بني قوميات الوالية ‪.‬‬ ‫* تعريب املدينة ‪ ...‬السبب والنتيجة‬ ‫ً‬ ‫تبعا لنواميس الفيزياء ووفق شروط املكان‬ ‫وال��زم��ان ‪ ،‬ف��ان امل��رء الميكنه ان يهدم فراغا‬ ‫أوشيئا الحيز له وال ابعاد ‪ .‬وبعكس ذلك فان‬ ‫هدم الشيء او حماولة ازالته دليل وجوده املادي‬ ‫واملعنوي ‪ .‬وهذه كحقيقة وكمبدأ الميكن اهلروب‬ ‫منها او اسقاطها ‪ .‬ومتى ما اخضعنا مسألة‬ ‫كوردستانية خانقني لنفس املبدأ افضت اىل‬ ‫ذات احلقيقة ‪ ...‬حقيقة وجود الشىء من عدمه‬ ‫‪ .‬وهنا يف هذا املوضوع فان كوردستانية خانقني‬ ‫حقيقة ووجود ؛ واال فان معاول البعثيني كانت‬ ‫‪163‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪164‬‬

‫ستضرب يف الفراغ ‪ ،‬وال ميكنهم ازال��ة قرية‬ ‫اونقل موظف أو عامل أوف�لاح وابعادهم اىل‬ ‫الصحراء ! ‪ .‬فاذا مل يكن السبب كوردستانية‬ ‫خانقني واهلها الكورد ‪ .‬فبأي سبب اذن فعل‬ ‫البعثيون ما فعلوا بها وباهلها طوال اكثر من‬ ‫ثالثة عقود ؟ أمل تكن حماولة ش��اذة الزال��ة‬ ‫ظواهر مادية ومعنوية طبيعية احتضنتها‬ ‫ارض كوردستانية ملئات السنني ‪ .‬ارض ختاطب‬ ‫بلغة ترفض البدائل ‪ ،‬وكل ما هو غريب عن‬ ‫طبيعتها االزلية ؟‪ .‬أليس تعريب املدينة بهذه‬ ‫الصورة املخجلة دليل ساطع على كوردستانيتها‬ ‫؟ واذا كان شر البلية ما يضحك كما يقولون ‪،‬‬ ‫فان ما يضحك هنا يف هذه املسألة هو ان جنعل‬ ‫من عمليات الرتحيل والتهجري البغيضة معياراً‬ ‫لصدق قضية أوصحتها !‪.‬‬ ‫اذا كانت حماولة ازالة آثار التعريب لدى‬ ‫الكورد هي قضية قومية ‪ ،‬فانها البد ان تكون‬ ‫عند املنصفني من غري الكورد مسألة اخالقية‬ ‫وانسانية ‪ .‬ومن هذا املنطلق فان دفاع بعض‬ ‫االخوة العرب عن هذه املسالة يتجرد آليا من‬ ‫منطلقاتها القومية ويدخل ضمن ابعادها‬ ‫االنسانية واالخالقية ‪ .‬ومع هذا مل نستغرب‬ ‫‪ ،‬وحنن نسمع من بعض االصدقاء العرب بان‬ ‫الكورد يبالغون بعض الشىء يف سردهم ملآسي‬ ‫عمليات الرتحيل القسري ‪ ،‬والفواجع اليت‬ ‫طالتهم ! وهؤالء وان كان معظمهم يقصدون‬ ‫االستضاحة وليس اي شىء آخر ‪ .‬اال انها يف‬ ‫نفس الوقت تبعث على األمل واحلسرة ‪ ،‬وحترك‬ ‫االذهان حنو استحضار املقولة العربية ‪ ( :‬الذي‬ ‫يسمع ليس كمن يرى ) ‪ .‬وإلمياننا بها ‪ ،‬فان هذه‬ ‫املقولة فرضت علينا ان نعيد ً‬ ‫بعضا من حساباتنا‬

‫(ولو مؤقتا) يف جدوى سرد مآسينا ملن مل ير‬ ‫أو يستوعب ما حل بنا ‪ .‬الن ذبح الكورد كان‬ ‫جيري يف الظالم ومن خلف الكواليس ‪ ،‬أوحتت‬ ‫رمال الصحراء البعيدة عن االنظار ‪ .‬بينما مل‬ ‫يكلف احداً نفسه ان يتبني حقيقة ما جيري‬ ‫من فظائع ‪ .‬وهلذا جاءت املفردات ذاتها خمتلفة‬ ‫يف دالالتها ومعانيها بني الضحية (الكورد) وبني‬ ‫هؤالء ‪ .‬فمفردة ( ايفا) التى ترعب اطفال ونساء‬ ‫وشيوخ الكورد ‪ ،‬تعين عند غريهم حافلة لنقل‬ ‫االفراد واملعدات العسكرية ‪ .‬اما املدفع والقاذفة‬ ‫والدبابة والسمتية اليت تعين امل��وت والدمار‬ ‫للكورد ‪ .‬فانها التعين لغريهم سوى اسلحة للدفاع‬ ‫عن حياض الوطن ضد املخربني واالعداء ‪.‬‬ ‫معاني الصور الرتاجيدية لربيع عام‬ ‫‪ 1975‬ما تزال حاضرة يف ذاكرتنا ومل تفارقنا ‪.‬‬ ‫سيارات االيفا والزيل العسكرية بلون الصحراء ‪،‬‬ ‫اجلنود املدججون بالسالح ‪ ،‬الدبابات ‪ ،‬الطائرات‬ ‫مبختلف االنواع جتوب مساء خانقني واطرافها‬ ‫‪ ..‬اكثر من ‪ 180‬قرية كوردية حماصرة بأدوات‬ ‫امل��وت ‪ .‬االطفال والشيوخ والنساء تسمرت يف‬ ‫اماكنها تستوضح املقصود من هذ التحشد ‪.‬‬ ‫هل هو ضمن التحريات اليت الفتها هذه القرى‬ ‫عندما تداهمها قوات اجليش وبعض اجلحوش‬ ‫االذالء؟ ام ان مظاهره توحي بشر اكرب وكارثة‬ ‫اعظم ؟ ما الذي حيدث ؟ هل هي رؤيا تراودهم‬ ‫يف املنام ‪ ...‬ام رؤية حقيقية يعيشونها فعال‬ ‫؟ واخ�ي�راً ن��داء مكربات الصوت يقطع الشك‬ ‫باليقني ‪ :‬يا أهل القرية املخربون ‪ .‬ان كنتم‬ ‫تفضلون البقاء فاحجزوا خ�لال رب��ع ساعة‬ ‫من االن اماكنكم يف السيارات العسكرية اليت‬ ‫تنتظركم ‪ .‬وبعدها سنحرق كل راجل نعثر‬


‫عليه يف القرية ‪ .‬اذن فهي حقيقة وليس ً‬ ‫حلما‬ ‫‪ .‬احلافلة اليت تستوعب عشرون فرداً حشروا‬ ‫ً‬ ‫كورديا ‪ ،‬االطفال واالوالد‪،‬‬ ‫فيها اكثر من مخسني‬ ‫النساء ‪ ،‬احلامل وغري احلامل ‪ ،‬الشيوخ ‪ ،‬السامل‬ ‫واملعوق واملريض ‪( ،‬الفرق بني عربي واعجمي‬ ‫اال بالتقوى ) ‪ .‬تركوا كل شىء خلفهم إال عشق‬ ‫االرض وح��ب احل��ي��اة ‪ .‬لتبدأ رحلة الرعب‬ ‫والسفر حنو اجملهول ‪ .‬كان هذا مصري ابناء اكثر‬ ‫من ‪ 180‬قرية كوردية ‪ .‬ومل تغفل أو تستثين‬ ‫السلطة واحدة منها ؛ الن مجيعها كوردستانية‬ ‫وعلى اهلها ان يدفعوا ضريبة هويتهم الكوردية‬ ‫‪.‬‬ ‫لنرتك مصري هؤالء فقيل وكتب عنهم الكثري‬ ‫‪ ،‬ولنختصر الصفحة الثانية من التعريب اليت‬ ‫استمرت بشكل متوازن بني كفيت تهجري الكورد‬ ‫من جانب واسكان العرب يف اماكنهم من جانب‬ ‫آخر ‪ .‬فعندما اتت السلطة على وجود اآلهلني‬ ‫يف القرى واالرياف اليت حتيط خبانقني واسكنت‬ ‫يف اماكنهم ً‬ ‫آالفا من عرب احملافظات اجلنوبية‬ ‫ووزعت عليهم ما تركه الكورد ‪ .‬توجهت حنو‬ ‫مركز املدينة وق��ام��ت مب��ا مل يتوقعه حتى‬ ‫بعض البعثيني حيث اص��درت (جملس قيادة‬ ‫الثورة ) قرارات جائرة وأوامر جمحفة أبعدت‬ ‫مبوجبها املئات من املوظفني والعمال واملعلمني‬ ‫واملدرسني الكورد اىل احملافظات اجلنوبية ‪ ،‬يف‬ ‫عملية تعد االوىل من نوعها يف املنطقة ‪ .‬وكانت‬ ‫السلطة تلحق بهذه االوام��ر السرية ايضاحا‬ ‫تدعي فيه بان هؤالء امنا نقلوا اىل اجلنوب بناء‬ ‫على رغبتهم ! عجيب امر هؤالء ! ‪ .‬اية رغبة‬ ‫هذه تفجرت عند مئات املوظفني الكورد دون‬ ‫غريهم يف حلظة واح���دة ؟ واي��ة رغبة هذه‬

‫واصحابها ال يريدون العيش سوى يف احملافظات‬ ‫اجلنوبية ؟‪ .‬واالغرب من كل هذا وذاك هو ان‬ ‫تضم هذه القوائم امساء ألشخاص مضى على‬ ‫وفاتهم سنوات ! وم��ع ذل��ك ف��ان السلطة مل‬ ‫تبدي ادنى اهتمام مبا يقال عن تلك االكاذيب‬ ‫‪ .‬ثم لو فرضنا جدال ان هذه التنقالت تدخل‬ ‫ضمن قواعدها االعتيادية واالصولية ‪ ،‬واعداد‬ ‫املنقولني ( املئات ) هي ضمن املعقول ‪ ،‬ومت بناء‬ ‫على رغبتهم ‪ .‬ولكن أال حيق لنا ان نسأل عن‬ ‫السبب الذي جعل هذه االوامر تصدر من جملس‬ ‫قيادة ثورة السلطة ؟ وان نسأل ً‬ ‫ايضا عن الداعي‬ ‫الن تكون هذه االوامر سرية ؟‬ ‫ال اعتقد ان استطراداً اكثر من هذا سيضيف‬ ‫شيئا اىل ما اشرنا اليه يف البداية ‪ .‬فليس أدل من‬ ‫عمليات الرتحيل والتهجريعلى كوردستانية‬ ‫املدينة ‪ ،‬فهي تفضح النوايا ‪ ،‬وتفصح عن‬ ‫احلقيقة‪...‬وان اية اضافة ال تزيد شيئا هلا ‪.‬‬ ‫* االمساء ‪ ..‬ورسم اهلوية‬ ‫بشكل ع��ام وكما هو معلوم ‪ ،‬ف��ان امساء‬ ‫ً‬ ‫اعتباطا او دون قصد ‪ ,‬وامنا‬ ‫االف��راد ال تأتي‬ ‫تاتي لتعلن عن عقيدة دينية ‪ ،‬أونزعة قومية‬ ‫أوفكرة سياسية ‪ ،‬أو تعبرياً عن االعجاب بأبطال‬ ‫ومشاهري حقيقيني واسطوريني ‪ ،‬بل تأتي ً‬ ‫إميانا‬ ‫ً‬ ‫احيانا ‪ .‬فهي يف‬ ‫ببعض اخلرافات االجتماعية‬ ‫النهاية تعطي صورة تعكس اىل حد كبري عقيدة‬ ‫وثقافة وت���راث حامليها ‪ .‬واالمس���اء ختتلف‬ ‫باختالف االقطار بل وختتلف حتى بني مدن‬ ‫القطر الواحد ‪ .‬ففي املغرب العربي مثال هناك‬ ‫امساء النألفها يف املشرق العربي ‪ ،‬حنو ‪ :‬االخضر‬ ‫‪ ،‬جلود ‪ ،‬بلومي ‪ ،‬بية ‪ ،‬بلحاج وغريها ‪ .‬وقد تعرب‬ ‫االمساء عن البيئة اليت حتتضنها ‪ ،‬ففي اجلاهلية‬ ‫‪165‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪166‬‬

‫وصدر االسالم مثال تعود العرب على امساء تعرب‬ ‫عن الصالبة واخلشونة لتالئم بيئة الصحراء‬ ‫القاسية اليت يعيشونها حنو ‪ :‬حنظلة ‪ ،‬قتادة ‪،‬‬ ‫صخر ‪ ،‬حرب ‪ ،‬سنان وغريها من االمساء ‪.‬‬ ‫يتأثر شيوع بعض االمساء او اختفائها احياناً‬ ‫بالظروف السياسية السائدة ‪ ،‬او التوجهات‬ ‫املفروضة م��ن قبل ه��ذا السلطان او ذاك ‪.‬‬ ‫ففي العهد االموي مثال عزف الناس (السباب‬ ‫معروفة) عن امس��اء ‪ :‬علي ‪ ،‬عباس ‪ ،‬حسن ‪،‬‬ ‫حسني ‪ ،‬جعفر ‪ ،‬زينب ‪ .‬وامساء أخرى هجرها‬ ‫حمبيها ً‬ ‫خوفا ‪ .‬وبعد مئات السنني تتكرر احلالة‬ ‫مع الكورد وباالخص سكان املناطق املستقطعة ‪.‬‬ ‫فقد منعتهم السلطات البعثية وبوسائل ملتوية‬ ‫من تداول االمساء الكوردية يف دوائر النفوس‬ ‫واالحوال املدنية ‪ .‬ولنا يف ذلك قصص وامثلة‬ ‫حية ماتزال تعيش يف اذه��ان ابناء خانقني‬ ‫الكورد ‪ .‬واذا خريوني ان اذكر واحدة منها فانين‬ ‫سافضل قصة احد الزمالء وما جرى بينه وبني‬ ‫مدير دائرة نفوس خانقني من سجاالت حول‬ ‫اس��م اختاره ملولوده البكر ‪ .‬فالقصة مع ما‬ ‫حتملها من أسى فانها حتمل ً‬ ‫شيئا من الطرافة‬ ‫ً‬ ‫ايضا‪.‬‬ ‫وهي وان كانت صغرية يف حدودها ‪ ،‬إال انها‬ ‫كبرية يف الداللة واملعنى ‪ .‬اما تارخيها فبدايات‬ ‫القرن احلالي ‪ ،‬وصاحبها من ك��وادر احلزب‬ ‫الشيوعي الكوردستاني يف خانقني ‪ .‬كنا يف‬ ‫تلك الفرتة نسكن املنطقة نفسها ؛ فنلتقي على‬ ‫فرتات متقاربة وكلما رأيته كانت االبتسامة‬ ‫على حمياه ‪ .‬ولكن يف واحدة منها وهو على غري‬ ‫ً‬ ‫حزينا لسبب كنت اجهله‬ ‫عادته ‪ ،‬رأيته متأثرا‬ ‫‪ .‬بدأ يفصح عنه شيئا فشيئا وهو يلعن الوضع‬

‫الذي قدر ان يعيشه ابناء خانقني بينما يعرب‬ ‫عن استياءه الشديد من كاتب دائ��رة نفوس‬ ‫املدينة النه رفض (حسب توجيهات سرية) ان‬ ‫مينح هوية االحوال املدنية ملولوده البكر اال اذا‬ ‫ً‬ ‫اطلق عليه ً‬ ‫عربيا ! وهذا ما يسلب ابسط‬ ‫امسا‬ ‫حقوقه االنسانية ‪ ،‬وخيالف يف ذات الوقت رغبته‬ ‫يف االختيار ‪ .‬ورغم انه اختار ( سامان ) امسا‬ ‫لولده ‪ ،‬اال انه رفض من املدير فاالمساء الكوردية‬ ‫ممنوعة من الصرف يف تلك الدائرة ‪ .‬لذلك‬ ‫اقرتح عليه الكاتب بدال عن سامان بعض االمساء‬ ‫العربية لكنه بدوره رفضها مجيعا ‪ ،‬ليس النها‬ ‫عربية ( كما قال ) بل النها تطاول غري مسبوق‬ ‫على حرية وكرامة االنسان الكوردي ‪ .‬ورغم انه‬ ‫حيمل فكراً يرتفع عن العنصرية القومية اال انه‬ ‫ً‬ ‫حتديا ال يقبل القسمة على‬ ‫اعترب هذا اخليار‬ ‫اثنني فاما اسم كوردي ‪ ،‬واما اسم غري عربي‬ ‫‪ .‬ولكي الميتثل لطلب جائر ‪ ،‬فانه اطلق على‬ ‫مولوده االسم ( نوح ) على اعتبار انه اسم غري‬ ‫عربي ‪ .‬ليجرد بذلك وليده منذ ساعات حياته‬ ‫االوىل من ابسط حقوقه االنسانية والقومية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عربيا كي ال‬ ‫املهم عند الوالد ان ال يكون االسم‬ ‫ميتثل لرغبة السلطة االستبدادية واعترب ذلك‬ ‫ً‬ ‫حتديا اكرب بكثري من جمرد رفض او قبول امر ‪،‬‬ ‫بل اعترب ذلك قضية تتعلق حبياة شعب يسرق‬ ‫منه كل شىء حتى حرية اختيار اسم ! ‪.‬‬ ‫ان مينع تداول اسم معني السباب وظروف‬ ‫استثنائية خوفا من عواقب غري حممودة ‪ ،‬قد‬ ‫ميكن تصوره ( رغم عدم شرعيته ) ‪ .‬اما ان متنع‬ ‫سلطة شعبا من تداول امساء باجلملة تعود ملئات‬ ‫السنني ‪ ،‬فهذا ما ال يتقبله العقل واليستسيغه‬ ‫املنطق ‪ .‬ولكن هذا ما حدث يف مدينتنا خانقني‬


‫‪ .‬فالسلطة البعثية مل تستثن جانبا يفصح عن‬ ‫كوردستانية املدينة ‪ ،‬اال وحاولت تغيريها او‬ ‫تشويهها ‪ .‬يف مقدمتها امسائها الكوردية اليت‬ ‫كانت تستفز السلطة من الصميم ‪ .‬فقد ظلت‬ ‫ثيمة املدينة اليت مل تنفصل عن تارخيها ولو‬ ‫للحظة ‪ ،‬رغم عاديات الزمن ‪.‬‬ ‫يف ه��ذا السياق واله��داف��ه��ا اخلبيثة فان‬ ‫السلطات البعثية بعد ترحيل ساكنيها أقدمت‬ ‫على تغيري امساء مجيع القرى احمليطة باملدينة‬ ‫م��ن ال��ك��وردي��ة اىل العربية ‪ ،‬وك��ذل��ك مجيع‬ ‫احيائها السكنية ‪ .‬ونصبت يف بوابات املدينة‬ ‫وقراها ومداخل احيائها وواجهات دوائرها‬ ‫ومدارسها اللوحات الكبرية وهي حتمل االمساء‬ ‫العربية املستمدة معانيها من التاريخ والرتاث‬ ‫العربي ‪ .‬فجاءت معظمها بالضرورة غريبة عن‬ ‫املنطقة وغري مألوفة لساكنيها الكورد ‪ .‬ولكن‬ ‫رغم ذلك وعلى عكس النتيجة اليت توختها‬ ‫السلطة ‪ ،‬فان عرب التعريب الذين استقدموا‬ ‫للمدينة استسلموا لالمساء الكوردية القدمية‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‬ ‫وتعودوا عليها رغم معاناتهم من تلفظها‬ ‫؛ فاحمليط والبيئة الكردستانية للمدينة وغلبة‬ ‫اللغة الكوردية أرغمتهم على تقبلها والتعامل‬ ‫معها ‪ .‬وللحقيقة ف��ان ال��ك��ورد مل تستفزهم‬ ‫االمساء العربية ً‬ ‫يوما ‪ ،‬بل على عكس ذلك كانت‬ ‫دوما مبعث فخر واعتزاز هلم ‪ ،‬فهم كمسلمني‬ ‫من جانب ولعالقاتهم التارخيية ومصاهرتهم‬ ‫مع العرب من جانب آخر ‪ ،‬فان االمساء العربية‬ ‫سيما الدينية التفارقهم منذ مئات السنني‬ ‫وحتى يومنا ه��ذا ‪ .‬غري ان احلالة اختلفت‬ ‫عندما حاولت السلطة البعثية تعريبهم ‪..‬‬ ‫واعتربوا منع تداول االمساء من اخطر فصول‬

‫عمليات التعريب ‪ ...‬فحملهم على التحدي ‪ .‬ويف‬ ‫ذلك تداعيات جيب االعرتاف بها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعضا من االمساء الكوردية اليت‬ ‫هنا نورد‬ ‫حافظت على وجودها وابت االستسالم واقلقت‬ ‫السلطة بعد ان فشلت حماوالتها من منع تداوهلا‬ ‫ليس بني كورد املدينة فحسب بل وحتى بني‬ ‫عرب التعريب ً‬ ‫ايضا ‪ .‬وهي االمساء القدمية اليت‬ ‫تعرب معانيها عن شكل وظواهر املعامل الطبيعية‬ ‫للمدينة ‪ ،‬من جبال وتالل ووديان وانهار ‪ .‬وكلها‬ ‫باللغة الكوردية ‪ ...‬لغة ابناء املدينة اليت تعرب‬ ‫عن حقيقتها اعظم تعبري ‪ .‬وحنن اذ نعرض‬ ‫عدداً من هذه االمساء فاننا مل نتعمد اهمال اسم‬ ‫ً‬ ‫كورديا ‪ .‬الن‬ ‫أو التأكيد على آخر باعتباره امسا‬ ‫من يطلع عليها سيما الذي عاش وسكن خانقني‬ ‫سيقف على احلقيقة بنفسه ‪ ..‬عندئذ حيق له‬ ‫ان مينح املصداقية للمعلومة او جيردها منها ‪.‬‬ ‫وهنا من االنصاف ان نوضح بعض االستثناءات‬ ‫‪ .‬فهناك عدة قرى تقع غرب او مشال غرب‬ ‫املدينة غالبية ساكنيها من االخوة العرب الذين‬ ‫عاشوا مع كورد خانقني قبل عمليات التعريب‬ ‫وامس��اء ه��ذه القرى ام��ا عربية وام��ا بامساء‬ ‫اصحابها العرب مثل ‪ :‬دراوشة ‪ ،‬غركان ‪ ،‬امحد‬ ‫هالل ‪ ،‬علي سعدون ‪ .‬او ان بعض االمساء ترتبط‬ ‫باحداث تارخيية جرت يف املنطقة وال تدل سوى‬ ‫على نفسها ‪ .‬مثل كلمة املنذرية ‪ ،‬اليت جاءت‬ ‫اختصاراً السم النعمان بن املنذر كما حيدثنا‬ ‫عن ذلك بعض املؤرخني ‪.‬‬ ‫االمساء اليت حنن بصددها معظمها قدمية ‪،‬‬ ‫لكنها من الكلمات الكوردية املتداولة يف خانقني‬ ‫واملنطقة بشكل عام ‪ .‬وهي تعرب عن الظواهر‬ ‫الطبيعية لسطح املنطقة ومعاملها ‪ .‬غالبيتها‬ ‫‪167‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪168‬‬

‫امساء مركبة من مفردتني جاءتا لوصف شكل‬ ‫معني او تعبرياً عن ح��ادث معني ‪ .‬وللوقوف‬ ‫على الفاظها الكوردية الصحيحة ‪ ،‬فاننا تعمدنا‬ ‫حتريك بعض حروفها باشارات كوردية ‪ .‬الن‬ ‫احل��روف العربية لوحدها ال تفي بالغرض يف‬ ‫هذه احلالة ‪ .‬فمثال الفتحة يف العربية ميثلها‬ ‫ح��رف اهل���اء(ه) يف الكوردية ‪ .‬وه��ي من اكثر‬ ‫احلركات اليت حتتاجها اللغة الكوردية ‪.‬‬ ‫االمساء ‪:‬‬ ‫( كه الت ‪ ،‬مرواري ‪ ،‬حه وش كوري ‪ ،‬اركه وازي‬ ‫‪ ،‬بامنيل ‪ ،‬مله كونار ‪ ،‬باوه كه زي ‪ ،‬كاني زه رد ‪،‬‬ ‫ناو دومان ‪ ،‬كاني ماسي ‪ ،‬ميخاس ‪ ،‬كونا كه متار‬ ‫‪ ،‬جه م قاميش ‪ ،‬به له جه فت ‪ ،‬سه وز بالغ ‪ ،‬به‬ ‫ره به له ‪ ،‬ته به كه له شري ‪ ،‬قه له مه ‪ ،‬جه م جه‬ ‫قه ل ‪ .‬داره كوناره ‪ ،‬قاميشه الن ‪ ،‬كوزه ره قه ‪،‬‬ ‫توله فروش‪ ,‬نه يكه نه ‪ ،‬داره وشكه )‪ .‬وعشرات‬ ‫من االمساء االخرى ‪.‬‬ ‫انتشر بني سكان معظم املدن الكوردستانية‬ ‫‪ ,‬حاهلا حال املدن العراقية االخرى تقليداً يبيح‬ ‫هلم اطالق بعض االلقاب على االشخاص السباب‬ ‫تتعلق اما بطبيعتهم وسلوكهم أو مبهنهم أو‬ ‫مبظهرهم وشكلهم أولغريها من االسباب ‪ .‬ويف‬ ‫مدينتنا الكثري من ه��ذه االلقاب واالوص��اف‬ ‫صاغها ابناؤها الكورد واصبح تقليداً يتوارثونه‬ ‫ً‬ ‫ابا عن جد وعلى مدى فرتات طويلة ‪ .‬مجعنا‬ ‫ً‬ ‫منها هلذا املوضوع حبدود مخسني ً‬ ‫ونعتا‬ ‫لقبا‬ ‫وكلها بطبيعة احلال جاءت باللغة الكوردية ‪.‬‬ ‫وهذا ليس باالمر الغريب النها تعرب بوضوح‬ ‫عن طبيعة منطقة ‪ ،‬كانت ستختلف لو ان‬ ‫طبيعة ولغة سكانها كانت خمتلفة ‪ .‬لنرتك يف‬ ‫ً‬ ‫مؤقتا ‪ ،‬ونرحل اىل‬ ‫هذا السياق خانقني واهلها‬

‫اية مدينة يف وسط أو جنوب العراق ‪ ..‬وندون‬ ‫ً‬ ‫بعضا من االلقاب واالوص��اف اليت يتداولونها‬ ‫‪ ،‬فهل ميكن ان يأتي ً‬ ‫لقبا واح��داً منها باللغة‬ ‫الكوردية ؟ اجلواب كال بالطبع ‪ ..‬ولكن ملاذا ؟‬ ‫اجلواب هو نفس اجلواب الذي يفرض نفسه لو‬ ‫سالناه يف خانقني ‪ .‬ولكن بشكل معاكس ‪.‬‬ ‫أدن��اه من��اذج من ألقاب الشخصيات اليت‬ ‫اشتهرت يف خانقني وه��ي م��ف��ردات كوردية‬ ‫تعربعن الصفات أواالح���داث والطرائف اليت‬ ‫نسبت اليهم ومتيزهم بني سكان املدينة ‪:‬‬ ‫كه ريم كه شخه ‪ ،‬ابراهيم كوجلني ‪ ،‬قادر‬ ‫خه ره كدار ‪ ،‬عباس بيكه س ‪ ،‬ابراهيم الل ‪،‬‬ ‫ابراهيم مزكه ر‪ ،‬خليل دريز ‪ ،‬رحيم كول ‪ ،‬علي‬ ‫جاوجوان ‪ ،‬امحد قرمزي ‪ .‬حممد ئاواى ‪ ،‬حممود‬ ‫به فرى ‪ ،‬كريم سه ر به تى ‪ ،‬خورشيد دشله مه‬ ‫‪ ،‬جليل جناكه ‪ ،‬ره شه با قه وى ‪ ،‬عيسى بالو ‪،‬‬ ‫رشيد جاو ره ش ‪ ،‬امحد سه ر جه رمي ‪.‬‬ ‫وع��ش��رات اخ��رى متداولة يف املدينة وكلها‬ ‫تعبري عن هوية اصحابها الكوردية وتأكيد‬ ‫يف الوقت نفسه على كوردستانية خانقني ‪.‬‬ ‫وهنا فاملشكلة ليست يف كوردستانية املدينة‬ ‫بل يف اصحاب العقول اليت التريد االق��رار بها‬ ‫واالعرتاف حبقيقتها ‪ .‬وتؤكد هذه االمساء متسك‬ ‫الكورد بالدين االسالمي من جانب ‪ ،‬واعتزازهم‬ ‫بقوميتهم من جانب آخر ‪ .‬واملفارقة اليت تثري‬ ‫االنتباه فيها هي ان تأتي امساء االشخاص عربية‬ ‫اسالمية ‪ ،‬بينما القابهم كلها جاءت مبفردات‬ ‫كوردية ‪ .‬وهي من مسات كوردستانية املدينة ‪.‬‬ ‫* ملاذا توقفت انتصارات اللغة العربية على‬ ‫مرتفعات كه الت ومرواري يف خانقني ؟‬


‫ال تستغربوا العنوان ‪ ...‬فهو ليس من ابتكارنا‬ ‫‪ ،‬وحقيقته تعود اىل ما قبل ‪ً 68‬‬ ‫عاما من االن‬ ‫حني طرحه عراب القومية العربية ومنظرها‬ ‫ساطع احلصري على صيغة سؤال ‪ ،‬ويف طياته‬ ‫الكثري من املعاني وال��دالالت ‪ .‬ووجهه قنبلة‬ ‫اىل شفيق غربال منتقداً اي��اه على خلفية‬ ‫آرائه وتوجهاته يف القومية العربية وعالقتها‬ ‫باالسالم واليت جاءت يف مقال نشرته له جملة‬ ‫اهلالل املصرية يف ‪1955/1/1‬م ‪ ،‬حتت عنوان‬ ‫( اجلامعة االسالمية واحتاد العرب ) ‪ .‬اما ساطع‬ ‫احلصري فقد نشر انتقاده يف الصفحة ‪187‬من‬ ‫كتابه املوسوم ( العروبة اوال) ال��ذي طبع يف‬ ‫نفس العام ‪ .‬فجاءت اراء وتعليالت احلصري‬ ‫خمالفة لغربال ‪ ،‬ولكي حيصره يف زاوية حرجه‬ ‫يطرح سؤاال يستحق التأمل والدراسة بالنسبة‬ ‫لنا حنن الكورد ‪ ( :‬ملاذا توقفت انتصارات اللغة‬ ‫العربية احلامسة يف سفوح جبال زاكروس ؟ )‪.‬‬ ‫والسؤال حبد ذاته اقرار بفشل اللغة العربية‬ ‫وعجزها ( رغم ثرائها ) عن االنتصار على اللغة‬ ‫الكوردية يف املنطقة اليت يقصدها ‪ .‬وهو ً‬ ‫ايضا‬ ‫اعرتاف ضمين حبيوية اللغة الكوردية واصالتها‬ ‫واختالفها عن اللغة العربية يف مميزاتها ‪ .‬وهذا‬ ‫ما يقر به احلصري يف انتقاده حني يشري اىل ان‬ ‫اللغة العربية كانت قبل االس�لام حمصورة يف‬ ‫اجلزيرة العربية ‪ .‬اخذت تنتشر بعد االسالم‬ ‫اىل اقطار مرتامية االط��راف ‪ .‬وان الفتوحات‬ ‫العربية ال�تي اعقبت ظهور االس�لام نشرت‬ ‫الديانة االسالمية من ناحية ‪ ،‬واللغة العربية‬ ‫من ناحية أُخرى ‪ .‬ولكن نتائج هذا االنتشار مل‬ ‫تكن متساوية يف مجيع البالد ‪ ،‬فبينما تغلبت‬ ‫تغلبا ً‬ ‫اللغة العربية على اللغات احمللية ً‬ ‫تاما يف‬

‫بعض البالد املفتوحة ‪ .‬وهي اليت تك ّون العامل‬ ‫العربي يف احلالة احلاضرة ‪ .‬مل تتغلب بشكل‬ ‫حاسم يف ب�لاد اخ��رى على لغاتها احمللية ‪.‬‬ ‫فينتقد غربال متسائال ‪ ( :‬ملاذا سارت االحوال‬ ‫على هذا املنوال ؟ ملاذا تغلبت اللغة العربية على‬ ‫تغلبا ً‬ ‫بعض اللغات ً‬ ‫تاما ؟ ومل تتغلب على بعضها‬ ‫االخر ؟ ومل��اذا توقفت انتصاراتها احلامسة يف‬ ‫سفوح جبال زاكروس ؟ ) ‪ .‬فريبط ذلك الفشل‬ ‫بعدة عوامل حيددها كاآلتي ‪:‬‬ ‫مبلغ قرابة اللغات املذكورة اىل اللغة العربية او‬ ‫مغايرتها هلا ‪.‬‬ ‫حيوية كل واحدة من تلك اللغات ‪.‬‬ ‫هجرات القبائل العربية اليت رافقت الفتوحات‬ ‫‪ ،‬او متت بعدها ومبلغ استمرار تلك اهلجرات ‪.‬‬ ‫الحتكامه اىل العقل واملوضوعية فان تعليالت‬ ‫احلصري ج��اءت يف غاية الدقة ‪ ،‬والفقرتني‬ ‫االوىل والثانية تنطبقان متاما على اللغة‬ ‫الكوردية وت��ؤك��دان حيويتها واصالتها من‬ ‫جانب ‪ ،‬واختالفها ومتيزها عن اللغة العربية‬ ‫من جانب آخر ‪ .‬وإال ملا كانت تستمر يف املقاومة‬ ‫الكثر من الف وستمائة سنة ‪ ،‬وهي حتت تأثري‬ ‫الدين االسالمي من حيث اداء فرائضه وشعائره‬ ‫باللغة العربية ‪ ،‬وهي كافية الية لغة ان تستسلم‬ ‫وتفقد الكثري م��ن مفرداتها غ�ير ان اللغة‬ ‫الكوردية كلغة اصيلة ونشيطة حافظت على‬ ‫كيانها ووجودها رغم تلك املعطيات املعقدة‬ ‫‪ .‬اما هجرات القبائل العربية اليت يشري اليها‬ ‫احلصري فانها يف الواقع مل تنقطع بشكل نهائي‬ ‫‪ .‬بل كانت تتجدد باساليب واشكال متباينة‬ ‫ولكن اهدافها كانت واحدة ‪ .‬فهجرات القبائل‬ ‫العربية اىل منطقة خانقني اليت وصلت ذروتها‬ ‫‪169‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪170‬‬

‫عام ‪1975‬م مل تكن اقل ً‬ ‫شأنا من اليت جرت‬ ‫خ�لال الفتوحات العربية يف ص��در االس�لام ‪.‬‬ ‫ولكنها فشلت يف السيطرة على روح الكورد ‪ ،‬اي‬ ‫لغتهم اليت التفقد حضورها مهما كانت ظروفها‬ ‫قاسية فهي احلياة بالنسبة للكورد ‪ .‬واحلصري‬ ‫يقول يف ذلك ‪ ( :‬اذا فقدت امة لغتها‪ ،‬فقدت‬ ‫حياتها) ‪ .‬فبدال ان يتمكن عرب التعريب من‬ ‫فرض لغتهم العربية على الكورد يف خانقني ‪.‬‬ ‫فان اغلب اطفاهلم واوالدهم هجروا لغتهم االم‬ ‫(العربية) واستعانوا بالكوردية للتفاهم مع‬ ‫زمالئهم الكورد يف احلارة واملدرسة وامللعب ‪.‬‬ ‫ومل تقف خارج حدود البيت بل دخلته ‪ .‬ومن‬ ‫املفارقات الطريفة يف املدينة ان يستعني بعض‬ ‫اآلباء (العرب) باوالدهم عند احلاجة يف الرتمجة‬ ‫من الكوردية اىل العربية او بالعكس ‪.‬‬ ‫أال حيق لنا بعد كل هذا ان نسأل نيابة عن‬ ‫احلصري ‪ :‬مل��اذا توقفت اذن انتصارات اللغة‬ ‫العربية احلامسة على مرتفعات كالت ومرواري‬ ‫؟ ‪ .‬ولو ان احلصري على قيد احلياة اليوم ملا تردد‬ ‫عن ذكر احلقيقة نفسها ‪ .‬احلقيقة اليت آمن بها‬ ‫قبل سبعة عقود ‪ ..‬وتؤكد ان خانقني املتامخة‬ ‫لكالت وم��رواري كوردستانية كاخواتها املدن‬ ‫املتامخة لسفوح جبال زاكروس ‪ .‬او اية مدينة‬ ‫على ارض كوردستان ‪.‬‬ ‫مالحظة ‪ :‬يقع جبل كالت (القليل االرتفاع )‬ ‫جنوب شرق خانقني ‪ .‬وجبل مرواري يف مشاهلا‬ ‫* أهمية املدينة ‪ ...‬املؤشرات والدالئل‬ ‫ويف اخلتام فانه حيق للقارىء الكريم ان‬ ‫يسأل عن االسباب والعوامل اليت جعلت خانقني‬ ‫على هذه االهمية وتصبح هدفا لغري اهلها على‬ ‫مر العهود ‪ .‬عن هذا خنتصر فنقول ‪ :‬خانقني‬

‫من املدن الكوردستانية اليت أولتها السلطات‬ ‫املتعاقبة على حكم العراق اهتماما خاصا بدأته‬ ‫الدولة العثمانية عندما صنفتها ضمن اقضية‬ ‫الدرجة االوىل ‪ .‬فجعلتها تابعة اداري��ا لوالية‬ ‫بغداد بعد عهد التنظيمات املعروفة ‪ .‬ومل‬ ‫ً‬ ‫اعتباطا اودون دراية ‪ ،‬وامنا‬ ‫يكن ذلك االهتمام‬ ‫لعوامل وخصائص عديدة متيزت بها املدينة ‪،‬‬ ‫سيما من الناحيتني العسكرية واالقتصادية‬ ‫لتنعكس تداعياتها على اجلوانب السياسية‬ ‫بعد ذلك ‪ .‬وبعد تأسيس الدولة العراقية مع‬ ‫نهاية احلرب العاملية االوىل ‪ ،‬احلقت خانقني‬ ‫ببعقوبة القريبة من بغداد ضمن لواء دياىل‬ ‫فظلت منفصلة عن كوردستان حتى يومنا‬ ‫هذا ‪ .‬اما اهمية املدينة السياسية والعسكرية‬ ‫واالقتصادية والتارخيية فيمكن ان نستدل‬ ‫عليها بالنقاط اآلتية ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاصا‬ ‫اهتماما‬ ‫ـ اب��دت الدولة العثمانية‬ ‫( ‪1848‬م)‬ ‫باجليش ؛ فاحدثت يف عام‬ ‫الفيلق السادس وفق االسس واالنظمة االوربية‬ ‫‪ ،‬ضم خمتلف مكونات الشعب العراقي ‪ ،‬وكان‬ ‫االك��راد يشكلون ثالثة ارب��اع هذا الفيلق عام‬ ‫‪1870‬م‪ )2(1‬ث��م اصبح هل��ذا اجليش عام‬ ‫(‪1875‬م) مخس كتائب طليعة (حرس حدود)‬ ‫‪ ،‬استقرت يف ثالث مدن فقط ‪ :‬الكتيبة االوىل‬ ‫يف جند والثانية يف خانقني ‪ ،‬والثالثة والرابعة‬ ‫واخلامسة يف بغداد ‪.‬‬ ‫كانت الكتيبة (‪)34‬التابعة للفرقة اخليالة‬ ‫السادسة تتمركز يف خانقني وان احد االفواج‬ ‫الثالثة التابعة للكتيبة (‪ )82‬م��ن فرقة‬ ‫الرديف احلادية والعشرين يتمركز يف خانقني‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪. )4(2‬‬


‫ـ نصت امل���ادة اخل��ام��س��ة ع��ش��رة م��ن نظام‬ ‫الواليات عام ‪1864‬م على تشكيل قوة ضابطة‬ ‫يف م��رك��ز ك��ل والي���ة ‪ ،‬ت��ك��ون هل��ا وح���دات يف‬ ‫سناجقها واقضيتها املهمة ‪ ،‬فإستقرت تشكيلة‬ ‫ً‬ ‫فوجا‬ ‫هلذه القوة يف املدينة عام ‪1885‬م تضم‬ ‫باسم فوج ح��دود خانقني السادس ‪ .‬واصبح‬ ‫هلذا الفوج يف عام ‪1907‬م ثالث سرايا للمشاة‬ ‫عدد أفرادها (‪ )183‬مئة وثالثة ومثانون فرداً‬ ‫‪ ،‬وسرية واح��دة للخيالة عدد افرادها (‪)54‬‬ ‫اربعة ومخسون عنصراً ‪ ،‬اماعدد ضباط الفوج‬ ‫ً‬ ‫ضابطا وآمراً‪. )5(3‬‬ ‫فكان(‪ )14‬اربعة عشر‬ ‫ً‬ ‫اهتماما كبرياً بعد‬ ‫ـ اولت الدولة العثمانية‬ ‫حرب القرم بوسائل االتصال السريع ؛ فقامت‬ ‫ومبساعدة حليفتها بريطانيا على مد اخلطوط‬ ‫الربقية بني بغداد واستانبول عام (‪1861‬م) ‪،‬‬ ‫يف حني بدأت مبد خط بغداد ــ خانقني اواخر‬ ‫ع��ام ‪1863‬م ‪ .‬وم��ا ان ح��ل اخل��ري��ف التالي‬ ‫حتى كانت خطوط التلغراف العراقية متصلة‬ ‫خبطوط تركيا وايران يف خانقني‪. )6(4‬‬ ‫ـ افتتحت مصلحة تلفون ( خانقني ــ خسروي‬ ‫) م��ع اي���ران يف ‪1947/7/15‬م وه��ي ثاني‬ ‫مصلحة تلفون مع اي��ران بعد مصلحة تلفون‬ ‫( بصرة ــ خرمشهر )‪. )7(5‬‬ ‫ـ فضال عن املركز الرئيس يف بغداد فان نظارة‬ ‫الرسومات (الكمارك) اواسط سبعينيات القرن‬ ‫التاسع عشر ‪ ،‬كانت تتألف من اربع مديريات‬ ‫فقط يف عموم العراق واحده منها يف خانقني‬ ‫يشرف عليها مدير يدعى (لطفي بك) يعاونه‬ ‫باشكاتب باسم (شاكر اف��ن��دي) وكاتب ثان‬ ‫باسم (عبدالقادر افندي) وثالث باسم (عارف‬ ‫افندي)‪ )8(6‬كان ذلك يف عام ‪1906‬م ‪.‬‬

‫ اسست دائ���رة لنظارة شركة ال��رجي��ي يف‬‫خانقني عام ‪1886‬م ؛ لالشراف على دخول‬ ‫التنباك من ايران اىل املدينة ‪ .‬حيث دأبت هذه‬ ‫الشركة (الفرنسية ــ النمساوية) اليت اختذت‬ ‫من العاصمة استنبول مركزاً هلا على شراء‬ ‫ومعاجلة وبيع التبوغ ‪ ،‬بعد ان منحتها الدولة‬ ‫العثمانية عام ‪1884‬م حق شراء وبيع التبغ‬ ‫املنتج يف اراضيها‪. )9(7‬‬ ‫ً‬ ‫نظاما‬ ‫ـ اصدرت الدولة العثمانية عام ‪1840‬م‬ ‫ً‬ ‫خاصا يتعلق بالصحة ‪ ،‬امسته نظام الكورنتينا‬ ‫(‪ )quarantine‬وهي كلمة انكليزية تعين‬ ‫احلجر او احملجر الصحي ‪ .‬ولقد اب��دى الوالي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاصا بأمور‬ ‫اهتماما‬ ‫مدحت باشا اثناء واليته‬ ‫الصحة ‪ ،‬حيث كانت دوائ��ر احلجر الصحي يف‬ ‫والية بغداد ‪ ،‬وباالخص خانقني ومندلي دائبة‬ ‫ان��ذاك على اخت��اذ اج���راءات احلجر الصحي ‪،‬‬ ‫وضمت ادارة كرنتينة خانقني يف عام ‪1907‬م‬ ‫‪ :‬معاون طبيب يدعى رزوقي افندي‪ ،‬وباشكاتب‬ ‫يدعى خضر افندي ‪ ،‬وكاتبان آخ��ران ‪ :‬ثان‬ ‫وثالث هما على التوالي جعفر افندي ونوري‬ ‫افندي ‪ ،‬وموظف لفحص اجلنائز اليت تدخل‬ ‫الوالية من ايران يدعى خورشيد افندي‪)10(8‬‬ ‫‪ .‬ثم استبدل اسم هذه الدائرة اىل (مفتشية‬ ‫صحة الوالية) غري ان امر احلفاظ على الصحة‬ ‫العامة كان يقوم به اطباء البلديات وهي على‬ ‫وجه التحديد بلديات مدينة بغداد الثالث ‪،‬‬ ‫وبلديات مدن خانقني ‪ ،‬كربالء ‪ ،‬احللة‪)11(9‬‬ ‫والقائم خبدمات واعمال طبابة بلدية خانقني‬ ‫يف ع��ام ‪1907‬هو اليوزباشي‪ )*(10‬رؤوف‬ ‫افندي‪ )12(11‬بينما مل يكن يف كل العراق‬ ‫آنذاك غري مستشفى اجمليدية الصغري يف بغداد‬ ‫‪171‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪172‬‬

‫ً‬ ‫خمصصا للجيش فقط‪ ،‬ومستشفى‬ ‫‪ ،‬الذي كان‬ ‫ملكي صغري يف الكرخ ‪ ،‬انشأهما مدحت باشا بعد‬ ‫وصوله اىل العراق عام ‪1869‬م ‪. )13(12‬‬ ‫ـ كانت شعبة علياوة لالراضي السنية منتصف‬ ‫عقد مثانينيات القرن التاسع عشر تشرف‬ ‫ على ادارة اراضي السلطان عبداحلميد الثاني‬ ‫يف املدينة ‪ .‬يقوم بادارتها منتصف العقد االول‬ ‫من القرن العشرين مأمور يدعى صربي افندي‬ ‫ق��ول آغاسي ‪ .‬والشعبة كانت موضع اهتمام‬ ‫السلطان واحلكومة العثمانية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ـ عندما وصل مدحت باشا بغداد واليا عام‬ ‫‪1869‬م ‪ ،‬كان قد اصطحب معه فريق عمل‬ ‫وبعض املكائن واآلالت لتأسيس م��درس��ة ــ‬ ‫الصنائع ــ ‪ .‬وكان هدف مدحت باشا من املدرسة‬ ‫الصناعية اعداد االيدي املاهرة لبعض الصناعات‬ ‫اليت كان يزمع تأسيسها يف العراق كمشروع‬ ‫استخراج النفط من آبار خانقني‪. )14(13‬‬ ‫ـ عندما الحظ االنكليز ما تعانيه الثروة‬ ‫احليوانية يف ال��ع��راق م��ن اه��م��ال ؛ اس��س��وا يف‬ ‫عام ‪1918‬م دائ��رة للبيطرة مسيت ( دائرة‬ ‫البيطرة وال��رك��ائ��ب امللكية ) ‪ ،‬واستعانوا‬ ‫باالختصاصيني اهلنود فإنتشرت مثل هذه‬ ‫الدوائر يف امل��دن العراقية املهمة حيث كانت‬ ‫هناك (‪ )15‬مستشفى يف عموم العراق ‪ ،‬واحدة‬ ‫منها يف خانقني ‪ .‬وبينما كانت م��دن اخرى‬ ‫مهمة خالية من تلك املستشفيات ‪ .‬ك��ان يف‬ ‫ناحية (قوره تو) التابعة خلانقني مستوصف‬ ‫يقدم خدماته الصحية للمنطقة‪ .‬وذل��ك يف‬ ‫عام‪1951‬م‪. )15(14‬‬ ‫ـ تعد خانقني من اقدم مناطق العراق اليت‬ ‫اجري فيها التنقيب عن النفط ‪ .‬حيث انشئت‬

‫يف ‪ 30‬آب من عام ‪1925‬م شركة باسم (شركة‬ ‫نفط خانقني) كفرع لشركة امتياز دارسي‬ ‫(شركة النفط االنكليزية الفارسية) ‪ .‬بل‬ ‫هي اول مدينة يف العراق يؤسس فيها مصفى‬ ‫للنفط ‪ ،‬وذلك يف عام ‪1926‬م حيث انشئ على‬ ‫ الضفة الغربية من نهر الوند فسمي بامسه ‪.‬‬ ‫وت��وىل بيع النفط والبنزين جلميع االس��واق‬ ‫العراقية ‪ .‬فال يصدر اية كمية اىل اخلارج اال بعد‬ ‫تأمني االحتياجات احمللية‪. )16(15‬‬ ‫ــ اعتربت خانقني من اوائل املدن العراقية‬ ‫اليت اسست فيها املدارس الرمسية احلديثة‪ ،‬سواء‬ ‫كان ذلك يف العهد العثماني او اثناء االحتالل‬ ‫الربيطاني بإستثناء الفرتة اليت أعقبت تشكيل‬ ‫ال��دول��ة العراقية احلديثة حيث تأخر فيها‬ ‫تأسيس املدارس ‪.‬‬ ‫ـ يستثين الدكتور ص��احل فليح حسن وهو‬ ‫يتعرض لتخلف املدن احلدودية يف جمال التعليم‬ ‫االبتدائي ‪ ،‬يستثين مدينيت خانقني والزبري‬ ‫عن م��دن ال��ع��راق االخ��رى ؛ ويعزي ذل��ك اىل‬ ‫ارتباطهما بالعامل اخلارجي من جهة ‪ ،‬ولوجود‬ ‫النفط فيهما من جهة ثانية ‪ ،‬رغم وجود اسباب‬ ‫اخرى بالنسبة ملدينة خانقني ‪ ،‬تتعلق معظمها‬ ‫بثقافة السكان املتاصلة ورغبتهم يف التعلم ‪ ،‬مل‬ ‫يذكرها الدكتور‪. )17(16‬‬ ‫ـ��ـ ضمن ستة ط��رق رئيسة مصنفة لسري‬ ‫السيارات تربط العراق بالعامل اخلارجي ‪ ،‬يعد‬ ‫طريق (بغداد ــ خانقني) املتجه حنو الشرق ‪،‬‬ ‫من اهم تلك الطرق ‪ ،‬حيث يبلغ طوله اكثر من‬ ‫الف كيلومرت ‪ ،‬يبدأ من بغداد ليصل طهران ثم‬ ‫يتجه صوب الشرق ‪ .‬وهو اطول ثاني طريق بعد‬ ‫طريق ( بغداد ــ املدينة املنورة)‪. )18(17‬‬


‫ً‬ ‫فضال عن مساحات بساتينها الواسعة ‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫واش��ج��اره��ا املتميزه ‪ ،‬ف��ان منطقة خانقني‬ ‫اشتهرت كذلك جب��ودة حاصالتها احلقلية‬ ‫والزراعية املتنوعة وكمثال فان نوعية القطن‬ ‫اليت كانت تزرع يف املزرعة امللكية (علياوة)‬ ‫وال�تي تصدر اىل اخل��ارج ‪ ،‬اعتربت من اجود‬ ‫االنواع ‪ .‬ومرغوبة كثرياً سيما يف انكلرتا اليت‬ ‫كانت تستوردها ‪ .‬وهذا ما جعل امللك يتابع‬ ‫ً‬ ‫مستعينا خببري‬ ‫زراعتها وقطفها بنفسه ‪،‬‬ ‫بريطاني‪. )19(18‬‬ ‫ـ ً‬ ‫فضال عما ذكرناه حول اهمية املدينة ‪ ،‬فان‬ ‫ما فعلته السلطات املتعاقبة وباالخص احلكومة‬ ‫السابقة من اج��راءات سياسية واداري��ة لتغيري‬ ‫دميوغرافيتها وازال��ة معاملها الكوردستانية ‪،‬‬ ‫وما رصدت من مبالغ خيالية لتنفيذ سياستها‬ ‫تلك ‪ ،‬امن��ا الهمية املدينة واسرتاتيجيتها ‪،‬‬ ‫وبيانا ملكانتها اليت اخذتها السلطات املتعاقبة‬ ‫بنظر االعتبار واستغلتها لصاحلها‪ ،‬واليت كانت‬ ‫بالضرورة على النقيض من مصلحة ابنائها‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫وسببا جلر الويالت عليهم يف حني يفرتض ان‬ ‫تكون ً‬ ‫سببا لرخاء عيشهم وسعادتهم ‪ .‬ولكن‬ ‫ذلك مل حيدث النها كوردستانية !‬

‫‪ )2(1‬د‪ .‬مجيل م��وس��ى النجار ‪ ،‬االدارة‬ ‫العثمانية يف والي��ة بغداد ‪ ،‬ص ‪ ، 260‬عن‬ ‫جريدة الزوراء ‪ ،‬العدد ‪ 38‬يف ‪ 28‬ذي القعدة‬ ‫‪1286‬هـ‬ ‫‪ )4(2‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 256‬‬ ‫‪ )5(3‬انظر سالنامة والي��ة بغداد للسنة‬ ‫اهلجرية ‪ ، 1325‬ص ‪. 95‬‬

‫(‪ )6‬لونكرينك ‪ ،‬اربعة قرون من تاريخ العراق‬ ‫احل��دي��ث ‪ ،‬ترمجة جعفر اخل��ي��اط ‪ ،‬الطبعة‬ ‫الرابعة ‪ ، 1968‬ص ‪. 357‬‬ ‫‪ )7(5‬عبد الرزاق اهلاللي ‪ ،‬معجم العراق ‪ ،‬ص‬ ‫‪. 157‬‬ ‫‪ )8(6‬انظر سالنامة والية بغداد ‪1325‬هـ ‪،‬‬ ‫ص ‪. 149‬‬ ‫‪ )9(7‬د‪ .‬مجيل موسى النجار ‪ ،‬االدارة‬ ‫العثمانية يف والي��ة بغداد ‪ ،‬املصدر السابق‬ ‫ص‪. 330‬‬ ‫‪ )10( 8‬انظر سالنامة والية بغداد ‪1325‬هـ‬ ‫‪ ،‬ص ‪. 149‬‬ ‫‪ )11(9‬د‪ .‬مجيل موسى النجار ‪ ،‬االدارة‬ ‫العثمانية يف والية بغداد ‪ ،‬املصدر السابق ص‬ ‫‪. 402‬‬ ‫‪ )*(10‬اليوزباشي رتبة عسكرية عند‬ ‫العثمانيني تساوي النقيب عندنا اليوم ‪.‬‬ ‫‪ )12(11‬سالنامة والية بغداد ‪1325‬هـ ‪ ،‬ص‬ ‫‪. 148‬‬ ‫‪ )13(12‬سليمان فيضي ‪ ،‬يف غمرة النضال ‪،‬‬ ‫ص ‪. 58‬‬ ‫‪ )14(13‬د‪ .‬مجيل موسى النجار ‪ ،‬التعليم‬ ‫يف العراق يف العهد العثماني االخري ‪ 1869 ،‬ــ‬ ‫‪1918‬م ‪ ،‬الطبعة االوىل ‪ ،‬بغداد ‪ ، 2002‬ص‬ ‫‪.114‬‬ ‫‪ )15(14‬عبد الرزاق اهلاللي ‪ ،‬معجم العراق‬ ‫بغداد ‪ ،1951‬ص ‪. 197 - 196‬‬ ‫(‪ )16‬ع��ب��دال��رزاق احلسين ‪ ،‬ال��ع��راق قدميا‬ ‫وحديثا ‪1948‬م ‪ ،‬صيدا ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬ ‫‪173‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪174‬‬

‫‪ )17(16‬د‪ .‬ص��احل فليح حسن ‪ ،‬جغرافية‬ ‫التعليم االبتدائي يف العراق ‪ ،‬بغداد ‪1979‬م ‪،‬‬ ‫الطبعة االوىل ‪ ،‬ص ‪. 206‬‬ ‫‪ )18(17‬عبدالرزاق احلسين ‪ ،‬املصدر السابق‬ ‫‪،‬ص‪.9‬‬ ‫‪ )19(18‬غازي دحام فهد املرسومي ‪ ،‬البالط‬ ‫امللكي يف ال��ع��راق ودوره يف احلياة السياسية‬ ‫‪ 1921‬ــ ‪ ، 1933‬الدار العربية للموسوعات‬ ‫‪ ،‬الطبعة االوىل ‪ ، 2002 ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص‬

‫‪. 127‬‬


‫أهم الحروب التي خاضها أهايل‬ ‫العامدية (ئاميدي)‬ ‫بسار شايل‬

‫‪175‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪176‬‬

‫أماد – ئفاهيا (مدينة الشعب امليدي)‪ ،‬هكذا‬ ‫كانوا يسمونها يف املاضي السحيق‪ ،‬ومبرور الزمن‬ ‫تغري األسم علی السنة الناس ليصبح اليوم أمسها‬ ‫باللغة الردية (ئاميدي) أو ما يسمونها باللغة‬ ‫العربية (العمادية) نسبة إیل عماد الدين الزنكي‬ ‫الذي أحتلها وجدد بنائها‪ ،‬هذه األمساء القدمية‬ ‫واحلديثة وباللغات املختلفة أطلقت علی مدينة‬ ‫عريقة يف التاريخ واليت تعترب ثاني أقدم مدينة‬ ‫يف كردستان بعد مدينة أربيل‪ ،‬من حيث كونها‬ ‫مأهولة بالناس منذ انشائها ومواصلة احلياة‬ ‫والعيش فيها حلد اآلن‪ ،‬كما وتعترب ئاميدي‬ ‫إح��دى أق��دم امل��دن يف الشرق األوس���ط‪ ،‬حيث‬ ‫أختذها املديني عاصمة إلمرباطويتهم بناءاً علی‬ ‫أوامر وتعليمات زعيمهم ديو (ديوكسس) كما‬ ‫كتبها األغريق سنة ‪ 731‬ق‪.‬م‪ ،‬وليحكموا منها‬ ‫إمرباطورية واسعة جداً‪ ،‬وإن أي متابع للتاريخ‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا تاريخ احل��روب القدمية وتكوين‬ ‫اإلم��ارات واملمالك وال��دول أو اإلمرباطوريات‬ ‫القدمية‪ ،‬فإنه عندما ينظر إیل خارطة منطقة‬ ‫بهدينان بإقليم كوردستان العراق واملناطق‬ ‫احمليطة بها بشكل عام سوف جيزم بأن أي كيان‬ ‫قديم لألكراد كان سيتخذ من هذه الصخرة‬ ‫ً‬ ‫مكانا أو قلعة‬ ‫املرتفعة (مدينة ئاميدي)‬ ‫ً‬ ‫حصينة لكي يكون مركزاً أو عاصمة حلكم‬ ‫املناطق األخری‪ ،‬ملا يتمتع بها من موقع فريد‬ ‫من حيث اإلرتفاع وكذلك كثرة األنهار اليت‬ ‫حتيط بها واليت كانت مبثابة خطوط الدفاع‬ ‫األمامية وهي يف الوقت نفسه حماطة بسالسل‬ ‫جبلية م��ن ك��ل اجل��ه��ات‪ ،‬أي وف��ق ً��ا للمفاهيم‬ ‫العسكرية القدمية إنها مدينة أو قلعة يف غاية‬ ‫التحصني واملناعة وهو موقع مثالي لكي يتخذ‬

‫ً‬ ‫عاصمة حلكمه‪ ،‬ومن‬ ‫منه أي قائد مركزاً أو‬ ‫ناحية أخری فإن أغلب مصادر التاريخ تؤكد‬ ‫بأن الشعب امليدي كان من الشعوب اهلندوأوربية‬ ‫الذين سكنوا شرق حبر قزوين وهاجروا إیل‬ ‫مش��ال غ��رب هضبة إي���ران وإن��دجم��وا بشعب‬ ‫قديم يطلق عليه (نه ‌يار) وهم أبناء عمومة‬ ‫للشعب امليدي وقد سبقوهم إیل تلك املنطقة أي‬ ‫حوض نهر الزاب الكبري‪( ،‬ولكي نبسطها للقارئ‬ ‫وباملفاهيم واألمساء احلالية‪ ،‬فنحن نتحدث عن‬ ‫منطقة بهدينان وهكاري واليت متتد إیل عمق‬ ‫كوردستان الشمالية حتی منابع نهري دجلة‬ ‫والفرات وميتد ً‬ ‫شرقا حتی جبل جودي)‪ ،‬وبعد‬ ‫تكوين أمرباطوريتهم توسعوا ً‬ ‫شرقا حتی جنوب‬ ‫حبر قزوين‪ ،‬ويؤكد الكثري من مصادر التاريخ‬ ‫وكذلك أغلب املؤرخون بأن الشعب امليدي هم‬ ‫أصل الشعب الكردي احلالي وكانوا يعيشون‬ ‫يف شرق ومشال اإلمرباطورية اآلشورية واليت‬ ‫سقطت بأيديهم سنة ‪ 612‬ق‪.‬م‪ ،‬علی يد ملكهم‬ ‫(كي اخسار)‪ ،‬كما أن أغلب الكتابات اآلشورية‬ ‫املكتشفة تؤكد بأن أكرب تهديد لإلمرباطورية‬ ‫اآلشورية كان يتمثل بهجمات امليديني عليهم‬ ‫وأن أغلب ملوك آش��ور كانوا يف ح��روب شبه‬ ‫مستمرة مع امليديني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إذا من خالل ما سبق وإستنادا إیل التحليل‬ ‫املنطقي والواقعي ومن خالل مصادر التاريخ‬ ‫واخلرائط اجلغرافية احلديثة وكيفية إنتشار‬ ‫الشعوب وتكوين احل��ض��ارات‪ ،‬يظهر لنا أن‬ ‫الشعب ال��ك��ردي ه��و أم��ت��داد لشعوب قدمية‬ ‫عاشت وحكمت املنطقة منذ آالف السنني أي‬ ‫مبعنی أن الكرد هم من ساللة الشعب امليدي‬ ‫الذي أندمج معه شعب نه ‌يار* األقدم منه يف‬


‫ً‬ ‫إنطالقا من مركز‬ ‫املنطقة‪ ،‬والذي حكم املنطقة‬ ‫احلكم أي مدينة ئاميدي (العمادية) اليت سكنها‬ ‫الناس منذ أكثر من ‪ 2700‬سنة وحلد اآلن‬ ‫دون إنقطاع‪ ،‬وان أسم ئاميدي قد جاء من أسم‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫الشعب امليدي كما ذكرنا‬ ‫من أن أمرباطورية ميديا قد خسرت احلرب‬ ‫مع (ك��ورش الكبري) سنة ‪ 550‬ق‪.‬م وبذلك‬ ‫غابة مشسها وانقطعت أخبارها إال أن (ئاميدي)‬ ‫بقيت بيد امليديني حسب بعض املؤرخني‪ ،‬إیل أن‬ ‫أحتلتها جيوش أسكندر الكبري سنة ‪ 331‬ق‪.‬م‬ ‫عندما أجتاح منطقة الشرق األوسط وأسقطت‬ ‫اإلمرباطوريات وال��دوي�لات الصغرية‪ ،‬وكانت‬ ‫ئاميدي منذ ذل��ك التاريخ حتكمها عائالت‬ ‫كردية عريقة وخمتلفة عرب مراحل التاريخ‬ ‫املتعددة‪ ،‬كانت خالهلا تتمتع بإستقالهلا التام يف‬ ‫كثري من األوقات‪ ،‬وسيطرة علی املناطق احمليطة‬ ‫بها‪ ،‬ويف مراحل أخرى من التاريخ كانت تابعة‬ ‫إلحدی الدويالت أو الكيانات القوية يف املنطقة‬ ‫أو لقوی إقليمية حكمت مناطق شاسعة يف‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬وبعد الفتح اإلسالمي أصبحت‬ ‫جزء من األمرباطورية اإلسالمية‪.‬‬ ‫وم��ن خ�لال مصادر التاريخ نستنتج أيضا‬ ‫أن مدينة ئاميدي (العمادية) مثل شقيقاتها‬ ‫يف املناطق الكردية ق��د قامت بالعديد من‬ ‫اإلنتفاضات ضد احلكام العرب املسلمني وجامعي‬ ‫الضرائب‪ ،‬إیل أن حكمها زعماء كرد من أبناء‬ ‫حلف مع السلجوقيني‪،‬‬ ‫املنطقـة الذين كانوا يف ٍ‬ ‫كما أنها خاضت العديد من احلروب مع إمارة‬ ‫هكاري اليت كانت تقع يف مشال ومشال شرقي‬ ‫املدينة ويبدوا أنها سقطت ودم��رت علی يد‬ ‫اهلكاريني يف النصف األول من القرن الثاني‬

‫عشر‪.‬‬ ‫ويذكر أبن األث�ير يف كتابه الباهر‪ ،‬أن عماد‬ ‫الدين الزنكي ق��ام سنة ‪ 538‬هـ ‪1142/‬م‬ ‫ببناء قلعة عظيمة يف بالد هكاري (بالد هكاري‬ ‫ما يسمى اليوم حمافظة ده��وك‪ ،‬أو منطقة‬ ‫بادينان)‪ ،‬على انقاض قلعة كبري ال مثيل هلا يف‬ ‫بالد الكرد ومسيت بامسها‪ ،‬وبعد فرتة دمرها‬ ‫أمراء هكاري لعجزهم عن اإلحتفاظ بها وإبقائها‬ ‫حتت سيطرتهم‪ ،‬وكلف عماد الدين الزنكي‬ ‫نائبه (نصر الدين جقر) بإكمال السيطرة على‬ ‫امارة هكاري‪ ،‬متكن هذا األخري من السيطرة على‬ ‫أغلب قالع املنطقة منها على سبيل املثال‪ :‬قلعة‬ ‫هرور وقلعة قمري‪ ،‬قلعة نريوه‌‪ ،‬قلعة ئاشيتا‬ ‫(أشت) واليت دمرها ً‬ ‫كليا‪ ،‬باإلضافة اىل العديد‬ ‫من القالع الصغرية واليت سواها باألرض بناءاً‬ ‫على أوامر عماد الدين الزنكي لكي ال يستعملها‬ ‫الكرد ضدهم مرة اخ��رى‪ ،‬مثل قلعة (جه‌له‌‬ ‫قه‌سرى – مبعنی قصر القمة) يف قرية (ألــه)‬ ‫الوقعة يف منطقة (نريوه‌)‪ ،‬كما سيطر على جبل‬ ‫ً‬ ‫مشاال ومتكن‬ ‫كاره وجبل متينا‪ ،‬وبعدها اجته‬ ‫من السيطرة على املناطق الواقع بني العمادية‬ ‫وحبرية وان‪ ،‬ووصل اىل احلدود األرمنية عند‬ ‫جبل ارارات‪.‬‬ ‫ويف سنة ‪ 615‬هـ امل��واف��ق ‪1218‬م‪ ،‬حاول‬ ‫حاكم مدينة املوصل بدر الدين لؤلؤ‪ ،‬إخراج‬ ‫مدينة ئاميدي (العمادية) من يد عماد الدين‬ ‫أبن نور الدين (وهو حفيد عماد الدين الزنكي‬ ‫الذي جدد بناء قلعة ئاميدي سنة ‪1142‬م علی‬ ‫أنقاض قلعة عظيمة وقدمية مل يكن هلا مثيل‬ ‫يف جبال الكرد حسب وصف أبن األث�ير)‪ ،‬وقام‬ ‫بفرض حصار علی املدينة‪ ،‬إال أن حاكم أربيل‬ ‫‪177‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪178‬‬

‫مظفر الدين كوكبوري (وهو والد زوجة عماد‬ ‫الدين حاكم العمادية يف ذلك الوقت) متكن من‬ ‫الوصول إليها جبيشه يف الوقت املناسب ودارت‬ ‫بني الطرفني معركة حامية أسفرت عن هزمية‬ ‫ب��در الدين لؤلؤ وف���راره من املعركة بإجتاه‬ ‫املوصل‪.‬‬ ‫ه��ذا وقلما جن��د يف ت��اري��خ املنطقة مدينة‬ ‫تعرضت للحروب واحل��ص��ار مثلما تعرضت‬ ‫هلا مدينة (ئاميدي) التارخيية‪ ،‬وقليلة هي‬ ‫عدد امل��رات اليت سقطت فيها املدينة بأيدي‬ ‫الغزاة‪ ،‬وسبب ذلك يرجع كما ذكرنا يف السابق‬ ‫إیل موقعها احلصني وإیل بسالة وشجاعة أهلها‬ ‫وإصرارهم علی الدفاع عنها وحتمل احلصار‬ ‫الذي كان يفرض عليها أثناء املعارك‪ ،‬ولكون‬ ‫(ئاميدي) كانت قلعة أسرتاتيجية مهمة يف‬ ‫املنطقة وكانت يف الوقت نفسه‪ ،‬عاصمة إلمارة‬ ‫بهدينان اليت دامت ألكثر من ستة قرون وكانت‬ ‫مركزاً ألمرائها‪ ،‬وألن منطقة الشرق األوسط‬ ‫بشكل عام والعراق ومنطقة كردستان بشكل‬ ‫خاص كانت منطقة صراع مستمر بني القوی‬ ‫اإلقليمية واحمللية وكانت جتتاحها بني فينة‬ ‫وأخرى جيوش الطامعني والغزات من الشرق‬ ‫والغرب‪ ،‬فكان من البديهي أن تتجه األنظار‬ ‫حنوها لغرض إحتالهلا أو القضاء عليها‪.‬‬ ‫ومي��ك��ن أن نلخص أب���رز تلك امل��ع��ارك اليت‬ ‫ً‬ ‫دفاعا عن‬ ‫خاضتها مدينة ئاميدي (العمادية)‬ ‫نفسها وعن إمارتها (إمارة بهدينان)‪ ،‬وحسب‬ ‫التسلسل الزمين مبا يلي‪:‬‬ ‫•يف سنة ‪1400‬م‪ ،‬حاول تيمورلنك إحتالل‬ ‫ئاميدي عندما أجتاح مجيع الدول واإلمارات‬ ‫يف منطقة الشرق األوسط‪ ،‬بعد أن كان أمريها‬

‫عماد الدين بك أظهر والئه لتيمورلنك سنة‬ ‫‪ 1394‬وجعله هذا األخري ً‬ ‫ملكا على الكرد‪ ،‬إال‬ ‫أن طاعته لتيمورلنك مل تكن لفرتة طويلة بل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرحليا تطلبهتا معطيات العصر‪،‬‬ ‫تكتيكا‬ ‫كان‬ ‫ويذكر أن ق��وات تيمورلنك فشلت يف أحتالل‬ ‫ئاميدي‪.‬‬ ‫•يف سنة ‪1470‬م‪ ،‬إنتصر األمري (حسن بك)‬ ‫أمري إمارة بهدينان علی جيش دولة (آق قوينلو)‬ ‫اخلروف االبيض واليت كانت عاصمتها دياربكر‪،‬‬ ‫وال��ذي تقدم حنو العمادية (ئاميدي) لغرض‬ ‫احتالهلا‪ ،‬وكان هذا اجليش بقيادة (سليمان بك‬ ‫بيزن) حيث حاصر هذا القائد مدينة العمادية‬ ‫ولكن األمري (حسن بك) استطاع بذكائه اخلارق‬ ‫وخربته توحيد وتنسيق اجلهود داخل القلعة‬ ‫(ئاميدي) وقوات اإلمارة يف قالع اإلمارة منها‬ ‫(قلعة نريوه وقلعة أرز وقلعة شوش)‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل التنسيق والتخطيط م��ع ق��وات عشائر‬ ‫بهدينان املنطوية حتت جناح اإلمارة‪ ،‬ومهامجة‬ ‫جيش اخلروف األبيض واإلنتصار عليه‪ ،‬ليحقق‬ ‫بذلك اإلستقالل التام إلمارة بهدينان وجعلها‬ ‫من أقوی إمارات املنطقة وإستأصل بذلك شوكة‬ ‫دولة (آق قوينلو) من املنطقة‪.‬‬ ‫•يف سنة ‪1629‬م‪ ،‬قام أمحد خان األردالني‬ ‫بهجوم واس��ع علی عشرية الداسنية يف إم��ارة‬ ‫بهدينان ونتيجة لذلك أرس��ل األم�ير يوسف‬ ‫خ��ان ب��ك األول (‪1629‬م – ‪1632‬م) أمري‬ ‫ً‬ ‫جيشا بقيادة عمه لصد اهلجوم‬ ‫بهدينان‬ ‫األردالن��ي لكنه فشل يف صد اهلجوم‪ ،‬مما حدی‬ ‫بأمحد بك األردالني إیل أن يوسع هجومه علی‬ ‫إمارة بهدينان وأن يتجه حنو عاصمة اإلمارة‬ ‫(ئاميدي)‪ ،‬وإستطاع أن حياصرها لفرتة من‬


‫الزمن إال أن م��رض الطاعون أفتك بالكثري‬ ‫من جنوده مما دفعه ایل اإلنسحاب والعودة‬ ‫إیل دي��اره‪ ،‬ويوجد حلد اآلن يف أط��راف مدينة‬ ‫ئاميدي مقربة ألوالئك املوتی من جنود اجليش‬ ‫األردالني الذين ماتوا بالطاعون وتسمی مقربة‬ ‫(سوران)‪.‬‬ ‫•يف سنة ‪1718‬م‪ ،‬قام والي بغداد حسن باشا‬ ‫(‪1704‬م – ‪1723‬م) بقيادة محلة عسكرية‬ ‫علی إمارة بهدينان حبجة وجود اإلضطرابات‬ ‫فيها‪ ،‬وي��ب��دوا أن وال��ي بغداد التابع للدولة‬ ‫العثمانية إستغل الصراع الدائر يف اإلمارة بني‬ ‫أمري اإلم��ارة بهرام باشا وشقيقه سعيد بك‪،‬‬ ‫وتلبية لطلب األخري من والي بغداد مساعدته‪،‬‬ ‫وال��ذي مل ي�تردد يف تلبيته ألن��ه يتماشی مع‬ ‫سياسات الدولة العثمانية يف إضعاف اإلمارات‬ ‫الكردية وتأجيج نار الفنت بينها لكي تتمكن يف‬ ‫النهاية من السيطر عليهم دون عناء‪ ،‬حشد والي‬ ‫بغداد قواته ومتكن من الوصول إیل ئاميدي‬ ‫وحماصراتها بغية الدخول إليها‪ ،‬إال أنها فشلت‬ ‫يف ذلك ومل تتمكن من إحتالهلا نتيجة ملقاومة‬ ‫قوات وأهالي العمادية (ئاميدي) بقيادة أمريهم‬ ‫بهرام باشا الكبري‪ ،‬ويف النهاية أنسحبت قوات‬ ‫والي بغداد حسن باشا من أراضي اإلمارة حتت‬ ‫ضغط ق��وات بهدينان اليت ج��اءت من القالع‬ ‫واملناطق املختلفة من اإلمارة‪.‬‬ ‫•كانت العالقة بني والي بغداد أمحد باشا‬ ‫أبن الوالي السابق حسن باشا الذي هاجم إمارة‬ ‫بهدينان سنة ‪1718‬م‪ ،‬وف��رض حصاراً علی‬ ‫عاصمتها كما ذكرنا‪ ،‬وبني الباشا الكبري األمري‬ ‫بهرام باشا‪ ،‬سيئة للغاية‪ ،‬حيث كان والي بغداد‬ ‫اجلديد يكن ً‬ ‫كرها شديداً ألمري بهدينان بهرام‬

‫باشا وكان يعد له الكثري من الفنت والدسائس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا عندما شعر ب��أن أم�ير بهدينان ال‬ ‫يعطي لتوجيهاته أي أهتمام ومل يكن يكرتث‬ ‫به وال بأوامره‪ ،‬بل كان يراجع الباب العالي يف‬ ‫أستانبول مباشرة لعرض الشؤون املتعلقة بإمارة‬ ‫بهدينان‪ ،‬حيث كان من املفروض أن يراجع أمري‬ ‫بهدينان والي بغداد حسب التشكيالت اإلدارية‬ ‫يف ذلك الوقت‪ ،‬لذلك اتهم والي بغداد أمحد باشا‬ ‫خصمه األمري بهرام باشا مبحاولة التمرد علی‬ ‫الدولة العثمانية واإلستقالل عنها‪ ،‬ويف سنة‬ ‫ً‬ ‫جيشا كبرياً بقيادة‬ ‫‪1728‬م‪ ،‬أرسل والي بغداد‬ ‫أحد مساعديه ليقوم حبملة عسكرية ضد إمارة‬ ‫بهدينان‪ ،‬وقد وصلت القوات املهامجة إیل أطراف‬ ‫عاصمة بهدينان (ئاميدي) وضربت حصاراً‬ ‫حوهلا‪ ،‬وقامت بالعديد من اهلجمات عليها دون‬ ‫فائدة‪ ،‬وفشلت احلملة هذه امل��رة ً‬ ‫أيضا كما يف‬ ‫السابق نتيجة لصمود أهالي (ئاميدي) وكذلك‬ ‫بسبب املقاومة الشرسة للقوات البهدينانية‬ ‫بقيادة أمريها بهرام باشا‪ ،‬كما وكانت هلجمات‬ ‫العشائر البهدينانية علی قوات والي بغداد األثر‬ ‫الكبري يف إرباك صفوفهم وإضعاف معنوياتهم‪،‬‬ ‫مما دفع مبساعد والي بغداد الذي كان يقود تلك‬ ‫القوات إیل عقد إتفاق صلح مع األمري بهرام باشا‬ ‫واإلنسحاب من أراضي إمارة بهدينان‪.‬‬ ‫•يف سنة ‪1740‬م‪ ،‬قام والي املوصل احلاج‬ ‫حسني باشا اجلليلي حبملة عسكرية كبرية‬ ‫علی إمارة بهدينان‪ ،‬وتعرضت العديد من قری‬ ‫منطقة بهدينان إیل النهب والسلب والتدمري‬ ‫وخاصة تلك الواقعة يف طريق ه��ذه القوات‬ ‫بإجتاه ئاميدي واليت وصلت إیل أطرافها وفرضت‬ ‫ح��ص��اراً ش��دي��داً عليها‪ ،‬وقامت ه��ذه القوات‬ ‫‪179‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪180‬‬

‫املعادية بالعديد من احملاوالت إلقتحام املدينة إال‬ ‫ً‬ ‫نتيجة للمقامة الباسلة‬ ‫أن مجيعها باءت بالفشل‬ ‫ألهالي املدينة ول��ق��وات اإلم���ارة ولعشائرها‪،‬‬ ‫حيث تكبدت القوات املهامجة خسائر جسيمة‬ ‫ً‬ ‫نتيجة‬ ‫وكانت تلك اخلسائر تزداد يوم بعد آخر‬ ‫هلجمات قوات إمارة بهدينان املتواجدة يف قالع‬ ‫ومدن اإلمارة باإلضافة هلجمات قوات العشائر‬ ‫البهدينانية عليها‪ ،‬لذلك طلب والي املوصل عقد‬ ‫الصلح مع األمري بهرام باشا وأنسحب من أراضي‬ ‫ً‬ ‫راجعا إیل املوصل‪.‬‬ ‫إمارة بهدينان‬ ‫•يف سنة ‪1769‬م‪ ،‬وبعد هزمية بريام بك أبن‬ ‫السلطان بدر الدين بك (وهو أحد أبناء عمومة‬ ‫أمري إمارة بهدينان وهو من األسرة املريسفدينة‬ ‫احلاكمة إلمارة بهدينان) يف معركته مع األمري‬ ‫إمساعيل باشا األول أمري إمارة بهدينان‪ ،‬توجه‬ ‫إیل والي بغداد عمر باشا (‪1764‬م – ‪1775‬م)‬ ‫لطلب املساعدة يف أن يتویل حكم إمارة بهدينان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مبلغا كبرياً من املال‬ ‫وبعد أن أعطی بريام بك‬ ‫ً‬ ‫جيشا كبرياً‬ ‫لوالي بغداد‪ ،‬أرس��ل األخ�ير معه‬ ‫وطلب م��ن أم�ير (ق��ه ل��ه ‌ج���والن) حممد بك‬ ‫الباباني (‪1763‬م – ‪1773‬م)‪ ،‬أن يساند بريام‬ ‫بك يف حربه مع األمري امساعيل باشا األول‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫فرمانا بتولي بريام بك إمارة‬ ‫أصدر والي بغداد‬ ‫بهدينان (لقد كان موقف والي بغداد من هذه‬ ‫القضية يتماشی مع سياسة الباب العالي اليت‬ ‫كان ينتهجها مع اإلمارات الكردية وهي سياسة‬ ‫فرق تسد)‪ ،‬وبعد أن ألتقی اجليش الذي أرسل‬ ‫مع بريام بك مع جيش حممد بك الباباني توجها‬ ‫حنو إمارة بهدينان‪ ،‬وقد متكنت هذه القوات من‬ ‫الوصول إیل أطراف عاصمة اإلمارة (ئاميدي)‬ ‫حصار‬ ‫وأحتالل املناطق احمليطة بها وفرض‬ ‫ٍ‬

‫حمكم عليها أستمر ملدة مخسة أشهر‪ ،‬وقامت‬ ‫القوات املهامجة بالعديد من احملاوالت إلقتحام‬ ‫أس��وار املدينة إال أن مجيعها ب��اءت بالفشل‪،‬‬ ‫وذل��ك لبسالة أهالي ئاميدي ولشجاعة قوات‬ ‫إمارة بهدينان وحلصانة أسوار املدينة وشجاعة‬ ‫أمريهم‪ ،‬وبعد أن تدهورت األوضاع يف صفوف‬ ‫القوات املهامجة وإق�تراب فصل الشتاء البارد‪،‬‬ ‫طلب حممد بك الباباني من األمري امساعيل باشا‬ ‫األول الصلح علی الرغم من معارضة بريام بك‬ ‫لذلك‪ ،‬وبعد انسحاب حممد بك الباباني وقواته‬ ‫من إم��ارة بهدينان هرب ب�يرام بك إیل اجلبال‬ ‫وحتصن فيها‪.‬‬ ‫•يف سنة ‪1779‬م‪ ،‬أرسل والي بغداد اململوكي‬ ‫املدعوا عبد الباقي البغدادي إیل مدينة املوصل‬ ‫لكي يقوم من هناك حبملة عسكرية علی إمارة‬ ‫بهدينان‪ ،‬ومن املوصل أنطلقت محلة العثمانيني‬ ‫وهامجت إمارة بهدينان‪ ،‬ومتكنت قوات اململوكي‬ ‫عبد الباقي البغدادي من الوصول إیل أطراف‬ ‫حصار حمكم عليها‪،‬‬ ‫العاصمة (ئاميدي) وفرض‬ ‫ٍ‬ ‫وقد كان عبد الباقي البغدادي وقواته قساة‬ ‫لدرجة أنهم دمروا ونهبوا وأحرقوا كل شيء يف‬ ‫طريقهم ويف املناطق اليت إحتلوها وحولوها إیل‬ ‫خراب‪ ،‬ويف أطراف (ئاميدي) قاموا باإلعتداء‬ ‫علی الناس وعملوا مذابح فيها‪ ،‬وأسروا من بقي‬ ‫ً‬ ‫حيا منهم وأرسلوهم إیل املوصل‪ ،‬وبعد عدة‬ ‫حماوالت فاشلة إلحتالل عاصمة إمارة بهدينان‬ ‫وعدم جدوی احلصار املفروض عليها‪ ،‬أنسحب‬ ‫عبد الباقي البغدادي مع قواته عائداً إیل املوصل‬ ‫بعد أن نهب أم��وال كثرية من أهالي املنطقة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأثناء اإلنسحاب‪ ،‬أحدثت قواته دم��اراً‬ ‫واسعا‬ ‫يف القری‪ ،‬هذا ومل يسكت البهدينانيون علی‬


‫تلك اإلعتداءات واملذابح اليت قام بها اململوكي‪،‬‬ ‫لذا أرسل األمري إمساعيل باشا األول علی وجه‬ ‫السرعة ق��وة عسكرية من خمتلف العشائر‬ ‫بقيادة ك��ل م��ن (سيف حممد آغ��ا الزيباري‬ ‫وأمحد آغا املزوري وخالد بك الربواري) ملهامجة‬ ‫القوات العثمانية املنسحبة ومتكنت القوة من‬ ‫اإللتفاف على القوات املنسحبة وإعرتاضها عند‬ ‫قرية (لومانا) القريبة من مدينة (ده��وك)‪،‬‬ ‫ونشب بني القوتني قتال عنيف أسفر عن‬ ‫انتصار ساحق لقوات بهدينان ومتزيق القوات‬ ‫املعتدية‪ ،‬وأثناء املعركة هاجم أحد شباب ُ‬ ‫الكرد‬ ‫وكان امسه (خلف امل��زوري) علی قائد القوات‬ ‫العثمانية اململوكي عبد الباقي وقتله‪ ،‬وقد‬ ‫أسرتد البهدينانيون أمواهلم وغنموا الكثري من‬ ‫األسلحة‪.‬‬ ‫•يف سنة ‪1803‬م‪ ،‬قاد والي بغداد علي باشا‬ ‫(‪1802‬م – ‪1807‬م)‪ ،‬محلة عسكرية علی‬ ‫اإليزديني يف سنجار‪ ،‬وطلب من مجيع أمراء‬ ‫ُ‬ ‫الكرد وم��ن وال��ي املوصل املشاركة يف احلملة‬ ‫العسكرية‪ ،‬وق��د أع��ت��ذر األم�ير (م���راد خان‬ ‫بك) أمري إم��ارة بهدينان عن املشاركة وأرسل‬ ‫قوات رمزية من أجل املشاركة يف تلك احلملة‪،‬‬ ‫حيث كانت عالقة األخري جيدة مع (إيزيديي‬ ‫سنجار) باإلضافة إیل كون (إيزيديي شيخان)‬ ‫جزء من إم��ارة بهدينان ومن رعاياها‪ ،‬وبعد‬ ‫إنتهاء احلملة علی اإليزديني‪ ،‬أصدر والي بغداد‬ ‫علي باشا أوامره بعزل األمري (مرادخان باشا)‬ ‫من حكم إمارة بهدينان وتوىل إبن عمه قباد‬ ‫بك مكانه وطلب من األم�ير حممد السوراني‬ ‫واألمري عبد الرمحن الباباني التوجه بقواتهم‬ ‫إیل إمارة بهدينان‪ ،‬وتقدمت هذه القوات بإجتاه‬

‫عاصمة اإلم��ارة (ئاميدي)‪ ،‬وأحدثت دم��اراً‬ ‫ً‬ ‫واسعا يف القری اليت مرت بها‪ ،‬وبعد وصوهلا إیل‬ ‫حميط العاصمة هامجتها قوات إمارة بهدينان‪،‬‬ ‫وبعد قتال عنيف متكنت القوات الغازية من‬ ‫فرض حصار شديد علی (ئاميدي) وقامت يف‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬بعدة حماوالت لدخوهلا وإقتحام‬ ‫أسوارها‪ ،‬إال أن مجيعها باءت بالفشل‪ ،‬وكانت‬ ‫العشائر البهدينانية تهاجم بني حني وآخر‬ ‫القوات اليت حتاصر املدينة وحتدث يف صفوفها‬ ‫خسائر فادحة‪ ،‬مما أج�برت القوات املعتدية‬ ‫على اإلنسحاب بعد عدد أشهر من حصارها‬ ‫للعاصمة (ئاميدي)‪ ،‬إذ مل يعد مبقدورها البقاء‬ ‫أكثر نتيجة لقلة اإلمدادات واملؤن ولقرب فصل‬ ‫الشتاء‪ ،‬وكان خلسائرها الفادحة اليت تكبدتها‬ ‫نتيجة للهجمات املتكررة للعشائر عليها دور‬ ‫مهم يف إنسحابهم‪.‬‬ ‫•يف سنة ‪1804‬م‪ ،‬ما ان علم أمحد بك (وهو‬ ‫من أبناء عمومة األمري عادل باشا أمري إمارة‬ ‫بهدينان‪ ،‬وهو من األسرة املريسفدينة احلاكمة‬ ‫إلمارة بهدينان)‪ ،‬بسجن أخيه قباد بك الذي كان‬ ‫يعارض أمري بهدينان‪ ،‬يف العمادية (ئاميدي)‪،‬‬ ‫بأمر من األمري عادل باشا‪ ،‬بعد أسره من قبل‬ ‫عشرية املزورية وتسليمه ألمري بهدينان‪ ،‬حتی‬ ‫قام جبمع أتباعه ومبساعدة عشائر الدنادية‬ ‫اإليزيدية مبهامجة القری امل��زوري��ة املؤيدة‬ ‫لألمري عادل باشا‪ ،‬ونهبوا أمواهلم وممتلكاتهم‬ ‫وقتلوا ع��دداً كبرياً من الناس جراء ذلك‪ ،‬ثم‬ ‫واصلوا تقدمهم بإجتاه (ئاميدي)‪ ،‬وأخ��ذوا‬ ‫بنهب وسلب البلدات والقری احمليطة بعاصمة‬ ‫اإلمارة وفرضوا حصاراً عليها‪ ،‬وبطلب من األمري‬ ‫عادل باشا هامجت قوات العشائر البهدينانية‬ ‫‪181‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪182‬‬

‫القريبة من العاصمة ومنهم علی سبيل املثال‬ ‫(ال�برواري‪ ،‬املزوري‪ ،‬الزيباري‪ ،‬نريوه‪ ،‬وغريهم‬ ‫من العشائر)‪ ،‬علی قوات أمحد بك اليت كانت‬ ‫حتاصر ئاميدي واشتبكت معها يف قتال حامي‬ ‫أسفرت عن هزمية نكراء لقوات أمحد بك وقد‬ ‫فر األخري من ساحة املعركة‪.‬‬ ‫•ويف سنة ‪1805‬م‪ ،‬وبعد اهلزائم املتكررة‬ ‫اليت حلقت بأمحد بك علی يد األمري عادل باشا‬ ‫ً‬ ‫طالبا‬ ‫أمري بهدينان‪ ،‬ذهب أمحد بك إیل بغداد‬ ‫العون من واليها علي باشا ال��ذي كان صديقاً‬ ‫ألخيه قباد بك (املسجون يف العمادية)‪ ،‬وبعد أن‬ ‫قدم أمحد بك ً‬ ‫مبلغا كبرياً من املال لوالي بغداد‪،‬‬ ‫وعده الوالي بأن يوليه إمارة بهدينان وأن يرسل‬ ‫إليه قوات كبرية من بغداد‪ ،‬ويف السنة نفسها‪،‬‬ ‫أصدر والي بغداد أوامره إیل كل من خالد باشا‬ ‫الباباني وعبد الرمحن الباباني وإیل أمري إمارة‬ ‫س��وران أمحد باشا باإلنضمام إیل قوات بغداد‬ ‫ملساعدة أمحد بك يف توليه حكم إمارة بهدينان‪،‬‬ ‫وكانت سياسة الدولة العثمانية يف هذا اجملال‬ ‫ٌ‬ ‫واضحة‪ ،‬وذلك علی أساس مبدأ «فرق تسد» كما‬ ‫ذكرنا‪ ،‬وكانت تلجأ إیل ضرب اإلخ��وة بعضهم‬ ‫البعض من أجل إضعاف الكل ومن ثم القضاء‬ ‫عليهم فيما بعد‪ ،‬وإذا أمعنا التفكري يف املثل‬ ‫الصيين الذي يقول‪ :‬دع النمران يتقاتالن ثم‬ ‫أقضي عليهما‪ ،‬سندرك بأن إسرتاتيجية الدولة‬ ‫العثمانية كانت واضحة مع اإلمارات الكردية يف‬ ‫النصف األول من القرن التاسع عشر وهي إنهاء‬ ‫هذه اإلمارات من الوجود‪.‬‬ ‫وصلت ق��وات ب��غ��داد م��ع ق��وات خالد باشا‬ ‫الباباني إیل حدود إمارة بهدينان وأنضم إليهم‬ ‫أمح��د ب��ك بقواته‪ ،‬ووص��ل��ت تلك ال��ق��وات إیل‬

‫(ئاميدي) وفرضت حصاراً شديداً عليها‪ ،‬وبعد‬ ‫شهر حترك عبد الرمحن باشا الباباني بقواته‬ ‫حنو إم��ارة بهدينان إال أنه توقف يف منتصف‬ ‫الطريق بالقرب من كركوك بإنتظار وصول‬ ‫قوات أمحد باشا السوراني‪ ،‬لكي يكمال السري‬ ‫معنا بإجتاه إمارة بهدينان‪ ،‬وما أن وصل حتی‬ ‫قام عبد الرمحن باشا بقتله‪ ،‬لوجود خالف‬ ‫قديم بينهما‪ ،‬ومل يكمل طريقه بإجتاه إمارة‬ ‫بهدينان ملساندة القوات اليت حتاصر العمادية‬ ‫(ئ��ام��ي��دي)‪ ،‬ب��ل أخ��ذ يهاجم ق��ری املنطقة‬ ‫ويسلبها‪ ،‬وما أن علم والي بغداد علي باشا بقتل‬ ‫أمحد باشا السوراني حتی أصدر فرمانا بعزل‬ ‫األمري عبد رمحن باشا الباباني وتعني خالد‬ ‫باشا الباباني حمله‪ ،‬وكان هذا املوقف يف صاحل‬ ‫أمري بهدينان حيث أنسحب خالد باشا الباباني‬ ‫بقواته من إمارة بهدينان‪ ،‬أما أمحد بك املتمرد‬ ‫على إمارة بهدينان مل يتمكن من البقاء داخل‬ ‫حدود اإلمارة‪ ،‬حيث أرسل أمري بهدينان قواته‬ ‫بقيادة أخيه زبري بك ملطاردته‪ ،‬لذا فر أمحد‬ ‫بك من اإلمارة وجلأ إیل بغداد‪ ،‬وبذلك عاد اهلدوء‬ ‫إیل املنطقة لفرتة من الزمن‪.‬‬ ‫•يف بداية ربيع سنة ‪1833‬م‪ ،‬وصل األمري‬ ‫حممد ب��اش��ا ال���روان���دزي (م�ي�رى ك���ور)‪ ،‬أمري‬ ‫إمارة سوران‪ ،‬بقواته إیل أطراف عاصمة إمارة‬ ‫ً‬ ‫بهدينان‪ ،‬وفرض حصاراً‬ ‫حمكما عليها‪ ،‬بينما‬ ‫حتصنت ق��وات بهدينان داخ��ل املدينة‪ ،‬وقد‬ ‫حاول أمري رواندوز عدة مرات مهامجة املدينة‬ ‫وإحتالهلا‪ ،‬وأستعمل يف ذلك كل املعدات احلربية‬ ‫املتوفرة لديه مبا فيها املدافع‪ ،‬لكنه مل يفلح‪،‬‬ ‫وأستنفذ كل اخلطط احلربية واحليل من أجل‬ ‫إقتحاد مدينة ئامدي‪ ،‬حتی أنه جلأ إیل حفر نفق‬


‫حتت املدينة من أجل الوصول إليها‪ ،‬إال أن مجيع‬ ‫اجلهود باءت بالفشل ملناعة املدينة ولشجاعة‬ ‫أهلها وإص��راره��م علی الدفاع عن مدينتهم‬ ‫والوقوف إیل جانب أمريهم مهما كلفهم األمر‪،‬‬ ‫وكذلك لبسالة القوات املدافعة‪ ،‬وك��ان لدور‬ ‫القائد العسكري عمر آغا الكتاني األثر الكبري يف‬ ‫ً‬ ‫خملصا ألمريه إیل أبعد‬ ‫ذلك الصمود‪ ،‬حيث كان‬ ‫ً‬ ‫شهما شجاعاً‬ ‫رجال ً‬ ‫حد ويف الوقت نفسه كان‬ ‫ذو موهبة عسكرية ف��ذة ‪ ،‬وك��ان يسهر علی‬ ‫مهامه ويتقن فن إدارة األمور‪ ،‬وبفضله متكنت‬ ‫ً‬ ‫طويال يف وجه حماوالت‬ ‫(ئاميدي) من الصمود‬ ‫األمري حممد باشا الرواندزي يف إحتالل املدينة‪،‬‬ ‫وكان القائد الكتاني يرسل دوريات إستطالعية‬ ‫إیل خارج املدينة من أجل مجع املعلومات‪ ،‬كما‬ ‫وكان يشكل جمموعات قتالية صغرية ويرسلها‬ ‫إیل خارج املدينة من أجل نصب الكمائن للقوات‬ ‫املعتدية من أجل إحل��اق أكرب قدر ممكن من‬ ‫اخلسائر يف صفوفهم وذل��ك من أجل إضعاف‬ ‫معنويات العدو‪.‬‬ ‫وتذكر مصادر التاريخ‪ ،‬أنه يف إحدی املرات‬ ‫كمني‬ ‫وقع أمري سوران حممد باشا الرواندزي يف ٍ‬ ‫نصبه جمموعة قتالية من قوات إمارة بهدينان‬ ‫يف مكان خطر خ��ارج املدينة وك��اد أن يأخذ‬ ‫أسرياً لوال وصول قوات إمارة سوران إیل مكان‬ ‫الكمني يف الوقت املناسب‪ ،‬وبذلك مت إنقاذ األمري‬ ‫حممد باشا من األسر‪ ،‬ويف ‪ 6‬حزيران من عام‬ ‫‪1833‬م وعن طريق اخليانة‪ ،‬سقطت مدينة‬ ‫(ئاميدي) بيد األمري حممد باشا الرواندزي بعد‬ ‫أن تكبدت قواته خسائر فادحة قدرت مبئات‬ ‫القتلی واجلرحی علی يد أهالي املدينة‪ ،‬ومت أسر‬ ‫أمري بهدينان حممد سعيد باشا وقد عامله أمري‬

‫رواندز املنتصر بإحرتام‪ ،‬وأخذه إیل مقر قيادته‬ ‫العسكرية يف (س��ه‌ری ئاميدي) املطلة علی‬ ‫املنطقة‪ ،‬أما األمري أمساعيل بك الثاني شقيق‬ ‫األمري األس�ير‪ ،‬فقد متكن من اهلرب مع رفاقه‬ ‫وعد ٍد من البكوات وقادة اإلمارة عن طريق نفق‬ ‫سري إیل منطقة نريوه‌ وحتصن يف قلعة (نريوه‌)‬ ‫اإلسرتاتيجية يف مشال شرقي ئاميدي‪.‬‬ ‫•يف نهاية سنة ‪1833‬م‪ ،‬متكن األمري أمساعيل‬ ‫بك الثاني من حترير عاصمة إمارة بهدينان‬ ‫(ئاميدي) من ق��وات إم��ارة س��وران مبساعدة‬ ‫أهالي العاصمة‪ ،‬وأعاد أخاه األمري حممد سعيد‬ ‫باشا األم�ير الشرعي إیل حكم إم���ارة آبائهم‬ ‫وأجدادهم من جديد بعد قرابة ست أشهر من‬ ‫وقوعها بيد قوات إم��ارة س��وران‪ ،‬وما أن تأكد‬ ‫األمري حممد باشا الرواندزي من تلك األخبار‬ ‫حتی أوقف محلته العسكرية اليت كان يقودها‬ ‫علی إمارة بوتان ورجع إیل إمارة بهدينان من‬ ‫جديد حيث أعاد سيطرته علی أغلب مناطق‬ ‫اإلمارة وحاصر العاصمة (ئاميدي) من جديد‬ ‫حصار حمكما ‪ ،‬ويف داخل املدينة أستعد األهالي‬ ‫مع أمريهم حممد سعيد باشا وأخيه أمساعيل‬ ‫بك الثاني جيداً للمعركة‪ ،‬ومل تتمكن قوات‬ ‫أمري روان��دز من إحراز أي تقدم يف حماوالتهم‬ ‫من أجل إقتحام املدينة والسيطرة عليها من‬ ‫جديد ومل يبق لديه س��وی تشديد احلصار‬ ‫علی املدينة واإلن��ت��ظ��ار حل�ين جي��وع أهالي‬ ‫ملدينة‪ ،‬وطال أمد احلصار ونفذ خمزون الغذاء‬ ‫لديهم وأنتشر اجلوع والقحط واألمراض داخل‬ ‫املدينة‪ ،‬ويف النهاية أضطر أهالي املدينة إیل‬ ‫طلب الصلح‪ ،‬وواف��ق األم�ير حممد سيعد باشا‬ ‫أمري رواندز علی ذلك بناءاً علی رغبة األهالي‪،‬‬ ‫‪183‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪184‬‬

‫ً‬ ‫مجيعا وعدم‬ ‫وقد وعدهم األخري بالعفو عنهم‬ ‫حماسبتهم أو التعرض هلم يف حال سلموا املدينة‬ ‫له‪ ،‬وبعد أن دخل األمري حممد باشا مع قواته‬ ‫مدينة العمادية (ئاميدي) للمرة الثانية نكث‬ ‫بوعده مع األهالي وقام بإلقاء القبض علی مائة‬ ‫ً‬ ‫شخصا من وجهاء املدينة مع أمريهم‬ ‫ومخسون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقتلهم مجيعا إنتقاما ملقتل العدد نفسه من‬ ‫خرية ق��ادة قواته عندما أقتحم املدينة عن‬ ‫طريق اخليانة‪ ،‬ثم أخذ ينكل بالناس ويقسوا‬ ‫عليهم ويفرض عليهم غرامات قاسية‪ ،‬أما‬ ‫األمري أمساعيل بك الثاني فقد متكن هذه املرة‬ ‫أيضا من اإلفالت من قوات إمارة سوران‪ ،‬وكان‬ ‫ي��درك بأنه لو بقي داخ��ل اإلم��ارة فإن األمري‬ ‫حممد باشا سوف يالحقه مهما كلفه الثمن‪ ،‬لذا‬ ‫قصد حليفه األمري بدرخان بك يف إمارة بوتان‬ ‫حرب مع األمري حممد‬ ‫حيث كان األخري أيضا يف ٍ‬ ‫باشا الرواندزي‪.‬‬ ‫ه��ذا وبعد أن أدرك وتأكد أم�ير روان��دز من‬ ‫تذمر أهالي بهدينان منه ومن قواته وشعوره‬ ‫بأن أهالي إمارة بهدينان لن يقبلوا حباكم من‬ ‫خارج األسرة املريسيفدينية‪ ،‬وألنه كان حباجة‬ ‫ماسة إیل أن تكون األمور مستقرة يف بهدينان‪،‬‬ ‫أضطر إىل التصاحل مع أم��راء وبكوات األسرة‬ ‫املريسيفدينية‪ ،‬وعفی عن األمري أمساعيل بك‬ ‫ً‬ ‫حاكما علی مدينة دهوك وزاخو‪،‬‬ ‫الثاني وجعله‬ ‫ً‬ ‫بينما ظل أخوه رسول بك حاكما علی مدينة‬ ‫ئاميدي‪ ،‬وبذلك عاد اهلدوء ً‬ ‫نوعا ما إیل منطقة‬ ‫بهدينان (بادينان)‪.‬‬ ‫•سنة ‪1835‬م‪ ،‬حت��رك وال��ي املوصل إجنه‬ ‫ب�يرق��دار جبيشه بإجتاه (ئاميدي) من أجل‬ ‫إحتالهلا متهيداً حلملة عسكرية كبرية علی‬

‫ً‬ ‫إمارة سوران القوية‪ ،‬وكان حيدث دماراً‬ ‫وخرابا‬ ‫ً‬ ‫واسعا يف القری والبلدات اليت كان مير بها إیل‬ ‫أن وصل إیل (ئاميدي) وفرض حصاراً عليها‪،‬‬ ‫والغريب أن إجنه بريقدار قد متكن من إحتالل‬ ‫املدينة بسهولة يف هذه املرة علی الرغم من أن‬ ‫اجلميع كان يعلم بأن اجليش العثماني يف والييت‬ ‫بغداد واملوصل ميكن أن يهامجهم يف أي حلظة‪،‬‬ ‫ومن أسباب سقوط (ئاميدي) بسهولة بيد والي‬ ‫املوصل‪ ،‬أن احلاكم اجلديد للعمادية رسول بك‬ ‫الرواندزي مل يكن يف املدينة وقت حماصرتها‬ ‫حيث كان يف مهمة استطالعية يف مكان آخر‪،‬‬ ‫وك��ان قد أخ��ذ معه أغلب جنوده‪ ،‬أم��ا األمري‬ ‫أمساعيل بك الثاني الذي كلفه األمري حممد باشا‬ ‫الرواندزي بالدفاع عن إمارة بهدينان فقد كان‬ ‫يف قلعة (نريوه)‌ يشرف علی حتصينها‪ ،‬وكذلك‬ ‫غياب القوات املدافعة عن املدينة يف وقت اهلجوم‬ ‫عليها‪ ،‬وأعتقد أن عدم وجود من يقود أهالي‬ ‫املدينة لكي يدافعوا عن مدينتهم من أهم‬ ‫األسباب اليت أدت إىل سرعة سقوط املدينة بيد‬ ‫والي املوصل‪.‬‬ ‫علی أي حال سقطت ئاميدي سنة ‪1835‬م‬ ‫بيد الضابط العثماني (املعتوه) إجنه بريقدار‬ ‫حيث ق��ام األخ�ير بوضع حامية عسكرية يف‬ ‫املدينة ورج��ع إیل املوصل‪ ،‬وما أن علم األمري‬ ‫إمساعيل بك الثاني بسقوط (ئاميدي) حتی‬ ‫مجع ما أمكنه مجعه من القوات علی وجه‬ ‫السرعة وع��اد إیل (ئاميدي) حيث متكن من‬ ‫إعادة سيطرته علی املدينة مبساعدة األهالي‬ ‫ومت القضاء علی احلامية العثمانية فيها‪.‬‬ ‫•سنة ‪1837‬م‪ ،‬وحبجة خروج األمري إمساعيل‬ ‫باشا الثاني عن الدولة العثمانية والتمرد عليها‪،‬‬


‫ً‬ ‫جيشا‬ ‫جهز وال��ي بغداد علي رضا باشا االزي‬ ‫كبرياً يف العدد والعتاد للقيام حبملة عسكرية‬ ‫علی إمارة بهدينان وقادها بنفسه‪ ،‬وصل جيش‬ ‫والية بغداد إیل أطراف (ئاميدي) وفرض حصار‬ ‫عليها‪ ،‬وبعد العديد من احمل��اوالت إلحتالهلا‪،‬‬ ‫فضل األمري أمساعيل باشا اإلستسالم ً‬ ‫بدال من‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا أن نوعية‬ ‫إطالت أمد احلرب واحلصار‬ ‫األسلحة اليت كان اجليش العثماني يستعملها يف‬ ‫معركته علی (ئاميدي) كانت متطورة وفتاكة‬ ‫مقارنة بأسلحة إمارة بهدينان وخصوصا سالح‬ ‫املدفعية‪ ،‬مما تسبب خبسائر كبرية بني األهالي‪،‬‬ ‫وقد أخذ األمري إمساعيل باشا الثاني أسرياً إیل‬ ‫بغداد‪ ،‬إال أن وال��ي بغداد مل يتمكن من إدارة‬ ‫ً‬ ‫مركزيا من بغداد‪ ،‬وحدثت‬ ‫منطقة بهدينان‬ ‫إضطرابات وفوضی يف املنطقة نتيجة ملا حدث‬ ‫لألمري أمساعيل باشا الثاني‪ ،‬حيث كان األمري‬ ‫يتمتع بشعبية عظيمة بني شعبه مما أضطر‬ ‫والي بغداد جمرباً حتت ضغط أهالي بهدينان‬ ‫إیل إعادة حكم إمارة بهدينان إیل األمري أمساعيل‬ ‫باشا الثاني من جديد‪ ،‬وعاد األمري مرة أخری‬ ‫إیل إمارته ومارس شؤون احلكم مرة أخری وعاد‬ ‫اهلدوء إیل املنطقة من جديد‪.‬‬ ‫•سنة ‪1840‬م‪ ،‬شعر وال��ي امل��وص��ل إجنه‬ ‫بريقدار بأن األمري أمساعيل باشا الثاني يهدد‬ ‫نفوذه يف املنطقة ل��ذا عجل بتجهيز جيش‬ ‫كبري وهاجم إمارة بهدينان ووصل إیل أطراف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫(ئاميدي) وضرب حصاراً‬ ‫عليها‪ ،‬وبدأ‬ ‫حمكما‬ ‫باحملاوالت املتكررة من أجل إجتياح القلعة‬ ‫اجلبارة‪ ،‬إال أنها فشلت يف البداية لكن الفرق يف‬ ‫ميزان القوی ونوع األسلحة املتطورة املستعمل‬ ‫ً‬ ‫قياسا مبا لدی الطرف‬ ‫من قبل اجليش العثماني‬

‫الثاني‪ ،‬مكن والي املوصل من أحتالل املدينة‬ ‫يف النهاية‪ ،‬ومتكن األمري إمساعيل باشا الثاني‬ ‫من الفرار والوصول إیل حليفه األمري بدرخان‬ ‫بك أمري إمارة بوتان‪ ،‬أما والي املوصل فقد عني‬ ‫أحد وجهاء مدينة (ئاميدي) املدعوا يونس آغا‬ ‫ً‬ ‫حاكما للمدينة وترك حامية عسكرية يف‬ ‫الكلي‬ ‫املدينة ورجع إیل املوصل‪ ،‬كان احلاكم اجلديد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خملصا‬ ‫مقربا من األمري أمساعيل باشا وكان‬ ‫ألمراء (ئاميدي) وعلی إتصال بأمريه الذي كان‬ ‫يف إمارة بوتان‪.‬‬ ‫وكما ذك��رن��ا‪ ،‬ك��ان أهالي ئاميدي يطالبون‬ ‫بإحلاح عودة األمري الفار‪ ،‬وإثر ذلك‪ ،‬رجع األمري‬ ‫أمساعيل باشا سنة ‪1842‬م‪ ،‬مع قوة عسكرية‬ ‫من إم��ارة بوتان‪ ،‬حيث كان هنالك حلف بني‬ ‫أمراء ٌ‬ ‫الكرد والعديد من وجهاء املنطقة‪ ،‬وكان‬ ‫يسمی بـ (احللف املقدس)‪ ،‬وينص علی مساعدة‬ ‫بعضهم البعض عند الضرورة‪ ،‬ودخل األمري‬ ‫أمساعيل باشا ئاميدي من جديد مبساعدة‬ ‫األهالي‪ ،‬ومتكن من القضاء علی جنود احلامية‬ ‫العسكرية العثمانية فيها‪.‬‬ ‫•سنة ‪1842‬م‪ ،‬علم وال��ي املوصل بعودة‬ ‫خصمه العنيد األم�ير أمساعيل باشا الثاني‬ ‫إیل ئاميدي وسيطرته علی احلكم فيها‪ ،‬لذا‬ ‫ً‬ ‫جيشا كبرياً من املوصل‪ ،‬وتلبية لدعوة‬ ‫جهز‬ ‫والي املوصل‪ ،‬وصل ٌ‬ ‫دعم عسكري من بغداد إىل‬ ‫املوصل‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬قام والي املوصل إجنه‬ ‫بريقدار بشراء ذمم بعض رؤس��اء العشائر يف‬ ‫املنطقة من أجل مساعدته يف القضاء علی أمري‬ ‫بهدينان‪ ،‬ومن جانبه أستعد األمري أمساعيل‬ ‫باشا الثاني وجهز قواته وأوكل قيادتها إیل أبن‬ ‫أخيه حممد بك أبن األمري حممد سعيد باشا‪،‬‬ ‫‪185‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪186‬‬

‫وإلتقی اجليشان البهديين والعثماني بقيادة‬ ‫والي املوصل إجنه بريقدار بالقرب من قرية‬ ‫(أيتوت) القريبة من مدينة دهوك‪ ،‬حيث دارت‬ ‫معركة قوية وحامية بني الطرفني وسقطت‬ ‫أعدا ٌد كبرية من القتلى واجلرحى بني الطرفني‪،‬‬ ‫ومل تكن املعركة متكافئة بني الطرفني حيث‬ ‫ك��ان اجليش العثماني أك�بر من حيث العدد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نظاميا‬ ‫جيشا‬ ‫والعدة ونوعية األسلحة‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا يف والية‬ ‫إلزاميا‬ ‫وكان التجنيد فيه‬ ‫املوصل خبالف اجليش البهديين الذي كان جيشاً‬ ‫ً‬ ‫عشائريا بالدرجة األساس وأسلحته كانت قدمية‬ ‫ً‬ ‫ضعيفا‪،‬‬ ‫وغري فعالة‪ ،‬كما وكان التنظيم فيه‬ ‫وبالنتيجة كانت الغلبة للجيش العثماني‬ ‫وإنسحاب اجليش البهديين إیل ئاميدي‪ ،‬وكان‬ ‫لوقوع قائد اجليش البهديين من فوق صهوة‬ ‫حصانه يف بداية املعركة وموته علی إثره‪ ،‬أن‬ ‫أربك قوات إمارة بهدينان يف املعركة‪ ،‬كما وكان‬ ‫ً‬ ‫خليانة بعض رؤس��اء العشائر دوراً‬ ‫فاعال يف‬ ‫إنتصار اجليش العثماني يف تلك املعركة‪.‬‬ ‫حتصن األمري إمساعيل باشا جيداً يف عاصمته‬ ‫ئاميدي بإنتظار اجليش العثماني‪ ،‬أما والي‬ ‫املوصل إجنه بريقدار فقد أخذ يفتك بالقری‬ ‫وال��ب��ل��دات ال ُ��ك��ردي��ة وينهبها ويقتل ك��ل من‬ ‫ً‬ ‫مروعا والدمار‬ ‫يصادفه من األهالي‪ ،‬كان املشهد‬ ‫يف كل مكان‪ ،‬ووصل اجليش العثماني إیل أطراف‬ ‫ئاميدي وض��رب حصاراً شديداً عليها أمتد‬ ‫ألربعة أشهر ختللها العديد من اهلجمات الفاشلة‬ ‫إلحتالل املدينة‪ ،‬كما أن صوت املدافع مل تسكن‬ ‫طيلة الوقت من قبل احملاصرين ويف النهاية‬ ‫تيقن األمري إمساعيل باشا بأنه لن يتمكن من‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا أن األهالي كانوا يعانون‬ ‫اإلستمرار‬

‫الكثري م��ن ج��راء اجل��وع والقصف املستمر‪،‬‬ ‫وك��ان وال��ي موصل بريقدار يرسل بني احلني‬ ‫ً‬ ‫رسوال إیل األمري يطلب منهم اإلستسالم‬ ‫واآلخر‬ ‫وتسليم املدينة متوعداً بضمان حفظ أرواحهم‬ ‫وممتلكاتهم‪.‬‬ ‫ويف اخلريف من سنة ‪1842‬م‪ ،‬واف��ق األمري‬ ‫إمساعيل باشا علی اإلستسالم وتسليم مدينة‬ ‫ئاميدي إیل والي املوصل بشروط‪ ،‬ومن بينها‬ ‫احملافظة علی أمن وسالمة املدينة وسكانها‪،‬‬ ‫لكن بريقدار نكث بوعده وغدر باملدينة وأهلها‬ ‫وإرتكب جمازر فيها راح ضحيتها املئات ورمبا‬ ‫اآلالف من أهالي املنطقة بعد أن غادرها األمري‬ ‫إمساعيل باشا‪ ،‬حيث أخذ معه أقربائه وحاشيته‬ ‫وأمواهلم وممتلكاتهم إیل بغداد للعيش فيها‬ ‫بعيداً عن مدينة ئاميدي ومنطقة بهدينان‬ ‫أرض آبائهم وأجدادهم‪ ،‬وحرم عليهم العودة‬ ‫إليها‪ ،‬وبذلك أسدل الستار علی إمارة بهدينان‬ ‫وزالت من علی اخلريطة اجليوسياسية للمنطقة‬ ‫وإنتهی بذلك حكم ونفوذ أمراء وبكوات مجيع‬ ‫مناطق ومدن وقری وبلدات بهدينان‪ ،‬وأنتهی‬ ‫دور العمادية (ئاميدي) يف لعب دور حموري‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬كما أن آغ��وات ورؤس���اء العشائر‬ ‫البهدينانية مل يعودوا يطيعون ويكرتثون أو‬ ‫يهتمون بالبكوات من األس��رة املريسيفدينية‬ ‫الذين حكموا منطقة بهدينان الواسعة وبنوا‬ ‫فيها إمارة قوية عاصمتها ئاميدي‪ ،‬أمتد حكمها‬ ‫ألكثر من ستة ق��رون‪ ،‬وبذلك أنتهی عصر‬ ‫احلروب الكبرية والشاملة اليت خاضتها املدينة‬ ‫يف املاضي لتبدأ مرحلة جديدة يف حياة أهالي‬ ‫مدينة ئاميدي وأهالي املنطقة بصورة عامة‪.‬‬ ‫بسقوط إم���ارة بهدينان ال��ع��ري��ق��ة‪ ،‬شعر‬


‫البهدينانيون ألول م��رة مبعنی اإلح��ت�لال‪،‬‬ ‫وفقدوا هويتهم القومية ومعها طعم احلرية‬ ‫واإلستقالل وإن كان شبه إستقالل‪ ،‬وأصبحت‬ ‫الدولة العثمانية تتدخل بصورة مباشرة يف‬ ‫شؤون الكورد‪ ،‬وهذا دفعهم ألول مرة ‪ ،‬ومنذ‬ ‫ع��ق��ود طويلة أن ي��ش��ع��روا بثقل اإلح��ت�لال‬ ‫واإلختالف العرقي‪ ،‬وأحسوا بأنهم يتعرضون‬ ‫إیل اإلضطهاد القومي بشكل واس��ع ومتعمد‪،‬‬ ‫وأصبحت سياسة الدولة العثمانية مركزية‬ ‫يف تلك املناطق وحل النظام اإلداري املركزي‬ ‫اجل��دي��د حم��ل النظام الكالسيكي ال��ك��وردي‬ ‫املتوارث‪ ،‬وحتولت العمادية (ئاميدي) إیل مركز‬ ‫قضاء واحلقت إداري��ا بوالية املوصل‪ ،‬وغاصت‬ ‫املنطقة بصورة عامة يف سبات عميق وإهمال‬ ‫واضح ومتعمد من قبل والة املوصل املتعاقبني‬ ‫بناءاً علی أوامر الدولة العثمانية‪ ،‬وكان اجلهل‬ ‫واألمية ومعها األم��راض والفقر منتشراً يف‬ ‫املنطقة نتيجة لتلك السياسة وكانت تؤخذ‬ ‫ضرائب كبرية من الناس وبصورة مستمرة‬ ‫وقاسية‪ ،‬وبقي احلال هكذا إیل أن أندلعت احلرب‬ ‫العاملية األویل‪ ،‬ودخلت القوات الروسية حدود‬ ‫إقليم كوردستان العراق يف ‪1916/3/7‬م عند‬ ‫مدينة خانقني وكذلك دخلت حدود كوردستان‬ ‫من اجلهة الشمالية الشرقية ومل يكن يف مقدور‬ ‫القوات العثمانية صدها أو إيقافها‪ ،‬وإنسحبت‬ ‫بإجتاه اجلنوب‪ ،‬يف البداية مل يقاومهم الكورد‬ ‫لكن سوء معاملة القوات الروسية هلم وإرتكابهم‬ ‫أخطاء كبرية حبقهم دفع العشائر الكوردية‬ ‫ومدنها ومن بينها مدينة ئاميدي إىل التصدي‬ ‫هل��م‪ ،‬حيث أرس��ل��ت املدينة ‪ 200‬رج��ل من‬ ‫أبنائها للدفاع عن كوردستان‪ ،‬ويذكر الباحث‬

‫الكوردي الدكتور طارق باشا العمادي شهادة‬ ‫أحد املشاركني يف تلك احلملة وهو املدعوا السيد‬ ‫عبد اجمليد مصطفی ويذكر ما يلي‪« :‬تقدمت‬ ‫قوة عسكرية يف ‪ /1‬حزيران‪ ،1916 /‬على‬ ‫طريق (دي��ره ل��وك – س��ي��اري) باإلتفاق مع‬ ‫العشائر الكوردية يف املنطقة‪ ،‬وكلما تقدمنا‬ ‫زاد عدد املقاتلني‪ ،‬وانقسمت القوة اىل قسمني‪،‬‬ ‫احداها بقيادة ضابط عثماني توجهت اىل قرية‬ ‫(بيبو) يف منطقة (ن�يروه‌) والثانية بقيادة‬ ‫حسني نعمان توجهت اىل جسر (حه النكي)‬ ‫على نهر الزاب‪ ،‬وقامت بتدمري اجلسر لعرقلة‬ ‫تقدم اجليش الروسي بإجتاه ئاميدي‪ ،‬ومن ثم‬ ‫توجهت القوة اىل منطقة (سياري)‪ ،‬وكنا نالقي‬ ‫مئات من املدنيني الفارين من املناطق احملتلة‪،‬‬ ‫وهنا اشتبكت قوتنا م��ع ق��وة استطالعية‬ ‫للجيش الروسي مما دفع باألخرية إىل اإلنسحاب‬ ‫بعد أن تركت عدداً من القتلى والعتاد‪ ،‬ومن ثم‬ ‫قمنا بنصب جسر على نهر ال��زاب وعربنا اىل‬ ‫الضفة االخرى وتقدمنا اىل ان وصلنا اىل قرية‬ ‫(شيله دزي) وهنا فوجئنا بنريان كثيفة تنصب‬ ‫علينا من حامية رشاشات العدو فأستشهد منا‬ ‫ثالثة مقاتلني ومتكنا من اصابة العدو خبسائر‬ ‫يف األرواح والعتاد واجربت القوة الروسية على‬ ‫اإلنسحاب بعد ترك قتالهم وكثري من الغنائم‬ ‫واالعتدة اليت وزعت بني املقاتلني من قواتنا‪،‬‬ ‫وبعد هذه املعركة بقينا يف املنطقة ملواجهة اي‬ ‫طارىء إىل أن تقدم اجليش العثماني الذي سبق‬ ‫اعداده يف املوصل وعرب نهر الزاب ووصل يوم‬ ‫‪ /20‬متوز‪ 1917 /‬اىل (جه لي) وتوقف على‬ ‫خط (كاني ره ش – وكوزه ره ش)‪ ،‬ثم مسعنا‬ ‫بأن القوات الروسية بدأت باإلنسحاب‪ ،‬وحنن‬ ‫‪187‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪188‬‬

‫بدورنا رجعنا اىل مدينة ئاميدي‪».‬‬ ‫أحتل األنكليز العراق ومعه والية املوصل يف‬ ‫‪1918/11/10‬م‪ ،‬ودخل القائد الربيطاني‬ ‫مسرت (جلمن) مدينة ئاميدي يف نهاية سنة‬ ‫‪1918‬م من دون مقاومة‪ ،‬وأمر بإنزال العلم‬ ‫العثماني‪ ،‬وتدهورت أوض��اع مدينة ئاميدي‬ ‫بسبب مقتل احلاكم األنكليزي للمدينة مسرت‬ ‫ك��اردن يف ليلة ‪31‬حزيران‪1/‬متوز من سنة‬ ‫‪1919‬م علی يد أفراد من أبناء املدينة‪ ،‬كما‬ ‫وت��ده��ورت األوض��اع يف عموم املنطقة بشكل‬ ‫واس��ع وال�تي كانت إم��ت��داداً إلنتفاضة شعبية‬ ‫مشلت عموم كوردستان يف سنة ‪1919‬م‪.‬‬ ‫ويبدوا أن نصيب مدينة ئاميدي (العمادية)‬ ‫من اإلعتداءات مل يقتصر علی القوی اإلقليمية‬ ‫وال��دول��ي��ة ب��ل كانت هنالك هجمات لبعض‬ ‫العصابات اليت كانت تتعاون مع احملتل‪ ،‬ويذكر‬ ‫الباشا يف مقالته عن تاريخ العمادية ويقول‪:‬‬ ‫«ليلة ‪ /26 25-‬متوز‪1922 /‬م‪ ،‬هاجم ‪150‬‬ ‫فرداً املدينة مستغلني خلوها من أهلها حيث‬ ‫كانو يقضون فصل الصيف يف بساتينهم يف‬ ‫(الروبار ومزيركا)‪ ،‬ما عدا القائممقام (محيد‬ ‫صرصر) مع بعض أف��راد الشرطة والعاملني‬ ‫على بسط األمان يف املدينة احملصنة ً‬ ‫أصال وذات‬ ‫البوابتني (بوابة الباشا وبوابة بهدينان) واليت‬ ‫ال ميكن ألح��د اخرتاقهما لكونهما مغلقتني‪،‬‬ ‫ولكن املهامجني استطاعوا تسلق سفح اجلبل‬ ‫مبساعدة العوائل املتعاونة معهم واليت كانت‬ ‫دورهم على السفح الشمالي من املدينة واحتلوا‬ ‫املناطق السرتاتيجية واخذو مبهامجة البيوت‬ ‫ونهب وسلب كل ما تصل إليه ايديهم‪ ،‬وحدثت‬ ‫بعض املناوشات وإطالق النار بينهم وبني أفراد‬

‫احلرس والشرطة اليت جعلت األهالي يف روبار‬ ‫يسمعونها فأنطلق بعضهم اىل جن��دة املدينة‬ ‫واستطاعوا تسلق السفح الشمالي الشرقي‬ ‫للمدينة عند دار القائممقام ومبساعدة أحد‬ ‫املتسلقني املعروفني يف املدينة‪ ،‬واستمرت‬ ‫املواجهة بني الشرطة وأهالي املدينة واملهامجني‬ ‫إىل غ��روب الشمس وسقط بعض القتلى من‬ ‫اجلانبني‪ ،‬ومت إلقاء القبض على بعضهم واضطر‬ ‫املعتدون إىل اإلنسحاب ومغادرة املدينة بعد أن‬ ‫محلوا معهم مجيع ما نهبوه من أموال أهالي‬ ‫املدينة وخاصة التجار واألغنياء منهم‪.‬‬ ‫وكما هو معلوم فإن لكل مرحلة من مراحل‬ ‫التاريخ أساليب خمتلفة للمقاومة والدفاع عن‬ ‫احلقوق وإسرتدادها من املغتصب‪ ،‬وخالل الفرتة‬ ‫ما بني احلربني العامليتني األویل والثانية إزداد‬ ‫الوعي القومي يف كوردستان بشكل عام وأخذ‬ ‫الكورد بتكوين اجلمعيات واألحزاب السياسية‬ ‫واحلركات الوطنية لنيل حقوقهم املشروعة‪،‬‬ ‫وك��ان ألبناء ئاميدي ال��دور الكبري فيها‪ ،‬كما‬ ‫كان هلم دور مهم يف ثورة الزعيم القومي مال‬ ‫مصطفی ال��ب��ارزان��ي يف األربعينيات‪ ،‬كما يف‬ ‫مجهورية مهاباد حتت قيادة البارزاني‪.‬‬ ‫مع إندالع الشرارة األویل لثورة أيلول اجمليدة‬ ‫يف ‪1961/9/11‬م بقيادة الزعيم القومي‬ ‫مال مصطفی البارزاني‪ ،‬س��ارع أبناء املدينة‬ ‫لإللتحاق بها وحدثت مواجهات عنيفة يف‬ ‫املدينة نفسها وفقدت حكومة عبدالكريم‬ ‫قاسم السيطرة عليها مم��ا دفعها إیل قصف‬ ‫املدينة بالطائرات حمدثة دماراً كبرياً وتضررت‬ ‫اآلث��ار القدمية يف املدينة كثرياً من جراء هذا‬ ‫القصف‪ ،‬ويذكر السيد فخري حممد طه من آل‬


‫(الباشا) الئاميدي يف مذكراته‪ ،‬أنه «بعد إنسحاب‬ ‫الثوار من ئاميدي‪ ،‬قصفت الطائرات املدينة‬ ‫ودمرت منزلنا واملئذنة لكونهما إحدی معقلي‬ ‫القتال ضد السلطة‪ ،‬ويف اليوم التالي دخلت‬ ‫القوات احلكومية إیل املدينة للتمشيط فوجدوا‬ ‫ظروف الطلقات يف غرفة الدار ويف غرفة إخری‬ ‫صورة البارزاني‪ ،‬فأحرقوا الدار بعد نهب كل‬ ‫موجوداتها وك��ان لعائلتنا نصيب يف الشهادة‬ ‫وكانا طفلتني‪ ،‬وإصابة شقيقيت جبروح بليغه‪».‬‬ ‫أث��ن��اء ث��ورة أي��ل��ول اجمل��ي��دة‪ ،‬كانت املعارك‬ ‫الشرسة تدور يف أطراف املدينة وكانت قوات‬ ‫البيشمركة حتاول حترير مدينة ئاميدي‪ ،‬ويف‬ ‫‪1965/9/9‬م دخلت أعداد كبرية من قوات‬ ‫اجليش العراقي بقيادة (الزعيم خليل) إیل‬ ‫املدينة جمدداً‪ ،‬وأنتهكت حرمات املدينة وأهانت‬ ‫أهلها وعذبت رجاهلا‪.‬‬ ‫يذكر األستاذ فخري حممد طه يف مذكراته‬ ‫تلك األيام حيث كان شاهداً فيها وأحد الذين‬ ‫رفضوا اخلضوع للذل واإلهانة فكان له موقف‬ ‫بطولي مشرف‪ ،‬ويقول‪« :‬عندما دخلت قوات‬ ‫اجليش العراقي مدينة ئاميدي أم��ر القائد‬ ‫(زع��ي��م خليل) جبمع األه��ال��ي أم��ام ال��س��راي‪،‬‬ ‫وخطب يف اجلمع بكيل الشتائم البذيئة ألهالي‬ ‫ً‬ ‫خصوصا الكورد منهم ثم تناول شخص‬ ‫املدينة‬ ‫البارزاني وهو يف حالة هستريية‪ ،‬رفعت يدي‬ ‫لعدم حتملي اإلهانات‪ ،‬فدعاني قائد القوات‬ ‫العراقية للحضور عنده وسألين عن أمسي‬ ‫ومهنيت‪ ،‬أجبته أمسي فخري حممد طه‪ ،‬معلم‬ ‫مدرسة‪ ،‬فرد علي وقال (أنعل أبوك وأبو الذي‬ ‫عينك)‪ ،‬أجبته إن حكومتك هي اليت عينتين‬ ‫فثار غضبه وشعر خبطأ شتيمته فطعنين‬

‫بسفود يف بطين وأم��ر اجلند ً‬ ‫قائال (أدب��وه)‪،‬‬ ‫فأنهالوا بالضرب على مجيع أحناء جسمي دون‬ ‫ً‬ ‫شخصا‬ ‫رمحة وألقوا بي يف السجن مع (‪)150‬‬ ‫إضافة لـ (‪ )17‬إمرأة‪ ،‬لكي تبدأ قصة التعذيب‬ ‫الوحشي الذي تعرضت له‪».‬‬ ‫حنن بدورنا سنذكر ج��زء من ه��ذه القصة‬ ‫لكي ال ينسى ابناء هذا اجليل واألجيال القادمة‬ ‫ما تعرض له الكورد على يد النظام البعثي‬ ‫البائد وهذه القصة هي وأحدة من بني مئات‬ ‫األالف من القصص املرعبة‪ ،‬حيث يذكر طه أنه‬ ‫عندما ادخلوا السجن كانت اشتباكات طاحنة‬ ‫تدور بني قوات البيشمركة والقوات العراقية‬ ‫على أط��راف مدينة ئاميدي وكانت القوات‬ ‫العراقية تستخدم مجيع ان��واع األسلحة ومن‬ ‫بينها الطائرات‪ ،‬ويقول‪« :‬بعد أن خيم الظالم‬ ‫نقلوني إیل إسطبل البغال‪ ،‬واآلالم تقطع أوصالي‬ ‫إنتحيت يف زاوية فإذا جبموع األهالي يزجون يف‬ ‫األسطبل معي يف ظلمة الليل الدامس والقتال‬ ‫مستمر بال هواده‪ ،‬إمتأل األسطبل والكل حائر‬ ‫مبا سيحدث هلم من مصري أسود جمهول‪ ،‬طال‬ ‫الليل وحنن نتوسد روث البغال دون طعام وال‬ ‫ش��راب ناهيك عن اآلالم وال�برد‪ ،‬وم��ع اخليط‬ ‫األول من الصباح‪ ،‬أخرجونا واحداً واحداً وكان‬ ‫اجلنود ينهالون بالضرب على من خيرج وكانو‬ ‫يستخدمونهم لنقل املعدات احلربية إىل ربايا‬ ‫قمم اجلبال‪ ،‬وعند خروجي من االسطبل أمر‬ ‫قائد اجلند أن ال يلمسوني وتوجه حنوي ً‬ ‫قائال‬ ‫(أيها األمحق كيف تتجرأ علی القائد الزعيم‬ ‫خليل‪ ،‬يوم أمس) وطرحين أرض ً��ا وطلب من‬ ‫اجلنود إعطائه سكينة ليذحبين‪ ،‬وبالفعل أخرج‬ ‫ً‬ ‫ماسكا‬ ‫أحدهم سكينة فوضعها علی حنجرتي‬ ‫‪189‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪190‬‬

‫ذقين وقال (أذحبك مثل اخلروف) عندها رأيت‬ ‫املوت فإخذت أرفس برجلي ويدي من حتته فإذا‬ ‫بالسكينة تصيب يدي وجبيين وأخذت الدماء‬ ‫تنزف مين علی جسمي ووجهي‪ ،‬ومن ثم أخذ‬ ‫اجلند ينهالون علي بالضرب حتى فقدت وعي‪،‬‬ ‫وبعد ذلك رموني يف األسطبل مرة اخرى وأنا‬ ‫فاقد الوعي‪ ،‬فضمد السجناء جراحي برماد‬ ‫السكاير وبعض القطع من مالبسهم‪ ...‬ويف اليوم‬ ‫التالي عند الصباح‪ ،‬أخرج مجيع السجناء إیل‬ ‫العمل الشاق وبقي معي ٌ‬ ‫نفر قليل من بينهم‬ ‫طفل ال يتجاوز العشر سنوات‪ ،‬ويف ليلة اليوم‬ ‫نفسه دخل علينا مساعد القائد وناداني وين‬ ‫سفري املال مشرياً لي‪ ،‬وك��ان يقصد باملال (مال‬ ‫مصطفى البارزاني)‪ ،‬وقادني إیل إربعة جثث من‬ ‫شهداء البيشمركة‪ ،‬وعلی ضوء الفانوس النفطي‬ ‫طلب مين تشخيص إبن عمي من بني الشهداء‬ ‫األربعة أجبته أن ال أحد منهم فانهال يضربين‪،‬‬ ‫مشرياً إیل أحدهم قريب الشبه من أبن العم‪،‬‬ ‫قلت كال ليس هو‪ ،‬فطلب مين أن أبصق عليه‬ ‫إن مل يكن هو كإمتحان فامتنعت عن ذلك وقلت‬ ‫له (أنا ال أبصق علی األحياء فكيف باألموات)‬ ‫ً‬ ‫هددني رميا بالرصاص غداً‬ ‫صباحا ثم أدخلين‬ ‫ً‬ ‫جفنا‬ ‫السجن ثانية‪ ،‬فطال ليلي ومل يغمض لي‬ ‫من اهلم واالالم ودوي رحی احلرب الضروس مل‬ ‫ينقطع حلظة‪ ...‬وبعد حرب نفسية والتهديد‬ ‫املستمر بالقتل‪ ،‬ويف اليوم الثالث من القتال‬ ‫الدامي بني قوات البيشمركة واجليش العراقي‪،‬‬ ‫جاء مساعد القائد ومعه جمموعة من اجلنود‬ ‫وق��ي��دوا ي��دي من اخللف وق��ادون��ي إیل إحدى‬ ‫األعمدة الكهربائية وسط الشارع يف مدخل‬ ‫املدينة وربطوني عليه وطلب من بعض اجلنود‬

‫إطالق النار علي عند مساع اإليعاز‪ ،‬وقبل أن‬ ‫يطلقوا النار علي ن��ادى أحد اجلنود مساعد‬ ‫القائد وطلب منه أن يسرع إیل موقع توجيه‬ ‫الطائرات إیل اهلدف‪ ،‬وهكذا تركين ومضی وبعد‬ ‫قليل أنصرف اجلنود من تلقائهم‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫ادخلوني السجن مرة ثانية‪ ...‬ويف الصباح الباكر‬ ‫من اليوم التالي‪ ،‬جاء مساعد القائد يصيح (وين‬ ‫ً‬ ‫مكبال وقال‪( :‬سوف‬ ‫سفري البارزاني) وقادني‬ ‫نرسلك هدية إیل املال)‪ ،‬وكنت أفكر يف الطريق‬ ‫كيف يكون ذل��ك‪ ،‬حتی وصلنا عند موقع‬ ‫ً‬ ‫شخصا‬ ‫دبابتني يف مدخل املدينة وقد أحضروا‬ ‫آخر امسه (حممد شهاب) وكان معلم الرتبية‬ ‫الدينية وتهمته إرسال األدوية إیل (املتمردين)‪،‬‬ ‫شدوا أيدينا وأرجلنا وعلقونا يف ماسورة املدفع‬ ‫ورأسنا مقابل فوهة املدفع‪ ،‬وقال عند اإلطالق‬ ‫سوف يطري رأسكم هدية للبارزاني‪ ،‬ويف هذه‬ ‫األثناء جاء ضابط مع بعض اجلنود من الربايا‬ ‫وقال آلمر الدبابتني ما هذا؟ فأجابه نرسل‬ ‫رؤوسهم هدية للمال‪ ،‬فتوجه إلينا هذا الضابط‬ ‫ودفعنا ً‬ ‫قليال إیل اخللف وأبعد رؤوسنا عن فوهة‬ ‫املدفع وانصرف‪ ،‬وما هي إال حلظات وأطلقت‬ ‫قذيفة وكأن أحداً نزع قليب من صدري وأتبعتها‬ ‫أخری والثالثة ومل أشعر ماذا جری بعد ذلك‪،‬‬ ‫وعندما شعرت وجدت نفسي يف االسطبل ثانية‬ ‫وأضيفت آالم احلروق إیل سابقاتها‪.‬‬ ‫هكذا مرت األيام اخلمسة العصيبة‪ ،‬وبعد مرور‬ ‫إثنان وأربعون ً‬ ‫يوما مليئاة باجلروح واحلروق يف‬ ‫التوقيف دون معاجلة‪ ،‬تدخل العميد املتقاعد‬ ‫(حممد ناجي) بواسطة قائدي الفرقة الرابعة‬ ‫والثانية حبكم الزمالة بينهم‪ ،‬وطلب نقلي إیل‬ ‫معسكر الغزالني باملوصل حتت حراسة مشددة‬


‫وأنا مكبل من اليدين والرجلني واحلديث يدور‬ ‫بني أفراد احلرس بأنه مطلوب لريموه يف معسكر‬ ‫الغزالني‪ ،‬وصلنا املعسكر قبيل إنتهاء الدوام‪،‬‬ ‫وإذا جبموع اجلنود حيتشدون حولنا وينادوا‬ ‫بعضهم (إنه سفري املال) وسوف يرمونه هنا‪ ،‬ما‬ ‫أن وصل اخلرب إیل قائد الفرقة (صديق العميد‬ ‫املتقاعد حممد ناجي) حتی خرج إیل الشرفة‬ ‫لريی األمر فوجد أنه أنا املعين فأخذ يشتمهم‬ ‫ً‬ ‫قائال ما طلبت إحضاره هكذا‪ ،‬وأمر بفك القيود‬ ‫وأخذني إیل غرفته وقصصت له ما جری لي‬ ‫فأعتذر ثم قال تستطيع أن تذهب اآلن‪».‬‬ ‫بعد اإلجناز الكبري لثورة أيلول اجمليدة بإعالن‬ ‫بيان ‪ 11‬آذار سنة ‪1970‬م‪ ،‬ازداد أهمية مدينة‬ ‫ئاميدي (العمادية) كثرياً حيث أصبحت من‬ ‫املراكز املهمة للثورة الكوردية‪ ،‬والتحق اآلالف‬ ‫من أبناء املدينة بصفوف ق��وات البيشمركة‬ ‫ليشاركوا يف الثورة وخاصة بعد أتفاقية اجلزائر‬ ‫بني شاه إيران والدكتاتور صدام حسني سنة‬ ‫‪ ،1974‬واليت أدت إىل إفشال الثورة الكوردية‪،‬‬ ‫ودفع الشعب الكوردي وقيادتها مثن ذلك ً‬ ‫غاليا‬ ‫مبا فيهم أهالي ئاميدي حيث أستشهد منهم‬ ‫العشرات ومت نفي املئات من املشاركني يف الثورة‬ ‫إیل وسط وجنوب العراق‪.‬‬ ‫وبإندالع الثورة اجلديدة لشعبنا سنة ‪،1975‬‬ ‫وثورة كوالن سنة ‪1976‬م‪ ،‬ألتحق بهما أبناء‬ ‫ئاميدي وتبوءوا فيهما مراكز سياسية وعسكرية‬ ‫متقدمة وخاصة يف صفوف احلزبني الرئيسيني‬ ‫يف كوردستان‪ ،‬اإلحت��اد الوطين الكوردستاني‬ ‫واحل��زب الدميقراطي الكوردستاني‪ ،‬ويستمر‬ ‫كفاحهم وتضحياتهم يف ص��ف��وف احلركة‬ ‫التحررية الكوردية حتی أندلعت اإلنتفاضة‬

‫اجمليدة لشعبنا يف ‪1991/3/5‬م‪ ،‬لتنتفض‬ ‫مجاهري ئاميدي علی حكم الطاغية صدام‬ ‫حسني يف ‪1991/3/15‬م‪ ،‬وحيرروا مدينتهم‬ ‫من أزالم��ه‪ ،‬وبتاريخ ‪1991/3/31‬م‪ ،‬ترك‬ ‫أهالي ئاميدي مدينتهم لينضموا إیل اهلجرة‬ ‫املليونية اليت قام بها مجاهري شعب كوردستان‬ ‫العراق‪ ،‬حيث رفض هذا الشعب العيش مرة‬ ‫اخرى حتت سيطرة حكم النظام الدكتاتوري‬ ‫لصدام حسني‪ ،‬وفضل املوت يف العراء ً‬ ‫بدال من‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫وم��ن��ذ ال��ع��ام ‪1991‬م وم��دي��ن��ة ئاميدي‬ ‫(العمادية) تعيش بسالم وأمان مثل شقيقاتها‬ ‫من مدن وبلدات وقری إقليم كوردستان العراق‪،‬‬ ‫وم��ازال أبناء هذه املدينة العريقة واألصيلة‬ ‫يواصلون كفاحهم وتقدمهم يف شتی جماالت‬ ‫احلياة ويساهمون بكل إخالص وإقتدار يف بناء‬ ‫وتطوير وتقدم كوردستان‪.‬‬ ‫أخ�يراً‪ ،‬أقرتح علی حكومة إقليم كوردستان‬ ‫واجل��ه��ات املختصة ب��أن يتم فتح جامعة أو‬ ‫أكادمية علمية يف منطقة ئاميدي بأسم جامعة‬ ‫قبهان (علی أسم املدرسة التارخيية العريقة يف‬ ‫املنطة قباهان أو قبهان)‪ ،‬باإلضافة إیل مكتبة‬ ‫علمية ك��ب�يرة بنفس األس���م ت��ق��وم بالبحث‬ ‫ومجع وتوثيق وحفظ الوثائق املتعلقة بتاريخ‬ ‫ئاميدي وكوردستان‪.‬‬

‫‪191‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪192‬‬

‫املصادر‪:‬‬ ‫‪.1‬أبن األث�ير‪ :‬التاريخ الباهر يف الدولة األتابكية‪،‬‬ ‫حتقيق‪ :‬عبد القادر الطليمات‪ ،‬دار الكتب احلديثة‪،‬‬ ‫القاهرة – ‪1963‬م‪.‬‬ ‫‪.2‬د‪ .‬سامي بن السيد مخاس الصقار‪ :‬إم��ارة أربل‬ ‫يف العصر العباسي ومؤرخها أبن املستويف‪ ،‬دار الشواف‬ ‫للنشر والتوزيع‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.3‬ميجور سون‪ ،‬رحلة متنكر اىل بالد ما بني النهرين‬ ‫وكوردستان‪ ،‬ترمجة‪ :‬فؤاد مجيل‪ ،‬بغداد‪1970 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.4‬الدكتور حممد فتحي الشاعر‪ ،‬األكراد يف عهد عماد‬ ‫الدين زنكي‪ ،‬توزيع دار املعارف‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.5‬أنور املائي‪ :‬أك��راد يف بهدينان‪ ،‬مطبعة خبات‪،‬‬ ‫دهوك‪ ،‬الطبعة الثانية‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.6‬صديق الدملوجي‪ ،‬إمارة بهدينان الكوردية أو إمارة‬ ‫العمادية‪ ،‬مطبعة األحتاد اجلديدة‪ ،‬املوصل‪1952 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.7‬عباس العزاوي‪ ،‬العمادية يف العصور املختلفة‪،‬‬ ‫حتقيق محدي السلفي وعبدالكريم الفندي‪ ،‬مطبعة‬ ‫وزارة الثقافة‪ ،‬أربيل‪1998 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.8‬كاوه‌ فريق شاوه‌ لي ئاميدي‪ ،‬إمارة بادينان ‪1700‬‬ ‫– ‪ ،1842‬دراسة سياسية إجتماعة ثقافية‪ ،‬مطبعة‬ ‫خبات‪ ،‬دهوك‪ ،‬الطبعة األویل‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.9‬أنور املائي‪ :‬الفردوس اجملهول‪ ،‬كتاب خمطوط‪،‬‬ ‫‪1952‬م‪.‬‬ ‫‪.10‬حممد أم�ين زك��ي‪ ،‬ت��اري��خ ال���دول واإلم���ارات‬ ‫ال��ك��وردي��ة يف العهد اإلس�لام��ي‪ ،‬ت��رمج��ة‪ :‬حممد علي‬ ‫عوني‪ ،‬القاهرة‪1945 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.11‬حممد أمني زكي‪ ،‬خالصة تاريخ كرد وكردستان‪،‬‬ ‫ترمجة حممد علي عوني‪ ،‬مطبعة صالح الدين‪ ،‬بغداد‬ ‫‪1961‬م‪.‬‬ ‫‪.12‬حمفوظ العباسي‪ ،‬إم��ارة بهدينان العباسية‪،‬‬ ‫مطبعة اجلمهورية‪ ،‬املوصل‪1969 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.13‬لونكريك‪ ،‬أرب��ع��ة ق��رون م��ن ت��اري��خ العراق‬ ‫احل��دي��ث‪ ،‬ترمجة جعفر اخل��ي��اط‪ ،‬مطبعة شريعة‪،‬‬ ‫الطبعة الرابعة‪1968 ،‬م‪.‬‬

‫‪.14‬حمفوظ العباسي‪ ،‬العباسيون بعد أحتالل بغداد‬ ‫(‪1258‬م – ‪1989‬م)‪ ،‬بغداد‪1990 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.15‬عمادي طارق الباشا‪ ،2005 ،‬معركة ئيتوت‬ ‫اخلامتة من اجل استقالل ام��ارة ئاميدي (بادينان)‪،‬‬ ‫جملة دهوك‪ ،‬العددان (‪ ،)29 ,28‬دهوك‪ ،‬كوردستان‪.‬‬ ‫‪.16‬عمادي طارق الباشا‪ ،‬ئاميدي (العمادية) ابان‬ ‫احلرب العاملية االوىل وبداية احلكم الوطين واسطورة‬ ‫شعارها اخلالد‪.www.krg.org ،‬‬ ‫‪.17‬عباس العزاوي‪ ،‬تاريخ العراق بني احتاللني‪،‬‬ ‫بغداد‪ ،‬ج‪1949 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪.18‬د‪ .‬عماد عبد السالم رؤوف‪ ،‬املوصل يف العهد‬ ‫العثماني فرتة احلكم احمللي (‪1726‬م – ‪1834‬م)‪،‬‬ ‫النجف األشرف‪1975 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.19‬ياسني بن خري اهلل اخلطيب العمري‪ ،‬غاية املرام‬ ‫يف تاريخ حماسن بغداد دار السالم‪ ،‬بغداد‪1968 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.20‬ياسني بن خري اهلل اخلطيب العمري‪ ،‬غرائب األثر‬ ‫يف حوادث ربع القرن الثالث عشر‪ ،‬املوصل‪1940 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.21‬املكرياني‪ ،‬موجز تاريخ أمراء سوران‪ ،‬ترمجة‬ ‫حممد املال عبد الكريم‪ ،‬مطبعة سليمان األعظمي‪،‬‬ ‫بغداد‪.‬‬ ‫‪.22‬صديق الدملوجي‪ ،‬اليزيدية‪ ،‬مطبعة األحتاد‪،‬‬ ‫املوصل‪1949 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.23‬د‪ .‬عماد عبد السالم رؤوف‪ ،‬األس��ر احلاكمة‬ ‫ورجال اإلدارة والقضاء يف العراق يف القرون املتأخرة‬ ‫(‪1258‬م – ‪1918‬م)‪ ،‬بغداد‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.24‬عمادي طارق الباشا‪ ،‬ئاميدي (العمادية) ‪ -‬لقب‬ ‫الباشا ‪ -‬ودراسة دميوغرافية ال بد منها ‪www.krg.‬‬ ‫‪.org‬‬ ‫‪.25‬عمادي ط��ارق الباشا‪ ،‬عاصمة االمرباطورية‬ ‫امليدية بني أم��اد – ئفاهيا (ئاميدي – العمادية)‬ ‫واقباتان (همدان ‪ -‬كرمنشاه) ‪. www.krg.org‬‬ ‫‪.26‬د‪ .‬علي ترت توفيق ب��ك‪ ،‬احلياة السياسية يف‬ ‫كوردستان ‪ ،1927 – 1908‬ترمجة‪ :‬حتسني أبراهيم‬ ‫الدوسكي‪ ،‬مراجعة أ‪.‬د‪.‬ع��ب��د الفتاح علي البوتاني‪،‬‬


‫مطبعة خاني‪ ،‬دهوك‪ ،‬الطبعة األویل‪2007 ،‬م‪.‬‬ ‫* شعب نه‌يار‪ :‬ينسب إليهم أسالف الكورد من امليديني‬ ‫وغريهم‪ ،‬وقد ورد هذ االسم يف كتاب املصرين القدماء‪،‬‬ ‫كما وإن التوراة ذكرهم بأسم ارام – نه يارام‪ ،‬ويؤكد‬ ‫الباحث د‪ .‬طارق باشا العمادي بأن هذه الكلمة كوردية‬ ‫ومكونة من مقطعني (ن��ه) ويعين ال و(ي��ار) مبعنی‬

‫حبيب او صديق اي الشعب الذي ال صديق له أو املعزول‬ ‫عن الشعوب اجملاورة‪ ،‬وان هؤالء هم سلف امليديني وكانو‬ ‫يعيشون يف كوردستان األوس��ط‪ ،‬وكان هلم الكثري من‬ ‫القوة والسلطان وكان هلم شأن ظاهر يف القاء الرعب‬ ‫واهليبة يف قلوب مجيع الشعوب اجملاورة له‪ ،‬وهو الشعب‬ ‫الذي محل اسم الكورد فيما بعد‪.‬‬

‫‪193‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪194‬‬

‫آراء يف التنمية واإلصالح السيايس‪:‬‬ ‫إقليم كوردستان – العراق منوذجاً‬ ‫ّ‬ ‫«إن الدولة هي أوالً وقبل كل شيئ منظمة تعليمية»‬

‫جورج ه‪ .‬سباين‬

‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬شريزاد أحمد أمني النجار‬ ‫د‪ .‬حسام الدين عيل مجيد‬ ‫قسم السياسة بجامعة صالح الدين – أربيل‪.‬‬


‫ُق َ‬ ‫بيل الولوج يف حيثيات التنمية السياسية وعالقتها‬ ‫ُ‬ ‫��در َك فكرة‬ ‫باإلصالح السياسي والتعليم‪ ،‬ينبغي ْأن ن ِ‬ ‫َّأن األقدمني من اليونان كانوا َّ‬ ‫سباقني اىل اإلعتقاد‬ ‫والعمل بفكرة كون التعليم بعامة هو الوسيلة اإلجيابية‬ ‫اليت تستطيع بها السلطة السياسية تكييف الطبيعة‬ ‫دول��ة متجانسة‬ ‫خبلق ٍ‬ ‫اإلنسانية على النحو الكفيل ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وإجتماعيا‪ .‬ويف عني الوقت جعل مواطين‬ ‫ثقافيا‬ ‫الدولة متمتعني باملقدرات الالزمة لمِ واجهة التحديات‬ ‫املستقبلية‪ .‬فإذا َص ُل َح تعليم املواطنني إستطاعوا يف‬ ‫يتبينوا َّ‬ ‫حل الصعوبات اليت َتعترَ ُ‬ ‫ُي ْس ٍر ْأن َّ‬ ‫ض سبيلهم‬ ‫ِ‬ ‫عليه‪ ،‬مل ْ‬ ‫ْ‬ ‫يكن من‬ ‫وأن يواجهوا الشدائد عند قيامها‪ِ .1‬‬ ‫العارضة قيام الفيلسوف أفالطون جبعل‬ ‫قبيل املصادفة ِ‬ ‫كتابه «اجلمهورية ‪The‬‬ ‫التعليم املوضوع األس��اس ِل ِ‬ ‫ً‬ ‫‪ .”Republic‬بل جاء ذلك نتيجة منطقية ِل َن َس ِق‬ ‫أفكار ِه عن الدولة‪ .‬فإذا كانت الفضيلة ً‬ ‫وفقا لمِ نظور ِه هي‬ ‫“املعرفة” فال َج َر َم ْأن ُيستطاع تعليمها‪ْ ،‬‬ ‫وأن يكون نظام‬ ‫التعليم الذي َي ُ‬ ‫كفل ذلك هو اجلزء اجلوهري يف الدولة‬ ‫َُّ‬ ‫نظام تعليمي صاحل‬ ‫الصاحلة‪ .‬إذ أن��ه ميكن بواسطة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫هم َل التعليم َّ‬ ‫فإن َّأي‬ ‫حتقيق كل تقدم منشود‪ ،‬أما إذا أ ِ‬ ‫تؤديه الدولة يكون غري ذي شأن‪.2‬‬ ‫عمل آخر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مما يعين ذلك‪َّ ،‬أن الرتبية بعامة والتعليم العالي‬ ‫خباصة ال يعين وضع املعرفة ‪ Acknowledge‬يف‬ ‫ً‬ ‫وضعا‪َّ ،‬‬ ‫ألن النفس هذه ليس فيها‬ ‫داخل النفس ‪Self‬‬ ‫معرفة ً‬ ‫أصال‪ ،‬بل أنها تعين توجيه “العني الداخلية”‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫للتلميذ والطالب‪ ،‬أي توجيه َملكة التعلم تلك القوة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫النشيطة اليت ِّ‬ ‫وروحه‪ .‬حبيث يكون هذا‬ ‫إرادته‬ ‫تكونها‬ ‫التوجيه على النحو الذي جيعل تعاطي الطالب بأفضل‬ ‫ما ميكن مع معطيات التجربة واحلياة العملية‪ .3‬ونظراً‬ ‫ألهمية التعليم البا ِلغة‪ ،‬ال تستطيع الدولة أن ترتك‬ ‫ش��ؤون التعليم للحاجة اخلاصة أو ْأن يكون مصدراً‬ ‫للكسب والتجارة‪ .‬بل يتعينَّ على الدولة ْأن ُت ِّ‬ ‫وف َر بنفسها‬ ‫الوسائل الالزمة ِلتحقيق أهداف التعليم‪ ،‬وأن َت َ‬ ‫ستو ِث َق‬ ‫من كون املواطنني حيصلون ً‬ ‫فعال على اإلعداد والتأهيل‬ ‫الذي حيتاجون اليه‪ْ ،‬‬ ‫وأن َّ‬ ‫تتثب ْت من كون نوع التعليم‬

‫يناله الطالب ينسجم ً‬ ‫الذي ُ‬ ‫فعال مع رفاهية الدولة‬ ‫وجتانسها‪.4‬‬ ‫ذلك ِلكون الرتبية والتعليم إمنا هو املدخل الرئيسي‬ ‫ِلبناء املواطن وإع��داد ِه على النحو ال��ذي ينسجم مع‬ ‫حاجات الدولة يف املقام األول‪ ،‬لكي يتم يف ضوء ذلك‬ ‫تنفيذ مشاريع الدولة الراهنة واملستقبلية‪.‬إذ َّأن ُه من‬ ‫وجماالته‬ ‫خالل هذه السيطرة على عملية التعليم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫يريد فالسفة السياسة األق��دم��ون منهم‬ ‫املتنوعة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫واملعاصرون القول بفكرة َّأن املعرفة ليست الغاية من‬ ‫ُ‬ ‫حتويل ّ‬ ‫وق ّدسني‪،‬‬ ‫تعليمها‬ ‫العامة من الناس اىل فالسفة ِ‬ ‫بل الغاية هي حتويل ّ‬ ‫العامة اىل مواطنني صاحلني وهذا‬ ‫هو الواجب االساسي لعلم السياسة‪َّ .5‬‬ ‫وأن املعرفة بذاتها‬ ‫ٌ‬ ‫السيما يف مراحلها العليا ٌ‬ ‫بصناعة َّ‬ ‫خاصة‬ ‫معين‬ ‫شأن‬ ‫ِ‬ ‫الناس ونخُ بتهم‪ .‬ذلك َّ‬ ‫ألن من ُس َن ِن احلياة وقوانينها َّأن‬ ‫ْ‬ ‫من يصنع احلياة واملستقبل هم ّ‬ ‫خاصة الناس وليس‬ ‫عامتهم‪ .‬وبذلك َّ‬ ‫ّ‬ ‫فإن الدولة عرب سيطرتها على التعليم‬ ‫تكون قد سيطرت على مستقبلها واىل ٍّ‬ ‫حد كبري‪.‬‬ ‫وإذا ما َّ‬ ‫سلطنا هذا الضوء على واقع حال العراق‬ ‫والسيما إقليم كوردستان‪َ ،‬لوجدنا َّأن األحزاب والتيارات‬ ‫السياسية يف العراق ليس لديها من برامج ومشاريع‬ ‫متكاملة ووطنية عامة ذات صلة بالتعليم‪ .‬و ُيستثنى‬ ‫من ذلك حز َبني أو ثالثة ْ‬ ‫ممن حيوز التجربة التارخيية‬ ‫ً‬ ‫والرؤية املستقبلية اىل ٍّ‬ ‫حد ما‪ .‬وميكن القول أيضا بكون‬ ‫هذه املشاريع الوطنية يف كوردستان – العراق حتديداً‬ ‫والفدرالية‬ ‫ال خترج من دائرة‪« :‬الدميقراطية للعراق ِ‬ ‫متم ً‬ ‫ِلكوردستان»‪ .‬هذا املنظور جاء ِّ‬ ‫ما ِلنهج ثورة أيلول‬ ‫والذي إرتكز على رؤية‪« :‬الدميقراطية للعراق واحلكم‬ ‫الذاتي ِلكوردستان»‪ .‬غري َّأن ذلك قد ّ‬ ‫تغيريات‬ ‫تعرض ِل‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫عدة تتوزع على جان َبني رئيسينَ وهما‪:‬‬ ‫أ‪ -‬التوسيع من دائرة اإلستقالل الذاتي وليس نوعية‬ ‫الفدرالية يف إحدى معانيها‬ ‫اإلستقالل الذاتي‪ :‬أي َّأن ِ‬ ‫ً‬ ‫هي ّ‬ ‫جمرد دائرة أوسع من احلكم الذاتي‪ ،‬نظرا ِلكون‬ ‫َ‬ ‫والفدرالية‪،‬‬ ‫كوردستان يف كال احلالني‪ ،‬احلكم الذاتي ِ‬ ‫ً‬ ‫طرفا من األط��راف املوصولة مبركز العراق‪.‬‬ ‫ستبقى‬ ‫‪195‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪196‬‬

‫إذ يبدو َّأن َّ‬ ‫صناع القرار الكوردستاني يعتقدون َّ‬ ‫بان‬ ‫ُ‬ ‫املرحلة التارخيية اليت يعيشها اإلقليم ال تتيح السبيل‬ ‫كثرياً أمام القومية الكوردية ِلنيل إستقالهلا الكامل‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الكفاءة واجل��دارة‪ :‬مبعنى حماولة جعل الشخص‬ ‫املناسب يف املكان املناسب‪ ،‬كذلك الشفافية يف ُس ُب ِل‬ ‫َص ْر ِف امليزانية‪ ،‬إزالة (أو التقليص) من سلطان احلزب‬ ‫والتحزبية على مؤسسات احلكم‪ ،‬على إعتبار َّأن هذه‬ ‫��ال ممارستها التأثري‬ ‫السلطة تغدو غري شرعية يف ح ِ‬ ‫ً‬ ‫والنفوذ غري املشروعة على تلك املؤسسات‪ .‬فضال على‬ ‫ذل��ك‪ ،‬يتوجب الفصل التام ما بني الساسة والنشاط‬ ‫اإلقتصادي‪ِ ،‬لكون تداخل هذين َ‬ ‫اجملالني سيقود االقليم‬ ‫اىل مرحلة تتسم باإلحتكار السياسي واإلقتصادي‪،‬‬ ‫فيغدو اإلقليم بذلك َحكراً على عد ٍد من االفراد‪ ،‬بينما‬ ‫ِّ‬ ‫بالضد من نظام السوق احلر‬ ‫هذه احملصلة حبد ذاتها هي‬ ‫والذي ُت ِّ‬ ‫عليه غالبية األحزاب السياسية‪ .‬ومن َّ‬ ‫ثم‪،‬‬ ‫شدد ِ‬ ‫َّ‬ ‫فإن الغاية من هذا الفصل تتجسد يف التقليص من الفساد‬ ‫اإلداري السيما ضمن اجملال العام ‪.Public Sphere‬‬ ‫ميكن القول بكون جمرد السعي وراء إجي��اد مثل‬ ‫بذاته أوىل َوثبات التنمية‬ ‫هذا املشروع اإلصالحي هو‬ ‫ِ‬ ‫السياسية‪ ، Political Development‬حيث‬ ‫ُي َّ‬ ‫ستهد ُف‬ ‫عرف األخري‬ ‫بكونه “ جمموعة التغيريات اليت َت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫الثقافة والبنية السياسية مؤدية اىل نقل اجملتمع من‬ ‫نظام حديث وغري تقليدي‪ ،‬حبيث‬ ‫نظام تقليدي اىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقابلية اإلنسان السياسية‬ ‫قدرة‬ ‫يف‬ ‫التحول‬ ‫إحداث‬ ‫يتم‬ ‫ِ‬ ‫على األخذ بزمام املبادرة من أجل تأسيس ُبنى جديدة‬ ‫قيم ورؤى عصرية قادرة على إستيعاب ما‬ ‫وتطوير ٍ‬ ‫ً‬ ‫َي ْع ُر ُ‬ ‫ض من مشكالت‪ ،‬والسعي أخريا من أجل حتقيق‬ ‫أهداف إجتماعية وإقتصادية جديدة‪ .6‬أي َّأن التنمية‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫عدة أُسس؛ بعضها ُّ‬ ‫قائمة بدورها على َّ‬ ‫خيص‬ ‫السياسية‬ ‫املسار السياسي إلقليم كوردستان – العراق‪ ،‬وبعضها‬ ‫اآلخر ُيعنى بالعالقة ما بني التنمية السياسية ومشروع‬ ‫بناء الدولة ‪ ،State Building‬وميكن توضيح ذلك‬ ‫على النحو التالي‪:‬‬ ‫أ‪َّ -‬‬ ‫ً‬ ‫لعل من أكثر القضايا أهمية يف املرحلة الراهنة‬

‫قضية حتديد وجهة إقليم كوردستان ومصري ُه‪ .‬فهل هو‬ ‫ينحو صوب إنشاء دولة خاصة أم َّأننا أمام وجهة البقاء‬ ‫ضمن العراق َّ‬ ‫املوحد؟ ذلك ِلكون عدم حتديد هدف املسار‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫راوح حركة التحرر الكوردستانية يف‬ ‫يؤدي عادة اىل ْأن ت ِ‬ ‫مكانها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬إذا ما جعلنا اإلستقالل السياسي هو الغاية اليت‬ ‫مشروع‬ ‫حينئذ َس َن ِل ُج يف‬ ‫َيبغي اإلقليم حتقيق ُها‪ ،‬فإننا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫آخر يتجاوز دائرة اإلصالح السياسي وهو بناء الدولة‬ ‫– األم��ة ‪ .Nation – State Building‬هذا‬ ‫املشروع خيتلف بصور ٍة جوهرية عن اإلصالح السياسي‬ ‫‪ .Political Reform‬ذلك ِلكون مشروع بناء الدولة‬ ‫يتحرك ً‬ ‫جنبا اىل جنب بناء اهلوية القومية أو بناء األمة‬ ‫‪ ،Nation Building‬ومن َّ‬ ‫ثم إعادة بناء املؤسسات‬ ‫هوية ثقافية وقومية‬ ‫الرمسية وغري الرمسية ِل ُتعبرِّ عن ٍ‬ ‫شم ُله مفهوم اإلص�لاح السياسي‬ ‫واح��دة‪ ،‬وهو ما ال َي ِ‬ ‫ً‬ ‫عادة‪ .‬بيد َّأن من الضروري يف هذا اخلصوص‪ ،‬السيما‬ ‫يف ظل التطورات اليت يشهدها مفهوم الدولة‪ -‬األمة منذ‬ ‫الثمانينيات املنصرمة‪ ،‬ضمان حقوق األقليات القومية‬ ‫والدينية‪ .‬وذلك على أساس كون هذه الدولة واهلوية‬ ‫اجلديدة جيب ْأن ُتعبرِّ عن اجلميع وليس األكثرية‬ ‫املهيمنة على املركز فحسب‪ .‬وعلى هذا النحو ً‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫فيه‬ ‫سيتم بناء السياسة اخلارجية بالشكل الذي تغدو ِ‬ ‫األخرية إمتداداً للسياسات الداخلية‪.‬‬ ‫هذا املنظور هو ما ُي ِّ‬ ‫عليه ج��ورج بوردو‬ ‫شد ُد ِ‬ ‫بقوله‪ “ :‬لقد إخ�ترع‬ ‫(‪)Georges Burdeau‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الدولة لكي ال ُيطيعوا الناس‪ .‬جعلوا منها املركز‬ ‫الناس‬ ‫َ​َ‬ ‫وب َوزنها‪،‬‬ ‫والسند للقدرة اليت يشعرون دائما بضرورتها ِ‬ ‫ُ‬ ‫ولكن ما ْأن ت ْن َس ُب هذه القدرة اىل الدولة حتى تسمح‬ ‫والية ال ُت َّرد دون ْأن يشعروا مع ذلك‬ ‫هلم باخلضوع اىل ٍ‬ ‫َّأنهم ُم َ‬ ‫إلرادات بشرية ‪ ....‬وهلذا السبب بالذات‪،‬‬ ‫رت َهنون‬ ‫ٍ‬ ‫دائما ِّ‬ ‫سعى ً‬ ‫سلطة‬ ‫املنظرون كما رجال السياسة ِلتأسيس‬ ‫ِ‬ ‫الدولة على َس َن ٍد ذاتي مستقل‪ .‬ومبا َّأن هذا َ‬ ‫الس َند ال‬ ‫ميكن ْأن يكون اإل اجملتمع ِّ‬ ‫ِ ُ‬ ‫در ُك َّأن املهمة‬ ‫بكل‬ ‫فئاته‪ ،‬ن ِ‬ ‫ليست سهلة كونها َت ِ ُ‬ ‫واحد من متعدد‪،‬‬ ‫نع‬ ‫ٍ‬ ‫هدف اىل ُص ِ‬


‫مجاعة‬ ‫سلطة واح��دة من خ�لال متطلبات‬ ‫وإق��ام��ة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متنوعة”‪.7‬‬ ‫يف املقابل من ذلك‪َّ ،‬‬ ‫فإن مشروع اإلصالح السياسي‬ ‫إط��ار أضيق من ذل��ك بكثري‪ .‬حيث يتم فيه‬ ‫هو ذو‬ ‫ٍ‬ ‫الرتكيز على عدد من احملاور الرئيسية وهي‪ :‬التعليم‪،‬‬ ‫كيفية إدارة وتنظيم مؤسسات اإلقليم‪ ،‬كيفية التعامل‬ ‫ً‬ ‫إضافة اىل الفساد اإلداري وكيفية‬ ‫مع مركز الدولة‪،‬‬ ‫عليه‪َّ ،‬‬ ‫ف��إن مشاريع اإلص�لاح السياسي‪،‬‬ ‫مواجهته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اليت يتبناها ِمن األحزاب السياسية َم ْن ميلك الرؤية‬ ‫الواضحة‪ ،‬س��واءاً أكانت من قبيل أح��زاب السلطة أو‬ ‫أحزاب املعارضة‪ ،‬هذه املشاريع لكي تغدو إصالحية يف‬ ‫ِّ‬ ‫املاهي ِة واملظهر ثم حتوز القدرة على التحول اىل مشروع‬ ‫للتنمية السياسية‪ ،‬ينبغي ْأن تتميز بعد ٍد من اخلصائص‬ ‫األساسية وهي‪ :‬الشمولية‪ ،‬اإلستمرارية‪ ،‬املرونة وعلى‬ ‫َ‬ ‫البيئتني الداخلية‬ ‫النحو الذي ينسجم مع تغيريات‬ ‫واخلارجية‪ ،‬كذلك جعل بناء الدولة والنهضة غايتها‬ ‫املركزية‪ .‬أي الدفع بإقليم كوردستان حنو النهوض‬ ‫الشامل ويف َّ‬ ‫شتى مناشط احلياة وليس من أجل ترميم‬ ‫ما َ‬ ‫أفسد ُه الدهر فحسب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ -‬ما العمل؟‪ :‬آليات مشروع اإلصالح السياسي‬ ‫أن َّأي مشروع لإلصالح جيب ْأن َي ِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫حبقل‬ ‫ستهل تدشينه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫منقط ً‬ ‫ْ‬ ‫التعليم‪َّ .‬‬ ‫عة‬ ‫تكون‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫جيب‬ ‫اخلطوة‬ ‫هذه‬ ‫لكن‬ ‫ِ‬ ‫عن مسا َري الرتبية والتعليم التقليد َيني يف العراق‬ ‫َ‬ ‫والذين أوجدتهما النخبة الليربالية َّإبان النصف األول‬ ‫مت العمل عمداً‬ ‫من القرن العشرين‪ .‬وهو ما َّ‬ ‫خبالفه يف‬ ‫ِ‬ ‫إقليم كوردستان منذ عام ‪ 2008‬على أصعد ِة التعليم‬ ‫اإلبتدائي والثانوي واجلامعي‪ .‬حبيث ُج ِع َل مشروع‬ ‫إصالح التعليم ً‬ ‫قائما على فكرة مضطربة غري واضحة‬ ‫املَعالمِ أال وهي‪ « :‬ضرورة ربط التعليم بإقتصاد السوق»‪.‬‬ ‫بينما من املفرتض العمل مبنهج «ربط التعليم بعملية‬ ‫بناء اإلنسان واملواطن الصاحل»‪ ،‬أي مبعنى َّأن اهلدف من‬ ‫التعليم هو بناء اإلنسان املثقف‪ ،‬اإلنساني‪ ،‬الوطين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جنبا اىل جنب‬ ‫ومعتقداته الدينية‬ ‫بثقافته‬ ‫املؤمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫جعله متساحما جتاه اإلختالف والتنوع يف‬ ‫العمل على‬ ‫ِ‬

‫ْ‬ ‫عليه‬ ‫حميطه اإلجتماعي والفكري‪ .‬هذا النهج‬ ‫سارت ِ‬ ‫ِ‬ ‫دولة – مدينة أثينا و أسربطة ثم الدولة الرومانية‬ ‫إقتدت ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫دول أوروبا املتقدمة‬ ‫قدميا‪ ،‬وبهذه الدول عينها‬ ‫وحتى اللحظة‪ .‬ومن ثم َّ‬ ‫فإن هذا النهج العام يف التعليم‬ ‫ِّ‬ ‫بالضد من النهج َ‬ ‫املعتمد يف راهن األيام الذي جيعل‬ ‫يقف‬ ‫من مؤسسة اجلامعة خباصة والتعليم بعامة جمرد‬ ‫مكرسة لخِ دمة السوق ً‬ ‫«حقل» أو ربمَّ ا «مزرعة» َّ‬ ‫كليا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وسبب التضاد بني هذين َ‬ ‫الن َ‬ ‫هجني هو أنه «ليس باخلبز‬ ‫وحده حييى اإلنسان» كما ال يعيش اإلنسان من أجل‬ ‫اخلبز فقط‪.‬‬ ‫جانب آخ��ر‪ ،‬جيب ْأن تكون دائ��رة التعليم‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫دائرة واسعة ومشبعة يف آن واحد‪ .‬مبعنى أن ُه ُي َ‬ ‫فرتض‬ ‫ٍ‬ ‫ْأن تكون واسعة يف ما ُت ِّ‬ ‫قد ُم ُه من العلم واملعرفة وكذلك‬ ‫ُمش َب َع ًة باألكادمييني‪ .‬ومن املمكن حتقيق ذلك عرب رفع‬ ‫املعايري العلمية للتعليم اجلامعي حتديداً ال ْأن ُت َّ‬ ‫قلص‬ ‫امل��دة الزمنية للدراسة اجلامعية‪ ،‬س���واءاً من حيث‬ ‫عدد الفصول الدراسية أو الوحدات الدراسية أو املواد‬ ‫الدراسية‪ .‬إذ َّأننا شئنا أم أبينا جز ٌء من العامل الثالث‬ ‫ِّ‬ ‫املتخلف‪ ،‬هلذا البد من رفع معايرينا العلمية واألكادميية‬ ‫فوق مستوى املعايري املعتمدة يف اجملتمعات الصناعية‬ ‫ً‬ ‫موازية هلا‪ ،‬إذا ما أردنا الشروع يف‬ ‫املتقدمة ال ْأن تكون‬ ‫ردم ُّ‬ ‫اهلوة الفاصلة بيننا وبينهم‪ .‬فعلى سبيل املثال لو‬ ‫كان الشخص (س) يسري بسرعة ‪ 10‬كم‪ /‬ساعة وأراد‬ ‫َ‬ ‫سرعته فسوف‬ ‫وأعتمد نفس‬ ‫الشخص (ص) اللحاق به‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫لن َ‬ ‫به أبداً‪ِ ،‬لكونهما أصال َيسريان بنفس السرعة‬ ‫يلحق ِ‬ ‫وبالتالي تبقى املسافة الفاصلة بينهما ثابتة من دون‬ ‫تغيري‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تأسيسا على ما تقدم‪ ،‬من الصعوبة مبكان الركون‬ ‫مجاعة ما ِلتطوير التعليم والسيما‬ ‫شخص أو‬ ‫ٍ‬ ‫اىل منظور ٍ‬ ‫التعليم العالي‪ ،‬حبيث َيعمد اىل إستنساخ برنامج‬ ‫متقدمة ما ثم العمل على‬ ‫دولة‬ ‫ٍ‬ ‫ونظرية منتهجة يف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تطبيقها يف اإلقليم دون األخذ باحلسبان‪ :‬املستوى املعريف‬ ‫العام‪ ،‬اإلمكانات املادية املتاحة‪ ،‬املقدرة البشرية الالزمة‪،‬‬ ‫وغاياته‪ .‬فهذه اجلوانب جيب‬ ‫اجملال الفلسفي للربنامج‬ ‫ِ‬ ‫‪197‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪198‬‬

‫فا َ‬ ‫وم َ‬ ‫صاغة َس َل ً‬ ‫ْأن تكون واضحة ُ‬ ‫قبيل تدشني الربنامج‪.‬‬ ‫وخبالف ذلك‪ ،‬سيغدو التعليم يف كوردستان‪ -‬العراق‬ ‫قانون طبيعي وجوهري وهو «اإلنتخاب‬ ‫قائم على‬ ‫ٍ‬ ‫غري ٍ‬ ‫الطبيعي ‪ .”Natural Selection‬فالتعليم يف األصل‬ ‫ٌ‬ ‫عليه‪ ،‬حيث ُي ْش َر ُع يف تعليم التالميذ والطالب من‬ ‫قائم ِ‬ ‫جوانب علمية ومعرفية متنوعة ومتوازنة‪ ،‬ثم يتم‬ ‫ٍ‬ ‫تعريضهم ّ‬ ‫لشتى اإلختبارات مبا ينسجم مع كل مرحلة‬ ‫دراسية وغاياتها الرتبوية‪ ،‬من أجل إتاحة السبيل أمام‬ ‫ذوي املهارات واملواهب العقلية واملجُ ِّ دين لإلنتقال اىل‬ ‫ً‬ ‫مقدرة‪ .‬بعبار ٍة‬ ‫املراحل املتقدمة دون غريهم من األقل‬ ‫أُخرى‪َّ ،‬إن النظام التعليمي يف األصل يقوم على أساس‬ ‫التنافس َّ‬ ‫ُ‬ ‫ستطاع ُ‬ ‫معه إنتقا َء األخيار”‪.8‬‬ ‫البناء الذي “ ُي‬ ‫ِلذلك‪َّ ،‬‬ ‫فإن مثل هذه الربامج خباصة والقوانني بعامة‬ ‫ُ‬ ‫ذوات الصلة مبجال التعليم ينبغي ْأن تأخذ باحلسبان‬ ‫ً‬ ‫فوفقا اىل الفيلسوف جان‬ ‫اجل��وان��ب مسبقة ال��ذك��ر‪.‬‬ ‫جاك روسو (‪“ :)Jean Jacques Rousseau‬كما‬ ‫َ‬ ‫األرض و َي ْسبرِ ُ قوة إحتماهلا‬ ‫يفحص املهندس املعماري‬ ‫ِّ‬ ‫قبل إقامة بنا ٍء ضخم عليها‪َّ ،‬‬ ‫فإن املعلم احلكيم ال يبدأ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يفحص قبل ذلك ما‬ ‫بكتابة قوانني جيدة بذاتها‪ ،‬بل‬ ‫أجله قادراً على تحَ ُّم ِل‬ ‫إذا كان الشعب الذي َي َض ُعها من ِ‬ ‫أعبائها”‪.9‬‬ ‫ً‬ ‫تقدم ُ‬ ‫إضافة اىل ما َّ‬ ‫بيانه‪َّ ،‬‬ ‫فإن من «مشولية» اإلصالح‬ ‫السياسي إشراك َّ‬ ‫كافة األطراف السياسية واإلجتماعية‬ ‫دائرته‪ ،‬ليس من أجل اإلستئناس بآرائهم فحسب‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫وإمنا جبعلهم شركا ٍء ذوي مسؤوليات أيضا‪ .‬أي مبعنى ْأن‬ ‫تكون معظم األطراف السياسية وغري السياسية ُم ْد ِركة‬ ‫للوجهة اليت َي ْن ُح َ‬ ‫ون صوبها وغري مخُ ت ِل َ‬ ‫فني على بلوغها‪،‬‬ ‫ويف نفس الوقت ينبغي توحيد املشاريع اإلصالحية‬ ‫مشروع نهضوي شامل من خالل التنمية‬ ‫وحتويلها اىل‬ ‫ٍ‬ ‫السياسية‪ .‬مما يقتضي ذلك توزيع َّ‬ ‫املهمة اىل جان َبني‪:‬‬ ‫أوهلما جناح التخطيط‪ :‬وه��و ُ‬ ‫ش��أن اخل�براء‪ ،‬حبيث‬ ‫ً‬ ‫كيان تنظيمي‪،‬‬ ‫جتتمع هذه النخبة املثقفة دوريا ضمن ٍ‬ ‫ليتم عرب احلوار والدراسات األكادميية حتديد املالمح‬ ‫الرئيسية والثانوية للنهضة‪ .‬حبيث تكون ُم َّعدة ِل َ‬ ‫تصبح‬

‫وطنيا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قابال للتنفيذ خالل مدة زمنية معينة‬ ‫مشروعا‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫البيئتني الداخلية واخلارجية‪ .‬هذا‬ ‫وفقا لمِ تغريات‬ ‫اخلزان الفكري ُي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫شكل مرجعية املشروع وكذلك اجلهة‬ ‫أهدافه القريبة والبعيدة املدى‪.‬‬ ‫الرقابية على تنفيذ‬ ‫ِ‬ ‫ثانيهما جناح التنفيذ‪ :‬يتم فيه توزيع عملية تنفيذ‬ ‫حنو‬ ‫امل��ش��روع على مراحل زمنية متالحقة وعلى ٍ‬ ‫ُرباعي‪ .‬أي تقوم كل حكومة خالل (‪ )8‬سنوات بتنفيذ‬ ‫قسم من األقسام األربعة للمشروع‪ ،‬وبعد إجناز األخري‬ ‫ٍ‬ ‫مشروع‬ ‫يف‬ ‫الولوج‬ ‫يتم‬ ‫القصوى‬ ‫الزمنية‬ ‫املدة‬ ‫خالل‬ ‫ٍ‬ ‫ذاته‪ .‬مما سيدفع ذلك ِبكوردستان‬ ‫جديد وعلى النحو ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مخُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫نهضة جديدة يف تل ِف مناحي احلياة‪.‬‬ ‫تدرجييا حنو‬ ‫ٍ‬ ‫بعبار ٍة أُخ��رى‪ ،‬يتوجب إح��داث التغيري َّ‬ ‫البناء‬ ‫ِليتخذ شكل العملية املستمرة واملرتبطة بوجود اإلنسان‬ ‫الكوردستاني نفسه‪ .‬حبيث يؤخذ عنصر اإلستدامة‬ ‫اإلنسانية باإلعتبار يف تنفيذ هذا املشروع النهضوي‪.‬‬ ‫جيل من أجيال احلكم من الضروري ْأن تكون‬ ‫إذ َّأن كل ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حقوق األجيال الالحقة َّ‬ ‫وإهتمامه‪ .‬واهلدف‬ ‫عنايته‬ ‫حمل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من ذلك هو عدم ّ‬ ‫تكرار التجربة اليت يشهدها اإلقليم‬ ‫ً‬ ‫من حيث التعيني يف الوظائف الرمسية مثال‪ ،‬حيث يتم‬ ‫تكديس املوظفني يف دوائر الدولة بعضهم فوق بعض‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫حديثا دائما‬ ‫املتخرج‬ ‫مما أفضى يف احملصلة اىل َّأن الشاب‬ ‫ما جيد ُ‬ ‫أمامه فرص التعيني حمدو ًدة للغاية يف مؤسسات‬ ‫ُ‬ ‫اإلقليم‪ .‬ودليل ذلك هو التضخم األفقي يف كتلة مؤسسات‬ ‫اإلقليم وطاقاتها اإلستيعابية من املوظفني الذين ربمَّ ا‬ ‫يتجاوز عددهم املليون‪ ،‬والذين بدورهم يسته ِلكون‬ ‫جزءاً مهما من ميزانية اإلقليم السنوية‪.‬‬

‫ً‬ ‫ثانيا‪ِّ -‬‬ ‫ماهي ُة املُ ْص ِلحني‬ ‫من الضروري التمييز بني َ‬ ‫فريقني رئيس َيني‬ ‫ع ً‬ ‫ً‬ ‫جنبا اىل جنب يف مؤسسات الدولة‬ ‫��ادة ما يعيشان‬ ‫والتنظيمات غري احلكومية‪ :‬أوهلما ُ‬ ‫فريق أولئك الذين‬ ‫َ‬ ‫الالزمتني إلجن��از اإلصالح‬ ‫حي��وزون الرغبة واإلرادة‬


‫ٌ‬ ‫منوطة‬ ‫السياسي‪ ،‬غري َّأن هذه الرغبة وتلك اإلرادة‬ ‫بشكل خاص‪ .‬فهوالء َ‬ ‫يرون هذه البيئة‬ ‫بالبيئة الدولية ٍ‬ ‫غري مؤاتية ِلنجاح إسرتاتيجيتهم النهضوية‪ .‬أما ثانيهما‬ ‫فهو ُ‬ ‫فريق الفاسدين‪ ،‬وهؤالء ال حيوزون إرادة التغيري‬ ‫وكسر القيود وال يريدون النجاح ِّ‬ ‫مشروع إصالحي‬ ‫ألي‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بالضرورة‪ .‬هلذا السبب يغدون ُم ِّ‬ ‫عوقا رئيسيا أمام‬ ‫ً‬ ‫إسرتاتيجية الفريق األول وال َي َّد ِخ َ‬ ‫رون ِو َسعا يف سبيل‬ ‫إبقاء اجلميع يف دائرة «اجلمود املؤسسي»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الفريقني ُّ‬ ‫جد واضح وميكن‬ ‫َّإن التنافس بني هذين‬ ‫لمَْ ُس ُه على ُ‬ ‫الص ُعد السياسية وغري السياسية ِلكوردستان‪-‬‬ ‫العراق‪ .‬هلذا السبب‪ ،‬وقبيل الشروع يف إفراغ حواصل‬ ‫رق التخطيط‪ ،‬ينبغي إنهاء هذا‬ ‫األقالم من ِح ٍرب على َو ِ‬ ‫ً‬ ‫التنافس غري َّ‬ ‫البناء بصورة سلمية‪ .‬وذلك سواءا داخل‬ ‫حزب من األحزاب السياسية أو يف ما بينها‪ ،‬وعلى‬ ‫كل ٍ‬ ‫النحو الذي حيقق اإلصالح الداخلي ِلكل حزب على حدة‬ ‫ومن َّ‬ ‫ثم احلياة احلزبية بعامة‪ .‬وبالتالي وضع املؤشرات‬ ‫الواضحة لعملية اصالح شاملة للمجتمع‪ .‬ذلك ِلكون‬ ‫شك ُل ً‬ ‫احلزب السياسي بعامة ُي ِّ‬ ‫أداة ال غنى عنها لمِ مارسة‬ ‫التأثري امللموس يف إدارة الشؤون العامة للمجتمع والدولة‪.‬‬ ‫فهو أداة للتوسط ما بني اجملتمع وبني النظام السياسي‪،‬‬ ‫إذ َّأن أعضاءها يتبؤون املناصب السياسية يف مؤسسات‬ ‫الدولة ومن ّ‬ ‫ثم سيؤثرون يف قرارات الدولة وسياساتها‪.‬‬ ‫مبعنى آخر‪َّ ،‬أن األحزاب الكوردستانية‪ ،‬حاهلا من‬ ‫حال األحزاب السياسية يف اجملتمعات املتخلفة‪ ،‬ستكون‬ ‫يف القرن الواحد والعشرين أمام حتديات جديدة َّ‬ ‫لعل‬ ‫أح��زاب سياسية‬ ‫من أبرزها إفساح السبيل أم��ام بناء‬ ‫ٍ‬ ‫جديدة أو إعادة بناء األح��زاب السياسية القائمة من‬ ‫خالل جتديدها لمِ بادئها‪ .‬وبذلك فإنها ستكون يف مواجهة‬ ‫مة من ِش َّقني‪ ،‬أوهلما َ‬ ‫الشروع يف عملية مأسسة نفسها‬ ‫َم َه ٍ‬ ‫بوصفها منظمة َّ‬ ‫فعالة وثانيهما مأسسة الدميقراطية‪.‬‬ ‫مبعنى َّأن ه��ذه األح��زاب ينبغي ْأن ال تكتفي بإجناز‬ ‫وظائفها األساسية ذوات الصلة “بتأسيس الدميقراطية”‪،‬‬ ‫أي ترشيح الكوادر لتولي املراكز احلكومية وتعبئة‬ ‫ً‬ ‫فضال على صياغة األج��ن��دة السياسية‬ ‫الناخبني‬

‫أيضا أن تغدو ً‬ ‫وتشكيل احلكومة‪ ،‬بل يتوجب عليها ً‬ ‫العبا‬ ‫ً‬ ‫حكومة دميقراطية فاعلة‪ .‬وإذا مل‬ ‫أساسيا يف تأسيس‬ ‫ٍ‬ ‫تتمكن األحزاب السياسية من مواجهة هذه التحديات‬ ‫ُّ‬ ‫فإنها ستكون َّ‬ ‫“بالتفكك” وستقرتب من “اإلنهيار”‪.‬‬ ‫مهددة‬ ‫وذلك ِلكون احلزب السياسي‪ ،‬يف اجملتمعات التقليدية‬ ‫واجملتمعات اليت يف طور اإلنتقال اىل الدميقراطية‪ ،‬هو‬ ‫داين ً‬ ‫فإما ْأن يكون َ‬ ‫خيار صعب ومعقد‪َّ :‬‬ ‫ميكيا ليبقى‬ ‫أمام ٍ‬ ‫يف مركز السياسة حبيث يؤثر فيها ويتأثر بها‪ ،‬أو يكون‬ ‫جامداً بال حراك فيبقى خارج دائرة السياسة ومن َّ‬ ‫ثم‬ ‫معر ً‬ ‫سيغدو َّ‬ ‫ضا لإلنهيار‪.‬‬ ‫‪ 1‬ج��ورج ه‪ .‬سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪،‬ج‪،1‬‬ ‫ترمجة حسن جالل العروسي‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫ط‪ ،4،1971‬ص‪.73‬‬ ‫‪ 2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫‪ 3‬جان جاك شوفالييه‪ ،‬تاريخ الفكر السياسي‪ :‬من‬ ‫املدينة الدولة اىل الدولة القومية‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممد‬ ‫عرب صاصيال‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2006 ،5‬ص ‪.43‬‬ ‫‪ 4‬جورج ه‪ .‬سباين ‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪ ،‬ج‪،1‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫‪ 5‬أنظر د‪ .‬شريزاد النجار‪ ،‬دراسات يف علم السياسة‪،‬‬ ‫دار دجلة‪ ،‬عمان‪ ،2005 ،‬ص ‪ ،11‬وكذلك ص ‪.163‬‬ ‫‪ 6‬للمزيد من التفاصيل أنظر أ‪ .‬د‪ .‬رعد عبد اجلليل‬ ‫ٌ‬ ‫مدخل للتغيري‪ ،‬اجلامعة‬ ‫علي‪ ،‬التنمية السياسية‪:‬‬ ‫املفتوحة‪ ،‬طرابلس‪ ،2002 ،‬ص ص ‪.28 – 24‬‬ ‫‪ 7‬ج����ورج ب�����وردو‪ ،‬ال���دول���ة‪ ،‬ت��رمج��ة د‪ .‬سليم‬ ‫َّ‬ ‫حداد‪،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫بريوت‪،‬ط‪،2002 ،3‬ص‪.14‬‬ ‫‪ 8‬قارن مع‪ :‬جورج ه‪ .‬سباين‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪،‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪ 9‬جان جاك روسو‪ ،‬يف العقد اإلجتماعي‪ ،‬ترمجة‬ ‫ذوقان قرقوط‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬آذار ‪ ،1973‬ص ‪.87‬‬

‫‪199‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪200‬‬

‫حضارة ُگوزانا ُ‬ ‫(غوزانا) ‪ Guzana‬الكردستانية‬ ‫يف فجر التاريخ‬

‫د‪ .‬أحمد محمود الخليل‬


‫اجلزء األكرب من كردستان يف املنطقة اليت ّ‬ ‫تسمى (اهلالل‬ ‫ً‬ ‫اخلصيب)‪ ،‬وهي أكثر مناطق غربي آسيا اتصافا بوفرة‬ ‫األمطار والينابيع واألنهار‪ ،‬وجتمع بني جغرافيا اجلبال‬ ‫والسهول‪ ،‬ومتتاز خبصوبة الرتبة‪ ،‬وانتظام الفصول‬ ‫األربعة‪ .‬هذه املزايا ّأهلت منطقة اهلالل اخلصيب ألن‬ ‫تكون مهد احلضارة يف فجر تاريخ البشرية‪ ،‬وال خيفى‬ ‫أن كردستان تقع يف قلب منطقة اهلالل اخلصيب‪ ،‬وكان‬ ‫من الطبيعي أن تكون من أبرز املَواطن اليت ظهرت فيها‬ ‫احلضارة‪ ،‬ونتناول يف هذه الدراسة واحدة من أهم تلك‬ ‫احلضارات‪ ،‬هي حضارة كوزانا‪.‬‬ ‫جغرافيا حضارة كوزانا وتارخيها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُنسبت هذه احلضارة يف بعض املصادر إىل (تل َحلف)‬ ‫الواقع يف أعالي نهر اخلابور‪ ،‬ولذلك ّ‬ ‫مساها املؤرخون‬ ‫(حضارة َح َلف) ‪ . Halaf‬واالس��م القديم للتل هو‬ ‫(ك��وزان��ا) ‪ ،Guzana‬وهو يقع على مسافة حوالي‬ ‫(‪ً 140‬‬ ‫ميال‪ 220/‬كم) مشال غربي نينوى‪ ،‬يقع على‬ ‫الضفة اليمنى لنهر اخلابور‪ ،‬وحتديداً على جنوب‬ ‫غربي مدينة رأس العني السورية‪ ،‬قرب احلدود السورية‬ ‫الرتكية‪ .‬وذك��ر جيمس م��ي�لارت أن ه��ذه احلضارة‬ ‫انتشرت على شكل قوس من نهر الفرات إىل الزاب الكبري‬ ‫(األعلى)‪ ،‬ومن احملتمل أن تكون جبال طوروس حدودها‬ ‫الشمالية‪ ،‬مع جيوب منتشرة يف اهلضبة األناضولية إىل‬ ‫الشمال من هذه اجلبال‪ ،‬وقد اندثرت حضارة كوزانا يف‬ ‫الفرتة بني (‪ 4300 - 4400‬ق‪ .‬م)(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫( جغرافيا حضارة كوزانا ‪َ Guzana‬‬ ‫‪/‬حلف)‬ ‫وق��ال الدكتور حممد َب ُّيومي َم ْهران بشأن حضارة‬ ‫كوزانا‪“ :‬تشغل حضارة َح َلف الفرتة منذ أواخر األلف‬ ‫السادسة‪ ،‬وحتى أواخ��ر األل��ف اخلامسة قبل امليالد‪،‬‬ ‫وقد انتشر إنتاجها يف الشمال خاصة‪ ،‬ويف مساحة متتد‬ ‫من الزاب األعلى‪ ،‬وسفوح جبال زاغروس ً‬ ‫شرقا‪ ،‬إىل ما‬ ‫وراء الفرات ً‬ ‫غربا‪ ،‬وإىل احلدود الرتكية وسفوح جبال‬ ‫ً‬ ‫مش��اال‪ ،‬وأم��ا من ناحية اجلنوب واجلنوب‬ ‫ط��وروس‬ ‫الشرقي فكان من املعتقد أنها مل تتجاوز موقع ّ‬ ‫سامراء [=‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حديثا عن فخار‬ ‫مشالي بغداد]‪ ،‬غري أن احلفريات كشفت‬

‫ك��وزان��ا يف الطبقتني‬ ‫العلويتني يف تل الصوان‪ ،‬ويف أعلى تل ‪Chga- Mami‬‬ ‫يف إقليم َم ْن َدلي»(‪.)2‬‬ ‫وخالصة ما تفيده املعلومات الدائرة حول حضارة‬ ‫ك��وزان��ا؛ هي أن معظم املناطق ال�تي نشأت فيه هذه‬ ‫احل��ض��ارة‪ -‬إن مل يكن مجيعها‪ -‬تقع ضمن جغرافيا‬ ‫ً‬ ‫حاليا‪ ،‬وضمن اجلغرافيا اليت سكنها أسالف‬ ‫كردستان‬ ‫الكرد‪ ،‬وما زال الكرد يسكنون معظم تلك املناطق‪.‬‬ ‫مظاهر حضارة كوزانا‪:‬‬ ‫‪ - 1‬يف جمال الزراعة وتدجني احليوان‪ :‬كان سكان‬ ‫حضارة كوزانا يعملون يف الزراعة؛ بدليل وجود املناجل‬ ‫ذات ِّ‬ ‫النصال املصنوعة من اَّل��ص�� ّوان باملئات يف هذه‬ ‫املواقع‪ ،‬كما أنهم زرعوا الشعري والقمح‪ ،‬وأنتجوا اخليوط‬ ‫الك ّتانية‪ ،‬واستخرجوا زيت بذر َ‬ ‫َ‬ ‫الك ّتان‪ ،‬وقاموا بتدجني‬ ‫املواشي كاملاعز والغنم(‪.)3‬‬ ‫‪ - 2‬يف جمال الصناعة‪ :‬من خصائص حضارة كوزانا‬ ‫استخدام النحاس‪ ،‬ولذلك فهي ُتعتبرَ ‪ ،‬حبسب التقسيم‬ ‫التقليدي لعصور ما قبل التاريخ‪ِّ -‬‬ ‫ممث ًلة للعصر احلجري‬ ‫النحاسي يف ميزوبوتاميا‪ ،‬وقد ذكر وليام الجنر أن أقدم‬ ‫‪201‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪202‬‬

‫احلضارات اليت ُعثر فيها على النحاس توجد يف الشرق‬ ‫األدن��ى‪ ،‬ويرجع زمنها التقديري إىل ما بني (‪4000‬‬ ‫– ‪ 3500‬ق‪.‬م)‪ ،‬ومل يوجد النحاس يف أوربا قبل سنة‬ ‫ورجح الجنر ً‬ ‫(‪ 2000‬ق‪.‬م)‪ّ .‬‬ ‫أيضا أن تكون آسيا الصغرى‬ ‫وأرمينيا والقوقاز أوىل املناطق اليت ظهرت فيها صناعة‬ ‫استخراج النحاس وتطورت فيها‪ ،‬وأن النحاس كان واسع‬ ‫االستعمال يف الشرق األدنى عام (‪ 3000‬ق‪.‬م)‪ ،‬وال خيفى‬ ‫أن منطقة حضارة كوزانا تقع إما يف قلب املناطق اليت‬ ‫ذكرها الجنر بشأن النحاس‪ ،‬وإما على أطرافها(‪.)4‬‬ ‫‪ - 3‬يف جمال العمارة‪ :‬اشتهرت حضارة كوزانا باألبنية‬ ‫مبان أساسها‪ -‬يف الغالب‪ -‬من حجر‪،‬‬ ‫الدائرية‪ ،‬وه��ي ٍ‬ ‫وحيطانها من طني‪ ،‬وتتك ّون من ُحجرة دائرية قطرها‬ ‫مخسة أمتار ونصف املرت‪ ،‬يتصل بها ممر مستطيل‪،‬‬ ‫مقبب‪ .‬وأما ّ‬ ‫وكان للحجرة الدائرية سقف َّ‬ ‫فخار حضارة‬ ‫ّ‬ ‫تفوقا نوعيا‪ً،‬‬ ‫ً‬ ‫كوزانا فتم ّيز بألوانه وزيناته اليت متثل‬ ‫ُ‬ ‫ول ّون الفخار بألوان خمتلفة‪ ،‬منها الربتقالي والقرمزي‬ ‫واألمحر والبنيّ واألصفر‪ّ ،‬‬ ‫وغطت الزينات كل سطح‬ ‫اإلن��اء الفخاري اخل��ارج��ي‪ ،‬كما اشتملت الزينة على‬ ‫جمموعات خمتلفة من رسوم هندسية ذات أشكال مثلثة‬ ‫ومربعة‪ ،‬وذات خطوط متعرجة ومستقيمة(‪.)5‬‬ ‫وقال جني بوترو وزم�لاؤه بصدد حضارات غربي‬ ‫آسيا‪« :‬إن ّ‬ ‫فخار هذه احلضارات ليس ذا صناعة تقنية‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما تكون الزخارف‬ ‫فقط‪ ،‬بل إنه مجيل للغاية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫امللونة هندسية‪ ،‬ولكن هناك بعض األشكال الطبيعية‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وأشكال مشتقة من الطبيعة‪ .‬وأكثرها انتشارا هو فخار‬ ‫تل حلف‪ ،‬حيث يصل من مركزه يف ما بني النهرين إىل‬ ‫سوريا وسيليسيا [= كيليكيا]‪ ،‬وإىل الشرق من بالد آشور‪،‬‬ ‫قمة تط ّوره الفنيّ‬ ‫بل حتى إىل أرمينيا‪ .‬وقد ُل�� ّون يف ّ‬ ‫بألوان ّ‬ ‫متعددة»(‪.)6‬‬ ‫ً‬ ‫وأنتجت حضارة كوزانا عددا من األواني احلجرية‪،‬‬ ‫ورؤوس املغازل وغريها‪ ،‬مما يعبرّ عن تفوق يف تشكيل‬ ‫ّ‬ ‫ويتجلى ذلك بوضوح يف أدوات الزينة‬ ‫املادة احلجرية‪،‬‬ ‫اليت ّ‬ ‫شكلت من احلجر‪ ،‬كما استخدم سكان حضارة كوزانا‬ ‫الطني يف صناعة املسامري املل ّونة واخلوامت‪ ،‬هذا إىل جانب‬

‫إنتاج بعض األختام اليت ُ‬ ‫استخدمت‪ ،‬رمبا ألول مرة‪ ،‬يف‬ ‫الطباعة على قطع من طني َّ‬ ‫جمفف‪ ،‬وأخرياً ُعثر على‬ ‫بعض املصنوعات النحاسية كالدبابيس واألزاميل‪ ،‬غري‬ ‫أن عددها كان حمدوداً‪ ،‬رغم توافر النحاس يف منطقة‬ ‫دياربكر َ‬ ‫الطيا‪ ،‬يف مش��ال ومش��ال غربي منطقة‬ ‫وم ِ‬ ‫حضارة كوزانا(‪.)7‬‬ ‫‪ - 4‬يف جمال التجــارة‪ :‬كتب جيمس ميالرت‪ »:‬كانت‬ ‫جت��ارة حلف واسعة النطاق‪ ،‬وج ّيدة التنظيم‪ ،‬فقد‬ ‫حصلوا على الزجاج الربكاني األس��ود (األوبسيديان)‬ ‫م��ن منطقة حب�يرة ف��ان‪ ،‬كما حصلوا على أص��داف‬ ‫احمليط اهلندي من اخلليج العربي‪ ،‬وكانوا يصدرون‬ ‫الفخار احللفي إىل مناطق أخرى‪ ،‬حيث ُعثر على هذا‬ ‫ّ‬ ‫الفخار يف (تلكي َت َبه) قرب حبرية فان اليت ُي َ‬ ‫عتقد أنها‬ ‫كانت ً‬ ‫سوقا لبضائع حلف ويف أماكن أخرى يف منطقة‬ ‫(ماالتيا) الغنية بالنحاس والذهب‪ .‬وميكن أن نشاهد‬ ‫آث��ار حلف ومستورداتها يف أش��ك��ال األوان���ي ومن��اذج‬ ‫الزخرفة يف املنطقة املمتدة من اخلليج العربي حتى‬ ‫البحر املتوسط»(‪.)8‬‬ ‫‪- 5‬يف جمال امليثولوجيا‪ :‬ظهرت يف حضارة كوزانا‬ ‫متاثيل آهلة األمومة‪ ،‬وقد اعتنى ّ‬ ‫الفنان بإبراز مظاهر‬ ‫اخلصوبة يف أجسامها‪ ،‬بتضخيم وط�لاء ثد َيي اإلهلة‬ ‫ً‬ ‫فضال عن متثيلها وهي تضم ذراعيها أسفل‬ ‫وساقيها‪،‬‬ ‫ثدييها‪ .‬وكانت املدافن حتت أرضية املساكن يف الغالب‪،‬‬ ‫وكان امل ّيت ُي َ‬ ‫رقد على جنبه األمين‪ ،‬يف وضع املُ َق ْر ِفص‪،‬‬ ‫ويكون الرأس يف جهة الغرب‪ ،‬واحتوت املقابر على بعض‬ ‫املتاع الشخصي؛ كاآلنية احلجرية الصغرية واألك��واب‬ ‫واألواني الفخارية‪ ،‬وح ّبات العقود املرمرية‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫ّ‬ ‫داليات من حجر‪ُ ،‬ز ّينت إحداها بصور لطيور ورؤوس‬ ‫حيوانات(‪.)9‬‬ ‫واألرج��ح أن لوضع رأس امل ّيت‪ -‬عند الدفن‪ -‬يف جهة‬ ‫ال��غ��رب ع�لاق ً��ة بتقديس جهة ال��ش��رق‪ ،‬اجلهة اليت‬ ‫تشرق منها الشمس‪ ،‬ولعله دليل على بدايات ّ‬ ‫تشكل‬ ‫ً‬ ‫الحقا أن هذه‬ ‫البنى امليثولوجية الشمسانية‪ ،‬وسنجد‬ ‫امليثولوجيا كانت سائدة بني سكان جبال زاغروس منذ‬


‫األلف الثالث ق‪.‬م‪ .‬كما أن لوجود بعض املتاع الشخصي‬ ‫ّ‬ ‫املتوفى عالقة بعقيدة وجود العامل اآلخر‪ ،‬ورمبا‬ ‫مع‬ ‫ّ‬ ‫كان سكان حضارة كوزانا يؤمنون بأن احلياة تعود إىل‬ ‫ّ‬ ‫املتوفى بطريقة من الطرق‪ ،‬حيتاج معها إىل استخدام‬ ‫بعض تلك األمتعة‪ ،‬ومثل هذا االعتقاد موجود عند‬ ‫معظم األق���وام ال�تي عاشت يف ف�ترة ما قبل العصور‬ ‫التارخيية‪ ،‬وليس من املستب َعد ً‬ ‫أيضا أن القوم كانوا‬ ‫يضعون بعض أمتعة ّ‬ ‫املتوفى معه يف القرب‪ ،‬خشية من أن‬ ‫تطاردهم روحه‪ّ ،‬‬ ‫وتنكد عليهم العيش‪.‬‬ ‫وعلى العموم ال ميكن إغفال دور حضارة كوزانا يف‬ ‫تطوير الثقافة البشرية‪ ،‬وخاصة يف اجملال امليثولوجي‪،‬‬ ‫وهذا واضح على األقل يف قصة الطوفان‪ ،‬فقد جاء يف‬ ‫وس ْ‬ ‫الرواية السومرية أن سفينة ِز ُي ُ‬ ‫ودرا ‪Ziusudra‬‬ ‫وتناب ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫يش ِتم ‪ Utnapishtim‬يف الرواية السامية)‬ ‫(أ ِ‬ ‫يسري ‪ ،Nisir‬وهو جبل ِب َريه‬ ‫استقرت على جبل ِن ِ‬ ‫َم ْك ُرون‪ Pîre megrun‬يف جنوبي كردستان‪ ،‬وهناك‬ ‫وس ْ‬ ‫اخترب ِز ُي ُ‬ ‫ودرا احنسار املياه؛ فأطلق محامة فعادت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ثم أطلق سنونو فعاد أيضا‪ ،‬ثم أطلق غرابا‪ ،‬فرأى الغراب‬ ‫أن املياه قد احنسرت‪ّ ،‬‬ ‫فحط وأكل ومل يعد(‪.)10‬‬ ‫ومعروف أن قصة الطوفان وردت يف (العهد القديم)‬ ‫الكتاب املقدس عند اليهود واملسيحيني‪ ،‬ووردت يف‬ ‫(القرآن) الكتاب املقدس عند املسلمني‪ ،‬لقد جاء يف‬ ‫(العهد القديم) أن سفينة النيب نوح رست على إحدى‬ ‫قمم جبل آرارات (آكري)‪ ،‬وجاء يف (القرآن) أنها رست‬ ‫على قمة جبل ُج��ودي‪ ،‬وباملقارنة بني موقع كل من‬ ‫يسري وجبل آرارات وجبل ُج��ودي من جهة‪،‬‬ ‫جبل ِن ِ‬ ‫ومنطقة حضارة كوزانا من جهة أخرى‪ ،‬يتضح أن جبل‬ ‫ِنيسري يقع يف اجلزء الشرقي من منطقة حضارة كوزانا‪،‬‬ ‫ويقع جبل آرارات يف حافتها الشمالية‪ ،‬يف حني يقع جبل‬ ‫ُجودي يف صميم تلك املنطقة‪.‬‬ ‫حقيقتان تارخييتان‪:‬‬ ‫إن األدلة السابقة‪ -‬وقد حاولنا عرضها بإجياز‪ -‬تؤكد‬ ‫حقيقتني اثنتني‪:‬‬ ‫احلقيقة األوىل‪ :‬إن كردستان‪ ،‬ومنذ العصر احلجري‬

‫أرضا خالية ّ‬ ‫القديم‪ ،‬مل تكن ً‬ ‫قط‪ ،‬وإمنا كانت مسكونة‬ ‫جبماعات من البشر‪ ،‬أما ما هي اهل ّوية الساللية لتلك‬ ‫ّ‬ ‫استقرت هناك؟ وهل ُوجدت‬ ‫اجلماعات؟ ومنذ متى‬ ‫ً‬ ‫أصال يف تلك املنطقة‪ ،‬أم قدمت إليها من مناطق أخرى؟‬ ‫فلم جند يف املصادر اليت ّ‬ ‫اطلعنا عليها إجابات دقيقة‬ ‫عن هذه األسئلة؛ ألن العصور اليت ظهرت فيها تلك‬ ‫اجلماعات هي سابقة على عصر هجرة السالالت اآلرية‬ ‫والسامية وانتشارها‪ ،‬كما أنها سابقة على عصر ظهور‬ ‫الكتابة؛ وقد أطلق عليهم بعض الباحثني اسم (اجلنس‬ ‫القوقازي) جتاوزاً‪ ،‬والصواب أن نطلق عليهم اسم سكان‬ ‫زاغروس القدماء(‪.)11‬‬ ‫احلقيقة الثانية‪ :‬إن ظهور بوادر احلضارة يف موطن‬ ‫أسالف الكرد‪ ،‬منذ العصر احلجري القديم‪ ،‬دليل على أن‬ ‫الشروط املُناخية والبيئية يف تلك املنطقة كانت مالئمة‬ ‫ّ‬ ‫استمرت قائمة يف‬ ‫لذلك بصورة عامة‪ ،‬وأن تلك الشروط‬ ‫العهود التالية‪ ،‬وإال ملا استمر تطور احلياة البشرية بعد‬ ‫العصر احلجري األول‪ ،‬وكان من الطبيعي‪ -‬واحلال هذه‪-‬‬ ‫خز ً‬ ‫أن تصبح تلك املنطقة ّ‬ ‫انا يفيض مبك ّوناته البشرية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومشاال‬ ‫وغربا‬ ‫شرقا‬ ‫واحلضارية على املناطق اجملاورة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وجنوبا‪ ،‬وكان السومريون من أوائل تلك املك ّونات‪.‬‬ ‫ولعل من املفيد يف هذا اجملال أن نسرد القول التالي‬ ‫ألر ُنولد ُت ْ‬ ‫ْ‬ ‫وينيب‪« :‬إن املنطقة اليت اخترُ عت فيها الزراعة‬ ‫وتربية املواشي والتعدين ألول مرة كانت تشمل‪ -‬إضافة‬ ‫إىل اجلزيرة الفراتية (ميزوبوتاميا) وسوريا وفلسطني‪-‬‬ ‫جزءاً على األقل من جنوب آسيا الصغرى‪ ،‬وغرب إيران‬ ‫وتركمانستان‪ .‬واحلبوب واحليوانات اليت ُد ّجنت يف هذه‬ ‫املنطقة‪ ،‬خالل زمن العصر احلجري من تارخيها‪ ،‬كانت‬ ‫موجودة من قبل يف حالتها الربية‪ .‬أما يف األماكن األخرى‬ ‫فإن هذه النباتات واحليوانات بالذات يبدو أنها ُنقلت من‬ ‫مستعمرين خرجوا من‬ ‫جنوب غرب آسيا؛ إما بواسطة‬ ‫ِ‬ ‫هذه املنطقة ذاتها‪ ،‬أو عن طريق شعوب حملية أصلية‪،‬‬ ‫هي اليت اقتبست هذه االخرتاعات»(‪.)12‬‬ ‫املصادر‪:‬‬ ‫‪203‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪204‬‬

‫‪ - 1‬جيمس ميالرت‪ :‬أقدم احلضارات يف الشرق األدنى‪،‬‬ ‫ص ‪.157‬‬ ‫‪ - 2‬حممد ب ّيومي مهران‪ :‬تاريخ العراق القديم‪ ،‬ص‬ ‫‪.20‬‬ ‫‪ - 3‬عبد احلميد زايد‪ :‬الشرق اخلالد‪ ،‬ص ‪ .27‬جيمس‬ ‫ميالرت‪ :‬أقدم احلضارات يف الشرق األدنى‪ ،‬ص ‪،157‬‬ ‫‪.163 ،161‬‬ ‫‪ - 4‬وليام الجنر‪ :‬موسوعة تاريخ العامل‪.24/1 ،‬‬ ‫‪ - 5‬حممد ب ّيومي مهران‪ :‬تاريخ العراق القديم‪ ،‬ص‬ ‫‪22 21‬‬‫‪ - 6‬جني بوترو وآخ��رون‪ :‬الشرق األدنى احلضارات‬ ‫ِّ‬ ‫املبكرة‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫‪ - 7‬حممد ب ّيومي مهران‪ :‬تاريخ العراق القديم‪ ،‬ص‬ ‫‪.23 – 22‬‬ ‫‪ - 8‬جيمس ميالرت‪ :‬أقدم احلضارات يف الشرق األدنى‪،‬‬ ‫ص ‪.162‬‬ ‫‪ - 9‬حممد ب ّيومي مهران‪ :‬تاريخ العراق القديم‪ ،‬ص‬ ‫‪.23‬‬ ‫‪ - 10‬جفري بارندر‪ :‬املعتقدات الدينية لدى الشعوب‪،‬‬ ‫ص ‪ .24‬فاضل عبد الواحد علي‪ :‬من سومر إىل التوراة‪،‬‬ ‫ص ‪.211 – 210‬‬ ‫‪ - 11‬أمحد فخري‪ :‬دراسات يف تاريخ الشرق القديم‪،‬‬ ‫ص ‪.195‬‬ ‫‪ - 12‬أرنولد توينيب‪ :‬تاريخ البشرية‪.69/1 ،‬‬


‫العالقات الصينية ‪ -‬الهندية وأبعادها‬ ‫الدولية واإلقليمية‬

‫أحمد خليل ابراهيم‬

‫‪205‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪206‬‬

‫املقدمـــــــة‬ ‫العالقات اهلندية الصينية حتتل أهمية خاصة‬ ‫يف ترتيب املسائل اجلوهرية للعالقات الدولية‬ ‫يف آسيا على اعتبار أن الدولتني متثالن قوتني‬ ‫هامتني يف جنوب وشرق القارة‪ ،‬وبال شك أن‬ ‫دولتني حماذيتني جغرافيا وبهذه اإلمكانية‬ ‫العالية من ال��ق��درات البشرية واالقتصادية‬ ‫ً‬ ‫حافال من ال��ص��راع واملنافسة‬ ‫متتلك تارخيا‬ ‫وال��ت��ع��اون‪ ،‬وق��د تناوبت املشاهد م��ن م��ودة‬ ‫عند نشوء الدولتني إال أن املشاكل الداخلية‬ ‫والتدخالت اخلارجية حولت منط العالقة‬ ‫بني البلدين لتأخذ منحنى تنافسي والتفكري‬ ‫بالزعامة أإلقليمية‪ ،‬ومن ثم العودة للتفكري‬ ‫بإعادة العالقات الودية ووض��ع حجر أألسس‬ ‫الدبلوماسية التعاونية الثنائية والنظر ملدى‬ ‫تأثرياتها املستقبلية‪ .‬وقد تبلو َر يف ذهن الباحث‬ ‫مجلة من التساؤالت خبصوص هذا املوضوع‬ ‫من أمثلتها‪ :‬ماهية اخللفية التارخيية للعالقات‬ ‫الصينية اهلندية ؟ وما هو تأثري انهيار االحتاد‬ ‫السوفيييت على هذه العالقات ؟ وما هو دور دول‬ ‫اجلوار يف هذه العالقة ؟ وما هو دور الواليات‬ ‫املتحدة واالحتاد األوربي ؟ وهل كانت للخالفات‬ ‫احلدودية تأثري على العالقة بني البلدين؟ وهل‬ ‫كان هناك جانب تعاوني يربط بني البلدين‬ ‫؟أم تنافسي؟ وماهي الرؤية الثنائية يف آآلونة‬ ‫أألخرية ؟؟؟‬ ‫أهمية البحث‬ ‫تعترب العالقات الصينية اهلندية من أهم‬ ‫املواضيع السياسية املعاصرة إذ دار حوهلا خالل‬ ‫القرن املنصرم الكثري من اجلدل و استحوذت‬ ‫بدورها املرتبة الرئيسية ضمن املواضيع املثرية‬

‫للنقاش يف جنوب آس��ي��ا‪ ،‬حيث أن مصطلح‬ ‫الزعامة أصبح يرافق ذك��ر هاتني الدولتني‬ ‫يف عملية التوازن اإلقليمي للقارة أألسيوية‪،‬‬ ‫بوصفها عالقات يشوبها ن��وع من الغموض‬ ‫والضبابية من حيث طبيعتها كتعاونية أو‬ ‫تنافسية‪ ،‬والزالت هنالك تساؤالت كثرية حوهلا‬ ‫وحول دورها يف املنطقة‪ ،‬وتأتي هذه الدراسة‬ ‫ً‬ ‫سعيا لتوضيح أو عرض طبيعة هذه العالقة‬ ‫بني البلدين وتبيان أهميتها يف النطاق الدولي‪.‬‬ ‫فرضية البحث‬ ‫أن أالس��اس ال��ذي بنيت عليه هذه العالقات‬ ‫بني البلدين كانت ترتكز على التنافس يف كل‬ ‫تارة ‪ ،‬والتعاون والتفاهم ٌ‬ ‫اجملاالت ٌ‬ ‫تارة أألخرى‪،‬‬ ‫وذل��ك وفقا لرؤية صانع ال��ق��رار للمعطيات‬ ‫املتوافرة‪ ،‬وكانت هذه العالقة تصحب معها‬ ‫مجلة من التأثريات واالنعكاسات على البيئة‬ ‫الدولية ويف سياق تدخل العوامل اإلقليمية‬ ‫والدولية ‪ ،‬وتفرتض الدراسة أن العالقة بني‬ ‫البلدين هي عالقة حيوية وفاعلة على الساحة‬ ‫السياسية الدولية والعاملية وعلى ٌ‬ ‫وجه أخص‬ ‫الساحة آالسيوية‪ ،‬وهي مازالت فاعلة مل تتوقف‬ ‫مديات تطورها التفاعلي السياسي‪.‬‬ ‫منهجية البحث‬ ‫مت أتباع املنهج ألتأرخيي واملنهج الوصفي‬ ‫ً‬ ‫منهجا للبحث على وفق‬ ‫السياسي التحليلي‬ ‫طبيعة موضوع البحث وفرضيته‪.‬‬ ‫هيكلية البحث‬ ‫يتألف البحث من أربعة مباحث ويتضمن‬ ‫املبحث األول مطلبني إذ مت ختصيص املطلب‬ ‫األول لعرض نبذه تارخيية لعالقات الصني‬


‫واهلند من ‪ 1949‬واىل ‪ ،1990‬ومت ختصيص‬ ‫املطلب الثاني لتسليط الضوء على عالقات‬ ‫الصني واهلند منذ عام ‪ 1990‬إىل عام ‪،2001‬‬ ‫ويف املبحث الثاني مت تناول تأثري العوامل‬ ‫الدولية واإلقليمية على العالقات الصينية‬ ‫واهلندية ومبطلبني فقد مت ختصيص املطلب‬ ‫األول لبيان دور الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫واالحت��اد األورب��ي كعامالن دوليان مؤثران يف‬ ‫هذه العالقة‪ ،‬أما يف املطلب الثاني فتم تناول‬ ‫العوامل اإلقليمية كروسيا واليابان والباكستان‬ ‫باعتبار ِهم دول آسيوية جماورة للبلدين‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫املبحث الثالث مت تسليط الضوء على اخلالفات‬ ‫احل���دودي���ة ال�ت�ي ك��ان��ت م��ص��در خ�ل�اف بني‬ ‫البلدين فقد مت ختصيص املطلب األول لعرض‬ ‫قضية كشمري واملطلب الثاني لقضية التيبت‪،‬‬ ‫ويف املبحث الرابع مت تناول طبيعة العالقات‬ ‫بني البلدين لتسليط الضوء على ماهية تلك‬ ‫العالقات ومت ختصيص املطلب األول للمشهد‬ ‫التعاوني لتوضيح نقاط التعاون واملطلب الثاني‬ ‫مشهد التنافسي الستبيان مرتكزات التنافس‬ ‫بني البلدين‪.‬‬ ‫املبحث االول‬ ‫اخللفية التارخيية للعالقات الصينية اهلندية‬ ‫ت��ق��ع مج��ه��وري��ة ال��ص�ين الشعبية شرقي‬ ‫قارة آسيا ُ‬ ‫وتعد أكرب دولة يف العامل من حيث‬ ‫ع��دد السكان حيث يبلغ تعدادها السكاني‬ ‫‪ )*1(1,339,724,852‬ويبلغ موقعها من‬ ‫‪. * 1‬حسب إحصائية الصين في ‪1‬نوفمبر عام‬ ‫‪ 2010‬ويبلغ حوالي ‪ %18,97‬من سكان العالم‬ ‫‪،‬ولمزيد من التفاصيل راجع‪ ،‬محمود سيد‬ ‫حسن‪ ،‬الدول وعدد سكانها ‪ ،‬مكتبة ألناشري‬

‫اإلح��داث��ي��ات اجلغرافية ‪ 35‬درج��ة مش��اال و‬ ‫‪105‬درجة شرقا وهلا حدود مشرتكة مع عدد‬ ‫من ال��دول اآلسيوية حيث حتدها من جهة‬ ‫الشرق كوريا الشمالية ومن الشمال منغوليا‬ ‫وروس��ي��ا م��ن الشمال الشرقي وم��ن الشمال‬ ‫الغربي كازاخستان وكريجستان وطاجاكستان‬ ‫وم��ن ال��غ��رب واجل��ن��وب ال��غ��رب��ي أفغانستان‬ ‫وباكستان واهلند والنيبال وسيكيم وبوتان‬ ‫ومن اجلنوب بورما والوس وفيتنام واىل جنوب‬ ‫الصني توجد دول��ة اهلند حب��دود يبلغ طوهلا‬ ‫حوالي ‪3380‬كم‪ 2‬حيث حتتل اهلند موقعا‬ ‫إسرتاتيجيا يف شبه قارة جنوب آسيا يف احمليط‬ ‫اهلندي وتبلغ إحداثياتها اجلغرافية ‪ 25‬مشاال‬ ‫و‪ 77‬شرقا وهي متتد من حبر العرب غربا إىل‬ ‫خليج البنغال شرقا وتشرتك يف حدودها مع‬ ‫باكستان من الغرب وماينمار من الشرق ومع‬ ‫كل من الصني ونيبال وبوتان من الشمال ومع‬ ‫بنغالدش من جهة مشاهلا الشرقي مبساحة تبلغ‬ ‫(‪)3287590‬كم‪ 2‬وتعترب اهلند ثاني أكرب دولة‬ ‫يف العامل من حيث السكان حيث يبلغ عددهم‬ ‫حوالي ‪ ،)*2(1,210,193,422‬وتعد اهلند‬ ‫امتداد حلضارة نهر السند واليت تعترب واحدة‬ ‫من اعرق احلضارات يف العامل ويرجع تارخيها إىل‬ ‫أكثر من مخسة أالف سنة ظهرت فيها العديد‬ ‫من احلضارات اليت بدأت إىل أن انتهت إىل آخرها‬ ‫واليت انتهت بانتهاء االحتالل الربيطاني يف العام‬ ‫‪ 1947‬إثر تأسيس مجهورية اهلند املستقلة‬ ‫االلكترونية (لبنان‪ ،)2010-‬ص‪.4‬‬ ‫‪. * 2‬حسب التعداد الهندي المؤقت في ‪1‬مارس‬ ‫عام ‪ 2011‬ويبلغ حوالي ‪ %17,14‬من سكان‬ ‫العالم ‪،‬ولمزيد من التفاصيل راجع محمود سيد‬ ‫حسن‪،‬المصدر السابق ص‪.6‬‬ ‫‪207‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪208‬‬

‫(‪.)3‬اخلريطة رقم (‪ )1‬يوضح موقع الدولتني‬ ‫من القارة أالسيوية‪.‬‬

‫املصدر‪ :‬من عمل الباحث باألعتماد على شبكة‬ ‫االنرتنيت ‪.‬‬ ‫املطلب األول‬ ‫نبذة تارخيية للعالقات ب�ين البلدين من‬ ‫‪ 1949‬إىل ‪1990‬‬ ‫كانت اهلند والصني خاضعتني لالستعمار‬ ‫االنكليزي‪ ،‬ومن البديهي يف دول العامل الثالث‬ ‫عندما تستطيع هذه ال��دول طرد االستعمار‬ ‫تصبح مشكالت احلدود من األمور املستعصية‬ ‫اليت تبحث عن حلول بني هذه الدول‪ ،‬فالنزاع‬ ‫اهل��ن��دي الصيين نشأ بسبب مساحة تزيد‬ ‫‪. 3‬انظر رشيد زوير‪:‬العالقات الصينية الهندية‬ ‫بعد ع��ام ‪ 1991‬وآفاقها المستقبلية‪،‬رسالة‬ ‫م��اج��س��ت��ي��ر‪،‬ج��ام��ع��ة ب��غ��داد‪،‬ك��ل��ي��ة ال��ع��ل��وم‬ ‫السياسية‪،2007،‬ص‪.1‬‬

‫على(‪)2300‬ميل‪ 2‬من احلدود املشرتكة‪ ،‬والذي‬ ‫مل يصل املتنازعون إىل حله حلد أالن (‪ ،)4‬ومن‬ ‫املشكالت اليت كانت مصدر نزاع بني البلدين‬ ‫مشكلة املناطق احلدودية وخصوصا مشكلة‬ ‫(التيبت‪ )*5‬اليت تتنازع عليها الدولتني ُمنذ‬ ‫‪. 4‬صبيح بشير عذاب الشمري‪،‬اسرائيل ودول‬ ‫المحيط‪-‬االفرو‪-‬آسيوية (اثيويبا‪،‬الصين‪،‬باكستان)‬ ‫نموذجا‪،‬بغداد‪،2011،‬ص‪.128‬‬ ‫‪. * 5‬التيبت‪:‬هو محور اخل�لاف احل��دودي بني‬ ‫الهند والصني‪ ،‬وبدأت نقطة اخلالف عام ‪1913‬م‬ ‫يعد نقطة البداية لتبلور إحساس هذه‬ ‫املنطقة بضرورة الظهور ككيان سياسي له‬ ‫خاصيته‪،‬ونتيجة لضعف الصني‪ ،‬أعلن اإلقليم‬ ‫نفسه منطقة للحكم الذاتي‪ ،‬وبقى على هذا‬ ‫احلال حتى عام ‪1951‬م‪ ،‬وتنامت النزعة االنفصالية‬ ‫في مدة اخلمسينات ‪،‬واحلكومة الصينية جلأت إلى‬ ‫ممارسة القوة املباشرة ضد التيبت عام‪1959‬م‬


‫القدم وانتهت تلك النزاعات إىل حدوث حروب‬ ‫فعلية من اجل حل األزمة اليت تزايدت حدتها‬ ‫عندما دخ��ل��ت اجل��ي��وش الصينية األراض���ي‬ ‫التيبتية ال�تي جتمع م��اب�ين اهل��ن��د والصني‬ ‫كمناطق حدودية مشرتكة ظلت غري معروفة‬ ‫إن كانت تابعة للصني أو غري تابعة هلا وتدخل‬ ‫اهلند كما لو أنها دولة آسيوية ال تسمح ألية دولة‬ ‫بأن تؤدي ال��دور الرئيس يف اإلقليم اآلسيوي‬ ‫خوفا من تفردها يف اإلقليم ً‬ ‫أوال‪ ،‬ومن حماولة أي‬ ‫دولة التوسع يف السيطرة على األقاليم اآلسيوية‬ ‫ثانيا‪ ،‬ومن أن تكون القائد للقارة اآلسيوية‬ ‫والزعيم هلا ثالثا‪.‬‬ ‫ففي ع��ام ‪ 1949‬أصبحت اهلند مجهورية‬ ‫دميقراطية ذات سيادة يف ‪ 26‬كانون الثاني‬ ‫عام ‪ 1950‬بعد استقالهلا يف ‪ 5‬آب عام ‪1947‬‬ ‫فقد أختارت طريق السالم ً‬ ‫نهجا يف تعاملها مع‬ ‫كافة الدول‪ ،‬بينما أعلنت الصني عن مجهوريتها‬ ‫الشعبية يف تشرين الثاني ‪ 1949‬وعملت على‬ ‫تأكيد نفوذها يف املناطق اخلارجية للصني‬ ‫على غ��رار اهلند ال�تي سلكت طريق التنمية‬ ‫االقتصادية‪ ،‬ولكن يف الواقع أن الصني عملت على‬ ‫حترير التيبت عام ‪ ،1950‬األمر الذي أدى إىل أن‬ ‫تعمل اهلند على املطالبة باحلفاظ على استقالل‬ ‫التيبت الذاتي وقد اعتربت الصني أن اهلند تشكل‬ ‫ٌ‬ ‫تدخل مباشراً يف شؤونها الداخلية وبالرغم من‬ ‫التشابكات والتوترات اليت حدثت بينهما إال‬ ‫أنهما وصال إىل حل وتسوية يف عام ‪ 1954‬وقد‬ ‫تضمنت هذه التسوية مببادئ (البنشاشيال‪)*6‬‬ ‫‪..‬رفل هاشم محمد ‪،‬دور الصني في التوازنات‬ ‫اإلقليمية‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬جامعة‬ ‫بغداد‪-‬كلية العلوم السياسية‪ ،‬ص‪.92‬‬ ‫‪ * 6‬مبادى البانشاشيال ‪:‬وتتضمن على ‪ .1‬االحترام‬

‫للتعايش السلمي وبهذا اعرتفت اهلند بسيادة‬ ‫الصني على التيبت شرط السماح بتجارة اهلند‬ ‫فيها‪ ،‬والسماح بالتجارة الصينية يف العاصمة‬ ‫اهلندية إال إن الصني خالفت وخرقت نصوص‬ ‫املعاهدة وذلك باحتكارها التجارة يف التيبت‪ ،‬ويف‬ ‫عام ‪ 1959-1957‬شبت املظاهرات العارمة يف‬ ‫العاصمة التيبتية فقد كانت نتيجة السياسة‬ ‫الصينية السيئة حيال تلك املنطقة مما أدى إىل‬ ‫هروب (ال��داالي الما‪ )*7‬اىل اهلند واالنتفاضة‬ ‫اإلعالمية من قبل الصحافة اهلندية‪ ،‬أدى إىل‬ ‫توجيه العالقات بني البلدين حنو األسوأ على‬ ‫الرغم من قمع تلك املظاهرات (‪.)8‬‬ ‫وقد تفاقمت األزم��ة بني الصني واهلند مبا‬ ‫خيص املسائل احلدودية حتى أدت إىل نشوب‬ ‫احلرب بني البلدين يف عام ‪ 1962‬وقد انتصرت‬ ‫القوات الصينية على القوات اهلندية إال انه‬ ‫وبسبب عدم جاهزية القوات الصينية أدت بهم‬ ‫املتبادل لسيادة كل من الدولتني ‪.2‬عدم االعتداء‬ ‫‪ .3‬التعايش السلمي ‪ .4‬املساواة والنفع املتبادل‬ ‫‪ .5‬عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكال‬ ‫البلدين‪.‬‬ ‫‪ 7‬الداالي الما‪ :‬القائد الديني األعلى‪ ‬للبوذيين‪ ‬التيبتيين‪ ‬وحتى‬

‫ع��ام‪ 1959 ‬م كان الداالي الما ميثل القيادتني الروحية‬ ‫والدنيوية في إقليم‪ ‬التيبت‪ .‬وه��و بطبيعة احلال‬ ‫الصفر(غيلوغبا)‬ ‫راهب‪ ‬بوذي‪ ‬من جماعة‪ ‬القبعات‬ ‫والتي أوجدت على يد‪ ‬تسونغكابا‪.)1419 – 1357( ‬‬ ‫لقب ملك‪ ‬التيبت‪ ‬وخليفة‪ ‬بوذا‪ ‬في نظر أتباعه‪ .‬كان‬ ‫دالي الما الرابع عشر آخر من حمل هذا اللقب وهو من‬ ‫مواليد‪ ‬شنغهاي‪ 1935 ‬وكان يبلغ الرابعة من عمره عندما‬ ‫اعتبره فريق من‪ ‬الالمات‪ ‬خليفة دالي الما الثالث عشر‪ .‬ثم‬ ‫نصب في‪ ‬السا‪ ‬عام ‪ 1940‬وأصبح يعتبر بوذا‪ ‬احلي‪ .‬داالي‬ ‫ّ‬ ‫الما‪:‬وكيبيديا املوسوعة احلرة املوقع االلكتروني‪//:http :‬‬ ‫‪./wiki/org.wikipedia.ar‬‬

‫‪. 8‬توازن القوى في جنوب آسيا‪ ،‬مركز اإلمارات‬ ‫للدراسات والبحوث اإلستراتيجية‪ ،‬ط‪(،1‬أبو‬ ‫ظبي‪.)2001،‬ص‪.111‬‬ ‫‪209‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪210‬‬

‫حنو االنسحاب من األراضي اهلندية الصينية‪ ،‬ويف‬ ‫بداية ستينات القرن املاضي بدأت اجلمهورية‬ ‫الصينية بالتفكري حنو نقطة حتول إسرتاتيجية‬ ‫يف املنطقة وذلك عن طريق امتالكها السالح‬ ‫النووي وقد توجهت حنو التطور التكنولوجي‬ ‫العسكري السوفيييت باالعتقاد أنه املتقدم يف‬ ‫احلرب الباردة إال إن تنبؤاتها باءت بالفشل‪ ،‬ويف‬ ‫‪17‬حزيران ‪ 1964‬أفلحت الصني بتفجريها‬ ‫األول لتكون خامس الدول اليت تنتمي إىل النادي‬ ‫النووي وأوىل الدول اآلسيوية‪ ،‬وكان احلافز األول‬ ‫لتشجيع اهلند المتالك السالح النووي لكي ال‬ ‫تعمل الصني على جتريدها من اهليبة الدولية‬ ‫وبالفعل أعلنت اهلند ع��ن أج���راء تفجريها‬ ‫النووي األول عام ‪ 1974‬وهذا ما أدى بالصني‬ ‫إىل أإلعالن عن إستعدادتها للدخول يف مفاوضات‬ ‫جديدة مع اهلند‪ ،‬ويف حقبة السبعينات كان‬ ‫التعاون السوفيييت اهلندي مستمراً من الناحية‬ ‫العسكرية واملعلوماتية وذلك ملخاوف االحتاد‬ ‫السوفيييت من سيطرة وهيمنة دولة شيوعية‬ ‫أخرى جماورة هلا يف القارة اآلسيوية وبدعم من‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية وقد عمل السوفييت‬ ‫إىل حماولة الصلح بني اهلند وباكستان(‪ )*9‬إال‬ ‫أن حماوالتها باءت بالفشل‪.‬‬ ‫وقد ساعدت الصني باكستان وخصوصا من‬ ‫الناحية الفنية يف برناجمها النووي و حصلت‬ ‫على مساعدات غربية متنوعة بصورة مباشرة‬ ‫وغري مباشرة‪ ،‬أذ تلقى علماؤها الـ(‪ )37‬التابعون‬ ‫ملركز البحوث النووية يف إسالم آباد الذي أنشئ‬ ‫عام ‪ ،1955‬تدريباتهم يف جمال الذرة يف اخلارج‬ ‫‪ * 9‬حاول السوفييت حل النزاعات بين الهند‬ ‫والباكستان وذلك النهم كانوا يرون في باكستان‬ ‫الوسيلة المباشرة لوصولهم للمياه الدافئة‪.‬‬

‫(هولندا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬الواليات املتحدة)‬ ‫ولكن س��اءت العالقات بني ال��والي��ات املتحدة‬ ‫وباكستان بسبب إصرار باكستان على االستفادة‬ ‫من برناجمها النووي السلمي يف اجملال العسكري‬ ‫ً‬ ‫حتقيقا للتوازن مع اهلند(‪.)10‬‬ ‫وي��ع��ود ال��ف��ك��ر واق��ت�راب امل����درك الصيين‬ ‫واألمريكي لفهم الصني العداء املكنون ُله من‬ ‫قبل االحت��اد السوفيييت وهو بسبب اختالف‬ ‫ن��ظ��رات��ه��م اإلي��دي��ول��وج��ي��ة‪ ،‬ب��ال��ت��ق��رب حنو‬ ‫القطب اآلخر املناصر ُله وهو الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية‪ ،‬ويف عام ‪ 1984‬وبعد عقد معاهدة‬ ‫جتارية بني البلدين اليت أعتربت نقطة مغايرة‬ ‫يف تاريخ العالقات الودية بني البلدين إذ أدى‬ ‫اىل تقوية العالقات االقتصادية والتجارية يف‬ ‫ما بينهما‪ ،‬وتراجع ال��دور السوفيييت كان ُله‬ ‫االث��ر الكبري لتنمية هذه العالقات ‪،‬وم��ن ثم‬ ‫زيارة (راجيف غاندي‪ )*11‬لبكني عام ‪1988‬‬ ‫والتوقيع على ثالث اتفاقيات للتعاون الثنائي‬ ‫‪.10‬د‪.‬كامران أحمد محمد أم�ين‪ ،‬السياسة‬ ‫الدولية‪ ، ،‬دار املعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1‬‬ ‫(بيروت‪ ،)2009،‬ص‪.444‬‬ ‫‪ * 11‬راج���ي���ف رات���ن���ا غاندي‪20( :‬‬ ‫أغسطس‪ 1944 21 ‬مايو‪ ،)1991 ‬النجل األكبر‬ ‫إلنديرا نهرو وفيروز غاندى‪ ،‬وكان رئيس وزراء الهند‬ ‫السابع‪ ‬منذ يوم ‪ 31‬أكتوبر عام ‪ 1984‬وحتى‬ ‫استقالته يوم ‪ 2‬ديسمبر عام ‪ 1989‬بعد هزميته‬ ‫في االنتخابات العامة‪.‬راجيف غاندي كان طيارا‬ ‫محترفا‪ ‬قي الطيران الهندي‪ ‬قبل دخوله معترك‬ ‫السياسة‪ ،‬وقد قاد احلزب إلى الفوز في االنتخابات‬ ‫الرئيسية في عام ‪ 1984‬بعد فترة وجيزة‪ ،‬حشد‬ ‫أغلبية أكبر من أي وقت مضى في البرملان‬ ‫الهندي‪ .‬وفاز حزب املؤمتر بـ ‪ 411‬مقعدا من أصل‬ ‫‪ .542‬وكيبيديا املوسوعة احلرة املوقع االلكتروني‬ ‫‪/http://ar.wikipedia.org/wiki :‬‬


‫يف خمتلف اجمل��االت وقد أكدت اهلند أن مسألة‬ ‫التيبت هي مسألة صينية صرفة وقد تراجعت‬ ‫الصني يف تنمية عالقتها مع السوفييت خشية‬ ‫من نزوع اهلند حنو أقامة حتالفات مع الواليات‬ ‫املتحدة ودول اخرى ومن ثم عدم موافقة كلتا‬ ‫الدولتني بالسياسة املهيمنة عليها مما مهد‬ ‫الطريق حنو التفكري يف تبسيط العالقات يف ما‬ ‫بينهما(‪.)12‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫العالقات الصينية اهلندية منذ العام ‪- 1990‬‬ ‫‪2001‬‬ ‫جاء عقد التسعينيات‪ ،‬ليساهم يف مزيد من‬ ‫العالقات اإلجيابية‪ ،‬وذلك بفعل التحول الذي‬ ‫شهدته الرؤية اإلسرتاتيجية اهلندية‪ ،‬وكان‬ ‫انتهاء احلرب الباردة وسقوط االحتاد السوفييت‬ ‫عامال إضافيا مؤثرا يف حتول تلك الرؤية‪ ،‬أما‬ ‫أهم العوامل تأثريا فكان ذيوع برامج التحرر‬ ‫أو اللربالية االقتصادية بعد سقوط االحت��اد‬ ‫السوفييت‪ ،‬وال�تي انتهجت بعدها احلكومات‬ ‫اهلندية املتعاقبة سياسات خارجية تتلون بلون‬ ‫الربمجاتية أكثر من تلونها باللون األيديولوجي‬ ‫(‪ .)13‬وهنا ظهرت مدرستني يف رؤيتهم‬ ‫ملستقبل هذه العالقات‪ ،‬املدرسة األوىل كانت‬ ‫ترجح اجت��اه الدولتني إىل مزيد من عالقات‬ ‫التعاون مبا خيلق مستقبال ما يعرف بالتطبيع‬ ‫الصيين اهلندي‪ ،‬أما املدرسة الثانية فكانت ترى‬ ‫أنه رغم هذه العالقات التعاونية‪ ،‬فإن االجتاه‬ ‫‪ 12‬د‪.‬كامران أحمد محمد أمني‪ ،‬املصدر‬ ‫السابق‪،‬ص ‪.445‬‬ ‫‪. 13‬توازن القوى في جنوب آسيا‪،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪.111‬‬

‫الغالب سيكون هو استمرار حالة العداء األزلية‬ ‫اليت رافقت الدولتني ألمد طويل‪ ،‬وعن تفسري‬ ‫هذا التعاون والتقارب‪ ،‬كان أنصار املدرسة األوىل‬ ‫يرون أن التجارة واالقتصاد ليس سواهما ما‬ ‫يقربان العمالقني اآلسيويني لبعضهما البعض‪،‬‬ ‫ويساعدهما يف التغلب على حواجز اخلوف‬ ‫واهل��واج��س م��ن أج��ل نظام اقتصادي دول��ي‬ ‫أكثر عدال ومساواة فكلتا الدولتني تعاني مما‬ ‫أفرزته العوملة من حتديات اقتصادية وجتارية‪،‬‬ ‫وي��ك��اب��دان م��ن تلك الطموحات األمريكية‬ ‫واألورب��ي��ة ال�تي تريد رس��م العامل من خالل‬ ‫رؤيتها اخل��اص��ة‪ ،‬وق��د أدرك��ا أن استسالمهما‬ ‫ملشاحناتهما الثنائية سوف جيلب هلما الدمار‪،‬‬ ‫إذ سيوقعهما يف النهاية حتت سياط وهليب‬ ‫القوى العظمى‪ ،‬وأكرب دليل على ذلك ما فعلته‬ ‫اهلند والربازيل والصني أثناء حمادثات التجارة‬ ‫العاملية يف كانكون‪ ،‬من استفزازات وإحباطات‬ ‫للواليات املتحدة والكتلة الغربية بأكملها‪ .‬وعلى‬ ‫الوجه النقيض فإن املدرسة الثانية كانت ترى‬ ‫أن القوى الكربى بطبيعة تكوينها متيل إىل‬ ‫مراجعة املبادئ األساسية لرؤاها الفكرية‪ ،‬ومن‬ ‫ثم تكون أكثر استعدادا للهجوم والتصادم وهي‬ ‫تنزع أيضا إىل القوة وإىل بسط هيمنتها اإلقليمية‬ ‫عرب األراضي والبحار‪ ،‬وهذا ما ينطبق بالضبط‬ ‫على الصني واهلند‪ ،‬فهما عمالقان آخ��ذان يف‬ ‫بسط هيمنتهما اإلقليمية يف آسيا‪ ،‬ومتشابهان‬ ‫يف تعداد السكان وخمتلفان يف الرؤى واألفكار‪،‬‬ ‫وهو ما يبشر بتوجه تلك العالقة اليت بينهما‬ ‫إىل حلبة التنافس‪ ،‬ال إىل آفاق التعاون‪ .‬وترى‬ ‫هذه املدرسة أنه رغم مظاهر التقارب اليت‬ ‫حدثت بني العمالقني يف أآلون��ة األخ�يرة‪ ،‬فإن‬ ‫‪211‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪212‬‬

‫نقاط االختالف قد فاقت نقاط االئتالف على‬ ‫مجيع املستويات الدولية واإلقليمية والثنائية‬ ‫فعلى املستوى الدولي مثال تعارض الصني بشدة‬ ‫األحادية األمريكية وتدخالتها الوقائية‪ ،‬بينما‬ ‫توافق اهلند على تلك العقيدة الوقائية وعلى‬ ‫املستوى الثنائي‪ ،‬ما زال العمالقان يتنازعان‬ ‫على احل��دود فيما بينهما‪ ،‬وم��ا زال��ت الصني‬ ‫ترفض االعرتاف بضم اهلند إلقليم سيكيم‪ ،‬هذا‬ ‫فضال عن خالفاتهما حول السياسة النووية‪،‬‬ ‫حيث قامت اهلند بتأييد املبادرة األمريكية‬ ‫للدفاع الصاروخي الوطين‪ ،‬بينما قامت الصني‬ ‫باالعرتاض عليها بشدة(‪ .)14‬ولكن يف واقع‬ ‫احلال فقد شهدت مالمح العالقات بني البلدين‬ ‫يف بعض األمورالتقارب مثل‪ :‬تطور ملحوظ‬ ‫يف العالقات التجارية والتعليمية والثقافية‪،‬‬ ‫واجلهود الكثرية لتجاوز احلساسيات احلدودية‪،‬‬ ‫ومن ثم تقدم واضح يف جمال األسلحة املضادة‬ ‫للدمار الشامل وضمنت باتفاقية حفظ السالم‬ ‫عام ‪ 1993‬واتفاقية مقاييس بناء الثقة(‪.)15‬‬ ‫ويف تشرين الثاني ‪ /‬نوفمرب عام ‪ 1996‬قام‬ ‫الرئيس الصيين (جيانج زمييني‪ )*16‬بأول‬ ‫‪ 14‬شيرين حامد فهمي ‪ ،‬العالقات الصينية الهندية‪..‬‬ ‫تطبيع أم تصادم ‪ ،‬ترجمة عن املركز الباكستاني‬ ‫للدراسات اإلقليمية أنظر يوم ‪2012/11/15‬؛الموقع‬ ‫االلكتروني ‪. ten.enilnomalsi.www ‬‬

‫‪ .. 15‬شيرين حامد فهمي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪.‬‬ ‫‪ * 16‬جيانج زيميين هو سياسي صيني ول��د بمدينة‬

‫يانغز ف��ي‪ 17 ‬أغسطس‪ 1926 ‬شغل منصب‪ ‬رئيس‬ ‫جمهورية الصين الشعبية‪ ‬بين‪ 27 ‬مارس‪ 1993 ‬و‪15‬‬ ‫مارس‪ .2003 ‬شغل كذلك منصب زعيم‪ ‬الحزب الشيوعي‬ ‫الصيني‪ ‬كما ترأس اللجنة العسكرية المركزية للحزب‬ ‫الشيوعي‪ .‬قام زيمين بتحويل منصب رئيس الدولة من دور‬ ‫شرفي في السابق‪ ,‬إلى دور فاعل وممسك بزمام األمور‬ ‫وفقاً للمعايير الدولية‪.‬‏وكيبيديا الموسوعة الحرة‪ :‬الموقع‬ ‫االلكتروني ‪./http://ar.wikipedia.org/wiki :‬‬

‫زيارة ُله إىل اهلند بوصفه رئيس الدولة حيث‬ ‫عقد أتفاق بني البلدين على إجراءات بناء الثقة‬ ‫اليت تشمل ما يلي ‪:‬‬ ‫تقليص ع��دد ال��ق��وات واألسلحة يف املناطق‬ ‫احلدودية اخلاضعة ً‬ ‫فعال لكل منهما‪.‬‬ ‫يتعهد الطرفان بعدم مهامجة أحدهما اآلخر‪.‬‬ ‫منع ال��ط�يران احل��رب��ي لكلتا الدولتني من‬ ‫التحليق يف أجواء مناطق يقل بعدها عن عشرة‬ ‫كيلومرتات من نقاط التماس (‪.)17‬‬ ‫ويف العامني ‪ 1999‬و‪ 2000‬جرت حماورات‬ ‫حول إقرار األمن واالستقرار يف املنطقة واليت‬ ‫كانت سببا يف وضع أساس التقارب بني البلدين‬ ‫عرب تقزيم املشاكل ذات املدى البعيد بينهما‬ ‫واستغالل الفرص اجلديدة للتعاون االقتصادي‪،‬‬ ‫وقد قام كل منهما بالفعل بإرضاء اآلخر‪ ،‬فقد‬ ‫اعرتفت اهلند بشكل رمسي بسيادة الصني على‬ ‫التبت‪ ،‬واعرتفت الصني يف املقابل بسيادة اهلند‬ ‫على مملكة (سيكيم) السابقة‪ ،‬والشروع يف حل‬ ‫مشكلة احلدود بني الصني واهلند على أساس‬ ‫مبدأ التعايش السلمي واتفاق الدولتني على‬ ‫توطيد العالقات العسكرية عرب تبادل اخلربات‬ ‫والتدريبات‪.‬‬ ‫برغم هذا كله فقد بقيت العالقات الصينية‬ ‫اهلندية يف حالة من املَ��د وال َ��ش��د حيث ظلت‬ ‫املشكالت قائمة‪ ،‬فقد بقيت هناك خالفات‬ ‫على أراض كبرية‪ ،‬وحتافظ الصني على عالقة‬ ‫قوية مع باكستان وتدعم املؤسسة العسكرية‬ ‫فيها‪ ،‬وت��واص��ل سياسة بيع األسلحة جلريان‬ ‫‪. 17‬وليد سليم عبد احلي المكانة المستقبلية‬ ‫للصين في النظام الدولي من ‪،2010 ،-1973‬‬ ‫ط‪ ،1‬مركز اإلم���ارات للدراسات والبحوث‬ ‫اإلستراتيجية ‪(،‬أبو ظبي‪ ،)2000-‬ص‪.172‬‬


‫اهلند اآلخرين مثل ميامنار‪ ،‬ويف الوقت ذاته‬ ‫بقيت اهلند تسأم بعدم تركيز الصني اهتمامها‬ ‫عليها‪ ،‬وتفضيل بكني االهتمام بروسيا واليابان‬ ‫والواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬كذلك تبقى اهلند‬ ‫معارضة للحرية املمنوحة للصني لتطوير‬ ‫وحتديث أسلحتها النووية‪ ،‬وت��رى أن الصني‬ ‫ختاطب ود الواليات املتحدة األمريكية وتقف يف‬ ‫طريق التطلعات اهلندية‪ ،‬ويرى بعض صانعي‬ ‫السياسات يف جنوب آسيا أن اهلند سوف تتحول‬ ‫من الصديق املؤيد للصني إىل املنافس اللدود‬ ‫هلا ويعللون ذل��ك بتطلعات النخبة اهلندية‬ ‫خاصة الرباهمينيني حنو السيطرة واهليمنة‬ ‫العاملية‪ ،‬األمر الذي ظهر جليا منذ تسلم حزب‬ ‫(باهارتيا جاناتا‪ )*18‬السلطة اهلندية يف عام‬ ‫‪ ،1998‬وإص��راره منذ ذلك احلني على أخذ‬ ‫دور القوة الكربى يف املنطقة‪ ،‬ومن ثم عمله‬ ‫على توسيع العمق البحري واإلسرتاتيجي‬ ‫اهلندي من أندومان إىل جزر نيكوبار‪ ،‬وتدشني‬ ‫قواعد هندية يف فيتنام وطاجكستان‪ ،‬وتوسيع‬ ‫االت��ص��االت الدفاعية واألمنية اهلندية لكي‬ ‫تشمل إيران واليابان وكوريا اجلنوبية وتعميق‬ ‫الدبلوماسية الدفاعية اهلندية يف خمتلف ربوع‬ ‫آسيا‪ ،‬واخن��راط احلكومة اهلندية يف مشاريع‬ ‫الطرق الكربى بالقارة اآلسيوية‪ ،‬مثل مشروع‬ ‫الطريق السريع بني اهلند وتايالند وماينمار‪،‬‬ ‫‪ .* 18‬بهاراتيا جاناتا بارتي وتعني «ح��زب الشعب‬ ‫الهندي» وهو حزب سياسي قومي في الهند‪ ،‬وهو أحد‬ ‫الحزبين الرئيسيين في الهند‪ ،‬مع حزب المؤتمر الوطني‬ ‫الهندي‪ .‬تأسس الحزب في عام ‪ ،1980‬رئيس الحزب هو‬ ‫راجناث سينغ‪.‬المنظمة الشبابية للحزب هي بهاراتيا جاناتا‬ ‫يوفا مورتشا‪،‬وفي االنتخابات البرلمانية لعام ‪ 2004‬حصل‬ ‫الحزب نسبة (‪ ٪22‬من مجموع مجلس النواب الهندي‪.‬‬ ‫الموقع االلكتروني المعرف‪:‬ة‪www.marefa.org/in� :‬‬ ‫‪.dex.php‬‬

‫وعلى إجراء اختبارات نووية يف عام ‪،1998‬‬ ‫وه��و ما أث��ار غيظ الصينيني(‪ )19‬ويف هذا‬ ‫التسابق تقول اهلند بأن الفارق بني الدولتني‬ ‫يف القوة واالعرتاف بها يكمن يف القنبلة الذرية‬ ‫ومنطق احلجة انه مبا أن كل القوى العظمى‬ ‫متتلك أسلحة نووية‪ ،‬ومبا أن اهلند قوة عظمى‬ ‫أذا يلزم أن متتلك اهلند أسلحة نووية كما ترى‬ ‫أنه من املمكن التوصل إىل إتفاق بشأن احلدود‬ ‫مبجرد تصحيح التباين يف مسألة امتالك‬ ‫السالح النووي‪ ،‬رغم ذلك ال تغري هذه احلقيقة‬ ‫من إسرتاتيجية الصني الرامية إىل وقف النفوذ‬ ‫اهلندي عند حده(‪ )20‬وقد أدى ذلك إىل بزوغ‬ ‫حتالف صيين مع جريان اهلند الصغار‪ ،‬األمر‬ ‫الذي جعل الصني تبوء مبكانة يف بالغ األهمية‬ ‫لدى ه��ؤالء الصغار‪ ،‬ويف منطقة جنوب آسيا‬ ‫ككل‪ ،‬أصبحت الصني متثل عنصر االستقرار‬ ‫لديهم‪ ،‬وكذلك عنصر القوة اليت متكنهم من‬ ‫اخت��اذ ق��رارات وسياسات مستقلة عن الدولة‬ ‫اهلندية هذا فضال عن الدور االقتصادي املهم‬ ‫الذي تلعبه الصني يف املنطقة يف كل من باكستان‬ ‫وبنجالديش ونيبال وسرييالنكا‪ ،‬حيث تعترب‬ ‫الداعم االقتصادي األول لتلك ال��دول خاصة‬ ‫باكستان اليت تتمتع مقارنة جبميع دول املنطقة‬ ‫بعالقة وطيدة جدا مع الصني‪ ،‬وبهذا نرى كيف‬ ‫تستخدم الصني االقتصاد يف فرض الضغوط‬ ‫على اهلند(‪.)21‬‬ ‫‪. 19‬العالقات الصينية الهندية مركز العربي للمعلومات‪،‬‬ ‫نظر في ‪ ،15/11/2011‬املوقع االلكتروني‬ ‫‪htm.101248-05-www. arabsino.comarticles10‬‬

‫‪ 20‬توازن القوى في جنوب آسيا‪،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪.112‬‬ ‫‪ 21‬توازن القوى في جنوب آسيا‪،‬المصدر‬ ‫السابق‪،‬ص‪.113‬‬ ‫‪213‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪214‬‬

‫املبحث الثاني‬ ‫ت��أث�ير ال��ع��وام��ل ال��دول��ي��ة واإلقليمية على‬ ‫العالقات الصينية اهلندية‬ ‫كما هو معروف أن النظام الدولي هو عبارة عن‬ ‫جمموعة من الوحدات املتصلة مع بعضها البعض‬ ‫واليت تتعامل وتتفاعل َ‬ ‫معا‪ ،‬ومن هذا املنطلق‬ ‫ميكن القول؛ أن الدولتان ذات التعداد السكاني‬ ‫األكثر يف العامل‪ ،‬وذات القدرة االقتصادية العالية‬ ‫وصاحبتا املوقع اجليوبولوتيكي املهم الشك‬ ‫أن تتدخل يف أنسجة عالقتهما جمموعة من‬ ‫العوامل الدولية واإلقليمية بشكل مباشر أو غري‬ ‫مباشر‪ ،‬حبيث تكون مصدر تباعد ٌ‬ ‫تارة ومصدر‬ ‫تقارب ت��ارة اخ��رى يف العالقات بني البلدين‬ ‫وخصوصا بعد أن أتضح التنافس بني البلدين‬ ‫حول الزعامة آالسيوية‬ ‫املطلب األول‬ ‫العوامل الدولية‬ ‫أوال‪ :‬الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫أن التقارب اهلندي الصيين له نتائج وآثار‬ ‫بعيدة يف السياسة اخلارجية األمريكية‪ ،‬ونفس‬ ‫احلالة بالنسبة لعالقات تقارب اهلند مع الواليات‬ ‫املتحدة حيث أهميتها تكمن بالنسبة للسياسة‬ ‫اخلارجية األمريكية يف احلفظ على احل��زام‬ ‫االجيابي جلاره الكبري الصني‪ ،‬وان إلزام التجارة‬ ‫بني هذين البلدين‪ ،‬يعين أن الواليات املتحدة‬ ‫حباجة الن تفهم بأن الصني واهلند واليابان‬ ‫سوف يعملون يف املستقبل ً‬ ‫معا‪ ،‬وأن حتريض‬ ‫اهلند ضد الصني سوف ال ينتج مثرا مرغوبا‬ ‫وكذلك اهلند األكثر ً‬ ‫أمنا وهي الشريك أالكثر‬ ‫ٌ‬ ‫ثباتا يف جنوب آسيا(‪ .)22‬وبهذا سعت الواليات‬ ‫‪. 22‬د‪.‬كامران أحمد محمد أمني‪ ،‬السياسة الدولية‬ ‫‪،‬مصدر سبق ذكره‪،‬ص ‪.444‬‬

‫املتحدة األمريكية الستغالل موقعها وتفوقها‬ ‫العسكري االقتصادي ملمارسة نفوذها لتحقيق‬ ‫أكرب قدر ممكن من التفوق لكي ال تستطيع أية‬ ‫قوة جمابهتها مما يعين سعيها لتبين مشاريع من‬ ‫شأنها ضمان أمنها وتفوقها‪ ،‬وقد كان االهتمام‬ ‫ً‬ ‫منصبا على منطقة آسيا الوسطى‪،‬‬ ‫األمريكي‬ ‫وركزت على عدة مواضيع منها السالح النووي‬ ‫الكازاخستاني واإلص���رار على ضمها يف أطار‬ ‫الشراكة من آجل السالم يف أط��ار حلف مشال‬ ‫األطلسي ومنع اهليمنة الروسية على الدول يف‬ ‫تلك املنطقة وقد اعتمدت دبلوماسية هادئة‬ ‫مع ال��دول اآلسيوية‪ ،‬وكذلك عملت الواليات‬ ‫املتحدة على ردع ودحر القوى العسكرية للدول‬ ‫اإلقليمية الكربى يف املنطقة أوال وتأمني حضور‬ ‫عسكري يتحلى مبصداقية ثانيا واملساهمة‬ ‫يف العمليات السلمية املتعددة األط��راف ثالثا‬ ‫وأخ�يرا الوقوف بوجه انتشار أسلحة الدمار‬ ‫الشامل‪ ،‬وقد استغلت الواليات املتحدة نقاط‬ ‫ضعف الدول الكربى اآلسيوية فمثال أن روسيا‬ ‫والصني لديهما قوة عسكرية ولكنهما يفتقدان‬ ‫القوه االقتصادية والتكنولوجية يف الوقت‬ ‫ال��ذي متتلك فيه اليابان واالحت���اد األورب��ي‬ ‫للقوة االقتصادية والتكنولوجية إال أنهما‬ ‫يعانيان الضعف العسكري مقارنة مع غريهم‪.‬‬ ‫ويرجع سبب اهتمام الواليات املتحدة باملنطقة‬ ‫اآلسيوية يف أنها ظلت متثل إح��دى جبهات‬ ‫املواجهة مع االحتاد السوفييت جنبا إىل جنب مع‬ ‫جبهة غرب أوربا واخلليج العربي بهدف احتواء‬ ‫التوسع السوفييت يف حقبة احل��رب الباردة‬ ‫والتوسع ال��روس��ي احلقبة الالحقة للحرب‬ ‫ال��ب��اردة‪ ،‬أم��ا ال��رؤي��ة األمريكية جت��اه الصني‬


‫فأنها كانت تعتربها القوة آالسيوية القادمة‬ ‫على الساحة الدولية وهي تتقارب سياسيا مع‬ ‫روسيا وبهذا تشكل جبهة قوية يف آسيا بعد‬ ‫أن فشلت ال��والي��ات املتحدة يف ضمها كحليف‬ ‫بعد احلرب العاملية الثانية ومشاكل اتفاقيات‬ ‫حقوق اإلنسان ومنع انتشار السالح النووي‪،‬‬ ‫يف الوقت ذاته ال تود أمريكا أن تكون الصني‬ ‫ضعيفة خصوصا بعد أح���داث ‪ 11‬سبتمرب‬ ‫حيث أعطتها األولوية للمشاركه يف مكافحة‬ ‫اإلره��اب وبناء حتالف دول��ي‪ ،‬وأدراك الصني‬ ‫الشعور نفسه ٌ‬ ‫ظنا بتقربها من الواليات املتحدة‬ ‫يسهل سياستها يف ضم تايوان(‪ .)23‬وكان للهند‬ ‫الدور يف توسيع سياستها االقتصادية يف منطقة‬ ‫اجلنوب الغربي من القارة وهي املنطقة اليت‬ ‫يتواجد فيها التنافس الياباني واألمريكي لذا‬ ‫عملت الواليات املتحدة على كسب اهلند بعد‬ ‫إنهيار االحتاد السوفييت وكانت الواليات املتحدة‬ ‫احلليف املناسب لتأمني مصاحل اهلند يف الوقت‬ ‫الذي يعترب استفادة بالنسبة للواليات املتحدة‬ ‫يف حال قيام تنظيمات إقليمية إثر تنافسها‬ ‫مع اليابان وكذلك الدور اهلندي املساهم هلا يف‬ ‫أفغانستان(‪ )24‬وخصوصا ُ‬ ‫منذ أن أصبحت‬ ‫حكومة اهلند تبدل مواقفها الدولية بصورة‬ ‫ملحوظة‪ ،‬ومتيل إىل إقامة عالقات أوث��ق مع‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية وإسرائيل واالعتقاد‬ ‫السائد عندهم بوجود نقاط إيديولوجية‬ ‫مشرتكة بينهم (‪ .)25‬وخيلص بعض خرباء‬ ‫السياسة األمريكيني من استعراض العالقات‬ ‫‪ 23‬انتظار رشيد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.63‬‬ ‫‪ 24‬انتظار رشيد‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.67‬‬ ‫‪ 25‬د‪.‬كامران أحمد محمد أمني‪ ،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪.446‬‬

‫األمريكية اليابانية الصينية اهلندية الكورية‬ ‫بوجه خاص واآلسيوية بوجهة عام إىل وجوب‬ ‫اسرتشاد السياسة األمريكية جتاه آسيا باملبادئ‬ ‫التالية‪ :‬بؤرة املصلحة القومية األمريكية قياسيا‬ ‫هي منع هيمنة أية دولة على آسيا خاصة إذا‬ ‫كانت خصما للواليات املتحدة وإقناع الدول‬ ‫اآلسيوية باملساهمة يف حتقيق االزدهار العاملي‬ ‫الشامل وتهدئة الصراعات اآلسيوية والسبيل‬ ‫خلدمة هذه املصلحة هو األخذ خبيار العالقات‬ ‫البناءة مع كافة الدول اآلسيوية‪ ،‬وعدم اعتبار‬ ‫أي منها خصما للواليات املتحدة‪ ،‬ما مل تفعل ما‬ ‫يستدعي ذلك‪ ،‬السبيل حلماية آسيا من ظهور‬ ‫دول��ة خطرية مهيمنة هو احتفاظ الواليات‬ ‫املتحدة بتفوقها العسكري‪ ،‬وانتهاج سياسة‬ ‫خارجية متمشية مع األهداف القومية للدول‬ ‫اآلسيوية احملورية اليت تنسجم أهدافها القومية‬ ‫مع املصلحة القومية األمريكية‪ ،‬ووجوب الدخول‬ ‫يف ح��وار شامل مع اهلند فيما يتعلق بشؤون‬ ‫املنطقة من سنغافورة إىل عدن ورغم التباين يف‬ ‫مواضيع االهتمام األمريكي واهلندي فان شروط‬ ‫أج��راء احل��وار األمريكي اهلندي االسرتاتيجي‬ ‫متوفرة‪ ،‬ويف الوقت نفسه يستوجب تأسيس‬ ‫السياسة األمريكية جت��اه الصني على أساس‬ ‫االعرتاف حبقائق يف مقدمتها أن الصني بوزنها‬ ‫السكاني ومبوقعها اجلغرايف وبوزنها التارخيي‬ ‫والثقايف ركن مهم يف كل السياسات اآلسيوية‬ ‫البناءة والتعامل معها حيتاج إىل سياسة أمريكية‬ ‫وليس جملرد شعار البناء بني الصني والواليات‬ ‫املتحدة على أنها مؤ متنة إحداها على األخرى‬ ‫فهي لن تستقر إال إذا تأسست على تصور املصلحة‬ ‫املشرتكة وبالتالي فانه من احملتمل أجراء حوار‬ ‫‪215‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪216‬‬

‫جيوبوليتيكي دائم بني اجلانبني وان يكون‬ ‫هلذا احلوار مضمون متعلق باحلاضر واملستقبل‬ ‫معا ويركز على القاسم املصلحي املشرتك وعلى‬ ‫مالئمة أوجه االختالف املتبادلة‪ ،‬وأن التنسيق‬ ‫مع واشنطن وبكني وموسكو سيؤدي ملعاجلة‬ ‫الوضع الراهن يف شبه اجلزيرة الكورية و من‬ ‫مصلحة الواليات املتحدة منع أو على األقل احلد‬ ‫من حدوث املزيد من انتشار األسلحة النووية‬ ‫وتعبئة تأييد ال��دول اآلسيوية لذلك انضمت‬ ‫الصني إىل عدة اتفاقيات دولية ترمي إىل منع‬ ‫انتشار األسلحة النووية وتكنولوجيا الصواريخ‬ ‫ووافقت على وقف تعاونها النووي والصاروخي‬ ‫مع إيران إال انه يلزم اختاذ مزيد من اخلطوات‪،‬‬ ‫ك��إب��رام اتفاقيات ثنائية م��ع ك��ل م��ن اهلند‬ ‫وباكستان لتعزيز ضوابط منع تصدير مواد‬ ‫نووية أو كيميائية أو بيولوجية(‪ )26‬وليس‬ ‫باإلمكان إرساء النظام العاملي أو النظام اآلسيوي‬ ‫على التوازن وحده وال بدونه‪ ،‬ويتطلب توازن‬ ‫ال��ق��وى يف آسيا التوصل إىل رزم��ة متماسكة‬ ‫ملستقبل آسيا‪ ،‬وحتتاج ال��والي��ات املتحدة إىل‬ ‫الوجود يف املسرح اآلسيوي‪ ،‬ولكن دون إعطاء‬ ‫انطباع بأنها تسعى إىل اهليمنة وينبغي على‬ ‫الواليات املتحدة أن تتحرك وفق سياسة حذرة‪،‬‬ ‫ذات منظور مثابر وطويل األم��د‪ ،‬تسمح هلا‬ ‫بلعب دور مهم يف معاجلة األخطار دون أن حتول‬ ‫نفسها إىل ب��ؤرة لكل خ�لاف‪ ،‬كما ينبغي على‬ ‫الواليات املتحدة أن تضمن الدفاع عن حقوق‬ ‫اإلنسان يف أجندة سياستها اآلسيوية(‪.)27‬‬ ‫‪. 26‬د‪.‬صالح الفي املعايطة‪،‬الواليات املتحدة‬ ‫وعالم التوازن اآلسيوي‪،‬جريدة الرأي‪،‬تاريخ النشر‬ ‫‪ ،3/11/2006‬العدد‪ 15371‬ص‪.2-3-4‬‬ ‫‪ 27‬بانج يونج شونج‪ ،‬اليمكن للنظام األسيوي‬

‫ثانيا ‪:‬االحتاد األوربي‬ ‫توازنا دولياً‬ ‫ً‬ ‫يسعى االحت��اد األورب��ي إىل خلق‬ ‫ج��دي��دا مي��ن��ع س��ي��ط��رة ق���وة واح����دة عليها‬ ‫(ال��والي��ات املتحدة األمريكية) كما هو عليه‬ ‫اآلن‪ ،‬والب��د أن تكون أورب��ا املوحدة هي أقوى‬ ‫ٌ‬ ‫وخاصة بعد انضمام مجيع األوربيني إىل االحتاد‬ ‫النقدي وبهذا أصبح القوة األوىل يف العامل بناتج‬ ‫مقداره(‪ )5888‬مليار دوالر‪ ،‬باعتبارها أن‬ ‫القرن احلادي والعشرين سيكون أوربيا وان أوربا‬ ‫ستكتب قواعد التجارة العاملية‪ ،‬وأن كان هناك‬ ‫خضوع لسلطة ال��دوالر لكن الصراع احلقيقي‬ ‫بني أوربا وأمريكا بدأ عندما وقع األوربيون‬ ‫اتفاقية السوق األوربية املشرتكة‪ ،‬وكان لتطور‬ ‫العالقات بني الصني واالحت��اد األورب��ي دوره‬ ‫الكبري يف دعم مكانة وقوة كل منهما يف احمليط‬ ‫اإلقليمي والعاملي‪ ،‬وم��ن اجلدير بالذكر أن‬ ‫الصني قامت بآلية مؤمتر القمة السنوي يف‬ ‫عام ‪ 1998‬مع االحتاد األوربي حيث مت فيها‬ ‫تبادل املزيد من اآلراء حول العمل على توطيد‬ ‫التعاون املتبادل وعلى كافة املستويات‪ ،‬واالحتاد‬ ‫األوربي هو ثالث شريك جتاري بالنسبة للصني‬ ‫فضال عن كونه الشريك املهم يف جماالت التعاون‬ ‫واالستثمار(‪ )28‬وقد أكد االحتاد األوربي عن‬ ‫طريق املتحدثة الرمسية لسياستها اخلارجية‬ ‫(كاثرين أشتون‪ )*29‬يف ‪ 30‬أغسطس ‪2010‬‬ ‫ان يقوم بعيدا عن الواليات المتحدة‪ ،‬المركز‬ ‫العربي ل��ل��م��ع��ل��وم��ات‪ ،2010/4/2،‬الموقع‬ ‫االلكتروني‪http://www.arabsino.com/ :‬‬ ‫‪.articles/10-04-02/79.htm‬‬ ‫‪. 28‬انتظار رشيد‪،‬العالقات الصينية الهندية‪،‬‬ ‫مصدر سبق ذكره ص‪.70‬‬ ‫‪ * 29‬كاترين أشتون‪ 20( ‬م���ارس‪،)1956 ‬‬ ‫سياسية‪ ‬بريطانية‪ .‬تتولى منصب النائب‬


‫((أن التعاون ال��ق��وي ب�ين االحت���اد األوروب���ي‬ ‫والصني ميكن أن يقدم حلوال ملموسة يف اجملاالت‬ ‫اخلارجية واألمنية ألن اجلانبني يواجهان‬ ‫حتديات مشرتكة ولديهما أهداف متماثلة‪ ،‬وإنها‬ ‫تتطلع إىل العمل جنبا إىل جنب مع داي بينغ‬ ‫فوه عضو جملس الدولة الصيين لدفع العالقات‬ ‫البناءة والتعاونية مع الصني‪ ،‬باعتبارها شريكا‬ ‫اسرتاتيجيا مهما ألوروبا يف عامل معومل)) وقد‬ ‫أبدى االحتاد األوروب��ي والصني إرادة مشرتكة‬ ‫لتعميق العالقات الثنائية يف القضايا اخلارجية‬ ‫واألمنية مثل شبه اجلزيرة الكورية‪ ،‬وإيران‪،‬‬ ‫وأفريقيا‪ .)30( ‬أما من جانب اخر فقد وقع‬ ‫االحتاد األوربي اتفاقية شراكة إسرتاتيجية مع‬ ‫اهلند لتعزيز العالقات االقتصادية والسياسية‬ ‫بني اجلانبني بعد مؤشرات على ظهور اهلند‬ ‫كقوة اقتصادية ومشل االتفاق تعميق العالقات‬ ‫التجارية األورب��ي��ة واالس��ت��ث��م��ار وال��رواب��ط‬ ‫االقتصادية األخرى مع اهلند‪ )31( ‬فاآلن ُي َعد‬ ‫االحتاد األوروبي ثاني أكرب شريك جتاري للهند‪،‬‬ ‫برأمسال بلغ ‪ 68‬مليار ي��ورو (‪ 93,5‬مليار‬ ‫دوالر أمريكي) يف عام ‪ ،2010‬وهذا ميثل حنو‬ ‫‪ 20%‬من جتارة اهلند العاملية وتعادل صادرات‬ ‫األول لرئيس‪ ‬المفوضية األوروبية‪ ‬منذ‪9 ‬‬ ‫ف��ب��راي��ر‪ ،2010 ‬ومنصب الممثل السامي‬ ‫لالتحاد لشؤون السياسة الخارجية واألمن منذ‪1 ‬‬ ‫ديسمبر‪.2009 ‬الموقع االلكتروني‪http:// :‬‬ ‫‪./ar.wikipedia.org/wiki‬‬ ‫‪. 30‬اشتون‪:‬العالقات القوية بين االتحاد األوربي‬ ‫والصين‪ ،‬صحيفة الشعب اليومية‪.31/8/2010 ،‬‬ ‫الموقع االلكترون‪:‬ي‪http://arabic.peo� :‬‬ ‫‪pledaily.com.cn/31660/7123309.‬‬ ‫‪.html‬‬ ‫‪. 31‬انتظار رشيد‪،‬املصدر السابق‪،‬ص‪.71‬‬

‫اخلدمات من أوروبا إىل اهلند ‪ 10‬مليارات يورو‪،‬‬ ‫يف حني تقدر قيمة ال��واردات من اخلدمات مبا‬ ‫ً‬ ‫قليال على ‪ 8‬مليارات ي��ورو‪ ،‬وتشرتك‬ ‫يزيد‬ ‫اهلند يف العديد من أوجه التقارب مع االحتاد‬ ‫األوروبي‪ ،‬وليس أقلها أن اهلند ً‬ ‫أيضا تشكل احتاداً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لغويا‬ ‫وسياسيا بني واليات خمتلفة‬ ‫اقتصاديا‬ ‫ً‬ ‫وثقافيا وعرقيا‪ .‬ولكن يف املمارسة العملية‪ ،‬مل‬ ‫ترتجم أوجه التقارب هذه إىل عالقات سياسية‬ ‫أو إسرتاتيجية وثيقة(‪ .)32‬ففي عام ‪،1963‬‬ ‫كانت اهلند واحدة من أوائل الدول اليت أقامت‬ ‫ع�لاق��ات دبلوماسية م��ع ال��س��وق األوروب��ي��ة‬ ‫املشرتكة (سلف االحتاد األوروب��ي احلالي)‪ .‬كما‬ ‫توفر الشراكة اإلسرتاتيجية بني اهلند واالحتاد‬ ‫األوروبي وخطة العمل املشرتكة يف عام ‪2005‬‬ ‫وعام ‪ 2008‬إطار عمل للتعاون األمين‪ .‬ولكن‬ ‫االحتاد األوروبي استغرق بعض الوقت قبل أن‬ ‫يتمكن من تطوير ثقافة إسرتاتيجية مشرتكة‪،‬‬ ‫وتعني على بلدان االحتاد األوروبي أن تطور ً‬ ‫نهجا‬ ‫ً‬ ‫مجاعيا يف التعامل مع املشاكل املرتبطة باألمن‬ ‫الوطين قبل أن يصبح يف اإلمكان إقامة عالقات‬ ‫إسرتاتيجية قوية بني االحتاد األوروبي واهلند‪،‬‬ ‫واحلق أن اهلند‪ ،‬اليت تتمتع بنظام دميقراطي‬ ‫منذ أكثر من ستني عاما (وه��ي ف�ترة أطول‬ ‫من عمر الدميقراطية يف بعض بلدان االحتاد‬ ‫األوروبي)‪ ،‬تنظر إىل حقوق اإلنسان باعتبارها‬ ‫قضية حملية بالغة األهمية‪ .‬ومل تكشف منظمة‬ ‫العفو الدولية‪ ،‬أو منظمة واتش ملراقبة حقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وال أي مؤسسة أوروبية‪ ،‬عن أي مشكلة‬ ‫مرتبطة حبقوق اإلنسان يف اهلند مل يكشف‬ ‫‪ 32‬محمد فايز فرحان ‪ ،‬اإلطار السياسي لتجربة‬ ‫التنمية واإلصالح في الهند‪ ،‬مجلة السياسة‬ ‫الدولية ‪،‬العدد‪.136‬‬ ‫‪217‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪218‬‬

‫عنها ويتناوهلا بالفعل مواطنون أو صحافيون‬ ‫هنود أو منظمات غري حكومية هندية يف إطار‬ ‫احليز السياسي الدميقراطي يف اهلند‪ ،‬وعلى‬ ‫ضوء هذه احلقيقة فإن حماولة االحتاد األوروبي‬ ‫إضافة فقرات خاصة حبقوق اإلنسان إىل اتفاقية‬ ‫التجارة احلرة مع اهلند‪ ،‬كفيلة حبمل اهلنود على‬ ‫الرتاجع‪ ،‬فال ينبغي للتجارة أن تصبح أسرية‬ ‫لسياسات أوروبية داخلية حول إعالنات حقوق‬ ‫اإلنسان‪ ،‬والواقع أن اهلند واالحت��اد األوروب��ي‬ ‫يقفان على نفس اجلانب ويسعيان إىل حتقيق‬ ‫نفس الطموحات فيما يتصل بقضية حقوق‬ ‫اإلنسان‪ .‬ومبجرد إدراك هذه احلقيقة فإن إمتام‬ ‫املفاوضات بشأن اتفاقية التجارة احلرة‪ ،‬اليت‬ ‫ظلت يف مراحلها “األخرية” لفرتة طويلة‪ ،‬سوف‬ ‫يصبح يف حكم اإلمكان‪ ،‬وسوف يكون هذا مبثابة‬ ‫حتول جتاري بالغ األهمية(‪.)33‬‬ ‫العوامل اإلقليمية‬ ‫أوال‪ :‬روسيا االحتادية‬ ‫أن طبيعة العالقة بني روسيا والصني كانت‬ ‫ترتكز على خالفات قدمية بني االحتاد السوفييت‬ ‫(السابق) والصني واليت كانت خالفات حدودية‬ ‫وخالفات أيديولوجية ولكن العالقات فيما‬ ‫بينهما بدأت بشكل واضح بعد انهيار االحتاد‬ ‫السوفييت عام ‪1991‬حيث شهدت العالقات‬ ‫الروسية الصينية ّ‬ ‫حتس ًنا منذ العام ‪1992‬‬ ‫حني ّأك��د الرئيس الروسي السابق (بوريس‬ ‫يلتسني‪ )*34‬خالل زيارته لبكني يف ديسمرب‬ ‫‪. 33‬شاشي ثارور ‪،‬الهند اجلديدة واروربا‬ ‫القدمية‪،‬صحيفة الراية االلكترونية‪،‬‬ ‫‪،16/11/2011‬املوقع االلكتروني‪http:// :‬‬ ‫‪./www.raya.com/home/print‬‬ ‫‪ * 34‬بوريس نيكواليڤتش يلتسن‪ :‬ولد في ‪1‬‬

‫من ذلك العام على أهمية التوازن يف السياسات‬ ‫اخل��ارج��ي��ة ال��روس��ي��ة ب�ين ال��ت ّ‬ ‫��وج��ه الغربي‬ ‫ّ‬ ‫والتوجه اآلسيوي باعتبار أن روسيا دولة اورو‬ ‫آسيوية‪ .‬ثم جاءت ّ‬ ‫قمة بكني يف نيسان أبريل‬ ‫العام ‪ 1996‬لتعطي دفعة قوية للعالقات بني‬ ‫البلدين وترسي دعائم املشاركة اإلسرتاتيجية‬ ‫بينهما بعد النجاح يف تسوية مشاكل احلدود‬ ‫بشكل نهائي‪ ،‬وذلك بعد االتفاقيتني ّ‬ ‫املتعلقتني‬ ‫باحلدود الشرقية عام ‪ ،1991‬واحلدود الغربية‬ ‫العام ‪ ،1994‬وقد اختذت العالقات الروسية‬ ‫الصينية عدة أبعاد(‪ )35‬األول ‪ :‬موقف البلدين‬ ‫من السياسة األمريكية ورفضهما هليمنة قوة‬ ‫واحدة على النظام العاملي يف إشارة إىل الواليات‬ ‫ً‬ ‫ثانيا ‪ :‬التعاون يف جم��ال التقنيات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫العسكرية حيث تعترب الصني أكرب سوق للسالح‬ ‫الروسي‪ ،‬وتستأثر وحدها بـ ‪ 40%‬من صادرات‬ ‫السالح الروسي‪ ،‬يف حني ّ‬ ‫تشكل األسلحة الروسية‬ ‫‪ 70%‬من إمجالي واردات الصني من األسلحة‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬التنسيق األمين بني البلدين يف منطقة‬ ‫آسيا الوسطى بهدف حتجيم نشاط احلركات‬ ‫اإلسالمية يف املنطقة ومكافحة جتارة ّ‬ ‫املخدرات‬ ‫فبراير ‪ 1931‬بوتكا‪ ,‬اوبالست سڤردلوڤسك‪،‬و‪ ‬شغل‬ ‫منصب أول رئيس التحاد الروسي ‪،‬حيث واجهته‬ ‫صعوبات كثيرة في المحاولة العادة ترتيب البيت‬ ‫الروسي وقد فاز ب‪ %57‬من االصوات في عام‬ ‫‪ 1991‬ولكن خسر شعبيته في نهاية حكمه مما‬ ‫ادى به الى التصريح بإعتذار على عدم استطاعته‬ ‫تحقيق الرفاهية للمجتمع الروسي وتوفي في‬ ‫‪ 23‬أبريل ‪ .)2007‬مشروع بحث أحمد خليل‬ ‫ابراهيم‪،‬الفكر اليساري الغربي املعاصر‪،‬جامعة‬ ‫السليمانية‪-‬كلية العلوم السياسية‪ 2012 ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪ 35‬العالقات الصينية‪-‬الروسية ‪،‬جريدة البيان‬ ‫اإلماراتية‪،‬أرشيف عدد ‪ 24‬آب ‪ ،2001‬ص‪.11‬‬


‫ّ‬ ‫والتصدي لإلرهاب والنزعات‬ ‫وتهريب األسلحة‬ ‫االنفصالية‪ ،‬وذلك يف إطار جمموعة شنغهاي‬ ‫اخلماسية‪ ،‬اليت ّ‬ ‫تضم كازاخستان و طاجاكستان‬ ‫و قريغيزستان إىل جانب روسيا والصني وتك ّونت‬ ‫يف نيسان إبريل ‪ 1996‬مع توقيع معاهدة‬ ‫أمنية بني الدول اخلمس‪ .‬رابعا ‪ :‬تأكيد عدم‬ ‫ّ‬ ‫تدخل كل طرف يف الشؤون الداخلية للطرف‬ ‫اآلخر واحرتام الوحدة والسالمة اإلقليمية له‪.‬‬ ‫فقد ّأكدت الصني ً‬ ‫دوما على أن قضية الشيشان‬ ‫هي من الشؤون الداخلية اليت ّ‬ ‫تتعلق بوحدة‬ ‫األراض��ي الروسية‪ .‬كما التزمت روسيا تفادي‬ ‫إق��ام��ة ع�لاق��ات رمسية م��ع ت��اي��وان‪ ،‬وأعلنت‬ ‫ّ‬ ‫يتجزأ من الصني‪ ،‬وبذلك‬ ‫أن التيبت جزء ال‬ ‫يتفادى البلدان دعم احلركات االنفصالية يف كل‬ ‫من بلديهما‪ .‬خامسا ‪ّ :‬‬ ‫يتعلق بتنامي العالقات‬ ‫االقتصادية والتجارية بني البلدين‪ .‬فعام‬ ‫‪ 2000‬بلغ التبادل التجاري بينهما حنو ‪7‬‬ ‫مليارات دوالر‪ .‬وتعترب الصني ثالث أكرب شريك‬ ‫جتاري لروسيا بعد أملانيا والواليات املتحدة‪.‬‬ ‫وال شك يف أن اإلمكانات املتاحة للبلدين تتيح‬ ‫الفرصة ملضاعفة التبادل التجاري بينهما‬ ‫وملزيد من التعاون يف اجملال االقتصادي‪ .‬هذا ّ‬ ‫كله‬ ‫يوضح عمق املشاركة اإلسرتاتيجية بني روسيا‬ ‫والصني وعدم اقتصارها على اجلوانب األمنية‬ ‫والعسكرية فحسب بل اتساعها لتشمل العديد‬ ‫من اجلوانب األخرى السيما االقتصادية‪ ،‬ولكن‬ ‫على الرغم من تنامي العالقات بني البلدين‬ ‫فإنها تظل عند حد املشاركة اإلسرتاتيجية وال‬ ‫ترقى إىل مستوى التحالف العسكري‪ ،‬وقد ّأكد‬ ‫الطرفان ذلك يف أكثر من مناسبة‪ ،‬كما ّأكدا أنهما‬ ‫ال يستهدفا ً‬ ‫طرفا آخرا وإمنا تأتي عالقتهما تلبية‬

‫للمصاحل املشرتكة للبلدين‪ ،‬ويف العام ‪،2001‬‬ ‫وصلت عالقات شراكة التعاون اإلسرتاتيجية‬ ‫بني الصني وروسيا إىل مستوى جديد ومن ثم‬ ‫ّ‬ ‫قننت معاهدة حسن اجلوار والتعاون الو ّدي بني‬ ‫البلدين اليت ّ‬ ‫وقعها رئيسا البلدين العام ‪2001‬‬ ‫والبيان املشرتك ال��ذي أص��دراه يف العام نفسه‬ ‫ّ‬ ‫قننا مفهوم الصداقة املتوارثة من جيل إىل‬ ‫جيل وعدم املعاداة إىل األبد‪.‬‬ ‫و ما بني ‪ 26‬و‪28‬من أيار العام‪ ،2003‬قام‬ ‫الرئيس الصيين هو جني تاو بزيارة رمسية‬ ‫لروسيا‪ ،‬ويف السنوات األخ�يرة‪ّ ،‬‬ ‫ظلت التجارة‬ ‫وال��ت��ع��اون االق��ت��ص��ادي والتكنولوجي بني‬ ‫اجلانبني ّ‬ ‫تتكثف ً‬ ‫يوما بعد يوم‪ .‬كما ازدادت مع‬ ‫مر األيام التبادالت والتعاون يف جماالت الثقافة‬ ‫والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والرتبية‬ ‫وغريها‪ ،‬ومت االتفاق على حل معظم اخلالفات‬ ‫احلدودية بشكل رمسي عام ‪ّ ،2001‬أما باقي‬ ‫املناطق اخلالفية احلدودية فقد ّ‬ ‫مت تسويتها‬ ‫بشكل نهائي يف حزيران من العام ‪.)36(2005‬‬ ‫أما العالقة بني اهلند و روسيا فقد باتت تسري‬ ‫بنمط قوي ومتني كما كانت تربطها باالحتاد‬ ‫السوفييت سابقا الذي أخلف روسيا‪ ،‬لذا فقد‬ ‫عملت اهلند على تقوية عالقاتها بروسيا‪ ،‬ومبا‬ ‫أن الصني تعمل على جتنب أي مواجهة حقيقية‬ ‫أو ِصدام مسلح مع اهلند حليفة روسيا وجتد بان‬ ‫أية سياسة عداء ضد اهلند سترتك أثارا سلبية‬ ‫يف الرتتيبات الصينية مع روسيا (‪ )1‬لذلك فقد‬ ‫عملت الصني على عقد اتفاقية مع اهلند من‬ ‫اجل احلفاظ على األمن والسالم يف عام ‪1993‬‬ ‫‪ 36‬موقع وزارة الخارجية الصينية على الرابط‬ ‫التالي‪http://www.fmprc.gov.cn/eng/ :‬‬ ‫‪.htm.t15771/2649/wjdt‬‬ ‫‪219‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪220‬‬

‫وكذلك االتفاقية اليت مت التوقيع عليها من قبل‬ ‫البلدين يف عام ‪ 1996‬اليت تتضمن بناء الثقة‬ ‫املتبادلة يف اجملال العسكري على خط احلدود‬ ‫الصينية ‪-‬اهلندية وكانت هاتان االتفاقيتان‬ ‫من أهم االتفاقيات اليت ساعدت على إرساء نوع‬ ‫من االستقرار فيما بينهما بعد أن كان يعرتيها‬ ‫الشك وعدم الثقة من جانبها كانت الزيارة اليت‬ ‫قام بها الرئيس بوتني للهند يف تشرين الثاني‬ ‫عام ‪ 2000‬قد أقلقت الصني وبشكل كبري إذ‬ ‫تضمنت تلك الزيارة التوقيع على عدد من‬ ‫االتفاقيات أو ما عرف فيما بعد بـ (اإلع�لان‬ ‫االسرتاتيجي) والذي تضمن القيام مبشاورات‬ ‫سياسية منتظمة وع���دم م��ش��ارك��ة أي من‬ ‫الطرفني يف أية أحالف عسكرية أو سياسية أو‬ ‫يف نزاعات ضد احدهما اآلخر وأكدت الدولتان‬

‫اهلندية أكثر من (‪ ) % 70‬منها هو سالح روسي‬ ‫الصنع‪ ،‬لذا كان على الصني التقرب أكثر فأكثر‬ ‫من روسيا من اجل كسبها واحلصول على دعمها‬ ‫وقد عزز ذلك تطوير الصني لعالقاتها باهلند‬ ‫فهي بذلك حتصل على ود روس��ي��ا‪ ،‬وتكسب‬ ‫حليف قوي يف آسيا(‪.)37‬‬ ‫ثانيا‪ :‬اإلمرباطورية اليابانية‬ ‫اآلسيوية (‪ )38‬ورك��زت اليابان دوره��ا يف‬ ‫املنطقة بعد انهيار االحت��اد السوفييت ‪ ،‬حيث‬ ‫هدفت لتحقيق التنمية على مستوى العامل يف‬ ‫اجملاالت االقتصادية واالجتماعية دون استخدام‬ ‫األداة العسكرية وبهذا فقد ‪ ،‬أ كدت اليابان على‬ ‫املشاركة النشيطة يف حتقيق السالم العاملي‬ ‫من خالل إنتاج إسرتاتيجية عاملية للسياسة‬ ‫اخلارجية اليابانية‪ ،‬واستبدال السياسة املتعددة‬

‫عن طريق هذا اإلع�لان بأنه غري موجه ضد‬ ‫دول أخرى يف إشارة إىل الصني وباكستان‪ ،‬إال أن‬ ‫ذلك مل يهدئ من روع الصني اليت تدرك مقدار‬ ‫التعاون السياسي واالقتصادي والعسكري بني‬ ‫ّ‬ ‫وخصوصا أن الرتسانة العسكرية‬ ‫روسيا واهلند‬

‫‪. 37‬انتظار رشيد زوير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬ص‪51،52‬‬ ‫‪. 38‬د‪.‬م��ب��ارك بوعشة ود‪ .‬االخضر ديلمي ‪،‬‬ ‫االقلمة في جنوب شرق آسيا في أطار نموذج‬ ‫اإلوز الطائر‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية‪ ،‬كلية‬ ‫االقتصاد والتسيير ‪،‬نوفمبر ‪ ،2006‬عدد ‪.10‬‬ ‫ص‪.292‬‬


‫اجلوانب بالسياسات ال�تي تعتمد على القوة‬ ‫االقتصادية فقط (‪ )39‬وبذلك فقد دفعت‬ ‫املصاحل االقتصادية اليابانية انتهاج سياسة‬ ‫للتعاون مع جريانها اآلسيويني خاصة الصني‬ ‫ودول رابطة اآلس��ي��ان‪ ،‬فالعالقات الصينية‬ ‫اليابانية تتجه حنو التعاون الوثيق يف اجملاالت‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وداللة ذلك االتفاقيات املعقودة‬ ‫بينهما وال�تي ُتعطي املعونات‪ ،‬واالستثمار‪،‬‬ ‫وال��ت��ج��ارة‪ ،‬وال��ت��ع��اون العاملي ونتيجة النمو‬ ‫االقتصادي الذي ميز اليابان والذي وصل إىل‬ ‫نسبة ‪ 10%‬يف السبعينات بعد أن كان ‪2%‬‬ ‫يف الستينات لذلك فقد زاد حجم االستثمارات‬ ‫اخلارجية لليابان وقد وصلت يف عام ‪ 1992‬إىل‬ ‫‪ 34/1‬مليار دوالر ‪ ،‬ويف عام ‪ 1994‬وصل إىل‬ ‫(‪ ) 422,555‬مليار دوالر وبهذا الرقم أصبحت‬ ‫اليابان اكرب مستثمر عاملي بعد الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية وبريطانيا‪ ،‬وبذلك فقد أصبحت‬ ‫الدائنة األوىل يف العامل مببلغ تراكمي يزيد على‬ ‫(‪ ) 450‬مليار دوالر فاليابان هي اكرب دائن‬ ‫للصني‪ ،‬إذ يصل حجم املديونية لليابان منذ‬ ‫عام ‪ 1979‬إىل ‪ 15,8‬مليار دوالر وقد وصل‬ ‫يف ع��ام ‪ 1994‬حجم التجارة بني الدولتني‬ ‫إىل ‪ 47,9‬مليار دوالر أي بزيادة قدرها ‪22,8‬‬ ‫‪%‬عن سنة (‪.)40‬‬ ‫ً‬ ‫أن سعي الصني لتمثيل دوراً مماثال يف حتويل‬ ‫هياكل القوة والنفوذ وهو ما يدعو إىل احلذر‬ ‫الشديد م��ن جانب اليابان ال�تي هل��ا مشاكل‬

‫تارخيية مع الصني واليت ستؤدي بالضرورة‬ ‫إىل تنافس يتضمن عناصر جيوبوليتيكية‪،‬‬ ‫وهي عناصر ال ينبغي إهماهلا‪ ،‬وبالرغم من‬ ‫وجود عناصر أخرى متمثلة بالعوملة املالية‬ ‫واالقتصادية والضرورات البيئية وتلك املتعلقة‬ ‫بالطاقة‪ ،‬والقوة التدمريية لألسلحة احلديثة‬ ‫اليت تفرض جمتمعة بذل جمهود كبري لصاحل‬ ‫التعاون العاملي خصوصا بني الصني من جهة‬ ‫وبني اليابان واحلليف االسرتاتيجي األمريكي‬ ‫من جهة أخرى (‪.)41‬‬ ‫وان أه��م مصاحل األم��ن القومي للصني هو‬ ‫خشيتها من عودة اليابان إىل سابق عهدها قوة‬ ‫عسكرية عاملية من الطراز األول‪ ،‬وقد منت هذه‬ ‫اخلشية من مواريث تارخيية كثرية ومن ارتياب‬ ‫عميق سببته الفظائع اليت ارتكبتها القوات‬ ‫اليابانية يف الثالثينات وما خلفته من تصورات‬ ‫ومعتقدات لدى الصينيني‪ ،‬إذ ترسخ يف العقل‬ ‫الصيين أن اليابان مل تندم قط كما ينبغي على‬ ‫ما أقدمت عليه يف املاضي‪ ،‬ويبقى ذلك املوقف هو‬ ‫حمور التصور الصيين بشأن اليابان اليوم‪ ،‬لذلك‬ ‫تضع بكني نصب عينها ً‬ ‫هدفا رئيسيا هو منع‬ ‫اليابان من أن تصبح قوة منافسة تكتمل عناصر‬ ‫القوة هذه بلعب الواليات املتحدة األمريكية دورا‬ ‫ً‬ ‫مهما يف هذه املعادلة كونها أحد العوامل املقيدة‬ ‫لعودة العقيدة العسكرية اليابانية‪ ،‬ومن هذا‬ ‫املنظور يكون الوجود األمريكي يف شرق آسيا‬ ‫مصدراً لطمأنة الصينيني‪ ،‬ليس ألنه يدعم‬

‫‪. 39‬نغم نذير شكر‪ ،‬الدور الياباني اجلديد على‬ ‫الساحة الدولية‪ ،‬جريدة النبأ‪ ،‬العدد ‪، 76‬نيسان‬ ‫‪ 2005‬ص‪.4‬‬ ‫‪ 40‬انتظار رشيد زوير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‬ ‫‪،‬ص‪.56‬‬

‫‪. 41‬وليم أشعبا‪ ،‬اليابان تنهض من حتت الرماد‬ ‫االنطالق نحو اجملتمع الدولي‪،‬ج‪، 3‬احلوار املتمدن‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،2300،2/6/2008‬املوقع االلكتروني ‪:‬‬ ‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.‬‬ ‫‪.136474=art.asp?aid‬‬ ‫‪221‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪222‬‬

‫القوات العسكرية لليابان وإمنا حيل حملها(‪.)42‬‬ ‫وتسعى اليابان إلع��ادة هيكلة األمم املتحدة‬ ‫وضمان تبوأها مكانة الدولة العضو يف جملس‬ ‫األمن ّ‬ ‫بعدها من اكرب الدول املاحنة للمساعدات يف‬ ‫العامل ‪،‬وكذلك ّ‬ ‫تعد املساهمة اليابانية يف اتفاقات‬ ‫منع االنتشار النووي على املستويني اإلقليمي‬ ‫والعاملي ومن ذلك استمرار احلوار الياباني مع‬ ‫كل من اهلند وباكستان سعيا وراء توقيعهما‬ ‫على اتفاقية حظر انتشار األسلحة النووية‪،‬‬ ‫وكل تلك املعطيات كانت حمفزة لكل من اهلند‬ ‫والصني وروسيا من وجهة نظر كل منهم يف‬ ‫كيفية حتقيق مصاحلها وحتقيق املكاسب هلا‪،‬‬ ‫وخصوصا أن اليابان لديها رغبة باالستفادة‬ ‫من اهلند كحليف دائم يف اإلقليم اآلسيوي الذي‬ ‫تسعى اليابان ألن يكون هلا فيه نفوذ كبري‪،‬‬ ‫واهلند من جانبها ت��درك مزايا التقارب مع‬ ‫اليابان لالستفادة من املساعدات االقتصادية‬ ‫الكبرية اليت تقدمها للدول اآلسيوية كجزء من‬ ‫سياستها اإلقليمية للربوز كقوة آسيوية صاعدة‬ ‫اقتصاديا(‪ )43‬وكذلك يف الوقت ال��ذي ترى‬ ‫فيه اليابان أن األس��واق اهلندية تعرض فرصا‬ ‫عظيمة لالستثمار املالي خصوصا أن اهلند هلا‬ ‫ادوار أساسية يف التكتالت اإلقليمية يف جنوب‬ ‫آسيا ‪،‬ومنها رابطة التعاون اإلقليمي يف آسيا‬ ‫‪ ،‬ورابطة جتمع منطقة احمليط اهلندي‪ ،‬لذا‬ ‫فقد حرصت اليابان على االستفادة من النفوذ‬ ‫‪ 42‬جنم رفيق‪ ،‬ت��وازن القوى في جنوب آسيا‬ ‫‪،‬سياسة األم��ن القومي الصيني‪،‬مصدر سبق‬ ‫ذكره‪ ،‬ص‪.105-104‬‬ ‫‪ 43‬ح��ارث قحطان عبداهلل‪،‬التنافس الصيني‬ ‫الياباني في جنوب شرق آسيا أبان الحرب الباردة‬ ‫وما بعدها ‪،‬رسالة ماجستير غير منشورة ‪،‬كلية‬ ‫العلوم السياسية ‪،‬جامعة بغداد‪،2002،‬ص‪37‬‬

‫اهلندي يف منطقة جنوب آسيا وال�تي ترغب‬ ‫اليابان أن يكون هلا دور فاعل فيها ‪.‬‬ ‫وبالرغم من قلق اليابان من اآلثار اليت ممكن‬ ‫أن ترتتب على اهلند نتيجة قيامها بتفجرياتها‬ ‫النووية األخ�يرة يف آب ‪ 1998‬إال أن اليابان‬ ‫عملت على إب��رام مخس اتفاقيات يابانية‪-‬‬ ‫هندية يف ميادين خمتلفة من التعاون العلمي‬ ‫والتقين ‪ ،‬خصوصا إذا ما علمنا أن موقع اهلند‬ ‫اجلغرايف الذي يطل على ممرات النقل املائي إىل‬ ‫منابع النفط يف اخلليج العربي‪ ،‬والذي تعتمد‬ ‫عليه الصناعة اليابانية اعتمادا شديدا‪ ،‬لذا‬ ‫فان اليابان ستسعى للتقرب من اهلند حرصا‬ ‫منها على إمدادات النفط واالنتشار إىل مناطق‬ ‫النفوذ األخرى ‪.‬ليقود تقارب املصاحل يف النهاية‬ ‫للتقريب بني اهلند وال��ي��اب��ان‪ ،‬وب�ين الصني‬ ‫واليابان‪ ،‬ومن ثم بني اهلند والصني(‪)44‬‬ ‫ثالثا‪ :‬مجهورية باكستان اإلسالمية‬ ‫تعترب باكستان من القوى الكربى يف جنوب‬ ‫آسيا فضال عن اهلند‪ ،‬لذا فقد حظيت باهتمام‬ ‫الصني‪ ،‬وعدت العالقة بني الصني وباكستان‬ ‫من ابرز معوقات العالقة بني الصني واهلند‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من التباين األيديولوجي احلاد بني‬ ‫األطر الدستورية والسياسية احلاكمة للنظامني‬ ‫السياسيني يف الصني وباكستان‪ ،‬فإن البلدين‬ ‫حافظا ط��وال الفرتة من بداية اخلمسينيات‬ ‫من القرن املاضي وحتى نهاية العقد األول من‬ ‫القرن احلالي علي مزيج من املصاحل واألهداف‬ ‫املشرتكة اليت جتمع بينهما‪ ،‬ويتضح ذلك من‬ ‫العرض املوجز ملراحل العالقات بينهما ومسات‬ ‫‪. 44‬أنتظار رشيد زوير‪،‬املصدر السابق‪،‬ص‪.56‬‬


‫كل مرحلة منها(‪:)45‬‬ ‫ال��ف�ترة م��ن ‪ 1950‬إىل ‪ :1960‬بعد قيام‬ ‫الدولتني بتبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما‬ ‫يف ع��ام ‪ ،1951‬احتفظت الصني وباكستان‬ ‫بعالقات ثنائية طبيعية بصرف النظر عن‬ ‫التباين األيديولوجي بني النظامني‪ ،‬غري أنه‬ ‫بعد قيام الواليات املتحدة بطرح مشروع حلف‬ ‫بغداد‪ ،‬وال��ذي ضمت إليه باكستان أصبحت‬ ‫األخرية عضوا رمسيا يف التحالف الغربي وقد‬ ‫دعم ذلك توقيع احلكومة الباكستانية عددا من‬ ‫االتفاقيات األمنية الثنائية مع الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫من ناحية أخرى توجهت القيادات والنخبة‬ ‫احلاكمة يف باكستان إلي إعالء وتشجيع القيم‬ ‫اإلسالمية يف الداخل الباكستاني‪ ،‬مما شجع‬ ‫األقليات املسلمة يف الصني بدورها علي التطلع‬ ‫ملمارسة حرياتهم وشعائرهم الدينية املكبوتة‬ ‫من جانب السلطات الصينية‪ ،‬وهو ما اعتربته‬ ‫الصني مساسا بأمنها واستقرارها الداخلي‪،‬‬ ‫وقد انعكست هذه العوامل علي العالقات بني‬ ‫البلدين يف هذه الفرتة‪ ،‬حيث اتسمت بالفتور‬ ‫والشك املتبادل يف أهداف وطموحات كل طرف‬ ‫منهما جت��اه اآلخ��ر‪ ،‬وق��د رف��ض رئيس وزراء‬ ‫اهلند (جواهر الل نهرو‪ )*46‬يف نهاية ‪1959‬‬ ‫العرض املقدم من الرئيس الباكستاني (أيوب‬ ‫‪..3 45‬د‪.‬نزار إسماعيل الحيالي‪ ،‬سياسة األمن‬ ‫وتوازن القوى في جنوب آسيا‪ ،‬العدد ‪،2005 ،5‬‬ ‫سلسلة دراسات الدولية‪ ،‬ص‪.7‬‬

‫‪ * 46‬جواهر الل نهرو‪ :‬ولد في‪ 14 ‬نوفمبر‪ . 1889 ‬وهو‬ ‫أحد زعماء حركة االستقالل في‪ ‬الهند‪ ،‬وأول رئيس‬ ‫وزراء للهند بعد االستقالل‪ ،‬وشغل املنصب من‪15 ‬‬ ‫أغسطس‪ 1947 ‬حتى وفاته‪ ,‬شغل أيضا منصب‬ ‫وزير اخلارجية واملالية‪ ,‬وهو أحد مؤسسي‪ ‬حركة عدم‬ ‫االنحياز‪ ‬العاملية عام‪ .1961 ‬وتوفي في‪ 27 ‬مايو‪..1964 ‬‬

‫خان‪ )*47‬بتوقيع اتفاق للدفاع املشرتك‬ ‫بني اهلند وباكستان يف مواجهة الصني العدو‬ ‫اإلقليمي للهند مقابل قيام اهلند بتقديم بعض‬ ‫التنازالت يف النزاع الدائر بينهما بشأن كشمري‪.‬‬ ‫أما املرحلة الثانية ‪ :1980-1962‬يف هذه‬ ‫املرحلة‪ ،‬اجتهت الدولتان إل��ي إع��ادة ال��دفء‬ ‫ملسار العالقات بينهما من خالل قيامهما ببدء‬ ‫التفاوض حول مشكالت ترسيم احلدود بينهما‪،‬‬ ‫وتوقيعهما اتفاقا خاصا بإنهاء هذه املشكالت‬ ‫يف مارس ‪ ،1966‬وقامت الصني بتقديم دعم‬ ‫سياسي وعسكري سخي ومساعدات اقتصادية‬ ‫لباكستان‪ ،‬خاصة يف ظل توتر عالقات الصني‬ ‫مع اهلند‪ ،‬عدوها وعدو باكستان التقليدي‬ ‫واستمرت الصني يف تدعيم عالقاتها السياسية‬ ‫واالقتصادية عامة والعسكرية بصفة خاصة‬ ‫مع باكستان عقب أزم��ة بنجالديش‪ ،‬حيث‬ ‫أم��دت الصني باكستان بنحو ستني طائرة‬ ‫مقاتلة من ط��راز ميج ‪ ،19‬و‪ 100‬دبابة‪،‬‬ ‫وعدة مئات من قطع املدفعية‪ ،‬وآالف القطع‬ ‫م��ن األسلحة الصغرية‪ ،‬ويف املرحلة الثالثة‬ ‫عقب انهيار وتفكك االحتاد السوفييت السابق‪،‬‬ ‫وانفراد الواليات املتحدة باهليمنة على النظام‬ ‫العاملي اجلديد‪ ،‬تزايدت املخاوف الصينية من‬ ‫التهديدات األمريكية بدرجة أكرب من خماوفها‬ ‫من أي تهديد قد تشكله روسيا‪ ،‬ل��ذا‪ ،‬اجتهت‬ ‫الصني إلي تعزيز عالقاتها اإلسرتاتيجية مع‬ ‫‪ * 47‬محمد أيوب خان‪ ‬كان يشغل منصب القيادة العامة‬ ‫جليش باكستان‪ ،‬قبل أن يقوم بانقالبه العسكري‪28‬‬ ‫أكتوبر‪ 1958 ‬على حكومة الرئيس إسكندر ميرزا‪ ،‬ويصبح‬ ‫رئيس باكستان من‪ 28 ‬أكتوبر‪ 1958 ‬واضطر الى‬ ‫االعتزال عن احلكم أثر مظاهرات حاشدة عمت البالد في‬ ‫تاريخ ‪ 25‬مارس‪ ،1969 ‬شبكة املعرفة املوقع االلكتروني‬ ‫‪.. http://www.marefa.org/index.php‬‬

‫‪223‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪224‬‬

‫اهلند وروسيا ملواجهة اخلطر األمريكي‪ ،‬وهو‬ ‫ما أدي إلي تراجع التأييد الصيين للسياسات‬ ‫وامل��واق��ف الباكستانية جت��اه قضية كشمري‪،‬‬ ‫وشهدت العالقات الصينية ‪ -‬الباكستانية نقلة‬ ‫نوعية أخ��ري‪ ،‬عقب قبول عضوية باكستان‬ ‫كمراقب إل��ي جانب كل من إي��ران واهلند‪ -‬يف‬ ‫منظمة شنغهاي للتعاون يف بداية عام ‪،2005‬‬ ‫شجع ذلك علي تعزيز التعاون اإلقليمي بني‬ ‫كل هذه األقطاب واألطراف اإلقليمية‪ ،‬خاصة‬ ‫فيما يتعلق باألمن واالستقرار يف جنوب آسيا‬ ‫ومنطقة احمليط اهلندي‪ ،‬يف هذا اإلطار‪ ،‬زادت‬ ‫قوة العالقات الثنائية بني الصني وباكستان‪،‬‬ ‫ووقعت الدولتان معاهدة الصداقة والتعاون‬ ‫وحسن عالقات اجلوار‪ ،‬باإلضافة إلي ‪ 21‬اتفاقا‬ ‫يف جم��االت متعددة ب�ين الدولتني يف أبريل‬ ‫‪.)48(2005‬‬ ‫هذا يف الوقت الذي كانت فيه العالقات اهلندية‬ ‫الباكستانية يف حقبة السبعينات متوترة كما‬‫كانت دائما منذ قيام حربهما احلدودية األوىل‬ ‫ع��ام ‪ 1954‬وك��ذل��ك ح��رب ‪ 1965‬وح��رب‬ ‫‪ 1972‬اليت كانت حول كشمري‪ ،‬ففي كل تلك‬ ‫املدة كانت الصني متد باكستان باملعدات احلربية‬ ‫الالزمة هلا ملواصلة القتال‪ ،‬ألن الصني كانت‬ ‫يف وقتها من ألد أع��داء اهلند وحليفها االحتاد‬ ‫السوفييت يف حينها‪ ،‬لذا فمصلحتها كانت يف‬ ‫ضرب املصاحل اهلندية‪ ،‬ودعم الباكستانية ولكن‬ ‫مع مرور الوقت وتغيري النظام الدولي‪ ،‬وقيام‬ ‫اعتبارات جديدة للعالقات الدولية وقوامها‬ ‫املصاحل القومية للدول‪ ،‬لذا فقد أخذت العالقات‬ ‫‪. 48‬رضا محمد هالل‪ ،‬الصني وباكستان‪.‬عالقات‬ ‫وثيقة‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬نيسان‪،2007‬‬ ‫العدد ‪.12/116/1589‬‬

‫الدولية أبعاد جديدة‪ ،‬ومن ضمنها العالقات‬ ‫اهلندية الباكستانية‪ ،‬ولكن قيام اهلند وباكستان‬ ‫بتفجرياتهما النووية األخ�يرة يف أيار من عام‬ ‫‪ 1998‬عرب عن إمكانية امتالك كل منهما‬ ‫للسالح النووي األمر الذي يعنى إمكانية قيام‬ ‫توازن نووي بني اهلند وباكستان‪ ،‬ألن باكستان‬ ‫لوال قيامها بتفجريها النووي األخري ردا على‬ ‫التفجريات النووية اهلندية لفقدت توازنها مع‬ ‫اهلند من جديد‪،‬‬ ‫وق���د أث����رت أح�����داث احل�����ادي ع��ش��ر من‬ ‫سبتمرب‪ 2001،‬وتداعياتها يف السياسة اخلارجية‬ ‫والداخلية الباكستانية عن طريق عدد من‬ ‫املتغريات اخلارجية والداخلية‪ ،‬واليت كان هلا‬ ‫أثار واضحة يف العالقات اهلندية‪ -‬الباكستانية‪،‬‬ ‫وكانت احملددات الداخلية قد متثلت بالرتكيبة‬ ‫العرقية والعقائدية الباكستانية‪ ،‬واليت عمل‬ ‫الرئيس( برويز مشرف) على تبين اجتاه يرمي‬ ‫إىل تعديل مناهج امل��دارس الدينية والتعليم‬ ‫الديين يف البالد يف حماولة منه ملنع القالقل‬ ‫السياسية‪،‬وكذلك من املشاكل اليت هي مصدر‬ ‫نزاع بني اهلند و الباكستان هي قضية كشمري‬ ‫هذا ما سوف نتناوله يف املبحث القادم(‪.)49‬‬ ‫املبحث الثالث‬ ‫اخلالفات احلدودية بني البلدين‬ ‫تعترب اخلالفات احلدودية من أهم املعوقات‬ ‫اليت تؤثر يف العالقات الصينية اهلندية وهي ذات‬ ‫أبعاد تارخيية بعيدة حيث كان هلا الدور احلاسم‬ ‫لتقارب وتباعد البلدين‪ ،‬وذلك ألنه كان ينظر‬ ‫لقضية التيبت و كشمري باعتبارهما النقطة‬ ‫اإلسرتاتيجية حنو الزعامة آالسيوية وتوازن‬ ‫‪ 49‬انتظار رشيد زوير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪،‬‬ ‫ص‪.59‬‬


‫القوى يف آسيا وبسبب موقعهما االسرتاتيجي‬ ‫امل��ه��م‪ ،‬وه����ذا ك���ان م��ص��در ق��ل��ق ال��دول��ت�ين‬ ‫املتنافستني وقلق ال��دول العظمى من نهوض‬ ‫منافس هلم يف املنطقة‪ ،‬لذا مارست الدولتني‬ ‫ضغوطاتهما على بعضهما اآلخ��ر ومبشاركة‬ ‫الدول األخرى املؤيدة هلما واملعارضة هلما‪ ،‬حيث‬ ‫كانت تستخدم القضيتني كورقة ضغط من‬ ‫قبل الدول االقليمية والدولية لتوجيه األمور‬ ‫وفقا لطموحاتها‪ ،‬وقد نشبت حروب ومواجهات‬ ‫عسكرية واتفاقيات بني الدول املشاركة فيها‬ ‫جغرافيا سعيا حللها‪.‬‬ ‫املطلب األول‬ ‫قضية كشمري‬ ‫الصراع حول كشمري‪ ‬يشري إىل ن��زاع إقليمي‬ ‫بني‪ ‬اهلند‪ ‬وباكستان‪ ‬وبني اهلند‪ ‬ومجهورية‬ ‫الصني الشعبية حيث نشبت بسببها حروب‬ ‫ومواجهات عسكرية بني البلدين‪ ،‬وتعترب من‬ ‫أكثر النزاعات خطورة يف جنوب آسيا‪ ،‬إذ تشرتك‬ ‫فيه القوى الكربى الرئيسة‪ ،‬أي الصني واهلند‬ ‫وباكستان‪ ،‬وحيتل إقليم جامو وكشمري موق ًعا‬ ‫إسرتاتيج ًيا ً‬ ‫هاما يف جنوب‪ ‬القارة اآلسيوية (‪)50‬‬ ‫حيث تقع والي��ة كشمري يف مش��ال غ��رب شبه‬ ‫القارة اهلندية‪ ،‬بني آسيا الوسطى وجنوب آسيا‪،‬‬ ‫وبني دائرتي عرض‪32،8‬و ‪ ،36،58‬وخطي‬ ‫طول ‪،26،37‬و‪ 30،80‬وتقاسم حدودها أربعة‬ ‫دول‪ ،‬فإقليم التيبت الصيين حيدها من الشمال‬ ‫الشرقي والشرق ملسافة ‪ً 450‬‬ ‫ميال حتى احلدود‬ ‫اهلندية اليت حتد الوالية من اجلنوب الشرقي‬ ‫ملسافة ‪ 350‬م ً‬ ‫��ي�لا‪ ،‬وم��ن اجل��ن��وب واجلنوب‬ ‫‪. 50‬إبراهيم بابللي‪ ،‬التفجيرات النووية‪ ،‬دار‬ ‫ناشري للنشر االلكتروني‪( ،‬لبنان‪ ،)2006‬ص‪.11‬‬

‫الغربي‪ ،‬على طول احل��دود الغربية وملسافة‬ ‫‪ً 700‬‬ ‫ميال تقاسم باكستان‪ ،‬وحتدها أفغانستان‬ ‫من الشمال بشريط ضيق وملسافة ‪ 160‬ميال‬ ‫يفصلها عن تركمانستان‪ ،‬وتبلغ مساحته حوالي‬ ‫(‪ً )84471‬‬ ‫ميال مرب ًعا‪ ،‬ويشكل‪ ‬املسلمون‪ ‬فيه‬ ‫أكثر من ‪ 90%‬من السكان(‪ )51‬اخلريطة رقم‬ ‫(‪ )2‬توضح ذلك‪.‬‬ ‫وتعود أهمية كشمري للهند والصني إسرتاتيجياً‬ ‫إىل ارتباطها بتوازن القوى يف‪ ‬جنوب آسيا‪ ،‬وتوازن‬ ‫القوى بني اهلند والصني‪ ،‬أما أهميتها بالنسبة‬ ‫لباكستان فهي جغرافية وسكانية (‪ )52‬وتعترب‬ ‫حمل النزاع منذ عام ‪1947‬م‪ ،‬بعد تقسيم شبه‬ ‫القارة اهلندية إىل دولتني‪ ،‬هما اهلند وباكستان‬ ‫من طرف بريطانيا‪ ،‬إذ كان اإلقليم حتت أسرة‬ ‫من املهراجا اهلندوس مع انه ذو أغلبية مسلمة‪،‬‬ ‫وبعد التقسيم أراد احلاكم اهلندوسي (هاري‬ ‫سينغ‪ )*53‬االستقالل باإلقليم‪ ،‬إال إن تسلل‬ ‫أالف الكشمرييني والتيبتيني إىل منطقة بونش‬ ‫مطالبني بضم كشمري لباكستان‪ ،‬وهذا ما قبل‬ ‫به الراجا أو احلاكم اهلندوسي‪ ،‬وتسبب يف اندالع‬ ‫حرب بني اهلند وباكستان يف عامي ‪-1947‬‬ ‫‪. 51‬د‪.‬كاظم هيالن محسن‪ ،‬كشمير دراسة في‬ ‫التاريخ السياسي للصراع الهندي‪-‬الباكستاني‬ ‫‪ ،1949-1947‬دار الفراهيدي للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫الطبعة األولى‪( ،‬بغداد‪،)2012-‬ص‪.59‬‬ ‫‪ 52‬إبراهيم بابللي‪ ،‬التفجيرات النووية‪،‬المصدر‬ ‫السابق‪،‬ص‪.11‬‬ ‫‪ * 53‬هاري سينغ ‪:‬ولد في ‪ 23‬سبتمبر ‪ 1895‬في قصر‬

‫تاج عمار‪ ،‬جامو‪ ،‬االبن الوحيد الباقي من راجا العام سينغ‬ ‫عمار السير (‪ 14‬يناير ‪ 26-1864‬مارس ‪ ،1909‬وكان‬ ‫آخر حكم المهراجا لدولة األميرية من جامو وكشمير‪،‬‬ ‫وتوفي في ‪ 26‬أبريل ‪ 1961‬بومباي‪،‬الهند‪ .‬ويكيبيديا‪،‬‬ ‫الموسوعة الحرة ‪/wiki/org.wikipedia.en//:http‬‬ ‫‪. Singh_Hari‬‬

‫‪225‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪226‬‬

‫‪1948‬م وحرب ثانية سنة ‪1965‬م (‪.)54‬‬ ‫وبالعودة إىل تاريخ كشمري يف عام ‪1962‬م‪،‬‬ ‫إذ دخل طرف جديد يف معادلة النزاع حول‬ ‫كشمري‪ ،‬متثل يف الصني ال�تي متكنت خالل‬ ‫حربها احلدودية مع اهلند عام ‪1962‬م من‬ ‫اح��ت�لال ج��زء م��ن اإلقليم وه��و أك��س��اي شني‬ ‫أو اجل��زء املنسي من كشمري ويف عام ‪1963‬م‬ ‫تنازلت باكستان عن جزء من إقليم كشمري‬ ‫لصاحل الصني‪ ،‬ومنذ ذلك احلني أصبح اإلقليم‬ ‫املتنازع عليه مقسم على ما يأتي‪:‬‬ ‫القسم اهل��ن��دي‪ :‬ج��ام��و وكشمري مساحته‬ ‫(‪)92.437‬كم‪.2‬‬ ‫القسم الباكستاني‪ :‬ازاد كشمري أو كشمري احلرة‬ ‫مساحته (‪)78.114‬كم‪2‬‬ ‫القسم الصيين‪ :‬اك��س��اي ش�ين‪ ،‬اجل��زء ال��ذي‬ ‫تنازلت عنه باكستان لصاحل الصني عام ‪،1963‬‬ ‫وأجزاء أخرى مساحته (‪)42.685‬كم‪.2‬‬ ‫املساحة اإلمجالية‪)222.236( :‬كم‪.2‬‬ ‫وميكن الوقوف على أهمية كشمري بالنسبة‬ ‫للصني واهلند على النحو األتي‪:‬‬ ‫بالنسبة للصني‪:‬‬ ‫مش��ال كشمري ت��ت��واج��د ب��ه ان��ه��ار سباشني‬ ‫اجلليدية‪ ،‬اليت احتلتها اهلند سنة ‪ 1984‬بعدما‬ ‫كانت تابعة لباكستان‪ ،‬وعلى الرغم من كونها‬ ‫انهار خالية من احلياة والثروات الطبيعية‪،‬‬ ‫بارتفاع يقدر بـ(‪ )18000‬قدم فوق سطح‬ ‫البحر‪ ،‬إال أنها ذات أهمية بالغة للصني لكونها‬ ‫تشرف على مواقع صينية لتجارب الصواريخ‪.‬‬ ‫‪ 54‬رفل هاشم محمد‪ ،‬دور الصين في التوازنات‬ ‫اإلقليمية مرحلة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬رسالة‬ ‫ماجستير غير منشورة مقدمة إلى مجلس كلية‬ ‫العلوم السياسية جامعة بغداد‪ ،2012،‬ص‪.93‬‬

‫تشرف كشمري على إقليم كسينجيانغ الذي‬ ‫تتواجد به حركة ويغور اإلسالمية االنفصالية‬ ‫تشرف انهار سياشني يف مش��ال كشمري على‬ ‫مناطق بها احتياطي ضخم من الغاز والبرتول‬ ‫يف أقصى غرب الصني‪.‬‬ ‫تشرف كشمري على طريق ق��اراق��ورم الذي‬ ‫خيرتق جبال اهلماليا ويربط الصني بباكستان‪،‬‬ ‫واسيا الوسطى‬ ‫كما ميثل اقليم كشمري رهانا اسرتاتيجيا‪،‬‬ ‫بوصفه يربط باقليم الواخ ال��ذي يتصل بـ‬ ‫اكساي شني اجلزء الذي تسيطر عليه من كشمري‬ ‫بالنسبة للهند ‪:‬‬ ‫كشمري عمق اسرتاتيجي ام�ني ام��ام الصني‬ ‫وباكستان‬ ‫وه��ي عامل مهم ج��دا للحفاظ على وحدة‬ ‫اهلند‪ ،‬الن السماح لكشمري باالستقالل على أسس‬ ‫دينية وعرقية من شانه إن يثري بقية األقليات‪،‬‬ ‫كالسيخ‪ ،‬والبنجابيني واإلسالميني والوقوف‬ ‫كحاجز أمام فلسفة احلكم الباكستاني القائمة‬ ‫على أساس ديين‪ ،‬مما يهدد االستقرار يف اهلند‬ ‫ذات األقلية املسلمة كبرية العدد‪.‬‬ ‫وقد تطور النزاع حول كشمري واخذ منحنيات‬ ‫ج��دي��دة وك��ث�يرة‪ ،‬إذ أول��ت ال��والي��ات املتحدة‬ ‫األمريكية اهتماما بالغا وتدفع باجتاه حل هذا‬ ‫النزاع‪ ،‬إذ بدأت اإلدارة األمريكية تعدها قضية‬ ‫جوهرية يف الصراع القائم بني اهلند والصني‬ ‫وباكستان‪ ،‬وأن حلها سوف يأتي بسالم للمنطقة‬ ‫وهناك أوضاع دفعت الواليات املتحدة يف تغيري‬ ‫سياستها جت��اه كشمري‪ ،‬إذ حاولت من خالل‬ ‫ه��ذه القضية تثبيت موقعها بوصفها القوة‬ ‫الوحيدة ومنفردة بالعامل ومتنع القوى األخرى‬


‫املنافسة(‪.)55‬‬ ‫وتتعامل الواليات املتحدة مع قضية كشمري‬ ‫على أساس أنها صراع بني دولتني حليفتني هلا‪،‬‬ ‫وان هلا مصاحل مع الدولتني وإنها تعد اهلند مهمة‬ ‫جدا لإلبقاء على التوازن يف املنطقة يف مواجهة‬ ‫الصني مما دفع إىل اعتماد سياسة التوازن يف‬ ‫عالقاتها مع اهلند وباكستان وعدم االحنياز ألي‬ ‫منهما والدفع من اجل حل القضية مبا يرضى‬ ‫الطرفني‪ ،‬وان الواليات املتحدة حاولت أن تقنع‬ ‫البلدين باللجوء إىل املفاوضات وط��رح خيار‬ ‫احلكم الذاتي لكل طرف يف كشمري‪ ،‬لكن بشرط‬ ‫البقاء ضمن سيادة الدولة‪ ،‬إذ تبقى كشمري احلرة‬ ‫حتت السيادة الباكستانية ومتنح كشمري احملتلة‬ ‫حكما ذاتيا مع بقائها حتت السيادة اهلندية‬ ‫مع تثبيت خطة اهلدنة كحدود دولية بني‬ ‫الدولتني وهذا الطرح اهلندي على باكستان‪،‬‬ ‫ولكن باكستان ترفضه وتصر على تطبيق‬ ‫قرار األمم املتحدة القاضي بإجراء استفتاء عام‬ ‫‪1952‬م واخليار األخر ميثل الدولة الكشمريية‬ ‫املستقلة‪ ،‬ولكن الواليات املتحدة حتتاج إىل اتفاق‬ ‫موحد بني القيادات الكشمريية حول هذا اخليار‬ ‫لتستخدم الضغط على اهلند وباكستان للموافقة‬ ‫عليه‪ ،‬ومن الصعب القبول به من ثالث دول‬ ‫وهي اهلند وباكستان والصني‪ ،‬ألنها تعده تهديدا‬ ‫لوحدة أراضيها لوجود حركات انفصالية‬ ‫تعاني منها هذه الدول ودولة كشمريية مستقلة‬ ‫ً‬ ‫منوذجا تطالب به هذه احلركات‬ ‫سوف يكون‬ ‫االنفصالية‪ ،‬وأما املوقف الروسي جتاه قضية‬ ‫كشمري يتمثل بأنه موقف اجيابي‪ ،‬إذ يتحدد يف‬ ‫إطار دعوة الدولتني (اهلند وباكستان) لتسوية‬ ‫القضية وإج��راء مفاوضات اجيابية بينهما‪،‬‬ ‫‪ 55‬رفل هاشم محمد‪،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫وإنهاء اخلالف والنزاع وحتقيق اآلمن و إرساء‬ ‫السالم واالستقرار يف جنوب آسيا(‪.)56‬‬ ‫وإزاء ه��ذه ال��ت��ط��ورات‪ ،‬وج���دت ال��ص�ين إن‬ ‫ً‬ ‫حدوديا مع كشمري قد يعرضها إزاء‬ ‫اشرتاكها‬ ‫التنافس ب�ين ك��ل م��ن اهلند والباكستان إىل‬ ‫خماطر أمنية ‪ ،‬فتدخلت يف مناطق ختدمها مع‬ ‫كشمري‪ ،‬أخضعتها إىل احتالل عسكري‪ ،‬وبذلك‬ ‫أصبح الوضع اإلقليمي أكثر تعقيداً‪ ،‬بعد إن‬ ‫أصبحت هذه الوالية خاضعة لتواجد ثالث قوى‬ ‫( اهلند‪ -‬الباكستان‪-‬الصني ) كل واحدة من هذه‬ ‫الدول هلا بعدها وأهدافها اإلسرتاتيجية اخلاصة‬ ‫باملنطقة (‪.)57‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫قضية التيبت‬ ‫هو حمور اخلالف احلدودي بني اهلند والصني‪،‬‬ ‫وقد كانت جزء من املشاكل اليت أخذ الطرفان‬ ‫بالتنازع عليها ويعد هذا ن��زاع على احلدود‬ ‫السياسية مصدرا رئيسا من مصادر الصراع‬ ‫الدولي‪ ،‬وقد عمل تنامي الشعور القومي على‬ ‫تفاقم هذه املشكلة وتزايدها فعندما تنشب‬ ‫اخل�لاف��ات ح��ول احل��دود املشرتكة بني ال��دول‬ ‫ف��أن ال��دول ال تركز على األداة الدبلوماسية‬ ‫التفاوضية لتسوية خالفاتها بل أنها غالبا ما‬ ‫تعمد إىل استعمال القوة العسكرية واليت تقرر‬ ‫هي (القوة) الشكل النهائي لتلك احلدود‪ ،‬وكانت‬ ‫‪ 56‬رفل هاشم محمد‪،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪94-‬‬ ‫‪.95‬‬ ‫‪ - 57‬أنعام سالم ناجي ‪ ،‬المشكلة الكشميرية‬ ‫وأثرها على أمن شبه القارة الهندية ‪ ،‬رسالة‬ ‫ماجستير غير منشورة مقدمة إلى مجلس كلية‬ ‫األدب‪ ،‬جامعة بغداد‪ ، 2001 ،‬ص‪. 120‬‬ ‫‪227‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪228‬‬

‫التيبت دولة مستقلة منذ ما يقرب من ألفي‬ ‫عام حتى غزتها الصني الشيوعية واحتلتها‬ ‫عام ‪ 1949‬ويقع إقليم التيبت يف آسيا الوسطى‬ ‫جنوب غرب الصني وتشرتك حدوده الغربية‬ ‫مع كشمري‪ ،‬وتطل حدوده اجلنوبية على اهلند‬ ‫ونيبال وبعض الواليات الصينية‪ ،‬كما حتيط‬ ‫حب��دوده الشرقية والي��ة كيانغهاي الصينية‪،‬‬ ‫وترتفع التيبت عن سطح األرض مبعدل ارتفاع‬ ‫يصل إىل ‪ 4900‬مرت‪ ،‬لذا فهي تسمى بـ(سقف‬ ‫العامل) وهذا اإلقليم ذو أغلبية تيبتية واضحة‬ ‫تدين بالبوذية‪ ،‬ومعرتف به رمسيا إقليما حيظى‬ ‫حبكم ذاتي حتت السيادة الصينية‪ ،‬ومساحته‬ ‫حوالي مليون و ‪ 220‬ألف كيلو مرت مربع (أي ما‬ ‫يعادل جمموع مساحات كل من أملانيا وأسبانيا‬ ‫وفرنسا (‪ )58‬واخلريطة رقم (‪ )3‬توضح ذلك‪.‬‬ ‫ومل تطور التيبت أي ص�لات سياسية مع‬ ‫اخلالفة الصينية ال�تي كانت تعرتي العرش‬ ‫الصيين منذ القدم وخصوصا يف املدة منذ العام‬ ‫‪ 1368‬وحتى العام ‪ ،1644‬ولكن بعد العام‬ ‫‪ 1644‬أخذ الداالي الما اخلامس وهو احلاكم‬ ‫الديين والسياسي يف التيبت بإنشاء رواب��ط‬ ‫ودية مع إمرباطور املانشو وخليفته شونزي‬ ‫ال��ذي تغلب على الصني وأس��س خالفة كينغ‬ ‫منذ العام ‪ 1644‬وحتى العام ‪ ،1911‬وقد‬ ‫دخلت جيوش املانشو إىل التيبت ثالث مرات‬ ‫يف القرن الثامن عشر ‪ ،‬مرة حلماية التيبت من‬ ‫جنود النيبال اليت هامجت التيبت عام ‪1792‬‬ ‫ومرتني إلعادة اهلدوء يف التيبت بعد احلروب‬ ‫األهلية اليت حدثت فيها عامي ‪ 1728‬و‪1751‬‬ ‫‪. 58‬د‪.‬هاشم العمراني‪ ،‬شبكة الجزيرة للدراسات‬ ‫والبحوث‪ ،‬التيبت تاريخ وقضية‪،2005 ،‬ص‬ ‫‪.14‬‬

‫وذلك مبطالبة التيبت أنفسهم ‪ ،‬إال أن العالقة‬ ‫فيما بني التيبت واملانشو أخذت تشهد احنطاطا‬ ‫سريعا متثل يف ع��دم محاية املانشو للتيبت‬ ‫عندما خاضت معاركها مع جامو عام ‪1841‬‬ ‫ومع النيبال عام ‪ 1855‬ومع اهلند الربيطانية‬ ‫عام ‪ 1903‬وان االعتداء غري املسبوق الذي قام‬ ‫به إمرباطور املانشو على التيبت عام ‪1908‬كان‬ ‫منعطفا للعالقات بني التيبت وإمرباطور املانشو‬ ‫‪ ،‬إذ اخذ اإلمرباطور بالسيطرة على التيبت‬ ‫ليزيل النفوذ الربيطاني املتزايد يف التيبت‬ ‫األمر الذي أدى إىل هروب ال��داالي الما العاشر‬ ‫إىل اهلند الربيطانية عام ‪ 1910‬وبعد انفجار‬ ‫الثورة يف الصني عام ‪ 1911‬وإحباط خالفة‬ ‫املانشو فقد خضع اجليش اإلمرباطوري للجنود‬ ‫التيبتيني وبني املدة املمتدة من عام ‪1911‬‬ ‫حتى عام ‪ 1950‬فقد جتنبت التيبت أي تدخل‬ ‫أجنيب ودافعت عن استقالهلا ويف كل تلك املدة‬ ‫فقد كانت التيبت تتمتع بكل صفات الدولة‬ ‫املستقلة وق��د تركزت عالقاتها الدولية مع‬ ‫دول اجلوار فقد ربطتها العالقات االقتصادية‬ ‫والدبلوماسية والثقافية مع النيبال وبوتان‬ ‫وسيكيم ومنغوليا واهلند التابعة لربيطانيا‬ ‫وبقيت عالقاتها بالصني متوترة‪.‬‬ ‫وشنت الصني حروبا حدودية على التيبت‬ ‫باإلدعاء بأن التيبت والشعب التيبيت هو واحد‬ ‫من مخسة أجناس صينية هو ما مهد الطريق‬ ‫فيما بعد لدخول اجليش الصيين التيبت يف عام‬ ‫‪ 1950‬واحتالهلا وهو العمل الذي استنكرته‬ ‫اهلند فضال عن عدد من الدول مبا فيها الواليات‬ ‫املتحدة وبريطانيا وعربت عن تأييدها ملوقف‬ ‫اهلند‪ ،‬وأن حتديد أسباب التوتر يف هذا اإلقليم‬


‫يعود إىل عوامل عدة منها‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬تقع التيبت على حافة الدولة‪ ،‬مما يعزز‬ ‫من نزعتها االنفصالية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬احلساسيات القومية بني اليوغور وأهلان‬ ‫بوصفهما قوميتان خمتلفتان‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬دور اهلند كمحرض لسكان التيبت‬ ‫كرد على ت��ردي العالقات الصينية اهلندية‪،‬‬ ‫وأن للتيبت أهمية ك�برى يف اإلسرتاتيجية‬ ‫اجليوبوليتيكية للصني‪ ،‬وذلك لوصفها منطقة‬ ‫عازلة أمام اهلند‪ ،‬فإذا استقلت التيبت ميكن أن‬ ‫تستخدم حملاصرة الصني أو اهلجوم عليها من‬ ‫ً‬ ‫اهلند‪ ،‬كما تعد أنها ً‬ ‫طبيعيا للوطن األم‬ ‫نسبا‬ ‫الصني‪ ،‬وأن استقالهلا ميكن أن يثري مشكالت‬ ‫يف أقاليم أخرى السيما كسينجيانغ ويؤثر على‬ ‫مطالبة الصني بإعادة ضم تايوان‪.‬‬ ‫ولذلك تعمل احلكومة الصينية ما بوسعها‬ ‫من أج��ل فهم املالمح الداخلية واخلارجية‬ ‫للمسألة التيبتية‪ ،‬وأظهرت الكثري من التقدير‬ ‫للدول اجمل��اورة واملنظمات‪ ،‬إذ إنها مل تسمح‬ ‫لالنفصاليني التيبتيني بالقيام بنشاطات على‬ ‫أرضيها ومل يسمحوا لقوى خارجية بتقديم‬ ‫ال��دع��م امل��س��اع��دات هل��م ‪ ،‬وأن ال��ص�ين تعمل‬ ‫بسياسة يف جنوب آسيا تركز على تشجيع الدول‬ ‫واملنظمات غري املؤيدة حلركة التيبت مثل‬ ‫الباكستان وتتصدى للدول املساندة للتيبتيني‬ ‫االنفصاليني مثل اهلند‪ ،‬وتثري قضية التيبت‬ ‫حساسية جتاه الصني‪ ،‬ألنها ترى يف انفصال‬ ‫التيبت حتديا لوحدتها واستقرارها الداخلي لذا‬ ‫فأن التيبت تبدو عائقا أمام تطوير العالقات‬ ‫الصينية اهلندية(‪.)59‬‬ ‫أما اهلند فكانت من الدول األوىل تارخييا اليت‬ ‫‪. 59‬رفل هاشم محمد‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.92‬‬

‫احتجت على سيطرة الصني الشيوعية على‬ ‫التيبت‪ ،‬فضال عن احلذر الذي يشكل جزءا مهما‬ ‫يف عالقتها مع بكني‪ .‬كما أن اهلند استقبلت‬ ‫ال��داالي الم��ا وحكومة املنفى التيبتية على‬ ‫أرضها احملاذية للصني يف تالل دارمساال‪.‬‬ ‫وال ختفي اهلند تعاطفها مع التيبتيني‪ ،‬وهو‬ ‫الذي دفعها ألن تعلن أسفها لوقوع أحداث العنف‬ ‫األخ�يرة اليت وقعت يف التيبت يف م��ارس‪ /‬آذار‬ ‫‪ ،2008‬ولكنها يف نفس الوقت طلبت من الداالي‬ ‫الما والتيبتيني املوجودين على أرضها عدم‬ ‫القيام بأي نشاط سياسي قد يؤثر على العالقة‬ ‫مع الصني‪ ،‬يف تأكيد على التزامها سياسة عدم‬ ‫التدخل يف الشؤون الداخلية للصني(‪.)60‬‬ ‫وتعد منطقة التيبت من وجهة النظر الصينية‬ ‫هي جزء من الصني ومساحتها حمصورة بإقليم‬ ‫التيبت اليت تبلغ مساحته حوالي مليون و‬ ‫‪ 220‬ألف كلم‪ ،2‬وتسكنه أغلبية من قومية‬ ‫التيبت الذين يدينون بالبوذية يف بلد تغلب‬ ‫ً‬ ‫تارخييا والعقيدة‬ ‫عليه الديانة الكونفوشيوسية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عرقيا‪،‬‬ ‫رمسيا وقومية اهلان الصينية‬ ‫الشيوعية‬ ‫والتيبت حبسب نفس الرؤية هي إحدى املناطق‬ ‫اخلمس الذاتية احلكم اليت خلعت عليها اإلدارة‬ ‫الصينية مزايا خاصة مراعاة خلصوصياتها‬ ‫الثقافية والدينية والقومية وم��ا إىل ذلك‪،‬‬ ‫دون أن تصل إىل حد االستقالل بأي صورة من‬ ‫الصور‪ .‬وتؤكد بكني باستمرار موقفها هذا‬ ‫عرب دع��وة دول العامل إىل االع�تراف بالتيبت‬ ‫جزءاً من الصني‪ ،‬وتعترب أي تواصل مباشر مع‬ ‫التيبتيني دون األخذ مبوافقتها‪ ،‬أو أي تعليق‬ ‫‪ 60‬جواد سليم األغا‪ ،‬بحث بعنوان ‪،‬أزمــة التيــبت‪،‬‬ ‫دورة التدريب الدبلوماسي‪،‬وزارة الشؤون الخارجية‬ ‫الفلسطينية‪(،‬قدس ‪ )2009‬ص‪.8‬‬

‫‪229‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪230‬‬

‫على كيفية تعاملها مع التيبتيني تدخال يف‬ ‫شؤونها الداخلية‪ ،‬وعلى هذا األساس تعرتض‬ ‫على أي جهة دولية جيمعها لقاء مع الزعيم‬ ‫التيبيت ال��داالي الم��ا‪ ،‬وت��رى الصني يف الدالي‬ ‫الما مواطنا صينيا يعيش يف املنفى وميارس‬ ‫أنشطة انفصالية‪ ،‬وتسعى لدى بقية دول العامل‬ ‫ومنها الدول اجملاورة هلا بوجه خاص‪ ،‬ألن تلتزم‬ ‫هذا املبدأ يف التعامل معه أو مع من ميثله ممن‬ ‫يقومون حسب رأيها بأنشطة انفصالية بهدف‬ ‫تقسيم الصني‪.‬‬ ‫ولكن رغم هذه الرؤية الصينية البسيطة‬ ‫للقضية التيبتية ف��إن اتصاالتها مع ال��دالي‬ ‫الما مل تتوقف‪ ،‬واليت كانت بني أخذ ورد بني‬ ‫اجلانبني طيلة الثمانينات والتسعينات لكنها‬ ‫مل تثمر‪ .‬حيث رفض اجلانب الصيين اقرتاح‬ ‫الدالي الما بالتفاوض على إعطاء إقليم التيبت‬ ‫حكما ذاتيا أوس��ع مما هو قائم‪ ،‬ثم ك��ان أن‬ ‫اشرتطت الصني عام ‪ ١٩٩٣‬حل حكومة املنفى‬ ‫من أجل أي مفاوضات جدية‪ ،‬وهو ما مل حيصل‪،‬‬ ‫وقد وصل الطرفني إىل توقيع معاهدة حيث‬ ‫اعرتف فيها رئيس الوزراء اهلندي فاجبايي عام‬ ‫‪ 2003‬بسيادة الصني على التيبت‪ ،‬ولكن من‬ ‫غري احملتمل أن تطلب أي حكومة هندية من‬ ‫الدالي الما أن يعود إىل التيبت ما مل يكن هو‬ ‫نفسه راضيا عن نتائج املفوضات اجلارية حاليا‬ ‫مع بكني وراغبا يف العودة‪ ،‬يف الوقت ذاته (‪.)61‬‬

‫املبحث الرابع‬ ‫طبيعة العالقات بني البلدين‬ ‫تعترب الصني واهلند الالعبان الرئيسيان‬

‫‪ 61‬جواد سليم األغا‪،‬المصدر السابق‪،‬ص‪.16‬‬

‫اجلديدان اللذان ميكن أن يغري ظهورهما من‬ ‫املشهد السياسي اجلغرايف العاملي يف القرن احلادي‬ ‫والعشرين‪ ،‬وق��د ك��ان ه��ذا هو تقدير جملس‬ ‫املخابرات القومي يف الواليات املتحدة أواخر عام‬ ‫‪ ،2004‬مستشهدا مبعدالت منوهما االقتصادي‬ ‫املتزايدة والدائمة وقدراتهما العسكرية املتسعة‬ ‫وعدد سكانهما الضخم والذي يغلب عليه سن‬ ‫العمل والذي يزيد عن املليار يف كل منهما‪ ،‬كما‬ ‫تعد حقيقة انتماء كل منهما ألحد أقدم وأروع‬ ‫احلضارات يف تاريخ العامل يف نفس درجة األهمية‬ ‫بالنسبة للهنود والصينيون املعاصرون‪ ،‬فقد‬ ‫امتد تأثري تلك احلضارتني ملا بعد وادي النهر‬ ‫الذي نشأت فيه منذ أكثر من مخسة اآلف عام‬ ‫وال تزال تقاليدهما احملرتمة قوية على الرغم‬ ‫من التعديالت الكثرية اليت صنعتها الظروف‬ ‫املتغرية على مدار األلفية األخ�يرة وخصوصا‬ ‫تلك املرتبطة بالعصر احل��دي��ث‪ ،‬لذلك جند‬ ‫السؤال اخلاص بكيفية سري العالقة بني هذين‬ ‫العمالقني اآلسيويني املختلفني ج��دا حيظى‬ ‫بأهمية كربى للجميع‪ ،‬لشعبيهما وجريانهما‬ ‫وشركائهما التجاريني وبالتأكيد للقوة العظمى‬ ‫يف العصر احلالي وهي الواليات املتحدة‪ ،‬هذا‬ ‫وتوجد عناصر تعاون وكذلك عناصر تنافس‬ ‫يف العالقات الصينية‪ -‬اهلندية احلالية تعكس‬ ‫جهودهما املنفصلة بل واملتضاربة لبناء دولة‬ ‫وأمة حديثة يف جمتمعاتهما القدمية واحملررة‬ ‫يف النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬كما أن‬ ‫لكل منهما مدى واسع من التعامالت مع الغرب‪،‬‬ ‫ويتمثل األم��ر الوحيد ال��ذي يبدو مؤكدا يف‬ ‫التداخل املعقد بني الصني واهلند يف إطار املشهد‬ ‫العاملي املتغري دائما (‪.)62‬‬ ‫‪. 62‬احمد ابراهيم محمود‪ ،‬الهند القدرات‬


‫املطلب األول‬ ‫املشهد التعاوني‬ ‫ان اجمل��االت بني العمالقني اآلسيويني تبدو‬ ‫متعددة‪ ،‬وان االستفادة منها كفيلة بان تعطي‬ ‫للعالقات فيما بني البلدين أبعادا تعاونية أيضا‬ ‫والسري خبطى ثابتة من اجل ختطي اخلالفات‬ ‫القدمية وجتاوزها وحماولة نسيانها يف اجملال‬ ‫السياسي وخصوصا أذا ما كانت تلك اجملاالت‬ ‫التعاونية ذا مسة اقتصادية حبتة ‪ ،‬فالواقع‬ ‫املتطور يف العامل وخصوصا يف جم��ال الغذاء‬ ‫الصحي يفرض على العمالقني االحتاد من اجل‬ ‫حماولة اللحاق بالدول األوربية املتقدمة يف هذا‬ ‫اجملال ‪ ،‬وباألخص وهما ميتلكان اإلمكانيات اليت‬ ‫يستطيعان االستفادة منها حمليا وتسخريها‬ ‫يف خدمة اقتصادهما وذلك ما أكدته تقارير‬ ‫الصندوق الدولي للتنمية الزراعية‪ ،‬وأصبح من‬ ‫الواضح أن جند أن احلكومات يف اهلند والصني قد‬ ‫تبنت منهجا برمجاتيا وليس تصادميا جتاه كل‬ ‫منهما األخرى يف مطلع العقد األول من القرن‬ ‫احلادي والعشرين(‪.)63‬‬ ‫وقد عربت كل منهما عن احلاجة لوجود بيئة‬ ‫خارجية من السالم حتى تتمكن كل منهما‬ ‫من مواصلة براجمها يف اإلص�لاح االقتصادي‬ ‫والتفرغ للمشاكل الداخلية اليت دائما ما حتمل‬ ‫يف طياتها إمكانية تعكري االستقرار الداخلي‪،‬‬ ‫وبالتالي فقد أكدت كل من بكني ونيودهلي على‬ ‫التفاعل االقتصادي بني الدولتني والتسوية‬ ‫الوطنية والعالقات االقليمية‪،‬مجلة السياسة‬ ‫الدولية‪ ،‬العدد‪ 146،‬أكتوبر ‪،2001‬ص‪.58‬‬ ‫‪. 63‬انتظار رشيد زوير‪.‬العالقات الصينية الهندية‬ ‫بعد عام ‪ 1991‬وأبعادها املستقبلية‪،‬مصدر‬ ‫سبق ذكره‪،‬ص‪.116‬‬

‫السياسية للمشكلة احلدودية القائمة بصورة‬ ‫متسارعة‪ ،‬وق��د تصور املسئولون باإلضافة‬ ‫لبعض األكادمييني ورجال األعمال أن املشروعات‬ ‫املشرتكة يف دول اجلوار سوف تؤدي إىل وجود‬ ‫أج��واء من التأثري تسهم يف التنمية البشرية‬ ‫يف آس��ي��ا‪ ،‬وق��د مشلت امل��ش��روع��ات الطموحة‬ ‫للتجارة عرب احلدود والبنية األساسية والتبادل‬ ‫الفكري مبادرة كومنينج اليت تربط جنوب‬ ‫غرب الصني بشمال شرق اهلند وخطة تعاون‬ ‫ميكونج‪ -‬جاجنا اليت تربط اهلند وبنجالديش‬ ‫يف اجلانب األدنى من وادي جاجنز ببالد أرض‬ ‫الصني اهلندية الرئيسية يف حوض ميكونج‬ ‫األسفل‪ ،‬وقد أشركت مؤسسة أمم جنوب شرق‬ ‫آسيا (آسيان) الصني بصورة فعالة اقتصاديا‬ ‫وسياسيا لكي تتجنب األف��ع��ال املنفردة من‬ ‫ناحية اجل��ارة املتقدمة وأيضا كي جتر اهلند‬ ‫ملزيد من االشرتاك يف شؤون املنطقة(‪.)64‬‬ ‫وق��د منحت سياسة اهلند ال�تي تبنتها يف‬ ‫مطلع عقد التسعينيات م��ن ال��ق��رن املاضي‬ ‫ميالدا جديدا لالشتباك االقتصادي والسياسي‬ ‫مع جنوب شرق آسيا‪ ،‬وقد خففت اهلند من‬ ‫معارضتها للطابع العسكري احلاكم يف ميامنار‬ ‫بعد عام ‪ 1992‬اعتقادا منها أن العزلة قد‬ ‫عمقت من اعتماد تلك الدولة على الصني‪ ،‬ومنذ‬ ‫ذلك احلني قامت اهلند ببناء طرق هامة يف‬ ‫ميامنار وأصبحت الشريك التجاري الرئيسي هلا‬ ‫دون أن تثري خماوف الصني بصورة واضحة‪ ،‬وقد‬ ‫منحت منظمة تعاون شنغهاي اليت تضم الصني‬ ‫‪. 64‬د‪.‬عبد العزيز مهدي الراوي‪ ،‬العالقات الصينية‪-‬‬ ‫الهندية في مرحلة ما بعد احلرب الباردة وآفاقها‬ ‫المستقبلية‪ ،‬مجلة السياسية الدولية‪،‬العدد‪،390‬‬ ‫كانون الثاني ‪،2007‬ص‪.150‬‬ ‫‪231‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪232‬‬

‫وروسيا وأربع دول أخرى من آسيا الوسطى اهلند‬ ‫وضع املراقب عام ‪ 2005‬ويف نفس العام ناقشت‬ ‫منظمة جنوب آسيا للتعاون اإلقليمي (سارك)‬ ‫واليت تضم سبع دول مسألة توسيع عضويتها‬ ‫والسماح للصني بأن تكون مراقب وتظل روسيا‬ ‫املورد األكرب للمعدات العسكرية التقليدية عالية‬ ‫اجلودة إىل كل من اهلند والصني وبالتالي جند أن‬ ‫هناك نقاطا كثرية يف آسيا تتالقى فيها املصاحل‬ ‫وال��وج��ود الصيين واهل��ن��دي يف شكل تنافسي‬ ‫وتعاوني معا بطريقة جتعل العالقات الثنائية‬ ‫بينهما أكثر تعقيدا بصورة متزايدة(‪.)65‬‬ ‫وقد زاد التبادل االقتصادي بني اهلند والصني‬ ‫مبعدل مدهش بعد عام ‪ 2001‬وعقب انضمام‬ ‫األخرية ملنظمة التجارة العاملية اليت تضم ‪148‬‬ ‫عضوا واليت كانت اهلند أحد مؤسسيها وهكذا‬ ‫أصبحت النظم البنكية واملالية والقانونية‬ ‫يف بكني متوافقة إىل حد ما مع نظرياتها لدى‬ ‫نيودهلي‪ ،‬وقد أدى ذلك إىل اجتذاب املستثمرين‬ ‫اهلنود وإن كان ذلك مل يربز بعد يف املشروع‬ ‫الصيين الطموح واملتعلق بتنمية الغرب‪ ،‬وقد‬ ‫قامت الصني ببعض االستثمارات يف اهلند مثل‬ ‫التنجيم يف البوكسيت ولكن ذلك قد يتم عرقلته‬ ‫من خالل مشكالت واضطرابات املشهد السياسي‬ ‫اهلندي‪ .‬وقد تضاعف حجم التجارة البينية‬ ‫ما بني عام ‪ 2003‬و‪ 2005‬ومن املتوقع أن‬ ‫يتضاعف مرة أخرى عام ‪ ،2010‬وتعد الصني‬ ‫اآلن ثاني أكرب شريك جتاري للهند بعد الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬ويلعب قطاع التصنيع دورا أساسيا يف‬ ‫النمو االقتصادي للصني إىل جانب االستثمار‬ ‫‪. 65‬عبد اهلل صالح‪.‬مستقبل العالقات الهندية‬ ‫الصينية‪ ،‬صحيفة العصر إخبارية‪ ،‬العدد‪،6719‬‬ ‫تاريخ ‪.6/6/2005‬‬

‫األجنيب املباشر‪ ،‬أما النمو االقتصادي اهلندي‬ ‫فيقوده قطاع اخل��دم��ات (تقنية املعلومات‬ ‫والتكنولوجيا البيولوجية وصناعة ال��دواء)‬ ‫واملؤسسات احمللية(‪.)66‬‬ ‫وه��ن��اك بعض ف��رص التكامل ال�تي تبدو‬ ‫واضحة‪ :‬فقد الحظ رئيس الوزراء الصيين تسو‬ ‫روجني (‪ )2003-1998‬أثناء زيارته لباجنالور‬ ‫عام ‪ 2002‬أن مزجيا من أجهزة احلاسب اآللي‬ ‫الصينية والربجميات اهلندية سوف تكون مبثابة‬ ‫منتج ال يقاوم يف السوق العاملية‪ ،‬وتقوم الشركات‬ ‫الرائدة يف كال البلدين مبشروعات مشرتكة من‬ ‫أجل حتقيق هذا اهلدف يف ظل إعجاب الصني‬ ‫برباعة اهلند يف تقنية املعلومات ولكنها تهدف إىل‬ ‫التفوق عليها يف تصنيع رقائق الربجميات‪ ،‬ويربز‬ ‫التنافس التجاري بني العمالقني اآلسيويني يف‬ ‫الصحافة العاملية ولكنه أقل وضوحا على األرض‪،‬‬ ‫فعلى سبيل املثال تبنت الدولتان منهجا تعاونيا‬ ‫يف حتديد مكان وتطوير مصادر جديدة للنفط‬ ‫وال��غ��از الطبيعي باإلضافة إىل بناء خطوط‬ ‫أنابيب تربط مصادر اإلم��داد مبراكز الطلب‪،‬‬ ‫وقد مت بث بعض التفاصيل يف منتدى بعنوان‬ ‫املعجزة الصينية قبل زيارة رئيس الوزراء وين‬ ‫جيا باو لنيودهلي يف أبريل عام ‪.)67(2005‬‬ ‫ووف��رت مفاوضات منظمة التجارة العاملية‬ ‫وجولة الدوحة حول التجارة الدولية فرصا‬ ‫للتعاون بني اهلند والصني حيث يشرتكان يف‬ ‫‪. 66‬د‪.‬علي نور الدين إسماعيل‪.‬التنافس الناشئ‬ ‫بني الهند والصني‪.‬نوايا طيبة أم مخطط‬ ‫عدواني‪ ،‬اجمللة االقتصادية‪،‬العدد ‪ 5335‬تاريخ‬ ‫‪. 20/7/2008‬‬ ‫‪ 67‬د‪.‬علي نور الدين إسماعيل‪.‬التنافس الناشئ‬ ‫بني الهند والصني‪.‬نوايا طيبة أم مخطط‬ ‫عدواني‪،‬املصدر السابق‪.‬‬


‫منهجهما املتسم بالتملك جتاه سيادة الدولة‬ ‫وحت��رر فعل ك��ل منهما ومقاومة احمل��اوالت‬ ‫الغربية إلدخال معايري بيئية أو عملية على‬ ‫أجندة التجارة العاملية كما أن لكل منهما موقف‬ ‫مشابه حول التجارة فيما يتعلق بالزراعة كما‬ ‫ظهر يف كانكون يف املكسيك عام ‪ ،2004‬وقد‬ ‫كان للعوملة بعض اآلثار املتشابهة واملختلفة يف‬ ‫كل من الصني واهلند حيث أظهرت الصني حتلال‬ ‫أكرب يف جمالي االتصاالت ومرافق اإلنرتنت بينما‬ ‫أظهرت اهلند توافقا أعظم مع األعراف الدولية‬ ‫يف القوانني املتعلقة حبقوق امللكية الفكرية‬ ‫وبراءات االخرتاع‪ .‬باختصار‪ ،‬نقول أن العالقات‬ ‫اهلندية‪ -‬الصينية متشابكة مع السوق العاملي‬ ‫ومل تعد تكفي األوصاف البسيطة لتوصيف تلك‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫املشهد التنافسي‬ ‫تتزايد احتماالت الشعور بالتهديد يف أي دولة‬ ‫عندما يكون موقفها يبدو متدهورا أو تتعرض‬ ‫طموحاتها لإلحباط‪ ،‬بينما تتمثل العوامل اليت‬ ‫تسهم يف زيادة مستويات الرفاهية لدى الدول‬ ‫الكربى مثل اهلند والصني يف التأثري الدبلوماسي‬ ‫والرفاهية االقتصادية والوضع الدولي واألمن‬ ‫العسكري ووح��دة أراض��ي الدولة‪ ،‬ومن السهل‬ ‫تفهم سبب تصوير بعض اهلنود املتعصبني‬ ‫لنظرية التهديد الصيين يف عقد التسعينات‪،‬‬ ‫ف��ال��وج��ود الدبلوماسي الصيين يف عواصم‬ ‫العامل كان أثقل وزنا وأعلى تأثريا من نظريه‬ ‫اهلندي(‪ ،)68‬كما أن النجاحات االقتصادية‬ ‫الصينية يف جذب االستثمار األجنيب وزيادة‬ ‫ال��ص��ادرات وبناء البنية األساسية وتصنيع‬ ‫‪ 68‬انتظار رشيد زوير‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪167،‬‬

‫املنتجات اخلفيفة والسلع املعمرة بأسعار‬ ‫منخفضة لألسواق العاملية وزيادة دخل الفرد‬ ‫بصورة ملحوظة بالنسبة لعدد سكانها الضخم‬ ‫سجلت أرقاما قياسية جديدة من النمو على‬ ‫املستوى االقتصادي العاملي‪ ،‬ويعد كل هذا مبثابة‬ ‫تفوق هائل على اإلجن��ازات اهلندية املتواضعة‬ ‫نسبيا‪ ،‬وبعد فتح الباب أمام التجارة‪ ،‬تعرضت‬ ‫الصني أحيانا التهامات بأن منتجاتها تغرق‬ ‫اهلند‪ ،‬كما أن احملتوى الفعلي للتجارة والذي‬ ‫قامت اهلند بناءا عليه بتصدير الصلب واملواد‬ ‫اخلام إىل الصني واستوردت منتجاتها اجلاهزة‬ ‫لالستهالك كان أيضا سببا للقلق‪ ،‬وقد متتعت‬ ‫الصني بوضع القوة العظمى كدولة معرتف هلا‬ ‫بامتالك أسلحة نووية منذ عام ‪ 1964‬وكعضو‬ ‫دائم يف جملس األمن باألمم املتحدة منذ عام‬ ‫‪ 1971‬وكانت قد أجهضت طموحات اهلند يف‬ ‫احلصول على وضع مشابه عن طريق سحبها‬ ‫للتأييد املبدئي يف املفاوضات اخلاصة مبعاهدة‬ ‫حظر التجارب النووية الشاملة عام ‪1996‬‬ ‫واالع�ت�راض على أي تسكني أمريكي للهند‬ ‫فيما يتعلق بالقضايا النووية ورفضها مساندة‬ ‫ترشيح اهلند ملقعد دائم يف جملس األمن(‪.)69‬‬ ‫ومتثلت أكثر التهديدات خطورة على أمن اهلند‬ ‫ووحدة أراضيها يف مساعدة الصني العسكرية‬ ‫والنووية والصاروخية لباكستان اليت متتد‬ ‫جذوره إىل عقد الستينيات‪ ،‬واملميزات الصينية‬ ‫املتزايدة يف نيبال وبنجالديش وختلل ميامنار‬ ‫(بورما) واحتماالت تقدم البحرية الصينية يف‬ ‫‪. 69‬أبتسام محمد العامري‪ ،‬سياسة الصني‬ ‫اإلقليمية وانعكاساتها على البحر الصيني‬ ‫اجلنوبي‪،‬مركز الدراسات اإلستراتيجية‪( ،‬بغداد‪-‬‬ ‫‪،)2005‬ص‪.17‬‬ ‫‪233‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪234‬‬

‫احمليط اهلندي عرب التسهيالت يف ميامنار وجزر‬ ‫الكوكوس باإلضافة إىل بناء ميناء ج��وادور‬ ‫اجلديد يف باكستان‪ ،‬ويصف املؤمنون مبنظور‬ ‫التهديد الصيين بأن الصني تتسلل إىل األراضي‬ ‫اهلندية وحتاصر اهلند لكي حتتجزها يف صندوق‬ ‫آسيوي جنوبي متشرذم حتى وهي تتهم اهلند‬ ‫بالسيطرة اإلقليمية وتؤخر حل مسألة احلدود‪،‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فهناك قطاع آخر من اهلنود يؤمن‬ ‫بأن أمن ووضع اهلند يعتمد باألساس على إدارة‬ ‫اهلند لبيئتها الداخلية واإلقليمية وليس على‬ ‫سلوك الصني‪.‬‬ ‫أما املنظور الصيين للتهديد فال يركز على‬ ‫اهلند وإمن��ا على الواليات املتحدة اليت يراها‬ ‫الصينيون تسعى إىل احتواء التنني من خالل‬ ‫حتالفها العسكري مع اليابان ومن خالل اإلمداد‬ ‫العسكري ال�تي تقدمه إىل ت��اي��وان ووجودها‬ ‫الطاغي يف آسيا وتشجيعها لالنفصالية يف‬ ‫تايوان والتيبت والرتويج لتطور سلمي من‬ ‫شأنه أن يدمر احتكار احلزب الشيوعي الصيين‬ ‫للقوة السياسية‪ ،‬ومل يتم أبدا تصنيف اهلند‬ ‫باعتبارها ند ومل يتم النظر إليها على أنها‬ ‫تهديد ألم��ن الصني إال فيما يتعلق بالتيبت‬ ‫ومؤخرا جدا فيما خيص الواليات املتحدة‪ ،‬ومل‬ ‫يكن وج��ود ال��دالي الما وجمموعة كبرية من‬ ‫التيبت يف اهلند منذ عام ‪ 1959‬أمرا مقبوال‬ ‫لدى القادة الصينيني وقد أصروا على احلصول‬ ‫على اعرتاف أكثر وضوحا بسيادة الصني على‬ ‫التيبت (وتايوان) يف كل بيان مشرتك يصدرونه‬ ‫مع القادة اهلنود‪ ،‬وقد التزم بذلك رئيس الوزراء‬ ‫فاجبايي عام ‪ 2003‬ولكن من غري احملتمل أن‬ ‫تطلب أي حكومة هندية من ال��دالي الما أن‬

‫يعود إىل التيبت ما مل يكن هو نفسه راضيا عن‬ ‫نتائج املفوضات اجلارية حاليا مع بكني وراغبا‬ ‫يف العودة‪ ،‬ويف الوقت ذاته‪ ،‬فتحت اهلند مكتبا‬ ‫ثقافيا واقتصاديا (غري دبلوماسي) يف تايوان‬ ‫عام ‪ 1995‬مشابه للمكتب الذي افتتحته دول‬ ‫أخرى كثرية هناك يف وقت سابق(‪.)70‬‬ ‫ومت إسكات احل��رب الكالمية يف بكني ولكن‬ ‫احتماالت توقيع شراكة إسرتاتيجية هندية‪-‬‬ ‫أمريكية واليت بدأت يف ‪ 2001‬ووصلت ملرحلة‬ ‫أبعد لتصبح شراكة عاملية كما أعلن الرئيس‬ ‫(ج���ورج بوش‪ )*71‬ورئ��ي��س ال���وزراء اهلندي‬ ‫دكتور (مامنوهان سينج‪ )*72‬خالل لقائهما يف‬ ‫واشنطن يف السابع عشر من يوليو عام ‪،2005‬‬ ‫قد أثار قلق احملللني اإلسرتاتيجيني يف الصني‬ ‫لثالثة أسباب حمتملة‪ ،‬فمن زاوية أيديولوجية‪،‬‬ ‫تعتمد نية املساعدة األمريكية للهند لبناء‬ ‫‪ 70‬د‪ .‬نزار إسماعيل الحيالي‪ .‬سياسة اآلمن وتوازن‬ ‫القوى في جنوب آسيا‪ ،‬سلسلة دراسات دولية‪،‬‬ ‫العدد(‪،)2005(،)5‬ص‪.19‬‬ ‫*‬

‫‪ 71‬جورج واكر (دبيلو) بوش ‪:‬ولد في ‪ 6‬يوليو‪ ،1946 ‬وكان‬ ‫رئيس‪ ‬الواليات المتحدة‪ ‬الثالث واألرب��ع��ون وحكم من‪20 ‬‬ ‫يناير‪ 2001 ‬إلى‪ 20 ‬يناير‪ .2009 ‬كان حاكما ً لوالية‪ ‬تكساس‪ ‬قبل‬ ‫توليه رئاسة الدولة وذل��ك من‪ 1995 ‬إلى‪ .2000 ‬وقد‬ ‫انتخب رئيسا ً بعد انتخابات أتت نتيجتها متقاربة مع‬ ‫منافسه‪ ‬الديمقراطي‪ ‬آل غور‪ .‬وفي عام‪ 2004 ‬أعيد انتخابه‬ ‫للمرة الثانية ملدة أربع سنوات بعد تغلبه على مرشح‪ ‬الحزب‬ ‫الديمقراطي‪ ‬جون كيري‪ ،‬قبل دخوله السياسة كان‪ ‬رجل أعمال‪،‬‬ ‫وكانت أعماله تتضمن عدة شركات‪ ‬للنفط‪ .‬كما إنه كان أحد‬ ‫املالكني لنادي‪ ‬تكساس رنجر‪ ‬للبيسبول‪ ‬من‪ 1989 ‬إلى‪.1998‬‬ ‫ميلك مزرعة في كروفورد‪ ‬تكساس‪ ،‬وعدد من أعضاء أسرته‬ ‫سياسيون بارزون‪ .‬فهو ابن الرئيس السابق‪ ‬جورج هربرت ووكر‬ ‫بوش‪ ،‬واألخ األكبر حلاكم والية‪ ‬فلوريدا‪ ‬األسبق‪ ‬جب بوش‪ ،‬وحفيد‬ ‫عضو مجلس شيوخ‪ ‬الواليات المتحدة‪ ‬برسكت بوش‪.‬شبكة‬ ‫جزيرة املعارف‪.B231-022EF980/.../www.aljazeera.net :‬‬

‫‪ * 72‬مانمموهان سينج‪: ‬رئيس الوزراء‪ ‬الهندي‪ ‬ولد‬ ‫في‪ 26 ‬سبتمبر‪ 1932 ‬بمدينة‪ ‬مومباي‪ ‬بالهند تولى رئاسة‬ ‫ال���وزراء ف��ي‪ 22 ‬مايو‪ .2004 ‬ويعتبر أول‪ ‬سيخي‪ ‬يتولى‬ ‫المنصب‪ .‬وكيبيديا الموسوعة ال��ح��رة ‪http:// :‬‬ ‫‪.ar.wikipedia.org/wiki‬‬


‫األخ�ي�رة كقوة عظمى على أرض��ي��ة مشرتكة‬ ‫من القيم الدميقراطية واملؤسسات يف كل من‬ ‫واشنطن ونيودهلي وجتد أصواتا مؤيدة يف بعض‬ ‫قطاعات الرأي احملافظة يف أمريكا على أنها عمل‬ ‫توازني مع الصني‪ ،‬ومن ناحية عسكرية‪ ،‬جند‬ ‫أن ‪ 10‬سنوات من التعاون اهلندي‪ -‬األمريكي‬ ‫يف الدفاع واإلنتاج احلربي والتدريبات اجلوية‬ ‫والعسكرية والبحرية املشرتكة واألحباث احملتملة‬ ‫يف جمال الدفاع الصاروخي‪ ،‬كل هذا لن يرفع‬ ‫من كفاءة القدرات اهلندية التقليدية والتفوق‬ ‫يف احمليط اهلندي فحسب‪ ،‬بل ميكن أيضا أن‬ ‫يفتح طريقا للتنسيق مع اليابان ورمبا تايوان‬ ‫الحتواء الصني‪ ،‬وثالثا فإن اتفاقيات أمن الطاقة‬ ‫خصوصا االتفاق بشأن التعاون النووي السلمي‬ ‫مل يتم تفعيله بعد ألنه يتطلب تعديالت يف‬ ‫القوانني األمريكية فيما يتعلق حبظر االنتشار‬ ‫تعرتف باهلند كدولة مسئولة متتلك تقنية‬ ‫نووية متطورة ومن حقها أن تنال نفس منافع‬ ‫وامتيازات مثل تلك ال��دول‪ ،‬وال ختفي الصني‬ ‫من جانبها يف املنتديات الدولية والتعليقات‬ ‫الصحفية معارضتها ألي رفع للوضع الدولي‬ ‫للهند ضمنيا أو عن طريق اتفاقيات فعلية مع‬ ‫اهلند على أساس كونها دولة ذات سالح نووي‪،‬‬ ‫وقد بدأت اهلند والصني ح��وارا حول املسائل‬ ‫األمنية عام ‪ 2000‬ولكنه مل يصل بعد للتعامل‬ ‫مع قضايا املذهب النووي وعدم االستخدام األول‬ ‫والردع األدنى املطبق بينهما(‪.)73‬‬ ‫‪ 73‬ميريي ديلمار‪.‬أزفت ساعة التحالف الروسي‪-‬‬ ‫الصيني‪-‬الهندي‪،‬ترجمة س��راب االسمر‪،‬مجلة الثورة‬ ‫اليومية السياسية‪،‬العدد ‪ ،6412‬تاريخ ‪.2012/5/21‬‬ ‫االلكتروني‪thawra.alwehda.gov..www:‬‬ ‫الموقع‬ ‫‪.sy/_print_veiw.asp?FileName‬‬

‫اخلامتة‬ ‫م��روراً بتاريخ العالقات الصينية اهلندية‬ ‫وبعد استقالل البلدان يف نصف القرن املاضي‬ ‫حيث أبدت اهلند نواياها احلسنة يف البداية‪،‬‬ ‫وكانت تنشد حنو مستقبال ثنائيا أكثر تعاونا‬ ‫مع جارتها الصني‪ ،‬إال أن الصني كانت تأخذ‬ ‫اجتاها آخر يف سياستها اخلارجية حيث كانت‬ ‫تفكر بتأمني وضمان سيادتها يف املناطق خارج‬ ‫حدودها الوطنية‪ ،‬لذا كانت مسألة التيبت‬ ‫أوىل تلك املخططات ال�تي فرضت سيادتها‬ ‫عليها يف بداية اخلمسينات وكانت مصدر نزاع‬ ‫مع اهلند‪ ،‬واتهمت الصني اهلند بتدخلها يف‬ ‫التيبت و بالتالي بالشؤون الداخلية الصينية‪،‬‬ ‫وبسبب تفاقم األزم��ة بني البلدين أدى ذلك‬ ‫إىل دق طبول احلرب يف بداية الستينات‪ ،‬ومن‬ ‫ثم خطت الصني حنو زي��ادة آخرى ملقوماتها‬ ‫اإلسرتاتيجية وهو إجراء أول تفجري نووي هلا‬ ‫يف عام ‪ 1964‬وهذا ما دعت اهلند حنو التفكري‬ ‫بامتالكها السالح النووي لكي توازي الصني يف‬ ‫منافستها‪ ،‬فقد عملت على تطوير برناجمها‬ ‫النووي يف بداية السبعينات ومبساندة االحتاد‬ ‫السوفيييت الذي كانت ختشى من نهوض دولة‬ ‫جم��اورة هلا وخمتلفة معها يف تطبيق مبادئ‬ ‫الشيوعية كدولة عظمى‪ .‬يف الوقت الذي كانت‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية تساند الصني ملنع‬ ‫تكوين حتالفا روسيا‪-‬هنديا يف املنطقة‪ ،‬والذي‬ ‫يهدد نفوذها ومصاحلها يف آسيا‪ .‬يف الوقت الذي‬ ‫كانت الصني تدعم باكستان َ‬ ‫آبان اخلالف اهلندي‬ ‫الباكستاني‪.‬‬ ‫ويف بداية الثمانينات فقد اجتهت العالقات‬ ‫الصينية اهلندية حنو منحى آخر حيث توصل‬ ‫‪235‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪236‬‬

‫الطرفان حنو بناء أرضية مناسبة ملستقبل‬ ‫عالقاتهما السياسية واالقتصادية واليت تقوم‬ ‫على أساس التعاون الثنائي يف ظل غياب الدور‬ ‫السوفيييت ال���ذي ك��ان منشغال بضغوطات‬ ‫آقتصادية وسياسية يف الداخل‪.‬‬ ‫وقد أدركت الصني أن أي تهديد للهند سوف‬ ‫يؤثر ً‬ ‫سلبا على عالقاتها مع االحتاد السوفيييت‪،‬‬ ‫يف الوقت الذي كانت اهلند تسعى حنو توسيع‬ ‫عالقتها مع الواليات املتحدة األمريكية بغية‬ ‫أنفتاحها حنو التعامل مع العامل الغربي‪.‬‬ ‫وبعد انهيار االحت���اد السوفيييت وتوجه‬ ‫النظام الدولي حنو آالح��ادي القطبية‪ ،‬فقد‬ ‫دخلت العالقات الصينية اهلندية منطا جديداً‬ ‫أكثر واقعية وعقالنية مما شهدتها يف العقود‬ ‫املاضية‪ ،‬عن طريق جتريد سياساتها من اللون‬ ‫األيديولوجي نتيجة دخول مفاهيم الليربلة‬ ‫االقتصادية يف جمال عالقاتهما‪ ،‬وقد مت توقيع‬ ‫العديد من االتفاقيات ال�تي قامت بتوثيق‬

‫العالقات بني البلدين ونبذ اخلالفات التارخيية‪،‬‬ ‫وعقلنه سياستهما اخلارجية وفهم الواقع الذي‬ ‫يريد السيطرة على القارة واحملاولة لتوطني‬ ‫العالقات االقتصادية والتجارية والثقافية‬ ‫باعتبار أن القرن الواحد والعشرين هو ً‬ ‫قرنا‬ ‫ً‬ ‫آسيويا‪ ،‬بالرغم من أن هنالك جوانب تنافسية‬ ‫بني الدولتني اليت تشري حنو التنافس للحصول‬ ‫على لقب الزعامة آالسيوية‪ ،‬لكل الدولتني‬ ‫وب��ه��ذا امل��ق��دور م��ن عناصر ال��ق��وة البشرية‬ ‫واالقتصادية والعسكرية واإلنتاجية يفرتض أن‬ ‫تسعى حنو طي صفحات املاضي وترك اخلالفات‬ ‫ً‬ ‫جنبا والعمل على توحيد سياستهما يف املنطقة‬ ‫لكي تكون الدعامة لوقف نفوذ الدول العظمى‪،‬‬ ‫ومن ثم العمل من أجل السيطرة على القارة عن‬ ‫طريق مد نفوذهما االقتصادي والتجاري‪.‬‬


‫الحوار اإلسالمي ‪ -‬املسيحي‪ :‬قراء ٌة يف‬ ‫املاه ّية واألهداف‬

‫د‪ .‬حسام الدين عيل مجيد‬ ‫قسم السياسة بجامعة صالح الدين – أربيل‪ .‬العراق‬

‫‪237‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪238‬‬

‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مستوى من‬ ‫التعايش يعين بلوغ أدنى‬ ‫إذا كان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫متنازعني فإن‬ ‫التوتر يف العالقات بني طرفني‬ ‫َ‬ ‫الوسيلة الالزمة ِلبلوغ‬ ‫احلوار سيغدو مبثابة‬ ‫هذا املستوى‪ .‬وذلك مادامت كلمة احلوار يف ذاتها‬ ‫تعين تبادل وجهات النظر بقصد الوصول اىل‬ ‫َح ٍّد أدنى من التقا ُبل َ‬ ‫حول املفاهيم واملُدركات‬ ‫املشرتكة‪ .‬ومن املعلوم ضمن سياق احلوار َّأن ُه ذو‬ ‫مناذج عديدة‪ ،‬منها السياسي واالقتصادي ُ‬ ‫فضال‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫مناذجه دائر بني طرفني‬ ‫على الديين‪ ،‬لكن أكثر‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫مسلم شرقي واآلخر مسيحي غربي‪،‬‬ ‫أحدهما‬ ‫وخباصة َّأن احلوار اإلسالمي ‪ -‬املسيحي ليس إال‬ ‫انعكاسا ِلفاعلية الظاهرة الدينية ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا والسيما‬ ‫املسيحية الغربية‪.‬‬ ‫ويف هذا الصدد َي ِر ُد تطبيقان خمتلفان للحوار‪،‬‬ ‫يشمل ُ‬ ‫ُ‬ ‫األسلوب املنطقي يف البحث عن‬ ‫أوهلما‬ ‫احلقيقة‪ .‬وهو يف األصل ٌ‬ ‫ّ‬ ‫يتضم ُن‬ ‫منهج فلسفي‬ ‫اجلدال بني َ‬ ‫بقصد الوصول اىل احلقيقة‬ ‫طرفني‬ ‫ِ‬ ‫غري القابلة لإلختالف فيها جمدداً‪ .‬أما ثانيهما‬ ‫فهو احل��وار مبعنى املسلك التفاوضي للتعامل‬ ‫فيه َ‬ ‫لغة الوصول اىل‬ ‫الدولي‪ .‬وال يغدو احلوار ِ‬ ‫ً‬ ‫وسيلة للحصول على تنازالت‪.‬‬ ‫احلقيقة وإمنا‬ ‫َ‬ ‫وبالرغم من اإلختالف فإن كال التطبيقني‬ ‫يشرتكان يف وجو ِد َ‬ ‫بأساليب‬ ‫طرفني يتصارعان‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫خفية‪ّ ،‬‬ ‫الرغبة يف تطويع وإستيعاب‬ ‫تستترِ ُ خلفها‬ ‫الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ويف ض��وء ذل��ك تتجسد إشكالية البحث يف‬ ‫التساؤالت التالية‪:‬‬ ‫هل احلوار اإلسالمي ‪ -‬املسيحي يقع ضمن نطاق‬ ‫اجل��داالت الفلسفية اهلادفة اىل بلوغ احلقيقة‪،‬‬ ‫أم َّأن ُه من قبيل املفاوضات اليت يروم أطرافها‬ ‫إن��ت��زاع ال��ت��ن��ازالت كما احل���ال يف املفاوضات‬

‫الدولية؟ وما هي آليات احلوار؟ وما هي الكيفية‬ ‫اليت يتم بها احلوار؟‬ ‫و ُبغية اإلجابة عن هذه التساؤالت‪َّ ،‬‬ ‫فإن‬ ‫فرضية البحث تتمثل يف كون احلوار اإلسالمي‬ ‫عتم ُدها‬ ‫– املسيحي هو من قبيل اآلليات اليت َت ِ‬ ‫الكنيسة من أجل إستكشاف «اآلخر»‪ ،‬ثم الوقوف‬ ‫أهداف عقيدية‬ ‫أرضية مشرتكة ِلتحقيق‬ ‫على‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وغ�ير عقيدية‪ .‬وذل��ك ع�بر م��ف��اوض��ات ذات‬ ‫طابع دولي تشرتك فيها مؤسسات اإلستشراق‬ ‫ٍ‬ ‫والتنصري ً‬ ‫معا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وتبيان‬ ‫��وض يف تصنيف هذا احل��وار‬ ‫ِ‬ ‫قبيل اخل ِ‬ ‫موقعه يف نطاق التعامل الغربي‪َ ،‬ح ّ‬ ‫��ر ٌي بنا‬ ‫ِ‬ ‫أقسام متالزمة‪:‬‬ ‫تقسيم بنية البحث اىل أربعة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫موقف املسيحية‬ ‫التعرف على طبيعة‬ ‫أواله��ا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫معرفة البواعث‬ ‫الغربية من اإلسالم‪ ،‬وثانيهما‬ ‫َ‬ ‫أوج��د ْت هذا املوقف‪ ،‬ثم طبيعة احلوار‬ ‫اليت‬ ‫اإلسالمي‪ -‬املسيحي وآليات تنفيذ ِه ً‬ ‫ثالثا‪ِ ،‬ل َن ُبلغ‬ ‫عقب ذلك أهداف هذا احلوار ً‬ ‫رابعا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ -‬موقف املسيحية الغربية من اإلسالم‪:‬‬ ‫ْإن ّ‬ ‫ً‬ ‫أمنوذجا‪ ،‬فإن دراساتها‬ ‫إختذنا الكاثوليكية‬ ‫ّ‬ ‫تتضم ُن إجتاهات عديدة‬ ‫املعاصرة عن اإلسالم‬ ‫وعقيدته ورسالته‪.‬‬ ‫بصدد نشوء اإلس�ل�ام‬ ‫ِ‬ ‫ويف هذا اخلصوص جند ثالثة إجتاهات ذوات‬ ‫مواقف متباينة ً‬ ‫تبعا لدرجة َّ‬ ‫تشددها ّ‬ ‫ومتسكها‬ ‫مبعتقداتها الدينية‪ .‬حيث َّأن اإلجت��اه االكثر‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ً‬ ‫إنفتاحا يمُ ِّث ُله املستشرق لويس ماسينون‬ ‫وأن��ص��ا ُر ُه احلاليني‪ ،‬و ُي َ‬ ‫طل ُق عليه إجت��ا ُه ّ‬ ‫احلد‬ ‫ُ‬ ‫يعرتف‬ ‫األعلى يف االع�ت�راف ب��اإلس�لام‪ .‬حيث‬ ‫أنصار ُه بصور ٍة أو أًخرى بالطابع اإلهلي للقرآن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وإنطالقا من هذه النقطة بالذات ُيناقشون‬ ‫الرفض ُ‬ ‫َ‬ ‫القرآني للعقائد املسيحية األساسية‬


‫ّ‬ ‫والتجسد اإلهلي‪،‬‬ ‫مثل الثالوت أو أالقانيم الثالثة‬ ‫وينظرون اىل ه��ذا املوقف الرافض على ّإن��هُ‬ ‫موقف نسيب وغري مطلق‪ ،‬وير َون فيه ً‬ ‫ٌ‬ ‫نوعا من‬ ‫طرف اإلسالم جتاه فكر ِة‬ ‫َر ِّد الفعل السليب من ِ‬ ‫الثالوت واإلنشقاقات واخلالفات الطائفية يف‬ ‫املسيحية ذاتها‪ .‬أما اإلجتاه املضاد يف الدراسات‬ ‫فيتمث ُل يف “التيار املنغلق”‪ ،‬و ُي َ‬ ‫ّ‬ ‫طل ُق‬ ‫الكاثوليكية‬ ‫ّ‬ ‫أتباعه أصحاب احلد األدن��ى يف اإلعرتاف‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫باإلسالم الذين ُيتابعون تفسري اإلسالم وفق أسوأ‬ ‫اإلطروحات التقليدية للقرون الوسطى‪ .‬وبني‬ ‫َ‬ ‫اإلجتاهني يوجد التيار الوسط وآراؤ ُه‬ ‫هذين‬ ‫ٌ‬ ‫قريبة من املوقف الرمسي للكنيسة يف احلوار‬ ‫َ‬ ‫موقف ِه من‬ ‫مع املسلمني‪ ،‬وبالرغم من ك��ون‬ ‫ُ‬ ‫نبوة حممد (ص) والطبيعة اإلهلية للقرآن ُ‬ ‫اكثر‬ ‫حت ُف ً‬ ‫ّ‬ ‫ظا لكن أنصار ُه يعتقدون بضرورة احلوار‬ ‫والتقارب مع اإلس�لام يف امليادين اإلجتماعية‬ ‫والسياسية والثقافية والروحية‪“ ،‬ويستبعدون‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫تمُ���س‪ ...‬ونعين بها املسائل‬ ‫املنطقة ال�تي ال‬ ‫املت ّعلقة ُ‬ ‫باألسس واليقينيات العقيدية يف ِكال‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الدينني”(‪.)2‬‬ ‫يعك ُس واق��ع اإلختالف النسيب بني هذه‬ ‫وال ِ‬ ‫َ‬ ‫اإلجتاهات الثالثة اال حقيقة اإلختالف القائم‬ ‫ما بني رجال الدين (الالهوتيني) واملستشرقني‬ ‫فقسم منهم وحت��دي��داً‬ ‫ٌ‬ ‫(خ�ب�راء اإلس��ل�ام)‪.‬‬ ‫املستشرقني مييلون بصور ٍة كبرية اىل إب��راز‬ ‫َ‬ ‫الديانتني‪ ،‬حبيث َي َر َ‬ ‫ون‬ ‫اجلوانب املتشابهة بني‬ ‫اإلسال َم َ‬ ‫أحد ُ‬ ‫تفرعات التقاليد التوراتية‪ .‬ويف‬ ‫املقابل من ذلك‪ُ ،‬ي ّ‬ ‫رك ُز الالهوتيون خباصة على‬ ‫اإلختالفات اجلوهرية‪،‬‬ ‫��ر َ‬ ‫ون اإلس�لام عقيدة أق ُ‬ ‫حبيث “ َي َ‬ ‫��رب ما تكون‬ ‫اىل الدين الطبيعي حبكم ُّ‬ ‫تشك ِله خارج الرتاث‬

‫اليهو – مسيحي مع ّإن ُه اقت َب َس أشياءاً كثرية من‬ ‫ذلك ال�تراث”(‪ّ .)3‬‬ ‫فتمخض عن هذا االختالف‬ ‫النسيب يف اآلراء داخل الفاتيكان إعتماد الكنيسة‬ ‫الكاثوليكية احل��وا َر مع املسلمني‪ ،‬إستناداً اىل‬ ‫موق ٍف ّ‬ ‫إختذ ُ‬ ‫ته َّإبان إنعقاد اجملمع الفاتيكاني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الثاني “‪ ،”1965–1962‬ويتجلى املوقف يف ن ّص‬ ‫تصرحيها اآلتي‪:‬‬ ‫الكنيسة ُ‬ ‫َ‬ ‫تنظ ُر بإحرتام اىل املسلمني ايضاً‬ ‫«إن‬ ‫احلي القيوم الرحيم‪،‬‬ ‫الذين يع ُبدون اهلل الواحد ُّ‬ ‫القاد ُر على ُكل شيء خالق السماء واألرض‪ ،‬الذي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫خيضعون ألوامر ِه‬ ‫كلم الناس والذين بدورهم‬ ‫َ‬ ‫بقلوب راضية كما َ‬ ‫خضع له إبراهيم من‬ ‫الغيبية‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫حيت ُل بدور ِه َ‬ ‫قبل والذي ّ‬ ‫خاصة يف العقيدة‬ ‫مكان ًة‬ ‫بوصفه‬ ‫اإلسالمية‪َّ .‬إن املسلمني يجُ ِّ لون املسيح‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫نبيا وإن كانوا ال يعرتفون به إهلً��ا‪ ،‬وحيرتمون‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪،‬‬ ‫بإخالص‬ ‫َّأم ُه مريم البتول ويذكرونها‬ ‫ٍ‬ ‫ثم إنهم يرجتون اليوم اآلخ��ر يوم جيزي ُ‬ ‫اهلل‬ ‫مجيع الناس بعد البعث‪ ،‬وهم بالتالي ُي ِّ‬ ‫قدرون‬ ‫احلياة األخالقية ويعبدون اهلل بالصالة والزكاة‬ ‫ً‬ ‫وإن ْ‬ ‫خاصة‪ْ ،‬‬ ‫نشأت عرب القرون خالفات‬ ‫والصيام‬ ‫وعداوات غري قليلة بني املسلمني واملسيحيني‪،‬‬ ‫اجملم َع الفاتيكاني ّ‬ ‫فإن ّ‬ ‫املقدس يدعو اجلميع‬ ‫نسيان املاضي وحماولة الشروع بالتفاهم‬ ‫اىل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫املتبادل الصادق‪ ،‬والعمل املشرتك لنصر ِة وتأكيد‬ ‫العدالة اإلجتماعية والقيم األخالقية والسلم‬ ‫ُ‬ ‫واحلرية جلميع الناس»(‪.)4‬‬ ‫ُي ْف َه ُم من ذل��ك‪ ،‬كون املنظور الكاثوليكي اىل‬ ‫احل��وار ُي��ف ِّ��ر ُق بني َ‬ ‫شكلني َ‬ ‫رئيسني‪ ،‬أحدهما‬ ‫نظري ويشمل اجلوانب العقيدية املشرتكة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫متمث ٌل بالتعاون يف اجمل��ال‬ ‫عملي‬ ‫واآلخ���ر‬ ‫ُ‬ ‫ودليل ذلك إحتوا ُء هذه الرؤية على‬ ‫اإلجتماعي‪.‬‬ ‫‪239‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪240‬‬

‫أُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فكريتني‪ ،‬أوالهما و ٌ‬ ‫ص��ف إجيابي‬ ‫طروحتني‬ ‫ُ‬ ‫آف��اق املمارسة‬ ‫للعقيدة اإلسالمية وثانيهما‬ ‫اإلجتماعية املشرتكة؛ حبيث َّأن االطروحة االوىل‬ ‫بدرجة‬ ‫قد ْأو َل ِت اإلهتما َم مبا يربط الديانتني‬ ‫ٍ‬ ‫أو أُخ��رى‪ ،‬ومبوجبها يكون اجملمع الفاتيكاني‬ ‫قد ّ‬ ‫بكل من‪:‬‬ ‫ح��دد ميادين احل��وار العقيدي ٍ‬ ‫التوحيد‪ ،‬والتقليد اإلبراهيمي‪ ،‬والدراسات‬ ‫املسيحية ل��دى اجلانبينَ ‪ ،‬وكذلك ال��دراس��ات‬ ‫ً‬ ‫فضال على التعاليم‬ ‫املَريمَ ية ومسائل اآلخرة‬ ‫األخالقية والعبادات(‪ّ .)5‬أما األطروحة الثانية‬ ‫فتشمل ميادين‪ :‬العدالة اإلجتماعية والسلم‬ ‫واحلرية‪ .‬و ً‬ ‫وفقا لتعبري أليكسي جورافسكي “إذا‬ ‫عام ًا جداً‬ ‫كان َن ُّص التصريح يبدو للوه ِلة األوىل ّ‬ ‫متح ِف ً‬ ‫َ‬ ‫ومقتض ًبا أو باألحرى ّ‬ ‫ظا‪ ،‬اال ّإن ُه رغم ذلك‬ ‫ً‬ ‫أهمية يف العالقات‬ ‫يتطرق اىل النواحي االكثر‬ ‫(‪)6‬‬ ‫اإلسالمية‪ -‬املسيحية على الصعيد العقيدي” ‪.‬‬ ‫ومعنى إش���ارة جورافسكي اىل ك��ون املوقف‬ ‫ّ‬ ‫كونه موقف‬ ‫“متح ِفظ”‪ ،‬ال خي��رج من دائ��رة ِ‬ ‫غامض ويتسم بعدم اإلف��ص��اح ع��ن حقيقة‬ ‫املوقف املسيحي بعامة والكاثوليكي خباصة‬ ‫من ُنبو ِة الرسول حممد (ص)‪ .‬ويف أزا ِء ذلك‬ ‫يشيرُ التصريح الفاتيكاني اىل إعرتاف املسلمني‬ ‫بوصفه ً‬ ‫نبيا وأُم ِ��ه مريم‬ ‫وتقديرهم للمسيح‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الصديقة “وإن كانوا ال يعرتفون به إهلا”‪ .‬ذلك‬ ‫ِلكون عدم اجلمع يف موقف املسلمني من املسيح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بني َّ‬ ‫ناقصا‪ ،‬والسيما‬ ‫إعرتافا‬ ‫وإلوهيته ُي َّعد‬ ‫ته‬ ‫ِ‬ ‫نبو ِ‬ ‫َّأن املسلمني بعامة ينظرون اىل سائر األنبياء من‬ ‫زاوية كونهم بشر حيملون رسالة إهلية واحدة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ليكون‬ ‫وهذا ربمّ ا هو الذي دفع باملوقف املسيحي‬ ‫ً‬ ‫متحفظا بالضرورة‪.‬‬ ‫اليه املستشرق‬ ‫مما يعكس ذلك صواب ما ذهب ِ‬

‫بقوله‪َّ :‬‬ ‫“أن‬ ‫مكسيم رودن��س��ون يف ه��ذا الشأن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫احلركة العاملية لإلحتاد الكنسي (املسكونية)‪،‬‬ ‫مل تتنازل عن موقفها بأنها املالكة الوحيدة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يتوج ُب عليها أن جت ِل َب‬ ‫وإن��ه‬ ‫للحقيقة ُكلها‬ ‫ّ‬ ‫الضالني اليها‪ .‬ورغم ذلك فقد ّ‬ ‫ختل ْت عن ممارسة‬ ‫ْ‬ ‫واعرتفت‬ ‫الضغط ال��زائ��د يف اجمل��ال ال��روح��ي‬ ‫بأن أصحاب العقائد ُ‬ ‫األخ��رى ُشركا ٌء يف احلوار‬ ‫وميكن أن ّ‬ ‫يتحولوا اىل ُحلفاء”‪“ .‬هذه الثورة يف‬ ‫ْ‬ ‫جعلت التقييم املسيحي حملمد مسألة‬ ‫التفكري‬ ‫الزعم الكاذب َ‬ ‫بأنهُ‬ ‫ْ‬ ‫حساسة‪ ،‬فلم َي ُعد بإمكانهم َ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫حمتال شيطاني كما كان عليه ُ‬ ‫احلال يف العصور‬ ‫الوسطى‪ .‬ويف الوقت ال��ذي جن ُ��د فيه ُم َ‬ ‫عظم‬ ‫ّ‬ ‫املفكرين املسيحيني الذين ّ‬ ‫يهتمون باملشكلة‬ ‫ُيع ِلقون احلكم حبذر‪ ،‬فإننا جند بعض الكاثوليك‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫عبقريا‬ ‫��ت�برون ُ��ه‬ ‫املتخصصني ب��اإلس�لام ي��ع‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يذهب بعضهم اآلخر أبعد من ذلك‪،‬‬ ‫دينيا بل‬ ‫فأصبحوا يتساءلون ّ‬ ‫عما اذا مل يكن باإلمكان‬ ‫بطريقة ما نب ّي ًا ما دام ّ‬ ‫القديس توما‬ ‫إعتباره‬ ‫ٍ‬ ‫اإلكويين يقول بالن ُبوة التوجيهية‪ ،‬اليت ال تعين‬ ‫بالضرورة ال ِع َ‬ ‫صمة والكمال”(‪.)7‬‬ ‫ً‬ ‫كانت ُ‬ ‫وإذا ْ‬ ‫عموما‪،‬‬ ‫النبوة (‪ )8‬يف املنظور املسيحي‬ ‫ٌ‬ ‫“رئ��اس ٌ‬ ‫َ‬ ‫ورس��ال��ة إهلية ٌت ْ��ن�بي ُء‬ ‫��ة روح��ي��ة‬ ‫ه��ي‬ ‫اكتملت ُ‬ ‫مبا يريد ُه ّ‬ ‫النبوة مبجيء‬ ‫ال��رب وقد‬ ‫ِ‬ ‫املسيح‪ ....،‬لكن املسيحيني يسلمون بإستمرار‬ ‫الرساالت اإلهلية بفضل الروح ُ‬ ‫القدس‪ ،‬حبيث‬ ‫ُ َ‬ ‫البشارة‬ ‫خيتا ُر اهلل بعض عباد ِه و َينتدبهم لنقل ِ‬ ‫أي اإلجنيل اىل العالمَ ني”‪ .‬وإذا ك��ان ذل��ك ُ‬ ‫أصل‬ ‫وعي النب ّوة‪ّ ،‬‬ ‫التفريق بني َن َ‬ ‫فإن ُه يعكس من‬ ‫جانب آخر إستمرارية نفي النبوة احلقيقية عن‬ ‫ٍ‬ ‫النيب حممد (ص)(‪ .)9‬مما ِّ‬ ‫يؤكد ذلك َّأن املوقف‬ ‫الذي تستند اليه املسيحية الغربية بعامة ُبغية‬


‫احلوار ليس جديداً يف جوهره‪ ،‬بالرغم من كون‬ ‫َمظهر ِه يوحي باإلجيابية من حيث اإلعرتاف‬ ‫ً‬ ‫فضال على َّأن ُه‬ ‫بالوجود العقائدي للمسلمني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تتضح عرب فهم‬ ‫أهدافا أُخرى‬ ‫حيمل يف ط ّياته‬ ‫األسباب اليت تدعو املؤسسات الكنسية اىل فتح‬ ‫باب احل��وار مع األدي��ان والعقائد األخ��رى غري‬ ‫املسيحية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بواعث انتهاج احلوار‪:‬‬ ‫ثانيا‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫مي��ك��ن تصنيف ه���ذه ال��ب��واع��ث اىل نوعني‬ ‫متالزمني‪ ،‬أحدهما خارجي املن َبع ُّ‬ ‫وتص ُب آثار ُه‬ ‫يف ثانيهما الداخلي‪ .‬فالنوع اخلارجي منهما‬ ‫ْ‬ ‫أخذت ُ‬ ‫ّ‬ ‫تشهدها‬ ‫يتجس ُد يف الظاهرة الدينية اليت‬ ‫ً‬ ‫معا قا ّرتي آسيا وأفريقيا منذ مخسينات القرن‬ ‫العشرين ‪ ،‬وكذلك إنفكاك بلدان القارتني‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أف��رز من‬ ‫سياسيا من اإلحتالل الغربي‪ ،‬مما‬ ‫َّ‬ ‫منحى جديداً يف تعامل املؤسسات الكنسية‬ ‫ثم‬ ‫ً‬ ‫جتاه أتباع الديانات واملذاهب غري الغربية‪،‬‬ ‫حبيث ت ّو َلد ذلك إبتداءاً يف صفوف الربوتستانت‬ ‫وتنظيمهم الرئيس املتمثل مبجلس الكنائس‬ ‫ُ‬ ‫تقرير مؤمتر ِه الثاني الذي‬ ‫العاملي‪ .‬وآية ذلك‬ ‫َ‬ ‫إنعقد يف مدينة إيفانستون بالواليات املتحدة‬ ‫ع��ام ‪ .1952‬فقد أش��ا َر ص��راح ً��ة اىل َّ‬ ‫«أن نهضة‬ ‫االديان غري املسيحية وإنتشار اآليديولوجيات‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫منهجا جديداً على عملنا‬ ‫يفرض‬ ‫اجلديدة‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫التبشريي‪ .‬ففي العديد من البالد خصوصا يف‬ ‫آسيا وأفريقيا تزدا ُد هذه النهضات الدينية ً‬ ‫قوة‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا ُت ِّ‬ ‫كأساس‬ ‫قد ُم نفسها‬ ‫بواسطة القومية‬ ‫ٍ‬ ‫ف ّعال لإلصالحات اإلجتماعية»(‪ .)01‬االمر الذي‬ ‫َيشي ربمَّ��ا حبالة التخ ّوف الربوتستانيت من‬ ‫إمكانية قيام الظاهرة الدينية وال سيما يف‬

‫جنوب آسيا بتهديد النفوذ السياسي الغربي‬ ‫ً‬ ‫فضال على املخاطر املرتتبة على إمكانية‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫متابعة األنشطة التنصريية‪ .‬وما ُي ّع ُ‬ ‫زز ذلك‬ ‫ً‬ ‫دالل���ة ك��ون م��ؤمت��رات احل���وار يف آسيا ج��اءت‬ ‫ً‬ ‫ومعنية مبناقشة “فكرة‬ ‫مت ّعددة األط���راف‬ ‫السالم العاملي”‪ .‬ولعل أبرز تلك املؤمترات املعنية‬ ‫باحلوار بني األديان ذلك الذي ُع ِق َد يف مدينة‬ ‫كيوتو باليابان عام ‪ 1970‬حتت عنوان “املؤمتر‬ ‫ّ‬ ‫إستهد َف منه‬ ‫العاملي للدين وال��س�لام”‪ .‬حيث‬ ‫الطرف الغربي القيام بعملية ضبط التطور‬ ‫ُ‬ ‫إنتهجته الديانة البوذية والسيما‬ ‫السياسي الذي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يف منطقة اهلند الصينية‪ ،‬فضال عن التحكم يف‬ ‫احلركات الدينية اليت متارس النشاط السياسي‬ ‫بفاعلية من خالل إعادة صوغ معتقدتها ذوات‬ ‫ً‬ ‫مستقبال(‪.)11‬‬ ‫الصلة مبا يحُ ّ د ُد مسارها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وال خيت ِلف احلال كثريا لدى الكنيسة الكاثوليكية‪،‬‬ ‫إذ َّأن الوثائق َ‬ ‫الكنسية بني عامي ‪1959-1945‬‬ ‫تبينّ كون السلطات الكنسية باتت ُم ً‬ ‫دركة على‬ ‫حنو ّ‬ ‫حتمي خماطر استقالل هذه البلدان على‬ ‫أنشطتها التنصريية وتنظيماتها الكنسية‪ ،‬لذلك‬ ‫ْ‬ ‫انتهجت عملية تكييف براجمها وسياساتها‬ ‫إتساقا مع الظرف اجلديد ُق َ‬ ‫ً‬ ‫بيل إكتماله‪ .‬ففي‬ ‫رسالة امليالد لعام ‪َ 1945‬‬ ‫أعلن البابا بيوس الثاني‬ ‫عشر‪“ ،‬إن الكنيسة أُ ُّم األمم والشعوب كلها‪ ...‬فهي‬ ‫شعبا دون غري ِه‪ ....‬بل ُّ‬ ‫ال ُّ‬ ‫خت ُص ً‬ ‫خت ُص اجلميع‬ ‫بصورة متساوية”‪ .‬ويف الوقت ذاته تضاعف لدى‬ ‫هذه الكنيسة الشعور باخلطر دافعا إ ّياها صوب‬ ‫مسلك التك ّيف‪ ،‬بفعل إقتناعها بأن اخلروج من‬ ‫آسيا وأفريقيا ال يعين اال إمتدا َد اإلسالم فيهما‬ ‫ُك ً‬ ‫ليا‪ .‬وقد أشار البابا نفسه اىل ذلك عام ‪1957‬‬ ‫باعتبار ِه اإلسالم يف افريقيا خطراً على الكنيسة‬ ‫‪241‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪242‬‬

‫ُيضاهي خطر الشيوعية(‪.)21‬‬ ‫جانب آخر الدوافع الكاثوليكية‬ ‫مما يجُ لي ذلك من ٍ‬ ‫يف قضية التك ّيف والتحاور مع الثقافات واألديان‬ ‫ُ‬ ‫األخرى‪ .‬إذ ً‬ ‫وفقا لتعبري جورافسكي ْ‬ ‫باتت اليوم‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وترتس ُخ عرب قدرة‬ ‫تتأكد‬ ‫“العاملية الكاثوليكية‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫مرحلة تارخيية‬ ‫الكنيسة على التوافق مع كل‬ ‫ٍ‬ ‫ومع ّ‬ ‫ً‬ ‫إضافة اىل َّأن املسألة التبشريية‬ ‫كل ثقافة‪.‬‬ ‫نظر إليها يف إطار ديين ّْ‬ ‫مل َي ُع ْد ُي ُ‬ ‫حبت‪ ،‬وإمنا يف‬ ‫ٍ‬ ‫سياق التطور اإلجتماعي واالقتصادي والثقايف‬ ‫للبلدان األفريقية واآلسيوية”‪ .‬نظراً ِلكون‬ ‫إنتشار املسيحية فيها عقب قرون من اإلحتالل‬ ‫الغربي قد ّ‬ ‫متخ َض عنه واقع اإلنتقال التدرجيي‬ ‫ملركز املسيحية بإجتاه العامل غري االورب��ي‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫“أصبحت يف ُحكم املاضي تلك األزمنة‬ ‫حبيث‬ ‫ُ‬ ‫الغرب فيها يمُ ّث ُل مركز الكنيسة‪....،‬‬ ‫اليت كان‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫كثري من‬ ‫وبدال من ذلك صارت الكاثوليكية يف ٍ‬ ‫ً‬ ‫مرتبطة بالكنائس الناشئة يف البلدان‬ ‫احلاالت‬ ‫النامية”(‪.)31‬‬ ‫أم��ا النوع الداخلي من البواعث ال�تي تدفع‬ ‫الكنائس املسيحية الغربية للحوار مع الديانات‬ ‫األخ���رى‪ ،‬فقد ع�َّب�رَّ عنها ال�لاه��وت��ي االملاني‬ ‫جوتفرايد كونزلن (‪ )J. Conzlen‬يف قوله‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ثقافة‬ ‫وس��ط‬ ‫“حن��ن نعيش بصورة متزايدة‬ ‫ٍ‬ ‫متعددة االديان‪ ...‬ومعنى ذلك بالنسبة للفئات‬ ‫الدينية املسيحية إنها َ‬ ‫فق ْ‬ ‫دت إحتكارها الديين‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أصبحت الكنيسة واملسيحية نفسها جمرد‬ ‫فقد‬ ‫خيار واحد للسلوك الديين من بني خيارات‬ ‫ٍ‬ ‫أُ‬ ‫ّ‬ ‫تعددية‬ ‫حنو‬ ‫اإلجتاه‬ ‫هذا‬ ‫زز‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫وإذا‬ ‫‪...‬‬ ‫خرى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫دينية جوهرية‪ ،‬فإنه ينطوي على فقدان‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫الدين‬ ‫املسيحية ملكانتها الثقافية بوصفها‬ ‫السائد يف اوربا‪ ...،‬الذي ّ‬ ‫سلطة‬ ‫إكتساب‬ ‫متك َن من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫ّ‬ ‫والتغلب بصور ٍة شبه ّ‬ ‫تامة على مجيع‬ ‫حصرية‬ ‫وأعتقد بأننا مل ُن ِ��دركْ‬ ‫ُ‬ ‫األدي��ان السابقة‪....،‬‬ ‫ّ‬ ‫سيتمخ ُض عن هذا ُّ‬ ‫التغري حنو‬ ‫بعد‪ ...‬ما الذي‬ ‫(‪)41‬‬ ‫ّ‬ ‫التعددية الدينية)) ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حقيقة هذا املنظور ِّ‬ ‫جيسد اىل ٍّ‬ ‫حد كبري واقع حال‬ ‫القلق الكنسي جتاه قضية الت ّعددية الدينية‪،‬‬ ‫وحرية االعتقاد املكفولة بالقوانني الوضعية‬ ‫واملتنافية م��ع طبيعة املسيحية الغربية‬ ‫نفسها‪ ،‬وتفسري ذلك ميكن ْأن يرجع اىل طبيعة‬ ‫وممارسته العملية‪ .‬إذ تستند‬ ‫بنائها الفكري‬ ‫ِ‬ ‫املسيحية الغربية على ثالث ركائز مرتابطة‬ ‫عند رؤيتها لذاتها وغري جماهلا اجلغرايف‪ .‬أُوىل‬ ‫ّ‬ ‫“ح ِّس الوحدة” أي الشعور‬ ‫الركائز‬ ‫متمث ٌلة يف ِ‬ ‫بوحدة اجلماعة املسيحية دون ان تكون َمشوبةً‬ ‫قي ذلك “ما ِث ًال‬ ‫باإلختالف العقيدي‪ ،‬وقد َب َ‬ ‫َ‬ ‫طويل من الزمن يف اجملتمع املسيحي‬ ‫��د‬ ‫ألم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بأسر ِه‪ ،‬لدى البيزنطيني ً‬ ‫أوال ثم يف الغرب‪...،‬‬ ‫َ‬ ‫ول ْن ُت ِّق َر الكنيسة حبدوث القطيعة وبإستمرار‬ ‫اجلماعات غري املسيحية اال يف اجملمع الفاتيكاني‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫“احلاجة اىل‬ ‫الركيزة الثانية فهي‬ ‫الثاني”‪ .‬أما‬ ‫نشر الرسالة والتبشري” حتى يغدو هناك ٌ‬ ‫“إله‬ ‫واحد يف السماء وامرباطو ٌر ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واحد على األرض‪.‬‬ ‫وعلى هذا النحو َسترُ او ُد اآليديولوجية املسيحية‬ ‫تمث ُلة لرتاث اإلمرباطورية الرومية‪ُ ...‬‬ ‫املُ ّ‬ ‫احل َلم‬ ‫ً‬ ‫قاطبة‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫تأس َر َ‬ ‫تدخ َلها يف‬ ‫ألباب الشعوب‬ ‫وأن ِ‬ ‫بأن ِ‬ ‫إقرتن ذلك ً‬ ‫إنسانية املسيح”‪ ،‬وقد َ‬ ‫دوما بشعور‬ ‫َ‬ ‫ليمتزج الح��ق ً��ا م��ع الشعور‬ ‫التف ّوق ال��دي�ني‬ ‫بتف ّو ِق الغرب‪ .‬أما الركيزة الثالثة فهي الدفاع‬ ‫ً‬ ‫داخليا‪ ،‬حبيث أَ ْ‬ ‫خذت هذه‬ ‫عن العقيدة والسيما‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫“تتعاظم طرديا مع اشتداد احلاجة اىل‬ ‫احلاجة‬ ‫الوحدة منذ ْأن ّ‬ ‫إحتد ْت الكنيسة والدولة يف إطار‬


‫إجتماعي قانوني واح��د‪ ...،‬فصا َر ُ‬ ‫إحنراف‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫عن العقيدة الرمسية يعتبرَ ُ َم ً‬ ‫ساسا بالنظام‬ ‫ً‬ ‫فضيلة من‬ ‫العام‪ ...،‬وغدا عدم التسامح الديين‬ ‫(‪)51‬‬ ‫فضائل الدولة”‪ً ،‬‬ ‫وفقا لتعبري جورج قرم ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هذه الركائز الثالث تكمن ِح��دة فاعليتها يف‬ ‫ُ‬ ‫“مرتابطة فيما بينها بوشائج ال َ‬ ‫تنف ِصم‪.‬‬ ‫إنها‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تب ُع احلاجة اىل نشر‬ ‫فالتطل ُع اىل الوحدة َيست ِ‬ ‫الرسالة وض��رورة فرض إحرتام العقيدة على‬ ‫اجلميع‪ .‬وإحرتام العقيدة َ‬ ‫يدع ُم بدوره وحدة‬ ‫اجملتمع املسيحي‪ ،‬ثم َّأن ت ّو ُس ُع الوحدة عن طريق‬ ‫ّ‬ ‫جانبه‬ ‫التوسع يف النشاط التبشريي يستلز ُم من‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫مبثابة قاسم ُمشرتك‬ ‫التمس َك بعقيد ٍة تكون‬ ‫ِ‬ ‫الداخلة يف ح��وزة املسيحية‪.‬‬ ‫جلميع الشعوب‬ ‫ِ‬ ‫القديس ُبطرس عن القول مقتبساً‬ ‫“ولن يحُ ج َم ّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يف أرجح الظن عن اليهودية‪ ..،‬بأن اإلنتماء اىل‬ ‫وح��د ُه َ‬ ‫ُ‬ ‫الق ُ‬ ‫مني‬ ‫اجلماعة الدينية النبوية هو‬ ‫ِ‬ ‫برفع اإلنسان اىل ما فوق احلالة الرببرية‪...،‬‬ ‫ِ‬ ‫ومثل هذا ّ‬ ‫التصور للعامل والنظام االجتماعي‬ ‫كان من ّ‬ ‫احملتم ْأن تكون له آث��ا ٌر خطرية على‬ ‫العالقات بني اجلماعات الدينية داخل احلاضرة‬ ‫املسيحية”(‪.)61‬‬ ‫وبناءاً عليه فإن كونزلن قد يكون ُم ً‬ ‫صيبا يف‬ ‫إبدائه القلق بصدد التعددية الدينية‪ ،‬ألن‬ ‫ق��وة املسيحية الغربية وربمَّ��ا َّأي��ة دي��ان ٍ��ة أو‬ ‫ً‬ ‫متج ً‬ ‫آيديولوجية أُخ��رى تكون ّ‬ ‫ع��ادة يف‬ ‫سدة‬ ‫ّ‬ ‫التمركز الديين وإستمرارية توليده بتشويه‬ ‫مالمح غريها داخ��ل دائرتها اجملتمعية‪ .‬وإذا‬ ‫كان قبول املسيحية الغربية للتعددية الدينية‬ ‫ً‬ ‫نامجا عن واقع حال ْ‬ ‫ُ‬ ‫آلت اليه‬ ‫وحرية اإلعتقاد‬ ‫قرون من االنشقاقات واحلروب املذهبية‪،‬‬ ‫عقب ٍ‬ ‫فإن َ‬ ‫َّ‬ ‫قبول الوضع عينه داخل جماهلا اجلغرايف‬

‫واجملتمعي مع األدي��ان ُ‬ ‫األخ��رى وباألخص ذات‬ ‫القابلية على اإلنتشار ال يعين اال ُخسرانها‬ ‫التدرجيي جملاهلا‪ .‬ويبدو َّأن هذا َ‬ ‫ٌ‬ ‫ناجم‬ ‫القلق‬ ‫عن إرتفاع تدفق الظاهرة اإلسالمية يف ُعمق‬ ‫احلضارة الغربية‪ ،‬إذ ُي ّقد ُر عدد املسلمني يف دول‬ ‫االحتاد االوربي مبا يزيد على (‪ )20‬مليون نسمة‬ ‫ويشكلون نسبة ‪ %6‬من جمموع السكان‪ .‬حبيث إن‬ ‫ّ‬ ‫والتجن ُس أو الدعوة‬ ‫إزديادهم املتواصل باهلجرة‬ ‫ْ‬ ‫جعلت أعدادهم‬ ‫الدينية أو الزيادة الطبيعية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تفوق اعداد الربوتستانت واليهود معا يف أربع‬ ‫دول كاثوليكية‪ ،‬هي‪ :‬فرنسا وايطاليا وإسبانيا‬ ‫كذلك رومانيا(‪ ،)71‬واذا جمُ ع هذا العدد مع عدد‬ ‫فحينئذ نغدو‬ ‫املسلمني يف شرق اوربا والبلقان‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)81‬‬ ‫أمام قرابة ‪ %10‬من سكان أوروبا ‪.‬‬ ‫وما ُي ّعزز ّ‬ ‫توط َن القلق على الصعيد السياسي‬ ‫ً‬ ‫ايضا تقرير “املعهد امللكي للشؤون الدولية يف‬ ‫لندن”‪ ،‬الصاد ُر عام ‪ ،1992‬إذ يؤكد بهذا الصدد‬ ‫إن اإلس�لا َم قد كان “بالنسبة لألوربيني ً‬ ‫دائما‬ ‫موضوع َ‬ ‫حذر‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ولكن ُه مل َي ُع ْد ظاهرة بعيدة‪ُ ...‬‬ ‫إنه‬ ‫ّ‬ ‫يشك ُل جزءاً من الواقع الثقايف الذي يمُ ّي ُز األحياء‬ ‫الفقرية ّ‬ ‫جداً يف بعض مدن اوربا الغربية‪ ...،‬فقد‬ ‫َّ‬ ‫الباب اخللفي‪ ...‬وهو اآلن‬ ‫تسلل عدو األمس من ِ‬ ‫بصدد حتريك وإنعاش األوهام الالعقالنية‪ ،‬اليت‬ ‫مت إعدا ُدها على مدار قرون‪ :‬اجلهاد ِض ّد ّ‬ ‫َّ‬ ‫الكفار‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واالميان بالت ّعصب”(‪.)91‬‬ ‫اإلقتناع بالقدر‬ ‫وبالتالي‬ ‫تفاقم ِح ّدةَ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وتبعا لذلك أضحى من املنطقي فهم‬ ‫اخلوف من إنتشار اإلسالم داخل الغرب ذاته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وخباصة َّأنُ��ه ُيفضي اىل تصعيد حالة ّ‬ ‫التوتر‬ ‫الديين ما بني املسيحيني الغربيني واملسلمني‬ ‫حتديداً داخ��ل اجمل��ال الغربي بفعل موجات‬ ‫ً‬ ‫فضال على‬ ‫اهلجرة البشرية والدعوة الدينية‪.‬‬ ‫‪243‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪244‬‬

‫كون مثل هذا الوضع الدميغرايف – العقيدي‬ ‫��ال من التفاعل مع امل��وروث الثقايف‬ ‫بات يف ح ٍ‬ ‫ً‬ ‫عن اإلسالم والذي َّ‬ ‫يتميز أصال بالتش ّوه بفعل‬ ‫مؤسسات اإلستشراق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ُ -‬مبتغى احلوار مع غري املسيحيني وآليات‬ ‫تنفيذ ِه ‪:‬‬ ‫من الصعوبة مبكان بيان كون مفهوم احلوار‬ ‫إتصال وثيق مبفهوم التنصري‪،‬‬ ‫بني األديان على‬ ‫ٍ‬ ‫وإن ْ‬ ‫ْ‬ ‫كانت طبيعة الدوافع اليت أوجدت احلوار‬ ‫أشارت ً‬ ‫نوعا ما اىل قيام هذا اإلتصال سواءاً‬ ‫ْ‬ ‫قد‬ ‫ً‬ ‫لدى الربوتستانت أو الكاثوليك‪ .‬ونظرا ِلكون‬ ‫مفهوم احلوار بني األديان قد أُستخدم من قبل‬ ‫باب أوىل‬ ‫الربوتستانت باديء ذي بدء‪ ،‬لذلك فمن ٍ‬ ‫الشروع مبا يعنيه احلوار لديهم‪ .‬ويلحظ بهذا‬ ‫اخلصوص َّأن فكرة احلوار قد أُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫نظريا‬ ‫ستخدمت‬ ‫مرة عام ‪ 1949‬من قبل املُ ِّ‬ ‫وألول ّ‬ ‫نصر هنري نوسلي‬ ‫‪ Henry Nossle‬يف كتابه املعن َون “احلوار‬ ‫ً‬ ‫تقليديا‬ ‫مع اإلسالم”‪ .‬بيد َّأن طاب َع ُه العام ظل‬ ‫بصد ِد آلية انتهاج احل���وار‪ .‬وحبكم الدوافع‬ ‫مسبقة الذكر عمد جملس الكنائس العاملي بني‬ ‫عامي ( ‪ )1970 – 1955‬اىل إجراء دراسات متهيدية‬ ‫ْ‬ ‫ومحلت عنوان “كلمة اهلل‬ ‫يف هذا الشأن حتديداً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫التوجه‬ ‫وحياة اإلنسان العقيدية”‪ .‬إال َّأن هذا‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫حنو‬ ‫اجلديد َ‬ ‫لقي معارضة داخلية‪ ،‬برزت على ٍ‬ ‫َ‬ ‫تمَ‬ ‫جلي يف مؤ ري اجمللس اللذين ُع ِقدا يف نريوبي‬ ‫بكينيا عام ‪ 1975‬وفانكوفر بأملانيا عام ‪.1983‬‬ ‫حيث عارضت األصولية الربوتستانتية انتهاج‬ ‫َ‬ ‫“خيان ًة للرسالة‬ ‫احلوار مع املسلمني‪ ،‬واعتربته‬ ‫(‪)02‬‬ ‫ً‬ ‫املسيحية ً‬ ‫مفتوحا أمام التوليف” ‪ ،‬ويبدو‬ ‫وبابا‬ ‫َّأن هذه اخلالفات الداخلية قد ّ‬ ‫أستق ْ‬ ‫رت على رأي‬

‫الالهوتي دانيال بروسرت ‪،Danial Proster‬‬ ‫لدن اجمللس‬ ‫الذي بينّ َ معنى احلوار املنتهج من ِ‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫وسيلة لكشف معتقدات‬ ‫“إن احل��وا َر ال��ذي هو‬ ‫ُ‬ ‫بداية شرعية‬ ‫نقطة‬ ‫شخص آخ��ر‪،‬‬ ‫وحاجات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫للتنصري‪ ،‬وقد أستخدمت على هذا النحو منذ‬ ‫ُ‬ ‫يستطيع املُ ِّ‬ ‫نصرون أن ي ُبدوا‬ ‫عهد املسيح‪ .‬وال‬ ‫َّأي إنتقا ٍد ملفهوم احلوار يف هذا اجملال‪ .‬إذن جيب‬ ‫ْأن َ‬ ‫َ‬ ‫املصطلح ونخُ ّط ُط‬ ‫نسأل كما نف َه ُم حنن هذا‬ ‫ً‬ ‫مسموحا لنا أم غري‬ ‫إلستخدامه‪ّ ،‬عما إذا كان‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫مسموح يف هذه احمل��اورة ألن نسعى إلستمالة‬ ‫األش��خ��اص اىل وج��ه ِ��ة نظر أُخ���رى‪ .‬واذا كان‬ ‫ً‬ ‫مسموحا لنا بذلك‪ ،‬فإن َ‬ ‫أسئلتنا التالية جيب ْأن‬ ‫َ‬ ‫وظيفة احملاورة يف عملية التنصري‪ .‬أما‬ ‫تكون عن‬ ‫ِ‬ ‫األمر كذلك‪ ،‬فيجب ْأن َ‬ ‫اذا مل يكن ُ‬ ‫حبماسة‬ ‫نسأل‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫نصرين ْأن ّ‬ ‫متجددة‪ ،‬كيف جيب على امل ّ‬ ‫يتصلوا‬ ‫حميط يتم تأسيس قاعدة‬ ‫باملسلمني ويف ِّأي‬ ‫ٍ‬ ‫التنصري؟»(‪.)12‬‬ ‫ّ‬ ‫ويتض ُح من ذلك كون صلة احل��وار بالنشاط‬ ‫ً‬ ‫عقيديا‬ ‫التنصريي ِص ٌلة أصيلة‪ ،‬تستقي أهميتها‬ ‫من أهمية النشاط التنصريي وعلى النحو الذي‬ ‫أبان ُه ج��ورج ُق��رم ُم ً‬ ‫َ‬ ‫سبقا‪ .‬حبيث َّأن الوثائق‬ ‫الصلة‬ ‫جانب آخر ُتش ُري اىل هذه ِ‬ ‫الكاثوليكية من ٍ‬ ‫حيت ِم ُل التأويل‪ .‬فابتداءاً‬ ‫وأهميتها بشكل ال ّ‬ ‫ً‬ ‫“م ّه ً‬ ‫جندها تعت ُرب التنصري ُ‬ ‫متواصلة على‬ ‫مة‬ ‫ُ‬ ‫فالكنيسة ترو ُم من خالهلا نشر‬ ‫مدار التاريخ‪،‬‬ ‫مهمة املسيح نفسه‪ ...،‬و ِلكون ال��روح ُ‬ ‫القدس‬ ‫يحُ ّ ِفز الكنيسة على إجنازها َ‬ ‫فمن الواجب عليها‬ ‫ً‬ ‫تبعا لذلك الس ُري يف الطريق نفسه الذي سار عليه‬ ‫املسيح”‪ .‬مع األخذ يف ُ‬ ‫احلسبان َّ‬ ‫“أن تن ّو َع االوضاع‬ ‫سر ممارسة هذا الواجب‬ ‫والظروف ُيفضي اىل ت ّع ِ‬


‫مسالك‬ ‫بالطريقة عينها‪ .‬مما يقتضي ذلك إجيا َد‬ ‫ٍ‬ ‫خمتلفة يف األداء دون املَساس بصميم الطبيعة‬ ‫املهمة‪ .‬بل ال ُب ّد أن ّ‬ ‫الداخلية هلذه ّ‬ ‫تتمخض هذه‬ ‫املهمة عن الظروف احمليطة ذاتها ال�تي ّ‬ ‫تت ُم‬ ‫ٌ‬ ‫تتعل ُق ً‬ ‫ظروف ّ‬ ‫تارة‬ ‫فيها عملية املمارسة‪ ،‬وهي‬ ‫بالكنيسة وتارة أُخرى بالشعوب أو اجلماعات‬ ‫وحتى األفراد الذين تستهدفهم هذه املهمة”(‪.)22‬‬ ‫تأسيسا على ذلك‪ ،‬يغدو احلوار ً‬ ‫ً‬ ‫وفقا هلذا املنظور‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫كونه أُ ً‬ ‫َ‬ ‫فرض ُ‬ ‫ته‬ ‫مستحدثا‬ ‫سلوبا‬ ‫متمث ًال يف‬ ‫ِ‬ ‫الظروف احمليطة بالكنيسة ونشاطها التنصريي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫املسيح َ‬ ‫نفس ُه ق��د حب��ث يف قلوب‬ ‫“ حيث َّأن‬ ‫الناس وقادها اىل النور االهلي من خالل احلوار‬ ‫اإلنساني الصحيح‪ .‬لذلك فإن أنصا َر املسيح‬ ‫جيب عليهم ً‬ ‫الذين ختللت ُهم روح املسيح ُ‬ ‫أيضا ْأن‬ ‫َيعرفوا الناس الذين يعيشون بينهم ْ‬ ‫وأن ُيقيموا‬ ‫ً‬ ‫إتصاال معهم‪ ،‬حتى يكون مبستطاعهم من خالل‬ ‫احلوار املخلص والصبور الت ّع ُر َف على الكنوز‬ ‫قسمها ُ‬ ‫الوافرة اليت ّ‬ ‫اهلل ما بني األمم‪ ،‬ولكن يف‬ ‫الوقت ذاته ُ‬ ‫جيب أن َن َد َعهم يقومون مبحاولة‬ ‫إن��ار ِة تلك الكنوز بضو ِء اإلجنيل‪ ،‬لتحريرهم‬ ‫نقذهم”‪ .‬و ِلكون‬ ‫ووضعهم حتت هيمنة اهلل ُم ِ‬ ‫األم��م يف حاجة للسالم “ف��إن الكنيسة َت َ‬ ‫رغ ُب‬ ‫خ�لال احل��وار ال ِ��و ّدي‬ ‫بتلبية هذه احلاجة من‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫جالبة هلم السالم وض��و َء اإلجن��ي��ل”(‪َ .)32‬‬ ‫“ألن��هُ‬ ‫مبوجب رسالتها التبشريية ُ‬ ‫جيب على الكنيسة‬ ‫َ‬ ‫تسليط ضوء اإلجنيل على العامل بأسر ِه‪ ،‬ولكي‬ ‫جتمع كل الناس حتت سقف واحد ّ‬ ‫َ‬ ‫بغ ِض النظر‬ ‫عن إنتماءات العرق أو القومية أو الثقافة‪َّ ،‬‬ ‫فإن‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أج��ل إجن��از هذه‬ ‫الكنيسة تسعى جاهدة من ِ‬ ‫ُ‬ ‫األخوة اليت تمُ ِّك ُن من الشروع يف احلوار األمني‬ ‫ّ‬ ‫والتجدد”(‪.)24‬‬ ‫وتعطيه املزيد من الفاعلية‬ ‫ِ‬

‫ولكن ً‬ ‫َ‬ ‫آلية ّ‬ ‫وفقا َّ‬ ‫مقصد احلوار؟‬ ‫حتقيق‬ ‫يت ُم‬ ‫ِ‬ ‫ألي ِة ٍ‬ ‫ميكن القول بكون َ‬ ‫آلية حتويل اهلدف اىل صعيد‬ ‫ُ‬ ‫تتضمن ِع ّ��دة مؤسسات كاثوليكية‬ ‫املمارسة‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وبروتستانتية ت ُ‬ ‫باشر أنشطتها أتساقا مع انواع‬ ‫احلوار‪ .‬حيث َّأن احلوار يف منظورهم ال يشمل‬ ‫ُ‬ ‫املسلمني فحسب‪ ،‬بل تمَ ّ‬ ‫تصنيف ُه من َلُ��د ِن‬ ‫الكنيسة الكاثوليكية حتديداً اىل ِع ّدة أنواع ً‬ ‫تبعا‬ ‫لديانة «اآلخر»‪ ،‬ول ّعل من أهمها اآلتي ذكر ُه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ويتعلقُ‬ ‫‪1‬احلوار داخل النطاق املسيحي‬ ‫‪1‬‬‫وحتديد اإلختالفات املذهبية ما بني‬ ‫بتمييز‬ ‫ِ‬ ‫بقصد اإلحتاد‪.‬‬ ‫الكنائس املسيحية‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬احلوار مع كافة املؤمنني غري النصارى‬ ‫‪2‬‬‫ُ‬ ‫ويشمل املسلمني واليهود‪.‬‬ ‫‪3‬احلوار مع اصحاب الديانات ُ‬ ‫األخرى(‪.)52‬‬ ‫‪3‬‬‫ً‬ ‫وتبعا هلذه االن��واع ميكن توضيح آلية العمل‬ ‫مبؤسساته َ‬ ‫الكنسية‪ .‬حيث َّأن اهليئات‬ ‫مبتدئني‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫موزعة بني جملس‬ ‫الصلة باحلوار‬ ‫الرئيسة ذات ِ‬ ‫الكنائس العاملي والكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬وإذا‬ ‫إبتدأنا مبا يخَ ُّ ص جملس الكنائس العاملي‪ ،‬نجَ د ُه‬ ‫تأسيسه عام ‪ 1948‬وهو ُم ّ‬ ‫هت ُم بهذه القضية‬ ‫منذ‬ ‫ِ‬ ‫ضمن نطاق جلنة “النشاط الرسولي ونشر‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫جلنة‬ ‫إنبثقت عنها‬ ‫البشارة اإلجنيلية”‪ .‬ثم‬ ‫ّ‬ ‫إختصت بقضية “احل��وار مع‬ ‫فرعية عام ‪1971‬‬ ‫أصحاب املعتقدات واآليديولوجيات املعاصرة”‪،‬‬ ‫وق��د ّ‬ ‫إخت ْ‬ ‫���ذت من جنيف ُمستقراً هلا ٍلت َع َمد‬ ‫اىل ت��وزي��ع أنشطتها على قسمني‪ ،‬أحدهما‬ ‫ٌ‬ ‫بإقامة العالقات مع اإلسالم واآلخر مع‬ ‫معين‬ ‫ِ‬ ‫اليهودية(‪.)62‬‬ ‫وي��رج ُ��ع تاريخ أول مؤمتر مسيحي إسالمي‬ ‫القسم ّ‬ ‫َع َ‬ ‫املختص اىل عام ‪ ،1982‬وإنعقد‬ ‫قد ُه هذا ِ‬ ‫ُ‬ ‫وتعليل هذا‬ ‫يف مدينة كولومبو بسرييلنكا(‪.)72‬‬ ‫‪245‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪246‬‬

‫التعثر يف املمارسة على صعيد احلوار الثنائي مع‬ ‫متجس ٌد يف معارضة ُ‬ ‫اإلسالم حتديداً‬ ‫ّ‬ ‫األصولية‬ ‫ْ‬ ‫جنحت يف‬ ‫الربوتستانتية‪ ،‬اليت من الواضح أنها قد‬ ‫إلغاء جلنة احلوار وحتويل قسمها ُ‬ ‫املعين باإلسالم‬ ‫اىل الصعيد غري العقيدي‪ .‬بغية جتنب الشروع‬ ‫يف التوليف بني الديانتني املسيحية واإلسالم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ودليل ذلك اإلصالحات اليت أُجريت يف اللجنة‬ ‫ذاتها بداية التسعينات وباألخص فيما ّ‬ ‫يتص ُل‬ ‫باحلوار مع املسلمني‪ ،‬فقد أصبح نشاطها ً‬ ‫واقعا‬ ‫ضمن إطار العالقات الدولية ال الدينية (‪.)82‬‬ ‫أما تنظيمات الكنيسة الكاثوليكية فهي اكثر‬ ‫موز ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تن ّو ً‬ ‫قياسا اىل األوىل‪ ،‬إذ إنها ّ‬ ‫عة‬ ‫ورسوخا‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫تبعا ألن��واع احل��وار حبيث ّ‬ ‫مباشرة هذا‬ ‫يتم‬ ‫ّ‬ ‫متمث ٌل‬ ‫النشاط من خالل تنظيمني‪ :‬اوهلما‬ ‫ْ‬ ‫تأسست عام‬ ‫«بأمانة ِس ّر إحتاد املسيحيني»‪ ،‬وقد‬ ‫للكرسي البابوي مباشرةً‬ ‫اضحت ً‬ ‫تابعة ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ 1960‬ثم‬ ‫أنشطته‬ ‫عام ‪ ،1962‬ويقوم باإلشراف على َس ِري‬ ‫ِ‬ ‫تبة كاردينال‪ّ .‬‬ ‫ُ‬ ‫رجل دين ُ‬ ‫وترتكب هذه اهليئة‬ ‫بر ِ‬ ‫ً‬ ‫إداريا من قسمني؛ ُ‬ ‫أحدهما ٌّ‬ ‫معين بقضية احلوار‬ ‫ُ‬ ‫يباشر‬ ‫واإلحتاد مع الكنائس الغربية‪ ،‬واآلخر‬ ‫العملية ذاتها مع الكنائس الشرقية‪ .‬ولذلك‬ ‫فإن «أمانة ِس ّر إحتاد املسيحيني» أشبه ما تكون‬ ‫جبهة تنسيقية بني «جممع الكنائس الشرقية»‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)92‬‬ ‫َ‬ ‫عمدُ‬ ‫و»جممع نشر االميان» ‪ ،‬ويف الوقت عينه ت َ‬ ‫اىل التنسيق مع القسم الثاني أال وهو “أمانة ِس ّر‬ ‫ْ‬ ‫تأسست عام ‪1964‬‬ ‫الديانات غري املسيحية”‪ ،‬اليت‬ ‫للعمل بروح تصريح اجملمع الفاتيكاني الثاني‬ ‫ِ‬ ‫مسبق الذكر(‪.)03‬‬ ‫َّ‬ ‫وتتكون “أمانة ِس ّر الديانات غري املسيحية” من‬ ‫ثالثة أقسام‪ ،‬األول للشؤون اإلسالمية والثاني‬ ‫ٌ‬ ‫فمعين بشؤون‬ ‫للشؤون البوذية أم��ا األخ�ير‬

‫الديانات األفريقية‪ .‬و ُي َ‬ ‫الحظ بهذا الصدد َّأن‬ ‫َ‬ ‫القسم اخلاص باليهودية يقع اليوم ضمن إطار‬ ‫اهليئة األوىل اخلاصة باالحتاد‪ ،‬أي “أمانة ِس ّر إحتاد‬ ‫املسيحيني” ‪ُ .‬‬ ‫ومنذ عام ‪ّ 1974‬‬ ‫إختذ قسم الشؤون‬ ‫اإلسالمية َ‬ ‫جلنة متمت ّعة بالنشاط الذاتي‪،‬‬ ‫شكل ٍ‬ ‫رئيسها هو أمني عام اهليئة و ُيعاونه االعضا ُء‬ ‫الدائمون وه��م أغلبية الكرادلة واالساقفة‬ ‫ً‬ ‫إضافة اىل َ‬ ‫أحد عشر‬ ‫لدان آسيا وأفريقيا‪،‬‬ ‫من ُب ِ‬ ‫ً‬ ‫مستشرقا (مستشاراً) غري دائمي العضوية ّ‬ ‫ويت ُم‬ ‫إنتخابهم ملدة ‪ 5‬سنوات(‪.)13‬‬ ‫وقد يتبا َد ُر اىل الذهن َّإن ّ‬ ‫التشت ْت يف األدا ِء ٌ‬ ‫قائم‬ ‫ال حمالة بني هذه اهليئات بأقسامها املتنوعة‬ ‫اإلنتماء‪ ،‬لكن الواقع يجُ لي ما هو خالف ذلك‪ .‬ألن‬ ‫ُ‬ ‫تباشر عملية التخطيط والتنسيق‬ ‫اجلهة اليت‬ ‫بأنواعه قد تمَ َّ إنشاؤها‬ ‫يف مم��ارس ِ��ة احل��وار‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تالفيا لإلضطراب منذ عام ‪ ،1965‬وت َعرف بإسم‬ ‫َ‬ ‫املختلطة”‪ .‬وهي حبكم طبيعة عملها‬ ‫“اللجنة‬ ‫ُ‬ ‫ُت ّع ُد مبثابة العقل امل ِّ‬ ‫نسق حلركات األط��راف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫متخصصا‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫��ب من ‪ 14‬عضواً‬ ‫وت�ترك ُ‬ ‫ستة من‬ ‫الربوتستانت وإثنان من االرثوذكس ميثلون‬ ‫جملس الكنائس العاملي فيها‪ ،‬أما الستة الباقون‬ ‫فيمثلون الكنيسة الكاثوليكية‪ .‬ويقو ُم اجلميع‬ ‫بوظيفة إعداد الدراسات املعنية باحلوار ً‬ ‫تبعا‬ ‫ِ‬ ‫أطرافه بالتنسيق مع املؤسسات‬ ‫لنوعيته وعدد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الصلة‪ ،‬فضال على تطوير وإبتكار السبل‬ ‫ذوات ِ‬ ‫الكفيلة بإجناز “التعاون احلقيقي امللموس بني‬ ‫الكنيسة الكاثوليكية وجملس الكنائس العاملي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كإغاثة‬ ‫وخاصة يف ميدان اخلدمات اإلجتماعية‬ ‫ِ‬ ‫املنكوبني ومساعدة امل َعوزين”(‪.)23‬‬ ‫ويف ضوء املتقدم ُ‬ ‫بيانه‪ ،‬تغدو آلية عمل مؤسسات‬ ‫احلوار ُّ‬ ‫جد بسيطة بوجود هذه اللجنة‪ .‬فإذا كان‬


‫ثنائيا وتروم الكنيسة ً‬ ‫ً‬ ‫مثال عقد مؤمتر‬ ‫احلوار‬ ‫ً‬ ‫مع املسلمني رمسيا أي على الصعيد َ‬ ‫املؤسسي‪،‬‬ ‫تباد ُر “أمانة سر الديانات غري املسيحية” من‬ ‫خالل ِقسمها املعين بشؤون اإلسالم اىل التحضري‬ ‫للمؤمتر‪ ،‬بإعداد جدول أعماله واملواضيع اليت‬ ‫ً‬ ‫إتساقا ومقصدها من‬ ‫تسعى الكنيسة اىل طرحها‬ ‫وراء احلوار‪ ،‬وذلك من خالل التعاون مع اللجنة‬ ‫املختلطة‪ .‬حيث ُ‬ ‫تعمد األخرية اىل إعداد الدراسات‬ ‫واملواضيع َ‬ ‫بشكليها العقيدي والعملي بالتعاون‬ ‫مع مؤسسة اإلستشراق‪ً ،‬‬ ‫فضال عن ترشيح ذوي‬ ‫اخل�برة وال��دراي��ة لإلشرتاك يف أعمال املؤمتر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وشاهد ذلك إن معظم املسيحيني املشاركني يف‬ ‫أعمال مؤمترات احلوار اإلسالمي‪ -‬املسيحي‪ ،‬إما‬ ‫ُهم من الالهوتيني ذوي اإلختصاص بالعقيدة‬ ‫االس�لام��ي��ة أو م��ن املستشرقني ذوي اخل�برة‬ ‫وشعوب مع ّينة داخل العامل‬ ‫بدراسة مناطق‬ ‫ٍ‬ ‫اإلس�لام��ي(‪ .)33‬ويبدو َّأن ُ��ه عقب إنتهاء اعمال‬ ‫املؤمتر ّ‬ ‫حمصالته اىل اللجنة املختلطة‬ ‫يتم إرجاع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫جمدداً‪ ،‬لكي ّ‬ ‫إطالع اجمللس على‬ ‫يتم من خالهلا‬ ‫درجة النجاح أو الفشل يف بلوغ مقاصد احلوار‬ ‫ُبغية أخذها يف ُ‬ ‫احلسبان‪ ،‬إضافة اىل التواصل‬ ‫ّ‬ ‫واملنصرين‪ ،‬وذل��ك من‬ ‫مع الكنائس احمللية‬ ‫خ�لال املشاركة يف ترتيب لقاءاتها وندواتها‬ ‫مع املسلمني ضمن املناطق امل��راد تنصريها‪.‬‬ ‫لتعود حصيلة ذلك جمد ّداً اىل اللجنة املختلطة‬ ‫ً‬ ‫متفرعة منها صوب جملس الكنائس العاملي‬ ‫والكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬ ‫وما يؤكد رسوخ عملية التنسيق املتبادل مع‬ ‫مؤسسة اإلستشراق والكنائس احمللية ما او َردته‬ ‫وثائق اجملمع الفاتيكاني الثاني خبصوص احلوار‬ ‫مع غري املسيحيني‪ .‬إذ بالنسبة اىل مؤسسة‬

‫اإلستشراق جند الكنيسة ِّ‬ ‫تشدد على ضرورة‬ ‫“التنسيق مع املؤسسات العلمية املتخصصة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سواءاً‬ ‫املعنية منها بالتنصري أو الدراسات اإلثنية‬ ‫واللغوية والتاريخ وعلم األديان ً‬ ‫فضال على علم‬ ‫اإلجتماع”‪ .‬ألن املستشرقني “من خالل عملهم‬ ‫ُيساعدون ُدع��اة اإلجنيل ويقومون باإلعداد‬ ‫لعملية احلوار مع غري املسيحيني‪ ،‬ولذلك َ‬ ‫تق ُع‬ ‫على عاتقهم مسألة التعاون بروح َ‬ ‫أخوية مع‬ ‫ٍ‬ ‫املسيحيني وغريهم‪ ،‬كذلك مع أعضاء املنظمات‬ ‫الدولية”(‪.)43‬‬ ‫تباش ُر هي‬ ‫مما يعين إن مراكز اإلستشراق ِ‬ ‫ُ‬ ‫حنو ذات��ي ّ‬ ‫منسق‬ ‫األخ��رى عملية احل��وار على ٍ‬ ‫وتبعا لطبيعة إختصاصاتها‪ّ ،‬‬ ‫ول َ‬ ‫ً‬ ‫عل من أكثرها‬ ‫ُّ‬ ‫متيزاً يف ه��ذا اجمل��ال “مركز دراس��ات اإلس�لام‬ ‫والعالقات املسيحية اإلسالمية” يف برمنغهام‬ ‫باململكة املتحدة‪ ،‬ومعهد زومير لدراسة املسلمني‬ ‫ً‬ ‫فضال عن ُكليات ومعاهد الالهوت اليت تقع‬ ‫ّ‬ ‫مقر ُاتها خارج العامل اإلسالمي(‪ ،)53‬أما مثيالتها‬ ‫العاملة يف الداخل والسيما يف البلدان العربية‪،‬‬ ‫فت َع ُ‬ ‫مد بهذا الصدد اىل التعاون مع مؤسسات‬ ‫ً‬ ‫فمثال جامعة القديس يوسف‬ ‫التعليم الغربية‪،‬‬ ‫يف ب�يروت واملعهد الدومينيكاني للدراسات‬ ‫الشرقية يف القاهرة‪ ،‬كذلك معهد دراسات اآلباء‬ ‫البيض يف تونس‪“ .‬فهذه املؤسسات هي اليوم‬ ‫ليست مراكز ضخمة لإلستشراق فقط ولكنها‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫مفاصل رئيسة للحوار املسيحي اإلسالمي”‪،‬‬ ‫أيضا‬ ‫على َح ِّد تعبري أليكسي جورافسكي(‪.)63‬‬ ‫دور الكنائس احمللية‪َّ ،‬‬ ‫فإن اجملمع‬ ‫أما بالنسبة اىل ِ‬ ‫“م َلز ٌ‬ ‫الفاتيكاني الثاني ُي ِّ‬ ‫شد ُد على كونها ُ‬ ‫مة‬ ‫بتجسيد عاملية الكنيسة بأكرب قدر ممكن”‪،‬‬ ‫“وجي ُ‬ ‫��ب أن يكون قساوستها ّ‬ ‫متسمني خباصية‬ ‫‪247‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪248‬‬

‫التك ّيف‪ ...‬و ِلكون الناس يف مناطق تواجدها‬ ‫يتزايد إرتباطهم ببعضهم البعض ّ‬ ‫ُ‬ ‫متخذين‬ ‫شكل جتم ّعات‪ ،‬فمن املناسب جداً إعداد ُخطة‬ ‫مشرتكة من خالل املؤمترات الكنسية بصد ِد‬ ‫حال‬ ‫إج��راء احل��وار مع ه��ذه التجمعات”‪ ،‬ويف ِ‬ ‫ُمعارضتهم البد من “التعامل مع هذا الوضع‬ ‫بصورة خ��اص��ة‪ ...،‬و ِل��ن َ��د َع األساقفة َي ُ‬ ‫دعون‬ ‫ّ‬ ‫املبشرين ذوي الكفأة إلجناز هذه‬ ‫اىل كنائسهم‬ ‫املهمة”(‪.)73‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫معظم‬ ‫باشرت‬ ‫وم��ن أج��ل حتقيق ذل��ك‪ ،‬فقد‬ ‫الكنائس االوربية بتشكيل جلان عمل معنية‬ ‫َ‬ ‫التطرق للمشاكل اليت‬ ‫باحلوار‪ ،‬وتبتغي منها‬ ‫ْ‬ ‫فأخذت‬ ‫يطرحها الوجود اإلسالمي داخل أوربا‪.‬‬ ‫هذه الكنائس تعاجل يف لقاءاتها شبه اليومية‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫املتمثل باملعلومات‬ ‫مسائل ع��دي��دة‪ ،‬ومنها‬ ‫اخلاصة باإلسالم يف نظر املسيحيني‪ ،‬وحقوق‬ ‫االقليات اإلسالمية والزواج املختلط (إسالمي‬ ‫مسيحي)(‪.)83‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا ‪ -‬أهداف احلوار اإلسالمي ‪ -‬املسيحي‬ ‫ُ‬ ‫املقصد ب��احل��وار مع غري املسيحيني‬ ‫ْإن ك��ان‬ ‫فإن َ‬ ‫متجسداً بالتنصري‪ّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ثبوت ُه جيب أال يدفع‬ ‫��أن التنص َري هو ُ‬ ‫امل��رء صوب اإلعتقاد ب َّ‬ ‫هدف ُه‬ ‫الوحيد‪ ،‬بل هو اإلط��ار العام الذي حيوي بني‬ ‫ً‬ ‫أهدافا أُخرى‪ِّ ،‬‬ ‫تتس ُق ونوعية الدوافع‬ ‫أضالعه‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أنواع‬ ‫اليت أوج��دت فكرة احلوار وجعلته ذات ٍ‬ ‫تباشرها ٍمؤسسات متكاتفة‪ .‬وميكن تصنيف‬ ‫ه��ذه األه���داف اىل ن��وع�ين ً‬ ‫تبعا ملوقعها من‬ ‫ظاهرة املسيحية الغربية‪ ،‬أوهلما داخلي واآلخر‬ ‫خارجي‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫األول ‪ -‬األهداف الداخلية ‪ :‬وهي موزعة بدورها‬ ‫طرين ً‬ ‫على َش َ‬ ‫تبعا َلنوعي احل��وار الدائر ما‬

‫ب�ين الكنائس املسيحية وامل��ؤس��س��ات ِّ‬ ‫املمثلة‬ ‫«لآلخر»‪ُ .‬‬ ‫أول الشطر َين مت ِع ّل ٌق حصراً بالكنائس‬ ‫َ‬ ‫الغربية‪ ،‬فقد ّ‬ ‫إتض َح مما ّ‬ ‫التنسيق‬ ‫تقد َم ذكر ُه َّأن‬ ‫املتبادل بينها يف جهودها التنصريية داخل‬ ‫ً‬ ‫تنسيقا ناجزاً‬ ‫العامل اإلسالمي حتديداً ال يبدو‬ ‫داخل العامل الغربي‪ ،‬ودليل ذلك ّ‬ ‫تكث ِف حاالت‬ ‫التح ّول املذهيب يف شرق اوربا وأمريكا الالتينية‪،‬‬ ‫بفعل تفاقم أنشطة ُ‬ ‫األصولية الربوتستانتية‬ ‫وإستثمارها الفراغ اآليديولوجي للشيوعية يف‬ ‫كلتا املنطقتني‪ .‬االمر الذي جيعل إنهاء ِّ‬ ‫الشقاق‬ ‫ً‬ ‫املذهيب والقلق املتبادل ً‬ ‫مركزيا للمسيحية‬ ‫هدفا‬ ‫الغربية من احل��وار الداخلي‪ ،‬بغية تنظيم‬ ‫ظاهرتها الدينية وإكسابها املزيد من الفاعلية‬ ‫جانب آخر فإن‬ ‫داخل احلضارة الغربية‪ .‬ومن‬ ‫ٍ‬ ‫إسقاط األنظمة الشيوعية داخ��ل األخ�ير‪ ،‬قد‬ ‫أفضى باحملصلة اىل انتفاء مشوهلا باالستهداف‬ ‫لدن الكنيسة الكاثوليكية حتديداً‪ ،‬عقب‬ ‫من ِ‬ ‫عقو ٍد من العمل املتواصل يف إسقاطها عرب‬ ‫احلركة العاملية لإلحتاد الكنسي‪ .‬لذلك َ‬ ‫بات من‬ ‫ً‬ ‫هدفا على‬ ‫املنطقي أن يكون للكنيسة نفسها‬ ‫الصعيد االوربي ُ‬ ‫يزن ثقل اجلهود اليت بذلتها يف‬ ‫مواجهة الشيوعية‪.‬‬ ‫ويف هذا اخلصوص يرى آنزو باتشي ‪Anzo‬‬ ‫ً‬ ‫رأي���ا ُّ‬ ‫ج��د ّ‬ ‫متحفظ‪ ،‬بإعتقاد ِه َّأن‬ ‫‪Patchi‬‬ ‫الكنيسة الكاثوليكية بعد ع��ام ‪“ 1991‬تبدو‬ ‫بة على لعب دور الوساطة‪ ،‬الذي ما ُ‬ ‫نك ً‬ ‫ُم ّ‬ ‫يزال‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يتأرج ُح بني الرغبة يف اهليمنة‬ ‫حتى اليوم‪...‬‬ ‫ِّ‬ ‫واحلث على إمجاع أخالقي بني الثقافات” داخل‬ ‫اورب��ا(‪ .)93‬وما يش َه ُد على غري هذا الرأي ميكن‬ ‫ُ‬ ‫إشارته‬ ‫تبيانه إستناداً اىل باتشي نفسه‪ .‬وذلك يف‬ ‫ِ‬ ‫اىل َّأن الكنيسة يف ظل البابا يوحنا بولس الثاني‬


‫ْ‬ ‫اشرتكت بفاعلية يف إجناز هذا اهلدف‪،‬‬ ‫ِلكونها قد‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫فمن املنطقي تبعا لذلك أن َ‬ ‫تعمد اىل تأويل‬ ‫إجنازه َ‬ ‫بأن ُه “إنتصا ُر ملكوت اخلري على ملكوت‬ ‫ال��ش ّ��ر‪ ...‬وم��ن ه��ذا املنظور‪ ...‬ت��رى الكنيسة‬ ‫ً‬ ‫حازت يف أوربا ُس ً‬ ‫ْ‬ ‫أخالقية ال َم ّر َد‬ ‫لطة‬ ‫َّأنها قد‬ ‫لكلمتها‪ .‬ويف الوقت الذي صار من الالزم فيه‬ ‫بناء وحدة اوربا السياسية‪ ،‬يكون من املشروع‬ ‫لطة مؤتمَ ً‬ ‫للكنيسة ْأن ترى نفسها ُس ً‬ ‫نة على‬ ‫ً‬ ‫تأسيسا‬ ‫مبنح أوربا‬ ‫التعاليم االخالقية الكفيلة ِ‬ ‫ً‬ ‫متينا”(‪ .)04‬وإذا أضفنا اىل ذلك القوة السياسية‬ ‫ً‬ ‫فضال على مقدراتها‬ ‫اليت تستحوذها الكنيسة‬ ‫ُ‬ ‫اإلقتصادية وال��دور الذي إنتهجته تارخييا يف‬ ‫اوربا‪َّ ،‬‬ ‫فإن مسألة التأرجح بني الرغبة يف اهليمنة‬ ‫ِّ‬ ‫واحلث على إمجاع أخالقي بني الثقافات ْ‬ ‫ليست‬ ‫وهما‪َّ .‬‬ ‫اال ً‬ ‫ولعل من الصواب القول َّ‬ ‫بأنها ُتباشر‬ ‫وساطة اهليمنة داخل جماهلا الثقايف الذي َي ْع ُس ُر‬ ‫فيه قبول التنوع الديين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والسبب الذي يحَ دونا اىل مثل هذا القول‪ ،‬هو‬ ‫َّأن أقد َر الكنائس الغربية على “كسب اإلعرتاف‬ ‫بها يف دائر ِة الشأن العام‪ ،‬باعتبارها ً‬ ‫ذاتا فاعلة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وسياسيا من أجل‬ ‫أخالقيا‬ ‫مشروعا‬ ‫حتمل‬ ‫َّ‬ ‫أوربا هي الكنيسة الكاثوليكية‪ .‬إذ أنها ترسم‬ ‫احل��دود املشروعة للحقل الديين واألخالقي‬ ‫مثل‪ :‬مسألة اإلجهاض وال��دف��اع عن ُ‬ ‫األس��رة‪،‬‬ ‫واملدارس الطائفية‪...‬اخل‪ ،‬ويف هذه احلالة ُيد َر ُك‬ ‫اإلسالم على ّإن ُه منا ِف ٌس ذو قدرات وإمكانات‪،‬‬ ‫يب عن جذور اوربا املسيحية‪ْ .‬‬ ‫منا ِف ٌس أجن ٌ‬ ‫فإن‬ ‫َ‬ ‫]حسب منظور الكنيسة[ يبتغي‬ ‫كان اإلسال ُم‬ ‫اإلندماج يف السياق االوربي‪َ ،‬‬ ‫عليه قبول‬ ‫وجب ِ‬ ‫الوساطة الكنسية‪ ،‬أي القبول بأرضية حوار‬ ‫ُت ِّ‬ ‫قل ُل من املزاعم التبشريية لإلسالم يف أوربا اليت‬

‫صارت حدود االسالم اجلديدة”(‪.)14‬‬ ‫أما الشطر الثاني من أهداف املسيحية الغربية‬ ‫فيشملُ الكنائس الشرقية‪ .‬حيث يبدو َّأن الغاية‬ ‫من حتاور الطرفني الغربي والشرقي للمسيحية‬ ‫متجس ً‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫دة بتوفري اإلسناد الداخلي‬ ‫كانت‬ ‫ْإن‬ ‫لعمليات التنصري‪ ،‬فإن حتويل الكنائس الشرقية‬ ‫ً‬ ‫سياسيا‬ ‫عن مذاهبها الشرقية وإستثمار وجودها‬ ‫يبقى يف عداد ُ‬ ‫َ‬ ‫األمور القائمة يف املنظور الكنسي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الغربي‪ ،‬وال سيما أن الكنائس الشرقية تتوف ُر‬ ‫ً‬ ‫نسبيا إلستقبال مثل هذا‬ ‫فيها األرضية القابلة‬ ‫النوع من التأثري الغربي‪ .‬إذ َّانها تعاني القلق‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وتعتقد َّ‬ ‫بأن‬ ‫عمليا من قيام الصحوة اإلسالمية‪،‬‬ ‫وصول احلركات االسالمية اىل ُس َّد ِة احلكم ثم‬ ‫دخلها ذلك جمدداً يف نظام‬ ‫دولة دينية س ُي ِ‬ ‫بناء ٍ‬ ‫أهل ّ‬ ‫فقدها وأتباعها‬ ‫الذمة(‪ ،)24‬وبالشكل الذي ُي ِ‬ ‫بالتالي حقوقها وحرياتها األساسية السيما حق‬ ‫املساواة يف تولي املراكز الوظيفية وحيازة املوارد‬ ‫املادية‪.‬‬ ‫وجند صدى هذا املنظور لدى املطران كريلس‬ ‫“إن احل��دي َ‬ ‫سليم ب��س�ترس(‪ )34‬يف قوله‪َّ :‬‬ ‫��ث عن‬ ‫دول ٍ��ة إسالمية أو دول��ة مسيحية نعترب ُه حنن‬ ‫املسيحيني من ّ‬ ‫خملفات ال ُعصور الوسطى”‪،‬‬ ‫إذ َّأن ُ��ه ِلكون “املسلمني واملسيحيني يعيشون‬ ‫ً‬ ‫جنبا اىل جنب يف خمتلف بلدان الشرق‬ ‫اليوم‬ ‫وال��غ��رب‪ ،‬فال جي��وز من بعد ذل��ك ْأن يفكروا‬ ‫ُ‬ ‫بدولة‬ ‫القول‬ ‫دولة دينية‪ .‬إذ‬ ‫ٍ‬ ‫بالعودة اىل إنشاء ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫خطر كبري على‬ ‫دولة مسيحية هو‬ ‫إسالمية أو ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذاته فتيل اإلنفجار‬ ‫السالم العاملي إلنه حيمل يف ِ‬ ‫وب��ذور اإلق��ت��ت��ال”(‪ .)44‬وي�تراف ُ��ق ه��ذا اإلعتقاد‬ ‫مع حالة الضعف العام الذي ُتقاسيه املسيحية‬ ‫ُ‬ ‫يوشك ُجز ٌء‬ ‫الشرقية‪ ،‬فاملسيحية السريانية‬ ‫‪249‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪250‬‬

‫منها ْأن يندثر واجلز ُء اآلخر ينضوي حتت لواء‬ ‫ٌ‬ ‫فحائرة‬ ‫الكنيسة الكاثوليكية‪ .‬أما االرثوذكسية‬ ‫ُ‬ ‫تستصرخ اليها العرب فتجدهم‬ ‫قومية‬ ‫بني‬ ‫ٍ‬ ‫مشغولني عنها بتيارات اإلحياء والتأصيل غري‬ ‫القومية‪ ،‬وبني األرثوذكسية األخرى املستيقظة‬ ‫يف شرق اوربا والبلقان‪ ،‬وليس هناك من أقنية‬ ‫حقيقية ُمتاحة للحوار بني مسلمي العرب مع‬ ‫مسيحييهم اال أقنية املسيحية الغربية (‪.)45‬‬ ‫ُ‬ ‫وميكن توزيع‬ ‫الثاني ‪ -‬األه���داف اخلارجية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫هذه األهداف على ثالثة أقسام تبعا ملضمونها‪،‬‬ ‫أوالها اهلدف السياسي‪ ،‬و ُي َ‬ ‫الح ُظ فيه َّأن بدايات‬ ‫ً‬ ‫ندرجة‬ ‫احل��وار اإلس�لام��ي‪ -‬املسيحي ج��اءت ُم‬ ‫داخل إسرتاتيجية الغرب الليربالي لتضييق ِّ‬ ‫املد‬ ‫الشيوعي‪ ،‬من خالل توظيف الظاهرة الدينية‬ ‫سياسيا‪ُ .‬‬ ‫ً‬ ‫وآية ذلك إن ال ِنقاش يف‬ ‫غري الغربية‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫مؤمترات احلوار ظل ُمد َركا «من جانب املسلمني‬ ‫ً‬ ‫باعتباره ِن ً‬ ‫عقيديا ال جيوز التنازل فيه‪،‬‬ ‫قاشا‬ ‫وم��ن جانب املسيحيني الغربيني بإعتباره‬ ‫ً‬ ‫تواصال ُمفيداً يف نطاق السيطرة العاملية للغرب‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫شيوعيا ينبغي ا ُّ‬ ‫تواجه ّ‬ ‫حل��د من‬ ‫حتد ًيا‬ ‫اليت‬ ‫ذاته حتجيم املساعي‬ ‫إمتداده»(‪ .)46‬ويف الوقت ِ‬ ‫السياسية هل��ذه الظاهرة من خ�لال احلصول‬ ‫على تنازالت عقيدية من أطرافها‪ ،‬تضبط‬ ‫ً‬ ‫عموما مبا ال يتقاطع على‬ ‫مسارها السياسي‬ ‫مناطق انبعاثها‪.‬‬ ‫األقل مع النفوذ الغربي يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ومثال ذلك‪ ،‬واقع حال الناقشات اليت دارت يف‬ ‫مؤمتر كيوتو مسبق الذكر‪ ،‬فقد ّ‬ ‫َ‬ ‫حذ َر منذ البدء‬ ‫ُ‬ ‫رئيس املؤمتر هومري جاك ‪، Humer Jack‬‬ ‫من ّ‬ ‫مغبة إنغماس الوفود الدينية املشاركة يف‬ ‫إظهار الفقرات والنصوص الدينية اليت تؤكد‬ ‫على (السالم) وتشمل مفهوم (السالم العاملي)‪،‬‬

‫ً‬ ‫ومتسائال يف الوقت نفسه‪“ :‬هل من املمكن ْأن‬ ‫ُي َ‬ ‫مؤمتر جملرد‬ ‫عقد‬ ‫بذ َل هذا الوقت وامل��ال يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلستماع اىل َّأن كل دين يدعو اىل السالم؟‪ً ،‬‬ ‫بدال‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫نبحث عن ُ‬ ‫النصوص ون��ورده��ا علينا‬ ‫من ْأن‬ ‫جتاهلت األديان‬ ‫نواج َه السؤال األهم‪ :‬ملاذا‬ ‫ِ‬ ‫ْأن ِ‬ ‫املُ ّ‬ ‫نظمة ُنصوصها اخلاصة؟‪ ،‬ملاذا ْ‬ ‫كانت األديان‬ ‫املن ّظمة ع��اج ً‬ ‫ُ‬ ‫��زة عن ممارسة ق��ي��اد ٍة ف ّعالة‬ ‫لتحقيق السالم العاملي؟”(‪.)47‬‬ ‫ويبدو َّأن إجابة هذه التساؤالت ْ‬ ‫كانت يف حوز ِة‬ ‫الوفد اليهودي املشارك يف أعمال مؤمتر كيوتو‪،‬‬ ‫وحتديداً لدى املفكر زيفي فربلوفسكي ‪Zefi‬‬ ‫ارادت اجلماعات‬ ‫‪ Ferbluveski‬يف قوله‪“ :‬إذا ِ‬ ‫الدينية بهيئاتها التنظيمة وأجهزتها اإلدارية‬ ‫ومواردها املالية‪ ...‬أن َ‬ ‫تؤثر يف جمرى األحداث‬ ‫تقرت َب من مراكز‬ ‫واملشاكل العاملية اجلارية‪ ،‬وأن ِ‬ ‫القوة‪ ،‬فعليها ْأن َ‬ ‫تقبل بأنواع املساومات واحللول‬ ‫الوسط وقواعد ُ‬ ‫ُ‬ ‫وتطبيق‬ ‫اللعبة السياسية”(‪.)48‬‬ ‫ً‬ ‫عمليا داخ���ل املنطقة العربية يعين‬ ‫ذل��ك‬ ‫ملسارات عملية السالم مع‬ ‫توفري الدعم الديين‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫إسرائيل‪ .‬وهناك مؤشرات عدة على قيام هذا‬ ‫اهل��دف‪ ،‬ل ّع َل أبرزها مؤمترات احل��وار املسيحي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمي اليت غ ْ‬ ‫الفتة للنظر يف‬ ‫ظاهرة‬ ‫��دت‬ ‫منتصف السبعينات املنصرمة‪ ،‬حبيث‬ ‫مصر منذ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫تزامنت مع زيارة الرئيس املصري األسبق حممد‬ ‫وتبنيه سياسة اإلنفتاح‬ ‫أنور السادات إلسرائيل‬ ‫ِ‬ ‫مع الغرب الليربالي(‪.)49‬‬ ‫أما ثاني األه��داف فهو إقتصادي املضمون من‬ ‫خالل إكسابه الطابع الديين‪ .‬ومثال ذلك املؤمتر‬ ‫الذي ُع ِق َد يف املغرب عام ‪ 1992‬وأُعتبرِ َ مبثابة‬ ‫حوار بني رجال االعمال املسلمني واملسيحيني‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ومبعدل‬ ‫شخصا‬ ‫الغربيني‪ .‬فقد شارك فيه ‪40‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫فضال على مشاركة‬ ‫شخصا عن كل طرف‪،‬‬ ‫‪20‬‬ ‫الصندوق الدولي لإلنشاء والتعمري‪ .‬وكانت‬ ‫الغاية املُ َ‬ ‫علنة من عقد هذا املؤمتر هي‪« :‬اإلنطالق‬ ‫نظميه أي اإلحتاد الدولي ملنظمات‬ ‫قناعة ُم‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رج��ال االعمال املسيحيني واملصرف املغربي‬ ‫بأن ُه ال ُ‬ ‫للتجارة َ‬ ‫تناق َض بني إميانهم باهلل وبني‬ ‫إقتصاد السوق‪ ،‬وض��رورة إظهار هذه القناعة‬ ‫وجتسيدها وبلورتها‪ ...‬وإظهار شهادات عن‬ ‫تطبيقها والدفع بإجتاهها»‪ .‬فجاءت ُمداخالت‬ ‫ً‬ ‫التكييف الديين بني املسيحية‬ ‫عامدة اىل‬ ‫اللقاء‬ ‫ِ‬ ‫واإلس�لام وبني انتهاج إقتصاد السوق‪ُ ،‬بغية‬ ‫توفري الغطاء الديين لعملية الولوج اىل املنطقة‬ ‫ً‬ ‫حنو إنسيابي(‪.)50‬‬ ‫العربية إقتصاديا على ٍ‬ ‫أما ثالث األه��داف فهو التشويه العقيدي‪ ،‬من‬ ‫بغري املراد منها إبتغاء‬ ‫خالل تأويل النصوص ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫مواطن‬ ‫قضايا هي أص��ل‬ ‫حتقيق التقارب يف‬ ‫ِ‬ ‫التمييز بني الديانتني‪ .‬حيث يبتغي اجلانب‬ ‫املسيحي فيه إستحصال التنازالت على حنو‬ ‫ألنشطته التنصريية‪.‬‬ ‫وج ُد األرضية املالئمة‬ ‫ِ‬ ‫ُي ِ‬ ‫ُ‬ ‫ومثال ذلك قد إبتدأ يف مؤمتر احلوار املسيحي‬ ‫اإلسالمي الذي ُع ِق َد يف ليبيا عام ‪ ،)51(1976‬ومن‬ ‫بني احللول اليت ُطر ْ‬ ‫حت يف املؤمتر لتحقيق‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫(التقارب والسالم)‪ ،‬إمكانية انتهاج التنازل‬ ‫َ‬ ‫“يقبل املسيحيون بأن حممداً رسول‬ ‫املتبادل كأن‬ ‫اهلل دون التسليم له بنبو ٍة ما‪ ،‬مادام اإلسالم قد‬ ‫ً‬ ‫ماليينا كثرية من اخلليقة‬ ‫َهدى اىل عبادة اهلل‬ ‫مل ُ‬ ‫تبلغها املسيحية أو اليهودية‪ ،‬وباملقابل‬ ‫بأن كلمة اهلل إذ ّ‬ ‫على املسلمني ْأن يسلموا َّ‬ ‫حل ْت‬ ‫ْ‬ ‫فجاءت بيسوع‪ ،‬فاألخ ُري إذن كلمة‬ ‫على مريم‬ ‫املتجسدة وهو إ ٌب��ن له مبعنى ّإنُ��ه ُصن ُعهُ‬ ‫ّ‬ ‫اهلل‬ ‫ُ‬ ‫وخليقته”(‪.)52‬‬

‫ً‬ ‫هذا اهلدف العقيدي حتديداً‬ ‫ُ‬ ‫أمنوذجا‬ ‫يتطلب‬ ‫تبيانه والوقوف على مرامي اجلانب املسيحي‬ ‫ِل‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫الغربي فيه‪ ،‬فضال على تشخيص امكانية ابداء‬ ‫التنازل من اجلانب اإلس�لام��ي‪ُ .‬‬ ‫وليكن األول‬ ‫ً‬ ‫متمثال يف حالة املطران كريلس سليم بسرتس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فيمكن بصدد ِه إختاذ أمحد كمال أبو‬ ‫اما الثاني‬ ‫ً‬ ‫منوذجا(‪.)53‬‬ ‫اجملد‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫يخَ‬ ‫فيما ص املطران جند ُه إبتداءا يوزع طروحاته‬ ‫ً‬ ‫إتساقا َ‬ ‫ون ِّص تصريح اجملمع الفاتيكاني الثاني‬ ‫يعتق ُد بكون «موضوع‬ ‫ُمسبق الذكر‪ .‬إذ َّأن ُ��ه ِ‬ ‫العالقات املسيحية‪ -‬اإلسالمية يشمل ناحيتني‬ ‫متالزمتني‪ ،‬وهما العالقات بني الديانتني‪....‬‬ ‫ُ‬ ‫والعالقات بني املسيحيني واملسلمني»‪ .‬فالناحية‬ ‫االوىل تندرج ضمن الشكل العقيدي للحوار‪،‬‬ ‫أما الثانية فتشمل العيش املشرتك بني أتباع‬ ‫الديانتني(‪ .)54‬ويف ما ّ‬ ‫يتصل باجلانب ال َعقيدي‪،‬‬ ‫ي��رى امل��ط��ران َّ‬ ‫“أن ال��ع�لاق��ات ب�ين املسيحية‬ ‫واإلسالم ال ميكن ْأن ُتبنى اليوم ويف املستقبل‬ ‫على أساس ما و َر َد يف القرآن‪ ،‬فاملسيحية اليوم‬ ‫ليست املسيحية اليت إلتقاها ُ‬ ‫ْ‬ ‫القرآن‪ ،‬واملسيحيون‬ ‫اليوم ليسوا أهل الكتاب وحسب كما َي ِر ُد ذكرهم‬ ‫َ‬ ‫خمتل ِف س��� َور ُ‬ ‫ْ‬ ‫ليست‬ ‫ال��ق��رآن‪ ،‬وتعاليمهم‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫التعاليم اليت ّ‬ ‫يك ِفرها القرآن”‪ .‬إذ َّأن “املسيحيني‬ ‫ح��وار ديين مع‬ ‫يتساءلون‪ ،‬كيف يدخلون يف‬ ‫ٍ‬ ‫مسلمني يعتربونهم َك َف َرة؟‪ ،‬واملسلمون بدورهم‬ ‫يؤمنون من جهة بأن ُ‬ ‫القرآن كالم اهلل ويريدون‬ ‫من جهة أُخ��رى ال��دخ��ول يف ح��وار دي�ني مع‬ ‫ُ‬ ‫الطريق‬ ‫املسيحيني وال يعرفون السبيل اىل ذلك‪.‬‬ ‫الوحيد ِل ّ‬ ‫تخطي هذه املشكلة هو اإلقرا ُر َّ‬ ‫بأن ما‬ ‫ُ‬ ‫إميان أهل الكتاب النصارى‪،‬‬ ‫و َر َد يف القرآن حول ِ‬ ‫ال ُيعبرّ ُ التعبري الصحيح عن االمي��ان املسيحي‬ ‫‪251‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪252‬‬

‫الذي يعت ِن ُق ُه املسيحيون اليوم”‬ ‫وبناءاً على هذا اإلقرار ميكن للطرفني الدخول‬ ‫يف ح��وار ديين يست ِن ُد اىل ركيزتني‪“ :‬أوالهما‬ ‫واحلق يف اإلختالف‪،‬‬ ‫اإلعرتاف بواقع اإلختالف‬ ‫ِ‬ ‫نقاط التالقي يف العقيدة‬ ‫وثانيتهما الرتكيز على ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫متجسد يف الركيزة‬ ‫واألخ�لاق”(‪ ،)56‬وما َي ّه ُمنا‬ ‫ُ‬ ‫األوىل‪ ،‬وبصددها يش ُري املُطران اىل كون اإلعرتاف‬ ‫يعين «اإلح�ترام املتبادل لعقائد الطرف اآلخر‬ ‫وتعاليمه األخالقية‪ ،‬وهذا اإلحرتام ْإن قبلنا ُه‬ ‫ِ‬ ‫ض علينا سلوكاً‬ ‫ووضعنا ُه يف أساس عالقاتنا يفر ُ‬ ‫ِ‬ ‫جديداً مين ُعنا من اإلستمرار يف خطأ أساس‪....‬‬ ‫ً‬ ‫وتبعا لذلك «ال جيوز‬ ‫أال وهو التكفري املتبادل»‪.‬‬ ‫بأنهم َح ّرفوا اإلجنيل» مثال‪ً،‬‬ ‫هم املسيحيون َّ‬ ‫ْأن ُي ّت َ‬ ‫كذلك بالنسبة اىل معتقدات املسلمني‪ِ .‬لكون‬ ‫«العالقات املسيحية ‪-‬اإلسالمية جيب ْأن تنط ِل َق‬ ‫يس ُعنا ْأن ُن ِّ‬ ‫إختالف ديين ال َ‬ ‫بد َل فيه‬ ‫من واقع‬ ‫ٍ‬ ‫ننظ َر اليه نظرةً‬ ‫شيئا‪ ،‬ولكننا من املمكن ْأن ُ‬ ‫ً‬ ‫فبدال من ْأن َ‬ ‫جديدة‪ً .‬‬ ‫يقول ُك ٌّل ِم ّنا َّأن َ‬ ‫دين ُه هو‬ ‫ضالل مبني‪،‬‬ ‫وحد ُه الدين الصحيح واآلخر على ٍ‬ ‫ُ‬ ‫نقول َّأن املسيحية واإلسالم طريقان متنوعان‬ ‫يقودان كالهما اىل اهلل الواحد»(‪.)57‬‬ ‫ويبدو َّأن املطران ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫حتليله ولكن‬ ‫منطقي يف‬ ‫جد‬ ‫ِ‬ ‫كونه يعت ُرب‬ ‫من منظوره املسيحي فحسب‪ ،‬إذ ِل ِ‬ ‫الصلة ال تعبرّ ُ التعبري‬ ‫نصوص ال��ق��رآن ذات ِ‬ ‫الصحيح عن معتقدات مسيحية اليوم وال‬ ‫ميكن القيا ُم حبذفها‪ ،‬فإذن باملستطاع إعتبارها‬ ‫أس�ي�رة عصرها ك��ح��ال ال��ن��ص��وص اإلجنيلية‬ ‫ِّ‬ ‫املتعلقة باليهود‪ ،‬اليت َّ‬ ‫مت إنها ُء مفعوهلا يف اجملمع‬ ‫الفاتيكاني الثاني‪ ،‬وإجناز هذا التشويه العقيدي‬ ‫هو من قبيل ُ‬ ‫األمور اليسرية ْإن مت اإلعتما ُد يف‬ ‫املتغرب‪ ،‬إذ ّأن ُه ٌ‬ ‫إتيانه على التيار الفكري ّ‬ ‫معين‬ ‫(‪)55‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫عموما‬ ‫الفكري‬ ‫أيضا مبسألة التأويل‪ ،‬وبناؤه‬ ‫ٌ‬ ‫قائم اليوم على ُحرية إبداء الراي‪ .‬بيد َّأن هذا‬ ‫ُ‬ ‫التشويه العقيدي ال ِّ‬ ‫مفعوله اال بتبين‬ ‫يتس ُق‬ ‫مسألة ((اإلع�تراف بواقع اإلختالف وا ّ‬ ‫حل��ق يف‬ ‫اإلخ��ت�لاف))‪ ،‬وال يبدو مقصد املطران منها‬ ‫متم ّث ًال بضمان حقوق مسيحيي الشرق‪ ،‬ألن‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫متحقق شرعا وتلك احلقوق‬ ‫ه��ذا االع�ت�راف‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫تضمنها القوانني الوضعية وال سيما أنها ترى‬ ‫ّ‬ ‫تواجدهم‬ ‫املِسلم واملسيحي بعني املساواة‪ ،‬بل َّأن‬ ‫الدميغرايف حتى اللحظة يف الوسط اإلسالمي‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫غايته‬ ‫عمليا‪ ،‬مما يؤكد أن‬ ‫دليل على قيامه‬ ‫ّ‬ ‫متجس ٌدة يف إنتهاج مبدأ حرية‬ ‫الرئيسية‬ ‫االعتقاد على الصعيد العقيدي حتديداً‪.‬‬ ‫عليه‪َّ ،‬‬ ‫فإن إقرار اجلانب اإلسالمي مسألة‬ ‫بناءاً ِ‬ ‫التعطيل‪ ،‬ثم اعتباره «املسيحية تقود اىل اهلل‬ ‫ً‬ ‫إضافة اىل اعتماده هذا املبدأ‪ ،‬ال‬ ‫الواحد» كاإلسالم‬ ‫يعين إال توفري إمكانية التح ّول اىل املسيحية دون‬ ‫ُ‬ ‫وتعليل الرتكيز من لدن املسيحية‬ ‫ّأي رادع ديين‪،‬‬ ‫الغربية على مبدأ ّ‬ ‫حرية االعتقاد‪ ،‬جند ُه ما ِث ًال‬ ‫عند جورج ج ّبور يف قوله‪« ،‬ما يزال التنافس‬ ‫تد ً‬ ‫التبشريي ب�ين املسيحية واإلس�ل�ام ّ‬ ‫ما‬ ‫حم ِ‬ ‫بقوة‪ ....،‬حبيث ان ُّ‬ ‫مناطق‬ ‫تقد َم املسيحية يف‬ ‫ٍ‬ ‫جداً‪ ....،‬وباملقابل َ‬ ‫إسالمية حمدو ٌد ّ‬ ‫مثة مقاومة‬ ‫سلطوية وشعبية ّ‬ ‫لتقد ِم اإلس�لام يف املناطق‬ ‫املسيحية‪ ،‬إال َّأن ُّ‬ ‫تقب َل معظم املناطق املسيحية‬ ‫لفكرة حرية اإلعتقاد جي َع ُل هذه املقاومة ّأق ُل‬ ‫ً‬ ‫جناعة»(‪ .)58‬عليه‪َّ ،‬‬ ‫فإن تبين ذلك على النحو‬ ‫املذكور يعين إصابة املناعة العقيدية اإلسالمية‬ ‫يف صميمها‪ ،‬عرب تعطيل وتشويه حدود اإلسالم‬ ‫سبيله‪ ،‬وبالشكل الذي‬ ‫الصلة باإلرتداد عن‬ ‫ِ‬ ‫ذات ِ‬ ‫يو ِف ُر الدعم املعنوي ألنشطة التنصري من لدن‬


‫املسلمني أنفسهم‪.‬‬ ‫ولكـن هل َ‬ ‫هناك جتاوب من اجلانب اإلسالمي مع‬ ‫هذه املطالب ؟‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حقيقة إن َ‬ ‫األمر حاصل نسبيا يف حالة أمحد‬ ‫كمال أبو اجملد‪ ،‬إذ ضمن تصوراته ملا يعرتي العامل‬ ‫من تطورات عقب عام ‪ .1991‬حيث نجَ د ُه مع ِتقداً‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫احلاجة ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫باتت ّ‬ ‫«ماس ًة وم ِلحة اىل‬ ‫يف البدء بكون‬ ‫ُ‬ ‫توافق الشركاء اجلدد يف النظام العاملي اجلديد‬ ‫مقو ُ‬ ‫ستم ُد ِّ‬ ‫أساس أخالقي مشرتك»‪َ ،‬ي ِّ‬ ‫ماته‬ ‫على ٍ‬ ‫من التنوع الثقايف الذي حيكم إنتماء الشركاء‪.‬‬ ‫الدور األساس الذي‬ ‫لذلك «ال جتوز الغفلة عن‬ ‫ِ‬ ‫(‪)95‬‬ ‫تل َع ُب ُه األديان يف تقديم هذا األساس املشرتك» ‪.‬‬ ‫“بيد َّأن األدي��ان السماوية الثالثة اليت هي يف‬ ‫ُمصطلحنا اإلسالمي كلها إسالم‪ …،‬وترجع إىل‬ ‫عقيدة التوحيد اليت جاء بها إبراهيم عليه‬ ‫السالم‪ …،‬هذه األدي��ان لن تستطيع يف املدى‬ ‫القريب ْأن تؤدي هذا الدور إال إذا َت َو َّف َر ُ‬ ‫لدعاتها‬ ‫ّ‬ ‫واملبشرين بدورها واحلاملني ِلرسالتها أمران‪:‬‬ ‫(( األول‪ -‬الوقف الفوري ملا ميكن أن ُن ّسم َي ُه‬ ‫َ‬ ‫املبشرين‪ .‬ذلك َّ‬ ‫ّ‬ ‫ألن هذا التبشري مل َي ُع ْد َل ُه‬ ‫صراع‬ ‫موضع بعد ْأن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫إستق َر ُ‬ ‫أكثر الناس على أديانهم‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫تواجه‬ ‫صارت املشكلة احلقيقية اليت‬ ‫وبعد ْأن‬ ‫َ‬ ‫املتدينني ْ‬ ‫مشكلة اإلستكثار من الداخلني‬ ‫ليست‬ ‫ُ‬ ‫وتصحيح‬ ‫يف الدين وإمن��ا ترشيد َح َركتهم‪،‬‬ ‫َفهمهم وإص�ل�اح سلوكهم يف إط���ار املقاصد‬ ‫ُ‬ ‫الكربى للدين‪َّ ...،‬إن ممُ َ ثلي األدي��ان السماوية‬ ‫مدعوون اىل التأمل يف هذه الصورة ُ‬ ‫بكل قسماتها‬ ‫وتفاصيلها‪ ،‬لريمسوا أولويات عملهم من جديد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫حوار طويل‪.‬‬ ‫وليبدأوا رحلة ٍ‬ ‫الثاني‪ -‬معاودة النظر يف اخلطاب الديين السائد‬ ‫بني ُدعادة كل دين أو املتحدثني بإمسه)) (‪.)06‬‬

‫وما يعنينا يف قضية احل��وار ضمن دائ��رة هذا‬ ‫ٌ‬ ‫متجسد يف مسألة “ص��راع‬ ‫ال��ط��رح الفكري‬ ‫املبشرين” حتديداً‪ ،‬أي ُ‬ ‫ّ‬ ‫التنافس العقيدي القائم‬ ‫ُ‬ ‫نصرين‪ ،‬جنباً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫عمليا بني الدعاة اىل اإلسالم وامل ِّ‬ ‫اىل جنب فكرة ِّ‬ ‫احلد منه بإيقاف عمليتيَ الدعوة‬ ‫والتنصري ً‬ ‫معا‪ .‬ويبدو َّأن الغاية من وراء هذه‬ ‫الفكرة َّأنها ُتس ّبب التوتر يف العالقات املسيحية‬ ‫ اإلسالمية‪ ،‬وبالتالي ينبغي ّ‬‫احل َد من الصراع‬ ‫َ‬ ‫العمليتني بالشكل الذي سيفضي‬ ‫بإيقاف‬ ‫وذلك‬ ‫ِ‬ ‫التخفيف من وطأة الت ّوتر‪ ،‬وال سيما عرب‬ ‫اىل‬ ‫ِ‬ ‫أجل‬ ‫اإلحتكام اىل إرادة احلوار ال اإلستئصال من ِ‬ ‫“أساس أخالقي مشرتك”‪.‬‬ ‫اإلتفاق على‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يستند‬ ‫املالحظ إبتداءاً كون هذا ال��رأي‬ ‫ومن‬ ‫على مبدأ إحسان الظن باملسيحية الغربية يف‬ ‫انتهاجها فكرة احلوار‪ ،‬بينما االخ ُري ً‬ ‫أصال يدخل‬ ‫يف قبيل وسائل التنصري املعاصرة‪ .‬ومن َّ‬ ‫ثم‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫حتقيق ألحد‬ ‫فإن جمر ُد القول بايقاف الدعوة‬ ‫اإلهداف املركزية من وراء احلوار‪ ،‬نظراً ِلكون‬ ‫منطقيا إع َ‬ ‫ً‬ ‫��ادة‬ ‫اإليقاف يف َحِّ��د ذات��ه يستلزم‬ ‫تأويل النصوص ذوات العالقة‪ُ ،‬ب َ‬ ‫غية إسباغ‬ ‫ِ‬ ‫الشرعية على عملية اإليقاف وليس ذلك اال‬ ‫التشويه العقيدي بعينه‪ .‬إضافة اىل ذلك‪ ،‬يخُ ّي ُل‬ ‫حني ّ‬ ‫لغري املُ ّط ِلع َ‬ ‫يه هذا املنظور وكأن الدعوة‬ ‫تلق ِ‬ ‫ً‬ ‫عمليا على التنسيق املنضبط‬ ‫اإلسالمية تقوم‬ ‫وضخامة اإلمكانات املادية‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫أمر غري قائم‬ ‫لدن‬ ‫والسيما حني مقارنتها مع املبذول من ِ‬ ‫الكنائس الغربية يف أنشطتها التنصريية‪ .‬إذ َّأن‬ ‫غالب األعم للدعوة اإلسالمية عبارة عن جهود‬ ‫فردية تفتقر اىل خاصيتيَ املركزية والتنظيم‬ ‫وخباصة على الصعيد الرمسي‪ ،‬غري َّأنه رغم‬ ‫إمكاناتها املتواضعة فهي تؤتي مثارها بني َ‬ ‫ينة‬ ‫الف ِ‬ ‫‪253‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪254‬‬

‫ُ‬ ‫واألخ��رى‪ ،‬ولو كانت ُ‬ ‫مسات النشاط التنصريي‬ ‫ً‬ ‫متوافرة فيها وعلى حنو منهجي هادف‪ ،‬ملا ْ‬ ‫باتت‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫“حاجة ّ‬ ‫ماسة لتوافق الشركاء اجلدد يف‬ ‫هناك‬ ‫متمثلٌ‬ ‫النظام العاملي اجلديد”‪ِ ،‬لسبب جوهري ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يف كون إستمرارية الدعوة اإلسالمية ستفضي‬ ‫بمَّ‬ ‫واقع ينتفي فيه‬ ‫ر ا على املدى البعيد اىل قيام ٍ‬ ‫ّ‬ ‫شريك واحد ومن أهل الذمة‪.‬‬ ‫وجود شركاء عدا‬ ‫ٍ‬ ‫وبالرغم من ذلك َيبقى هذا الرأي أسري الرأي‬ ‫الفردي‪.‬‬ ‫اخلالصة‬ ‫ميكن مما ّ‬ ‫تقدم ذك��ر ُه اخللوص اىل فكرة كون‬ ‫ضه عن‬ ‫احلوار اإلسالمي ‪ -‬املسيحي عقب تمَ ُّخ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ليست الغاية من‬ ‫قيام الظاهرة الدينية دوليا ً‪،‬‬ ‫انتهاجه إرس��اء دعائم التعايش بني َ‬ ‫فيه‬ ‫طر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫وإح��ت�رام «اآلخ����ر»‪ .‬إذ أن ه��ذا احل���وار حبكم‬ ‫ُ‬ ‫أوجدته وحقيقة األهداف‬ ‫طبيعة الدوافع اليت‬ ‫ِ‬ ‫املقصودة منه‪ ،‬بل وحتى آليات تنفيذ ِه ليس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حتاوريا للتعامل الغربي باإلستئصال‬ ‫سبيال‬ ‫اال‬ ‫ُ‬ ‫مع العامل اإلسالمي‪ُ .‬‬ ‫خيتلف عن املسالك‬ ‫لكنه‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫موجهة حتديداً‬ ‫حركته‬ ‫األخ��رى يف كون آلية‬ ‫ِ‬ ‫ص��وب ث��واب��ت الثقافة اإلس�لام��ي��ة وال سيما‬ ‫حنو سلمي ّ‬ ‫النزعة‪ ،‬حبيث‬ ‫العقيدية منها وعلى ٍ‬ ‫يعتم ُد املسلك التفاوضي الدولي إبتغاء احلصول‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫على تنازالت دينية توف ُر أرضية ّرخوة داخل‬ ‫يساع ُد على‬ ‫الثقافة اإلسالمية‪،‬‬ ‫بالشكل الذي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫أهدافه غري الدينية أيضا‪ .‬ليفضي ُ‬ ‫االمر‬ ‫تثبيت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫جانب آخر اىل تعميق ِح��دة آثار الغربنة‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وخباصة العمودية منها ال�تي تصيب اهلوية‬ ‫الثقافية‪.‬‬ ‫‪ .1‬يش ُري إدوارد سعيد اىل إن ت��ص��ورات هذا‬ ‫تنحصر‬ ‫املستشرق الفرنسي عن اإلسالم تكا ُد أن‬ ‫ِ‬

‫يف شخصية ّ‬ ‫رفه “كان اإلسال ُم‪...‬‬ ‫احلالج‪ ،‬ففي ُع ِ‬ ‫للتجس َد املسيحي‪ ،‬وكان ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بطل‬ ‫منتظما‬ ‫رفضا‬ ‫اإلسالم االعظم ال حممد وال إبن ُرشد بل ّ‬ ‫احلالج‪،‬‬ ‫القديس ال��ذي َصل َب ُه املسلمون ُ‬ ‫ُ‬ ‫جل��رأت ِ��ه على‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫شخصنة االسالم فقذف بذلك حممداً‬ ‫َ‬ ‫خارجا‬ ‫ومنح ّ‬ ‫احل�لاج مكانة ب��ارزة َّ‬ ‫َ‬ ‫إلن ُ��ه إعت َرب َ‬ ‫نفس ُه‬ ‫ً‬ ‫شخصية كشخصية املسيح”‪ .‬راجع إدوارد سعيد‪،‬‬ ‫اإلستشراق املعرفة السلطة اإلنشاء‪ ،‬مؤسسة‬ ‫األحباث العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1،1981‬ص‪.127‬‬ ‫‪ .2‬أليكسي جورافسكي‪ِّ ،‬‬ ‫املمهدات الفكرية للحوار‬ ‫اإلس�لام��ي املسيحي‪ ،‬جملة اإلج��ت��ه��اد‪ ،‬مركز‬ ‫اإلجتهاد لألحباث والرتمجة والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫العددان ‪ 31‬و ‪ ،32‬ربيع وصيف ‪ ،1996‬ص ص‪177‬‬ ‫– ‪.178‬‬ ‫‪ .3‬أليكسي جورافسكي‪ ،‬املسيحية واإلسالم‪ :‬من‬ ‫التنافس والتصادم اىل احلوار والتفاهم‪ ،‬ترمجة‬ ‫د‪ .‬خلف حممد اجلراد‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪ ،2000‬ص‪.142‬‬ ‫‪The Documents of Vatican .4‬‬ ‫‪II: all sixteen official texts‬‬ ‫‪promulgated by the Ecumenical‬‬ ‫‪Trans. Very ,1965 -1963 Council‬‬ ‫‪Rev. M. Joseph Gallagher,‬‬ ‫‪Geoffrey Chapman Limited,‬‬ ‫‪.663.p ,1967 London, March‬‬ ‫‪ .5‬أليكسي جورافسكي‪ ،‬املسيحية واإلس�لام‪،‬‬ ‫مصدر سابق ‪ ،‬ص‪.139‬‬ ‫‪ .6‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.139‬‬ ‫‪ .7‬مكسيم رودنسون‪ ،‬الصورة الغربية والدراسات‬ ‫الغربية اإلسالمية‪ ،‬يف‪ :‬جمموعة باحثني‪ ،‬تراث‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،1‬ترمجة د‪ .‬حممد زهري السمهوري‪،‬‬


‫سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،8‬اجمللس الوطين‬ ‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬آب ‪ ،1978‬ص‬ ‫ص ‪.95 -94‬‬ ‫‪ .8‬يف املنظور اإلس�لام��ي‪ ،‬جند َّأن املشهور يف‬ ‫َ‬ ‫ال��ف��رق ب�ين النيب وال��رس��ول ك��ون األول هو‬ ‫الذي أوحي إليه بشرع “أي بأحكام”‪ ،‬سواءاً أُ ِمر‬ ‫بتبليغه والدعوة إليه أم ال‪ْ ،‬‬ ‫فإن أُ ِمر بذلك فهو‬ ‫ِ‬ ‫ن ٌ‬ ‫يب رسول‪ .‬مما يعين َّأن الفرق األساس بينهما‬ ‫ّ‬ ‫يتجس ُد يف األمر بالتبليغ من عدمه‪ ،‬فالنيب ّأع ُم‬ ‫ً‬ ‫إصطالحا‪ ،‬حبيث ميكن القول إن كل‬ ‫من الرسول‬ ‫رسول هو نيب وليس كل نيب رس ً‬ ‫��وال‪ .‬للمزيد‬ ‫من التفاصيل أنظر د‪ .‬رش��دي حممد عليان‬ ‫ود‪ .‬قحطان عبد الرمحن الدوري‪ ،‬أصول الدين‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬دار الكتب للطباعة والنشر‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،1990‬ص ص‪.231-230‬‬ ‫‪ .9‬مفيد أبو م��راد‪ ،‬هل ُ‬ ‫ميكن حتويل الصراع‬ ‫املسيحي اإلسالمي اىل حوار هاديء يبلغ حجة‬ ‫السالم؟‪ ،‬جملة اإلجتهاد‪ ،‬العددان ‪ 31‬و ‪ ،32‬مركز‬ ‫اإلجتهاد لألحباث والرتمجة والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫ص ص‪ .213– 212‬للمزيد من التفاصيل أنظر‬ ‫د‪ .‬رضوان ّ‬ ‫السيد‪ ،‬العالقات اإلسالمية املسيحية‬ ‫ثقافة اجلدل وثقافة احلياة‪ ،‬جملة اإلجتهاد‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،28‬مركز اإلجتهاد لألحباث والرتمجة‬ ‫والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬صيف ‪ ،1995‬ص ص‪.11–6‬‬ ‫‪ .10‬د‪ .‬وليم ُسليمان‪ ،‬احلوار بني األديان‪ ،‬اهليئة‬ ‫املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1976 ،‬ص‪.17‬‬ ‫‪ .11‬للمزيد من التفاصيل انظر املصدر نفسه‪،‬‬ ‫ص ص‪.30– 23‬‬ ‫‪ .12‬للمزيد م��ن التفاصيل اُن��ظ��ر أليكسي‬ ‫جورافسكي‪ ،‬اإلسالم واملسيحية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫ص ص‪.133 –131‬‬

‫‪ .13‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ص‪.132 ، 129‬‬ ‫‪ .14‬ج��وت��ف��راي��د ك��ون��زل��ن‪ ،‬م���أزق املسيحية‬ ‫والعلمانية يف اورب��ا‪ ،‬تقديم وتعليق د‪ .‬حممد‬ ‫عمارة‪ ،‬سلسلة يف التنوير اإلسالمي‪ ،‬العدد ‪،44‬‬ ‫دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬نوفمرب ‪ ،1999‬ص ص‪ .35– 34‬أُنظر‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الغرب‬ ‫أيضا يف هذا اخلصوص برينارد لويس‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫سجال وتباين‪ ،‬ترمجة مسري‬ ‫والشرق االوسط‪:‬‬ ‫مرقص‪ ،‬مرييت للنشر واملعلومات‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ ،1999‬ص‪.39‬‬ ‫‪ .15‬للمزيد من التفاصيل حول مضمون كل‬ ‫رك��ي��زة أنظر د‪.‬ج���ورج ق��رم‪ ،‬ت��ع ّ��دد األدي��ان‬ ‫وأنظمة احلكم دراسة سوسيولوجية وقانونية‬ ‫مقارنة‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1992 ،2‬ص‬ ‫ص‪.133 – 125‬‬ ‫‪ .16‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.134‬‬ ‫‪ .17‬أُنظر زكي امليالد‪ ،‬اإلسالم والغرب هل من‬ ‫منظور معريف جديد لعالقات مستقبلية‬ ‫اجيابية‪ ،‬يف‪ :‬زكي امليالد وتركي علي الربيعو‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫احلاضر واملستقبل‪ ،‬دار الفكر‬ ‫اإلسالم والغرب‬ ‫املعاصر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ص‪.57‬‬ ‫‪ .18‬للمزيد من التفاصيل أُنظر نديم عطا‬ ‫إلياس‪ ،‬املؤسسات اإلسالمية يف الغرب والتواصل‬ ‫مع اجملتمعات احمللية‪ ،‬جملة الرائد‪ ،‬العدد ‪،232‬‬ ‫الدار اإلسالمية لإلعالم‪ ،‬املانيا‪ ،‬كانون الثاني‬ ‫‪ ،2002‬ص ص‪.45 – 38‬‬ ‫‪ً .19‬‬ ‫نقال عن حممد سعدي‪ ،‬اجلنوب يف التفكري‬ ‫اإلسرتاتيجي األمريكي منوذج اطروحة ِصدام‬ ‫احلضارات‪ ،‬جملة املستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪،236‬‬ ‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬تشرين‬ ‫األول ‪ ،1998‬ص‪.67‬‬ ‫‪255‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪256‬‬

‫‪ .20‬للمزيد من التفاصيل أُنظر جان باسيه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تصورات بروتستانتية جديدة حول اإلسالم‪،‬‬ ‫جملة اإلجتهاد‪ ،‬العددان ‪ 31‬و ‪ ،32‬مركز اإلجتهاد‬ ‫لألحباث والرتمجة والنشر‪ ،‬ب�يروت‪ ،‬ص ص‪59‬‬ ‫–‪.60‬‬ ‫‪ .21‬دان��ي��ال ب��روس�تر‪ ،‬احل���وا ُر ب�ين النصارى‬ ‫وصَ��ل ُ��ت ُ��ه الوثيقة بالتنصري‪ ،‬يف‪:‬‬ ‫واملسلمني ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫جمموعة ُم ّ‬ ‫نصرين‪ ،‬التنص ُري خطة لغزو العامل‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص‪.807– 806‬‬ ‫‪The Documents of Vatican II, .22‬‬ ‫‪.590 .op. cit., p‬‬ ‫‪.598 .Ibid., p .23‬‬ ‫‪.306 – 305 .Ibid., pp .24‬‬ ‫‪.311 .Ibid., p .25‬‬ ‫‪ .26‬األب موريس بورمانس‪ ،‬احل��وار املسيحي‬ ‫اإلسالمي بعد ‪ 15‬سنة‪ ،‬جملة الفكر املسيحي‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،180‬كنيسة مار توما‪ ،‬املوصل‪ ،‬كانون األول‬ ‫‪ ،1982‬ص‪.444‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ .27‬للمزيد من التفاصيل أنظر لودفيغ هاغمان‪،‬‬ ‫املسيحية واإلس�لام من التصادم اىل التالقي‪،‬‬ ‫جملة اإلج��ت��ه��اد‪ ،‬ال��ع��دد ‪ ،30‬مركز اإلجتهاد‬ ‫لألحباث والرتمجة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬شتاء ‪،1996‬‬ ‫ص ص ‪.36–35‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ .28‬للمزيد من التفاصيل أنظر جان باسيه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تصورات بروتستانتية جديدة حول اإلسالم‪،‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪.61‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ .29‬للمزيد من التفاصيل أنظـر فرنسيس‬ ‫يوسف املخلصي‪ ،‬مدينة الفاتيكـان‪ ،‬ترمجة د‪.‬‬ ‫بطرس ّ‬ ‫حداد‪ ،‬مطبعة األديب البغدادية‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫‪ ،1974‬ص ص‪.87–85‬‬ ‫‪ .30‬األب موريس بورمانس‪ ،‬احل��وار املسيحي‬

‫اإلسالمي بعد ‪ 15‬سنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪..443‬‬ ‫‪ .31‬للمزيد م��ن التفاصيل أن��ظ��ر أليكسي‬ ‫جورافسكي‪ ،‬اإلسالم واملسيحية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫ص‪-147‬ص‪.148‬‬ ‫‪ .32‬فرنسيس يوسف املخلصي‪ ،‬مدينة الفاتيكان‪،‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪ – 87‬ص‪.88‬‬ ‫‪ .33‬د‪ .‬رض��وان الس ّيد‪ ،‬العالقات اإلسالمية‬ ‫املسيحية واحل��وار اإلسالمي املسيحي‪ :‬قراءة‬ ‫يف وجهة نظر إسالمية‪ ،‬يف‪ ،‬د‪ .‬رض��وان الس ّيد‬ ‫ٌ‬ ‫قراءات‬ ‫وآخرون‪ ،‬العالقات اإلسالمية املسيحية‪:‬‬ ‫مرجعية يف التاريخ واحلاضر واملستقبل‪ ،‬مركز‬ ‫الدراسات اإلسرتاتيجية والبحوث والتوثيق‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬كانون الثاني ‪ ،1994‬ص‪.62‬‬ ‫‪The Documents of Vatican II, .34‬‬ ‫‪.629 ,623 – 622 .op. cit., pp‬‬ ‫‪ .35‬للمزيد من التفاصيل أُنظر جان باسيه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تصورات بروتستانتية جديدة حول اإلسالم‪،‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص ص‪.63– 62‬‬ ‫‪ .36‬أليكسي جورافسكي‪ ،‬اإلس�لام واملسيحية‪،‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص ص‪.131– 130‬‬ ‫‪The Documents of Vatican II, .37‬‬ ‫‪.610 ,609 .op. cit., pp‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ .38‬للمزيد من التفاصيل أنظر جان باسيه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تصورات بروتستانتية جديدة حول اإلسالم‪،‬‬ ‫مصدر سابق‪ ،‬ص ص‪.63– 62‬‬ ‫‪ .39‬آنزو باتشي‪ ،‬الكنيسة الكاثوليكية واإلسالم‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ص��ورة اآلخ��ر‪ :‬العربي‬ ‫يف‪ :‬جمموعة باحثني‪،‬‬ ‫ناظراً ومنظوراً اليه (ن��دوة)‪ ،‬مركز داسات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1999 ،1‬ص‪.518‬‬ ‫‪ .40‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.510‬‬ ‫‪ .41‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ص‪.511– 510‬‬


‫‪ .42‬خبصوص كلمة ّ‬ ‫الذمة‪ ،‬جند َّأن معناها ُ‬ ‫العهد‬ ‫والضمان واألم���ان‪ ،‬ومسيحيو الشرق داخل‬ ‫العامل االسالمي إمنا ّ‬ ‫سمُ��وا بذلك ألن هلم عهد‬ ‫اهلل تعاىل وعهد رسوله (ص) وعهد مجاعة‬ ‫املسلمني‪ ،‬يف ْأن يعيشوا يف محاية اإلسالم َ‬ ‫وكنف‬ ‫اجملتمع اإلسالمي آمنني ُمطمئنني بناءاً على‬ ‫“عقد الذمة”‪ .‬وهو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫يتضمن إقرا َر‬ ‫عقد مؤبد‬ ‫غري املسلمني على دينهم ومتتعهم حبماية‬ ‫اجلماعة اإلسالمية ورعايتها‪ ،‬بشرط بذهلم‬ ‫“اجلزية” وإلتزامهم أحكا َم القانون االسالمي يف‬ ‫غري الشؤون الدينية‪ ،‬حتى يكونوا من أهل دار‬ ‫اإلسالم كما ُيعبرّ الفقهاء أو من حاملي اجلنسية‬ ‫اإلسالمية كما ُيعبرّ املعاصرون‪ .‬أُنظر د‪ .‬يوسف‬ ‫القرضاوي‪ ،‬غري املسلمني يف اجملتمع اإلسالمي‪،‬‬ ‫مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬ط‪ ،1983 ،2‬ص‪.7‬‬ ‫‪ .43‬رئيس أساقفة َ‬ ‫بعل َبك ل��ل��روم املَلكيني‬ ‫الكاثوليك‪.‬‬ ‫‪ .44‬املطران كريلس سليم بسرتس‪ ،‬العالقات‬ ‫ً‬ ‫تارخيا وحاضراً ورؤية‬ ‫املسيحية االسالمية‬ ‫مستقبلية‪ ،‬يف جمموعة باحثني‪ ،‬العالقات‬ ‫اإلس�لام��ي��ة املسيحية‪ :‬ق���راءات مرجعية يف‬ ‫التاريخ واحلاضر واملستقبل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬ ‫ص‪.244 ،243‬‬ ‫‪ .45‬د‪ .‬رض��وان ّ‬ ‫السيد‪ ،‬العالقات اإلسالمية‬ ‫املسيحية واحل��وار االسالمي املسيحي ‪ ،‬مصدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص ص‪.69 – 68‬‬ ‫‪ .46‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.61‬‬ ‫‪ .47‬د‪ .‬وليم سليمان‪ ،‬احلوار بني األديان‪ ،‬مصدر‬ ‫سابق‪ ،‬ص‪.32‬‬ ‫‪ .48‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ص‪.33– 32‬‬

‫‪ .49‬للمزيد من التفاصيل أُنظر فهمي هويدي‪،‬‬ ‫احلوار االسالمي املسيحي كما يراه علماء األزهر يف‬ ‫مصر‪ ،‬يف‪ :‬جمموعة باحثني‪ ،‬العالقات اإلسالمية‬ ‫املسيحية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص‪ .85– 82‬أُنظر‬ ‫اي��ض ً��ا حممد حسنني هيكل‪ ،‬الفرانكفونية‬ ‫وأخواتها‪ ،‬جملة وجهات نظر‪ ،‬الشركة املصرية‬ ‫للنشر العربي والدولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عدد ‪ ،28‬مايس‬ ‫‪ ،2001‬ص ص‪.15–14‬‬ ‫‪ .50‬للمزيد من التفاصيل أُنظر عفيف ُعثمان‪،‬‬ ‫احل���وار املسيحي اإلس�لام��ي‪ ،‬جملة اإلجتهاد‪،‬‬ ‫العددان ‪ 31‬و ‪ ،32‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.119‬‬ ‫‪ُ .51‬ع ِق َد هذا املؤمتر بناءاً على دعوة احلزب‬ ‫اإلش�تراك��ي العربي اللييب وموافقة الكنيسة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أعماله بني ‪ 6 – 1‬شباط‬ ‫وإستمر ْت‬ ‫الكاثوليكية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مسيحيا مثلوا‬ ‫مسلما و ‪150‬‬ ‫‪ 1976‬مبشاركة ‪350‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ 55‬دول��ة‪ .‬وللمزيد من التفاصيل انظر األب‬ ‫موريس بورمانس‪ ،‬احلوار املسيحي اإلسالمي‬ ‫بعد ‪ 15‬سنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.445‬‬ ‫‪ .52‬مفيد أبو مراد‪ ،‬هل ُ‬ ‫ميكن حتويل الصراع‬ ‫املسيحي اإلسالمي اىل حوار هاديء يب ِل ُغ ُح ّجة‬ ‫السالم؟‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.214‬‬ ‫‪ُ .53‬‬ ‫أستاذ القانون الدستوري يف جامعة الكويت‬ ‫ً‬ ‫سابقا‪.‬‬ ‫وجامعة القاهرة‬ ‫‪ .54‬املطران كريلس سليم بسرتس‪ ،‬العالقات‬ ‫ً‬ ‫تارخييا وحاضراً ورؤية‬ ‫املسيحية اإلسالمية‬ ‫مستقبلية‪ ،‬يف‪ :‬جمموعة باحثني‪ ،‬العالقات‬ ‫اإلسالمية املسيحية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.223‬‬ ‫‪ .55‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.225‬‬ ‫‪ .56‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.225‬‬ ‫‪257‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪258‬‬

‫‪ .57‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ص‪.227 ،226‬‬ ‫‪ .58‬د‪ .‬ج��ورج ج��ب�� ّور‪ ،‬اإلس�لام وأورب���ا‪ ،‬جملة‬ ‫ال��رس��ال��ة‪ ،‬ال��ع��دد‪ ،4‬امل��رك��ز العربي للدراسات‬ ‫اإلسرتاتيجية‪ ،‬دمشق‪ ،‬آب ‪ ،1997‬ص‪.26‬‬ ‫‪ .59‬د‪ .‬أمحد كمال أبو اجملد‪ ،‬العوملة ُ‬ ‫واهلوية ودور‬ ‫األدي��ان‪ ،‬يف‪ :‬جمموعة باحثني‪ ،‬العوملة ُ‬ ‫واهلوية‬ ‫(ن��دوة)‪ ،‬أكادميية اململكة املغربية‪ ،‬الرباط‪،‬‬ ‫عدد‪ ،1‬مايس ‪ ،1997‬ص‪.206‬‬ ‫‪ .60‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ -207‬ص‪ .208‬وللمزيد من‬

‫التفاصيل حول وجهة نظره يف اخلطاب الديين‬ ‫أنظر د‪.‬أمح��د كمال أبو اجمل��د‪ ،‬حول اخلطاب‬ ‫الديين املعاصر‪ ،‬جملة وجهات نظر‪ ،‬الشركة‬ ‫املصرية للنشر العربي والدولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عدد‬ ‫‪ ،38‬مايس ‪ ،2002‬ص ص‪.8 -4‬‬


‫هيدغر و إشكالية تأويل العمل الفني‬ ‫«دراسة يف االنطولوجيا الجاملية»‬

‫أ‪.‬م ‪.‬د‪.‬كريم الجاف‬ ‫الجامعة املستنرصية \كلية االداب‬ ‫قسم الفلســـــفة‬ ‫‪259‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪260‬‬

‫املقدمة‪:‬‬ ‫مثة حقيقة تستدعي االهتمام عند النظر يف‬ ‫قضايا و اشكاليات اخلطاب الفلسفي املعاصر ‪,‬‬ ‫وهي أن تلك القضايا و االشكاليات ختتلف متاما‬ ‫عن تلك املتأصلة يف اخلطاب الفلسفي القديم‬ ‫واحلديث‪ ,‬إذ جند أن تلك اخلطابات كانت تتميز‬ ‫بالشمولية والعمومية عند طرح أالشكاليات‬ ‫النظرية بشأن موضوع ما يف حني أن اخلطاب‬ ‫الفلسفي املعاصر مل خيضع لذلك النهج الذي‬ ‫مرت به اخلطابات الفلسفية السالفة الذكر‪ ,‬بل‬ ‫على العكس متاما جند ان ذلك اخلطاب بوصفه‬ ‫منطا جديدا و خمتلفا يف التفكري باملوضوعات‬ ‫قد منح فالسفتها دورا اكرب يف التفكر حبقائق‬ ‫االشياء و بكيفيات خمتلفة‪ .‬واذا ختطينا حدود‬ ‫رؤى اخلطابات الفلسفية القدمية و احلديثة‬ ‫‪,‬اىل رؤى اخلطابات الفلسفية املعاصرة‪,‬جند أن‬ ‫مبحث القيم لدى الفالسفة املعاصرين قد اصبح‬ ‫من املباحث املؤثرة يف حقل التفكري الفلسفي‬ ‫‪,‬وهي من ثم على العكس من منظورات احلقبة‬ ‫القدمية و احلديثة اليت أولت مبحث الوجود و‬ ‫املعرفة عناية كبرية‪.‬‬ ‫لقد شغل مبحث القيم (اخلري‪,‬احلق‪,‬اجلمال)‬ ‫ومل��ا ي��زل ح��ي��زا مهما يف اخل��ط��اب الفلسفي‬ ‫املعاصر‪,‬وقد تعددت ال��رؤى و املناهج يف فهم‬ ‫اشكالياته ‪ ,‬و يعد الفيلسوف االملاني مارتن‬ ‫هيدغر(‪ )1889.1976‬أحد أهم االسهامات‬ ‫الفلسفية اهلامة يف تأسيس خطاب فلسفي مميز‬ ‫لفهم املبحث اجلمالي‪,‬ذلك املبحث الذي يهتم‬ ‫مبسألة الفن و املوقف اجلمالي من هذه املسألة‪.‬‬ ‫يرى هيدغر أن مشكلة الفن يف فهمه التقليدي‬

‫وع�بر تأريخ الفلسفة تكمن يف كونها سؤاال‬ ‫يطرحه الفالسفة على الفن و اجلمال لفهم‬ ‫ماهية العمل الفين‪ ,‬يف حني أنه ينبغي طرح‬ ‫االسئلة على العمل الفين لفهم ماهية الفن‬ ‫واجلمال و الفنان‪ ,‬و االبداع الفين ‪.‬‬ ‫ي��ه��دف ال��ب��ح��ث اىل أب����راز مهمة الفلسفة‬ ‫الظاهراتية يف تطوير فهم الفن والتجربة‬ ‫اجلمالية يف ضوء فلسفة هيدغر االنطولوجية‪,‬‬ ‫تلك الفلسفة اليت احدثت زحزحة من خالل‬ ‫تغيريها كليا طريقة طرح اشكالية مسألة الفن‬ ‫والتفكر مبشكالتها من منظور خمتلف ونهج‬ ‫جديد‪ ,‬وانطالقا من العمل الفين ذاته ‪.‬‬ ‫اوال ‪ :‬مدخل متهيدي‬ ‫أ – البحث اجلمالي يف اخلطاب الفلسفي‬ ‫أن قيمة الفن كقضية فلسفية قد طرحت‬ ‫منذ النشأة وص��وال إىل اللحظات الراهنة يف‬ ‫مبحث القيم*(اخلري‪,‬احلق‪,‬اجلمال) ذلك املبحث‬ ‫ال��ذي سعى من خالله الفالسفة فهم العمل‬ ‫الفين وتأويله حسب أشكاليات وظروف العصر‪,‬‬ ‫والش��ك أن»لفلسفة الفن تاريخ بقدر تأريخ‬ ‫الفلسفة ذاته» (‪ )1‬وان قضاياها و اشكالياتها‬ ‫يتم مناقشتها منذ سقراط وافالطون وارسطو‬ ‫وحتى عصرنا الراهن بكيفيات خمتلفة وذلك‬ ‫حسب العصر الذي يتم فيه النقاش‪.‬‬ ‫لقد ظهر املبحث اجلمالي بوصفه أحد مباحث‬ ‫فلسفة القيم يف الفلسفة اليونانية ويرجع‬ ‫ظهور ذلك املبحث اىل رغبة الفالسفة وسعيهم‬ ‫لتقديم تصور معني عن القيمة اجلمالية اليت‬ ‫ينبغي بها تقييم االعمال الفنية‪.‬‬ ‫ويعد افالطون(‪427‬ق‪.‬م‪347.‬ق‪.‬م) من‬ ‫اوائل الفالسفة الذين تفكروا بالقيمة اجلمالية‬


‫للعمل الفين وذلك من خالل اشكالية( املظهر‪/‬‬ ‫احلقيقة) ال�تي هيمنت على فلسفته بعامة‬ ‫والبحث اجلمالي خباصة‪ ,‬ذلك البحث الذي ناقش‬ ‫عالقة الفن باحلقيقة من خالل رفضه نظرية‬ ‫احملاكاة ‪ .‬فالفن كما يرى افالطون الذي «يقوم‬ ‫على احملاكاة بعيد كل البعد عن احلقيقة» (‪)2‬‬ ‫‪ ,‬الن الفنان هنا اليدرك الوجود احلق(=املثال)‪,‬‬ ‫امنا يدرك مظهره ومن ثم سيكون بعيدا عن‬ ‫احلقيقة ال��ذي هو اجلمال املطلق‪,‬وهو غاية‬ ‫التجربة اجلمالية ومبتغاها‪.‬‬ ‫اما ارسطو (‪ 384‬ق‪.‬م‪322.‬ق‪.‬م) فريى أن‬ ‫مجالية العمل تكمن يف «حماكاة الفعل واحلياة‬ ‫بغرض اث��ارة عاطفيت الرمحة واخل��وف اليت‬ ‫ت��ؤدي اىل التطهري من هذه االنفعاالت» (‪, )3‬‬ ‫وتهدف عملية احملاكاة عند ارسطو اليت هي‬ ‫حماكاة طبائع االشياء كي تتخطي تلك الطبائع‬ ‫و ازالتها من خالل الفن‪ ,‬وان مجالية العمل اليت‬ ‫تكمن يف قدرة الفن على ختطي ما هو قائم حنو‬ ‫ما هو افضل ‪.‬‬ ‫وام��ا يف العصور الوسطى اليت هيمن عليها‬ ‫التفسري الالهوتي لكل ماهو موجود يف العامل ‪,‬‬ ‫فنجد أن البحث اجلمالي ألي عمل فين قد حتدد‬ ‫بالقيم الالهوتية و االشرتاطات االخالقية و‬ ‫الدينية لتلك العصور ‪,‬اي العصور الدينية‪ ,‬تلك‬ ‫القيم و االشرتاطات اليت أضحت مرجعا لفهم‬ ‫التجربة اجلمالية‪.‬‬ ‫واما عصر احلداثة فقد قدر للبحث اجلمالي‬ ‫أن ينتعش مع انبثاق فلسفة الذاتية؛فلسفة‬ ‫العقالنية الغربية ‪.‬ففي ذلك العصر تأسس‬ ‫علم اجلمال على يد الفيلسوف االملاني الكسندر‬ ‫بومغارتن(‪ )1714.1762‬ذل��ك الفيلسوف‬

‫ال��ذي ربط بني ما هو مجيل يف العمل الفين‬ ‫وح��ال ال���ذات امل��درك��ة ل��ه ‪ ,‬اذ جعل مجالية‬ ‫العمل الفين «مشروطة باحكام ال��ذات» (‪)4‬‬ ‫‪ ,‬وه��ذا ما سنجده واضحا يف مشروع كانط‬ ‫(‪ )1724.1804‬النقدي عندما وضع احكاما‬ ‫ملنطق تذوق االعمال الفنية‪ ,‬ذلك املنطق الذي‬ ‫يشري اىل أن»الشعور اجلمالي ال يدل على شيء يف‬ ‫املوضوع ذاته‪,‬وامنا تشعر فيها الذات» (‪ )5‬اذ أن‬ ‫احكام الذوق ليست احكاما معرفية ومنطقية‬ ‫بقدر ماهي مجالية تتعلق ب��ادراك ال��ذات هلا‬ ‫‪ ,‬فاجلمال هو ما يثري انفعاالتنا الذاتية أثناء‬ ‫حصول التجربة اجلمالية‪.‬‬ ‫و يأتي هيغل (‪)1770.1831‬ويرى أن‬ ‫الفن جتسيد للحقيقة من خالل ما هو مجيل‬ ‫‪,‬وتكشف للفكرة املطلقة عرب ما هو حسـي و أن‬ ‫االنسان يسعى من خالل العمل الفين اىل»التعبري‬ ‫عن وعيه لذاته»(‪ )6‬وان «تهذيب االخ�لاق‬ ‫هو الذي يشكل هدف الفن» (‪ )7‬ومضمونه يف‬ ‫التجربة اجلمالية‪.‬‬ ‫وام����ا احل��ق��ب��ة اهل��ام��ة االخ����رى يف ت��اري��خ‬ ‫ال��ب��ح��ث اجل���م���ال���ي ف��ه��ي م���ع ال��ف��ي��ل��س��وف‬ ‫نتيشه(‪ )1844.1900‬ذل��ك الفيلسوف‬ ‫الذي وجد ان الفن قد اصبح «نشاطا تواصليا‬ ‫يكمن يف كونه تعظيما للحياة وقابلية لالثارة‬ ‫الفيزيولوجية حيث يتم ت��ب��ادل احلركات‬ ‫واالحاسيس ‪,‬فالفن لغة تقول مباشرة «حقيقة»‬ ‫االحاسيس ذاتها» (‪ )8‬حقيقة إرادة القوة ففيها‬ ‫«جيين االنسان متعة من رؤية نفسه كامال» (‪)9‬‬ ‫‪ ,‬و ان حقيقة العمل الفين عنده هي الكشف عن‬ ‫حقيقة احلياة بوصفها مظهرا و صريورة فضال‬ ‫عن كونها شكال من اشكال «أعادة االعتبار لقيمة‬ ‫‪261‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪262‬‬

‫العامل االرضي يف اطار و صيغة مجالية»(‪.)10‬‬ ‫تتخطى االفالطونية لكن بشكل مقلوب هذه‬ ‫املرة ‪.‬‬ ‫و أمـا اخلطاب الفلسفي املعاصر ومع انبثاق‬ ‫منهج الظاهراتية**‪ ,‬فقد تأسست قواعد‬ ‫جديدة و اجتاهات متنوعة للبحث اجلمالي‪,‬‬ ‫وتعد االنطولوجيا اجلمالية من أهم احلقول‬ ‫الفلسفية اليت تناولت «بالبحث طبيعة العمل‬ ‫الفين من زاوية عالقته بالوجود» (‪ , )11‬أو‬ ‫عالقة احلقيقة بالفن على حد تعبري مارتن‬ ‫هيدغر الذي هو موضوع البحث ‪ ,‬اذ سنجد كيف‬ ‫ان ذلك الفيلسوف قد غري طريقة تأويل العمل‬ ‫الفين و البحث اجلمالي من خالل ما يعرف‬ ‫باالنطولوجيا الظاهراتية ‪ ,‬تلك الطريقة اليت‬ ‫أحدثت ثورة يف كيفية إدراك العمل الفين ‪ ,‬ويف‬ ‫كيفية رؤية اجلميل فيه‪.‬‬ ‫بــ ‪ .‬أســلوب وجود املوجود يف العامل‬ ‫آلج��ل معرفة الكيفية ال�تي أنبثقت عنها‬ ‫الرؤية اجلمالية عند هيدغر‪ ,‬ينبغي القاء‬ ‫نظرة على جوهر فلسفته ال�تي تستند اىل‬ ‫املسألة االنطولوجية‪ ,‬مسالة الوجود تلك املسألة‬ ‫اليت اصبحت منسية من قبل االنسان ذاته ‪,‬‬ ‫و اصبحت جوهرية عند البحث عن معنى‬ ‫الوجود و من املهام الفلسفية الجل الكشف عن‬ ‫حقيقته ‪.‬‬ ‫وي�����رى ه��ي��دغ��ر أن م��س��أل��ة(األخ��ت�لاف‬ ‫االنطولوجي) هي من أهم إشكاليات السؤال عن‬ ‫معنى الوجود ‪ .‬فاالختالف االنطولوجي بني‬ ‫الوجود و املوجود يؤسس الوجود و للطريقة‬ ‫اليت يكون بها يف كل عصر من عصور تأريخ‬ ‫العامل‪ ,‬البوصفه هوية ‪,‬او تطابق‪ ,‬او تشابه ‪,‬امنا‬

‫بوصفه أختالفا‪,‬وحتوال و حتقيقا ملا هو ممكن‬ ‫يف ض��وء التجربة املعاشة ‪,‬وه��ذا م��امل حتفل‬ ‫به امليتافيزيقيا كونها قد نست االختالف‬ ‫االنطولوجي الذي هو «نسيان االختالف بني‬ ‫الوجود و املوجود» (‪ . )12‬أن ادراك االختالف‬ ‫االنطولوجي الميكن أن حي��دث اال اذا وعى‬ ‫االنسان كينونته بوصفها[وجودا‪.‬يف‪.‬العامل]‬ ‫(‪ , )13‬واليت هي الصيغة االساسية له ومن ثم‬ ‫السؤال عن معنى الوجود‪ ,‬أذ ان امليتافيزيقيا‬ ‫التقليدية‪ ,‬حسب هيدغـر ‪,‬مل تدرك الوجود‬ ‫االبوصفه موجودا متعاليا وم��وج��ودا اهليا‪,‬‬ ‫كما تدركه فلسفات الذاتية من خالل عملية‬ ‫«التمثل املقوالتي‪,‬وهذا معناه أن حقيقة الوجود‬ ‫من حيث هو ذلك النور و االنفتاح» (‪ )14‬بقيت‬ ‫حمتجبة عن امليتافيزيقيا‪ ,‬بسبب احلجاب الذي‬ ‫وضعته مقوالت العقل امليتافيزيقي اجملرد على‬ ‫ذلك النور‪.‬‬ ‫وي���رى هيدغر أن امل��وج��ود الوحيد ال��ذي‬ ‫يتميز بالوجود وميتلك القدرة على السؤال‬ ‫ع��ن معناه ‪ ,‬ه��و االن��س��ان أوم���ا أط��ل��ق عليه‬ ‫الوجود هناك(‪ ,)Dasein‬الذي بوصفه ذلك‬ ‫الوجود ال��ذي حيدث فيه أكتشاف املوجودات‬ ‫وتعين(‪ )Da‬هناك ذلك االنفتاح الذي يكون‬ ‫يف كلية املوجود؛ أي عامله ال��ذي فيه «حيفظ‬ ‫أالنسان اساسه اجلوهري(أي وجوده) الذي ظل‬ ‫لعهد طويل دون تأسيس ‪ ,‬والذي انطالقا منه‬ ‫يستطيع االنسان أن يوجد متخارجا» (‪)15‬‬ ‫يف العامل بوصفه زمانية وتأريخ‪ ,‬و اسلوب يف‬ ‫الكشف عن احلقيقة ‪ ,‬يف ذلك الوجود‪.‬‬ ‫أن ماهية الدزاين(=الوجود هناك) تكمن يف‬ ‫وج��وده ال��ذي هو امكان الوجود ‪,‬إذ الميتلك‬


‫ذلك الدازين طبيعة ثابتة وراسخة وانه فقط‬ ‫«مايكون من خالله افعاله التلقائية اليت تصدر‬ ‫عنه» (‪ , )16‬ويف ض��وء التجربة املعاشة يف‬ ‫العامل الذي يتواجد فيه‪ .‬ولذا جند أن السؤال‬ ‫عن الوجود عند هيدغر جييء للقضاء على‬ ‫فكرة جوهرية الذات اليت انبثقت عن فلسفة‬ ‫احل��داث��ة‪ ,‬و التناهي العامل ال�تي انبثقت عن‬ ‫اخلطاب الفلسفي القديم و احلديث‪ ,‬عرب صيغة‬ ‫جتمع االنسان و العامل مجعا زمانيا و تأرخييا‪,‬‬ ‫كيما جتعلهما متناهيني ومتالزمني الميكن فهم‬ ‫احدهما من دون االخر‪ ,‬و يف أطار االنطولوجيا‬ ‫االساسية اليت تتأمل املوجودات تأمال عينيا من‬ ‫خالل وصل املوجودات بعاملها وصال عضويا‪ ,‬ال‬ ‫كما فعلت امليتافيزيقيا القدمية حينما تأملت‬ ‫املوجودات تأمال جمردا‪ ,‬أي حينما تأملتها يف‬ ‫حد ذاتها بعيدا عن عاملها ‪,‬مما انساها االختالف‬ ‫االنطولوجي بني الوجود و املوجود ‪ .‬ويف حبثنا‬ ‫هذا سنعرض كيف أن هيدغر تفكر يف الوجود‬ ‫ولكن انطالقا من العمل الفين هذه املرة ‪ ,‬أذ‬ ‫يستمر بالتفكري يف معنى الوجود ‪ ,‬ولكن يف أفق‬ ‫العمل الفين‪ .‬فبعد أن تسائل عن معنى الوجود‬ ‫يف كتابه االس��اس(ال��وج��ود والزمن‪,)1927.‬‬ ‫يسعى مرة اخرى للسؤال عنه يف البحث اجلمالي‪,‬‬ ‫ويف أطار فلسفة الفن‪.‬‬ ‫جـ ‪ .‬مفهوم التأويل يف انطولوجية هيدغر‬ ‫الظاهراتية‪:‬‬ ‫حيتل النشاط التأويلي*** يف فلسفة مارتن‬ ‫هيدغر مكانه مم��ي��زة فيما يتعلق بفهم‬ ‫معنى ال��وج��ود‪ ,‬وه��ذا ماظهر جليا يف كتابه‬

‫االساس(الوجودوالزمن) ‪,‬فالفلسفة عنده هي‬ ‫«انطولوجيا ظاهراتية على حنو شامل‪ ,‬وتتخذ‬ ‫منطلقها من تأويل الدزاين لتحليل وجوده»‬ ‫(‪ , )17‬أذ أن االنطولوجيا والظاهراتية ما‬ ‫مييزان شكل الفلسفة يف كيفية فهم موضوعاتها‪.‬‬ ‫بيد ان الفهم ال يعين عند هيدغر عملية عقلية‬ ‫يؤدي اىل معرفة نظرية‪ ,‬أمنا يعين «ذلك التلمس‬ ‫الدائم للقوام الكلي للوجود يف العامل» (‪, )18‬‬ ‫وهو متجذر يف كيفية وجود االنسان ‪,‬بوصفه‬ ‫انشغاال واهتماما بعامله ‪,‬ذلك العامل الذي هو‬ ‫ً‬ ‫ميدانا‬ ‫ليس موضوعا اساسيا للتأمل بقدر ماهو‬ ‫الهتمام الدزاين وانشغاالته‪.‬‬ ‫لذلك فأن وعي الدزاين هو باستمرار «وجوداً‬ ‫أكثر مما هو وعيا‪ ,‬وأن وجوده التأرخيي يسبق‬ ‫اي فصل جتريدي بني ال��ذات و امل��وض��وع يف‬ ‫املعرفة ‪,‬وأن مهمة التأويل الفلسفي يكمن يف‬ ‫تعزيز مستوى الوعي التفكري على التواصل‬ ‫املعقول مع املوجودات اليت نعيش معها» (‪, )19‬‬ ‫أذ أن الطابع االنطولوجي لوجود االنسان يسبق‬ ‫الطابع االبستمولوجي ومن ثم فأنه الميكن‬ ‫الفصل بني الذات واملوضوع يف عملية فهم العامل‬ ‫‪ ,‬كما هي عادة فالسفة احلداثة التنويريني‪.‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر أن تأويليه هيدغر تقوم‬ ‫على فهم وجود املوجود من خالل جتليه بذاته‬ ‫فهو «الذي يعرض ذاته بذاته» (‪ , )20‬والفهم‬ ‫كما قلنا ليس عملية عقلية جتاه املوجودات‬ ‫‪,‬امنا خيص التاريخ املؤثر ملا يفهمه‪ ,‬اي وجود‬ ‫ذلك الذي يفهم ‪,‬وهو طريق انفتاح الدزاين‬ ‫على الوجود ألجل الوقوف عند امكانياته‪.‬‬ ‫وأن ال��ت��أوي��ل بوصفه منهجايعتمد على‬ ‫التوصيف الظاهراتي للكشف ع��ن حقيقة‬ ‫‪263‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪264‬‬

‫امل��وج��ود‪ ,‬وأن التوصيف الظاهراتي بوصفه‬ ‫منهجا يتوسل التفسري اداة لفهم وج��ود‬ ‫امل��وج��ود يف م��س�يرة وج���وده يف ال��ع��امل‪ ,‬وأن‬ ‫الدزاين»بوصفه فهما فأنه يعطي فكرة صحيحة‬ ‫عن امكانياته»(‪ , )21‬وعن ذات��ه‪ ,‬وبالتفسري‬ ‫فأن»الفهم اليصبح شيئا خمتلفا ‪,‬امن��ا يصبح‬ ‫ذاته»(‪ , )22‬وهكذا يكون التأويل عند هيدغر‬ ‫متصال بالشرط الوجودي للدزاين‪ ,‬أي حمكوم‬ ‫بزمانيته‪ ,‬وأن فهم «العمل الفين يشرتط فهمنا‬ ‫لزمننا وملوقعنا»(‪ , )23‬وه��ذا ما سنجده يف‬ ‫كيفية فهم هيدغر للعمل الفين ويف كيفية‬ ‫تأويله انطالقا من االنطولوجيا الظاهراتية‬ ‫‪,‬ويف اطار جدلية اخلفاء و التجلي أذ أن «خفاء‬ ‫ال��وج��ود اليعرض نفسه ب��ال��ذات اال يف ظهور‬ ‫الدزاين الذي ميكن من طريق انفتاحه حدوث‬ ‫املعرفة الصحيحة و املوجود الذي يظهر من‬ ‫الكشف يقدم نفسه ملن يالحظه (‪)..‬وأن هذه‬ ‫املعرفة التتم اال اذا ك��ان الكشف=(التجلي)‪,‬‬ ‫وال��ت��ح��ج��ب(=اخل��ف��اء) حي��دث��ان يف ال��وج��ود‬ ‫ذاته»(‪ )24‬ويف اطار احلضور احلي للموجود ويف‬ ‫العامل ‪ ,‬يف عامل تأرخيي معني‪.‬‬ ‫ثانـــيا ‪ :‬مفهوم االصل يف العمل الفين‬ ‫لقد جتسدت فلسفة الفن عند هيدغر يف‬ ‫دراسة هامة كانت بعنوان (أصل العمل الفين)‪,‬‬ ‫وكانت يف االصل حماضرة القاها يف عام (‪)1935‬‬ ‫يف اجلمعية العلمية الفنية يف مدينة فرايبورغ‪,‬‬ ‫فضال عن أن��ه مت تطوير تلك ال��دراس��ة عام‬ ‫(‪ )1956‬من خالل االضافة و التوضيح‪.‬‬ ‫ي��ب��دأ ه��ي��دغ��ر يف دراس���ات���ه ب��ال��س��ؤال عن‬

‫م��ف��ه��وم(االص��ل)**** يف العمل الفين‪ ,‬ذلك‬ ‫السؤال الذي أحدث أنزياحا كبريا يف كيفية فهم‬ ‫العمل الفين وذلك عندما غري كليا طريقة فهمه‬ ‫من خالل التفكر بأشكاليته من منظور تأويلي‬ ‫خمتلف ونهج مميز‪ .‬أن اصل العمل الفين مل يعد‬ ‫يف الفنان كما كان يتداول يف التقليد الفلسفي‬ ‫القديم‪ ,‬أذن فمن أين يبدأ السؤال عن العمل‬ ‫الفين؟ و اىل أين ينحدر؟ و ما الذي ينبثق عنه؟‬ ‫يرى هيدغر(االصل)أنه املصدر الذي ينبثق‬ ‫عنه ش��يء م��ا‪ ,‬وه��و ال��ذي جيعل وج��ود ذلك‬ ‫الشيء ممكنا خبصائصه‪ ,‬وحيدد طريقة وجوده‬ ‫يف العامل ‪ ,‬فاالصل الذي يعين «من أين و مباذا‬ ‫يكون ه��ذا الشيء وم��ا هو وكيف هو ‪,‬نسميه‬ ‫جوهره»(‪ , )25‬و السؤال عن العمل الفين يعين‬ ‫السؤال عن جوهره‪ ,‬و اجلوهر يعين هنا السؤال‬ ‫عن وجود العمل الفين ‪ ,‬الذي به يعرف الفنان‬ ‫و ليس العكس كما كان االعتقاد القديم الذي‬ ‫يرى أن «العمل ينبع وفقا للتصور العادي من‬ ‫نشاط الفنان و عن طريق نشاطه»(‪, )26‬فضال‬ ‫عن طريقة وجوده يف العامل الذي يكون فيه‪.‬‬ ‫وهكذا فأن الفنان يف منظور هيدغر يعرف‬ ‫بالعمل الفين وبه يربز و يشتهر‪ ,‬وأن جدلية‬ ‫العالقة بني الفنان و العمل الفين تنبثق من‬ ‫وسيط طرف ثالث اال وهو الفن‪ ,‬ولكن هل ميكن‬ ‫أن يكون الفن أصال للفنان والعمل الفين‪.‬يرى‬ ‫هيدغر أن الفن الميكن أن يكون مصدرا ملعرفة‬ ‫اصل الفنان والعمل الفين أذ ان الفن»جمرد كلمة‬ ‫مل يعد ما يطابقها ش��يء حقيقي»(‪ , )27‬يف‬ ‫العامل فهو أذن تصور كلي جمرد‪ ,‬مما يستدعي‬ ‫أن يصبح السؤال عن أصل العمل الفين سؤاال عن‬ ‫جوهر الفن‪ ,‬الذي ينبغي أن يستمد من العمل‬


‫الفين ‪ ,‬المن القواعد والنظريات واملفاهيم و‬ ‫التصورات اجملردة وهذا الميكن أن حيصل اال عن‬ ‫طريق عمل فين حقيقي له وجود واقعي من‬ ‫قبيل اللوحات الفنية‪,‬واالشعار‪,‬والسمفونيات‬ ‫‪...‬اخل‪ ,‬ومن خالل املظهر الشيئي لتلك االعمال‬ ‫ال�تي بدونها الميكن أن تكون تلك االعمال‬ ‫موضوعا للتفكر و االدراك النظري والفلسفي‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬شيئية العمل الفين‬ ‫ماهو الشيء ال��ذي جيعل العمل الفين عمال‬ ‫فنيا؟ يسعى هيدغر يف دراسته أص��ل العمل‬ ‫الفين اىل حتديد اخلاصية الشيئية يف العمل‬ ‫الفين‪ ,‬اليت جتعله شيئا كيما يعد عمال فنيا‪.‬‬ ‫الجل ذلك يستعرض هيدغر ثالثة تفسريات‬ ‫للشيء تنتمي اىل امليتافيزيقيا القدمية‪ ,‬ويتم‬ ‫من خالهلا تفسري وفهم شيئية الشيء‪ ,‬أواجملال‬ ‫الذي ينتمي اليه كل موجود»فاالشياء يف ذاتها‪,‬‬ ‫واالشياء اليت تظهر وكل ما هو موجود عموما‪,‬‬ ‫يطلق عليها يف لغة الفلسفة أسم شيء»(‪ , )28‬أن‬ ‫التفسري االول يقوم على الفهم اجلوهري للشيء‬ ‫؛ اي الشيء بوصفه جوهرا حامال العراضه‪,‬‬ ‫والتفسري الثاني يظهر الشيء بوصفه وحدة‬ ‫التنوع يف معطيات احل��س‪ ,‬والتفسري الثالث‬ ‫يظهر الشيء بوصفه شيئا له صورة (=شكل)‬ ‫(‪.)29‬‬ ‫ويرى هيدغر أن تلك التفسريات تكشف عن‬ ‫شيئية االشياء يف منط حم��دد من الفعاليات‬ ‫االنسانية السيما العملية و الميكن أن تكشف‬ ‫عن اصله الفين وجوديا‪ ,‬أي شيئيته من خالل‬ ‫صيغ ميتافيزيقية؛ أذ ان اجلماليات التقليدية‬ ‫للخطابات الفلسفية القدمية كانت حتدد العمل‬

‫الفين من اخل��ارج «فاالسلوب ال��ذي ينظر به‬ ‫اىل العمل الفين من اخلارج الذي ساد بواسطة‬ ‫التفسريات التقليدية لكل امل��وج��ودات اليت‬ ‫سايرت الفكر امليتافيزيقي يف نفيه القطعي‬ ‫السلوب املوجود‪ ,‬قد نقلت التفسري التقليدي‬ ‫للشيء اىل نطاق العمل الفين؛ ونظرت اليه‬ ‫بوصفه شيئا»(‪ )30‬موجودا يف العامل‪ ,‬وليس‬ ‫طريقة يف الوجود‪.‬‬ ‫أن شيئية الشيء يف فهم هيدغر يعين الكشف‬ ‫عن حقيقة الشيء يف وج��وده وقد شرح ذلك‬ ‫عند حتليله لوحة فان كوخ(حذاء الفــالحة)‪,‬‬ ‫ومتييزه بني احلذاء احلقيقي الذي يستعمل من‬ ‫عامل احلياة و احلذاء املوجود يف العمل الفين ‪ ,‬أي‬ ‫يف لوحة فان كوخ‪.‬‬ ‫أن ماهية احلذاء يف العمل الفين جتسد عامل‬ ‫احل��ي��اة الريفية لكل معاناتها وتعقيداتها‬ ‫وعالقتها باالرض وهي متثل شيئية الشيء النها‬ ‫اظهرت حقيقة االشياء وفقا لكيفية انكشافها‬ ‫يف العمل الفين وأن شيئية الشيء «تعين أنتماء‬ ‫الشيء اىل االرض‪ ,‬على ان جوهر االرض بوصفها‬ ‫احلاملة املتعلقة على ذاتها دون ارغام على شيء‬ ‫اليكشف نفسه اال حني يظهر يف عامل»(‪, )31‬‬ ‫وهكذا فالسؤال عن شيئية العمل الفين يعين‬ ‫السؤال عن ماهو ارضي فيه يتجلى يف أفق العامل‬ ‫كيما يكشف عن حقيقته من خالل عمل فين ‪.‬‬ ‫أن ال��ع��م��ل ال��ف�ني ذل���ك ال��ن��ش��اط االن��س��ان��ي‬ ‫املميز عبارة عن «شيء من نوع خاص ينطق‬ ‫بلغة نوعية خاصة تعزله عن كل ما عداه‬ ‫من»أشياء»ينقل الينا بطبيعته شيئا أخر»(‪)32‬‬ ‫‪ ,‬غري الشيء املصنوع أنه ينقل الينا ويرينا بعده‬ ‫الالمرئي‪ ,‬من خالل الكشف عن اسلوب وجوده‬ ‫‪265‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪266‬‬

‫؛ أي شيئيته ال��ذي هو عامله من خالل النهج‬ ‫االنطولوجي الظاهراتي الذي ابتدعه هيدغر‪,‬‬ ‫ذلك النهج ال��ذي يرفض فكرة «ص��دور العمل‬ ‫الفين عن سابق ميتافيزيقي وديين وغريه لكي‬ ‫يرى أصل العمل الفين يف سريورته يف أن يصري‬ ‫شيئا»(‪ , )33‬الشيئا باملعنى اجملرد للشيء ‪ ,‬أمنا‬ ‫أسلوب وج��ود لعامل تأرخيي ينكشف بالعمل‬ ‫الفين أنكشافا يظهر بها شيئية الوجود‪.‬‬ ‫رابـــعا ‪ :‬احلقيــقة و العــمل الفــــين‬ ‫بقي هيدغر منشغال بالسؤال ع��ن معنى‬ ‫ال���وج���ود‪ ,‬ول��ك��ن يف اف���ق ال��ع��م��ل ال��ف�ني ه��ذه‬ ‫املرة؛وحبسب منظوره فان الوجود «بوصفه‬ ‫ع��م�لا فنيا حي���دث ح��ق��ي��ق��ة***** وج��ود‬ ‫املوجودات ‪ ,‬مبا يف ذلك وجوده هو» (‪ , )34‬يف‬ ‫العامل الذي ينوجد فيه‪ ,‬وذلك الن الفن اليوجد‬ ‫من أجل احلقيقة يف حد ذاتها أمنا الجل كون‬ ‫ً‬ ‫حقيقيا يف وجوده ويف مايكشفه»(‪)35‬‬ ‫الشيء‬ ‫‪ ,‬فضال عن الكيفية الوجودية اليت ميكن بها‬ ‫ان يكون عمال فنيا وامكانيته يف الكشف عن‬ ‫حقيقة الوجود بوصفه انكشافا و أزالة احلجاب‬ ‫عندما يعرض ذاته بذاته كما حيدث يف العامل‪.‬‬ ‫أن السمة اجلوهرية اليت يقدمها العمل الفين‬ ‫هي «أقامة العامل وأنتاج االرض»(‪ , )36‬تلك‬ ‫السمة اليت تشكل وج��ود العمل الفين ‪ ,‬اذ ان‬ ‫اقامة العامل وانتاج االرض ملمحان «اساسيان‬ ‫من مالمح العمل الفين الذي يتم فيه الصراع‬ ‫بني االرض والعامل»(‪ , )37‬وأن احلقيقة اليت‬ ‫حت��دث يف العمل الفين هو ذل��ك ال��ص��راع بني‬ ‫االرض و العامل حيث متثل االرض االنغالق‬ ‫واالخفاء‪ ,‬والعامل ميثل االنفتاح والكشف وهما‬

‫بذلك خمتلفان م��ن حيث اجل��وه��ر ولكنهما‬ ‫متالزمان يف الوقت ذات��ه‪»,‬ال��ع��امل يقوم على‬ ‫االرض‪ ,‬واالرض تربز عرب العامل (‪ )...‬فالعامل‬ ‫يطمح يف سكونه فوق االرض اىل العلو فوقها‬ ‫وهو الحيتمل بصفته املنفتحة ماهو مغلق‪ .‬لكن‬ ‫االرض بصفتها املتخفية متيل اىل أن تضم العامل‬ ‫يف ذاتها وحتتفظ به داخلها»(‪ , )38‬بوصفه‬ ‫عاملا تأرخييا يكشف عن حقيقته الصراع بني‬ ‫االرض و العامل وان العمل الفين «حي��ول ذلك‬ ‫الصراع اىل خيط من التوافق ويزيل النزاع يف آن‬ ‫واحد»(‪ , )39‬وذلك من أجل أحداث احلقيقة يف‬ ‫العمل الفين ‪ ,‬حقيقة عامل تأرخيي يسعى أفراده‬ ‫اىل ادراك السمات املكونة لتجربتهم اخلاصة يف‬ ‫العامل»(‪ , )40‬وأدراك حقيقة وجودهم فيه ‪,‬‬ ‫فضال عن تقديم رؤية يف كيفية فهمهم له عرب‬ ‫العمل الفين‪ .‬فعلى سبيل املثال يرى هيدغر‬ ‫أن املعبد االغريقي بوصفه عمال فنيا يعكس‬ ‫منظور و اهتمام اليونان يف مرحلة تطورهم‬ ‫ال��ت��أرخي��ي‪ ,‬أذ يعرض ذل��ك العمل املعاني و‬ ‫الدالالت املتصلة باملوجودات فضال عن التحدي‬ ‫و االستجابة لثقافتهم يف عاملهم التأرخيي‬ ‫(أقامة العامل)‪ ,‬ويف الوقت ذاته فان املعبد من‬ ‫جهة ملعان ص��خ��وره يف ض��وء الشمس يكشف‬ ‫قوة الرتبة الصخرية اليت تسنده وهو ما يعرب‬ ‫عنه(أنتاج االرض)‪ ,‬اذ أن لالعمال الفنية دائما‬ ‫وسائط مادية طبيعة(الصخور‪,‬االلوان‪,‬الكلمة‬ ‫امللفوظة)‪ ,‬تلك الوسائط تكشف أو خترج االرض‬ ‫من حتجبها وإنغالقها‪.‬وهكذا فالعامل جيذب‬ ‫االرض باجتاه املعنى‪ ,‬واالرض تغلق العامل على‬ ‫ذاته ويف ضوء ذلك الصراع حتدث احلقيقة ‪,‬‬ ‫مباهي كذلك وتعرض ذاتها بذاتها‪,‬إذ أنها اجمليء‬


‫الذاتي اىل العامل‪ ,‬وأعين بذلك ذات املوجود كما‬ ‫حيدث وينكشف يف العامل بذاته ال بغريه‪.‬‬ ‫أن العمل الفين بوصفه مقام أنفتاح العامل‬ ‫ميتلك االمكانية على كشف الوجود وعرض‬ ‫حقيقته يف عامل وحتديد معناه وداللته التامة‬ ‫وأن»ال��دالل��ة احلقيقة للعمل الفين ميكن أن‬ ‫تفهم فقط مبوجب أصله ونشوئه ضمن ذلك‬ ‫العامل»(‪ )41‬وهذا ما سعت اليه فلسفة هيدغر‬ ‫وذات املضمون االنطولوجي الظاهراتي اليت‬ ‫جعلت الفكر ينشغل باملوضوعات اجلمالية اليت‬ ‫تكون ماثلة امامه ‪ ,‬أي االعمال الفنية مباهي‬ ‫كائنة وبصيغ تشكلها‪ ,‬ال مبا ينبغي أن تكون كما‬ ‫هي عادة االجتاهات اجلمالية التقليدية اليت‬ ‫انشغلت مبعايري وقواعد العمل الفين أكثر من‬ ‫انشغاهلا حبقيقة العمل الفين بوصفه موضعا‬ ‫حل��دوث حقيقة فيه‪ ,‬حقيقة ع��امل تأرخيي‬ ‫حلضارة ما او لثقافة ما ‪.‬‬ ‫خامـــسا ‪ :‬صلة احلقيقة بالــــفن‬ ‫ماهي صلة احلقيقة بالفن؟ وج��د هيدغر‬ ‫أن املنعطف االنطولوجي خري وسيلة للكشف‬ ‫عن ماهية الفن‪ ,‬وأنه ينبغي طرح االشكاليات‬ ‫اجلمالية‪ ,‬أو البحث اجلمالي بعدها اشكاليات‬ ‫انطولوجية تهدف اىل فهم احلقيقة انطالقا من‬ ‫العمل الفين ومن ثم الكشف عن جوهر الفن ‪ ,‬و‬ ‫اجلمال ‪ ,‬و االبداع الفين‪ ,‬من العمل الفين ذاته ‪.‬‬ ‫ولذلك جند هيدغر يرفض الفهم الذاتي للفن‪,‬‬ ‫النه أي الفن الينتمي اىل الوعي الذاتي‪ ,‬أمنا‬ ‫ينتمي اىل الوجود ذاته ‪ ,‬ويرفض الفن بوصفه‬ ‫تقدميا ملتعة ولذة مجالية كما أدركتها الفلسفات‬ ‫التقليدية والقدمية‪ ,‬امنا يفهم الفن بداللته‬ ‫اليونانية والذي يعين»الوعي باملوجود بوصفه‬

‫موجودا»(‪ )42‬ونقله من اخلفاء اىل التجلي‬ ‫وادراجه يف دائرة التجربة املعاشة‪ ,‬الجل وضع‬ ‫احلقيقة يف العمل الفين بشكل ابداعي ومن أجل‬ ‫احلفاظ عليه‪ ,‬فالفن حسب هيدغر هو «احملافظة‬ ‫اخلالقة للحقيقة يف العمل الفين‪ ,‬ولذلك فهو يعد‬ ‫ص�يرورة احلقيقة وحدوثها»(‪ , )43‬يف العمل‬ ‫بوصفها كشفا من خالل صلته بكلية املوجود‪,‬‬ ‫الذي يدل على االرض والعامل يف صراعهما الذي‬ ‫يتم عرضه بالفن‪.‬‬ ‫أمــا الفنان فريى هيدغر أنه خيتلف كليا عن‬ ‫صانع االدوات اليت تستعمل يف العامل اخلارجي‬ ‫أذ أن فعله االبداعي «جيعل املوجود بادىء ذي‬ ‫بدء يربز من مظهره اىل وجوده ‪ ,‬وهذا الفعل‬ ‫حيدد جوهر اخللق ويدعمه ويبقى حمفوظا‬ ‫فيه»(‪ , )44‬وبعد أمتام العمل الفين فأن ماهية‬ ‫اخللق او االبداع الفين حتدد ماهية العمل الفين‬ ‫‪ ,‬من حيث هو مصدر لالبداع و احملافظة على‬ ‫احلقيقة ‪ ,‬وهو ماينبغي أن يقوم به البحث‬ ‫اجلمالي ‪.‬‬ ‫إم��ا النشاط اجلمالي م��ن منظور هيدغر‬ ‫فأنه مل يعد نشاطا حمفزا للتجربة اجلمالية‪,‬‬ ‫فبالتجربة اجلمالية ميوت الفن‪ ,‬والهو موضوعا‬ ‫لالدراك احلسي‪ ,‬و الجتليا حسيا للفكرة املطلقة‬ ‫كما علمنا هيغل ‪ ,‬امنا اجلمال هو «الطريقة‬ ‫اليت توجد بها احلقيقة بوصفها كشفا»(‪, )45‬‬ ‫حلقيقة الوجود ‪ ,‬وان العمل الفين هو مشروع‬ ‫أح��داث احلقيقة‪ ,‬حقيقة أنفتاح العامل من‬ ‫أجل انكشاف املوجود ليدل على ذاته بذاته ‪,‬‬ ‫واحداث هويته على قاعدة املغايرة واالختالف‬ ‫‪,‬العلى «قاعدة التطابق واملماهاة ‪ ,‬أذ أن العمل‬ ‫الفين ليس موضوعا يوجد يف العامل ‪ ,‬بقدر‬ ‫‪267‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪268‬‬

‫ماهو ذاتا ينوجد العامل فيه ‪ ,‬ليكشف فيه عن‬ ‫حقيقته بذاته ال بغريه‪ ,‬ال بوصفه شيئا ‪ ,‬أمنا‬ ‫بوصفه حدثا‪ .‬إن العمل الفين حدث (‪)Event‬‬ ‫‪ ,‬يتم أحداث احلقيقة فيه بناء على الكيفية‬ ‫اليت يكون بها يف العمل الفين ‪ .‬و هكذا جند كيف‬ ‫أن هيدغر قد أتفق مع افالطون عندما وجد‬ ‫للفن عالقة باحلقيقة ‪ ,‬إال أنه أختلف معه يف‬ ‫كيفية فهم احلقيقة‪ ,‬فاحلقيقة عند افالطون‬ ‫هي معرفة املثال ‪ ,‬مثال املوجودات يف عامل املثل‬ ‫االزلي الذي يقع خارج الزمان واملكان‪ ,‬يف حني‬ ‫أن احلقيقة عند هيدغر هي حدوث حقيقة‬ ‫املوجود بوصفها انكشافا يف العامل‪ ,‬عامل التجربة‬ ‫املعاشة للدزاين‪ ,‬ويف أطار الصيغة االنطولوجية‬ ‫له بوصفه وجودا يف العامل‪.‬‬ ‫اخلاتـــــــــــــــــــــــــــــــمة‬ ‫مما تقدم أرى أن هيدغر قد ادرك اشكالية‬ ‫تأويل الفن وفهم أصله يف ض��وء ما اصطلح‬ ‫عليه(االنطولوجيا الظاهراتية)‪ ,‬ذلك النهج‬ ‫الذي عده املقاربة املناسبة لفهم البحث اجلمالي‬ ‫لقد حترر هيدغر من النظريات و التصورات‬ ‫اجلمالية والفنية التقليدية ال�تي أحن��درت‬ ‫من الفلسفة القدمية وفلسفة احل��داث��ة ذات‬ ‫اخلصائص الذاتية‪ ,‬من خالل التحليق يف فضاء‬ ‫اصطنعه بنفسه ‪ ,‬اال وهو فضاء االنطولوجية‬ ‫الظاهراتية قاصدا ختطي تأويل الفن والبحث‬ ‫اجلمالي انطالقا من تلك النظريات والتصورات‪,‬‬ ‫والبدء بتاويله انطالقا من العمل الفين ذاته‪,‬‬ ‫بوصفه اسلوبا ل��وج��ود امل��وج��ود‪ ,‬و موضعا‬ ‫النكشاف احلقيقة فيه‪.‬‬ ‫فالعمل الفين من منظور هيدغر ‪ ,‬مل يعد‬ ‫شيئا جم��ردا‪ ,‬بقدر ما اضحى موضعا لكيفية‬

‫وجود املوجود يف عامل تأرخيي ‪,‬من أجل الكشف‬ ‫عن حقيقته الوجودية‪ ,‬يف شيئيته‪ ,‬أذ أن السؤال‬ ‫عن أصل العمل الفين يعين الذهاب اىل االشياء‬ ‫ذاتها للكشف عن االختالف االنطولوجي بني‬ ‫الوجود واملوجود الذي تعرض للنسيان ‪ ,‬ولكن‬ ‫يف أفق العمل الفين هذه املرة‪.‬‬ ‫ويف خامتة اخلامتة أرى أن العمل الفين يف منظور‬ ‫هيدغر مل يعد شيئا ‪ ,‬او موضوعا لذات مدركة‬ ‫كما هو احلال لدى مفكري عصر احلداثة‪ ,‬عصر‬ ‫الفلسفة الذاتية ‪ ,‬أمنا العمل الفين شيء قائم يف‬ ‫حد ذاته ‪ ,‬أنه االخر الذي يكشف عن حقيقته يف‬ ‫عامل ‪ ,‬يكشف عن مجاله بوصفه حقيقة حتدث‬ ‫يف الفن ‪ ,‬و ينكشف بالعمل الفين ‪.‬‬ ‫اهلـــــــــــــــــوامـــــــــــــش و االحـاالت‬ ‫*يعد مبحث القيم من املباحث االساسية يف الفلسفة‬ ‫اىل جانب مبحثي االبستمولوجيا واالنطولوجيا ‪,‬‬ ‫ويسمى مبحث العلوم املعيارية(علم االخالق‪,‬علم‬ ‫املنطق‪,‬علم اجلمال) تلك العلوم اليت تتخطى ماهو‬ ‫كائن اىل ما ينبغي أن تكون به االشياء ويعد اجلمال من‬ ‫املباحث املهمة ملبحث القيم ‪ ,‬اذ يتناول به الفالسفة‬ ‫قيمة الفن بوصفه موضوعا فلسفيا‪ ,‬وه��ذا ماجنده‬ ‫جليا يف كل عصر من عصور تأريخ العامل الذي رمست‬ ‫الفلسفة مالحمه ‪ ,‬منذ أنبثاقها يف زمن اليونان وحتى‬ ‫االن‪.‬‬ ‫لقد متيز البحث اجلمالي التقليدي بوضع قواعد‬ ‫عامة ومطلقة لتحديد طبيعة الفن‪ ,‬والقيمة اجلمالية‪,‬‬ ‫واالبداع الفين‪ ,‬على حني أن علم اجلمال املعاصر مل يعد‬ ‫يهدف اىل التوصل اىل قوانني دقيقة وقواعد ثابتة ‪,‬‬ ‫بقدر ما اصبح أدراك حلقيقة التجربة اجلمالية يف ضوء‬ ‫التجربة املعاشة تلك احلقيقة اليت تتميز بالنسبية‬ ‫والزمانية وحسب طبيعة كل عصر وهذا ما جنده عند‬ ‫هيدغر وفالسفة الظاهراتية‪.‬‬


‫‪Neill (H): The philosophy of Art , .1‬‬ ‫‪magraw hill , N.Y ,1995 , P.1‬‬ ‫‪ . 2‬افالطون ‪ :‬اجلمهورية ‪,‬ت‪:‬د‪.‬ف��ؤاد زكريا‪ ,‬اهليئة‬ ‫املصرية العامة للكتاب ‪ ,‬القاهرة ‪,‬ط ‪ , 1‬ص ‪553‬‬ ‫‪ .3‬آرسطو ‪ :‬فن الشعر ‪,‬ت‪ :‬د‪.‬عبد احلمن ب��دوي ‪,‬‬ ‫دارالثقافة‪ ,‬بريوت ‪,‬ط‪,1973, 2‬ص ‪18‬‬ ‫‪ .4‬ميشال هار ‪ :‬فلسفة اجلمال قضايا واشكاليات ‪,‬ت‬ ‫أدي��ب كثري ‪,‬منشورات مابعد احل��داث��ة ‪,‬ف��اس ‪,‬ط ‪1‬‬ ‫‪ , 2005,‬ص ‪12.13‬‬ ‫‪ .5‬أمانويل كنت ‪ :‬نقد ملكة احلكم ‪,‬ت‪ :‬غامن هنا‬ ‫‪,‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ,‬ب�يروت ‪ ,‬ط‪, 2005, 1‬‬ ‫ص ‪101.102‬‬ ‫‪ .6‬هيغل ‪ :‬املدخل اىل علم اجلمال ‪,‬ت ‪:‬جورج طرابيشي‪,‬‬ ‫دار الطليعة‪ ,‬بريوت ‪,‬ط ‪ , 1988, 3‬ص ‪71‬‬ ‫‪ .7‬هيغل ‪ :‬املصدر نفسه ‪ ,‬ص ‪53‬‬ ‫‪ .8‬مسري الزغيب ‪ :‬نيتشه ‪,‬دار التنوير ‪ ,‬بريوت ‪ ,‬ط‬ ‫‪ , 2009,‬ص‪129‬‬ ‫‪ .9‬نيتشه‪ .‬افول االصنام ‪,‬ت ‪:‬حسان بورقيبه وحممد‬ ‫الناجي ‪ ,‬افريقيا الشرق ‪ ,‬بريوت ‪ , 1996,‬ص ‪85‬‬ ‫‪ .10‬عبد الرزاق بلعقروز‪ :‬نيتشه ومهمة الفلسفة‪,‬‬ ‫منشورات االختالف ‪ ,‬اجلزائر ‪ ,‬ط‪ , 2010,‬ص ‪143‬‬ ‫* * ا لظا هر ا تية ( ‪)p h e n o m e n o l o g y‬‬ ‫منهج فلسفي اس��س��ه الفيلسوف االمل��ان��ي ادم��ون��د‬ ‫هوسريل(‪ )1859.1938‬يتأسس على مبدأ القصدية‬ ‫ذلك املبدأ الذي يؤكد على ان الوعي هو دائما وعي شيء‬ ‫ما ومن ثم فأن الوعي اليكون وعيا اال بوصفه متوجها‬ ‫حنو موضوع ما وأن ذل��ك امل��وض��وع الميكن حتديده‬ ‫اال يف أطار عالقته بالوعي(=الذات) ‪ .‬إن الظاهراتية‬ ‫بوصفها علما وصفيا ونشاطا معرفيا تهدف اىل توصيف‬ ‫تلك العالقة اليت يتم من خالهلا تعرف ال��ذات على‬ ‫موضوعاتها يف أطار التجربة املعاشة؛ تلك التجربة اليت‬ ‫حتلل ما نعيشه راهنا حتليال متعاصرا ينتمي للواقع‬ ‫املعاش‪.‬‬ ‫‪ .11‬د‪.‬ثامر املهدي ‪ :‬اجلمالية‪,‬دار الشؤون الثقافية ‪,‬‬

‫بغداد ‪,‬ط‪ ,2000 ,11‬ص ‪29‬‬ ‫‪Richardson(w.) Heideggar ; .12‬‬ ‫‪through phenomenlogy to thought ,‬‬ ‫‪martinus nijhoff , Netherlands , 1967‬‬ ‫‪, p. 13‬‬ ‫‪Heideggar(m.) ; Begin and Time , .13‬‬ ‫‪(Tran. J. macsuarri) , Basil Blackwell ,‬‬ ‫‪oxford , 1967 , p. 79‬‬ ‫‪ . 14‬مارتن هيدغر ‪ :‬رسالة يف النزعة االنسانية‪ ,‬ت ‪:‬‬ ‫عبد اهلادي مفتاح‪ ,‬دار النشر املغربية‪ ,‬الدار البيضاء‬ ‫‪,‬ط ‪ ,1998 ,1‬ص‪14‬‬ ‫‪ .15‬مارتن هيدغر ‪ :‬يف ماهية احلقيقة ‪,‬ت‪:‬أمساعيل‬ ‫امل��ص��دق‪ ,‬اجل���زء االول‪ ,‬اجمل��ل��س االع��ل��ى للثقافة‪,‬‬ ‫القاهرة‪,‬ط‪ , 2003 ,1‬ص‪66‬‬ ‫‪Beardsley(m.) Aesthetics , U .16‬‬ ‫‪niversity of alabama press, u.s.a,‬‬ ‫‪1966, p.374‬‬ ‫***لقد فهم التأويل (‪ )Hermeneutics‬قدميا‬ ‫بوصفه فنا لتفسري النصوص الدينية وفك رموزها‬ ‫للكشف عن معانيها‪ ,‬أما راهنا ومع تقاليد الفلسفة‬ ‫االملانية اليت انبثقت يف اواس��ط القرن التاسع عشر‬ ‫‪ ,‬فقد أصبح التأويل يعين تأسيس نظرية عامة‬ ‫لالدراك والفهم للعلوم االنسانية جيسد كيفية التعامل‬ ‫مع التجارب االنسانية املعاشة اليت تتسم بالزمانية‬ ‫والتأرخيية وختتلف جذريا عن جتارب العلوم الطبيعية‬ ‫ال�تي تهدف اىل تعليل(‪ )explanation‬الظاهرة‬ ‫اعتمادا على مقوالت وصيغ اختزالية جامدة تالئم‬ ‫تلك التجربة والتناسب التجارب االنسانية اليت تفهم‬ ‫بالتفسري (‪ , )Interpretation‬أن الفهم التأويلي‬ ‫ال��ذي يفسر الشؤون االنسانية هو مامييز الفلسفة‬ ‫االملانية منذ شلريماخر(‪ )1768.1834‬وديلتاي‬ ‫(‪ )1833.1911‬ومرورا بهوسريل وهيدغر وحتى االن‬ ‫(‪M.) : Being and Time , p.62 Heideggar‬‬ ‫‪269‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪270‬‬

‫‪.17‬‬ ‫‪Ibid , 144 . 18‬‬ ‫‪Mccarthy(T.) ; After philosophy: .19‬‬ ‫‪End or Transformation cambridge,‬‬ ‫‪, England , 1991 , p. 51‬‬ ‫(‪M.) ; Being and Time , P. 51 Hideggar‬‬ ‫‪.20‬‬ ‫‪Ibid , p. 188 . 21‬‬ ‫‪Ibid , P. 189 .22‬‬ ‫‪ .23‬ديفيد كوز نزهوي ‪ :‬احللقة النقدية ‪ ,‬ت ‪ :‬خالدة‬ ‫حامد ‪ ,‬منشورات اجلمل ‪,‬بغداد‪ ,2007 ,‬ص ‪75‬‬ ‫‪ .24‬مارتن هيدغر ‪ :‬أص��ل العمل الفين‪ ,‬مقدمة‬ ‫غ��ادام�ير‪,‬ت‪:‬د‪.‬اب��و العيد ي��دو‪,‬م��ن��ش��ورات االختالف‬ ‫اجلزائر‪,‬ط‪ ,2001, 1‬ص‪22.23‬‬ ‫***يسعى هيدغر يف دراسته عن العمل الفين‪ ،‬ختليص‬ ‫مفهوم االص��ل (‪)origin‬من الفهم امليتافيزيقي‬ ‫ال���ذي شكل طبيعته عندما جعله ت��ص��ورا جم��ردا‬ ‫‪,‬مفارقا الشيائه ‪,‬فمرة فهم بوصفه البداية التأرخيية‬ ‫الشيائه‪,‬ومرة فهم بوصفه املقدمات الصادقة للقضايا‬ ‫واالقيسة‪ ,‬ومرة أخرى فهم بوصفه العلة االوىل واملبادئ‬ ‫االوىل املفارقة لوجود االشياء‪.‬لقد رفض هيدغر ذلك‬ ‫الفهم امليتافيزيقي الذي يتأمل االشياء تأمال جمردا؛أي‬ ‫تأمل الشيء يف حد ذاته بعيدا عن عامله‪ ,‬مستبدال إياه‬ ‫بالفهم املستند إىل االنطولوجيا االساسية ؛ أي تأمل‬ ‫االشياء تأمال عينيا ‪,‬وذلك بوصل االشياء وصالعضويا‬ ‫بعاملها عند التفكر بها ‪ ,‬فعاملها هو الذي حيدد طبيعتها‬ ‫وحي��دد الكيفية اليت يفكر بها ‪ .‬للمزيد فيما يتعلق‬ ‫بالفهم التقليدي ملفهوم االص��ل أنظر ‪:‬د‪.‬عبداحلمن‬ ‫ب���دوي ‪,‬خ��ري��ف الفكر اليوناني‪,‬مكتبة النهضة‬ ‫العربية‪,‬القاهرة‪,‬ط‪ , 1970 , 4‬ص ‪159.160‬‬ ‫‪ .25‬مارتن هيدغر ‪ :‬أصل العمل الفين ‪,‬ص ‪29‬‬ ‫‪ .26‬املصدر نفسه‪ ,‬ص ‪29‬‬ ‫‪ .27‬املصدر نفسه‪ ,‬ص ‪30‬‬ ‫‪ .28‬املصدرنفسه‪ ,‬ص ‪34‬‬

‫‪ .29‬املصدر نفسه‪ ,‬ص ‪41. 38‬‬ ‫‪ .30‬د‪.‬علي احلبيب الفريوي‪ :‬مارتن هيدغر «الفن‬ ‫واحلقيقة»‪ ,‬دار الفارابي‪ ,‬ب�يروت‪ ,‬ط‪ ,2008 ,1‬ص‬ ‫‪150‬‬ ‫‪.31‬مارتن هيدغر ‪ :‬أصل العمل الفين ص ‪93‬‬ ‫‪.32‬زكرياابراهيم ‪ :‬فلسفة الفن يف الفكر املعاصر‬ ‫‪,‬مكتبة مصر‪ ,‬القاهرة ‪,‬بالطبعة‪ ,1988 ,‬ص ‪221‬‬ ‫‪ .33‬م���ارك مجيمينز‪ :‬م��ا اجل��م��ال��ي��ة‪ ,‬ت‪:‬ش��رب��ل‬ ‫داغر‪,‬املنظمة العربية للرتمجة ‪,‬بريوت‪,‬ط‪,2009 ,1‬‬ ‫ص ‪437.438‬‬ ‫‪.34‬جان م��اري شيفر ‪ :‬الفن يف العصر احلديث‬ ‫‪,‬ت‪:‬فاطمة اجليوشي ‪,‬وزارة الثقافة السورية ‪,‬دمشق‪,‬‬ ‫ط‪ ,1996, 1‬ص ‪346‬‬ ‫‪Richard (k.) ; philosophies of art . 35‬‬ ‫‪beauty, blackwell , N.y , 1964 ., p. 26‬‬ ‫*****م���ن يطلع على تأريخ الفلسفة جيد كيف أن‬ ‫عملية فهم احلقيقة قد أختلفت من فيلسوف الخر‬ ‫ومن عصر الخر فافالطون فهم احلقيقة بوصفها‬ ‫(مثاال) ازليا‪ ,‬وارسطو فهم احلقيقة بوصفها (حكما‬ ‫عقليا) على املوجودات ‪ ,‬أما الفلسفات العقالنية املثالية‬ ‫فانها فهمت احلقيقة بوصفها (توافقا) من التصورات‬ ‫واملفاهيم املتماسكة متاسكا فكريا ومنطقيا ‪ ,‬يف حني‬ ‫ان الفلسفات الواقعية و التجريبية فهمت احلقيقة‬ ‫بوصفها (تطابقا) بني املفاهيم والواقع الذي نتفكر‬ ‫به‪ ,‬والربمجاتية فهمت احلقيقة بوصفها ما يرتتب‬ ‫عن االفكار من (منافع) يف العامل ‪ .‬وتأتي انطولوجية‬ ‫هيدغر الظاهراتية لتتأول احلقيقة بوصفها (انكشافا)‬ ‫(‪ )Alithea‬للموجود يف عامل التجربة املعاشة‪ ،‬ويف‬ ‫اطار الوجود يف العامل ‪.‬‬ ‫‪.36‬مارتن هيدغر ‪ :‬أصل العمل الفين‪ ,‬ص ‪67‬‬ ‫‪ .37‬مارتن هيدغر ‪:‬نداء احلقيقة ‪,‬ترمجة وتقديم‬ ‫د‪.‬عبد الغفار مكاوي ‪,‬دار الثقافة‪,‬‬ ‫القاهرة ‪,‬ط‪,1,1977‬ص ‪180‬‬ ‫‪ .38‬مارتن هيدغر ‪ :‬أصل العمل الفين ‪,‬ص ‪68‬‬


‫‪ .39‬املصدر نفسه ‪ ,‬ص ‪68‬‬ ‫‪ .40‬جياني فاتيمو ‪:‬نهاية احلداثة ‪,‬ت‪:‬فاطمة اجليوشي‬ ‫‪,‬وزارة الثقافة السورية ‪,‬دمشق‪, 1998,‬ص ‪71‬‬ ‫‪ .41‬هانز ج��ورج غادامري‪ :‬احلقيقة واملنهج ‪,‬ت‪:‬د‪.‬‬ ‫حسن ناظم وعلي حاكم‪ ,‬دار أويا‪,‬طرابلس الغرب ‪,‬‬ ‫ط‪ ,2007 , 1‬ص ‪251‬‬ ‫‪.42‬مارتن هيدغر‪ :‬أصل العمل الفين‪ ,‬ص ‪81‬‬ ‫‪.43‬املصدر نفسه‪ ,‬ص ‪95‬‬

‫‪.44‬املصدر نفسه‪,‬ص ‪81‬‬ ‫‪ .45‬املصدر نفسه‪ ,‬ص ‪77‬‬

‫‪271‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪272‬‬

‫دراسة نظرية يف مفهوم اإلعالم املتخصص‬ ‫وإمكانية تعزيزه يف إقليم كوردستان‬ ‫العراق‬ ‫الباحثة اإلعالمية‬ ‫أميـره عبـدالله الجـاف‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫يتزايد دور اإلعالم يف حياة الفرد واجملتمع يوما‬ ‫بعد يوم‪ ،‬واصبح يؤدي دوراً مؤثراً يف بناء الدول‬ ‫وتشكيل احلضارات‪ ،‬اذ يسهم اإلعالم يف التنشئة‬ ‫االجتماعية ويف تشكيل الرأي العام حيث يقوم‬ ‫بدور اسرتاتيجي هام يف توجيه اجملتمع وإرشاده‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫وتثقيفه‪ ،‬كما يؤدي دوراً‬ ‫إسرتاتيجيا يف التنمية‬ ‫املستدامة مبختلف جماالتها وقطاعاتها‪ ،‬إضافة‬ ‫إىل الدور املألوف الذي يؤديه يف تلبية حاجة‬ ‫اإلنسان إىل اإلتصال بوصفه حاجة إنسانية‬ ‫نشأت مع نشوء اجملتمعات البشرية‪ ،‬لكي يتصل‬ ‫الفرد بغريه من األفراد ويتبادل معهم املعلومات‬ ‫واألفكار ويعرب عما يف نفسه‪.‬‬ ‫ان تعاظم دور االع�ل�ام ت���زاوج م��ع تعقيد‬ ‫جماالت احلياة بعد أن كثرت وتشعبت ميادينها‬ ‫وتطورت حقوهلا‪ ،‬لذا اصبح التخصص يف كافة‬ ‫اجمل��االت خصوصا اإلع�لام أم��راً ال غنى عنه‪،‬‬ ‫كجزء من متطلبات السعي حنو اإلبداع يف هذا‬ ‫اجملال واإلملام بكل ما يرتبط به‪ ،‬وتطوير آفاقه‪،‬‬ ‫والرتكيز على مجيع تفاصيله وجزئياته‪.‬‬ ‫وإنطالقا من ذلك فإن جمال اإلعالم اجلماهريي‬ ‫مل يستطع أن يفي بكافة متطلبات احلياة‪ ،‬لذا‬ ‫نشأت احلاجة إىل وجود اإلع�لام املتخصص يف‬ ‫ميادين وجم��االت احلياة املختلفة‪ ،‬وبات أمراً‬ ‫ً‬ ‫حيويا هلا‪ ،‬وضروريا لفهم مكوناتها وأقسامها‬ ‫وموضوعاتها وأحداثها فهما بعمق شامل‪،‬‬ ‫كاإلعالم السياسي والتنموي والبيئي واالمين‬ ‫واإلقتصادي والرياضي والعسكري‪...‬اخل‪ .‬ويف‬ ‫نفس الوقت برزت احلاجة امللحة للمتخصص‬ ‫اإلعالمي الذي يقوم ختصصه على الدراسة يف‬ ‫املقام األول‪ ،‬فالدراسة املتخصصة شرط ضروري‬

‫لنجاح اإلعالمي اليوم‪ ،‬وهي اليت متيز االعالمي‬ ‫عن غ�يره‪ ،‬فكلما زادت معرفته وخ�برات��ه يف‬ ‫التخصص الذي يعمل فيه‪ ،‬زادت مقدرته على‬ ‫اإلبداع والتميز يف عمله‪.‬‬ ‫تركز الدراسة على اإلعالم املتخصص من خالل‬ ‫النشأة واملفهوم‪ ،‬والتعرف على إجيابيات وسلبيات‬ ‫التخصص‪ ،‬ومراحل وسائل اإلعالم منذ أن بدأت‬ ‫إىل ان وصلت إىل التخصص والتفاعلية‪ ،‬ودراسة‬ ‫ما حيتاجه اإلعالم املتخصص من خالل الكادر‬ ‫البشري املدرب الذي ميتلك معرفة دقيقة يف‬ ‫جمال ختصصه‪ ،‬أو من خالل الرسالة اإلعالمية‬ ‫اليت حتتاج إىل مادة أكثر ً‬ ‫عمقا لتليب إحتياجات‬ ‫مجهورها‪ .‬ورصد أمناط التخصص مع التعرف‬ ‫على األساليب ال�تي جل��أت هلا وسائل اإلع�لام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومستمعا ومشاهداً هلا‪،‬‬ ‫متابعا‬ ‫إلبقاء مجهورها‬ ‫والتعرف على العوامل اليت حيتاج هلا اإلعالم‬ ‫املتخصص السيما على املستويني اإلجتماعي‬ ‫والثقايف‪ ،‬وإنتشار التعليم‪ .‬ويف هذه الدراسة‬ ‫حناول جتنب مناقشة أسباب عدم جناح إقليم‬ ‫ك��وردس��ت��ان ال��ع��راق يف ح��ل مشاكله العلمية‬ ‫والثقافية‪ ،‬فهي كثرية‪ ،‬ومتشابكة ومعقدة‪،‬‬ ‫ولكننا يف املقابل سنحاول الرتكيز على االهتمام‬ ‫بكيفية االهتمام بقضية تفعيل دور اإلعالم‬ ‫املتخصص يف اقليم كوردستان العراق بإعتباره‬ ‫حجر األس��اس يف بناء جمتمع العلم واملعرفة‬ ‫خاصة وان اقليم كوردستان العراق يعترب من‬ ‫األقاليم الناشئة اليت تنتمي اىل فلك الدول‬ ‫النامية‪ ،‬حناول جاهدين رفع معدالت التنمية‪،‬‬ ‫والعمل على سد الفجوة الثقافية واملعرفية‬ ‫واللحاق بالعامل املتقدم وإعادة تشكيل جمتمعنا‬ ‫وفق اسس علمية ومعرفية معاصرة‪.‬‬ ‫‪273‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪274‬‬

‫البد من الذكر بان هذه الدراسة املتواضعة‬ ‫تهدف اىل تشجيع اإلعالميني اكثر للتعرف على‬ ‫اإلع�لام كتخصص عملي وعلمي وذو جماالت‬ ‫وف��روع متعددة‪ ،‬لذا حناول ان نلم باملوضوع‬ ‫املاما كرونولوجيا واسعا يعطي انطباعا عاما‬ ‫عن املوضوع وكيفية متابعته وتطبيق العينات‬ ‫عليه بهدف اإلص�لاح واإلنشاء عسى ان نكون‬ ‫بذلك قد حققنا غرضا مفيدا جلميع املهتمني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اوال‪ :‬اخللفية ال��ت��ارخي��ي��ة ل��ن��ش��أة اإلع�ل�ام‬ ‫املتخصص‪:‬‬ ‫نشأ اإلعالم املتخصص وتطور استجابة جملموعة‬ ‫من التحوالت والعوامل الذاتية واملوضوعية‬ ‫املختلفة والتعقيدات والتشابكات املتنوعة اليت‬ ‫شهدها العصر احلالي‪ ،‬واليت ادت بدورها اىل إتساع‬ ‫اإلطار اجلغرايف الذي تشمله التغطية اإلعالمية‪،‬‬ ‫وتشابك القضايا واألح��داث والظواهر وبروز‬ ‫احلاجة ملعاجلتها بقدر من التعمق والشمولية‬ ‫وظ��ه��ور مج��ه��ور ن��وع��ي م��ع ارت��ف��اع مستوى‬ ‫التعليم والثقافة وتعاظم الرغبة إلحداث تأثري‬ ‫أق��وى وأعمق على املتلقي‪ ،‬لذا اصبح اإلعالم‬ ‫العام التقليدي متعثراً وعاجزا يف نفس الوقت‬ ‫عن إجناز مهمة التأثري املناسب على املتقلي‪،‬‬ ‫وبهذا اصبح اإلعالم املتخصص من أهم مصادر‬ ‫الثقافة واملعلومات العامة‪ ،‬يعمل على القيام‬ ‫بتلبية إحتياجات اجلمهور يف املعرفة العامة‬ ‫واخلاصة‪ .‬من خالل تتبع اصل نشأة اإلعالم‬ ‫املتخصص ميكن تتبع جذوره التارخيية‪.‬‬ ‫جاء عصر النهضة ليمثل اول ظهور لإلعالم‬ ‫املتخصص حسب تفسرينا املعاصر‪ ،‬اذ ميكن‬ ‫إعتبار جملة (العلماء) الصادرة يف فرنسا يف‬

‫‪ 1665‬اول جملة متخصصة علمية تهتم بنشر‬ ‫اإلكتشافات العلمية وتدوينها وخماطبة لشرحية‬ ‫معينة من العلماء واملثقفني‪ ،‬وبعد فرتة زمنية‬ ‫قامت اإلذاع���ة بتقليد الصحف عن طريق‪،‬‬ ‫إع��ط��اء وق��ت وب��رام��ج معينة لتقديم م��واد‬ ‫متخصصة يف اإلذاعة العامة‪ ،‬كربامج األطفال‪،‬‬ ‫واملوسيقى والغناء‪ ،‬واملرأة‪ ،‬والدين‪ .‬ومل يستمر‬ ‫ً‬ ‫طويال إىل أن قامت اإلذاعة بإنشاء إذاعات‬ ‫احلال‬ ‫متخصصة تستهدف تقديم مضمون حمدد‪ ،‬أو‬ ‫خماطبة مجهور حمدد السمات من املستمعني‪.‬‬ ‫وبالنسبة للتليفزيون كرر ما حدث لإلذاعة‬ ‫الذي سرعان ما أدرك القائمون عليه أهمية‬ ‫التخصص يف إعداد براجمه‪ ،‬وأضحت القنوات‬ ‫املتخصصة إحدى أهم مسات العصر احلديث‪،‬‬ ‫ً‬ ‫صراعا غري مسبوق‬ ‫وقد شهدت ساحة الفضاء‬ ‫بني القنوات املتخصصة اليت راحت تقدم كل‬ ‫ما هو جديد ومبهر جلذب قطاعات حمددة من‬ ‫اجلمهور‪.‬‬ ‫ميكن إعتبار اإلعالم املتخصص من أقدم أنواع‬ ‫اإلع�ل�ام وكما حيملنا على اإلق���رار برصانة‬ ‫االدوات املعرفية ل�لاع�لام‪ ،‬ت��ط��ور اإلع�لام‬ ‫املتخصص كثريا بتنامي أدوار اجلامعات وتعدد‬ ‫وتنوع املخاطبني وظهور علوم عديدة‪ ،‬إذ يعترب‬ ‫ظهور اجلمعيات العلمية من أهم املنعطفات‬ ‫لرتسيخ اإلع�ل�ام املتخصص إذ إهتمت تلك‬ ‫اجلمعيات وحسب جماالتها العلمية بإصدار‬ ‫جمالت ودوريات علمية توثق آخر ما توصلت‬ ‫اليه التطورات واألخبار العلمية‪ ،‬كما جاء تدوين‬ ‫اإلكتشافات العلمية والكشوفات اجلغرافية وما‬ ‫ي��راه املستكشفني إح��دى أهم جم��االت اإلعالم‬ ‫املتخصص يف تلك العصور‪ ،‬لكن واىل القرن‬


‫العشرين ظل اعالميي اإلعالم املتخصص هم‬ ‫أنفسهم العلماء والباحثني لذا إكتفوا بإعتبار‬ ‫الوسيلة اإلعالمية أداة موصلة بني العلماء‬ ‫وهيمنت اللغة العلمية بشكل كامل عليه مما‬ ‫صعب على غري املختصني إدراك وفهم تلك‬ ‫املنشورات‪ .‬توارى اإلعالم املتخصص عن األنظار‬ ‫العامة إثر الثورة الكبرية اليت حققها اإلعالم‬ ‫العام اجلماهريي بسبب اخلدمات السياسية‬ ‫واالجتماعية ال�تي ك��ان يقدمها باستغالله‬ ‫االخ�تراع��ات التكنولوجية ال�تي ظهرت ‪ ،‬إذ‬ ‫ظهر اإلعالم املسموع واملرئي وظهرت صحف‬ ‫يومية عديدة وتعاظمت إمكانية نشرها اىل‬ ‫أماكن بعيدة ويف الوقت ذاته‪ ،‬وجاء التخصص‬ ‫اإلعالمي العام ورسخ قواعده وسلوكه العلمي‬ ‫باإلجتاه العام‪ ،‬لكن وبعد ظهور وترسخ املؤسسات‬ ‫اإلعالمية الكبرية كانت مساعيها تتجه حنو‬ ‫االهتمام بكافة جوانب احلياة والسيطرة على‬ ‫التعقيدات الناشئة من التنوع وتعقيد اجلمهور‬ ‫ال��ذي اصبحت كل شرحية منه تهتم جبوانب‬ ‫خاصة وحباجة اىل توجهات إعالمية معينة‪،‬‬ ‫وبهذا التحول بدأ اإلعالميون هم الذين خيضون‬ ‫يف اجملاالت العلمية واحلياتية ويتعلمون معارفها‬ ‫ويقدمونها كإعالميني للجمهور‪.‬‬ ‫ث��ان��ي ً��ا‪ :‬م��راح��ل تطور اإلع�ل�ام حن��و اإلع�لام‬ ‫املتخصص‪:‬‬ ‫مرت وسائل اإلعالم بعدة مراحل إىل أن وصلت‬ ‫للتخصص والتفاعلية‪ ،‬فعندما تبدأ الوسيلة متر‬ ‫بدورة حياة إذ تبدأ مقتصرة على خنبة معينة‬ ‫وتنتشر بعد ذل��ك لتصل إىل كافة اجلماهري‪،‬‬ ‫ثم تأتي بعد ذلك لتليب مطالب مجهور حمدد‬

‫جتمعه مسات وخصائص حم��ددة‪ ،‬إىل أن تصل‬ ‫إىل التفاعلية بني الوسيلة واجلمهور وهو إعطاء‬ ‫دور أكرب للمتلقي للمشاركة يف الرسالة اإلعالمية‬ ‫وه��ذا ال���دور أعطته تكنولوجيا االت��ص��االت‬ ‫احلديثة‪.‬‬ ‫فيما يلي ن��ع��رض م��راح��ل وسائل‬ ‫ ‬ ‫اإلعالم مرتبة حسب مرورها إىل أن وصلت إىل‬ ‫املراحل اليت نعيشها من التخصص والتفاعلية‪:‬‬ ‫املرحلة االوىل‪ :‬مرحلة الصفوة‪)Elite( :‬‬ ‫ومتثل هذه املرحلة بداية ظهور الوسيلة يف أي‬ ‫جمتمع‪ ،‬فعندما تبدأ الوسيلة تكون مرتفعة‬ ‫التكلفة‪ ،‬وحم���دودة اإلن��ت��ش��ار‪ ،‬ف�لا تصل إال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واجتماعيا‬ ‫علميا‬ ‫للقادرين اقتصاديا واملؤهلني‬ ‫للتعامل معها‪ ،‬فقد إتسم ظهور الصحافة يف‬ ‫أوروب���ا بالتوجه حنو خماطبة الصفوة اليت‬ ‫ميثل أعضاؤها النخبة الثقافية واالجتماعية‬ ‫وهى حمدودة بطبيعتها‪ ،‬فتعد الوسيلة مادتها‬ ‫اإلعالمية باالسلوب والكيفية ال�تي تناسب‬ ‫مجهورها وهم الصفوة‪ .‬وعند ظهور اإلذاعة‬ ‫كانت أجهزة الراديو املنزلية وقتها ضخمة‪،‬‬ ‫وتشكل قطعة أثاث خشبية كبرية‪ ،‬وكانت تعمل‬ ‫ببطارية كبرية‪ ،‬وبالتالي كانت أسعارها مرتفعة‬ ‫جداً وال يستطيع حتملها سوى القادرين‪ ،‬فقد‬ ‫كان إنتشارها حمدوداً‪ ،‬وكانت براجمها ختطط‬ ‫وتعد مب��ا يتناسب م��ع احتياجات ورغبات‬ ‫وأذواق الصفوة‪ .‬والصفوة هنا ليست مقصودة‪،‬‬ ‫ولكنها تتحدد بعوامل عده من أبرزها تركيبة‬ ‫اجملتمع وأوض��اع��ه ‪ ،‬م��ن مستوى اجتماعي‬ ‫واقتصادي وتعليمي وفكري‪ ،‬ويف هذه املرحلة‬ ‫(الصفوة) يكون مجهور وسائل اإلعالم صغرياً‬ ‫ً‬ ‫وتعليما‪،‬‬ ‫وحمدوداً‪ ،‬وميثل القطاعات األكثر ثرا ًء‬ ‫‪275‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪276‬‬

‫وال خياطب كل فئات اجملتمع‪ ،‬وبالتالي يتم‬ ‫تصميم الرسالة اإلعالمية مبا يرضي أذواق‬ ‫الصفوة‪ ،‬ويليب احتياجاتها‪.‬‬ ‫املرحلة الثانية‪ :‬مرحلة احلشد (‪: )Mass‬‬ ‫واكبت هذه املرحلة قدرة املؤسسات الصناعية‬ ‫واإلعالمية املختلفة على اإلنتاج اجلماهريي‬ ‫الضخم من الوسائل اإلعالمية والرسائل اليت‬ ‫تنتجها‪ ،‬فمنذ أن طورت املؤسسات الصحفية‬ ‫قدراتها الطباعية بإستخدام احلروف الطباعية‬ ‫املتحركة‪ ،‬إستطاعت أن تنتج أع��دادا كبرية‬ ‫من النسخ الصحفية ال��واح��دة‪ ،‬وبعد إخرتاع‬ ‫الرتانزستور يف األربعينات من القرن املاضي‪،‬‬ ‫إستطاعت امل��ص��ان��ع تطوير ق��درات��ه��ا على‬ ‫إنتاج أجهزة استقبال إذاعية صغرية وقليلة‬ ‫التكلفة‪ ،‬وبالتالي زاد إقبال الناس على إقتناء‬ ‫تلك األجهزة‪ ،‬مما زاد من امتدادها وانتشارها‬ ‫وتأثريها‪ .‬ومثلما حدث للصحافة واإلذاعة من‬ ‫تطورات‪ ،‬فقد ساعدت الشركات املختلفة يف إنتاج‬ ‫أجهزة التليفزيون املنزلية‪ ،‬وبالتالي إخنفضت‬ ‫أسعارها‪ ،‬واتسعت أعداد أولئك الذين استطاعوا‬ ‫إقتنائها‪ .‬ويف مقابل هذه الزيادة اجلماهريية‬ ‫يف إمتالك الوسائل تبدأ هذه الوسائل (بشكل‬ ‫طبيعي) يف تغيري طبيعة براجمها وموادها‬ ‫اإلعالمية مبا يتناسب مع حاجات ومتطلبات‬ ‫وأذواق تلك اجلماهري‪ ،‬ويف هذه املرحلة أصبحت‬ ‫اجلماهري واس��ع��ة ومتباينة تستقبل امل��ادة‬ ‫اإلعالمية‪ ،‬مما أنعكس على مضمون الوسيلة‬ ‫اليت أصبحت ال تعرف مجهورها بشكل حمدد‪،‬‬ ‫إذ اتسم أداء الوسائل وقتها بامليل حنو املركزية‪،‬‬ ‫وتوحيد اجلمهور‪ ،‬أي نقل الرسائل اإلعالمية إىل‬ ‫كل اجلماهري بإعتبارهم كتلة واحدة وجتمعهم‬

‫خصائهم ومسات متقاربة‪.‬‬ ‫امل���رح���ل���ة ال��ث��ال��ث��ة‪ :‬م��رح��ل��ة ال��ت��خ��ص��ص‬ ‫(‪ :)Specialized‬جلأت وسائل اإلع�لام يف‬ ‫هذه املرحلة إىل إستغالل التكنولوجيا االتصالية‬ ‫احلديثة يف إنتاج مواد إعالمية حمددة تستهدف‬ ‫ال��وص��ول إىل فئة معينة من اجلمهور‪ .‬وأتت‬ ‫مرحلة التخصص بعد إستقرار أوضاع وسائل‬ ‫اإلع�لام كوسائل مجاهريية‪ ،‬وب��دأت مرحلة‬ ‫التخصص ال�تي تنظر بها وس��ائ��ل اإلع�لام‬ ‫جلمهورها بوصفه مجاعات منفصلة ومتنوعة‬ ‫لكل منها اخلصائص ال�تي متيزها‪ ،‬وحت��دد‬ ‫احتياجات أفرادها‪ ،‬ومتطلباتهم من وسائل‬ ‫اإلعالم‪ .‬وبالفعل بدأت وسائل اإلعالم يف تقديم‬ ‫رسائل إعالمية متخصصة تناسب فئات صغرية‬ ‫وحمددة من اجلمهور‪ ،‬ويف هذه املرحلة إنتقلت‬ ‫وسائل اإلعالم من اجلماهريية إىل التخصص‪،‬‬ ‫وبالتالي ظهرت مفاهيم جديدة أفرزتها هذه‬ ‫املرحلة مثل (تفتيت اجلمهور) و(المركزية‬ ‫ً‬ ‫تأصيال لبدء مرحلة‬ ‫االت��ص��ال)‪ .‬وأت��ى ذل��ك‬ ‫جديدة من مراحل تطور العالقة بني وسائل‬ ‫اإلعالم ومجهورها‪.‬‬ ‫امل��رح��ل��ة ال��راب��ع��ة‪ :‬م��رح��ل��ة ال��ت��ف��اع��ل��ي��ة ‪:‬‬ ‫(‪ )Interactivity‬أدت التطورات املتالحقة‬ ‫واملتسارعة يف تكنولوجيا اإلتصال واملعلومات‬ ‫إىل ظهور مرحلة جديدة من امل��راح��ل اليت‬ ‫حتدد العالقة بني وسائل اإلتصال ومجهورها‪،‬‬ ‫فقد أدى االن��دم��اج ب�ين ث���ورة اإلت��ص��االت‪،‬‬ ‫وث��ورة املعلومات والكومبيوتر إىل ما يعرف‬ ‫بالتكنولوجيا التفاعلية أو الوسائط املتعددة‪.‬‬ ‫وبالتالي تغريت العالقة بني وسائل اإلعالم‬ ‫واالت��ص��االت واملتلقي‪ ،‬فقد أصبحت العالقة‬


‫بينهما أكثر تفاعلية حيث حقق ذلك إعطاء‬ ‫دورا متزايدا للمتلقي يف عملية اإلتصال‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫تفاعال وتأثرياً‪ .‬وبالتالي‬ ‫أصبح املتلقي أكثر‬ ‫أصبح اجلمهور يستخدم وسائل اإلعالم كأحد‬ ‫وسائل املشاركة االجتماعية خاصة عندما‬ ‫حتقق هلم تلك الوسائل نزعتهم للتفاعل مع‬ ‫اآلخ��ري��ن‪ .‬فقد قدمت شبكة اإلنرتنت بيئة‬ ‫مالئمة لظهور التفاعلية وانتشارها‪ ،‬و أتاحت‬ ‫شبكة اإلنرتنت فرصة أكرب للمشاركة وبالتالي‬ ‫إنعكس ذلك حيث أصبح دور املتلقي مؤثر يف‬ ‫املادة اإلعالمية‪ ،‬وحتقيق التفاعلية والتحكم يف‬ ‫عملية االتصال من جانب اجلمهور‪ ،‬فقد وفرت‬ ‫شبكة اإلنرتنت مساحات عريضة لتبادل األراء‬ ‫واملناقشة وهو أمر عجزت عن حتقيقة وسائل‬ ‫اإلع�لام التقليدية‪ .‬ومل تقف وسائل اإلعالم‬ ‫التقليدية مكتوفة األي��دي فقد عملت على‬ ‫تطوير أدائها من خ�لال اإلن��دم��اج مع شبكة‬ ‫اإلنرتنت‪ ،‬فالصحف ً‬ ‫مثال قامت بإنشاء مواقع‬ ‫الكرتونية على اإلنرتنت‪ ،‬كما عملت اإلذاع��ة‬ ‫والتليفزيون على تطوير األداء م��ن خالل‬ ‫مواقعها االلكرتونية‪ ،‬وظهورها على شبكة‬ ‫اإلن�ترن��ت‪ .‬فقد عملت اإلذاع��ة والتليفزيون‬ ‫على ختزين براجمها على الصفحة االلكرتونية‬ ‫اخلاصة بها‪ ،‬فبالتالي وف��رت على املستخدم‬ ‫أن يتابع براجمها بطريقة أس��ه��ل‪ ،‬أو حتى‬ ‫متابع جزء معني داخ��ل الربنامج‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل املشاركة من خالل التعليقات اليت توفرها‬ ‫الشبكة للمستخدمني‪ .‬وهنا أصبح للمستخدم‬ ‫دور إجيابي حيدد شكل املعلومة اليت تعرضها‬ ‫شاشة اجلهاز عن طريق اإلنرتنت‪.‬‬ ‫واحتاج اإلعالم لإلنتقال من مرحلة إىل أخرى‬

‫من املراحل األربع فرتات زمنية معينة‪ ،‬أثرت‬ ‫فيها عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية‬ ‫وفنية متعددة‪ ،‬ولكن بشكل عام ميكن القول‬ ‫ان قطاعات واسعة من اجلمهور يف جمتمعمات‬ ‫ال��وف��رة اإلع�لام��ي��ة واملعلوماتية كالواليات‬ ‫املتحدة األمريكية وغرب أوروبا واليابان تعيش‬ ‫اآلن مرحلة التفاعلية يف عملية اإلتصال‪ ،‬بينما‬ ‫تعيش باقي قطاعات اجلمهور خاصة دول العامل‬ ‫الثالث مرحليت احلشد والتخصص‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬مفهوم اإلعالم املتخصص‬ ‫يعترب مفهوم اإلع�لام املتخصص من املفاهيم‬ ‫الراسخة املستمدة من فلسفة العلم متمحورة‬ ‫حول التعمق يف جمال حمدد بهدف ادراك مجيع‬ ‫مدياته وابعاده ومتابعة حركتها التطورية‬ ‫باتباع املناهج العلمية‪ ،‬وه���ذا م��ا يعطيها‬ ‫الديناميكية التجددية والتغيريية دون أن تلغي‬ ‫اجلوانب االخ��رى من اإلع�لام بل ترتكز على‬ ‫نشر املعرفة العميقة يف اإلختصاص الذي يهتم‬ ‫به‪ ،‬لذا فاالعالم املتخصص هو االعالم املتجدد‬ ‫بتجدد موضوعات احلياة وجماالت التخصص‬ ‫املختلفة‪ .‬ويعد ً‬ ‫نوعا من أنواع االعالم القائم‬ ‫على التخصص مبجال من اجمل��االت املختلفة‬ ‫مثل الرياضة او الصحة او األخبار او الثقافة‬ ‫او التعليم وغريها من جوانب احلياة‪ ،‬وهذا‬ ‫النوع من االعالم على الرغم من عمره الزمين‬ ‫القصري إال أنه استطاع ان يقطع مسافة واسعة‬ ‫يف ميدان التنافس االعالمي واصبح يشغل‬ ‫حيزاً كبرياً لدى اجلمهور‪ ،‬وبات مفهوم االعالم‬ ‫املتخصص يشمل املؤسسة اإلعالمية املتخصصة‬ ‫سواء كان إعالما مرئيا او مسموعا أو مقروءا‬ ‫‪277‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪278‬‬

‫وكذلك يشمل االعالمي بوصفه الكادر املنتج‬ ‫لعملية االتصال واملفكر له‪ ،‬وهذا يفرتص لزاما‬ ‫ختصصات إعالمية تؤسس لعالقة بينية بني‬ ‫جماالت العلوم املتعددة االجتماعية والتطبيقية‬ ‫مع العلوم اإلعالمية وتزاوجها مبا يعطي لعملية‬ ‫االتصال ميزتها التخصصية‪.‬‬ ‫امجاال ميكننا القول حينما نتحدث عن اإلعالم‬ ‫املتخصص‪ ،‬فإننا نعين به إعطاء اإلهتمام لفرع‬ ‫واحد من فروع التخصصات اليت تهم اجلمهور‬ ‫ً‬ ‫ختصصا يف فرع‬ ‫أو اإلعتناء جبزئية ما أكثر‬ ‫من فروع املعرفة‪ ،‬واإلعالم املتخصص ال يوجه‬ ‫إىل مجيع فئات اجملتمع‪ ،‬بل إىل نوع معني من‬ ‫اجلمهور املهتم بتلك اجلزئية أو ذلك الفرع‪.‬‬ ‫فاملهم بالنسبة لإلعالمي هو أن يكون على دراية‬ ‫علمية واسعة بهذا الفرع من فروع التخصصات‬ ‫ً‬ ‫ومطلعا على كل جديد فيه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رابعا‪ :‬تعريف اإلعالم املتخص ‬ ‫ص‬ ‫يعرف اإلع�لام املتخصص تعريفات عديدة‬ ‫ختتلف بإختالف املدارس اإلعالمية املختلفة‬ ‫وزواي��ا املدركات الفكرية وبشكل عام يعرف‬ ‫اإلع�ل�ام املتخصص إجرائيا كعملية إرس��ال‬ ‫مادة أو رسالة إعالمية معينة إىل املتلقي‪ ،‬مع‬ ‫النتائج املرتتبة على ذل��ك‪ ،‬وه��ذا بالضرورة‬ ‫يتضمن التفاعل‪ ،‬وإذا كانت مهمة االتصال‬ ‫بأنه يقوم بنقل املعاني عن طريق الرموز من‬ ‫املرسل إىل املرسل إليه‪ ،‬فإن اإلعالم املتخصص‬ ‫هو نقل املضمون االعالمي عن طريق الرموز‬ ‫يف وسائل اإلعالم‪ ،‬فالفكرة الرئيسية يف اإلعالم‬ ‫املتخصص هي االش�تراك يف اإلط��ار التخصصي‬ ‫الذي يتضمن جوانب التخصص وما يعيه منها‬

‫أفراد اجملتمع‪ .‬بينما يعرفه خرباء متخصصون‬ ‫يف االع�لام املتخصص على انه (منط إعالمي‬ ‫معلوماتي يتم عرب وسائل اإلع�لام املختلفة‪،‬‬ ‫ويعطي جل اهتمامه جملال معني من جماالت‬ ‫املعرفة‪ ،‬ويتوجه إىل مجهور ع��ام أو خاص‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مستخدما خمتلف فنون اإلع�لام من كلمات‬ ‫وصور ورسوم وألوان وموسيقى ومؤثرات فنية‬ ‫أخرى‪ ،‬ويقوم معتمداً على املعلومات واحلقائق‬ ‫واألفكار املتخصصة اليت يتم عرضها بطريقة‬ ‫موضوعية‪ ،‬وبهذا يستخدم اإلعالم املتخصص‬ ‫خمتلف عناصر اإلعالم العام كالتشويق وأساليب‬ ‫ال��ع��رض والتقديم م��ن س��رد ودرام���ا ون��دوة‬ ‫وح��وار ومتثيلية ومسلسل‪ ،‬ومقالة‪ ،‬وحتقيق‬ ‫وتقرير‪ ،‬وأفالم تسجيلية ‪ ..‬وما إىل غري ذلك‬ ‫لتلبية متطلباته) يعترب اولئك اخلرباء ان هذا‬ ‫النمط من التفكري األساس لفتح باب اإلعالم‬ ‫على مصراعيه للتعامل مع كل التخصصات‬ ‫لتتسع قاعدته‪ ،‬وتتنوع أشكاله‪ ،‬فيقدم من‬ ‫املواد ما يشبع رغبة كل فرد يف أي جمال يشاء‪،‬‬ ‫فيستخدم يف اإلعالم لطرح قضاياه عن طريق‬ ‫علوم ومعارف كثرية ومتعددة‪ ،‬فإستفاد اإلعالم‬ ‫من العلوم االخ��رى فظهر اإلع�لام االقتصادي‬ ‫ب��االع��ت��م��اد على علم االق��ت��ص��اد‪ ،‬واإلع�ل�ام‬ ‫السياسي باالعتماد على العلوم السياسية‪،‬‬ ‫واإلعالم الديين باالعتماد على العلوم الدينية‬ ‫والشرعية‪ ،‬واإلعالم االجتماعي باالعتماد على‬ ‫علم االجتماع‪ ،‬واإلعالم البيئي باالعتماد على‬ ‫علم البيئة‪ ،‬اإلعالم السياحي واإلعالم الزراعي‬ ‫واإلع�لام الرياضي واإلع�لام العلمي‪ ،‬وغريها‬ ‫من التخصصات األخ��رى‪ ،‬وص��ار اإلعالميون‬ ‫جيمعون يف دراساتهم بني فنون اإلعالم املختلفة‬


‫وخت��ص��ص��ات أخ���رى‪ ،‬وص���ار املتخصصون يف‬ ‫جم��االت علمية خمتلفة يدخلون إىل ساحات‬ ‫اإلع�لام دارس�ين لفنونه وحرفياته ليجمعوا‬ ‫بني فنون وعلوم اإلع�لام وب�ين ختصصاتهم‬ ‫األخرى‪ ،‬فظهر ً‬ ‫تبعا لذلك الصحفي السياسي‪،‬‬ ‫والصحفي الرياضي‪ ،‬واإلعالمي االقتصادي‪،‬‬ ‫ورجل اإلعالم الديين‪ .‬وفقا لذلك ميكن القول‬ ‫ب��ان االع�لام املتخصص يقصد به كل إعالم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرئيا (صحف‪،‬‬ ‫مسموعا أو‬ ‫سواء كان مقروءاً أو‬ ‫إذاعة‪ ،‬تليفزيون) يهتم يف األساس جبانب من‬ ‫جوانب املعرفة اإلنسانية‪ ،‬ويصل إىل مجهور‬ ‫متخصص جتمعه عدد من اخلصائص أو السمات‬ ‫املشرتكة‪ .‬بينما تعرفه سلوى إمام أنه (اإلعالم‬ ‫املوجه إىل فئات أو قطاعات معينة كالفالحني‪،‬‬ ‫والعمال‪ ،‬والنساء‪ ،‬واألطفال‪ ،‬والشباب ويتميز‬ ‫بأنه إعالم يقدم مضامني يف جماالت متعددة‬ ‫كالسياسة‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والرياضة‪ ،‬والفن إال أن‬ ‫معاجلة هذه اجملاالت تتأثر بطبيعة اجلمهور‬ ‫النوعي الذي تتوجه إليه ومستوى ثقافته)‪.‬‬ ‫ويف تعريف آخر (هو منط إعالمي يتخذ نفس‬ ‫وسائل اإلعالم والذي يعاجل املوضوعات املعقدة‬ ‫بشكل أوس��ع وأكثر دقة وجييب عن كثري من‬ ‫التساؤالت ويشبع رغبات وتطلعات اجلمهور‬ ‫بشكل أفضل من اإلع�لام اجلماهريي) بينما‬ ‫يعرفه آخرون (بأنه اإلعالم الذي تكون اجلهة‬ ‫املشرفة عليه جهة خاصة اي غري حكومية‬ ‫بعبارة اخرى املؤسسة اإلعالمية يف هذه احلالة‬ ‫ملك خاص تقوم باإلشراف عليها ماديا جهات‬ ‫خاصة كرجال االعمال او شركات خاصة)‪ .‬وكما‬ ‫يعرفه البعض االخر (هو االعالم الذي تكون‬ ‫مضامينه موجهة اىل فئة معينة من اجلمهور‬

‫حسب االهتمامات واالعالم احلالي اصبح مييل‬ ‫اكثر للتخصص وكمثال عن االعالم املتخصص‬ ‫القنوات الرياضية وقنوات االطفال وغريها فكل‬ ‫قناة متخصصة يف جانب معني فقط)‪ ،‬ويعرفه‬ ‫سامي الشريف على أنه (يهدف إىل إعداد ونشر‬ ‫واتاحة أن��واع حم��ددة ومتعمقة ومتخصصة‬ ‫من امل��ادة اإلعالمية بهدف توجيهها جلمهور‬ ‫حمدد ذي خصائص ومسات واحتياجات وأذواق‬ ‫مشرتكة أو متقاربة)‪.‬‬ ‫وامجاال ميكن تعريف االعالم املتخصص بأنه‬ ‫(ف��رع من ف��روع االع�لام العام يستخدم كافة‬ ‫الوسائل واالساليب االعالمية لتحقيق اغراضه‬ ‫التخصصية مبوضوع معني من موضوعات‬ ‫احلياة املختلفة وبهذا يعد أح��د أه��م وسائل‬ ‫إتاحة ونشر الثقافة املتخصصة واملتعمقة لدى‬ ‫ً‬ ‫مستخدما كل عناصر اجلذب واإلبهار‬ ‫اجلمهور‬ ‫واإلقناع اليت تتميز بها كل وسائله املختلفة‬ ‫‪ ،‬واإلع�لام املتخصص ينقسم إىل شقني وهما‪:‬‬ ‫التخصص يف املضمون‪ ،‬والتخصص يف خماطبة‬ ‫اجلمهور‪ .‬فاألول يهتم بتقديم جرعات كبرية‬ ‫من املضامني يف جم��ال بعينه كمواد الدراما‬ ‫والرياضة والسياسة واالقتصاد‪ ،‬والثاني هو‬ ‫وجود صحف وإذاعات بشقيها املرئي واملسموع‬ ‫ختاطب فئة معينة كالطفل واملرأة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خامسا‪ :‬وظائف االعالم املتخصص‬ ‫يقوم اإلع�ل�ام املتخصص ب��دور فاعل يف‬ ‫اجملتمع من خالل قيامه بتحقيق العديد من‬ ‫الوظائف واألهداف العامة لإلعالم اجلماهريي‬ ‫املتخصص منها نشر الوعي وتيسري املعرفة‬ ‫للجمهور‪ ،‬وتعزيز الثقافة العلمية والتعريف‬ ‫‪279‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪280‬‬

‫بالعلماء واملبدعني واملتميزين وكذلك تلبية‬ ‫احل��اج��ات األساسية لإلنسان وح��ل مشكالته‬ ‫اليومية واملستقبلية ونقل املستجدات العلمية‬ ‫وله دور كبري يف تسريع عملية التنمية وتبين‬ ‫األف��ك��ار املستحدثة وتنشئة الشباب وإع��داد‬ ‫الطفولة واألحداث وتنمية دافع اإلنتماء الوطين‬ ‫والقومي إضافة إىل التنبيه إىل بعض خماطر العلم‬ ‫والتكنولوجيا‪ ،‬فاإلعالم التلفزيوني املتخصص‬ ‫يعد الوسيلة االكثر فاعلية يف خماطبة الفئات‬ ‫واجلماعات الصغرية واملرتابطة واملنسجمة وفق‬ ‫معايري السن أو املهنة أو اإلختصاص أو اهلواية‬ ‫أو مكان اإلقامة ‪ .‬إن ختصص الوسيلة يساعد‬ ‫على التغلغل بشكل أعمق يف الواقع االجتماعي‬ ‫واالقتصادي أو السياسي‪ ،‬الذي يزداد تعقيداً‬ ‫وبالتالي تصبح الوسيلة املتخصصة اكثر مقدرة‬ ‫على كشف عالقاته الداخلية املرتابطة‪ ،‬كما إن‬ ‫من وظائف اإلعالم املتخصص تطوير وتعزيز‬ ‫املعلومات العلمية اليت اكتسبها الفرد من خالل‬ ‫ما تعلمه يف املراحل الدراسية املختلفة األولية‬ ‫منها وحتى اجلامعية ويف احلياة العملية ملن‬ ‫مل تسنح له الفرصة بالدراسة ‪ ،‬أو االثنني معا‬ ‫وذل��ك بإضافة معلومات جديدة وبإستمرار‬ ‫عن مستجدات احلضارة احلديثة من العلوم‬ ‫التكنولوجية يف جماالت التخصص يف اإلعالم‬ ‫املتخصص قدر اإلمكان‪ .‬مما يطلق عليه حمو‬ ‫األمية احلضارية ‪.‬‬ ‫إن لإلعالم املتخصص وظائف عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ .1‬الوظيفة ال��روح��ي��ة‪ :‬اذ يسعى اإلع�لام‬ ‫املتخصص إىل إش��اع��ة القيم اجلمالية بني‬ ‫اجلماهري‪ ،‬وهنا تصبح الفنون يف إطار اإلعالم‬ ‫املتخصص بالراديو أو التلفزيون أو الصحافة‬

‫وسيلة من وسائل التطهري النفسي‪ ،‬ومواجهة‬ ‫األزم���ات النفسية ال�تي يعاني منها اإلنسان‬ ‫املعاصر‪.‬‬ ‫‪ .2‬الوظيفة االجتماعية‪ :‬أن��ه خيلق من‬ ‫مشاهديه واملعجبني ب��ه وح��دة إجتماعية‬ ‫متماسكة‪ ،‬فهو وسيلة خللق التضامن بني‬ ‫ال��ن��اس يف اهليئات واجملتمعات‪ .‬خاصة بعد‬ ‫ان دخل اإلعالم مرحلة جديدة من مراحل‬ ‫تطوره وأتاح العديد من اإلمكانيات وتوفرت‬ ‫العديد من القنوات اليت تستطيع أن تتناول كل‬ ‫جمال من جماالت احلياة (االقتصاد‪ ،‬السياسة‪،‬‬ ‫الرياضة‪ ،‬الدين‪ ،‬الرتبية‪ ،‬البيئة‪ ،‬الفن‪ ،‬املرأة ‪...‬‬ ‫اخل)‪.‬‬ ‫‪.3‬الوظيفة التعليمية‪ :‬يعمل على اكتساب‬ ‫الناس املعرفة والثقافة العلمية الصحيحة‪.‬‬ ‫‪.4‬وظيفة املعاجلة‪ :‬اذ يقوم بإثارة القضايا‬ ‫ً‬ ‫واسعا من‬ ‫اهلامة واملصريية اليت جتد اهتماما‬ ‫اجلماهري‪ ،‬وذلك بالرتكيز حول هذه القضايا‬ ‫والتخصص فيها مما جيعل أمر متابعتها جديا‪.‬‬ ‫حيث يقوم بلفت النظر إىل املشاكل امللحة واملهمة‬ ‫يف اجملتمع بدعوة اخلرباء والعلماء إىل املشاركة يف‬ ‫حلها مما حيفز الكوادر يف خمتلف اإلختصاصات‬ ‫على التعاون املثمر حلل هذه املشاكل وتطوير‬ ‫ما هو موجود ومتاح من حيث اإلمكانيات‬ ‫الطبيعية أو املالية أو البشرية‪.‬‬ ‫‪.5‬الوظيفة التوعوية‪ :‬فاالعالم املتخصص‬ ‫يعمل وبشكل مستمر بتوعية الناس بواقعهم‬ ‫وإث��ارة اإلهتمام بضرورة التغيري واإلص�لاح‬ ‫والتطوير‪.‬‬


‫ً‬ ‫سادسا‪ :‬عناصر اإلعالم املتخصص‬ ‫هناك ثالثة عناصر أساسية لإلعالم املتخصص‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫العنصر االول‪ :‬امل��ادة االعالمية املتخصصة‪:‬‬ ‫وتكمن أهميتها يف كونها أكثر من جمرد نقل‬ ‫للمعلومات‪ ،‬إذ تهيء منرباً للمنافسة ونقل‬ ‫األفكار واملبتكرات ولتبادل اخلربات والتجارب‬ ‫وقد تسعى إىل التأثري على أصحاب القرارات أو‬ ‫لتعزيز القدرة اإلبداعية‪.‬‬ ‫العنصر الثاني‪ :‬احملرر اإلعالمي املتخصص‪ :‬إن‬ ‫اإلعالم املتخصص يتطلب خربة وكفاءة خاصة‬ ‫يف كادره التحريري‪ ،‬وخاصة بالنسبة لكل نوع‬ ‫أو فرع من جماالت التخصص العديدة واملتنوعة‪،‬‬ ‫فاالعالمي املتخصص أشبه ما يكون بالباحث‬ ‫العلمي‪ ،‬ول��ذا جيب أن يتجاوز دوره املتمثل‬ ‫مبجرد األداء االع�لام��ي املعتاد وه��و تقديم‬ ‫جمموعة من األن��ب��اء للجمهور عن األح��داث‪،‬‬ ‫ب��ل ميتد إىل دور آخ��ر أعمق وه��و التحليل‬ ‫وكشف األبعاد واخللفيات الفنية الدقيقة‪ ،‬على‬ ‫أسس علمية ومنطقية‪ .‬مثل تقديم األخبار‬ ‫واملعلومات النادرة والدقيقة والتفصيلية حول‬ ‫موضوعات حمددة تهم فئة معينة من اجلمهور‬ ‫سواء كانوا متخصصني أو هلم إهتمامات حول‬ ‫هذه املوضوعات مبا حيقق هلم الفائدة العلمية‬ ‫واملساعدة على الرتبية والتثقيف وشغل الوقت‬ ‫بطريقة مفيدة تنمي ال��ق��درات الذهنية‪،‬‬ ‫وخاصة بالنسبة إلع�لام األطفال والشباب ‪.‬‬ ‫كذلك إحاطة اجلمهور بتطورات وظروف العصر‬ ‫ال��ذي يعيشونه يف خمتلف أحن��اء العامل بنشر‬ ‫أحدث األحب��اث واملبتكرات يف جمال التخصص‬ ‫‪.‬وإعطاء اجملال والفرصة للمتخصصني واخلرباء‬

‫لإلقرتاب من اجلمهور‪ ،‬وتقديم مالديهم من‬ ‫معلومات وخربة ومبا حيقق فائدة أكرب‪ ،‬وعدم‬ ‫اإلقتصار على االعالميني الذين يلمون ً‬ ‫إملاما‬ ‫ً‬ ‫عاما باملوضوع الذي يكتبون فيه‪ ،‬وهذا ال يلغي‬ ‫دور احملرر بل يصنع إعالميني ومتخصصني‬ ‫ً‬ ‫وفقا لنوع االعالم والتخصص الذي يعمل فيه‪.‬‬ ‫فضال ع��ن جتديد فنون اإلخ���راج االعالمي‬ ‫وأساليبه إذ أن كل ختصص حيتاج إىل أسلوب‬ ‫إخراج يالئم نوع التخصص‪ ،‬فإخراج موضوع‬ ‫نسائي خيتلف عن إخ��راج موضوع لألطفال‬ ‫أو موضوع أدب��ي أو علمي‪ ،‬كل ن��وع من هذه‬ ‫املوضوعات له أسلوبه وفنونه اخلاصة سواء من‬ ‫ناحية إستخدام االلفاظ والصور‪ ،‬وغري ذلك من‬ ‫األساليب اخلاصة باإلخراج االعالمي‪.‬‬ ‫العنصر الثالث‪ :‬اجلمهور املتخصص‪ :‬على‬ ‫اإلع�لام��ي املتخصص أن ي��ع��رف أن م��ادت��ه‬ ‫اإلعالمية موجهة إىل ثالث فئات من اجلمهور‪،‬‬ ‫مجهور مثقف ثقافة متوسطة‪ ،‬ومجهور مثقف‬ ‫ثقافة عالية‪ ،‬ومجهور متخصص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سابعا‪ :‬مسات اإلعالم املتخصص‬ ‫تتحدد مسات اإلعالم املتخصص فيما يلي‪:‬‬ ‫‪.1‬أنه إعالم جاد ومتعمق وهادف بطبيعته‬ ‫ويتسم باإلهتمام بالكيف أكثر من إهتمامه‬ ‫بالكم‪.‬‬ ‫‪.2‬يعتمد بشكل أساسي على االساليب العلمية‬ ‫كإستخدام البحث والتحليل املتعمق والتفسري‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعقليا‬ ‫منطقيا‬ ‫والوصول إىل نتائج مسببة‬ ‫بناء على سند علمي صحيح‪.‬‬ ‫‪.3‬يقوم على واق��ع اإلحتياجات واملتطلبات‬ ‫الفعلية ملختلف اإلهتمامات اخلاصة باجلماهري‬ ‫‪281‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪282‬‬

‫على تعدد وتنوع شرائحهم أو فئاتهم‪ ،‬ومن ثم‬ ‫فهو اعالم متطور ومتجدد بإستمرار سواء يف‬ ‫مادته وحمتواه أو يف جماالت ختصصه‪.‬‬ ‫‪.4‬أنه مبا حيتويه من درارس���ات وحتليالت‬ ‫متعمقة يناسب أك��ث��ر اجل��م��اه�ير النوعية‬ ‫واملتخصصة ويتيح السيطرة على ظ��روف‬ ‫التعرض‪ ،‬كما ميكن اإلحتفاظ به ملراجعته‬ ‫مرة أخرى‪.‬‬ ‫ثامنا‪ :‬اإلع�لام اجلماهريي (ال��ع��ام) واإلع�لام‬ ‫املتخصص‬ ‫ان اإلتصال اجلماهريي يعين اإلتصال جبماهري‬ ‫كبرية وعريضة ومتباينة‪ ،‬تصلهم الرسالة‬ ‫اإلعالمية ويتميز مبقدرته على االتصال‬ ‫وت��وص��ي��ل ال��رس��ال��ة للجمهور‪ ،‬وألف����راد غري‬ ‫معروفني للقائم باالتصال‪ ،‬تصلهم الرسالة يف‬ ‫نفس اللحظة وبسرعة فائقة‪ ،‬بينما اإلعالم‬ ‫املتخصص له مساته وحمدداته املختلفة فهو‬ ‫إعالم حمدد مبجال معني ولفئة معينة‪ ،‬وهدفه‬ ‫تلبية احتياجات هذا اجلمهور وأن كان قليل من‬ ‫حيث العدد‪ ،‬ونعرض مقارنة بني اإلعالم العام‬ ‫أو اجلماهريي واإلع�لام املتخصص من خالل‬ ‫مكونات العملية االتصالية‪( :‬القائم باالتصال‪،‬‬ ‫املتلقي‪ ،‬اخلربة املشرتكة‪ ،‬الرسالة‪ ،‬الوسائل أو‬ ‫القنوات‪ ،‬اهلدف أو األثر‪ ،‬رجع الصدى)‪:‬‬ ‫‪.1‬القائم باالتصال‪ :‬يف اإلعالم اجلماهريي العام‬ ‫ال يعرف مجهوره بشكل حم��دد‪ ،‬ألنه متباين‬ ‫وعريض وكبري احلجم‪ ،‬بينما القائم باالتصال‬ ‫يف اإلع�لام املتخصص يعرف مجهوره بشكل‬ ‫دقيق وحمدد‪ ،‬ألن القائم باالتصال هنا يعرف‬ ‫احتياجات واهتمامات ومتطلبات مجهوره من‬ ‫خالل دراسات ميدانية جتريها الوسيلة‪.‬‬

‫‪.2‬املتلقي‪ :‬يف اإلع�لام العام أو اجلماهريي ال‬ ‫يعرف القائم باالتصال املتلقني بشكل دقيق‬ ‫وبالتالي يكون مستوى جناح الرسالة اإلعالمية‬ ‫ضعيف يف الوصول والتأثري على أفكار ومعارف‬ ‫اجلمهور‪ ،‬بينما يف اإلع�لام املتخصص يعرف‬ ‫القائم باالتصال متلقيه بشكل دقيق وهم قد‬ ‫يكونوا أطفال أو عمال‪ ،‬أو ممن يهتمون مبادة‬ ‫إعالمية حمددة‪.‬‬ ‫‪.3‬اخلربة امل��ش�ترك��ة‪ :‬ال تتوفر يف اإلع�لام‬ ‫اجلماهريي‪ ،‬إلنه كما ذكرنا من قبل أن القائم‬ ‫باالتصال ال يعرف مج��ه��وره بسبب حجمه‬ ‫الكبري وبالتالي ال يوجد خربات مشرتكة بني‬ ‫القائم باالتصال واملتلقي‪ ،‬وهنا يكتفي اإلعالم‬ ‫اجلماهريي مبعرفة العادات والتقاليد والثقافة‬ ‫السائدة يف اجملتمع‪ ،‬ولكنه ال يعرف اجلمهور‬ ‫بشكل متعمق‪ ،‬بينما تكون اخل�برات املشرتكة‬ ‫متوفرة بشكل كبري يف االع�لام املتخصص ألن‬ ‫القائم باالتصال على علم باحتياجات ورغبات‬ ‫مجهوره‪ ،‬وبالتالي هدفه الوصول إىل اجلماعات‬ ‫اليت هو على علم بأمناط حياتها من خالل‬ ‫الدراسات اليت جيريها‪.‬‬ ‫‪.4‬الرسالة‪ :‬يف اإلعالم اجلماهريي تكون معدة‬ ‫جلمهور غري حمدد ال يعرفه القائم باالتصال‬ ‫بشكل جيد‪ ،‬بينما تكون الرسالة يف اإلعالم‬ ‫املتخصص تلبية لرغبات وأذواق وأهتمامات‬ ‫مجهور حمدد وذلك من خالل املعرفة املتعمقة‬ ‫بني القائم باالتصال ومجهوره‪.‬‬ ‫‪.5‬الوسيلة‪ :‬أو القنوات يف اإلعالم اجلماهريي‬ ‫ه��ي الوسائل التقليدية م��ن صحف وإذاع��ة‬ ‫وتليفزيون عامة وممكن أن تكون متخصصة‬ ‫م��ن خ�لال م�لاح��ق أو م���واد بعينها‪ ،‬بينما‬


‫الوسيلة يف اإلعالم املتخصص قد تكون تقليدية‬ ‫أو ج��دي��دة كوسائل االت��ص��ال اجل��دي��دة اليت‬ ‫أفرزتها ثورة املعلومات وتكنولوجيا االتصال‬ ‫من وسائط متعددة ومن خالل االنرتنت‪.‬‬ ‫‪.6‬اهلدف‪ :‬أو األثر يهدف اإلعالم اجلماهريي إىل‬ ‫مصلحة عامة للجمهور كاحلمالت اإلعالمية‬ ‫وغريها من اخل��دم��ات غري املتناهية‪ ،‬بينما‬ ‫يكون اهل��دف من اإلع�لام املتخصص مصلحة‬ ‫عامة يف بعض األح��ي��ان ولكن ه��دف اإلع�لام‬ ‫املتخصص باألساس مصلحة خاصة جلمهور‬ ‫حمدد من خالل مضامني حمددة‪.‬‬ ‫‪.7‬رجع الصدى‪ :‬ال ترجع املعلومات بشكل‬ ‫دقيق للقائم باالتصال يف اإلع�لام اجلماهريي‬ ‫وبالتالي ال يستطيع القائم باالتصال التعرف‬ ‫على مدى جناح الرسالة اإلعالمية بشكل جيد‪،‬‬ ‫بينما ترجع املعلومات بشكل دقيق وسريع‬ ‫للقائم باالتصال يف اإلعالم املتخصص وبالتالي‬ ‫يعرف القائم باالتصال ان كانت استطاعت أن‬ ‫تليب احتياجات اجلمهور أم ال وبالتالي التشجيع‬ ‫على االستمرار يف هذه الرسالة أو ال بناء على‬ ‫رجع الصدي املرتد من اجلمهور‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تاسعا‪ :‬اجيابيات اإلعالم املتخصص وسلبياته‬ ‫للتخصص ف��وائ��د ع��دي��دة‪ ،‬ولكن نظري هذه‬ ‫الفوائد أو االجيابيات هناك بعض املضار أو‬ ‫السلبيات‪ ،‬وسوف يتم عرض إجيابيات وسلبيات‬ ‫اإلعالم املتخصص يف اآلتي‪:‬‬ ‫أ‪ :‬إجيابيات اإلعالم املتخصص‬ ‫مي��ت��ل��ك اإلع��ل�ام امل��ت��خ��ص��ص جم��م��وع��ة من‬ ‫اإلجيابيات اليت جعلته مميزا وأكثر فاعلية‪،‬‬ ‫ومن أهمها‪:‬‬ ‫‪.1‬أنه إع�لام يليب احتياجات واهتمامات‬

‫اجلمهور املوجه له‪.‬‬ ‫‪.2‬أنه إعالم يهتم باألذواق املختلفة‪.‬‬ ‫‪.3‬االهتمام جبمهور حمدد له مساته‪ ،‬وبالتالي له‬ ‫احتياجات ورغبات وأذواق مشرتكة أو متقاربة‬ ‫‪.4‬االهتمام بالعادات والتقاليد وثقافة اجلمهور‬ ‫الذي يوجه له رسالته‪.‬‬ ‫‪.5‬يهتم بالقضايا واملوضوعات املختلفة‪ ،‬ومينح‬ ‫وقت أو مساحة أكرب من الوسائل العامة‪.‬‬ ‫‪.6‬التخصص جعل النتائج العلمية يف اجملاالت‬ ‫ً‬ ‫وعمقا عما كانت عليه يف‬ ‫املختلفة أكثر دقه‬ ‫السابق‪.‬‬ ‫ب‪ :‬سلبيات اإلعالم املتخصص‬ ‫لإلعالم املتخصص بعض السلبيات‪ ،‬من أهمها‪:‬‬ ‫‪.1‬إنغماس كل فرد يف جمال ختصصه وبالتالي‬ ‫أنعكس ذلك سلبا على روح التكامل الثقايف‪.‬‬ ‫‪.2‬االبتعاد عن بقية أن��واع املعارف والعلوم‪،‬‬ ‫ومل يعد ق��ادر على إستيعابها أو اللحاق بها‬ ‫والتواصل معها‪.‬‬ ‫‪.3‬جاء مبشكالت وخماطر وسلبيات يصعب يف‬ ‫كثري من األحيان السيطرة عليها‪.‬‬ ‫‪.4‬يكون التخصص يف جماالت كثرية غري مفيد‬ ‫بل منايف لقيم وأخ�لاق اجملتمع‪ ،‬وهنا يكون‬ ‫التخصص فقط عامال للربح وليس عامل‬ ‫فائدة للجمهور‪.‬‬ ‫‪.5‬اضر يف الكثري م��ن االح��ي��ان بالتقاليد‬ ‫العلمية وح��رف بعض القيم العلمية بسبب‬ ‫عدم إمتالك االعالميني لقدرات علمية كبرية‬ ‫واقتصار معلوماتهم فقط على بعض االمور‬ ‫السطحية‪.‬‬ ‫‪.6‬جاء التخصص ب��ال��ع��زل��ة أو م��ا يعرف‬ ‫بتفتيت اجلماهري أو ال مركزية اجلمهور من‬ ‫‪283‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪284‬‬

‫خالل خلق أذواق خمتلفة ومتباعدة مستغال‬ ‫الوسيلة كعوامل األبهار واجلذب اليت جاءت بها‬ ‫التكنولوجيا احلديثة‪ ،‬وهنا البد من أن تقوم‬ ‫وسائل اإلعالم مبخاطبتها‪.‬‬ ‫عاشراً‪ :‬أهمية اإلعالم املتخصص يف اجملتمع‬ ‫يعترب ظهور اإلعالم املتخصص ومنوه وازدهاره‬ ‫يف أي جمتمع ً‬ ‫دليال ً‬ ‫قويا على تقدم هذا اجملتمع‬ ‫ورقيه‪ ،‬فحني يتجه أي جمتمع جتاه التخصص‬ ‫الدقيق بني أف��راده ينجم عنه أتساع املعارف‬ ‫العلمية والثقافية وتعددها‪ ،‬وهو ما ميثل مسة‬ ‫أساسية للتقدم والتحديث والتطوير‪ ،‬ونعيش‬ ‫اليوم عصر اإلعالم املتخصص‪ ،‬اذ جلأت الوسائل‬ ‫اإلعالمية إىل التخصص‪ ،‬إما يف املضمون من‬ ‫خ�لال تقديم كميات وف�يرة يف جم��ال حمدد‬ ‫كالربامج الدرامية أو الوثائقية أو اإلخبارية‬ ‫أو السياحية مبا يليب احتياجات اجلمهور سواء‬ ‫العام أو اخلاص‪ ،‬أو من خالل االهتمام بقطاع‬ ‫وفئات حمددة‪ ،‬من خالل تلك املميزات اصبح‬ ‫له اقباال ومجهورا واسعا‪ ،‬فاملتلقي يرغب ً‬ ‫دائما‬ ‫يف معرفة ما يقرتب من ختصصه وعمله وعمره‬ ‫ليستفيد ويستمتع ويتعرف على اجلديد‪.‬‬ ‫تنبع أهمية اإلعالم املتخصص من خالل قيامه‬ ‫مبهام عديدة ومفيده للمجتمع‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪.1‬يقوم االع�لام املتخصص بإتاحة برامج‬ ‫ً‬ ‫عمقا يف املضمون‬ ‫وم���واد متخصصة وأك��ث��ر‬ ‫تليب احتياجات اجلمهور املستهدف باملواد‬ ‫املختلفة‪ .‬اذ تتعدد مهام اإلع�لام املتخصص‬ ‫س��واء يف (الصحافة‪ ،‬واإلذاع��ة‪ ،‬والتليفزيون)‬ ‫والتى تسعى باألساس إىل توفري خدمات إعالمية‬ ‫تليب احتياجات ورغبات القراء واملستمعني‬ ‫واملشاهدين ً‬ ‫كال حسب اهتماماتهم بشكل كبري‬

‫وجبودة عالية‪ً .‬‬ ‫فضال عن إتاحة املواد الصحفية‬ ‫واإلذاع��ي��ة والتلفزيونية املتخصصة لتليب‬ ‫احتياجات اجلماهري املستهدفة مبا يف ذلك‬ ‫النواحي اإلخبارية والتعليمية والثقافية‪.‬‬ ‫‪.2‬يقوم االع�لام املتخصص باعطاء ال��دول‬ ‫واحل��ك��وم��ات ف��رص��ة االس��ت��ف��ادة م��ن وسائل‬ ‫اإلعالم املتخصص من خالل العملية التعليمية‬ ‫مبختلف مستوياتها وأنواعها وخدمة لسياسات‬ ‫وبرامج حمو األمية‪.‬‬ ‫‪.3‬التأكيد على اإلنتماء الوطين وإعالء اإلحساس‬ ‫باهلوية القومية‪ ،‬وهنا البد من إعطاء القضية‬ ‫الكوردية مساحات أكرب يف وسائل إعالمنا كافة‬ ‫مبا فيها قضايا الالجئني واحل��دود‪ ،‬وضرورة‬ ‫االهتمام باملصاحلة الكوردية‪.‬‬ ‫‪.4‬يقوم االعالم املتخصص باالهتمام باملزاج‬ ‫الشخصي واهلوايات وأمن��اط التعرض لوسائل‬ ‫ً‬ ‫متشيا مع أن��ه كلما ارتفع مستوى‬ ‫اإلع�ل�ام‪،‬‬ ‫احل��ي��اة زادت امل��ط��ال��ب وت��ع��ددت وأصبحت‬ ‫عناصر اإلتاحة والكم واجل��ودة ضرورية يف‬ ‫ساحة املنافسة اإلعالمية اليت تسود يف عصر‬ ‫االتصال عن بعد وعصر ثقافة الصورة‪ ،‬وعصر‬ ‫التليفزيون واالتصال التفاعلي‪.‬‬ ‫‪.5‬يقوم مبهمة نشر كافة أن��واع املعارف‪ ،‬وال‬ ‫يقتصر دوره على نشر نوعية حم��ددة من‬ ‫املعارف ولكن كل مطبوعة أو إذاع��ة بشقيها‬ ‫املسموع واملرئي تتخصص يف نوع حمدد من‬ ‫هذه الثقافة‪.‬‬ ‫‪.6‬والتخصص محل وسائل اإلعالم مسؤولية‬ ‫أك�بر خ��اص��ة على مستوى اإلع�ل�ام الرمسي‬ ‫ً‬ ‫فمثال عندما يقوم التليفزيون بتقديم برامج‬ ‫تعليمية فإنه يف هذه احلالة يقدم دور تعليمي‬


‫يفرتض أن تؤديه املؤسسات التعليمية‪ ،‬وعندما‬ ‫ننشئ إذاع��ة للقرآن الكريم ً‬ ‫مثال فأنها تقوم‬ ‫ب��أداء مهمة نشر املعرفة الدينية‪ ،‬دور يناط‬ ‫باملؤسسات الدينية؛ وم��ن املهم أن نعرف أن‬ ‫ً‬ ‫بديال عن املؤسسات‬ ‫وسائل اإلعالم هنا ليست‬ ‫اجملتمعية ولكن هى مساندة هلا‪.‬‬ ‫‪.7‬اعطى االعالم املتخصص أهمية كبرية لصاحل‬ ‫التقدم العلمي والتكنولوجي‪ ،‬وم��ع التطور‬ ‫اهلائل يف وسائل اإلعالم وتكنولوجيا االتصال‪،‬‬ ‫اذ ت��زاي��دت اهتمامات اجلمهور ورغبته يف‬ ‫التعرف على املستجدات يف كافة مناحي احلياة‪.‬‬ ‫‪.8‬يقوم االعالم املتخصص بتلبية االحتياجات‬ ‫املختلفة للجمهور‪ ،‬فهو ال ينظر إىل اجلمهور‬ ‫ككتلة وإمنا إىل جمموعات نوعية حمددة لكل‬ ‫جمموعة احتياجاتها االتصالية ورغباتها اليت‬ ‫تتحق من انتقائها ملا يستخدمه من وسائل‬ ‫اإلعالم‪ ،‬فأن معرفة اجلمهور الذي يتوجه إليه‬ ‫والتعرف على احتياجاته وأذواق��ه وبالتالي‬ ‫ال��وص��ول للجمهور املستهدف وإرض���اء ذوق��ه‪،‬‬ ‫واشباع حاجاته واعداد املوضوعات والربامج‬ ‫اليت تتفق مع ماينتظره اجلمهور مما يؤدي إىل‬ ‫تفعيل الرسالة اإلعالمية‪.‬‬ ‫إحدى عشر‪ :‬متطلبات اإلعالم املتخصص‪:‬‬ ‫أن لإلعالم املتخصص متطلبات عديدة هي‪:‬‬ ‫‪.1‬يتطلب االع�لام املتخصص معرفة دقيقة‬ ‫جبمهوره‪ :‬حيتاج إىل مجهور على درجة عالية‬ ‫من الوعي والثقافة والتعليم بصفة عامة‪،‬‬ ‫وااله��ت��م��ام وال��رغ��ب��ة يف املعرفة وتطويرها‬ ‫بصفة خ��اص��ة‪ .‬ف�لا يكفي أن تعرف وسائل‬ ‫اإلعالم املتخصصة مجهورها‪ ،‬بل حتتاج وسائل‬ ‫اإلعالم املتخصصة إىل التعرف على مجهورها‬

‫ومن ثم تعد رسالتها مبا يتناسب مع خصائص‬ ‫هذا اجلمهور واحتياجاته وأذواق��ه ومطالبه‪،‬‬ ‫وحيتاج ذلك إىل دراسات ميدانية مستمرة‪ ،‬إذ‬ ‫مل يعد اإلعالم ً‬ ‫ً‬ ‫عشوائيا يعتمد على اخلربة‬ ‫عمال‬ ‫واللباقه فقط‪ ،‬بل هو علم له أصوله وقواعده‪.‬‬ ‫ويف ظل ه��ذه املنافسة الشديدة بني وسائل‬ ‫ً‬ ‫اإلعالم املختلفة‪ ،‬أصبح أمراً‬ ‫ضروريا أن تعتمد‬ ‫تلك الوسائل يف وضع خططها وبراجمها على‬ ‫البحوث العلمية لتقف على مدى مجاهرييتها‪،‬‬ ‫وم��دى رض��ا اجلمهور عما تقدمه‪ ،‬ومعرفة‬ ‫موقفها أو ترتيبها بني وسائل اإلعالم املنافسة‬ ‫هلا‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك فأن احتياجات ورغبات‬ ‫اجلمهور تتغري من وقت ألخر فهنا يتوجب على‬ ‫الوسيلة أن تعدل وتغري يف مضمونها مبا يتواكب‬ ‫مع رغبات مجهورها‪.‬‬ ‫‪.2‬يتطلب االع�لام املتخصص وج��ود ك��وادر‬ ‫إعالمية متخصصة‪ :‬حيتاج اإلعالم املتخصص‬ ‫إىل كوادر إعالمية مدربة ومعدة بشكل جيد‬ ‫يف اجمل��ال اليت تعمل فيه‪ ،‬حبيث تكون لديهم‬ ‫القدرة على الكتابة املبسطة‪ ،‬واحلديث املرن‬ ‫يف تناول املوضوعات املعقدة بأسلوب علمي‬ ‫م��رن بسيط وواض��ح فهي بذلك ختتلف عن‬ ‫وسائل اإلعالم العامة يف مدى حاجتها إلعداد‬ ‫الكوادر اإلعالمية اليت تعمل فيها‪ .‬فاإلعالمي‬ ‫الذي يكتب أو يقدم رسالته يف وسيلة إعالمية‬ ‫متخصصة كاجمللة الطبية املتخصصة جيب أن‬ ‫يكون على درجة عالية من املعرفة يف العلوم‬ ‫الطبية اليت يكتب فيها‪ ،‬واملذيع ال��ذي يقدم‬ ‫ً‬ ‫برناجما يف قناة رياضية جيب أن يكون على‬ ‫علم متعمق يف جمال املوضوعات الرياضية اليت‬ ‫يتحدث فيها‪.‬‬ ‫‪285‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪286‬‬

‫‪.3‬يتطلب اإلع�لام املتخصص م��ادة إعالمية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وختصصا‪ :‬يتسم أداء وسائل‬ ‫عمقا‬ ‫تكون أكثر‬ ‫اإلعالم العامة بالبساطة واملباشرة‪ ،‬ألن وسائل‬ ‫اإلعالم مسؤولة عن تقديم املعلومات بصورة‬ ‫مبسطة ومألوفة‪ ،‬بينما يف اإلعالم املتخصص‬ ‫فأن األمر خمتلف ً‬ ‫متاما‪ ،‬فاجلمهور املستهدف هنا‬ ‫خمتلف ً‬ ‫متاما فمستواه أعلى وأرقى من اجلمهور‬ ‫العام‪ ،‬ومن ثم طبيعة هذا اجلمهور خمتلفة إذ‬ ‫حيتاج إىل معلومات علمية وثقافية أكثر ً‬ ‫عمقا‪.‬‬ ‫فاجمللة أو الصحيفة املتخصصة يف جمال األدب‬ ‫حتتاج إىل م��ادة إعالمية متعمقة‪ ،‬حتى وأن‬ ‫ك��ان هناك بعض التعقيد يف اجلمل واملعاني‬ ‫والدالالت‪ ،‬فهنا القارئ متخصص يف هذا العلم أو‬ ‫اجملال‪ ،‬وال يعنية كثرياً التبسيط يف عرض املادة‬ ‫اإلعالمية املتخصصة‪ ،‬وهنا ينبغي على املعد أن‬ ‫يكون على درجة عالية يف جمال األدب‪ .‬حيتاج‬ ‫اإلعالم املتخصص إىل توظيف مادته يف اجتاه‬ ‫االستفادة منها يف اجلوانب التطبيقية للحياة‬ ‫اليومية‪ ،‬أكثر من توجيهها إىل إبراز اجلوانب‬ ‫العلمية التخصصية اليت ال يستفيد منها سوى‬ ‫أبناء التخصص‪.‬‬ ‫‪.4‬يتطلب اإلعالم املتخصص وسائل إعالمية‬ ‫كفؤة ومؤثرة‪ :‬فهو حيتاج إىل اختيار الوسيلة‬ ‫اإلعالمية األكثر كفاءة يف تناول موضوعات‬ ‫بعينها خ��اص��ة يف اجملتمعات النامية اليت‬ ‫تنتشر فيها األمية بنسبة عالية‪ ،‬وه��و أمر‬ ‫جيعل القائمني بأمر اإلعالم املتخصص العلمي‬ ‫حباجة إىل اختاذ التدابري الالزمة يف هذا اجملال‪،‬‬ ‫واستخدام موفق ومتوازن لعناصر التشويق‬ ‫دون اإلثارة‪ ،‬إلستثارة اهتمام الناس به‪ ،‬وبنفس‬ ‫املستوى هو حباجة إىل املوضوعية والدقة واحلذر‬

‫لتوصيل املعلومات بصورة واضحة ومفهومه‪.‬‬ ‫‪.5‬يتطلب اإلعالم املتخصص ختطيطا علميا‬ ‫دقيقا‪ :‬يعد التخطيط العلمي ضرورة الغنى‬ ‫عنها ألي��ة وسيلة إعالمية‪ ،‬وت���زداد أهمية‬ ‫التخطيط العلمي عندما نتحدث عن وسائل‬ ‫اإلعالم املتخصصة‪ ،‬فإنشاء أية وسيلة إعالمية‬ ‫متخصصة سواء صحيفة أو إذاعة أو تليفزيون‬ ‫ليس أمراً ً‬ ‫سهال‪ ،‬بل حيتاج إىل دراسات جدوى‬ ‫وذل���ك للتعرف ع��ل��ى أه��داف��ه��ا ومج��ه��وره��ا‬ ‫ومتطلباتها‪ ،‬وهى أمور ال ختضع للعشوائية أو‬ ‫التقديرات اجلغرافية‪.‬‬ ‫‪.6‬يتطلب اإلعالم املتخصص مصادر إعالمية‬ ‫متطورة ومتجددة‪ :‬يتطلب اإلعالم املتخصص‬ ‫التجديد املستمر يف إع��داد امل��ادة اإلعالمية‬ ‫املناسبة‪ ،‬ويف القوالب اليت يفضلها اجلمهور‪،‬‬ ‫وألن مجهور وسائل اإلعالم املتخصص حمدود‬ ‫يف أعداده فأنه سرعان ما ميل من تكرار املواد‬ ‫اإلعالمية املقدمة‪ ،‬فهو ً‬ ‫دائما يطالب باجلديد‪،‬‬ ‫وهنا إذا مل يكن للوسيلة مصادرها املتجددة‬ ‫باستمرار من املعلومات فسرعان ما خترج من‬ ‫دائرة اهتمام اجلمهور‪.‬‬ ‫‪.7‬يتطلب اإلعالم املتخصص لغة مالئمة‪ :‬على‬ ‫ق��در ك��اف من الوفاء باملعاني واحلقائق اليت‬ ‫يرمي إىل توصيلها‪ ،‬لغة تأتي مباشرة دون‬ ‫تالعب باأللفاظ الغريبة‪ ،‬واملصطلحات املعقدة‪،‬‬ ‫ودون تقريظ يف قواعد اللغة وسالمة أساليبها‪.‬‬ ‫فالكتابة جلماهري العامة تتطلب وضع احلقائق‬ ‫اجملردة بصورة مبسطة ويف إطار عرض مشوق‬ ‫جيعلها كفيلة بتحقيق الغرض منها‪.‬‬ ‫‪.8‬كما يتطلب اإلع�ل�ام املتخصص تعزيز‬ ‫ال��رواب��ط والتعاون باملتخصصني يف اجمل��االت‬


‫املختلفة‪ ،‬حتى يتمكن من املواكبة واملتابعة ملا‬ ‫يستجد من تطورات علمية وتكنولوجية على‬ ‫الساحات املختلفة‪.‬‬ ‫إثنا عشر‪ :‬عناصر حتقيق التخصص اإلعالمي‬ ‫هناك جمموعة من العوامل الواجب توفرها بني‬ ‫مجهور الوسائل اإلعالمية لتحقيق التخصص‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬ومن ثم التفاعلية‪ ،‬ومن أبرز هذه‬ ‫العوامل‪:‬‬ ‫‪.1‬إنتشار التعليم‪.‬‬ ‫‪.2‬إرتفاع املستوى االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬ ‫‪ .3‬حجم السكان‪.‬‬ ‫‪.4‬توفر أوقات الفراغ‪.‬‬ ‫حيث تسهم هذه العناصر يف توفري بيئة مناسبة‬ ‫لظهور وسائل إعالم متخصصة وتفاعلية بشكل‬ ‫ً‬ ‫أكرب يوفر عائداً‬ ‫وأرباحا للمؤسسات أو اهليئات‬ ‫اليت تقبل على إنتاج وإط�لاق تلك الوسائل‪.‬‬ ‫ومع إنتقال اجملتمع كله إىل مرحليت التخصص‬ ‫والتفاعلية ب���دأت ختتفي أو ت��ك��اد ختتفي‬ ‫بالشكل الذي نعرفه‪ ،‬وهو الشكل العام‪ ،‬فوسائل‬ ‫اإلعالم العامة الميكن أن تظهر وتنتشر إال يف‬ ‫وجود مجهور عام ختاطبه وتليب احتياجاته‬ ‫ومطالبه‪ ،‬أما عن األذواق اخلاصة فهى حباجة إىل‬ ‫وسائل إعالم متخصصة مما يعلن بنهاية عصر‬ ‫اجلمهور العام ليحل حمله اجلمهور األكثر فئوية‬ ‫ً‬ ‫وختصصا‪.‬‬ ‫ثالثة عشر‪ :‬الشروط الواجب توافرها خللق‬ ‫اإلعالمي املتخصص الناجح‪:‬‬ ‫توجد جمموعة من الشروط اليت ينبغي ان‬ ‫يتحلى بها اإلعالمي كي يكون إعالميا متخصصا‬ ‫ناجحا‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫‪.1‬أن يلتزم باألمانة العلمية يف مجع املعلومات‬

‫وحتليلها وتفسريها‪ ،‬اذ ان االعالمي املتخصص‬ ‫أق��رب مايكون اىل الباحث العلمي‪ ،‬ول��ذا فإن‬ ‫عليه مراعاة ذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪.2‬أن يكون ً‬ ‫وملما‬ ‫عاملا بنوعية مج��ه��وره‪،‬‬ ‫بسياسة املؤسسة ال�تي يعمل بها‪ ،‬وأن يكون‬ ‫نظيف اليد ألن إتصاله برجال املال واألعمال‬ ‫قد يعرضه إلغراءات مادية‪.‬‬ ‫‪.3‬أن يكون صادقا مع نفسه ومع الناس وأميناً‬ ‫ً‬ ‫دقيقا يف ذكر املعلومات واحلقائق‬ ‫يف معامالته‪،‬‬ ‫فكلمة غ�ير دق��ي��ق��ة يف م��وض��وع متخصص‬ ‫يف إذاع��ة او تلفزيون او صحيفة قد تسبب‬ ‫مشكالت هو يف غنى عنها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جريئا شجاعا ال يرتدد يف كشف‬ ‫‪.4‬أن يكون‬ ‫املفسدين واملنحرفني يف اجملاالت املختلفة‪.‬‬ ‫‪.5‬ان ميتلك ال��ق��درة على فهم املصطلحات‬ ‫االعالمية املتخصصة املختلفة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هادفا‬ ‫‪.6‬أن يتسم باجلدية والتعمق وأن يكون‬ ‫معتمداً بشكل أساسي على األساليب العلمية‬ ‫باستخدام البحث والتحليل العميق والتفسري‬ ‫والوصول إىل النتائج بنا ًء على أسباب علمية‬ ‫وعقلية ومنطقية‪ ،‬وأن يركز على استخدام‬ ‫التحليل والتحقيق والتفسري بشكل مدروس‬ ‫وموضوعي‪ ،‬وأن تكون حتليالته وتفسرياته‬ ‫مبنية ع��ل��ى واق���ع االح��ت��ي��اج��ات الفعلية‬ ‫واملتطلبات احلقيقية الهتمامات اجلماهري‬ ‫واملتلقني مبختلف فئاتهم وأنواعهم وطبقاتهم‬ ‫ً‬ ‫مرنا‬ ‫واهتماماتهم‪ ،‬ك��ون اإلع�لام املتخصص‬ ‫ومتجدداً‪.‬‬ ‫‪.7‬وينبغي أن يعلم اإلعالمي املتخصص أن‬ ‫مادته اإلعالمية موجهة إىل مجاهري نوعية‬ ‫متخصصة‪ ،‬ولذلك فإن ما حتتويه من دراسات‬ ‫‪287‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪288‬‬

‫ً‬ ‫مرجعا يستفاد منه ويتم‬ ‫وحتليالت تعد‬ ‫ال��رج��وع إليه من ط��رف اجلمهور‪ .‬هل��ذا جيب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومسؤوال يف حتليالته‬ ‫وصادقا‬ ‫أمينا‬ ‫أن يكون‬ ‫ومعاجلاته جلميع القضايا‪.‬‬ ‫‪.8‬أن يكون قادراً على إغناء املتلقي باملعرفة‬ ‫مب��وض��وع��ات حم���ددة ت��ه��م ف��ئ��ة معينة من‬ ‫اجلمهور‪ .‬وجيب أن يسعى إىل التميز يف التوعية‬ ‫والرتبية والتثقيف‪ ،‬وإتاحة الفرصة للجمهور‬ ‫لإلحاطة جبميع األحباث والدراسات والتعرف‬ ‫على اجل��دي��د م��ن خ�لال م��ادت��ه اإلعالمية‬ ‫املتخصصة‪.‬‬ ‫‪.9‬كما جيب عليه أن يكون ق��ادراً على خلق‬ ‫تواصل بني العلماء واملتخصصني والباحثني‬ ‫من جهة‪ ،‬وبني املتلقني من جهة أخ��رى كأن‬ ‫يستضيف ً‬ ‫ً‬ ‫مثال ً‬ ‫متخصصا‬ ‫عاملا من العلماء أو‬ ‫ً‬ ‫باحثا يف ميدان من امليادين العلمية ويضعه‬ ‫أو‬ ‫ً‬ ‫وجها لوجه مع اجلماهري لبحث وحتليل مادته‬ ‫اإلعالمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪.10‬كما جيب أن يكون مطلعا على الفنون‬ ‫احلديثة والتكنولوجيا املتطورة يف ميدان‬ ‫اإلع�ل�ام ك��أن يطلع على أح��دث م��ا توصلت‬ ‫إليه تقنيات اإلخراج التلفزيوني أو الصحفي‬ ‫واألساليب احلديثة يف إخراج الصورة للمتلقي‬ ‫بشكل ترغييب‪.‬‬ ‫‪.11‬أن يسعى ً‬ ‫دائما إىل حتقيق التنمية الشاملة‬ ‫والتأثري اإلجيابي باالرتقاء باملستوى العلمي‬ ‫والثقايف للمتلقي‪ ،‬اذ تعترب تلك املهمة الرئيسية‬ ‫لالعالمي املتخصص‪.‬‬ ‫أربعة عشر‪ :‬جماالت اإلعالم املتخصص‬ ‫تتعدد جماالت اإلع�لام املتخصص وتتأثر من‬ ‫ناحية تعددها بطبيعة اجملتمع اليت تصدر أو‬

‫تقدم منه وله‪ ،‬من ناحية درجة تقدمه العلمي‬ ‫والثقايف‪ ،‬ومستوى ختصصة وطبيعة املستويني‬ ‫ال��ث��ق��ايف واالق��ت��ص��ادي ل��ل��ق��راء واملستمعني‬ ‫واملشاهدين‪ ،‬واالمكانات التقنية والبشرية‬ ‫واملادية املتاحة‪ .‬ان جماالت التخصص املتاحة‬ ‫لإلعالمي‪ ،‬عديدة ومتنوعة‪ ،‬ومن اهم جماالت‬ ‫اإلعالم املتخصص هي‪:‬‬ ‫‪.1‬إعالم متخصص متعلق بالسن (أطفال‪،‬‬ ‫شباب‪ ،‬كبار سن)‪ :‬فاإلعالمي جيب أن يتخصص‬ ‫يف فئة من الفئات العمرية‪ ،‬كأن يوجه مادته‬ ‫إىل األطفال أو الشباب أو الكهول أو للمراهقني‪.‬‬ ‫‪.2‬إعالم متخصص متعلق بالدين‪ :‬فاإلعالمي‬ ‫ملزم بإختيار م��ادت��ه اإلعالمية مبعنى أن‬ ‫يتجه إىل مادة إعالمية دينية متعلقة بالدين‬ ‫والعقيدة وتكون ذات قيمة وتنتشر يف خمتلف‬ ‫اجملتمعات وال��دول كونها تتوجه باهتماماتها‬ ‫لرتسيخ مبادئ الدين والقيم واملبادئ األخالقية‬ ‫فتقوم ب��دور التوجيه والتثقيف واإلرش��اد‬ ‫والتعليم واحلث على إتباع الدين القويم وانتهاج‬ ‫املسلك السليم بشكل يتالءم مع مصاحل اجملتمع‪.‬‬ ‫‪.3‬إعالم متخصص يتعلق بالشؤون الرياضية‪:‬‬ ‫وه��ذا اجمل��ال يفيد يف تلبية رغبات املهتمني‬ ‫مبجاالت الرياضة‪ ،‬وينبغي عليه هنا أن يفهم‬ ‫التخصصات الفرعية يف عمله كأن يتخصص‬ ‫يف جمال حمدد من الرياضة وال جيعل تفكريه‬ ‫ً‬ ‫مشتتا يف أكثر من نوع رياضي‪ .‬فاإلطالع على‬ ‫مجيع أنواع الرياضات مطلوب‪ ،‬ولكن االهتمام‬ ‫بالتخصص مطلب أكرب ألن اإلعالمي ال يستطيع‬ ‫التفوق والنجاح يف كل األنواع الرياضية‪.‬‬ ‫‪.4‬إعالم متخصص يتعلق مبهن خمتلفة‬ ‫(معلمني‪ ،‬عمال‪ ،‬فالحني‪ ،‬أطباء)‪ :‬قد يتجه‬


‫اإلع�لام��ي املتخصص مب��ادت��ه اإلع�لام��ي��ة إىل‬ ‫أصحاب املهن والوظائف وتكون ذات قيمة ً‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما تقوم بها النقابات املهنية اليت ترغب‬ ‫يف الدفاع عن حقوق العاملني‪ ،‬واليت ترغب يف‬ ‫نشر كل املستجدات يف هذا اجملال‪ ،‬وهنا ينبغي‬ ‫على اإلعالمي أال ينحرف وراء املصاحل الشخصية‬ ‫ً‬ ‫ناقال للواقع من‬ ‫لبعض النقابات وأن يكون‬ ‫خالل معايشته للقضايا واملشاكل اليت يعانيها‬ ‫العاملون واملوظفون ونقل الصورة احلقيقية ملا‬ ‫جيري على أرض الواقع‪.‬‬ ‫‪.5‬إعالم متخصص يتعلق بالعلوم (زراع��ة‪،‬‬ ‫طب‪ ،‬اقتصاد‪ ،‬كيمياء)‪ :‬وقد يتوجه اإلعالمي‬ ‫املتخصص مبادته اإلعالمية إىل اجملال العلمي‪،‬‬ ‫فبالنظر إىل احلركة العلمية اليت يعرفها العامل‬ ‫اليوم والنهضة التكنولوجية يف مجيع اجملاالت‪،‬‬ ‫فإن هذا اجملال يكون ً‬ ‫هاما بالنسبة لإلعالمي‬ ‫املتخصص‪ ،‬فاجلمع بني اإلعالم والعلوم األخرى‬ ‫هام جداً ولذلك أصبحنا جند أن بعض األطباء‬ ‫ً‬ ‫شرطا أن‬ ‫واملهندسني يعملون كإعالميني‪ ،‬وليس‬ ‫يتخرج اإلعالمي من كلية اإلعالم‪ ،‬بل ميكن أن‬ ‫يتخرج من أي كلية يف أي جمال من جمال العلوم‬ ‫وينجح يف اخ�تراق امليدان اإلعالمي بنجاح‪،‬‬ ‫وأصبحنا ن��رى أن هناك إعالميني علميني‬ ‫يشغلون مناصب كبرية يف املؤسسات اإلعالمية‪،‬‬ ‫وينبغي على اإلعالمي ً‬ ‫أيضا أن يواكب التطورات‬ ‫يف امليدان العلمي ويطلع على جديد االكتشافات‬ ‫العلمية والتكنولوجيا احلديثة يف جمال العلوم‬ ‫والفضاء والطب واهلندسة‪ ،‬وأن يكون واسع‬ ‫الثقافة وجييد التحليل العلمي‪ ،‬ويوظف ذلك يف‬ ‫إطار إعالمي جاد وهادف‪.‬‬ ‫‪.6‬إعالم متخصص يتعلق ب��اإلب��داع األدب��ي‬

‫والفين (شعر‪ ،‬مسرح‪ ،‬قصة‪ ،‬نقد)‪ :‬ولعل هذا‬ ‫اجمل��ال هو أق��دم ما عرفه اإلع�لام املتخصص‪،‬‬ ‫نشاطا ً‬ ‫ً‬ ‫أدبيا ولكن بعدما‬ ‫وقد كان يف البداية‬ ‫تطورت فنون األدب وتشعبت فروعه‪ ،‬وأصبح‬ ‫فيه الشعر واملسرح واملوسيقى والفن التشكيلي‬ ‫والرسم والتمثيل أصبحت املؤسسات اإلعالمية‬ ‫تهتم به‪ ،‬بل واهتمت به وزارات ومؤسسات‬ ‫اإلع�لام يف العديد من ال��دول وذل��ك لقدرته‬ ‫الكبرية يف التأثري على الرأي العام‪.‬‬ ‫‪.7‬إعالم متخصص ب��اإلع�لان��ات (جت��اري��ة‪،‬‬ ‫خ��دم��ي��ة)‪ :‬وق��د يتجه اإلع�لام��ي املتخصص‬ ‫مبادته اإلعالمية إىل اإلعالنات‪ ،‬وهنا جيب أن‬ ‫يلم بالسلع واخلدمات وأخبار السوق وأن يكون‬ ‫على اطالع بفنون اإلخراج سوا ًء التلفزيوني إذا‬ ‫كان يعمل يف التلفزيون أو باإلخراج الصحفي إذا‬ ‫كان يعمل يف الصحافة املكتوبة‪ ،‬ويتطلب العمل‬ ‫يف هذا اجملال من اإلعالمي أن يكون ً‬ ‫ملما بفنون‬ ‫الدعاية واإلع�لان وأنشطة الرتويج وأن يكون‬ ‫ً‬ ‫متابعا لألحداث اإلعالنية وإعالنات املنافسني‪.‬‬ ‫‪.8‬إعالم متخصص يتعلق بالسياسة‪ :‬وقد‬ ‫يتوجه اإلعالمي املتخصص مبادته اإلعالمية‬ ‫إىل وجهة سياسية‪ ،‬وع��ادة ما يكون اإلعالمي‬ ‫املتخصص ينشط ضمن حزب سياسي‪ ،‬ويعمل‬ ‫على خدمة احلزب والدفاع عن مبادئه‪ ،‬أو يعمل‬ ‫ضمن جهة رمسية حكومية‪ ،‬أو مركز لألحباث‬ ‫والدراسات اإلعالمية‪ .‬فمع تطور اجملتمعات‬ ‫ومنوها وما تشهده من نهضة متعددة أصبح‬ ‫دور اإلع�لام املتخصص يف الشأن السياسي ذا‬ ‫ض��رورة قصوى وكبرية‪ ،‬فاجملتمع ينتقل من‬ ‫رحلة بناء املؤسسات التشريعية واملدنية‪ ،‬وهو‬ ‫ما حيتم ض��رورة وج��ود إع�لام متخصص يف‬ ‫‪289‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪290‬‬

‫الشأن التشريعي والسياسي‪ ،‬والبعض أصبح‬ ‫يسميه اإلعالم الربملاني باعتباره ركيزة مهمة‬ ‫يف مسرية البناء السياسي والدميقراطي‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫مستقال لكن فكره‬ ‫يكون اإلعالمي املتخصص‬ ‫السياسي ينتمي إىل أحد التيارات اليت يؤمن‬ ‫بها‪ .‬وهنا البد لإلعالمي أن حيذر من الوقوع يف‬ ‫الصراعات السياسية اليت قد تضر به‪ .‬فهناك‬ ‫صراع أزلي بني اإلعالم والسياسة‪ ،‬فالعديد من‬ ‫اإلعالميني والصحفيني يف تاريخ اإلعالم قتلوا‬ ‫بسبب اجتاههم السياسي أو بسبب معارضتهم‬ ‫لنظام احلكم يف بلدانهم‪ ،‬ولذلك ينبغي على‬ ‫اإلعالمي أن يكون حذراً يف التعامل مع القضايا‬ ‫ً‬ ‫حريصا على نفسه وعلى‬ ‫السياسية‪ ،‬وأن يكون‬ ‫جمتمعه من الدخول يف صراعات فتاكه‪.‬‬ ‫‪.9‬إعالم متخصص يتعلق بالتجارة واالقتصاد‪:‬‬ ‫وق���د ي��ت��ج��ه اإلع�ل�ام���ي امل��ت��خ��ص��ص مب��ادت��ه‬ ‫اإلعالمية إىل اجمل��ال التجاري واالقتصادي‪،‬‬ ‫فيهتم بتغطية األح���داث املتصلة بشؤون‬ ‫االقتصاد والتجارة وحي��اول معاجلة القضايا‬ ‫ً‬ ‫واقعيا‬ ‫االقتصادية‪ ،‬وهنا جيب عليه أن يكون‬ ‫يف معاجلته للتفاصيل االقتصادية‪ ،‬وأن يتناول‬ ‫ش��ؤون امل��ال واألع��م��ال والتجارة واالستثمار‬ ‫حبرص شديد وأن حييط باملادة اإلعالمية من‬ ‫مجيع اجلوانب‪.‬‬ ‫‪.10‬إعالم متخصص بقضايا اجلرائم واحلوادث‬ ‫واآلف����ات‪ :‬ويهتم مبعاجلة قضايا احل���وادث‬ ‫واجلرائم والقضايا واحملاكمات وغريها‪ ،‬وهذا‬ ‫النوع يتميز باإلثارة والرتكيز على اجلوانب‬ ‫العاطفية واإلن��س��ان��ي��ة وال��ت��ه��وي��ل يف بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬وهنا ينبغي على اإلعالمي أال يبالغ‬ ‫يف اإلث��ارة والتهويل‪ ،‬بل جيب أن يعطي مادته‬

‫اإلعالمية حقها كما هي دون زيادة أو نقصان‪.‬‬ ‫كما جيب عليه حتري الدقة والصدق وعدم‬ ‫اتهام األش��خ��اص باجلرم دون حماكمة ودون‬ ‫صدور أحكام قطعية وأن يتبع الضوابط املهنية‬ ‫ً‬ ‫حفاظا على اآلداب‬ ‫اإلعالمية وأخالقيات املهنة‬ ‫ً‬ ‫واحرتاما حلقوق الغري‪.‬‬ ‫العامة‬ ‫‪.11‬اإلعالم املتخصص بقضايا النساء (اإلعالم‬ ‫ال��ن��س��ائ��ي)‪ :‬وال����ذي زاد ب����روزاً ب��ع��د ظهور‬ ‫التكنولوجيا احلديثة وتطور اإلخراج وظهور‬ ‫عدد كبري من القنوات الفضائية املتخصصة‬ ‫يف شؤون املرأة‪ ،‬وكذلك االهتمام الكبري بشؤون‬ ‫اجلمال واملكياج يف اجملالت النسائية‪ ،‬وتنطبق‬ ‫على اإلعالم النسائي مقومات وأساليب اإلعالم‬ ‫املتخصص فهو موجه لفئة معينة من اجلمهور‬ ‫أي أن مجهوره متخصص‪ ،‬وهذا يتطلب أن يكون‬ ‫ً‬ ‫متخصصا يف هذا‬ ‫اإلعالمي واجلهاز التحريري‬ ‫اجملال سوا ًء من حيث األسس الفنية لإلخراج‬ ‫أو التحرير أو م��ن ناحية ج��ودة الطباعة‪،‬‬ ‫واليوم يوجد كم هائل من القنوات الفضائية‬ ‫واجملالت اليت تهتم بشؤون األزياء واملوضة وهذا‬ ‫ً‬ ‫دليل على أن اإلعالمي جيد مجهوراً‬ ‫متخصصا‬ ‫ً‬ ‫واسعا ميكنه من إبراز إبداعاته وابتكاراته يف‬ ‫هذا اجمل��ال‪ .‬وينبغي لإلعالمي املتخصص أن‬ ‫يكون ً‬ ‫ملما مبشاكل الصحة واجلمال وأخبار‬ ‫امل���رأة وع��امل ح��واء وي��ك��ون مبثابة املستشار‬ ‫للمتلقني قادراً على الرد على أسئلة اجلمهور‪.‬‬ ‫فاإلعالم النسائي تطور بسبب تزايد دور املرأة‬ ‫ومسؤولياتها يف اجملتمع وخاصة بعد انتشار‬ ‫احلركات النسائية اليت دعت إىل االرتقاء باملرأة‬ ‫والدفاع عن حقوقها وضرورة محايتها لدورها‬ ‫الفعال يف اجملتمع كأم وزوجة وربة بيت وعاملة‬


‫تؤدي رسالتها يف اجملتمع‪ ،‬وعلى اإلعالمي ً‬ ‫أيضا‬ ‫أن يكون قادراً على تلبية احتياجات مجهوره‬ ‫بصورة موضوعية وواقعية وأن يتناول القضايا‬ ‫وامل��واض��ي��ع ال�تي ت��ع��ود على امل���رأة واجملتمع‬ ‫بالنفع كموضوعات القيم واملبادئ واألخالق‬ ‫والرتبية وموضوعات تنظيم األسرة‪ .‬وينبغي‬ ‫على اإلعالمي أن يكتسب خربة يف هذا اجملال‬ ‫وأن خياطب مجيع الفئات من مجهوره سوا ًء‬ ‫املثقفني أو األش��خ��اص العاديني ع��ن طريق‬ ‫استخدام األساليب الواضحة والعرض املباشر‬ ‫لألخبار واملعلومات‪ .‬وأن يركز اهتمامه على‬ ‫الشؤون اخلاصة باملرأة وأن ال يغفل التخصصات‬ ‫الدقيقة مثل شؤون الزواج واألسرة واملشاكل‬ ‫والقضايا األس��ري��ة مثل ال��ط�لاق والعنوسة‬ ‫ومشكالت األبناء واالحنراف‪.‬‬ ‫‪.12‬إعالم متخصص يتعلق باألمن والقانون‪:‬‬ ‫وجيب أن يتميز باحلس والكفاءة العالية وأن‬ ‫جيمع بني الثقافة واحلس اإلعالمي واإلدراك‬ ‫ال��ت��ام واإلمل����ام باملعلومات األم��ن��ي��ة واألم���ور‬ ‫القانونية‪ ،‬واحل��ذر مطلوب هنا ألن اإلعالمي‬ ‫يف هذا التخصص معرض للخطر وبالتالي فهو‬ ‫ً‬ ‫جتنبا للتعرض‬ ‫حباجة إىل ضمانات ضرورية‬ ‫للمساءلة القانونية‪ ،‬فهو مطالب بتحري الدقة‬ ‫واملوضوعية واألمانة يف مجع وعرض املعلومات‬ ‫واليقظة وسرعة البديهة واملوضوعية واألمانة‬ ‫املهنية يف مجع املعلومات وعرضها‪ ،‬وأن يكون‬ ‫ق��ادراً على التحرك السريع وتقصي احلقائق‬ ‫يف مسرح اجلرمية‪ .‬وأن يكون ً‬ ‫ملما مبصادر‬ ‫معلوماته‪ ،‬كأقسام الشرطة وسجالت الوفيات‬ ‫وسجالت املستشفيات‪ ،‬والنيابة العامة وجهات‬ ‫التحقيق‪ ،‬وسجالت احملاكم‪ ،‬وأن جييد احلوار مع‬

‫اخلرباء الفنيني واألطباء الشرعيني‪ ،‬وأن حياول‬ ‫مجع أقوال الشهود يف مسرح احلادث أو اجلرمية‬ ‫ويتقرب من أس��رة اجلاني واجمل�ني عليه لكي‬ ‫يكون يف صلب احلدث‪.‬‬ ‫‪.13‬وهناك العديد من اجملاالت واالختصاصات‬ ‫االخرى كاإلعالم املتخصص بالشؤون البيئية‪،‬‬ ‫واإلع��ل�ام املتخصص ب��ال��ش��ؤون السياحية‬ ‫واإلعالم املتخصص بالشؤون النفطية (اإلعالم‬ ‫البرتولي) واإلعالم املتخصص بالشؤون االدارية‬ ‫وما أكثر اجمل��االت اليت يتخصص بها اإلعالم‬ ‫وهي كثرية الجمال لعدها‪.‬‬ ‫مخسة عشر‪ :‬واقع االعالم املتخصص يف اقليم‬ ‫كوردستان العراق والتحديات اليت تواجه‬ ‫يعترب اقليم كوردستان العراق من األقاليم‬ ‫الناشئة واليت تنتمي اىل العامل النامي‪ ،‬وحتاول‬ ‫جاهدة ق��در االم��ك��ان رف��ع معدالت التنمية‬ ‫لديها‪ ،‬وسد الفجوة الثقافية واملعرفية واللحاق‬ ‫بالعامل املتقدم‪ .‬ان الواقع اإلعالمي املتخصص‬ ‫يف كوردستان يعاني من ت��ردي ملحوظ‪ ،‬فهو‬ ‫مازال حمدوداً وقاصراً عن اللحاق بركب التقدم‬ ‫العلمي والتكنولوجي املتسارع واملتجدد يف دول‬ ‫العامل املتقدم‪ ،‬فما زال املفهوم التقليدي للثقافة‬ ‫حمصورا لدينا يف التاريخ وال�تراث وتسبقهما‬ ‫بالطبع السياسة‪ ...‬بينما جند أن الدول املتقدمة‬ ‫املنتجة للعلم‪ ،‬تعيش ازدهاراً مستمراً يف نوعية‬ ‫وعدد املطبوعات والربامج العلمية اليت تهدف‬ ‫لتنمية الوعي العلمي لدى أف��راد اجملتمع‪ ،‬إذ‬ ‫ً‬ ‫دائما‬ ‫جند أن العناية بالربامج العلمية تشغل‬ ‫حيزاً كبرياً يف تفكري أفراد اجملتمع ومؤسساته‬ ‫إلدراكهم دوره املهم واحملوري وأهمية اإلجنازات‬ ‫‪291‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪292‬‬

‫العلمية والتكنولوجية يف حل مشكالت الفرد‬ ‫واجملتمع على حد سواء‪ ،‬وتسعى الدول املتقدمة‬ ‫دائما إلعداد اإلعالمي املتخصص املتميز الذي‬ ‫أصبح عملة نادرة اآلن يف االقليم‪ ،‬واإلعالمي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متمكنا من‬ ‫باحثا‬ ‫املتخصص هو إما أن يكون‬ ‫علمه وق��ادراً على اإلب��داع أو اعالميا كفو ًء‪،‬‬ ‫حيمل اخللفية املناسبة اليت متكنه من تقديم‬ ‫وتبسيط احلقائق العلمية لألفراد وخباصة‬ ‫غري املتخصصني‪ ،‬ويف نفس الوقت يستطيع‬ ‫ال��رب��ط ب�ين العلوم والتكنولوجيا ومجيع‬ ‫جماالت وقضايا احلياة اآلخرى يف اجملتمع من‬ ‫اجتماعية وسياسية واقتصادية وأخالقية‬ ‫وغريها‪ ،‬وخباصة العلوم احلديثة‪ .‬شهد اقليم‬ ‫كوردستان ال��ع��راق زي��ادة الب��أس بها يف عدد‬ ‫املؤسسات االعالمية اليت تصدر العديد من‬ ‫الصحف واجملالت وهناك العديد من االذاعات‬ ‫وال��ق��ن��وات التلفزيونية‪ ،‬لكنها بعيدة عن‬ ‫التخصص رغ��م حم��اوالت��ه��ا ختصيص بعض‬ ‫جهودها للتخصص كتخصيص صفحات او‬ ‫بعض الربامج او ما اىل ذلك‪ ،‬ويعترب السبب او‬ ‫دواف��ع ختصيص بعض جهودها للتخصص اىل‬ ‫رغبتها واصرارها الشمولي على النفاذ اىل كافة‬ ‫اجمل��االت وه��ذا ما دفعها كمؤسسات اعالمية‬ ‫شاملة وعامة اىل ختصيص جزء من قدراتها يف‬ ‫بعض اجملاالت ورمبا يعود ذلك اىل طبيعة نشأتها‬ ‫وتعقيدات الواقع الذي تعيشه‪ ،‬اذ يعترب االعالم‬ ‫يف كوردستان جتلي سياسي بشكل عام اذ متتلك‬ ‫القوى السياسية يف كوردستان أجهزة اعالمية‬ ‫ع��دي��دة‪ ،‬تستوعب أغلب االع�لام��ي�ين وكما‬ ‫انشأت تلك القوى مؤسسات اعالمية كي حتقق‬ ‫عن طريقها أهدافا عديدة وبهذا تكون دوامة‬

‫الصراع السياسي ترتكز بواسطة االعالم شيئا‬ ‫فشيئا‪ .‬ومن هنا تفرتض أساس النشأة اشكالية‬ ‫كبرية ال ميكن جتاهلها خاصة وان الكوادر‬ ‫االعالمية القادرة على ادارة الصراع والتنافس‬ ‫السياسي بني االطراف السياسية تركز قدراتها‬ ‫يف مترسها للغة اهلجاء واالقصاء واملدح والرثاء‬ ‫بوصفها املهارات الكفيلة الكافية هلذه املهمة‪.‬‬ ‫كما ان االعالم احلكومي يف كوردستان معدوم‬ ‫وألسباب متعقلة بضعف اهليكلية املؤسساتية‬ ‫ال��رمس��ي��ة يف ك��وردس��ت��ان ل���ذا مل تستطيع‬ ‫املؤسسات احلكومية انتاج إع�لام متخصص‬ ‫وفق اختصاصاتها املختلفة‪ ،‬كما اصبح الضعف‬ ‫اجلامعي إشكالية كبرية أم��ام ظهور اإلع�لام‬ ‫املتخصص يف كوردستان‪ .‬بصورة ع��ام ميكن‬ ‫التمييز بني عائقني يقفان امام اجياد االعالم‬ ‫املتخصص يف اقليم كوردستان‪:‬‬ ‫األول‪ :‬إفتقاد التقدم والتطور العلمي خاصة يف‬ ‫جمال الكوادر العلمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬التدخل السياسي بشكل مباشر يف مناحي‬ ‫احلياة ال سيما اإلعالم واقحامه يف الفصائلية‬ ‫والتحريض اإلعالمي‪ ،‬واصبح اإلعالم السالح‬ ‫األساسي يف الصراعات احلزبية والشللية وحتى‬ ‫املناطقية‪.‬‬ ‫ان أحد أهم األسباب اليت تقف عائقا امام إنتشار‬ ‫االعالم املتخصص يف كوردستان هو عدم تفعيل‬ ‫اإلعالم ليشمل كل التخصصات‪ ،‬فاملتلقي يرغب‬ ‫ً‬ ‫دائما يف معرفة ما يقرتب من ختصصه وعمله‬ ‫ليستفيد ويستمتع ويتعرف اكثر على تفاصيل‬ ‫متكنه اكثر من اختصاصه‪ .‬وبصورة عامة‬ ‫ميكن حصر أهم التحديات اليت تشكل عائقا‬ ‫ام��ام تطور ومنو اإلع�لام املتخصص يف إقليم‬


‫كوردستان العراق بـ‪:‬‬ ‫‪.1‬تفشي األمية‪.‬‬ ‫‪ .2‬قصور جهود البحث العلمي‪.‬‬ ‫‪.3‬التبعية التقنية‬ ‫‪.4‬تغريب اللغة الكوردية وقصورها يف اجملاالت‬ ‫العلمية ‪.‬‬ ‫‪ .5‬ضعف الرتمجة العلمية‪.‬‬ ‫‪.6‬شح مصادر املعلومات العملية‪.‬‬ ‫‪.7‬القصور اجلديد يف البحوث اإلعالمية‬ ‫‪.8‬قلة الكوادر اإلعالمية املهيأة علميا‬ ‫‪.9‬اقصاء األكادمييني والباحثني والعلماء‬ ‫عن مزاولة دوره��م الثقايف والتوعوي املوجه‬ ‫للجمهور‬ ‫‪ .10‬ندرة االعالميني املتخصصني والقادرين‬ ‫على ابتكار حمتوى اعالمي متخصص مشوق‬ ‫ومتجدد‬ ‫‪.11‬ندرة يف الناشرين املتخصصني واملتفرغني‬ ‫يف هذا القطاع من االعالم‪.‬‬ ‫ست عشر‪ :‬اسرتاتيجية تعزيز اإلعالم املتخصص‬ ‫يف إقليم كوردستان العراق‬ ‫كما تبني وكما يقر ذلك مجيع املتخصصني‬ ‫يف اجملال االعالمي أن لإلعالم املتخصص دوراً‬ ‫ً‬ ‫هاما ومتميزاً يف نشر الثقافة العلمية وتبسيط‬ ‫العلوم‪ ،‬وخلق جيل حمب للعلوم‪ ،‬وق��ادر على‬ ‫اإلبداع العلمي واإلبتكار التقين يف مجيع جماالت‬ ‫احلياة اإلنسانية‪ ،‬واجي��اد الرتابط بني العلوم‬ ‫املختلفة وادراك اجلوانب التطبيقية للعلوم‬ ‫وفهم اجلوانب النظرية‪ .‬وقد حققت الدول‬ ‫املتقدمة تقدمها ونهضتها الزراعية والصناعية‬ ‫والتكنولوجية والفلكية نتيجة اهتمامها‬ ‫بالعلوم ونشرها على أوس���ع ن��ط��اق‪ ،‬وبكل‬

‫الوسائل اإلعالمية والرتبوية واالجتماعية‬ ‫عرب إدخال مفهوم العلم بوصفه ثقافة‪ ،‬واليت‬ ‫ستنعكس تلك الثقافة العلمية باملستقبل خبلق‬ ‫جيل شغوف بالعلوم واالب��ت��ك��ارات‪ ،‬اذ يتفق‬ ‫العلماء على أن الفهم السطحي لالمور يعترب آفة‬ ‫مزمنة تقود بأشباه املتعلمني اىل جر اجملتمع اىل‬ ‫اهلاوية ‪ ،‬لذا جاء إبتكار خمتلف الوسائل الجياد‬ ‫ثقافة علمية راسخة ودقيقة ومتواكبة مع‬ ‫اخر التطورات والتغريات اليت جيب ان تتبع‬ ‫ليكون اإلعالم املتخصص االسرتاتيجية‪ ،‬يف كافة‬ ‫مراحلها ويف نتائجها النها ستكون قادرة على‬ ‫التواصل املستمر بني احلركة العلمية واجلمهور‬ ‫غري املتخصص‪ ،‬لكي يصبح احلديث يف الشأن‬ ‫العلمي يشمل مفردات املعيشة اليومية لعامة‬ ‫الشعب‪ .‬يقع على الوسائل اإلعالمية املسؤولية‬ ‫العلمية يف ردم الفجوة العلمية واملعرفية السيما‬ ‫ما خيص قضايا التنوير العلمي ونشر الثقافة‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫بهذا تتضح دواعي وجود إعالم علمي متخصص‬ ‫ً‬ ‫خاصة النها تسعى‬ ‫وفعال يف كوردستان العراق‬ ‫اىل حتقيق تنميتها وألول مرة يف تارخيها املعاصر‬ ‫بعد قرن كامل من الصراع واحلروب املستمرة‬ ‫ً‬ ‫خصوصا أننا‬ ‫اليت خاضتها من أجل حريتها‪،‬‬ ‫اليوم نرى ونلمس عرب وسائل اإلعالم وجوداً‬ ‫متزايداً لإلعالم املتخصص يف اجملال الرياضي‬ ‫واالقتصادي والثقايف واالجتماعي والرتبوي‬ ‫نوعا ما حتاول ان جتد مساحات مستقرة هلا‬ ‫لكنها تعاني من ضعفها وعدم قدرتها واثبات‬ ‫نفسها ونيل ثقة اجلمهور بشكل يليب شروط‬ ‫استقرارها‪ ،‬إال أن اإلعالم العلمي رغم نشوئه‬ ‫اال انه اليزال غري مرئيا للجمهور بسبب عدم‬ ‫‪293‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪294‬‬

‫قدرة اجلمهور يف ادراك واالطالع على ظهوره‪،‬‬ ‫وبقي مجهوره نوع ما خفيا‪ ،‬وكما ميكن القول‬ ‫ايضا بانه ال زال ضعيفا يعتمد على الرتمجة‬ ‫والتسطيح وغالبا ما يعتمد اإلع�لام العلمي‬ ‫يف كوردستان على لغات اخ��رى غري علمية‬ ‫او ان اجلمهور املتابع هلكذا ان��واع من اإلعالم‬ ‫يفضل متابعتها بلغات اخ��رى ومن مناشىء‬ ‫غري كوردستانية ولتحليل ذلك السلوك رمبا‬ ‫حنتاج اىل دراسات مفصلة‪ ،‬كما ميكن القول ان‬ ‫اجلهات الراعية هلكذا نوع من االعالم ضعيفة‬ ‫والمتتلك االمكانية الكافية لتطويرها وتنمية‬ ‫وتوسيع قدراتها‪ ،‬وهذا قد يعود لعدم إهتمام‬ ‫املؤسسات العلمية جبوانب التثقيف واإلخبار‬ ‫العلمي‪ ،‬وأنهم اختاروا أن تنقل وسائل اإلعالم‬ ‫والصحافة موضوع الثقافة واملعرفة العلمية‬ ‫بالطريقة اليت يرونها مناسبة‪ ،‬بغض النظر عن‬ ‫شكل ومضمون األخبار العلمية املنقولة كون‬ ‫األمر خيص اإلعالم وال خيصهم‪ .‬من اجل تعزيز‬ ‫االعالم املتخصص يف االقليم والنهوض به البد‬ ‫من اتباع اسرتاتيجية حمكمة لذلك وتتمثل يف‬ ‫جمموعة من التوصيات واملقرتحات املهمة‪:‬‬ ‫‪.1‬ضرورة وج���ود ش��رحي��ة م��ن الباحثني‬ ‫واألك��ادمي��ي�ين مم��ن يهتمون ب��ه��ذا ال��ط��رح‬ ‫اإلعالمي وجي��دون يف أنفسهم الكفاءة للقيام‬ ‫ب���دوره���م اإلع�ل�ام���ي امل��ت��خ��ص��ص ل�لات��ص��ال‬ ‫باجلمهور‪ ،‬وهذا ليس جبديد فهناك مؤسسات‬ ‫عاملية تعنى بالتأسيس والتأهيل لإلعالميني‬ ‫العلميني‪.‬‬ ‫‪.2‬من الضروري أن تتبنى مؤسسات اإلعالم‬ ‫والثقافة إقامة ورش عمل متخصصة لبحث‬ ‫م��وض��وع اإلع�ل�ام العلمي والثقافة العلمية‬

‫ل��ل��ت��وص��ل ل��وص��ف��ة إع�لام��ي��ة علمية ميكن‬ ‫تطبيقها‪ ،‬كما أن على وزارة التعليم العالي‬ ‫أن ت��درس أسباب اإلخفاق يف اجلامعات‪ ،‬وهي‬ ‫اجلهة اليت متلك الكوادر العلمية املتخصصة‪ ،‬يف‬ ‫توصيل الرسالة العلمية للمجتمع حيث إن أحد‬ ‫أهم األركان األساسية للجامعات خدمة اجملتمع‬ ‫وتنويره لتوفري الفرصة وإتاحة اجمل��ال أمام‬ ‫العاملني يف مؤسسات اإلعالم املختلفة لدراسة‬ ‫اإلعالم يف ختصصات وجماالت متعددة‪.‬‬ ‫‪.3‬ربط اجلامعة باملؤسسات اإلعالمية املهنية‪،‬‬ ‫حيث أن اجلامعة متثل مؤسسة مرتبطة‬ ‫ً‬ ‫وثيقا باجملتمع حيث تليب احتياجاته‬ ‫ارتباطا‬ ‫املختلفة وتزوده بكوادر من اخلرجيني القادرين‬ ‫على حتمل مسؤولية اجملتمع كال يف مؤسساته‪.‬‬ ‫‪.4‬ربط العاملني باإلعالم األك��ادمي��ي داخل‬ ‫اجلامعة من خالل قسم اإلع�لام‪ ،‬السيما وإن‬ ‫ع���دداً م��ن ه��ؤالء مل تتح هل��م فرصة دراس��ة‬ ‫ً‬ ‫أكادمييا‪.‬‬ ‫اإلعالم‬ ‫‪.5‬ضرورة إعطاء مزيد من اإلهتمام والدعم‬ ‫للصحفيني وتشجيعهم على التخصص ملا يلعبه‬ ‫اإلعالم من دور يف تنمية اجملتمعات‪.‬‬ ‫‪.6‬يلعب البحث واالط�ل�اع س��واء يف ح��دود‬ ‫االختصاص أو خ��ارج ح��دوده دوراً ً‬ ‫هاما يف‬ ‫تنمية الثقافة اإلعالمية‪ ،‬والبحث واالطالع‬ ‫والقراءة يف خمتلف اجملاالت هام جداً يف تنمية‬ ‫القدرات املعرفية والثقافية لإلعالمي‪ ،‬ألنه‬ ‫ً‬ ‫واقعيا ال ميكن أن حيقق النجاح ما مل تكن‬ ‫لديه رغبة يف تنمية معارفه اجلديدة‪ ،‬لذلك‬ ‫ينبغي أن خيصص ً‬ ‫وقتا كبرياً لالطالع على‬ ‫املعلومات اجلديدة وأن يكون دائ��م اإلتصال‬ ‫مبراكز املعلومات من كتب ودوري��ات وصحف‬


‫وجم�لات وقنوات فضائية وانرتنت ووك��االت‬ ‫األنباء‪ ،‬خاصة وأن الوسائل احلديثة كاالنرتنت‬ ‫قد زادت من سرعة تناقل املعلومات وجعلت‬ ‫األمر أسهل مما كان عليه يف املاضي‪ .‬وينبغي‬ ‫ً‬ ‫باحثا عن املعلومات بشكل‬ ‫أن يكون اإلعالمي‬ ‫ً‬ ‫ومطلعا على مجيع املستجدات يف مجيع‬ ‫يومي‬ ‫امليادين‪ ،‬ألن كل شيء جديد يتعلمه يزيد من‬ ‫رصيده املعريف وثقافته الشخصية‪.‬‬ ‫أهم املصادر اليت إعتمدت هذه الدراسة عليها‪:‬‬ ‫‪.1‬أمحد جلفار‪ :‬تعزيز اإلع�لام العربي عرب‬ ‫اإلنرتنت‪ ،‬أبو ظيب‪.2005 ،‬‬ ‫‪.2‬أديب خ��ض��ور‪ :‬اإلع�ل�ام املتخصص‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪.2003‬‬ ‫‪.3‬أمساء حسني ح��اف��ظ‪ :‬دراس���ات يف الصحافة‬ ‫املتخصصة – دراسة حتليلية ميدانية بالتطبيق‬ ‫على جريدة احلوادث‪ ،‬القاهرة‪.1998 ،‬‬ ‫‪.4‬إمساعيل إبراهيم‪ :‬الصحفي املتخصص‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.2001‬‬ ‫‪.5‬أمين عبد احلليم نصار‪ :‬األف�لام الوثائقية‬ ‫العلمية العربية (م��ؤش��ر على اإلع�ل�ام العلمي‬ ‫ً‬ ‫عربيا)‪ ،‬رسالة ماجستري يف االع�لام‬ ‫املتخصص‬ ‫املرئي‪ ،‬األكادميية العربية املفتوحة يف الدمنارك‪،‬‬ ‫‪.2012‬‬ ‫‪.6‬تيسري اب��و غ��زال��ة‪ :‬اإلع�لام العربي حتديات‬ ‫احلاضر واملستقبل‪ ،‬عمان‪.2000 ،‬‬ ‫‪.7‬جادر ع��ب��دال��وه��اب اجل����ادر‪ :‬غ��ي��اب اإلع�لام‬ ‫املتخصص عن اإلعالم العراقي‬ ‫ً‬ ‫متخصصـا‪،‬‬ ‫‪.8‬جالل ف��رح��ي‪ :‬كـن إع��ـ�لام��ي ً��ا‬ ‫‪http://www.balagh.com‬‬ ‫‪.9‬حسنني شفيق‪ :‬الصحافة املتخصصة املطبوعة‬ ‫واإللكرتونية‪ ،‬القاهرة‪.2006 ،‬‬

‫‪.10‬محود بن عبد العزيز البدر‪ :‬اإلعالم العلمي‬ ‫حنو إسرتاتيجية وطنية لنشر الثقافة العلمية‪،‬‬ ‫الرياض‪http://www.kl28.com ،2009 ،‬‬ ‫‪.11‬خضر حممد الشيباني‪ :‬الثقافة العلمية مفتاح‬ ‫التقنية‪http://www.khayma. ،2000،‬‬ ‫‪com‬‬ ‫‪.12‬راضي رشيد اجلبوري‪ :‬دور اإلعالم املتخصص‬ ‫يف تنمية ال��ق��درات املعرفية ل��دى طلبة اإلع�لام‬ ‫(قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظيب أمنوذجا)‪،‬‬ ‫كلية اإلعالم‪ /‬اجلامعة العراقية‪.2012،‬‬ ‫‪.13‬سعود صاحل كاتب‪ :‬اإلعالم القديم واإلعالم‬ ‫اجلديد‪ ،‬جدة‪.2003 ،‬‬ ‫‪.14‬مسري حممد حسني‪ :‬دراسات يف مناهج البحث‬ ‫العلمي (حبوث اإلعالم)‪ ،‬القاهرة‪.1999 ،‬‬ ‫‪.15‬السيد أمحد مصطفى‪ :‬اإلع�لام املتخصص‪،‬‬ ‫دراسة وتطبيق‪ ،‬ليبيا‪.1997 ،‬‬ ‫‪.16‬السيد خبيت‪ :‬األنرتنت وسيلة إتصال جديدة‬ ‫اجل��وان��ب اإلع�لام��ي��ة والصحفية والتعليمية‬ ‫والقانونية‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪.2004 ،‬‬ ‫‪.17‬السيد خبيت‪ :‬الصحافة واإلنرتنت‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.2000‬‬ ‫‪.18‬صاحل أبو أصبع‪ :‬االتصال واالعالم يف اجملتمعات‬ ‫املعاصرة‪ ،‬عمان‪.1995 ،‬‬ ‫‪.19‬صالح عبداللطيف‪ :‬الصحافة املتخصصة‪،‬‬ ‫القاهرة‪.1997 ،‬‬ ‫‪.20‬عبد اجل��واد سعيد ربيع‪ :‬إدارة املؤسسات‬ ‫الصحفية‪ ،‬القاهرة‪.2006 ،‬‬ ‫‪.21‬عبد احلميد بسيوني‪ :‬الوسائط املتعددة‪،‬‬ ‫القاهرة‪.2004 ،‬‬ ‫‪.22‬عبد اللطيف امل��ن��اوي‪ :‬ج��دل ب�ين اخل�براء‬ ‫حول مفهوم اإلع�لام اجلديد‪http://www.،‬‬ ‫‪themedianote.com‬‬ ‫‪295‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪296‬‬

‫‪.23‬عبد اهلل اخلطيب‪ :‬الصحافة االلكرتونية ‪.‬‬ ‫املعايري والضوابط‪ ،‬القاهرة‪.2005 ،‬‬ ‫‪.24‬عبد اجمليد ش��ك��ري‪ :‬تكنولوجيا االتصال‬ ‫اجل��دي��دة يف إنتاج برامج ال��رادي��و والتلفزيون‪،‬‬ ‫القاهرة‪.1996 ،‬‬ ‫‪.25‬عبد امللك ردمان الدناني‪ :‬الوظيفة اإلعالمية‬ ‫لشبكة اإلنرتنت‪ ،‬القاهرة‪.2003 ،‬‬ ‫‪.26‬علي جاسم السواد‪ :‬بني االع�لام املتخصص‬ ‫واالعالم املوجه‪http://www.alfayhaa. ،‬‬ ‫‪tv/articles/marsad/70835.htm‬‬ ‫‪.27‬عمر احلياني‪ :‬اإلعالم العلمي يف اليمن املعوقات‬ ‫وآفاق التطور‪http://marebpress. ،2008 ،‬‬ ‫‪net‬‬ ‫‪.28‬عمرو صربي أبو جرب‪ :‬حماضرات يف مساق‬ ‫اإلعالم املتخصص‪ ،‬فلسطني‪.2011،‬‬ ‫‪.29‬عواطف عبد ال��رمح��ن‪ :‬قضايا التبعية‬ ‫اإلعالمية الثقافية يف العامل الثالث‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫‪.1984‬‬ ‫‪.30‬فاروق أبوزيد‪ :‬اإلع�لام والسلطة – إعالم‬ ‫السلطة وسلطة اإلعالم‪ ،‬القاهرة‪.2007،‬‬ ‫‪.31‬فاروق خالد احلسنات‪ :‬اإلع�لام والتنمية‬ ‫املستدامة‪ ،‬األردن‪.2011 ،‬‬ ‫‪.32‬فهد العتيق‪ :‬االع�لام املتخصص‪http:// ،‬‬ ‫‪www.themedianote.com‬‬ ‫‪.33‬ليلي عبداجمليد وحممود علم ال��دي��ن‪ :‬فن‬ ‫التحرير الصحفي للوسائل املطبوعة واإللكرتونية‪،‬‬ ‫القاهرة‪.2008 ،‬‬ ‫‪.34‬ماجدة عبداملرضي حممد سليمان‪ :‬الصحافة‬ ‫املتخصصة – إشكاليات الواقع وآف��اق املستقبل‪،‬‬ ‫القاهرة‪.2010 ،‬‬ ‫‪.35‬جمدي حممد أب��و العطا‪ :‬املرجع األساسي‬ ‫ملستخدمي اإلنرتنت‪ ،‬القاهرة‪.2000 ،‬‬

‫‪.36‬حممد األم�ين‪ :‬توظيف الوسائط املتعددة‬ ‫يف اإلع�لام االلكرتوني العربي‪ ،‬اإلم��ارات العربية‬ ‫املتحدة‪.2005 ،‬‬ ‫‪.37‬حممد اجل��اس��م‪ :‬اإلع�ل�ام العربي يف عصر‬ ‫املعلومات‪ ،‬أبو ظيب‪.2005 ،‬‬ ‫‪.38‬حممد السيد سعيد‪ :‬اإلعالم العربي يف عصر‬ ‫املعلومات(االجتاهات والقوى اجلديدة يف فضاء‬ ‫اإلعالم العربي)‪ ،‬أبو ظيب‪.2006 ،‬‬ ‫‪.39‬حممد مجال الفار‪ :‬املعجم اإلعالمي‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪.2006‬‬ ‫‪.40‬حممد عبد احلميد‪ :‬البحث العلمي يف الدراسات‬ ‫اإلعالمية‪ ،‬القاهرة‪.2000 ،‬‬ ‫‪.41‬حممد عبد احلميد‪ :‬نظريات اإلعالم واجتاهات‬ ‫التأثري‪ ،‬القاهرة‪.2004 ،‬‬ ‫‪.42‬حممود خليل‪ :‬مستقبل الصحافة اإللكرتونية‪،‬‬ ‫القاهرة‪.2004 ،‬‬ ‫‪.43‬هادي نعمان اهلييت‪ :‬اللغة يف عملية االتصال‬ ‫اجلماهريي‪ ،‬بغداد‪.1997 ،‬‬ ‫‪.44‬ياس خضري العلي‪ :‬االع�لام املتخصص بني‬ ‫االك��ادمي��ي وامل��ه�ني‪http://www. ،2012 ،‬‬ ‫‪iraqi.dk/news‬‬ ‫‪.45‬حيي اليحياوي‪ :‬عشر حقائق عن الواقع‬ ‫اإلع�لام��ي ال��ع��امل��ي ال��س��ائ��د‪http:// ،2009 ،‬‬ ‫‪www.elyahyaoui.org‬‬


‫أشكال الربامج لإلذاعة الرقمية‬ ‫قراءة وصفية‬ ‫الباحث ‪ :‬ريرب كوران مصطفى‬ ‫دكتوراه يف اإلعالم‬ ‫القاهرة ‪ -‬مرص‬

‫يناير ‪2013‬‬

‫‪297‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪298‬‬

‫ فن الكتابة لالذاعة الرقمية ‪-‬‬‫* املقدمة‪:‬‬ ‫حيصل املواطنون يف أرج��اء العامل كله على‬ ‫املعلومات من إذاعات الراديو ‪ -‬التجاري والعام‬ ‫واألهلي منها‪ .‬ينتشر االستماع إىل الراديو يف‬ ‫األماكن ذات معدالت التعليم (القراءة والكتابة)‬ ‫العالية كما يف املناطق حيث نسبة معرفة القراءة‬ ‫والكتابة منخفضة‪ .‬ويتم االستماع للراديو عادة‬ ‫عن طريق املوجات القصرية أو املتوسطة أو ذات‬ ‫الرتدد التضميين (إف إم) أو األجهزة احملمولة‬ ‫اجلوالة وعن طريق شبكة اإلنرتنت‪ .‬والراديو‬ ‫هو أكثر وسائل االتصال ً‬ ‫شيوعا وشعبية وتأث ًريا‬ ‫يف العامل‪.‬‬ ‫والراديو وسيلة أساسية محيمة وآنية‪ .‬إذ ميكن‬ ‫للراديو من خالل حصر تركيز اهتمام اجلمهور‬ ‫على الصوت وحده أن يبعث يف املستمعني الشعور‬ ‫بوجودهم يف مسرح احلدث واإلحساس مبكان‬ ‫ح��دوث اخل�بر‪ .‬فالكلمات املسموعة بالراديو‪-‬‬ ‫بدون األدوات البصرية‪ -‬ميكنها تبيان وإعالن‬ ‫ونقل ووصف شيء بالتعبري واإلحساس وتعرب يف‬ ‫الوقت ذاته عن شخصية املتحدث‪.‬‬ ‫ال��ك��ت��اب��ة ل��ل��رادي��و خت��ت��ل��ف ع��ن الكتابة‬ ‫للمطبوعات املقروءة‪ ،‬وقد وصفت بأنها تشبه‬ ‫نظم كلمات األغاني‪ .‬فنظم األغاني وكتابة‬ ‫النصوص اإلذاعية ينطويان على وضع اللغة‬ ‫يف قالب بصري منظور للتواصل بشكل شفاهي‬ ‫(سواء بالغناء أو احلديث)‪ .‬ولذا ينبغي أن تكون‬ ‫الكتابة موجزة واجلمل بسيطة‪.‬‬ ‫تتطلب الكتابة املسموعة ب���األذن أساليب‬ ‫خمتلفة عن الكتابة ملا يشاهد بالعني‪ ،‬كما هو‬ ‫احلال يف املطبوعات أو الصور املتلفزة‪ .‬فجماهري‬

‫ال��رادي��و تتعامل مع اإلذاع���ات وتك ّون ص��و ًرا‬ ‫ذهنية هلا يف سياق استماعها‪ .‬وعلى الراديو‬ ‫ال يوجد ما يعرف بالفرصة الثانية‪ .‬فمعظم‬ ‫اإلذاعات ليس قابال لالسرتداد واالستعادة‪ .‬لذا‬ ‫جيب بث وإيصال املعلومة بوضوح وجالء وإجياز‬ ‫يف الفرصة األوىل‪ .‬ثم إن لفظ الكلمات جيب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومنسجما مع نوع‬ ‫واضحا ومناس ًبا‬ ‫أن يكون‬ ‫املعلومات اليت جيري بثها‪.‬‬ ‫* الكتابة االذاعية‪:‬‬ ‫ختتلف الوسائل اإللكرتونية اإلعالمية عن‬ ‫غريها من وسائل اإلع�لام يف عدة نواحى‪ ،‬يف‬ ‫خصائها وإمكانياتها ومجهورها فضال عن أمناط‬ ‫التعرض هلا من جمتمع آلخر وأيضا يف اجملتمع‬ ‫الواحد‪ .‬وتفرض طبيعة اإلذاعة كوسائل إعالم‬ ‫اإللكرتونية أشكاال إذاعية ختتص عما سواها من‬ ‫وسائل اإلعالم نظرا لطبيعة تلك الوسائل اليت‬ ‫تتسم بالسرعة والفورية واإلنتشار اجلماهريى‬ ‫ونظرا إلختالف األشكال اإلذاعية عن األشكال‬ ‫الصحيفة يف بعض النواحى الفنية ختتلف‬ ‫أساليب الكتابة لإلذاعة عن الكتابة للوسائل‬ ‫املقروءة‪ .‬ومبا أن لإلذاعة أشكاال إذاعية شديدة‬ ‫التنوع واإلختالف يف أساليب إعدادها وأشكال‬ ‫كتابتها وأمناط إخراجها‪.‬‬ ‫* مسات الكتابة االذاعية‪:‬‬ ‫ أوال‪ :‬خصائص الوسيلة‪ :‬ختتلف خصائص‬‫اإلذاعة عن الوسائل اإلعالمية األخرى يف عدة‬ ‫نواحى‪:‬‬ ‫•اعتبار املساحة‪ :‬حيث تقاس املسـاحة يف‬ ‫اإلذاع��ة بإعتبـارات الزمن أى حبساب الزمن‬ ‫الذى استغرقه الربنامج يف اإلذاعة‪.‬‬ ‫•اعتبار ال��زم��ن‪ :‬اإلذاع���ة تتميز بإمتداد‬


‫اإلرس��ال اليومي على مدى األرب��ع والعشرين‬ ‫ساعة يف بعض احملطات اإلذاعية‪.‬‬ ‫••اعتبارات فرتة التعرض‪ :‬تتيح اإلذاع��ة‬ ‫للمستمع اللغة اليت تستخدمها سهلة ومألوفة‬ ‫واملصطلحات واضحة ً‬ ‫متاما حتى ال يفكر فيها‬ ‫املستمع فيضيع املضمون‪.‬‬ ‫ ثانيا‪ :‬خصائص مجهور الوسيلة‪ :‬خيتلف‬‫مجهور اإلذاعة يف عدة خصائص‪:‬‬ ‫ ثانيا‪ :‬خصائص مجهور الوسيلة‪ :‬خيتلف‬‫مجهور اإلذاعة يف عدة خصائص‪:‬‬ ‫•أن مجهور اإلذاعة يف تفضيل املواد اإلذاعية‬ ‫ميكن أن تتفاوت مستوياته التعليمية ما بني‬ ‫مجهور أم��ي وأن��ص��اف املتعلمني ومتعلمني‬ ‫ومثقفني‪.‬‬ ‫•أن مجهور اإلذاعة يسعي إىل مجهوره‬ ‫•ان تعرض مجهور اإلذاعة اليه يتم احيانا‬ ‫بالصدفة‪.‬‬ ‫ ثالثا‪ :‬اللغة املستخدمة‪ :‬تشكل اللغة حجر‬‫أساس يف تكوين الرسالة اإلعالمية وعادة ختتلف‬ ‫مسـتويات اللغة املسـتخدمة يف اإلذاع��ة حبيث‬ ‫ميكن ان تشمل على لغة املؤثرات الصوتية وهو‬ ‫ما خيتلف متاما عن اللغة اإلعالمية املستخدمة‬ ‫يف الوسائل االعالمية األخرى‪.‬‬ ‫* اسلوب الكتابة اإلذاعية‪:‬‬ ‫•ســهلة‪ :‬حبيث يستطيع كل من يسمعها أن‬ ‫يفهمها‪.‬‬ ‫• مألـوفة‪ :‬حبيث ال حيتوى على أى مصطلحات‬ ‫غريبة على املستمع‪.‬‬ ‫• بسيطة‪ :‬حبيث تكون غري مركبة وغري‬ ‫معقدة‪.‬‬ ‫•واضحة‪ :‬حبيث ال حتتاج اىل شرح أو تفسري‪.‬‬

‫•دقيقة‪ :‬حبيث تكون املعلومات اليت حتتويها‬ ‫مؤكدة‪.‬‬ ‫•موجزة‪ :‬حبيث تكون اجلمل والعبارات‬ ‫املستخدمة قصرية قدر اإلمكان‪.‬‬ ‫* مكونات الربنامج اإلذاعي‪:‬‬ ‫ أوال‪ :‬الكلمة املنطوقة‪ :‬تتمثل الكلمة املنطوقة‬‫يف بعض النصوص اإلذاعية الذى يقرأه املذيع أو‬ ‫مقدم الربنامج‪ ،‬ويتوقف تأثري الكلمة املنطوقة‬ ‫يف الربنامج اإلذاع��ي على شخصية املذيع أو‬ ‫املقدم ويعترب هو املسؤول عن احملطة اإلذاعية‬ ‫حلظة وجوده على اهلواء إلذاعة الربنامج‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال‬ ‫يستحوذ على احملطة اإلذاعية‪ ،‬ويعترب‬ ‫مسؤولية كاملة ع��ن صوته خ�لال تواجده‬ ‫على اهلواء ويعمل املذيع جاهداً على اجتذاب‬ ‫املستمعني من خالل حسن اإلذاعة‪.‬‬ ‫ ثانيا‪ :‬املوسـيقي‪ :‬تعد املوسـيقى أحد العناصر‬‫األساسية يف مكونات الربنامج اإلذاعي والخيـلو‬ ‫برنامج إذاعي من املوسيقى وخاصة املوسيقى‬ ‫املميزة للربنامج أوما يسمي مبوسيقى الترت‪.‬‬ ‫وختلق املوسيقى مناخا وجوا عاما للربنامج‬ ‫حتى أن كث ًريا من الربامج تعرف مبوسيقاها‬ ‫املميزة‪ ،‬كما أن استخدام املوسيقى يف الربنامج‬ ‫اإلذاعي يعمل على عدم تسرب امللل اىل املستمع‪.‬‬ ‫ ثالثا‪ :‬املؤثــــرات الصوتية‪ :‬يوجد نوعان من‬‫املؤثرات الصوتية‪:‬‬ ‫•املؤثرات احل��ي��ة أو الطبيعة (‪Life‬‬ ‫‪ :)Effects‬هي اليت تسجل داخل االستوديو‬ ‫أثناء تسجيل العمل اإلذاعي مثل صوت خطوات‬ ‫شخص يسري على األرض أو يصعد السلم أو‬ ‫يغلق الباب ويفتحه أو تسجيل من موقع احلدث‬ ‫نفسه عند إجراء حتقيق إذاعي مثال عن حادث‬ ‫‪299‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪300‬‬

‫وقع يف الطريق‪.‬‬ ‫•املؤثرات املسجلة (‪:)Artificial Effect‬‬ ‫هي امل��ؤث��رات الصوتية املسجلة مسبقا على‬ ‫شرائط كاسيت وجاهزة لالستخدام مثل صوت‬ ‫أم��واج البحر‪ ،‬صوت الرياح‪ ،‬صوت الرعد‪ ،‬أو‬ ‫أمطار غزيرة‪.‬‬ ‫ راب��ع��ا‪ :‬ال��ت��س��ج��ي�لات اخل��ـ��ـ��ارج��ي��ة‪ :‬تعد‬‫التسجيالت اخلارجية عنصرا مكمال للعناصر‬ ‫الصوتية املختلفة يف بعض الربامج كجزء من‬ ‫مضمون الربنامج وتكون التسجيالت اخلارجية‬ ‫أساسية يف بعض أنواع الربامج مثل ‪ :‬التحقيقات‪.‬‬ ‫* كتابة النص االذاعي‪:‬‬ ‫اإلسكريبت هو الصورة النهائية اليت يظهر‬ ‫فيها الربنامج اإلذاعي ويتوقف جزء كبري من‬ ‫جناح الربنامج على كتابة النص االذاع��ي فهو‬ ‫الذى جيسد اجملهود الذى بذل يف إنتاج الربنامج‬ ‫منذ البداية‪ .‬وحيكم اجلمهور على الربنامج من‬ ‫خالل النص االذاعي الذى يستمع اليه‪ .‬فاجملهود‬ ‫السابق على كتابة النص االذاعي هو جمهود غري‬ ‫حمسوس من املستمع ولكنه يف الوقت نفسه مهم‬ ‫جدا إلنتاج برنامج جيد وكتابة نص إذاعي‬ ‫جيد‪ .‬فالنص االذاعي هو جتسيد لكل اجملهود‬ ‫الذى بذل يف مراحل اإلنتاج املختلفة وجيب على‬ ‫ً‬ ‫اهتماما كبرياً بكتابة اإلسكريبت‬ ‫املعد أن يهتم‬ ‫االذاع���ي وحسن اختيار الكلمات املعربة عن‬ ‫املضمون احملدد للربنامج يف الوقت احملدد لذلك‪.‬‬ ‫* ض��رورة مراعاة مخس نقاط رئيسية يف‬ ‫تكوين اإلسكريبت‪:‬‬ ‫•إفتتاحية وخامتة الربنامج‪ :‬تعترب افتتاحية‬ ‫ال�برن��ام��ج االذاع����ي ه��ى األس��ـ��ـ��اس يف ج��ذب‬ ‫املسـتمعني ملتابعة الربنامج إىل نهايته فإذا‬

‫استمع اجلمهور إىل افتتاحية جيدة للربنامج‬ ‫مبا يشد اهتمامه فإن ذلك يكون ضمانا كافيا‬ ‫جلذب املستمع إىل نهاية الربنامج‪ ،‬وتستخدم‬ ‫اإلذاعة يف البداية اللحن املميز للربنامج والذى‬ ‫يعرفه املستمع جيدا ثم يأتى اسم الربنامج‬ ‫بعد ذلك معربا عن طبيعة الربنامج ومضمونه‪.‬‬ ‫جيب على اختيار اسم الربنامج أن يكون له‬ ‫طبيعة خاصة ترتبط بطبيعة الربنامج نفسه‬ ‫أو مضمونه وال يتشابه مع أمساء الربامج األخرى‬ ‫يف نفس احملطة اإلذاعية‪ .‬وجيب أن يتميز اسم‬ ‫الربنامج أيضا جبذب اإلنتباه إليه وأن يسهل‬ ‫ت��ذك��ره بالنسبة للمستمع وأن يكون بقدر‬ ‫اإلمكان امسا قصريا‪ .‬بالنسبة خلتام الربنامج‬ ‫فتعرب عنه اجلمل النهائية يف الربنامج أى اجلمل‬ ‫اليت يقرأها املذيع بعد انتهاء مضمون الربنامج‬ ‫نفسه‪ .‬وعادة ما خيتم الربنامج باسلوب لطيف‬ ‫ب��ت��ودي��ع املستمع ووع���ده بلقاء ج��دي��د من‬ ‫برناجمه املفضل يف حلقات قادمة‪ ،‬مع استخدام‬ ‫املوسيقى املميزة للربنامج‪ ،‬مصاحبة للجمل‬ ‫النهائية يف ختام الربنامج‪ .‬وجيب ذكر اسم‬ ‫الربنامج مرة أخرى يف نهايته مصحوبا أيضا‬ ‫باملوسيقى املميزة للربنامج‪.‬‬ ‫•البداية القوية‪ :‬يف بعض أشكال الربامج‬ ‫اإلذاعية يكون من املهم بدء الربنامج جبذب‬ ‫انتباه املستمع مباشرة إىل أهم جزء يف مضمون‬ ‫الربنامج ويكون ذلك بإدخال املستمع مباشرة‬ ‫وبسرعة اىل صلب املوضوع واىل ذروة األهمية‬ ‫فيه ـ وعندما تكون مقدمة الربنامج ضعيفة‬ ‫تصرف املستمع عن متابعة الربنامج أو تدفعه‬ ‫إىل اختيار برامج أخرى لالستماع اليها‪.‬‬ ‫•وحدة الربنامج‪ :‬كل برنامج من الربامج‬


‫اإلذاعية له طابع خاص‪ .‬وله مضمونه اخلاص‬ ‫ويتكون الربنامج من جمموعة من العناصر‬ ‫حتدد مضمون الربنامج‪ .‬وكل عنصر من هذه‬ ‫العناصر يشكل فكرة أو وح��دة ختدم اهلدف‬ ‫الرئيسى من الربنامج ‪ ،‬فالربنامج الذى تتحدد‬ ‫مدته بعشرين دقيقة حيتوى على أربعة عناصر‬ ‫على األق��ل‪ .‬وال بد أن يكون هناك رب��ط بني‬ ‫عناصر الربنامج املختلفة حبيث يظهر الشكل‬ ‫النهائى للربنامج كوحدة واحدة ختدم اهلدف‬ ‫من الربنامج‪ .‬ويرتبط بوحدة الربنامج سالسة‬ ‫اإلنتقال من فقرة اىل أخ��رى ‪،‬و من فكرة اىل‬ ‫فكرة ‪ ،‬و جيب أن يربط كاتب النص بني فقرات‬ ‫الربنامج حبيث تظهر كل فكرة كجزء من كل يف‬ ‫وحدة الربنامج وختدم كلها هدف الربنامج‪.‬‬ ‫•اختيار الكلمات‪ :‬يتوقف جناح النص االذاعي‬ ‫على حسن اختيار الكلمات فيه ولكى يتم‬ ‫اختيار الكلمات بشكل جيد مبا يتناسب مع‬ ‫طبيعة اإلسكريبت االذاع��ي ال بد وأن تفرق‬ ‫بني مستوى اإلستخدام‪ .‬مبعنى أن هناك كلمات‬ ‫معينة تستخدمها مجيع الطبقات واملستويات‬ ‫وهناك كلمات أخرى يقتصر استخدامها على‬ ‫فئات معينة وعلى كاتب اإلسكريبت أن حيدد‬ ‫منذ البداية اللغة اليت يستخدمها يف الكتابة‬ ‫وذلك بناء على اجلمهور املوجه اليه الربنامج‪.‬‬ ‫•التنوع‪ :‬يقصد بالتنوع استخدام أساليب‬ ‫خمتلفة للتعبري عن األف��ك��ار والعناصر اليت‬ ‫حيتويها ال�برن��ام��ج‪ .‬فالربنامج ال��ذى يتسم‬ ‫بالثبات وع��دم التغيري وع��دم تنوع فقراته‬ ‫يبعث على امللل من جانب املستمع ويكون‬ ‫برنامج غري جذاب وخاصة أن املستمع يبحث‬ ‫عن اإلختالف والتنوع ولذلك جيب أن يكون‬

‫ً‬ ‫تنوعا فيما يقدمه الربنامج حتى حيقق‬ ‫هناك‬ ‫اهلدف منه ولكن هذا التنوع يف أساليب التقديم‬ ‫وط��رق ال��ع��رض واخ��ت�لاف امل��واق��ف وادخ��ال‬ ‫حوارات أو لقطات صوتية وموسيقى ال يتعارض‬ ‫مع وحدة الربنامج وإمنا حيافظ يف النهاية على‬ ‫وحدة الربنامج ويشعر املستمع باحليوية‪.‬‬ ‫* األشكال اإلذاعية املباشرة وتتضمن‪:‬‬ ‫ظهرت أمناط جديدة يف الرسالة بعدما بدأت‬ ‫اإلذاعة الفضائية يف تقديم خدماتها االذاعية‪،‬‬ ‫وتغريت األشكال االذاع��ي��ة بسبب التطورات‬ ‫السريعة يف جمال االذاعة واليت تستفيد الوسيلة‬ ‫االلكرتونية من التقنيات احلديثة‪ ،‬واألشكال‬ ‫االذاعية كاآلتي‪:‬‬ ‫* الربامج االخبارية ‪:‬‬ ‫* األخبار ‪ :‬األخبار هى جمموعة من احلقائق‬ ‫تقدم إىل اجلمهور ليعرف م��ا حييط ب��ه من‬ ‫أحداث‪ .‬ولكي حتقق األخبار اهلدف منها البد‬ ‫وان تتوافر يف اخلرب أربعة عوامل رئيسية هى ‪:‬‬ ‫(الدقة ‪ -‬السرعة ‪ -‬الوضوح ‪ -‬واملوضوع)‪.‬‬ ‫•الدقة ‪ :‬البد من مراعاة الدقة يف كتابة‬ ‫اخل�بر االذاع���ي وذل��ك بالرجوع إىل أكثر من‬ ‫مصدر من مصادر األخبار للتحقق من صحة‬ ‫ً‬ ‫فضال عن مراعاة الدقة يف كتابة األرقام‬ ‫اخلرب‬ ‫واألمساء واألحداث وتأتى عدم الدقة يف متابعة‬ ‫ً‬ ‫أحيانا يف إذاعة‬ ‫اخلرب االذاع��ي من اإلستعجال‬ ‫اخلرب دون التحقق من صحته أو صحة األرقام أو‬ ‫األمساء اليت حيتويها‪ ،‬وكلما كان اخلرب أكثر دقة‬ ‫كلما كان أكثر مصداقية‪.‬‬ ‫•الســرعة ‪ :‬تعترب السرعة عامال مهما جدا‬ ‫يف كتابة اخل�بر وإذاع��ت��ه‪ .‬فاخلرب يعد بلغة‬ ‫‪301‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪302‬‬

‫سريعة التلف لو مل يذع يف وقت حدوثه ولذا‬ ‫يدفع عامل السرعة حمررى نشرات األخبار إىل‬ ‫سرعة حترير اخلرب ولكن جيب مراعاة الدقة‬ ‫املطلوبة حتى اليؤدى عامل السرعة اىل التخلى‬ ‫عن الدقة يف حترير اخلرب‪.‬‬ ‫•الوضــوح ‪ :‬يعنى أن يكون اخلرب واضحاً‬ ‫ً‬ ‫متاما ليس به غموض وال يشتمل على كلمات‬ ‫أو معانى غري مفهومه أو تفصيالت المعنى هلا‬ ‫بالنسبة للمستمع وتقع مسؤولية وضوح اخلرب‬ ‫على حمرر اخلرب‪.‬‬ ‫•املوضوعية ‪ :‬وتعنى أن ينتقل اخلرب كحقائق‬ ‫جمردة إىل املستمع بدون أن يشتمل على وجهة‬ ‫نظر أو رأى احملرر‪ ،‬فاملهم يف األخبار اإلذاعية‬ ‫أن تنتقل مبوضوعية إىل اجلمهور بهدف إخباره‬ ‫مبا جيرى حوله وليس بهدف التأثري عليه‪.‬‬ ‫اخل�بر م��ن أه��م اخل��دم��ات اإلع�لام��ي��ة ومن‬ ‫املواد األساسية اليت تقدمها احملطات اإلذاعية‪،‬‬ ‫وتذيع األخبار يف أسرع وقت ممكن اىل اجلمهور‬ ‫املستهدف هدف أساسي للمجتمعات املختلفة‪،‬‬ ‫فاألخبار هي املعلومات اجلديدة واملؤثرة يف‬ ‫جمال االذاع��ة بسبب قدرة الوسيلة على نقل‬ ‫املستمع إىل م��واق��ع األح���داث ف��وري��ا‪ .‬وامل��واد‬ ‫االخبارية تشمل ‪( :‬نشرات االخبار‪ ،‬التعليق‪،‬‬ ‫التحليل‪ ،‬شريط االخبار‪ ،‬تغطية االجتماعات‪،‬‬ ‫واخل��ط��ب‪ ،‬وامل��ؤمت��رات الصحفية‪ ،‬وتغطية‬ ‫األحداث اخلاصة‪ ،‬واألحداث الرياضية)‪.‬‬ ‫•توجد حمموعة من العوامل املختلفة تؤثر‬ ‫على كتابة األخبار ‪:‬‬ ‫‪.1‬تضم عملية كتابة األخبار أربعة مراحل‬ ‫خمتلفة‪( ،‬ت��ص��ور – امج��ع – رت��ب اخل�بر ‪-‬‬ ‫صحح)‪.‬‬

‫‪.2‬خصائص األخبار‪( ،‬الفورية – القرب –‬ ‫الغرابة – الشخصيات ال��ب��ارزة – االهتمام‬ ‫االنساني – الصراع – التأثري)‪.‬‬ ‫‪.3‬معايري اخلرب‪( ،‬الداللة – النخبة – الربوز‬ ‫أو الشهرة – احلجم – اجل��دة – السرعة –‬ ‫الصراع – السلبية ‪ -‬اإلثارة)‪.‬‬ ‫‪.4‬القيم االخبارية يف الدول النامية‪( ،‬األمن‬ ‫السياسي النفسي ‪ -‬األخبار اجملتمعات املتشابهة‬ ‫ االل��ت��زام بتأييد سياسة ال��دول��ة – ترويج‬‫األخبار التنموية – أخبار النخبة – احلجم –‬ ‫نشر األخبار االجيابية وعدم االهتمام بالسبق‬ ‫الصحفي – االهتمام باألخبار األجنبية –‬ ‫الرتكيز على ماتفعله األخبار وليس على ماهية‬ ‫األخبار)‪.‬‬ ‫‪.5‬القوانني الصحفية واالذاعية‪( ،‬احلق يف‬ ‫احلصول على مصادر املعلومات مع احلفاظ على‬ ‫قيم اجملتمع وأخالقه وأمنه القومي)‪.‬‬ ‫‪.6‬مصادر األخبار‪( ،‬املصادر البشرية – املصادر‬ ‫اجملهولة – املصادر املتعددة الثقافات – املصادر‬ ‫املكتوبة – املصادر األلكرتونية – مصادر نظام‬ ‫خدمات االتصال املباشر – الوثائق العامة)‪.‬‬ ‫* نشرات األخبار (‪:)Newscast‬‬ ‫مت ترتيب األخبار يف النشرة األخبارية كاآلتي‬ ‫‪( :‬نظرية الدوائر ‪ :‬هى تنادى برتتيب األخبار‬ ‫ً‬ ‫وفقا لقربها اجلغرايف ‪ -‬نظرية القيم ‪ :‬هى تنادى‬ ‫برتتيب األخبار وفقا ملا حيتويه اخلرب من قيم‬ ‫وأهمية ‪ -‬نظرية التوازن ‪ :‬هى تنادى بأن تتوازن‬ ‫ً‬ ‫وضعفا بني األخبار املختلفة للحفاظ‬ ‫النشرة قوة‬ ‫على املستمع أو املشاهد حتى نهايتها)‪ .‬وميكن‬ ‫تنظيم االخبار داخ��ل النشرة بعدة أساليب‬ ‫منها ترتيب األخبار حسب أهميتها للجمهور‬


‫املستهدف واجلهة اليت تسيطر على االذاعة ومن‬ ‫املهم إىل األهم ‪ ،‬إىل األقل أهمية وحسب نوعية‬ ‫موضوعاتها ‪( :‬سياسية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪،‬‬ ‫رياضية)‪ .‬وهناك خدمات إذاعية تقسم االخبار‬ ‫إىل مخس فئات ‪( :‬وطنية‪ ،‬قومية‪ ،‬إقليمية‪،‬‬ ‫دولية‪ ،‬إنسانية)‪ ،‬ويتم ترتيب أخبار كل فئة‬ ‫وفق أهميتها التنازلية‪ .‬وكذلك خيتلف شكل‬ ‫تقديم النشرة االخبارية من اذاعة اىل اخرى‬ ‫حسب نوع االخبار وأساليب التمويل وامللكية‬ ‫للنظام االذاع���ي‪ .‬ويتفاوت الزمن املخصص‬ ‫للنشرة االخبارية من اذاع��ة اىل اخرى حيث‬ ‫ي�تراوح بني ‪ 15 – 5‬دقيقة‪ ،‬واحيانا ميتد‬ ‫عرض االخبار ملدة نصف ساعة او اكثر وهو ما‬ ‫يعرف « بالفرتة االخبارية « وتنقسم هذه الفرتة‬ ‫من الناحية النظرية اىل ثالثة أج��زاء شبه‬ ‫متساوية هي ‪( :‬نشرة األخبار ‪ -‬تقارير إخبارية‬ ‫ جملة إخبارية)‪ .‬وقد خيتلف الزمن املخصص‬‫لكل جزء من هذه األجزاء الثالثة حسب أهمية‬ ‫األحداث وتوافر املصادر االخبارية‪ ،‬واحتياجات‬ ‫اجلماهري املستهدفة‪.‬‬ ‫* التعليق االخباري (‪)News Comment‬‬ ‫التعليق اإلخبارى هو أحد أشكال الربامج‬ ‫اإلخبارية وهو عبارة عن نصوص احلقائق ثم‬ ‫حتليلها والتعليق عليها برأى أو وجهة نظر‪،‬‬ ‫ويهتم التعليق بإبراز وجهة نظر كاتبه مدعمة‬ ‫باحلقائق حول احل��دث ال��ذى يقوم بالتعليق‬ ‫عليه‪ .‬والتعليق هو إضفاء كمال املعنى على‬ ‫اخل�بر‪ .‬وهو دع��وة إىل رأي‪ ،‬وخري الدعوات ما‬ ‫كان مقنعا‪ ،‬واإلقناع وليد قوة املنطق‪ .‬ولذلك‬ ‫يتصف املعلق ب��اخل�برة ال��واس��ع��ة‪ ،‬والثقافة‬ ‫املتنوعة‪ ،‬وال���رأي املمحص‪ ،‬واملنطق القوي‪،‬‬

‫ويفرتض يف كاتب التعليق اإلذاع��ي أن تتوافر‬ ‫فيه الشروط التالية ‪( :‬أن يكون واسع االطالع‬ ‫على الشئون العامة مثل كاتب االفتتاحية يف‬ ‫الصحيفة ‪ -‬أن يكون دائ��م االتصال باالخبار‬ ‫سواء عن طريق التعرض لوسائل االعالم أو من‬ ‫خالل مصادره واتصاالته الشخصية ‪ -‬أن يتسم‬ ‫بشخصية مقبولة مجاهرييا‪ ،‬وأن يكون على‬ ‫دراية بتقنيات اإلذاعة)‪.‬‬ ‫* التحليل االخباري (‪:)News Analysis‬‬ ‫التحليل االخ��ب��اري يهتم ب��ش��رح وتفسري‬ ‫وتبسيط اخلرب مبوضوعية كاملة دون احنياز‬ ‫ل��رأى أو اجت��اه معني وحيتوى التحليل على‬ ‫عناصر عديدة مثل ‪( :‬وصف اجلو العام للحدث‬ ‫وال��ظ��روف وامل��ك��ان وكيفية وق��وع��ه ووص��ف‬ ‫األشخاص الذين ذك��روا فيه وحتليل الدوافع‬ ‫الكامنة وراء احل��دث ال�تي قد أفضت إليه)‪.‬‬ ‫ويعرض احمللل املعلومات اخلاصة مبوضوع‬ ‫معني بعد ترتيبها حبيث يسهل على املستمع‬ ‫املقارنة واألستنتاج املنطقي‪ ،‬وهدف احمللل هو‬ ‫أن يشرح ويفسر ويبسط دون أن ينحاز إىل رأي أو‬ ‫إجتاه معني‪ ،‬غري أنه من الصعب أن يصل احمللل‬ ‫إىل هذا احلياد التام عند تقديم التحليل‪ ،‬ذلك أن‬ ‫التوجيه إىل راي الكاتب ميكن أن يتم من خالل‬ ‫اسلوبه يف شرح وتفسري األخبار وهلذا يقال إن‬ ‫التجرد واحلياد الكامل عند تقديم التحليل‬ ‫ليس سوى أمل ومثل أعلى يصعب حتقيقه يف‬ ‫الواقع‪.‬‬ ‫* شريط االخبار (‪: )News Reel‬‬ ‫عبارة عن برنامج اخباري يستهدف فصل‬ ‫التحليالت والتعليقات عن األخبار اجمل��ردة‬ ‫وق��د يتضمن ش��ري��ط االخ��ب��ار ح���وارات مع‬ ‫‪303‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪304‬‬

‫شهود عيان‪ ،‬أو أجزاء من خطب‪ ،‬وتقارير عن‬ ‫األح��داث من املندوبني واملراسلني‪ ،‬وأحاديث‬ ‫قصرية ومقابالت‪ .‬وتتخذ هذه الفقرات شكل‬ ‫اجلريدة الناطقة‪ .‬ويتطلب شريط االخبار‬ ‫هيئة حترير كبرية‪ ،‬وإمكانات تقنية اضـافية‬ ‫حتى ينتج بشـكل جيد‪ .‬وخيتار رئيس التحرير‬ ‫عددا حمدودا من األخبار اليت حتتاج إىل شـرح‬ ‫وتركيز من بني كم هائل من االخبار املتاحة‪.‬‬ ‫كما حيتاج انتاج شـريط االخبار الـى مهارات‬ ‫عالية يف استخدام الشرائط املسـجلة‪ ،‬وفقرات‬ ‫الربط بني املواد املقدمة‪.‬‬ ‫* تغطية االجتماعات واخلطب ‪:‬‬ ‫ترتكز مهمة املندوب االذاع��ي عند تغطية‬ ‫االجتماعات يف اختصار املوضوعات املطولة اليت‬ ‫تستغرق زمنا طويال حبيث خيتصرها املندوب‬ ‫يف دقيقتني أو ثالث‪ .‬وهذا االختصار أو اختيار‬ ‫اللقطات الصوتية‪ .‬هو الذي يبني قدرة املندوب‬ ‫وكفاءته‪ .‬ويستطيع املندوب أن يتعرف على‬ ‫األجزاء املهمة من االجتماع من خالل االطالع‬ ‫املسبق على جدول األعمال‪ ،‬أو من خالل توقع‬ ‫األجزاء املهمة‪ .‬وميكن للمندوب أيضا أن حيصل‬ ‫على تعليقات سريعة من احلاضرين لالجتماع‪.‬‬ ‫والشيء نفسه حيدث عند تغطية اخلطب‪ ،‬حيث‬ ‫يقدم املندوب االذاع��ي تقريرا عن مضمون‬ ‫اخلطبة‪ ،‬مع تسجيل الفقرات املهمة اليت تعرب‬ ‫ع��ن توجهات اخلطيب ويسعى امل��ن��دوب إىل‬ ‫احلصول على نص اخلطاب مقدما‪ ،‬وتسجيل‬ ‫الفقرات املهمة‪ ،‬وحتديد زمن كل فقرة‪ .‬وجيب‬ ‫أن يكون املندوب يقظا الستطرادات املتحدث‬ ‫أو خروجه عن النص املكتوب‪ ،‬وغالبا ما يفعل‬

‫السياسيون ذلك‪ ،‬حيث تكون تلك اإلضافة مهمة‬ ‫للغاية لكونها قد تغري املعنى املوجود يف النص‬ ‫املكتوب‪.‬‬ ‫* ت��غ��ط��ي��ة امل���ؤمت���ر ال��ص��ح��ف��ي (‪News‬‬ ‫‪: )CONFERENCE‬‬ ‫يعد امل��ؤمت��ر الصحفي م��ن أكثر الوسائط‬ ‫الشائعة لصانعي األخبار لتزويد وسائل االعالم‬ ‫مبعلومات مهمة وتفصيلية حول حدث معني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫معروفا للمندوب‪،‬‬ ‫وإذا كان موضوع املؤمتر‬ ‫فإنه يعد نفسه من خ�لال ق��راءة املتاح من‬ ‫معلومات حول هذا املوضوع حتى يتمكن من‬ ‫توجيه أسئلة مناسبة وذكية إذا ما أتيحت له‬ ‫الفرصة لذلك‪ .‬وأحيانا يتيح الداعي للمؤمتر‬ ‫نشرة معلومات تغطي موضوع املؤمتر‪ ،‬وميكن‬ ‫للمندوب أن جيد يف ه��ذه النشرة مالحظات‬ ‫جديرة باملناقشة‪ ،‬ولذلك جيب أن يقرأها بعناية‬ ‫حتى حيدد الزاوية اليت ينطلق منها لتقديم‬ ‫تقرير إخباري ناجح‪ .‬وحيرص املندوب االذاعي‬ ‫على املتابعة الدقيقة لكل األسئلة واالجابات‬ ‫املثارة يف املؤمتر الصحفي‪ ،‬مع تدوين املالحظات‬ ‫املهمة‪ .‬ولكي يتاح للمندوب فرصة التغطية‬ ‫اجليدة للمؤمتر‪ ،‬البد أن يذهب إىل مقر املؤمتر‬ ‫مبكرا قدر اإلمكان حتى حيتل مكانا مناسبا‬ ‫داخل القاعة يتيح له سهولة توجيه األسئلة‬ ‫ومتابعة وقائع املؤمتر‪.‬‬ ‫* تغطية األح����داث اخل��اص��ة (‪Special‬‬ ‫‪: )Events‬‬ ‫يتم تغطية األح����داث اخل��اص��ة كامتداد‬ ‫لتقديم اخلدمة االخبارية ب��االذاع��ة‪ .‬وتذاع‬ ‫معظم األح��داث اخلاصة على اهل��واء مباشرة‬


‫وحتظى بنسبة استماع كبرية‪ .‬ويتم تقديم‬ ‫هذه األحداث بطريقة أقرب إىل السرد منها إىل‬ ‫التقديم‪ ،‬ولذلك يعد الكاتب الفقرات اليت تتيح‬ ‫استمرارية هذه االذاع��ة‪ .‬وقد يشتمل تغطية‬ ‫احل��دث اخل��اص على بعض املقابالت اإلذاعية‬ ‫احلية أو املسجلة من اج��ل التنوع‪ .‬وتتمثل‬ ‫األح��داث اخلاصة فى‪( :‬افتتاح مشروع جديد‬ ‫ استقبال شخصية مهمة يف املطار ‪ -‬تغطية‬‫االحتفاالت السياسية واالجتماعية والدينية)‪.‬‬ ‫وق��د جنحت تغطية األح���داث اخلاصة احلية‬ ‫يف نقل بعض الوقائع التارخيية املهمة مثل ‪:‬‬ ‫(اغتيال جون كينيدي ‪ -‬مارتن لوثر كينج ‪-‬‬ ‫روبرت كينيدي ‪ -‬أنور السادات ‪ -‬تسجيل أول‬ ‫خطوة لإلنسان على سطح القمر ‪ -‬نقل وقائع‬ ‫االنتخابات)‪ .‬وتتطلب تغطية األحداث اخلاصة‬ ‫أن يعكف املعد على دراسة القصص االخبارية‪،‬‬ ‫ونشرات الصحافة‪ ،‬والوثائق التارخيية‪ ،‬والكتب‪،‬‬ ‫والدوريات‪ ،‬وكل املواد األخرى اليت تساعد على‬ ‫كتابة املقدمة واخلامتة وفقرات الربط واملواد‬ ‫املكلمة اليت حيتاجها املذيع‪ ،‬ويكون إعداد النص‬ ‫ً‬ ‫مالئما للحديث بسهولة من جانب املذيع‪.‬‬ ‫* تغطية األح����داث ال��ري��اض��ي��ة (‪Sport‬‬ ‫‪: )Events‬‬ ‫تبدأ معظم الربامج الرياضية املسجلة بعرض‬ ‫نتائج املباريات أوال باعتبارها العنصر األكثر‬ ‫أهمية‪ ،‬ثم تعرض التفاصيل اخلاصة باملباريات‬ ‫بعد ذلك‪ .‬ويتم تنسيق االخبار الرياضية احمللية‬ ‫مع األخبار القومية والعاملية‪ .‬وتكتسب تغطية‬ ‫املباريات الرياضية على اهل��واء شعبية كبرية‬ ‫من جانب املستمعني‪ ،‬ويقوم معد الربنامج‬ ‫بوضع املقدمة واخلامتة وبعض الفقرات ذات‬

‫الصلة مبوضوع املباراة مثل‪( :‬اخللفيات السابقة‬ ‫واإلحصاءات واأللوان وترتيب الفرق الرياضية‬ ‫ومعلومات ميكن سردها يف سياق البث املباشر)‪.‬‬ ‫كذلك يتم مجع معلومات عن األندية املتنافسة‬ ‫واستعداداتها‪ ،‬وأمس��اء الالعبني‪ ،‬وأرقامهم‪،‬‬ ‫ومتوسط أعمارهم‪ ،‬وموقع كل العب بالنسبة‬ ‫للفريق وخلفياته املهارية‪ ،‬ويستعني املعلق بكل‬ ‫هذه املعلومات أثناء وصف املباراة‪.‬‬ ‫* برامج األحاديث ‪:‬‬ ‫تعد برامج األحاديث ابسط أشكال الكلمة‬ ‫املذاعة‪ ،‬وأكثرها انتشارا‪ ،‬فاحملادثات االذاعية‬ ‫اليت يتم اعدادها وتنفيذها بدقة هي عصب‬ ‫االذاعة اليوم‪ ،‬فهي جتمع بني العمق الذي حتققه‬ ‫الكلمة امللطبوعة وبني دفء االتصال املواجهي‬ ‫الذي حيققه منط األحاديث‪ .‬ويطلق مصطلح‬ ‫برامج االحاديث لتغطية عدة نوعيات من‬ ‫اشكال الربامج مثل ‪( :‬احلديث املباشر واحلوار‪،‬‬ ‫وامل��ن��اق��ش��ات‪ ،‬وب��رام��ج « االب���راز «‪ ،‬وال�برام��ج‬ ‫الوثائقية‪ ،‬واجمللــة)‪ .‬وتهدف برامج االحاديث‬ ‫اىل االعالم او التعليم او الرتفيه‪ ،‬ومثل‪ :‬كافة‬ ‫الربامج االخرى تتطلب برامج االحاديث حتديد‬ ‫املستمع احملتمل بدقة‪ ،‬فالربنامج الذي خياطب‬ ‫اجلمهور العام البد أن حيظى بالقبول والبساطة‬ ‫اليت تناسب كل املستمعني‪ ،‬وأن يليب املوضوع‬ ‫اهتمامات اجلماهري‪ ،‬ويتم اختيار الكلمات‬ ‫السهلة واألسئلة البسيطة ال�تي يستوعبها‬ ‫مجيع املستمعني‪ .‬وتتوجه برامج االحاديث‬ ‫املتخصصة اىل قطاعات متجانسة من املستمعني‬ ‫حبيث تتوافق مع رغبـات واحتياجات مجهورها‬ ‫املستهدف‪.‬‬ ‫* تتخذ برامج االحاديث االشكال التالية ‪:‬‬ ‫‪305‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪306‬‬

‫* احلديث االذاعي املباشر ‪:‬‬ ‫يعد احلديث املباشر اقدم االشكال االذاعية‬ ‫على االطالق‪ ،‬حيث يوجد شخص واحد فقط‬ ‫يتحدث عرب امليكروفون يف موضوع يهم أكرب عدد‬ ‫ممكن من اجلماهري وحيث إن الكلمة املنطوقة‬ ‫ختاطب حاسة السمع فقط‪ ،‬فإن ذلك يفرض‬ ‫على املتحدث يف اإلذاعة الوعي الكامل بطبيعة‬ ‫الوسيلة وحدودها‪ ،‬وطبيعة اجلمهور املستهدف‬ ‫من حيث التنوع الثقايف والبيئي والعمر والنوع‬ ‫واالجتاهات والرغبات واالحتياجات‪ .‬ويتطلب‬ ‫احلديث املباشر وجود وحدة يف البناء‪ ،‬أي بداية‬ ‫ووسط ونهاية‪ ،‬حيث تعرب الكلمات املستخدمة‬ ‫عن األح��داث اليومية‪ ،‬وتثري اهتمام املستمع‪،‬‬ ‫وتطرح احلجج االقناعية ببساطة‪ ،‬ثم تلخص‬ ‫الفكرة العامة أو اهلدف يف نهاية احلديث‪.‬‬ ‫جيب أن حتتوي صناعة احلديث على ملخص‬ ‫جململ املعلومات واألفكار اليت توضح اهلدف‬ ‫النهائي الذي ينشده املتحدث‪ .‬من أقدم األشكال‬ ‫اإلذاعية اليت عرفهتا اإلذاع��ة عند تقدميها‬ ‫إلنتاجها االذاعي‪ ،‬كما يعد احلديث املباشر من‬ ‫أهم ما تقدمه اإلذاعة املسموعه واملرئية‪ ،‬على‬ ‫حد سواء من مادة كالمية ذات نص مكتوب‪.‬‬ ‫وقد أهتمت اإلذاعات العربية بهذا‪ .‬وهكذا يعترب‬ ‫« احلديث االذاعي املباشر « األب الروحى لربنامج‬ ‫األح��ادي��ث (‪ )Talk Programs‬األخ��رى‬ ‫كاملقاالت والندوات واملناقشات والربامج اخلاصة‬ ‫وال�برام��ج الوثائقية والتحقيقات اإلذاعية‬ ‫وب��رام��ج اإلب���راز (‪ )Feature‬وغ�يره��ا من‬ ‫أشكال الربامج اإلذاعية اليت ترتاوح بني دقيقة‬ ‫ودقيقتني‪ ،‬كما هو احلال يف برنامج اإلبراز‪ ،‬إىل‬ ‫ساعة وساعتني كما هو احلال يف برامج الندوات‬

‫واملناقشات‪.‬‬ ‫* يلتزم كاتب احلديث املباشر باالعتبارات‬ ‫التالية ‪:‬‬ ‫‪.1‬البداية اجلذابة للحديث ودقة االستهالل‬ ‫اليت جتذب انتباه املستمع‪.‬‬ ‫‪.2‬اختيار الكلمات البسيطة الواضحة‪ ،‬وتفادي‬ ‫الكلمات والعبارات الغامضة‪ ،‬أو اليت حتتمل‬ ‫أكثر من معنى‪.‬‬ ‫‪.3‬التنوع يف ط��ول اجلمل‪ ،‬مع اإلكثار من‬ ‫اجلمل القصرية املباشرة الفعلية‪ ،‬والبعد عن‬ ‫اجلمل االعرتاضية وصيغة املبنى للمجهول‪.‬‬ ‫‪.4‬الربط بني ما حيتويه احلديث من أجزاء‬ ‫حتى ميكن االحتفاظ بإهتمام املستمع‪.‬‬ ‫‪.5‬استخدام الكلمات الوصفية اليت تتضمن‬ ‫ص���ورا ذهنية تثري خ��ي��ال املستمع‪ ،‬وتتيح‬ ‫مشاركته الوجدانية يف متابعة حمتوى احلديث‪.‬‬ ‫‪.6‬جتنب األرق��ام التفصيلية واإلح��ص��اءات‬ ‫بقدر اإلمكان‪ ،‬وتقريب األرقام املعقدة يف حالة‬ ‫استخدامها ‪ -‬حتى تكون مفهومة للمستمع‪.‬‬ ‫‪.7‬أن يتسم االلقاء باحليوة والتنوع يف سرعة‬ ‫االيقاع‪.‬‬ ‫‪.8‬أن حتتوي صناعة احلديث على ملخص‬ ‫جململ املعلومات واألفكار اليت توضح اهلدف‬ ‫النهائي الذي ينشده املتحدث‪.‬‬ ‫* مفهوم وأن��واع احلديث االذاع��ي املباشر ‪:‬‬ ‫يعرف هذا الشكل من الربامج اإلذاعية بأنه «‬ ‫املادة اإلعالمية اليت يوجهها أحد املتخصصني‬ ‫بطريقة مباشرة ‪ -‬اىل مجهور املستمعني أو‬ ‫ً‬ ‫ملتزما بأسلوب السرد فيما يشبه‬ ‫املشاهدين‪،‬‬ ‫احملادثة الشخصية « وتتعدد أن��واع احلديث‬ ‫االذاع��ي املباشر‪ ،‬فقد يكون حديثا دينيا أو‬


‫سياسيا أو اجتماعيا أو عسكريا أو رياضيا‪،‬‬ ‫وق��د يكون حديثا ترفيهيا يكتبه ويقدمه‬ ‫متحدث لبق خفيف الظل‪ ،‬وقد يهدف احلديث‬ ‫إىل التثقيف والتنوير العقلى كأحاديث كبار‬ ‫األدب��اء ال�تي تتضمن معلومات قيمة تضيف‬ ‫جديدا إىل عقل املستمع أو املشاهد‪ .‬وقد يكون‬ ‫احلديث بهدف اإلعالم كالتحليالت اإلخبارية‬ ‫والتعليقات السياسية وغريها من األحاديث اليت‬ ‫تهدف إىل إعالم اجلمهور وإخباره بكل جديد‬ ‫من أح��داث تقع يف خمتلف أحن��اء العامل وقد‬ ‫يكون احلديث بهدف إغراء املستمع أو املشاهد‬ ‫وتشويقه وجذبه لشراء سلعة من السلع‪ ،‬كما هو‬ ‫احلال يف اإلعالنات‪.‬‬ ‫* خصائص احلديث االذاعي املباشر ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫موضوعا يهم أكرب عدد ممكن‬ ‫• أن يتضمن‬ ‫من املستمعني‪.‬‬ ‫•يفضل أن يتناول احلديث فكرة اساسية‬ ‫واحدة‪.‬‬ ‫•احلديث االذاع���ي ليس حم��اض��رة وال هو‬ ‫ً‬ ‫جذابا‬ ‫خطبة عامة‪ ،‬وبالتاىل فإنه ما مل يكن‬ ‫ً‬ ‫ومهما للمستمع فلن يضطر ملواصلة االستماع‬ ‫وعلى املتحدث أن يضع يف اعتبارة أن االستحواذ‬ ‫على املتلقى ه��دف جيب احلفاظ عليه طوال‬ ‫احلديث‪.‬‬ ‫•االستهالك الذكى اجل��ذاب من خصائص‬ ‫ومسات احلديث االذاعي اجليد‪.‬‬ ‫•على كاتب احلديث االذاع��ي أن ي��درك أن‬ ‫أفضل العبارات يف الكتابة اإلذاع��ي��ة وأشدها‬ ‫فاعليه أكثرها سهولة وأبسطها معنى‪ ،‬وبالتاىل‬ ‫فإن صياغة احلديث جيب أن تتم بعيداً عن‬ ‫التعقيدات واملصطالحات ال�تي يصعب على‬

‫مجاهري املستمعني إدراكها‪.‬‬ ‫•على املتحدث أال يعمد إىل جعل حديثه‬ ‫ح��واري ً��ا أكثر من ال�لازم بإزالة الكلفة بينه‬ ‫وبني املستمع واستعمال الضمائر الشخصية‬ ‫والتكرار والتودد الزائد عن احلد‪ ،‬ألن ذلك من‬ ‫شأنه أن ينقص من قدر احلديث واملتحدث‪.‬‬ ‫•التنوع يف طول اجلمل مع اإلكثار من اجلمل‬ ‫القصرية والبعد عن اجلمل اإلعرتاضية وصيغة‬ ‫املبنى للمجهول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫•أن يكون احلديث االذاع��ي مفعما بالصور‬ ‫الذهنية ال�تي تثري خ��ي��ال املستمع وتتيح‬ ‫مشاركته الوجدانية يف متابعة حمتوى احلديث‪.‬‬ ‫•جيب مراعاة الربط بني األج��زاء الثالثة‬ ‫الرئيسية للحديث االذاعي‪ ،‬وهى ‪ :‬البداية‪ ،‬أو‬ ‫املقدمة والوسط أو جسم احلديث‪ ،‬واخلامتة أو‬ ‫النهاية‪.‬‬ ‫• جيب أن يعلم كاتب احلديث أن املستمع‬ ‫ع��ادة ما يكون يف حالة اسرتخاء ذهنى‪ ،‬فإذا‬ ‫ما اضطر إىل التفكري املتواصل فإنه سرعان‬ ‫ما يصاب باإلعياء وينصرف اىل حمطة إذاعية‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫• ضرورة توزيع املعلومات واألفكار والنقاط‬ ‫املشوقة يف احلديث االذاعي على فرتات متفاوته‬ ‫لضمان استمرار إثارة انتباه املستمع‪.‬‬ ‫•يضعف انتباه املتلقى كلما طغت اآلراء على‬ ‫الوقائع ولذا فإن احلديث عن احلقائق امللموسة‬ ‫له تأثري أك�بر وأق��وى على املتلقى من اآلراء‬ ‫الشخصية أو الذاتية اجملردة‪.‬‬ ‫• يفضل أن يعرض املتحدث موضوعا من‬ ‫زواي��ا خمتلفة وأن يراعي تنويع اإليقاع وأن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خيلق جواً‬ ‫مرحيا للمستمع‪.‬‬ ‫نفسيا‬ ‫‪307‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪308‬‬

‫•من املهم أن يعلم الكاتب واملتحدث أن‬ ‫احل��دي��ث ال��ذى يسري على وت�يرة واح���دة من‬ ‫اإلث��ارة يتساوى مع احلديث ال��ذى يسري على‬ ‫وت�يرة واح��دة من الرتابه‪ ،‬فكالهما ي��ؤدى اىل‬ ‫الشعور بالنفور وامللل‪.‬‬ ‫•على املتحدث أن يعي دائما أنه يعرب عن‬ ‫وجهة نظر خ��اص��ة‪ ،‬وأن هناك العديد من‬ ‫وجهات النظر األخ��رى‪ ،‬ومن ثم فإن عليه أن‬ ‫يلتزم بأصول وقواعد النقد املوضوعي النزيه‬ ‫اجملرد عن اهلوى والغرض‪.‬‬ ‫•احلديث االذاع��ي ليس صورة طبق األصل‬ ‫مما ي��دور يف احلياة اليومية‪ ،‬ولكنه صورة‬ ‫فنية له تهدف اىل وصف الواقع وتشخيصه ثم‬ ‫اإلرتقاء به‪.‬‬ ‫•جيب أن يعلم كاتب احلديث االذاع��ي أن‬ ‫املستمع يف حاجة إىل أف��ك��ار متتاز بالرتكيز‬ ‫وال��دق��ـ��ة وح��س��ن الصياغة‪ ،‬وإن���ه كلما كان‬ ‫املضمون واض��ح��ا‪ ،‬كلما انتقلت األف��ك��ار اليه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طبيعيا‪ ،‬فال ينتقل املتحدث من فكرة اىل‬ ‫انتقاال‬ ‫اخرى إال ومهد هلا متهيداً يدفع املستمع اىل توقع‬ ‫ما سيقال له‪.‬‬ ‫•يكمن فن احلديث االذاعي يف القدرة على‬ ‫اكتشاف األفكار املهمه ال�تي تتصل مبوضوع‬ ‫احل��دي��ث‪ ،‬وال�تي ت�تردد أكثر من غريها على‬ ‫ألسنة الناس أو يف أذهانهم أو متس مشكلة‬ ‫يعيشونها وكلما أج��اب املتحدث عما يعرتض‬ ‫حياة الناس وكلما أقرتب من مشكالتهم‪ ،‬كانت‬ ‫اإلستجابة إليه قوية‪ ،‬إذ يشعر اجلمهور بأن‬ ‫املتحدث يشاركهم احاسيسهم ومشاعرهم‬ ‫وقضاياهم ومشكالتهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫•عندما يكون موضوع احلديث نقدا أدبيا أو‬

‫ً‬ ‫فنيا ألحد األعمال‪ ،‬كمسرحية أو كتاب أو رواية‬ ‫فينبغى أن يتم التعامل مع املستمع من منطلق‬ ‫عدم إملامه بهذا العمل اإلبداعي‪ ،‬ومن ثم جيب‬ ‫أن يتغلب العرض على النقد‪ ،‬وأن تورد األحكام‬ ‫واآلراء يف ثنايا احلديث االذاع��ي عن موضوع‬ ‫العمل األدبى أو الفنى‪.‬‬ ‫• جيب أن يتجنب احلديث االذاع��ي األرقام‬ ‫التفصيلية واإلح��ص��اءات بقدر اإلم��ك��ان‪ ،‬ويف‬ ‫حالة استخدامها ميكن تقريب األرقام الكبرية‬ ‫املعقدة‪ ،‬فاملستمع ال يهمه معرفة األرقام بقدر‬ ‫ما يهمه داللة هذه األرقام‪.‬‬ ‫•إذا كان احلديث يتم يف مناسبة معينة وال‬ ‫يقدم ضمن برنامج دورى‪ ،‬يتحتم على الكاتب‬ ‫واملتحدث حتديد أهمية املناسبة وإلقاء الضوء‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫•ملا كانت الكلمة املنطوقة ختاطب حاسة‬ ‫األذن فقط فمن ال��واج��ب على املتحدث يف‬ ‫اإلذاع��ة أن يعي ً‬ ‫متاما طبيعة وخصائص هذه‬ ‫ً‬ ‫ثقافيا‬ ‫الوسيلة اإلعالمية ومجهورها املتنوع‬ ‫ً‬ ‫وبيئيا وسنيا‪.‬‬ ‫• اسلوب احلديث االذاعي حيتاج إىل البساطة‬ ‫والوضوح والدقة يف اختيار الكلمات واجلمل‬ ‫اليت تتقبلها اآلذان وتتلقفها بود وتلقائية‪.‬‬ ‫•جيب أال يستخدم أى لفظ يف احلديث االذاعي‬ ‫دون أن يكون له معنى وهدف ومضمون‪.‬‬ ‫جيب أن حتتوى خامتة احلديث على ملخص‬ ‫ل�لأف��ك��ار ال�تي وردت ب��ه‪ ،‬كما جي��ب أال تقل‬ ‫خامتة احلديث أهمية عن مقدمته‪ ،‬فهى ترتك‬ ‫اإلنطباع األخري لدى املتلقى الذى يصدر‪ ،‬بناء‬ ‫عليه‪ ،‬حكمه على هذا احلديث‪.‬‬ ‫* برامج احلوار ‪:‬‬


‫تعد برامج احل��وار من أكثر أشكال برامج‬ ‫اإلذاعة انتشارا‪ ،‬ويتوقف جناح هذا الشكل على‬ ‫جودة اإلعداد وأسلوب التقديم الذي يستهوي‬ ‫املسمعني‪ .‬وميكن اع��داد احل��وار اع��دادا كامال‬ ‫من جانب « احملاور « واملتحاور معه‪ ،‬كما ميكن‬ ‫وض��ع خطوط ارش��ادي��ة لألسئلة واإلج��اب��ات‪.‬‬ ‫وأحيانا تكون برامج احلوار تلقائية دون إعداد‬ ‫مسبق‪ ،‬وأحيانا يتم اع��داده��ا بشكل جزئي‬ ‫ً‬ ‫متاما‬ ‫فقط وينطوي تقديم احل��وار التلقائي‬ ‫على بعض املخاطر مثل أن يكون املتحاور معه‬ ‫قليل املعلومات‪ ،‬أو ال جييد التعبري عن أفكاره‪،‬‬ ‫او تكون إجاباته خمتصرة جدا‪ ،‬أو طويلة أكثر‬ ‫من الالزم‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فكثريا ما تسفر‬ ‫احلوارات املعدة بدقة عن قدر من التكلف‪.‬‬ ‫ تعريفه‪ :‬حديث ي��دور م��ا ب�ين أحدهما‬‫اإلذاعي واآلخر شخصية هلا عالقة بالقضية أو‬ ‫املوضوع الذى يطرحة الربنامج‪.‬‬ ‫ هدفـه‪ :‬اإلستفادة مبا لدى هذا الضيف من‬‫معلومات وآراء وخربات يف القضية املعروضة‬ ‫ً‬ ‫جذبا مما لو عرضت‬ ‫وتقدميها بطريقة أكثر‬ ‫من خالل حديث إذاعي مباشر‪.‬‬ ‫ شروطه‪ :‬احلوار اإلذاعي جناحه متوقف على‬‫طرفني وهما اإلذاعي والضيف‪.‬‬ ‫* يوجد أربعة أنواع من برامج احلوار ‪:‬‬ ‫‪ 1‬حوار الرأي (‪)Opinion Interview‬‬‫‪ :‬ي��رك��ز على استجالء رأي أح��د اخل�ب�راء أو‬ ‫املتخصصني يف موضوع ما ‪ :‬فكري ـ سياسي ـ‬ ‫اقتصادي ـ ديين ـ رياضي ـ ثقايف ـ أدبي ـ فين‬ ‫ـ علمي‪.‬‬ ‫‪ 2‬ح��وار املعلومات (‪Information‬‬‫‪: )Interview‬‬

‫يسعي إىل تقديم معلومات واقعية تهم‬ ‫اجلمهور‪ ،‬ويستخدم هذا النوع كثريا يف برامج‬ ‫االخبار‪ ،‬واجملالت‪ ،‬والفيتشر‪ ،‬والوثائقية‪.‬‬ ‫‪ 3‬ح���وار الشخصية (‪Personality‬‬‫‪: )Interview‬‬ ‫يهدف إىل إث��ارة االهتمامات االنسانية من‬ ‫خالل سرب إغوار إحدى الشخصيات والكشف عن‬ ‫أفكارها واجتاهاتها وسلوكياتها‪.‬‬ ‫‪ 4‬ح�����وار االس����ت����دالل ( ال���ش���ه���ادة )‬‫(‪: )Testimonial‬‬ ‫ينطوي هذا النوع على توجيه اسئلة بسيطة‬ ‫للمواطن العادي للتعرف على رأيه أو جتاربه أو‬ ‫اجتاهاته حيال موقف أو مشكلة أو قضية ما‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما‬ ‫أو خدمة أو سلعة أو مشروع معني‪.‬‬ ‫يستخدم احلوار االستداللي كجزء من برنامج‬ ‫تفصيلي حول شخصية أو قضية أو فكرة ما‬ ‫بهدف التأكيد على فكرة الربنامج والتوحد مع‬ ‫املستمعني ‪ -‬ويتم اجراء احلوارات االستداللية‬ ‫بطرق عديدة‪.‬‬ ‫أ‪ -‬احلوارات امليدانية (‪)Field Interviews‬‬ ‫ه��ي تتيح للمخرج تسجيل م��ا يدعم فكرة‬ ‫الربنامج‪ ،‬وخيتار الفقرة املناسبة من بني‬ ‫تسجيالت عديدة‪ً ،‬‬ ‫فضال عن نقل صوت الشارع‬ ‫والضوضاء ال�تي تتيح مناخ صوتي يؤثر يف‬ ‫املستمع وحيفزه على استقبال الرسالة والتوحد‬ ‫معها‪.‬‬ ‫ب‪ -‬م��ق��اب�لات االس���ت���دي���و (‪Studio‬‬ ‫‪: )Interviews‬‬ ‫تعتمد على تسجيل الشهادات أثناء تنفيذ‬ ‫الربنامج على اهلواء مبا حيقق التنوع يف اإلفكار‬ ‫واحليوية يف الربنامج‪.‬‬ ‫‪309‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪310‬‬

‫ج‪ -‬حوار التليفون ‪:‬‬ ‫يتيح مقابلة إذاعية سريعة تشعر املستمع‬ ‫بفورية اإلذاعة وتلقائيتها‪.‬‬ ‫* اإلذاع��ي مطلوب منه يف احلوار اإلذاع��ي أن‬ ‫يكون‪:‬‬ ‫ً‬ ‫•متمكنا من املوضوع املطروح واطلع عليه‬ ‫بشكل جيد وأعد نفسه بكل املعلومات اجلديدة‬ ‫حوله من كافة املصادر املتاحه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫•متمكنا من حرفية إدارة احل��وار وقيادة‬ ‫دفته مبا يفيد اجلمهور املتلقى‪ .‬وعلى دراية‬ ‫بالشخصية اليت يستضيفها ولديه معلومات‬ ‫ج��ي��ده عنها وع��م��ا يسمى مب��ف��ات��ي��ح ه��ذه‬ ‫الشخصية‪.‬‬ ‫•على دراية مبا يدور يف ذهن اجلمهور من‬ ‫تساؤالت واستفسارات حول القضية املطروحة‪.‬‬ ‫•مدرك لطبيعة الربنامج ولطبيعة احملطة‬ ‫ال�تي يعمل م��ن خ�لاهل��ا ولطبيعة امل��وض��وع‬ ‫ومستحضر كل ذلك يف ذهنه أثناء إدارة احلوار‪.‬‬ ‫•أما ضيـف الربنامج فمطلـوب منه يف احلـوار‬ ‫اإلذاعي أن يكون ‪:‬‬ ‫لديـة الرغبة احلقيقية يف إفادة اجلمهور وعدم‬ ‫تضليله أو ختديره‪.‬‬ ‫•لديـة معلومات ج��دي��دة ودقيقة حول‬ ‫املوضوع املطروح يف الربنامج‪.‬‬ ‫•لديـة اقتناع بأهمية الوسيلة اليت يتحدث‬ ‫من خالهلا ومدى تأثريها على اجلمهور‪.‬‬ ‫•لديـة اقتناع بكفاءة اإلذاعي الذى يدير معه‬ ‫احلوار وعمق معلوماته‪.‬‬ ‫•لديـة القدرة على توصيل ما لديه من‬ ‫معلومات بشكل واضح ومفهوم للجمهور دون‬ ‫فلسفة أو مظهرية أو تعالي على الناس‪.‬‬

‫* اعداد احلوار االذاعي ‪:‬‬ ‫وحتتاج مجيع أنواع احلوار إىل عناية يف االعداد‬ ‫من خالل البحث يف طبيعة املوضوعات اليت‬ ‫تهم املستمعني‪ ،‬وأهميتها‪ ،‬وارتباطها حبياتهم‬ ‫اليومية‪ .‬وبعد أن تنتهي مرحلة البحث‪ ،‬يبدأ‬ ‫احملاور يف وضع قائمة باألسئلة‪ ،‬وعادة ما يكون‬ ‫عدد األسئلة اكثر مما ينوي تقدميه بالفعل‪،‬‬ ‫كذلك يتناسب عدد األسئلة مع زمن الربنامج‬ ‫ولعل أفضل األسئلة هي تلك اليت نتوقع أن‬ ‫املستمع يريد توجيهها للمتحاور معه‪ .‬وحيتاج‬ ‫إعداد االسئلة إىل مهارة من جانب احملاور‪ ،‬حيث‬ ‫إن األسئلة اجليدة هي مفتاح احلوار الناجح‪.‬‬ ‫ويعتمد أسلوب توجيه السؤال على الغرض من‬ ‫املقابلة‪ ،‬كذلك يراعي يف إختيار املتحاور معه أن‬ ‫ً‬ ‫متخصصا يف موضوع املقابلة‪،‬‬ ‫يكون خبرياً أو‬ ‫وأن يكون شخصية مقبولة لدى املستمعني‪ ،‬وأن‬ ‫جييد التحدث أمام امليكروفون دون رهبة‪.‬‬ ‫* كيفية اإلعداد للحوار اإلذاعي ‪:‬‬ ‫‪.1‬االختيار اجليد للموضوع الذى يشعر معد‬ ‫الربنامج من أنــه ‪:‬‬ ‫•موضوع جديد‬ ‫•يهم أكرب عدد ممكن من اجلمهور‪.‬‬ ‫•تتعدد األراء حوله‪.‬‬ ‫•يصلح لطرحه كقضية عامه وليست فردية‪.‬‬ ‫•ال يتعارض مع قيم اجملتمع والعرف السائد‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫•ال حيدث جمرد ضجة إعالمية بدون فائدة‬ ‫حقيقية للجمهور‪.‬‬ ‫‪.2‬اإلختيار اجليد لضيف الربنامج‪ ،‬وذلك‬


‫بضرورة أن تتوافر لديه املعلومات اجليده‬ ‫عن املوضوع أوالتخصص يف املوضوع املطروح‪،‬‬ ‫إضافة إىل املواصفات السابق ذكرها‪.‬‬ ‫‪.3‬احلصول على معلومات ج��دي��دة عن‬ ‫املوضوع من خالل املصادر املختلفة سواء أكانت‬ ‫مصادر شخصية أو مصادر مكتبية‪.‬‬ ‫‪.4‬احلصول على معلومات جيدة عن ضيف‬ ‫الربنامج وآراءه واجتاهاته‪.‬‬ ‫‪.5‬حتديد اهلدف من احلوار سواء أكان حوار‬ ‫معلومات‪ ،‬أو رأى‪ ،‬أم حوار شخصية ألنه على‬ ‫ض��وء ه��ذا اهل���دف تتحدد طريقة واس��ل��وب‬ ‫ونوعية األسئلة املطروحة‪.‬‬ ‫‪.6‬إعداد األسئلة اخلاصة بالربنامج واليت‬ ‫ينبغى أن تراعي ‪:‬‬ ‫•تغطية كافة جوانب القضية‪.‬‬ ‫•الرتكيز على النقاط اليت يشعر اإلذاعي أنها‬ ‫تشكل جوانب ناقصة عند اجلمهور وينتظر‬ ‫الربنامج للحصول عليها‪.‬‬ ‫•التسلسل املنطقى هلذه األسئلة‪.‬‬ ‫•أال تكون تلك األسئلة إحيائية أو متكررة‬ ‫أوتقليدية‪.‬‬ ‫•توافق طبيعة األسئلة مع طبيعة الضيف‬ ‫وكذلك طبيعة احملطة‪.‬‬ ‫وعادة ما يتضمن احلوار مقدمة يتناول فيها‬ ‫احمل��اور أهمية املوضوع وارتباطه باهتمامات‬ ‫املستمعني‪ ،‬كما يقدم اسم الضيف‪ ،‬ومؤهالته‪،‬‬ ‫وخرباته‪ ،‬وحتقق املقدمة ثالثة أهداف رئيسية‬ ‫‪( :‬جذب املستمع حنو مضمون احلوار ‪ -‬تقديم‬ ‫خلفية معرفية متهد للضيف قبل أن يبدأ‬ ‫احلديث ‪ -‬متتص التوتر والقلق من جانب‬ ‫الضيف)‪ .‬ويراعي احملاور بعض االعتبارات عند‬

‫تقديم احلوار كاآلتي‪(:‬حتقيق اإللفة والتفاعل‬ ‫مع احملاور معه ومعاملته كشريك ‪ -‬حتديد اجتاه‬ ‫املقابلة مقدما‪ ،‬ووضع خطة لألسئلة الرئيسية‬ ‫ يعتمد بناء األسئلة على الوضوح والبساطة‬‫واملنطق‪ ،‬وتوجيه اسئلة للمتابعة‪ ،‬والرتكيز‬ ‫على جوانب معينة ‪ -‬إعادة توجيه اسئلة عن‬ ‫اجلوانب الغامضة‪ ،‬أو اليت حتتاج إىل مزيد من‬ ‫الشرح يف اطار خربة املتحاور معه ‪ -‬عدم التعليق‬ ‫على االجابات سلبا أو إجيابا‪ .‬فإذا كانت اإلجابة‬ ‫واقعية ننتقل إىل السؤال التالي‪ ،‬وإذا مل تكن‬ ‫كافية يتم وضع سؤال مكمل ملا سبق طرحه من‬ ‫قبل)‪.‬‬ ‫* تنفيذ احلوار اإلذاعي‪:‬‬ ‫يراعى يف التنفيذ أن يكون اإلذاعي متمرسا‬ ‫بشكل جيد على إدارة احلوار حبيث اليستغرق‬ ‫وقتا طويال يف املقدمه اإلنشائية وال يستغرق‬ ‫وق��ت��ا ط��وي�لا يف ط��رح ال��س��ؤال ألن القاعدة‬ ‫اإلذاعية أن السؤال الطويل يسفر عنه اجابة‬ ‫طويلة وكالهما غري مطلوب إذاعيا‪ ،‬وكذلك فإن‬ ‫مقاطعة الضيوف قد تكون مطلوبة يف بعض‬ ‫األحيان إذا استشعر اإلذاعي أن الضيف مبالغ يف‬ ‫اجاباته أو غري حمدد‪ ،‬لكن هذه املقاطعه ينبغى‬ ‫أن تتم حبساب حتى ال تصبح عادة لدى اإلذاعي‬ ‫يف كل األسئلة أو مع كل ضيوفه‪ .‬ويراعي اإلذاعي‬ ‫كذلك أن يكون متيقظ مع اجابات الضيف‪،‬‬ ‫حبيث ميكن أن يستخرج منها بعض األسئلة‬ ‫اجلديده اليت مل يضعها من قبل يف النص املعد‪،‬‬ ‫كذلك عليه أن يستوقف الضيف إذا شعر بعدم‬ ‫وض��وح جزئية من كالمه‪ ،‬وعلى اإلذاع��ي أن‬ ‫يهتم بوضع امليكروفون وحركته أثناء إدارة‬ ‫احلوار‪ .‬أيضا على اإلذاعي أن يضع أسئلته مبا‬ ‫‪311‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪312‬‬

‫يتوافق مع مدة ووق��ت الربنامج حتى الجيد‬ ‫صعوبة بعد ذلك يف عملية املونتاج‪ ،‬وكذلك‬ ‫عليه م��راع��اة طبيعة األسئلة ال�تي يتناسب‬ ‫وضعها يف بداية أو وسط أو نهاية احلوار‪ .‬وأن‬ ‫احلوار اإلذاعي مهارة ينبغى أن تتوافر لدى أى‬ ‫إذاعي وذلك ألن إتقان احلوار يساعد اإلذاعي‬ ‫على اتقان األشكال اإلذاعية األخرى اليت يعترب‬ ‫احلوار هو عمودها الفقرى‪ ،‬ومن الصعب أن جتد‬ ‫إذاعي ناجح ألنه قارئ جيد للنص فقط‪ ،‬ولكن‬ ‫اإلذاع��ي الناجح البد وأن يكون أيضا حماورا‬ ‫ناجحا ومتمكنا‪.‬‬ ‫* سلبيات احملاور اثناء تنفيذ احلوار ‪:‬‬ ‫ عدم منح االهتمام الكايف للضيف‪.‬‬‫ األسئلة الطويلة املركبة أو الغامضة‪.‬‬‫ فقدان االتصال بالنظر مع املتحاور معه‬‫لفرتات طويلة‪.‬‬ ‫ السماح للضيف بقراءة االسئلة مقدما‪.‬‬‫ النظر إىل الساعة ملراقبة الوقت ألن ذلك يثري‬‫قلق الضيف‪.‬‬ ‫ عدم توجيه أسئلة للمتابعة إذا كانت اإلجابة‬‫غري كافية‪.‬‬ ‫ األسئلة املغلقة‪.‬‬‫ األسئلة اإلجيابية‪.‬‬‫ األسئلة البعيدة عن خربات املتحاور معه‪.‬‬‫ املقدمة الطويلة وكثرة االستهالك‪.‬‬‫ التخلص من االلفاظ او االشارات اليت ال لزوم‬‫هلا واليت يقوم بها احملاور أحيانا دون وعي‪.‬‬ ‫ ع��دم مقاطعة الضيف إال إذا خ��رج عن‬‫موضوع احلوار وانتهاء الوقت املخصص له على‬ ‫اهلواء‪.‬‬ ‫* ب��رام��ج امل��ن��اق��ش��ات (‪Discussion‬‬

‫‪: )Program‬‬ ‫* تعريفـه ‪ :‬مادة إذاعية تهتم بعرض كافة‬ ‫اآلراء اليت تدور حول قضية أو مشكلة أو ظاهرة‬ ‫تهم اجلمهور بشكل ع��ام‪ ،‬وه��ى ختتلف عن‬ ‫التحقيق يف أن اآلراء تكون جمتمعه مع بعضها‬ ‫وتتناول النقاش املوضوعي ح��ول القضية‬ ‫مما يضفي على الربنامج املزيد من احليوية‬ ‫واجلاذبية‪ .‬وبرامج املناقشات أصبحت من أكثر‬ ‫ً‬ ‫جذبا للجمهور وانتشاراً بني احملطات‬ ‫األشكال‬ ‫ً‬ ‫اإلذاعية وايضا القنوات التليفزيونية وهى ما‬ ‫اصطلح على تسميتها يف اآلونة األخرية بربامج‬ ‫(‪ )Talk show‬واليت كثرياً ما تدور حوهلا‬ ‫مناقشات وإختالفات حول جدواها وقيمتها‬ ‫بالنسبة للجمهور‪ .‬الفكرة األساسية يف برامج‬ ‫املناقشات هى لقاء جيمع أصحاب اآلراء املختلفة‬ ‫حول مائدة واحدة ليدور بينهم نقاش علمى‬ ‫موضوعي ‪ -‬يعرض خالله كل فرد منهم آرائه‬ ‫واجتاهاته ومربراته واسانيده‪ ،‬ويفند اآلراء‬ ‫األخرى دون جتريح ‪ -‬ليخرج املستمع يف النهاية‬ ‫بفائدة أو معلومة أو يكون ً‬ ‫رأيا شخصيا حول‬ ‫القضية املثارة‪.‬‬ ‫وتهدف برامج املناقشات إىل تبادل اآلراء‬ ‫واملعلومات للوصول إىل حلول واقعية أو حمتملة‬ ‫ح��ول أسئلة هامة أو مشكلة معينة‪ .‬وجيدر‬ ‫بنا ع��دم اخللط بني برامج احل��وار وبرامج‬ ‫املناقشات‪ ،‬ف���األوىل تهدف إىل احل��ص��ول على‬ ‫املعلومات واستنباط اآلراء‪ ،‬بينما تستهدف‬ ‫الثانية تبادل اآلراء واملعلومات وتسري كتابة‬ ‫برامج املناقشات على خيط رفيع بني اإلعداد‬ ‫الكامل للنص‪ ،‬واالع��داد اجلزئي الذي يتضمن‬ ‫اخل��ط��وط الرئيسية‪ .‬فالكاتب ال ميكنه أن‬


‫يكتب النص التفصيلي للربامج ألننه ال يعرف‬ ‫على وجه الدقة طبيعة االجتاهات واآلراء اليت‬ ‫ستثار من جانب املشرتكني يف املناقشة حول‬ ‫املوضوع أو القضية حمور النقاش‪ .‬لذلك يضع‬ ‫الكاتب اخلطوط الرئيسية لألفكار املطروحة‬ ‫للنقاش‪ ،‬ويقوم بتنظيم رؤوس املوضوعات‬ ‫ً‬ ‫وفقا للتسلسل املنطقي‪ ،‬مع تعريف املستمعني‬ ‫بأهمية امل��وض��وع‪ ،‬وخلفية معرفية حول‬ ‫املشاركني فى املناقشة‪.‬‬ ‫إذا لو حتولت برامج املناقشات إىل جمرد صخب‬ ‫وضجيج وانفعاالت واتهامات‪ ،‬النعدمت فائدتها‬ ‫ولصعب على املستمع او املشاهد أن يستفيد منها‪،‬‬ ‫وهنا البد وان نشري إىل أن بعض القنوات رغبة‬ ‫منها يف اإلث��ارة وجذب اإلنتباه ختتلق قضايا‬ ‫وتثري حوهلا اجلدل دومنا فائدة حقيقية تعود‬ ‫على املتلقى من وراء ذلك وهذا يعترب صورة من‬ ‫صور الصحافة الصفراء لذلك فإن جناح برامج‬ ‫املناقشات يعتمد يف األساس على ثالث حماور‪:‬‬ ‫ األول ‪ :‬موضوع جيد ‪ -‬يهم اجلمهور ‪ -‬يتسم‬‫باحلالية أى جديد مل يسبق تناوله‪ ،‬ويسمح‬ ‫بإختالف اآلراء ح��ول��ه‪ ،‬أى ال يكون قضية‬ ‫حمسومة ال حتتمل اإلختالف أو النقاش‪.‬‬ ‫ الثانـى ‪ :‬جمموعة جيده من املتحدثني ‪-‬‬‫ممن لديهم خربة جيده يف املوضوع أو القضية‬ ‫املطروحة ولديهم القدرة على التعبري عن‬ ‫وجهات نظرهم بشكل موضوعي ـ دون انفعال‬ ‫أو جتريح لآلخرين أو تسفيه آلرائهم‪.‬‬ ‫ الثالث ‪ :‬مدير جيد هلذه املناقشة ـ لديه‬‫القدره على إدارة دفة احل��وار بني املتحدثني‬ ‫بلباقة وموضوعية وحسم وج���رأة‪ ،‬وعليه‬ ‫ً‬ ‫أن يكون حم��اي��داً‬ ‫متاما يف تعامله مع مجيع‬

‫ً‬ ‫فضال عن معلوماته اجليده حول‬ ‫األط��راف‪،‬‬ ‫القضية املطروحة‪.‬‬ ‫وتتيح برامج املناقشات املناخ املالئم لتبادل‬ ‫األفكار اليت تشكل أهمية خاصة لدى اجلمهور‬ ‫املستهدف‪ .‬وق��د تكون املناقشة خفيفقة أو‬ ‫جادة‪ ،‬ولكن اهلدف منها ً‬ ‫دائما أن تدفع املستمع‬ ‫إىل التفكري‪ .‬وأبسط أنواع املناقشات هي امتداد‬ ‫لربامج احل��وار حيث يقوم احمل��اور بدور أكثر‬ ‫إجيابية‪ ،‬فهو يطرح األفكار اليت حتفز املتناقشني‬ ‫على التمعن يف املوضوع بشرط أن يقوم بذلك‬ ‫مذيع حمنك يف العمل اإلذاعي‪ .‬وقد متتد برامج‬ ‫املناقشات ليديرها رئيس أو مسؤول ليدير‬ ‫النقاش بني ثالثة أو أربعة أفراد على األكثر‪.‬‬ ‫ويتوىل قائد املناقشة إدارة احل��وار والتنظيم‬ ‫واملتابعة دون أن يشارك برأيه الشخصي يف‬ ‫املناقشة‪.‬‬ ‫* اإلعداد للمناقشة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وه��ى تتطلب جهدا كبريا يف إع��داده��ا من‬ ‫حيث مجع املعلومات عن املوضوع‪ ،‬واختيار‬ ‫ضيوف احللقة‪ ،‬وإجراء مقابالت مبدئية معهم‪،‬‬ ‫والتعرف على طبيعة شخصياتهم وحجم‬ ‫اإلختالفات بينهم‪ ،‬وحتديد موعد املناقشة‪،‬‬ ‫ومكان تسجيلها أو إذاعتها على اهلواء‪ ،‬وجتهيز‬ ‫املواد اليت سيتم اإلستعانة بها سواء تسجيالت أو‬ ‫موسيقى أو مؤثرات‪.‬‬ ‫وعادة ما يدور موضوع املناقشة حول قضية‬ ‫واحدة بشرط أن يتم تناوهلا بعمق‪ ،‬كما ميكن‬ ‫عرض بعض خطابات املستمعني‪ ،‬أو استقبال‬ ‫مكاملاتهم اهلاتفية والتعليق عليها‪ .‬ولعل السمة‬ ‫الرئيسية لربامج املناقشات تتضمن وجود‬ ‫‪313‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪314‬‬

‫صراع ويتولد هذا الصراع نتيجة االختالف‬ ‫والتعارض يف اآلراء بني املتناقشني‪ .‬أما الربامج‬ ‫اليت تتفق فيها اآلراء بشكل كامل‪ ،‬فهي تسفر‬ ‫عن مناقشة جافة وعقيمة للمستمع‪ .‬وتشبه‬ ‫املناقشات اجليدة املباريات الرياضية‪ ،‬حيث‬ ‫يسعي كل طرف خالهلا إىل أن يكسب املباراة‬ ‫الفكرية‪ .‬وتعتمد املناقشة على أسلوب التخاطب‬ ‫ً‬ ‫أحيانا قدر من‬ ‫السهل البسيط‪ ،‬وقد تتضمن‬ ‫احل��دة والعصبية واالن��ف��ع��االت ال�تي تستثري‬ ‫املستمع وجتعله يتبنى موقف طرف أو فكرة‬ ‫ضد طرف أو فكرة أخرى‪.‬‬ ‫* تنفيذ املناقشة ‪:‬‬ ‫ومرحلة التنفيذ تتوقف سهولتها وجناحها‬ ‫على املرحلة السابقة وه��ى اإلع���داد‪ .‬فكلما‬ ‫مت اإلع��داد بشكل جيد‪ ،‬سهل ذلك من مسألة‬ ‫التنفيذ وإجراءاتها‪ ،‬وخالل مرحلة التنفيذ البد‬ ‫من اإلهتمام بإعداد مقدمة وافية عن موضوع‬ ‫احللقة وأهميته‪ ،‬وضيوف احللقة وعالقاتهم‬ ‫باملوضوع‪ ،‬كما ينبغى أن تغطى أسئلة اإلذاعي‬ ‫كافة استفسارات اجلمهور‪ ،‬وكذلك ينبغى أن‬ ‫مينح كل فرد من املتحدثني الفرصة الكاملة‬ ‫يف التعبري عن آرائه‪ ،‬وأن يكون هناك إمكانية‬ ‫للمقاطعة من اآلخرين لكن بشكل حضارى‬ ‫ومنظم ومبا ال حيول املناقشة إىل فوضى ال قيمة‬ ‫وال عائد من ورائها‪.‬‬ ‫* تنقسم برامج املناقشات إىل أربعة أنواع‬ ‫رئيسية ‪:‬‬ ‫ املائدة املستديرة ‪ :‬يعد هذا النمط من أكثر‬‫ً‬ ‫شيوعا يف اإلذاع��ات‪ ،‬ويطلق‬ ‫برامج املناقشات‬

‫ً‬ ‫أحيانا «الندوة املستديرة «‪ ،‬وهي تعتمد‬ ‫عليه‬ ‫على تقديم ع��دد من الضيوف ح��ول مائدة‬ ‫مستديرة يف موقف يتبادلون فيه األفكار‬ ‫واألراء ح��ول موضوع يهم اجلمهور‪ .‬وتتسم‬ ‫إدارة املناقشة بالتلقائية حيث ال يوجد وقت‬ ‫ً‬ ‫وأحيانا ال يوجد حتديد‬ ‫حمدد لكل مشرتك‪،‬‬ ‫للموضوعات الفرعية ال�تي يتطرق اليها‬ ‫النقاش‪ ،‬حيث يعرض كل مشارك يف الندوة ما‬ ‫يتبادر إىل ذهنه من أفكار وآراء ‪ ،‬ويهتم هذا‬ ‫النوع من برامج املناقشات بطرح املوضوع أو‬ ‫املشكلة‪ ،‬ولفت انتباه اجلمهور ألهميتها وإثارة‬ ‫اهتمامه بها‪ ،‬وليس من الضروري تقديم حلول‬ ‫للمشكالت املثارة‪ .‬ويقتصر دور مدير الندوة‬ ‫على تنظيم املناقشة حتى ال حي��دث تشتت‬ ‫عن املوضوع املثار‪ ،‬وحتقيق التوازن يف إتاحة‬ ‫الفرصة أمام كافة املشاركني يف عرض أفكارهم‬ ‫‪ ،‬ويتضمن النص املكتوب للربنامج مدخل‬ ‫لتوضيح أهمية املوضوع‪ ،‬وعناصر املوضوعات‬ ‫الفرعية‪ ،‬والتعريف باملشاركني يف الندوة‪،‬‬ ‫وتلخيص أهم األفكار واآلراء نتيجة املناقشة‪،‬‬ ‫وك��ت��اب��ة خ��امت��ة ال�بران��ام��ج‪ ،‬ومي��ك��ن تزويد‬ ‫املشاركني يف الندوة بالنص إلع��داد املعلومات‬ ‫الالزمة للمناقشة إذا ما ابدوا رغبتهم يف ذلك‪.‬‬ ‫ الندوة األفقية ‪ :‬يعتمد ه��ذا النمط من‬‫املناقشات على استضافة بعض الشخصيات‬ ‫اخلبرية بالقضية املطروحة للنقاش واليت لديها‬ ‫حلول واقعية قابلة للتطبيق ملشكلة معينة‬ ‫تهم اجلماهري‪ ،‬ويتم منح كل مشرتك يف الندوة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقتا حمدداً‬ ‫ومتساويا للتعبري عن أفكاره وآرائه‬ ‫ويكون السؤال موحداً لكافة املشاركني‪ ،‬و بعد‬ ‫اإلجابة على اسئلة مدير الندوة ميكن السماح‬


‫لبعض أفراد اجلمهور بتوجيه اسئلة للمشاركني‬ ‫عرب اهلاتف أو الفاكس أو احلضور املباشر لتسجيل‬ ‫ال��ن��دوة‪ .‬وبعد انتهاء الوقت احمل��دد لإلجابة‬ ‫على اسئلة اجلمهور‪ ،‬يتم منح كل مشرتك من‬ ‫اخلرباء ً‬ ‫وقتا حمدداً مرة أخرى لتلخيص وجهة‬ ‫نظره أو للتعقيب على آراء املشاركني اآلخرين‪.‬‬ ‫وي��ك��ون دور مدير ال��ن��دوة تقديم املوضوع‬ ‫وإظهار أهميته للجمهور والتعريف باملشاركني‬ ‫من اخلرباء واملختصني‪ ،‬وإدارة النقاش بتوازن‬ ‫وحياد‪ ،‬وتلخيص مجيع اآلراء يف ختام الندوة‪.‬‬ ‫ املناقشة اجلماعية ‪ :‬يركز هذا النوع من‬‫املناقشات على بعض القضايا ال�تي تهم فئة‬ ‫معينة من اجلمهور‪ ،‬وتعتمد املناقشة على‬ ‫استخدام أسلوب التفكري اجلماعي وطرح اآلراء‬ ‫حبرية من جانب اخلرباء وبعض األفراد الذين‬ ‫ميثلون اجلمهور املعين باملشكلة‪ .‬ويسعي كل‬ ‫مشارك إىل عرض أسباب املشكلة ومظاهرها‬ ‫مستفيداً من نتائج البحوث والدراسات العلمية‬ ‫اليت تقدم بعض احللول القابلة للتنفيذ‪.‬‬ ‫ املناظــــرة ‪ :‬يعتمد هذا الشكل من برامج‬‫املناقشات على وجود طريف نقيض مثل احلزب‬ ‫احلاكم واملعارضة‪ ،‬أو املرشحني املتنافسني يف‬ ‫االنتخابات السياسية أو النقابية أو الرياضية‪.‬‬ ‫ويستخدم كل ط��رف يف املناظرة إمكانياته‬ ‫ومهاراته وقدراته على االقناع يف شرح أفكاره‬ ‫وتفنيد آراء وأفكار الطرف اآلخ��ر‪ .‬ويقتصر‬ ‫اإلعداد للمناظرة على كتابة املقدمة‪ ،‬وتقديم‬ ‫املشرتكني يف املناظرة‪ ،‬وط��رح بعض األسئلة‬ ‫املفتوحة‪ ،‬وم��ن��ح ك��ل م��ش�ترك وق��ت ً��ا حم��دداً‬ ‫وم��ت��س��اوي ً��ا ل��ع��رض اف��ك��اره‪ ،‬وت�ت�رك النهاية‬ ‫مفتوحة حلكم اجلمهور‪.‬‬

‫وحتتاج برامج املناقشات بوجه ع��ام‪ ،‬إىل‬ ‫اعداد دقيق مثل برامج احلوار‪ .‬وجيب أن يكون‬ ‫موضوع املناقشة جديداً وغري مستهلك‪ ،‬وأن‬ ‫يهم اكرب عدد ممكن من املستمعني وأن يتسع‬ ‫لالختالف يف وجهات النظر‪ .‬وهناك العديد من‬ ‫برامج املناقشات اليت تفشل إما ألن موضوعها ال‬ ‫يهم قطاعات كبرية من اجلماهري‪ ،‬أو لكون طبيعة‬ ‫املوضوع ال تتسع لالختالف يف اآلراء‪ .‬ويوجد‬ ‫يف بعض احملطات االذاعية جلان تكون مهمتها‬ ‫اعداد برامج املناقشات والتأكد من أن املوضوع‬ ‫يتسع لالختالف يف وجهات النظر‪ .‬ويشرتط‬ ‫للمشاركني فى برامج املناقشات أن يكونوا من‬ ‫اخلرباء املتخصصني يف القضية املطروحة‪ ،‬وأن‬ ‫يتمتعوا بشخصيات جذابة ومثرية وهلا مسعة‬ ‫جيدة يف جمال علمها‪ ،‬وأن تتسم آرائهم بالقدرة‬ ‫على طرح األفكار اجلريئة وإقناع اآلخرين‪ ،‬وان‬ ‫تتناسب لغة احلوار مع طبيعة وثقافة اجلمهور‬ ‫املستهدف‪ .‬وجيب أن يتوافر يف قائد املناقشة‬ ‫القدرة واملهارة على تنظيم إدارة النقاش‪ ،‬وأن‬ ‫يتيح اجمل��ال أم��ام ص��راع األفكار وليس صراع‬ ‫االش��خ��اص‪ ،‬وأن يستيعني خبلفياته حول‬ ‫املوضوع ويثري األفكار اليت تليب احتياجات‬ ‫املستمع ورغباته‪ .‬ويف حاالت كثرية يقوم قائد‬ ‫املناقشة أو معد الربنامج بتوزيع خطة الربنامج‬ ‫على املشاركني قبل تنفيذ الربنامج بوقت كاف‬ ‫حتى يتمكنوا من اعداد مساهماتهم الفكرية‬ ‫واملعلومات املتخصصة اليت تدعم وجهة نظر‬ ‫ً‬ ‫مقدما‬ ‫كل منهم‪ .‬وجيب أن يقرر منتج الربنامج‬ ‫ق��در االل��ت��زام بالتنوع واالث���ارة عند عرض‬ ‫املوضوع من خالل الرتويج لآلراء املتعارضة أم‬ ‫اآلراء املتوافقة‪ ،‬ويتم توزيع عناصر املوضوع‬ ‫‪315‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪316‬‬

‫على سلسلة من األسئلة املفتوحة اليت تسمح‬ ‫للمشاركني بعرض وجهات نظرهم اخلاصة‪.‬‬ ‫ويتم إعداد املقدمة واخلامتة اليت تشتمل ابرز‬ ‫األراء اليت اثريت خالل الربنامج‪ .‬وتعتمد برامج‬ ‫املناقشات الناجحة على شخصية قائد املناقشة‬ ‫الذي يعترب قائد العرض أو املضيف‪ ،‬ومن بني‬ ‫واجباته أن يتدخل يف الوقت املناسب ليحول دون‬ ‫استحواذ أحد األطراف على احتكار النقاش‪ ،‬أو‬ ‫عند اخلروج عن القضية األساسية‪ ،‬ويقوم ً‬ ‫أيضا‬ ‫بتنظيم عناصر املوضوعات املطورحة للنقاش‪،‬‬ ‫والتحكم يف سرعة إيقاع الربنامج‪ ،‬وكتابة‬ ‫اخلطوط األساسية اليت تساعده على احلفاظ‬ ‫على تدفق املعلومات واالنتقال من عنصر إىل‬ ‫آخر‪ ،‬مع مراقبة الوقت احملدد لكل مشرتك‪.‬‬ ‫وتنتهي معظم املناقشات مبلخص من جانب‬ ‫قائد املناقشة حيتوي على أهم األفكار اليت أثريت‬ ‫بتوازن وموضوعية‪ ،‬دون إقحام آرائه اخلاصة أو‬ ‫التطرق اىل تفصيالت مل ترد خالل املناقشة‪.‬‬ ‫* التحقيق اإلذاعي‪:‬‬ ‫تعين كلمة « حتقيق « إع��ادة نقل احلدث أو‬ ‫احلديث أو الصورة بزواياها املختلفة وتقييمها‬ ‫من موقع احلدث إىل اجلمهور املستهدف‪ .‬وقد‬ ‫استعار اإلذاع���ة مفهوم « الريبورتاج « من‬ ‫الصحافة املقروءة‪ ،‬وأصبح يعين نقل الصورة‬ ‫الصوتية بكل ظالهلا م��ن مكان احل��دث إىل‬ ‫ً‬ ‫أساسا على اخلرب‬ ‫املستمع‪ .‬ويعتمد التحقيق‬ ‫والرأي‪ ،‬وإن كان اخلرب جمرد مربر للتعرف على‬ ‫اسبابه‪ ،‬وأبعاده‪ ،‬ونتائجه احلالية واملستقبلية‪.‬‬ ‫* تعريفه ‪ :‬شكل براجمى يهدف إىل البحث عن‬ ‫احلقائق من خالل استعراض اآلراء املتعارضة‬

‫ح��ول قضية معينة‪ ،‬مبا يساعد املستمع يف‬ ‫النهاية على تكوين رأى خاص به‪ .‬ومن أهم‬ ‫شروط هذا الشكل املوضوعية الكاملة يف عرض‬ ‫اآلراء واإلجتـاهات‪ ،‬وعـدم التحيز ألى رأى فيها‪،‬‬ ‫وقد يبـدو هذا التحيز من خـالل الزمن املمنوح‬ ‫جلانب على حساب اجلانب اآلخ��ر‪ ،‬أو ترتيب‬ ‫عرض الفقرات‪ ،‬أو نوعية األسئلة أو طريقة‬ ‫التعليق على اإلجابات‪ .‬كل ذلك ينبغى أن يتم‬ ‫مبوضوعية تامه وأن يكون اهلدف األساسى منه‬ ‫هو الوصول إىل احلقيقة الكاملة‪.‬‬ ‫* يقاس تأثري التحقيق اإلذاعي يف ضوء ثالثة‬ ‫عناصر‪:‬‬ ‫ احلدث ‪ :‬يتضمن صوت احلدث نفسه مثل‬‫آالت استخراج ال��ب�ترول‪ ،‬أو مناقشات أعضاء‬ ‫الربملان‪ ،‬وانفعاالت مقدم الربنامج حول احلدث‪،‬‬ ‫ومدى نقاء الصوت وجودة اإلرسال‪ ،‬والتداخالت‬ ‫اهلوائية اليت تعطي ظالل القرب أو البعد‪.‬‬ ‫ ال��رأي ‪ :‬ويقصد به رأي األط��راف املشاركة‬‫يف احلدث‪ ،‬وذلك بهدف توصيل صورة صوتية‬ ‫أمينة وصادقة عن موقف أو شخصية أو حدث‬ ‫أو قضية تهم اجلمهور‪.‬‬ ‫ اإلخ��راج ‪ :‬ويعين أسلوب تقديم احلقائق‬‫واملعلومات بالقدر الذي جيذب انتباه املستمعني‬ ‫ويدفعهم لالهتمام واملشاركة‪.‬‬ ‫* شــروطه ‪ :‬أه��م ش��روط جن��اح التحقيق‬ ‫اإلذاع��ي إتقان اإلذاع��ي لفن احل��وار والقدرة‬ ‫على احلصول على املعلومات من املتحدثني‪،‬‬ ‫والقدرة على الوصف الدقيق لألحداث مبا جيعل‬ ‫التحقيق مبثابة صورة صوتية واقعية للحدث‬ ‫تتسم باملوضوعية والصدق وعدم املبالغة‪.‬‬


‫ويتوقف جناح التحقيق اإلذاعي على اجادة‬ ‫اختيار املوضوع الذي يهم املستمعني‪ ،‬وأسلوب‬ ‫العرض‪ ،‬والوصف الدقيق ملختلف عناصره‪،‬‬ ‫والسعي الستثارة االهتمامات االنسانية من‬ ‫خ�ل�ال ن��ق��ل ص���وت االش��خ��اص احلقيقيني‪،‬‬ ‫واخل��ل��ف��ي��ات احمليطة ب��احل��دث‪ .‬وال يكتفي‬ ‫التحقيق االذاع��ي بطرح احلقائق فقط‪ ،‬وإمنا‬ ‫ً‬ ‫وغالبا‬ ‫يتطرق إىل األسباب والنتائج احملتملة‪.‬‬ ‫ما يتم صياغة التحقيق بعد احلصول على‬ ‫املادة املسجلة وتناوهلا باحلذف واإلضافة العطاء‬ ‫التحقيق شكله النهائي‪ ،‬ويتطلب ذلك القدرة‬ ‫على فرز املادة املسجلة وتقييمها واالختيار من‬ ‫بينها‪ ،‬وإبراز األثر الدرامي واللمسات اإلنسانية‪.‬‬ ‫وجيمع التحقيق ب�ين ع��رض الوقائع ورأي‬ ‫الكاتب أو املنتج الذي يتمثل يف طريقة انتقاء‬ ‫هذه احلقائق وأسلوب عرضها بشكل جذاب‪.‬‬ ‫* اإلعداد للتحقيق‪ :‬احلصول على املعلومات‬ ‫شرط أساسى لإلعداد اجليد ملوضوع التحقيق‬ ‫ً‬ ‫مسجال‪ ،‬فالفرصة ستكون ساحنة‬ ‫خاصة إذا كان‬ ‫لإلذاعي كى جيمع العديد من املعلومات من‬ ‫مصاردها املختلفة‪ ،‬أما إذا كان التحقيق على‬ ‫اهل��واء ف��إن اإلذاع��ي عليه أن جيمع املعلومات‬ ‫من موقع احلدث وعليه أن حيصل على اآلراء‬ ‫املختلفة مبا يساعد يف النهاية على تكوين صورة‬ ‫متكاملة عن القضية أو موضوع الربنامج‪.‬‬ ‫وتعترب القصة االخ��ب��اري��ة امل��ب��اش��رة أحد‬ ‫األشكال املبسطة للتحقيقات اإلذاعية خاصة‬ ‫عندما يتداخل فيها اخل�بر ب��ال��راي‪ .‬وكذلك‬ ‫رسالة املراسلني من مواقع خمتلفة عند تغطية‬ ‫أحد األح��داث‪ ،‬وقد تتضمن الرسالة الصوتية‬ ‫عقد لقاءات مع بعض املصادر االخبارية‪ .‬وقد‬

‫يشتمل الربنامج اإلذاعي الواحد على جمموعة‬ ‫من التحقيقات االذاع��ي��ة‪ ،‬كما ميكن عرض‬ ‫التحقيق اإلذاع��ي الواحد على ع��دة حلقات‬ ‫حبيث تتناول كل حلقة أحد عناصر التحقيق‪.‬‬ ‫وقد يتخيل البعض أن دور اإلذاعي يف التحقيق‬ ‫هو جمرد ربط احلوارات مع بعضها فقط‪ ،‬ولكن‬ ‫احلقيقة هى أن النص اإلذاعي ينبغى أن يكون له‬ ‫دور مهم يف التحقيق ً‬ ‫جنبا إىل جنب مع احلوارات‬ ‫دون أن يكرر أحدها اآلخر يف نفس املعلومات ‪،‬‬ ‫فتكامل النص مع احل��وار مسألة مهمه جدا‪.‬‬ ‫ويتضمن اإلعداد للتحقيق مسألة مهمة أخرى‬ ‫وهى اختيار املتحدثني الذين ينبغى أن ميثلوا‬ ‫كافة وجهات النظر املتعلقة مبوضوع الربنامج‪،‬‬ ‫وينبغى أن تكون لديهم القدرة على نقل وجهات‬ ‫نظرهم بوضوح للجمهور دون املساس بوجهات‬ ‫النظر املخالفة أو التقليل من قيمتها‬ ‫* تنقسم التحقيقات اإلذاعية إىل نوعني‪:‬‬ ‫ التحقيق احلي ‪ :‬ويعد اقدم أنواع التحقيقات‬‫ً‬ ‫تشويقا للمستمع‪ ،‬ويتسم‬ ‫االذاعية وأكثرها‬ ‫بصدق التعبري حيث يقود املستمع إىل مواقع‬ ‫األح���داث وينقل ص��ورة صوتية ص��ادق��ة ملا‬ ‫يدور من وقائع‪ ،‬ويتسم ً‬ ‫ايضا بالتلقائية اليت‬ ‫جتذب املستمعني‪ .‬غري أن عيب هذا النوع من‬ ‫التحقيقات هو عدم التحكم الكامل يف وقت‬ ‫الربنامج‪ ،‬وعدم إمكانية تاليف األخطاء اليت قد‬ ‫حتدث على اهلواء‪.‬‬ ‫ التحقيق املسجل ‪ :‬يتم تقديم هذا النوع من‬‫التحقيقات بعد إجراء عمليات املونتاج والتحكم‬ ‫يف العناصر املختلفة‪ ،‬وإدخال عناصر صوتية‬ ‫مثل املوسيقى واملؤثرات الصوتية‪ .‬ويعتمد على‬ ‫‪317‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪318‬‬

‫مجع وتسجيل املعلومات من مواقع األحداث‪،‬‬ ‫واختيار أفضل التسجيالت لتقدميها إىل املستمع‬ ‫بأسلوب جذاب ومثري‪ .‬وميكن تقديم حتقيق‬ ‫قصري ومتكامل حول حدث استمر عدة ساعات‬ ‫من خالل الرتكيز على املراحل املميزة للحدث‬ ‫وربطها بعبارات مناسبة‪.‬‬ ‫* تنفيذ التحقيق ‪:‬‬ ‫وتنفيذ التحقيق ينبغى أن يتم يف املوقع‪،‬‬ ‫وذل��ك فالوصف الدقيق ملكان احل��دث ميثل‬ ‫العمود الفقرى يف التحقيق اإلذاعي‪ ،‬واخللفيات‬ ‫املأخوذة من املكان نفسه تثرى واقعية التحقيق‬ ‫وتزيد من تأثريه النفسى على املستمع ومن‬ ‫املهم ً‬ ‫أيضا إجراء اختبارات جيدة للصوت حتى‬ ‫ال تطغى اخللفيات على أصوات املتحدثني‪ ،‬كما‬ ‫ينبغى التنبيه على املتحدثني مبراعاة الدقة‬ ‫واملوضوعية يف كل املعلومات اليت يقدمونها‬ ‫للمستمعني‪ .‬وال شك يف أن التحقيق الذى يتم‬ ‫بشكل مسجل يساعد على ت�لايف العديد من‬ ‫األخطاء احملتمله من خالل املونتاج‪ .‬أما صعوبة‬ ‫التحقيق احل��ى فهى أن اخلطأ فيه ال ميكن‬ ‫عالجه‪ ،‬لذا فاإلعداد اجليد عالوة على خربة‬ ‫اإلذاع��ي ومتكنه تساعد على خروج التحقيق‬ ‫بأفضل شكل ممكن‪.‬‬ ‫* برامج الفيتشر‪:‬‬ ‫هو شكل براجمي يستهدف إبراز شخصية‪ ،‬أو‬ ‫حدث‪ ،‬أو فكرة‪ ،‬أو مفهوم‪ ،‬أو قضية من كافة‬ ‫األوجه وتقديم صورة متكاملة عنها للمستمع‪.‬‬ ‫ويستخدم هذا الشكل عدة أساليب لتحقيق هدفه‬ ‫مثل التعليق‪ ،‬واحلوار‪ ،‬واملاقشة‪ ،‬والوثائق‪ ،‬كما‬ ‫يستخدم املونتاج حبرفية عالية للتأكيد على‬

‫الفكرة أو الراي‪ .‬ويستهدف هذا القالب الرباجمي‬ ‫حتليل املوقف احلالي والتنبؤ باملستقبل بناء‬ ‫على حتليل منطقي مدروس‪ .‬وميزج برنامج‬ ‫الفيتشر بني األخبار‪ ،‬والتعليقات‪ ،‬واملناقشات‪،‬‬ ‫غري أنه يتميز بكونه أكثر حيوية من األخبار‪،‬‬ ‫وأكثر دقة من التعليقات‪ ،‬وأعمق يف أحباثه من‬ ‫التحقيقات االذاعية‪ ،‬وعادة ما يشرف على إنتاج‬ ‫هذا الشكل الرباجمي إدارة األخبار ألنه يتعامل‬ ‫ً‬ ‫اساسا مع اخلرب والرأي واملعلومة املوثقة‪.‬‬ ‫وه��و م��ن األش��ك��ال اإلذاع��ي��ة اجل��ذاب��ة فيما‬ ‫ل��و أح��س��ن إع����داده وت��ن��ف��ي��ذه‪ ،‬حيث يسمح‬ ‫بالتغطية اإلذاعية املتكاملة لقضية ما من‬ ‫ً‬ ‫وأيضا من خالل اآلراء‬ ‫خالل املعلومات اجليدة‬ ‫املختلفة لتلك املعلومات‪ .‬وخيتلف الفيتشر عن‬ ‫التحقيق يف حجم اللقطات الصوتية املوجوده يف‬ ‫كل منهما‪ ،‬ففي التحقيق يكون احلوار متكامل‪،‬‬ ‫أما يف الفيتشر فإنه يعتمد على لقطات صوتية‬ ‫سريعة من املتحدثني ال تزيد الواحدة منها‬ ‫عن ‪ 45‬ثانية واإلختالف الثانى يكون يف حجم‬ ‫املعلومات اليت حيتويها النص‪ ،‬حيث تكون أكثر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتفصيال يف الفيتشر عنها يف التحقيق ـ‬ ‫عمقا‬ ‫لذلك فإن الفيتشر حيتاج إىل جهد كبري يف عملية‬ ‫املونتاج إلختيار أقوى اللقطات وتنظيمها مبا‬ ‫خيدم اهلدف األساسى من الربنامج يف النهاية‪.‬‬ ‫والفيتشر يهتم باملوضوعات اليت حتتاج إىل‬ ‫زيادة معلومات الناس حوهلا‪ ،‬لذا فالبعض مييل‬ ‫إىل تسميته بالربنامج اخل��اص ال��ذى ميكن أن‬ ‫يدور حول حدث ما أو ظاهرة ما‪ ،‬أو قضية ما‪،‬‬ ‫أو شخصية معينة‪ ،‬أو مناسبة معينة‪ ،‬حتتاج اىل‬ ‫تسليط املزيد من الضوء حوهلا إلفادة مجهور‬ ‫املستمعني‪.‬‬


‫* يقع هذا الشكل الرباجمي بني منط تغطية‬ ‫األحداث اخلاصة ومنط الربامج الوثائقية إال أنه‬ ‫خيتلف عن الربامج اخلاصة يف اجلوانب التالية ‪:‬‬ ‫ يتسم احل��دث اخل��اص بالسرعة والفورية‬‫يف اإلع���داد‪ ،‬بينما يتطلب برنامج الفيتشر‬ ‫ختطيطا سابقا وإعدادا دقيقا‪.‬‬ ‫ تغطية االحداث اخلاصة ال تستوجب االعداد‬‫املسبق للنص املكتوب‪ ،‬يف حني يتطلب برنامج‬ ‫الفيتشر وجود النص الدقيق‪.‬‬ ‫ ً‬‫غالبا ما تذاع األحداث اخلاصة على اهلواء‬ ‫مباشرة‪ ،‬وتشرتك فيها مجيع وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫يف حني يتميز برنامج الفيتشر بكونه أحد‬ ‫إبداعات اإلذاعة اليت تربز شخصيتها‪ ،‬وال يشرتك‬ ‫يف تغطيته وسائل إعالمية أخرى‪.‬‬ ‫* ميكن اإلستفادة من اللقطات الصوتية مع‬ ‫ضيوف الربنامج بطريقتني ‪:‬‬ ‫ األوىل ‪ :‬أن يوخذ جزء منها داخل الربنامج‬‫لتدعيم املعلومات الواردة يف النص‪.‬‬ ‫ الثانية ‪ :‬أن يستفاد من اجل��زء اآلخ��ر من‬‫هذه اللقطات يف تدعيم النص مبا حتتويه هذه‬ ‫اللقطات من معلومات أو إحصاءات أو بيانات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حبوثا دقيقة‪،‬‬ ‫ويتطلب هذا النوع من الربامج‬ ‫وتقييما عميقا للمادة املسجلة ال�تي تربز‬ ‫التفاصيل واخللفيات ووجهات النظر‪ .‬ورغم أن‬ ‫النص له طبيعة اخلدمة العامة‪ ،‬إال أنه ال يقدم‬ ‫ً‬ ‫اشكاال‬ ‫بطريقة أكادميية حبتة‪ ،‬وإمنا يتضمن‬ ‫خمتلفة من االخبار واحل��وارات والتحقيقات‬ ‫واملنوعات والدراما بشرط أن يتم توظيفها‬ ‫لتحقيق هدف الربنامج واجلاذبية اجلماهريية‪.‬‬ ‫وينبغى أن نؤكد على أهمية النص اإلذاعي‬ ‫يف الفيتشر‪ ،‬وضرورة اإلهتمام بتدعيمه بكل‬

‫احلقائق والبيانات احلديثة والصحيحة‪ ،‬وأن‬ ‫ي��راع��ي املوضوعية واحل��ي��اد يف ط��رح اآلراء‬ ‫اخلاصة بالضيوف وأن يقلل قدر اإلمكان من‬ ‫استخدام املوسيقى حتى يكون الرتكيز األساسى‬ ‫على عنصرى الربنامج األساسى ‪( :‬النص ‪+‬‬ ‫اللقطات الصوتية)‪.‬‬ ‫* الربامج الوثائقية ‪:‬‬ ‫ه��ي شكل اذاع���ي مستقل يتضمن صبغة‬ ‫تعليمية يف الغالب‪ ،‬وهو ال يعتمد على اخليال‬ ‫ً‬ ‫متاما‪ ،‬وال على الواقع ً‬ ‫ً‬ ‫وصفا‬ ‫متاما‪ ،‬وإمنا يقدم‬ ‫للمجتمع اإلنساني مع تعليقات على السلوك‬ ‫البشري واالجتماعي‪ .‬وقد جذب اسلوب االفالم‬ ‫الوثائقية القائمني على الربامج االذاعية ؛ إلنهم‬ ‫وج��دوا فيها اإلث��ارة اليت تضفي على اإلذاعة‬ ‫ً‬ ‫خمرجا من‬ ‫احليوية والتشويق‪ ،‬كما وجدوا فيها‬ ‫قيود احملادثات اليت تتم داخل االستديو‪ .‬وكان‬ ‫البعض يرى أن اإلذاعة تستطيع أن تقدم ما هو‬ ‫أكثر من سرد االخبار وتقارير االحداث اجلارية‪،‬‬ ‫كما أن الدراما االذاعية ـ من خالل الربامج‬ ‫ً‬ ‫ارتباطا بالواقع‬ ‫الوثائقية ـ ميكن أن تكون أكثر‬ ‫املعاش‪ .‬وقد عكست الربامج الوثائقية األوىل‬ ‫يف اإلذاع��ة أساليب برامج األحاديث واإلذاع��ة‬ ‫اخلارجية والدراما‪ .‬وبالطبع مل تكن إمكانيات‬ ‫التسجيل والشرائط واملوسيقى قد تطورت‬ ‫بعد‪ .‬وبعد ذل��ك اضيفت املقاطع التمثيلية‬ ‫واملوسيقى وامل��ؤث��رات الصوتية‪ ،‬واصبحت‬ ‫الربامج الوثائقية حتمل الصبغة التعليمية‬ ‫عندما طرقت املوضوعات اىل املتاحف واملعارض‬ ‫واآلث��ار الوطنية مع إضافة بعض األحاديث‬ ‫والتعليقات إىل املقاطع التمثيلية‪ .‬ومع تطور‬ ‫‪319‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪320‬‬

‫أجهزة التسجيل احملمولة‪ ،‬بدأ منتجو اإلذاعة‬ ‫يعتمدون أكثر على تسجيل املواقف احلقيقية‬ ‫لألشخاص احلقيقيني‪ ،‬وبدأ امليكروفون يتوجه‬ ‫إىل مواقع االحداث‪ ،‬وبالتالي قل االعتماد على‬ ‫املمثلني احملرتفني‪ .‬وتعترب الربامج الوثائقية‬ ‫هي أرقى أشكال الفنون اإلذاعية‪ ،‬فهي تتيح‬ ‫للكاتب اإلذاعي إبراز مهاراته وقدراته اخلالقة‬ ‫واستخدام أقصى إمكانيات اإلذاع��ة ـ ويعتمد‬ ‫الربنامج الوثائقي على حتليل املاضي وعرض‬ ‫جوانب احلاضر والتنبؤ باملستقبل‪.‬‬ ‫* تنقسم الربامج الوثائقية إىل ثالث أنواع‪:‬‬ ‫ برامج تستهدف رفع الروح املعنوية لدى‬‫الشعب وإب���راز جوانب األص��ال��ة وال��ق��وة فيه‬ ‫حماكاة لنمط األفالم اليت قدمها رائد السينما‬ ‫التسجيلية « روبرت فالهرتي»‪.‬‬ ‫ طرح مشكلة حيوية تواجه اجملتمع سواء‬‫سياسية أو اقتصادية‪ ،‬أو اجتماعية‪ ،‬وسبل‬ ‫عالج هذه املشكلة يف إطار واقعي‪.‬‬ ‫ عرض احلقائق اجملردة من خالل تفاصيل‬‫احلياة اليومية للمواطن العادي وفق اسلوب‬ ‫«جون جريو سون « التجريدي‪.‬‬ ‫ويف حني تهتم الربامج الواقعية باألشياء‬ ‫احلقيقية كما وقت بالفعل‪ ،‬جند أن الربامج‬ ‫التجريدية تهتم مبا وراء الواقع‪ ،‬والفرق بني‬ ‫االثنني يكمن يف أن ما نفعله يعرب عن الواقع‪،‬‬ ‫بينما ما نفكر فيه يعرب عن التجريد أو ما وراء‬ ‫الواقع‪ .‬وحتتاج الربامج الوثائقية اىل منتج‬ ‫لديه خ�برة كبرية يف جم��ال العمل الصحفي‪،‬‬ ‫مبعنى أن يكون املعد لديه القدرة على جتميع‬ ‫املعلومات وتقييمها‪ً ،‬‬ ‫فضال عن استخدام األسلوب‬ ‫الدرامي ال��ذي حيقق للربامج عناصر اإلث��ارة‬

‫واملفاجأة واستيعاب االمكانات التقنية لإلذاعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما يرتاوح زمن‬ ‫ومهارة الكتابة اجليدة‪.‬‬ ‫الربنامج الوثائقي بني ‪ 60 – 15‬دقيقة‪،‬‬ ‫ويتوقف زمن الربنامج على طبيعة املوضوع‬ ‫وأسلوب املعاجلة‪ .‬والربنامج الوثائقي حيكي‬ ‫قصة عن شيء ما حيدث اآلن أو حدث وانتهى‬ ‫ولكن مازالت آثاره باقية‪ .‬وقد يتناول الربنامج‬ ‫حياة شخصية معينة‪ ،‬ماذا فعلت وفيم كانت‬ ‫تفكر‪ ،‬كما ختربنا الربامج الوثائقية عن اسلوب‬ ‫حياة الناس اآلخرين‪ ،‬وجتعلنا ندرك كيف تقع‬ ‫األح��داث‪ ،‬ومربرات وقوعها‪ ،‬وآثارها احملتملة‪.‬‬ ‫كيف يعمل املزارع‪ .‬خطوات صناعة األحذية‪.‬‬ ‫طبيعة النشاط الذي يقوم به البنك‪ ،‬األسباب‬ ‫الكامنة وراء ظاهرة ما‪ .‬ومهما كان نوع الربنامج‬ ‫الوثائقي‪ ،‬فالبد أن جيمع بني االمتاع والتعليم‪.‬‬ ‫ورغم أن الربنامج الوثائقي يتعامل مع الناس‬ ‫والقضايا واألح��داث اإلخبارية‪ ،‬إال أنه ال يعد‬ ‫قصة اخبارية‪ ،‬ولكنه استكشاف ملا هو سابق‪،‬‬ ‫ليس فقط ملا حدث‪ ،‬ولكن اسباب وقوع احلدث‬ ‫ومالبساته ومشاعر واجتاهات الناس املرتبطني‬ ‫باحلدث‪ ،‬وآراء وتعليقات اخلرباء واملختصني عن‬ ‫أثار ما حدث‪ ،‬وردود افعال املتأثرين باحلدث‬ ‫ودالالته املستخلصة على األفراد واجملتمع‪.‬‬ ‫والفرق بني القصة االخبارية والربنامج‬ ‫الوثائقي ال يرجع إىل احملتوى‪ ،‬وإمنا إىل اسلوب‬ ‫ال��ت��ن��اول‪ .‬فبينما تتسم القصة االخبارية‬ ‫باملوضوعية واحلياد‪ ،‬جند أن الربنامج الوثائقي‬ ‫يعسى إلبراز وجهة نظر أو رأي وتغليبه على‬ ‫اآلراء األخ���رى‪ ،‬ورغ��م أن ال�برام��ج الوثائقية‬ ‫تستخدم األسلوب الدرامي ً‬ ‫غالبا‪ ،‬إال أنها ليست‬ ‫دراما مبفهوم األعمال اخليالية‪ ،‬ولكنها دراما‬


‫ال��واق��ع ال�تي تستخلص األح���داث ع��ن وقائع‬ ‫حقيقية‪ ،‬وت�برز ص��ورة دقيقة ل��ذات األماكن‬ ‫واألحداث والشخصيات مصحوبة بأداء متثيلي‬ ‫ألش��خ��اص ليسوا موجودين اآلن‪ ،‬كما ميكن‬ ‫االستعانة بالناس احلقيقيني ومتثيل مواقف‬ ‫من احلياة لنقل صورة شبه حقيقية‪ .‬ويعتمد‬ ‫شكل الربنامج الوثائقي على الصوت فقط‬ ‫من خ�لال اسلوب ال��س��رد‪ ،‬وميكن اإلستعانة‬ ‫باملوسيقى واملؤثرات الصوتية إلح��داث األثر‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما تكون الشخصية الرئيسية يف‬ ‫الدرامي‪.‬‬ ‫الربنامج هي « الرواي « وتعتمد بعض الربامج‬ ‫الوثائقية الناجحة ج��داً على ص��وت ال��راوي‬ ‫فقط‪ ،‬وعلى اسلوبه يف احلديث للتعبري عن‬ ‫القصة‪ .‬ويستخدم هذا األسلوب فقى الربامج‬ ‫الوثائقية القصرية‪ ،‬خاصة إذا كان صوت الراوي‬ ‫مؤثراً‪ ،‬وكانت القصة تتضمن حبكة درامية‬ ‫بارعة‪ .‬ويتم عرض املوضوع يف شكل « حكاية‬ ‫«‪ ،‬وذلك حماكاة ألسلوب املطرب الشعيب « مغين‬ ‫الربابة « ال��ذي ظل يستخدم لعصور طويلة‬ ‫قبل ظهور اإلذاع��ة وم��ازال له تأثري يف بعض‬ ‫اجملتمعات حتى اآلن‪ ،‬خاصة إذا أضيف إىل صوته‬ ‫املوسيقى واملؤثرات الصوتية‪.‬‬ ‫وباإلضافة إىل أسلوب « ال���راوي « تستخدم‬ ‫الربامج الوثائقية املمثلني احملرتفني‪ ،‬وصوت‬ ‫األش��خ��اص احلقيقيني‪ ،‬وميكن عمل توليفة‬ ‫من كل ذلك يف برنامج وثائقي واحد‪ .‬وميكن‬ ‫أن يقوم املمثل ب��دور شخصية غري موجودة‬ ‫اآلن‪ ،‬أو حتول ظروفها دون امكانية التسجيل‬ ‫االذاعي لعيوب يف النطق او اخلوف من مواجهة‬ ‫امليكرفون‪ .‬الربامج الوثائقية تستخدم توليفة‬ ‫من الكالم واملوسيقى واملؤثرات الصوتية‪ ،‬فإن‬

‫التدفق السلس بني ه��ذه األص���وات املختلفة‬ ‫حيتاج إىل إع��داد دقيق ومهارة كبرية‪ .‬وخالل‬ ‫السبعينيات من القرن املاضي‪ ،‬ظهر شكل جديد‬ ‫من الربامج الوثائقية ميكن أن نطلق عليه «‬ ‫الدراما الوثائقية «‪ ،‬وهو شكل يعرب عن واقعة‬ ‫حقيقية مع االستعانة مبمثلني يقومون بأدوار‬ ‫شخصيات واقعية‪ .‬ويعتمد أسلوب هذه النوعية‬ ‫من الدراما الوثائقية على االنتقال إىل مواقع‬ ‫األحداث احلقيقية للكشف عن الوقائع اليت مل‬ ‫تصور وقت وقوع احلدث ويتم اعادة متثيلها‪.‬‬ ‫وتعد االهتمامات االنسانية هي مفتاح الكتابة‬ ‫اجليدة للربامج الوثائقية حتى إذا كان اهلدف‬ ‫هو تقديم حقائق جمردة‪ ،‬حيث ميكن صياغة‬ ‫احلقائق اجلافة يف أسلوب درام��ي من خالل‬ ‫ابتكار شخصية حمورية‪ ،‬والبحث عن مشكلة‬ ‫تتيح تدفق األحداث وتؤدي إىل صراع يتطلب‬ ‫املعاجلة التسجيلية‪ ،‬ثم يتطور الصراع ليؤدي‬ ‫إىل أزمة‪ ،‬ومع تعداد األزمات يتصاعد احلدث إىل‬ ‫الذروة‪ ،‬ثم احلل‪ ،‬وكما أن األشياء الكبرية ختلق‬ ‫األح��داث‪ ،‬فإن األشياء الصغرية هي اليت تثري‬ ‫االهتمامات االنسانية اذا ما مت وضعها يف اسلوب‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما يستخدم اسلوب « الراوي‬ ‫مشوق ومثري‪.‬‬ ‫« يف الربامج الوثائقية كعنصر هام للربط بني‬ ‫األحداث او للتمهيد هلا‪ ،‬ولكن جيب احلذر من‬ ‫املغاالة يف استخدام هذا األسلوب حتى ال يطغى‬ ‫على امل��ادة احلية للحدث‪ .‬كذلك جيب جتنب‬ ‫الربامج اليت يبدو الصوت فيها وكأنه يعرب عن‬ ‫سلسلة من احملاضرات او املقابالت املسجلة‪.‬‬

‫* اجمللة اإلذاعية‪:‬‬ ‫‪321‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪322‬‬

‫* تعريفـها‪ :‬ميكن القـول بأن شكل اجمللة هو‬ ‫جتميع لكافة األشكال اإلذاعية األخرى من أجـل‬ ‫عرض موضوع معني أو عدة موضوعات بشكل‬ ‫جذاب غري ممل للجمهور سواء أكان هذا اجلمهور‬ ‫نوعي أم مجهور عام‪ .‬فاجمللة اإلذاعية تتضمن‬ ‫احلديث املباشر ـ احلوار ـ والتحقيق ـ بل والدراما‬ ‫ً‬ ‫أيضا ـ كل ذلك يشكل مصغر‪ ،‬مما يؤكد على أن‬ ‫شكل اجمللة واح��د من أكثر األشكال جاذبية‬ ‫بالنسبة جلمهور املستمعني‪ ،‬وهذا ً‬ ‫أيضا قد يربر‬ ‫طول مدة اجمللة عن غريها من األشكال األخرى‪،‬‬ ‫حيث أن تنوع األشكال اإلذاعية املستخدمة يف‬ ‫اجمللة يسهم يف زيادة جاذبيتها للجمهور‪.‬‬ ‫وظهرت اجمللة االذاعية كشكل براجمي منذ‬ ‫اوائل الستينيات من القرن املاضي‪ ،‬وهي حتتوي‬ ‫على أنواع خمتلفة من املواد االذاعية ‪( :‬أخبار‬ ‫ حوار ‪ -‬مناقشة ‪ -‬تعليق ‪ -‬دراما – موسيقى –‬‫رياضة)‪ ،‬ويرتاوح زمن اجمللة ً‬ ‫غالبا من ‪– 15‬‬ ‫‪ 30‬دقيقة‪ .‬وأهم ما مييز اجمللة االذاعية شكلها‬ ‫ونقدها ال�لاذع لألوضاع السلبية‪ ،‬وتعبريها‬ ‫الصريح عن خمتلف اآلراء‪ .‬وميكن أن تعاجل‬ ‫ً‬ ‫موضوعا‬ ‫األش��ك��ال اإلذاع��ي��ة املكونة للمجلة‬ ‫واحداً أو عدة موضوعات بشرط إحداث عنصر‬ ‫التوازن بني الفقرات من ناحية‪ ،‬وبني املقاطع‬ ‫ً‬ ‫وغالبا‬ ‫اللفظية واملوسيقية من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫ما تهدف اجمللة إىل االنتشار األفقي من خالل‬ ‫تعدد املوضوعات اليت حتتويها‪.‬‬ ‫* اإلعداد للمجلة ‪:‬‬ ‫ق��د تهتم اجمللة اإلذاع��ي��ة مب��وض��وع واح��د‬ ‫يتم عرضه من خالل الفقرات املختلفة‪ ،‬وقد‬ ‫تتنوع املوضوعات اليت تتناوهلا الفقرات داخل‬

‫اجمللة‪ ،‬ويف نفس الوقت قد جند أن هناك جملة‬ ‫عامة‪ ،‬وأخرى متخصصة يف جمال معني‪ .‬وهذا‬ ‫التخصص ممكن أن يكون يف‪:‬‬ ‫ اجملال الذى تعاجله اجمللة ‪ :‬صحى ‪ -‬ثقايف ‪-‬‬‫رياضى ‪ -‬إخبارى‪.‬‬ ‫ اجلمهور الذى تستهدفه اجمللة ‪ :‬جملة للشباب‬‫ جملة للمرأة ‪ -‬جملة للعمال‪.‬‬‫وهلذا فإن حتديد نوعية اجمللة سواء عامة‬ ‫أو متخصصة مسألة مهمة للغاية يف مرحـلة‬ ‫اإلعداد لفقراتها‪ ،‬وهذا اإلعداد لن يتم بشكل‬ ‫ً‬ ‫متمكنا من كافة‬ ‫سليم ما مل يكن اإلذاع���ي‬ ‫األش��ك��ال ال�براجم��ي��ة مب��ا يسمح ل��ه ب��أن جيهز‬ ‫لفقراته وخيتار لكل منها الشكل الذى يتالئم‬ ‫مع طبيعة ما حتتويه من معلومات‪ ،‬وكذلك‬ ‫من املهم أن يراعي التوازن بني فقرات اجمللة‪،‬‬ ‫وتوزيع املوضوعات على الفقرات بشكل علمى‬ ‫وليس عشوائى‪ ،‬والبد من أن يؤخذ يف اإلعتبار‬ ‫طبيعة اجلمهور املستهدف وأه��م احتياجاته‬ ‫ورغباته‪.‬‬ ‫وحيتاج وضع الفقرات داخل اجمللة إىل عناية‬ ‫شديدة‪ .‬وع��ادة ما تبدأ اجمللة بفقرة سريعة‬ ‫جذابة حتى تستحوذ على اهتمامات املستمعني‪،‬‬ ‫وبعد ذلك يتم توزيع الفقرات اجلادة والفقرات‬ ‫اخلفيفة بني ثنايا اجمللة‪ .‬وتوجد أنواع عديدة‬ ‫من اجملالت اإلذاعية ‪ ,‬منها اجمللة املنوعة اليت‬ ‫تتسم بتعدد املوضوعات وختاطب كل فئات‬ ‫املستمعني‪ ،‬وهناك اجملالت ذات املوضوع الواحد‬ ‫مثل اجمللة ‪( :‬الصحية ‪ -‬السياسية ‪ -‬العلمية ‪-‬‬ ‫الرياضية – البيئية‪ ).‬وهناك اجملالت املوجهة‬ ‫لفئات متجانسة ‪( :‬األطفال ‪ -‬املرأة – الشباب)‪.‬‬ ‫* تنفيـذ اجملــلة‪:‬‬


‫يف غالبية األح��وال يتوىل تنفيذ اجمللة أكثر‬ ‫من صوت واحد على أن يراعي تناسب األصوات‬ ‫مع بعضها‪ ،‬كما ينبغى أن يراعي عدم التوسع يف‬ ‫الفقرات ألن كل فقرة البد وأن تتناسب مع بقية‬ ‫أجزاء اجمللة‪ ،‬والبد من مراعاة تناسب املوسيقى‬ ‫املستخدمة مع طبيعة ختصص اجمللة وطبيعة‬ ‫اجلمهور الذى تستهدفه هذه اجمللة‪.‬‬ ‫* الربامج التعليمية والتثقيفية‪:‬‬ ‫تتوجه معظم ب��رام��ج اإلذاع���ة للجمهور‬ ‫العام‪ ،‬ونتيجة منافسة التليفزيون واستقطابه‬ ‫لقطاعات عريضة من اجلماهري‪ ،‬اجتهت االذاعة‬ ‫حنو االستخدام املتزايد للربامج اليت تستهدف‬ ‫مجاعات متجانسة من اجلماهري‪ ،‬وقد ساعد‬ ‫يف ذلك ايضا التوسع يف انشاء االذاع��ات احمللية‬ ‫اليت ختاطب نوعيات متخصصة من اجلماهري‪،‬‬ ‫وتهتم باملناطق اجلغرافية ذات اخلصائص‬ ‫امل��ش�ترك��ة وامل��ت��م��اي��زة‪ .‬وت��س��ت��ه��دف ال�برام��ج‬ ‫التعليمية والتثقيفية قطاعات متخصصة من‬ ‫اجلماهري‪ .‬ويناسب هذا االستخدام الدول النامية‬ ‫بشكل اكرب نظراً لالفتقار اىل وسائل االتصال‬ ‫وامل��واص�لات‪ ،‬وقلة أع��داد وامكانيات امل��دارس‬ ‫واملعلمني‪ ،‬وزي��ادة نسبة األمية‪ ،‬واحلاجة إىل‬ ‫استخدام وسائل غري تقليدية لتعليم الكبار‪،‬‬ ‫وحم��و األم��ي��ة الوظيفية‪ ،‬وتقديم ال��دروس‬ ‫املنهجية‪ ،‬والرعاية الصحية‪ ،‬واإلرشاد الزراعي‪،‬‬ ‫والتثقيف العمالي واملهين‪ ،‬والتدريب‪ .‬وتهدف‬ ‫ال�برام��ج التعليمية اىل إث��راء اجلانب املعريف‬ ‫ملستقبليها من اجلماعات املستهدفة‪ ،‬وتنقسم‬ ‫هذه الربامج اىل نوعني اساسيني ‪ :‬يهدف النوع‬ ‫األول إىل اإلثراء الثقايف وزيادة املهارات املكتسبة‬

‫والتوعية‪ ،‬وه��و غري مرتبط مبنهج دراس��ي‪،‬‬ ‫ويطلق عليه الربامج الرتبوية مثل الربامج‬ ‫األدبية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬واألمسيات الشعرية‪ ،‬والنقد‬ ‫األدبي‪ ،‬والتذوق املوسيقي‪ ،‬والقصص التارخيية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬والربامج املوجهة لفئات معينة‬ ‫مثل امل��رأة والطفل والشباب وكبار السن‪ .‬أما‬ ‫النوع الثاني من الربامج التعليمية املنهجية‬ ‫فهي تلك املرتبطة مبنهج دراس���ي حم��دد‪،‬‬ ‫وتستهدف إث��راء التلعيم الرمسي يف امل��دارس‬ ‫واجلامعات وتتخذ شكل ال��درس املوجه اىل‬ ‫الفصل ال��دراس��ي‪ ،‬ويرتبط حمتواها مبناهج‬ ‫دراسية رمسية‪ ،‬ومينح من جيتازها شهادات‬ ‫معتمدة‪ .‬ويستلزم هذا النوع الثاني من الربامج‬ ‫التعليمية التعاون الوثيق والتنسيق الكامل بني‬ ‫اإلذاعيني والرتبويني من خالل تفهم كل طرف‬ ‫لطبيعة عمل الطرف اآلخ��ر‪ .‬ويعرض هذا‬ ‫اجلزء ملعلومات خمتصرة لبعض اشكال الربامج‬ ‫التعليمية مثل برامج ما قبل املدرسة‪ ،‬والربامج‬ ‫املوجهة لطالب امل��دارس‪ ،‬واجلامعة املفتوحة‪،‬‬ ‫كما يعرض ل�برام��ج امل���رأة كنموذج للربامج‬ ‫الرتبوية غري املرتبطة مبنهج دراسي‪.‬‬ ‫* برامج ما قبل املدرسة (‪Pre – School‬‬ ‫‪:)Programs‬‬ ‫تهتم مجيع النظم االذاعية بتوجيه برامج‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما يتم تقديم‬ ‫ألطفال ما قبل املدرسة‪،‬‬ ‫احملتوى التعليمي يف قالب ترفيهي يناسب تلك‬ ‫املرحلة العمرية الصغرية مثل طرح حكايات‬ ‫طريفة وبعض األلعاب املسلية واأللغاز اخلفيفة‪،‬‬ ‫ومعلومات بسيطة عن البيئة والنظافة واحرتام‬ ‫الوالدين والصدق واألم��ان��ة‪ ،‬وميكن مشاركة‬ ‫بعض األطفال يف تقديم تلك الربامج‪.‬‬ ‫‪323‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪324‬‬

‫* برامج موجهة لطالب املدارس‪:‬‬ ‫بدأ استخدام اإلذاعة لتدعيم التعليم املدرسي‬ ‫داخ��ل الفصول الدراسية منذ بداية ظهور‬ ‫اإلذاع��ة‪ ،‬وكانت بريطانيا أول دولة تستخدم‬ ‫برامج اإلذاعة إلثراء التعليم املدرسي منذ عام‬ ‫‪ ،1924‬أي قبل إنشاء هيئة االذاعة الربيطانية‬ ‫بثالث س��ن��وات‪ .‬وم��ع زي���ادة اجلمهور العام‪،‬‬ ‫وزيادة أعداد الطالب الذين يستقبلون الربامج‬ ‫التعليمية يف املدارس الربيطانية‪ ،‬جنحت هيئة‬ ‫اإلذاعة الربيطانية يف ترويج شرائط تسجيل‬ ‫للمادة التعليمية امل��ذاع��ة ب��اإلذاع��ة‪ ،‬وذل��ك‬ ‫بالتنسيق مع وزارة الرتبية يف انتاج وبيع هذه‬ ‫الشرائط الصوتية‪ ،‬وبعدها شرائط الفيدو‪.‬‬ ‫ونظراً ألهمية استخدام الربامج التعليمية يف‬ ‫إذاع��ات ال��دول النامية‪ ،‬فقد ساهمت منظمة‬ ‫اليونسكو يف متويل عدد من مشروعات اإلذاعات‬ ‫التعليمية يف العديد من ال��دول النامية مثل‬ ‫السلفادور‪ ،‬وساحل العاج‪ ،‬والنيجر‪ ،‬والسنغال‪.‬‬ ‫ويف معظم احل��االت‪ ،‬كانت نتائج هذه الربامج‬ ‫خميبة لآلمال‪ .‬حيث تتطلب مشروعات التعليم‬ ‫عن طريق اإلذاعة قدراً كبرياً من التنسيق مع‬ ‫أنشطة ومؤسسات خمتلفة منها احلصول على‬ ‫التأييد العام للمشروع‪ ،‬والتخطيط الدقيق‪،‬‬ ‫ووض��ع احملتوى املناسب‪ ،‬واختيار املدرسني‬ ‫األكفاء‪ ،‬والتنسيق مع ادارات املدارس‪ ،‬وصياغة‬ ‫م��ادة ال�برن��ام��ج بشكل ج��ذاب وم��ش��وق دون‬ ‫اإلخ�لال باحملتوى التعليمي‪ ،‬واستخدام كافة‬ ‫الوسائل االيضاحية يف االنتاج والتشغيل الفين‪،‬‬ ‫وحبوث التقويم ملعرفة رجع الصدى‪ .‬وعندما ال‬ ‫يتحقق أي عنصر من عناصر السلسلة السابقة‪،‬‬

‫فإن الربنامج ال ينجح مهما كانت النوايا طيبة‪.‬‬ ‫وذل��ك سبب فشل العديد من جت��ارب الربامج‬ ‫التعليمية باإلذاعة يف العديد من الدول النامية‪.‬‬ ‫ويتفق االعالميون مع رجال التعليم على أن‬ ‫الربامج التعليمية باإلذاعة تساعد املدرس يف‬ ‫الفصل بعدة طرق ‪ :‬فهي تزيد من قدرة التالميذ‬ ‫على التخيل‪ ،‬وتوسع من مداركهم‪ ،‬وتعاون‬ ‫املعلم يف موضوعات العلوم االجتماعية‪ ،‬وتعليم‬ ‫اللغات‪ .‬ويتم ختطيط برامج االذاعة املدرسية‬ ‫باالشرتاك مع وزارة التعليم على مدار الفصول‬ ‫والسنوات الدراسية‪ .‬وأحيانا يشرتك املعلمون‬ ‫يف تقديم النصائح التعليمية لالذاعيني عند‬ ‫انتاج الربامج التعليمية‪ .‬ويتطلب انتاج الربامج‬ ‫املدرسية وجود تقارب وتعاون بني السلطات‬ ‫التعليمية واإلذاع��ي��ة منذ بداية التخطيط‬ ‫للربمج وح��ت��ى مرحلة االس��ت��م��اع النهائي‪.‬‬ ‫ويستخدم يف انتاج الربامج التعليمية املدرسية‬ ‫أساليب إنتاج برامج احلديث املباشر‪ ،‬واحلوار‪،‬‬ ‫واملناقشة‪ ،‬والربامج الوثائقية‪ ،‬والدراما‪ .‬وعادة‬ ‫ما يكون إيقاع الربنامج التعليمي املباشر أقل‬ ‫سرعة من إيقاع الربامج اإلذاعية التقليدية‪.‬‬ ‫إضافيا ً‬ ‫ً‬ ‫كذلك مينح الربنامج ً‬ ‫كافيا إلدارة‬ ‫وقتا‬ ‫النقاش ح��ول أث��ر الربنامج داخ��ل الفصول‪،‬‬ ‫وجيب أن يكون هناك تنوع يف األداء الصوتي‬ ‫حتى حيظى الربنامج بالقبول والتشويق‪.‬‬ ‫* برامج اجلامعة املفتوحة‪:‬‬ ‫مت استخدام االذاع��ة منذ زمن بعيد ـ سواء‬ ‫يف الدول املتقدمة أو النامية ـ لتقديم مناهج‬ ‫دراسية باملنازل ملن ختلفوا عن الدراسة‪ ،‬أو من‬ ‫حتول ظروفهم دون إمتام الدراسة املنتظمة‪،‬‬


‫وقد وصلت هذه املناهج إىل مستوى التدريس‬ ‫اجلامعي‪ ،‬ومنح الشهادات اجلامعية‪ .‬وكان‬ ‫لربيطانيا دور الريادة يف هذا اجملال من خالل‬ ‫تأسيسها اجل��ام��ع��ة املفتوحة ع��ام ‪،1969‬‬ ‫واجلامعة املفتوحة هي عبارة عن جامعة‬ ‫مستقلة متنح االجازة اجلامعية‪ ،‬وتقدم معظم‬ ‫املناهج اجلامعية عرب االذاع��ة والتليفزيون‪.‬‬ ‫وبعد فرتة بسيطة أصبحت اجلامعة املفتوحة‬ ‫أك�بر جامعة يف بريطانيا‪ ،‬ويعمل بها ـأكثر‬ ‫من ‪ 350‬عضو هيئة تدريس ممن تتوافر‬ ‫فيهم إمكانات ومهارات خاصة‪ .‬وتذاع الربامج‬ ‫ً‬ ‫أسبوعيا عرب اذاعة‬ ‫التعليمية ملدة ‪ 50‬ساعة‬ ‫وتليفزيون هيئة االذاع��ة الربيطانية‪ ،‬ويتم‬ ‫عمل مقابالت دورية للطالب من خالل ‪300‬‬ ‫مركز تابع للجامعة لتقديم املشورة والتوجيه‬ ‫للطالب املنتسبني للجامعة‪ .‬والطالب الذي‬ ‫يسجل يف مقررات هذه اجلامعة البد أن جيتاز‬ ‫ً‬ ‫شخصيا ملقر‬ ‫االمتحان النهائي بعد حضوره‬ ‫اجلامعة‪ .‬وقد نشأت جامعات مفتوحة أخرى‬ ‫على منط اجلامعة املفتوحة الربيطانية يف دول‬ ‫عديدة من العامل مثل جامعة الصني املفتوحة‬ ‫عام ‪ 1979‬اليت وصل عدد الطالب املسجلني‬ ‫بها إىل مليوني طالب عام ‪ 1990‬ـ كذلك بدأت‬ ‫اجلامعة املفتوحة يف كل من اليابان وتايالند‬ ‫عام ‪ ،1979‬ويف تايوان عام ‪.1982‬‬ ‫* برامج تعليم الكبار‪:‬‬ ‫تتضمن برامج تعليم الكبار جماالت عديدة‬ ‫مثل الصحة‪ ،‬وال��زراع��ة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وتنظيم‬ ‫األسرة‪ ،‬وحمو األمية‪ ،‬وما شابه ذلك حبيث يتم‬ ‫حتقيق الفائدة التنموية لإلذاعة‪ .‬وقد أجريت‬

‫دراسات عديدة للتأكد من فعالية اإلذاعة يف هذه‬ ‫اجملاالت‪ ،‬وخلصت نتائج هذه الدراسات اىل أن‬ ‫االذاعة ال تستطيع القيام بهذه املهمة وحدها‪،‬‬ ‫وإمنا البد من تدعيم هذا التعليم عن طريق‬ ‫االتصال التقليدي املباشر‪ .‬ولعل أحد أسباب‬ ‫فقدان مجاهري الربامج التعليمية هو أسلوب‬ ‫تقديم الربنامج اإلذاع���ي يف شكل حماضرة‬ ‫موجهة للفصل الدراسي‪ ،‬وحتى إذا كان احملاضر‬ ‫يتميز بشخصية جذابة ومقنعة‪ ،‬وعلى درجة‬ ‫عالية من املهارة يف التحدث‪ ،‬فإنه لن يستطيع‬ ‫احلفاظ على اهتمام اجلمهور املستهدف سوى‬ ‫لبضع دقائق فقط‪ ،‬ويف معظم االح���وال‪ ،‬لن‬ ‫يستطيع متابعة الربنامج حتى نهايته سوى‬ ‫نسبة ال تزيد عن ‪ 10%‬فقط‪ .‬وكلما اخنفض‬ ‫املستوى التعليمي لدى الدارسني‪ ،‬زادت نسبة‬ ‫هروبهم من متابعة مثل هذا الربنامج التلعيمي‬ ‫؛ ألنهم مل يعتادوا االنصات للمحاضرات لفرتات‬ ‫طويلة‪.‬‬ ‫ويالحظ أن كبار السن يوجهون انتباههم‬ ‫للمواقف التعليمية حني يشعرون باإللفة مع‬ ‫امل��ادة املقدمة من خالل مناقشة املوضوعات‬ ‫اليت تقع يف نطاق خرباتهم‪ .‬ويفضل الكبار‬ ‫اسلوب املناقشة أكثر من أسلوب احملاضرة‪ ،‬كذلك‬ ‫فإن الكبار مثل الصغار‪ ،‬يقبلون على األعمال‬ ‫الدرامية والتمثيليات‪ ،‬لذلك جيب أن يعتمد‬ ‫الربنامج التعليمي املوجه للكبار على اسلوب‬ ‫احملادثة‪ ،‬وأن يتخذ الطابع غري الرمسي‪ ،‬وأن‬ ‫يعتمد على عنصر التمثيل وال��درام��ا بشكل‬ ‫كبري‪ .‬وم��ن االشكال الشائعة ملعاجلة مشكلة‬ ‫ما‪ ،‬أن يتم تسجيل جمموعة من اللقاءات مع‬ ‫بعض اعضاء اجلماعات املستهدفة‪ ،‬حيث يتم‬ ‫‪325‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪326‬‬

‫سؤاهلم عن خرباتهم يف املوضوع املثار‪ .‬وقد يتم‬ ‫إعداد نص درامي يتقمص فيه املمثلون أدوار‬ ‫اجلماعات املستهدفة وحيقق ذلك هدفني ‪ :‬األول‬ ‫جذب االهتمام للموضوع مبا جيعل املستمع يشعر‬ ‫بتحقيق فوائد عند مواصلة االستماع‪ ،‬واهلدف‬ ‫الثاني جعل املستمع يتوحد مع شخصية أو أكثر‬ ‫من املمثلني املشاركني يف املوضوع املثار‪ .‬وإذا ما‬ ‫جنح هذا املدخل‪ ،‬فإن املستمعني املستهدفني‬ ‫س��وف يشعرون أنهم يف حاجة إىل مزيد من‬ ‫املعلومات حول املوضوع‪ ،‬ويكون لديهم احلافز‬ ‫يف متابعة هذا املوضوع يف املستقبل‪ .‬وجيب أن‬ ‫يقدم حمتوى الربنامج ال��درس بأسلوب غري‬ ‫رمسي كلما أمكن‪ ،‬وأن يتمتع مصدر املعلومات‬ ‫باملصداقية وق��وة االق��ن��اع‪ ،‬وأن تكون هذه‬ ‫امل��ص��ادر ملموسة وغ�ير رمسية‪ ،‬وأن تتدفق‬ ‫املعلومات فى شكل إجابات على أسئلة يوجهها‬ ‫أشخاص ميكن للمستمع أن يتوحد معهم‪ .‬ومن‬ ‫مظاهر منجزات اإلذاعة يف تعليم الكبار‪ ،‬انتاج‬ ‫برامج أندية االستماع الريفية‪ ،‬وهي شكل من‬ ‫الربامج التعليمية املوجهة للكبار تتخذ قالب‬ ‫اجمللة اإلذاعية اليت تتيح االتصال يف اجتاهني‪.‬‬ ‫وقد ب��دأت هذه التجربة يف كندا وامتدت اىل‬ ‫دول عديدة اخرى مثل اهلند وغانا وتنزانيا‬ ‫بالتعاون مع املؤسسات احلكومية اليت تهتم‬ ‫بالتعليم االجتماعي‪ ،‬ورفاهية القرية‪ ،‬وتطوير‬ ‫أساليب ال��زراع��ة‪ .‬وتقدم املؤسسات املختلفة‬ ‫املساعدة يف تنظيم عملية االستماع اجلماعي‪،‬‬ ‫وتوفري مشرفني لتنظيم هذه األندية‪ .‬وتقوم‬ ‫االذاع��ة بتخطيط الربامج بعد اق��راره��ا من‬ ‫املسئولني احلكوميني‪ ،‬كما تتعاون االذاعة مع‬ ‫الوزارات املعنية يف تقييم نتائج هذه الربامج‪.‬‬

‫* برامج املرأة‪:‬‬ ‫حتى وقت قريب‪ ،‬كانت برامج املرأة تستهدف‬ ‫رب��ة املنزل فقط‪ ،‬وكانت تقدم موضوعات‬ ‫مكررة حول األزياء‪ ،‬وتنظيف املنزل‪ ،‬واحلياكة‪،‬‬ ‫والطهي‪ ،‬وتربية األطفال‪ .‬ثم تطورت هذها‬ ‫لربامج لتواكب خروج املرأة إىل العمل‪ ،‬وتناول‬ ‫قضايا امل���رأة العاملة‪ ،‬ومل تعد ه��ذه الربامج‬ ‫تستهدف املرأة فقط‪ ،‬وإمنا تالئم الرجل والطفل‬ ‫ً‬ ‫ايضا‪ .‬ويكثر تقديم هذه النوعية من الربامج يف‬ ‫االذاعات احمللية‪ ،‬وخالل الفرتة الصباحية من‬ ‫ً‬ ‫وغالبا ما تتخذ هذه الربامج‬ ‫االذاعات العامة‪.‬‬ ‫قالب اجمللة االذاعية اليت تضم فقرات عديدة‬ ‫تتناول ‪ :‬نصائح وارش���ادات ـ معلومات عن‬ ‫الديكور ـ رعاية األطفال ـ الرعاية الصحية ـ‬ ‫األزياء ـ العناية باملنزل ـ احتياجات املستهلكني‬ ‫ـ ح��وارات مع شخصيات عامة ـ التدريب على‬ ‫املهن ـ العالقات الزوجية ـ قضايا اقتصادية‬ ‫وقانونية‪ .‬هذه الربامج فرصة كبرية لتقديم‬ ‫االعالنات عن السلع واخلدمات يف ثنايا الربامج‬ ‫باستخدام القالب املرن واملتنوع الذي يعتمد‬ ‫على أشكال احلديث املباشر‪ ،‬واحلوار‪ ،‬واملناقشة‪،‬‬ ‫واملوسيقى‪ ،‬والتحقيق‪ ،‬والدراما‪.‬‬ ‫* الربامج الرتفيهية ‪:‬‬ ‫تشغل الربامج الرتفيهية احليز األك�بر من‬ ‫ساعات البث االذاع���ي‪ ،‬حيث ال تقل نسبتها‬ ‫عن ‪ 66%‬من ساعات البث باالذاعات العامة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فضال عن استخدام قنوات اذاعية متخصصة‬ ‫يف تقديم املواد املوسيقية والغنائية على مدار‬ ‫الساعة‪ .‬ورغم سيطرة الربامج الرتفيهية على‬ ‫خريطة االرس��ال االذاع��ي‪ ،‬إال أنها أقل أشكال‬


‫الربامج اليت حظيت بالدراسات التحليليلة‪،‬‬ ‫ومعظم الباحثني الذين تعرضوا هلا ركزوا على‬ ‫الشكل الدرامي أو التمثيليات باعتبارها النشاط‬ ‫الرتفيهي األساسي الذي متارسه االذاعات‪ ،‬رغم‬ ‫أن األشكال الرتفيهية األخهرى ال تقل أهمية‬ ‫عن الشكل الدرامي‪ .‬وتتخذ الربامج الرتفيهية‬ ‫أشكاال متعددة‪ ،‬لعل ابرزها الربامج املوسيقية‬ ‫والغنائية‪ ،‬وامل��ن��وع��ات‪ ،‬وب��رام��ج املسابقات‬ ‫واألل��غ��از‪ ،‬وال�برام��ج اجل��م��اه�يري��ة‪ ،‬وال�برام��ج‬ ‫الرياضية والدراما‪ .‬والوظيفة األساسية لربامج‬ ‫الرتفيه هي التسلية واالمتاع‪ ،‬ومتضية الوقت‪،‬‬ ‫وإزاح��ة اهلمومة عن كاهل اإلنسان‪ ،‬وحتقيق‬ ‫االسرتاخاء‪ ،‬والتحرر العاطفي‪ ،‬وإدخال السرور‬ ‫والبهجة على النفوس‪ .‬ورغ��م ذلك ال يوجد‬ ‫برنامج ترفيهي مطلق‪ ،‬أي خيلو من رسائل أو‬ ‫قيم أو أهداف معينة‪ .‬فجميع الربامج الرتفيهية‬ ‫تعكس رسائل وقيم واجتاهات سواء بقصد او‬ ‫بغري قصد‪ .‬ويعرض هذا اجلزء إللقاء الضوء‬ ‫على الربامج املوسيقية‪ ،‬وبرامج املنوعات‪،‬‬ ‫وبرامج املسابقات واأللغاز اليت تعتمد على‬ ‫املشاركة اجلماهريية‪.‬‬ ‫* الربامج املوسيقية‪:‬‬ ‫تشغل الربامج املوسيقية احليز األك�بر من‬ ‫زمن البث اإلذاع��ي‪ .‬واملوسيقى ميكن أن تكون‬ ‫هي حمتوى الربنامج االذاعي‪ ،‬كما أنها تستخدم‬ ‫للربط بني الربامج املختلفة‪ ،‬وبني الفقرات‬ ‫داخل الربنامج الواحد‪ .‬واللحن املميز للقناة‬ ‫اإلذاعية هو الذي حيقق صورتها الذهنية لدى‬ ‫املستمع‪ .‬وتعكس املوسيقى ثقافات الشعوب‬ ‫ومزاجها العام‪ ،‬أيا كان نوع املوسيقى‪ ،‬ورغم‬ ‫تفاوت اهتمامات الناس بأنواع املوسيقى‪ ،‬إال أنه‬

‫ال يوجد شخص ال حيب املوسيقى بوجه عام‪.‬‬ ‫ونتيجة منافسة التليفزيون‪ ،‬اجتهت حمطات‬ ‫اإلذاع��ة اىل تقديم املوسيقى الشعبية خالل‬ ‫األربعينيات واخلمسينيات من القرن العشرين‪،‬‬ ‫ومع استمرار منافسة التليفزيون يف منتصف‬ ‫اخلمسينيات‪ ،‬ظهرت احلاجة إىل جذب شباب‬ ‫اجلمهور إىل االذاعة‪ ،‬ومتثل هذا االغراء يف بث‬ ‫موسيقى « ال��روك أند رول « اليت ظهرت عام‬ ‫‪ ،1954‬وقد اصطدمت موسيقى « ال��روك «‬ ‫بالتذوق التقليدي للطبقات املتوسطة ؛ حيث‬ ‫كانت هذه املوسيقى تعكس ً‬ ‫قيما جديدة‪ .‬واشار‬ ‫بعض الباحثني ـ يف ذلك الوقت ـ إىل أن موسيقى‬ ‫« الروك « تعرب عن احنالل احلضارة‪ ،‬وتستخدم‬ ‫كبديل للتجارب اجلنسية للشباب‪ ،‬وأشار آخرون‬ ‫إىل أن ه��ذه املوسيقى متد الشباب بنوع من‬ ‫االسرتخاء العاطفي‪.‬‬ ‫وتنقسم ال�برام��ج املوسيقية والغنائية‬ ‫إىل ‪ :‬كالسيكية وحديثة وتعتمد املوسيقى‬ ‫الكالسيكية على تقديم السيمفونيات‪،‬‬ ‫وموسيقى احل��ج��رة‪ ،‬وامل��وس��ي��ق��ى القدمية‪،‬‬ ‫واملوسيقى الدينية‪ ،‬وال���ك���ورال‪ ،‬واألوب����را‪،‬‬ ‫وال��ك��ون��ش��رت��و‪ ،‬وال��س��ون��ات��ا‪ ،‬وال��ط��ق��ط��وق��ة‪،‬‬ ‫وال��ف��ان��ت��ازاي��ا‪ ،‬وه��ي خت��اط��ب العقل واحل��س‬ ‫الداخلي‪ ،‬وتتسم بأنها بطيئة اإلي��ق��اع‪ .‬أما‬ ‫املوسيقى احلديثة فتشمل ال���روك‪ ،‬واجل��از‪،‬‬ ‫واألوبريتات‪ ،‬واملوسيقى التصويرية‪ ،‬واملوسيقى‬ ‫الشعبية‪ ،‬وهي ختاطب احلس اخلارجي لإلنسان‪،‬‬ ‫وتتسم بسرعة اإليقاع‪ ،‬ويصاحبها حالة نفسية‬ ‫مرحة‪ ،‬ومزاج ال يسعي إىل العمق فيما يسمع‪.‬‬ ‫( عبد العزيز الغنام‪ .‬ويتطلب اعداد الربنامج‬ ‫املوسيقي الناجح توافر عنصر االستمرارية‪،‬‬ ‫‪327‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪328‬‬

‫مبعنى أن يكون هناك فكرة رئيسية للربنامج‪،‬‬ ‫أو نقطة حم��وري��ة حتيط بها مجيع فقرات‬ ‫الربنامج‪ ،‬ومن خالل هذه الفكرة ينمو الربنامج‬ ‫ويتطور إىل أن يصل إىل مرحلة الذروة‪ .‬وليس‬ ‫من الضروري أن يكون هناك نص كامل للمادة‬ ‫املوسيقية‪ .‬وجيب أن يتعرف املعد بدقة على‬ ‫نوعية اجلمهور الذي يستمع إىل املادة املوسيقية‬ ‫فمستمع الربنامج املوسيقي يبحث عنه‪ ،‬ويقبل‬ ‫عليه ألسباب عديدة مثل ‪ :‬االسرتخاء ـ التفكري‬ ‫ـ التعليم ـ الرقص ـ كخلفية أثناء أداء عمل‬ ‫ما‪ .‬وتتميز كل فئة عمرية يف تفصيل نوعية‬ ‫معينة من املوسيقى والغناء‪ ،‬كما تتميز كل فرتة‬ ‫زمنية على مدار اليوم باالستعداد لتقبل نوع‬ ‫معني من املوسيقى ـ كذلك ميكن ربط الربنامج‬ ‫املوسيقي بفكرة جذرية أو موضوع معني مثل ‪:‬‬ ‫احلب ـ احلرب ـ اعياد امليالد ـ املناسبات القومية‬ ‫أو الطائفية مبا حيقق وحدة الربنامج رغم تنوع‬ ‫الفقرات‪ .‬ويف السنوات األخرية‪ ،‬أصبحت عروض‬ ‫املوسيقى والربامج املوسيقية يتوىل إعدادها‬ ‫وتنظيمها « مذيع املوسيقى « ال��ذي يرجتل‬ ‫الكلمات وينتقي بعض املقطوعات املوسيقية‬ ‫والغنائية‪ ،‬ويقوم بتنظيمها وعرضها يف برنامج‬ ‫متكامل‪ ،‬بشرط أن تعرب هذه املقطوعات عن‬ ‫فكرة حمورية واح��دة ت��دور حوهلا كل امل��واد‬ ‫املوسيقية اليت مت جتميعها‪.‬‬ ‫* برامج املنوعات‪:‬‬ ‫تضم برامج املنوعات العديد من العناصر‬ ‫املختلفة ‪ :‬عروض كوميديا ـ مواقف درامية ـ‬ ‫موسيقية ـ غناء ـ مفاجأة ـ نكات ـ مونولوج ـ‬ ‫حوار ـ تعليق ـ ويشري مصطلح « منوعات « إىل‬ ‫تضمني الربنامج عنصرين أو أكثر من عناصر‬

‫الفن مثل املوسيقى والغناء والدراما واحلوار‪.‬‬ ‫وحيقق وج��ود ه��ذه العناصر جمتمعة ميزة‬ ‫نسبية لربامج املنوعات ال تتحقق يف اشكال‬ ‫الربامج األخ��رى‪ .‬وتستهدف برامج املنوعات‬ ‫التسلية والرتفيه‪ ،‬ومتضيه الوقت‪ ،‬والتخلص‬ ‫من القلق والتوتر‪ ،‬والنقد االجتماعي البناء يف‬ ‫إطار من املرح والبهجة‪.‬‬ ‫* تتخذ برامج املنوعات األشكال التالية‪:‬‬ ‫•عروض الفودفيل ‪ :‬يتضمن ه��ذا الشكل‬ ‫جمموعة من العناصر اليت تدور حول فكرة‬ ‫أساسية واحدة‪.‬‬ ‫•حفل موسيقى منوع ‪ :‬جمموعة من الفقرات‬ ‫املوسيقية والغنائية املتتابعة‪.‬‬ ‫•العروض الكوميدية ‪ :‬يقوم أحد ممثلي‬ ‫الكوميديا بعقد مقابالت مع شخصيات عامة‬ ‫ومسؤولني رمسيني‪ ،‬يغلب على العرض املرح‬ ‫والفكاهة‪.‬‬ ‫•شخصية وض��ي��وف ‪ :‬شخصية ع��ام��ة أو‬ ‫مشهورة تدير حوارات مع شخصيات منتقاة‪،‬‬ ‫ويتخلل هذه اللقاءات لقطات غنائية أو درامية‪.‬‬ ‫•عروض املوسيقى والكوميديا ‪ :‬عروض‬ ‫جتمع بني املوسيقى والكوميديا‪ ،‬وتتضمن‬ ‫حبكة مرسومة‪ ،‬وبعض املفارقات‪.‬‬ ‫•عروض مسرحية ‪ :‬شكل م��ن العروض‬ ‫املسرحية اليت تضم مزجيا من احلوار والرقص‬ ‫والغناء وانتقاد األوضاع واملظاهر السلبية‪.‬‬ ‫ويعتمد جن��اح برنامج املنوعات ـ إىل حد‬ ‫كبري ـ على جاذبية مقدم الربنامج وقدرته‬ ‫على االقناع‪ ،‬ومنط ادائ��ه على املسرح‪ .‬ويعد‬ ‫مقدم الربنامج هو عنصر الربط الذي يتيح‬ ‫استمرارية الربنامج‪ ،‬وقد يتلقى بعض املكاملات‬


‫اهلاتفية أو رسائل الفاكس من املستمعني على‬ ‫اهل���واء مباشرة‪ .‬كذلك يعتمد جن��اح برامج‬ ‫املنوعات على حجم ونوع املواهب املتاحة يف‬ ‫اجملتمع يف املوسيقى والغناء والشعر والتمثيل‬ ‫والكوميديا‪.‬‬ ‫* برامج املسباقات واأللغاز‪:‬‬ ‫حتظى هذه الربامج جباذبية كبرية من جانب‬ ‫املستمعني‪ ،‬ومازال هذا الشكل الرباجمي ناجح‬ ‫جداً يف اخلدمات االذاعية بالرغم من انتقاله إىل‬ ‫التليفزيون‪ .‬وهناك عدة أنواع من برامج االلغاز‬ ‫تندرج من تدفق املعلومات اجلادة اىل األلغاز اليت‬ ‫تهدف اىل التسلية واالضحاك‪ .‬وطبيعة االلغاز او‬ ‫االلعاب املقدمة هي اليت تفرض شكل الربنامج‬ ‫ـ فربامج األلغاز اجل��ادة تعتمد على التنافس‬ ‫بني اف��راد أو مجاعات مثل طالب امل��دارس او‬ ‫البنوك او قطاعات مهنية‪ .‬أما برامج األلغاز‬ ‫اخلفيفة فترتكز حول شخصية حمورية حتظى‬ ‫بشعبية واسعة‪ ،‬وتتوىل هذه الشخصية تقديم‬ ‫احلفل أو الربنامج وتقوم هذه الشخصية بطرح‬ ‫األسئلة أو توجيه األلغاز للمتسابقني وكذلك‬ ‫جلمهور احلضور أو املستمعني باملنازل‪ .‬وختتلف‬ ‫برامج املسابقات عن برامج األلغاز من حيث‬ ‫تواجد اربعة اشخاص مع مقدم الربنامج الذي‬ ‫يناقش معهم موضوعات خفيفة تتخذ أشكاال‬ ‫متعددة‪ ،‬أو يقدم اسئلة ختمينية حول إحدى‬ ‫الشخصيات‪ ،‬وبعد التعرف عليها من جانب‬ ‫املتسابقني‪ ،‬يتم استدعاؤها والتحاور معها‪.‬‬ ‫وتتميز برامج املسابقات واأللغاز بكونها جتمع‬ ‫بني هدف التعليم وهدف التسلية‪.‬‬ ‫* إعالنات اإلذاعة ‪:‬‬ ‫تتسم إعالنات اإلذاعة بقلة كلفتها باملقارنة‬

‫مع االع�لان يف وسائل االتصال األخ��رى‪ ،‬وهي‬ ‫تصل إىل مجاهري غفرية متخطية حواجز‬ ‫ال��زم��ان وامل��ك��ان واألم��ي��ة‪ ،‬وتستطيع اإلذاع��ة‬ ‫من خالل التعاون مع املعلنني أن جتمع ً‬ ‫كما‬ ‫ً‬ ‫هائال من املعلومات عن خصائص مجاهريها‬ ‫املستهدفة‪ .‬وقد بدأ االعالن االذاعي مع بداية‬ ‫ظهور اإلذاعة يف أوائل العشرينيات من القرن‬ ‫املاضي‪ ،‬واالعالنات هي املصدر األساسي لدخل‬ ‫حمطات اإلذاعة التجارية‪.‬‬ ‫* حيقق بث االعالن عرب االذاعة املزايا التالية‬ ‫ اختصار وقت االعداد‪.‬‬‫ تقديم االع�لان احل��ي دون تكاليف انتاج‬‫تذكر‪.‬‬ ‫ كلفة االعالنات االذاعية املسجلة اقل من‬‫كلفة االعالنات املطبوعة او اعالنات التليفزيون‬ ‫والسينما‪.‬‬ ‫ تتيح اع�لان��ات اإلذاع���ة االت��ص��ال الفوري‬‫باملستمع‪.‬‬ ‫ تتضمن اعالنات اإلذاعة ملسات إنسانية تثري‬‫الفضول وحب االستطالع‪.‬‬ ‫ ً‬‫غالبا ما تكون االستجابة إلعالنات اإلذاعة‬ ‫فورية‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬هناك بعض العيوب اليت‬ ‫حتد من فعالية إعالنات اإلذاع��ة ‪ ،‬فإعالنات‬ ‫اإلذاعة تكون خمتصرة جداً مبا ال يتيح اجملال‬ ‫للشرح التفصيلي‪ ،‬وهي ً‬ ‫غالبا ما تتضمن فكرة‬ ‫واح��دة ألن املستمع ال يوجه انتباهه الكامل‬ ‫حنو اإلذاعة‪ ،‬بينما يف حالة الوسائل املطبوعة‬ ‫يستطيع املتلقي أن يعيد القراءة أكثر من مرة‪،‬‬ ‫كما يستطيع االحتفاظ باجلريدة أو اجمللة اليت‬ ‫حتوي االع�لان فاملستمع لديه فرصة واحدة‬ ‫‪329‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪330‬‬

‫يف وقت واحد الستقبال اعالن اإلذاع��ة لذلك‬ ‫تلجأ اإلذاعة إىل استخدام خاصية االعادة داخل‬ ‫االعالن وتقديم االعالن عدة مرات على مدار‬ ‫اليوم للحصول على امللعومات الضرورية اليت‬ ‫تتضمنها الرسالة االعالنية‪.‬‬ ‫حيا أو مسجال‪ً،‬‬ ‫واالع�لان االذاع��ي ميكن بثه ً‬ ‫وخيتلف زمن اإلعالن الواحد من عشر ثوان إىل‬ ‫ساعة كاملة يف حالة الربامج املكفولة الذي يقل‬ ‫زمنه عن ستني ثانية‪ ،‬أما االعالنات اليت تزيد‬ ‫عن دقيقة فيطلق عليها الربامج املنفصلة‪.‬‬ ‫ويتم متويل االعالن باسلوبني‪:‬‬ ‫•اإلعالنات املكفولة اليت يتم دجمها ضمن‬ ‫برنامج اذاعي‪ ،‬ويتحمل منتج اإلعالن نفقات‬ ‫الربنامج بالكامل على أن يتخلله تقديم اإلعالن‬ ‫عدة مرات ويرتاوح زمن الربامج املكفولة من‬ ‫مخس دقائق حتى ستني دقيقة‪ .‬وميكن أن‬ ‫يشرتك أكثر من معلن يف متويل برنامج واحد‬ ‫على أن يقتسموا الوقت املخصص لإلعالن داخل‬ ‫الربنامج‪.‬‬ ‫•االعالنات املنفصلة‪ ،‬وي�تراوح زمنها بني‬ ‫‪ 60-5‬ثانية‪ ،‬ويتم تقدميها بني الربامج أو يف‬ ‫ثنايا الربنامج الواحد‪ ،‬ويتفاوت مثنها حسب‬ ‫يوم االذاعة‪ ،‬وتوقيت بث االعالن خالل اليوم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أشكاال عديدة ميكن‬ ‫* تتخذ إعالنات اإلذاعة‬ ‫حصرها على النحو التالي ‪:‬‬ ‫ االعالن املباشر ‪ :‬وهو االعالن املركز الذي‬‫يقدم رسالة صرحية‪ ،‬ويتم تقدميه من خالل‬ ‫صوت واحد فقط دون عناصر صوتية أخرى‬ ‫مثل املوسيقى واملؤثرات الصوتية‪.‬‬ ‫ االع�ل�ان متعدد األص���وات ‪ :‬حيث جيمع‬‫االعالن بني صوتني أو أكثر لتقديم السلعة أو‬

‫اخلدمة االعالنية‪ ،‬وحيقق هذا النوع جاذبية‬ ‫أكرب من االعالن املباشر‪.‬‬ ‫ االعالن احلواري ‪ :‬يعتمد على اسلوب احلوار‬‫بني شخصني إلظهار مزايا السلعة أو اخلدمة من‬ ‫خالل طرح امثلة جتريبية‪.‬‬ ‫ االع�ل�ان ال��درام��ي ‪ :‬جتميع ب�ين احل��وار‬‫واملوسيقى واملؤثرات الصوتية‪.‬‬ ‫ اعالن الصورة الذهنية ‪ :‬يعتمد على إثارة‬‫خيال املستمع م��ن خ�لال اس��ت��خ��دام اخليال‬ ‫التارخيي والفانتازيا كأساس لبيع املنتج أو خلق‬ ‫صورة ذهنية إجيابية له‪.‬‬ ‫ االعالن الفكاهي ‪ :‬يعتمد على ابتكار موقف‬‫فكاهي أو مرح أو سخيف ويتم توجيه الرسالة‬ ‫اإلعالنية من خالله‪.‬‬ ‫ االعالن السريع « اخلاطف « ‪ :‬يستخدم هذا‬‫املصطلح لإلشارة اىل االعالنات السريعة القصرية‬ ‫ذات العشر أو اخلمس عشرة ثانية‪.‬‬ ‫ االع�لان الغنائي ‪ :‬التعبري عن السلعة أو‬‫اخلدمة من خالل فرتة غنائية‪.‬‬ ‫ االعالن املدمج مع أحد الربامج ‪ :‬هو أحد‬‫اشكال االعالنات اليت تتوحد مع حمتوى الربامج‬ ‫مثل اعالنات األزياء عندما يتم تقدميها ضمن‬ ‫برامج املرأة ً‬ ‫مثال‪ .‬ولكن املشكلة أن يبدو االعالن‬ ‫وكأنه جزء من حمتوى الربنامج‪ ،‬وهي مشكلة‬ ‫أخالقية‪.‬‬ ‫* يتضمن حمتوى االع�لان مخسة عناصر‬ ‫أساسية يطلق عليها‬ ‫ خصائص السلعة او اخلدمة ‪ :‬ويقصد بها‬‫ام��داد املستمع مبعلومات عن طبيعة السلعة‬ ‫وخصائصها‪ .‬خربات املستخدمني للمنتج ‪ :‬مثل‬ ‫االشخاص الذين اش�تروا السلعة أو اقبلوا على‬


‫اخلدمة‪ ،‬وتأكدوا من فعاليتها‪ ،‬وذلك إلثبات أن‬ ‫املنتج مطلوب مجاهرييا‪.‬‬ ‫ املزايا التنافسية للسعلة أو اخلدمة ‪ :‬مثل أن‬‫تكون السلعة اقل سعراً أو أكثر جودة أو أفضل‬ ‫استخداما‪.‬‬ ‫ معدل التكلفة ‪ :‬إثبات الدليل على أن قيمة‬‫التكللفة حتقق مزايا السلعة عند مقارنتها‬ ‫باملنتجات املنافسة‪.‬‬ ‫ تعميق الفائدة للمستمع ‪ :‬الفوائد اليت تعود‬‫على املستمع عند اقتناء السلعة أو اإلقبال على‬ ‫اخلدمة‪.‬‬ ‫وليست العربة حبجم املعلومات اليت يتضمنها‬ ‫االع�لان‪ ،‬وإمنا املهام هو وضع الكلمات بأقصى‬ ‫ق��در من االق��ن��اع‪ ،‬حيث يبدأ االع�لان بأكثر‬ ‫النقاط أو األهداف أهمية للجمهور املستهدف‪ ،‬ثم‬ ‫يضع الكاتب قائمة بأسباب مطالبته للجمهور‬ ‫بتقبل هذه الفكرة أو شراء السلعة أو استخدام‬ ‫اخل��دم��ة‪ .‬وحي��رص كاتب االع�لان على وضع‬ ‫أكرب قدر ممكن من احملتوى يف الزمن املخصص‬ ‫لإلعالن‪ ،‬حيث إنه كلما زاد احملتوى‪ ،‬جلأ املؤدى‬ ‫إىل السرعة يف األداء حتى ال يتعدى الزمن‬ ‫املخصص لإلعالن‪ .‬وم��ن املعروف يف اإلذاع��ة‬ ‫أنه كلما زادت سرعة أداء الكلمات‪ ،‬كلما قلت‬ ‫فرصة استيعاب الرسالة االعالنية‪ .‬وبعد أن‬ ‫ينتهي الكاتب من حترير االعالن‪ ،‬مبكن قراءته‬ ‫بصوت مرتفتع الختيار جرس الكلمات وسهولة‬ ‫اجلمل وانسياب املعلومات‪ ،‬والتأكد من أن الفكرة‬ ‫الرئيسية تظهر يف بداية االعالن بشكل واضح‬ ‫داخل االعالن وتكرار اسم املنتج او اخلدمة أو‬ ‫املمول بوضوح مرتني على االقل داخل االعالن‪.‬‬ ‫* الدراما اإلذاعية ‪:‬‬

‫ميكن أن نستفيد من الدراما االذاعية يف جمال‬ ‫قضايا التنمية ‪ -‬أو ما يسمى بالدراما التنموية‪.‬‬ ‫وأهتمامها باملضمون اهلادف يكون هو األساس يف‬ ‫كتابتها وأيضا يف اخراجها‪ .‬لذا فإن البعض يرى‬ ‫أن اخراج الدراما اإلذاعية التنموية ينبغى أن‬ ‫يهتم أساسا باملضمون مع اإلقالل قدر اإلمكان‬ ‫من املوسيقى واإلكتفاء باملؤثرات وبإستخدام‬ ‫الظهور والتالشى يف عملية النقل بني الدرامية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خوفا من أن تشغل املوسيقى اهتمام املستمع على‬ ‫حساب املضمون التنموى‪ ..‬ولكن ذلك ال يعنى أن‬ ‫بناء الدراما التنموية خمتلف‪ ،‬حيث أنه البد وأن‬ ‫حتتوى على كل عناصر البناء الدرامى املعروف‬ ‫م��ن فكرة جيده وج��ذاب��ة‪ ،‬وح���وار منطقى‬ ‫ومفهوم وغ�ير إنشائى‪ ،‬وشخصيات واضحة‬ ‫املعامل ومرسومة بشكل جيد‪ ،‬وأداء متمكن من‬ ‫املمثالت واملمثلني‪ ،‬اضافة إىل عناصر الصراع‬ ‫والتشويق الدرامى والنهاية املقنعة واملربرة من‬ ‫جانب املستمعني‪.‬‬ ‫جتمع الدراما االذاعية بني اسلوب املسرح‪،‬‬ ‫واسلوب حكاية القصة‪ ،‬فاملسرح يف كل أحناء‬ ‫العامل يتبع تقاليد ومفاهيم راسخة منذ القدم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اسلوبا‬ ‫وكذلك اسلوب حكاية القصة الذي يعد‬ ‫ً‬ ‫قويا ومؤثراً للتعبري عن االبعاد االنسانية‪،‬‬ ‫االمال واملعتقدات‪ ،‬القيم‪ ،‬واالجتاهات‪ ،‬والسمات‬ ‫اخلاصة بكل ثقافة ‪ ،‬كذلك ف��إن فن املسرح‪،‬‬ ‫وفن رواية القصة من األساليب املعروفة منذ‬ ‫آالف السنني قبل ظهور الطباعة واالذاع��ة‬ ‫والتليفزيون والسينما وقد اكتسبت كل هذه‬ ‫الوسائل القوة والداللة بعد تطوير هذه االشكال‬ ‫القدمية‪.‬‬ ‫إذاً فالدراما التنموية ال تعنى وضع مجل‬ ‫‪331‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪332‬‬

‫إنشائية وشعارات قد يضحك منها اجلمهور‪ ،‬وإمنا‬ ‫صعوبتها تأتى يف أن تكتب دراما هادفة ختدم‬ ‫أغ��راض ج��ادة ولكنها يف نفس الوقت جذابة‬ ‫وممتعه ومشوقة للجمهور مبا ال جيعله ينصرف‬ ‫عنها‪ ،‬والصعوبة ال تكمن فقط يف الكتابة‪ ،‬وإمنا‬ ‫ً‬ ‫أيضا يف األداء‪ ،‬ويف اإلخراج‪ ،‬فكالهما ينبغى أن‬ ‫يتم بطريقة احرتافية حترتم عقلية املستمع‪،‬‬ ‫فقد انتهى عصر الدراما ذات الصوت العاىل‬ ‫واألداء اإلنفعاىل املبالغ فيه والذى مييل إىل األداء‬ ‫املسرحى التقليدى ولذلك البد من أن يراعى‬ ‫ذلك يف اإلخراج الدرامى مبا يتناسب مع طبيعة‬ ‫العصر وطبيعة اجلمهور املتلقى وطبيعة‬ ‫اإلذاعة نفسها كوسيلة‪.‬‬ ‫وبالرغم من قلة استخدام الدراما يف االذاعة يف‬ ‫السنوات األخرية‪ ،‬خاصة يف الدول املتقدمة‪ ،‬إال أن‬ ‫الشكل األساسي للبناء الدرامي ال يزال يستخدم‬ ‫يف برامج اذاعية عديدة مثل الفيتشر‪ ،‬والربامج‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪ .‬وتوجد‬ ‫الوثائقية‪ ،‬واالعالنات‪ ،‬واالخبار‬ ‫قواعد اساسية متعارف عليها إلستخدام البناء‬ ‫الدرامي سواء يف املسرح او السينما أو االذاعة‬ ‫أو التليفزيون‪ ،‬ويتم موائمة ه��ذه القواعد‬ ‫حسب الوسيلة املستخدمة وتقنياتهـا‪ .‬وتستمد‬ ‫الدراما اصوهلا من الثقافة االغريقية القدمية‪،‬‬ ‫وتتبع األساليب اليت وصفها « أرسطو « يف كتابه‬ ‫« الشعر «‪ ،‬وهي تتضمن وحدات الزمان واملكان‬ ‫واحل��دث‪ ،‬واحلبكة اليت تنطوي على الصراع‬ ‫الذي يعكس بعض األزمات‪ ،‬وتساهم كل أزمة يف‬ ‫تعقيد األحدث إىل أن تصل إىل مرحلة الذروة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عالجا‬ ‫وعند هذه املرحلة يتم عالج املشكلة‬ ‫ً‬ ‫نهائيا مبا يؤدي إىل « تطهري « املتلقي‪ .‬وبالطبع‬ ‫ليست كل املسرحيات أو القصص تطبق هذه‬

‫القواعد اآلن‪ ،‬إال أنها تقدم بعض اإلرشادات اليت‬ ‫ميكن االستفادة منها عند اعداد البناء الدرامي‬ ‫ألية وسيلة أعالمية دون إغفال خصوصية كل‬ ‫وسيلة‪ .‬ورغم أن الدراما االذاعية تتيح قدراً‬ ‫كبرياً من احلرية لدى كل من الكاتب واملخرج‪،‬‬ ‫إال أنها ال ختلو م��ن بعض القيود‪ .‬وتتمثل‬ ‫هذه القيود يف أن كثرة املشاهد داخل الدراما‬ ‫اإلذاع��ي��ة‪ ،‬والتغيري املستمر يف ه��ذه املشاهد‪،‬‬ ‫ميكن أن يؤدي إىل تشويش املستمع‪ .‬كذلك جيب‬ ‫أن يكون عدد الشخصيات اليت حتتويها الدراما‬ ‫اإلذاع��ي��ة حم��دوداً حتى يستطيع املستمع أن‬ ‫يتعرف عليها بسهولة‪ ،‬وكذلك عدد الشخصيات‬ ‫اليت حيتويها كل « مسمع» إذاع��ي‪ .‬كذلك يتم‬ ‫التعبري عن كل األحداث الدرامية يف اإلذاعة من‬ ‫خالل الصوت فقط بعناصره املختلفة من كالم‬ ‫وموسيقى ومؤثرات صوتية‪ .‬وعندما تطبيق‬ ‫قواعد البناء الدرامي على االذاعة‪ ،‬نالحظ أن‬ ‫الوحدة يف الدراما االذاعية هي وحدة احلدث أو‬ ‫وحدة الفكرة‪ ،‬بينما ال تعرتف الدراما االذاعية‬ ‫بوحدتي ال��زم��ان وامل��ك��ان‪ .‬ويتحول احل��دث‬ ‫األساسي يف الدراما االذاعية اىل سلسلة من «‬ ‫املسامع « املتعاقبة‪ ،‬ويتم بناء كل « مسمع « وفق‬ ‫مبدأ احلدث الصاعد‪ ،‬ويعتمد البناء الكلي للنص‬ ‫الدرامي على ترابط املسامع املستقلة اليت حتقق‬ ‫وحدة احلدث يف النهاية‪.‬‬ ‫ويشبه بناء احلبكة يف الدراما اإلذاعية متاماً‬ ‫بناء احلبكة على خشبة امل��س��رح م��ن حيث‬ ‫التمهيد‪ ،‬والصراع‪ ،‬والتعقيدات‪ ،‬والذروة‪ ،‬واحلل‬ ‫إذا تطلب األمر ذلك وجيب الكشف عن الصراع‬ ‫مع بداية الدراما اإلذاعية‪ ،‬وقد تفرض قيود‬ ‫الوقت وضرورات الرتكيز يف اإلذاعة أن يقتصر‬


‫الكاتب على حبكة رئيسية واح��دة‪ ،‬ويتجنب‬ ‫احلبكات الفرعية‪ .‬وي��ق��وم الكاتب االذاع��ي‬ ‫بتوصيف دقيق للشخصيات الدرامية‪ ،‬وحيدد‬ ‫مسات وخصائص كل شخصية من خالل الصوت‬ ‫واحل��وار فقط‪ .‬ويعترب احل��وار وسيلة التعبري‬ ‫األساسية يف الدراما االذاعية‪ ،‬حيث يعرب عن‬ ‫تدفق االحداث ويكشف عن كوامن الشخصيات‪،‬‬ ‫مع استخدام اللغة املناسبة لسمات وخصائص‬ ‫كل شخصية من الشخصيات الدرامية‪ .‬ويتم‬ ‫تقديم عنصر ال��ش��رح التمهيدي للدراما‬ ‫االذاعية عن طريق الصوت واحل��وار‪ ،‬ويفضل‬ ‫تقديم الشرح من خالل تدفق األحداث‪ ،‬وليس‬ ‫عن طريق الوصف‪ ،‬ويف حاالت الضرورة يتم‬ ‫استخدام اسلوب السرد‪ .‬كذلك جيب التمهيد‬ ‫لألحداث يف الدراما االذاعية عن طريق الكشف‬ ‫املبكر عن اه��داف الشخصيات ودوافعها اليت‬ ‫متهد لتسلسل األح��داث‪ .‬وفيما يتعلق بعنصر‬ ‫املنظر ( الرؤية ) يف الدراما االذاعية‪ ،‬فال يعتمد‬ ‫الكاتب يف ه��ذا اجمل��ال إال على ق��درة املستمع‬ ‫على التخيل‪ .‬وجيب أن تكون الصور الذهنية‬ ‫اليت يرمسها الكاتب مالئمة للعمل الدرامي‪،‬‬ ‫وطبيعة الشخصيات واملواقف‪ ،‬وحتقق االثر‬ ‫السيكولوجي للدراما‪ .‬ويستخدم كاتب الدراما‬ ‫اإلذاعية عناصر املوسيقى واملؤثرات الصوتية‬ ‫لإلحياء مبواقف الدخول واخل��روح واحلركة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شرحا للمتابع املسامع‬ ‫ويتضمن النص اإلذاعي‬ ‫(املشاهد) واستخدامات املوسيقى‪ ،‬واملؤثرات‬ ‫الصوتية‪ ،‬وصدى الصوت والتوجيهات الالزمة‬ ‫للممثلني‪ ،‬وحتديد الزمن‪ ،‬والنص الدرامي‬ ‫من خالل احلوار أو السرد‪ .‬وتستخدم الدراما‬ ‫االذاعية كوسيلة مؤثرة يف التعليم واالقناع‬

‫يف دول عديدة عند استخدام نوعيات الدراما‬ ‫ال�تي تكتسب شعبية‪ ،‬وعند تقديم األفكار‬ ‫واالجتاهات اجلديدة‪.‬‬ ‫* اخلالصة‪:‬‬ ‫إكتسبت وسائل اإلتصال اجلماهريية ‪ -‬خاصة‬ ‫الوسائل اإللكرتونية ‪ -‬أهمية كبرية يف القرنني‬ ‫العشرين واحلادي والعشرين‪ ،‬بإعتبارها قنوات‬ ‫أساسية لألخبار واملعلومات والرتفيه‪ ،‬وأصبحت‬ ‫برامج اإلذاع��ة إهتمامات الناس وقضاياهم‬ ‫األساسية‪ ،‬وإشباع حاجاتهم لإلعالم والتعليم‬ ‫وال�ترف��ي��ه‪ ،‬وس��اع��دت اإلع�لان��ات التجارية يف‬ ‫تلبية حاجة الناس إىل السلع واخلدمات‪ ،‬وعربت‬ ‫التسجيالت املوسيقية عن التحرر العاطفي‬ ‫واإلسرتخاء والتفكري‪ ،‬وجاءت اإلذاعة وفق هذا‬ ‫املفهوم مبثابة النافذة السحرية اليت نرى من‬ ‫خالهلا أنفسنا وعاملنا‪.‬‬ ‫* املراجع‪:‬‬ ‫‪.1‬د ‪ .‬ابراهيم عبداهلل املسلمي ‪ ،‬مدخل اىل‬ ‫الراديو والتلفزيون ‪ ،‬العربي للنشر والتوزيع‬ ‫‪.1999 ،‬‬ ‫‪.2‬د ‪ .‬حسن ع��م��اد م��ك��اوي – د ‪ .‬ع��ادل‬ ‫عبدالغفار ‪ ،‬االذاعة يف القرن احلادي والعشرين‬ ‫‪ ،‬ال��دار املصرية اللبنانية ‪ ، 2008 ،‬الطبعة‬ ‫األوىل‪.‬‬ ‫‪.3‬د ‪ .‬س���وزان القليين ‪ ،‬الكتابة للراديو‬ ‫والتلفزيون ‪ ،‬جملة فن االذاع��ة ‪ ،‬تصدر عن‬ ‫احت��اد االذاع��ة والتليفزيون املصري ‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ، 183‬يوليو ‪. 2006‬‬ ‫‪.4‬د ‪ .‬س���وزان القليين ‪ ،‬الكتابة للراديو‬ ‫والتلفزيون ‪ ،‬جملة فن االذاع��ة ‪ ،‬تصدر عن‬ ‫‪333‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪334‬‬

‫احت��اد االذاع��ة والتليفزيون املصري ‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ، 184‬أكتوبر ‪. 2006‬‬ ‫‪.5‬د ‪ .‬عبداهلل زلطة ‪ ،‬احلديث االذاعي املباشر‬ ‫‪ ،‬جملة فن االذاع��ة ‪ ،‬تصدر عن احتاد االذاعة‬ ‫والتليفزيون املصري ‪ ،‬العدد ‪ ، 184‬أكتوبر‬ ‫‪. 2006‬‬ ‫‪.6‬د ‪ .‬حممد نبيل طلب ‪،‬األشكال االذاعية‬

‫ومس��ات االذاع��ي الناجح ‪ ،‬جملة فن االذاع��ة ‪،‬‬ ‫تصدر عن احتاد االذاعة والتليفزيون املصري ‪،‬‬ ‫العدد ‪ ، 183‬يوليو ‪. 2006‬‬ ‫‪.7‬د ‪ .‬نبيل راغب ‪ ،‬فن الكتابة لالذاعة ‪،‬‬ ‫دار الغريب للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬سنة‬ ‫‪.1998‬‬


‫(الحتمية والالحتمية يف فلسفة العلم‬ ‫عند كارل بوبر)‬

‫د‪.‬حسن حسني صديق‬ ‫جامعة رابه رين‪/‬قسم الفلسفة‬

‫‪335‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪336‬‬

‫املقدمة‪:‬‬ ‫جرى جدال كبريا بني الفالسفة حول موضوع‬ ‫العالقة بني العلم وامليتافيزيقا ‪ ,‬لقد اكد كارل‬ ‫بوبر بأن للتصورات امليتافيزيقية دور يف بناء‬ ‫العلم والنظرية العلمية‪ ,‬واعترب امليتافيزيقا‬ ‫ضرورية يف طرحها لتصورات قد تناسب ً‬ ‫حال‬ ‫للمشكالت العلمية‪ .‬وق��د حلت ه��ذا الوعي «‬ ‫اهمية النظريات او التصورات امليتافيزية» يف‬ ‫بناء النظرية العلمية‪ ،‬بعد ان حدثت تغريات‬ ‫سريعة وك��ب�يرة يف جم��ال العلم ونظرياته‬ ‫وتفسرياته للطبيعة وال��ك��ون‪ ،‬ه��ذه التغريات‬ ‫نبعت من ظهور نظريتني علميتني يف القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬غريت معها كل فروع املعرفة والفكر‪،‬‬ ‫هما‪ « ،‬نظرية النسبية» و « نظرية الكوانتم»‪.‬‬ ‫يف املاضي كان الفالسفة والعلماء ينظرون اىل‬ ‫الكون والطبيعة نظرة استقرائية‪ ،‬وكان من‬ ‫نتيجة ذلك بزوغ االميان بالنظرية احلتمية يف‬ ‫تفسري وتنبوء االحداث يف الكون‪ .‬هذه النظرية‬ ‫تنص على وجوب حدوث الظاهرة اذا ما عرفنا‬ ‫بعض تفاصليها يف احلاضر‪ ،‬ف��اذا ما حدث او‬ ‫ظهرت تلك التفاصيل سوف تقع نفس الظاهرة‬ ‫او احلدث‪ .‬هذه النظرة دفعت بالعلماء من جهة‬ ‫والفالسفة من جهة اخرى‪ ،‬اىل قراءة املستقبل‬ ‫على غ��رار امل��اض��ي او االص��ح ق���رءاة احلاضر‬ ‫والتنبؤء باملستقبل على غرار املاضي‪ .‬لكن من‬ ‫نظريتا النسبية والكوانتم تغري كل شي بني‬ ‫ليلة وضحاها‪ ،‬بدأت الفوضى تعم نظرياتهم‬ ‫ً‬ ‫منسجما مع‬ ‫وفرضياتهم‪ ،‬مل يأتي املستقبل‬ ‫تصوراتهم احلتمية‪ ،‬مما دفعهم اىل البحث‬ ‫عن نظريات اخرى تنسجم مع الواقع‪ ،‬فكانت‬ ‫الالحتمية او االحتمالية هي النظرية القادرة‬

‫على جت��اوز ح��االت الفوضى يف جم��االت العلم‬ ‫والفلسفة‪ .‬وقد اش��اد بوبر ب��دور الالحتمية‬ ‫كنظرية ميتافيزيقية يف بناء وتطور العلم‬ ‫ونظرياته‪.‬‬ ‫ل��ق��د رك���ز ب��وب��ر ع��ل��ى ن��ظ��ري��ات احلتمية‬ ‫والالحتمية كنظريتني ميتافيزيقتني ‪ ,‬واكد‬ ‫على دورهما يف بناء النظرية العلمية‪ ,‬فالتصور‬ ‫احلتمي للعامل مبين على اساس ميتافيزيقي‬ ‫الذي يؤكد بأننا نستطيع ان نتنبأ بأي وقت‬ ‫تقع احل��وادث‪ .‬حيث تناول بوبر بالنقد هذه‬ ‫النظرية‪ ,‬وأيد ً‬ ‫بدال عنه النظرية الالحتمية‪.‬‬ ‫أهمية البحث‪ :‬تكمن اهمية ه��ذا البحث يف‬ ‫ضرورة تعدد الرؤى الفلسفية لقراءة الواقع‪،‬‬ ‫فبوبر يبني لنا ذل��ك‪ ،‬فالبد للباحث العلمي‬ ‫والفلسفي ان يعلم بان لتلك النظريات دور‬ ‫مهم يف تقديم تصورات متعددة عن الواقع‬ ‫وحنن نعيش يف زمن العلم وتغرياته السريعة‪،‬‬ ‫لذا علينا ان نقرأ الواقع باكثر من منظور سواء‬ ‫كان ذلك قراءة حتمية‪.‬استقرائية او امحتالية‬ ‫فرضية‪.‬‬ ‫ام��ا املنهج املستخدم يف ه��ذه ال��دراس��ة‪ :‬فهي‬ ‫منهج التحليل والنقد يف عرض تصورات كارل‬ ‫بوبر حول موضوعات دقيقة يف جمال الفيزياء‬ ‫وامليتافيزيقا‪ .‬حيث جاءت دراستنا يف مقدمة‬ ‫ومبحثني مشفوعا باخلامتة‪ .‬تناولنا يف املبحث‬ ‫االول احلتمية كنظرية ميتافيزيقية ودورها‬ ‫يف بناء النظرية العلمية وموقف بوبر من‬ ‫تلك النظرية‪.‬تطرق بوبر اىل احلتمية العلمية‬ ‫وامليتافيزيقية ناقدا كال منهما‪.‬‬ ‫وتناولنا يف املبحث الثاني الالحتمية كنظرية‬ ‫ميتافيزيقية من وجهة نظر بوبر ومدى‬


‫اهميتها يف ال��دراس��ات العلمية والتصورات‬ ‫الفلسفية‪.‬‬ ‫املبحث األول‪ .:‬احلتمية كنظرية ميتافيزيقية‬ ‫وموقف بوبر منها‪:‬‬ ‫تعد مشكلة احلتمية من املشكالت الفلسفية يف‬ ‫جمال العلم وامليتافيزيقا‪ ،‬حيث يتعلق مبوضوع‬ ‫التنبؤ الدقيق حب��االت املستقبل على غرار‬ ‫املاضي‪ ،‬أي هل ميكن حتديد املستقبل على أساس‬ ‫املاضي واحلاضر؟ ففي العلم مسلمة ضمنية‬ ‫جلميع القوانني العلمية‪ ،‬وه��ي مثة حتمية‬ ‫تقتضي أن تأتي الظواهر يف املستقبل على نفس‬ ‫النسق الذي جاءت عليه يف املاضي واحلاضر(‪.)1‬‬ ‫أما احلتمية يف اجمل��ال امليتافيزيقي فتنطوي‬ ‫على التنبؤ باملستقبل ً‬ ‫أيضا‪ .‬فالتنبؤ خطوة‬ ‫أساسية يف كل حبث ولواله ملا تقدم العلم‪ ،‬لذا تعد‬ ‫احلتمية القاعدة االساسية اليت الميكن أن يتم‬ ‫أي حبث إال بها‪ .‬وعندما نتحدث عن احلتمية‬ ‫يف جمال العلوم الطبيعية فإننا نعين بها إمكان‬ ‫التنبؤ باحلاالت املستقبلية إستناداً إىل احلالة‬ ‫احلاضرة(‪ .)2‬وقد ذهب « هنري بوانكاريه « إىل‬ ‫القول بإن منشأ مبدأ احلتمية هو علم الفلك‪.‬‬ ‫فالنظام الدقيق والثابت ال��ذي تتحرك به‬ ‫الكواكب يف أفالكها حول نفسها وحول الشمس‪،‬‬ ‫هو ال��ذي أوح��ى لالنسان منذ بداية اخلليقة‬ ‫بفكرة النظام‪.‬أي أن فكرة احلتمية يف التفكري‬ ‫العلمي احلديث مرتبطة بفكرة املسار الثابت‪.‬‬ ‫أي أن كل شي متحرك مبوضعه املكاني وسرعته‬ ‫ف��اذا عرفنا موضع ذلك الشي والسرعة اليت‬ ‫يتحرك بها وأجتاه احلركة‪،‬أمكننا التنبؤ بنوع‬ ‫من احلتمية املطلقة أين سيكون ذلك الشي يف‬ ‫وقت معني أو متى سيكون يف موضع معني‪.‬‬

‫وطاملا أن كل شي يف الكون يتحرك‪ .‬إذن فالكون‬ ‫كله حتكمه حتمية صارمة‪ .‬وهي الفكرة اليت‬ ‫لعبت الدور الرئيسي يف احلتمية االلية املنبثقة‬ ‫عن الفيزياء النيوتونية‪ ،‬بل إن االميان باحلتمية‬ ‫جتاوز جمرد التنبؤ الدقيق‪ ،‬ليصبح أداة الكشف‬ ‫العلمي(‪.)3‬‬ ‫ن��ف��ه��م مم��ا ع��رض��ن��اه أن احل��ت��م��ي��ة مبدأ‬ ‫ميتافيزيقي يؤمن به العلماء بإن يف الكون‬ ‫نظام كلي مشولي يتحكم يف ظواهر‪ ،‬ف��إذا ما‬ ‫عرفنا قوانينه‪ ،‬متكنا من التنبؤ مبا حيدث يف‬ ‫املستقبل وهذا دفع بالعلماء أن يعتمدوا عليها‬ ‫حتى يف االكتشافات العلمية‪.‬لذا الميكن لنا القول‬ ‫بإن قرارات احلتمية فارغة من املعنى يف حني‬ ‫نقر من جهة أخرى بان العلماء أعتمدوا عليها‬ ‫يف إكتشافاتهم وتنبؤاتهم إلننا نقع يف التناقض‬ ‫املنطقي‪.‬بل علينا االع�تراف بإن لتلك املبادئ‬ ‫الدور الفعال يف بناء العلم والنظرية‪ .‬من هنا‬ ‫جند أن موقف فالسفة العلم من الوضعني الذي‬ ‫يعترب أن مبدأ احلتمية مصادرة برامجاتية أو‬ ‫ً‬ ‫فرضا شديد العمومية ولكن‪ .‬نسلم‬ ‫اداتية‪ ،‬أو‬ ‫به من أجل قيام العلم‪ ،‬دون أن نربهن عليه‪،‬‬ ‫وطاملا الربهان مستحيل‪ .‬ويرفضون التفسريات‬ ‫االخرى إما لتناقضها املنطقي أو إلستنادها إىل‬ ‫ثوابت ميتافيزيقية (‪.)4‬‬ ‫أما بوبر فريى أن ‪ « :‬فكرة احلتمية الكالسيكية‬ ‫أو حتمية العامل االول‪ ،‬هي فكرة قدمية جداً‬ ‫من الذي وضعها» البالس» على أساس ميكانيكا‬ ‫نيوتن‪ .‬وميكن القول أن نظرية الب�لاس يف‬ ‫احلتمية هي ‪ :‬نفرتض لو تعطى لنا بصورة‬ ‫مضبوطة مواقف وسرعات مجيع اجلزيئات‬ ‫‪337‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪338‬‬

‫املادية عن جزء من العامل يف حلظة من الزمن‪،‬‬ ‫لتمكنا مبساعدة امليكانيكا النيوتونية من حيث‬ ‫املبدأ‪ ،‬معرفة كل ما حدث من الوقائع يف املاضي‪،‬‬ ‫ومجيع ما سوف حيدث يف املستقبل‪ ،‬وتشتمل‬ ‫ه��ذه املعرفة احلتمية على مجيع احلركات‬ ‫البدنية للرجال‪ ،‬والكلمات املنطوقة أو املكتوبة‪،‬‬ ‫ومجيع املوسيقى اليت سوف تكون مكتوبة من‬ ‫ً‬ ‫مربجما‬ ‫أي وقت مضى‪ .‬كل هذا حيدث إذا كان‬ ‫مع قوانني نيوتن للحركة(‪ . »)5‬وقد عرب « بيري‬ ‫سيمون البالس» عن احلتمية يف كتابه « دراسات‬ ‫فلسفية حول االحتماالت» بقوله ‪ »:‬علينا إذن‬ ‫أن ننظر إىل احلالة الراهنة للكون على أنها‬ ‫نتيجة حلالته السابقة‪ ،‬وسبب حلالته القادمة‪.‬‬ ‫والفكر ال��ذي يعرف يف حلظة معينة القوى‬ ‫احملركة للطبيعة كلها‪.‬وحالة كل من الكائنات‬ ‫ً‬ ‫واسعا إىل‬ ‫اليت تتألف منها‪ ،‬وإذا كان هذا الفكر‬ ‫احلد الذي يسمح بتحليل املعطيات ‪ ،‬وتشمل‬ ‫حركات االجسام املوجودة يف الكون‪ ،‬كبريها‬ ‫وصغريها يف صياغة واح��دة‪ ،‬ف��إن ه��ذا الفكر‬ ‫لن جيد أي شي غري حتمي‪ ،‬وسيكون املستقبل‬ ‫واملاضي ماثلني أمام عينه»(‪ .)6‬واحلقيقة أن‬ ‫تفكري «الب�لاس» كان ضمن إط��ار امليتافيزيقا‬ ‫املادية اليت كانت شائعة يف نهاية القرن الثامن‬ ‫ً‬ ‫مؤمنا بإمكان معرفة‬ ‫عشر‪ .‬حيث كان البالس‬ ‫القوانني الرياضية للكون ‪ ،‬كان يؤكد أن فكراً‬ ‫نظريا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متاما ذا قدرات إدراكية المتناهية‬ ‫فائقا‬ ‫يستطيع حساب تأثريات قوانني الطبيعة كلها‪.‬‬ ‫وه��ذا الفكر ال ميلك صفات خارقة‪ ،‬ويعرتف‬ ‫البالس يف الوقت نفسه أن االنسان سيبقى ً‬ ‫دائما‬ ‫ً‬ ‫بعيداً بعداً‬ ‫المتناهيا عن هذا الفكر الفائق(‪.)7‬‬ ‫ً‬ ‫موقفا‬ ‫ويعترب بوبر املوقف احلتمي يف االصل‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫متصال بفكرة القدرة االهلية الكلية والعلم‬ ‫دينيا‬ ‫الكلي‪ ،‬املمنوحة للوجود الذي ليس له فقط‬ ‫القدرة على تقدير وحتديد املستقبل بل يعرفه‬ ‫ً‬ ‫دوما‪ ،‬وهذا يؤدي إىل االعتقاد أن أي حادثة قدرت‬ ‫ً‬ ‫مسبقا ويف هذا يقول بوبر ‪ »:‬فكرة احلتمية هي‬ ‫فكرة ذات أصل ديين ‪ ،‬وأن وجدت هناك ديانات‬ ‫تعتقد يف الالحتمية اليت ترى أن على االقل‬ ‫بعض الوقائع أو االحداث ليست مقدرة ً‬ ‫سلفا‪،‬‬ ‫احلتمية الدينية وثيقة الصلة بأفكار القدرة‬ ‫الكلية على حتديد املستقبل كله‪ ،‬والعلم االهلي‬ ‫الكلي بكل شي ويستلزم هذا أن املستقبل منذ‬ ‫احلاضر معروف عند اهلل وبالنتيجة ميكن‬ ‫معرفته ً‬ ‫ً‬ ‫نهائيا «(‪ .)8‬ولكن‬ ‫قبال‪ ،‬وهو حمدد‬ ‫موقف بوبر واض��ح من احلتمية الالبالسية‬ ‫ويصفها بالغري مقنعة‪ ،‬الن معرفة كل تفاصيل‬ ‫االح���داث الكونية حي��ت��اج إىل ق���درة خارقة‬ ‫ميتلكها االنسان كي يتجاوز كل احلدود الكونية‬ ‫وهذا حمال‪ ،‬ومن هذا املنطلق يقول بوبر‪ »:‬أنا‬ ‫ً‬ ‫شخصيا أجد وجهة نظر البالس يف احلتمية غري‬ ‫مقنعة وغري جذابة‪ ،‬وان حجته مشكوك فيه‪،‬‬ ‫الن معرفة كل تلك االحداث حيتاج إىل حاسبة‬ ‫متتلك القدرة على جتاوز هذا الكون املعقد»‪.‬‬ ‫إال أن البالس توصل إىل إستنتاجه من فكرته‬ ‫عن عامل مغلق وحتمي وسبيب‪.‬ويشري بوبر إىل‬ ‫إمكانية التعديل يف وجهة نظره عن احلتمية‬ ‫بناءاً على إنهيار بعض احملاوالت للحد من جتارب‬ ‫ماكسويل يف الكهرومغناطيسية مليكانيكا نيوتن‬ ‫من خالل النموذج امليكانيكي لالثري»(‪.)9‬‬ ‫والسبب ال��ذي دف��ع ب�لاب�لاس اىل االعتقاد‬ ‫باحلتمية يكمن يف تصوره عن العامل‪ ،‬حيث‬ ‫يتكون العامل من جسيمات ً‬ ‫وفقا للديناميكا‬


‫النيوتونية‪ ،‬وأنه يف حلظة واح��دة من الوقت‬ ‫نكون على معرفة كاملة ودقيقة للحالة االولية‬ ‫ً‬ ‫كافيا‬ ‫للنظام العاملي وال��ذي ينبغي أن يكون‬ ‫حلسم معرفتها يف أي حلظة أخ��رى‪ .‬وميكن‬ ‫تفسري الفكرة العامة عن احلتمية مبساعدة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سينمائيا يظهر فيه دول العامل متعاقبة‬ ‫فليما‬ ‫مع الواحدة تلو األخرى‪ ،‬وسيظهر يف هذا الفيلم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أن املستقبل يكون حمدداً‬ ‫قياسا لثبات‬ ‫وثابتا‬ ‫املاضي‪ .‬من هنا فإن املستقبل يكون ً‬ ‫ثابتا‪ ،‬من‬ ‫حيث املبدأ‪ ،‬وهذه املعرفة ليس جمرد ختمني‪،‬‬ ‫ب��ل ه��ي معرفة يقينية (‪.)10‬وبالفعل إن‬ ‫املستقبل هو معروف من قبل خالق العامل وهذا‬ ‫هو أصل التصور الديين للحتمية الذي عوض‬ ‫فيه شيطان البالس االله الكامل القدرة والعلم‬ ‫يف احلتمية الدينية‪ ،‬لتصبح القوانني الطبيعية‬ ‫ً‬ ‫يف عقل هذا العامل‪ ،‬فوق العادة تعبرياً‬ ‫صادقا عن‬ ‫احلالة الفعلية للعامل(‪.)11‬‬ ‫ولكن معرفة املستقبل م��ن خ�لال املاضي‬ ‫واحلاضر من خالل معرفتنا بالنظام العام للعامل‬ ‫أمر ال يقبله منطق العقل الننا حنتاج إىل إمكانية‬ ‫هائلة وقدرات كبرية حتى نستطيع االملام بكل‬ ‫تلك االحداث‪ ،‬يرفض بوبر النظرة احلتمية يف‬ ‫مجيع أبعادها التارخيية واالجتماعية والعلمية‬ ‫ويقدم برهانه يف هذا بقوله ‪ »:‬إن املتنبئ العلمي‬ ‫سواء كان ً‬ ‫عاملا من البشر أو آلة حاسبة‪ .‬الميكنه‪،‬‬ ‫بالطرق العلمية‪،‬أن يتنبأ مبا سيصل اليه من‬ ‫نتائج يف املستقبل‪ .‬واحمل��اوالت اليت يبذهلا يف‬ ‫التنبؤ ال ميكن أن تبلغ إىل نتيجتها إال بعد‬ ‫حدوث هذه النتيجة‪ ،‬أي بعد أن يكون الوقت قد‬ ‫فات على التنبؤ‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬ال تصل هذه‬ ‫احملاوالت إىل نتيجتها إال بعد أن يكون التنبؤ قد‬

‫أستحال إىل جمرد تقرير ملا وقع يف املاضي»(‪.)12‬‬ ‫إذن ميكن أن حندد معنى احلتمية العلمية‬ ‫على النحو التالي كما يدعي بوبر‪ »:‬إن مذهب‬ ‫احلتمية العلمية هو املذهب ال��ذي ميكن من‬ ‫خالله توقع حالة أي نظام مادي مغلق يف أي‬ ‫حلظة معينة من الزمن يف املستقبل‪ ،‬وحتى من‬ ‫داخل النظام‪ ،‬ميكن ً‬ ‫دائما باالشرتاك مع الشروط‬ ‫االولية من إستنتاج نظريات التنبؤ بدرجة من‬ ‫الدقة‪ ،‬الن مهمة التنبؤ تتطلب درجة من الدقة‬ ‫‪ ،‬وهذا هو التعريف االضعف لصياغة االفكار يف‬ ‫احلتمية العلمية(‪.)13‬إال أن احلتمية العلمية‬ ‫تشرتط القدرة على التنبؤ بكل حادثة بدرجة‬ ‫مرغوبة من الدقة شريطة أن تكون معطاة‬ ‫شروط أولية دقيقة مبا فيه الكفاية‪ ،‬لكن ماذا‬ ‫تعين كلمة « مبا فيه الكفاية» إنه يتوجب علينا‬ ‫تفسري ما املقصود بشروط أولية دقيقة مبا فيه‬ ‫الكفاية بطريقة حترمنا حتى من حق املرافعة‬ ‫كلما خنفق يف تنبؤاتنا والقول أن الشروط االولية‬ ‫املعطاة مل تكن دقيقة مبا فيه الكفاية ‪ ،‬بعبارات‬ ‫أخرى فإن نظريتنا جيب عليها أن تدرك أن عدم‬ ‫دقة التنبؤ بنفس درجة الدقة اليت نشرتطها يف‬ ‫التنبؤ فإنه يتوجب عليها أن تسمح لنا حبساب‬ ‫درج��ة دق��ة ال��ش��روط االول��ي��ة ال�تي ستكتفي‬ ‫إلعطائنا تنبؤاً له درجة دقة مطلوبة ويسمي‬ ‫بوبر هذا الشرط مبدأ املسؤولية(‪.)14‬‬ ‫يقسم بوبر الوقائع يف إطار احلتمية إىل منطني‪:‬‬ ‫أح��داث ووقائع ميكن التنبؤ بها مثل تعاقب‬ ‫الفصول أو دورات الساعة‪ ،‬وإىل أحداث ووقائع‬ ‫ال ميكن التنبؤ بها مثل حركة السحب ‪ .‬يقول‬ ‫بوبر ‪ »:‬إن كانت فكرة احلتمية العلمية تبدو من‬ ‫‪339‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪340‬‬

‫وجهة نظر تارخيية ً‬ ‫نوعا من التجربة احلتمية‬ ‫الدينية مبصطلحات علماء طبيعة وعقالنيني‪،‬‬ ‫فمن املمكن إعتبار احلتمية العلمية‪ ،‬يف منظور‬ ‫أخر ميكن على سبيل املثال‪ ،‬تقدميها كنتيجة‬ ‫لنقد دقيق لصورة العامل املأخوذة عن احلس‬ ‫املشرتك‪ ،‬فحسب هذه الصورة‪ ،‬فكل االح��داث‬ ‫تدخل يف واحد من الفئتيني‪ :‬االحداث القابلة‬ ‫للتنبؤ مثل دورة الفصول‪ ،‬واالحداث غري قابلة‬ ‫للتنبؤ مثل تقلبات ال��زم��ان واجل���و» (‪.)15‬‬ ‫ً‬ ‫فطبقا لقوانني نيوتن امليكانيكية ‪ ،‬فإن العامل‬ ‫إف�تراض متمثال يف تفاعل جزيئات‪ ،‬حيث أن‬ ‫معرفة كلية‪.‬ودقيقة حلالة العامل يف أية حلظة‬ ‫ستكون كافية إلستنباط حالته يف أية حلظة‬ ‫أخرى ومعرفة كهذه عند بوبر تتجاوز قدرة‬ ‫االنسان ومل يلجأ « البالس» إىل القدرة االهلية‪ ،‬بل‬ ‫جلأ إىل ختيل شيطان أو إىل نوع من العامل فوق‬ ‫العادة‪ .‬وبعد هذا التغيري احلاسم فقدت احلتمية‬ ‫مظهرها الديين املذهيب وقبلت كحقيقة علمية‪.‬‬ ‫وهكذا بإدخال «البالس» لعقل فوق بشري‪،‬قادراً‬ ‫على حتديد اجملموع الكامل للشروط االولية‬ ‫لنسق العامل أو لنظام العامل يف حلظة ما كيفما‬ ‫كان احلال شريطة معرفة هذه الشروط االولية‬ ‫وكذلك قوانني الطبيعة ‪ ،‬فالشيطان سيكون‬ ‫مبقدوره حسب البالس إستنباط كل احلاالت‬ ‫املستقبلية للعامل شريطة أن تكون قوانني‬ ‫ً‬ ‫متضمنا‬ ‫الطبيعة معروفة‪ ،‬فاملستقبل سيكون‬ ‫يف أي��ة حلظة م��ن ماضيه‪ ،‬وه��ك��ذا فحقيقة‬ ‫احلتمية ستكون إذن مقامة‪ ،‬والسمة االساسية‬ ‫هلذه احلجة هي التالية‪ ،‬مذهب احلتمية مل يعد‬ ‫فيه حقيقة لكنه أصبح حقيقة علمية (‪.)16‬‬ ‫ان احلتمية بالنسبة لبوبر تفتقر إىل أي أساس‬

‫وذل��ك الن��ه ليس هناك كفاية ملعرفة جيدة‬ ‫للتنبؤ بأي تفصيل جزئي مفرد حول أي شي‬ ‫يف العامل‪ ،‬الن الطابع الكلي لنظرياتنا يعرض‬ ‫ملشكالت من نفس النظام‪ ،‬فنحن حباجة إىل‬ ‫االعتقاد ب��إن العامل هو توليفة واح��دة من‬ ‫االح��داث الفريدة‪ ،‬وذات تعقيد كبري‪ ،‬تعقيد‬ ‫رمبا النهائي‪ ،‬ورغم هذا فإننا حناول وصف هذا‬ ‫العامل الوحيد الفريد بواسطة نظريات كلية‪،‬‬ ‫وميكننا منذ اللحظة التسأول عما إذا كانت‬ ‫هذه النظريات هي وصف للخطوط أو السمات‬ ‫مثل مسة البساطة والكلية أو الكونية ليست إال‬ ‫خاصية من خصائص نظرياتنا ورمبا خاصية‬ ‫لغتنا النظرية وليست خاصية العامل(‪.)17‬وقد‬ ‫أجاب بوبر بقوله ‪ »:‬أعتقد أن ماهو صحيح فيما‬ ‫صحيحا ً‬ ‫ً‬ ‫متاما فيما يتعلق‬ ‫يتعلق بالبساطة ليس‬ ‫بالكلية‪ ،‬فإذا قلنا « كل كلب له ذيل « فإننا نؤكد‬ ‫بالفعل ً‬ ‫شيئا ما عن كل الكالب‪ ،‬وهكذا إن حنن‬ ‫أردنا إكتشاف جنس جديد من الكالب ليس له‬ ‫ذيل (شبيه بقطط جزيرة ‪ Man‬اليت ليس‬ ‫هلا ذيل) فإنه يتوجب علينا سحب هذا التأكيد‬ ‫‪ ،‬فالكونية هي إذن مؤكدة بواسطة نظرياتنا‬ ‫إنها شي حناول إختباره والبساطة على العكس‬ ‫ليست مؤكدة بواسطة نظرياتنا وأن أستطعنا‬ ‫ذلك فإننا ال نعرف كيف نعمل على إختبارها»‬ ‫(‪.)18‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فاحلتمية مع ذلك كان هلا دورا مهما كمصدر‬ ‫ملعرفة العلماء ونظرياتهم‪ ،‬فهناك من العلماء‬ ‫ً‬ ‫مقتنعا باحلتمية مع كل تلك التغيريات‬ ‫من كان‬ ‫اليت حصلت يف جمال العلوم التجريبية وقد‬ ‫أشار بوبر إىل ذلك ‪ »:‬يف ضوء مناقشتنا للنسبية‬ ‫اخلاصة‪ ،‬قد طلبت من أنشتاين نفسه كيف ميكن‬


‫أن يكون على قناعة باحلتمية؟ وكان جوابه‬ ‫التالي‪ :‬على الرغم من أنه يف سنواتي التكوينية‬ ‫ً‬ ‫مؤمنا باحلتمية العلمية‪ ،‬ويف أواخ��ر‬ ‫كنت‬ ‫حياتي كان إمياني باحلتمية وبصراحة هي من‬ ‫نوع احلتمية الدينية أو امليتافيزيقية»(‪.)19‬‬ ‫ً‬ ‫معروفا بنزعته الوضعية‪.‬‬ ‫وك��ان أينشتاين‬ ‫ً‬ ‫االختبارية‪ ،‬وكان رافضا أن يكون للميتافيزيقا‬ ‫حضور يف نظرياته العلمية وهو مؤمن يف نفس‬ ‫الوقت باحلتمية كمبدأ علمي تقام على ضوئه‬ ‫النظريات العلمية‪ .‬فتصوره عن الواقع املادي‬ ‫ً‬ ‫كان تصوراً‬ ‫حتميا هلذا طالب أن يكون لنظرياته‬ ‫الفيزيائية ذلك الطابع احلتمي‪.‬‬ ‫نقد بوبر للحتمية العلمية‪:‬‬ ‫إن احلتمية اليت ينقدها وحياربها بوبر‬ ‫هي حتمية البالس العلمية اليت تقول أن حالة‬ ‫الكون يف أي��ة حلظة من ال��زم��ان‪.‬يف املستقبل‬ ‫واملاضي‪ ،‬هي حمددة كلية إن كانت حالة الكون‬ ‫وموقعه أعطيا يف حلظة ما على سبيل املثال‪،‬‬ ‫احلاضر‪ ،‬أو كقوله ‪ »:‬جيب علينا النظر يف احلالة‬ ‫احلالية للكون كنتيجة حلالته السابقة وكسبب‬ ‫ملا يستتبع‪،‬عقل يف حلظة ما سيعرف كل القوى‪،‬‬ ‫ال�تي بها الطبيعة تتحرك‪ ،‬وامل��وق��ف اخلاص‬ ‫ً‬ ‫يقينيا‬ ‫للكائنات اليت نشكلها فال شي يكون ال‬ ‫لديه‪ ،‬واملستقبل مثل املاضي سيكون حاضراً‬ ‫أمام ناظري»‪.‬أو قوله ً‬ ‫أيضا أن بنية العامل يكون‬ ‫فيها‪ »:‬كل ح��ادث أو واقعة ميكن التنبؤ بها‬ ‫ً‬ ‫عقالنيا بدرجة من الدقة‪ ،‬املطلوبة‪ ،‬شريطة أن‬ ‫يعطي لنا وصف دقيق كاف لالحداث أو الوقائع‬ ‫املاضية وكذلك قوانني الطبيعة»(‪.)20‬‬ ‫هذه النظرة الالبالسية هي نقطة إنطالق‬

‫بوبر لتوجيه نقده ح��ول مفهوم احلتمية‬ ‫العلمية بالصورة التالية‪.:‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .1‬عندما طرح بوبر سؤاال حول التطور‬ ‫ً‬ ‫قائال‪ ،‬هل ميكن أن يكون للتطور قانون؟ هل‬ ‫ميكن أن يكون له قانون علمي باملعنى الذي‬ ‫قصده (ت‪.‬ه‪.‬هكسلي) حيث قال ‪ »:‬إن الفيلسوف‬ ‫الفاقد اهلمة هو الذي ‪...‬يشك يف أن العلم سوف‬ ‫عاجال أو ً‬ ‫ً‬ ‫أج�ل�ا‪ ...‬على قانون تطور‬ ‫حيصل‬ ‫االشكال العضوية‪ ،‬أعين قانون النظام الثابت يف‬ ‫تلك السلسلة العلمية الكربى اليت تتكون حلقاتها‬ ‫من االشكال العضوية القدمية واحلديثة‪...‬؟‬ ‫حيث يقول بوبر أن اجلواب على هذا السؤال‬ ‫ينبغي أن يكون بالنفي‪ ،‬وأن البحث عن قانون‬ ‫ل» النظام الثابت» يف التطور ال ميكن ان يكون‬ ‫حبال من االحوال يف متناول املنهج العلمي‪ ،‬سواء‬ ‫يف علم احلياة أو يف علم االجتماع»‪ .‬ويأتي بوبر‬ ‫بأمثلة عديدة يف جمال البيولوجيا كي يؤكد‬ ‫نقده للحتمية العلمية‪ ،‬حيث يقول ‪ »:‬كذلك‬ ‫ال ميكن أن تسعفنا مشاهدة العملية الواحدة‬ ‫الفردة يف التنبؤ مبستقبل تطورها‪.‬فنحن مهما‬ ‫بذلنا من عناية يف مشاهدة منو يرقة واحدة‪،‬‬ ‫فلن يساعدنا ذلك على التنبؤ بتحوهلا فيما بعد‬ ‫إىل فراشة» (‪.)21‬‬ ‫‪.2‬إن عملية التنبؤ مبا حيدث ليس بالعمل‬ ‫السهل‪ ،‬الن مسألة التنبؤ العلمي ملعرفة احلاالت‬ ‫الفيزيائية ليس بالعمل امل��ي��س��ور‪ ،‬إلننا ال‬ ‫نستطيع االحاطة بكل التفصيالت عن تلك‬ ‫احلاالت‪.‬يقول بوبر ‪ »:‬لقد أثبتنا أن التنبؤ حالة‬ ‫ً‬ ‫مبنيا على دمج التوقعات‬ ‫مستحيلة حتى لو كان‬ ‫لشيطان البالس اليت تتحرك على أبسط املبادئ‬ ‫امليكانيكية والذي ميثل مؤشراً لنظام حتمي‬ ‫‪341‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪342‬‬

‫مادي دون جدل‪ ،‬وميكن لنا أن نستخدم نتائج‬ ‫العلم ال�تي توصلت اليها النظريات لدحض‬ ‫احلتمية العلمية وهي تتعلق مبسألة جناح العلم‪.‬‬ ‫الن تطبيق أسلوب التنبؤ العلمي ال يتم دون أن‬ ‫تتأثر تلك العملية باجلانب الذاتي لنا‪ ،‬فاحلتمية‬ ‫العلمية من حيث املبدأ تتطلب منا أن نكون‬ ‫قادرين على التنبؤ‪ ،‬وأن خنتار كل شي يف عاملنا‬ ‫بدرجة من الدقة‪ ،‬إال أننا جزء من موجودات‬ ‫عاملنا هذا‪ ،‬فاستحالة التنبؤ الدقيق هو دحض‬ ‫هلذه العقيدة واليت هي نتيجة إلستحالة التنبؤ‬ ‫ال��ذات��ي‪ .‬فمن خ�لال إستخدام املنطق وحده‬ ‫ميكن تفنيدها يف الواقع‪ ،‬حيث تبني أن عقيدة‬ ‫احلتمية العلمية هي تناقض ذات��ي‪ .‬وبالتالي‬ ‫الشيء ميكن أن يدعم احلتمية العلمية‪ ،‬وعدم‬ ‫اللجوء إىل ظاهرة العلم حلسم املوضوع‪ ،‬ميكن أن‬ ‫يدعم شكل أخر من أشكال احلتمية(‪.)22‬‬ ‫ولكن هناك سؤال مهم جداً يتبادر إىل الذهن‬ ‫فيما يتعلق باملوقف النقدي لبوبر من احلتمية‬ ‫ً‬ ‫مقتنعا بإنه‬ ‫العلمية اال وه��و‪ ،‬هل كان بوبر‬ ‫يستطيع دحض احلتمية العلمية؟ أم كان يأمل‬ ‫يف أن يدحض احلتمية العلمية؟‬ ‫وق��د أج��اب بوبر على ه��ذا السؤال بقوله‪»:‬‬ ‫موقفي م��ن ه��ذه االن��ت��ق��ادات ه��و أن خيطئ‬ ‫وجهة نظري‪ .‬ال أريد دحض احلتمية‪ ،‬وعلى ما‬ ‫أعتقد ال ميكن دحضها‪ ،‬أمتنى دحض ما دعيته‬ ‫احلتمية العلمية‪ .‬لقد دحضت إشارات االخرين‬ ‫اىل النجاح الفعلي للتنبؤ العلمي والذين يؤكدون‬ ‫على ان هذا النجاح هو ما يربر أن باستطاعتنا‬ ‫االفرتاض‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬حتسني التنبؤ وجعله‬ ‫دقيقا لدينا‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬أمتنى أن ال تدحض‬ ‫فقط احلتمية العلمية‪ ،‬بل أن تدحض ً‬ ‫أيضا‬

‫أراء الذين يقولون بإن للحتمية ما يربرها من‬ ‫خالل اخلربة‪ ،‬وأنها ليس أكثر من جمرد إعطاء‬ ‫املشروعية هلا‪ .‬لقد دحضت أكثر حجة مهمة‬ ‫بالنسبة للحتمية اليت تبني أنها مل تعقد جرعة‬ ‫يف عامل احلتمية‪ .‬من الواضح أن هذه احلجة‬ ‫البد‪ ،‬من خالل تصحيحها‪ ،‬أن تكون متوافقة مع‬ ‫غريها من أشكال احلتمية»(‪ .)23‬ويقول ً‬ ‫أيضا ‪»:‬‬ ‫إن الطريقة اليت دحضت بها احلتمية العلمية‬ ‫يبدو لي للغاية مثرية لالهتمام‪ .‬ليس فقط بأنها‬ ‫تظهر أننا ال ميكن أن حنل حمل قرارتنا اخلاصة‬ ‫حول أعمالنا يف مستقبل التوقعات العلمية‪ ،‬بل‬ ‫يظهر ً‬ ‫أيضا أن احلجة القاطعة لالحتمية هو‬ ‫وجود املعرفة العقلية نفسها‪ .‬حنن أحرار‪ ،‬ولسنا‬ ‫ً‬ ‫موضوعا للصدفة والقوانني الطبيعية الصارمة‪،‬‬ ‫ولكن ألن ترشيد التقدمية يف العامل‪ ،‬يف حماولة‬ ‫للقبض على العامل يف مرمى املعرفة له حدود‪،‬‬ ‫يف أي حلظة‪ ،‬يف منو املعرفة ذاتها‪ ،‬بطبيعة احلال‪،‬‬ ‫هو ً‬ ‫أيضا عملية تنتمي اىل العامل»(‪.)24‬‬ ‫ب��ه��ذه ال��ص��ورة وج��دن��ا أن ب��وب��ر عرض‬ ‫مفهوم احلتمية العلمية عند البالس كنظرية‬ ‫ميتافيزيقية وكان هلا تاثريها يف تطوير العلم‬ ‫وبناؤه عرب التاريخ وهذا ال يعين بالضرورة أن‬ ‫يكون ً‬ ‫علما‪ ،‬بل حاول بوبر ان يثبت فرضيته‬ ‫ح��ول ال��دور الفعال للتصورات والنظريات‬ ‫امليتافيزيقية يف بناء العلم والنظرية العلمية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬احلتمية امليتافيزيقية‪:‬‬ ‫ميكن للمرء أن يالحظ ببساطة أن امليتافيزيقا‬ ‫هو املوقف الذي تولد الواقعية‪ ،‬وميكن ان نلخص‬ ‫العناصر االساسية للميتافيزيقا يف جمال املعرفة‬ ‫ب‪:‬‬


‫‪.1‬قبول الطلبات للحصول على التفسريات‬ ‫اليت ميكن مالحظتها بشأن االمور االساسية‪.‬‬ ‫‪.2‬حماولة للرد على مثل هذه املطالب من‬ ‫خالل املضاربة حول االمور الغري قابلة للرصد‪.‬‬ ‫(‪.)25‬‬ ‫ف���إذا ك��ان��ت امليتافيزيقا ه��ي ذل��ك املوقف‬ ‫ملعرفة الوقائع من منطلق القدرة على التنبؤ‬ ‫من خالل توقعاتنا املبنيىة على النظريات‬ ‫امليتافيزيقية‪ ،‬البد أن يكون هناك نسخة من‬ ‫تلك احلتمية تسمى ب» احلتمية امليتافيزيقية»‬ ‫ً‬ ‫طبقا هلا حمددة‬ ‫‪ ،‬فتكون االح��داث أو الوقائع‬ ‫ً‬ ‫مسبقا‪ ،‬وغري قابلة للتغاير حبيث أن املستقبل‬ ‫ال ميكن تعديله أكثر من املاضي املثبت الذي ال‬ ‫ميكن تغيريه ً‬ ‫أيضا‪.‬وهذه النسخة امليتافيزيقية‬ ‫ً‬ ‫طبعا‬ ‫للحتمية مبعيار التمييز البوبري هي‬ ‫نظرية غري قابلة للتكذيب بالفعل حتى لو‬ ‫أن العامل يفاجئنا يف كل حلظة فإن املستقبل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سيكون حمدداً‬ ‫وقابال للتنبؤ بالنسبة‬ ‫مسبقا‬ ‫للذين هم ق��ادرون على ق��راءة كتاب القدر أو‬ ‫املصري(‪.)26‬‬ ‫هل��ذا ي��ق��ول ب��وب��ر ‪ »:‬وه��ك��ذا ف��إن احلتمية‬ ‫امليتافيزيقية بسبب ضعفها هي متضمنة كذلك‬ ‫بواسطة احلتمية الدينية أكثر من احلتمية‬ ‫العلمية وميكن وصفها كما لو كانت ال حتتوي‬ ‫إال على ماهو مشرتك ملختلف املذاهب احلتمية‬ ‫إنها غري قابلة للتفنيد بسبب ضعفها على وجه‬ ‫الدقة وهذا ال يعين أال تكون هناك حجج ضدها‬ ‫أو لصاحلها(‪ .)27‬إال أن للحتمية امليتافيزيقية‬ ‫أساس يستمد منه حجته‪ ،‬وأساسها إما ديين أو‬ ‫مبين على احلتمية العلمية ولكن وجدنا ضعف‬ ‫احلتمية العلمية يف قرارات وإنتقادات بوبر هلا‪،‬‬

‫وهذا يعين ً‬ ‫أيضا أن احلتمية امليتافيزيقية ليس‬ ‫مبأمن عن تلك االنتقادات‪.‬واشار اىل ذلك بقوله‬ ‫‪ »:‬أستندت احلجة الرئيسية لصاحل احلتمية‬ ‫امليتافيزيقية يف املاضي إما على أساس ديين‬ ‫أو بناءاً على االميان باحلتمية العلمية‪ .‬ولدى‬ ‫بصورة غري مباشرة ‪،‬أن احلتمية امليتافيزيقية‬ ‫قوضت ً‬ ‫أيضا‪ .‬وع�لاوة على ذل��ك‪ ،‬فإن احلجة‬ ‫القائلة بإن احلتمية جيب أن حتل عبـئ االثبات‬ ‫ال تنطبق فقط على احلتمية العلمية بل على‬ ‫نسختها امليتافيزيقية ً‬ ‫أيضا»(‪ .)28‬وقد عرض‬ ‫تصورات إينشتاين يف هذا اجملال بإنها مبنية‬ ‫على احلتمية امليتافيزيقية‪ ،‬الن حجج بوبر‬ ‫ضد احلتمية العلمية حتى لو كانت صحيحة‪،‬‬ ‫فإنها لن تهز إمياني باحلتمية امليتافيزيقية‬ ‫عندي‪ ،‬من هنا حاول بوبر شن هجوم مباشر‬ ‫على احلتمية امليتافيزيقية بسبب موقف‬ ‫أنيشتاين منها‪ .‬حيث عرب بوبر عنها بقوله‪»:‬‬ ‫لقد ح��اول��ت يف امل��رة االوىل وص��ف احلتمية‬ ‫امليتافيزيقية إلنشتاين ومسيته (بارمنيدية)‬ ‫إلميانه وإعتقاده بإن الكون كتلة بارمنيدية‬ ‫ذات أبعاد أربعة يكون فيها التغيري جمرد وهم‬ ‫أو ً‬ ‫شيئا يشبهه»(‪.)29‬‬ ‫من هنا رفض بوبر القول الذي يذهب إىل أن‬ ‫حجج احلتمية امليتافيزيقية ال يقبل النقد‬ ‫وال يدع ً‬ ‫جماال للعقالنية‪ ،‬بل يرى أن هذا القول‬ ‫ينتج عنه سوء فهم خبصوص تلك احلجج وهي‪.:‬‬ ‫‪.1‬إن حجة «هالدين» ال تنطبق بالضرورة على‬ ‫احلتمية الدينية‪ ،‬حيث ساعد على صالحياته‬ ‫ق��وى املنطق‪ ،‬وك��ث�يراً م��ا ي��ك��ون ق���ادراً على‬ ‫التنبؤ نتيجة للمداوالت العقالنية يف الطفل‬ ‫مما يقلل من عقالنية الطفل يف احلصول على‬ ‫‪343‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪344‬‬

‫ً‬ ‫مسبقا من قرارتنا‬ ‫الوهم‪ ،‬حتى اهلل رمبا قد علم‬ ‫العقالنية دون تدمري العقالنية اخلاصة بنا ما‬ ‫هي إال فكرة التحديد املسبق من قبل قوانني‬ ‫الطبيعة اليت تتحول إىل أن تكون غري متوافقة‬ ‫مع العقالنية(‪.30‬‬ ‫ً‬ ‫‪.2‬يدل حجة « هالدين» على ان شكال من‬ ‫اشكال احلتمية امليتافيزيقية يستلزم الطابع‬ ‫الوهمى لسبب من االسباب‪.‬وهذا خيلق صعوبة‬ ‫فقط إلولئك الذين يعتقدون بأن االختالف‬ ‫هو بني احلجة املنطقية وب�ين التلقني دون‬ ‫متحيص‪ ،‬وهذا هو القول على سبيل العقالنية‪،‬‬ ‫بالنسبة هلم‪ ،‬قد يكون من الصعب التغلب عليها‪،‬‬ ‫ولكن قد ترى يف حجة هالدين جمرد دحض‬ ‫للعقالنية اكثر من احلتمية‪.‬‬ ‫‪.3‬جيب أال تفسر حجة هالدين على انها‬ ‫العقالنية يف أي مذهب حتمي ‪ ،‬أو إستحالة‬ ‫مناقشته مثل أي مذهب عقالني‪ ،‬بل على‬ ‫العكس من ذلك‪ ،‬يثبت ذاته من خالل وجودها‪،‬‬ ‫أنه من املمكن أن جي��ادل حول احلتمية‪ ،‬النه‬ ‫من املؤكد هناك حجة ضدها‪ ،‬وباملثل ‪ ،‬جند يف‬ ‫هذا القسم أول حماولتني للدفاع عن احلتمية‬ ‫امليتافيزيقية ضد االدع��اء الذي يرى بإنها ال‬ ‫ميكن الدفاع عنها وتبني أنه توجد حجج ليس‬ ‫فقط ضد احلتمية امليتافيزيقية ‪ ،‬بل ً‬ ‫أيضا‬ ‫هناك حجج يف الدفاع عنها»(‪.)31‬‬ ‫هنا يصل ب��وب��ر م��ن خ�لال ع��رض��ه حلجج‬ ‫هالدين يف ص��احل احلتمية امليتافيزيقية إىل‬ ‫نتيجة فلسفية ت��ع�ترف باستحالة دحض‬ ‫احلتمية امليتافيزيقية بصورة حامسة‪ ،‬حيث‬ ‫يقول بوبر ‪ »:‬إن احلتمية امليتافيزيقية قابلة‬ ‫للجدل أو الربهنة بصورة مؤكدة‪ .‬وميكن القول‬

‫ً‬ ‫أيضا أن حجتها أو ضدها ال ميكن أن تكون‬ ‫حامسة أبداً‪ .‬تلك اليت يف صاحلها جيب أن يكون‬ ‫حامسة‪ ،‬النه من املستحيل دحض وجود حدث‬ ‫حمدد يف العامل‪ .‬وميكن لتلك احلجج اليت ضدها‬ ‫أن ال تكون حامسة‪ ،‬فعلى سبيل املثال ‪ ،‬ال ميكننا‬ ‫دحض وجود ال��روح اليت حيصل على املعرفة‬ ‫الكاملة عن العامل من دون وجود العامل»(‪.)32‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا بعد‬ ‫والسؤال الذي يطرح ذاته‪،‬‬ ‫أن عرضنا مفهوم احلتمية امليتافيزيقية من‬ ‫وجهة نظر بوبر أال وهي ‪ ،‬هل ميكن أن حنصل‬ ‫على معرفة حول العامل من دون تلك احلتمية؟‪.‬‬ ‫وملا كانت التصورات امليتافيزيقية قابلة للجدل‬ ‫والنقد العقالني كما يدعي بوبر‪ ،‬فالبد أن يكون‬ ‫هلا ذلك ال��دور يف احلصول على املعرفة‪ ،‬وهذا‬ ‫خبالف ما تقوله الوضعية املنطقية يف إتهامها‬ ‫للميتافيزيقا ووصفها كعقبة ام��ام التطور‬ ‫املعريف للعلم‪ .‬ولكن موقف الوضعية هنا ضعيف‬ ‫للغاية‪ ،‬إلننا نرى أن إهتمامات ميتافيزيقا‬ ‫العلوم هي يف وصف النظريات العلمية إلجزاء‬ ‫من العامل (الغري قابلة للرصد)‪ ،‬سواء كان ذلك‬ ‫بشكل صريح أو ب��ص��ورة ضمنية‪ ،‬فالطرق‬ ‫احمل��ددة يف نظرية املعرفة للعلوم تستخدم‬ ‫لتوليد االدعاءات العلمية‪ ،‬والبد من منهج يقدم‬ ‫تربيرات لتلك االدع��اءات اليت تشكل املعرفة‬ ‫(التصورات امليتافيزيقية)‪ .‬ولكن هذا الدور‬ ‫الذي كان على امليتافيزيقا ان تقوم به قد إهمل‬ ‫حتت تأثري الفلسفة الوضعية املنطقية يف اواخر‬ ‫القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الذي‬ ‫أثر يف إهمال االسئلة امليتافيزيقية املتعلقة‬ ‫بالعلم (‪.)33‬أي الميكن أن حنسم بصورة قاطعة‬ ‫صحة ما كان يدعيه فالسفة العلم من التيار‬


‫الوضعي املنطقي عن امليتافيزيقا وتصوراتها‬ ‫عن العامل وال��ك��ون‪ ،‬والسيما بعد التطورات‬ ‫والتغيريات الذي حصلت يف جمال العلوم‪ ،‬بعد‬ ‫ظهور نظريات علمية خالفت النظرة الوضعية‬ ‫اىل العامل والطبيعة‪ ،‬مما دفع بفالسفة أخرين‬ ‫من تيارات أخرى إىل إعادة النظر يف مسألة ما‬ ‫إذا كانت للتصورات امليتافيزيقية أهمية يف هذا‬ ‫اجملال‪ ،‬وهذا ما وجدناه عند بوبر يف دفاعه عن‬ ‫الدور الفعال للنظريات امليتافيزيقية يف بناء‬ ‫العلم‪ ،‬وقد أستعرض بوبر يف كتابه « نظرية‬ ‫الكوانتا واالنشقاق يف الفيزياء» تاريخ الفيزياء‬ ‫والربامج امليتافيزيقية وتأثريها يف بناء العلم‪.‬‬ ‫امل��ب��ح��ث ال��ث��ان��ي‪ .:‬ال�لاح��ت��م��ي��ة كنظرية‬ ‫ميتافيزيقية‪.‬‬ ‫مع بداية القرن العشرين وظهور نظريات‬ ‫علمية جديدة عن الكون والطبيعة تغريت معها‬ ‫تصوراتنا ومعرفتناعن العامل‪ ،‬فلم يعد الكون‬ ‫ذلك املعمل البسيط الذي رمسه نيوتن برباعته‬ ‫العقلية‪ .‬ف�برزت نظريات جديدة تتكلم عن‬ ‫الكون الكبري جداً الذي تقاس وحداته الصغرى‬ ‫مباليني السنوات الضوئية‪ .‬وك��ذل��ك الكون‬ ‫الصغري جداً الذي نسمع عن جسيماته املتناهية‬ ‫يف الصغر‪ ،‬والنكاد نراها‪.‬وبدأ التفسري اآللي‬ ‫حبتميته يتداعى أمام تفسريات أخرى مببدأ‬ ‫االحتمال والنظريات االحصائية‪.‬فبالنسبة‬ ‫للكون الصغري‪ ،‬فقد تبني للعلماء منذ ان قدم‬ ‫« دال��ت��ون» تفسريه اجلزيئي للمادة‪ ،‬وخباصة‬ ‫بالنسبة للغازات املختلفة يف حركة جزيئاتها ال‬ ‫تطيع القوانني النيوتونية‪.‬أما بالنسبة ملستوى‬ ‫ادق من املادة هو عامل اجلسيمات دون الذرية‪.‬‬ ‫فقد تبني للعلماء أن فكرة املسار النيوتونية اليت‬

‫يستند اليها مبدأ احلتمية االلي‪ ،‬ال تنطبق على‬ ‫سلوك االلكرتونات‪ .‬واملقصود باملسار هو حتديد‬ ‫موضع وسرعة واجتاه حركة اجلسم املتحرك‬ ‫‪ .‬ولكن م��ن املستحيل أن جيتمع لاللكرتون‬ ‫قياسيني دقيقني للموضع والسرعة ً‬ ‫معا (‪.)34‬‬ ‫فعدم حتديد موضع واجت��اه وسرعة حركة‬ ‫اجلسيمات دليل على ان الالحتمية نظرية‬ ‫ميتافيزيقية‪ ،‬الن��ه��ا مبنية ع��ل��ى أس��اس‬ ‫االحتمالية واالمكانية يف تصورنا عن العامل‬ ‫بعكس احلتمية القائلة‪ ،‬بإن الكون هلا صورة‬ ‫واح���دة ميكن معرفتها مبعرفتنا ملاضيها‬ ‫وحاضرها سوف تكتشف صورتها يف املستقبل‪.‬‬ ‫ولكن الالحتمية ترى العكس‪،‬بإن هناك أكثر‬ ‫من صورة وخمطط للعامل‪ ،‬وقد عرب عنها بوبر‬ ‫بقوله ‪ »:‬باالمكان أن نرسم ص��ورة جديدة‬ ‫للعامل الفيزيائي من خالل النزعة الالحتمية‬ ‫والتأملية‪ ،‬وتكون هذه الصورة بالنسبة للعامل‬ ‫أقرب خمطط هلا من كل تلك االحتماالت اليت‬ ‫أصبحت لدينا عن العامل الفيزيائي ‪ .‬وميكن أن‬ ‫يفرتض احلالة احلقيقية للنظام الفيزيائي يف‬ ‫هذه اللحظة كفرضية كلية من تلك االحتماالت‬ ‫أو خيبات االم��ل‪ .‬وأن التغيري بالنسبة هلذه‬ ‫الصورة يكمن يف الصورة الواقعية لبعض هذه‬ ‫االحتماالت‪ .‬وهذه احلقائق يف إنعطافها تتألف‬ ‫جمدداً من خيبة أمل أخرى‪ ،‬فهناك إختالف من‬ ‫خالل الذي نعلمه أو ندركه حنن‪ .‬وهذه الفكرة‬ ‫ترجع إىل احلس املشرتك ووجهة نظرنا عن‬ ‫العامل»(‪.)35‬‬ ‫أي أن بوبر يرفض من خالل تصوره الالحتمي‬ ‫عن العامل‪ ،‬فكرة الثبات وسكونية العامل وهي‬ ‫‪345‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪346‬‬

‫ً‬ ‫أيضا تصور ميتافيزيقي يرجع جذورها إىل‬ ‫فلسفة «بارمنيدس» ‪،‬ولكن بوبر يؤمن بإن صورة‬ ‫العامل يف تغيري مستمر‪ ،‬أي اليظل على صورة‬ ‫واحدة إىل االبد من ناحيتها املعرفية(معرفتنا‬ ‫عن العامل يف تغيري مستمر)‪ ،‬أو معرفتنا عن‬ ‫العامل ليس هلا صورة واحدة وهذا ما عرب عنه‬ ‫بوبر بقوله ‪ »:‬من املمكن وصف العامل الفيزيائي‬ ‫بإنه يتألف من أو يكمن يف « تغري االمكانيات» أي‬ ‫تكون قابلة للتغيري‪ ،‬وهذه االمكانيات بصورة‬ ‫عامة غري حمددة للتغريات يف املستقبل‪ ،‬بل ميكن‬ ‫أن حندده يف بعض احلقول يف اجملال الفيزيائي‬ ‫على االقل والذي يساهم فيها االحتمالية وميكن‬ ‫أن يتضمن إحتماالت متساوية لتنوع متغريات‬ ‫ممكنة يف املستقبل»(‪ .)36‬نفهم من هذا إذا كان‬ ‫العامل غري ثابت ويف حالة ص�يرورة مستمرة‪،‬‬ ‫فهذا يعين أنه يف حالة تقتح دائم مع العوامل‬ ‫االخ��رى والميكن إختزاله يف ظاهرة أو حدث‬ ‫ما ‪ ،‬هنا جند أن بوبر يقول ‪ »:‬يف الواقع ‪ ،‬مييل‬ ‫معظم علماء الفيزياء إىل القول بإن الكون املادي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مفتوحا‪ ،‬أي أن الكون املادي هو فتح لتأثري‬ ‫كونا‬ ‫ً‬ ‫شكال من‬ ‫العامل الثاني‪ .‬وأصبح هذا االعتقاد‬ ‫أشكال الالحتمية‪ ،‬أي أصبح جزءاً من العقيدة‬ ‫الرمسية للفيزياء‪ .‬حيث قدم ميكانيكا الكم‬ ‫الالحتمية يف صورة جديدة ‪ ،‬والذي يفرتض‬ ‫فرصة إمكانية االحداث االبتدائية اليت هي غري‬ ‫ً‬ ‫سببيا»(‪.)37‬‬ ‫قابلة لالختزال‬ ‫ولكن هذه االعتقادات اليت تفرتضها نظرية‬ ‫الالحتمية هل هي قابلة للتأكد من صحتها أم‬ ‫ال ؟ إننا نعلم أن إعتقادات وتكهنات الالحتمية‬ ‫امليتافيزيقية غري قابلة للرصد باملرة النها‬ ‫تتناول عامل ليس يف متناول احلس‪ ،‬وبالتالي‬

‫ال ميكن أن نتحقق منها إن كانت صحيحة أو‬ ‫خاطئة ‪.‬وهذا ما ذهب اليه أصحاب الوضعية‬ ‫املنطقية عندما رفضوا امليتافيزيقا وتصوراتها‬ ‫عن العامل‪ ،‬إال أن بوبر ال يهمها صحة أو خطأ تلك‬ ‫التصورات بقدر ما يهمه بإنها تقدم تصورات‬ ‫عن العامل ميكن أن يتأسس ً‬ ‫وفقا هلا العلم‪،‬‬ ‫وه��ذا ما الحظناه يف إهتمامات ميتافيزيقا‬ ‫ً‬ ‫العامل‪.‬أيضا الالحتمية‬ ‫العلوم يف جمال معرفة‬ ‫امليتافيزيقية يف جزء منها نظرية غري قابلة‬ ‫للتكذيب وكل ما ميكن فعله هو فحص احلجج‬ ‫ً‬ ‫أيضا تستند‬ ‫املؤيدة للحتمية‪ .‬فالالحتمية‬ ‫على مبدأ ميتافيزيقي غري قابل لالختبار كما‬ ‫يقول بوبر ‪ »:‬وبنفس الطريقة فإن الالحتمية‬ ‫امليتافيزيقية هي بدورها‪ ،‬ال ميكن إختبارها‬ ‫‪،‬إلنه حتى ولو أن العامل عرض علينا مظهراً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫منتظما كلية وحمدداً‬ ‫مسبقا فإن هذا ال يربهن‬ ‫أن ليس هناك أح��داث ً��ا أو وقائع غري حمددة‬ ‫ً‬ ‫مسبقا من أي طبيعة كانت»(‪.)38‬‬ ‫إذن الالحتمية هي نظرية ميتافيزيقية‬ ‫تقدم تصوراتها لتفسري الظواهر الطبيعية‬ ‫والكونية‪ .‬وهي حماولة إلدخال مفاهيم الفطرة‬ ‫السليمة مثل اجلسيمات واملسارات اليت تنطوي‬ ‫بالطبع على اجلسيم املتحرك يف مسار تكون له‬ ‫يف حلظة إحداثيات حمددة ومركبات حمددة‬ ‫للسرعة‪ .‬ولكي حنصل على نتائج ميكانيكا‬ ‫االمواج بواسطة وصف سلوك اجلسيمات علينا أ‬ ‫ن نستخدم مفاهيم مثل» الحتمية االحداثيات»‬ ‫أو « متوسط عدد إصطدامات اجلسيم مبنطقة‬ ‫معينة من الستار»‪ ،‬وختتلف ه��ذه القوانني‬ ‫اخل��اص��ة بسلوك اجلسيمات بطبيعة احل��ال‬ ‫إخ��ت�لاف ً��ا ك��ب�يراً ع��ن ال��ق��وان�ين النيوتونية‬


‫وكذلك عن أفكارنا الفطرية السليمة بشأن‬ ‫اجلسيمات»(‪.)39‬ولكن ه��ذا يدفعنا إىل ان‬ ‫نطرح سؤاال يتعلق بوجود قوانني حتكم الكون‬ ‫والطبيعة بصورة مظبوطة ومنتظمة‪ ،‬فهل‬ ‫بوبر يقتنع بوجود مثل هذه القوانني؟الن‬ ‫القول مببدأ الالحتمية تعين أن العامل ال يسري‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صحيحا ‪،‬‬ ‫وفقا لتلك القوانني ‪،‬ف��إن كان هذا‬ ‫فماذا نقول عن حاالت االنتظام الكوني اليت‬ ‫نالحظها؟ وإما حنن مل ندرك بعد حقيقة تلك‬ ‫القوانني الكونية الذي مبقتضاه يتحرك الكون؟‬ ‫بهذا اخلصوص جند أن بوبر يقول ‪ »:‬حنن‬ ‫نعترب السؤال التالي‪ :‬هل حتكم الكون قوانني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ميتافيزيقيا ‪ .‬الن‬ ‫س��ؤاال‬ ‫مظبوطة أم ال ؟‬ ‫القوانني اليت نكتشفها هي على الدوام فرضيات‬ ‫نستطيع على ال���دوام أي��ض ً��ا جت��اوزه��ا‪ ،‬كما‬ ‫نستطيع إستنتاجها من تقوميات إحتمالية‪.‬غري‬ ‫أن إنكار السببية ال يعدو كونه حماولة إلقناع‬ ‫الباحث بالعدول عن حبثه وقد بينا اعاله ان‬ ‫هذه احملاولة ال ترتكز على أي حجة مقبولة‪.‬‬ ‫إن ملا يسمى « باملبدأ السبيب» مهما تكن صيغته‬ ‫صفات متيزه ً‬ ‫كليا عن القوانني الطبيعية‪ .‬ولذا‬ ‫جيب علينا معارضة شليك الذي يقول ‪ »:‬ميكن‬ ‫إختبار صحة القانون السبيب على نفس النحو‬ ‫الذي خنترب فيه أي قانون طبيعي»(‪.)40‬‬ ‫م��ن هنا يقدم بوبر ً‬ ‫سببا ه��ام ً��ا لقبول‬ ‫الالحتمية على االقل بصفة مؤقتة وقوة حجة‬ ‫هذا السبب يعود إىل احلتمية نفسها‪ ،‬فاحلجج‬ ‫الوحيدة ذات ق��وة ما يف ص��احل احلتمية‪ ،‬هي‬ ‫احلجج اليت تقدمها احلتمية العلمية وزيادة مع‬ ‫االخذ بعني االعتبار‪ ،‬أن حجج احلس املشرتك‬ ‫اليت هي يف صاحل احلتمية العلمية‪ ،‬تبدو منهارة‬

‫يف اللحظة اليت تواجه فيها مع مشكلة املسؤولية‬ ‫وهكذا يبدو أن احل��س املشرتك يشهد لصاحل‬ ‫الالحتمية وهناك أسباب عديدة كما يقول‬ ‫بوبر تسمح له بتأكيد أن ثقل احلجة يفرض‬ ‫على املتشيع للحتمية ويذكر منها أربعة أسباب‬ ‫هي ‪.:‬‬ ‫‪ .1‬يؤيد احلس املشرتك غري الدقيق‪ ،‬التمييز‬ ‫ما بني الساعات والسحب ويؤكد إذن أن بعض‬ ‫االح��داث هي أكثر قابلية للتنبؤ وأخ��رى أقل‬ ‫قابلية للتنبؤ مبعنى أن التحديد املسبق والتنبؤ‬ ‫به هي مسألة درجة‪.‬‬ ‫‪ .2‬من املعقول للوهلة االوىل أن االجهزة‬ ‫العضوية احلية هي أقل قابلية لتحديد مسبق‬ ‫وأق���ل قابلية لتنبؤ ب��ه م��ن بعض االن��س��اق‬ ‫البسيطة على االق��ل‪ ،‬وأن االجهزة العضوية‬ ‫العليا هي أقل قابلية للتحديد املسبق وأقل‬ ‫قابلية للتنبؤ به من االجهزة العضوية الدنيا‪.‬‬ ‫فالقندس أو البشر ينجون يف بيئتهم الفيزيائية‬ ‫من تغيريات مميزة وظاهرة وبدون شك فإن‬ ‫احمليط أو البيئة ميكنها بصفة متبادلة إنتاج‬ ‫تغيريات‪ ،‬مميزة وظاهرة لدى القنادس ولدى‬ ‫البشر لكن هذا ليس ً‬ ‫كافيا وبعيد جداً لرتسيخ‬ ‫صدق احلتمية(‪.)41‬‬ ‫ً‬ ‫‪.3‬إذا ك��ان امل��ذه��ب احلتمي صحيحا فإنه‬ ‫يتوجب أن يكون بإمكان فيزيائي أو عامل‬ ‫فيزيولوجي جيهل كل شي عن املوسيقى التنبؤ‬ ‫بواسطة دراس��ة ملخ م��وزارت ‪ ،‬باالماكن اليت‬ ‫على الورق اليت ستلمسها ريشة موزارت زيادة‬ ‫على وجوب قدرة الفيزيائي والفيزيولوجي‬ ‫على إستباق فعل موزارت!! أو كتابة مسفونية‬ ‫حتى قبل أن يتصورها هو عن وعي!! ويصدق‬ ‫‪347‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪348‬‬

‫هذا على االكتشافات الرياضية كما يصدق على‬ ‫كل إكتشاف علمي وإن كان ً‬ ‫رجال مثل كانط كان‬ ‫ً‬ ‫جمرباً‬ ‫ضمنيا بواسطة هذه املبادئ احلتمية على‬ ‫تأييد مثل هذه النتائج وهي نتائج يعتربها‬ ‫ً‬ ‫حدسيا‪ ،‬ومهما كان االمر‬ ‫بوبر غري مقبولة‬ ‫فإنها تتجاوز بكثري حدود معرفتنا احلالية‪.‬‬ ‫‪.4‬إن الالحتمية اليت تقول أن هناك على‬ ‫مسبقا أو ً‬ ‫ً‬ ‫االقل حدث ليس حمدداً‬ ‫قابال للتنبؤ‬ ‫هو بدون شك تأكيد أضعف من تأكيد املذهب‬ ‫احلتمي العلمي ال��ذي يؤيد أن كل ح��ادث هو‬ ‫ً‬ ‫صحيحا‬ ‫قابل للتنبؤ من حيث املبدأ وإذا كان هذا‬ ‫فإننا نفضل النظريات االقوى على النظريات‬ ‫االضعف فمرد هذا النها تسمح ببناء احلجة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دائما الذي يقرتح النظرية‬ ‫أي تسمح بالنقد‪،‬‬ ‫االق��وى‪ ،‬فإنه يقبل بثقل الدليل إنه يتوجب‬ ‫عليه االدعاء حبجج لتأييد نظريته بإظهاره يف‬ ‫االهم قدرتها التفسريية‪ ،‬لكن كما يالحظ بوبر‬ ‫‪ »:‬فإن احلتمية العلمية ‪ ،‬أم ال ‪ ،‬ال تنتمي البتة إىل‬ ‫العلم وليس هلا أية قدرة تفسريية»(‪.)42‬‬

‫اخلامتة‪.:‬‬ ‫لقد تناولنا يف حبثنا هذا مفهوم احلتمية والالحتمية‬ ‫يف فلسفة العلم عند ك��ارل ب��وب��ر‪ ,‬وتوصلنا اىل ان‬ ‫النظريات العلمية ال ميكن بنائها من دون التصورات‬ ‫امليتافيزيقية‪ ,‬حيث تعد احلتمية والالحتمية من‬ ‫النظريات امليتافيزيقية ذات التصورات العامة للوجود‪,‬‬ ‫وباالعتماد على تلك النظريات ميكن لنا ان نبين‬ ‫نظريات علمية عن الوجود‪ ,‬وهذا ما دافع عنه كارل‬ ‫بوبر على ضوء النظريات العلمية املعاصرة‪ .‬حيث‬ ‫تناولنا موقف كارل بوبر من دور النظريات احلتمية‬ ‫والالحتمية يف بناء النظرية العلمية‪ ,‬حيث اكد بوبر‬ ‫بأن للتصورات امليتافيزيقية دور يف بناء العلم ً‬ ‫وفقا‬ ‫للتصور الكالسيكي للوجود ذات النزعة احلتمية‪,‬‬ ‫والتصور املعاصر للوجود ذات النزعة الالحتمية‪.‬‬ ‫وق���د ان��ت��ق��د ب��وب��ر احلتمية العلمية واحلتمية‬ ‫امليتافيزيقية وأيد الالحتمية كنظرية ميتافيزيقية يف‬ ‫بناء العلم على ضوء العلم املعاصرة‪.‬‬ ‫(‪ .)1‬الشنيطي‪ ،‬حممد فتحي‪ ،‬أسس املنطق واملنهج‬ ‫العلمي‪،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪،1970،‬ص‪.189‬‬ ‫(‪ .)2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.190.191‬‬ ‫(‪.)3‬حممد‪،‬بدوي عبد الفتاح‪ ،‬فلسفة العلوم الطبيعية‪،‬‬ ‫دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬االردن‪،‬ط‪،1‬‬ ‫‪ ،2011‬ص ‪.317‬‬ ‫(‪.)4‬حممد‪،‬بدوي عبدالفتاح‪ ،‬فلسفة العلوم الطبيعية‪،‬‬ ‫املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.321‬‬ ‫(‪Karl Popper, The Open Univers .)5‬‬ ‫‪An Argument For Indeterminism.‬‬ ‫‪EditedBy‬‬ ‫‪W.W.Bartley.III,1982‬‬ ‫‪.,p123.124‬‬ ‫(‪.)6‬داملديكو‪،‬أمي داهان‪،‬شابري‪،‬جان لوك‪ ،‬الفوضى‬ ‫واحل��ق��ي��ق��ة‪ ،‬ت��رمج��ة‪،‬ه��ان��ي ح������داد‪،‬وزارة الثقافة‬ ‫السورية‪ ،2002،‬ص ‪.361‬‬ ‫(‪ .)7‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.365‬‬ ‫(‪Karl Popper, The Open Univers.)8‬‬


A metaphysics for.25 scientific realism, ANJAN CHAKRAVARTTY.P 18 ‫فكرة التفتح يف فلسفة كارل‬،‫خلضر‬،‫مذبوح‬.)26( .230 ‫ص‬،‫املصدر السابق‬،‫بوبر‬ Karl Popper, The Open.1.)27( Univers An Argument For Indeterminism, p 7 op.cit.p 89.28. op.cit.,p 90.29. Karl Popper, The Open Univers .30. An Argument For Indeterminism,op. cit. p. 87 op.cit., p. 88.31. Karl Popper, The Open Univers.32 An Argument For Indeterminism,op. cit. p 88 A metaphysics for.33 scientific realism, ANJAN CHAKRAVARTTY.P 25 ‫ فلسفة العلوم‬،‫بدوي عبدالفتاح‬،‫حممد‬.)34( .322.323 ‫ ص‬،‫ املصدر السابق‬،‫الطبيعية‬ Popper,K.R,QUANTUM .35 THEORY AND THE SCHISM IN PHYSICS.op.cit.p.160 op.cit. p. 160 36. Karl Popper, The Open Univers.37 An Argument For Indeterminism, p 124 op.cit. p 7.38 ‫ فلسفة العلم الصلة بني العلم‬،‫فليب‬،‫فرانك‬.)39( ‫املؤسسة العربية‬،‫علي علي ناصف‬،‫ترمجة‬،‫والفلسفة‬ .298 ‫ ص‬،1983 ،1‫ط‬،‫بريوت‬،‫للدراسات والنشر‬ ‫ املصدر‬،‫ منطق البحث العلمي‬،‫كارل‬،‫بوبر‬.)40(

‫أقواس‬

349

An Argument For Indeterminism.op .cit.p.4 op.cit.p 124.)9( op.cit.p 31.32.)10( op.cit.p 5.)11( ،‫االي���دي���ول���وج���ي���ا‬ ‫بؤس‬،‫كارل‬،‫بوبر‬.)12( ،1‫ ط‬،‫ بريوت‬،‫ دار الساقي‬،‫عبداحلميد صربة‬،‫ترمجة‬ .9 ‫ ص‬،1992 Karl Popper, The Open Univers.)13( An Argument For Indeterminism,op. cit. p 36 ‫فكرة التفتح يف فلسفة كارل‬،‫خلضر‬،‫مذبوح‬.)14( ‫ ص‬،2009 ،1‫ط‬،‫ اجلزائر‬،‫ منشورات االختالف‬،‫بوبر‬ .237 .233 ‫ ص‬،‫املصدر نفسه‬.)15( Karl Popper, The Open Univers.)16( An Argument For Indeterminism,op. cit. p 33.34 ‫فكرة التفتح يف فلسفة كارل‬،‫خلضر‬،‫مذبوح‬.)17( .241.242 ‫ ص‬،‫املصدر السابق‬،‫بوبر‬ Karl Popper, The Open Univers.)18( An Argument For Indeterminism, p 45 op.cit.p 89.)19( ‫فكرة التفتح يف فلسفة كارل‬،‫خلضر‬،‫مذبوح‬.)20( .230 ‫ص‬،‫املصدر السابق‬،‫بوبر‬ ‫ب��������������ؤس‬،‫ك��������������ارل‬،‫ب��������������وب��������������ر‬.)21( ،‫ دار الساقي‬،‫عبداحلميد صربة‬،‫ترمجة‬،‫االيديولوجيا‬ .118.119 ‫ ص‬،1992 ،1‫ ط‬،‫بريوت‬ Karl Popper, The Open Univers.22 An Argument For Indeterminism, p 77.79 op.cit.p 79.80.23 op.cit.p 81.24.


‫أقواس‬

‫‪350‬‬

‫السابق‪ ،‬ص ‪.269‬‬ ‫‪Karl Popper, The Open Univers An‬‬ ‫‪Argument For Indeterminism, (41) p‬‬ ‫‪23‬‬ ‫(‪.)42‬مذبوح‪،‬خلضر‪،‬فكرة التفتح يف فلسفة كارل‬ ‫بوبر‪،‬املصدر السابق‪،‬ص ‪.239‬وميكن ال��رج��وع اىل‬ ‫حجج بوبر لتاييد الالحتمية من نفس املصدر‪ ،‬ص‬ ‫‪.249.250‬‬


‫‪351‬‬

‫أقواس‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.