Aqwas 3adad 3

Page 1

‫أقواس‬


‫ملحق فصلي جمللة ( كه وانه )‬

‫صاحب االمتياز‬

‫أقواس‬ ‫ساالر عمر نورى‬

‫رئيس التحرير‬

‫معتصم جنم الدين‬

‫مدير االمتياز‬

‫اوات محمدامني‬ ‫تصميم‬ ‫شيردل مجروم‬

‫هيئة التحرير ‪ :‬جنم الدين فقى عبداهلل‬ ‫عبدالرحمن كرمي درويش‬ ‫مسؤول املكتب في اوروبا ‪ :‬نهاد القاضي‬ ‫‪0031627621171 - 009647508606740‬‬ ‫‪hotmail.com@E-mail: alkadi13‬‬ ‫نسخة‬

‫‪1000‬‬

‫السعر‬

‫‪2500‬‬

‫طبع‬

‫مطبعة كارو‬


‫أقواس‬

www.kawanakurd.com


‫المحتويات‬ ‫االفتتاحية‬

‫عندما يتغير التوازن السياسي الدولي‬

‫التعددية وبناء الهوية الوطنية‬ ‫حسام الدين على مجيد‬ ‫السطات الثالث في القانون األساسي‬ ‫إحسان عبدالهادي سلمان‬ ‫جلمهورية أملانيا اإلحتادية‬ ‫املشاركة السياسية والبيئة الدستورية في‬ ‫ا م د ‪ .‬داوود مراد الداوودي‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫أ‪.‬م‪.‬د نبيل عكيد محمود املظفري التهجير القسري والصهر القومي نوعان‬ ‫من اإلبادة اجلماعية‬ ‫األدوار السياسية للفكراإلقتصادي املهيمن‬ ‫رميي هيرايرا‬ ‫ت‪ :‬مال ابوبكر زوركيزي‬ ‫اإلذاعات املوجهة للدول النامية‬ ‫ريبه ر كوران مصطفى‬ ‫محمد جالل ابن عارف الباني األسرة القزجلية أحدى األسر العلمية في‬ ‫كوردستان مابني ‪1380-1240‬هـ‬ ‫البعد اإلستراتيجي لعواصف التحوالت في‬ ‫عبد الرحمن كرمي درويش‬ ‫ا لشرق األوسط‬ ‫اخليارات النسوية‬ ‫لندا هيرشمان‬ ‫ت‪ :‬ليماء سليم سعيد‬ ‫العالقة بني تاريخ العلم و فلسفته‪.‬‬ ‫د‪ .‬حسن حسني صديق‬ ‫القيم األخالقية في العمل اإلعالمي‬ ‫أميره عبداهلل اجلاف‬ ‫اللغة والواقع اإلجتماعي‬ ‫يوسف يوسف‬ ‫املبادئ واألسس التی يقوم علیها النظام الفیدرالی‬ ‫خالد مجيد فرج‬ ‫املنظور اإليديولوجي للخطاب والتعدد الثقافي‬ ‫كاظم حبيب‬ ‫في إقليم كردستان العراق‬ ‫النظام املاركسي ومشكلة احلرية‬ ‫نسرين سليم سعيد‬ ‫جتذير فكري و تاريخي للدميقراطية‬ ‫نبيل ياسني‬ ‫اجلسد شرارة حراك ‪ ..‬اجلسد ايقونة تغيير‬ ‫رشيد عوبدة‬ ‫رؤية ميشيل فوكو للصحة و املرض‬ ‫ابراهيم حاجى زملي‬ ‫مفهوم احلصانة البرملانية في كردستان‬ ‫أ‪.‬م‪.‬د شورش حسن عمر‬ ‫مكونات اخلطاب الدعائي و سياقته‬ ‫د‪ .‬كمال عبداهلل‬

‫‪6‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪147‬‬ ‫‪156‬‬ ‫‪171‬‬ ‫‪182‬‬ ‫‪194‬‬ ‫‪203‬‬ ‫‪213‬‬ ‫‪224‬‬ ‫‪2 29‬‬ ‫‪236‬‬ ‫‪256‬‬


‫االفتتاحية‬


‫أقواس‬

‫‪6‬‬

‫عندما يتغير التوازن السياسي الدولي‬ ‫تركيا ما بني فكي العثمانية اجلديدة والعلمانية األتاتوركية اجلديدة تتجه‬ ‫نحو مستقبل غامض‬ ‫نتيجة لقرار احلكومة التركية بإزالة احلديقة التاريخية وسط اسطنبول لتبني مكانها جامع‬ ‫بتجمع في ساحة «تقسيم» للتعبير عن‬ ‫وسوق جتاري‪ ،‬قام عدد من الفنانني واملهندسني‬ ‫ّ‬ ‫موقفهم الرافض لقرار احلكومة‪ .‬إن نقطة التحول في هذا احلدث وتوسعه وانتشاره بدأت‬ ‫عندما أرادت احلكومة فض التجمع بالقوة وتنفيذ املشروع‪ .‬في هذه املرحلة‪ ،‬بدأت العديد من‬ ‫اجملموعات واإلجتاهات بالعمل ضمن الشبكات اإلجتماعية ‪ ،‬كالفيسبوك والتويتر و‪...‬الخ ‪،‬‬ ‫وبنفس أسلوب توجيه مظاهرات وأحداث الربيع العربي ‪ ،‬وذلك للعمل على تضخيم وتعميق‬ ‫القضية حتى تصل األمور إلى تغيير الشعارات واملطالب بشكل جوهري ولكي يلبسونها‬ ‫عمدا لباسا سياسيا‪.‬‬ ‫ألقي القبض على رئيس حزب‬ ‫في ‪ 15‬يناير‪/‬كانون الثاني من عام ‪ 1999‬ونتيجة ملؤامرة دولية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫العمال الكردستاني عبداهلل اوجالن في كينيا وذلك بعملية مشتركة بني الوكاالت األمنية‬ ‫لكل من أمريكا وتركيا وإسرائيل‪ .‬وفي األشهر األولى من عام ‪ 2013‬أرسل أوجالن رسالة إلى‬ ‫القيادة امليدانية حلزب العمال الكردستاني وطلب منهم وقف إطالق النار واإلنسحاب من‬ ‫احلدود التركية في إطار عملية إلحالل السالم وحل القضية الكردية‪.‬‬ ‫وفي عام ‪ 2001‬اتفقت كل من تركيا وجورجيا وأذربيجان وأعلنت عن اتفاق ملد خطوط أنابيب‬ ‫الغاز من هذه الدول إلى تركيا ومنها إلى أوروبا‪ ،‬وبالفعل بدأت هذه األنابيب بالعمل في عام‬ ‫‪.2006‬‬ ‫إن خطوط نقل الغاز هذه تنقل الغاز من جنوب القفقاس من حقول «شا دينز» من أذربيجان‬ ‫إلى جورجيا ومنها إلى تركيا‪ ،‬باإلضافة إلى بعض اخلطوط األخرى مثل خط أنبوب نقل النفط‬ ‫والغاز العراقي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا‪ ،‬وخط أنبوب إيران‪ -‬تركيا الذي ينقل الغاز اإليراني‬ ‫إلى سوريا و منها إلى تركيا وأوروبا‪.‬‬ ‫من الناحية اإلقتصادية والواردات فإن هذه اإلتفاقيات والعالقات اإلقتصادية جتني عشرات‬ ‫مليارات الدوالرات لتركيا‪ ،‬لكنها من الناحية السياسية تسبب لها مشكلة كبيرة‪ ،‬وباألخص‬ ‫عالقاتها مع إيران‪.‬‬ ‫فمنذ أن أدرك األمريكان أهمية الغاز كشرط حيوي لبقائهم في موقع قيادة العالم وبقاء‬ ‫العالم «أحادي القطب» ‪ ،‬قررت تأسيس مشروع نابوكو لنقل للغاز من الشرق األوسط‬


‫وآسيا الوسطى إلى أوروبا‪ .‬فعن طريق هذا املشروع سيجمع األمريكان القسم األكبر من‬ ‫غاز هاتني املنطقتني في تركيا وسينقلونه إلى أوروبا دون أن مير باليونان‪ .‬إن هذا املشروع‬ ‫لن يجعل من تركيا دولة غنية وقوية فقط‪ ،‬بل سيجعل منها دولة إقليمية قوية وقائدة‬ ‫لكل الشرق األوسط‪ .‬وضمن إطار اخلارطة األمريكية إلجناح هذا املشروع كان الشرط‬ ‫األول سقوط نظام بشار األسد في سوريا‪ .‬لكن عندما تع ّثر هذا السقوط وظهرت القوى‬ ‫املدافعة عن نظام األسد وبقاءه ‪ ،‬خاصة بعد أن سانده الروس بكل ما أوتوا من القوة‬ ‫واإلمكانات وبشكل علني ‪ ،‬وبعد تبيان فشل وإنهيار مشروع نابوكو‪ ،‬سارع الترك بفتح‬ ‫باب العالقات اإلقتصادية والسياسية مع روسيا ودول املنطقة الواقعة حتت نفوذها لتنجو‬ ‫بنفسها من تلك الكارثة‪.‬‬ ‫ومع عمق اخلالفات وقرب نهاية اللعبة وتع ّثر سقوط النظام السوري‪ ،‬أعلن الرئيس الروسي‬ ‫بوتني بأن أنقرة قبلت مد خط أنبوب نقل الغاز الطبيعي ‪ South Stream‬من روسيا إلى‬ ‫أوروبا ضمن حدود املياه اإلقليمية للبحر األسود التابعة لتركيا‪.‬‬ ‫فمن ناحية نقل الغاز‪ ،‬متلك تركيا موقعا جيوبوليتيكيا هاما‪ ،‬لذا متلك تركيا أهمية حيوية‬ ‫في إجناح تنفيذ املشروعني‪ .‬فمقابل تعاون ومشاركة تركيا‪ ،‬تدفع نابوكو قسم كبير من‬ ‫يؤمن لتركيا مقابل تعاونها‬ ‫عمولة تصدير الغاز لتركيا‪ ،‬و مشروع ‪ South Stream‬أيضا ّ‬ ‫حاجاتها الغازية مقابل قيمة زهيدة‪ .‬أما من الناحية السياسية فإن بقاء تركيا مع أمريكا‬ ‫هو ضمان بقاء أمريكا كسلطة أحادية في املنطقة أو على األقل في القسم األكبر من‬ ‫الشرق األوسط واملنطقة النفطية في اخلليج العربي وتبقى تركيا إلى حد ما إحدى القوى‬ ‫األساسية الالعبة في املنطقة‪ .‬أما دخولها في اجلبهة الروسية ‪ ،‬فهذا يعني دفع أمريكا‬ ‫خطوة كبيرة إلى الوراء لتبقى تركيا كقوة إقليمية كبيرة‪ ،‬وفي كلتا احلالتني ال تستطيع‬ ‫تركيا أن حتقق حلم انبعاث العثمانية‪.‬‬ ‫أما تركيا فلها مرام آخر في هذه اللعبة ‪ ،‬وهو املشاركة في املشروعني‪ ،‬حيث يح ّول الترك‬ ‫حلم انبعاث العثمانية إلى واقع‪ ،‬لكن حتى هذه اللحظة ال يبدو أن أي من هذين املشروعني‬ ‫يقبل بدور من هذا القبيل لتركيا‪.‬‬ ‫خارج هذه اللعبة ومن زاوية أخرى ‪ ،‬وبهدف احتواء تركيا‪ ،‬يعمل األمريكان على دفع دور‬ ‫قطر إلى االمام كبديل لقيادة التيار السني وبالتالي املنطقة‪ .‬إن قطر في هذه املرحلة وعن‬ ‫طريق احتواء وجذب احلركات اإلسالمية السنية وباألخص التيار الوهابي وسحب البساط‬ ‫حتت السعوديني‪ ،‬سوف تصبح القوة السياسية األساسية في املنطقة وسوف يكون‬ ‫لها تأثير أكبر من حجمها على القضايا واحلروب ومستقبل األنظمة السياسية في هذه‬ ‫املنطقة‪ .‬ولهذا السبب عملت قطر بداية على تغيير هذه احلركة وجعلها أكثر انسجاما‬ ‫مع تطلعاتها ومصاحلها‪ ،‬فقامت بتغييرات جوهرية في لب البنية األساسية للوهابية‬ ‫واستطاعت عبر هذه التغييرات أن تأسس الوهابية الناعمة عوضا عن الوهابية السعودية‬ ‫املتشددة‪ .‬وأثناء عملية التغيير واإلصالح اتبعت ثالث نقاط أساسية‪ :‬تأسيس الوهابية‬ ‫‪7‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪8‬‬

‫الناعمة عن طريق تغيير البنية الفكرية وأسلوب اجلهاد وتأسيس قواعد ناعمة للنضال‬ ‫السياسي‪ .‬تدويل الوهابية وإعالنها كتيار إسالمي عقالني‪ .‬والعمل بنهج البراغماتيكية‬ ‫والدبلوماسية‪ ،‬أي قياس األشياء مبقياس الفائدة والضرر‪.‬‬ ‫ضمن هذه احللقة تتخبط تركيا في سعيها لتأسيس وتطوير العثمانية اجلديدة‪ ،‬فتارة تتصف‬ ‫بالطائفية وتارة أخرى تتصف بحركة اقتصادية‪ .‬فهي حتلم بان تكون مرشدة وقائدة للتيار‬ ‫السني ولتحقيق هذا الهدف تبدأ بتطبيق سياسة التمدد الناعم لتدخل جسد األنظمة‬ ‫اإلسالمية والعربية والتأثير على اجتاه األحداث خاصة في مسيرة الربيع العربي‪ .‬كان لهذا‬ ‫املشروع في األساس ثالثة مصادر‪ :‬القوة األمريكية‪ ،‬املال القطري والفكر الوهابي السعودي‪.‬‬ ‫لذا عندما تدير أمريكا وقطر ظهرها لتركيا‪ ،‬ليس من املستبعد أن يتحول مستقبلها إلى‬ ‫كارثة‪.‬‬ ‫اليوم وفي ساحة تقسيم جتتمع وتتحد األزمات السياسية والتاريخية لتركيا‪ .‬تعدد األوجه‬ ‫وتعدد منابع هذه األزمة خلقت هذه األرضية بحيث تضيع هوية هذه الساحة بني العديد من‬ ‫األفكار واألهداف اخملتلفة واملتناقضة‪ ،‬فاملشاركون يتوزعون بني األفكار الشيوعية والعلمانية‬ ‫والشوفينية و‪ ...‬الخ‪ .‬كل حسب مصدر تطلعاته وفكره السياسي يش ّبه ما يحدث بـ‪:‬‬ ‫ساحة «تيانامنن» ‪ ،‬بالربيع التركي على شاكلة الربيع العربي‪ ،‬الساحة احلمراء واحتجاجات‬ ‫اليسار الغربي مثل حركة «احتلوا وول ستريت»‪...‬الخ ‪،‬هذه ومجموعة من اإلشارات والدالئل‬ ‫األخرى‪ .‬وبشكل عام األزمات املتشنجة في تركيا كاألزمة بني علمانية األتاتوركية وإسالمية‬ ‫العثمانية اجلديدة‪ .‬هذه األزمة حتمل بني طياتها العديد من األزمات األخرى كقضايا الطائفية‬ ‫واملذهبية واألزمة بني اليسار واليمني التركي‪ ..‬الخ‪ .‬لكن هذا احلدث يحمل في جوهره األزمة‬ ‫اإليديولوجية والتاريخية بني منوذج احلكم العثماني واألتاتوركي‪.‬‬ ‫اليوم وبعد عشرة أعوام من «احلكم اإلسالمي ‪ -‬حزب العدالة والتنمية ‪ -‬أردوغان»‪ ،‬تتصادم‬ ‫تطلعات هذه اجلبهة مع األزمات الداخلية والقضايا اخلارجية والتي ال تضع فقط حدودا حللم‬ ‫اردوغان وحزبه‪ ،‬ولرمبا هي إشارة إلى بداية النهاية لهذه الفكرة واحللم غير الواقعي‪.‬‬ ‫ففي هذه املرحلة ميكن أن يحتاج كل من الكرد والترك إلحالل السالم‪ .‬إ ّن تركيا تواجه تعمق‬ ‫واتساع أزماتها وقضاياها‪ ،‬وفي نفس الوقت ميكن أن تفرض التغيرات وأحداث بداية القرن‬ ‫الواحد والعشرين هذا على تركيا إنهاء احلرب مع الكرد وحل قضيتهم‪ .‬هذا ومن جهة أخرى‬ ‫فإن تقدم واتساع وازدياد قوة النضال السياسي والعسكري الكردي في تركيا لم تدع الفرصة‬ ‫لتركيا الوقوع في خطأ تأجيل التعامل مع الكرد وحل قضيتهم‪ .‬وفي املقابل نرى اجلهة‬ ‫الكردية ورغم أنها كانت دائما مع احلل السلمي‪ ،‬فرمبا ومع بدءها بهذه املرحلة اإلستراتيجية‬ ‫الهامة ‪ ،‬مثل تغيير منوذج واسلوب نضال التحرر‪ ،‬يشكل عامل قوي آخر للجوء إلى عملية‬ ‫السالم‪ .‬إن ضرورة تغيير اسلوب ومنوذج النضال العسكري إلى النضال السياسي والدبلوماسي‬ ‫واجلماهيري واملدني خلق عند اوجالن هذه الفكرة ليبادر بالسالم حتى إذا كان هذا يتفق مع‬ ‫تكتيك تركي‪ .‬مبعنى أن الكرد اليوم لم يغيروا اسلوب نضالهم من اجل تركيا‪ ،‬بل ينظرون إلى‬


‫املسألة كأهمية إستراتيجية‪.‬‬ ‫عند التأني في عملية السالم الكردية – التركية وطبيعتها وأسبابها‪ ،‬بحيث أنها جاءت‬ ‫بعد ثالثني سنة من احلرب والقتال‪ ،‬وقناعة الطرفني بعدم هذا الطريق ‪ ،‬فاليوم االستفادة‬ ‫من تلك التجربة املريرة ضرورة ملحة ‪ ،‬وذلك من خالل إختيار احلل السلمي العادل للقضية‬ ‫الكردية ‪ ،‬األمر الذي يجعل الشعبني التركي والكردي يشكالن أسس السالم في الشرق‬ ‫األوسط‪.‬‬ ‫وفي هذه اإلطار‪ ،‬على عقالء الطرفني إدراك معنى فشل عملية السالم وتداعياته اخلطيرة‬ ‫سواء بالنسبة للكرد ‪ ،‬أوبالنسبة للترك فتأثيراته ليست أقل خطورة ‪.‬‬ ‫لهذا السبب ‪ ،‬وألهمية هذه العملية بالنسبة للكرد ‪ ،‬املضي في طريق احلل السلمي‬ ‫‪ ،‬عليهم قبل الوصول إلى السالم ‪ ،‬إجنازتغييرا كبيرا في اسلوب ومنوذج النضال‪ ،‬حتى‬ ‫يصبح وصولهم إلى هدفهم الستراتيجي ‪ ،‬السالم ‪ ،‬ممكنا ‪ ،‬وهذا ينطبق بنفس القدر‬ ‫على الطرف التركي أيضا‪ .‬يجب اإلعتراف إن إحداث هذا التغيير لن يكون سهال‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫الكثير من القادة الكالسيكيني من الطرفني ميكن أن ال يتفقوا على هذه التغييرات‪ ،‬لكن‬ ‫من الضروري أن تتغلب جبهة السالم على جبهة احلرب وأن ينتشر السالم‪.‬‬ ‫من جهة أخرى فإن جناح عملية السالم بالنسبة لتركيا سيؤدي إلى جذب تعاطف الكرد‬ ‫عامة ‪ ،‬وكرد إقليم كردستان بشكل خاص ‪ ،‬ألن هذا اإلقليم سيدخل خارطة الطاقة‬ ‫العاملية ليصبح من األقاليم الغنية واملتقدمة وهو بالذات سيصبح بنفس الوقت العبا‬ ‫أساسيا في السياسة الدولية‪ .‬اليوم إقليم كردستان والذي يوصف بأنه موقع كبير‬ ‫إلنتاج الغاز‪ ،‬ميضي قدما مع قطر إلجناح مشروع نابوكو‪ ،‬مبعنى أن هذا اإلقليم سيصبح‬ ‫مهد املشاريع النفطية والغازية العاملية العمالقة‪ ،‬وبالنسبة ملستقبله السياسي سوف‬ ‫يشكل قوة مؤثرة في منطقة الشرق األوسط‪.‬‬

‫‪ 9‬أقواس‬


‫أقواس‬

‫ ‬

‫‪10‬‬

‫التعددية وبناء الهوية الوطنية‪:‬‬ ‫قراءة مقارنة في حالتي العراق وكندا‬

‫الدكتور حسام الدين علي مجيد‬ ‫قسم العلوم السياسية بجامعة صالح الدين‪ -‬أربيل‬


‫ي ُ َّع ُ‬ ‫رف مفهوم التعددية ‪ Pluralism‬بأنه األميان‬ ‫يش‬ ‫بوجود العديد من طرق احلياة العقالنية لِ َع ِ‬ ‫حيا ٍة كرمية ‪ .Good Life‬فهي االلتزام بفكرة أن ُه‬ ‫ينبغي بالناس أ ْن يكونوا قادرين وبصورة حرة على‬ ‫بديل ما من بني كل البدائل املتاحة لعيش‬ ‫اختيار‬ ‫ٍ‬ ‫احلياة الكرمية‪ .‬وبذلك تغدو التعددية على الضد‬ ‫من تلك الرؤية األُحادي عن احلياة والقائلة‪« :‬بان‬ ‫ٌ‬ ‫يش حياتنا»‪.‬‬ ‫سبيل‬ ‫هناك‬ ‫ٌ‬ ‫مالئم واحد فقط لِ َع ِ‬ ‫مما يُشي ُر ذلك من ناحية الى فكر ِة كون التعددية‬ ‫والتنوع إمنا تكون في إطار الوحدة والرابط‬ ‫سبيل املثال‬ ‫املشترك‪ .‬فالشرائع املتعددة على‬ ‫ِ‬ ‫ال تتأتّى تعدديتُها اال في إطار الدين الواحد‪،‬‬ ‫واحلضارات املتعددة ال تتأتّى تعدديتُها اال في إطار ِ‬ ‫املشترك اإلنساني العام‪ .‬وبذلك فإ َّن التعددية‬ ‫قائم على مت ُّي ٍز وخصوصية‪ ،‬فهي ال‬ ‫هي تنو ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫ُوج َد اال باملقارنة مع الوحدة وضمن‬ ‫ميكن أ ْن ت َ‬ ‫إطارها‪ .‬فال ميكن إطال ُق التعددية على التشرذم‬ ‫وال َقطيعة التي ال جام َع آلحادِها‪ ،‬وال على‬ ‫األُحادية التي ال أجزا َء لها أو امل َ ْق ُهور َ ُة أجزاؤها‬ ‫على التخلي عن املُم ِّيزات واخلُصوصيات‪ .‬ومن‬ ‫ناحي ٍة أخرى‪ ،‬فإ َّن حرية اإلرادة تلك في «اختيار ِ‬ ‫بديل من بني ِّ‬ ‫تاحة» من أمناط احلياة‬ ‫كل البدائل امل ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يش احلياة الكرمية إنمَّ ا تُفي ُد معنى‬ ‫ع‬ ‫في‬ ‫قها‬ ‫وط ُر‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫بشكل عام تعني التسامح مع‬ ‫كون التعددية‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف أنواع األفكار‪ .‬أي انتهاج التسامح جتاه‬ ‫شتى التصورات عن احلياة واإلنسان والبيئة‬ ‫حُ‬ ‫أي تصورٍ منها أكثر جوهري ًة‬ ‫امليطة دون اعتبار ّ‬ ‫وأصال ًة من التصورات األخرى‪.‬‬ ‫ومن هذا املنظور‪ ،‬تقو ُم أ ّي ُة هوية ثقافية‬ ‫بوظيفتَني جوهريتَني؛ فمن جهة تعمل على‬ ‫إكساب أعضائها ِّحس االنتماء املشترك‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل توليد االعتقاد بِتَماثُلِهم في األصول‬ ‫واملعتقدات واملوروث الثقافي عموماً‪ .‬ومن جهة‬

‫أخرى تعمل الهوية الثقافية وكأنها ِمصفاة‪،‬‬ ‫وذلك بإبعاد كل َم ْن ال ينتمي اليها وإقصائ ِه عن‬ ‫تلك اجلماعة‪ ،‬أي أنها أدا ٌة للتمييزِ بني املُنتَمني‬ ‫وبني غيرِ املُنتَمني إليها‪ .‬بل ميكن القول مع‬ ‫املذهب اجملتمعاتي ‪« ،Communitarianism‬أ َّن هوياتنا‬ ‫يتم تشكيلها إلى ح ٍد ما باالعتراف ‪Recognition‬‬ ‫أو بعدم االعتراف‪ ،‬وغالبا ً ما تتشكل بفعل سوء‬ ‫اعتراف اآلخرين‪ .‬ولذلك فإ َّن شخصا ً أو جماع ًة ما‬ ‫ستعاني من ضررٍ حقيقي وتشوي ٍه خطير إذا ما‬ ‫الناس أو اجملتمع احمليط بهم ك َّو َن صورة ُمختَزِلة‬ ‫او ُمهينة أو ُمزدَرية عنهم ون َ َقلها إليهم في‬ ‫ذات الوقت‪ .‬وتبعا ً لذلك‪ ،‬فمن املمكن حينئ ٍذ أ ْن‬ ‫يتس َّب َب عدم االعتراف أو سوء االعتراف في أذ ًى‬ ‫نفسي‪ ،‬فيتخذ شكالً من أشكال االضطهاد‬ ‫منط زائف ومش َّوه‬ ‫وذلك بجعل املرء َحبيس ٍ‬ ‫و ُمختزل عن الذات ‪ ،»Self‬ومثال ذلك لدي ِه حالة‬ ‫السود والسكان األصليني في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫فاجلماعات عموما ً تكون ضحية االضطهاد‪،‬‬ ‫وذلك حني جتد بأ َّن تقاليدها وممارساتها تتعرض‬ ‫فت تلك اجلماعات‬ ‫للتالشي والزوال كلما تكيًّ ْ‬ ‫مع الكيان الثقافي والكيان السياسي لألكثرية‬ ‫املهيمنة‪ .‬مما يدفع ذلك بك ٍّل منها إلى أ ْن ترى‬ ‫نفسها من زاوية كونها ضحي ًة من ضحايا‬ ‫اإلمبريالية الثقافية ‪ .cultural imperialism‬وفي‬ ‫ذات الوقت يتم العمل على «قولبة أوتنميط»‬ ‫اجلماعة‪ ،‬بحيث تقوم األكثرية املهيمنة نفسها‬ ‫باإلشارة إليها بصفة ال َغيرية‪ ،‬أي ذلك «اآلخر ‪the‬‬ ‫‪ .»other‬وبهذا فإ َّن اإلمبريالية الثقافية تشتمل‬ ‫على إضفاء الصفة الشمولية على جتربة وثقافة‬ ‫اجلماعة املهيمنة وما أنشأت ُه من مؤسسات‪،‬‬ ‫وعلى النحو الذي تدفع هذه الثقافة لِتكون مثاال ً‬ ‫حتتذي به األقليات الثقافية‪.‬‬ ‫تأسيسا ً على ذلك‪« ،‬فإ َّن سوء االعتراف ال‬ ‫ينطوي على االفتقار لالحترام املطلوب فحسب‪،‬‬ ‫‪11‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪12‬‬

‫رح‬ ‫بل ومن املمكن أيضا ان يتس َّب َب في إحداث َج ٍ‬ ‫بليغ ‪ ،grievous wound‬بحيث يجعل ضحايا ُه‬ ‫ثم يمُ سي‬ ‫أسرى كراهي ٍة شديدة للذات ‪ .self‬ومن َّ‬ ‫َدين بها‬ ‫اإلعتراف املطلوب ليس مجرد مجاملة ن ٌ‬ ‫إلى هذه اجلماعة أو تلك‪ ،‬بل هي حاجة إنسانية‬ ‫ضرورية إلستمرارية الوجود» وفقا ً لتعبير تشارلز‬ ‫تايلور (‪ .)Charles Taylor‬وبناءا ً علي ِه‪ ،‬فان تايلور‬ ‫يتفق مع الدميقراطيني اإلجتماعيني في أوروبا‬ ‫من حيث تقاسم فكرة كون اإلكراه أو االضطهاد‬ ‫يتسبب في إحداث «أذ ًى نفسي» و»جرح بليغ»‬ ‫لدى األقليات‪ ،‬بحكم ما ينطوي عليه اإلكراه‬ ‫إذالل جماعي‪ .‬بيد أ َّن الذي يتميز به تايلور‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫هو تأكيده على كيفية تبلور الهوية ذاتها بفعل‬ ‫سوء االعتراف بها‪ ،‬وبالشكل الذي يجعل من‬ ‫معاناة األقلية جز ًء ال ميكن َفصل ُه عن هويتها‪.‬‬ ‫حال من‬ ‫مما يكشف ذلك عن فكرة كوننا في‬ ‫ٍ‬ ‫الصراع مع قوانني الوجود املفروضة علينا من‬ ‫دواخل أنفسنا بوصفنا ب َ َ‬ ‫شرَاً‪ .‬والسؤال الذي‬ ‫يفرِض نفس ُه في هذا السياق يدور حول الكيفية‬ ‫شتات ما تفرَّق وتشكيل ك ٍّل‬ ‫التي ميكن بها لَ َّم‬ ‫َ‬ ‫املنقسمة‬ ‫موحد من أُولئك االفراد واجلماعات‬ ‫ِ‬ ‫على نفسها ضمن إطار مجتمع واحد؟ هذا‬ ‫التساؤل هو املدخل الرئيسي لنجاح الدولة‬ ‫في عملية بناء تلك الهوية اجلامعة لشتى‬ ‫املك ِّونات االجتماعية‪ ،‬والدفع بها نحو تعزيز‬ ‫األواصر االجتماعية التي تولدت بصورة طبيعية‬ ‫بفعل االلتقاء والتالقح في عني الزمان واملكان‪،‬‬ ‫فضالً على بناء أواصر جديدة نابعة من العيش‬ ‫املشترك في ظل بنى جديدة وهي مؤسسات‬ ‫الدولة الوليدة‪ .‬وفي عني الوقت‪ ،‬فإ َّن الفشل‬ ‫في إيجاد تلك األواصر وتوثيقها‪ ،‬أي الفشل في‬ ‫عملية اإلندماج ‪ ،Integration‬يعني أ َّن الدولة قد‬ ‫س َب ِب وجودها‪ .‬علي ِه‪ ،‬يُع ِّب ُر‬ ‫أخ َف َق ْت أصالً في َ‬

‫ُوح ُد‬ ‫مفهو ُم «االندماج» عن تلك العملية التي ت ِّ‬ ‫جماعات متباينة عن بعضها ثقافيا ً واجتماعياً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ثم‬ ‫وذلك في اطار وحد ٍة اقليمية واحدة ومن َّ‬ ‫انشاء هوي ٍة قومية جامعة‪ .‬حيث يَع َم ُد االندماج‬ ‫بذلك الى الدفع باجتاه بناء مجتمع سياسي‬ ‫متناغم سياسيا ً وثقافيا ً من حيث قيام التطابق‬ ‫ما بني «الدولة ‪ »State‬ب ِ َوصفها وحدة سياسية‬ ‫وبني «األُمة ‪ »Nation‬بإعتبارها وحدة ثقافية‪.‬‬ ‫جانب آخر يعمل االندماج على جعل الدولة‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫قائم ًة على اساس تقديس النظام وحمايت ِه‪،‬‬ ‫بحيث يشعر املواطن حينها بقوة نظام‬ ‫الدولة ‪ -‬االمة لكون ِه أصالً ُمرت َِك ٌز على اساس‬ ‫متاسك االنتماء الثقافي لألمة وقوة االنتماء‬ ‫السياسي للدولة‪.‬‬ ‫وفي ضوء ذلك‪ ،‬ميكن القول بكون أزمة االندماج‬ ‫تتمثل في ضعف قدرة الدولة ونظامها‬ ‫السياسي على االستجابة املسارِعة والتفاعل‬ ‫البنَّاء مع تنوع الهويات الفرعية وتفاوت املصالح‬ ‫اجلماعية‪ ،‬والذي ينجم في االصل عن انخراط‬ ‫الدولة ومؤسساتها في مختلف مسارات عملية‬ ‫االندماج بهدف توحيد مكوناتها الثقافية‬ ‫والسياسية‪ .‬بعبار ٍة اخرى‪ ،‬إ َّن قضية االندماج‬ ‫ذات صل ٍة مبدى إنتظام النظام السياسي‬ ‫روابط‬ ‫واستقرار ِه‪ ،‬من حيث كون االخير هو نظا ُم‬ ‫ٍ‬ ‫متفاعلة تنشأ ما بي َن ُه وبني شتَّى اجلماعات‬ ‫مطالب معينة‬ ‫واملصالح الساعية الى حتقيق‬ ‫ٍ‬ ‫لدى النظام السياسي نفسه‪ .‬ومثال ذلك واقع‬ ‫حال دول العالم الثالث‪ .‬إذ أننا جند طيفا ً واسعا ً‬ ‫من الهويات الفرعية فيها إضاف ًة الى (عصابات‬ ‫املصالح) ‪ ،‬وهذه نادرا ً ما تتفاعل في ما بينها‬ ‫على اساس وحدة الهوية القومية‪ ،‬لكون هذه‬ ‫هويات قومية في طور البناء‬ ‫الدول التزال ذوات‬ ‫ٍ‬ ‫والتشييد‪ .‬ومن ثم تسعى كل هوية فرعية فيها‬ ‫الى مطالبة النظام السياسي بتلبي ِة مطالبها‬


‫بصور ٍة منفصلة عن الهويات االخرى ومطالبها‪،‬‬ ‫وكأ َّن التلبية واشباع املطالب فحسب هو ما‬ ‫يشغل با َل هذه املكونات الثقافية ويجمعها‬ ‫ال وحدة االنتماء الى الدولة خالل هذه املرحلة‬ ‫حتديداً‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإ َّن اجلانب الفكري لِعملية‬ ‫سة الدولة‬ ‫اإلندماج يُش ِّددُ على أ َّن دوام‬ ‫مأس َ‬ ‫َ‬ ‫س ُيفضي الى إمكانية والد ِة بيئ ٍة من األُلفة‬ ‫املتبادلة بني اجلماعات الثقافية وبني الدولة‬ ‫التآلف‬ ‫الناشئة‪ .‬وليس بالضرورة أ ْن تكون بيئة‬ ‫ِ‬ ‫تشتمل‬ ‫هذ ِه بيئ ًة سلمي ًة فقط‪ ،‬بل إن َّها قد‬ ‫ِ‬ ‫عالقات اجتماعية سلمية وتنازعية‬ ‫أيضا ً على‬ ‫ٍ‬ ‫يصب في صالح‬ ‫آن واحد‪ ،‬غير أنها تنازُ ٌع بنَّاء ُّ‬ ‫في ٍ‬ ‫دوام وجود الدولة ال زوالها‪ .‬فالدولة ضمن إطار‬ ‫أزمة االندماج ستغدو مبثابة املش َترَك الوحيد‬ ‫ذي القدرة على توحيد اجلماعات الثقافية على‬ ‫إختالف مطالبها وإنتماءاتها الفرعية‪ ،‬لِكونها‬ ‫ببساطة حتتكر القوة واجلاذبية الفكرية اللتَني‬ ‫جتعالنها مالك ًة للقدرة على إشباع املطالب‬ ‫واحلاجات سوا ًء أكانت مادي ًة أم معنوية‪ .‬ولو أخذنا‬ ‫العراق مثاال ً لوجدناه على الصعيد العملي هو‬ ‫النقيض من ذلك متاماً‪ ،‬فالدولة من جهة ربمَّ ا هي‬ ‫املشترَك الوحيد ولكنها مقطوعة اليد واللسان‬ ‫فهي ليست بذي قدرة على التوحيد‪ .‬ومن جه ٍة‬ ‫أُخرى جند املواطن اليزال في طور إنتظار ثمار‬ ‫عملية بناء الدولة‪ ،‬وملد ٍة قاربت القرن من الزمن‪،‬‬ ‫حتى أضحى حال ُه قريبا ً من حال أولئك الذين‬ ‫وخيال صنَعوه بأنفسهم‪،‬‬ ‫كانوا في إنتظار وَ ْه ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫ص َن َع ُه «غيرهم» ثم قالوا لهم‪« :‬هذا‬ ‫بل ُق ْل َ‬ ‫صلْ ِب ُكم فال ت َذرو ُه الى خصومكم‬ ‫وَلي ِد ُكم ومن ُ‬ ‫وأعدائِكم»‪ ،‬فص َّدق آباؤنا ذلك لِسذاجة أكثرهم‬ ‫َ‬ ‫وك َفرَ ب ِه الصانعون‪.‬‬ ‫وإذا ما تعمقنا في حالة العراق‪ ،‬لَوجدنا العالقة‬ ‫بني مركز العراق وإقليم كوردستان لوجدنا‬ ‫العالقة مميز ًة للغاية مقارن ًة بالدول ال ِفدرالية‬

‫األخرى‪ .‬إذ يسود في االقليم حاليا ً ذلك اإلعتقاد‬ ‫القائل بأ َّن املركز رغم َعقد ِه إتفاقية‪ 11‬آذار‪1970‬‬ ‫وإنشاء منطقة احلكم الذاتي (‪،)1991- 1974‬‬ ‫َّ‬ ‫ظل يتعامل مع اإلقليم وينظر الي ِه‬ ‫اإل أن َّ ُه‬ ‫تابع ال شريك‪ .‬بعبار ٍة أُخرى‪ ،‬إ َّن‬ ‫على أن َّ ُه مجرد ٍ‬ ‫حكومات املركز عاد ًة ما كانت تعمل على إفراغ‬ ‫مفهوم َ‬ ‫الشراكة من محتواه املُت َفق عليه بهدف‬ ‫طرف تابع يتمتع‬ ‫ٍ‬ ‫حتويل كوردستان الى مجردِ‬ ‫باحليازة الشكلية فقط للحقوق السياسية‬ ‫والثقافية‪ .‬ثم إ َّن إستمرارية هذا التعامل‬ ‫وقسوة السياسات اإلقصائية الهادفة الى بناء‬ ‫(دولة القومية الواحدة) و َمركزتها احلادة‪ ،‬قد‬ ‫ولَّدت بدورها ظاهرة اخلوف من الذوبان وخُ سران‬ ‫الهوية القومية السيما في أوساط النُخب‬ ‫الكوردية السياسية منها والثقافية‪ .‬مما دفع‬ ‫بالكورد الى تصعيد مطالبهم من احلُكم الذاتي‬ ‫الى بناء عالقة ال ِفدرالية مع املركز‪ ،‬والتي باتت‬ ‫منذ العام ‪ 2005‬تتخ ُذ عمليا ً شكل ال ِفدرالية‬ ‫الالمتاثلية‪ .‬بحيث تتمتع فيها الوحدات الفرعية‬ ‫بسلطات‬ ‫ذوات األساس القومي والثقافي املتم ِّيز‬ ‫ٍ‬ ‫أكثر وأوسع مقارن ًة بالوحدات اإلقليمية األُخرى‪،‬‬ ‫لِ َيجعلها ذلك ذوات إستقاللي ٍة كبيرة قد ترقى‬ ‫في األمد القريب الى املطالبة بتقاسم الثروات‬ ‫الوطنية والتمثيل الدبلوماسي والثقافي على‬ ‫الصعيد الدولي‪.‬‬ ‫وهنا ميكن مالحظة وضعية التالقي مع حالة‬ ‫ال ِفدرالية الكندية‪ ،‬من حيث أ َّن األجنلوفون‪ ،‬وهم‬ ‫األكثرية املهيمنة‪ ،‬يعتبرون أنفسهم أعضاءا ً‬ ‫في أُم ٍة كندية تشمل الكنديني كا َّفة أيا ً كانت‬ ‫لغاتهم أو انتماءاتهم‪ .‬ولذلك فإ َّن االنتماء إلى‬ ‫الهوية الوطنية الكندية يقوم من جه ٍة على‬ ‫فكر ِة أ َّن جميع الكنديني يشكلون أم ًة واحدة‪.‬‬ ‫ثم ينبغي أ ْن تكون احلكومة ال ِفدرالية‬ ‫ومن َّ‬ ‫ُم َع ِّبر ًة في سائر أنشطتها عن تلك الهوية‬ ‫‪13‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪14‬‬

‫املشتركة‪ ،‬ومن جه ٍة أخرى يتوجب احترام‬ ‫التباينات الثقافية القائمة ما بني الكنديني‪.‬‬ ‫غائب في حالة العراق‪.‬‬ ‫هذا املنظور وممارست ُه‬ ‫ٌ‬ ‫َفلو تابعنا مسيرة التطور التاريخي للشعور‬ ‫والعقيدة احلاكمة لدى حكومات املركز‪ ،‬سنجد‬ ‫خليط من املشاعر واألفكار التي لم تز ْل‬ ‫مجرد‬ ‫ٍ‬ ‫تنتاب القاعدة الفكرية للمركز بدءا ً من القومية‬ ‫الليبرالية (‪ )1958 -1921‬ومرورا ً بالقومية‬ ‫ينتهي املسار أخيرا ً‬ ‫اإلشتراكية (‪ ،)2003 – 1958‬لِ‬ ‫َ‬ ‫بِسيطر ِة التفكيرِ الطائفي علي ِه سوا ًء في‬ ‫تعامل ِه مع األطراف املت ِفقة مع ُه قوميا ً ومذهبيا ً‬ ‫أم اخملتلفة عنه قوميا ً أو مذهبياً‪ .‬وفي سياق هذه‬ ‫زل املرك ُز يحاول من جانب‬ ‫املراحل الثالث لم ي َ ِ‬ ‫بنا َء هوي ٍة جامع ٍة محلية تتمثل في‪( :‬الوطنية‬ ‫العراقية‪ ،‬العروبية‪ ،‬والطائفية)‪ ،‬ثم يسعى في‬ ‫اجلانب املقابل الى إحكام الصلة بني هذه الهوية‬ ‫وبني هوي ٍة جامعة إقليمية أو أُممية تتجسد في‬ ‫مشاريع‪( :‬الهالل اخلصيب‪ ،‬الوطن العربي الكبير‪،‬‬ ‫والهالل الشيعي) على الترتيب‪.‬‬ ‫مثل هذا التفاوت احلاد في املشاريع‬ ‫االندماجية والوحدوية ضمن سياق عملية بناء‬ ‫الدولة العراقية‪ ،‬ي ُ َّع ُد مبثابة الباعث الرئيسي‬ ‫لِتشتت جهود املركز املادية منها والفكرية ثم‬ ‫عدم نضوجها‪ ،‬فضالً على إيقاع ِه في أزمتَي‬ ‫قان‬ ‫الهوية واإلندماج اللتَني يبدو أنهما َ‬ ‫ستُرا ِف ِ‬ ‫هذه الدولة حتى النزع األخير‪ .‬بدليل أن َّ ُه منذ‬ ‫عام ‪ 1958‬واملركز يَستنزِ ُف َمواردَ ُه البشرية سوا ًء‬ ‫بذات ِه نتيجة التفاوت في مشاريع ِه اآليديولوجية‬ ‫العنفي للنخب السياسية‪ ،‬أو بتأثير‬ ‫والتغ ُّير ُ‬ ‫قي‬ ‫القوى اإلقليمية والدولية‪ .‬وفي ِكال احلالَني ب َ َ‬ ‫املركز ينظر الى أطراف ِه من زاوية كونهم أتبا ٌع‬ ‫وموالني ال مواطنني‪ ،‬مجرد أطراف ال شركاء‪ ،‬أو‬ ‫ُمقلِّدين و ُم َ‬ ‫رشحني للتقليد ال مسلمني ومؤمنني‬ ‫بديانات أُخرى‪ .‬لِ ُيفضي ذلك في نهاية املطاف‬ ‫ٍ‬

‫الى إثارة اخملاوف والشعور بالتهديد في أوساط‬ ‫األطراف املتمايزة ثقافياً‪ ،‬والدفع بهم للتمسك‬ ‫احلاد به ِّوياتهم والتشكيك في هوية املركز‬ ‫وآيديولوجيت ِه‪ .‬ذلك أ َّن هذه الهوية األخيرة قد‬ ‫فقدت الكثير من مالمحها حتى باتت بال معالم‬ ‫وتضاريس يستد ُّل بها التائهون وعابروا السبيل‬ ‫على األقل‪ .‬فالهوية العراقية هي اليوم أسير ٌة‬ ‫في سجون التعصب واألُمية والفقر‪ ،‬بل ُق ْل هي‬ ‫سجين ُة من سجينات التخلف الذي س ُيهلِ ُك‬ ‫أصحاب َ ُه في املدى املنظور‪.‬‬ ‫بعبار ٍة أخرى‪ ،‬وفي هذا السياق العام ملشروع‬ ‫َ‬ ‫تعامل مركز العراق مع‬ ‫بناء الدولة‪ ،‬نالحظ أ َّن‬ ‫ٌ‬ ‫أطراف ِه املتمايزة قوميا ً وثقافيا ً‬ ‫قائم في‬ ‫تعامل‬ ‫ٌ‬ ‫األصل على ركيزت َني رئيستَني‪ :‬أُوالهما تتجسد‬ ‫في أ َّن املركز نفس ُه كان واعيا ً بطبيعة ه ِّويت ِه‬ ‫إستهداف‬ ‫ونوعية سلوك ِه السياسي من حيث‬ ‫ِ‬ ‫غايات تتجاوز حدود اجملال الوطني سواءا ً قبل‬ ‫ٍ‬ ‫عام ‪ 2003‬أو بعده‪ .‬فهو يعمل على تشييد‬ ‫مؤسسات موحدة ومركزية بهدف مواالتها‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بات هذا املركز‬ ‫ثم َ‬ ‫من قبل املواطنني كافة‪ ،‬ومن َّ‬ ‫س ُمفرِط مع مطالب إقليم‬ ‫يتعامل‬ ‫ُّ‬ ‫بتحس ٍ‬ ‫كوردستان‪ ،‬أو مطالب احملافظات األُخرى في‬ ‫أقاليم ِفدرالية‪ .‬ويعود سبب هذا الرفض‬ ‫إنشاء‬ ‫ٍ‬ ‫رئيس منه الى خشية املركز عين ِه من‬ ‫جزء‬ ‫في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سلطان ِه َع ِق َب وقوع‬ ‫إتساع دائرة التالشي في ُ‬ ‫ِ‬ ‫إقليم كوردستان في قلب تلك الدائرة‪ .‬فمثل هذا‬ ‫التوجه نحو املزيد من الالمركزية رمبا سيتفاقم‬ ‫بِنُشوء إقليم الغربية وإقليم البصرة في قابل‬ ‫أضحت تثي ُر ِقسما ً‬ ‫األيام‪ .‬هذه اخملاوف والكوابيس‬ ‫ْ‬ ‫من األكثرية العربية في املركز واألطراف امل ُ َت ِفقة‬ ‫تدفعهم‬ ‫معه قوميا ً ومذهبيا ً أو مصلحيا ً َف‬ ‫ُ‬ ‫للتشديد على فكرة كون إقليم كوردستان‬ ‫َيل املزيد من اإلستقالل‬ ‫يُ ِ​ِّ‬ ‫سخ ُر أموال الدولة لِن ِ‬ ‫الذاتي بُغية حتقيق اإلنفصال على املدى البعيد‪.‬‬


‫وهذا هو عني منظور األجنلوفون –في حالة كندا‪-‬‬ ‫كيبك في اإلعتراف مبكانتها‬ ‫جتاه مطالِب إقليم ِ‬ ‫املتميزة‪ .‬أما ثاني الركيزت َني‪َ ،‬فتَتمثل في الدعوة‬ ‫الى إنتهاج مبادئ احلرية واملساواة والعدالة ذوات‬ ‫األساس الفردي ال اجلماعي في التعامل مع‬ ‫مواطني العراق كا ّفة بال إستثناء‪ .‬مبعنى أ َّن نخبة‬ ‫املركز‪ ،‬من منظور إقليم كوردستان‪ ،‬حتاول القفز‬ ‫فوق التفاوتات الثقافية السيما القومية منها‬ ‫واللغوية فضالً على املآسي الغائرة في اجلسد‬ ‫َركات ال‬ ‫والذاكرة واألرض‪ ،‬ثم البحث عن ُمشت ٍ‬ ‫تقوم تلك (النخبة) أصالً بصناعتها وال تعمل‬ ‫بفحواها‪ ،‬من مثل‪ :‬الشراكة واملواطنة‪ ،‬العدالة‬ ‫اإلجتماعية‪ ،‬الوطنية العراقية‪ .‬فهذه املفردات‬ ‫ألس َنتُهم دون أ ْن تُخالِط‬ ‫األصيلة ت َلوكها‬ ‫ُ‬ ‫قلوبَهم ويُسخِّ نون بها أسواقهم احمللية ليس‬ ‫اإل‪ .‬لِكون هذه النخبة في اجلوهر غير متجانسة‬ ‫تفكير طائفي‬ ‫فكريا ً والكثير من أقسامها ذات‬ ‫ٍ‬ ‫مشلول ال يستطيع ال ُرقي الى مستوى األخالق‬ ‫املذهبية ألصحاب املذاهب الفقهية أنفسهم‬ ‫(رحمهم اهلل تعالى)‪.‬‬ ‫تفاوت إذن ما بني السلوك السياسي‬ ‫هناك‬ ‫ٌ‬ ‫للكيبكيني والكوردستانيني وبني األكثرية‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫املهيمنة على املركز في حالتَي كندا والعراق‪.‬‬ ‫جانب منه إلى كون مقاطعة‬ ‫ويرجع ذلك في‬ ‫ٍ‬ ‫كيبك وإقليم كوردستان يَشترِكان في كونهما‬ ‫ِ‬ ‫من «الوحدات اإلدارية ذوات األساس القومي»‪،‬‬ ‫وسلوكهما املشترك ذاك يأتي تعبيرا ً عن خشية‬ ‫األقليات القومية و َميلِها للمحافظة على متايزها‬ ‫ثقافيا ً وتكريسها إلستقاللها الذاتي سياسياً‪.‬‬ ‫بينما املقاطعات الكندية واحملافظات العراقية‬ ‫األخرى هي من صنف «الوحدات اإلدارية ذوات‬ ‫األساس اإلقليمي»‪ ،‬التي تُع ِّب ُر جميعا ً عن رغب ِة‬ ‫األكثرية األجنلوفونية والعربية على الترتيب في‬ ‫أساس إقليمي ال قومي‪ .‬أي‬ ‫نشر سلطانها على‬ ‫ٍ‬

‫مبعنى أ َّن تباين «أساس» الوحدات املكونة للدولة‬ ‫من شأن ِه أ ْن يؤدي إلى سعي الوحدات ذوات‬ ‫سلطات متمايزة وأوسع‬ ‫َيل‬ ‫ٍ‬ ‫األساس القومي لِن ِ‬ ‫نطاقا ً من تلك السلطات التي حتاول الوحدات‬ ‫ذوات األساس اإلقليمي أ ْن حتوزها‪ .‬وميكننا التوقع‬ ‫عموما ً بكون الوحدات اإلدارية القومية ستُطالِ ُب‬ ‫بسلطات متزايدة بصور ٍة تدريجية‪،‬‬ ‫على الدوام‬ ‫ٍ‬ ‫بينما الوحدات اإلدارية اإلقليمية ستكون على‬ ‫األرجح أ ّق َل مطالب ًة بذلك لِكونها تنتمي ثقافيا ً‬ ‫وقوميا ً الى عني هوية األكثرية املهيمنة‪ ،‬وقد‬ ‫تتقبل فعليا ً وبذاتها فكرة اإلضعاف التدريجي‬ ‫لسلطاتها لصالح املركز‪.‬‬ ‫وعلي ِه‪ ،‬من املمكن تفسير هذا التماثل احلاصل‬ ‫بني جتربتَي كندا والعراق باإلشارة الى كون‬ ‫س دور ُه املؤثر في ُمخَ يلَ ِة‬ ‫حق تقرير املصير يمُ ار ِ ُ‬ ‫الكيبكيني والكوردستانيني على ح ٍّد سواء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫فس ُر سبب إنبثاق‬ ‫ولعل هذا العامل هو ما ي ُ ِّ‬ ‫أزمة الثقة املتبادلة وتطورها بني حكومة املركز‬ ‫ووحكومات األطراف‪ .‬ففي حالة العراق حتديداً‪،‬‬ ‫مثلما يَخشى إقليم كوردستان العراق على‬ ‫حال‬ ‫وجود ِه وهويت ِه القومية جن ُد املركز أيضا ً في ٍ‬ ‫من اخلوف جتاه إمكانية إنفصال اإلقليم بالشكل‬ ‫تيح سبيل اإلنفصال أمام احملافظات‬ ‫الذي ي ُ ُ‬ ‫األُخرى بالضرورة‪ .‬يتضح ذلك بجالء في اخلِالف‬ ‫احلاد مع اإلقليم بشأن ِقطاع النفط والغاز ثم‬ ‫الربط بين ُه وبني قضية املناطق الكوردستانية‬ ‫املتنازَع عليها‪ .‬فاملركز يجعل هذا ال ِقطاع جزءا ً‬ ‫من اجملال ال ِفدرالي لِكون ِه ينظر الى ذلك من زاوية‬ ‫أ َّن ولوج اإلقليم في هذا (اجملال السيادي) سيو ِّفر‬ ‫له مستقبالً األساس املادي لإلنفصال‪ .‬بينما ال‬ ‫تنظر حكومة إقليم كوردستان الى قطاع النفط‬ ‫والغاز بِوصف ِه مجاال ً سياديا ً بل ترا ُه من زاوية‬ ‫كون ِه شأنا ً محليا ً قابالً للتفاوض والتقاسم ما‬ ‫بني املركز وبي َن ُه‪ .‬وفي عني الوقت جند أ َّن اجلمود‬ ‫‪15‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪16‬‬

‫املؤسسي في املركز و َفشل ُه في إدارة عملية بناء‬ ‫الدولة ‪ State - Building‬قد أسهم في تطور‬ ‫أزمة الثقة لتشمل النظام السياسي بأسر ِه‪.‬‬ ‫فاملركز ال يُحقق من املنجزات شيئا ً مذكورا‪ ،‬مما‬ ‫نفس ُه في دائرة املقارنة الشعبية ما بينه‬ ‫يُو ِق ُع‬ ‫َ‬ ‫وبني إقليم كوردستان من حيث إنخراط األخير‬ ‫في مسار البناء والتحديث بالرغم من وجود‬ ‫الفساد اإلداري فيه‪.‬‬ ‫ويبدو أ َّن الباعث اجلوهري لتبلور هذا الوضع‬ ‫في حالة العراق يتمثل في طبيعة هوية‬ ‫األكثرية العربية بذاتها‪َ .‬ف ُهم ي َ ُع ُّدون أنفسهم‬ ‫مبثابة القوة احلافظة لوحدة الدولة‪ ،‬ونظرا ً لذلك‬ ‫س وحدوية‬ ‫يستند نشاطهم السياسي على أ ُ ُ‬ ‫س ٍ‬ ‫مشتركة مثل‪َ :‬مركزة الدولة‪ ،‬إضعاف األطراف‬ ‫والتدخل في شؤون احلكومات احمللية‪ ،‬تقوية‬ ‫السلطة التنفيذية الى أقصى مدى ممكن‪ .‬غير أ َّن‬ ‫ذلك ال يعدو أ ْن يكون سوى إطارٍ مشترك يَن َ‬ ‫ط ُر‬ ‫ْش ِ‬ ‫سني‪ :‬أحدهما يدفع املركز‬ ‫بِدور ِه الى ُقط َبني ُمتنا ِف َ‬ ‫أما اآلخر ف َينحو‬ ‫صوب العالم العربي‬ ‫والسنِّي‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫باملركز نحو بناء عالق ٍة غير متكافئة مع إيران‬ ‫والعالم الشيعي‪ ،‬أي العمل على جعل الهوية‬ ‫العراقية موضوع إستقطاب بدل أ ْن تكون مركزَ‬ ‫إستقطاب وطني ودولي‪ .‬هذا الشعور بالتبعية‬ ‫ٍ‬ ‫لعلَّ ُه ناب ٌع في جوهر ِه من عدم حيازة املركز أل ِّي‬ ‫مشروع قومي عربي وال طائفي حتى‪ .‬وهو ما‬ ‫ٍ‬ ‫يدف ُع املركز للبحث عن عالقة تبعية مذهبية‬ ‫وآيديولوجية خصوصا ً مع محيط ِه اإلقليمي‪،‬‬ ‫بالرغم من حيازت ِه لإلمكانات املادية والبشرية‬ ‫التي تفوق ما يحوز ُه كا َّفة دو َل محيط ِه اإلقليمي‬ ‫ُمجتمعني‪.‬‬ ‫مما يحدو بنا ذلك للقول بعدم إمكانية االعتماد‬ ‫على امناء املشاعر القومية واملشتَركات اجلماعية‬ ‫فحسب من أجل إجناح عملية بناء الدولة ‪-‬االمة‪،‬‬ ‫وقد يكون هذا َمك َم ُن ال ِعلَ ِل الذي وقع فيه‬

‫القوميون ثم االسالميون الحقا ً سوا ًء في العراق‬ ‫أو غيره من دول العالم الثالث‪ .‬ويرجع ذلك الى‬ ‫كون مشروع بناء الدولة عموما ً ينبغي أ ْن يتم‬ ‫فيه ايضا ً دوام تغذية الهوية القومية باالجنازات‬ ‫املادية‪ ،‬كالتقدم والبحث العلمي جنبا ً الى جنب‬ ‫التصنيع والعمران مثالً‪ ،‬بحيث ت ْ‬ ‫َش ِم ُل منافعها‬ ‫سائرَ االفراد واجلماعات دون متييز‪ .‬فيتولد بذلك‬ ‫حس االنتماء‬ ‫لدى كل فرد وينمو في َقرار ِة نفس ِه ُّ‬ ‫الى تلك املؤسسات واالجنازات معاً‪ ،‬واعتبار ِه إ ّياها‬ ‫ُ‬ ‫وج َد ْت من أجل ِه وفي‬ ‫جزءا ً من كيان ِه وأن َّها قد أ ِ‬ ‫سبيل خير ِه وسعادت ِه‪ .‬أي مبعنى بنا َء املواطن‬ ‫املندمج في عضوية الدولة والذي ال يُدر ِ ُك قيمة‬ ‫مثل هذه العضوية خارج َمع ِّي ِة دولت ِه‪ .‬وبذلك‬ ‫شتمل ًة على عضوية‬ ‫تكون املواطنة بذاتها ُم‬ ‫ِ‬ ‫الكيان الفكري والرمزي للدولة‪ ،‬أي الهوية‬ ‫القومية واالساس الفكري للدولة الذي يجسد‬ ‫املنظم حلركتها‬ ‫بدوره مرجعية الدولة واالطار‬ ‫ِ‬ ‫على الصعي َدين الداخلي والدولي‪.‬‬ ‫هذا املنظور عن املواطنة ال يعني إلتحام املواطن‬ ‫اندماج ُه فيها مطلقا ً على‬ ‫بالدولة – االمة لِيكون‬ ‫ُ‬ ‫نحو ما كان عليه احلال في دويالت املدن اليونانية‪،‬‬ ‫بل يعني أ َّن املواطن نفسه قد اندمج في كيان‬ ‫دولت ِه لكي يحافظ عبر ذلك على خصوصيت ِه‬ ‫الفردية‪ .‬وقد ال جنانب الصواب حني القول بأ َّن‬ ‫مثل هذه املواطنة ليست منظورا ً خياليا ً وميكن‬ ‫حتقيقه في حالة العراق بل كان باإلمكان حتقيقَ‬ ‫الكثيرِ من تفاصيل ِه‪ .‬وذلك ببساطة من خالل‬ ‫انتهاج التنمية السياسية املستقلة‪ ،‬بوصفها‬ ‫العملية التي ستضمن «حيادية الدولة» في‬ ‫تعاملها مع مكوناتها الثقافية والقومية‪ ،‬فضالً‬ ‫ص ُل فيها بني شخص‬ ‫على «املؤسساتية» التي يُ ْف َ‬ ‫املسؤول وبني املسؤولية املوكولة اليه‪ ،‬لِيتِّم من‬ ‫خالل ذلك بنا َء دول ٍة مستقل ٍة عن مك ِّوناتها‬ ‫األولية وتُع ِّبر عنها من جانب‪ ،‬ومستقل ٍة عن‬


‫أقرانها من الدول والكيانات األخرى في اجلانب‬ ‫اآلخر‪ .‬وبخالف ذلك ستنتمي هذه الدولة الى‬ ‫مقدمة ذلك الرَتل الطويل من الدول الفاشلة‬ ‫التي أخ َفقت في االستقالل عن مك ِّوناتها‬ ‫والدول األُخرى‪ ،‬أل َّن النُخَ ب السياسية فيها التزال‬ ‫الى اآلن تعتقد بأ َّن اإلستقالل يعني مجرد عدم‬ ‫التدخل األجنبي في شؤنها‪ .‬بينما إستقاللية‬ ‫َشتم َل ع‑لى املست َويَني‬ ‫الدولة ينبغي أ ْن ت‬ ‫ِ‬ ‫آن واحد‪ .‬حيث أ َّن انتهاج‬ ‫الداخلي واخلارجي في ٍ‬ ‫التمييز واحملاباة ثم َ‬ ‫صن ِة املؤسسات‪ ،‬ستؤدي‬ ‫شخْ َ‬ ‫بالضرورة الى استمرار تناقص فاعلية الدولة‬ ‫في التعامل مع أزمة االندماج بخاصة واألزمات‬ ‫التنموية األخرى بعامة‪ ،‬ثم بروز حال ٍة ُمزْ ِمن ٍة‬ ‫أزمات ُم َّ‬ ‫ركبة ومتكيفة‬ ‫من التأزم تتخذ شكل‬ ‫ٍ‬ ‫مع البنية االجتماعية وأطيافها‪ ،‬بحيث أ َّن ذلك‬ ‫سيدفع الدولة بأسرها الى وضعية اجلمود ومن‬ ‫ثم الزوال في خامتة املطاف‪ .‬اذ تكون الدولة‬ ‫َّ‬ ‫فقدت هي االخرى شرعيتها جنبا ً‬ ‫حينئذ قد‬ ‫ْ‬ ‫الى جنب النظام السياسي‪ ،‬فال تغدو الدولة‬ ‫ُمع ِّبر ًة عن ارادة كا ّفة االطراف وصالحِ هم العام‪،‬‬ ‫وإنمَّ ا عن إرادة ومصالح العصابات املهيمنة على‬ ‫صناعة القرار فيها‪ .‬وربمَّ ا هذا ما سينتهي اليه‬ ‫الوضع في مركز العراق والكثير من أطراف ِه‪ ،‬إذ‬ ‫حتكم ُه ميول األشخاص ال إرادة القانون‪ ،‬تعبث به‬ ‫االنتماءات و النزعات السابقة على نشأة الدولة‪،‬‬ ‫تُ ْفرَ ُغ القوانني من مضامينها ثم ت َ‬ ‫ُشرَّ ُع قوانني‬ ‫جديدة َّ‬ ‫أقل عيوبها أنها مليئة بالعيوب النحوية‬ ‫وحبلى بالكوارث‪ .‬لِينتهي ذلك الى بروز‬ ‫والفكرية ُ‬ ‫ذلك الذي يقرأ في كتاب الدولة الفاشلة لِصاحل ِه‬ ‫وصالح ِفر َقت ِه‪ ،‬ليتحول رويدا ً رويدا ً الى جوهر‬ ‫ِ‬ ‫بُغيت ِه وهي أ ْن يكون الدكتاتور اجلديد‪.‬‬ ‫في ضوء كل ما تقدم ذكره‪ ،‬ميكن القول بكون‬ ‫العراق والسيما في ظل التغيرات الدميقراطية‬ ‫وغير الدميقراطية في الشرق األوسط أضحى‬

‫في مواجهة حت ٍد مزدوج وهو‪ :‬بناء دولة عصرية‬ ‫محايدة من جهة وبناء املواطن املُتسا ِمح من‬ ‫جه ٍة أُخرى‪ .‬بحيث تغدو الدولة والهوية الوطنية‬ ‫هي املشترَك العام الذي يوالي اجلميع ويناصر‬ ‫اجلميع وينتمي اليه اجلميع دون أ ْن تنتمي الدولة‬ ‫أل ِّي مك ِّون ثقافي‪ .‬أما في عني الشقِّ الثاني من‬ ‫هذا التحدي َف َيتم تنشئة اإلنسان ليغدو كائنا ً‬ ‫ُمتسا ِمحاً‪ .‬بحيث يَحوزُ هذا اإلنسان القدرة على‬ ‫سلوك مخالِف لمِ عتقداته‬ ‫إنتهاج التدخل ملنع‬ ‫ٍ‬ ‫و ُمنا َهضة هذا السلوك ماديا ً ومعنوياً‪ ،‬غير أن َّ ُه‬ ‫ال مينع وجود ذلك السلوك عبر جتنب إستخدام‬ ‫يسمح‪ ،‬عن قو ٍة وليس عن‬ ‫قدرت ِه تلك‪ .‬فهو‬ ‫ُ‬ ‫ضعف‪ ،‬بوجود اآلراء واملمارسات املخُ الِفة ملنظور ِه‬ ‫َ‬ ‫ومعتقدات ِه‪ .‬وذلك بخالف مفهوم التعصب‪ ،‬الذي‬ ‫سلوك ال ن ُ ِّقر ُه‬ ‫يُشير الى احملاولة ال َع ْمدية إللغاء‬ ‫ٍ‬ ‫عبر إستخدام وسائل قهرية‪ ،‬بل دون أي َّ ِة رأف ٍة‬ ‫كثير من األحيان‪ ،‬وهو ما يُع َّب ُر عن ُه مبفهوم‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫«القمع ‪ .»Suppression‬هذا املنظور عن التعايش‬ ‫‪ Coexistence‬يَست ِن ُد‪ ،‬في النظرية السياسية‬ ‫الليبرالية‪ ،‬الى قاعدت َني رئيسيتَني من أجل رسم‬ ‫نطاق التعايش وحدود ِه‪:‬‬ ‫ أوالهما هي قاعدة احلرية‪ ، Liberty‬حيث أ َّن‬‫مسؤول عن أفعال ِه أمام اجملتمع عندما‬ ‫الفرد غير‬ ‫ٍ‬ ‫َّس أفعالُ ُه تلك أحدا ً سواه‪ .‬وليس أمام‬ ‫ال مت ُ‬ ‫سبيل مشروع للتعبير عن رفض ِه أو‬ ‫اجملتمع من‬ ‫ٍ‬ ‫نص َح ُه‬ ‫إمتعاض ِه جتاه سلوك ذلك الفرد سوى أ ْن ي َ َ‬ ‫أو ي َّو ِج َه ُه‪ ،‬أو يُ ْق ِن َع ُه‪ ،‬أو يَتجنَّب ُه الناس لو رأوا أ َّن‬ ‫صب في مصلحتهم‪.‬‬ ‫ذلك ضروري وي َ ُّ‬ ‫ أما ثانيتهما فهي قاعدة املسؤولية الفردية‬‫ألفعال الفرد‬ ‫‪ ، Individual Responsibility‬إذ بالنسبة‬ ‫ِ‬ ‫َض ُر مبصالح اآلخرين‪ ،‬فإ َّن الفردَ لِوحد ِه هو‬ ‫التي ت ُّ‬ ‫املسؤول عنها وال يتح َّمل غيره أوزار َ ما يصن َُعه‬ ‫الفرد عي ُن ُه‪ .‬وهو في هذه احلالة ميكن أ ْن يَخضع‬ ‫إما للعقاب القانوني أو اإلجتماعي‪ ،‬وذلك وفقا ً ملا‬ ‫‪17‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪18‬‬

‫يَرا ُه اجملتم ُع ضروريا ً لحِ ماي ِة نفس ِه‪.‬‬ ‫وفقا ً لهذا املنظور‪ ،‬فإ َّن احلرية الدينية مثالً‬ ‫ال تعني الت َّعدي على أبناء الديانات والطوائف‬ ‫األُخرى‪ ،‬بسبب إختالف وتباين معتقداتهم‬ ‫وممارساتهم الدينية سوا ًء بواسطة اللَفظ وما‬ ‫يَصدره اللسان أو القلم من سوء القول أو من‬ ‫سلوك ما جتا َههم‪ .‬فاملعتقدات‬ ‫خالل ممارسة‬ ‫ٍ‬ ‫الدينية كانت دوما ً محل ُقدسي ٍة بالِغ ٍة لدى‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وبالتالي فإ َّن وجوب إحترام املعتقدات‬ ‫الدينية وتقدير مكانتها وعدم التع ُّرض لها ي ُ َّع ُد‬ ‫أمرا ً مرتبطا ً بإحترام مكان ِة وكرامة اإلنسان‬ ‫س معتقدات ِه وليس بسبب هذه‬ ‫بذاته الذي يُق ِّد ُ‬ ‫املعتقدات بذاتها‪ .‬ذلك أل َّن «اإلنسان» ينبغي أ ْن‬ ‫ي َ َق ُع َمو ِق َع «املركز ‪ »Center‬الذي تُصا ُغ من أجل ِه‬ ‫صون إحترام ِه‬ ‫التشريعات والسياسات بُغية َ‬ ‫وتقديس مكانت ِه‪ .‬مما يعكس ذلك صواب الفكرة‬ ‫ِ‬ ‫القائلة بأن َّه ينبغي التعايش مع النزعة الطائفية‬ ‫نظرا ً إلستحاَل ِة إجتثاثها من اجملتمع كلياً‪ .‬أل َّن‬ ‫التعصب بشتَّى أشكال ِه والسيما التعصب‬ ‫الطائفي من حُ‬ ‫بشكل تام‪ ،‬فهو‬ ‫املال التخلص منه‬ ‫ٍ‬ ‫يَن ُب ُع من ذات اإلنسان وبعض عقل ِه في ظروف‬ ‫غير طبيعية عاد ًة‪ .‬وبدال ً من ذلك ميكن التعايش‬ ‫أساس قانوني‬ ‫مع وجود التعصب الطائفي على‬ ‫ٍ‬ ‫يأخذ بنظر اإلعتبار كل من احلرية الفردية عموما ً‬ ‫واحلرية الدينية خصوصا ً من جهة‪ ،‬وكذلك قاعدة‬ ‫املسؤولية الفردية من جه ٍة أُخرى‪.‬‬


‫السطات الثالث‬ ‫في القانون األساسي‬ ‫جلمهورية أملانيا االحتادية‬ ‫األستاذ املساعد‬ ‫إحسان عبدالهادي سلمان‬ ‫كلية القانون والسياسية‬ ‫قسم العلوم السياسية‪ /‬جامعةالسليمانية‬

‫‪19‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪20‬‬

‫املقدمة‬ ‫ان الطبيعة الفيدرالية تعد من ابرز مالمح‬ ‫النظام السياسي االملاني‪ ،‬تقسم فيه السلطة‬ ‫السياسية مابني احلكومة املركزية وحكومات‬ ‫الواليات املؤسسة لالحتاد الفيدرالي ‪ .‬ومن اجل‬ ‫تطبيق الفيدرالية وحتقيق الدميقراطية من‬ ‫خاللها‪ ،‬كان البد من اإلرتكاز على اركان اساسية‬ ‫لتحقيق هذا الهدف ‪.‬‬ ‫ومن اهم تلك االركان‪ ،‬هو وجود دستور‬ ‫(القانون االساسي) ينظم عمل السلطات‬ ‫الثالث‪ ،‬وصالحياتها على املستويني االحتادي‬ ‫واالقليمي‪ ،‬ويضمن الفصل والتعاون واستقالل‬ ‫هذه السلطات‪ ،‬من ناحية ‪ ،‬وتناغم وانسجام‬ ‫عملها‪ ،‬من ناحية اخرى‪ ،‬من اجل ارساء مبادئ‬ ‫الدميقراطية وحتقيقها ‪.‬‬ ‫اهمية البحث ‪ :‬تكمن في جناح التجربة االملانية‬ ‫في حتقيق الدميقراطية من خالل تبنيها للفيدرالية‬ ‫التي تقوم على أساس كيفية اجلمع مابني (‬ ‫الوحدة والتنوع )‪ .‬هذا النجاح حتقق من خالل‬ ‫عمل السلطات الثالث على املستويني (االحتادي‬ ‫واالقليمي ) وفقا للقانون االساسي االملاني الذي‬ ‫جسد االسس احلديثة للدميقراطية‪.‬‬ ‫فرضية البحث‪ :‬يقوم البحث على فرضية‬ ‫مفادها ان الدميقراطية التي حتققت في املانيا ‪،‬‬ ‫قد ساهمت بجزء كبير واساسي منها‪ ،‬املبادئ‬ ‫االساسية وكيفية توزيع السلطات والصالحيات‬ ‫على املستويني العمودي واالفقي‪،‬التي جاء بها‬ ‫القانون االساسي‪ ،‬فضال عن آلية العمل مابني‬ ‫هذه السلطات ‪.‬‬ ‫اشكالية البحث ‪ :‬يتناول البحث اشكالية كتابة‬ ‫القانون االساسي وتشكيل السلطات وفقا لهذا‬ ‫القانون االساسي‪ ،‬وكيفية توزيع االختصاصات‬ ‫مابني هذه السلطات بحيث ال يحصل تعارض‬ ‫من شأنه عرقلة العملية السياسية ‪ ،‬وبالتالي‬

‫تهديد الدميقراطية املنشودة ‪.‬‬ ‫منهجية البحث‪ :‬كان للمنهج التاريخي‬ ‫ضرورته لتأصيل الكيفية التي متت بها كتابة‬ ‫القانون االساسي‪،‬كما مت الولوج في املنهج‬ ‫الوصفي لبيان املبادئ االساسية وكيفية تشكيل‬ ‫السلطات التي تضمنها القانون‪ ،‬باالضافة الى‬ ‫االستعانة باملنهج التحليلي لتوضيح آلية عمل‬ ‫هذه السلطات ‪.‬‬ ‫هيكلية البحث ‪ :‬يتكون البحث من مقدمة واربعة‬ ‫مباحث ‪ .‬االول منها بخصوص القانون االساسي‬ ‫والذي انقسم بدوره الى مطلبني ‪ ،‬االول لنشأته‬ ‫‪ ،‬والثاني ملبادئه االساسية ‪ .‬وفي املبحث الثاني‬ ‫تناولنا السلطة التشريعية ايضا وفق مطلبني ‪،‬‬ ‫االول جمللس النواب (البوندستاغ) ‪ ،‬والثاني جمللس‬ ‫االقاليم (البوندسرات)‪ .‬اما املبحث الثالث فتناول‬ ‫السلطة التنفيذية وفق ثالث مطالب‪ ،‬االول ‪،‬‬ ‫للرئيس االحتادي‪ ،‬والثاني للمستشار‪ ،‬والثالث‬ ‫للحكومات االقليمية ‪ .‬بينما جاء املبحث‬ ‫الرابع للسلطة القضائية ووفق مطلبني ‪ ،‬االول‬ ‫لتنظيمها‪ ،‬والثاني إلختصاصاتها‪ ،‬واخيرا اخلامتة‬ ‫وقائمة املصادر ‪.‬‬ ‫املبحث االول‬ ‫القانون االساسي جلمهورية املانيا االحتادية‬ ‫يتوزع هذا املبحث على مطلبني نتناول بالبحث‬ ‫في األول نشأة القانون األساسي‪ ،‬وفي الثاني‬ ‫املبادئ األساسية فيه وعلى الوجه اآلتي‪:‬‬ ‫املطلب االول‬ ‫نشأة القانون االساسي‬ ‫لقد نشأت مشكالت كثيرة أثناء إعداد مشروع‬ ‫القانون األساسي ‪ ،‬منها مشكلة الوصول إلى‬ ‫حل وسط بني وجهتي نظر القائمتني بني األحزاب‬ ‫السياسية الكبرى وزعمائها‪ ،‬وإحدى وجهتي‬ ‫النظر هاتني تؤيد قيام حكومة مركزية واألخرى‬ ‫تؤيد قيام حكومة فيدرالية ‪ .‬فحزبا املسيحيني‬


‫الدميقراطي واملسيحي االجتماعي يؤيدان بصفة‬ ‫عامة النظام الفيدرالي الذي متيز بقيام مجلس‬ ‫تشريعي ثان يتكون من أعضاء من مجالس وزراء‬ ‫الواليات وله سلطات تشريعية مساوية متاما ً‬ ‫لسلطات اجمللس املنتخب انتخابا شعبيا ً عاما ً ‪،‬‬ ‫اما الدميقراطيون االشتراكيون فكانوا يفضلون‬ ‫قيام مجلس تشريعي أعلى ولكن على إن تكون‬ ‫سلطاته اقل من ذلك فال تكون له إال سلطة‬ ‫(الفيتو) على التشريعات التي يصدرها فيما‬ ‫بينها على مدى املركزية في تصريف الشؤون‬ ‫املالية‪.‬‬ ‫وقد بذل احلكام العسكريون الغربيون جهودا ً‬ ‫كبيرة ليحولوا دون الوصول إلى درجة عالية‬ ‫من املركزية ‪ ،‬وقدموا عدة مبادئ تتضمن قيام‬ ‫برملان من مجلسني ومتثيل الواليات فيه ‪ ،‬وحتديد‬ ‫سلطات احلكومة املركزية واحلد من سلطاتها‬ ‫املالية وتقييد إنشاء مصالح حكومية مركزية‬ ‫تتولى الشؤون اإلدارية في امليادين التي يكون‬ ‫فيها قيام احلكومات احمللية بالتنفيذ امرا ً ليس‬ ‫عملياً‪.‬‬ ‫وبنا ًء على ذلك‪ ،‬وفي األول من متوز ‪ ،1948‬وفي‬ ‫الواليات اخلاضعة لالحتالل الغربي ‪ ،‬أعطيت‬ ‫سلطة لرؤساء احلكومات في هذه الواليات‬ ‫والبالغ عددها إحدى عشرة والية لعقد جمعية‬ ‫تأسيسية لوضع مشروع دستور احتادي دميقراطي‪.‬‬ ‫واجتمعت اجملالس التشريعية للواليات الختيار‬ ‫مندوبيها إلى هذه اجلمعية التأسيسية والتي‬ ‫سميت باجمللس البرملاني ‪ ،‬وقاموا بتعيني عدد‬ ‫من اخلبراء الدستوريني لوضع مسودة القانون‬ ‫األساسي األملاني ‪ .‬ومن ثم اجتمع اجمللس البرملاني‬ ‫في األول من أيلول ‪ 1948‬في مدينة بون‪ ،‬والذي ضم‬ ‫(‪ )65‬مندوبا ً ميثلون املقاطعات الغربية ‪ ،‬وخمسة‬ ‫مندوبني عن برلني يشتركون في االجتماع بصفة‬ ‫استشارية دون إن يكون لهم حق التصويت‪.‬‬ ‫وبعد املداوالت واملناقشات التي أجريت في اجمللس‬ ‫حول املسائل اخلالفية ‪ ،‬ما بني أعضاء اجمللس‬

‫من جانب ‪ ،‬وما بينهم وبني احلكام العسكريني‬ ‫الغربيني من جانب آخر‪ ،‬اقر اجمللس البرملاني في‪8‬‬ ‫حزيران ‪ 1949‬مشروع القانون األساسي بأغلبية‬ ‫ثالثة وخمسني صوتا ضد اثني عشر صوتاً‪ .‬ومن‬ ‫ثم وافق احلكام العسكريون في ‪ 12‬حزيران من‬ ‫نفس العام موافقة مشروطة على املشروع‬ ‫وخاصة فيما يتعلق مبدى سلطة قوى األمن‬ ‫الداخلي التابعة للحكومة االحتادية ‪ ،‬ووضع‬ ‫برلني وصالحية التعديالت في احلدود الداخلية‬ ‫للمقاطعات ومسائل خالفية أخرى‪.‬‬ ‫ومن (‪ )21-18‬حزيران ‪ ،‬اجتمعت اجملالس التشريعية‬ ‫لألقاليم اإلحدى عشرة كل على إنفراد للتصديق‬ ‫على مشروع القانون األساسي وصادقت اجملالس‬ ‫التشريعية لألقاليم كلها على املشروع ‪ ،‬ما عدا‬ ‫اجمللس التشريعي في بافاريا‪ .‬وبعد ذلك ‪ ،‬وحتديدا ً‬ ‫في ‪ 23‬حزيران ‪ ، 1949‬اجتمع اجمللس البرملاني‬ ‫وأعلن التصديق على القانون األساسي ‪ ،‬وأصبح‬ ‫القانون نافذاً‪.‬‬ ‫وعليه فان الطريقة التي اتبعت لوضع وتصديق‬ ‫القانون األساسي جتسد املبدأ االحتادي ‪ ،‬وذلك‬ ‫بإشراك األقاليم في وضع الدستور واملصادقة‬ ‫عليه باختيارهم وحسب القواعد املرسومة في‬ ‫مشروع القانون املتفق عليها ‪ .‬إذ نصت املادة(‪)144‬‬ ‫من القانون األساسي على انه((يتطلب هذا‬ ‫القانون األساسي قبوال ً من ممثلي الشعب في‬ ‫ثلثي األقاليم األملانية التي سيسري مفعوله‬ ‫فيها أوال))‪.‬‬ ‫إذن وبعد التجربة املاضية التي عاشها الشعب‬ ‫األملاني بني ‪ ،1945 -1933‬في ظل حكومة مركزية‬ ‫يرأسها دكتاتور‪ ،‬اجته االهتمام األساسي لواضعي‬ ‫دستور أملانيا بعد احلرب العاملية الثانية نحو إقامة‬ ‫نظام فيدرالي مستقر يضمن عالقة متوازنة‬ ‫والتزام مببدأ املساواة بني السلطة الفيدرالية‬ ‫والواليات‪ .‬لذلك سعى واضعو الدستور لتحقيق‬ ‫حماية خاصة للنظام الفيدرالي ‪ ،‬وضمان عدم‬ ‫إجراء أي تغيير أو تعديل في الدستور يؤثر على‬ ‫‪21‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪22‬‬

‫تقسيم الواليات الفيدرالية وعلى مشاركة‬ ‫الواليات في العملية التشريعية ‪ ،‬ويقع على‬ ‫عاتق احملكمة الدستورية االحتادية التي تعتبر‬ ‫أعلى سلطة مسؤولة عن تفسير الدستور ‪،‬‬ ‫التأكد من عدم انتهاك هذه املبادئ‪ .‬ومع ذلك‬ ‫فهذا التقنني ال يضمن دميومة عدد وحجم‬ ‫الواليات التي قامت في أملانيا الغربية بعد عام‬ ‫‪ ،1949‬فقد يحصل إعادة توزيع داخل اجلمهورية‬ ‫االحتادية ‪ ،‬وألن الترتيب الذي مت للواليات ال يتفق‬ ‫مع التطور التاريخي‪ ،‬بل هو نتاج فرضته وضعية‬ ‫املناطق لتي خضعت الحتالل احللفاء بعد عام‬ ‫‪.1945‬‬ ‫وقد أشار الدستور صراحة إلى إمكانية إعادة‬ ‫توزيع األقاليم الفيدرالية شريطة موافقة‬ ‫الواليات التي ترتبت بعد عام ‪ ،1949‬والتي تتألف‬ ‫من (‪ )11‬إقليم (‪ ، )Lander‬وبعد إعادة توحيد‬ ‫أملانيا عام ‪ ، 1990‬التحقت بها خمسة أقاليم‬ ‫جديدة (أملانيا الشرقية)‬ ‫وقد أشار الدستور بالتفصيل إلى تنظيم‬ ‫وتقسيم السلطة بني احلكومة االحتادية والواليات‬ ‫‪ ،‬فكما هو احلال في األنظمة الفيدرالية األخرى‬ ‫ليس للواليات سيادة في مواضيع خارج االحتاد‬ ‫‪ ،‬كالسياسة اخلارجية والدفاع‪ ،‬وفيما يخص‬ ‫الشؤون املالية‪ ،‬فمن املبادئ األساسية للدستور‬ ‫هو إن احلكومة االحتادية واألقاليم املستقلة‬ ‫عن بعضها في مجال اإلدارة املالية‪ ،‬فيتم توزيع‬ ‫العوائد وفقا ً للتكاليف احملتملة للرسوم التي‬ ‫تفرضها احلكومة االحتادية أو األقاليم ‪ ،‬والوسائل‬ ‫اخملتلفة لغرض الضرائب تتوالها السلطات‬ ‫االحتادية وسلطات األقاليم بشكل منفصل‪.‬‬ ‫إن ميول املركزية هي صاحبة اليد العليا فيما‬ ‫يخص السلطات التشريعية نتيجة للحالة‬ ‫امللحة للتوحيد املعياري في مجاالت عديدة‬ ‫وواسعة ‪ ،‬مع ذلك فان هناك قضايا مهمة‬ ‫مثل الشؤون الثقافية والشرطة وتخطيط‬ ‫التنمية اإلقليمية تركت بشكل كامل وتام حتت‬

‫تصرف األقاليم ‪ .‬هنا جند فرصة أصيلة لتطوير‬ ‫مبادرة مستقلة لتعاون األقاليم فيما بينها‬ ‫في إصدار التشريعات‪ .‬وعندما تأتي إلى اإلدارة‬ ‫فالوضع يختلف ‪ ،‬فالسلطة اإلدارية التي تنتمي‬ ‫للحكومة االحتادية ال تتواجد إال في مجاالت‬ ‫محدودة مثل مكتب اخلارجية والدفاع وسلطة‬ ‫البريد والسكك احلديدية االحتادية‪ ،‬وغالبية‬ ‫الوظائف التي تقرر مبوجب التشريع الفيدرالي‬ ‫تنفذها األقاليم بنفسها‪ .‬وقد ثبت جناح هذا‬ ‫النظام عمليا‪ ،‬فاالختصاص اإلداري الواسع مكن‬ ‫األقاليم من توجيه اهتمامها حيثما تريد ضمن‬ ‫احلدود التي وضعها القانون الفيدرالي ‪ ،‬وينطبق‬ ‫هذا التنظيم أيضا ً على احملاكم ‪ ،‬فبإستثناء‬ ‫القليل من اإلختصاصات التي تتمتع بها احملاكم‬ ‫الفيدرالية العليا‪ ،‬تتمتع احملاكم في األقاليم‬ ‫بوالية قضائية واسعة‪ .‬ومن األمور املهمة‬ ‫في إطار البنية الفيدرالية في أملانيا هو املبدأ‬ ‫الدستوري املعروف (الوالء الفيدرالي ‪Bundes‬‬ ‫‪ )treue‬وأهميته إن احلكومة االحتادية واألقاليم‬ ‫ملزمان بشكل متبادل ومبوجب الدستور باحترام‬ ‫مصالح احدهما اآلخر عند تنفيذ واجباته‪ .‬مثالً‬ ‫إن األقاليم بحكم سلطتها الواسعة غالبا ً ما‬ ‫امتلكت الفرصة إلحباط إجراءات تشريعية‬ ‫كانت احلكومة االحتادية حتاول متريرها‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫املبادئ االساسية‬ ‫ومن املبادئ األساسية التي تنطوي عليها‬ ‫الفيدرالية األملانية هو ( الوحدة والتنوع ) هذا‬ ‫املبدأ اقره الدستور كمبدأ ال راجعة عنه في‬ ‫(الفقرة ‪ 3‬من املادة ‪ )79‬من القانون األساسي‬ ‫‪ .‬لكن ذلك ال يعني عدم وجود حاجة للتفكير‬ ‫مبعنى وهدف الفيدرالية‪ ،‬بل سيكون شيء‬ ‫مضر للفكرة إن نعتقد إن الفيدرالية غير قابلة‬ ‫للتعديل‪.‬‬ ‫إن اجمللس البرملاني الذي صاغ القانون األساسي‬ ‫كدستور في جمهورية أملانيا االحتادية ‪ ،‬مال‬


‫لصالح املبدأ الفيدرالي عام ‪ ،1949‬كونه أضاف‬ ‫إلى التقسيم الكالسيكي للسلطة بني‬ ‫الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية‬ ‫(التوزيع االفقي للسلطة) توزيعا ً اعمق للسلطة‬ ‫السياسية بني احلكومة الفيدرالية واألقاليم‬ ‫(التوزيع العمودي) وهذا التوزيع املزدوج للسلطة‬ ‫ميكن إن يشكل وسيلة فعالة ملنع إساءة‬ ‫استخدامها ‪ .‬وعلى أي حال ليس هناك شكل‬ ‫كامل للدولة‪ ،‬إذ توجد هناك على الدوام ايجابيات‬ ‫وسلبيات‪.‬‬ ‫ومن املبادئ الدستورية للفيدرالية األملانية على‬ ‫صعيد احلكومة العامة ‪ ،‬أن يتم انتخاب الرئيس‬ ‫االحتادي من قبل هيئة انتخابية ملدة خمس‬ ‫سنوات وميكن إعادة انتخابه وهو ميثل اجلمهورية‬ ‫الفيدرالية في العالقات الدولية‪ .‬وتتألف الهيئة‬ ‫االنتخابية (والتي ال جتتمع إال النتخاب الرئيس)‬ ‫من أعضاء تنتخبهم الهيئات التشريعية في‬ ‫األقاليم وفقا ً لنظام متثيلي يشبه التمثيل‬ ‫النسبي‪.‬‬ ‫وتتجسد السلطة التشريعية لالحتاد في جمعية‬ ‫فيدرالية تتألف من البوندستاغ (مجلس النواب)‬ ‫والبوندسرات (اجمللس االحتادي)‪ .‬والسلطات‬ ‫التشريعية األساسية تكمن في البوندستاغ‬ ‫باعتباره اجمللس الذي ميثل الشعب‪ ،‬اذ يتم‬ ‫انتخاب (‪ )623‬من مجموع أعضاء البوندستاغ‬ ‫وهم (‪ )645‬بعد إضافة (‪ )144‬من الفولكس كامر‬ ‫(‪ )volks-kammer‬أي األقاليم الشرقية ألملانيا في‬ ‫‪ 3‬تشرين األول ‪ . 1990‬وهذا االنتخاب يتم مبوجب‬ ‫نظام ميزج بني التصويت النسبي واملباشر ملدة‬ ‫أربع سنوات أما األعضاء (‪ )22‬الباقني‪ ،‬فأنهم‬ ‫ميثلون برلني وليس لديهم سوى حقوق تصويت‬ ‫محدودة ‪ ،‬والسيطرة السياسية في البوندستاغ‬ ‫تقرر من يكون املستشار ويشكل احلكومة‪.‬‬ ‫كما تضمن الدستور في فصله األول في مواده‬ ‫التسعة عشر األولى على احلقوق األساسية ‪ .‬وان‬ ‫وضع هذه احلقوق في مقدمة الدستور وصدارته‬

‫ليس من األعمال الشكلية أو الظاهرية ‪ ،‬بل هو‬ ‫تعبير وتأكيد حلقيقة إن الدولة قائمة بإرادة الناس‬ ‫وليس العكس ‪ ،‬وان عمل الدولة خلدمة اجملتمع ‪.‬‬ ‫ومن بني احلقوق األساسية‪ ،‬حق احلرية مثل حرية‬ ‫العقيدة والضمير والرأي والتجمع واالنتقال‪،‬‬ ‫وحرية الصحافة واإلعالم ‪ ،‬وحرية مزاولة املهنة‬ ‫‪ ،‬وما يتعلق باخلدمة العسكرية ‪ ،‬وحق امللكية‬ ‫وحرمة السكن وحق اللجوء ‪ ،‬واملساواة أمام‬ ‫القانون ‪ ،‬واملساواة بني الرجال والنساء‪ ،‬وكل ما‬ ‫يتعلق باحلريات العامة والشخصية واحلق في‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫وبشكل عام ‪ ،‬فان الدستور األملاني يرسم حدودا ً‬ ‫للتشريع القانوني ضمن اإلطار الدستوري ‪،‬‬ ‫كما يلزم إدارة الدولة باحلق والقانون ‪ .‬وحتتل‬ ‫الفقرة األولى من الدستور مكانة خاصة ملا‬ ‫تنص عليه من احترام كرامة اإلنسان ((ال يجوز‬ ‫املساس بكرامة اإلنسان وتلتزم الدولة بكافة‬ ‫مؤسساتها باحترامها وحمايتها)) ‪ .‬وتضمن‬ ‫احلقوق األساسية ايضا ً امورا ً أخرى مثل حرية‬ ‫التجارة في إطار القوانني‪ ،‬واملساواة بني الناس‬ ‫امام القانون وحرية اجلمعيات وحماية األسرة‪.‬‬ ‫اما حقيقة إن الشعب ميارس السلطة من‬ ‫خالل مؤسسات مختلفة ‪ ،‬فهي تتواكب مع‬ ‫نص الدستور على طريقة احلكم املعتمدة على‬ ‫التمثيل الدميقراطي ‪ .‬كما انها تبني إن أملانيا‬ ‫احتادية ‪ ،‬تكون فيها كافة تصرفات اجلهات‬ ‫احلكومية موافقة للقانون‪ ،‬وتخضع لرقابة‬ ‫القضاء‪.‬‬ ‫وميكننا القول إن النظام الفيدرالي األملاني‬ ‫يتضمن تقسيما ً منسقا ً للسلطات بني احلكومة‬ ‫املركزية وحكومات األقاليم التي تتمتع كل في‬ ‫اقليمها باالستقالل وتتساوى في السيادة‪.‬‬ ‫وهناك مستويان للحكم مستوى احلكومة‬ ‫املركزية واحلكومة اإلقليمية – كل منهما‬ ‫يرتكز على إجراءات دستورية حتدد اختصاصه‬ ‫وال يعتمد أي منهما على اآلخر ‪ ،‬وال يكون أي‬ ‫‪23‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪24‬‬

‫منهما اداة في يد اآلخر ومن املالمح األساسية‬ ‫للنظام الفيدرالي األملاني تلك العالقة بني‬ ‫الدولة والواليات والسلطة التنفيذية والسلطة‬ ‫التشريعية ‪ ،‬فاحلكومة الفيدرالية متشيا ً مع‬ ‫التقاليد األملانية‪ -‬هي التي تتمتع بالنصيب‬ ‫األكبر من سلطة التشريع ‪ ،‬وبينما قد جند نطاق‬ ‫السلطات الفيدرالية التنفيذية محدودا ً أو‬ ‫مقيدا ً ‪ ،‬جند إن نطاق السلطات املشتركة التي‬ ‫ميكن إن تباشرها احلكومة الفيدرالية واسع‬ ‫والسلطات املنصوص عليها للواليات في هذا‬ ‫النطاق محدودة ‪ ،‬ومن ناحية أخرى فان اجلانب‬ ‫األكبر من املسؤولية اإلدارية متروك للواليات في‬ ‫ظل التوجيه واإلشراف الفيدرالي‪.‬‬ ‫لقد كان الهدف من (القانون األساسي) إيجاد‬ ‫نظام سياسي ميكن إن يخدم اجلمهورية‬ ‫الفيدرالية بشكل مؤقت إلى إن يتم توحيد‬ ‫شطري البالد وتؤكد مقدمة القانون األساسي‬ ‫هذا املقصد ((إلعطاء نظام جديد للحياة‬ ‫السياسية خالل فترة انتقالية)) ‪ .‬وتتطلع املادة‬ ‫األخيرة منه إلى إعادة توحيد أملانيا بشكل نهائي‬ ‫في ظل نظام سياسي جديد ((ينتهي العمل‬ ‫بهذا القانون األساسي في اليوم الذي يبدأ فيه‬ ‫سريان الدستور الذي يتبناه القرار احلر للشعب‬ ‫االملاني))‪ .‬وقد كان هدف الدستور إقامة نظام‬ ‫سياسي دميقراطي فعال ومستقر ‪ ،‬واحلفاظ على‬ ‫االستمرارية التاريخية للمؤسسات السياسية‪،‬‬ ‫فكان شكل النظام برملانيا ً فيدراليا ً ‪ .‬فضالً عن‬ ‫ذلك كان الهدف جتنب الضعف املؤسساتي‬ ‫وإقامة خطوط واضحة للسلطات واملسؤوليات‬ ‫السياسية لتجنب إساءة استخدام السلطة‬ ‫كما حصل في الرايخ الثالث‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫السلطة التشريعية‬ ‫إحدى خصائص الدولة الفيدرالية هي ثنائية‬ ‫السلطة السياسية‪ ،‬والتي تنتج عن توزيع‬ ‫االختصاصات الدستورية ما بني احلكومة‬

‫االحتادية واحلكومات اإلقليمية ‪ .‬ومتارس السلطة‬ ‫السياسية في الدولة الفيدرالية من قبل‬ ‫سلطتني ‪ ،‬االحتادية واالقليمية ‪ ،‬اذ تختص كل‬ ‫منهما بجزء من السلطة السياسية حسب‬ ‫االختصاصات الدستورية املفوضة لها ووفقا ً‬ ‫للطريقة التي يتبناها الدستور الفيدرالي لتوزيع‬ ‫االختصاصات‪ .‬ويتم تنظيم السلطة اإلقليمية‬ ‫بفروعها الثالثة‪ :‬التشريعية والتنفيذية‬ ‫والقضائية مبوجب دستور كل إقليم‪ .‬اذ متارس هذه‬ ‫السلطة االختصاصات الدستورية املفوضة لها‬ ‫مبوجب الدستور الفيدرالي داخل االقليم ‪ .‬ويتم‬ ‫تنظيم السلطة االحتادية بالدستور الفيدرالي‪،‬‬ ‫التي متارس اختصاصاتها الدستورية على كل‬ ‫إقليم الدولة الفيدرالية ‪ ،‬وبصورة مباشرة على‬ ‫كل املواطنني بدون استثناء ودون األخذ باالعتبار‬ ‫مكان اقامتهم في أية والية أو إقليم داخل الدولة‪،‬‬ ‫وتتمتع هذه السلطة بالسيادة الكاملة من‬ ‫الناحية اخلارجية وبصالحيات ذات أهمية قصوى‬ ‫من الناحية الداخلية للدولة‪ .‬وعلى هذا األساس‬ ‫‪ ،‬تتم ممارسة هذه السيادة من خالل السلطات‬ ‫االحتادية التشريعية والتنفيذية القضائية‪.‬‬ ‫وتتكون السلطة التشريعية والتي تتجسد‬ ‫بالبرملان االحتادي من مجلسني هما ‪ ،‬مجلس‬ ‫النواب االحتادي(البوندستاغ) واجمللس االحتادي‬ ‫(البوندسرات)‪ ،‬وتناط مهمة وضع القوانني‬ ‫االحتادية بهذين اجمللسني ‪ .‬ولكن يختلف اجمللسان‬ ‫من حيث القيام بالوظائف التي تناط بالبرملان‬ ‫الفيدرالي في النظام السياسي األملاني‪ .‬إن‬ ‫عالقة اجمللسني بالسلطة التنفيذية يحدد‬ ‫املركز القانوني لكالهما في صوب ممارستهما‬ ‫لالختصاصات الدستورية والقيام باملهام التي‬ ‫تناط بهما في ظل النظام السياسي القائم ‪.‬‬ ‫وفيما يخص مجلسي البرملان (مجلس النواب‬ ‫االحتادي واجمللس االحتادي) ‪ ،‬فقد عد القانون‬ ‫األساسي كل منهما وحدة دستورية مستقلة‪،‬‬ ‫بحيث قد ميارس احدهما صالحيات دستورية‬


‫مختلفة عن اآلخر ‪ ،‬وهذا ما يعطيه مركزا ً‬ ‫دستوريا ً أقوى من اآلخر‪.‬‬ ‫املطلب االول‬ ‫مجلس النواب االحتادي (البوندستاغ)‬ ‫مجلس النواب أو ما يسمى باجمللس األدنى‪ ،‬ويعد‬ ‫هذا اجمللس من الناحية النظرية ‪ ،‬جهاز احلكم‬ ‫املركزي في أملانيا‪ ،‬ويتم انتخاب أعضاء اجمللس عن‬ ‫طريق (االقتراع العام املباشر احلر السري) لكل‬ ‫من بلغ احلادية والعشرين من عمره‪ ،‬ويشترط في‬ ‫املرشح إال يقل عمره عن اخلامسة والعشرين‪.‬‬ ‫وينتخب اجمللس النيابي ملدة أربع سنوات مع‬ ‫مراعاة احملددات الالحقة ‪ ،‬وتنتهي دورة اجمللس‬ ‫االنتخابية مبجرد اجتماع النيابي اجلديد‪ ،‬وجتري‬ ‫االنتخابات اجلديدة بعد مدة أدناها ستة وأربعني‬ ‫شهرا ً ‪ ،‬وأقصاها ثمانية وأربعني شهرا ً من بدء‬ ‫الدورة االنتخابية ‪ .‬وفي حال ما مت حل اجمللس‬ ‫النيابي ينبغي إن جتري االنتخابات خالل ستني‬ ‫يوما ً من تاريخ حله‪ .‬ويجتمع اجمللس خالل مدة‬ ‫أقصاها ثالثني يوما ً بعد االنتخابات ويقرر مجلس‬ ‫النواب بنفسه انهاء وبدء جلساته ‪ ،‬كما‬ ‫يستطيع رئيس اجمللس إن يدعو إلى االجتماع‬ ‫ملوعد مبكر ‪ ،‬ويكون الرئيس ملزما ً بذلك إذا وجه‬ ‫اليه الطلب من قبل ثلث أعضاء اجمللس أو من‬ ‫قبل رئيس اجلمهورية أو املستشار‪.‬‬ ‫وجتدر اإلشارة إلى إن النظام االنتخابي في أملانيا‬ ‫له طبيعة خاصة حيث يتم شغل نصف مقاعد‬ ‫مجلس النواب من خالل االنتخابات جتري على‬ ‫مستوى الدوائر الفردية باألغلبية البسيطة‬ ‫أو النسبية‪ .‬اما النصف اآلخر فيتم اختياره‬ ‫على أساس قوائم حزبية على مستوى الوالية‬ ‫وبالتمثيل النسبي‪ .‬وكان قانون األحزاب السائد‬ ‫في أملانيا االحتادية يحول دون متثيل األحزاب التي‬ ‫حتصل على اقل من ‪ %5‬من اجمالي األصوات‬ ‫على املستوى القومي ‪ .‬وقبل إعالن قيام الوحدة‬ ‫اقر البرملان املوحد هذه النسبة ورفض اقتراحا ً‬ ‫بخفضها إلى ‪ %3‬تقدمت به بعض األحزاب‬

‫الصغيرة وخاصة الشرقية‪ .‬فقامت هذه األحزاب‬ ‫برفع دعوى امام احملكمة الدستورية تطالب‬ ‫ببطالن هذا القانون على أساس انه ال يتيح‬ ‫امامهم فرص متساوية للتنافس مع األحزاب‬ ‫األخرى‪ .‬وقبل يومني فقط من إعالن قيام الوحدة‬ ‫بني شطري أملانيا حكمت احملكمة الدستورية في‬ ‫هذه الدعوى بعدم دستورية قانون االنتخاب الذي‬ ‫ستجري في ظله أول انتخابات تشريعية حرة في‬ ‫أملانيا املوحدة بسبب الظروف االستثنائية لوضع‬ ‫بعض األحزاب في أملانيا الشرقية سابقاً‪ ،‬وقد أدى‬ ‫هذا احلكم إلى تعديل قانون االنتخاب ‪ .‬وابقى‬ ‫هذا التعديل على نسبة احلد االدنى كما هي‬ ‫ولكنه قسم أملانيا إلى منطقتني انتخابيتني ‪،‬‬ ‫ومن ثم سمح هذا التعديل لبعض األحزاب التي‬ ‫لم تتمكن من احلصول على ‪ %5‬على مستوى‬ ‫أملانيا كلها من احلصول على مقاعد في اجمللس‬ ‫النيابي في أول انتخابات جتري في أملانيا املوحدة‬ ‫في ‪ 2‬أيلول ‪.1990‬‬ ‫وينتخب البوندستاغ رئيسه وثالثة نواب للرئيس‪،‬‬ ‫وعددا ً من السكرتيرين من بني اعضائه ويكون‬ ‫انتخابهم باالقتراع السري املباشر‪ ،‬ويشترط‬ ‫إن يكون رئيس البوندستاغ من أعضاء أقوى‬ ‫األحزاب السياسية في اجمللس ‪ .‬ومن أقوى هيئات‬ ‫البوندستاغ (مجلس الكبار) إذ يضم عشرين‬ ‫عضوا ً من بينهم رئيس اجمللس ونوابه وزعماء‬ ‫الفئات احلزبية املعترف بها رسميا ً ‪ ،‬وهو جلنة‬ ‫دائمة وتوجيهية تقدم املشورة لرئيس اجمللس‬ ‫فيما يتعلق بسير العمليات التشريعية ‪ ،‬ويختار‬ ‫رؤساء اللجان‪ ،‬ويوافق البوندستاغ عادة على‬ ‫توصيات مجلس الكبار فيما يتعلق بتحديد مدة‬ ‫املناقشة لبعض القوانني‪.‬‬ ‫كما إن هناك عديد من اللجان الدائمة التي‬ ‫تشكل في مجلس النواب مبوجب القانون‬ ‫األساسي منها‪ ،‬جلان التحقيق‪ ،‬وجلنة شؤون‬ ‫االحتاد األوربي وجلان شؤون اخلارجية والدفاع‪،‬‬ ‫وكذلك ميكن من خالل القانون األساسي إن يعني‬ ‫‪25‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪26‬‬

‫مجلس النواب مفوضا ً للشؤون العسكرية‬ ‫للمساعدة في إطار ممارسته للرقابة البرملانية‪،‬‬ ‫وتشكيل جلنة االلتماس للبحث في الطلبات‬ ‫والشكاوي التي تقدم للمجلس‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ذلك هناك جلان موضوعية دائمة‬ ‫ميثلها مختلف اجلماعات احلزبية على أساس‬ ‫التمثيل النسبي ‪ .‬وتنتخب كل جلنة رئيسها‪،‬‬ ‫ويساعده مساعد أخصائي من موظفي‬ ‫البوندستاغ‪ ،‬وغالبا ً ما يكون أعضاء اللجنة من‬ ‫اخلبراء في ميدان اختصاصها ‪ ،‬ومداوالت اللجان‬ ‫عادة ليست علنية أي ال يحضرها اجلمهور وال‬ ‫ممثلوا الصحافة ‪ ،‬على إن القانون األساسي‬ ‫يعطي أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء البوندسرات‬ ‫أو من ميثلهم ‪ ،‬حق حضور جلسات اللجان ‪.‬‬ ‫وهذه اللجان تعالج ميادين التشريع الرئيسية‬ ‫‪ ،‬كالشؤون الثقافية ‪ ،‬الدفاع ‪ ،‬االقتصادية ‪،‬‬ ‫االغذية ‪ ،‬الزراعة‪ ،‬العالقات اخلارجية‪ ،‬الصحة ‪،‬‬ ‫الشؤون الداخلية‪ ،‬العمل‪ ،‬الشؤون التشريعية‪،‬‬ ‫املالية العامة‪ ،‬الشؤون االجتماعية ‪ ،‬النقل‬ ‫واملواصالت ‪....‬الخ‪.‬‬ ‫وما جتدر االشارة اليه هو إن اللجان البرملانية‬ ‫الدائمة تتولى مهمة الرقابة والتشريع ‪ ،‬عن‬ ‫طريق االهتمام باملوضوعات األساسية ‪ ،‬ويتم‬ ‫توزيع رئاسة اللجان على حسب عدد املقاعد‬ ‫التي يحوزها كل حزب ‪ .‬كما يقوم البوندستاغ‬ ‫بانتخاب جلنة دائمة للتحقيقات يكون لها احلق‬ ‫في استدعاء الوزراء أمامها وفحص االنتقادات‬ ‫املوجهة إلى احلكومة ‪ ،‬وان جلنة التحقيق‬ ‫تتشكل بعد تقدمي مذكرة اقتراح من ربع النواب‬ ‫على األقل‪.‬‬ ‫إن املهمة الرئيسية للبوندستاغ‬ ‫ ‬ ‫هي سن التشريعات ‪ ،‬ويجب إن حتظى جميع‬ ‫التشريعات الفيدرالية على موافقته ‪ .‬لكن‬ ‫املبادرة في اقتراح التشريعات تبقى في يد‬ ‫السلطة التنفيذية ‪ ،‬ويركز البوندستاغ على‬ ‫تقييم البرنامج التشريعي للحكومة وتعديله ‪.‬‬

‫ومن وظائفه األخرى تأمني منبر للنقاش العلني ‪.‬‬ ‫فاجللسات العامة في البرملان تبحث التشريعات‬ ‫قبل عرضها على الهيئة التشريعية ‪ .‬ويتاح‬ ‫جلميع فئات األحزاب وقت للمناقشة ‪ ،‬كل فئة‬ ‫حسب حجمها‪ .‬ويشارك في املناقشات قادة‬ ‫األحزاب ونواب الصفوف اخللفية ‪ .‬ونظرا ً الن‬ ‫أعضاء احلزب يكونون قد اختاروا فعالً ووافقوا‬ ‫على موقفهم التصويتي‪ ،‬فان هذه اجللسات‬ ‫املفتوحة تفيد كوسيلة للتعبير عن وجهات‬ ‫احلزب بشكل علني‪.‬‬ ‫كما يدقق البوندستاغ في اعمال احلكومة في‬ ‫القضايا السياسية واإلدارية ‪ ،‬واكثر الوسائل‬ ‫املستخدمة لذلك هي (ساعة االسئلة‬ ‫‪ )Question Hour‬حيث يحق لكل نائب إن يتقدم‬ ‫بسؤال مكتوب إلى احد وزراء احلكومة ‪ ،‬وتتراوح‬ ‫االسئلة ما بني قضايا سياسية عامة إلى‬ ‫موضوع محدود يهم احد الناخبني‪ .‬وتتم االجابة‬ ‫على هذه التساؤالت من قبل ممثل احلكومة خالل‬ ‫ساعة االسئلة ‪ ،‬وميكن للنواب إن يثيروا أسئلة‬ ‫تكميلية خالل اإلجابة‪ .‬وميكن ايضا ً جملموعات‬ ‫من النواب ايضا ً التقدم بأسئلة مكتوبة إلى‬ ‫احلكومة والتي تتطلب اجابات رسمية شفهية‬ ‫أو حتريرية ‪ .‬باإلضافة إلى هذه األسئلة الرسمية‬ ‫‪ ،‬ميكن للنواب اجراء نقاش خاص حول مسألة‬ ‫سياسية قائمة ‪ .‬وكما جتري جلان البوندستاغ‬ ‫جلسات استماع خاصة لتقصي اعمال احلكومة‬ ‫‪ ،‬كل جلنة في مجال اختصاصها‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫البوندسرات‬ ‫وهو اجمللس الثاني في البرملان ويسمى ايضا ً‬ ‫(اجمللس االعلى)‪ ،‬ويتالف من أعضاء حكومات‬ ‫األقاليم والواليات ‪ ،‬فإمتالك العضو ملقعد أو دور‬ ‫في حكومة االقليم والوالية هو شرط اساسي‬ ‫للعضوية في هذا اجمللس ‪ ،‬وحكومات األقاليم‬ ‫والواليات هي التي تقرر من هم األعضاء الذين‬ ‫ترسلهم إلى البوندسرات وميكن لكل إقليم‬


‫إن يعني عدد من األعضاء يساوي عدد األصوات‬ ‫التي لديه في البوندسرات ‪ .‬ومبا إن أعضاء هذا‬ ‫اجمللس غير منتخبني فإنه ال ميتلك الشروط‬ ‫التشريعية(هو هيئة دائمة تتغير مع االنتخابات‬ ‫االقليمية) ويعني إن انتخابات األقاليم التي‬ ‫تقام في اوقات مختلفة يكون لها اثر سياسي‬ ‫على مستوى األمة األملانية ‪ ،‬ألنه عندما يقوم‬ ‫الناخبون في إقليم ما بتحديد تركيبة جمعية‬ ‫ووزارة االقليم والوالية‪ ،‬فانهم بالتالي يقررون‬ ‫بشكل غير مباشر من ميثلهم في البوندسرات‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى ‪ ،‬إن هذا اجمللس الذي يتكون من‬ ‫أعضاء في حكومات األقاليم والواليات االحتادية‬ ‫وهم عادة وزراء في حكومات الواليات واألقاليم‪،‬‬ ‫فان حكوماتهم هي التي تقوم بتعيينهم‬ ‫وسحب عضويتهم ‪ .‬كما ميكن العضاء آخرين‬ ‫إن ينوبوا عنهم مبوافقة تلك احلكومات وبذلك‬ ‫فان األخيرة هي التي تسيطر على هذا اجمللس‪،‬‬ ‫علما إن أعضاء اجمللس خاضعني للتوصيات‬ ‫واألوامر التي توجه اليهم من قبل حكوماتهم ‪.‬‬ ‫ومن خالل ذلك وعبر األدوار التي يقوم بها اجمللس‬ ‫االحتادي تشارك األقاليم والواليات في العملية‬ ‫التشريعية واإلدارية االحتادية وفي صنع القرار‪.‬‬ ‫وبذلك تكون هناك خاصية ينفرد بها هذا‬ ‫النظام‪ ،‬وهي إن العضاء البوندسرات صفة‬ ‫تشريعية وكذلك صفة تنفيذية ‪ ،‬فمن ناحية‬ ‫يشاركون في اقرار تشريعات اجلمهورية االحتادية‬ ‫ووضع القوانني االحتادية بوصفهم أعضاء في‬ ‫اجمللس التشريعي ‪ ،‬ومن ناحية أخرى هم أعضاء‬ ‫في الهيئة التنفيذية في والياتهم ومسؤولني‬ ‫عن تنفيذ القوانني االحتادية ‪ ،‬ولذلك فانهم عند‬ ‫بحث املقترحات التشريعية الفيدرالية يعنون‬ ‫بالناحية التطبيقية من القانون عناية أكثر مما‬ ‫لو كانوا مجرد أعضاء في الهيئة التشريعية‬ ‫فقط‪.‬‬ ‫ويعتمد عدد األصوات التي يتمتع بها االقليم‬ ‫في اجمللس على حجم السكان ‪ ،‬اذ ليس هناك‬

‫إقليم لديه اقل من ثالثة أصوات وال أكثر من ستة‬ ‫أصوات ‪ ،‬حيث إن االقليم الذي يسكنه (‪)6-2‬‬ ‫مليون لديه أربعة أصوات ‪ )7-6( ،‬مليون لديه‬ ‫خمسة أصوات ‪ ،‬أكثر من ذلك لديه ستة أصوات‪.‬‬ ‫ويضم البوندسرات (‪ )69‬عضوا ‪ ،‬وبالتالي نفس‬ ‫عدد األصوات واالغلبية تتحقق ب(‪ )35‬صوت‬ ‫واغلبية الثلثني (‪ )46‬صوت وهي ضرورية لتحقيق‬ ‫التعديالت الدستورية و أصوات كل إقليم يجب‬ ‫إن تقدم كتلة واحدة (نعم‪ ،‬ال ‪ ،‬امتناع) أي ال تؤخذ‬ ‫األصوات بشكل منفرد‪ ،‬وبالتالي على حكومة‬ ‫كل إقليم إن تتوصل إلى اتفاق حول القضية‬ ‫املعروضة قبل التصويت ‪ ،‬وهناك عضو واحد‬ ‫ممثل عن كل إقليم ميثل أصوات اقرانه‪.‬‬ ‫وسيرا ًمع التقاليد الدستورية األملانية‪ ،‬فأن أعضاء‬ ‫البوندسرات لهم مكانة خاصة‪ ،‬إذ ميكنهم‬ ‫حضور جلسات البوندستاغ أو جلانه ولهم حق‬ ‫احلديث ‪ ،‬اما أعضاء البوندستاغ فال يستطيعون‬ ‫حضور جلسات البوندسرات‪ .‬وال يسمح اجلمع‬ ‫بني العضوية في البوندسرات والبوندستاغ ‪ ،‬وإذا‬ ‫ما مت انتخاب عضو البوندسرات في البوندستاغ‪،‬‬ ‫فعليه إن يعلن إلى رئيس البوندسرات باملوقع‬ ‫الذي يريده‪ ،‬اما رئاسة اجمللس ‪ ،‬فلإلقليم حق‬ ‫متساو فيها‪ ،‬وفي كل عام ينتخب رئيس وزراء‬ ‫إقليم كرئيس لهذا اجمللس ‪ ،‬والنظام الذي يحصل‬ ‫فيه ذلك يتحدد على أساس سكان االقليم اذ‬ ‫تبدأ الدورة برئاسة االقليم األكثر سكانا ‪ ،‬ويعني‬ ‫ذلك إن كل إقليم سيتولى الرئاسة كل (‪)16‬‬ ‫عام والذي يحتل هذا املنصب ال يتحدد على‬ ‫أساس االغلبيات املتغيرة واالعتبارات السياسية‬ ‫احلزبية‪ .‬فالشخص املنتخب يتولى املوقع‬ ‫باإلضافة إلى منصبه األصلي كرئيس لالقليم‪،‬‬ ‫ومهمته األساسية عقد ورئاسة اجللسات‬ ‫وباملعنى القانوني ميثل جمهورية أملانيا في كل‬ ‫القضايا املتعلقة بالبوندسرات ‪ ،‬ويساعده ثالثة‬ ‫نواب يقدمون له االستشارة في تنفيذ الواجبات‬ ‫وينوبون عنه في غيابه ‪ .‬وان القانون األساسي‬ ‫‪27‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪28‬‬

‫مينح رئيس البوندسرات وضع خاص‪ ،‬فهو يتولى‬ ‫سلطة الرئيس االحتادي إذا لم يتمكن األخير‬ ‫من أداء مهمته (أي يعمل كرئيس للدولة)‪ ،‬وهو‬ ‫مسؤول عن توقيع اللوائح واعالنها وتعيني وصرف‬ ‫املوظفني وتقدمي االوسمة ‪...‬الخ‪ .‬وفي البروتوكول‬ ‫احلكومي يشار إلى رئيس البوندسرات بالشخص‬ ‫الثاني في احلكومة االحتادية بعد الرئيس االحتادي ‪،‬‬ ‫ولكن ال يوجد بروتوكول واضح في أملانيا‪ .‬واجمللس‬ ‫يجتمع دوريا ً كل ثالثة اسابيع في برلني ويجلس‬ ‫األعضاء في القاعة على شكل ستة عشر‬ ‫مجموعة حسب اقاليمهم وترتيبها االبجدي‪،‬‬ ‫وال توجد هناك مجموعات حزبية ‪ ،‬والقرارات‬ ‫تتخذ باالغلبية (‪ )35‬صوتا‪ ،‬وال يوجد اقتراع سري‪،‬‬ ‫واجللسات ممكن إن تكون معلنة والتصويت يتم‬ ‫برفع االيادي‪.‬‬ ‫ويتألف اجمللس من جلان دائمة تقدم‬ ‫ ‬ ‫التوصيات له ومجاالتها تتطابق مع املسؤوليات‬ ‫الوزارية ‪ .‬وخبرة احلكومة االحتادية تكتمل بخبرة‬ ‫البوندسرات وخبرة األقاليم ‪ ،‬وكل إقليم لديه‬ ‫عضو واحد وصوت واحد في كل جلنة والتي‬ ‫تكون اجتماعاتها غير معلنة واللجان هي ‪:‬‬ ‫الشؤون اخلارجية ‪،‬الدفاع ‪ ،‬الصحة ‪ ،‬التنمية‬ ‫املدنية‪ ،‬واالسكان والتخطيط اإلقليمي‪ ،‬األسرة‬ ‫وشؤون املواطنني‪ ،‬الشؤون الثقافية‪ ،‬الشؤون‬ ‫الداخلية‪ ،‬البيئة‪ ،‬الزراعة‪ ،‬املالية النقل‪ ،‬العمل‪،‬‬ ‫النساء‪ ،‬والشباب ‪ ،‬الشؤون القانونية‪ ،‬الشؤون‬ ‫االقتصادية ‪ ،‬جلنة قضايا االحتاد األوربي‪ ،‬وهذه‬ ‫اللجنة األخيرة قراراتها لها تأثير خارجي يجب‬ ‫إن تتبناها اجلمعية العامة للبوندسرات‪ ،‬وهناك‬ ‫استثناء ‪ ،‬اذ ميكن للبوندسرات إن ينشأ مجلس‬ ‫للتعامل مع شؤون االحتاد األوربي ‪ ،‬وقرارات‬ ‫هذا اجمللس لها نفس تأثير قرارات البوندسرات‪،‬‬ ‫ويتعامل مع القضايا التي تتعلق باالحتاد والسيما‬ ‫التشريعية منها‪ ،‬وال ينعقد اجمللس إال بطلب من‬ ‫رئيس البوندسرات ‪ .‬وكل إقليم يرسل عضوا ً‬ ‫إلى اجمللس واصواته في اجمللس تعادل اصواته في‬

‫البوندسرات (أي مجلس مصغر للبوندسرات‬ ‫يتعامل مع قضايا خاصة)‪ .‬وما جتدر االشارة اليه‬ ‫هناك (جلنة الوساطة) للتنسيق بني مجلس‬ ‫البوندسرات والبوندستاغ‪ ،‬وظيفتها تقدمي‬ ‫اقتراحات توفيقية حيث ما يكون اختالف في‬ ‫الرأي بني اجمللسني حول محتوى اللوائح املعروضة‬ ‫وتتكون من (‪ )32‬عضوا ً ميثلون اجمللسني بالتساوي‬ ‫أي يكون للبوندسرات(‪ )16‬مقعدا ً على عدد‬ ‫األقاليم وبنفس عدد املقاعد للبوندستاغ ممثلة‬ ‫من قبل األحزاب وفقا ً لنسبتها‪ ،‬واجتماعات‪،‬‬ ‫هذه اللجنة شديدة السرية‪.‬‬ ‫اما عملية صنع القرار في البوندسرات ‪ ،‬فهناك‬ ‫عامالن تتصف بهما املناهج املتبعة في هذا‬ ‫اجمللس وجتعله مختلفا ً عن باقي الهيئات العامل‬ ‫األول ‪ ،‬الوظيفة املزدوجة ألعضائه ‪ ،‬والثاني‪ ،‬احلدود‬ ‫الزمنية التي توضع للقرارات املهمة ‪ .‬ونتيجة‬ ‫لذلك يتم تنفيذ األعمال بشكل أساسي في‬ ‫عواصم األقاليم وليس في مقره في برلني وهو‬ ‫دائما ً يكون حتت ضغط الوقت ‪ .‬واملهلة الزمنية‬ ‫التي حتدد ملداوالت القوانني – ‪ 3‬إلى ‪ 9‬أسابيع‬ ‫للقراءة األولية ‪ ،‬ثالث أسابيع للقراءة الثانية‬ ‫واسبوعني لالعتراضات هذه املدة الزمنية قصيرة‬ ‫وجتبر اجمللس على العمل بايقاع سريع‪ .‬واحلكومة‬ ‫االحتادية تقدم املقترحات قبل املناقشات بثالثة‬ ‫اسابيع ‪ ،‬ثم حتول إلى اللجان املعنية ‪ ،‬والتوصيات‬ ‫التي تقدم تصاغ في اجتماعات اللجان وتناقش‬ ‫في عواصم األقاليم‪.‬‬ ‫ومن وظائف البوندسرات األخرى هي املشاركة‬ ‫في الشؤون اخلارجية ‪ ،‬وان احلكومة االحتادية‬ ‫مسؤولة باحلفاظ على العالقات الدولية ‪ ،‬لكن‬ ‫وفقا ً للفقرة الثانية من املادة (‪ )59‬من القانون‬ ‫األساسي ‪ ،‬فانه يجب إن حتصل املعاهدات‬ ‫الدولية التي تنظم عالقات أملانيا مع الدول‬ ‫األخرى ‪ ،‬واملتعلقة بالتشريعات االحتادية‪ ،‬على‬ ‫موافقة أو مشاركة الهيئات التشريعية في‬ ‫حالة البوندسرات يعني إن قانون معاهدة معينة‬


‫تتطلب موافقته عندما يوجد قانون محلي ذو‬ ‫مضمون مشابه أو ذا صلة يتطلب موافقة‬ ‫البوندسرات ‪ ،‬وإذا رفض فانها ال تدخل حيز‬ ‫التنفيذ‪.‬‬ ‫وكذلك من وظائفه وفقا ً للقانون األساسي‪،‬‬ ‫انتخاب نصف أعضاء احملكمة الدستورية‬ ‫االحتادية ويعالج الشكاوى حول عدم دستورية‬ ‫القوانني وميكنه إن يقدم الشهادات للقضايا‬ ‫التي تطرح في احملكمة الدستورية‪.‬‬ ‫إن االختالف األساسي بني الفيدرالية‬ ‫ ‬ ‫األملانية واألنظمة الفيدرالية األخرى على صعيد‬ ‫تقسيم وتنفيذ املهام ‪ ،‬هو املشاركة املباشرة‬ ‫من حكومات األقاليم في القرارات على الصعيد‬ ‫الفيدرالي ويحصل ذلك من خالل البوندسرات ‪.‬‬ ‫لذلك مبوجب هذا النظام في تقسيم السلطات‬ ‫يكون للبوندسرات ثالثة وظائف مركزية هي‪-:‬‬ ‫يدافع عن مصالح األقاليم في مواجهة‬ ‫‪ .1‬‬ ‫احلكومة االحتادية وبشكل غير مباشر في‬ ‫مواجهة االحتاد األوربي‪.‬‬ ‫يضمن اندماج اخلبرة واالدارة والسياسة‬ ‫‪ .2‬‬ ‫لالقاليم في التشريعات واالدارة االحتادية وفي‬ ‫الشأن األوربي‪.‬‬ ‫يحمل على عاتقه مسؤولية عاملية‬ ‫‪ .3‬‬ ‫شأن الهيئات الدستورية الفيدرالية عن أملانيا‬ ‫االحتادية‪.‬‬ ‫واخيرا ً ‪ ،‬ال يقيده القانون األساسي في وظيفة‬ ‫متثيل األقاليم ‪ ،‬باعتباره مؤسسة فيدرالية‬ ‫تشارك في املسؤولية عن السياسة الفيدرالية‬ ‫العامة ويتجسد في نطاق مسؤولياته‪ .‬فهو‬ ‫مؤسسة سياسية واعضائه سياسيون ولديه‬ ‫مهام سياسية وبذلك يجعله في وضع مناقشة‬ ‫مع البوندستاغ ‪ ،‬وليس له تأثير على تشكيل‬ ‫احلكومة ‪ ،‬ولكنه يراقب نشاطاتها الى جانب‬ ‫البوندستاغ‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‬ ‫السلطة التنفيذية‬

‫إن القواعد املتعلقة بالسلطة التنفيذية بدون‬ ‫شك أهم ما سطر القانون األساسي األملاني ‪،‬‬ ‫ومنظمة بشكل أفضل من بقية مؤسسات‬ ‫الدولة األخرى‪ .‬فهي متنوعة في طبيعتها ‪ ،‬فليس‬ ‫هناك ممثل واحد أعلى للسلطة التنفيذية ‪ ،‬وال‬ ‫ينتخب كبار رجال هذه السلطة ملناصبهم عن‬ ‫طريق الشعب مباشرة وإمنا عن طريق الوكاالت‬ ‫احلكومية األخرى‪ ،‬اما رؤساء الوحدات اإلدارية‬ ‫أو احلكومة فهم يصلون إلى مناصبهم عن‬ ‫طريق التعيني‪ .‬واملستشار مع الوزراء يشكلون‬ ‫احلكومة االحتادية على منط الدول البرملانية‪،‬‬ ‫وبعض األعمال تنفذ باسم رئيس الدولة‪ ،‬اما‬ ‫املستشار (رئيس الوزراء) فهو الذي يتحمل عبء‬ ‫القيادة السياسية ويرأس البناء اإلداري‪ .‬وما ميكن‬ ‫قوله بهذا الصدد إن السلطة التنفيذية منظمة‬ ‫طبقا ً لقواعد ومباديء الثنائية الكالسيكية ‪:‬‬ ‫رئيس للجمهورية مع رئيس للحكومة ومتارس‬ ‫السلطات السياسية عن طريق حكومة‬ ‫مستقرة‪.‬‬ ‫املطلب االول‬ ‫رئيس اجلمهورية (الرئيس االحتادي)‬ ‫كان رئيس الرايخ في ظل دستور فاميار ينتخب‬ ‫انتخابا شعبيا ً ‪ ،‬األمر الذي يجعله مسؤوال ً امام‬ ‫الشعب وليس امام البرملان‪ .‬وأصبح هذا املنصب‬ ‫ميارس سلطات هامة ووظائف ‪ ،‬مثل (خلق‬ ‫مجالس وزارية رئاسية) لم تكن تتمتع باكثر‬ ‫من تأييد هامشي ضئيل من البرملان ‪ ،‬ولكي‬ ‫يتجنب مشرعو القانون األساسي جلمهورية‬ ‫أملانيا االحتادية نقاط الضعف هذه وغيرها في‬ ‫هذا املنصب ‪ ،‬فادخلوا كثيرا ً من التعديالت على‬ ‫هذا املنصب ‪ .‬فقد صاغو منصب الرئيس االحتادي‬ ‫بحيث يتمتع – كرمز للدولة‪ -‬مبركز ممتاز ‪ ،‬دون إن‬ ‫ميارس إال سلطة ضئيلة ‪ ،‬ونظام اختياره غير‬ ‫مباشر ‪ ،‬وتقتصر وظائفه على نواحي املظاهر‬ ‫والرسميات ‪،‬وبالرغم انه من املمكن إذا شغل‬ ‫شخص ذو طموح كبير وشخصية قوية هذا‬ ‫‪29‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪30‬‬

‫املنصب يستطيع إن يحول الرئاسة إلى منصب‬ ‫ذي داللة سياسية‪ ،‬لذلك وضعت حدود دستورية‬ ‫ال سبيل إلى تغييرها ‪ ،‬القصد منها منع وقوع‬ ‫أي استغالل سيئ لهذا املنصب‪ .‬وينتخب رئيس‬ ‫اجلمهورية بواسطة املؤمتر االحتادي الذي يتكون من‬ ‫جميع أعضاء البوندستاغ ومن عدد متساو من‬ ‫األشخاص تختارهم اجملالس التشريعية لالقاليم‬ ‫بطريقة التمثيل النسبي‪ .‬ويجري التصويت في‬ ‫املؤمتر بال مناقشة ‪ ،‬ويطلب منه انتخاب احد‬ ‫املرشحني باالغلبية املطلقة العضائه‪ ،‬ولكنه إذا‬ ‫فشل في ذلك مرتني ‪ ،‬فعليه إن يعيد االقتراح‬ ‫للمرة الثالثة‪ ،‬وحينئذ ينتخب املرشح الذي يفوز‬ ‫باالغلبية النسبية لالصوات(أي أكثر االصوات)‪.‬‬ ‫ويشترط في املرشح لرئاسة اجلمهورية الشروط‬ ‫نفسها التي يجب إن تتوافر في الناخب األملاني‬ ‫النتخابات البوندستاغ‪ ،‬مع اختالف شرط العمر‪،‬‬ ‫اذ يجب إن ال يقل عمر املرشح للرئاسة عن‬ ‫أربعني سنة‪ .‬وال يستطيع الرئيس بعد انتخابه‬ ‫إن يكون عضوا ً في أي هيئة تشريعية سواء في‬ ‫االحتاد أو في األقاليم‪ ،‬وال إن يعمل في أية مهنة‪.‬‬ ‫ويشغل الرئيس منصبه ملدة خمس سنوات وال‬ ‫يجوز انتخابه ألكثر من مرتني متتاليتني‪ .‬وال‬ ‫يوجد في النظام السياسي األملاني منصب نائب‬ ‫رئيس اجلمهورية ‪ ،‬وإذا ماخال منصب الرئيس من‬ ‫شاغله قبل انتهاء مدة رئاسته‪ ،‬بسبب الوفاة أو‬ ‫االستقالة أو العزل ‪ ،‬يتولى مهامه رئيس اجمللس‬ ‫االحتادي (البوندسرات)‪.‬‬ ‫وإذا انتهك الرئيس القانون األساسي أو أي قانون‬ ‫احتادي آخر ‪ ،‬فيمكن محاكمته بناء على طلب‬ ‫مقدم من ربع أعضاء البوندستاغ وموافقة‬ ‫ثلثيهم عليه‪ ،‬وكما إن البوندسرات له نفس‬ ‫السلطة وهو يستخدمها بذات الطريقة ‪ ،‬وجتري‬ ‫محاكمة الرئيس بواسطة احملكمة الدستورية‬ ‫االحتادية ‪ ،‬فإذا ادانته فانه يعزل ويفقد منصبه‪.‬‬ ‫ال يتمتع رئيس اجلمهورية بسلطات دستورية ‪،‬‬ ‫اذ توجد إلى جانبه وزارة مسؤولة امام البرملان‬

‫تباشر السلطة الفعلية وهذا يعود إلى طبيعة‬ ‫النظام البرملاني الذي اخذ به القانون األساسي‪.‬‬ ‫وللرئيس صالحيات خارجية وداخلية ‪ .‬وفيما‬ ‫يتعلق باجملال اخلارجي‪ ،‬فهو ميثل االحتاد ضمن‬ ‫مفهوم القانون الدولي‪ ،‬ويعقد باسم االحتاد‬ ‫املعاهدات الدولية مع الدول واملنظمات الدولية‬ ‫واشخاص القانون الدولي ‪ ،‬ويعتمد ويستقبل‬ ‫السفراء والوزراء املفوضني املعتمدين في‬ ‫البعثات الدبلوماسية ‪ .‬اما في اجملال الداخلي‬ ‫‪ ،‬يباشر الرئيس احلق في إن يسمي جمللس‬ ‫النواب(البوندستاغ) املرشح للمستشارية ‪،‬‬ ‫ولكن عليه إن يعني املرشح الذي تؤيده األكثرية‬ ‫النيابية ‪ ،‬كما يتوجب على املستشار إن يطلعه‬ ‫على سياسات حكومته ويتشاور معه حولها‬ ‫‪ ،‬وعلى الرئيس إن يتعاون تعاونا ً شريفا مع‬ ‫املستشار الذي يتمتع بتأييد النواب‪ .‬كما يباشر‬ ‫صالحية تعيني املوظفني في الدوائر االحتادية‬ ‫‪ ،‬وكذلك تسمية واعفاء القضاة والضباط‬ ‫وضباط الصف من مناصبهم ‪ ،‬ما لم يتم اقرار‬ ‫خالف ذلك بقانون وميارس صالحية اقرار العفو‬ ‫في حاالت منفردة ‪ ،‬أي إصدار العفو اخلاص‪،‬‬ ‫ويستطيع الرئيس حتويل هذه الصالحيات إلى‬ ‫الدوائر الرسمية األخرى‪.‬‬ ‫إن املراسيم واالوامر التي يصدرها الرئيس خالل‬ ‫ممارسة صالحياته الدستورية ومهامه القانونية‬ ‫البد وان يوقع عليها املستشار االحتادي أو الوزير‬ ‫اخملتص بجانب توقيع الرئيس وهذه قاعدة عامة‬ ‫في النظم البرملانية‪ ،‬ومسألة منطقية وطبيعية‬ ‫‪ ،‬باعتبار إن الرئيس غير مسؤول سياسيا ً امام‬ ‫البرملان‪ .‬ويصبح دور الرئيس حاسما ً إذا كان‬ ‫االنقسام شديدا ً داخل البوندستاغ بحيث يتعذر‬ ‫عليه إن يؤيد املستشار أو يتفق على انتخاب‬ ‫خلف له ‪ .‬ويخول الدستور الرئيس حينئذ حق‬ ‫اتخاذ أكثر من تدبير ‪ ،‬فإذا اخفق املستشار في‬ ‫نيل ثقة اكثرية البوندستاغ‪ ،‬ولم تتفق االكثرية‬ ‫على خلف له‪ ،‬فانه يستطيع خالل (‪)21-4‬‬


‫يوما ً إن يطلب من الرئيس حل البوندستاغ‬ ‫واجراء انتخابات جديدة ‪ .‬وإذا خسر املستشار‬ ‫اكثريته النيابية‪ ،‬واثر إن ال يطرح الثقة ‪ ،‬وان ال‬ ‫يحل اجمللس ‪ ،‬فانه يصبح شديد االعتماد على‬ ‫الرئيس وما لم يتفق البوندستاغ على خلف له‬ ‫‪ ،‬فان بوسع الرئيس إن مينحه سلطات محدودة‬ ‫متكنه من مباشرة احلكم بدون اجمللس النيابي‪،‬‬ ‫وبوسعه ايضا ً إن يحمله على االستقالة ‪.‬‬ ‫ويستطيع الرئيس مبوافقة البوندسرات إن يعلن‬ ‫حالة طوارئ تشريعية تخول احلكومة حق إصدار‬ ‫جميع القوانني باستثناء امليزانية ‪ ،‬باستقالل‬ ‫عن البوندستاغ‪ .‬إذا رفض الرئيس أو البوندسرات‬ ‫اتخاذ هذا التدبير ‪ ،‬اضطر املستشار لالستقالة ‪،‬‬ ‫حينئذ يستطيع الرئيس إن يسمي املرشح الذي‬ ‫يريد للبوندستاغ ويعينه شريطة إن ينال تأييد‬ ‫أكثرية النواب ويظل هذا املرشح معتمدا ً على‬ ‫تأييد الرئيس حتى تتوفر له األكثرية الالزمة في‬ ‫اجمللس ‪ ،‬أو حتى يتفق اجمللس على من يحل محله‪.‬‬ ‫وإذا لم ينل مرشح الرئيس تأييد كثرة النواب ‪ ،‬جاز‬ ‫للرئيس إن يحل اجمللس ويدعو الشعب النتخابات‬ ‫جديدة ‪ ،‬ينبثق منها مجلس اقرب لتأييد مرشح‬ ‫الرئيس‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫املستشار‬ ‫كانت إحدى نقاط ضعف النظام الفامياري هو‬ ‫التقسيم غير الواضح للسلطات بني الرئيس‬ ‫واملستشار (‪ .)chancellor‬وقد حل القانون‬ ‫األساسي هذا الغموض بأن اعطى قوة كبيرة‬ ‫لسلطات املستشار الفيدرالي (‪)Bundes kanzler‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬سيطر شاغلو هذا املنصب على‬ ‫العملية السياسية واصبحوا رمزا ً للحكومة‬ ‫الفيدرالية بقوة شخصياتهم‪ .‬فاملستشار‬ ‫يلعب دورا ً مركزيا ً في النظام السياسي لدرجة‬ ‫إن بعض املراقبني يصفون النظام األملاني بأنه‬ ‫((دميقراطية املستشار))‪.‬‬ ‫فإذا كان الرئيس االحتادي هو الرأس األسمى أو‬

‫االعتباري للجمهورية االحتادية ‪ ،‬فان املستشار‬ ‫(رئيس الوزراء) هو املسؤول األول عن الناحية‬ ‫التنفيذية‪ .‬وقد جرت التقاليد في أملانيا على‬ ‫تزويد منصب رئيس احلكومة بالقوة واالستقرار‬ ‫التي يتطلبها ‪ .‬لذا يبدو منصب رئيس الوزراء‬ ‫االحتادي أقوى من معظم رؤساء الوزارات في‬ ‫الدول الدميقراطية املشابهة ‪ ،‬األمر الذي تصوره‬ ‫عالقاته بالرئيس ومبجلس الوزراء وبالبرملان ‪.‬‬ ‫ويتم انتخاب املستشار من قبل البوندستاغ دون‬ ‫مداوالت ‪ ،‬وذلك بعد اقتراح مقدم من قبل رئيس‬ ‫اجلمهورية‪ .‬فالذي يفوز باالنتخاب ويحصل على‬ ‫أصوات اغلبية أعضاء البوندستاغ‪ ،‬فعلى رئيس‬ ‫اجلمهورية عندها تسمية الفائز في االنتخاب ‪،‬‬ ‫وهذا يتطلب بطبيعة احلال املفاوضات السابقة‬ ‫بني األحزاب السياسية في البوندستاغ ‪،‬واملرشح‬ ‫الذي يحصل على األغلبية املطلقة يصبح‬ ‫املستشار االحتادي ‪ ،‬وعلى ضوء ذلك يعلن رئيس‬ ‫اجلمهورية تعيينه رسميا ً ‪ .‬وإذا لم يتم انتخاب‬ ‫الشخص املقترح ‪ ،‬عندئذ يستطيع البوندستاغ‬ ‫خالل مدة اقصاها أربعة عشر يوما ً بعد جولة‬ ‫االنتخاب (أي االقتراع األول )‪ ،‬إن ينتخب مستشارا ً‬ ‫باغلبية تزيد على نصف عدد اعضائه‪ .‬وإذا‬ ‫فشل االنتخاب خالل هذه املدة احملددة فينبغي‬ ‫اجراء جولة انتخاب جديدة دون تأخير حيث يفوز‬ ‫بها من يحصل على أعلى عدد من األصوات ‪ .‬إذا‬ ‫جمع الشخص املنتخب اغلبية أصوات أعضاء‬ ‫البوندستاغ لصاحله ‪ ،‬فيجب على الرئيس إن‬ ‫يسميه مستشارا ً خالل اسبوع بعد االنتخاب‬ ‫وإذا لم يحصل املنتخب على هذه األغلبية‪ ،‬فعلى‬ ‫رئيس اجلمهورية االحتادية خالل سبعة ايام‪ ،‬اما‬ ‫إن يسميه مستشارا ً أو إن يحل البوندستاغ‪.‬‬ ‫والدعوة إلى انتخابات جديدة ‪ .‬ميكن القول إن‬ ‫األغلبية ضرورية في حالة انتخاب املستشار ‪،‬‬ ‫كما إن في هذه احلالة فان رئيس اجلمهورية ميارس‬ ‫سلطة واضحة وحقيقية‪.‬‬ ‫وما جتدر االشارة اليه هو انه يستطيع البوندستاغ‬ ‫‪31‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪32‬‬

‫سحب الثقة من املستشار االحتادي فقط من‬ ‫خالل انتخاب اجمللس بأغلبية اعضائه مستشارا ً‬ ‫بديالً ‪ ،‬وذلك بتقدمي طلب لدى رئيس اجلمهورية‬ ‫باعفاء املستشار احلالي من منصبه ‪ ،‬ويجب‬ ‫على رئيس اجلمهورية إن يستجيب للطلب وان‬ ‫يسمي الشخص املنتخب (البديل) كمستشار‬ ‫احتادي‪ .‬ويجب إن تنقضي مدة زمنية قدرها‬ ‫ثمانية وأربعني ساعة بني تقدمي الطلب وجولة‬ ‫االنتخاب ‪ .‬وإذا قدم املستشار طلبا ً بالثقة ولم‬ ‫يحرز هذا الطلب على موافقة اغلبية أعضاء‬ ‫البوندستاغ‪ ،‬يستطيع رئيس اجلمهورية عندئذ ‪،‬‬ ‫وبناء على اقتراح املستشار إن يحل البوندستاغ‬ ‫خالل مدة زمنية قدرها إحدى وعشرين يوما ً ‪.‬‬ ‫بينما يصبح حق حل البوندستاغ الغيا ً مبجرد‬ ‫إن ينتخب مستشارا ً جديدا ً باغلبية اعضائه‬ ‫‪ .‬ويجب مرور مدة ثمانية واربعون ساعة على‬ ‫الطلب وعملية التصويت‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى فان من املالمح الفريدة للنظام‬ ‫السياسي األملاني الطريقة التي يتبعها للفصل‬ ‫بني السلطتني التشريعية والتنفيذية ‪ ،‬مع‬ ‫االبقاء على إطار العمل البرملاني ‪ ،‬فعلى سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬يفتقر املستشار إلى السلطة االختيارية‬ ‫في حل الهيئة التشريعية والدعوة إلى انتخابات‬ ‫جديدة ‪ ،‬والتي هي من األمور العادية في‬ ‫األنظمة البرملانية األخرى‪ .‬كما ميتلك مجلسا‬ ‫البوندستاغ والبوندسرات قدرة غير اعتيادية‬ ‫على انتقاد أعمال احلكومة ومراجعة اقتراحات‬ ‫احلكومة التشريعية ‪ .‬كما وحتظى بأهمية‬ ‫مساوية بنود القانون األساسي التي حتدد رقابة‬ ‫الهيئة التشريعية على املستشار ومجلس‬ ‫الوزراء ‪ ،‬ففي النظام البرملاني متتلك الهيئة‬ ‫التشريعية عادة سلطة عزل رئيس تنفيذي‬ ‫سبق لها إن انتخبته‪ .‬وقد استخدمت األحزاب‬ ‫املتطرفة من اليمني واليسار هذه الوسيلة‬ ‫إبان اجلمهورية الفاميارية ‪،‬ملنع استقرار النظام‬ ‫الدميقراطي مبعارضة شاغلي منصب املستشار‬

‫وقد عدل القانون األساسي هذه اإلجراء واوجب‬ ‫التصويت البناء بعدم الثقة (‪constructive no-‬‬ ‫‪ ،)confidence vote‬فكي يتمكن البوندستاغ‬ ‫من عزل املستشار ‪ ،‬عليه إن يوافق ‪ ،‬في وقت‬ ‫واحد على بديل له‪ ،‬وفي هذا استمرارية للقيادة‬ ‫السياسية‪ ،‬وإيجاد أغلبية أولية تؤيد املستشار‬ ‫اجلديد‪ .‬ويعني (التصويت البناء بعدم الثقة) إن‬ ‫املستشار ال يعتمد على ضرورة وجود أغلبية‬ ‫تؤيده في جميع االقتراحات التشريعية ‪ .‬كما انه‬ ‫يجعل من الصعب عزل شاغل هذا املنصب ‪ ،‬فال‬ ‫ميكن للمعارضني ان يختلفوا فقط مع احلكومة‬ ‫كي يعزلوها‪ ،‬بل يجب إن يكون هناك اتفاق على‬ ‫البديل‪ .‬وكما يسمح نوع آخر من التصويت بعدم‬ ‫الثقة للمستشار إن يهاجم حكما ً بعدم الثقة‬ ‫في اقتراح تشريعي للحكومة ‪ ،‬فإذا ما اسقط‬ ‫البوندستاغ االقتراح ‪ ،‬فقد يطلب املستشار من‬ ‫الرئيس الفيدرالي الدعوة الجراء انتخابات برملانية‬ ‫جديدة ‪ .‬وهذا االجراء بعدم الثقة يزود املستشار‬ ‫بالوسائل التي متكنه إن يختبر األصوات املؤيدة‬ ‫للحكومة أو لزيادة الضغط على البوندستاغ‬ ‫لتمرير تشريعات مهمة جدا ً بالنسبة للحكومة‪.‬‬ ‫وتتم تسميه الوزراء االحتاديني وعزلهم من قبل‬ ‫رئيس اجلمهورية بناءا ً على اقتراح املستشار‪،‬‬ ‫ويعني املستشار من بني الوزراء االحتاديني نائبا ً له‪.‬‬ ‫وال يجوز للمستشار والوزراء االحتاديني إشغال‬ ‫منصب رسمي آخر براتب ‪ ،‬وال يجوز لهم ممارسة‬ ‫حرفة أو مهنة‪ ،‬كما ال يجوز لهم االنتماء إلى‬ ‫رئاسة مؤسسات عمل ربحية وال دون موافقة‬ ‫البوندستاغ على االنتماء إلى مجالس اإلشراف‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫وتنتهي مدة إشغال املستشار أو أي وزير احتادي‬ ‫ملنصبه على أي حال مبجرد إن يجتمع البوندستاغ‬ ‫اجلديد ‪ ،‬فيما ينتهي اشغال أي وزير احتادي‬ ‫منصبه في كل حالة أخرى ينتهي فيها إشغال‬ ‫املستشار ملنصبه‪ .‬وبناءا ً على طلب رئيس‬ ‫اجلمهورية ‪ ،‬يتوجب على املستشار إن يستمر‬


‫في القيام مبهامه ‪ ،‬وبناءا ً على طلب املستشار‬ ‫أو رئيس اجلمهورية يتوجب كذلك على أي وزير‬ ‫احتادي إن يستمر في مزاولة مهامه حلني تسمية‬ ‫بديل له‪ .‬وتسير احلكومة االحتادية في القيام‬ ‫بأعمالها وفقا ً لثالثة مبادئ رئيسية وضعها‬ ‫القانون األساسي وهي‪:‬‬ ‫مبدأ املستشار‪ :‬الذي يشير إلى إن‬ ‫أ‌‪ .‬‬ ‫املستشار االحتادي يقرر اخلطوط االرشادية‬ ‫العريضة للسياسة ويتحمل مسؤوليتها وهو‬ ‫وحده املوجه لسياسة الدولة واملسؤول عنها‬ ‫امام البرملان ‪ ،‬ويصدر اوامرا ً جمللس الوزراء للعمل‬ ‫وفقا ً لهذه السياسات العامة وااللتزام بها‪.‬‬ ‫ويقود مسيرة اعمال احلكومة حسب نظام‬ ‫داخلي تقرره احلكومة االحتادية وينال موافقة‬ ‫رئيس اجلمهورية‪ .‬كما ويتوقع من الوزراء اقتراح‬ ‫السياسات وتنفيذها مبا يتفق مع اخلطوط‬ ‫العامة التي وضعها املستشار ‪ .‬ويعاون املستشار‬ ‫في هذه النشاطات كادر كبير من موظفي‬ ‫مكتبه الذي يشرف على الوزراء ويصيغ األهداف‬ ‫العريضة للسياسة‪ .‬وهكذا فان مجلس الوزراء‬ ‫يخضع رسميا ً للمستشار في رسم السياسة‪.‬‬ ‫االستقاللية الوزارية‪ :‬الذي يعطي‬ ‫ب‌‪ .‬‬ ‫كل وزير سلطة إدارة اعمال وزارته دون تدخل‬ ‫مجلس الوزراء طاملا إن السياسات تتفق مع‬ ‫اخلطوط العامة للحكومة ‪ .‬والوزراء مسؤولون‬ ‫عن االشراف على نشاطات وزاراتهم ‪ ،‬ويوجهون‬ ‫التخطيط السياسي في دوائرهم ‪ .‬ويكون الوزير‬ ‫مسؤوال عن تنفيذ القوانني االحتادية من قبل‬ ‫الدوائر احلكومية واإلشراف عليها‪.‬‬ ‫مبدأ مجلس الوزراء‪ :‬الذي يشير إلى إن‬ ‫ت‌‪ .‬‬ ‫أية منازعات قد حتصل بني الوزارات االحتادية حول‬ ‫الصالحيات القانونية أو أي امور أخرى تتعلق‬ ‫باخملصصات املالية ال بد من الرجوع إلى مجلس‬

‫الوزراء حللها ‪ ،‬ويجتمع مجلس الوزراء بوجود‬ ‫اغلبية أعضائه ‪ ،‬ويصدر القرارات واألنظمة‬ ‫اإلدارية مبوافقة اغلبية اعضائه ايضاً‪.‬‬ ‫ومييل العمل الفعلي للحكومة الفيدرالية إلى‬ ‫إن يكون أكثر سالسة من اإلجراءات الرسمية‬ ‫املنصوص عنها في القانون األساسي ‪ .‬ففي‬ ‫حكومة ائتالفية يكون اختيار الوزارات ‪ ،‬والعدد‬ ‫الذي سيتواله كل حزب منها ‪ ،‬املوضوع الرئيسي‬ ‫في بناء االئتالف ‪ .‬وباملثل ‪ ،‬فان التوترات داخل‬ ‫احلزب قد تفرض اجراء تعيينات وزارية محددة‬ ‫للحفاظ على وحدة احلزب ‪ .‬ويبدي أعضاء مجلس‬ ‫الوزراء استقاللية كبيرة في سياستهم رغم‬ ‫القيود الرسمية التي يفرضها القانون األساسي‪.‬‬ ‫فالوزراء يعينون عادة النهم ميلكون اهتماما ً في‬ ‫مجال من مجاالت السياسة اما من الناحية‬ ‫العملية فانهم يعرفون بادوارهم كرؤوساء‬ ‫لدوائرهم أكثر مما يعرفون كوكالء للمستشار ‪.‬‬ ‫ويصبح الوزراء ناطقني رسميني ومدافعني عن‬ ‫دوائرهم ومقياس جناحهم السياسي هو متثيلهم‬ ‫ملصالح دوائرهم ‪ .‬وهكذا فان مجلس الوزراء يقوم‬ ‫بدور دار املقاصة العمال احلكومة االحتادية‪ .‬حيث‬ ‫يقوم بعض الوزراء بتقدمي مقترحات سياسية‬ ‫تخص وزاراتهم على امل احلصول على موافقة‬ ‫احلكومة عليها‪ .‬ومن الناحية العملية ‪ ،‬فانه نادرا ً‬ ‫ما يعتمد املستشار على تعليمات السياسة‬ ‫الرسمية لتوجيه اعمال حكومته‪ .‬فاملستشار‬ ‫يحدد برنامج احلكومة الذي يعكس اتفاق مجلس‬ ‫الوزراء ويعتمد على املفاوضات واجراء التسويات‬ ‫داخل مجلس الوزراء للحفاظ على هذا االتفاق‪.‬‬ ‫وخالصة القول فان الدستور األملاني يجعل‬ ‫املستشار االحتادي صانع القرارات الرئيسي في‬ ‫حقل السياسة‪ ،‬وللحكومة ‪ ،‬والرئيس االحتادي‪،‬‬ ‫واجمللس التشريعي ‪ ،‬واحملكمة الدستورية ‪ ،‬حق‬ ‫االسهام في ظروف معينة في عملية صنع‬ ‫القرارات ‪ .‬ولكن املستشار هو دستوريا ً املرجع‬ ‫األخير وصاحب السلطة واملسؤولية في‬ ‫‪33‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪34‬‬

‫حتديد السياسة العامة ‪ .‬وقد تعمد واضعوا‬ ‫الدستور األملاني منح املستشار هذه السلطة‬ ‫الواسعة ‪ ،‬ليتجنبوا املنازعات الفئوية التي‬ ‫حتتدم في اجملالس التشريعية ذات السلطات‬ ‫الواسعة ‪ ،‬وارادوا في الوقت نفسه جتنب انبعاث‬ ‫االستبدادية التنفيذية غير املسؤولة التي سادت‬ ‫أملانيا سابقاً‪.‬‬ ‫ويقضي دستور هذه اجلمهورية املتعددة األحزاب‬ ‫بان ينتخب مستشار احلكومة من قبل االكثرية‬ ‫النيابية‪ ،‬وان يكون مسؤوال جتاهها‪ .‬ويقضي‬ ‫ايضا ً من اجل تأمني االستقرار احلكومي ‪ ،‬بأن‬ ‫يبقى املستشار في احلكم إلى إن تتفق االكثرية‬ ‫النيابية على خلف له أو يتم انتخاب مجلس‬ ‫نواب جديد ‪ ،‬أو يتوفى أو يستقيل أو يدان بأعمال‬ ‫اجرامية ‪.‬‬ ‫وال ميكن اتهام املستشار باخليانة العظمى وقد‬ ‫استهدف آباء الدستور من هذه االحكام إقامة‬ ‫مستشارية هي أقوى جتاه البرملان من حكومات‬ ‫الدول البرملانية األخرى‪ ،‬فحرروها من البقاء حتت‬ ‫رحمة تكتل برملاني سريع االنهيار أو معارضة‬ ‫برملانية ال تتفق على خلف للمستشار‪ .‬فاصبح‬ ‫املستشار وحده – ال احلكومة كلها‪ -‬مسؤوال عن‬ ‫حتديد السياسة والسهر على تنفيذها ‪ ،‬وتقدمي‬ ‫احلساب عنها للسلطة التشريعية ‪ .‬فليس هناك‬ ‫مسؤولية جماعية للحكومة بكامل اعضائها‪.‬‬ ‫واملستشار هو الذي يسمي أعضاء احلكومة‬ ‫ويقيل من يشاء منهم وتوصياته ملزمة للرئيس‬ ‫االحتادي ‪ ،‬الذي تعود اليه مبدئيا ً صالحية التعيني‬ ‫والعزل ‪ .‬ووزراء حكومة املستشار ومعاونوه‬ ‫اإلداريون مسؤولون جتاهه ‪ .‬وتنتهي واليتهم‬ ‫آليا ً مع انتهاء واليته ‪ .‬وال يخول الدستور رئيس‬ ‫اجلمهورية وال السلطة التشريعية حق اكراه‬ ‫املستشار على إدخال أي وزير في حكومته أو‬ ‫إخراجه منها‪ .‬وكل عضو من أعضاء حكومة‬ ‫املستشار مسؤول فرديا ً عن إدارة وزارته وفقا ً‬ ‫للسياسة العامة التي يحددها املستشار وكما‬

‫هو الشأن مع املستشار ‪ ،‬فان شخصية الوزير ‪،‬‬ ‫وخبرته ‪ ،‬ومزاياه‪ ،‬هي التي حتدد ما ميكن إن يكون‬ ‫له من دور في عملية صنع القرارات ‪ ،‬وهي التي‬ ‫حتدد مدى اعتماده على نفسه أو على معاونيه‪.‬‬ ‫ويؤلف الوزراء جماعيا ً حكومة املستشار ‪،‬‬ ‫فيتوجب عليهم تبعا ً لذلك إن يقدموا له آرائهم‬ ‫حول السياسة العامة ‪ ،‬وان يقرروا ما تعرضه‬ ‫احلكومة من مقترحات على السلطة التشريعية‬ ‫ودور احلكومة وكل عضو من اعضائها في صنع‬ ‫القرارات رهني مبا للمستشار ولكل وزير من قوة‬ ‫الشخصية أو قوة التأثير السياسي‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‬ ‫حكومات األقاليم‬ ‫حكومات األقاليم في أملانيا هي دميقراطية‬ ‫نيابية تعتمد على التصويت الواسع واالنتخابات‬ ‫احلرة‪ .‬وتنص معظم دساتيرها على توفير‬ ‫عناصر الدميقراطية املباشرة مبا في ذلك املبادرة‬ ‫واالستفتاء والتنحية‪ ،‬والنظام احلكومي برملاني‬ ‫باإلضافة إلى ضمانات رسمية الستقالل القضاء‪.‬‬ ‫والواقع إن نظام احلكم في األقاليم والواليات –‬ ‫يشبه في جوهره – نظام احلكم في اجلمهورية‬ ‫االحتادية من حيث انه يشتمل على املسؤولية‬ ‫البرملانية ورئيس الوزراء يرأس مجلسا ً للوزراء‬ ‫املسؤولني امام السلطة التشريعية ‪ .‬غير إن كالً‬ ‫من الصياغة وتفاصيل الهيكل العام ‪ ،‬ومهمة‬ ‫هذه احلكومات يختلف عن احلكومة االحتادية‪.‬‬ ‫وتنص دساتير األقاليم‪ -‬باستثناء بافاريا‪ -‬على‬ ‫وجود هيئة تشريعية قوية ذات مجلس واحد ‪.‬‬ ‫وتسمى هذه الهيئة جمعية الوالية أو االقليم‬ ‫(‪ ، )land tag‬ومتتد مدة واليتها في األغلب الربع‬ ‫سنوات وينتخب أعضاؤها في انتخاب عام‬ ‫ويستطيع أي ناخب يزيد عمره على خمسة‬ ‫وعشرين سنة إن يرشح نفسه في االنتخابات‪.‬‬ ‫ويضم اجمللس التشريعي عادة رئيسا ً منتخبا ً‬ ‫ليرأس جلساته ونائبا ً له وعدد من املوظفني‪ .‬وتعد‬ ‫بافاريا استثناء لهذه القاعدة ‪ .‬اذ إن بها مجلسا ً‬


‫تشريعيا ً ثانيا ً يسمى مبجلس الشيوخ‪ ،‬وهو مبثابة‬ ‫مجموعة من اخلبراء في كافة اجملاالت ‪ ،‬ويشترط‬ ‫إال يقل سن عضو هذا اجمللس عن أربعني سنة‬ ‫وينتخب ملدة ستة سنوات ‪ ،‬وال يجوز له إن يجمع‬ ‫بني عضوية مجلس الشيوخ وعضوية مجلس‬ ‫الوالية‪ .‬وجمللس الشيوخ إن يتقدم مبشروعات‬ ‫قوانني أو يعطي آراء استشارية في التشريع ‪،‬‬ ‫أي يعمل كلجنة ثانية راسمة للسياسة بعد‬ ‫مجلس الوالية أو اإلقليم‪.‬‬ ‫وفي معظم الواليات يقوم مجلس الكبار الذي‬ ‫يتكون من رئيس مجلس الوالية أو االقليم ونائبه‬ ‫وعدد صغير من األعضاء بادارة شؤون اجمللس‬ ‫التشريعي ‪ ،‬وذلك بإعداد جدول اعمال اجمللس‪،‬‬ ‫ويخصص وقت املناقشة ويسوى املنازعات بني‬ ‫األحزاب فيما يخص اإلجراءات التشريعية ‪.‬‬ ‫وبالنسبة للمهام التشريعية فتقوم بها جلان‬ ‫دائمية مختلفة ‪ ،‬كما ميكن للمجلس تكوين‬ ‫جلان خاصة للقيام ببعض التحقيقات واغراض‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫اما بالنسبة للهيئة التنفيذية ‪ ،‬يقوم مجلس‬ ‫الوالية أو االقليم بانتخاب الرئيس التنفيذي‬ ‫ويسمى رئيس الوزراء ‪ ،‬ويقوم هذا الرئيس بتعيني‬ ‫أعضاء وزارته على إن يحصل على موافقة‬ ‫مجلس الوالية ‪ ،‬ومدة حكم الهيئة التنفيذية‬ ‫أربع سنوات ‪ .‬ويترأس الرئيس التنفيذي مجلس‬ ‫وزراء االقليم أو الوالية ويكون مسؤوال امام‬ ‫الهيئة التشريعية ‪ ،‬وتتألف وزارات األقاليم‬ ‫عموما ً من (‪ )15-9‬وزيرا ‪ ،‬وغالبا ً ما تشرف على‬ ‫نشاطات مثل املالية ‪ ،‬التعليم ‪ ،‬العدل ‪ ،‬الشؤون‬ ‫الداخلية ‪ .‬وهناك بعض األقاليم لديها وزراء‬ ‫يقومون بوظائف تعكس خصائصها اخلاصة‬ ‫مثل (وزارة املوانئ واملرافئ في برمين)‪ .‬وفي العادة ال‬ ‫يحصل حزب واحد على اغلبية كبيرة في مجلس‬ ‫االقليم‪ ،‬ولذا فان الوزارات االئتالفية ضرورية‪.‬‬ ‫اما السلطة القضائية فيتم ادارتها من قبل‬ ‫احملاكم الفيدرالية ومحاكم األقاليم ‪ .‬ففي‬

‫اإلجراءات اجلنائية وحاالت القضاء املدني تكون‬ ‫احملاكم هي احملاكم املدنية واحملاكم اإلقليمية‬ ‫ومحاكم االستئناف ‪ ،‬واحملاكم الفيدرالية سلطة‬ ‫متييز أخيرة في هذه القضايا‪ .‬واحملاكم الدستورية‬ ‫في األقاليم تتخذ القرارات املتعلقة بالقضايا‬ ‫الدستورية ‪ ،‬اما احملكمة االحتادية باعتبارها‬ ‫أعلى سلطة قضائية في أملانيا ‪ ،‬فانها تتعامل‬ ‫مع قضايا مثل انتهاك احلقوق األساسية وال‬ ‫دستورية األحزاب السياسية وشرعية القوانني‬ ‫(على مستوى االحتادي واالقاليم) واملنازعات بني‬ ‫االحتاد واألقاليم وبني األقاليم نفسها‪.‬‬ ‫ويتجسد دور األقاليم في النظام االحتادي األملاني‪،‬‬ ‫وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية االحتادية ‪،‬‬ ‫مبمارسة صالحيات دستورية هامة في إدارة املرافق‬ ‫االحتادية وكيفية تنفيذ القوانني االحتادية‪ .‬اذ ال‬ ‫يكتفي القانون األساسي بتوزيع االختصاصات‬ ‫التشريعية ما بني احلكومة االحتادية واألقاليم ‪،‬‬ ‫بل يوزع السلطة االحتادية ما بني الدوائر الذاتية‬ ‫للحكومة االحتادية والدوائر احلكومية التي تدار‬ ‫من قبل األقاليم باشراف احلكومة االحتادية‪.‬‬ ‫وجاء ذلك في القانون األساسي ‪ ،‬حول تقاسم‬ ‫الصالحيات بني االحتاد واألقاليم ((تبقى ممارسة‬ ‫صالحيات الدولة في االقليم واجناز املهام فيها‬ ‫منوطة باالقاليم االحتادية طاملا لم يحدد هذا‬ ‫القانون األساسي احكاما ً اخرى أو يسمح بها))‪.‬‬ ‫ويقضي املبدأ بصالحية األقاليم في اجناز مهام‬ ‫الدولة داخل مناطقها وذلك بواسطة توزيع‬ ‫السلطة بني االحتاد واألقاليم لتفيذ القوانني‬ ‫االحتادية ((تنفذ األقاليم القوانني االحتادية‬ ‫باعتبارها شؤونا خاصة بها‪ ،‬إال إذا حدد هذا‬ ‫القانون األساسي شيئا آخر أو سمح به))‪ .‬وتوجد‬ ‫هنالك عناصر أساسية للحكومة على مستوى‬ ‫األقاليم وهي املناطق اإلدارية واملقاطعات‬ ‫والبلديات ‪ .‬فاملناطق اإلدارية هي تقسيمات‬ ‫ادارية في االقليم ‪ ،‬وتعد جزءا ً من جهاز االقليم‬ ‫أكثر من إن تكون عناصر مستقلة في احلكم‬ ‫‪35‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪36‬‬

‫احمللي وهي من صنع األقاليم وتستمد وجودها‬ ‫وسلطتها منها ‪ ،‬وتعمل كوحدات ادارية ثانوية‬ ‫لها‪ ،‬وتشرف هذه املناطق على عناصر احلكومة‬ ‫احمللية األدنى مرتبة ‪ ،‬وتختص مبسائل مثل‪ :‬إدارة‬ ‫الشرطة ‪ ،‬بناء الطرق ‪ ،‬التعليم الثانوي ‪ ،‬ويرأس‬ ‫كالً من هذه املناطق رئيس يعينه االقليم ويكون‬ ‫مسؤوال امامها ‪ ،‬لذلك فانه يتعاون في عمله‬ ‫تعاونا ً وثيقا ً مع وزراء الوالية ‪ ،‬وليست هناك‬ ‫محاكم أو هيئات تشريعية على هذا املستوى‪.‬‬ ‫اما املقاطعة فتضم مناطق ريفية وحضرية‬ ‫وتقوم بتنفيذ بعض مهام األقاليم ‪ ،‬وبعض‬ ‫املهام ذات الطبيعة احمللية متاما ً وشأنها شأن‬ ‫املناطق اإلدارية من صنع األقاليم تستمد منها‬ ‫سلطتها ومهامها ‪ .‬وتعمل املقاطعة بصفتني‪،‬‬ ‫فهي من ناحية عنصر أدنى من عناصر السلطة‬ ‫اإلدارية في االقليم ‪ ،‬كما انها من ناحية أخرى‬ ‫مؤسسة قانونية إقليمية حتكم نفسها حتت‬ ‫مسؤوليتها اخلاصة ‪ .‬وكأحد اجهزة االقليم‬ ‫فانها تختص قانونيا ً بكل مهام االقليم الواقعة‬ ‫داخل أراضيها التي ال حتال إلى وحدات حكومية‬ ‫خاصة ‪ ،‬وكهيئة تدير نفسها بنفسها فان‬ ‫املقاطعة تقوم باملهام املتعلقة باحلكم احمللي‬ ‫التي ال تتحملها موارد أي منطقة من املناطق‬ ‫احمللية أو تلك التي تتطلب التنفيذ في سبيل‬ ‫الصالح العام‪.‬‬ ‫واهم موظف مسؤول في حكومة املقاطعة‬ ‫الريفية هو املأمور (مدير املقاطعة) وهو‬ ‫الذي ميارس االشراف اإلداري على مقاطعته‬ ‫باإلضافة إلى اإلشراف على البلديات الواقعة‬ ‫داخل مقاطعته ‪ ،‬وينتخب بواسطة مجلس‬ ‫املقاطعة التشريعي‪ ،‬وهو الرئيس التنفيذي‬ ‫الذي يعني املوظفني واإلداريني الذين يعملون‬ ‫حتت امرته ‪ .‬ومجلس املقاطعة التشريعي الذي‬ ‫ينتخب أعضاءه على أساس التمثيل النسبي ‪،‬‬ ‫يستطيع إصدار تشريع بشرط االّ يتعارض مع‬ ‫قوانني االحتاد أو االقليم وفي بعض احلاالت يتم‬

‫إنشاء جلنة تنفيذية مؤقتة لتحقق االستمرار‬ ‫التشريعي ‪ ،‬وتضم املأمور وبعض املوظفني ‪،‬‬ ‫ويجوز لهذه اللجنة إن تكون لها مهام ادارية الى‬ ‫جانب مهمتها في رسم السياسة ‪ .‬اما حكومة‬ ‫مدن املقاطعة فتضم في حكومة واحدة كافة‬ ‫املهام التي تقسم في املقاطعة الريفية بني‬ ‫املقاطعات والبلديات ‪ .‬ويرأس حكومة مدينة‬ ‫املقاطعة (العمدة) الذي يساعده عدد من النواب‬ ‫الذين ينتخبون ملدة محددة بواسطة مجلس‬ ‫املدينة‪ ،‬هذه األخير ينتخب أعضاؤه مباشرة‬ ‫وعلى أساس التمثيل النسبي ‪ ،‬ويتمتع اجمللس‬ ‫بحق التشريع‪.‬‬ ‫وبالنسبة للبلديات فلها وضع املؤسسات‬ ‫اإلقليمية العامة وهي مخولة سلطة االضطالع‬ ‫بكل املهام احمللية العامة والواقعة داخل نطاق‬ ‫اختصاصها وعلى مسؤولياتها اخلاصة إذا لم‬ ‫تكن اوجه النشاط هذه ذات صبغة دستورية‬ ‫واضحة أو اوكلها التشريع إلى هيئات حكومية‬ ‫أخرى‪ ،‬أو أال يكون القانون قد نص صراحة على‬ ‫اخراجها من اختصاصها ‪ .‬واهم مسؤول في‬ ‫حكومة البلدية هو (العمدة احلاكم) في املدن‬ ‫الكبرى و(العمدة) في البلديات االصغر حجما ً ‪.‬‬ ‫وجرت العادة في املناطق التي يقل عدد سكانها‬ ‫على ثالثة آالف نسمة على انتخاب العمدة ‪ ،‬اما‬ ‫في البلديات األكبر فيختاره اجمللس التشريعي‪.‬‬ ‫اما اجمللس البلدي (مجلس املدينة) فانه‬ ‫يتمتع بسلطة إصدار القرارات احمللية ويعالج‬ ‫السياسة العامة ومسائل امليزانية واملالية‬ ‫وادارة املهام احمللية واالمالك العامة ‪ .‬ومن ابرز‬ ‫املميزات للحكومة البلدية في أملانيا (عمومية‬ ‫االختصاص) وللبلدية اشراف واسع النطاق‬ ‫على جميع اوجه النشاط العام فيما عدا ما‬ ‫ينص القانون بشأنه على خالف ذلك ‪ .‬وتنقسم‬ ‫وظائف حكومة البلديات إلى نوعني‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬وظائف تباشرها في القرى وما شابه ذلك‬ ‫كمجتمع يحكم نفسه بنفسه (مثل النقل‬


‫احمللي والشرطة ومكافحة احلريق واالمالك‬ ‫العامة‪ ...‬الخ)‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الوظائف تقوم بها نيابة عن االقليم (مبا في‬ ‫ذلك شؤون الصحة العامة والشؤون االجتماعية‬ ‫واالسكان وتعويضات احلرب ومعونة الالجئني)‪.‬‬ ‫ومتشيا ً مع التجارب األملانية السابقة تقوم‬ ‫العناصر اخملتلفة في احلكومة احمللية مبعاجلة‬ ‫طائفة متباينة من الوظائف واالنشطة ‪.‬‬ ‫والبناء احلكومي األملاني يفتقر إلى الفصل‬ ‫بني اختصاصات احلكومة الفيدرالية وحكومة‬ ‫االقليم واملقاطعة والبلدية ‪ .‬واحلقيقة إن البناء‬ ‫احلكومي كله من اجلمهورية االحتادية نزوال ً إلى‬ ‫البلدية ‪ ،‬قد منا وتطور ككل متداخل متشابك‬ ‫األجزاء فبينما تعتبر البلديات واملقاطعات‬ ‫متمتعة باحلكم احمللي املستقل ‪ ،‬جند إن‬ ‫هناك خيطا ً من السلطة ممتدا ً من احلكومة‬ ‫الفيدرالية عن طريق وزير الداخلية إلى رئيس‬ ‫وزراء االقليم ‪ ،‬فحكومة الدائرة‪ ،‬فاملقاطعة‪،‬‬ ‫فالبلدية‪ ،‬فاحلكومة الفيدرالية ال تعني من‬ ‫قبلها موظفيها احملليني ‪ ،‬وإمنا تستخدم‬ ‫سلطات االقليم والسلطات احمللية في إدارة‬ ‫بعض الشؤون احمللية التي تدخل في اختصاص‬ ‫احلكومة الفيدرالية ‪ .‬وحتى حني تكون احلكومة‬ ‫احمللية متمتعة باالستقالل الذاتي فانها تكون‬ ‫اداة حلكومة االقليم واحلكومة االحتادية ‪ ،‬عالوة‬ ‫على تصريفها لشؤونها اخلاصة‪.‬‬ ‫وميكن القول إن إعادة بناء حكومات األقاليم‬ ‫والبلديات في أملانيا بعد احلرب العاملية الثانية‬ ‫كان من شأن األملان انفسهم ‪ .‬وكان أداء‬ ‫حكومات األقاليم مرضيا ً من وجهة النظر‬ ‫الفنية والسياسية ‪ ،‬حيث كان عليها إن تعالج‬ ‫مشكالت احلرب وان تبعث احلياة من جديد في‬ ‫املؤسسات الدميقراطية في اعقاب احلكم‬ ‫الشمولي الذي شهدته البالد‪.‬‬ ‫املبحث الرابع‬ ‫السلطة القضائية االحتادية‬

‫نوزع هذا املبحث على مطلبني‪ ،‬نكرس األول‬ ‫لدراسة تنظيم السلطة القضائية االحتادية‪،‬‬ ‫ونفرد الثاني لبيان إختصاصتها‪ ،‬وكاآلتي‪:‬‬ ‫املطلب االول‬ ‫تنظيم السلطة القضائية االحتادية‬ ‫إن الغرض من تنظيم سلطة قضائية احتادية‬ ‫هو احلفاظ على وحدة القانون في الدولة‬ ‫وضمان علوية الدستور الفيدرالي من خالل‬ ‫تنظيم رقابة دستورية على القوانني اإلقليمية‬ ‫واالحتادية والسلطة في تفسير الدستور‬ ‫الفيدرالي ‪ ،‬خاصة تفسير القواعد الدستورية‬ ‫املتعلقة بتوزيع االختصاصات الدستورية ما‬ ‫بني األقاليم واحلكومة االحتادية ‪ ،‬والذي يعد من‬ ‫املسائل الشائكة في الدولة االحتادية ‪ .‬وكذلك‬ ‫حل اخلالفات ما بني احلكومة االحتادية واألقاليم‬ ‫يستدعي حلها من خالل هيئة قضائية‪.‬‬ ‫إن التراث القضائي األملاني يرجع إلى القانون‬ ‫األساسي لسنة ‪ ، 1877‬الذي أسس نظاما ً‬ ‫للمحاكم (العادية) ملمارسة القضاء املدني‬ ‫واجلنائي ‪ ،‬وقد خلق هذا القانون (احملكمة‬ ‫االمبراطورية) التي كانت محكمة عليا تسري‬ ‫احكامها على أملانيا كلها ‪ ،‬وتوجد إلى جانبها‬ ‫محاكم األقاليم‪ ،‬حيث كان هناك أربعة‬ ‫مستويات من احملاكم هي محكمة املقاطعة‪،‬‬ ‫محكمة االقليم‪ ،‬محكمة االستئناف في‬ ‫االقليم ‪ ،‬واحملكمة اإلمبراطورية‪ .‬وكان القضاة‬ ‫ورجال النيابة وغيرهم من العاملني باحملكمة‬ ‫اإلمبراطورية يعتبرون مبثابة موظفني لدى(الرايخ)‪،‬‬ ‫اما جميع العاملني باحملاكم األخرى فكانت‬ ‫توظفهم األقاليم‪ .‬ومن هنا لم يكن اعتبارهم‬ ‫بحق (ممثلني لسلطة القضاء املستقلة)‪.‬‬ ‫ولم يغير دستور فاميار من الهيكل األساس‬ ‫للقضاء ‪ ،‬وان كان قد حاول إن يضمن استقالله‬ ‫والقضاة كانوا يخضعون لوزراء العدل احملليني‬ ‫في األقاليم ‪ .‬ومع ذلك فقد وضع ترتيب خاص‬ ‫النشاء محكمة عليا لتفصل في املنازعات‬ ‫‪37‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪38‬‬

‫بني األقاليم ‪ ،‬وبني األقاليم و(الرايخ)‪ .‬ونظرا ً‬ ‫إلى إن القضاء األملاني ظل زمنا ً طويالً يتشرب‬ ‫التقاليد التشريعية ذات الروح احملافظة ‪ ،‬فلم‬ ‫يكن متمشيا ً بالقدر الكافي مع املبادئ اجلديدة‬ ‫لدستور فاميار الذي يحترم استقالل القضاة‪.‬‬ ‫فبمقتضى تدريبهم واستعدادهم وميلوهم‬ ‫السياسية احملافظة لم يكن هؤالء القضاة‬ ‫وغيرهم من العاملني اآلخرين في احملاكم على‬ ‫استعداد لتأييد هذه التغييرات اجلديدة ‪ .‬وعندما‬ ‫حلت الدكتاتورية النازية محل جمهورية فاميار‪،‬‬ ‫استولى هتلر متاما ً على السلطات الثالث ‪ ،‬وملا‬ ‫لم يكن القضاء قد اعتاد إن يناقش سلطة‬ ‫الدولة فلم يتخذ موقفا ً قويا ً للدفاع عن احلكم‬ ‫الدستوري ‪ ،‬وادى تصميم احلكم النازي على‬ ‫اضعاف اجلهاز القضائي إلى حتويل سلطة‬ ‫القضاء ونقلها من األقاليم إلى احلكومة املركزية‬ ‫في برلني‪.‬‬ ‫وقد سهلت إعادة تقسيم أملانيا إلى أقاليم‬ ‫بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬عملية إعادة‬ ‫تنظيم السلطة القضائية ومت من جديد احياء‬ ‫وجوه كثيرة للنظام الذي كان سائدا ً في عهد‬ ‫جمهورية فاميار‪ ،‬مع إدخال بعض التجديدات‬ ‫األخرى في بناء اجلهاز القضائي ‪ ،‬كان القصد‬ ‫منها حماية استقالل احملاكم وضمان احملافظة‬ ‫على احلكم الدستوري‪.‬‬ ‫رغم األسس الفيدرالية التي قام عليها النظام‬ ‫السياسي األملاني ‪ ،‬فان احملاكم من مختلف‬ ‫املستويات مدمجة في نظام موحد‪ .‬وتدير األقاليم‬ ‫املستويات الثالث األدنى من هذا النظام ‪ ،‬في‬ ‫حني تدار احملكمة العليا على مستوى فيدرالي‪.‬‬ ‫ويفصل هذا النظام املوحد من احملاكم في‬ ‫القضايا املدنية واجلنائية ‪ ،‬وتطبق جميع احملاكم‬ ‫النصوص القانونية القومية ذاتها‪ .‬ويتعامل فرع‬ ‫آخر من النظام القضائي مع قضايا احملاكم في‬ ‫مجاالت متخصصة ‪ ،‬فتتعامل إحدى احملاكم‬ ‫بالشكاوى اإلدارية ضد الوكاالت احلكومية ‪،‬‬

‫وتتعامل أخرى بقضايا الضريبة‪ ،‬وتتعامل ثالثة‬ ‫بنزاعات العمل ‪ ،‬ورابعة بحل املطالبات اخلاصة‬ ‫ببرنامج احلكومة االجتماعي ‪ .‬وكما هي احلال في‬ ‫باقي النظام القضائي فان هذه احملاكم اخلاصة‬ ‫مدمجة في نظام واحد يشمل محاكم األقاليم‬ ‫واحملاكم الفيدرالية‪.‬‬ ‫كما اوجد القانون األساسي فرعا ً ثالثا ً من‬ ‫القضاء ‪ ،‬محكمة دستورية مستقلة تراجع‬ ‫دستورية التشريعات ‪ ،‬وتتوسط النزاعات بني‬ ‫الدوائر احلكومية ‪ ،‬وحتمي النظام الدستوري‬ ‫الدميقراطي‪ .‬وفي ذلك جتديد للنظام القانوني‬ ‫األملاني ألنه يضع قانونا ً واحدا ً ((القانون‬ ‫األساسي))فوق جميع القوانني‪ ،‬كما انه يفرض‬ ‫قيودا على سلطة اتخاذ القرار في البرملان ‪ ،‬وعلى‬ ‫التفسيرات القضائية لقضاة احملاكم الدنيا‪.‬‬ ‫ويرتكز النظام القضائي األملاني على مبادئ‬ ‫القانون الروماني الذي يختلف جذريا ً عن النظام‬ ‫القضائي االنكلو‪-‬امريكي‪ ،‬فبدال من اعتماده على‬ ‫أسبقيات من قضايا سالفة ‪ ،‬تستند العملية‬ ‫القانونية على نظام مكثف من النصوص‬ ‫القانونية‪ .‬وتعرف هذه النصوص املبادئ القانونية‬ ‫بشكل مجرد‪ .‬ويتم الفصل في القضايا بناء‬ ‫على تلك املقاييس ‪ .‬ويقوم هذا النظام على‬ ‫الفلسفة العقالنية (‪، )Rationalist philosophy‬‬ ‫القائلة انه ميكن خدمة العدالة باتباع حرفية‬ ‫القانون‪ .‬ويؤكد القانون األملاني ايضا ً على حقوق‬ ‫اجملتمع ‪ ،‬ويضعها فوق حق املتهم الفرد‪ ،‬كما‬ ‫يؤكد على إدارة العدالة بشكل كفوء‪ .‬ونظرا ً ألن‬ ‫هدف النظام القضائي هو كشف احلقيقة من‬ ‫ضمن شبكة معقدة من النصوص القانونية‪،‬‬ ‫فان للقاضي دورا ً نشيطا ً في احملكمة ‪ ،‬فمن‬ ‫ضمن واجباته استجواب الشهود بدقة ‪ ،‬وتقرير‬ ‫ما هو مقبول كبينة ‪ ،‬وتوجيه سير احملكمة‬ ‫بشكل عام‪ .‬إضافة إلى ذلك ‪ ،‬يصوت القاضي‬ ‫أو (هيئة القضاء) في بعض احلاالت مع هيئة‬ ‫احمللفني للبت في قضية ما‪ .‬ومن الطبيعي إن‬


‫خارجها بالقواعد األساسية للقانون األساسي‪،‬‬ ‫أو بالنظام الدستوري ألحد األقاليم ‪ ،‬تستطيع‬ ‫احملكمة الدستورية االحتادية بأغلبية ثلثي‬ ‫أعضاءها بناءا ً على طلب من البوندستاغ ‪،‬‬ ‫إصدار أمر بنقل القاضي الى وظيفة أخرى أو‬ ‫إحالته على التقاعد ‪ .‬وفي حال تبني إن اإلخالل‬ ‫كان بسبق اإلصرار‪ ،‬فيمكن اإلقرار بإقالته‪.‬‬ ‫وما جتدر االشارة اليه ‪ ،‬إن احملكمة الدستورية‬ ‫تتألف من قضاة احتاديني وأعضاء آخرين ‪ .‬يتم‬ ‫انتخاب أعضائها مناصفة من قبل كل من‬ ‫البوندستاغ والبوندسرات ‪ .‬وال يجوز إن يكون‬ ‫هؤالء األعضاء منتمني إلى احد هذين اجمللسني‬ ‫وال إلى احلكومة االحتادية ‪ ،‬وال إلى ما يقابلها من‬ ‫هيئات في األقاليم ‪.‬‬ ‫اما عن كيفية اختيار أعضاء احملكمة الدستورية‪،‬‬ ‫اذ يقوم وزير العدل االحتادي بإعداد قائمتني‬ ‫للمرشحني إلى محكمة الدستورية ‪ ،‬حتتوي‬ ‫كل واحدة منها اسماء القضاة االحتاديني الذين‬ ‫تتوافر فيهم الشروط العضوية للمحكمة ‪،‬‬ ‫وهي إن يكونوا في سن األربعني‪ ،‬وان تتوافر فيهم‬ ‫شروط العضوية في البوندستاغ أو التعيني في‬ ‫املناصب العليا للحكومة االحتادية‪ ،‬وان تكون‬ ‫لهم خبرة في القانون ‪ ،‬اما القائمة الثانية‪،‬‬ ‫إضافة إلى توافر الشروط السابقة فيهم‪،‬‬ ‫فتحتوي أسماء األشخاص الذين رشحهم احد‬ ‫األحزاب السياسية في البوندستاغ أو احلكومة‬ ‫االحتادية ‪ ،‬أو حكومة إحد األقاليم ‪ .‬ويختار البرملان‬ ‫االحتادي ستة من أعضاء احملكمة الدستورية من‬ ‫بني القضاة االحتاديني الذين يعينون لهذا املنصب‬ ‫ملدى احلياة ‪ .‬كما يعني القضاة اآلخرين لفترات‬ ‫محددة مدتها ثماني سنوات ‪ ،‬مع إمكانية ‪ ،‬إعادة‬ ‫تعيينهم مرة أخرى‪ ،‬وينتخب البرملان االحتادي‬ ‫رئيس احملكمة ونائبه‪.‬‬

‫يرجح صوت القاضي على أصوات احمللفني‪ .‬وليس‬ ‫من الضروري توصل احمللفني إلى قرار باالجماع‬ ‫‪ ،‬فاالغلبية كافية‪ .‬وفي احملاكم االعلى ‪ ،‬ال‬ ‫تستخدم هيئة محلفني ‪ .‬ولكي تكون العدالة‬ ‫عقالنية ‪ ،‬ومنصفة‪ ،‬ومبررة ‪ ،‬فان حتقيق هذا‬ ‫الهدف يفترض ويستدعي وجود خبرة ال ميتلكها‬ ‫إال القضاة‪.‬‬ ‫ومن اجل احملافظة على إصدار االحكام القضائية‬ ‫املوحدة من قبل احملاكم االحتادية واالقليمية ينص‬ ‫القانون األساسي على تشكيل مجلس ‪ ،‬يسمى‬ ‫مجلس الشيوخ ‪ ،‬ويتكون من ممثلي هذه احملاكم‬ ‫حلل اختالف االحكام والقرارات الصادرة عنهم‪.‬‬ ‫ويجب تنظيم الوضع القانوني لقضاة األقاليم‬ ‫من خالل قوانني خاصة‪ .‬ويستطيع االحتاد إصدار‬ ‫تعليمات اطرية بذلك ‪ ،‬ويتم تعيني قضاة‬ ‫األقاليم من قبل وزير العدل في االقليم جنبا ً إلى‬ ‫جنب جلنة اختيار القضاة‪.‬‬ ‫وفيما يتعلق بقضاة احملاكم االحتادية‬ ‫العليا(احملكمة العليا‪ ،‬احملكمة اإلدارية‪ ،‬احملكمة‬ ‫املالية‪ ،‬محكمة العمل‪ ،‬احملكمة االحتادية‬ ‫االجتماعية) يتم تعيينهم من قبل الوزراء‬ ‫االحتاديني اخملتصني حسب طبيعة احملكمة مع‬ ‫جلنة خاصة الختيار القضاة تتألف من وزراء‬ ‫األقاليم اخملتصني في كل حالة وعدد مماثل لهم‬ ‫يختارهم البوندسرات ‪ ،‬ومن ثم يصدر رئيس‬ ‫الدولة األمر بتعيينهم‪.‬‬ ‫ينص القانون األساسي على استقالل القضاة‬ ‫وخضوعهم للقانون فقط ‪ ،‬ويضمن عملهم‬ ‫ملدى احلياة ‪ ،‬وال يجوز إعفائهم من مناصبهم أو‬ ‫إبعادهم عنها بصورة دائمة أو لفترة محددة أو‬ ‫نقلهم إلى موقع آخر‪ ،‬أو إحالتهم إلى التقاعد‬ ‫قبل بلوغ سن التقاعد إال مبوجب قرار قضائي‬ ‫مسبب ووفقا ً لإلجراءات القانونية احملددة‪.‬‬ ‫كما وينص القانون األساسي على إمكانية‬ ‫محاكمة القضاة االحتاديني ‪ ،‬فإذا اخل احد املطلب الثاني‬ ‫القضاة االحتاديني أثناء ممارسته لوظيفة أو اختصاصات السلطة القضائية االحتادية‬ ‫‪39‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪40‬‬

‫في مجال تطبيق إحكام القانون املدني والقانون‬ ‫اجلنائي تختص محاكم االستئناف االحتادية‬ ‫مبراجعة االحكام التي تصدرها محاكم‬ ‫املقاطعات اخملولة بتطبيق القانون االحتادي‪،‬‬ ‫وميكن من خالل قانون احتادي يوافق عليه‬ ‫البوندسرات‪ ،‬إعطاء صالحية حملاكم األقاليم‬ ‫ممارسة االختصاص القضائي للمحاكم االحتادية‬ ‫في القضايا اجلنائية املتعلقة بـ‪:‬‬ ‫االبادة اجلماعية ‪.‬‬ ‫‪ .1‬‬ ‫اجلرائم ضد االنسانية ‪.‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫جرائم احلرب ‪.‬‬ ‫‪ .3‬‬ ‫اي افعال اخرى من شأنها ‪ ،‬او متت بهدف‬ ‫‪ .4‬‬ ‫‪ ،‬االخالل بالتعايش السلمي ما بني الشعوب ‪.‬‬ ‫حماية الدولة ‪.‬‬ ‫‪ .5‬‬ ‫وتسري احكام القانون اجلنائي االملاني لسنة‬ ‫‪ ، 1871‬والقانون املدني لسنة ‪ ، 1900‬بعد تعديله‪،‬‬ ‫في ظل القوانني االحتادية املعمول بها ‪ ،‬وتطبق‬ ‫احكامها في جميع الواليات‪.‬‬ ‫وتفصل احملكمة العليا االحتادية من خالل‬ ‫اقسامها املتخصصة في االستئنافات املدنية‬ ‫واجلنائية التي متس امن الدولة ( جرائم اخليانة‬ ‫) ‪ .‬وفيما يتعلق بهذا النوع االخير من القضايا‬ ‫تعد احملكمة العليا االحتادية صاحبة االختصاص‬ ‫البدائي ( االصيل ) والنهائي باصدار االحكام‬ ‫بصددها‪ .‬كما تكون هذه احملكمة مبثابة محكمة‬ ‫استئناف عليا للمحاكم االحتادية املتخصصة‬ ‫في شؤون حماية احلقوق احلرفية‪ ،‬واحملاكم‬ ‫اجلنائية العسكرية‪ ،‬التي يشكلها االحتاد‪ ،‬للقوات‬ ‫املسلحة كمحاكم احتادية‪ ،‬التي ميكنها ممارسة‬ ‫القضاء اجلنائي فقط في حالة دفاعية والتي‬ ‫تسري واليتها أيضا ً على االفراد التابعني للقوات‬ ‫املسلحة الذين بعثوا الى بلدان خارجية‪ ،‬او يبحرون‬ ‫على ظهر سفينة حربية‪ ،‬ويتم تنظيم عملها‬ ‫إستنادا ً على قانون احتادي ‪ .‬وتتبع هذه احملاكم الى‬ ‫دائرة اعمال وزير العدل االحتادي ‪ .‬يجب على من‬ ‫يتبوء منصبا رئيسا من قضاتها ان يكون لديه‬

‫املؤهالت الالزمة ألشغال هذا املنصب‪ .‬ويكون‬ ‫التمييز امام هذه احملكمة من خالل دعوى تثير‬ ‫مسألة خطأ محكمة األستئناف في تطبيق نص‬ ‫القانون او عدم االستناد الى النص الصحيح‪ .‬واما‬ ‫في املسائل اجلنائية الثانوية ‪ ،‬والتي تعد قرارات‬ ‫محاكم االستئناف احكاما نهائية بشأنها ‪،‬‬ ‫يجب على هذه احملاكم ‪ ،‬حينما تنوي ان تخالف‬ ‫في القضية ( في نقطة قانونية) حكما صادرا‬ ‫من محكمة استئناف اخرى او احملكمة العليا ‪ ،‬ان‬ ‫تعرض احكامها للمراجعة امام احملكمة العليا‬ ‫‪ .‬وبهذا تتحقق وحدة القانون من خالل تفسير‬ ‫موحد للقانون االحتادي وتطبيقه في املسائل‬ ‫املدنية واجلنائية دون اعطاء السوابق القضائية‬ ‫قوة الزامية ‪ .‬اذ يرتكز النظام القضائي جلمهورية‬ ‫املانيا االحتادية على اتباع حرفية القانون ( نصوص‬ ‫القانون ) لتحقيق العدالة ‪.‬‬ ‫وميكن من خالل قانون خاص باألقاليم إن يتم‬ ‫حتويل اتخاذ القرار على اخلالفات الدستورية داخل‬ ‫إحد األقاليم إلى احملكمة الدستورية االحتادية ‪،‬‬ ‫وحتويل القرار في القضايا التي تدور حول تطبيق‬ ‫التشريعات في األقاليم في احملاكم العليا‪.‬‬ ‫وتختص احملكمة الدستورية االحتادية بالفصل‬ ‫في تفسير القانون األساسي في حالة خالفات‬ ‫حول مدى حدود احلقوق والواجبات اخلاصة باحدى‬ ‫ارفع الهيئات االحتادية ‪ ،‬او اخلاصة بجهات معينة‬ ‫اخرى كانت قد انيطت بها هذه احلقوق تبعا لهذا‬ ‫القانون ‪ ،‬او بناء على الئحة داخلية الحدى ارفع‬ ‫الهيئات االحتادية‪ ،‬لدى اختالف اآلراء او الشك حول‬ ‫التوافق الشكلي واملوضوعي للتشريع االحتادي او‬ ‫تشريع الواليات مع القانون االساسي ‪ ،‬او حول‬ ‫توافق قانون والية مع قوانني احتادية اخرى ‪ ،‬وذلك‬ ‫بناء على طلب من احلكومة االحتادية او احدى‬ ‫حكومات الواليات او ثلث اعضاء اجمللس النيابي‬ ‫االحتادي ‪ .‬وكذلك في حالة حدوث خالفات بالرأي‬ ‫ما بني احلكومة االحتادية وحكومات األقاليم‬ ‫املتعلق بأحد القوانني االحتادية ‪،‬وفي حالة اختالف‬


‫اآلراء حول حقوق وواجبات االحتاد والواليات ‪ ،‬وعلى‬ ‫وجه اخلصوص ‪ ،‬لدى تطبيق التشريع االحتادي‬ ‫من قبل الواليات ‪ ،‬ولدى املمارسة االشرافية‬ ‫من قبل االحتاد‪ ،‬اخلالفات التي تتعلق باحلق العام‬ ‫بني احلكومة االحتادية والواليات او بني الواليات‬ ‫اخملتلفة ‪ ،‬او داخل احدى الواليات ان لم يكن هناك‬ ‫طريق قضائي آخر ‪ .‬كذلك اخلالفات الدستورية‬ ‫داخل الواليات والشكاوي الدستورية حول خرق‬ ‫احد احلقوق االساسية ‪ ،‬باالضافة الى ذلك ‪،‬‬ ‫ستقوم احملكمة الدستورية االحتادية بالتعامل‬ ‫مع القضايا االخرى التي حتول اليها من خالل‬ ‫اي قانون احتادي ‪ .‬وميكن من خالل قانون خاص‬ ‫بالواليات ان يتم حتويل اتخاذ القرار على اخلالفات‬ ‫الدستورية داخل احدى الواليات الى احملكمة‬ ‫الدستورية االحتادية ‪ ،‬وحتويل القرار في القضايا‬ ‫التي تدور حول تطبيق التشريعات في الواليات‬ ‫الى احملاكم العليا إلتخاذ القرار كآخر ملجأ‬ ‫قضائي ‪ .‬كما متتد واليتها على كل من يسيئ‬ ‫استعمال ‪ :‬حرية التعبير عن الرأي وخاصة حرية‬ ‫الصحافة ‪ ،‬وحرية التعليم وحرية التجمع ‪،‬‬ ‫حرية تكوين اجلمعيات ‪ ،‬سرية الرسائل والبريد‬ ‫واالتصاالت الهاتفية ‪ ،‬حق امللكية ‪ ،‬او حق‬ ‫اللجوء السياسي ‪ ،‬وكل من يسيئ استعمالها‬ ‫للكفاح ضد النظام الدميقراطي االساسي احلر‬ ‫يسقط عنه التمتع بهذه احلقوق االساسية ‪.‬‬ ‫هنا تقع صالحية احلكم باسقاط احلقوق ومدى‬ ‫اسقاطها بيد احملكمة الدستورية االحتادية و‬ ‫النظر في عدم دستورية األحزاب التي تسعى من‬ ‫خالل اهدافها او تصرفات اتباعها ‪ ،‬الى املساس‬ ‫بالنظام االساسي الدميقراطي احلر او ازالته او‬ ‫تهديد كيان الدولة ‪ .‬وتنظر احملكمة فيما اذا‬ ‫اخل احد قضاة االحتاد اثناء ممارسته لوظيفته او‬ ‫خارجها بالقواعد االساسية للقانون االساسي‬ ‫او بالنظام الدستوري ألحدى الواليات ‪ ،‬تستطيع‬ ‫احملكمة الدستورية االحتادية باغلبية ثلثي هيئتها‬ ‫بناء على طلب من مجلس النواب االحتادي ‪،‬‬

‫اصدار أمر بنقل ذلك القاضي الى وظيفة اخرى او‬ ‫احالته على التقاعد ‪ .‬وفي حال تبني ان االخالل‬ ‫كان بسبق االصرار ‪ ،‬فيمكن االقرار باقالته ‪.‬‬ ‫وتستطيع الواليات ان تضع لقضاتها انظمة‬ ‫مماثلة ملا سبق ‪ ،‬وذلك مع عدم املساس باالحكام‬ ‫الدستورية السارية املفعول في الوالية ‪ .‬تكون‬ ‫احملكمة الدستورية االحتادية هي صاحبة القرار‬ ‫في التهم املوجهة ضد القضاة ‪ .‬كما تنظر‬ ‫احملكمة في دعوى توجيه االتهام من قبل البرملان‬ ‫االحتادي إلى رئيس اجلمهورية بسبب املساس‬ ‫بالقانون األساسي أو أي قانون احتادي آخر ‪ ،‬واذا‬ ‫ثبت للمحكمة ان رئيس اجلمهورية مذنب ‪،‬‬ ‫تستطيع حينئذ اعالن اعتباره فاقدا ملنصبه‬ ‫وتستطيع بعد رفع الدعوى ان تصدر امرا قضائيا‬ ‫عاجال بأنه يتعذر عليه ان ميارس مهام منصبه‪.‬‬ ‫فضال عن ذلك ‪ ،‬في حالة ظهور شكوك في احد‬ ‫اخلالفات القانونية ‪ ،‬فيما اذا كانت احدى قواعد‬ ‫القانون الدولي تؤلف جزء من التشريع االحتادي ‪،‬‬ ‫وفيما اذا كانت هذه القاعدة من شأنها ان تولد‬ ‫حقوقا وواجبات لالفراد ‪ ،‬فعلى احملكمة املعنية‬ ‫ان حتول القضية الى احملكمة الدستورية االحتادية‬ ‫للبت فيها ‪.‬‬ ‫اخلامتة‬ ‫يتبني لنا من خالل البحث بعض االمور ميكن‬ ‫ان نشير اليها بشكل مختصر ‪ .‬فقد تصمن‬ ‫القانون األساسي االملاني بعض املبادئ وقت‬ ‫كتابته ‪ ،‬هذه املبادئ لم تكن قرارا داخليا حرا ‪،‬‬ ‫ومع ذلك جاء التطبيق متالئما وطبيعة الشعب‬ ‫االملاني وظروفه الداخلية واخلارجية ‪ .‬كما جاء‬ ‫برؤية وسطية حول االختالف الذي كان يصاحب‬ ‫القوى السياسية وقتذاك ‪ ،‬حول امليول املركزية‬ ‫وامليول الالمركزية التي تضمنتها بعض مبادئ‬ ‫القانون االساسي‬ ‫لقد تضمن القانون االساسي مبادئ رئيسية‬ ‫ومهمة للدميقراطية ‪ ،‬وخصوصا تأكيده على‬ ‫عدم جواز املساس بكرامة االنسان ‪ ،‬فضال على‬ ‫‪41‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪42‬‬

‫انواع احلريات التي كفلها ‪ .‬باالضافة الى تقسيمه‬ ‫السلطات تقسيما منسقا بني احلكومة‬ ‫املركزية والواليات التي تتمتع باالستقالل‬ ‫وتتساوى بالسيادة ‪ .‬وذلك باحتوائه على ثنائية‬ ‫السلطة السياسية ‪ ،‬والتي انتجت بدورها توزيع‬ ‫االختصاصات الدستورية مابني احلكومة االحتادية‬ ‫وحكومات الواليات والتي من خاللها تتم ممارسة‬ ‫السيادة ‪ ،‬واوضحت عملية الفصل والتعاون بني‬ ‫السلطات ‪ ،‬مما اثمرت عن تبلور نظام سياسي‬ ‫يضمن االستقرار السياسي واالجتماعي ساعد‬ ‫فيما بعد على توحيد شطري املانيا ‪.‬‬ ‫ان ثنائية السلطة التشريعية مبجلسيها‬ ‫وتوزيع االختصاصات والصالحيات فيما بينهما ‪،‬‬ ‫باالضافة الى آلية السلطة التنفيذية ‪،‬واستقالل‬ ‫القضاء ودقة تنظيماته ومجال اختصاصاته ‪ ،‬كل‬ ‫ذلك ساعد على وجود صمانات سياسية وقانونية‬ ‫لعدم املساس باملبادئ الرئيسية للدميقراطية‬ ‫وتوفير مناخ سياسي دميقراطي مستقر ‪ ،‬ساعد‬ ‫على تطبيق الفيدرالية بالشكل الذي وفر احلقوق‬ ‫واحلريات االساسية وحتقيق العدالة االجتماعية‬ ‫وفق آلية التخلو من التعقيد ساهمت في ارساء‬ ‫مبادئ الدميقراطية ‪ ،‬وجنحت في حتقيقها ‪.‬‬ ‫قائمة املصادر‬ ‫اوال ‪ :‬الدساتير ‪:‬‬ ‫‪ . 1‬القانون االساسي جلمهورية املانيا االحتادية ‪ ،‬ترجمة‬ ‫خليل عياش وآخرون ‪ ،‬مؤسسة فريدريش ايبرت ‪ ،‬عمان ‪،‬‬ ‫‪. 2005‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الوثائق ‪:‬‬ ‫‪ . 1‬حقائق عن املانيا ‪ ،‬حترير جانيت شايان و سابينة غيلة‬ ‫‪ ،‬ترجمة احمد ماهر ‪ ،‬دار نشر سوسيتيتس ‪ ،‬فرانكفورت‬ ‫‪. 2005 ،‬‬ ‫‪ . 2‬حقائق عن املانيا ‪ ،‬حترير كارل رومل ‪ ،‬دار موسوعة‬ ‫برتلسمان ‪ ،‬ميونيخ ‪. 1980 ،‬‬ ‫‪ . 3‬حقائق عن املانيا ‪ ،‬تقارير وزارة اخلارجية االملانية ‪ ،‬موقع‬ ‫على االنترنت‬ ‫‪www.tatsachen_ueber _ Deutschland .de‬‬ ‫ثالثا الكتب العربية واملعربة ‪:‬‬ ‫‪ . 1‬آريان محمد علي ‪ ،‬الدستور الفيدرالي (دراسة مقارنة)‪،‬‬

‫مركز كردستان للدراسات االستراتيجية ‪ ،‬السليمانية ‪،‬‬ ‫‪. 2009‬‬ ‫‪ . 2‬املر بليشكه ‪ ،‬حكومة املانيا املعاصرة ‪ ،‬ترجمة محمد‬ ‫حقي ‪ ،‬مكتبة االنكلو مصرية ‪ ،‬القاهرة ‪.1973 ،‬‬ ‫‪ . 3‬حافظ علوان حمادي الدليمي ‪ ،‬االنظمة السياسية‬ ‫في اوربا الغربية والواليات املتحدة االميركية ‪ ،‬دار وائل ‪،‬‬ ‫عمان ‪. 2001 ،‬‬ ‫‪ . 4‬حسن نافعة ‪ ،‬معجم النظم السياسية والليبرالية‬ ‫في اوربا الغربية وامريكا الشمالية ‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بيروت ‪،‬‬ ‫‪.1998‬‬ ‫‪ . 5‬روسل جيه دالتون‪ ،‬السياسة في املانيا ‪ ،‬في ( غابرييل‬ ‫آملوند وبنغهام باويل األبن‪ ،‬السياسات املقارنة في‬ ‫وقتنا احلاضر )‪ ،‬ترجمة هشام عبد اهلل‪ ،‬االهلية للنشر‬ ‫‪ ،‬عمان‪.1998،‬‬ ‫‪ . 6‬كارل دوتش و لويس ادجنر‪ ،‬السياسة اخلارجية‬ ‫للجمهورية الفيدرالية االملانية‪ ،‬في( مناهج السياسة‬ ‫اخلارجية في دول العالم ) ‪ ،‬اشراف روي مكريدس‪ ،‬ترجمة‬ ‫حسن صعب ‪ ،‬املكتبة االهلية ‪ ،‬بيروت ‪. 1961 ،‬‬ ‫‪ . 7‬ميشيل ستيوارت ‪ ،‬نظم احلكم احلديثة‪ ،‬ترجمة احمد‬ ‫كامل‪،‬دار الفكر العربي‪،‬مصر‪.1962،‬‬ ‫‪ . 8‬وسيم حسام الدين احمد‪،‬اللجان البرملانية العربية‬ ‫واالجنبية‪،‬منشورات احللبي‪،‬بيروت‪.2010،‬‬ ‫رابعا ‪ :‬الكتب والدوريات باللغة االنكليزية ‪:‬‬ ‫‪Adelbart،seifritz،federalism in west‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫‪Germany،in( contemporary Germany )، Edited by‬‬ ‫‪Girija moorejee and G.S،Pohrkar ، United Asia‬‬ ‫‪. 1968 ، publications ، India‬‬ ‫‪Daniel Elazar ، fedral systems of the world‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫‪، A hand book of federal،confederal and autonomy‬‬ ‫‪،arrangements ( excerpts )، longman current affairs‬‬ ‫‪. 1991‬‬ ‫‪Konrad Reuter، the bundesrat، the federal‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫‪،council of the federal republic of Germany، Berlin‬‬ ‫‪.2002‬‬


‫املشاركة السياسية والبيئة‬ ‫الدستورية في الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫االستاذ املساعد الدكتور داوود مراد الداوودي‬ ‫كلية القانون جامعة القادسية‬

‫‪43‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪44‬‬

‫مقدمة‬ ‫حتظى املشاركة السياسية باهمية‬ ‫ ‬ ‫بالغة في الواليات املتحدة ‪ ،‬فقد وضعت‬ ‫املعالم الرئيسية لتأطير املشاركة السياسية‬ ‫في الوثيقة الدستورية التي حررها االباء‬ ‫املؤسسني في فيالدلفيا عام ‪ ، 1787‬وقد تضمن‬ ‫الدستور األمريكي الرموز الرئيسة في تقنني‬ ‫املشاركة السياسية وخاصة في املؤسسة‬ ‫الرئاسية والكونغرس التي اطرت مشاركة‬ ‫املواطن األمريكي في رموز نظامه السياسي‬ ‫والدستوري عن طريق تنظيم عملية املشاركة‬ ‫السياسية في انتخابات الرئاسة والكونغرس‬ ‫‪ .‬وكذلك فان ولوج مؤسسات سياسية في‬ ‫البناء الدستوري األمريكي كاحلزبني اجلمهوري‬ ‫والدميقراطي وجماعات املصالح التي اصبحت‬ ‫مبثابة متغيرات فاعلة واساسية في تنظيم‬ ‫املشاركة السياسية للمواطن في الواليات‬ ‫املتحدة ‪ .‬وعليه فقد انطلق الغرض العلمي‬ ‫للدراسة ( ان البناء الدستوري قد وضع االطار‬ ‫املؤسساتي للمشاركة السياسية في‬ ‫الواليات املتحدة ) وقد توزع الفصل على ثالثة‬ ‫مباحث ‪:‬‬ ‫املبحث االول ‪ :‬مفهوم املشاركة‬ ‫ ‬ ‫السياسية ‪.‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬البناء الدستوري‬ ‫ ‬ ‫للمشاركة السياسية ‪.‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬متغيرات املشاركة‬ ‫ ‬ ‫السياسية في الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫املبحث االول‬ ‫املشاركة السياسية‬ ‫املشاركة السياسية ((‪Political ( ))1‬‬ ‫ ‬ ‫‪ )participation‬هي في املقام االول اسهام «‪»1‬‬ ‫املواطن باملسائل السياسية داخل نطاق‬

‫مجتمعه ‪ ،‬سوا ًء كان هذا االنشغال عن طريق‬ ‫التأييد او الرفض او املقاومة او التظاهر ‪.‬‬ ‫ان موضوع املشاركة السياسية‬ ‫ ‬ ‫يطرح العديد من التساؤالت وهي ما مفهوم‬ ‫املشاركة السياسية ؟ وكيف وملاذا يشارك‬ ‫الناس في السياسة وكيف تؤثر خصائص‬ ‫النسق السياسي على اسلوب مشاركة‬ ‫الفرد السياسية ؟‬ ‫املطلب االول‬ ‫في مفهوم املشاركة السياسية‬ ‫ان املشاركة السياسية هي مبدأ‬ ‫ ‬ ‫سياسي يرتبط بعملية التأثير في اتخاذ‬ ‫القرار السياسي وهي احدى صور ممارسة‬ ‫احلقوق والواجبات السياسية للمواطن ‪.‬‬ ‫واملشاركة السياسية تعنى ( حق‬ ‫ ‬ ‫املواطن في ان يؤدى نشاطا ً معينا ً في عملية‬ ‫اتخاذ القرارات السياسية ‪ ،‬وهي في اضيق‬ ‫معانيها – تعنى حق املواطن في ان يراقب هذه‬ ‫القرارات بالتقومي والضبط عقب صدورها من‬ ‫احلكام )((‪))2‬‬ ‫اما ( صموئيل هنتجون ) فيرى ان‬ ‫ ‬ ‫املشاركة السياسية ( ذلك النشاط الذي‬ ‫يقوم به املواطنون العاديون بقصد التأثير‬ ‫في عملية صنع القرار احلكومي سواء اكان‬ ‫النشاط فرديا ً ام جماعيا ً ‪ ))3(()...‬ولكن كيف‬ ‫تبدأ مشاركة الفرد في العمل السياسي؟‬ ‫حقيقة ان أي عمل سياسي يقوم به الفرد‬ ‫يحتاج في بداية االمر الى ان يتخذ قرارين في‬ ‫ان واحد ‪.‬‬ ‫القرار االول ‪ :‬يتعلق بـ( هل اعمل في السياسة‬ ‫ام ال ‪ )...‬في الوقت نفسه يكون القرار الثاني‬ ‫متضمنا ً في القرار االول ففي أي االجتاهات‬ ‫السياسية ابداء العمل ؟ يرافق هذين القرارين‬ ‫قرار ثالث حول مدى االشتراك في العمل‬ ‫السياسي‪ ،‬هل سيكون العمل معتدال ً ام‬ ‫متطرفا ً ؟ وهل سيكون االشتراك مؤقتا ً ام‬


‫دائما ً ‪ ،‬وخالل ذلك يصبح الفرد مشاركا ً فاعال ً‬ ‫او معتدال ً او حتى سلبيا ً اذا ما اتخذ قرارات‬ ‫سلبية‪.‬‬ ‫والواقع ان مفهوم املشاركة‬ ‫ ‬ ‫السياسية مرتبط اشد االرتباط في مفهوم‬ ‫الثقافة السياسية التي تعني ( مجموعة‬ ‫االجتاهات واملعتقدات واملشاعر التي تعطي‬ ‫نظاما ً ومعنى للعملية السياسية وتقوم‬ ‫القواعد املستقرة التي حتكم تصرفات االفراد‬ ‫داخل النظام السياسي ‪ . ))4(()...‬والواقع‬ ‫ان جوهر الثقافة السياسية ينطوي على‬ ‫عناصر عديدة ‪ ،‬اذ يرى (سدني فيريا) ان محتوى‬ ‫الثقافة السياسية هو ((‪: ))5‬‬ ‫االحساس بالهوية القومية وهو‬ ‫‪ .1‬‬ ‫شعور غالبية السكان بالوالء للنظام‬ ‫السياسي وهو جوهر بناء االمة ( ‪Nation‬‬ ‫‪. )Building‬‬ ‫اخملرجات احلكومية ‪ ،‬وتنص على‬ ‫‪ .2‬‬ ‫ان معتقدات االفراد فيما يخص قرارات‬ ‫النظام السياسي تختلف باختالف الثقافة‬ ‫السياسية وحينما تسود الثقافة القومية‬ ‫الشاملة يدرك الفرد امكانية التعبير عن‬ ‫مطالبة وان احلكومة ميكن ان تستجيب له‪.‬‬ ‫عملية صنع القرار ‪ ،‬وهي املعتقدات‬ ‫‪ .3‬‬ ‫املرتبطة مبسلك احلكومة في صياغة القرار‬ ‫املوجه االخير للثقافة السياسية‪ ،‬والثقافة‬ ‫السياسية في الدول الدميقراطية تعد‬ ‫مشاركة ايجابية للفرد ففي صنع السياسات‬ ‫والقرارات ‪.‬‬ ‫وتلك في رأي ( فيريا ) مقومات الثقافة‬ ‫السياسية‪ ،‬وقد حددها من عالقة الثقافة‬ ‫بالنظام السياسي حيث استبان تركيزه على‬ ‫عناصر بناء االمة واالعتماد على احلكومة‬ ‫املركزية في تلبية املطالب ‪ ،‬واملشاركة في‬ ‫عملية صنع القرار ‪.‬‬

‫اما من حيث املستوى ‪ ،‬فان الثقافة‬ ‫ ‬ ‫السياسية على مستويني ‪ ،‬مستوى الفرد ‪،‬‬ ‫وتنصب على كل الطرائق الهامة التي بها‬ ‫يتوجه الفرد ذاتيا ً نحو العناصر االساسية‬ ‫في نظامه السياسي ((‪. ))6‬‬ ‫اما مستوى النظام ‪ ،‬فهو كيف‬ ‫ ‬ ‫ينظر الناخب الى املؤسسات السياسية‬ ‫الرسمية‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد يرى ( صموئيل بير‬ ‫ ‬ ‫) ان مفهوم الثقافة السياسية واحد من‬ ‫اربعة مفاهيم يعدها اساسية في حتليل‬ ‫اال نساق السياسية وهي القيم واملعتقدات‬ ‫واالجتاهات العاطفية التي حتدد لنا ما يجب‬ ‫ان تفعله احلكومة وما حتققه بالفعل ((‪.))7‬‬ ‫والواقع ان افضل تصور للثقافة السياسية‬ ‫هو ان يجعل املصطلح يشير الى تلك البيئة‬ ‫او ذلك املناخ العاطفي الذي تعمل بداخله‬ ‫االنساق السياسية‪ ،‬وبذلك فان مفهوم‬ ‫الثقافة السياسية يعتمد على التوجيهات‬ ‫نحو النظام السياسي ورموزه وقواعده وكيف‬ ‫يتفاعل معها سلبيا ً او ايجابيا ً ((‪ . ))8‬وميكن‬ ‫تصنيف محتوى هذه التوجيهات بوصفها‬ ‫تشمل جانبا ً معرفيا ً ادراكيا ً (‪ )Cognitive‬وهي‬ ‫ما لدى الفرد من معلومات عن االغراض‬ ‫السياسية ‪ ،‬وتوجه عاطفي (‪ )Affective‬ومعناه‬ ‫مشاعر الفرد جتاه االغراض السياسية‪ ،‬ومن‬ ‫ثم توجه تقوميي (‪ )Evaluative‬وهو حكم‬ ‫الفرد ازاء االغراض السياسية ونظرة الفرد‬ ‫لذاته بوصفه فاعال ً سياسيا ً ونظرته الى‬ ‫املؤسسات السياسية القائمة ((‪ . ))9‬ومن‬ ‫البدهي ان فاعلية املشاركة السياسية‬ ‫تعتمد على توقع الفرد من االشباع من‬ ‫النسق السياسي والذي يعني (مجموعة‬ ‫البناءات والعمليات والنظم التي تتفاعل‬ ‫مع بعضها البعض عند حدود ذلك النسق‬ ‫‪45‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪46‬‬

‫مع البيئة التي تشمل عليه ووفقا ً للقيم من خالله املواطن ان يعبر عن اجتاهاته وميوله‬ ‫السائدة في اجملتمع بغية حتقيق االهداف التي السياسية بشكل ايجابي او سلبي ‪.‬‬ ‫يسعى لتحقيقها اجملتمع – أي اجناز للوظائف‬ ‫ذات الطابع السياسي – وبالتالي كلما توقع املطلب الثاني‬ ‫الفرد اشباعا ً من النسق السياسي كان ذلك نس َبية املشاركة السياسية‬ ‫دافعا ً للمشاركة السياسية ((‪ .))10‬ولكن اين ان العنصر البارز في املشاركة السياسية ‪ ،‬هو‬ ‫تكمن صلة الثقافة السياسية باملشاركة ما يخص اجملموعة البشرية وعملية التفاعل‬ ‫السياسية؟ ميكن القول ان الثقافة السياسية التي تتصل بني ابناء هذه اجلماعة‪ .‬الواقع‬ ‫هي احدى العوامل التي جندها وراء التضامن ان التفاعل الذي يدور في حلقة املشاركة‬ ‫االجتماعي ‪ ،‬والتضامن واالجماع يأتي من السياسية هو نسبة عملية املشاركة‬ ‫استشارة االنسان ومساهمته في صنع القرار الفعلية من قبل املواطنني في عملية صنع‬ ‫واالجماع ال يعني سوى ان اللغة والتاريخ القرار ‪ ،‬واذا لم تقل النسبة فباستطاعتنا‬ ‫والعادات واملؤسسات والذهنيات كلها القول ان القصد هو زيادة عدد املشاركني في‬ ‫مشتركة بالشكل االجتماعي ‪ .‬بالشكل الشؤون العامة والقرارات املصيرية بقصد‬ ‫الذي ينتج دمجا ً ثقافيا ً بصفتها اشتراك التوخي وتشمل هذه املشاركة القطاع االوسع‬ ‫مجموعة من الناس في موقف معني((‪ .))11‬من اجملموعة السياسية كي ال تبقى املشاركة‬ ‫وينطوي مفهوم الثقافة السياسية على منوطة بفرد او فئة معينة من اجملتمع ‪ ،‬ولكن‬ ‫موقف االفراد من املؤسسات السياسية هل يشارك العامة في السياسة ؟ وما هي‬ ‫املكونة للنظام السياسي – وهي تدل على دافعية الفرد للمشاركة السياسية في رموز‬ ‫التوجيهات السياسية للفرد ازاء رموز نظامه نظامه السياسي ومؤسساته الدستورية؟‬ ‫السياسي ‪ ،‬ومن هنا ينجم التأثير الذي تتركه الواقع ان املشاركة السياسية نسبي َة ووفقا ً‬ ‫الثقافة السياسية في عالقة الفرد بالعملية للمتغيرات االتية ‪:‬‬ ‫السياسية ‪ ،‬فالثقافة السياسية تؤكد على‬ ‫رابطة املواطنة التي تقود االفراد الى املشاركة اوالً‪ :‬احلوافز السياسية ( ‪) Political Motives‬‬ ‫يرى ( مليبرث ) (‪ ...() ) Milbrath‬ان‬ ‫السياسية في العملية السياسية‪ .‬وعليه ‬ ‫تغدو املشاركة السياسية قرينة منط معني االفراد املتصل بهم شخصيا ً هم اكثر‬ ‫من الثقافة السياسية او تعبيرا ً عنه ‪ ،‬وفي احتماال ً ان يصوتوا ويبدوا اهتماما ً باجلملة ‪،‬‬ ‫ضوء الثقافة السياسية تتحدد طبيعة اما االشخاص الذين لم يحصلوا على قسط‬ ‫النظام بالقوى االجتماعية ‪ ،‬ومن ثم فان معني من التعليم مييلون الى غلق ابوابهم‬ ‫املشاركة السياسية تعبير عن عالقة التفاعل بوجه احلوافز السياسية ‪ ، ))12(()...‬والواقع ان‬ ‫بني املواطن والنظام السياسي ‪ .‬ومما تقدم فان اعضاء الطبقة الوسطى في هرمية اجملتمع‬ ‫مفهوم املشاركة السياسية يعني اشتراك يتعرضون لدوافع اكثر في السياسة من‬ ‫املواطن في احلياة العامة في مجاالتها كافة اعضاء الطبقة العامة وسكان الريف على‬ ‫وان يحدد رأيه واجتاهه الذي يخص العمل التوالي ‪ .‬والواقع ان كثرة السكان في املدن‬ ‫السياسي‪ ،‬واملشاركة السياسية هي في ودينامية احلياة اليومية واالحتكاك املتواصل‬ ‫معناها االدق في سلوك سياسي يستطيع بني االفراد واجلماعات اخملتلفة تفرز عوامل‬


‫مختلفة مؤثرة في تقرير املواقف السياسية‬ ‫بصورة ملحوظة جدا ً ((‪ ، ))13‬في حني ان احلياة‬ ‫في الريف تتسم بالتباعد بني االفراد وضالة‬ ‫االحتكاك بينهم وانتشار القيم التقليدية‬ ‫تبعث عوامل من نفس طبيعتها في تكوين‬ ‫املواقف السياسية ‪ .‬وعليه فان الفرد ككائن‬ ‫اجتماعي يبدأ بادراك البيئة االجتماعية التي‬ ‫يترعرع فيها حسيا ً وفكريا ً وتتكيف استجابة‬ ‫ووفقا ً الوضاع بيئته االجتماعية ((‪ ،))14‬ويتفق‬ ‫مع هذه الرؤيا (مليبرث) اذ يرى ( ان االطفال‬ ‫الذين ينشأون في بيت مسيس يكونون اكثر‬ ‫احتماال ً ملستوى عال من التعرض للحوافز‬ ‫السياسية عندما يكبرون ‪ .))15(()...‬وبذلك‬ ‫ميكن القول ان احلوافز السياسية تعد محركا ً‬ ‫في خلق دافعية الفرد جتاه املشاركة في رموز‬ ‫مؤسساته السياسية ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬العوامل الشخصية (‪)Personal Factors‬‬ ‫وتتمثل رؤية العامل الشخصي في‬ ‫ ‬ ‫كون اولئك املنهمكني في العمل السياسي‬ ‫من الناحية النفسية ‪ ،‬هم اكثر احتماال ً‬ ‫للشعور بكونهم فاعلني مؤثرين في العمل‬ ‫السياسي((‪ . ))16‬وان االشخاص ذوى الدخل‬ ‫العالي واملنزلة االدنى ‪.‬هم اكثر احتماآل ان‬ ‫يصبحوا منهمكني نفسيآ في السياسة‬ ‫من األشخاص ذوي املنزله األدنى وعليه تعد‬ ‫مفردات الرخاء او احلرمان والتطور االجتماعي‬ ‫السريع واالمن املستتب ووجود تواتر اجتماعي‬ ‫او انتفائه مساهمة في توجهات الفرد‬ ‫السياسية وفي متطية سلوكه السياسي‬ ‫((‪ . ))17‬وعليه فاملكانة االجتماعية للفرد‬ ‫وممارسة العمل السياسي ومستوى الدخل‬ ‫تكون متغيرات مؤثرة في تدرجية مشاركة‬ ‫الفرد سياسيا ً‬ ‫ثالثاً‪ :‬الوضع السياسي‬

‫ابتداء ميكن القول ‪ ،‬ان االشخاص‬ ‫ ‬ ‫املتصلني باالحزاب السياسية اكثر احتماال ً‬ ‫للمشاركة في النشاط السياسي ‪ ،‬ويتمثل‬ ‫في االعضاء واالفراد النشطني في التنظيمات‬ ‫السياسية واملشاركني في املؤمترات الرسمية‬ ‫وغير الرسمية ((‪ ، ))18‬وتعمل العالقة‬ ‫بالطريق املعاكس ايضاً‪ ،‬فاالشخاص االكثر‬ ‫اهتماما ً بالسياسة اكثر احتماال ً ملعرفة‬ ‫العاملني في احلزب وثمة عامل اخر ذا فاعلية‬ ‫وتأثير ‪ ،‬فاالشخاص من الذين لهم اثر في‬ ‫السياسة العامة هم اكثر احتماال ً الخبار‬ ‫املسؤولني بارائهم اكثر مما يفعل الذين‬ ‫يشعرون بانفسهم غير فاعلني ‪ ))19((.‬وملا‬ ‫كانت املشاركة السياسية تتخذ اشكاال ً‬ ‫عديدة ‪ ،‬وذلك لكون مدى انشغال الفرد في‬ ‫السياسة له مستويات عدة ‪ ،‬تتوقف على‬ ‫طبيعة النسق السياسي‪ ،‬لذا فان طبيعة‬ ‫املشاركة السياسية تتخذ اشكاال ً مختلفة‬ ‫وفقا ً لنمط النسق السياسي ‪ ،‬اذ ان كل‬ ‫منط يتضمن العديد من االدوار التي يؤديها‬ ‫االفراد داخل النسق السياسي كالذي تتوقف‬ ‫مشاركته السياسية على االدالء بصوته او‬ ‫السياسي احملترف‪ ،‬او اعضاء احلزب النشطني‬ ‫والعالقة بني هؤالء تنظيمية ‪ ،‬أي قائمة على‬ ‫اساس النظام الهرمي في شكل االدوار‬ ‫والعالقة بني هؤالء االفراد حتدد وفقا ً لشكل‬ ‫املشاركة السياسية ومداها لهم ‪.‬‬ ‫مستويات املشاركة السياسية‬ ‫الشكل ( ‪) 1 – 1‬‬ ‫ ‬ ‫ويتضح من الشكل ‪ ،‬ان الفئة االولى او‬ ‫املستوى االول يتمثل في وحدة القرار اولئك‬ ‫الذين ميتلكون ناصية اتخاذ القرار السياسي‬ ‫تكون بايديهم ثم يأتي املستوى الثاني ويتمثل‬ ‫في اجلهاز البيروقراطي ثم املستوى الثالث‬ ‫‪47‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪48‬‬

‫‪ .‬ويشمل االعضاء الفاعلني في التنظيمات )‬ ‫يلعب الوضع االجتماعي دورا ً فاعال ً‬ ‫السياسية ويـأتي في قاعدة التدرج – مجموع ‬ ‫املصوتني – أي اولئك الذي يسمح لهم النظام في صياغة هرمية املشاركة السياسية‬ ‫االنتخابي االدالء باصواتهم في االنتخابات للفرد ‪ ،‬وفي هذا الصدد وجد ( مليبرث )‬ ‫واالستفتاءات – وبعد ذلك تأتي في قاعدة في دراساته ‪ ،‬ان االشخاص ذوى املستويات‬ ‫التدرج العريضة والكثيفة التي تتكون من االجتماعية واالقتصادية العليا مييلون الى‬ ‫مجموع الالمبالني سياسيا ً وهم منصرفون ممارسة املشاركة السياسية بصيغ متنوعة‬ ‫عن الساحة السياسية متاما ً اال بالقدر الذي وبدرجة اكبر واكثر مما يفعله االشخاص من‬ ‫يؤثر في مصاحلهم الشخصية مباشرة ومن ذوى املستويات االدنى((‪ ، ))21‬وقد وجد الكاتب‬ ‫هنا يتضح ان عملية املشاركة السياسية في دراسته ‪ .‬للمشاركة السياسية ‪ ،‬ان‬ ‫عملية معقدة ولها مستويات عدة متباينة الطبقة االجتماعية ذات صلة وثيقة بنسب‬ ‫املشاركة السياسية ‪.‬‬ ‫ومختلفة من نسق سياسي الخر ‪.‬‬ ‫والواقع ان االشخاص الذين يشعرون‬ ‫ ‬ ‫رابعاً‪ :‬االلتزام السياسي (‪ )Political obligation‬انهم اقرب الى مركز اجملتمع هم اكثر احتماال ً‬ ‫يشكل االلتزام السياسي نقطة للدافعية جتاه املشاركة السياسية من‬ ‫ ‬ ‫مهمة من نقاط البحث في عملية املشاركة االشخاص الذين يشعرون انهم ( قرب احلدود‬ ‫السياسية فااللتزام السياسي يعد احد ) ‪ ،‬فالفالحون هم اقل احتماال ً في االنهماك‬ ‫االجتاهات السياسية املهمة املرتبطة بالعمل السياسي ‪ ،‬او املشاركة في االحزاب‬ ‫والتنظيمات السياسية ‪ ،‬مقارنة برجال‬ ‫باملشاركة((‪))20‬‬ ‫خامساً‪:‬تشير دراسات عديدة ان االعمال واعضاء النقابات الذين هم اكثر‬ ‫ ‬ ‫االلتزام املدني (‪ )Civil obligation‬في الواليات احتماال ً في املشاركة السياسية من العمال‬ ‫املتحدة قد وصل الى ‪ ، % 80‬وقد وجدت بعض غير االعضاء في هذه النقابات((‪.))22‬‬ ‫ويبدو ان هناك صلة بني الوضع‬ ‫الدراسات ‪ ،‬ان التصويت يتم على اساس انه ‬ ‫واجب والشعور باملشاركة في عمل سياسي االجتماعي للفرد ودافعيته للمشاركة‬ ‫معني ‪ ،‬على اساس انه واجب يؤدى بالضرورة السياسية في رموز مؤسساته السياسية ‪،‬‬ ‫الى افعال سياسية ايجابية مثلما يحدث وغالبا ً ما تكون العالقة طردية بني احملورين ‪ ،‬اذ‬ ‫في اوقات احلروب واالزمات حيث يرتفع معدل كلما ارتفعت مكانة الفرد اجتماعيا ً ازدادت‬ ‫درجة مشاركته السياسية والعكس صحيح‬ ‫املشاركة السياسية للفرد ‪.‬‬ ‫ويبدوا ان االلتزام السياسي في ‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ومما تقدم فان املشاركة السياسية‬ ‫كل اجملتمعات ليس على درجة واحدة حيث ‬ ‫ان عوامل املوقف االجتماعي للفرد في أي تتفاوت وفقا ً ملعايير احلوافز السياسية‬ ‫مجتمع تؤثر تأثيرا ً مباشرا ً على الشعور والعامل الشخصي والوضع السياسي‬ ‫بااللتزام السياسي واالخير يرتبط به وااللتزام السياسي اضافة الى الوضع‬ ‫االجتماعي والشك ان هذه العوامل تدفع‬ ‫االحساس مبتغيرات املواقف االجتماعية ‪.‬‬ ‫سلبا ً او ايجابا ً باجتاه املشاركة السياسية‪.‬‬ ‫خامسا ً ‪ :‬الوضع االجتماعي ( ‪Social status‬‬


‫املبحث الثاني‬ ‫البناء الدستوري للمشاركة السياسية في‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫الشك ان البناء الدستوري للمشاركة‬ ‫ ‬ ‫السياسية في الواليات املتحدة ‪ ،‬يشتمل‬ ‫الكيفية التي اصبح النظام الدستوري‬ ‫بصورته احلالية الذي هو حصيلة مجموعة‬ ‫من التطورات السياسية والدسورية التي‬ ‫ادت الى والدة االحتاد األمريكي وانبثاق الدستور‬ ‫األمريكي عنه ويجدر بنا ان نتسائل هنا عن‬ ‫طبيعة الدستور هذا وكيف تأطرت املشاركة‬ ‫السياسية في العديد من املؤسسات‬ ‫الدستورية ؟‬ ‫املطلب االول‬ ‫التكيف الدستوري لالحتاد األمريكي‬ ‫في الرابع من متوز من عام ‪1776‬م‬ ‫ ‬ ‫دخلت الواليات املتحدة مرحلة جديدة من‬ ‫تاريخها السياسي والدستوري (*) وميكن ابراز‬ ‫مرحلتني في والدة االحتاد األمريكي ‪.‬‬ ‫اوال ً ‪ :‬مرحلة التحالف‬ ‫ان االحالف العسكرية بني الواليات‬ ‫ ‬ ‫غير ناجحة لضمان مصالح الواليات‬ ‫املشتركة فيه والتي كانت بحاجة الى توجيه‬ ‫موحد في امليادين السياسية واالقتصادية‬ ‫فكان البد لها من مواصلة القتال واحلفاظ‬ ‫على االستقالل الوليد ‪ ،‬لذا فقد اجتمعت‬ ‫املستعمرات الثالثة عشر في (‪ )14‬تشرين‬ ‫الثاني عام ‪ 1777‬م لعقد معاهدة حتالف‬ ‫وقد وضعت جلان املؤمتر ( مشروع االحتاد‬ ‫الكونفدرالي ‪ ) plan of confederation‬اذ‬ ‫تعهدت الواليات باقامة جامعة صداقة‬ ‫ملساعدة بعضها البعض في حالة تعرضها‬ ‫للغزو ‪ ،‬وقد ارسل املشروع الى الواليات‬ ‫للتصديق عليه وبعد مرور سنتني وافقت كل‬ ‫الواليات على هذا املشروع عدا والية ( ميرى‬

‫الند ) ( ‪ ) Mary Land‬بيد ان املوافقة النهائية‬ ‫واجلماعية على بنود االحتاد مطلوبة وبذلك‬ ‫فقد دخل االحتاد مرحلة التنفيذ الفعلي عام‬ ‫‪ 1781‬م ذلك عقب موافقة والية ( ميري الند‬ ‫) على صيغة االحتاد وبهذه الطريقة نشأت‬ ‫في القارة األمريكية اول حكومة مركزية هي‬ ‫حكومة االحتاد التعاهدي ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مرحلة االحتاد‬ ‫ان املظاهر السلبية التي رافقت االحتاد‬ ‫ ‬ ‫التعاهدي (الكونفدرالي )(*) اظهر الشعور‬ ‫قويا ً باحلاجة الى نظام حكومي يتالفى اوجه‬ ‫النقص فيه ‪ .‬لذلك فعلى كل والية مبندوبيها‬ ‫احلضور الى املؤمتر الذي عقد في والية‬ ‫(فيالدلفيا) لبحث حلول وشكل االحتاد املقترح‬ ‫وكان املندبون ميثلون نخبة من السياسيني‬ ‫حتى ان (توماس جيفرسون) وصفهم بانهم‬ ‫ميثلون نخبة من انصاف االلهة (‪Assembly‬‬ ‫‪ )of semi-Gods‬وقد بلغ عددهم (‪ )55‬مندوبا ً‬ ‫وقد طرحت في املؤمتر العديد من املشاريع (*)‬ ‫بيد ان املؤمترين توصلوا الى خطة توفيقية‬ ‫قدمها حاكم والية ( كنكنكت) ومؤداها – ان‬ ‫تتكون السلطة التشريعية من مجلسني ‪،‬‬ ‫مجلس اعلى يكون فيه التمثيل على اساس‬ ‫املساواة بني الواليات ‪ .‬ومجلس ادنى يكون‬ ‫التمثيل فيه على اساس عدد سكان الوالية‬ ‫‪ ،‬وبعد مناقشات مستفيضة وافق املؤمترون‬ ‫على املشروع التوفيقي وذلك في متوز عام‬ ‫‪1787‬م ‪.‬‬ ‫وعرف املشروع في التاريخ الدستوري‬ ‫األمريكي باسم (املصالح الكبرى) (‪The Great‬‬ ‫‪ )compromise‬وعقب املوافقة عهد الى جلنة‬ ‫يرأسها احلاكم ( مورس ) بكتابة الصيغة‬ ‫النهائية للوثيقة الدستورية في (‪ )17‬ايلول‬ ‫وقع عليها (‪ )39‬مندوبا ً ممثلني ل (‪ )12‬والية وقد‬ ‫اكتسبت الوثيقة مرحلة التصديق عليها‬ ‫‪49‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪50‬‬

‫خالل عام ‪1788‬م وقد دخل الدستور مرحلة‬ ‫التنفيذ الفعلي في كانون ثاني ‪ 1789‬وكانت‬ ‫والية (رودايلند) (‪ ) Rehod Island‬اخر والية‬ ‫تصادق على الدستور وذلك في ‪ 29‬اذار عام‬ ‫‪1790‬م ‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫اخلصائص املوضوعية للدستور األمريكي‬ ‫يتفق فقهاء الدستور على عدة خصائص‬ ‫يتصف بها الدستور األمريكي‬ ‫ثانياً‪:‬لقيمة االدبية والقومية للدستور‬ ‫ان الدستور األمريكي جاء بعد معاناة‬ ‫ ‬ ‫ومحاوالت سياسية وقانونية مستفيضة‬ ‫لذلك فبتمام املوافقة عليه ‪ ،‬حل محل اخلالفات‬ ‫واملعارك شعور جماعي بالقيمة الكبرى لهذه‬ ‫الوثيقة اجلديدة ‪ ،‬وقد اصبح الدستور رمزا ً‬ ‫لوحدة الواليات املتحدة واستقاللها حتى عبر‬ ‫عنها احد الكتاب بقوله ( ان الدستور االحتادي‬ ‫هو ملك األمريكيني غير املتوج ‪))23(()...‬‬ ‫وبذلك فقد انتشرت نظرات االحترام لكل‬ ‫من ساهم في وضعه ونظر الى الرجال الذين‬ ‫ساهموا في وضعه على انهم االباء الروحيون‬ ‫للحضارة واجملد السياسي ‪ ،‬واطلق عليهم –‬ ‫االباء املؤسسون (‪. )The Founding Fathers‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬السيادة الشعبية ‪:‬‬ ‫ورد في مقدمة دستور الواليات‬ ‫ ‬ ‫املتحدة ما نصه ( ‪ ...‬نحن شعب الواليات‬ ‫املتحدة نقر بالدستور كي نقيم العدالة‬ ‫ونضمن االستقرار الداخلي ‪.))24(()..‬‬ ‫وبذلك صارت االرادة الشعبية اساسا ً‬ ‫ ‬ ‫للنظام الدستوري اجلديد ‪ ،‬وقد اقر القضاء‬ ‫والفقه الدستوريان ‪ ،‬على ان ارادة الشعب‬ ‫متثل ارادة املواطنني الفاعلني ( ‪) Activities‬‬ ‫وهم الذين يسمح لهم النظام القانوني‬

‫باالشتراك في احلياة السياسية ‪ ،‬كذلك‬ ‫استقر في الفكر السياسي األمريكي ‪ ،‬ان‬ ‫االساس الذي تقوم عليه احلكومة وكذلك‬ ‫الدستور هو الرضا الشعبي او االجماع‬ ‫القومي (‪. )National Consensus‬‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬احلكومة املقيدة ‪:‬‬ ‫خامساً‪ :‬الواليات املتحدة دولة‬ ‫ ‬ ‫فيدرالية وهي تعني توزيع وتشتيت السلطات‬ ‫بني الواليات واحلكومة املركزية ‪ ،‬وفي هذا‬ ‫الصدد يقول (مود) (ان احلكومة املقيدة تظل‬ ‫ذلك املبدأ االساسي للحكومة او النظام‬ ‫الدستوري ((‪ ))25‬وعليه اقر االباء املؤسسون‬ ‫على ان كل قانون يصدر من احلكومة ويفتقد‬ ‫الى رضا احملكومني هو تصرف باطل ال يجب‬ ‫طاعته وهو فكرة احلكومة املقيدة (‪The‬‬ ‫‪))26(( )principle Limited Government‬التي‬ ‫اضحت النظرية الدستورية في الواليات‬ ‫ملتحدة فالدستور األمريكي بخصوص‬ ‫الفيدرالية وتوزيع السلطة ينصف مبا يلي‬ ‫((‪: ))27‬‬ ‫يعدد السلطات في املركز ‪.‬‬ ‫‪ .1‬‬ ‫مينع املركز عن عمل بعض االشياء ‪.‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫مينع بعض الواليات من عمل بعض‬ ‫‪ .3‬‬ ‫االشياء ‪.‬‬ ‫وينتج من ذلك كله ان حكومة الواليات‬ ‫املتحدة حكومة ( قانون ) ال حكومة رجال ‪.‬‬ ‫رابعا ً ‪ :‬مبدأ الفصل بني السلطات‬ ‫في العدد (‪ )47‬من الفيدراليست‬ ‫ ‬ ‫) كتب ( مارسون ) ( ‪ ..‬ليس من حقيقة‬ ‫سياسية لها من القيمة اجلوهرية واالهمية‬ ‫البالغة بالنسبة النصار احلرية كاهمية ان‬ ‫تركز السلطات الثالث التنفيذية والتشريعية‬ ‫والقضائية في قبضة جهة واحدة وهذا عنوان‬ ‫االستبداد ‪. ))28(()...‬‬ ‫ويتفق الفقه الدستوري على استحالة‬ ‫ ‬


‫الفصل املطلق بني السلطات اذ ان كل فرع من‬ ‫الفروع الثالثة منح بعض السلطة للسيطرة‬ ‫على عمليات االفرع االخرى ‪ .‬لذلك فان مبدأ‬ ‫الفصل بني السلطات عندما جمع مع الرقابة‬ ‫واملوازنة في االعتمادية (‪)Interdependenc‬‬ ‫اكثر من االستقاللية ( ‪) Independence‬‬ ‫بحيث اصبحت كل سلطة تكبح وحتد من‬ ‫جماح السلطات االخرى ‪ ،‬وبذلك فقد سعى‬ ‫االباء املؤسسون الى اقامة توازن تام بني‬ ‫مختلف السلطات وهذه النظرية الشهيرة‬ ‫املعروفة بـ(الكبح واملوازنة ) ( ‪cheak and‬‬ ‫‪ ) Balance‬التي تضمنها الدستور األمريكي‬ ‫تشتمل على كوابح عدة ((‪: ))29‬‬ ‫الضوابط الفيدارلية ‪ :‬واليات ‪ ،‬حكومة‬ ‫‪ .1‬‬ ‫فيدرالية ‪ ،‬مجالس والية ‪ ،‬مجلس فيدرالي ‪.‬‬ ‫الضوابط التي تعظم االقتراع ‪ :‬شعب‬ ‫‪ .2‬‬ ‫‪ ،‬ناخبون ثانويون ‪ ،‬ناخبون وممثلون ‪.‬‬ ‫الضوابط في تنظيم السلطات‬ ‫‪ .3‬‬ ‫العامة‪ :‬مجلس نواب ‪ ،‬مجلس الشيوخ ‪،‬‬ ‫وسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ‪،‬‬ ‫وسلطات اخرى‪.‬‬ ‫خامسا ً ‪ :‬جمود الدستور‬ ‫سادساً‪ :‬متيز الدستور األمريكي‬ ‫ ‬ ‫بالتفرد وذلك من خالل الطريقة التي وضعت‬ ‫فيها نصوص الدستور ‪ ،‬ثم احتاج هذا التميز‬ ‫الى ضرورة اتباع اجراءات خاصة لتعديله‬ ‫وتختلف هذه االجراءات عادة عن اجراءات سن‬ ‫القوانني العادية ومن ناحية كيفية املوافقة‬ ‫عليها((‪.))30‬‬ ‫اما اقتراح التعديل فيتم باحدى‬ ‫ ‬ ‫طريقتني ((‪ ، ))31‬االولى حني يتقدم ثلثا ً‬ ‫اعضاء الكونغرس ( النواب والشيوخ ) باقتراح‬ ‫التعديل – والثانية ان تقترح عملية التعديل‬ ‫جمعية تأسيسية يدعوها الكونغرس‬ ‫استجابة للطبات املقدمة له من اجملالس‬

‫التشريعية في ثلث الواليات‪.‬‬ ‫وبهذه االجراءات يتصف الدستور األمريكي‬ ‫بجموده وتفرده عن القوانني العادية ‪.‬‬ ‫سادسا ً ‪ :‬مبدأ املراجعة القضائية (*)‬ ‫ويقصد بذلك حق احملاكم في ان‬ ‫ ‬ ‫تعلن ان اجراءات او قرارات معينة يصدرها‬ ‫الكونغرس تنطوي على مخالفات دستورية‬ ‫‪ ،‬وقد شخص هاملنت ذلك بقوله ان احملاكم‬ ‫قصد بها ان تكون مؤسسة وسطية بني‬ ‫الشعب واملؤسسة التشريعية كي تبقى‬ ‫االخيرة ضمن احلدود احملددة لسلطتها ‪.‬‬ ‫وقد مارست احملاكم األمريكية هذا‬ ‫ ‬ ‫احلق منذ اوائل القرن التاسع عشر وقد ادى‬ ‫تقبل هذا املبدأ الى ان تصبح احملكمة العليا‬ ‫اكثر قوة من اية سلطة قضائية في العالم‬ ‫‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‬ ‫التأطير الرئاسي للمشاركة السياسية في‬ ‫الواليات املتحدة‬ ‫تتمثل املؤسسات الدستورية‬ ‫ ‬ ‫لتنظيم املشاركة السياسية في الواليات‬ ‫املتحدة في املؤسسات الدستورية كالرئاسة‬ ‫والكونغرس التي انبثقت عن وثيقة فيالدلفيا‬ ‫عام ‪ 1787‬اذن فما البناء الدستوري لهذه‬ ‫املؤسسات ‪ .‬وكيف تأطرت مشاركة املواطن‬ ‫األمريكي دستوريا في هاتني املؤسستني ؟‬ ‫الفرع االول‬ ‫املؤسسة الرئاسية *‬ ‫يعد الرئيس في دستور الواليات‬ ‫ ‬ ‫املتحدة‪ ،‬العضو االساس في النظام الدستوري‬ ‫ورئيس الواليات املتحدة ‪ ،‬هو رئيس السلطة‬ ‫التنفيذية التي اناطها اياه الدستور اذ جاء ما‬ ‫نصه (‪ ...‬ستتحول السلطة التنفيذية لرئيس‬ ‫الواليات املتحدة ‪. ))32(()...‬‬ ‫‪51‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪52‬‬

‫الشروط الواجب توافرها في مرشحي‬ ‫الرئاسة‬ ‫يشترط الدستور في مرشحي‬ ‫ ‬ ‫الرئاسة شروطا ً عديدة منها ان ال يقل عمره‬ ‫عن (‪ )35‬عاما ً ليتسنى للرئيس اكتمال‬ ‫النضج السياسي ويكون مؤهال ً في املسائل‬ ‫ذات الطابع القومي سواء اكانت سياسية ام‬ ‫عسكرية ‪.‬‬ ‫كما يشترط الدستور ‪ ،‬ان يكون‬ ‫ ‬ ‫مرشح الرئاسة مولودا في الواليات املتحدة‬ ‫البويني امريكيني ‪ ،‬وبذلك ال يحق ملن حصل‬ ‫على اجلنسية األمريكية بطريقة التجنس‬ ‫ان يشغل منصب الرئاسة ‪ ،‬وكذلك يشترط‬ ‫ان يكون املرشح قد اقام في الواليات املتحدة‬ ‫مدة ال تقل عن اربعة عشر سنة ‪.‬‬

‫املتحدة من بني مرشحي االحزاب للرئاسة ‪.‬‬ ‫والواقع يعرف مقدما ً الى حد كبير‬ ‫ ‬ ‫من سيفوز بالرئاسة األمريكية في ضوء‬ ‫انتخاب املندوبني في املرحلة الثانية فاذا كانت‬ ‫اكثريتهم تنتمي الى احلزب اجلمهوري فاز في‬ ‫املرحلة الثالثة مرشح احلزب اجلمهوري ‪ ،‬الن‬ ‫املندوبني الذين ينتمون اليه يلتزمون باعطاء‬ ‫اصواتهم ملرشح حزبهم ‪ .‬وينطبق ذلك على‬ ‫احلزب الدميقراطي ((‪))35‬‬ ‫وعادة يكتمل النصاب الدستوري‬ ‫ ‬ ‫للفوز عند حصول مرشح الرئاسة على (‪)270‬‬ ‫صوتا ً من اصوات الهيئة االنتخابية البالغة‬ ‫(‪ )538‬أي اكثر من نصف العدد الكلي ‪ ،‬واذا‬ ‫ما تعذر حصول النصاب يؤدى اختيار الرئيس‬ ‫الى مجلس النواب حيث يصوت االعضاء من‬ ‫الواليات ‪ ،‬وملقاطعة كولومبيا صوت واحد‬ ‫((‪))36‬‬

‫انتخاب الرئيس‬ ‫تتم عملية انتخاب الرئيس ونائبه‬ ‫ ‬ ‫في الواليات املتحدة عن طريق االقتراع العام‬ ‫وجتري انتخابات الرئاسة كل اربع سنوات‬ ‫وبالتحديد في اول يوم ثالثاء من شهر تشرين‬ ‫الثاني على وفق شروط الدستور ((‪، ))33‬‬ ‫وفي العادة جتري طريقة اختيار الرئيس في‬ ‫اربع مراحل ‪ ،‬اولها ان تعني كل والية مندوبني‬ ‫عن احلزبني اجلمهوري والدميقراطي يجتمعون‬ ‫في املؤمتر العام الختيار مرشحي احزابهم‬ ‫للرئاسة ونيابة الرئاسة ثم تأتي ثاني هذه‬ ‫املراحل ويقوم الناخبون في الواليات بانتخاب‬ ‫ناخبني رئاسيني (‪ )presidential Electroll‬ويتولى‬ ‫هؤالء مهمة انتخاب الرئيس من بني مرشحي‬ ‫احلزبني ((‪))34‬‬ ‫اما ثالثة املراحل وتشتمل في قيام‬ ‫ ‬ ‫املندوبني باختيار رئيس جمهورية الواليات‬

‫الوالية الرئاسية األمريكية‬ ‫تدوم مدة انتخاب الرئيس اربع سنوات‬ ‫ ‬ ‫وكانت امكانية جتديد انتخابه غير محددة ‪،‬‬ ‫بيد ان الرئيس االول ( جورج واشنطون ) لم‬ ‫يقبل التجديد اال ملرة واحدة وذلك ملنع االخالل‬ ‫بالنظام الدستوري الوليد وبأهم اركانه‬ ‫متمثال ً في منصب الرئاسة ‪.‬‬ ‫وقد اضحى ذلك عرفا ً دستوريا ً معموال ً به‬ ‫في الواليات املتحدة ‪ ،‬اال ان الرئيس (فرنكلني‬ ‫د‪ .‬روزفلت) جدد فترة انتخابه للرئاسة الربع‬ ‫سنوات حتى عام ‪ ، 1944‬االمر الذي قاد الى‬ ‫التعديل الدستوري الثاني والعشرين للدستور‬ ‫األمريكي الذي حظر انتخاب الرئيس الكثر من‬ ‫دورتني رئاسيتني ‪.‬‬ ‫وفي العادة تبدأ مدة والية الرئيس‬ ‫ ‬ ‫من تاريخ استالمه املكتب البيضاوي في‬ ‫‪ 20‬كانون ثاني ‪ ،‬اما املدة املتبقية من اعالن‬ ‫نتائج االنتخابات الرئاسية في تشرين الثاني‬


‫حلني استالم الرئيس تبقى مهام الرئاسة بيد‬ ‫الرئيس السابق ‪ ،‬وتؤدى في بعض االحيان الى‬ ‫مشاكل ‪ ،‬يصفها ( دي توكفيل ) ( فترة ازمة‬ ‫وطنية في الواليات املتحدة)((‪ ،))37‬لكون بقاء‬ ‫كل شيء بيد الرئيس السابق ولم يعد الرئيس‬ ‫يحكم ملصلحة االمة ‪.‬‬ ‫ومما تقدم فان البناء الدستوري في‬ ‫ ‬ ‫الواليات املتحدة قد وضع االسس الالزمة‬ ‫في بناء املؤسسات الدستورية ‪ ،‬متمثلة في‬ ‫املؤسسة الرئاسية ‪ ،‬التي تقنن مشاركة‬ ‫املواطن األمريكي في نظامه السياسي‪.‬‬

‫ولقد تقننت املشاركة السياسية‬ ‫ ‬ ‫للمواطن األمريكي من خالل الشروط‬ ‫الدستورية التي وضعها الدستور ملن يروم‬ ‫الترشيح لعضوية اجمللس فقد تضمنت‬ ‫املادة (‪ )1‬الفقرة االولى ما نصه ‪( :‬ال ميكن الي‬ ‫شخص ان يصبح عضوا ً في مجلس النواب‬ ‫ما لم يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً‪..‬‬ ‫وما لم يكن امريكي املوطن منذ سبع سنوات‬ ‫وما لم يكن مقيما ً وقت انتخابه في الوالية‬ ‫التي ستيم انتخابه فيها ‪))39(()...‬‬ ‫ومن املناصب املهمة في مجلس‬ ‫ ‬ ‫النواب (رئيس مجلس النواب) (‪ )speaker‬الذي‬ ‫يجري انتخابه من قبل االعضاء في مجلس‬ ‫النواب‪ ،‬وهو زعيم حزب االغلبية في اجمللس‬ ‫وميتلك سلطة فاعلة في الكونغرس ويتولى‬ ‫اعطاء الكلمة العضاء اجمللس طالبي الكالم ‪،‬‬ ‫ويتولى احالة مشروعات القوانني الى اللجان‬ ‫بناء على موافقة املستشار‬ ‫البرملاني ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬ ‫املؤسسة التشريعية‬ ‫تأخذ الواليات املتحدة بالنظام االحتادي‬ ‫ ‬ ‫( الفيدرالي ) ‪ ،‬حيث يتم تشكيل السلطة‬ ‫التشريعية عن طريق هيئات عليا متارس‬ ‫السيادة‪ ،‬فالسلطة التشريعية مكونة من‬ ‫مجلسني احدهما ميثل الشعب ويطلق عليه‬ ‫مجلس النواب واالخر ميثل الواليات ويطلق‬ ‫ثانياً‪ :‬مجلس الشيوخ (‪)Senate‬‬ ‫عليه مجلس الشيوخ ‪.‬‬ ‫مجلس الشيوخ ميثل الواليات في‬ ‫ ‬ ‫اوالً‪ :‬مجلس النواب (‪ )House of Representative‬االحتاد األمريكي ‪ ،‬فكل والية ترسل ممثلني عنها‬ ‫يتألف مجلس النواب من ( ‪ 435‬بغض النظر عن تعداد سكانها ومساحتها‬ ‫ ‬ ‫) عضواً‪ ،‬ويجري اختيار اعضائه من دوائر ‪ ،‬وهذا التمثيل من شأنه ان يضمن املساواة‬ ‫انتخابية ‪ ،‬فقد نص الدستور األمريكي على بني الواليات وان يحافظ على حقوقها ‪ .‬وحتى‬ ‫ان عدد اعضاء مجلس النواب ال يتجاوز نائب عام ‪ 1913‬كانت اجملالس التشريعية في‬ ‫واحد عن كل (‪ )30‬الف الف نسمة على ان الواليات تعني اعضاء مجلس الشيوخ ‪ ،‬وبعد‬ ‫يكون لكل والية نائب نائب واحد في االقل ‪ ،‬بيد هذا التاريخ صار انتخابهم يجري من الشعب‬ ‫ان الزيادة السكانية للواليات اظهرت احلاجة مباشرة كاعضاء مجلس للنواب ولكن ملدة‬ ‫الى وجود عدد كبير من االعضاء لذلك مت اقرار ستة سنوات ((‪))40‬‬ ‫اما التقنني الدستوري للمشاركة‬ ‫التشريع الصادر عام ‪ 1929‬الذي حدد مبوجبه ‬ ‫اعضاء مجلس النواب وجعله ال يزيد عن السياسية في مجلس الشيوخ فقد وضعت‬ ‫(‪ )435‬عضوا ً ويجري ذلك عقب االحصائيات معاملة في الشروط التي وضعها الدستور‬ ‫السكانية التي جتري عادة كل عشرة سنوات ملن يروم الترشيح لعضوية مجلس الشيوخ‬ ‫ومنها بلوغ املرشح سن الثالثني وان يكون‬ ‫((‪. ))38‬‬ ‫‪53‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪54‬‬

‫مواطنا ً في الواليات املتحدة ملدة تسع سنوات‬ ‫‪.‬‬ ‫ويتولى نائب الرئيس في الواليات‬ ‫ ‬ ‫املتحدة رئاسة مجلس الشيوخ وهو على‬ ‫نقيض رئيس مجلس النواب ال يتمتع بحق‬ ‫التصويت اال في حالة واحدة هي انقسام‬ ‫اجمللس الى قسمني متساويني ((‪. ))41‬‬ ‫ومن املناصب املهمة في اجمللس ‪ ،‬زعيم‬ ‫ ‬ ‫حزب االغلبية ‪ ،‬ويعد هذا املنصب الثاني بعد‬ ‫منصب نائب الرئيس ويتمتع بسلطات مهمة‬ ‫على حزبه في اجمللس ‪ ،‬ثم هناك رؤوساء‬ ‫اللجان التي يبلغ تعدادها في اجمللس (‪)18‬‬ ‫جلنة دائمة تتباين في اهميتها ومواقعها ومن‬ ‫هنا تختلف اهمية قادة اللجان ومراكزهم‬ ‫في اجمللس ((‪ ، ))42‬وان اختيار رؤوساء اللجان‬ ‫يخضع لنظام االقدمية (‪ ،)*()Seniority‬وقد‬ ‫جرى اصالح على هذا النظام بحيث اختيار‬ ‫رؤوساء اللجان يجرى على قاعدة االنتخاب ‪.‬‬ ‫ويعد نظام اللجان من عوامل‬ ‫ ‬ ‫التنظيم اخلاصة في الكونغرس‪ ،‬وهو من‬ ‫صنع اللوائح الداخلية جمللسي الكونغرس ‪،‬‬ ‫ويقول (ود رو ولسن ) ( الكونغرس منعقد وهو‬ ‫الكونغرس في مظهره اما الكونغرس في‬ ‫جلانه فهو الكونغرس العامل ‪. ))43(()..‬‬ ‫ونظام اللجان جاء استجابة حلاجة‬ ‫ ‬ ‫الكونغرس (*) وهي على اربعة انواع ‪ ،‬اللجان‬ ‫املؤقتة ‪ ،‬وهي اللجان التي تستحدث اليقاع‬ ‫العقوبة اجلنائية مثل جلنة (‪ )Ervin‬اخلاصة‬ ‫بفضيحة ووترغيت ‪ ،‬واللجنة املشتركة التي‬ ‫تتألف من االعضاء الذين ميثلون مجلسي‬ ‫الكونغرس كليهما ‪ .‬اما ( جلنة املؤمتر ) فيقوم‬ ‫بتسميتها رئيس مجلس النواب ورئيس‬ ‫مجلس الشيوخ وتتألف من ( ‪ ) 9 – 3‬عضو‬ ‫لتمثيل اجمللس كاعضاء في املؤمتر وتتولى‬ ‫اللجان الدائمة اختيار اعضاء اللجنة ‪.‬‬ ‫اما اللجان الدائمة – فهي وحدات دائمة‬ ‫ ‬

‫ينشأها الكونغرس وفقا ً للوائح الداخلية وقد‬ ‫اهتمت هذه اللجان مبثابة هيئات مستقلة‬ ‫عن ارادة الكونغرس حتى اطلق عليها ( ود رو‬ ‫ولسن ) ( اجملالس التشريعية الصغيرة ) ‪.‬‬ ‫ومما تقدم فان البناء الدستوري قد‬ ‫ ‬ ‫وضعت معامله في املادة (االولى) من الدستور‬ ‫األمريكي والتي وضعت املعالم الرئيسية‬ ‫للسلطة التشريعية في الواليات املتحدة‬ ‫وفي بنيان القنوات الدستورية للمشاركة‬ ‫السياسية سواء اكان ذلك في االنتخاب ام‬ ‫الترشيح لعضوية الكونغرس ‪.‬‬ ‫املطلب الرابع‬ ‫مصادر النظام الدستوري األمريكي‬ ‫لم تكن الوثيقة الدستورية التي‬ ‫ ‬ ‫حررها االباء املؤسسون في فيالدلفيا قد‬ ‫تضمنت االطر النهائية للنظام الدستوري‬ ‫في الواليات املتحدة ‪ ،‬بل كانت روافد هذا‬ ‫النظام متعددة فما مصادر النظام الدستوري‬ ‫؟ وما مقدار اثارها على املشاركة السياسية‬ ‫في الواليات املتحدة ؟‬ ‫والواقع ان النظام الدستوري في الواليات‬ ‫املتحدة يجد مصادره في رافد عديدة ‪:‬‬ ‫اوالً‪ :‬الوثيقة الدستورية‬ ‫جاءت الوثيقة الدستورية متضمنة‬ ‫ ‬ ‫افكار رئيسية ‪:‬‬ ‫اقامتها حكومة احتادية ال تلغي‬ ‫‪ .1‬‬ ‫حكومات واليات االحتاد وال حتل محلها ولكن‬ ‫اختصاصات محددة منصوص عليها صراحة‬ ‫في الدستور ‪.‬‬ ‫تركيب حكومة االحتاد من عدة‬ ‫‪ .2‬‬ ‫سلطات يجري فيما بينها توازن ورقابة‬ ‫متبادلة وانه يالحظ على احلكومة االحتادية ان‬ ‫سلطاتها موزعة بني هيئات تراقب بطبيعتها‬ ‫بعضها بعضا ً وتصد بعضها بعضا ً عن اساءة‬ ‫استعمال السلطة ‪.‬‬


‫اعتبار السلطات احلكومية ذات‬ ‫‪ .3‬‬ ‫طبيعة محدودة سواء بالنسبة حلكومة‬ ‫االحتاد او بالنسبة حلكومة دويالت االحتاد‬ ‫فسلطات احلاكم الدميقراطي البد ان تكون‬ ‫مقيدة ومحددة حتى يتأتى حلريات االفراد‬ ‫االحترام الالئق ‪ ،‬اذ نصت الوثيقة الدستورية‬ ‫في الفقرتني (‪ )8‬و (‪ )9‬على كفالة حق االفراد‬ ‫((‪ . ))44‬والواقع ان الوثيقة الدستورية جاءت‬ ‫مقتضبة ‪ ،‬وهي اقصر بكثير من دساتير‬ ‫الواليات وباالمكان ارجاع جمود الدستور‬ ‫األمريكي الى ايجازه وعموميته في نصوصه‬ ‫‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬التعديالت الدستورية‬ ‫كانت التعديالت الدستورية السادسة‬ ‫ ‬ ‫والعشرون مبثابة سد للثغرات التي اغفلها‬ ‫االباء (املؤسسون في الوثيقة الدستورية‬ ‫فالتعديالت الدستورية العشر االولى متت‬ ‫بعد بدء احلكومة اجلديدة عملها مباشرة‬ ‫وينظر الى هذه التعديالت احيانا ً على انها‬ ‫متتاز بتعديل دستوري واحد ((‪.))45‬‬ ‫وقد اطلق عليها (اعالن احلقوق) التي‬ ‫ ‬ ‫حدثت ما بني (‪ ) 1791 – 1789‬وهي تتضمن‬ ‫حرية العبادة والصحافة وحرية الكالم‬ ‫والطباعة ‪.‬‬ ‫ثم جاء التعديل الدستوري احلادي‬ ‫ ‬ ‫عشر الذي متت املوافقة عليه عام ‪1798‬‬ ‫والذي نص ( ‪ ...‬على منع أي شخص من اقامة‬ ‫دعوى ضد أي شخص اخر من والية اخرى امام‬ ‫محكمة فيدرالية دون موافقة الوالية املعنية‬ ‫‪. ))46(()...‬‬ ‫ثم تاله التعديل الدستوري الثاني عشر الذي‬ ‫اقر التصويت املنفصل لكل من الرئيس ونائبه‬ ‫في االنتخابات الرئاسية ((‪ . ))47‬اما التعديل‬ ‫الدستوري الثالث عشر فقد قضى بالغاء الرق‬ ‫عقب احلرب االهلية (‪))48(( )1865 – 1861‬‬

‫وتاله التعديل الدستوري الرابع عشر‬ ‫الذي كفل حماية احلقوق املدنية واحلريات‬ ‫ضد انتهاك الواليات وهو يقضي بتأمني‬ ‫حريات السود ‪ ،‬وقد نص التعديل ان جميع‬ ‫االشخاص املولودين في الواليات املتحدة‬ ‫يعتبرون مواطنني للواليات املتحدة وللوالية‬ ‫التي يقيمون بها ‪ ...‬وال يجوز الي والية ان حترم‬ ‫شخصا ً من حياته او حريته او ممتلكاته بغير‬ ‫اتباع االجراءات القانونية السلمية او تنكر‬ ‫احلق في املساواة في حماية القانون على‬ ‫شخص خاضع لسلطتها ‪. ))49(()...‬‬ ‫ثم جاء التعديل الدستوري اخلامس عشر الذي‬ ‫اكد على حرية ممارسة االنتخاب بغض النظر‬ ‫عن اجلنس واللون ((‪. ))50‬‬ ‫اما التعديل الدستوري السادس عشر فقد‬ ‫اتاح للحكومة فرض ضريبة الدخل ‪ ،‬ثم تاله‬ ‫التعديل السابع عشر الذي جعل انتخاب‬ ‫مجلس الشيوخ يجري من الشعب مباشرة‬ ‫ثم جاء التعديل الثامن عشر الذي قضى‬ ‫بتحرمي اخلمور والتعديل الدستوري التاسع‬ ‫عشر الذي اجاز للنساء حق االقتراع ثم تاله‬ ‫التعديل الدستوري العشرون الذي حدد بداية‬ ‫مدة الرئاسة ودورات انعقاد الكونغرس ‪،‬‬ ‫وقصر الفترة التي تنقضي بعد االنتخاب الى‬ ‫ان يتسلم املنتخبون السلطة حتاشيا ً لطول‬ ‫الفترة الراكدة في ممارسة السلطة والتعديل‬ ‫احلادي والعشرون الذي الغى التعديل الثامن‬ ‫عشر ‪ ،‬اما التعديل الدستوري الثاني والعشرون‬ ‫الذي حدد ملنصب الرئاسة لدورتني رئاستني‬ ‫متتاليتني الذي متت املصادقة عليه عام ‪، 1951‬‬ ‫وقد منح التعديل الدستوري الثالث والعشرون‬ ‫الرئيس ونائبه حق التصويت في مقاطعة‬ ‫كولومبيا ‪ ،‬والتعديل الرابع والعشرون الذي‬ ‫الغى الضريبة كشرط في حق االقتراع ‪ ،‬ثم‬ ‫تاله التعديل اخلامس والعشرون الذي خول‬ ‫للرئيس سلطة اشغال منصب نائب الرئيس‬ ‫‪55‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪56‬‬

‫شريطة موافقة الكونغرس مبجلسيه (النواب‬ ‫والشيوخ ) واخيرا ً جاء التعديل الدستوري‬ ‫السادس والعشرون الذي حدد سن التصويت‬ ‫في (‪ )18‬عاما ً ‪))51((.‬‬ ‫الواقع ان هذه االضافات الدستورية تعد‬ ‫مكملة للوثيقة التي حررها االباء املؤسسون‬ ‫وهي تعد رافدا ً من روافد النظام الدستوري‬ ‫األمريكي ‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬احكام احملكمة العليا اخلاصة باجراءات‬ ‫التعديل ‪:‬‬ ‫حدد الكونغرس االحتادي مدة سبع‬ ‫ ‬ ‫سنوات للتصديق على بعض اقتراحات‬ ‫التعديل التي عرضت حديثا ً ((‪ ، ))52‬وقد اقرت‬ ‫احملكمة العليا هذا التحديد باعتباره معقوال ً‬ ‫في حدود سلطة الكونغرس ولم يتضمن‬ ‫االقتراح حتديد مدة معينة للتصديق كما‬ ‫حصل مبناسبة التعديل اخلاص بعمل االحداث‬ ‫(‪ )child labor and Amendment‬الذي طرحه‬ ‫الكونغرس عام ‪ 1924‬والذي صادقت عليه‬ ‫(‪ )28‬والية وال يزال قائما ً ‪ ،‬وقد عرض االمر على‬ ‫احملكمة العليا عام ‪ 1939‬واقرت احملكمة ‪ ..( :‬في‬ ‫حالة عدم حتديد موعد معني للتصديق فان‬ ‫ذلك يجب ان يتم خالل فترة معقولة) ((‪))53‬‬ ‫بيد ان احملكمة العليا لم تعني زمنا ً محددا ً‬ ‫لهذه الفترة تاركة للكونغرس االحتادي امر‬ ‫تقرير ما اذا كان االقتراح ال يزال معروضا ً على‬ ‫الواليات للتصديق عليه وقد قضت احملكمة‬ ‫العليا في دعوة خاصة في والية (كنتاكي)‬ ‫(‪ )Kentucky‬ان للوالية ان تصادق على تعديل‬ ‫دستوري سبق لها ان رفضته ‪ ،‬وقد عرض على‬ ‫احملكمة امر التعديل على دستور والية (اوهايو)‬ ‫(‪ )ohio‬وهو يسمح للناخبني بناء على قرار‬ ‫مجلس الوالية التشريعي ان يبدو رايهم بشأن‬ ‫تعديل الدستور االحتادي ‪ ،‬فقضت احملكمة ان‬ ‫الدستور لم ينص على هذه الطريقة وبالتالي‬

‫فهي غير جائزة ((‪. ))54‬‬ ‫وبذلك فمن املعتاد القول ان السمة‬ ‫ ‬ ‫املميزة لنظام احلكم في الواليات املتحدة هي‬ ‫سيادة القضاء الذي ينبثق من سلطة احملكمة‬ ‫العليا في ابطال قوانني الكونغرس وسائر‬ ‫القرارات الصادرة عن الهيئات احلكومية اذا‬ ‫ما تعارضت واحكام الدستور ((‪ ، ))55‬وذلك‬ ‫ميكن اعتبار مبدأ سيادة القضاء مبثاب اضافة‬ ‫دستورية وهي لم تتم بتعديل دستوري رسمي‬ ‫بل جاء عن طريق التفسير القضائي ‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬التشريعات الصادرة عن الكونغرس‬ ‫يصدر عن الكونغرس االحتادي ‪،‬‬ ‫ ‬ ‫وفي اليوم الواحد العديد من القرارات ‪ ،‬وال‬ ‫تتصل هذه القرارات بالنظام الدستوري ‪،‬‬ ‫فالتشريعات املتعلقة باالعتمادات املالية‬ ‫والقوانني العادية برغم اهميتها ‪ ،‬بيد انها‬ ‫لم تدخل ضمن دائرة جتعلها جزء من النظام‬ ‫الدستوري ‪ ،‬فقليل من هذه التشريعات تقع‬ ‫ضمن هذه الدائرة ‪.‬‬ ‫ونظرا ً لعمومية العبارات التي صيغت بها‬ ‫مواد الدستور كان من الطبيعي ان تصدر‬ ‫تشريعات عديدة الستكمال هذه التفاصيل‬ ‫((‪. ))56‬‬ ‫فاملادة الثالثة من الدستور األمريكي‬ ‫ ‬ ‫تنص على وجود محكمة عليا فاللكونغرس‬ ‫صالحياته في انشاء هذه احملكمة ‪ ،‬بحيث ان‬ ‫جميع املسائل املتعلقة بشكل تلك احملكمة‬ ‫وتعيني اختصاصاتها واستئناف احكامها‬ ‫مصدرها فيما يصدره الكونغرس ‪ ،‬ويتبني‬ ‫في النص الدستوري الذي حرر في فيالديلفيا‬ ‫‪ ،‬كذلك فان الوثيقة لم تنص في اية مادة‬ ‫من موادها على الوظيفة االدارية للحكومة‬ ‫املركزية ‪ ،‬برغم اهمية هذه الوظيفة في‬ ‫الوقت احلاضر فاملصالح االدارية حلكومات‬ ‫الواليات انشئت بتشريعات وكل املؤسسات‬


‫املستقلة انشئت بقرارات من الكونغرس ‪.‬‬

‫باصواتهم ‪ ،‬ولكن استقر عمليا بالتصويت‬ ‫لصالح مرشح احلزب الذي ينتمون اليه والذين‬ ‫دخلوا املعركة االنتخابية بإسمه (*)‪.‬‬ ‫وهكذا فاالعراف والعادات ال ينتج اثرها حيث‬ ‫ال يوجد نص دستوري وحسب ‪ ،‬بل تعمل على‬ ‫تفسير النصوص الدستورية اجلامدة ‪.‬‬ ‫ومما تقدم فان مصادر النظام الدستوري ال‬ ‫تقتصر على الوثيقة الدستورية ‪ ،‬بل كان‬ ‫للتعديالت السابعة والعشرون وتشريعات‬ ‫الكونغرس اضافة لقرارات السلطة التنفيذية‬ ‫دور في خلق كليانية البناء الدستوري القائم‬ ‫في الواليات املتحدة ‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬القرارات االدارية‬ ‫يعد الرئيس في النظام الدستوري‬ ‫ ‬ ‫األمريكي ‪ ،‬املسؤول عن التشريعات الصادرة‬ ‫عن الكونغرس واحكام الدستور ‪ ،‬لذلك‬ ‫يستدعي اصدار قرارات واوامر (‪. ))57(( )order‬‬ ‫وفقا ً لتفسيره اخلاص للمقصود‬ ‫ ‬ ‫بالنصوص الدستورية والتشريعية ‪ ،‬وان كانت‬ ‫هذه القرارات تخضع من قبل للمحكمة‬ ‫العليا ‪ ،‬ففي اجملال الدولي اقرت احملكمة‬ ‫العليا سلطة الرئيس في التصرف في بعض‬ ‫الشؤون اخلارجية دون احلصول على موافقة‬ ‫مسبقة من الكونغرس‪ ،‬وذلك استنادا ً الى ان املبحث الثالث‬ ‫هذه السلطة تدخل بطبيعتها ضمن نطاق متغيرات املشاركة السياسية‬ ‫تتخذ عملية املشاركة السياسية في‬ ‫ ‬ ‫الوظيفة التنفيدية ((‪. ))58‬‬ ‫عالقاتها مع املؤسسات الدستورية ( الرئاسة‬ ‫سادساً‪ :‬االعراف والتقاليد املتبعة في والكونغرس ) صورا ً عديدة ‪ ،‬بيد ان مشاركة‬ ‫املواطن األمريكي في رموز مؤسساته‬ ‫احلكومة األمريكية‬ ‫الشك ان كل حكومة تدير الشؤون السياسية عن طريق قوى سياسية فاعلة‬ ‫ ‬ ‫العامة بطرق ووسائل مختلفة تتطور عبر في النظام الدستوري متمثلة في االحزاب‬ ‫السنني دون ان تكون مقترنة بنص دستوري او السياسية وجماعات املصالح ‪ .‬اذن فكيف‬ ‫بالقوانني االعتيادية ‪ ،‬والواليات املتحدة شأنها تكون مساهمة هذه القوى السياسية في‬ ‫في ذلك شأن الدول االنكلوساكسونية رفد فاعلية املشاركة السياسية للمواطن‬ ‫باعتمادها على القانون العادي املبني على األمريكي في مؤسساته الدستورية ؟‬ ‫العرف والعادة‪ ،‬تفسح لهذه العادات مجاال ً املطلب االول‬ ‫اوسع من سائر البلدان ‪ ،‬فاملرء يدرك الدور االحزاب السياسة‬ ‫ميكن القول ابتدا ًء ان الدستور‬ ‫الفعال الذي تقوم به االحزاب السياسية ‬ ‫في الواليات املتحدة بيد انها لم تكن ضمن األمريكي ال ينص صراحة على ان الواليات‬ ‫املتحدة تأخذ بنظام الثنائية احلزبية ‪ ،‬وقد كان‬ ‫التأطير الدستوري ((‪))59‬‬ ‫كذلك قام العرف والعادة بدور كبير فيما جيل االباء املؤسسني في الواليات املتحدة ال‬ ‫يخص نشاط هيئة مندوبي الناخبني ‪ ،‬خالل يرحب كثيرا ً باالحزاب السياسية ‪ ،‬بل كانوا‬ ‫السنوات التي جتري فيها انتخابات الرئاسة يتخوفون منها‪ ،‬ويخشون ان تؤدى الى سيطرة‬ ‫والتي تختار االحزاب مرشحيها ملنصبي الروح احلزبية ‪ ،‬فقد حذر الرئيس االول ( جورج‬ ‫الرئيس ونائب الرئيس ‪ ،‬فالنص الدستوري واشنطن ) من االثار السلبية للحزبية املترتبة‬ ‫اعتبر هؤالء املندوبني احرارا ً فيما يخص االدالء على سيطرة الروح احلزبية ‪ ،‬بيد ان االنقسام‬ ‫‪57‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪58‬‬

‫بدء يظهر في مؤمتر فيالدلفيا ‪ ،‬حيث انقسم‬ ‫اعضاؤه إلى قسمني في حتديد اختصاصات‬ ‫احلكومة االحتادية‪ ،‬فريق متحور حول ( الكسندر‬ ‫هاملنت) الذي ينادي باالحتادية وتقوية السلطة‬ ‫املركزية ‪ ،‬والفريق االخر متحور حول (توماس‬ ‫جيفرسون) الداعي الى منح الواليات ‪ ،‬مزيدا ً‬ ‫من السلطة واالستقاللية ((‪. ))60‬‬ ‫وحلني عام ‪ 1830‬لم تكن بقيت‬ ‫ ‬ ‫احزاب سياسية ‪ .‬وقد عرفت هذه الفترة‬ ‫الشعور (احلسن) ‪ ،‬بيد ان التصدع الداخلي‬ ‫للدميقراطيني انصار (جيفرسون) ‪ ،‬بدأ يظهر‬ ‫‪ ،‬وبذلك فقد برز حزب قومي بزعامة ( جون‬ ‫ك ‪ .‬ادمز ) وفي عام ‪ . 1836‬انضم القوميون‬ ‫اجلمهوريون – مع بعض انصار جاكسون –‬ ‫ليكونوا حزبا ً جديدا ً يدعى (اللوبيج) (‪)whigs‬‬ ‫والذي تبنى االجتاهات الفيدرالية احملافظة‬ ‫حيث اوصل مرشحه (هاريسون) للرئاسة عام‬ ‫‪1840‬م((‪. ))61‬‬ ‫وفي عام ‪ 1854‬برز احلزب اجلمهوري على انقاض‬ ‫اللوبيج ‪ ،‬وفي عام ‪ 1860‬قدم احلزب اجلمهوري‬ ‫مرشحه الرئاسي ( ابراهام لنكولن) وبذلك‬ ‫فقد رسمت اخلطوط العريضة للتنافس‬ ‫احلزبي وهيمنه احلزبان اجلمهوري والدميقراطي‬ ‫على احلياة السياسية األمريكية‬ ‫الفرع االول‬ ‫النسق الفكري للحزبني اجلمهوري‬ ‫والدميقراطي‬ ‫تلعب االحزاب األمريكية دورا ً فاعال ً‬ ‫ ‬ ‫في احلياة السياسية األمريكية ‪ ،‬حيث انها‬ ‫القناة الرئيسية في املشاركة السياسية‬ ‫للمواطن األمريكي في نظامه الدستوري ‪.‬‬ ‫ولعل السمة البارزة للنظام األمريكي‬ ‫ ‬ ‫هي غياب الفوارق احلادة بني احلزبني اجلمهوري‬ ‫والدميقراطي في االيديولوجيا والبرامج‬ ‫السياسية ‪.‬‬ ‫لقد عرفت االحزاب األمريكية‬ ‫ ‬

‫منذ نشوئها وحتى االن بعدم امتالكها‬ ‫اليديولوجيات تتميز بها عن بعضها وامنا‬ ‫بقيت وسيلة انتخابية تظهر نشاطاتها عادة‬ ‫في فترة االنتخابات وفيما عدى ذلك ميكن‬ ‫تسميتها ( تعاونيات طوعية ) او جتمعات‬ ‫لالفراد بشكل اختياري غايتها حتقيق مصلحة‬ ‫املنتمني اليها ((‪. ))62‬‬ ‫ولهذا كثيرا ً مايقال ‪ ،‬ان االحزاب األمريكية‬ ‫تتيح للناخبني فرصة االختيار ‪ .‬واملفاضلة‬ ‫بني الساسة ولكنها في كثير من االحيان ال‬ ‫تنطوي على فوارق حادة ميكن على اساسها‬ ‫املفاضلة واالختيار بني البرامج السياسية‬ ‫املتميزة ‪.‬‬ ‫والواقع ان تسمية احلزبني اجلمهوري‬ ‫والدميقراطي تسمية على غير مسمى‬ ‫فالدميقراطيون ال يقلون تعلقا ً بالنظام‬ ‫اجلمهوري واجلمهوريون ال يقلون دميقراطية‬ ‫عن الدميقراطيني ويالحظ ان صفة التجانس‬ ‫بني مبادئ احلزبني ال تصل الى حد التطابق‬ ‫الشامل اذ ان هناك اختالفات فيما بينهما‬ ‫فجوهر مبادئ احلزب اجلمهوري الفرد ال‬ ‫اجلماعية وحرية قيام املشروعات اخلاصة‬ ‫‪ ،‬والدستور ال حكم الفرد الواحد وهو حزب‬ ‫القلة من الطبقة العليا في اجملتمع األمريكي‬ ‫( االنكلو ساكسوني ) من االثرياء والوجهاء‬ ‫وهو من الناحية الدستورية ال ينظر لالمور‬ ‫نظرة محيطية وهو ليس مبتكرا ً وخالفا ً في‬ ‫مجال السياسة الداخلية ((‪ ))63‬اما احلزب‬ ‫الدميقراطي ‪ ،‬فالعناصر املكونة له في الغالب‬ ‫من االقليات الدينية والعنصرية والعرقية ‪،‬‬ ‫ويضم كذلك العمال والفالحني واليهود وهو‬ ‫من الناحية الدينية يواجه دعم الكاثوليك‬ ‫في مواجهة البروتستانت والواقع ان اجلميع‬ ‫– دميقراطيون وجمهوريون – متفقون على‬ ‫احترام الدستور والدميقراطية واملؤسسات‬ ‫السياسية واالجتماعية وفصل الدين عن‬


‫الدولة ((‪ ، ))64‬وهناك تقارب بني احلزبني في كثير‬ ‫من املبادئ العامة اما االختالفات ففي اغلب‬ ‫االحيان تكون حول التفاصيل او االساليب‬ ‫التكتيكية وليس حول االستراتيجية ‪.‬‬ ‫ٍالفرع الثاني‬ ‫االلية احلزبية للمشاركة السياسية‬ ‫لقد استقر النظام احلزبي في جميع‬ ‫ ‬ ‫الواليات املتحدة على ان يكون لكل حزب‬ ‫منظمات محكمة االدارة تبقى متماسكة‬ ‫بني انتخاب واخر تسمى (االلة السياسية)‬ ‫(‪ )political Machine‬وتتألف من عدد كبير من‬ ‫محترفي النشاط السياسي وهم يتخذون‬ ‫من املساعي السياسية مهنة لهم ‪ ،‬ويعهد‬ ‫لاللة السياسية القيام بالنشاط االنتخابي‬ ‫الشاق ((‪. ))65‬‬ ‫ويتجلى تنظيم االحزاب األمريكية‬ ‫ ‬ ‫ً‬ ‫للمشاركة السياسية اوال في االقليم وهي‬ ‫الدائرة االنتخابية الصغيرة التي تضم ( ‪200‬‬ ‫– ‪ )2000‬ناخب ويرأس هذه اللجنة رئيس ثم‬ ‫تأتي درجة اعلى (كابنت) على صعيد الدائرة‬ ‫االنتخابية وجلان االحياء والدوائر يشكلون جلنة‬ ‫املقاطعة ‪ ،‬وجلان املقاطعات يختارون رؤوساء‬ ‫املقاطعة الذين ميلكون قوة كبيرة في احلزب ‪،‬‬ ‫ثم تأتي جلنة الوالية على رأس التنظيم على‬ ‫الصعيد احمللي ((‪. ))66‬‬ ‫اما اللجنة الوطنية ‪ ،‬فهي املنظمة التي‬ ‫ال تنقطع نشاطاتها في فترات انعقاد‬ ‫املؤمتر القومي ‪ ،‬وفي السنة التي جتري فيها‬ ‫انتخابات الرئاسة وهي التي حتدد انعقاد املؤمتر‬ ‫القومي ومكانة والقاعدة العامة في البرامج‬ ‫االنتخابية ‪ .‬وحتاول اللجنة الوطنية صياغة‬ ‫البرنامج السياسي بصورة ترضي اجلميع ‪.‬‬ ‫ويعد االخذ بنظام الالمركزية على‬ ‫ ‬ ‫مستوى احلزبني اجلمهوري والدميقراطي احدى‬ ‫السمات الرئيسية للنظام احلزبي األمريكي‬

‫‪ ،‬فالسلطة في االحزاب األمريكية ليست‬ ‫مركزية بل هي منتشرة وموزعة وهناك دائما ً‬ ‫قنوات اتصالية من (اعلى الى اسفل) ومن‬ ‫(اسفل الى اعلى) ‪ ،‬في احلزبني الدميقراطي‬ ‫واجلمهوري يكون الضغط موجها ً من اسفل‬ ‫الى اعلى وليس العكس ‪.‬‬ ‫وميكن القول ان الالمركزية التي‬ ‫ ‬ ‫تسود االحزاب األمريكية جتدها في طبيعة‬ ‫نظام احلكم في اجملتمع األمريكي الذي يعتمد‬ ‫على الفيدرالية ‪ ،‬كذلك طبيعة الدستور‬ ‫األمريكي الذي يتجه في جوهره نحو عدم‬ ‫تركيز السلطة وجعلها موزعة ومشتتة‬ ‫‪ ،‬ولعل الفلسفة التي تكمن خلف تصور‬ ‫الفيدرالية ‪ ،‬انها تقود الى اضعاف االجتاه نحو‬ ‫تركيز السلطة (*) ‪.‬‬ ‫وهكذا ساهمت الفيدرالية في توزيع‬ ‫السلطة بني املستويات اخملتلفة من احلكومة‬ ‫( قومية ومحلية) وبالتالي فان الالمركزية‬ ‫على املستوى احلزبي تأتي اتساقا ً مع املناخ‬ ‫السياسي العام السائد والروح املسيطرة‬ ‫على الدستور ‪ ،‬ولعل ذلك هو ما دفع البعض‬ ‫الى القول ان الواليات املتحدة تعرف تعددية‬ ‫على مستوى كل حزب متاثل عدد الواليات ‪،‬‬ ‫فاحلزب الدميقراطي مثال ً يعتبر كل فرع له في‬ ‫الواليات اخملتلفة مبثابة حزب مستقل فاحلزب‬ ‫الدميقراطي في والية (اوهايو) يختلف متاما ً عن‬ ‫احلزب الدميقراطي في والية نيويورك ‪ ،‬وكذلك‬ ‫احلال ينطبق على احلزب اجلمهوري ‪ ،‬بيد ان‬ ‫هذه التعددية ال تعني في أي حال ان االحوال‬ ‫انها تنطوي على االنقسام او االختالف بل‬ ‫ميكن ان نطلق على التمايز واالختالف التعدد‬ ‫في اطار الوحدة او التمايز في اطار الكل الذي‬ ‫يرجع اساسا ً الى نظام الالمركزية السائد في‬ ‫الواليات املتحدة ‪.‬‬ ‫الفرع الثالث‬ ‫االلية االنتخابية لالحزاب األمريكية‬ ‫‪59‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪60‬‬

‫ان قواعد تقدمي املرشحني في االحزاب‬ ‫ ‬ ‫األمريكية تعتمد على نظام االنتخابات‬ ‫االولية (‪ )primaries Assmbley‬ومبقتضى هذه‬ ‫الطريقة فان املشاركة السياسية للمواطن‬ ‫األمريكي عن طريق االنتخاب املباشر‬ ‫للمرشحني بواسطة مجموعة من الناخبني‬ ‫‪ ،‬انتخاب منظم بطريقة رسمية ‪ ،‬اذ يدعى‬ ‫الناخبون البداء اراءهم مبرشحي االحزاب ‪،‬‬ ‫وهذه الطريقة من االنتخابات على ثالثة انواع‬ ‫(*) ‪:‬‬ ‫اوالً‪ :‬االنتخابات االولية املغلقة ‪:‬‬ ‫وتتخذ املشاركة السياسية للفرد في‬ ‫ ‬ ‫ً‬ ‫كونه يقوم باالعالن رسميا اذا كان من احلزب‬ ‫اجلمهوري او احلزب الدميقراطي ‪ ،‬أي يتطلب‬ ‫االعالن عن احلزب الذي ينتمي اليه الناخب ‪،‬‬ ‫وعلى كل ناخب ان يسجل انتماء في مركزه‬ ‫االنتخابي على اساس هويته احلزبية ‪ ،‬ويتلقى‬ ‫كل ناخب بطاقة انتخابية وتظهر اسماء‬ ‫املرشحني ويضع عالمة (‪ )+‬امام من يختاره‬ ‫مرشحا ً حلزبه في االنتخابات القادمة ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬االنتخابات االولية املفتوحة ‪:‬‬ ‫تتخذ املشاركة السياسية وفق هذا‬ ‫ ‬ ‫النظام بتسلم كل ناخب بطاقتني احدهما‬ ‫جمهورية واالخرى دميقراطية وتستعمل‬ ‫هاتني البطاقتني بالشكل السابق ‪ ،‬اذ يتطلب‬ ‫من الناخب اعادة احدى البطاقتني بعد ان‬ ‫يؤشر امام كل مرشح يفضله ‪.‬‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬نظام االنتخابات االولية غير احلزبية ‪:‬‬ ‫‪Non – party Elections‬‬

‫وفق هذا النظام مينح كل ناخب قائمة‬ ‫ ‬ ‫باسماء كل املرشحني جلميع املناصب دون ان‬ ‫يأخذ بنظر االعتبار انتماءهم احلزبي ‪ ،‬وعلى‬ ‫كل ناخب ان يؤشر على املرشح الذي يفضله‬ ‫في القائمة ‪ ،‬وهذا االسلوب من املشاركة‬

‫السياسية متبع في الواليات األمريكية‬ ‫التي ال تعرف االحزاب امثال ( نبراسكا ) و (‬ ‫مينوستا)‬ ‫وعليه فان طريقة االنتخاب االولية ‪ ،‬تعتمد‬ ‫وفي مختلف الواليات الختيار املرشحني‬ ‫ملناصب الوالية واملناصب احمللية وتعيني‬ ‫املندوبني لدى املؤمتر القومي ‪.‬‬ ‫ويعد املؤمتر القومي ‪ ،‬الوحدة االساسية في‬ ‫التنظيم احلزبي في الواليات املتحدة ‪ ،‬ففيه‬ ‫تقرأ انظمة احلزب ‪ ،‬ويتم تسمية املرشحني‬ ‫‪ ،‬وخالله يتم حتديد البرنامج السياسي (‬ ‫‪ ) Platform‬الذي سيخوض احلزب على اساسه‬ ‫معركة الرئاسة ‪.‬‬ ‫ففي انتخابات الرئاسة عام ‪ 1964‬ركز‬ ‫البرنامج السياسي للحزب الدميقراطي على‬ ‫بنود القضية الفيتنامية والوجود األمريكي‬ ‫هناك ‪ ،‬اما البرنامج السياسي للحزب‬ ‫الدميقراطي عام ‪ 1992‬فقد ركز املرشح‬ ‫الرئاسي الدميقراطي ( كلنتون ) على قضايا‬ ‫السياسة الداخلية في حني ركز الرئيس بوش‬ ‫مرشح احلزب اجلمهوري في برنامجه على‬ ‫قضايا السياسة اخلارجية ‪.‬‬ ‫اما البرنامج السياسي للحزب الدميقراطي‬ ‫في انتخابات الرئاسة عام ‪ ،1996‬فقد بدأ‬ ‫اعمال مؤمتر احلزب الدميقراطي الذي عقد في‬ ‫(‪ )30‬اب ‪ 1996‬في ( شيكاغوا ) بترشيح املؤمتر‬ ‫للرئيس (كلنتون) خلوض سياق انتخابات‬ ‫الرئاسة وفي خطابه لقبول الترشيح اعلن‬ ‫الرئيس (كلنتون) عن انتقاده للكونكرس‬ ‫اجلمهوري ثم طرح مبادرتني في التعليم‬ ‫والبيئة في نطاق سياسته الداخلية املقبلة‬ ‫‪ ،‬وقد اظهر الدميقراطيون وحدتهم في ايام‬ ‫انعقاد املؤمتر حتى ال تكرر مأساة عام ‪1968‬‬ ‫حني خسروا االنتخابات بسبب انشقاقهم ‪.‬‬ ‫وبعد ترشيح الرئيس (كلنتون) في املرة االولى‬ ‫منذ عام ‪ 1936‬الذي اعيد بها انتخاب (فرانكلني‬


‫د‪ .‬رزوفلت) لفترة رئاسية ثانية وثالثة ‪ ،‬والتي‬ ‫مت فيها ترشيح الرئيس الدميقراطي دون‬ ‫معارضة حزبية وقد ركز البرنامج السياسي‬ ‫للدميقراطني على قضايا السياسة الداخلية‬ ‫وهو ما قاد في النهاية الى ترجيح كفة‬ ‫املرشح الدميقراطي على منافسة اجلمهوري‬ ‫( بوب دوول )((‪. ))67‬‬ ‫كذلك في انتخابات الرئاسة عام (‪)2000‬‬ ‫رشح الدميقراطيون(الغور) عام(‪( )2000‬وجون‬ ‫كيري) عام (‪ )2004‬باملقابل رشح اجلمهوريون‬ ‫(جورج بوش) الذي فاز لواليتني رئاسيتني‬ ‫كذلك في انتخابات الرئاسة عام (‪ )2008‬رشح‬ ‫الدميقراطيون(باراك اوباما) كمرشح للحزب‬ ‫الدميقراطي في حني كان مرشح اجلمهوريون‬ ‫(جون ماكني)‬ ‫واملؤمتر الذي ينعقد كل اربع سنوات تتخلص‬ ‫وظيفته مبا يلي ‪))68(( :‬‬ ‫وضع برنامج للحزب ‪.‬‬ ‫‪ .1‬‬ ‫وضع القواعد التنظيمية للحزب ‪.‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫انتخاب اللجنة املركزية للحزب ‪.‬‬ ‫‪ .3‬‬ ‫وعقب انتهاء مهمة احلزب في تعيني‬ ‫املرشحني تبدأ احلملة االنتخابية التي تتأثر‬ ‫باهمية بالغة‪ ،‬اذ يعتقد ان فوز املرشح في‬ ‫انتخابات الرئاسة او في الكونغرس يعتمد‬ ‫على جناح حملته االنتخابية بغية استقطاب‬ ‫الناخبني ‪.‬‬ ‫وعادة يقوم احلزبان الدميقراطي واجلمهوري‬ ‫بتعيني جلنة قومية تكون مهمتها االشراف‬ ‫على سير العملية االنتخابية ‪ ،‬وتقوم اللجنة‬ ‫بجهد كبير في مختلف الواليات األمريكية‬ ‫من اجل توسيع قاعدة مشاركة افرد في‬ ‫االنتخابات لصالح املرشح وتهدف الى ايصال‬ ‫برنامج احلزب الى الناخبني باسرهم ((‪. ))69‬‬ ‫ومما تقدم فان النظام احلزبي في الواليات‬ ‫املتحدة يعد من متغيرات املشاركة‬ ‫السياسية الفاعلة في النظام السياسي‬

‫األمريكي وبالتالي فان احلزبني اجلمهوري‬ ‫والدميقراطي ميثالن وجهني للطبقة‬ ‫الرأسمالية املسيطرة في الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من اختالف خطابهما السياسي‬ ‫الداخلي بني لبيرالي متوجه الى الطبقات‬ ‫الدنيا الحتواء حركتها السياسية وبني‬ ‫اخلطاب الرجعي املعبر عن النزعات املتطرفة‬ ‫لإلحتكارات الرأسمالية ‪ ،‬هما جزء اساسي‬ ‫من الية عمل النظام السياسي في الواليات‬ ‫املتحدة ‪،‬وان احلزبني الدميقراطي واجلمهوري‬ ‫تتطور برامجهما وتتغير كل اربع سنوات وفق‬ ‫املتغيرات السياسية الداخلية واخلارجية ومبا‬ ‫يوازي متطلبات احلملة االنتخابية الرئاسية‪،‬‬ ‫بحيث يبدوا ان وظيفة احلزبني ال تعدوا افراز‬ ‫املتنافسني على كرسي الرئاسة او املقعد‬ ‫في الكونغرس او احتواء حركة الناخبني‬ ‫االمريكان من هذا االطار ‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‬ ‫جماعات املصالح‬ ‫تعد ظاهرة جماعات املصالح ‪ ،‬ظاهرة‬ ‫ ‬ ‫اجتماعية قدمية اال انها لم تبرز بشكلها‬ ‫املتميز في احلياة السياسية اال قبل عقود‬ ‫في الواليات املتحدة عرف عنها التعبير وشاع‬ ‫في البلدان االخرى فما هي جماعات املصالح‬ ‫هذه وما هي أصنافها ؟ وما مدى قدرتها في‬ ‫رفد فاعلية املشاركة السياسية للمواطن‬ ‫األمريكي ؟‬ ‫مفهوم جماعات املصلحة (‪)Interests Group‬‬ ‫جماعات املصلحة بصورة عامة هم جماعة‬ ‫من االشخاص تربطهم مصلحة مشتركة‬ ‫وعالقات اجتماعية خاصة ذات صفة مؤقتة‬ ‫او دائمة بحيث تفرض على اعضائها منطا ً‬ ‫معينا ً من السلوك االجتماعي يجمع هؤالء‬ ‫االفراد قد يقوم على هدف مشترك او مصلحة‬ ‫مشتركة ‪ ...‬يسعون للضغط على السلطة‬ ‫‪61‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪62‬‬

‫في الدولة لكي تتخذ القرارات التي تتفق‬ ‫ومصاحلهم املشتركة ‪. ))70(()...‬‬ ‫وجماعات الضغط تختلف عن جماعة‬ ‫املصلحة اذ يرى (جان ميتو ) – ( ان جماعة‬ ‫املصلحة ال تتحول الى جماعة ضاغطة اال‬ ‫ابتدأ من اللحظة التي يستعمل املسؤولون‬ ‫التأثير في اجلهاز احلكومي في سبيل انتصار‬ ‫مطالبها ((‪. ))71‬‬ ‫وعليه فان جماعات املصالح مهما تعددت‬ ‫وتنوعت اشكالها واهدافها فانها تنطوي على‬ ‫عنصر مشترك ينظمها جميعا ً هو املصلحة‪،‬‬ ‫التي تدافع عنها في مجتمع متعدد املصالح‬ ‫واداتها في ذلك هي العمل السياسي ((‪. ))72‬‬ ‫وتلعب جماعات املصالح في الواليات املتحدة‬ ‫دورا ً مهما ً في تشكيلة السياسة تلك التي‬ ‫متس االوضاع الداخلية او اخلارجية ‪ ،‬اذ اختلفت‬ ‫مسببات وجود هذه اجلماعات واقترانها‬ ‫بالنظام السياسي األمريكي ولعل ابرز تلك‬ ‫املرجحات ((‪:))73‬‬ ‫اوالً‪ :‬التكوين احلزبي ‪:‬‬ ‫لقد نشأت جماعات املصالح كرد‬ ‫ ‬ ‫فعل على النظام احلزبي السائد الذي يهيمن‬ ‫عليه نظام ثنائية احلزبني ‪ ،‬والثنائية ال حتتوي‬ ‫على تعددية الوعاء االجتماعي بصورته‬ ‫الشاملة للمجتمع األمريكي ذات النمط‬ ‫الفئوي التعددي ‪ ،‬لذلك فان سيادة احلزبني‬ ‫الدميقراطي واجلمهوري حرم الكثير من‬ ‫اجلماعات التي قد تختلف مع وجهة نظر‬ ‫احلزبني الرئيس من فرصة تكوين احزابها‬ ‫السياسية ‪ ،‬لذلك تكونت هذه اجلماعات‬ ‫بفعل التأثير في سياسة احلزبني مع ما يتفق‬ ‫ومصاحلها املباشرة ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مبدأ الفصل بني السلطات‬ ‫يقوم النظام الدستوري في الواليات‬ ‫ ‬

‫املتحدة على هذا املبدأ ‪ ،‬االمر الذي يحتم‬ ‫االتفاق التام بني السلطتني التنفيذية‬ ‫والتشريعية قبل اقرار القوانني ‪ ،‬وبذلك عدت‬ ‫جماعات املصالح حلقة اتصال بني السلطتني‬ ‫‪ ،‬وبذلك يكون للتركيبة الدستورية دور في منو‬ ‫هذه اجلماعات في الواليات املتحدة ‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬التجمعات ذات النزعة االيدلوجية‬ ‫ان هذه التجمعات وكما يصفها‬ ‫ ‬ ‫(ميتو) ( فئة متنافرة للغاية) ويضم هذا‬ ‫التجمع مختلف االجتاهات الفكرية‬ ‫واالخالقية والعقائدية ومنها جمعية احملاربني‬ ‫القدماء ( ‪ )Veterans Foreign war‬وهي تنشأ‬ ‫عادة في اعقاب احلروب التي تخوضها الواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫واجلمعيات العرفية ((‪ ، ))74‬كاجلمعية‬ ‫ ‬ ‫الوطنية لتقدم الشعب امللون ‪ ،‬وهناك‬ ‫اجلمعيات االخالقية امثال ‪ ،‬احتاد احلريات‬ ‫األمريكي وكونغرس املساواة العرقية –‬ ‫وجمعية الشباب املسيحيني ومن اجلمعيات (‬ ‫جمعية بناة الثورة األمريكية واالحتاد األمريكي‬ ‫للنساء املتعففات ) ‪.‬‬ ‫ويشكل اليهود في الواليات املتحدة‬ ‫ ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األمريكية تنظيما جمهوريا يهوديا في غاية‬ ‫التعقيد ‪ ،‬اذ يتكون من شبكة معقدة من‬ ‫االجهزة واللجان ‪ ،‬وبرغم تعدادها الهائل‬ ‫بيد انها تتصف مبركزية القيادة والتنسيق‬ ‫والتخطيط ‪.‬‬ ‫وتأتي في مقدمة املنظمات‬ ‫ ‬ ‫الصهيونية املوالية السرائيل جلنة (ايباك) (‬ ‫جلنة الشؤون العامة االسرائيلية األمريكية‬ ‫( ‪American – Israel Public Affairs ,‬‬ ‫‪ ) Committee‬وهي جماعة املصالح (اللوبي)‬ ‫الرسمية املسجلة رسميا ً وفقا ً للقانون ‪ ،‬وهي‬ ‫ال تكتفي بعرض نشاطاتها السياسية في‬ ‫الكونغرس ‪ ،‬بل تسعى الى توطيد املصالح‬


‫االسرائيلية بعرض مطاليبها على السلطة‬ ‫التنفيذية أيضا ‪ ،‬وتعمل على إحلاق برامجها‬ ‫جزء من برامج االحزاب األمريكية سواء على‬ ‫املستوى احمللي او املستوى القومي ‪.‬‬ ‫وفي الواليات املتحدة يوجد تنظيم‬ ‫ ‬ ‫يهودي وصهيوني في غاية التعقيد يتكون‬ ‫من شبكة من االجهزة واللجان واجلمعيات‬ ‫واملنظمات الدينية والثقافية واالجتماعية‪.‬‬ ‫وقد سجلت سنوات عقد الثمانينات‬ ‫ ‬ ‫تطورا ً عدديا ً نوعيا ً في املنظمات الصهيونية‬ ‫في الواليات املتحدة ‪ ،‬ووفقا ً الحصائيات‬ ‫الكتاب السنوي لليهود االمريكان ‪ ،‬فان عدد‬ ‫املنظمات الصهيونية وصل (‪ )342‬منظمة‬ ‫مرتبطة باحلركة الصهيونية وموالية لها ‪.‬‬ ‫وفي سياق اهدافها وسياساتها‪،‬‬ ‫ ‬ ‫فان املنظمات الصهيونية على سبعة انواع‬ ‫(‪ )147‬منظمة دينية تعليمية (‪ )34‬منظمة‬ ‫ثقافية و (‪ )28‬منظمة عالقات عامة و (‪)22‬‬ ‫منظمة مساعدات خارجية و (‪ )27‬منظمة‬ ‫ضمان اجتماعي و (‪ )17‬منظمة اجتماعية‬ ‫للفائدة املتبادلة و (‪ )67‬منظمة صهيونية‬ ‫مؤيدة السرائيل – ويأتي في املقدمة ( االيباك )‬ ‫واجمللس األمريكي – االسرائيلي ومنظمة بناي‬ ‫بريت املعادية لالفتراء وجمعية ابناء صهيون ‪،‬‬ ‫واملؤمتر الصهيوني حلاخامات اليهود ‪ ،‬ومنظمة‬ ‫هداسا ‪ ،‬وجلنة العمل اليهودي ‪ ،‬واجمللس‬ ‫القومي للنساء اليهوديات واجمللس القومي‬ ‫السرائيل الفتية واملنظمة الصهيونية في‬ ‫امريكا ولعل اهم املنظمات الصهيونية‬ ‫األمريكية وهي عبارة عن جماعات مسؤولة‬ ‫عن تنسيق اكثر من (‪ )30‬جماعة يهودية حول‬ ‫مسائل السياسة اخلارجية (*) ‪ .‬‬ ‫ومما تقدم فان هذا الكم اخملتلف املهام‬ ‫ ‬ ‫من جماعات الضغط في الواليات األمريكية‬ ‫في مختلف اصنافها االيدلوجية تسعى‬ ‫جميعها الى التأثير على قرار الناخب األمريكي‬

‫في االنتخابات الرئاسية وخاصة التي جترى‬ ‫عادة كل اربع سنوات ‪ ،‬وحتاول ادخال برامجها‬ ‫في منهاج احلزبي الدميقراطي واجلمهوري ‪،‬‬ ‫وبذلك عدت جماعات املصالح احدى متغيرات‬ ‫املشاركة السياسية التي جاءت خارج نطاق‬ ‫التأطير الدستوري في الواليات املتحدة ‪.‬‬

‫اخلالصة‬ ‫ان املشاركة السياسية تتضمن‬ ‫ ‬ ‫اشتراك املواطن في احلياة السياسية وقد‬ ‫وضعت االطر الدستورية في البناء السياسي‬ ‫الذي وضعه االباء املؤسسون عام ‪، 1789‬‬ ‫فقد تضمن الدستور األمريكي املؤسسات‬ ‫الدستورية التي تقنن املشاركة السياسية‬ ‫متمثلة باملؤسسة الرئاسية والكونغرس‬ ‫‪ ،‬والشك فان طريقة الترشيح واالنتخابات‬ ‫تعبر عن االلية الدستورية ملشاركة املواطن‬ ‫األمريكي في رموز نظامه السياسي ‪،‬‬ ‫وكذلك فان هناك العديد من املمارسات التي‬ ‫اصبحت مصادر اساسية للنظام الدستوري‬ ‫األمريكي متمثلة في تشريعات الكونغرس‬ ‫والقرارات االدارية والتعديالت الدستورية اذ‬ ‫عدت من اساسيات الهيكلية الدستورية‬ ‫للنظام السياسي‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪64‬‬

‫الهوامش ‪:‬‬ ‫((‪ ))1‬الشركة والشراكة سواء ‪ :‬مخالطة الشريكني‬ ‫‪ ،‬يقال اشتركنا مبعنى تشاركنا وقد اشترك الرجلني‬ ‫وتشاركا وشارك أحدهما االخر والشريك ‪ ،‬املشارك‬ ‫‪ ،‬والشرك كالشريك ‪ :‬قال االزهري ‪ :‬يقال شريك‬ ‫واشراك وكما يقال نصير وانصار واملرأة شريكة‬ ‫والنساء شرائك واشتركتا وتشاركنا في كذا‬ ‫وشركته في البيع وامليراث اشركه شركة واالسم‬ ‫الشرك ‪.‬‬ ‫وروى عن الرسول (ص) انه قال ‪ :‬الناس شركاء في ثالث‬ ‫الكأل واملاء والنار ‪ .‬شرك قال ورأيت فالنا ً مشتركا ً اذا‬ ‫كان يحدث نفسه أي ان رايه مشترك ليس بواحد‬ ‫‪ ،‬ورد ذلك االيضاح الفقهي لهذه الكلمة في ابن‬ ‫منظور ‪ :‬لسان العرب اجمللد الثاني ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬دار لسان‬ ‫العرب ‪ ،‬ص‪. 306‬‬ ‫((‪ ))2‬جالل عبد اهلل معوض‪ :‬ازمة املشاركة‬ ‫السياسية في الوطن العرب ‪ ،‬مجموعة باحثني‬ ‫(الدميقراطية وحقوق االنسان في الوطني العربي)‬ ‫بيروت ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪– 1987 ،‬‬ ‫ص‪.63‬‬ ‫(‪ )3‬حسني علوان‪ :‬املشاركة السياسية في الدول‬ ‫النامية (النموذج االفريقي) اطروحة دكتوراه غير‬ ‫منشورة ‪ ،‬كلية العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة بغداد‬ ‫‪ ، 1996 ،‬ص ‪.8‬‬ ‫(‪Lucian pye, political culture, In «International )4‬‬ ‫‪,1968 ,12.Encyclopedia of social science,» Vol‬‬ ‫‪.218.p‬‬ ‫(‪Sideny verba, comparative culture m )5‬‬ ‫‪In: Lucian pyeand sideny verba, « Political‬‬ ‫‪culture and political Development, new Jersy,‬‬ ‫‪.533-529.pp ,1965 ,princenton‬‬ ‫(‪ )6‬د‪ .‬صادق االسود‪ :‬علم االجتماع السياسي ‪،‬‬ ‫(اسسه وابعاده) املوصل دار الكتب في املوصل ‪،‬‬ ‫‪ ، 1989‬ص‪.242‬‬ ‫(‪Sideny verba and Norman H. Nic , )7‬‬ ‫‪ParticipaTION IN American , New York ,‬‬ ‫‪.312-309 .pp , 1962 , Harper & Row‬‬ ‫(‪ )8‬د‪ .‬صادق االسود ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 246‬‬ ‫(‪.206 .Verba and Nie, op. cit, p )9‬‬

‫(‪ )10‬د‪ .‬اسماعيل علي سعد ‪ ،‬اجملتمع والسياسة ‪،‬‬ ‫االسكندرية ‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية ‪ ، 1983 ،‬ص ‪.‬‬ ‫(‪ )11‬غي غروشية‪ :‬مدخل الى علم االجتماع العام‬ ‫(الفعل االجتماعي) ‪ ،‬ترجمة مصطفى وند شلبي ‪،‬‬ ‫بيروت ‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪983 ،‬‬ ‫‪ ،1‬ص‪.14‬‬ ‫(‪Lester W. Milbrath, political participation, )12‬‬ ‫‪.153.p ,1965 , .Chicago, Mcnally and con‬‬ ‫(‪ )13‬صادق االسود‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪.389‬‬ ‫(‪ )14‬نفس املصدر ‪ ،‬ص‪.338‬‬ ‫(‪.139 .p .1965 ,Milorath: op. cit )15‬‬ ‫(‪Verba and Nie: participation In American, )16‬‬ ‫‪.340.p .1962 ,op. cit‬‬ ‫(‪ )17‬صادق االسود ‪ :‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪. 388‬‬ ‫(‪Verba and Nie: Op.cit p341 )18‬‬ ‫(‪Paul , R. Abramson , Generational )19‬‬ ‫‪Change In American Electoral Behavior , The‬‬ ‫‪, American political science Review , March‬‬ ‫‪. 105-63.pp , 1974‬‬ ‫(‪Warren Miller: the Political Vehavioral of )20‬‬ ‫‪,Elecorat, In, American Government Annual‬‬ ‫‪New York, Holt Rinchart and ,1961- 1966‬‬ ‫‪.66-50 .pp .)1960 ,Winston‬‬ ‫(‪Milbrath: Political partical participation, )21‬‬ ‫‪.32.p .1965 ,.op, cit‬‬ ‫(‪.112 .Paul R. Abromson: op.cit. p )22‬‬ ‫* من الثابت تاريخيا ً ان والية ( ماساشوسيتش‬ ‫(‪ ) Massachuesetts‬هي احدى املستمرات االمريكية‬ ‫الثالثة عشر التابعة للتاج البريطاني ‪ ،‬قادت الثورة‬ ‫وحركة املقاومة ضد االنكليز ‪ ،‬لذلك فقد اصدرت‬ ‫حكومة ( جرنفيل ) رئيس وزراء بريطانيا انذاك ‪،‬‬ ‫عددا ً من االجراءات بحق هذه الوالية وذلك في ( ‪20‬‬ ‫اذار عام ‪ ) 1774‬مبقتضاها عدل القانون االساسي‬ ‫للمستعمرة وعلى نحو زاد من خضوعها للتاج‬ ‫والذي منح تفويضات اضافية حلاكم املستعمرة‬ ‫ملواجهة اعمال التمرد التي حصلت في هذه الوالية‬ ‫وكانت حكومة (جرنفيل) قد اصدرت مرسوما ً‬ ‫يقضي بفرض ضرائب اضافية على املستعمرات‬ ‫لتغطية نفقات اجليش البريطاني واتخذت لذلك‬ ‫عدة اجراءات هي ‪:‬‬ ‫منع الهجرة الى املناطق الغربية أي منع‬ ‫‪ .1‬‬ ‫توسع املستعمرات غربا ً خشية ان يؤدى ابتعادها‬


‫عن رقابة احلكومة ‪.‬‬ ‫فرض ضريبة السكر ( ‪) the sugar Act‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫ومؤداها فرض ( ‪ ) 3‬بنس على كل غالون من املوالس‬ ‫يستورد الى املستعمرات االمريكية ‪ .‬فكان البد لها‬ ‫من مواصلة القتال واحلفاظ على االستقالل الوليد ‪،‬‬ ‫لذا فقد اجتمعت املستعمرات الثالثة عشر في (‪14‬‬ ‫) تشرين الثاني عام ‪ 1777‬م لعقد معاهدة حتالف‬ ‫وقد وضعت جلان املؤمتر ( مشروع االحتاد الكونفدرالي‬ ‫‪)plan of confederation‬‬ ‫فرض ضريبة الدمغة ( ‪) The stamp Act‬‬ ‫‪ .3‬‬ ‫ومؤداها فرض رسوم على تداول كثير من السلع ‪.‬‬ ‫وبذلك وجهت والية ( ماساشوسيتش ) نداء‬ ‫الى كافة املستعمرات في ‪ 17‬حزيران ‪1774‬م‬ ‫من اجل عقد مؤمتر يبحث العالقات مع احلكومة‬ ‫االنكليزية وإنعقد املؤمتر االول واصدر مقرراته‬ ‫الشهيرة في التاريخ السياسي االمريكي املعروفة‬ ‫( ‪ ) The Declaration and Resolves‬حيث تضمن‬ ‫الئحة العالن احلقوق مماثلة لالعالن االنكليزي وتعد‬ ‫هذه الوثيقة االساس الذي قام عليها استقالل‬ ‫املستعمرات والدستور االحتادي فيما بعد واقر في‬ ‫املؤمتر تشكيل جمعية لتنظيم حركة املقاطعة‬ ‫االقتصادية ووسائل املقاومة مع بريطانيا ‪ .‬وفي‬ ‫حزيران ‪ 1775‬م عقد مؤمتر ثان للمستعمرات في‬ ‫ظل مقاومة املستعمرات للجيش البريطاني‬ ‫‪ ،‬وفي املؤمتر مت االنتصار لفكرة االستقالل حني‬ ‫تقدم ( ريتشارد لي ) ( ‪( ) Richard H. Lee‬مندوب‬ ‫والية فرجينا) باقتراح الى املؤمتر يعلن استقالل‬ ‫املستعمرات وقطع كل صلة لها بالتاج وفي ‪11‬‬ ‫حزيران قرر املؤمتر احالة املشروع الى جلنة لصياغة‬ ‫مشروع يتضمن االستقالل وفي ‪ 4‬متوز عام ‪1776‬‬ ‫م وبعد مشاروات مع املندوبني وافق املؤمترون على‬ ‫مشروع اعالن االستقالل ‪ ،‬ولزيادة االيضاح ينظر ‪:‬‬ ‫د‪ .‬طعيمة اجلرف ‪ :‬نظرية الدولة ‪ ،‬االسس العامة‬ ‫للتنظيم السياسي ‪ ،‬القاهرة دار املعارف ‪ ،‬د‪ .‬ت ‪،‬‬ ‫ص‪.118‬‬ ‫ ‪,Clorind Clark, The American Revolution‬‬‫(‪,scond edition, Logman group )1783 – 1775‬‬ ‫‪see also. Richard D. Heffner, A ;4.p ,1974‬‬ ‫‪documentary History of United states Lndiana,‬‬ ‫‪.9.11 ,1952 ,Indiana, University press‬‬ ‫بيروت‪ .‬عبد املنعم الشرقاوي ‪ ،‬الواليات املتحدة ارضا ً‬ ‫وشعبا ً ودولة ‪ ،‬القاهرة مكتبة النهضة املصرية ‪،‬‬

‫‪ 1956‬م ‪ ،‬ص‪. .13-1‬‬ ‫تشالزبيرد ‪ :‬تاريخ الواليات املتحدة ‪ ،‬اجلزء الثاني ‪،‬‬ ‫القاهرة ‪ ،‬مؤسسة اطلس ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص‪. 10-4‬‬ ‫د‪ .‬احمد كمال ابو اجملد ‪ :‬التاريخ الدستوري للواليات‬ ‫املتحدة ‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬العدد‬ ‫(‪ .1962 ، )11‬وكذلك انظر جواد الهنداوى‪ :‬القانون‬ ‫الدستورى والنظم السياسيه‪.‬بيروت ‪ .‬مطبعه‬ ‫العارف‪.‬ص عبد الغنى بسيونى‪:‬الوسيط فى النظم‬ ‫السياسيه والقانون الدستورى‪.‬القاهره‪.‬مطا بع‬ ‫السعدنى‪ 2004.‬ص‪277‬‬ ‫**االحتاد التعاهدي‪ :‬ومؤداه ان دولتني او اكثر تدخل في‬ ‫احتاد بقصد توحيد اجلهود السياسية واالقتصادية‬ ‫ويتم مبوجب معاهدة تبرم بني الدول االعضاء‬ ‫ويتضمن انشاء هيئة سياسية عليا على شكل‬ ‫مؤمتر او جمعية ‪ ،‬واهمية االحتاد القانونية – ان الدول‬ ‫االعضاء املتحدة فيما بينهما رابطة قانونية متيزها‬ ‫عن الدول البسيطة وفي هذا االحتاد انظر‪:‬‬ ‫ ‪Alen Nevins and Henry, steel Commager,‬‬‫‪the pocket History of United states, New York,‬‬ ‫‪pocket Book Inc, Richard D. Heffner: op .cit,‬‬ ‫‪.62.p‬‬ ‫كذلك‪:‬‬ ‫سموحي فوق العادة ‪ :‬القانون الدولي العام ‪ ،‬بيروت‬ ‫‪ – 1960 ،‬ص ‪ ، 11-10‬ادمون رباط ‪ :‬الوسيط في‬ ‫القانون الدستوري ‪ ،‬اجلزء االول ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬دار العلم‬ ‫للماليني ‪ ، 1964 ،‬ص‪. . 537‬‬ ‫*** ولعل ابرز وجه النقص في االحتاد التعاهدي‬ ‫االمريكي هي‪:‬‬ ‫ضعف سلطة الكونغرس على االفراد‬ ‫‪ .1‬‬ ‫رعايا حكومة الواليات فقط ‪.‬‬ ‫االخفاق املالي ‪ ،‬فقد اخفق الكونغرس في‬ ‫‪ .2‬‬ ‫احلصول على موارد قوية ‪.‬‬ ‫عدم النص على وجود جهاز تنفيذي قوي ‪.‬‬ ‫‪ .3‬‬ ‫ضرورة احلصول على نصاب اغلبية الثلثني‬ ‫‪ .4‬‬ ‫الستصدار القرارات ‪.‬‬ ‫سلطات الكونغرس كانت محدودة في‬ ‫‪ .5‬‬ ‫مجال الشؤون اخلارجية ‪.‬‬ ‫عدم وجود منظمة للتجارة وال خطة لها ‪.‬‬ ‫‪ .6‬‬ ‫تساوي اعضاء الواليات في التصويت بغض‬ ‫‪ .7‬‬ ‫النظر عن حجم الوالية من حيث الكم السكاني ‪.‬‬ ‫عدم وجود محاكم مركزية لتفسير‬ ‫‪ .8‬‬

‫‪65‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪66‬‬

‫القوانني ‪.‬‬ ‫استفحال مشاكل احلدود بني الواليات‬ ‫‪ .9‬‬ ‫حتى اندلعت احلروب بينها وللزيادة من اوجه نقص‬ ‫االحتاد التعاهدي ينظر ‪:‬‬ ‫د‪ .‬احمد كمال ابو اجملد ‪ :‬التأريخ الدستوري ‪ ،‬مصدر‬ ‫سابق ‪ ،‬ص ‪.‬‬ ‫د‪ .‬حسن سيد اسماعيل ‪ :‬النظام السياسي للواليات‬ ‫املتحدة وانكلترا ‪ ،‬موسوعة القضاء والفقه للدول‬ ‫العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬الدار العربية للموسوعات ‪ ،‬اجلزء‬ ‫‪ ، 109‬ص‪. 103‬‬ ‫‪:And see also‬‬ ‫‪John D. Lee: the political system of‬‬ ‫ ‬ ‫‪.23 .p ,1974 ,United States London, Faber‬‬ ‫‪Louis B Wright & Elainew, fowler,‬‬ ‫ ‬ ‫‪English colonization of North America,‬‬ ‫‪.London, Edward Arnold (publishers) L- d. p‬‬ ‫‪.177‬‬ ‫‪.The American People a History, Vol‬‬ ‫ ‬ ‫‪-64.pp , 1962 , New Jersey, Princeton co, Inc ,1‬‬ ‫‪.82‬‬ ‫**** ولعل ما قدمه من مقترحات ( راند ولف ‪،‬‬ ‫مندوب ( جورجيا ) االى املؤمتر النشاء حكومة‬ ‫تتكون من مجلس تشريعي اعلى وسلطة تنفيذية‬ ‫وسلطة قضائية وتضمنت هذه املقترحات انشاء‬ ‫مجلس مراجعة ( ‪ ) Council of Revision‬يتكون‬ ‫من السلطة التنفيذية ‪ .‬وعدد من القضاة وخول‬ ‫له حق االعتراض املطلق على قرارات الهيئة‬ ‫التشريعية – وكذلك قدم ( باترسون ) ( مندوب‬ ‫نيوجرسي ) مبقترحات هي االحتفاظ بالتمثيل‬ ‫املتساوي للواليات داخل اجمللس التشريعي وان‬ ‫تتكون السلطة التشريعية من مجلس واحد من‬ ‫نظام اجمللسني وان يخول للمجلس سلطة فرض‬ ‫الضرائب بقصد توفير الدخل العام وسلطة تنظيم‬ ‫التجارة ‪ ،‬وفي ذلك ينظر ‪:‬‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل سيد هدية ‪ :‬احلكومات املقارنة ‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫مطبعة ام القرى ‪ ، 1984 ،‬ص‪.128‬‬ ‫هارولد زينك واخرون ‪ :‬نظام احلكم والسياسية في‬ ‫الواليات املتحدة ‪ ،‬ترجمة محمد صبحي ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬ ‫دار املعرفة ( د‪ .‬ت ) ‪.27‬‬ ‫الشافعي محمد بشير ‪ :‬نظرية االحتاديني الدول‬ ‫وتطبيقاتها بني الدول العربية القاهرة ‪ ،‬منشأة‬ ‫املعارف ‪ ، 1963 ،‬ص‪ 119‬وما بعدها‪.‬‬

‫هاماتن ومادسن جاي ‪ :‬الدولة االحتادية اسسها‬ ‫ودستورها ‪ ،‬ترجمة جمال محمد احمد ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬ ‫مكتبة احلياة ‪ ، 1959 ،‬ص‪.31‬‬ ‫وكذلك قارن مع‬ ‫‪James M. Burns and others,‬‬ ‫ ‬‫‪Government by the people, New Jersy,‬‬ ‫‪.64.p– 1975 ,Princeton, Hall Inc‬‬ ‫دانالي توماس ‪ :‬ترجمة في االحتاد ‪ ،‬ترجمة حمود‬ ‫صياد ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار الكرنك ‪ ، 1964 ،‬ص‪ 21‬وما‬ ‫بعدها ‪.‬‬ ‫(‪,1962.The American people History op .cit )23‬‬ ‫‪.512.p‬‬ ‫(‪ )24‬بروس فندالي وايستر فندالي‪ :‬الدستور‬ ‫االمريكي ‪ ،‬ترجمة جلنة دار املعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار‬ ‫الكرنك ‪( ،‬د‪ .‬ت) ‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )25‬ماكس سكيد مور‪ ،‬مارشال كارتروانك‪ :‬كيف‬ ‫حتكم امريكا ‪ ،‬ترجمة نظمي لوقا‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬املطبعة‬ ‫العلمية ‪ ، 1984 ،‬ص‪.‬‬ ‫(‪ )26‬باوند روسكو‪ :‬ضمانات احلرية في الدستور‬ ‫االمريكي ‪ ،‬ترجمة محمد لبيب شبيب ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬ ‫دار املعرفة ‪ ، 1957 ،‬ص‪.104‬‬ ‫(‪ )27‬ايدوربا‪ :‬املدخل الى العلوم السياسية ‪ ،‬ترجمة‬ ‫نوري محمد حسني ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مطبعة عصام ‪1989 ،‬‬ ‫‪ ،‬ص‪.195‬‬ ‫(‪.47 ,Jams, Madison, the Federalist No )28‬‬ ‫(‪ )29‬اندريه هوريو‪ :‬القانون الدستوري واملؤسسات‬ ‫السياسية ‪ ،‬ترجمة‪ :‬علي ملقد واخرون ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬ ‫االهلية للنشر ‪ ، 1974 ،‬ص‪.399‬‬ ‫(‪Jay A. Sigler & Robert S. Getz , )30‬‬ ‫‪Contemporary American Government , New‬‬ ‫‪.54.p .1972 .york , van , Nostrand Reinhold co‬‬ ‫(‪the constitution of the united states, :5 Arts )31‬‬ ‫‪In, sigler & Gets, contemporary :1 :Apeendix‬‬ ‫‪.799 .American Government, op. cit, p‬‬ ‫*** في هذا املبدأ ينظر ‪:‬‬ ‫مورمتر ج ادلر ‪ :‬الدستور االمريكي ( افكاره ومثله )‬ ‫ترجمة صفوت ابراهيم عمان ‪ ،‬مركز الكتب االردني‬ ‫‪ ، 1989 ،‬ص‪.199 – 97‬‬ ‫سليمان الطماوى‪ :‬القانون الدستوري ( دراسة‬ ‫مقارنة ) القاهرة ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬د ‪.‬ت ‪ ،‬ص‪126‬‬ ‫– ‪. 132‬‬ ‫برنارد شفارتز ‪ :‬القانون في امريكا ترجمة ياقوت‬


‫العشماوي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪ ، 1980‬ص‪-226‬‬ ‫‪.228‬‬ ‫جنم عبد طارش ‪ :‬احملكمة االمريكية العليا دراسة‬ ‫في الدور السياسي ‪ ،‬اطروحة ماجستير غير‬ ‫منشورة ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬كلية العلوم السياسية‪، 1996،‬‬ ‫ص‪ 91‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫**** في الفصل الرابع من هذه الدراسة يبني‬ ‫الباحث القنوات الدستورية للمشاركة السياسية‬ ‫للمواطن االمريكي في كيفية انتخاب الرئيس ‪،‬‬ ‫وقد وجدنا من املناسب االشارة هنا الى املؤسسة‬ ‫الرئاسسة اشارة فقط ‪.‬‬ ‫(‪ )32‬روبرت بوى ‪ ،‬كارل فريد ريك‪ :‬دراسات في الدولة‬ ‫االحتادية‪ :‬ترجمة وليد اخلالدي وبرهان دجاني ‪ ،‬بيروت‬ ‫‪ ،‬الدار الشرقية ‪ ، 1966 ،‬ص‪.120‬‬ ‫(‪,E.S. Corwin president office and power )33‬‬ ‫‪.45 .p ,1957 ,4th edition, New York‬‬ ‫(‪ )34‬د‪ .‬اسماعيل الغزال‪ :‬القانون الدستوري والنظم‬ ‫السياسية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات‪،‬‬ ‫‪ ، 1982‬ص‪.356‬‬ ‫(‪ )35‬انظر‪ :‬املطلب االول ‪ ،‬الفصل الرابع‪.‬‬ ‫(‪ 36‬في حالة عدم متكن مجلس النواب في اختيار‬ ‫الرئيس قبل (‪ )4‬اذار فحينئذ يتولى نائب الرئيس‬ ‫سلطات رئيس اجلمهورية اسوة في حالة وفاة‬ ‫الرئيس او عجزه عجزا ً دستورياً‪.‬‬ ‫(‪ ) 37‬الكسيس دي توكفيل‪ :‬الدميقراطية في‬ ‫امريكا ‪ ،‬ترجمة اماني قنديل ‪ ،‬القاهرة دار كتابي ‪،‬‬ ‫‪ ، 1982‬ص‪.297‬‬ ‫(‪James Magregor Burns and others, 38‬‬ ‫‪.37.p ,1975 .Government by the people, op. cit‬‬ ‫‪ 39‬فندالي ‪ ،‬ايستر فندالي ‪ :‬الدستور االمريكي ‪،‬‬ ‫ص‪.39‬‬ ‫(‪.2 ,Arl, I – sec 40‬‬ ‫(‪Ernest s. Grffth: American – system of 41‬‬ ‫‪,Government, New York, Fredric, apraeger Inc‬‬ ‫‪.22.p ,1965‬‬ ‫(‪,James Magregor Burns and others, op. cit 42‬‬ ‫‪.36 .p ,1975‬‬ ‫****** نظام االقدمية ‪ ،‬ويعني اختيار رؤساء اللجان‬ ‫من اعضاء الكونغرس الذين استمرت عضويتهم‬ ‫مدة اطول من غيرهم وهم عادة اعضاء الكونغرس‬ ‫الذين ال منافس لهم في مناطقهم االنتخابية‬

‫ورؤوساء اللجان عادة ال ينالون شهرة لكونهم‬ ‫ال يسيروا وفق سياسة حزبية وانهم يؤلفون الى‬ ‫حد ما مجموعة منافسة للزعامة احلزبية ‪ ،‬ونظام‬ ‫االقدمية يؤخذ عليه انه نظام معيب يتسم بروح‬ ‫احملافظة لذلك كان اشد اعدائه الليبراليني في‬ ‫الكونغرس وللمزيد انظر ‪:‬‬ ‫اوسنت ربي ‪ :‬سياسة احلكم ‪ ،‬ترجمة علي حسن‬ ‫ذنون ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مطبعة املعرفة ‪ ، 1965 ،‬ص‪ ، 8‬وكذلك‬ ‫انظر ‪:‬‬ ‫‪.118 .p .1957 ,Corwin, op. cit‬‬ ‫(‪43‬اندراوس رزق احملامي‪ :‬الدستور املقارن ‪ ،‬مجلة‬ ‫احملاماة (املصرية ‪ ،‬القاهرة) العدد (‪ ، )10‬السنة (‪،)41‬‬ ‫‪ ، 1961‬ص‪.1731‬‬ ‫******* جاء نظام اللجان استجابة حلاجة‬ ‫الكونغرس‪:‬‬ ‫كثرة اعضاء الهيئة التشريعية التي حتول‬ ‫‪ .1‬‬ ‫دون التقصي في املسائل التفصيلية ملشروعات‬ ‫القوانني املعروضة ‪.‬‬ ‫كثرة مشروعات القوانني مما يتطلب‬ ‫‪ .2‬‬ ‫استخدام اسلوب ( الغربلة ) لتقرير تلك املشروعات‬ ‫التي تستحق البحث اجلدي ‪.‬‬ ‫يوفر الكونغرس الكم املعلوماتي التخاذ‬ ‫‪ .3‬‬ ‫القرارات ‪.‬‬ ‫للمزيد بشأن جلان الكونغرس انظر ‪:‬‬ ‫اوسنت رني ‪ :‬املصدر السابق ‪ :‬ص‪. 105‬‬ ‫اندريه هوديو ‪ :‬القانون الدستوري واملؤسسات‬ ‫السياسية ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪. 408‬‬ ‫(‪44‬تقضي الفقرة (‪ )9‬من املادة االولى من الدستور‬ ‫االمريكي ( بأن حصانة احلريات الفردية واحلقوق‬ ‫العامة والضمانات الدستورية ‪ ،‬املعبر عنها ( ‪wright‬‬ ‫‪ ) of Hebeas corpus‬يوقف العمل بها في حالة‬ ‫التمرد او الغزو او العصيان ‪ ،‬ومبقتضى هذه الوثيقة‬ ‫يجوز للشخص ان يتظلم امام احملاكم املدنية ليرى‬ ‫قانونية اعتقاله او سجنه ‪:‬‬ ‫‪.9-8 sec ,1 ,See: Art‬‬ ‫‪.The constitiution of the United States‬‬ ‫(‪the Constitution of the )10-1( Amendmets )45‬‬ ‫‪.United States‬‬ ‫(‪11 Amendment ) 46‬‬ ‫(‪12 Amendment )47‬‬ ‫(‪Amendment I3 ) 48‬‬ ‫(‪.Amendment I4 )49‬‬

‫‪67‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪68‬‬

‫(‪.Amendment I5 )50‬‬ ‫(‪.)24-16( See: Amendments )51‬‬ ‫(‪ )52‬ايدوريا ‪ :‬املدخل الى العلوم السياسية ‪ ،‬مصدر‬ ‫سابق ‪ ،‬ص‪.194‬‬ ‫(‪ )53‬هارولد زينك‪ :‬نظام احلكم والسياسة في‬ ‫الواليات املتحدة ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪.47‬‬ ‫(‪ )54‬املصدر السابق‪ :‬ص‪.47‬‬ ‫(‪Louis W. Koeing: the chief of Excutive m )55‬‬ ‫‪,1968 ,New York, Harcourt brace & World Inc‬‬ ‫‪.312.p‬‬ ‫(‪.Ibid )56‬‬ ‫(‪ )57‬ان الرئيس بصفته رئيسا ً للسلطة التنفيذية‬ ‫تعود اليه السلطة التنظيميه التي ميارسها بشكل‬ ‫اوامر تنفيذية ( ‪ ) excutive‬وهي عبارة عن توجيه‬ ‫يصدر من الرئيس او احدى الوكاالت التنفيذية‬ ‫وتنضوي على تنفيذ سواء كانت بند في معاهدة‬ ‫في الدستور طبقا ً الحكام احملاكم ‪.‬‬ ‫(‪ )58‬هارولد زينك ‪ :‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪. 48‬‬ ‫(‪Carl swishers: Theory and practice of )59‬‬ ‫‪American Government m New York, Houghtan‬‬ ‫‪.103 .p .1961 .Mifflin co‬‬ ‫***** سيرد تفصيل ذلك في مباحث الحقة في‬ ‫الدراسة ‪.‬‬ ‫(‪ )60‬الكسندر هاملنت‪ :‬كان اول وزير للمالية في‬ ‫عهد الرئيس االول (واشنطن) لم يؤمن باملساواة‬ ‫بني افراد الشعب اال اذا تساوى في الذكاء وهو من‬ ‫انصار االحتادية وتعزيز السلطة املركزية للحكومة‬ ‫على الواليات‪.‬‬ ‫توماس جيفرسون‪ :‬وهو من االعالم الفكرية البارزة‪،‬‬ ‫حيث يعده االمريكان رمزا ً للحرية النه كان نقيضا ً‬ ‫للدكتاتورية وهو محرر بيان االستقالل وهو من‬ ‫املؤيدين حلقوق الرئيس وتعزيز قوته في السلطة‬ ‫التنفيذية على السلطة التشريعية ‪ .‬انظر ‪:‬‬ ‫ستيفن فنسنت ‪ :‬بنية امريكا ‪ ،‬ترجمة عبد العزيز‬ ‫عبد اجمليد ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مكتب الواليات املتحدة‬ ‫لالستعالمات ‪ ، 1945 ،‬ص‪. 16‬‬ ‫(‪N. M. Hermans : party system and )61‬‬ ‫‪Government stability , the American political‬‬ ‫‪, march 1 .science previo usly , vol. lxv , No‬‬ ‫‪.28 .p , 1971‬‬ ‫وانظر ايضا ً ‪:‬‬ ‫‪Clinton Rossiter , the functions of political‬‬

‫‪parties , In , peter woll , American Government‬‬ ‫‪(Reading and Gases ) , Bostonlittle Brown and‬‬ ‫‪.272.p , 1972 .Co‬‬ ‫(‪ )62‬حسن البزاز ‪ :‬نفوذ االقلية اليهودية في االحزاب‬ ‫واالنتخابات االمريكية مجلة افاق عربية العدد (‪،)1‬‬ ‫‪ ، 1975‬ص‪.56‬‬ ‫(‪ )63‬اجلمهوري والدميقراطي في الواليات املتحدة‬ ‫واسرائيل والصهيونية تونس ‪ ،‬جامعة الدول‬ ‫العربية‪ ،‬االمانة العامة ‪ ،‬شباط ‪ .1990 /‬ص ‪.‬‬ ‫(‪ )64‬كلنتون روسستير ‪ :‬االحزاب السياسية في‬ ‫امريكا ‪ ،‬ترجمة محمد لبيب شيب القاهرة ‪ ،‬دار‬ ‫اجلاهان ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص‪.36‬‬ ‫(‪ )65‬موريس د فرجيه ‪ :‬االحزاب السياسية ‪ ،‬ترجمة‬ ‫علي مقلد واخرون ‪ ،‬بيروت دار النهار ‪ ،‬ط‪، 1977 ، 2‬‬ ‫ص‪.84‬‬ ‫(‪ )66‬دايفيد كوشمان ‪ :‬النظام السياسي للواليات‬ ‫املتحدة ‪ ،‬ترجمة توفيق حبيب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار الكرنك‪،‬‬ ‫د‪.‬ت ‪ ،‬ص‪.104‬‬ ‫****** ويعلق ( كارتر – هيرز ) في ذلك ‪ ،‬ان ذلك يعود‬ ‫بطبيعة النظام الرئاسي الذي يتميز ليس فقط‬ ‫بالتقسيم الوظيفي للسلطة القومية التي حتافظ‬ ‫على الضوابط واملوازين بني الفروع الثالثة القائمة‬ ‫بذاتها وهي الهيئات التنفيذية والتشريعية‬ ‫والقضائية ‪ ،‬ولكنه يتميز بالتقسيم االقليمي‬ ‫للسلطة بني احلكومات الفيدرالية وحكومات‬ ‫الواليات وبالتالي ينظر الى النظام الفيدرالي على‬ ‫انه مزيد من التطبيق لنظرية املوازين والضوابط‬ ‫وبذلك ان النظام احلزبي ولد في بيئة دستورية كان‬ ‫انعكاسا ً لها في جانب التنظيم ‪ .‬انظر ‪:‬‬ ‫جوند ولني كارتر ‪ ،‬جون هيرز ‪ :‬نظام احلكم والسياسة‬ ‫في القرن العشرين عرض وتقدمي ماهر نسيم ‪،‬‬ ‫القاهرة ‪ ،‬دار الكرنك ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫(‪ )67‬حول هذه الطريقة من االنتخاب انظر ‪:‬‬ ‫‪Robert k. Carr and others, American Democacy‬‬ ‫‪;195 .p .1957 ,in theory and practice, New York‬‬ ‫‪:and see also‬‬ ‫‪Hebert Agar, the United States, the President‬‬ ‫‪the Parties, the constitution, London, Eyread‬‬ ‫‪.83 .p 1959 ,woods‬‬ ‫وكذلك‪:‬‬ ‫داود مراد الدوادي ‪ :‬سلطات الرئيس االمريكي بني‬ ‫النص الدستوري والواقع العلمي (درامة سياسية‬


‫ودستورية ) ‪ ،‬اطروحة ماجستير غير منشورة‪ ،‬بغداد‪،‬‬ ‫كلية العلوم السياسية ‪ ، 1992 ،‬ص‪ 40‬وما بعدها‪،‬‬ ‫وكذلك ‪ :‬ايدوريا ‪ :‬املدخل الى العلوم السياسية‪،‬‬ ‫ترجمة محمد حسني ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مطبعة عصام ‪،‬‬ ‫‪ ، 1988‬ص‪. 211‬‬ ‫د‪ .‬د‪ .‬شمران حمادي ‪ :‬النظم السياسية ‪ ،‬بغداد ‪،‬‬ ‫دار احلرية للطباعة ‪ ، 1972 ،‬ص‪ ، 215‬وكذلك ‪ :‬د‪.‬‬ ‫محمود خيري عيسى ‪ ،‬االنظمة السياسية املقارنة‬ ‫القاهرة ‪ ،‬مكتبة االنكلو مصرية ‪ ، 1963 ،‬ص‪. 157‬‬ ‫(‪.1.p ,)1996 – 23 New YorkTimes Agust )68‬‬ ‫(‪Dytan David Mekean: party and pressure )69‬‬ ‫‪,polotitcs, Houghton Mifflin co, New York‬‬ ‫‪.29.p ,1964‬‬ ‫(‪Clinton Rossiter; The Functions of political )70‬‬ ‫‪.274 .p ,1972 .parties, op. cit‬‬ ‫(‪ )71‬د‪ .‬صادق االسود ‪ :‬مصدر سابق ‪.‬‬ ‫(‪ )72‬جان مينو ‪ :‬اجلماعات الضاغطة ‪ ،‬ترجمة بهنج‬ ‫شعبان ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬منشورات عويدات ‪ ، 1971 ،‬ص‪.10‬‬ ‫‪ ))73‬وبخصوص تفاصيل جماعات الضغط انظر ‪:‬‬ ‫احمد سرحال ‪ :‬القانون الدستوري واالنظمة‬ ‫السياسية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬دار احلداثة ‪ ، 1980‬ص‪– 1990‬‬ ‫‪.1991‬‬ ‫(‪,1964 ,David Mackean, party litics, op. cit 74‬‬ ‫‪.39.p‬‬ ‫******* بخصوص التنظيمات ااملتحدة في الواليات‬ ‫املتحدة انظر ‪:‬‬ ‫لي ايروين ‪ :‬املنظمات اليهودية في الوال يات املتحدة‪،‬‬ ‫ترجمة جلنة من االساتذة اجلامعيني ‪ ،‬قبرص ‪،1986 ،‬‬ ‫ص‪. 125-1‬‬ ‫عبد اهلل سودي بواعنه ‪ ،‬املنظمات اليهودية‬ ‫الضاغطة والقرار االمريكي ‪ ،‬مجلة االبعاد ‪ ،‬االردن ‪،‬‬ ‫كلية احلرب امللكية ‪ ،‬العدد الثاني ‪ ، 1988 ،‬ص‪-181‬‬ ‫‪. 182‬‬ ‫جماعات الضغط في الواليات املتحدة ‪ ،‬ترجمة‬ ‫مركز البحوث واملعلومات ‪ ،‬مركز الوثائق الفرنسية‪،‬‬ ‫العدد (‪ )371‬في ‪ ، 1979/ 9/14‬ص‪. 21-20‬‬

‫‪69‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪70‬‬

‫ا‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ان من ي و‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫اإلبا ص‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫جلماعية ي‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫ائية‬ ‫ف‬

‫ي‬ ‫محا‬

‫ف‬ ‫ظ‬ ‫ة‬ ‫نين‬

‫أ‪.‬م‬ ‫‪.‬‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫العراق بيل‬ ‫ع‬ ‫ جام كيد‬‫م‬ ‫عة ك حم‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫مل‬ ‫رك‬ ‫و‬ ‫ظ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫– كلي ري‬ ‫ة ال‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ية‬

‫وى‬ ‫أ‬ ‫من‬ ‫وذ‬

‫جا‬


‫املقدمة‬ ‫من املعلوم لدى القاصي والداني‪ ،‬إن‬ ‫الكورد تعرضوا إلى حمالت إبادة جماعية‬ ‫في عموم كوردستان على يد السلطات‬ ‫احلاكمة في الدول التي يقطنوها‪،‬‬ ‫والسيما في كوردستان العراق‪ ،‬والكاكائية‬ ‫جزء أصيل من القومية الكوردية‪ ،‬وقد‬ ‫تعرضت هذه النحلة من الشعب الكوردي‬ ‫إلى شتى أنواع القهر والظلم واإلبادة‪.‬‬ ‫وألسباب مختلفة منها دينية‪-‬مذهبية‬ ‫ومنها قومية‪.‬‬ ‫إن هذه األمور قادت الباحث إلى أن‬ ‫ ‬ ‫يسلط الضوء على معاناة هذه النحلة‬ ‫في محافظة نينوى‪ ،‬مستغلني فرصة‬ ‫إنعقاد مؤمتر “عملية جينوسايد الكورد”‬ ‫في جامعة السليمانية‪ ،‬وكذلك فان‬ ‫الباحث يعد أحد شهود العيان حول ما‬ ‫جرى للكاكائية في نينوى ‪ ،‬لذا ارتأى أن‬ ‫يعرف اجملتمع الكوردي أوال والرأي العام‬ ‫العاملي ثانيا مبعاناة هذا اجلزء من الشعب‬ ‫الكوردي‪.‬‬ ‫ويقع هذا البحث في عدة محاور‬ ‫ ‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫‪1 1‬التوزيع اجلغرافي للكاكائية في‬‫محافظة نينوى‪.‬‬ ‫‪2 2‬التعريب‪.‬‬‫‪3 3‬التهجير القسري‪.‬‬‫‪4 4‬التعليم والتعريب الثقافي‬‫واإلجتماعي‪.‬‬ ‫‪5 5‬اإلرهاب واإلبادة اجلماعية‪.‬‬‫التوزيع اجلغرافي للكاكائية‬ ‫تتميز الكاكائية كقبيلة عن القبائل‬ ‫والعشائر الكوردية األخرى التي تسكن‬ ‫عموم كوردستان وخارجها بأنها تؤمن‬

‫بعقيدة مختلفة عنها‪ ،‬فهذه النحلة‬ ‫أو الطائفة تنظر إلى األديان واملذاهب‬ ‫نظرة واحدة دون متييز وتقف عند املسافة‬ ‫نفسها منها(‪ ،)1‬لهذا فان البعض يعدها‬ ‫إسالمية وآخرون يعدونها خارجة على‬ ‫اإلسالم(‪ ،)2‬وبني هذا وذاك فقد أصبحت‬ ‫هذه النحلة عرضة للمخاطر وبأشكال‬ ‫مختلفة متثلت بالتهجير القسري والقتل‬ ‫والتعريب‪ ،‬وكان الهدف األساسي من‬ ‫ورائها اإلبادة اجلماعية(‪ ،)3‬أو إجتثاثها من‬ ‫مناطق سكناها‪ ،‬هذا من جانب‪ ،‬ومن جانب‬ ‫آخر فاإلنتماء القومي الكوردي كان سببا‬ ‫آخرا يضاف إلى معاناة هذه القبيلة‪ .‬إذ‬ ‫إنها ال حتتاج إلى أن تثبت هويتها القومية‬ ‫فان إسمها يدل عليها‪ ،‬فكلمة الكاكائية‪،‬‬ ‫مشتقة من كلمة كاكه وتعني األخ(‪،)4‬‬ ‫وهي أكثر إستخداما بني الكورد جمعيا‬ ‫من باب اإلحترام والتقدير‪ ،‬إذ يذكر كلمة‬ ‫كاكه مع إسم الشخص‪ ،‬حتى أصبحت‬ ‫هذه الكلمة شائعة عند أبناء القوميات‬ ‫األخرى عند مخاطبتهم لشخص من‬ ‫القومية الكوردية‪.‬‬ ‫إن من الصعب جدا تخمني عدد سكان‬ ‫هذه القبيلة نتيجة لسكنها في مناطق‬ ‫مختلفة من العراق‪ ،‬وال توجد إحصائية‬ ‫رسمية بذلك‪ ،‬فكل األرقام التي تذكر‬ ‫في هذا املصدر أو ذاك ال تتعدى كونها‬ ‫تخمينات ال تر َق إلى مستوى الواقع(‪ ،)5‬لذا‬ ‫فإننا نشير هنا إلى مواطن سكناها دون‬ ‫التطرق إلى عدد نفوسها‪.‬‬ ‫تتوزع القبيلة حسب الكثافة‬ ‫السكانية في احملافظات العراقية اآلتية‬ ‫على التوالي‪( :‬كركوك ونينوى والسليمانية‬ ‫وديالى وأربيل ودهوك وبغداد)‪ ،‬فضال عن‬ ‫سكن بعض عوائلها في محافظات أخرى‬ ‫كاألنبار وكربالء‪ ،‬وفيما يخص موضوع‬ ‫‪71‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪72‬‬

‫بحثنا‪ ،‬أي الكاكائية في محافظة نينوى‪،‬‬ ‫فهم يتوزعون في عدة قرى ‪ ،‬وهي حسب‬ ‫الكثافة السكانية كما يأتي‪ :‬وردك وتل‬ ‫اللنب وكزكان‪ ،‬واجمليدية(‪ ،)6‬وهذه القرى جميع‬ ‫سكانها من الكاكائية‪ ،‬بينما هناك قريتان‬ ‫وهما زنكل وكبرلي(‪ ،)7‬ويسكن الكاكائية‬ ‫والعرب السنة في قرية زنكل‪ ،‬وأما كبرلي‬ ‫فنصف سكانها من الكاكائية والنصف‬ ‫اآلخر من الشبك الشيعة والبكتاشية ‪،‬‬ ‫وهناك عدد كبير من العوائل الكاكائية‬ ‫تسكن في مدينة قره قوش(‪ )8‬مركز‬ ‫قضاء احلمدانية‪ ،‬وبرطلة مركز ناحية‬ ‫برطلة التابعة لقضاء احلمدانية ومدينة‬ ‫املوصل مركز محافظة نينوى‪ .‬وحتيط قرى‬ ‫الكاكائية مجموعة من قرى عرب السنة‬ ‫والشبك والتركمان الشيعة‪ .‬ومن الناحية‬ ‫اإلدارية‪ ،‬فقد كانت قرى اجمليدية وكزكان‬ ‫وزنكل وتل اللنب تتبع ناحية أسكي كلك‪،‬‬ ‫إال إنها أُحلقت مبركز القضاء بعد إنتفاضة‬ ‫سنة ‪ ،)9(1991‬بينما كانت قرية كبرلي‬ ‫تابعة ملركز القضاء منذ البداية‪ ،‬في حني‬ ‫كانت قرية وردك وال تزال تابعة إلى ناحية‬ ‫النمرود(‪.)01‬‬ ‫إن وجود الكاكائية في هذه املنطقة‬ ‫يعود إلى مئات السنني‪ ،‬فقد إنتشرت هذه‬ ‫القبيلة على ضفاف نهري اخلازر والزاب‬ ‫الكبير‪ ،‬أو املناطق القريبة منها كقرية‬ ‫كبرلي التي تقع على بعد حوالي (‪ )7‬كم‬ ‫من نهر اخلازر وقرية قرقشة التي تبعد‬ ‫عن النهر نفسه حوالي (‪ )5‬كم‪ ،‬وكانت‬ ‫األخيرة جميع سكانها من الكاكائية إلى‬ ‫أن هجرتها في سنة ‪ ،1956‬وإستقر بعض‬ ‫سكانها في قرية وردك والبعض اآلخر بنوا‬ ‫قرية جديدة معروفة لدى أهل املنطقة‬ ‫بقرية كولبور‪ ،‬بينما تعرف في الوثائق‬ ‫الرسمية بقرية اجمليدية‪.‬‬

‫من الواضح إن هذه القبيلة سكنت‬ ‫في مناطق التماس منذ زمن بعيد بني‬ ‫املناطق الكوردية السنية واملناطق التي‬ ‫تقطنها القوميات األخرى والسيما‬ ‫العربية‪ ،‬وهذا واضح في أغلب احملافظات‬ ‫التي فيها مناطق مختلطة‪ ،‬وأغلب الظن‬ ‫إن السبب في ذلك يعود إلى املضايقات‬ ‫التي تعرضت لها على الدوام من قبل‬ ‫التيارات الدينية والقومية املتطرفة‪ ،‬بحثا ً‬ ‫عن األمان واإلستقرار‪ ،‬ومبا أنها تعتمد على‬ ‫الزراعة بالدرجة األولى وتربية املواشي‬ ‫بالدرجة الثانية‪ ،‬لذا فإنها أولت األرض‬ ‫أهمية كبيرة‪ ،‬ونادرا ً ما هجرت أرضا إال حتت‬ ‫ضغوط وظروف قاهرة‪ ،‬ويبدو ذلك جليا‬ ‫في سنة ‪ ،1988‬عندما رحلت إلى مناطق‬ ‫مختلفة من كوردستان‪ ،‬بذلت كل جهدها‬ ‫للعودة إلى مواطنها مهما كلفها ذلك‪،‬‬ ‫فكانت الظروف مناسبة عندما حدثت‬ ‫إنتفاضة سنة ‪ ،1991‬إذ بادرت مباشرة‬ ‫بالعودة إلى مناطقها في ظروف قاهرة‪.‬‬ ‫لم تكن هذه القبيلة في يوم من األيام‬ ‫بعيدة عن احلركة التحررية الكوردية‪ ،‬إذ‬ ‫إلتحق عدد من أبنائها باحلركة في أزمان‬ ‫مختلفة‪ ،‬السيما في ستينيات وسبعينيات‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬أما البعض اآلخر منهم فقد‬ ‫شاركوا في دعم القضية الكوردية عن‬ ‫طريق التبرعات أو اإلشتراكات الشهرية‬ ‫بالنسبة ألعضاء احلزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني(‪ ،)11‬والسيما وان قادة احلزب‬ ‫قد أكدوا على أبناء الكاكائية في هذه‬ ‫املنطقة عدم اإللتحاق باحلركة املسلحة‬ ‫ألن ذلك سيؤدي إلى إحلاق الضرر بهم‬ ‫وترحيلهم وإسكان العرب محلهم كون‬ ‫مناطقهم من املناطق احلدودية‪ ،‬لكن ذلك‬ ‫لم مينع احلكومة من إتخاذ بعض اإلجراءات‬ ‫بحق كاكائية محافظة نينوى‪ ،‬ومن اجلدير‬


‫بالذكر إن املضايقات والتهديدات التي‬ ‫تعرضت لها الكاكائية لم تكن وليدة‬ ‫العهد البعثي‪ ،‬وإمنا يعود تاريخها إلى قبل‬ ‫ذلك‪ ،‬إذ يذكر السيد زوراب عساف درويش‬ ‫واملعروف بـ (مام زوراب) وهو أحد وجهاء‬ ‫قرية وردك‪ ،‬كان أبناء القبيلة ممن لديهم‬ ‫شوارب طويلة(‪ )21‬يخشون الذهاب إلى‬ ‫مدينة املوصل في عهد عبدالسالم عارف‬ ‫(‪ )1963-1966‬خوفا ً من القوميني حتى‬ ‫متكنوا من إيصال رسالة إلى السلطات‬ ‫عن طريق أحد وجهاء آل كشمولة في‬ ‫مدينة املوصل ‪ ،‬الذي بينَّ َ بدوره إن شواربهم‬ ‫ليس لها عالقة باملسائل القومية وإمنا‬ ‫الشارب هو جزء من معتقدهم الديني‬ ‫والعشائري‪ ،‬فكفت بذلك السلطات عن‬ ‫مالحقتهم(‪.)31‬‬ ‫التهجير القسري‬ ‫لقد بدأ نظام البعث في العراق‬ ‫(‪ )1968-2003‬بإتخاذ إجراءاته من اجل‬ ‫تعريب مناطق الكاكائية منذ النصف‬ ‫األول من سبعينيات القرن املاضي‪ ،‬فقد‬ ‫قررت احلكومة ترحيل حوالي (‪ )30‬عائلة‬ ‫من القبيلة من العوائل التي كانت‬ ‫معروفة بوالئها للحزب الدميقراطي‬ ‫الكوردستاني إبان اإلنتفاضة الكوردية في‬ ‫سنة ‪ ،)41(1974‬إلى منطقة عقرة(‪ ، )51‬وقد‬ ‫رحل بعضها فعال السيما عوائل قريتي‬ ‫اجمليدية وكزكان‪ ،‬بينما العوائل التي كان‬ ‫من املقرر ترحيلها من قرية وردك‪ ،‬فقد‬ ‫مت إيقاف تنفيذ إجراءات الترحيل بفضل‬ ‫املتنفذين والبعثيني من أبناء القبيلة من‬ ‫أمثال رئيس القبيلة عدنان آغا والوجه‬ ‫األكثر نفوذا ً لدى السلطات مظهر‬ ‫مدحت أحمد ده ده(‪ )61‬وفيض اهلل حسني‬ ‫محمود(‪ )71‬وغيرهم ‪ .‬ومن اجلدير بالتنويه إن‬

‫بعض العوائل التي كانت في طريقها إلى‬ ‫عقرة مت إعادتها عن طريق اإلتصاالت التي‬ ‫أجراها بعض أبناء القبيلة مع أمني سر‬ ‫فرقة برطلة حلزب البعث محمد سعيد‬ ‫فندي الذي كان يشغل مدير بلدية ناحية‬ ‫الكلك وقتئ ٍذ‪ ،‬إذ إتصل األخير بالسلطات‬ ‫(‪)81‬‬ ‫العليا في احملافظة وأعادهم إلى قراهم‬ ‫أما العوائل التي لم ترحل فالفضل يعود‬ ‫في ذلك إلى كل من عدنان آغا ومظهر‬ ‫مدحت(‪.)91‬‬ ‫وإزاء مخاطر الترحيل التي تهدد‬ ‫الكاكائية في هذه املنطقة كان البعض‬ ‫من أبنائها قد بادروا إلى الدخول في صفوف‬ ‫حزب البعث العربي االشتراكي أمال في‬ ‫احملافظة على وجودهم في املنطقة‪،‬‬ ‫وفعال حققت هذه املسألة أهدافها لفترة‬ ‫مؤقتة‪ ،‬بل إن هؤالء البعثيني من الكاكائية‬ ‫كان لهم الفضل في منع ترحيل بعض‬ ‫العوائل التي إتخذت احلكومة إجراءاتها‬ ‫لترحيلهم‪ .‬وبالتالي طويت صفحة‬ ‫الترحيل لفترة مؤقتة لتبدأ صفحة جديدة‬ ‫وهي التعريب‪.‬‬ ‫التعريب‬ ‫بعد أن هدأت األمور في املنطقة ‪،‬‬ ‫ ‬ ‫كانت احلكومة قد أعدت مشروعا لترحيل‬ ‫الكاكائية من مناطقها إلى املناطق‬ ‫الكوردية األخرى في عمق كوردستان‪،‬‬ ‫وإسكان العرب محلهم أو إبقائها فارغة‬ ‫من أهلها‪ ،‬وعندما إقترب موعد اإلحصاء‬ ‫العام للسكان لسنة ‪ ،1977‬كانت‬ ‫احلكومة قد قررت ترحيل الكاكائية في‬ ‫حالة تسجيلهم كوردا ً في اإلحصاء‪ ،‬ولم‬ ‫يكن أبناء القبيلة على علم باخملطط‬ ‫احلكومي‪ ،‬لكن قائم مقام قضاء احلمدانية‬ ‫احملامي ناجي خزعل العبيدي (‪)1976-1979‬‬ ‫(‪ )02‬وبسبب عالقاته املتميزة بالكاكائية(‪،)12‬‬ ‫‪73‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪74‬‬

‫زار قراهم وأعلمهم بأن احلكومة تنوي‬ ‫سجلوا ضمن القومية‬ ‫ترحيلهم إذا َ‬ ‫الكوردية في اإلحصاء‪ ،‬وقال “ألني كنت‬ ‫أريد اخلير لهم نتيجة لعالقاتي اجليدة‬ ‫مع الكاكائية‪ ،‬فقد أشرت عليهم بأن‬ ‫يسجلوا عربا ً في اإلحصاء‪ ،‬فقالوا كيف‬ ‫نسجل عربا ً ونحن أكراد‪ ،‬فقلت لهم‬ ‫بأنكم إذا سجلتم عربا ً ستضمنون البقاء‬ ‫في قراكم وآراضيكم‪ ،‬وإال فإن احلكومة‬ ‫سترحلكم إلى املناطق الكوردية البعيدة‬ ‫وستعيشون في الغربة وتفقدون قراكم‬ ‫وأراضيكم‪ ،‬كما أكدت لهم بأن تسجيلكم‬ ‫ضمن القومية العربية ال متحي عنكم‬ ‫قوميتكم الكوردية األصلية‪ ،‬فذلك مجرد‬ ‫حبر على الورق‪ ،‬فإقتنعوا وسجلوا عرباً‪،‬‬ ‫وبالتالي لم تتعرض لهم احلكومة”(‪،)22‬‬ ‫ويبدو إن اللغة التي حتدث بها القائم‬ ‫مقام مع كاكائية قضاء احلمدانية كانت‬ ‫تختلف متاما ً عن لغة املسؤولني اآلخرين‬ ‫وذلك للسبب الذي أسلفناه‪ ،‬فقد طغى‬ ‫على كالمهم التهديد والوعيد‪ ،‬إذ جاء‬ ‫على لسان املسؤول احلزبي لناحية الكلك‬ ‫إدريس التكريتي “إلي ما يغير قوميته إلى‬ ‫العربية يُرحل إلى كردستان”(‪ .)32‬األمر الذي‬ ‫أدى في نهاية املطاف بوجهائها أن يسجلوا‬ ‫ضمن القومية العربية في اإلحصاء العام‬ ‫للسكان لسنة ‪ ،1977‬وفعال متكنت‬ ‫القبيلة أن تنقذ نفسها من الترحيل‬ ‫بفضل القائم مقام‪ ،‬ولكن على حساب‬ ‫قوميتهم‪ ،‬إذ إن احلكومة جعلت من هذا‬ ‫اإلحصاء أساسا في تعامالتها الرسمية‬ ‫مع أفراد القبيلة وتغيير دميوغرافية سكان‬ ‫املنطقة وسيكون هذا اإلحصاء مبررا‬ ‫للنظام لترحيلهم في سنة ‪.1988‬‬ ‫لم تغب الروح الكوردية عن‬ ‫ ‬ ‫الكاكائية على الرغم من تغيير قوميتهم‬

‫من الكوردية إلى العربية في سنة ‪،1977‬‬ ‫إال أن ذلك قاد إلى حرمانهم من أبسط‬ ‫احلقوق وأهمها واملعروفة بحقوق التعليم‪،‬‬ ‫إذ إن املدارس التي مت إفتتاحها كلها كانت‬ ‫باللغة العربية بحجة أن هذه املنطقة ال‬ ‫تقع ضمن مناطق احلكم الذاتي الذي أقر‬ ‫قانونه في ‪ 11‬آذار ‪ ،)42(1970‬ومن املهم ذكره‬ ‫هنا إن الكاكائية أصروا هذه املرة على‬ ‫العودة إلى القومية الكوردية في اإلحصاء‬ ‫العام لسنة ‪ ،1987‬والسيما إن اجليل اجلديد‬ ‫من الشباب كانوا عازمني على التسجيل‬ ‫كوردا ً مهما كانت الظروف والنتائج‪ ،‬وهذا‬ ‫الذي حدث بالفعل‪ ،‬فعندما قامت احلكومة‬ ‫بإجراء اإلحصاء العام للسكان في السنة‬ ‫املذكورة أعاله ‪ ،‬سجلت ‪ 99%‬من العوائل‬ ‫الكاكائية كورداً‪.‬‬ ‫لم ت ُق ِدم احلكومة حينها على‬ ‫ ‬ ‫أي إجراء ضد هذه القبيلة ألنها كانت‬ ‫منشغلة باحلرب العراقية اإليرانية (‪1980-‬‬ ‫‪ ،)52()1988‬من جهة‪ ،‬وقيامها بعمليات‬ ‫األنفال السيئة الصيت في مناطق‬ ‫مختلفة من كوردستان من جهة أخرى‪ ،‬إال‬ ‫بعض احلاالت الفردية‪ ،‬مثل قيامها بترحيل‬ ‫بعض العوائل التي إلتحق أبنائها باحلركة‬ ‫الكوردية املسلحة‪ ،‬إلى كوردستان لغرض‬ ‫تسفيرهم إلى إيران وذلك في سنة ‪،)62(1986‬‬ ‫واجلدير بالذكر إن املشروع احلكومي‬ ‫السالف الذكر كان يشمل الشبك أيضا ً‬ ‫ممن سجلوا حتت عنوان القومية الكوردية‬ ‫في إحصاء سنة ‪ ،1987‬لذا فان مشروع‬ ‫الترحيل وفق اخملطط احلكومي كان يشمل‬ ‫حوالي ‪ 20%‬من سكان قضاء احلمدانية‬ ‫وهذا مما ينسحب سلبا على سياسة‬ ‫احلكومة وإستقرار املنطقة‪ ،‬فتم تأجيل‬ ‫املشروع إلى حني التفرغ من عملية األنفال‬ ‫مع إتخاذ جميع الترتيبات الالزمة لتنفيذ‬


‫عملية الترحيل‪.‬‬ ‫من املفيد اإلشارة هنا إلى أن‬ ‫ ‬ ‫القيادة العراقية قد إتخذت اخلطوة األولى‬ ‫لتنفيذ عملية إبادة الكورد في جلسة‬ ‫مجلس قيادة الثورة برئاسة الرئيس‬ ‫العراقي األسبق صدام حسني واملنعقدة‬ ‫في ‪ 29‬آذار ‪ ،1987‬فقد قرر اجمللس إناطة‬ ‫مهمة تنفيذها بعضو القيادة القطرية‬ ‫حلزب البعث علي حسن اجمليد املعروف بـ‬ ‫(علي كيمياوي)‪ ،‬إذ أكدت الفقرة األولى‬ ‫من القرار على أن “يقوم الرفيق علي حسن‬ ‫اجمليد عضو القيادة القطرية للحزب‬ ‫ومجلس قيادة الثورة في تنفيذ سياستنا‬ ‫في عموم املنطقة الشمالية وبضمنها‬ ‫منطقة كردستان للحكم الذاتي (‪)...‬‬ ‫حماية األمن والنظام وكفالة اإلستقرار‬ ‫فيها وتطبيق قانون احلكم الذاتي في‬ ‫املنطقة”‪ ،‬وقد خوله القرار أيضا ً جميع‬ ‫الصالحيات مبا فيها صالحيات مجلس‬ ‫األمن القومي وجلنة شؤون الشمال‪ ،‬كما‬ ‫ربط القرار كل مؤسسات الدولة األمنية‬ ‫مبا فيها اجليش واإلستخبارات العسكرية‬ ‫بشخص اجمليد(‪.)72‬‬ ‫إن هذا القرار حمل في طياته كثير‬ ‫من املعاني‪ ،‬إذ أبطل بشكل ال يقبل الشك‬ ‫ما كان معروفا في حينه بقانون احلكم‬ ‫الذاتي‪ ،‬إذ أن املنطقة الشمالية بأسرها‬ ‫أصبحت حتت سيطرة رجل واحد وهو علي‬ ‫حسن اجمليد الذي أصبح احلاكم املدني‬ ‫والعسكري واحلزبي في اآلن نفسه‪ ،‬وعلى‬ ‫أساسه مت تنفيذ عملية األنفال‪ ،‬كما أن‬ ‫القرار كان مفتوحا ولم يحدد بفترة زمنية‬ ‫وأن عمليات التطهير العرقي التي أعقبت‬ ‫عملية األنفال في محافظة نينوى كانت‬ ‫ضمن سياقات وأهداف الكتاب نفسه‪ ،‬إذ‬ ‫أن اغلب القرارات املتعلقة بشأن ترحيل‬

‫أبناء منطقة سهل نينوى تصدر من اجلهة‬ ‫نفسها‪ ،‬لهذا فقد أشرنا إلى هذا القرار‬ ‫بشيء من التفصيل‪.‬‬ ‫كانت املرحلة األولى من عمليات‬ ‫األنفال قد بدأت في ‪ 23‬شباط ‪،1988‬‬ ‫وإنتهت مرحلتها األخيرة (الثامنة) في ‪6‬‬ ‫أيلول ‪ ،)82(1988‬وقد أسفرت هذه العمليات‬ ‫عن إستشهاد وفقدان حوالي (‪ )182‬ألف‬ ‫شخص وتدمير (‪ )2451‬قرية وتدمير (‪)1344‬‬ ‫مدرسة ونهب األموال املنقولة وتدمير‬ ‫األراضي واآلبار الزراعية بإستخدامها‬ ‫سياسة األرض احملروقة(‪.)92‬‬ ‫إستطاعت احلكومة خالل املدة‬ ‫‪ 23‬شباط ‪ 1988‬حتى ‪ 6‬أيلول ‪ 1988‬من‬ ‫تنفيذ ما خططت له في عملية األنفال‪،‬‬ ‫وتفرغت لتنفيذ اخلطة األخرى املتمثلة‬ ‫بترحيل سكان املناطق األخرى من‬ ‫كوردستان وتعريبها عن طريق إسكان‬ ‫العوائل والعشائر العربية فيها‪ ،‬وجاءت‬ ‫الفرصة املناسبة بإنتهاء احلرب العراقية‬ ‫اإليرانية في ‪ 8‬آب ‪ ،1988‬لتنفيذ املرحلة‬ ‫الثانية من خطة التعريب والقضاء على‬ ‫احلركة الكوردية بشكل نهائي حسب‬ ‫وجهة نظرها‪.‬‬ ‫أوعزت احلكومة عن طريق املكاتب‬ ‫ ‬ ‫احلزبية وفروعها إلى اإلستعداد لتنفيذ‬ ‫عمليات الترحيل في منطقة نينوى‪ ،‬إذ‬ ‫إستلمت محافظة نينوى البرقية املرسلة‬ ‫من مكتب تنظيم الشمال ذي الرقم (‪)1103‬‬ ‫في ‪ 4‬متوز ‪ ،1988‬اخلاصة بإتخاذ اإلجراءات‬ ‫املناسبة لترحيل العوائل الكوردية وفق‬ ‫قوائم خاصة بأسماء العوائل املشمولة‬ ‫بالترحيل وضمت (‪ )498‬عائلة من‬ ‫الكاكائية(‪ ،)03‬وقد مت تشكيل جلنة من قبل‬ ‫محافظة نينوى في ‪ 5‬متوز ‪ ،1988‬لإلشراف‬ ‫على تنفيذ العملية برئاسة مدير شرطة‬ ‫‪75‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪76‬‬

‫نينوى وعضوية كل من ممثل عن قيادة فرع‬ ‫املوصل حلزب البعث العربي اإلشتراكي‬ ‫وممثل عن قيادة فرع نينوى وممثل عن مديرية‬ ‫أمن احملافظة وسكرتير جلنة مكافحة‬ ‫النشاط املعادي وممثل مركز إستخبارات‬ ‫املوصل مبوجب كتاب احملافظة املرقم (‪)682‬‬ ‫في ‪ 5‬متوز ‪ ، )13(1988‬وقد أصدرت مديرية‬ ‫الشؤون الداخلية في محافظة نينوى‪/‬‬ ‫جلنة مكافحة النشاط املعادي كتابا ً خاصا ً‬ ‫لتنفيذ إجراءات الترحيل وحمل الرقم‬ ‫(‪ )789‬في ‪ 15‬آب ‪ 1988‬إلى جلنة النشاط‬ ‫املعادي لقضاء احلمدانية‪ ،‬وقد نص الكتاب‬ ‫املعطوف على الكتب التي ذكرناها سالفا‬ ‫على إتخاذ “اإلجراءات املبينة أدناه بصدد‬ ‫األشخاص املبينة أسماؤهم في القوائم‬ ‫املرفقة طيا ً والذين غيروا قوميتهم من‬ ‫العربية إلى الكردية على ان يجرى التنفيذ‬ ‫بإشراف اللجنة املشكلة مبوجب أمر هذه‬ ‫احملافظة ‪ 682‬في ‪ )...5/7/88‬وقد متثلت‬ ‫اإلجراءات مبا يأتي‪”:‬‬ ‫‪1 1‬هدم دورهم‪.‬‬‫‪2 2‬ترحيلهم إلى اجملمعات‪.‬‬‫‪3 3‬عدم تعويضهم نهائياً‪.‬‬‫‪4 4‬قطع عالقاتهم باحلزب‪.)23( ”.‬‬‫ومن اجلدير باملالحظة إن الكتاب صدر‬ ‫عن جلنة مكافحة النشاط املعادي‪ ،‬وكأن‬ ‫هذه القرى قامت بالتمرد على السلطات‬ ‫احلكومية‪ ،‬علما أن عددا ً ال بأس به من أفراد‬ ‫القبيلة كانوا منتمني إلى حزب البعث‬ ‫وأبنائها منخرطون في صفوف القوات‬ ‫املسلحة العراقية أو في صفوف أفواج‬ ‫(الدفاع الوطني) التي كانت اشد قسوة من‬ ‫اجليش على الكورد!‪ ،‬مما يؤكد بأن املسألة‬ ‫ال تتعلق بتغيير القومية أو وجود مخاطر‬ ‫تهدد كيان الدولة وإمنا إجتثاث الوجود‬ ‫الكوردي في هذه املنطقة وتعريبها‪ ،‬وما‬

‫كان تغيير القومية إال مبررا ً للقيام بهذه‬ ‫العملية‪ .‬بعد أن تأكدت احلكومة إن‬ ‫صهرهم في بوتقة القومية العربية أمر‬ ‫غير وارد احلصول في ظل متسك القبيلة‬ ‫مبوروثها اإلجتماعي الكوردي وعقيدتها‪،‬‬ ‫وان ذلك بحاجة إلى مئات السنيني إلجناح‬ ‫مخطط احلكومة‪ ،‬فبالتالي ترحيلهم‬ ‫سيأتي بفائدة أكبر طاملا إن الظروف قد‬ ‫توفرت بعد متكنها من إضعاف الكورد عن‬ ‫طريق عملية األنفال أوال وإنتهاء احلرب‬ ‫العراقية اإليرانية ثانياً‪.‬‬ ‫أسرعت احلكومة بتنفيذ عملية‬ ‫الترحيل مباشرة بعد إنتهاء احلرب‪ ،‬إذ‬ ‫باشرت في ‪ 6‬أيلول ‪ 1988‬بعملية ترحيل‬ ‫قسم من عوائل قرية وردك إلى مجمع‬ ‫تكية التابعة لقضاء جمجمال‪ ،‬ويصف‬ ‫مام زوراب عملية ترحيل الوجبة األولى من‬ ‫عوائل قرية وردك بالشكل اآلتي‪“ :‬أحاط‬ ‫رجال احلزب وأفراد اجليش الشعبي بالقرية‬ ‫من كل اجلهات مما أدى إلى إختباء الهاربني‬ ‫من اخلدمة العسكرية داخل القرية – كان‬ ‫الهارب الذي يُلقى القبض عليه يعدم فوراً‪-‬‬ ‫ولم يكن أمامهم أي منفذ للهرب إلى‬ ‫خارج القرية‪ ،‬وإلنقاذ هؤالء من املوت احملقق‪،‬‬ ‫أقام أحد أبناء القرية وليمة كبيرة للقوات‬ ‫احلكومية‪ ،‬وبعد جهد جهيد إستطاع‬ ‫إقناع اجملموعة التي كانت تقف عند نهر‬ ‫اخلازر للذهاب معه لتناول الغداء‪ ،‬وبعد أن‬ ‫خلت جهة النهر من رجال احلكومة هرب‬ ‫احملاصرون إلى اجلهة املقابلة للقرية دون أن‬ ‫تشعر السلطات بهم‪ ،‬ومت ترحيل عوائلهم‬ ‫بواسطة سيارات حمل كبيرة سخرتها‬ ‫السلطات لهذا الغرض‪ ،‬ولم يستطع‬ ‫الرجال الذين هربوا من القرية من الرحيل‬ ‫مع عوائلهم‪ ،‬إال أنهم إستطاعوا اللحاق‬ ‫بها بواسطة النقيب في اجليش العراقي‬


‫آنذاك محمود حسني محمود في منطقة‬ ‫خبات‪ ،‬إذ قام الضابط املذكور بتوفير سيارة‬ ‫خاصة لنقلهم واإللتحاق بعوائلهم دون‬ ‫أن يتعرض لهم أحد”‪ ،‬وأضاف مام زوراب‬ ‫أيضا ً “إن السلطات كانت تتعمد في إهانة‬ ‫العوائل املرحلة من خالل إيقاف السيارات‬ ‫التي كانت تقلهم في املدن والطرقات‬ ‫ساعات طويلة حتت أشعة الشمس‬ ‫احلارقة‪ ،‬فيبادر األهالي بتزويدنا باملاء واألكل‬ ‫رأفة بنا”(‪ .)33‬وبالطريقة نفسها مت ترحيل‬ ‫عوائل قرية تل اللنب وكزكان واجمليدية‬ ‫وكبرلي والبقية املتبقية من قرية وردك‪،‬‬ ‫خالل املدة ‪ 12‬أيلول ولغاية ‪ 15‬أيلول من‬ ‫سنة ‪ ، 1988‬إذ مت ترحيلهم إلى مناطق‬ ‫مختلفة من محافظة السليمانية‪ .‬فقد‬ ‫مت إسكانهم في العراء ضمن مجمعات‬ ‫سكنية لم تكن تتوفر فيها أي مقومات‬ ‫للحياة العادية كاملاء والعمل مثل تكية‬ ‫والسالم (باينجان)(‪ )43‬وبيره مكرون(‪ )53‬وحتت‬ ‫رحمة الظروف اجلوية القاسية(‪ ،)63‬وأما‬ ‫سكان قرية كبرلي من الكاكائية‪ ،‬فقد مت‬ ‫ترحيلهم إلى مجمع حرير التابع حملافظة‬ ‫أربيل مع الشبك(‪.)73‬‬ ‫ومع أن هذه العملية لم تكبد هذه‬ ‫القبيلة شيئا من األرواح ‪ ،‬إال أنها تسببت‬ ‫بخسائر كبيرة في املمتلكات ‪ ،‬إذ تركت‬ ‫مزارعها في أوقات جني احملصول وإضطرت‬ ‫إلى بيع مواشيها وترك بعضها ‪ ،‬فضال عن‬ ‫تدمير القرى وتسويتها باألرض كما جاء‬ ‫في الفقرة األولى من كتاب احملافظة‪ ،‬وقد مت‬ ‫تنفيذ كل فقراته األخرى بكل تفاصيلها‪،‬‬ ‫كما مت نقل سجالت األحوال الشخصية‬ ‫اخلاصة بهم إلى محافظة السليمانية‬ ‫مبوجب كتاب محافظة نينوى املرقم (‪)973‬‬ ‫في ‪ 4‬تشرين األول ‪ ،)83(1988‬وذلك إلنهاء أي‬ ‫إرتباط لهم باملنطقة كأنهم لم يخلقوا‬

‫فيها‪ ،‬فضال عن مصادرة أمالكهم غير‬ ‫املنقولة وتسجيلها بإسم وزارة املالية‪،‬‬ ‫إذ يؤكد ذلك الكتاب الصادر من قائم‬ ‫مقامية قضاء احلمدانية إلى مالحظية‬ ‫التسجيل العقاري في احلمدانية حول‬ ‫مصادرة األراضي اخلاصة باملرحلني من قرية‬ ‫زنكل(‪.)93‬‬ ‫كان الشتاء على األبواب مما كان يهدد‬ ‫هذه العوائل التي لم جتد بيوتا تأوي إليها‬ ‫إال اخليم التي ال تقاوم الظروف اجلوية‬ ‫القاسية‪ ،‬وقاد هذا األمر رؤوساء القبيلة‬ ‫إلى طرق جميع األبواب من أجل إعادتهم‬ ‫إلى مناطقهم‪ ،‬وقد متكن هؤالء من الوصول‬ ‫إلى القيادات العليا في الدولة إلعادتهم‬ ‫إلى مواطنهم‪ ،‬وبعد مدة من الزمن جنح‬ ‫هؤالء في إقناع القيادات احلكومية والسيما‬ ‫علي حسن اجمليد مسؤول مكتب تنظيمات‬ ‫الشمال إلعادتهم إلى مواطنهم‪ ،‬فوافقت‬ ‫احلكومة على ذلك ولكن بشروط معينة‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تغيير املرحلني لقوميتهم من‬ ‫الكوردية إلى العربية مرة أخرى ضمن ما‬ ‫عرف مبسألة (تصحيح القومية) (‪.)04‬‬ ‫‪ -2‬عدم إعادتهم إلى مواطنهم‬ ‫األصلية وإمنا إسكانهم ضمن ناحية‬ ‫الكوير التابعة حملافظة أربيل‪.‬‬ ‫‪ -3‬الدخول في صفوف حزب البعث‬ ‫العربي االشتراكي (احملظور حاليا)‪.‬‬ ‫بعد موافقة األهالي على هذه الشروط‪،‬‬ ‫قرر مجلس قيادة الثورة في كتابه املرقم‬ ‫(‪ )745‬في ‪ 19‬تشرين الثاني ‪ ،1989‬إعفاء‬ ‫الكاكائية من العقوبات التي فرضت‬ ‫عليهم‪ ،‬إذ نصت الفقرة األولى من الكتاب‬ ‫على أن “يعفى األشخاص املبينة أسماؤهم‬ ‫بالقوائم املرفقة وعوائلهم البالغ عددها‬ ‫(‪ )498‬فقط ابتداء بالتسلسل (‪ )1‬عائلة‬ ‫‪77‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪78‬‬

‫كوثر عنتر محو وانتهاء بالتسلسل (‪)498‬‬ ‫عائلة (مظفر سعدون رمو) من العقوبة‬ ‫املنصوص عليها بقرار مجلس قيادة الثورة‬ ‫املرقم (‪ )850‬املؤرخ في ‪.)14(”27/11/1988‬‬ ‫وافق األهالي على هذه الشروط أمال‬ ‫في النجاة من الشتاء القارص في مناطق‬ ‫تواجدهم وإيجاد مصدر للعيش‪ ،‬وهذه‬ ‫تتوفر في املنطقة املزمع ترحيلهم إليها‪.‬‬ ‫ومن املفيد ذكره إن إختيار هذه املنطقة‬ ‫إلسكان الكاكائية فيها‪ ،‬يعود إلى‬ ‫العقيد مرعي من قرية همدان الذي كان‬ ‫يعمل كضابط إرتباط في مكتب تنظيم‬ ‫الشمال‪ ،‬إذ أراد من ذلك إقامة حاجز أمني‬ ‫للقرى العربية التي ينتمي إليها في‬ ‫املنطقة(‪ ،)24‬مثل الهويرة ومركيبة وطراش‬ ‫(همدان) وأبو شيتة ومجلوبة وغيرها‪ ،‬ومت‬ ‫إسكان الكاكائية في قرى شمشوله‬ ‫ولزاكة (زاكة) وسيد أمني وماجداوا على‬ ‫شكل حزام أمني للقرى العربية وهي قرى‬ ‫مت ترحيل أهلها الكورد ومت تدميرها في‬ ‫وقت سابق‪ .‬فقد مت إسكان املرحلني من‬ ‫قرية وردك في قرية شمشولة(‪ ،)34‬واملرحلني‬ ‫من قريتي اجمليدية وزنكل في قرية زاكة(‪،)44‬‬ ‫واملرحلني من قرية تل اللنب في قرية سيد‬ ‫أمني واملرحلني من قريتي كزكان وكبرلي‬ ‫في قرية ماجداوا(‪.)54‬‬ ‫ومهما قيل وما واجهت هذه القبيلة‬ ‫من إنتقادات بشأن تغيير قوميتها من‬ ‫خالل إستجابتها لشروط احلكومة من‬ ‫جهة وسكنها في مناطق تعود في األصل‬ ‫إلى أبناء جلدتهم ‪ ،‬إال أنها إستطاعت‬ ‫احملافظة على وجودها ومتاسكها كقبيلة‬ ‫واحلفاظ على عقيدتها التي كانت مهددة‬ ‫باإلنصهار في بوتقة العقائد األخرى‬ ‫من خالل تشتيتها في مناطق مختلفة‬ ‫وحرمانها من حقوقها الثقافية نتيجة‬

‫إنقطاع أبنائها عن التعليم ‪ ،‬كما أنها‬ ‫أصبحت قريبة جدا ً من موطنها األصلي‬ ‫وأخذت تتحني الفرصة املناسبة للعودة‬ ‫إلى مواطنها‪ ،‬علما ً إن قبول الكاكائية‬ ‫لهذه الشروط ‪ ،‬ما هو إال خطوة أولية‬ ‫للعمل على العودة‪.‬‬ ‫ومن األحداث اجلديرة باإلشارة التي‬ ‫وقعت أثناء تواجد القبيلة في منطقة‬ ‫الكوير والتي كادت أن تصيبها بنكبة‬ ‫أخرى ‪ ،‬هي احلادثة التي وقعت في سنة‬ ‫‪ 1990‬في املركز اإلنتخابي في قرية الهويرة‬ ‫العربية خالل إنتخابات اجمللس التشريعي‬ ‫ملنطقة احلكم الذاتي‪ ،‬إذ وقعت صدامات‬ ‫بني الكاكائية وعرب املنطقة مزقت‬ ‫خاللها صور الرئيس العراقي األسبق‬ ‫والالفتات احلزبية وكادت أن تصل إلى‬ ‫معركة باألسلحة النارية لوال وصول‬ ‫السيد فهد بيجان حسن(‪ )64‬مع أفراد‬ ‫من فوجه (فوج ‪ 184‬دفاع الوطني) الذي‬ ‫كان يرابط على الطريق املمتد بني أربيل‬ ‫والكوير ‪ ،‬بعد سماعه للحادثة‪ ،‬وأنقذ أبناء‬ ‫عشيرته من مؤامرة حيكت خيوطها من‬ ‫قبل البعض من عرب املنطقة بالتعاون‬ ‫مع احلزب والشرطة ضد الكاكائية‪ ،‬بعد‬ ‫أن تبني لهم بأن الكاكائية لن تصوت‬ ‫لصالح مرشحيهم‪ ،‬وكان مجيئه بهذه‬ ‫القوة العسكرية وسيطرته على املوقف‬ ‫أدى إلى إنهاء الصدام الذي جرى باألسلحة‬ ‫البيضاء واحلجارة‪ ،‬وقد أسفرت احلادثة عن‬ ‫إصابة حوالي (‪ )30‬شخصا من العرب‬ ‫ونصف العدد من الكاكائية(‪.)74‬‬ ‫مع انطالقة إنتفاضة آذار ‪ ،1991‬متكن‬ ‫األهالي ومبساعدة قوات البيشمركة من‬ ‫حترير أغلب املدن الكوردية‪ ،‬والسيما مدينة‬ ‫أربيل التي كانت مركزا ً للفيلق اخلامس‬ ‫من اجليش العراقي‪ ،‬وقبل إنتهاء عملية‬


‫حتريرها بشكل كامل‪ ،‬باشر أبناء الكاكائية‬ ‫بالهجرة قاصدين قراهم األصلية ليال ً‬ ‫ونهارا ً راجلني وركوبا حتى وصلوا إلى‬ ‫قراهم وكل منهم إستقر في قريته وباشر‬ ‫بإعادة إعمارها من جديد‪.‬‬ ‫كانت هذه العودة مليئة باخملاطر‬ ‫على الرغم من إنهيار القوات األمنية‬ ‫في املناطق الكوردية‪ ،‬لكن أغلب مناطق‬ ‫محافظة نينوى لم تكن قد حتررت بعد‪،‬‬ ‫بل على العكس فإنها من بني احملافظات‬ ‫القليلة التي لم تشهد إنتفاضة كما‬ ‫كانت األحوال في محافظات اجلنوب‬ ‫والوسط واملدن الكوردستانية‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫القرى ال تزال حتت مرمى مدافع النظام‬ ‫املتمركزة في منطقة اخلازر‪ ،‬مما صعب من‬ ‫عملية العودة‪ .‬لكن األسوأ في األمر إن‬ ‫النظام بعد أن متكن من إعادة السيطرة‬ ‫على معظم املناطق التي خرجت عن‬ ‫سيطرته إبان اإلنتفاضة(‪ ،)84‬أصدر أوامره‬ ‫بإعادة الكاكائية مرة أخرى إلى منطقة‬ ‫الكوير التي رحلت إليها من َقبل(‪ ،)94‬مما‬ ‫دعا بوجهاء القبيلة إلى اإلتصال بشيخ‬ ‫القبيلة عدنان آغا وكبير وجهائها مظهر‬ ‫ده ده الكاكائي للتدخل لدى السلطات‬ ‫احلكومية إليقاف ترحيلهم‪ ،‬وبالفعل فقد‬ ‫قاما على عجل بإجراء إتصاالتهما‪ ،‬إذ‬ ‫ذكر اآلغا بأنهما إتصال أوال مبسؤول قيادة‬ ‫فرع التأميم للحزب عطية شنداخ‪ ،‬ثم مت‬ ‫اإلتصال بالقيادات العليا وزارا محافظة‬ ‫نينوى ومت احلصول على املوافقات الرسمية‬ ‫إلبقائهم في مناطقهم(‪.)05‬‬ ‫وبعد سقوط النظام البعثي في نيسان‬ ‫‪ ،2003‬وإلقاء القبض على أغلب رموز‬ ‫النظام السابق‪ ،‬ومتت محاكمتهم على‬ ‫اجلرائم التي إرتكبوها ضد الشعب العراقي‬ ‫ومن بينها جرائم التطهير العرقي ومن‬

‫ضمنها قضية ترحيل الكاكائية والشبك‬ ‫في سنة ‪ ،1988‬ومصادرة أمالكهم‪ ،‬وقد‬ ‫حكمت احملكمة على املدانني في هذه‬ ‫القضية بالسجن ملدة سبعة أعوام‪ ،‬وكان‬ ‫في مقدمتهم علي حسن اجمليد ومزبان‬ ‫خضر هادي وزمام عبدالرزاق وآخرين(‪.)15‬‬ ‫إن مسلسل الترحيل القسري لم‬ ‫ينت ِه‪ ،‬ففي ‪ 15‬آذار ‪ ،1995‬مت ترحيل (‪)15‬‬ ‫عائلة من أهالي قرية وردك حتت عنوان‬ ‫(املسيئني) دون أن ترتكب جرمية تذكر‪،‬‬ ‫إلى صحراء قضاء احلضر التابع حملافظة‬ ‫نينوى(‪ ،)25‬مبوجب الكتاب الصادر عن جلنة‬ ‫شؤون الشمال املرقم (‪ )3024‬في ‪ 7‬آذار‬ ‫‪ )35(1995‬وكان سكان املنطقة قد أبلغوهم‬ ‫بأن الذين يجلبون إلى هذه املنطقة يتم‬ ‫إبادتهم ودفنهم‪ ،‬األمر الذي دفعهم إلى‬ ‫الهرب حتت جنح الليل فنفذوا بجلدهم‬ ‫من املوت املؤكد(‪.)45‬‬ ‫التعليم‬ ‫إفتتحت املدارس في مناطق‬ ‫الكاكائية في فترة متأخرة‪ ،‬إذ مت افتتاح‬ ‫أول مدرسة ابتدائية في قرية وردك في‬ ‫سنة ‪ ،)55(1959‬وفي قرية كبرلي ‪،1959‬‬ ‫وقد مت حتديث املدرسة في سنة ‪ ،1980‬ومت‬ ‫إستحداث متوسطة في البناية نفسها‬ ‫وفي السنة ذاتها‪ ،‬وأصبحت ثانوية في‬ ‫سنة ‪ ،1996‬أما بناية إعدادية كبرلي فقد‬ ‫مت تشييدها في سنة ‪ ،)65(2007‬وفي قرية‬ ‫تل اللنب مت إستحداث مدرسة فيها سنة‬ ‫‪ 1965‬وفي قرية كزكان في سنة ‪،)75(1977‬‬ ‫وفي قرية زنكل في سنة ‪ ،)85(1975‬وفي قرية‬ ‫اجمليدية في سنة ‪ ،)95(1979‬وكانت الدراسة‬ ‫في جميع هذه املدارس باللغة العربية‬ ‫‪ ،‬وقد أُغلقت بعضها بني فترة وأخرى‬ ‫والسيما إبان احلرب العراقية اإليرانية مثل‬ ‫‪79‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪80‬‬

‫مدرسة اجمليدية وكزكان(‪ ،)06‬بحجة عدم‬ ‫وجود معلمني وإضطرار تالميذهما الذهاب‬ ‫إلى قرية تل اللنب‪ ،‬واجلدير بالذكر إن هذه‬ ‫القرى لم تشهد إفتتاح مدارس ثانوية في‬ ‫أي منها إال بعد سقوط النظام البعثي‬ ‫في نيسان ‪ ،2003‬إذ مت إفتتاح ثانوية وردك‬ ‫اخملتلطة في سنة ‪ 2008‬وهي الوحيدة‬ ‫في املنطقة(‪ ،)16‬إذا ما إستثنينا متوسطة‬ ‫كبرلي التي إفتتحت في سنة ‪،1980‬‬ ‫كونها قريبة من مركز قضاء احلمدانية‬ ‫من جهة والقرية تسكنها مجموعة من‬ ‫الشبك من جهة أخرى‪ ،‬واألمر الذي البد‬ ‫من ذكره إن التالميذ والطلبة من أبناء‬ ‫املرحلني قد حرموا من التعليم سنتني‬ ‫متتاليتني بسبب الترحيل‪ ،‬ليس هذا فقط‬ ‫‪ ،‬بل أن الطلبة الذين كانوا يدرسون في‬ ‫مدراس ناحية الكلك وقضاء احلمدانية‬ ‫أجبروا على ترك مدارسهم واإللتحاق‬ ‫مبدارس مناطق احلكم الذاتي‪.‬‬ ‫تعريب األسماء‬ ‫يبدو أن التأثير الثقافي والعامل‬ ‫السياسي كان لهما دور كبير في تسمية‬ ‫العوائل الكاكائية مواليدها باألسماء‬ ‫العربية‪ ،‬وهذا ال يعني أن هذا األمر يتعلق‬ ‫فقط بالكاكائية بل حتى العشائر‬ ‫الكوردية األخرى التي تعيش في محافظة‬ ‫نينوى‪ ،‬إال أن الذي مييزها عن غيرها إنها‬ ‫كانت تريد أن تبعد نفسها عن أي شبهات‬ ‫لرمبا ستعود سلبا عليها‪ ،‬هذا من جانب‪،‬‬ ‫كما كانت احلكومة تعرقل دائما العوائل‬ ‫في دوائر النفوس من تسمية مواليدها‬ ‫باألسماء الكوردية(‪ ،)26‬لذا يجد املتتبع‬ ‫لشؤون أبناء هذه املنطقة بأن األسماء‬ ‫العربية هي الطاغية‪ ،‬ونادرا ما جتد‬ ‫شخصا ً يسمي مولوده بإسم كوردي‪،‬‬

‫وخير دليل على إن الكاكائية كانت تريد‬ ‫حماية نفسها من سياسات احلكومة‪ ،‬انه‬ ‫بعد سقوط النظام في سنة ‪ ،2003‬أخذت‬ ‫األسماء الكوردية بالتزايد‪ ،‬إذ أن نسبة ‪90%‬‬ ‫من مواليدها اجلدد أخذت حتمل أسماء‬ ‫كوردية لم تكن معروفة سابقاً‪.‬‬ ‫اإلرهاب والقتل اجلماعي‬ ‫بعد سقوط النظام إثر العملية‬ ‫التي قادتها الواليات املتحدة األميركية‬ ‫واإلنتفاضة الداخلية في أغلب املدن‪،‬‬ ‫إستبشر العراقيون خيرا بزوال النظام‬ ‫البعثي في ‪ 9‬نيسان ‪ 2003‬الذي قبع‬ ‫على صدورهم مدة (‪ )35‬عاما‪ ،‬وكانت‬ ‫الكاكائية كغيرها من القبائل والعشائر‬ ‫الكوردية األخرى ساعدت وبشكل واضح‬ ‫في إثبات الوجود الكوردي في محافظة‬ ‫نينوى‪ ،‬إذ دخل أبناؤها منذ الوهلة األولى‬ ‫إلى صفوف القوات املسلحة العراقية‬ ‫(اجليش والشرطة) وقوات البيشمركة‪،‬‬ ‫فضال عن دخولهم إلى صفوف‬ ‫األحزاب الكوردية‪ ،‬وبشكل خاص حزبي‬ ‫الدميقراطي الكوردستاني واإلحتاد الوطني‬ ‫الكوردستاني‪ ،‬ومن اجلدير بالذكر إن عددا ً‬ ‫كبيرا ً من شباب القبيلة كانوا على إتصال‬ ‫سابق باألحزاب الكوردية حتى قبل سقوط‬ ‫النظام ولكن بشكل سري‪ .‬وقد قدمت‬ ‫الكاكائية ضحايا في سبيل الوجود‬ ‫الكوردي في محافظة نينوى من خالل‬ ‫حماية األحياء الكوردية في مدينة املوصل‬ ‫عن طريق املقرات احلزبية التي إنتشرت في‬ ‫عموم األحياء الكوردية‪ ،‬وكذلك حماية‬ ‫طريق املوصل – أربيل‪ ،‬هذا فضال عن توزيع‬ ‫الربايا واملقرات في عموم املناطق التي‬ ‫تقطنها الكاكائية‪.‬‬ ‫إن هذه اإلتصاالت املتميزة بني السلطة‬


‫في إقليم كوردستان وأحزابها السياسية‬ ‫من جهة والكاكائية في محافظة نينوى‬ ‫من جهة ثانية كانت محل إستياء وغضب‬ ‫لدى التيارات السياسية املعادية للكورد‬ ‫واحلركات املسلحة والتيارات الدينية‬ ‫املتطرفة‪ ،‬واجلدير بالذكر أن إختالف‬ ‫الكاكائية كطريقة دينية عن املذاهب‬ ‫اإلسالمية كان من األسباب اجلوهرية‬ ‫وراء إستهدافهم من بقايا البعثيني‬ ‫والتنظيمات اإلسالمية املتطرفة‪ .‬وعملت‬ ‫بكل الوسائل على اإلنتقام من هذه‬ ‫القبيلة‪ ،‬وبدأت أوال بقتل املنتسبني إلى‬ ‫األحزاب السياسية الكوردية ومنتسبي‬ ‫القوات املسلحة‪ ،‬ومن ثم إغتيالهم‬ ‫للمواطنني العاديني داخل املدن واحدا‬ ‫بعد اآلخر‪ ،‬ورمي املنشورات التي تهدد‬ ‫الكاكائية بالقتل في حالة عدم الرحيل‬ ‫عن مدينة املوصل‪ ،‬وقد أسفرت هذه‬ ‫العمليات عن مقتل حوالي (‪ )50‬شخصاً‪.‬‬ ‫وقد هجرت (‪ )95%‬من العوائل الساكنة‬ ‫في مدينة املوصل قاصدين مدن وقصبات‬ ‫إقليم كوردستان مثل أربيل وخبات والكلك‬ ‫بالدرجة األساسية‪ ،‬وقصدت عوائل أخرى‬ ‫قرى القبيلة‪ ،‬وقره قوش وبرطلة‪.‬‬ ‫لم تسلم القبيلة مطلقا من‬ ‫تهديدات اجلماعات املسلحة املتطرفة‪،‬‬ ‫وكانت املنشورات تصل إلى املنطقة بني‬ ‫احلني واآلخر وكانت تؤكد بالدرجة األولى‬ ‫على اإلنسحاب من القوات األمنية‬ ‫الكوردية واحلكومية‪ ،‬واألحزاب السياسية‬ ‫الكوردية وإخراج مقراتها في املنطقة‪،‬‬ ‫وكانت هذه املنشورات تهدد وجودهم‬ ‫في املنطقة‪ ،‬إذ كانت تؤكد على أن هذه‬ ‫الطائفة أو الطريقة الدينية اخلاصة بهم‬ ‫مارقة وخارجة على الدين‪ ،‬وحتلل قتلهم‪،‬‬ ‫ولم تقف هذه املسألة عند حدود التهديد‬

‫فقط‪ ،‬بل نفذت اجملموعات اإلرهابية عملية‬ ‫أعدت لها مسبقا لتدمير أهم املراكز‬ ‫الدينية املتمثل مبقام السيد هياس في‬ ‫قرية وردك(‪ ،)36‬إذ مت تفخيخه وتفجيره في‬ ‫ليلة ‪ 21/22‬كانون الثاني ‪ ،)46(2004‬وكان‬ ‫الهدف األساسي من ورائه إستهداف‬ ‫تكتف تلك‬ ‫الكاكائية في معتقدهم‪ ،‬ولم‬ ‫ِ‬ ‫اجلماعات بتلك األعمال بل خططت هذه‬ ‫املرة لتدمير قرية وردك بالكامل كونها تعد‬ ‫أهم قرى الكاكائية من النواحي الدينية‬ ‫والسياسية‪ ،‬وأكبرها من حيث احلجم‬ ‫السكاني‪ ،‬إذ يزيد عدد عوائلها على (‪)400‬‬ ‫عائلة‪.‬‬ ‫أعدت لهذه العملية خطة دقيقة‬ ‫تقوم على تفخيخ سيارتي حمل نوع قالب‬ ‫سكانيا بحوالي أربعة أطنان من املواد‬ ‫املتفجرة لكل واحدة منها وتغطيتها‬ ‫مبواد البناء ويقودهما إنتحاريان‪ .‬ومن اجلدير‬ ‫بالذكر إن سكان القرية قد أقاموا حولها‬ ‫خندق ملنع دخول السيارات إليها منذ‬ ‫تفجير مقام السيد هياس ‪ ،‬إال عن طريق‬ ‫منفذين فقط‪ ،‬وكانت تسيطر على املنفذ‬ ‫الغربي مجموعة من قوات البيشمركة‪،‬‬ ‫أما املنفذ اآلخر الذي هو عبارة عن جسر‬ ‫حديدي مقام على نهر اخلازر‪ ،‬فلم تكن‬ ‫عليه حراسات على اعتباره يقع في اجلهة‬ ‫الشرقية من القرية وهي منطقة أمينة‪،‬‬ ‫كما أن السيارات الكبيرة ال تستطيع‬ ‫الدخول إلى القرية بسبب وضع عارض‬ ‫حديدي فوق اجلسر لهذا الغرض‪ ،‬وقد‬ ‫إختارت اجملموعات اإلرهابية مترير السيارتني‬ ‫عن طريق اجلسر ‪ ،‬األمر الذي نبه أهالي‬ ‫القرية بان هاتني السيارتني مشبوهتان‪،‬‬ ‫ويبدو أن القائمني على هذه العملية قد‬ ‫تفقدوا القرية قبل تنفيذ العملية وكانوا‬ ‫على علم بغلق اجلسر بعارض حديدي‪،‬‬ ‫‪81‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪82‬‬

‫لذلك فقد صنعوا عارضة حديدية فوق فضال عن ما ال يقل عن (‪ )50‬جريحا ً آخرين‪،‬‬ ‫مقدمة السيارة حتى أعلى السقف لقلع كما أدى اإلنفجار إلى تدمير عدد كبير من‬ ‫العارض والعبور إلى جهة القرية وفتح الدور السكنية واملمتلكات من السيارات‬ ‫والساحبات وغيرها(‪.)56‬‬ ‫الطريق أمام السيارة الثانية‪.‬‬ ‫يبدو أن اخلطة كانت تقوم على تفجير‬ ‫السيارتني في آن واحد‪ ،‬إحداهما في الشمال‬ ‫الشرقي من القرية‪ ،‬واألخرى في اجلنوب‬ ‫اخلامتة‬ ‫الغربي من القرية إلحلاق أكبر قدر ممكن من‬ ‫األضرار بالقرية‪ ،‬واحلقيقة إن اخلطة كانت‬ ‫‪ -1‬إن عشيرة الكاكائية تتوزع في عدة‬ ‫تستهدف تدمير القرية عن بكرة أبيها‬ ‫وإبادة من فيها‪ .‬إال أن اخلطة لم حتقق جميع محافظات عراقية‪ ،‬مما جعلهم مشتتني‪،‬‬ ‫أهدافها‪ ،‬نظرا ً إلكتشاف أهل القرية ألمر إال أن الرباط الذي يربط بني أفرادها وهو‬ ‫السيارتني والتصدي لهما‪ ،‬وعندما عبرت العقيدة أو الطريقة الكاكائية جعلهم‬ ‫السيارة األولى اجلسر وكسرها للعارضة‪ ،‬يظهرون كقوة تخشاها السلطات‬ ‫في متام الساعة الثانية عشر من ليلة ‪ 9/10‬والعشائر اجملاورة لها‪ .‬األمر الذي حافظ‬ ‫أيلول ‪ ،2009‬وكان الفضل في إيقاظ أهل على وجودهم‪.‬‬ ‫القرية يعود إلى شخصني كان يقضيان‬ ‫‪ -2‬حاولت السلطات صهرهم في‬ ‫ليلهما على ضفاف النهر وهما نادر مجيد‬ ‫وجاسم ماماخان‪ ،‬إذ إنتبها إلى السيارتني‪ ،‬بوتقة القومية العربية‪ ،‬عندما أجبرت‬ ‫وأحضرا سالحهما وقاما بإطالق النار القبيلة على التسجيل ضمن القومية‬ ‫عليهما مما أدى إلى إيقاظ األهالي على العربية في التعداد العام للسكان‬ ‫صوت اإلطالقات النارية‪ ،‬إال أن السيارة لسنة ‪ ،1977‬ومع إن هذا اإلجراء حافظ‬ ‫األولى دخلت القرية في محاولة للوصول على وجودهم في مناطقهم ولبى رغبة‬ ‫إلى اجلهة األخرى منها‪ ،‬أما السيارة السلطة‪ ،‬لكن األخيرة فشلت في حتقيق‬ ‫الثانية فقد مت مالحقتها من قبل هذين هدفها األساسي في عملية صهرهم‪،‬‬ ‫الشخصني في شجاعة نادرة ‪ ،‬مما أدى إلى السيما وأن الكاكائية متمسكة إلى أبعد‬ ‫ارتباك سائقها فوقعت في حفرة وعندما احلدود مبوروثها اإلجتماعي والعشائري‬ ‫إقتربا منها فجر االنتحاري نفسه مع والديني‪ ،‬بل إن تعاليم عقيدتها كلها‬ ‫السيارة‪ ،‬أما السيارة األولى متكن عدد من باللغة الكوردية بالتالي ليس من املمكن‬ ‫أفراد القرية من قتل سائقها قبل أن يفجر أن يغير ما كتب على الورق جوهر هذه‬ ‫نفسه‪ .‬لكن انفجار السيارة الثانية أدى القبيلة الكوردية األصلية‪.‬‬ ‫إلى استشهاد الشخصني الذين الحقاها‬ ‫‪ -3‬إن تهجير الكاكائية قسرا ً من‬ ‫فضال عن (‪ )17‬شخصا ً آخر أغلبهم من‬ ‫األطفال والنساء وكان من بني الشهداء مناطقهم في محافظة نينوى سنة ‪،1988‬‬ ‫عائلة كاملة لم ينجوا منها سوى طفلة يدخل ضمن عملية التطهير العرقي الذي‬ ‫واحدة بعد أن أصيبت بإصابات بليغة ‪ ،‬عمد إليه نظام البعث إلبادة الكورد مبا‬


‫فيهم القبيلة الكاكائية‪.‬‬ ‫‪ -4‬تعرضت الكاكائية إلى عمليات‬ ‫اإلبادة اجلماعية‪ ،‬عندما مت استهدافها من‬ ‫قبل اجلماعات اإلرهابية كأفراد أو جماعات ‪،‬‬ ‫إذ مت إستهدافهم في املدن والقصبات التي‬ ‫يقيمون فيها أو عند زيارتهم لها للتسوق‬ ‫وغيرها وإستهداف قراهم بالسيارات‬ ‫املفخخة واإلنتحاريني‬ ‫‪ -5.‬إن إستهداف الكاكائية قدميا‬ ‫وحديثا يعود إلى سببني أساسيني وهما‬ ‫القومية حيث اإلنتماء الطبيعي لهم‬ ‫للقومية الكوردية‪ ،‬والدين أو الطريقة‬ ‫الدينية التي تختلف عن سائر املذاهب‬ ‫اإلسالمية األخرى مما جعلها هدفا للتيارات‬ ‫الدينية املتطرفة‪.‬‬

‫‪ - 5‬توفير حماية أمنية كافية للمنطقة‬ ‫للحيلولة دون إستهدافهم من قبل‬ ‫اجلماعات املسلحة‪.‬‬ ‫‪ - 6‬تعيني أفراد القبيلة من اخلريجني في‬ ‫دوائر حكومة اإلقليم‪.‬‬ ‫إن تنفيذ هذه التوصيات الواردة‬ ‫ستحافظ على الوجود الكوردي في‬ ‫املنطقة‪ ،‬وستقوي من روابطها بإقليم‬ ‫كوردستان‪ ،‬وحتول دون هجرة أبنائها‬ ‫للمنطقة‪ ،‬إذ شهدت خالل السنوات‬ ‫القليلة املاضية هجرة عدد من عوائل قرى‬ ‫الكاكائية قاصدة مدن وقصبات إقليم‬ ‫كوردستان بحثا ً عن األمان والعمل‪.‬‬

‫الهوامش ‬

‫التوصيات‬ ‫‪ -1‬شمول مناطق الكاكائية في محافظة‬ ‫)‪(Endnotes‬‬ ‫نينوى باملادة الدستورية (‪ ،)140‬وتعويضهم‬ ‫‪ 1‬الكاكائية‪ :‬طريقة دينية مؤسسها اسحق بن‬ ‫عن عمليات التهجير وتدمير قراهم التي‬ ‫عيسى البرزجني (ولد في حدود سنة ‪725‬هـ أو‬ ‫تعرضت لها خالل سنوات ‪ 1974‬و‪1988‬‬ ‫سنة ‪716‬هــ)‪ ،‬ظهرت في منطقة هورامان ثم‬ ‫و‪ 1989‬و‪ ،1995‬وما بعد سنة ‪ ،2003‬إسوة‬ ‫إنتشرت في األصقاع األخرى‪ ،‬وهي قائمة على‬ ‫أربعة عناصر أساسية وهي الطهارة والصدق‬ ‫بالعشائر الكوردية األخرى في املناطق‬ ‫والتواضع (نكران الذات) والقناعة‪ .‬للتفاصيل‬ ‫الكوردستانية املستقطعة من إقليم‬ ‫ينظر‪ :‬ته يب تاهيرى ‪ ،‬م َيذوو وفةلسةفةى‬ ‫كوردستان‪.‬‬ ‫سةرئةجنام‪ :‬رِاظةيةك لة سةر ريَبازطةلى‬ ‫‪ -2‬أن تعمل حكومة اإلقليم على تعريف‬ ‫هزرى وبيروباوةرى لة كوردستان فةرهةنطى‬ ‫اجملتمع الدولي ومنظمات حقوق اإلنسان‬ ‫يارسان‪ ،‬ضابخانةى رؤذهةالت (هةول َير ‪،)2009 ،‬‬ ‫مبا تعرضت لها الكاكائية من تهجير‬ ‫ل ‪.625-597‬‬ ‫وتعريب وإبادة‪.‬‬ ‫‪ - 3‬أن تقوم حكومة إقليم كوردستان ‪ 2‬محمد حسني محمد شواني‪ ،‬التنوع االثني‬ ‫والديني في كركوك‪ ،‬مطبعة وزارة التربية‬ ‫بالعمل على إحلاق مناطق الكاكائية‬ ‫(أربيل‪ ،)2006 ،‬ص ‪.178-175‬‬ ‫باإلقليم من الناحية اإلدارية‪.‬‬ ‫‪ -4‬توفير اخلدمات األساسية من قبل ‪ 3‬اإلبادة اجلماعية أي اجلينوسايد )‪(Genocide‬‬ ‫حكومة اإلقليم ملناطق الكاكائية‪.‬‬ ‫وتتألف هذه الكلمة من مقطعني‪ ،‬األولى‬ ‫‪83‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪84‬‬

‫(‪ )Geno‬وتعني العائلة أو العرق أو اجلذر‬ ‫والثانية (‪ )Cide‬وتعني محو‪ ،‬أي مبعنى محو‬ ‫العائلة أو العرق من الوجود ‪ ،‬وقد أخذت هذه‬ ‫الكلمة تدل في الوقت احلاضر على القوميات‬ ‫والطوائف الدينية واملذهبية والثقافية التي‬ ‫تتعرض إلى القتل اجلماعي وإحلاق الضرر‬ ‫مبناطق تواجدها وتخريب طبيعتها ومناخها‪.‬‬ ‫ساالر محمود‪“ ،‬األنفال ‪ ..‬مرحلة متقدمة من‬ ‫اإلبادة اجلماعية (اجلينوسايد) التي تعرض لها‬ ‫شعب كردستان”‪ ،‬جريدة اإلحتاد‪.www//:http ،‬‬ ‫‪com.alitthad‬‬ ‫‪ 4‬‬

‫شواني‪ ،‬املصدر السابق‪.174-173 ،‬‬

‫‪ 5‬ال توجد إحصاءات رسمية أو خاصة قدميا‬ ‫أو حديثا‪ ،‬السيما أن اإلحصاءات الرسمية ال‬ ‫تؤكد على العشائرية‪ ،‬وإمنا كانت تؤكد على‬ ‫القومية والدين فقط‪ ،‬ومبا أن أفراد هذه النحلة‬ ‫قد سجلوا ضمن الديانة اإلسالمية‪ ،‬فليس‬ ‫من املمكن التعرف على عددهم احلقيقي‪،‬‬ ‫ومن اجلدير بالذكر أن هناك محاوالت في‬ ‫الوقت احلالي لغرض إجراء إحصاء خاص بأفراد‬ ‫القبيلة بشكل أكادميي من قبل مجموعة من‬ ‫املثقفني‪ ،‬إال أن العمل لم ينت ِه بعد‪.‬‬ ‫‪ 6‬حتتل هذه القرى موقعا استراتيجيا مهما‪،‬‬ ‫السيما في اجلانبني اإلقتصادي واألمني‪ ،‬إذ تقع‬ ‫قريتا كزكان ووردك على اجلهة اليمنى من‬ ‫نهر اخلازر‪ ،‬بينما تقع قرية تل اللنب في اجلهة‬ ‫املقابلة لقرية كزكان على النهر نفسه‪ ،‬في‬ ‫حني أن قرية اجمليدية تقع على بعد (‪ )3‬كم‬ ‫تقريبا عن نهر اخلازر في اجلانب الشرقي للنهر‪،‬‬ ‫وهي تبعد املسافة نفسها تقريبا عن نهر الزاب‬ ‫الكبير في اجلانب الغربي للنهر‪ ،‬وجميع أراضي‬ ‫هذه القرى صاحلة للزراعة بعضها سيحية‬ ‫وأخرى دميية‪ .‬فهناك وفرة من املياه العذبة‪،‬‬ ‫وفي الناحية األمنية فقد كانت هذه القرى‬ ‫تقع على احلدود اإلدارية بني محافظتي أربيل‬ ‫ونينوى‪ ،‬وكثيرا ما كانت احلكومة العراقية في‬ ‫عهد النظام البائد تنظر بعني الريبة إلى هذه‬ ‫املنطقة‪ ،‬لذا فان من األسباب التي أدت إلى‬ ‫ترحيلها أو محاولة إحتوائها تكمن في هذين‬

‫اجلانبني‪.‬‬ ‫‪ 7‬تقع قرية زنكل في اجلهة اليمنى من نهر‬ ‫الزاب الكبير‪ ،‬بينما تقع قرية كبرلي في‬ ‫منتصف املسافة تقريبا بني نهر اخلازر ومدينة‬ ‫قره قوش‪.‬‬ ‫‪ 8‬تقع على بعد (‪ )28‬كم جنوب شرقي مدينة‬ ‫املوصل‪ ،‬وتعني كلمة قره قوش (الطائر األسود)‪،‬‬ ‫وقد شاع إستعمال هذه التسمية في عهد‬ ‫اإلمارات التركمانية‪ ،‬ولم تكن معروفة بها‬ ‫قبل هذا التاريخ‪ ،‬ويسميها سكانها األصليون‬ ‫بـ (بغديدا) حتى يومنا هذا‪ ،‬ويختلف الباحثون‬ ‫حول معناها‪ .‬للتفاصيل ينظر‪ :‬جمال بابان‪،‬‬ ‫أصول أسماء املدن واملواقع العراقية‪ ،‬مطبعة‬ ‫األجيال (بغداد‪ ،)1988 ،‬ص ‪.299‬‬ ‫‪ 9‬إنتفض الشعب العراقي في أغلب مدن البالد‬ ‫ضد النظام البعثي منذ آذار ‪ ،1991‬السيما‬ ‫بعد الهزائم التي مني بها اجليش العراقي‬ ‫على أيدي قوات احللفاء في حرب اخلليج‬ ‫الثانية‪ ،‬وقد متكن املنتفضون من السيطرة‬ ‫على اغلب مدن كوردستان واملدن الشيعية‬ ‫في الوسط واجلنوب‪ .‬للتفاصيل ينظر‪ :‬تشارلز‬ ‫تريب‪ ،‬صفحات من تاريخ العراق‪ ،‬الدار العربية‬ ‫للموسوعات (بيروت‪ ،)2006 ،‬ص ‪.338-331‬‬ ‫‪ 10‬للمزيد من التفاصيل ينظر‪ :‬خسرو كوران‪،‬‬ ‫الكورد في محافظة املوصل‪ ،‬ترجمة وتعليق‬ ‫حازم هاجانى‪ ،‬مطبعة حجي هاشم (أربيل‪،‬‬ ‫‪ ،)2006‬ص ‪.96-75‬‬ ‫‪ 11‬أُسس احلزب في بغداد بتاريخ ‪ 16‬آب ‪ ،1946‬وقد‬ ‫حضر املؤمتر التأسيسي (‪ )32‬سياسيا كورديا‬ ‫كان أبرزهم صالح اليوسفي وعلي عبداهلل‬ ‫وحمزة عبداهلل والدكتور جعفر عبدالكرمي‬ ‫والدكتور سعدي االتروشي ونوري شاويس وطه‬ ‫محيي الدين‪ ،‬فضال عن إبراهيم أحمد الذي‬ ‫حضر بصفة مراقب وآخرين‪ ،‬وكان برنامجه‬ ‫في ذلك احلني يهدف إلى إقامة نظام جمهوري‬ ‫دميقراطي واحلكم الذاتي للشعب الكوردي‪.‬‬ ‫للمزيد من املعلومات ينظر‪ :‬شيركو فتح اهلل‬


‫عمر‪ ،‬احلزب الدميقراطي الكوردستاني وحركة‬ ‫التحرر القومي الكوردية ‪ ،1975-1946‬مطبعة‬ ‫رون (السليمانية‪ ،)2004 ،‬ص ‪.111-104‬‬ ‫‪ 12‬الشارب‪ :‬يُعد ركنا أساسيا في املوروث‬ ‫اإلجتماعي والقبلي والعقائدي لدى الكاكائية‪،‬‬ ‫لذا فإنهم ال يعمدون إلى حتليقه‪.‬‬ ‫‪ 13‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب‬ ‫عساف درويش في قرية وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪ 14‬إنتفاضة كوالن‪.‬‬ ‫‪ 15‬أحد أقضية محافظة نينوى‪ ،‬وحوالي ‪%99‬‬ ‫من سكانه من القومية الكوردية‪ ،‬ووفق‬ ‫التقسيمات اإلدارية لسنة ‪ ،1976‬كان قضاء‬ ‫عقرة يضم خمس نواحي‪ ،‬ويقع القضاء في‬ ‫أقصى شمال شرق محافظة نينوى ويحده من‬ ‫الشمال نهر الزاب الكبير ومن الغرب نهر اخلازر‬ ‫وناحية الكلك التابعة لقضاء احلمدانية من‬ ‫اجلنوب‪ .‬كوران‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.66-57‬‬

‫‪ 18‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب‬ ‫عساف درويش في قرية وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪ 19‬مقابلة شخصية للباحث مع عدنان آغا‬ ‫الكاكائي رئيس القبيلة في كركوك بتاريخ ‪4‬‬ ‫شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 20‬ولد العبيدي في قرية العبيدية التابعة لناحية‬ ‫احلويجة آنذاك في سنة ‪ ،1942‬وحصل على‬ ‫شهادة البكالوريوس في القانون من كلية‬ ‫احلقوق جامعة بغداد سنة ‪ ،1963‬شغل عدة‬ ‫مناصب إدارية أولها مدير ناحية احلرير التابعة‬ ‫الربيل‪ ،‬ثم قائم مقام قضاء احلمدانية (‪-1976‬‬ ‫‪ ،)1979‬ثم قائم مقاما ً لقضاء عقرة ملدة ستة‬ ‫أشهر والنجف ومعاونا ً حملافظ األنبار‪ .‬مقابلة‬ ‫شخصية للباحث معه في كركوك بتاريخ ‪22‬‬ ‫شباط ‪.2013‬‬

‫‪ 21‬يرتبط العبيدي بعالقة صداقة متميزة مع‬ ‫رئيس قبيلة الكاكائية‪ ،‬تعود إلى مرحلة‬ ‫الطفولة‪ ،‬وهما أخوان بالرضاعة وقد حاول‬ ‫جهده مساعدة القبيلة في منع ترحيلها من‬ ‫‪ 1 6‬هو مظهر مدحت احمد ده ده من مواليد مدينة‬ ‫خالل نفوذه الواسع لدى السلطات البعثية‬ ‫كركوك سنة ‪ ،1935‬من عائلة مالكة‪ ،‬كان‬ ‫من جهة ووظيفته اإلدارية وعالقاته باملسؤولني‬ ‫والده موظفا في السراي احلكومي (باش كاتب)‬ ‫اإلداريني في محافظة نينوى من جهة أخرى‪.‬‬ ‫بكركوك‪ ،‬ليس لديه حتصيل دراسي‪ ،‬عمل في‬ ‫مجال املقاوالت حتى سنة ‪ ،1973‬أصبح عضوا ً‬ ‫مقابلة شخصية للباحث مع رئيس قبيلة‬ ‫الكاكائية في كركوك بتاريخ ‪ 4‬شباط ‪.2013‬‬ ‫في غرفة جتارة كركوك في ستينيات القرن‬ ‫املنصرم‪ ،‬ونظرا ً ملكانته اإلجتماعية ونشاطه‬ ‫التجاري مت إنتخابه رئيسا للغرفة‪ ،‬وبقي في ‪ 22‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد ناجي‬ ‫منصبه حتى وفاته في ‪ 12‬نيسان ‪ .1993‬نقال ً‬ ‫خزعل العبيدي (قائم مقام قضاء احلمدانية)‬ ‫في كركوك بتاريخ ‪ 22‬شباط ‪.2013‬‬ ‫عن الدكتور صالح عريبي عباس عن مقابلة‬ ‫له مع جنله السيد تكني مظهر في كركوك‬ ‫‪ 23‬وردت هذه املعلومة في أقوال املشتكي احملمي‬ ‫بتاريخ ‪ 15‬أيلول ‪.2012‬‬ ‫رقم (‪ )2‬في اجللسة اخلامسة حملكمة اجلنايات‬ ‫الرابعة التي نظرت في محاكمة رموز النظام‬ ‫‪ 17‬هو أحد وجهاء قرية وردك‪ ،‬واألكثر حظوة لدى‬ ‫السابق في قضية التطهير العرقي‪ .‬احملكمة‬ ‫السلطات نتيجة لنفوذه الكبير في القبيلة‪،‬‬ ‫اجلنائية العراقية العليا‪ /‬محكمة اجلنايات‬ ‫كونه يرأس أكبر أفخاذ القبيلة (املظفرية)‬ ‫الرابعة‪ /‬الدعوى رقم ‪/1‬ج‪ 2009/4‬في ‪،2009/8/2‬‬ ‫في منطقة نينوى‪ ،‬وقد أصيب بجروح عندما‬ ‫ص ‪ ،123‬نسخة من الوثيقة حصل عليها‬ ‫فجر اإلرهابيون سيارة حمل مفخخة يقودها‬ ‫الباحث من السيد مهدي صالح عبداهلل‬ ‫إنتحاري في القرية في سنة ‪.2009‬‬

‫‪85‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪86‬‬

‫(عميد شرطة حاليا) بتاريخ ‪..2013/2/9‬‬ ‫‪ 24‬أذاع الرئيس العراقي األسبق أحمد حسن‬ ‫البكر (‪ )1979-1968‬بيان مجلس قيادة الثورة‬ ‫في ‪ 11‬آذار ‪ ،1970‬إعترف فيه بحق الشعب‬ ‫الكوردي في احلكم الذاتي ضمن نطاق‬ ‫اجلمهورية العراقية‪ ،‬وأكد البيان على إعتبار‬ ‫اللغة الكوردية لغة رسمية في البالد وحق‬ ‫التعليم باللغة الكوردية‪ ،‬فضال عن اإلدارة‬ ‫الذاتية للمناطق الكوردية‪ ،‬إال أن البنود الواردة‬ ‫في البيان‪ ،‬طبقت بشكل جزئي وبالطريقة‬ ‫التي تخدم احلكومة املركزية في بغداد‪ ،‬وكانت‬ ‫مسألة التسويف واملماطلة السمة البارزة في‬ ‫سياسة احلكومة املركزية‪ ،‬األمر الذي أدى في‬ ‫النهاية إلى حدوث اإلنتفاضة الكوردية سنة‬ ‫‪ .1974‬للتفاصيل ينظر‪ :‬عمر‪ ،‬املصدر السابق‪،‬‬ ‫ص ‪ 216‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 25‬للوقوف على أسباب وأحداث احلرب العراقية‬ ‫اإليرانية (حرب اخلليج األولى)‪ .‬ينظر‪ :‬فاضل‬ ‫رسول‪ ،‬العراق – إيران ‪ :‬أسباب وأبعاد النزاع‪ ،‬دار‬ ‫سردم للطباعة والنشر (السليمانية‪،)2010 ،‬‬ ‫ص ‪ 92‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ 26‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد جاسم‬ ‫محمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية‬ ‫وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 27‬قرار مجلس قيادة الثورة املرقم (‪ )160‬في ‪29‬‬ ‫آذار ‪ .1987‬وثيقة منشورة في‪ :‬عةبدولَلاَ كةرمي‬ ‫مةحمود‪ ،‬رةشة باى ذةهرو ئةنفال‪،‬بةرطى‬ ‫دووةم‪ ،‬بلاَ وكراوةكانى وةزارةتى رؤشنبيرى‬ ‫(هةول َير‪ ،)2004،‬ل ‪.43‬‬

‫اإليضاحية املقدمة من قبل هيئة الدفاع عن‬ ‫ضحايا جرمية األنفال إلى محكمة اجلنايات‬ ‫العراقية العليا في القضية املرقمة ‪/1‬اجلنايات‬ ‫الثانية‪ ،2006/‬مطبعة املندالوي (أربيل‪،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‬ ‫‪.108-107‬‬ ‫‪ 30‬البرقية رقم (‪ )1103‬املوجهة من مكتب تنظيم‬ ‫الشمال إلى محافظة نينوى في ‪ 4‬متوز ‪،1988‬‬ ‫نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث‪.‬‬ ‫‪ 31‬كتاب محافظة نينوى املرقم (‪ )682‬في ‪ 5‬متوز‬ ‫‪ ،1988‬حول تشكيل جلنة لإلشراف على تنفيذ‬ ‫ما جاء في برقية مكتب تنظيم الشمال‪،‬‬ ‫نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث‪.‬‬ ‫‪ 32‬كتاب محافظة نينوى‪ /‬مديرية الشؤون‬ ‫الداخلية‪ /‬جلنة مكافحة النشاط املعادي‬ ‫املرقم (‪ )789‬في ‪ 15‬آب ‪ 1988‬املوجه إلى جلنة‬ ‫مكافحة النشاط املعادي في قضاء احلمدانية‪،‬‬ ‫نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث‪.‬‬ ‫‪ 33‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب‬ ‫عساف درويش في قرية وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪ 34‬يقع هذا اجملمع مقابل قرية صغيرة تدعى‬ ‫تينال‪ ،‬وهي مركز ناحية بازيان التابعة حملافظة‬ ‫السليمانية‪ .‬ملعرفة املزيد حول هذه القرية‬ ‫ينظر‪ :‬بابان‪ ،‬املصدر السابق‪.91 ،‬‬ ‫‪ 35‬سمي كذلك نسبة إلى جبل شاهق بالقرب‬ ‫من اجملمع وتغطيه الثلوج في أكثر من موسم‪،‬‬ ‫وكان يعرف قدميا باسم (بير عمر كدرون)‪ .‬بابان‪،‬‬ ‫املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.77-76‬‬

‫‪ 28‬للوقوف على تفاصيل عملية األنفال مبراحلها‬ ‫الثمان‪ ،‬ينظر‪ :‬فاحت محمد سليمان‪ ،‬عمليات‬ ‫األنفال في كوردستان العراق في ضوء‬ ‫مقاصد الشريعة واإلتفاقات واملواثيق الدولية‪،‬‬ ‫منشورات اجلمعية الثقافية واإلجتماعية‬ ‫(كركوك‪ ،)2010،‬ص ‪.126-93‬‬

‫‪ 36‬شكوى مرفوعة من املُرحل مهدي صالح‬ ‫عبداهلل (عميد شرطة حاليا) إلى أكثر من‬ ‫جهة من بينها حكومة إقليم كوردستان في‬ ‫كانون األول ‪ ،2010‬نسخة منها محفوظة لدى‬ ‫الباحث‪.‬‬

‫‪ 29‬هيئة الدفاع عن ضحايا األنفال‪ ،‬نص الالئحة‬

‫‪ 37‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد شريف‬


‫فتح اهلل فرحان (ممرض) وهو أحد أهالي قرية‬ ‫كبرلي في قره قوش بتاريخ ‪ 12‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 38‬كتاب محافظة نينوى ذي الرقم (‪ )973‬في‬ ‫‪ 1988/10/4‬إلى محافظة السليمانية‪ ،‬نسخة‬ ‫من الوثيقة محفوظة لدى الباحث‪.‬‬ ‫‪ 39‬كتاب قائم مقامية قضاء احلمدانية إلى‬ ‫مالحظية التسجيل العقاري في احلمدانية‬ ‫ذي العدد س‪ 136‬في ‪ ،1990/11/15‬نسخة من‬ ‫الوثيقة محفوظة لدى الباحث‪.‬‬ ‫‪ 40‬عمدت السلطة البعثية في العراق إلى تغيير‬ ‫قومية العوائل التي تنتمي إلى القوميات‬ ‫غير العربية مبوجب إستمارات خاصة أُعدت‬ ‫لهذا الغرض بهدف تقليل نسبة القوميات‬ ‫األخرى في محافظات كركوك ونينوى وديالى‬ ‫من خالل سياسة الترغيب والترهيب‪ ،‬إذ كانت‬ ‫تعد العوائل التي ت ُغير قوميتها بعدم التعرض‬ ‫لها‪ ،‬والسماح لها بالتملك والتوظيف‪ ،‬كما‬ ‫كانت تلجأ إلى الترهيب عن طريق تهديدها‬ ‫بالترحيل إلى مناطق (احلكم الذاتي) أو‬ ‫حرمانها من حقوق التملك والتوظيف‪ .‬مما أدى‬ ‫ببعض العوائل إلى تغيير قوميتها‪ ،‬بينما آثر‬ ‫البعض اآلخر منها الرحيل إلى مناطق أخرى‪.‬‬ ‫‪ 41‬قرار مجلس قيادة الثورة ذي الرقم (‪ )745‬في‬ ‫‪ ،1989/11/19‬نسخة من الوثيقة محفوظة‬ ‫لدى الباحث‪.‬‬ ‫‪ 42‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد جاسم‬ ‫محمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية‬ ‫وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 43‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب‬ ‫عساف درويش في قرية وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪ 44‬الباحث نفسه من املرحلني إلى قرية زاكة‪.‬‬ ‫‪ 45‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد شريف‬ ‫فتح اهلل فرحان (ممرض) وهو أحد أهالي قرية‬

‫كبرلي في قره قوش بتاريخ ‪ 12‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 46‬ولد في قرية جم جقل التابع لقضاء خانقني‬ ‫في سنة ‪ ،1950‬حصل على شهادة اإلعدادية‬ ‫في خانقني سنة ‪ ،1970‬إستقر في مدينة‬ ‫أربيل سنة ‪ ،1975‬وشغل عدة مناصب إدارية‬ ‫فيها‪ ،‬توفي بكركوك في ‪ 6‬حزيران ‪ ،2011‬ودفن‬ ‫في مقبرة اإلمام أحمد (خان أحمد) في حي‬ ‫املصلى‪ .‬مقابلة شخصية للباحث مع إبنته‬ ‫أهداف فهد في كركوك بتاريخ ‪ 19‬شباط‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪ 47‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد فهمي‬ ‫احمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية‬ ‫وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 48‬تريب‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.336-334‬‬ ‫‪ 49‬احملكمة اجلنائية العراقية العليا‪ /‬محكمة‬ ‫اجلنايات الرابعة‪ /‬الدعوى رقم ‪/1‬ج‪ 2009/4‬في‬ ‫‪ ،2009/8/2‬ص ‪ ،125‬نسخة من الوثيقة حصل‬ ‫عليها الباحث من السيد مهدي صالح عبداهلل‬ ‫(عميد شرطة حاليا) بتاريخ ‪.2013/2/9‬‬ ‫‪ 50‬مقابلة شخصية للباحث مع عدنان آغا‬ ‫الكاكائي رئيس القبيلة في كركوك بتاريخ ‪4‬‬ ‫شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 5 1‬احملكمة اجلنائية العراقية العليا‪ /‬محكمة‬ ‫اجلنايات الرابعة‪ /‬الدعوى رقم ‪/1‬ج‪ 2009/4‬في‬ ‫‪ ،2009/8/2‬ص ‪ ،125‬نسخة من الوثيقة حصل‬ ‫عليها الباحث من السيد مهدي صالح عبداهلل‬ ‫(عميد شرطة حاليا) بتاريخ ‪.2013/2/9‬‬ ‫‪ 52‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم‬ ‫سعداهلل عبدالقادر (معلم متقاعد) في وردك‬ ‫بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 53‬كتاب جلنة شؤون الشمال املرقم (‪ )3024‬في ‪7‬‬ ‫آذار ‪ ،1995‬نسخة من الوثيقة محفوظة لدى‬ ‫الباحث‪.‬‬ ‫‪ 54‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد فهمي‬

‫‪87‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪88‬‬

‫احمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية‬ ‫وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 55‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم‬ ‫سعداهلل عبدالقادر (معلم متقاعد) في وردك‬ ‫بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 5 6‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد شريف‬ ‫فتح اهلل فرحان (ممرض) وهو أحد أهالي قرية‬ ‫كبرلي في قره قوش بتاريخ ‪ 12‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 57‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم‬ ‫سعداهلل عبدالقادر (معلم متقاعد) في وردك‬ ‫بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 58‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم‬ ‫صالح عبداهلل (كاسب من أهالي قرية زنكل)‬ ‫أكمل االبتدائية في زنكل بتاريخ ‪ 12‬شباط‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪ 59‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم‬ ‫صالح عبداهلل (كاسب من أهالي قرية زنكل)‬ ‫أكمل االبتدائية في زنكل بتاريخ ‪ 12‬شباط‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪ 60‬الباحث نفسه أكمل الصفوف الثالثة األولى‬ ‫فيها ثم انتقل إلى قرية تل اللنب إلغالق‬ ‫املدرسة لعدم وجود معلم فيها‪ ،‬فأكمل‬ ‫اإلبتدائية فيها‪.‬‬ ‫‪ 6 1‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم‬ ‫سعداهلل عبدالقادر (معلم متقاعد) في وردك‬ ‫بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 62‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب‬ ‫عساف درويش في قرية وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪ 63‬يعود بناء مقام السيد هياس إلى حوالي ‪600‬‬ ‫سنة تقريبا‪ ،‬ويقع على بعد كيلومتر واحد‬ ‫إلى اجلنوب من قرية وردك ونصف كيلومتر‬ ‫عن نهر اخلازر‪ ،‬ويعد السيد هياس أحد مجددي‬ ‫الطريقة الكاكائية‪ ،‬وله مريدين في أنحاء‬ ‫مختلفة من إيران والعراق ويسكن قسم من‬ ‫أحفاده في قريتي وردك وتل اللنب‪ .‬مقابلة‬

‫شخصية للباحث مع السيد زوراب عساف‬ ‫درويش في قرية وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 64‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد فهمي‬ ‫احمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية‬ ‫وردك بتاريخ ‪ 13‬شباط ‪.2013‬‬ ‫‪ 65‬مقابلة شخصية للباحث مع السيد يحيى‬ ‫قاسم فتح اهلل (مواليد ‪ )1975‬في كركوك‬ ‫بتاريخ ‪ 8‬شباط ‪ 2013‬وهو أحد مواطني‬ ‫قرية وردك أصيب في التفجير‪ ،‬ومت عالجه في‬ ‫مستشفيات مدينة أربيل‪.‬‬


‫األدوار السياسية‬ ‫للفكراإلقتصادي املهيمن‬ ‫بقلم رميي هيرايرا‬ ‫‪Remy Herrera‬‬ ‫أستاذ اإلقتصاد السياسي في جامعة السوربون‬ ‫ترجمة‬ ‫املال أبو بكر زوركيزي‬

‫‪89‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪90‬‬

‫يعرف النظام الرأسمالي منذ أواخر‬ ‫السبعينيات أزمات حادة متتالية تكاد تعصف‬ ‫به‪ ،‬آخرها أزمة عام ‪ 2007‬التي ما زالت سارية رغم‬ ‫التكهنات على قدرة النظام جتاوزها‪ .‬هذا النص‬ ‫هو الفصل الثالث من كتاب ‪Remy Herrera‬‬ ‫رأسمالية أخرى مستحيلة‪ ،‬الصادر عن منشورات‬ ‫‪ Syllepse‬عام ‪ .2010‬يعالج اإلقتصادي الفرنسي‬ ‫هيرايرا (ذو األصول اإلسبانية) إستحالة إعادة‬ ‫بناء الرأسمالية‪ ،‬سواء على مستوى الفكرأو‬ ‫على مستوى املمارسة‪ ،‬وهو ما يعني أن النظام‬ ‫أدى وظيفته التاريخية‪ ،‬وأصبح بالتالي متجاوزاً‪،‬‬ ‫األمرالذي يفرض بدائل وإجابات صحيحة عن‬ ‫األسئلة الكبرى واملشاكل التي تطرحها روح‬ ‫العصر‪ .‬يسعى هذا الفصل إلى تفسر ونقد‬ ‫األدوار السياسية للنظرية اإلقتصادية املهيمنة‬ ‫(وخاصة اجلناح احملافظ اجلديد واجلناح املتشدد)‪،‬‬ ‫التي تنكرعدم جدوى تدخل الدولة‪ ،‬لكن تسعى‬ ‫إلى تبرير هذا التدخّ ل لدعم القطاع اخلاص‪،‬‬ ‫وتسليع املعرفة والتربية والتكوين‪ ،‬وخصخصة‬ ‫املرافق واألمالك العامة‪ ،‬مبا فيها اجليش والشرطة‪.‬‬ ‫يقول ‪ Herrera‬إن هذا الشكل من التفكير‬ ‫يترجم غباء وأجوبة سخيفة عن املشاكل التي‬ ‫تطرحلها الرأسمالية بالفعل‪.‬‬ ‫مقدمة‬ ‫لقد ب ّينا حتى اآلن أن النماذج اجلديدة للنمو‬ ‫قابلة للنقد اجلذري‪ ،‬سواء تعلق األمر مبناهجها‬ ‫الالعلمية أو هشاشة أسسها النظرية‪ ،‬أو‬ ‫الغموض الذي يعتري محاوالت اإلثبات التجريبي‬ ‫عند النماذج إياها‪ ،‬أو بالبرامج الرجعية التي‬ ‫تقترحها‪ .‬إن األساس‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬يكمن في‬ ‫األدوار غير العلمية للنظرية النيو‪ -‬كالسيكية‬ ‫التي نلمسها في السياسة النيو‪ -‬ليبرالية‪،‬‬ ‫فرد اإلعتبار إلى تدخل الدولة ندركه هنا‪ ،‬كما‬ ‫أكدنا ذلك سابقا ً من خالل نفي طبيعة األمالك‬

‫العمومية‪ ،‬كمكون للتراث اجلماعي لإلنسانية‪،‬‬ ‫وعبر الصيغة الرياضية لهذه األمالك‪ ،‬كأصناف‬ ‫رأس املال‪ ،‬قابلة للخصخصة والتملك واملكافأة‪.‬‬ ‫لذا يبقى دورالدولة منحصرا ً فقط في تشجيع‬ ‫التراكم اخلاضع ملنطق الربح الرأسمالي‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعني هنا أن عملية حتويل األمالك العمومية إلى‬ ‫إنتاج داخلي النمو حتيل إلى تسليعها ليس إال‪.‬‬ ‫وهو ما يترجم مطابقة هذه العملية للمشروع‬ ‫النيو‪ -‬ليبرالي املتناغم مع اخلطاب املهيمن‬ ‫الذي يهدف إلى تشجيع «سوق املعرفة»‪ ،‬فحني‬ ‫تزعم الدولة أنها تقوم بضبط األسواق في إجتاه‬ ‫معاكس لألمالك العمومية‪ ،‬أال يعني ذلك أنها‬ ‫تقوم بضبط نفسها ؟ وهذا يدل على أن رأس‬ ‫املال املعولم واملهيمن أصبح سيد املوقف بال‬ ‫منازع‪ .‬تبقى معرفة سبب ظهور هذه النماذج‬ ‫الكلية (‪ )Macromodeles‬للنمو املعتمد على‬ ‫الذات في مكان مضبوط بدقة – في الواليات‬ ‫املتحدة في أواخر الثمانينيات – ومعرفة اإلجتاه‬ ‫الذي ميكن أن تفهم فيه عالقاتها‪ ،‬على غرار‬ ‫التحوالت اجلارية للرأسمالية‪ .‬ألجل ذلك‪ ،‬يتعينّ‬ ‫أوال ً الكشف عن املرجعيات األيديولوجية غير‬ ‫املرئية لهذه النماذج مركزين على موضوع‬ ‫املعرفة‪ .‬لقد قامت النظرية امليكرو‪ -‬إقتصادية‬ ‫النيو‪ -‬كالسيكية‪ ،‬منذ أن رأت النور‪ ،‬على أساس‬ ‫املعبد الذي يحتضن الطقوس األرثودكسية‬ ‫بتعميم رسالتها العقائدية املتعلقة بالتربية‪،‬‬ ‫ودمجت مفهوم «رأس املال البشري» في مذهبها‬ ‫البابوي املتطرف املتعلق باإلختيارات (الزمنية‬ ‫املتداخلة ‪ .) Choux Intertemporels‬تقوم الرؤى‬ ‫النيو‪ -‬كالسيكية للتربية‪ ،‬وهي رؤى أثارها (كاري‬ ‫ستانالي بيكر ‪ ( Gary S. Becker‬وآخرون ( أنظر‬ ‫على سبيل املثال شولتنز‪ ،1988 ،‬في‪Gary S. :‬‬

‫« ‪Becker, Kevin M. Murphy and Robert Tamura,‬‬ ‫‪Human Capital, Fertility, and Economic Growth»,‬‬ ‫‪,part II ,5 .no ,98 .Journal of Political Economy, vol‬‬ ‫‪ ،)537-512 .pp ,1990‬على إعتبارأن هذه األخيرة‬

‫سلعة تكون موضوع تبادل السوق‪ ،‬يضم فاعلني‬


‫عدون برامج إستثمارية‪،‬‬ ‫يتقنون فن احلساب ويُ ّ‬ ‫وذلك مبقارنة التدفقات النقدية املرتقبة مع‬ ‫التكاليف املباشرة وغير املباشرة املرتبطة بإنتاج‬ ‫«رأس املال» هذا‪ .‬إن الفردوس النيو‪ -‬ليبرالي‪،‬‬ ‫كما يعتقد ذلك احملافظون اجلدد‪ ،‬يجعل الفوارق‬ ‫املرتبطة بتوزيع كفاءات «سوق التربية»‪ ،‬التي ما‬ ‫هي إال نتيجة اإلختيارات العقالنية‪ ،‬تذوب بهدوء‪.‬‬ ‫وتتم في الوقت ذاته شرعنة التوزيع الطبقي‬ ‫للمداخيل في اجملتمع الرأسمالي – حيث التكوين‬ ‫واإلنتاجية واملكافأة مرتبطة باإليجاب‪ .‬فأمام هذا‬ ‫املعبد الذي يعطيه املذهب احملافظ زخرفة مثيرة‪،‬‬ ‫يحج اليوم أتباع هذه العقيدة بإنحناء وتضرع‬ ‫وركوع لإلحتفال بتراكم « رأس املال البشري»‪.‬‬ ‫إن األب األيديولوجي لـ» بيكر» هو «ميلتون‬ ‫فريدمان»‪ ،‬وكهذا األخير‪ ،‬يُعتبر من ممثلي مدرسة‬ ‫شيكاغو‪ ،‬وحاصالً على جائزة نوبل لإلقتصاد‪.‬‬ ‫لقد مت أكتشاف األب واألبن‪ ،‬لكن من هو الفكر‬ ‫األصلح ؟‬ ‫أوال ً ‪ :‬النظرية املهيمنة والتح ّوالت اجلارية‬ ‫للرأسمالية‬ ‫األب‪ :‬ميلتون فريدمان‬ ‫رأينا أن الصيغة الرياضية التي أعطاها «رومر‬ ‫‪ « Romer‬لإلبتكار تدمج املعارف في إقتصاد‬ ‫يكون فيه التقدم التقني ناجتا ً من قرارات فردية‬ ‫ومؤطرة بنظام البراءات‪ « :‬اإلشارات التي تصدر‬ ‫عن السوق تؤدي دورا ً أساسيا ً في عملية تطبيق‬ ‫املعارف اجلديدة»‪Paul M. Romer, «Growth Based(.‬‬ ‫‪on Increasing Returns Due to Specialization»,‬‬ ‫‪,1990 .2 .no ,77 .American Economic Review, vol‬‬ ‫‪ .)62-56 .pp‬أن املعرفة املتعلقة بالتربية‪ ،‬كما يراها‬

‫« لوكاس»‪ ،‬حتيل إلى رأس املال البشري القابل‬ ‫إلعادة اإلنتاج ومخاطبة الفرد الواحد‪ ،‬إذ ال إمكان‬ ‫للتراكم إال عبرالقرار الوحيد للفاعل اخلاص‬ ‫واملتعلق باإلستثمارفي تكوينه اخلصوصي‪ .‬هذه‬

‫الرؤية هي بكل صراحة النقيض لتنمية إرادوية‬ ‫للتربية العمومة‪ ،‬فالغياب الصريح في النماذج‬ ‫النيو‪ -‬كالسيكية إلدماج صيغة كتابية رياضية‬ ‫تسمح للدولة بتحمل التربية الوطنية يجد‬ ‫تفسيره في اإلختيارالسياسي ال أقل وال أكثر‪،‬‬ ‫ليس معنى ذلك أن الصيغة الرياضية لقطاع‬ ‫التربية العمومية في منوذج أرثوذكسي غير‬ ‫قابلة للتحقق – لقد سبق لكاتب هذه السطور‬ ‫أن بينّ في كتابات أخرى أن ذلك ممكن رياضياً‪.‬‬ ‫لكن حتى في هذا اإلطارالذي ال ميكن إعفاء‬ ‫خاصياته من املشاكل النظرية اخلطيرة‪ ،‬التي‬ ‫سبق أن أثرناها‪ ،‬فإن األكسيوماتيكية ال تأخذ‬ ‫في اإلعتبار قطاع التربية العمومي إال لتُخضعه‬ ‫لقواعد املنافسة‪ ،‬وال تدع ُه يشتغل إال من خالل‬ ‫نظام األسعار‪ ،‬كان األمر يتعلق بسوق التربية –‬ ‫الذي يحتاج إلى الدعم من طرف الدولة ألجل‬ ‫احلصول على النمو‪ .‬إن روح هذا التم ّثل تأخذ‬ ‫بإفراط عن أفكار « ميلتون فريدمان»‪ .‬واألفراد‬ ‫يكشفون عن رغباتهم – احلقيقية – إجتاه املرافق‬ ‫التربوية‪ ،‬ويقومون بتسديد تلك التي توفر أرباحا ً‬ ‫قابلة للتملك الشخصي‪ .‬بالنسبة إلى فريدمان‪،‬‬ ‫يُعتبر تدخل الدولة‪ ،‬واحلالة هذه‪ ،‬في هذا امليدان‬ ‫«غير ضروري» حني يهم األمر املرافق التي يوفرها‬ ‫السوق تلقائياً‪ ،‬وهو ما يعني أنه يؤدي إلى‬ ‫نظام «سيئ للغاية مقارنة بالنظام الذي ميكن‬ ‫تطويره إذا أدى التعاون‪ ،‬حتت ستار آليات السوق‪،‬‬ ‫الدوراملنوط به بإستمرار»‪ .‬إننا نتذكر فريدمان‬ ‫قدم كذلك إقتراحا ً ألجل ضمان أداء «حرية‬ ‫اإلختيار التربوي»‪ ،‬وهو إنشاء سوق للتكوين‬ ‫مدعومة بأموال عمومية – مبا في ذلك حساب‬ ‫لسلف الطلبة في األسواق املالية ‪...‬‬ ‫خاص ُ‬ ‫(‪Milton Friedman and Rose Friedman, Free to‬‬ ‫‪.pp ,1986 ,Choose (London Penguin Books‬‬ ‫‪.).186‬‬ ‫يقول فريدمان‪ « :‬في هذا النظام‪ ،‬يتسلم اآلباء‬ ‫صكوك – تربية ( أو قسائم ‪ )Vouchers‬بقيمة‬ ‫‪91‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪92‬‬

‫تعادل مجموع املبلغ أو جزءا ً من املبلغ الذي يجب‬ ‫أن تقوم بإنفاقه الدولة لضمان متدرس أطفالهم‪.‬‬ ‫كما هواحلال اليوم‪ ،‬فكل املواطنني يدفعون‬ ‫الضرائب لتمويل التربية الوطنية‪ ،‬أكان لديهم‬ ‫أطفال أم ال‪ ،‬في مدارس عامة أو مدارس خاصة‪.‬‬ ‫إن الفارق األساسي يكمن في أن على اآلباء أن‬ ‫يختاروا اجلهة التي يرغبون في أن يدرس فيها‬ ‫أبناؤهم‪ ،‬وأنه ال يجوزللبيروقراطيني هذا اإلختيار‬ ‫مكان األولياء‪ .‬إن هذه املسألة نقطة حاسمة‪،‬‬ ‫ولهذا‪ ،‬عليهم أن يحددوا املؤسسة التي ينبغي‬ ‫ألبناءهم ولوجها‪ ،‬والتي تتطلب بالتالي نفقات‬ ‫أكثر‪ .‬بالنسبة إلى اآلباء الذين يبعثون بأبناءهم‬ ‫إلى مدارس خاصة‪ ،‬سيكونون معفيني جزئيا ً‬ ‫على األقل من اإللتزام املزدوج بتمويل تعليم‬ ‫أبنائهم الذي يح ّثهم على دفع الضرائب ألجل‬ ‫التعليم العام من جهة‪ ،‬وألجل رسوم التسجيل‬ ‫في املؤسسة اخلاصة من جهة أخرى‪ .‬ستتوفر‬ ‫إذن لألساتذة كاإلداريني‪ ،‬الوسائل لتلبية حاجات‬ ‫الزبائن‪ ،‬أي التالميذ»‪.‬‬ ‫( وهو ما تقوم به مؤسسة ميلتون وروز فريدمان‬ ‫للتربية اإلختيارية‪ .‬أنظر‪Milton Friedman :‬‬ ‫‪and Rose Friedman, Tyranny of the status‬‬ ‫‪quo (San Diego, New York, London: H.B.‬‬ ‫‪.)1984 .Jovanovich, cop‬‬ ‫األمرإذن يتعلق ليس فقط بإستباحة امل ّلك‬ ‫العام للقطاع اخلاص‪ ،‬لكن كذلك بدعم الدولة‬ ‫لهذا الشكل من التسليع‪ ،‬وذلك بتمويله من‬ ‫جانب اجلميع‪ .‬إن اآلباء الذين إلتحق أبناؤهم‬ ‫باملدرسة العامة سيكونون مجبرين على دفع‬ ‫املزيد للعائالت التي إختارت تسجيل أبنائها‬ ‫في املدرسة اخلاصة! هذه األطروحة ال ميكن مع‬ ‫ذلك إستخالصها‪ ،‬بأي شكل من األشكال‪ ،‬من‬ ‫الليبراليني الكالسيكيني‪-:‬‬ ‫ال من ‪ Adam Smith‬الذي يعي ضرورة‬ ‫‪ -1‬‬ ‫العمل على التوفيق بني ممارسة املواطنة وأداء‬ ‫الرأسمالية‪.‬‬

‫وال من ‪ John Stuart Mill‬الذي عايش عن‬ ‫‪ -2‬‬ ‫قرب تنامي مطالب الطبقة العاملة خالل القرن‬ ‫التاسع عشر‪.‬‬ ‫(‪Adam Smith, An Inquiry into the Nature and Causes‬‬ ‫‪New York: Random )1776( of the Wealth of Nations‬‬ ‫‪and John Stuart Mill, Principles of ,)1937 ,House‬‬ ‫‪,London Penguin Classic()1848( Political Economy‬‬ ‫‪)1985‬‬

‫فاألطروحة إياها تقدم في املقابل بعض الشبه‬ ‫مع ما يزعم قوله (فريديريك باستيا ‪Frederic‬‬ ‫‪ « )Bastiat‬الليبرالي « بدوره‪ ،‬لكن من نوع آخر‪،‬‬ ‫يرعى مبدأ امل ّلكية اخلاصة‪ ،‬ويقف في اإلجتاه‬ ‫املعاكس لتدخّ ل الدولة إلى حد أنه إنساق حتت‬ ‫تأثير رياح الرجعية التي سعت إلى تشويه الثورة‬ ‫الفرنسية وأنوارها‪ .‬يقول باستيا ‪« : Bastiat‬‬ ‫نتحدث كثيراً‪ ،‬منذ قيام اجلمهورية‪ ،‬عن تعليم‬ ‫مجاني‪ .‬هذه هي الشيوعية املط ّبقة في فرع من‬ ‫النشاط اإلنساني‪ .‬التعليم اجملاني ! ليس فقط‬ ‫التعليم اجملاني الذي ميكن طلبه من الدولة‪ ،‬لكن‬ ‫تعد‬ ‫كذلك القوت اجملاني ‪...‬إلخ‪ .‬لكن ماذا ؟ ألم ُ‬ ‫التغذية ضرورية أيضا ً ؟ لنحذر‪ ،‬فالشعب يعي‬ ‫ذلك بال شك‪ .‬نحن ضحية مفردة‪ ،‬فقد قمنا‬ ‫بقفزة نحو الشيوعية‪ .‬وألي سبب ال نقوم بقفزة‬ ‫ثانية وثالثة إلى أن ‪-:‬‬ ‫تتحقق كل احلرية‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وكل امللْكية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وكل العدالة ؟‬ ‫‪ -3‬‬ ‫العيش أوال ً ثم التفلسف ‪Primo vivere‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫‪ ،deinde philosophari‬سيقول الشعب‪ ،‬وال‬ ‫أعرف في احلقيقة مباذا سنجيبه «‪.‬‬ ‫(‪Frederic Bastiat, CEuvres completes (Paris:‬‬ ‫‪Harmonies ,6 ,tome ,)1864 ,Guillaumin and Cie‬‬ ‫‪.)295.economiques, p‬‬

‫اإلبن ‪ :‬كاري بيكر‬ ‫تعتبر نظرية رأس املال البشري‪ ،‬مبفهوم بيكر‪،‬‬


‫هجوما ً مباشرا ً على التربية العامة‪Gary S.( .‬‬ ‫‪Becker, Human Capital: A Theoretical and Empirical‬‬ ‫‪,Approach (New York: Columbia University Press‬‬

‫‪ .)1964‬إن الرجوع كثيرا ً إلى الوراء ّ‬ ‫ميكننا من‬ ‫أن نلمس أن جذور هذا التم ّثل تعود في الواقع‬ ‫إلى اآلراء حول األشكال اخملتلفة التي ميكن أن‬ ‫يأخذها رأس املال‪ ،‬والتي باشرها في بداية القرن‬ ‫العشرين إيرفينغ فيشر‪ ،‬الذي هو « واحد من أكبر‬ ‫اإلقتصاديني األوائل» والرياضيني النيوكالسيكيني‪،‬‬ ‫وهو أيضا ً مكتشف النظرية الكمية للنقود‬ ‫التي طورها (النقديون ‪ )Monetarists‬مثل‬ ‫ّ‬ ‫منظري التوقعات‬ ‫ميلتون فريدمان‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫العقالنية – وفي مقدمتهم روبير لوكاس‪( .‬الذي‬ ‫صنف ُه شومبيتر في قمة « أكبر اإلقتصاديني‬ ‫العلميني في أمريكا» أنظر‪Joseph A. :‬‬ ‫‪Schumpeter, Ten Great Economists-From‬‬ ‫‪Marx to Keynes (London: George Allen and‬‬ ‫‪ .)223 .p ,1952 ,Unwind‬من األكثر فائدة التذكير‬ ‫هنا بأن فيشرهذا كان من املدافعني الشرسني‬ ‫عن (حتسني النسل ‪ )Ecumenism‬في الواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬هذه األيديولوجيا (التي تبنّاها اليمني‬ ‫املتطرف) هي دائمة البحث الوهمي ألجل حتسني‬ ‫الوضع اجليني لإلنسان‪ ،‬وذلك بتشجيع التناسل‬ ‫للحصول على بشر يحملون طبائع تكون هي‬ ‫ميت بأي صلة‬ ‫األفضل من خالل إنتقاء إختياري ال ً‬ ‫ملا هو طبيعي‪ .‬بصرف النظر عن العقود األولى‬ ‫من القرن العشرين‪ ،‬فقد لقيت من بع ُد احلرك ُة‬ ‫التي تتبنَى « علم حتسني النسل» إهتماما ً‬ ‫بالغاً‪ ،‬إذ مت إعتماد قوانني حتسني النسل (برامج‬ ‫التلقيح اإلجباري والتأطير املقنن للزواج واملراقبة‬ ‫العنصرية للهجرة ‪ )...‬من ‪-:‬‬ ‫طرف أملانيا النازية‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ويابان شووا عام ‪.1945‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وكذلك من طرف غالبية احلكومات‬ ‫‪ -3‬‬ ‫الفدرالية للواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬ ‫(‪Stetson Kennedy, Introduction a l>Amerique‬‬

‫‪,raciste (Paris; La Tour d>Aigues: L>Aube Julliand‬‬ ‫‪.)1996‬‬

‫وعليه‪ ،‬كان فيشر أحد مؤسسي املؤسسة‬ ‫األمريكية لتحسني النسل‪ ،‬وأول رئيس لها‬ ‫من عام ‪ 1922‬إلى عام ‪ – 1926‬هذه املؤسسة‬ ‫التي تدافع بقوة عن إقرار مراقبة النسل عند‬ ‫األمريكيني من قبل الدولة‪ ،‬بهدف « حتسني وضع‬ ‫اجملتمع «‪ .‬لقد كانت رغبة فيشركذلك‪ ،‬كما جاء‬ ‫فيما يلي ‪ « :‬سنجعل من علم حتسني النسل‬ ‫العمود الفقري للكنيسة في املستقبل‪ ،‬فعوض‬ ‫أن يدخل العلم والدين في صراع بينهما‪ ،‬ينبغي‬ ‫أن يتكامال ويسيرا جنبا إلى جنب «‪.‬‬ ‫(حول العالقة بني العلم والدين‪ ،‬أنظر‪Robert J.‬‬ ‫‪Barro and Rachel M. McCleary, «Religion‬‬ ‫‪and Economic Growth», (Mimeo), University‬‬ ‫‪ ))2003 of Harvard (April‬أنظر أيضا ً ‪Bruno‬‬ ‫‪Lautier et Ramon Tortajada, Ecole, force de‬‬ ‫‪travail et salariat, Intervention en: economie‬‬ ‫‪Saint-Martin-d>Heres:( 10 :politique‬‬ ‫‪Presses universistaires de Grenoble, Paris:‬‬ ‫‪)1978 ,F. Maspero‬‬ ‫نالحظ أننا أبتعدنا كثيرا ً عن األفكار األصلية‬ ‫لـ(فالراس)‪ ،‬الذي كان قلبه يخفق يسارا ً كم‬ ‫يعرف كل واحد منا ( وكل إنسان ذي تكوين‬ ‫طبيعي)‪ .‬بالنسبة للقارئ الذي يرى في التقارب‬ ‫بني « كاري بيكر» واليمني املتطرف مبالغة‪ ،‬نحيله‬ ‫إلى هذا اإلستشهاد الطويل لهذا الكاتب الذي‬ ‫يبينّ الوضوح في العالقات القائمة مع تالمذته‬ ‫الذين ّ‬ ‫تلقوا تكوينا ً في قسم اإلقتصاد – جامعة‬ ‫شيكاغو‪ « :‬خالل زيارتي ألمريكا اجلنوبية في‬ ‫بداية الثمانينيات‪ ،‬أثارتني املكانة التي أخذها‬ ‫طلبتنا القدامى‪ .‬كان طلبة جامعة شيكاغو‬ ‫يدافعون عن ‪-:‬‬ ‫حترير واسع النطاق لإلقتصاد‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وعن اخلصخصة‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وسياسات حترير األسواق في إقتصادات‬ ‫‪ -3‬‬ ‫‪93‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪94‬‬

‫مدارة بإحكام تتميز بنظام توزيع مزايا‬ ‫سياسية‪.‬‬ ‫وتشريع صارم حلماية العمال‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫وتأمني صحي يخضع ملراقبة محكمة‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫ورواتب تقاعد سخية‪.‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫كل هذا يتم متويله عن طريق إقتطاع ضريبي‬ ‫مرتفع‪ .‬لقد مت إنتقاد هؤالء اإلقتصاديني املنحدرين‬ ‫من جامعة شيكاغو ألن التخطيط ومراقبة‬ ‫الدولة كانا يحظيان بدعم‪ ،‬وكان من بينهم‬ ‫إقتصاديو املنطقة‪ .‬ثم أصبح هؤالء ذوي شهرة‬ ‫في الوقت الذي تزعموا إصالحات رائدة في تشيلي‬ ‫حتت حكم « اجلنرال أوغيستو بينوشيه «‪ ،‬الذي‬ ‫ط ّبق سياسات التحريربرعاية إقتصاديي جامعة‬ ‫شيكاغو‪ .‬إن إرادتهم للعمل مع «بينوشيه»‬ ‫وتبنّيهم رؤية إقتصادية مختلفة هي أحسن‬ ‫األشياء التي عرفتها تشيلي‪ .‬هذه اإلصالحات‬ ‫الثورية نتج عنها إزدهار لإلقتصاد جتاوزت تو ّقعات‬ ‫أساتذتهم في جامعة شيكاغو‪ .‬لقد ط َبقت‬ ‫دول أخرى كاملكسيك وكولومبيا وغيرهما‪،‬‬ ‫حترير األسواق الذي نهجت ُه تشيلي واألرجنتني‬ ‫( في مرحلة الدكتاتورية العسكرية)‪ ،‬كنموذج‬ ‫لكل دول العالم غير املتقدم‪ .‬كما ساهمت هذه‬ ‫السياسة في احلد من اإلنكماش الذي دام مدة‬ ‫طويلة‪ ،‬وعرفت هذه الدول منوا ً سريعا ً وقد شعر‬ ‫أساتذتهم القدامى في جامعة شيكاغو بالفخر‬ ‫واإلعتزاز لهذا اجملد املستحق عن جدارة»‪.‬‬ ‫(‪Gary S. Becker, «Latin America Owes a Lot to Its‬‬ ‫‪.))1997 9th June( «Chicago Boys», Business Week‬‬

‫حاز بيكر‪-:‬‬ ‫جائزة نوبل في اإلقتصاد عام ‪.1992‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وامليدالية الوطنية للعلوم عام ‪.2000‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ومؤخراً‪ ،‬يوم ‪ 5‬تشرين الثانيم ‪2007‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫منح ُه الرئيس جورج بوش اإلبن في البيت‬ ‫األبيض امليدالية الرئاسية للحرية‪ ،‬وهي أكبر‬ ‫وسام مدني في الواليات املتحدة‪( .‬أنظراملوقع‬ ‫اإللكتروني جلامعة شيكاغو ‪http://economics.‬‬ ‫‪.).uchicago.edu‬‬

‫لقد سبق لـ» ميلتون فريدمان» الذي أشرف‬ ‫على دكتوراه « بيكر» في جامعة شيكاغو أن‬ ‫زار تشيلي أيضا ً عام ‪ ،1975‬بعد اإلنقالب على‬ ‫الرئيس» سالفادورأ ّليندي» وكان سعيداً‪ ،‬بهذه‬ ‫املناسبة‪ ،‬مبصافحة اجلنرال بينوشيه‪ .‬لقد‬ ‫جاءت زيارة فريدمان بعد مرورعشرين عاما ً على‬ ‫زيارة زميله في جامعة شيكاغو « أرنولد ك‪.‬‬ ‫هاربيرغر» الذي قام في عام ‪( 1955‬أي في الوقت‬ ‫الذي نال فيه بيكردرجة الدكتوراه حتت إشراف‬ ‫فريدمان) بتدشني برنامج التعاون مع اجلامعة‬ ‫الكاثوليكية لتشيلي من خالل ورشة عمل‬ ‫يُطلق عليها « احللقة الدراسية في الشؤون‬ ‫املالية ألمريكا الالتينية « ومن بني ثمارها تكوين‬ ‫الطلبة التشيليني‪ ،‬خريجي جامعة شيكاغو‪،‬‬ ‫كـ ‪-:‬‬ ‫جورج كواس (الذي عمل وزيرا ً للمالية‬ ‫‪ -1‬‬ ‫بني عامي ‪ 1975‬و ‪.)1977‬‬ ‫وسيرجيو دوكاسترو (الذي خلف األول‬ ‫‪ -2‬‬ ‫في املنصب نفسه بني عامي ‪1977‬و‪.)1982‬‬ ‫وبابلو باراوني (وزير األقتصاد من عام‬ ‫‪ -3‬‬ ‫‪ 1976‬إلى عام ‪.)1979‬‬ ‫وخوزي بينورا (وزير األشغال من عام‬ ‫‪ -4‬‬ ‫‪ 1978‬إلى عام ‪ )1980‬وقد ُعرف بـ(إصالحه)‬ ‫نظام التقاعد عن طريق فرض (الرسملة‬ ‫‪ )Capitalization‬إلى جانب صناديق الرواتب‪ ،‬ثم‬ ‫وزيراملعادن عام ‪ ،1981-1980‬و ُعرف بدفاعه عن‬ ‫حقوق امل ّلكية اخلاصة في قطاع النحاس‪( .‬وبهذا‬ ‫إستحق بينورا ‪ Pinera‬جائزة احلرية التي منح ُه‬ ‫إياها معهد احلرية ( منتدى هايك السابق) في‬ ‫براغ‪ ،‬عام ‪.)2005‬‬ ‫لكن أين يُدرَج الذين خلفوا هؤالء « يسارا ً «‬ ‫والذين يرون أن فضل الشروط السياسية‬ ‫للنمو اإلقتصادي كان لـ « بينوشيه « ؟ (مثالً‬ ‫النيوليبرالي املتشدد « احملسوب على مدرسة‬ ‫الضبط « كارلوس أو مينامي‪ ،‬وزير اإلقتصاد من‬ ‫عام ‪ 1990‬إلى عام ‪.)1992‬‬


‫خاص‪.‬‬ ‫أم جامعات مقاوالت إفتراضية‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫العقل املقدس ‪ :‬السوق الرأسمالية املعوملة‬ ‫إتفاقيات مع شركات التكنولوجيات‬ ‫يتعلق األمر في هذا الباب بتواطؤ‪ ،‬أو ُقل بتعاون ‪ -4‬‬ ‫اجلديدة لإلعالم التعليمي ( لفائدة زبائن يحظون‬ ‫بني ‪-:‬‬ ‫بالثقة اإلئتمانية)‪.‬‬ ‫النيوكالسيكيني‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو من خالل التكوين املستمرعبر‬ ‫‪ -5‬‬ ‫والنيوليبرالية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد متكن منظرو النمو املعتمد على الذات من اإلنترنيت ( لفائدة املقاوالت)‪.‬‬ ‫اإلستفادة من الغموض احلاصل في أطروحاتهم (‪Nico Hirtt, « Au Nord comme au Sud, l>offensive‬‬ ‫التي تتبنّى « سياسة التدخّ ل»‪ ،‬ال للدفاع عن ‪des marches sur l>universite», Alternatives Sud,‬‬ ‫‪.)11-9 .pp )2003( 3 .no ,10 .vol‬‬ ‫مرفق عمومي موسع وجيد وإمنا لدعم الدولة‬ ‫إن اخلطاب الثالثي فريدمان – بيكر – لوكاس هو‬ ‫الرأسمالية من أجل ضبط املعرفة – البضاعة‬ ‫نسخة مطابقة خلطاب البنك الدولي الذي يرى‬ ‫– من التكوين حتى اخلبر – عبر آليات السوق ‪، -‬‬ ‫في تقوية ميكانيومات سوق املعرفة الطريق‬ ‫املوجودة في غالبيتها اليوم حتت رقابة رأس املال‬ ‫إلى « رفاهية إقتصادية وإجتماعية «‪ .‬وهو ما‬ ‫العابر لألوطان‪ .‬إن تشجيع البحث والتربية ال‬ ‫نلمسه من بني أمثله عديدة‪ ،‬في تقريرالتنمية‬ ‫فائدة منه إال بخصخصة هذين القطاعني‪ .‬في‬ ‫في العالم الذي خصصته هذه املؤسسة لـ «‬ ‫عصر العوملة النيوليبرالية‪ ،‬يتم ذكر الدولة ال‬ ‫املعرفة في خدمة التنمية « (‪World Bank, World‬‬ ‫لشيء إال ملنح أموال عمومية لدعم رأس املال‬ ‫‪Knowledge :1999/1998 Development Report‬‬ ‫املهيمن عاملياً‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬يصل مجموع‬ ‫‪,for Development (Washington DC: The Bank‬‬ ‫نفقات التربية في العالم إلى أكثر من ‪Eric Mulot, «De la compensation a la ;)1999 2000‬‬ ‫مليار دوال‪ ،‬وهو ما يعني أن جل هذه األموال يأتي ‪reforme sociale: Les Politiques educatives‬‬ ‫من امليزانيات العمومية‪ .‬إن األرباح التي تنتظرها ‪de lutte contre la pauvrete au Guatemala»,‬‬ ‫الشركات العابرة للقارات من التسليع الفائق ‪,)2001( 168 .no ,42 .Revue Tiers Monde, vol‬‬ ‫لهذا القطاع‪ ،‬تكون مهمة‪ .‬ورغم أن هذا األمر ‪et Philippe Bayart, «Education et ,906-885.pp‬‬ ‫قوبل بالرفض ألنه مشروع فاشل‪ ،‬فإن شق ‪valorization a Cuba: Theorie et app lication»,‬‬ ‫التربية في السياسات النيوليبرالية ما زال ‪(These de doctorat, Paris, Universite de Paris‬‬ ‫يط ّبق في أشكاله اخملتلفة‪ .‬تتطورجتارة التربية ‪ )2007 ,1Pantheon-Sorbonne‬حتت إشراف فريق‬ ‫بشكل غيرعادي حتت ذريعة أن املوارد العمومية من أبرز اإلقتصاديني‪ ،‬يتقدمهم الثنائي ‪-:‬‬ ‫جوزيف ستيغليتز‪.‬‬ ‫شحيحة‪ ،‬وعلى أساس ثقل فاتورة التعليم التي ‪ -1‬‬ ‫ولني سكير‪.‬‬ ‫حتملتها سابقا ً (دولة الرفاه ‪ -2 . )Etat providence‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد أزدهر هذا العمل التجاري بشتّى األشكال وهما مديران سابقان في البنك الدولي‪ .‬وقد‬ ‫مت التعامل‪ ،‬في هذا الباب‪ ،‬مع التكنولوجيات‬ ‫التي عرفتها اخلصخصة‪-:‬‬ ‫التعليم مرخَّ ص له بإستعمال عالمة احلديثة ‪-:‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫اإلنترنيت‪.‬‬ ‫جتارية (توأمة وفتح اجملال ملؤسسات «أوفشور» ‪ -1 ...‬‬ ‫الرسائل اإللكترونية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫)‪.‬‬ ‫الهاتف النقال‪.‬‬ ‫جامعات مقاوالت‪ ،‬أكانت تابعة ‪ -3‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫التعليم عن بُعد‪.‬‬ ‫ملؤسسات عليا قدمية‪ ،‬على موقع إلكتروني ‪ -4‬‬ ‫‪95‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪96‬‬

‫موجهة إلى املستهلك وحد ُه على أساس‬ ‫كأنها َ‬ ‫رؤية فردانية ذات اإلستعمال اخلاص‪ ،‬وتتأسس‬ ‫بصرامة على مفهوم السوق الذي يرافق‬ ‫التص ّورالذي تتبنّاه النظريات النيوكالسيكية‪.‬‬ ‫كالهما حقق إجنازا ً باهرا ً في الوقت الذي يتم‬ ‫تأكيد أهمية املعرفة في النمو‪ ،‬وإفراغ هذه‬ ‫األخيرة من محتواها اإلجتماعي والتضامني‪،‬‬ ‫ونفي خاصيتها كملْلك جماعي قابل لإلقتسام‬ ‫لتُختزل في سلعة تخضع ملنطق الريح‪ .‬فالدول‬ ‫التي حققت نتائج جيدة‪ ،‬كما يس َوق لذلك أنصار‬ ‫النيوليبرالية‪ « ،‬هي التي تستطيع حتسني أداء‬ ‫األسواق وإستغالل سلطة املعرفة ألجل سعادة‬ ‫اجلميع»‪ .‬وعليه إتخذت التدابيرالتي يتم العمل‬ ‫بها على الشكل اآلتي ‪-:‬‬ ‫تشجيع املنافسة واخلصخصة‪ ،‬كحل‬ ‫‪ -1‬‬ ‫للعجزالذي تعرف ُه إحتكارات الدولة التي تعرقل‬ ‫العرض‪.‬‬ ‫تشجيع التعليم اخلصوصي‪ ( .‬إن أفضل‬ ‫‪ -2‬‬ ‫طريقة لرفع مستوى التعليم هي اإلعتماد على‬ ‫القطاع اخلاص»‪ .‬أنظر ‪-44.World Bank, Ibid, pp‬‬ ‫‪.)61‬‬ ‫وضع البحث العمومي حتت رقابة‬ ‫‪ -3‬‬ ‫األسواق‪( .‬يتعينّ هنا « وضع بحث التنمية حتت‬ ‫تأثير السوق‪ ،‬وتشجيع املقاوالت للعمل مباشرة‬ ‫مع اخملتبرات العمومية وحتويل معاهد البحث‬ ‫إلى شركات مساهمة « ‪ .‬أنظر‪ :‬املصدرالسابق‬ ‫نفسه)‪.‬‬ ‫فليس مصادفة إذن أن ّ‬ ‫يكذب خبراء البنك الدولي‬ ‫‪ ،‬بكثافة‪ ،‬منذ عقد السبعينيات إستخدام مناذج‬ ‫النمو املعتمد على الذات ( كما هو األمركذلك‬ ‫بالنسبة إلى املنظمات الدولية األخرى للنظام‬ ‫الرأسمالي العاملي) كـ ‪-:‬‬ ‫صندوق النقد الدولي‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ومنظمة التعاون اإلقتصادي والتنمية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫واملنظمة العاملية للتجارة‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫واملفوضية األوروبية‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬

‫مفنّدين ذلك بأطروحاتهم على مستوى‬ ‫السياسة اإلقتصادية في أفق إعطاء هذه النماذج‬ ‫فتفحص املرجعيات النظرية‬ ‫طابعا ً « علميا ً «‬ ‫ّ‬ ‫يترجم بجالء‬ ‫املفضلة لدى هذه املؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫األدوار السياسية التي تؤديها هذه النماذج‪.‬‬ ‫ثانيا‪ّ :‬‬ ‫املنظرون النيوكالسيكيون‪ ...‬والنيوليبراليون‬ ‫املناضلون‬ ‫رأت « نظرية النمو املعتمد على الذات « النور‬ ‫حتت تأثير إقتصاديني ملتزمني داخل املؤسسة‬ ‫الفكرية األمريكية‪ ،‬التي سبق لها أن هاجمت‬ ‫السياسات الكينزية على نحو صارم‪ .‬فأهم‬ ‫مؤسسيها – بإستثناء‪ ،‬رمبا « بول رومر ‪Paul M.‬‬ ‫‪ ،« Roomer‬وهو حتى ال يعفى من هذا اإلستثناء‬ ‫– يعلنون مواقف ليبرالية صريحة سواء تعلق‬ ‫األمر بـ ‪-:‬‬ ‫روبير لوكاس‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو روبير بارو‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫أو خافيير ساالمارتان‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫األول حائز على جائزة نوبل‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫والثاني مرشح لهذه اجلائزة‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫أما الثالث فإن ُه ال يحظى مبثل متيزهما‬ ‫‪ -6‬‬ ‫لكنه يعلن بكل تواضع أنه واحد من اإلقتصاديني‬ ‫العشرين الذين يُستشهد بهم في العالم‪ ،‬كما‬ ‫تبينّ ذلك التصنيفات البيبليوميترية‪ ،‬وأنه ليس‬ ‫من السهل عدم اإلشارة إليه‪.‬‬ ‫حتى هذا املستوى من التحليل‪ ،‬نكون قد قمنا‬ ‫بتفكيك األيديولوجيا املوارية وراء ستار األجهزة‬ ‫الرياضية لهؤالء اإلقتصاديني‪ ،‬لنترك لهم‬ ‫احلديث‪ ،‬ونحن على يقني أننا لم نكن مخطئني‬ ‫بشأن تصوراتهم للعالم‪ ،‬وأن مفكري (روح‬ ‫العصر ‪ )Zeitgeist‬من هذا الطراز ليسوا فقط‬ ‫نيوكالسيكيني بل هم نيوليبراليون في األساس‪.‬‬ ‫إذا كان بول رومر معتدال ً إلى حد ما‪ ،‬فإنه كان‬ ‫واضحا ً فيما يتعلق بالرؤية التي ّ‬ ‫تؤطر أبحاثه‬ ‫التي صدر عنها « مقال ُه املؤسس ألطروحته «‬


‫من حكومة جورج بوش اإلبن‪ ،‬ففي كتاب يحمل‬ ‫عنوان « الوجود للمقدس « ضم بعض مقاالته‬ ‫الصحافية في ( بيزنس ويك ‪،) Business Week‬‬ ‫يصرح مبا يلي‪ « :‬أنا قلق للغاية من اإلجراءات‬ ‫التي إتخذها « جورج ووكر بوش « والشبيهة بـ»‬ ‫سياسة التدخل الصارمة « عند جورج بوش اآلب‪،‬‬ ‫املضرة بشروط التحفيز‪ ،‬مخلفة أضرارا ً بعالم‬ ‫األعمال»‪ .‬ال ب َّد أن نوضح في هذا الباب بالضبط‬ ‫أن هذا الكالم مت جتاهله‪ ،‬سواء خالل حملة باراك أ‬ ‫وباما اإلنتخابية‪ ،‬أو حني قام الرفيق بوش بتأميم‬ ‫قطاعات بكاملها في النظام املالي للواليات‬ ‫املتحدة األمريكية! هذا الكالم كان قد قيل منذ‬ ‫سنوات خلت أي في الزمن املشرق لليبرالية‬ ‫اإلقتصادية في الواليات املتحدة مبعناها الواسع‪.‬‬ ‫ففي الوقت الذي يحسن كاتبنا اإلعتراف بفضائل‬ ‫اخليارات اجلمهورية ( كقوله ‪ّ :‬‬ ‫«متكن اإلقتصاد في‬ ‫عهد بوش من توفيرشغل مناسب مقابل أجر‬ ‫جيد» ( ‪Robert J. Barro.» Debunking the Myths of the‬‬

‫عام ‪ .1986‬يقول رومر‪ « :‬ينبغي أن تفهموا ما‬ ‫هو مضمر في معادالت هذا النص إلدراك ما‬ ‫ستخ ّلفه التكنولوجيا‪ ،‬ألن قضايا املنهجية‬ ‫والصيغة الرياضية تسمح باإلحاطة بكل‬ ‫شيء‪ .‬لقد قال (صولو) إن ُه يجب التعامل مع‬ ‫التكنولوجيا كملْك عمومي‪ .‬وألجل ذلك‪ ،‬يجب‬ ‫التمييز بني حالتني ‪-:‬‬ ‫األولى تقول إن التكنولوجيا تسقط من‬ ‫‪ -1‬‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫والثانية تفترض أن احلكومة توفر هذه‬ ‫‪ -2‬‬ ‫التكنولوجيا علناً‪.‬‬ ‫أعتقد أن صولو سبق وأن أثارهاتني الرؤيتني‪ ،‬لكن‬ ‫ليس هذا هو املشكل‪ .‬ما أرغب فيه هو الوسيلة‬ ‫التي تساعد في احلصول على مردودية متزايدة‪،‬‬ ‫واحلصول على عرض خاص أيضاً‪ .‬إن ما حدث بني‬ ‫وصلت إلى اإلقتناع‬ ‫عامي ‪1986‬و ‪ 1990‬هو أني‬ ‫ُ‬ ‫بأن فرضية ملْك عمومي التي آثارها صولو لم‬ ‫تكن صائبة «‪.‬‬ ‫( ‪8th November( Kerry Campaign», Business Week Paul M. Roomer, « Conversations with Economists:‬‬ ‫‪ ))2004 Interpreting Macroeconomics», interview par B.‬فإنه يؤاخذ الرئيس آنذاك على سياسة‬ ‫‪ http://www.stanford.< ,)1999( Snowdon et H. Vane‬التدخّ ل املفرط إلدارته وميله إلى توسيع نشاط‬ ‫‪>edu/-promer/Int_e_macro.html‬‬ ‫السلطات العمومية»‪ ...‬من يجد إذن في اليمني‬ ‫نستنتج منطقيا ً ممّا سبق» أن رأس املال البشري كما ير عيناه ؟ طبعاً‪ :‬كل هذا يدفع إلى احلنني‬ ‫هو بالضبط كرأس املال‪ ،‬ملك خاص كسائر إلى عهد « رونالد ريغان « و « مرغريت تاتشر»‬ ‫األمالك‪ :‬أنا متفق مع كاري بيكر في هذه في ثمانينيات القرن العشرين‪ .‬ميكن لإلنسان أن‬ ‫النقطة»‪.‬‬ ‫يبدي قلقه ممّا خ ّلفه هذان العمالقان لـ ‪-:‬‬ ‫بوش‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وميجور‪.‬‬ ‫بارو ‪ « :‬إثبات تفوق الرأسمالية على اإلشتراكية ‪ -2‬‬ ‫«‬ ‫وكلينتون‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫وبلير‪.‬‬ ‫لنبدأ بـ(روبير بارو) الذي هو واحد من اإلقتصاديني ‪ -4‬‬ ‫الثالثة من « طبقة اإلقتصاديني» الذين يُقرأ لهم لكن ميكننا أن نع ّبرعن إرتياحنا لصالبة إرث ( ريغان‬ ‫بكثافة‪ ،‬كما يقال‪ ،‬حسب مؤشر األمم املتحدة – تاتشر)‪ ،‬إذ بفضل اإلرث إياه يسعنا أن نواصل‬ ‫لإلقتباس (أغلب املقاالت متوافرة على موقعه تقدمنا ولو حتت سلطة هؤالء األشخاص‪»...‬‬ ‫اإللكتروني – القسم اخملصص للعموم – أنظر‪Robert J. Barro, Rien n>est sacre! Paris:( :‬‬ ‫‪ .) )2002( Barro‬لقد ع ّبر بارو‪ ،‬كما هو حال ‪.)139 .pp ,2004 ,Economica‬‬ ‫كثيرمن أبناء وطنه‪« ،‬عن قلقه بوجه خاص» وفي سؤال عن فريدمانن اجاب بارو‪ « :‬كنا‬ ‫‪97‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪98‬‬

‫نتعامل مع ميلتون فريدمانن في جامعة هارفرد‪،‬‬ ‫حصلت فيها على الدبلوم في أواخر‬ ‫التي‬ ‫ْ‬ ‫الستينيات‪ ،‬كإنسان غير الئق‪ ،‬مييني من (ميدل‬ ‫ويست ‪ .)Middle West‬إن أفكاره الواردة بشأن‬ ‫السياسة العمومية‪ ،‬كما هو األمر بالنسبة‬ ‫إلى تلك الواردة بقوة في كتابه (الرأسمالية‬ ‫واحلرية ‪ )Capitalism and Freedom‬لن تثير‬ ‫أي إهتمام‪ ،‬بل تثير السخرية‪ .‬لم نتمكن‪ ،‬نحن‬ ‫طلبة الدكتوراه األشقياء‪ ،‬من اإلستفادة من‬ ‫كل املساهمات اخل ّالقة التي كان يقترحها في‬ ‫مواضيع متعلقة بتمويل ‪-:‬‬ ‫التربية اخلصوصية ( صكوك – تربية )‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ومعدالت اإلقتتاع الضريبي املنخفضة‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫والتأمني اإلجتماعي اخملصخَ ص أو‬ ‫‪ -3‬‬ ‫امليزانيات املتوازنة‪.‬‬ ‫كثير من أفكار فريدمان الراديكالية‪ ،‬التي سبق‬ ‫أن تقدم بها في اخلمسينيات‪ ،‬أصبحت اليوم‬ ‫حتتل قائمة سياسات التيار املهيمن‪ ،‬وبهذا يكون‬ ‫فريدمان قد ربح املعركة الفكرية»‪ .‬ويسترسل‬ ‫بارو قائالً ‪ « :‬كان من ُحسن حظنا أنه كان لـ»‬ ‫فريدمان» هيئة جيدة وأنه كان واثقا ً من نفسه‬ ‫ليثابرعلى عمله رغم سوء املعاملة التي لقيها‪،‬‬ ‫منذ زمن طويل‪ ،‬من جانب إقتصاديي وصحافيي‬ ‫اليسار‪ .‬يجد اإلنسان نفسه أنه على حق ويشعر‬ ‫بأن ذلك هو السبيل األفضل للرد بصرامة « بارو‪.‬‬ ‫ويضيف بارو‪ « :‬نحن اليوم كلنا فريدمانيون !»‬ ‫(املصدر نفسه ص ‪ .)5‬فيما يلي مختارات قصيرة‬ ‫إلستشهادات مؤسس نظرية « النمو املعتمد‬ ‫على الذات « ‪:‬‬ ‫قال بارو خالل األزمة اآلسيوية ‪ « :‬لقد‬ ‫‪ -1‬‬ ‫إقترحت أن تتخلى كوريا اجلنوبية عن عملتها‬ ‫ُ‬ ‫الوطنية وإقرارالدوالراألمريكي مكانها ‪ .‬وقد‬ ‫ُوصفت بأني اإلمبريالي اليانكي حني دعوت‬ ‫بدولرة كوريا اجلنوبية إلى جانب شراء البنوك من‬ ‫لدن املستثمرين األجانب‪.»..‬‬ ‫وفيما يتعلق مبكافحة اإليدز في أفريقيا‪،‬‬ ‫‪ -2‬‬

‫يقول بارو‪ « :‬لقد تنازلت شركات األدوية حتت‬ ‫الضغوطات لتجد نفسها تبيع العقاقير بأثمان‬ ‫بخسة‪ ،‬ملكافحة اإليدز‪ .‬لكن هذه املبادرة الطيبة‬ ‫جاءت في الواقع من رغبة بعض احلكومات في‬ ‫السيطرة على أموال هذه الشركات‪ ،‬وهي فكرة‬ ‫مشؤومة يسعى أصحابها إلى القضاء على‬ ‫مردود هذا املرض في إنتاج األدوية»‪.‬‬ ‫وعن احلرب على العراق‪ ،‬يقول ‪ :‬في خضم‬ ‫‪ -3‬‬ ‫العنف يغيب عن الناس‪ ،‬في بعض األحيان‪ ،‬اجلهد‬ ‫النبيل املبذول في اإلصالح في هذا البلد الذي‬ ‫تتزعمه الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬إن جناح أو‬ ‫فشل هذه املهمة – وليس وجود بعض األسلحة‬ ‫أوحاالت القصف املؤسفة – سيؤثر كثيرا ً في‬ ‫آفاق السلم والتنمية اإلقتصادية في الشرق‬ ‫األوسط وغيره»‪.‬‬ ‫(املصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪ ،115 ،114 ،46‬و ‪Barro,‬‬ ‫‪.)»«Debunking the Myths of the Kerry Campaign‬‬ ‫لئن كان بارو ال يتعاطف مع الدميقراطيني‬

‫األمريكيني‪ ،‬فهذا شيء معروف‪ ،‬وإن كان كذلك‬ ‫غيرمدافع عن الدميقراطية‪ ،‬فإن ذلك صحيح‬ ‫بالفعل‪ ،‬ومن دون شك‪ ،‬وإن كان بدرجة أقل‪.‬‬ ‫يقول بارو‪ « :‬لقد إقترحت بإستمرار إعادة النظر‬ ‫في املقاربة الرومانسية للسياسة اخلارجية‬ ‫األمريكية التي تهدف إلى تشجيع الدميقراطية‬ ‫في كل زمان ومكان‪ .‬إن أبحاثي في مقارنة‬ ‫بالدميقراطية‪ ،‬ألجل إنعاش النمو اإلقتصادي»‬ ‫(‪.)Barro, Rien n>est sacre! pp. xix‬‬ ‫سيفاجأ املرء حني يرى بارو قد أنضم إلى‬ ‫فهل‬ ‫َ‬ ‫موقف بيكر في موضوع الصديق الذي كان‬ ‫يجمعهما في تشيلي ؟ يقول بارو في هذا‬ ‫الباب ‪ « :‬ليس هناك من شك أن أداء تشيلي‬ ‫اإلقتصادي املتميز كان نتيجة اإلصالحات‬ ‫الليبرالية التي قامت بها إدارة اجلنرال بينوشيه‪،‬‬ ‫خالل الفترة ‪ .1989-1973‬أعتقد أن حدة عداء‬ ‫األحزاب اليسارية لـ»بينوشيه» وإستمرار هذا‬ ‫العداء يكمنان في جناح هذا األخير في مهمته‬


‫اإلقتصادية ‪ :‬ال يوجد أحد فعل مثله لتفسير‬ ‫تفوق الرأسمالية على اإلشتراكية»‪ .‬وإذا كان‬ ‫هذا غير كاف‪ ،‬فإن‪ ،‬هناك ما يثلج الصدر‪ ،‬إذ إن‬ ‫محكمة العدل الدولية قررت بعد رجوع اجلنرال‬ ‫السابق إلى تشيلي‪ ،‬عدم مالحقته قضائيا ً‬ ‫عن جرائم مزعومة‪ ،‬بحكم وضع ُه الصحي»‪( .‬‬ ‫املصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪.)106-105‬‬ ‫بإختصار‪ ،‬بالنسبة إلى بارو‪ ،‬ليس هناك شيء‬ ‫مقدس‪ ...‬ما عدا الرأسمالية !!‬ ‫ساالمارتان ‪ « :‬الليبرالية ليست خطيئة «‬ ‫كان ساالمارتان تلميذا ً لـ»بارو» في جامعة هارفرد‪.‬‬ ‫وقد أ ّلفا معا ً حول نظرية النمو كتابا ً يُ َع ّد األكثر‬ ‫إنتشارا ً في العالم‪ .‬وإذا كان الرجل يتمتع بروح‬ ‫الدعابة‪ ،‬فإن ما مييزه هو دفاعه بعجرفة ( حقيقة‬ ‫أنه فيما يتعلق بالكفاءة‪ ،‬فإن ساالمارتان قد وجد‬ ‫في بارو صفة األستاذ‪ :‬يُعتبر كتاب ثروة األمم ألدم‬ ‫سميث أكبر مؤ ّلف ضم أفكارا ً بسيطة‪ ،‬ولم‬ ‫يسبقه نظير له»‪ .‬أنظر‪ :‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪)20‬‬ ‫عن الليبرالية بقوله ‪ »:‬إنها ليست خطيئة « بل‬ ‫هي «الفضيلة بعينها»‬ ‫(‪Xavier Sala i Marton,» El liberalismo no es‬‬ ‫‪.)»pecado‬‬

‫يقول ساالمارتان عن معارضي العوملة ‪« :‬‬ ‫يحدثنا هؤالء أن الالمساواة تتفاقم‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫صحيح»‪ .‬وسأله محاوره ‪ « :‬أليس لديك اإلنطباع‬ ‫أنه كيفما كان احلال‪ ،‬فإن عدد الفقراء في تزايد‬ ‫؟»‪ .‬فكان جوابه ‪ « :‬هناك أوهام خاطئة مازالت‬ ‫مستمرة»‪ .‬سأله احملاور من جديد‪ « :‬أنت متفائل‬ ‫جدا ً مبستقبل العالم»‪ ،‬فأجاب صاحبنا‪ « :‬هذا‬ ‫طبيبعي»‪ .‬من جهة أخرى‪ « :‬يقال إن عاملا ً آخر‬ ‫ممكن‪ ،‬وهذا صحيح بإمتياز‪ .‬هذا يعني‪ ،‬في الواقع‪،‬‬ ‫أنه عوض اإلجترار املَرَضي بأن كل شيء يسير‬ ‫نحو األسوأ‪ ،‬علينا أن نعكف على دراسة ّ‬ ‫مركزة‬ ‫لنكشف عن مشاكل حقيقية ال عن كوارث‬ ‫عالقة في األذهان»(املصدر السابق)‪ .‬لكن هناك‬

‫في نظر ساالمارتان‪ « ،‬منطقة « فيها «مشاكل‬ ‫كثيرة» إنها منطقة أفريقيا‪ .‬أما النموذج الذي‬ ‫مت إختياره‪ ،‬فهو منوذج نيجيريا – هذا البلد الذي‬ ‫أشرف فيه صاحبنا على دراسة بتكليف من‬ ‫صندوق النقد الدولي‪ .‬يقول هذا اإلقتصادي‪« :‬‬ ‫تُعتبر نيجيريا البلد الذي عرف فشالً ذريعا ً في‬ ‫ميدان التنمية‪ .‬لقد حان الوقت للقيام بإصالحات‬ ‫جريئة‪ .‬يتعني على زعمائه أن يركزوا جهودهم‬ ‫على املسائل األساسية املتعلقة بتدبير مداخيل‬ ‫النفط»‪.‬‬ ‫ما هو احلل الذي ميكن إقتراحه ؟ يقول ساالمارتان‬ ‫‪ « :‬يتعني سحب أقصى مداخيل النفط املوجودة‬ ‫حتت رقابة القطاع العام‪ ،‬وتفويضها إلى القطاع‬ ‫وسئل عن سبب القيام بهذه العملية‬ ‫اخلاص»‪ُ .‬‬ ‫‪ ،‬فكان جوابه ‪ « :‬إن القطاع الذي فشل هو‬ ‫القطاع العام‪ ،‬واملنطق يقول إن احلل يكمن‬ ‫طبيعياُ في اخلصخصة»‪ .‬ويضيف ساالمارتان‬ ‫‪ « :‬لقد الحظنا‪ ،‬كما يقربذلك صندوق النقد‬ ‫الدولي‪ ،‬أن املشكل األساسي هو الرشوة‬ ‫املتفشية في القطاع العام‪ .‬ولهذا‪ ،‬فاحلل هوأن‬ ‫األموال املكتسبة من النفط تعود مباشرة إلى‬ ‫املواطنني من دون املرور بالدولة‪ .‬نقترح أن يتم نزع‬ ‫عائدات النفط من احلكومة‪ ،‬وفي املقابل إعفاء‬ ‫هذه األخيرة من املسؤولية عن املرافق العامة‪،‬‬ ‫وهذا ما هو حاصل في نيجيريا منذ أعوام»‪.‬‬ ‫(أنظر إصدارات ساالمارتانن على مدى أعوام‬ ‫مختلفة‪ ،‬متوافرة على املوقع اإللكتروني ‪http://‬‬ ‫‪.23/www.columbia.ed‬‬

‫عن ‪-:‬‬ ‫كارل ماركس ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وجورج بوش اإلبن‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫قال ساالمارتان ‪ « :‬إن إستعمال نظريات حترض‬ ‫على املكائد لكتابة أو إلعادة كتابة التاريخ قد‬ ‫أصبح سلوك العصر‪ .‬وقد قام املثقفون من وارثي‬ ‫‪99‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪100‬‬

‫املاركسية بإضافة حتسينات على هذه التقنية‪ ،‬لكني لن أفعل ذلك‪ ،‬ألن ذلك سيكون طريقة‬ ‫وسبق ملاركس أن قال إن التاريخ ماهو إال صراع مبسطة بإفراط‪ ،‬بل خاطئة‪ ،‬لتفسيرالتاريخ «‪.‬‬ ‫الطبقات على الدوام‪ ،‬ومعركة مستمرة بني ‪>http://columbia.edu‬‬ ‫املست ِغلني األشرار واملست َغلني األبرياء‪ .‬وعليه‬ ‫يدعو التفكيرالسليم إلى « إيجاد « عالقة لوكاس ‪ :‬األزمة ؟ « ليس هناك ما يدعو إلى القلق‬ ‫مع ّينة بني الذين يتخذون القرارات أو أعضاء من «‬ ‫عائالتهم أوبعض من أصدقائهم وشركة فاسدة روبرت إمرسون لوكاس جونيور (اإلبن) هو أستاذ‬ ‫(عابرة للقارات)‪ .‬حني يتم القيام بهذا التقصي‪ ،‬في جامعة شيكاغو‪ ،‬كما كان قبله‪-:‬‬ ‫بيكر‪.‬‬ ‫يتبينّ أوتوماتيكيا ً أن الهدف الوحيد للسياسات ‪ -1‬‬ ‫وفريدمان‪.‬‬ ‫اجلاري العمل بها هو تلبية املصلحة غير ‪ -2‬‬ ‫املشروعة للطغمة احلاكمة‪ ،‬وهذا ال يستدعي يرتبط أسم ُه بتعميم فرضية « التوقعات‬ ‫أن تكون أكثر دقة‪ .‬وإن كارل ماركس من أسوأ العقالنية « – وهو تراجع في العلوم اإلقتصادية‬ ‫تكهنه بإنهيار الرأسمالية سمح له‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬بأن يت َّوج بجائزة نوبل –‬ ‫احملللني للتاريخ (إن‬ ‫ّ‬ ‫من املسائل التي تدعو إلى السخرية بفظاعة)‪ ،‬وبنظرية الدورات احلقيقية – وهي كارثة فكرية‬ ‫فإن طريقته تبقى متأصلة مقارنة بطرق الذين حقيقية‪ .‬لكن أسمه إرتبط كذلك بالصيغة‬ ‫أتوا من بعده‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإن تأويل التاريخ بصيغة الرياضية لدور « رأس املال» في نظرية النمو‬ ‫التآمريبدو ضروريا ً عند دراسة السياسة اخلارجية املعتمد على الذات – وهو تراجع علمي آخر‪ ،‬كما‬ ‫الرهنة للواليات املتحدة‪ .‬من هنا نرى التشابه سبق وأن قلنا ذلك‪.‬‬ ‫( ‪Bernard Guerrien, Dictionnaire d>analyse‬‬ ‫بني‪-:‬‬ ‫‪.)1996 ,economque (Paris: La Decouverte‬‬ ‫املنهجية املاركسية‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫واملنهجية األمريكية املضادة املتجددة‪ .‬لكن أين ميكن تصنيف لوكاس سياسيا ً ؟‬ ‫‪ -2‬‬ ‫عما إذا كان لإلضطراب‬ ‫أوالً‪ ،‬يجب توفير عالقة‪ ،‬ولو مفترضة أو صعبة في سؤال حملاوره ّ‬ ‫املنال‪ ،‬بني شركة وعضو ما في حكومة اإلجتماعي في الستينيات تأثير فيه ؟ أجاب‬ ‫واشنطن‪ .‬من األفضل‪ ،‬هنا‪ ،‬أن تكون الشركة لوكاس ‪-:‬‬ ‫« حرب فييتنام‪ ،...‬هذا لم يكن يصب في‬ ‫التي يتعلق بها األمر ناشطة في قطاع صناعة ‪ -1‬‬ ‫النفط‪ ،‬وباألخص منذ أن أصبح جورج ووكربوش إنشغاالتي! كان من السهل عدم إعطاء أهمية‬ ‫رئيسا ً ( وهو إبن عائلة مرموقة مالكة لشركات لهذا املوضوع‪ .‬شيئا ً فشيئا ً‬ ‫أدركت‪ ،‬كسائر الناس‬ ‫ُ‬ ‫نفط)‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬يتعينّ «رفع الغموض» عن أن هذه احلرب كانت قذرة (ضحك كثيراً)»(‪Arjo‬‬ ‫العالقة بني هذه الشركة والظاهرة التي نتحدث ‪Klamer, Conversations with Economics: New‬‬ ‫عنها‪ ،‬والدليل على ذلك كون اإلحالة إلى كبريات ‪Classical Economists and Opponents Speak Out‬‬ ‫‪on the Current Controversy in Macroeconomics‬‬ ‫عائالت النفط في تكساس وللمبالغ الهائلة من‬ ‫‪. )53.pp ,1988 .(Totowa: Rowman and Littlefield‬‬ ‫األموال التي دفعتها في اإلنتخابات الرئاسية‬ ‫في سؤال آخر حول ما إذا كان لوكاس‬ ‫‪ -2‬‬ ‫إحاالت مبهمة‪ .‬لقد ُطلب مني كتابة مقال‬ ‫محافظاً‪ ،‬أجاب ‪ :‬ال أعرف‪ ...‬الأعرف متاماً‪ ،‬فحسب‬ ‫عن « املصالح اإلقتصادية للواليات املتحدة في‬ ‫معايير جامعة شيكاغو‪ ،‬ال ميكن أن أُصنًّف في‬ ‫العالم»‪ .‬أفترض أنهم يرغبون في أن أكتب عن‬ ‫أقصى اليمني املتطرف» (املصدر السابق نفسه‪،‬‬ ‫هذه املصالح اخلرافية الغامضة املرتبطة بالنفط‪،‬‬ ‫ص ‪.)77‬‬


‫وهذا لم مينع ُه أن يقف – صحبة أساتذته ‪-:‬‬ ‫ميلتون‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫فريدمان‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫كاري‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫بيكر‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫إلى جانب اإلقتصاديني الذين أعلنوا في عام‬ ‫‪ « 2000‬دعمهم املتحمس للبرنامج الذي اقترحه‬ ‫جورج بوش اإلبن»‪.‬‬ ‫( توجد الئحة هؤالء اإلقتصاديني على املوقع‬ ‫اإللكتروني ملعهد فون ميز ‪http://www.mises.org/‬‬ ‫‪./23:month-494=fullarticle.asp?record‬‬ ‫واحلال أن الشق املتعلق بالتعليم – واملعروف‬ ‫بخطة عمل (‪ – )Le Blueprint‬في هذا البرنامج‬ ‫« لن يتأخر فيه أ ي طفل عن الدراسة»‪ ،‬وهو ما‬ ‫أثلج صدر لوكاس ظاهرياً‪ ،‬إذ كان يتنافى مع نظام‬ ‫تعليم عمومي أكثر عدالة وأكثر مساواة‪ ،‬فهو‬ ‫يترجم بقساوة رؤية مشروع مجتمعي رجعي‬ ‫تتبنّاه دولة نيوليبرالية حبيسة أيديولوجية‬ ‫اإلختيار الفرداني‪ ،‬والثالوث ‪-:‬‬ ‫حرية‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫مسؤولية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫فعالية‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬وعلى مستوى السياسة‬ ‫التعليمية‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة إلى ما تدعو‬ ‫إليه النظرية النيوكالسيكية‪ ،‬التي عاجلناها‬ ‫بإسهاب‪ ،‬نالحظ تخصيصا ً إستثنائيا ً ألموال‬ ‫عمومية لتشجيع اإللتحاق باملؤسسات‬ ‫التعليمية « احلرة « (بفضل صكوك – تربية على‬ ‫اخلصوص)‪ ،‬الذي يُضاف إليه التموين بالسع‬ ‫واخلدمات من قبل القطاع اخلاص إلى جانب هذا‪،‬‬ ‫موجه إلى « التالميذ‬ ‫هناك جهاز عقوبات شامل َّ‬ ‫الذين يعانون مشاكل» تساهم فيه بقوة األجهوة‬ ‫األيديولوجية واألجهزة الزجرية احلكومية ألجل «‬ ‫معرفة من يخل بالنظام»‬ ‫( ‪George W. Bush, «Blueprint, No Child Left‬‬

‫‪Behind», US Department of Education, http://www.‬‬ ‫‪.ed.gov/inits/nclb‬‬

‫ويتعينّ على املرء أالّ ينسى أنه لم يكتبه‬ ‫بنفسه‪ ،‬وأن يزيل كل غموض عند قراءة ليبمان‪.‬‬ ‫أنظر‪Pauline Limpman, «Bush>s Education Plan, :‬‬ ‫‪»Globalization and the Politics of Race‬‬ ‫من املؤكد أن الفكرة التي أخذ بها لوكاس عن‬ ‫تالمذته تبقى فريدة‪ « :‬عندما أقول في دروسي‬ ‫إن الناس يبلورون تو َقعاتهم على أساس أن تكون‬ ‫مالئمة للنموذج‪ ،‬فإن ذلك يع ّرضني إلنتقادات من‬ ‫الطلبة‪ .‬يجد هؤالء ذلك عبثاً‪ ،‬إذ الناس مرغمون‬ ‫على أن تخميناتهم ال تسعفهم»‪.‬‬ ‫« مإذا تفعل إلقناعهم ؟»‪ ،‬سأله محاوره‪،‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أجاب لوكاس‪ « :‬إن لدى طلبة الدكتوراه سلوكا ً‬ ‫مطاوعا ً نسبياً‪ ،‬ويتقبلون أي شيء !»‪.‬‬ ‫سألت‬ ‫ثم سأله احملاور ‪ « :‬هل سبق أن‬ ‫‪ -2‬‬ ‫َ‬ ‫نفسك ما إذا كنت على خطأ ؟ يجيب لوكاس‪:‬‬ ‫كنت أحيانا ً منشغالً في مشكل‬ ‫« طبعاً‪ ،‬إذا‬ ‫ُ‬ ‫يلزمني أن افقد قدرتي على اإلحاطة بكل شيء‪،‬‬ ‫فإني أبدأ في التساؤل‪ :‬ألم أخطئ على اإلطالق‬ ‫؟ ‪ ،‬لكن ليس لدي الرغبة في اإلنكباب على كل‬ ‫هذه املشاكل «‪.‬‬ ‫( ‪Klamer, Conversations with Economists: New‬‬ ‫‪Classical Economists and Opponents Speak out‬‬ ‫‪.).the Current Controversy in Macroeconomics‬‬

‫ومبا أن لوكاس كان مولعا ً بالرياضيات‪ ،‬فإنه‬ ‫يعترف بأنه لم يعرف الهرطقة ‪ « :‬في الواقع لم‬ ‫ّ‬ ‫أطلع على أعمالهم كثيرا ً ( بالضبط كتابات «‬ ‫الراديكاليني)»‪ « .‬ملاذا؟ «‪ ،‬يجيب لوكاس‪ « :‬يالحظ‬ ‫أن كثيرا ً منهم منشغل بأسئلة سياسية‪ ،‬أي‬ ‫بأسئلة غير علمية»‬ ‫( أما رومر‪ ،‬فقد صرح ( بشأن شومبيتر) بأن «‬ ‫من الصعب معرفة ما تتحدث عنه بالضبط‬ ‫شخصيات مثله»‪ ،‬قليل من الرياضايات ؟ وكثير‬ ‫من الكالم ؟ « طبعا ً « واأللفاظ غالبا ً ما تكون‬ ‫غامضة» ‪ .‬أنظر‪Romer, « Conversations with :‬‬ ‫‪101‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪102‬‬

‫‪.).»Economists: Interpreting Macroeconomics‬‬

‫« فهل يتعلق األمر مبا بعد الكينزيني ؟ «‪ ،‬اجلواب‪:‬‬ ‫« في ما يخصهم‪ ،‬ال أدري إن كان األمر يدعو إلى‬ ‫اجلد (ضحك كثيراً)» ‪.)50 .Klamer, Ibid., pp( .‬‬ ‫« و «ما رأيكم في اللورد يوهان ماينار كينز ؟»‬ ‫إلي مفاجأة أن‬ ‫‪ ،‬اجلواب ‪ « :‬لقد كان بالنسبة َّ‬ ‫أعثر على كتب منشورة باللغة األم فال أستطيع‬ ‫قراءتها إطالقاً‪ .‬كما هو األمر بالنسبة إلى‬ ‫النظرية العامة لهذا اإلقتصادي‪ ،‬الذي كتب‬ ‫بتقصير‪ ،‬وأحيانا ً بال جدية وبكثير من التعسف‪.‬‬ ‫ال ميكن لي أن أقرأ كينز بإستمرار‪ .‬إن عدم إهتمام‬ ‫لوكاس بالسياسة – كضمانة لعلمية أفكاره‬ ‫– يظهر للعيان عندما يصرح بأن « ما يتعني‬ ‫علينا اإلحتفاظ به من كينز ليس مساهمته في‬ ‫النظرية اإلقتصادية احملضة بل الدور الذي أدت ُه‬ ‫أفكاره للحد من توسيع اإلشتراكية «‪.‬‬ ‫( ‪Pierre Malgrange et Michel De Vroey, «Theorie‬‬ ‫‪et modelisation macro-economique, d>hier‬‬ ‫‪a aujourd>hui», Paris- Jourdan Sciences‬‬ ‫‪).12.PP ,)2006( 33 .economquies (Paris), no‬‬

‫وفي ما يلي وجهة نظره عن األزمة املالية احلالية‬ ‫‪ ،‬تأكيدا ً ألفكاره‪ « :‬إنني أشك في الطرح الذي‬ ‫يقول إن ( الرهون العقارية ) تؤدي إلى نقل‬ ‫العدوى إلى السوق برمتها‪ ،‬وإن اإلقتصاد مع ّرض‬ ‫خلطر الدخول في ركود‪ .‬إن كنا قد فهمنا ما‬ ‫جرى في العشرين عاما ً األخيرة‪ ،‬فإن اإلقتصاد‬ ‫احلقيقي عرف إستقرارا ً كبيرا ً على مستوى بنيته‬ ‫الداخلية‪ .‬إن إقتصادنا قوي وال داعي للقلق»‪.‬‬ ‫( ‪Mortgages and Monetary Policy, Wall Street‬‬ ‫‪.).2007/9/19 ,Journal‬‬

‫لقد ص ّرح جورج بوش اإلبن ‪ ،‬ذو معدل الذكاء‬ ‫املتدنّي جدا ً ‪ ،‬مبا قاله لوكاس بالضبط‪ .‬في‬ ‫احلقيقة ما قاله األول ّ‬ ‫يذكر مبا أعلنه إيرفينغ‬ ‫فيشر‪ ،‬هذا النيوكالسيكي الذي يدعو إلى‬ ‫حتسني النسل‪ ،‬وقد سبق له أن صرح على النحو‬ ‫التالي ‪ « :‬قال فيشر عن أزمة ‪ « 1929‬ال ميكن‬ ‫أن يحدث شيء يشبه إنهيارا ً مالياً»(‪New York‬‬

‫‪ ».)1929/9/5 ,Times‬لقد بلغت أسعار البورصة‬ ‫بإستمرار ما يشبه أعلى قمة في سلسلة‬ ‫جبلية « (‪ .)10.1929/17 ,New York Times‬وقد‬ ‫صرح فيشرفي مكان آخر‪ « :‬من املرجح كثيرا ً أن‬ ‫ينتهي إنهيار البورصة في القريب العاجل‪ ،‬واألمر‬ ‫مسألة وقت‪ ،‬أي بعد أيام قالئل على األكثر»‪(.‬‬ ‫(‪and ,1929/11/14 ,New York Times‬‬ ‫‪.>01_http://www.gold-eagle/editorials‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬إنقاذ الرأسمالية‪ ...‬من الليبرالية املتطرفة‬ ‫ملاذا النظرية النيوكالسيكية اجلديدة ؟‬ ‫عرفت النظرية النيوكالسيكية اجلديدة للنمو‬ ‫حركة جتديد في أوج الريغانية ‪Reaganomics‬‬ ‫‪ ،‬أي في الفترة التي صرح فيها رونالد ريغان مبا‬ ‫يلي‪ « :‬في األزمة احلالية‪ ،‬الميكن أعتبار احلكومة‬ ‫حالً‪ ،‬بل هي املشكل»‬ ‫((‪Putting American Back to Work‬‬ ‫‪./http://www.americanrhetoric.com/speeches‬‬

‫وهي كذلك الفترة التي لوحظ فيها‪ ،‬في آن واحد‪،‬‬ ‫وبشكل مقلق‪ ،‬خارج بلدان احللف األطلسي‪،‬‬ ‫بطىء في اإلنتاجية اإلجمالية لعوامل اإلنتاج‪،‬‬ ‫التي تعرف لبرلة تصاعدية في الواليات املتحدة‬ ‫وظهور» املعجزة» اآلسيوية على الطريقة‬ ‫اليابانية‪ ،‬التي نتجت منها سرعة متميزة في‬ ‫النمو في الدول اجلديدة التصنيع في آسيا‬ ‫املعروفة اليوم بالدول ‪-:‬‬ ‫الناشئة‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو التنني‪,‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫أو ببساطة النمور اآلسيوية‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫س ّميت في تلك الفترة‪ .‬لقد كان لدور الدولة‪،‬‬ ‫كما ُ‬ ‫الذي كان حاسماً‪ ،‬في اإلحلاق التكنولوجي لهذه‬ ‫الدول باملكانة األولى من ضمن التفسيرات التي‬ ‫إهتمت بهذه الظاهرة غير العادية‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل قطاعات ‪-:‬‬ ‫بحث التنمية‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫والتعليم ‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬


‫والبنى التحتية‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫إن ما أدركه الكتّاب النيوكالسيكيون‬ ‫النيوليبراليون األكثر» وضوحا ً « – مثل لوكاس‬ ‫وشركائه – هو احلاجة امللحة إلى التلطيف من‬ ‫رؤيتهم الرافضة للدولة بعدوانية فيما سبق‪،‬‬ ‫وذلك حملاولة إنقاذ النظام الرأسمالي من جتاوزات‬ ‫الليبرالية املتشددة‪ .‬لذلك‪ ،‬كانت الوسيلة األكثر‬ ‫جناعة هي إعادة اإلعتبار إلى الدولة مهما يكن‬ ‫األمر‪ -‬وإن كانت هذه األخيرة موضوع إنتقادات‬ ‫الذعة من قبل الليبراليني املتشددين ذوي األصول‬ ‫الهايكية (نسبة إلى فون هايك) للمدارس‬ ‫النمساوية‪ ،‬الذين يرغبون في إفراغ هذا اجلهاز‬ ‫(أي الدولة) من أدواره األساسية التي ال منازع‬ ‫فيها‪ .‬ألن املسألة تختلف إن كان اإلنسان ي َدعي‬ ‫اإلنتساب إلى أيديولوجية « ميلتون فريدمان « –‬ ‫الذي يبدي في العمق تعارضا ً أقل جتاه أيديولوجية‬ ‫البارون كينز – وما يعلنه « الكالسيكيون اجلدد‬ ‫« املتأثرون بـ ‪- :‬‬ ‫لوكاس‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وبارو‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫لقد كتب فريدمان‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬في‬ ‫الرأسمالية واحلرية ما يلي ‪ « :‬إن وجود السوق‬ ‫احلرة ال يلغي‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬احلاجة إلى حكومة بل‬ ‫العكس‪ ،‬إنها تبقى أساسية‪ ،‬لتحديد «قواعد‬ ‫اللعبة» واحلرص على تطبيقها»‪Milton Friedman,(.‬‬ ‫‪Capitalism and Freedom, Chicago, IL: University of‬‬ ‫‪.)1962 ,Chicago Press‬‬

‫إن املسألة تتجاوز ذلك‪ ،‬فاألمر يتعلق بإلغاء‬ ‫األسس التي ينبني عليها حتى وجود الدولة‪،‬‬ ‫وذلك بأسم مبدأ سام أسم ُه حقوق امل ّلكة‬ ‫اخلاصة‪ ،‬كما تدعو إلى ذلك الليبرالية املتشددة‬ ‫لدى « ميراي روثبارد « الوجه البارزفي معهد‬ ‫لودفيغ فون ميزس» ومع ُه حترريون ورأسماليون‬ ‫فوضويون آخرون‪ .‬فيما يلي بعض املقاطع اخملتارة‬ ‫من املؤلف الرئيسي أخالق احلرية لـ( روثبارد)‪:‬‬ ‫« تُعتبر الدولة تنظيما ً إجراميا ً فعاال ً ذا إعتبار‬

‫كبير بإمتياز أكثر من أي تنظيم آخر‪ ،‬ولو تعلق‬ ‫األمر بـ(مافيا خاصة) كيفما كان حجمها‪ .‬إن‬ ‫رجال الدولة يقومون بعمليات قتل‪ ،‬فإن ذلك‬ ‫ال يعني إغتياال ً بل أنشطة محمودة تسمى‬ ‫«حروباً»‪.‬إن الدولة تزاول إحتكار اجلرمية‪ ،‬وهي‬ ‫جمعية تضم األشرار ليس إال‪ .‬فكل فرد مدعو‬ ‫ليتعامل مع رجال الدولة كأنهم أعداء يتصدرون‬ ‫املركز األول في الوقت الراهن‪ .‬إن الدولة مؤسسة‬ ‫غيرمشروعة إطالقاً‪ ،‬تستمد قوتها من هجومها‬ ‫املقصود على امل ّلكية‪ ،‬فال غاية حتى من وجود‬ ‫لهذا اجلهاز ففي مجتمع حر عن حق (يعني‬ ‫فوضوي)‪ ،‬يرعى حقوق األشخاص وامللكية‪ ،‬فإن‬ ‫الدولة مدعوة إذن إلى الزوال»‪.‬‬ ‫( ‪Murray N. Rothbard, For a New Liberty (New York:‬‬ ‫‪.)1973 ,Macmillan‬‬ ‫فبناء على ما سبق‪ ،‬يعتقد النيوليبراليون «‬ ‫املتنورون» أن الدولة الرأسمالية مدعوة إلى أن‬ ‫تتقوى أكثر‪ ،‬وأن توسع بوفرة مجاالت أنشطتها‬ ‫(التي سبق لليبراليني أن أفرطوا في تأكيدها)‪.‬‬ ‫معنى ذلك أن تدخل الدولة بقوة ال يهدف إلى‬ ‫تغيير بنية ملكية رأس املال لصاحلها بل العكس‪،‬‬ ‫أي لدعم التملك اخلاص لألمالك العمومية‬ ‫(التقليدية)‪ ،‬وال يهدف كذلك إلى التأثير في‬ ‫الطلب‪ ،‬وإمنا إلى تشجيع العرض على وجه‬ ‫اخلصوص‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬من البديهي أن هذا‬ ‫التدخّ ل ال يسعى إلى تخطيط اإلقتصاد‪ ،‬وإمنا إلى‬ ‫« ضبط « األسواق خلدمة رأس املال‪ .‬قبل اإلنهيار‬ ‫في ‪ 2008-2007‬مبدة طويلة‪ ،‬كان للنيوليبراليني‪،‬‬ ‫الذين يدعمهم العديد من احملافظني اجلدد‪ ،‬إجتاه‬ ‫أزمات العوملة‪ ،‬رد فعل قوي مبعنى أن « ضبط «‬ ‫األسواق املالية أصبح من جديد مشروعاً‪-:‬‬ ‫سواء تعلق ببناء ما يعد إجماع واشنطن‪،‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫كما إقترح ذلك جوزيف ستيغليتز‪.‬‬ ‫أو محاولة تهدئة احليوية املفرطة‬ ‫‪ -2‬‬ ‫لألسواق‪ ،‬كما يرى اآلن غريسبان‪.‬‬ ‫أو تهدئة « أصولية « األسواق‪ ،‬كما يقول‬ ‫‪ -3‬‬ ‫‪103‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪104‬‬

‫جورج سوروز‪.‬‬ ‫بالنسبة إليهم‪ ،‬يتعلق األمر بالتأكيد بالعمل‬ ‫على احلد من وجود الدولة‪ ،‬لكن من دون القضاء‬ ‫عليها متاماً‪ ،‬وهو ما يفرض‪ ،‬بال شك‪ ،‬حتسني‬ ‫فكرة « ضبط « دولتي إلنقاذ رأسمالية فاشلة‬ ‫بإستمرار في تدبير أزمتها‪.‬‬ ‫ليبراليون متشددون في إجتاه معاكس‬ ‫لنيوليبراليني‬ ‫أدرك الليبراليون املتشددون جيدا ً أن النظام‬ ‫الرأسمالي املأزوم بنيويا ً ال ميكن إنقاذه من دون‬ ‫جهازالدولة‪ .‬لقد سبق لـ» غريسبان»‪ ،‬رئيس‬ ‫سابق للبنك املركزي في الواليات املتحدة –‬ ‫وصف ُه ميلتون فريدمان بـ»أفضل رئيس لبنك‬ ‫مركزي» – أن صنَف نفسه – « جمهوريا ً حترريا ً‬ ‫«‪( .‬ع ّبر آالن غريسبان من جهته عن تقديره‬ ‫للفلسفة «املوضوعاتية»)‪ .‬أما سوروز‪ ،‬املوجود‬ ‫على رأس إمبراطورية مالية واملضارب الذي قل‬ ‫نظيره‪ ،‬فهو تلميذ كارل بوبر‪ ،‬هذا النمساوي‬ ‫اآلخر الشهير الذي شارك في عام ‪ ،1947‬حتت‬ ‫تأثير فون هايك‪ /‬في إنشاء مؤسسة (مونت‬ ‫بولورين ‪ )Mont Pelerin Society‬وهي مركز‬ ‫عاملي رجعي للعلوم اإلجتماعية‪ .‬لقد سبق لـ»‬ ‫سورزو»‪ ،‬رئيس « صندوق الكم ‪،« Quantum Fund‬‬ ‫املعروف بـ» حمالته» ضد ‪-:‬‬ ‫اجلنيه اإلسترليني عام ‪,1992‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وضد ألبات التايلندي عام ‪.1997‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫أن صرح مبا يلي ‪ « :‬يزعم كثير من الناس أن األسواق‬ ‫توزع املوارد بشكل جيد‪ ،‬وتؤدي أوتوماتيكيا ً إلى‬ ‫حاالت التوازن‪ .‬أما أنا‪ ،‬فأعتقد عكس ذلك‪ ،‬وال‬ ‫أؤمن بأن األسواق في غاية الكمال‪ .‬إن األسواق في‬ ‫حاجة دائمة إلى إجراءات تضمن لها اإلستقرار‬ ‫كي تتجنب حوادث خطرة‪ .‬إني أعتبر األسواق‬ ‫غير مؤطرة مبا فيه الكفاية‪ ،‬وأنه يجب تشديد‬ ‫تقنيتها‪ .‬على العموم‪ ،‬لقد أصبحت آليات‬ ‫السوق في مجتمعاتنا ذات أهمية مفرطة‪ ،‬ولذا‬

‫لست مؤيدا ً للمبادرة احلرية» (‪ .)1996‬وأضاف‬ ‫سوروز من جهة أخرى‪ « :‬إن النظام املالي العاملي‬ ‫يعاني مشاكل ذات طابع نظمي ويصعب‬ ‫اإلعتراف بها كما هي‪ .‬إن القطاع اخلاص ال يعنيه‬ ‫احلفاظ على التوازن املاكرو‪ -‬إقتصادي‪ ،‬فهدفه‬ ‫هو حتقيق أقصى ربح» (‪ ()1998‬وصلت مداخيل‬ ‫جورج سوروز ‪ George Soros‬إلى ‪1‬و‪ 1‬مليار دوالر‬ ‫عام ‪ ،2008‬أما ثروته فتبلغ رمبا ‪ 11‬مليار دوالر)‪.‬‬ ‫عرَّف « نورمان بودهورتز ‪« « Norman Podhoretz‬‬ ‫النزعة احملافظة اجلديدة» على الشكل التالي‬ ‫‪ « :‬كنا مجموعة صعيرة نسبيا ً من مثقفي‬ ‫اليسار‪ ،‬إلتحقت‪ ،‬في أواخر الستينيات‪ ،‬بصفوف‬ ‫احملافظني‪ ،‬ألنها ثارت في وجه األفكار التقدمية‬ ‫التي عرفت الفساد‪ .‬لقد قمنا بإعادة النظر في‬ ‫قناعاتنا‪ ،‬وقررنا أن منوقع أنفسنا بني الوسط‬ ‫واليمني‪ .‬وإضافة « جديد ‪ neo‬تعني أننا من ّثل‬ ‫اجلديد بالنسبة إلى احملافظني‪ ،‬الذين قدمنا لهم‬ ‫أفكارا ً جديدة‪ .‬إن جوهر فكرنا يؤكد أن أمريكا‬ ‫جتسد قوة اخلير في العالم وهي ليست مسؤولة‬ ‫عن النزعة املعادية ألمريكا‪ ،‬هذا التعصب‬ ‫الالعقالني الذي يوحي لبلدنا»‪( .‬عرَّف نورمان‬ ‫بودهورتز ‪ « Norman Podhoretz‬النزعة احملافظة‬ ‫اجلديدة» في مقابلة له يوم ‪/14‬أيار‪ .2008/‬ميكن‬ ‫اإلطالع عليها‪ ،‬في ‪.)http://fr.wikipedia.org :‬‬ ‫إن اإلستنتاج املنطقي الذي ميكن فهم ُه ممّا‬ ‫سبق هو أن الغالبية الساحقة‪ ،‬في خضم‬ ‫شبح النقاشات‪ ،‬أصبح يكتسحها في الوقت‬ ‫الراهن مفكرون من اليمني‪ :‬بدءا ً من األفكار‬ ‫التي تسمح بـ» ضبط» حتى األفكار التي تدعو‬ ‫إلى إلغاء جهاز الدولة بال قيد وال شرط!‪ .‬لقد‬ ‫سبق لبعض اإلقتصاديني املرموقني الذين حتدثنا‬ ‫عنهم‪ ،‬على غرار فريدمان‪ ،‬أن إنضموا بإرتياح إلى‬ ‫« األرثودكسية الكينزية التقليدية «‪ .‬وشيئا ً‬ ‫فشيئاً‪ ،‬غ ّير اجلدال النظري حول دور الدولة‪،‬‬ ‫مجراه ليجد نفسه‪ ،‬منذ عهد قريب‪ ،‬ال هو بني‪-:‬‬


‫الكينزيني والنيوكالسيكيني‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وإمنا بني نيوليبراليني مؤيدين ملبدأ «‬ ‫‪ -2‬‬ ‫الدولة الدنيا «‪.‬‬ ‫وليبراليني متشددين مدافعني عن نفي‬ ‫‪ -3‬‬ ‫هذا املبدأ‪.‬‬ ‫لكن البد من اإلنتباه إلى أن ‪Milton Friedman‬‬ ‫‪ ،‬ميكن أن يخفي ‪ Friedman‬آخر‪ ،‬هو ‪David‬‬ ‫‪ .Friedman‬تسعى أعمال هذا األخير‪ ،‬وهو اإلبن‬ ‫« البيولوجي» لألول‪ ،‬وزعيم تيار (الرأسمالية‬ ‫الفوضوية ‪ )Anarcho-Capitalisme‬في الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬وكان قد درس هو اآلخر في جامعة‬ ‫شيكاغو‪ ،‬إلى إثبات أن مجتمعا ً رأسماليا ً ميكن‬ ‫أن يشتغل على الوجه الكامل من دون جهاز‬ ‫دولة! سيخضع للخصخصة مجموع األنشطة‬ ‫التابعة للسلطات العمومية‪ ،‬مبا في ذلك ‪-:‬‬ ‫العملة‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫والتشريع‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫واألمن‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫واملسافة التي تركها ميينا ً فريدمان (األب)‬ ‫النيوليبرالي‪ ،‬وهي تبدو مع ذلك دقيقة للغاية‪،‬‬ ‫قد متكن من شغلها فريدمان (اإلبن) الليبرالي‬ ‫املتشدد‪ ،‬من خالل إكتشاف جوانب من التفكير‬ ‫في حدودها األكثر لغزا ً للدولتية املضادة‬ ‫املطلقة على املستوى النظري‪ .‬لنكتف مبثل‬ ‫واحد‪ ،‬يساعدنا على تدقيق أفكارنا‪ .‬يتعلق األمر‬ ‫بالتربية‪ ،‬وبالضبط بـ(صكوك – تربية ‪School‬‬ ‫‪ )vouchers‬التي رأى فيها ميلتون فريدمان‬ ‫األداة لتحقيق الشيء ذاته‪ ،‬يعني حتقيق حرية «‬ ‫اإلختيارالتربوي» بني املدرسة العمومية واملدرسة‬ ‫اخلصوصية‪ ،‬فيما أصبحت عند ‪David Friedman‬‬ ‫وسيلة متهد خلصخصة كاملة للتربية (تدعو‬ ‫البرامج السياسية عند لوبني أو عند فيلبي في‬ ‫فرنسا إلى تداول « صكوك – تربية «)‪ ،‬ألن في نظر‬ ‫هذا األخير ينبغي للمدرسة العمومية أن تخضع‬ ‫في مجملها للخصخصة‪ ،‬وتتبعها كل املرافق‬ ‫العمومية‪ ،‬حتت تأثير « اإلصالح» الذي تخلقه‬

‫املنافسة بني األشخاص (بل بني املقاوالت) على‬ ‫مستوى األسواق كلها سواء تعلق األمر‪-:‬‬ ‫بالبريد الذي عرف مقاوالت نقل‬ ‫‪ -1‬‬ ‫الرسائل‪.‬‬ ‫أو بالعدالة‪ ،‬عبر شركات التحكيم‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫أو الشرطة من خالل شركات تأمني‬ ‫‪ -3‬‬ ‫السالمة‪.‬‬ ‫نشير إلى لـ‪ David Friedman‬إبنا ً أسمه « باتري»‬ ‫بدأ يفرض أسمه (الشخصي) من خالل إنتمائه‬ ‫إلى حركة «الدفاع عن احلريات « أي اإلشتراكية‬ ‫بقي له‬ ‫املضادة في أقصى صورها‪ .‬لكن ماذا َّ‬ ‫كي يدعو إلى خصخصته بعد إقتراحات والده‬ ‫وجده؟‬ ‫نعود لنؤكد‪ ،‬في شكل خامتة‪ ،‬الدوراملركزي بإمتياز‬ ‫للدفاع الوطني – هذا « املشكل الشائك «‪.‬‬ ‫( ‪David Friedman, The Machinery of Freedom:‬‬ ‫‪Guide to a Radical Capitalism. (New York: Harper‬‬‫‪)1973 ,Collins‬‬

‫خصخصة اجليش ؟‬ ‫نؤكد من جديد أن حول هذه القضية‪ ،‬أي‬ ‫خصخصة اجليش‪ ،‬إجماعا ً نظريا ً داخل التيار‬ ‫املهيمن في الوقت احلاضر‪ .‬وهناك عدد ال باس فيه‬ ‫من اإلقتصاديني املتشددين املوجودين في أقصى‬ ‫ميني التيارالنيوكالسيكي املهيمن‪ ،‬الذين ع ّبروا‬ ‫عن رفضهم طابع امل ّلك العام للدفاع الوطني‪( .‬‬ ‫ألجل النقاش حول هذه النقطة‪ ،‬أنظر‪Brian L. :‬‬

‫‪Goff and Robert D. Tollison, «Is National Defense a‬‬ ‫‪.no ,1 .Pure Public Good?» Defense Economics, vol‬‬

‫‪ .))1990( 2‬أن السؤال الذي يطرحونه هو كالتالي‬ ‫‪ « :‬ما هي األسباب التي تدفع «املستهلك – امللزم‬ ‫« التابع ‪-:‬‬ ‫لوالية واشنطن‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو داكوتا الشمالية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫أو ملاين‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫إلى اإللتزام بدفع ضريبة لتمويل أشياء بهدف‬ ‫‪105‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪106‬‬

‫حماية احلدود بني الواليت املتحدة األمريكية‬ ‫واملكسيك ؟ أو متويل أهداف حماية الشيعة‬ ‫والكرد في العراق؟ وحسب حتليل هؤالء الكتاب‬ ‫فإن العبىء الضريبي الذي يتعلق األمر به يجب‬ ‫يتحمله سكان الواليات املعنية‪ ،‬أي ‪-:‬‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫تكساس‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ونيو مكسيكو‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وأريزونا‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫وكاليفورنيا‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫أما العبئ الضريبي الذي يتعلق بحماية الشيعية‬ ‫والكرد‪ ،‬يجب أن يتحملوه هم ‪ .‬إن املدافعني‬ ‫عن احلريات من خالل الرأسمالية الفوضوية‬ ‫واملتمسكني بشراسة بأطروحتهم الرافضة‬ ‫للدولة دفاعا ً عن امللْكية اخلاصة والتبادل احلر‪،‬‬ ‫بإستعمال أداة نفعوية على طريقة ‪David‬‬ ‫‪ ، Friedman‬سيؤدي بهم ذلك إلى تشجيع‬ ‫خصخصة الدفاع بال قيد وال شرط‪ .‬يعتقد هؤالء‬ ‫أن الدفاع‪ ،‬شأنه شأن اي ملْك خاص‪ ،‬يخضع‬ ‫لقوانني املنافسة‪ .‬هناك في السوق مقاوالت‬ ‫متخصصة قادرة على تقدمي السلع واخلدمات‬ ‫املتعلقة بالدفاع‪ ،‬التي توفرها الدولة إلى اآلن‪،‬‬ ‫حتى يتسنى للمستهلكني اإلختيار في إنتقائها‬ ‫بـ» حرية» وبأفضل جودة‪ ،‬قياسا ً بالثمن‪ ،‬وإرتباطا ً‬ ‫بطلباتهم في‬ ‫األمن (كسلعة)‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وبنسبة التكاليف مفارنة باألرباح‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫إن جميع هؤالء الليبراليني املتشددين ( هناك‬ ‫أجنحة متعددة لهذا التيار‪ ،‬منها ‪-:‬‬ ‫األوردو‪ -‬ليبرالية (لويلهيلم رويك)‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو والتر أوكني‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وشبه الهايكي (ليوهان غاولزا)‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫أو لفريدريك لوتز)‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫والتطوري – التحرري (ليرونو ليوني)‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫وتاتشرية هاريس ‪Thatcherism de‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫‪.).Harris‬‬

‫وارثي ‪-:‬‬

‫ليزاندير سبونير‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو غوستاف دو موليناري‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وتالمذة « املتحمس لفكرة الدولة الدينا‬ ‫‪ -3‬‬ ‫« روبير نوزيك‪.‬‬ ‫أو « املوضوعاتي « آين واند‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫املنضوين حتت لواء «علَم كادسدن ‪Gadsden‬‬ ‫‪ « Flag‬واحلاملني شعار» ال تتدخل فيما ال يعنيك‬ ‫‪ « Don>t tread on me‬واحملبني للممثل كلينت‬ ‫إيستوود اخملترع للعالمة التجارية (‪Virgin‬‬ ‫‪ )Richard Branson‬إضافة إلى أنهم أعضاء‬ ‫أو رفاق الدرب في حزب يحتل املوقع الثالث‬ ‫بعد احلزب احلاكم واحلزب املعارض‪ ،‬كل هؤالء‬ ‫ال سلطة حقيقية لهم‪ ،‬حتى في الواليات‬ ‫املتحدة‪ ،‬لكن تأثيرهم كبير‪ .‬فإذا كان أنصار هذه‬ ‫التحاليل‪ ،‬املستفزة للغاية‪ ،‬موجودين بشكل‬ ‫ضعيف على حلبة النقاشات النظرية اجلارية –‬ ‫والسيما أن كثيرا ً منهم عارض احلرب على العراق‬ ‫‪ ،‬ألن احلرب تبقى شأن الدولة (‪)Affaire d>etat‬‬ ‫– فإن األفكار التي يروجون لها قد إكتسحت‬ ‫بال شك املمارسة السياسية‪ .‬على هذا النحو‪،‬‬ ‫فإن مشروع الليبرالية املتشددة لم يكن‪ ،‬واحلالة‬ ‫موجها ً حتى اآلن إال لدول اجلنوب ال لدول‬ ‫هذه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الشمال‪ ،‬خاصة أن هذا املشروع ال يعني الدولة‬ ‫املوجودة على رأس اجملموعة األخيرة‪ ،‬أي الواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬ففي دول األطراف‪ ،‬وفي هذه األخيرة‬ ‫وحدها‪ّ ،‬‬ ‫متكن رأس املال من الهجوم في الوقت‬ ‫ذاته على مقومات الدولة بكاملها‪-:‬‬ ‫ليمس في بعض احلاالت‪ ،‬وهي ليست‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ً‬ ‫باإلستثنائية إطالقا‪ ،‬العملة الوطنية التي يتم‬ ‫إستبدالها بعملة خارجية كالدوالرمثالً (إلى‬ ‫درجة الدولرة)‪.‬‬ ‫أو خصخصة حتصيل الضرائب ‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وطبعا ً تفويض تدبير الدفاع الوطني‪،‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫ففي اجلنوب‪.‬‬ ‫تتوقف عبارة « سيادة « غالبا ً على حترير‬ ‫‪ -4‬‬ ‫األسواق‪.‬‬


‫وتسديد الد ّين اخلارجي‪.‬‬ ‫وتأدية أرباح األسهم للمستثمرين‬

‫‪- 5‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫األجانب‪.‬‬ ‫فهذا هو مضمون (احلكم الصالح ‪Good‬‬ ‫‪! )Governance‬‬

‫أو صناعة اإلعالم‪ ،‬التي جتني منها أرباحا ً‬ ‫‪ -3‬‬ ‫خيالية بحكم العقود التجارية ذات الطابع‬ ‫العسكري‪.‬‬ ‫ويتعلق األمر كذلك بـ» شركات صناعات‬ ‫عسكرية خاصة» تقوم غالبا ً بتوفير خدمات‬ ‫تقنية للدولة (وملؤسسات دولية ومنظمات غير‬ ‫حكومية أو هيئات خصوصية أخرى) ملساعدة أو‬ ‫تأدية دور القوات العسكرية « النظامية «‪ ،‬وذلك‬ ‫على شكل ‪-:‬‬ ‫حماية املواقع ( التي حتتضن منابع‬ ‫‪ -1‬‬ ‫النفط‪ ،‬على سبيل املثال)‪.‬‬ ‫وبناء وصيانة مراكز عسكرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وتقدمي الدعم اللوجيستي‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫والسهر على التزويد باملواد الغذائية‬ ‫‪ -4‬‬ ‫واحملروقات والعتاد أو الذخيرة‪.‬‬ ‫وتدريب اجليوش‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫وتوفير التكوين العسكري‪.‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫والتدريب على املعارك‪.‬‬ ‫‪ -7‬‬ ‫وتسييراخملابرات‪.‬‬ ‫‪ -8‬‬ ‫وتدبير العالقات العامة‪ ،‬لدى احلكومات‬ ‫‪ -9‬‬ ‫واملنظمات الدولية ‪...‬‬ ‫وجتدر اإلشارة هنا‪ ،‬إلى إن اخلدمات التي توفرها‬ ‫الشركات تفرض أن تكون حتت تصرفها ‪-:‬‬ ‫موظفون متخصصون‪ ،‬من خبراء‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ومستشارين عسكريني‪.‬‬ ‫وحراس خاصني‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ومستنطقني ومترجمني‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫كما هو الشأن في العراق وأفغانستان‪ ،‬ملواجهة‬ ‫« املتمردين « الذين يقاومون اإلحتالل‪ ،‬وتقريبا ً في‬ ‫كل ‪-:‬‬ ‫النقاط الساخنة‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫والنزاعات احملتملة‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫واملواقع األستراتيجية في العالم‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫(يتعلق األمر بالشركات التالية ‪-:‬‬ ‫‪.KBR‬‬ ‫‪ -1‬‬

‫وليس هناك أقوى من الدولة النيوليبرالية التي‬ ‫وصلت إلى مراكز النظام الرأسمالي العاملي‪،‬‬ ‫وهي تتق ّوى بإستمرار‪ ،‬حتت أشكال متعددة‪،‬‬ ‫ألجل خدمة هيمنة رأس املال على أحسن‬ ‫وجه‪ ،‬فإنطالقا ً من الثمانينيات دفعت رياح‬ ‫النيوليبرالية‪ ،‬في زمن «الريغانية»‪ ،‬حكومة‬ ‫الواليات املتحدة إلى تفويض تدبير أنشطة‬ ‫كثيرة تابعة للدفاع‪ .‬ومنذ احلرب على فييتنام‪،‬‬ ‫بدأت املقاوالت اخلاصة تساهم بشكل مكثف‬ ‫حتمل أعباء احلرب اإلمبريالية‪ ( .‬يتعلق األمر‬ ‫في ّ‬ ‫بالشركات اآلتية ‪-:‬‬ ‫‪ Lockheed Martin and General Dynamics -1‬إلنتاج‬ ‫األسلحة‪.‬‬ ‫‪ -2‬و ‪ Halliburton and Vinell‬للمعدات‬ ‫اللوجيستية‪.‬‬ ‫‪ -3‬و ‪ Dyn Corp‬للنقل البحري‪.‬‬ ‫‪ -4‬و ‪ Pacific Architects and Engineers‬للبنى‬ ‫التحتية‪).‬‬ ‫إن أهمية الشركات اخلاصة في اجمل َمع العسكري –‬ ‫الصناعي إلنتاج املعدات العسكرية كانت كبيرة‬ ‫في نهاية احلرب العاملية الثانية إلى درجة أن ذلك‬ ‫أزعج الرئيس أيزنهاور‪ ،‬الذي ح َذر مواطنيه من‬ ‫التهديد الناجت عن تواطؤ مصالح هذه الصناعة‬ ‫وقادة اجليش األمريكي‪( .‬من خطاب أيزنهاور في‬ ‫مناسبة نهاية رئاسته للواليات املتحدة ‪17‬‬ ‫كانون الثاني‪ .)1961/‬واليوم‪ ،‬إن أهم مزودي إدارة‬ ‫الدفاع في الواليات املتحدة تقودهم شركات‬ ‫عابرة للقارات‪ ،‬تشتغل في ‪-:‬‬ ‫قطاعات صناعة الطيران‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫والصناعة الفضائية والبحرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬

‫‪Halliburton‬‬

‫‪107‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬ ‫‪- 3‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫‪ -7‬‬ ‫‪ -8‬‬ ‫‪ -9‬‬ ‫‪ -10‬‬

‫‪108‬‬

‫‪.Black water‬‬ ‫‪.Vinnell‬‬ ‫‪.MPRI‬‬ ‫‪.Control Risks‬‬ ‫‪..Dyn Corp‬‬ ‫‪.SAIC‬‬ ‫‪.Custer and Battle‬‬ ‫‪.CACI‬‬

‫وبقدرما تقوم احلكومة األمريكية بخصخصة‬ ‫قطاعات الدفاع‪ ،‬تصبح مجموعة مهمة من‬ ‫الشركات العسكرية اخلاصة حتت سلطة املال‪.‬‬ ‫إن حصة املستثمرين املؤسستيني‪ ،‬اخلاضعني‬ ‫إلحتكارات القلة (‪ )Oligopolies‬من الناحيتني‬ ‫املصرفية واملالية‪ ،‬في بنية رأس املال جملموعات‬ ‫التسليح الكبيرة‪ ،‬متيل إلى اإلرتفاع خالل‬ ‫السنوات األخيرة و ينتج من ذلك أيضا ً عواقب ال‬ ‫تقل أهمية‪ :‬تسريح مسؤولني في الدولة من قبل‬ ‫هذه الشركات‪ ،‬واملساهمة من خالل محافظ‬ ‫بورصوية ملواطنني نزهاء – من دون علمهم بذلك –‬ ‫متهمني باإلبتزاز في‬ ‫في رأس مال شركات عمالء ّ‬ ‫كل بقاع العالم‪ ،‬ومشاركة مشبوهة ملساهمني‪،‬‬ ‫وفضائح مختلفة ومثيرة لإلشمئزاز‪...‬‬ ‫يبقى السؤال حول معرفة ما إذا كانت هذه‬ ‫الشركات‪ ،‬التي يدفع «املستهلك – امللزم « ثمنها‬ ‫بسخاء كبير «فعالة»‪ ،‬كما ميكن إعتقاد ذلك‪.‬‬ ‫سنرى أن اجلواب هو بالنفي على وجه التأكيد‪.‬‬ ‫(‪Joelle Cicchini et Remy Herrera, «Societes‬‬ ‫‪militaries privees, La Guerre par procuration? La‬‬ ‫‪Cas de la guerre d>Irak», Recherches internationals,‬‬ ‫‪)26.pp ,2006 ,82 .no‬‬

‫هذه الشركات العسكرية اخلاصة‪ ،‬املدمجة‬ ‫في أغلبها في محافظ السندات للمؤسسات‬ ‫املالية األمريكية الكبرى‪ ،‬تبقى تابعة للدولة‬ ‫املهيمنة‪ ،‬وفي مقدمتها دولة الواليات املتحدة‬ ‫وأستراتيجيتها احلربية‪ .‬إن الطبيعة كما نعلم‪،‬‬ ‫تقاسي تراكم رأسم املال‪ ،‬وإن أحد األبعاد األكثر‬ ‫أهمية في األزمة احلالية – التي ال تستطيع‬ ‫النماذج النيو‪ -‬كالسيكية معاجلتها‪ ،‬كما هو‬

‫الشأن في عجزها في معاجلة األوجه األخرى‬ ‫لألزمة‪ ،‬وهو ما يفسرعجز البراديغم – اإلقتصادي‬ ‫النيو – كالسيكي عن إستيعاب األزمة إياها‪.‬‬


‫اإلذاعات املوجهة للدول النامية‬ ‫منوذج راديو سوا‬ ‫إعداد الباحث‪ :‬ريبه ر كوران مصطفى‬ ‫طالب دكتوراه في اإلعالم‬ ‫القاهرة ‪ -‬مصر‬

‫‪109‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪110‬‬

‫ املقدمة ‪:‬‬‫اجتهت العاملية للدول النامية في اطار ثالث محاور‬ ‫مختلفة (السياسية واالقتصادية والثقافية)‪،‬‬ ‫وبالذات بعد هزمية الهيمنة االمريكية في‬ ‫أعقاب احداث احلادي عشر من سبتمبر ‪،2001‬‬ ‫تعمل الواليات املتحدة االمريكية بانشاء وسائل‬ ‫االعالم املوجهة للجمهور‪ ،‬وكذلك لتغيير أفكار‬ ‫وآراء املواطنني في تلك املنطقة‪ ،‬فهذا هي بداية‬ ‫الغزو الثقافي أو احلرب االعالمية للقوى الغربية‬ ‫برئاسة الواليات املتحدة االمريكية ضد الدول‬ ‫النامية‪.‬‬ ‫بدأت احملاوالت االمريكية خملاطبة اجلمهور في‬ ‫العالم الثالث بهدف الغزو الثقافي عن طريق‬ ‫برنامج وزارة اخلارجية االمريكية بدعم ومساندة‬ ‫وموافقة احلكومة والكونغرس االمريكي النشاء‬ ‫اذاعة وقناة موجهة للمنطقة باللغة العربية‬ ‫ذات خدمة اعالمية (اخبارية وترفيه وتسلية)‪،‬‬ ‫ولذلك تأسست في سنة ‪ 2003‬قناة تلفزيونية‬ ‫متخصصة إخبارية (قناة احلرة) وإذاعة رقمية‬ ‫متخصصة إخبارية (راديو سوا) وتبثان خدماتهما‬ ‫على مدار (‪ )24‬ساعة حتى اآلن‪ ،‬وجنحت في جذب‬ ‫اجلمهور العربي والشباب باألخص عن طريق بث‬ ‫املوسيقى واالغاني االجنبية والعربية‪.‬‬ ‫في اطار هذه الورقة البحثية يشير الباحث إلى‬ ‫ظهور االذاعات املوجهة بصورة عامة‪ ،‬وتفسير‬ ‫ملكيتها وأنواعها وبرنامجها‪ ،‬وخصوصا ً (راديو‬ ‫سوا) كدراسة حالة من ضمن االذاعات املوجهة‬ ‫خملاطبة اجلمهور‪.‬‬

‫اخلدمات اإلذاعية التي بدأت بداياتها في هولندا‬ ‫عام (‪ )1927‬لتقدمي برامج خدمة إذاعية منتظمة‬ ‫إلى مستعمراتها في جزر الهند الشرقية‪،‬‬ ‫وتقدمي برامج منتظمة موجهة إلى املستوطنني‬ ‫الهولنديني في عام (‪ ،)1929‬كما بريطانيا جتارب‬ ‫راديو (‪ )BBC‬باملوجة القصيرة في عام (‪،)1929‬‬ ‫وتقدمي خدمة إذاعية موجهة باللغة اإلجنليزية‬ ‫عام (‪ ،)1932‬وأيضا ً فرنسا قامت بتقدمي خدمات‬ ‫إذاعية موجهة إلى مستعمراتها في عام (‪،)1931‬‬ ‫وأخيرا ً بلجيكا قامت بتقدمي خدمة موجهة إلى‬ ‫مستعمراتها (الكونغو)‪ .‬وقد جلأت هذه الدول‬ ‫الستخدام اإلذاعات املوجهة خارج حدودها‬ ‫ملواجهة التحديات والصعوبات التي بدأت‬ ‫تواجهها في مستعمراتها حيث ظهرت آنذاك‬ ‫احلركات الوطنية التي تنادي باحلرية واالستقالل‪،‬‬ ‫وظهور الدعوة إلشراك الشعوب في احلكم‪.‬‬ ‫ تعريف االذاعات املوجهة‪:‬‬‫هي إذاعات متخصصة وتصل خدماتها إلى‬ ‫املستمعني مباشرة خارج حدود دولة البث‪،‬‬ ‫والهدف منها هو اإلستهالك اخلارجي‪.‬‬

‫ اإلهتمام الدولي باإلذاعات املوجهة‪:‬‬‫جنحت الدول املستعمرة في تقدمي برامجها‬ ‫املوجهة عن طريق اإلذاعات املوجهة خارج‬ ‫حدودها‪ ،‬واهتمت بعض الدول غير اإلستعمارية‬ ‫ببث إذاعات موجهة خارج حدودها خملاطبة‬ ‫رعاياها (سويسرا – تشيكوسلوفاكيا)‪ ،‬وظهر‬ ‫اإلهتمام بهذه اخلدمة بصورة خاصة قبل وأثناء‬ ‫احلرب العاملية الثانية في عام (‪ )1939‬وكانت (‪)25‬‬ ‫دولة قامت ببث إذاعات موجهة خارج حدودها‬ ‫في أعقاب احلرب العاملية‪ ،‬وبعد احلرب وصلت‬ ‫االذاعات املوجهة‬ ‫إلى (‪ )55‬دولة‪ ،‬وفي ظهور املعسكر الشرقي‬ ‫والغربي بعد إنتهاء احلرب إزداد اإلهتمام باإلذاعات‬ ‫ نشأة اإلذاعات املوجهة‪:‬‬‫ظهرت محطات الراديو في العشرينات من املوجهة بشكل كبير وبنوعية جديدة كتعتبر‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬وكانت اإلذاعات املوجهة من أهم على مبادئ ومعتقدات املعسكر املعني‪ ،‬وبتقدم‬


‫أجهزة البث اإلذاعي أصبحت معظم الدول في‬ ‫العالم تهتم بتقدمي برامج موجهة كمظهر من‬ ‫مظاهر السيادة واإلستقالل خملاطبة الشعوب‬ ‫األخرى بصورة مباشرة‪ ،‬ولكن في العالم الثالث‬ ‫كانت الدول تخشي من هذه اإلذاعات املوجهة‬ ‫مما دعاها إلى فرض إجراءات مختلفة أخذت‬ ‫عدة أشكال (فرض احلظر على اإلستماع لتلك‬ ‫اإلذاعات – حرمان املواطنني من أجهزة اإلستقبال‬ ‫القادرة على التقاط – التشويش)‪ ،‬وفي أثناء‬ ‫التطور التكنولوجي وظهور األقمار الصناعية زاد‬ ‫اهتمام العديد من الدول ببث اإلذاعات املوجهة‬ ‫بإستخدام األقمار الصناعية والبث رأسيا ً وال‬ ‫أفقيا ً دون إستخدام محطات تقوية‪.‬‬ ‫ أنواع اإلذاعات املوجهة‪:‬‬‫‪ /1‬اإلذاعات املوجهة بصيغة رسمية‪ :‬هي كل‬ ‫إذاعات معلومة املصدر واجلهة املشرفة عليها‬ ‫سواء كانت دولة أو مؤسسة أو هيئة‪ ،‬والفرق‬ ‫بني‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬اإلذاعات الناطقة باسم الدولة‪ ،‬تعمل على‬ ‫تقدمي سياسة الدولة وحتقيق أهدافها وتتضمن‬ ‫برامجها أشكاال ً معدة لإلستهالك اخلارجي‪،‬‬ ‫مثل‪:‬‬ ‫(راديو سوا‪ -‬راديو لكسمبورج ـ اإلذاعات املوجهة‬ ‫بتونس واملغرب ومصـر)‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬اإلذاعات الرسمية التابعة للهيئات‬ ‫واملنظمات الدولية واإلقليمة‪ ،‬تشرف الهيئات‬ ‫واملنظمات عليها سواء كانت دينية أو سياسية‪،‬‬ ‫مثل راديو األمم املتحدة – إذاعات دينية ناطقة‬ ‫بعدة لغات‪ ،‬والهدف منها تغطية أنشطة‬ ‫الهيئات واملنظمات ونوعية اجلمهور بأمور دينية‬ ‫أو سياسية‪.‬‬ ‫‪ /2‬اإلذاعات السرية‪ :‬هي اإلذاعات مجهولة‬ ‫املصدر وتوجه بصفة غير رسمية وكونها غير‬ ‫شرعية تعمل على ترددات إذاعية غير مصرح‬

‫للعمل عليها ويصعب سيطرتها واحلكم عليها‪،‬‬ ‫وترتبط بحاالت األزمات واحلروب وعادة ماتشرف‬ ‫عليها أجهزة اخملابرات إلسقاط نظام حكم ما‪،‬‬ ‫مثالً في أعقاب ثورة يوليو (‪ )1952‬مبصر حيث‬ ‫تعرضت لتسع محطات سرية تهاجم الثورة‪،‬‬ ‫وقامت الثورة بتوجيه إذاعات سرية ملهاجمة تلك‬ ‫الدول العربية وغيرها التي تتعاون مع املستعمر‬ ‫وتسهل له عملية بث هذه اإلذاعات‪.‬‬ ‫‪ /3‬اإلذاعات القرصنة‪ :‬هي تشترك مع اإلذاعات‬ ‫السرية ومجهولة املصدر واجلهة‪ ،‬وتعمل على‬ ‫حتقيق أهداف جتارية للجهة املشرفة عليها‪،‬‬ ‫مثل‪( :‬راديو كارولينا – راديو الزر)‪ ،‬وتعمل بصفة‬ ‫غير رسمية وتبث برامجها باللغة اإلجنليزية إلى‬ ‫الدول األوربية‪.‬‬ ‫ التخطيط املسبق اإلذاعي املوجه‪:‬‬‫حتديد اجلمهور املستهدف ودراسته‬ ‫‪ .1‬‬ ‫دراسة جيدة‪ ،‬وتعتمد على بحوث اإلستماع‬ ‫إلى مستمعيها في إنحاء العالم وبناء عليها‬ ‫لتخطيط برامجها‪.‬‬ ‫حتديد اللغة التي سيتم البث بها‪،‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫واختيار لغة مالئمة خملاطبة اجلمهور املستهدف‪،‬‬ ‫وتواجه القائمني على هذه اإلذاعات مشكلة‬ ‫تعدد لغة املناطق املستهدفة‪ ،‬ويتم التغلب‬ ‫باإلعتماد على مذيعي ومقدمي برامج من أبناء‬ ‫هذه املناطق‪.‬‬ ‫حتسني ساعات اإلرسال والتوقيت‬ ‫‪ .3‬‬ ‫املناسب للبث‪ ،‬وتعتمد على دراسات متعددة‬ ‫تقيس أفضل فترات اإلستماع لدى اجلمهور‬ ‫املستهدف مع مراعاة فروق التوقيت بني الدولة‬ ‫الباثة واألخرى املستقبلة‪ ،‬وتقوم السلطات‬ ‫العليا املشرفة على هذه اإلذاعات بتحديد‬ ‫ساعات اإلرسال التي توجد بينها وبني تدهور‬ ‫العالقات السياسية بني الدول اخملتلفة عالقة‬ ‫فردية‪.‬‬ ‫‪111‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪112‬‬ ‫والبريطاني واإليطالي عامل أساسي ملواجهة‬ ‫اإلذاعات وبدايتها في (‪ )1932‬حيث قامت إيطاليا‬ ‫ببث (راديو باري) باللغة العربية كمقدمة حلملة‬ ‫أيطاليا العسكرية على اجلبهة‪ ،‬وإنشاء القسم‬ ‫العربي في راديو (‪ )BBC‬في يناير (‪ )1938‬كرد على‬ ‫الدعاية اإليطالية وتفاقم الصراع بني اإلذاعتني‬ ‫املوجهتني باللغة العربية بشكل كبير ودفع‬ ‫البلدين لتوقيع إتفاقية لوقف هذا الصراع عبر‬ ‫االثير‪ ،‬ولكن أيطاليا لم تلتزم ببنود اإلتفاقية‬ ‫وقامت بتوزيع أجهزة اإلستقبال مجانا ً على‬ ‫بعض العرب‪ ،‬وهذا دفع بريطانيا إلى بث إذاعة‬ ‫موجهة بعدة لهجات أفريقية خاصة‪ ،‬واملانيا‬ ‫قامت بدورها في الصراع عبر األثير ببث إذاعة‬ ‫موجهة باللغة العربية ذات تعدد املصالح‬ ‫البريطانية‪ ،‬وهاجمت إذاعة (باري) األيطالية‬ ‫سياسات فرنسا في شمال أفريقيا‪ ،‬وفرنسا‬ ‫قامت بتوجيه خدماتها باللغة العربية مع‬ ‫بداية إندالع احلرب العاملية الثانية التي شهدت‬ ‫إذاعات كثيرة موجهة باللغة العربية‪ ،‬وبنشوب‬ ‫احلرب العاملية الثانية توقفت جميع اإلذاعات‬ ‫املوجهة باللغة العربية عدا إذاعة (‪ )BBC‬بسبب‬ ‫التزامات بريطانيا جتاه املنطقة‪ ،‬وظلت املنطقة‬ ‫كلها هدفا ً لإلذاعات املوجهة بعد عودتها على‬ ‫املسرح الدولي عقب ظهور العديد من القوى في‬ ‫العالم‪.‬‬

‫إختيار القائم باإلتصال بصورة جيدة‪،‬‬ ‫‪ .4‬‬ ‫يعمل على خلق مشاركة وجدانية بني اجلمهور‬ ‫املستهدف والقائمني باالتصال في هذه اإلذاعات‪،‬‬ ‫واختيار مذيعني ومدربني من أبناء البالد املستهدفة‬ ‫من قبل بعض اإلذاعات املوجهة الكبرى (‪،)BBC‬‬ ‫مما يساعد على زيادة درجة مصداقية اإلذاعة مع‬ ‫مالحظة أنهم من ذوي اخلبرة في اجملال اإلعالمي‬ ‫وليس اختيارهم من غير التخصص كما في‬ ‫الدول النامية‪.‬‬ ‫حتديد مضمون البرامج‪ ،‬ويتم حتديد‬ ‫‪ .5‬‬ ‫أهداف اإلذاعة املوجهة قبل عملية البث‪ ،‬واإلملام‬ ‫بإحتياجات اجلمهور وإهتماماته ورغباته حتى‬ ‫تستطيع تقدمي برامج تصل اجلمهور املستهدف‬ ‫باإلذاعة بصورة جيدة‪ ،‬وتعمل على ملء الفراغ‬ ‫الذي يلحق اإلذاعات احمللية في هذه الدول فيما‬ ‫تعرضه من برامج متنوعة موزعة توزيعا جيدا ً‬ ‫على اخلريطة اإلذاعية‪.‬‬ ‫مراعاة عناصر التنافس األخرى‪ ،‬وبسبب‬ ‫‪ .6‬‬ ‫وجود إذاعات أخرى في املناطق املوجهة لبث‬ ‫اإلذاعات املوجهة الكبرى‪ ،‬املفروض أن تعمل على‬ ‫تقدمي خدمة إذاعية متنافسة‪.‬‬ ‫مراعاة عوامل اجلذب اإلذاعية‪ ،‬وهي‬ ‫‪ .7‬‬ ‫ترتبط بالعامل السابق حتى تستطيع التغلب‬ ‫على وسائل اإلعالم األخرى عن طريق نوعية‬ ‫برامجية معاصرة وإذاعة موسيقى وبرامج‬ ‫املنوعات التي يشترك فيها اجلمهور واإلبتعاد عن‬ ‫األسلوب الدعائي املباشر واهتمام ببرامج تعليم ‪ -‬أسباب توجيه إذاعات باللغة العربية خملاطبة‬ ‫اللغات كعامل جذب للجمهور املستهدف نظرا ً الشعوب العربية‪:‬‬ ‫رغبة اإلذاعات الدولية املوجهة بإضافة‬ ‫‪. 1‬‬ ‫ألهميتها وإقبال اجلمهور على تعلمها‪.‬‬ ‫اللغة العربية إلى قائمة اللغات التي تستخدم‬ ‫ أسباب جعل الدول النامية هدفا ً لإلذاعات في البث خارج احلدود نظرا ً لكثرة الناطقني‬‫باللغة العربية‪.‬‬ ‫املوجهة‪:‬‬ ‫األهمية اإلستراتيجية للمنطقة‬ ‫بسبب إرتفاع نسبة األمية وإرتفاع أسعار ‪ .2‬‬ ‫الكتب والصحف في الدول النامية تزداد العربية بالنسبة ملصالح الدول الكبرى دفعهم‬ ‫أهمية الراديو إلستقاء األنباء وتفسير األحداث‪ ،‬إلى مخاطبة شعوب املنطقة إلستمالة‬ ‫و واقعية املنطقة حتت اإلستعمار الفرنسي عقولهم خاصة في فترة احلرب الباردة‪.‬‬


‫وجود عالمة مميزة بني الدول املستعمرة‬ ‫‪ .3‬‬ ‫ومستعمراتها السابقة في املنطقة العربية مما‬ ‫أدى إلى إمكانية بث إذاعات موجهة للحفاظ‬ ‫على املصالح‪.‬‬ ‫الصراع العربي اإلسرائيلي الذي جعل‬ ‫‪ .4‬‬ ‫املنطقة العربية ساحة لعدد من الصراعات‬ ‫واألزمات السياسية التي أدت إلى املزيد من‬ ‫اإلهتمام ببث إذاعات موجهة باللغة العربية‬ ‫خملاطبة شعوب املنطقة وزيادة عدد ساعات‬ ‫إرسالها‪.‬‬ ‫أهمية املنطقة العربية كسوق رائجة‬ ‫‪ .5‬‬ ‫ملنتجات الدول الصناعية الكبرى مما دفع بهذه‬ ‫الدول الصناعية إلى اإلهتمام ببث إذاعات‬ ‫موجهة ألغراض جتارية‪.‬‬ ‫التواجد املسيحي في املنطقة العربية‬ ‫‪ .6‬‬ ‫وما ميثله من ثقل كان سببا ً في توجيه عدة إذاعات‬ ‫باللغة العربية للتبشير بالديانة املسيحية‪.‬‬ ‫رغبة عدد من الدول اإلسالمية في‬ ‫‪ .7‬‬ ‫مخاطبة شعوب املنطقة العربية لتوثيق الصلة‬ ‫بينهم‪.‬‬ ‫ أهداف اإلذاعات املوجهة باللغة العربية‪:‬‬‫‪ /1‬سـياسة‪ :‬مثل ( راديو سوا ) األمريكية و‬ ‫(‪ )BBC‬البريطانية تبث على مدار (‪ )24‬ساعة‪،‬‬ ‫وإذاعة إسرائيل املوجهة باللغة العربية وإذاعة‬ ‫إيران أيضاً‪ ،‬وباقي الدول تبث ساعات قليلة‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬واستخدام هذه اإلذاعات ألغراض‬ ‫سياسة خاصة (‪ )BBC‬في ( إنتفاضة األقصى –‬ ‫‪ 11‬سبتمبر – احلرب على العراق وأفغانستان )‪،‬‬ ‫وإنشاء املراسلني في معظم أنحاء العالم‪.‬‬ ‫‪ /2‬جتارية‪ :‬هي في املرتبة الثانية من حيث عدد‬ ‫ساعات اإلرسال‪( ،‬إذاعة مونت كارلو) بدأت‬ ‫إرسالها كإذاعة موجهة باللغة العربية في‬ ‫عام (‪ ،)1971‬وتبث برامجها باللغة العربية‬ ‫بالطابع اخلفيف وإنتشار املراسلني في أنحاء‬ ‫العالم والتغطية الفورية والسريعة لألحداث‬

‫واإلعالنات التجارية‪ ،‬ألن املنطقة العربية قادرة‬ ‫وسوقا ً رائجة للعديد من منتجات الدول الغربية‬ ‫وخاصة املنتجات اإلستهالكية‪.‬‬ ‫‪ /3‬دينية‪ :‬تبث (‪ )٪6‬من عدد ساعات اإلرسال‬ ‫املوجهة باللغة العربية‪ ،‬وتقوم عدة منظمات‬ ‫مسيحية باألشراف على توجيه عدد من اإلذاعات‬ ‫املوجهة باللغة العربية ألغراض التبشير‬ ‫والتعبير ومن اهم تلك اإلذاعات (راديو الفاتيكان‬ ‫– إذاعة حول العالم ‪ -‬إذاعة ‪ -ELWA‬إذاعة صوت‬ ‫اإلجنيل)‪ ،‬وقيام إذاعات إسالمية عربية مثل‪:‬‬ ‫(إذاعة القرآن الكرمي) في مصر والسعودية‪.‬‬ ‫ خصائص اإلذاعات املوجـهة باللغة العربية‪:‬‬‫نشأت هذه اإلذاعات بفكرة إستعمارية‬ ‫‪ .1‬‬ ‫وعلى أيدي الدول الكبرى اإلستعمارية في الوقت‬ ‫املاضي إلستقطاب الشعوب العربية‪.‬‬ ‫كون الشعوب العربية هدفا ً لها إال‬ ‫‪ .2‬‬ ‫أن هدفها الرئيسي يرتكز في إثارة الصعوبات‬ ‫والقالقل في مناطق نفوذ الدول الكبرى‪.‬‬ ‫إرتبطت اجلماهير العربية بهذه اإلذاعات‬ ‫‪ .3‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إرتباطا وثيقا نتيجة لظهور الراديو في الوقت‬ ‫املبكر في املنطقة العربية‪.‬‬ ‫لم تثبت صدارتها على الساحة سوى‬ ‫‪ .4‬‬ ‫عدد قليل من هذه اإلذاعات (لندن‪ -‬صوت إسرائيل‬ ‫– سوا‪ -‬حول العالم‪ -‬برلني)‪.‬‬ ‫اإلذاعات املوجهة باللغة العربية ‪:‬‬‫‪ /1‬إذاعة (‪ )BBC‬العربية‪ :‬يعتبر القسم العربي‬ ‫أكبر قسم في إذاعة (‪ ،)BBC‬وإنشاء القسم‬ ‫العربي يرجع تاريخه إلى إقدام محطة (باري)‬ ‫اإليطالية املوجهة باللغة العربية إلى مواجهة‬ ‫بريطانيا‪ ،‬وباتت تقدم برامجها باللغة العربية‬ ‫إلى املنطقة العربية في (‪ 3‬يناير ‪ )1938‬بصوت‬ ‫املذيع املصري (أحمد كمال سرور)‪ ،‬واستخدام‬ ‫‪113‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪114‬‬

‫موجتني‪ ،‬املتوسطة والقصيرة‪ ،‬واستخدام‬ ‫اإلمكانيات الفنية لإلذاعة في كل من (القاهرة ‪-‬‬ ‫فلسطني) لتقوية اإلرسال و وجود بعض محطات‬ ‫التقوية في (قبرص) و(ماريا)‪ ،‬وحيث عمل القسم‬ ‫العربي على البث (‪ )24‬ساعة يوميا ً بعد أحداث‬ ‫(‪ 11‬سبتمبر ) واحلرب األمريكية ضد أفغانستان‬ ‫والعراق‪ ،‬وإكتسبت إذاعة لندن العربية ثقة‬ ‫املستمع العربي كإذاعة مستقلة ال تقول‬ ‫إال احلقيقة‪ ،‬ولديها عدة مكاتب رئيسية في‬ ‫املنطقة العربية مثل‪ ( :‬مكتب القاهرة ) تبث عدد‬ ‫من نشراتها اإلخبارية في العالم هذا الصباح‬ ‫في متام الساعة السادسة بتوقيت جرنيتش ملدة‬ ‫خمس ساعات كل يوم‪ ،‬وتصدر مجلة ( املستمع‬ ‫العربي ) من قبل القسم العربي باإلذاعة وتعمل‬ ‫على تعريف املستمعني بالبرامج ومواعيدها‬ ‫منذ عام (‪ )1938‬لغاية عام (‪ ،)1963‬وصدرت‬ ‫مجلة ( هنا لندن) بدال ً منها وتوزع مجانا وتعمل‬ ‫على إبراز قائمة بالبرامج التي ستذاع على مدار‬ ‫شهر وبعض املقاالت اخملتلفة في أوجه النشاط‬ ‫واحلياة‪.‬‬ ‫‪ /2‬إذاعة لندن‪ :‬تقدم البرامج بناءا ً على دراسات‬ ‫وبحوث حول املستمعني في املنطقة العربية‬ ‫إلى جانب حتليلها لرسائل املستمعني التي‬ ‫تبرز من خاللها آرائهم اخملتلفة فيما تقدمه‬ ‫من برامج إذاعية‪ ،‬وتقدمي برامج (اجلوالت‬ ‫األخبارية – العالم هذا الصباح – الذي يستمر‬ ‫ساعات طويلة – والعالم هذا املساء – يستمر‬ ‫خالل ساعة – النشرات اإلخبارية على رأس كل‬ ‫ساعة – البرامج اإلخبارية – البرامج املوسيقية‬ ‫والغنائية – برامج املنوعات – برامج حوارية مع‬ ‫املستمع – برامج علمية – برامج تعليم اللغة‬ ‫العربية‪ -‬املسلسالت واملسرحيات األدبية‪-‬‬ ‫البرامج الرياضية )‪ ،‬وتعمل على إتباع إسلوب‬ ‫التنوع في إستضافة املتحدثني وعرض اإلجتاهات‬

‫اخملتلفة سواء ميينية أو يسارية‪ ،‬وتعتمد في‬ ‫إختيار مذيعيها ومقدميها على كوادر إعالمية‬ ‫تتسم باحلرفية‪.‬‬ ‫‪ /3‬صوت أملانيا العربية‪ :‬تبث على موجة قصيرة‪،‬‬ ‫وبدأت خدمة اإلذاعة في (‪ ،)1929/8/26‬وأهتم‬ ‫وزير الدعاية األملاني (جوبلز) باإلذاعات املوجهة‬ ‫وبالذات باللغة العربية وكون القسم العربي في‬ ‫عام (‪ )1959‬أنشىء من قبل (جوليش)‪ ،‬وكانت‬ ‫مدة البث قصيرة ‪ ،‬عشرين دقيقة فقط لذلك‬ ‫إقتصرت على تقدمي األخبار والتعليقات على‬ ‫الصحف‪ ،‬واآلن بدأت بتقدمي فترتني في الصباح‬ ‫واملساء بخدمات إذاعية باللغة العربية في‬ ‫مجال السياسة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا‬ ‫وصورة أملانيا في املاضي واحلاضر‪.‬‬ ‫‪ /4‬راديو مونت كارلو العربي‪ :‬بدأت هذه احملطة‬ ‫اإلذاعية كخدمة موجهة عام (‪ )1971‬بناءا ً على‬ ‫طلب من احلكومة الفرنسية للتأكيد على‬ ‫أهمية الصداقة بينها وبني العالم العربي‪،‬‬ ‫وتعتبر احلكومة هي املالك الوحيد لهذه اإلذاعة‬ ‫املوجهة في إطار اإلذاعات التجارية نظرا ً‬ ‫إلعتمادها على اإلعالنات كهدف أساس لها‪،‬‬ ‫وقد إزداد اهتمامها بعدد ساعات اإلرسال خاصة‬ ‫بعد حرب (‪ )1973‬واألحداث األخيرة في املنطقة‪،‬‬ ‫وبرامجهم (اإلعالنات – األخبار ‪ -‬الترفيهية)‪.‬‬ ‫‪ /5‬صوت أمريكا (راديو سوا)‪ :‬تقدم خدماتها‬ ‫اإلخبارية املوجهة باللغة العربية منذ عام‬ ‫(‪ ،)1951‬وفي تطور العالقات العربية األمريكية‬ ‫ازداد عدد ساعات اإلرسال‪ ،‬وتوجه برامجها باللغة‬ ‫العربية من جزيرة (رودوس) مباشرة إلى املنطقة‬ ‫العربية‪ ،‬وفي عام (‪ )1977‬مت نقل اخلدمة العربية‬ ‫إلى اإلستوديوهات الرئيسية في واشنطن‪ ،‬وتقدم‬ ‫برامجها في فترتني (صباحية ومسائية) وتضمن‬ ‫األخبار السياسية والثقافية والفنية واألدبية‪،‬‬ ‫وفي أعقاب أحداث (‪/11‬سبتمبر‪ )2001/‬إجتهت‬ ‫الواليات املتحدة األمريكية إلى دراسة املنطقة‬ ‫بشكل جدي ودفعها إلى بث (راديو سوا) الذي‬


‫يعتمد على بث األغاني احلديثة العربية واألجنبية‬ ‫وتقدمي األخبار كل نصف الساعة ‪ ،‬وتعتمد على‬ ‫مذيعني يتسمون باحلرفية والتغطية اجليدة‬ ‫لألحداث‪.‬‬ ‫ أوجه قصور اإلذاعات املوجهة باللغة العربية‬‫للدول العربية ‪« :‬‬ ‫تعتبر هذه اإلذاعات حكومية مقيدة‬ ‫‪ .1‬‬ ‫وغير جاذبة وتوجد نظرة شك في مصداقيتها‪.‬‬ ‫قليلة اإلمكانيات الفنية والبشرية‬ ‫‪ .2‬‬ ‫وحضورها هو مجرد تواجد فقط عى ساحة‬ ‫البث اإلذاعي املوجه وضعف تكنيك املستخدم‬ ‫وضعف محطات التقوية‪.‬‬ ‫ال تعتمد على البحوث والدراسات‬ ‫‪ .3‬‬ ‫التعليمية التي حتدد للمسئولني مكانة‬ ‫إذاعتهم في ظل املنافسة أو مدى جناح اإلذاعة‬ ‫في الوصول إلى هدفها والوقوف على أذواق‬ ‫اجلماهير اخملتلفة‪.‬‬ ‫إهتمت مبخاطبة بعض املناطق في‬ ‫‪ .4‬‬ ‫العالم دون ترتيب يتفق ومصالح الدول العربية‪،‬‬ ‫وتقدم البرامج باللغة اإلجنليزية والفرنسية‬ ‫والعبرية والعربية خاصة‪.‬‬ ‫لم تقم هذه اإلذاعات على أساس‬ ‫‪ .5‬‬ ‫التخطيط واللغة املستخدمة وعدد ساعات‬ ‫البث املوجه وحتديد املناطق املستهدفة ‪ ،‬وعدم‬ ‫وجود تنسيق بني هذه اإلذاعات يقلل من أهمية‬ ‫تواجدها على الساعة الدولية ‪.‬‬ ‫عوملة الثقافة و راديو سوا‬ ‫بعد أحداث (‪ )2001/9/11‬في نيويورك و واشنطن‪،‬‬ ‫كان الكثير من السياسيني والدبلوماسيني‬ ‫واملثقفني في الواليات املتحدة االمريكية يطالبون‬ ‫باهتمام أكثر لوسائل االعالم (السمعية‬

‫والبصرية واملقروءة وااللكترونية)‪ ،‬والقصد في‬ ‫هذا النمط اجلديد هو اإلساءة لصورة العرب‬ ‫واالسالم على الساحة العاملية‪ ،‬وتقرر سياسيا ً‬ ‫وعسكريا ً ودبلوماسيا ً للحرب ضد االرهاب‪،‬‬ ‫وثقافيا ً تعمل ملواجهة العرب باحلرب االعالمية‬ ‫من أجل الغزو الفكري لدى الشباب و إيجاد‬ ‫املتعاطفني مع الثقافة االجنلو أمريكية‪ ،‬وتساعد‬ ‫اجلهات والطوائف املعارضة في اطار انظمة‬ ‫احلكم في املنطقة العربية لتحقيق حقوقهم‬ ‫السياسية والثقافية والعلمية‪ ،‬و وجود واحلفاظ‬ ‫على الهيمنة االمريكية وحماية اسرائيل في‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫في هذا االطار قامت أمريكا بانشاء اذاعة‬ ‫موجهة باللغة العربية لتغطية أهم االحداث‬ ‫العاملية والعربية في اجملال السياسي وتذيع‬ ‫االغاني واملوسيقى االجنبية والعربية‪ ،‬وقناة‬ ‫فضائية متخصصة في نشر االخبار باللغة‬ ‫العربية موجهة ملنطقة الشرق االوسط‪.‬‬ ‫عندما قرر مندوب اللوبي االسرائيلي في مجلس‬ ‫أمناء االذاعات الدولية األمريكية البليونير‬ ‫اليهودي األمريكي نورمان باتيز اغالق القسم‬ ‫العربي بإذاعة صوت امريكا بحجة أنه ال يصل‬ ‫ببرامجه إال لنسبة (‪ )%2‬فقط من املستمعني‬ ‫العرب تخلص من معظم الكفاءات االذاعية‬ ‫والتليفزيونية وكانت غالبيتهم من املذيعني‬ ‫واملذيعات املصريني ونصب على رأس االذاعة‬ ‫البديلة (راديو سوا) الشابني اللبنانيني املتبرعني‬ ‫بخدمة أهداف اسرائيل واليمني احملافظ املتطرف‬ ‫في الواليات املتحدة ولذلك لم يكن غريبا أن ميتد‬ ‫التشكيل اجلديد إلدارة تلك االذاعة ليشمل مديرا‬ ‫يهوديا للبرامج واملوسيقى اسمه بيرت كالينمان‬ ‫أكد في أحد االجتماعات أنه لو جنح راديو سوا‬ ‫في استمالة عشرة من الشباب العرب كل يوم‬ ‫بغسل أدمغتهم من خالل مزيج من املوسيقى‬ ‫الشبابية العربية واملوسيقي الشعبية الغربية‬ ‫ودس السم في العسل من خالل نشرات اخبار‬ ‫‪115‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪116‬‬

‫سريعة تتسم باالنحياز إلسرائيل وتبرير كل‬ ‫املواقف األمريكية املساندة لها فستكون اذاعة‬ ‫سوا قد وصلت إلي قلوب وعقول نسبة كبيرة من‬ ‫الشباب العربي على مدى عدة أعوام‪ .‬وسرعان ما‬ ‫أطل من اسرائيل بسمومه على الهواء مراسل‬ ‫لراديو سوا يعمل مع املوساد االسرائيلي اسمه‬ ‫يوني بن مناحم ومن خالل تعيني عشرات من‬ ‫اللبنانيني املسيحيني ودس حوارات مصطنعة‬ ‫تروج لألفكار االباحية حتت عنوان <سوا تشات>‬ ‫أي دردشة مع مستمعي سوا‪ ،‬واختراع اسئلة‬ ‫يتم من خالل االجابة عليها تبرير السياسات‬ ‫االسرائيلية واألمريكية مهما كانت مستفزة‬ ‫وعدائية وعدوانية حتت عنوان <سؤال اليوم>‬ ‫والتحريض ضد النظم العربية للتمهيد إلعادة‬ ‫رسم خريطة الشرق األوسط من خالل برنامج‬ ‫يسمي <املنطقة احلرة> ومقابالت تعكس وجهة‬ ‫نظر أمريكا واسرائيل‪ ،‬تصور القائمون على راديو‬ ‫سوا أنهم وصلوا إلى عقول وقلوب الشباب‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫ومن املعروف أن يد كبار رأس املال اليهودي موجودة‬ ‫في الشركات أو الهيئات اخلاصة للمؤسسة‬ ‫االعالمية املوجهة‪ ،‬مبعنى برنامج مدروس‬ ‫سياسيا ً ومدعوم اقتصاديا ً و لتحقيق أهداف‬ ‫احلرب االعالمية ضد املواطن العربي‪ ،‬وهكذا‬ ‫راح مهندس الغزو اإلعالمي األمريكي البليونير‬ ‫اليهودي نورمان باتيز الذي اشترى مكانه في‬ ‫االشراف علي االذاعات األمريكية الدولية بتبرع‬ ‫قدره (‪ )318‬الف دوالر حلملة الرئيس كلينتون‬ ‫االنتخابية وبتبرعات سخية للسيناتور جوزيف‬ ‫بايدن الذي كان يرأس جلنة العالقات اخلارجية‬ ‫مبجلس الشيوخ ومت تغرميه (‪ )75‬الف دوالر‬ ‫النتهاكه قوانني متويل االنتخابات األمريكية وراح‬ ‫باتيز يكيل االنتقادات لإلعالم العربي ويتهمه‬ ‫بالتحريض على معاداة امريكا ومعاداة السامية‬ ‫وفي نفس الوقت يشيد يوميا باجنازات راديو‬ ‫سوا وكيف أنها اصبحت االذاعة األولى التي‬

‫يستمع إليها الشباب في معظم الدول العربية‬ ‫ومع أن مصر كانت من الدول القليلة التي لم‬ ‫تستجب للضغوط األمريكية مبنح راديو سوا‬ ‫محطة إف إم لتبث سمومها من خاللها فإن‬ ‫باتيز يصر من خالل ما يصفه ببحوث الرأي العام‬ ‫التي جتريها شركات يدفع لها على أن نسبة‬ ‫عالية من الشباب املصري تقبل على االستماع‬ ‫لراديو سوا وتعتبرها مصدرا لالخبار املوثوق بها‬ ‫ولكن جلنة كلفها الكوجنرس األمريكي بتقييم‬ ‫فاعلية جهود الدبلوماسية العامة األمريكية‬ ‫في الشرق األوسط ترأسها املساعد السابق‬ ‫لوزير اخلارجية األمريكية السفير ادوارد جيرجيان‬ ‫قدمت تقريرا إلى الكوجنرس يفيد بأن اذاعة سوا‬ ‫استمالت جمهورا من الشباب لالستماع إلى‬ ‫مزيج من املوسيقى العربية والغربية لكنها‬ ‫أخفقت في تغيير عقول أو قلوب هؤالء الشباب ‪.‬‬ ‫وتبرير السياسات األمريكية واإلسرائيلية بأخبار‬ ‫متحيزة وتعبيرات منتقاة بعناية لتبديل املوروث‬ ‫الثقافي العربي واالسالمي علي طريقة دس‬ ‫السم في العسل‪.‬‬ ‫اصبح اختيار موفق حرب لكل من يلتحق بالعمل‬ ‫في راديو سوا أو في احلرة ينحصر في اللبنانيني‬ ‫خاصة من اتباع املذهب املاروني أو من اعالم‬ ‫حزب الكتائب ويشترط أن يكون من يختارهم‬ ‫يتسمون مبعاداة فكرة الوحدة والقومية العربية‬ ‫واستقالل العالم العربي عن النفوذ األجنبي‬ ‫ويفضل في اختياره أنصار التطبيع مع إسرائيل‪.‬‬ ‫ويستعني موفق حرب في رسم السياسة‬ ‫البرامجية مبخرج أمريكي يهودي اسمه <بيرت‬ ‫كالينمن> كان يعمل في ترويج األغاني الشعبية‬ ‫األمريكية وسبق ان استعان به نورمان باتيز‬ ‫في خطة فاشلة لغزو عقول وقلوب الشباب‬ ‫الروسي عقب انهيار االحتاد السوفيتي من خالل‬ ‫نفس املزيج من االغاني الشعبية الغربية في‬ ‫محطة خاصة اسمها (راديو ماكسيم) سرعان‬ ‫ما اغلقت ابوابها بعد ان تنبه لها املنافسون من‬


‫االذاعيني الروس فأسسوا محطات وطنية على‬ ‫غرارها وحذروا املستمعني من الدس في اذاعة‬ ‫ماكسيم وناشدوهم االستماع إلى األغاني‬ ‫الغربية احملببة في محطات روسية‪ .‬وخرج‬ ‫كالينمن وباتيز يجران اذيال الفشل من روسيا‬ ‫ليطال برأسيهما بتجارب مماثلة اآلن مع راديو‬ ‫سوا واحلرة وراديو (فاردا) املوجه باللغة الفارسية‬ ‫إلى ايران ‪ .‬ويتكرر سيناريو املقاومة االعالمية‬ ‫اآلن في عدد من الدول العربية مثل األردن ومصر‬ ‫واملغرب وغيرها التي ادركت أن بوسعها وقف‬ ‫الغزوة االعالمية األمريكية بافتتاح محطات ‪Fm‬‬ ‫للموسيقى الشبابية لتحول دون وقوع الشباب‬ ‫العربي في فخ راديو سوا وكان أوضح مثال على‬ ‫ذلك افتتاح اجليش األردني لعدة محطات ‪Fm‬‬ ‫بعنوان فن اف ام غطت ارجاء األردن بعد أن واصل‬ ‫القائمون على راديو سوا االدعاء بأن اذاعتهم‬ ‫اصبحت االذاعة األولى في األردن ‪ ،‬بل ان الشباب‬ ‫العراقي جلأ ورغم ظروف االحتالل األمريكي‬ ‫الى شراء كاسيتات كوكتيل األغاني لتجنب‬ ‫االستماع إلي راديو سوا‪.‬‬ ‫راديو سوا‬ ‫* نشأة االذاعة‪:‬‬ ‫نشأت اذاعة سوا املوجهة للمنطقة باللغة‬ ‫العربية بعد أحداث (‪ ،)2001-9-11‬والتي تذيع‬ ‫برامج اخبارية وأغاني أجنبية وعربية‪.‬‬ ‫* الهدف من االذاعة ‪:‬‬ ‫هذه االذاعة تعمل من أجل جذب اجلمهور العربي‬ ‫والشباب بصورة خاصة‪ ،‬وهدفها سياسي‪،‬‬ ‫وحتاول تغيير آراء ومعتقدات املواطن العربي‬ ‫أمام العالم االسالمي‪ ،‬في هذا االطار «برت‬ ‫كلينمان» ‪-‬رئيس قناة «احلرة»‪ ،‬مستشار «راديو‬ ‫سوا» الرئيسي‪ ،‬املسؤول عن اإلستراتيجية‬ ‫األمريكية املمتدة في الشرق األوسط ومنطقة‬

‫اخلليج ‪ -‬فهو يؤمن بضرورة إدراك الشرق األوسط‬ ‫للموقف األمريكي في الشؤون العاملية؛ وكذلك‬ ‫يؤمن بضرورة الوصول إلى اجلماهير الشابة التي‬ ‫يسهل التأثير فيها؛ ويكفيه فخرا ً بأن «راديو‬ ‫سوا» يجتذب جمهورا ً عربيا ً يصل إلى (‪)15‬‬ ‫مليون مستمع‪ .‬وبصورة عامة االمريكان يحاولون‬ ‫استخدام قدرات ضخمة في اجملال االعالمي‪ ،‬وإن‬ ‫العمل اإلعالمي األمريكي يتطلب تنسيقا ً بني‬ ‫الدوائر السياسية والدبلوماسية واإلعالمية‬ ‫عبر بعثات وفود واستضافة هيئات عربية‬ ‫دبلوماسية وإعالمية يكون معها العمل جاريا ً‬ ‫لتحديد األهداف وتقوية وتعزيز النتائج التي‬ ‫تدعم العملية السياسية‪ .‬فقد كتب الفشل‬ ‫لكل اجلهود التي أهملت دور املتلقي لإلعالم ولذا‬ ‫يجب تعزيز اإلهتمام باإلعالم‪.‬‬ ‫وفي اطار الوسائل االعالمية املؤثرة للجمهور‬ ‫العربي إختار الواليات املتحدة االمريكية اذاعة‬ ‫موجهة باللغة العربية ذات منط سريع وتبث‬ ‫اخلدمات السياسية والترفيهية معا‪ ،‬وتعتبر‬ ‫جتربة حتويل برنامج ( راديو صوت أميركا ) إلى (‬ ‫راديو سوا ) جتربة مهمة ومن املبكر احلكم على‬ ‫هذه التجربة‪ .‬فإن راديو سوا ببرامجه وموسيقاه‬ ‫الشرقية تبدو أنها تكسب الكثير من عشاق‬ ‫هذا الفن وجماهير واسعة أخرى بني الشباب‬ ‫الذين يدفعهم الفضول للتعرف على املوسيقى‬ ‫والثقافة األوروبية واألمريكية‪ ،‬ولدى الراديو قدرات‬ ‫محدودة مع هذه النجاحات في تغطية األخبار‬ ‫واملضي إلى أمام في أسلوب بضع دقائق أخبار‬ ‫لكل ساعة تسلية‪ ،‬فيكون من املبكر أن نقول‬ ‫أن هذه احملطات تبدو وكأنها محطات فاشستية‬ ‫أو أنها توحي للمذيعني مبسؤوليات سياسية‬ ‫كبرى‪.‬‬ ‫ومن ضمن اآلليات التي استخدمها األمريكيون‪:‬‬ ‫ما يسمى بالدبلوماسية األهلية والتواصل مع‬ ‫املثقفني واملفكرين في العالم اإلسالمي وبناء‬ ‫املراكز الثقافية‪ ،‬وأيضا ً وسائل اإلعالم ويبرز‬ ‫‪117‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪118‬‬

‫في هذا السياق راديو «سوا» وفضائية «على‬ ‫الهوى سوا» وكلها تعمل على الترويج للنموذج‬ ‫األمريكي في اجملتمعات املسلمة وبالتحديد لدى‬ ‫عنصر الشباب ومن خالل مخاطبتهم بلغة‬ ‫الشهوة واللذة والغريزة‪.‬‬ ‫وبدأت الواليات املتحدة األمريكية بعد حربها‬ ‫في العراق بإعادة النظر بكثير من سياساتها‪،‬‬ ‫وبدأت بوضع تصورات سريعة ملعاجلة اخللل في‬ ‫العالقة الثقافية التي تربطها بالدول اإلسالمية‪.‬‬ ‫ومحطة راديو سوا كانت البداية ملشاريع ثقافية‬ ‫كثيرة تسعى الواليات املتحدة إلى حتسني‬ ‫صورتها بها في العالم اإلسالمي‪ .‬راديو سوا‬ ‫استقطب الكثير من الشباب العربي واملسلم‪.‬‬ ‫كما قدمت للمشاهد العربي محطة تلفزيونية‬ ‫بالعربية توجهه للبالد العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫وحتاول من خالل هذه األدوات الثقافية توصيل‬ ‫املعلومة احلضارية عن الدور األمريكي في العالم‪.‬‬ ‫كما بدأت الواليات املتحدة باستدعاء كثير من‬ ‫اخملرجني السينمائيني للعمل على ابتكار طرق‬ ‫تلمع الصورة األمريكية‪.‬‬ ‫راديو سوا خدمة إذاعية من خدمات اإلذاعة‬ ‫الدولية األمريكية التي يشرف عليها وميولها‬ ‫مجلس أمناء اإلذاعات الدولية وهو أحد‬ ‫الوكاالت التابعة للحكومة األمريكية‪ .‬ويشرف‬ ‫مجلس األمناء على مكتب اإلذاعات الدولية‬ ‫ويزوده باإلرشادات‪ ،‬ويتولى مهمة احلارس حلماية‬ ‫االستقالل املهني لإلذاعيني وضمان أمانتهم‪ .‬ومن‬ ‫بني املبادئ املرشدة لراديو سوا أن خدمة مصالح‬ ‫الواليات املتحدة على املدى الطويل تتم من‬ ‫خالل االتصال اجلماهيري املباشر باللغة العربية‬ ‫مع شعوب الشرق األوسط عن طريق الراديو‪.‬‬ ‫ويسعى راديو سوا ليحظى باحترام املستمعني‬ ‫ويجذب انتباههم‪ .‬وسيلتزم راديو سوا في تقدمي‬ ‫األخبار بالدقة واملوضوعية والشمول‪.‬‬

‫ تعريف االذاعة‪:‬‬‫يسعى «راديو سوا « إلى التواصل الفعال مع‬ ‫الشباب العربي في منطقة الشرق األوسط عن‬ ‫طريق تزويدهم بآخر األخبار واملعلومات واملواد‬ ‫الترفيهية التي تُبث عبر محطات (‪ )FM‬واملوجات‬ ‫املتوسطة املنتشرة في جميع أرجاء املنطقة‪.‬‬ ‫يركز «راديو سوا» في نشراته اإلخبارية على إذاعة‬ ‫أحدث األخبار الدقيقة املتعلقة مبنطقة الشرق‬ ‫األوسط والواليات املتحدة وبقية أرجاء العالم‪.‬‬ ‫ويلتزم « راديو سوا» باملعايير الصحافية الدقيقة‬ ‫وسوق األفكار احل ّرة واحترام ذكاء املستمعني‬ ‫وثقافتهم وبتقدمي برامج إذاعية عصرية تتسم‬ ‫باحليوية والنشاط والتطلع إلى املستقبل‪ .‬وتبث‬ ‫شبكة «راديو سوا» باللغة العربية على مدى ‪24‬‬ ‫ساعة يوميا ولسبعة أيام في األسبوع‪ .‬وبدأت‬ ‫بث برامجها في ‪ 23‬مارس (آذار) من عام ‪.2002‬‬ ‫ويتم إعداد األخبار والبرامج في استوديوهات‬ ‫«راديو سوا» في واشنطن العاصمة ودبي في‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬فضال عن مكاتبها‬ ‫اإلخبارية املنتشرة في مختلف أنحاء الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬وتتبع شبكة « راديو سوا « ملكتب‬ ‫اإلذاعات الدولية األميركية ويتم متويلها من قبل‬ ‫الكونغرس األميركي‪.‬‬ ‫ ادارة االذاعة‪:‬‬‫تدير إذاعة «راديو سوا» مؤسسة شبكة الشرق‬ ‫األوسط لإلرسال (‪Middle East Broadcasting‬‬ ‫‪ ))Network (MBN‬وهي مؤسسة غير جتارية‬ ‫ال تبغي الربح املادي وميولها الشعب األميركي‬ ‫من خالل الكونغرس وتتلقى هذا التمويل‬ ‫بواسطة مجلس أمناء اإلذاعات الدولية (‪The‬‬ ‫‪))Broadcasting Board of Governors (BBG‬‬ ‫وهي وكالة فدرالية مستقلة تتمتع بإدارة ذاتية‬ ‫وتعنى بحماية االستقالل املهني ونزاهة اإلعالم‬ ‫واإلعالميني العاملني في املؤسسات التابعة لها‪،‬‬ ‫وتبث إذاعة «راديو سوا» على مدى ‪ 24‬ساعة‬


‫يوميا ً ولسبعة أيام في األسبوع‪.‬‬ ‫مواصفات التوظيف في االذاعة ‪« :‬‬ ‫ ‬‫مذيعوا األخبار ومحررون باللغة العربية‬ ‫القدرة على إعداد وإنتاج وإذاعة نشرات‬ ‫• ‬ ‫إخبارية وبرامج إذاعية باللغة العربية بصورة‬ ‫مهنية‪.‬‬ ‫صوت إذاعي جيد ومقدرة على اإلذاعة‬ ‫• ‬ ‫باللغة العربية‪.‬‬ ‫خبرة ال تقل عن سنتني في مجال اإلذاعة‬ ‫• ‬ ‫والتحرير اإلذاعي في إحدى املؤسسات اإلعالمية‬ ‫املعروفة في املنطقة‪.‬‬ ‫توخي التوازن الصحافي عند تناول‬ ‫• ‬ ‫املواضيع وامللفات املعقدة في البرامج واملواد‬ ‫اإلذاعية‪.‬‬ ‫تنسيق التغطيات اإلخبارية بالتعاون‬ ‫• ‬ ‫مع مراسلي «راديو سوا» املنتشرين في الشرق‬ ‫األوسط ومناطق أخرى من العالم‪.‬‬ ‫إجراء مقابالت إذاعية باللغتني العربية‬ ‫• ‬ ‫واالجنليزية مع مصادر ذات صلة باألحداث‬ ‫السياسية واالقتصادية والعلمية والثقافية‬ ‫التي تهم املنطقة‪.‬‬ ‫القدرة على إدارة التغطيات املباشرة‬ ‫• ‬ ‫واألخبار العاجلة وبث مواد مسجلة خالل‬ ‫البرامج اإلخبارية‪.‬‬ ‫العمل وفقا جلدول مناوبة في فترات‬ ‫• ‬ ‫متعددة خالل الليل والنهار‪ ،‬والعمل في أيام‬ ‫نهاية األسبوع والعطل الرسمية‪.‬‬ ‫إملام بكيفية استخدام الكومبيوتر‬ ‫• ‬ ‫والتعامل مع البرامج العديدة اخلاصة بكتابة‬ ‫وحترير وإنتاج املواد اإلذاعية‪.‬‬ ‫اإلملام بتاريخ وحضارة الشرق األوسط‬ ‫• ‬ ‫واملتابعة املستمرة ألهم التطورات السياسية‬ ‫واالقتصادية واالجتماعية في املنطقة‪.‬‬ ‫الراتب والفوائد حسب اخلبرة والكفاءة‪.‬‬ ‫• ‬

‫ مواصفات التوظيف في موقع االذاعة‪:‬‬‫يغطي موقع «راديو سوا» على اإلنترنت‬ ‫(‪ )Radiosawa.com‬أحدث األخبار الدقيقة‬ ‫املتعلقة مبنطقة الشرق األوسط والواليات‬ ‫املتحدة وبقية أرجاء العالم‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫املقابالت اخلاصة والبرامج اإلذاعية العصرية‬ ‫وأخبار الرياضة والثقافة والعلوم والفنون‪ .‬ويبث‬ ‫موقع «راديو سوا» على مدى (‪ )24‬ساعة يوميا ً‬ ‫ولسبعة أيام في األسبوع‪.‬‬ ‫خبرة ال تقل عن ثالث سنوات في مجال‬ ‫• ‬ ‫الصحافة العربية املطبوعة أو املسموعة‬ ‫أو املرئية أو صحافة اإلنترنت‪.‬‬ ‫اإلملام التام بقواعد التحرير الصحفي‬ ‫• ‬ ‫وكتابة األخبار والعناوين وقواعد اللغة العربية‪.‬‬ ‫اإلملام التام بتطورات األحداث في الشرق‬ ‫• ‬ ‫األوسط ومعرفة دقيقة بالقضايا الساخنة في‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫معرفة جيدة باللغة اإلجنليزية وقدرة‬ ‫• ‬ ‫على الترجمة إلى العربية من وكاالت األنباء‬ ‫العاملية‪.‬‬ ‫خبرة في استخدام الكمبيوتر والطباعة‬ ‫• ‬ ‫باللغة العربية‪.‬‬ ‫الراتب والفوائد حسب اخلبرة والكفاءة‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ النهاية‪:‬‬‫اذاعة سوا املوجهة هي محاولة فعالة ومدروسة‬ ‫جلذب اجلمهور العربي والشباب باالخص‪ ،‬ومحاولة‬ ‫جلذب االعالميني العرب للعمل في تلك االذاعة‪،‬‬ ‫والتي ذات امكانية عالية‪ ،‬ولها طابع خاص‬ ‫لتغطية وإذاعة نشرات االخبار في (السرعة‬ ‫والدقة واحليوية)‪ ،‬وتذيع األغاني واملوسيقى‬ ‫الشرقية والغربية بني نشرات االخبار‪.‬‬

‫‪119‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪120‬‬

‫* املصادر واملراجع‪:‬‬ ‫‪ /1‬سامي شريف‪ ،‬قضايا في االعالم الدولي‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار‬ ‫النهضة العربية ‪.)2007 -‬‬ ‫‪ /3‬حنان يوسف‪ ،‬تكنولوجيا االتصال ومجتمع املعلومات‪،‬‬ ‫(القاهرة‪ :‬أطلس للنشر واالنتاج االعالمي – الطبعة‬ ‫الثانية – ‪.)2006‬‬ ‫‪ /4‬اياد شاكر البكري‪ ،‬عام ‪ 2000‬حرب احملطات الفضائية‪،‬‬ ‫(القاهرة‪ :‬دار الشروق للنشر والطبع – ‪.)1999‬‬ ‫‪ /5‬توماس لي ماكفيل – االعالم الدولي ‪ ..‬النظريات‬ ‫واالجتاهات – وامللكية – ترجمة ‪ :‬د ‪ .‬حسني محمد نصر‬ ‫– د ‪ .‬عبداهلل الكندي‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتاب اجلامعي –‬ ‫الطبعة االولى – ‪.)2005‬‬ ‫‪ /6‬صادق الرابح‪ ،‬االعالم والتكنولوجيات احلديثة‪( ،‬العني‪:‬‬ ‫دار الكتاب اجلامعي للنشر – الطبعة االولى – ‪.)2004‬‬ ‫‪ /7‬د ‪ .‬حسنني شفيق‪ ،‬االعالم االلكتروني‪( ،‬القاهرة‪ :‬رحمة‬ ‫برس للطباعة والنشر – الطبعة الثانية – ‪.)2006‬‬ ‫‪ /8‬د ‪ .‬حسنني شفيق‪ ،‬االعالم االلكتروني بني التفاعلية‬ ‫والرقمية‪( ،‬القاهرة‪ :‬رحمة برس للطباعة والنشر –‬ ‫‪.)2007‬‬


‫األسرة القزجلية إحدى األسر العلمية‬ ‫في كوردستان مابني ‪1380-1240‬هـ‬ ‫محمد جالل ابن عارف الباني‬

‫‪121‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪122‬‬

‫شهد التاريخ قدميا ً وحديثا ً أنه قد نبغ في‬ ‫كوردستان بجميع أقطارها‪ :‬شرقا ً وغربا ً جنوبا ً‬ ‫وشماال ً فطاحل اليحصى عددهم في عجالة‬ ‫من العلماء األفذاذ كانوا بحق مناذج عظيمة من‬ ‫املراجع العلمية وأصحاب املدارس االسالمية‬ ‫التي كانت مبثابة جامعات ومصادر علمية كبرى‬ ‫ظلت منتشرة في شتى بقاع كوردستان‪.‬‬ ‫فكان من أهم مهماتها نشر العلوم‬ ‫االسالمية بكافة أصنافها وأطيافها الى جانب‬ ‫مختلف املعارف اإلنسانية واألدبية واحلكمية في‬ ‫منهج رصني مج ٍد تخَّ رج على ظله مئات األلوف‬ ‫من هؤالء األعالم‪ ،‬وعديد من األجيال فيما بعدهم‬ ‫متاشيا ً ومراحل التطورات املعرفية والتوجهات‬ ‫العلمية التي ربمّ ا امتدت من فيوضاتها نحو‬ ‫شتى األقطار اجملاورة لكوردستان في حقب‬ ‫تاريخية زاهرة‪.‬‬ ‫واليزال التاريخ يحمل بعض آثار تلكم الثروة‬ ‫العلمية وهي ماثلة أمام اجلميع في عشرات‬ ‫االالف من اخملازن واملكتبات التي متتلكها اليوم‬ ‫دول العالم املتحضر في الشرق وفي الغرب‪،‬‬ ‫رغم أن الكثرة الكاثرة منها قد ضاعت وفقدت‬ ‫خالل كوارث الدهر التي طاملا حلت بكوردستان‪،‬‬ ‫وكذلك نتيجة عجز ذات اليد في عهود علمائها‬ ‫عن امتالك آالت النشر املستخدمة في أيامنا‬ ‫هذه‪.‬‬ ‫وأنا في هذه العجالة أريد إملامة قصيرة تاريخية‬ ‫بنموذج رائع من متأخري هؤالء العظام من علماء‬ ‫كوردستان‪ -‬وهو العالمة املفضال االستاذ (املال‬ ‫محمد القزجلي) أحد أحفاد العالمة املشهور‬ ‫(املال علي القزجلي) نسبة ألسرته الى (قزجلة)‬ ‫إحدى قرى غربي مدينة (ث َينجويَن) من كوردستان‬ ‫اجلنوبي ‪ .‬ولد فيها املال علي حوالي ‪1240‬هـ وتوفي‬ ‫بـ(تورجان) قرية قرب مدينة مهاباد الكوردية‬ ‫من كوردستان الشرقية سنة ‪1295‬هـ‪ ،‬وكان‬ ‫هو أحد أبرز تالمذة العالمة املال فيضي (املفتي‬

‫الزهاوي) املولود في السليمانية سنة ‪1208‬هـ‪،‬‬ ‫والذي رابع جده كان (فقي احمد الدارشماني)‬ ‫من سليل أمراء بابان‪ ،‬وكانت احلكومة العثمانية‬ ‫قد أختارته مفتيا ً للديار العراقية ملا يناهز أربعة‬ ‫عقود الى أن توفي ببغداد فدفن بجوار مدرسته‬ ‫املعروفة هناك باملدرسة (السليمانية) ‪ .‬وقد‬ ‫ورث هذه املدرسة أخيرا ً حفيده العالمة الشيخ‬ ‫أمجد الزهاوي‪ .‬وأيضا ً تتلمذ العالمة املال علي‬ ‫يايى)‬ ‫القزجلي على استاذه العالمة (املال محمد َ‬ ‫الذي كان مدرسا ً مبدرسة (مسجد سور) في‬ ‫مدينة مهاباد آخذا ً منه إجازته العلمية‪ ،‬فانتدب‬ ‫للتدريس مبدرسة (قرية تورجان) فصار قبلة أنظار‬ ‫طالب العلم لعصره‪ ،‬وتخرج عليه علماء نابغون‬ ‫ومنهم‪ :‬املال عبداهلل ثيرةباب‪ ،‬ذلك العالم البارع‬ ‫في الرياضيات بفروعها الثالثة‪-‬احلساب‪ ،‬واجلبر‪،‬‬ ‫والهندسة‪ -‬وفي علم الهيئة‪.‬‬ ‫ومن أشهر من تخرج على العالمة املال علي‬ ‫القزجلي بعد املال عبداهلل آنف الذكر وثالثة‬ ‫من مشاهير العلماء اآلخرين‪ :‬األول‪ :‬املال سيد‬ ‫حسن (الضؤرِي) أحد أحفاد العالمة الشهير املال‬ ‫أبوبكر املصنف‪ ،‬الثاني‪ :‬املال عبداهلل الداغستاني‬ ‫العالمة الزاهد من قفقازيا ومن مريدي الشيخ‬ ‫سراج الدين النقشبندي‪ .‬الثالث‪ :‬العالمة‬ ‫الشهير (املال عبدالرحمن الثينجويني) هذا‪.‬‬ ‫وقد ترك املال علي القزجلي مايربو على ستني‬ ‫أثرا ً علميا ً قيما ً إال أن معظمها لم يحظ بالطبع‬ ‫والنشر‪ ،‬وملا توفي خلفه مبدرسته في (تورجان)‬ ‫جنله العالمة املال محمد حسن املشتهر بـ(ابن‬ ‫القزجلي) وهذا ج ُّد للعالمة االستاذ(املال محمد‬ ‫القزجلي) الذي كان والده العالم الكبير (املال‬ ‫محمد حسني) حفيد العالمة (علي القزجلي)‬ ‫تتلمذ على العالمة (املال عبداهلل ثيرباب) أحد‬ ‫حواش على كتب كثيرة حتت‬ ‫مجازي جده وله‬ ‫ٍ‬ ‫لقب (تورجاني) تغمدهم اهلل برحمته‪.‬‬ ‫نبذة عن الشخصية العالمة الشيخ االستاذ‬ ‫املال محمد القزجلي‬


‫إنه كما ذكرنا ابن املال محمد حسني القزجلي‬ ‫‪ ،‬وبعد أن أكمل دراسته العلمية على والده‬ ‫مبدرسة (تورجان) وعلى غيره من كبار علماء‬ ‫عصره أصبح في البداية مدرسا ً في مدرسة‬ ‫(مسجد حاج سيد بايز) مبدينة (مهاباد)‪ ،‬وكان‬ ‫رحمه اهلل الى جانب إضطالعه بعلومه الغزيرة‬ ‫ومعارفه املتنوعة وإنشغاله بتدريسها‪ ،‬يحمل‬ ‫إحساسا ً قويا ً وروحا ً قومية وثَّابة دعته ليجمع‬ ‫بني مهمتني‪ :‬كونه عاملا ً مدرسا ً اسالميا ً من‬ ‫جهة‪ ،‬وصحفيا ً قوميا ً واعيا ً من جهة أخرى ‪،‬‬ ‫فبدأ يكرس شطرا ً من جهوده بقلمه وثقافته‬ ‫العالية في العمل على نشر الوعي القومي بني‬ ‫بني جلدته‪ ،‬والدفاع عن حقوق شعبه الكوردي‬ ‫املظلوم املضطهد‪.‬‬ ‫االملعي (املال‬ ‫فعمل هو وأخوه األصغر العالم‬ ‫ّ‬ ‫أحمد) باصدار جريدة كوردية سنة ‪1919‬م‬ ‫مبدينة (ورمي) من كوردستان الشرقية حتت اسم‬ ‫(رِؤذنامةى كورد) وكانت هذه اولى جريدة كوردية‬ ‫تصدر في ايران‪ ،‬قبل أكثر من تسعني سنة من‬ ‫اآلن‪ ،‬فصارت هي أقرب زميلة مناظرة ألختها‬ ‫(جريدة كوردستان) التي أصدرها البدرخانيون في‬ ‫القاهرة‪.‬‬ ‫غير أن ظاهرة كهذه لم تكن لتروق للطاغي‬ ‫الدكاتور (رضا شاه) بل كانت مما أثار غضبه‬ ‫وطيشه ‪ ،‬فعلى أثر تقارير ملفقة من قبل‬ ‫جواسيس (الشاه) واحلاقدين على هذا (الشيخ‬ ‫اجلليل) وأخيه (املال احمد) العاملني املناضلني‬ ‫أخذت جالوزة احلكم الشاهنشاهي تطاردهما‪،‬‬ ‫فألقي القبض على املال احمد مرتني‪ ،‬ثم أبعد عن‬ ‫كوردستان‪ -‬بل حرم من العودة اليها وعينّ مدرسا ً‬ ‫للعربية في مناطق نائية داخل ايران‪ ،‬بعيدا ً عن‬ ‫موطنه كوردستان‪ ،‬بل حتى بعد موت الدكتاتور‬ ‫رضا شاه عام ‪1920‬م‪ .‬أُجبر على البقاء في املنفى‪:‬‬ ‫تارة في (طهران) وأخرى في (تبريز)‪ .‬كما هو ديدن‬ ‫الطغاة الفاشست جتاه املناضلني الناشطني من‬ ‫أجل حترير أوطانهم من براثن أعداء أمتهم من‬

‫كوابس تسلط هؤالء على رقاب شعبهم‪.‬‬ ‫أما األخ األكبر (املال محمد القزجلي) العالمة‬ ‫اجلليل‪ ،‬فقد أضطر حتت ضغوط مطاردته من قبل‬ ‫جالوزة (الشاه) الى مغادرة (إيران) والتوجه أوال ً الى‬ ‫القاهرة‪ ،‬فبقي فيها سنتني يدرس باجلامع األزهر‪،‬‬ ‫ويلتقي كبار علمائها كالسيد محمد رشيد‬ ‫رضا وفريد وجدي‪ ،‬يتباحث معهم في الكثير من‬ ‫املسائل العلمية واألدبية‪ ،‬وبعد موت (رضا شاه)‬ ‫أراد العودة الى موطنه في (إيران) عن طريق بغداد‪،‬‬ ‫ولكن عند وصوله العراق ومراجعته للسفارة‬ ‫اإليرانية بغية إجراء مايلزم مراسم سفر عودته‪،‬‬ ‫إذ مت ابالغه من هذه السفارة بأنه قد اسقطت‬ ‫عنه اجلنسية االيرانية‪ ،‬فقرر التوجه الى (بيارة)‬ ‫مقر املشيخة النقشبندية وفيها إحدى كبريات‬ ‫املدارس االسالمية التي كادت متاثل (اجلامع األزهر)‬ ‫فرحب به املرحوم (الشيخ عالءالدين) ليكون‬ ‫مدرسا ً في (مدرسة بيارة) الشهيرة ‪ ،‬لفترة ظل‬ ‫يلتقي خاللها بكثيرين من العلماء األعالم الذين‬ ‫كانوا يأتون من كل حدب وصوب لزيارة (الشيخ‬ ‫عالءالدين) رحمه اهلل‪ ،‬فجعل هذا االستاذ اجلليل‬ ‫يعقد معهم جلسات علمية وأدبية ملناقشة‬ ‫شتى القضايا واملسائل سوا ًء عن ظهر قلب‬ ‫أو في طيات الكتب التي ما أوفرها في املكتبة‬ ‫الزاخرة ملدرسة (بيارة) آنذاك‪.‬‬ ‫وبعد قضاء تلك الفترة طلب االستاذ السماح‬ ‫من (الشيخ عالءالدين) أن يساعده على إنتقاله‬ ‫الى بغداد عن طريق استحصال (إرادة ملكية)‬ ‫من امللك فيصل األول مينح مبوجبها (اجلنسية‬ ‫العراقية) بحجة انتماء أسرته الى أصل عراقي‬ ‫في (قزجلة) التابعة ملنطقة (ث َينجويَن)‪ ،‬وقد مت له‬ ‫ما أراد‪ .‬فانتقل الى بغداد‪ -‬أصبح فيها محاضرا ً‬ ‫في (كلية الشريعة)‪ ،‬ومدرسا ً في (احلضرة‬ ‫الكيالنية) وفي مدرسة (نائلة خاتون) وإماما ً‬ ‫ومدرسا ً في مسجد (البشر احلافي) باألعظمية‬ ‫حيث داره فيها‪.‬‬ ‫وكان يدرس طالبه في حلقات ولشتى املراحل‬ ‫‪123‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪124‬‬

‫الدراسية‪ ،‬وإني قد كنت لعدة أشهر في أواخر‬ ‫اخلمسينات ‪1958-1957‬مـ أحضر حلقات‬ ‫تدريسه لتفسير البيضاوي في احلضرة‬ ‫الكيالنية كطالب فيها ولتلك الفترة بعد اذ‬ ‫كنت قد أكملت باتقان جميع مراحل العلوم‬ ‫االسالمية خالل سبع سنني من (‪1375-1368‬هـ)‬ ‫على والدي املرحوم (املال عارف) املدرس مبدرسة‬ ‫(جامع عثمان باشا) في (ث َينجويَن) ‪ .‬هنا وفي‬ ‫فاصلة قصيرة أقول‪ :‬إمنا انتقلت أنا الى بغداد‬ ‫بغية توظيفي كإمام أو خطيب في أحد جوامع‬ ‫بغداد‪ ،‬ثم إقامة نائب عني بنصف الراتب‪ -‬كما‬ ‫كان من املعتاد حينذاك‪ ،-‬ومن ثمه احلصول‬ ‫على ما ميكنني ماليا ً من الذهاب الى (اجلامع‬ ‫األزهر) إلستحصال شهادة أكادميية‪ -‬و سرعان‬ ‫ما استطعت واحلمدهلل‪ -‬احلصول على تلك‬ ‫الوظيفة عن طريق اإلمتحانات التنافسية ‪ ،‬غير‬ ‫أن وفاة والدي قد حالت دون سفري الى القاهرة‪،‬‬ ‫فدخلت مسلك التعليم في وزارة التربية‪ -‬وإثر‬ ‫عرض هذه الفاصلة أعود ألعترف للتاريخ بأني‬ ‫قد وجدته استاذا ً ذا علم غزير الى حد التبحر‬ ‫في جميع العلوم االسالمية ولشتى مراحلها‬ ‫وذا اتقان دقيق لشتى املعارف واآلداب ‪ ،‬وكانت له‬ ‫رحمه اهلل ذاكرة مستوعبة ‪ ،‬فقد حفظ القرآن‬ ‫الكرمي مع معظم عبارات (تفسير الكشاف)‬ ‫للزمخشري ‪ ،‬حتى أنه أحيانا ً تقرأ عليه بعض‬ ‫العبارات من (تفسير البيضاوي) فإذا به يضيف‬ ‫اليها سطرا ً أو أكثر عن ظهر قلب قائالً‪ :‬إن هذا‬ ‫هو من عبارات (كشاف للزمخشري)‪ ،‬وإن عبارة‬ ‫البيضاوي مبتورة عنها‪ ،‬وأيضا ً كان يحفظ الكثير‬ ‫من أحاديث البخاري ومسلم بأسانيدها هذا‬ ‫وكان رحمه اهلل له مالطفات مع طلبته وجميل‬ ‫بسمات ‪ ،‬فأحيانا ً كان يالطفني متسائالً‪ :‬ماذا؟‬ ‫وكم حتفظ من الكتب؟ فأجبته‪ :‬أحفظ باتقان‬ ‫وهلل احلمد جميع الكتب التي درستها على والدي‬ ‫بد ًء من (التصريف‪-‬للزجناني) والى (تهذيب الكالم‬ ‫للتفتازاني) بشرح العالمة (الشيخ عبدالقادر‬

‫التختي الكوردستاني) – ثم قال‪ :‬وقيل لي إنك‬ ‫حتفظ (برهان الكلنبوي) وهو سفر كبير من علم‬ ‫منطق‪ -‬فقلت نعم أحفظه‪-‬وهلل احلمد‪ -‬مع‬ ‫جميع منهواته ومع تعليقات احملشي الفاضل‬ ‫العالمة الث َينجويَني الى مبحث (املوجهات)‬ ‫منه‪ ...‬فقال متبسماً‪ :‬ليتك كنت حافظا ً للقرآن‬ ‫الكرمي مع (تفسير الكشاف للزمخشري) بدل‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن كل هذا اليزيد من حيث الكم عما‬ ‫حفظته‪ ...‬وأيضا ً سألني‪ :‬هل حتفظ (املعلقات‬ ‫السبع)؟ وبكم مدة استطعت حفظها؟ فقلت‬ ‫أحفظ منها معلقة (امرئ القيس) وحدها‪ ،‬وإمنا‬ ‫استطعت حفظها مشروحة خالل أربع وعشرين‬ ‫ساعة من وقت العصر لعصر يوم التالي‪ ..‬فقال‪:‬‬ ‫أما أنا فقد حفظتها خالل الساعتني من الوقت‬ ‫فقط‪ -‬هكذا كانت ذاكرته رحمه اهلل‪ -‬سرعة‬ ‫وحدة‪.-‬‬ ‫وذات مرة أثناء تذاكرنا حول أفاضل العلماء‪ ،‬ورد‬ ‫بني أسمائهم إسما العاملني الكبيرين‪ :‬وهما‬ ‫(االستاذ املال باقر) في بالك (مبنطقة مريوان)‬ ‫واالستاذ (املال عبدالكرمي املدرس) فسألني‪ :‬أيهما‪-‬‬ ‫تظن‪ -‬أغزر علما ً وأزكى؟ وإني بحكم ولعي‬ ‫الشديد بعلم املنطق وسائر العلوم العقلية‬ ‫إخترت األول في اإلجابة‪ ،‬نظرا ً لتبحره حقا ً فيها‪..‬‬ ‫يابني‪ ،‬أثناء فترة‬ ‫فبادرني العالمة املفضال قائالً‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫تدريسي في (بيارة) التقيت كال هذين العاملني‪،‬‬ ‫وقد طلبا مني مرة إيضاحا ً ملسألة (صفات اهلل‬ ‫الهو وال غيره) من علم الكالم‪ -‬فأخذت أشرحها‬ ‫للمال باقر ملدة يومني إال أنه لم يكن ليتفهمها‪-‬‬ ‫كما تفهمها (املال عبدالكرمي) الذي شرحتها‬ ‫له أثناء ساعتني من الوقت فقط‪ ،‬واستوعبها‬ ‫جيداً‪ -‬هذا ما ذكرته أنا للتاريخ‪ -‬وكان يبدولي‬ ‫أنه خالل تلك الفترة من تدريسه في (بيارة) كان‬ ‫مرجعا ً كبيرا ً ألفاضل العلماء من زوارها‪ -‬وذلك‬ ‫بحكم كونه بحرا ً زاخرا ً للعلوم العربية وآدابها‬ ‫نظما ً ونثرا ً الى جانب اضطالعه الواسع بالعلوم‬ ‫العقلية من الرياضيات القدمية‪ :‬حسابا ً وجبرا ً‬


‫وهندسة نظرية‪ -‬ومن علم املنطق واحلكمة‪ ..‬أما‬ ‫في الفقه وأصوله والتفسير وعلم احلديث وفي‬ ‫علم الكالم فح ِّدث عنه وال حرج‪.‬‬ ‫ومع كل ذلك كان رحمه اهلل متواضعا ً جدا ً‬ ‫بساما ً لم يكن ليتباهى أو يتعالى على‬ ‫ومجامالً ّ‬ ‫اآلخرين مهما كانت منزلتهم العلمية واملعرفية‪..‬‬ ‫علي‬ ‫ومن مالطفاته مع طلبته أنه ذات مرة عرض َّ‬ ‫أن أراجع معه حفظا ً وشرحا ً (املقامات) للحريري‪،‬‬ ‫التي كان هو معجبا ً بتعابيرها االدبية واللغوية‪،‬‬ ‫ولكن لألسف الشديد لم أوفق أنا لذلك العمل‬ ‫حينذاك‪.‬‬ ‫البد من االشارة الى أن كثيرين من‬ ‫بقي أنه ّ‬ ‫العلماء سوا ًء في كوردستان الشرقية أم اجلنوبية‬ ‫قد تخَّ رجوا على العالمة (محمد القزجلي) ونالوا‬ ‫اجازاتهم العلمية منه‪ ،‬وإنني أيضا ً تبركا ً بعلمه‬ ‫وفضله سررت جدا ً إذ كان قد َّ‬ ‫بشرني بأن مينحني‬ ‫إجازتني‪ :‬إحداهما إجازة بتدريس جميع العلوم‬ ‫االسالمية معقولها ومنقولها‪ ..‬وأخرى إجازة‬ ‫بتدريس االحاديث النبوية وأصولها‪ ،‬وقد تفضل‬ ‫علي عن خط يده املبارك فأرفقت نسختني‬ ‫بهما َّ‬ ‫علي‬ ‫منهما بهذا البحث لتبقيا ذكريني عزيزتني َّ‬ ‫مادمت ح ّيا‪ -‬وختاما ً أبتهل متضرعا ً الى اهلل‬ ‫الكرمي أن ينشر من شآبيب رحمته الواسعة على‬ ‫أرواح جميع األسرة العلمية القزجلية‪ :‬من (املال‬ ‫علي القزجلي وحتى حفيده (املال محمد القزجلي)‬ ‫فهو أستاذي وأل ِّقبه أيضا ً بـ(شيخي)‪ -‬كما‬ ‫كان االستاذ القاضي املرحوم العالمة (الشيخ‬ ‫محمد اخلال) يل ِّقبه بـ (شيخم) أي شيخي‪-‬‬ ‫وقد توفي االستاذ الشيخ محمد القزجلي سنة‬ ‫‪1959/9/14‬م ودفن مبقبرة الغزالي ببغداد وطيب‬ ‫اهلل تعالى ثرى جميع العلماء الكورد مع سائر‬ ‫علماء االسالم اخمللصني لهذا الدين احملمدي‬ ‫احلنيف‪.‬‬ ‫هذا حسب علمي خلف االستاذ محمد القزجلي‬ ‫جده‪ -‬وكان يعمل‬ ‫ابنا ً باسم (حسن) على اسم ّ‬ ‫في دائرة البريد ببغداد‪ ،‬وبنتا ً باسم (خديجة) وذات‬

‫مرة دعاني االستاذ الى داره باالعظمية بصحبة‬ ‫زميلي أبي زيد السندي‪ ،‬وإذا أنا وصاحبـي كنا‬ ‫جالسني واالستاذ الفاضل نفسه‪ -‬وكله تواضع‬ ‫شأن آجلة العلماء‪ -‬يجلب لنا شاي إذا بصوتني‬ ‫متنافرين نسمعها كانا شعارين يومذاك إلجتاهني‬ ‫مختلفني شاعا في بغداد‪ :‬أحدهما يهتف بحياة‬ ‫(جمال عبدالناصر) والقومية العربية‪ ،‬واألخرى‬ ‫تهتف بحياة (عبدالكرمي قاسم) واليسارية‪ ،‬فقال‬ ‫االستاذ إنهما هتافان يهتف (حسن) بأحدهما‬ ‫وباآلخر تهتف (خدبجة) على الضد‪.‬‬

‫‪125‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪126‬‬

‫البعد اإلستراتيجي لعواصف‬ ‫التحوالت في الشرق األوسط‬ ‫عبد الرحمن كرمي درويش‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫خالل العقد األول من القرن الواحد والعشرون‬ ‫بدأت حالة حتول شامل في الشرق األوسط‬ ‫ال ميكن تلمس مديات تلبيته لطموح األمم‬ ‫والشعوب واجلماعات واألفراد في هذه املنطقة‪،‬‬ ‫لكن ومن خالل اخلبرة التاريخية وأسس النظريات‬ ‫االستراتيجية ميكن تلمس بعض التصورات‬ ‫والتفسيرات للحالة الراهنة ورصد املسارات‬ ‫املستقبلية للمنطقة‪ .‬هذه الدراسة مخصصة‬ ‫لرصد األبعاد اإلستراتيجية للتحوالت في‬ ‫املنطقة من منظور منهجية التحليل الفكري‪،‬‬ ‫وإستخدام أداة القياس التاريخي بوصف اخلبرة‬ ‫التاريخية إحدى أهم املتركزات التفسيرية‪.‬‬ ‫اوالً‪ :‬واقع تشكل الشرق االوسط املعاصر‪:‬‬ ‫يعتبر الشرق االوسط ‪ ،‬منطقة قلقة غير‬ ‫مستقرة من نواحي عدة ‪ ،‬حتوز على اإلهتمام‬ ‫العاملي‪ ،‬بشكل رئيسي‪ ،‬بسبب مخزونها‬ ‫الكبير للطاقة‪ ،‬وموقعها اإلستراتيجي‪،‬‬ ‫تشكلت خارطته السياسية بشكل أساس‬ ‫على يد القوى العاملية الكبرى التي إنتصرت‬ ‫في احلرب العاملية األولى‪ .‬إثر مجموعة إتفاقيات‬ ‫ومعاهدات إستطاعت تلك القوى ان تنشئ دول‬ ‫عديدة وفق تراتبيات تخص مصاحلها وتوجهاتها‪،‬‬ ‫خاصة اإلقتصادية‪ .‬أقدمت تلك القوى العاملية‬ ‫وأثناء بناءها لدول املنطقة على مركزية التركز‬ ‫القومي االثني‪ ،‬كي تستطيع بناء دولة قومية‬ ‫‪ Nation-state‬على شاكلة تلك التي ظهرت‬ ‫في أوربا‪ ،‬وعهدت هذه املهمة إلى موظفيها‬ ‫الذين هم أيضا ً ممثلني لشركات بشكل أو بآخر‪،‬‬ ‫وقد عمدت تلك القوى وبشكل كامل على‬ ‫إنتقاء اثنية معينة كي تكون البؤرة األساسية‬ ‫لتشكيل دولة ما‪ ،‬وإختارت بشكل عام ثالث‬ ‫اثنيات رئيسية في املنطقة كي تشكل منهم‬ ‫جميع الدول املعروفة حاليا‪ ،‬وهم االثنية التركية‬ ‫‪ ،‬دعمت لتشكيل الدولة التركية على أنقاض‬

‫اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬واالثنية العربية‪،‬‬ ‫دعمت لتشكيل اثنا وعشرون دولة إمتدت من‬ ‫شواطيء احمليط االطلسي وحتى الشواطيء‬ ‫الشمالية الشرقية للمحيط الهندي‪ .‬واالثنية‬ ‫الفارسية ‪ ،‬لتشكيل الدولة االيرانية على أنقاض‬ ‫اإلمبراطورية القاجارية‪ .‬لكنها لم تتوانى في‬ ‫االعتماد على الدين في بناء الدول كما فعلت في‬ ‫بناء دولة باكستان وافغانستان‪.‬‬ ‫وفي املرحلة الثانية ‪ ،‬وخاصة بعد ما سمي‬ ‫مبشروع مارشال مت توجيه الدعم لتشكيل‬ ‫اإلسالم السياسي بوصفه إحدى أهم مرتكزات‬ ‫جدار صد الشيوعية‪ ،‬وكانت افغانستان خالل‬ ‫السبعينيات متثل ذروة جتليات الصراع ضد‬ ‫الشيوعية باألصولية الدينية‪ .‬وهنا يتبني ان‬ ‫الدول الكبرى عمدت ومن منظور غير بريء لدعم‬ ‫اإلسالم السياسي وتوفير مستلزمات النهضة‬ ‫الدينية اإلسالمية في الهند والصني وآواسط‬ ‫آسيا ودول الشرق األوسط الكبير‪ ،‬وحازت اجلهات‬ ‫الدينية السنية والشيعية الدعم الكامل‪،‬‬ ‫وبسخاء كبير‪ ،‬من أجل فرض هيمنتها ولكي‬ ‫تصبح دين للدول القومية التي أنشئتها‪ ،‬ومن‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬وفرت مستلزمات بناء نظريات‬ ‫قومية مستنسخة عن مثيالتها الغربية بهدف‬ ‫بناء وعي قومي لتلك الدول املشكلة‪ .‬فجاءت‬ ‫حالة من التزاوج غير الشرعي بني النظريات‬ ‫القومية الغربية والتكوين العشائري والقبلي‬ ‫مع األصولية الدينية ‪ ،‬كي جتعل تلك الدول‬ ‫في حالة إشكالية معقدة مع ذاتها وتكوينها‬ ‫السياسي وتصورها ملستقبلها ‪ .‬ولم يتوقف‬ ‫األمر مع البناء القومي والديني لتلك الدول‬ ‫لكن أزمة تكونيها اجليوسياسي بفعل حدودها‬ ‫املصطنعة وتكوينها املشوه جعلت من تلك‬ ‫الدول غير قادرة على التحول إلنشاء أنظمة‬ ‫حضارية‪.‬‬ ‫ظهر في الشرق االوسط قناعة مفادها ان‬ ‫التنوع االثني والثقافي والفكري في الدول ‪ ،‬امنا‬ ‫‪127‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪128‬‬

‫ميثل العامل األهم والوحيد لفشل أنظمتها‬ ‫السياسية في البقاء مستقلة وفشل مشروعها‬ ‫الوطني واحلضاري ‪ ،‬لذلك جلاءت الى إستخدام‬ ‫العنف املفرط في محاولة لترسيخ وجودها‬ ‫والقضاء على ما يشوب تصوراتها‪ ،‬وهذا العنف‬ ‫حتول الى جرائم ممنهجة فاقت بوحشيتها جميع‬ ‫اجلرائم التي إرتكبت في التاريخ‪ ،‬ولعل حمالت‬ ‫إبادة االكراد واألرمن واملسيحيني في الشرق‬ ‫األوسط خير دليل على وحشية وفظاعة تلك‬ ‫اجلرائم‪ ،‬اذ مت إبادة املاليني وتهجير أعدادا مماثلة‬ ‫وإجبار أعداد مماثلة على ترك اإلنتماء ألصولهم‬ ‫والتخلي عن ثقافتهم‪ ،‬ولم نرى أي منوذج شاذ عن‬ ‫هذه القاعدة‪ .‬واستمرت تلك الدول خالل القرن‬ ‫املاضي متارس عملية بناءها املركزي وبرعاية‬ ‫غربية مباشرة وغير مباشرة‪ .‬لكنها فشلت في‬ ‫مسعاها‪ ،‬اذ ان القوى التي إعتمدت عليها في‬ ‫فرض مركزيتها أصبحت اآلن تهدد أركان نظمها‬ ‫‪ ،‬بل وقضت على العديد منها ‪ ،‬وذلك بدعم من‬ ‫نفس القوى الغربية التي كانت في السابق‬ ‫راعية لتلك االنظمة‪.‬‬ ‫لم تكن الدول التي أنشئها الغرب إنعكاس‬ ‫تفسيري لقيم فلسفية سياسية محددة ‪ ،‬أو‬ ‫كما كان يؤمل ‪،‬إنعكاس لفلسفة السياسة‬ ‫الليبرالية‪ ،‬بل كانت وال زالت متثل إنعكاس عن‬ ‫تعبيرية قيمية تقليدية(قبلية‪ ،‬دينية‪ ،‬ممزوجة‬ ‫برؤى توسعية غير محددة)‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬اشكالية الثنائية وتعقيدات مستقبل‬ ‫املنطقة‪:‬‬ ‫ال ميكن اإلنكار ان ثنائية القوى املتصادمة‬ ‫موغلة كمفوهم وتصور في تصورات العديد‬ ‫من الشعوب وخاصة الغربية منها ‪ ،‬لذا فوجود‬ ‫معسكر مضاد ومتصارع ميثل األساس النمطي‬ ‫للفكر اإلستراتيجي الغربي‪ ،‬ولوجود هذا التصور‬ ‫في الشرق األوسط جذور تاريخية ايضا ‪ .‬ما‬ ‫حصل خالل القرن املنصرم وخاصة في النصف‬

‫الثاني من القرن حيث مت التسويق بإجتاه ثنائية‬ ‫متضادة والصقت إكراها مبديات خطرة عقائدية‬ ‫دينية وقومية‪ ،‬فمن جهة مت تصوير الصراع‬ ‫العربي الفارسي بوصفه جتليا لصراع الثنائيات‬ ‫املتضادة‪ ،‬وتوجت في احلرب العراقية االيرانية‬ ‫وما رافقتها من مآسي وجرائم ال تعد وال حتصى‪،‬‬ ‫لكن االمور إجتهت نحو منحى خطير بعد ان‬ ‫سيقت أسس املذهبية للصراع بوصفها عامال‬ ‫اضافيا لكي تعمل على تقسيم املنطقة الى‬ ‫معسكرين متضادين يتقاتال بضراوة وبدون‬ ‫رحمة في معركة صفرية‪ ،‬وقد مت تسويق‬ ‫التاريخ والعقائد والسياسة واإلقتصاد من اجل‬ ‫هذه الرؤية التي ال ميكن باي معايير العلمية‬ ‫اعتبارها رؤية سوية وحتقق مصلحة ما‪ ،‬وبدأت‬ ‫املنطقة تتجه نحو هذا اإلصطفاف وبشكل‬ ‫خطير‪ ،‬وجميع الدالئل واملؤشرات تؤيد ذلك‪ ،‬هذه‬ ‫اإلشكالية خلقت أكبر جرمية في العصر احلديث‬ ‫وهي عملية القضاء على اجلماعات الثقافية ‪ ،‬اذ‬ ‫متثل اإلصطفاف الثنائي دفعا قسريا للجماعات‬ ‫الدينية واملذهبية والفكرية والثقافية الى اإلجنرار‬ ‫او اإلجنبار حتت مظلة احدى تلك اجلبهات التي ال‬ ‫ترضى اال بان توصم بالتشبه وإنكار اخلصوصية ‪،‬‬ ‫وهذا ما دفع بالعديد من األديان واملذاهب الدينية‬ ‫الصغيرة بالزوال او الهجرة او اإلنغالق على ذاتها ‪،‬‬ ‫كما يحصل ذلك مع القوميات والشعوب االخرى‬ ‫في املنطقة‪ ،‬فعلى املذاهب التي لم تستطع ان‬ ‫تستحوذ على شرعية التمثيل اإلسالمي إما‬ ‫التموضع وإعالن التوبة والعدول الى املذهب‬ ‫السني او الى املذهب الشيعي او الزوال‪ .‬ما يثر‬ ‫االنتباه ان العالم الغربي كان قد دخل في حرب‬ ‫ضروس مع املذاهب الصوفية اإلسالمية من‬ ‫الهند وحتى مراكش ‪ ،‬وقد تطلب من العالم‬ ‫الغربي عقود طويلة الى ان إستطاع القضاء‬ ‫عليها عسكريا وسياسيا ‪ ،‬وحتى من الناحية‬ ‫العقائدية اصبحت العديد منها في ارشيف‬ ‫التاريخ االسالمي‪ .‬وقد برز بعد ذلك االجتاه‬


‫السياسي االسالمي السني واالجتاه السياسي‬ ‫االسالمي الشيعي ‪ ،‬فاجتها وبشكل سريع نحو‬ ‫االصطفافات املتعاكسة‪ ،‬وبهذا ميكن القول ان‬ ‫تراتبية التطور احلضاري في املنطقة مت القضاء‬ ‫عليها بشكل كامل وعادت مرهونة في سياق‬ ‫بناءات راديكالية عنيفة‪ ،‬تعلن رفضها ملعظم‬ ‫اشكال الذكرة التاريخية اال ما تراه مناسبا‬ ‫‪ ،‬وهذا ما يهدد باعادة االجتاه الواحد للتاريخ‬ ‫والواقع الراهن واملستقبل‪ ،‬واألمر الذي ينذر‬ ‫بحرب شاملة قد تطال جميع املرافق االنسانية‬ ‫واحلياتية‪ .‬هذا وقد رافق دعم الغرب للقوى‬ ‫الراديكالية الدينية في املنطقة الى انتكاسة‬ ‫االديان واجلماعات املذهبية الصغيرة التي فضلت‬ ‫أن تهاجر الى الدول الغربية او ان تنطوي على‬ ‫ذاتها او تترك عقيدتها ‪ ،‬وقد سجلت العديد من‬ ‫جرائم االبادة اجلماعية ضد اجلماعات الدينية ‪.‬‬ ‫وقد الزم املنطقة وبشكل دائم التمييز العنصري‬ ‫ضد جميع اتباع الثقافات الدينية واملذهبية‬ ‫االخرى‪ ،‬وإجبارها أن تصبح جماعات مغلقة ال‬ ‫متتلك مقومات االستمرار‪ ،‬كما وضع حدا لظهور‬ ‫اديان ومذاهب جديدة في املنطقة التي كانت‬ ‫تعج بتأسيسات دينية باستمرار‪ .‬متخضت هذه‬ ‫السياسيات عن بروز اإلسالم السني في عدة‬ ‫دول هيمن فيها املذهب الواحد ‪ ،‬الذي استطاع‬ ‫اذابة وحتديد وابادة املذاهب األخرى التي صنفت‬ ‫عنوة ضمن العالم السني ‪ ،‬و وضعت حد‬ ‫لتطورها التاريخي واحلضاري‪ .‬وفي اجلهة املقابلة‬ ‫نالت املذاهب املنضوية حتت لواء الشيعة نفس‬ ‫املصير‪.‬‬ ‫استمر الدعم للعوالم االسالموية التقليدية‬ ‫األصولية خالل القرن العشرين ‪ ،‬استمرارا‪،‬‬ ‫وبشكل أكثر راديكالية‪ ،‬خالل حرب الباردة ‪،‬‬ ‫وكصد مناسب –كما تصورت القوى العاملية‪-‬‬ ‫على انتشار اليسارية في تلك املنطقة‪ .‬ورافقت‬ ‫ذلك الدعم دعما لالصولية القومية للقوميات‬ ‫احلاكمة وبشكل مفرط‪ ،‬حتى وصلت القوى‬

‫الغربية إلى التخلي عن الدعم اخلجول إلنشاء‬ ‫االنظمة البرملانية‪ ،‬واخذت عالني ًة تعتمد على‬ ‫الشخصية القوية في قيادة العملية السياسية‬ ‫للدول صنيعتها‪.‬‬ ‫ومدت القوى العاملية االصولية الدينية والقومية‬ ‫احلاكمة بأسباب القوة والهيمنة‪ ،‬بل سعت في‬ ‫نهايات القرن املاضي لنشرها في مناطق أخرى‬ ‫وساهمت في ترسيخها حتى في وسط العالم‬ ‫الغربي‪ .‬كانت اإلسالموية والقوموية سالحا‬ ‫ماضيا بيدها لصد اخلطر الشيوعي (الروسي‬ ‫االرثوذكسي) والصيني الكونفشيوسي‪،‬‬ ‫والهندي البوذي‪ .‬الثقافات البدائية األفريقية‪،‬‬ ‫وحتى املذاهب املسيحية اخلارجة عن الدائرة‬ ‫املسيحية الغربية‪ ،‬اذا ما حاكينا مفهوم‬ ‫الصراع كما تصوره هنتكتون‪ ،‬واصبحت اهم‬ ‫قطعة متحركة ومتحررة في القتال ضمن‬ ‫رقعة الشطرجن املقترحة لبرجنسكي‪ ،‬ترسخت‬ ‫االصولية الدينية والقومية في الشرق االوسط‬ ‫الكبير‪ ،‬إلى حد بات يشكل خطرا يتوجه نحو‬ ‫العاملية‪ ،‬وفرض إنتشارها على الكرة األرضية‪،‬‬ ‫وأصبحت ذا جذور جماهيرية‪ ،‬غذتها عمليات‬ ‫الصهر والذوبان بحيث أصبحت متثل عددا هائال‪،‬‬ ‫والزالت متثل خيارا رابحا للغرب في العناية‬ ‫بها‪ ،‬النها لم تستطع إيجاد عصا آخر تنفذ‬ ‫سياساتها ومصاحلها في املنطقة‪ ،‬من جهة‪،‬‬ ‫ولم تتخلى هي عن تلك السياسة من جهة‬ ‫أخرى‪ ،‬لذا فالرهان مستمر‪.‬‬ ‫رمبا يكمن الرهان في الراديكالية والتطرف‬ ‫والرغبة في التوسع وبناء نظام امبراطوري في‬ ‫املنطقة‪ ،‬تأييدا لهذا التفسير نرى ان الشخصيات‬ ‫القوية التي حكمت بقوة النار بالدعم الغربي‪،‬‬ ‫ووصلت للحكم بقطار غربي‪ ،‬بعد ان تخلت‬ ‫عن طموحاتها اإلقليمية والتوسعية خسرت‬ ‫بطاقاتها اإلئتمانية لدى الغرب واستبدلت‬ ‫باخرى اشدد راديكالية ‪ ،‬كانت قد متت رعايتها في‬ ‫احضان سابقتها بوصفها حليفا‪ ،‬اذ واجه جميع‬ ‫‪129‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪130‬‬

‫تلك االنظمة الدكتاتورية ‪ ،‬التي فضلت االنضواء‬ ‫وتبني اصالحات سياسية واقتصادية ‪ ،‬وتوقعت‬ ‫ضمن حدود دولتها مصيرا مرعبا بسقوطها‬ ‫سقوطا مدويا على يد قوى محافظة وراديكالية‬ ‫وتتبنى مفاهيم ورؤى دينية سياسية‪ ،‬واجهت‬ ‫تلك األنظمة خيارا صعبا ‪ ،‬مبفهوم ان االنظمة‬ ‫العربية وخالل السنوات الطويلة من احلكم‬ ‫باحلديد والنار إضطرت ان تتخلى عن ادوارها‬ ‫الراديكالية واجتهت نحو احلفاظ على مصاحلها‬ ‫اخلاصة ‪ ،‬فباتت اقل عدوانية واكثر انفتاحا ‪،‬‬ ‫وعملت على اوتار عديدة‪ ،‬مما جعلها في مواجهة‬ ‫دامية مع تلك االصوليات التي لم ترضى بهذه‬ ‫األدوار ‪ ،‬وقد حازت االصوليات على الدعم الغربي‬ ‫بشكل مطلق واخذت تقضي وبالتوالي على تلك‬ ‫االنظمة وتعيد بناء االصوليات من جديد‪ .‬وهذه‬ ‫االنظمة اجلديدة رغم ظروفها واحوالها السيئة‬ ‫وغير املستقرة لم تستطع ان حتجم شهيتها‬ ‫التوسعية وباتت اكثر استعدادا لتصورات‬ ‫مثالية لبناء امبراطورية مقدسة موعودة‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬صدمة فشل اإلصالح في املنطقة‪:‬‬ ‫بالرغم مما شكلته هذه احلالة من صدمة كبيرة‬ ‫على جميع املستويات ‪ ،‬اال ان الصدمة الكبيرة‬ ‫التي عبرت عنها هو فشل سياسات اإلصالح‬ ‫الليبرالي بشكل كامل والتحول الدميقراطي‬ ‫بشكل خطر لكي يجعل من األنظمة التي تفكر‬ ‫في اعادة هيكلة االقتصاد واحلياة السياسية‬ ‫ان تعيد التفكير مرات عديدة الن ذلك يعني‬ ‫إنهيار الدولة بشكل كامل كما حصل في‬ ‫جميع النماذج املنظورة‪ ،‬هنا وبعد انزواء منظري‬ ‫االصالح التدريجي واالنفتاح عبر فتح االبواب‪،‬‬ ‫بات منظري الثورة الدميقراطية ومنظري الثورة‬ ‫من اجل احلرية في حالة من التخبط اثر متاهي‬ ‫الثورة الى اصطفافات ما قبل احلداثوية حتى‬ ‫بتراجع قهقري خطر ينذر بالتعقيد‪ ،‬لكن بقاء‬ ‫شعارات التحول الدميقراطي واالصالح سارية‬ ‫ساعدت القوى العقائدية باعتبار صعودها‬

‫امرا الهيا مقدسا ومحتوما‪ .‬وقد اعلن العديد‬ ‫ان ما تنتجه الدميقراطية في هذه املناطق امنا‬ ‫هي احلقيقة التي يجب ان ننصاع اليها‪ .‬لكن‬ ‫في احلقيقة يعلم اجلميع بان املنطقة التي‬ ‫يرسم مستقبلها في دوائر بعيدة ال تستطيع‬ ‫ان تعبر عن نفسها بصدق بل تفرض عليها‬ ‫االمالءات‪ ،‬لكن اخلطر في املرحلة الراهنة يكمن‬ ‫في االشكالية التي يسببها خطأ التصميم‬ ‫االستراتيجي لتلك الدوائر بفعل بحثها االني عن‬ ‫فوائد اقتصادية تعالج فيها ازمة مجتمعاتها‬ ‫املستهلكة بعالجات قصيرة النظر‪ .‬واصبحت‬ ‫التوجهات في الشرق االوسط تصادق على البعد‬ ‫املقدس والعقائدي في الصراع ضد الفساد‬ ‫واعادة الكرامة الوطنية املسلوبة‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬إشكالية الفكر القومي والديني في‬ ‫الشرق األوسط‪:‬‬ ‫انتشر الفكر القومي بفعل الدعم الذي القاه من‬ ‫القوى الغربية‪ ،‬وأصبحت متثل الركن األساسي‬ ‫املساند في بناء الدولة‪ ،‬لكن القومية وصلت إلى‬ ‫حد التطرف القومي للقوى احلاكمة‪ ،‬وارتكزت‬ ‫على قاعدة اجتماعية اثنية قبلية في سلطتها‬ ‫متلبسة بلباس طائفي‪ .‬لكن الفكر القومي‬ ‫في الشرق االوسط ظل يتعرض للمحاربة كما‬ ‫تعرضت مناذجه املدنية إلى االضطهاد من قبل‬ ‫األفكار القومية السائدة واحلاكمة من جهة‪،‬‬ ‫ومن قبل املنظومات الفكرية األخرى‪ .‬لذلك بات‬ ‫االصطفاف القومي محصور بني ثالث افكار‬ ‫قومية متصادمة في املنطقة اخطأت التقدير‬ ‫بحصر االفق القومية بينها فقط ‪ ،‬وهذه االفكار‬ ‫القومية هي الفكر القومي العربي والفكر‬ ‫القومي الفارسي والفكر القومي التركي‪،‬‬ ‫واصبحت متتلك دوال اقليمية قوية تستطيع‬ ‫خوض حروب اقليمية ‪ ،‬ومتتلك ارتباطات اقليمية‬ ‫ودولية‪ ،‬وفيما يخص الفكر الديني فانه بشكل‬ ‫عام تعرض إلى االضطهاد من قبل دول املنطقة‬


‫العلمانية منها والدينية ‪ ،‬وكان االضطهاد على‬ ‫إختالف أصنافه موجه في سبيل دعم املذاهب‬ ‫والطوائف احلاكمة أو مستندة عليها احلكم‪،‬‬ ‫لذلك عدا الفكر االسالمي لم يحظ أي فكر‬ ‫ديني آخر بفرصة استمراره أو الكشف عن‬ ‫نفسه‪ ،‬وعدا االفكار الدينية السنية واالفكار‬ ‫الدينية الشيعية لم يقدر أي فكر اسالمي اخر‬ ‫من التجرؤ والكشف عن نفسه‪ ،‬أي ان الفكر‬ ‫الديني في املنطقة اصبح ثنائية محصورة بني‬ ‫الفكر الديني الشيعي والفكر الديني السني‪،‬‬ ‫وهنا انقسم الفكر القومي العربي بني املذهبية‬ ‫الشيعية والسنية وبات يتصارع في جبهات‬ ‫شبة مفتوحة ابرزها العراق وسوريا اما الفكر‬ ‫القومي التركي فقد استقر على توجهاتها‬ ‫السنية والفكر القومي الفارسي على توجهاته‬ ‫املذهبية الشيعية‪ ،‬لذلك اخذ الصراع يأخذ‬ ‫ابعادا اشكالية بسبب حصر مديات القومي‬ ‫والديني على نفس الشاكلة التي شكلت‬ ‫عليها‪ ،‬مع تركيز اكثر‪ .‬ما يثير االشكالية ان كل‬ ‫األبعاد الدينية املذهبية والقومية تسعى كل‬ ‫منها على حدة او معا على التوسع ن وتبني‬ ‫مرتكزاتها على التوسع خارج حدودها وكل منها‬ ‫يدعم نفسه من خالل تاريخ مجيد تفتخر به ‪،‬‬ ‫لذلك نرى هذه القوى في صراع توسع مستمر‬ ‫يشمل طموحاتها بالسيطرة على كل املنطقة‬ ‫‪ ،‬وبعضها تنوي السيطرة على كل العالم‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬رؤية عامة جليوبولتيكية التغيرات في‬ ‫املنطقة‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬مصر‬ ‫جاءت األحداث في مصر بشكل دراماتيكي‬ ‫لتسقط النظام السياسي الذي كان يتهيأ‬ ‫للتحول واالنفتاح االقتصادي‪ ،‬ويعمل على بناء‬ ‫نظام سياسي الزال في طور التكوين يعتمد على‬ ‫قاعدة اجتماعية دينية وحتمل رؤية عاملية توسعية‬ ‫تهدف الى بناء نظام اسالمي عاملي‪ ،‬وحتاول ان‬

‫تعتبر نفسها راعي العالم السني مع االحتفاظ‬ ‫باالسس القومية العربية ‪ ،‬بهذا ال ميكن احلديث‬ ‫بشكل نهائي عن دولة محايدة على األقل صوريا‬ ‫تنظر إلى مواطنيها من خالل عالقات دستورية أو‬ ‫حتى شخصية بالنسبة للدكتاتور‪ ،‬بل أصبحت‬ ‫الرؤية متثل ابعاد دينية قاطعة وقومية واحدة‪.‬‬ ‫لذا فان تطلعات التنوعية الثقافية خاصة لدى‬ ‫النوبيني والسينائني واالسكندرانني‪ ،‬متثل خيانة‬ ‫محتلمة قد تكبت بعنف وتهميش مفرطني‪،‬‬ ‫ومن جهتها تواجه املصير نفسه الكنيسة‬ ‫القبطية واتباعها‪ .‬وكذلك الشيعة‪ ،‬ومن احملتمل‬ ‫ان تتبنى ادوارا اقليمية وعاملية متناغمة مع هذا‬ ‫التوجه كالتقارب مع ليبيا ومعاداة سوريا‪.‬‬ ‫مصر واثناء تشكيلها اريد لها إن تكون دولة‬ ‫مسيطرة على املدخل االسيوي األفريقي ومتربعة‬ ‫على شواطىء متعددة مما يضعها في موقع‬ ‫استراتيجي مهم جداً‪ ،‬بالنسبة للدول الغربية‬ ‫‪ ،‬أي كما جميع الدول التي مت انشائها ال متتلك‬ ‫ادوارا منبثقة لذاتيتها‪ ،‬بل هي ادوار نيابية‪ ،‬لذلك‬ ‫كما هي جميع تلك الدول تتصف بالضعف‬ ‫والعنف‪ .‬ضمت اثناء تشكيلها امما وشعوب‬ ‫متعددة‪ ،‬كانوا وال زالوا ميتلكون طموحات خاصة‪،‬‬ ‫لكن مركزية الدولة واحاديتها افضت مبصر الى‬ ‫دولة احادية منفصلة تقريبا عن ارثها احلضاري‬ ‫وتنوعها الثقافي‪.‬‬ ‫ومصر تتحضر للخوض في الصراعات االقليمية‬ ‫بشكل كبير وقد حتاول ان تقود املنطقة في‬ ‫صراع اقليمي ضد ايران وكما من احملتمل ان حتاول‬ ‫ابعاد تركيا عن املنطقة‪ ،‬وال ميكن ايجاد مخارج‬ ‫مستقبلية حول العالقة االستراتيجية مع شبه‬ ‫اجلزيرة العربية بسبب تعقيدات العقائد الدينية‬ ‫املسيطرة والفاعلة‪ ،‬لكنها حتاول بكل تأكيد‬ ‫التدخل في بالد الشام او السيطرة عليها كما‬ ‫حصل في ايام جمال عبدالناصر لكن جناح هذه‬ ‫احملاولة غير مضمونة بوجود السعودية وتركيا‬ ‫كفواعل قوية في املنطقة‪.‬‬ ‫‪131‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪132‬‬

‫وكما ترتبط مصر بالشمال االفريقي بوصفه‬ ‫منطقة استراتيجية هامة بالنسبة الى اوروبا‬ ‫وكذلك بالنسبة الى افريقيا وهي كمنطقة‬ ‫تتحكم بحوض املتوسط لذلك ارتبط التغيير‬ ‫في مصر متوازيا مع ليبيا وتونس بهدف ايجاد‬ ‫فواعل مشتركة على اسس دينية بني هذه الدول‬ ‫من احملتمل ان تكون موجهة ضد اجلزائر الدولة‬ ‫االكبر واالهم استراتيجيا في املنطقة‪.‬‬ ‫تعاني مصر من ازمة تكامل داخلي مزمن‬ ‫باالضافة الى معضالت تكوينية واقتصادية‬ ‫بالغة التعقيد كما يعاني النظام السياسي من‬ ‫اشكالية شرعية اذ ينقسم اجملتمع املصري في‬ ‫نظرتهم حول النظام وقد ال يستطيع النظام‬ ‫تعبئة القدرات اجملتمعية من اجل طموحاتها‬ ‫االقليمية‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬تركيا‬ ‫تركيا دولة تشكلت كإمتداد تاريخي وحضاري‬ ‫للجيوبولتيكية االغريقية وبنموذجها البيزنطي‬ ‫وقد ارتبطت بسيطرتها على املضائق والطريق‬ ‫الواصل بني الشرق والغرب‪ ،‬وقد التزمت التأرجح‬ ‫بني القوى العاملية خالل القرن العشرين بهدف‬ ‫دعم مكانتها االقليمية وفضلت امليل الى‬ ‫املعسكر االطلسي لكي تكون قوة عسكرية‬ ‫اقليمية ضد روسيا‪ ،‬ظلت اسسها القومية‬ ‫تعمتد على التوسع في العالم التركي لذا‬ ‫امتدت انظارها الى اواسط اسيا والقوقاز‬ ‫وبالتزاوج على اسس دينية ارتأت ان تعيد بلورة‬ ‫طموحاتها االقليمية في بناء العثمانية من‬ ‫جديد‪ ،‬لكن الدالالت تشير بان تركيا امنا تسعى‬ ‫الى احياء االمبراطورية الرومانية الشرقية‬ ‫بصيغتها االسالمية‪ ،‬لذلك تسعى الى االمتداد‬ ‫نحو بالد الشام واملوصل والشواطيء اجلنوبية‬ ‫للبحر املتوسط‪ ،‬وهي بذلك حتاول ان تفتح‬ ‫لنفسها طريق نحو اخلليج وان تعيد اصطفاف‬ ‫الصراع مع ايران وبهذا تكون قوة مهمينة على‬

‫املنطقة‪.‬‬ ‫لهذا كان نهوض االسالموية في تركيا ميثل‬ ‫احدى االنعطافات التوسعية التي الحقت‬ ‫طموح توسعاتها القومية بوصفها اكثر واقعية‬ ‫للتحقيق‪ ،‬لذا فتركيا مرشحة لالصطدام بايران‬ ‫على مجال النفوذ احليوي وكما انها قد تصطدم‬ ‫مع مصر في الصراع على بالد الشام وشمال‬ ‫افريقيا وقد يتناغم الدور املصري والتركي في‬ ‫بالد الشام ضد ايران لكنها لن تكون كذلك في‬ ‫املرحلة التي تليها‪.‬‬ ‫تعاني تركيا من اشكالية في تكاملها الوطني‬ ‫بشكل كبير باالضافة الى مشاكل اقتصادية‬ ‫‪ ،‬وهي حتاول منذ امد بعيد ان تتغلب على‬ ‫مشاكلها عن طريق دخولها في احالف عسكرية‬ ‫واستراتيجية وتلبية طموحها االمبراطوري‪،‬‬ ‫لكن ال ميكن التكهن بان هذه الرؤية ستضمن‬ ‫استمرار الدولة على هذه الشاكلة‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬اململكة السعودية العربية‪:‬‬ ‫نشأت العربية السعودية كنظام ملكي من‬ ‫توحيد خمس دول اثر صراعات دامية انتهت‬ ‫في ‪ . 1925‬وهي تتحكم بالشواطيء الغربية‬ ‫للخليج والشواطيء الشرقية للبحر االحمر‪،‬‬ ‫و متتلك عمقا استراتيجيا على اخلليج والقرن‬ ‫األفريقي وشماال متتلك عمقا على بالد الشام‬ ‫وبالد ما بني النهرين‪ .‬يسيطر على السعودية‬ ‫نظام سياسي ملكي على اسس دينية ‪ ،‬لذا‬ ‫تعتبر احدى الركائز االساسية لالسالم السني‬ ‫ومتثل احد الداعمني الكبار للمجاميع السنية‬ ‫في العالم االسالمي‪ .‬وهي تعاني من اشكالية‬ ‫التكامل لكنها حتتفظ باقتصاد قوي من عائدات‬ ‫النفط ‪ ،‬كما ومتتلك العديد من القوى السياسية‬ ‫في السعودية طموحات توسعية متتد الى حدود‬ ‫العالم االسالمي ‪.‬‬ ‫ارتبطت السعودية بدوائر استراتيجية الدفاع‬ ‫الغربي بفعل توجسها من الدور االيراني‬


‫احملتمل ‪ .‬للسعودية ثقل ديني بفعل املقدسات واالرصدة التي تساعد التوجهات التوسعية إذا‬ ‫التي حتويها‪ ،‬حتاول استراتيجية السعودية حصر ما بدأت في تطبيق رغباتها‪.‬‬ ‫أي تهديد عراقي عليها ‪ ،‬وكما حتاول االنفتاح على‬ ‫بالد الشام وعن طريقها الى تركيا واوربا ‪ ،‬ومن‬ ‫املمكن ان تدخل في صراعات كبيرة وشرسة اثر رابعاً‪ :‬ايران‬ ‫تصادم طموحاتها مع ايران وقد ال تسمح لتركيا ايران احلديثة ورثت الدولة القاجارية بدعم بريطاني‬ ‫باالمتداد جنوبا نحو اخلليج‪ .‬وتتوجس والسباب مباشرن وهي دولة مركزية قضت الشطر االكبر‬ ‫كثيرة تتعلق بالبعد االستراتيجي للبحر االحمر من تاريخها املعاصر باعتبارها دولة ذات نظام‬ ‫من الدور املصري والسوداني ‪ ،‬لهذا السبب امبراطوري وقد سعت الى توسيع حدودها من كل‬ ‫فإن السعودية في حالة ديناميكية شاملة اجلهات‪ .‬اعتمدت على االثنية الفارسية بوصفها‬ ‫للحفاظ على امنها والتوسع في املنطقة‪ .‬القاعدة االساسية للدولة مستغلة شيوع‬ ‫حوض اخلليج الداخلي متكون من امارات وممالك الثقافة الفارسية في املنطقة‪ ،‬ثم ما لبثت ان‬ ‫تقليدية منتمية – كما تتصور‪ -‬إلى البنيان تخلت عن العلمانية لصالح املذهب الشيعي‬ ‫العربي التقليدي‪ ،‬إال إن سلطنة عمان ال زالت بوصفه دين الدولة وشكلت نظامها على هذا‬ ‫غير قادرة بشكل كامل على االندماج إلى هذا االساس وقد تبنته منوذجا توسعيا تسعى الى‬ ‫البنيان‪ .‬ال ميكن اخفاء التطلعات املتمايزة في نشر نفوذها على الشرق االوسط بشكل عام‪،‬‬ ‫اخلليج وامكانية بروزها واحداث تغييرات على لدى ايران اشكاليات كبيرة في تكاملها الوطني‬ ‫طبيعة وخرائط املنطقة‪ .‬وهذا بدوره يحدد وبناءها االقتصادي وهي محاطة نوعا ما بانظمة‬ ‫سياسة واستراتيجية التحالفات اخلليجية معادية لها‪ ،‬تتوجس منها اغلب القوى في‬ ‫على املدى املنظور والبعيد األجل‪ ،‬لذا ارى إن دول املنطقة والعالم السباب عديدة‪ .‬حتاول ايران‬ ‫اخلليج ومن منطلق بناء نطاقات حامية حولها‪ ،‬االعتماد على املكون الشيعي في أي مكان من‬ ‫وجل سياساتها رغم محدوديتها تتمحور حاليا العالم بوصفهم القاعدة االجتماعية املوالية‬ ‫في دعم نشوء دول عربية واسالمية تقليدية لها‪ ،‬كما تفعل الدول السنية باعتمادها على‬ ‫ذات تطور اصولي بهدف احاطة نفسها بدول املكونات السنية في مواجهتها اليران‪ ،‬البعد‬ ‫غير علمانية‪ ،‬ال تعمل على تهميش دور اخلليج االستراتيجي اليران في الشرق االوسط يكمن‬ ‫االستراتيجي‪ ،‬لكن الدول اخلليجية ترتكب خطأ في سعيها الدائم للوصول الى شواطئ البحر‬ ‫استراتيجي قاتل بسبب الهواجس املرضية التي املتوسط عبر تواصلها مع ما يعرف بالهالل‬ ‫متتلكها الن بناء الدول القومية‪-‬اإلسالمية‪ ،‬في اخلصيب‪ ،‬لكن القوى العاملية واالقليمية متنعها‬ ‫احلقيقة يعني نشوء دول ذو طموح توسعية إ وان من ذلك ‪ .‬ايران تتوجس في املستقبل املنظور من‬ ‫التوسعات التي تتبناها تلك الدول يعني ارهاقا حتملها لعبئ صراع عنيف ]أتي اما من تركيا او‬ ‫القتصاد اخلليج من جهة وتهديد مباشر لها بان من العالم العربي او من باكستان وافغانستان‪،‬‬ ‫تصبح مستعمرة لتلك الدول‪ .‬وهذا التجربة مع بقاء احتمالية تعرضها الى هجوم مباشر‬ ‫ماثلة أمام ناظرينا لو تابعنا سياقات العالقات من امركيا واحتاللها بشكل مباشر‪ ،‬لذا فهي‬ ‫العراقية في عهد صدام ودول اخلليج‪ ،‬ولعل تسعى الى امتالكها االسلحة النووية بوصفها‬ ‫الدول االرتدادية اجلديدة التي تتشكل ال تتردد في سالح ردع يؤمن لها زوال مخاطر احلرب املباشرة‬ ‫االنقضاض على اخلليج النها متثل كنزا من املوارد والشاملة من امريكا او أي قوة اقليمية ‪ .‬حاليا‬ ‫‪133‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪134‬‬

‫تعتبر إيران العراق وسوريا امتداد جلبهة الدفاع‬ ‫عن نفسها لذا تسعى جاهدة ملنع سقوطها‬ ‫بيد قوى معادية اليران وان تستخدمها كقاعدة‬ ‫السقاط ايران‪.‬‬ ‫ايران تعاني من اشكالية توحدها الداخلي من‬ ‫الناحية االجتماعية واالقتصادية وحتى االثنية‬ ‫والدينية ‪ ،‬وهي تتعرض الى ضغوط شديدة‬ ‫الميكن االقرار بانها سوف تستطيع جتاوزها‬ ‫بسالمة‪ ،‬لذا فهي مرشحة الن تصدر ازماتها‬ ‫خارج حدودها والبحث عن املعركة احلاسمة في‬ ‫مكان اخر‪.‬‬ ‫سادساً‪ :‬موقف اإلسترتيجية للقوى العاملية من‬ ‫التحوالت الشرق أوسطية‪:‬‬ ‫للعالم مواقف متباينة من امكانية تطور‬ ‫املشهد في الشرق االوسط الى نقطة تصادم‬ ‫عاملية تقسم العالم الى معسكرين متضادين‬ ‫يدخالن في صراع عنيف ومباشر‪ ،‬بشكل عام‬ ‫الدول الصغيرة واملتوسطة تتوجس من امكانية‬ ‫تنامي التطرف والرادكالية املنظمة في دولة او‬ ‫غير املنظمة والتسبب في مشاكل بعيدة لتلك‬ ‫الدول او حتى غزوها في املستقبل‪ ،‬اما الدول‬ ‫الغربية الكبرى فهي تساند تلك القوى وخاصة‬ ‫املعسكر العربي التركي من اجل اسقاط‬ ‫ايران وحلفائها في املنطقة‪ ،‬ووفق املنطق‬ ‫الهرمجدوني فان التحالف اليهودي االسالمي‬ ‫املسيحي بات واضحا ضد القوى الرابعة والن‬ ‫هذا املنطق يفرض اصطفافات اخرى بعد جناحها‬ ‫في معركتها االولى فان قافلة احلرب ال تنتهي‬ ‫اال بعد ان يبقى احد املتحالفني بعد أن يقضي‬ ‫على االخرين وهذا ما يدفعنا الى التوجس من‬ ‫امكانية احالل السالم في ظل هذه التوجهات‬ ‫الراديكالية العنيفة التي تسعى الى حرب‬ ‫شاملة وحاسمة بشكل ال يقبل الشك او‬ ‫التساهل‪ .‬الصني وروسيا وبعض القوى االسيوية‬ ‫تسعى بشكل عام الى اسناد ايران ملنع الغرب‬

‫من السيطرة التامة على العالم‪ ،‬لكن الميكن‬ ‫التكهن بان احلرب سوف تتطور الى مديات اوسع‬ ‫خاصة في ظل االتفاق غير املعلن على اتباع‬ ‫منوذج احلرب القذرة غير الرسمية التي تقودها‬ ‫امليليشيات غير املنضبطة وغير املكلفة للقوى‬ ‫املتحاربة النها فقط بحاجة الى عقيدة دافعة‬ ‫للشباب الى احلرب وانعدام قوانني احلرب وقواعد‬ ‫االشتباك بكافة اشكالة واسلحة شخصية‬ ‫وخفيفة كفيلة الستعار حرب الشوارع‪ ،‬وهذه‬ ‫احلروب بحاجة الى اماكن ومدن هشة ممكن ان‬ ‫تسقط وينفلت فيها الضبط االجتماعي نتيجة‬ ‫الصراعات التي تعاني منها لذا نرى بان احلرب‬ ‫القذرة بني القوى االقليمية والدولية املتصارعة‬ ‫قد استعرت في سوريا لتجعل منها جبهة‬ ‫واسعة يتقاتل فيها اجلميع بال رحمة‪ .‬والعراق‬ ‫املرشحة التالية وان لم تخلو منذ عشر سنوات‬ ‫من هكذا حرب‪.‬‬ ‫اخلامتة‪:‬‬ ‫بشكل عام نرى ان البعد االستراتيجي لعاصفة‬ ‫التحوالت في الشرق االوسط ال تكمن في‬ ‫ترسيخ الدميقراطية او االنفتاح االقتصادي او‬ ‫تشجيع احلرية وال حتى في بناء الدول القومية‬ ‫من جديد بل البعد الظاهر والقوي يكمن في بناء‬ ‫اطر امبراطورية اقليمية موالية الحدى القوى‬ ‫العاملية تسيطر على مجمل قواعد اللعبة‬ ‫السياسية واالقتصادية في العالم‪ ،‬وفي حال‬ ‫فشل هذا املسعى سوف تستطيع اغلب اجملاميع‬ ‫املتوحدة بناء دويالت خاصة لها ستفرز نوعا من‬ ‫التعاون اخلالق بسبب اعتماديتها املتبادلة في‬ ‫االقتصاد والتواصل االجتماعي ‪ ،‬لذا اعتقد بان‬ ‫العقد القادم سيرسم مستقبل املنطقة للقرن‬ ‫القادم‪.‬‬


‫اخليارات النسوية‬ ‫(من منظار أمريكي)‬ ‫بقلم‪ :‬لندا هيرشمان‬ ‫ترجمة‪ :‬ملياء سليم سعيد‪.‬‬

‫‪135‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪136‬‬

‫ترى املؤيدات للحركة النسوية ‪Choice‬‬ ‫‪ Feminism‬أن البقاء في البيت مع األطفال هو‬ ‫مجرد خيار إضافي بالنسبة لهن ‪ ،‬ومن العجيب‬ ‫أن معظم الرجال نادرا ً ما يلجأون إلى هذا «‬ ‫اإلختيار « فأي نوع من اخليارات هو بالضبط ؟‬ ‫حقيقة النخبة النسائية‬ ‫ً‬ ‫نصف النساء الثريات ‪ ،‬واألكثر إمتيازا ‪ ،‬واألرقى‬ ‫تعليما ً ‪ ،‬في الواليات املتحدة يفضلن البقاء في‬ ‫البيت مع أطفالهن بدال ً من العمل في إقتصاد‬ ‫السوق‪ .‬وعندما نشرت صحيفة ‪New York‬‬ ‫‪ Times‬في شهر أيلول مقاال ً خاصا ً تناولت فيه‬ ‫بعض جوانب هذا املوضوع حتت عنوان « العديد‬ ‫من النساء في اجلامعات العريقة يتجهن نحو‬ ‫مهنة األمومة « أثارهذا املوضوع جدال ً كبيرا ً‬ ‫ُ‬ ‫يخل من‬ ‫في أوساط اجملتمع‪ ،‬هذا اجلدل الذي لم‬ ‫النوادر والردود التهكمية‪ .‬وكان ( جاك شيفر )‬ ‫من مجلة (‪ ) Slate‬قد إتهم صحيفة ‪New‬‬ ‫‪ York Times‬بإستخدام « كلمة مراوغة « بنشر‬ ‫املوضوع نفسه تقريبا ً وهو « ثورة إختيار العمل‬ ‫‪ »The Opt-Out Revolution‬كل بضع سنوات ‪،‬‬ ‫ومؤخرا ً كل بضعة أسابيع‪ .‬وبعد شهر من تلك‬ ‫الصفعة اخلفيفة الصحفية ‪، Mareen Dowd‬‬ ‫وهي األنثى الوحيدة بني كتاب األعمدة الثابتة‬ ‫في الـ ‪ New York Times‬مبقال « اجلامعة‬ ‫العريقة « في مشاركتها مبسلسل الـ ‪New‬‬ ‫‪ York Times‬املستمر مبقالة عنوانها « ماذا على‬ ‫الفتاة املعاصرة أن تفعل؟ « وموضوعها أن على‬ ‫النساء التخلي عن « احلركة النسائية وحتى‬ ‫ترك العمل «‪ .‬وقد أثارت مقالة اجلامعة غضبا ً‬ ‫شديدا ً وإنتقادات لدرجة أن الـ ‪New York Times‬‬ ‫إضطرت إلى نشر توضيح قالت فيه إن األسلوب‬ ‫الذي إتبعته الكاتبة كان أسلوب طالبة صحافة‬ ‫حينذاك‪ .‬ال تزال هناك مشكلة واحدة وهي أن‬ ‫هناك حقيقة مهمة في قصة ترك العمل برغم‬

‫إنها صدرت في صحيفة الـ ‪. New York Times‬‬ ‫لقد عثرت على هذه األخبارقبل ثالث سنوات‬ ‫كنت أقوم ببحث لتأليف كتاب عن الزواج‬ ‫عندما‬ ‫ُ‬ ‫في فترة ما بعد ظهوراحلركة النسائية ‪ ،‬فوجدت‬ ‫من الناحية املنطقية ألجندة تفويض مزيد من‬ ‫السلطة للنساء ‪ ،‬قد فشلت في حتقيق أهدافها‬ ‫إلى حد كبير‪ ,‬فهناك عدد قليل من النساء في‬ ‫أروقة السلطة ‪ ،‬وبقى الزواج على حاله دون تغيير‬ ‫جوهري‪ ،‬وعدد النساء في اجلامعات يزيد على‬ ‫عدد الرجال ‪ ،‬ولكن بعد أكثر من جيل بعد احلركة‬ ‫النسائية ‪ ،‬ال يقترب عدد النساء في الوظائف‬ ‫املمتازة من عدد الرجال ‪ .‬فما السبب في ذلك؟‬ ‫اجلواب الذي إكتشفناه – وهو جواب قد ال ترغب‬ ‫قيادات احلركة النسائية وال النساء أنفسهن‬ ‫في مواجهته – هو أنه ‪ ،‬إذا كانت احلياة العامة‬ ‫قد تغيرت بشكل غير مثالي‪ ،‬لتفسح مجاال ً‬ ‫للنساء بني النخبة ‪ ،‬فإن احلياة اخلاصة تزحزت‬ ‫وبصعوبة‪ ،‬ويكمن ذلك في السقف الزجاجي‬ ‫احلقيقي في املنزل‪ (.‬املقصود بذلك املصطلح هو‬ ‫وجود سقف شفاف غير منظور يحول دون وصول‬ ‫البعض – األقليات العرقية والنساء بشكل‬ ‫خاص – إلى املراكز الوظيفية العليا في كبريات‬ ‫الشركات واملؤسسات ‪ .‬وكأن هناك سقف‬ ‫مينعهم من ذلك)‪ .‬وبنظرة إلى الوراء ‪ ،‬يبدو من‬ ‫الواضح أنه كان مقدرا ً للعائلة التي لم تكتمل‬ ‫إعادة بنائها أن تبزغ من جديد بعد مرور عاصفة‬ ‫التغيير اإلجتماعي للحركة النسائية‪ .‬وبعد‬ ‫اإلندفاعة األصلية نحو معاجلة كل شيء في‬ ‫حياة النساء ‪ ،‬حولت احلركة النسائية تركيزها‬ ‫نحو كسر أبواب بنية السلطة العامة ‪ ،‬ولم‬ ‫يكن ذلك بالعمل الهني‪ .‬ففي بداية األمر ‪ ،‬كان‬ ‫من الشائع وجود محلفني من الذكور ‪ ،‬وجامعات‬ ‫عريقة ‪ IVY League‬للذكور‪ .‬وإعالنات توظيف‬ ‫مقصورة على جنس واحد ( الرجال)‪ .‬وأصحاب‬ ‫أعمال مييزون بني اجلنسني‪ .‬والتحرش بزميالت‬ ‫العمل‪.‬‬


‫وكنتيجة جلهود احلركة النسائية – ولتوجيهات‬ ‫إقتصادية أكبر‪ -‬إرتفعت نسبة النساء ‪ ،‬وحتى‬ ‫األمهات‪ -‬في الوظائف بدوام كامل أو نصف‬ ‫دوام على نحو كبير خالل الثمانينات وأوائل‬ ‫التسعينيات من القرن العشرين‪ .‬لكن نسبة‬ ‫التقدم تباطأت بعد ذلك ‪ ،‬فتوقفت أرقام‬ ‫اإلحصاء الرسمي جلميع األمهات العامالت عند‬ ‫مستوى معني حوالي العام ‪ 1990‬وتناقصت‬ ‫بشكل بسيط منذ العام ‪ .1998‬وفي املقابالت‬ ‫التي أجريتها ‪ ،‬قالت النسوة اللواتي ميتلكن ما‬ ‫يكفي من املال بقدر يسمح لهن بترك العمل‬ ‫إن « خيارهن هو ترك العمل» ‪ .‬وتخفي كلماتهن‬ ‫حقيقة هامة أنه لم يتغير شيء من اإلعتقاد‬ ‫السائد بأن النساء هن املسؤوالت عن تربية‬ ‫األطفال والعناية بشؤون املنزل وذلك بعد عدة‬ ‫عقود من تأثير احلركة النسائية على مكان‬ ‫العمل‪ .‬أضف إلى هذا الدليل اجليد أن أماكن‬ ‫عمل الطبقة العالية أصبحت كثيرة املتطلبات‪.‬‬ ‫وإذا مت مزج كل ذلك مع احلملة الثقافية احملافظة‬ ‫الناجمة التي تطالب بتعزيز األدوار التقليدية‬ ‫لكال اجلنسني فإن ذلك كفيل بالقضاء على‬ ‫احلركة النسائية‪ .‬ومن ال تعجبه الرسالة‬ ‫يهاجم املعلومات املكونة لها‪ .‬صحيح إن الـ‬ ‫‪ New York Times‬أسهمت قصة اجلامعة على‬ ‫دراسة مشكوك في مصداقيتها وعلى عدد من‬ ‫املقابالت الصحفية‪ .‬كما أنه ليس من الضروري‬ ‫منح شهادة إعتماد لكتاب داود الذي أخذت منه‬ ‫مقالتها ‪ ،‬والذي يبدو أنه يقوم بشكل رئيس‬ ‫على جتربة حياتها مع املواعيد الغرامية السيئة‪،‬‬ ‫ومع البريد اإللكتروني من زمالئها املراسلني‬ ‫الصحفيني في الـ ‪ New York Times‬لكن‬ ‫يتساءل املرء عما إذا كانت كل هذه الضجة ال‬ ‫تعني أن هناك شيئا ً مهما ً يتفاعل في املناورات‬ ‫السياسية حول اجلنس – أي الذكورة واألنوثة ‪.-‬‬ ‫ما الدليل الذي يفي بالغرض على نحو جيد ؟‬ ‫أنت أيتها القارئة املتعلمة والغنية‬ ‫بك‪ِ .‬‬ ‫دعنا نبدأ ِ‬

‫كنت سيدة في الثالثينيات أو األربعينيات‬ ‫‪ ،‬إن‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫عملك ؟ وأنتم أيها‬ ‫من العمر وأما ألطفال ‪ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫األزواج ‪ ،‬ما الذي تعمله نساؤكم ؟ والقراء األكبر‬ ‫سنا ً ‪ ،‬ما الذي تعمله بناتكم املتزوجات األمهات؟‬ ‫وجهت هذا السؤال لعدد ال حصر له من‬ ‫لقد‬ ‫ُ‬ ‫النساء والرجال ‪ ،‬وفي الشريحة السكانية التي‬ ‫تتكون من املتعلمني األغنياء ‪ ،‬تنصرف النساء‬ ‫عن مهنتهن من أجل العناية بالبيت واألطفال ‪،‬‬ ‫قابلت من النساء‬ ‫أما اللواتي يعملن من بني من‬ ‫ُ‬ ‫نصف دوام ‪ ،‬وهذا لن يوصل أحد إلى املراكز العليا‬ ‫في اإلدارة‪ .‬وفيما يلي بعض األدلة اإلضافية ‪:‬‬ ‫قمت‬ ‫خالل التسعينيات من القرن العشرين‬ ‫ُ‬ ‫بتدريس مقرر عن املقايضة بني اجلنسني في‬ ‫كنت‬ ‫جامعة مرموقة ومحترمة ‪ ،‬وفي كل سنة‬ ‫ُ‬ ‫أستعرض مع الطلبة بعد إنتهاء التدريس املردود‬ ‫وسألت‬ ‫املتدني للعمل على رعاية األطفال ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ :‬كيف يتوقع الطالب اجلمع بني العمل ورعاية‬ ‫وحتدثت نصف الطالبات – على األقل‬ ‫األطفال‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫– عن احلياة بنصف دوام ‪Home-based work‬‬ ‫أو العمل في البيت ‪ .‬أما الذكور فتوقعوا من‬ ‫شريكات حياتهم أن يقمن برعاية األطفال‪.‬‬ ‫قمت بسؤال الشباب كيف سيوفقون‬ ‫وعندما‬ ‫ُ‬ ‫بني ذلك األحتمال وبني ما يبديه السوق من‬ ‫قلة إحترام واضحة لرعاية األطفال ‪ ،‬أصيبوا‬ ‫حتولت نحو النساء اللواتي‬ ‫باإلرتباك‪ ،‬وعندما‬ ‫ُ‬ ‫حتدثن قبل ذلك ‪ ،‬كان ردهن الوحيد هو ‪ « :‬لكنها‬ ‫إختارت ذلك «‪ .‬وحتى ‪Ronald Coase‬‬ ‫هي التي‬ ‫ْ‬ ‫احلائز على جائزة نوبل في اإلقتصاد في عام‬ ‫‪ 1991‬يستشهد باملثل القائل « مجموعة النوادر‬ ‫واحلكايات تشكل معلومات «‪ .‬وبهذا ‪ ،‬كم من‬ ‫النوادر واحلكايات يحتاج األمر لتصبح معلومات‬ ‫؟ أنا ‪ ،‬بصفتي عضوا ً في املنظمة الوطنية‬ ‫للنساء (‪National Organization for Women‬‬ ‫‪ ) ”“NOW‬وأحد املانحني لالئحة إميلي ( ‪Emily’s‬‬ ‫‪ ) List‬وأستاذ في الدراسات النسوية – لم أشرع‬ ‫عثرت‬ ‫في البحث ألصل إلى شيء من هذا – فقد‬ ‫ُ‬ ‫‪137‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪138‬‬

‫على هذا املوضوع ‪ ،‬وأنا بصدد التخطيط لتأليف‬ ‫كتاب ‪ ،‬عندما حدث وأن شاهدت (شارلوت) في‬ ‫املسلسل التلفزيزني « اجلنس واملدينة ‪Sex and‬‬ ‫‪ ) the City‬وهي تعاني بشدة من أجل أن تنشر‬ ‫إعالنا ً عن موعد زواجها في صفحة « طراز حياة‬ ‫يوم األحد ‪ « Sunday Styles‬في صحيفة ‪New‬‬ ‫‪ York Times‬قلت لنفسي ‪ :‬وهل توجد عينة‬ ‫أفضل من عرائس صفحة « طراز حياة يوم األحد‬ ‫« املتعلمات تعليما ً راقيا ً واملرموقات إجتماعيا ً‬ ‫حوالي العام ‪1996‬؟ وعند الزواج ‪ ،‬كان من بني‬ ‫هؤالء ‪-:‬‬ ‫نائبة رئيس لإلتصاالت بالزبائن ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وطبيبة إختصاصية في اجلهاز‬ ‫‪ -2‬‬ ‫الهضمي‪.‬‬ ‫ومحامية‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫ومحررة في جريدة‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫ومديرة تسويق‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫أقتفيت أثرهن وإتصلت‬ ‫وفي عامي ‪2004-2003‬‬ ‫ُ‬ ‫بهن‪ .‬قابلت حوالي ‪ %80‬من اإلحدى واألربعني‬ ‫إمرأة اللواتي أعلن هن زواجهن على مدى ثالثة‬ ‫( أيام أحد) مختلفة من العام ‪ . 1996‬ولكن‬ ‫في األربعني من العمر ‪ ،‬جامعيات ‪ ،‬وذوات مهن‬ ‫ناجحة ‪ ،‬ومن هو أكثر إحتماال ً منهن في اإلنتفاع‬ ‫من وعود احلركة النسائية بالفرص؟ تصوروا كم‬ ‫كانت دهشتي عندما وجدت جميع من تزوجن في‬ ‫( يوم األحد ) األول تقريبا ً باقيات في البيوت مع‬ ‫أطفالهن‪ .‬هل يشكل ذلك شذوذا ً إحصائياً؟ ال ‪،‬‬ ‫وجدت النتيجة نفسها ( ليوم األحد ) الثاني‬ ‫فقد‬ ‫ُ‬ ‫واليوم األحد الذي يليه‪ %90.‬من العرائس اللواتي‬ ‫عثرت عليهن قد أجننب أطفاالً‪ .‬ومن الثالثني اللواتي‬ ‫ُ‬ ‫أجننب األطفال خمس فقط يعملن بدوام كامل ‪،‬‬ ‫و‪ 25‬أو ‪ %85‬ال يعملن بدوام كامل ‪ ،‬ومن هؤالء‬ ‫اللواتي ال يعملن دواما ً كامالً‪ ،‬عشر فقط يعملن‬ ‫نصف دوام ‪ ،‬ولكن غالبا ً في مجال بعيدا ً جدا ً‬ ‫عن مهنهن السابقة ‪ ،‬ونصف النساء املتزوجات‬ ‫واألمهات ألطفال ال يعملن باملرة‪ .‬وهناك ما هو‬

‫أكثر من ذلك ‪ .‬ففي عام ‪ 2000‬قامت ( مايراهارت)‬ ‫األستاذة في كلية إدارة األعمال في جامعة‬ ‫هارفارد بعمل مسح للنساء خريجات أعوام‬ ‫‪1981‬و‪1986‬و‪ 1991‬فوجدت أن ‪ %38‬فقط منهن‬ ‫اللواتي حصلن على درجة املاجستير في إدارة‬ ‫األعمال يعملن بدوام كامل‪ .‬كما أن مسحا ً قام‬ ‫به مركز سياسة العمل واحلياة (‪Center for Work‬‬ ‫‪ )and Life Policy‬في عام ‪ 2004‬حلوالي ‪ 2443‬إمرأة‬ ‫من حامالت شهادات املاجستير أو البكالوريوس‬ ‫في تخصصات محترمة جدا ً أظهر أن ‪%43‬‬ ‫منهن أمهات ألطفال قد أخذن إجازة من العمل‬ ‫ألسباب عائلية بشكل رئيسي‪ .‬ويقول ( رتشارد‬ ‫بوزنر) القاضي في محكمة اإلستئناف الفدرالية‬ ‫و األستاذ املساعد في جامعة شيكاغو ‪ ،‬يقول ‪« :‬‬ ‫تؤكد مقالة ‪ New York Times‬ما يعرفه كل من‬ ‫له عالقة بهذه املؤسسات التعليمية ( كليات‬ ‫احلقوق املتميزة) منذ وقت طويل ‪ ،‬وهي أن نسبة‬ ‫من الطالبات اإلناث أعلى بكثير من نسبة الطلبة‬ ‫الذكور ستنسحب من القوى العاملة للرعاية‬ ‫بأطفالهن»‪ .‬فما هو العدد املطلوب من النوادر‬ ‫واحلكايات لكي تصبح معلومات ؟ أظهر إحصاء‬ ‫عام ‪ 2000‬تراجعا ً في نسبة أمهات األطفال‬ ‫الرضع اللواتي يعملن بدوان كامل أو نصف دوام‬ ‫أو يبحثن عن عمل‪ .‬بدءا ً من ‪ %31‬في عام ‪، 1976‬‬ ‫إرتفعت النسبة كل سنة تقريبا ً حتى عام ‪،1992‬‬ ‫ووصلت النسبة ‪ %7،58‬في ‪ 1998‬ومن ثم بدأت‬ ‫بالتراجع إلى ‪ %2،55‬في عام ‪ ، 2000‬وإلى ‪6‬و‪%،5‬‬ ‫عام ‪ ، 2002‬وإلى ‪ %7،53‬في عام ‪ .2003‬وأظهرت‬ ‫ُشرت حديثا ً تراجع أكبر‪ ،‬وصل‬ ‫اإلحصاءات التي ن‬ ‫ْ‬ ‫إلى نسبة ‪ %9،52‬في عام ‪ ، 2004‬وحتى النسبة‬ ‫املئوية لألمهات العامالت مع أطفال ليسوا في‬ ‫سن الرضاعة تراجعت بني عامي ‪2000‬و ‪2003‬من‬ ‫‪ %،8‬إلى ‪ .%8،59‬والنساء املتعلمات تعليما ً‬ ‫جامعيا ً يعملن أكثر من غيرهن ‪ ،‬إال أن إحصاء‬ ‫عام ‪ 2002‬يثبت أن الدرجات اجلامعية واملهنية‬ ‫ال ترفع من نسبة املشاركة في قوة العمل أكثر‬


‫مما ترفعه سنة جامعية واحدة‪ .‬وعندما يكون‬ ‫أطفالهن في سن الرضاعة – أي أقل من سنة‬ ‫واحدة – فإن ‪ %54‬من اإلناث اجلامعيات ال يعملن‬ ‫بدوام كامل – يعمل ‪ %18‬منهن نصف دوام و‬ ‫‪ %36‬ال يعملن أبداً‪ -‬وحتى من بني هؤالء اللواتي‬ ‫ليس لديهن أطفال في عمر الرضاعة ‪ ،‬فإن ‪%41‬‬ ‫منهن ال يعملن بدوام كامل‪ .‬يتحاور اإلقتصاديون‬ ‫حول معنى هذه املعلومات والبيانات ‪ ،‬حتى أنهم‬ ‫ليذهبون لغاية التأكيد على أن هناك املزيد من‬ ‫األمهات العامالت‪ .‬ويقولون إن مكتب اإلحصاء‬ ‫قد غ ّير تعريف كلمة «عمل» قليالً في عام ‪2000‬‬ ‫حني دخل اإلقتصاد في ركود‪ ،‬فكان التناقص‬ ‫في نسبة النساء من دون أطفال موازيا ً للركود‬ ‫اإلقتصادي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فحتى لو لم يكن هناك‬ ‫تناقص بل كان مجرد توقف عند مستوى معني‪،‬‬ ‫فإن هذا ال ميثل فقدانا ً لقيمة مافي الوقت‬ ‫احلاضر ولكنه ميثل فقدانا ً لألمل في املستقبل‪،‬‬ ‫أي فقدانا ً لألمل في أن يستمر دور النساء في‬ ‫اجملتمع في التنامي‪ .‬فما زالت املساجالت عاجزة‬ ‫عن تفسير سبب غياب النساء عن أماكن العمل‬ ‫املتميزة‪ .‬ولو كانت النساء صامدات في عالم‬ ‫األعمال ‪ ،‬واحملاماة ‪ ،‬والتعليم األكادميي العالي‪،‬‬ ‫بعد مرور ثالثني عاما ً على قيام احلركة النسائية‬ ‫مبلئ املدارس املتميزة بالنساء ‪ ،‬ألصبحت أماكن‬ ‫العمل املتميزة اآلن مألى بالنسبة نفسها من‬ ‫النساء كذلك‪ .‬ولكنها ليست كذلك‪ .‬وقد‬ ‫شكلت اإلناث ما نسبته ‪ %40‬من خريجي كلية‬ ‫احلقوق على مدى عقود مضت ‪ ،‬كما حدث‬ ‫في هذه العقود توسع هائل في املدارس وفي‬ ‫الشركات ‪ ،‬ومع أن اإلناث لن يشكلن نسبة ‪%40‬‬ ‫من العاملني في مجال القانون حتى عام ‪.2010‬‬ ‫ففي عام ‪ 2003‬شكلت اإلناث نسبة ‪ %16‬فقط‬ ‫من شركاء مكاتب احملاماة الرئيسية‪ ،‬حسب ما‬ ‫أوردته جمعية احملامني األمريكية‪ .‬ومن املهم أن‬ ‫نأخذ بعني اإلعتبار أن أماكن العمل املتميزة مثل‬ ‫مكاتب احملاماة قد توسع حجمها خالل السنوات‬

‫نفسها التي تزايدت بها نسبة اخلريجات مما‬ ‫يجعلك تتوقع توظيفا ً لإلناث أعلى مما يشير‬ ‫إليه معدل اخلريجات‪ .‬لقد خ ّرجت كلية إدارة‬ ‫األعمال في جامعة هارفارد دفعات بلغت نسبة‬ ‫اإلناث فيها ‪ %30‬ومع ذلك تشكل اإلناث نسبة‬ ‫‪ %6،10‬فقط من مديري شركات ‪.Well Street‬‬ ‫ومجرد تسع إناث بوظيفة رئيس تنفيذي في‬ ‫شركات ‪ Fortune Job‬وتشكل اإلناث ‪ %20‬من‬ ‫هيئة التدريس عند عمادة كلية إدارة األعمال‬ ‫في جامعة هارفارد والتي إمتدح عميدها فضائل‬ ‫اإلنقطاع عن العمل في برنامج «ستون دقيقة‬ ‫« التلفزيوني‪ .‬من احملتمل أن يكون مكان العمل‬ ‫متميزا ً ومعاديا ً للحياة العائلية‪ ،‬ولكن لو وظفت‬ ‫الشركات كل محامية ليس لديها أطفال ‪ ،‬لكان‬ ‫ذلك وحده كافيا ً لرفع نسبة نساء الشركات في‬ ‫مكاتب احملاماة إلى أكثر من ‪ %16‬خالل ثالثني عاما ً‬ ‫‪ ،‬كما أنه من املمكن أيضا ً أن تستثنى النساء‬ ‫أنفسهن طوعيا ً من التنافس على الوظائف‬ ‫املتميزة واإلكتفاء بوظائف أقل مركزا ً وأقل دخالً‪،‬‬ ‫وعلى النساء حتمل تبعات قراراتهن‪ .‬أن اإلدعاء‬ ‫بعدم وجود عالقة بني التناقص من ‪ %40‬في‬ ‫كليات احلقوق إلى ‪ %16‬من الشركاء في مكاتب‬ ‫احملاماة الكبيرة وبني ترك نصف األمهات خريجات‬ ‫اجلامعات املهنية لوظائف ساعات العمل الكامل‬ ‫عند اإلجناب ملدة سنوات ‪ ،‬أو حتولهن لوظائف أقل‬ ‫درجة ‪ ،‬هو إدعاء ال يقبله العقل‪ .‬وال عالقة لهذا‬ ‫بالرعاية النهارية لألطفال ‪ .‬فنصف العرائس‬ ‫في صحيفة ‪ New York Times‬تركن العمل قبل‬ ‫إجناب الطفل األول‪ .‬ولقد عبر نصفهن – على‬ ‫األقل ‪ -‬خالل املقابالت التي أجريت معهن عن‬ ‫أملهن في أن ال يعدن إلى العمل أبداً‪ ،‬وال خطط‬ ‫أفقية للعمل عندما تركنه أو على األقل غير‬ ‫مستلزمات بحياة العمل‪ .‬وقالت إحداهن ‪ ،‬وهي‬ ‫حتمل شهادة املاجستير في إدارة األعمال ‪ « :‬إنها‬ ‫لن تستطيع أبدا ً أن تفهم ملاذا يتكالب الرجال‬ ‫في احلصول على صفقات في مكان العمل‬ ‫‪139‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪140‬‬

‫فصلت منه»‪ .‬وقالت وهي مستغرقة في‬ ‫الذي‬ ‫ُ‬ ‫التفكير‪ « :‬إنها مجرد نقود «‪ .‬فلم يكن مستغربا ً‬ ‫‪ ،‬أنه عندما عرض عليهن أصحاب العمل وظائف‬ ‫بنصف دوام ‪ ،‬لم يك َّن متحمسات بقبول ذلك‪.‬‬ ‫‪ -2‬فشل اخليار النسوي‬ ‫ما الذي يجري ؟ معظم النساء يأملن في‬ ‫الزواج وإجناب األطفال‪ .‬وإذا ما قاومن املسؤوليات‬ ‫األنثوية التقليدية املتعلقة بتربية األطفال‬ ‫والعناية باملنزل ‪ ،‬والتي أسمتها ‪Ariel Hoch‬‬ ‫‪ « child‬نوبة العمل الثانية» فإن ذلك يعني بدء‬ ‫اإلستعداد للمنازلة‪ .‬لكن النخبة النسوية ال‬ ‫تقاوم التقاليد‪ ،‬ولم تر أي من العرائس اللواتي‬ ‫أجريت مقابلة معهن‬ ‫مكثن في البيت واللواتي‬ ‫ُ‬ ‫أن « نوبة العمل الثانية» غير عادلة ‪ ،‬ويوافقن‬ ‫على أن األعمال املنزلية هي من صميم عمل‬ ‫املرأة‪ .‬وكما قالت إحدى العرائس احملاميات في‬ ‫تفسير قرارها بترك املهنة بعد خبرة أربع سنوات‪:‬‬ ‫علي التخطيط للزواج» ‪ .‬وأخرى ‪ ،‬وهي‬ ‫« كان‬ ‫َّ‬ ‫خريجة إحدى اجلامعات العريقة وحتمل شهادة‬ ‫املاجستير ‪ ،‬قالت بلغة اإلدارة ‪ « :‬هو (الزوج)‬ ‫رئيس اإلدارة التنفيذي ‪ ،‬وأنا رئيسة اإلدارة املالية‪،‬‬ ‫وعلي أن أقرركيف أنفقها»‪.‬‬ ‫عليه كسب املال‬ ‫َّ‬ ‫إنه عملهن ‪ ،‬وعليهن القيام به على أكمل‬ ‫وجه‪ : .‬نحن كلنا هنا مشغوالت بطبخ فطيرة‬ ‫التفاح» كان رد إحداهن لتفسير ترددها في ترك‬ ‫بناتها من إجراء املقابلة معها‪ .‬كما وصفت‬ ‫رئيسة اإلدارة املالية أنشطتها املنزلية قائلة ‪« :‬‬ ‫إني أصطحب أبنتي ( ذات الثالث سنوات ) إلى‬ ‫جميع املتاحف الكبرى ‪ ،‬ونذهب حلضور فصول‬ ‫في مدارس صغار األطفال»‪ .‬يؤكد احملافظون على‬ ‫أن ترك العمل يثبت «فشل» احلركة النسائية‬ ‫ألنها كانت متشددة جدا ً ‪ ،‬وألن النساء لم يرغنب‬ ‫فيما قدمته تلك احلركة‪ .‬وفي الواقع ‪ ،‬إذا كان‬ ‫نصف وريثات احلركة النسائية أو أكثر (‪ %85‬من‬ ‫النساء في عيني هن من صحيفة ‪New York‬‬ ‫‪ ) Times‬ال يأخذن العمل مآخذ اجلد‪ .‬ذلك ألن‬

‫تلك احلركة لم تكن متشددة مبا فيه الكفاية ‪،‬‬ ‫فلقد غيرت مكان العمل ولكنها لم تغير الرجال‬ ‫‪ ،‬واألهم من ذلك ‪ ،‬لم تغير العالقة بني الرجل‬ ‫واملرأة بشكل جوهري‪ .‬لقد بدأت احلركة متشددة‬ ‫بالفعل ‪ ،‬ففي دعوتها األصلية لإلستعداد‬ ‫للنضال ‪ ،‬شبهت (بيتي فريدان) العمل املنزلي‬ ‫باحلياة احليوانية ‪ ،‬وقالت في كتابها « الهالة‬ ‫السرية األنثوية» (‪) The Feminine Mystique‬‬ ‫« كنس أرضية غرفة اإلستقبال – بكامل الزينة‬ ‫أو من دونها – ليس بالعمل الذي يحتاج إلى‬ ‫تفكير أو طاقة كبيرة الزمة لكن تشكل حتديا ً‬ ‫لكامل قدرات املرأة ‪ ...‬لقد أدرك الرجل على مدى‬ ‫العصور أن ما مييزه عن احليوان هو قوة عقله‬ ‫التي متكنه من اإلتيان بفكرة أو رؤية ما فيقوم‬ ‫بتشكيل املستقبل ليتناسب معها ‪ ،‬وعندما‬ ‫يكتشف ويبدع ويشكل مستقبالً يختلف عن‬ ‫ماضيه يصبح رجالً ‪،‬أي أحد بني اإلنسان»‪ .‬إال أن‬ ‫احلركة النسائية (الليبرالية) املتحررة تخلت بعد‬ ‫ذلك عن نقطة البداية املتسمة بإصداراألحكام‬ ‫التقديرية لصالح تقدمي « خيارات» متعددة‬ ‫للنساء‪ .‬واحلديث عن اخليارات ناجت عن محاوالت‬ ‫الناس لتحاشي إستعمال كلمة « إجهاض «‬ ‫كما أن هذه « اخليارات « زودت احلركة النسائية‬ ‫بحل ال ميكن مقاومته لتفادي النزاعات حول‬ ‫مسألة بقاء املرأة في البيت من أجل األمومة‪.‬‬ ‫تستطيع املرأة ‪-:‬‬ ‫أن تعمل ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أوأن تبقى في البيت‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وأن تنجب عشرة أطفال ‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫أو ال تنجب أحداً‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫أن تتزوج ‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫أو تظل عزباء ‪.‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫يعتبر كل ذلك جزءا ً من احلركة النسائية طاملا‬ ‫كان خيارا ً للمرأة ‪ (.‬لقد أصبح مفهوم اإلختيار‬ ‫مسيطرا ً لدرجة أنه عندما تركت ( تشارلوت)‬ ‫وظيفتها حتت ضغط زوجها األول الذي ال يطاق‬


‫‪ ،‬جعلها مؤلفو مسلسل « اجلنس واملدينة «‬ ‫تصرخ قائلة ‪ « :‬إنني حرة في خياري ! إنني حرة‬ ‫في خياري!»‪ .‬واجلماعات األكثر تطرفا ً ضمن‬ ‫احلركة النسائية هي وحدها التي تعرضت‬ ‫ملوضوع العالقة بني اجلنسني داخل البيت ‪،‬‬ ‫ووصفت لها حلوال ً غير مثمرة مثل اإلشتراكية أو‬ ‫اإلنفصالية ‪ .‬نحن على علم بحكاية اإلشتراكية‬ ‫‪ ،‬وأما اإلنفصالية فلقد إصطدمت وجها ً لوجه‬ ‫مع موضوع الزواج من اجلنس اآلخر وبإعادة إنتاج‬ ‫الذات‪ ،‬ناهيك عن الكالم عن كسب لقمة العيش‬ ‫من وظيفة بيع الكتب في محل تابع للحركة‬ ‫النسائية‪ .‬وعلى حد قول ( أليس إيكولز) مؤرخة‬ ‫احلركة النسائية ‪ « :‬بدال ً من مواجهة موضوع‬ ‫اخلضوع والتبعية في احلياة العائلية ‪ ،‬إلتزمت‬ ‫احلركة النسائية في منظمة النساء القومية‬ ‫بالنضال من أجل دفع النساء في احلياة العامة»‪.‬‬ ‫وبغض النظر عما كانت عليه احلركة النسائية‬ ‫من عظمة ‪ ،‬مبجرد أن تراجعت إلى « اإلختيار»‬ ‫لم يبق لها ما تقوله في إيديولوجية اجلنس (‬ ‫من حيث الذكورة واإلنوثة) داخل العائلة‪ .‬ولم‬ ‫تستطع احلركة النسائية القول ‪ « :‬إن القيام‬ ‫باألعمال املنزلية ورعاية األطفال ضمن نواة‬ ‫األسرة ‪ Nuclear Family‬ليس باجملتمع وليس‬ ‫بذي قيمة محترمة من الناحية اإلجتماعية ‪،‬‬ ‫ويقتضي العدل أن يكون قاصرا ً على النساء على‬ ‫أساس اجلنس مع التضحية بإمكان حصولهن‬ ‫على املال والسلطة واإلحترام»‪ .‬تعتقد ‪ %50‬ممن‬ ‫إستطلعت آراؤهن و ‪ %62‬من احلاصالت على‬ ‫شهادة املاجستير من جامعة هارفارد و ‪ %85‬من‬ ‫عرائس صحيفة ‪ New York Times‬بأنهن قمن‬ ‫« بإختيار» حياتهن على أساس اجلنس من حيث‬ ‫الذكورة واإلنوثة ‪ .‬ما ال يعلمنه هو أن احلركة‬ ‫النسائية وبالتواطؤ مع اجملتمع التقليدي‪ ،‬أحالت‬ ‫مسألة العائلة املنقسمة على أساس اجلنس‬ ‫إلى النساء لكي ميارسن اإلختيار‪ .‬حتى مع وجود‬ ‫جميع دور الرعاية النهارية في العالم ‪ ،‬ال يزال‬

‫اإلختيار الشخصي محكوما ً بسياسة اجملتمع‬ ‫ومعظم ما تبقى هو ثورة ترك العمل‪.‬‬ ‫‪ -3‬ما العمل اآلن؟‬ ‫ها هو التحليل األخالقي للحركة النسائية‬ ‫الذي جتاهله اإلختيار‪ :‬العائلة جزء ضروري من‬ ‫احلياة –مبا فيها من مهام متكررة وغير منظورة ‪،‬‬ ‫وبدنية – ولكنها تسمح بفرص من أجل الرخاء‬ ‫اإلنساني الكامل أقل مما تسمح به اجملاالت‬ ‫العامة ‪ ،‬كالعمل في التجارة ‪ ،‬أو احلكومة ‪ .‬وهذا‬ ‫اجملال األقل رخاء ‪ ،‬ليس باملسؤولية الطبيعية‬ ‫واألخالقية للنساء فقط ‪ ،‬ولذلك فإن ‪ ،‬إقتصار‬ ‫ذلك على النساء هو أمر غير عادل‪ .‬كما أنه ليس‬ ‫من العدل أن تلزم املرأة نفسها بذلك‪ .‬وبعبارة‬ ‫آخرى ‪ ،‬وكما قال ‪ »: Mark Twain‬إن رجالً يختار‬ ‫عدم القراءة هو بنفس الدرجة من اجلهل كرجل‬ ‫ال يستطيع القراءة»‪.‬‬ ‫والنقاد على صواب في شيء واحد‪ :‬فموضوعات‬ ‫الـ‪ New York Times‬السخيفة ال تغيرمن األمر‬ ‫شيئا ً ‪ ،‬أما ‪ Dowd‬التي قد متتلك قدرات كثيرة‬ ‫لكنها ليست بالفيلسوف السياسي ‪ ،‬تختتم‬ ‫مقالها بالتساؤل عما إذا كان الوضع سيتغير‬ ‫بحلول عام ‪ 2030‬بكثير‪ .‬وفي كلتا احلالتني لن‬ ‫نستطيع اإلنتظارتلك الفترة الطويلة‪ .‬فإذا‬ ‫كان لنجاح النساء أية أهمية ‪ ،‬فعلى احلركة‬ ‫النسائية اإلعتراف بأن وضع العائلة في عام‬ ‫‪ 2005‬هو الوضع نفسه الذي كان عليه مكان‬ ‫العمل في عام ‪ ، 1964‬ووضع حق اإلنتخاب في‬ ‫عام ‪ .1920‬وكما هو احلال بالنسبة حلق العمل‬ ‫وحق اإلنتخاب‪ ،‬فإن احلق في حياة مزدهرة ‪ ،‬تشمل‬ ‫احلياة العائلية ولكنها ال تقتصر عليها‪ ،‬لن يجد‬ ‫حالً من خالل لغة حق اإلختيار‪ .‬والنساء اللواتي‬ ‫يرغنب في ممارسة اجلنس وإجناب األطفال مع‬ ‫القيام في نفس الوقت بعمل جيد في وظائف‬ ‫ممتعة بحيث يتمكن أحيانا ً من ممارسة سلطة‬ ‫إجتماعية ‪ ،‬هن في حاجة إلى إرشاد‪ ،‬ويحتجن‬ ‫ذلك بشكل مبكر‪ .‬واخلطوة األولى ببساطة هي‬ ‫‪141‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪142‬‬

‫البدء باحلديث عن الرخاء واإلزدهار‪ ،‬وبذاك تكون‬ ‫احلركة النسائية قد بدأت تعود جلذورها األولى‪،‬‬ ‫وقد يثير هذا غضب البعض ‪ ،‬ولكنه سيقرع‬ ‫جرس اإلنذار قبل أن ينتهي األمر باجليل القادم‬ ‫في الوضع نفسه الذي نحن عليه اآلن‪ .‬اخلطوة‬ ‫الثانية على احلركة النسائية أن تبدأ بتقدمي‬ ‫حلول لتطبقها صغار النسوة على عاتقهن‬ ‫وليس مجرد حق إختيار أو طوباوية ‪ ،‬دفع النساء‬ ‫للخروج من الدور التقليدي لهن وليس باألمر‬ ‫الهني‪ .‬ويتطلب األمر قواعد – قواعد كتلك التي‬ ‫في كتاب « القواعد ‪ « The Rules‬الذي كان مثار‬ ‫إستهزاء وسخرية على نطاق واسع والذي لم‬ ‫يكن أبدا ً عن املواعيد الغرامية وإمنا على تعديل‬ ‫السلوك‪ .‬وهناك ثالث قواعد ‪-:‬‬ ‫إستعدي باملؤهالت الالزمة للحصول‬ ‫‪ -1‬‬ ‫على عمل جيد‪.‬‬ ‫نفسك في موضع غير‬ ‫وال تضعي‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ِ‬ ‫متكافئ من حيث املواد واإلمكانات عند الزواج‪.‬‬ ‫وتعاملي مع العمل بجدية‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫وفترة اإلستعداد تبدأ في اجلامعة‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫ومن املؤسف أن يرى املرء أن الفتيات يضعن حدا ً‬ ‫خلياراتهن في العمل في احلياة العامة في وقت‬ ‫مبكر جدا ً هو مرحلة اجلامعة ‪ ،‬ولكنهن في‬ ‫الواقع يفعلن ذلك‪ .‬العيب األول يتمثل في منهج‬ ‫اآلداب والدراسات اإلنسانية والثقافية العامة ‪،‬‬ ‫الذي جتيده النساء ويتخرجن منه بأعداد أكبر‬ ‫من الرجال‪ .‬فعلى الرغم من أن العديد من الناس‬ ‫الناجحني بدؤوا بدراسة تلك املواد ‪ ،‬فإن الهدف‬ ‫من تعليمها ليس التأهيل للوظيفة بإستثناء‬ ‫عدد صغير جدا ً من الوظائف األكادميية‪ .‬وهكذا ‪،‬‬ ‫تعليمك اجلامعي‬ ‫فالقاعدة األولى هي أن تختاري‬ ‫ِ‬ ‫وعيناك على أهداف املهنة التي ستعملني بها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ويجب على منظمات احلركة النسائية أن تصدر‬ ‫كل عام دراسة حول أكثر فرص العمل شيوعا ً‬ ‫حلاملي الشهادة اجلامعية ‪ ،‬إضافة إلى معدل‬ ‫الدخل املتوقع على مدى احلياة لكل فئة من‬

‫الوظائف ‪ ،‬واملواصفات الالزمة لتلك الوظائف‪.‬‬ ‫واملهم هنا هو مساعدة الفتاة على أن ترى أنه‬ ‫من املمكن أن تدرس تاريخ اآلدب ‪ ،‬ولكن مع إدراك‬ ‫واقعي بأنها ستحتاج في يوم قريب إلى إستثمار‬ ‫دراستها لآلدب في إعالة نفسها وعائلتها‪.‬‬ ‫وعلى مثل هذه الدراسة مطالبة الفتيات بأن‬ ‫يختزن أفضل ما يتناسب معهن ويرشدهن إلى‬ ‫أفضل أنواع التعليم التي تتفق مع قدراتهن‬ ‫وإستعداداتهن مثل اإللتزام الذي ينص على عدم‬ ‫قبول موعد غرامي ليوم السبت بعد ليلة األربعاء‬ ‫‪ ،‬وعلى الدراسة أن تقدم مسارات دراسية واقعية‬ ‫للنساء ملساعدة الراغبات في العمل في وظيفة‬ ‫أمني متحف رغم إفتقارهن للعبقرية الفنية‪،‬‬ ‫في عدم الوقوع في براثن اإلحباط املهني وحتاشي‬ ‫حل مشاكلهن الوظيفية بالزواج‪ .‬وبعد اجلامعة‬ ‫يأتي التدريب على أعمال الوظيفة أو التعليم‬ ‫املستمر‪ .‬والعديد من عرائس صحيفة ‪New‬‬ ‫‪ – York Times‬وكذلك العرسان‪ -‬عملوا بالفعل‬ ‫عند إنهاء تعليمهم ‪ .‬وإليكم هذه القصة حول‬ ‫الفارق بينهما‪ :‬تقابل الزوجان من خالل العمل‬ ‫محام ‪ ،‬وبعد سنوات قليلة‬ ‫في شركة وكالهما‬ ‫ٍ‬ ‫حتول الرجل من العمل في قانون التجارة الدولية‬ ‫إلى العمل في عالم األعمال والتجارة العاملية‬ ‫لي ‪:‬‬ ‫‪ ،‬أما املرأة فقد تركت العمل كليا ً وقالت ّ‬ ‫تدربك‬ ‫« لقد قالوا لي إن كلية احلقوق ميكن أن‬ ‫ِ‬ ‫تؤهلك للدخول في عالم‬ ‫ألي شيء ‪ ،‬ولكنها ال‬ ‫ِ‬ ‫علي أن أدخل كلية إدارة‬ ‫التجارة واألعمال ‪ ،‬وكان َّ‬ ‫األعمال ‪ ،‬أليس كذلك «‪ .‬أو كان عليها اإلنسحاب‬ ‫والتنحي جانبا ً‬ ‫وشاهدت زوجها احملامي يستغل‬ ‫ْ‬ ‫سنوات عمله األولى لإلستعداد للتحول إلى‬ ‫عمل له عالقة بذلك‪ .‬لقد إفترض كل عريس‬ ‫من عرسان صحيفة ‪ New York Times‬أن‬ ‫عليه أن ينجح في عالم األعمال ‪ ،‬وفي احلقيقة‬ ‫حاول كل منهم كذلك ‪ ،‬وباملقابل ‪ ،‬كان الطابع‬ ‫املشترك بني النساء اللواتي قابلتهن عبارة عن‬ ‫مثالية اإلعتداد بالنفس حول أنواع الوظائف‬


‫الفكرية – أي التي يستلزم حث الفكر فيها‬ ‫– واملتميزة واملرموقة إجتماعيا ً ‪ ،‬واخلالية من‬ ‫املناورات السياسية والتي تستأهل حضورهن‬ ‫الذي ال يقدر بثمن‪ .‬وهكذا ‪ ،‬فالقاعدة الثانية هي‬ ‫‪ :‬على النساء التعامل مع السنوات األولى بعد‬ ‫اجلامعة كفرصة لإلندماج في احلياة العملية ذات‬ ‫الطابع الرأسمالي واإلستعداد لإلنتاج اجليد الذي‬ ‫سيتعاملن معه حينذاك بجدية‪ .‬فأفضل الطرق‬ ‫للتعامل مع العمل بجدية هي في الوصول إلى‬ ‫املال‪ .‬فاملال هو املؤشر على النحاج في إقتصاد‬ ‫السوق ‪-:‬‬ ‫وعادة ما ترافقه السلطة‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ويساعد حامله على إستخدام هذه‬ ‫‪ -2‬‬ ‫السلطة ‪ ،‬مبا في ذلك إستخدامها داخل األسرة‬ ‫دون إستثناء تقريباً‪.‬‬ ‫فأن النساء اللواتي تركن العمل تخرجن‬ ‫بالشهادة اجلامعية نفسها كأزواجهن تقريباً‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ففي مرحلة ما إتخذت النساء قرارا ً‬ ‫نحو اإلجتاه األقل ماالً‪ .‬وكانت املثالية جزءا ً من‬ ‫املشكلة ‪- :‬‬ ‫فاملثالية على درب املهنة أو املستقبل‬ ‫‪ -1‬‬ ‫الوظيفي عادة ما تؤدي إلى العمل الطوعي‪.‬‬ ‫أو إلى وظيفة تشبه العبودية ( السخرة)‬ ‫‪ -2‬‬ ‫من وظائف اخلدمة اإلجتماعية وقد يكون ذلك‬ ‫عليك ماالً‪.‬‬ ‫عمالً جيدا ً لكنه ال يدر‬ ‫ِ‬ ‫واخلطأ اآلخر هو تغيير الوظيفة عدة مرات ودون‬ ‫إستثناء ‪ ،‬لقد غيرت العرائس اللواتي تركن العمل‬ ‫وظائفهن أكثر مما فعل العرسان (الرجال)‪ .‬وإذا‬ ‫فأنت في وضع بسمح‬ ‫عملك‬ ‫كنت ناجحة في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لك بالتعامل مع املشروع الثالث ‪ :‬األسرة املنجبة‬ ‫ِ‬ ‫لألطفال‪ .‬والقاعدة التي حتكم هذا املوضوع هي‬ ‫حصتك العادلة من نوبة‬ ‫أال تتحملي أكثر من‬ ‫ِ‬ ‫العمل الثانية‪ .‬وإذا كان هذا قاسيا ً وخاليا ً من‬ ‫فعليك باإلطالع على الدراسة التي‬ ‫التعاطف‬ ‫ِ‬ ‫أصدرها مركز سياسة العمل – واحلياة‪ .‬تشعر ما‬ ‫ال يقل عن ‪ %40‬من النساء املتزوجات واملتعلمات‬

‫تعليما ً عاليا ً بأن أزواجهن ميثلون عبئا ً عليهن ال‬ ‫يقارن مبا يقدمونه من املساعدة في البيت‪ .‬ووفقا ً‬ ‫ملا ورد في كتاب « الهالة السرية للمهنة» بقلم‬ ‫( فيليس مون وباتريشا رولينك ) يزداد عمل املرأة‬ ‫في البيت بعد الزواج بنسبة ‪ %17‬بينما يتناقص‬ ‫عمل الرجل بنسبة ‪ ، %33‬وليس هناك واحد من‬ ‫بني عرسان صحيفة ‪ New York Times‬من النوع‬ ‫الذي ميكث في البيت‪ .‬العديد منهم ينتظر يوم‬ ‫اإلثنني بفارغ الصبر ‪ ،‬ولم يأخذ أي من عرسان‬ ‫‪ New York Times‬مجرد إجازة أبوة قصيرة عند‬ ‫والدة أطفالهم‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه هنا‬ ‫هو ‪ :‬كيف السبيل في حتاشي هذا الروتني اململ؟‬ ‫اجلواب هو ‪- :‬‬ ‫إما بالعثور على زوج عنده من السلطة‬ ‫‪ -1‬‬ ‫عندك‪.‬‬ ‫اإلجتماعية أقل مما‬ ‫ِ‬ ‫أو بالعثور على زوج ملتزم بفكرة املساواة‬ ‫‪ -2‬‬ ‫بني اجلنسني‪.‬‬ ‫إذا ً‬ ‫عليك إختيار الطريق األسهل ‪ ،‬أوال ً تزوجي من‬ ‫ِ‬ ‫منك سلطة ‪ ،‬ال تظنني أن هذه خطوة‬ ‫هو أقل‬ ‫ِ‬ ‫أهدافك‬ ‫كنت مخلصة في حتقيق‬ ‫طائشة ‪ ،‬فإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يساندك في ذلك ‪،‬‬ ‫الوظيفية وترغبني في رجل‬ ‫ِ‬ ‫فإنت تعملني ما عمله الرجال على مدى العصور‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫مقامرة آمنة!‪ .‬توصي (رونا ماهوني) في كتابها‬ ‫« نحن نخدع أنفسنا ‪ :‬األطفال وكسب الرزق‬ ‫والقدرة على املساومة ‪Kidding Ourselves:‬‬ ‫‪Babies Breadwinning and Bargaining‬‬ ‫‪ « Power‬الصادر عام ‪ ، 1995‬توصي بالعثور على‬ ‫زوج متعاون ‪-:‬‬ ‫إما بالزواج من رجل أصغر سناً‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو أكثر فقراً‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫أو رجل في وضع يستوجب اإلعتماد على‬ ‫‪ -3‬‬ ‫الغير – مثل فنان جائع‪.-‬‬ ‫ومبا أن املال هو عالمة املكانة والسلطة ‪ ،‬فمن‬ ‫الصعب إقناع النساء بالزواج ممن هو أفقر منهن‪.‬‬ ‫إليك قاعدة أسهل ‪ :‬تزوجي رجل أصغر‬ ‫وهكذا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫منك بكثير‪ .‬فعند صغار السن‬ ‫منك سنا ً أو أكبر ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪143‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪144‬‬

‫من الرجال إمكانية الظهور مبظهر أزواج الطبقة‬ ‫الراقية ‪ ،‬والرجال األكبر بكثير مستقرون مبا فيه‬ ‫الكفاية بحيث ال يكونون مضطرين للعمل‬ ‫الشاق او لساعات طويلة ‪ ،‬وفي األعم واألغلب‬ ‫ميتلكون قدرا ً كافيا ً من املال إلستئجار من‬ ‫يساعد في القيام باألعمال املنزلية الالمحدودة‪.‬‬ ‫وباملقارنة ‪ ،‬فالرجال األكبر بقليل ومن ذوي الدخول‬ ‫العالية هم األكثر خطورة ‪ ،‬ولكن حتى باإلرتباط‬ ‫بشريك مماثل متاما ً محفوف باخملاطر أيضاً‪ .‬وإذا‬ ‫كان كالكما في بداية مرحلة احلصول على إحدى‬ ‫الوظائف املرموقة في الوقت الذي تنجبون به‬ ‫أطفاال ً ‪ ،‬فإن أحدكما سيضطر إلى التنازل‪ .‬وحتى‬ ‫أكثر احملامني إخالصا ً وتفانيا ً في العمل ومع وجود‬ ‫مربية تبذل قصارى جهدها ألطفالهم سيمرون‬ ‫بأسابيع ال يستطيع أي منهم العودة للبيت‬ ‫في غير أوقات النوم‪ .‬ومن املرجح عند حصول‬ ‫مثل هذا الوضع ‪ ،‬أن تتنازل املرأة عن طموحاتها‬ ‫وإمكاناتها املهنية‪ .‬من احملتمل أن يكون الزواج‬ ‫من رجل متسامح ومتحرر هو السبيل األفضل ‪.‬‬ ‫وبعد كل شيء يبرر احملافظون عدم املساواة داخل‬ ‫العائلة بأسلوبني‪- :‬‬ ‫« تلك إرادة اهلل « ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫« التكوين البيولوجي قضا ًء وقدر»‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ويعتقد معظم الرجال ( ومعظم النساء )‬ ‫ومنهم املتسامحون واملتحررون أن البيت هو‬ ‫من مسؤولية النساء ‪ ،‬لكنهم على األقل‬ ‫كنت قد‬ ‫يشعرون باحلساسية حيال ذلك‪ .‬وإن‬ ‫ِ‬ ‫أمورك بعناية ودقة بالزواج ممن هو أصغر‬ ‫تدبرت‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫عثرت على شخص لم‬ ‫كنت قد‬ ‫منك سنا أو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تفسده أيديولوجية اجلنس (الذكورة واألنوثة)‬ ‫لك مبقاومة القيام بأكثر‬ ‫فأنت في وضع يسمح ِ‬ ‫ِ‬ ‫حصتك العادلة جتاه العائلة‪ ،‬وحتى عند‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫فعليك أن تكوني يقظة ‪ ،‬وتأتي الصفقات‬ ‫ذلك‬ ‫ِ‬ ‫السيئة على هيئتني‪- :‬‬ ‫إقتصادية وإقتصاد منزلي‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫اإلغراء اإلقتصادي يتمثل في أن تتكفل‬ ‫‪ -2‬‬

‫الزوجة العاملة بتكاليف رعاية األطفال‪.‬‬ ‫فإذا قرر زوجان أن ينجبا طفالً وكان دخل املرأة‬ ‫‪ 50‬ألف دوالر في السنة ‪ ،‬ودخل زوجها ‪ 100‬ألف‬ ‫دوالر في السنة ‪ ،‬وكانت تكاليف مربية الطفل‬ ‫‪ 30‬ألف دوالر في السنة ‪ ،‬سيجد الزوجان أن ما‬ ‫يتبقى من دخل الزوجة بعد دفع ‪ %40‬كضرائب‬ ‫هو ‪ 30‬ألف دوالر وهو ما يكفي لدفع راتب املربية‬ ‫فقط ‪ ،‬وبذلك فمن األفضل لها أن تبقى في‬ ‫البيت‪ .‬ولكن هذا يتجاهل على نحو تام بأن‬ ‫كال البالغني شريك في األمر ويتجاهل الدخل‬ ‫املستقبلي املفقود ‪ ،‬والسلطة ‪ ،‬واألمن للمرأة‬ ‫التي تركت عملها‪ .‬فبدال ً من ذلك ‪ ،‬عليهم‬ ‫إحتساب مجموع دخل ( الزوج والزوجة) السنوي‬ ‫الذي هو ‪ 150‬ألف دوالر وما تبقى منه بعد دفع‬ ‫الضرائب هو ‪ 90‬ألف دوالر للوفاء بتكاليف‬ ‫حياتهم‪ .‬والفخ الذي ينصبه اإلقتصاد املنزلي‬ ‫يحاول إستغالل معرفة املرأة املتفوقة وحرص‬ ‫النساء املتميز على النظافة والصحة العامة‪.‬‬ ‫فاحلل إذن في اإلدعاء باجلهل وعدم احملافظة على‬ ‫عليك أال تعرفي مكان الزبدة أبدا ً ! «‬ ‫النظافة ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أين الزبدة ؟ « هي اجلملة التي تبدأ بها صيغة (‬ ‫نورا إيفرون ) الشهيرة املتكررة عن الزواج ‪ ،‬حيث‬ ‫يسأل الرجل فيها عن مكان الزبدة ‪ ،‬وهو ينظر‬ ‫إليها في الثالجة ‪ .‬حقيقة أن صيغة « أين‬ ‫الزبدة ؟ « تعني ‪-:‬‬ ‫ضعي الزبدة على خبزي احملمص‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫إشتري الزبدة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وتذكري متى ستنفذ الزبدة‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫وبذلك تصبح اخلطوة التالية هي أن‬ ‫‪ -4‬‬ ‫ألنك مشغولة‬ ‫تتركي‬ ‫وظيفتك في مكتب احملاماة ِ‬ ‫ِ‬ ‫جدا ً بإدارة شؤون الزبدة‪.‬‬ ‫ولو أن النساء لم يبدأن أبدا ً بلعب دور ربة البيت ‪،‬‬ ‫سيكون البيت وسخا ً ‪ ،‬إال أن حقائق العالم املادي‬ ‫ستتفوق على اإلستعانة بأيدولوجية اجلنس (‬ ‫الذكر واألنثى)‪ .‬فإما أن يقوم الطرف الراشد اآلخر‬ ‫في العائلة بدور إيجابي فعال أو سينمو األطفال‬


‫ولديهم منظومة مناعة قوية‪ .‬فإذا كانت هذه‬ ‫فإليك القاعدة‬ ‫الوصفات غير مناسبة للعائلة ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األخيرة‪ :‬أجنبي طفالً واحدا ً ‪ ،‬ولكن ال تنجبي أثنني‬ ‫‪ .‬تقول (جوديث ستاندمان ) في موقع حركة‬ ‫األمهات على اإلنترنيت ‪Mother’s Movement‬‬ ‫‪ Online‬أن النساء اللواتي يتركن العمل من أجل‬ ‫تربية األطفال يفعلن ذلك عادة بعد والدة الطفل‬ ‫الثاني فقط‪ ،‬حيث يضغط الطفل الثاني على‪-:‬‬ ‫مهارات األم التنظيمية‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ويضاعف الطلب على احلصول على‬ ‫‪ -2‬‬ ‫املواعيد ‪.‬‬ ‫ويرفع تكاليف التعليم والسكن بشكل‬ ‫‪ -3‬‬ ‫كبير‪.‬‬ ‫ويدفع بالعائلة إلى السكن في‬ ‫‪ -4‬‬ ‫الضواحي‪.‬‬ ‫لكن املدن مبا متلكه من إمكانات الوجبات‬ ‫‪ -5‬‬ ‫السريعة من املطاعم الصينية وغير ذلك هي‬ ‫أفضل لألمهات العامالت‪.‬‬ ‫إتبعت هذه القاعدة فإن‬ ‫أنك لو‬ ‫صحيح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مجتمعك سيبدأ بالتناقص من حيث عدم اإلرادة‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬ولكن إذا ساءت األمور إلى حد كبير ‪ ،‬فمن يعلم‬ ‫ما التداعيات التي ستنجم عن ذلك ؟ ورغم كل‬ ‫ذلك لم يكن النظام الفرنسي الذي يتباهى‬ ‫برعاية الطفل سوى رد فعل على معدل اإلجناب‬ ‫األملاني املتفوق‪.‬‬ ‫‪ -4‬ملاذا نعير األمر كل هذا األهتمام ؟‬ ‫إذ ليس هناك شيء أسمه وظيفة مثالية كاملة‪،‬‬ ‫فلقد كانت رغبة (كوندوليزا رايس) أن تكون‬ ‫عازفة بيانو ‪ ،‬ولم يرغب ‪ Gary Goffman‬في أن‬ ‫يقدم حفالت موسيقية ‪.‬‬ ‫تبدو عرائس صحيفة ‪ New York Times‬اللواتي‬ ‫يتمتعن باإلمتيازات – وأزواجهن – سعيدات فلماذا‬ ‫إذن نعير ما يفعلنه أي أهتمام ؟ وفي النهاية فإن‬ ‫معظم الناس ‪-:‬‬ ‫ليسو أغنياء ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وبيض البشرة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬

‫وأسوياء جنسياً‪.‬‬ ‫وال يستطيعون ترك العمل إن هم أرادوا‬

‫‪- 3‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫ونحن نهتم باألمر ألن ما تفعله النساء يلحق‬ ‫الضرر بهن ‪ ،‬وبالتأكيد باجملتمع برمته‪ ،‬وميكن‬ ‫محاكاته على نحو واسع ‪ ،‬حتى من قبل إناس ال‬ ‫يقومون باإلعالن عن زواجهن في صحيفة ‪New‬‬ ‫‪ York Times‬أبداً‪ .‬هذا األمر األخير يدعى « تأثير‬ ‫النظام ‪ « Effect Regime‬ويعني أنه حتى لو لم‬ ‫تترك النساء وظائفهن للبقاء مع أسرهن ‪ ،‬فهن‬ ‫يعتقدن بأنه من الواجب عليهن تركها ويشعرن‬ ‫باإلثم إن لم يفعلن ذلك‪ .‬لقد خلق تأثير النظام‬ ‫املذكور غموضا ً حول الهالة السرية األنثوية‬ ‫أيضاً‪ .‬وأما بالنسبة للمجتمع ‪ ،‬فالنخب تزود‬ ‫طبقات صناع القرار بالعمالة ‪-:‬‬ ‫كأعضاء مجلس الشيوخ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ورؤوساء حترير الصحف‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫والعلماء والباحثني‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫ورجال األعمال‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫وصانعي السياسات‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫ودارسي السياسة‪.‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫إذا كانت الطبقة احلاكمة تتكون في معظمها‬ ‫من الذكور فإن ذلك كفيل بأن يوقع احلكام في‬ ‫أخطاء ينتفع منها الذكور‪ ،‬إن بسبب اجلهار‬ ‫باملوضوع أو عدم املباالة‪ .‬وتظهر الدراسات‬ ‫اإلعالمية أن وجود أنثى واحدة ضمن طاقم برنامج‬ ‫تلفزيوني ‪ ،‬يرفع نسبة النساء على الشاشة‬ ‫من ‪ %36‬إلى ‪ . %42‬فعالم فيه ‪ %84‬من احملامني‬ ‫من الذكور مع ‪ 84‬من مساعديهم من اإلناث‬ ‫هو مكان مختلف عن عالم حتتل فيه النساء‬ ‫مواقع السلطة اإلجتماعية‪ .‬فكر فيما سيؤول‬ ‫إليه وضع مدينة أمريكية يشكل البعض فيه‬ ‫‪ %86‬من رجال الشرطة‪ .‬وإذا كانت الشخصيات‬ ‫النموذجية التي هي مثل أعلى ال قيمة لها ‪،‬‬ ‫فلماذا نهتم بـ‪ Sandra Day O’Connor‬وحتى لو‬ ‫كان عدد النساء اللواتي فقدن مراكز السلطة‬ ‫‪145‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪146‬‬

‫عند مستوى معني يعني فقدان األمل بالتغيير‪.‬‬ ‫فهل يعني ذلك أنه لن يكون هناك أكثر من إمراة‬ ‫واحدة في احملكمة العليا أبدا ً ؟ واألسوا من ذلك‪،‬‬ ‫أن السلوك يضلل كل أنثى باملعلومات التي تقول‬ ‫إنها لن تصبح حاكمة أبداً‪ .‬وقد وصفت (شيرلي‬ ‫تيلكمان) رئيس جامعة برنستون الصورة الذاتية‬ ‫للجامعات الراقية على نحو مثالي عندما‬ ‫أخبرت طالب السنة األولى في عام ‪ 2005‬بأنهم‬ ‫سيكونون قادة األمة ‪ ،‬ومن الواضح أنها لم تكن‬ ‫تفكر في الزوجات اللواتي يقمن بأدوار هامشية‬ ‫فقط ‪ ،‬ما أجل إظهار متيز أزواجهن‪ .‬فلماذا يقوم‬ ‫اجملتمع بإنفاق املوارد على تعليم النساء مقابل‬ ‫عائد معدله ‪ %50‬فقط من األهداف املنصوص‬ ‫عليها؟ وقد نشرت صحيفة « إحتاد احملافظني‬ ‫األمريكيني» في عام ‪ 2004‬عمودا ً ينصح فيه‬ ‫أصحاب األعمال باإلبتعاد عن توظيف مثل تلك‬ ‫النسوة وإال فهم يجازفون باإلفالس ‪ .‬واملعلومات‬ ‫السيكولوجية اجليدة ‪ ،‬تثبت أنه كلما عوملت‬ ‫النساء بإحترام ‪ ،‬إزدات طموحاتهن والعكس‬ ‫صحيح‪ .‬فثورة ترك العمل هذه هي في حقيقة‬ ‫األمر رجوع إلى الوراء‪ .‬وأخيرا ً ‪ ،‬هذه اخليارات‬ ‫سيئة للمرأة بشكل فردي‪ .‬فاحلياة الطيبة لبني‬ ‫اإلنسان تشمل املعيار الكالسيكي الذي يتمثل‬ ‫في إستغالل املرء لقدراته على الكالم والتفكير‬ ‫بطريقة حكيمة‪ .‬واملطلب الليبرالي بإمتالك‬ ‫كاف لتوجيه حياته ‪،‬‬ ‫الفرد إلستقالل ذاتي‬ ‫ٍ‬ ‫كذلك معيار مذهب املنفعة الذي يقضي بعمل‬ ‫ما هو نافع أكثر مما هو ضار في هذا العالم‪.‬‬ ‫وبالقياس على هذه املعايير التي مت إختيارها على‬ ‫مدى الزمن ‪ ،‬ستعيش أمهات الطبقة العليا‬ ‫املتعلمات تعليما ً مكلفا ً حياة أقل من ذلك‪.‬‬ ‫ففي فجر احلركة النسائية شبهت ٌمن َّظرتان‬ ‫أيديولوجية اجلنس ( من حيث الذكورة واألنوثة)‬ ‫بنظام الطوائف اإلجتماعية‪ .‬وإذا ما تبينا رؤيتهن‬ ‫من بصيرتهن ستحمل بنات الطبقة الراقية‬ ‫معظم عبء العمل الذي يرتبط دائما ً بالطبقات‬

‫الدنيا‪- :‬‬ ‫الكنس‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫والطبخ‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وتنظيف املرافق الصحية (فضالت‬ ‫‪ -3‬‬ ‫اجلسم)‪.‬‬ ‫وبعد أقل من أسبوعني من صفعة ‪ Yalie‬نشرت‬ ‫‪ New York Times‬قصة عن أمهات يقمن‬ ‫بتدريب أطفالهن على إستعمال احلمام (املرافق‬ ‫الصحية) من خالل مراقبة األطفال بيقظة‬ ‫لظهور مؤشرات على التغوط على مدى ‪24‬‬ ‫ساعة في اليوم ‪ 7‬أيام في األسبوع‪ .‬لقد أصبحن‬ ‫مبحض إرادتهن من طبقة املنبوذين‪ .‬فعندما‬ ‫قرعت ( بيتي فريدان) جرس اإلنذار الذي أحيا‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫احلركة النسائية بعد أربعني عاما من حصول‬ ‫حتدثت عن حياة‬ ‫النساء على حق اإلنتخابات ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫لها هدف ومهنى ‪ ،‬حياة أفضل وأخرى أسوأ ‪،‬‬ ‫ولقد قطعت النساء مرحلة طويلة نحو حتطيم‬ ‫السقف الزجاجي الذي حد من إحتماالت وفرص‬ ‫النجاح خارج البيت ‪ ،‬أما اآلن بالسقف الزجاجي‬ ‫يبدأ في البيت مع أنه من الصعب حتطيم سقف‬ ‫رأسك أيضا ً ‪،‬‬ ‫هو السقف نفسه الذي يقع فوق‬ ‫ِ‬ ‫إال أنه ال يوجد خيارغير ذلك‪.‬‬


‫العالقة بني تاريخ العلم و‬ ‫فلسفته‪...‬‬ ‫دراسة حتليلية نقدية‪.‬‬

‫الباحث‪ :‬د‪ .‬حسن حسني صديق‬ ‫مدرس في جامعة رابه رين‪ -‬قسم الفلسفة‪-‬‬ ‫سكول العلوم اإلنسانية‪.‬‬

‫‪147‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪148‬‬

‫املقدمة‪.‬‬ ‫ان البحث في تاريخ العلم يستوجب النظر‬ ‫في بعديه االبستمولوجي والسوسيولوجي ألن‬ ‫املفاهيم العلمية من سماتها التبدل والتطور‬ ‫والتغير‪ ،‬فتاريخ العلم هو هذا التغير والتبدل‬ ‫املستمر لسياقه املفهومي النظري‪ ،‬ولوال هذا‬ ‫التغير والتجدد للمفاهيم العلمية ملا ظهر‬ ‫هناك ما يسمى تاريخ العلم‪ .‬ويسعى الباحثون‬ ‫في جميع امليادين العلمية الى إعتماد معيار‬ ‫علمي قادر على تأسيس بنية علمية من خالل‬ ‫التمييز بني العلم والالعلم ‪ ،‬وهذا ما وجدناه مع‬ ‫كارل بوبر عندما حاول ان مييز بني علمية بعض‬ ‫النظريات العلمية في مقابل نظريات تدعي‬ ‫العلمية لفرضياته مثل النظريات التاريخية‬ ‫‪ .‬حيث ان اإلطالع على تاريخ العلم فيه فوائد‬ ‫كثيرة منها‪ ،‬التعرف على ان إختالف املعايير‬ ‫العلمية نابع من إعتبارات متنوعة‪ ،‬منها ما‬ ‫هو منطقي معرفي موضوعي‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫شخصي ايديولوجي‪.‬‬ ‫لذا جاءت دراستنا هذه في العلم بني التاريخ‬ ‫والفلسفة ( دراسة في فلسفة العالقة بني‬ ‫تاريخ العلم وفلسفتها)‪ ،‬موزعة على مبحثني‬ ‫أساسيني‪ ،‬تناولنا في املبحث األول تاريخ العلم‬ ‫وفلسفتها ‪ ،‬وبينا مفهوم تاريخ العلم عند‬ ‫فالسفة ومؤرخي العلم في الفلسفة املعاصرة‬ ‫مع بيان وجهات النظر اخملتلفة حول املفهوم‬ ‫وأهميته الفلسفية بالنسبة للعالم وفيلسوف‬ ‫العلم في مجال دراساتهم ‪ .‬وتناولنا في املبحث‬ ‫الثاني العالقة بني تاريخ العلم وفلسفة العلم‬ ‫ومدى األهمية التي يقدمها الواحد لآلخر في‬ ‫حقول أبحاثهم ودراساتهم عن النظريات‬ ‫العلمية وكيفية تطور العلم عبر مسيرتها‬ ‫التاريخية‪.‬‬

‫املقارن بني وجهات نظر الفالسفة مع إعطاء رأينا‬ ‫في بعض املوضوعات التي إستوجبت التوضيح‬ ‫والتفسير‪ .‬وهدفنا من كتابة هذه الدراسة تكمن‬ ‫في أهمية املوضوع كونه لم يتطرق اليه سابقا‬ ‫بهذه الصورة ‪ ،‬وان موضوع تاريخ العلم وعالقته‬ ‫بفلسفة العلم اليزال موضوعا معاصرا في‬ ‫اجلامعات األوربية ‪ ،‬أما في أقسامنا ( الفلسفة‬ ‫والتاريخ والعلوم ) فهناك تقصير بحق هذه‬ ‫املوضوع ‪ .‬من هنا وجدت ضرورة البحث والدراسة‬ ‫ملثل هذه املواضيع‪.‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬تاريخ العلم وفلسفته‪.‬‬ ‫تاريخ العلم‪:‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫بداية نطرح هذاالسؤال اخلاص عن ماهية تاريخ‬ ‫العلوم ونقول ‪ ،‬ما املقصود بتاريخ العلوم؟‬

‫إن أكثر تواريخ العلوم شيوعا‪ ،‬كما يؤكد‬ ‫التوسير ليست سوى مجرد سرد لوقائع علمية‬ ‫أو فلسفات مثالية عن تاريخ فلسفات تبحث‬ ‫في منو العلوم عن أمثلة تبرر بها االيديولوجيات‬ ‫التي حتملها فلسفاتها‪ )1(.‬إال أننا جند من جهة‬ ‫أخرى مؤرخ العلم( جورج كاجنيالم) يعبر عن‬ ‫تاريخ العلم بقوله ‪ « :‬ال ميكن ان يكون تاريخ‬ ‫العلم مجرد مجموعة من السير او قائمة من‬ ‫األحاجي ‪ ،‬بل إنه عبارة عن تاريخ للمفاهيم‬ ‫العلمية في حركة تكونها وإعادة صياغتها‬ ‫وتصحيحها التي ال تتوقف « ‪ .‬من هنا يقع‬ ‫على عاتق املؤرخ ان يبحث عن ذلك اخليط الذي‬ ‫يربط وينظم الكشوفات في كل واحد من‬ ‫هذه العلوم (‪ .)2‬وقد عبر عن نفس هذه املعنى‬ ‫الباحث «شوقي جالل « في مقدمته لكتاب «‬ ‫تاريخ العلم» ملؤلفه « جون غريبني» بقوله ‪ »:‬إن‬ ‫عبارة تاريخية العلم تعني أنه عملية دينامية‬ ‫كنشاط إجتماعي مطرد التطور في الزمان‪»...‬‬ ‫(‪ .)3‬معنى هذا ان تاريخ العلم البد وان يقدم‬ ‫وإستخدمنا في دراساتنا هذا املنهج التحليلي موضوعه بوصفه معرفة عقالنية متكاملة‪ ،‬ولن‬


‫يوفق تاريخ العلم في هذه املهمة بدون اللجوء‬ ‫الى فلسفة العلم‪ .‬أي ان من مهمات فلسفة‬ ‫العلم الربط بني العلم وتاريخه وبيان االبعاد‬ ‫التاريخية لظاهرة العلم‪ .‬وكما يحاول ايضا أن‬ ‫يفلسف العلم من خالل تطوره التاريخي وعبر‬ ‫تفاعالته مع اجلوانب احلضارية واإلجتماعية وهي‬ ‫املعبر الشرعي ألصول التفكير العلمي(‪.)4‬‬ ‫إذن نستطيع القول بأن تاريخ العلوم هو‬ ‫تاريخ شي هو بذاته تاريخ‪ ،‬أو له تاريخ ‪ ،‬في حني‬ ‫أن العلم هو علم شي ليس بتاريخ وليس له‬ ‫تاريخ‪ ،‬مثال‪ ،‬عندما نتحدث عن علم البلورات‬ ‫فان العالقة بني العلم والبلورات ليست عالقة‬ ‫توليدية كما يكون االمر عندما يتعلق بأم قط‬ ‫صغير‪ .‬إن علم البلورات هو خطاب حول طبيعة‬ ‫البلورات‪ ،‬وليس طبيعة البلورات شيئا آخر غير‬ ‫البلورات منظورا اليها من جهة هويتها لذاتها‪،‬‬ ‫مبعنى عرض قضايا موضوعية وقع التوصل اليها‬ ‫بعمل فرضيات‪ ،‬وإثباتات قد وقع نسيانها لصالح‬ ‫نتائجها‪.)5(.‬‬ ‫فمن هذا املنطلق نقول عن تاريخ العلم‪ ،‬هل‬ ‫هو تاريخ لسرد احلوادث أم شي أخر غير ذلك؟‪ .‬إن‬ ‫تاريخ العلم ليس سرد للحوادث العلمية كما‬ ‫وجدناه مع التوسير‪ ،‬ألننا لو نظرنا الى التاريخ‬ ‫بصورة عامة وجدناه في بعض األحيان ليس‬ ‫محايدا في تسجيل أحداثه‪ ،‬لهذا نستطيع ان‬ ‫نقول بأن التاريخ ليس سردا محايدا لألحداث‪ ،‬ألن‬ ‫األحداث ليست على درجة متكافئة من األهمية‬ ‫والداللة‪ ،‬بل حتكمه نظرة إنتقائية منظمة‬ ‫لألحداث وفقا حملور أساسي يضمها معا‪ ،‬ويجذبها‬ ‫الى مسار له إجتاهه اخلاص‪ .‬والتاريخ ليس قاصرا‬ ‫على تاريخ أحداث بل هو تاريخ األحداث واألفكار‬ ‫واألشخاص في نطاق وحدة متفاعلة‪ .‬ومن ثم‬ ‫فان تاريخ العلم او تاريخ الفكر بوجه عام إمنا‬ ‫هو تاريخ إميان البشر بتلك االفكار‪ ،‬وصراعهم‬ ‫حولها صانعني بذلك أحداثا يتناولها املؤرخ‬ ‫بالتحليل والتفسير( ‪.)6‬أي أن ميالد تاريخ العلم‬

‫عبارة عن تلك التوترات أو الصراعات بني رؤى أو‬ ‫ثقافة تقليدية وثقافة بازغة جديدة(‪.)7‬‬ ‫ولكن املشكلة الرئيسية اخلاصة بالتاريخ هو‬ ‫إنتشارها بني الناس معترفا به كتاريخ سياسي(‬ ‫تاريخ احلروب واملعاهدات وامللوك واالمبراطوريات‪)...‬‬ ‫وهذا بحد ذاته يشكل عقبة أمام املفكرين في‬ ‫ان يبحثوا عن نوع اخر للتاريخ مثل تاريخ العلم‬ ‫ويقال ان التاريخ هو األب الشرعي للعلوم‬ ‫اإلنسانية‪.)8 (.‬‬ ‫من هنا نستطيع القول بأن املشكلة التي‬ ‫تواجه املؤرخ في حقيقة األمر هي شيوع الفكرة‬ ‫القائلة بأن التاريخ عبارة عن سياسة القوة على‬ ‫حد قول ( كارل بوبر ) ‪ ،‬ومن هنا وجد املؤرخون ان‬ ‫احلديث عن نوع اخر من التواريخ كتاريخ العلم‬ ‫مثال شي ضروري‪ .‬إال أنني أتفق مع ما يقوله (‬ ‫كاجنيالم) عن تاريخ العلم بأنه ال ميكن لتاريخ‬ ‫علم معني ان يكون مجرد جمع حلياة األشخاص‪،‬‬ ‫وال ميكن ان يكون باألحرى ‪ ،‬جدوال زمنيا مرصعا‬ ‫باألحداث والوقائع‪ .‬وكما ان تاريخ العلوم ليس‬ ‫تسجيال لنتائج العلوم اذ البد ان يكون تاريخا‬ ‫حلياة العلوم ومخاضها « فليس تاريخ العلم تلك‬ ‫املقدمات التي توضع متهيدا للكتب العلمية‪.‬‬ ‫وليس هو عرضا للنتائج واإلكتشافات ‪ .‬بل انه‬ ‫تاريخها الفعلي‪ :‬أي تاريخ الظروف الواقعية‬ ‫إلنتاج التصورات العلمية «‪ .‬اذن تاريخ العلوم كما‬ ‫يقول ( كاجنيالم ) « هو تاريخ إنشاء التصورات‬ ‫العلمية وحتويلها وتصحيحها « ( ‪.)9‬‬ ‫من هنا ميكن ان نقول بأن تاريخ العلوم ليس‬ ‫موقفا عند وصف إختباري للوقائع العلمية‪،‬‬ ‫وليس هو سرد للحوادث‪ .‬بل انه ال يتوقف عند‬ ‫وصف الوقائع وتسجيل األسماء‪ .‬حيث أننا جند‬ ‫ان ( غاستون باشالر ) يقول بهذا الصدد ‪ « :‬إنني‬ ‫أعتقد ان ليس بإمكان تاريخ العلوم ان يكون‬ ‫تاريخا إختباريا‪ .‬انه ال ميكن ان يوصف في تفتت‬ ‫الوقائع وتبعثرها‪ .‬ان تاريخ العلوم هو تاريخ تقدم‬ ‫العالقات املعقولة للمعرفة « انه الوعي الصريح‬ ‫‪149‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪150‬‬

‫بأن العلوم عبارة عن خطابات نقدية تقدمية‪.‬‬ ‫خطابات تريد ان حتدد ما ميكن في التجربة ان‬ ‫يكون واقعا‪ .‬لذا فان موضوع تاريخ العلوم ليس‬ ‫موضوعا معطى‪.)10 (.‬‬ ‫أي ان موضوع تاريخ العلوم في هذه احلالة يكون‬ ‫فيه عدم اإلكتمال أمرا جوهريا‪ .‬وال ميكن ان يكون‬ ‫تاريخ العلوم باي حال من األحوال تاريخا طبيعيا‬ ‫ملوضوع ثقافي ‪ ،‬وفي غالب األحيان يصنع تاريخ‬ ‫العلوم بوصفه تاريخا طبيعيا‪ ،‬النه مياهي بني‬ ‫العلم والعلماء وبينهم وبني ترجماتهم املدنية‬ ‫واألكادميية‪ ،‬او ألنه مياهي بني العلم ونتائجه‪،‬‬ ‫ومياهي بني النتائج وصياغتها التربوية احلالية(‪.)11‬‬ ‫من هنا نستطيع ان نقول ان من أهم السمات‬ ‫املهمة للتاريخ في مجال دراسات فالسفة العلم‬ ‫لذات العلم هو اإلستفادة التي يقدمها التاريخ‬ ‫لهؤالء الفالسفة متمثال باحلجج املستقاة من‬ ‫ماضي العلوم وإستخدامها إما في النقد أو في‬ ‫مجال التأييد ألفكارهم‪ ،‬وهذا يظهر بوضوح في‬ ‫التعريف الذي قدمه( كاجنيالم) لتاريخ العلوم‬ ‫« بأنه تاريخ إنشاء التصورات‪ . « ...‬من هنا جند‬ ‫ان جل فالسفة العلم يستنجدون بالتاريخ في‬ ‫مجال العلم املسمى ( تاريخ العلم ) للرد على‬ ‫خصومهم والدفاع عن آرائهم باحلجج املستقاة‬ ‫من تاريخ العلم‪ ،‬وفي نظر أحد فالسفة العلم‬ ‫املعاصرين وهو ( باول فيرابند ) من اخلطأ ان‬ ‫نتغافل الوضعية التاريخية عند تناولنا أية‬ ‫فكرة أو مبدأ أو نظرية ‪ ،‬ألن كل منها مرتبطة أميا‬ ‫إرتباط بالظروف التاريخية التي أثمرتها‪.)12 (.‬‬ ‫أي ان تاريخ العلم ينبعث من إستحالة إنفصاله‬ ‫عن العلم نفسه‪ ،‬ذلك ألن العلم عملية ممتدة‬ ‫خالل الزمان‪ ،‬فهو النحو الوحيد في اخلبرة‬ ‫اإلنسانية كما يقول ( جورج سارتوت )‪ .‬ومن هنا‬ ‫بإمكاننا أن نبني معنيان ملفهوم تاريخ العلم ‪:‬‬ ‫املعنى االول ‪ :‬وصفي أو تسجيلي هو ما يعرف‬ ‫بالتاريخ املوضوعي وهو طريقة لتوصيل ما‬ ‫يعرفه املؤرخ أو ما يعتقد بأنه يعرفه عن‬

‫املاضي من خالل التسلسل الذي متر به احلقائق‬ ‫العلمية عبر العصور‪ .‬فتاريخ الفيزياء هو ذلك‬ ‫التعاقب للنظريات الفيزيائية التي نقر بها‬ ‫تقليديا من ارسطو واسلوبه غير الرياضي مرورا‬ ‫باملرحلة احلديثة التي يتزعمها غاليليو ونيوتن‬ ‫ومنهجهما الرياضي الى النظريات الفيزيائية‬ ‫املعاصرة التي متيزت بعقالنيتها وبإعتمادها على‬ ‫فكرة اإلحتمال‪ .‬فهو سجل لألسماء ولألعالم‬ ‫وللتواريخ وهو بهذا أقرب الى السجل التاريخي‬ ‫القصصي اكثر منه تاريخيا حقيقا‪.‬‬ ‫أما املعنى الثاني فيتعلق بالتاريخ املوضوعي‬ ‫للعلم‪ ،‬إذ يلجأ املؤرخ الى تقسيم التاريخ الى‬ ‫مراحل أساسية متثل الفترات الرئيسية التي مر‬ ‫بها العلم وجعلت منه معرفة عقالنية‪ ،‬وهذا‬ ‫املعنى يجعل من تاريخ العلم تاريخا لألفكار وال‬ ‫ميكن ان يكتب بالطريقة نفسها التي تكتب‬ ‫بها على انه تاريخ لألحداث ‪ ،‬أي باملعنى األول ألن‬ ‫تسلسل األفكار يختلف عن تسلسل األحداث‬ ‫الطبيعية‪.)13(.‬‬ ‫‪ -2‬مشكلة العالقة بني العلم وتاريخه‪.‬‬ ‫لقد حاول كثير من الفالسفة أن يجد اجوبة‬ ‫منطقية ملشكلة العالقة بني العلم وتاريخه‪،‬إال‬ ‫أننا لو حاولنا أن جند اجلواب املنطقي لتلك‬ ‫املشكلة‪ ،‬لكان علينا أن نسأل أين تكمن هذه‬ ‫اإلشكالية‪ ،‬إشكالية العلم وتاريخه‪ ،‬لوجدنا‬ ‫اإلجابة عند ( مارتن هايدجر) الذي يقول ‪« :‬‬ ‫ان العلم ال يفكر في ذاته‪ ،‬أي ال يهتم كثيرا‬ ‫بذاكرته وال يلتفت الى ماضيه‪ ،‬ألن من سماته‬ ‫تصحيح ذاته وجتديد نفسه وجتاوز الواقع القائم‬ ‫وفق ممارسات منطقية من إختبارية وتكذيبية‬ ‫وتصويبية صوب مزيد من التقدم والكشف‪.‬‬ ‫(‪ .)15‬إذن يظهر لنا من خالل ما قدمه ( هايدجر)‬ ‫بخصوص العلم ان املشكلة ال تتعلق ال باملؤرخ‬ ‫وال بالعلم بل هي خاصة بفيلسوف العلم الذي‬ ‫أهمل هذا املبحث املهم طيلة هذه املدة ولم‬


‫يتطرق اليه اال في السنوات االخيرة في بعض‬ ‫اجلامعات االميركية‪.‬‬ ‫من هنا جند ان ( هربرت دجنل ) يشير إلى أن‬ ‫في العلم عامل مفقود والذي يعني لديه النقد‬ ‫الداخلي للعلم املؤسس على املعرفة التاريخية‪،‬‬ ‫وبدونه ميكن ان يغدو منو العلم منوا أخرق محفوفا‬ ‫باخلطر‪ .‬ولن يوجد فهم واقعي للعلم‪ ،‬او باألحرى‬ ‫لن يوجد علم‪ ،‬دون نقد متواصل له‪ ،‬وهو‬ ‫بطبيعته نقد تاريخي‪.)16(.‬أي البد للفلسفة أن‬ ‫متارس دورها احلقيقي املتمثل بالرقيب على حد‬ ‫قول « لودفيج فتجنشتاين»‪ ،‬رقيبا ً على العلم‬ ‫وممارساته وجتاربه ونتائجه‪ ،‬وهذه الرقابة عبارة‬ ‫عن نقد متواصل لعملية التطور العلمي على‬ ‫جميع املستويات املعرفية والسيوسولوجية‬ ‫واالنطولوجية‪،...‬والشك في أن السلسلة‬ ‫املفقودة في هذه العلمية هي ما تقوم فلسفة‬ ‫العلم بإجنازها‪،‬أي أن فلسفة حتاول أن تربط بني‬ ‫العلم من جهة وبني تاريخها من جهة أخرى‬ ‫حتى تصل في نهاية املطاف إلى إعطاء صورة‬ ‫كاملة عن الكيفية التي ظهرت فيها العلوم‬ ‫وتطورها عبر تاريخها ‪.‬‬ ‫ولكن عملية التاريخ للعلم إشتملت على‬ ‫إجتاهات متعددة ميكن تقسيمها الى إجتاهني‬ ‫رئيسني هما‪-:‬‬ ‫االجتاهات الكالسيكية ‪ :‬ال ميكن عد‬ ‫‪ -1‬‬ ‫البدايات االولى لتاريخ العلم والتي ظهرت في‬ ‫القرن السابع عشر تاريخا حقيقيا للعلم على‬ ‫الرغم مما قدمته من إسهام ومساعدة‪ ،‬ذلك النها‬ ‫لم حتقق كل الشروط املنهجية الالزمة للحديث‬ ‫عن تاريخ حقيقي للعلم‪ ،‬اذ ان ما إهتمت به هذه‬ ‫البدايات هو جتميع األخبار عن حياة العلماء مع‬ ‫اإلشارة الى ما أسهموا به بوصفهم أفرادا في‬ ‫ميادين محددة من إكتشافات علمية‪.)17(.‬‬ ‫اإلجتاهات احلديثة‪ :‬تبدأ مع نهاية القرن‬ ‫‪ -2‬‬ ‫التاسع عشر وبداية القرن العشرين ‪ ،‬حيث‬ ‫ظهرت إجتاهات جديدة أخذت طريقها نحو التطور‬

‫نتيجة للصعوبات املنهجية في معاجلة احلوادث‬ ‫التاريخية العلمية وصعوبات في اإلجابة عن تلك‬ ‫األسئلة التقليدية بشأن بداية أصل اإلكتشاف‬ ‫متى وعلى يد من حتديدا مت هذا اإلكتشاف؟‬ ‫وتدريجيا بدأ مؤرخو العلم يسألون انواعا جديدة‬ ‫من األسئلة ويتتبعون خطوطا تطورية مختلفة‬ ‫ويحاولون عرض التكامل التاريخي ألي علم في‬ ‫زمنه الذي ظهر فيه‪.‬وقد أدت هذه املشاكل في‬ ‫التقليد السائد لتاريخ العلم فضال عن العوامل‬ ‫اخلارجية الى حدوث ثورة في الدراسات التاريخية‬ ‫التسجيلية أدت الى طرح تصورات جديدة عن‬ ‫العلم وعن تاريخ العلم والى إمكانية طرح اسئلة‬ ‫جديدة والتخلي عن القدمية‪ .)18 (.‬اذن نستطيع‬ ‫القول بان ميالد تاريخ العلم يرتبط باإلسهامات‬ ‫التي قدمها كل من ديكارت وجون لوك السيما‬ ‫في نظرية املعرفة ‪ ،‬اذا ما أخذنا بنظر اإلعتبار‬ ‫العلم في القرن السابع عشر‪ ،‬الننا نعرف بان‬ ‫نظرية املعرفة متثل األساس الرصني للعلم‪.‬‬ ‫ولكن من جهة اخرى جند ان هناك تقسيمات‬ ‫اخرى لتاريخ العلم على شكل تاريخ داخلي‬ ‫وتاريخ خارجي للعلم‪ ،‬فالتاريخ الداخلي للعلم‬ ‫يهتم بجوهر العلم بوصفه معرفة بالبنية‬ ‫الداخلية للعلم او بالعلم من اجل العلم بعيدا‬ ‫عن عالقته باجملتمع وباحمليط الثقافي‪ ،‬ومن مميزات‬ ‫هذا النوع من التاريخ إعتقاد أصحابه بان تاريخ‬ ‫العلم ال ميكن ان تقوم له قائمة إال اذا أدخل مؤرخ‬ ‫العلم نفسه داخل العلم كي يحلل خطواته‬ ‫ومفاهيمه اخلاصة التي جتعل منه علما مبعنى‬ ‫دقيق للكلمة‪ . )19(.‬أما التاريخ اخلارجي للعلم‬ ‫فيهتم في دراسته للعلم بالعالقة املوجودة‬ ‫بني األحداث العلمية والظواهر اإلقتصادية‬ ‫واإلجتماعية ومدى تأثير البيئة الثقافية‬ ‫السائدة على تطور العلم ومسيرته‪ .‬ويسمح‬ ‫ايضا بالنظر في عالقة العلم بالعقيدة الدينية‬ ‫والسياسية‪.)20(.‬‬ ‫اذن من هنا نستطيع أن نقول إن حاضر العلم‬ ‫‪151‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪152‬‬

‫ما هو إال حلقة تليها حلقات اخرى في سلسلة ‪. 91‬‬ ‫املعرفة العلمية‪ ،‬وهذه احللقة مرتبطة بطريقة ‪-16‬مهدي اقبال ‪ ،‬مفهوم البارادمي عند توماس كون ‪،‬‬ ‫مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫عضوية باحللقات السابقة للعلم والتي هي‬ ‫عبارة عن املراحل األساسية التي مر بها العلم ‪-17‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬ ‫في تطوره وتقدمه‪.‬‬ ‫‪-18‬بالنشي ‪ ،‬روبير ‪ ،‬نظرية املعرفة العلمية ‪ ،‬املصدر‬

‫السابق ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬ ‫‪-19‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪ . 21‬وانظر ايضا ‪ ،‬مهدي ‪ ،‬اقبال‬ ‫قائمة الهوامش للمبحث االول‪:‬‬ ‫‪ ،‬مفهوم البارادمي عند توماس كون ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‬ ‫‪-1‬بنعبدل العال‪،‬عبدالسالم‪ ،‬يفوت‪،‬سالم‪ ،‬درس ‪. 14‬‬ ‫االبيستيمولوجيا‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪،‬‬ ‫بغداد‪،‬ط‪ ، 1986 ،1‬ص ‪.69‬‬ ‫‪-2‬بالنشي‪ ،‬روبير‪ ،‬نظرية املعرفة العلمية‪ ،‬ترجمة‪ ،‬د‪.‬حسن‬ ‫عبداحلميد‪ ،‬تقدمي‪،‬د‪.‬محمود فهمي زيدان‪ ،‬مطبوعات‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬العالقة بني تاريخ العلم‬ ‫جامعة الكويت‪ ، 1986 ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪-3‬غريبني‪،‬جون‪،‬تاريخ العلم‪،‬ترجمة‪،‬شوقي جالل‪ ،‬سلسلة وفلسفة العلم‪.‬‬ ‫عالم املعرفة‪،‬ج‪ ،1‬العدد(‪،)389‬الكويت‪،2012،‬ص‪.7‬‬ ‫تبرز أهمية التاريخ في دراسة منو وتطور العلم‬ ‫العشرين‪،‬‬ ‫‪-4‬اخلولي‪ ،‬مينى طريف‪ ،‬فلسفة العلم في القرن‬ ‫ومحاولة فهمه من خالل‪:‬‬ ‫سلسلة عالم املعرفة‪ ،2001 ،267 ،‬ص ‪. 13‬‬ ‫حتديد املراحل األساسية التي مير بها‬ ‫‪ -1‬‬ ‫‪-5‬كانغيالم‪ ،‬جورج‪ ،‬دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها‪،‬‬ ‫ترجمة‪ ،‬د‪.‬محمد بن ساسي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العلم ‪.‬‬ ‫حتديده للعناصر اخملتلفة التي أسهمت‬ ‫‪ -2‬‬ ‫العربية‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪ ، 2007 ، 1‬ص‪. 47‬‬ ‫‪-6‬قنصوة‪،‬صالح‪ ،‬فلسفة العلم‪ ،‬دار التنوير للطباعة وبشكل تدريجي في تشكيل مبادئ ومفاهيم‬ ‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ، 2008 ،‬ص ‪. 90‬‬ ‫هذا العلم ‪ ،‬إذ يهيئ اإلعتماد على التاريخ قدرة‬ ‫‪ -7‬غريبني‪،‬جون‪،‬تاريخ العلم‪،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪8.8‬‬ ‫أفضل للتحليل‪.‬‬ ‫العشرين‪،‬‬ ‫‪-8‬اخلولي‪ ،‬مينى طريف‪ ،‬فلسفة العلم في القرن‬ ‫يرتبط تاريخ العلم وفلسفته بعالقة‬ ‫‪ -3‬‬ ‫املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪ -9‬بنعبدل العال‪،‬عبدالسالم‪ ،‬يفوت‪،‬سالم‪ ،‬درس تكاملية متداخلة‪ ،‬فطاملا أن لكل علم تاريخا‬ ‫فأن هذا التاريخ يتصل بالضرورة بالفلسفة‬ ‫االبيستيمولوجيا‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 69‬‬ ‫وبالنظريات املعرفية حتديدا‪ ،‬مبعنى أن فلسفة‬ ‫‪-10‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪-11‬كانغيالم ‪ ،‬جورج ‪ ،‬دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها العلم تستمد تصوراتها عن موضوعها الذي هو‬ ‫‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.49‬‬ ‫العلم من تاريخ هذا العلم وبالذات من التغيرات‬ ‫فيرابند‬ ‫نسبية‬ ‫بني‬ ‫االبستيمولوجيا‬ ‫‪-12‬عوض ‪ ،‬عادل ‪،‬‬ ‫التي مير بها عبر التاريخ‪.)1(.‬‬ ‫وموضوعية شاملرز‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪،‬‬ ‫االسكندرية ‪ ،‬ط‪ ، 2003 ، 1‬ص ‪. 19‬‬ ‫إذن أحد السمات األساسية لتاريخ العلم‬ ‫‪-13‬مهدي ‪ ،‬اقبال ‪ ،‬مفهوم البارادمي عند توماس كون ‪،‬‬ ‫رسالة ماجستير غير منشورة ‪ ،‬جامعة بغداد ‪ ،‬كلية في مجال دراسات فالسفة العلم للعلم هو‬ ‫االداب ‪ ،‬قسم الفلسفة ‪ ، 2000 ،‬ص ‪. 9‬‬ ‫اإلستفادة التي يقدمها التاريخ لهؤالء الفالسفة‬

‫متمثلة باحلجج املستفادة من ماضي العلوم‬ ‫‪-14‬اخلولي ‪ ،‬مينى طريف ‪ ،‬فلسفة العلم في القرن وإستخدامها إما في النقد أو في مجال التأييد‬ ‫العشرين ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪-15‬قنصوة ‪ ،‬صالح ‪ ،‬فلسفة العلم ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ألفكارهم‪ ،‬حيث أننا جند جل فالسفة العلم‬ ‫يستنجدون بالتاريخ في مجال العلم املسمى (‬


‫تاريخ العلم ) للرد على خصومهم والدفاع عن‬ ‫آرائهم باحلجج املستقاة من تاريخ العلم‪ ،‬وفي‬ ‫نظر أحد فالسفة العلم وهو ( باول فايربند ) من‬ ‫اخلطأ أن نتغافل الوضعية التاريخية عند تناولنا‬ ‫أية فكرة أو مبدأ أو نظرية ‪ ،‬الن كل منها مرتبطة‬ ‫أميا ارتباط بالظروف التاريخية التي أثمرتها‪.)2( .‬‬ ‫من هنا يتبني مدى أهمية تاريخ العلم‬ ‫للفالسفة في مجال دراساتهم لفلسفة أي‬ ‫علم من العلوم‪ ،‬كون هذا التاريخ يحتوي على‬ ‫جميع املراحل وكيفية إنتقال العلم من مرحلة‬ ‫الى اخرى لتحديد عملية ومسيرة تطوره ‪ .‬وهذه‬ ‫العالقة تشير إلى معنيني مختلفني غير انهما‬ ‫متكاملني لتاريخ العلم‪:‬‬ ‫األول‪ :‬يكون تاريخ العلم املعمل الذي يتكاثر فيه‬ ‫التفكير االبستيمولوجي وليس مجرد ذاكرة‬ ‫حتتوي على تسجيل دقيق للمراحل األساسية‬ ‫والثانوية التي مر بها العلم خالل تطوره ‪ .‬فتاريخ‬ ‫العلم وفقا لهذا املعنى هو الذي يضع العقل‬ ‫اإلنساني موضع التجريب ويحوله الى نظرية‬ ‫جتريبية ومما يجعل عالقته بالعلوم التي يؤرخ‬ ‫لها هي العالقة التجريبية نفسها التي تربط‬ ‫العلوم مبوضوع بحثها‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬يكون على فلسفة العلم أن تقدم‬ ‫للتاريخ املبادئ التي متثل األساس الذي على‬ ‫وفقه يصدر تاريخ العلم أحكامه‪ ،‬كما أن عليها‬ ‫أن تقدم للتاريخ لغة العلم بحسب آخر مراحل‬ ‫تطورها‪ .‬إذ تسمح هذه اللغة للمؤرخ أن تنتقل‬ ‫الى ماضي العلم حتى يصل الى مرحلة تصبح‬ ‫فيها لغة العلم غير مفهومة عنده‪ ،‬إذ يكون‬ ‫العلم في هذه املرحلة قد أعاد صياغة مفاهيمه‬ ‫أو بدأ بإستعمال لغة جديدة‪ .‬ومثال على ذلك‬ ‫التغيير الذي طرأ على لغة املنطق في القرن (‪19‬‬ ‫) إذ استعمل املنطق لغة تختلف كليا عن لغة‬ ‫املنطق القدمي هي لغة ( بيانو وفريجه و رسل و‬ ‫وايتهيد)‪.‬إضافة الى أن لفلسفة العلم القدرة‬ ‫على التمييز بني ضربني من التاريخ الذي يقال‬

‫إنه تاريخ للعلوم ‪ :‬تاريخ املعارف البائدة‪ ،‬وتاريخ‬ ‫املعارف املثبتة‪ ،‬مبعنى املعارف التي مازالت حتافظ‬ ‫على راهينتها ألنها مازالت فاعلة‪.)3(.‬‬ ‫إذن لتاريخ العلم أهميته البالغة في‬ ‫مساعدتنا كي نفهم نظريات العلم ‪ ،‬ألن من‬ ‫دونه يستحيل أن نكون ذات إمكانية لفهم تلك‬ ‫النظريات‪ .‬وهذا ما يؤكده أعظم فالسفة العلم‬ ‫في القرن ال(‪ ) 20‬أال وهو ( كارل بوبر ) حيث يقول‬ ‫‪ « :‬إن أهمية تاريخ العلم تكمن في قدرتنا عندما‬ ‫نفهم نظرية علمية فهما حقيقيا ألنه من دون‬ ‫أن نفهم تاريخ تلك النظرية يكون من الصعب‬ ‫فهم ذات النظرية العلمية‪ ...‬ولن يستطيع أحد‬ ‫أن يفهم أي تاريخ حديث‪ ،‬وأبسط ما في هذا‬ ‫التاريخ السياسي والديبلوماسي ‪ ،‬ومن دون أن‬ ‫يتفهم شيئا ما عن تاريخ العلم « ويعتبر تاريخ‬ ‫العلم لب وجوهر التاريخ باسره‪.)4 (.‬‬ ‫أي أن الفلسفة في هذه املرحلة متارس دورها كما‬ ‫ان التاريخ له أهميته القصوى ‪ .‬ودور الفلسفة‬ ‫تكمن في حاجة املؤرخ في مجال العلم إليها‪،‬‬ ‫إذ أن أهميتها توازي معرفة العلم السيما إذا ما‬ ‫علمنا أن الكثير من العلم كان فلسفة حتى‬ ‫نهاية القرن ال(‪. )19‬وتاريخ العلم يعتبر ذلك اجلزء‬ ‫الذي يهتم بتطور األفكار والطرائق واألساليب‬ ‫العلمية‪ ،‬أما فلسفة العلم فهي ذلك اجملال الذي‬ ‫يهتم باملبادئ العلمية بصورة عامة مثل هيكل‬ ‫النظريات العلمية ومكانة الكيانات العلمية أو‬ ‫الظروف التي يتمكن فيها العلماء من أن يعلنوا‬ ‫بصدق أنهم حققوا معرفة‪.‬وفي هذا اجلزء ميكن‬ ‫لتاريخ العلم أن ميارس دورا مهما وأن يكون ذا شأن‪.‬‬ ‫(‪ .)5‬أي أن الفلسفة في هذه املرحلة من تاريخها‬ ‫عبارة عن فاعلية نقدية ملناهج ومنطق العلم‬ ‫وميارس دور الرقيب على كل العلوم بصورة نقدية‬ ‫ويقدم أجوبته حول مشاكل العلم املنهجية‬ ‫واملعرفية والوجودية‪.‬‬ ‫إال أن أهمية هذه العالقة بني تاريخ العلم‬ ‫وفلسفته جاءت كرد فعل ضد اإلجتاهات‬ ‫‪153‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪154‬‬

‫الالتاريخية في فلسفة العلم والتي عزلت‬ ‫العلم عن تاريخه‪ ،‬وقد قام تيار التاريخ املوجه‬ ‫والذي يعد ( توماس كون) من أبرز ممثليه بتوجيه‬ ‫اإلنتقادات الى الطرائق التقليدية في متابعة‬ ‫فلسفة العلم والتي تعمل على إستبعاد‬ ‫وإهمال دور التاريخ في فهم القضايا املتعلقة‬ ‫باملفاهيم والنظريات العلمية متأثرة بالوضعية‬ ‫املنطقية التي إتخذت نهجا ال تاريخا إذ أغفلت‬ ‫دور التاريخ في تعاملها مع املشاكل التي‬ ‫يحدثها‪ ،‬مما جعل النقد يتوجه بشكل أو بأخر‬ ‫الى الوضعية املنطقية نفسها‪ .)6(.‬ألن فالسفة‬ ‫العلم املعاصرين يحاولون تبرير نظرياتهم عن‬ ‫العلم واملنهج العلمي بطريقة مختلفة متاما ‪،‬‬ ‫فقد توصل هؤالء الفالسفة الى أنه إذا ما كان‬ ‫عليهم فهم العلم ومناهجه‪ ،‬فال بد عليهم من‬ ‫أن يركزوا على ذات العلم واملناهج التي يشتمل‬ ‫عليها‪ ،‬وليس على العلماء وطبيعتهم‪ ،‬وال‬ ‫يتحقق لهم هذا الهدف من دون ان يستندوا الى‬ ‫تاريخ ذلك العلم‪ ،‬مثال علم الطبيعة كونه ميثل‬ ‫أعلى درجات العلم فإنهم يتخذون من تاريخه‬ ‫نقطة إنطالقهم لفهم ذلك العلم‪.)7(.‬‬ ‫من هنا جند أن أستاذ التاريخ وفلسفة العلم‬ ‫( جورج كاجنيالم) في معرض دفاعه عن تاريخ‬ ‫العلم وبيان ضرورته بالنسبة الى فلسفة العلم‬ ‫يقول ‪ « :‬فكما أن أية نظرية للمعرفة ال ترتبط‬ ‫بفلسفة العلم تصبح عبارة عن تأمالت في‬ ‫فراغ‪ ،‬فأن أية محاولة في فلسفة العلم ال تريد‬ ‫أن تربط نفسها بتاريخ العلم تصبح عبارة عن‬ ‫ظل بدون معنى للعلم الذي تزعم احلديث عنه‪.‬‬ ‫(‪.)8‬‬ ‫أي إن العالقة املوجودة بني تاريخ العلم‬ ‫وفلسفته تعتبر ضرورية ومكملة لبعضا اآلخر‪،‬‬ ‫ألننا نستطيع أن نقول أن تاريخ العلم من دون‬ ‫فلسفته هو أعمى‪ ،‬وفلسفة العلم من دون‬ ‫تاريخه فارغة ‪ .‬ومعنى هذا أنه ال ميكن أن يكون‬

‫هناك علم من دون تاريخ‪ ،‬كما أنه ال ميكن أن يكون‬ ‫هناك تاريخ للعلم مقطوع الصلة بالفلسفة‪،‬‬ ‫أي النظريات الفلسفية‬ ‫للعلم‪.‬‬ ‫قائمة الهوامش للمبحث الثاني‪:‬‬

‫‪ -1‬مهدي ‪ ،‬اقبال ‪ ،‬مفهوم البارادمي عند توماس كون ‪،‬‬ ‫املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬ ‫‪ -2‬عوض ‪ ،‬عادل ‪ ،‬االبستيمولوجيا بني نسبية فيرابند‬ ‫وموضوعية شاملرز‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬ ‫‪-3‬كانغيالم ‪ ،‬جورج ‪ ،‬دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها‬ ‫‪ ،‬املصدر السابق ‪. 43 ،‬‬ ‫‪-4‬بوبر ‪ ،‬كارل ‪ ،‬أسطورة اإلطار ‪ ،‬ترجمة‪ ،‬د‪ .‬مينى طريف‬ ‫اخلولي ‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة ‪ ، 2003 ،292 ،‬ص ‪. 163‬‬ ‫‪ -5‬كون ‪ ،‬توماس ‪ ،‬الصراع اجلوهري دراسات مختارة في‬ ‫التقليد العلمي والتغير‪ ،‬ترجمة‪ ،‬فؤاد الكاظمي وصالح‬ ‫سعداهلل‪ ،‬مراجعة ‪ ،‬د‪ .‬خليل الشكرجي ‪ ،‬دار الشؤون‬ ‫الثقافية العامة ‪ ،‬بغداد ‪ ، 1989 ،‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪-6‬مهدي ‪ ،‬اقبال‪ ،‬مفهوم البارادمي عند توماس كون ‪،‬‬ ‫املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 30‬‬ ‫‪-7‬عوض ‪ ،‬عادل ‪ ،‬االبستيمولوجيا بني نسبية فيرابند‬ ‫وموضوعية شاملرز‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 133‬‬ ‫‪ -8‬بالنشي ‪ ،‬روبير ‪ ،‬نظرية املعرفة العلمية ‪ ،‬املصدر‬ ‫السابق ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬

‫اخلامتة‪.‬‬ ‫لقد حاولنا في دراستنا املوسومة ( العالقة‬ ‫بني تاريخ العلم وفلسفته ) أن نبني األهمية‬ ‫الفلسفية لتلك العالقة ومدى األثر والتأثير‬ ‫بني تاريخ العلم وفلسفة العلم ‪ .‬كذلك حاولنا‬ ‫ان نوضح مكانة تاريخ العلم في الدراسات‬ ‫الفلسفية والعلمية ألن الفالسفة وحتى‬ ‫العلماء البد لهم من خالل أبحاثهم ودراساتهم‬ ‫ان يستعينوا باألدلة والوقائع واألمثلة من أجل‬ ‫الدفاع عن مبرراتهم وحججهم ‪ ،‬فكل فريق‬


‫يحاول أن يثبت وجهة نظره باإلستعانة بتاريخ‬ ‫العلم ‪.‬‬ ‫كما ان لتاريخ العلم أهميته في مجال الدراسات‬ ‫الفلسفية في ميدان العلم وفلسفته‪ .‬وبينا أن‬ ‫مفهوم تاريخ العلم ليس املقصود به الفهم‬ ‫الشائع بني املثقفني والقراء حول مفهوم التاريخ‬ ‫بإعتباره سجل ألحداث املاضي فقط‪ ،‬بل وجدنا أن‬ ‫لتاريخ العلم مفهوم أخر يتعلق بدراسة نقدية‬ ‫أو تصحيحية أو تصويبيه ملعارفنا وأخطائنا‪ .‬أو‬ ‫هي تاريخ الفكر البشري منذ ظهورها‪.‬‬ ‫يقدم تاريخ العلم املعونة املعرفية لفيلسوف‬ ‫العلم كي يعطي صورة كلية للعلم والنظرية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫وأن العلم اليفكر في ذاته‪ .‬مهمة النظر الى‬ ‫العلم تنحصر في دائرة فلسفة العلم مبساعدة‬ ‫من تاريخ العلم‪.‬وهذا ما يقوم به الفيلسوف من‬ ‫خالل دراسته للعلم دراسة تاريخية هدفه بيان‬ ‫االبعاد املعرفية واالجتماعية وحتى السياسية‬ ‫للعلم‪.‬‬ ‫لتاريخ العلم أهمية تتمثل بإيجاد احللقة‬ ‫املفقودة بني العلوم وهذا لن يتم من دون فلسفة‬ ‫العلم‪،‬أي أن فلسفة العلم من خالل ما يقدمه‬ ‫تاريخ العلم من أدوات أبستيمولولوجية يحاول‬ ‫الربط أو إيجاد عالقة وطيدة بني العلوم‪.‬‬

‫قائمة املصادر واملراجع‪.‬‬ ‫‪ -1‬بالنشي‪ ،‬روبير‪ ،‬نظرية املعرفة العلمية‪ ،‬ترجمة‪ ،‬د‪.‬حسن‬ ‫عبداحلميد‪ ،‬تقدمي‪،‬د‪.‬محمود فهمي زيدان‪ ،‬مطبوعات‬ ‫جامعة الكويت‪. 1986 ،‬‬ ‫‪-2‬بنعبدل العال‪،‬عبدالسالم‪ ،‬يفوت‪،‬سالم‪ ،‬درس‬ ‫االبيستيمولوجيا‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪،‬‬ ‫بغداد‪،‬ط‪. 1986 ،1‬‬ ‫‪ -3‬بوبر ‪ ،‬كارل ‪ ،‬أسطورة اإلطار ‪ ،‬ترجمة‪ ،‬د‪ .‬مينى طريف‬ ‫اخلولي ‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة ‪. 2003 ،292 ،‬‬ ‫‪-4‬اخلولي‪ ،‬مينى طريف‪ ،‬فلسفة العلم في القرن العشرين‪،‬‬ ‫سلسلة عالم املعرفة‪.2001 ،267 ،‬‬ ‫‪ -5‬عوض ‪ ،‬عادل ‪ ،‬االبستيمولوجيا بني نسبية فيرابند‬ ‫وموضوعية شاملرز‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪،‬‬ ‫االسكندرية ‪ ،‬ط‪. 2003 ، 1‬‬ ‫‪-6‬قنصوة‪،‬صالح‪ ،‬فلسفة العلم‪ ،‬دار التنوير للطباعة‬ ‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.2008 ،‬‬ ‫‪-7‬كانغيالم‪ ،‬جورج‪ ،‬دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها‪،‬‬ ‫ترجمة‪ ،‬د‪.‬محمد بن ساسي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية‪ ،‬بيروت‪،‬ط‪ ، 2007 ، 1‬ص‪. 47‬‬ ‫‪ -8‬كون ‪ ،‬توماس ‪ ،‬الصراع اجلوهري دراسات مختارة في‬ ‫التقليد العلمي والتغيير‪ ،‬ترجمة‪ ،‬فؤاد الكاظمي وصالح‬ ‫سعداهلل‪ ،‬مراجعة ‪ ،‬د‪ .‬خليل الشكرجي ‪ ،‬دار الشؤون‬ ‫الثقافية العامة ‪ ،‬بغداد ‪.1989 ،‬‬ ‫‪-9‬مهدي ‪ ،‬اقبال ‪ ،‬مفهوم البارادمي عند توماس كون ‪،‬‬ ‫رسالة ماجستير غير منشورة ‪ ،‬جامعة بغداد ‪ ،‬كلية‬ ‫اآلداب ‪ ،‬قسم الفلسفة ‪ ، 2000 ،‬ص ‪. 9‬‬

‫‪155‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪156‬‬

‫القيم األخالقية في العمل اإلعالمي‬ ‫(إشكالية العالقة بني مفهوم احلرية و مفهوم الرقابة)‬ ‫الباحثة اإلعالمية‪ :‬أميره عبداهلل اجلاف‬


‫املقدمة‪:‬‬ ‫ان احلديث عن اخالقيات العمل االعالمي يتطلب‬ ‫معرفة ماهية اخالقيات العمل االعالمي؟ وما‬ ‫هو الدور الكبير الذي سوف تؤديه اخالق العمل‬ ‫االعالمي في خدمة اجملتمع ومدى إلتزامه باملواثيق‬ ‫واالعراف الدولية التي تكفل حرية االعالم‬ ‫والصحافة‪ .‬وهنا يكون من املهم جدا ايضا‬ ‫التطرق الى اهم النظريات االعالمية التي نشأت‬ ‫في العالم وعالقتها اجلدلية بالسلطة او احلكام‪.‬‬ ‫ومحاولة االجابة عن السؤال ‪ :‬هل كان للحكام‬ ‫او القائمني على السلطة على مر العصور دورا ً‬ ‫في إنشاء االعالم خلدمة مصاحلهم اخلاصة‪ ،‬ام ان‬ ‫االعالم كان وال زال تعبيرا عن االتصالية البشرية‬ ‫بوصفها حالة انسانية اصيلة؟‪ .‬من خالل هذه‬ ‫الدراسة املتواضعة نحاول ان نبني مدى اهمية‬ ‫اإللتزام بأخالقيات املهنة االعالمية والتحديات‬ ‫والضغوطات التي تواجه االعالمي في ظل‬ ‫املرحلة الراهنة‪ ،‬ودور وسائل االعالم في احلد من‬ ‫املمارسات غير االخالقية‪ .‬نأمل ان تشكل هذه‬ ‫الدراسة حافزا قويا لإلعالميني في كافة اجملاالت‬ ‫باإللتزام بأخالقيات العمل االعالمي لتحقيق‬ ‫اهداف تطوير وسائل االعالم والقيام بوظائفها‬ ‫على امت وجه‪ ،‬وان تشكل الدراسة دافعا قويا‬ ‫لإلعالميني للقيام بعدد من الدراسات والبحوث‬ ‫والتقارير حول هذا املوضوع نظرا ألهميته‬ ‫وحساسيته‪ .‬ونختتم دراستنا بتوجيه بعض‬ ‫التوصيات الى العاملني مبجال االعالم تتمحور‬ ‫حول كيفية احلفاظ على اخالقيات املهنة‬ ‫االعالمية خدمة للصالح العام واحلفاظ على‬ ‫السلم االهلي‪.‬‬ ‫اوالً‪ :‬اخللفية الفكرية للدراسة (اإلطار‬ ‫املفاهيمي)‪:‬‬ ‫في ظل تزايد وتعاظم دور االعالم في احلياة العامة‪،‬‬ ‫يتعاظم ويتزايد دور االعالميني في احلياة العامة‬

‫ايضاً‪ ،‬خاصة في مجال ممارسة عملهم‪ ،‬بل اصبح‬ ‫االعالمي شخصية عامة من طراز متقدم واصبح‬ ‫الرأي العام يتأثر كثيرا بهم في نواحي عدة‪،‬‬ ‫لذا بات من الضروري جدا احلديث عن اخالقيات‬ ‫املهنة االعالمية من جديد الن االعالمي كمهني‬ ‫اصبح ذو تأثيرات مجتمعية بالغة التعقيد ‪،‬‬ ‫لذا فاحلديث عن اخالقيات املهنة االعالمية التي‬ ‫اصبحت تشكل ركنا اساسيا لصناعة السالم‬ ‫واالبتعاد عن العنف من وجهة نظري‪ ،‬ومن هذا‬ ‫املنطلق تتبني اهمية الدراسة وجدواها في نفس‬ ‫الوقت‪ .‬اذ ان انهيار األسس االخالقية في االعالم‬ ‫وزجها كسالح لشن حروب قذرة جعلها في‬ ‫مقدمة عوامل انحطاط البشرية‪ ،‬في ظل عصر‬ ‫يتنامى فيه االنحالل الى شالالت من االنهيار‬ ‫االخالقي‪ ،‬فاصبح من يدعي بانه اعالمي ال يتحرج‬ ‫ان يغوص في اكثر احلوادث قذارة كالذبح واكل‬ ‫القلوب او عمليات االعدام املكشوفة على الهواء‬ ‫او عمليات اخلطف او القتل واإلغتصاب او عملية‬ ‫جتميل صورة اللصوص والسارقني واملنحرفني‬ ‫امام الناس واظهارهم كشخصيات بطولية‬ ‫ومحترمة‪...‬الخ‪ ،‬كل ذلك‪ ،‬وهم يعلمون وبدون‬ ‫ادنى شك بانهم ميارسون حربا ً سالحها تضليل‬ ‫الناس وخلق أسس معينة جتعل الناس في رحى‬ ‫حطام أليم‪ .‬وبات االعالم واالعالمني مكونات‬ ‫في اخلطاب الدعائي اوقات احلروب على مدار‬ ‫الساعة‪ ،‬اذ ميكن القول ان املؤسسات االعالمية‬ ‫امنا اصبحت وسائل للنشاط الدعائي السياسي‬ ‫والعسكري‪ ،‬اصبحت على إثره سياقات االتصال‬ ‫ومكوناته في حالة من التعقيد والتضليل‬ ‫أفقدت الناس معها أي قدرة للفصل بني ما هو‬ ‫حربي وقتالي وبني ما هو مدني ثقافي في ميدان‬ ‫العمل االعالمي وبكافة انواعه واشكاله‪ ،‬حتى‬ ‫بات االعالمي احد رموز احلروب واصبحت االعالمية‬ ‫احدى رموز العرض اجلنسي و‪...‬الخ‪ ،‬والكل حتت‬ ‫غطاء العمل االعالمي احليادي والبريء متسترون‬ ‫‪ ،‬ويعلنون للناس عن ان بحثهم امنا للحقيقة!‬ ‫‪157‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪158‬‬

‫وهذا ليس بصحيح‪ .‬هنا تكمن اكبر اشكالية‬ ‫في التاريخ ‪ ،‬اذ يتم شن احلروب وبأقذر حاالتها‬ ‫حتت غطاء قانون الصحافة وحرية االعالم‪ .‬ففي‬ ‫حني كانت االنظار تتجه الى حرب املعلومة من‬ ‫خالل وسائل االتصال وكما نظر له (آالن توفلر) ‪،‬‬ ‫باتت االن حرب الترهيب واقعا من خالل االعالم‪،‬‬ ‫ففي حني كان االعالمي يتهم بانحيازه سرا الى‬ ‫احدى االجهزة االستخبارية السرية ويتستر‬ ‫بإمتيازات املهنة االعالمية كي يحصل على‬ ‫املعلومة ويكشف االسرار‪ ،‬بات االن االعالمي هو‬ ‫سالح احلرب بكل املعايير يهدف الى موت الناس‬ ‫وانحرافهم و‪...‬الخ‪ .‬لذا فقانون احلرب وقانون‬ ‫البغاء والقانون اجلنائي و‪ ...‬الخ‪ ،‬اصبح في هذا‬ ‫الفضاء عدمي القدرة على التطبيق ‪ ،‬حتى قانون‬ ‫الصحافة واالعالم اصبح غير قادر على السيطرة‬ ‫على هذه االنفالتات اخلطرة‪.‬‬ ‫االمور بدأت تتجه الى تعقيد كبير‪ ،‬وبدأ االعالمي‬ ‫من اولى مراحله الى آخر درجات تطوره ‪ ،‬تتحكم‬ ‫فيه عوامل دافعة خارجية في اختياره وابقاءه‬ ‫وتطويره ‪ ،‬وباتت االحزاب واملنظمات وحتى‬ ‫امليليشيات والدول والـ‪....‬الخ‪ ،‬يعتبرونه اداة‬ ‫وسالح حرب الكل فيها ضد الكل ‪ ،‬أو لتهديد‬ ‫البعض ونيل من سمعة البعض االخر‪.‬‬ ‫ال استطيع التحدث عن االنواع واالشكال الكثيرة‬ ‫من طرق ادارة وتسيير تلك احلروب عن طريق‬ ‫االعالم املدني‪ .‬لكني اعتقد بانها جميعها تدفع‬ ‫نحو انحالل اخالقي وفك االرتباط بكافة انواع‬ ‫األسس االخالقية‪ ،‬ال ادري الى اين تتجه االنظار‬ ‫وكيف يكون النمو الفلسفي للقيم االخالقية‬ ‫ملهنة االعالم‪ ،‬لكني سأكون مصرة على ضرورة‬ ‫الدعم بإجتاه التمسك االعالمي بأخالقيات مهنة‬ ‫االعالم بهدف عدم جعل االعالم اداة من ادوات‬ ‫احلرب القذرة واداة لتجييش الناس نحو العنف‬ ‫وتضليل احلقائق‪ ،‬بل جعل االعالم اداة التنمية‬ ‫كما تصورها فلسفة انشاءه ‪ ،‬كي يستطيع‬ ‫ان يسمو بالعالقات االنسانية الى مستوى‬

‫من التواصل والتداخل السامي ينهي حالة‬ ‫التوجس والريبة بني بنو البشر‪ ،‬ويوضح احلقائق‬ ‫و يضافر اجلهود حلماية األرض و حتقيق الرفاه‪.‬‬ ‫وتبقى وسائل االعالم بكافة اشكالها املرئية‬ ‫واملسموعة واملقروءة اهمية كبيرة في اجملتمعات‬ ‫‪ ،‬خاصة بعد التطورات التقنية والتكنولوجية‬ ‫التي اجتاحت كافة جوانب احلياة العامة بحيث‬ ‫اصبحت وسائل االعالم كالتلفزيون والراديو‬ ‫واحملطات الفضائية واالنترنيت والصحف‬ ‫االلكترونية باختالف انواعها واجتاهاتها الشغل‬ ‫الشاغل حلياة الناس‪ .‬لكن ما هو خطير ان‬ ‫امتهان مهنة الصحفي واالعالمي لم يعد‬ ‫صعبا على أي شخص ‪ ،‬فكل من ميتلك اداة‬ ‫تصوير او تسجيل ‪ ،‬وغالبا ما يجده في هاتفه‬ ‫اجلوال ‪ ،‬ميكنه ان يرصد حادثة ‪ ،‬او يكون جزءا ً من‬ ‫صناعة تلك احلادثة‪ ،‬حتى يسرع الى حتميلها‬ ‫الى الشبكة العنكبوتية فتتلقفها املاليني من‬ ‫العيون املتلصصة من خالل شاشات احلاسوب‬ ‫و (هواتف اجلوال) ‪ ،‬وبعد ذلك تنقلها املؤسسات‬ ‫االعالمية الكبرى‪ .‬هنا اصبح ارضاء الشهوات‬ ‫والغرور الشخصي ألناس ذوي مستويات متدنية‬ ‫اخالقيا ‪ ،‬و حتى عقليا ‪ ،‬ممكنا‪ ،‬خالل ساعات‬ ‫عديدة كي يصبح على لسان اجلميع‪ .‬وهنا نؤكد‬ ‫على حقيقة بديهية وهي ان وسائل االعالم‬ ‫املتعددة متارس تأثيرا ً كبيرا ً بل وحاسما ً في توجيه‬ ‫الرأي العام‪ .‬و يعتبر االعالم وسائط التغيير في‬ ‫أي مجتمع وقد ملسنا ذلك بوضوح خالل هذه‬ ‫السنوات‪ .‬ويتحتم على وسائل االعالم امكانية‬ ‫خلق وعي للجماهير ونشر التقدم والترويج‬ ‫ملبادئ وافكار العدالة واملساواة‪ ،‬او العكس من‬ ‫ذلك‪ ،‬وتعتبر احلروب املعقدة التي جتري في سوريا‬ ‫احد اكبر احلروب التي تقودها االجهزة االعالمية‬ ‫املدنية في كافة تفاصيلها‪ ،‬جعل من احملاربني‬ ‫اعالميني ومن االعالميني محاربني واختلطت‬ ‫االوراق بشكل معقد وخطير تنذر بنشوء مرحلة‬ ‫جديدة تتسم باخلطورة البالغة‪.‬‬


‫كان في السابق يعتقد ان بروز تأثير وسائل االعالم‬ ‫يكون واقعا في اجملتمعات التي تتمتع بحرية‬ ‫التعبير التي تعني احلق في نقل االفكار واآلراء‬ ‫واملعلومات بدون أي قيود بهدف تشجيع نقل‬ ‫االفكار التي تتيح سهولة ودقة اتخاذ القرارات‬ ‫املناسبة حول الشؤون العامة ومصلحة اجملتمع‪.‬‬ ‫لكن هذه احلرية ال تكون مصطفاة اذ تتغير‬ ‫بأخالقيات مهنة االعالم التي حتكمها أسس‬ ‫اخالقية عامة كالصدق والشرف والنزاهة وغيرها‬ ‫من االخالقيات التي يكون الهدف منها حتسني‬ ‫اداء العمل االعالمي والتحكم بوسائل االعالم‬ ‫خلدمة مصالح اجملتمع وقضاياه األساسية‪.‬‬ ‫لكني ووفقا لألسس العلمية تعلمت ضمن‬ ‫ما تعلمت في كلية االعالم بان اهمية االعالم‬ ‫بوسائله املتعددة تبرز بالقيام مبجموعة من‬ ‫الوظائف االساسية التي تضع االعالمي امام‬ ‫مسؤولية جتاه اجملتمع من خالل اتاحة املعلومات‬ ‫وعدم احلاق الضرر باآلخرين‪ .‬ومن اهم تلك الوظائف‬ ‫وظيفة سياسية‪ ،‬اذ يقوم بإبالغ املواطنني بكل‬ ‫ما يدور في أوساط احلكومة والهيئات االخرى‬ ‫من انشطة ‪ ،‬حيث تصبح وسائل االعالم جز ًء‬ ‫متداخالً في العملية السياسية من خالل‬ ‫مراقبة مراكز السلطة على كل املستويات ‪ ،‬لذا‬ ‫سميت بالسلطة الرابعة‪ ،‬ولإلعالم ايضا وظيفة‬ ‫تعليمية‪ ،‬اذ يقوم بتقدمي التقارير الصادقة‬ ‫ومناقشة مختلف االفكار واآلراء واملواقف‪ .‬ومن‬ ‫وظائفه االخرى وظيفة التواصلية ‪ ،‬اذ يقوم‬ ‫بتقدمي املعلومات املرتبطة باألحداث بحيث يكون‬ ‫االعالم مرآة تعكس ‪ ،‬وبالتالي تتيح رؤية ما يجري‬ ‫من احداث في اجملتمع‪ .‬ولإلعالم وظيفة ثقافية‬ ‫أيضا‪ ،‬اذ يقوم بتدعيم القيم والتقاليد واملعايير‬ ‫املثالية للمجتمع‪ .‬ومن خالل هذه الوظائف‬ ‫األساسية املقرة تبرز األسس االخالقية للمهنة‬ ‫االعالمية بشكل عام ‪ ،‬نراها تستند على احترام‬ ‫االفكار التي تطرح من االطراف االخرى ليحدث‬ ‫توازن طردي بني العاملني واملستهلكني في حقل‬

‫االعالم‪ ،‬ففي حني كانت اغلب اجملتمعات تعاني‬ ‫وفي فترات زمنية متباينة من قيود عديدة حتول‬ ‫دون ممارسة حقها الطبيعي في التعبير عن رأيها‪،‬‬ ‫اذ كافحت مبختلف وشتى الوسائل عن القضايا‬ ‫التي متس األمن اخلاص واجملتمع بشكل عام‪،‬‬ ‫حيث تعاني من فرض القيود العديدة كالسجن‬ ‫والتشريد والقتل‪ .‬ورغم ان مبدأ التعاطي مع حق‬ ‫التعبير عن حرية الرأي اصبح من البديهيات التي‬ ‫تؤكد عليها الدساتير في اجملتمعات اخملتلفة ‪ ،‬اال‬ ‫ان تفسير واستخدام هذه احلق يختلف اختالفا ً‬ ‫كبيرا ً عند التطبيق من مجتمع آلخر وبالرغم‬ ‫من ان بعض النظم السياسية ترى ان حرية‬ ‫الصحافة واالعالم هي حجر الزاوية واألساس‬ ‫في املمارسة الدميقراطية وتضع القوانني‬ ‫والتشريعات التي حتمي هذه احلرية وتصونها ‪،‬‬ ‫بينما جند أنظمة اخرى تعمل على تقييد حرية‬ ‫االعالم بدافع حماية النظام العام واالمن القومي‬ ‫وصالح اجملتمع‪ .‬وبذلك تتوج بفرض قوانني حتد‬ ‫من حرية االعالم مبمارسة اساليب مختلفة في‬ ‫الرقابة املباشرة وغير املباشرة‪ .‬اال ان في املرحلة‬ ‫الراهنة اصبحت حرية التعبير اشكالية معقدة‬ ‫تسبب الكثير من املعضالت خاصة في مجال‬ ‫انتهاكها حلقوق االنسان والتعدي على البيئة‬ ‫بل اصبح بعض اشكال ما يعتبره البعض جدال‬ ‫حرية التعبير ميثل جرائما ضد اإلنسانية بكل‬ ‫املعايير‪.‬‬ ‫وبينما كانت كلمة(الرقابة) تعد من الكلمات‬ ‫القبيحة والبذيئة املستخدمة في كل لغات‬ ‫العالم جتاه العمل االعالمي بكافة اشكاله‪.‬‬ ‫ورغم االقتناع بان احلرية ال ينبغي ان تكون مطلقة‬ ‫ولكن كان الكل مقتنعا بان الرقابة في نفس‬ ‫الوقت ليست الوسيلة املثلى حلماية اجملتمعات‬ ‫احلديثة من االخطار التي تواجهها‪ ،‬وان احلكومات‬ ‫يجب ان تزيل رقابتها‪ ،‬لذلك انقسم الفالسفة‬ ‫بني منادي حلرية التعبير وازالة الرقابة احلكومية‬ ‫وقد افتتح هذا اجلدل جون ميلتون عندما قال‬ ‫‪159‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪160‬‬

‫(ان اجملتمع احلر تتجلى فيه احلقيقة وتتجلى‬ ‫فيه احلقيقة من الزيف ويستطيع فيه املواطن‬ ‫العادي ان مييز اخلطأ من الصواب)‪ .‬وبني مجموعة‬ ‫اخرى كانت حتاول ان تبرر الرقابة احلكومية‬ ‫بزعمهم ان اإلهتمام بالدولة يجب ان تكون له‬ ‫مكانة سامية في مقابل مكانة اإلهتمام بالفرد‪.‬‬ ‫اعتقد فالسفة احلرية الذين جعلوا الفرد مركزا‬ ‫للكون ان حقوق االنسان املقدسة اكثر أهمية‬ ‫من حقوق الدولة‪ .‬وان دور احلكومة ينحصر في‬ ‫تيسير ممارسة األفراد حلقوقهم الطبيعية‪ ،‬هذه‬ ‫االطر الفلسفية جعلت من االعالم واالعالمني‬ ‫وخالل ممارستهم لعملهم رسل الدفاع عن احلرية‬ ‫وبل مت قياس احلرية ومدياتها مبقدار متتع االعالم‬ ‫بتلك احلرية من عدمه‪ ،‬لكن املرحلة الراهنة قد‬ ‫كشفت محنة كبيرة لإلعالم متثلت في انعدام‬ ‫الرقابة احلكومية وتصادم الرقابات اجلماعية‬ ‫واستهدافاتها كمؤسسة اعالمية وكإعالميني‬ ‫حلرية التعبير‪ ،‬تلبي ًة لألسس املنافية للحرية و‬ ‫ملا كان سابقيهم من االعالميني واملؤسسات‬ ‫االعالمية يناضلون ألجله‪ ،‬اذ ان محنة االعالم‬ ‫تتعقد اكثر في ظل خصوصية كبيرة للمهنة‬ ‫النابعة من وظيفتها اذ تختلف عن باقي املهن‬ ‫االخرى كونها تخاطب العقول في مختلف‬ ‫مستوياتها وتؤدي مهنة االعالم خدمة إجتماعية‬ ‫وتربوية كبيرة كونها تتضمن شروط وخصائص‬ ‫عديدة متفق عليها من قبل الباحثني والدارسني‬ ‫في هذا اجملال فهي تؤدي اهداف إجتماعية من‬ ‫خالل اشباع حاجات اجملتمعات ‪ ،‬وتستمد شرعية‬ ‫وجودها من احساس الناس بضرورة القيام‬ ‫بنشاط معني من شأنه ان يسهم في اشباع‬ ‫تلك احلاجات ‪ ،‬وهي تستند بذلك على االسلوب‬ ‫العلمي والتقني ومواكبة التطورات في ثورة‬ ‫املعلومات واالتصاالت‪.‬‬ ‫ففي حني كانت مهنة االعالم غالبا ما متارس من‬ ‫قبل متخصصني مهنيني لهم القدرة املهنية‬ ‫والكفاءة العلمية ما ميكنهم من ممارسة دورهم‬

‫املهني بشكل صحيح وفق اسس علمية تعلموا‬ ‫وفقها في مدارس اكادميية وقد وضع على اثرها‬ ‫اخملتصون في االعالم اسس اخالقيات املهنة‪ .‬والتي‬ ‫تتمثل املعايير املهنية كقول احلقيقة والدقة‬ ‫واملوضوعية والتوازن واحترام الذات من خالل‬ ‫تنزيه الذات من كل ما يؤدي الى خدش األصول‬ ‫املهنية والقواعد الصارمة للممارسة‪ ،‬واالبتعاد‬ ‫وبشكل حدي من االكتساب والرشاوي وغير‬ ‫ذلك‪ ،‬واالبتعاد عن نشر كان ما يؤدي الى اشاعة‬ ‫اجلرمية والفوضى وعدم احترام االخرين واالضرار‬ ‫بالرأي االخر وفيه إهانة لآلخرين او أي جماعة‬ ‫ثقافية‪ ..‬وكثيرا جدا من التفاصيل‪ ،‬لذلك كانت‬ ‫اقالم احملررين حتركها خلفية غنية من الثقافة‬ ‫واملدركات تختار وفق ضوابطها الكلمات وحترر‬ ‫اجلمل وتستقرئ وقعها املستقبلي وامكانية‬ ‫تأثيراتها السلبية‪ ،‬وحتى لو كان في ذلك تأثير‬ ‫سلبي على حياتها املهنية وامكانيتها املادية‪،‬‬ ‫حتى ذلك احلد كان االعالمي يحس بقدر ذاته‬ ‫املهنية و يسمو بها فوق كل اإلعتبارات دون‬ ‫خوف او وجل بل كان ذلك ميثل التحدي األساسي‬ ‫ألسرار مهنته النبيلة‪ .‬لكن االمور بدأت تأخذ‬ ‫منحى آخر في التحرر من تلك القيود االخالقية‬ ‫الذاتية أي الرقابة االخالقية الذاتية كي تكون‬ ‫االقالم حترر ما قد يحقق مكسبا او يحقق غرضا‬ ‫حتى لو كان في ادنى مستويات اإلنحطاط‪.‬‬ ‫في السابق ارتكز اطار عمل االعالميون‬ ‫والصحفيون على التوجه ضمن خمس دوائر‬ ‫أخالقية‪ .‬وميكن ان تطلق مع هذه الدوائر االخالقية‬ ‫القيم التي يحتكم اليها حارس البوابة في‬ ‫انتقاء االخبار ويستند اليها في ممارسة املهنة‪.‬‬ ‫ولعل من االمور املهمة التي تتعلق بقضية‬ ‫اخالقية مهنة االعالم وارتباطها باجملال التربوي‬ ‫الذي ميارسه االعالم كونه جزء من الوظائف‬ ‫العامة والشاملة‪.‬‬ ‫يتفق الكثير من اخلبراء والباحثني االعالميني في‬ ‫العالم على ان مهنة االعالم والصحافة تعد من‬


‫املهن الصعبة والشاقة واخلطيرة ‪ ،‬وهي حتتاج‬ ‫الى قدر كبير من العلم والشجاعة والنبالة‪،‬‬ ‫اذ كثيرا ما يتعرض الصحفيون الى مخاطر‪،‬‬ ‫كالقتل واالختطاف والتعرض الى االزمات‬ ‫الصحية والنفسية في أسوأ االحوال‪ .‬كأمراض‬ ‫القلب و ارتفاع ضغط الدم واالنهيار العصبي‬ ‫‪ .‬كما تشترط مهنة االعالم بعض الشروط‬ ‫واملواصفات في من يقوم مبمارستها ‪ ،‬فاإلعالمي‬ ‫البد ان يكون له مبدأ وهدف كي يكون اعالمي‬ ‫ناجح ‪ ،‬وان يتحلى بأخالق رفيعة وسعة إطالع‬ ‫ومعرفة وعلى دراية بكل ما يجري حوله ‪ ،‬وعليه‬ ‫أن يكون فطن وذكي‪ ،‬ومن النبالة ما يجعله قادرا‬ ‫على تفهم االختالفات وعدم اإلجنرار وراء األهواء‬ ‫والغوايات‪ .‬لذا افترض حصوله على تعليم‬ ‫اساسي عالي ميكنه من تعلم ابجديات العمل‬ ‫االعالمي تصقل موهبته وفطرته السليمة‪،‬‬ ‫وتؤهله لدخول معترك احلياة العملية واالستزادة‬ ‫منه‪ .‬وبذلك يستطيع ان يحدث تأثيرا ويترك‬ ‫اثرا في الفرد واجملتمع‪ .‬الن االعالم مسؤول عن‬ ‫االخالق العامة واخلاصة وتنمية االفكار ويلعب‬ ‫دور كبير في حتقيق حدة توتر واشاعة روح السالم‬ ‫بني شرائح اجملتمع‪ .‬وعليه أن يخاطب اجلماهير‬ ‫بلغة سلسلة ومفهومة وبعيدا عن االنحطاط‬ ‫و االسفاف من حيث املضمون واالسلوب‪ .‬ان‬ ‫الرسالة االعالمية رسالة مقدسة تسعى‬ ‫لتقدمي احلقيقة للقارئ والسامع واملشاهد بعيدا‬ ‫عن اجملامالت والتملق واالرتزاق وال ميكن لإلعالمي‬ ‫ان يؤدي هذه الرسالة ما لم يبتعد عن املتاجرة‬ ‫بالكلمة وتشويه احلقائق وبث السموم وممارسة‬ ‫التضليل ألنه ان عمل بتلك االساليب فسوف‬ ‫يبتعد عن السمو االخالقي في خدمة اجملتمع‬ ‫و ال ميكن حتقيق االخالق ان لم يلتزم االعالميني‬ ‫بأخالق املهنة االعالمية ‪ ،‬والتي وردت في الكثير‬ ‫من القوانني واالعراف الدولية والعربية واحمللية‬ ‫كونها جزء من احلريات العامة‪.‬‬ ‫بعد االحداث االخيرة التي مرت على املنطقة‬

‫بشكل عام وعلى العراق واقليم كوردستان‬ ‫بشكل خاص اعطيت االولوية حلرية التعبير‪،‬‬ ‫وساعدت الظروف على زيادة ظهور عدد من‬ ‫الصحف واجملالت واالذاعات واحملطات الفضائية‬ ‫دون ضوابط و معايير مهنية تعتمد على‬ ‫األسس املفاهيمية للوظائفية االعالمية‪ .‬مع‬ ‫ذلك تعرضت نوعية االعالم واالخالق املهنية‬ ‫لإلعالميني الى انتكاسة كبيرة لصالح ازدهار‬ ‫كمي غير مسيطر عليه ‪ ،‬اذ جلب هذا الكم‬ ‫الهائل معه عدد كبير من الدخالء والذين ال‬ ‫يتفهمون اإلعالم كرسالة سامية النهم لم يأتوا‬ ‫الى عالم االعالم والصحافة للدفاع عن احلريات‬ ‫الدميقراطية وايصال صوت اجلماهير وكلمة احلق‬ ‫بل جاءوا من جماعات وكتل معينة لنشر بعض‬ ‫التصرفات والسلوكيات البعيدة عن اخالقيات‬ ‫مهنة االعالم‪ ،‬او لرمبا اعتبروها طريقة للدخول‬ ‫عن طريقها الى عالم السياسة او عالم املال‬ ‫والشهرة‪.‬‬ ‫ومن هذا املدخل يتبني ان مسألة اخالقيات املهنة‬ ‫االعالمية اصبحت تتردد على ألسنة جميع‬ ‫مؤلفات االعالم في كافة اجملتمعات ‪ ،‬كذلك‬ ‫النقابات املهنية واجلمعيات والهيئات واملراكز‬ ‫والدوائر‪ .‬بشكل جعل االعالمي امللتزم بقواعد‬ ‫السلوك واالخالق يهتم ملكانته الشخصية‬ ‫وحريصا ً على نقاوة عمله املهني بعكس بعض‬ ‫الدخالء على مجال االعالم ممن ال ميتلكون أي خلق‬ ‫او اخالق او اي معرفة او دراية بقواعد وسلوك‬ ‫وأخالقيات املهنة االعالمية وراحوا يشوهونها‬ ‫ويعبثون بها‬ ‫ثانياً‪ :‬أزمة البحث عن احلرية وإشكالية فرض‬ ‫الرقابة‬ ‫تسعى احلضارات البشرية وفي فترات تاريخية‬ ‫مختلفة الى حترير االنسان من أي ضغوط‬ ‫ميكن ان تؤثر على ادانة الفرد(احلكم املسبق‬ ‫باملعنى السلبي) وحتول دون إستفادة الفرد من‬ ‫‪161‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪162‬‬

‫قدراته خلدمة اجملتمع مبختلف اجلوانب‪ .‬برزت‬ ‫فلسفات عديدة انصبت اهتماماتها على‬ ‫خلق وتكوين الفرد الصالح واجملتمع املتماسك‬ ‫باعتبار ذلك ركن الوصول الى السعادة التي‬ ‫تنشدها االنسانية‪ ،‬فباتت ابرز تلك الفلسفات‬ ‫متباينة في طريقة وصولها الى هدفها السامي‬ ‫واملتمثل بني اولوية احلرية على املساواة في طريق‬ ‫الوصول نحو السعادة وبني اولوية املساواة على‬ ‫احلرية في طريق الوصول نحو السعادة‪ ،‬لكن‬ ‫االفكار السياسية اصطدمت بوسائل الرقابة‬ ‫التي ابتدعتها السلطة احلاكمة واملتشكلة‬ ‫وفق سياقات حتاول احلفاظ عليها بوصفها متثل‬ ‫اساس االنشاء واالستمرار‪ ،‬لذا اعتبرت حرية‬ ‫التعبير خطرا على السلطة واساسا للتغيير‪،‬‬ ‫لذا ظلت الرقابة السلطوية والتي تطورت الى‬ ‫الرقابة احلكومية احدى اشهر وسائل قمع حرية‬ ‫التعبير‪ ،‬وسطرت في التاريخ ابشع اجلرائم واكثر‬ ‫القصص املقززة واملؤملة ملمارساتها‪ ،‬فبات النضال‬ ‫ضد الرقابة احلكومية ميثل اسمى انواع النضال‬ ‫في سبيل حترير احلرية في التعبير للفرد واصبح‬ ‫االعالم واالعالمي بوصفه احوج ما يكون إلزالة‬ ‫قيود الرقابة في مقدمة املناضلني‪ .‬لكن مع ذلك‬ ‫بقيت جدلية النضال من اجل حرية وسائل االعالم‬ ‫و والنضال ألجل ترسيخ الرقابة احلكومية بعيدة‬ ‫عن تناول امكانية تأثيراتها السلبية على اجملتمع‬ ‫خاصة في ارهاصات ممارساتها غير املسؤولة‪.‬‬ ‫الن هذه اجلدلية ادت الى اخلضوع لهيمنة الربح‬ ‫وحتقيق غايات انانية وعدم تقدمي صورة حقيقية‬ ‫عن تطورات اجملتمع واهدافه وقيمه وسلوكه‪،‬‬ ‫الن الصراع في جميع حاالته ساهم في ترسيخ‬ ‫التطرف ونبذ املشتركات‪ .‬ففي حني ظلت‬ ‫القناعة راسخة في ان خضوع وسائل االعالم‬ ‫للرقابة احلكومية ال يدعم العملية الدميقراطية‬ ‫ويحول دون اتاحة اآلراء واالفكار اخملتلفة التي يعبر‬ ‫عن اجملتمع وعدم اعطاء صورة صادقة ملا يدور في‬ ‫اجملتمع مما يجعلها غير قادرة على كشف الفساد‬

‫واالخطاء التي تقع فيه‪ .‬ظل الكثير من احملافظني‬ ‫يرون ان الرقابة واجبة لضمان عدم االنفالت وعدم‬ ‫السماح ألصوات املتطفلني والفاسدين في‬ ‫السيطرة على اصوات الناس ‪ ،‬وظل التنازع على‬ ‫الراي العام‪ ،‬لكن ازمة البحث عن احلرية ونشر‬ ‫الرقابة بدأت تتحول الى صراع مع محاوالت‬ ‫االعالم في التعرف على اخبار من داخل املؤسسة‬ ‫احلكومية التي اصرت على حجبها كجزء من‬ ‫اسرارها السياسية واالقتصادية والعسكرية‬ ‫وغيرها باعتبار ذلك اسرار الدولة‪.‬‬ ‫ان حرية الكالم وحرية التعبير هما النتيجة‬ ‫الطبيعة حلرية االعتقاد‪ .‬وحرية االعتقاد تعني‬ ‫حرية التفكير واالميان مبا نرى انه احلقيقة‪ ،‬حرية‬ ‫التعبير هي احلرية التي ال تضطرنا الى اعتناق‬ ‫اراء ومعتقدات نراها خاطئة‪ .‬حرية االعتقاد‬ ‫وهي اولى احلريات ألنها حتدد جميع احلريات‬ ‫االخرى‪ .‬توجد عوامل عديدة حتول دون ممارسة‬ ‫حرية التعبير غير السلطة احلكومية كالظروف‬ ‫االجتماعية التي حتيط بالفرد كالفقر واجلهل‬ ‫واجلوع والتي تشكل مبجموعها خطرا كبيرا على‬ ‫حرية التعبير‪ ،‬اذ تتصدى لها بالتهديد ووضع‬ ‫العراقيل عند ممارستها‪.‬‬ ‫منذ القرن التاسع عشر كان االعالميني‬ ‫واملؤسسات اإلعالمية يناضلون من اجل احلصول‬ ‫على حرية التعبير و احلصول على املعلومات‬ ‫الن ذلك كان يعني لهم إزدهار جتارتهم ورواج‬ ‫اعمالهم‪ ،‬لكن هذا النضال نتج عن استخدامهم‬ ‫ممارسات غير أخالقية‪ ،‬حيث قامت وسائل اإلعالم‬ ‫الغربية بالتخصصية والتخلي عن مسؤولياتها‬ ‫اجملتمعية من اجل حتقيق اقصى قدر ممكن من‬ ‫االرباح والعمل على إلهاء الناس بدال ً من تقدمي‬ ‫اإلعالم والثقافة والتسلية املفيدة ‪ ،‬وأدى ذلك‬ ‫إلى إنتشار الصحافة الصفراء التي عمدت‬ ‫إلى نشر وكشف أسرار احلياة اخلاصة والقذف‬ ‫وفضح االخرين‪ ،‬واستخدام االثارة والكذب وعدم‬ ‫الصدق في تقدمي املعلومات واألخبار‪ .‬نتج عن‬


‫ذلك ظهور نظرية املسؤولية اإلجتماعية التي‬ ‫حتتوي على مبادئ عديدة تخص وسائل اإلعالم‬ ‫باإللتزام وقول احلقائق والتعبير عن اآلراء واألفكار‬ ‫بدقة ومصداقية‪ .‬وشهد القرن العشرين ظهور‬ ‫مجالس الصحف ومواثيق الشرف املهنية التي‬ ‫أدت الى دعم وسائل اإلعالم وحتسني ادائها‬ ‫وممارسة دورها االجتماعي بقدر من املسؤولية‬ ‫واإلبتعاد عن القوة واإلجبار وحماية اإلعالميني‬ ‫من الرقابة احلكومية‪.‬‬ ‫لكن ولكي يكون معلوما ان بحث البشرية عن‬ ‫احلرية يسبق بحث اإلعالميني عن احلرية‪ .‬اذا كان‬ ‫النضال ألجل احلرية ‪ ،‬فللحرية مجاالت عديدة‬ ‫‪ ،‬كانت في مؤخرتها حرية التعبير‪ .‬بشكل عام‬ ‫يعود تاريخ النضال من اجل احلرية الى عصور‬ ‫قدمية جداً‪ ،‬وحملت اساطير كثيرة وسطر‬ ‫التاريخ آالف الثورات وماليني الشهداء للحرية‬ ‫كلها وضعت اجملتمعات امام مستوى من احلرية‬ ‫في التعبير والنقد في القضايا اإلجتماعية‬ ‫والدينية والسياسية واإلقتصادية تبلور على‬ ‫شكل عادات وتقاليد او عقائد تختلف بإختالف‬ ‫جتارب وخبرات تلك اجملتمعات في انتاجها‪ ،‬وظلت‬ ‫في نفس الوقت مقيدة بضوابط ومراقبة من‬ ‫قبل مستويات معدودة تفرض عقوبات قد تكون‬ ‫قاسية جدا تصل الى حد املوت‪ ،‬وبقي النصال‬ ‫من اجل كسر تلك القيود مستمر‪ ،‬وبإنتصارها‬ ‫بدأت مرحلة جديدة من وضع ضوابط الترسيخ‬ ‫متنع أي محاولة لكسرها وتعتبر الرقابة أداة ملنع‬ ‫اخلروقات على تلك الضوابط‪ ،‬وهكذا دواليك‬ ‫تستمر العملية ‪ ،‬فكل ثورة حرية تلتمس بناء‬ ‫تقاليد وأعراف رقابية حتى تتجاوز حدتها أدوات‬ ‫الرقابة لألنظمة التي ثارت عليها‪.‬‬ ‫لذا يوجد دائما معسكرين تختلف آراءهما حول‬ ‫حرية التعبير في وسائل اإلعالم‪ .‬البعض يعتبرها‬ ‫شكل من أشكال العداء للدولة يستحق‬ ‫اإلعتقال والتشريد واإلعدام‪ ،‬بينما يراه االخرون‬ ‫ممن يؤمنون بحرية التعبير ان هذه احلرية تدعم‬

‫احلكومة وتؤكد مسؤوليتها في تلبية إحتياجات‬ ‫الناس‪ .‬وبالرغم من ان حرية التعبير بالقول‬ ‫والتصوير والصحافة تأكدت في اإلعالن العاملي‬ ‫حلقوق االنسان الصادرة في ‪ 1948‬اال ان علمية‬ ‫تطبيقها ظلت دائما موضع تساؤل بسبب‬ ‫اإلنتهاكات العديدة‪ ،‬وبالرغم من ان الرقابة ظهرت‬ ‫كفعل منظم لرصد ومنع اإلنتهاكات على‬ ‫األعراف وتقاليد وقوانني مقرة بهدف احلفاظ على‬ ‫اإلستقرار إال أنها حتولت في أحيان عديدة الى أداة‬ ‫ملنع حرية التعبير وليس ملنع اإلنحراف والتعدي‪.‬‬ ‫لكن الرقابة ‪ censorship‬كمصطلح ظلت من‬ ‫الدالالت املثيرة للجدل منذ أقدم العصور وتدل‬ ‫على مستوى من القدرة والصالحية من أجل‬ ‫منع أي جتاوز او إنتهاك لبعض القواعد املتفق‬ ‫عليها في مجتمع ما‪ ،‬وغالبا ما يؤدي الى تطبيق‬ ‫محاسبة عند الكشف عن أي جتاوز‪ ،‬وقد إقترنت‬ ‫الرقابة بالسلطة أيا كانت و تنامت بشكل كبير‬ ‫اثر ظهور السلطة احلكومية في الدولة احلديثة‬ ‫‪ ،‬لكن الرقابة تعاظمت تأثيراتها بسبب التزاوج‬ ‫الذي حصل بني الدولة القومية والثيوقراطية‬ ‫اذ أن ذلك منح الدولة قدرة كبيرة مت تأطيرها‬ ‫وتبويبها ضمن ما يعرف مبفهوم التوتاليتارية‪،‬‬ ‫متنح ضرورة الرقابة احلكومية على وسائل االعالم‬ ‫‪ ،‬والتي أصبحت فلسفة السلطة والتسلط ‪،‬‬ ‫وقد طورت النظم امللكية التسلطية أساليب‬ ‫عديدة بهدف التحكم في اإلعالم والصحافة ‪،‬‬ ‫كالرقابة املباشرة على املطابع قبل النشر ومنح‬ ‫الترخيص حلقوق الطباعة ومكافأة الناشرين‬ ‫الذين يروجون مواد غير مرغوب فيها وفرض‬ ‫ضرائب للحد من تداول املنتجات املعرفية التي‬ ‫كانت تعرف بضرائب املعرفة‪.‬‬ ‫يتبني من خالل النضال املستميت من أجل احلرية‬ ‫ان البشرية انتجت الرقابة من أجل احلفاظ على‬ ‫تلك املكتسبات‪ ،‬لكن صيرورة النضال من أجل‬ ‫احلرية تصطدم بتلك الرقابة وحتاول كسرها‪،‬‬ ‫وهذه اإلشكالية جعلت من الرقابة في موقع‬ ‫‪163‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪164‬‬

‫متهم ومطلوبة في نفس الوقت‪ ،‬وفي معرض‬ ‫محاولة الكشف والتبيان بني الرقابة الضرورية‬ ‫والرقابة املرفوضة نرى ان منيز بني أهم أنواع‬ ‫الرقابة كما نتصورها‪:‬‬ ‫الرقابة اخلارجية وتتمثل بالرقابة‬ ‫‪ .1‬‬ ‫اإلجتماعية من خالل مدى منحها قبولية لألفراد‬ ‫عن طريق متابعة مدى إنسجام سلوكهم في‬ ‫اجملتمع وتتعدد وتتنوع هذه الرقابة بتنوع وتعدد‬ ‫اجملتمع الواحد‪ ،‬وتتفاوت في درجة حدتها بتفاوت‬ ‫درجة إنغالق او إنفتاح اجملتمع‪.‬‬ ‫الرقابة السلطوية او الرسمية واملتمثلة‬ ‫‪ .2‬‬ ‫برقابة األجهزة الرسمية في الدولة من خالل‬ ‫أجهزة عديدة تهتم وفق قوانني ومقررات وأعراف‬ ‫بالرقابة بأنواعها واغراضها‪ ،‬ويختلف مدى تأثير‬ ‫هذه الرقابة بنوعية النظام السياسي في ذلك‬ ‫البلد واأليدولوجية احلاكمة وطبيعة احلياة‬ ‫السياسية‪ ،‬وهي أقسى وأكثر أنواع الرقابات‬ ‫سمعة سيئة بسبب تاريخ من املآسي التي‬ ‫خلفتها على اإلعالميني‪.‬‬ ‫الرقابة الذاتية أي رقابة الفرد على ذاته‬ ‫‪ .3‬‬ ‫والسيطرة عليها ضمن دائرة مفهوم التنزه من‬ ‫القيام بشيء وهو األساس البنائي ملفهوم األخالق‪.‬‬ ‫وهي تأتي من األسس الفكرية والعقائدية للفرد‪.‬‬ ‫ونعتبرها الرقابة املرغوبة النها نابعة ومتشكلة‬ ‫من البنية األخالقية لإلعالمي نفسه وتخلق‬ ‫له الوازع األساسي ملمارسة مهنته‪ ،‬وميارسها‬ ‫اإلعالمي من تلقاء نفسه دون احلاجة الى شخص‬ ‫ما يتسلط عليه بإسم الرقابة‪ .‬ويقسم خبراء‬ ‫اإلعالم الرقابة الذاتية الى قسمني‪:‬‬ ‫الرقابة الذاتية السلبية‪ :‬وهي الرقابة‬ ‫أ‌‪ .‬‬ ‫التي تخضع لظروف خارجية كالضغوط‬ ‫احلكومية او اجملتمعية املباشرة او غير املباشرة‪.‬‬ ‫الرقابة الذاتية اإليجابية‪ :‬وهي الرقابة‬ ‫ب‌‪ .‬‬ ‫التي تخضع للصياغات واإللتزامات وضمير‬ ‫اإلعالمي‪ ،‬وهي تتجلى عندما يكون اإلعالمي‬ ‫أكثر رصانة وأكثر إنسانية فتعكس درجات‬

‫النضج االخالقي الرفيع التي يتحلى بها‪.‬‬ ‫الرقابة العامة املعنوية‪ :‬وهي نوع من‬ ‫‪ .4‬‬ ‫الرقابة املهنية التي نتجت عن تراكم األعراف‬ ‫والقوانني اإلعالمية والتي إتخذت طابعا ً عاما‬ ‫من خالل النقابات واجملالس اإلعالمية املهنية‬ ‫ومن منطلق فلسفة املسؤولية اإلجتماعية‬ ‫املشتركة‪.‬‬ ‫يتبني مما سبق ان الرقابة اخلارجية وخاصة‬ ‫الرسمية منها تشكل أهم املشاكل التي‬ ‫تواجه اإلعالمي خاصة في الدول التي متتلك‬ ‫أنظمة سياسية غير دميقراطية‪ ،‬وبشكل عام‬ ‫ينتشر منطان رئيسيان من الرقابة الرسمية او‬ ‫السلطوية على وسائل اإلعالم‪:‬‬ ‫الرقابة املباشرة‪ :‬وتتخذ األشكال‬ ‫‪ .1‬‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫الرقابة السابقة على النشر‪.‬‬ ‫أ‌‪ .‬‬ ‫الرقابة بعد النشر‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬‬ ‫الرقابة قبل التوزيع‪.‬‬ ‫ت‌‪ .‬‬ ‫الرقابة بعد التوزيع‪.‬‬ ‫ث‌‪ .‬‬ ‫الرقابة غير املباشرة‪ ،‬تتخذ األشكال‬ ‫‪ .2‬‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫التوجهات او التعليمات الرسمية حول‬ ‫أ‌‪ .‬‬ ‫احملظورات للنشر‪.‬‬ ‫التدخل في اسلوب املعاجلة الصحفية‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬‬ ‫تعريض اإلعالميني لبعض اشكال‬ ‫ت‌‪ .‬‬ ‫الضغط املادي واملعنوي‪.‬‬ ‫الرقابة التي ميارسها رئيس التحرير او‬ ‫ث‌‪ .‬‬ ‫احملرر املسؤول‪.‬‬ ‫وضع القيود على عملية إستقاء األخبار‬ ‫ج‌‪ .‬‬ ‫وتداولها‪.‬‬ ‫وبشكل عام تتبنى األسس املفاهيمية للرقابة‬ ‫الرسمية مبررات عديدة في فرض الرقابة على‬ ‫وسائل اإلعالم من أهمها‪:‬‬ ‫تفرض الرقابة على مضمون وسائل‬ ‫‪ .1‬‬ ‫اإلعالم بحجة ان األفكار التي تطرحها زائفة‬


‫بعد التنامي الكبير في دور اإلعالم في كافة‬ ‫مجاالت احلياة حاول الباحثون واخلبراء في مجال‬ ‫اإلعالم واإلتصال إيجاد نظريات إعالمية وتوظيفها‬ ‫خلدمة أغراض وأهداف املهنة اإلعالمية‪ .‬وقد‬ ‫تباينت تلك النظريات حسب آراء ومعتقدات‬ ‫مروجيها و القائمني عليها بإلزام اإلعالميني‬ ‫بأخالقيات العمل االعالمي و وضع األطر العامة‬ ‫لتلك األخالقيات ومن أهم النظريات اإلعالمية‬ ‫املعمول بها عامليا‪:‬‬

‫وباطلة و خطيرة‪.‬‬ ‫إدعاء فئة من اجملتمع متثل الصفوة‬ ‫‪ .2‬‬ ‫لنفسها الوصاية على بقية فئات اجملتمع بدعوى‬ ‫انها أكثر فهما من اآلخرين‪.‬‬ ‫فرض الرقابة على األفكار التي تنتهك‬ ‫‪ .3‬‬ ‫حرمة اآلداب العامة او تخديش احلياء او األخالق‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫فرض الرقابة على األخبار‪ ،‬الصور‬ ‫‪ .4‬‬ ‫والبيانات التي ترى السلطة بأنها سرية فان‬ ‫إفشائها يضر باألمن القومي او الصالح العام او‬ ‫نظرية السلطة‪:‬‬ ‫‪ .1‬‬ ‫النظام اإلجتماعي‪.‬‬ ‫ظهرت هذه النظرية في القرنني السادس عشر‬ ‫اما الرقابة اخلارجية او ما تسمى الرقابة والسابع عشر في انكلترا‪ .‬وهي تستند الى‬ ‫اإلجتماعية غالبا ما تكون أسسها مستندة فلسفة السلطة املطلقة للحاكم او حكومته‬ ‫على التقاليد واألعراف والعقائد وفق منظورها او كالهما معا‪ .‬ونرى ذلك واضحا في نظريات‬ ‫الثقافي السائد‪ ،‬وتعتبر إشكالية كبيرة وخطرة افالطون ‪ ،‬ارسطو‪ ،‬ميكيافللي‪ ،‬هيغل‪ .‬الهدف‬ ‫في اجملتمعات املغلقة والتي تعاني من تدني الرئيسي لهذه النظرية هو حماية السلطة‬ ‫املستوى الثقافي ‪ ،‬اذ حترص هذه اجملتمعات على وتوضيحها لسياسة احلكومة املسيطرة على‬ ‫اإلحتفاظ بسيطرة قوية على اإلعالم وتسيره وفق مقاليد األمور‪ .‬تقر هذه النظرية للحكومة‬ ‫ما متليه أسس دعم الثقافة السائدة‪ ،‬وغالبا ما اإلشراف على اإلعالم وفرض الرقابة عليه‪ .‬وال‬ ‫تتناغم الرقابة السلطوية والرقابة اإلجتماعية يجوز وفق هذه النظرية نقد اجلهاز احلكومي‬ ‫في مضاعفة الرقابة على اإلعالم او توجيهه والسياسي الن العمل اإلعالمي فيها هو مبثابة‬ ‫وفق مقتضيات مقبولة للنخبة التي تسيطر إمتياز خاص مينحها احلاكم لإلعالمي والصحفي‪.‬‬ ‫على زمام األمور‪ ،‬ومن هنا بدأت الرقابة على و بالتالي فهو مدين لها بالوالء واإللتزام ‪ ،‬وعليه‬ ‫األجهزة اإلعالمية تأخذ أبعادا مضاعفة بسبب تنفيذ ما يأمر به‪ .‬بصورة عامة تتبنى الدول‬ ‫محاولتها ضبط وسائل اإلتصال اجلماهيري النامية والدول غير الدميقراطية هذه النظرية‬ ‫بالرغم من تعقيد مبتغاها ‪ ،‬لذلك فشلت في بوصفها األساس الفكري لبناء منظوماتها‬ ‫مسعاها ألسباب كثيرة لكي تتحول الى محاولة اإلعالمية‪.‬‬ ‫نظرية احلرية او النظرية الليبرالية‪:‬‬ ‫السيطرة عليها وتطويعها ألغراضها وخاصة ‪ .2‬‬ ‫في حروبها السياسية بوصفها أكثر تأثيرا في ظهرت هذه النظرية في عصر النهضة األوروبية‬ ‫احلروب النفسية التي تقودها الدول واجملاميع ضد وحتديدا ً في القرن الثامن عشر والتاسع عشر‬ ‫بعضها وخاصة في التجييش للحروب والتعبئة وكان من أبرز من نادى بها جون ميلتون وجون‬ ‫لوك‪ .‬تقوم هذه النظرية على أساس تقدمي كل‬ ‫لها‪.‬‬ ‫املعلومات واألفكار للجمهور‪ ،‬وان النقد احلر‬ ‫ثالثاً‪ :‬أخالقيات العمل اإلعالمي في ظل النظريات ضرورة لتحقيق الرفاهية والتقدم ‪ ،‬وان العمل‬ ‫اإلعالمي يجب ان يتحرر من اية رقابة مسبقة‬ ‫اإلعالمية‪:‬‬ ‫‪165‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪166‬‬

‫وان يكون مفتوحا ألي شخص او جماعة دون‬ ‫احلصول على رخصة حكومية مسبقة‪ ،‬وان‬ ‫تكون أبواب النقد مفتوحة دون خوف او عقاب‬ ‫من السلطة او احلاكم‪ .‬وان يعمل اإلعالمي بكل‬ ‫حرية دون قيود او إكراه على نشر معلوماته وان‬ ‫يتمتع باإلستقالل املهني‪ .‬ساعدت هذه النظرية‬ ‫اإلعالم والصحافة واإلعالميني على التخلص من‬ ‫سيطرة الدولة ‪ ،‬خصوصا ً في الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية وأوروبا الغربية‪.‬‬ ‫نظرية املسؤولية اإلجتماعية‪:‬‬ ‫‪ .3‬‬ ‫تتلخص هذه النظرية التي نادى بها عدد من‬ ‫األساتذة واألكادمييني باملسؤولية اإلجتماعية‬ ‫وصدق األخبار واحليادية ‪ ،‬وعلى ان اإلعالم يجب ان‬ ‫يكون في خدمة اجملتمع من خالل اإللتزام باملعايير‬ ‫املهنية كقول احلقيقة والدقة واملوضوعية‪.‬‬ ‫والتوازن واإلبتعاد عن نشر كل ما يؤدي الى إرتكاب‬ ‫اجلرمية واشاعة الفوضى او توجيه اإلهانات الى‬ ‫األفراد او األقليات وان تدخل اإلعالم يجب ان يكون‬ ‫لتحقيق املصلحة العامة‪.‬‬ ‫النظرية الشيوعية‪:‬‬ ‫‪ .4‬‬ ‫شهد الربع االول من القرن العشرين ميالد نظرية‬ ‫الصحافة الشيوعية التي كان كارل ماركس األب‬ ‫الروحي لها‪ ،‬متأثرا بفلسفة زميله األملاني هيغل‪.‬‬ ‫تركز هذه النظرية على توظيف وسائل اإلعالم‬ ‫في خدمة اجلهاز احلكومي واحلزب الشيوعي ‪،‬‬ ‫بحيث يقوم اإلعالم والصحافة فيها‪ ،‬بتقوية‬ ‫وتوسيع النظام اإلشتراكي ‪ ،‬وليس البحث عن‬ ‫احلقيقة‪ .‬وتعتبر هذه النظرية وسائل اإلعالم‬ ‫أدوات للحكومة و جزءا ً مهما منها‪ .‬والدولة‬ ‫تقوم بتشغيل و متويل هذه الوسائل‪ .‬واحلزب‬ ‫الشيوعي هو الذي يقوم بالتوجيه الفكري‬ ‫والرقابي للمؤسسات اإلعالمية‪.‬‬

‫خدمة اجملتمع اإلنساني ككل ‪،‬وتعتبر إمتدادا‬ ‫لنظريات احلرية اإلعالمية ونظرية املسؤولية‬ ‫اإلجتماعية ‪ ،‬لكنها اكثر شموال كونها تنطلق‬ ‫من وإلى اجملتمع اإلنساني األشمل دون حتديد‬ ‫جنس هذا اجملتمع ‪ ،‬اذ ترفض األفكار العنصرية‬ ‫او العرقية او التعصب الديني بكافة أشكاله‪،‬‬ ‫وتعمل على خدمة اإلنسان من كل جوانب‬ ‫حياته‪ ،‬وتؤمن باحلرية الكاملة والكافية التي‬ ‫متكن اإلنسان من إبداء رأيه والتعبير عن أفكاره‬ ‫من خالل وسائل اإلعالم املتاحة‬ ‫نظرية صحافة التنمية‪:‬‬ ‫‪ .6‬‬ ‫تعترف هذه النظرية بسمو وإستقاللية اإلعالم‬ ‫ووحدته ومتاسكه ورفضه للتبعية وللسلطة‬ ‫املتعسفة وتأكيده على التنمية بكل فروعها‪،‬‬ ‫وتركز على توحيد إجتاهات الشعب من أجل‬ ‫التنمية الوطنية ومساعدة املواطنني على إدراك‬ ‫ان الدولة اجلديدة قد قامت بالفعل مبساعدة‬ ‫وتشجيع املواطنني على الثقة باملؤسسات‬ ‫والسياسة احلكومية مما يضفي الشرعية على‬ ‫السلطة السياسية وقبولها‪ .‬وكذلك املساعدة‬ ‫في اإلستقرار والوحدة الوطنية وتغليب املصلحة‬ ‫الوطنية على املصلحة اخلاصة ‪ .‬والتركيز على‬ ‫اإليجابيات وجتاهل السلبيات‪ .‬تطورت هذه‬ ‫النظرية الى مديات عامة جتعل من تنمية الثقافة‬ ‫املدنية واحلضارية املسؤولية األهم لإلعالم‪.‬‬

‫نظرية املشاركة الدميقراطية‪:‬‬ ‫‪ .7‬‬ ‫نشأت هذه النظرية كرد فعل مضاد للطابع‬ ‫التجاري وإحتكار وسائل اإلعالم اململوكة ملكية‬ ‫فردية ويعبر مصطلح املشاركة الدميقراطية‬ ‫عن معنى التحرر من قيود األحزاب السياسية‬ ‫القائمة‪ .‬تكمن الفكرة األساسية فيها في‬ ‫إهتمامها بإحتياجات ومصالح وآمال و حق‬ ‫املواطن في إستخدام وسائل اإلتصال واإلعالم‬ ‫نظرية املسؤولية العاملية‪:‬‬ ‫‪ .5‬‬ ‫ان أهداف وغايات هذه النظرية تنبثق من مفهوم من اجل التفاعل واملشاركة على نطاق واسع‬


‫في مجتمعه‪ .‬وترى هذه النظرية ان وسائل‬ ‫اإلعالم تعنى أكثر باحلياة اإلجتماعية وتخضع‬ ‫لسيطرة مباشرة من جمهورها وتقدم فرص‬ ‫للمشاركة على أسس يحددها مستخدموها‬ ‫بدال من املسيطرين عليها‪ .‬وان للمواطن‬ ‫واجملموعات واألقليات حق الوصول الى وسائل‬ ‫اإلعالم وإستخدامها خدمة ألغراضهم وطبقا‬ ‫إلحتياجاتهم ‪ ،‬وان وسائل اإلعالم يجب ان ال‬ ‫تكون خاضعة لسيطرة بيروقراطية حكومية او‬ ‫سياسات مركزية حزبية‪ .‬وان اجلماعات واملنظمات‬ ‫والتجمعات احمللية ينبغي ان تكون لها وسائلها‬ ‫اإلعالمية اخلاصة بها‪ .‬وان وسائل اإلعالم الصغيرة‬ ‫التي تساهم بالتفاعل واملشاركة هي أفضل من‬ ‫وسائل اإلعالم املهنية الضخمة املسخرة بإجتاه‬ ‫واحد فقط‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬مواثيق األخالق في العمل اإلعالمي‪:‬‬ ‫يرجع ظهور مواثيق األخالق في العمل اإلعالمي‬ ‫الى ثمانني عام تقريبا ويهدف الى حتسني األداء‬ ‫اإلعالمي والتحكم في وسائل اإلعالم لصالح‬ ‫عامة الناس‪ ،‬ان مواثيق األخالق في العمل‬ ‫اإلعالمي قد تكون إلزامية او إختيارية‪:‬‬ ‫املواثيق اإللزامية تكون إجبارية أي يجب‬ ‫‪ .1‬‬ ‫على اإلعالمي او الصحفي تنفيذها‪ ،‬ويعاقب من‬ ‫يخالف او ينتهك ما جاء بها من معايير للسلوك‬ ‫املهني وتتخذ اجتاهه إجراءات العقاب كالتأنيب‬ ‫العام او إيقاف عن مزاولة املهنة‪.‬‬ ‫املواثيق اإلختيارية تقوم على أساس‬ ‫‪ .2‬‬ ‫رغبة نابعة من العاملني في املهنة بحيث يترتب‬ ‫على موافقتهم عليها وإلتزامهم بتنفيذ ما جاء‬ ‫فيها أثناء ممارستهم للعمل ‪ ،‬وتعد هذه املواثيق‬ ‫مبثابة تنظيم ذاتي لهم‪.‬‬ ‫وميكن تصنيف مواثيق أخالقيات العمل اإلعالمي‬ ‫الى عدة أنواع من أهمها‪:‬‬ ‫املواثيق اخلاصة بوسائل اإلتصال‪ :‬جميعا ً‬ ‫‪ .1‬‬ ‫وهي الصحافة‪ ،‬الكتب‪ ،‬السينما‪ ،‬املسرح‪ ،‬اإلذاعة‬

‫االلكترونية‪ ،‬اإلتصال اإلفتراضي‪.‬‬ ‫مواثيق تهتم بجوانب املضمون اإلتصالي‬ ‫‪ .2‬‬ ‫التعليمي‪ :‬وتشمل اإلعالم‪ ،‬التسلية‪ ،‬اإلعالن‬ ‫املباشر وغير املباشر‪.‬‬ ‫مواثيق تهتم بجوانب صناعة اإلتصال‪:‬‬ ‫‪ .3‬‬ ‫وتتناول جانب او أكثر من جوانب صناعة اإلتصال‪.‬‬ ‫كأن تغطي في الصحيفة مثال التحرير‪ ،‬األخبار‪،‬‬ ‫األحداث اجلارية‪ ،‬اإلعالن‪ ،‬والتوزيع‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬املسؤولية اإلعالمية في أخالقيات‬ ‫العمل اإلعالمي‪:‬‬ ‫تتحمل وسائل اإلعالم بكافة أشكالها املقروءة‬ ‫واملسموعة واملرئية أهمية كبيرة في اجملتمعات‬ ‫احلديثة وتنبع أهميتها من مسؤوليتها جتاه‬ ‫اجملتمع الذي تعمل فيه‪ .‬وميكن إدراك املسؤولية‬ ‫اإلعالمية من خالل ثالث وظائف وهي‪:‬‬ ‫القيام بالوظائف واألدوار اإلجتماعية‬ ‫‪ .1‬‬ ‫كالوظيفة السياسية التي تعني إبالغ الناس‬ ‫بكل ما يدور في احلكومة والهيئات األخرى من‬ ‫أنشطة‪ .‬اذ تصبح وسائل اإلعالم جزء متداخال‬ ‫في العملية السياسية من خالل مراقبة‬ ‫مراكز السلطة على كل املستويات والوظيفة‬ ‫التعليمية التي تشكل تقدمي األخبار ومناقشة‬ ‫كافة األفكار واآلراء واملواقف والوظيفة الثقافية‬ ‫تعنى بتقدمي القيم والتقاليد واملعايير املثالية‬ ‫للمجتمع‪:‬‬ ‫معرفة املبادئ التي ترشد وسائل اإلعالم‬ ‫‪ .2‬‬ ‫الى حتقيق الوظائف السابقة بطريقة إيجابية او‬ ‫مشروعة‪.‬‬ ‫معرفة أنواع السلوك التي يجب‬ ‫‪ .3‬‬ ‫مراعاتها من قبل اإلعالميني لتحقيق املبادئ‬ ‫اإلرشادية‪.‬‬ ‫وميكن القول ان املسؤوليات التي تقع على عاتق‬ ‫وسائل اإلعالم هي‪:‬‬ ‫مسؤولية إعالمية جتاه اجملتمع العام‪ :‬من‬ ‫‪ .1‬‬ ‫خالل إتاحة املعلومات وعدم إحلاق الضرر باآلخرين‬ ‫‪167‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪168‬‬

‫وكالهما يتصارع أحيانا مع اآلخر‪.‬‬ ‫مسؤولية إعالمية جتاه اجملتمع احمللي‪ :‬هي‬ ‫‪ .2‬‬ ‫إمتداد للمسؤولية األولى‪ ،‬وتعتمد على نشر ما‬ ‫يتوقعه األفراد من اجملتمع وما يتوقعه اجملتمع من‬ ‫األفراد وأداء الرسالة السابقة مع جتنب أي ضرر‬ ‫بقدر اإلمكان وإبالغ الناس ما يحقق مصاحلهم‬ ‫اآلنية و املستقبلية‪.‬‬ ‫مسؤولية إعالمية جتاه نفسه‪ :‬من خالل‬ ‫‪ .3‬‬ ‫أداء الرسالة اإلعالمية بأقصى قدر ممكن من‬ ‫الدقة واألمانة والصدق واملوضوعية ملا يعتقد انه‬ ‫في صالح اجملتمع‪.‬‬ ‫سادساً‪ :‬القيم األخالقية في العمل اإلعالمي‪:‬‬ ‫ان أخالقيات املهنة اإلعالمية وجهات داخلية‬ ‫لقرارات مهنية في مختلف املواقف واملوضوعات‬ ‫التي يواجهها اإلعالمي أثناء عمله املهني ‪،‬‬ ‫فاإلعالمي او الصحفي الناجح ال يحتاج الى‬ ‫قوانني ورقابة احلكومة لتنظيم أمور مهنته ‪،‬‬ ‫فنهاك ايضا الدوافع والرقابة الذاتية وأخالقيات‬ ‫املهنة اإلعالمية كضوابط للعمل اإلعالمي‪ .‬ان‬ ‫أخالقيات العمل اإلعالمي هي مجموعة من‬ ‫املبادئ والقيم املنظمة في العمل اإلعالمي‬ ‫و تعتمد على مجموعة منتقاة من املبادئ‬ ‫املوجهة للسلوك األخالقي ‪ ،‬وهذه املبادئ مهمة‬ ‫للمؤسسات اإلعالمية خاصة في اوقات األزمات ‪،‬‬ ‫وتستهدف هذه املبادي تشكيل ذاتية املؤسسات‬ ‫اإلعالمية او اجلماعة املهنية ومن أهم هذه املبادئ‬ ‫والقيم األخالقية للعمل اإلعالمي‪:‬‬ ‫الصدق‪ :‬في احلصول على ثقة اجلمهور‬ ‫‪ .1‬‬ ‫املتلقي واملستمع و املشاهد و القارئ هو أساس‬ ‫اإلعالم اجليد‪ .‬والتمسك مببادئ الدقة في عرض‬ ‫احلقائق وينبغي على اإلعالمي ان يكون صادقا في‬ ‫نقله للعمل اإلعالمي سواء كان خبرا ً ام حتقيقا ً‬ ‫ام مقابل ًة ‪ .‬اذ فان الصدق هو احملور األساس‬ ‫للوصول الى احلقيقة‪.‬‬

‫احليادية واملوضوعية‪ :‬على اإلعالمي ان‬ ‫‪ .2‬‬ ‫يلتزم بالنزاهة والدقة أثناء عملية نقل األخبار‪،‬‬ ‫وأال يكون متحيزا ألي طرف من أطراف املوضوع‬ ‫الذي ينشره او يبثه‪ ،‬وان يقوم بنقل اخلبر واحلدث‬ ‫والصورة كما هي ‪ ،‬خاصة عندما يتناول املوضوع‬ ‫أحداث تهم اجملتمع‪ .‬كما يجب على اإلعالمي ان‬ ‫يكون نزيها في تعامله مع اإلنتماءات‪ ،‬وعليه‬ ‫اإلبتعاد عن قبول الهدايا والرشاوى من أي جهة‬ ‫كانت مقابل عمل إعالمي معني‪ .‬وعلى اإلعالميني‬ ‫ان يحترموا حقوق األشخاص وان يراعوا املعايير‬ ‫املشتركة لألمانة والشرف وان يكونوا مسؤولني‬ ‫امام اجلمهور عن عدالة تقاريرهم األخبارية‬ ‫ودقتها ‪ ،‬كما ان األشخاص الذين يتم إتهامهم‬ ‫علنا يجب إعطائهم حق الرد في أقرب فرصة‬ ‫بذات املستوى الذي إتهموا فيه‪.‬‬ ‫الشعور باملسؤولية‪ :‬على اإلعالمي او‬ ‫‪ .3‬‬ ‫الصحفي ان يتحمل مسؤولية الصحة في‬ ‫أخباره ‪ ،‬أي ال يجوز نقل أي خبر دون التحقق من‬ ‫مصداقيته ومصداقية املصدر ويجب ان يعتمد‬ ‫على أكثر من مصدر‪ .‬كما ان العهود التي يقدمها‬ ‫اإلعالمي باحلفاظ على سرية املصادر األخبارية‬ ‫البد من الوفاء بها مهما كان الثمن ‪ ،‬ولهذا‬ ‫السبب يجب ان ال يقوم اإلعالميون باإلستخفاف‬ ‫بهذه العهود‪ .‬وعلى اإلعالمي مراعاة املسؤولية‬ ‫اإلجتماعية وأخالقيات املهنة اإلعالمية أثناء‬ ‫ممارسة عمله‪ .‬ففي حاالت عديدة يعمد اإلعالمي‬ ‫او الصحفي الى إستخدام أساليب اخلداع من‬ ‫أجل احلصول على املعلومات والوثائق لتحقيق‬ ‫السبق الصحفي‪.‬‬ ‫إحترام كرامة اإلنسان‪ :‬يجب ان ال‬ ‫‪ .4‬‬ ‫ينشر خبر او صورة متس كرامة الفرد وال يجوز‬ ‫إستعمال اساليب اخلداع او التوريط او اإلبتزاز او‬ ‫التالعب باألشخاص مثل(التسجيل او التصوير‬ ‫غير القانوني)‪ .‬ان الهدف الرئيسي من جمع‬ ‫األخبار واآلراء وتوزيعها هو خدمة عامة وذلك‬ ‫عن طريق إمداد الناس باملعلومات ومتكينهم من‬


‫إصدار األحكام حول قضايا العصر‪ .‬واإلعالميون‬ ‫واإلعالميات الذين يسيئون استخدام هذه‬ ‫السلطة املتاحة لهم بحكم منتهي او‬ ‫يوجهونها لدوافع أنانية او اإلنحراف يكونوا قد‬ ‫خانوا الثقة املمنوحة لهم من الرأي العام‪.‬‬ ‫املساواة‪ :‬ان املواطنني متساوون في‬ ‫‪ .5‬‬ ‫احلقوق والواجبات مثلما هم متساوون امام‬ ‫وسائل اإلعالم ‪ ،‬ومن هنا تأتي ضرورة احلرص على‬ ‫ان ال تكون هذه الوسائل تعبيرا ً عن فئة او ثقافة‬ ‫او جهة دون اخرى‪.‬‬ ‫اإلستئذان‪ :‬على اإلعالمي ان يعمد الى‬ ‫‪ .6‬‬ ‫اسلوب اإلستئذان في احلصول على املعلومات‬ ‫واألخبار والتسجيالت التي يحتاجها لعرضها‬ ‫للجمهور مبا يلبي إحتياجات اجلمهور‪.‬‬ ‫األمانة واإلستقامة‪ :‬ان يكون امينا في‬ ‫‪ .7‬‬ ‫نقل األخبار واملعلومات واألحداث واإلبتعاد عن‬ ‫التمييز والتزييف في نقل احلقائق‪ .‬وان يتوخى‬ ‫احلذر من املصادر التي ال ترغب في الكشف عن‬ ‫ذكر هويتها واسمها وعدم الكشف عن سرية‬ ‫املصادر التي ال ترغب في الكشف عن ذكر اسمها‬ ‫وهويتها‪ .‬و على اإلعالمي ان يكون أمينا في نقل‬ ‫مصادر معلومات وموضوعاته وان يراعي حقوق‬ ‫النشر في اإلقتباس من أعمال اآلخرين‪ .‬كما على‬ ‫اإلعالمي جتنب اساليب اخلداع واإلحتيال للوصول‬ ‫الى موضوع حيوي ومثير للوصول الى السبق‬ ‫الصحفي او اخلبطة الصحفية‪.‬‬ ‫توخي الدقة واإلجادة‪ :‬جتنب الوقوع في‬ ‫‪ .8‬‬ ‫األخطاء املنهجية واللغوية اثناء عرض احلقائق‬ ‫واملعلومات‪.‬‬ ‫اإللتزام‪ :‬بعدم اللجوء الى حتقيق الشهرة‬ ‫‪ .9‬‬ ‫على حساب املبادئ والقيم واألخالق من خالل‬ ‫نشر األخبار‪.‬‬ ‫التحلي باملثل األخالقية‪ :‬على اإلعالمي‬ ‫‪ .10‬‬ ‫مراعاة اجلوانب األخالقية اثناء تقدميه األخبار‬ ‫التي حتقق التوازن بني مصلحة الفرد ومصلحة‬ ‫اجملتمع وعلى وسائل اإلعالم جتنب غزو حق األفراد‬

‫في اخلصوصية وعلى اإلعالمي اتباع القوانني التي‬ ‫تتضمنها مواثيق الشرف األخالقية التي تضعها‬ ‫املنظمات اإلعالمية بشأن حماية اخلصوصية‬ ‫ومراعاة اإلحترام اإلنساني للخصوصية الفردية‬ ‫واإلحسان اثناء التعامل مع األشخاص الذين‬ ‫تتناولهم األخبار‪.‬‬ ‫عدم التجسس‪ :‬على احلياة اخلاصة‬ ‫‪ .11‬‬ ‫لألفراد والتدخل في خصوصياتهم ألنها تعتبر‬ ‫اساليب غير أخالقية‪ .‬كتصوير املآسي اخلاصة‬ ‫لألفراد واستغالل حوادث الناس وتصويرهم‬ ‫لإلغتصاب واإلغتياالت السياسية واخملدرات‬ ‫ومراعاة طبيعة بث هذه املوضوعات ونشرها‬ ‫بحيث يكون الهدف األساسي من عرض تلك‬ ‫األحداث واملوضوعات توعية الناس وإيقاظهم‬ ‫نحو املشكالت التي تشهدها احلياة السياسية‬ ‫واإلجتماعية وبث الطمأنينة في نفوسهم‪.‬‬ ‫النزاهة‪ :‬عدم اإلستيالء على املواد‬ ‫‪ .12‬‬ ‫اإلعالمية لآلخرين ألنه يعد مبثابة القرصنة‬ ‫واعادة بيعها بدون اعطاء حقوق الناشر‪ ،‬ألنه يعد‬ ‫عمل غير أخالقي ويضر بحقوق الناشر ويعرضه‬ ‫للمسائلة املادية‪ .‬وعلى اإلعالمي ان ينسب ما‬ ‫إقتبسه الى املصدر األصلي ‪ ،‬وان لم يفعل ذلك‬ ‫يعد عدوان على حق النشر ويعتبر من أمناط‬ ‫اإلحتيال والسرقة‪.‬‬ ‫العفة‪ :‬جتنب عرض األعمال الفاحشة‬ ‫‪ .13‬‬ ‫ألنه يعبر عن مشكلة أخالقية اكثر مما يعبر عن‬ ‫مشكلة قانونية‪ .‬ان نشر املواد الفاحشة سيهدم‬ ‫اجملتمع ويفسد األخالق ويشجع على االباحية‬ ‫اجلنسية‪ .‬فالتعرض الى مشاهد اإلثارة والدعارة‬ ‫وإغتصاب النساء يؤدي الى تفشي سلوكيات‬ ‫ضارة باجملتمع‪ .‬الن تسليط الضوء اإلعالمي على‬ ‫السلوكيات واألخالق السيئة والنماذج الفاشلة‬ ‫سوف يجعل الناس ميالون الى تقليد ذلك مما‬ ‫ينشر الفساد واإلنحالل‪ ،‬كما ان اإلعالمي اذا‬ ‫لم يستطع ان يحافظ على عفته سوف تقترن‬ ‫مع ظهوره اإلعالمي ومبا يسبب مشاكل كثيرة‬ ‫‪169‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪170‬‬

‫خاصة ملن يتأثرون به‪ ،‬لذا على اإلعالمي ان يكون املصادر‪:‬‬ ‫قدوة في اجملتمع ويتجنب التصرفات واألخالقيات‬ ‫اديب خضور‪ ،‬النظرية العامة في الصحافة‪،‬‬ ‫‪ .1‬‬ ‫غير الالئقة‪.‬‬ ‫اخلامتة و التوصيات‪:‬‬ ‫توصل الدراسة الى ان اإلعالمي يجب ان يلتزم‬ ‫باألسس الذاتية للرقابة‪ ،‬وان يعتمد على‬ ‫املنطلقات األخالقية في كل تصرفاته وأنشطته‬ ‫املهنية‪ ،‬ألنه كشخصية عامة يجب ان يعرف‬ ‫بانه موضع ثقة واعجاب الكثيرين لذا عليه ان‬ ‫يكون على قدر كبير من املسؤولية‪ ،‬لذا نرى بان‬ ‫نتقدم ببعض التوصيات قد تساهم في دعم‬ ‫تطوير أخالقيات العمل اإلعالمي‪.‬‬ ‫من الضروري تدريب اإلعالميني على‬ ‫‪ .1‬‬ ‫ممارسة أعمالهم مبسؤولية لتحقيق الصالح‬ ‫للفرد واجملتمع‪.‬‬ ‫عمل دورات تدريبية لإلعالميني من‬ ‫‪ .2‬‬ ‫مندوبني ومحررين وجميع العاملني في املؤسسات‬ ‫اإلعالمية وحثهم على إحترام الدقة واملوضوعية‬ ‫واإللتزام بالصدق‪.‬‬ ‫عقد ورشات العمل و الندوات التي‬ ‫‪ .3‬‬ ‫تشجع على زيادة الوعي باإلعتبارات األخالقية‬ ‫وتعضيد احلس األخالقي في اإلعالميني‪.‬‬ ‫اجراء الدراسات و البحوث العلمية عن‬ ‫‪ .4‬‬ ‫أخالقيات العمل اإلعالمي وتدريبها كمنهاج‬ ‫لطالب اإلعالم في الكليات واملعاهد‪.‬‬ ‫عدم منح رخصة ممارسة العمل اإلعالمي‬ ‫‪ .5‬‬ ‫اال بعد التأكد من امتالك املتقدم لقدرات علمية‬ ‫وموهبة ورغبة صادقة ملمارسة عمله‪.‬‬ ‫‪ .6‬تنمية أدوار النقابات واجملالس اإلعالمية‬ ‫الرصينة التي تعمل كنواظم ضبط أخالقية‬ ‫لإلعالميني‪.‬‬ ‫‪ .7‬اعادة تقومي أوضاع اإلعالم والصحافة من‬ ‫الناحية املهنية واإلرتباط األخالقي املهني‪.‬‬

‫دمشق‪.1990 ،‬‬ ‫امام عبدالفتاح امام‪ ،‬فلسفة االخالق‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫‪.1990‬‬ ‫جيهان احمد رشتي‪ ،‬األسس العلمية لنظرية‬ ‫‪ .3‬‬ ‫اإلعالم‪ ،‬القاهرة‪.1975 ،‬‬ ‫حسن عماد مكاوي‪ ،‬أخالقيات العمل اإلعالمي‪،‬‬ ‫‪ .4‬‬ ‫القاهرة ‪.2006 ،‬‬ ‫حميدة سميسم‪ ،‬مفهوم اخلطاب الدعائي‪،‬‬ ‫‪ .5‬‬ ‫بغداد‪.1998 ،‬‬ ‫خليل صابات‪ ،‬وسائل اإلتصال نشأتها وتطورها‪،‬‬ ‫‪ .6‬‬ ‫القاهرة‪.1982 ،‬‬ ‫د‪ .‬هادي حسن عليوي‪ ،‬في معنى اإلتصال‪ ،‬مقال‬ ‫‪ .7‬‬ ‫منشور على موقع االمام الشيرازي‪www.siironline. ،‬‬ ‫‪org‬‬ ‫د‪ .‬حسني احلسن‪ ،‬اإلعالم والدولة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ .8‬‬ ‫‪.1995‬‬ ‫عبد اللطيف حمزة‪ ،‬أزمة الضمير الصحفي‪،‬‬ ‫‪ .9‬‬ ‫القاهرة‪.1960 ،‬‬ ‫عبدالباسط عبد املعطي‪ ،‬اإلعالم وتزييف‬ ‫‪ .10‬‬ ‫الوعي ‪ ،‬القاهرة‪.1979 ،‬‬ ‫عماد عبداحلميد النجار‪ ،‬الوسيط في تشريعات‬ ‫‪ .11‬‬ ‫الصحافة‪ ،‬القاهرة‪.1985 ،‬‬ ‫فاروق ابو زيد النظم الصحفية في الوطن‬ ‫‪ .12‬‬ ‫العربي‪ ،‬القاهرة‪.1986 ،‬‬ ‫ليلى عبد احلميد‪ ،‬الصحافة في الوطن العربي‪،‬‬ ‫‪ .13‬‬ ‫القاهرة‪.1990 ،‬‬ ‫محمد محمود‪ ،‬اإلعالم املعاصر‪ ،‬عمان‪.2007 ،‬‬ ‫‪ .14‬‬ ‫مختار التهامي‪ ،‬الرأي العام واحلرب النفسية‪،‬‬ ‫‪ .15‬‬ ‫القاهرة‪.1974 ،‬‬ ‫ميشيل كولون‪ ،‬إحذروا اإلعالم‪ ،‬ت‪ :‬ناصرة‬ ‫‪ .16‬‬ ‫الشعدون‪ ،‬بغداد‪.1994 ،‬‬ ‫هربرت شيلر‪ ،‬املتالعبون بالعقول‪ ،‬ت‪ :‬عبد‬ ‫‪ .17‬‬ ‫السالم رضوان‪ ،‬الكويت‪.1986 ،‬‬


‫اللغة والواقع اإلجتماعي‬ ‫يوسف يوسف‬

‫‪171‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪172‬‬

‫« ليست األمم كلها متساوية في النطق ‪،‬‬ ‫فقد يكون ألمة من احلروف ما ليس‬ ‫ألمة أخرى ‪ .‬واحلروف التي نطقت‬ ‫بها العرب هي ثمانية وعشرون حرفا‪،‬‬ ‫وجند للعبرانيني حروفا ليست في لغتنا‪،‬‬ ‫وفي لغتنا أيضا حروف ليست في لغتهم‪،‬‬ ‫وكذلك االفرجن والترك والبربر وغير‬ ‫هؤالء من العجم «‬ ‫ابن خلدون ‪ /‬املقدمة‬

‫لرمبا م ّرت اللغة على لسان االنسان في‬ ‫بداياتها املوغلة في القدم ‪ ،‬مبرحلة كانت فيها‬ ‫مجرد أصوات ‪ ،‬يلقيها ليع ّبر من خاللها عن‬ ‫مشاعره وأحاسيسه من جهة ‪ ،‬وليبينّ لغيره من‬ ‫البشر الذين يقاسمونه عصر الفطرة ما يريده‬ ‫منهم ‪ .‬ومن يعرف ‪ ،‬فلرمبا أعقبت تلك املرحلة‬ ‫التي توصف بالبدائية ‪ ،‬مرحلة أخرى انتقل‬ ‫فيها من بدائيته تلك ‪ ،‬وتهذبت فيها األصوات‬ ‫التي كانت تخرج من حنجرته ‪ ،‬فأصبح لها رنني‬ ‫وإيقاع جميلني ‪ ،‬انتقل بهما من مرحلة محاولة‬ ‫محاكاة ما حوله من الرياح واحليوانات والطيور‬ ‫وسواها ‪ ،‬ليصبح مخلوقا أكثر جمالية وهو‬ ‫اخمللوق اجلمالي في األصل ( وخلقنا االنسان في‬ ‫أحسن تقومي) ‪ ،‬يحاول استخدام لسانه للتعبير‬ ‫عما يجيش في أعماقه ‪ .‬وبصرف النظر عما إذا‬ ‫كانت اللغة‬ ‫( توقيفية ) ‪ ،‬أي وحي من اهلل خالق الكون كما‬ ‫يرى ابن فارس في كتابه ( فقه اللغة ) ‪ ،‬أو وضعية‬ ‫اخترعها االنسان كما يرى ابن جني في كتابه‬ ‫(اخلصائص)‪ ،‬وهو ما يذهب إليه العدد األكبر‬ ‫تعد‬ ‫من علماء اللغة ‪ ،‬فإن حال الكلمة التي ّ‬ ‫اللبنة األساسية في بنية اللغة‪ ،‬ال تختلف من‬

‫حيث تطور االستخدام عن حال احلجر ‪ ،‬كالهما‬ ‫كمصطلحني يلقيان األنوار على منزلتهما‬ ‫االجتماعية ‪ ،‬االول ‪ :‬الكلمة كواحدة من وسائل‬ ‫التوصيل ‪ ،‬والثاني – احلجر كواحدة من أدوات‬ ‫العمل التي استخدمها االنسان في حياته االولى‬ ‫– الكهف والرعي على وجه الدقة ‪ .‬وخالصة‬ ‫القول هنا ‪ ،‬فإن حال الكلمة كمثل حال احلجر‬ ‫في متوضعاته املتباينة ‪ ،‬خالل حياة االنسان التي‬ ‫يالحظ عليها عدم ثباتها على حال ‪،‬وخضوعها‬ ‫ملنطق التطور ‪ ،‬وذلك بالنظر إلى ما كانت له‬ ‫من الوظيفة االجتماعية التي ال ميكن التقليل‬ ‫من أهميتها ‪ .‬ونحن من أجل توضيح األمر ‪ ،‬ال‬ ‫تغيب عن أذهاننا قيمة احلجر الكبيرة خالل تلك‬ ‫العصور التي كان االنسان فيها يشعل النار‬ ‫بضرب حجرين ببعضهما ‪ ،‬ويصطاد غزاال برميه‬ ‫بحجر حاد األطراف ‪ ،‬يكون قد تفنن في نحتها ‪،‬‬ ‫وهكذا إلى غير ذلك من االستخدامات ‪ .‬ولسوف‬ ‫يدرك القارئ أننا في هذا التصور ‪ ،‬نو ّد االشارة إلى‬ ‫التدرج في املعنى ‪ ،‬بعد أن لم يعد جوهر ذلك‬ ‫احلجر كما يقول الدكتور نوفلينوف كامنا في‬ ‫خواصه الطبيعية كالثقل واحلجم والشكل ‪ ،‬بل‬ ‫وفي وظيفته االجتماعية ‪.‬‬ ‫في حال الكلمة واملقايسة مع ما سبقت‬ ‫االشارة إليه من النمو والتطور في وعي االنسان‬ ‫بذاته ومبا حوله ‪ ،‬فإنه وفي بدايات حياة االنسان ‪،‬‬ ‫لم يكن ثمة قاموس لغوي باملعنى املرئي واملعرفي‬ ‫كمثل ما نعرف اليوم من القواميس واملعاجم ‪،‬‬ ‫فالطباعة لم تكن قد عرفت ‪ ،‬وإمنا مبعنى عدد‬ ‫الكلمات التي كان االنسان يستخدمها في‬ ‫حياته ‪ ،‬وقد حتددت الكلمات آنذاك مبا يكفي‬ ‫منها للتعبير عن حاجاته القليلة كما سبقت‬ ‫االشارة ‪ ،‬وذلك بالنظر حملدودية املعرفة واخلبرة ‪.‬‬ ‫لقد قيلت آراء عديدة في أصل اللغة ‪ .‬وكتبت‬ ‫نظريات فيها من االختالف والتباين أكثر مما‬ ‫فيها من أسباب التقارب ‪ ،‬وإن بقي يجمعها‬


‫ناظم االعتقاد بأن اللغة نظام اتصالي له غايات‬ ‫اجتماعية ‪ .‬وعندما قال ابن فارس بأن اللغة‬ ‫توقيفية‪ ،‬فقد اعتمد في طرح هذا التصور‬ ‫على النص القرآني ( وعلم آدم األسماء كلها )‪.‬‬ ‫وعلى العكس منه فإن ابن جني الذي قال بأنها‬ ‫وضعية ‪ ،‬أراد أن يقرر مثلما فعل كثيرون سبقوه‬ ‫أو جاءوا بعده ‪ ،‬بأنها إمنا تأسست على قاعدة‬ ‫فكرة التواضع واالصطالح بني مجموعة من‬ ‫الناس ‪ .‬وإلى هذا التباين في اآلراء أيضا ‪ ،‬ففيما‬ ‫يرى البعض بأن أصل اللغة واحد ‪ ،‬وأن األرض‬ ‫كلها عند بداية خلق االنسان كانت لها لغة‬ ‫واحدة ولسان واحد ‪ ،‬وعلى غرار ما جاء به سفر‬ ‫التكوين التوراتي‪ ،‬الذي يقول أيضا بأن اهلل هو‬ ‫من بلبل اللغات وبلبل الكالم بني األقوام ثم فرق‬ ‫هذه األقوام ومعها لغاتها اخملتلفة( من هؤالء‬ ‫األوالد السبعة واألحفاد السبعة ليافث ‪ ،‬تفرقت‬ ‫جزائر األمم ‪ ،‬بأراضيهم كل لسان كلسانه حسب‬ ‫قبائلهم بأممهم ) (التكوين ‪ ، )5/10‬فإن آخرين رأوا‬ ‫عكس هذا ‪ ،‬وقالوا أن اللغات في األصل نشأت‬ ‫مستقلة بعضها عن بعض ‪ ،‬وأن لكل قوم لغة ‪،‬‬ ‫ليست كمثل غيرها مما يتداولها الناس ويرددونها‬ ‫على ألسنتهم ‪ ،‬ومن هؤالء ماكس ملر ‪ ،‬الذي‬ ‫يرى بأن االنسان األول افترق إلى مناطق جغرافية‬ ‫مختلفة على وجه األرض ‪ ،‬قبل أن يستخدم‬ ‫صوته للداللة على املعنى ‪ ،‬ومثله موريس الذي‬ ‫افترض بأن اللغات في األصل كانت اثنتي عشرة‬ ‫لغة أساسية ‪ ،‬وإن كانت جميعها لها أصل‬ ‫واحد ‪.‬‬ ‫لقد كتب الكثيرون حول اللغة ‪ ،‬ابتداء‬ ‫بسقراط وأفالطون ‪ ،‬ومرورا بابن جني وابن خلدون‬ ‫وابن سنان اخلفاجي ‪ ،‬وسواهم كإدوارد سابير‬ ‫وووتني وماكس ملر وسوسير والعشرات غيرهم‬ ‫‪ .‬وعندما قال إيرك لينيبرغ بأن اللغة ليست‬ ‫موروثة وحسب ‪ ،‬وإمنا لها خاصية جنسية ( مبعنى‬ ‫االنتماء للجنس البشري ) ال يتعاطاها إال االنسان‬

‫العاقل (‪ ، )1‬فقد أراد أن يقدم تفسيرا منطقيا‬ ‫ومقنعا لفكرة احليوان الناطق التي قيلت في‬ ‫وصف االنسان ‪ ،‬الذي بقيت اللغة لصيقة به ‪،‬‬ ‫منذ فجر تاريخه وحتى العصر احلديث ‪.‬‬ ‫لغويون وآخرون سواهم ممن لهم عالقة بالفكر‬ ‫وعلم االجتماع ‪ ،‬توقفوا أمام ما اعتبره اللغوي‬ ‫األملاني هامبولدت « اجلهاز العضوي والشرط‬ ‫الالزم للفكر»(‪ ،)2‬فقال فرانز بوب بأن اللغة‬ ‫جسم عضوي حي ‪ ،‬ينمو ويكبر ‪ ،‬ويعرض له ما‬ ‫يعرض للكائن احلي ‪ .‬وقال دينبار صاحب كتاب (‬ ‫التهندم وكالم الناس وتطور اللغة ) الذي سبقت‬ ‫االشارة إليه ‪ ،‬أن اللغة تخدم غايات الفرد الذي‬ ‫يبحث عن تشكيل حلف ما (‪ ، )3‬وقال قاسم‬ ‫العتمة ‪ :‬اللغة تعمل على تقدمي نظام اتصال‬ ‫وارتباط بني الناس بسيط وعضوي ‪ ،‬عبر نسق‬ ‫متحد من الكلمات واالشارات واإلمياءات واملعاني‬ ‫احلسية والروحية التي حتدد البيئة احلضارية‬ ‫والثقافية واالجتماعية (‪ . )4‬وأما أندرسون فيقول‬ ‫في تعريفها ‪ :‬إن اللغة هي األساس الصلد الذي‬ ‫تقوم عليه قصة األمة (‪ . )5‬وإذا ما أضفنا إلى‬ ‫ما سبق ما يقوله كل من ميشال زكريا وإدوارد‬ ‫سابير وسيفن بنكر (‪ )6‬فإنه سيكون من الصائب‬ ‫القول بأن أهمية اللغة تظهر في كونها تتوسط‬ ‫النشاط االجتماعي لالنسان ‪ ،‬على اعتبار أنها‬ ‫األداة االولى للتواصل والتفاهم االجتماعيني ‪،‬‬ ‫والوعاء احلامل لثقافة اجلماعة البشرية الناطقة‬ ‫بها ‪ ،‬وخبراتها املتراكمة عبر العصور ‪ ،‬ووفقا لها‬ ‫حتدد االنتماءات االجتماعية والعرقية (‪.)7‬‬ ‫وخالصة القول فإن اللغة في إحدى أهم‬ ‫جتليات االنسان ‪ ،‬ما كان لها أن تنشأ بدون وجود‬ ‫حاجة إليها ‪ .‬وألن طبيعة هذه احلاجة وماهيتها‬ ‫تختلف من أمة إلى أخرى في طريقة التعبير ‪،‬‬ ‫فقد اختلفت اللغات وتباينت ‪ .‬بيد أن األهم من‬ ‫بني ما جتب معرفته ‪ ،‬أن الكالم لفظا أو كتابة‬ ‫عبارة عن مجموعة من الرموز اخترعها االنسان‬ ‫‪173‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪174‬‬

‫في زمانه للداللة على األشياء ‪ ،‬ولوال هذه امللكة‬ ‫املوجودة في االنسان دون احليوان التي متكنه من‬ ‫استعمال الرموز ‪ ،‬ملا كانت لغة في الوجود (‪. )8‬‬ ‫ويضعنا تعريف ابن سنان اخلفاجي للغة‬ ‫باعتبارها ما يتواضع القوم عليه من الكالم أمام‬ ‫شكل من العمل االجتماعي ‪ ،‬يغلب عليه الفعل‬ ‫اجلماعي الذي يشترك فيه أفراد األمة جميعهم‬ ‫بد إال أن‬ ‫بدون استثناء ‪ .‬ومن هنا يقال بأنه ال ّ‬ ‫تكون اللغة اجتماعية الداللة ‪ ،‬واملعنى فيها ال‬ ‫بد أن يخضع لالصطالح والتوافق اجلمعي ‪ .‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫هنا أهميتها في توحيد األمة واحملافظة على‬ ‫بد أن حتمل‬ ‫شخصيتها التي هي هويتها التي ال ّ‬ ‫مميزات وصفات قد ال جند ما مياثلها في غيرها‬ ‫من هويات اآلخرين ولغاتهم ‪ .‬إن ثيمات هامة مما‬ ‫ورد ويرد عند التوقف أمام تعريفات اللغة كمثل‬ ‫املواضعة واالصطالح والتوافق اجلمعيني ‪ ،‬واألمة‬ ‫وشخصيتها ‪ ،‬والداللة واملعنى ‪ ،‬واللغة واملفهوم‬ ‫االتصالي ‪ ،‬وسوى ذلك الكثير ‪ ،‬جميعها تؤكد‬ ‫بأنه من غير الصحيح صرف النظر عن املمارسة‬ ‫االجتماعية في امللفوظيات ‪ ،‬وأولها االستدالالت‬ ‫الفلسفية واملنطقية في التفاعل االجتماعي‬ ‫ومنظوراته الذاتية العامة واخلاصة (‪. )9‬‬ ‫إننا باالشارة إلى تطور اللغة وما يصاحب‬ ‫هذا من التطور في وعي االنسان هو اآلخر ‪ ،‬إمنا‬ ‫نقصد الوصول إلى ما يبني أبعاد اجلدل الذي‬ ‫بدونه ما كان لعملية التطور أن حتدث ‪ .‬وخالصة‬ ‫الرأي بخصوص هذا اجلدل أن االنسان بانتقاله‬ ‫من حالته الفردية في التعبير عن ذاته ‪ ،‬والتي‬ ‫رمبا بقي يدندن فيها مع نفسه ‪ ،‬أنغاما وأصواتا‬ ‫معينة ‪ ،‬إلى األخرى ‪ -‬حالة اجلماعة التي هي‬ ‫حالة اخمللوق املعشري الذي يعيش في وسط بيئة‬ ‫اجتماعية واسعة ويتعامل معها في كل حلظة‬ ‫من حلظات حياته ‪ ،‬واضطراره بالتالي خملاطبة‬ ‫سواه والتفاهم معهم ‪ ،‬والتعبير عن مراده‬ ‫وفهم ما يريدونه منه ‪ ،‬إن باالشارات والرموز أوال‬

‫‪ ،‬أو بالكلمات أو باألصوات الحقا ‪ ،‬استطاع أن‬ ‫يك ّون له لغة ‪ .‬هذا يفيد بأن التطور الذي مكن‬ ‫االنسان من تكوين لغة له ‪ ،‬ومكنه من صنع‬ ‫األدوات واستعمالها في الوقت عينه ‪ ،‬ال يكون‬ ‫إال في معشر اجتماعي تعاوني ‪ ،‬يعتمد على‬ ‫التناسق والتناغم بني أفراد هذا املعشر ‪ ،‬وهو ما‬ ‫يستلزم استعمال اللغة بحكم الضرورة (‪.)10‬‬ ‫وهنا فإن الكثيرين من علماء اللغة ‪ ،‬يتفقون‬ ‫على أن االنسان في تطوره ‪ ،‬تطورت معه لغته‬ ‫هي األخرى باعتبار وجود عالقة عضوية بينهما‬ ‫‪ .‬إننا لكي نفهم هذا كله ‪ ،‬أمام تاريخ طويل‬ ‫من انتقاء الكلمات وخلقها كما تقول باربرا‬ ‫وايتمر‪ ،‬بهدف تفسير الظروف املتغيرة إلفساح‬ ‫اجملال للتكيف والتأقلم – تقصد تكيف اللغة‬ ‫وتأقلمها‪ -‬مع األحداث الداخلية ‪ /‬اخلارجية ‪ ،‬وهو‬ ‫تاريخ تطور الفرد اللغوي ومنوه بصورة أخرى ‪ .‬وإذا‬ ‫كان ستالني وكما سبق القول قد نفى إمكانية‬ ‫تصور جماعة قومية ما بدون لغة مشتركة ‪،‬‬ ‫على اعتبار أن هذه اللغة هي نتاج اجملرى العام‬ ‫لتاريخ اجملتمع وبنائه التحتي لعدة قرون ‪ ،‬فإن‬ ‫العالم اللغوي باور في تساؤله حول ماهية األمة‬ ‫يقرر بأنه ليست هناك أمة ممكنة الوجود بدون‬ ‫اللغة املشتركة ‪.‬‬ ‫إن وسيلة االنسان اللغوية التي نتناولها ‪،‬‬ ‫بد باالختالفات املكانية واالجتماعية ‪.‬‬ ‫تتأثر ال ّ‬ ‫ومن هنا قيل بأن كل لغة إمنا تنمو وتتطور على‬ ‫وفق منطق داخلي خاص بها ‪ ،‬وليس على وفق‬ ‫منطق أية لغة أخرى في مجتمع آخر ‪ .‬يقول جون‬ ‫جوزيف ‪ :‬لقد كان هدف علم اللغة االجتماعي‬ ‫وهو يتطور في غضون القرن العشرين والنصف‬ ‫الثاني منه خصوصا ‪ ،‬فحص تلك املميزات داخل‬ ‫لغة من اللغات ‪ ،‬إذ من خاللها يتسنى لنا قراءة‬ ‫األصول اجلغرافية واالجتماعية لشخص ما‬ ‫‪ ،‬باالضافة إلى مستواه التعليمي ‪ ،‬وأثنيته ‪،‬‬ ‫وعمره ‪ ،‬وجنوسته وجنسيته (‪.)11‬‬


‫هذا احلديث يشمل اإلطار االجتماعي للغة ‪ .‬مثال‬ ‫هذا نفهمه من النظرة الدقيقة إلى حوار ينحصر‬ ‫في حدود عائلة تناقش أوضاعها االقتصادية ‪،‬‬ ‫وحوار آخر سيختلف حتما إذا ما كان بني هذه‬ ‫العائلة وبني اجليران حتى لو استخدمت اللغة‬ ‫ذاتها ‪ ،‬ولكنه يدور حول الطقس واالستعدادات‬ ‫الستقبال فصل الشتاء ‪ .‬ولقد قال ياكوبسون‬ ‫في جواب على سؤال كريستينا بومورسكا ‪ :‬إن‬ ‫وسيلتنا اللغوية يجب أن تتغير (‪ . )12‬وبينما‬ ‫يعرف سوسير الذي هو أب اللسانيات احلديثة‬ ‫اللغة بالقول بأنها نظام من االشارات التي‬ ‫تع ّبر عن أفكار ‪ ،‬فإن آخر سواه يعتبرها ظاهرة‬ ‫إجتماعية ‪ ،‬أو في تعبير آخر ‪ ،‬منطا إجتماعيا‬ ‫منظما ليس له وجود فيزيائي ‪ .‬بيد أنه يتحقق‬ ‫في مناسبات معينة في السلوك اللغوي الذي‬ ‫هو الكالم (‪. )13‬‬ ‫إن الكالم هو الذي يخرج اللغة من كمونها‬ ‫كما يقول الشايب ‪ ،‬أي أنه يخرجها من حالة‬ ‫الوجود بالقوة ‪ ،‬إلى الوجود بالفعل ‪ .‬ولعل‬ ‫التمثيل األجمل للغة يظهر في القول التالي‬ ‫‪ :‬اللغة نظام معقد من العادات ‪ .‬إنها منشأة‬ ‫بشرية مكونة من بنى أو مستويات مختلفة‬ ‫األنواع ‪ .‬فهي على هذا أشبه شيء بهيئة من‬ ‫النظم ‪ ،‬أو هي منظمة من النظم (‪. )14‬‬ ‫عندما قال خالد بن صفوان بأن االنسان‬ ‫لوال اللسان لن يكون سوى بهيمة مهملة ‪،‬‬ ‫فقد كان يؤسس حقا للكثير من املفهومات‬ ‫التي ظهرت في عصرنا ‪ .‬وعندما اعتبر علماء‬ ‫اللغة االجتماعيون الكالم نشاطا اجتماعيا‬ ‫فرديا وجماعيا ‪ ،‬فقد أرادوا تصوير قيمة اللغة‬ ‫وحقيقتها الفلسفية والوجودية ‪ .‬ونحن لهذا‬ ‫السبب اخترنا زاوية النظر االجتماعية لنطل‬ ‫منها على تاريخ اللغة ‪ .‬وإذا كان ثمة هناك ما‬ ‫متكن تسميته بعلم اجتماع القصة ‪ ،‬أو علم‬ ‫اجتماع الرواية ‪ ،‬وهما علمان موجودان فعال‪ ،‬فإنه‬ ‫ثمة هناك في موازاة هذه النظرة ‪ ،‬تلك التي تقول‬

‫بوجود علم اجتماع اللغة ‪ ،‬وهو العلم الذي يزاوج‬ ‫بني نظرتني ‪ :‬النظرة التاريخية للغة ‪ ،‬والنظرة‬ ‫أشد‬ ‫االجتماعية لها ‪ .‬يقول شيشرون ‪ :‬ال شيء ّ‬ ‫مماثلة ملشاعرنا الطبيعية من إيقاعات أصواتنا ‪.‬‬ ‫إنها تثيرنا وتؤججنا ‪ .‬تهدئنا وتسكننا ‪ ،‬وغالبا‬ ‫ما تقودنا إلى الفرح والترح (‪ . )15‬أو في معنى‬ ‫يكمل هذا ‪ ،‬فإن اللغة التي يتداولها البشر على‬ ‫ألسنتهم ‪ ،‬وفي شكل يختلف عما عند بقية‬ ‫اخمللوقات كاحليوانات والطيور إمنا هي ظاهرة‬ ‫تعبيرية ‪ ،‬تتوسط كما يقول وليد العناتي‬ ‫النشاط االجتماعي لالنسان ‪ ،‬باعتبارها األداة‬ ‫االولى للتواصل والتفاهم االجتماعيني ‪ ،‬والوعاء‬ ‫احلامل لثقافة اجلماعة الناطقة بها ‪ ،‬وخبراتها‬ ‫املتراكمة عبر العصور ‪ ،‬وهي التي على وفقها‬ ‫تتحدد االنتماءات االجتماعية والعرقية (‪. )16‬‬ ‫ومما يجب االنتباه إليه ‪ ،‬أن القول باجتماعية‬ ‫اللغة ‪ ،‬إمنا يعني ضمنا ‪ ،‬أنها تدور على ألسنة‬ ‫أفراد بأعينهم يجمعهم انتماء اجتماعي‬ ‫وجغرافي (‪ . )17‬وهنا نتساءل ‪ :‬هل إن اللغة‬ ‫مجرد مجموع من الكلمات ؟ فإذا كان األمر على‬ ‫هذا النحو‪ ،‬فإنها قطعا ال قيمة إجتماعية لها‬ ‫‪ ،‬وستبقى مجرد وسيلة للتقارب والتفاهم ال‬ ‫غير ‪ ،‬ولكن وألنها ليست على هذا النحو ‪ ،‬أي‬ ‫ليست مجرد مجموع من الكلمات ‪ ،‬فإنها وكما‬ ‫يقرر العلماء منذ سوسير وحتى بنجامني لي‬ ‫دورف وبنفنيست ‪ ،‬نظام يتحكم بالفكر ‪ ،‬وال‬ ‫تفكير بغير اللغة ‪ ،‬وهذا هو نفسه ما دعى إدوارد‬ ‫سعيد إلى القول ‪ :‬لذلك ينظر إلى لغة ما على‬ ‫أنها بنية أو نظام له شروط محددة ال تتحكم‬ ‫بالفكر وحسب ‪ ،‬بل تعطيه إلى ذلك طابعه ‪.‬‬ ‫وهكذا فإن الثقافة هي في أساسها الفكر الذي‬ ‫تتيحه طاقات اللغة (‪. )18‬‬ ‫صحيح أن اللغة ينتجها واقع إجتماعي ما‬ ‫بهدف التعبير عنه ‪ ،‬إال أنها ال تخلق هذا الواقع ‪.‬‬ ‫ومن صائب القول بأن اللغة تعمل عمل القوانني‬ ‫والنظم املدنية ولكن من الداخل ‪ .‬أي أنها تعمل‬ ‫‪175‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪176‬‬

‫من الذاكرة العقلية والوجدانية ‪ ،‬معبرة بذلك في داخلها من خصومه التاريخيني الذين حاولوا‬ ‫عن مجموعة العالقات االنتاجية واالجتماعية سحق وجوده متاما ‪ .‬ومن هنا جاءت قدسيتها‬ ‫القائمة ومضامينها ‪ ،‬بسلوك في اخلارج حتدده أيضا ‪.‬‬ ‫وترسمه األلفاظ واألصوات (‪. )19‬‬ ‫ما الذي يجعل الكردي يشعر بكرديته ؟ إنه إننا في أي حديث حول األمة الكردية ‪ ،‬وبالذات‬ ‫سؤال هام وعلى قدر كبير من احلساسية ‪ .‬حول تكوينها النفسي والوجداني والعقلي ‪ ،‬ال‬ ‫بد أن نقول بأن هذا التكوين إمنا هو حصيلة ما‬ ‫وإن عدم دقة االجابة عليه ‪ ،‬يوقع الباحث في ّ‬ ‫مأزق كبير رمبا يصعب عليه اخلروج منه ‪ .‬وفي صنعته اللغة الكردية في الواقع ‪ ،‬والتي هي عدا‬ ‫تأمالت إدوارد سعيد حول البداية ‪ ،‬فإنه يرى بأن عن كونها الوعاء الذي يختزن فيه الكرد مختلف‬ ‫كل مجتمع إنساني يحدد نفسه على نحوين شؤون حياتهم ‪ ،‬نظام عقالني دائم التداخل‬ ‫‪ :‬أوال عن طريق حتديد الفارق بينه وبني غيره من في البنية النفسية للفرد الكردي‪ ،‬الذي يحمل‬ ‫اجملتمعات ‪ ،‬وثانيا بتحديد ميزاته اخلاصة (‪ . )20‬حرصا كبيرا على التواؤم مع جماعته التي‬ ‫وهكذا فإلى االجابة عن السؤال ‪ ،‬فإن اللغة هي يعيش في وسطها ‪ ،‬وهو مما سيكون من شأنه‬ ‫ما يجعل الكردي يشعر باالنتماء إلى جماعة أو تواصل األجيال الكردية مع بعضها بطريقة‬ ‫أمة هي أمته الكردية ‪ ،‬نظرا ملا تكون هذه اللغة أوتوماتيكية أو عفوية ‪ ،‬وهو التواصل الذي ح ّول‬ ‫قد زرعته فيه من االحساس القوي والعميق األمة الكردية إلى جماعة بشرية تتدفق منها‬ ‫بوحدة الرابطة الفكرية والنفسية والوجودية حيويتها باستمرار ‪ .‬ولعل مثال الشاعر الكردي‬ ‫مع كرد آخرين ‪ ،‬يعيشون معه في احليز اجلغرافي الكبير الذي كتب رائعته اخلالدة (مم وزين) بلغته‬ ‫ذاته ‪ ،‬الذي يسمى كردستان ‪ ،‬حتى وإن كانت الكردية ‪ ،‬على الرغم من قدرته على كتابتها‬ ‫تتقاسم هذا احليز أربع دول في ظروف قاهرة بإحدى اللغتني الفارسية أوالعربية اللتني كان‬ ‫بد أن تتزحزح وتغادر املكان ‪ ،‬يتقنهما ‪ ،‬إمنا يشير إلى أن هذه اللغة لم تكن‬ ‫بالقوة ‪ ،‬نرى أنها ال ّ‬ ‫في محصلة الصراع املعلن واملستتر بينها وبني في أي من مراحل حياتها‪ ،‬سببا ألزمة كمثل تلك‬ ‫التي أشار إليها إدوارد سعيد ‪ ،‬ميكن أن يشعر‬ ‫الكرد سكان األرض األصليني ‪.‬‬ ‫إن الكردي الذي يتكلم بالكردية ‪ ،‬ويكتب بها بها املثقف أو الشاعر الكردي ‪ ،‬وإمنا على العكس‬ ‫كذلك ‪ ،‬فإمنا يع ّبر عن نفسه بلغة آبائه وأجداده‪ ،‬من هذا ‪ ،‬بقيت سببا لالفتخار بها باعتبارها‬ ‫التي عادة ما تسمى بلغة األم ‪ ،‬ذلك ألن القوة لغة شعب ‪ ،‬حتى وإن كان مغلوبا ‪ ،‬فإنه لم‬ ‫التي حتاول انتزاع أرضه من فضائها ‪ ،‬لم تستطع يظهر كما تفعل غيره من الشعوب التي حتتل (‬ ‫أن تنتزع منه لغته ‪ ،‬وهكذا فقد جتاوزت هذه اللغة برفع التاء ) أراضيها بالقوة ‪ ،‬بأنه مولع باالقتداء‬ ‫مختلف عوامل القهر واالستالب والتغييب عن بالغالب ‪ ،‬وعلى وفق ما كان يتصوره ابن خلدون‬ ‫وجود الكرد احلياتي ‪ ،‬ومن هنا يصح القول بأن في قوله ‪ :‬املغلوب مولع أبدا باالقتداء بالغالب‬ ‫تعد واحدة من اللغات احلية التي في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده‬ ‫اللغة الكردية ّ‬ ‫ال متوت ‪ .‬وهي قد بقيت خالل تاريخها الطويل ‪ ،‬على اعتبار أن النفس أبدا تعتقد الكمال في‬ ‫الذي تعود بدايته إلى ما قبل امليالد ‪ ،‬عامل توحيد من يغلبها ‪ ،‬فتنقاد إليه إما لنظرة بالكمال ‪،‬‬ ‫‪ ،‬ولها آثارها الهامة اجتماعيا وسيكولوجيا في مبا وفر عندها من تعظيمه‪ ،‬أو ملا تغالط به من‬ ‫حياة هذا الشعب الذي يتكلم بها ‪ .‬بل وإنها أن انقيادها ليس لغلب طبيعي ‪ ،‬إمنا هو لكمال‬ ‫في صريح العبارة بقيت احلاضنة التي يحتمي الغالب (‪. )21‬‬


‫يقول املؤرخ واألديب الكردي علي سيدو الكردي‬ ‫‪ :‬كنت حتى سنة ‪ 1931‬ال أعرف من الكردية‬ ‫كلمة واحدة ‪ .‬وفي هذه السنة بالذات سافرت‬ ‫إلى بغداد ومنها إلى األلوية الكردية في شمالي‬ ‫العراق ‪ ،‬وشعرت وأنا أجتول مع أصدقاء لي في‬ ‫مختلف مدن كردستان اجلنوبية وقراها ‪ ،‬باخلزي‬ ‫جلهلي اللغة الكردية ‪ ،‬فعزمت على تعلمها‬ ‫ودراستها دراسة علمية صحيحة (‪. )22‬‬ ‫وسوى هذا ‪ ،‬فإن قبيلة نوح عندما وجدت إبان‬ ‫رحيلها سهال في أرض شنعار ‪ ،‬استقرت فيه‬ ‫‪ ،‬وقرر قادتها بناء مدينة وبرج « وقالوا هلم ننب‬ ‫ألنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء ‪ ،‬ونصنع‬ ‫ألنفسنا اسما لئال نتبدد على وجه كل أرض ‪،‬‬ ‫ولنتخذ لنا اسما خشية تفرقنا في كل بقاع‬ ‫األرض « (‪. )23‬‬ ‫املثال هذا يفيد بأن التفكير بالتسمية ‪ ،‬إمنا‬ ‫يعني رغبة القوم باحملافظة على وحدتهم ‪ :‬ذلك‬ ‫أنه في حالة عدم وجود اسم لهم ‪ ،‬فإن الفرقة‬ ‫والتوزع في أرجاء األرض سيدبان في حياتهم ‪،‬‬ ‫على اعتبار أن وجود االسم إمنا يعني وجود لغة‬ ‫مشتركة ‪ ،‬تكون مع املكان املشترك – املدينة‬ ‫والبرج عامال في احملافظة على الهوية ‪ .‬وكما‬ ‫قال نيتشه ‪ :‬فأن تطلق األسماء ‪ ،‬هو أن تكون‬ ‫سيدا ‪ ،‬ودوما فإن استراتيجية التسمية ‪ ،‬هي‬ ‫استراتيجية هيمنة وتسلط ‪ ،‬وتاريخ األشياء هو‬ ‫تاريخ مسميات ‪ ،‬وهو بالتالي تاريخ أسماء (‪. )24‬‬ ‫كان تعريف سوسير للغة أكبر ثورة لسانية قام‬ ‫بها ‪ .‬وألنها كما سبق القول نظام من االشارات‬ ‫التي تع ّبر عن األفكار ‪ ،‬فإن للصوت الذي يصاحب‬ ‫الكلمات فيها معنى ‪ .‬واملقصود باملعنى هنا ‪،‬‬ ‫األغراض التي أشار إليها ابن جني في كتابه‬ ‫احلد الوظيفي‬ ‫(اخلصائص ) ‪ :‬إننا عند احلديث حول ّ‬ ‫للغة ‪ ،‬ال يغيب عن أذهاننا أنها اجلهاز الذي ينتج‬ ‫الفكر ويصوغه ويقدمه لآلخرين ‪ ،‬على وفق آلية‬

‫محددة ‪ ،‬هي في شأنها أقرب إلى العفوية منها‬ ‫إلى ما يتطلب إشغال العقل ‪ .‬وفي تعبير أقرب‬ ‫إلى الدقة ‪ ،‬فإن اللغة ليست كما قال عنها‬ ‫أرسطو ‪ :‬املرآة الصادقة للعقل ‪ ،‬وذلك ألن املرآة‬ ‫ال دور لها سوى االنعكاس ‪ ،‬في حني أن دور اللغة‬ ‫يتجاوز هذا الفعل إلى ما هو أهم من دور املرآة‬ ‫(‪. )25‬‬ ‫ليست قضية املعنى في اللغة مجرد أمر عابر‪،‬‬ ‫فهي من األهمية بحيث يقال بأن اللغة صوت‬ ‫ومعنى كالهما معا ‪ ،‬وال وجود ألحدهما بدون‬ ‫اآلخر ‪ .‬يقول اللغوي األملاني هامبولدت ‪ :‬فعملية‬ ‫الكالم تنحصر في منح الفكر املادة التي يعتمد‬ ‫عليها ‪ .‬فاستعمال األصوات املقطعة في نقل‬ ‫الفكر يزيل عنها االبهام ‪ ،‬ويترك عوضا عن ذلك‬ ‫أثرا ثابتا ‪ ،‬إذ يقوم العقل أو الذهن بجمع املعاني‬ ‫جمعا من األصوات املتعاقبة ‪ .‬ومبعنى آخر ‪ ،‬فإن ما‬ ‫تنير جوانبه الكلمات – اللبنات املؤسسة للغة‪،‬‬ ‫لن يظهر جليا إال بالتتابع اللغوي ‪ ،‬وما يشترط‬ ‫لذلك من استخدام العقل – جهاز البحث عما‬ ‫تواضع عليه الناس ‪.‬‬ ‫ويبرز علم اللسان احلديث أن الرمز اللغوي الدال‬ ‫‪ ،‬ال قيمة له في ذاته مستقال ‪ ،‬وال تتعني داللته‬ ‫‪ ،‬أو وظيفته في ماهية مجردة ‪ ،‬إمنا تتأسس‬ ‫على العالقة التقابلية اخلالفية بينه وبني الرموز‬ ‫األخرى (‪.)26‬‬ ‫إن وسيلتنا اللغوية وبصرف النظر عما إذا‬ ‫كانت هبة إلهية أو سوى ذلك ‪ ،‬هي ما تنير‬ ‫كل ما حولنا ‪ ،‬وتثري معارفنا ‪ ،‬وتذلل صعوبات‬ ‫التفاهم بني البشر (‪ .)27‬إنها التعبير الرمزي‬ ‫للعالم (‪ . )28‬ومنذ أقدم األزمنة ‪ ،‬كانت عمليات‬ ‫تصنيف األقوام واألجناس البشرية تتم على‬ ‫أسس ذات طابع لغوي وجغرافي ‪ :‬فهؤالء عرب‪،‬‬ ‫وغيرهم روم ‪ ،‬وسواهم كرد ‪ ،‬وهكذا إلى غير‬ ‫هذا من األقوام ‪ .‬واللغة التي جتمع أفراد اجملتمع‬ ‫وتوحدهم ‪ ،‬وتؤسس في الوقت نفسه لقيام‬ ‫‪177‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪178‬‬

‫األمم ‪ ،‬تقوم على املعنى قبل كل شيء ‪ ،‬وأما ما‬ ‫يرتبط مباهيتها ‪ ،‬أي مبا فيها من الصرف والنحو‬ ‫وسواهما مما يرتبط باألسماء واألفعال وصيغها‪،‬‬ ‫فإمنا هي عوامل تساعد على خدمة املعنى‬ ‫‪ .‬فنحن في استعمالنا اللغة ‪ ،‬يكون لنا في‬ ‫أنفسنا معلومات أو أحاسيس أو أفكار ‪ ،‬نحاول‬ ‫إيصالها إلى اخلارج عن طريق الكلمات التي‬ ‫هي رموز ‪ ،‬والرموز ما هي إال متثيل لألشياء وهي‬ ‫ليست األشياء (‪. )29‬‬ ‫إننا كبشر قبل أن نكون سوفسطائيني على‬ ‫سبيل األدجلة ‪ ،‬كائنات لغوية على سبيل‬ ‫األنطلجة ‪ ،‬مبعنى أننا من وجهة نظر أنطولوجية‪،‬‬ ‫أو وجودية ‪ ،‬كائنات تسكن اللغة ‪ .‬جتوب فضاءها‬ ‫وتتموقع في مساحتها (‪ . )30‬أليست اللغة‬ ‫كما يقال فيها هي وعاء الفكر ؟ أليست‬ ‫هي ما يحمل اخملزون الثقافي لهذا الشعب‬ ‫أوذاك مما يضيء جوانب حياته في مستوياتها‬ ‫املتعددة واملتنوعة ؟ وبالتالي فما دامت حالها‬ ‫كذلك ‪ ،‬أليست اللغة اجتماعية أساسا على‬ ‫اعتبار أنها جتسد االشارات أو العالمات التي‬ ‫يتم اتفاق الناس عليها ؟ إنها كذلك بالفعل ‪،‬‬ ‫ولعلها قبل غيرها تعتبر الوجود اجلدير بالفهم‬ ‫بحسب غادامير الذي يراها أوسع من اختزالها‬ ‫في إشارات منطقية أو إشارات ألسنية ‪ ،‬أو‬ ‫عالمات اعتباطية ‪ ،‬ألنها قبل كل شيء فضاء‬ ‫التشكيل الرمزي والتصوير اخليالي وأفق التعبير‬ ‫الوجودي والتدبير الذاتي (‪ .)31‬وفي إحدى إجابات‬ ‫ياكوبسون على سؤال للكاتبة كريستينا ‪ ،‬يشير‬ ‫إلى ما قاله له تروبتسكي في واحدة من أهم‬ ‫رسائله والذي منه قوله ‪ :‬إنني متفق متاما مع‬ ‫آرائك ‪ .‬إن هناك العديد من العناصر في تاريخ‬ ‫اللغة تبدو تصادفية ‪ ،‬ولكن التاريخ ال ميتلك احلق‬ ‫بأن يقتنع بهذا التفسير ‪ ،‬وعندما يعكف املرء‬ ‫على دراسة اخلطوط العامة لتاريخ اللغة بشيء‬ ‫من االهتمام واملنطق ‪ ،‬فإنها ال تبدو تصادفية‪،‬‬ ‫وبالنتيجة فإن التفصيالت الصغيرة ال ميكن أن‬

‫تكون تصادفية أيضا (‪. )32‬‬ ‫هذه هي اللغة التي يع ّرفها كل من بلوك‬ ‫وتريجر في كتابهما (املوجز في التحليل اللغوي)‬ ‫بقولهما ‪ :‬هي منظومة من الرموز الصوتية‬ ‫االصطالحية التي ميكن بواسطتها جملموعة من‬ ‫الناس في مجتمع معني التعاون (‪ . )33‬ويبقى‬ ‫من الضرورة االشارة إلى تعريف سيفن بنكر‬ ‫الذي يجيء على وفق االشارة إلى اجلهاز العصبي‬ ‫املتحكم في النشاط احليوي لالنسان ‪ ،‬وفيه يقول‪:‬‬ ‫إن اللغة شيء نتعلمه مثلما نتعلم االحساس‬ ‫بالزمن ‪ ،‬فهي قطعة من التكوين البيولوجي‬ ‫ألدمغتنا‪ ،‬تتطور وتنمو بنمو الطفل عفوا من‬ ‫غير جهد ‪ ،‬وهي تنقل دومنا إحساس بقواعدها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جل ما يريد املتكلم نقله ‪ ،‬من معان ‪ ،‬ولهذا ال‬ ‫نستغرب وصفها باملقدرة السيكولوجية ‪ ،‬واألداة‬ ‫العقلية ‪ ،‬والنظام العقلي ‪ ،‬والوحدة احلاسوبية‬ ‫(‪. )34‬‬ ‫في كتاب ( التهندم وكالم الناس ) الذي‬ ‫سبقت االشارة إليه ‪ ،‬ميوضع عالم النفس دينبار‬ ‫أصل اللغة في حاجة االنسان إلى تشكيل ما‬ ‫يسميها األحالف االجتماعية ‪ ،‬التي يكون الهدف‬ ‫من ورائها التعامل مع التحديات التي تعترض‬ ‫سبيله في البيئة التي يعيش فيها ‪ .‬ولسوف‬ ‫يالحظ الباحث في اللغة وتطورها ‪ ،‬أنها وكما‬ ‫أعلن سوسير في كتابه ( دروس في علم اللغة‬ ‫العام ) أنها باالضافة إلى كونها حدثا اجتماعيا‬ ‫كما سبق القول ‪ ،‬تعمل القوة االجتماعية – قوة‬ ‫اجملتمع أو األمة على متاسكها – متاسك النسق‬ ‫اللغوي وبقوة شديدة ‪ ،‬إلى الدرجة التي جتعل‬ ‫الفرد – كجهد فردي غير قادر بتاتا على التأثير‬ ‫فيها مبا يعيبها أو يغ ّير مجراها على األلسن ‪.‬‬ ‫ومعنى ما سبق فإن اللغة التي حتمل مجموعة‬ ‫من اخلصائص االجتماعية الدافعة باجتاه الوحدة‪،‬‬ ‫ليس لها تاريخ خاص ميكن أن ميضي مبعزل عن‬ ‫احلياة االجتماعية التي ستحمل خصائصها‬


‫املشار إليها ‪ .‬وحينما نقول بأن هذه اللغة حية‬ ‫وأنها ال متوت ‪ ،‬فذلك ألنها التي عن طريقها يتم‬ ‫توصل إليه اآلباء واألجداد في مسيرتهم‬ ‫نقل ما ّ‬ ‫احلياتية إلى األجيال الالحقة ‪ ،‬بطريقة عفوية‬ ‫كما يقول قاسم العتمة وإقتصادية ‪ ،‬ومن هنا‬ ‫يحق القول فيها أنها الدليل إلى وجود اجلماعة‪.‬‬ ‫إن العالمة اللغوية جتسد العالقات االجتماعية‬ ‫ملستعمليها ‪ .‬وضمن هذا املفهوم ‪ ،‬فإن الهوية‬ ‫االجتماعية حاضرة في اللغة ذاتها (‪.)35‬‬ ‫يقول العناتي ‪ :‬وميثل درس التباين – يقصد‬ ‫التباين بني اللهجات وبني قراءات القرآن – في‬ ‫التراث اللغوي العربي أساسا متينا في الفكر‬ ‫اللغوي العربي ‪ ،‬إذ يكشف عن وعي عالقة اللغة‬ ‫باجملتمع ‪ ،‬وكيفية عكس البنية اللغوية للبنية‬ ‫االجتماعية ‪ ،‬وكيفية تغير األداء اللغوي وفقا‬ ‫لعوامل إجتماعية متعددة كالبيئة واملوطن‬ ‫واجلنس والطبقة االجتماعية واملهنة (‪. )36‬‬ ‫ولسوف ينتبه الباحث إلى تأثير هذه العالقة عند‬ ‫توقفه أمام مسار اللغة الكردية ‪ ،‬التي وجدت في‬ ‫النظام االقطاعي الذي ساد زمنا طويال عنصرا‬ ‫إيجابيا ‪ ،‬متثل مبحافظته على هذه اللغة‪ ،‬على‬ ‫اعتبار ما كان له من دور كبير في احملافظة على‬ ‫خصوصية هوية كردستان والكرد بحسب رأي‬ ‫باسيلي نيكيتني ‪.‬‬ ‫صحيح أن أحمدي خاني حينما كتب ( مم وزين)‬ ‫باللغة الكردية فإمنا للتعبير عن اعتزازه بها ‪،‬‬ ‫وألنه من جانب آخر وجد فيها الطاقة الكامنة‬ ‫التي في مقدوره بعثها ‪ ،‬بحيث تتحول الكلمات‬ ‫إلى درر وآللئ ‪ ،‬إال أنه من األهمية كذلك القول‬ ‫بأن هذه اخلطوة اجلريئة كما يصفها فاضل‬ ‫كرمي أحمد ‪ ،‬كانت من أجل العثور على الهوية‬ ‫القومية اخلاصة ‪ ،‬واحملافظة على سمات األمة‬ ‫وثروتها الثقافية العظيمة ‪ ،‬ومنع إذابتها بكل‬ ‫سهولة في الدين والسلطة احلاكمة (‪ ، )37‬وهي‬ ‫ما كانت لتحدث لوال التطور الذي حصل في‬ ‫زمانه على املستوى االجتماعي والبنية الذهنية‬

‫الكردية ‪ ،‬التي كانت تناضل من أجل حتقيق‬ ‫االستقاللية ‪.‬‬ ‫ومما نقرأه في تعريف القومية ‪ :‬في الداللة‬ ‫السياسية للمفهوم ‪ ،‬يرتبط مفهوم القومية‬ ‫مبفهوم األمة ‪ ،‬من حيث أنها االنتماء إلى أمة‬ ‫محددة ‪ ،‬واألمة هي الشعب ذو الهوية السياسية‬ ‫اخلاصة ‪ ،‬الذي جتمع بني أفراده روابط موضوعية‬ ‫– شعورية – روحية متعددة ‪ ،‬تختلف من شعب‬ ‫آلخر مثل اللغة ‪ ،‬العقيدة ‪ ،‬املصلحة ‪ ،‬التاريخ‬ ‫(‪. )38‬‬ ‫أخيرا فإذا كانت إحصاءات اليونسكو بشأن‬ ‫الواقع اللغوي في العالم قد قالت بأنه يوجد‬ ‫في عاملنا الراهن نحو ستة آالف لغة ‪ ،‬إال أن‬ ‫املفارقة الغريبة أن نحو ‪ %96‬من سكان العالم‬ ‫يتحدثون ‪ %40‬فقط من تلك اآلالف الستة من‬ ‫اللغات‪ ،‬فمع أي هذه النسب يقع الكرد ولغتهم‬ ‫‪ ،‬وهل إنهم ممن يتكلمون لغتهم اخلاصة بهم‬ ‫‪ ،‬أم إنهم يستخدمون لغة غيرهم ممن يحتلون‬ ‫أراضيهم ‪ ،‬كما هي احلال في بلدان عديدة في‬ ‫أمريكا اجلنوبية وإفريقيا وآسيا ‪ ،‬مت احتالل‬ ‫أراضيها بالقوة في أوقات سابقة ‪ ،‬وبالتالي ‪ :‬ملاذا‬ ‫يستخدمون لغتهم وليس أيا من لغات غيرهم؟‬ ‫هل إنه حب الذات اجملرد ‪ ،‬أم إنه الدفاع عنها ؟‬ ‫هذا ما سنحاول االجابة عليه في الصفحات‬ ‫القادمة ‪...‬‬

‫‪179‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬ ‫الهوامش ‪:‬‬

‫‪180‬‬

‫=======‬ ‫(‪ )1‬أنظر – د‪ .‬فوزي حسن الشايب ‪ /‬محاضرات في‬ ‫اللسانيات ‪ /‬منشورات‬ ‫وزارة الثقافة‪ ،‬عمان ‪ ،1999‬ص‪23‬‬ ‫عن د‪ .‬إبراهيم خليل ‪ /‬اللغة بني التعريف‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫والتوصيف‪ /‬مجلة أفكار ‪/247‬‬ ‫‪ ،2009‬عمان‬ ‫عن جون جوزيف ‪ /‬اللغة والهوية ‪ /‬ترجمة د‪.‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫عبدالنور خراقي ‪ ،‬سلسلة‬ ‫عالم املعرفة ‪ /‬الكويت ‪ 2007 /342‬ص‪51‬‬ ‫قاسم العتمة ‪ /‬اللغة العربية كأداة توحيد ‪/‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫مجلة الوحدة ‪ 1987 /33‬املغرب‬ ‫جون جوزيف ‪ /‬املرجع نفسه ص‪8‬‬ ‫(‪ )5‬‬ ‫يقول ميشال زكريا ‪ :‬اللغة وسيلة توصيل‬ ‫(‪ )6‬‬ ‫وفعل لساني قصدي ‪ ،‬الداللة فيه واملعنى خاضعان‬ ‫لالصطالح والتوافق اجلمعي ‪.‬‬ ‫ يقول إدوارد سابير في اللغة ‪ :‬هي طريقة بشرية‬‫وغير غريزية ‪ ،‬لنقل األفكار واألحاسيس والرغبات برموز‬ ‫يتم انتاجها طوعا ‪.‬‬ ‫يقول سيفن بنكر ‪ :‬إن اللغة شيء نتعلمه مثلما نتعلم‬ ‫االحساس بالزمن ‪ ،‬فهي قطعة من التكوين البيولوجي‬ ‫ألدمغتنا ‪ ،‬تتطور وتنمو بنمو الطفل عفوا من غير جهد‬ ‫‪.‬‬ ‫د‪ .‬وليد العناتي ‪ /‬التباين وأثره في تشكيل‬ ‫(‪ )7‬‬ ‫النظرية اللغوية العربية ‪ /‬وزارة‬ ‫الثقافة ‪ ،‬عمان ‪ ، 2001‬ص‪21‬‬ ‫حسن سعيد الكرمي ‪ /‬اللغة ونشاتها‬ ‫(‪ )8‬‬ ‫وتطورها في الفكر واالستعمال ‪ /‬وزارة الثقافة ‪ ،‬عمان‬ ‫‪ ، 2002‬ص‪18‬‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل أبو هيف ‪ /‬اللغة واالعالم واعتبارات‬ ‫(‪ )9‬‬ ‫إنتاج املعرفة ‪ /‬مجلة‬ ‫أفكار ‪ ،2009 /247‬عمان‬ ‫حسن سعيد الكرمي ‪ /‬نفسه ص‪16‬‬ ‫(‪ )10‬‬ ‫جون جوزيف ‪ /‬نفسه ص‪47‬‬ ‫(‪ )11‬‬ ‫رومان ياكوبسون‪ /‬ترجمة‪ :‬فالح صدام االمارة‬ ‫(‪ )12‬‬ ‫‪ ،‬د‪ .‬عبداجلبار محمد علي ‪ /‬دار الشؤون الثقافية العامة ‪/‬‬ ‫بغداد ‪ ،1990‬ص‪83‬‬ ‫د‪ .‬فوزي حسن الشايب ‪ /‬نفسه ص‪23‬‬ ‫(‪ )13‬‬ ‫الشايب ‪ /‬نفسه ص‪58‬‬ ‫(‪ )14‬‬ ‫جون جوزيف ‪ /‬نفسه ص‪36‬‬ ‫(‪ )15‬‬ ‫د‪ .‬وليد العناتي ‪ /‬نفسه ص‪21‬‬ ‫(‪ )16‬‬

‫د‪ .‬وليد العناتي ‪ /‬نفسه ص‪21‬‬ ‫(‪ )17‬‬ ‫إدوارد سعيد ‪ /‬تأمالت حول البداية ‪ /‬بدايات‬ ‫(‪ )18‬‬ ‫للنشر‪ ،2008 ،‬دمشق ص‪39‬‬ ‫قاسم العتمة ‪ /‬نفسه‬ ‫(‪ )19‬‬ ‫إدوارد سعيد ‪ /‬نفسه ص‪12‬‬ ‫(‪ )20‬‬ ‫ابن خلدون ‪ /‬املقدمة ‪ /‬وزارة الثقافة ‪ ،‬عمان‬ ‫(‪ )21‬‬ ‫‪ ،2009‬ص‪162‬‬ ‫أنظر د‪ .‬محمد علي الصويركي ‪ /‬املؤرخ واألديب‬ ‫(‪ )22‬‬ ‫واألستاذ الكبير علي‬ ‫سيدو الكردي ‪ /‬مجلة سردم العربي ‪ ،‬سليمانية ‪/21‬‬ ‫‪ ( 2008‬وجدير بالذكر أن سيدو هو أول أردني يتخرج‬ ‫في اجلامعة األمريكية في بيروت عام ‪ ، 1928‬وهو والد‬ ‫الطبيب الشهير أشرف الكردي ‪ ،‬وله معجم لغوي شهير‬ ‫( القاموس الكردي احلديث ) الذي جاء في االهداء الذي في‬ ‫بدايته مايلي ‪ :‬إلى روح جدتي لوالدي « مدينة « كرمية‬ ‫محمود آغا آل « أومريكي « رئيس عشيرة آل « أومريكا‬ ‫« القاطنة في القرى اجملاورة ملدينة ديار بكر في االقليم‬ ‫الكردي باجلمهورية التركية ‪ ،‬تلك املرأة الفاضلة التي‬ ‫غرست في نفسي محبة لغة اآلباء واألجداد ‪ ،‬وإلى األمة‬ ‫الكردية العريقة في القدم ‪ ،‬تلك األمة التي حافظت‬ ‫على لغتها وأصالتها العرقية ‪ ،‬وقاومت الغزاة الفاحتني‬ ‫عبر أقدم العصور التاريخية ‪ ،‬واستمرت ثابتة إلى هذا‬ ‫اليوم ‪ ،‬في حني دالت تلك الدول وانصهرت شعوبها في‬ ‫قوميات أخرى ‪.‬‬ ‫سفر التكوين ‪4/11‬‬ ‫(‪ )23‬‬ ‫عبد السالم بنعبد العالي ‪ /‬احلوار بني الثقافات‬ ‫(‪ )24‬‬ ‫والصراع بينها ‪ /‬مجلة ثقافات ‪ 2004 /10‬البحرين‬ ‫د‪ .‬إبراهيم خليل ‪ /‬اللغة بني التعريف والتوصيف‬ ‫(‪ )25‬‬ ‫‪ /‬مجلة أفكار ‪2009/247‬‬ ‫د‪ .‬وليد العناتي ‪ /‬املرجع السابق ص‪9‬‬ ‫(‪ )26‬‬ ‫يضع كونستانتني سريل(‪ )869-827‬هذه‬ ‫(‪ )27‬‬ ‫األشعار السالفية كمقدمة لترجمته األناجيل األربعة ‪:‬‬ ‫لذلك استمعوا اآلن بعقولكم‬ ‫ذلك ألنكم تعلمتم أن تستمعوا أيها الشعب‬ ‫السالفي‬ ‫اسمعوا الكلمة ألنها نزلت من الرب‬ ‫الكلمة املغذية لألرواح البشرية‬ ‫الكلمة املقوية للقلب والعقل‬ ‫الكلمة التي تهيؤ اجلميع ألن يعرفوا الرب‬ ‫ذلك ألنه دون الضياء سوف لن تكون هناك متعة‬ ‫ألنه بينما ترى العني جميع خلق الرب‬ ‫فإنه سيفتقر اجلمال ذلك الذي يرى بدون ضياء‬


‫وهكذا فإنه احلال ذاته مع كل روح تفتقرإلى‬

‫العلم‬ ‫اجلاهلة بقانون الرب‬ ‫القانون املقدس للكتب اإللهية‬ ‫القانون الذي يكشف جنة الرب‬ ‫ألن ما تسمعه األذن‬ ‫صوت الرعد ‪ ،‬فهل ستخشى الرب‬ ‫أو كيف تستطيع األنوف التي ال تشم الورود‬ ‫أن حتس املعجزة السماوية‬ ‫والفم الذي ال يتذوق احلالوة – حالوة الكالم‬ ‫يجعل االنسان كاحلجر‬ ‫د‪ .‬وليد سيف ‪ /‬في املقدمة إلى كتاب التباين‬ ‫(‪ )28‬‬ ‫وأثره في تشكيل النظرية‬ ‫اللغوية للدكتور وليد العناتي ص‪9‬‬ ‫حسن سعيد الكرمي ‪ /‬مرجع سابق ص‪89‬‬ ‫(‪ )29‬‬ ‫محمد شوقي الزين ‪ /‬إزاحات فكرية ‪ -‬مقاربات‬ ‫(‪ )30‬‬ ‫في احلداثة واملثقف ‪ /‬منشورات االختالف ط‪2008/ 1‬‬ ‫اجلزائر ص‪53‬‬ ‫محمد شوق الزين ‪ /‬نفسه ص‪34-33‬‬ ‫(‪ )31‬‬ ‫رومان ياكوبسون – أفكار وآراء حول اللسانيات‬ ‫(‪ )32‬‬ ‫واألدب ‪ /‬ص‪70‬‬ ‫عن – حمزة املزيني ‪ /‬التحيز اللغوي ‪ /‬كتاب‬ ‫(‪ )33‬‬ ‫الرياض ‪ ،‬ط‪ 2002/1‬الرياض ص‪332‬‬ ‫عن د‪ .‬إبراهيم خليل ‪ /‬اللغة بني التعريف‬ ‫(‪ )34‬‬ ‫والتوصيف ‪ /‬مجلة أفكار ‪2009/247‬‬ ‫جون جوزيف ‪ /‬املرجع نفسه ص‪80‬‬ ‫(‪ )35‬‬ ‫د‪ .‬وليد العناتي ‪ /‬املرجع نفسه ص‪12‬‬ ‫(‪ )36‬‬ ‫فاضل كرمي أحمد ‪ /‬تاريخ الفكر الكردي ‪/‬‬ ‫(‪ )37‬‬ ‫ترجمة د‪ .‬بندر علي مندالوي‬ ‫سليمانية ‪ 2001‬ص‪17‬‬ ‫عبد الوهاب الكيالي وكامل الزهيري ‪/‬‬ ‫(‪ )38‬‬ ‫املوسوعة السياسية ‪ /‬املؤسسة العربية للدراسات‬ ‫والنشر ‪ /‬بيروت ‪1974‬ص‪427‬‬ ‫د‪ .‬عبد اهلل أبو هيف ‪ /‬اللغة واالعالم واعتبارات‬ ‫(‪ )39‬‬ ‫إنتاج املعرفة ‪ /‬مجلة أفكار ‪ 2009/247‬عمان‬

‫‪181‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪182‬‬

‫املبادئ واألسس التی يقوم علیها‬ ‫النظام الفیدرالی‬ ‫خالد مجيد فرج‬


‫يقول ديفد بودنهامير عن النظام الفدرالي‪،‬‬ ‫بأنه‌ يعزز الدميقراطية بتوفيره منبرا لالنتقاد‬ ‫الفعال للسياسات واملمارسات احلكومية‪ ،‬كما‬ ‫ملعارضتها‪ .‬فاحلزب السياسي الذي قد يخرج من‬ ‫السلطة املركزية قد يفوز مبناصب في الواليات‬ ‫واحلكومات احمللية تتيح له حتدي سياسات‬ ‫احلكومة املركزية والقرارات التي تتخذها‪.‬‬ ‫وفي حني قد تكون بعض هذه املعارضة على‬ ‫أساس حزبي بحت‪ ،‬فإن الكثير منها يعبر دون‬ ‫شك عن حتفظات جدية على احلكمة من اتباع‬ ‫سياسة معينة أو اتخاذ إجراء معني‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫فإن النظام الفيدرالي يحمي حرية املواطنني في‬ ‫معارضة أي سياسة قومية يعتبرونها خاطئة‪،‬‬ ‫وبهذه الوسيلة يشجع هذا النظام االنتقاد‬ ‫الالزم والفعال للحكومة ما يؤدي إلى تعزيز‬ ‫الدميقراطية نفسها‪.‬‬ ‫خالصة القول ان الفدرالية التي تنهض علی‬ ‫اساس اختياري يکتب لها النجاح النها تکون‬ ‫وليدة التفاوض بني قادة تعتبر شرعية في نظر‬ ‫املواطنني ‪ .‬وکذلک يقوم األحتاد الفدرالي الراسخ‬ ‫علی سيادة القانون والتي تعني األقتسام‬ ‫الدستوري للصالحيات واحترام حقوق األقليات‬ ‫‪ ،‬وهذا يعني کما تقول اخلبيرة الکندية د‪.‬‬ ‫اوكلير في مقالة لها عن الفدرالية‪ ،‬ان املشاركة‬ ‫في السلطة او زيادة احلكم الذاتي االقليمي‬ ‫متنحان اجلماعات القومية املزيد من الثقة‪ ،‬التي‬ ‫رمبا تتعاظم إذا كانت مبقدور هذه اجلماعات ان‬ ‫تصبح شريكا دستوريا‪ ،‬وبذلك حتصل على‬ ‫ضمانات قانونية وعلى املزيد من احلكم الذاتي‬ ‫في امور تتعلق باحلفاظ على متايزهم‪ .‬وميكن‬ ‫للفدرالية في حال تطبيقها بأسلوب دميوقراطي‬ ‫حقا‪ ،‬ان توفر امليدان السياسي املطلوب لضمان‬ ‫االستقالل االقليمي احلقيقي‪ ،‬بدال من ان تؤدي‬ ‫الى االنفصال‪.‬‬ ‫ظهرت املبادئ الفیدرالیة نتیجة املوائمة بین‬ ‫الوحدة والتنوع فی تنظیم الدولة الفیدرالیة‬

‫وإن تفاعل املبدأین األساسیین والذین هما‬ ‫األستقاللیة و املشارکة یعتبران الضمانة حلل‬ ‫اشکالیة تقسیم األختصاصات بین الدولة‬ ‫الفیدرالیة واألقالیم املکونة لها‪.‬‬ ‫اوال»‪ :‬األستقاللیة‪:‬‬ ‫ان ائتالف الدول فی الفیدرالیة ال یستدعی‬ ‫اندثارها و زوالها کلیا‪ .‬فاملفترض ان حتتفظ الدول‬ ‫األعضاء بقدر ما من الشخصیة املستقلة التی‬ ‫متکنها من التصرف بحریة فی اطار الفیدرالیة‬ ‫الداخلی علی األقل‪ .‬وهکذا فإن قاعدة‬ ‫األستقاللیة التی تعبر نظریا عن تلک احلقیقة‬ ‫تسمح للدول األعضاء باألبقاء علی دساتیرها‬ ‫الذاتیة املوضوعیة بحریة من قبل السلطة‬ ‫املؤسسة فیها وعلی هیئاتها التشریعیة و‬ ‫القضائیة وحکوماتها اخلاصة ‪.‬‬ ‫ولیس من املستبعد ان تتحول دولة موحدة‬ ‫بسیطة الی دولة فیدرالیة ویتحلل الرباط‬ ‫الوحدوی الذی یربط بین مناطقها وابنائها‬ ‫کما حصل لروسیا ابتداء من عام ‪ 1918‬ولکل‬ ‫مبوجب‬ ‫من املکسیک والبرازیل وبلجیکا‬ ‫التعدیل الدستوری فی ‪ ، 1993‬وکذلک العراق‬ ‫مبوجب دستور عام ‪ .2005‬وهذا یفترض اقتسام‬ ‫الصالحیات بین الدولة الفیدرالیة والدول‬ ‫األعضاء‪ .‬وفی حال اخلالف بین األثنین‪ ،‬تفصل‬ ‫السلطة القضائیة فی اخلالف‪ .‬من هنا اهمیة‬ ‫دور احملاکم فی مراقبة دستوریة القوانین فی‬ ‫الدول الفیدرالیة‪.‬‬ ‫وعلی النقیض من وضعیة الالمرکزیة فی الدول‬ ‫املوحدة الیمکن األنتقاص من دائرة صالحیة‬ ‫مؤسسات الدول األعضاء فی الدولة الفیدرالیة‬ ‫دون رضا هذه‌ الدول‪ .‬ولکن الواقع یطرح هنا‬ ‫التساؤل التالی ‪ :‬کیف یتم التوصل الی موافقة‬ ‫مثل هذا التنظیم السیاسی األستقاللی‬ ‫للوالیات مع استقالل السلطة الفیدرالیة‬ ‫‪183‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪184‬‬

‫املتوفرة علی هیئاتها اخلاصة؟ إن اجلواب علی‬ ‫هذا التساؤل یکمن فی الدستور الفیدرالی‬ ‫نفسه‌ الذی یحکم عموما توزیع األختصاصات‬ ‫بین الدولة الفیدرالیة وبین الدویالت‪ .‬وفی هذا‬ ‫األطار منیز بین صالحیات تخصیصیة تقع فی‬ ‫حقل الدولة الفیدرالیة وبین صالحیات عامة‬ ‫متلکها الدول األعضاء‪ .‬األولی محددة حصرا فی‬ ‫الدستور و مسندة الی احدی الهیئات األحتادیة‪،‬‬ ‫والثانیة متروکة دون حتدید وغیر مذکورة في‬ ‫الدستور الفیدرالی‪.‬‬ ‫وتتجلی استقاللیة الدول او مکونات النظام‬ ‫الفیدرالی فی وجو ‌ه عدیدة اهمها‪:‬‬ ‫األستقالل الدستوری‬ ‫ان القاسم املشترک بین جمیع األحتادات الفدرالیة‬ ‫هو وجود عدة اقالیم سیاسیة والتی باألضافة‬ ‫الی دستور دولة األحتاد لکل منها دستورها‬ ‫اخلاص بها اذ تقوم السلطة املؤسسة فی کل‬ ‫اقلیم بسن دستور الوالیة وذلک باألستناد الی‬ ‫التخویل الذی منحه‌ دستور األحتاد لهم واحلدود‬ ‫التی رسمه‌ لتلک األقالیم وذلک بدون الرجوع‬ ‫الی السلطات األحتادیة‪.‬‬ ‫ففی الوالیات املتحدة األمریکیة تعین السلطة‬ ‫التأسیسیة عن طریق اجمللس التشریعی للوالیات‬ ‫و اما بواسطة انتخابات خاصة جتری لهذا الغرض‬ ‫یتم تشکیل مجلس تأسیسی داخل اجمللس‬ ‫التشریعی ومبوجب الدستور السوڤیتی یجب ان‬ ‫یکون لکل من اجلمهوریة األحتادیة و اجلمهوریة‬ ‫ذات احلکم الذاتی دستورها اخلاص بها‪ .‬وکانت‬ ‫تضم الدولة الفدرالیة السوفیتیة ‪ 15‬جمهوریة‬ ‫متحدة وحق اخلروج من الدولة الفدرالیة محفوظ‬ ‫لکل جمهوریة متحدة املادة ‪ ،72‬ولکل جمهوریة‬ ‫متحدة دستورها الذی یجب ان یتفق مع دستور‬ ‫الدولة الفدرالیة السوفیتیة ویراعی خصائص‬ ‫اجلمهوریة املادة ‪.76‬وفی سویسرا حیث تقول‬

‫نص املادة ‪ 51‬من الدستور ‪:‬‬ ‫‪ )1‬یکون لکل مقاطعة دستور دیمقراطی‪.‬‬ ‫ویشترط فی هذا الدستور موافقة الشعب علیه‌‬ ‫و امکانیة مراجعت ‌ه اذا ما طلب ذلک غالبیة‬ ‫الذین لهم حق التصویت‪.‬‬ ‫‪ )2‬تتطلب دساتیر املقاطعات موافقة األحتاد‬ ‫التی تعطی لها اذا لم تتعارض هذه‌ الدساتیر‬ ‫مع القانون األحتادی‪.‬وتنص املادة ‪ 52‬من نفس‬ ‫الدستور الفقرة ‪ 1‬بأن األحتاد یحمی النظام‬ ‫الدستوری للمقاطعات‪ .‬علیه‌ یحق لکل‬ ‫مقاطعة من املقاطعات التی تکون األحتاد‬ ‫السویسری ان تکون ل ‌ه دستورها اخلاص شریطة‬ ‫ان ال یتناقض مع الدستور األحتادی ‪ .‬وأن یلتزم‬ ‫الدیمقراطیة کمنهج للحکم وان یتفق علیه‌‬ ‫مواطنی الکانتون‪.‬‬ ‫وینحی الدستور األرجنتینی منحی الدساتیر‬ ‫الفدرالية املشار الیها اعاله‌ فی حق األقالیم‬ ‫علی ان یکون لهم دستورهم اخلاص حیث ینص‬ ‫في املادة ‪ 5‬علی ان یسن کل اقلیم دستوره‌ ضمن‬ ‫النظام التمثیلي اجلمهوری و طبقا ملبادئ و‬ ‫حقوق وضمانات الدستور الوطني لیضمن ادارته‌‬ ‫للقضاء و نظام البلدیات و التعلیم األبتدائي‪.‬‬ ‫حتت هذه‌ الشروط ‪ ،‬تضمن احلکومة األحتادية‬ ‫لکل اقليم السلطة الکاملة علی مؤسساته‌‪.‬‬ ‫وکذلک املادة ‪ 123‬من نفس الدستور تنص علی‬ ‫ان ‪ :‬یسن کل اقلیم دستوره‌ اخلاص کما هو مبین‬ ‫فی املادة ‪ 5‬فتضمن استقاللها البلدی وتضع‬ ‫قواعد نطاقه‌ و مضمونه‌ من حیث اجلوانب‬ ‫املؤسسیة و السیاسیة و األدارية و األقتصادية‬ ‫و املالية‪.‬‬ ‫ولکن هذا األستقالل الدستوری لیس بامللطق‬ ‫فتضیق مداه‌ احیانا اذ ان اية تعديالت جتريها‌‬ ‫األقاليم علی دساتیرها فی کندا یتطلب موافقة‬ ‫دولة األحتاد‪ .‬ولکن بالرغم من‌هذا کله‌ فإن األحتاد‬ ‫الفيدرالي هو صيغة مناسبة متاما للدول الکبيرة‬


‫بعدد سکانها ومساحتها ‪ ،‬وکثرة التنويعات‬ ‫الثقافية بني سکانها ‪ .‬فمثل هذ ‌ه الدول حتتاج‬ ‫لدساتير متعددة‪ ،‬یراعی کل منها خصوصية‬ ‫معينة‪ ،‬حتت ظل دستور واحد للجميع‪.‬‬ ‫ان التنظيم الذي یوجد في دستور األقلیم‬ ‫الفدرالی تنظيم متکامل ألنه‌ یحتوی علی کافة‬ ‫املؤسسات و سمات الدولة املستقلة ماعدا‬ ‫األمور اخلارجية وإن هذه‌ األستقاللية لیست في‬ ‫األمور األدارية فحسب کما في األقاليم التی تدار‬ ‫ال مرکزيا بل تتخطی هذه‌ احلدود الی األستقالل‬ ‫في اجملال التشریعي و وجود سلطة تنفيذية‬ ‫وجهاز قضائی مستقل‪ .‬هکذا فإن األقليـم‬ ‫األحتادي لدیه‌ رکائز الدولة الکاملة من ارض و‬ ‫شعب و سیادة داخلية بأستثناء قید واحد فقط‬ ‫اال وهو السيادة اخلارجية‪.‬‬ ‫األستقالل التشريعي‬ ‫ان من اهم مظاهر التنظيم الذاتي ان تکون‬ ‫لدولة العضو جهازا تشريعيا مستقال تقوم‬ ‫مبمارسة التشريع الداخلي في املسائل التي‬ ‫نص علیها الدستور الفیدرالی والتی هی من‬ ‫صالحیات الوالیات او األقالیم الفیدرالیة‪.‬‬ ‫تتکون هذه‌ السلطة فی بعض الدول الفیدرالیة‬ ‫من مجلسین کما فی الوالیات املتحدة االمریکیة‬ ‫حیث اجملالس التشریعیة فی الوالیات تتکون من‬ ‫مجلسین احداهما للنواب و األخر للشیوخ‪ .‬اما‬ ‫فی سویسرا فیتکون اجلهاز التشریعی للکانتون‬ ‫من مجلس واحد وان اجملالس التشریعية للوالیات‬ ‫اخملتلفة یلجأون الی األستفتاء العام او الوسائل‬ ‫الدیمقراطیة شب ‌ه مباشرة‪.‬‬ ‫وان برملان الوالیات فی الهند وفی اصل دستور‬ ‫‪ 1950‬یتکون من مجلسین وهما اجلمعیة‬ ‫التشریعیة بینما فی بعض الوالیات األخری‬ ‫یتکون من مجلس واحد فقط‪.‬‬ ‫تعتمد درجة األستقالل الدستوری للوالیات‬ ‫املکونة لأل‌حتاد الفیدرالی علی مدی نضج وعمق‬

‫التجربة الفیدرالیة فی البلد مثال فی الوالیات‬ ‫املتحدة األمریکیة جند بأن اجلهاز التشریعی‬ ‫للوالیات لها صالحیات واسعة کباقی األجهزة‬ ‫األخری و یرجع ذلک الی الدستور األمریکی‬ ‫الذی حدد العالقة بین السلطة الفیدرالیة و‬ ‫السلطات احمللیة فی الوالیات وقد جاء ذلک‬ ‫فی التعدیل العاشر للدستور الفیدرالی الذی‬ ‫وقع عام ‪ 1791‬وجاء فیه‌‪ :‬ان السلطات التی لم‬ ‫يفوضها الدستور الی الوالیات املتحدة او التی‬ ‫لم یحضرها علی الوالیات ‪ ،‬فتحفظ للوالیات او‬ ‫للشعب‪ .‬وفی املانیا وفی بضع احتادات فیدرالیة‬ ‫کانت قدر‌ة السلطة الفیدرالیة علی ابرام‬ ‫املعاهدات تتوقف علی ان تلبی شرطا یفید بأنه‌‬ ‫حیثما تؤثر املعاهدات علی اختصاص احلکومات‬ ‫األقلیمیة فانه‌ یجب التشاور معها او احلصول‬ ‫علی موافقتها‪.‬‬ ‫ان احدی اجلوانب األخری لألستقالل التشریعی‬ ‫هی مدی التزام الوحدات املکونة للفیدرالیة‬ ‫باملعاهدات الدولیة التی فاوضت علیها احلکومة‬ ‫الفیدرالیة فی مجاالت تقع عادة فی نطاق‬ ‫اختصاص الوحدات املکونة‪ .‬ففی بعض األحتادات‬ ‫الفدرالیة‪ ،‬تشکل املعاهدات الدولیة قیودا‬ ‫علی استقالل الوالیات مثل الوالیات املتحدة و‬ ‫سویسرا و استرالیا علی سبیل املثال اذ قضت‬ ‫الفقرة الثانیة من املادة السادسة من الدستور‬ ‫األمر‌یکی علی انه‌ (‪...‬وهذا الدستور وقوانین‬ ‫الوالیات املتحدة‪ ،‬التی ستصدر فیما بعد طبقا‬ ‫له‌‪ ،‬وجمیع املعاهدات املبرمة‪ ،‬او التی ستبرم حتت‬ ‫سلطة الوالیات املتحدة‪ ،‬ستکون لها الکلمة‬ ‫العلیا فی البالد‪ ،‬وسیکون القضاء فی کل والیة‬ ‫ملزمین بها‪ ،‬وال تقوم قائمة ملا یرد فی دستور‬ ‫ایة والیة من الوالیات‪ ،‬او فی قانون من قوانینها‬ ‫مناقضا لذلک)‪.‬‬ ‫ولکن فی دول اخری تتطلب تلک املعاهدات‬ ‫الفیدرالیة فی اجملاالت التی تقع ضمن صالحیات‬ ‫الوالیات تطبيق تشریعات الوالیة او املقاطعة‬ ‫‪185‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪186‬‬

‫مثل کندا و املانیا کما اسلفنا سابقا و النمسا‬ ‫او مشاورات غیر ملزمة مع حکومات الوالیات مثل‬ ‫الهند و مالیزیا ‪ .‬اما األحتاد الفیدرالی البلجیکی‬ ‫فهو یقطع خطوة اضافیة فی اعطاء الوحدات‬ ‫املکونة سلطات محددة للتفاوض فی املعاهدات‬ ‫الدولیة فی مجاالت اختصاصها‪.‬‬ ‫من اخلصائص البارزة لألحتاد األملانی وجود عالقة‬ ‫متشابکة بین احلکومة الفدرالیة وحکومة‬ ‫الوالیات ‪ .‬وتتمتع احلکومة الفدر‌الیة مبجموعة‬ ‫کبیرة من السلطات التشریعیة اخلالصة و‬ ‫املتالزمة و الهیکلیة ولکن الوالیات تتحمل‬ ‫مسؤلیة مفروضة بحکم الدستور لتطبیق‬ ‫و ادارة قسم کبیر من القوانین ‪ .‬ومع ذلک‬ ‫تتشابه‌ هذ ‌ه التدابیر مع مثیالتها املتبعة‬ ‫فی النمسا و سویسرا ر‌غم ان الکانتونات‬ ‫السویسریة تتمتع بسلطات قانونیة تشریعیة‬ ‫فی مجموعة کبیرة من املوضوعات‪ .‬ومع ذلک‬ ‫فمن األختالفات البارزة فی األحتاد الفیدرالی‬ ‫األملانی‪ ،‬وجود مشارکة مباشرة اکثر من غیرها‬ ‫من جانب حکومات الوالیات الفدرالیة فی‬ ‫املانیا فی عملیة صنع القرارات التی تتخذها‬ ‫احلکومة الفدرالیة‪ ،‬من خالل متثیل رؤساء وزرائها‬ ‫ووزرائها املعینین فی اجمللس الفیدرالی الثانی(‬ ‫مجلس الشعب) بوندسرات الذی یتمتع بحق‬ ‫نقض کافة التشریعات الفید‌رالیة التی متس‬ ‫الوالیات الفدرالیة ( یقع حولی ‪ 60‬باملائة من‬ ‫التشریعات الفدرالیة فی هذ ‌ه الفئة)‪ .‬ومن ثم‬ ‫یعد بوندسرات املؤسسة الرئیسیة فی العالقة‬ ‫املتشابکة بین احلکومة الفیدرالیة والوالیات فی‬ ‫األحتاد الفدرالی األملانی‪ .‬وفی هدا األطار تتساوی‬ ‫الوالیات الفدرالیة فی سلطاتها النسبیة رغم‬ ‫وجود تدابیر مالیة خاصة للوالیات الفدرالیة‬ ‫اجلدیدة الشرقیة اخلمس علی وجه‌ اخلصوص‪.‬‬ ‫ولکن املادة ‪ 92‬من قانون امریکا الشمالیة‬ ‫البریطانیة‪ ،‬کندا لسنة ‪ 1867‬لم یترک اال حیزا‬ ‫صغیرا فی مجال التشریع للوالیات و فی نفس‬

‫الوقت اعطت املادة ‪ 91‬من نفس القانون مجاال‬ ‫واسعا لبرملان کندا املتحدة للقیام بالعملیة‬ ‫التشریعیة ومبوجب هذا القانون فان هذا البرملان‬ ‫له‌ القدرة علی ایقاف ای قانون یقرها‌ بر‌ملانات‬ ‫الوالیات‪.‬‬ ‫لقد خطط الرواد األوائل للنظام الفيدرالي‬ ‫الكندي لبناء حكومة مركزية قوية‪ .‬وقد اتعضوا‬ ‫في ذلك الوقت من ضعف احلكومة الفيدرالية‬ ‫األمريكية التي كانت سببا في نشوب احلرب‬ ‫األهلية األمريكية‪ .‬ونتيجة لذلك فقد جعل‬ ‫قانون أمريكا الشمالية البريطانية املشار إليه‬ ‫جميع االختصاصات والسلطات في يد احلكومة‬ ‫الفدرالية‪ .‬وقد مت منح حكومات املقاطعات ستة‬ ‫عشر بندا من الصالحيات‪ ،‬تعد جميعها قليلة‬ ‫األهمية نسبیا‪ .‬واختصت احلكومة الفيدرالية‬ ‫بجميع الصالحيات والسلطات الباقية‪ .‬كما‬ ‫اختصت أيضا بصالحية إلغاء أي قانون يصدر‬ ‫عن حكومات املقاطعات إذا رأت عدم جدواه‪.‬‬ ‫األستقالل القضائی‬ ‫ان کیفية التنظيم القضائی لها دور مهم‬ ‫ملعرفة مدی استقاللية اجلهاز القضائی لألقاليم‬ ‫في مقابل اجلهاز القضائی الفدرالي وان املعيار‬ ‫املناسب لتلک األستقاللية هی ان تکون قرارات‬ ‫احملاکم األقليمية باته‌‌ ای غير خاضعة للطعن‬ ‫امام احملاکم الفدرالية‪.‬‬ ‫یقول الفقیه‌ ‪ Wheare‬ملعرفة التطبيق الدقيق‬ ‫للفدرالية من عدمه‌ یجب مراقبة تأسیس‬ ‫النظام القضائی للمحاکم في الدولة الفدرالية‬ ‫اذ یجب ان تکون هنالک طائفة من احملاکم تقوم‬ ‫بتفسير و تطبيق قوانني احلکومة الفدرالية و‬ ‫طائفة اخری من احملاکم تقوم بنفس العمل في‬ ‫محاکم األقاليم‪.‬‬ ‫حسب وییر فأن الوالیات املتحدة األمريکية‬ ‫تقترب من تطبيق هذا املبدأ ألنها وضعت‬ ‫نظاما للمحاکم تبدأ مبحاکم األقليم و ترتفع‬


‫الی مجال نوع اخر للمحاکم األستئنافية الی‬ ‫ان تصل الی الهرم القضائي‌ الذی هو احملکمة‬ ‫العليا ‪ supreme court‬بالتوازی مع نظام احملکام‬ ‫للواليات والذی ينتهی باحملکمة العليا للوالية‪.‬‬ ‫ويذهب جيمس برايس الی ان السلطة القضائية‬ ‫للمحاکم احمللية (الواليات) في اجملالني املدني و‬ ‫اجلنائي بصورة عامة غير محدودة وال یمکن‬ ‫الطعن في قراراتها امام احملاکم الفدرالية اال ما‬ ‫حدد في الدستور الفدرالي وهی تلک القضایا‬ ‫التي تتعلق بالقانون الفدرالي‪.‬‬ ‫و‌لکن وییر يقول بأن هذه‌ األستقاللية ليست‬ ‫مطلقة اذ هنالک عدد من القضايا حددتها‬ ‫الکونگرس بأنها من صالحية احملاکم الفدرالية‬ ‫في األقاليم وذلک ملنع محاکم األقاليم من‬ ‫النظر فيها وهي اجلرائم الواقعة علی الوالیات‬ ‫املتحدة األمريکية و حقوق الطبع و براءة األختراع‬ ‫و األفالس‪.‬‬ ‫من اجلدير بالذکر متی ما برزت في القضايا‬ ‫املطروحة علی محاکم الواليات مسائل متعلقة‬ ‫بدستور واليات املتحدة األمريکية او قوانني‬ ‫الکونگرس او املعاهدات یجب ان يتم النظر فيها‬ ‫من قبل احملاکم الفدرالية واما ابتداء ام الحقا من‬ ‫قبل احملکمة الفدراليه‌ العليا وذلک بنقل الدعوی‬ ‫اليها ام بطر‌يقة الطعن فيها امام احملاکم العليا‬ ‫للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫اما في سويسرا فاألستقالية التي تتمتع بها‬ ‫محاکم الکانتونات الترتقي الی درجة استقاللية‬ ‫محاکم الواليات في الواليات املتحدة األمريکية‪،‬‬ ‫ألن احملاکم األقليمية في سويسرا ملزمة بأتباع‬ ‫قرارت احملکمة الفدرالية العليا النها لها احلق‬ ‫اعادة النظر في القضايا املدنية التي تبدأ قيمتها‬ ‫من ‪ 10000‬فرنک سویسري‪.‬‬ ‫وفي کندا فان احملاکم اقرب الی النظام القضائي‬ ‫املوحد مع اعطاء سلطة کاملة مبوجب الدستور‬ ‫الی اجمللس التشريعي الفدرالي و اجملالس‬ ‫التشريعية للواليات وکل ضمن نطاق عمله‌‬

‫لکي يضعوا نظاما للمحاکم ولکن جميع‬ ‫القضاة يتم تعينهم وتصرف لهم رواتب من قبل‬ ‫احلکومة الفدرالية وللمحکمة الفدرالية العليا‬ ‫احلق في مراجعة القرارات الصادرة من احملاکم‬ ‫األقليمية في القضايا اجلنائية و املدنية ومنذ‬ ‫صدور قانون احملکمة العليا الکندية فان هذه‌‬ ‫احملکمة اصبحت املالذ األخير و النهائي ألستئناف‬ ‫کل القضايا القانونية في عموم کندا‬ ‫وفي الهند ومبوجب دستور عام ‪ 1950‬قاموا‬ ‫بتأسيس احملکمة العليا في الواليات و احملکمة‬ ‫العليا الفدرالية‪ .‬ولکن الهند سلکت سلوکا‬ ‫مغايرا ملا هو متبع في النظام القضائي األمريکي‬ ‫اذ انها اتبعت نظاما قضائيا موحدا بحيث‬ ‫وضعت احملکمة األحتادية العليا في اعلی الهرم‬ ‫القضائي في هذا البلد‪ ،‬وان نطاق والية هذه‌‬ ‫احملکمة تتسع لتشمل کل القضايا التي تقع‬ ‫ضمن نطاق قوانني الواليات و القوانني األحتادية‬ ‫وان جميع قرارات احملاکم األقليمية قابلة للطعن‬ ‫امام احملکمة األحتادية‪.‬‬ ‫األستقالل األداري‬ ‫فی معظم األحتادات الفدرالیة األوروپیة تتطلب‬ ‫دساتیرها ان تدیر الوالیات قسما کبیرا من‬ ‫القوانین الفدرالية ‪ .‬وبذلک ففی تلک احلالة‬ ‫تکون هذه‌ األحتادات الفدرالیة اکثر المرکزیة من‬ ‫الناحیة األداریة عن الناحیة التشریعیة ‪ .‬وقد مت‬ ‫تطبیق نفس الترتیب فی األحتاد األوروپی‪.‬‬ ‫ومن امثلة التوزیع الدستوری الواسع‬ ‫للمسؤولیات التنفیذیة و األداریة اخملتلفة عن‬ ‫األختصاصات التشریعیة ‪،‬سویسرا ‪ ،‬واملانیا‪،‬‬ ‫والنمسا‪ ،‬والهند و مالیزیا ‪ .‬وفی جمیع هذه‌‬ ‫البلدان اخلمسة تتحمل حکومات الکانتونات‬ ‫واملقاطعات املستقلة املسؤولیة الدستوریة عن‬ ‫تنفیذ و ادارة مجموعة کبیرة من التشریعات‬ ‫الفدرالیة‪ .‬وعند تقییم درجة األستقالل فی‬ ‫‪187‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪188‬‬

‫ممارسة الصالحیات اإلداریة ‪ ،‬ینبغی األخذ فی‬ ‫األعتبار مدی اعتماد احد مستویات احلکومة‬ ‫علی مستوی اخر فی تنفیذ سیاسات ‌ه ‪ .‬ففی‬ ‫سویسرا تتمتع األقالیم بأستقالل واسع فی‬ ‫کیفیة تنفیذ قوانینها‪ ،‬وبذلک تؤکد علی‬ ‫الصفة الالمرکزیة لهذا األحتاد الفیدرالی‪ .‬وفی‬ ‫األحتادات الفیدرالیة التی یتم فیها تفویض ادارة‬ ‫القوانین الفدرالیة بأختیار احلکو‌مة الفیدرالیة‬ ‫ولیس مبوجب الدستور ‪ ،‬قد تؤدی شرط الترتیبات‬ ‫مبا فیها الشروط املالیة و توجیهات احلکومة‬ ‫الفدرالیة الی احلد من درجة األستقالل التی یتم‬ ‫بها اداء هذ ‌ه األداراة التی مت التفویض بها‪.‬‬ ‫ان األدارة فی الوالیات الفدرالیة منوطة بالسلطة‬ ‫التنفیذیة والتی يرأسها رئیس و ‌غالبا مایعرف‬ ‫باحلاکم والذی اما ان یأتی عن طریق اختیار‬ ‫السلطة التشریعیة له‌‪ ،‬او من خالل التصویت‬ ‫الشعبی من قبل مواطنی الوالیة فی انتخابات‬ ‫مباشرة کما هو احلال فی بعض الوالیات فی‬ ‫الوالیات املتحدة األمریکیة ‪.‬‬ ‫ففی فنزویال یتم تعیین حاکم الوالیة و اعضاء‬ ‫اجلهاز التنفیذی من قبل رئیس جمهوریة األحتاد ‪.‬‬ ‫وهذ ‌ه الطریقة تشکل خطرا علی مبدأ مهم من‬ ‫مبادئ الفدرالیة اال وهو األستقاللیة التی یجب ان‬ ‫تتمتع بها الوالیة املنضویة حتت األحتاد‪ .‬و تشکل‬ ‫هذا تدخال من قبل املرکز فی الشؤون الداخلیة‬ ‫لألقلیم وتؤثر فی اختیار اجملالس التشریعیة ال بل‬ ‫ویهدد کیان األقلیم الفدرالی‪ .‬اذ یجب ان ال تکون‬ ‫السلطة التنفیذیة للوالیة حتت وصایة السلطة‬ ‫املرکزیة فی دولة األحتاد النها بذالک تفتقر الی‬ ‫صفة األحتاد و تغدو دولة بسیطة ‪.‬‬ ‫اما فی الهند ومبوجب الدستور الفیدرالی لسنة‬ ‫‪ 1950‬تتکون السلطة التنفیذیة من حاکم‬ ‫الوالیة والذی یعین ‌ه رئیس جمهوریة األحتاد والذی‬ ‫بدوره‌ یعین رئیس وزراء الوالیة و الوزراء علی ضوء‬ ‫اقتراح مقدم من قبل رئیس الوزراء‪.‬‬

‫اإلستقالل املالی‬ ‫ان املوارد املالیة تعتبر من احلاجات اجلوهریة لنجاح‬ ‫و استقراریة حکومة فدرالیة کانت ام بسیطة‬ ‫ألنها من دونها ال تستطیع األیفاء بألتزامتها ‪..‬‬ ‫وان الفدرالیة تتطلب ان تکون کل من احلکومات‬ ‫الفدرالیة و حکومات األقالیم مستقلین عن‬ ‫بعضهما البعض فی األمور التی حددت مسبقا‬ ‫فی الدستور الفيدرالي وان ال تکون ایا منهم تابعا‬ ‫لألخر بل ان یعمال جنبا الی جنب ‪ .‬وهذا یتطلب‬ ‫ان یتوفر لکل من احلکومة الفدرالية وحکومات‬ ‫األقاليم بحوزتهم مصادر مالية لتنفيذاملهام‬ ‫امللقاة علی عاتقهم مبوجب السلطات املمنوحة‬ ‫لکل منهما طبقا للدستور ‪ .‬علیه‌ یجب ان تکون‬ ‫لکل اقليم میزانیة خاصة بها‪.‬‬ ‫فیما سبق تبني لنا انه‌ بقدر ما هو ضروری ان‬ ‫تکون للحکومة األحتادیة املوارد املالية یجب ان‬ ‫تکون للحکومات األقاليم مواردها املالية لغرض‬ ‫اشباع حاجاتها‪ ،‬لکن السلطة املالية املطلقة‬ ‫فی مجال فرض الضرائب والتی تتمتع بها‬ ‫احلکومة الفدرالية حصرا یمکن ان جترد الوالیات‬ ‫من الوسائل التی متکنها من تأمین حاجاتها‪.‬‬ ‫وال يفوتنا ان ننوه‌ فی هذا اجملال بأن یجب ان تکون‬ ‫للحکومة الفدرالية السلطة الکاملة فی مجال‬ ‫اصدار العملة وان کافة التطبيقات الفدرالية قد‬ ‫منحت هذه‌ السلطة حصرا باحلکومة الفدرالية‪،‬‬ ‫وان احملکمة الفدرالية األمريکية عند النظر فی‬ ‫قضية الذهب سنة ‪ 1935‬وصفت السلطة‬ ‫املالية بأنها سلطة وطنية شاملة علی جميع‬ ‫الواردات واملالية و العملة‪ .‬وللحکومة الفدرالية‬ ‫السلطة علی البنوک ماعدا تلک البنوک احمللية‬ ‫التی تؤسس وفق قانون الوالية و ال تتجاوز‬ ‫اعمالها نطاق الوالية‪.‬‬ ‫وفی استرالیا تتج ‌ه نطاق السلطات الفدرالية‬ ‫الی مدیات ابعد في هذا اجملال اذ تشمل البنوک‬ ‫احمللية التی یعمل فی نطاق األئتمان ‪.‬‬ ‫لو امعننا النظر فی النظام املالي املعتمد‬


‫لدی غالبية الدول الفدرالية نری بأن احلکومات‬ ‫الفدرالية لدیها سلطة مطلقة فی مجال فرض‬ ‫الرسوم الگمرکية واستخدام وارداتها‪.‬‬ ‫اما فی استرالیا فان سلطات الوالیات فی مجال‬ ‫فرض الضرائب کانت اوسع حین تشکيل األحتاد‪،‬‬ ‫مع حق برملان الکومنویلث من اصدار قوانین‬ ‫جديدة ولکن تبقی سلطات الوالیات فی مجال‬ ‫املالية کما هی ‪ ،‬ولهم احلق فی فرض الضرائب‬ ‫علی املمتلکات الفدرالية شریطة ان يوافق‬ ‫البرملان األحتادي علی ذالک‪.‬‬ ‫و فی سویسرا مبوجب التقسيم األساسي‬ ‫للسلطات ان سلطة فرض الرسوم الگمرکية‬ ‫من حق احلکومة األحتادية اذ تقول نص املادة ‪133‬‬ ‫من الدستور السویسری ( یختص األحتاد بأصدار‬ ‫التشريعات املتعلقة باجلمارک و الرسوم األخری‬ ‫علی البضائع العابرة للحدود)‪ .‬ولکن بقيت‬ ‫الکانتونات متارس فرض الضرائب غير املباشرة و‬ ‫املباشرة‪.‬‬ ‫وفي املانيا تکون التشریعات في مجال الگمارک‬ ‫و الشؤون املالية احلکومية حصرا في ید األحتاد‬ ‫اما الواليات فلها صالحية سن القوانني في‬ ‫مجال ضرائب األستهالک و النفقات احمللية‬ ‫مادامت هذه‌ الضرائب ال تتماثل نوعا مع ضرائب‬ ‫یتم تنظيمها قانونيا من خالل قوانني احتادية‪.‬‬ ‫اما فی الوالیات املتحدة األمريکية فان الدستور‬ ‫األمريکی فوض صالحية فرض الرسوم و‬ ‫الضرائب و الغرامات و املکوس الی الکونگرس‬ ‫األحتادی اذ تقول الفقرة الثامنة من هذا الدستور‬ ‫‪( :‬تكون للكونغرس سلطة‪ :‬فرض الضرائب‬ ‫والرسوم والعوائد واملكوس وجبايتها‪ ،‬لدفع‬ ‫الديون‪ ،‬وتوفير سبل الدفاع املشترك‪ ،‬واخلير‬ ‫العام للواليات املتحدة‪ ،‬إمنا يجب أن تكون جميع‬ ‫الرسوم والعوائد واملكوس موحدة في جميع‬ ‫أنحاء الواليات املتحدة)‪..‬‬ ‫في الوقت الذی الیسمح الدستور األمريکي‬ ‫للوالیات‪ ،‬دون موافقة الكونغرس‪ ،‬أن تفرض أية‬

‫رسوم أو عوائد على الواردات أو الصادرات‪ ،‬إال ما‬ ‫كان منها ضروريا ً ضرورة قصوى لقيامها بتنفيذ‬ ‫قوانينها اخلاصة بالتفتيش‪ ،‬بشرط ان يكون‬ ‫صافي إيرادات جميع الرسوم والعوائد التي‬ ‫تفرضها أية والية على الواردات أو الصادرات‪،‬‬ ‫ملنفعة خزانة الواليات املتحدة‪ ،‬وجميع أمثال‬ ‫هذه القوانني تكون خاضعة ملراجعة وإشراف‬ ‫الكونغرس‪.‬‬ ‫ولکن یسمح لهم بأستحصال الضرائب املباشرة‬ ‫و الضرائب علی األمالک و امليراث و الدخل‪.‬‬ ‫لکن ونتيجة التطورات التي حدثت منذ احلرب‬ ‫العاملية األولی فی مطلع القرن املنصرم والتی‬ ‫تلتها حرب عاملية اخری و بسبب الکساد‬ ‫األقتصادی و انکماش التجارة الدولية و األنفاق‬ ‫احلربي ادت باحلکومات الفدرالية ان یطرقوا‬ ‫مجاالت اخری کانت مقتصرة علی احلکومات‬ ‫احمللية لسد النقص فی األیرادات‪.‬‬ ‫فی سویسرا وحتت تأثیر احلرب العاملية األولی‬ ‫جلأوا الی تعديل الدستور األحتادی عدة مرات‪،‬‬ ‫والتي ادت الی اعادة توزيع السلطات و األدارات‬ ‫و املصادر املالية لکل من احلکومة الفدرالية و‬ ‫الکانتونات لکي یتمکنوا من القيام بواجباتهم‬ ‫علی ضوء الظروف التي استجدت انذاک ‪ .‬بحيث‌‬ ‫استغنت الدول األعضاء من جزء من وارداتهم‬ ‫لصالح الدولة األحتادية و باملقابل طلبوا نصيبا‬ ‫محددا من تلک الواردات و حصلوا علی ضمانات‬ ‫دستورية للحصول علی تلک األنصبة عن طريق‬ ‫وسيلة کانت تسمی باملشارکة القانونية ولکن‬ ‫هذه‌ لم تکن تکفي لسد احتياجات الکانتونات‬ ‫املتزايدة‪ ،‬لذا اضطروا ان یعتمدوا علی املساعدات‬ ‫الفدرالية بحیث وصلت املساعدات الفدرالية‬ ‫للکانتونات فی سنة ‪ 1960‬الی ‪ %10‬من مجموع‬ ‫الواردات املالية للکانتونات‪.‬‬ ‫وفی استراليا بعد ان رفض الوالیات مقترح‬ ‫احلکومة األحتادية والذی کان بخصوص ترک‬ ‫فرض ضریبة الدخل للحکومة األحتادية قامت‬ ‫‪189‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪190‬‬

‫احلکومة في سنة ‪ 1942‬بسن اربعة قوانني‬ ‫بخصوص ضريبة الدخل املوحد تکون متساویة‬ ‫مع مجموع ضريبتي الدخل حلکومات الواليات و‬ ‫احلکومة األحتادية ‪ ،‬وتقدمي املساعدة املالية ألی‬ ‫والية ترفع يدها عن فرض ضريبة الدخل وکذلک‬ ‫اعطت تلک القوانني احلق للحکومة الفدرالية‬ ‫ان تسبق الواليات فی استيفاء ديونه‌ املتعلقة‬ ‫بضريبة الدخل‪.‬‬ ‫ففی السنة املالية ‪ 1960-1959‬وصلت املساعدات‬ ‫املالية املقدمة من قبل األحتاد الی الوالیات نسبة‬ ‫‪ %37،5‬من مجموع ایرادات الواليات مجتمعة‪.‬‬ ‫ال تزال الواليات املتحدة األمريکية تتبع اسلوب‬ ‫الضريبة املزدوجة ألن کل من احلکومة األحتادية‬ ‫و حکومات الواليات تفرض الضرائب علی نفس‬ ‫مصادر الدخل ‪ .‬بعبارة اخری ان سلطة فرض‬ ‫الضرائب فی الواليات املتحدة األمريکية سلطة‬ ‫مشترکة‪.‬‬ ‫صحيح ان احلکومة الفدرالية نافست حکومات‬ ‫الواليات فی مجال الضرائب املباشرة ولکن لم‬ ‫تعمل علی اقصائهم بالکامل‪.‬‬ ‫وتقوم احلکومة الفدرالية بتقدمي املعونات‬ ‫املالية للواليات بهدف مساعدتهم في النهوض‬ ‫بأعبائهم حيث وصلت نسبة تلک املساعدات‬ ‫الی ‪ %23،3‬في سنة ‪.1960‬‬ ‫وفي الهند ان سلطة فرض الضرائب و جمعها‬ ‫مشترکة بني احلکومة األحتادية و الواليات‬ ‫وانها بعکس تقسيم السلطات التشريعية‬ ‫والتي مبوجب الدستور الهندی تقسم الی ثالث‬ ‫مجموعات األول الی السلطة األحتادية و الثانية‬ ‫الی الواليات و الثالثة مشترکة‪ .‬اماسلطة‬ ‫فرض الظرائب فتنقسم الی قسمني األول الی‬ ‫احلکومة الفدرالية الثانية الی الواليات‪.‬‬ ‫وهذا التقسيم کان لصالح احلکومة األحتادية‬ ‫اذ حددت سلطات األقاليم بفرض انوع معينة‬ ‫من الضرائب‪ .‬وبالرغم من وضع قائمة للضرائب‬ ‫األحتادية لم تقيد سلطات األحتاد فی هذا اجملال‪.‬‬

‫وفی املانيا األحتادية و حتت ظل دستور ‪1949‬‬ ‫اعطيت اجلزء األکبر من واردات الضرائب و الرسوم‬ ‫علی الصادرات و الواردات للحکومة األحتادية و‬ ‫اختصت األقاليم باجلزء اليسير کالضرائب علی‬ ‫األمالک و امليراث‪.‬‬ ‫واتبع الدستور األملانی مبدأ تقسيم قسم من‬ ‫الضرائب‪ ،‬کالضرائب علی الدخل والشرکات‬ ‫حيث اعطت نسبة‪ %35‬الی احلکومة األحتادية و‬ ‫‪ %65‬الباقية الی حکومات األقاليم‪.‬‬ ‫ولکن هذا احلال لم یدم کما متنی‌ واضعی الدستور‬ ‫حيث تبعات احلرب ومصاريفها الباهضة ادت‬ ‫باحلکومة الفدرالية ان تسحب قسم من وارات‬ ‫األقاليم لغرض تغطية تلک النفقات‪.‬‬ ‫و ادت احلرب العاملية الثانية الی احداث تأثير اکبر‬ ‫علی الواليات الفقيرة حيث کانوا قد اشتکوا من‬ ‫قلة املوارد املالية من قبل‪ .‬و اصبحت املساواة بني‬ ‫الواليات الفقيرة و األخری الغنية ضروری ولکن‬ ‫لم تکن هنالک خطوات کافية لردم تلک الهوة‬ ‫اذ استمر الواليات الفقيرة بالشکوی من األعتماد‬ ‫علی الواليات الغنية في تأمني احتياجاتها من‬ ‫املوراد املالية‪.‬‬ ‫نتيجة ألستمرار املشاکل املالية سن عام ‪1969‬‬ ‫قانون جديد تغير مبوجبه‌ مبدأ تقسيم األيرادات‬ ‫بني احلکومة األحتادية و الواليات وتوسعت دائرة‬ ‫الضرائب التي قابلة للتقسيم بني الواليات و املرکز‬ ‫لتصل الی حد ثلثی اجملموع الکلي جملل الضرائب ‪.‬‬ ‫مع معارضة مجلس الواليات‪ Bundsrat‬للقانون‬ ‫اعاله‌ ولکن مبوجب هذا القانون کان یقسم ایرادات‬ ‫الضرائب والشرکات بین احلکومة الفدرالية‬ ‫و الواليات بصورة متساوية بعد استقطاع‬ ‫نسبة ‪ %14‬لصالح احلکومات احمللية‪ .‬وکان الناجت‬ ‫النهائی للتوزيع ‪ %70‬للحکومة الفدرالية و ‪%30‬‬ ‫حلکومات الواليات‪ .‬بهذه‌ الصورة کان التقسيم‬ ‫لصالع املرکز علی حساب الوالیات‪.‬‬ ‫وتعد اتاحة األقتراض العام للواحدات املکونة‬ ‫للفدرالية مؤشرا اخر علی درجة األستقالل املالي‪.‬‬


‫ویتم تعزيز استقالل الوحدات املکونة عندما‬ ‫تتمکن من الوصول بشکل مباشر وبال عوائق الی‬ ‫األموال املقترضة‪ ،‬بشرط اال تکون حکوماتهم‬ ‫غارقة فی الديون‪ .‬وتختلف األحتادات الفدرالية‬ ‫اختالفا کبيرا فيما يتعلق بالقدرة الرسمية او‬ ‫العملية للوحدات املکونة علی األقتراض‪ .‬ففی‬ ‫بعض األحتادات الفدرالية مثل النمسا و الهند‬ ‫و ماليزیا یقصر الدستور الفدرالي األقتراض‬ ‫األجنبي علی احلکومة الفدرالية‪ .‬وفي الواليات‬ ‫املتحدة األمريکية هنالک متطلبات متوازنة‬ ‫للميزانية في العديد من الواليات‪ .‬وفي استراليا‬ ‫يعتبر مجلس القروض البينحکومي الذي تأسس‬ ‫مبوجب الدستور هيئة تنسيقية لديها سلطة‬ ‫ملزمة لکل من مستويات احلکومة‪ .‬وتختلف‬ ‫تلک احلاالت عن احتادات فدرالية اخری مبا في ذلک‬ ‫کندا حيث تتمکن الوحدات املکونة للفدرالية‬ ‫من الوصول الی کل من األقتراض احمللي و الدولي‬ ‫بشکل کبير و بدون عوائق‪.‬‬ ‫یظهر لنا مما تقدم بأن الواليات الداخلة في األحتاد‬ ‫الفدرالي کانت عند دخولها في تلک األحتادات‬ ‫تتمتع باألستقالل املالي‪ ،‬ولکن هذه‌ األستقاللية‬ ‫تراجعت شيئا فشيئا الی ان وصلت الی سلطات‬ ‫محددة لصالح دولة األحتاد‪ ،‬التي ظهرت کدولة‬ ‫لها سلطات اوسع في اجملال املالي‪ ،‬ألنها تتمکن‬ ‫و بسهولة من احلصول علی املال الالزم لتنفيذ‬ ‫املهام امللقاة علی عاتقها ‪،‬بينما احلکومات‬ ‫احمللية ليست لها تلک القدرة ‪،‬و باتوا معتمدين‬ ‫علی احلکومة الفدرالية في تأمني املوارد الالزمة‬ ‫لسد احتياجات الواليات املالية ‪،‬و بهذا حتول‬ ‫الدول األعضاء بصورة او بأخری تابعني للحکومة‬ ‫األحتادية ‪ ،‬ومع هذا فان للدول األعضاء قدر کبير‬ ‫من األستقاللية في اجملال املالي‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬مبدأ املشارکة‬ ‫ان الفدرالية احلقيقية تفترض مشارکة متساوية‬ ‫في اتخاذ القرارات املعمول بها في الدولة‬

‫الفدرالية ‪ .‬وبفضل املشارکة تتأمن الدميقراطية‬ ‫و يتحقق التعاضد علی مستوی اجملموعة‬ ‫بکاملها‪ ،‬ای علی مستوی الدولة الفدرالية‪.‬‬ ‫والفدرالية هذه‌ ميکنها ان حتمی األقليات‪ ،‬في‬ ‫احلاالت التي تکون فيها األقليات املتواجدة علی‬ ‫اقليم دولة فدرالية‪ ،‬اکثرية داخل هذه‌ او تلک من‬ ‫الدول األعضاء‪ .‬وکذلک ميکنها ان حتقق السلم‬ ‫بني جماعات ليس لها نفس التطلعات‪ ،‬و اللغة‬ ‫والدين و األصول األثنية‪ ،‬ولکن لها مصالح‬ ‫مشترکة و تعيش في اطار جغرافي واحد‪ ،‬کما‬ ‫یمکنها احلفاظ علی هذا السلم و ترسيخه‌‪.‬‬ ‫وان مبدأ املشارکة في النظام الفدرالي مالزم‬ ‫ملبدأ األستقالل الذاتي‪ ،‬وهو يعني ان اجلماعات‬ ‫املتحدة تأخذ دورا فاعال في تکوين املؤسسات‬ ‫املشترکة او الفدرالية‪ ،‬وتسهم فعليا في صنع‬ ‫قرارات السلطات الفدرالية‪ .‬وتفرض املشارکة‬ ‫وجود مجلس ثان في البرملان الفدرالي‪ ،‬کمجلس‬ ‫الشيوخ مثال‪ ،‬مؤلف من ممثلني منتدبني عن الدول‬ ‫األعضاء الی جانب مجلس النواب‪ ،‬املنتخب من‬ ‫الشعب‪ ،‬و املمثل للدولة الفدرالية مبجملها‪.‬‬ ‫وتکون املشارکة في الدولة الفدرالية في اجمللس‬ ‫الثاني‪.‬‬ ‫وال تستطيع الدولة الفدرالية ان ال تشرک‬ ‫الواليات األعضاء في املؤسسات الفدرالية ‪،‬‬ ‫ویجب ان یشترک األعضاء فيها واال نکون امام‬ ‫دولة بسيطة ولیست احتادية‪.‬‬ ‫لذا نری بأن الغالبية العظمی من الدول الفدرالية‬ ‫اخذت بنظام اجمللسني احدهما یمثل مواطنی‬ ‫الدولة الفدرالية کافة والثانية متثل الواليات‪ ،‬فال‬ ‫ميکن للدولة األحتادية ان تغض النظر عن نظام‬ ‫اجمللسني النه‌ النظام الوحيد الذي تتحقق في‬ ‫ظلها الوحدة واألستقالل‪.‬‬ ‫و یشکل اجمللس األعلی للواليات اما عن طريق‬ ‫التعيني ملدی احلياة کما في کندا واما عن طريق‬ ‫األنتخابات ملدة معينة‪ ،‬کما في الواليات املتحدة‬ ‫األمريکية واألحتاد السوفيتي السابق‪ ،‬و استراليا ‪،‬‬ ‫‪191‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪192‬‬

‫ولکن في فنزویال یتم اختيارهم من قبل السلطة‬ ‫التشريعية في الواليات اما في املانيا و مبوجب‬ ‫دستور ‪ 1949‬یجب ان یتکون اجمللس األعلی من‬ ‫ممثلی حکومات الواليات ألن القانون اعطی حق‬ ‫تعيني و عزل هؤالء الی تلک احلکومات‪.‬‬ ‫وقد وجد هذا اجمللس في الدولة الفدرالية‬ ‫لتطمني املناطق الصغيرة وازالة خوفها من‬ ‫تسلط املناطق الکبيرة‪ .‬وان وجود هذا اجمللس‬ ‫يحد من جتاوزات اجمللس األول ای مجلس النواب‪.‬‬ ‫ي یوفر ‌ه اجمللس الثاني‪،‬‬ ‫فبدون هذه‌ الضمانات الت ‌‬ ‫یفقد الشعور باألمن وبالتالي ال ميکن انشاء‬ ‫نظام فدرالي او األستمرار فيه‌‪.‬‬ ‫وبالرغم من ان التمثيل املتساوي يعتبر ضروريا‬ ‫ألن يکون النظام الفدرالي فعاال ولکن بعض‬ ‫الدول الفدرالية لم تعمل بهذه‌ القاعدة کما‬ ‫في کندا و املانيا ففي کندا يتکون اجمللس األعلی‬ ‫من ‪ 102‬عضو لکل من مقاطعتي کيوبک و‬ ‫انتاريو بواقع ‪ 24‬عضو ‪ ،‬و لکل من نوفاسکوتيا و‬ ‫نيوبر و نسويک ‪ 10‬اعضاء‪ ،‬وللمقاطعات الستة‬ ‫الباقية مجتمعه‌ ‪ 34‬عضوا‪ .‬وفي املانيا في ظل‬ ‫األمبراطورية األملانية عام ‪ 1871‬حيث تأسست‬ ‫الفدرالية کانت لدولة بروسيا وحدها ‪ 17‬عضوا‬ ‫في مجلس الدول بينما کانت کل دولة من الدولة‬ ‫الباقية ممثلة بعضو واحد فقط في اجمللس‪.‬‬ ‫واتبعت دستور فاميار لسنة‪ 1919‬مبدأ الالمساوة‬ ‫ايضا حيث ورد فيه‌ بأن یجب ان تکون کل والية‬ ‫علی األقل ممثلة بعضو واحد وان یکون لها عضو‬ ‫اخر مقابل کل ‪ 700000‬نسمة علی ان ال یتجاوز‬ ‫عدد ممثلي الوالية عن خمسة اعضاء في اجمللس‪.‬‬ ‫وحتی دستور ‪ 1949‬نحی هذا املنحی ايضا‪ ،‬اذ‬ ‫لکل والية احتادية احلق ان تکون ممثلة في اجمللس‬ ‫مبا ال يقل عن ‪ 3‬اعضاء و ‪ 4‬للواليات التي تزيد‬ ‫سکانها عن مليونی نسمة و ‪ 5‬ممثلني للواليات‬ ‫التي تزيد سکانها عن ‪ 6‬ماليني نسمة و ‪ 6‬ممثلني‬ ‫للواليات التي تزيد سکانها عن ‪ 7‬ماليني‪.‬‬ ‫ان دور هذا اجمللس یختلف من نظام فدرالي الی‬

‫اخر ففي کندا لم یلعب مجلس الشيوخ الدور‬ ‫املنتظر له‌ بسبب کون اعضاءه‌ يأتون عن طريق‬ ‫التعيني و يبقون في املنصب مدی احلياة هذا من‬ ‫جهه‌ ومن جهة اخری وقوعهم حتت تأثير الوالءات‬ ‫احلزبية ‪.‬‬ ‫وفي استراليا ا‌يضا لم يأخذ اجمللس مکانه‌ ألن‬ ‫التقسيمات احلزبية او الوالءات احلزبية اثبتت‬ ‫بأنها اقوی من الوالءات املناطقية‪.‬‬ ‫ولکن في سويسرا وبالرغم من ان اجمللس األعلی‬ ‫تلعب دورا اکبر مما هو عليه‌ في‌ کندا و استراليا‬ ‫اال انه‌ اليزال يلعب دورا اقل من مجلس النواب ألن‬ ‫بعض القرارات مثل انتخاب اعضاء اجمللس األحتادي‬ ‫واحملکمة األحتادية و حق العفو في سويسرا تکون‬ ‫عن طريق التصويت عليهم من قبل اجمللسني‬ ‫وفي هذه‌ احلالة تکون کفة مجلس النواب هي‬ ‫الراجحة الن عددها في اجلمعية األحتادية اربعة‬ ‫اضعاف عدد مجلس املقاطعات‪.‬‬ ‫ولکن في الواليات املتحدة األمريکية جمللس‬ ‫الشيوخ دور مهم و حيوی ویرجع هذا الی طبيعة‬ ‫النظام السياسی في هذا البلد الذي یتبع‬ ‫النظام الرئاسي ومبوجب هذا النظام الرئيس‬ ‫ال یکون مسؤال امام الکونگرس لذا ال یعانی‬ ‫مجلس الشيوخ األمريکي ما یعانيه‌ اجمللسان في‬ ‫استراليا وکندا بسسب تبعيتهما جمللس النواب‬ ‫و من ناحية اخری یرجع ذلک الی منح مجلس‬ ‫الشيوخ سلطات اضافية مبوجب الدستور‬ ‫األمريکي في مجال العالقات اخلارجية و تعني‬ ‫کبار مسؤولي الدولة‪.‬‬ ‫ان احلزبین الرئیسیین( اجلمهوری و الدميقراطي)‬ ‫في الواليات املتحدة األمريکية لعبا دوارا ايجابيا‬ ‫في تفعيل مجلس الشيوخ ألنهما انعکاس‬ ‫للمصالح األقليمية املتباینة في الواليات املتحدة‬ ‫األمريکية وان اعضاءهم احرار فيما يبدونه‌ من‬ ‫اراء في مجلس الشيوخ وکذلک في مجلس‬ ‫النواب ألن ذلک ال يؤدي الی اسقالة احلکومة‪..‬‬ ‫من ناحية ثانية ان مبدأ املشارکة یفترض‪،‬موافقة‬


‫السلطة الفدرالية و الدول األعضاء معا علی‬ ‫تعديل الدستور الفدرالي‪ ،‬في حال کان هنالک‬ ‫رغبة في تعديله‌‪ ،‬وال يجوز للسلطة الفدرالية‬ ‫ان تنفرد بذلک‪ .‬ففي الواليات املتحدة األمريکية‬ ‫کان للدول األعضاء دور کبير في تعديل الدستور‬ ‫اذ يقول الدستور األمريکي» يقترح الكونغرس‪،‬‬ ‫كلما رأى ثلثا أعضاء اجمللسني ضرورة لذلك‪،‬‬ ‫تعديالت لهذا الدستور‪ ،‬أو يدعو‪ ،‬بناء على طلب‬ ‫الهيئات التشريعية لثلثي مختلف الواليات‪،‬‬ ‫إلى عقد مؤمتر القتراح تعديالت‪ ،‬تصبح في‬ ‫كلتا احلالتني‪ ،‬قانونية من حيث جميع املقاصد‬ ‫والغايات‪ ،‬كجزء من هذا الدستور‪ ،‬عندما‬ ‫تصادق عليها الهيئات التشريعية لثالثة أرباع‬ ‫مختلف الواليات‪ ،‬أو مؤمترات تعقد في ثالثة أرباع‬ ‫الواليات»‪.‬‬ ‫وفي سويسرا ال تشارک الکانتونات في عملية‬ ‫اقتراح التعديالت الدستورية ولکنهم یشارکون‬ ‫في قبول تلک التعديالت ألنه‌ ال يتم تنفيذ اي‬ ‫تعديل دستوري مالم يوافق عليه‌ اکثرية الناخبني‬ ‫في غالبية الکانتونات‪.‬‬

‫للبحث و النشر و التوزيع ‪ .‬بیروت الطبعة الثالثة ‪.1993‬‬ ‫‪ 9‬ـ دکتور عبداحلمید متولی القانون الدستوری و األنظمة‬ ‫السیاسیة –منشأة املعارف باألسکندرية ‪.1993‬‬ ‫‪10‬ـ رونالد ل‪.‬واتس األنظمة الفیدرالیة ترجمة غالي‬ ‫برهومة ‪ ،‬واخرون‪ ،‬طبعة خاصة ‪ 2006‬اوتاوا ـ کندا‪.‬‬ ‫‪ 11‬ـ الدکتور عمرو فؤاد برکات النظم السیاسیة –‬ ‫جامعة طنطا‪،‬ط اولی‪.‬‬ ‫‪ -13‬نورمان‪ .‬باملر‪.‬النظام السياسي في الهند‪ .‬ترجمة‬ ‫محمد فتح اهلل اخلطيب‪ .‬مكتبة االجنلو مصرية‪ .‬مصر‪.‬‬ ‫‪.، 1965‬‬ ‫‪ -14‬املواد ‪ 105‬و ‪ 109‬من دستور املانیا األحتادیة لسنة‬ ‫‪ 1949‬حیث األخيرة تقول (بأن األحتاد و الوالیات کل‬ ‫منهما مستقل فی تدبير موازنته وال یعتمد احدهما‬ ‫علی األخر)‪‌.‬‬ ‫‪ -15‬دستور الوالیات املتحدة األمریکية املادة األولی الفقرة‬ ‫الثامنة واملادة اخلامسة‪.‬‬ ‫‪ -16‬محمد کامل ليلة األنظمة السياسية النظم‬ ‫السیاسیة‪،‬الدولة واحلکومة ط اولی ‪ 1967‬دارالفکر‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫‪ -17‬د‪ .‬حميد الساعدي ـ مبادئ القانون الدستوري‬ ‫و تطورات النظام السياسي في العراق دار احلکمة‬ ‫للطباعة – ط األولی ‪ 1990‬موصل ‪.‬‬ ‫‪ -18‬املادة ‪ 51‬من دستور املانيا األحتادية لسنة ‪.1949‬‬

‫هوا ٍمش املبحث األول‬

‫‪1‬ـ الدکتور احمد سرحال‪ -‬القانون الدستوری و النظم‬ ‫السیاسیة‪ -‬األطار و املصادر‪ ،‬ط ‪ .‬اولی ‪، 2002‬املؤسسة‬ ‫اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.،‬‬ ‫‪ 2‬ـ د ‪ .‬محمود حلمی املبادئ الدستورية العامة ط‪ .‬اولی‬ ‫‪ ،‬دار الفکر العربي قاهرة ‪.1964‬‬ ‫‪ 3‬ـ املواد ‪ 76،82‬من دستور األحتاد السوفیاتی السابق‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ د‪.‬غالب خضیر العانی و د‪ .‬نوری لطیف القانون‬ ‫الدستوری بغداد‪ ،‬ط‪ .‬اولی‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ املواد ‪52،157،175 ، 51‬من الدستور السویسری‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ املواد ‪ 5‬و ‪123‬و ‪188‬من الدستور األرجنتینی‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ د‪.‬کمال غالي مبادئ القانون الدستوری واألنظمة‬ ‫السياسية املعاصرة ‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ د‪ .‬زهیر شوکر ـ الوسيط في القانون الدستوری ـ‬ ‫اجلزء األول ـ القانون الدستوری و املؤسسات السیاسية‪.‬‬ ‫النظرية العامة والدول الکبری ـ مؤسسة اجلامعية‬

‫‪193‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪194‬‬

‫موضوعات للمناقشة‬

‫املنظور اإليديولوجي للخطاب‬ ‫والتعدد الثقافي في إقليم‬ ‫كردستان العراق‬ ‫كاظم حبيب‬


‫(‪)1‬‬ ‫كل شعب له ثقافته اخلاصة التي إرتبطت‬ ‫عضويا ً (وما تزال) بالظروف التاريخية التي مرَّ بها‬ ‫ومراحل تطور اجملتمع وحياته اليومية امللموسة‬ ‫والقيم واملعايير والتقاليد والعادات واألعراف‬ ‫والسلوكيات وأسلوب العيش والعالقات في ما‬ ‫بني البشر وكل ما أنتجه هذا اجملتمع أو ذاك من‬ ‫آداب وفنون وعلوم وفلسفات ومنتجات فكرية‬ ‫وعملية أخرى عبر األفراد أو اجلماعات‪ .‬كما إنها‬ ‫ارتبطت (وما تزال) بالنظم السياسية التي‬ ‫نشأت وترعرعت األجيال املتالحقة في ظلها‬ ‫أو حتت وطأتها والتي إما ساعدته على تطوير‬ ‫ثقافته مبكوناتها املتنوعة أو أعاقت هذا التطور‪.‬‬ ‫ومع هذه اخلصوصية التي متيز ثقافة كل شعب ‪,‬‬ ‫جند أيضا ً أوجه تشابه وتقارب أو متاثل بني ثقافات‬ ‫شعوب البلدان اخملتلفة في هذا اإلقليم أو ذاك‬ ‫أو على الصعيد العاملي التي تتجلى في الكثير‬ ‫من اآلداب والفنون واألساطير والقيم واملعايير‬ ‫اإلنسانية العامة‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫وتشكل الثقافات اخلاصة للشعوب فروعا ً‬ ‫مستقلة ولكنها تصب مجتمعة في نهر واحد‬ ‫عظيم هو نهر الثقافة العاملية ‪ ,‬كجزء رئيسي من‬ ‫احلضارة البشرية ‪ ,‬هذا النهر الثقافي الذي يلعب‬ ‫بدوره ويؤثر بجريانه املستمر على ثقافات كل‬ ‫شعب من الشعوب وأن اختلف مستوى التأثير‬ ‫مبستوى اإلنفتاح أو اإلنغالق الذي واجهته ومرت‬ ‫به الشعوب في مراحل تطورها اخملتلفة وطبيعة‬ ‫النظم السياسية التي عاشت حتت وطأتها أو‬ ‫في ظلها وموقف النخب احلاكمة من الثقافة‬ ‫وجمهرة املثقفني‪ .‬ومن حيث املبدأ ال توجد أية‬ ‫حدود طبيعية بني الشعوب وثقافاتهم‪ .‬أما‬ ‫احلدود التي أقيمت أو ما تزال قائمة حتى اآلن فهي‬ ‫ليست سوى حدودا ً مصطنعة مانعة للتفاعل‬ ‫والتالقح املتبادل ومعرقلة لتطور الثقافة في‬

‫هذا البلد أو ذاك وعلى الصعيد العاملي‪ .‬وال‬ ‫شك في إن النظم السياسية اإلستبدادية‬ ‫(أو) واملؤسسات الدينية هي التي كانت وما‬ ‫تزال تخلق تلك احلدود املصطنعة والثقيلة بني‬ ‫شعوب العالم وثقافاتهم وعالقاتهم املتعددة‬ ‫األوجه وتشكل عبئا عليها‪ .‬وهي التي أسست‬ ‫وتؤسس حلالة الصراع بني الثقافات واحلضارات‪,‬‬ ‫إذ إنها ليست من فعل الشعوب ذاتها وال من‬ ‫مثقفيها‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ال شك في أن السمات اخلاصة التي تتفرد بها‬ ‫هذه الثقافة أو تلك ناجمة عن ظروف تطورها‬ ‫التاريخي امللموس واملرحلة التاريخية التي‬ ‫متر بها فكريا ً وسياسيا ً واجتماعيا ً ومرتبطة‬ ‫بطبيعة عالقات اإلنتاج السائدة فيها ومستوى‬ ‫تطور القوى املنتجة املادية والبشرية ‪ ,‬إضافة إلى‬ ‫التأثير النسبي للموقع اجلغرافي ‪ ,‬إذ تعتبر من‬ ‫حيث املبدأ إغناء فعليا ً للثقافة العاملية وفرصة‬ ‫ثمينة للتفاعل بني الثقافات وتالقحها املتبادل‪.‬‬ ‫إذ إن ثقافة شعب ما ال تقتصر على األدب والفن‬ ‫‪ ,‬على أهميتهما ودورهما الكبيرين في العملية‬ ‫الثقافية ‪ ,‬فحسب ‪ ,‬بل متتد لتشمل أوجه حياة‬ ‫اإلنسان الكثيرة من تقاليد وعادات وأعراف وتراث‬ ‫وسلوك وقيم ومعايير وأديان ومذاهب وفلسفات‬ ‫وأفكار وأراء وتصورات وتطلعات ومنتجات فكرية‬ ‫وعملية ‪ ,‬ومن حقوق وواجبات ‪ ..‬الخ‪ .‬وهي تشكل‬ ‫عموما ً سلة واحدة متكاملة نطلق عليها‬ ‫«الثقافة»‪ .‬وقد عبر عن ذلك بصواب الدكتور‬ ‫نبيل ياسني حني كتب يقول‪ « :‬يتعامل كثير من‬ ‫العراقيني مع مفهوم الثقافة على أنها اإلنتاج‬ ‫األدبي من شعر وقصة واإلنتاج الفني من فن‬ ‫تشكيلي وفن مسرحي دون ان يتعاملوا معها‬ ‫كما هو سائد في العالم احلديث على أنها إنتاج‬ ‫األفكار والرأي والتصورات واملشاعر واملفاهيم‬ ‫وإنها تساهم في تشكيل هوية اجملتمع وتغذيته‬ ‫‪195‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪196‬‬ ‫جلمهرة املثقفني ضد هذه األوضاع املزرية‪.‬‬ ‫فتعطلت وإلى حدود بعيدة عملية التطور‬ ‫الذاتي للثقافة وجمهرة املثقفني كما تعطلت‬ ‫عملية التفاعل بني الثقافات والتالقح والتطوير‬ ‫اخلالق لها وتنويعها مبا يسهم في رفع املستوى‬ ‫الثقافي للفرد واجملتمع‪ .‬ولعبت األمية التي كانت‬ ‫منتشرة بنسبة عالية بني سكان هذه الدول ‪ ,‬وأن‬ ‫إختلفت نسبتها من دولة إلى أخرى ‪ ,‬دورا ً سلبيا ً‬ ‫بارزا ً في ضعف إنتشار الثقافة العامة وتغيير‬ ‫التقاليد والعادات والقيم واملعايير السلبية‬ ‫املوروثة التي هي جزء من الثقافة العامة جملتمع‬ ‫ما‪ .‬ولعبت املؤسسات الدينية وجمهرة كبيرة‬ ‫من شيوخ الدين دورها البارز في احلفاظ على‬ ‫املاضي وأوضاعه خشية منها على مواقعها‬ ‫في النظم القائمة وفي اجملتمع وعلى مكاسبها‬ ‫اإلقتصادية واإلجتماعية‪ ,‬في حني مارست‬ ‫مجموعة صغيرة من شيوخ الدين دورا ً مناقضا ً‬ ‫لذلك لصالح تطور وتقدم اجملتمع‪ .‬من هنا ميكن‬ ‫القول بأن ثقافة شعوب بلدان هذه املنطقة‬ ‫‪ ,‬ومنها ثقافة الشعب الكردي ‪ ,‬لم تتوفر لها‬ ‫مستلزمات التطور والتنوع والتالقح الضرورية‬ ‫مع ثقافات الشعوب املتقدمة ‪ ,‬وخاصة ثقافة‬ ‫الشعوب األوروبية والغربية عموما ً ‪ ,‬إال بحدود‬ ‫ضيقة جداً‪ .‬لقد ساد الرأي القائل «ليس في‬ ‫اإلمكان أبدع مما كان» لدى هذه اجلماعات التي‬ ‫هيمنت على احلكم والثقافة في آن! وبخالف ذلك‬ ‫إستفادت الشعوب األوروبية للخروج من قرونها‬ ‫الوسطى مثالً من املستوى الثقافي العام الذي‬ ‫كان قد حتقق في فترات مختلفة ‪ ,‬وخاصة في‬ ‫الفترة العباسية ‪ ,‬لشعوب الشرق األوسط‪.‬‬

‫بالقيم واملعايير اإلجتماعية والنفسية ‪ ،‬وبلورة‬ ‫اصول وعادات العالقات االجتماعية‪ ».‬ولكن هذا‬ ‫التعامل الضيق ال ينحصر بالعراقيني بقيامتهم‬ ‫العديدة فحسب ‪ ,‬بل وميتد ليشمل الكثير من‬ ‫الناس في البلدان األخرى أيضاً‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ال تختلف شعوب الشرق األوسط ‪ ,‬ومنها‬ ‫الشعب الكردي ‪ ,‬عن بقية شعوب العالم في‬ ‫هذا املضمار ‪ ,‬إذ إن لكل منها ثقافته اخلاصة‬ ‫التي ساهمت بدورها في فترات تاريخية‬ ‫مختلفة بدور كبير وملموس وفعال في تكوين‬ ‫وتطوير ثقافة وحضارة الشعوب على األصعدة‬ ‫احمللية واإلقليمية والعاملية وشكلت جزءا ً حيويا ً‬ ‫ومهما ً من ثقافة وحضارة وتراث شعوب الشرق‬ ‫والعالم‪ .‬ولكن شعوب الشرق األوسط ‪ ,‬ومنها‬ ‫الشعب الكردي ‪ ,‬عاشت قرونا ً وعقودا ً طويلة‬ ‫حتت وطأة نظم سياسية إستبدادية إستخدمت‬ ‫اإليديولوجية الدينية لفرض هيمنتها الطويلة‬ ‫والثقيلة التي إقترنت باإلضطهاد الفكري‬ ‫والسياسي والقهر اإلجتماعي حيث ساد‬ ‫التخلف العام والتبعية والفقر والتمييز الديني‬ ‫واملذهبي ‪ ,‬إضافة إلى التمييز الشديد ضد املرأة‬ ‫وإغتصاب حقوقها الطبيعية التي ال تختلف‬ ‫من حيث األساس واملبدأ عن حقوق الرجل ‪,‬‬ ‫إضافة إلى مصادرة احلرية الفردية التي تساهم‬ ‫في قتل املبادرة واإلبداع والتفكير املستقل‬ ‫لدى اإلنسان‪ .‬كما عاشت غالبية شعوب دول‬ ‫منطقة الشرق األوسط على نحو خاص حتت‬ ‫وطأة اإلحتالل العثماني األكثر تخلفا ً ورجعية‬ ‫و ُفرضت عليها عزلة شديدة عن العالم اخلارجي‬ ‫وتقوقعت على نفسها وبدأت جتتر واقعها القدمي‬ ‫في حاضرها وتتراجع عنها دون أن يتسنى لها‬ ‫حتقيق التغيير املنشود أو التقدم نحو األمام‪.‬‬ ‫وإنعكس هذا الواقع املرير والظلمة الفكرية‬ ‫والسياسية على الثقافة في هذه البلدان وعلى (راجع نبيل ياسني‪ ,‬رؤيتي ملستقبل الثقافة في العراق‪.‬‬ ‫املثقفات واملثقفني فيها ‪ ,‬رغم املقاومة الفعلية العدد‪ .9/ 5 / 2010 - 2999 :‬احلوار املتمدن)‪.‬‬


‫وفي مثل هذه الفترات املتفتحة وعبر التاريخني‬ ‫الوسيط واحلديث شارك الكرد ‪ ,‬وبسبب من‬ ‫وجودهم في إطار الدول واإلمبراطوريات التي‬ ‫ضمتهم ‪ ,‬بجهودهم املهمة في نتاجات الشعوب‬ ‫التي إختلطوا بها وأثمر ذاك عن مئات من‬ ‫الكتاب واملفكرين واألدباء الذين كتبوا بالعربية‬ ‫والفارسية والتركية وأدلوا بدلوهم في النتاج‬ ‫املعرفي ومن ثم تأثيرهم الفكري الفلسفي وفي‬ ‫ضوئه الثقافي املعرفي امللموس‪ .‬ومن هنا ميكن‬ ‫أن تلعب املراجعة النقدية لتطور احلياة الثقافية‬ ‫لدى شعوب الشرق األوسط دورا ً مهما ً ومساعدا ً‬ ‫في تشخيص مسألتني هامتني‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تأكيد حقيقة حصول إنقطاع حضاري‬ ‫وثقافي كبيرين بسبب الهيمنة والتهميش‬ ‫واإلهمال الثقافي ‪ ,‬إضافة إلى احملاربة الفعلية‬ ‫للثقافة واملثقفات واملثقفني بوجه عام وإلى‬ ‫غوص الفرد واجملتمع بشكل عام في املشكالت‬ ‫الذاتية احلياتية وفي الفكر الديني املتخلف والتي‬ ‫متيزت مبصادرة حرية الفرد واجلماعات واجملتمع‬ ‫أيضا ً من جهة ‪ ,‬وإبراز تلك اإلضاءات املهمة في‬ ‫التراث الثقافي للشعب الكردي‪.‬‬ ‫‪ - 2‬سبل العمل اجلاد للخروج من املستوى‬ ‫وضعت فيه شعوب الشرق‬ ‫املتخلف والعام الذي ُ‬ ‫األوسط وثقافتها في فترة الهيمنة العثمانية‬ ‫على هذه املنطقة من العالم وألكثر من أربعة‬ ‫قرون عجاف‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫لعبت احلرب العاملية األولى دورا ً مهما ً في كسر‬ ‫حلقة التخلف والعزلة املفرغتني عن العالم‬ ‫وعن ثقافة شعوب الشرق األوسط‪ .‬وتأسست‬ ‫دول جديدة في املنطقة‪ .‬وإذ حتقق لغالبية‬ ‫شعوب هذه املنطقة تأسيس أو االحتفاظ‬ ‫بدولها الوطنية ‪ ,‬كما هو احلال بالنسبة‬ ‫للشعب التركي أو الشعوب العربية أو الشعب‬ ‫الفارسي ‪ ,‬فأن الشعب الكردي هو الوحيد‬ ‫الذي عاش التقسيم والتوزيع ألراضيه وشعبه‬

‫على دول أربع ‪ ,‬بعد أن كان موزعا ً على دولتني‬ ‫(الدولة الفارسية والدولة العثمانية) ‪ ,‬هي تركيا‬ ‫وإيران والعراق وسورية‪ .‬جاء هذا بخالف الوعود‬ ‫واإلتفاقات بني قيادات الشعب العربي والشعب‬ ‫الكردي في ضمان قيام دولتيهما املستقلتني ‪,‬‬ ‫إذ طبقت اإلتفاقيات السرية اإلستعمارية بني‬ ‫الدول الكبرى حينذاك ‪ ,‬وخاصة بريطانيا وفرنسا‬ ‫والتي كشف النقاب عن طابعها اإلستعماري‬ ‫بعد اإلطاحة بالقيصرية بإنتصار ثورة أكتوبر‬ ‫اإلشتراكية في العام ‪ 1917‬ومن قبل احلكومة‬ ‫السوفييتية اجلديدة حيث نشرت كافة الوثائق‬ ‫السرية بهذا الصدد وخاصة إتفاقية سايكس ‪-‬‬ ‫بيكو في العام ‪ .1916‬لقد فرض اإلنتداب رسميا ً‬ ‫من قبل عصبة األمم على هذه الدول أوال ً ‪ ,‬ومن‬ ‫ثم إستمرار السيطرة غير املباشرة للدولتني‬ ‫بريطانيا وفرنسا عقودا ً الحقة ثانياً‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫ومنذ نهاية احلرب العاملية األولى حتى الوقت‬ ‫احلاضر عاش الشعب الكردي في منطقة الشرق‬ ‫األوسط حتت هيمنة حكومات قومية في الدول‬ ‫األربع‪ ,‬والبعض منها متيز بشوفينية مغالية‪,‬‬ ‫مارست إزاء هذا الشعب سياسات التمييز‬ ‫والتهميش واإلهمال من جهة ‪ ,‬وسياسة عدم‬ ‫اإلعتراف بالوجود القومي والثقافة اخلاصة‬ ‫واحلقوق املشروعة من جهة أخرى‪ .‬وقد قاد هذا‬ ‫الوضع مع تطور وعي الشعوب على الصعيد‬ ‫العاملي واإلقليمي واحمللي إلى تزايد نضال الشعب‬ ‫الكردي في مختلف أقاليمه في سبيل حقوقه‬ ‫القومية والوطنية املشروعة وحقوق اإلنسان‬ ‫الطبيعية التي أقرتها اللوائح الدولية وخاصة‬ ‫في أعقاب احلرب العاملية الثانية‪ .‬لقد وصل‬ ‫األمر ببعض حكومات املنطقة أنها فرضت عدم‬ ‫االعتراف بوجود شعب كردي أو قومية كردية‬ ‫في دولها ومنعت السكان الكرد من التحدث‬ ‫والتعلم بلغتهم الكردية وأطلق عليهم اسم‬ ‫«ترك اجلبال» كما جرى في تركيا ولعقود طويلة‪.‬‬ ‫‪197‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪198‬‬

‫وكان هذا املوقف الشوفيني جتاوزا ً فظا ً على حق‬ ‫شعب في ممارسة حقوقه املشروعة مبا في ذلك‬ ‫لغته القومية ‪ ,‬لغة األم وثقافته الوطنية‪.‬‬ ‫وقد إنعكس هذا الواقع املرير في أغلب الدول‬ ‫األربع على ثقافة الشعب الكردي‪ .‬فاألمية‬ ‫واجلهل وضعف التطور اإلقتصادي واإلجتماعي‬ ‫قد لعبت كلها أدوارا ً ملموس ًة في إضعاف‬ ‫عملية التطور والتنوع الثقافي للشعب الكردي‬ ‫‪ ,‬ولكنها مع ذلك لم تستطع إستئصال هويته‬ ‫وثقافته الوطنية ‪ ,‬بل كانت مقاومة الشعب‬ ‫عموما ً وجمهرة املثقفني خصوصا ً قد ساعدت‬ ‫في احلفاظ على هويته القومية والثقافية‬ ‫العامة وحتت ظروف بالغة التعقيد وصعوبات‬ ‫جمة ومعوقات كثيرة‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫وفي العراق إقترن نضال الشعب الكردي بنضال‬ ‫الشعب العربي وبقية القوميات ضد الهيمنة‬ ‫األجنبية ومن أجل اإلستقالل والسيادة الوطنية‬ ‫وفي سبيل احلقوق القومية املشروعة والعادلة‪.‬‬ ‫وقد جوبه هذا النضال بتعنت النظم السياسية‬ ‫احلاكمة في العهود املتالحقة سواء أكانت‬ ‫ملكية أم جمهورية ‪ ,‬إذ كان احلكم فيها للقوى‬ ‫القومية املتزمتة أو الشوفينية ‪ ,‬في ما عدا فترة‬ ‫قصيرة من حكم عبد الكرمي قاسم لم تستمر‬ ‫طويالً ‪ ,‬إذ إرتدت على أعقابها ثم سقطت حتت‬ ‫ضربات الفاشيني البعثيني والقوميني العرب‬ ‫الشوفينيني ومن تعاون معهم‪ .‬وقد برهنت‬ ‫احلياة بشكل جلي على إن اإلستبداد الشمولي‬ ‫أينما حل يقترن دوما ً مبحاوالت شرسة لفرض‬ ‫إيديولوجية الفكر الواحد واحلزب الواحد على‬ ‫الشعب بكل قومياته وفرض ثقافة صفراء‬ ‫جتسد إيديولوجية الفئة احلاكمة أو من تعبر عن‬ ‫مصاحلهم‪ .‬كما إن العكس صحيح حني تسود‬ ‫أجواء احلياة الدميقراطية واحلريات العامة ‪ ,‬وخاصة‬ ‫حرية الفرد وحقه في التعبير عن نفسه وعن‬

‫مشاعره ووجهة تفكيره‪ .‬فإذا كان الفرد واجملتمع‬ ‫بأسره يعاني من سياسات اإلستبداد والقهر‬ ‫العام ‪ ,‬فأن القوميات األخرى تواجه أوضاعا ً أكثر‬ ‫صعوبة وتعقيدا ً ‪ ,‬إذ إن سياسة التمييز ضد‬ ‫القوميات األخرى وكذلك التهميش واإلهمال‬ ‫السياسي واإلقتصادي واإلجتماعي والثقافي هي‬ ‫التي تشكل السمة املميزة لهذه النظم‪ .‬وهكذا‬ ‫كان حال الشعب الكردي في العراق طيلة عقود‬ ‫هيمنة القوى القومية العربية على احلكم‪.‬‬ ‫وجتسيدا ً لهذه السياسات القومية الشوفينية‬ ‫للحكام في العراق تبلور املوقف احلكومي إزاء‬ ‫الثقافة الكردية التي عانت هي األخرى من‬ ‫التمييز والتهميش واإلهمال‪ .‬وكان احلديث عن‬ ‫الثقافة العراقية املشتركة يعني احلديث عن‬ ‫الثقافة العربية وحدها وليس عن الثقافتني‬ ‫العربية والكردية أو ثقافة القوميات األخرى‬ ‫في البالد كالثقافة التركمانية أو الثقافة‬ ‫الكلدانية واآلشورية‪ .‬وكان هذا إجحاف بحق‬ ‫ثقافات القوميات األخرى في العراق ‪ ,‬علما ً بأن‬ ‫الثقافة العربية في العراق هي األخرى قد عانت‬ ‫األمرين ولفترات طويلة وما تزال من تلك النظم‬ ‫السياسية الدكتاتورية وغير الدميقراطية‪.‬‬ ‫ولهذا لم يكن هناك تطور وتقدم كبيرين لثقافات‬ ‫القوميات األخرى مع إن الثقافة العربية قد تغلب‬ ‫عليها الفكر الواحد والرأي الواحد والسياسة‬ ‫الواحدة ‪ ,‬وهي ثقافة شوفينية مناهضة‬ ‫للقوميات والشعوب األخرى ومتارس التمييز‬ ‫العدائي الصارخ بني الـ»أنا» والـ»آخر» ‪ ,‬وهو‬ ‫تفكير منطي متخلف مليء باألحكام املسبقة‬ ‫من الـ»أنا» وثقافته إزاء الـ»آخر» وثقافته‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬ ‫وخالل فترة الدكتاتورية وتراجع اخلطاب الثقافي‬ ‫الدميقراطي واحلياة الثقافية الدميقراطية على‬ ‫صعيد البالد كلها راج في الساحة الثقافية‬ ‫الفكر القومي الشوفيني وتسخير التراث‬ ‫وتشويهه لصالح الدعاية للحاكم املطلق من‬


‫جهة ‪ ,‬كما ظهرت فرصة كبيرة أمام الفكر‬ ‫الديني املتخلف واملشوه ليلعب دوره البارز في‬ ‫إجراء عملية غسل دماغ وتكريس أيديولوجية‬ ‫دينية شوهت وعي اإلنسان من جهة ثانية ‪,‬‬ ‫إضافة إلى تشويه مفهوم الدولة العلمانية‬ ‫من جانب اإلجتاهني سواء ما أطلق عليه باحلملة‬ ‫اإلميانية في فترة صدام حسني أو الصراعات‬ ‫الطائفية السياسية والتثقيف الديني املناهض‬ ‫واملشوه ملفهوم ومضمون العلمانية من جهة‬ ‫ثالثة‪ .‬إن هذه التوجهات السلبية برزت بشكل‬ ‫صارخ في أعقاب سقوط الدكتاتورية وفرض‬ ‫اإلحتالل وما نشأ عنه من محاصصة طائفية‬ ‫وأثنية في حكم البالد والعواقب التي ترتبت على‬ ‫ذلك حتى الوقت احلاضر‪ .‬إن املشكلة الراهنة تبرز‬ ‫في محاولة القوى املمثلة لأليديولوجية الدينية‬ ‫أن تكرس خطابها الثقافي وتفرض على الصعد‬ ‫الفكرية والثقافية والسياسية واإلجتماعية‬ ‫والعمل على تأمني صدور قوانني لصاحلها‬ ‫متنع النقد املباشر وغير املباشر للفكر الديني‬ ‫وللممارسات غير العقالنية في آن‪.‬‬ ‫(‪)8‬‬ ‫وفي إقليم كردستان العراق حتققت للشعب‬ ‫الكردي بفعل نضاله املديد وتضحياته الكبيرة‬ ‫منجزات مهمة على الطريق الطويل لتحقيق‬ ‫أهداف حركة التحرر الوطني الكردية وجتلى ذلك‬ ‫بحدود نسبية في اجملال الثقافي أيضا ً ‪ ,‬مبا في‬ ‫ذلك التربية والتعليم واخلطاب الثقافي واحلياة‬ ‫الثقافية‪ .‬وقد لعبت هنا عوامل خمسة مهمة‬ ‫هي ‪:‬‬ ‫** اخلالص من حكم البعث الشمولي ودكتاتورية‬ ‫صدام حسني منذ العام ‪ 1991‬وتسلم السلطة‬ ‫من قبل قوى وأحزاب سياسية كردية لعبت‬ ‫دورا ً كبيرا ً في النضال من أجل إنتصار القضية‬ ‫الكردية‪.‬‬ ‫** التوسع في برامج التربية والتعليم احلكومية‬ ‫وفي مكافحة األمية ونشر املعرفة في اإلقليم‬

‫وإنعاش تنوع احلياة الثقافية‪.‬‬ ‫** الدور امللموس الذي لعبه املثقفون واملثقفات‬ ‫في إقليم كردستان بصورة فردية أم من خالل‬ ‫إحتاد األدباء والكتاب الكردستاني في سعيهم‬ ‫لتوسيع النشاط الثقافي وتنويعه‪.‬‬ ‫** الدور امللموس الذي لعبه اإلحتكاك الثقافي‬ ‫بني املثقفني واملثقفات من كردستان والذين‬ ‫أجبروا على الهجرة والعيش في بلدان أوروبية‬ ‫وغريبة كثيرة ساعدهم على التفاعل والتالقح‬ ‫الثقافي مع ثقافات تلك الشعوب وعادوا إلى‬ ‫كردستان وهم يحملون خبرات ومعارف نظرية‬ ‫وعملية أغنت وما تزال تغني احلياة الثقافية‬ ‫الكردستانية‪.‬‬ ‫** إستمرار وجود عالقة طيبة ومتطورة بني‬ ‫املثقفات واملثقفني في كردستان العراق واملثقفات‬ ‫واملثقفني في بقية أنحاء العراق وخاصة عبر‬ ‫النشاطات املشتركة إلحتاد األدباء والكتاب في‬ ‫بغداد وفي اإلقليم وبني املؤسسات الصحفية‬ ‫واجملاالت الفنية وغيرها‪.‬‬ ‫املنجزات التي حتققت حتى اآلن للشعب الكردي‬ ‫في إقليم كردستان العراق في اجملاالت السياسية‬ ‫واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية لم تتحقق‬ ‫لبقية أبناء وبنات الشعوب الكردية في بقية‬ ‫أجزاء كردستان ‪ ,‬إذ ما تزال تناضل من أجل‬ ‫الوصول إلى مثل هذه املنجزات وتقدم الكثير‬ ‫من التضحيات الغالية ‪ ,‬كما هو احلال في سوريا‬ ‫وكذلك في كل من كردستان تركيا وإيران حالياً‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬ ‫ويبد لي ضروريا ً أن أشير في هذا الصدد إلى ثالث‬ ‫مسائل أساسية هي‪:‬‬ ‫‪ . 1‬إن تركة مفردات املاضي الثقافي القريب‬ ‫للبعث والسياسية البعثية على صعيد البالد‬ ‫كلها لم ولن تنتهي بسهولة ‪ ,‬بل هي ما تزال‬ ‫فاعلة ومؤثرة في الفرد واجملتمع ‪ ,‬مبا في ذلك‬ ‫السلوك والتصرف اليومي وعالقة الفرد بالعمل‬ ‫أو بالسلطة أو بالقوة والعنف أو في السلوكية‬ ‫‪199‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪200‬‬

‫اإلنتهازية أو زدواجية املواقف واملعايير ‪...‬الخ‬ ‫والتي حتتاج إلى فترة طويلة للتخلص منها‪.‬‬ ‫‪ . 2‬إن اإليديولوجية القومية في السياسة‬ ‫تتجلى مبا ال ميكن جتاوزه في اجلانب الثقافي للفرد‬ ‫واجملتمع ‪ ,‬وهي التي تتجلى في بعض مناهج‬ ‫التربية والتعليم أو في اإلعالم والصحافة‪.‬‬ ‫‪ . 3‬يضاف إلى ذلك إستمرار دور وتأثير الفكر أو‬ ‫األيديولوجية الدينية على السكان وعدم وجود‬ ‫عملية تنوير وتوعية كافية من جانب احلكم‬ ‫واألحزاب احلاكمة أو من جانب منظمات اجملتمع‬ ‫املدني مبا يساعد على رفع الغطاء الكابس‬ ‫على أذهان الناس واملعرقل للتفتح الثقافي‬ ‫واإلجتماعي‪ .‬ويالحظ املتتبع أحيانا ً إن القوى‬ ‫احلاكمة تسعى للمنافسة أو السكوت على‬ ‫دعايات القوى الدينية أو حمالتها ضد العلمانية‬ ‫واحلياة احلرة والدميقراطية‪.‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫يعيش إقليم كردستان إنتعاشا ً في التأليف‬ ‫والترجمة والنشر الكردي على نطاق ملموس‬ ‫نسبيا ً ‪ ,‬كما إغتنت املكتبة الكردية بكتب‬ ‫تراثية وحديثة ملؤلفني كرد من أقاليم كردستان‬ ‫األربعة ‪ ,‬إضافة إلى مجموعة كبيرة من الصحف‬ ‫واجملالت واملواقع اإللكترونية واإلذاعات والقنوات‬ ‫التلفزيونية الكردية التي تنشر وتذيع وتنقل‬ ‫الثقافة الكردية على نطاق ملموس ومفيد‪]1[.‬‬ ‫كما إتسعت قاعدة التعليم اإلبتدائي واملدارس‬ ‫الثانوية واملعاهد والكليات واجلامعات وتضاعف‬ ‫عدد الطالبات والطالب عدة مرات بالقياس إلى‬ ‫الفترة املظلمة من حياة العراق وإقليم كردستان‪.‬‬ ‫كما إزداد عدد املهرجانات والفعاليات واملؤمترات‬ ‫واحملاضرات التي تنظم في اإلقليم من جانب‬ ‫الكثير من اجلماعات ‪ ,‬إضافة إلى زيادة هائلة في‬ ‫عدد منظمات اجملتمع املدني ‪ ,‬وكذلك األحزاب‬ ‫السياسية الكردستانية ‪.‬خالل هذه الفترة‬ ‫إزداد إحتكاك الشبيبة واملثقفات واملثقفني‬ ‫الكرد باحمليط اإلقليمي وبالعالم والذي يفسح‬

‫في اجملال ملزيد من التفاعل والتالقح مع ثقافات‬ ‫الشعوب األخرى‪ .‬وهو أمر ضروري جدا ً وإيجابي‬ ‫لصالح تطور الثقافة الكردية ذاتها‪.‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫والسؤال الكبير الذي يلح على الباحث هو‪ :‬هل‬ ‫ميكن أن نتحدث عن التعددية الثقافية في إقليم‬ ‫كردستان العراق في هذه املرحلة من مراحل تطور‬ ‫األوضاع السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية‬ ‫في اإلقليم أ أم إنها ما تزال حبيسة أيديولوجية‬ ‫األحزاب السياسية احلاكمة منذ عقدين؟‬ ‫يبدو لي إن احلديث عن التعددية الثقافية‬ ‫وتنوعها مسألة حساسة جدا ً وذات أبعاد أخرى‬ ‫غير ما حصل ويحصل في الوقت احلاضر في‬ ‫إقليم كردستان‪ .‬ماذا أعني بذلك؟‬ ‫ترتبط التعددية الثقافية بالنظام السياسي‬ ‫القائم ومبضمون العالقات اإلنتاجية السائدة‬ ‫في البالد وكذلك العالقات اإلجتماعية الناشئة‬ ‫عنها وعالقة الفرد بالسلطة وبالفرد اآلخر‬ ‫وباجملتمع ومبدى احلرية التي يتمتع بها ‪ ,‬فهي‬ ‫بناء فوقي للقاعدة اإلقتصادية القائمة‪ .‬فرغم‬ ‫التغييرات اجلارية في اجملتمع الكردستاني في‬ ‫إقليم كردستان العراق ‪ ,‬فإن العالقات اإلجتماعية‬ ‫ما تزال يغلب عليها الطابع الفالحي والعشائري‬ ‫من جانب وتأثير الفكر الديني وغياب التنوير‬ ‫الديني واإلجتماعي املطلوبني من جانب آخر‪.‬‬ ‫كما ميكن مالحظة إتساع الظواهر السلبية‬ ‫املتخلفة التي تعود للماضي مثل الثأر وغسل‬ ‫العار والتراتبية الدينية وممارسات تقليدية لم‬ ‫تعد تتناغم مع مرحلة البناء والتقدم الضروريني‬ ‫للمجتمع الكردستاني‪ .‬إذ تنتشر ظاهرة اإلنتحار‬ ‫أو اإلغتيال املبطن للنساء بذريعة غسل العار‬ ‫وتصل إلى أعداد مقلقة سنوياً‪ .‬يضاف إلى ذلك‬ ‫واقع وجود خدوش غير قليلة في ما يخص حرية‬ ‫الفرد واجلماعات واجملتمع ‪ ,‬ومنها حرية التعبير‬ ‫املستقل دون أن يواجه الفرد قيودا ً وينتظر‬ ‫عقوبات رادعة‪ .‬ومثل هذا الواقع ال يوفر األرضية‬


‫املناسبة لبناء املؤسسات الدميقراطية على‬ ‫أسس سليمة وال تنشأ منظمات مجتمع مدني‬ ‫متتلك إستقالليتها عن األحزاب احلاكمة أو عن‬ ‫احلكم ذاته‪ .‬وبالتالي ال تتوفر األرضية ملمارسة‬ ‫مبدأ احلرية الفردية والدميقراطية وفق األسس‬ ‫املعروفة في الدول الدميقراطية املتقدمة‪ .‬إذ إن‬ ‫مرحلة التطور الراهنة التي مير بها اجملتمع في‬ ‫كردستان العراق هي املتحكمة بذلك‪ .‬ومن هذا‬ ‫الواقع يكون التعدد الثقافي محكوما بدوره‬ ‫بهذه اللوحة اإلجتماعية‪ .‬فاحلياة العملية‬ ‫برهنت حتى اآلن ‪ ,‬سواء أكان ذلك بالنسبة إلى‬ ‫جتربة كردستان العراق أم العراق عموما ً ‪ ,‬على‬ ‫املسائل التالية ‪:‬‬ ‫‪ – 1‬ينتعش التعدد الثقافي ويتنوع حني تسود‬ ‫أجواء احلرية الفردية واحلريات العامة واحلياة‬ ‫الدستورية واملؤسسات الدميقراطية ويسود‬ ‫القانون الدميقراطي واملساواة في التعامل مع‬ ‫املواطنات واملواطنني ‪ ,‬سواء أكانوا من قوميات‬ ‫أو أديان أو مذاهب أو إجتاهات فكرية وسياسية‬ ‫مختلفة ‪ ,‬أي بغض النظر عن اجلنس أو القومية‬ ‫أو الفكر أو الدين أو املذهب أو الرأي السياسي أو‬ ‫املوقع اإلجتماعي‪.‬‬ ‫‪ – 2‬وينتعش كذلك حني ال يهيمن حزب واحد على‬ ‫السلطة أو حتالف يسعى إلى فرض سلطة هذا‬ ‫احلزب أو التحالف على اجملتمع ويفرض بالتالي‬ ‫ايديولوجيته الواحدة على اجملتمع‪.‬‬ ‫‪ – 3‬وهذا يعني بالضرورة إن التعددية الثقافية‬ ‫تنتعش وتتنوع عند غياب اإلستبداد والدكتاتورية‬ ‫والقهر الفكري والسياسي واإلجتماعي‬ ‫واإلقتصادي ‪ ,‬إذ إن ما يغيب هنا هو احلرية الفردية‬ ‫وحرية اجلماعة واجملتمع‪.‬‬ ‫‪ – 4‬وينتعش أيضا ً حني يبدأ اجملتمع بإستنشاق‬ ‫هواء التنوير الديني واإلجتماعي وفصل الدين عن‬ ‫الدولة والفصل بني السلطات وحرية التفكير‬ ‫واإلبتعاد عن الفكر الشوفيني والديني واملذهبي‬ ‫املتزمتني‪.‬‬

‫‪ - 5‬وينتعش التعدد الثقافي ويتنوع حني تنشأ‬ ‫إمكانيات فعلية لتغيير البنية اإلقتصادية‬ ‫ومعها البنية اإلجتماعية والوعي اإلجتماعي‬ ‫الفردي واجلمعي ‪ ,‬وحني يكون اإلنسان قادرا ً على‬ ‫العيش بكرامة وعلى احلصول على الثقافة‬ ‫والتمتع بها‪ .‬وحني يكون للمثقفة واملثقف‬ ‫دورهما الفاعل واملؤثر في احلياة العامة ‪ ,‬وخاصة‬ ‫في احلياة الثقافية واإلجتماعية وفي نشر القيم‬ ‫واملعايير اإلنسانية وفي سيادة السالم وثقافة‬ ‫احلل السلمي والدميقراطي للمشكالت التي‬ ‫يعاني منها اجملتمع‪.‬‬ ‫‪ – 6‬وتنتعش احلياة الثقافية حني يتراجع دور‬ ‫أجهزة األمن في احلياة الفكرية والسياسية‬ ‫واإلجتماعية وتنمو الثقة املتبادلة الضرورية‬ ‫بني احلكم واجملتمع وبني أفراد وجماعات اجملتمع‬ ‫‪ ,‬ويتقلص الشك باملواطن واملواطنة ويتساوى‬ ‫األفراد أمام القانون‪ .‬والعكس صحيح أيضاً‪.‬‬ ‫‪ - 7‬وعلينا أن نؤكد على العالقة اجلدلية املتبادلة‬ ‫بني الثقافة والتعددية الثقافية من جهة ‪ ,‬وبني‬ ‫احلياة السياسية الدميقراطية واحلياة املدنية‬ ‫الدستورية ‪ ,‬إذ إن أحدهما يغني اآلخر ويفتح له‬ ‫آفاقا ً رحبة للتطور والتعزز‪.‬‬ ‫‪ – 8‬وال ميكن تصور وجود ثقافة دميقراطية‬ ‫متفتحة وتعدد ثقافي فاعل ومؤثر حني ال متتلك‬ ‫املرأة حريتها وحقوقها املشروعة وحني ال تساهم‬ ‫بفعالية في احلياة السياسية واإلقتصادية‬ ‫واإلجتماعية والثقافية وأن يكون لها دورها‬ ‫املتطور في مؤسسات الدولة واجملتمع‪.‬‬ ‫‪ – 9‬وينتعش التعدد الثقافي حني تقام الكثير‬ ‫من منظمات اجملتمع املدني وفي مختلف اجملاالت‬ ‫شريطة أن تتمتع بحريتها وإستقالليتها‬ ‫الفعلية ‪ ,‬وأن ال تكون حتت وصاية احلكم أو‬ ‫األحزاب احلاكمة وعاجزة عن الدفاع عن مصالح‬ ‫أعضائها واجملتمع وعن ممارسة الثقافة بحرية‬ ‫تامة‪.‬‬ ‫‪ – 10‬كما ال بد أن نشير إلى إن ثقافة املدينة‬ ‫‪201‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪202‬‬

‫واخلطاب الثقافي احلديث يفترض أن ال يبقى‬ ‫محصورا ً في املدن الكبيرة فحسب ‪ ,‬بل يفترض‬ ‫أن يصل الى املدن الصغيرة والبعيدة وإلى الريف‬ ‫لتقلص الفجوة الفكرية و الثقافية والسياسية‬ ‫واإلجتماعية القائمة حاليا ً بني املدينة والريف‪.‬‬ ‫إذ إننا هنا نتحدث عن ثقافة مجتمع وليس‬ ‫عن ثقافة جزء منه‪ .‬إذ إن اجملتمع الريفي ما يزال‬ ‫يعاني من تخلف ملموس في املستوى الثقافي‬ ‫الذي بلغته املدينة بالرغم من املستوى الضعيف‬ ‫عموما ً لثقافة املدينة واخلطاب الثقافي فيها‪.‬‬ ‫‪ – 11‬والتعددية الثقافية ال تتحقق إال في دولة‬ ‫علمانية ومجتمع مدني ‪ ,‬و هذا يعني القبول‬ ‫بقاعدة فصل الدين عن الدولة والسياسة‬ ‫‪ ,‬ووقوف الدولة موقف احلياد من الديانات‬ ‫واملذاهب كافة التي تسمح مبمارسة التعدد‬ ‫والتنوع الثقافي والتنوع الفكري‪ .‬وهذا يتطلب‬ ‫كجزء من العملية والتعددية الثقافية وتنوعها‬ ‫التثقيف الدؤوب بالعالقة اجلدلية بني السياسة‬ ‫الدميقراطية والعلمانية وبالتالي بني الثقافة‬ ‫الدميقراطية والتعدد الثقافي والعلمانية خاصة‬ ‫في دولة مثل العراق أو في إقليم كردستان العراق‬ ‫حيث هناك تعدد قومي وديني‪.‬‬ ‫(‪)12‬‬ ‫التعدد الثقافي وتنوعه يتطلبان توفير‬ ‫مستلزمات وشروط معينة تسمح ببروزهما‬ ‫وممارسة دورهما وتأثيرهما في احلياة اليومية‬ ‫لإلنسان‪ .‬وهي حسب قناعتي ما تزال غير متوفرة‬ ‫في اإلقليم رغم وجود مكاسب مهمة على هذا‬ ‫الطريق‪ .‬فمثالً ليس املهم حرية النشر وحدها‬ ‫فحسب ‪ ,‬بل املهم أيضا ً ومثالً توفير مستلزمات‬ ‫ضمان القدرة على نشر الثقافة في اجملتمع ‪,‬‬ ‫أي نشر الثقافة التي تعترف بالـ»آخر» ومتنحه‬ ‫ذات الفرصة التي يتمتع بها الـ»أنا»‪ .‬كما إن‬ ‫الدميقراطية ال تعني اإلنتخابات فحسب ‪ ,‬بل‬ ‫وتشمل اجلوانب األخرى في العملية الدميقراطية‬ ‫والتي تتميز بها اجملتمعات الدميقراطية مبا في‬

‫ذلك وجود معارضة جادة ومسؤولة ومتتلك احلرية‬ ‫الكاملة في نشاطها وفي التعبير عن رؤيتها‬ ‫للحكم وعن وجود منظمات مجتمع مدني‬ ‫حرة ومستقلة وعن دور يتطور بإستمرار للمرأة‬ ‫في احلياة العامة وفي احلياة الثقافية على نحو‬ ‫خاص ‪...‬الخ‪.‬‬ ‫إن التعددية الثقافية لها خلفية سياسية تعني‬ ‫بالضرورة وجود تعددية سياسية ووعي ألهمية‬ ‫ودور هذه التعددية في حياة اجملتمع‪ .‬والتعددية‬ ‫السياسية تشترط وجود مجتمع مدني‬ ‫دميقراطي ومؤسسات مجتمع مدني وحياة‬ ‫قائمة على املساواة بني املواطنات واملواطنني من‬ ‫حيث اجلنس والقومية أو األثنية والدين واملذهب‬ ‫واللغة ‪ ,‬وكذلك من حيث اإلنتماء الفكري‬ ‫والسياسي واحلزبي والقرابي‪ .‬وهذا اجلانب يعاني‬ ‫في واقع احلال من نواقص في إقليم كردستان‬ ‫العراق وفي النظام السياسي القائم‪ .‬وينعكس‬ ‫هذا الواقع بالضرورة على احلياة الثقافية في‬ ‫اإلقليم‪.‬‬ ‫هناك مالمح أولية محدودة الفعل ملضمون‬ ‫التعدد الثقافي وهي بحاجة إلى جهود كبيرة‬ ‫وتوجه صادق وجاد صوب بناء النظام السياسي‬ ‫الدميقراطي الذي يفسح في اجملال لنشوء وتطور‬ ‫التعدد الثقافي وتنوع الثقافة في اإلقليم‪.‬‬ ‫أوائل كانون الثاني ‪ 2013‬‬ ‫كاظم حبيب‬ ‫ ‬ ‫[‪ ]1‬أشار الصديق والكاتب واإلعالمي البارز‬ ‫األستاذ مصطفى صالح كرمي في تصريح له في‬ ‫منتصف الشهر اخلامس من العام ‪ 2012‬إلى‬ ‫املعلومات التالية‪:‬‬ ‫** بلغ عدد الصحفيني املسجلني في نقابة‬ ‫الصحفيني في اإلقليم ‪ 7600‬شخصا ً موزعني‬ ‫على صحفي عام ومشارك ومتمرن‪.‬‬ ‫** يتم إصدار ‪ 133‬مطبوع في اإلقليم‪.‬‬ ‫** توجد ‪ 14‬فضائية و‪ 64‬قناة محلية و‪ 82‬إذاعة‪.‬‬


‫النظام املاركسي ومشكلة احلرية‬ ‫نسرين سليم سعيد‬

‫‪203‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪204‬‬

‫هل يقتضي النظام املاركسي ‪ ،‬أو‬ ‫• ‬ ‫يجد حالً مقبوال ً ملشكلة احلرية ‪ ،‬من الوجهة‬ ‫النظرية؟‬ ‫وهل يجد هذا احلل النظري تطبيقه‬ ‫• ‬ ‫احلق ؟‬ ‫أو بداية تطبيقه في األنظمة‬ ‫• ‬ ‫اإلجتماعية التي تتخذ املاركسية مبدأ لها‬ ‫وركيزة لسلوكها ؟‬ ‫الذي نظن ُه ‪ ،‬أن القسم األول من هذا السؤال‬ ‫معروف اجلواب لدى عامة الناس ‪ ،‬أو على األقل‬ ‫لدى الذين يعرفون املاركسية ‪ ،‬حق املعرفة‪ .‬ومن‬ ‫املمكن وال ريب ‪ ،‬أن ننظر إلى ماركس نظرات‬ ‫مختلفة ‪ ،‬فهو ‪ ،‬إن شئنا ‪-:‬‬ ‫فيلسوف مادي‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وصاحب اإلشتراكية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وهو العدو األول للرأسمالية‬ ‫‪ -3‬‬ ‫واإلستغالل‪.‬‬ ‫وهو اآلخذ بنظرية دكتاتورية‬ ‫‪ -4‬‬ ‫البروليتاريا‪.‬‬ ‫وهو أشياء أخرى كثيرة أيضاً‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫حتى ليبدو أنه ما من فيلسوف ُعرفت آراؤه ‪،‬‬ ‫وشاعت وذاعت ‪ ،‬في مختلف بقاع األرض ‪ ،‬كما‬ ‫هي احلال مع هذا الفيلسوف‪ .‬ولكن علينا هنا‬ ‫نوضح بعض النقاط املتعلقة به والتي يلوح‬ ‫أن ّ‬ ‫لنا أنها حقيقية جدية عنيفة ‪ ،‬ال مجال للمراء‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫أما أنه فيلسوف مادي النزعة ‪ ،‬فإن هذا‬ ‫• ‬ ‫صحيح جدا ‪ً.‬‬ ‫ولكن ليس بأقل صحة من ذلك ‪ ،‬أن‬ ‫• ‬ ‫نقول ‪ :‬أنه فيلسوف مثالي إلى أبعد حد ‪ ،‬على‬ ‫الرغم من فلسفته املادية‪.‬‬ ‫حتى لقد يتساءل اإلنسان ‪ ،‬إيهما أكثر مثالية‬ ‫‪-:‬‬ ‫أفالطون املثالي بالتعريف ‪،‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وبالفلسفة‪.‬‬

‫أم ماركس املادي ‪ ،‬بالتعريف ‪،‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وبالفلسفة؟‬ ‫وحتى على مستوى التطبيق ‪ ،‬فإن املالحظني‪،‬‬ ‫مثل (جورج كاونتس) في كتابه « التعليم‬ ‫في اإلحتاد السوفيتي « ال يخطئون مالحظة‬ ‫التشابه بني أفكار ماركس في تطبيقها ‪ ،‬وبني‬ ‫أفكار أفالطون‪ .‬ذلك أن الطبقة احلاكمة هي «‬ ‫األنتلجانسيا « أو لن َّق ْل فالسفة أفالطون ‪ ،‬وأما‬ ‫الطبقات األخرى ‪ ،‬فهي العمال والفالحني واجلنود‬ ‫‪ ،‬وال شيء آخر غير هذا ‪ ،‬كما لو أن أفالطون عا ّد‬ ‫إلى الدنيا ‪ ،‬وقسم هو نفسه اجملتمع بني هذه‬ ‫الطبقات التي أشار إليها في كتابه اجلمهورية‪.‬‬ ‫املهم من هذا كله هو بيان صور هذه املثالية‬ ‫ّ‬ ‫املاركسية‪ .‬وعندنا أن من يتوقع ‪ ،‬بل يريد ويق ّرر‬ ‫أن عهد اإلستغالل سينتهي حتما ً وسينحسر‬ ‫املستقبل عن نظام نهائي ‪ ،‬نظام بال حكومة‬ ‫وال دين ‪ ،‬ومعنى الدين هنا بالضرورة ‪ ،‬هو معناه‬ ‫املاركسي املستعار من « فورباخ « والذي يعني‬ ‫تخلي اإلنسان عن ماهيته لكائن خيالي هو‬ ‫اهلل الذي أوجده وهمه ‪ ،‬ثم أقبل عليه يقدسه‬ ‫ويعبد ُه ‪ ،‬والذي ربُط لدى ماركس بشروط العمل‬ ‫الرأسمالي ‪ ،‬األشد حذفا ً لإلنسان عن مكانته‬ ‫الفطرية ‪ ،‬وعن إنسانيته ‪ ،‬وأقوى تضييقا ً له من‬ ‫الدين ‪ ،‬نقول إن من يقرر أن املستقبل سينحسر‬ ‫عن مجتمع بال حكومة أو دولة ‪ ،‬أو أدوات ضغط‬ ‫وقسر ‪ ،‬ال ميكن أن يكون إال مثاليا ً مغاليا ً في‬ ‫املثالية‪ .‬وكذلك فإن الفيلسوف الذي يقررأن «‬ ‫ضيعة اإلنسان ستنتهي حتماً» ويعبر عن هذه‬ ‫الضيعة بكلمات مؤثرة من نوع قوله ‪:‬‬ ‫« أنا مالك املال إمنا أُعرَّف مبا أستطيع‬ ‫• ‬ ‫دفعه أي ما أستطيع شراءه باملال ‪ .‬وليست‬ ‫شخصيتي إذن هي التي تُعني من أنا ‪ ،‬وما أُحسن‬ ‫من عمل‪.‬‬ ‫أنا دميم بي َد أني أستطيع أن أشتري‬ ‫• ‬ ‫فلست إذن بدميم ‪ ،‬ألن أثر‬ ‫أجمل النساء ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الدمامة والنفور منها قد زاال باملال ‪.‬‬


‫أنا رجل سوء بال ضمير وال فكر ‪ ،‬بيد أن‬ ‫• ‬ ‫ممجد وكذلك يكون مالكه ‪.‬‬ ‫املال ّ‬ ‫املال أعظم اخليرات ‪ ،‬فصاحبه إذن خير‬ ‫• ‬ ‫الناس ‪.‬‬ ‫املال يكفيني عناء أن أكون فاضالً ‪ ،‬فأنا‬ ‫• ‬ ‫أذن أبدوا للناس فاضالً «‪.‬‬ ‫( متهيد في علم األجتماع ‪ ،‬الدكتور عبد الكرمي‬ ‫اليافي ‪ ،‬ص ‪)697‬‬ ‫نقول إن الفيلسوف الذي يع ّبر بهذه الصيغ‬ ‫عن ضيعة اإلنسان في النظام الرأسمالي‬ ‫ويتصورعهدا ً إنسانيا ً تزول فيه الضيعة وترتد‬ ‫فيه كرامة اإلنسان إلى اإلنسان ‪ ،‬املع ّرى من كل‬ ‫أرديته اإلجتماعية اخلارجية ‪ ،‬الغريبة عن ذاته ‪،‬‬ ‫إن فيلسوفا ً كهذا ‪ ،‬ال ميكن أن يكون إال مغاليا ً‬ ‫في املثالية‪ .‬سيأتي إذن عهد يصبح فيه اجملتمع‬ ‫نظاما ً حرا ً يتمتع فيه اإلنسان بكامل حريته‬ ‫وكرامته وتزول عنه الدولة ‪ ،‬وينزل الفردوس على‬ ‫األرض ‪ ،‬وتصبح جن ُة الرأسمالية جن ُة الناس‬ ‫جميعا ً ‪ ،‬ال جنتها وحدها‪ .‬أما الدميقراطية‬ ‫واحلريات التي تتضمنها ‪-:‬‬ ‫كحرية الصحافة‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وحرية اإلنتخاب‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫التي ترتد عواقبها اآلن على الطبقة البورجوازية‬ ‫نفسها ‪ ،‬فهي ‪-:‬‬ ‫تتعمق ‪.‬‬ ‫ال تزول بل‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتوطد‪.‬‬ ‫وال تنهار بل‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وال تنتفي بل تتجاوز نفسها عندما‬ ‫‪ -3‬‬ ‫تصبح دميقراطية بروليتارية ‪،‬أو بعبارة أخرى ‪،‬‬ ‫ديكتاتورية البروليتاريا على البورجوازية‪.‬‬ ‫ولئن كانت ديكتاتورية البروليتاريا مختفية وراء‬ ‫ستار املصلحة العامة املزعومة ‪ ،‬فإن ديكتاتورية‬ ‫البروليتاريا على البورجوازية سافرة واضحة‬ ‫تتناسب شدة وطأتها مع عنف البورجوازيني‬ ‫وشماسهم ومدى محاولتهم صون إمتيازاتهم‬ ‫أو إسترجاعها‪ .‬وغرض هذه الدكتاتورية أن تقيم‬ ‫للذين يعملون وينتجون مجتمعا ً جديداً‪-:‬‬

‫أنبل‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫َ‬ ‫وأمثل‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وأعدل‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫من اجملتمعات السابقة‪ .‬فالدولة بهذا اإلعتبار‬ ‫وسيلة لتبديل النظام وتغيير العالم ‪ ،‬وستزول‬ ‫بعد تأدية وظيفتها‪ .‬ال مجال إذن للقول إن‬ ‫املاركسية تتنكر للحرية ‪ ،‬أو تذهل عنها‪ .‬وكيف‬ ‫تتنكر للحرية وهي تقرر‪-:‬‬ ‫ردَّ الكرامة كاملة لإلنسلن ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وتُعيد إليه إعتباره ‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وتلغي الدولة في نهاية املطاف ‪ ،‬لتضمن‬ ‫‪ -3‬‬ ‫له إمحاء كل صور الضغط والقسر ‪ ،‬واإلعتماد‬ ‫على القوة ‪ ،‬كيما ميارس حريته ممارسة كاملة‪.‬‬ ‫وال ريب أنه ليس من شأن فيلسوف كـ( ماركس‬ ‫) أن يذهل عن قيمة احلرية في نفس اإلنسان ‪ ،‬أو‬ ‫عن وظيفتها املبدعة ‪ ،‬فالشوق إلى احلرية ليس‬ ‫مجرد عبث ‪ ،‬إال مبقدار ما يكون الشعور باجلوع‬ ‫عبثاً‪ .‬والعبثَ كل العبث أن نظن أن الطبيعة‬ ‫أودعت في اإلنسان دوافع ال معنى لها ‪ ،‬او ال فائدة‬ ‫منها‪ .‬وهل ميكن أن يكون‪-:‬‬ ‫اجلوع أو العطش أو الفضول ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو حب املعرفة ‪,‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫والشوق إلى اجلمال‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫واحلنني إلى اخلير‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫أشياء ال معنى لها او ال فائدة منها ؟ فإن صح‬ ‫أنها مفيدة ‪ ،‬فال ندري كيف ميكن القول ‪ :‬إن‬ ‫النزوع إلى احلرية هو الوحيد ‪ ،‬بني كل النوازع‬ ‫اآلخرى ‪ ،‬الذي ُو ِجد ‪ ،‬ليكون ضارا ً أو مفسدا ً ‪ ،‬وأن‬ ‫من واجب الدولة أن تقنن ُه أكبر التقنني ‪ ،‬وأن‬ ‫جتعله في حدود ذلك امل َ ْعلَ ْم الكبير الذي تخيله‬ ‫( البرتو مورافيا) والذي كان يرى أن على اللغة‬ ‫ُصفى من كل ما يؤذي موضوعيتها ودالالتها‬ ‫أن ت ْ‬ ‫املباشرة ‪ ،‬ويقترح على طالبه أن يكثروا من ‪:‬‬ ‫قراءة إعالنات احلكومة‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وبيانات مجالس احملافظات ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫واملراسيم اجلمهورية ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫‪205‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪206‬‬

‫والقرارات احلكومية ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫لكي يتعلموا الرجوع إلى اللغة املوضوعية ‪،‬‬ ‫والنقية الصافية ‪ ،‬وعندئذ يستطيعون اإلعتماد‬ ‫على هذه اللغة في التعبير عن واقع مباشر ‪،‬‬ ‫بعيد عن كل رومانطيقية أو نزوع مثالي ‪ ،‬يسيئان‬ ‫إليها ويشوهانها‪ .‬وعندئذ نستطيع أن نستمع‬ ‫إليهم يقولون ‪ :‬أن الساعة اآلن هي اخلامسة ‪،‬‬ ‫تناولت‬ ‫وأني ذاهب ألنام ‪ ،‬وفي الساعة الواحدة‬ ‫ُ‬ ‫طعام الغداء ‪ ،‬أو ما يشبه ذلك من الكالم‬ ‫يجد أح ٌد بعد‬ ‫العظيم‪ .‬ومن الصعب وال شك أن ّ‬ ‫هذا كله أن املاركسية ‪ ،‬نقيضة للحرية أوعدوة‬ ‫لها‪ .‬ولكن املشكلة ليست هنا ‪ ،‬بل هي في أن‬ ‫احلل النظري لم يجد في التطبيق ما يعادله‬ ‫في احلرص على احلرية ‪ ،‬واحلفاوة بها ‪ ،‬بل وَجد‬ ‫الوسيلة املناسبة لكبت هذه احلرية ‪ ،‬كبتا ً يبدو‬ ‫لنا أنه يناقض النظرية أعظم تناقض ويجانفها‬ ‫مجانفة تامة‪ .‬وال نظن أن هذا األمر موضع خالف‬ ‫بني الناس ‪ ،‬أو الباحثني أو املتأملني ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫إال عندما يصبح معنى احلرية مرادفا لال‬ ‫• ‬ ‫حرية ‪.‬‬ ‫أو معنى الال حرية مرادفا ً ملعنى احلرية‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وعبثا ً نبحث هنا عن فقه من النوع «‬ ‫الكازويستكي « الذي يجعل ‪:‬‬ ‫احلالل حراما ً ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫واحلرام حالال ً ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫من أجل أن ن ّبرر واقعا ً قائما ً وجنعل ما فيه من ‪:‬‬ ‫الال حرية برهانا ً على ضرورة تقييد احلرية‬ ‫• ‬ ‫‪.‬‬ ‫أو أن نشتط أكثر فأكثر ‪ ،‬فنجعل من‬ ‫• ‬ ‫هذه الالحرية شيئا ً هو في أقصى درجات احلرية‪.‬‬ ‫لم كان التطبيق املاركسي‬ ‫والسؤال اآلن ‪َ :‬‬ ‫مجانفا ً للمبدأ إلى هذا احلد الفاضح ‪ ،‬الذي أثاره‬ ‫النقد إثارة ‪ ،‬لم يكن معها مناص ألمثال (لينني)‬ ‫و(ماوتسي تونغ) من الرد عليه ؟‬ ‫واجلواب لدى هؤالء جميعا ً ‪ ،‬جواب متشابه ‪:‬‬ ‫فالغاية األخيرة هي ‪:‬‬

‫إزالة الدولة ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ورد احلرية كاملة إلى الفرد ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫لكن في الطريق عقبات ‪ ،‬وهي وجود الدول‬ ‫الرأسمالية العدوة أوال ً ‪ ،‬وهذا هو اخلطر األكبر‬ ‫‪ ،‬ثم تلك النقطة املفاجئة للميول البورجوازية‬ ‫لدى بعض املواطنني ممن ال ميلكون السلطة ‪ ،‬أو‬ ‫ميلكون شيئا ً منها ‪ ،‬ويريدون اإلنقالب على النظام‬ ‫‪ ،‬خدمة لها ‪ ،‬وكذلك خدمة للطامعني الغرباء ‪،‬‬ ‫بالقضاء على النظام‪ .‬في رأينا أن هذه األخطار‬ ‫حقيقية ولكن هل هي من اخلطر إلى الدرجة‬ ‫التي تُرفع إليها ؟ وعلى فرض أنها في مثل هذه‬ ‫اخلطورة ‪ ،‬أفيجوز أن نقنن احلرية إلى أبعد مما‬ ‫يقننها البورجوازيون ؟ أن هؤالء البورجوانيني‬ ‫يجعلون ‪:‬‬ ‫احلرية ظاهرية ‪ ،‬أكثر مما هي حقيقية ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وشكلية أكثر مما هي موضوعية ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ويحسنون إستخدامها ملصاحلهم على الرغم‬ ‫من أنهم ال يخدمون إال أدنى القيم وأكثرها‬ ‫إنحطاطا ً ‪ ،‬أي ‪-:‬‬ ‫حب املال‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫واإلستغالل‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫فهل يكون على املاركسيني أن يبزوهم في ‪-:‬‬ ‫تشويه احلرية ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وكبتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وجعلها صورة خارجية ال حقيقة لها ؟‬ ‫‪ -3‬‬ ‫ولئن إستطاع هؤالء البورجوازيون أن يوهموا‬ ‫األفراد أنهم ميلكون «حريتهم» في ‪-:‬‬ ‫التعبير‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫والتظاهر‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫واإلضراب‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫واإلنتساب إلى أي حزب يريدونه ‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫فهل يجوز للماركسيني أن ي ُ ْقرواعن شأوهم‬ ‫ويبقون دونهم ‪ ،‬يوهمون الناس أنهم أحرار‪.‬‬ ‫واملاركسيون على خدمتهم « املصالح املثالية «‬ ‫ال ميلكون حتى إيهام الناس أنهم أحرار‪ .‬أن هذا‬ ‫لغريب حقاً‪ .‬واألغرب منه وال ريب ‪ ،‬أن املاركسيني‬


‫يستلمون السلطة بإسم القيم املثالية واحلرص‬ ‫على مصالح الشعب ‪ ،‬وكرامته‪ .‬ونكاد نقول‬ ‫‪ ،‬أنهم يستلمون السلطة بإسم الشعب ‪،‬‬ ‫نكاية‪-:‬‬ ‫مبستغليه‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وظامليه ‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وأكلي خبزه‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫ومضطهديه‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫ومجوعيه‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫ومستثمريه‪.‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫وحبا ً به‪.‬‬ ‫‪ -7‬‬ ‫ُ‬ ‫وإخالصا له‪.‬‬ ‫‪ -8‬‬ ‫ودفعا ً للظلم عنه ‪ ،‬وردا ً للكرامة إليه‪.‬‬ ‫‪ -9‬‬ ‫فهل يجوز أن يكون أول من يشك فيه ويتهمه‬ ‫ويح َذره ويخشى من حريته ؟‬ ‫لئن كان املستغلون الذين ‪:‬‬ ‫ال قلب‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وال ضمير فيهم ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وال أي شعور مبفهوم الكرامة اإلنسانية‬ ‫• ‬ ‫‪.‬‬ ‫هم الذين ‪:‬‬ ‫يحتقرون هذا الشعب ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ويستغلونه‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ويسيئون إليه ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وال ميتعونه إال بوهم احلرية ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫فبأي حق وأي قانون ي ُ َجوز ْ للماركسيني أن ‪:‬‬ ‫يجردوا الشعب حتى من وهم احلرية ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وميعنون في أكبر الشك فيه ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ويجدونه متهما ً « أبديا ً « ال مجال ألن‬ ‫• ‬ ‫يح ّرر ُه من رقابتهم عليه وخوفهم منه ؟‬ ‫وأي نوع من الشعور الوطني ميكن‬ ‫• ‬ ‫لهؤالء املاركسيني أن ميلكوه إذا كان كل مواطن‬ ‫لديهم «مشروع متهم «‪.‬‬ ‫و» بداية عميل «‪.‬‬ ‫• ‬ ‫و» إمكانية دائمة خلدمة أعداء الوطن‬ ‫• ‬ ‫والعدالة اإلنسانية» ؟‬

‫بل أي إحترام للمواطن ‪ ،‬هو‪:‬‬ ‫هذا اإلحترام املفعم بالشك فيه‪.‬‬ ‫• ‬ ‫والريبة منه ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫واحلذر املتصل من خياناته ؟‬ ‫• ‬ ‫إنه ما من شك أن في كل قوم ‪:‬‬ ‫فئة من الناس ترتضي اخليانة‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وتقبل بالعمالة حلساب احملتل األجنبي‬ ‫• ‬ ‫‪.‬‬ ‫وهذا رأيناه أمام أعيننا (بعد ‪ 2003‬في‬ ‫• ‬ ‫العراق)‪.‬‬ ‫ولكن مما ال شك فيه أيضا ً أن هذه الفئة‬ ‫• ‬ ‫يجب أن تكون في األوضاع اإلجتماعية الظاملة ‪،‬‬ ‫أكبر منها في األوضاع العادية‪.‬‬ ‫ولكن‪،‬على فرض أن النسبة واحدة ‪ .‬فهي يجوز‬ ‫للماركسيني – كحكام – أن ‪:‬‬ ‫تسجن كل الناس ‪ ،‬ألن عددا ً قليالً منهم‬ ‫• ‬ ‫قد يستحق السجن‪.‬‬ ‫أو جتعل كل الناس متهمني ‪ ،‬ألن‬ ‫• ‬ ‫بعضهم القليل غير برئ ؟‪.‬‬ ‫وهل الكلمة القائلة ‪ :‬إنه خلير لنا أن‬ ‫• ‬ ‫يكون هناك ألف مجرم خارج السجن ‪ ،‬من أن‬ ‫يكون برئ واحد داخله ‪ ،‬كلم ٌة سخيفة جداً‪،‬‬ ‫مجردة من املعنى ؟‬ ‫أن دكتاتورية البروليتاريا دكتاتورية سافرة على‬ ‫الفئات املستغلة ‪ ،‬حتى ال يخطر في بالها‬ ‫أنها تستطيع يوما ً ما قلب األوضاع وإستراجاع‬ ‫سلطتها وسيطرتها ‪.‬‬ ‫ولكن ما الذي جعل هذه الدكتاتورية ‪،‬‬ ‫• ‬ ‫تشمل الناس جميعا ً ‪ ،‬مس ِتغلني ‪ ،‬ومستَغلني ؟‬ ‫وهل تساوي قطعة اخلبز التي أمنّها‬ ‫• ‬ ‫املاركسيون لبعض اجلائعني ‪ ،‬كل احلرية التي‬ ‫جردوهم منها ؟‬ ‫وأي نبل ‪ ،‬هو ذلك النبل الذي يصادر حرية‬ ‫• ‬ ‫أمن اخلبز لفئة من اجلائعني‪ .‬هذا‬ ‫كل الناس ألنه ّ‬ ‫إن كان هناك حقا ً جائعون ؟‬ ‫لقد كان من املعقول أنه كلما تقدمت املاركسية‬ ‫‪207‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪208‬‬

‫خطوة إلى األمام ‪ ،‬تقدمت احلرية خطوة موازية‬ ‫‪ ...‬أما أن تصبح املاركسية في سن النضج‬ ‫والرشد ‪ ،‬وتظل احلرية جنينا ً في رحم األقدار‬ ‫‪ ،‬ال يعرف أحد متى نسعد بوالدته ‪ ،‬فذلك أمر‬ ‫يدعو إلى الكثير من الريبة والبؤس‪ .‬وعلى كل‬ ‫حال ‪ ،‬فإن الواقع هو الواقع ‪ ،‬وهذا الواقع الذي‬ ‫يحتاج إلى التفسير والتعليل ‪ ،‬ويقيننا أن اخلطأ‬ ‫الكبير في النظرية املاركسية ‪ ،‬أنها ظنت ‪ ،‬أن‬ ‫اإلنسان ميكن أن يصبح « ماركسيا « فقط من‬ ‫دون أية معادلة شخصية خاصة به ‪ ،‬أي من دون‬ ‫أهواء وعواطف وميول خاصة ‪ ،‬تنضاف إلى «‬ ‫املاركسي» الذي يظن أنه «تقمصه أو حل فيه «‪.‬‬ ‫ولكن من املؤسف إلى أبعد احلدود أن يكون في‬ ‫الدنيا كلها ‪:‬‬ ‫« إنسا ٌن واح ٌد» هو واملاركسية شيء‬ ‫• ‬ ‫واحد ‪.‬‬ ‫يعادلها وتعادله ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ويساويها وتساويه ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وهو إما أن يكون أدنى منها أو أكثر منها‬ ‫• ‬ ‫‪ ،‬بقليل أو كثير‪.‬‬ ‫ولنذكر على سبيل املثال أن (ستالني) كان «‬ ‫إشتراكيا ً ماركسيا ً « وكذلك كان ( خروتشوف)‬ ‫‪ ،‬ولكن (ستالني) لم يكن ماركسيا فحسب ‪ ،‬بل‬ ‫كان‪-:‬‬ ‫مغرما ً بالسلطة ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫محبا ً للتفرد بها‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫قليل اإلحتفال حلياة اآلخرين ‪ ،‬حتى ولو‬ ‫‪ -3‬‬ ‫كانوا في األصل من أقرب الناس إليه‪.‬‬ ‫وهذا (خروتشوف) يروي في كتابه « الوصية‬ ‫األخيرة « أنه تلقى محادثة تلفونية مختصرة‬ ‫يدعوه فيها (ستالني) للقدوم إلى موسكو‪.‬‬ ‫فجاء وجالً ‪ ،‬وصارح بخوفه (بيريا) وغيره‪ .‬ولم يعد‬ ‫إليه إطمئنانه إال بعد أن طمأنه اآلخرون‪ .‬لكن‬ ‫كان خلوف (خروتشوف) معنى واضحا ً ‪:‬‬ ‫أنه لم يخف من (ستالني املاركسي) ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ولكنه خاف من (ستالني الدموي) الذي‬ ‫• ‬

‫ال يرى حرجا ً في قتل أي إنسان يشك فيه ‪ ،‬أو‬ ‫يستاء منه لهذا السبب أو ذاك‪.‬‬ ‫وكذلك (خروتشوف) فإنه لم يُق ّال ألنه‬ ‫• ‬ ‫ضعيف املاركسية ‪.‬‬ ‫ولكن ألن اآلخرين رأوا أنه كثير األخطاء‬ ‫• ‬ ‫على سالمة ماركسيته ‪ ،‬وطول عمره فيها‪. .‬‬ ‫ولعل اآلخرين الذين أزاحوه عن منصبه‬ ‫• ‬ ‫‪ ،‬لم يزيحوه عنه ‪ ،‬ألنهم كانوا أكثر إخالصا ً‬ ‫للماركسية ‪ ،‬بل ألنهم – مثالً – يريدون إزاحته‬ ‫من الطريق ‪ ،‬لكي يصلوا هم إلى القمة‪.‬‬ ‫ولهذا نحسب أن سلوك السلطة ليس موجها ً‬ ‫موج ٌه كذلك بدوافع‬ ‫دوما ً بالعقيدة وحدها ‪ ،‬بل هو ّ‬ ‫إنسانية ‪ ،‬نبيلة أو غير نبيلة ‪ ،‬غير العقيدة ‪ ،‬وهذا‬ ‫أمر إنساني نفهمه ‪ .‬ومن هنا جاء اخلطر من «‬ ‫دكتاتورية البروليتاريا « أو أية دكتاتورية أخرى‬ ‫(دكتاتورية املالكي) ألن السلطة بطبيعتها‬ ‫مفسدة كما يقول (جواهر الل نهرو) ‪ ،‬والسلطة‬ ‫املطلقة مفسدة مطلقة‪ .‬وفي وسعنا ‪ ،‬متى‬ ‫ملكنا السلطة أن نستخدمها خلدمة العقيدة ‪،‬‬ ‫مبقدار ما نستخدمها ألية حاجة ‪-:‬‬ ‫من حاجات النفس‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وميول القلب‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ونزوات الضمير‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫ً‬ ‫ومن هنا كان اخلطأ مؤكدا في نظرية « دكتاتورية‬ ‫البروليتاريا « أيضا ً ومن الطبيعي بعد ذلك ‪ ،‬أن‬ ‫كل سلطة حتب احملافظة على وجودها ‪ ،‬كأي‬ ‫وجود آخر ‪ ،‬وقلما وجدت في التاريخ سلطة ترى‬ ‫العزوف عن السلطة ‪ ،‬كاإلحتفاظ بها ‪ .‬ولهذا‬ ‫كان تطور احلكم من الداخل صعبا ً إلى أبعد‬ ‫احلدود ‪ ،‬ولهذا نالحظ أنه ما من سلطة طو ّرت‬ ‫نفسها إال بضغط من اخلارج أو من الظروف‪ .‬أما‬ ‫أن نطمح بحسن نية « احلكام « « وحرصهم‬ ‫على رفاهية الشعب ‪ ،‬أكثر من حرصهم على‬ ‫إستمرار سلطتهم فأن ذلك مجرد لغو ال تقبله‬ ‫العقول‪ ».‬ومن هنا جاء أن األخذ مببدأ دكتاتورية‬ ‫البروليتاريا ‪ ،‬يعني متاما ً بقاءها دكتاتورية ‪ ،‬إلى‬


‫ما شاء اهلل ‪ ،‬سواء تغيرت الظروف من حولها‬ ‫أم لم تتغير ‪ .‬وأكثر من ذلك أن كل دكتاتورية‬ ‫مؤيدة بحزب يطمع كل فردٍ من أفراده بإسترضاء‬ ‫القيادة ‪ ،‬أمالً في مغامن أكبر وإنتهازية أرخص ‪،‬‬ ‫ستكون من القوة بحيث جتعل تغيير الظروف أمرا ً‬ ‫شبه مستحيل‪ .‬ولهذا كان في وسعها أن تظل‬ ‫دكتاتورية إلى األبد‪ .‬ومن املعروف أن (ماركس) هو‬ ‫سليل (هيجل) ونقيضه في آن واحد ‪ ،‬وبتعبير‬ ‫آخر ‪ :‬أنه سيليه في أشياء ونقيضه في آخرى‪.‬‬ ‫ومن أبرز ما مي ّيز (ماركس) عن (هيجل) ‪:‬‬ ‫أن هذا األخير يؤله الدولة ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫على حني أن األول ‪ ،‬مبعنى ما يؤله‬ ‫• ‬ ‫الفرد‪.‬‬ ‫ويجب أن يكون هذا األمر صحيحا ً إلى حد‬ ‫كبير‪ .‬ذلك أن من يريد الغاء الدولة وإزالة كل‬ ‫صور القسر عن األفراد ‪ ،‬ال يسعه منطقيا ً إال‬ ‫أن يرَّكز على الفرد أكبر التركيز‪ .‬غير أن منطق‬ ‫التطبيق ما لبث أن رد (ماركس) إلى (هيجل)‬ ‫وجعله نسخة منه‪ .‬وهذه املقارنة غريبة ما نظن‬ ‫أن (ماركس) كان يحب الوقوع فيها‪ .‬ومن جهة‬ ‫أخرى ‪ ،‬فإن في كل النظريات الكبرى مجموعة‬ ‫من اإللتباسات التي تضم الشيء ونقيضه معاً‪.‬‬ ‫وال مجال للماركسية إال أن تقع في مثل هذه‬ ‫الثنائيات امللتبسة ‪،‬ومتى ألهنا الفرد من جهة‬ ‫أولى ‪ ،‬وأقمنا ديكتاتورية البروليتاريا ‪ ،‬من جهة‬ ‫أخرى ‪ ،‬فإن من املعقول جدا ً ‪ ،‬أن يجري التيار في‬ ‫الطريق األسهل‪ .‬وال ريب أن الوصول إلى املستوى‬ ‫الذي يكون فيه اإلنسان هو القيمة األولى ‪،‬‬ ‫أصعب بكثير من البقاء واإلبقاء على دكتاتورية‬ ‫البروليتاريا‪ ،‬وهكذا كان‪ .‬ولو أن (ماركس) أمعن‬ ‫في التفكير في هذه الناحية ‪ ،‬ملا خانه عقله‬ ‫في التنبؤ مبصير هذه الدكتاتورية‪ .‬واحلقيقة‬ ‫أن اإلنسان ليعجب أن يقوم حكم في الدنيا ‪،‬‬ ‫إلنصاف األكثرية املعذبة ‪ ،‬وأن يحتاج مع ذلك إلى‬ ‫دكتاتورية ‪.‬‬ ‫وهل من حاكم أقوى من الذي ميلك‬ ‫• ‬

‫أكثرية القلوب ‪ ،‬ويخدم القسم األعظم من‬ ‫املصالح العامة؟‬ ‫أو يكتفي احلاكم الذي يخدم مصالح‬ ‫• ‬ ‫األقلية بالدميقراطية طريقة للحكم ‪ ،‬وال يخشى‬ ‫األكثرية ‪ ،‬ويحتاج احلكم الذي يخدم مصالح‬ ‫األكثرية إلى الدكتاتورية خشية من األقلية ؟‬ ‫ويجب أال ننسى أن دكتاتورية البروليتاريا ليست‬ ‫جزءا ً من العقيدة املاركسية ‪ ،‬ولكنها جزء من‬ ‫أسلوب عملها‪ .‬وليس يطعن في هذه العقيدة‬ ‫أن تتحرر من هذا األسلوب ‪ ،‬أو أن تُنتَقد فيه ‪،‬‬ ‫ومن اخلير لها وللناس أن تتحرر منه ‪ ،‬ألنه ثبت‬ ‫بالتجربة والتطبيق أن هذا األسلوب معاد‬ ‫للكرامة اإلنسانية وللحرية ‪ ،‬ومناقض لهما ‪،‬‬ ‫على كونهما أسمى غايات املاركسية‪ .‬ويتساءل‬ ‫اإلنسان عما إذا كان املبرر الذي يستخدم عادة‬ ‫لقيام دكتاتورية البروليتاريا ‪ ،‬مبررا ً معقوال ً ‪ ،‬كافياً‪،‬‬ ‫أم هو غير معقول وال كاف ؟ والعادة أن يجاب‬ ‫عن هذا السؤال بأن املبرر هو الضرورة القاضية‬ ‫بإيقاف البورجوازيني عند حدهم ‪ ،‬ومنعهم‬ ‫نهائيا ً من العودة إلى نظام اإلستغالل‪ ،‬وإستثمار‬ ‫اإلنسان لإلنسان‪ ،‬وأن القوة هي العامل احلاسم‬ ‫في هذا املوضوع ‪ ،‬ولهذا يجب أن تقوم دكتاتورية‬ ‫البروليتاريا‪ .‬لكن املفروض عندئذ أن التقع هذه‬ ‫الدكتاتورية في أخطاء ‪ ،‬أقتل للشعب من وجود‬ ‫البورجوازية ‪ .‬ومن الواضح أن إرتكاب األخطاء‬ ‫أمر إنساني بحت ‪ ،‬ال مجال لعدم الوقوع فيه‪.‬‬ ‫وعندما نالخظ إنتقادات هذا النظام املاركسي‬ ‫‪ ،‬للنظام اآلخر املاركسي ‪ ،‬وإنتقادات هذا الثاني‬ ‫لألول ‪ ،‬فأن علينا – بالتأكيد – أن نقول ‪ :‬أن هناك‬ ‫أخطاء كثيرة وقعت ‪ :‬وهي إما أخطاء موضوعية‬ ‫‪:‬‬ ‫كتحميل املعامل أكثر من طاقتها ‪،‬‬ ‫• ‬ ‫بحجة أن مفهوم « الطاقة القصوى « مفهوم‬ ‫بورجوازي ‪.‬‬ ‫أو حتويل املزارع العامة التي تقتصر على‬ ‫• ‬ ‫إنتاج محصول واحد ‪ ،‬إلى « كومونات « تنتج‬ ‫‪209‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪210‬‬

‫سائر احملاصيل ‪ ،‬إميانا ً بنظرية اإلكتفاء الذاتي على‬ ‫حساب هدر الطاقة الناشئة عن زيادة التمرس‬ ‫وطول اخلبرة لدى زراعة احملصول الواحد‪.‬‬ ‫وإما أخطاء تصدر عن وجهة نظر خاصة ‪:‬‬ ‫كظن (خورتشوف) مثالً أن شعار « دع‬ ‫• ‬ ‫مئة زهرة تتفتح « ‪.‬‬ ‫وشعار اللحاق باألمم املتقدمة ‪ ،‬خالل‬ ‫• ‬ ‫خمس سنوات ‪.‬‬ ‫أو القفزة إلى أقصى األمام ( أنظر‬ ‫• ‬ ‫خورتشوف في الوصية األخيرة)‬ ‫ليست شعارات رصينة‪ .‬غير أن األخطاء‬ ‫املوضوعية أو تلك التي يقدر اآلخرون أنها أخطاء‬ ‫‪ ،‬قد حتدث أثارا ً ضارة جدا ً ‪ ،‬مؤذية إلى أبعد احلدود‬ ‫بحيث ال يكون القضاء على البورحوازية ‪ ،‬بجانبها‬ ‫‪ ،‬شيئا ً مذكوراً‪ .‬ومن طبيعة احلكم الدكتاتوري ‪،‬‬ ‫كيفما كان نوعه ‪ ،‬أن يرتكب مثل هذه األخطاء‬ ‫‪ ،‬كأي حكم آخر‪.‬إال أنه بسبب من دكتاتوريته ‪،‬‬ ‫أشد إمعانا ً فيها ‪ ،‬من احلكم القائم على أساس‬ ‫حرية التعبير وحرية اإلنتخابات‪ .‬ونتساءل اآلن‪:‬‬ ‫أكان ميكن أن يغامر (هتلر) بحربه ضد‬ ‫• ‬ ‫بولونيا لو أن ( ستالني ) لم يعقد معه معاهدة‬ ‫إقتسام الغنيمة ؟‬ ‫أو ميكن القول ‪ :‬إن مكاسب هذا‬ ‫• ‬ ‫التحالف مع (هتلر) ‪ ،‬كانت تساوي ما نشأ عن‬ ‫هذه اخلطيئة املميتة ؟‬ ‫إن على الدكتاتورية ‪ ،‬لكي تبرر مشروعيتها ‪،‬‬ ‫أن تكون معصومة ‪ .‬والعصمة ‪ ،‬فيما نرى ‪ ،‬أم ٌر‬ ‫العصمة‬ ‫غير دنيوي‪ .‬فمن أين نأتي برجال رزقوا‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬ورُكبوا بحيث ال يقترفون أي خطأ ؟ أما إذا‬ ‫كان هؤالء يجدون أنفسهم ‪ ،‬مبحض املصادفة‬ ‫‪ ،‬ويتصرفون فيها إلى العصمة ‪ ،‬ويقفزون‬ ‫بحكمها إلى قمة السلطة ‪ ،‬فذلك أم ٌر – إن صح‬ ‫وقوعه – ال نناقش ُه أصالً ألنه من نظام مفارق‬ ‫للطبيعة‪ .‬واما إذا قلنا أن الناس الذين ينتخبون‬ ‫هؤالء الرجال املعصومني ( سواء أكانوا رجال‬ ‫حزب ‪ ،‬أم الناس كافة) هم ‪-:‬‬

‫الناس العاديون الذين نلقاهم في كل‬

‫‪- 1‬‬ ‫مكان ‪.‬‬ ‫ويأكلون ويشربون‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ويعملون‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫ويربحون ويخسرون‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫فعتدئذ البد من التساءل ‪:‬‬ ‫كيف يستطيع الال معصوم أن يختار‬ ‫• ‬ ‫للحكم معصومني ؟‬ ‫وكيف تتم هذه املفارقة املنطقية ‪،‬‬ ‫• ‬ ‫فيكون السبب أصغر من النتيجة ؟‬ ‫وكيف ال يوفق الشعب في شيء قدر ما‬ ‫• ‬ ‫يوفق في هذا اإلختيار؟‬ ‫بل كيف يكون مشبوها ً البد من‬ ‫• ‬ ‫مراقبته بإستمرار حتى ال تستيقظ فيه امليول‬ ‫البورجوازية‪.‬‬ ‫وحتى ال يقع في شبكة اإلرهاب‬ ‫• ‬ ‫والعمالة لألعداء ‪ ،‬ثم يوفق دوما ً إلى إختيار‬ ‫املعصومني ‪ ،‬إلدارة دفة احلكم والقائم بأمره ؟‬ ‫وإذا هو كان يصلح ملثل هذا اإلختيار‬ ‫• ‬ ‫املوفق ‪ ،‬فكيف ال يصلح إلختيارات موفقة‬ ‫أخرى ‪ ،‬يرى فيها مثالً أن القيادة القائمة لم تع ْد‬ ‫معصومة ؟ وبالتالي ينبغي تبديلها ؟‬ ‫وهل ميكن أن يكون اهلل قد جعل سواد‬ ‫• ‬ ‫الشعب ال يوفق إلى اخلير إال مرة واحدة ‪ ،‬وذلك‬ ‫عندما يختار القيادة ‪ ،‬ثم يتخلى عنه ‪ ،‬في كل‬ ‫شيئا ً آخر‪ ،‬فال ميكن عندئذ أال أن يكون « موضوع‬ ‫شبهة» متصلة ؟‬ ‫ومهما يكن من أمر التطبيق وخروجه عن‬ ‫توقعات النظرية ‪ ،‬والعقيدة ‪ ،‬وحتى إذا كان لهذا‬ ‫التطبيق احلسن أو السيء ضروراته ومبرراته ‪،‬‬ ‫فإن املشكلة التي تفاجئنا دوما ً ‪ ،‬هي مشكلة‬ ‫التوجيه أو الفصل بني النظرية ‪ ،‬وصور تطبيقها‬ ‫العابرة ‪ ،‬أو املستمرة لفترة طويلة‪ .‬وبطبيعة احلال‬ ‫‪ ،‬فإنه ما من إنسان يعرف النظرية املاركسية إال‬ ‫ويستطيع أن يقيس بسهولة درجة اإلنسجام‬ ‫بني العقيدة وتطبيقها‪ .‬وقد ينحاز إلى التطبيق‬


‫ضد العقيدة ‪ ،‬ولكن موقفه عندئذ سيكون‪-:‬‬ ‫سياسيا ً ال عقائدياً‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وواقعيا ً ال مثالياً‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫ووصوليا ً ال مبدئياً‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫أما املوقف العقائدي امللتزم حقا ً ‪ ،‬فإنه ال ميلك‬ ‫إال أن يقدر مدى اإلنسجام بني صورة معين ٍة من‬ ‫صور التطبيق ‪ ،‬وبني العقيدة التي ينطلق أو يقال‬ ‫إن التطبيق ينطلق منها‪ .‬وبهذه املناسب هنا ‪،‬‬ ‫كان هناك أحد أمراء قلعة آملوت « اإلسماعيلية‬ ‫« ( أنظر كتاب سهيل زكار عن « اإلسماعيلية‬ ‫«) قد دعا أنصاره ذات يوم ‪ ،‬وجعل منبره إلى‬ ‫الشمال ‪ ،‬وإستدبر القبلة ‪ ،‬وخطب في الناس‬ ‫قائال ً ‪ :‬إنه تلقى رسالة سرية بخبره فيها (اإلمام‬ ‫املعصوم) أنه قد حانت ساعة القيامة ‪ ،‬وإنتهى‬ ‫عهد الشريعة ‪ ،‬وأن ما كان فرضا ً أو واجبا ً شرعيا ً‬ ‫من قبل ‪ ،‬اصبح حراما ً اليوم ‪ .‬فال صالة وال صيام‬ ‫رمضان وال زكاة وال حج‪ .‬وأن من يأتي هذه األفعال‬ ‫(املنكرة) س ُيعاقب عليها بعد هذا اليوم ‪ ،‬كما‬ ‫كان يعاقب على تركها قبله‪ .‬ال ريب أن هذه صورة‬ ‫كاريكاتورية لتطبيق الدين الذي كان هذا احلاكم‬ ‫ينطق بإسمه ‪ ،‬إال أنها صورة حقيقية وقعت فعالً‬ ‫وعمل مبوجبها الناس كما أمروا ‪ ،‬ولكن العاقل‬ ‫ال ميلك إال إستنكارها وإستغرابها ‪ ،‬أما إذا هو‬ ‫أيدها وكان من أنصارها ‪ ،‬فال ريب أنه يؤيد ها من‬ ‫موقف سياسي رخيص ‪ ،‬يريد منها « أن يعيش‬ ‫« وأن يحقق أهدافه الذاتية ضد العقيدة واملبدأ‬ ‫‪ ،‬وسيكون غريبا ً جدا ً أن يدعي أن روح العقيدة‬ ‫نفسها يتجلى في هذا النوع من التطبيق‪ .‬ومع‬ ‫ذلك فليس من شأننا أن نبحث مواضيع فكرية‬ ‫مع اإلنتهازيني والوصوليني ‪ -‬وما أكثرهم في هذا‬ ‫الزمان – فهم أحرار في املوقف السياسي الذي‬ ‫يعتمدونه‪ .‬ولكن من الغرابة مبكان أن يحملوا «‬ ‫انتهازيتهم « على أكتافهم ويعلنوا أنها حتل ‪،‬‬ ‫منطقيا ً وبالضرورة ‪ ،‬محل املبادئ التي ينطلقون‬ ‫منها‪ .‬إن اإلسالم عرف خلفاء كثيرين ‪ّ ،‬‬ ‫قل أن ُوجد‬ ‫بينهم من أحسن تطبيق اإلسالم روحا ً ونصا ً ‪.‬‬

‫فإذا وجدنا بني اإلسالم وبني صور فهمه وتطبيقه‬ ‫لدى كل هؤالء اخللفاء ‪ ،‬فسيكون عندئذ لإلسالم‬ ‫ألف صورة ممكنة ‪ ،‬وسيتبدد بينها حتماً‪ .‬وكذلك‬ ‫ستكون احلال في أية عقيدة أخرى‪ .‬فاإلسالم‬ ‫ليس ‪-:‬‬ ‫املعتزلة‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫وال األشعرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وال املاتريدية ‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫وال احلنفية‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫وال الشافعية ‪.‬‬ ‫‪ -5‬‬ ‫وال احلنبلية‪.‬‬ ‫‪ -6‬‬ ‫وال املالكية‪.‬‬ ‫‪ -7‬‬ ‫وال أية صيغة من هذه الصيغ التي صيغ‬ ‫‪ -8‬‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫بل هو أكبر منها جميعا‪.‬‬ ‫‪ -9‬‬ ‫وال سمو ألي منها إال ذاك الذي تستطيع اإلبقاء‬ ‫عليه من سمو اإلسالم نفسه ‪ ،‬وهو سمو يزيد‬ ‫أو ينقص تبعا ً لكل صيغة‪ .‬وكذلك ُق ْل في شأن‬ ‫كل عقيدة أخرى ‪ ،‬فهي دوما ً معرضة لتأويالت «‬ ‫ُغلب فيها جانبا ً على جانب ‪ ،‬وتبرز منها‬ ‫ذاتية « ت ْ‬ ‫جانبا ً دون آخر‪ .‬ومن الطبيعي أن يشك اإلنسان‬ ‫كل الشك في أي تطبيق للعقيدة يفارقه‬ ‫سموها‪ .‬وليس كفرا ً بالعقيدة أبدا ً ‪ ،‬إن نحن‬ ‫مارينا في شيء من صور تطبيقها‪ .‬يبقى هناك‬ ‫سؤال ‪ :‬ترى هل ميكن للشعب أن يعيش حياته‬ ‫الطامحة إلى إنهاء عهد التخلف والدخول في‬ ‫عالم التمدن ‪ ،‬في إطار نظام يضيق اخلناق على‬ ‫احلرية ؟ أما اجلواب ‪ ،‬فأمر عسير أو غير عسير ‪،‬‬ ‫تبعا ً لوجهات النظر اخملتلفة‪ ،‬ولكنا نحسب أن‬ ‫إنعدام احلرية لدى الشعب ‪ ،‬منذ أوائل تاريخهم‬ ‫كان أحد ثوابت النظام اإلجتماعي الذي أنتهى‬ ‫إلى كل هذا التخلف‪ .‬وكل شيء قد تغير في‬ ‫اجملتمع ‪ ،‬من اإلقتصاد إلى السياسة إلى البنية‬ ‫وعرفت بالدنا‪:‬‬ ‫الداخلية‪ .‬لقد تغير اإلقتصاد ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الغنى تارة ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫والفقر تارة أخرى ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫‪211‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪212‬‬

‫واحلرب مر ٌة ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫والسلم مرة ثانية ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وتغير احلكام ‪ ،‬فكان بينهم الرحماء –‬ ‫• ‬ ‫ٌ‬ ‫وقليل ما هم – ‪.‬‬ ‫وكان بينهم الظاملون والطغاة – وكثي ٌر‬ ‫• ‬ ‫ما هم –‪.‬‬ ‫وتغيرت النبية اإلجتماعية من أكبر‬ ‫• ‬ ‫الوحدة إلى أكثر التناثر‪.‬‬ ‫فال يصح أذن أن ن ُرجع التخلف إلى أي عامل‬ ‫من هذه العوامل ‪ ،‬لكثرة ما أصابها من التغيير‬ ‫بقي ثابتا ً ‪ ،‬لم يتغير ولم‬ ‫واإلختالف‪ .‬ولكن الذي َّ‬ ‫يتبدل إمنا هو‪:‬‬ ‫احلكم املستبد ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫ونتائجه من اخلوف ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وفقدان الطمأنينة‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وإنعدام الثقة باملستقبل‪.‬‬ ‫• ‬ ‫وكانت النتيجة أن الشعب لم يعرف‬ ‫• ‬ ‫عاما ً بعد عام ‪ ،‬إال املزيد من اإلنحطاط والتخلف‬ ‫‪.‬‬ ‫فما أبسط إذن أن نستنتج من ذلك كله‬ ‫• ‬ ‫‪ ،‬تلك العالقة الوثيقة ‪ ،‬أو ذاك الترابط القوي بني‬ ‫مسيرتي اإلستبداد والتخلف‪.‬‬ ‫إنهما خطان يتوازيان صعودا ً وهبوطا ً ‪.‬‬ ‫• ‬ ‫فما زاد أحدهما إال زاد اآلخر ‪ ،‬مثله أو‬ ‫• ‬ ‫أكثر منه‪.‬‬ ‫ولهذا نظ ُن أن ما كان من ثوابت التخلف‬ ‫• ‬ ‫ال يصح أن يعود فيكون من عوامل التقدم ‪ ،‬إال إذا‬ ‫نحن آمنا باألعاجيب ‪.‬‬ ‫وقلنا أن األسباب نفسها تؤدي إلى‬ ‫• ‬ ‫هذه النتيجة تارة ‪ ،‬وإلى نقيضها تارة أخرى‪ .‬وما‬ ‫َعهدنا العلم يقبل هذه السببية الغريبة ‪ ،‬إذ لو‬ ‫صحت ‪ ،‬ألنتفى العلم‪.‬‬ ‫لقد طال عهد « الال حرية « على الشعب ‪ ،‬وأنشأ‬ ‫بط ّول ِه هذا « نفسية خاصة « وجدنا أنها ‪-:‬‬ ‫نفسية إنطوائية ‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫حتب السالمة‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬

‫وتؤثر البعد عن األمور العامة‪.‬‬ ‫‪ -3‬‬ ‫وحتب الربح باجلهد األقل‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫وتتأبى عن اجلهد املتطاول ‪ ،‬والنتائج‬ ‫‪ -5‬‬ ‫البعيدة املدى ‪.‬‬ ‫وتختصر الزمان كله في اللحظة‬ ‫‪ -6‬‬ ‫احلاضرة ‪.‬‬ ‫غير متعظة باملاضي ‪ ،‬وال منتبهة إلى‬ ‫‪ -7‬‬ ‫املستقبل‪.‬‬ ‫وكل ذلك من نتائج اخلوف ‪-:‬‬ ‫واخلوف من نتائج احلكم املستبد‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫أو من نتائج فقدان احلرية‪.‬‬ ‫‪ -2‬‬ ‫وباملقابل فإن هذا الشعب تراخت أواصر ُه‬ ‫وتضاءلت وحدت ُه وقلت أثاره على األرض ‪ ،‬حتى‬ ‫ليحسب الرائي في أوائل القرن الواحد والعشرين‬ ‫أن بالدنا التي عرفت يوما ً ما أكبر صور احلضارة‬ ‫والتألق لم يسكنها الناس إال منذ مدة قصيرة ‪،‬‬ ‫إلنعدام املؤسسات العامة واملصالح املشتركة‪.‬‬ ‫وهذا كله يحملنا على القول ‪ :‬إن شدة التناحر‬ ‫بني افراد هذا الشعب ‪ ،‬وإنقالب كل شخص فيه‬ ‫إلى « مطلق كبير» ال يرى في البالد وجودا ً غير‬ ‫وجوده ‪_:‬‬ ‫قد حمل الناس على أن يطلبوا الغنى مما‬ ‫‪ -1‬‬ ‫جمعه اآلخرون ‪ ،‬ال مما جهدت به أيديهم ‪.‬‬ ‫وأن يطلبوا البقاء على حساب اآلخرين‬ ‫‪ -2‬‬ ‫‪ ،‬ال بالتعاون معهم‪.‬‬ ‫وأن ينشدوا اجملد عن طريق عدوان القوي‬ ‫‪ -3‬‬ ‫منهم على الضعيف ‪.‬‬ ‫بدال ً من أن ينشده بفعالية مشتركة‪.‬‬ ‫‪ -4‬‬ ‫فهل يصح اآلن أن ‪:‬‬ ‫نقول ‪ :‬إن أية دكتاتورية ‪ ،‬تنعدم فيها‬ ‫• ‬ ‫حرية األفراد ‪ ،‬ميكن أن تؤدي يوما ما ‪ ،‬إلى زوال‬ ‫التخلف‪ ،‬وشروق شمس التمدن ؟ ‪.‬‬ ‫احلقيقة نتمنى أن تشرق شمس التمدن‬ ‫• ‬ ‫إنها لن تعرف سبيلها إلى التمدن ‪ ،‬عن‬ ‫• ‬ ‫غير طريق احلرية‪.‬‬


‫جت‬ ‫ذ‬ ‫ير‬

‫ف‬ ‫ك‬ ‫ر‬

‫إ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫با‬

‫ي‬ ‫و‬ ‫تار‬

‫يخ‬

‫ي‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫مي‬ ‫ت‬ ‫ار‬ ‫قر‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫خ‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ة‬

‫نبيل ياسني‬

‫‪213‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪214‬‬

‫الفقراء هم الصامتون وحدهم في سومر‬ ‫مثل بابلي‬

‫جده اوتونابشتم‪ ,‬في داللة على إستحالة اخللود‬ ‫وإستحالة امللك وإستحالة إستمرار النفوذ‬ ‫والقوة‪..‬‬ ‫كان اخللود فكرة او عقيدة القدرة من خالل‬ ‫عدم حتديد البداية لالنهائي السرمدي اخلالد‬ ‫القادر على اإلستمرار في التحكم‪ .‬كانت فكرة‬ ‫السرمدية االلهية تتسرب الى البشر احلاكمني‬ ‫ليحكموا سرمديا ( فسنوات االله التاتي والمتر‪,‬‬ ‫التبدأ والتنضب‪ ,‬بينما سنواتنا نحن البشر تاتي‬ ‫‪1‬‬ ‫وتذهب) حسب القديس اوغستني(‬ ‫انها فكرة دينية وعقيدة تاريخية تشمل حتى‬ ‫االلهة الوثنية‪ .‬ففكرة اخللود االلهي نقيض‬ ‫البشرية ‪.‬وقد سعى احلكم الى ان يكون خالدا‬ ‫وسرمديا‪ ,‬سواء كان مطلقا في القرون الوسطى‬ ‫‪ ,‬خاصة عند جيمس االول وشارل االول في مطلع‬ ‫القرن السابع عشر في انكلترا‪ ،‬ولويس الراابع‬ ‫عشر في فرنسا وغيرهم‪ ,‬او كان مشاركا مع‬ ‫االلهة كما عند السومريني والفراعنة‪.‬‬ ‫لقد تطور الفكر البشري من خالل تطور العقل‬ ‫وظهور احلضارات واألنظمة السياسية التي بدأت‬ ‫تتخلى عن اجلانب االلهي لتكون بشرية اكثر‪.‬‬ ‫فلم يعد حمورابي ابن االلهة ولكنه يتسلم‬ ‫منهاالصالحيات‪ .‬لقد كانت السلطة مثار جدل‬ ‫بني االلهة انفسهم ملا تنطوي عليه من عوامل‬ ‫قهر وظلم وإستخدام القوة واحلرب واملال ‪ ,‬وما‬ ‫تثيره من أسئلة حول العدالة واملساواة والفقر‬ ‫والغنى ‪ .‬ان العالقة بني الدين واحلكم في حالة‬ ‫تغيير‪ .‬لقد كانت املعجزة‪ ,‬كمفهوم‪ ,‬مرتبطة‬ ‫بااللهة ‪ ,‬ولتبرير السلطة كانت املعجزة ذاتها‬ ‫مناطة بأفعال احلاكم ‪.‬وحني وصل التغير الى‬ ‫فصل املعجزة عن احلكم كانت الدميقراطية قد‬ ‫حلت محل املعجزة لتصبح إمكانيات‬ ‫بشرية قادرة على التنظيم واالدارة ووضع‬

‫كأن املادة التاسعة عشرة من اإلعالن العاملي‬ ‫حلقوق اإلنسان الصادر عام ‪ 1948‬جاءت لتجسد‬ ‫هذا املبدأ –املثل البابلي الذي يجعل من الفقر‬ ‫واجلهل واإلحباط وفقدان احلقوق واحلريات نتيجة‬ ‫منطقية وحتمية للصمت وفقدان حرية التعبير‪.‬‬ ‫فالفقراء الذين اليستطيعون ممارسة حق القول‬ ‫وحرية التعبير يبقون الصامتني الوحيدين الذين‬ ‫الينالون حقوقهم‪ .،‬منذ فجر عصر السالالت‬ ‫ودويالت املدن في سومر وبالد الرافدين إرتبطت‬ ‫حرية التعبير باحلقوق املدنية‪.‬‬ ‫لقد جسدت ملحمة كلكامش حقيقة أهمية‬ ‫توازن القوى لتحقيق الدميقراطية‪ .‬فبعد ان كان‬ ‫كلكامش دكتاتورا في اوروك ينتهك حقوق حتى‬ ‫أبطال سومر ‪ ،‬خلقت االلهة انكيدو‪ ,‬إستجابة‬ ‫ملطالب سكان اوروك‪ ,‬الذين لم يطيقوا الصمت‬ ‫فتكلموا وعبروا عن حاجتهم الى السلم‬ ‫والعدالة‪ ,‬لتكون معادال موضوعيا في القوة‬ ‫لكلكامش‪.‬‬ ‫تصف امللحمة في سياق شعري رائع الصراع‬ ‫الذي نشب في سوق اوروك بني اخلصمني‪:‬‬ ‫الدكتاتور ومعادله املوضوعي في القوة‪ .‬كانت‬ ‫حكمة الهة بالد الرافدين أقوى من النزعات‬ ‫العسكرية لكلكامش الذي خسر احلرب بسبب‬ ‫عدم إحترامه لقرار مجلس اخلمسني من شيوخ‬ ‫املدينة الذين نصحوه بتجنب احلرب‪ ,‬فخلقت له‬ ‫خصما من القوة اجلسدية ‪.‬‬ ‫بعد ان تعادل البطالن كف كلكامش عن ان‬ ‫يكون ديكتاتورا ‪ .‬وإنغمس في البحث عن اخللود‬ ‫‪Brian Davies .An Introduction to .‬‬ ‫بعد موت صديقته انكيدو وتطورت النواحي ‪1‬‬ ‫اإلنسانية لديه الى حد اإلقتناع باملوت بعد ان ‪the Philosophy of religion .Oxford Univer-‬‬ ‫‪sity Press.1982.P77‬‬ ‫سرقت األفعي عشبة اخللود التي أعطاها له‬


‫القوانني‪.‬‬ ‫الدميقراطية واحلضارة‬ ‫كانت اريدو أقدم مدينة في العالم تقدم أضاحي‬ ‫وقرابني من السمك النهري لالله انكي ‪ ,‬إله‬ ‫األعماق‪ ,‬االله املعبود في بالد تعيش بني الزراعة‬ ‫والطوفان ‪ ,‬بني الطني والنخيل‪ ,‬األمر الذي يحدد‬ ‫كيفية السيطرة على التوازن املطلوب والدائم‬ ‫بني احلاجة الى املاء وجتنب املدمر منه‪.‬‬ ‫كانت أنظمة الري الدافع األساس لتشكيالت‬ ‫سياسية غاية في القوة‪ .‬عليها ان تكتسب‬ ‫الصالحيات من قوة عليا لتكون قادرة على إدارة‬ ‫الصراع من أجل املاء مرة وضد املاء مرة ثانية‪.‬‬ ‫نشأت املدن القدمية ‪ ,‬اور ‪ ,‬الوركاء‪ ,‬نفر‪ ,‬لكش‬ ‫وغيرها على حاجتني‪ :‬احلاجة الى املاء‪ ,‬واحلاجة‬ ‫الى إدارة الصراع معه‪ .‬وعلى عكس املدن في‬ ‫شمال بالد الرافدين حيث األرض صخرية او‬ ‫كلسية اليتغير فيها مجرى نهري دجلة والفرات‪,‬‬ ‫فإن مدن اجلنوب الرافدينية حتولت الى خرائب‬ ‫وأطالل حاملا حول النهران مجريهما ‪،‬خاصة نهر‬ ‫الفرات‪ .‬لقد لعبت البيئة واملناخ دورا في تشكيل‬ ‫اجملتمعات الرافدينية القدمية‪ .‬وبالتالي حددت‬ ‫طبيعة السلطة بإعتبارها سلطة املياه والري‪.‬‬ ‫فحيث تشح املياه وينخفض مستواها في أوقات‬ ‫احلاجة‪ ,‬وحيث تغضب وتفيض وحتدث الطوفان‬ ‫كان البد لعمل وإبداع اإلنسان ان يخلقا نوعا‬ ‫من النظام املركزي الشديد الصرامة لبناء نظام‬ ‫معقد من أقنية الري واخلزانات والسدود وبوابات‬ ‫التحكم والتصريف واجلسور وكذلك معاجلة‬ ‫‪2‬‬ ‫امللوحة الناجتة عن فيضان االنهر‪.‬‬ ‫نشأت احلضارة من محاوالت التغلب على البيئة‬ ‫واملناخ وتخفيض مستوى حتكم كل منهما‬ ‫في حياة البشر‪.‬حني تنشئ احلضارة وسائلها‬ ‫‪ ( .‬آثار بالد الرافدين‪ -‬سيتون‬ ‫‪ 2‬‬ ‫لويد‪ -‬ترجمة محمد طلب‪ -‬دار دمشق –الطبعة‬ ‫االولى‪2003‬ص‪.)19‬‬

‫الروحية واملادية لهذه احملاوالت تنشأ معها القوة‬ ‫والسلطة‪ ,‬ويظهر النظام السياسي بإعتباره‬ ‫اإلدارة التي تتولى تنفيذ هذه احملاوالت‪ .‬هكذا‬ ‫نشأت سلطة القبيلة وسلطة الدولة – املدينة‬ ‫في سومر مثلما نشأت الدولة االمبراطورية فيما‬ ‫بعد منذ البابليني‪ .‬كلما كانت البيئة واملناخ‬ ‫قويتني كانت السلطة قوية ومركزية ‪،‬وحتتاج‬ ‫السلطة الى الريع لكي تنفذ إدارتها‪ :‬الضريبة ‪,‬‬ ‫اخلراج‪ ,‬املصادرة‪ ,‬التملك الطبيعي او التعسفي‬ ‫لألرض واملوارد‪ .‬فالسلطة تعمل ليدفع أجور‬ ‫عملها األخرون كريع‪ .‬لكن بعض املناطق ظلت‬ ‫مشاعة‪ .‬كان كليب قد حاول إنتهاك املشاعة‬ ‫حني قتل ناقة البسوس التي دخلت مرعى‬ ‫مشاعا‪ .‬وكانت حرب البسوس حربا على درجة‬ ‫من األهمية في سياق تطور النظام اإلجتماعي‬ ‫وتطور السلطة‪ .‬فإنتهاك كليب كان يسعى‬ ‫الى توفير الوسيلتني اخلاصتني بالسلطة‪ :‬القوة‬ ‫واملال‪..‬‬ ‫ان تطور النظام اإلجتماعي كان يؤدي الى‬ ‫تغييرات في طبيعة وبنية السلطة السياسية‬ ‫بإعتبارها القوة التي تسعى للهيمنة الروحية‬ ‫واملادية على اجملتمع‪ ,‬الذي كان بدوره‪ ,‬يأمل ان‬ ‫تكون ثمة ثوة مركزية تساعده على التحكم‬ ‫بالطبيعة ومواردها التي أصبحت تتطلب سن‬ ‫قوانني وتشريعات لتتوزع بشكل عادل او متساو‬ ‫بني البشر‪ .‬من هنا نشأت مشكلة احلقوق ‪ ,‬التي‬ ‫نشأت معها احلاجة الى قوانني وتنظيمات سرعان‬ ‫ما إحتاج اصدارها الى قوتني الهية وبشرية لكي‬ ‫تعمم وتعمل وتنفذ‪..‬‬ ‫لم تكن الدميقراطية سوى القدرة على إقامة‬ ‫التوازنات التالية‪ .‬التوازن بني احلق والقانون‪,‬‬ ‫التوازن بني اجملتمع والسلطة‪ ,‬التوازن بني احلياة‬ ‫املادية واحلياة الروحية‪ .‬وكان التاريخ هو نتاج‬ ‫الصراع من أجل إقامة هذا التوازن‪..‬‬ ‫كانت القوانني األولى غاية في التخصيص‪.‬‬ ‫فهي نتاج سلطة محلية ‪ ,‬كما هي نتاج بيئة‬ ‫‪215‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪216‬‬

‫إجتماعية وإقتصادية محلية‪ .‬لكن أهميتها بعض صكوك وعهود الدميقراطية‪ :‬حقوق‬ ‫تكمن في كونها القاعدة احلقوقية األساسية اإلنسان ووسائل حمايتها في الدميقراطيات‬ ‫ملعرفة وظيفة القانون من جهة وموقع احلقوق‬ ‫مت تدوين اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان في عام‬ ‫من جهة ثانية‪..‬‬ ‫في شريعة حمورابي ‪ ,‬التي تعتبر األهم في ‪1948‬م في اجلمعية العامة لألمم املتحدة‪ ،‬ووقع‬ ‫تاريخ احلقوق والقوانني‪ ,‬وفي شريعة لبت عشتار عليه جميع أعضاء اجلمعية عدا السعودية التي‬ ‫وشريعة اورمنو‪ ,‬هناك تشريعات بخصوص وقعت عليه بتحفظ‪ ،‬ودولة أخرى‪ .‬كان هذا اإلعالن‬ ‫امللكية وحتديد حقوقها من خالل وجود تتويجا لنضاالت القرنني الثامن عشر والتاسع‬ ‫خرائط للمساحات الزراعية وحدودها وواجبات عشر من أجل تقليص صالحيات احلكم املطلق‬ ‫البساتنيني وطرق اإلستئجار وتنظيم املعامالت الذي ضعف وتراجع طوال القرن الثامن عشر‪،‬‬ ‫اخلاصة بذلك مما يعني أن تطور النظام السياسي ثم جاء القرن التاسع عشر ليشهد النضال من‬ ‫إرتبط بنظام احلقوق‪ 3.‬ورمبا يكون العكس أيضا ‪ ,‬اجل تدوين الدساتير في اوروبا واعطاء البرملانات‬ ‫اي ان نظام احلقوق تطزر مع النظام السياسي حق الرقابة على السلطة وتقليص صالحيات‬ ‫وتعيني صالحياته ومسؤولياته‪ ,‬لكن بدون شك احلكومات مقابل توسيع صالحيات الدميقراطية‬ ‫تطور النظام السياسي بسبب احلاجة الى التمثيلية وتتوج القرن التاسع عشر بالنضال‬ ‫إصدار تشريعات حول احلقوق‪ .‬ان هذه التشريعات من اجل حرية الصحافة‪ .‬وفي القرن العشرين‬ ‫أعطلت النظام السياسي قوة إضافية عززت بدأت املرحلة الثالثة للتطور الدميقراطي بعد‬ ‫إستبداده اكثر من تعزيز دستوريته‪.‬ولقد انشأ مرحلة تقليص احلكم املطلق وتقليص احلكم‬ ‫تطور الفرق بني القرية واملدينة إمتيازا سياسيا عبر املرحلة الثانية بإعطاء البرملان قوة التشريع‬ ‫جديدا يقوم على قدرة النظام السياسي على والرقابة‪.‬‬ ‫تأمني الطرق واملواصالت واألمن والتبادل البضاعي اإلعالن الثاني‪ :‬إعالن حماية حقوق اإلنسان‬ ‫ونشوء احلرف والصناعات اليدوية ‪ ,‬وبالتالي على في نطاق مجلس أوربا ومتّ تدوينه عام ‪1950‬م في‬ ‫ظهور الكتابة ومسك السجالت وإنشاء املعابد روما‪..‬‬ ‫واملوانئ (حيث كانت املدن تقام على ضفاف اإلعالن الثالث‪ :‬اإلتفاقية األمريكية حلقوق‬ ‫األنهر) واألسواق‪ .‬قاد كل ذلك الى تعقد نظام اإلنسان‪ ،‬متّ تدوينها في ‪1969‬م‪..‬‬ ‫املدينة وتعقد نظامها السياسي ‪ ,‬بحيث ان اإلعالن الرابع‪ :‬امليثاق األفريقي حلقوق اإلنسان‬ ‫أولى املعاهدات بني الدويالت واملدن عقدت في بالد وقد مت تدوينه بإقتراح من الوحدة األفريقية عام‬ ‫الرافدين او بني بالد الرافدين والدول اجملاورة مثل ‪1979‬م‪..‬‬ ‫املعاهدة التي أبرمها امللك نرام سني رابع حكام اإلعالن اخلامس‪ :‬مشروع امليثاق العربي حلقوق‬ ‫أعد في جامعة الدول العربية‪.‬‬ ‫الدولة االكدية (‪ )2255-2291‬قبل امليالد بينه اإلنسان الذي ّ‬ ‫وبني ملك اوان الى الشمال الشرقي من سوسا اإلعالن السادس‪ :‬مشروع حقوق اإلنسان‬ ‫في بالد عيالم بعد اإلنتصار العسكري الذي والشعب في الوطن العربي‪ ،‬وقد متّ تدوينه عام‬ ‫حققه نرام‪-‬سني على ذلك امللكومثل املعاهدة ‪1985‬م‪..‬‬ ‫التي أبرمت بني دولتني‪ -‬مدينتني هما جلش واوما‬ ‫‪4‬‬ ‫تعقيب على الصكوك والعهود‬ ‫برعاية حاكم مدينة لكش‪.‬‬ ‫‪ ( .3‬حضارة العراق‪ .‬الجزءالثاني‪ .‬ص‪)158‬‬ ‫إعتاد كثير من دعاة الدميقراطية وحقوق اإلنسان‬ ‫‪ ( .4‬حضارة العراق‪ -‬الجزء الثاني‪-‬ص ‪)118‬‬


‫إيراد هذه الصكوك والعهود دون بحث التناقض‬ ‫بني وجودها واإلعتراف بها حتى من قبل حكومات‬ ‫وأنظمة ديكتاتورية مستبدة في مصر والعراق‬ ‫وسوريا واليمن وليبيا والسعودية وغيرها‪..‬‬ ‫يؤكد فقهاء الدساتير واحلقوق املدنية‬ ‫والسياسية وحقوق اإلنسان على أهمية ان تتوفر‬ ‫وسائل واقعية حلماية هذه احلقوق والعمل على‬ ‫إجبار احلكومات على تطبيقها واإللتزام بها‪..‬‬ ‫ان أهمية هذه احلقوق التأتي من النص عليها‬ ‫فحسب وإمنا من تعزيزها بوسائل حماية تبدأ‬ ‫من إستقالل القضاء وتوليه مهمة حماية هذه‬ ‫احلقوق وضمان تطبيقها من قبل احلكومات‬ ‫مرورا بسلطة الرأي العام املمثلة في وسائل‬ ‫اإلعالم املهنية واملستقلة غير احلزبية وغير‬ ‫احلكومية وليس إنتهاء مبسؤوليات ونشاطات‬ ‫منظمات اجملتمع املدني التي تتولى الدفاع عن‬ ‫هذه احلقوق ‪ .‬لكن مشكلة توفير وسائل حماية‬ ‫احلقوق تتعرض للمصادرة واإلحتواء ‪ ،‬سواء من‬ ‫قبل احلكومات نفسها حني تتولى إنشاء وزارات‬ ‫حلقوق اإلنسان تكون مهمتها حجب الوقائع‬ ‫والدفاع عن اخلروقات التي تقوم بها احلكومات‬ ‫وتبريرها وتلفيق وقائع بديلة عنها‪.‬او من قبل‬ ‫وسائل اإلعالم التي تلتحق باألحزاب والقوى‬ ‫السياسية التي تخرق حقوق اإلنسان وتسيسها‬ ‫حزبيا وجتعلها خاصة مبا تتعرض له هي كحزب‬ ‫وليس مبا يتعرض له املواطنون وأفراد اجملتمع‬ ‫واملنظمات األخرى ‪ ،‬وسبب ذلك هو حزبية الدفاع‬ ‫عن احلقوق وليس وطنيتها أوإنسانيتها كونها‬ ‫منظومة إنسانية كونية مشتركة‪.‬‬ ‫فضال عن ذلك فان الوسيلة األساسية للدفاع‬ ‫عن حقوق اإلنسان هي الثقافة العامة للمواطن‪.‬‬ ‫ومعرفته بحقوقه وإميانه بان وسائل حماية‬ ‫هذه احلقوق متوفرة لدى القضاء ووسائل الرأي‬ ‫وسلطة اجملتمع املدني‬ ‫وان هناك من يقف معه في إسترجاع حقوقه‬ ‫بإعتبارها مصانة مقدسة والميكن للنفوذ‬

‫احلكومي مصادرتها‪..‬‬ ‫ان اإلحباط الذي يصيب املواطن من إستحالة‬ ‫حصوله على حقوقه املنصوص عليها دستوريا‬ ‫يراكم من خالل التفوق السياسي على اجملال‬ ‫املدني حني يستولي اجملتمع السياسي على حيز‬ ‫اجملتمع املدني ويصادره ملصلحته‪ .‬ويحذر املفكر‬ ‫الفرنسي آالن تورين من هذا اإلستحواذ ويفصل‬ ‫بحزم بني احلامل السياسي واحلامل املدني ‪،‬‬ ‫كما يحذر من النفوذ املالي والنفوذ السياسي‬ ‫اللذين ميكن ان يهددا بإنتهاك حقوق اإلنسان‬ ‫والدميقراطية وقوة اجملتمع املدني الالزمة إلبرام‬ ‫العقد اإلجتماعي بني اجملتمعني السياسي‬ ‫واملدني كطرفني يحققان اإلتفاق على الشروط‬ ‫املشتركة واحلقوق اخلاصة بكل طرف‪.‬‬ ‫وتنبثق من هذه الوضعية مظاهر اإلستبداد بإسم‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬اذ انه بعد تاريخ طويل ومكرس‬ ‫لإلستبداد تنشأ لدى األفراد فكرة (عدم اخلالص)‬ ‫‪ ،‬وتذوي فكرة اخلالص التي تبقى لدى عدد محدود‬ ‫ومحددا جدا من األشخاص الذين ينطوي عملهم‬ ‫على صعوبات بالغة في التنوير والنهضة في‬ ‫مواجهة النفوذ السياس لالحزاب على القوانني‬ ‫واألنظمة التي تضمن حقوق املواطنني مبا فيها‬ ‫حقهم في تكافؤ الفرص وفي املساواة امام‬ ‫القانون في العمل والصحة والتعليم والسكن‬ ‫والنقل والسفر وملىء املناصب والوظائف على‬ ‫أساس مبدأ حيادية اخلدمة املدنية وعدم حتزبها‬ ‫ومحاصصتها بني األحزاب والقوى املشاركة في‬ ‫احلكم‪.‬‬ ‫ان عمل املفكرين والفالسفة هو ماصنع‬ ‫الدميقراطية وليس السياسيني‪ .‬ونستطيع ان‬ ‫جند جذورا للعقالنية واملدنية في التراث العربي‬ ‫واإلسالمي في خضم اإلتساع العميق لإلستبداد‬ ‫والوهم اللذين شاعا وحكم العقل اجلمعي‬ ‫العام‪.‬‬

‫‪217‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪218‬‬

‫جذور عقالنية عن احلكم والدولة‬ ‫سنحاول هنا ان نقيم تناسقا لفكرة الدميقراطية‬ ‫ومدنية الدولة من خالل إيراد بعض املقتبسات‬ ‫التاريخية املهمة في الفكر العربي واإلسالمي‬ ‫بإعتباره جزء من التراث اإلنساني اخلاص بفكرة‬ ‫الوظيفة القانونية للدولة‬ ‫وظيفة الدولة املدنية‬ ‫يلخص مسكويه في كتابه( تهذيب األخالق)‬ ‫فكرة الدولة املدينة بالعبارات التالية‪:‬‬ ‫يجب على مدبر املدن ان يسوق كل إنسان نحو‬ ‫سعادته التي تخصه ثم يقسم عنايته بالناس‬ ‫ونظره لهم الى قسمني‪ :‬أحدهما‪ :‬في تسديد‬ ‫الناس وتقوميهم بالعلوم الفكرية‪ ,‬واآلخر‪ :‬في‬ ‫تسديدهم نحو الصناعات واألعمال احلسية‪ .‬و‬ ‫فكرة السعادة من خالل وظيفة الدولة ليست‬ ‫جديدة‪ ،‬فقد أشار اليها علي بن ابي طالب‬ ‫في سياق وثيقته الفكرية للدولة ومفهوم‬ ‫احلكم املعروفة باسم عهد األشتر‪ ،‬كما أشار‬ ‫اليها ديدرو واملوسوعيون‪ .‬ان موضوع السعادة‬ ‫كوظيفة للدولة فكرة دينية باألصل ‪ ،‬وقد أعاد‬ ‫إنتاجها الشيخ حسني الناذيني املرجع الديني‬ ‫الشيعي منذ مطلع القرن املاضي في كتابه(‬ ‫تنبيه االمة وتنزيه امللة ) الصادر عام ‪ ١٩٠٩‬حول‬ ‫الشورى والدميقراطية او املشروطية واإلستبداد‬ ‫التي شاعت في نهايات القرن التاسع في كتاب‬ ‫طبائع االستبداد لعبد الرحمن الكواكبي ثم‬ ‫تطورت الى فكرة الدولة املدنية وليس الدينية‬ ‫في كتاب (اإلسالم وأصول احلكم) لشيخ األزهر‬ ‫األسبق علي عبد الرازق الذي صدر عام ‪.١٩٢٥‬‬ ‫وأثار ضجة واسعة‪.‬‬

‫شغيلة اليد وشغيلة الفكر‬ ‫ان اجلذور العقالنية لفكرة النظام العادل إنبثقت‬ ‫في آراء وأفكار عدد من املفكرين املسلمني في وقت‬ ‫مبكر‪ .‬فراغب األصفاني يورد في كتابه (الذريعة)‬ ‫ما يذكرنا بأطروحة شغيلة اليد وشغيلة الفكر‬ ‫املعاصرة بتأكيده على ان (الصناعة ضربان ‪:‬‬ ‫علمي وعملي‪ .‬فالعلمي مايستغنى فيه عن‬ ‫اإلستعانة باجلوارح من اليد او الرجل كاملعارف‬ ‫اإللهية واحلساب‪ .‬والعملي مايستعان فيه‬ ‫باجلوارح وهو ضربان‪ :‬االول ينقضي بإنقضاء‬ ‫حركة الصانع كالرقص‪ ,‬والثاني شئ يبقى له أثر‬ ‫معقول المحسوس‪ ,‬كالطب‪ ,‬وضرب محسوس‬ ‫كالكتابة)‪.‬‬ ‫العقل والسعادة القصوى‬ ‫ومبا ان الدميقراطية نظام عقالني يقوم على‬ ‫مايناسب العقل الذي يسعى لتوفير املنفعة‬ ‫العامة عبر اإلستقرار والسلم األهلي واخلطاب‬ ‫التسامحي فان الفارابي يناقش موضوعة‬ ‫العقل في كتابه(السياسة املدنية) الذي يبحث‬ ‫عن حتقيق السعادة القصوى في النص التالي‬ ‫( العقل الفعال فعله العناية باحليوان الناطق‬ ‫وإلتماس تبليغه أقصى مراتب الكمال الذي‬ ‫لإلنسان ان يبلغه‪ ,‬وهو السعادة القصوى‪ ,‬وذلك‬ ‫ان يصير اإلنسان في مرتبة العقل الفعال‪,‬وامنا‬ ‫يكون ذلك بان يحصل مفارقا لألجسام ‪ ,‬غير‬ ‫محتاج في قوامه الى شئ اخر مما هو دونه‬ ‫من جسم او مادة او عرض وان يبقى على ذلك‬ ‫الكمال دائما‪).‬‬ ‫التاريخ ‪ :‬العقيدة واملثل‬ ‫وحني يلعب التاريخ مبا فيه من إرث ديني‬ ‫وسياسي إستبدادي دورا في إعاقة الدميقراطية‬ ‫سواء من حيث إنطالقها او تطورها فان (النقل)‬


‫يحل محل(العقل) ويتحول التاريخ نفسه الى‬ ‫عقيدة جمعية جامدة حتول دون اإلنتقال من‬ ‫عناصره التي حتكم احلاضر الى عناصر حيوية‬ ‫متحركة‪ .‬والبد من اإلشارة الى فكرة ابن خلدون‬ ‫في املقدمة حول الركود التاريخي عبر النقل‬ ‫والتحول التاريخي عبر العقل(التاريخ فن يوقفنا‬ ‫على أحوال املاضني من األمم في أخالقهم واألنبياء‬ ‫في سيرهم وامللوك في دولهم وسياستهم حتى‬ ‫تتم فائدة اإلقتداء في ذلك‪ -‬ملن يرومه‪ -‬في أحوال‬ ‫الدين والدنيا‪.‬‬ ‫والتاريخ محتاج الى مآخذ متعددة ومعارف‬ ‫متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما‬ ‫الى احلق وينكبان به عن املزالت واملغالط ألن‬ ‫األخبار اذا اعتمد فيها على مجرد النقل وال قيس‬ ‫الغائب منها بالشاهد واحلاضر بالذاهب فرمبا لم‬ ‫يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم واحليد عن‬ ‫الصدق)‪.‬‬ ‫العالم حتت حكم اجلاهل‬

‫لم تشغل بال الفقهاء ولكنها شغلت أفكار‬ ‫بعض املثقفني املسلمني مثل احلسن البصري‬ ‫وابن سيرين واياس بن معاوية وسفيان الثوري‬ ‫وابي حنيفة خاصة في موضوع تولي القضاء‬ ‫لسلطة مستبدة وهو ماعرف مبحنة القضاء في‬ ‫التاريخ اإلسالمي حني رفض كثير من املثقفني‬ ‫تولي مهنة القضاء لسلطة تتدخل به ملصاحلها‬ ‫وتبحث في أحكامه عن تبريرات لسيطرتها‬ ‫على الفائض اإلجتماعي للخراج والضرائب‬ ‫األخرى كالعشر واجلزية وغيرها‪ ،‬وهو مايذكرنا‬ ‫مبفهوم إستقالل القضاء الذي تستند عليه‬ ‫الدميقراطية في توزيع السلطات وإستقاللها‪.‬‬ ‫ومع إغفال الفقهاء ملوضوع احلكم فان عقالنية‬ ‫بعض املثقفني تركت لنا أفكارا حول السياسة‬ ‫منها ما ذكره االحنف في شروط السياسة‬ ‫ووظيفتها‪:‬‬ ‫رأس السياسات‪:‬‬ ‫**قال األحنف‪ :‬رأس سياسة الوالي خصال‬ ‫ثالث‪ :‬اللني للناس‪ ,‬واإلستماع منهم‪ ,‬والنظر في‬ ‫أمورهم‪.‬‬ ‫ورأس مروءة الوالي خصال ثالث‪ :‬العلم والعلماء‪,‬‬ ‫ورحمة الضعفاء‪ ,‬واإلجتهاد في مصلحة‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫ونستطيع من هذا النص التعرف على عناصر‬ ‫دميقراطية ضد اإلستبداد منها العفو والتسامح‬ ‫ومشاركة الرأي العام في القرار وأهمية املفكرين‬ ‫او مانسميه اليوم ‪ Think Tanks‬في صناعة‬ ‫القرار السياسي وتهيئة القواعد له والتأكيد‬ ‫على ان الوظيفة األساسية للحكم هي تلبية‬ ‫إحتياجات املواطنني‪.‬‬

‫يورد العاملي ‪ ،‬مؤلف الكشكول‪ ،‬في اجلزء الثالث‬ ‫منه‪ ،‬حادثة تؤسس هي وغيرها ملا يحصل اليوم‬ ‫في العراق وبعض الدول التي تتبنى مفاهيم‬ ‫احلكم الديني باسم الدميقراطية‪ .‬يذكر مايلي‪:‬‬ ‫غضب الرشيد على ثمامة بن اشرس‪ ،‬وكان‬ ‫فقيها عاملا‪ ,‬فسلمه الى خادم له يقال له ياسر‪.‬‬ ‫وكان اخلادم يتفقده ويحسن اليه‪ .‬فسمعه ذات‬ ‫يوما يقرأ(ويل للمكذبني) بفتح الذال‪ ,‬فقال له‬ ‫ثمامة‪ :‬ويحك‪ ,‬ان املك َذبني هم األنبياء‪ .‬فقال‬ ‫له اخلادم‪ :‬كان يقال أنك زنديق وما كنت أصدق‪,‬‬ ‫أتتهم األنبياء ياثمامة؟ فتركه وهجره‪ .‬فلما‬ ‫رضي عنه الرشيد ورده الى مجلسه سأله يوما‬ ‫في أثناء محادثة‪ :‬ما أشد األشياء على اإلنسان ؟‬ ‫بضاعة مجفو أهلها‬ ‫فقال ثمامة‪ :‬عالم يجري عليه حكم جاهل‪.‬‬ ‫ورغم ان الفكر اإلسالمي لم يناقش ومن مظاهر التدهور الثقافي للحكم والدولة‪،‬‬ ‫موضوعة احلكم وأهملها إهماال تاما حيث وعدم التفاعل بني الفكر ونظام احلكم ماتذكره‬ ‫‪219‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪220‬‬

‫كتب التاريخ من ان مسلمة بن عبد امللك‪ ،‬وهو‬ ‫أحد األمراء األمويني‪ .‬كان إذا دخل غلة ضياعه‬ ‫جعلها اثالثا‪ ,‬فثلثا لنفقته‪ ,‬وثلثا للنوائب‬ ‫واحلقوق‪ ,‬وثلثا َ يصرفه الى اهل االدب‪ .‬فقال له‬ ‫مواله سالم يوما‪ :‬ياموالي ‪ ,‬اذا ورد مالك صرفته‬ ‫في ثالث‪ :‬فأما النفقة فالبد منها‪ ,‬وأما النوائب‬ ‫واحلقوق فحزم وقوة‪ ,‬وال أعرف الوجه الثالث‬ ‫فيما تصرفه الى هؤالء القوم‪ .‬فقال‪ :‬انهم تركوا‬ ‫التعيش والطلب فاشتغلوا عن املكاسب بطلب‬ ‫العلم ‪,‬فواجب على كل ذي مروءة ان يعينهم‪،‬‬ ‫فقلت ياموالي جعلته أحب األقسام الثالثة إلي‬ ‫‪.‬‬ ‫العقل واخلطاب‪:‬‬ ‫وفي اخلطاب السياسي هناك إرث تركه مثقفون‬ ‫وسياسيون ومفكرون مسلمون منهم املهلب‬ ‫بن ابي صفرة وهو قائد عسكري لألمويني شارك‬ ‫في إخماد التمردات الثورية التي إنطلقت‬ ‫ضدهم ثم إنقلب عليهم حني رأى كثرة سفك‬ ‫الدماء وثار عليهم وإنضم اليه كثير من املثقفني‬ ‫والقضاة الذين كانوا يعارضون اإلستبداد الديني‬ ‫ومنهم سعيد بن جبير وابو حنيفة وعامر‬ ‫الشعبي وغيرهم‪ ،‬فقد كان اخلطاب السياسي‬ ‫محمال بالعاطفة الدينية اجلياشة التي تستثمر‬ ‫العواطف وتتحول الى ايديولوجيا تغطي على‬ ‫إنعدام احلريات واملساواة واحلقوق‪ ،‬وقد أدرك املهلب‬ ‫التناقض بني اخلطاب والفعل‪ ،‬فكان يقول‪:‬‬ ‫يعجبني ان أرى عقل الرجل زائدا على لسانه‪,‬‬ ‫وفعله زائدا على قوله‪.‬‬ ‫مفهوم األمة ومفهوم الدولة في التراث‬ ‫اإلسالمي‪:‬‬ ‫رغم ان اإلسالم كدين أكد على تشابه األمم من‬ ‫خالل املنطلق اإلمياني اال ان مفهوم اإلمبراطورية‬

‫في السوك السياسي القائم على الفتح‬ ‫والغزو واإلحلاق واجه مفهوما آخرا هو األمة‪.‬‬ ‫يقول الفارابي في السياسة املدنية(األمة تتميز‬ ‫عن األمة بشيئني طبيعيني‪ :‬باخللق الطبيعية‬ ‫والشيم الطبيعية وبشئ ثالث وضعي وله‬ ‫مدخل مافي االشياء الطبيعية وهو اللسان‪,‬‬ ‫أعني اللغة التي بها تكون العبارة‪ .‬ويقول‬ ‫الشهرستاني في امللل والنحل( من الناس من‬ ‫قسم أهل العالم بحسب األقاليم السبعة‬ ‫وأعطى كل إقليم حظه من إختالف الطبائع‬ ‫واألنفس التي تدل عليها األلوان واأللسن‪ .‬ومنهم‬ ‫من قسمهم بحسب األمم فقال كبار األمم أربعة‪.‬‬ ‫ومنهم من قسمهم بحسب اآلراء واملذاهب وهم‬ ‫منقسمون بالقسمة الصحيحة األولى الى أهل‬ ‫الديانات وامللل‪ ,‬والى أهل األهواء والنحل‪ .‬فأرباب‬ ‫الديانات مطلقا مثل اجملوس واليهود والنصارى‬ ‫واملسلمني‪ .‬وقال القاضي صاعد في طبقات األمم‬ ‫(ان جميع الناس في مشارق األرض ومغاربها‬ ‫وجنوبها وشمالها –وان كانوا نوعا واحدا‪ -‬فانهم‬ ‫يتميزون بثالثة أشياء ‪ :‬األخالق والصور واللغات‪).‬‬ ‫نحن هنا أمام تراث إسالمي بالدرجة األولى المييز‬ ‫األمم بدينها وإمنا بأشياء طبيعية مثل اللون‬ ‫واللغة والعادات والتقاليد والطبائع‪ .‬ذلك يعني‬ ‫ان مقاييس التعايش والتفاهم متاصلة ومتوحدة‬ ‫خاصة بالنسبة ملا ذكره الشهرستاني‪ ،‬وهو‬ ‫يفرق بني األديان وأهل األهواء ويعني بها األفكار‬ ‫والتصورات األخرى خارج اإلطار الديني‪ .‬واذا كنا‬ ‫نريد ان نؤسس مجلسا لقادة األديان في الشرق‬ ‫األوسط فان أرضية مثل هذا اجمللس مبنية سلفا‬ ‫من خالل اإلرث الثقافي العميق الذي أسسه‬ ‫املفكرون املسلمون في مراحل مختلفة‪ .‬وهذا‬ ‫اإلرث مبني على التسامح واملشاركة والتعددية‬ ‫املعترف بها دينيا بدليل مايرد دائما من تعدد‬ ‫األديان‪ ,‬التي أضاف اليها الشهرستاني حتى‬ ‫اجملوسية التي تعامل معها اإلسالم الفاحت‬ ‫معاملة األديان االخرى‪ .‬ويقول الراغب األصفهاني‬


‫في (الذريعة) ان األعمال ثالثة‪ :‬عمارة األرض‬ ‫وعبادة اخلالق وخالفته‪ .‬وهذا يعني ان األرض‬ ‫مشتركة يعيش عليها اجلميع دون ان يخص دينا‬ ‫او ملة‪ ,‬كما ان األديان السماوية تشترك بعبادة‬ ‫اخلالق وخالفته في أرضه من قبل الصاحلني دون‬ ‫تخصيص‪ .‬ان إنطالق العنف في اي مجتمع‪ ,‬حتى‬ ‫ألسباب دينية‪ ,‬ليس امرا طبيعيا نابعا من جوهر‬ ‫الدين وامنا من نوازع بشرية وإجتماعية وإقتصادية‬ ‫تتلبس رداء دينيا إلضفاء قدسية على هذا العنف‬ ‫وجعل رفضه محرما دينيا الجتوز ممارسته كما‬ ‫ان علي بن ابي طالب يؤكد على وسائل اإلنتاج‬ ‫وأهميتها أكثر من الربح الناجت عنها‪ ،‬فهو يوصي‬ ‫عامله على مصر مالك األشتر بتأكيده على‬ ‫عمارة األرض اكثر من اخلراج الناجت عنها اذ يعتبر‬ ‫األرض أصل املال او رأس املال اكثر من الفائض‬ ‫النقدي املستحصل منها‪ ،‬وهي بذلك ملكية‬ ‫عامة أكثر من كونها كملكية للدولة بإعتبارها‬ ‫حاكمة لدين دون آخر او لعشيرة دون اخرى او فئة‬ ‫دون فئة‪ .‬من املفترض ان الدين يوحد املصالح‬ ‫ألية أمة دينية سواء املسلمة أو املسيحية او‬ ‫اليهودية ‪ .‬لكن املصالح السياسية واإلقتصادية‬ ‫والثقافية واإلجتماعية لكل مجموعة ‪ ,‬سواء‬ ‫داخل األمة‪ ,‬او بني األمم تدفع إلستخدام العنف‬ ‫الذي يفتقر الى الشرعية فيعمد البعض الى‬ ‫إضفاء الدين على هذه املصالح وبالتالي تشريع‬ ‫العنف للدفاع عن هذه املصالح‪ .‬ان مصطلح‬ ‫الفتنة الذي غالبا ما يستخدم في الصراعات‬ ‫الدينية هو مصطلح يستخدم أحيانا كثيرة من‬ ‫قبل اجملموعات التي تستخدم العنف وتضفي‬ ‫عليه الشرعية الدينية بدون اصل ديني ملثل هذا‬ ‫العنف‪ .‬حينما نتحدث عن الشرق األوسط فإننا‬ ‫نتحدث عن منطقة أديان العالم الكبرى‪ .‬وحني‬ ‫نسعى الى تأسيس مجلس لهذه األديان فهذا‬ ‫يعني ان هدف األديان الكبرى هو احلفاظ على‬ ‫أهمية هذه املنطقة وجاللها الديني ‪ ،‬خاصة‬ ‫وان القبلتني ‪ ,‬القدس والكعبة‪ ,‬هما على ارض‬

‫الشرق األوسط‪.‬‬ ‫لكن الشرق األوسط‪ ,‬منطقة وبلدانا‪ ,‬تتعرض‬ ‫منذ عقود على األقل ‪ ,‬لتوترات سياسية وصراع‬ ‫مراكز قوى ودول وإمبراطوريات وتدفع الثمن من‬ ‫دماء أبناء الشرق األوسط مما يؤجج النزاعات‬ ‫على أسس دينية تستخدمها السياسة إلضفاء‬ ‫شرعية وقدسية في وقت واحد على أساليب‬ ‫إدارة الصراعات والصدامات‪ ,‬األمر الذي يضع‬ ‫على عاتق قادة األديان في الشرق األوسط مهمة‬ ‫كبرى تتمثل في عملية فرز األلوان بني الصراعات‬ ‫السياسية واملصالح اإلقتصادية والسياسية‬ ‫وبني مقاصد األديان الساعية الى التعايش‬ ‫عبر عمارة األرض وعبادة اخلالق وخالفته كما‬ ‫قال الراغب األصفهاني‪ ,‬وكما يقول ابن خلدون‬ ‫في املقدمة وهو يتحدث عن ضرورة اإلجتماع‬ ‫اإلنساني( يعبر احلكماء عن هذا بقولهم ان‬ ‫اإلنسان مدني بالطبع‪ ,‬أي البد من اإلجتماع الذي‬ ‫هو املدنية في إصطالحهم وهو معنى العمران‪).‬‬ ‫نحن هنا بال شك أمام نصوص وأفكار ومنطلقات‬ ‫إنسانية كبرى الجتد نزاعا بني األديان ‪ .‬وقد ركز‬ ‫املفكرون املسلمون على التفاوت واإلختالف‬ ‫املنتجني اللذين يقودان الى التعددية والتنوع‬ ‫وتطوير الصناعات واحلرف وتوفير احلاجات اخملتلفة‬ ‫كما يقول مسكويه في (الهوامل والشوامل) عن‬ ‫معنى التفاوت( فأما قولهم‪ :‬اليزال الناس بخير‬ ‫ماتفاوتوا فإن تساووا هلكوا‪ .‬فإنهم لم يذهبوا‬ ‫فيه الى التفاوت في العدل الذي يساوي بينهم‬ ‫في التعايش‪ ,‬وامنا ذهبوا فيه الى األمور التي يتم‬ ‫بها التمدن واإلجتماع‪).‬‬ ‫نعتقد اننا لسنا بحاجة للتذكير بان مستلزمات‬ ‫إقامة السالم بني األديان قائمة في الفكر‬ ‫اإلسالمي وقادرة على توفير مناخ تعددي متفاعل‪,‬‬ ‫خاصة وان اإلسالم دين مدني يقدر اجملتمعات‬ ‫املدنية ويعقد أواصر السلم األهلي والديني بني‬ ‫املواطنني واجملتمعات على أساس العدالة في‬ ‫احلقوق والواجبات وعلى أساس التمدن واإلجتماع‬ ‫‪221‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪222‬‬

‫املفضيني الى تنوع وإختالف املهن واإلختصاصات‬ ‫واألعمال‪.‬‬ ‫السلطة السياسية‪ :‬مفهوم اإلمامة‬ ‫لعب اخلالف على اإلمامة دورا في ظهور‬ ‫اإلستبداد طابعا عاما للنظام السياسي في‬ ‫اإلسالم‪ .‬وذهب بعض من تناولوا موضوع اإلمامة‬ ‫الى تنظير مستمد من واقع السلطة وليس من‬ ‫األسس واملبادئ احلقوقية للنظام السياسي‪ ،‬مما‬ ‫يجعل من موضوع السلطة السياسية إطارا‬ ‫ثابتا الميكن تغييره ألنه إستمد قدسية من‬ ‫الواقع وليس من احلاجة واملبادئ‪ .‬وبسبب إفتقار‬ ‫الفكر اإلسالمي لتراث جدلي حول موضوع‬ ‫السلطة‪ ،‬فإن بعض الكتاب حاولوا تبرير ذلك‬ ‫ببعض ماكتبه املاوردي في األحكام السلطانية‪.‬‬ ‫لكن أخطر ما طرحته األحكام السلطانية مبدأ‬ ‫التغلب بالقوة‪ .‬فقد أورد ت األحكام السلطانية‬ ‫مبدأ يتلخص مبا ذكره ابن عمر ونصه أننا جنلس‬ ‫في املسجد ومن تغلب بالسيف وقال اني أمير‬ ‫املؤمنني فاليجوز ملسلم يؤمن باهلل واليوم االخر‬ ‫ان يبيت دون ان يراه إماما عليه‪ .‬وبذلك حل مبدأ‬ ‫القوة محل الشورى ومحل والية األمة على‬ ‫نفسها‪.‬‬ ‫حق العزل يعني حق اإلختيار ولكن احلق‬ ‫غائب‬

‫(اذا طرأ على اإلمام او السلطان مايوجب فسقه‬ ‫فاألصح انه اليعزل عن اإلمامة بذلك اما فيه من‬ ‫إضطراب األحوال) ويضيف ابن جماعة( واذا خرج‬ ‫على اإلمام طائفة من املسلمني فرامت خلعه‬ ‫او منعته حقا عليها له سألهم ماينقمون فاذا‬ ‫ذكروا شبهة أزالها أو علة أزاحها )‪ .‬وقد كرس‬ ‫تاريخ السلطة هذا الواقع وجعله املبدأ الوحيد‬ ‫لتداول السلطة وراثيا او بالقوة والغلبة‪ .‬وقد‬ ‫سأل املسلون عثمان بن عفان ان يعزل والي‬ ‫الكوفة الذي مت إثبات سكره وظلمه وإستيالئه‬ ‫على أموال بيت املال العام‪ ،‬فابى ‪،‬ثم تطور االمر‬ ‫الى الطلب منه ان يتنازل فرفض معتبرا ان هذا‬ ‫هو حق إلهي يتمتع به‪ ،‬االمر الذي قاد الى الثورة‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫لم يتحدث فقهاء السلطة عن حق األمة بقدر‬ ‫ماحتدثوا عن حق احلاكم وواجب األمة بالطاعة ‪,‬‬ ‫فبرروا اإلستبداد والفسق والكفر مع الطغيان‬ ‫بحيث لم يتطبق أي مبدأ إسالمي على احلكم‪.‬‬ ‫والسبب أيضا إفتقار اإلسالم الى رؤية شرعية‬ ‫لنظام احلكم وهو ماكشفه التطور التاريخي‬ ‫إبان الدولتني األموية والعباسية ثم العثمانية‪.‬‬ ‫ويؤكد املاوردي ان اإلمامة تنعقد بشرطني‪:‬‬ ‫أحدهما بإختيار أهل احلل والعقد والثاني بعهد‬ ‫اإلمام من قبل‪ 5.‬وهذا ليس أمرا شرعيا أو نظاما‬ ‫حقوقيا وإمنا تطبيق على شكلني من أشكال‬ ‫اخلالفة حيث يعتقد املاوردي ان أبا بكر إستخلف‬ ‫من أهل احلل والعقد وان عمر بن اخلطاب‬ ‫إستخلف بعهد من أبي بكر‪.‬‬

‫غير ان النقص الفادح في واحد من أخطر غياب مفهوم العدالة واملواطنة‬ ‫املواضيع التي متس حياة البشر يشير الى قوة‬ ‫األثر الذي تركه اإلرهاب الفكري للسلطة يشكل غياب مفهوم العدل من الفكر اإلسالمي‬ ‫وفقهائها املوالني الذين وصل بهم األمر الى حترمي حقيقة سياسية وتاريخية ظاهرة‪ .‬وقد جتنب‬ ‫عزل احلاكم اجلائر متذرعني بإضطراب األحوال فقهاء السلطة تناول هذا املوضوع واكتفوا‬ ‫كما جاء لدى ابن جماعة في (حترير األحوال) ‪.‬‬ ‫‪ 5‬‬

‫‪( .‬االحكام السلطانية‪-‬ص‪)6‬‬


‫مبناقشة العدل اإللهي وليس العدل في احلكم‬ ‫اإلنساني‪ .‬والرسالة الوحيدة التي ميكن ان‬ ‫جندها في تاريخ الفكر اإلسالمي التتجاوز ثالثني‬ ‫صفحة كتبها ابو سعيد اإلسكافي في القرن‬ ‫اخلامس الهجري وهي تهتم مبوضوع العدل من‬ ‫زواية النظر املعتزلية اخلاصة بصفات اهلل اكثر‬ ‫من إهتمامها مبفهوم العدل بإعتباره أساس‬ ‫امللك واحلكم‪ .‬كما يالحط غياب مفاهيم مثل‬ ‫املواطنة واجملتمع عن الفكر اإلسالمي حيث‬ ‫حتل مفاهيم األمة بإعتبارها ذات اسس دينية‬ ‫واملؤمن بدل املواطن مما يستدعي احلاجة الى‬ ‫جدل معاصر حول هذه املفاهيم سواء في إطار‬ ‫مفهوم الشورى الذي مايزال غامضا وفضفاضا‬ ‫او مفهوم والية األمة على نفسها الذي تطرحه‬ ‫بعض التيارات الفكرية في اإلسالم‪.‬‬

‫‪223‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪224‬‬

‫اجلسد شرارة حراك‪...‬‬ ‫اجلسد أيقونة تغيير‬

‫بقلم ‪ :‬رشيد عوبدة‬ ‫استاذ مدرس‬ ‫ ‬


‫على سبيل التقدمي‪:‬‬ ‫يصعب إن لم نقل يستحيل أن ن َ َّت َع ّرف االنسان‬ ‫كجوهر مجرد من دون املرور عبر بوابة «اجلسد»‪،‬‬ ‫«فالهوية الشخصية» مرتبطة «بالهوية‬ ‫اجلسدية» التي ت َ‬ ‫ُش ِّكل الوجه «اإلمبريقي» أو‬ ‫«الفيزيقي» لإلنسان‪ .‬طبعا للجسد طرق خاصة‬ ‫للتعبير و التواصل‪،‬وهي لغة متزج بني اإليحاء و‬ ‫اجملاز‪،‬بل إن اجلسد هو من مينح الوجود االنساني‬ ‫حضوره املادي‪،‬ليصبح بذلك هذا الوجود االنساني‬ ‫وجودا جسديا‪.‬‬ ‫اجلسد لم ينظر له دائما على أنه رمز للوجود‬ ‫االنساني بل نظر إليه أيضا على أنه واجهة‬ ‫مختلف التحوالت التي يعرفها اجملتمع‪ ،‬لذلك‬ ‫طاملا كان اجلسد عنوانا لنمط العالقة التي‬ ‫يقيمها األفراد فيما بينهم‪ .‬إال أننا تعودنا منذ‬ ‫مدة ‪،‬ليست بالقصيرة‪ ،‬على معاملة مفهوم‬ ‫«اجلسد» بنوع من احليطة و احلذر‪ ،‬فهو مرة اعتبر‬ ‫محط إثارة و إغواء ‪،‬وهو في مرات كثيرة مت اتخاذه‬ ‫سلعة جلني ربح مادي من وراء استثمار طراوته‬ ‫(الرقص‪،‬اإلعالنات اإلشهارية‪،‬الدعارة‪ ،)...‬مثلما‬ ‫قدست اجلسد و تعاملت معه‬ ‫ُو ِج َدت شعوب ّ‬ ‫متجيدا (الفراعنة منوذجا) و احتفاء بقدراته‪...‬‬ ‫ونحن إن كنا نُ َو ِّظف هنا مفهوم «اجلسد» فذلك‬ ‫متييزا له عن باقي املفاهيم التي تشكل مترادفات‬ ‫لغوية‪ ،‬كمفهوم «البدن» ومفهوم «اجلسم»‪:‬‬ ‫على اعتبار ان كلمة «اجلسم» املقصود بها كل ما‬ ‫يشغل حيزا فضائيا أي له طول و عرض و ارتفاع‪،‬‬ ‫أما كلمة «بدن» فاملقصود بها اجلسم الذي ال‬ ‫روح فيه و ال نفس ‪،‬و يبقى املقصود «باجلسد»‬ ‫ذلك البدن الذي به روح و الذي حتبل سلوكاته‬ ‫بكثير من املعاني والدالالت‪ ،‬لذلك طاملا نظر‬ ‫الفالسفة الى االنسان على أنه ُم َك َّون من ثنائية‬ ‫اجلسد و الروح‪.‬‬ ‫و لئن كان اجلسد معطى طبيعيا إال أن الثقافة‬ ‫اجملتمعية منحته دالالت جديدة‪ ،‬لهذا رأينا‬

‫كيف ان نظرة الشعوب للجسد ‪ -‬شأنها شأن‬ ‫مقاييس التعامل معه ‪ -‬متعددة ومختلفة‬ ‫باختالف ثقافات اجملتمعات‪ ،‬و تعتبر عمليات‬ ‫التجميل و اخلتان و الترييض‪ ...‬سلوكات ثقافية‬ ‫الغرض منها اضفاء طابع الثقافة حتى على‬ ‫اجلسد مبا هو معطى طبيعي في اإلنسان ‪،‬بل‬ ‫هناك من أصبح مهووسا بالبحث في هويته‬ ‫اجلسدية سواء عبر عمليات «التحول اجلنسي»‬ ‫أو عن طريق ممارسة الشذوذ عليه‪...‬‬ ‫بذلك نخلص الى أن اجلسد يتحدد كصيغة‬ ‫للحضور املادي لإلنسان في العالم‪ ،‬فاجلسد‬ ‫هو جتسيد ‪،‬أي انتقال من املستوى التصوير ي‪/‬‬ ‫الالمادي املرتبط بوعي اإلنسان بذاته إلى املستوى‬ ‫الواقعي‪/‬املادي ‪ .‬إلاّ أن هذا ال ينبغي أن يُفهم‬ ‫منه اختزالية اإلنسان في اجلسد‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫كذكرى مرت من هذا العالم لكن جسده‬ ‫ليس كذلك‪ ،‬فكثيرا ما نتذكر شخصا رغم أن‬ ‫حضوره املادي كجسد غير متحقق بفعل املوت‬ ‫أو الغياب‪...‬فاجلسد يصعب فعال اعطاؤه داللة‬ ‫موحدة‪،‬والتفكير فيه ليس وليد اليوم بقدر ما‬ ‫أن حضارات قدمية‪ُ ،‬عرِف عنها ا ْم ِتهانها للتأمل و‬ ‫التفكير‪ ،‬تناولته بالدرس و التحليل ‪.‬‬ ‫اجلسد «نثانة» عند اليونان ‪:‬‬ ‫لقد اعتبر اجلسد في مختلف التصورات‬ ‫ ‬ ‫امليتافيزيقية موطنا للشرور و بؤرة للدنس و‬ ‫الرذيلة‪،‬لهذا متت معاملته بإحتقار كبير ومت‬ ‫السعي فيما بعد إلى ستر عيوبه‪ ،‬والزال احلديث‬ ‫عن مفهوم العورة لصيق به في كثير من‬ ‫الثقافات اجملتمعية‪.‬‬ ‫لقد اعتبر «سقراط» أن اجلسد متعفن و أن الروح‬ ‫طاهرة‪،‬بل إنها هي من حتفظ للجسد طهارته‬ ‫لكنه حاملا يتعفن فهي تغادره باملوت إلى نبعها‬ ‫الطاهر ‪،‬لهذا كان سقراط كثير امليل إلى التجرد‬ ‫من انفعاالت اجلسد وشهواته‪ ،‬وهو الذي عرف‬ ‫بإهماله لنفسه و انشغاله بالبحث في املوت‬ ‫واحلياة فيما بعدها‪ ،‬بل لقد كان يتمرن على‬ ‫‪225‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪226‬‬

‫جتنب الشهوات اجلسدية و اعتزالها مفضال‬ ‫املوت كطريق لإلنفصال النهائي عن اجلسد‬ ‫إلدراك اجلواهر في ذاتها و صفاتها‪،‬فهو يعتبر‬ ‫أن املوت ماهو إال حياة مؤجلة ال تعدو أن تكون‬ ‫مجرد انفصال للروح عن اجلسد‪ ،‬و احلياة ما‬ ‫هي إال موت بالقوة ميارسه الفيلسوف بإهماله‬ ‫التام لكل ما يتطلبه اجلسد من ملذات و عناية‬ ‫باملأكل واملشرب و امللبس و اجلري املبالغ فيه‬ ‫وراء املتع و الشهوات‪ ...‬إن «سقراط» يعتبر أن‬ ‫«لروح سيد يأمر‪ ،‬ألنها جوهر إلهي غير قابل‬ ‫للتحلل و الفساد‪ ،‬و الفساد عبد مطيع ومرصود‬ ‫للفناء»(‪، )1‬يقول سقراط «الروح التي حتل في‬ ‫اجلسد جتلب له احلياة‪ ،‬وال ميكن أن حتصل على‬ ‫نقيض صنيعها الذي هو املوت»‪)2(.‬‬ ‫على نفس املنوال سار التلميذ «أفالطون» صاحب‬ ‫«نظرية امل ُ ُثل» على نهج استاذه «سقراط» ‪،‬فكما‬ ‫قسم العالم الى عالم للمثل و عالم للحس‬ ‫قسم اإلنسان إلى روح وجسد ‪/‬عقل وحواس‪،‬‬ ‫ومثلما اعتبر أن اجلسد هو في األصل خاضع‬ ‫للحاجات العامة اعتبر الروح هي من تسمو إلى‬ ‫عالم املثل لبناء معرفة متعالية عن كل ما هو‬ ‫حسي‪ ،‬بل لقد الغى جسد املرأة و اعتبره مجرد‬ ‫آلة لِل َّت ْفريخ واإلجناب‪ ،‬وهو في ذلك لم يُلْ ِغ جسد‬ ‫املرأة كرها‪ ،‬كما يتبادر إلى األذهان‪ ،‬بل لعدم ثقته‬ ‫باحلواس‪.‬‬ ‫ضل ال ّروح‪/‬العقل على‬ ‫وإذا كان «أفالطون» قد َف َّ‬ ‫اجلسد‪/‬احلس ُم ْعلِيا ً من شأن األول و ُم َح ِقرا ً من‬ ‫ّ‬ ‫شأن الثاني فإن تلميذه «أرسطو» في معرض‬ ‫تناوله لثنائية «اجلسد‪/‬النفس» لم يسع‬ ‫الى املفاضلة بينهما‪،‬بل اعتبر أنهما جوهرا‬ ‫اإلنسان‪،‬وأن وجود هذا األخير(اإلنسان) الميكنه أن‬ ‫يتحقق وال ملاهيته أن تكتمل إال بهما معا‪ ،‬وهنا‬ ‫نستحضر أن تصنيف النفس‪/‬اجلسد مرتبط‬ ‫بالتصنيف األنطولوجي‪ :‬الهيولى‪/‬الصورة اذ‬ ‫ال انفصال بينهما و ال إستقالل‪ ،‬فهما وجهان‬ ‫لعملة واحدة‪.‬‬

‫عموما فالفالسفة اليونانيون كثيرا ما نظروا الى‬ ‫اجلسد على أن محركه و املتحكم فيه هو النفس‪،‬‬ ‫بل إنه عنصر عاطل من دونها‪ ،‬وهو انطولوجيا‬ ‫أدنى مرتبة منها أيضا‪ ،‬و ابستمولوجيا فهو‬ ‫يشكل عائقا امامها لبلوغ املعرفة مثلما انه‬ ‫اكسيولوجيا‪/‬اخالقيا فهو ميثل مصدر فساد‬ ‫ورذيلة‪.‬‬ ‫املعرفة‪ ،‬الفكر و اجلسد في الفكر احلديث‪ :‬‬ ‫النظرة إلى اجلسد قد تغيرت شيئا ما في‬ ‫الفلسفة احلديثة التي أحدثت طفرة حقيقية‬ ‫في تناولها لثنائية الروح واجلسد‪ .‬لقد اتخذ‬ ‫«ديكارت» هدفا لتأمالته التمييز بني الروح و‬ ‫س ّل ُم أوال أن الشيء الذي يحتفظ‬ ‫اجلسد‪ ،‬فهو ي ُ َ‬ ‫ببداهته و استقراره و يتعالى عن الشك هو‬ ‫الفكر احملض املستقل و املتميز عن اإلحساسات‪،‬‬ ‫أي ذلك الفكر الذي ال يحتاج إلى اجلسد‪ ،‬يقول‬ ‫ديكارت في كتابه «تأمالت» ‪« :‬أوثر أن انظر هنا في‬ ‫اخلواطر التي ولدها ذهني‪ ،‬و التي استمدها من‬ ‫طبيعتي وحدها‪ ،‬حيث عكفت على البحث في‬ ‫كياني‪ .‬حسبت أوال ان لي وجها ويدين وذراعيني‪،‬‬ ‫وكل ذلك اجلهاز املؤلف من حلم وعظم‪،‬على نحو‬ ‫ما يبدو في جسم اإلنسان‪،‬وهو الذي كنت أ ّد ّل‬ ‫عليه باسم اجلسد‪ ،‬حسبت ايضا انّني أتغذى و‬ ‫أفكر‪،‬ناسبا ً للنفس جميع هذه‬ ‫أمشي وأحس و‬ ‫ِ‬ ‫األفعال(‪)3‬‬ ‫ان «ديكارت» يُع ّرف اجلسد على أنه كل ما ميكن أن‬ ‫يحده شكل‪ ،‬وهو كل ما ميكن أن يَت َ​َح َّيز فيحتويه‬ ‫مكان‪ ،‬لكن الفكر أسبق من اجلسد معرفة‪ ،‬فرغم‬ ‫أن ديكارت سعى إلى إقامة عالقة ما بني «اجلسد»‬ ‫و «النفس» كعالقة بني جوهرين مستقلني و‬ ‫متميزين إال أنه كان يرمي في نهاية املطاف إلى‬ ‫إبراز أن على اجلسد أن يخضع لسلطة العقل‬ ‫املنظمة النفعاالت اجلسد وشهواته‪ ،‬وهو تصور‬ ‫ال يخرج عن النظرة األخالقية التي حكمت تصور‬ ‫«ديكارت»‪ ،‬فاإلنفعاالت جتعل من اجلسد كيانا‬


‫لصيقا بالطبيعة احليوانية اما العقل فهو من‬ ‫يعمل على إعادة االعتبار للطبيعة االنسانية‪.‬‬ ‫إذا كان ديكارت يعتبر ‪،‬إذن‪ ،‬أن الفكر هو املشكل‬ ‫ملاهية اإلنسان ال اجلسد‪،‬ف»اسبينوزا» يقيم‬ ‫عالقة ت َوازٍ ما بني اجلسد و النفس‪ ،‬بل إنه‬ ‫يسعى إلى توحيدهما معتبرا أنه ليس هناك‬ ‫جسد بدون نفس و ال نفس بدون جسد بل هما‬ ‫متوازيان لهما نفس القيمة لكنهما مختلفان‬ ‫من الناحية االبستيمية‪/‬املعرفية‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫ليس وعيا وحده كما ذهب إلى ذلك ديكارت‪ ،‬بل‬ ‫هو «رغبة» و»وعي» و من ثم يتساوى فيه اجلسد‬ ‫مع النفس ‪.‬‬ ‫إلى هناك تبقى نظرة كل من الفلسفة‬ ‫االغريقية و الفلسفة احلديثة إلى اجلسد فيها‬ ‫الدونِية عن النّفس‪ ،‬بل اعتبرت كل األدوار‬ ‫نوع من ّ‬ ‫البطولية من اجناز النفس‪/‬العقل‪/‬الروح فكيف‬ ‫نظرت الفلسفة اإلسالمية القروسطية و‬ ‫الفلسفة املعاصرة الى مفهوم اجلسد؟‬ ‫اجلسد عند املسلمني «عورة»و «فتنة»‪:‬‬ ‫لطاملا ُغلِ َ‬ ‫ف اجلسد اإلنساني بالطابع األخالقي‬ ‫في الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬فهو شهواني غريزي‬ ‫ض للوقوع في الرذيلة في أي حلظة يغيب‬ ‫ُم َعرَّ ٌ‬ ‫فيها العقل اإلنساني أو الوازع الديني‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يجعل منه جسدا إغوائيا غافال عن القيم‬ ‫الثقافية‪ .‬بل إن الفقهاء أكدوا على ضرورة‬ ‫خضوع اجلسد لإلميان كما الطهارة تخليصا‬ ‫له من الشهوة‪ ،‬فاجلسد هو مصدر األخطاء و‬ ‫املنزلقات األخالقية‪ ،‬لذا البد من التحوط في‬ ‫اطالق العنان له‪ .‬فهذا ابن مسكويه يعتبر أن‬ ‫اإلنغماس وراء شهوات اجلسد و غرائزه هو مبثابة‬ ‫اندحار إلى مرتبة احليوان‪ ،‬و إن التعفف و التعالي‬ ‫عن هذه الشهوات و الغرائز و التحكم فيها‬ ‫يؤهل اإلنسان إلى اإلرتقاء إلى مرتبة املالئكة‪.‬‬ ‫َص َغرا ً حتى في‬ ‫ست ْ‬ ‫يبدو أيضا أن اجلسد ظل ُم ْ‬ ‫الثقافة اإلسالمية التي رأت فيه مقياسا للتدين‬ ‫أو مجلبة للعار‪ ،‬بل إن هناك دعوات من الفقهاء‬

‫إلى حترمي تصويره أو رسمه أو نحته‪ ،‬بل لطاملا‬ ‫عم َقت الثقافة العربية الفجوة بني اجلسد‬ ‫ّ‬ ‫الذكري و اجلسد األنثوي‪ ،‬على اعتبار أن الثاني‬ ‫مصدر فتنة بالنسبة لألول‪ ،‬كما ن ُِظر إلى اجلسد‬ ‫على أن وضعه خسيس‪ ،‬و ال بد من تطهير جناسته‬ ‫كلما رغب املسلم في الوقوف بني يدي اهلل‪.‬‬ ‫اجلسد و رمزية احلضور في الفكر املعاصر‪:‬‬ ‫أما في الفكر املعاصر فنجد نوعا من التعاطي‬ ‫اإليجابي مع اجلسد ورفع تهمة الدنس عنه‪،‬‬ ‫ف»نيتشه» يعتبر اجلسد مرجعا أصليا لكل‬ ‫القيم‪ ،‬فهو كلية عضوية متآلفة تسعى إلى‬ ‫متجيد كل ماهو بيولوجي غريزي‪ ،‬فاجلسد ‪-‬حسب‬ ‫نيتشه‪ -‬هو عنوان انخراطنا في احلياة‪ .‬وإذا كانت‬ ‫الفلسفات السابقة قد احتقرت اجلسد و اعتبرته‬ ‫مبثابة سجن يأسر الروح الطاهرة فيه‪ ،‬وهو‬ ‫نفس املسار الذي سارت عليه حتى الفلسفات‬ ‫الدينية (سواء اإلسالمية أو املسيحية) معتبرة‬ ‫أنه مرتع الشهوات الهدامة لهذا أعلنت عليه‬ ‫حربا‪...‬فان نيتشه قد فتح صفحة جديدة مع‬ ‫اجلسد بغرض إعادة اإلعتبار إليه‪ ،‬معتبرا أنه هو‬ ‫احلياة نفسها بكل مظاهرها و جتلياتها ‪،‬وهذا‬ ‫ما عبر عنه في كتابه «هكذا تكلم زرادشت»‪،‬‬ ‫فالفكر هو أسوء حلقة في الفكر البشري‪ ،‬و‬ ‫هو مع ذلك مستسلم للغريزة بل إنها(الغريزة)‬ ‫أقوى منه‪،‬فالوعي لم يعمل إال على إقصاء‬ ‫احلياة و التغيير ‪ ،‬و ذلك بترسيخ دونية الغريزة‬ ‫ض عن احلياة لم ينفره منها سوى‬ ‫«لكم من ُم ْعرِ ٍ‬ ‫الوغد الزنيم‪ ،‬فعافها إذ لم يشأ أن يقاسم هذا‬ ‫الوغد ما عليها من ماء و لهب و أثمار‪ ...‬ولكم‬ ‫استثقلت الفكر نفسه عندما رأيت شيئا من‬ ‫الفكر في رأس الوغد الزنيم « (‪. )4‬‬ ‫إن اجلسد عند نيتشه ليس أقل مرتبة من الفكر‪،‬‬ ‫كما صنفه سابقوه‪ ،‬بل هو مجموع قوى تتحد‬ ‫فيما بينها لتشكل بذلك إرادة القوة‪ ،‬لهذا‬ ‫ما فتئ نيتشه يبشر باالنسان «السوبرمان‬ ‫‪ »Superman‬الذي ميلك اجلسد و إرادة القوة ‪.‬‬ ‫‪227‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪228‬‬

‫يبدو ‪ -‬على األقل ‪ -‬أن هناك تعارض مثال ما بني‬ ‫«اللغة»من جهة و «اجلسد» من جهة ثانية‪ ،‬نظرا‬ ‫ألن وعاء اللغة قد يضيق أحيانا فيضطر اجلسد‬ ‫فعال إلى خلق آليات غير لغوية إليصال رسالته‬ ‫(كالرقص مثال ‪ ،)...‬و لعل «سيجموند فرويد» قد‬ ‫عمد إلى ابراز أن اجلسد رغم ِعلاّ تِه يتكلم لغة‬ ‫يعبر بها عن مكبوتات الذات‪ ،‬وهكذا حتول اجلسد‬ ‫مع «فرويد» إلى لسان حال املرء عندما تتقمص‬ ‫اللغة صفة اخلفاء واالستضمار ليصبح اجلسد‬ ‫بذلك آداة للتصريح‪ ،‬وهو ما أكد عليه «موريس‬ ‫ميرلوبونتي» ايضا عندما اعتبر أن اللغة هي في‬ ‫األصل انعكاس لتعبيرية اجلسد‪ .‬ورفضا لالرث‬ ‫الديكارتي الذي أعلى من شأن الفكر وبخس من‬ ‫قيمة اجلسد حتى أصبح هذا األخير رمزا لكل‬ ‫دنس وتأثرا ً برؤية «نيتشه» و «ميرلوبونتي»‪ ،‬عمل‬ ‫«ميشال فوكو» على رصد عملية تطبيع اجلسد‬ ‫بإدخاله جملال اخلطاب السياسي‪ ،‬فاجلسد ليس‬ ‫مجرد معطى طبيعي بل هو امكانية إلنتاج‬ ‫اجتماعي من خالل النظم السياسية و املعرفية‬ ‫التي ي َ َت َن َّم ُ‬ ‫ط فيها‪ ،‬فاجلسد إذن حسب «فوكو»‬ ‫يقع حتت تأثير عدة قوى تعمل على تطويعه‪،‬‬ ‫فاجلنس مثال مبا هو نشاط جسدي ميكن أن يصبح‬ ‫رهانا سياسيا عندما يرتبط بتنظيم السكان‬ ‫من اجناب و حتديد للنسل و غيره ‪...‬و ميكن قياس‬ ‫عملية تطويع اجلسد في عدة مجاالت‪ :‬كمجال‬ ‫اإلنتاج اإلقتصادي‪ ،‬و احلقوقي ‪...‬‬ ‫على سبيل اخلتم ‪:‬‬ ‫إن اجلسد لم يعد ذلك العنصر الذي يشكو‬ ‫من النجاسة‪ ،‬أو ذلك العنصر الذي يعاني من‬ ‫النقص ألنه محتقر عند مقارنته بالروح‪/‬العقل‪/‬‬ ‫النفس‪ ،‬بل إنه أضحى حافال باملعاني الرمزية‬ ‫التي تتوارى خلف احلضور املادي للجسد‪ ،‬فكلما‬ ‫تطور تاريخ الذهنية البشرية إال و اتسعت اآلفاق‬ ‫الداللية للجسد‪ ،‬و هنا ال ينبغي إختزاله فقط‬ ‫في ما يستثمر ألجله في اإلعالنات أو اإلستثمار‬ ‫الرياضي او الفني‪ ...‬بقدر ما ان له حموالت‬

‫مرتبطة بطبيعة النظم السياسية السائدة‬ ‫بل ان اصبح إيقونة للتغيير كما هو في حالة‬ ‫األجساد التي أصبحت تلتهب احتراقا لتحقيق‬ ‫تغييرات في أنظمة سياسية طاملا راهنت على‬ ‫قمع األجساد كما العقول‪.‬‬


‫رؤية ميشيل فوكو للصحة واملرض‬

‫ابراهيم حاجى زملى‬

‫‪229‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪230‬‬

‫مفاهيم الصحة واملرض‬ ‫من املسلمات في علم االجتماع الطبي ان‬ ‫التصورات والقيم والتعريفات املتعلقة بالصحة‬ ‫واملرض حتكمها وحتددها اعتبارات اجتماعية في‬ ‫املقام االول‪ ،‬تنتج من خبرة الناس ومعيشتهم‬ ‫في جماعات اجتماعية مختلفة‪ .‬أضف الى‬ ‫ذلك ان السن والنوع والظروف االسرية واالصول‬ ‫االجتماعية والطبقية تلعب دورها الهام في‬ ‫حتديد املرض‪1 .‬‬ ‫يختلف مفهوم الصحة بطبيعة احلال من ثقافة‬ ‫الى االخرى‪ 2،‬ومفهوم املرض ينطلق ايضا من‬ ‫سياق اجتماعي‪ ،‬الن اجملتمع هو الذى يحدد معنى‬ ‫املرض‪ ،‬ومدى خطورته‪ ،‬واآلثار املترتبة عليه‪ .‬لذا فان‬ ‫املفاهيم االجتماعية للصحة واملرض متعددة‪،‬‬ ‫وهي عموما تعكس فلسفة الشعوب وثقافاتها‬ ‫حيال املرض واملوت‪ ،‬واجتاهاتها نحوهما‪3.‬‬ ‫يهتم التعريف االجتماعي بإعطاء معنى خاص‬ ‫للظواهر اخملتلفة في احلياة‪ ،‬كما يساعد أفراد‬ ‫اجملتمع على تكوين ميول ومفاهيم خاصة جتاه‬ ‫هذه الظواهر‪ ،‬وملا كانت الصحة واملرض ظاهرتني‬ ‫من ظواهر احلياة ‪ ،‬فان التراث االجتماعي في كل‬ ‫مجتمع قد أعطى تفسيرا خاصا ومعنى معينا‬ ‫لكل منها‪ ،‬وبالتالي يحدد طرق منع االمراض‬ ‫وطرق مقاومتها وعالجها‪4 .‬‬ ‫وفيما يلى نقدم عرضا مختصرا ملفهومي‬ ‫الصحة واملرض‪:‬‬ ‫الـصـحـــة‪ :‬يالحظ أن معايير الصحة‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ومفاهيمها تتباين ليس جغراف ًيا وثقاف ًيا‬ ‫أيضا‪ ،‬حيث تتعرض هذه‬ ‫فحسب‪ ،‬وإمنا تاريخ ًيا ً‬ ‫املعايير واملفاهيم للتغير مبرور الزمن استجابة‬ ‫للتغير الذى يطرأ على أمناط احلياة االجتماعية‪،‬‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬وكذلك على نظم‬ ‫ومستويات الرعاية الصحية السائدة في كل‬ ‫بيئة ‪5.‬‬

‫هناك تعريف سلبى يعتبر ان الصحة هي غياب‬ ‫املرض الظاهر وخلو االنسان من العجز والعلل‪.‬‬ ‫وبالتالي فمن املمكن النظر الى االشخاص الذين‬ ‫لم يشعروا باملرض‪ ،‬ولم تبدأ عليهم عالمات‬ ‫لالعتالل عند الفحص بأنهم اصحاء‪ .‬ولكن هذا‬ ‫املفهوم ضيق للغاية‪ ،‬خاصة اذا قارناه بتعريف‬ ‫منظمة الصحة العاملية‪ ،‬والذى يذهب الى ان‬ ‫الصحة هي‪ :‬ليست غياب املرض أو الضعف‬ ‫فحسب‪ ،‬بل أنها حالة مكتملة من الناحية‬ ‫الفسيولوجية والعقلية والوجود االجتماعي)‪6‬‬ ‫أما التعريف االجتماعي للصحة ال يحدد الصحة‬ ‫بقصرها أو حتديدها في أي خاصية (بيولوجية‪-‬‬ ‫فسيولوجية‪ -‬اجتماعية‪ -‬ثقافية) بل األمر‬ ‫يتطلب تعريف متعدد اجلوانب يشمل ليس فقط‬ ‫االرتباط بني الصحة والعوامل االجتماعية‪ ،‬بل‬ ‫االرتباط بني الصحة والعوامل الطبيعية‪.‬‬ ‫وقد حاول الكثير من العلماء تعريف الصحة‬ ‫ولعلنا نذكر جميعا االثر القائل « الصحة تاج‬ ‫على رؤوس االصحاء ال يراه اال املرضى» حيث يشير‬ ‫هذا ان اهمية الصحة لإلنسان ولكنه يعجز‬ ‫عن حتديد كليهما ‪ ،‬أو يؤكد عدم االحساس اال‬ ‫بالناحية السلبية منها وهو املرض‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫اخرى عرف العالم بركينز ‪ Perkins‬الصحة بأنها «‬ ‫حالة التوازن النسبي لوظائف اجلسم ‪ ،‬وان حالة‬ ‫التوازن هذه تنتج من تكيف اجلسم مع العوامل‬ ‫الضارة التي يتعرض لها‪ ،‬كما أن تكيف اجلسم‬ ‫ما هو اال عملية ايجابية تقوم بها قوى اجلسم‬ ‫للمحافظة على توازنه‪7.‬‬ ‫ويرى روى ‪ s .roy‬ان مفهوم الصحة يشمل‬ ‫التطور الكامل والشامل للقوة البدنية العقلية‬ ‫والروحية املوهوبة للفرد‪ ،‬وان العقل السليم في‬ ‫اجلسم السليم يشكل الصحة وان صحة الفرد‬ ‫وصحة اجملتمع تعتمد على العديد من العوامل‬ ‫البيئية التي تشتمل على ‪:‬‬ ‫العوامل الفيزيقية‪ :‬الهواء ‪ ،‬الضوء‪،‬‬ ‫‪ -1‬‬ ‫الشمس‪ ،‬املناخ‪ ،‬التربة‪ ،‬املاء‪ ،‬الطعام‪ ،‬امللبس‪،‬‬


‫املسكن‪ ،‬الوقود‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫العوامل البيولوجية‪ :‬احليوانات‪ ،‬احلشرات‬ ‫‪ -2‬‬ ‫‪ ،‬النباتات‪ ،‬الطفيليات‪ ،‬البكتريا‪ ،‬الفيروسات‪..‬‬ ‫الخ‪ .‬املوجودة في محيطنا تؤدى الى االصابة‬ ‫–مبختلف االمراض‪.‬‬ ‫العوامل االجتماعية‪ :‬اصل االمراض‬ ‫‪ -3‬‬ ‫باإلضافة الى العلة مرتبط بسوء التكيف‬ ‫االجتماعي أو العائلي أو الصناعي‪ ،‬اجلهل‪،‬‬ ‫والتعصب‪ ،‬وأخيرا التقلب االقتصادي الذى‬ ‫يؤدى الى احلرمان واالمراض العضوية والعقلية‬ ‫(الصحة االجتماعية)‪8.‬‬ ‫الـمـــرض‪ :‬نستطيع ان نقول بان‬ ‫‪ -1‬‬ ‫املرض هو ‪ :‬العجز في التناسق‪ ،‬وعدم القدرة‬ ‫على التأقلم مع الظروف احمليطة‪ ،‬وكل هذا‬ ‫مربوطة مبجموعة من املؤثرات في الوسطي‬ ‫الطبيعي واالجتماعي ومثل هذه املؤثرات‬ ‫«الطقس والهواء والتربة واملواد املتنوعة‬ ‫املوجودة داخل الوسط البيئي الفيزيقي‪ ،‬وتوزيع‬ ‫وكثافة وحركة السكان واسلوب ووجبات الغذاء‬ ‫واالعمال التي ميارسونها ومسكنهم وعاداتهم‬ ‫وتقاليدهم ‪.‬واالستجابة لهذه املؤثرات اخملتلفة‬ ‫تعتمد على التركيب اجليني لألفراد ‪ ،‬واالنتشار‬ ‫النسبي لألمراض اخملتلفة في أنحاء اخملتلفة من‬ ‫العالم ادى انعكاسا الختالف الظروف البيئية‬ ‫واالجتماعية في االماكن اخملتلفة‪.‬‬ ‫حاول يوجن أن مييز بني ثالثة مصطلحات هي‬ ‫املرض ‪ ،sickness‬واملرض‪ ،disease‬والعلة‪،illness‬‬ ‫واملصطلح األول‪ :‬مصطلح شامل يشير إلى‬ ‫جميع األحداث التي تنطوي على اعتالل الصحة‪،‬‬ ‫مرضا ‪ disease‬أو علة‬ ‫سواء كان هذا االعتالل‬ ‫ً‬ ‫‪ ،illness‬أما املصطلح الثاني ‪ disease‬فيشير‬ ‫إلى احلاالت املرضية للكائن احلى‪ ،‬بصرف النظر‬ ‫عن اإلدراك الثقافي والنفسي لهذه احلاالت‪،‬‬ ‫ويشير املصطلح الثالث‪ illness‬إلى التعريف‬ ‫الثقافي واالجتماعي أو اإلدراك احلسى واخلبرات‬ ‫املرتبطة باملرض‪ ،‬ويتضمن هذا املصطلح بعض‬

‫أمراضا (وفق‬ ‫احلاالت املرضية التي ميكن أن تعد‬ ‫ً‬ ‫التعريف الطبي)‪ ،‬وغيرها من احلـاالت التي‬ ‫ليـست مصنفة كأمراض وف ًقا للتعريف الطبي‬ ‫(الرسمي) للحاالت املرضية‪9.‬‬ ‫وهناك تعريف آخر للمرض هو انحراف ما عن‬ ‫حالة األداء الوظيفي السوى تكون له نتائج غير‬ ‫مرغوبة نظرًا ملا يؤدى إليه من إزعاج شخص أو‬ ‫ما ينجم عنه من آثار تتعلق باملكانة الصحية‬ ‫لإلنسان في املستقبل‪10 .‬‬ ‫وقد عرف قاموس وبستر الدولي املرض‬ ‫(باعتباره حالة يكون اإلنسان فيها مختل‬ ‫الصحة ويكون اجلسم في حالة توعك بسبب‬ ‫املرض‪ ،‬واملعنى احلرفي لكلمة مرض هو االحتياج‬ ‫للراحة‪ .‬واحلقيقة أن للمرض معان متعددة‬ ‫تختلف باختالف األدوار وهو يشمل نواحي طبية‬ ‫واجتماعية واقتصادية‪ ،‬ويؤثر املرض في الناس‬ ‫بطرق مختلفة أما بشكل مباشر أو غير مباشر‬ ‫وله نتائج خاصة على األفراد واجملتمعات‪ ،‬أي أن‬ ‫املرض يُعرف بأنه انحراف في حالة اإلنسان عن‬ ‫املعتاد واالنحراف أما أن يكون في التركيب أو‬ ‫في وظيفة العضو املريض‪ ،‬واألمراض تختلف‬ ‫مسبباتها اختالفا كبيرًا‪ ،‬فمنها األمراض البيئية‪،‬‬ ‫واألمراض الفسيولوجية واألمراض الوراثية)‪.‬‬ ‫واملرض كما اشرنا سابقا اليه هو‪ :‬انحراف عن‬ ‫احلالة الطبيعية للجسم إلى احلد الذي تصبح‬ ‫فيه القدرات‬ ‫الفسيولوجية لألنسجة البدنية غير كافية‬ ‫إلعادة اجلسم إلى حالته الطبيعية‪ .‬ويصبح‬ ‫املرض وبائ ًيا إذا أصيب به ( ‪ )% 10‬أو أكثر من‬ ‫السكان ‪ ،‬وتقسم األمراض إلى نوعني هما‪:‬‬ ‫األمراض املزمنة‪:‬‬ ‫هي األمراض التي تصيب الفرد لفترة طويلة‪،‬‬ ‫وتؤثر على جهاز وظيفي واحد‪ ،‬أو أكثر في جسمه‪،‬‬ ‫مما يؤثر على صحة املريض‪ ،‬ويبقى املريض حتت‬ ‫الرعاية الطبية‪ ،‬مثل أمراض السكري والدم‬ ‫واملفاصل والعظام والقلب والسرطان‪.‬‬ ‫‪231‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪232‬‬

‫احلالة الصحية الى حد بعيد يصعب معه على‬ ‫األمراض غير املزمنة‪:‬‬ ‫هي األمراض التي تصيب الفرد لفترة محدودة املريض أن يستعيد صحته‪ .‬وكما يتبني لنا فان‬ ‫من حياته دون مسببات معروفة‪ ،‬وغال ًبا ما تكون هذه الدرجات نسبية من الصعب قياسها‬ ‫لفترة قصيرة‪ ،‬ويتجاوب املريض مع العالج‪ ،‬ويندر بالتحديد‪11.‬‬ ‫ما تترك آثار سيئة على املريض‪ ،‬مثل أمراض‬ ‫النظرية الفوكوية للصحة واملرض‬ ‫اجلهاز التنفسي‪ ،‬واجلهاز الهضمي‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من اننا قد عاجلنا كل من املفهوم ميشيل فوكو‪ :‬فيلسوف فرنسي مثير للجدل‬ ‫االجتماعي للمرض واملفهوم االجتماعي للصحة ينتمى الى تيار ما بعد البنيويةـ وهو استاذ‬ ‫على حدة‪ ،‬اال ان التحليل قد أوضح ان هناك لتاريخ املذاهب الفكرية‪ ،‬كان له تأثير عميق (براه‬ ‫عدة درجات بني الصحة واملرض‪ ،‬فالصحة ميكن البعض تأثيرا سيئا!)على علم االجتماع منذ‬ ‫تعريفها من حيث شدتها على انها مدرج قياس منتصف سبعينات القرن العشرين‪ .‬وتستعصى‬ ‫أو عبارة عن متصل احد طرفيه الصحة املثالية‪ ،‬أعمال فوكو على الوصف والتشخيص السهل‬ ‫والطرف االخر هو انعدام الصحة (املوت) وبني ‪.‬ولعل نيتشة ‪ Neeitzsche‬هو صاحب التأثير‬ ‫الطرفني درجات متفاوتة من الصحة واملرض ‪ ،‬الفكري الرئيسي على أعماله‪12 .‬‬ ‫وهذا هو املنطلق الذى سننطلق منه في حتليلنا لقد كان ميشيل فوكو فيلسوفا ً وسياسيا‬ ‫لظاهرة الصحة واملرض‪ ،‬وعلى ذلك تكون درجات وسوسيولوجيا للصحة تخترق أسئلته اجملال‬ ‫املرئي والبسيط للممارسة الطبية والظاهرة‬ ‫الصحة هي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ا‪ -‬الصحة املثالية‪ :‬وفيها التكامل واملثالية الصحية‪ ،‬من خالل ربطه للبيولوجيا واملرض‬ ‫البدنية والنفسية واالجتماعية‪ ،‬ونادرا ما يتوفر واملستشفى واجلنس واجلسد واملتعة…الخ‪،‬‬ ‫هذا املستوى‪ ،‬ولكنه هدف بعيد لبرامج الصحة بالسلطة التي اعتبرها فوكو املسؤول األ ّول‬ ‫العامة واالجتماعية حتاول الوصول الى حتقيقه‪ .‬والوحيد عن صحة البشر وحياتهم وموتهم‬ ‫ب‪ -‬الصحة االيجابية‪ :‬وفيها تتوفر طاقة ووالدتهم‪ .‬وهنا تكمن فرادة أطروحة هذا األخير‪،‬‬ ‫صحية ايجابية متكن الفرد او اجملتمع من حيث أ ّن اجتاهه نحو دراسة البعد الدولي‬ ‫مواجهة املشكالت واملؤثرات البدنية والنفسية للبيولوجي‪ ،‬وإبداع مفاهيم جديدة من قبيل‬ ‫واالجتماعية دون ظهور أي أعراض أو عالمات «دولنة البيولوجي» و»عنصرية الدولة» «السلطة‬ ‫احليوية»‪« ،‬السياسية احليوية»‪« ،‬إدارة احلياة»‬ ‫مرضية‪.‬‬ ‫ج‪ -‬سالمة متوسطة‪ :‬وفيها ال تتوفر طاقة «النزولوجيا السياسية»‪« ،‬اآلليات االنضباطية‪،‬‬ ‫ايجابية من الصحة وعند التعرض ألى مؤثرات اآلليات التنظيمية» «احلقّ في اإلماتة» واحلق في‬ ‫اإلبقاء على قيد احلياة» «إدارة األجساد» «التدبير‬ ‫يسقط الفرد أو اجملتمع فريسة للمرض‪.‬‬ ‫د‪ -‬املرض غير الظاهر‪ :‬وفي هذا املستوى ال يشكو احلسابي للحياة» «االقتصاد السياسي للحياة»…‬ ‫املريض من أعراض ولكن ميكن اكتشاف احلالة الخ‪ ، .‬هو ما جعل من الرجوع إلى ميشيل فوكو‬ ‫لدراسة الظاهرة الصحية ضرورة قصوى‪ ،‬أل ّن‬ ‫املرضية بعالمات أو اختيارات خاصة‪.‬‬ ‫ه‪ -‬املرض الظاهر‪ :‬وفي هذا املستوى يشكو نزوع بعض الباحثني إلى دراسة تط ّور املمارسة‬ ‫الصحية املرتبطة بها بعيدا ً عن‬ ‫املريض من أعراض يحس بها أو عالمات مرضية الطبية والقضايا‬ ‫ّ‬ ‫السلطة السياسية التي حتتضنها‪ ،‬والشروط‬ ‫ظاهرة له‪.‬‬ ‫و‪ -‬مستوى االحتضار‪ :‬وفي هذا املستوى تسوء السياسية والتاريخية واالجتماعية التي تولد‬


‫داخلها هو ما أفقد هذا النوع من الدراسات جزءا ً‬ ‫من كمالها‪ ،‬ومنح ألعمال فوكو قيمة مضافة‬ ‫علمية تفتقدها العديد من الدراسات التي‬ ‫الصحة واملرض داخل‬ ‫تدعي لنفسها دراسة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجملتمعات اإلنسانية‪.‬‬ ‫وفي احلقيقة ان ميشيل فوكو يقدم في كتابه‬ ‫«يجب الدفاع عن اجملتمع « توضيحات اساسية‬ ‫ملسالة ومفهوم السلطة « ‪ . 13‬وانه لن يبحث‬ ‫عن السلطة في النقاط التي تتركز فيها‪ ،‬أي في‬ ‫رأس الدولة سواء كانت ملكا أو نظاما سياسيا‪،‬‬ ‫ولن يبحث عن كيفية تشكل السلطة ونشأة‬ ‫السيادة ‪ Sovereignty‬كما فعل هوبز مثال في‬ ‫كتابه «التنني» ‪ ،Leviathan‬أو كما بحث عنها‬ ‫لوك في العقد االجتماعي الذي يخرج اجملتمع‬ ‫من حالة الطبيعة األولى‪ ،‬أو كما بحث عنها جان‬ ‫جاك روسو في مفهوم اإلرادة العامة ‪General‬‬ ‫‪.Will‬‬ ‫بل سيبحث عنها في كتاباتها‪ ،‬وهي في‬ ‫حالة املمارسة‪ ،‬في أسفل اجملتمع‪ ،‬في الشارع‬ ‫والسجن واملدرسة واملستشفى واجليش واحلرب‪،‬‬ ‫ال في القصر امللكي أو اجلمهوري‪ ،‬وال في مبنى‬ ‫البرملان أو في قاعة احملكمة‪14 .‬‬ ‫ويتضح االختالف بني طريقة فوكو في دراسة‬ ‫السلطة والطريقة الليبرالية التي تنشغل‬ ‫بقضايا الشرعية ونشأة السلطة ومصادر‬ ‫القوة والتي تضمها نظرية العقد االجتماعي‪،‬‬ ‫في ذهابه إلى أن السلطة يجب البحث عنها‬ ‫في املمارسات اليومية واجلزئية‪ ،‬وكذلك في‬ ‫املوضوعات التي تقع خارج العقد االجتماعي‪،‬‬ ‫أي في العالقات التي ال يربطها أي تعاقد‪ ،‬مثل‬ ‫العالقة بني الطبيب واملريض‪ ،‬واملستشفى‬ ‫باعتبارها تنظيما سلطويا واملرضى باعتبارهم‬ ‫موضوعات متارس عليها التقنيات العالجية‬ ‫واإلدارية الطبية‪ ،‬والعالقة بني إدارة السجن‬ ‫والسجناء‪ ،‬واملدرسة والتالميذ‪ ،‬واجليش و اجلنود‪.‬‬ ‫هذه املواقع السلطوية تقدم لفوكو مناذج من‬

‫البشر الذين ال يضمهم أي عقد اجتماعي‪ ،‬بل‬ ‫هم خارجه‪ ،‬ويسميهم فوكو ذوات ال تعاقدية‬ ‫‪ ( )،non-contractual subjects‬وهي املنحرف واملريض‬ ‫والتلميذ واجلندي والعامل‪ .‬كان يعتقد دائما‬ ‫أن هؤالء الذين يقعون خارج العقد االجتماعي‬ ‫– نظرا لهامشيتهم وبعدهم عن السلطة‬ ‫باملعنى الليبرالي باعتبارها اتفاقا بني أفراد‬ ‫كاملي األهلية يتمتعون بحقوق – ليست لهم‬ ‫أية أهمية في الكشف عن حقيقة السلطة‬ ‫وآليات عملها‪ ،‬لكن فوكو يقلب اآلية ويبحث عن‬ ‫السلطة في هؤالء األشخاص‪.‬‬ ‫وبدال من أن تكون السلطة التعاقدية الليبرالية‬ ‫وأبعادها احلقوقية هي األساس في البحث عن‬ ‫السلطة في الغرب وكل ما عداها من تنظيمات‬ ‫اجتماعية هو الهامش بالنسبة لها‪ ،‬يضع فوكو‬ ‫العالقات الالتعاقدية مع املهمشني في مركز‬ ‫حتليالته‪ ،‬ويذهب إلى أن املؤسسات التي تتعامل‬ ‫معهم هي املصدر احلقيقي للكشف عن طبيعة‬ ‫القوة وآليات ممارستها ‪15‬‬ ‫ان احلقيقة التي كشف عنها فوكو‪ ،‬وميكن القول‬ ‫بنوع من االحتراس‪ ،‬أن بعض جتلياتها ما تزال‬ ‫حاضرة إلى اليوم‪ ،‬وهي أن‪ :‬املؤسسات العالجية‬ ‫بكل أصنافها ال تقوم بأي وظيفة طبية‪ ،‬ألنها‬ ‫ال تتوفر على أي فكرة طبية‪ .‬فمهمتها األولى‬ ‫سياسية أوال‪ ،‬شبيهة بتلك التي يقوم بها‬ ‫السجن‪ ،‬ضمن سياسة انضباطية عامة‪ ،‬تقوم‬ ‫على « املراقبة و املعاقبة‪ ،‬للعناية والقمع‪،‬‬ ‫للمساعدة واالعتقال‪ ،‬الشيء الذي يجعل هذه‬ ‫املؤسسات السياسية‪ « ،‬مؤسسات غريبة‬ ‫يصعب أحيانا ً حتديد معناها ووضعها‪ 16.‬ألن‬ ‫هذه املؤسسات في نظره هي املواقع السلطوية‬ ‫احلقيقية‪ ،‬ال املواقع التقليدية التي درسها علم‬ ‫السياسة دائما من أحزاب وبرملان ورأي عام وإعالم‬ ‫ومؤسسات سياسية وهيكل إداري حكومي‬ ‫ووزارات‪ .‬إلخ‪.‬‬ ‫يؤكد فوكو ‪ Foucault1977‬انه لكى نفهم‬ ‫‪233‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪234‬‬

‫دور الطب في اجملتمع يجب ان نراه كجزء من‬ ‫متطلبات اجتماعية اوسع بالتنظيم ومراقبة‬ ‫االجساد‪ ،‬انه يستخدم مصطلح االجساد بكل‬ ‫من املعنى الفيزيقي لألجساد الفردية وباملعنى‬ ‫االكثر جتريد ألجساد الناس‪ .‬و وفقا لفوكو‪ ،‬فان‬ ‫احلاجة الى منو التنظيم كمجتمع تصبح اكثر‬ ‫تعقيد‪ ،‬كما تصبح متحضرة وجتعل الناس معا‬ ‫في جمهور واحد كبير‪17 .‬‬ ‫ومتتلك املناطق احلضرية اماكن عامة واخرى‬ ‫خاصة ‪ ،‬و»أمكنة املؤسسات العامة من‬ ‫املستشفى الى املدرسة‪ ،‬الى السجن‪ ،‬الى الدوائر‬ ‫احلكومية‪ ،‬الى ثكنات البوليس واجليش‪ ،‬ال تقدم‬ ‫مجرد ابنية حيادية‪ .‬انها مشغولة بامللفوظ‬ ‫واملرئي معا‪ .‬وهي كلها مراكز تدريب وتأهيل‬ ‫وتنميط‪ .‬تشتغل جاهزيتها بأحدث العلوم‬ ‫من طب جسدي ونفسى وحقوقي وسياسة‬ ‫واجتماع وقانون‪ .‬الخ‪ ..‬لكنها مع ذلك تظل لها‬ ‫استقالليتها من حيث طرق تشغيلها وانتاجها‬ ‫للجسد املنمط حسب املواصفات املعرفية التي‬ ‫يختص بها كل نوع من هذه االبنية غير احليادية‬ ‫أبدا»‪ 18.‬كما تفرز سلوكا مالئما لألجساد التي‬ ‫تشغلها‪.‬‬ ‫وميكن فهم الطب ‪ ،‬وخاصة الطب في‬ ‫البيمارستان او املستشفى العقلي ِ‪،asylum‬‬ ‫والطب السريري وعلم الصحة العامة اليومية‪،‬‬ ‫داخل هذا السياق االوسع للضبط العام‪ ،‬ويناقش‬ ‫فوكو ان الطب ال ميثل فقط دور الطب السريري‬ ‫ولكن ايضا االخالق‪ .‬بالنظر ألشكال التعبير‬ ‫اجلنسي‪ ،‬كما يصفها في مؤلفه تاريخ اجلنس‬ ‫‪ .1977‬حيث يشير الى الدور املتزايد للطب‬ ‫في تأسيس نظام للجنس املقبول‪ .‬ومن هنا‬ ‫أهمية مفهوم العلم حيث نشأت علوم حديثة‬ ‫عقالنية‪ -‬مثل االقتصاد‪ ،‬والتخطيط احلضري ‪،‬‬ ‫وادارة السجون‪ ،‬وظهور الطب‪ -‬كانت اساسية‬ ‫النضباط الناس كأجساد عامة وخاصة‪ .‬وكان‬ ‫لهذه العلوم اساليبها اخملتلفة ‪ ،‬لتشريح‬

‫اشكال الضبط االجتماعي والتنظيمي للناس‬ ‫مبا يشكل اشكاال قويا للخطاب االجتماعي‪.‬‬ ‫وميثل مفهوم اخلطاب‪ discourse‬لدى فوكو‬ ‫اساس في حتليله‪ ،‬اخلطابات اساليب للمعرفة‬ ‫او التمثيل‪ ،‬وضبط للواقع والسلوك االجتماعي‪.‬‬ ‫ويعتبر اخلطاب الطبي واحد من اكثر اخلطابات‬ ‫قوة‪ ،‬ألنه يحدد وينظم ويضبط االجساد البشرية‬ ‫من املهد الى اللحد‪ .‬وظهور هذا اخلطاب في‬ ‫البداية اثناء القرن ‪ :19‬فقط اجتهت املعرفة‬ ‫الطبية –االدارية‪ ،‬لتطويرية االهتمام باجملتمع ‪،‬‬ ‫وصحته ومرضه وظروف حياته واسكانه وعاداته‪،‬‬ ‫التي شكلت جوهر االقتصاد االجتماعي وعلم‬ ‫اجتماع القرن ‪ .19‬يرى فوكو ان اخلطاب الطبي‬ ‫واملهنة الطبية هي البديل للخطاب الديني‬ ‫االكليركي‪ ،‬الذى سيطر في قرون سابقة‪ .‬فقد‬ ‫قدم الطب العلمي‪ ،‬واملدني وسائل للنظام‬ ‫االجتماعي والضبط كما يفترض تيرنر‪:‬‬ ‫« ان الطبيب حل محل الكاهن احملافظ على القيم‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ومنظم املؤسسات الكنسية(‬ ‫مثل النظام الشعائرى‪ ،‬واماكن التدريب املهني‪،‬‬ ‫ومساعدات للمهاجرين‪ ،‬واماكن العبادة واملأوى)‬ ‫التي حتولت من خالل التطور العلمي للطب الى‬ ‫مجموعة ضخمة للهيئات املركزية للمراقبة‬ ‫والضبط‪ .‬كما نشأ الطب الوقائي‪ ،‬والطب‬ ‫االجتماعي وطب اجملتمع احمللى مما ساعد على‬ ‫اتساع هذه الهيئات وتنظيم احلياة االجتماعية‬ ‫بشكل اعمق»‪19 .‬‬ ‫وهكذا يستبدل الكبح الديني وانكار اجلسد‬ ‫نظم الصحية‪ .‬نظام وممارسة مبا ميثل االشكال‬ ‫املعاصرة للتنظيم الذاتي والتنظيم العام‬ ‫ألجسادنا‪ .‬وحتل النظرة االكلينيكية محل‬ ‫االكليركية‪.‬‬ ‫من املمكن ان نقول « في هذا السياق أن رؤى‬ ‫(فوكو) حول اجلسد كانت مبثابة حوار وجدل بنا ًء‬ ‫مع أفكار (نيتشه) ‪ ،‬وال يعني ذلك احلوار ‪ -‬بداهة‪-‬‬ ‫أن ثمة اتفاق بينهما‪ ،‬بل أن نقطة االنطالق‬


‫لدى (فوكو) تتباين تباينا ً حاسما ً مع رؤيته‪.‬‬ ‫ويرى (فوكو) أن األهمية التي يعطيها (نيتشه)‬ ‫للجسد مبررة‪ ،‬إال أن (فوكو) يرى من زاوية أخرى‬ ‫أن (نيتشه) قد أعطى اجلسد حرية حترك كبيرة‬ ‫للغاية ورأى فيه رمزا ً ملواجهة احلداثة والعقالنية‬ ‫‪ .‬فاجلسد في رؤية (نيتشه) ليس جسدا ً خاضعا ً‬ ‫وديعا ً ‪ Docile‬بل على العكس فهو يراه أكثر‬ ‫فاعلية‪ ،‬وسالحا ً في املعركة ضد امليتافيزيقا‪،‬‬ ‫وأداة اخلطاب الفلسفي نحو حياة وعصر اإلنسان‬ ‫الكامل‪ ،‬ووسيلة لنقد معطيات احلداثة بكل‬ ‫أساطيرها وقيمها ورؤاها‪ .‬أما (فوكو) فيعتقد‬ ‫أن اجلسد ليس مجرد كيان طبيعي‪ ،‬وإمنا هو كيان‬ ‫ينتج اجتماعا ً ‪ Socially produced‬من خالل ‪ - 15‬أشرف حسن منصور‪ :‬نقد فوكو للنظرية الليبرالية‬ ‫نظم املعرفة والسلطة‪ ،‬بحيث يصبح جسدا ً في السلطة‪ ،‬املرجع السابق‬ ‫ زكريا اإلبراهيمي ‪ :‬املدخل السياسي إلى الصحة‪،‬‬‫ليناُ طيعا ً ‪20 .‬‬ ‫شكري وآخرون‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪،1992 ،‬ص‪.147‬‬ ‫‪ - 10‬محمد على محمد وآخرون‪ ،‬دراسات في علم‬ ‫االجتماع الطبي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪،1996،‬ص‪.149‬‬ ‫‪ - 11‬فوزى جاد اهلل‪ :‬الصحة العامة والرعاية الصحية‪،‬‬ ‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪.3-2‬‬ ‫‪ - 12‬جون سكوت وجوردون مارشال‪ :‬موسوعة علم‬ ‫اجتماع‪ ,‬ترجمة‪ :‬محمد جوهري ‪..‬مجلد الثاني ‪.‬ص‪538‬‬ ‫‪ - 13‬ميشيل فوكو‪ :‬يجب الدفاع عن اجملتمع‪ ،‬ترجمة‬ ‫الزواوي بغوره‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪،2003 ،‬‬ ‫ص ‪.25‬‬ ‫‪ - 14‬أشرف حسن منصور‪ :‬نقد فوكو للنظرية الليبرالية‬ ‫في السلطة‪2009 ،‬م‪ ،‬مركز مساواة املرأة‬ ‫‪http://www.c-we.org‬‬

‫‪2012‬م‪ ،‬االنترنت‬ ‫‪ - 16‬ابتسام سيد عالم ‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫ ميشيل فوكو‪ :‬املراقبة واملعاقبة والدة السجن‪ ،‬ترجمة‬‫على مقلد‪ ،‬مركز االمناء القومى‪ ،‬بيروت‪1990 ،‬م‪،‬ص ‪.35‬‬ ‫‪ - 17‬ابتسام سيد عالم ‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪ - 1‬على محمد املكاوي واخرون ‪ :‬دراسات في علم االجتماع ‪ - 18‬حسني إبراهيم عبد العظيم‪ :‬اجلسد والسلطة‬ ‫الطبي في الوطن العربي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.59‬‬ ‫واملعرفة‪ :‬دراسة حتليلية إلســـــهام ميشيل فوكو في‬ ‫املرجع‬ ‫االجتماع‪،‬‬ ‫‪ - 2‬شارلوت سيمور‪ :‬موسوعة علم‬ ‫تأسيس سيسيولوجيا اجلسد‪،‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪.359‬‬ ‫‪ - 19‬مجلة كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بني ســـــويف‪،‬‬ ‫‪ - 3‬على محمد املكاوي واخرون ‪ :‬دراسات في علم ‪ - 20‬العدد الثاني عشر – اجلزء الثاني‪ ،‬إبريل ‪.2008‬‬ ‫االجتماع الطبي في الوطن العربي‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬ ‫ص‪.61‬‬ ‫‪ - 4‬أمني عبداحلليم خليل‪ :‬أسس ممارسة التربية‬ ‫الصحية‪ ،‬مكتبة جامعة االسكندرية‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬ ‫‪1962‬م‪ ،‬ص‪.75‬‬ ‫‪ - 5‬شارلوت سيمور‪ :‬موسوعة علم االجتماع‪ ،‬املرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪359‬‬ ‫‪ - 6‬على محمد املكاوي واالخرون ‪ :‬دراسات في علم‬ ‫اجتماع الطبي في الوطن العربي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.43‬‬ ‫‪ - 7‬فوزى جاد اهلل‪ :‬الصحة العامة والرعاية الصحية‪،‬‬ ‫ط‪ ،1‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪1968 ،‬م‪ ،‬ص‪.1‬‬ ‫‪Santilay Roy: A Handbook of Preventive and - 8‬‬ ‫‪2nd end , London: Academic ,Social Medicine‬‬ ‫‪.1.P,1969,Publisher>s‬‬ ‫‪ - 9‬شارلوت سيمور‪ ،‬موسوعة علم اإلنسان‪ ،‬ترجمة علياء‬

‫‪235‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪236‬‬

‫مفهوم احلصانة البرملانية‬ ‫فى كوردستان‬ ‫قانون إنتخاب برملان‬ ‫كوردستان – العراق‬ ‫ومشروع دستور إقليم‬ ‫كوردستان‬ ‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬شورش حسن عمر‬ ‫كلية القانون والسياسة‬ ‫جامعة السليمانية‬


‫مقدمة‬

‫من النتائج الضرورية ملبدأ الفصل‬ ‫بني السلطات هو ضمان حرية أعضاء البرملان‬ ‫‪،‬اذ يجب ان يكون البرملان مستقآل‪ ،‬وان تكون‬ ‫حرية أعضائه مكفولة ‪،‬حتى التتمكن السلطة‬ ‫التنفيذية من التأثير فى أعضاء البرملان‬ ‫بالترغيب أو اإلرهاب‪.‬لذلك تنص الدساتير عادة‬ ‫على ضمانات حلرية هؤالء األعضاء ‪.‬فعضو‬ ‫البرملان عندما يحمل هذه الصفة يحتاج‬ ‫الى من يحصنه ويقيه من أى إجراء مينعه من‬ ‫التحدث فى اجمللس ‪ ،‬وعلى هذا فأن الدساتير قد‬ ‫منحت العضو حصانة يستطيع من خاللها ان‬ ‫يطرح ما يشاء من األفكار وان يجادل من يشاء‬ ‫من الوزراء من دون ان تلقى عليه املسؤلية ‪،‬كما‬ ‫انه محصون من إتخاذ اية إجراءات جنائية ضده‬ ‫دون أذن اجمللس عند إتهامه بجرمية وقعت فى‬ ‫داخل اجمللس او خارجه بإستثناء حالة ضبط هذا‬ ‫العضومتلبسآ باجلرمية ‪.‬‬ ‫لذلك ضمانآ إلستقالل أعضاء البرملان‬ ‫وحمايه لهم ضد انواع التهديد واإلنتقام سواء‬ ‫من جانب السلطات األخرى فى اجملتمع أو من‬ ‫جانب األفراد تتضمن دساتير معظم دول العالم‬ ‫نصوصآ تكفل لهم الطمأنينة التامة والثقة‬ ‫الكاملة عند مباشرة أعمالهم ‪.‬وهذه النصوص‬ ‫تعرف بإسم احلصانة البرملانية أو املناعة‬ ‫البرملانية كما يطلق عليها البعض ‪ ،‬وتشمل‬ ‫هذه احلصانة نوعني من الضمانات وهما ‪ :‬عدم‬ ‫مسؤولية أعضاء البرملان (احلصانة املوضوعية‬ ‫) واحلصانة ضد اإلجراءات اجلنائية (احلصانة‬ ‫اإلجرائية)‪ .‬وتختلف احلصانة البرملانية هذه عن‬ ‫غيرها من احلصانات االخرى املقررة لبعض الفئات‬ ‫من الوظائف العامة كاحلصانة الدستورية ‪،‬‬ ‫الدبلوماسية ‪ ،‬القضائية والوظيفية ‪.‬‬ ‫عليه سوف نتناول فى بحثنا هذا احلصانة‬ ‫البرملانية بنوعيها‪ ،‬وذلك على ضوء ما اقر به فى‬

‫قانون إنتخاب برملان كوردستان _العراق رقم (‪)1‬‬ ‫لسنة ‪ 1992‬ومشروع دستور إقليم كوردستان‬ ‫_العراق لسنة ‪ ، 2009‬مع إجراء املقارنة مبا ورد‬ ‫فى هذا اجملال ضمن الدستور العراقى الدائم‬ ‫لسنة ‪ 2005‬ودساتير بعض الدول األجنبية و‬ ‫العربية ‪ ،‬ونخصص مبحثا متهيديا للنتطرق الى‬ ‫أنواع احلصانات االخرى وعلى النحو االتى ‪:‬‬ ‫املبحث التمهيدى ‪:‬مفهوم احلصانة وأنواعها‬ ‫املبحث األول‪ :‬احلصانة املوضوعية‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬احلصانة اإلجرائية‬ ‫املبحث التمهيدى‬ ‫مفهوم احلصانة وأنواعها‬ ‫احلَصانِة لغة تعنى املن ُع‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬م َدين ُة‬ ‫َحصين ُة؛ ودر ُع َحصين ُة‪ .‬قد وردت احلصانة مبعان‬ ‫عدة لكنها تلتقي في جوهرها حول معنى واحد‬ ‫هو املناعة والتحرز والوقاية مما يراد الوقاية منه أو‬ ‫التمنع عليه ‪.‬‬ ‫امااحلصانة إصطالحا فهي إمتياز يقرره‬ ‫القانون الدولي العام أو القانون الداخلي يؤدي‬ ‫إلى إعفاء املتمتع من عبء أو تكليف يفرضه‬ ‫القانون العام على جميع األشخاص الذين‬ ‫يوجدون على إقليم الدولة أو يعطيه ميزة عدم‬ ‫اخلضوع ألحكام سلطة عامة في الدولة ‪ ،‬وخاصة‬ ‫السلطة القضائية أو بعض أوجه مظاهرها «‬ ‫واحلصانة مبفهومها العام تتضمن عدة أنواع‬ ‫وال تقتصر على احلصانة البرملانية فقط‪ ،‬بل الى‬ ‫جانب هذه توجد احلصانة الدستورية ‪،‬احلصانة‬ ‫القضائية ‪،‬احلصانة الدبلوماسية واحلصانة‬ ‫الوظيفية ‪،‬وملعرفة العالقة بني احلصانة البرملانية‬ ‫وهذه احلصانات والتمييز بينها ‪ ،‬سنتاول هذه‬ ‫احلصانات مختصرا وعلى النحو التالي ‪:‬‬ ‫احلصانة الدستورية ‪:‬‬ ‫هي حصانة امللوك والرؤوساء ‪ ،‬وهذه احلصانة‬ ‫متنع إتخاذ اإلجراءات القانونية في مواجهة امللك‬ ‫أو رئيس الدولة ‪ ،‬وهنا تختلف مدى املسؤولية‬ ‫‪237‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪238‬‬

‫بحسب ما إذا كان رئيس الدولة ملكا ً أو رئيس‬ ‫جمهورية‪ ،‬فإذا كان ملكا حيث تبقى ذاته‬ ‫مصونة ال متس وال جتيز مسائلته عن أي جرمية‬ ‫يرتكبها‪ ،‬وذلك وفقا ً للقاعدة الدستورية «ذاته‬ ‫مصونة ال متس « وقد تكون هذه احلصانة جزئية‬ ‫كما في بعض الدساتير احلديثة التي جتيز‬ ‫مساءلة رئيس الدولة في حالة اخليانة العظمى‬ ‫ومخالفة الدستور‪ ،‬ولكن رفع احلصانة يظل‬ ‫مربوطا ً بإجراءات خاصة ال جتيز مساءلته إال بعد‬ ‫رفع هذه احلصانة عنه وإزالة القيد على حتريك‬ ‫الدعوى ‪.‬‬ ‫وإذا كان رئيسا ً للجمهورية ‪ ،‬فهو كقاعدة عامة‬ ‫يساءل جنائيا ً عن اجلرائم التي ال تتعلق مبهام‬ ‫وظيفته ‪ ،‬أما اجلرائم التي تتعلق بهذه الوظيفة‬ ‫فهو يسأل عنها في بعض احلاالت ‪ ،‬حيث يختلف‬ ‫نطاق املسؤولية اجلنائية بإختالف النظم ‪ ،‬ففي‬ ‫الدستور اإليطالي يحدد نطاق هذه املسؤولية‬ ‫بجرميتي اخليانة العظمى واإلعتداء على الدستور‬ ‫‪ .‬جند الدساتير الفرنسية حتددها بجرمية اخليانة‬ ‫العظمى ‪ .‬وقد حددها كل من الدستور العراقى‬ ‫الدائم لعام ‪ 2005‬ومشروع دستور اقليم‬ ‫كردستان–العراق‪ ،‬بثالث حاالت وهى (احلنث في‬ ‫اليمني الدستورية ‪،‬إنتهاك الدستور واخليانة‬ ‫العظمى)‪ .‬واإلتهام بجرائم اخليانة العظمى ‪ ،‬أو‬ ‫الرشوة ‪ ،‬أو غيرها من اجلنايات ‪ ،‬واجلنح اخلطيرة‬ ‫من سلطة مجلس النواب ‪ ،‬وهذه احلصانات‬ ‫تكون قاصرة على فترة رئاسته ‪ ،‬وإذا إنتهت مدة‬ ‫رئاسته‪ ،‬أو عزل وفقا ً لقواعد العزل ‪ ،‬فإنه يعامل‬ ‫كاألشخاص العاديني عن كافة اخملالفات التي‬ ‫إرتكبها أثناء فترة رئاسته سوي ما إتصل إتصاال‬ ‫وثيقا ً بواجبات وظيفته ‪.‬‬ ‫احلصانة القضائية ‪:‬‬ ‫ان احلصانة القضائية هي حصانة مقررة ألعضاء‬ ‫السلطة القضائية‪ ،‬والتى تشمل عدم مسؤولية‬ ‫القضاة عما يصدرونه من أحكام مهما شابهها‬ ‫من أخطاء سواء كانت هذه املسؤولية جزائية‬

‫أو مدنية أو تأديبية ‪ .‬ويترتب على هذه احلصانة‬ ‫أو الضمانة أن القرارات القضائية ال يجوز أن‬ ‫تكون عرضة للمناقشة أو التقييم من قبل‬ ‫السلطة التنفيذية أو غيرها من السلطات‬ ‫‪ .‬فاخلطأ القضائي يصحح بطريقة محددة‬ ‫رسمها القانون بالطعن في القرار اخلاطئ أمام‬ ‫احملكمة األعلى درجة ‪.‬كما أن القضاة يتمتعون‬ ‫باحلصانة ضد العزل ‪ ،‬وعليه فإن تعيينهم‬ ‫ونقلهم وتأديبهم وتقاعدهم وترقياتهم وغيرها‬ ‫من األعمال اإلدارية موكولة إلى جهة قضائية‬ ‫عليا تتولى هذه األمور ‪ ،‬ويتمتعون بحصانة‬ ‫جنائية عن بعض األفعال كالقذف والسب والتي‬ ‫تصدر منهم أثناء ممارستهم لعملهم وتكون‬ ‫ضرورية لذلك ‪ ،‬كما أن طبيعة األعمال القضائية‬ ‫وما تتسم به من خطورة وجالل هو الذي يبرر‬ ‫متييزهم عن غيرهم من موظفي الدولة بإجراءات‬ ‫خاصة عند مخاصمتهم مدنيا ً وجنائيا ً ‪.‬‬ ‫احلصانة الدبلوماسية‪:‬‬ ‫هي‪ :‬إمتياز يقرره القانون الدولي العام أو القانون‬ ‫الداخلي يؤدي إلى إعفاء املتمتع من عبء أو‬ ‫تكليف يفرضه القانون العام على جميع‬ ‫األشخاص الذين يوجدون على إقليم الدولة أو‬ ‫يعطيه ميزة عدم اخلضوع ألحكام سلطة عامة‬ ‫في الدولة وخاصة السلطة القضائية أو بعض‬ ‫مظاهرها ‪.‬‬ ‫وتعد احلصانة الدبلوماسية من أوسع‬ ‫أنواع احلصانات حيث تقضي بعدم خضوع‬ ‫الدبلوماسي األجنبي لقانون البلد الذي يؤدي‬ ‫مهمته الدبلوماسية فيه ‪ ،‬فال جتيز مساءلته وال‬ ‫محاكمته وال القبض عليه أو التحقيق معه ‪،‬‬ ‫أو حتى سماع شهادته عن أية جرمية أو قضية‬ ‫سواء جنائية أو مدنية أو جتارية أو إدارية أو غيرها ‪،‬‬ ‫ويدخل حتت هذه احلصانة رؤوساء الدول األجنبية‬ ‫والوفود الرسمية والسفراء ومن في حكمهم‬ ‫وموظفو الهيئات الدولية واملنظمات اإلقليمية‪.‬‬ ‫احلصانة الوظيفية ‪:‬‬


‫وهي عادة متثل قيدا ً قانونيا ً يوقف إتخاذ إجراءات‬ ‫التحقيق والقبض في املتهم املوجهة إلى‬ ‫املوظفني العموميني بصفة عامة حتى صدور‬ ‫اإلذن من السلطات اخملتصة بذلك ‪ ،‬وذلك فيما‬ ‫ينسب إليهم بسبب وظائفهم العامة ‪.‬‬ ‫وعند تأمل هذه احلصانات ‪ ،‬يتبني أن احلصانة‬ ‫كمصطلح قانوني ‪ ،‬تعنى ‪ :‬متتع الشخص‬ ‫بحماية قانونية معنية إما مطلقة كما في‬ ‫حصانة امللوك والرؤوساء أو جزئية كما في‬ ‫حصانة أعضاء البرملان ‪ ،‬وإما مؤقتة كما في‬ ‫حصانة املوظفني والقضاة ‪.‬‬ ‫وأيضا ً قد تكون مطلقة وشاملة بدون إستثناء‬ ‫كما في احلصانات الدبلوماسية ‪ ،‬واحلصانة‬ ‫بصفة عامة سواء كانت مطلقة أو مقيدة ‪،‬‬ ‫كاملة أو جزئية ‪ ،‬فإنها تعني في مفهومها العام‬ ‫متتع الشخص مبيزات قانونية متيزه عن عامة‬ ‫الناس وتضفي عليه حماية خاصة ال تعطيها‬ ‫لغيره وتصبغ على هذه اإلمتيازات حماية شرعية‬ ‫وقوة ملزمة جتاه الكافة وجتعلها من النظام‬ ‫العام ال يجوز اإلعتداء عليها أو التنازل عنها أو‬ ‫مخالفتها‪.‬‬ ‫وضمانا ً إلستقالل أعضاء البرملان والوظائف‬ ‫األخرى املشمولة باحلصانة كل بحسبها وحماية‬ ‫لهم ضد أنواع التعسف واإلنتقام والتدخل في‬ ‫أعمالهم سواء من جانب السلطات األخرى في‬ ‫اجملتمع أم من جانب األفراد وجدت احلصانة املقررة‬ ‫لهذه الوظائف كفالة إلستقاللهم وحريتهم‬ ‫عند مباشرة أعمالهم الدستورية والنيابية‬ ‫والقضائية والدبلوماسية والوظيفية والتجرد‬ ‫واحليدة في أقوالهم وأحكامهم وحتى يؤدوا‬ ‫أعمالهم وواجباتهم على أكمل وجه دون خوف‬ ‫أو تردد أو يخضعوا لضغوط سلطات أخرى أو أن‬ ‫يقعوا حتت رحمتهم ‪ .‬ومن ثم ال يقصد منها‬ ‫حماية شخصية وإمنا املقصود حصانة الوظيفة‬ ‫التي يشغلها ‪ ،‬وحماية إستقالله الوظيفي‬ ‫حتى يحسن أداء وظيفته ومتكينه من مواجهة‬

‫أية ضغوط أو مؤثرات قد يتعرض لها فال يخضع‬ ‫لهوى أو يذل لسلطان أو يخشى في احلق أحدا ً ‪،‬‬ ‫ويكون آمنا ً على حاضره مطمئنا ً على مستقبله‬ ‫حتى يؤدي دوره في اجملتمع بإرساء دعائم العدل‬ ‫وإعالء الشرعية وتدعيم سيادة القانون وحماية‬ ‫احلقوق وصيانة احلرمات ‪.‬وعليه فإن العالقة التي‬ ‫جتمع بني هذه احلصانات حتقيق املصلحة العامة‬ ‫في هذه الوظائف ‪ ،‬ألن العمل في هذه الوظائف‬ ‫يقتضي وجود هذه احلصانة حتى تؤدي مهامها‬ ‫على أكمل وجه بكل عدالة وجترد وأمانة ‪.‬‬ ‫املبحث األول‬ ‫احلصانة املوضوعية‬ ‫نتكلم في هذا املبحث عن احلصانة املوضوعية‬ ‫أو عدم مسؤولية أعضاء البرملان من خالل بيان‬ ‫مفهوم احلصانةاملوضوعية وتطورها التأريخي‬ ‫‪،‬واحلصانة املوضوعية التى يتمتع بهاأعضاء‬ ‫برملان إقليم كوردستان –العراق من حيث نطاقها‬ ‫وآثارها ومن ثم بيان طبيعتها القانونية وذلك من‬ ‫خالل املطالب الثالثة اآلتية ‪:‬‬ ‫املطلب األول ‪:‬مفهوم احلصانة املوضوعية‬ ‫وتطورها التاريخي‬ ‫املطلب الثانى ‪ :‬نطاق احلصانة املوضوعية‬ ‫املطلب الثالث ‪:‬األثر القانوني للحصانة‬ ‫وطبيعتها‬ ‫املطلب األول ‪:‬مفهوم احلصانة املوضوعية‬ ‫وتطورها التاريخي ‪:‬‬ ‫احلصانة املوضوعية تعني عدم مسؤولية عضو‬ ‫البرملان عن اآلراء واألفكارالتى يعبر عنهاوهويؤدى‬ ‫نشاطه باجمللس النيابي ‪.‬وهذا الضمان ضروري‬ ‫إلستقالل البرملان ‪ ،‬ألن في مؤاخذة األعضاء على‬ ‫ما يبدونه من اآلراء واألقوال بالبرملان خنقآ حلرية‬ ‫األعضاء ومينعهم من القيام بواجباتهم التى‬ ‫الميكن ان تتم على الوجه املرغوب اال إذا كانت‬ ‫لهم احلرية التامة في إبدائها على أى وضع‬ ‫‪239‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪240‬‬

‫شاءوا ‪ .‬ان الغرض من تقرير هذه القاعدة هي‬ ‫إتاحة الفرصة لنواب األمة ليعبروا عن آرائهم‬ ‫كلها تعبيرآحرآ دون أن يخشوااملساءلة عن كل‬ ‫جملة يقولونها ‪ .‬ومن ثم حمايتهامن جميع‬ ‫أنواع التعقيبات بسبب التصرفات التى يأتونها‬ ‫أثناء قيامهم بواجب التمثيل ‪،‬كإلقاء اخلطب‬ ‫وإبداء اآلراء ‪ ،‬والتصويت وما الى ذلك ‪.‬ويعد هذا‬ ‫املبدأ من القواعد األساسية التى تضمن حرية‬ ‫العمل ألعضاء البرملان ‪ ،‬ومن أقدس الضمانات‬ ‫الدستورية ألنه اذا اجيز لسلطة من السلطات‬ ‫او لألفراد مؤاخذة النائب بسبب أقواله وآرائه في‬ ‫البرملان حد ذلك من حريته وإستقالله ‪ ،‬وحال‬ ‫بينه وبني أدائه لواجباته على الوجه الذى يرضي‬ ‫ضميره ‪ .‬فإنحسار تلك الضمانة سيدفع عضو‬ ‫البرملان خشية املسؤولية الى التردد او حتى‬ ‫اإلمتناع عن اإلشتراك في املناقشات او إبداء‬ ‫األقتراحات او غير ذلك من األنشطة النيابية‬ ‫‪،‬مما يترتب على ذلك تعرض نشاط البرملان لنوع‬ ‫من الشلل او اجلمود ‪.‬من هنا يتبني ان املبدأ مقرر‬ ‫ملصلحة العضوية الملصلحة شاغلها ‪،‬ولذلك‬ ‫فان الرأى مستقر على تعلقه بالنظام العام ‪.‬‬ ‫ويعبر أحيانا عن هذا املبدأ بالقول اآلتى (اليفتح‬ ‫املنبر اية دعوى مدنية او جزائية)‪.‬‬ ‫واألصل التاريخى لعدم مسؤولية عضو‬ ‫البرملان عمايبديه من اآلراء واألفكار داخل اجمللس‬ ‫يعود الى النظام البرملانى اإلنكليزى ‪،‬فقد حصل‬ ‫هناك بني القرنني الرابع عشر والسادس عشر ان‬ ‫حوكم كثيرين من أعضاء البرملان عن مقترحات‬ ‫قدموها الى اجمللس او اقوال ابدوها على إعتبار‬ ‫انها متس مقام امللك او تخالف حقوقه ‪ ،‬ولم‬ ‫يكن في إستطاعة البرملان منع هذه احملاكمات‪،‬‬ ‫حتى قامت ثورة عام ‪،1688‬خرج منها البرملان‬ ‫منتصرا ‪،‬واصدر بعدها قانونا بإعفاء األعضاء من‬ ‫كل مسؤولية عما يبدونه في البرملان من االفكار‬ ‫واآلراء ‪،‬وهو قانون (‪/13‬شباط ‪)1689/‬الذى أعلن‬ ‫في الفقرة (‪)9‬من املادة األولى منه( بان حرية‬

‫الكالم واملناقشات داخل البرملان ال ميكن ان تطرح‬ ‫على اية محكمة او اى مكان خارج البرملان) ‪،‬وبعد‬ ‫ذلك في فرنسا أصدرت اجلمعية التأسيسية‬ ‫الفرنسية في (‪/23‬يوليه‪)1789/‬مرسوما يقضى‬ ‫بعدم جواز مالحقة النائب عن أقواله أثناء أداء‬ ‫واجبه النيابى ‪ ،‬وتواترت الدساتير و التشريعات‬ ‫بعد ذلك على إحتضان هذا املبدأ ‪،‬الذى مت إقراره‬ ‫في فرنسامبوجب املادة (‪)13‬من دستورسنة ‪1875‬‬ ‫‪،‬وفي املادة (‪)44‬من الدستور البلجيكى لسنة‬ ‫‪، 1831‬واملادة (‪ )51‬من الدستور اإليطالى لسنة‬ ‫‪ ، 1848‬وبعد ذلك إنتشر هذا املبدأ في دساتير‬ ‫دول العالم األخرى ‪،‬من تلك الدساتير املصرية‬ ‫بدءآ بدستور سنة ‪1923‬املادة (‪ )108‬منه وانتها ًء‬ ‫بدستور سنة ‪ 1971‬النافذ حاليا ‪ ،‬الذى نصت‬ ‫املادة (‪)98‬منه على ان ( اليؤاخذ أعضاء مجلس‬ ‫الشعب عما يبدونه من األفكار واآلراء في أداء‬ ‫أعمالهم في اجمللس او في جلانه )‪،‬كذلك أخذ‬ ‫الدستور العراقى لسنة ‪1925‬بهذا املبدأ في‬ ‫املادة (‪ )60‬منه بنصها على ان‪( :‬لكل عضو‬ ‫حرية الكالم التامة ضمن نظام اجمللس الذى هو‬ ‫منتسب اليه‪،‬وال تتخذ اية إجراءات قانونية ضده‬ ‫من أجل تصويت او بيان رأي ‪،‬او إلقاء خطبة في‬ ‫مداوالت اجمللس ومباحثاته) ‪،‬وقد اقر الدستور‬ ‫العراقي الدائم لسنة ‪ 2005‬هذا املبدأ عندما نص‬ ‫في املادة (‪/2/63‬أ )على انه (يتمتع عضو مجلس‬ ‫النواب باحلصانة عما يدلى به من آراء في أثناء‬ ‫دورة اإلنعقاد وال يتعرض للمقاضاة أمام احملاكم‬ ‫بشأن ذلك ) ‪.‬‬ ‫وقد سار على نفس النهج قانون إنتخاب برملان‬ ‫كوردستان –العراق رقم (‪ )1‬لسنة ‪1992‬وأقرعلى‬ ‫مبدأ عدم مسؤولية أعضاء البرملان عما يبدونه‬ ‫من اآلراء واألفكار والوقائع وذلك في املادة (‪)39‬‬ ‫منه عندما نصت على ان(اليسأل العضوعما‬ ‫يبديه من اآلراء او مايورده من وقائع أثناء ممارسة‬ ‫عمله في البرملان) فبموجب هذا النص يتمتع‬ ‫عضو برملان كوردستان باحلصانة املوضوعية وال‬


‫يتعرض للمساءلة القانونية بسبب ما يطرحه‬ ‫من األفكار واآلراء والوقائع في جلسات البرملان او‬ ‫جلانه ‪،‬علمآ بأن النظام الداخلى لبرملان كوردستان‬ ‫قد كرر مضمون املادة (‪ )39‬املذكورة بحذافيرها‬ ‫في املادة (‪ )26‬منه ولم يضع لهذه الضمانة اى‬ ‫قيد او حدود حتى يلتزم به أعضاء البرملان ويقيده‬ ‫عند ممارسة عمله البرملانى في هذا اجملال ‪،‬على‬ ‫خالف ما ورد في مشروع دستور اقلبم كوردستان‬ ‫لسنة ‪ 2009‬في املادة (‪ )1/55‬كما سنبينه الحقا‬ ‫والتى تنص بان(يتمتع عضو البرملان باحلصانة‬ ‫البرملانية ‪،‬وله حرية الكالم ضمن احلدوداملبينة‬ ‫في النظام الداخلي للبرملان )‪.‬‬ ‫ان فكرة النظام العام واآلداب من األفكار‬ ‫املرنة التى يصعب حتديدها حتديدا دقيقا ‪،‬وهى‬ ‫تعبر بصفة عامة عن األسس اإلقتصادية‬ ‫واإلجتماعية واألخالقية التى يقوم عليها نظام‬ ‫اجملتمع ‪.‬فالقواعد املتعلقة بالنظام العام واآلداب‬ ‫هى تلك القواعد التى يقصد بها حتقيق النظام‬ ‫في اجملتمع او حتقيق احلد األدنى من املصلحة‬ ‫العامة ‪ ،‬وقد يزيد او ينقص هذا احلد بحسب‬ ‫اإلجتاه الفلسفي السائد في الدولة ‪.‬هكذا فان‬ ‫فكرة النظام العام تبدو ذات طابع فلسفي‬ ‫وتتأثر في مضمونها بالنظرة العامة للوجود‬ ‫السائدة في مجتمع معني ‪.‬وكذلك ان فكرة‬ ‫اآلداب تعبر عن احلد االدنى من العادات األخالقية‬ ‫الالزم مراعاتها في اجملتمع يرجع في حتديدها الى‬ ‫اإلجتاهات األخالقية الناشئة عن النظرة العامة‬ ‫للوجودالسائدة في اجملتمع ‪.‬‬ ‫يتضح من هذه النصوص ان مبدأ‬ ‫سمو احلصانة املوضوعية ينطلق من األحكام‬ ‫الدستورية بدرجة أساسية ثم من أحكام‬ ‫القوانني واللوائح واألنظمة الداخلية للسلطة‬ ‫التشريعية ‪ .‬ويعنى هذا املبدأ عدم مساءلة‬ ‫عضو البرملان ال مدنيا وال جنائيا عن األفكار‬ ‫واآلراء التى يدلى بها داخل اجمللس وجلانه رغم‬ ‫ان هذه التصرفات لو صدرت عن فرد عادى أمكن‬

‫مساءلته ‪.‬وان إقرار هذا املبدأ في قانون إنتخاب‬ ‫برملان كوردستان ومشروع دستور اإلقليم يعد‬ ‫ضمانة مهمة ألعضاء برملان كوردستان لغرض‬ ‫قيامهم بأداء الدور اإليجابى في البرملان كممثلني‬ ‫عن عامة شعب اإلقليم وذلك دون اى تردد او خوف‬ ‫مماينجم عن أدائهم لدورهم من آثار قانونية ‪.‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬نطاق احلصانة املوضوعية‬ ‫يتمثل نطاق احلصانة املوضوعية في األقوال‬ ‫واألفكار التي يبديها العضو أثناء إنعقاد اجمللس‬ ‫او إجتماع جلانه‪ ،‬كما ان هذه احلصانة دائمية‬ ‫والتنتهي بزوال العضوية ‪ ،‬عليه سوف نبحث في‬ ‫نطاق الشخصي واملوضوعي والزمني للحصانة‬ ‫في الفروع اآلتية‪:‬‬ ‫الفرع األول ‪ :‬النطاق الشخصي واملوضوعى‬ ‫للحصانة املوضوعية ‪:‬‬ ‫يشمل مبدأ عدم املسؤولية حمايته‬ ‫ ‬ ‫على كل أعضاء البرملان‪ ،‬أي ان كافة أعضاء‬ ‫اجمللس النيابي ميكنهم أثارته لدفع املالحقات‬ ‫املوجهة ضدهم‪ ،‬ويستوي في ذلك العضو‬ ‫املنتخب والعضو املعني‪ .‬فالدستوراليفرق بني‬ ‫العضو املنتخب والعضو املعني ألن كالهما ينوب‬ ‫عن األمة نيابة قانونية‪ ،‬وليست وكالة إتفاقية‬ ‫تربط مبن إنتخبه او مع من عينه إذا كان من‬ ‫املعينيني‪.‬‬ ‫فقد نصت كل من املادة(‪ )39‬من قانون‬ ‫ ‬ ‫برملان كوردستان واملادة(‪ )26‬من نظام الداخلي‬ ‫للبرملان املتطابقتني على انه ‪ »:‬اليسأل العضو‬ ‫عما يبديه من آراء أو مايورده من وقائع أثناء‬ ‫ممارسة عمله في البرملان «‪ ،‬مبوجب هذا النص‬ ‫إقتصرت احلصانة املوضوعية على أعضاء البرملان‬ ‫وحدهم واليستفاد من هذه احلصانة أشخاص‬ ‫آخرين‪ ،‬وقد سلك املشرع الكردستاني املسلك‬ ‫املتبع لدى معظم دساتير دول العالم من حيث‬ ‫إقراره عدم مسؤولية أعضاء البرملان عما يبدونه‬ ‫‪241‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪242‬‬

‫من آراء او وقائع عند ممارسة عملهم البرملاني ‪،‬‬ ‫فمثالً نص الدستور املصري لعام (‪ )1971‬في‬ ‫املادة (‪ )98‬منه على هذا املبدأ بقوله ‪ »:‬اليؤاخذ‬ ‫أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من األفكار‬ ‫واآلراء في أداء أعمالهم في اجمللس او في جلانه»‪،‬‬ ‫والدستور اللبناني لسنة(‪ )1926‬في املادة (‪)39‬‬ ‫منه ‪ ،‬نصت على انه (اليجوز إقامة دعوى جزائية‬ ‫على أى عضومن أعضاء اجمللس بسبب اآلراء‬ ‫واألفكار التى يبديها مدة نيابته ) ‪ ،‬أما الدستور‬ ‫الفرنسى لعام ‪1958‬فقد نص في املادة (‪) 26‬منه‬ ‫على أنه ‪ »:‬اليجوز التحقيق مع أي عضو من‬ ‫أعضاء البرملان او البحث عنه أو القبض عليه او‬ ‫إعتقاله أو محاكمته بسبب مايبديه من اآلراء أو‬ ‫التصويت في أداء اعماله البرملانية»‪.‬‬ ‫اذن يتبني لنا من هذه النصوص‬ ‫ ‬ ‫الدستورية بأنه بخالف أعضاء البرملان المجال‬ ‫لإلستفادة من احلصانة املوضوعية حلماية أي‬ ‫شخص بلغت مابلغت مشاركته في أعمال‬ ‫البرملان‪ ،‬كالوزراء غير األعضاء وعمال اجمللس‬ ‫واخلبراء الذين قد يستعان بهم‪ ،‬ألن سبب عدم‬ ‫مؤاخذة العضو جتد تفسيرها في إعطاء العضو‬ ‫احلرية الكاملة واملطلقة في إبداء مايراه‪ ،‬وحتى‬ ‫التكون املؤاخذة حجر عثرة تقف أمام العضو‬ ‫وجتعله اليستطيع ان يبدي رأيا ً أو يطرح تفكيرا ً‬ ‫او يستجوب وزيرا ً خوفا ً من املؤاخذة وبذلك ميكن‬ ‫القول بأن هذه احلصانة هي إمتياز دستوري مقرر‬ ‫ألعضاء البرملان بصفاتهم ال بأشخاصهم سواء‬ ‫كانوا منتخبني او معينيني يتيح لهم أثناء‬ ‫قيامهم بواجباتهم البرملانية حرية الرأي والتعبير‬ ‫دون أي مسؤولية جنائية او مدنية‪ ،‬هكذا أقرت‬ ‫دساتير الدول للنواب ضمانة من أقوى الضمانات‬ ‫اذ يعلن صراحة عدم مسؤوليتهم عن األقوال‬ ‫واآلراء التي يبدونها أثناء أدائهم لوظيفتهم‪.‬‬ ‫ان هذا إستثناء من مبدأ املساواة بني‬ ‫ ‬ ‫األفراد‪ ،‬ولكنه إستثناء تبرره ضرورة لتمكني‬ ‫أعضاء اجملالس النيابية من التعبير عن آرائهم‬

‫بحرية تامة وثقة و إستقالل كاملني‪.‬‬ ‫وان هذه احلصانة يتمتع بها عضو‬ ‫ ‬ ‫برملان كوردستان كغيره من أعضاء البرملانات‬ ‫في الدول األخرى مبوجب قانون برملان كوردستان‬ ‫رقم(‪ )1‬لسنة ‪ ، 1992‬ومشروع دستور اإلقليم‬ ‫لسنة ‪،2009‬فهم اليتحملون اية مسؤولية‬ ‫على مايبدونه من األقوال واألفكار أثناء ممارسة‬ ‫عملهم البرملاني داخل البرملان او جلانه‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بالنطاق املوضوعى‬ ‫للحصانة املوضوعية فإن مبدأ عدم مسؤولية‬ ‫أعضاء البرملان يقتصر على األفكار واآلراء التي‬ ‫يبدونها مبناسبة ممارسة عملهم البرملاني‪ ،‬فهي‬ ‫التشمل األفعال املادية التي يرتكبها العضو‪،‬‬ ‫مثل إعتدائه على زميل له بالضرب داخل اجمللس‪،‬‬ ‫أو ان يعمد الى إحداث تزوير في محاضر جلسات‬ ‫اجمللس او إحدى جلانه‪ ،‬ففي هذه احلاالت ميكن ان‬ ‫يسأل العضو مدنيا ً وجنائيا ً على أساس األوضاع‬ ‫القانونية املقررة‪ ،‬ألن عدم مسؤولية عضو البرملان‬ ‫عن أرائه التي يبديها في البرملان تعتبر من قبيل‬ ‫حماية العضو في أداء وظيفته‪ ،‬فالميكن ان تعد‬ ‫األعمال املادية من وسائل احلماية للنائب ‪ .‬حيث‬ ‫ان هذه احلصانة تلحق عضو البرملان بسبب كونه‬ ‫عضوا ً في الهيئة التشريعية لذلك ان خرجت‬ ‫أعماله عما تقتضيه أعمال النيابة فأنه يقع‬ ‫حتت طائلة القانون ‪.‬‬ ‫اذن احلصانة املوضوعية محددة باألفكار‬ ‫ ‬ ‫واآلراء دون غيرها من التصرفات‪،‬وينصرف مدلول‬ ‫الفكر والرأي الى كل وسائل التعبير الكتابي‬ ‫واخلطابي التي تصدر عن النائب وهو يباشر‬ ‫عضويته في اجمللس واللجان املنبثقة عنه‪ ،‬وايا‬ ‫كانت التجاوزات التي تنطوي عليها واخملالفات‬ ‫التي تالبسها ‪ ،‬فاليسأل عن هذه األقوال‬ ‫واألفكار من قبل احد األفراد أو املوظفني الذين‬ ‫عنتهم‪،‬كما اليسأل العضو جنائيا ً بدعوى‬ ‫مباشرة او بواسطة النيابة العامة‪،‬مهما حملت‬ ‫أقوال العضو من جرائم‪ ،‬كأن يتهم العضو زميالً‬


‫له أو احد الوزراء أو أحد املوظفني بالتزوير أو‬ ‫الرشوة أو خيانة األمانة أو اإلختالس ‪ .‬مبعنى ان‬ ‫هذه احلصانة تتعلق بجرائم الرأي والتعبير داخل‬ ‫اجمللس‪ ،‬وتشمل املسؤولية املدنية واجلنائية‪ ،‬أي‬ ‫أنها تتعلق باألقوال وليست باألفعال وهي تعطي‬ ‫عضواجمللس حرية الرأي والتعبير حتى يستيطع‬ ‫ان يكشف األخطاء التي يرتكبها املسؤولون‬ ‫وغيرهم من دون ان يخشى احدا ً او يتعرض له‬ ‫أحد باملساءلة‪.‬‬ ‫لقد أقر قانون برملان كوردستان في املادة‬ ‫ ‬ ‫(‪ )39‬املذكورة منه حصانة موضوعية مطلقة‬ ‫ألعضاء البرملان بنصها على ان ‪ :‬اليساءل العضو‬ ‫عما يبديه من آراء أو مايورده من وقائع ‪، »..‬بينما‬ ‫نظم مشروع دستور االقليم لسنة (‪ )2009‬هذه‬ ‫احلصانة وهذبها ووضع لها حدودا ً يجب على‬ ‫العضو ان يتقيد بها عندما نص بان‪ »:‬يتمتع‬ ‫عضو البرملان باحلصانة البرملانية‪ ،‬وله حرية‬ ‫الكالم ضمن احلدود املبينة في النظام الداخلي‬ ‫للبرملان»‪ .‬فبموجب هذا النص على العضو‬ ‫حتى يتمكن من اإلستفادة من هذه احلصانة‬ ‫ان يلتزم بالشروط واحلدود التى سوف تقرر في‬ ‫النظام الداخلي للبرملان املزمع وضعه على ضوء‬ ‫بنود هذا املشروع الدستوري ‪ ،‬ونرى ضرورة عدم‬ ‫التوسع في الشروط و احلدود التى سوف توضع‬ ‫كى اليؤثر بشكل سلبى على مضمون هذا‬ ‫اإلمتياز او احلصانة ألعضاء البرملان وبالتالى يؤدى‬ ‫الى تقييده‪،‬ألن النظام الداخلي النافذ حاليا ً لم‬ ‫يضع حدودا ً ملمارسة تلك احلصانة وامنا كرر نفس‬ ‫مضمون املادة (‪ )39‬املذكورة من قانون البرملان في‬ ‫املادة (‪ )26‬منه‪ .‬ومبوجب مضمون هاتني املادتني فإن‬ ‫عدم مسؤولية أعضاء برملان كوردستان تنصرف‬ ‫الى جرائم الرأي والتعبير داخل قاعة البرملان‬ ‫وبذلك يتمثل نطاق عدم املسؤولية في األقوال‬ ‫التي يبديها عضو البرملان وليست في األفعال‬ ‫املادية التى تصدر عنه‪.‬‬ ‫وملا كان الغرض من هذه الضمانة التي‬ ‫ ‬

‫نص عليها قانون برملان ومشروع الدستور لإلقليم‬ ‫واملواد املقابلة لها في الدساتير األخرى حماية‬ ‫حرية املناقشة والتصويت‪ ،‬فإن هذه القاعدة‬ ‫تغطي جميع األعمال الوظيفية البرملانية بغير‬ ‫إستثناء‪ ،‬فهي تغطي جميع اخلطب واألقوال‬ ‫واآلراء التي يدلي بها العضو في اجللسات‬ ‫العلنية والسرية أو اللجان أو في جلنة حتقيق‬ ‫برملانية فإذا كان في هذه او تلك سبا ً او قذفا ً‬ ‫في حق السلطات العامة أو األفراد فإن النائب‬ ‫ال ميكن ان يساءل عن ذلك مسؤولية جنائية‬ ‫وان كان المانع من ان يساءله اجمللس مسؤولية‬ ‫تأديبية اذا سمحت بذلك الالئحة الداخلية‪.‬‬ ‫وكذلك المؤاخذة على مايبديه عضو البرملان من‬ ‫األقوال واآلراء خارج اجمللس لكن مبناسبة قيامه‬ ‫بعمل برملاني كأن يكون منتخبا ً في جلنة حتقيق‬ ‫برملانية مثالً منتدبة للعمل خارج اجمللس ‪،‬فعدم‬ ‫املسؤولية هذه مرتبطة بأداء العضو لعمله‬ ‫باجمللس النيابي سواء في اجللسات العامة‬ ‫اوإجتماعات جلانه‪.‬‬ ‫لذلك فإن هذه القاعدة التغطي سوى‬ ‫ ‬ ‫أعمال الوظيفة البرملانية حتى ولو كانت قد‬ ‫متت حتت قبة البرملان ‪ ،‬فإذا إعتدى النائب على‬ ‫األخر بالضرب فقتله او اصابه بعاهة مستدمية‬ ‫فإن القاعدة التغطي هذه اجلرمية‪ ،‬أو اذا كتب‬ ‫عضو البرملان في اجلرائد مقاال ً يقذف فيه أحد‬ ‫األفراد‪ ،‬او حرض على الثورة وقلب نظام احلكم‪،‬‬ ‫أو دعى رجال اجليش الى التمرد‪ ،‬او سب خصما‬ ‫سياسيا له في إجتماع او محل عمومي‪ .‬كذلك‬ ‫تنتفي قاعدة عدم املسؤولية في خصوص اآلراء‬ ‫التي يعلنها النائب خارج اجمللس في الندوات او‬ ‫املؤمترات أواألحاديث املدلي بها خملتلف وسائل‬ ‫االعالم‪ .‬وبناء على ذلك اليجوز اإلعتماد في قاعدة‬ ‫عدم املسؤولية بالنسبة للسب والقذف الذي‬ ‫يصدر من العضو في ممرات اجمللس او اإلستراحات‬ ‫اخملصصة لألعضاء داخله‪ ،‬اوماشابه ذلك من‬ ‫أماكن اليباشر فيها النائب مهام العضوية‪.‬‬ ‫‪243‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪244‬‬

‫يتبني مما سبق ان احلصانة املوضوعية‬ ‫ ‬ ‫التشمل أقوال العضو داخل البرملان فقط‬ ‫بل تشمل أقواله داخل اللجان وتقاريره التي‬ ‫يكتسبها ‪ ،‬وكذلك أقواله التي يبديها خارج‬ ‫اجمللس مبناسبة قيامه بعمل برملاني‪ ،‬لذلك‬ ‫متثل احلصانة ضد املسؤولية البرملانية ضمانة‬ ‫حقيقية تهدف الى منح عضو البرملان الثقة‬ ‫التي متكنة من ان يقول كل ما من شأنه إثراء‬ ‫العمل البرملاني وإعالء الفكر الدميقراطي ومن ثم‬ ‫أعلى قدر من الطمأنينة على وضعه ومستقبله‪،‬‬ ‫فلوحوسب عضو البرملان كما يحاسب الشخص‬ ‫العادى على تصرفاته وأحاديثه وأفكاره لكان ذلك‬ ‫إرهاقا ً كبيرا ً وآلثر السكوت والصمت‪.‬‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬النطاق الزمنى للحصانة‬ ‫املوضوعية ‪:‬‬ ‫على الرغم من ان الشخص يصبح عضوآ‬ ‫فى البرملان مبجرد إعالن إنتخابه ‪،‬لكنه اليستطيع‬ ‫ممارسة نشاطه البرملانى إال بعد أداء القسم‬ ‫القانونى ‪،‬لذلك تطبق قاعدة عدم املسؤولية بعد‬ ‫أداء العضو اليمني القانونية للتمتع باحلصانة‬ ‫املوضوعية ‪.‬وهذا ماأكدته املادة (‪ )47‬من قانون‬ ‫إنتخاب برملان كوردستان بنصها على ان (يعقد‬ ‫البرملان جلسته األولى برئاسة أكبر األعضاء سنآ‬ ‫ويؤدى أعضاءه اليمني التالية‪......‬الخ )وكذلك‬ ‫املادة (‪ )44‬من مشروع دستور اإلقليم التى نصت‬ ‫بان (يؤدى عضو البرملان قبل املباشرة مبهمته‬ ‫اليمني الدستورية اآلتية ‪........‬الخ ) ‪،‬وواضح من‬ ‫النص األول ضمنيآ ومن النص الثانى صراحة بأنه‬ ‫قبل أداء القسم لن يكون بإمكان العضو القيام‬ ‫بأى نشاط نيابى ‪،‬وبدون قدرة على مباشرة نشاط‬ ‫العضوية تختفى عنه احلصانة وحكمتها ‪.‬‬ ‫وان إنتهاء العضوية فى اجمللس ‪ ،‬التسمح‬ ‫مبساءلة العضوعما بدر منه أثناء فترة عضويته‬ ‫‪،‬بل ان احلصانة متتد الى ما بعد إنقضاء العضوية‬ ‫بالنسبة ملا آتاه العضو خاللها ‪ .‬ألن عدم‬

‫املسؤولية دائمة ونهائية فال يصح مؤاخذة نائب‬ ‫سابق عما أبداه من اآلراء واألفكار فى اجمللس‬ ‫مدة نيابته بحجة ان العضوية قد زالت عنه ‪ .‬وال‬ ‫تتوقف هذه احلصانة املوضوعية أثناء العطالت‬ ‫‪،‬فهى توجد كلما باشر العضو عمآل من أعمال‬ ‫العضوية ‪،‬سواء فى فترات اإلنعقاد او فى املدة‬ ‫الفاصلة بني تلك الفترات ‪ .‬مبعنى ان احلصانة‬ ‫متتد الى كل فترة العضوية طاملا كان العضو‬ ‫يتصرف بصفته هذه كما انها تالزم العضو‬ ‫طوال وجوده فى البرملان وال تفارقه بعد تركه‬ ‫اياه ‪ ،‬لو كانت غير ذلك وحددت سريان القاعدة‬ ‫مبدة العضوية لقلت أو إنعدمت فائدتها ‪،‬ألنه‬ ‫مبجرد إنتهاء العضوية يتعرض العضو السابق‬ ‫الى سيل من الدعاوى اجلنائية واملدنية ‪،‬وان هذه‬ ‫الصورة لن تغيب عن ذهن النائب وهوميارس‬ ‫عضويته ‪،‬والميكن هلذه احلالة أن حتفزه على أداء‬ ‫نشاطه باحلرية املأمولة‪.‬‬ ‫وهذا ما أكده قانون برملان كوردستان ونظامه‬ ‫الداخلى فى موادهما (‪ ) 39‬و(‪ )26‬املذكورتني ومن‬ ‫ثم مشروع دستور اإلقليم فى املادة (‪ )1/ 55‬منه‬ ‫‪.‬والتى مبوجبهمايتمتع عضو برملان كوردستان‬ ‫باحلصانة املوضوعية ضد أية مساءلة جنائية أو‬ ‫مدنية عما يبديه من اآلراء واألفكار بعد مباشرة‬ ‫مهام عضويته ومتتد هذه احلصانة الى بعد زوال‬ ‫العضوية ‪،‬حيث اليجوز بعد إنتهاء عضويته ان‬ ‫يحاسب على اآلراء واألفكار التي أبداها أثناء‬ ‫مزاولة نشاطه فى البرملان ‪.‬‬ ‫املطلب الثالث ‪ :‬اآلثار القانونية للحصانة‬ ‫املوضوعية وطبيعتها ‪:‬‬ ‫مبا ان مبدأ احلصانة املوضوعية ألعضاء‬ ‫ ‬ ‫البرملان تعد من النظام العام لذا يترتب على ذلك‬ ‫آثار قانونية بسبب طبيعتها القانونية املتعلقة‬ ‫بالنظام العام‪ ،‬عليه نبحث في هذا املطلب‬ ‫في كل من آثار احلصانة املوضوعية وطبيعتها‬ ‫القانونية في فرع مستقل وكاالتي ‪:‬‬


‫الفرع األول ‪ :‬آثار احلصانة املوضوعية ‪:‬‬ ‫يترتب على عدم املسؤولية البرملانية ان العضو‬ ‫اليسأل عن أقواله وآرائه المسؤولية جنائية‬ ‫والمسؤولية مدنية ألنه ميتلك إباحة تخوله ذلك‬ ‫فهو اليتعرض للمسؤولية اجلنائية أو املسؤولية‬ ‫املدنية وامنا قد يتعرض للجزاءات التأديبية التي‬ ‫نصت عليها الالئحة الداخلية للمجلس‪.‬‬ ‫فمبدأ عدم املسؤولية او املناعة كما يسميه‬ ‫البعض تنتزع أصال كلتي املسؤوليتني اجلنائية‬ ‫واملدنية عن كل مايبديه عضو البرملان من األقوال‬ ‫واآلراء مبناسبة قيامه بعمل برملاني ‪.‬‬ ‫حيث أنها تهدف الى إباحة الفعل‬ ‫ ‬ ‫اجلرمي ذاته ورفع الصفة اجلرمية عنه‪ .‬وبذلك‬ ‫ميتنع قيام الدعوي املدينة والدعوى اجلزائية‬ ‫على السواء‪ ،‬فال النيابة العامة تستطيع ان‬ ‫حترك الدعوى العمومية وال املضرور يستطيع ان‬ ‫يطالب بالتعويض عما أصابه من قذف وسب‪ ،‬بل‬ ‫من تضرر من قول العضو او فعله اليستطيع ان‬ ‫يبعث الى اجمللس برد ما نسب اليه طالبا ً القاءه‬ ‫في اجمللس او نشره في اجلريدة الرسمية‪.‬‬ ‫وان هذا األثر للحصانة املوضوعية مطلق‬ ‫ ‬ ‫ودائم‪ ،‬مبعنى انه اليقتصرعلى فترة اإلنعقاد‬ ‫العادي وامنا هو يتقرر الى االبد‪ ،‬فالميكن مساءلة‬ ‫النائب في يوم من األيام عن مثل تلك األعمال‪.‬‬ ‫واذا إنتهت عضويته ألي سبب من األسباب‬ ‫فالجتوز العودة الى مساءلة العضو عماكان قد‬ ‫بدر منه اثناءها بل متتد احلصانة حتى الى ما بعد‬ ‫إنقضاء العضوية بالنسبة ملا أتاه أثناءها‪ .‬هذا ما‬ ‫اكدت عليه املادة(‪/2/ 63‬أ) من الدستور العراقي‬ ‫الدائم لعام ‪ 2005‬بشكل صريح عندما نصت‬ ‫بأن ‪ »:‬يتمتع عضو مجلس النواب باحلصانة عما‬ ‫يدلي به من آراء في اثناء دورة اإلنعقاد‪ ،‬واليتعرض‬ ‫للمقاضاة أمام احملاكم بشأن ذلك»‪ .‬وكذلك نص‬ ‫املادة( ‪ )39‬من قانون إنتخاب برملان كوردستان‬ ‫العراق رقم(‪ )1‬لسنة ‪ 1992‬ورد بصيغة عامة‬

‫بقوله ‪ »:‬اليسأل العضو عما يبديه من آراء‬ ‫أو مايورده من وقائع اثناء ممارسة عمله في‬ ‫البرملان»‪.‬‬ ‫فيتحدث هذا النص عن عدم املؤاخذة‬ ‫ ‬ ‫دون ان يحصرها في نطاق معني‪ ،‬وهذه العمومية‬ ‫جتعل عدم املؤاخذة يشمل كافة اجملاالت‪:‬‬ ‫جنائية‪،‬مدنية وتأديبية‪ .‬اما ما ورد في نص املادة‬ ‫(‪ )1/55‬من مشروع دستور اقليم كوردستان لعام‬ ‫‪ 2009‬صريح في تقييد العضو بالئحة البرملان‬ ‫املزمع وضعه حال تعبيره عن أرائه في اجللسات‬ ‫أو اللجان البرملانية عندما أقر بأن‪ »:‬يتمتع عضو‬ ‫البرملان باحلصانة البرملانية‪ ،‬وله حرية الكالم‬ ‫ضمن احلدود املبينة في النظام الداخلي للبرملان»‪،‬‬ ‫لذلك كان األجدر على املشرع الدستوري في‬ ‫اإلقليم ان يحذو حذو الدستور العراقي وقانون‬ ‫إنتخاب برملان كوردستان في هذا اجملال ‪ ،‬ال ان‬ ‫يقيد هذه احلصانة باحلدود املزمع وضعها في‬ ‫النظام الداخلي للبرملان‪.‬‬ ‫اذن ميكن القول بأن احلصانة املوضوعية‬ ‫ ‬ ‫تكون مبثابة إسقاط التهمة وانها سبب من‬ ‫أسباب اإلباحة‪ ،‬التي اليسأل مبوجبها النائب‬ ‫عن أي إتهام يوجه له من خاللها‪ .‬والعبرة من‬ ‫ذلك هو حماية إستقالل النائب من اخلضوع الى‬ ‫الضغوطات التي قد متارسها عليه السلطات‬ ‫العامة األخرى‪ ،‬ألن حضوره هو متثيل للشعب‬ ‫وال ميثل شخصه‪ .‬ومايجب اإلشارة اليه هو ان‬ ‫عدم املسؤولية او احلصانة املوضوعية متتد كذك‬ ‫الى كل من يتصدى لنشر مايدور في جلسات‬ ‫اجمللس‪ ،‬مثل رئيس حترير احدى الصحف او اجملالت‬ ‫الذي ينشر املناقشات التي تدور في اجللسة مع‬ ‫ماتتضمنه من أقوال يعاقب عليها القانون في‬ ‫الظروف العادية وذلك بشرط ان يقتصر دوره‬ ‫على مجرد ترديد مادار في اجللسة بحسن النية‪.‬‬ ‫ ‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬الطبيعة القانونية للحصانة‬ ‫املوضوعية ‪:‬‬ ‫‪245‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪246‬‬

‫ان احلصانة املوضوعية تتعلق بالنظام‬ ‫ ‬ ‫العام واليجوز للعضو التنازل عنها‪ ،‬وان تنازل‬ ‫عنها فعلى احملكمة ان ترفض هذا التنازل من‬ ‫تلقاء نفسها ‪ ،‬مبعنى ان حدث مثل هذا التنازل‬ ‫يكون باطالً فاليترتب عليه أي أثر قانوني‪ ،‬واليلتزم‬ ‫العضو به‪ ،‬رغم ان الالئحة الداخلية للمجالس‬ ‫التشريعية في بعض الدول أجازت للعضو ان‬ ‫يتنازل عن حصانته وقيدت ذلك بقيد مؤداه‬ ‫أذن اجمللس للعضو بذلك ‪ ،‬كالالئحة الداخلية‬ ‫جمللس األمة الكويتي في املادة(‪ )23‬منها‪ ،‬وكذلك‬ ‫الالئحة الداخلية للمجلس الوطني البحريني‬ ‫في املادة ( ‪/7‬ب) منها التي نصت على ان ‪ »:‬ليس‬ ‫للعضو ان يتنازل عن احلصانة النيابية من غير‬ ‫‪،‬ذن اجمللس»‪ ،‬ويستطيع النائب ان يدفع بقاعدة‬ ‫عدم املسؤولية في أي حالة تكون عليها الدعوى‪،‬‬ ‫بل ويجب على القاضي ان يعمل بها من تلقاء‬ ‫نفسه‪ .‬ألن هذه احلصانة لم تتقرر ملصلحة‬ ‫العضو وامنا تقررت ملصلحة إستمرار وسير‬ ‫العمل في اجمللس‪ .‬مبعنى آخر ان هذه احلصانة لم‬ ‫تتقرر ملصلحة العضو الشخصية وامنا لصفته‬ ‫وعلى ذلك ميكن القول ان هذه احلصانة ماهي إال‬ ‫إمتياز دستوري مينح لعضو البرملان كي يباشر‬ ‫وظيفته النيابية على أكمل وجه أو انها سبب‬ ‫قانوني خاص قرره املشرع الدستوري ملنع عقاب‬ ‫هذا العضو عما يبديه من قول أو رأي طاملا ان‬ ‫ذلك يتم في إطار وحدود وظيفته البرملانية‪،‬‬ ‫واملشرع حني قرر االعفاء من العقاب وازن بني‬ ‫مصلحتني‪ :‬مصلحة العمل النيابي ومتثيل األمة‬ ‫متثيال صادقاً‪ ،‬ومصلحة من حلق به ضرر جراء‬ ‫ماصدر عن عضو البرملان من قول أو رأى ثم رجح‬ ‫املصلحة األولى على الثانية بإعتبار أنها أكثر‬ ‫أهمية‪.‬‬ ‫يبقى ان نقول ان احلصانة البرملانية‬ ‫ ‬ ‫ً‬ ‫المتثل إخالال مببدأ املساواة ألن تطبيق املساواة‬ ‫تكون بني كل طائفة من األفراد املتساوون في‬ ‫ظروفهم وأحوالهم الوظيفية كاملساواة بني‬

‫أعضاء البرملان ذاتهم فيما بينهم ألنهم جميعا ً‬ ‫يؤدون ذات الوظيفة النيابية وتسودهم بالتالي‬ ‫أوضاع وظروف متشابهة ومتساوية‪ .‬أما اذا قيل‬ ‫بضرورة املساواة بني أعضاء البرملان املمثلني‬ ‫لألمة من ناحية وبني عامة الشعب من ناحية‬ ‫اخرى‪ ،‬فاحلصانة لم تقرر ألعضاء البرملان اال ملا‬ ‫يحيط بالدور الذي يباشرونه واملتمثل في الدفاع‬ ‫عن مصالح االمة ورقابة احلكومة رقابة جادة‬ ‫وفعالة من أخطار تعوقهم عن مباشرة هذا‬ ‫الدور بالكيفية التي يجب ان يتم بها ولهذا‬ ‫تعتبر احلصانة املوضوعية إجراء إستثنائي‬ ‫اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية مبنأى‬ ‫عن إعتداءات السلطات األخرى‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‬ ‫احلصانة اإلجرائية‬ ‫ان إتخاذ اإلجراءات اجلنائية اخملتلفة‬ ‫ ‬ ‫بحق عضو السلطة التشريعية في الفترات‬ ‫السابقة على احلكم التقطع بثبوت املسؤولية‬ ‫اجلنائية‪،‬لذلك تعتبر امرا ً يهدد حرية النائب وقد‬ ‫تستخدم في بعض األحيان دون وجه حق لذلك‬ ‫اقرت مبدأ احلصانة اجلنائية في دساتير دول‬ ‫العالم إسوة باحلصانة املوضوعية للوقوف بوجه‬ ‫ذلك وخاصة إزاء محاوالت السلطة التنفيذية‬ ‫التي هي صاحبة احلق بتحريك دعوى احلق العام‬ ‫وصاحبة السلطات على اإلدعاء العام بواسطة‬ ‫وزارة العدل‪.‬‬ ‫عليه سوف نتطرق في هذا املبحث‬ ‫ ‬ ‫إلى مفهوم احلصانة اإلجرائية ونطاقها و‬ ‫آلية اإلجراءات الالزمة لرفعها مع بيان آثارها‬ ‫وطبيعتها القانونية وذلك من خالل املطالب‬ ‫الثالثة االتية‪:‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬مفهوم احلصانة اإلجرائية‬ ‫ونطاقها‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬آلية إجراءات رفع احلصانة‬ ‫املطلب الثالث ‪ :‬اآلثار والطبيعة القانونية‬


‫للحصانة اإلجرائية‬ ‫مفهوم احلصانة اإلجرائية‬

‫املطلب األول ‪:‬‬ ‫ونطاقها‬ ‫تعني احلصانة اإلجرائية ألعضاء البرملان عدم‬ ‫جواز إتخاذ أية إجراءات جنائية ضد اى من أعضاء‬ ‫البرملان في غير حالة التلبس باجلرمية اال بعد أذن‬ ‫اجمللس التابع له ‪،‬ولذلك يطلق عليها باحلصانة‬ ‫ضد اإلجراءات اجلنائية ‪،‬وان نطاق سريان هذه‬ ‫احلصانة محددة من حيث األشخاص واملوضوع‬ ‫والزمان ‪،‬عليه سوف نبحث املوضوع من خالل‬ ‫الفرعني اآلتيني ‪:‬‬ ‫الفرع األول ‪ :‬مفهوم احلصانة اإلجرائية ‪:‬‬ ‫املقصود باحلصانة اإلجرائية عدم جواز‬ ‫ ‬ ‫إتخاذ أي إجراء جنائي ضد أي عضو من أعضاء‬ ‫البرملان او القبض عليه دون اذن اجمللس التابع‬ ‫له ذلك العضو ‪ ،‬أو بعد إنقضاء الزمن الذي‬ ‫يتمتع فيه العضو بتلك احلصانة‪)) ((.‬فاحلصانة‬ ‫اإلجرائية التعفي من املسؤولية اجلنائية وال من‬ ‫العقاب بل فقط حتتم إستئذان اجمللس التابع له‬ ‫العضو املراد إتخاذ إجراءات قانونية ضده قبل‬ ‫الشروع فيها‪.‬والغرض احلقيقي من هذه احلصانة‬ ‫هو وضع األعضاء حتت حماية البرملان خوفا ً من‬ ‫ان تتخذ السلطة التنفيذية إجراءات كيدية‬ ‫ضدهم ملا يبدونه من اآلراء داخل اجمللس او بسبب‬ ‫مسلكهم العدائي للحكومة القائمة في‬ ‫احلكم‪ .‬ولعل أهمية هذا الضمان جدا ً واضحة‬ ‫ألنها متنع احلكومة من ان تندرج بأدهى األسباب‬ ‫للتخلص من خصومها في البرملان فتقبض‬ ‫عليهم ‪ -‬واملفروض انهم اقلية ألن الوزارةالبرملانية‬ ‫هى وزارة األغلبية – او على البارزين منهم او على‬ ‫ذوي النفوذ فيهم‪ .‬وقد تكون للحكومة مصلحة‬ ‫في مجرد القبض على هذا العضو او على هؤالء‬ ‫األعضاء ولو مليقات محدود وضيق‪ ،‬كما لوكانت‬ ‫الوزارة متر بعاصفة في البرملان تكاد تطوح بها‪،‬‬

‫أو لوكانت تريد ان حتصل من البرملان على قرار‬ ‫معني في أمر من األمور املعروضة عليه وتخشى‬ ‫ان تفوت عليها املعارضة قصدها‪)) ((.‬وعلى هذا‬ ‫األساس فانه الميكن ان يتخذ أي إجراء قضائي‬ ‫ضد أعضاء السلطة التشريعية دون ترخيص‬ ‫من السلطة التشريعية تطبيقا ً ملبدأ الفصل‬ ‫بني السلطات‪.‬‬ ‫وتكمل احلصانة اإلجرائية قاعدة عدم‬ ‫ ‬ ‫املسؤولية او احلصانة املوضوعية‪،‬فإذا كانت‬ ‫االخيرة تدفع مسؤولية النائب عما يصدر‬ ‫عنه من آراء وافكار مخالفة للقانون وهو يؤدي‬ ‫نشاطه البرملاني‪ ،‬فإن احلصانة اإلجرائية حتمي‬ ‫تصرفاته في احلياة العادية‪)) ((.‬وهي ضمانة من‬ ‫اقوى الضمانات ألن احلكومة وبيدها الدعوى‬ ‫العمومية قد تتخذها وسيلة للتهديد والنكاية‬ ‫والتشنيع بخصومها في البرملان‪ ،‬أو يستعملها‬ ‫االفراد ويسيئون استعمالها ضد عضو يحقدون‬ ‫عليه ملوقف من مواقفه البرملانية‪)) ((.‬وان هذه‬ ‫احلصانة حتمى من اإلجراءات اجلنائية ولكنهاالمتنع‬ ‫الدعاوى املدنية من ان ترفع على أعضاء البرملان‪.‬‬ ‫والغرض من هذه احلصانة هو عدم‬ ‫ ‬ ‫متكني احلكومة من القيام بإجراءات المبرر لها‬ ‫بقصد التخلص من معارض شديد الشكيمة‪.‬‬ ‫وتختلف عن عدم املسؤولية اختالفا ً واضحاً‪،‬‬ ‫فعدم املسؤولية يعفى عضو البرملان اخملطىء من‬ ‫نتائج أقواله التي توجب العقوبة على أى واحد‬ ‫غيره ‪ ،‬أما احلصانة اإلجرائية فغرضها تأجيل‬ ‫إلقاء القبض على عضو البرملان ومحاكمته‪.‬‬ ‫يتبني من ذلك ان احلصانة البرملانية‬ ‫ ‬ ‫تعني عدم جواز إتخاذ أي إجراءات جنائية ضد أي‬ ‫من أعضاء البرملان في غير حالة التلبس باجلرمية‬ ‫اال بعد اذن اجمللس التابع له ولهذا يطلق عليها‬ ‫باحلصانة ضد اإلجراءات اجلنائية التي تهدف‬ ‫الى دفع الدعاوى الكيدية عن النواب والتي‬ ‫توجه اليهم من احلكومة او اخلصوم بهدف‬ ‫إعاقة نشاطهم البرملاني‪ .‬وملا كان ضبط النائب‬ ‫‪247‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪248‬‬

‫متلبسا ً بإرتكاب جرمية ينفي شبهة الكيد‪ ،‬فمن‬ ‫املنطقي ان تنحسر احلصانة عن هذه احلالة‪ .‬كما‬ ‫ان حكمة رفع احلصانة في هذه احلالة هواخلوف‬ ‫من ضياع معالم اجلرمية او أدلتها ان لم تتخذ‬ ‫اإلجراءات فورا ً ضد العضو املتلبس باجلرمية‪.‬‬ ‫وقد أخذ قانون إنتخاب برملان كردستان‪-‬‬ ‫ ‬ ‫العراق رقم ( ‪ ) 1‬لسنة ‪ 1992‬باحلصانة اإلجرائية‬ ‫اذ نصت املادة(‪ )40‬منه بفقرتيها على انه( ‪ -1‬ال‬ ‫يجوز مالحقة أي من األعضاء او إلقاء القبض‬ ‫عليه بسبب جرمية أثناء دورات اإلنعقاد دون اذن‬ ‫البرملان اال في حالة التلبس بجناية‪ -2.‬اليجوز‬ ‫مالحقة أي من األعضاء او إلقاء القبض عليه‬ ‫خارج دورات اإلنعقاد بسبب جرمية دون اذن من‬ ‫رئيس البرملان اال في حالة التلبس بجناية) ‪،‬وعبارة‬ ‫اجلرمية الواردة في النص عامة لذلك فهي تشمل‬ ‫اجلنايات واجلنح واخملالفات ‪،‬اذن مبوجب هذا النص‬ ‫اليجوز إتخاذ إجراءات جنائية ضد عضو البرملان‬ ‫قبل احلصول على اذن البرملان بذلك أثناء الدورات‬ ‫او اذن رئيس البرملان خارج دور اإلنعقاد اال في حالة‬ ‫تلبس العضو إرتكابه جناية ما‪ ،‬فعندها تتخذ‬ ‫إجراءات جنائية ضد هذا العضو دون ان يحتاج‬ ‫ذلك الى اذن البرملان او رئيسه وذلك إلنتفاء شبهة‬ ‫الكيد في هذه احلالة وهذا ماأكد عليه ايضا ً‬ ‫مشروع دستور إقليم كردستان في الفقرتني‬ ‫(الثالثة والرابعة) من املادة ( ‪ )55‬منه بنصها على‬ ‫ان (ثالثاً‪ :‬الجتوز مالحقة عضو البرملان‪،‬او التحقيق‬ ‫معه‪،‬او تفتيشه ‪،‬او تفتيش مسكنه اومكتبه ‪،‬او‬ ‫القبض عليه أثناء دورة اإلنعقاد من قبل اية جهة‬ ‫كانت دون اذن مسبق من البرملان اال في حالة‬ ‫اإلمساك به متلبسآ بإرتكاب جناية مشهودة ‪.‬‬ ‫رابعا ً ‪ :‬الجتوز مالحقة عضو البرملان‪،‬او التحقيق‬ ‫معه‪،‬او تفتيشه ‪،‬او تفتيش مسكنه اومكتبه‪،‬‬ ‫او القبض عليه خارج دورة اإلنعقاد من قبل اية‬ ‫جهة كانت دون اذن مسبق من رئيس البرملان اال‬ ‫في حالة اإلمساك به متلبسآ بإرتكاب جناية‬ ‫مشهودة)‪ .‬ويرجع في شأن حتديد حالة التلبس‬

‫وقيامها من عدمه الى القواعد العامة في قانون‬ ‫أصول احملاكمات اجلزائية العراقي رقم (‪ )43‬لسنة‬ ‫‪ 1971‬املعدل وهي اجلرمية التي عرفتها الفقرة(ب)‬ ‫من املادة االولى منه بأن ‪ »:‬تكون جرمية مشهودة‬ ‫اذا شوهدت حال إرتكابها او عقب إرتكابها‬ ‫ببرهة يسيرة او اذا تبع اجملني عليه مرتكبيها إثر‬ ‫وقوعها او تبعه اجلمهور مع الصياح او اذا وجد‬ ‫مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حامالً آالت او‬ ‫أسلحة او أمتعة او أوراقا ً او اشياء أخرى يستدل‬ ‫منها على انه فاعل او شريك فيها او اذا وجدت‬ ‫به في ذلك الوقت آثار او عالمات تدل على ذلك»‪.‬‬ ‫عليه ميكن القول بأن احلصانة اإلجرائية‬ ‫ ‬ ‫ترمي الى عدم إتخاذ اى إجراء جنائي ضد أي عضو‬ ‫من أعضاء البرملان او القبض عليه دون اذن اجمللس‬ ‫التابع له ذلك العضو‪،‬وليس املقصود من احلصانة‬ ‫هذه حماية األعضاء من نتائج اجلرائم التي‬ ‫يرتكبونها‪،‬وامنا الغرض هو اخذ موافقة اجمللس‬ ‫على إتخاذ اإلجراءات القانونية ضد أعضائه قبل‬ ‫الشروع فيها‪.‬‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬نطاق احلصانة اإلجرائية ‪:‬‬ ‫يتحدد نطاق احلصانة اإلجرائية باجلرائم‬ ‫ ‬ ‫التي يرتكبها العضو خارج نطاق وظيفته‬ ‫النيابية‪،‬أي بصفته فردا ً عادياً‪ ،‬كأن يرتكب جرمية‬ ‫إعتداء على األشخاص او على األموال في حياته‬ ‫اخلاصة او يرتكب جرمية قتل او ضرب‪،‬او يعطي‬ ‫شيكا ً بالرصيد‪ .‬والشك ان هذا املبدأ ينصب‬ ‫ايضا ً على اجلرائم التي يرتكبها العضو داخل‬ ‫اجمللس فاليوقف واليحاكم عضو من أعضاء‬ ‫اجمللس مالم يصدر قرارا من اجمللس الذي ينتمي‬ ‫اليه بالسماح بذلك اال اذا كان العضو في حالة‬ ‫التلبس‪ ،‬ففي هذه احلالة اليشترط اذن سابق من‬ ‫اجمللس إلتخاذ إجراءات جنائية ضده‪.‬‬ ‫ان هذه احلصانة مقررة للنائب لصالح‬ ‫ ‬ ‫العضوية إلشاغلها ‪ ،‬فتحمي هذه احلصانة‬ ‫تصرفاته في احلياة العادية ان كان النائب منتخبا ً‬ ‫او معيناً‪ .‬واليسرى منطوق هذه احلصانة على‬


‫غيرهم مبوجب املادة(‪)40‬املذكورة من قانون‬ ‫إنتخاب برملان كوردستان‪،‬وهذا ما أكد عليه ايضا ً‬ ‫النظام الداخلي لبرملان كوردستان رقم(‪ )1‬لسنة‬ ‫‪ 1992‬في املادة(‪ )27‬منه‪.‬‬ ‫ان نص املادة (‪ )40‬من قانون إنتخاب‬ ‫ ‬ ‫برملان كوردستان قاطع في انه ( اليجوز مالحقة‬ ‫العضو او إلقاء القبض عليه‪ )..‬وهو نص عام‬ ‫يشمل كل اإلجراءات اجلنائية سواء كانت اجلرمية‬ ‫املرتكبة من قبل العضو مخالفة او جنحة او‬ ‫جناية‪ .‬وألن النص مطلق فهو يسرى ايضا ً سواء‬ ‫حركت الدعوى اجلنائية من النيابة العامة او من‬ ‫االفراد ‪ ،‬كما ان عبارة(مالحقة او إلقاء القبض)‬ ‫يشمل كافة اإلجراءات اجلنائية التي تتخذ جتاه‬ ‫املتهم في دعوى جنائية‪ ،‬لكن هذا النص المينع‬ ‫من إختصامه في دعوى جنائية كمسؤول عن‬ ‫احلقوق املدنية في جناية او جنحة قد تقع من‬ ‫تابع له او من مشمول برقابته على النحو املقرر‬ ‫قانونا ً في هذا الشأن‪ ،‬ذلك بان احلصانة المتنع ان‬ ‫يكون عضو البرملان مدعيا ً او مدعى عليه في‬ ‫دعوى مدنية‪،‬سواء كانت دعوى مستقلة بذاتها‬ ‫او دعوى تابعة لدعوى جنائية ضد أحد تابعيه او‬ ‫مشمولني برقابته‪.‬‬ ‫لكن هذه املادة إستثنت من احلصانة‬ ‫ ‬ ‫اإلجرائية حالة التلبس بقولها» اليجوز مالحقة‬ ‫أي من األعضاء ‪ ....‬اال في حالة التلبس بجناية»‪،‬‬ ‫فعضو البرملان الذي يضبط متلبسا ً بإرتكاب‬ ‫جرمية معينة ال يتمتع بأية حصانة برملانية‪،‬ويكون‬ ‫شأنه شأن املواطن العادي‪ ،‬ذلك ان املشرع قد‬ ‫قرر قرينة الكيد التي تفترض لصالح عضو‬ ‫البرملان متكينا ً له من أداء واجبه النيابي عن األمة‬ ‫كلها‪،‬بحرية رأي كاملة‪،‬بإفتراض ان أي إتهام‬ ‫جنائي قبل العضو ترجح بشأنه قرينة الكيد الى‬ ‫ان يأذن البرملان برفع احلصانة عنه‪ .‬اما في حالة‬ ‫تلبس العضو باجلرمية فإن القرينة تكون واضحة‬ ‫ومن ثم فال يحتاج األمر الرجوع الى البرملان لرفع‬ ‫احلصانة عنه‬

‫ان معظم دساتير الدول األخرى قد‬ ‫ ‬ ‫اخذت بهذا اإلستثناء منها الدستور العراقي‬ ‫الدائم لعام ‪ 2005‬في املادة (‪/2/63‬ب) بنصها على‬ ‫ان( اليجوز إلقاء القبض على العضو خالل مدة‬ ‫الفصل التشريعي اال اذا كان متهما ً بجناية‪،‬‬ ‫ومبوافقة األعضاء باألغلبية املطلقة على رفع‬ ‫احلصانة عنه‪ ،‬او اذا ضبط متلبسا ً باجلرم املشهود‬ ‫في جناية)‪ ،‬وكذلك الدستور املصري لعام‪1971‬‬ ‫في املادة (‪ )98‬منه والدستور الفرنسي لعام‬ ‫‪ 1958‬في املادة (‪ )26‬منه ‪ ،‬وهذا ما سار عليه ايضا ً‬ ‫مشروع دستور إقليم كوردستان في الفقرتني (‪3‬‬ ‫و‪ )4‬من املادة (‪ )55‬منه املذكورتني‪.‬‬ ‫على الرغم من ان قانون إنتخاب‬ ‫ ‬ ‫برملان كوردستان لم يشترط في حالةالتلبس‬ ‫إخطارالبرملان مبا إتخذ من اإلجراءات في حق‬ ‫العضو اخملالف كما هو احلال في فرنسا وبريطانيا‬ ‫حيث يلزم إستئذان اجمللس في اإلستمرار في تلك‬ ‫اإلجراءات‪ ،‬وكذلك الدستور الكويتى في املادة‬ ‫(‪ )111‬منه واملادة(‪)113‬من الدستور القطري‬ ‫واملادة (‪ )111‬من الدستور اجلزائري‪ ،‬التي أكدت‬ ‫جميعهاعلى ضرورة إخطار اجمللس مبا إتخذ من‬ ‫اإلجراءات في حق عضو البرملان‪ .‬ومن جانبنا نرى‬ ‫بأن إخطار برملان كوردستان ضروري عند إتخاذ‬ ‫اإلجراءات بحق عضو البرملان في حالة التلبس‬ ‫ليكون البرملان على علم مبا هو منسوب الى‬ ‫العضو ‪ ،‬خاصة وانه يترتب على ثبوت هذه اإلتهام‬ ‫مايؤثر على إستمرار عضويته‪.‬‬ ‫اما فيما يتعلق بالنطاق الزمني‬ ‫ ‬ ‫للحصانة اإلجرائية فيبدأ سريانها على العضو‬ ‫عند مباشرة أعمال العضوية وهو يكون من‬ ‫تاريخ أداء العضو القسم القانوني‪ ،‬وان هذه‬ ‫احلصانة تظل قائمة للعضو حتى في غير دور‬ ‫اإلنعقاد بالنص الصريح على ذلك ويجعل االذن‬ ‫بشأنها لرئيس البرملان فيما بني أدوار اإلنعقاد‬ ‫وهذا ما اكدت عليه املادة (‪ )2/40‬من قانون‬ ‫إنتخاب برملان كوردستان بأنه» اليجوز مالحقة أي‬ ‫‪249‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪250‬‬

‫من األعضاء ‪ ..‬خارج دورات اإلنعقاد‪ ...‬دون اذن من‬ ‫رئيس البرملان‪.»..‬وذلك من شأنه ان يجعل العضو‬ ‫متمتعا ً باحلصانة حتى فيما بني أدوار إنعقاد‬ ‫البرملان‪ ،‬كما ان هذه احلصانة تظل قائمة للعضو‬ ‫طوال مدة بقاء البرملان او الفصل التشريعي‬ ‫وهي(‪ )4‬سنوات وفقا ً للمادة(‪ )51‬من قانون إنتخاب‬ ‫برملان كوردستان والتنتهي احلصانة اال بإنتهاء‬ ‫العضوية في البرملان وفقا ً للحاالت املذكورة في‬ ‫املادة(‪ )43‬من قانون إنتخاب البرملان املذكور‪،‬فتزول‬ ‫احلصانة عن العضو‪.‬‬ ‫ان احلصانة املمنوحة للعضو ليست‬ ‫ ‬ ‫أبدية‪ ،‬وامنا مرتبطة بصفته كنائب وليس بصفته‬ ‫الشخصية‪ ،‬فإذا إنتفت منه الصفة البرملانية ألي‬ ‫سبب كان فإن هذه احلصانة ستنتهي ويصبح‬ ‫حتت طائلة املسائلة القانونية مثله مثل أي فرد‬ ‫عادي‪ .‬وان هذه احلصانة تكون مؤقتة تبدأ مبباشرة‬ ‫العضو أعمال عضويته وتنتهي في حالتني ‪ :‬أولها‬ ‫عندما يقوم البرملان برفعها عنه وفق األحكام‬ ‫القانونية النافذة‪ ،‬أو عندما يفقد العضو شروط‬ ‫العضوية ويصبح خارج التشكيلة البرملانية‪،‬‬ ‫كذلك عند إنتهاء الدورة البرملانية التي قوامها‬ ‫أربع سنوات‪ .‬فعندما تنتهي الصفة البرملانية عن‬ ‫النائب ألي سبب مما ذكر فأنه يخضع للمساءلة‬ ‫وتستأنف بحقه اإلجراءات القانونية كأي فرد‬ ‫عادي‪ .‬كما ان اجلرائم مبوجب القانون اجلنائي‬ ‫العراقي اليشملها التقادم‪،‬مبعنى ان التهمة‬ ‫تبقى قائمة الى حني تنفيذ أمر القبض بحق‬ ‫النائب وتقدميه للمحاكة وإصدار حكم قضائي‬ ‫بات ونهائي‪،‬او مبوته فإن الدعوى اجلزائية عند ذاك‬ ‫ستنقضي على وفق احكام املادة(‪)304‬من قانون‬ ‫أصول احملاكمات اجلزائية العراقي او بصدور قانون‬ ‫او مرسوم بالعفو وفق احكام املادة (‪ )305‬من‬ ‫قانون أصول احملاكمات املذكور‪.‬‬

‫ان احلصانة اإلجرائية املقررة ألعضاء البرملان‬ ‫حصانة مؤقتة وتزول عن العضو من خالل إتباع‬ ‫بعض اإلجراءات الالزمة واملقررة في القانون‬ ‫واألنظمة الداخلية للمجالس التشريعية ‪ ،‬ومبا‬ ‫ان هذا النوع من احلصانة مقرر بشكل مؤقت‬ ‫ألعضاء البرملان فمن البديهى ان اآلثار التى‬ ‫تترتب عليها تختلف عن آثار احلصانة املوضوعية‬ ‫السابق ذكرها ‪.‬عليه سنتناول موضوع هذا‬ ‫املطلب في فرعني مستقلني‪:‬‬ ‫الفرع االول ‪ :‬إجراءات رفع احلصانة‬ ‫الفرع الثانى ‪ :‬اآلثار القانونية للحصانة‬ ‫اإلجرائية‬

‫الفرع األول ‪ :‬إجراءات رفع احلصانة ‪:‬‬ ‫من املقرر ان طلب اإلذن برفع احلصانة‬ ‫ ‬ ‫عن عضو برملان كوردستان يقدم طبقا ً للنظام‬ ‫الداخلي للبرملان من مجلس قضاء اإلقليم والذي‬ ‫هو اجلهة القضائية املعنية بذلك الطلب مبوجب‬ ‫قانون السلطة القضائية إلقليم كردستان‪-‬‬ ‫العراق املرقم(‪ )23‬لسنة ‪ .2007‬وحسب‬ ‫ماورد في الفقرة(‪)2‬من املادة(‪ )27‬من النظام‬ ‫الداخلي لبرملان اإلقليم بنصها على ان( يقدم‬ ‫الطلب باالذن الى الرئيس من اجلهة القضائية‬ ‫املعنية‪،‬مشفوعا بأوراق القضية املطلوب إتخاذ‬ ‫اإلجراءات فيها)‪ .‬ويرفق بالطلب أوراق القضية‬ ‫املطلوب إتخاذ اإلجراءات فيها‪ .‬وان إجراءات رفع‬ ‫احلصانة تبدأ من قاضي محكمة التحقيق‪،‬ويدرج‬ ‫رئيس البرملان الطلب املذكور في جدول أعمال‬ ‫أقرب جلسة ويعرضه على اجمللس للبت فيه‪.‬‬ ‫علما ً ان اجمللس الينظر في هذا الطلب من حيث‬ ‫توفر أدلة التهمة او عدم توافرها‪،‬وامنا ينظر الى‬ ‫جدية الدعوى لتحقيق العدالة وكيديتها بقصد‬ ‫اإلساءة للعضو‪.‬‬ ‫مبعنى ان البرملان عندما ينظر في هذا‬ ‫ ‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬إجراءات رفع احلصانة أاثرها الطلب فإنه يقوم مبهمة سياسية وهي تقدير‬ ‫مااذا كان اإلتهام جديا ً او كيديا ً قصد به إضطهاد‬ ‫القانوني ‪:‬‬


‫النائب او إقصائه عن عضويته في البرملان ومنعه‬ ‫من أداء وظيفته‪ .‬فمهمة البرملان عند النظر في‬ ‫طلب رفع احلصانة مهمة سياسية ال قضائية‪،‬‬ ‫فهي الجتري حتقيقا ً قضائيا ً والقانونيا ً لتثبت من‬ ‫توافر أركان اجلرمية املقررة الى العضو ‪ ،‬فهذا من‬ ‫شأن السلطة القضائية‪،‬بل تقتصر مهمتها‬ ‫على التأكد من ان طلب رفع احلصانة ليس‬ ‫كيديا ً بل نزيها وجديا ً ‪.‬‬ ‫اذن فإن البرملان أثناء إنعقاد دورته يتطلب‬ ‫ ‬ ‫موافقة البرملان على رفع احلصانة ولكن يالحظ‬ ‫على املادة(‪)40‬من قانون إنتخاب برملان كوردستان‬ ‫هوعدم حتديده ألغلبية األصوات املطلوبة لهذه‬ ‫املوافقة إلصدار قرار برفع احلصانة عن عضو‬ ‫البرملان‪،‬لكن بالرجوع الى املادة(‪)1/50‬من نفس‬ ‫القانون جند ان قرار رفع احلصانة يتطلب موافقة‬ ‫األغلبية البسيطة لألعضاء احلاضرين في‬ ‫اجللسة‪.‬‬ ‫إذن ان رفع احلصانة عن عضو البرملان‬ ‫ ‬ ‫وفق املادة(‪)40‬من قانون إنتخاب برملان كوردستان‬ ‫واملادة(‪)27‬من النظام الداخلي للبرملان يتم‬ ‫بإحدى الطريقتني‪ ،‬حيث ترفع احلصانة عن‬ ‫العضو باألغلبية البسيطة لألعضاء احلاضرين‬ ‫خالل فترة دورة اإلنعقاد‪،‬أي في الفترة الزمنية‬ ‫التي ينعقد فيها البرملان ‪،‬اما اذا قدم طلب رفع‬ ‫احلصانة عن العضو خالل فترة العطلة التي‬ ‫تكون خارج دورة اإلنعقاد‪،‬فإن القانون اعطى‬ ‫الصالحية الى رئيس البرملان لرفع احلصانة عن‬ ‫العضو على وفق نص الفقرة(‪ )2‬من املادة(‪)40‬‬ ‫من قانون إنتخاب برملان كوردستان‪ ،‬وكذلك‬ ‫احلال في مشروع دستور اإلقليم حيث توجد‬ ‫طريقتني لرفع احلصانة ‪ ،‬فوفق الفقرة(‪ )3‬من‬ ‫املادة (‪ )55‬منه يتم رفع احلصانة مبوافقة البرملان‬ ‫اثناء دورة اإلنعقاد‪ ،‬دون ان حتدد األغلبية الالزمة‬ ‫من االصوات لذلك‪ ،‬لكن بالرجوع الى املادة(‪)48‬‬ ‫من مشروع الدستور جند ان تلك املوافقة حتتاج‬ ‫الى األغلبية البسيطة لألعضاء احلاضرين‪ .‬امااذا‬

‫قدم طلب رفع احلصانة خارج دورة اإلنعقاد فيتم‬ ‫املوافقة على رفعها من قبل رئيس البرملان وفق‬ ‫الفقرة(‪ )4‬من املادة (‪ )55‬املذكورة‪ .‬في حني جند ان‬ ‫املادة(‪/2/63‬ب) من دستور العراق الدائم قد حدد‬ ‫هذه األغلبية الالزمة ‪ ،‬حيث اكد بأنه يتم رفع‬ ‫احلصانة عن النائب باألغلبية املطلقة ألعضاء‬ ‫مجلس النواب خالل فترة الفصل التشريعي‪،‬اما‬ ‫اذا قدم طلب رفع احلصانة عن النائب خالل فترة‬ ‫العطلة التي تلي الفصل التشريعي الذي اشارت‬ ‫اليه املادة (‪ )57‬من الدستور‪ ،‬فإن الدستورالعراقى‬ ‫اعطى الصالحية الى رئيس مجلس النواب وفق‬ ‫املادة(‪/2/63‬ج)منه‪.‬‬ ‫الفرع الثاني ‪:‬‬ ‫اآلثار القانونية للحصانة اإلجرائية ‪:‬‬ ‫احلصانة البرملانية او اإلجرائية قاعدة تتعلق‬ ‫باإلجراءات فهي الترفع عن العمل املنسوب‬ ‫للعضو صفة اجلرمية ولكنها توقف إتخاذ‬ ‫اإلجراءات اجلنائية حتى يصدر اإلذن وحتول دون‬ ‫إتخاذ أي إجراءات جنائية ضد النائب‪ .‬وبالتالي‬ ‫فهي تنصرف الى إجراءات التحقيق واحملاكمة‬ ‫اجلنائية‪ ،‬والشأن لها بالدعوى والمتنع من قيام‬ ‫املسؤولية اجلنائية او املدنية‪.‬هذا يعني ان اذن‬ ‫برفع احلصانة سقطت احلماية املقررة للعضو‬ ‫واصبح من املمكن اتخاذ كافة اإلجراءات‬ ‫القضائية ضده‪.‬وبهذا االذن يصبح لسلطات‬ ‫التحقيق واإلتهام واحملاكمة حريتها ‪ ،‬فيجوز‬ ‫إتخاذ اإلجراءات املناسبة ضد العضو شأنه‬ ‫في هذا شأن باقي األفراد هكذا فإن احلصانة‬ ‫اإلجرائية حتول دون اتخاذ إجراءات جنائية فيمتنع‬ ‫معها إتخاذ إجراءات التحقيق من ضبط وقبض‬ ‫وتفتيش وحتقيق ‪،‬فضالً عن حتريك الدعوى‬ ‫اجلزائية‪ ،‬ففي جميع األحوال اليجوز في غير‬ ‫حالة التلبس إتخاذ اإلجراءات اجلنائية ضد عضو‬ ‫البرملان إال بإذن سابق من اجمللس التابع له‪ .‬واذا‬ ‫إتخذ اي اجراء من هذه اإلجراءات في غير حالة‬ ‫‪251‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪252‬‬

‫التلبس ‪ ،‬فأنه يقع باطال الينتج اثرا ً قانونيا ً يعتد‬ ‫به‪ .‬وان اغلب النظم البرملانية تقتصر على تقرير‬ ‫بطالن اإلجراءات التي تتخذ باخملالفة ألحكام‬ ‫الدستور‪.‬‬ ‫هكذا فان احلصانة االجرائية حتول‬ ‫ ‬ ‫دون إتخاذ إجراءات جنائية فيمتنع معها إتخاذ‬ ‫إجراءات التحقيق من ضبط وقبض وتفتيش‬ ‫وحتقيق ‪ ،‬فضآل عن حتريك الدعوى اجلزائية ‪ ،‬ففي‬ ‫جميع األحوال اليجوز في غير حالة التلبس إتخاذ‬ ‫إجراءات جنائية ضد عضو البرملان اال بإذن سابق‬ ‫من اجمللس التابع له ‪.‬واذا اتخذ اى إجراء من هذه‬ ‫اإلجراءات ‪ -‬في غير حالة التلبس ‪ -‬فانه يقع باطآل‬ ‫الينتج اثرا قانونيآ يعتد به ‪ ،‬وان اغلب النظم‬ ‫البرملانية تقتصر على تقرير بطالن اإلجراءات‬ ‫التى تتخذ باخملالفة ألحكام الدستور‪.‬‬ ‫اذا كانت عدم املسؤولية قاعدة موضوعية‪،‬‬ ‫فإن احلصانة البرملانية قاعدة تتعلق باإلجراءات‪،‬‬ ‫فهي الترفع عن الفعل صفة اجلرمية ولكنها‬ ‫توقف فقط القبض ومايليه من اإلجراءات‬ ‫اجلنائية حلني إستئذان اجمللس او إنتهاء دورة‬ ‫اإلنعقاد العادي وغير العادي ‪.‬‬ ‫ومبا ان احلصانة اإلجرائية تتعلق بالنظام‬ ‫ ‬ ‫العام فيترتب عليها النتائج اآلتية‪:‬‬ ‫‪-1‬أن النائب اليستطيع التنازل عنها‪ ،‬وان تنازل‬ ‫عنها فعلى احملكمة ان ترفض هذا التنازل من‬ ‫تلقاء نفسها‪ .‬وهذا األمر يتعلق بالنظام العام‬ ‫واليجوز التنازل عنها سواء نصت عليه الالئحة‬ ‫الداخلية للمجلس النيابي ام ال كما هو احلال‬ ‫في النظام الداخلي لبرملان كوردستان ‪،‬رغم ان‬ ‫الالئحة الداخلية ملعظم اجملالس النيابية للدول‬ ‫قد نصت على ذلك منها املادة (‪ )361‬من الالئحة‬ ‫الداخلية جمللس الشعب املصري بنصها على‬ ‫ان(ليس للعضو ان ينزل عن احلصانة دون اذن‬ ‫اجمللس ‪)..‬‬ ‫‪ -2‬اذا رفعت الدعوى الى القضاء قبل رفع احلصانة‬ ‫وجب على احملكمة من تلقاء نفسها احلكم بعدم‬

‫قبولها لبطالن إجراءاتها حتى ولولم يدفع عضو‬ ‫البرملان ذلك‪.‬‬ ‫‪-3‬ان اإلجراءات اجلنائية التي تتخذ ضد العضو‬ ‫دون اذن اجمللس او رئيسه بإستثناء حاله اجلرم‬ ‫املشهود تكون باطلة‪.‬‬ ‫‪ -4‬و ميكن الدفع بالبطالن في أي حالة تكون‬ ‫عليها الدعوى ولو ألول مرة أمام محكمة‬ ‫إستئناف او متييز‪.‬‬ ‫ومايترتب على مبدأ احلصانة اإلجرائية هو وقف‬ ‫اإلجراءات مدة من الزمن حتى يستأذن اجمللس‬ ‫في إتخاذها‪ ،‬وان قبل اجمللس طلب رفع احلصانة‬ ‫فيكون النائب في هذه احلالة في نفس املركز‬ ‫القانوني لسائر املواطنني‪ .‬وان االذن برفع احلصانة‬ ‫اليشمل اال الواقعة التي قدم الطلب بشأنها ‪،‬‬ ‫فإذا وجدت وقائع أخرى جديدة وجب تقدمي طلب‬ ‫جديد برفع احلصانة‪.‬‬ ‫واذا كانت احلصانة البرملانية متنع إتخاذ إجراءات‬ ‫جنائية خشية ان تتخذ سبيالً ملنع العضو‬ ‫عن ممارسة مهام نيابته عن الشعب كله‪ ،‬فإن‬ ‫الدعوى املدنية التي توجه اليه او مايسبقه من‬ ‫إنذارات او إجراءات حتفظية‪ ،‬فأنها التشملها‬ ‫احلصانة والمتنع من إتخاذها ضد العضو‪ ،‬وهذا‬ ‫مانصت عليه كافة الدساتير التي أقرت بقيام‬ ‫احلصانة البرملانية‪.‬ومبا ان احلصانة البرملانية‬ ‫التعفي من املسؤولية اجلنائية فإن اإلتهام يظل‬ ‫يالحق العضو بعد إنتهاء عضويته باجمللس بأحد‬ ‫اإلتهامات التي لم يتم رفع احلصانة بالنسبة‬ ‫لها‪.‬‬


‫اإلستنتاجات‬ ‫في خامتة هذا البحث توصلنا الى جملة نتائج‬ ‫وبعض املقترحات أدرجناها أدناه‪:‬‬ ‫ان الهدف من احلصانة املوضوعية هو‬ ‫‪ -1‬‬ ‫ضمان حرية املناقشة والرأي والتصويت‪،‬وان هذه‬ ‫احلرية ضرورية والتكون تامة اال اذا كانت مطلقة‬ ‫بحيث تشمل حتى جرائم القذف والسب‬ ‫والطعن في حق األفراد أو الهيئات الرسمية التي‬ ‫قد تتضمنها أقوال العضو أو آراءه في البرملان‪ .‬اما‬ ‫احلصانة اإلجرائية فالغرض منها هو عدم إنتزاع‬ ‫عضو البرملان من معقده أثناء الدورة البرملانية‪.‬‬ ‫ان كلتا احلصانتني املوضوعية واإلجرائية‬ ‫‪ -2‬‬ ‫مقررة بإعتبارهما من حقوق اجمللس النيابي‬ ‫والوظيفة البرملانية ال للعضو ذاته‪ ،‬كما انها‬ ‫تتعلق بالنظام العام واليجوز للعضو ان يتنازل‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫ان احلصانة املوضوعية تشمل االقوال‬ ‫‪ -3‬‬ ‫واألفكار الذي يطرحها العضو داخل البرملان‬ ‫وخارجه مبناسبة ممارسة عمله البرملاني فهي‬ ‫بذلك ترمي الى إثراء العمل البرملاني وإعالء الفكر‬ ‫الدميقراطي ألن العضو يكون بذلك على أعلى‬ ‫قدر من الطمأنينة على وضعه ومستقبله‪.‬‬ ‫ان احلصانة املوضوعية أثرها مطلق‬ ‫‪ -4‬‬ ‫ودائم فهي تتقرر الى األبد للعضو‪ ،‬كما تعتبر‬ ‫سبب من أسباب اإلباحة ‪ ،‬ألنها تنتزع أصالً كلتي‬ ‫املسؤليتني املدنية واجلنائية عن كل مايبديه‬ ‫العضو من أقوال وآراء مبناسبة قيامه بعمله‬ ‫البرملاني‪.‬‬ ‫ان احلصانة اإلجرائية التعفي من‬ ‫‪ -5‬‬ ‫املسؤولية اجلنائية والمن العقاب بل فقط حتتم‬ ‫إستئذان اجمللس التابع له العضو املراد إتخاذ‬ ‫إجراءات قانونية ضده قبل الشروع فيها بإستثناء‬ ‫حالة التلبس بإرتكاب اجلرمية‪ ،‬وهذا يعني عدم‬ ‫جواز إتخاذ أي اجراء جنائي ضد أعضاء السلطة‬ ‫التشريعية دون ترخيص من السلطة التشريعة‬

‫تطبيقا ً ملبدأ الفصل بني السلطات‪.‬‬ ‫تهدف احلصانة اإلجرائية الى دفع‬ ‫‪ -6‬‬ ‫الدعاوي الكيدية عن النواب بهدف إعاقة‬ ‫نشاطهم البرملاني‪،‬وملا كان ضبط النائب متلبسا ً‬ ‫باجلرمية ينفي شبهة الكيد‪ ،‬فمن املنطقي ان‬ ‫تنحسر احلصانة عن هذه احلالة ‪.‬‬ ‫يتحدد نطاق احلصانة اإلجرائية باجلرائم‬ ‫‪ -7‬‬ ‫التي يرتكبها العضو خارج نطاق وظيفته‬ ‫النيابية‪،‬أي بصفته فردا ً عادياً‪ ،‬ويبدأ سريانها‬ ‫عند مباشرة العضو أعمال العضوية في البرملان‬ ‫حلني إنتهاء عضويته فيه ألي سبب من األسباب‬ ‫احملددة قانونا ً ‪.‬‬ ‫ان احلصانة اإلجرائية التعفي من‬ ‫‪ -8‬‬ ‫املسؤولية لذلك فإن اإلتهام يظل يالحق العضو‬ ‫بعد إنتهاء عضويته بأحد اإلتهامات التي لم‬ ‫يتم رفع احلصانة بالنسبة لها‪.‬‬ ‫ان احلصانة البرملانية بنوعيها املوضوعية‬ ‫‪ -9‬‬ ‫واإلجرائية المتثل إخالال ً مببدأ املساواة ‪ ،‬ألن تطبيق‬ ‫املساواة يكون بني كل طائفة من األفراد املتساوين‬ ‫في ظروفهم وأحوالهم الطبيعية‪.‬‬ ‫‪ -10‬ان مبدأ سمو احلصانة البرملانية ينطلق‬ ‫من األحكام الدستورية بالدرجة األساسية‬ ‫ثم من أحكام القوانني واللوائح او األنظمة‬ ‫الداخلية للسلطة التشريعية‪ .‬لذلك جند‬ ‫ان املشرع الكردستاني قد أقر على كل من‬ ‫احلصانة املوضوعية واإلجرائية في قانون إنتخاب‬ ‫برملان كردستان رقم (‪ )1‬لسنة ‪ 1992‬ومشروع‬ ‫دستور إقليم كردستان لعام ‪ 2009‬إسوة‬ ‫بدساتير معظم الدول البرملانية في العالم‪،‬‬ ‫ضمانا ً إلستقالل وحرية أعضاء برملان كردستان‪.‬‬ ‫ليتمكنوا من متثيل الشعب وإرادته متثيالً صادقا ً‬ ‫وحقيقيا َوألجل ذلك نقترح مايلي ‪:‬‬ ‫اوال‪ -‬إحترام النصوص الدستورية والقانونية‬ ‫اخلاصة باحلصانة البرملانية واإلبتعاد عن إساءة‬ ‫‪253‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪254‬‬

‫إستخدامها سواء من قبل السلطات او أعضاء‬ ‫البرملان ذاتهم ألن ذلك يهدف الى منح عضو‬ ‫البرملان الثقة التي متكنه من ان يقول كل‬ ‫مامن شأنه إثراء العمل البرملاني وإعالء الفكر‬ ‫الدميقراطي‪.‬‬ ‫ثانيا‪ -‬عدم تقييد احلصانة املوضوعية املقررة‬ ‫في مشروع دستور إقليم كوردستان بالنظام‬ ‫الداخلي لبرملان كوردستان املزمع وضعه على‬ ‫ضوء املشروع املذكور بعد نفاذه بشكل يؤثر على‬ ‫مضمون هذا احلق الدستوري ‪ ،‬ألن أي تقييد في‬ ‫هذا اجملال يعني تقييد إرادة النائب وهو تقييد‬ ‫إلرادة الشعب ‪ ،‬وان هذه احلماية يوفرها املشرع‬ ‫للعضو أصال لتمكينه من ممارسة عمله البرملاني‬ ‫هي في الواقع حماية إلرادة الشعب‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‬ ‫‪ -1‬أحمد فتحي سرور ‪ ،‬الشرعية واإلجراءات اجلنائية‬ ‫‪،‬القاهرة ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪. 1977 ،‬‬ ‫‪ -2‬السيد صبرى‪،‬مبادىء القانون الدستورى ‪،‬ط ‪، 4‬القاهرة‬ ‫‪. 1949،‬‬ ‫‪ -3‬محمد حسن العاقل‪ ،‬احلصانة في اإلجراءات اجلنائية‬ ‫‪،‬صنعاء ‪ ،‬مطابع املفضل‪،‬ط‪.2000، 1‬‬ ‫‪ -4‬د ‪.‬عادل الطبطبائى ‪،‬السلطة التشريعية فى دول‬ ‫اخلليج العربى ‪،‬الكويت ‪. 1985،‬‬ ‫‪ -5‬د ‪.‬عبداهلل اسماعيل البستانى ‪،‬مذكرات أولية فى‬ ‫القانون الدستورى ‪،‬مطبعة الرابطة _بغداد ‪1950،‬‬ ‫_‪. 1951‬‬ ‫‪ -6‬د‪.‬عبد احلميد املتولي ‪ ،‬القانون الدستورى واألنظمة‬ ‫السياسية ‪،‬القاهرة ‪ ،‬دار املعارف ‪. 1962 ،‬‬ ‫‪ -7‬د ‪.‬عثمان خليل ‪ ،‬القانون الدستورى ‪ ،‬القاهرة ‪. 1956،‬‬ ‫‪ -8‬عطا بكرى ‪ ،‬الدستور وحقوق اإلنسان ‪،‬ج ‪،2‬مطبعة‬ ‫الرابطة ‪ ،‬بغداد ‪. 1954 ،‬‬ ‫‪ -9‬د‪.‬علي صادق ابو هيف ‪ ،‬القانون الدبلوماسي‬ ‫‪،‬اإلسكندرية ‪ ،‬منشأة املعارف ‪. 1977 ،‬‬ ‫‪ -10‬د ‪.‬فتحى فكرى ‪،‬وجيز القانون البرملانى فى مصر‬ ‫‪،‬شركة فاس للطباعة ‪. 2003،‬‬ ‫‪ -11‬د ‪.‬قائد محمد طر بوش ‪،‬السلطة التشريعية فى‬ ‫الدول العربية ذات النظام اجلمهورى ‪،‬ط ‪، 1‬املؤسسة‬ ‫اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ‪ ،‬بيروت ‪. 1995،‬‬ ‫‪ -12‬محمد كامل ليله ‪ ،‬النظم السياسية ‪،‬القاهرة ‪ ،‬دار‬ ‫الفكر العربي ‪.1971 ،‬‬ ‫‪ -13‬د ‪ .‬محمد عزيز ‪،‬النظام السياسى فى العراق‬ ‫‪،‬مطبعة املعارف ‪،‬بغداد ‪. 1954،‬‬ ‫‪ -14‬محمد عصفور ‪ ،‬إستقالل السلطة القضائية ‪،‬‬ ‫القاهرة ‪ ،‬منشأة املعارف ‪. 1969 ،‬‬ ‫‪ -15‬د ‪.‬مصطفى أبو زيد فهمى ‪ ،‬الدستور املصرى ‪،‬ط ‪2‬‬ ‫‪،‬منشأة املعارف باإلسكندرية ‪. 1958،‬‬ ‫‪ -16‬د ‪.‬مصطفى كامل ‪،‬شرح القانون الدستورى والقانون‬ ‫األساسى العراقى ‪،‬ط ‪ ، 1‬مطبعة السالم ‪،‬بغداد ‪. 1948،‬‬ ‫مجمع اللغة العربية ‪ ،‬معجم القانون‪ ،‬جمهورية مصر‬ ‫العربية ‪ ،‬املطابع األميرية ‪ ،‬ط‪. 1999 ، 1‬‬ ‫‪ -17‬د ‪ .‬وحيد رأفت و د ‪ .‬وايت إبراهيم ‪،‬القانون الدستورى‬ ‫‪ ،‬املطبعة املصرية ‪،‬مصر ‪. 1937 ،‬‬ ‫‪ -18‬د‪.‬سميرعبدالسيدتناغو ‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪،‬‬ ‫منشاة املعارف باإلسكندرية ‪،‬اإلسكندرية ‪.1986،‬‬


‫‪ -19‬جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم ابن‬ ‫منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬حتقيق عامر أحمد حيدر ومراجعة‬ ‫عبداملنعم خليل إبراهيم ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪،‬‬ ‫ط‪،2002 ، 1‬ج ‪ .13‬‬ ‫‪ -20‬خير الدين محمد‪،‬احلصانات الدبلوماسية القضائية‪،‬‬ ‫الدوحة‪ ،‬املكتبة العربية للنشر والتوزيع‪.1993،‬‬ ‫‪ -21‬الدستور العراقى الدائم لعام ‪. 2005‬‬ ‫‪ -22‬مشروع دستور إقليم كوردستان لعام ‪. 2009‬‬ ‫‪ -23‬الدستور املصرى لعام ‪. 1971‬الدستور الفرنسى‬ ‫لعام ‪. 1958‬‬ ‫‪ -24‬النظام الداخلى جمللس النواب العراقى ‪.‬‬ ‫‪ -25‬قانون إنتخاب برملان كوردستان رقم (‪ ) 1‬لسنة‬ ‫‪. 1992‬‬ ‫‪ -26‬النظام الداخلى لبرملان كوردستان رقم ( ‪) 1‬‬ ‫لسنة ‪. 1992‬‬ ‫‪ -27‬قانون السلطة القضائية إلقليم كوردستان رقم‬ ‫(‪ ) 23‬لسنة ‪. 2007‬‬ ‫‪ -28‬خالد على احمد ‪،‬احلصانة البرملانية للنائب‬ ‫وشروطها وحدودها _ مقارنة بني دستورى مملكة البحرين‬ ‫لعامى ‪ 1973‬و‪ . 2002‬املتاح على املوقع األلكترونى‬ ‫اآلتى ‪.www.alwasatnews.hotmail.com :‬‬

‫‪255‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪256‬‬

‫مكونات اخلطاب الدعائي وسياقاته‬

‫د‪ .‬كمال عبداهلل‬


‫بدأ القرن العشرين بصراع العقائد وغزو الثقافات بوصفها جزءا من الدعاية السياسية‪.‬‬ ‫وانتهى بحروب االعالم‪ ،‬وخالل ذلك شهدنا ما لم‬ ‫تشهده البشرية طوال عمرها املديد‪ ،‬فثورات البحث يتألف من مبحثني اثنني ويعتمد منهجا‬ ‫العلم والتكنولوجيا اتصلت بوسائل نقل مركبا للتحقق والتقصي يقوم على شرح‬ ‫الثقافة واملعلومات وتبوأت الصناعات االعالمية املفاهيم ثم شرح الوقائع وحتليل املعطيات‪.‬‬ ‫قمة الهرم وارتبطت الهيمنة الدولية مبدى القدرة املبحث االول بعنوان تعريف اخلطاب الدعائي‬ ‫على انتاجها واستغاللها واتنقل مجتمع االلة ووظائفه وامناطه‪ ،‬ويتضمن االساس النظري‬ ‫واملصنع الى مجتمع العقول الذكية واملعرفة‪ .‬لشرح مجمل املنطلقات الفكرية التي شكلت‬ ‫ان التحوالت اجلذرية قلبت املفاهيم ‪ ..‬وطورت االرضية لتعريف اخلطاب الدعائي ووظائفه‬ ‫وسائل العيش ‪ ..‬ولكن احلياة اضطربت واتسعت وامناطه‪ ،‬ويتضمن ايضا مكونات هذا اخلطاب‬ ‫بؤر التفاوت و اخلالفات‪ ..‬فتكنولوجيا االتصال وكيف يوظف الذات املادية والروحية للمجتمع‬ ‫التي قربت املسافات قسمت العالم الى شمال وعالقة كل ذلك باالعالم واجملتمع اجلمهور‬ ‫وجنوب‪ ..‬واملعلومات املتضاربة التي تأتي من كل املتلقي اضافة الى العوامل التي تساعد على‬ ‫صوب واالمناط الثقافية التي يجري فرضها عبر جناح النشاط الدعائي‪.‬‬

‫وسائل االعالم‪ ،‬زعزعت قناعات البشر وهزت‬ ‫ثوابتهم التي اعتادوا ان يحتموا بظلها وبها‬ ‫يواجهون العالم‪ ..‬وظهرت مفاهيم جديدة‬ ‫مثل(اختالل تدفق املعلومات) و (غزو الثقافات)‪.‬‬ ‫وغيرها مما جرى طرحه على بساط البحث مما ربط‬ ‫كل قضايا التنمية والتقدم في مطلع االلفية‬ ‫ان بحث كهذا كان يستلزم تضافر عدة جهود‬ ‫الثالثة بقضايا الثقافة واالعالم‪.‬‬ ‫متخصصة وتوفر اختصاصات دقيقة وحديثة‪،‬‬ ‫ومن هنا وقع اختيارنا على موضوع البحث رغم اقتناعي ان ما من حقائق مطلقة وبحث‬ ‫(اخلطاب الدعائي مكوناته وسياقاته)‪ ،‬ألهمية كامل ولكنها الرغبة في االفصاح عما نعتبره‬ ‫املوضوع في بناء الرأي العام حول االحداث التي مجديا وتظل في نهاية املطاف وجهة نظر حتتمل‬ ‫تهم اجملتمعات ودور اخملطط الدعائي في تفعيل اجلدل واملناقضة‪ ،‬فهذه هي طبيعة البحوث‬ ‫النشاط الدعائي باستخدام وسائل االعالم وغاياتها‪.‬‬ ‫اخملتلفة مبا يخدم حتقيق الهدف املطلوب‪ ،‬وبتعبير‬ ‫ادق ان اخلطاب الدعائي آلية إلعادة انتاج الواقع‬ ‫وتقدميه بأسلوب يجذب املتلقي ويلبي احتياجاته املبحث االول‪ /‬التعريف باخلطاب الدعائي‬ ‫اخملتلفة‪ ،‬من خالل مجموعة اشكال تشمل مجاال‬ ‫واسعا ميتد من صياغة اخلبر الى اعداد البرامج املطلب االول‪ /‬تعريف اخلطاب الدعائي ووظائفه‬ ‫وانتهاء بتصميم الصفحات االلكترونية والنشر وامناطه‬ ‫على االنترنيت وكلها تتطلب جهدا ابداعيا‬ ‫‪1 .1‬التعريف‪:‬‬ ‫خالصا ومهارات مهنية عالية تعكس النشاط‬ ‫االعالمي فنا يتعامل مع الرسائل االعالمية ان اخلطاب الدعائي صورة من صور التعبير عن‬ ‫اما املبحث الثاني فعنوانه سياقات اخلطاب‬ ‫الدعائي وفيه سيتم تناول سياقات اخلطاب‬ ‫الدعائي‪ ،‬حيث شمل السياقات املعرفية‬ ‫والسياقات العاطفية والظروف التاريخية التي‬ ‫نشأة وتطور فيها هذا اخلطاب‪.‬‬

‫‪257‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪258‬‬

‫وجهة النظر السياسية لدولة ما او مجتمع ما اخملطط الدعائي خدمة لنظام او حزب او دولة‬ ‫‪ ،‬باعتبار الدعاية السياسية من املعالم البارزة او جماعة على النقيض منه في القيم واملبادئ‬ ‫لعاملنا املعاصر‪ ،‬فالطبقة احلاكمة تستهدف واالفكار‪.‬‬ ‫من خالل وسائل االعالم اخملتلفة التأثير على‬ ‫مواقف االفراد واجلماعات ومن ثم تغييرها على وبذلك فان توجه اخلطاب الدعائي اساسا عملية‬ ‫نحو تتوخى فيه حتقيق اهداف اخلط السياسي تالعب واضحة بالعواطف واآلراء بقصد الوصول‬ ‫والفكري الذي تتبناه ‪ ،‬وبذلك فان اخلطاب الدعائي الى خلق حالة من حاالت التوتر الفكري والشحن‬ ‫يعبر عن راي (الداعية) إلقناع املقابل بهذا الراي العاطفي الذي البد ان يؤدي التتابع املنطقي لدى‬ ‫والتأثير في التصور االولي له بل وتغييره وفق ما اجلمهور املستهدف دعائيا‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫يخدم اغراض الداعية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من حداثة اخلطاب الدعائي ‪ ،‬محور‬ ‫نفهم من هذا ان اخلطاب الدعائي هو‪ :‬عملية البحث في حقل اخلطاب االعالمي‪ 4،‬اال انه يظل‬ ‫تقنيع الواقع وتصوره وفق ادراك مسبق ملا نشاطا من نشاطات اخلطاب السياسي‪ 5‬الذي‬ ‫يجب ان يكون ‪ ،‬ويتم متثيله في نظام املفاهيم يتضح ان له القدرة على تشخيص مشكالت‬ ‫والتصورات واملقترحات واملقوالت التي تتميز ووضع مقترحات الواقع السياسي جملتمع ما‬ ‫مبنطق داخلي في نظام يحكمها بغض النظر عن وفي اطار تاريخي محدد وامكانية وضع حلول‬ ‫طبيعته‪ ،‬هدفه االقناع واالستجابة السلوكية ومعاجلات لهذه املشكالت والتي ستتحدد‬ ‫ملا يقوله ويتم بطقوس معينة وله خصائصه وفق طبيعة عالقات االنظمة والدول بالبيئة‬ ‫‪6‬‬ ‫االقليمية والدولية‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وابعاده االسطورية‪.‬‬ ‫وهو ايضا نظام فكري يتضمن منظومة من‬ ‫املفاهيم جلانب معني من الواقع االجتماعي بغية‬ ‫متلكه معرفيا ومن ثم تفهم منطقه الداخلي‪،‬‬ ‫هذا املنطق الذي يوجه للتأثير على اجتاهات‬ ‫وسلوك اجملتمع ضمن تخطيط مسبق لهذا‬ ‫‪3‬‬ ‫التوجه‪.‬‬ ‫وانطالقا من هذين التعريفني نفهم ان اخلطاب‬ ‫الدعائي رسالة دعائية تقصد جمهورا معينا‬ ‫تنطوي على مضمون مخطط لتحقيق التغيير‬ ‫في اجتاهات وسلوكيات جمهور محدد يقصده‬

‫‪ .‬اروى العاني‪ ،‬مفهوم اخلطاب الدعائي‬ ‫‪ 1‬‬ ‫االسرائيلي املوجه ‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪،‬‬ ‫قسم االعالم‪ ،‬كلية االداب‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،1997 ،‬ص‪.17‬‬ ‫‪ .‬حميدة سميسم‪ ،‬مفهوم اخلطاب الدعائي‪،‬‬ ‫ ‪2‬‬ ‫كلية االعالم ‪ ،‬جامعة بغداد‪ ،1998 ،‬ص ‪.18‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬عبد العليم محمد‪ ،‬مالحظة نقدية حول‬ ‫ ‪3‬‬ ‫دراسة اخلطاب السياسي ‪ ،‬مجلة املنار ‪ ،‬السنة االولى‪،‬‬ ‫العدد‪ 7‬بيروت‪ ،‬ص‪.18‬‬

‫‪2 .2‬وظائف اخلطاب الدعائي‪:‬‬

‫للخطاب الدعائي عدة وظائف نوضحها‬ ‫‪7‬‬ ‫مبا يلي‪:‬‬ ‫‪1 .1‬الوظيفة االخبارية‪ :‬تسعى الى ابالغ‬ ‫اخملاطب مبضمون الرسالة الدعائية‬ ‫والتأثير عليه‪.‬‬ ‫‪2 .2‬الوظيفة االنشائية ‪ :‬هي جوهر‬ ‫الرسالة الدعائية حيث تصاغ‬ ‫بشكل مؤثر مقنع لتحقيق الهدف‬ ‫املطلوب‪.‬‬ ‫‪ .‬د‪.‬حسني احلسن‪ ،‬االعالم والدولة‪ ،‬دار العلم‬ ‫ ‪4‬‬ ‫للنشر التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،1995 ،‬ص‪.365‬‬ ‫‪ .‬د‪.‬حميدة سميسم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫‪ 5‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬عبد العظيم محمد‪ ،‬االعالم والتوعية‬ ‫ ‪6‬‬ ‫العلمية‪ ،‬مطابع االعالم للنشر‪ ،1997 ،‬ص‪19‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬اروى العاني‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫ ‪7‬‬


‫الدعائي‪.‬‬

‫‪3 .3‬الوظيفة املعجمية‪ :‬تتضمن‬ ‫وجود شفرات مفهومة بني طرفي‬ ‫اخلطاب‪.‬‬

‫د‪ .‬دوقد يأخذ شكل اخلطاب الدعائي‬ ‫صيغة تصوير او مقابلة او تعليق‬ ‫او قصيدة او مسرحية كشكل‬ ‫من اشكال االتصال باجلمهور‬ ‫املستهدف دعائيا‪.‬‬

‫‪4 .4‬الوظيفة املرجعية‪ :‬حيث حتال‬ ‫الرسالة الدعائية الى جهة مهنية‬ ‫مثل االستشهاد بالتاريخ املعاصر‬ ‫واحلديث لتحديد االحاالت املرجعية‬ ‫الى االشخاص او املؤسسات‪.‬‬

‫‪ 8‬‬

‫‪5 .5‬الوظيفة االنتباهية‪ :‬وتسعى الى املطلب الثاني‪ :‬مكونات اخلطاب الدعائي‪:‬‬ ‫حتديد التواصل الدائم بني طرفي‬ ‫اخلطاب في اثناء عملية التخاطب‪.‬‬ ‫يتكون اخلطاب الدعائي من مجموعة مكونات‬ ‫بنائية متداخلة مع بعضها وال ميكن للخطاب‬ ‫الدعائي حتقيق أي هدف اال بتواجدها كاملة‬ ‫‪3 .3‬امناط اخلطاب الدعائي‪:‬‬ ‫من اجل تزييف (تقنيع الواقع) والتي هي عملية‬ ‫يقسم اخلطاب الدعائي الى عدة امناط استبدال العالقات االجتماعية احلية واملعاشة‬ ‫‪8‬‬ ‫بعالقات تصورية بعيدة عن احلقيقة ‪ ،‬مبعنى اخر‬ ‫هي‪:‬‬ ‫تستبدل الوقائع املعاشة امللموسة لدى االفراد‬ ‫أ‪ .‬أاخلطاب الدعائي املباشر‪ :‬وهو واجلماعات الى ما هو خيالي من اجل تزييف‬ ‫خطاب حواري يستغني عن الكثير الوعي بأقنعة حتول دون التعرف على ما هو‬ ‫‪9‬‬ ‫من التقنيات اجملازية وميتلك احاالت حقيقي وان ابرز هذه املكونات‪:‬‬ ‫بسيطة الى الشيء‪.‬‬ ‫اوالً‪ :‬الفاعل اخلطابي‪ :‬ان الفاعل اخلطابي ميتاز‬ ‫ب‪ .‬باخلطاب الضمني‪ :‬الذي يتعارض باخلصائص التالية‪:‬‬ ‫مع اخلطاب الدعائي املباشر ويتميز‬ ‫أ‪ .‬أان الفاعل اخلطابي هو القائم بعملية‬ ‫باستهالكه قدرة حدسية باملرجعية‬ ‫انتاج اخلطاب الدعائي وليس منتج‬ ‫وعلى توليد مستويات من التأويل‪.‬‬ ‫اخلطاب الرسمي‪.‬‬ ‫ج‪ .‬جاخلطاب االميائي‪ :‬ال يهدف الى ايصال‬ ‫ب‪ .‬بيتصف الفاعل اخلطابي بتعدد اشكاله‬ ‫فكرة ما عبر رموز مباشرة او ضمنية‬ ‫اخملتلفة ‪ ،‬فهم فاعل منطقي ‪ ،‬فاعل‬ ‫بل بالتحدث عن موضوع معني قد‬ ‫نحوي‪ ،‬فاعل اسطوري ‪ ،‬وهو طبقا‬ ‫يكون مباشرا في عنوانه لكنه‬ ‫لذلك يؤدي دوره الفاعلي طبقا إلرادة‬ ‫يوحي الى افكار اخرى معتمدا على‬ ‫ومعرفة وسلطة متتلك قدرة االنتاج‬ ‫املرجعية التي ينطلق منها اخلطاب‪،‬‬ ‫وقدرة التنفيذ‪ ،‬فالفاعل املنطقي الذي‬ ‫وان اخملاطب قد ال يجد هذا االيحاء‬ ‫يؤدي دوره في ترتيب االفكار وطبيعة‬ ‫في أي مفردة من مفردات اخلطاب‬ ‫‪ .‬د‪ .‬حميدة سميسم‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪ 9‬‬

‫‪ .‬د‪ .‬حميد سميسم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.20‬‬

‫‪259‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪260‬‬

‫التوجه الدعائي وكيفية وضع مضمون‬ ‫مقنع محدد‪ .‬والفاعل النحوي هو الذي‬ ‫يهتم بوضع وحدات وعبارات متعاقبة‬ ‫اجلمل النحوية البسيطة‪ ،‬والفاعل‬ ‫االسطوري هو الفاعل القادر على‬ ‫االيهام بانه يستطيع فهم كل شيء‬ ‫ويحقق النصر ضد قوى الشر ووضع‬ ‫قيم ومثل‪ ،‬واعتبارها مبادئ عليا تنفذ‬ ‫لسنني عديدة مستقبال دون مناهضتها‬ ‫من قبل اجلمهور‪ 10،‬لذا فعند اعطاء كل‬ ‫هذه املهام للفاعل اخلطابي في عملية‬ ‫انتاج اخلطاب يكون للفاعل الدعائي‬ ‫القدرة على البوح او الكتمان او الكذب‬ ‫او التشويه بالشكل الذي يخدم اهداف‬ ‫الرسالة الدعائية‪.‬‬ ‫وبذلك فان دور الفاعل اخلطابي وتأثيره الدعائي‬ ‫يتم بعد عملية انتاج اخلطاب السياسي الذي‬ ‫يصدر من جهة رسمية مثل احلكومة التي‬ ‫متثل النظام السياسي القائم في مختلف‬ ‫البلدان املتقدمة منها والنامية على حد سواء‬ ‫والتي يختلف فيها نظام انتاج اخلطاب الدعائي‬ ‫وكذلك االختالف من حيث الرموز والقيم‬ ‫املتضمنة فيه‪ 11.‬وفي ظل التطور الكبير الذي‬ ‫وصل اليه اجملتمع البشري املعاصر والذي كشف‬ ‫عن قدرات ومواهب االنسان في التخطيط‬ ‫واالبداع والتفنن في استخدام اساليب تنوعه‬ ‫من اجل حتقيق االهداف الدعائية املطلوبة ‪،‬‬ ‫فقد متثل وفق ذلك الفاعل اخلطابي بفئة اخلبراء‬ ‫واملثقفني واخملتصني بالعمل الدعائي والنفسي‬ ‫والتي تلتحق مبؤسسات احلكم والسلطة لتبرير‬ ‫وتقنيع سياساتها والتنظير لها‪ .‬ان تقدم وسائل‬ ‫االتصال وتقدم االبحاث العلمية والنفسية‬ ‫‪ .‬عبد العزيز عرف‪ ،‬مدخل الى نظرية السرد‪،‬‬ ‫‪1 0‬‬ ‫مجلة العرب والفكر العاملي‪ ،‬الفكر العربي املعاصر ‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬باريس‪ ،1987 ،‬ص‪.36‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬حميدة سمسيم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪ 11‬‬

‫التي اختصت بدراسة دقيقة للجانب النفسي‬ ‫واالجتماعي للمتلقي (اجلمهور املستهدف)‬ ‫دعائيا مكنت من وضع نظريات في كيفية التأثير‬ ‫على املتلقي من خالل االساليب التي يخاطب‬ ‫بها‪ .‬وقد اثبتت االبحاث ان اعادة انتاج اخلطاب‬ ‫الدعائي تنجح في حتقيق اهدافها من خالل‬ ‫فهم متكامل لكل ما يحيط بالفرد من حيثيات‬ ‫اقتصادية وثقافية وسياسية تؤدي بالتالي الى‬ ‫امكانية زيادة االثارة العاطفية والنفسية للفرد‬ ‫واجلماعة وهذا بدوره يزيد من احتماالت احلصول‬ ‫على السلوك املتوقع من اجلمهور‪ .‬ويؤكد‬ ‫الباحثون ان الوسائل السمعية والبصرية تثير‬ ‫بشدة العوامل النفسية والتي ترفع من حدة‬ ‫‪12‬‬ ‫املشاعر العاطفية‪.‬‬ ‫وبهذا جند ما يقدمه اخلبراء في حقل الفاعل‬ ‫اخلطابي واعادة انتاج اخلطاب وجعله بشكل ما‬ ‫يخدم االهداف الدعائية هو من عمل واختصاص‬ ‫اخلبراء في اجملاالت النفسية والدعائية إلحداث‬ ‫التأثير املراد في سلوكيات اجلمهور وفي هذا‬ ‫اخلصوص يعمل الفاعل اخلطابي جاهدا على‬ ‫تنفيذ وجهة نظر النظام احلاكم الذي ميتلك‬ ‫تكنولوجيا االتصال ويتحكم بأدواته‪ .‬ومبوجب هذا‬ ‫فان اخلطاب الدعائي يكون مراقبا ومنظما داخل‬ ‫اجملتمع وضمن حدود سيطرة السلطة القائمة‬ ‫والتي تسعى باهتمام الى التقليل من احتماالت‬ ‫‪13‬‬ ‫مخاطرة االستجابة السلبية جتاه اخلطاب‪.‬‬ ‫ان دور الفاعل اخلطابي يختلف من نظام الى اخر‬ ‫وحسب تنوع االنظمة االقتصادية واالجتماعية‬ ‫القائمة‪ ،‬ففي الدول النامية تختلف عملية‬ ‫انتاج اخلطاب دعائيا عن انتاج اخلطاب في الدول‬ ‫املتقدمة‪ ،‬حيث جند ان اعادة انتاج اخلطاب في‬ ‫البلدان النامية تتم من خالل تدخل السلطة‬ ‫‪ .‬م‪.‬دي‪ .‬فلور‪ ،‬سي بال روكاخ‪ ،‬نظريات االعالم‪،‬‬ ‫‪ 12‬‬ ‫دار وائل للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص‪.294‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬عبد العظيم محمد‪ ،‬املصدر السابق‪،‬‬ ‫‪ 13‬‬ ‫ص‪.19‬‬


‫‪5 .5‬حتديد قنوات النقل التي يجب‬ ‫استعمالها‪.‬‬

‫احلاكمة ‪ ،‬فهي متنحه امكانية الذيوع واالنتشار‬ ‫وكذلك القدرة على االقناع على اساس ان هذا‬ ‫اخلطاب هو خطاب النظام احلاكم فيتم عن‬ ‫طريق فئة اخلبراء تقدميه بالشكل الذي يوحي ثانياً‪ :‬اجملال االعالمي‪ :‬أي الفضاء الصغير احمليط‬ ‫باخلطاب الدعائي والذي يصبح اخلطاب من‬ ‫‪14‬‬ ‫للمتلقي احادية هذه اخلطاب وعدم تنويعه‪.‬‬ ‫خالله ذا قدرة على االتصال املباشر وادراك‬ ‫اال ان امكانية اخلطاب الدعائي املناهض وقدراته املكونات اخلطابية عبر وحدات جزئية تعمل على‬ ‫في الدول النامية قد تكون ضعيفة جدا اذا ما حتديد سيمائية العالم الطبيعي الى سيمائية‬ ‫انعدمت خالفا ملا يتمتع به اخلطاب الدعائي سياسية يعمل الفاعل اخلطابي من خاللها‬ ‫في الدول املتقدمة من امكانيات وقدرات على على انتاج عالقات جديدة‪ .‬ففي اجملتمعات ‪ ،‬وعلى‬ ‫اختالف نظمها االيديولوجية ‪ ،‬مجموعة رموز‬ ‫التعبئة واحلشد بسبب‪:‬‬ ‫متثل داللة محددة تفرضها العالقات االجتماعية‬ ‫‪1 .1‬قوة االمكانية التقنية وخبرات الفاعل السائدة‪ ،‬فاملطرقة واملنجل حتولتا من اداة‬ ‫اخلطابي املتطورة‪.‬‬ ‫عمل الى رمز للشيوعية في االحتاد السوفيتي‬ ‫‪2 .2‬محدودية فعالية اخلطاب الدعائي السابق‪.‬‬ ‫املناهض‪.‬‬ ‫(ان ما يختار من تعبير وتصور يشكل اختيارا‬

‫لذلك نالحظ ان مهمة الفاعل اخلطابي ليست‬ ‫باليسيرة فهدف اخلطاب الدعائي هو اطالق فعل‬ ‫وبإطالق هذا الفعل ومن خالل مضامني مؤثرة‬ ‫ومقنعة تتطلب منه ادراك كيفية حتقيق رسالته‬ ‫‪15‬‬ ‫ألهدافها الدعائية‪ ،‬وهنا يجب التركيز على‪:‬‬

‫فكريا يشكله االفراد واجلماعات داخل اجملتمع‬ ‫البشري في بقعة جغرافية محددة بحيث‬ ‫يتفق هذا التصور وهذا التعبير ألداة ما ‪ ،‬او ملثل‬ ‫ما او لتقليد ما يحدده الفعل الزماني للفكر‬ ‫‪16‬‬ ‫االيدلوجي)‪.‬‬

‫‪1 .1‬طبيعة املثيرات التي يجب استعمالها‪.‬‬

‫واخلطاب هنا حترك دعائي يعبر عن عملية دعائية‬ ‫تعتمد على رموز وعلى قواعد االستخدام التي‬ ‫ميكن اختيارها من قبل جماعة لغوية مختصة‬ ‫تنسجم مع الواقع االجتماعي الذي يعيش فيه‬ ‫االفراد واجلماعات والذي يديره نظام سلطة‬ ‫محددة الفكر واملنهاج وعليها اقناع جمهورها‬ ‫‪17‬‬ ‫وكسب رضاه‪.‬‬

‫‪2 .2‬دور التكرار في غرس قيم ومفاهيم‬ ‫لدى اجلمهور من خالل االغراق االعالمي‪،‬‬ ‫بتجنيد كل وسائل االتصال وتسخيرها‬ ‫في طرح موضوعة اخلطاب الدعائي في‬ ‫آن واحد‪.‬‬ ‫‪3 .3‬حتديد االهداف‬ ‫‪4 .4‬حتديد الشعارات‪.‬‬ ‫‪ .‬نفس املصدر ‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪1 4‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬محمد سعد ابو عامود‪ ،‬الوظائف‬ ‫‪1 5‬‬ ‫السياسية لوسائل االعالم‪ ،‬مجلة الدراسات االسالمية‪،‬‬ ‫العدد‪ ،5 ،‬السنة ‪ ،1998‬ص‪.14‬‬

‫ثالثا‪ :‬االطار الزماني‪ :‬مهمته قياس اثر املعنى‬ ‫وتكثيف الصور املثلى التي يعمد الفاعل‬ ‫‪ .‬ميشيل كولون‪ ،‬احذروا االعالم‪ ،‬ت‪ :‬ناصرة‬ ‫‪ 16‬‬ ‫السعدون‪ ،‬دار احلرية للطباعة والنشر‪ ،‬بغداد‪،1994 ،‬‬ ‫ص‪.37‬‬ ‫‪ .‬م‪.‬دي فلور‪ ،‬سي بال روكاح‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫‪ 17‬‬ ‫ص‪.169‬‬

‫‪261‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪262‬‬

‫اخلطابي الى انتاجها من اجل تعميق وتخليد‬ ‫النظام االجتماعي والسياسي والقوانني‬ ‫الفاعلة في تطوره ‪ ،‬والقصد هنا من (املفهوم‬ ‫الزماني) هي املرحلة التي يتمكن فيها الفاعل‬ ‫اخلطابي من تسخير قدراته وامكانياته في‬ ‫التالعب في بعض عناصر (املنطق الدعائي) في‬ ‫عملية انتاج اخلطاب الدعائي (الذي يتم بعد‬ ‫ان يعد اخلطاب من قبل املسؤول) في النظام‬ ‫احلاكم (الزعيم او الرئيس او الوزير) او مجرد فكرة‬ ‫‪ ،‬فيبادر فريق اخملتصني واملستشارين في مختلف‬ ‫االختصاصات الى اجناح اخلطاب لتحقيق التأثير‪،‬‬ ‫وهنا يلجأ اخملطط الدعائي الى السعي في ترتيب‬ ‫افكار جتعل املتلقي عاجزا عن متابعة ما يطرح‬ ‫عليه ‪ ،‬أي ال يتمكن من فهم ما هو ساكن وراء‬ ‫مفردات اخلطاب ‪ ،‬وهنا تبرز عملية (تقنيع الواقع)‬ ‫وخلق تصورات وهمية من خالل تزييف احلقائق‬ ‫وطرح وحدات خطابية متماسكة متناقضة مع‬ ‫خطابات دعائية مناهضة والتي تعد (خطابات‬ ‫منحرفة) وهلوسات جلماعات مناهضة‬ ‫مضطربة (غير سوية) في قيمها وممارساتها‬ ‫العدوانية في التحكم والسيطرة ومحاربة كل‬ ‫ما يخدم السلوك االنساني الصحيح باإلساءة‬ ‫‪18‬‬ ‫والتجريح‪.‬‬

‫ألنفسهم ما يطرح عليهم في حالة تعقد‬ ‫املعلومات بل يسرع بتقدمي (اخبار وحقائق‬ ‫واحداث) محددة ومؤثرة نابعة من االطار املرجعي‬ ‫‪ ،‬مرجعية ما يؤمن به الفرد واجلماعة من قيم‬ ‫وممارسات افرزتها البيئة التي يعيشها ونتاجات‬ ‫اجلماعة العقلية والفكرية وفق ما يتالءم مع‬ ‫‪20‬‬ ‫نظامها االقتصادي واالجتماعي السائد‪.‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬العوامل النفسية التي‬ ‫تساعد على جناح النشاط الدعائي‪:‬‬ ‫ان جناح النشاط الدعائي في حدود (زمانية)‬ ‫جناح في تخليد وتكثيف الصورة املثلى التي‬ ‫يعمد(الفاعل اخلطابي) الى انتاجها ‪ ،‬وهو يتوقف‬ ‫على توفر عوامل نفسية يستطيع من خاللها‬ ‫حتقيق ما يهدف اليه‪ ،‬وفي ما يلي شيء من‬ ‫االيضاح عن كيفية فهم وتوظيف هذه العوامل‬ ‫وبالتالي التأثير على سلوك الفرد داخل اجملتمع‬ ‫‪21‬‬ ‫دعائيا‪:‬‬

‫اوالً‪ :‬االدراك‪ :‬ان الفرد داخل اجملتمع في اتصال دائم‬ ‫مع بيئته وذلك من خالل (منبهات) تقع على‬ ‫وقد اثبتت الدراسات النفسية واالجتماعية اجهزته احلسية(♣)‬ ‫في هذا اخلصوص مدى تأثير (املتلقي) للرسالة‬ ‫الدعائية ‪ ،‬حيث تؤكد ان االذكياء من الناس هم فتفضيل لون معني يتم من خالل االحساس‬ ‫االقدر على تفهم مضمون الرسالة الدعائية البصري‪ ،‬وتفضيل نوع من املوسيقى يتم من خالل‬ ‫التي توجه اليهم حتى لو كانت عن طريق الرموز االحساس السمعي‪ ،‬وتفضيل رائحة معينة يتم‬ ‫واالشارات والتلميح واالمياء‪ 19.‬وهنا يبرر دور اخملطط من خالل حاسة الشم وتفضيل طعم خاص من‬ ‫الدعائي بالشكل الذي يحقق االقناع والتأثير خالل حاسة التذوق وبهذه االفضليات احلسية‬ ‫ولو بالشكل اليسير‪ ،‬فعلى(اخملطط الدعائي تكون القدرة على تعزيز وحدة اجملموعة البشرية‬ ‫والنفسي) ان يحدد خالصة واضحة مفهومة في مكان وزمان معينني ويجمعهم تراث علمي‬ ‫للجمهور بحيث ال يتركهم يستخلصون وفكري‪ ،‬ويقودهم نهج ايدلوجي محدد ‪ ،‬وبذلك‬ ‫‪ .‬ميشيل كولون‪ ،‬املصدر سابق‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫‪1 8‬‬ ‫‪ ,‬د‪ .‬حامد عبد اسالم زهران‪ ،‬علم النفس‬ ‫‪ 19‬‬ ‫االجتماعي‪ ،‬دار الهنا للطباعة ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،5‬ص ‪.163‬‬

‫‪ .‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.165‬‬ ‫‪2 0‬‬ ‫‪ .‬سلسلة دراسات اجليوش االجنبية‪،‬‬ ‫‪ 21‬‬ ‫العمليات النفسية للجيش االمريكي‪ ،‬ص ‪.75‬‬


‫تتعزز هذه الوحدة وتتكون لدى اجلماعة هذه‬ ‫القدرة على تقبل املنبهات التي يقدمها اخملطط‬ ‫الدعائي والنفسي ومن خالل تقدمي هذه املثيرات‬ ‫والتي حتدد قدرة الدعائي في كيفية التأثير ‪ ،‬وهنا‬ ‫تبرز االمكانيات الذاتية والكفاءات واخلبرة الفنية‬ ‫للفاعل اخلطابي ‪ ،‬والذي يسبب بالتالي احداث‬ ‫ردود االفعال املطلوبة واجناز سلوكيات مالئمة‬ ‫مع اهداف الرسالة الدعائية‪.‬‬ ‫ان اثارة احلواس السمعية والبصرية تعد من‬ ‫اكثر احلواس التي يركز عليها اخملطط الدعائي‬ ‫والنفسي من خالل تقدمي اخلطاب وما يتضمنه‬ ‫من رموز مؤثرة وايحاءات معبرة وامياءات ودالالت‬ ‫مثيرة عبر وسائل االعالم لتحقيق االقناع لدى‬ ‫املتلقي‪ .‬ان توظيف كل ذلك لتحقيق االقناع‬ ‫والتأثير يتم من خالل حاستي السمع والبصر‬ ‫وهذا يتجلى واضحا في مدى تأثير البث الفضائي‬ ‫االذاعي والتلفازي كوسائل اتصال متقدمة‬ ‫ومؤثرة في اكبر عدد من اجلمهور كونها اكثر قوة‬ ‫وانتشارا واقناعا‪ ،‬ان تطبيق عامل التكرار للحدث‬ ‫املراد ترميزه في خطاب ما يؤدي بالتالي الى زيادة‬ ‫احتماالت االدراك وجذب االنتباه بتكرار املشهد او‬ ‫‪22‬‬ ‫الصوت او املطبوع‪.‬‬ ‫لذا يعد دور وسائل االعالم االداة املهمة بيد‬ ‫انظمة احلكم السياسية في التأثير على اجلمهور‬ ‫وإقناعه بان كل ما هو خير سوف يتحقق بإشباع‬ ‫‪23‬‬ ‫كل ما يحس هو بحاجة اليه من آراء ومعلومات‬ ‫عن(من) يقوده وهل يعمل لصاحله ام ال؟‪.‬‬

‫أ‪ .‬أدوافع جسمية ونفسية(داخلية)‪ :‬تؤدي‬ ‫الى توجيه الكائن احلي جتاه اهداف‬ ‫معينة‪ ،‬ومن شأنه ان يقوي استجابة‬ ‫محددة من بني عدة استجابات ميكن ان‬ ‫تقبل مثيرا محددا‪.‬‬ ‫ب‪ .‬ب دوافع اجتماعية(خارجية)‪ :‬هي التي‬ ‫تدفع بالكائن احلي الى االنتماء الى‬ ‫اجلماعة واملشاركة والتفاعل االجتماعي‬ ‫واحلاجة الى االمن‪.‬‬ ‫ج‪ .‬جان الدوافع الداخلية واخلارجية مهمة‬ ‫جدا وعلى اخملطط الدعائي ان يدرسها‬ ‫بشكل دقيق كي يستطيع التوجه‬ ‫الى اجلمهور مبعرفة علمية ونفسية‬ ‫بكل ما يحيط بالفرد داخل اجملتمع‪،‬‬ ‫وهنا يستطيع اخملطط الدعائي‬ ‫والنفسي االستفادة من مدى ادراك‬ ‫اجلمهور ملضمون(الرسالة) من خالل‬ ‫االستالم اجلماعي ملنبهات اعدت‬ ‫لتحفيز مجموعة حجات يجب ان(تلبى)‬ ‫للحصول على السلوك املطلوب‪ ،‬والبد‬ ‫ان نذكر هنا ان هذه احلاجات يحددها‬ ‫اجملال النفسي الذي يعيش فيه الفرد‪ ،‬وان‬ ‫قوانني النظام االجتماعي ألي مجتمع‬ ‫توجه (الدوافع واحلوافز) وطريقة اتباعها‬ ‫وحتويل غير املتوافق منها الى سلوك‬ ‫مقبول اجتماعيا ومرغوب فيه باالعتماد‬ ‫على رغبة الفرد نفسه في حتقيق الذات‬ ‫والنجاح واحلب والسالم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الدافعية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬االحباط‪ :‬يصاب اجلمهور احيانا (باخليبة)‬ ‫ان السلوك البشري يتحدد في ضوء (دوافع) عند عدم حتقيق هدف معني ويتولد توتر وصراع‬ ‫قسمها علماء النفس االجتماعي الى‪:‬‬ ‫داخليان(داخل الفرد واجلماعة معا) وعلى القائم‬ ‫‪ .‬سلسلة دراسات اجليوش االجنبية‪ ،‬مصدر على إنتاج اخلطاب الرسمي معرفة اسباب‬ ‫‪ 22‬‬ ‫االحباط ومصادره ومن خالل هذه النقطة يتم‬ ‫سابق ‪ ،‬ص‪.78‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬حامد عبد السالم زهران ‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬احتواء التوتر الذي تنعكس عليه ظالل القوى‬ ‫‪2 3‬‬ ‫♣‬

‫ص ‪.103‬‬

‫‪263‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪264‬‬

‫االجتماعية والثقافية مما يساهم في حتديد اجملال‬ ‫النفسي احمليط بالفرد وبذلك يتم استخدام‬ ‫االحباط انواع مالئمة من السلوك‪ .‬وان مصادر‬ ‫‪24‬‬ ‫تولد االحباط هي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬أعوائق بيئية محيطة من جراء االلتزام‬ ‫وعدم متكن الفرد داخل االطار اجلماعي‬ ‫في الطبقة االجتماعية اخلروج عن‬ ‫والتخلي عن قيم واملمارسات املتوارثة‬ ‫‪ ،‬ألن هذا عني عدم االخالص والوالء‬ ‫وانعدام االرتباط بني افراد اجلماعة‪.‬‬ ‫ب‪ .‬بمحددات او قيود بدنية وعقلية تعد‬ ‫السلوك االنساني نتاج عملية تفاعل‬ ‫عوامل حيوية ذاتية ومؤثرات اجتماعية‬ ‫للتمسك بقيود محددة خدمة للجماعة‬ ‫‪25‬‬ ‫داخل اجملتمع‪.‬‬ ‫ج‪ .‬جصراعات الدافعية‪ :‬ان عدم اشباع‬ ‫حاجات يحس بها اجلمهور والتي‬ ‫اسميناها (الدوافع)‪ ،‬لذا يكون اجلمهور‬ ‫في وضع نفسي متردد‪ ،‬وهنا يبرز دور‬ ‫اخملطط النفسي والدعائي في التغلب‬ ‫‪26‬‬ ‫على هذه املصادر لكسب اجلمهور‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬االجتاهات‪ :‬تتحدد وتتأثر مدارك ودوافع‬ ‫االفراد واجلماعات بإحباط البيئة والتراث الفكري‬ ‫احلضاري بشكل عام وهنا يكون من واجب اخملطط‬ ‫الدعائي والنفسي البحث عن كل مؤثر ومقنع‬ ‫لتغيير اجتاهات رمبا رفض معتنقيها (اجلمهور‬ ‫املستهدف) التخلي عنها بسهولة‪ ،‬وهذا لن‬ ‫يتم كما يؤكد العلماء اخملتصون اال باتباع ثالثة‬ ‫مستويات والبد لنا ان نذكرها وهي‪:‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬حامد عبد السالم‪ ،‬املصدر السابق‪،‬‬

‫‪ 24‬‬ ‫ص‪.117‬‬ ‫‪ .‬سلسلة دراسات اجليوش االجنبية‪ ،‬مصدر‬ ‫‪ 25‬‬ ‫سابق‪ ،‬ص‪.78‬‬ ‫‪ .‬سلسة دراسات اجليوش االجنبية‪ ،‬مصدر‬ ‫‪ 26‬‬ ‫سابق‪ ،‬ص‪.79‬‬

‫أ‪ .‬أاملعرفة االدراكية‪ :‬ان املوجهات الداخلية‬ ‫لألفراد واجلماعات تستخدم في بناء او‬ ‫تكوين صور عن شخص ما او جماعة‬ ‫ما وبذلك يوصف االفراد واجلماعات‬ ‫بانهم كسالى وذوي مستوى عقلي‬ ‫واطئ وغيورين وغدارين وقساة سفاحني‬ ‫وجبناء ‪..‬الخ من الصفات التي يلصقها‬ ‫الدعائي والبد لنا ان نذكر ان االجتاهات‬ ‫هذه تتعلق بالتصور واملعتقدات العامة‬ ‫واخلاصة باجملتمع‪.‬‬ ‫ب‪ .‬ب املعرفة العاطفية‪ :‬ان توجه اجتاهات‬ ‫الفرد واجلماعة للتعبير عن مشاعر‬ ‫خاصة عندما يتوفر مثير معنوي ‪ ،‬فقد‬ ‫تظهر املشاعر على املستوي العاطفي‬ ‫على شكل خوف او غضب او احتقار او‬ ‫حسد او تعاطف او حب ظهور كقوة‬ ‫مؤثرة تؤدي الى اثارة العواطف املذكورة‬ ‫لدى الفرد واجلماعة والتي ستكون‬ ‫بالتأكيد لصالح اخملطط الدعائي‪.‬‬ ‫ج‪ .‬ج املعرفة الوجدانية‪ :‬ان مستوى الفعل‬ ‫العملي يثر في الفرد واجلماعة امليل‬ ‫نحو النزوع للقيام بفعل ما‪ ،‬فقد تولد‬ ‫رسالة االقناع التي تكشف ظروف‬ ‫املعيشة القاسية امليل لدى الفرد او‬ ‫اجلماعة الى االنشقاق ‪ ،‬وهذا يحدث‬ ‫بني الدول في وقت االزمات(الفعل ورد‬ ‫الفعل) بسبب زيادة حساسية اخلواص‬ ‫العقلية والنفسية املتصلة بعملية‬ ‫التفكير من حيث استعانة الفعل‬ ‫بالرموز واالمناط وامليل الى التبرير مع‬ ‫تعقد الظروف السيكولوجية اخلاصة‬ ‫بلجوء الدعاية الى التكرار ‪ ،‬واملالحظة‬ ‫ان هذا االسلوب يعد االسلوب املثالي‬ ‫املستخدم خملاطبة اجلمهور ألهمية‬ ‫االثارة في التكرار ألحداث التأثير والتغير‬


‫في السلوك‪.‬‬

‫للفرنسي(جاك ماري دومنياك) والعاملني‬ ‫(برون وهولستي) و(الن ردايت رسمنس‬ ‫شارلي)‪ 29.‬وسنتناول هذه السياقات في‬ ‫هذا املبحث بصيغة مطلبني‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫ان املفاهيم االدراكية والعوامل اجلاذبة‬ ‫لالنتباه تستخدم في عملية (انتاج‬ ‫اخلطاب) الرسمي الذي يعبر عن قرارات‬ ‫النظام احلاكم جتاه الدول االخرى في املطلب االول‪ /‬السياقات املعرفية‬ ‫اطار السياسة اخلارجية التي تدخل‬ ‫ضمن هذا االطار في محاولة تغيير‬ ‫‪28‬‬ ‫االجتاهات‪.‬‬ ‫وتشمل السياقات املعرفية مجموعة من‬ ‫اخلصائص هي‪:‬‬ ‫اوالً‪ :‬الصدق والكذب‪:‬‬

‫املبحث‬ ‫الدعائي‬

‫الثاني‪:‬‬

‫سياقات‬

‫اخلطاب‬

‫اخلطاب الدعائي يتضمن سياقات‬ ‫تشكلت ضمن نظام االقناع وتتألف‬ ‫من نوعني هما السياقات املعرفية‬ ‫والسياقات العاطفية التي استخدمت‬ ‫ومورست بشكل منظم بعد احلرب‬ ‫العاملية الثانية ‪ ،‬حيث مت تأسيس‬ ‫مؤسسات اكادميية خاصة لتركيز‬ ‫العمل الدعائي وتنظيمه للتأثير على‬ ‫اجلمهور وتشكيل الرأي العام وكسب‬ ‫تأييده من قبل الدول الغربية بقيادة‬ ‫الواليات املتحدة االمريكية ودول اروبا‬ ‫الشرقية بقيادة االحتاد السوفيتي‬ ‫السابق ‪ .‬وان ابرز هذه املؤسسات معهد‬ ‫حتليل الدعاية االمريكي عام ‪ ، 1939‬ثم‬ ‫جرت محاوالت على الصعيد نفسه‬

‫‪ .‬مركز االبحاث الفلسطينية‪ ،‬الدعاية‬ ‫‪2 7‬‬ ‫االسرائيلية وحرب اكتوبر‪ ،‬بيروت‪ ،1974 ،‬ص‪.6‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬خليل صالح ابو اصبع‪ ،‬االتصال‬ ‫‪2 8‬‬ ‫اجلماهيري‪ ،‬دار الشرق‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،1999 ،1‬ص‪.50‬‬

‫ان ما يطرح من جمل ومفردات(اخلطاب)‬ ‫للجمهور تصدقه مجموعة وتكذبه مجموعة‬ ‫اخرى ‪ ،‬فأغلبية اجلمهور ال تعرف اال القليل‬ ‫عن نظامها السياسي ‪ ،‬فكل ما يقدم ليس‬ ‫بالضرورة هو(احلقيقة) والتي ال يعرفها اال قلة‬ ‫من اخملتصني(املستشارين واخلبراء) وافراد آخرين‬ ‫قالئل يعرفون هذه احلقيقة فال يصدقونها عند‬ ‫تقدمي اخلطاب وينتج عن ذلك احتماالت تصديق‬ ‫نبأ معني او عدم تصديقه ‪ ،‬بقدر ما يرتبط‬ ‫بالطريقة التي ينظم بها االعالم في اجملتمع‬ ‫والتي تساهم في تكوين معارف االنسان‪ ،‬بحيث‬ ‫تبرز هنا مسألة (الصدق والكذب) في ميدان‬ ‫العمل الدعائي حيث جند(الفاعل الدعائي) او‬ ‫(اخملطط الدعائي) نفسه امام سؤال يفرضه‬ ‫اجلمهور‪ ،‬وهو هل ان (الداعية) محق في طرح‬ ‫املعلومات او تشويهها؟‪.‬‬ ‫هل يصدق اجلمهور كل ما يقال؟‪ .‬ان ما يقال‬ ‫ويصدقه اجلمهور يعد (احملتمل) وما يرفضه يكون‬ ‫(غير احملتمل)‪ .‬ولتقريب ذلك نذكر مثال يوضح‬ ‫لنا ما هو محتمل وغير محتمل من خالل نشر‬ ‫االخبار بني اجلمهور املستهدف ومدى تأثير ذلك‬ ‫على سلوكهم واجتاهاتهم‪:‬‬ ‫‪ 29‬‬

‫‪ .‬د‪ .‬حميد سمسيم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪265‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪266‬‬

‫وزع االمريكان في احلرب العاملية الثانية(بيانات) ثالثا‪ :‬النكوص املنطقي‪:‬‬ ‫تشجع اجلنود الطليان على االستسالم مصورين‬ ‫لهم العيش في معتقالت انكلترا وامريكا وكندا ان ما يسهل مهمة أي نشاط دعائي في تشكيل‬ ‫‪ ،‬فيرى اجلندي مثال ان املعتقل انشأ في مكان املعارف لدى اجلمهور املستهدف هو عدم التأهيل‬ ‫فندق قدمي حيث االسرة املريحة وصاالت االلعاب الواصل للجمهور في ميدان الفكر املنطقي‬ ‫الرياضة واالستماع الى االذاعات ووجبات الغذاء فال زالت اجلماهير فريسة ملا تصوره لها وسائل‬ ‫املميزة ‪ ،‬وهنا صدق اجلنود الطليان ما نشر وما االعالم التي حتاول بتكرارها ومحاصرتها لألحداث‬ ‫اذيع وبذلك دخل هذا التصديق في مجال(احملتمل)‪ .‬واملواقف ان جتعل من الهدف حيا امام اجلمهور‬ ‫‪30‬‬ ‫اما بالنسبة للجنود األملان فأن نشر البيان فشل وتذكره دائما ان ما يفعل هو لصالح بلده‪.‬‬ ‫فشال ذريعا بحيث بدت لهم احلياة التي صورها وهذا يدفع اجلمهور الى إتخاذ مواقف وحصول‬ ‫لهم االمريكان واالنكليز بكل بساطة(خدعة) استجابات حيث ان ما يطرحه الدعائي يقنع‬ ‫وعليه فإنهم ادركوا ان البيان ما هو اال(اكذوبة)‪ .‬اجلمهور لسبب بسيط هو جلوء(اخملطط الدعائي)‬ ‫الى االستفادة من مصادر موثوقة لتأكيد صحة‬ ‫وبذلك دخل هذا التكذيب مجال(اال محتمل)‪.‬‬ ‫رسالته الدعائية من جهة وعدم قدرة اجلمهور‬ ‫جند ان السلوك الذي يجب ان يتبناه (الفاعل على التحليل واستنباط احلقائق من جهة‬ ‫‪31‬‬ ‫الدعائي) يفترض ان يوجه الى مجموعة سكانية اخرى‪.‬‬ ‫صديقة او عدوة‪ ،‬وان يرتبط بحالة تقبل اجملموعة‬ ‫السكانية ملعلومات متفقة مع خبراتها واملعايير مبعنى ان ما يسعى اليه الدعائي في اطار‬ ‫واالحكام والقيم التي ولدت هذه اخلبرة وهناك النكوص املنطقي هو خرق فكر واراء معززة بأدلة‬ ‫بانها حقيقة ومن ثم اطالق شعارات لتثبيت‬ ‫امثلة كثيرة ال مجال لذكرها هنا‪.‬‬ ‫مصداقية هذه التصورات‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬تدخل اللغة في السياقات املعرفية وان‬ ‫اهميتها في التأثير الدعائي يأتي من خالل سيل‬ ‫العبارات واجلمل التي تسمى (الكالم) والذي هو‬ ‫صلة التفاهم بني البشر لذا فان (للغة) دورا مهما‬ ‫في تشكيل معارف اجلمهور (الفرد واجلماعة) من‬ ‫خالل املشاهدة واالستماع والقراءة لكثير من‬ ‫االحداث والوقائع وبشكل خاص عندما يفرض‬ ‫على املشاهدين(اجلمهور) املستهدف بالنشاط‬ ‫الدعائي مشاهدة صور مقبولة وبشكل يؤدي‬ ‫الى اقناعه على الرغم مما فيها من تشويه‬ ‫للحقائق وكذب وتضليل ‪ ،‬وهذا ما يفسر مدى‬ ‫جناح الدعاية السياسية الكاذبة في التأثير على‬ ‫سلوك اجلمهور‪.‬‬

‫ولتقريب الصورة اكثر ميكن االشارة الى ما‬ ‫طرحه الدعائي في تقسيمه للمجتمع البشري‬ ‫بشكل عام وبدون حتديد‪ ،‬اذ يصنفه الى فئتني‬ ‫الصاحلني واالشرار او فئتي االصدقاء واالعداء‬ ‫واتخاذ القرارات واملواقف والسلوكيات وفقا‬ ‫لذلك ومبا ينسجم مع االهواء واملصالح والنزعة‬ ‫الى السيطرة للتملك واالنفراد‪.‬‬ ‫ان ما ذكره هتلر في كتابة كفاحي هو نوع من‬ ‫االيحاء الى الشعب‪ ،‬الذي يعني بان االعداء االكثر‬ ‫تباينا ينتمون الى الفئة نفسها وهو امر جوهري‬ ‫للغاية وكي يتراءى للجمهور ساعده على غرس‬ ‫‪.‬اروى العاني‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.29 ،28‬‬ ‫‪3 0‬‬ ‫‪ .‬د‪ .‬عبد املنعم علي حسن‪ ،‬االبعاد‬ ‫‪ 31‬‬ ‫االستراتيجية للحرب العراقية االيرانية‪ ،‬مركز دراسات‬ ‫اخلليج العربي‪ ،‬جامعة البصرة‪ ،1988 ،‬ص‪.286‬‬


‫مفاهيم وتطورات في ذهنية اجلمهور بان من‬ ‫حقهم الدفاع عن انفسهم ضد كل من يهاجم‬ ‫‪32‬‬ ‫من اعداء‪.‬‬ ‫وهنا يتبني ان (الفاعل الدعائي) في هذا اجلانب‬ ‫يستغل اجلمهور لعدم قابليته على التحليل‬ ‫وفرض مصداقية على كل ما يطرح عليه‬ ‫بسبب‪:‬‬ ‫أ‪ .‬أقلة الوعي االقتصادي والثقافي و‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫ب‪ .‬باالسلوب املتطور واملتقدم لطرح الفعل‬ ‫الدعائي مما يساعد على جناح الغزو‬ ‫الثقافي على الراي العام‪.‬‬ ‫وعلى هذا االساس فان اخلطاب الدعائي‬ ‫في توجيهه نحو اجلمهور يؤكد على ما‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬أالسعي لتشكيل الراي العام‬ ‫بالشكل الذي يخدم مصالح‬ ‫واألهدافها املعلنة ألصحاب‬ ‫اخلطاب‪.‬‬

‫‪3 2‬‬

‫ب‪ .‬ب تغيير االطار املرجعي ‪ .‬وهذه ركيزة‬ ‫اساسية يعتمد عليها اخملطط‬ ‫الدعائي لتشكيل معارف اجلمهور‬ ‫املستهدف واجماع اجلماعة على‬ ‫ضرورة اتخاذ قرار معني يخدم‬ ‫مثال امن الدولة وحماية حدودها‬ ‫االقليمية‪ ،‬واحيانا اتخاذ قرار حاسم‬ ‫لتحقيق ذلك حتى لو كان حربا لردع‬ ‫اعتداءات دولة اخرى وهنا يكون‬ ‫قرار احلرب نقطة مرجعية اولى‬ ‫وفي حالة اتخاذ قرار بالعدول عن‬ ‫احلرب ألسباب دبلوماسية ومن ثم‬ ‫حتاول الدولة تغيير انتباه اجلمهور‬ ‫‪ .‬اروى العاني‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.32-31‬‬

‫من خالل افهامه بأن احلرب دمار‬ ‫وان املسألة ال تستوجب غير احلوار‬ ‫واالتفاق فكانت النقطة املرجعية‬ ‫الثانية هي خطر احلرب ومحاولة‬ ‫جذب انتباه اجلمهور الى مساوئها‬ ‫وآالمها‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬السياقات العاطفية‬ ‫تعتمد هذه السياقات على سلسلة من التأثيرات‬ ‫النفسية إلحداث استجابات لدى متلقي‬ ‫الرسالة والتي حددتها مجموعة مدارس علمية‬ ‫افرزت مجموعة من االبحاث في علم النفس‬ ‫االجتماعي والسلوكي وفي هذا اخلصوص جند‬ ‫من الضروري ذكر هذه املدارس الن ما قدمته من‬ ‫دراسات نفسية افاد (اخملطط الدعائي) بشكل‬ ‫حقق له النجاح من خالل فهمه لنفسية الفرد‬ ‫والتي جاءت عبر دراسة شاملة لكل ما يدور في‬ ‫اجملتمع في جميع اجملاالت ومن اهم هذه املدارس‬ ‫نذكر ما يلي‪:‬‬ ‫اوالً‪ :‬مدرسة التحليل النفسي (لفرويد)♣‪:‬‬ ‫حيث يعتقد بوجود عقل هائل ال نشعر به في‬ ‫حاالت الوعي لكنه دائم الفعالية والعمل اطلق‬ ‫عليه الالشعور ولعمله مظاهر ابرزها االحالم‬ ‫والغرائز والسلوك الالإرادي ‪ .‬ويرى فرويد ان‬ ‫السلوك امتداد جملموعة العقد والنقائض التي‬ ‫تسيطر على النفسية الفردية‪ ،‬ومن هنا يبدأ‬ ‫دور التعامل النفسي للمخطط الدعائي حيث‬ ‫يعمل على استغالل هذه العقد والنقائض التي‬ ‫يجسدها سلوك االفراد واجلماعات ‪ .‬لذا يكون‬ ‫التركيز الدعائي في توجيه اجلماعات داخل‬ ‫‪267‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪268‬‬

‫اجملتمع باستغالله مسألة االقليات القومية‬ ‫والطائفية على سبيل املثال والتي تعد افضل‬ ‫تعبير عن جماعية يشعر بها االفراد واجلماعات‬ ‫التي تشعر على االغلب باستالب حقوقها من‬ ‫‪33‬‬ ‫قبل االغلبية في النظام احلاكم‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مدرسة بافلوف (نظرية رد الفعل‬ ‫‪34‬‬ ‫املنعكس)‪:‬‬ ‫توصل العالم بافلوف من خالل جتاربه الشهيرة‬ ‫مع الكالب الى ان بعض افعالنا نحن البشر‬ ‫وبقية االحياء هي افعال ال ارادية او باألحرى‬ ‫انعكاسية غريزية مخلوقة فينا فنحن نسحب‬ ‫ايدينا بسرعة اذا اكتوت بالنار وهذا ما يدلنا على‬ ‫ان التأثير في اجتاهات االفراد واجلماعات من خالل‬ ‫التوجيه الدعائي ومن خالل عملية التالعب في‬ ‫احمليط والوسط للقوى االجتماعية وما يرتبط‬ ‫بها من انطباعات بحيث تدفع الفرد او اجلماعة‬ ‫لينساق ال شعوريا نحو موقف وسلوك يريده‬ ‫الداعي دون ان يشعرهم باألذى او ان هناك خطر‬ ‫يتجنبوه فهم ينساقون اليه برضا واطمئنان‬ ‫وهذا ما يعبر عن قدرة الدعائي التأثيرية االقناعية‬ ‫والتي تؤثر بالتالي في سلوكية النفس البشرية‬ ‫‪35‬‬ ‫ومن خالل فهمها بدقة وشمولية‪.‬‬ ‫ثالثا‪ :‬مدرسة ديوي‪:‬‬

‫‪36‬‬

‫بإمكانية التحكم باملواطن عن طريق التحكم‬ ‫بالوسط االجتماعي ومن ثم التالعب باملقومات‬ ‫الشخصية ‪ ،‬وبذلك نفهم ان ديوي ال يتفق‬ ‫مع بافلوف في تالعبه في العواطف ومبقومات‬ ‫الوسط االجتماعي الذي يعيش فيه الفرد داخل‬ ‫اجملموعة وامنا استمالة وكسب االصدقاء من‬ ‫خالل توعيتهم وتثقيفهم ومن ثم احلصول‬ ‫على نتائج مرضية من خالل اخبارهم باحلقائق‬ ‫وهذه مهمة(االعالم) في التوعية واالرشاد‪ ،‬وهنا‬ ‫يقرب(ديوي) بني مفهومي(الدعاية واالعالم)‬ ‫بنظرة ايجابية للدعاية ودورها في االقناع دون‬ ‫‪37‬‬ ‫تزييف او كذب او تقنيع‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد البد لنا ان نذكر فوكو في هذه‬ ‫املوضوع والذي فسره مبا يخدم مضمون اخلطاب‬ ‫ومصداقيته بحيث اكد على ما جاء به فرويد‬ ‫وحلله بالشكل التالي‪-:‬‬ ‫فقد اكد فرويد بدوره على ان الشعور يقدم‬ ‫الالشعور ‪ ،‬وهنا يتساءل فوكو هل ان فرويد قد‬ ‫اضاف دليال نفسيا وعقليا جديدا يقدم للثقافة‬ ‫ام انه غير في احلقيقة طبيعية الدليل الذي‬ ‫بإمكانه ان يفعل فعله في التعبير والتأثير على‬ ‫السلوك البشري بحيث يؤثر ذلك على طبيعة‬ ‫ما يرمز اليه الناجت الفكري والثقافي من دالالت‬ ‫ورموز واشارات تعبر عما يريد منتج الكالم‬ ‫االفصاح عنه؟‬

‫ترى هذه املدرسة ان الدعاية عملية تثقيف وبهذا السياق يؤكد فوكو ضرورة التركيز على‬ ‫وتقوية في املواقف ومن ثم فهي ترفض التسليم البحث في اعماق النفس البشرية ومن ثم‬ ‫‪ .‬د‪ .‬تهامة اجلندي‪ ،‬االعالم‪ ،‬قلق الهوية‪ ،‬حوار انتقاد هذه االعماق والتي اسماها العلماء في‬ ‫‪3 3‬‬ ‫هذا اجملال (اعماق الشعور) ومنهم فرويد والذين‬ ‫الثقافات‪ ،‬نينوى للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1‬ص‪.35‬‬ ‫‪ .‬بيتر بافلوف‪ ،‬عالم فلسفي روسي(‪-1849‬‬ ‫‪ 34‬‬ ‫بينوا بان هذه االعماق هي بحث خالص باطني‬ ‫من‬ ‫يعتبر‬ ‫‪1904‬‬ ‫عام‬ ‫نوبل‬ ‫جائزة‬ ‫على‬ ‫حصل‬ ‫‪)1936‬‬ ‫عن احلقيقة وعند معرفتها والكشف عنها تبدأ‬ ‫رواد علم النفس عن نظرية السلوكية‪ ،‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫مرحلة (النفاق وليس االقنعة) وهنا تبرز مهمة‬ ‫صالح نصر ‪ ،‬احلرب النفسية ومعركة الكلمة واملعتقد‪،‬‬ ‫(اخملطط النفسي والدعائي) فيبدأ باستعراض‬ ‫مطابع االهرام‪ ،‬القاهرة‪.1995 ،‬‬ ‫عالمات ورموز هذه االعماق ليفضحها في‬ ‫‪ .‬د‪ .‬تهامة اجلندي‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.36‬‬ ‫‪3 5‬‬ ‫‪3 6‬‬

‫‪ .‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.38‬‬

‫‪3 7‬‬

‫‪ .‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.38‬‬


‫اثناء عملية التحليل ملضمانيها ويكون عليه‬ ‫ان ينزل نحو االسفل واالسفل ليبني ان هذا‬ ‫العمق الباطني هو خالف ما يعنيه ويدعيه‪،‬‬ ‫فينزل (الدعائي) الى القاع عابرا لالعماق منقبا‬ ‫ما في الدواخل ومن ثم اظهارها الى اخلارج‪،‬‬ ‫بحيث يتمكن من ان يكشف ما في االعماق من‬ ‫حقائق شيئا فشيئا وتغيير كل ما يسيء ويخل‬ ‫باحلقيقة‪ ،‬وحينئذ يشع ضوء احلقيقة التي نحن‬ ‫‪38‬‬ ‫بصددها والبحث عنها‪.‬‬ ‫ومن خالل ما طرح في مجال التفاعل النفسي‬ ‫الدعائي العلمي السباب تؤثر بشكل مباشر‬ ‫على طبيعة سلوك االفراد واجلماعات‪ ،‬وما افرزته‬ ‫االبحاث والتحليالت مبا يقرب لنا الصورة ‪ ،‬نرى ان‬ ‫نذكر ان املؤثرات النفسية التي حتدثها (العملية‬ ‫الدعائية) املوجهة في اخلطاب أنها موزعة على‬ ‫اربعة حقول هي‪-:39‬‬ ‫‪1 .1‬جرد اخملاوف والرغبات‪:‬‬ ‫حسب ما جاءت به مدرسة فرويد ووفق ما يهتم‬ ‫به النشاط الدعائي في توجيهه الى اجلمهور‬ ‫املستهدف فردا او جماعة ومن خالل ما يعانوه‬ ‫من عقد ونقائض بحيث ينطلق الدعائي من هذه‬ ‫‪40‬‬ ‫العقد في تعامله النفسي‪.‬‬

‫بعدم صالحيته رئيسا للحكومة وممثال لهم‪ ،‬النه‬ ‫ال يخدم مصاحلهم وهذا ال يتم اال بعد دراسة‬ ‫مستفيضة لرغبات ومخاوف اجملهور املستهدف‬ ‫الذي يسعى الن تكسبه كي يرشح ويؤيد من‬ ‫يختاره وان يجعله يخاف من املرشح الذي حتاربه‬ ‫‪41‬‬ ‫احلملة الدعائية‪.‬‬ ‫‪2 .2‬اسطورة الصديق‪:‬‬ ‫ان هذا اجلانب يتوجه باخلطاب في حملته‬ ‫الدعائية املتعددة املظاهر‪ 42‬الى خلق وبناء‬ ‫االسطورة حول من يريد تأييده فردا او جماعة‬ ‫فيتوجه الى اجلمهور ويقدم من يريد تأييده على‬ ‫انه قدير(بطل) و فائق القدرة في حتقيق امال‬ ‫وطموحات الشعب وانه يعرف عنهم اكثر مما‬ ‫هم يعرفون (عن انفسهم) وبهذه املبالغة وبهذا‬ ‫االطراء الفائق في حتبيب (من) يريد ان يوصله الى‬ ‫ما يبتغيه من مواقع سياسية خدمة ملصالح‬ ‫فئة خاصة حتاول ان جتعل من هذا(املرشح) خير‬ ‫من يحقق اآلمال السياسية وخير من يزيح‬ ‫‪43‬‬ ‫الهموم واملتاعب‪.‬‬ ‫‪3 .3‬اسطورة العدو‪:‬‬

‫فيبدأ بالصاق التهم واجلرائم والصفات التي‬ ‫تضعف من مؤيدي خصمه ومثال ذلك ‪ :‬حملة‬ ‫اذا كانت اسطورة الصديق جتسد‬ ‫انتخابية في دولة ما حول انتخاب رئيس‬ ‫(الشخص الذي ترشحه) (مصدر اخلير‬ ‫للحكومة فتبدأ الدولة املناقضة لها سياسيا‬ ‫والنقاء) فان اسطورة العدو جتعل‬ ‫والتي تناصبها العداء مبحاوالت ‪ ،‬مخطط‬ ‫من الشخص (املرشح) مصدرا للشر‬ ‫لها دعائيا بحيث تتوجه الى اجلمهور الداخلي‬ ‫والعدوان والالإنسانية‪ .‬ويتم ذلك من‬ ‫‪ .‬اروى العاني‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.47‬‬ ‫لتلك الدولة التي جتري فيها االنتخابات مبحاولة ‪4 1‬‬ ‫‪ .‬وهو ما اطلق عليه االغراق أي انطالق وترديد‬ ‫الفشال االنتخابات فتبدأ بحملة مكثفة ضد ‪4 2‬‬ ‫املرشح وحتاول زعزعة الثقة فيه واقناع اجلمهور احلجة او مضمون الرسالة في جميع االدوات واالجهزة‬ ‫‪ 38‬‬ ‫‪ 39‬‬ ‫‪4 0‬‬

‫‪ .‬ميشيل كولون‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬ ‫‪ .‬د‪.‬حميدة سيمسم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪ .‬ميشيل كولون ‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.72‬‬

‫االعالمية واالتصالية في آن واحد للمزيد انظر‪ :‬د‪ .‬حامد‬ ‫ربيع‪ ،‬فلسفة الدعاية االسرائيلية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪.121‬‬ ‫‪ .‬اروى العاني‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.49‬‬ ‫‪4 3‬‬

‫‪269‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪270‬‬

‫خالل جلوء (الفاعل الدعائي) الى عمليات‬ ‫نفسية مثل (االسقاط واللجوء الى‬ ‫كبش الفداء او احملرقة)‪.‬‬ ‫وذلك ميكننا ان نفهم ان ما وصلت اليه‬ ‫اسطورة الصديق من نتائج لصالح‬ ‫(الرسالة الدعائية) والتي استندت الى‬ ‫متجيد وتنزيه من تؤيده‪ ،‬فان اسطورة‬ ‫العدو تصل الى نتائجها من خالل بث‬ ‫رسالتها الدعائية اعتمادا على ترديد‬ ‫رذائل الصفات واقبحها واتهام العدو‬ ‫بأحط الصفات واملواقف وان عملية‬ ‫التنظيم والتخطيط الدعائي السطورة‬ ‫العدو تتضمن مرحلتني‪:‬‬ ‫أ‪ .‬أمرحلة االقناع للفئات اخملتلفة من‬ ‫اجلمهور او كل اجلمهور‪ ،‬ان هناك‬ ‫عدوا مشتركا كي تنسى مصاحلها‬ ‫وتدفعها الى تقبل برنامج مشترك‬ ‫من خالل ما تطرحه العملية‬ ‫الدعائية عبر وسائل االعالم اخملتلفة‬ ‫من برامج معدة مسبقا لهذا‬ ‫الغرض‪.‬‬ ‫ب‪ .‬بمرحلة تقوية الكره ضد العدو وذلك‬ ‫باللجوء الى (االسقاط)‪.‬‬

‫اتخاذ القرارات الن ذلك ال يخدم اجلماعة‬ ‫التي هو طوع ارادتها)‪ 44‬وفي هذه احلالة‬ ‫على الفرد داخل اجلماعة ان يفهم‬ ‫بان الفاعل الدعائي ميكنه استعمال‬ ‫اجلماعة كوسيلة ضغط عليه الن اجناح‬ ‫النشاط الدعائي احيانا ال يستكمل‬ ‫عبر وسائل االتصال‪ .‬فيحتاج اخملطط‬ ‫الدعائي الى االتصاالت الشخصية‬ ‫وتكون هذه االتصاالت فعالة اذا ما‬ ‫اجريت داخل اجلماعات التي يعتز االفراد‬ ‫باالنتماء اليها‪ ،‬وبذلك يتمكن الدعائي‬ ‫من تغيير اراء اجلماعة من خالل اقناع‬ ‫افرادها ويوحي لهم بان (من) يخالف‬ ‫راي اجلماعة فهو (خائن) ملبادئ اجلماعة‪.‬‬ ‫وبذلك ينجح في حصول التأثير‬ ‫والتغيير في سلوك اجلماعة مبا يخدم‬ ‫اهدافه املطلوبة‪ .‬واخيرا رغبة الذوبان‬ ‫في اجملموع ويشبع هذا املوقف حاجتني‬ ‫في آن واحد هما‪:‬‬ ‫أ‪ .‬أمشاركة الفرد للمجموعة فيشعر‬ ‫الفرد بقوته اكثر مما كان منفردا‪.‬‬ ‫ب‪ .‬بيتخلى بها الفرد عن مسؤوليته‬ ‫ليسلمها الى شخص نصب‬ ‫‪45‬‬ ‫(ملهم) لهذه اجلماعة وقائدا ً لها‪.‬‬

‫‪4 .4‬احلاجة الى التفرد او احلاجة الى االنتماء‬ ‫والذوبان باجملموع‪:‬‬ ‫كل شخص يحتاج الى التفرد مع نفسه‬ ‫او االنتماء الى جماعته او لعدة جماعات‬ ‫وانه عضو في هذه اجلماعات او تلك ويتم‬ ‫ذلك من خالل مشاعر االخالص والصدق‬ ‫التي يكنها الفرد للجماعة وانه ال ميكن‬ ‫‪ .‬اروى العاني‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.55-54‬‬ ‫‪4 4‬‬ ‫(وهو في اطار هذه اجلماعة ان يتخذ رايا‬ ‫‪ .‬سلسلة دراسة اجليوش االجنبية للعمليات‬ ‫‪ 45‬‬ ‫مغايرا ويسعى على عدم التأخير في النفسية‪ ،1984 ،‬ص‪.83‬‬


‫اخلامتة‬ ‫ان اخلطاب الدعائي هو تعبير عن وجهة النظر‬ ‫السياسية لدولة او مجتمع باعتبار ان الدعائي‬ ‫هو عملية تصنيع الواقع وتصوره للتأثير على‬ ‫اجتاهات وسلوك اجملتمع ضمن تخطيط مسبق‬ ‫بهذا التوجه‪.‬‬ ‫نستنتج من كل ما تقدم في موضوعة مكونات‬ ‫اخلطاب الدعائي وسياقاته بان النشاط الدعائي‬ ‫اذا ما اريد له النجاح في حتقيق اهدافه في‬ ‫التأثير واالقناع وحصول ردود افعال سلوكية‬ ‫تخدم ما يريده الفاعل الدعائي من نتائج لتغيير‬ ‫السلوك واالجتاهات للجمهور الذي تستهدفه‬ ‫الرسالة الدعائية عليه ان يركز بالدرجة االولى‬ ‫على دراسة نفسية علمية شاملة للجمهور‬ ‫املستهدف بالرسالة الدعائية من اجل تلبية‬ ‫حاجاته ورغباته ومعاناته ومن ثم التأثير على‬ ‫آرائه واجتاهاته وقيمه بالشكل الذي يؤدي‬ ‫بالنتيجة الى جناح التوجه الدعائي لتحقيق‬ ‫اهدافه املرجوة وهذا يتطلب ما يلي‪:‬‬ ‫‪1 .1‬اعتماد كوادر فكرية لها القدرة على‬ ‫االبتكار وصياغة لغة اخلطاب الدعائي‬ ‫التي ميكن ان تسيطر على عملية‬ ‫االتصال باجملتمع‪.‬‬ ‫‪2 .2‬االعالم هو ليس مجرد اداة نقل معلومات‬ ‫وامنا هي الكلمة التي تشمل كل حالة‬ ‫لها صلة بالتعامل مع الواقع‪.‬‬ ‫‪3 .3‬فن تخطيط اخلطاب الدعائي يعتمد‬ ‫رجل االعالم واملفكر اللذان ينطلقان من‬ ‫الواقع‪.‬‬

‫‪271‬‬

‫أقواس‬


‫أقواس‬

‫‪272‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.