أقواس
ملحق فصلي جمللة ( كه وانه )
صاحب االمتياز
أقواس ساالر عمر نورى
رئيس التحرير
معتصم جنم الدين
مدير االمتياز
اوات محمدامني تصميم شيردل مجروم
هيئة التحرير :جنم الدين فقى عبداهلل عبدالرحمن كرمي درويش مسؤول املكتب في اوروبا :نهاد القاضي 0031627621171 - 009647508606740 hotmail.com@E-mail: alkadi13 نسخة
1000
السعر
2500
طبع
مطبعة كارو
أقواس
www.kawanakurd.com
المحتويات االفتتاحية
عندما يتغير التوازن السياسي الدولي
التعددية وبناء الهوية الوطنية حسام الدين على مجيد السطات الثالث في القانون األساسي إحسان عبدالهادي سلمان جلمهورية أملانيا اإلحتادية املشاركة السياسية والبيئة الدستورية في ا م د .داوود مراد الداوودي الواليات املتحدة األمريكية أ.م.د نبيل عكيد محمود املظفري التهجير القسري والصهر القومي نوعان من اإلبادة اجلماعية األدوار السياسية للفكراإلقتصادي املهيمن رميي هيرايرا ت :مال ابوبكر زوركيزي اإلذاعات املوجهة للدول النامية ريبه ر كوران مصطفى محمد جالل ابن عارف الباني األسرة القزجلية أحدى األسر العلمية في كوردستان مابني 1380-1240هـ البعد اإلستراتيجي لعواصف التحوالت في عبد الرحمن كرمي درويش ا لشرق األوسط اخليارات النسوية لندا هيرشمان ت :ليماء سليم سعيد العالقة بني تاريخ العلم و فلسفته. د .حسن حسني صديق القيم األخالقية في العمل اإلعالمي أميره عبداهلل اجلاف اللغة والواقع اإلجتماعي يوسف يوسف املبادئ واألسس التی يقوم علیها النظام الفیدرالی خالد مجيد فرج املنظور اإليديولوجي للخطاب والتعدد الثقافي كاظم حبيب في إقليم كردستان العراق النظام املاركسي ومشكلة احلرية نسرين سليم سعيد جتذير فكري و تاريخي للدميقراطية نبيل ياسني اجلسد شرارة حراك ..اجلسد ايقونة تغيير رشيد عوبدة رؤية ميشيل فوكو للصحة و املرض ابراهيم حاجى زملي مفهوم احلصانة البرملانية في كردستان أ.م.د شورش حسن عمر مكونات اخلطاب الدعائي و سياقته د .كمال عبداهلل
6 10 19 43 70 89 109 121 126 135 147 156 171 182 194 203 213 224 2 29 236 256
االفتتاحية
أقواس
6
عندما يتغير التوازن السياسي الدولي تركيا ما بني فكي العثمانية اجلديدة والعلمانية األتاتوركية اجلديدة تتجه نحو مستقبل غامض نتيجة لقرار احلكومة التركية بإزالة احلديقة التاريخية وسط اسطنبول لتبني مكانها جامع بتجمع في ساحة «تقسيم» للتعبير عن وسوق جتاري ،قام عدد من الفنانني واملهندسني ّ موقفهم الرافض لقرار احلكومة .إن نقطة التحول في هذا احلدث وتوسعه وانتشاره بدأت عندما أرادت احلكومة فض التجمع بالقوة وتنفيذ املشروع .في هذه املرحلة ،بدأت العديد من اجملموعات واإلجتاهات بالعمل ضمن الشبكات اإلجتماعية ،كالفيسبوك والتويتر و...الخ ، وبنفس أسلوب توجيه مظاهرات وأحداث الربيع العربي ،وذلك للعمل على تضخيم وتعميق القضية حتى تصل األمور إلى تغيير الشعارات واملطالب بشكل جوهري ولكي يلبسونها عمدا لباسا سياسيا. ألقي القبض على رئيس حزب في 15يناير/كانون الثاني من عام 1999ونتيجة ملؤامرة دولية، َ العمال الكردستاني عبداهلل اوجالن في كينيا وذلك بعملية مشتركة بني الوكاالت األمنية لكل من أمريكا وتركيا وإسرائيل .وفي األشهر األولى من عام 2013أرسل أوجالن رسالة إلى القيادة امليدانية حلزب العمال الكردستاني وطلب منهم وقف إطالق النار واإلنسحاب من احلدود التركية في إطار عملية إلحالل السالم وحل القضية الكردية. وفي عام 2001اتفقت كل من تركيا وجورجيا وأذربيجان وأعلنت عن اتفاق ملد خطوط أنابيب الغاز من هذه الدول إلى تركيا ومنها إلى أوروبا ،وبالفعل بدأت هذه األنابيب بالعمل في عام .2006 إن خطوط نقل الغاز هذه تنقل الغاز من جنوب القفقاس من حقول «شا دينز» من أذربيجان إلى جورجيا ومنها إلى تركيا ،باإلضافة إلى بعض اخلطوط األخرى مثل خط أنبوب نقل النفط والغاز العراقي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا ،وخط أنبوب إيران -تركيا الذي ينقل الغاز اإليراني إلى سوريا و منها إلى تركيا وأوروبا. من الناحية اإلقتصادية والواردات فإن هذه اإلتفاقيات والعالقات اإلقتصادية جتني عشرات مليارات الدوالرات لتركيا ،لكنها من الناحية السياسية تسبب لها مشكلة كبيرة ،وباألخص عالقاتها مع إيران. فمنذ أن أدرك األمريكان أهمية الغاز كشرط حيوي لبقائهم في موقع قيادة العالم وبقاء العالم «أحادي القطب» ،قررت تأسيس مشروع نابوكو لنقل للغاز من الشرق األوسط
وآسيا الوسطى إلى أوروبا .فعن طريق هذا املشروع سيجمع األمريكان القسم األكبر من غاز هاتني املنطقتني في تركيا وسينقلونه إلى أوروبا دون أن مير باليونان .إن هذا املشروع لن يجعل من تركيا دولة غنية وقوية فقط ،بل سيجعل منها دولة إقليمية قوية وقائدة لكل الشرق األوسط .وضمن إطار اخلارطة األمريكية إلجناح هذا املشروع كان الشرط األول سقوط نظام بشار األسد في سوريا .لكن عندما تع ّثر هذا السقوط وظهرت القوى املدافعة عن نظام األسد وبقاءه ،خاصة بعد أن سانده الروس بكل ما أوتوا من القوة واإلمكانات وبشكل علني ،وبعد تبيان فشل وإنهيار مشروع نابوكو ،سارع الترك بفتح باب العالقات اإلقتصادية والسياسية مع روسيا ودول املنطقة الواقعة حتت نفوذها لتنجو بنفسها من تلك الكارثة. ومع عمق اخلالفات وقرب نهاية اللعبة وتع ّثر سقوط النظام السوري ،أعلن الرئيس الروسي بوتني بأن أنقرة قبلت مد خط أنبوب نقل الغاز الطبيعي South Streamمن روسيا إلى أوروبا ضمن حدود املياه اإلقليمية للبحر األسود التابعة لتركيا. فمن ناحية نقل الغاز ،متلك تركيا موقعا جيوبوليتيكيا هاما ،لذا متلك تركيا أهمية حيوية في إجناح تنفيذ املشروعني .فمقابل تعاون ومشاركة تركيا ،تدفع نابوكو قسم كبير من يؤمن لتركيا مقابل تعاونها عمولة تصدير الغاز لتركيا ،و مشروع South Streamأيضا ّ حاجاتها الغازية مقابل قيمة زهيدة .أما من الناحية السياسية فإن بقاء تركيا مع أمريكا هو ضمان بقاء أمريكا كسلطة أحادية في املنطقة أو على األقل في القسم األكبر من الشرق األوسط واملنطقة النفطية في اخلليج العربي وتبقى تركيا إلى حد ما إحدى القوى األساسية الالعبة في املنطقة .أما دخولها في اجلبهة الروسية ،فهذا يعني دفع أمريكا خطوة كبيرة إلى الوراء لتبقى تركيا كقوة إقليمية كبيرة ،وفي كلتا احلالتني ال تستطيع تركيا أن حتقق حلم انبعاث العثمانية. أما تركيا فلها مرام آخر في هذه اللعبة ،وهو املشاركة في املشروعني ،حيث يح ّول الترك حلم انبعاث العثمانية إلى واقع ،لكن حتى هذه اللحظة ال يبدو أن أي من هذين املشروعني يقبل بدور من هذا القبيل لتركيا. خارج هذه اللعبة ومن زاوية أخرى ،وبهدف احتواء تركيا ،يعمل األمريكان على دفع دور قطر إلى االمام كبديل لقيادة التيار السني وبالتالي املنطقة .إن قطر في هذه املرحلة وعن طريق احتواء وجذب احلركات اإلسالمية السنية وباألخص التيار الوهابي وسحب البساط حتت السعوديني ،سوف تصبح القوة السياسية األساسية في املنطقة وسوف يكون لها تأثير أكبر من حجمها على القضايا واحلروب ومستقبل األنظمة السياسية في هذه املنطقة .ولهذا السبب عملت قطر بداية على تغيير هذه احلركة وجعلها أكثر انسجاما مع تطلعاتها ومصاحلها ،فقامت بتغييرات جوهرية في لب البنية األساسية للوهابية واستطاعت عبر هذه التغييرات أن تأسس الوهابية الناعمة عوضا عن الوهابية السعودية املتشددة .وأثناء عملية التغيير واإلصالح اتبعت ثالث نقاط أساسية :تأسيس الوهابية 7
أقواس
أقواس
8
الناعمة عن طريق تغيير البنية الفكرية وأسلوب اجلهاد وتأسيس قواعد ناعمة للنضال السياسي .تدويل الوهابية وإعالنها كتيار إسالمي عقالني .والعمل بنهج البراغماتيكية والدبلوماسية ،أي قياس األشياء مبقياس الفائدة والضرر. ضمن هذه احللقة تتخبط تركيا في سعيها لتأسيس وتطوير العثمانية اجلديدة ،فتارة تتصف بالطائفية وتارة أخرى تتصف بحركة اقتصادية .فهي حتلم بان تكون مرشدة وقائدة للتيار السني ولتحقيق هذا الهدف تبدأ بتطبيق سياسة التمدد الناعم لتدخل جسد األنظمة اإلسالمية والعربية والتأثير على اجتاه األحداث خاصة في مسيرة الربيع العربي .كان لهذا املشروع في األساس ثالثة مصادر :القوة األمريكية ،املال القطري والفكر الوهابي السعودي. لذا عندما تدير أمريكا وقطر ظهرها لتركيا ،ليس من املستبعد أن يتحول مستقبلها إلى كارثة. اليوم وفي ساحة تقسيم جتتمع وتتحد األزمات السياسية والتاريخية لتركيا .تعدد األوجه وتعدد منابع هذه األزمة خلقت هذه األرضية بحيث تضيع هوية هذه الساحة بني العديد من األفكار واألهداف اخملتلفة واملتناقضة ،فاملشاركون يتوزعون بني األفكار الشيوعية والعلمانية والشوفينية و ...الخ .كل حسب مصدر تطلعاته وفكره السياسي يش ّبه ما يحدث بـ: ساحة «تيانامنن» ،بالربيع التركي على شاكلة الربيع العربي ،الساحة احلمراء واحتجاجات اليسار الغربي مثل حركة «احتلوا وول ستريت»...الخ ،هذه ومجموعة من اإلشارات والدالئل األخرى .وبشكل عام األزمات املتشنجة في تركيا كاألزمة بني علمانية األتاتوركية وإسالمية العثمانية اجلديدة .هذه األزمة حتمل بني طياتها العديد من األزمات األخرى كقضايا الطائفية واملذهبية واألزمة بني اليسار واليمني التركي ..الخ .لكن هذا احلدث يحمل في جوهره األزمة اإليديولوجية والتاريخية بني منوذج احلكم العثماني واألتاتوركي. اليوم وبعد عشرة أعوام من «احلكم اإلسالمي -حزب العدالة والتنمية -أردوغان» ،تتصادم تطلعات هذه اجلبهة مع األزمات الداخلية والقضايا اخلارجية والتي ال تضع فقط حدودا حللم اردوغان وحزبه ،ولرمبا هي إشارة إلى بداية النهاية لهذه الفكرة واحللم غير الواقعي. ففي هذه املرحلة ميكن أن يحتاج كل من الكرد والترك إلحالل السالم .إ ّن تركيا تواجه تعمق واتساع أزماتها وقضاياها ،وفي نفس الوقت ميكن أن تفرض التغيرات وأحداث بداية القرن الواحد والعشرين هذا على تركيا إنهاء احلرب مع الكرد وحل قضيتهم .هذا ومن جهة أخرى فإن تقدم واتساع وازدياد قوة النضال السياسي والعسكري الكردي في تركيا لم تدع الفرصة لتركيا الوقوع في خطأ تأجيل التعامل مع الكرد وحل قضيتهم .وفي املقابل نرى اجلهة الكردية ورغم أنها كانت دائما مع احلل السلمي ،فرمبا ومع بدءها بهذه املرحلة اإلستراتيجية الهامة ،مثل تغيير منوذج واسلوب نضال التحرر ،يشكل عامل قوي آخر للجوء إلى عملية السالم .إن ضرورة تغيير اسلوب ومنوذج النضال العسكري إلى النضال السياسي والدبلوماسي واجلماهيري واملدني خلق عند اوجالن هذه الفكرة ليبادر بالسالم حتى إذا كان هذا يتفق مع تكتيك تركي .مبعنى أن الكرد اليوم لم يغيروا اسلوب نضالهم من اجل تركيا ،بل ينظرون إلى
املسألة كأهمية إستراتيجية. عند التأني في عملية السالم الكردية – التركية وطبيعتها وأسبابها ،بحيث أنها جاءت بعد ثالثني سنة من احلرب والقتال ،وقناعة الطرفني بعدم هذا الطريق ،فاليوم االستفادة من تلك التجربة املريرة ضرورة ملحة ،وذلك من خالل إختيار احلل السلمي العادل للقضية الكردية ،األمر الذي يجعل الشعبني التركي والكردي يشكالن أسس السالم في الشرق األوسط. وفي هذه اإلطار ،على عقالء الطرفني إدراك معنى فشل عملية السالم وتداعياته اخلطيرة سواء بالنسبة للكرد ،أوبالنسبة للترك فتأثيراته ليست أقل خطورة . لهذا السبب ،وألهمية هذه العملية بالنسبة للكرد ،املضي في طريق احلل السلمي ،عليهم قبل الوصول إلى السالم ،إجنازتغييرا كبيرا في اسلوب ومنوذج النضال ،حتى يصبح وصولهم إلى هدفهم الستراتيجي ،السالم ،ممكنا ،وهذا ينطبق بنفس القدر على الطرف التركي أيضا .يجب اإلعتراف إن إحداث هذا التغيير لن يكون سهال ،وذلك ألن الكثير من القادة الكالسيكيني من الطرفني ميكن أن ال يتفقوا على هذه التغييرات ،لكن من الضروري أن تتغلب جبهة السالم على جبهة احلرب وأن ينتشر السالم. من جهة أخرى فإن جناح عملية السالم بالنسبة لتركيا سيؤدي إلى جذب تعاطف الكرد عامة ،وكرد إقليم كردستان بشكل خاص ،ألن هذا اإلقليم سيدخل خارطة الطاقة العاملية ليصبح من األقاليم الغنية واملتقدمة وهو بالذات سيصبح بنفس الوقت العبا أساسيا في السياسة الدولية .اليوم إقليم كردستان والذي يوصف بأنه موقع كبير إلنتاج الغاز ،ميضي قدما مع قطر إلجناح مشروع نابوكو ،مبعنى أن هذا اإلقليم سيصبح مهد املشاريع النفطية والغازية العاملية العمالقة ،وبالنسبة ملستقبله السياسي سوف يشكل قوة مؤثرة في منطقة الشرق األوسط.
9أقواس
أقواس
10
التعددية وبناء الهوية الوطنية: قراءة مقارنة في حالتي العراق وكندا
الدكتور حسام الدين علي مجيد قسم العلوم السياسية بجامعة صالح الدين -أربيل
ي ُ َّع ُ رف مفهوم التعددية Pluralismبأنه األميان يش بوجود العديد من طرق احلياة العقالنية لِ َع ِ حيا ٍة كرمية .Good Lifeفهي االلتزام بفكرة أن ُه ينبغي بالناس أ ْن يكونوا قادرين وبصورة حرة على بديل ما من بني كل البدائل املتاحة لعيش اختيار ٍ احلياة الكرمية .وبذلك تغدو التعددية على الضد من تلك الرؤية األُحادي عن احلياة والقائلة« :بان ٌ يش حياتنا». سبيل هناك ٌ مالئم واحد فقط لِ َع ِ مما يُشي ُر ذلك من ناحية الى فكر ِة كون التعددية والتنوع إمنا تكون في إطار الوحدة والرابط سبيل املثال املشترك .فالشرائع املتعددة على ِ ال تتأتّى تعدديتُها اال في إطار الدين الواحد، واحلضارات املتعددة ال تتأتّى تعدديتُها اال في إطار ِ املشترك اإلنساني العام .وبذلك فإ َّن التعددية قائم على مت ُّي ٍز وخصوصية ،فهي ال هي تنو ٌع ٌ ُوج َد اال باملقارنة مع الوحدة وضمن ميكن أ ْن ت َ إطارها .فال ميكن إطال ُق التعددية على التشرذم وال َقطيعة التي ال جام َع آلحادِها ،وال على األُحادية التي ال أجزا َء لها أو امل َ ْق ُهور َ ُة أجزاؤها على التخلي عن املُم ِّيزات واخلُصوصيات .ومن ناحي ٍة أخرى ،فإ َّن حرية اإلرادة تلك في «اختيار ِ بديل من بني ِّ تاحة» من أمناط احلياة كل البدائل امل ُ َ ٍ ُ يش احلياة الكرمية إنمَّ ا تُفي ُد معنى ع في قها وط ُر َ ِ بشكل عام تعني التسامح مع كون التعددية ٍ مختلف أنواع األفكار .أي انتهاج التسامح جتاه شتى التصورات عن احلياة واإلنسان والبيئة حُ أي تصورٍ منها أكثر جوهري ًة امليطة دون اعتبار ّ وأصال ًة من التصورات األخرى. ومن هذا املنظور ،تقو ُم أ ّي ُة هوية ثقافية بوظيفتَني جوهريتَني؛ فمن جهة تعمل على إكساب أعضائها ِّحس االنتماء املشترك ،وذلك من خالل توليد االعتقاد بِتَماثُلِهم في األصول واملعتقدات واملوروث الثقافي عموماً .ومن جهة
أخرى تعمل الهوية الثقافية وكأنها ِمصفاة، وذلك بإبعاد كل َم ْن ال ينتمي اليها وإقصائ ِه عن تلك اجلماعة ،أي أنها أدا ٌة للتمييزِ بني املُنتَمني وبني غيرِ املُنتَمني إليها .بل ميكن القول مع املذهب اجملتمعاتي « ،Communitarianismأ َّن هوياتنا يتم تشكيلها إلى ح ٍد ما باالعتراف Recognition أو بعدم االعتراف ،وغالبا ً ما تتشكل بفعل سوء اعتراف اآلخرين .ولذلك فإ َّن شخصا ً أو جماع ًة ما ستعاني من ضررٍ حقيقي وتشوي ٍه خطير إذا ما الناس أو اجملتمع احمليط بهم ك َّو َن صورة ُمختَزِلة او ُمهينة أو ُمزدَرية عنهم ون َ َقلها إليهم في ذات الوقت .وتبعا ً لذلك ،فمن املمكن حينئ ٍذ أ ْن يتس َّب َب عدم االعتراف أو سوء االعتراف في أذ ًى نفسي ،فيتخذ شكالً من أشكال االضطهاد منط زائف ومش َّوه وذلك بجعل املرء َحبيس ٍ و ُمختزل عن الذات ،»Selfومثال ذلك لدي ِه حالة السود والسكان األصليني في الواليات املتحدة. فاجلماعات عموما ً تكون ضحية االضطهاد، وذلك حني جتد بأ َّن تقاليدها وممارساتها تتعرض فت تلك اجلماعات للتالشي والزوال كلما تكيًّ ْ مع الكيان الثقافي والكيان السياسي لألكثرية املهيمنة .مما يدفع ذلك بك ٍّل منها إلى أ ْن ترى نفسها من زاوية كونها ضحي ًة من ضحايا اإلمبريالية الثقافية .cultural imperialismوفي ذات الوقت يتم العمل على «قولبة أوتنميط» اجلماعة ،بحيث تقوم األكثرية املهيمنة نفسها باإلشارة إليها بصفة ال َغيرية ،أي ذلك «اآلخر the .»otherوبهذا فإ َّن اإلمبريالية الثقافية تشتمل على إضفاء الصفة الشمولية على جتربة وثقافة اجلماعة املهيمنة وما أنشأت ُه من مؤسسات، وعلى النحو الذي تدفع هذه الثقافة لِتكون مثاال ً حتتذي به األقليات الثقافية. تأسيسا ً على ذلك« ،فإ َّن سوء االعتراف ال ينطوي على االفتقار لالحترام املطلوب فحسب، 11
أقواس
أقواس
12
رح بل ومن املمكن أيضا ان يتس َّب َب في إحداث َج ٍ بليغ ،grievous woundبحيث يجعل ضحايا ُه ثم يمُ سي أسرى كراهي ٍة شديدة للذات .selfومن َّ َدين بها اإلعتراف املطلوب ليس مجرد مجاملة ن ٌ إلى هذه اجلماعة أو تلك ،بل هي حاجة إنسانية ضرورية إلستمرارية الوجود» وفقا ً لتعبير تشارلز تايلور ( .)Charles Taylorوبناءا ً علي ِه ،فان تايلور يتفق مع الدميقراطيني اإلجتماعيني في أوروبا من حيث تقاسم فكرة كون اإلكراه أو االضطهاد يتسبب في إحداث «أذ ًى نفسي» و»جرح بليغ» لدى األقليات ،بحكم ما ينطوي عليه اإلكراه إذالل جماعي .بيد أ َّن الذي يتميز به تايلور من ٍ هو تأكيده على كيفية تبلور الهوية ذاتها بفعل سوء االعتراف بها ،وبالشكل الذي يجعل من معاناة األقلية جز ًء ال ميكن َفصل ُه عن هويتها. حال من مما يكشف ذلك عن فكرة كوننا في ٍ الصراع مع قوانني الوجود املفروضة علينا من دواخل أنفسنا بوصفنا ب َ َ شرَاً .والسؤال الذي يفرِض نفس ُه في هذا السياق يدور حول الكيفية شتات ما تفرَّق وتشكيل ك ٍّل التي ميكن بها لَ َّم َ املنقسمة موحد من أُولئك االفراد واجلماعات ِ على نفسها ضمن إطار مجتمع واحد؟ هذا التساؤل هو املدخل الرئيسي لنجاح الدولة في عملية بناء تلك الهوية اجلامعة لشتى املك ِّونات االجتماعية ،والدفع بها نحو تعزيز األواصر االجتماعية التي تولدت بصورة طبيعية بفعل االلتقاء والتالقح في عني الزمان واملكان، فضالً على بناء أواصر جديدة نابعة من العيش املشترك في ظل بنى جديدة وهي مؤسسات الدولة الوليدة .وفي عني الوقت ،فإ َّن الفشل في إيجاد تلك األواصر وتوثيقها ،أي الفشل في عملية اإلندماج ،Integrationيعني أ َّن الدولة قد س َب ِب وجودها .علي ِه ،يُع ِّب ُر أخ َف َق ْت أصالً في َ
ُوح ُد مفهو ُم «االندماج» عن تلك العملية التي ت ِّ جماعات متباينة عن بعضها ثقافيا ً واجتماعياً، ٍ ثم وذلك في اطار وحد ٍة اقليمية واحدة ومن َّ انشاء هوي ٍة قومية جامعة .حيث يَع َم ُد االندماج بذلك الى الدفع باجتاه بناء مجتمع سياسي متناغم سياسيا ً وثقافيا ً من حيث قيام التطابق ما بني «الدولة »Stateب ِ َوصفها وحدة سياسية وبني «األُمة »Nationبإعتبارها وحدة ثقافية. جانب آخر يعمل االندماج على جعل الدولة من ٍ قائم ًة على اساس تقديس النظام وحمايت ِه، بحيث يشعر املواطن حينها بقوة نظام الدولة -االمة لكون ِه أصالً ُمرت َِك ٌز على اساس متاسك االنتماء الثقافي لألمة وقوة االنتماء السياسي للدولة. وفي ضوء ذلك ،ميكن القول بكون أزمة االندماج تتمثل في ضعف قدرة الدولة ونظامها السياسي على االستجابة املسارِعة والتفاعل البنَّاء مع تنوع الهويات الفرعية وتفاوت املصالح اجلماعية ،والذي ينجم في االصل عن انخراط الدولة ومؤسساتها في مختلف مسارات عملية االندماج بهدف توحيد مكوناتها الثقافية والسياسية .بعبار ٍة اخرى ،إ َّن قضية االندماج ذات صل ٍة مبدى إنتظام النظام السياسي روابط واستقرار ِه ،من حيث كون االخير هو نظا ُم ٍ متفاعلة تنشأ ما بي َن ُه وبني شتَّى اجلماعات مطالب معينة واملصالح الساعية الى حتقيق ٍ لدى النظام السياسي نفسه .ومثال ذلك واقع حال دول العالم الثالث .إذ أننا جند طيفا ً واسعا ً من الهويات الفرعية فيها إضاف ًة الى (عصابات املصالح) ،وهذه نادرا ً ما تتفاعل في ما بينها على اساس وحدة الهوية القومية ،لكون هذه هويات قومية في طور البناء الدول التزال ذوات ٍ والتشييد .ومن ثم تسعى كل هوية فرعية فيها الى مطالبة النظام السياسي بتلبي ِة مطالبها
بصور ٍة منفصلة عن الهويات االخرى ومطالبها، وكأ َّن التلبية واشباع املطالب فحسب هو ما يشغل با َل هذه املكونات الثقافية ويجمعها ال وحدة االنتماء الى الدولة خالل هذه املرحلة حتديداً .ومع ذلك ،فإ َّن اجلانب الفكري لِعملية سة الدولة اإلندماج يُش ِّددُ على أ َّن دوام مأس َ َ س ُيفضي الى إمكانية والد ِة بيئ ٍة من األُلفة املتبادلة بني اجلماعات الثقافية وبني الدولة التآلف الناشئة .وليس بالضرورة أ ْن تكون بيئة ِ تشتمل هذ ِه بيئ ًة سلمي ًة فقط ،بل إن َّها قد ِ عالقات اجتماعية سلمية وتنازعية أيضا ً على ٍ يصب في صالح آن واحد ،غير أنها تنازُ ٌع بنَّاء ُّ في ٍ دوام وجود الدولة ال زوالها .فالدولة ضمن إطار أزمة االندماج ستغدو مبثابة املش َترَك الوحيد ذي القدرة على توحيد اجلماعات الثقافية على إختالف مطالبها وإنتماءاتها الفرعية ،لِكونها ببساطة حتتكر القوة واجلاذبية الفكرية اللتَني جتعالنها مالك ًة للقدرة على إشباع املطالب واحلاجات سوا ًء أكانت مادي ًة أم معنوية .ولو أخذنا العراق مثاال ً لوجدناه على الصعيد العملي هو النقيض من ذلك متاماً ،فالدولة من جهة ربمَّ ا هي املشترَك الوحيد ولكنها مقطوعة اليد واللسان فهي ليست بذي قدرة على التوحيد .ومن جه ٍة أُخرى جند املواطن اليزال في طور إنتظار ثمار عملية بناء الدولة ،وملد ٍة قاربت القرن من الزمن، حتى أضحى حال ُه قريبا ً من حال أولئك الذين وخيال صنَعوه بأنفسهم، كانوا في إنتظار وَ ْه ٍم ٍ ص َن َع ُه «غيرهم» ثم قالوا لهم« :هذا بل ُق ْل َ صلْ ِب ُكم فال ت َذرو ُه الى خصومكم وَلي ِد ُكم ومن ُ وأعدائِكم» ،فص َّدق آباؤنا ذلك لِسذاجة أكثرهم َ وك َفرَ ب ِه الصانعون. وإذا ما تعمقنا في حالة العراق ،لَوجدنا العالقة بني مركز العراق وإقليم كوردستان لوجدنا العالقة مميز ًة للغاية مقارن ًة بالدول ال ِفدرالية
األخرى .إذ يسود في االقليم حاليا ً ذلك اإلعتقاد القائل بأ َّن املركز رغم َعقد ِه إتفاقية 11آذار1970 وإنشاء منطقة احلكم الذاتي (،)1991- 1974 َّ ظل يتعامل مع اإلقليم وينظر الي ِه اإل أن َّ ُه تابع ال شريك .بعبار ٍة أُخرى ،إ َّن على أن َّ ُه مجرد ٍ حكومات املركز عاد ًة ما كانت تعمل على إفراغ مفهوم َ الشراكة من محتواه املُت َفق عليه بهدف طرف تابع يتمتع ٍ حتويل كوردستان الى مجردِ باحليازة الشكلية فقط للحقوق السياسية والثقافية .ثم إ َّن إستمرارية هذا التعامل وقسوة السياسات اإلقصائية الهادفة الى بناء (دولة القومية الواحدة) و َمركزتها احلادة ،قد ولَّدت بدورها ظاهرة اخلوف من الذوبان وخُ سران الهوية القومية السيما في أوساط النُخب الكوردية السياسية منها والثقافية .مما دفع بالكورد الى تصعيد مطالبهم من احلُكم الذاتي الى بناء عالقة ال ِفدرالية مع املركز ،والتي باتت منذ العام 2005تتخ ُذ عمليا ً شكل ال ِفدرالية الالمتاثلية .بحيث تتمتع فيها الوحدات الفرعية بسلطات ذوات األساس القومي والثقافي املتم ِّيز ٍ أكثر وأوسع مقارن ًة بالوحدات اإلقليمية األُخرى، لِ َيجعلها ذلك ذوات إستقاللي ٍة كبيرة قد ترقى في األمد القريب الى املطالبة بتقاسم الثروات الوطنية والتمثيل الدبلوماسي والثقافي على الصعيد الدولي. وهنا ميكن مالحظة وضعية التالقي مع حالة ال ِفدرالية الكندية ،من حيث أ َّن األجنلوفون ،وهم األكثرية املهيمنة ،يعتبرون أنفسهم أعضاءا ً في أُم ٍة كندية تشمل الكنديني كا َّفة أيا ً كانت لغاتهم أو انتماءاتهم .ولذلك فإ َّن االنتماء إلى الهوية الوطنية الكندية يقوم من جه ٍة على فكر ِة أ َّن جميع الكنديني يشكلون أم ًة واحدة. ثم ينبغي أ ْن تكون احلكومة ال ِفدرالية ومن َّ ُم َع ِّبر ًة في سائر أنشطتها عن تلك الهوية 13
أقواس
أقواس
14
املشتركة ،ومن جه ٍة أخرى يتوجب احترام التباينات الثقافية القائمة ما بني الكنديني. غائب في حالة العراق. هذا املنظور وممارست ُه ٌ َفلو تابعنا مسيرة التطور التاريخي للشعور والعقيدة احلاكمة لدى حكومات املركز ،سنجد خليط من املشاعر واألفكار التي لم تز ْل مجرد ٍ تنتاب القاعدة الفكرية للمركز بدءا ً من القومية الليبرالية ( )1958 -1921ومرورا ً بالقومية ينتهي املسار أخيرا ً اإلشتراكية ( ،)2003 – 1958لِ َ بِسيطر ِة التفكيرِ الطائفي علي ِه سوا ًء في تعامل ِه مع األطراف املت ِفقة مع ُه قوميا ً ومذهبيا ً أم اخملتلفة عنه قوميا ً أو مذهبياً .وفي سياق هذه زل املرك ُز يحاول من جانب املراحل الثالث لم ي َ ِ بنا َء هوي ٍة جامع ٍة محلية تتمثل في( :الوطنية العراقية ،العروبية ،والطائفية) ،ثم يسعى في اجلانب املقابل الى إحكام الصلة بني هذه الهوية وبني هوي ٍة جامعة إقليمية أو أُممية تتجسد في مشاريع( :الهالل اخلصيب ،الوطن العربي الكبير، والهالل الشيعي) على الترتيب. مثل هذا التفاوت احلاد في املشاريع االندماجية والوحدوية ضمن سياق عملية بناء الدولة العراقية ،ي ُ َّع ُد مبثابة الباعث الرئيسي لِتشتت جهود املركز املادية منها والفكرية ثم عدم نضوجها ،فضالً على إيقاع ِه في أزمتَي قان الهوية واإلندماج اللتَني يبدو أنهما َ ستُرا ِف ِ هذه الدولة حتى النزع األخير .بدليل أن َّ ُه منذ عام 1958واملركز يَستنزِ ُف َمواردَ ُه البشرية سوا ًء بذات ِه نتيجة التفاوت في مشاريع ِه اآليديولوجية العنفي للنخب السياسية ،أو بتأثير والتغ ُّير ُ قي القوى اإلقليمية والدولية .وفي ِكال احلالَني ب َ َ املركز ينظر الى أطراف ِه من زاوية كونهم أتبا ٌع وموالني ال مواطنني ،مجرد أطراف ال شركاء ،أو ُمقلِّدين و ُم َ رشحني للتقليد ال مسلمني ومؤمنني بديانات أُخرى .لِ ُيفضي ذلك في نهاية املطاف ٍ
الى إثارة اخملاوف والشعور بالتهديد في أوساط األطراف املتمايزة ثقافياً ،والدفع بهم للتمسك احلاد به ِّوياتهم والتشكيك في هوية املركز وآيديولوجيت ِه .ذلك أ َّن هذه الهوية األخيرة قد فقدت الكثير من مالمحها حتى باتت بال معالم وتضاريس يستد ُّل بها التائهون وعابروا السبيل على األقل .فالهوية العراقية هي اليوم أسير ٌة في سجون التعصب واألُمية والفقر ،بل ُق ْل هي سجين ُة من سجينات التخلف الذي س ُيهلِ ُك أصحاب َ ُه في املدى املنظور. بعبار ٍة أخرى ،وفي هذا السياق العام ملشروع َ تعامل مركز العراق مع بناء الدولة ،نالحظ أ َّن ٌ أطراف ِه املتمايزة قوميا ً وثقافيا ً قائم في تعامل ٌ األصل على ركيزت َني رئيستَني :أُوالهما تتجسد في أ َّن املركز نفس ُه كان واعيا ً بطبيعة ه ِّويت ِه إستهداف ونوعية سلوك ِه السياسي من حيث ِ غايات تتجاوز حدود اجملال الوطني سواءا ً قبل ٍ عام 2003أو بعده .فهو يعمل على تشييد مؤسسات موحدة ومركزية بهدف مواالتها ٍ ّ بات هذا املركز ثم َ من قبل املواطنني كافة ،ومن َّ س ُمفرِط مع مطالب إقليم يتعامل ُّ بتحس ٍ كوردستان ،أو مطالب احملافظات األُخرى في أقاليم ِفدرالية .ويعود سبب هذا الرفض إنشاء ٍ رئيس منه الى خشية املركز عين ِه من جزء في ٍ ٍ سلطان ِه َع ِق َب وقوع إتساع دائرة التالشي في ُ ِ إقليم كوردستان في قلب تلك الدائرة .فمثل هذا التوجه نحو املزيد من الالمركزية رمبا سيتفاقم بِنُشوء إقليم الغربية وإقليم البصرة في قابل أضحت تثي ُر ِقسما ً األيام .هذه اخملاوف والكوابيس ْ من األكثرية العربية في املركز واألطراف امل ُ َت ِفقة تدفعهم معه قوميا ً ومذهبيا ً أو مصلحيا ً َف ُ للتشديد على فكرة كون إقليم كوردستان َيل املزيد من اإلستقالل يُ ِِّ سخ ُر أموال الدولة لِن ِ الذاتي بُغية حتقيق اإلنفصال على املدى البعيد.
وهذا هو عني منظور األجنلوفون –في حالة كندا- كيبك في اإلعتراف مبكانتها جتاه مطالِب إقليم ِ املتميزة .أما ثاني الركيزت َنيَ ،فتَتمثل في الدعوة الى إنتهاج مبادئ احلرية واملساواة والعدالة ذوات األساس الفردي ال اجلماعي في التعامل مع مواطني العراق كا ّفة بال إستثناء .مبعنى أ َّن نخبة املركز ،من منظور إقليم كوردستان ،حتاول القفز فوق التفاوتات الثقافية السيما القومية منها واللغوية فضالً على املآسي الغائرة في اجلسد َركات ال والذاكرة واألرض ،ثم البحث عن ُمشت ٍ تقوم تلك (النخبة) أصالً بصناعتها وال تعمل بفحواها ،من مثل :الشراكة واملواطنة ،العدالة اإلجتماعية ،الوطنية العراقية .فهذه املفردات ألس َنتُهم دون أ ْن تُخالِط األصيلة ت َلوكها ُ قلوبَهم ويُسخِّ نون بها أسواقهم احمللية ليس اإل .لِكون هذه النخبة في اجلوهر غير متجانسة تفكير طائفي فكريا ً والكثير من أقسامها ذات ٍ مشلول ال يستطيع ال ُرقي الى مستوى األخالق املذهبية ألصحاب املذاهب الفقهية أنفسهم (رحمهم اهلل تعالى). تفاوت إذن ما بني السلوك السياسي هناك ٌ للكيبكيني والكوردستانيني وبني األكثرية ِ َ املهيمنة على املركز في حالتَي كندا والعراق. جانب منه إلى كون مقاطعة ويرجع ذلك في ٍ كيبك وإقليم كوردستان يَشترِكان في كونهما ِ من «الوحدات اإلدارية ذوات األساس القومي»، وسلوكهما املشترك ذاك يأتي تعبيرا ً عن خشية األقليات القومية و َميلِها للمحافظة على متايزها ثقافيا ً وتكريسها إلستقاللها الذاتي سياسياً. بينما املقاطعات الكندية واحملافظات العراقية األخرى هي من صنف «الوحدات اإلدارية ذوات األساس اإلقليمي» ،التي تُع ِّب ُر جميعا ً عن رغب ِة األكثرية األجنلوفونية والعربية على الترتيب في أساس إقليمي ال قومي .أي نشر سلطانها على ٍ
مبعنى أ َّن تباين «أساس» الوحدات املكونة للدولة من شأن ِه أ ْن يؤدي إلى سعي الوحدات ذوات سلطات متمايزة وأوسع َيل ٍ األساس القومي لِن ِ نطاقا ً من تلك السلطات التي حتاول الوحدات ذوات األساس اإلقليمي أ ْن حتوزها .وميكننا التوقع عموما ً بكون الوحدات اإلدارية القومية ستُطالِ ُب بسلطات متزايدة بصور ٍة تدريجية، على الدوام ٍ بينما الوحدات اإلدارية اإلقليمية ستكون على األرجح أ ّق َل مطالب ًة بذلك لِكونها تنتمي ثقافيا ً وقوميا ً الى عني هوية األكثرية املهيمنة ،وقد تتقبل فعليا ً وبذاتها فكرة اإلضعاف التدريجي لسلطاتها لصالح املركز. وعلي ِه ،من املمكن تفسير هذا التماثل احلاصل بني جتربتَي كندا والعراق باإلشارة الى كون س دور ُه املؤثر في ُمخَ يلَ ِة حق تقرير املصير يمُ ار ِ ُ الكيبكيني والكوردستانيني على ح ٍّد سواء. ِ َّ فس ُر سبب إنبثاق ولعل هذا العامل هو ما ي ُ ِّ أزمة الثقة املتبادلة وتطورها بني حكومة املركز ووحكومات األطراف .ففي حالة العراق حتديداً، مثلما يَخشى إقليم كوردستان العراق على حال وجود ِه وهويت ِه القومية جن ُد املركز أيضا ً في ٍ من اخلوف جتاه إمكانية إنفصال اإلقليم بالشكل تيح سبيل اإلنفصال أمام احملافظات الذي ي ُ ُ األُخرى بالضرورة .يتضح ذلك بجالء في اخلِالف احلاد مع اإلقليم بشأن ِقطاع النفط والغاز ثم الربط بين ُه وبني قضية املناطق الكوردستانية املتنازَع عليها .فاملركز يجعل هذا ال ِقطاع جزءا ً من اجملال ال ِفدرالي لِكون ِه ينظر الى ذلك من زاوية أ َّن ولوج اإلقليم في هذا (اجملال السيادي) سيو ِّفر له مستقبالً األساس املادي لإلنفصال .بينما ال تنظر حكومة إقليم كوردستان الى قطاع النفط والغاز بِوصف ِه مجاال ً سياديا ً بل ترا ُه من زاوية كون ِه شأنا ً محليا ً قابالً للتفاوض والتقاسم ما بني املركز وبي َن ُه .وفي عني الوقت جند أ َّن اجلمود 15
أقواس
أقواس
16
املؤسسي في املركز و َفشل ُه في إدارة عملية بناء الدولة State - Buildingقد أسهم في تطور أزمة الثقة لتشمل النظام السياسي بأسر ِه. فاملركز ال يُحقق من املنجزات شيئا ً مذكورا ،مما نفس ُه في دائرة املقارنة الشعبية ما بينه يُو ِق ُع َ وبني إقليم كوردستان من حيث إنخراط األخير في مسار البناء والتحديث بالرغم من وجود الفساد اإلداري فيه. ويبدو أ َّن الباعث اجلوهري لتبلور هذا الوضع في حالة العراق يتمثل في طبيعة هوية األكثرية العربية بذاتهاَ .ف ُهم ي َ ُع ُّدون أنفسهم مبثابة القوة احلافظة لوحدة الدولة ،ونظرا ً لذلك س وحدوية يستند نشاطهم السياسي على أ ُ ُ س ٍ مشتركة مثلَ :مركزة الدولة ،إضعاف األطراف والتدخل في شؤون احلكومات احمللية ،تقوية السلطة التنفيذية الى أقصى مدى ممكن .غير أ َّن ذلك ال يعدو أ ْن يكون سوى إطارٍ مشترك يَن َ ط ُر ْش ِ سني :أحدهما يدفع املركز بِدور ِه الى ُقط َبني ُمتنا ِف َ أما اآلخر ف َينحو صوب العالم العربي والسنِّيّ ، ُ باملركز نحو بناء عالق ٍة غير متكافئة مع إيران والعالم الشيعي ،أي العمل على جعل الهوية العراقية موضوع إستقطاب بدل أ ْن تكون مركزَ إستقطاب وطني ودولي .هذا الشعور بالتبعية ٍ لعلَّ ُه ناب ٌع في جوهر ِه من عدم حيازة املركز أل ِّي مشروع قومي عربي وال طائفي حتى .وهو ما ٍ يدف ُع املركز للبحث عن عالقة تبعية مذهبية وآيديولوجية خصوصا ً مع محيط ِه اإلقليمي، بالرغم من حيازت ِه لإلمكانات املادية والبشرية التي تفوق ما يحوز ُه كا َّفة دو َل محيط ِه اإلقليمي ُمجتمعني. مما يحدو بنا ذلك للقول بعدم إمكانية االعتماد على امناء املشاعر القومية واملشتَركات اجلماعية فحسب من أجل إجناح عملية بناء الدولة -االمة، وقد يكون هذا َمك َم ُن ال ِعلَ ِل الذي وقع فيه
القوميون ثم االسالميون الحقا ً سوا ًء في العراق أو غيره من دول العالم الثالث .ويرجع ذلك الى كون مشروع بناء الدولة عموما ً ينبغي أ ْن يتم فيه ايضا ً دوام تغذية الهوية القومية باالجنازات املادية ،كالتقدم والبحث العلمي جنبا ً الى جنب التصنيع والعمران مثالً ،بحيث ت ْ َش ِم ُل منافعها سائرَ االفراد واجلماعات دون متييز .فيتولد بذلك حس االنتماء لدى كل فرد وينمو في َقرار ِة نفس ِه ُّ الى تلك املؤسسات واالجنازات معاً ،واعتبار ِه إ ّياها ُ وج َد ْت من أجل ِه وفي جزءا ً من كيان ِه وأن َّها قد أ ِ سبيل خير ِه وسعادت ِه .أي مبعنى بنا َء املواطن املندمج في عضوية الدولة والذي ال يُدر ِ ُك قيمة مثل هذه العضوية خارج َمع ِّي ِة دولت ِه .وبذلك شتمل ًة على عضوية تكون املواطنة بذاتها ُم ِ الكيان الفكري والرمزي للدولة ،أي الهوية القومية واالساس الفكري للدولة الذي يجسد املنظم حلركتها بدوره مرجعية الدولة واالطار ِ على الصعي َدين الداخلي والدولي. هذا املنظور عن املواطنة ال يعني إلتحام املواطن اندماج ُه فيها مطلقا ً على بالدولة – االمة لِيكون ُ نحو ما كان عليه احلال في دويالت املدن اليونانية، بل يعني أ َّن املواطن نفسه قد اندمج في كيان دولت ِه لكي يحافظ عبر ذلك على خصوصيت ِه الفردية .وقد ال جنانب الصواب حني القول بأ َّن مثل هذه املواطنة ليست منظورا ً خياليا ً وميكن حتقيقه في حالة العراق بل كان باإلمكان حتقيقَ الكثيرِ من تفاصيل ِه .وذلك ببساطة من خالل انتهاج التنمية السياسية املستقلة ،بوصفها العملية التي ستضمن «حيادية الدولة» في تعاملها مع مكوناتها الثقافية والقومية ،فضالً ص ُل فيها بني شخص على «املؤسساتية» التي يُ ْف َ املسؤول وبني املسؤولية املوكولة اليه ،لِيتِّم من خالل ذلك بنا َء دول ٍة مستقل ٍة عن مك ِّوناتها األولية وتُع ِّبر عنها من جانب ،ومستقل ٍة عن
أقرانها من الدول والكيانات األخرى في اجلانب اآلخر .وبخالف ذلك ستنتمي هذه الدولة الى مقدمة ذلك الرَتل الطويل من الدول الفاشلة التي أخ َفقت في االستقالل عن مك ِّوناتها والدول األُخرى ،أل َّن النُخَ ب السياسية فيها التزال الى اآلن تعتقد بأ َّن اإلستقالل يعني مجرد عدم التدخل األجنبي في شؤنها .بينما إستقاللية َشتم َل ع‑لى املست َويَني الدولة ينبغي أ ْن ت ِ آن واحد .حيث أ َّن انتهاج الداخلي واخلارجي في ٍ التمييز واحملاباة ثم َ صن ِة املؤسسات ،ستؤدي شخْ َ بالضرورة الى استمرار تناقص فاعلية الدولة في التعامل مع أزمة االندماج بخاصة واألزمات التنموية األخرى بعامة ،ثم بروز حال ٍة ُمزْ ِمن ٍة أزمات ُم َّ ركبة ومتكيفة من التأزم تتخذ شكل ٍ مع البنية االجتماعية وأطيافها ،بحيث أ َّن ذلك سيدفع الدولة بأسرها الى وضعية اجلمود ومن ثم الزوال في خامتة املطاف .اذ تكون الدولة َّ فقدت هي االخرى شرعيتها جنبا ً حينئذ قد ْ الى جنب النظام السياسي ،فال تغدو الدولة ُمع ِّبر ًة عن ارادة كا ّفة االطراف وصالحِ هم العام، وإنمَّ ا عن إرادة ومصالح العصابات املهيمنة على صناعة القرار فيها .وربمَّ ا هذا ما سينتهي اليه الوضع في مركز العراق والكثير من أطراف ِه ،إذ حتكم ُه ميول األشخاص ال إرادة القانون ،تعبث به االنتماءات و النزعات السابقة على نشأة الدولة، تُ ْفرَ ُغ القوانني من مضامينها ثم ت َ ُشرَّ ُع قوانني جديدة َّ أقل عيوبها أنها مليئة بالعيوب النحوية وحبلى بالكوارث .لِينتهي ذلك الى بروز والفكرية ُ ذلك الذي يقرأ في كتاب الدولة الفاشلة لِصاحل ِه وصالح ِفر َقت ِه ،ليتحول رويدا ً رويدا ً الى جوهر ِ بُغيت ِه وهي أ ْن يكون الدكتاتور اجلديد. في ضوء كل ما تقدم ذكره ،ميكن القول بكون العراق والسيما في ظل التغيرات الدميقراطية وغير الدميقراطية في الشرق األوسط أضحى
في مواجهة حت ٍد مزدوج وهو :بناء دولة عصرية محايدة من جهة وبناء املواطن املُتسا ِمح من جه ٍة أُخرى .بحيث تغدو الدولة والهوية الوطنية هي املشترَك العام الذي يوالي اجلميع ويناصر اجلميع وينتمي اليه اجلميع دون أ ْن تنتمي الدولة أل ِّي مك ِّون ثقافي .أما في عني الشقِّ الثاني من هذا التحدي َف َيتم تنشئة اإلنسان ليغدو كائنا ً ُمتسا ِمحاً .بحيث يَحوزُ هذا اإلنسان القدرة على سلوك مخالِف لمِ عتقداته إنتهاج التدخل ملنع ٍ و ُمنا َهضة هذا السلوك ماديا ً ومعنوياً ،غير أن َّ ُه ال مينع وجود ذلك السلوك عبر جتنب إستخدام يسمح ،عن قو ٍة وليس عن قدرت ِه تلك .فهو ُ ضعف ،بوجود اآلراء واملمارسات املخُ الِفة ملنظور ِه َ ومعتقدات ِه .وذلك بخالف مفهوم التعصب ،الذي سلوك ال ن ُ ِّقر ُه يُشير الى احملاولة ال َع ْمدية إللغاء ٍ عبر إستخدام وسائل قهرية ،بل دون أي َّ ِة رأف ٍة كثير من األحيان ،وهو ما يُع َّب ُر عن ُه مبفهوم في ٍ «القمع .»Suppressionهذا املنظور عن التعايش Coexistenceيَست ِن ُد ،في النظرية السياسية الليبرالية ،الى قاعدت َني رئيسيتَني من أجل رسم نطاق التعايش وحدود ِه: أوالهما هي قاعدة احلرية ، Libertyحيث أ َّنمسؤول عن أفعال ِه أمام اجملتمع عندما الفرد غير ٍ َّس أفعالُ ُه تلك أحدا ً سواه .وليس أمام ال مت ُ سبيل مشروع للتعبير عن رفض ِه أو اجملتمع من ٍ نص َح ُه إمتعاض ِه جتاه سلوك ذلك الفرد سوى أ ْن ي َ َ أو ي َّو ِج َه ُه ،أو يُ ْق ِن َع ُه ،أو يَتجنَّب ُه الناس لو رأوا أ َّن صب في مصلحتهم. ذلك ضروري وي َ ُّ أما ثانيتهما فهي قاعدة املسؤولية الفرديةألفعال الفرد ، Individual Responsibilityإذ بالنسبة ِ َض ُر مبصالح اآلخرين ،فإ َّن الفردَ لِوحد ِه هو التي ت ُّ املسؤول عنها وال يتح َّمل غيره أوزار َ ما يصن َُعه الفرد عي ُن ُه .وهو في هذه احلالة ميكن أ ْن يَخضع إما للعقاب القانوني أو اإلجتماعي ،وذلك وفقا ً ملا 17
أقواس
أقواس
18
يَرا ُه اجملتم ُع ضروريا ً لحِ ماي ِة نفس ِه. وفقا ً لهذا املنظور ،فإ َّن احلرية الدينية مثالً ال تعني الت َّعدي على أبناء الديانات والطوائف األُخرى ،بسبب إختالف وتباين معتقداتهم وممارساتهم الدينية سوا ًء بواسطة اللَفظ وما يَصدره اللسان أو القلم من سوء القول أو من سلوك ما جتا َههم .فاملعتقدات خالل ممارسة ٍ الدينية كانت دوما ً محل ُقدسي ٍة بالِغ ٍة لدى اإلنسان ،وبالتالي فإ َّن وجوب إحترام املعتقدات الدينية وتقدير مكانتها وعدم التع ُّرض لها ي ُ َّع ُد أمرا ً مرتبطا ً بإحترام مكان ِة وكرامة اإلنسان س معتقدات ِه وليس بسبب هذه بذاته الذي يُق ِّد ُ املعتقدات بذاتها .ذلك أل َّن «اإلنسان» ينبغي أ ْن ي َ َق ُع َمو ِق َع «املركز »Centerالذي تُصا ُغ من أجل ِه صون إحترام ِه التشريعات والسياسات بُغية َ وتقديس مكانت ِه .مما يعكس ذلك صواب الفكرة ِ القائلة بأن َّه ينبغي التعايش مع النزعة الطائفية نظرا ً إلستحاَل ِة إجتثاثها من اجملتمع كلياً .أل َّن التعصب بشتَّى أشكال ِه والسيما التعصب الطائفي من حُ بشكل تام ،فهو املال التخلص منه ٍ يَن ُب ُع من ذات اإلنسان وبعض عقل ِه في ظروف غير طبيعية عاد ًة .وبدال ً من ذلك ميكن التعايش أساس قانوني مع وجود التعصب الطائفي على ٍ يأخذ بنظر اإلعتبار كل من احلرية الفردية عموما ً واحلرية الدينية خصوصا ً من جهة ،وكذلك قاعدة املسؤولية الفردية من جه ٍة أُخرى.
السطات الثالث في القانون األساسي جلمهورية أملانيا االحتادية األستاذ املساعد إحسان عبدالهادي سلمان كلية القانون والسياسية قسم العلوم السياسية /جامعةالسليمانية
19
أقواس
أقواس
20
املقدمة ان الطبيعة الفيدرالية تعد من ابرز مالمح النظام السياسي االملاني ،تقسم فيه السلطة السياسية مابني احلكومة املركزية وحكومات الواليات املؤسسة لالحتاد الفيدرالي .ومن اجل تطبيق الفيدرالية وحتقيق الدميقراطية من خاللها ،كان البد من اإلرتكاز على اركان اساسية لتحقيق هذا الهدف . ومن اهم تلك االركان ،هو وجود دستور (القانون االساسي) ينظم عمل السلطات الثالث ،وصالحياتها على املستويني االحتادي واالقليمي ،ويضمن الفصل والتعاون واستقالل هذه السلطات ،من ناحية ،وتناغم وانسجام عملها ،من ناحية اخرى ،من اجل ارساء مبادئ الدميقراطية وحتقيقها . اهمية البحث :تكمن في جناح التجربة االملانية في حتقيق الدميقراطية من خالل تبنيها للفيدرالية التي تقوم على أساس كيفية اجلمع مابني ( الوحدة والتنوع ) .هذا النجاح حتقق من خالل عمل السلطات الثالث على املستويني (االحتادي واالقليمي ) وفقا للقانون االساسي االملاني الذي جسد االسس احلديثة للدميقراطية. فرضية البحث :يقوم البحث على فرضية مفادها ان الدميقراطية التي حتققت في املانيا ، قد ساهمت بجزء كبير واساسي منها ،املبادئ االساسية وكيفية توزيع السلطات والصالحيات على املستويني العمودي واالفقي،التي جاء بها القانون االساسي ،فضال عن آلية العمل مابني هذه السلطات . اشكالية البحث :يتناول البحث اشكالية كتابة القانون االساسي وتشكيل السلطات وفقا لهذا القانون االساسي ،وكيفية توزيع االختصاصات مابني هذه السلطات بحيث ال يحصل تعارض من شأنه عرقلة العملية السياسية ،وبالتالي
تهديد الدميقراطية املنشودة . منهجية البحث :كان للمنهج التاريخي ضرورته لتأصيل الكيفية التي متت بها كتابة القانون االساسي،كما مت الولوج في املنهج الوصفي لبيان املبادئ االساسية وكيفية تشكيل السلطات التي تضمنها القانون ،باالضافة الى االستعانة باملنهج التحليلي لتوضيح آلية عمل هذه السلطات . هيكلية البحث :يتكون البحث من مقدمة واربعة مباحث .االول منها بخصوص القانون االساسي والذي انقسم بدوره الى مطلبني ،االول لنشأته ،والثاني ملبادئه االساسية .وفي املبحث الثاني تناولنا السلطة التشريعية ايضا وفق مطلبني ، االول جمللس النواب (البوندستاغ) ،والثاني جمللس االقاليم (البوندسرات) .اما املبحث الثالث فتناول السلطة التنفيذية وفق ثالث مطالب ،االول ، للرئيس االحتادي ،والثاني للمستشار ،والثالث للحكومات االقليمية .بينما جاء املبحث الرابع للسلطة القضائية ووفق مطلبني ،االول لتنظيمها ،والثاني إلختصاصاتها ،واخيرا اخلامتة وقائمة املصادر . املبحث االول القانون االساسي جلمهورية املانيا االحتادية يتوزع هذا املبحث على مطلبني نتناول بالبحث في األول نشأة القانون األساسي ،وفي الثاني املبادئ األساسية فيه وعلى الوجه اآلتي: املطلب االول نشأة القانون االساسي لقد نشأت مشكالت كثيرة أثناء إعداد مشروع القانون األساسي ،منها مشكلة الوصول إلى حل وسط بني وجهتي نظر القائمتني بني األحزاب السياسية الكبرى وزعمائها ،وإحدى وجهتي النظر هاتني تؤيد قيام حكومة مركزية واألخرى تؤيد قيام حكومة فيدرالية .فحزبا املسيحيني
الدميقراطي واملسيحي االجتماعي يؤيدان بصفة عامة النظام الفيدرالي الذي متيز بقيام مجلس تشريعي ثان يتكون من أعضاء من مجالس وزراء الواليات وله سلطات تشريعية مساوية متاما ً لسلطات اجمللس املنتخب انتخابا شعبيا ً عاما ً ، اما الدميقراطيون االشتراكيون فكانوا يفضلون قيام مجلس تشريعي أعلى ولكن على إن تكون سلطاته اقل من ذلك فال تكون له إال سلطة (الفيتو) على التشريعات التي يصدرها فيما بينها على مدى املركزية في تصريف الشؤون املالية. وقد بذل احلكام العسكريون الغربيون جهودا ً كبيرة ليحولوا دون الوصول إلى درجة عالية من املركزية ،وقدموا عدة مبادئ تتضمن قيام برملان من مجلسني ومتثيل الواليات فيه ،وحتديد سلطات احلكومة املركزية واحلد من سلطاتها املالية وتقييد إنشاء مصالح حكومية مركزية تتولى الشؤون اإلدارية في امليادين التي يكون فيها قيام احلكومات احمللية بالتنفيذ امرا ً ليس عملياً. وبنا ًء على ذلك ،وفي األول من متوز ،1948وفي الواليات اخلاضعة لالحتالل الغربي ،أعطيت سلطة لرؤساء احلكومات في هذه الواليات والبالغ عددها إحدى عشرة والية لعقد جمعية تأسيسية لوضع مشروع دستور احتادي دميقراطي. واجتمعت اجملالس التشريعية للواليات الختيار مندوبيها إلى هذه اجلمعية التأسيسية والتي سميت باجمللس البرملاني ،وقاموا بتعيني عدد من اخلبراء الدستوريني لوضع مسودة القانون األساسي األملاني .ومن ثم اجتمع اجمللس البرملاني في األول من أيلول 1948في مدينة بون ،والذي ضم ( )65مندوبا ً ميثلون املقاطعات الغربية ،وخمسة مندوبني عن برلني يشتركون في االجتماع بصفة استشارية دون إن يكون لهم حق التصويت. وبعد املداوالت واملناقشات التي أجريت في اجمللس حول املسائل اخلالفية ،ما بني أعضاء اجمللس
من جانب ،وما بينهم وبني احلكام العسكريني الغربيني من جانب آخر ،اقر اجمللس البرملاني في8 حزيران 1949مشروع القانون األساسي بأغلبية ثالثة وخمسني صوتا ضد اثني عشر صوتاً .ومن ثم وافق احلكام العسكريون في 12حزيران من نفس العام موافقة مشروطة على املشروع وخاصة فيما يتعلق مبدى سلطة قوى األمن الداخلي التابعة للحكومة االحتادية ،ووضع برلني وصالحية التعديالت في احلدود الداخلية للمقاطعات ومسائل خالفية أخرى. ومن ( )21-18حزيران ،اجتمعت اجملالس التشريعية لألقاليم اإلحدى عشرة كل على إنفراد للتصديق على مشروع القانون األساسي وصادقت اجملالس التشريعية لألقاليم كلها على املشروع ،ما عدا اجمللس التشريعي في بافاريا .وبعد ذلك ،وحتديدا ً في 23حزيران ، 1949اجتمع اجمللس البرملاني وأعلن التصديق على القانون األساسي ،وأصبح القانون نافذاً. وعليه فان الطريقة التي اتبعت لوضع وتصديق القانون األساسي جتسد املبدأ االحتادي ،وذلك بإشراك األقاليم في وضع الدستور واملصادقة عليه باختيارهم وحسب القواعد املرسومة في مشروع القانون املتفق عليها .إذ نصت املادة()144 من القانون األساسي على انه((يتطلب هذا القانون األساسي قبوال ً من ممثلي الشعب في ثلثي األقاليم األملانية التي سيسري مفعوله فيها أوال)). إذن وبعد التجربة املاضية التي عاشها الشعب األملاني بني ،1945 -1933في ظل حكومة مركزية يرأسها دكتاتور ،اجته االهتمام األساسي لواضعي دستور أملانيا بعد احلرب العاملية الثانية نحو إقامة نظام فيدرالي مستقر يضمن عالقة متوازنة والتزام مببدأ املساواة بني السلطة الفيدرالية والواليات .لذلك سعى واضعو الدستور لتحقيق حماية خاصة للنظام الفيدرالي ،وضمان عدم إجراء أي تغيير أو تعديل في الدستور يؤثر على 21
أقواس
أقواس
22
تقسيم الواليات الفيدرالية وعلى مشاركة الواليات في العملية التشريعية ،ويقع على عاتق احملكمة الدستورية االحتادية التي تعتبر أعلى سلطة مسؤولة عن تفسير الدستور ، التأكد من عدم انتهاك هذه املبادئ .ومع ذلك فهذا التقنني ال يضمن دميومة عدد وحجم الواليات التي قامت في أملانيا الغربية بعد عام ،1949فقد يحصل إعادة توزيع داخل اجلمهورية االحتادية ،وألن الترتيب الذي مت للواليات ال يتفق مع التطور التاريخي ،بل هو نتاج فرضته وضعية املناطق لتي خضعت الحتالل احللفاء بعد عام .1945 وقد أشار الدستور صراحة إلى إمكانية إعادة توزيع األقاليم الفيدرالية شريطة موافقة الواليات التي ترتبت بعد عام ،1949والتي تتألف من ( )11إقليم ( ، )Landerوبعد إعادة توحيد أملانيا عام ، 1990التحقت بها خمسة أقاليم جديدة (أملانيا الشرقية) وقد أشار الدستور بالتفصيل إلى تنظيم وتقسيم السلطة بني احلكومة االحتادية والواليات ،فكما هو احلال في األنظمة الفيدرالية األخرى ليس للواليات سيادة في مواضيع خارج االحتاد ،كالسياسة اخلارجية والدفاع ،وفيما يخص الشؤون املالية ،فمن املبادئ األساسية للدستور هو إن احلكومة االحتادية واألقاليم املستقلة عن بعضها في مجال اإلدارة املالية ،فيتم توزيع العوائد وفقا ً للتكاليف احملتملة للرسوم التي تفرضها احلكومة االحتادية أو األقاليم ،والوسائل اخملتلفة لغرض الضرائب تتوالها السلطات االحتادية وسلطات األقاليم بشكل منفصل. إن ميول املركزية هي صاحبة اليد العليا فيما يخص السلطات التشريعية نتيجة للحالة امللحة للتوحيد املعياري في مجاالت عديدة وواسعة ،مع ذلك فان هناك قضايا مهمة مثل الشؤون الثقافية والشرطة وتخطيط التنمية اإلقليمية تركت بشكل كامل وتام حتت
تصرف األقاليم .هنا جند فرصة أصيلة لتطوير مبادرة مستقلة لتعاون األقاليم فيما بينها في إصدار التشريعات .وعندما تأتي إلى اإلدارة فالوضع يختلف ،فالسلطة اإلدارية التي تنتمي للحكومة االحتادية ال تتواجد إال في مجاالت محدودة مثل مكتب اخلارجية والدفاع وسلطة البريد والسكك احلديدية االحتادية ،وغالبية الوظائف التي تقرر مبوجب التشريع الفيدرالي تنفذها األقاليم بنفسها .وقد ثبت جناح هذا النظام عمليا ،فاالختصاص اإلداري الواسع مكن األقاليم من توجيه اهتمامها حيثما تريد ضمن احلدود التي وضعها القانون الفيدرالي ،وينطبق هذا التنظيم أيضا ً على احملاكم ،فبإستثناء القليل من اإلختصاصات التي تتمتع بها احملاكم الفيدرالية العليا ،تتمتع احملاكم في األقاليم بوالية قضائية واسعة .ومن األمور املهمة في إطار البنية الفيدرالية في أملانيا هو املبدأ الدستوري املعروف (الوالء الفيدرالي Bundes )treueوأهميته إن احلكومة االحتادية واألقاليم ملزمان بشكل متبادل ومبوجب الدستور باحترام مصالح احدهما اآلخر عند تنفيذ واجباته .مثالً إن األقاليم بحكم سلطتها الواسعة غالبا ً ما امتلكت الفرصة إلحباط إجراءات تشريعية كانت احلكومة االحتادية حتاول متريرها. املطلب الثاني املبادئ االساسية ومن املبادئ األساسية التي تنطوي عليها الفيدرالية األملانية هو ( الوحدة والتنوع ) هذا املبدأ اقره الدستور كمبدأ ال راجعة عنه في (الفقرة 3من املادة )79من القانون األساسي .لكن ذلك ال يعني عدم وجود حاجة للتفكير مبعنى وهدف الفيدرالية ،بل سيكون شيء مضر للفكرة إن نعتقد إن الفيدرالية غير قابلة للتعديل. إن اجمللس البرملاني الذي صاغ القانون األساسي كدستور في جمهورية أملانيا االحتادية ،مال
لصالح املبدأ الفيدرالي عام ،1949كونه أضاف إلى التقسيم الكالسيكي للسلطة بني الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية (التوزيع االفقي للسلطة) توزيعا ً اعمق للسلطة السياسية بني احلكومة الفيدرالية واألقاليم (التوزيع العمودي) وهذا التوزيع املزدوج للسلطة ميكن إن يشكل وسيلة فعالة ملنع إساءة استخدامها .وعلى أي حال ليس هناك شكل كامل للدولة ،إذ توجد هناك على الدوام ايجابيات وسلبيات. ومن املبادئ الدستورية للفيدرالية األملانية على صعيد احلكومة العامة ،أن يتم انتخاب الرئيس االحتادي من قبل هيئة انتخابية ملدة خمس سنوات وميكن إعادة انتخابه وهو ميثل اجلمهورية الفيدرالية في العالقات الدولية .وتتألف الهيئة االنتخابية (والتي ال جتتمع إال النتخاب الرئيس) من أعضاء تنتخبهم الهيئات التشريعية في األقاليم وفقا ً لنظام متثيلي يشبه التمثيل النسبي. وتتجسد السلطة التشريعية لالحتاد في جمعية فيدرالية تتألف من البوندستاغ (مجلس النواب) والبوندسرات (اجمللس االحتادي) .والسلطات التشريعية األساسية تكمن في البوندستاغ باعتباره اجمللس الذي ميثل الشعب ،اذ يتم انتخاب ( )623من مجموع أعضاء البوندستاغ وهم ( )645بعد إضافة ( )144من الفولكس كامر ( )volks-kammerأي األقاليم الشرقية ألملانيا في 3تشرين األول . 1990وهذا االنتخاب يتم مبوجب نظام ميزج بني التصويت النسبي واملباشر ملدة أربع سنوات أما األعضاء ( )22الباقني ،فأنهم ميثلون برلني وليس لديهم سوى حقوق تصويت محدودة ،والسيطرة السياسية في البوندستاغ تقرر من يكون املستشار ويشكل احلكومة. كما تضمن الدستور في فصله األول في مواده التسعة عشر األولى على احلقوق األساسية .وان وضع هذه احلقوق في مقدمة الدستور وصدارته
ليس من األعمال الشكلية أو الظاهرية ،بل هو تعبير وتأكيد حلقيقة إن الدولة قائمة بإرادة الناس وليس العكس ،وان عمل الدولة خلدمة اجملتمع . ومن بني احلقوق األساسية ،حق احلرية مثل حرية العقيدة والضمير والرأي والتجمع واالنتقال، وحرية الصحافة واإلعالم ،وحرية مزاولة املهنة ،وما يتعلق باخلدمة العسكرية ،وحق امللكية وحرمة السكن وحق اللجوء ،واملساواة أمام القانون ،واملساواة بني الرجال والنساء ،وكل ما يتعلق باحلريات العامة والشخصية واحلق في احلياة. وبشكل عام ،فان الدستور األملاني يرسم حدودا ً للتشريع القانوني ضمن اإلطار الدستوري ، كما يلزم إدارة الدولة باحلق والقانون .وحتتل الفقرة األولى من الدستور مكانة خاصة ملا تنص عليه من احترام كرامة اإلنسان ((ال يجوز املساس بكرامة اإلنسان وتلتزم الدولة بكافة مؤسساتها باحترامها وحمايتها)) .وتضمن احلقوق األساسية ايضا ً امورا ً أخرى مثل حرية التجارة في إطار القوانني ،واملساواة بني الناس امام القانون وحرية اجلمعيات وحماية األسرة. اما حقيقة إن الشعب ميارس السلطة من خالل مؤسسات مختلفة ،فهي تتواكب مع نص الدستور على طريقة احلكم املعتمدة على التمثيل الدميقراطي .كما انها تبني إن أملانيا احتادية ،تكون فيها كافة تصرفات اجلهات احلكومية موافقة للقانون ،وتخضع لرقابة القضاء. وميكننا القول إن النظام الفيدرالي األملاني يتضمن تقسيما ً منسقا ً للسلطات بني احلكومة املركزية وحكومات األقاليم التي تتمتع كل في اقليمها باالستقالل وتتساوى في السيادة. وهناك مستويان للحكم مستوى احلكومة املركزية واحلكومة اإلقليمية – كل منهما يرتكز على إجراءات دستورية حتدد اختصاصه وال يعتمد أي منهما على اآلخر ،وال يكون أي 23
أقواس
أقواس
24
منهما اداة في يد اآلخر ومن املالمح األساسية للنظام الفيدرالي األملاني تلك العالقة بني الدولة والواليات والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ،فاحلكومة الفيدرالية متشيا ً مع التقاليد األملانية -هي التي تتمتع بالنصيب األكبر من سلطة التشريع ،وبينما قد جند نطاق السلطات الفيدرالية التنفيذية محدودا ً أو مقيدا ً ،جند إن نطاق السلطات املشتركة التي ميكن إن تباشرها احلكومة الفيدرالية واسع والسلطات املنصوص عليها للواليات في هذا النطاق محدودة ،ومن ناحية أخرى فان اجلانب األكبر من املسؤولية اإلدارية متروك للواليات في ظل التوجيه واإلشراف الفيدرالي. لقد كان الهدف من (القانون األساسي) إيجاد نظام سياسي ميكن إن يخدم اجلمهورية الفيدرالية بشكل مؤقت إلى إن يتم توحيد شطري البالد وتؤكد مقدمة القانون األساسي هذا املقصد ((إلعطاء نظام جديد للحياة السياسية خالل فترة انتقالية)) .وتتطلع املادة األخيرة منه إلى إعادة توحيد أملانيا بشكل نهائي في ظل نظام سياسي جديد ((ينتهي العمل بهذا القانون األساسي في اليوم الذي يبدأ فيه سريان الدستور الذي يتبناه القرار احلر للشعب االملاني)) .وقد كان هدف الدستور إقامة نظام سياسي دميقراطي فعال ومستقر ،واحلفاظ على االستمرارية التاريخية للمؤسسات السياسية، فكان شكل النظام برملانيا ً فيدراليا ً .فضالً عن ذلك كان الهدف جتنب الضعف املؤسساتي وإقامة خطوط واضحة للسلطات واملسؤوليات السياسية لتجنب إساءة استخدام السلطة كما حصل في الرايخ الثالث. املبحث الثاني السلطة التشريعية إحدى خصائص الدولة الفيدرالية هي ثنائية السلطة السياسية ،والتي تنتج عن توزيع االختصاصات الدستورية ما بني احلكومة
االحتادية واحلكومات اإلقليمية .ومتارس السلطة السياسية في الدولة الفيدرالية من قبل سلطتني ،االحتادية واالقليمية ،اذ تختص كل منهما بجزء من السلطة السياسية حسب االختصاصات الدستورية املفوضة لها ووفقا ً للطريقة التي يتبناها الدستور الفيدرالي لتوزيع االختصاصات .ويتم تنظيم السلطة اإلقليمية بفروعها الثالثة :التشريعية والتنفيذية والقضائية مبوجب دستور كل إقليم .اذ متارس هذه السلطة االختصاصات الدستورية املفوضة لها مبوجب الدستور الفيدرالي داخل االقليم .ويتم تنظيم السلطة االحتادية بالدستور الفيدرالي، التي متارس اختصاصاتها الدستورية على كل إقليم الدولة الفيدرالية ،وبصورة مباشرة على كل املواطنني بدون استثناء ودون األخذ باالعتبار مكان اقامتهم في أية والية أو إقليم داخل الدولة، وتتمتع هذه السلطة بالسيادة الكاملة من الناحية اخلارجية وبصالحيات ذات أهمية قصوى من الناحية الداخلية للدولة .وعلى هذا األساس ،تتم ممارسة هذه السيادة من خالل السلطات االحتادية التشريعية والتنفيذية القضائية. وتتكون السلطة التشريعية والتي تتجسد بالبرملان االحتادي من مجلسني هما ،مجلس النواب االحتادي(البوندستاغ) واجمللس االحتادي (البوندسرات) ،وتناط مهمة وضع القوانني االحتادية بهذين اجمللسني .ولكن يختلف اجمللسان من حيث القيام بالوظائف التي تناط بالبرملان الفيدرالي في النظام السياسي األملاني .إن عالقة اجمللسني بالسلطة التنفيذية يحدد املركز القانوني لكالهما في صوب ممارستهما لالختصاصات الدستورية والقيام باملهام التي تناط بهما في ظل النظام السياسي القائم . وفيما يخص مجلسي البرملان (مجلس النواب االحتادي واجمللس االحتادي) ،فقد عد القانون األساسي كل منهما وحدة دستورية مستقلة، بحيث قد ميارس احدهما صالحيات دستورية
مختلفة عن اآلخر ،وهذا ما يعطيه مركزا ً دستوريا ً أقوى من اآلخر. املطلب االول مجلس النواب االحتادي (البوندستاغ) مجلس النواب أو ما يسمى باجمللس األدنى ،ويعد هذا اجمللس من الناحية النظرية ،جهاز احلكم املركزي في أملانيا ،ويتم انتخاب أعضاء اجمللس عن طريق (االقتراع العام املباشر احلر السري) لكل من بلغ احلادية والعشرين من عمره ،ويشترط في املرشح إال يقل عمره عن اخلامسة والعشرين. وينتخب اجمللس النيابي ملدة أربع سنوات مع مراعاة احملددات الالحقة ،وتنتهي دورة اجمللس االنتخابية مبجرد اجتماع النيابي اجلديد ،وجتري االنتخابات اجلديدة بعد مدة أدناها ستة وأربعني شهرا ً ،وأقصاها ثمانية وأربعني شهرا ً من بدء الدورة االنتخابية .وفي حال ما مت حل اجمللس النيابي ينبغي إن جتري االنتخابات خالل ستني يوما ً من تاريخ حله .ويجتمع اجمللس خالل مدة أقصاها ثالثني يوما ً بعد االنتخابات ويقرر مجلس النواب بنفسه انهاء وبدء جلساته ،كما يستطيع رئيس اجمللس إن يدعو إلى االجتماع ملوعد مبكر ،ويكون الرئيس ملزما ً بذلك إذا وجه اليه الطلب من قبل ثلث أعضاء اجمللس أو من قبل رئيس اجلمهورية أو املستشار. وجتدر اإلشارة إلى إن النظام االنتخابي في أملانيا له طبيعة خاصة حيث يتم شغل نصف مقاعد مجلس النواب من خالل االنتخابات جتري على مستوى الدوائر الفردية باألغلبية البسيطة أو النسبية .اما النصف اآلخر فيتم اختياره على أساس قوائم حزبية على مستوى الوالية وبالتمثيل النسبي .وكان قانون األحزاب السائد في أملانيا االحتادية يحول دون متثيل األحزاب التي حتصل على اقل من %5من اجمالي األصوات على املستوى القومي .وقبل إعالن قيام الوحدة اقر البرملان املوحد هذه النسبة ورفض اقتراحا ً بخفضها إلى %3تقدمت به بعض األحزاب
الصغيرة وخاصة الشرقية .فقامت هذه األحزاب برفع دعوى امام احملكمة الدستورية تطالب ببطالن هذا القانون على أساس انه ال يتيح امامهم فرص متساوية للتنافس مع األحزاب األخرى .وقبل يومني فقط من إعالن قيام الوحدة بني شطري أملانيا حكمت احملكمة الدستورية في هذه الدعوى بعدم دستورية قانون االنتخاب الذي ستجري في ظله أول انتخابات تشريعية حرة في أملانيا املوحدة بسبب الظروف االستثنائية لوضع بعض األحزاب في أملانيا الشرقية سابقاً ،وقد أدى هذا احلكم إلى تعديل قانون االنتخاب .وابقى هذا التعديل على نسبة احلد االدنى كما هي ولكنه قسم أملانيا إلى منطقتني انتخابيتني ، ومن ثم سمح هذا التعديل لبعض األحزاب التي لم تتمكن من احلصول على %5على مستوى أملانيا كلها من احلصول على مقاعد في اجمللس النيابي في أول انتخابات جتري في أملانيا املوحدة في 2أيلول .1990 وينتخب البوندستاغ رئيسه وثالثة نواب للرئيس، وعددا ً من السكرتيرين من بني اعضائه ويكون انتخابهم باالقتراع السري املباشر ،ويشترط إن يكون رئيس البوندستاغ من أعضاء أقوى األحزاب السياسية في اجمللس .ومن أقوى هيئات البوندستاغ (مجلس الكبار) إذ يضم عشرين عضوا ً من بينهم رئيس اجمللس ونوابه وزعماء الفئات احلزبية املعترف بها رسميا ً ،وهو جلنة دائمة وتوجيهية تقدم املشورة لرئيس اجمللس فيما يتعلق بسير العمليات التشريعية ،ويختار رؤساء اللجان ،ويوافق البوندستاغ عادة على توصيات مجلس الكبار فيما يتعلق بتحديد مدة املناقشة لبعض القوانني. كما إن هناك عديد من اللجان الدائمة التي تشكل في مجلس النواب مبوجب القانون األساسي منها ،جلان التحقيق ،وجلنة شؤون االحتاد األوربي وجلان شؤون اخلارجية والدفاع، وكذلك ميكن من خالل القانون األساسي إن يعني 25
أقواس
أقواس
26
مجلس النواب مفوضا ً للشؤون العسكرية للمساعدة في إطار ممارسته للرقابة البرملانية، وتشكيل جلنة االلتماس للبحث في الطلبات والشكاوي التي تقدم للمجلس. باإلضافة إلى ذلك هناك جلان موضوعية دائمة ميثلها مختلف اجلماعات احلزبية على أساس التمثيل النسبي .وتنتخب كل جلنة رئيسها، ويساعده مساعد أخصائي من موظفي البوندستاغ ،وغالبا ً ما يكون أعضاء اللجنة من اخلبراء في ميدان اختصاصها ،ومداوالت اللجان عادة ليست علنية أي ال يحضرها اجلمهور وال ممثلوا الصحافة ،على إن القانون األساسي يعطي أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء البوندسرات أو من ميثلهم ،حق حضور جلسات اللجان . وهذه اللجان تعالج ميادين التشريع الرئيسية ،كالشؤون الثقافية ،الدفاع ،االقتصادية ، االغذية ،الزراعة ،العالقات اخلارجية ،الصحة ، الشؤون الداخلية ،العمل ،الشؤون التشريعية، املالية العامة ،الشؤون االجتماعية ،النقل واملواصالت ....الخ. وما جتدر االشارة اليه هو إن اللجان البرملانية الدائمة تتولى مهمة الرقابة والتشريع ،عن طريق االهتمام باملوضوعات األساسية ،ويتم توزيع رئاسة اللجان على حسب عدد املقاعد التي يحوزها كل حزب .كما يقوم البوندستاغ بانتخاب جلنة دائمة للتحقيقات يكون لها احلق في استدعاء الوزراء أمامها وفحص االنتقادات املوجهة إلى احلكومة ،وان جلنة التحقيق تتشكل بعد تقدمي مذكرة اقتراح من ربع النواب على األقل. إن املهمة الرئيسية للبوندستاغ هي سن التشريعات ،ويجب إن حتظى جميع التشريعات الفيدرالية على موافقته .لكن املبادرة في اقتراح التشريعات تبقى في يد السلطة التنفيذية ،ويركز البوندستاغ على تقييم البرنامج التشريعي للحكومة وتعديله .
ومن وظائفه األخرى تأمني منبر للنقاش العلني . فاجللسات العامة في البرملان تبحث التشريعات قبل عرضها على الهيئة التشريعية .ويتاح جلميع فئات األحزاب وقت للمناقشة ،كل فئة حسب حجمها .ويشارك في املناقشات قادة األحزاب ونواب الصفوف اخللفية .ونظرا ً الن أعضاء احلزب يكونون قد اختاروا فعالً ووافقوا على موقفهم التصويتي ،فان هذه اجللسات املفتوحة تفيد كوسيلة للتعبير عن وجهات احلزب بشكل علني. كما يدقق البوندستاغ في اعمال احلكومة في القضايا السياسية واإلدارية ،واكثر الوسائل املستخدمة لذلك هي (ساعة االسئلة )Question Hourحيث يحق لكل نائب إن يتقدم بسؤال مكتوب إلى احد وزراء احلكومة ،وتتراوح االسئلة ما بني قضايا سياسية عامة إلى موضوع محدود يهم احد الناخبني .وتتم االجابة على هذه التساؤالت من قبل ممثل احلكومة خالل ساعة االسئلة ،وميكن للنواب إن يثيروا أسئلة تكميلية خالل اإلجابة .وميكن ايضا ً جملموعات من النواب ايضا ً التقدم بأسئلة مكتوبة إلى احلكومة والتي تتطلب اجابات رسمية شفهية أو حتريرية .باإلضافة إلى هذه األسئلة الرسمية ،ميكن للنواب اجراء نقاش خاص حول مسألة سياسية قائمة .وكما جتري جلان البوندستاغ جلسات استماع خاصة لتقصي اعمال احلكومة ،كل جلنة في مجال اختصاصها. املطلب الثاني البوندسرات وهو اجمللس الثاني في البرملان ويسمى ايضا ً (اجمللس االعلى) ،ويتالف من أعضاء حكومات األقاليم والواليات ،فإمتالك العضو ملقعد أو دور في حكومة االقليم والوالية هو شرط اساسي للعضوية في هذا اجمللس ،وحكومات األقاليم والواليات هي التي تقرر من هم األعضاء الذين ترسلهم إلى البوندسرات وميكن لكل إقليم
إن يعني عدد من األعضاء يساوي عدد األصوات التي لديه في البوندسرات .ومبا إن أعضاء هذا اجمللس غير منتخبني فإنه ال ميتلك الشروط التشريعية(هو هيئة دائمة تتغير مع االنتخابات االقليمية) ويعني إن انتخابات األقاليم التي تقام في اوقات مختلفة يكون لها اثر سياسي على مستوى األمة األملانية ،ألنه عندما يقوم الناخبون في إقليم ما بتحديد تركيبة جمعية ووزارة االقليم والوالية ،فانهم بالتالي يقررون بشكل غير مباشر من ميثلهم في البوندسرات. وبعبارة أخرى ،إن هذا اجمللس الذي يتكون من أعضاء في حكومات األقاليم والواليات االحتادية وهم عادة وزراء في حكومات الواليات واألقاليم، فان حكوماتهم هي التي تقوم بتعيينهم وسحب عضويتهم .كما ميكن العضاء آخرين إن ينوبوا عنهم مبوافقة تلك احلكومات وبذلك فان األخيرة هي التي تسيطر على هذا اجمللس، علما إن أعضاء اجمللس خاضعني للتوصيات واألوامر التي توجه اليهم من قبل حكوماتهم . ومن خالل ذلك وعبر األدوار التي يقوم بها اجمللس االحتادي تشارك األقاليم والواليات في العملية التشريعية واإلدارية االحتادية وفي صنع القرار. وبذلك تكون هناك خاصية ينفرد بها هذا النظام ،وهي إن العضاء البوندسرات صفة تشريعية وكذلك صفة تنفيذية ،فمن ناحية يشاركون في اقرار تشريعات اجلمهورية االحتادية ووضع القوانني االحتادية بوصفهم أعضاء في اجمللس التشريعي ،ومن ناحية أخرى هم أعضاء في الهيئة التنفيذية في والياتهم ومسؤولني عن تنفيذ القوانني االحتادية ،ولذلك فانهم عند بحث املقترحات التشريعية الفيدرالية يعنون بالناحية التطبيقية من القانون عناية أكثر مما لو كانوا مجرد أعضاء في الهيئة التشريعية فقط. ويعتمد عدد األصوات التي يتمتع بها االقليم في اجمللس على حجم السكان ،اذ ليس هناك
إقليم لديه اقل من ثالثة أصوات وال أكثر من ستة أصوات ،حيث إن االقليم الذي يسكنه ()6-2 مليون لديه أربعة أصوات )7-6( ،مليون لديه خمسة أصوات ،أكثر من ذلك لديه ستة أصوات. ويضم البوندسرات ( )69عضوا ،وبالتالي نفس عدد األصوات واالغلبية تتحقق ب( )35صوت واغلبية الثلثني ( )46صوت وهي ضرورية لتحقيق التعديالت الدستورية و أصوات كل إقليم يجب إن تقدم كتلة واحدة (نعم ،ال ،امتناع) أي ال تؤخذ األصوات بشكل منفرد ،وبالتالي على حكومة كل إقليم إن تتوصل إلى اتفاق حول القضية املعروضة قبل التصويت ،وهناك عضو واحد ممثل عن كل إقليم ميثل أصوات اقرانه. وسيرا ًمع التقاليد الدستورية األملانية ،فأن أعضاء البوندسرات لهم مكانة خاصة ،إذ ميكنهم حضور جلسات البوندستاغ أو جلانه ولهم حق احلديث ،اما أعضاء البوندستاغ فال يستطيعون حضور جلسات البوندسرات .وال يسمح اجلمع بني العضوية في البوندسرات والبوندستاغ ،وإذا ما مت انتخاب عضو البوندسرات في البوندستاغ، فعليه إن يعلن إلى رئيس البوندسرات باملوقع الذي يريده ،اما رئاسة اجمللس ،فلإلقليم حق متساو فيها ،وفي كل عام ينتخب رئيس وزراء إقليم كرئيس لهذا اجمللس ،والنظام الذي يحصل فيه ذلك يتحدد على أساس سكان االقليم اذ تبدأ الدورة برئاسة االقليم األكثر سكانا ،ويعني ذلك إن كل إقليم سيتولى الرئاسة كل ()16 عام والذي يحتل هذا املنصب ال يتحدد على أساس االغلبيات املتغيرة واالعتبارات السياسية احلزبية .فالشخص املنتخب يتولى املوقع باإلضافة إلى منصبه األصلي كرئيس لالقليم، ومهمته األساسية عقد ورئاسة اجللسات وباملعنى القانوني ميثل جمهورية أملانيا في كل القضايا املتعلقة بالبوندسرات ،ويساعده ثالثة نواب يقدمون له االستشارة في تنفيذ الواجبات وينوبون عنه في غيابه .وان القانون األساسي 27
أقواس
أقواس
28
مينح رئيس البوندسرات وضع خاص ،فهو يتولى سلطة الرئيس االحتادي إذا لم يتمكن األخير من أداء مهمته (أي يعمل كرئيس للدولة) ،وهو مسؤول عن توقيع اللوائح واعالنها وتعيني وصرف املوظفني وتقدمي االوسمة ...الخ .وفي البروتوكول احلكومي يشار إلى رئيس البوندسرات بالشخص الثاني في احلكومة االحتادية بعد الرئيس االحتادي ، ولكن ال يوجد بروتوكول واضح في أملانيا .واجمللس يجتمع دوريا ً كل ثالثة اسابيع في برلني ويجلس األعضاء في القاعة على شكل ستة عشر مجموعة حسب اقاليمهم وترتيبها االبجدي، وال توجد هناك مجموعات حزبية ،والقرارات تتخذ باالغلبية ( )35صوتا ،وال يوجد اقتراع سري، واجللسات ممكن إن تكون معلنة والتصويت يتم برفع االيادي. ويتألف اجمللس من جلان دائمة تقدم التوصيات له ومجاالتها تتطابق مع املسؤوليات الوزارية .وخبرة احلكومة االحتادية تكتمل بخبرة البوندسرات وخبرة األقاليم ،وكل إقليم لديه عضو واحد وصوت واحد في كل جلنة والتي تكون اجتماعاتها غير معلنة واللجان هي : الشؤون اخلارجية ،الدفاع ،الصحة ،التنمية املدنية ،واالسكان والتخطيط اإلقليمي ،األسرة وشؤون املواطنني ،الشؤون الثقافية ،الشؤون الداخلية ،البيئة ،الزراعة ،املالية النقل ،العمل، النساء ،والشباب ،الشؤون القانونية ،الشؤون االقتصادية ،جلنة قضايا االحتاد األوربي ،وهذه اللجنة األخيرة قراراتها لها تأثير خارجي يجب إن تتبناها اجلمعية العامة للبوندسرات ،وهناك استثناء ،اذ ميكن للبوندسرات إن ينشأ مجلس للتعامل مع شؤون االحتاد األوربي ،وقرارات هذا اجمللس لها نفس تأثير قرارات البوندسرات، ويتعامل مع القضايا التي تتعلق باالحتاد والسيما التشريعية منها ،وال ينعقد اجمللس إال بطلب من رئيس البوندسرات .وكل إقليم يرسل عضوا ً إلى اجمللس واصواته في اجمللس تعادل اصواته في
البوندسرات (أي مجلس مصغر للبوندسرات يتعامل مع قضايا خاصة) .وما جتدر االشارة اليه هناك (جلنة الوساطة) للتنسيق بني مجلس البوندسرات والبوندستاغ ،وظيفتها تقدمي اقتراحات توفيقية حيث ما يكون اختالف في الرأي بني اجمللسني حول محتوى اللوائح املعروضة وتتكون من ( )32عضوا ً ميثلون اجمللسني بالتساوي أي يكون للبوندسرات( )16مقعدا ً على عدد األقاليم وبنفس عدد املقاعد للبوندستاغ ممثلة من قبل األحزاب وفقا ً لنسبتها ،واجتماعات، هذه اللجنة شديدة السرية. اما عملية صنع القرار في البوندسرات ،فهناك عامالن تتصف بهما املناهج املتبعة في هذا اجمللس وجتعله مختلفا ً عن باقي الهيئات العامل األول ،الوظيفة املزدوجة ألعضائه ،والثاني ،احلدود الزمنية التي توضع للقرارات املهمة .ونتيجة لذلك يتم تنفيذ األعمال بشكل أساسي في عواصم األقاليم وليس في مقره في برلني وهو دائما ً يكون حتت ضغط الوقت .واملهلة الزمنية التي حتدد ملداوالت القوانني – 3إلى 9أسابيع للقراءة األولية ،ثالث أسابيع للقراءة الثانية واسبوعني لالعتراضات هذه املدة الزمنية قصيرة وجتبر اجمللس على العمل بايقاع سريع .واحلكومة االحتادية تقدم املقترحات قبل املناقشات بثالثة اسابيع ،ثم حتول إلى اللجان املعنية ،والتوصيات التي تقدم تصاغ في اجتماعات اللجان وتناقش في عواصم األقاليم. ومن وظائف البوندسرات األخرى هي املشاركة في الشؤون اخلارجية ،وان احلكومة االحتادية مسؤولة باحلفاظ على العالقات الدولية ،لكن وفقا ً للفقرة الثانية من املادة ( )59من القانون األساسي ،فانه يجب إن حتصل املعاهدات الدولية التي تنظم عالقات أملانيا مع الدول األخرى ،واملتعلقة بالتشريعات االحتادية ،على موافقة أو مشاركة الهيئات التشريعية في حالة البوندسرات يعني إن قانون معاهدة معينة
تتطلب موافقته عندما يوجد قانون محلي ذو مضمون مشابه أو ذا صلة يتطلب موافقة البوندسرات ،وإذا رفض فانها ال تدخل حيز التنفيذ. وكذلك من وظائفه وفقا ً للقانون األساسي، انتخاب نصف أعضاء احملكمة الدستورية االحتادية ويعالج الشكاوى حول عدم دستورية القوانني وميكنه إن يقدم الشهادات للقضايا التي تطرح في احملكمة الدستورية. إن االختالف األساسي بني الفيدرالية األملانية واألنظمة الفيدرالية األخرى على صعيد تقسيم وتنفيذ املهام ،هو املشاركة املباشرة من حكومات األقاليم في القرارات على الصعيد الفيدرالي ويحصل ذلك من خالل البوندسرات . لذلك مبوجب هذا النظام في تقسيم السلطات يكون للبوندسرات ثالثة وظائف مركزية هي-: يدافع عن مصالح األقاليم في مواجهة .1 احلكومة االحتادية وبشكل غير مباشر في مواجهة االحتاد األوربي. يضمن اندماج اخلبرة واالدارة والسياسة .2 لالقاليم في التشريعات واالدارة االحتادية وفي الشأن األوربي. يحمل على عاتقه مسؤولية عاملية .3 شأن الهيئات الدستورية الفيدرالية عن أملانيا االحتادية. واخيرا ً ،ال يقيده القانون األساسي في وظيفة متثيل األقاليم ،باعتباره مؤسسة فيدرالية تشارك في املسؤولية عن السياسة الفيدرالية العامة ويتجسد في نطاق مسؤولياته .فهو مؤسسة سياسية واعضائه سياسيون ولديه مهام سياسية وبذلك يجعله في وضع مناقشة مع البوندستاغ ،وليس له تأثير على تشكيل احلكومة ،ولكنه يراقب نشاطاتها الى جانب البوندستاغ. املبحث الثالث السلطة التنفيذية
إن القواعد املتعلقة بالسلطة التنفيذية بدون شك أهم ما سطر القانون األساسي األملاني ، ومنظمة بشكل أفضل من بقية مؤسسات الدولة األخرى .فهي متنوعة في طبيعتها ،فليس هناك ممثل واحد أعلى للسلطة التنفيذية ،وال ينتخب كبار رجال هذه السلطة ملناصبهم عن طريق الشعب مباشرة وإمنا عن طريق الوكاالت احلكومية األخرى ،اما رؤساء الوحدات اإلدارية أو احلكومة فهم يصلون إلى مناصبهم عن طريق التعيني .واملستشار مع الوزراء يشكلون احلكومة االحتادية على منط الدول البرملانية، وبعض األعمال تنفذ باسم رئيس الدولة ،اما املستشار (رئيس الوزراء) فهو الذي يتحمل عبء القيادة السياسية ويرأس البناء اإلداري .وما ميكن قوله بهذا الصدد إن السلطة التنفيذية منظمة طبقا ً لقواعد ومباديء الثنائية الكالسيكية : رئيس للجمهورية مع رئيس للحكومة ومتارس السلطات السياسية عن طريق حكومة مستقرة. املطلب االول رئيس اجلمهورية (الرئيس االحتادي) كان رئيس الرايخ في ظل دستور فاميار ينتخب انتخابا شعبيا ً ،األمر الذي يجعله مسؤوال ً امام الشعب وليس امام البرملان .وأصبح هذا املنصب ميارس سلطات هامة ووظائف ،مثل (خلق مجالس وزارية رئاسية) لم تكن تتمتع باكثر من تأييد هامشي ضئيل من البرملان ،ولكي يتجنب مشرعو القانون األساسي جلمهورية أملانيا االحتادية نقاط الضعف هذه وغيرها في هذا املنصب ،فادخلوا كثيرا ً من التعديالت على هذا املنصب .فقد صاغو منصب الرئيس االحتادي بحيث يتمتع – كرمز للدولة -مبركز ممتاز ،دون إن ميارس إال سلطة ضئيلة ،ونظام اختياره غير مباشر ،وتقتصر وظائفه على نواحي املظاهر والرسميات ،وبالرغم انه من املمكن إذا شغل شخص ذو طموح كبير وشخصية قوية هذا 29
أقواس
أقواس
30
املنصب يستطيع إن يحول الرئاسة إلى منصب ذي داللة سياسية ،لذلك وضعت حدود دستورية ال سبيل إلى تغييرها ،القصد منها منع وقوع أي استغالل سيئ لهذا املنصب .وينتخب رئيس اجلمهورية بواسطة املؤمتر االحتادي الذي يتكون من جميع أعضاء البوندستاغ ومن عدد متساو من األشخاص تختارهم اجملالس التشريعية لالقاليم بطريقة التمثيل النسبي .ويجري التصويت في املؤمتر بال مناقشة ،ويطلب منه انتخاب احد املرشحني باالغلبية املطلقة العضائه ،ولكنه إذا فشل في ذلك مرتني ،فعليه إن يعيد االقتراح للمرة الثالثة ،وحينئذ ينتخب املرشح الذي يفوز باالغلبية النسبية لالصوات(أي أكثر االصوات). ويشترط في املرشح لرئاسة اجلمهورية الشروط نفسها التي يجب إن تتوافر في الناخب األملاني النتخابات البوندستاغ ،مع اختالف شرط العمر، اذ يجب إن ال يقل عمر املرشح للرئاسة عن أربعني سنة .وال يستطيع الرئيس بعد انتخابه إن يكون عضوا ً في أي هيئة تشريعية سواء في االحتاد أو في األقاليم ،وال إن يعمل في أية مهنة. ويشغل الرئيس منصبه ملدة خمس سنوات وال يجوز انتخابه ألكثر من مرتني متتاليتني .وال يوجد في النظام السياسي األملاني منصب نائب رئيس اجلمهورية ،وإذا ماخال منصب الرئيس من شاغله قبل انتهاء مدة رئاسته ،بسبب الوفاة أو االستقالة أو العزل ،يتولى مهامه رئيس اجمللس االحتادي (البوندسرات). وإذا انتهك الرئيس القانون األساسي أو أي قانون احتادي آخر ،فيمكن محاكمته بناء على طلب مقدم من ربع أعضاء البوندستاغ وموافقة ثلثيهم عليه ،وكما إن البوندسرات له نفس السلطة وهو يستخدمها بذات الطريقة ،وجتري محاكمة الرئيس بواسطة احملكمة الدستورية االحتادية ،فإذا ادانته فانه يعزل ويفقد منصبه. ال يتمتع رئيس اجلمهورية بسلطات دستورية ، اذ توجد إلى جانبه وزارة مسؤولة امام البرملان
تباشر السلطة الفعلية وهذا يعود إلى طبيعة النظام البرملاني الذي اخذ به القانون األساسي. وللرئيس صالحيات خارجية وداخلية .وفيما يتعلق باجملال اخلارجي ،فهو ميثل االحتاد ضمن مفهوم القانون الدولي ،ويعقد باسم االحتاد املعاهدات الدولية مع الدول واملنظمات الدولية واشخاص القانون الدولي ،ويعتمد ويستقبل السفراء والوزراء املفوضني املعتمدين في البعثات الدبلوماسية .اما في اجملال الداخلي ،يباشر الرئيس احلق في إن يسمي جمللس النواب(البوندستاغ) املرشح للمستشارية ، ولكن عليه إن يعني املرشح الذي تؤيده األكثرية النيابية ،كما يتوجب على املستشار إن يطلعه على سياسات حكومته ويتشاور معه حولها ،وعلى الرئيس إن يتعاون تعاونا ً شريفا مع املستشار الذي يتمتع بتأييد النواب .كما يباشر صالحية تعيني املوظفني في الدوائر االحتادية ،وكذلك تسمية واعفاء القضاة والضباط وضباط الصف من مناصبهم ،ما لم يتم اقرار خالف ذلك بقانون وميارس صالحية اقرار العفو في حاالت منفردة ،أي إصدار العفو اخلاص، ويستطيع الرئيس حتويل هذه الصالحيات إلى الدوائر الرسمية األخرى. إن املراسيم واالوامر التي يصدرها الرئيس خالل ممارسة صالحياته الدستورية ومهامه القانونية البد وان يوقع عليها املستشار االحتادي أو الوزير اخملتص بجانب توقيع الرئيس وهذه قاعدة عامة في النظم البرملانية ،ومسألة منطقية وطبيعية ،باعتبار إن الرئيس غير مسؤول سياسيا ً امام البرملان .ويصبح دور الرئيس حاسما ً إذا كان االنقسام شديدا ً داخل البوندستاغ بحيث يتعذر عليه إن يؤيد املستشار أو يتفق على انتخاب خلف له .ويخول الدستور الرئيس حينئذ حق اتخاذ أكثر من تدبير ،فإذا اخفق املستشار في نيل ثقة اكثرية البوندستاغ ،ولم تتفق االكثرية على خلف له ،فانه يستطيع خالل ()21-4
يوما ً إن يطلب من الرئيس حل البوندستاغ واجراء انتخابات جديدة .وإذا خسر املستشار اكثريته النيابية ،واثر إن ال يطرح الثقة ،وان ال يحل اجمللس ،فانه يصبح شديد االعتماد على الرئيس وما لم يتفق البوندستاغ على خلف له ،فان بوسع الرئيس إن مينحه سلطات محدودة متكنه من مباشرة احلكم بدون اجمللس النيابي، وبوسعه ايضا ً إن يحمله على االستقالة . ويستطيع الرئيس مبوافقة البوندسرات إن يعلن حالة طوارئ تشريعية تخول احلكومة حق إصدار جميع القوانني باستثناء امليزانية ،باستقالل عن البوندستاغ .إذا رفض الرئيس أو البوندسرات اتخاذ هذا التدبير ،اضطر املستشار لالستقالة ، حينئذ يستطيع الرئيس إن يسمي املرشح الذي يريد للبوندستاغ ويعينه شريطة إن ينال تأييد أكثرية النواب ويظل هذا املرشح معتمدا ً على تأييد الرئيس حتى تتوفر له األكثرية الالزمة في اجمللس ،أو حتى يتفق اجمللس على من يحل محله. وإذا لم ينل مرشح الرئيس تأييد كثرة النواب ،جاز للرئيس إن يحل اجمللس ويدعو الشعب النتخابات جديدة ،ينبثق منها مجلس اقرب لتأييد مرشح الرئيس. املطلب الثاني املستشار كانت إحدى نقاط ضعف النظام الفامياري هو التقسيم غير الواضح للسلطات بني الرئيس واملستشار ( .)chancellorوقد حل القانون األساسي هذا الغموض بأن اعطى قوة كبيرة لسلطات املستشار الفيدرالي ()Bundes kanzler إضافة إلى ذلك ،سيطر شاغلو هذا املنصب على العملية السياسية واصبحوا رمزا ً للحكومة الفيدرالية بقوة شخصياتهم .فاملستشار يلعب دورا ً مركزيا ً في النظام السياسي لدرجة إن بعض املراقبني يصفون النظام األملاني بأنه ((دميقراطية املستشار)). فإذا كان الرئيس االحتادي هو الرأس األسمى أو
االعتباري للجمهورية االحتادية ،فان املستشار (رئيس الوزراء) هو املسؤول األول عن الناحية التنفيذية .وقد جرت التقاليد في أملانيا على تزويد منصب رئيس احلكومة بالقوة واالستقرار التي يتطلبها .لذا يبدو منصب رئيس الوزراء االحتادي أقوى من معظم رؤساء الوزارات في الدول الدميقراطية املشابهة ،األمر الذي تصوره عالقاته بالرئيس ومبجلس الوزراء وبالبرملان . ويتم انتخاب املستشار من قبل البوندستاغ دون مداوالت ،وذلك بعد اقتراح مقدم من قبل رئيس اجلمهورية .فالذي يفوز باالنتخاب ويحصل على أصوات اغلبية أعضاء البوندستاغ ،فعلى رئيس اجلمهورية عندها تسمية الفائز في االنتخاب ، وهذا يتطلب بطبيعة احلال املفاوضات السابقة بني األحزاب السياسية في البوندستاغ ،واملرشح الذي يحصل على األغلبية املطلقة يصبح املستشار االحتادي ،وعلى ضوء ذلك يعلن رئيس اجلمهورية تعيينه رسميا ً .وإذا لم يتم انتخاب الشخص املقترح ،عندئذ يستطيع البوندستاغ خالل مدة اقصاها أربعة عشر يوما ً بعد جولة االنتخاب (أي االقتراع األول ) ،إن ينتخب مستشارا ً باغلبية تزيد على نصف عدد اعضائه .وإذا فشل االنتخاب خالل هذه املدة احملددة فينبغي اجراء جولة انتخاب جديدة دون تأخير حيث يفوز بها من يحصل على أعلى عدد من األصوات .إذا جمع الشخص املنتخب اغلبية أصوات أعضاء البوندستاغ لصاحله ،فيجب على الرئيس إن يسميه مستشارا ً خالل اسبوع بعد االنتخاب وإذا لم يحصل املنتخب على هذه األغلبية ،فعلى رئيس اجلمهورية االحتادية خالل سبعة ايام ،اما إن يسميه مستشارا ً أو إن يحل البوندستاغ. والدعوة إلى انتخابات جديدة .ميكن القول إن األغلبية ضرورية في حالة انتخاب املستشار ، كما إن في هذه احلالة فان رئيس اجلمهورية ميارس سلطة واضحة وحقيقية. وما جتدر االشارة اليه هو انه يستطيع البوندستاغ 31
أقواس
أقواس
32
سحب الثقة من املستشار االحتادي فقط من خالل انتخاب اجمللس بأغلبية اعضائه مستشارا ً بديالً ،وذلك بتقدمي طلب لدى رئيس اجلمهورية باعفاء املستشار احلالي من منصبه ،ويجب على رئيس اجلمهورية إن يستجيب للطلب وان يسمي الشخص املنتخب (البديل) كمستشار احتادي .ويجب إن تنقضي مدة زمنية قدرها ثمانية وأربعني ساعة بني تقدمي الطلب وجولة االنتخاب .وإذا قدم املستشار طلبا ً بالثقة ولم يحرز هذا الطلب على موافقة اغلبية أعضاء البوندستاغ ،يستطيع رئيس اجلمهورية عندئذ ، وبناء على اقتراح املستشار إن يحل البوندستاغ خالل مدة زمنية قدرها إحدى وعشرين يوما ً . بينما يصبح حق حل البوندستاغ الغيا ً مبجرد إن ينتخب مستشارا ً جديدا ً باغلبية اعضائه .ويجب مرور مدة ثمانية واربعون ساعة على الطلب وعملية التصويت. وبعبارة أخرى فان من املالمح الفريدة للنظام السياسي األملاني الطريقة التي يتبعها للفصل بني السلطتني التشريعية والتنفيذية ،مع االبقاء على إطار العمل البرملاني ،فعلى سبيل املثال ،يفتقر املستشار إلى السلطة االختيارية في حل الهيئة التشريعية والدعوة إلى انتخابات جديدة ،والتي هي من األمور العادية في األنظمة البرملانية األخرى .كما ميتلك مجلسا البوندستاغ والبوندسرات قدرة غير اعتيادية على انتقاد أعمال احلكومة ومراجعة اقتراحات احلكومة التشريعية .كما وحتظى بأهمية مساوية بنود القانون األساسي التي حتدد رقابة الهيئة التشريعية على املستشار ومجلس الوزراء ،ففي النظام البرملاني متتلك الهيئة التشريعية عادة سلطة عزل رئيس تنفيذي سبق لها إن انتخبته .وقد استخدمت األحزاب املتطرفة من اليمني واليسار هذه الوسيلة إبان اجلمهورية الفاميارية ،ملنع استقرار النظام الدميقراطي مبعارضة شاغلي منصب املستشار
وقد عدل القانون األساسي هذه اإلجراء واوجب التصويت البناء بعدم الثقة (constructive no- ،)confidence voteفكي يتمكن البوندستاغ من عزل املستشار ،عليه إن يوافق ،في وقت واحد على بديل له ،وفي هذا استمرارية للقيادة السياسية ،وإيجاد أغلبية أولية تؤيد املستشار اجلديد .ويعني (التصويت البناء بعدم الثقة) إن املستشار ال يعتمد على ضرورة وجود أغلبية تؤيده في جميع االقتراحات التشريعية .كما انه يجعل من الصعب عزل شاغل هذا املنصب ،فال ميكن للمعارضني ان يختلفوا فقط مع احلكومة كي يعزلوها ،بل يجب إن يكون هناك اتفاق على البديل .وكما يسمح نوع آخر من التصويت بعدم الثقة للمستشار إن يهاجم حكما ً بعدم الثقة في اقتراح تشريعي للحكومة ،فإذا ما اسقط البوندستاغ االقتراح ،فقد يطلب املستشار من الرئيس الفيدرالي الدعوة الجراء انتخابات برملانية جديدة .وهذا االجراء بعدم الثقة يزود املستشار بالوسائل التي متكنه إن يختبر األصوات املؤيدة للحكومة أو لزيادة الضغط على البوندستاغ لتمرير تشريعات مهمة جدا ً بالنسبة للحكومة. وتتم تسميه الوزراء االحتاديني وعزلهم من قبل رئيس اجلمهورية بناءا ً على اقتراح املستشار، ويعني املستشار من بني الوزراء االحتاديني نائبا ً له. وال يجوز للمستشار والوزراء االحتاديني إشغال منصب رسمي آخر براتب ،وال يجوز لهم ممارسة حرفة أو مهنة ،كما ال يجوز لهم االنتماء إلى رئاسة مؤسسات عمل ربحية وال دون موافقة البوندستاغ على االنتماء إلى مجالس اإلشراف عليها. وتنتهي مدة إشغال املستشار أو أي وزير احتادي ملنصبه على أي حال مبجرد إن يجتمع البوندستاغ اجلديد ،فيما ينتهي اشغال أي وزير احتادي منصبه في كل حالة أخرى ينتهي فيها إشغال املستشار ملنصبه .وبناءا ً على طلب رئيس اجلمهورية ،يتوجب على املستشار إن يستمر
في القيام مبهامه ،وبناءا ً على طلب املستشار أو رئيس اجلمهورية يتوجب كذلك على أي وزير احتادي إن يستمر في مزاولة مهامه حلني تسمية بديل له .وتسير احلكومة االحتادية في القيام بأعمالها وفقا ً لثالثة مبادئ رئيسية وضعها القانون األساسي وهي: مبدأ املستشار :الذي يشير إلى إن أ . املستشار االحتادي يقرر اخلطوط االرشادية العريضة للسياسة ويتحمل مسؤوليتها وهو وحده املوجه لسياسة الدولة واملسؤول عنها امام البرملان ،ويصدر اوامرا ً جمللس الوزراء للعمل وفقا ً لهذه السياسات العامة وااللتزام بها. ويقود مسيرة اعمال احلكومة حسب نظام داخلي تقرره احلكومة االحتادية وينال موافقة رئيس اجلمهورية .كما ويتوقع من الوزراء اقتراح السياسات وتنفيذها مبا يتفق مع اخلطوط العامة التي وضعها املستشار .ويعاون املستشار في هذه النشاطات كادر كبير من موظفي مكتبه الذي يشرف على الوزراء ويصيغ األهداف العريضة للسياسة .وهكذا فان مجلس الوزراء يخضع رسميا ً للمستشار في رسم السياسة. االستقاللية الوزارية :الذي يعطي ب . كل وزير سلطة إدارة اعمال وزارته دون تدخل مجلس الوزراء طاملا إن السياسات تتفق مع اخلطوط العامة للحكومة .والوزراء مسؤولون عن االشراف على نشاطات وزاراتهم ،ويوجهون التخطيط السياسي في دوائرهم .ويكون الوزير مسؤوال عن تنفيذ القوانني االحتادية من قبل الدوائر احلكومية واإلشراف عليها. مبدأ مجلس الوزراء :الذي يشير إلى إن ت . أية منازعات قد حتصل بني الوزارات االحتادية حول الصالحيات القانونية أو أي امور أخرى تتعلق باخملصصات املالية ال بد من الرجوع إلى مجلس
الوزراء حللها ،ويجتمع مجلس الوزراء بوجود اغلبية أعضائه ،ويصدر القرارات واألنظمة اإلدارية مبوافقة اغلبية اعضائه ايضاً. ومييل العمل الفعلي للحكومة الفيدرالية إلى إن يكون أكثر سالسة من اإلجراءات الرسمية املنصوص عنها في القانون األساسي .ففي حكومة ائتالفية يكون اختيار الوزارات ،والعدد الذي سيتواله كل حزب منها ،املوضوع الرئيسي في بناء االئتالف .وباملثل ،فان التوترات داخل احلزب قد تفرض اجراء تعيينات وزارية محددة للحفاظ على وحدة احلزب .ويبدي أعضاء مجلس الوزراء استقاللية كبيرة في سياستهم رغم القيود الرسمية التي يفرضها القانون األساسي. فالوزراء يعينون عادة النهم ميلكون اهتماما ً في مجال من مجاالت السياسة اما من الناحية العملية فانهم يعرفون بادوارهم كرؤوساء لدوائرهم أكثر مما يعرفون كوكالء للمستشار . ويصبح الوزراء ناطقني رسميني ومدافعني عن دوائرهم ومقياس جناحهم السياسي هو متثيلهم ملصالح دوائرهم .وهكذا فان مجلس الوزراء يقوم بدور دار املقاصة العمال احلكومة االحتادية .حيث يقوم بعض الوزراء بتقدمي مقترحات سياسية تخص وزاراتهم على امل احلصول على موافقة احلكومة عليها .ومن الناحية العملية ،فانه نادرا ً ما يعتمد املستشار على تعليمات السياسة الرسمية لتوجيه اعمال حكومته .فاملستشار يحدد برنامج احلكومة الذي يعكس اتفاق مجلس الوزراء ويعتمد على املفاوضات واجراء التسويات داخل مجلس الوزراء للحفاظ على هذا االتفاق. وخالصة القول فان الدستور األملاني يجعل املستشار االحتادي صانع القرارات الرئيسي في حقل السياسة ،وللحكومة ،والرئيس االحتادي، واجمللس التشريعي ،واحملكمة الدستورية ،حق االسهام في ظروف معينة في عملية صنع القرارات .ولكن املستشار هو دستوريا ً املرجع األخير وصاحب السلطة واملسؤولية في 33
أقواس
أقواس
34
حتديد السياسة العامة .وقد تعمد واضعوا الدستور األملاني منح املستشار هذه السلطة الواسعة ،ليتجنبوا املنازعات الفئوية التي حتتدم في اجملالس التشريعية ذات السلطات الواسعة ،وارادوا في الوقت نفسه جتنب انبعاث االستبدادية التنفيذية غير املسؤولة التي سادت أملانيا سابقاً. ويقضي دستور هذه اجلمهورية املتعددة األحزاب بان ينتخب مستشار احلكومة من قبل االكثرية النيابية ،وان يكون مسؤوال جتاهها .ويقضي ايضا ً من اجل تأمني االستقرار احلكومي ،بأن يبقى املستشار في احلكم إلى إن تتفق االكثرية النيابية على خلف له أو يتم انتخاب مجلس نواب جديد ،أو يتوفى أو يستقيل أو يدان بأعمال اجرامية . وال ميكن اتهام املستشار باخليانة العظمى وقد استهدف آباء الدستور من هذه االحكام إقامة مستشارية هي أقوى جتاه البرملان من حكومات الدول البرملانية األخرى ،فحرروها من البقاء حتت رحمة تكتل برملاني سريع االنهيار أو معارضة برملانية ال تتفق على خلف للمستشار .فاصبح املستشار وحده – ال احلكومة كلها -مسؤوال عن حتديد السياسة والسهر على تنفيذها ،وتقدمي احلساب عنها للسلطة التشريعية .فليس هناك مسؤولية جماعية للحكومة بكامل اعضائها. واملستشار هو الذي يسمي أعضاء احلكومة ويقيل من يشاء منهم وتوصياته ملزمة للرئيس االحتادي ،الذي تعود اليه مبدئيا ً صالحية التعيني والعزل .ووزراء حكومة املستشار ومعاونوه اإلداريون مسؤولون جتاهه .وتنتهي واليتهم آليا ً مع انتهاء واليته .وال يخول الدستور رئيس اجلمهورية وال السلطة التشريعية حق اكراه املستشار على إدخال أي وزير في حكومته أو إخراجه منها .وكل عضو من أعضاء حكومة املستشار مسؤول فرديا ً عن إدارة وزارته وفقا ً للسياسة العامة التي يحددها املستشار وكما
هو الشأن مع املستشار ،فان شخصية الوزير ، وخبرته ،ومزاياه ،هي التي حتدد ما ميكن إن يكون له من دور في عملية صنع القرارات ،وهي التي حتدد مدى اعتماده على نفسه أو على معاونيه. ويؤلف الوزراء جماعيا ً حكومة املستشار ، فيتوجب عليهم تبعا ً لذلك إن يقدموا له آرائهم حول السياسة العامة ،وان يقرروا ما تعرضه احلكومة من مقترحات على السلطة التشريعية ودور احلكومة وكل عضو من اعضائها في صنع القرارات رهني مبا للمستشار ولكل وزير من قوة الشخصية أو قوة التأثير السياسي. املطلب الثالث حكومات األقاليم حكومات األقاليم في أملانيا هي دميقراطية نيابية تعتمد على التصويت الواسع واالنتخابات احلرة .وتنص معظم دساتيرها على توفير عناصر الدميقراطية املباشرة مبا في ذلك املبادرة واالستفتاء والتنحية ،والنظام احلكومي برملاني باإلضافة إلى ضمانات رسمية الستقالل القضاء. والواقع إن نظام احلكم في األقاليم والواليات – يشبه في جوهره – نظام احلكم في اجلمهورية االحتادية من حيث انه يشتمل على املسؤولية البرملانية ورئيس الوزراء يرأس مجلسا ً للوزراء املسؤولني امام السلطة التشريعية .غير إن كالً من الصياغة وتفاصيل الهيكل العام ،ومهمة هذه احلكومات يختلف عن احلكومة االحتادية. وتنص دساتير األقاليم -باستثناء بافاريا -على وجود هيئة تشريعية قوية ذات مجلس واحد . وتسمى هذه الهيئة جمعية الوالية أو االقليم ( ، )land tagومتتد مدة واليتها في األغلب الربع سنوات وينتخب أعضاؤها في انتخاب عام ويستطيع أي ناخب يزيد عمره على خمسة وعشرين سنة إن يرشح نفسه في االنتخابات. ويضم اجمللس التشريعي عادة رئيسا ً منتخبا ً ليرأس جلساته ونائبا ً له وعدد من املوظفني .وتعد بافاريا استثناء لهذه القاعدة .اذ إن بها مجلسا ً
تشريعيا ً ثانيا ً يسمى مبجلس الشيوخ ،وهو مبثابة مجموعة من اخلبراء في كافة اجملاالت ،ويشترط إال يقل سن عضو هذا اجمللس عن أربعني سنة وينتخب ملدة ستة سنوات ،وال يجوز له إن يجمع بني عضوية مجلس الشيوخ وعضوية مجلس الوالية .وجمللس الشيوخ إن يتقدم مبشروعات قوانني أو يعطي آراء استشارية في التشريع ، أي يعمل كلجنة ثانية راسمة للسياسة بعد مجلس الوالية أو اإلقليم. وفي معظم الواليات يقوم مجلس الكبار الذي يتكون من رئيس مجلس الوالية أو االقليم ونائبه وعدد صغير من األعضاء بادارة شؤون اجمللس التشريعي ،وذلك بإعداد جدول اعمال اجمللس، ويخصص وقت املناقشة ويسوى املنازعات بني األحزاب فيما يخص اإلجراءات التشريعية . وبالنسبة للمهام التشريعية فتقوم بها جلان دائمية مختلفة ،كما ميكن للمجلس تكوين جلان خاصة للقيام ببعض التحقيقات واغراض أخرى. اما بالنسبة للهيئة التنفيذية ،يقوم مجلس الوالية أو االقليم بانتخاب الرئيس التنفيذي ويسمى رئيس الوزراء ،ويقوم هذا الرئيس بتعيني أعضاء وزارته على إن يحصل على موافقة مجلس الوالية ،ومدة حكم الهيئة التنفيذية أربع سنوات .ويترأس الرئيس التنفيذي مجلس وزراء االقليم أو الوالية ويكون مسؤوال امام الهيئة التشريعية ،وتتألف وزارات األقاليم عموما ً من ( )15-9وزيرا ،وغالبا ً ما تشرف على نشاطات مثل املالية ،التعليم ،العدل ،الشؤون الداخلية .وهناك بعض األقاليم لديها وزراء يقومون بوظائف تعكس خصائصها اخلاصة مثل (وزارة املوانئ واملرافئ في برمين) .وفي العادة ال يحصل حزب واحد على اغلبية كبيرة في مجلس االقليم ،ولذا فان الوزارات االئتالفية ضرورية. اما السلطة القضائية فيتم ادارتها من قبل احملاكم الفيدرالية ومحاكم األقاليم .ففي
اإلجراءات اجلنائية وحاالت القضاء املدني تكون احملاكم هي احملاكم املدنية واحملاكم اإلقليمية ومحاكم االستئناف ،واحملاكم الفيدرالية سلطة متييز أخيرة في هذه القضايا .واحملاكم الدستورية في األقاليم تتخذ القرارات املتعلقة بالقضايا الدستورية ،اما احملكمة االحتادية باعتبارها أعلى سلطة قضائية في أملانيا ،فانها تتعامل مع قضايا مثل انتهاك احلقوق األساسية وال دستورية األحزاب السياسية وشرعية القوانني (على مستوى االحتادي واالقاليم) واملنازعات بني االحتاد واألقاليم وبني األقاليم نفسها. ويتجسد دور األقاليم في النظام االحتادي األملاني، وفيما يتعلق بالسلطة التنفيذية االحتادية ، مبمارسة صالحيات دستورية هامة في إدارة املرافق االحتادية وكيفية تنفيذ القوانني االحتادية .اذ ال يكتفي القانون األساسي بتوزيع االختصاصات التشريعية ما بني احلكومة االحتادية واألقاليم ، بل يوزع السلطة االحتادية ما بني الدوائر الذاتية للحكومة االحتادية والدوائر احلكومية التي تدار من قبل األقاليم باشراف احلكومة االحتادية. وجاء ذلك في القانون األساسي ،حول تقاسم الصالحيات بني االحتاد واألقاليم ((تبقى ممارسة صالحيات الدولة في االقليم واجناز املهام فيها منوطة باالقاليم االحتادية طاملا لم يحدد هذا القانون األساسي احكاما ً اخرى أو يسمح بها)). ويقضي املبدأ بصالحية األقاليم في اجناز مهام الدولة داخل مناطقها وذلك بواسطة توزيع السلطة بني االحتاد واألقاليم لتفيذ القوانني االحتادية ((تنفذ األقاليم القوانني االحتادية باعتبارها شؤونا خاصة بها ،إال إذا حدد هذا القانون األساسي شيئا آخر أو سمح به)) .وتوجد هنالك عناصر أساسية للحكومة على مستوى األقاليم وهي املناطق اإلدارية واملقاطعات والبلديات .فاملناطق اإلدارية هي تقسيمات ادارية في االقليم ،وتعد جزءا ً من جهاز االقليم أكثر من إن تكون عناصر مستقلة في احلكم 35
أقواس
أقواس
36
احمللي وهي من صنع األقاليم وتستمد وجودها وسلطتها منها ،وتعمل كوحدات ادارية ثانوية لها ،وتشرف هذه املناطق على عناصر احلكومة احمللية األدنى مرتبة ،وتختص مبسائل مثل :إدارة الشرطة ،بناء الطرق ،التعليم الثانوي ،ويرأس كالً من هذه املناطق رئيس يعينه االقليم ويكون مسؤوال امامها ،لذلك فانه يتعاون في عمله تعاونا ً وثيقا ً مع وزراء الوالية ،وليست هناك محاكم أو هيئات تشريعية على هذا املستوى. اما املقاطعة فتضم مناطق ريفية وحضرية وتقوم بتنفيذ بعض مهام األقاليم ،وبعض املهام ذات الطبيعة احمللية متاما ً وشأنها شأن املناطق اإلدارية من صنع األقاليم تستمد منها سلطتها ومهامها .وتعمل املقاطعة بصفتني، فهي من ناحية عنصر أدنى من عناصر السلطة اإلدارية في االقليم ،كما انها من ناحية أخرى مؤسسة قانونية إقليمية حتكم نفسها حتت مسؤوليتها اخلاصة .وكأحد اجهزة االقليم فانها تختص قانونيا ً بكل مهام االقليم الواقعة داخل أراضيها التي ال حتال إلى وحدات حكومية خاصة ،وكهيئة تدير نفسها بنفسها فان املقاطعة تقوم باملهام املتعلقة باحلكم احمللي التي ال تتحملها موارد أي منطقة من املناطق احمللية أو تلك التي تتطلب التنفيذ في سبيل الصالح العام. واهم موظف مسؤول في حكومة املقاطعة الريفية هو املأمور (مدير املقاطعة) وهو الذي ميارس االشراف اإلداري على مقاطعته باإلضافة إلى اإلشراف على البلديات الواقعة داخل مقاطعته ،وينتخب بواسطة مجلس املقاطعة التشريعي ،وهو الرئيس التنفيذي الذي يعني املوظفني واإلداريني الذين يعملون حتت امرته .ومجلس املقاطعة التشريعي الذي ينتخب أعضاءه على أساس التمثيل النسبي ، يستطيع إصدار تشريع بشرط االّ يتعارض مع قوانني االحتاد أو االقليم وفي بعض احلاالت يتم
إنشاء جلنة تنفيذية مؤقتة لتحقق االستمرار التشريعي ،وتضم املأمور وبعض املوظفني ، ويجوز لهذه اللجنة إن تكون لها مهام ادارية الى جانب مهمتها في رسم السياسة .اما حكومة مدن املقاطعة فتضم في حكومة واحدة كافة املهام التي تقسم في املقاطعة الريفية بني املقاطعات والبلديات .ويرأس حكومة مدينة املقاطعة (العمدة) الذي يساعده عدد من النواب الذين ينتخبون ملدة محددة بواسطة مجلس املدينة ،هذه األخير ينتخب أعضاؤه مباشرة وعلى أساس التمثيل النسبي ،ويتمتع اجمللس بحق التشريع. وبالنسبة للبلديات فلها وضع املؤسسات اإلقليمية العامة وهي مخولة سلطة االضطالع بكل املهام احمللية العامة والواقعة داخل نطاق اختصاصها وعلى مسؤولياتها اخلاصة إذا لم تكن اوجه النشاط هذه ذات صبغة دستورية واضحة أو اوكلها التشريع إلى هيئات حكومية أخرى ،أو أال يكون القانون قد نص صراحة على اخراجها من اختصاصها .واهم مسؤول في حكومة البلدية هو (العمدة احلاكم) في املدن الكبرى و(العمدة) في البلديات االصغر حجما ً . وجرت العادة في املناطق التي يقل عدد سكانها على ثالثة آالف نسمة على انتخاب العمدة ،اما في البلديات األكبر فيختاره اجمللس التشريعي. اما اجمللس البلدي (مجلس املدينة) فانه يتمتع بسلطة إصدار القرارات احمللية ويعالج السياسة العامة ومسائل امليزانية واملالية وادارة املهام احمللية واالمالك العامة .ومن ابرز املميزات للحكومة البلدية في أملانيا (عمومية االختصاص) وللبلدية اشراف واسع النطاق على جميع اوجه النشاط العام فيما عدا ما ينص القانون بشأنه على خالف ذلك .وتنقسم وظائف حكومة البلديات إلى نوعني: أوال :وظائف تباشرها في القرى وما شابه ذلك كمجتمع يحكم نفسه بنفسه (مثل النقل
احمللي والشرطة ومكافحة احلريق واالمالك العامة ...الخ). ثانياً :الوظائف تقوم بها نيابة عن االقليم (مبا في ذلك شؤون الصحة العامة والشؤون االجتماعية واالسكان وتعويضات احلرب ومعونة الالجئني). ومتشيا ً مع التجارب األملانية السابقة تقوم العناصر اخملتلفة في احلكومة احمللية مبعاجلة طائفة متباينة من الوظائف واالنشطة . والبناء احلكومي األملاني يفتقر إلى الفصل بني اختصاصات احلكومة الفيدرالية وحكومة االقليم واملقاطعة والبلدية .واحلقيقة إن البناء احلكومي كله من اجلمهورية االحتادية نزوال ً إلى البلدية ،قد منا وتطور ككل متداخل متشابك األجزاء فبينما تعتبر البلديات واملقاطعات متمتعة باحلكم احمللي املستقل ،جند إن هناك خيطا ً من السلطة ممتدا ً من احلكومة الفيدرالية عن طريق وزير الداخلية إلى رئيس وزراء االقليم ،فحكومة الدائرة ،فاملقاطعة، فالبلدية ،فاحلكومة الفيدرالية ال تعني من قبلها موظفيها احملليني ،وإمنا تستخدم سلطات االقليم والسلطات احمللية في إدارة بعض الشؤون احمللية التي تدخل في اختصاص احلكومة الفيدرالية .وحتى حني تكون احلكومة احمللية متمتعة باالستقالل الذاتي فانها تكون اداة حلكومة االقليم واحلكومة االحتادية ،عالوة على تصريفها لشؤونها اخلاصة. وميكن القول إن إعادة بناء حكومات األقاليم والبلديات في أملانيا بعد احلرب العاملية الثانية كان من شأن األملان انفسهم .وكان أداء حكومات األقاليم مرضيا ً من وجهة النظر الفنية والسياسية ،حيث كان عليها إن تعالج مشكالت احلرب وان تبعث احلياة من جديد في املؤسسات الدميقراطية في اعقاب احلكم الشمولي الذي شهدته البالد. املبحث الرابع السلطة القضائية االحتادية
نوزع هذا املبحث على مطلبني ،نكرس األول لدراسة تنظيم السلطة القضائية االحتادية، ونفرد الثاني لبيان إختصاصتها ،وكاآلتي: املطلب االول تنظيم السلطة القضائية االحتادية إن الغرض من تنظيم سلطة قضائية احتادية هو احلفاظ على وحدة القانون في الدولة وضمان علوية الدستور الفيدرالي من خالل تنظيم رقابة دستورية على القوانني اإلقليمية واالحتادية والسلطة في تفسير الدستور الفيدرالي ،خاصة تفسير القواعد الدستورية املتعلقة بتوزيع االختصاصات الدستورية ما بني األقاليم واحلكومة االحتادية ،والذي يعد من املسائل الشائكة في الدولة االحتادية .وكذلك حل اخلالفات ما بني احلكومة االحتادية واألقاليم يستدعي حلها من خالل هيئة قضائية. إن التراث القضائي األملاني يرجع إلى القانون األساسي لسنة ، 1877الذي أسس نظاما ً للمحاكم (العادية) ملمارسة القضاء املدني واجلنائي ،وقد خلق هذا القانون (احملكمة االمبراطورية) التي كانت محكمة عليا تسري احكامها على أملانيا كلها ،وتوجد إلى جانبها محاكم األقاليم ،حيث كان هناك أربعة مستويات من احملاكم هي محكمة املقاطعة، محكمة االقليم ،محكمة االستئناف في االقليم ،واحملكمة اإلمبراطورية .وكان القضاة ورجال النيابة وغيرهم من العاملني باحملكمة اإلمبراطورية يعتبرون مبثابة موظفني لدى(الرايخ)، اما جميع العاملني باحملاكم األخرى فكانت توظفهم األقاليم .ومن هنا لم يكن اعتبارهم بحق (ممثلني لسلطة القضاء املستقلة). ولم يغير دستور فاميار من الهيكل األساس للقضاء ،وان كان قد حاول إن يضمن استقالله والقضاة كانوا يخضعون لوزراء العدل احملليني في األقاليم .ومع ذلك فقد وضع ترتيب خاص النشاء محكمة عليا لتفصل في املنازعات 37
أقواس
أقواس
38
بني األقاليم ،وبني األقاليم و(الرايخ) .ونظرا ً إلى إن القضاء األملاني ظل زمنا ً طويالً يتشرب التقاليد التشريعية ذات الروح احملافظة ،فلم يكن متمشيا ً بالقدر الكافي مع املبادئ اجلديدة لدستور فاميار الذي يحترم استقالل القضاة. فبمقتضى تدريبهم واستعدادهم وميلوهم السياسية احملافظة لم يكن هؤالء القضاة وغيرهم من العاملني اآلخرين في احملاكم على استعداد لتأييد هذه التغييرات اجلديدة .وعندما حلت الدكتاتورية النازية محل جمهورية فاميار، استولى هتلر متاما ً على السلطات الثالث ،وملا لم يكن القضاء قد اعتاد إن يناقش سلطة الدولة فلم يتخذ موقفا ً قويا ً للدفاع عن احلكم الدستوري ،وادى تصميم احلكم النازي على اضعاف اجلهاز القضائي إلى حتويل سلطة القضاء ونقلها من األقاليم إلى احلكومة املركزية في برلني. وقد سهلت إعادة تقسيم أملانيا إلى أقاليم بعد احلرب العاملية الثانية ،عملية إعادة تنظيم السلطة القضائية ومت من جديد احياء وجوه كثيرة للنظام الذي كان سائدا ً في عهد جمهورية فاميار ،مع إدخال بعض التجديدات األخرى في بناء اجلهاز القضائي ،كان القصد منها حماية استقالل احملاكم وضمان احملافظة على احلكم الدستوري. رغم األسس الفيدرالية التي قام عليها النظام السياسي األملاني ،فان احملاكم من مختلف املستويات مدمجة في نظام موحد .وتدير األقاليم املستويات الثالث األدنى من هذا النظام ،في حني تدار احملكمة العليا على مستوى فيدرالي. ويفصل هذا النظام املوحد من احملاكم في القضايا املدنية واجلنائية ،وتطبق جميع احملاكم النصوص القانونية القومية ذاتها .ويتعامل فرع آخر من النظام القضائي مع قضايا احملاكم في مجاالت متخصصة ،فتتعامل إحدى احملاكم بالشكاوى اإلدارية ضد الوكاالت احلكومية ،
وتتعامل أخرى بقضايا الضريبة ،وتتعامل ثالثة بنزاعات العمل ،ورابعة بحل املطالبات اخلاصة ببرنامج احلكومة االجتماعي .وكما هي احلال في باقي النظام القضائي فان هذه احملاكم اخلاصة مدمجة في نظام واحد يشمل محاكم األقاليم واحملاكم الفيدرالية. كما اوجد القانون األساسي فرعا ً ثالثا ً من القضاء ،محكمة دستورية مستقلة تراجع دستورية التشريعات ،وتتوسط النزاعات بني الدوائر احلكومية ،وحتمي النظام الدستوري الدميقراطي .وفي ذلك جتديد للنظام القانوني األملاني ألنه يضع قانونا ً واحدا ً ((القانون األساسي))فوق جميع القوانني ،كما انه يفرض قيودا على سلطة اتخاذ القرار في البرملان ،وعلى التفسيرات القضائية لقضاة احملاكم الدنيا. ويرتكز النظام القضائي األملاني على مبادئ القانون الروماني الذي يختلف جذريا ً عن النظام القضائي االنكلو-امريكي ،فبدال من اعتماده على أسبقيات من قضايا سالفة ،تستند العملية القانونية على نظام مكثف من النصوص القانونية .وتعرف هذه النصوص املبادئ القانونية بشكل مجرد .ويتم الفصل في القضايا بناء على تلك املقاييس .ويقوم هذا النظام على الفلسفة العقالنية (، )Rationalist philosophy القائلة انه ميكن خدمة العدالة باتباع حرفية القانون .ويؤكد القانون األملاني ايضا ً على حقوق اجملتمع ،ويضعها فوق حق املتهم الفرد ،كما يؤكد على إدارة العدالة بشكل كفوء .ونظرا ً ألن هدف النظام القضائي هو كشف احلقيقة من ضمن شبكة معقدة من النصوص القانونية، فان للقاضي دورا ً نشيطا ً في احملكمة ،فمن ضمن واجباته استجواب الشهود بدقة ،وتقرير ما هو مقبول كبينة ،وتوجيه سير احملكمة بشكل عام .إضافة إلى ذلك ،يصوت القاضي أو (هيئة القضاء) في بعض احلاالت مع هيئة احمللفني للبت في قضية ما .ومن الطبيعي إن
خارجها بالقواعد األساسية للقانون األساسي، أو بالنظام الدستوري ألحد األقاليم ،تستطيع احملكمة الدستورية االحتادية بأغلبية ثلثي أعضاءها بناءا ً على طلب من البوندستاغ ، إصدار أمر بنقل القاضي الى وظيفة أخرى أو إحالته على التقاعد .وفي حال تبني إن اإلخالل كان بسبق اإلصرار ،فيمكن اإلقرار بإقالته. وما جتدر االشارة اليه ،إن احملكمة الدستورية تتألف من قضاة احتاديني وأعضاء آخرين .يتم انتخاب أعضائها مناصفة من قبل كل من البوندستاغ والبوندسرات .وال يجوز إن يكون هؤالء األعضاء منتمني إلى احد هذين اجمللسني وال إلى احلكومة االحتادية ،وال إلى ما يقابلها من هيئات في األقاليم . اما عن كيفية اختيار أعضاء احملكمة الدستورية، اذ يقوم وزير العدل االحتادي بإعداد قائمتني للمرشحني إلى محكمة الدستورية ،حتتوي كل واحدة منها اسماء القضاة االحتاديني الذين تتوافر فيهم الشروط العضوية للمحكمة ، وهي إن يكونوا في سن األربعني ،وان تتوافر فيهم شروط العضوية في البوندستاغ أو التعيني في املناصب العليا للحكومة االحتادية ،وان تكون لهم خبرة في القانون ،اما القائمة الثانية، إضافة إلى توافر الشروط السابقة فيهم، فتحتوي أسماء األشخاص الذين رشحهم احد األحزاب السياسية في البوندستاغ أو احلكومة االحتادية ،أو حكومة إحد األقاليم .ويختار البرملان االحتادي ستة من أعضاء احملكمة الدستورية من بني القضاة االحتاديني الذين يعينون لهذا املنصب ملدى احلياة .كما يعني القضاة اآلخرين لفترات محددة مدتها ثماني سنوات ،مع إمكانية ،إعادة تعيينهم مرة أخرى ،وينتخب البرملان االحتادي رئيس احملكمة ونائبه.
يرجح صوت القاضي على أصوات احمللفني .وليس من الضروري توصل احمللفني إلى قرار باالجماع ،فاالغلبية كافية .وفي احملاكم االعلى ،ال تستخدم هيئة محلفني .ولكي تكون العدالة عقالنية ،ومنصفة ،ومبررة ،فان حتقيق هذا الهدف يفترض ويستدعي وجود خبرة ال ميتلكها إال القضاة. ومن اجل احملافظة على إصدار االحكام القضائية املوحدة من قبل احملاكم االحتادية واالقليمية ينص القانون األساسي على تشكيل مجلس ،يسمى مجلس الشيوخ ،ويتكون من ممثلي هذه احملاكم حلل اختالف االحكام والقرارات الصادرة عنهم. ويجب تنظيم الوضع القانوني لقضاة األقاليم من خالل قوانني خاصة .ويستطيع االحتاد إصدار تعليمات اطرية بذلك ،ويتم تعيني قضاة األقاليم من قبل وزير العدل في االقليم جنبا ً إلى جنب جلنة اختيار القضاة. وفيما يتعلق بقضاة احملاكم االحتادية العليا(احملكمة العليا ،احملكمة اإلدارية ،احملكمة املالية ،محكمة العمل ،احملكمة االحتادية االجتماعية) يتم تعيينهم من قبل الوزراء االحتاديني اخملتصني حسب طبيعة احملكمة مع جلنة خاصة الختيار القضاة تتألف من وزراء األقاليم اخملتصني في كل حالة وعدد مماثل لهم يختارهم البوندسرات ،ومن ثم يصدر رئيس الدولة األمر بتعيينهم. ينص القانون األساسي على استقالل القضاة وخضوعهم للقانون فقط ،ويضمن عملهم ملدى احلياة ،وال يجوز إعفائهم من مناصبهم أو إبعادهم عنها بصورة دائمة أو لفترة محددة أو نقلهم إلى موقع آخر ،أو إحالتهم إلى التقاعد قبل بلوغ سن التقاعد إال مبوجب قرار قضائي مسبب ووفقا ً لإلجراءات القانونية احملددة. كما وينص القانون األساسي على إمكانية محاكمة القضاة االحتاديني ،فإذا اخل احد املطلب الثاني القضاة االحتاديني أثناء ممارسته لوظيفة أو اختصاصات السلطة القضائية االحتادية 39
أقواس
أقواس
40
في مجال تطبيق إحكام القانون املدني والقانون اجلنائي تختص محاكم االستئناف االحتادية مبراجعة االحكام التي تصدرها محاكم املقاطعات اخملولة بتطبيق القانون االحتادي، وميكن من خالل قانون احتادي يوافق عليه البوندسرات ،إعطاء صالحية حملاكم األقاليم ممارسة االختصاص القضائي للمحاكم االحتادية في القضايا اجلنائية املتعلقة بـ: االبادة اجلماعية . .1 اجلرائم ضد االنسانية . .2 جرائم احلرب . .3 اي افعال اخرى من شأنها ،او متت بهدف .4 ،االخالل بالتعايش السلمي ما بني الشعوب . حماية الدولة . .5 وتسري احكام القانون اجلنائي االملاني لسنة ، 1871والقانون املدني لسنة ، 1900بعد تعديله، في ظل القوانني االحتادية املعمول بها ،وتطبق احكامها في جميع الواليات. وتفصل احملكمة العليا االحتادية من خالل اقسامها املتخصصة في االستئنافات املدنية واجلنائية التي متس امن الدولة ( جرائم اخليانة ) .وفيما يتعلق بهذا النوع االخير من القضايا تعد احملكمة العليا االحتادية صاحبة االختصاص البدائي ( االصيل ) والنهائي باصدار االحكام بصددها .كما تكون هذه احملكمة مبثابة محكمة استئناف عليا للمحاكم االحتادية املتخصصة في شؤون حماية احلقوق احلرفية ،واحملاكم اجلنائية العسكرية ،التي يشكلها االحتاد ،للقوات املسلحة كمحاكم احتادية ،التي ميكنها ممارسة القضاء اجلنائي فقط في حالة دفاعية والتي تسري واليتها أيضا ً على االفراد التابعني للقوات املسلحة الذين بعثوا الى بلدان خارجية ،او يبحرون على ظهر سفينة حربية ،ويتم تنظيم عملها إستنادا ً على قانون احتادي .وتتبع هذه احملاكم الى دائرة اعمال وزير العدل االحتادي .يجب على من يتبوء منصبا رئيسا من قضاتها ان يكون لديه
املؤهالت الالزمة ألشغال هذا املنصب .ويكون التمييز امام هذه احملكمة من خالل دعوى تثير مسألة خطأ محكمة األستئناف في تطبيق نص القانون او عدم االستناد الى النص الصحيح .واما في املسائل اجلنائية الثانوية ،والتي تعد قرارات محاكم االستئناف احكاما نهائية بشأنها ، يجب على هذه احملاكم ،حينما تنوي ان تخالف في القضية ( في نقطة قانونية) حكما صادرا من محكمة استئناف اخرى او احملكمة العليا ،ان تعرض احكامها للمراجعة امام احملكمة العليا .وبهذا تتحقق وحدة القانون من خالل تفسير موحد للقانون االحتادي وتطبيقه في املسائل املدنية واجلنائية دون اعطاء السوابق القضائية قوة الزامية .اذ يرتكز النظام القضائي جلمهورية املانيا االحتادية على اتباع حرفية القانون ( نصوص القانون ) لتحقيق العدالة . وميكن من خالل قانون خاص باألقاليم إن يتم حتويل اتخاذ القرار على اخلالفات الدستورية داخل إحد األقاليم إلى احملكمة الدستورية االحتادية ، وحتويل القرار في القضايا التي تدور حول تطبيق التشريعات في األقاليم في احملاكم العليا. وتختص احملكمة الدستورية االحتادية بالفصل في تفسير القانون األساسي في حالة خالفات حول مدى حدود احلقوق والواجبات اخلاصة باحدى ارفع الهيئات االحتادية ،او اخلاصة بجهات معينة اخرى كانت قد انيطت بها هذه احلقوق تبعا لهذا القانون ،او بناء على الئحة داخلية الحدى ارفع الهيئات االحتادية ،لدى اختالف اآلراء او الشك حول التوافق الشكلي واملوضوعي للتشريع االحتادي او تشريع الواليات مع القانون االساسي ،او حول توافق قانون والية مع قوانني احتادية اخرى ،وذلك بناء على طلب من احلكومة االحتادية او احدى حكومات الواليات او ثلث اعضاء اجمللس النيابي االحتادي .وكذلك في حالة حدوث خالفات بالرأي ما بني احلكومة االحتادية وحكومات األقاليم املتعلق بأحد القوانني االحتادية ،وفي حالة اختالف
اآلراء حول حقوق وواجبات االحتاد والواليات ،وعلى وجه اخلصوص ،لدى تطبيق التشريع االحتادي من قبل الواليات ،ولدى املمارسة االشرافية من قبل االحتاد ،اخلالفات التي تتعلق باحلق العام بني احلكومة االحتادية والواليات او بني الواليات اخملتلفة ،او داخل احدى الواليات ان لم يكن هناك طريق قضائي آخر .كذلك اخلالفات الدستورية داخل الواليات والشكاوي الدستورية حول خرق احد احلقوق االساسية ،باالضافة الى ذلك ، ستقوم احملكمة الدستورية االحتادية بالتعامل مع القضايا االخرى التي حتول اليها من خالل اي قانون احتادي .وميكن من خالل قانون خاص بالواليات ان يتم حتويل اتخاذ القرار على اخلالفات الدستورية داخل احدى الواليات الى احملكمة الدستورية االحتادية ،وحتويل القرار في القضايا التي تدور حول تطبيق التشريعات في الواليات الى احملاكم العليا إلتخاذ القرار كآخر ملجأ قضائي .كما متتد واليتها على كل من يسيئ استعمال :حرية التعبير عن الرأي وخاصة حرية الصحافة ،وحرية التعليم وحرية التجمع ، حرية تكوين اجلمعيات ،سرية الرسائل والبريد واالتصاالت الهاتفية ،حق امللكية ،او حق اللجوء السياسي ،وكل من يسيئ استعمالها للكفاح ضد النظام الدميقراطي االساسي احلر يسقط عنه التمتع بهذه احلقوق االساسية . هنا تقع صالحية احلكم باسقاط احلقوق ومدى اسقاطها بيد احملكمة الدستورية االحتادية و النظر في عدم دستورية األحزاب التي تسعى من خالل اهدافها او تصرفات اتباعها ،الى املساس بالنظام االساسي الدميقراطي احلر او ازالته او تهديد كيان الدولة .وتنظر احملكمة فيما اذا اخل احد قضاة االحتاد اثناء ممارسته لوظيفته او خارجها بالقواعد االساسية للقانون االساسي او بالنظام الدستوري ألحدى الواليات ،تستطيع احملكمة الدستورية االحتادية باغلبية ثلثي هيئتها بناء على طلب من مجلس النواب االحتادي ،
اصدار أمر بنقل ذلك القاضي الى وظيفة اخرى او احالته على التقاعد .وفي حال تبني ان االخالل كان بسبق االصرار ،فيمكن االقرار باقالته . وتستطيع الواليات ان تضع لقضاتها انظمة مماثلة ملا سبق ،وذلك مع عدم املساس باالحكام الدستورية السارية املفعول في الوالية .تكون احملكمة الدستورية االحتادية هي صاحبة القرار في التهم املوجهة ضد القضاة .كما تنظر احملكمة في دعوى توجيه االتهام من قبل البرملان االحتادي إلى رئيس اجلمهورية بسبب املساس بالقانون األساسي أو أي قانون احتادي آخر ،واذا ثبت للمحكمة ان رئيس اجلمهورية مذنب ، تستطيع حينئذ اعالن اعتباره فاقدا ملنصبه وتستطيع بعد رفع الدعوى ان تصدر امرا قضائيا عاجال بأنه يتعذر عليه ان ميارس مهام منصبه. فضال عن ذلك ،في حالة ظهور شكوك في احد اخلالفات القانونية ،فيما اذا كانت احدى قواعد القانون الدولي تؤلف جزء من التشريع االحتادي ، وفيما اذا كانت هذه القاعدة من شأنها ان تولد حقوقا وواجبات لالفراد ،فعلى احملكمة املعنية ان حتول القضية الى احملكمة الدستورية االحتادية للبت فيها . اخلامتة يتبني لنا من خالل البحث بعض االمور ميكن ان نشير اليها بشكل مختصر .فقد تصمن القانون األساسي االملاني بعض املبادئ وقت كتابته ،هذه املبادئ لم تكن قرارا داخليا حرا ، ومع ذلك جاء التطبيق متالئما وطبيعة الشعب االملاني وظروفه الداخلية واخلارجية .كما جاء برؤية وسطية حول االختالف الذي كان يصاحب القوى السياسية وقتذاك ،حول امليول املركزية وامليول الالمركزية التي تضمنتها بعض مبادئ القانون االساسي لقد تضمن القانون االساسي مبادئ رئيسية ومهمة للدميقراطية ،وخصوصا تأكيده على عدم جواز املساس بكرامة االنسان ،فضال على 41
أقواس
أقواس
42
انواع احلريات التي كفلها .باالضافة الى تقسيمه السلطات تقسيما منسقا بني احلكومة املركزية والواليات التي تتمتع باالستقالل وتتساوى بالسيادة .وذلك باحتوائه على ثنائية السلطة السياسية ،والتي انتجت بدورها توزيع االختصاصات الدستورية مابني احلكومة االحتادية وحكومات الواليات والتي من خاللها تتم ممارسة السيادة ،واوضحت عملية الفصل والتعاون بني السلطات ،مما اثمرت عن تبلور نظام سياسي يضمن االستقرار السياسي واالجتماعي ساعد فيما بعد على توحيد شطري املانيا . ان ثنائية السلطة التشريعية مبجلسيها وتوزيع االختصاصات والصالحيات فيما بينهما ، باالضافة الى آلية السلطة التنفيذية ،واستقالل القضاء ودقة تنظيماته ومجال اختصاصاته ،كل ذلك ساعد على وجود صمانات سياسية وقانونية لعدم املساس باملبادئ الرئيسية للدميقراطية وتوفير مناخ سياسي دميقراطي مستقر ،ساعد على تطبيق الفيدرالية بالشكل الذي وفر احلقوق واحلريات االساسية وحتقيق العدالة االجتماعية وفق آلية التخلو من التعقيد ساهمت في ارساء مبادئ الدميقراطية ،وجنحت في حتقيقها . قائمة املصادر اوال :الدساتير : . 1القانون االساسي جلمهورية املانيا االحتادية ،ترجمة خليل عياش وآخرون ،مؤسسة فريدريش ايبرت ،عمان ، . 2005 ثانيا :الوثائق : . 1حقائق عن املانيا ،حترير جانيت شايان و سابينة غيلة ،ترجمة احمد ماهر ،دار نشر سوسيتيتس ،فرانكفورت . 2005 ، . 2حقائق عن املانيا ،حترير كارل رومل ،دار موسوعة برتلسمان ،ميونيخ . 1980 ، . 3حقائق عن املانيا ،تقارير وزارة اخلارجية االملانية ،موقع على االنترنت www.tatsachen_ueber _ Deutschland .de ثالثا الكتب العربية واملعربة : . 1آريان محمد علي ،الدستور الفيدرالي (دراسة مقارنة)،
مركز كردستان للدراسات االستراتيجية ،السليمانية ، . 2009 . 2املر بليشكه ،حكومة املانيا املعاصرة ،ترجمة محمد حقي ،مكتبة االنكلو مصرية ،القاهرة .1973 ، . 3حافظ علوان حمادي الدليمي ،االنظمة السياسية في اوربا الغربية والواليات املتحدة االميركية ،دار وائل ، عمان . 2001 ، . 4حسن نافعة ،معجم النظم السياسية والليبرالية في اوربا الغربية وامريكا الشمالية ،دار اجليل ،بيروت ، .1998 . 5روسل جيه دالتون ،السياسة في املانيا ،في ( غابرييل آملوند وبنغهام باويل األبن ،السياسات املقارنة في وقتنا احلاضر ) ،ترجمة هشام عبد اهلل ،االهلية للنشر ،عمان.1998، . 6كارل دوتش و لويس ادجنر ،السياسة اخلارجية للجمهورية الفيدرالية االملانية ،في( مناهج السياسة اخلارجية في دول العالم ) ،اشراف روي مكريدس ،ترجمة حسن صعب ،املكتبة االهلية ،بيروت . 1961 ، . 7ميشيل ستيوارت ،نظم احلكم احلديثة ،ترجمة احمد كامل،دار الفكر العربي،مصر.1962، . 8وسيم حسام الدين احمد،اللجان البرملانية العربية واالجنبية،منشورات احللبي،بيروت.2010، رابعا :الكتب والدوريات باللغة االنكليزية : Adelbart،seifritz،federalism in west -1 Germany،in( contemporary Germany )، Edited by Girija moorejee and G.S،Pohrkar ، United Asia . 1968 ، publications ، India Daniel Elazar ، fedral systems of the world -2 ، A hand book of federal،confederal and autonomy ،arrangements ( excerpts )، longman current affairs . 1991 Konrad Reuter، the bundesrat، the federal -3 ،council of the federal republic of Germany، Berlin .2002
املشاركة السياسية والبيئة الدستورية في الواليات املتحدة األمريكية االستاذ املساعد الدكتور داوود مراد الداوودي كلية القانون جامعة القادسية
43
أقواس
أقواس
44
مقدمة حتظى املشاركة السياسية باهمية بالغة في الواليات املتحدة ،فقد وضعت املعالم الرئيسية لتأطير املشاركة السياسية في الوثيقة الدستورية التي حررها االباء املؤسسني في فيالدلفيا عام ، 1787وقد تضمن الدستور األمريكي الرموز الرئيسة في تقنني املشاركة السياسية وخاصة في املؤسسة الرئاسية والكونغرس التي اطرت مشاركة املواطن األمريكي في رموز نظامه السياسي والدستوري عن طريق تنظيم عملية املشاركة السياسية في انتخابات الرئاسة والكونغرس .وكذلك فان ولوج مؤسسات سياسية في البناء الدستوري األمريكي كاحلزبني اجلمهوري والدميقراطي وجماعات املصالح التي اصبحت مبثابة متغيرات فاعلة واساسية في تنظيم املشاركة السياسية للمواطن في الواليات املتحدة .وعليه فقد انطلق الغرض العلمي للدراسة ( ان البناء الدستوري قد وضع االطار املؤسساتي للمشاركة السياسية في الواليات املتحدة ) وقد توزع الفصل على ثالثة مباحث : املبحث االول :مفهوم املشاركة السياسية . املبحث الثاني :البناء الدستوري للمشاركة السياسية . املبحث الثالث :متغيرات املشاركة السياسية في الواليات املتحدة. املبحث االول املشاركة السياسية املشاركة السياسية ((Political ( ))1 )participationهي في املقام االول اسهام «»1 املواطن باملسائل السياسية داخل نطاق
مجتمعه ،سوا ًء كان هذا االنشغال عن طريق التأييد او الرفض او املقاومة او التظاهر . ان موضوع املشاركة السياسية يطرح العديد من التساؤالت وهي ما مفهوم املشاركة السياسية ؟ وكيف وملاذا يشارك الناس في السياسة وكيف تؤثر خصائص النسق السياسي على اسلوب مشاركة الفرد السياسية ؟ املطلب االول في مفهوم املشاركة السياسية ان املشاركة السياسية هي مبدأ سياسي يرتبط بعملية التأثير في اتخاذ القرار السياسي وهي احدى صور ممارسة احلقوق والواجبات السياسية للمواطن . واملشاركة السياسية تعنى ( حق املواطن في ان يؤدى نشاطا ً معينا ً في عملية اتخاذ القرارات السياسية ،وهي في اضيق معانيها – تعنى حق املواطن في ان يراقب هذه القرارات بالتقومي والضبط عقب صدورها من احلكام )(())2 اما ( صموئيل هنتجون ) فيرى ان املشاركة السياسية ( ذلك النشاط الذي يقوم به املواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار احلكومي سواء اكان النشاط فرديا ً ام جماعيا ً ))3(()...ولكن كيف تبدأ مشاركة الفرد في العمل السياسي؟ حقيقة ان أي عمل سياسي يقوم به الفرد يحتاج في بداية االمر الى ان يتخذ قرارين في ان واحد . القرار االول :يتعلق بـ( هل اعمل في السياسة ام ال )...في الوقت نفسه يكون القرار الثاني متضمنا ً في القرار االول ففي أي االجتاهات السياسية ابداء العمل ؟ يرافق هذين القرارين قرار ثالث حول مدى االشتراك في العمل السياسي ،هل سيكون العمل معتدال ً ام متطرفا ً ؟ وهل سيكون االشتراك مؤقتا ً ام
دائما ً ،وخالل ذلك يصبح الفرد مشاركا ً فاعال ً او معتدال ً او حتى سلبيا ً اذا ما اتخذ قرارات سلبية. والواقع ان مفهوم املشاركة السياسية مرتبط اشد االرتباط في مفهوم الثقافة السياسية التي تعني ( مجموعة االجتاهات واملعتقدات واملشاعر التي تعطي نظاما ً ومعنى للعملية السياسية وتقوم القواعد املستقرة التي حتكم تصرفات االفراد داخل النظام السياسي . ))4(()...والواقع ان جوهر الثقافة السياسية ينطوي على عناصر عديدة ،اذ يرى (سدني فيريا) ان محتوى الثقافة السياسية هو ((: ))5 االحساس بالهوية القومية وهو .1 شعور غالبية السكان بالوالء للنظام السياسي وهو جوهر بناء االمة ( Nation . )Building اخملرجات احلكومية ،وتنص على .2 ان معتقدات االفراد فيما يخص قرارات النظام السياسي تختلف باختالف الثقافة السياسية وحينما تسود الثقافة القومية الشاملة يدرك الفرد امكانية التعبير عن مطالبة وان احلكومة ميكن ان تستجيب له. عملية صنع القرار ،وهي املعتقدات .3 املرتبطة مبسلك احلكومة في صياغة القرار املوجه االخير للثقافة السياسية ،والثقافة السياسية في الدول الدميقراطية تعد مشاركة ايجابية للفرد ففي صنع السياسات والقرارات . وتلك في رأي ( فيريا ) مقومات الثقافة السياسية ،وقد حددها من عالقة الثقافة بالنظام السياسي حيث استبان تركيزه على عناصر بناء االمة واالعتماد على احلكومة املركزية في تلبية املطالب ،واملشاركة في عملية صنع القرار .
اما من حيث املستوى ،فان الثقافة السياسية على مستويني ،مستوى الفرد ، وتنصب على كل الطرائق الهامة التي بها يتوجه الفرد ذاتيا ً نحو العناصر االساسية في نظامه السياسي ((. ))6 اما مستوى النظام ،فهو كيف ينظر الناخب الى املؤسسات السياسية الرسمية. وفي هذا الصدد يرى ( صموئيل بير ) ان مفهوم الثقافة السياسية واحد من اربعة مفاهيم يعدها اساسية في حتليل اال نساق السياسية وهي القيم واملعتقدات واالجتاهات العاطفية التي حتدد لنا ما يجب ان تفعله احلكومة وما حتققه بالفعل ((.))7 والواقع ان افضل تصور للثقافة السياسية هو ان يجعل املصطلح يشير الى تلك البيئة او ذلك املناخ العاطفي الذي تعمل بداخله االنساق السياسية ،وبذلك فان مفهوم الثقافة السياسية يعتمد على التوجيهات نحو النظام السياسي ورموزه وقواعده وكيف يتفاعل معها سلبيا ً او ايجابيا ً (( . ))8وميكن تصنيف محتوى هذه التوجيهات بوصفها تشمل جانبا ً معرفيا ً ادراكيا ً ( )Cognitiveوهي ما لدى الفرد من معلومات عن االغراض السياسية ،وتوجه عاطفي ( )Affectiveومعناه مشاعر الفرد جتاه االغراض السياسية ،ومن ثم توجه تقوميي ( )Evaluativeوهو حكم الفرد ازاء االغراض السياسية ونظرة الفرد لذاته بوصفه فاعال ً سياسيا ً ونظرته الى املؤسسات السياسية القائمة (( . ))9ومن البدهي ان فاعلية املشاركة السياسية تعتمد على توقع الفرد من االشباع من النسق السياسي والذي يعني (مجموعة البناءات والعمليات والنظم التي تتفاعل مع بعضها البعض عند حدود ذلك النسق 45
أقواس
أقواس
46
مع البيئة التي تشمل عليه ووفقا ً للقيم من خالله املواطن ان يعبر عن اجتاهاته وميوله السائدة في اجملتمع بغية حتقيق االهداف التي السياسية بشكل ايجابي او سلبي . يسعى لتحقيقها اجملتمع – أي اجناز للوظائف ذات الطابع السياسي – وبالتالي كلما توقع املطلب الثاني الفرد اشباعا ً من النسق السياسي كان ذلك نس َبية املشاركة السياسية دافعا ً للمشاركة السياسية (( .))10ولكن اين ان العنصر البارز في املشاركة السياسية ،هو تكمن صلة الثقافة السياسية باملشاركة ما يخص اجملموعة البشرية وعملية التفاعل السياسية؟ ميكن القول ان الثقافة السياسية التي تتصل بني ابناء هذه اجلماعة .الواقع هي احدى العوامل التي جندها وراء التضامن ان التفاعل الذي يدور في حلقة املشاركة االجتماعي ،والتضامن واالجماع يأتي من السياسية هو نسبة عملية املشاركة استشارة االنسان ومساهمته في صنع القرار الفعلية من قبل املواطنني في عملية صنع واالجماع ال يعني سوى ان اللغة والتاريخ القرار ،واذا لم تقل النسبة فباستطاعتنا والعادات واملؤسسات والذهنيات كلها القول ان القصد هو زيادة عدد املشاركني في مشتركة بالشكل االجتماعي .بالشكل الشؤون العامة والقرارات املصيرية بقصد الذي ينتج دمجا ً ثقافيا ً بصفتها اشتراك التوخي وتشمل هذه املشاركة القطاع االوسع مجموعة من الناس في موقف معني(( .))11من اجملموعة السياسية كي ال تبقى املشاركة وينطوي مفهوم الثقافة السياسية على منوطة بفرد او فئة معينة من اجملتمع ،ولكن موقف االفراد من املؤسسات السياسية هل يشارك العامة في السياسة ؟ وما هي املكونة للنظام السياسي – وهي تدل على دافعية الفرد للمشاركة السياسية في رموز التوجيهات السياسية للفرد ازاء رموز نظامه نظامه السياسي ومؤسساته الدستورية؟ السياسي ،ومن هنا ينجم التأثير الذي تتركه الواقع ان املشاركة السياسية نسبي َة ووفقا ً الثقافة السياسية في عالقة الفرد بالعملية للمتغيرات االتية : السياسية ،فالثقافة السياسية تؤكد على رابطة املواطنة التي تقود االفراد الى املشاركة اوالً :احلوافز السياسية ( ) Political Motives يرى ( مليبرث ) ( ...() ) Milbrathان السياسية في العملية السياسية .وعليه تغدو املشاركة السياسية قرينة منط معني االفراد املتصل بهم شخصيا ً هم اكثر من الثقافة السياسية او تعبيرا ً عنه ،وفي احتماال ً ان يصوتوا ويبدوا اهتماما ً باجلملة ، ضوء الثقافة السياسية تتحدد طبيعة اما االشخاص الذين لم يحصلوا على قسط النظام بالقوى االجتماعية ،ومن ثم فان معني من التعليم مييلون الى غلق ابوابهم املشاركة السياسية تعبير عن عالقة التفاعل بوجه احلوافز السياسية ، ))12(()...والواقع ان بني املواطن والنظام السياسي .ومما تقدم فان اعضاء الطبقة الوسطى في هرمية اجملتمع مفهوم املشاركة السياسية يعني اشتراك يتعرضون لدوافع اكثر في السياسة من املواطن في احلياة العامة في مجاالتها كافة اعضاء الطبقة العامة وسكان الريف على وان يحدد رأيه واجتاهه الذي يخص العمل التوالي .والواقع ان كثرة السكان في املدن السياسي ،واملشاركة السياسية هي في ودينامية احلياة اليومية واالحتكاك املتواصل معناها االدق في سلوك سياسي يستطيع بني االفراد واجلماعات اخملتلفة تفرز عوامل
مختلفة مؤثرة في تقرير املواقف السياسية بصورة ملحوظة جدا ً (( ، ))13في حني ان احلياة في الريف تتسم بالتباعد بني االفراد وضالة االحتكاك بينهم وانتشار القيم التقليدية تبعث عوامل من نفس طبيعتها في تكوين املواقف السياسية .وعليه فان الفرد ككائن اجتماعي يبدأ بادراك البيئة االجتماعية التي يترعرع فيها حسيا ً وفكريا ً وتتكيف استجابة ووفقا ً الوضاع بيئته االجتماعية (( ،))14ويتفق مع هذه الرؤيا (مليبرث) اذ يرى ( ان االطفال الذين ينشأون في بيت مسيس يكونون اكثر احتماال ً ملستوى عال من التعرض للحوافز السياسية عندما يكبرون .))15(()...وبذلك ميكن القول ان احلوافز السياسية تعد محركا ً في خلق دافعية الفرد جتاه املشاركة في رموز مؤسساته السياسية . ثانياً :العوامل الشخصية ()Personal Factors وتتمثل رؤية العامل الشخصي في كون اولئك املنهمكني في العمل السياسي من الناحية النفسية ،هم اكثر احتماال ً للشعور بكونهم فاعلني مؤثرين في العمل السياسي(( . ))16وان االشخاص ذوى الدخل العالي واملنزلة االدنى .هم اكثر احتماآل ان يصبحوا منهمكني نفسيآ في السياسة من األشخاص ذوي املنزله األدنى وعليه تعد مفردات الرخاء او احلرمان والتطور االجتماعي السريع واالمن املستتب ووجود تواتر اجتماعي او انتفائه مساهمة في توجهات الفرد السياسية وفي متطية سلوكه السياسي (( . ))17وعليه فاملكانة االجتماعية للفرد وممارسة العمل السياسي ومستوى الدخل تكون متغيرات مؤثرة في تدرجية مشاركة الفرد سياسيا ً ثالثاً :الوضع السياسي
ابتداء ميكن القول ،ان االشخاص املتصلني باالحزاب السياسية اكثر احتماال ً للمشاركة في النشاط السياسي ،ويتمثل في االعضاء واالفراد النشطني في التنظيمات السياسية واملشاركني في املؤمترات الرسمية وغير الرسمية (( ، ))18وتعمل العالقة بالطريق املعاكس ايضاً ،فاالشخاص االكثر اهتماما ً بالسياسة اكثر احتماال ً ملعرفة العاملني في احلزب وثمة عامل اخر ذا فاعلية وتأثير ،فاالشخاص من الذين لهم اثر في السياسة العامة هم اكثر احتماال ً الخبار املسؤولني بارائهم اكثر مما يفعل الذين يشعرون بانفسهم غير فاعلني ))19((.وملا كانت املشاركة السياسية تتخذ اشكاال ً عديدة ،وذلك لكون مدى انشغال الفرد في السياسة له مستويات عدة ،تتوقف على طبيعة النسق السياسي ،لذا فان طبيعة املشاركة السياسية تتخذ اشكاال ً مختلفة وفقا ً لنمط النسق السياسي ،اذ ان كل منط يتضمن العديد من االدوار التي يؤديها االفراد داخل النسق السياسي كالذي تتوقف مشاركته السياسية على االدالء بصوته او السياسي احملترف ،او اعضاء احلزب النشطني والعالقة بني هؤالء تنظيمية ،أي قائمة على اساس النظام الهرمي في شكل االدوار والعالقة بني هؤالء االفراد حتدد وفقا ً لشكل املشاركة السياسية ومداها لهم . مستويات املشاركة السياسية الشكل ( ) 1 – 1 ويتضح من الشكل ،ان الفئة االولى او املستوى االول يتمثل في وحدة القرار اولئك الذين ميتلكون ناصية اتخاذ القرار السياسي تكون بايديهم ثم يأتي املستوى الثاني ويتمثل في اجلهاز البيروقراطي ثم املستوى الثالث 47
أقواس
أقواس
48
.ويشمل االعضاء الفاعلني في التنظيمات ) يلعب الوضع االجتماعي دورا ً فاعال ً السياسية ويـأتي في قاعدة التدرج – مجموع املصوتني – أي اولئك الذي يسمح لهم النظام في صياغة هرمية املشاركة السياسية االنتخابي االدالء باصواتهم في االنتخابات للفرد ،وفي هذا الصدد وجد ( مليبرث ) واالستفتاءات – وبعد ذلك تأتي في قاعدة في دراساته ،ان االشخاص ذوى املستويات التدرج العريضة والكثيفة التي تتكون من االجتماعية واالقتصادية العليا مييلون الى مجموع الالمبالني سياسيا ً وهم منصرفون ممارسة املشاركة السياسية بصيغ متنوعة عن الساحة السياسية متاما ً اال بالقدر الذي وبدرجة اكبر واكثر مما يفعله االشخاص من يؤثر في مصاحلهم الشخصية مباشرة ومن ذوى املستويات االدنى(( ، ))21وقد وجد الكاتب هنا يتضح ان عملية املشاركة السياسية في دراسته .للمشاركة السياسية ،ان عملية معقدة ولها مستويات عدة متباينة الطبقة االجتماعية ذات صلة وثيقة بنسب املشاركة السياسية . ومختلفة من نسق سياسي الخر . والواقع ان االشخاص الذين يشعرون رابعاً :االلتزام السياسي ( )Political obligationانهم اقرب الى مركز اجملتمع هم اكثر احتماال ً يشكل االلتزام السياسي نقطة للدافعية جتاه املشاركة السياسية من مهمة من نقاط البحث في عملية املشاركة االشخاص الذين يشعرون انهم ( قرب احلدود السياسية فااللتزام السياسي يعد احد ) ،فالفالحون هم اقل احتماال ً في االنهماك االجتاهات السياسية املهمة املرتبطة بالعمل السياسي ،او املشاركة في االحزاب والتنظيمات السياسية ،مقارنة برجال باملشاركة(())20 خامساً:تشير دراسات عديدة ان االعمال واعضاء النقابات الذين هم اكثر االلتزام املدني ( )Civil obligationفي الواليات احتماال ً في املشاركة السياسية من العمال املتحدة قد وصل الى ، % 80وقد وجدت بعض غير االعضاء في هذه النقابات((.))22 ويبدو ان هناك صلة بني الوضع الدراسات ،ان التصويت يتم على اساس انه واجب والشعور باملشاركة في عمل سياسي االجتماعي للفرد ودافعيته للمشاركة معني ،على اساس انه واجب يؤدى بالضرورة السياسية في رموز مؤسساته السياسية ، الى افعال سياسية ايجابية مثلما يحدث وغالبا ً ما تكون العالقة طردية بني احملورين ،اذ في اوقات احلروب واالزمات حيث يرتفع معدل كلما ارتفعت مكانة الفرد اجتماعيا ً ازدادت درجة مشاركته السياسية والعكس صحيح املشاركة السياسية للفرد . ويبدوا ان االلتزام السياسي في . ومما تقدم فان املشاركة السياسية كل اجملتمعات ليس على درجة واحدة حيث ان عوامل املوقف االجتماعي للفرد في أي تتفاوت وفقا ً ملعايير احلوافز السياسية مجتمع تؤثر تأثيرا ً مباشرا ً على الشعور والعامل الشخصي والوضع السياسي بااللتزام السياسي واالخير يرتبط به وااللتزام السياسي اضافة الى الوضع االجتماعي والشك ان هذه العوامل تدفع االحساس مبتغيرات املواقف االجتماعية . سلبا ً او ايجابا ً باجتاه املشاركة السياسية. خامسا ً :الوضع االجتماعي ( Social status
املبحث الثاني البناء الدستوري للمشاركة السياسية في الواليات املتحدة الشك ان البناء الدستوري للمشاركة السياسية في الواليات املتحدة ،يشتمل الكيفية التي اصبح النظام الدستوري بصورته احلالية الذي هو حصيلة مجموعة من التطورات السياسية والدسورية التي ادت الى والدة االحتاد األمريكي وانبثاق الدستور األمريكي عنه ويجدر بنا ان نتسائل هنا عن طبيعة الدستور هذا وكيف تأطرت املشاركة السياسية في العديد من املؤسسات الدستورية ؟ املطلب االول التكيف الدستوري لالحتاد األمريكي في الرابع من متوز من عام 1776م دخلت الواليات املتحدة مرحلة جديدة من تاريخها السياسي والدستوري (*) وميكن ابراز مرحلتني في والدة االحتاد األمريكي . اوال ً :مرحلة التحالف ان االحالف العسكرية بني الواليات غير ناجحة لضمان مصالح الواليات املشتركة فيه والتي كانت بحاجة الى توجيه موحد في امليادين السياسية واالقتصادية فكان البد لها من مواصلة القتال واحلفاظ على االستقالل الوليد ،لذا فقد اجتمعت املستعمرات الثالثة عشر في ( )14تشرين الثاني عام 1777م لعقد معاهدة حتالف وقد وضعت جلان املؤمتر ( مشروع االحتاد الكونفدرالي ) plan of confederationاذ تعهدت الواليات باقامة جامعة صداقة ملساعدة بعضها البعض في حالة تعرضها للغزو ،وقد ارسل املشروع الى الواليات للتصديق عليه وبعد مرور سنتني وافقت كل الواليات على هذا املشروع عدا والية ( ميرى
الند ) ( ) Mary Landبيد ان املوافقة النهائية واجلماعية على بنود االحتاد مطلوبة وبذلك فقد دخل االحتاد مرحلة التنفيذ الفعلي عام 1781م ذلك عقب موافقة والية ( ميري الند ) على صيغة االحتاد وبهذه الطريقة نشأت في القارة األمريكية اول حكومة مركزية هي حكومة االحتاد التعاهدي . ثانياً :مرحلة االحتاد ان املظاهر السلبية التي رافقت االحتاد التعاهدي (الكونفدرالي )(*) اظهر الشعور قويا ً باحلاجة الى نظام حكومي يتالفى اوجه النقص فيه .لذلك فعلى كل والية مبندوبيها احلضور الى املؤمتر الذي عقد في والية (فيالدلفيا) لبحث حلول وشكل االحتاد املقترح وكان املندبون ميثلون نخبة من السياسيني حتى ان (توماس جيفرسون) وصفهم بانهم ميثلون نخبة من انصاف االلهة (Assembly )of semi-Godsوقد بلغ عددهم ( )55مندوبا ً وقد طرحت في املؤمتر العديد من املشاريع (*) بيد ان املؤمترين توصلوا الى خطة توفيقية قدمها حاكم والية ( كنكنكت) ومؤداها – ان تتكون السلطة التشريعية من مجلسني ، مجلس اعلى يكون فيه التمثيل على اساس املساواة بني الواليات .ومجلس ادنى يكون التمثيل فيه على اساس عدد سكان الوالية ،وبعد مناقشات مستفيضة وافق املؤمترون على املشروع التوفيقي وذلك في متوز عام 1787م . وعرف املشروع في التاريخ الدستوري األمريكي باسم (املصالح الكبرى) (The Great )compromiseوعقب املوافقة عهد الى جلنة يرأسها احلاكم ( مورس ) بكتابة الصيغة النهائية للوثيقة الدستورية في ( )17ايلول وقع عليها ( )39مندوبا ً ممثلني ل ( )12والية وقد اكتسبت الوثيقة مرحلة التصديق عليها 49
أقواس
أقواس
50
خالل عام 1788م وقد دخل الدستور مرحلة التنفيذ الفعلي في كانون ثاني 1789وكانت والية (رودايلند) ( ) Rehod Islandاخر والية تصادق على الدستور وذلك في 29اذار عام 1790م . املطلب الثاني اخلصائص املوضوعية للدستور األمريكي يتفق فقهاء الدستور على عدة خصائص يتصف بها الدستور األمريكي ثانياً:لقيمة االدبية والقومية للدستور ان الدستور األمريكي جاء بعد معاناة ومحاوالت سياسية وقانونية مستفيضة لذلك فبتمام املوافقة عليه ،حل محل اخلالفات واملعارك شعور جماعي بالقيمة الكبرى لهذه الوثيقة اجلديدة ،وقد اصبح الدستور رمزا ً لوحدة الواليات املتحدة واستقاللها حتى عبر عنها احد الكتاب بقوله ( ان الدستور االحتادي هو ملك األمريكيني غير املتوج ))23(()... وبذلك فقد انتشرت نظرات االحترام لكل من ساهم في وضعه ونظر الى الرجال الذين ساهموا في وضعه على انهم االباء الروحيون للحضارة واجملد السياسي ،واطلق عليهم – االباء املؤسسون (. )The Founding Fathers ثانيا ً :السيادة الشعبية : ورد في مقدمة دستور الواليات املتحدة ما نصه ( ...نحن شعب الواليات املتحدة نقر بالدستور كي نقيم العدالة ونضمن االستقرار الداخلي .))24(().. وبذلك صارت االرادة الشعبية اساسا ً للنظام الدستوري اجلديد ،وقد اقر القضاء والفقه الدستوريان ،على ان ارادة الشعب متثل ارادة املواطنني الفاعلني ( ) Activities وهم الذين يسمح لهم النظام القانوني
باالشتراك في احلياة السياسية ،كذلك استقر في الفكر السياسي األمريكي ،ان االساس الذي تقوم عليه احلكومة وكذلك الدستور هو الرضا الشعبي او االجماع القومي (. )National Consensus ثالثا ً :احلكومة املقيدة : خامساً :الواليات املتحدة دولة فيدرالية وهي تعني توزيع وتشتيت السلطات بني الواليات واحلكومة املركزية ،وفي هذا الصدد يقول (مود) (ان احلكومة املقيدة تظل ذلك املبدأ االساسي للحكومة او النظام الدستوري (( ))25وعليه اقر االباء املؤسسون على ان كل قانون يصدر من احلكومة ويفتقد الى رضا احملكومني هو تصرف باطل ال يجب طاعته وهو فكرة احلكومة املقيدة (The ))26(( )principle Limited Governmentالتي اضحت النظرية الدستورية في الواليات ملتحدة فالدستور األمريكي بخصوص الفيدرالية وتوزيع السلطة ينصف مبا يلي ((: ))27 يعدد السلطات في املركز . .1 مينع املركز عن عمل بعض االشياء . .2 مينع بعض الواليات من عمل بعض .3 االشياء . وينتج من ذلك كله ان حكومة الواليات املتحدة حكومة ( قانون ) ال حكومة رجال . رابعا ً :مبدأ الفصل بني السلطات في العدد ( )47من الفيدراليست ) كتب ( مارسون ) ( ..ليس من حقيقة سياسية لها من القيمة اجلوهرية واالهمية البالغة بالنسبة النصار احلرية كاهمية ان تركز السلطات الثالث التنفيذية والتشريعية والقضائية في قبضة جهة واحدة وهذا عنوان االستبداد . ))28(()... ويتفق الفقه الدستوري على استحالة
الفصل املطلق بني السلطات اذ ان كل فرع من الفروع الثالثة منح بعض السلطة للسيطرة على عمليات االفرع االخرى .لذلك فان مبدأ الفصل بني السلطات عندما جمع مع الرقابة واملوازنة في االعتمادية ()Interdependenc اكثر من االستقاللية ( ) Independence بحيث اصبحت كل سلطة تكبح وحتد من جماح السلطات االخرى ،وبذلك فقد سعى االباء املؤسسون الى اقامة توازن تام بني مختلف السلطات وهذه النظرية الشهيرة املعروفة بـ(الكبح واملوازنة ) ( cheak and ) Balanceالتي تضمنها الدستور األمريكي تشتمل على كوابح عدة ((: ))29 الضوابط الفيدارلية :واليات ،حكومة .1 فيدرالية ،مجالس والية ،مجلس فيدرالي . الضوابط التي تعظم االقتراع :شعب .2 ،ناخبون ثانويون ،ناخبون وممثلون . الضوابط في تنظيم السلطات .3 العامة :مجلس نواب ،مجلس الشيوخ ، وسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ، وسلطات اخرى. خامسا ً :جمود الدستور سادساً :متيز الدستور األمريكي بالتفرد وذلك من خالل الطريقة التي وضعت فيها نصوص الدستور ،ثم احتاج هذا التميز الى ضرورة اتباع اجراءات خاصة لتعديله وتختلف هذه االجراءات عادة عن اجراءات سن القوانني العادية ومن ناحية كيفية املوافقة عليها((.))30 اما اقتراح التعديل فيتم باحدى طريقتني (( ، ))31االولى حني يتقدم ثلثا ً اعضاء الكونغرس ( النواب والشيوخ ) باقتراح التعديل – والثانية ان تقترح عملية التعديل جمعية تأسيسية يدعوها الكونغرس استجابة للطبات املقدمة له من اجملالس
التشريعية في ثلث الواليات. وبهذه االجراءات يتصف الدستور األمريكي بجموده وتفرده عن القوانني العادية . سادسا ً :مبدأ املراجعة القضائية (*) ويقصد بذلك حق احملاكم في ان تعلن ان اجراءات او قرارات معينة يصدرها الكونغرس تنطوي على مخالفات دستورية ،وقد شخص هاملنت ذلك بقوله ان احملاكم قصد بها ان تكون مؤسسة وسطية بني الشعب واملؤسسة التشريعية كي تبقى االخيرة ضمن احلدود احملددة لسلطتها . وقد مارست احملاكم األمريكية هذا احلق منذ اوائل القرن التاسع عشر وقد ادى تقبل هذا املبدأ الى ان تصبح احملكمة العليا اكثر قوة من اية سلطة قضائية في العالم . املطلب الثالث التأطير الرئاسي للمشاركة السياسية في الواليات املتحدة تتمثل املؤسسات الدستورية لتنظيم املشاركة السياسية في الواليات املتحدة في املؤسسات الدستورية كالرئاسة والكونغرس التي انبثقت عن وثيقة فيالدلفيا عام 1787اذن فما البناء الدستوري لهذه املؤسسات .وكيف تأطرت مشاركة املواطن األمريكي دستوريا في هاتني املؤسستني ؟ الفرع االول املؤسسة الرئاسية * يعد الرئيس في دستور الواليات املتحدة ،العضو االساس في النظام الدستوري ورئيس الواليات املتحدة ،هو رئيس السلطة التنفيذية التي اناطها اياه الدستور اذ جاء ما نصه ( ...ستتحول السلطة التنفيذية لرئيس الواليات املتحدة . ))32(()... 51
أقواس
أقواس
52
الشروط الواجب توافرها في مرشحي الرئاسة يشترط الدستور في مرشحي الرئاسة شروطا ً عديدة منها ان ال يقل عمره عن ( )35عاما ً ليتسنى للرئيس اكتمال النضج السياسي ويكون مؤهال ً في املسائل ذات الطابع القومي سواء اكانت سياسية ام عسكرية . كما يشترط الدستور ،ان يكون مرشح الرئاسة مولودا في الواليات املتحدة البويني امريكيني ،وبذلك ال يحق ملن حصل على اجلنسية األمريكية بطريقة التجنس ان يشغل منصب الرئاسة ،وكذلك يشترط ان يكون املرشح قد اقام في الواليات املتحدة مدة ال تقل عن اربعة عشر سنة .
املتحدة من بني مرشحي االحزاب للرئاسة . والواقع يعرف مقدما ً الى حد كبير من سيفوز بالرئاسة األمريكية في ضوء انتخاب املندوبني في املرحلة الثانية فاذا كانت اكثريتهم تنتمي الى احلزب اجلمهوري فاز في املرحلة الثالثة مرشح احلزب اجلمهوري ،الن املندوبني الذين ينتمون اليه يلتزمون باعطاء اصواتهم ملرشح حزبهم .وينطبق ذلك على احلزب الدميقراطي (())35 وعادة يكتمل النصاب الدستوري للفوز عند حصول مرشح الرئاسة على ()270 صوتا ً من اصوات الهيئة االنتخابية البالغة ( )538أي اكثر من نصف العدد الكلي ،واذا ما تعذر حصول النصاب يؤدى اختيار الرئيس الى مجلس النواب حيث يصوت االعضاء من الواليات ،وملقاطعة كولومبيا صوت واحد (())36
انتخاب الرئيس تتم عملية انتخاب الرئيس ونائبه في الواليات املتحدة عن طريق االقتراع العام وجتري انتخابات الرئاسة كل اربع سنوات وبالتحديد في اول يوم ثالثاء من شهر تشرين الثاني على وفق شروط الدستور ((، ))33 وفي العادة جتري طريقة اختيار الرئيس في اربع مراحل ،اولها ان تعني كل والية مندوبني عن احلزبني اجلمهوري والدميقراطي يجتمعون في املؤمتر العام الختيار مرشحي احزابهم للرئاسة ونيابة الرئاسة ثم تأتي ثاني هذه املراحل ويقوم الناخبون في الواليات بانتخاب ناخبني رئاسيني ( )presidential Electrollويتولى هؤالء مهمة انتخاب الرئيس من بني مرشحي احلزبني (())34 اما ثالثة املراحل وتشتمل في قيام املندوبني باختيار رئيس جمهورية الواليات
الوالية الرئاسية األمريكية تدوم مدة انتخاب الرئيس اربع سنوات وكانت امكانية جتديد انتخابه غير محددة ، بيد ان الرئيس االول ( جورج واشنطون ) لم يقبل التجديد اال ملرة واحدة وذلك ملنع االخالل بالنظام الدستوري الوليد وبأهم اركانه متمثال ً في منصب الرئاسة . وقد اضحى ذلك عرفا ً دستوريا ً معموال ً به في الواليات املتحدة ،اال ان الرئيس (فرنكلني د .روزفلت) جدد فترة انتخابه للرئاسة الربع سنوات حتى عام ، 1944االمر الذي قاد الى التعديل الدستوري الثاني والعشرين للدستور األمريكي الذي حظر انتخاب الرئيس الكثر من دورتني رئاسيتني . وفي العادة تبدأ مدة والية الرئيس من تاريخ استالمه املكتب البيضاوي في 20كانون ثاني ،اما املدة املتبقية من اعالن نتائج االنتخابات الرئاسية في تشرين الثاني
حلني استالم الرئيس تبقى مهام الرئاسة بيد الرئيس السابق ،وتؤدى في بعض االحيان الى مشاكل ،يصفها ( دي توكفيل ) ( فترة ازمة وطنية في الواليات املتحدة)(( ،))37لكون بقاء كل شيء بيد الرئيس السابق ولم يعد الرئيس يحكم ملصلحة االمة . ومما تقدم فان البناء الدستوري في الواليات املتحدة قد وضع االسس الالزمة في بناء املؤسسات الدستورية ،متمثلة في املؤسسة الرئاسية ،التي تقنن مشاركة املواطن األمريكي في نظامه السياسي.
ولقد تقننت املشاركة السياسية للمواطن األمريكي من خالل الشروط الدستورية التي وضعها الدستور ملن يروم الترشيح لعضوية اجمللس فقد تضمنت املادة ( )1الفقرة االولى ما نصه ( :ال ميكن الي شخص ان يصبح عضوا ً في مجلس النواب ما لم يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً.. وما لم يكن امريكي املوطن منذ سبع سنوات وما لم يكن مقيما ً وقت انتخابه في الوالية التي ستيم انتخابه فيها ))39(()... ومن املناصب املهمة في مجلس النواب (رئيس مجلس النواب) ( )speakerالذي يجري انتخابه من قبل االعضاء في مجلس النواب ،وهو زعيم حزب االغلبية في اجمللس وميتلك سلطة فاعلة في الكونغرس ويتولى اعطاء الكلمة العضاء اجمللس طالبي الكالم ، ويتولى احالة مشروعات القوانني الى اللجان بناء على موافقة املستشار البرملاني .
الفرع الثاني املؤسسة التشريعية تأخذ الواليات املتحدة بالنظام االحتادي ( الفيدرالي ) ،حيث يتم تشكيل السلطة التشريعية عن طريق هيئات عليا متارس السيادة ،فالسلطة التشريعية مكونة من مجلسني احدهما ميثل الشعب ويطلق عليه مجلس النواب واالخر ميثل الواليات ويطلق ثانياً :مجلس الشيوخ ()Senate عليه مجلس الشيوخ . مجلس الشيوخ ميثل الواليات في اوالً :مجلس النواب ( )House of Representativeاالحتاد األمريكي ،فكل والية ترسل ممثلني عنها يتألف مجلس النواب من ( 435بغض النظر عن تعداد سكانها ومساحتها ) عضواً ،ويجري اختيار اعضائه من دوائر ،وهذا التمثيل من شأنه ان يضمن املساواة انتخابية ،فقد نص الدستور األمريكي على بني الواليات وان يحافظ على حقوقها .وحتى ان عدد اعضاء مجلس النواب ال يتجاوز نائب عام 1913كانت اجملالس التشريعية في واحد عن كل ( )30الف الف نسمة على ان الواليات تعني اعضاء مجلس الشيوخ ،وبعد يكون لكل والية نائب نائب واحد في االقل ،بيد هذا التاريخ صار انتخابهم يجري من الشعب ان الزيادة السكانية للواليات اظهرت احلاجة مباشرة كاعضاء مجلس للنواب ولكن ملدة الى وجود عدد كبير من االعضاء لذلك مت اقرار ستة سنوات (())40 اما التقنني الدستوري للمشاركة التشريع الصادر عام 1929الذي حدد مبوجبه اعضاء مجلس النواب وجعله ال يزيد عن السياسية في مجلس الشيوخ فقد وضعت ( )435عضوا ً ويجري ذلك عقب االحصائيات معاملة في الشروط التي وضعها الدستور السكانية التي جتري عادة كل عشرة سنوات ملن يروم الترشيح لعضوية مجلس الشيوخ ومنها بلوغ املرشح سن الثالثني وان يكون ((. ))38 53
أقواس
أقواس
54
مواطنا ً في الواليات املتحدة ملدة تسع سنوات . ويتولى نائب الرئيس في الواليات املتحدة رئاسة مجلس الشيوخ وهو على نقيض رئيس مجلس النواب ال يتمتع بحق التصويت اال في حالة واحدة هي انقسام اجمللس الى قسمني متساويني ((. ))41 ومن املناصب املهمة في اجمللس ،زعيم حزب االغلبية ،ويعد هذا املنصب الثاني بعد منصب نائب الرئيس ويتمتع بسلطات مهمة على حزبه في اجمللس ،ثم هناك رؤوساء اللجان التي يبلغ تعدادها في اجمللس ()18 جلنة دائمة تتباين في اهميتها ومواقعها ومن هنا تختلف اهمية قادة اللجان ومراكزهم في اجمللس (( ، ))42وان اختيار رؤوساء اللجان يخضع لنظام االقدمية ( ،)*()Seniorityوقد جرى اصالح على هذا النظام بحيث اختيار رؤوساء اللجان يجرى على قاعدة االنتخاب . ويعد نظام اللجان من عوامل التنظيم اخلاصة في الكونغرس ،وهو من صنع اللوائح الداخلية جمللسي الكونغرس ، ويقول (ود رو ولسن ) ( الكونغرس منعقد وهو الكونغرس في مظهره اما الكونغرس في جلانه فهو الكونغرس العامل . ))43(().. ونظام اللجان جاء استجابة حلاجة الكونغرس (*) وهي على اربعة انواع ،اللجان املؤقتة ،وهي اللجان التي تستحدث اليقاع العقوبة اجلنائية مثل جلنة ( )Ervinاخلاصة بفضيحة ووترغيت ،واللجنة املشتركة التي تتألف من االعضاء الذين ميثلون مجلسي الكونغرس كليهما .اما ( جلنة املؤمتر ) فيقوم بتسميتها رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ وتتألف من ( ) 9 – 3عضو لتمثيل اجمللس كاعضاء في املؤمتر وتتولى اللجان الدائمة اختيار اعضاء اللجنة . اما اللجان الدائمة – فهي وحدات دائمة
ينشأها الكونغرس وفقا ً للوائح الداخلية وقد اهتمت هذه اللجان مبثابة هيئات مستقلة عن ارادة الكونغرس حتى اطلق عليها ( ود رو ولسن ) ( اجملالس التشريعية الصغيرة ) . ومما تقدم فان البناء الدستوري قد وضعت معامله في املادة (االولى) من الدستور األمريكي والتي وضعت املعالم الرئيسية للسلطة التشريعية في الواليات املتحدة وفي بنيان القنوات الدستورية للمشاركة السياسية سواء اكان ذلك في االنتخاب ام الترشيح لعضوية الكونغرس . املطلب الرابع مصادر النظام الدستوري األمريكي لم تكن الوثيقة الدستورية التي حررها االباء املؤسسون في فيالدلفيا قد تضمنت االطر النهائية للنظام الدستوري في الواليات املتحدة ،بل كانت روافد هذا النظام متعددة فما مصادر النظام الدستوري ؟ وما مقدار اثارها على املشاركة السياسية في الواليات املتحدة ؟ والواقع ان النظام الدستوري في الواليات املتحدة يجد مصادره في رافد عديدة : اوالً :الوثيقة الدستورية جاءت الوثيقة الدستورية متضمنة افكار رئيسية : اقامتها حكومة احتادية ال تلغي .1 حكومات واليات االحتاد وال حتل محلها ولكن اختصاصات محددة منصوص عليها صراحة في الدستور . تركيب حكومة االحتاد من عدة .2 سلطات يجري فيما بينها توازن ورقابة متبادلة وانه يالحظ على احلكومة االحتادية ان سلطاتها موزعة بني هيئات تراقب بطبيعتها بعضها بعضا ً وتصد بعضها بعضا ً عن اساءة استعمال السلطة .
اعتبار السلطات احلكومية ذات .3 طبيعة محدودة سواء بالنسبة حلكومة االحتاد او بالنسبة حلكومة دويالت االحتاد فسلطات احلاكم الدميقراطي البد ان تكون مقيدة ومحددة حتى يتأتى حلريات االفراد االحترام الالئق ،اذ نصت الوثيقة الدستورية في الفقرتني ( )8و ( )9على كفالة حق االفراد (( . ))44والواقع ان الوثيقة الدستورية جاءت مقتضبة ،وهي اقصر بكثير من دساتير الواليات وباالمكان ارجاع جمود الدستور األمريكي الى ايجازه وعموميته في نصوصه . ثانياً :التعديالت الدستورية كانت التعديالت الدستورية السادسة والعشرون مبثابة سد للثغرات التي اغفلها االباء (املؤسسون في الوثيقة الدستورية فالتعديالت الدستورية العشر االولى متت بعد بدء احلكومة اجلديدة عملها مباشرة وينظر الى هذه التعديالت احيانا ً على انها متتاز بتعديل دستوري واحد ((.))45 وقد اطلق عليها (اعالن احلقوق) التي حدثت ما بني ( ) 1791 – 1789وهي تتضمن حرية العبادة والصحافة وحرية الكالم والطباعة . ثم جاء التعديل الدستوري احلادي عشر الذي متت املوافقة عليه عام 1798 والذي نص ( ...على منع أي شخص من اقامة دعوى ضد أي شخص اخر من والية اخرى امام محكمة فيدرالية دون موافقة الوالية املعنية . ))46(()... ثم تاله التعديل الدستوري الثاني عشر الذي اقر التصويت املنفصل لكل من الرئيس ونائبه في االنتخابات الرئاسية (( . ))47اما التعديل الدستوري الثالث عشر فقد قضى بالغاء الرق عقب احلرب االهلية ())48(( )1865 – 1861
وتاله التعديل الدستوري الرابع عشر الذي كفل حماية احلقوق املدنية واحلريات ضد انتهاك الواليات وهو يقضي بتأمني حريات السود ،وقد نص التعديل ان جميع االشخاص املولودين في الواليات املتحدة يعتبرون مواطنني للواليات املتحدة وللوالية التي يقيمون بها ...وال يجوز الي والية ان حترم شخصا ً من حياته او حريته او ممتلكاته بغير اتباع االجراءات القانونية السلمية او تنكر احلق في املساواة في حماية القانون على شخص خاضع لسلطتها . ))49(()... ثم جاء التعديل الدستوري اخلامس عشر الذي اكد على حرية ممارسة االنتخاب بغض النظر عن اجلنس واللون ((. ))50 اما التعديل الدستوري السادس عشر فقد اتاح للحكومة فرض ضريبة الدخل ،ثم تاله التعديل السابع عشر الذي جعل انتخاب مجلس الشيوخ يجري من الشعب مباشرة ثم جاء التعديل الثامن عشر الذي قضى بتحرمي اخلمور والتعديل الدستوري التاسع عشر الذي اجاز للنساء حق االقتراع ثم تاله التعديل الدستوري العشرون الذي حدد بداية مدة الرئاسة ودورات انعقاد الكونغرس ، وقصر الفترة التي تنقضي بعد االنتخاب الى ان يتسلم املنتخبون السلطة حتاشيا ً لطول الفترة الراكدة في ممارسة السلطة والتعديل احلادي والعشرون الذي الغى التعديل الثامن عشر ،اما التعديل الدستوري الثاني والعشرون الذي حدد ملنصب الرئاسة لدورتني رئاستني متتاليتني الذي متت املصادقة عليه عام ، 1951 وقد منح التعديل الدستوري الثالث والعشرون الرئيس ونائبه حق التصويت في مقاطعة كولومبيا ،والتعديل الرابع والعشرون الذي الغى الضريبة كشرط في حق االقتراع ،ثم تاله التعديل اخلامس والعشرون الذي خول للرئيس سلطة اشغال منصب نائب الرئيس 55
أقواس
أقواس
56
شريطة موافقة الكونغرس مبجلسيه (النواب والشيوخ ) واخيرا ً جاء التعديل الدستوري السادس والعشرون الذي حدد سن التصويت في ( )18عاما ً ))51((. الواقع ان هذه االضافات الدستورية تعد مكملة للوثيقة التي حررها االباء املؤسسون وهي تعد رافدا ً من روافد النظام الدستوري األمريكي . ثالثاً :احكام احملكمة العليا اخلاصة باجراءات التعديل : حدد الكونغرس االحتادي مدة سبع سنوات للتصديق على بعض اقتراحات التعديل التي عرضت حديثا ً (( ، ))52وقد اقرت احملكمة العليا هذا التحديد باعتباره معقوال ً في حدود سلطة الكونغرس ولم يتضمن االقتراح حتديد مدة معينة للتصديق كما حصل مبناسبة التعديل اخلاص بعمل االحداث ( )child labor and Amendmentالذي طرحه الكونغرس عام 1924والذي صادقت عليه ( )28والية وال يزال قائما ً ،وقد عرض االمر على احملكمة العليا عام 1939واقرت احملكمة ..( :في حالة عدم حتديد موعد معني للتصديق فان ذلك يجب ان يتم خالل فترة معقولة) (())53 بيد ان احملكمة العليا لم تعني زمنا ً محددا ً لهذه الفترة تاركة للكونغرس االحتادي امر تقرير ما اذا كان االقتراح ال يزال معروضا ً على الواليات للتصديق عليه وقد قضت احملكمة العليا في دعوة خاصة في والية (كنتاكي) ( )Kentuckyان للوالية ان تصادق على تعديل دستوري سبق لها ان رفضته ،وقد عرض على احملكمة امر التعديل على دستور والية (اوهايو) ( )ohioوهو يسمح للناخبني بناء على قرار مجلس الوالية التشريعي ان يبدو رايهم بشأن تعديل الدستور االحتادي ،فقضت احملكمة ان الدستور لم ينص على هذه الطريقة وبالتالي
فهي غير جائزة ((. ))54 وبذلك فمن املعتاد القول ان السمة املميزة لنظام احلكم في الواليات املتحدة هي سيادة القضاء الذي ينبثق من سلطة احملكمة العليا في ابطال قوانني الكونغرس وسائر القرارات الصادرة عن الهيئات احلكومية اذا ما تعارضت واحكام الدستور (( ، ))55وذلك ميكن اعتبار مبدأ سيادة القضاء مبثاب اضافة دستورية وهي لم تتم بتعديل دستوري رسمي بل جاء عن طريق التفسير القضائي . رابعاً :التشريعات الصادرة عن الكونغرس يصدر عن الكونغرس االحتادي ، وفي اليوم الواحد العديد من القرارات ،وال تتصل هذه القرارات بالنظام الدستوري ، فالتشريعات املتعلقة باالعتمادات املالية والقوانني العادية برغم اهميتها ،بيد انها لم تدخل ضمن دائرة جتعلها جزء من النظام الدستوري ،فقليل من هذه التشريعات تقع ضمن هذه الدائرة . ونظرا ً لعمومية العبارات التي صيغت بها مواد الدستور كان من الطبيعي ان تصدر تشريعات عديدة الستكمال هذه التفاصيل ((. ))56 فاملادة الثالثة من الدستور األمريكي تنص على وجود محكمة عليا فاللكونغرس صالحياته في انشاء هذه احملكمة ،بحيث ان جميع املسائل املتعلقة بشكل تلك احملكمة وتعيني اختصاصاتها واستئناف احكامها مصدرها فيما يصدره الكونغرس ،ويتبني في النص الدستوري الذي حرر في فيالديلفيا ،كذلك فان الوثيقة لم تنص في اية مادة من موادها على الوظيفة االدارية للحكومة املركزية ،برغم اهمية هذه الوظيفة في الوقت احلاضر فاملصالح االدارية حلكومات الواليات انشئت بتشريعات وكل املؤسسات
املستقلة انشئت بقرارات من الكونغرس .
باصواتهم ،ولكن استقر عمليا بالتصويت لصالح مرشح احلزب الذي ينتمون اليه والذين دخلوا املعركة االنتخابية بإسمه (*). وهكذا فاالعراف والعادات ال ينتج اثرها حيث ال يوجد نص دستوري وحسب ،بل تعمل على تفسير النصوص الدستورية اجلامدة . ومما تقدم فان مصادر النظام الدستوري ال تقتصر على الوثيقة الدستورية ،بل كان للتعديالت السابعة والعشرون وتشريعات الكونغرس اضافة لقرارات السلطة التنفيذية دور في خلق كليانية البناء الدستوري القائم في الواليات املتحدة .
خامسا ً :القرارات االدارية يعد الرئيس في النظام الدستوري األمريكي ،املسؤول عن التشريعات الصادرة عن الكونغرس واحكام الدستور ،لذلك يستدعي اصدار قرارات واوامر (. ))57(( )order وفقا ً لتفسيره اخلاص للمقصود بالنصوص الدستورية والتشريعية ،وان كانت هذه القرارات تخضع من قبل للمحكمة العليا ،ففي اجملال الدولي اقرت احملكمة العليا سلطة الرئيس في التصرف في بعض الشؤون اخلارجية دون احلصول على موافقة مسبقة من الكونغرس ،وذلك استنادا ً الى ان املبحث الثالث هذه السلطة تدخل بطبيعتها ضمن نطاق متغيرات املشاركة السياسية تتخذ عملية املشاركة السياسية في الوظيفة التنفيدية ((. ))58 عالقاتها مع املؤسسات الدستورية ( الرئاسة سادساً :االعراف والتقاليد املتبعة في والكونغرس ) صورا ً عديدة ،بيد ان مشاركة املواطن األمريكي في رموز مؤسساته احلكومة األمريكية الشك ان كل حكومة تدير الشؤون السياسية عن طريق قوى سياسية فاعلة العامة بطرق ووسائل مختلفة تتطور عبر في النظام الدستوري متمثلة في االحزاب السنني دون ان تكون مقترنة بنص دستوري او السياسية وجماعات املصالح .اذن فكيف بالقوانني االعتيادية ،والواليات املتحدة شأنها تكون مساهمة هذه القوى السياسية في في ذلك شأن الدول االنكلوساكسونية رفد فاعلية املشاركة السياسية للمواطن باعتمادها على القانون العادي املبني على األمريكي في مؤسساته الدستورية ؟ العرف والعادة ،تفسح لهذه العادات مجاال ً املطلب االول اوسع من سائر البلدان ،فاملرء يدرك الدور االحزاب السياسة ميكن القول ابتدا ًء ان الدستور الفعال الذي تقوم به االحزاب السياسية في الواليات املتحدة بيد انها لم تكن ضمن األمريكي ال ينص صراحة على ان الواليات املتحدة تأخذ بنظام الثنائية احلزبية ،وقد كان التأطير الدستوري (())59 كذلك قام العرف والعادة بدور كبير فيما جيل االباء املؤسسني في الواليات املتحدة ال يخص نشاط هيئة مندوبي الناخبني ،خالل يرحب كثيرا ً باالحزاب السياسية ،بل كانوا السنوات التي جتري فيها انتخابات الرئاسة يتخوفون منها ،ويخشون ان تؤدى الى سيطرة والتي تختار االحزاب مرشحيها ملنصبي الروح احلزبية ،فقد حذر الرئيس االول ( جورج الرئيس ونائب الرئيس ،فالنص الدستوري واشنطن ) من االثار السلبية للحزبية املترتبة اعتبر هؤالء املندوبني احرارا ً فيما يخص االدالء على سيطرة الروح احلزبية ،بيد ان االنقسام 57
أقواس
أقواس
58
بدء يظهر في مؤمتر فيالدلفيا ،حيث انقسم اعضاؤه إلى قسمني في حتديد اختصاصات احلكومة االحتادية ،فريق متحور حول ( الكسندر هاملنت) الذي ينادي باالحتادية وتقوية السلطة املركزية ،والفريق االخر متحور حول (توماس جيفرسون) الداعي الى منح الواليات ،مزيدا ً من السلطة واالستقاللية ((. ))60 وحلني عام 1830لم تكن بقيت احزاب سياسية .وقد عرفت هذه الفترة الشعور (احلسن) ،بيد ان التصدع الداخلي للدميقراطيني انصار (جيفرسون) ،بدأ يظهر ،وبذلك فقد برز حزب قومي بزعامة ( جون ك .ادمز ) وفي عام . 1836انضم القوميون اجلمهوريون – مع بعض انصار جاكسون – ليكونوا حزبا ً جديدا ً يدعى (اللوبيج) ()whigs والذي تبنى االجتاهات الفيدرالية احملافظة حيث اوصل مرشحه (هاريسون) للرئاسة عام 1840م((. ))61 وفي عام 1854برز احلزب اجلمهوري على انقاض اللوبيج ،وفي عام 1860قدم احلزب اجلمهوري مرشحه الرئاسي ( ابراهام لنكولن) وبذلك فقد رسمت اخلطوط العريضة للتنافس احلزبي وهيمنه احلزبان اجلمهوري والدميقراطي على احلياة السياسية األمريكية الفرع االول النسق الفكري للحزبني اجلمهوري والدميقراطي تلعب االحزاب األمريكية دورا ً فاعال ً في احلياة السياسية األمريكية ،حيث انها القناة الرئيسية في املشاركة السياسية للمواطن األمريكي في نظامه الدستوري . ولعل السمة البارزة للنظام األمريكي هي غياب الفوارق احلادة بني احلزبني اجلمهوري والدميقراطي في االيديولوجيا والبرامج السياسية . لقد عرفت االحزاب األمريكية
منذ نشوئها وحتى االن بعدم امتالكها اليديولوجيات تتميز بها عن بعضها وامنا بقيت وسيلة انتخابية تظهر نشاطاتها عادة في فترة االنتخابات وفيما عدى ذلك ميكن تسميتها ( تعاونيات طوعية ) او جتمعات لالفراد بشكل اختياري غايتها حتقيق مصلحة املنتمني اليها ((. ))62 ولهذا كثيرا ً مايقال ،ان االحزاب األمريكية تتيح للناخبني فرصة االختيار .واملفاضلة بني الساسة ولكنها في كثير من االحيان ال تنطوي على فوارق حادة ميكن على اساسها املفاضلة واالختيار بني البرامج السياسية املتميزة . والواقع ان تسمية احلزبني اجلمهوري والدميقراطي تسمية على غير مسمى فالدميقراطيون ال يقلون تعلقا ً بالنظام اجلمهوري واجلمهوريون ال يقلون دميقراطية عن الدميقراطيني ويالحظ ان صفة التجانس بني مبادئ احلزبني ال تصل الى حد التطابق الشامل اذ ان هناك اختالفات فيما بينهما فجوهر مبادئ احلزب اجلمهوري الفرد ال اجلماعية وحرية قيام املشروعات اخلاصة ،والدستور ال حكم الفرد الواحد وهو حزب القلة من الطبقة العليا في اجملتمع األمريكي ( االنكلو ساكسوني ) من االثرياء والوجهاء وهو من الناحية الدستورية ال ينظر لالمور نظرة محيطية وهو ليس مبتكرا ً وخالفا ً في مجال السياسة الداخلية (( ))63اما احلزب الدميقراطي ،فالعناصر املكونة له في الغالب من االقليات الدينية والعنصرية والعرقية ، ويضم كذلك العمال والفالحني واليهود وهو من الناحية الدينية يواجه دعم الكاثوليك في مواجهة البروتستانت والواقع ان اجلميع – دميقراطيون وجمهوريون – متفقون على احترام الدستور والدميقراطية واملؤسسات السياسية واالجتماعية وفصل الدين عن
الدولة (( ، ))64وهناك تقارب بني احلزبني في كثير من املبادئ العامة اما االختالفات ففي اغلب االحيان تكون حول التفاصيل او االساليب التكتيكية وليس حول االستراتيجية . ٍالفرع الثاني االلية احلزبية للمشاركة السياسية لقد استقر النظام احلزبي في جميع الواليات املتحدة على ان يكون لكل حزب منظمات محكمة االدارة تبقى متماسكة بني انتخاب واخر تسمى (االلة السياسية) ( )political Machineوتتألف من عدد كبير من محترفي النشاط السياسي وهم يتخذون من املساعي السياسية مهنة لهم ،ويعهد لاللة السياسية القيام بالنشاط االنتخابي الشاق ((. ))65 ويتجلى تنظيم االحزاب األمريكية ً للمشاركة السياسية اوال في االقليم وهي الدائرة االنتخابية الصغيرة التي تضم ( 200 – )2000ناخب ويرأس هذه اللجنة رئيس ثم تأتي درجة اعلى (كابنت) على صعيد الدائرة االنتخابية وجلان االحياء والدوائر يشكلون جلنة املقاطعة ،وجلان املقاطعات يختارون رؤوساء املقاطعة الذين ميلكون قوة كبيرة في احلزب ، ثم تأتي جلنة الوالية على رأس التنظيم على الصعيد احمللي ((. ))66 اما اللجنة الوطنية ،فهي املنظمة التي ال تنقطع نشاطاتها في فترات انعقاد املؤمتر القومي ،وفي السنة التي جتري فيها انتخابات الرئاسة وهي التي حتدد انعقاد املؤمتر القومي ومكانة والقاعدة العامة في البرامج االنتخابية .وحتاول اللجنة الوطنية صياغة البرنامج السياسي بصورة ترضي اجلميع . ويعد االخذ بنظام الالمركزية على مستوى احلزبني اجلمهوري والدميقراطي احدى السمات الرئيسية للنظام احلزبي األمريكي
،فالسلطة في االحزاب األمريكية ليست مركزية بل هي منتشرة وموزعة وهناك دائما ً قنوات اتصالية من (اعلى الى اسفل) ومن (اسفل الى اعلى) ،في احلزبني الدميقراطي واجلمهوري يكون الضغط موجها ً من اسفل الى اعلى وليس العكس . وميكن القول ان الالمركزية التي تسود االحزاب األمريكية جتدها في طبيعة نظام احلكم في اجملتمع األمريكي الذي يعتمد على الفيدرالية ،كذلك طبيعة الدستور األمريكي الذي يتجه في جوهره نحو عدم تركيز السلطة وجعلها موزعة ومشتتة ،ولعل الفلسفة التي تكمن خلف تصور الفيدرالية ،انها تقود الى اضعاف االجتاه نحو تركيز السلطة (*) . وهكذا ساهمت الفيدرالية في توزيع السلطة بني املستويات اخملتلفة من احلكومة ( قومية ومحلية) وبالتالي فان الالمركزية على املستوى احلزبي تأتي اتساقا ً مع املناخ السياسي العام السائد والروح املسيطرة على الدستور ،ولعل ذلك هو ما دفع البعض الى القول ان الواليات املتحدة تعرف تعددية على مستوى كل حزب متاثل عدد الواليات ، فاحلزب الدميقراطي مثال ً يعتبر كل فرع له في الواليات اخملتلفة مبثابة حزب مستقل فاحلزب الدميقراطي في والية (اوهايو) يختلف متاما ً عن احلزب الدميقراطي في والية نيويورك ،وكذلك احلال ينطبق على احلزب اجلمهوري ،بيد ان هذه التعددية ال تعني في أي حال ان االحوال انها تنطوي على االنقسام او االختالف بل ميكن ان نطلق على التمايز واالختالف التعدد في اطار الوحدة او التمايز في اطار الكل الذي يرجع اساسا ً الى نظام الالمركزية السائد في الواليات املتحدة . الفرع الثالث االلية االنتخابية لالحزاب األمريكية 59
أقواس
أقواس
60
ان قواعد تقدمي املرشحني في االحزاب األمريكية تعتمد على نظام االنتخابات االولية ( )primaries Assmbleyومبقتضى هذه الطريقة فان املشاركة السياسية للمواطن األمريكي عن طريق االنتخاب املباشر للمرشحني بواسطة مجموعة من الناخبني ،انتخاب منظم بطريقة رسمية ،اذ يدعى الناخبون البداء اراءهم مبرشحي االحزاب ، وهذه الطريقة من االنتخابات على ثالثة انواع (*) : اوالً :االنتخابات االولية املغلقة : وتتخذ املشاركة السياسية للفرد في ً كونه يقوم باالعالن رسميا اذا كان من احلزب اجلمهوري او احلزب الدميقراطي ،أي يتطلب االعالن عن احلزب الذي ينتمي اليه الناخب ، وعلى كل ناخب ان يسجل انتماء في مركزه االنتخابي على اساس هويته احلزبية ،ويتلقى كل ناخب بطاقة انتخابية وتظهر اسماء املرشحني ويضع عالمة ( )+امام من يختاره مرشحا ً حلزبه في االنتخابات القادمة . ثانياً :االنتخابات االولية املفتوحة : تتخذ املشاركة السياسية وفق هذا النظام بتسلم كل ناخب بطاقتني احدهما جمهورية واالخرى دميقراطية وتستعمل هاتني البطاقتني بالشكل السابق ،اذ يتطلب من الناخب اعادة احدى البطاقتني بعد ان يؤشر امام كل مرشح يفضله . ثالثا ً :نظام االنتخابات االولية غير احلزبية : Non – party Elections
وفق هذا النظام مينح كل ناخب قائمة باسماء كل املرشحني جلميع املناصب دون ان يأخذ بنظر االعتبار انتماءهم احلزبي ،وعلى كل ناخب ان يؤشر على املرشح الذي يفضله في القائمة ،وهذا االسلوب من املشاركة
السياسية متبع في الواليات األمريكية التي ال تعرف االحزاب امثال ( نبراسكا ) و ( مينوستا) وعليه فان طريقة االنتخاب االولية ،تعتمد وفي مختلف الواليات الختيار املرشحني ملناصب الوالية واملناصب احمللية وتعيني املندوبني لدى املؤمتر القومي . ويعد املؤمتر القومي ،الوحدة االساسية في التنظيم احلزبي في الواليات املتحدة ،ففيه تقرأ انظمة احلزب ،ويتم تسمية املرشحني ،وخالله يتم حتديد البرنامج السياسي ( ) Platformالذي سيخوض احلزب على اساسه معركة الرئاسة . ففي انتخابات الرئاسة عام 1964ركز البرنامج السياسي للحزب الدميقراطي على بنود القضية الفيتنامية والوجود األمريكي هناك ،اما البرنامج السياسي للحزب الدميقراطي عام 1992فقد ركز املرشح الرئاسي الدميقراطي ( كلنتون ) على قضايا السياسة الداخلية في حني ركز الرئيس بوش مرشح احلزب اجلمهوري في برنامجه على قضايا السياسة اخلارجية . اما البرنامج السياسي للحزب الدميقراطي في انتخابات الرئاسة عام ،1996فقد بدأ اعمال مؤمتر احلزب الدميقراطي الذي عقد في ( )30اب 1996في ( شيكاغوا ) بترشيح املؤمتر للرئيس (كلنتون) خلوض سياق انتخابات الرئاسة وفي خطابه لقبول الترشيح اعلن الرئيس (كلنتون) عن انتقاده للكونكرس اجلمهوري ثم طرح مبادرتني في التعليم والبيئة في نطاق سياسته الداخلية املقبلة ،وقد اظهر الدميقراطيون وحدتهم في ايام انعقاد املؤمتر حتى ال تكرر مأساة عام 1968 حني خسروا االنتخابات بسبب انشقاقهم . وبعد ترشيح الرئيس (كلنتون) في املرة االولى منذ عام 1936الذي اعيد بها انتخاب (فرانكلني
د .رزوفلت) لفترة رئاسية ثانية وثالثة ،والتي مت فيها ترشيح الرئيس الدميقراطي دون معارضة حزبية وقد ركز البرنامج السياسي للدميقراطني على قضايا السياسة الداخلية وهو ما قاد في النهاية الى ترجيح كفة املرشح الدميقراطي على منافسة اجلمهوري ( بوب دوول )((. ))67 كذلك في انتخابات الرئاسة عام ()2000 رشح الدميقراطيون(الغور) عام(( )2000وجون كيري) عام ( )2004باملقابل رشح اجلمهوريون (جورج بوش) الذي فاز لواليتني رئاسيتني كذلك في انتخابات الرئاسة عام ( )2008رشح الدميقراطيون(باراك اوباما) كمرشح للحزب الدميقراطي في حني كان مرشح اجلمهوريون (جون ماكني) واملؤمتر الذي ينعقد كل اربع سنوات تتخلص وظيفته مبا يلي ))68(( : وضع برنامج للحزب . .1 وضع القواعد التنظيمية للحزب . .2 انتخاب اللجنة املركزية للحزب . .3 وعقب انتهاء مهمة احلزب في تعيني املرشحني تبدأ احلملة االنتخابية التي تتأثر باهمية بالغة ،اذ يعتقد ان فوز املرشح في انتخابات الرئاسة او في الكونغرس يعتمد على جناح حملته االنتخابية بغية استقطاب الناخبني . وعادة يقوم احلزبان الدميقراطي واجلمهوري بتعيني جلنة قومية تكون مهمتها االشراف على سير العملية االنتخابية ،وتقوم اللجنة بجهد كبير في مختلف الواليات األمريكية من اجل توسيع قاعدة مشاركة افرد في االنتخابات لصالح املرشح وتهدف الى ايصال برنامج احلزب الى الناخبني باسرهم ((. ))69 ومما تقدم فان النظام احلزبي في الواليات املتحدة يعد من متغيرات املشاركة السياسية الفاعلة في النظام السياسي
األمريكي وبالتالي فان احلزبني اجلمهوري والدميقراطي ميثالن وجهني للطبقة الرأسمالية املسيطرة في الواليات املتحدة، وعلى الرغم من اختالف خطابهما السياسي الداخلي بني لبيرالي متوجه الى الطبقات الدنيا الحتواء حركتها السياسية وبني اخلطاب الرجعي املعبر عن النزعات املتطرفة لإلحتكارات الرأسمالية ،هما جزء اساسي من الية عمل النظام السياسي في الواليات املتحدة ،وان احلزبني الدميقراطي واجلمهوري تتطور برامجهما وتتغير كل اربع سنوات وفق املتغيرات السياسية الداخلية واخلارجية ومبا يوازي متطلبات احلملة االنتخابية الرئاسية، بحيث يبدوا ان وظيفة احلزبني ال تعدوا افراز املتنافسني على كرسي الرئاسة او املقعد في الكونغرس او احتواء حركة الناخبني االمريكان من هذا االطار . املطلب الثاني جماعات املصالح تعد ظاهرة جماعات املصالح ،ظاهرة اجتماعية قدمية اال انها لم تبرز بشكلها املتميز في احلياة السياسية اال قبل عقود في الواليات املتحدة عرف عنها التعبير وشاع في البلدان االخرى فما هي جماعات املصالح هذه وما هي أصنافها ؟ وما مدى قدرتها في رفد فاعلية املشاركة السياسية للمواطن األمريكي ؟ مفهوم جماعات املصلحة ()Interests Group جماعات املصلحة بصورة عامة هم جماعة من االشخاص تربطهم مصلحة مشتركة وعالقات اجتماعية خاصة ذات صفة مؤقتة او دائمة بحيث تفرض على اعضائها منطا ً معينا ً من السلوك االجتماعي يجمع هؤالء االفراد قد يقوم على هدف مشترك او مصلحة مشتركة ...يسعون للضغط على السلطة 61
أقواس
أقواس
62
في الدولة لكي تتخذ القرارات التي تتفق ومصاحلهم املشتركة . ))70(()... وجماعات الضغط تختلف عن جماعة املصلحة اذ يرى (جان ميتو ) – ( ان جماعة املصلحة ال تتحول الى جماعة ضاغطة اال ابتدأ من اللحظة التي يستعمل املسؤولون التأثير في اجلهاز احلكومي في سبيل انتصار مطالبها ((. ))71 وعليه فان جماعات املصالح مهما تعددت وتنوعت اشكالها واهدافها فانها تنطوي على عنصر مشترك ينظمها جميعا ً هو املصلحة، التي تدافع عنها في مجتمع متعدد املصالح واداتها في ذلك هي العمل السياسي ((. ))72 وتلعب جماعات املصالح في الواليات املتحدة دورا ً مهما ً في تشكيلة السياسة تلك التي متس االوضاع الداخلية او اخلارجية ،اذ اختلفت مسببات وجود هذه اجلماعات واقترانها بالنظام السياسي األمريكي ولعل ابرز تلك املرجحات ((:))73 اوالً :التكوين احلزبي : لقد نشأت جماعات املصالح كرد فعل على النظام احلزبي السائد الذي يهيمن عليه نظام ثنائية احلزبني ،والثنائية ال حتتوي على تعددية الوعاء االجتماعي بصورته الشاملة للمجتمع األمريكي ذات النمط الفئوي التعددي ،لذلك فان سيادة احلزبني الدميقراطي واجلمهوري حرم الكثير من اجلماعات التي قد تختلف مع وجهة نظر احلزبني الرئيس من فرصة تكوين احزابها السياسية ،لذلك تكونت هذه اجلماعات بفعل التأثير في سياسة احلزبني مع ما يتفق ومصاحلها املباشرة . ثانياً :مبدأ الفصل بني السلطات يقوم النظام الدستوري في الواليات
املتحدة على هذا املبدأ ،االمر الذي يحتم االتفاق التام بني السلطتني التنفيذية والتشريعية قبل اقرار القوانني ،وبذلك عدت جماعات املصالح حلقة اتصال بني السلطتني ،وبذلك يكون للتركيبة الدستورية دور في منو هذه اجلماعات في الواليات املتحدة . ثانيا ً :التجمعات ذات النزعة االيدلوجية ان هذه التجمعات وكما يصفها (ميتو) ( فئة متنافرة للغاية) ويضم هذا التجمع مختلف االجتاهات الفكرية واالخالقية والعقائدية ومنها جمعية احملاربني القدماء ( )Veterans Foreign warوهي تنشأ عادة في اعقاب احلروب التي تخوضها الواليات املتحدة. واجلمعيات العرفية (( ، ))74كاجلمعية الوطنية لتقدم الشعب امللون ،وهناك اجلمعيات االخالقية امثال ،احتاد احلريات األمريكي وكونغرس املساواة العرقية – وجمعية الشباب املسيحيني ومن اجلمعيات ( جمعية بناة الثورة األمريكية واالحتاد األمريكي للنساء املتعففات ) . ويشكل اليهود في الواليات املتحدة ً ً ً األمريكية تنظيما جمهوريا يهوديا في غاية التعقيد ،اذ يتكون من شبكة معقدة من االجهزة واللجان ،وبرغم تعدادها الهائل بيد انها تتصف مبركزية القيادة والتنسيق والتخطيط . وتأتي في مقدمة املنظمات الصهيونية املوالية السرائيل جلنة (ايباك) ( جلنة الشؤون العامة االسرائيلية األمريكية ( American – Israel Public Affairs , ) Committeeوهي جماعة املصالح (اللوبي) الرسمية املسجلة رسميا ً وفقا ً للقانون ،وهي ال تكتفي بعرض نشاطاتها السياسية في الكونغرس ،بل تسعى الى توطيد املصالح
االسرائيلية بعرض مطاليبها على السلطة التنفيذية أيضا ،وتعمل على إحلاق برامجها جزء من برامج االحزاب األمريكية سواء على املستوى احمللي او املستوى القومي . وفي الواليات املتحدة يوجد تنظيم يهودي وصهيوني في غاية التعقيد يتكون من شبكة من االجهزة واللجان واجلمعيات واملنظمات الدينية والثقافية واالجتماعية. وقد سجلت سنوات عقد الثمانينات تطورا ً عدديا ً نوعيا ً في املنظمات الصهيونية في الواليات املتحدة ،ووفقا ً الحصائيات الكتاب السنوي لليهود االمريكان ،فان عدد املنظمات الصهيونية وصل ( )342منظمة مرتبطة باحلركة الصهيونية وموالية لها . وفي سياق اهدافها وسياساتها، فان املنظمات الصهيونية على سبعة انواع ( )147منظمة دينية تعليمية ( )34منظمة ثقافية و ( )28منظمة عالقات عامة و ()22 منظمة مساعدات خارجية و ( )27منظمة ضمان اجتماعي و ( )17منظمة اجتماعية للفائدة املتبادلة و ( )67منظمة صهيونية مؤيدة السرائيل – ويأتي في املقدمة ( االيباك ) واجمللس األمريكي – االسرائيلي ومنظمة بناي بريت املعادية لالفتراء وجمعية ابناء صهيون ، واملؤمتر الصهيوني حلاخامات اليهود ،ومنظمة هداسا ،وجلنة العمل اليهودي ،واجمللس القومي للنساء اليهوديات واجمللس القومي السرائيل الفتية واملنظمة الصهيونية في امريكا ولعل اهم املنظمات الصهيونية األمريكية وهي عبارة عن جماعات مسؤولة عن تنسيق اكثر من ( )30جماعة يهودية حول مسائل السياسة اخلارجية (*) . ومما تقدم فان هذا الكم اخملتلف املهام من جماعات الضغط في الواليات األمريكية في مختلف اصنافها االيدلوجية تسعى جميعها الى التأثير على قرار الناخب األمريكي
في االنتخابات الرئاسية وخاصة التي جترى عادة كل اربع سنوات ،وحتاول ادخال برامجها في منهاج احلزبي الدميقراطي واجلمهوري ، وبذلك عدت جماعات املصالح احدى متغيرات املشاركة السياسية التي جاءت خارج نطاق التأطير الدستوري في الواليات املتحدة .
اخلالصة ان املشاركة السياسية تتضمن اشتراك املواطن في احلياة السياسية وقد وضعت االطر الدستورية في البناء السياسي الذي وضعه االباء املؤسسون عام ، 1789 فقد تضمن الدستور األمريكي املؤسسات الدستورية التي تقنن املشاركة السياسية متمثلة باملؤسسة الرئاسية والكونغرس ،والشك فان طريقة الترشيح واالنتخابات تعبر عن االلية الدستورية ملشاركة املواطن األمريكي في رموز نظامه السياسي ، وكذلك فان هناك العديد من املمارسات التي اصبحت مصادر اساسية للنظام الدستوري األمريكي متمثلة في تشريعات الكونغرس والقرارات االدارية والتعديالت الدستورية اذ عدت من اساسيات الهيكلية الدستورية للنظام السياسي.
63
أقواس
أقواس
64
الهوامش : (( ))1الشركة والشراكة سواء :مخالطة الشريكني ،يقال اشتركنا مبعنى تشاركنا وقد اشترك الرجلني وتشاركا وشارك أحدهما االخر والشريك ،املشارك ،والشرك كالشريك :قال االزهري :يقال شريك واشراك وكما يقال نصير وانصار واملرأة شريكة والنساء شرائك واشتركتا وتشاركنا في كذا وشركته في البيع وامليراث اشركه شركة واالسم الشرك . وروى عن الرسول (ص) انه قال :الناس شركاء في ثالث الكأل واملاء والنار .شرك قال ورأيت فالنا ً مشتركا ً اذا كان يحدث نفسه أي ان رايه مشترك ليس بواحد ،ورد ذلك االيضاح الفقهي لهذه الكلمة في ابن منظور :لسان العرب اجمللد الثاني ،بيروت ،دار لسان العرب ،ص. 306 (( ))2جالل عبد اهلل معوض :ازمة املشاركة السياسية في الوطن العرب ،مجموعة باحثني (الدميقراطية وحقوق االنسان في الوطني العربي) بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية – 1987 ، ص.63 ( )3حسني علوان :املشاركة السياسية في الدول النامية (النموذج االفريقي) اطروحة دكتوراه غير منشورة ،كلية العلوم السياسية ،جامعة بغداد ، 1996 ،ص .8 (Lucian pye, political culture, In «International )4 ,1968 ,12.Encyclopedia of social science,» Vol .218.p (Sideny verba, comparative culture m )5 In: Lucian pyeand sideny verba, « Political culture and political Development, new Jersy, .533-529.pp ,1965 ,princenton ( )6د .صادق االسود :علم االجتماع السياسي ، (اسسه وابعاده) املوصل دار الكتب في املوصل ، ، 1989ص.242 (Sideny verba and Norman H. Nic , )7 ParticipaTION IN American , New York , .312-309 .pp , 1962 , Harper & Row ( )8د .صادق االسود ،املصدر السابق ،ص. 246 (.206 .Verba and Nie, op. cit, p )9
( )10د .اسماعيل علي سعد ،اجملتمع والسياسة ، االسكندرية ،دار املعرفة اجلامعية ، 1983 ،ص . ( )11غي غروشية :مدخل الى علم االجتماع العام (الفعل االجتماعي) ،ترجمة مصطفى وند شلبي ، بيروت ،املؤسسة العربية للدراسات والنشر 983 ، ،1ص.14 (Lester W. Milbrath, political participation, )12 .153.p ,1965 , .Chicago, Mcnally and con ( )13صادق االسود :مصدر سابق ،ص.389 ( )14نفس املصدر ،ص.338 (.139 .p .1965 ,Milorath: op. cit )15 (Verba and Nie: participation In American, )16 .340.p .1962 ,op. cit ( )17صادق االسود :املصدر السابق ،ص. 388 (Verba and Nie: Op.cit p341 )18 (Paul , R. Abramson , Generational )19 Change In American Electoral Behavior , The , American political science Review , March . 105-63.pp , 1974 (Warren Miller: the Political Vehavioral of )20 ,Elecorat, In, American Government Annual New York, Holt Rinchart and ,1961- 1966 .66-50 .pp .)1960 ,Winston (Milbrath: Political partical participation, )21 .32.p .1965 ,.op, cit (.112 .Paul R. Abromson: op.cit. p )22 * من الثابت تاريخيا ً ان والية ( ماساشوسيتش ( ) Massachuesettsهي احدى املستمرات االمريكية الثالثة عشر التابعة للتاج البريطاني ،قادت الثورة وحركة املقاومة ضد االنكليز ،لذلك فقد اصدرت حكومة ( جرنفيل ) رئيس وزراء بريطانيا انذاك ، عددا ً من االجراءات بحق هذه الوالية وذلك في ( 20 اذار عام ) 1774مبقتضاها عدل القانون االساسي للمستعمرة وعلى نحو زاد من خضوعها للتاج والذي منح تفويضات اضافية حلاكم املستعمرة ملواجهة اعمال التمرد التي حصلت في هذه الوالية وكانت حكومة (جرنفيل) قد اصدرت مرسوما ً يقضي بفرض ضرائب اضافية على املستعمرات لتغطية نفقات اجليش البريطاني واتخذت لذلك عدة اجراءات هي : منع الهجرة الى املناطق الغربية أي منع .1 توسع املستعمرات غربا ً خشية ان يؤدى ابتعادها
عن رقابة احلكومة . فرض ضريبة السكر ( ) the sugar Act .2 ومؤداها فرض ( ) 3بنس على كل غالون من املوالس يستورد الى املستعمرات االمريكية .فكان البد لها من مواصلة القتال واحلفاظ على االستقالل الوليد ، لذا فقد اجتمعت املستعمرات الثالثة عشر في (14 ) تشرين الثاني عام 1777م لعقد معاهدة حتالف وقد وضعت جلان املؤمتر ( مشروع االحتاد الكونفدرالي )plan of confederation فرض ضريبة الدمغة ( ) The stamp Act .3 ومؤداها فرض رسوم على تداول كثير من السلع . وبذلك وجهت والية ( ماساشوسيتش ) نداء الى كافة املستعمرات في 17حزيران 1774م من اجل عقد مؤمتر يبحث العالقات مع احلكومة االنكليزية وإنعقد املؤمتر االول واصدر مقرراته الشهيرة في التاريخ السياسي االمريكي املعروفة ( ) The Declaration and Resolvesحيث تضمن الئحة العالن احلقوق مماثلة لالعالن االنكليزي وتعد هذه الوثيقة االساس الذي قام عليها استقالل املستعمرات والدستور االحتادي فيما بعد واقر في املؤمتر تشكيل جمعية لتنظيم حركة املقاطعة االقتصادية ووسائل املقاومة مع بريطانيا .وفي حزيران 1775م عقد مؤمتر ثان للمستعمرات في ظل مقاومة املستعمرات للجيش البريطاني ،وفي املؤمتر مت االنتصار لفكرة االستقالل حني تقدم ( ريتشارد لي ) ( ( ) Richard H. Leeمندوب والية فرجينا) باقتراح الى املؤمتر يعلن استقالل املستعمرات وقطع كل صلة لها بالتاج وفي 11 حزيران قرر املؤمتر احالة املشروع الى جلنة لصياغة مشروع يتضمن االستقالل وفي 4متوز عام 1776 م وبعد مشاروات مع املندوبني وافق املؤمترون على مشروع اعالن االستقالل ،ولزيادة االيضاح ينظر : د .طعيمة اجلرف :نظرية الدولة ،االسس العامة للتنظيم السياسي ،القاهرة دار املعارف ،د .ت ، ص.118 ,Clorind Clark, The American Revolution(,scond edition, Logman group )1783 – 1775 see also. Richard D. Heffner, A ;4.p ,1974 documentary History of United states Lndiana, .9.11 ,1952 ,Indiana, University press بيروت .عبد املنعم الشرقاوي ،الواليات املتحدة ارضا ً وشعبا ً ودولة ،القاهرة مكتبة النهضة املصرية ،
1956م ،ص. .13-1 تشالزبيرد :تاريخ الواليات املتحدة ،اجلزء الثاني ، القاهرة ،مؤسسة اطلس ،د.ت ،ص. 10-4 د .احمد كمال ابو اجملد :التاريخ الدستوري للواليات املتحدة ،مجلة القانون واالقتصاد ،القاهرة ،العدد ( .1962 ، )11وكذلك انظر جواد الهنداوى :القانون الدستورى والنظم السياسيه.بيروت .مطبعه العارف.ص عبد الغنى بسيونى:الوسيط فى النظم السياسيه والقانون الدستورى.القاهره.مطا بع السعدنى 2004.ص277 **االحتاد التعاهدي :ومؤداه ان دولتني او اكثر تدخل في احتاد بقصد توحيد اجلهود السياسية واالقتصادية ويتم مبوجب معاهدة تبرم بني الدول االعضاء ويتضمن انشاء هيئة سياسية عليا على شكل مؤمتر او جمعية ،واهمية االحتاد القانونية – ان الدول االعضاء املتحدة فيما بينهما رابطة قانونية متيزها عن الدول البسيطة وفي هذا االحتاد انظر: Alen Nevins and Henry, steel Commager,the pocket History of United states, New York, pocket Book Inc, Richard D. Heffner: op .cit, .62.p كذلك: سموحي فوق العادة :القانون الدولي العام ،بيروت – 1960 ،ص ، 11-10ادمون رباط :الوسيط في القانون الدستوري ،اجلزء االول ،بيروت ،دار العلم للماليني ، 1964 ،ص. . 537 *** ولعل ابرز وجه النقص في االحتاد التعاهدي االمريكي هي: ضعف سلطة الكونغرس على االفراد .1 رعايا حكومة الواليات فقط . االخفاق املالي ،فقد اخفق الكونغرس في .2 احلصول على موارد قوية . عدم النص على وجود جهاز تنفيذي قوي . .3 ضرورة احلصول على نصاب اغلبية الثلثني .4 الستصدار القرارات . سلطات الكونغرس كانت محدودة في .5 مجال الشؤون اخلارجية . عدم وجود منظمة للتجارة وال خطة لها . .6 تساوي اعضاء الواليات في التصويت بغض .7 النظر عن حجم الوالية من حيث الكم السكاني . عدم وجود محاكم مركزية لتفسير .8
65
أقواس
أقواس
66
القوانني . استفحال مشاكل احلدود بني الواليات .9 حتى اندلعت احلروب بينها وللزيادة من اوجه نقص االحتاد التعاهدي ينظر : د .احمد كمال ابو اجملد :التأريخ الدستوري ،مصدر سابق ،ص . د .حسن سيد اسماعيل :النظام السياسي للواليات املتحدة وانكلترا ،موسوعة القضاء والفقه للدول العربية ،القاهرة ،الدار العربية للموسوعات ،اجلزء ، 109ص. 103 :And see also John D. Lee: the political system of .23 .p ,1974 ,United States London, Faber Louis B Wright & Elainew, fowler, English colonization of North America, .London, Edward Arnold (publishers) L- d. p .177 .The American People a History, Vol -64.pp , 1962 , New Jersey, Princeton co, Inc ,1 .82 **** ولعل ما قدمه من مقترحات ( راند ولف ، مندوب ( جورجيا ) االى املؤمتر النشاء حكومة تتكون من مجلس تشريعي اعلى وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية وتضمنت هذه املقترحات انشاء مجلس مراجعة ( ) Council of Revisionيتكون من السلطة التنفيذية .وعدد من القضاة وخول له حق االعتراض املطلق على قرارات الهيئة التشريعية – وكذلك قدم ( باترسون ) ( مندوب نيوجرسي ) مبقترحات هي االحتفاظ بالتمثيل املتساوي للواليات داخل اجمللس التشريعي وان تتكون السلطة التشريعية من مجلس واحد من نظام اجمللسني وان يخول للمجلس سلطة فرض الضرائب بقصد توفير الدخل العام وسلطة تنظيم التجارة ،وفي ذلك ينظر : د .عبد اهلل سيد هدية :احلكومات املقارنة ،الكويت، مطبعة ام القرى ، 1984 ،ص.128 هارولد زينك واخرون :نظام احلكم والسياسية في الواليات املتحدة ،ترجمة محمد صبحي ،القاهرة ، دار املعرفة ( د .ت ) .27 الشافعي محمد بشير :نظرية االحتاديني الدول وتطبيقاتها بني الدول العربية القاهرة ،منشأة املعارف ، 1963 ،ص 119وما بعدها.
هاماتن ومادسن جاي :الدولة االحتادية اسسها ودستورها ،ترجمة جمال محمد احمد ،بيروت ، مكتبة احلياة ، 1959 ،ص.31 وكذلك قارن مع James M. Burns and others, Government by the people, New Jersy, .64.p– 1975 ,Princeton, Hall Inc دانالي توماس :ترجمة في االحتاد ،ترجمة حمود صياد ،القاهرة ،دار الكرنك ، 1964 ،ص 21وما بعدها . (,1962.The American people History op .cit )23 .512.p ( )24بروس فندالي وايستر فندالي :الدستور االمريكي ،ترجمة جلنة دار املعارف ،القاهرة ،دار الكرنك ( ،د .ت) ،ص.9 ( )25ماكس سكيد مور ،مارشال كارتروانك :كيف حتكم امريكا ،ترجمة نظمي لوقا ،القاهرة ،املطبعة العلمية ، 1984 ،ص. ( )26باوند روسكو :ضمانات احلرية في الدستور االمريكي ،ترجمة محمد لبيب شبيب ،القاهرة ، دار املعرفة ، 1957 ،ص.104 ( )27ايدوربا :املدخل الى العلوم السياسية ،ترجمة نوري محمد حسني ،بغداد ،مطبعة عصام 1989 ، ،ص.195 (.47 ,Jams, Madison, the Federalist No )28 ( )29اندريه هوريو :القانون الدستوري واملؤسسات السياسية ،ترجمة :علي ملقد واخرون ،بيروت ، االهلية للنشر ، 1974 ،ص.399 (Jay A. Sigler & Robert S. Getz , )30 Contemporary American Government , New .54.p .1972 .york , van , Nostrand Reinhold co (the constitution of the united states, :5 Arts )31 In, sigler & Gets, contemporary :1 :Apeendix .799 .American Government, op. cit, p *** في هذا املبدأ ينظر : مورمتر ج ادلر :الدستور االمريكي ( افكاره ومثله ) ترجمة صفوت ابراهيم عمان ،مركز الكتب االردني ، 1989 ،ص.199 – 97 سليمان الطماوى :القانون الدستوري ( دراسة مقارنة ) القاهرة ،دار الفكر العربي ،د .ت ،ص126 – . 132 برنارد شفارتز :القانون في امريكا ترجمة ياقوت
العشماوي ،القاهرة ،دار املعارف ، 1980ص-226 .228 جنم عبد طارش :احملكمة االمريكية العليا دراسة في الدور السياسي ،اطروحة ماجستير غير منشورة ،بغداد ،كلية العلوم السياسية، 1996، ص 91وما بعدها . **** في الفصل الرابع من هذه الدراسة يبني الباحث القنوات الدستورية للمشاركة السياسية للمواطن االمريكي في كيفية انتخاب الرئيس ، وقد وجدنا من املناسب االشارة هنا الى املؤسسة الرئاسسة اشارة فقط . ( )32روبرت بوى ،كارل فريد ريك :دراسات في الدولة االحتادية :ترجمة وليد اخلالدي وبرهان دجاني ،بيروت ،الدار الشرقية ، 1966 ،ص.120 (,E.S. Corwin president office and power )33 .45 .p ,1957 ,4th edition, New York ( )34د .اسماعيل الغزال :القانون الدستوري والنظم السياسية ،بيروت ،املؤسسة اجلامعية للدراسات، ، 1982ص.356 ( )35انظر :املطلب االول ،الفصل الرابع. ( 36في حالة عدم متكن مجلس النواب في اختيار الرئيس قبل ( )4اذار فحينئذ يتولى نائب الرئيس سلطات رئيس اجلمهورية اسوة في حالة وفاة الرئيس او عجزه عجزا ً دستورياً. ( ) 37الكسيس دي توكفيل :الدميقراطية في امريكا ،ترجمة اماني قنديل ،القاهرة دار كتابي ، ، 1982ص.297 (James Magregor Burns and others, 38 .37.p ,1975 .Government by the people, op. cit 39فندالي ،ايستر فندالي :الدستور االمريكي ، ص.39 (.2 ,Arl, I – sec 40 (Ernest s. Grffth: American – system of 41 ,Government, New York, Fredric, apraeger Inc .22.p ,1965 (,James Magregor Burns and others, op. cit 42 .36 .p ,1975 ****** نظام االقدمية ،ويعني اختيار رؤساء اللجان من اعضاء الكونغرس الذين استمرت عضويتهم مدة اطول من غيرهم وهم عادة اعضاء الكونغرس الذين ال منافس لهم في مناطقهم االنتخابية
ورؤوساء اللجان عادة ال ينالون شهرة لكونهم ال يسيروا وفق سياسة حزبية وانهم يؤلفون الى حد ما مجموعة منافسة للزعامة احلزبية ،ونظام االقدمية يؤخذ عليه انه نظام معيب يتسم بروح احملافظة لذلك كان اشد اعدائه الليبراليني في الكونغرس وللمزيد انظر : اوسنت ربي :سياسة احلكم ،ترجمة علي حسن ذنون ،بغداد ،مطبعة املعرفة ، 1965 ،ص ، 8وكذلك انظر : .118 .p .1957 ,Corwin, op. cit (43اندراوس رزق احملامي :الدستور املقارن ،مجلة احملاماة (املصرية ،القاهرة) العدد ( ، )10السنة (،)41 ، 1961ص.1731 ******* جاء نظام اللجان استجابة حلاجة الكونغرس: كثرة اعضاء الهيئة التشريعية التي حتول .1 دون التقصي في املسائل التفصيلية ملشروعات القوانني املعروضة . كثرة مشروعات القوانني مما يتطلب .2 استخدام اسلوب ( الغربلة ) لتقرير تلك املشروعات التي تستحق البحث اجلدي . يوفر الكونغرس الكم املعلوماتي التخاذ .3 القرارات . للمزيد بشأن جلان الكونغرس انظر : اوسنت رني :املصدر السابق :ص. 105 اندريه هوديو :القانون الدستوري واملؤسسات السياسية ،مصدر سابق ،ص. 408 (44تقضي الفقرة ( )9من املادة االولى من الدستور االمريكي ( بأن حصانة احلريات الفردية واحلقوق العامة والضمانات الدستورية ،املعبر عنها ( wright ) of Hebeas corpusيوقف العمل بها في حالة التمرد او الغزو او العصيان ،ومبقتضى هذه الوثيقة يجوز للشخص ان يتظلم امام احملاكم املدنية ليرى قانونية اعتقاله او سجنه : .9-8 sec ,1 ,See: Art .The constitiution of the United States (the Constitution of the )10-1( Amendmets )45 .United States (11 Amendment ) 46 (12 Amendment )47 (Amendment I3 ) 48 (.Amendment I4 )49
67
أقواس
أقواس
68
(.Amendment I5 )50 (.)24-16( See: Amendments )51 ( )52ايدوريا :املدخل الى العلوم السياسية ،مصدر سابق ،ص.194 ( )53هارولد زينك :نظام احلكم والسياسة في الواليات املتحدة ،مصدر سابق ،ص.47 ( )54املصدر السابق :ص.47 (Louis W. Koeing: the chief of Excutive m )55 ,1968 ,New York, Harcourt brace & World Inc .312.p (.Ibid )56 ( )57ان الرئيس بصفته رئيسا ً للسلطة التنفيذية تعود اليه السلطة التنظيميه التي ميارسها بشكل اوامر تنفيذية ( ) excutiveوهي عبارة عن توجيه يصدر من الرئيس او احدى الوكاالت التنفيذية وتنضوي على تنفيذ سواء كانت بند في معاهدة في الدستور طبقا ً الحكام احملاكم . ( )58هارولد زينك :مصدر سابق ،ص. 48 (Carl swishers: Theory and practice of )59 American Government m New York, Houghtan .103 .p .1961 .Mifflin co ***** سيرد تفصيل ذلك في مباحث الحقة في الدراسة . ( )60الكسندر هاملنت :كان اول وزير للمالية في عهد الرئيس االول (واشنطن) لم يؤمن باملساواة بني افراد الشعب اال اذا تساوى في الذكاء وهو من انصار االحتادية وتعزيز السلطة املركزية للحكومة على الواليات. توماس جيفرسون :وهو من االعالم الفكرية البارزة، حيث يعده االمريكان رمزا ً للحرية النه كان نقيضا ً للدكتاتورية وهو محرر بيان االستقالل وهو من املؤيدين حلقوق الرئيس وتعزيز قوته في السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية .انظر : ستيفن فنسنت :بنية امريكا ،ترجمة عبد العزيز عبد اجمليد ،القاهرة ،مكتب الواليات املتحدة لالستعالمات ، 1945 ،ص. 16 (N. M. Hermans : party system and )61 Government stability , the American political , march 1 .science previo usly , vol. lxv , No .28 .p , 1971 وانظر ايضا ً : Clinton Rossiter , the functions of political
parties , In , peter woll , American Government (Reading and Gases ) , Bostonlittle Brown and .272.p , 1972 .Co ( )62حسن البزاز :نفوذ االقلية اليهودية في االحزاب واالنتخابات االمريكية مجلة افاق عربية العدد (،)1 ، 1975ص.56 ( )63اجلمهوري والدميقراطي في الواليات املتحدة واسرائيل والصهيونية تونس ،جامعة الدول العربية ،االمانة العامة ،شباط .1990 /ص . ( )64كلنتون روسستير :االحزاب السياسية في امريكا ،ترجمة محمد لبيب شيب القاهرة ،دار اجلاهان ،د.ت ،ص.36 ( )65موريس د فرجيه :االحزاب السياسية ،ترجمة علي مقلد واخرون ،بيروت دار النهار ،ط، 1977 ، 2 ص.84 ( )66دايفيد كوشمان :النظام السياسي للواليات املتحدة ،ترجمة توفيق حبيب ،القاهرة ،دار الكرنك، د.ت ،ص.104 ****** ويعلق ( كارتر – هيرز ) في ذلك ،ان ذلك يعود بطبيعة النظام الرئاسي الذي يتميز ليس فقط بالتقسيم الوظيفي للسلطة القومية التي حتافظ على الضوابط واملوازين بني الفروع الثالثة القائمة بذاتها وهي الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية ،ولكنه يتميز بالتقسيم االقليمي للسلطة بني احلكومات الفيدرالية وحكومات الواليات وبالتالي ينظر الى النظام الفيدرالي على انه مزيد من التطبيق لنظرية املوازين والضوابط وبذلك ان النظام احلزبي ولد في بيئة دستورية كان انعكاسا ً لها في جانب التنظيم .انظر : جوند ولني كارتر ،جون هيرز :نظام احلكم والسياسة في القرن العشرين عرض وتقدمي ماهر نسيم ، القاهرة ،دار الكرنك ،د.ت ،ص.57 ( )67حول هذه الطريقة من االنتخاب انظر : Robert k. Carr and others, American Democacy ;195 .p .1957 ,in theory and practice, New York :and see also Hebert Agar, the United States, the President the Parties, the constitution, London, Eyread .83 .p 1959 ,woods وكذلك: داود مراد الدوادي :سلطات الرئيس االمريكي بني النص الدستوري والواقع العلمي (درامة سياسية
ودستورية ) ،اطروحة ماجستير غير منشورة ،بغداد، كلية العلوم السياسية ، 1992 ،ص 40وما بعدها، وكذلك :ايدوريا :املدخل الى العلوم السياسية، ترجمة محمد حسني ،بغداد ،مطبعة عصام ، ، 1988ص. 211 د .د .شمران حمادي :النظم السياسية ،بغداد ، دار احلرية للطباعة ، 1972 ،ص ، 215وكذلك :د. محمود خيري عيسى ،االنظمة السياسية املقارنة القاهرة ،مكتبة االنكلو مصرية ، 1963 ،ص. 157 (.1.p ,)1996 – 23 New YorkTimes Agust )68 (Dytan David Mekean: party and pressure )69 ,polotitcs, Houghton Mifflin co, New York .29.p ,1964 (Clinton Rossiter; The Functions of political )70 .274 .p ,1972 .parties, op. cit ( )71د .صادق االسود :مصدر سابق . ( )72جان مينو :اجلماعات الضاغطة ،ترجمة بهنج شعبان ،بيروت ،منشورات عويدات ، 1971 ،ص.10 ))73وبخصوص تفاصيل جماعات الضغط انظر : احمد سرحال :القانون الدستوري واالنظمة السياسية ،بيروت ،دار احلداثة ، 1980ص– 1990 .1991 (,1964 ,David Mackean, party litics, op. cit 74 .39.p ******* بخصوص التنظيمات ااملتحدة في الواليات املتحدة انظر : لي ايروين :املنظمات اليهودية في الوال يات املتحدة، ترجمة جلنة من االساتذة اجلامعيني ،قبرص ،1986 ، ص. 125-1 عبد اهلل سودي بواعنه ،املنظمات اليهودية الضاغطة والقرار االمريكي ،مجلة االبعاد ،االردن ، كلية احلرب امللكية ،العدد الثاني ، 1988 ،ص-181 . 182 جماعات الضغط في الواليات املتحدة ،ترجمة مركز البحوث واملعلومات ،مركز الوثائق الفرنسية، العدد ( )371في ، 1979/ 9/14ص. 21-20
69
أقواس
أقواس
70
ا ل ت ه ج ي ر ا ل ق ن و س ر ع ان من ي و ا ل اإلبا ص ه ر ا د ل ة ا ق و م ال جلماعية ي ك ا ك ائية ف
ي محا
ف ظ ة نين
أ.م . د ن العراق بيل ع جام كيدم عة ك حم و د ا مل رك و ظ ف ك – كلي ري ة ال ت ر ب ية
وى أ من وذ
جا
املقدمة من املعلوم لدى القاصي والداني ،إن الكورد تعرضوا إلى حمالت إبادة جماعية في عموم كوردستان على يد السلطات احلاكمة في الدول التي يقطنوها، والسيما في كوردستان العراق ،والكاكائية جزء أصيل من القومية الكوردية ،وقد تعرضت هذه النحلة من الشعب الكوردي إلى شتى أنواع القهر والظلم واإلبادة. وألسباب مختلفة منها دينية-مذهبية ومنها قومية. إن هذه األمور قادت الباحث إلى أن يسلط الضوء على معاناة هذه النحلة في محافظة نينوى ،مستغلني فرصة إنعقاد مؤمتر “عملية جينوسايد الكورد” في جامعة السليمانية ،وكذلك فان الباحث يعد أحد شهود العيان حول ما جرى للكاكائية في نينوى ،لذا ارتأى أن يعرف اجملتمع الكوردي أوال والرأي العام العاملي ثانيا مبعاناة هذا اجلزء من الشعب الكوردي. ويقع هذا البحث في عدة محاور وهي: 1 1التوزيع اجلغرافي للكاكائية فيمحافظة نينوى. 2 2التعريب.3 3التهجير القسري.4 4التعليم والتعريب الثقافيواإلجتماعي. 5 5اإلرهاب واإلبادة اجلماعية.التوزيع اجلغرافي للكاكائية تتميز الكاكائية كقبيلة عن القبائل والعشائر الكوردية األخرى التي تسكن عموم كوردستان وخارجها بأنها تؤمن
بعقيدة مختلفة عنها ،فهذه النحلة أو الطائفة تنظر إلى األديان واملذاهب نظرة واحدة دون متييز وتقف عند املسافة نفسها منها( ،)1لهذا فان البعض يعدها إسالمية وآخرون يعدونها خارجة على اإلسالم( ،)2وبني هذا وذاك فقد أصبحت هذه النحلة عرضة للمخاطر وبأشكال مختلفة متثلت بالتهجير القسري والقتل والتعريب ،وكان الهدف األساسي من ورائها اإلبادة اجلماعية( ،)3أو إجتثاثها من مناطق سكناها ،هذا من جانب ،ومن جانب آخر فاإلنتماء القومي الكوردي كان سببا آخرا يضاف إلى معاناة هذه القبيلة .إذ إنها ال حتتاج إلى أن تثبت هويتها القومية فان إسمها يدل عليها ،فكلمة الكاكائية، مشتقة من كلمة كاكه وتعني األخ(،)4 وهي أكثر إستخداما بني الكورد جمعيا من باب اإلحترام والتقدير ،إذ يذكر كلمة كاكه مع إسم الشخص ،حتى أصبحت هذه الكلمة شائعة عند أبناء القوميات األخرى عند مخاطبتهم لشخص من القومية الكوردية. إن من الصعب جدا تخمني عدد سكان هذه القبيلة نتيجة لسكنها في مناطق مختلفة من العراق ،وال توجد إحصائية رسمية بذلك ،فكل األرقام التي تذكر في هذا املصدر أو ذاك ال تتعدى كونها تخمينات ال تر َق إلى مستوى الواقع( ،)5لذا فإننا نشير هنا إلى مواطن سكناها دون التطرق إلى عدد نفوسها. تتوزع القبيلة حسب الكثافة السكانية في احملافظات العراقية اآلتية على التوالي( :كركوك ونينوى والسليمانية وديالى وأربيل ودهوك وبغداد) ،فضال عن سكن بعض عوائلها في محافظات أخرى كاألنبار وكربالء ،وفيما يخص موضوع 71
أقواس
أقواس
72
بحثنا ،أي الكاكائية في محافظة نينوى، فهم يتوزعون في عدة قرى ،وهي حسب الكثافة السكانية كما يأتي :وردك وتل اللنب وكزكان ،واجمليدية( ،)6وهذه القرى جميع سكانها من الكاكائية ،بينما هناك قريتان وهما زنكل وكبرلي( ،)7ويسكن الكاكائية والعرب السنة في قرية زنكل ،وأما كبرلي فنصف سكانها من الكاكائية والنصف اآلخر من الشبك الشيعة والبكتاشية ، وهناك عدد كبير من العوائل الكاكائية تسكن في مدينة قره قوش( )8مركز قضاء احلمدانية ،وبرطلة مركز ناحية برطلة التابعة لقضاء احلمدانية ومدينة املوصل مركز محافظة نينوى .وحتيط قرى الكاكائية مجموعة من قرى عرب السنة والشبك والتركمان الشيعة .ومن الناحية اإلدارية ،فقد كانت قرى اجمليدية وكزكان وزنكل وتل اللنب تتبع ناحية أسكي كلك، إال إنها أُحلقت مبركز القضاء بعد إنتفاضة سنة ،)9(1991بينما كانت قرية كبرلي تابعة ملركز القضاء منذ البداية ،في حني كانت قرية وردك وال تزال تابعة إلى ناحية النمرود(.)01 إن وجود الكاكائية في هذه املنطقة يعود إلى مئات السنني ،فقد إنتشرت هذه القبيلة على ضفاف نهري اخلازر والزاب الكبير ،أو املناطق القريبة منها كقرية كبرلي التي تقع على بعد حوالي ( )7كم من نهر اخلازر وقرية قرقشة التي تبعد عن النهر نفسه حوالي ( )5كم ،وكانت األخيرة جميع سكانها من الكاكائية إلى أن هجرتها في سنة ،1956وإستقر بعض سكانها في قرية وردك والبعض اآلخر بنوا قرية جديدة معروفة لدى أهل املنطقة بقرية كولبور ،بينما تعرف في الوثائق الرسمية بقرية اجمليدية.
من الواضح إن هذه القبيلة سكنت في مناطق التماس منذ زمن بعيد بني املناطق الكوردية السنية واملناطق التي تقطنها القوميات األخرى والسيما العربية ،وهذا واضح في أغلب احملافظات التي فيها مناطق مختلطة ،وأغلب الظن إن السبب في ذلك يعود إلى املضايقات التي تعرضت لها على الدوام من قبل التيارات الدينية والقومية املتطرفة ،بحثا ً عن األمان واإلستقرار ،ومبا أنها تعتمد على الزراعة بالدرجة األولى وتربية املواشي بالدرجة الثانية ،لذا فإنها أولت األرض أهمية كبيرة ،ونادرا ً ما هجرت أرضا إال حتت ضغوط وظروف قاهرة ،ويبدو ذلك جليا في سنة ،1988عندما رحلت إلى مناطق مختلفة من كوردستان ،بذلت كل جهدها للعودة إلى مواطنها مهما كلفها ذلك، فكانت الظروف مناسبة عندما حدثت إنتفاضة سنة ،1991إذ بادرت مباشرة بالعودة إلى مناطقها في ظروف قاهرة. لم تكن هذه القبيلة في يوم من األيام بعيدة عن احلركة التحررية الكوردية ،إذ إلتحق عدد من أبنائها باحلركة في أزمان مختلفة ،السيما في ستينيات وسبعينيات القرن املاضي ،أما البعض اآلخر منهم فقد شاركوا في دعم القضية الكوردية عن طريق التبرعات أو اإلشتراكات الشهرية بالنسبة ألعضاء احلزب الدميقراطي الكوردستاني( ،)11والسيما وان قادة احلزب قد أكدوا على أبناء الكاكائية في هذه املنطقة عدم اإللتحاق باحلركة املسلحة ألن ذلك سيؤدي إلى إحلاق الضرر بهم وترحيلهم وإسكان العرب محلهم كون مناطقهم من املناطق احلدودية ،لكن ذلك لم مينع احلكومة من إتخاذ بعض اإلجراءات بحق كاكائية محافظة نينوى ،ومن اجلدير
بالذكر إن املضايقات والتهديدات التي تعرضت لها الكاكائية لم تكن وليدة العهد البعثي ،وإمنا يعود تاريخها إلى قبل ذلك ،إذ يذكر السيد زوراب عساف درويش واملعروف بـ (مام زوراب) وهو أحد وجهاء قرية وردك ،كان أبناء القبيلة ممن لديهم شوارب طويلة( )21يخشون الذهاب إلى مدينة املوصل في عهد عبدالسالم عارف ( )1963-1966خوفا ً من القوميني حتى متكنوا من إيصال رسالة إلى السلطات عن طريق أحد وجهاء آل كشمولة في مدينة املوصل ،الذي بينَّ َ بدوره إن شواربهم ليس لها عالقة باملسائل القومية وإمنا الشارب هو جزء من معتقدهم الديني والعشائري ،فكفت بذلك السلطات عن مالحقتهم(.)31 التهجير القسري لقد بدأ نظام البعث في العراق ( )1968-2003بإتخاذ إجراءاته من اجل تعريب مناطق الكاكائية منذ النصف األول من سبعينيات القرن املاضي ،فقد قررت احلكومة ترحيل حوالي ( )30عائلة من القبيلة من العوائل التي كانت معروفة بوالئها للحزب الدميقراطي الكوردستاني إبان اإلنتفاضة الكوردية في سنة ،)41(1974إلى منطقة عقرة( ، )51وقد رحل بعضها فعال السيما عوائل قريتي اجمليدية وكزكان ،بينما العوائل التي كان من املقرر ترحيلها من قرية وردك ،فقد مت إيقاف تنفيذ إجراءات الترحيل بفضل املتنفذين والبعثيني من أبناء القبيلة من أمثال رئيس القبيلة عدنان آغا والوجه األكثر نفوذا ً لدى السلطات مظهر مدحت أحمد ده ده( )61وفيض اهلل حسني محمود( )71وغيرهم .ومن اجلدير بالتنويه إن
بعض العوائل التي كانت في طريقها إلى عقرة مت إعادتها عن طريق اإلتصاالت التي أجراها بعض أبناء القبيلة مع أمني سر فرقة برطلة حلزب البعث محمد سعيد فندي الذي كان يشغل مدير بلدية ناحية الكلك وقتئ ٍذ ،إذ إتصل األخير بالسلطات ()81 العليا في احملافظة وأعادهم إلى قراهم أما العوائل التي لم ترحل فالفضل يعود في ذلك إلى كل من عدنان آغا ومظهر مدحت(.)91 وإزاء مخاطر الترحيل التي تهدد الكاكائية في هذه املنطقة كان البعض من أبنائها قد بادروا إلى الدخول في صفوف حزب البعث العربي االشتراكي أمال في احملافظة على وجودهم في املنطقة، وفعال حققت هذه املسألة أهدافها لفترة مؤقتة ،بل إن هؤالء البعثيني من الكاكائية كان لهم الفضل في منع ترحيل بعض العوائل التي إتخذت احلكومة إجراءاتها لترحيلهم .وبالتالي طويت صفحة الترحيل لفترة مؤقتة لتبدأ صفحة جديدة وهي التعريب. التعريب بعد أن هدأت األمور في املنطقة ، كانت احلكومة قد أعدت مشروعا لترحيل الكاكائية من مناطقها إلى املناطق الكوردية األخرى في عمق كوردستان، وإسكان العرب محلهم أو إبقائها فارغة من أهلها ،وعندما إقترب موعد اإلحصاء العام للسكان لسنة ،1977كانت احلكومة قد قررت ترحيل الكاكائية في حالة تسجيلهم كوردا ً في اإلحصاء ،ولم يكن أبناء القبيلة على علم باخملطط احلكومي ،لكن قائم مقام قضاء احلمدانية احملامي ناجي خزعل العبيدي ()1976-1979 ( )02وبسبب عالقاته املتميزة بالكاكائية(،)12 73
أقواس
أقواس
74
زار قراهم وأعلمهم بأن احلكومة تنوي سجلوا ضمن القومية ترحيلهم إذا َ الكوردية في اإلحصاء ،وقال “ألني كنت أريد اخلير لهم نتيجة لعالقاتي اجليدة مع الكاكائية ،فقد أشرت عليهم بأن يسجلوا عربا ً في اإلحصاء ،فقالوا كيف نسجل عربا ً ونحن أكراد ،فقلت لهم بأنكم إذا سجلتم عربا ً ستضمنون البقاء في قراكم وآراضيكم ،وإال فإن احلكومة سترحلكم إلى املناطق الكوردية البعيدة وستعيشون في الغربة وتفقدون قراكم وأراضيكم ،كما أكدت لهم بأن تسجيلكم ضمن القومية العربية ال متحي عنكم قوميتكم الكوردية األصلية ،فذلك مجرد حبر على الورق ،فإقتنعوا وسجلوا عرباً، وبالتالي لم تتعرض لهم احلكومة”(،)22 ويبدو إن اللغة التي حتدث بها القائم مقام مع كاكائية قضاء احلمدانية كانت تختلف متاما ً عن لغة املسؤولني اآلخرين وذلك للسبب الذي أسلفناه ،فقد طغى على كالمهم التهديد والوعيد ،إذ جاء على لسان املسؤول احلزبي لناحية الكلك إدريس التكريتي “إلي ما يغير قوميته إلى العربية يُرحل إلى كردستان”( .)32األمر الذي أدى في نهاية املطاف بوجهائها أن يسجلوا ضمن القومية العربية في اإلحصاء العام للسكان لسنة ،1977وفعال متكنت القبيلة أن تنقذ نفسها من الترحيل بفضل القائم مقام ،ولكن على حساب قوميتهم ،إذ إن احلكومة جعلت من هذا اإلحصاء أساسا في تعامالتها الرسمية مع أفراد القبيلة وتغيير دميوغرافية سكان املنطقة وسيكون هذا اإلحصاء مبررا للنظام لترحيلهم في سنة .1988 لم تغب الروح الكوردية عن الكاكائية على الرغم من تغيير قوميتهم
من الكوردية إلى العربية في سنة ،1977 إال أن ذلك قاد إلى حرمانهم من أبسط احلقوق وأهمها واملعروفة بحقوق التعليم، إذ إن املدارس التي مت إفتتاحها كلها كانت باللغة العربية بحجة أن هذه املنطقة ال تقع ضمن مناطق احلكم الذاتي الذي أقر قانونه في 11آذار ،)42(1970ومن املهم ذكره هنا إن الكاكائية أصروا هذه املرة على العودة إلى القومية الكوردية في اإلحصاء العام لسنة ،1987والسيما إن اجليل اجلديد من الشباب كانوا عازمني على التسجيل كوردا ً مهما كانت الظروف والنتائج ،وهذا الذي حدث بالفعل ،فعندما قامت احلكومة بإجراء اإلحصاء العام للسكان في السنة املذكورة أعاله ،سجلت 99%من العوائل الكاكائية كورداً. لم ت ُق ِدم احلكومة حينها على أي إجراء ضد هذه القبيلة ألنها كانت منشغلة باحلرب العراقية اإليرانية (1980- ،)52()1988من جهة ،وقيامها بعمليات األنفال السيئة الصيت في مناطق مختلفة من كوردستان من جهة أخرى ،إال بعض احلاالت الفردية ،مثل قيامها بترحيل بعض العوائل التي إلتحق أبنائها باحلركة الكوردية املسلحة ،إلى كوردستان لغرض تسفيرهم إلى إيران وذلك في سنة ،)62(1986 واجلدير بالذكر إن املشروع احلكومي السالف الذكر كان يشمل الشبك أيضا ً ممن سجلوا حتت عنوان القومية الكوردية في إحصاء سنة ،1987لذا فان مشروع الترحيل وفق اخملطط احلكومي كان يشمل حوالي 20%من سكان قضاء احلمدانية وهذا مما ينسحب سلبا على سياسة احلكومة وإستقرار املنطقة ،فتم تأجيل املشروع إلى حني التفرغ من عملية األنفال مع إتخاذ جميع الترتيبات الالزمة لتنفيذ
عملية الترحيل. من املفيد اإلشارة هنا إلى أن القيادة العراقية قد إتخذت اخلطوة األولى لتنفيذ عملية إبادة الكورد في جلسة مجلس قيادة الثورة برئاسة الرئيس العراقي األسبق صدام حسني واملنعقدة في 29آذار ،1987فقد قرر اجمللس إناطة مهمة تنفيذها بعضو القيادة القطرية حلزب البعث علي حسن اجمليد املعروف بـ (علي كيمياوي) ،إذ أكدت الفقرة األولى من القرار على أن “يقوم الرفيق علي حسن اجمليد عضو القيادة القطرية للحزب ومجلس قيادة الثورة في تنفيذ سياستنا في عموم املنطقة الشمالية وبضمنها منطقة كردستان للحكم الذاتي ()... حماية األمن والنظام وكفالة اإلستقرار فيها وتطبيق قانون احلكم الذاتي في املنطقة” ،وقد خوله القرار أيضا ً جميع الصالحيات مبا فيها صالحيات مجلس األمن القومي وجلنة شؤون الشمال ،كما ربط القرار كل مؤسسات الدولة األمنية مبا فيها اجليش واإلستخبارات العسكرية بشخص اجمليد(.)72 إن هذا القرار حمل في طياته كثير من املعاني ،إذ أبطل بشكل ال يقبل الشك ما كان معروفا في حينه بقانون احلكم الذاتي ،إذ أن املنطقة الشمالية بأسرها أصبحت حتت سيطرة رجل واحد وهو علي حسن اجمليد الذي أصبح احلاكم املدني والعسكري واحلزبي في اآلن نفسه ،وعلى أساسه مت تنفيذ عملية األنفال ،كما أن القرار كان مفتوحا ولم يحدد بفترة زمنية وأن عمليات التطهير العرقي التي أعقبت عملية األنفال في محافظة نينوى كانت ضمن سياقات وأهداف الكتاب نفسه ،إذ أن اغلب القرارات املتعلقة بشأن ترحيل
أبناء منطقة سهل نينوى تصدر من اجلهة نفسها ،لهذا فقد أشرنا إلى هذا القرار بشيء من التفصيل. كانت املرحلة األولى من عمليات األنفال قد بدأت في 23شباط ،1988 وإنتهت مرحلتها األخيرة (الثامنة) في 6 أيلول ،)82(1988وقد أسفرت هذه العمليات عن إستشهاد وفقدان حوالي ( )182ألف شخص وتدمير ( )2451قرية وتدمير ()1344 مدرسة ونهب األموال املنقولة وتدمير األراضي واآلبار الزراعية بإستخدامها سياسة األرض احملروقة(.)92 إستطاعت احلكومة خالل املدة 23شباط 1988حتى 6أيلول 1988من تنفيذ ما خططت له في عملية األنفال، وتفرغت لتنفيذ اخلطة األخرى املتمثلة بترحيل سكان املناطق األخرى من كوردستان وتعريبها عن طريق إسكان العوائل والعشائر العربية فيها ،وجاءت الفرصة املناسبة بإنتهاء احلرب العراقية اإليرانية في 8آب ،1988لتنفيذ املرحلة الثانية من خطة التعريب والقضاء على احلركة الكوردية بشكل نهائي حسب وجهة نظرها. أوعزت احلكومة عن طريق املكاتب احلزبية وفروعها إلى اإلستعداد لتنفيذ عمليات الترحيل في منطقة نينوى ،إذ إستلمت محافظة نينوى البرقية املرسلة من مكتب تنظيم الشمال ذي الرقم ()1103 في 4متوز ،1988اخلاصة بإتخاذ اإلجراءات املناسبة لترحيل العوائل الكوردية وفق قوائم خاصة بأسماء العوائل املشمولة بالترحيل وضمت ( )498عائلة من الكاكائية( ،)03وقد مت تشكيل جلنة من قبل محافظة نينوى في 5متوز ،1988لإلشراف على تنفيذ العملية برئاسة مدير شرطة 75
أقواس
أقواس
76
نينوى وعضوية كل من ممثل عن قيادة فرع املوصل حلزب البعث العربي اإلشتراكي وممثل عن قيادة فرع نينوى وممثل عن مديرية أمن احملافظة وسكرتير جلنة مكافحة النشاط املعادي وممثل مركز إستخبارات املوصل مبوجب كتاب احملافظة املرقم ()682 في 5متوز ، )13(1988وقد أصدرت مديرية الشؤون الداخلية في محافظة نينوى/ جلنة مكافحة النشاط املعادي كتابا ً خاصا ً لتنفيذ إجراءات الترحيل وحمل الرقم ( )789في 15آب 1988إلى جلنة النشاط املعادي لقضاء احلمدانية ،وقد نص الكتاب املعطوف على الكتب التي ذكرناها سالفا على إتخاذ “اإلجراءات املبينة أدناه بصدد األشخاص املبينة أسماؤهم في القوائم املرفقة طيا ً والذين غيروا قوميتهم من العربية إلى الكردية على ان يجرى التنفيذ بإشراف اللجنة املشكلة مبوجب أمر هذه احملافظة 682في )...5/7/88وقد متثلت اإلجراءات مبا يأتي”: 1 1هدم دورهم.2 2ترحيلهم إلى اجملمعات.3 3عدم تعويضهم نهائياً.4 4قطع عالقاتهم باحلزب.)23( ”.ومن اجلدير باملالحظة إن الكتاب صدر عن جلنة مكافحة النشاط املعادي ،وكأن هذه القرى قامت بالتمرد على السلطات احلكومية ،علما أن عددا ً ال بأس به من أفراد القبيلة كانوا منتمني إلى حزب البعث وأبنائها منخرطون في صفوف القوات املسلحة العراقية أو في صفوف أفواج (الدفاع الوطني) التي كانت اشد قسوة من اجليش على الكورد! ،مما يؤكد بأن املسألة ال تتعلق بتغيير القومية أو وجود مخاطر تهدد كيان الدولة وإمنا إجتثاث الوجود الكوردي في هذه املنطقة وتعريبها ،وما
كان تغيير القومية إال مبررا ً للقيام بهذه العملية .بعد أن تأكدت احلكومة إن صهرهم في بوتقة القومية العربية أمر غير وارد احلصول في ظل متسك القبيلة مبوروثها اإلجتماعي الكوردي وعقيدتها، وان ذلك بحاجة إلى مئات السنيني إلجناح مخطط احلكومة ،فبالتالي ترحيلهم سيأتي بفائدة أكبر طاملا إن الظروف قد توفرت بعد متكنها من إضعاف الكورد عن طريق عملية األنفال أوال وإنتهاء احلرب العراقية اإليرانية ثانياً. أسرعت احلكومة بتنفيذ عملية الترحيل مباشرة بعد إنتهاء احلرب ،إذ باشرت في 6أيلول 1988بعملية ترحيل قسم من عوائل قرية وردك إلى مجمع تكية التابعة لقضاء جمجمال ،ويصف مام زوراب عملية ترحيل الوجبة األولى من عوائل قرية وردك بالشكل اآلتي“ :أحاط رجال احلزب وأفراد اجليش الشعبي بالقرية من كل اجلهات مما أدى إلى إختباء الهاربني من اخلدمة العسكرية داخل القرية – كان الهارب الذي يُلقى القبض عليه يعدم فوراً- ولم يكن أمامهم أي منفذ للهرب إلى خارج القرية ،وإلنقاذ هؤالء من املوت احملقق، أقام أحد أبناء القرية وليمة كبيرة للقوات احلكومية ،وبعد جهد جهيد إستطاع إقناع اجملموعة التي كانت تقف عند نهر اخلازر للذهاب معه لتناول الغداء ،وبعد أن خلت جهة النهر من رجال احلكومة هرب احملاصرون إلى اجلهة املقابلة للقرية دون أن تشعر السلطات بهم ،ومت ترحيل عوائلهم بواسطة سيارات حمل كبيرة سخرتها السلطات لهذا الغرض ،ولم يستطع الرجال الذين هربوا من القرية من الرحيل مع عوائلهم ،إال أنهم إستطاعوا اللحاق بها بواسطة النقيب في اجليش العراقي
آنذاك محمود حسني محمود في منطقة خبات ،إذ قام الضابط املذكور بتوفير سيارة خاصة لنقلهم واإللتحاق بعوائلهم دون أن يتعرض لهم أحد” ،وأضاف مام زوراب أيضا ً “إن السلطات كانت تتعمد في إهانة العوائل املرحلة من خالل إيقاف السيارات التي كانت تقلهم في املدن والطرقات ساعات طويلة حتت أشعة الشمس احلارقة ،فيبادر األهالي بتزويدنا باملاء واألكل رأفة بنا”( .)33وبالطريقة نفسها مت ترحيل عوائل قرية تل اللنب وكزكان واجمليدية وكبرلي والبقية املتبقية من قرية وردك، خالل املدة 12أيلول ولغاية 15أيلول من سنة ، 1988إذ مت ترحيلهم إلى مناطق مختلفة من محافظة السليمانية .فقد مت إسكانهم في العراء ضمن مجمعات سكنية لم تكن تتوفر فيها أي مقومات للحياة العادية كاملاء والعمل مثل تكية والسالم (باينجان)( )43وبيره مكرون( )53وحتت رحمة الظروف اجلوية القاسية( ،)63وأما سكان قرية كبرلي من الكاكائية ،فقد مت ترحيلهم إلى مجمع حرير التابع حملافظة أربيل مع الشبك(.)73 ومع أن هذه العملية لم تكبد هذه القبيلة شيئا من األرواح ،إال أنها تسببت بخسائر كبيرة في املمتلكات ،إذ تركت مزارعها في أوقات جني احملصول وإضطرت إلى بيع مواشيها وترك بعضها ،فضال عن تدمير القرى وتسويتها باألرض كما جاء في الفقرة األولى من كتاب احملافظة ،وقد مت تنفيذ كل فقراته األخرى بكل تفاصيلها، كما مت نقل سجالت األحوال الشخصية اخلاصة بهم إلى محافظة السليمانية مبوجب كتاب محافظة نينوى املرقم ()973 في 4تشرين األول ،)83(1988وذلك إلنهاء أي إرتباط لهم باملنطقة كأنهم لم يخلقوا
فيها ،فضال عن مصادرة أمالكهم غير املنقولة وتسجيلها بإسم وزارة املالية، إذ يؤكد ذلك الكتاب الصادر من قائم مقامية قضاء احلمدانية إلى مالحظية التسجيل العقاري في احلمدانية حول مصادرة األراضي اخلاصة باملرحلني من قرية زنكل(.)93 كان الشتاء على األبواب مما كان يهدد هذه العوائل التي لم جتد بيوتا تأوي إليها إال اخليم التي ال تقاوم الظروف اجلوية القاسية ،وقاد هذا األمر رؤوساء القبيلة إلى طرق جميع األبواب من أجل إعادتهم إلى مناطقهم ،وقد متكن هؤالء من الوصول إلى القيادات العليا في الدولة إلعادتهم إلى مواطنهم ،وبعد مدة من الزمن جنح هؤالء في إقناع القيادات احلكومية والسيما علي حسن اجمليد مسؤول مكتب تنظيمات الشمال إلعادتهم إلى مواطنهم ،فوافقت احلكومة على ذلك ولكن بشروط معينة وهي: - 1تغيير املرحلني لقوميتهم من الكوردية إلى العربية مرة أخرى ضمن ما عرف مبسألة (تصحيح القومية) (.)04 -2عدم إعادتهم إلى مواطنهم األصلية وإمنا إسكانهم ضمن ناحية الكوير التابعة حملافظة أربيل. -3الدخول في صفوف حزب البعث العربي االشتراكي (احملظور حاليا). بعد موافقة األهالي على هذه الشروط، قرر مجلس قيادة الثورة في كتابه املرقم ( )745في 19تشرين الثاني ،1989إعفاء الكاكائية من العقوبات التي فرضت عليهم ،إذ نصت الفقرة األولى من الكتاب على أن “يعفى األشخاص املبينة أسماؤهم بالقوائم املرفقة وعوائلهم البالغ عددها ( )498فقط ابتداء بالتسلسل ( )1عائلة 77
أقواس
أقواس
78
كوثر عنتر محو وانتهاء بالتسلسل ()498 عائلة (مظفر سعدون رمو) من العقوبة املنصوص عليها بقرار مجلس قيادة الثورة املرقم ( )850املؤرخ في .)14(”27/11/1988 وافق األهالي على هذه الشروط أمال في النجاة من الشتاء القارص في مناطق تواجدهم وإيجاد مصدر للعيش ،وهذه تتوفر في املنطقة املزمع ترحيلهم إليها. ومن املفيد ذكره إن إختيار هذه املنطقة إلسكان الكاكائية فيها ،يعود إلى العقيد مرعي من قرية همدان الذي كان يعمل كضابط إرتباط في مكتب تنظيم الشمال ،إذ أراد من ذلك إقامة حاجز أمني للقرى العربية التي ينتمي إليها في املنطقة( ،)24مثل الهويرة ومركيبة وطراش (همدان) وأبو شيتة ومجلوبة وغيرها ،ومت إسكان الكاكائية في قرى شمشوله ولزاكة (زاكة) وسيد أمني وماجداوا على شكل حزام أمني للقرى العربية وهي قرى مت ترحيل أهلها الكورد ومت تدميرها في وقت سابق .فقد مت إسكان املرحلني من قرية وردك في قرية شمشولة( ،)34واملرحلني من قريتي اجمليدية وزنكل في قرية زاكة(،)44 واملرحلني من قرية تل اللنب في قرية سيد أمني واملرحلني من قريتي كزكان وكبرلي في قرية ماجداوا(.)54 ومهما قيل وما واجهت هذه القبيلة من إنتقادات بشأن تغيير قوميتها من خالل إستجابتها لشروط احلكومة من جهة وسكنها في مناطق تعود في األصل إلى أبناء جلدتهم ،إال أنها إستطاعت احملافظة على وجودها ومتاسكها كقبيلة واحلفاظ على عقيدتها التي كانت مهددة باإلنصهار في بوتقة العقائد األخرى من خالل تشتيتها في مناطق مختلفة وحرمانها من حقوقها الثقافية نتيجة
إنقطاع أبنائها عن التعليم ،كما أنها أصبحت قريبة جدا ً من موطنها األصلي وأخذت تتحني الفرصة املناسبة للعودة إلى مواطنها ،علما ً إن قبول الكاكائية لهذه الشروط ،ما هو إال خطوة أولية للعمل على العودة. ومن األحداث اجلديرة باإلشارة التي وقعت أثناء تواجد القبيلة في منطقة الكوير والتي كادت أن تصيبها بنكبة أخرى ،هي احلادثة التي وقعت في سنة 1990في املركز اإلنتخابي في قرية الهويرة العربية خالل إنتخابات اجمللس التشريعي ملنطقة احلكم الذاتي ،إذ وقعت صدامات بني الكاكائية وعرب املنطقة مزقت خاللها صور الرئيس العراقي األسبق والالفتات احلزبية وكادت أن تصل إلى معركة باألسلحة النارية لوال وصول السيد فهد بيجان حسن( )64مع أفراد من فوجه (فوج 184دفاع الوطني) الذي كان يرابط على الطريق املمتد بني أربيل والكوير ،بعد سماعه للحادثة ،وأنقذ أبناء عشيرته من مؤامرة حيكت خيوطها من قبل البعض من عرب املنطقة بالتعاون مع احلزب والشرطة ضد الكاكائية ،بعد أن تبني لهم بأن الكاكائية لن تصوت لصالح مرشحيهم ،وكان مجيئه بهذه القوة العسكرية وسيطرته على املوقف أدى إلى إنهاء الصدام الذي جرى باألسلحة البيضاء واحلجارة ،وقد أسفرت احلادثة عن إصابة حوالي ( )30شخصا من العرب ونصف العدد من الكاكائية(.)74 مع انطالقة إنتفاضة آذار ،1991متكن األهالي ومبساعدة قوات البيشمركة من حترير أغلب املدن الكوردية ،والسيما مدينة أربيل التي كانت مركزا ً للفيلق اخلامس من اجليش العراقي ،وقبل إنتهاء عملية
حتريرها بشكل كامل ،باشر أبناء الكاكائية بالهجرة قاصدين قراهم األصلية ليال ً ونهارا ً راجلني وركوبا حتى وصلوا إلى قراهم وكل منهم إستقر في قريته وباشر بإعادة إعمارها من جديد. كانت هذه العودة مليئة باخملاطر على الرغم من إنهيار القوات األمنية في املناطق الكوردية ،لكن أغلب مناطق محافظة نينوى لم تكن قد حتررت بعد، بل على العكس فإنها من بني احملافظات القليلة التي لم تشهد إنتفاضة كما كانت األحوال في محافظات اجلنوب والوسط واملدن الكوردستانية ،وكانت هذه القرى ال تزال حتت مرمى مدافع النظام املتمركزة في منطقة اخلازر ،مما صعب من عملية العودة .لكن األسوأ في األمر إن النظام بعد أن متكن من إعادة السيطرة على معظم املناطق التي خرجت عن سيطرته إبان اإلنتفاضة( ،)84أصدر أوامره بإعادة الكاكائية مرة أخرى إلى منطقة الكوير التي رحلت إليها من َقبل( ،)94مما دعا بوجهاء القبيلة إلى اإلتصال بشيخ القبيلة عدنان آغا وكبير وجهائها مظهر ده ده الكاكائي للتدخل لدى السلطات احلكومية إليقاف ترحيلهم ،وبالفعل فقد قاما على عجل بإجراء إتصاالتهما ،إذ ذكر اآلغا بأنهما إتصال أوال مبسؤول قيادة فرع التأميم للحزب عطية شنداخ ،ثم مت اإلتصال بالقيادات العليا وزارا محافظة نينوى ومت احلصول على املوافقات الرسمية إلبقائهم في مناطقهم(.)05 وبعد سقوط النظام البعثي في نيسان ،2003وإلقاء القبض على أغلب رموز النظام السابق ،ومتت محاكمتهم على اجلرائم التي إرتكبوها ضد الشعب العراقي ومن بينها جرائم التطهير العرقي ومن
ضمنها قضية ترحيل الكاكائية والشبك في سنة ،1988ومصادرة أمالكهم ،وقد حكمت احملكمة على املدانني في هذه القضية بالسجن ملدة سبعة أعوام ،وكان في مقدمتهم علي حسن اجمليد ومزبان خضر هادي وزمام عبدالرزاق وآخرين(.)15 إن مسلسل الترحيل القسري لم ينت ِه ،ففي 15آذار ،1995مت ترحيل ()15 عائلة من أهالي قرية وردك حتت عنوان (املسيئني) دون أن ترتكب جرمية تذكر، إلى صحراء قضاء احلضر التابع حملافظة نينوى( ،)25مبوجب الكتاب الصادر عن جلنة شؤون الشمال املرقم ( )3024في 7آذار )35(1995وكان سكان املنطقة قد أبلغوهم بأن الذين يجلبون إلى هذه املنطقة يتم إبادتهم ودفنهم ،األمر الذي دفعهم إلى الهرب حتت جنح الليل فنفذوا بجلدهم من املوت املؤكد(.)45 التعليم إفتتحت املدارس في مناطق الكاكائية في فترة متأخرة ،إذ مت افتتاح أول مدرسة ابتدائية في قرية وردك في سنة ،)55(1959وفي قرية كبرلي ،1959 وقد مت حتديث املدرسة في سنة ،1980ومت إستحداث متوسطة في البناية نفسها وفي السنة ذاتها ،وأصبحت ثانوية في سنة ،1996أما بناية إعدادية كبرلي فقد مت تشييدها في سنة ،)65(2007وفي قرية تل اللنب مت إستحداث مدرسة فيها سنة 1965وفي قرية كزكان في سنة ،)75(1977 وفي قرية زنكل في سنة ،)85(1975وفي قرية اجمليدية في سنة ،)95(1979وكانت الدراسة في جميع هذه املدارس باللغة العربية ،وقد أُغلقت بعضها بني فترة وأخرى والسيما إبان احلرب العراقية اإليرانية مثل 79
أقواس
أقواس
80
مدرسة اجمليدية وكزكان( ،)06بحجة عدم وجود معلمني وإضطرار تالميذهما الذهاب إلى قرية تل اللنب ،واجلدير بالذكر إن هذه القرى لم تشهد إفتتاح مدارس ثانوية في أي منها إال بعد سقوط النظام البعثي في نيسان ،2003إذ مت إفتتاح ثانوية وردك اخملتلطة في سنة 2008وهي الوحيدة في املنطقة( ،)16إذا ما إستثنينا متوسطة كبرلي التي إفتتحت في سنة ،1980 كونها قريبة من مركز قضاء احلمدانية من جهة والقرية تسكنها مجموعة من الشبك من جهة أخرى ،واألمر الذي البد من ذكره إن التالميذ والطلبة من أبناء املرحلني قد حرموا من التعليم سنتني متتاليتني بسبب الترحيل ،ليس هذا فقط ،بل أن الطلبة الذين كانوا يدرسون في مدراس ناحية الكلك وقضاء احلمدانية أجبروا على ترك مدارسهم واإللتحاق مبدارس مناطق احلكم الذاتي. تعريب األسماء يبدو أن التأثير الثقافي والعامل السياسي كان لهما دور كبير في تسمية العوائل الكاكائية مواليدها باألسماء العربية ،وهذا ال يعني أن هذا األمر يتعلق فقط بالكاكائية بل حتى العشائر الكوردية األخرى التي تعيش في محافظة نينوى ،إال أن الذي مييزها عن غيرها إنها كانت تريد أن تبعد نفسها عن أي شبهات لرمبا ستعود سلبا عليها ،هذا من جانب، كما كانت احلكومة تعرقل دائما العوائل في دوائر النفوس من تسمية مواليدها باألسماء الكوردية( ،)26لذا يجد املتتبع لشؤون أبناء هذه املنطقة بأن األسماء العربية هي الطاغية ،ونادرا ما جتد شخصا ً يسمي مولوده بإسم كوردي،
وخير دليل على إن الكاكائية كانت تريد حماية نفسها من سياسات احلكومة ،انه بعد سقوط النظام في سنة ،2003أخذت األسماء الكوردية بالتزايد ،إذ أن نسبة 90% من مواليدها اجلدد أخذت حتمل أسماء كوردية لم تكن معروفة سابقاً. اإلرهاب والقتل اجلماعي بعد سقوط النظام إثر العملية التي قادتها الواليات املتحدة األميركية واإلنتفاضة الداخلية في أغلب املدن، إستبشر العراقيون خيرا بزوال النظام البعثي في 9نيسان 2003الذي قبع على صدورهم مدة ( )35عاما ،وكانت الكاكائية كغيرها من القبائل والعشائر الكوردية األخرى ساعدت وبشكل واضح في إثبات الوجود الكوردي في محافظة نينوى ،إذ دخل أبناؤها منذ الوهلة األولى إلى صفوف القوات املسلحة العراقية (اجليش والشرطة) وقوات البيشمركة، فضال عن دخولهم إلى صفوف األحزاب الكوردية ،وبشكل خاص حزبي الدميقراطي الكوردستاني واإلحتاد الوطني الكوردستاني ،ومن اجلدير بالذكر إن عددا ً كبيرا ً من شباب القبيلة كانوا على إتصال سابق باألحزاب الكوردية حتى قبل سقوط النظام ولكن بشكل سري .وقد قدمت الكاكائية ضحايا في سبيل الوجود الكوردي في محافظة نينوى من خالل حماية األحياء الكوردية في مدينة املوصل عن طريق املقرات احلزبية التي إنتشرت في عموم األحياء الكوردية ،وكذلك حماية طريق املوصل – أربيل ،هذا فضال عن توزيع الربايا واملقرات في عموم املناطق التي تقطنها الكاكائية. إن هذه اإلتصاالت املتميزة بني السلطة
في إقليم كوردستان وأحزابها السياسية من جهة والكاكائية في محافظة نينوى من جهة ثانية كانت محل إستياء وغضب لدى التيارات السياسية املعادية للكورد واحلركات املسلحة والتيارات الدينية املتطرفة ،واجلدير بالذكر أن إختالف الكاكائية كطريقة دينية عن املذاهب اإلسالمية كان من األسباب اجلوهرية وراء إستهدافهم من بقايا البعثيني والتنظيمات اإلسالمية املتطرفة .وعملت بكل الوسائل على اإلنتقام من هذه القبيلة ،وبدأت أوال بقتل املنتسبني إلى األحزاب السياسية الكوردية ومنتسبي القوات املسلحة ،ومن ثم إغتيالهم للمواطنني العاديني داخل املدن واحدا بعد اآلخر ،ورمي املنشورات التي تهدد الكاكائية بالقتل في حالة عدم الرحيل عن مدينة املوصل ،وقد أسفرت هذه العمليات عن مقتل حوالي ( )50شخصاً. وقد هجرت ( )95%من العوائل الساكنة في مدينة املوصل قاصدين مدن وقصبات إقليم كوردستان مثل أربيل وخبات والكلك بالدرجة األساسية ،وقصدت عوائل أخرى قرى القبيلة ،وقره قوش وبرطلة. لم تسلم القبيلة مطلقا من تهديدات اجلماعات املسلحة املتطرفة، وكانت املنشورات تصل إلى املنطقة بني احلني واآلخر وكانت تؤكد بالدرجة األولى على اإلنسحاب من القوات األمنية الكوردية واحلكومية ،واألحزاب السياسية الكوردية وإخراج مقراتها في املنطقة، وكانت هذه املنشورات تهدد وجودهم في املنطقة ،إذ كانت تؤكد على أن هذه الطائفة أو الطريقة الدينية اخلاصة بهم مارقة وخارجة على الدين ،وحتلل قتلهم، ولم تقف هذه املسألة عند حدود التهديد
فقط ،بل نفذت اجملموعات اإلرهابية عملية أعدت لها مسبقا لتدمير أهم املراكز الدينية املتمثل مبقام السيد هياس في قرية وردك( ،)36إذ مت تفخيخه وتفجيره في ليلة 21/22كانون الثاني ،)46(2004وكان الهدف األساسي من ورائه إستهداف تكتف تلك الكاكائية في معتقدهم ،ولم ِ اجلماعات بتلك األعمال بل خططت هذه املرة لتدمير قرية وردك بالكامل كونها تعد أهم قرى الكاكائية من النواحي الدينية والسياسية ،وأكبرها من حيث احلجم السكاني ،إذ يزيد عدد عوائلها على ()400 عائلة. أعدت لهذه العملية خطة دقيقة تقوم على تفخيخ سيارتي حمل نوع قالب سكانيا بحوالي أربعة أطنان من املواد املتفجرة لكل واحدة منها وتغطيتها مبواد البناء ويقودهما إنتحاريان .ومن اجلدير بالذكر إن سكان القرية قد أقاموا حولها خندق ملنع دخول السيارات إليها منذ تفجير مقام السيد هياس ،إال عن طريق منفذين فقط ،وكانت تسيطر على املنفذ الغربي مجموعة من قوات البيشمركة، أما املنفذ اآلخر الذي هو عبارة عن جسر حديدي مقام على نهر اخلازر ،فلم تكن عليه حراسات على اعتباره يقع في اجلهة الشرقية من القرية وهي منطقة أمينة، كما أن السيارات الكبيرة ال تستطيع الدخول إلى القرية بسبب وضع عارض حديدي فوق اجلسر لهذا الغرض ،وقد إختارت اجملموعات اإلرهابية مترير السيارتني عن طريق اجلسر ،األمر الذي نبه أهالي القرية بان هاتني السيارتني مشبوهتان، ويبدو أن القائمني على هذه العملية قد تفقدوا القرية قبل تنفيذ العملية وكانوا على علم بغلق اجلسر بعارض حديدي، 81
أقواس
أقواس
82
لذلك فقد صنعوا عارضة حديدية فوق فضال عن ما ال يقل عن ( )50جريحا ً آخرين، مقدمة السيارة حتى أعلى السقف لقلع كما أدى اإلنفجار إلى تدمير عدد كبير من العارض والعبور إلى جهة القرية وفتح الدور السكنية واملمتلكات من السيارات والساحبات وغيرها(.)56 الطريق أمام السيارة الثانية. يبدو أن اخلطة كانت تقوم على تفجير السيارتني في آن واحد ،إحداهما في الشمال الشرقي من القرية ،واألخرى في اجلنوب اخلامتة الغربي من القرية إلحلاق أكبر قدر ممكن من األضرار بالقرية ،واحلقيقة إن اخلطة كانت -1إن عشيرة الكاكائية تتوزع في عدة تستهدف تدمير القرية عن بكرة أبيها وإبادة من فيها .إال أن اخلطة لم حتقق جميع محافظات عراقية ،مما جعلهم مشتتني، أهدافها ،نظرا ً إلكتشاف أهل القرية ألمر إال أن الرباط الذي يربط بني أفرادها وهو السيارتني والتصدي لهما ،وعندما عبرت العقيدة أو الطريقة الكاكائية جعلهم السيارة األولى اجلسر وكسرها للعارضة ،يظهرون كقوة تخشاها السلطات في متام الساعة الثانية عشر من ليلة 9/10والعشائر اجملاورة لها .األمر الذي حافظ أيلول ،2009وكان الفضل في إيقاظ أهل على وجودهم. القرية يعود إلى شخصني كان يقضيان -2حاولت السلطات صهرهم في ليلهما على ضفاف النهر وهما نادر مجيد وجاسم ماماخان ،إذ إنتبها إلى السيارتني ،بوتقة القومية العربية ،عندما أجبرت وأحضرا سالحهما وقاما بإطالق النار القبيلة على التسجيل ضمن القومية عليهما مما أدى إلى إيقاظ األهالي على العربية في التعداد العام للسكان صوت اإلطالقات النارية ،إال أن السيارة لسنة ،1977ومع إن هذا اإلجراء حافظ األولى دخلت القرية في محاولة للوصول على وجودهم في مناطقهم ولبى رغبة إلى اجلهة األخرى منها ،أما السيارة السلطة ،لكن األخيرة فشلت في حتقيق الثانية فقد مت مالحقتها من قبل هذين هدفها األساسي في عملية صهرهم، الشخصني في شجاعة نادرة ،مما أدى إلى السيما وأن الكاكائية متمسكة إلى أبعد ارتباك سائقها فوقعت في حفرة وعندما احلدود مبوروثها اإلجتماعي والعشائري إقتربا منها فجر االنتحاري نفسه مع والديني ،بل إن تعاليم عقيدتها كلها السيارة ،أما السيارة األولى متكن عدد من باللغة الكوردية بالتالي ليس من املمكن أفراد القرية من قتل سائقها قبل أن يفجر أن يغير ما كتب على الورق جوهر هذه نفسه .لكن انفجار السيارة الثانية أدى القبيلة الكوردية األصلية. إلى استشهاد الشخصني الذين الحقاها -3إن تهجير الكاكائية قسرا ً من فضال عن ( )17شخصا ً آخر أغلبهم من األطفال والنساء وكان من بني الشهداء مناطقهم في محافظة نينوى سنة ،1988 عائلة كاملة لم ينجوا منها سوى طفلة يدخل ضمن عملية التطهير العرقي الذي واحدة بعد أن أصيبت بإصابات بليغة ،عمد إليه نظام البعث إلبادة الكورد مبا
فيهم القبيلة الكاكائية. -4تعرضت الكاكائية إلى عمليات اإلبادة اجلماعية ،عندما مت استهدافها من قبل اجلماعات اإلرهابية كأفراد أو جماعات ، إذ مت إستهدافهم في املدن والقصبات التي يقيمون فيها أو عند زيارتهم لها للتسوق وغيرها وإستهداف قراهم بالسيارات املفخخة واإلنتحاريني -5.إن إستهداف الكاكائية قدميا وحديثا يعود إلى سببني أساسيني وهما القومية حيث اإلنتماء الطبيعي لهم للقومية الكوردية ،والدين أو الطريقة الدينية التي تختلف عن سائر املذاهب اإلسالمية األخرى مما جعلها هدفا للتيارات الدينية املتطرفة.
- 5توفير حماية أمنية كافية للمنطقة للحيلولة دون إستهدافهم من قبل اجلماعات املسلحة. - 6تعيني أفراد القبيلة من اخلريجني في دوائر حكومة اإلقليم. إن تنفيذ هذه التوصيات الواردة ستحافظ على الوجود الكوردي في املنطقة ،وستقوي من روابطها بإقليم كوردستان ،وحتول دون هجرة أبنائها للمنطقة ،إذ شهدت خالل السنوات القليلة املاضية هجرة عدد من عوائل قرى الكاكائية قاصدة مدن وقصبات إقليم كوردستان بحثا ً عن األمان والعمل.
الهوامش
التوصيات -1شمول مناطق الكاكائية في محافظة )(Endnotes نينوى باملادة الدستورية ( ،)140وتعويضهم 1الكاكائية :طريقة دينية مؤسسها اسحق بن عن عمليات التهجير وتدمير قراهم التي عيسى البرزجني (ولد في حدود سنة 725هـ أو تعرضت لها خالل سنوات 1974و1988 سنة 716هــ) ،ظهرت في منطقة هورامان ثم و 1989و ،1995وما بعد سنة ،2003إسوة إنتشرت في األصقاع األخرى ،وهي قائمة على أربعة عناصر أساسية وهي الطهارة والصدق بالعشائر الكوردية األخرى في املناطق والتواضع (نكران الذات) والقناعة .للتفاصيل الكوردستانية املستقطعة من إقليم ينظر :ته يب تاهيرى ،م َيذوو وفةلسةفةى كوردستان. سةرئةجنام :رِاظةيةك لة سةر ريَبازطةلى -2أن تعمل حكومة اإلقليم على تعريف هزرى وبيروباوةرى لة كوردستان فةرهةنطى اجملتمع الدولي ومنظمات حقوق اإلنسان يارسان ،ضابخانةى رؤذهةالت (هةول َير ،)2009 ، مبا تعرضت لها الكاكائية من تهجير ل .625-597 وتعريب وإبادة. - 3أن تقوم حكومة إقليم كوردستان 2محمد حسني محمد شواني ،التنوع االثني والديني في كركوك ،مطبعة وزارة التربية بالعمل على إحلاق مناطق الكاكائية (أربيل ،)2006 ،ص .178-175 باإلقليم من الناحية اإلدارية. -4توفير اخلدمات األساسية من قبل 3اإلبادة اجلماعية أي اجلينوسايد )(Genocide حكومة اإلقليم ملناطق الكاكائية. وتتألف هذه الكلمة من مقطعني ،األولى 83
أقواس
أقواس
84
( )Genoوتعني العائلة أو العرق أو اجلذر والثانية ( )Cideوتعني محو ،أي مبعنى محو العائلة أو العرق من الوجود ،وقد أخذت هذه الكلمة تدل في الوقت احلاضر على القوميات والطوائف الدينية واملذهبية والثقافية التي تتعرض إلى القتل اجلماعي وإحلاق الضرر مبناطق تواجدها وتخريب طبيعتها ومناخها. ساالر محمود“ ،األنفال ..مرحلة متقدمة من اإلبادة اجلماعية (اجلينوسايد) التي تعرض لها شعب كردستان” ،جريدة اإلحتاد.www//:http ، com.alitthad 4
شواني ،املصدر السابق.174-173 ،
5ال توجد إحصاءات رسمية أو خاصة قدميا أو حديثا ،السيما أن اإلحصاءات الرسمية ال تؤكد على العشائرية ،وإمنا كانت تؤكد على القومية والدين فقط ،ومبا أن أفراد هذه النحلة قد سجلوا ضمن الديانة اإلسالمية ،فليس من املمكن التعرف على عددهم احلقيقي، ومن اجلدير بالذكر أن هناك محاوالت في الوقت احلالي لغرض إجراء إحصاء خاص بأفراد القبيلة بشكل أكادميي من قبل مجموعة من املثقفني ،إال أن العمل لم ينت ِه بعد. 6حتتل هذه القرى موقعا استراتيجيا مهما، السيما في اجلانبني اإلقتصادي واألمني ،إذ تقع قريتا كزكان ووردك على اجلهة اليمنى من نهر اخلازر ،بينما تقع قرية تل اللنب في اجلهة املقابلة لقرية كزكان على النهر نفسه ،في حني أن قرية اجمليدية تقع على بعد ( )3كم تقريبا عن نهر اخلازر في اجلانب الشرقي للنهر، وهي تبعد املسافة نفسها تقريبا عن نهر الزاب الكبير في اجلانب الغربي للنهر ،وجميع أراضي هذه القرى صاحلة للزراعة بعضها سيحية وأخرى دميية .فهناك وفرة من املياه العذبة، وفي الناحية األمنية فقد كانت هذه القرى تقع على احلدود اإلدارية بني محافظتي أربيل ونينوى ،وكثيرا ما كانت احلكومة العراقية في عهد النظام البائد تنظر بعني الريبة إلى هذه املنطقة ،لذا فان من األسباب التي أدت إلى ترحيلها أو محاولة إحتوائها تكمن في هذين
اجلانبني. 7تقع قرية زنكل في اجلهة اليمنى من نهر الزاب الكبير ،بينما تقع قرية كبرلي في منتصف املسافة تقريبا بني نهر اخلازر ومدينة قره قوش. 8تقع على بعد ( )28كم جنوب شرقي مدينة املوصل ،وتعني كلمة قره قوش (الطائر األسود)، وقد شاع إستعمال هذه التسمية في عهد اإلمارات التركمانية ،ولم تكن معروفة بها قبل هذا التاريخ ،ويسميها سكانها األصليون بـ (بغديدا) حتى يومنا هذا ،ويختلف الباحثون حول معناها .للتفاصيل ينظر :جمال بابان، أصول أسماء املدن واملواقع العراقية ،مطبعة األجيال (بغداد ،)1988 ،ص .299 9إنتفض الشعب العراقي في أغلب مدن البالد ضد النظام البعثي منذ آذار ،1991السيما بعد الهزائم التي مني بها اجليش العراقي على أيدي قوات احللفاء في حرب اخلليج الثانية ،وقد متكن املنتفضون من السيطرة على اغلب مدن كوردستان واملدن الشيعية في الوسط واجلنوب .للتفاصيل ينظر :تشارلز تريب ،صفحات من تاريخ العراق ،الدار العربية للموسوعات (بيروت ،)2006 ،ص .338-331 10للمزيد من التفاصيل ينظر :خسرو كوران، الكورد في محافظة املوصل ،ترجمة وتعليق حازم هاجانى ،مطبعة حجي هاشم (أربيل، ،)2006ص .96-75 11أُسس احلزب في بغداد بتاريخ 16آب ،1946وقد حضر املؤمتر التأسيسي ( )32سياسيا كورديا كان أبرزهم صالح اليوسفي وعلي عبداهلل وحمزة عبداهلل والدكتور جعفر عبدالكرمي والدكتور سعدي االتروشي ونوري شاويس وطه محيي الدين ،فضال عن إبراهيم أحمد الذي حضر بصفة مراقب وآخرين ،وكان برنامجه في ذلك احلني يهدف إلى إقامة نظام جمهوري دميقراطي واحلكم الذاتي للشعب الكوردي. للمزيد من املعلومات ينظر :شيركو فتح اهلل
عمر ،احلزب الدميقراطي الكوردستاني وحركة التحرر القومي الكوردية ،1975-1946مطبعة رون (السليمانية ،)2004 ،ص .111-104 12الشارب :يُعد ركنا أساسيا في املوروث اإلجتماعي والقبلي والعقائدي لدى الكاكائية، لذا فإنهم ال يعمدون إلى حتليقه. 13مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب عساف درويش في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 14إنتفاضة كوالن. 15أحد أقضية محافظة نينوى ،وحوالي %99 من سكانه من القومية الكوردية ،ووفق التقسيمات اإلدارية لسنة ،1976كان قضاء عقرة يضم خمس نواحي ،ويقع القضاء في أقصى شمال شرق محافظة نينوى ويحده من الشمال نهر الزاب الكبير ومن الغرب نهر اخلازر وناحية الكلك التابعة لقضاء احلمدانية من اجلنوب .كوران ،املصدر السابق ،ص .66-57
18مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب عساف درويش في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 19مقابلة شخصية للباحث مع عدنان آغا الكاكائي رئيس القبيلة في كركوك بتاريخ 4 شباط .2013 20ولد العبيدي في قرية العبيدية التابعة لناحية احلويجة آنذاك في سنة ،1942وحصل على شهادة البكالوريوس في القانون من كلية احلقوق جامعة بغداد سنة ،1963شغل عدة مناصب إدارية أولها مدير ناحية احلرير التابعة الربيل ،ثم قائم مقام قضاء احلمدانية (-1976 ،)1979ثم قائم مقاما ً لقضاء عقرة ملدة ستة أشهر والنجف ومعاونا ً حملافظ األنبار .مقابلة شخصية للباحث معه في كركوك بتاريخ 22 شباط .2013
21يرتبط العبيدي بعالقة صداقة متميزة مع رئيس قبيلة الكاكائية ،تعود إلى مرحلة الطفولة ،وهما أخوان بالرضاعة وقد حاول جهده مساعدة القبيلة في منع ترحيلها من 1 6هو مظهر مدحت احمد ده ده من مواليد مدينة خالل نفوذه الواسع لدى السلطات البعثية كركوك سنة ،1935من عائلة مالكة ،كان من جهة ووظيفته اإلدارية وعالقاته باملسؤولني والده موظفا في السراي احلكومي (باش كاتب) اإلداريني في محافظة نينوى من جهة أخرى. بكركوك ،ليس لديه حتصيل دراسي ،عمل في مجال املقاوالت حتى سنة ،1973أصبح عضوا ً مقابلة شخصية للباحث مع رئيس قبيلة الكاكائية في كركوك بتاريخ 4شباط .2013 في غرفة جتارة كركوك في ستينيات القرن املنصرم ،ونظرا ً ملكانته اإلجتماعية ونشاطه التجاري مت إنتخابه رئيسا للغرفة ،وبقي في 22مقابلة شخصية للباحث مع السيد ناجي منصبه حتى وفاته في 12نيسان .1993نقال ً خزعل العبيدي (قائم مقام قضاء احلمدانية) في كركوك بتاريخ 22شباط .2013 عن الدكتور صالح عريبي عباس عن مقابلة له مع جنله السيد تكني مظهر في كركوك 23وردت هذه املعلومة في أقوال املشتكي احملمي بتاريخ 15أيلول .2012 رقم ( )2في اجللسة اخلامسة حملكمة اجلنايات الرابعة التي نظرت في محاكمة رموز النظام 17هو أحد وجهاء قرية وردك ،واألكثر حظوة لدى السابق في قضية التطهير العرقي .احملكمة السلطات نتيجة لنفوذه الكبير في القبيلة، اجلنائية العراقية العليا /محكمة اجلنايات كونه يرأس أكبر أفخاذ القبيلة (املظفرية) الرابعة /الدعوى رقم /1ج 2009/4في ،2009/8/2 في منطقة نينوى ،وقد أصيب بجروح عندما ص ،123نسخة من الوثيقة حصل عليها فجر اإلرهابيون سيارة حمل مفخخة يقودها الباحث من السيد مهدي صالح عبداهلل إنتحاري في القرية في سنة .2009
85
أقواس
أقواس
86
(عميد شرطة حاليا) بتاريخ ..2013/2/9 24أذاع الرئيس العراقي األسبق أحمد حسن البكر ( )1979-1968بيان مجلس قيادة الثورة في 11آذار ،1970إعترف فيه بحق الشعب الكوردي في احلكم الذاتي ضمن نطاق اجلمهورية العراقية ،وأكد البيان على إعتبار اللغة الكوردية لغة رسمية في البالد وحق التعليم باللغة الكوردية ،فضال عن اإلدارة الذاتية للمناطق الكوردية ،إال أن البنود الواردة في البيان ،طبقت بشكل جزئي وبالطريقة التي تخدم احلكومة املركزية في بغداد ،وكانت مسألة التسويف واملماطلة السمة البارزة في سياسة احلكومة املركزية ،األمر الذي أدى في النهاية إلى حدوث اإلنتفاضة الكوردية سنة .1974للتفاصيل ينظر :عمر ،املصدر السابق، ص 216وما بعدها. 25للوقوف على أسباب وأحداث احلرب العراقية اإليرانية (حرب اخلليج األولى) .ينظر :فاضل رسول ،العراق – إيران :أسباب وأبعاد النزاع ،دار سردم للطباعة والنشر (السليمانية،)2010 ، ص 92وما بعدها. 26مقابلة شخصية للباحث مع السيد جاسم محمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 27قرار مجلس قيادة الثورة املرقم ( )160في 29 آذار .1987وثيقة منشورة في :عةبدولَلاَ كةرمي مةحمود ،رةشة باى ذةهرو ئةنفال،بةرطى دووةم ،بلاَ وكراوةكانى وةزارةتى رؤشنبيرى (هةول َير ،)2004،ل .43
اإليضاحية املقدمة من قبل هيئة الدفاع عن ضحايا جرمية األنفال إلى محكمة اجلنايات العراقية العليا في القضية املرقمة /1اجلنايات الثانية ،2006/مطبعة املندالوي (أربيل،د.ت) ،ص .108-107 30البرقية رقم ( )1103املوجهة من مكتب تنظيم الشمال إلى محافظة نينوى في 4متوز ،1988 نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث. 31كتاب محافظة نينوى املرقم ( )682في 5متوز ،1988حول تشكيل جلنة لإلشراف على تنفيذ ما جاء في برقية مكتب تنظيم الشمال، نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث. 32كتاب محافظة نينوى /مديرية الشؤون الداخلية /جلنة مكافحة النشاط املعادي املرقم ( )789في 15آب 1988املوجه إلى جلنة مكافحة النشاط املعادي في قضاء احلمدانية، نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث. 33مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب عساف درويش في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 34يقع هذا اجملمع مقابل قرية صغيرة تدعى تينال ،وهي مركز ناحية بازيان التابعة حملافظة السليمانية .ملعرفة املزيد حول هذه القرية ينظر :بابان ،املصدر السابق.91 ، 35سمي كذلك نسبة إلى جبل شاهق بالقرب من اجملمع وتغطيه الثلوج في أكثر من موسم، وكان يعرف قدميا باسم (بير عمر كدرون) .بابان، املصدر السابق ،ص .77-76
28للوقوف على تفاصيل عملية األنفال مبراحلها الثمان ،ينظر :فاحت محمد سليمان ،عمليات األنفال في كوردستان العراق في ضوء مقاصد الشريعة واإلتفاقات واملواثيق الدولية، منشورات اجلمعية الثقافية واإلجتماعية (كركوك ،)2010،ص .126-93
36شكوى مرفوعة من املُرحل مهدي صالح عبداهلل (عميد شرطة حاليا) إلى أكثر من جهة من بينها حكومة إقليم كوردستان في كانون األول ،2010نسخة منها محفوظة لدى الباحث.
29هيئة الدفاع عن ضحايا األنفال ،نص الالئحة
37مقابلة شخصية للباحث مع السيد شريف
فتح اهلل فرحان (ممرض) وهو أحد أهالي قرية كبرلي في قره قوش بتاريخ 12شباط .2013 38كتاب محافظة نينوى ذي الرقم ( )973في 1988/10/4إلى محافظة السليمانية ،نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث. 39كتاب قائم مقامية قضاء احلمدانية إلى مالحظية التسجيل العقاري في احلمدانية ذي العدد س 136في ،1990/11/15نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث. 40عمدت السلطة البعثية في العراق إلى تغيير قومية العوائل التي تنتمي إلى القوميات غير العربية مبوجب إستمارات خاصة أُعدت لهذا الغرض بهدف تقليل نسبة القوميات األخرى في محافظات كركوك ونينوى وديالى من خالل سياسة الترغيب والترهيب ،إذ كانت تعد العوائل التي ت ُغير قوميتها بعدم التعرض لها ،والسماح لها بالتملك والتوظيف ،كما كانت تلجأ إلى الترهيب عن طريق تهديدها بالترحيل إلى مناطق (احلكم الذاتي) أو حرمانها من حقوق التملك والتوظيف .مما أدى ببعض العوائل إلى تغيير قوميتها ،بينما آثر البعض اآلخر منها الرحيل إلى مناطق أخرى. 41قرار مجلس قيادة الثورة ذي الرقم ( )745في ،1989/11/19نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث. 42مقابلة شخصية للباحث مع السيد جاسم محمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 43مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب عساف درويش في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 44الباحث نفسه من املرحلني إلى قرية زاكة. 45مقابلة شخصية للباحث مع السيد شريف فتح اهلل فرحان (ممرض) وهو أحد أهالي قرية
كبرلي في قره قوش بتاريخ 12شباط .2013 46ولد في قرية جم جقل التابع لقضاء خانقني في سنة ،1950حصل على شهادة اإلعدادية في خانقني سنة ،1970إستقر في مدينة أربيل سنة ،1975وشغل عدة مناصب إدارية فيها ،توفي بكركوك في 6حزيران ،2011ودفن في مقبرة اإلمام أحمد (خان أحمد) في حي املصلى .مقابلة شخصية للباحث مع إبنته أهداف فهد في كركوك بتاريخ 19شباط .2013 47مقابلة شخصية للباحث مع السيد فهمي احمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 48تريب ،املصدر السابق ،ص .336-334 49احملكمة اجلنائية العراقية العليا /محكمة اجلنايات الرابعة /الدعوى رقم /1ج 2009/4في ،2009/8/2ص ،125نسخة من الوثيقة حصل عليها الباحث من السيد مهدي صالح عبداهلل (عميد شرطة حاليا) بتاريخ .2013/2/9 50مقابلة شخصية للباحث مع عدنان آغا الكاكائي رئيس القبيلة في كركوك بتاريخ 4 شباط .2013 5 1احملكمة اجلنائية العراقية العليا /محكمة اجلنايات الرابعة /الدعوى رقم /1ج 2009/4في ،2009/8/2ص ،125نسخة من الوثيقة حصل عليها الباحث من السيد مهدي صالح عبداهلل (عميد شرطة حاليا) بتاريخ .2013/2/9 52مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم سعداهلل عبدالقادر (معلم متقاعد) في وردك بتاريخ 13شباط .2013 53كتاب جلنة شؤون الشمال املرقم ( )3024في 7 آذار ،1995نسخة من الوثيقة محفوظة لدى الباحث. 54مقابلة شخصية للباحث مع السيد فهمي
87
أقواس
أقواس
88
احمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 55مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم سعداهلل عبدالقادر (معلم متقاعد) في وردك بتاريخ 13شباط .2013 5 6مقابلة شخصية للباحث مع السيد شريف فتح اهلل فرحان (ممرض) وهو أحد أهالي قرية كبرلي في قره قوش بتاريخ 12شباط .2013 57مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم سعداهلل عبدالقادر (معلم متقاعد) في وردك بتاريخ 13شباط .2013 58مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم صالح عبداهلل (كاسب من أهالي قرية زنكل) أكمل االبتدائية في زنكل بتاريخ 12شباط .2013 59مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم صالح عبداهلل (كاسب من أهالي قرية زنكل) أكمل االبتدائية في زنكل بتاريخ 12شباط .2013 60الباحث نفسه أكمل الصفوف الثالثة األولى فيها ثم انتقل إلى قرية تل اللنب إلغالق املدرسة لعدم وجود معلم فيها ،فأكمل اإلبتدائية فيها. 6 1مقابلة شخصية للباحث مع السيد سالم سعداهلل عبدالقادر (معلم متقاعد) في وردك بتاريخ 13شباط .2013 62مقابلة شخصية للباحث مع السيد زوراب عساف درويش في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 63يعود بناء مقام السيد هياس إلى حوالي 600 سنة تقريبا ،ويقع على بعد كيلومتر واحد إلى اجلنوب من قرية وردك ونصف كيلومتر عن نهر اخلازر ،ويعد السيد هياس أحد مجددي الطريقة الكاكائية ،وله مريدين في أنحاء مختلفة من إيران والعراق ويسكن قسم من أحفاده في قريتي وردك وتل اللنب .مقابلة
شخصية للباحث مع السيد زوراب عساف درويش في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 64مقابلة شخصية للباحث مع السيد فهمي احمد عبداهلل (من أهالي قرية وردك) في قرية وردك بتاريخ 13شباط .2013 65مقابلة شخصية للباحث مع السيد يحيى قاسم فتح اهلل (مواليد )1975في كركوك بتاريخ 8شباط 2013وهو أحد مواطني قرية وردك أصيب في التفجير ،ومت عالجه في مستشفيات مدينة أربيل.
األدوار السياسية للفكراإلقتصادي املهيمن بقلم رميي هيرايرا Remy Herrera أستاذ اإلقتصاد السياسي في جامعة السوربون ترجمة املال أبو بكر زوركيزي
89
أقواس
أقواس
90
يعرف النظام الرأسمالي منذ أواخر السبعينيات أزمات حادة متتالية تكاد تعصف به ،آخرها أزمة عام 2007التي ما زالت سارية رغم التكهنات على قدرة النظام جتاوزها .هذا النص هو الفصل الثالث من كتاب Remy Herrera رأسمالية أخرى مستحيلة ،الصادر عن منشورات Syllepseعام .2010يعالج اإلقتصادي الفرنسي هيرايرا (ذو األصول اإلسبانية) إستحالة إعادة بناء الرأسمالية ،سواء على مستوى الفكرأو على مستوى املمارسة ،وهو ما يعني أن النظام أدى وظيفته التاريخية ،وأصبح بالتالي متجاوزاً، األمرالذي يفرض بدائل وإجابات صحيحة عن األسئلة الكبرى واملشاكل التي تطرحها روح العصر .يسعى هذا الفصل إلى تفسر ونقد األدوار السياسية للنظرية اإلقتصادية املهيمنة (وخاصة اجلناح احملافظ اجلديد واجلناح املتشدد)، التي تنكرعدم جدوى تدخل الدولة ،لكن تسعى إلى تبرير هذا التدخّ ل لدعم القطاع اخلاص، وتسليع املعرفة والتربية والتكوين ،وخصخصة املرافق واألمالك العامة ،مبا فيها اجليش والشرطة. يقول Herreraإن هذا الشكل من التفكير يترجم غباء وأجوبة سخيفة عن املشاكل التي تطرحلها الرأسمالية بالفعل. مقدمة لقد ب ّينا حتى اآلن أن النماذج اجلديدة للنمو قابلة للنقد اجلذري ،سواء تعلق األمر مبناهجها الالعلمية أو هشاشة أسسها النظرية ،أو الغموض الذي يعتري محاوالت اإلثبات التجريبي عند النماذج إياها ،أو بالبرامج الرجعية التي تقترحها .إن األساس ،مع ذلك ،يكمن في األدوار غير العلمية للنظرية النيو -كالسيكية التي نلمسها في السياسة النيو -ليبرالية، فرد اإلعتبار إلى تدخل الدولة ندركه هنا ،كما أكدنا ذلك سابقا ً من خالل نفي طبيعة األمالك
العمومية ،كمكون للتراث اجلماعي لإلنسانية، وعبر الصيغة الرياضية لهذه األمالك ،كأصناف رأس املال ،قابلة للخصخصة والتملك واملكافأة. لذا يبقى دورالدولة منحصرا ً فقط في تشجيع التراكم اخلاضع ملنطق الربح الرأسمالي ،وهو ما يعني هنا أن عملية حتويل األمالك العمومية إلى إنتاج داخلي النمو حتيل إلى تسليعها ليس إال. وهو ما يترجم مطابقة هذه العملية للمشروع النيو -ليبرالي املتناغم مع اخلطاب املهيمن الذي يهدف إلى تشجيع «سوق املعرفة» ،فحني تزعم الدولة أنها تقوم بضبط األسواق في إجتاه معاكس لألمالك العمومية ،أال يعني ذلك أنها تقوم بضبط نفسها ؟ وهذا يدل على أن رأس املال املعولم واملهيمن أصبح سيد املوقف بال منازع .تبقى معرفة سبب ظهور هذه النماذج الكلية ( )Macromodelesللنمو املعتمد على الذات في مكان مضبوط بدقة – في الواليات املتحدة في أواخر الثمانينيات – ومعرفة اإلجتاه الذي ميكن أن تفهم فيه عالقاتها ،على غرار التحوالت اجلارية للرأسمالية .ألجل ذلك ،يتعينّ أوال ً الكشف عن املرجعيات األيديولوجية غير املرئية لهذه النماذج مركزين على موضوع املعرفة .لقد قامت النظرية امليكرو -إقتصادية النيو -كالسيكية ،منذ أن رأت النور ،على أساس املعبد الذي يحتضن الطقوس األرثودكسية بتعميم رسالتها العقائدية املتعلقة بالتربية، ودمجت مفهوم «رأس املال البشري» في مذهبها البابوي املتطرف املتعلق باإلختيارات (الزمنية املتداخلة .) Choux Intertemporelsتقوم الرؤى النيو -كالسيكية للتربية ،وهي رؤى أثارها (كاري ستانالي بيكر ( Gary S. Beckerوآخرون ( أنظر على سبيل املثال شولتنز ،1988 ،فيGary S. :
« Becker, Kevin M. Murphy and Robert Tamura, Human Capital, Fertility, and Economic Growth», ,part II ,5 .no ,98 .Journal of Political Economy, vol ،)537-512 .pp ,1990على إعتبارأن هذه األخيرة
سلعة تكون موضوع تبادل السوق ،يضم فاعلني
عدون برامج إستثمارية، يتقنون فن احلساب ويُ ّ وذلك مبقارنة التدفقات النقدية املرتقبة مع التكاليف املباشرة وغير املباشرة املرتبطة بإنتاج «رأس املال» هذا .إن الفردوس النيو -ليبرالي، كما يعتقد ذلك احملافظون اجلدد ،يجعل الفوارق املرتبطة بتوزيع كفاءات «سوق التربية» ،التي ما هي إال نتيجة اإلختيارات العقالنية ،تذوب بهدوء. وتتم في الوقت ذاته شرعنة التوزيع الطبقي للمداخيل في اجملتمع الرأسمالي – حيث التكوين واإلنتاجية واملكافأة مرتبطة باإليجاب .فأمام هذا املعبد الذي يعطيه املذهب احملافظ زخرفة مثيرة، يحج اليوم أتباع هذه العقيدة بإنحناء وتضرع وركوع لإلحتفال بتراكم « رأس املال البشري». إن األب األيديولوجي لـ» بيكر» هو «ميلتون فريدمان» ،وكهذا األخير ،يُعتبر من ممثلي مدرسة شيكاغو ،وحاصالً على جائزة نوبل لإلقتصاد. لقد مت أكتشاف األب واألبن ،لكن من هو الفكر األصلح ؟ أوال ً :النظرية املهيمنة والتح ّوالت اجلارية للرأسمالية األب :ميلتون فريدمان رأينا أن الصيغة الرياضية التي أعطاها «رومر « Romerلإلبتكار تدمج املعارف في إقتصاد يكون فيه التقدم التقني ناجتا ً من قرارات فردية ومؤطرة بنظام البراءات « :اإلشارات التي تصدر عن السوق تؤدي دورا ً أساسيا ً في عملية تطبيق املعارف اجلديدة»Paul M. Romer, «Growth Based(. on Increasing Returns Due to Specialization», ,1990 .2 .no ,77 .American Economic Review, vol .)62-56 .ppأن املعرفة املتعلقة بالتربية ،كما يراها
« لوكاس» ،حتيل إلى رأس املال البشري القابل إلعادة اإلنتاج ومخاطبة الفرد الواحد ،إذ ال إمكان للتراكم إال عبرالقرار الوحيد للفاعل اخلاص واملتعلق باإلستثمارفي تكوينه اخلصوصي .هذه
الرؤية هي بكل صراحة النقيض لتنمية إرادوية للتربية العمومة ،فالغياب الصريح في النماذج النيو -كالسيكية إلدماج صيغة كتابية رياضية تسمح للدولة بتحمل التربية الوطنية يجد تفسيره في اإلختيارالسياسي ال أقل وال أكثر، ليس معنى ذلك أن الصيغة الرياضية لقطاع التربية العمومية في منوذج أرثوذكسي غير قابلة للتحقق – لقد سبق لكاتب هذه السطور أن بينّ في كتابات أخرى أن ذلك ممكن رياضياً. لكن حتى في هذا اإلطارالذي ال ميكن إعفاء خاصياته من املشاكل النظرية اخلطيرة ،التي سبق أن أثرناها ،فإن األكسيوماتيكية ال تأخذ في اإلعتبار قطاع التربية العمومي إال لتُخضعه لقواعد املنافسة ،وال تدع ُه يشتغل إال من خالل نظام األسعار ،كان األمر يتعلق بسوق التربية – الذي يحتاج إلى الدعم من طرف الدولة ألجل احلصول على النمو .إن روح هذا التم ّثل تأخذ بإفراط عن أفكار « ميلتون فريدمان» .واألفراد يكشفون عن رغباتهم – احلقيقية – إجتاه املرافق التربوية ،ويقومون بتسديد تلك التي توفر أرباحا ً قابلة للتملك الشخصي .بالنسبة إلى فريدمان، يُعتبر تدخل الدولة ،واحلالة هذه ،في هذا امليدان «غير ضروري» حني يهم األمر املرافق التي يوفرها السوق تلقائياً ،وهو ما يعني أنه يؤدي إلى نظام «سيئ للغاية مقارنة بالنظام الذي ميكن تطويره إذا أدى التعاون ،حتت ستار آليات السوق، الدوراملنوط به بإستمرار» .إننا نتذكر فريدمان قدم كذلك إقتراحا ً ألجل ضمان أداء «حرية اإلختيار التربوي» ،وهو إنشاء سوق للتكوين مدعومة بأموال عمومية – مبا في ذلك حساب لسلف الطلبة في األسواق املالية ... خاص ُ (Milton Friedman and Rose Friedman, Free to .pp ,1986 ,Choose (London Penguin Books .).186 يقول فريدمان « :في هذا النظام ،يتسلم اآلباء صكوك – تربية ( أو قسائم )Vouchersبقيمة 91
أقواس
أقواس
92
تعادل مجموع املبلغ أو جزءا ً من املبلغ الذي يجب أن تقوم بإنفاقه الدولة لضمان متدرس أطفالهم. كما هواحلال اليوم ،فكل املواطنني يدفعون الضرائب لتمويل التربية الوطنية ،أكان لديهم أطفال أم ال ،في مدارس عامة أو مدارس خاصة. إن الفارق األساسي يكمن في أن على اآلباء أن يختاروا اجلهة التي يرغبون في أن يدرس فيها أبناؤهم ،وأنه ال يجوزللبيروقراطيني هذا اإلختيار مكان األولياء .إن هذه املسألة نقطة حاسمة، ولهذا ،عليهم أن يحددوا املؤسسة التي ينبغي ألبناءهم ولوجها ،والتي تتطلب بالتالي نفقات أكثر .بالنسبة إلى اآلباء الذين يبعثون بأبناءهم إلى مدارس خاصة ،سيكونون معفيني جزئيا ً على األقل من اإللتزام املزدوج بتمويل تعليم أبنائهم الذي يح ّثهم على دفع الضرائب ألجل التعليم العام من جهة ،وألجل رسوم التسجيل في املؤسسة اخلاصة من جهة أخرى .ستتوفر إذن لألساتذة كاإلداريني ،الوسائل لتلبية حاجات الزبائن ،أي التالميذ». ( وهو ما تقوم به مؤسسة ميلتون وروز فريدمان للتربية اإلختيارية .أنظرMilton Friedman : and Rose Friedman, Tyranny of the status quo (San Diego, New York, London: H.B. .)1984 .Jovanovich, cop األمرإذن يتعلق ليس فقط بإستباحة امل ّلك العام للقطاع اخلاص ،لكن كذلك بدعم الدولة لهذا الشكل من التسليع ،وذلك بتمويله من جانب اجلميع .إن اآلباء الذين إلتحق أبناؤهم باملدرسة العامة سيكونون مجبرين على دفع املزيد للعائالت التي إختارت تسجيل أبنائها في املدرسة اخلاصة! هذه األطروحة ال ميكن مع ذلك إستخالصها ،بأي شكل من األشكال ،من الليبراليني الكالسيكيني-: ال من Adam Smithالذي يعي ضرورة -1 العمل على التوفيق بني ممارسة املواطنة وأداء الرأسمالية.
وال من John Stuart Millالذي عايش عن -2 قرب تنامي مطالب الطبقة العاملة خالل القرن التاسع عشر. (Adam Smith, An Inquiry into the Nature and Causes New York: Random )1776( of the Wealth of Nations and John Stuart Mill, Principles of ,)1937 ,House ,London Penguin Classic()1848( Political Economy )1985
فاألطروحة إياها تقدم في املقابل بعض الشبه مع ما يزعم قوله (فريديريك باستيا Frederic « )Bastiatالليبرالي « بدوره ،لكن من نوع آخر، يرعى مبدأ امل ّلكية اخلاصة ،ويقف في اإلجتاه املعاكس لتدخّ ل الدولة إلى حد أنه إنساق حتت تأثير رياح الرجعية التي سعت إلى تشويه الثورة الفرنسية وأنوارها .يقول باستيا « : Bastiat نتحدث كثيراً ،منذ قيام اجلمهورية ،عن تعليم مجاني .هذه هي الشيوعية املط ّبقة في فرع من النشاط اإلنساني .التعليم اجملاني ! ليس فقط التعليم اجملاني الذي ميكن طلبه من الدولة ،لكن تعد كذلك القوت اجملاني ...إلخ .لكن ماذا ؟ ألم ُ التغذية ضرورية أيضا ً ؟ لنحذر ،فالشعب يعي ذلك بال شك .نحن ضحية مفردة ،فقد قمنا بقفزة نحو الشيوعية .وألي سبب ال نقوم بقفزة ثانية وثالثة إلى أن -: تتحقق كل احلرية. -1 وكل امللْكية. -2 وكل العدالة ؟ -3 العيش أوال ً ثم التفلسف Primo vivere -4 ،deinde philosophariسيقول الشعب ،وال أعرف في احلقيقة مباذا سنجيبه «. (Frederic Bastiat, CEuvres completes (Paris: Harmonies ,6 ,tome ,)1864 ,Guillaumin and Cie .)295.economiques, p
اإلبن :كاري بيكر تعتبر نظرية رأس املال البشري ،مبفهوم بيكر،
هجوما ً مباشرا ً على التربية العامةGary S.( . Becker, Human Capital: A Theoretical and Empirical ,Approach (New York: Columbia University Press
.)1964إن الرجوع كثيرا ً إلى الوراء ّ ميكننا من أن نلمس أن جذور هذا التم ّثل تعود في الواقع إلى اآلراء حول األشكال اخملتلفة التي ميكن أن يأخذها رأس املال ،والتي باشرها في بداية القرن العشرين إيرفينغ فيشر ،الذي هو « واحد من أكبر اإلقتصاديني األوائل» والرياضيني النيوكالسيكيني، وهو أيضا ً مكتشف النظرية الكمية للنقود التي طورها (النقديون )Monetaristsمثل ّ منظري التوقعات ميلتون فريدمان ،إضافة إلى العقالنية – وفي مقدمتهم روبير لوكاس( .الذي صنف ُه شومبيتر في قمة « أكبر اإلقتصاديني العلميني في أمريكا» أنظرJoseph A. : Schumpeter, Ten Great Economists-From Marx to Keynes (London: George Allen and .)223 .p ,1952 ,Unwindمن األكثر فائدة التذكير هنا بأن فيشرهذا كان من املدافعني الشرسني عن (حتسني النسل )Ecumenismفي الواليات املتحدة .هذه األيديولوجيا (التي تبنّاها اليمني املتطرف) هي دائمة البحث الوهمي ألجل حتسني الوضع اجليني لإلنسان ،وذلك بتشجيع التناسل للحصول على بشر يحملون طبائع تكون هي ميت بأي صلة األفضل من خالل إنتقاء إختياري ال ً ملا هو طبيعي .بصرف النظر عن العقود األولى من القرن العشرين ،فقد لقيت من بع ُد احلرك ُة التي تتبنَى « علم حتسني النسل» إهتماما ً بالغاً ،إذ مت إعتماد قوانني حتسني النسل (برامج التلقيح اإلجباري والتأطير املقنن للزواج واملراقبة العنصرية للهجرة )...من -: طرف أملانيا النازية. -1 ويابان شووا عام .1945 -2 وكذلك من طرف غالبية احلكومات -3 الفدرالية للواليات املتحدة األمريكية. (Stetson Kennedy, Introduction a l>Amerique
,raciste (Paris; La Tour d>Aigues: L>Aube Julliand .)1996
وعليه ،كان فيشر أحد مؤسسي املؤسسة األمريكية لتحسني النسل ،وأول رئيس لها من عام 1922إلى عام – 1926هذه املؤسسة التي تدافع بقوة عن إقرار مراقبة النسل عند األمريكيني من قبل الدولة ،بهدف « حتسني وضع اجملتمع « .لقد كانت رغبة فيشركذلك ،كما جاء فيما يلي « :سنجعل من علم حتسني النسل العمود الفقري للكنيسة في املستقبل ،فعوض أن يدخل العلم والدين في صراع بينهما ،ينبغي أن يتكامال ويسيرا جنبا إلى جنب «. (حول العالقة بني العلم والدين ،أنظرRobert J. Barro and Rachel M. McCleary, «Religion and Economic Growth», (Mimeo), University ))2003 of Harvard (Aprilأنظر أيضا ً Bruno Lautier et Ramon Tortajada, Ecole, force de travail et salariat, Intervention en: economie Saint-Martin-d>Heres:( 10 :politique Presses universistaires de Grenoble, Paris: )1978 ,F. Maspero نالحظ أننا أبتعدنا كثيرا ً عن األفكار األصلية لـ(فالراس) ،الذي كان قلبه يخفق يسارا ً كم يعرف كل واحد منا ( وكل إنسان ذي تكوين طبيعي) .بالنسبة للقارئ الذي يرى في التقارب بني « كاري بيكر» واليمني املتطرف مبالغة ،نحيله إلى هذا اإلستشهاد الطويل لهذا الكاتب الذي يبينّ الوضوح في العالقات القائمة مع تالمذته الذين ّ تلقوا تكوينا ً في قسم اإلقتصاد – جامعة شيكاغو « :خالل زيارتي ألمريكا اجلنوبية في بداية الثمانينيات ،أثارتني املكانة التي أخذها طلبتنا القدامى .كان طلبة جامعة شيكاغو يدافعون عن -: حترير واسع النطاق لإلقتصاد. -1 وعن اخلصخصة. -2 وسياسات حترير األسواق في إقتصادات -3 93
أقواس
أقواس
94
مدارة بإحكام تتميز بنظام توزيع مزايا سياسية. وتشريع صارم حلماية العمال. -4 وتأمني صحي يخضع ملراقبة محكمة. -5 ورواتب تقاعد سخية. -6 كل هذا يتم متويله عن طريق إقتطاع ضريبي مرتفع .لقد مت إنتقاد هؤالء اإلقتصاديني املنحدرين من جامعة شيكاغو ألن التخطيط ومراقبة الدولة كانا يحظيان بدعم ،وكان من بينهم إقتصاديو املنطقة .ثم أصبح هؤالء ذوي شهرة في الوقت الذي تزعموا إصالحات رائدة في تشيلي حتت حكم « اجلنرال أوغيستو بينوشيه « ،الذي ط ّبق سياسات التحريربرعاية إقتصاديي جامعة شيكاغو .إن إرادتهم للعمل مع «بينوشيه» وتبنّيهم رؤية إقتصادية مختلفة هي أحسن األشياء التي عرفتها تشيلي .هذه اإلصالحات الثورية نتج عنها إزدهار لإلقتصاد جتاوزت تو ّقعات أساتذتهم في جامعة شيكاغو .لقد ط َبقت دول أخرى كاملكسيك وكولومبيا وغيرهما، حترير األسواق الذي نهجت ُه تشيلي واألرجنتني ( في مرحلة الدكتاتورية العسكرية) ،كنموذج لكل دول العالم غير املتقدم .كما ساهمت هذه السياسة في احلد من اإلنكماش الذي دام مدة طويلة ،وعرفت هذه الدول منوا ً سريعا ً وقد شعر أساتذتهم القدامى في جامعة شيكاغو بالفخر واإلعتزاز لهذا اجملد املستحق عن جدارة». (Gary S. Becker, «Latin America Owes a Lot to Its .))1997 9th June( «Chicago Boys», Business Week
حاز بيكر-: جائزة نوبل في اإلقتصاد عام .1992 -1 وامليدالية الوطنية للعلوم عام .2000 -2 ومؤخراً ،يوم 5تشرين الثانيم 2007 -3 منح ُه الرئيس جورج بوش اإلبن في البيت األبيض امليدالية الرئاسية للحرية ،وهي أكبر وسام مدني في الواليات املتحدة( .أنظراملوقع اإللكتروني جلامعة شيكاغو http://economics. .).uchicago.edu
لقد سبق لـ» ميلتون فريدمان» الذي أشرف على دكتوراه « بيكر» في جامعة شيكاغو أن زار تشيلي أيضا ً عام ،1975بعد اإلنقالب على الرئيس» سالفادورأ ّليندي» وكان سعيداً ،بهذه املناسبة ،مبصافحة اجلنرال بينوشيه .لقد جاءت زيارة فريدمان بعد مرورعشرين عاما ً على زيارة زميله في جامعة شيكاغو « أرنولد ك. هاربيرغر» الذي قام في عام ( 1955أي في الوقت الذي نال فيه بيكردرجة الدكتوراه حتت إشراف فريدمان) بتدشني برنامج التعاون مع اجلامعة الكاثوليكية لتشيلي من خالل ورشة عمل يُطلق عليها « احللقة الدراسية في الشؤون املالية ألمريكا الالتينية « ومن بني ثمارها تكوين الطلبة التشيليني ،خريجي جامعة شيكاغو، كـ -: جورج كواس (الذي عمل وزيرا ً للمالية -1 بني عامي 1975و .)1977 وسيرجيو دوكاسترو (الذي خلف األول -2 في املنصب نفسه بني عامي 1977و.)1982 وبابلو باراوني (وزير األقتصاد من عام -3 1976إلى عام .)1979 وخوزي بينورا (وزير األشغال من عام -4 1978إلى عام )1980وقد ُعرف بـ(إصالحه) نظام التقاعد عن طريق فرض (الرسملة )Capitalizationإلى جانب صناديق الرواتب ،ثم وزيراملعادن عام ،1981-1980و ُعرف بدفاعه عن حقوق امل ّلكية اخلاصة في قطاع النحاس( .وبهذا إستحق بينورا Pineraجائزة احلرية التي منح ُه إياها معهد احلرية ( منتدى هايك السابق) في براغ ،عام .)2005 لكن أين يُدرَج الذين خلفوا هؤالء « يسارا ً « والذين يرون أن فضل الشروط السياسية للنمو اإلقتصادي كان لـ « بينوشيه « ؟ (مثالً النيوليبرالي املتشدد « احملسوب على مدرسة الضبط « كارلوس أو مينامي ،وزير اإلقتصاد من عام 1990إلى عام .)1992
خاص. أم جامعات مقاوالت إفتراضية. -3 العقل املقدس :السوق الرأسمالية املعوملة إتفاقيات مع شركات التكنولوجيات يتعلق األمر في هذا الباب بتواطؤ ،أو ُقل بتعاون -4 اجلديدة لإلعالم التعليمي ( لفائدة زبائن يحظون بني -: بالثقة اإلئتمانية). النيوكالسيكيني. -1 أو من خالل التكوين املستمرعبر -5 والنيوليبرالية. -2 ّ لقد متكن منظرو النمو املعتمد على الذات من اإلنترنيت ( لفائدة املقاوالت). اإلستفادة من الغموض احلاصل في أطروحاتهم (Nico Hirtt, « Au Nord comme au Sud, l>offensive التي تتبنّى « سياسة التدخّ ل» ،ال للدفاع عن des marches sur l>universite», Alternatives Sud, .)11-9 .pp )2003( 3 .no ,10 .vol مرفق عمومي موسع وجيد وإمنا لدعم الدولة إن اخلطاب الثالثي فريدمان – بيكر – لوكاس هو الرأسمالية من أجل ضبط املعرفة – البضاعة نسخة مطابقة خلطاب البنك الدولي الذي يرى – من التكوين حتى اخلبر – عبر آليات السوق ، - في تقوية ميكانيومات سوق املعرفة الطريق املوجودة في غالبيتها اليوم حتت رقابة رأس املال إلى « رفاهية إقتصادية وإجتماعية « .وهو ما العابر لألوطان .إن تشجيع البحث والتربية ال نلمسه من بني أمثله عديدة ،في تقريرالتنمية فائدة منه إال بخصخصة هذين القطاعني .في في العالم الذي خصصته هذه املؤسسة لـ « عصر العوملة النيوليبرالية ،يتم ذكر الدولة ال املعرفة في خدمة التنمية « (World Bank, World لشيء إال ملنح أموال عمومية لدعم رأس املال Knowledge :1999/1998 Development Report املهيمن عاملياً .على سبيل املثال ،يصل مجموع ,for Development (Washington DC: The Bank نفقات التربية في العالم إلى أكثر من Eric Mulot, «De la compensation a la ;)1999 2000 مليار دوال ،وهو ما يعني أن جل هذه األموال يأتي reforme sociale: Les Politiques educatives من امليزانيات العمومية .إن األرباح التي تنتظرها de lutte contre la pauvrete au Guatemala», الشركات العابرة للقارات من التسليع الفائق ,)2001( 168 .no ,42 .Revue Tiers Monde, vol لهذا القطاع ،تكون مهمة .ورغم أن هذا األمر et Philippe Bayart, «Education et ,906-885.pp قوبل بالرفض ألنه مشروع فاشل ،فإن شق valorization a Cuba: Theorie et app lication», التربية في السياسات النيوليبرالية ما زال (These de doctorat, Paris, Universite de Paris يط ّبق في أشكاله اخملتلفة .تتطورجتارة التربية )2007 ,1Pantheon-Sorbonneحتت إشراف فريق بشكل غيرعادي حتت ذريعة أن املوارد العمومية من أبرز اإلقتصاديني ،يتقدمهم الثنائي -: جوزيف ستيغليتز. شحيحة ،وعلى أساس ثقل فاتورة التعليم التي -1 ولني سكير. حتملتها سابقا ً (دولة الرفاه -2 . )Etat providence ّ لقد أزدهر هذا العمل التجاري بشتّى األشكال وهما مديران سابقان في البنك الدولي .وقد مت التعامل ،في هذا الباب ،مع التكنولوجيات التي عرفتها اخلصخصة-: التعليم مرخَّ ص له بإستعمال عالمة احلديثة -: -1 اإلنترنيت. جتارية (توأمة وفتح اجملال ملؤسسات «أوفشور» -1 ... الرسائل اإللكترونية. -2 ). الهاتف النقال. جامعات مقاوالت ،أكانت تابعة -3 -2 التعليم عن بُعد. ملؤسسات عليا قدمية ،على موقع إلكتروني -4 95
أقواس
أقواس
96
موجهة إلى املستهلك وحد ُه على أساس كأنها َ رؤية فردانية ذات اإلستعمال اخلاص ،وتتأسس بصرامة على مفهوم السوق الذي يرافق التص ّورالذي تتبنّاه النظريات النيوكالسيكية. كالهما حقق إجنازا ً باهرا ً في الوقت الذي يتم تأكيد أهمية املعرفة في النمو ،وإفراغ هذه األخيرة من محتواها اإلجتماعي والتضامني، ونفي خاصيتها كملْلك جماعي قابل لإلقتسام لتُختزل في سلعة تخضع ملنطق الريح .فالدول التي حققت نتائج جيدة ،كما يس َوق لذلك أنصار النيوليبرالية « ،هي التي تستطيع حتسني أداء األسواق وإستغالل سلطة املعرفة ألجل سعادة اجلميع» .وعليه إتخذت التدابيرالتي يتم العمل بها على الشكل اآلتي -: تشجيع املنافسة واخلصخصة ،كحل -1 للعجزالذي تعرف ُه إحتكارات الدولة التي تعرقل العرض. تشجيع التعليم اخلصوصي ( .إن أفضل -2 طريقة لرفع مستوى التعليم هي اإلعتماد على القطاع اخلاص» .أنظر -44.World Bank, Ibid, pp .)61 وضع البحث العمومي حتت رقابة -3 األسواق( .يتعينّ هنا « وضع بحث التنمية حتت تأثير السوق ،وتشجيع املقاوالت للعمل مباشرة مع اخملتبرات العمومية وحتويل معاهد البحث إلى شركات مساهمة « .أنظر :املصدرالسابق نفسه). فليس مصادفة إذن أن ّ يكذب خبراء البنك الدولي ،بكثافة ،منذ عقد السبعينيات إستخدام مناذج النمو املعتمد على الذات ( كما هو األمركذلك بالنسبة إلى املنظمات الدولية األخرى للنظام الرأسمالي العاملي) كـ -: صندوق النقد الدولي. -1 ومنظمة التعاون اإلقتصادي والتنمية. -2 واملنظمة العاملية للتجارة. -3 واملفوضية األوروبية. -4
مفنّدين ذلك بأطروحاتهم على مستوى السياسة اإلقتصادية في أفق إعطاء هذه النماذج فتفحص املرجعيات النظرية طابعا ً « علميا ً « ّ يترجم بجالء املفضلة لدى هذه املؤسسات ّ ِ األدوار السياسية التي تؤديها هذه النماذج. ثانياّ : املنظرون النيوكالسيكيون ...والنيوليبراليون املناضلون رأت « نظرية النمو املعتمد على الذات « النور حتت تأثير إقتصاديني ملتزمني داخل املؤسسة الفكرية األمريكية ،التي سبق لها أن هاجمت السياسات الكينزية على نحو صارم .فأهم مؤسسيها – بإستثناء ،رمبا « بول رومر Paul M. ،« Roomerوهو حتى ال يعفى من هذا اإلستثناء – يعلنون مواقف ليبرالية صريحة سواء تعلق األمر بـ -: روبير لوكاس. -1 أو روبير بارو. -2 أو خافيير ساالمارتان. -3 األول حائز على جائزة نوبل. -4 والثاني مرشح لهذه اجلائزة. -5 أما الثالث فإن ُه ال يحظى مبثل متيزهما -6 لكنه يعلن بكل تواضع أنه واحد من اإلقتصاديني العشرين الذين يُستشهد بهم في العالم ،كما تبينّ ذلك التصنيفات البيبليوميترية ،وأنه ليس من السهل عدم اإلشارة إليه. حتى هذا املستوى من التحليل ،نكون قد قمنا بتفكيك األيديولوجيا املوارية وراء ستار األجهزة الرياضية لهؤالء اإلقتصاديني ،لنترك لهم احلديث ،ونحن على يقني أننا لم نكن مخطئني بشأن تصوراتهم للعالم ،وأن مفكري (روح العصر )Zeitgeistمن هذا الطراز ليسوا فقط نيوكالسيكيني بل هم نيوليبراليون في األساس. إذا كان بول رومر معتدال ً إلى حد ما ،فإنه كان واضحا ً فيما يتعلق بالرؤية التي ّ تؤطر أبحاثه التي صدر عنها « مقال ُه املؤسس ألطروحته «
من حكومة جورج بوش اإلبن ،ففي كتاب يحمل عنوان « الوجود للمقدس « ضم بعض مقاالته الصحافية في ( بيزنس ويك ،) Business Week يصرح مبا يلي « :أنا قلق للغاية من اإلجراءات التي إتخذها « جورج ووكر بوش « والشبيهة بـ» سياسة التدخل الصارمة « عند جورج بوش اآلب، املضرة بشروط التحفيز ،مخلفة أضرارا ً بعالم األعمال» .ال ب َّد أن نوضح في هذا الباب بالضبط أن هذا الكالم مت جتاهله ،سواء خالل حملة باراك أ وباما اإلنتخابية ،أو حني قام الرفيق بوش بتأميم قطاعات بكاملها في النظام املالي للواليات املتحدة األمريكية! هذا الكالم كان قد قيل منذ سنوات خلت أي في الزمن املشرق لليبرالية اإلقتصادية في الواليات املتحدة مبعناها الواسع. ففي الوقت الذي يحسن كاتبنا اإلعتراف بفضائل اخليارات اجلمهورية ( كقوله ّ : «متكن اإلقتصاد في عهد بوش من توفيرشغل مناسب مقابل أجر جيد» ( Robert J. Barro.» Debunking the Myths of the
عام .1986يقول رومر « :ينبغي أن تفهموا ما هو مضمر في معادالت هذا النص إلدراك ما ستخ ّلفه التكنولوجيا ،ألن قضايا املنهجية والصيغة الرياضية تسمح باإلحاطة بكل شيء .لقد قال (صولو) إن ُه يجب التعامل مع التكنولوجيا كملْك عمومي .وألجل ذلك ،يجب التمييز بني حالتني -: األولى تقول إن التكنولوجيا تسقط من -1 السماء. والثانية تفترض أن احلكومة توفر هذه -2 التكنولوجيا علناً. أعتقد أن صولو سبق وأن أثارهاتني الرؤيتني ،لكن ليس هذا هو املشكل .ما أرغب فيه هو الوسيلة التي تساعد في احلصول على مردودية متزايدة، واحلصول على عرض خاص أيضاً .إن ما حدث بني وصلت إلى اإلقتناع عامي 1986و 1990هو أني ُ بأن فرضية ملْك عمومي التي آثارها صولو لم تكن صائبة «. ( 8th November( Kerry Campaign», Business Week Paul M. Roomer, « Conversations with Economists: ))2004 Interpreting Macroeconomics», interview par B.فإنه يؤاخذ الرئيس آنذاك على سياسة http://www.stanford.< ,)1999( Snowdon et H. Vaneالتدخّ ل املفرط إلدارته وميله إلى توسيع نشاط >edu/-promer/Int_e_macro.html السلطات العمومية» ...من يجد إذن في اليمني نستنتج منطقيا ً ممّا سبق» أن رأس املال البشري كما ير عيناه ؟ طبعاً :كل هذا يدفع إلى احلنني هو بالضبط كرأس املال ،ملك خاص كسائر إلى عهد « رونالد ريغان « و « مرغريت تاتشر» األمالك :أنا متفق مع كاري بيكر في هذه في ثمانينيات القرن العشرين .ميكن لإلنسان أن النقطة». يبدي قلقه ممّا خ ّلفه هذان العمالقان لـ -: بوش. -1 وميجور. بارو « :إثبات تفوق الرأسمالية على اإلشتراكية -2 « وكلينتون. -3 وبلير. لنبدأ بـ(روبير بارو) الذي هو واحد من اإلقتصاديني -4 الثالثة من « طبقة اإلقتصاديني» الذين يُقرأ لهم لكن ميكننا أن نع ّبرعن إرتياحنا لصالبة إرث ( ريغان بكثافة ،كما يقال ،حسب مؤشر األمم املتحدة – تاتشر) ،إذ بفضل اإلرث إياه يسعنا أن نواصل لإلقتباس (أغلب املقاالت متوافرة على موقعه تقدمنا ولو حتت سلطة هؤالء األشخاص»... اإللكتروني – القسم اخملصص للعموم – أنظرRobert J. Barro, Rien n>est sacre! Paris:( : .) )2002( Barroلقد ع ّبر بارو ،كما هو حال .)139 .pp ,2004 ,Economica كثيرمن أبناء وطنه« ،عن قلقه بوجه خاص» وفي سؤال عن فريدمانن اجاب بارو « :كنا 97
أقواس
أقواس
98
نتعامل مع ميلتون فريدمانن في جامعة هارفرد، حصلت فيها على الدبلوم في أواخر التي ْ الستينيات ،كإنسان غير الئق ،مييني من (ميدل ويست .)Middle Westإن أفكاره الواردة بشأن السياسة العمومية ،كما هو األمر بالنسبة إلى تلك الواردة بقوة في كتابه (الرأسمالية واحلرية )Capitalism and Freedomلن تثير أي إهتمام ،بل تثير السخرية .لم نتمكن ،نحن طلبة الدكتوراه األشقياء ،من اإلستفادة من كل املساهمات اخل ّالقة التي كان يقترحها في مواضيع متعلقة بتمويل -: التربية اخلصوصية ( صكوك – تربية ). -1 ومعدالت اإلقتتاع الضريبي املنخفضة. -2 والتأمني اإلجتماعي اخملصخَ ص أو -3 امليزانيات املتوازنة. كثير من أفكار فريدمان الراديكالية ،التي سبق أن تقدم بها في اخلمسينيات ،أصبحت اليوم حتتل قائمة سياسات التيار املهيمن ،وبهذا يكون فريدمان قد ربح املعركة الفكرية» .ويسترسل بارو قائالً « :كان من ُحسن حظنا أنه كان لـ» فريدمان» هيئة جيدة وأنه كان واثقا ً من نفسه ليثابرعلى عمله رغم سوء املعاملة التي لقيها، منذ زمن طويل ،من جانب إقتصاديي وصحافيي اليسار .يجد اإلنسان نفسه أنه على حق ويشعر بأن ذلك هو السبيل األفضل للرد بصرامة « بارو. ويضيف بارو « :نحن اليوم كلنا فريدمانيون !» (املصدر نفسه ص .)5فيما يلي مختارات قصيرة إلستشهادات مؤسس نظرية « النمو املعتمد على الذات « : قال بارو خالل األزمة اآلسيوية « :لقد -1 إقترحت أن تتخلى كوريا اجلنوبية عن عملتها ُ الوطنية وإقرارالدوالراألمريكي مكانها .وقد ُوصفت بأني اإلمبريالي اليانكي حني دعوت بدولرة كوريا اجلنوبية إلى جانب شراء البنوك من لدن املستثمرين األجانب.».. وفيما يتعلق مبكافحة اإليدز في أفريقيا، -2
يقول بارو « :لقد تنازلت شركات األدوية حتت الضغوطات لتجد نفسها تبيع العقاقير بأثمان بخسة ،ملكافحة اإليدز .لكن هذه املبادرة الطيبة جاءت في الواقع من رغبة بعض احلكومات في السيطرة على أموال هذه الشركات ،وهي فكرة مشؤومة يسعى أصحابها إلى القضاء على مردود هذا املرض في إنتاج األدوية». وعن احلرب على العراق ،يقول :في خضم -3 العنف يغيب عن الناس ،في بعض األحيان ،اجلهد النبيل املبذول في اإلصالح في هذا البلد الذي تتزعمه الواليات املتحدة األمريكية .إن جناح أو فشل هذه املهمة – وليس وجود بعض األسلحة أوحاالت القصف املؤسفة – سيؤثر كثيرا ً في آفاق السلم والتنمية اإلقتصادية في الشرق األوسط وغيره». (املصدر السابق نفسه ،ص ،115 ،114 ،46و Barro, .)»«Debunking the Myths of the Kerry Campaign لئن كان بارو ال يتعاطف مع الدميقراطيني
األمريكيني ،فهذا شيء معروف ،وإن كان كذلك غيرمدافع عن الدميقراطية ،فإن ذلك صحيح بالفعل ،ومن دون شك ،وإن كان بدرجة أقل. يقول بارو « :لقد إقترحت بإستمرار إعادة النظر في املقاربة الرومانسية للسياسة اخلارجية األمريكية التي تهدف إلى تشجيع الدميقراطية في كل زمان ومكان .إن أبحاثي في مقارنة بالدميقراطية ،ألجل إنعاش النمو اإلقتصادي» (.)Barro, Rien n>est sacre! pp. xix سيفاجأ املرء حني يرى بارو قد أنضم إلى فهل َ موقف بيكر في موضوع الصديق الذي كان يجمعهما في تشيلي ؟ يقول بارو في هذا الباب « :ليس هناك من شك أن أداء تشيلي اإلقتصادي املتميز كان نتيجة اإلصالحات الليبرالية التي قامت بها إدارة اجلنرال بينوشيه، خالل الفترة .1989-1973أعتقد أن حدة عداء األحزاب اليسارية لـ»بينوشيه» وإستمرار هذا العداء يكمنان في جناح هذا األخير في مهمته
اإلقتصادية :ال يوجد أحد فعل مثله لتفسير تفوق الرأسمالية على اإلشتراكية» .وإذا كان هذا غير كاف ،فإن ،هناك ما يثلج الصدر ،إذ إن محكمة العدل الدولية قررت بعد رجوع اجلنرال السابق إلى تشيلي ،عدم مالحقته قضائيا ً عن جرائم مزعومة ،بحكم وضع ُه الصحي»( . املصدر السابق نفسه ،ص.)106-105 بإختصار ،بالنسبة إلى بارو ،ليس هناك شيء مقدس ...ما عدا الرأسمالية !! ساالمارتان « :الليبرالية ليست خطيئة « كان ساالمارتان تلميذا ً لـ»بارو» في جامعة هارفرد. وقد أ ّلفا معا ً حول نظرية النمو كتابا ً يُ َع ّد األكثر إنتشارا ً في العالم .وإذا كان الرجل يتمتع بروح الدعابة ،فإن ما مييزه هو دفاعه بعجرفة ( حقيقة أنه فيما يتعلق بالكفاءة ،فإن ساالمارتان قد وجد في بارو صفة األستاذ :يُعتبر كتاب ثروة األمم ألدم سميث أكبر مؤ ّلف ضم أفكارا ً بسيطة ،ولم يسبقه نظير له» .أنظر :املصدر نفسه ،ص)20 عن الليبرالية بقوله »:إنها ليست خطيئة « بل هي «الفضيلة بعينها» (Xavier Sala i Marton,» El liberalismo no es .)»pecado
يقول ساالمارتان عن معارضي العوملة « : يحدثنا هؤالء أن الالمساواة تتفاقم ،وهذا ليس صحيح» .وسأله محاوره « :أليس لديك اإلنطباع أنه كيفما كان احلال ،فإن عدد الفقراء في تزايد ؟» .فكان جوابه « :هناك أوهام خاطئة مازالت مستمرة» .سأله احملاور من جديد « :أنت متفائل جدا ً مبستقبل العالم» ،فأجاب صاحبنا « :هذا طبيبعي» .من جهة أخرى « :يقال إن عاملا ً آخر ممكن ،وهذا صحيح بإمتياز .هذا يعني ،في الواقع، أنه عوض اإلجترار املَرَضي بأن كل شيء يسير نحو األسوأ ،علينا أن نعكف على دراسة ّ مركزة لنكشف عن مشاكل حقيقية ال عن كوارث عالقة في األذهان»(املصدر السابق) .لكن هناك
في نظر ساالمارتان « ،منطقة « فيها «مشاكل كثيرة» إنها منطقة أفريقيا .أما النموذج الذي مت إختياره ،فهو منوذج نيجيريا – هذا البلد الذي أشرف فيه صاحبنا على دراسة بتكليف من صندوق النقد الدولي .يقول هذا اإلقتصادي« : تُعتبر نيجيريا البلد الذي عرف فشالً ذريعا ً في ميدان التنمية .لقد حان الوقت للقيام بإصالحات جريئة .يتعني على زعمائه أن يركزوا جهودهم على املسائل األساسية املتعلقة بتدبير مداخيل النفط». ما هو احلل الذي ميكن إقتراحه ؟ يقول ساالمارتان « :يتعني سحب أقصى مداخيل النفط املوجودة حتت رقابة القطاع العام ،وتفويضها إلى القطاع وسئل عن سبب القيام بهذه العملية اخلاص»ُ . ،فكان جوابه « :إن القطاع الذي فشل هو القطاع العام ،واملنطق يقول إن احلل يكمن طبيعياُ في اخلصخصة» .ويضيف ساالمارتان « :لقد الحظنا ،كما يقربذلك صندوق النقد الدولي ،أن املشكل األساسي هو الرشوة املتفشية في القطاع العام .ولهذا ،فاحلل هوأن األموال املكتسبة من النفط تعود مباشرة إلى املواطنني من دون املرور بالدولة .نقترح أن يتم نزع عائدات النفط من احلكومة ،وفي املقابل إعفاء هذه األخيرة من املسؤولية عن املرافق العامة، وهذا ما هو حاصل في نيجيريا منذ أعوام». (أنظر إصدارات ساالمارتانن على مدى أعوام مختلفة ،متوافرة على املوقع اإللكتروني http:// .23/www.columbia.ed
عن -: كارل ماركس . -1 وجورج بوش اإلبن. -2 قال ساالمارتان « :إن إستعمال نظريات حترض على املكائد لكتابة أو إلعادة كتابة التاريخ قد أصبح سلوك العصر .وقد قام املثقفون من وارثي 99
أقواس
أقواس
100
املاركسية بإضافة حتسينات على هذه التقنية ،لكني لن أفعل ذلك ،ألن ذلك سيكون طريقة وسبق ملاركس أن قال إن التاريخ ماهو إال صراع مبسطة بإفراط ،بل خاطئة ،لتفسيرالتاريخ «. الطبقات على الدوام ،ومعركة مستمرة بني >http://columbia.edu املست ِغلني األشرار واملست َغلني األبرياء .وعليه يدعو التفكيرالسليم إلى « إيجاد « عالقة لوكاس :األزمة ؟ « ليس هناك ما يدعو إلى القلق مع ّينة بني الذين يتخذون القرارات أو أعضاء من « عائالتهم أوبعض من أصدقائهم وشركة فاسدة روبرت إمرسون لوكاس جونيور (اإلبن) هو أستاذ (عابرة للقارات) .حني يتم القيام بهذا التقصي ،في جامعة شيكاغو ،كما كان قبله-: بيكر. يتبينّ أوتوماتيكيا ً أن الهدف الوحيد للسياسات -1 وفريدمان. اجلاري العمل بها هو تلبية املصلحة غير -2 املشروعة للطغمة احلاكمة ،وهذا ال يستدعي يرتبط أسم ُه بتعميم فرضية « التوقعات أن تكون أكثر دقة .وإن كارل ماركس من أسوأ العقالنية « – وهو تراجع في العلوم اإلقتصادية تكهنه بإنهيار الرأسمالية سمح له ،رغم ذلك ،بأن يت َّوج بجائزة نوبل – احملللني للتاريخ (إن ّ من املسائل التي تدعو إلى السخرية بفظاعة) ،وبنظرية الدورات احلقيقية – وهي كارثة فكرية فإن طريقته تبقى متأصلة مقارنة بطرق الذين حقيقية .لكن أسمه إرتبط كذلك بالصيغة أتوا من بعده .ولهذا ،فإن تأويل التاريخ بصيغة الرياضية لدور « رأس املال» في نظرية النمو التآمريبدو ضروريا ً عند دراسة السياسة اخلارجية املعتمد على الذات – وهو تراجع علمي آخر ،كما الرهنة للواليات املتحدة .من هنا نرى التشابه سبق وأن قلنا ذلك. ( Bernard Guerrien, Dictionnaire d>analyse بني-: .)1996 ,economque (Paris: La Decouverte املنهجية املاركسية. -1 واملنهجية األمريكية املضادة املتجددة .لكن أين ميكن تصنيف لوكاس سياسيا ً ؟ -2 عما إذا كان لإلضطراب أوالً ،يجب توفير عالقة ،ولو مفترضة أو صعبة في سؤال حملاوره ّ املنال ،بني شركة وعضو ما في حكومة اإلجتماعي في الستينيات تأثير فيه ؟ أجاب واشنطن .من األفضل ،هنا ،أن تكون الشركة لوكاس -: « حرب فييتنام ،...هذا لم يكن يصب في التي يتعلق بها األمر ناشطة في قطاع صناعة -1 النفط ،وباألخص منذ أن أصبح جورج ووكربوش إنشغاالتي! كان من السهل عدم إعطاء أهمية رئيسا ً ( وهو إبن عائلة مرموقة مالكة لشركات لهذا املوضوع .شيئا ً فشيئا ً أدركت ،كسائر الناس ُ نفط) .من جهة أخرى ،يتعينّ «رفع الغموض» عن أن هذه احلرب كانت قذرة (ضحك كثيراً)»(Arjo العالقة بني هذه الشركة والظاهرة التي نتحدث Klamer, Conversations with Economics: New عنها ،والدليل على ذلك كون اإلحالة إلى كبريات Classical Economists and Opponents Speak Out on the Current Controversy in Macroeconomics عائالت النفط في تكساس وللمبالغ الهائلة من . )53.pp ,1988 .(Totowa: Rowman and Littlefield األموال التي دفعتها في اإلنتخابات الرئاسية في سؤال آخر حول ما إذا كان لوكاس -2 إحاالت مبهمة .لقد ُطلب مني كتابة مقال محافظاً ،أجاب :ال أعرف ...الأعرف متاماً ،فحسب عن « املصالح اإلقتصادية للواليات املتحدة في معايير جامعة شيكاغو ،ال ميكن أن أُصنًّف في العالم» .أفترض أنهم يرغبون في أن أكتب عن أقصى اليمني املتطرف» (املصدر السابق نفسه، هذه املصالح اخلرافية الغامضة املرتبطة بالنفط، ص .)77
وهذا لم مينع ُه أن يقف – صحبة أساتذته -: ميلتون. -1 فريدمان. -2 كاري. -3 بيكر. -4 إلى جانب اإلقتصاديني الذين أعلنوا في عام « 2000دعمهم املتحمس للبرنامج الذي اقترحه جورج بوش اإلبن». ( توجد الئحة هؤالء اإلقتصاديني على املوقع اإللكتروني ملعهد فون ميز http://www.mises.org/ ./23:month-494=fullarticle.asp?record واحلال أن الشق املتعلق بالتعليم – واملعروف بخطة عمل ( – )Le Blueprintفي هذا البرنامج « لن يتأخر فيه أ ي طفل عن الدراسة» ،وهو ما أثلج صدر لوكاس ظاهرياً ،إذ كان يتنافى مع نظام تعليم عمومي أكثر عدالة وأكثر مساواة ،فهو يترجم بقساوة رؤية مشروع مجتمعي رجعي تتبنّاه دولة نيوليبرالية حبيسة أيديولوجية اإلختيار الفرداني ،والثالوث -: حرية. -1 مسؤولية. -2 فعالية. -3 من جهة أخرى ،وعلى مستوى السياسة التعليمية ،كما هو احلال بالنسبة إلى ما تدعو إليه النظرية النيوكالسيكية ،التي عاجلناها بإسهاب ،نالحظ تخصيصا ً إستثنائيا ً ألموال عمومية لتشجيع اإللتحاق باملؤسسات التعليمية « احلرة « (بفضل صكوك – تربية على اخلصوص) ،الذي يُضاف إليه التموين بالسع واخلدمات من قبل القطاع اخلاص إلى جانب هذا، موجه إلى « التالميذ هناك جهاز عقوبات شامل َّ الذين يعانون مشاكل» تساهم فيه بقوة األجهوة األيديولوجية واألجهزة الزجرية احلكومية ألجل « معرفة من يخل بالنظام» ( George W. Bush, «Blueprint, No Child Left
Behind», US Department of Education, http://www. .ed.gov/inits/nclb
ويتعينّ على املرء أالّ ينسى أنه لم يكتبه بنفسه ،وأن يزيل كل غموض عند قراءة ليبمان. أنظرPauline Limpman, «Bush>s Education Plan, : »Globalization and the Politics of Race من املؤكد أن الفكرة التي أخذ بها لوكاس عن تالمذته تبقى فريدة « :عندما أقول في دروسي إن الناس يبلورون تو َقعاتهم على أساس أن تكون مالئمة للنموذج ،فإن ذلك يع ّرضني إلنتقادات من الطلبة .يجد هؤالء ذلك عبثاً ،إذ الناس مرغمون على أن تخميناتهم ال تسعفهم». « مإذا تفعل إلقناعهم ؟» ،سأله محاوره، -1 أجاب لوكاس « :إن لدى طلبة الدكتوراه سلوكا ً مطاوعا ً نسبياً ،ويتقبلون أي شيء !». سألت ثم سأله احملاور « :هل سبق أن -2 َ نفسك ما إذا كنت على خطأ ؟ يجيب لوكاس: كنت أحيانا ً منشغالً في مشكل « طبعاً ،إذا ُ يلزمني أن افقد قدرتي على اإلحاطة بكل شيء، فإني أبدأ في التساؤل :ألم أخطئ على اإلطالق ؟ ،لكن ليس لدي الرغبة في اإلنكباب على كل هذه املشاكل «. ( Klamer, Conversations with Economists: New Classical Economists and Opponents Speak out .).the Current Controversy in Macroeconomics
ومبا أن لوكاس كان مولعا ً بالرياضيات ،فإنه يعترف بأنه لم يعرف الهرطقة « :في الواقع لم ّ أطلع على أعمالهم كثيرا ً ( بالضبط كتابات « الراديكاليني)» « .ملاذا؟ « ،يجيب لوكاس « :يالحظ أن كثيرا ً منهم منشغل بأسئلة سياسية ،أي بأسئلة غير علمية» ( أما رومر ،فقد صرح ( بشأن شومبيتر) بأن « من الصعب معرفة ما تتحدث عنه بالضبط شخصيات مثله» ،قليل من الرياضايات ؟ وكثير من الكالم ؟ « طبعا ً « واأللفاظ غالبا ً ما تكون غامضة» .أنظرRomer, « Conversations with : 101
أقواس
أقواس
102
.).»Economists: Interpreting Macroeconomics
« فهل يتعلق األمر مبا بعد الكينزيني ؟ « ،اجلواب: « في ما يخصهم ،ال أدري إن كان األمر يدعو إلى اجلد (ضحك كثيراً)» .)50 .Klamer, Ibid., pp( . « و «ما رأيكم في اللورد يوهان ماينار كينز ؟» إلي مفاجأة أن ،اجلواب « :لقد كان بالنسبة َّ أعثر على كتب منشورة باللغة األم فال أستطيع قراءتها إطالقاً .كما هو األمر بالنسبة إلى النظرية العامة لهذا اإلقتصادي ،الذي كتب بتقصير ،وأحيانا ً بال جدية وبكثير من التعسف. ال ميكن لي أن أقرأ كينز بإستمرار .إن عدم إهتمام لوكاس بالسياسة – كضمانة لعلمية أفكاره – يظهر للعيان عندما يصرح بأن « ما يتعني علينا اإلحتفاظ به من كينز ليس مساهمته في النظرية اإلقتصادية احملضة بل الدور الذي أدت ُه أفكاره للحد من توسيع اإلشتراكية «. ( Pierre Malgrange et Michel De Vroey, «Theorie et modelisation macro-economique, d>hier a aujourd>hui», Paris- Jourdan Sciences ).12.PP ,)2006( 33 .economquies (Paris), no
وفي ما يلي وجهة نظره عن األزمة املالية احلالية ،تأكيدا ً ألفكاره « :إنني أشك في الطرح الذي يقول إن ( الرهون العقارية ) تؤدي إلى نقل العدوى إلى السوق برمتها ،وإن اإلقتصاد مع ّرض خلطر الدخول في ركود .إن كنا قد فهمنا ما جرى في العشرين عاما ً األخيرة ،فإن اإلقتصاد احلقيقي عرف إستقرارا ً كبيرا ً على مستوى بنيته الداخلية .إن إقتصادنا قوي وال داعي للقلق». ( Mortgages and Monetary Policy, Wall Street .).2007/9/19 ,Journal
لقد ص ّرح جورج بوش اإلبن ،ذو معدل الذكاء املتدنّي جدا ً ،مبا قاله لوكاس بالضبط .في احلقيقة ما قاله األول ّ يذكر مبا أعلنه إيرفينغ فيشر ،هذا النيوكالسيكي الذي يدعو إلى حتسني النسل ،وقد سبق له أن صرح على النحو التالي « :قال فيشر عن أزمة « 1929ال ميكن أن يحدث شيء يشبه إنهيارا ً مالياً»(New York
».)1929/9/5 ,Timesلقد بلغت أسعار البورصة بإستمرار ما يشبه أعلى قمة في سلسلة جبلية « ( .)10.1929/17 ,New York Timesوقد صرح فيشرفي مكان آخر « :من املرجح كثيرا ً أن ينتهي إنهيار البورصة في القريب العاجل ،واألمر مسألة وقت ،أي بعد أيام قالئل على األكثر»(. (and ,1929/11/14 ,New York Times .>01_http://www.gold-eagle/editorials ثالثاً :إنقاذ الرأسمالية ...من الليبرالية املتطرفة ملاذا النظرية النيوكالسيكية اجلديدة ؟ عرفت النظرية النيوكالسيكية اجلديدة للنمو حركة جتديد في أوج الريغانية Reaganomics ،أي في الفترة التي صرح فيها رونالد ريغان مبا يلي « :في األزمة احلالية ،الميكن أعتبار احلكومة حالً ،بل هي املشكل» ((Putting American Back to Work ./http://www.americanrhetoric.com/speeches
وهي كذلك الفترة التي لوحظ فيها ،في آن واحد، وبشكل مقلق ،خارج بلدان احللف األطلسي، بطىء في اإلنتاجية اإلجمالية لعوامل اإلنتاج، التي تعرف لبرلة تصاعدية في الواليات املتحدة وظهور» املعجزة» اآلسيوية على الطريقة اليابانية ،التي نتجت منها سرعة متميزة في النمو في الدول اجلديدة التصنيع في آسيا املعروفة اليوم بالدول -: الناشئة. -1 أو التنني, -2 أو ببساطة النمور اآلسيوية. -3 س ّميت في تلك الفترة .لقد كان لدور الدولة، كما ُ الذي كان حاسماً ،في اإلحلاق التكنولوجي لهذه الدول باملكانة األولى من ضمن التفسيرات التي إهتمت بهذه الظاهرة غير العادية ،وذلك من خالل قطاعات -: بحث التنمية. -1 والتعليم . -2
والبنى التحتية. -3 إن ما أدركه الكتّاب النيوكالسيكيون النيوليبراليون األكثر» وضوحا ً « – مثل لوكاس وشركائه – هو احلاجة امللحة إلى التلطيف من رؤيتهم الرافضة للدولة بعدوانية فيما سبق، وذلك حملاولة إنقاذ النظام الرأسمالي من جتاوزات الليبرالية املتشددة .لذلك ،كانت الوسيلة األكثر جناعة هي إعادة اإلعتبار إلى الدولة مهما يكن األمر -وإن كانت هذه األخيرة موضوع إنتقادات الذعة من قبل الليبراليني املتشددين ذوي األصول الهايكية (نسبة إلى فون هايك) للمدارس النمساوية ،الذين يرغبون في إفراغ هذا اجلهاز (أي الدولة) من أدواره األساسية التي ال منازع فيها .ألن املسألة تختلف إن كان اإلنسان ي َدعي اإلنتساب إلى أيديولوجية « ميلتون فريدمان « – الذي يبدي في العمق تعارضا ً أقل جتاه أيديولوجية البارون كينز – وما يعلنه « الكالسيكيون اجلدد « املتأثرون بـ - : لوكاس. -1 وبارو. -2 لقد كتب فريدمان ،على سبيل املثال ،في الرأسمالية واحلرية ما يلي « :إن وجود السوق احلرة ال يلغي ،بالتأكيد ،احلاجة إلى حكومة بل العكس ،إنها تبقى أساسية ،لتحديد «قواعد اللعبة» واحلرص على تطبيقها»Milton Friedman,(. Capitalism and Freedom, Chicago, IL: University of .)1962 ,Chicago Press
إن املسألة تتجاوز ذلك ،فاألمر يتعلق بإلغاء األسس التي ينبني عليها حتى وجود الدولة، وذلك بأسم مبدأ سام أسم ُه حقوق امل ّلكة اخلاصة ،كما تدعو إلى ذلك الليبرالية املتشددة لدى « ميراي روثبارد « الوجه البارزفي معهد لودفيغ فون ميزس» ومع ُه حترريون ورأسماليون فوضويون آخرون .فيما يلي بعض املقاطع اخملتارة من املؤلف الرئيسي أخالق احلرية لـ( روثبارد): « تُعتبر الدولة تنظيما ً إجراميا ً فعاال ً ذا إعتبار
كبير بإمتياز أكثر من أي تنظيم آخر ،ولو تعلق األمر بـ(مافيا خاصة) كيفما كان حجمها .إن رجال الدولة يقومون بعمليات قتل ،فإن ذلك ال يعني إغتياال ً بل أنشطة محمودة تسمى «حروباً».إن الدولة تزاول إحتكار اجلرمية ،وهي جمعية تضم األشرار ليس إال .فكل فرد مدعو ليتعامل مع رجال الدولة كأنهم أعداء يتصدرون املركز األول في الوقت الراهن .إن الدولة مؤسسة غيرمشروعة إطالقاً ،تستمد قوتها من هجومها املقصود على امل ّلكية ،فال غاية حتى من وجود لهذا اجلهاز ففي مجتمع حر عن حق (يعني فوضوي) ،يرعى حقوق األشخاص وامللكية ،فإن الدولة مدعوة إذن إلى الزوال». ( Murray N. Rothbard, For a New Liberty (New York: .)1973 ,Macmillan فبناء على ما سبق ،يعتقد النيوليبراليون « املتنورون» أن الدولة الرأسمالية مدعوة إلى أن تتقوى أكثر ،وأن توسع بوفرة مجاالت أنشطتها (التي سبق لليبراليني أن أفرطوا في تأكيدها). معنى ذلك أن تدخل الدولة بقوة ال يهدف إلى تغيير بنية ملكية رأس املال لصاحلها بل العكس، أي لدعم التملك اخلاص لألمالك العمومية (التقليدية) ،وال يهدف كذلك إلى التأثير في الطلب ،وإمنا إلى تشجيع العرض على وجه اخلصوص .من ناحية أخرى ،من البديهي أن هذا التدخّ ل ال يسعى إلى تخطيط اإلقتصاد ،وإمنا إلى « ضبط « األسواق خلدمة رأس املال .قبل اإلنهيار في 2008-2007مبدة طويلة ،كان للنيوليبراليني، الذين يدعمهم العديد من احملافظني اجلدد ،إجتاه أزمات العوملة ،رد فعل قوي مبعنى أن « ضبط « األسواق املالية أصبح من جديد مشروعاً-: سواء تعلق ببناء ما يعد إجماع واشنطن، -1 كما إقترح ذلك جوزيف ستيغليتز. أو محاولة تهدئة احليوية املفرطة -2 لألسواق ،كما يرى اآلن غريسبان. أو تهدئة « أصولية « األسواق ،كما يقول -3 103
أقواس
أقواس
104
جورج سوروز. بالنسبة إليهم ،يتعلق األمر بالتأكيد بالعمل على احلد من وجود الدولة ،لكن من دون القضاء عليها متاماً ،وهو ما يفرض ،بال شك ،حتسني فكرة « ضبط « دولتي إلنقاذ رأسمالية فاشلة بإستمرار في تدبير أزمتها. ليبراليون متشددون في إجتاه معاكس لنيوليبراليني أدرك الليبراليون املتشددون جيدا ً أن النظام الرأسمالي املأزوم بنيويا ً ال ميكن إنقاذه من دون جهازالدولة .لقد سبق لـ» غريسبان» ،رئيس سابق للبنك املركزي في الواليات املتحدة – وصف ُه ميلتون فريدمان بـ»أفضل رئيس لبنك مركزي» – أن صنَف نفسه – « جمهوريا ً حترريا ً «( .ع ّبر آالن غريسبان من جهته عن تقديره للفلسفة «املوضوعاتية») .أما سوروز ،املوجود على رأس إمبراطورية مالية واملضارب الذي قل نظيره ،فهو تلميذ كارل بوبر ،هذا النمساوي اآلخر الشهير الذي شارك في عام ،1947حتت تأثير فون هايك /في إنشاء مؤسسة (مونت بولورين )Mont Pelerin Societyوهي مركز عاملي رجعي للعلوم اإلجتماعية .لقد سبق لـ» سورزو» ،رئيس « صندوق الكم ،« Quantum Fund املعروف بـ» حمالته» ضد -: اجلنيه اإلسترليني عام ,1992 -1 وضد ألبات التايلندي عام .1997 -2 أن صرح مبا يلي « :يزعم كثير من الناس أن األسواق توزع املوارد بشكل جيد ،وتؤدي أوتوماتيكيا ً إلى حاالت التوازن .أما أنا ،فأعتقد عكس ذلك ،وال أؤمن بأن األسواق في غاية الكمال .إن األسواق في حاجة دائمة إلى إجراءات تضمن لها اإلستقرار كي تتجنب حوادث خطرة .إني أعتبر األسواق غير مؤطرة مبا فيه الكفاية ،وأنه يجب تشديد تقنيتها .على العموم ،لقد أصبحت آليات السوق في مجتمعاتنا ذات أهمية مفرطة ،ولذا
لست مؤيدا ً للمبادرة احلرية» ( .)1996وأضاف سوروز من جهة أخرى « :إن النظام املالي العاملي يعاني مشاكل ذات طابع نظمي ويصعب اإلعتراف بها كما هي .إن القطاع اخلاص ال يعنيه احلفاظ على التوازن املاكرو -إقتصادي ،فهدفه هو حتقيق أقصى ربح» ( ()1998وصلت مداخيل جورج سوروز George Sorosإلى 1و 1مليار دوالر عام ،2008أما ثروته فتبلغ رمبا 11مليار دوالر). عرَّف « نورمان بودهورتز « « Norman Podhoretz النزعة احملافظة اجلديدة» على الشكل التالي « :كنا مجموعة صعيرة نسبيا ً من مثقفي اليسار ،إلتحقت ،في أواخر الستينيات ،بصفوف احملافظني ،ألنها ثارت في وجه األفكار التقدمية التي عرفت الفساد .لقد قمنا بإعادة النظر في قناعاتنا ،وقررنا أن منوقع أنفسنا بني الوسط واليمني .وإضافة « جديد neoتعني أننا من ّثل اجلديد بالنسبة إلى احملافظني ،الذين قدمنا لهم أفكارا ً جديدة .إن جوهر فكرنا يؤكد أن أمريكا جتسد قوة اخلير في العالم وهي ليست مسؤولة عن النزعة املعادية ألمريكا ،هذا التعصب الالعقالني الذي يوحي لبلدنا»( .عرَّف نورمان بودهورتز « Norman Podhoretzالنزعة احملافظة اجلديدة» في مقابلة له يوم /14أيار .2008/ميكن اإلطالع عليها ،في .)http://fr.wikipedia.org : إن اإلستنتاج املنطقي الذي ميكن فهم ُه ممّا سبق هو أن الغالبية الساحقة ،في خضم شبح النقاشات ،أصبح يكتسحها في الوقت الراهن مفكرون من اليمني :بدءا ً من األفكار التي تسمح بـ» ضبط» حتى األفكار التي تدعو إلى إلغاء جهاز الدولة بال قيد وال شرط! .لقد سبق لبعض اإلقتصاديني املرموقني الذين حتدثنا عنهم ،على غرار فريدمان ،أن إنضموا بإرتياح إلى « األرثودكسية الكينزية التقليدية « .وشيئا ً فشيئاً ،غ ّير اجلدال النظري حول دور الدولة، مجراه ليجد نفسه ،منذ عهد قريب ،ال هو بني-:
الكينزيني والنيوكالسيكيني. -1 وإمنا بني نيوليبراليني مؤيدين ملبدأ « -2 الدولة الدنيا «. وليبراليني متشددين مدافعني عن نفي -3 هذا املبدأ. لكن البد من اإلنتباه إلى أن Milton Friedman ،ميكن أن يخفي Friedmanآخر ،هو David .Friedmanتسعى أعمال هذا األخير ،وهو اإلبن « البيولوجي» لألول ،وزعيم تيار (الرأسمالية الفوضوية )Anarcho-Capitalismeفي الواليات املتحدة ،وكان قد درس هو اآلخر في جامعة شيكاغو ،إلى إثبات أن مجتمعا ً رأسماليا ً ميكن أن يشتغل على الوجه الكامل من دون جهاز دولة! سيخضع للخصخصة مجموع األنشطة التابعة للسلطات العمومية ،مبا في ذلك -: العملة. -1 والتشريع. -2 واألمن. -3 واملسافة التي تركها ميينا ً فريدمان (األب) النيوليبرالي ،وهي تبدو مع ذلك دقيقة للغاية، قد متكن من شغلها فريدمان (اإلبن) الليبرالي املتشدد ،من خالل إكتشاف جوانب من التفكير في حدودها األكثر لغزا ً للدولتية املضادة املطلقة على املستوى النظري .لنكتف مبثل واحد ،يساعدنا على تدقيق أفكارنا .يتعلق األمر بالتربية ،وبالضبط بـ(صكوك – تربية School )vouchersالتي رأى فيها ميلتون فريدمان األداة لتحقيق الشيء ذاته ،يعني حتقيق حرية « اإلختيارالتربوي» بني املدرسة العمومية واملدرسة اخلصوصية ،فيما أصبحت عند David Friedman وسيلة متهد خلصخصة كاملة للتربية (تدعو البرامج السياسية عند لوبني أو عند فيلبي في فرنسا إلى تداول « صكوك – تربية «) ،ألن في نظر هذا األخير ينبغي للمدرسة العمومية أن تخضع في مجملها للخصخصة ،وتتبعها كل املرافق العمومية ،حتت تأثير « اإلصالح» الذي تخلقه
املنافسة بني األشخاص (بل بني املقاوالت) على مستوى األسواق كلها سواء تعلق األمر-: بالبريد الذي عرف مقاوالت نقل -1 الرسائل. أو بالعدالة ،عبر شركات التحكيم. -2 أو الشرطة من خالل شركات تأمني -3 السالمة. نشير إلى لـ David Friedmanإبنا ً أسمه « باتري» بدأ يفرض أسمه (الشخصي) من خالل إنتمائه إلى حركة «الدفاع عن احلريات « أي اإلشتراكية بقي له املضادة في أقصى صورها .لكن ماذا َّ كي يدعو إلى خصخصته بعد إقتراحات والده وجده؟ نعود لنؤكد ،في شكل خامتة ،الدوراملركزي بإمتياز للدفاع الوطني – هذا « املشكل الشائك «. ( David Friedman, The Machinery of Freedom: Guide to a Radical Capitalism. (New York: Harper)1973 ,Collins
خصخصة اجليش ؟ نؤكد من جديد أن حول هذه القضية ،أي خصخصة اجليش ،إجماعا ً نظريا ً داخل التيار املهيمن في الوقت احلاضر .وهناك عدد ال باس فيه من اإلقتصاديني املتشددين املوجودين في أقصى ميني التيارالنيوكالسيكي املهيمن ،الذين ع ّبروا عن رفضهم طابع امل ّلك العام للدفاع الوطني( . ألجل النقاش حول هذه النقطة ،أنظرBrian L. :
Goff and Robert D. Tollison, «Is National Defense a .no ,1 .Pure Public Good?» Defense Economics, vol
.))1990( 2أن السؤال الذي يطرحونه هو كالتالي « :ما هي األسباب التي تدفع «املستهلك – امللزم « التابع -: لوالية واشنطن. -1 أو داكوتا الشمالية. -2 أو ملاين. -3 إلى اإللتزام بدفع ضريبة لتمويل أشياء بهدف 105
أقواس
أقواس
106
حماية احلدود بني الواليت املتحدة األمريكية واملكسيك ؟ أو متويل أهداف حماية الشيعة والكرد في العراق؟ وحسب حتليل هؤالء الكتاب فإن العبىء الضريبي الذي يتعلق األمر به يجب يتحمله سكان الواليات املعنية ،أي -: أن ّ تكساس. -1 ونيو مكسيكو. -2 وأريزونا. -3 وكاليفورنيا. -4 أما العبئ الضريبي الذي يتعلق بحماية الشيعية والكرد ،يجب أن يتحملوه هم .إن املدافعني عن احلريات من خالل الرأسمالية الفوضوية واملتمسكني بشراسة بأطروحتهم الرافضة للدولة دفاعا ً عن امللْكية اخلاصة والتبادل احلر، بإستعمال أداة نفعوية على طريقة David ، Friedmanسيؤدي بهم ذلك إلى تشجيع خصخصة الدفاع بال قيد وال شرط .يعتقد هؤالء أن الدفاع ،شأنه شأن اي ملْك خاص ،يخضع لقوانني املنافسة .هناك في السوق مقاوالت متخصصة قادرة على تقدمي السلع واخلدمات املتعلقة بالدفاع ،التي توفرها الدولة إلى اآلن، حتى يتسنى للمستهلكني اإلختيار في إنتقائها بـ» حرية» وبأفضل جودة ،قياسا ً بالثمن ،وإرتباطا ً بطلباتهم في األمن (كسلعة). -1 وبنسبة التكاليف مفارنة باألرباح. -2 إن جميع هؤالء الليبراليني املتشددين ( هناك أجنحة متعددة لهذا التيار ،منها -: األوردو -ليبرالية (لويلهيلم رويك). -1 أو والتر أوكني. -2 وشبه الهايكي (ليوهان غاولزا). -3 أو لفريدريك لوتز). -4 والتطوري – التحرري (ليرونو ليوني). -5 وتاتشرية هاريس Thatcherism de -6 .).Harris
وارثي -:
ليزاندير سبونير. -1 أو غوستاف دو موليناري. -2 وتالمذة « املتحمس لفكرة الدولة الدينا -3 « روبير نوزيك. أو « املوضوعاتي « آين واند. -4 املنضوين حتت لواء «علَم كادسدن Gadsden « Flagواحلاملني شعار» ال تتدخل فيما ال يعنيك « Don>t tread on meواحملبني للممثل كلينت إيستوود اخملترع للعالمة التجارية (Virgin )Richard Bransonإضافة إلى أنهم أعضاء أو رفاق الدرب في حزب يحتل املوقع الثالث بعد احلزب احلاكم واحلزب املعارض ،كل هؤالء ال سلطة حقيقية لهم ،حتى في الواليات املتحدة ،لكن تأثيرهم كبير .فإذا كان أنصار هذه التحاليل ،املستفزة للغاية ،موجودين بشكل ضعيف على حلبة النقاشات النظرية اجلارية – والسيما أن كثيرا ً منهم عارض احلرب على العراق ،ألن احلرب تبقى شأن الدولة ()Affaire d>etat – فإن األفكار التي يروجون لها قد إكتسحت بال شك املمارسة السياسية .على هذا النحو، فإن مشروع الليبرالية املتشددة لم يكن ،واحلالة موجها ً حتى اآلن إال لدول اجلنوب ال لدول هذه، َّ الشمال ،خاصة أن هذا املشروع ال يعني الدولة املوجودة على رأس اجملموعة األخيرة ،أي الواليات املتحدة .ففي دول األطراف ،وفي هذه األخيرة وحدهاّ ، متكن رأس املال من الهجوم في الوقت ذاته على مقومات الدولة بكاملها-: ليمس في بعض احلاالت ،وهي ليست -1 ً باإلستثنائية إطالقا ،العملة الوطنية التي يتم إستبدالها بعملة خارجية كالدوالرمثالً (إلى درجة الدولرة). أو خصخصة حتصيل الضرائب . -2 وطبعا ً تفويض تدبير الدفاع الوطني، -3 ففي اجلنوب. تتوقف عبارة « سيادة « غالبا ً على حترير -4 األسواق.
وتسديد الد ّين اخلارجي. وتأدية أرباح األسهم للمستثمرين
- 5 -6 األجانب. فهذا هو مضمون (احلكم الصالح Good ! )Governance
أو صناعة اإلعالم ،التي جتني منها أرباحا ً -3 خيالية بحكم العقود التجارية ذات الطابع العسكري. ويتعلق األمر كذلك بـ» شركات صناعات عسكرية خاصة» تقوم غالبا ً بتوفير خدمات تقنية للدولة (وملؤسسات دولية ومنظمات غير حكومية أو هيئات خصوصية أخرى) ملساعدة أو تأدية دور القوات العسكرية « النظامية « ،وذلك على شكل -: حماية املواقع ( التي حتتضن منابع -1 النفط ،على سبيل املثال). وبناء وصيانة مراكز عسكرية. -2 وتقدمي الدعم اللوجيستي. -3 والسهر على التزويد باملواد الغذائية -4 واحملروقات والعتاد أو الذخيرة. وتدريب اجليوش. -5 وتوفير التكوين العسكري. -6 والتدريب على املعارك. -7 وتسييراخملابرات. -8 وتدبير العالقات العامة ،لدى احلكومات -9 واملنظمات الدولية ... وجتدر اإلشارة هنا ،إلى إن اخلدمات التي توفرها الشركات تفرض أن تكون حتت تصرفها -: موظفون متخصصون ،من خبراء -1 ومستشارين عسكريني. وحراس خاصني. -2 ومستنطقني ومترجمني. -3 كما هو الشأن في العراق وأفغانستان ،ملواجهة « املتمردين « الذين يقاومون اإلحتالل ،وتقريبا ً في كل -: النقاط الساخنة. -1 والنزاعات احملتملة. -2 واملواقع األستراتيجية في العالم. -3 (يتعلق األمر بالشركات التالية -: .KBR -1
وليس هناك أقوى من الدولة النيوليبرالية التي وصلت إلى مراكز النظام الرأسمالي العاملي، وهي تتق ّوى بإستمرار ،حتت أشكال متعددة، ألجل خدمة هيمنة رأس املال على أحسن وجه ،فإنطالقا ً من الثمانينيات دفعت رياح النيوليبرالية ،في زمن «الريغانية» ،حكومة الواليات املتحدة إلى تفويض تدبير أنشطة كثيرة تابعة للدفاع .ومنذ احلرب على فييتنام، بدأت املقاوالت اخلاصة تساهم بشكل مكثف حتمل أعباء احلرب اإلمبريالية ( .يتعلق األمر في ّ بالشركات اآلتية -: Lockheed Martin and General Dynamics -1إلنتاج األسلحة. -2و Halliburton and Vinellللمعدات اللوجيستية. -3و Dyn Corpللنقل البحري. -4و Pacific Architects and Engineersللبنى التحتية). إن أهمية الشركات اخلاصة في اجمل َمع العسكري – الصناعي إلنتاج املعدات العسكرية كانت كبيرة في نهاية احلرب العاملية الثانية إلى درجة أن ذلك أزعج الرئيس أيزنهاور ،الذي ح َذر مواطنيه من التهديد الناجت عن تواطؤ مصالح هذه الصناعة وقادة اجليش األمريكي( .من خطاب أيزنهاور في مناسبة نهاية رئاسته للواليات املتحدة 17 كانون الثاني .)1961/واليوم ،إن أهم مزودي إدارة الدفاع في الواليات املتحدة تقودهم شركات عابرة للقارات ،تشتغل في -: قطاعات صناعة الطيران. -1 -2 والصناعة الفضائية والبحرية. -2
Halliburton
107
أقواس
أقواس - 3 -4 -5 -6 -7 -8 -9 -10
108
.Black water .Vinnell .MPRI .Control Risks ..Dyn Corp .SAIC .Custer and Battle .CACI
وبقدرما تقوم احلكومة األمريكية بخصخصة قطاعات الدفاع ،تصبح مجموعة مهمة من الشركات العسكرية اخلاصة حتت سلطة املال. إن حصة املستثمرين املؤسستيني ،اخلاضعني إلحتكارات القلة ( )Oligopoliesمن الناحيتني املصرفية واملالية ،في بنية رأس املال جملموعات التسليح الكبيرة ،متيل إلى اإلرتفاع خالل السنوات األخيرة و ينتج من ذلك أيضا ً عواقب ال تقل أهمية :تسريح مسؤولني في الدولة من قبل هذه الشركات ،واملساهمة من خالل محافظ بورصوية ملواطنني نزهاء – من دون علمهم بذلك – متهمني باإلبتزاز في في رأس مال شركات عمالء ّ كل بقاع العالم ،ومشاركة مشبوهة ملساهمني، وفضائح مختلفة ومثيرة لإلشمئزاز... يبقى السؤال حول معرفة ما إذا كانت هذه الشركات ،التي يدفع «املستهلك – امللزم « ثمنها بسخاء كبير «فعالة» ،كما ميكن إعتقاد ذلك. سنرى أن اجلواب هو بالنفي على وجه التأكيد. (Joelle Cicchini et Remy Herrera, «Societes militaries privees, La Guerre par procuration? La Cas de la guerre d>Irak», Recherches internationals, )26.pp ,2006 ,82 .no
هذه الشركات العسكرية اخلاصة ،املدمجة في أغلبها في محافظ السندات للمؤسسات املالية األمريكية الكبرى ،تبقى تابعة للدولة املهيمنة ،وفي مقدمتها دولة الواليات املتحدة وأستراتيجيتها احلربية .إن الطبيعة كما نعلم، تقاسي تراكم رأسم املال ،وإن أحد األبعاد األكثر أهمية في األزمة احلالية – التي ال تستطيع النماذج النيو -كالسيكية معاجلتها ،كما هو
الشأن في عجزها في معاجلة األوجه األخرى لألزمة ،وهو ما يفسرعجز البراديغم – اإلقتصادي النيو – كالسيكي عن إستيعاب األزمة إياها.
اإلذاعات املوجهة للدول النامية منوذج راديو سوا إعداد الباحث :ريبه ر كوران مصطفى طالب دكتوراه في اإلعالم القاهرة -مصر
109
أقواس
أقواس
110
املقدمة :اجتهت العاملية للدول النامية في اطار ثالث محاور مختلفة (السياسية واالقتصادية والثقافية)، وبالذات بعد هزمية الهيمنة االمريكية في أعقاب احداث احلادي عشر من سبتمبر ،2001 تعمل الواليات املتحدة االمريكية بانشاء وسائل االعالم املوجهة للجمهور ،وكذلك لتغيير أفكار وآراء املواطنني في تلك املنطقة ،فهذا هي بداية الغزو الثقافي أو احلرب االعالمية للقوى الغربية برئاسة الواليات املتحدة االمريكية ضد الدول النامية. بدأت احملاوالت االمريكية خملاطبة اجلمهور في العالم الثالث بهدف الغزو الثقافي عن طريق برنامج وزارة اخلارجية االمريكية بدعم ومساندة وموافقة احلكومة والكونغرس االمريكي النشاء اذاعة وقناة موجهة للمنطقة باللغة العربية ذات خدمة اعالمية (اخبارية وترفيه وتسلية)، ولذلك تأسست في سنة 2003قناة تلفزيونية متخصصة إخبارية (قناة احلرة) وإذاعة رقمية متخصصة إخبارية (راديو سوا) وتبثان خدماتهما على مدار ( )24ساعة حتى اآلن ،وجنحت في جذب اجلمهور العربي والشباب باألخص عن طريق بث املوسيقى واالغاني االجنبية والعربية. في اطار هذه الورقة البحثية يشير الباحث إلى ظهور االذاعات املوجهة بصورة عامة ،وتفسير ملكيتها وأنواعها وبرنامجها ،وخصوصا ً (راديو سوا) كدراسة حالة من ضمن االذاعات املوجهة خملاطبة اجلمهور.
اخلدمات اإلذاعية التي بدأت بداياتها في هولندا عام ( )1927لتقدمي برامج خدمة إذاعية منتظمة إلى مستعمراتها في جزر الهند الشرقية، وتقدمي برامج منتظمة موجهة إلى املستوطنني الهولنديني في عام ( ،)1929كما بريطانيا جتارب راديو ( )BBCباملوجة القصيرة في عام (،)1929 وتقدمي خدمة إذاعية موجهة باللغة اإلجنليزية عام ( ،)1932وأيضا ً فرنسا قامت بتقدمي خدمات إذاعية موجهة إلى مستعمراتها في عام (،)1931 وأخيرا ً بلجيكا قامت بتقدمي خدمة موجهة إلى مستعمراتها (الكونغو) .وقد جلأت هذه الدول الستخدام اإلذاعات املوجهة خارج حدودها ملواجهة التحديات والصعوبات التي بدأت تواجهها في مستعمراتها حيث ظهرت آنذاك احلركات الوطنية التي تنادي باحلرية واالستقالل، وظهور الدعوة إلشراك الشعوب في احلكم. تعريف االذاعات املوجهة:هي إذاعات متخصصة وتصل خدماتها إلى املستمعني مباشرة خارج حدود دولة البث، والهدف منها هو اإلستهالك اخلارجي.
اإلهتمام الدولي باإلذاعات املوجهة:جنحت الدول املستعمرة في تقدمي برامجها املوجهة عن طريق اإلذاعات املوجهة خارج حدودها ،واهتمت بعض الدول غير اإلستعمارية ببث إذاعات موجهة خارج حدودها خملاطبة رعاياها (سويسرا – تشيكوسلوفاكيا) ،وظهر اإلهتمام بهذه اخلدمة بصورة خاصة قبل وأثناء احلرب العاملية الثانية في عام ( )1939وكانت ()25 دولة قامت ببث إذاعات موجهة خارج حدودها في أعقاب احلرب العاملية ،وبعد احلرب وصلت االذاعات املوجهة إلى ( )55دولة ،وفي ظهور املعسكر الشرقي والغربي بعد إنتهاء احلرب إزداد اإلهتمام باإلذاعات نشأة اإلذاعات املوجهة:ظهرت محطات الراديو في العشرينات من املوجهة بشكل كبير وبنوعية جديدة كتعتبر القرن املاضي ،وكانت اإلذاعات املوجهة من أهم على مبادئ ومعتقدات املعسكر املعني ،وبتقدم
أجهزة البث اإلذاعي أصبحت معظم الدول في العالم تهتم بتقدمي برامج موجهة كمظهر من مظاهر السيادة واإلستقالل خملاطبة الشعوب األخرى بصورة مباشرة ،ولكن في العالم الثالث كانت الدول تخشي من هذه اإلذاعات املوجهة مما دعاها إلى فرض إجراءات مختلفة أخذت عدة أشكال (فرض احلظر على اإلستماع لتلك اإلذاعات – حرمان املواطنني من أجهزة اإلستقبال القادرة على التقاط – التشويش) ،وفي أثناء التطور التكنولوجي وظهور األقمار الصناعية زاد اهتمام العديد من الدول ببث اإلذاعات املوجهة بإستخدام األقمار الصناعية والبث رأسيا ً وال أفقيا ً دون إستخدام محطات تقوية. أنواع اإلذاعات املوجهة: /1اإلذاعات املوجهة بصيغة رسمية :هي كل إذاعات معلومة املصدر واجلهة املشرفة عليها سواء كانت دولة أو مؤسسة أو هيئة ،والفرق بني: أ -اإلذاعات الناطقة باسم الدولة ،تعمل على تقدمي سياسة الدولة وحتقيق أهدافها وتتضمن برامجها أشكاال ً معدة لإلستهالك اخلارجي، مثل: (راديو سوا -راديو لكسمبورج ـ اإلذاعات املوجهة بتونس واملغرب ومصـر). ب -اإلذاعات الرسمية التابعة للهيئات واملنظمات الدولية واإلقليمة ،تشرف الهيئات واملنظمات عليها سواء كانت دينية أو سياسية، مثل راديو األمم املتحدة – إذاعات دينية ناطقة بعدة لغات ،والهدف منها تغطية أنشطة الهيئات واملنظمات ونوعية اجلمهور بأمور دينية أو سياسية. /2اإلذاعات السرية :هي اإلذاعات مجهولة املصدر وتوجه بصفة غير رسمية وكونها غير شرعية تعمل على ترددات إذاعية غير مصرح
للعمل عليها ويصعب سيطرتها واحلكم عليها، وترتبط بحاالت األزمات واحلروب وعادة ماتشرف عليها أجهزة اخملابرات إلسقاط نظام حكم ما، مثالً في أعقاب ثورة يوليو ( )1952مبصر حيث تعرضت لتسع محطات سرية تهاجم الثورة، وقامت الثورة بتوجيه إذاعات سرية ملهاجمة تلك الدول العربية وغيرها التي تتعاون مع املستعمر وتسهل له عملية بث هذه اإلذاعات. /3اإلذاعات القرصنة :هي تشترك مع اإلذاعات السرية ومجهولة املصدر واجلهة ،وتعمل على حتقيق أهداف جتارية للجهة املشرفة عليها، مثل( :راديو كارولينا – راديو الزر) ،وتعمل بصفة غير رسمية وتبث برامجها باللغة اإلجنليزية إلى الدول األوربية. التخطيط املسبق اإلذاعي املوجه:حتديد اجلمهور املستهدف ودراسته .1 دراسة جيدة ،وتعتمد على بحوث اإلستماع إلى مستمعيها في إنحاء العالم وبناء عليها لتخطيط برامجها. حتديد اللغة التي سيتم البث بها، .2 واختيار لغة مالئمة خملاطبة اجلمهور املستهدف، وتواجه القائمني على هذه اإلذاعات مشكلة تعدد لغة املناطق املستهدفة ،ويتم التغلب باإلعتماد على مذيعي ومقدمي برامج من أبناء هذه املناطق. حتسني ساعات اإلرسال والتوقيت .3 املناسب للبث ،وتعتمد على دراسات متعددة تقيس أفضل فترات اإلستماع لدى اجلمهور املستهدف مع مراعاة فروق التوقيت بني الدولة الباثة واألخرى املستقبلة ،وتقوم السلطات العليا املشرفة على هذه اإلذاعات بتحديد ساعات اإلرسال التي توجد بينها وبني تدهور العالقات السياسية بني الدول اخملتلفة عالقة فردية. 111
أقواس
أقواس
112 والبريطاني واإليطالي عامل أساسي ملواجهة اإلذاعات وبدايتها في ( )1932حيث قامت إيطاليا ببث (راديو باري) باللغة العربية كمقدمة حلملة أيطاليا العسكرية على اجلبهة ،وإنشاء القسم العربي في راديو ( )BBCفي يناير ( )1938كرد على الدعاية اإليطالية وتفاقم الصراع بني اإلذاعتني املوجهتني باللغة العربية بشكل كبير ودفع البلدين لتوقيع إتفاقية لوقف هذا الصراع عبر االثير ،ولكن أيطاليا لم تلتزم ببنود اإلتفاقية وقامت بتوزيع أجهزة اإلستقبال مجانا ً على بعض العرب ،وهذا دفع بريطانيا إلى بث إذاعة موجهة بعدة لهجات أفريقية خاصة ،واملانيا قامت بدورها في الصراع عبر األثير ببث إذاعة موجهة باللغة العربية ذات تعدد املصالح البريطانية ،وهاجمت إذاعة (باري) األيطالية سياسات فرنسا في شمال أفريقيا ،وفرنسا قامت بتوجيه خدماتها باللغة العربية مع بداية إندالع احلرب العاملية الثانية التي شهدت إذاعات كثيرة موجهة باللغة العربية ،وبنشوب احلرب العاملية الثانية توقفت جميع اإلذاعات املوجهة باللغة العربية عدا إذاعة ( )BBCبسبب التزامات بريطانيا جتاه املنطقة ،وظلت املنطقة كلها هدفا ً لإلذاعات املوجهة بعد عودتها على املسرح الدولي عقب ظهور العديد من القوى في العالم.
إختيار القائم باإلتصال بصورة جيدة، .4 يعمل على خلق مشاركة وجدانية بني اجلمهور املستهدف والقائمني باالتصال في هذه اإلذاعات، واختيار مذيعني ومدربني من أبناء البالد املستهدفة من قبل بعض اإلذاعات املوجهة الكبرى (،)BBC مما يساعد على زيادة درجة مصداقية اإلذاعة مع مالحظة أنهم من ذوي اخلبرة في اجملال اإلعالمي وليس اختيارهم من غير التخصص كما في الدول النامية. حتديد مضمون البرامج ،ويتم حتديد .5 أهداف اإلذاعة املوجهة قبل عملية البث ،واإلملام بإحتياجات اجلمهور وإهتماماته ورغباته حتى تستطيع تقدمي برامج تصل اجلمهور املستهدف باإلذاعة بصورة جيدة ،وتعمل على ملء الفراغ الذي يلحق اإلذاعات احمللية في هذه الدول فيما تعرضه من برامج متنوعة موزعة توزيعا جيدا ً على اخلريطة اإلذاعية. مراعاة عناصر التنافس األخرى ،وبسبب .6 وجود إذاعات أخرى في املناطق املوجهة لبث اإلذاعات املوجهة الكبرى ،املفروض أن تعمل على تقدمي خدمة إذاعية متنافسة. مراعاة عوامل اجلذب اإلذاعية ،وهي .7 ترتبط بالعامل السابق حتى تستطيع التغلب على وسائل اإلعالم األخرى عن طريق نوعية برامجية معاصرة وإذاعة موسيقى وبرامج املنوعات التي يشترك فيها اجلمهور واإلبتعاد عن األسلوب الدعائي املباشر واهتمام ببرامج تعليم -أسباب توجيه إذاعات باللغة العربية خملاطبة اللغات كعامل جذب للجمهور املستهدف نظرا ً الشعوب العربية: رغبة اإلذاعات الدولية املوجهة بإضافة . 1 ألهميتها وإقبال اجلمهور على تعلمها. اللغة العربية إلى قائمة اللغات التي تستخدم أسباب جعل الدول النامية هدفا ً لإلذاعات في البث خارج احلدود نظرا ً لكثرة الناطقنيباللغة العربية. املوجهة: األهمية اإلستراتيجية للمنطقة بسبب إرتفاع نسبة األمية وإرتفاع أسعار .2 الكتب والصحف في الدول النامية تزداد العربية بالنسبة ملصالح الدول الكبرى دفعهم أهمية الراديو إلستقاء األنباء وتفسير األحداث ،إلى مخاطبة شعوب املنطقة إلستمالة و واقعية املنطقة حتت اإلستعمار الفرنسي عقولهم خاصة في فترة احلرب الباردة.
وجود عالمة مميزة بني الدول املستعمرة .3 ومستعمراتها السابقة في املنطقة العربية مما أدى إلى إمكانية بث إذاعات موجهة للحفاظ على املصالح. الصراع العربي اإلسرائيلي الذي جعل .4 املنطقة العربية ساحة لعدد من الصراعات واألزمات السياسية التي أدت إلى املزيد من اإلهتمام ببث إذاعات موجهة باللغة العربية خملاطبة شعوب املنطقة وزيادة عدد ساعات إرسالها. أهمية املنطقة العربية كسوق رائجة .5 ملنتجات الدول الصناعية الكبرى مما دفع بهذه الدول الصناعية إلى اإلهتمام ببث إذاعات موجهة ألغراض جتارية. التواجد املسيحي في املنطقة العربية .6 وما ميثله من ثقل كان سببا ً في توجيه عدة إذاعات باللغة العربية للتبشير بالديانة املسيحية. رغبة عدد من الدول اإلسالمية في .7 مخاطبة شعوب املنطقة العربية لتوثيق الصلة بينهم. أهداف اإلذاعات املوجهة باللغة العربية: /1سـياسة :مثل ( راديو سوا ) األمريكية و ( )BBCالبريطانية تبث على مدار ( )24ساعة، وإذاعة إسرائيل املوجهة باللغة العربية وإذاعة إيران أيضاً ،وباقي الدول تبث ساعات قليلة باللغة العربية ،واستخدام هذه اإلذاعات ألغراض سياسة خاصة ( )BBCفي ( إنتفاضة األقصى – 11سبتمبر – احلرب على العراق وأفغانستان )، وإنشاء املراسلني في معظم أنحاء العالم. /2جتارية :هي في املرتبة الثانية من حيث عدد ساعات اإلرسال( ،إذاعة مونت كارلو) بدأت إرسالها كإذاعة موجهة باللغة العربية في عام ( ،)1971وتبث برامجها باللغة العربية بالطابع اخلفيف وإنتشار املراسلني في أنحاء العالم والتغطية الفورية والسريعة لألحداث
واإلعالنات التجارية ،ألن املنطقة العربية قادرة وسوقا ً رائجة للعديد من منتجات الدول الغربية وخاصة املنتجات اإلستهالكية. /3دينية :تبث ( )٪6من عدد ساعات اإلرسال املوجهة باللغة العربية ،وتقوم عدة منظمات مسيحية باألشراف على توجيه عدد من اإلذاعات املوجهة باللغة العربية ألغراض التبشير والتعبير ومن اهم تلك اإلذاعات (راديو الفاتيكان – إذاعة حول العالم -إذاعة -ELWAإذاعة صوت اإلجنيل) ،وقيام إذاعات إسالمية عربية مثل: (إذاعة القرآن الكرمي) في مصر والسعودية. خصائص اإلذاعات املوجـهة باللغة العربية:نشأت هذه اإلذاعات بفكرة إستعمارية .1 وعلى أيدي الدول الكبرى اإلستعمارية في الوقت املاضي إلستقطاب الشعوب العربية. كون الشعوب العربية هدفا ً لها إال .2 أن هدفها الرئيسي يرتكز في إثارة الصعوبات والقالقل في مناطق نفوذ الدول الكبرى. إرتبطت اجلماهير العربية بهذه اإلذاعات .3 ً ً إرتباطا وثيقا نتيجة لظهور الراديو في الوقت املبكر في املنطقة العربية. لم تثبت صدارتها على الساحة سوى .4 عدد قليل من هذه اإلذاعات (لندن -صوت إسرائيل – سوا -حول العالم -برلني). اإلذاعات املوجهة باللغة العربية : /1إذاعة ( )BBCالعربية :يعتبر القسم العربي أكبر قسم في إذاعة ( ،)BBCوإنشاء القسم العربي يرجع تاريخه إلى إقدام محطة (باري) اإليطالية املوجهة باللغة العربية إلى مواجهة بريطانيا ،وباتت تقدم برامجها باللغة العربية إلى املنطقة العربية في ( 3يناير )1938بصوت املذيع املصري (أحمد كمال سرور) ،واستخدام 113
أقواس
أقواس
114
موجتني ،املتوسطة والقصيرة ،واستخدام اإلمكانيات الفنية لإلذاعة في كل من (القاهرة - فلسطني) لتقوية اإلرسال و وجود بعض محطات التقوية في (قبرص) و(ماريا) ،وحيث عمل القسم العربي على البث ( )24ساعة يوميا ً بعد أحداث ( 11سبتمبر ) واحلرب األمريكية ضد أفغانستان والعراق ،وإكتسبت إذاعة لندن العربية ثقة املستمع العربي كإذاعة مستقلة ال تقول إال احلقيقة ،ولديها عدة مكاتب رئيسية في املنطقة العربية مثل ( :مكتب القاهرة ) تبث عدد من نشراتها اإلخبارية في العالم هذا الصباح في متام الساعة السادسة بتوقيت جرنيتش ملدة خمس ساعات كل يوم ،وتصدر مجلة ( املستمع العربي ) من قبل القسم العربي باإلذاعة وتعمل على تعريف املستمعني بالبرامج ومواعيدها منذ عام ( )1938لغاية عام ( ،)1963وصدرت مجلة ( هنا لندن) بدال ً منها وتوزع مجانا وتعمل على إبراز قائمة بالبرامج التي ستذاع على مدار شهر وبعض املقاالت اخملتلفة في أوجه النشاط واحلياة. /2إذاعة لندن :تقدم البرامج بناءا ً على دراسات وبحوث حول املستمعني في املنطقة العربية إلى جانب حتليلها لرسائل املستمعني التي تبرز من خاللها آرائهم اخملتلفة فيما تقدمه من برامج إذاعية ،وتقدمي برامج (اجلوالت األخبارية – العالم هذا الصباح – الذي يستمر ساعات طويلة – والعالم هذا املساء – يستمر خالل ساعة – النشرات اإلخبارية على رأس كل ساعة – البرامج اإلخبارية – البرامج املوسيقية والغنائية – برامج املنوعات – برامج حوارية مع املستمع – برامج علمية – برامج تعليم اللغة العربية -املسلسالت واملسرحيات األدبية- البرامج الرياضية ) ،وتعمل على إتباع إسلوب التنوع في إستضافة املتحدثني وعرض اإلجتاهات
اخملتلفة سواء ميينية أو يسارية ،وتعتمد في إختيار مذيعيها ومقدميها على كوادر إعالمية تتسم باحلرفية. /3صوت أملانيا العربية :تبث على موجة قصيرة، وبدأت خدمة اإلذاعة في ( ،)1929/8/26وأهتم وزير الدعاية األملاني (جوبلز) باإلذاعات املوجهة وبالذات باللغة العربية وكون القسم العربي في عام ( )1959أنشىء من قبل (جوليش) ،وكانت مدة البث قصيرة ،عشرين دقيقة فقط لذلك إقتصرت على تقدمي األخبار والتعليقات على الصحف ،واآلن بدأت بتقدمي فترتني في الصباح واملساء بخدمات إذاعية باللغة العربية في مجال السياسة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا وصورة أملانيا في املاضي واحلاضر. /4راديو مونت كارلو العربي :بدأت هذه احملطة اإلذاعية كخدمة موجهة عام ( )1971بناءا ً على طلب من احلكومة الفرنسية للتأكيد على أهمية الصداقة بينها وبني العالم العربي، وتعتبر احلكومة هي املالك الوحيد لهذه اإلذاعة املوجهة في إطار اإلذاعات التجارية نظرا ً إلعتمادها على اإلعالنات كهدف أساس لها، وقد إزداد اهتمامها بعدد ساعات اإلرسال خاصة بعد حرب ( )1973واألحداث األخيرة في املنطقة، وبرامجهم (اإلعالنات – األخبار -الترفيهية). /5صوت أمريكا (راديو سوا) :تقدم خدماتها اإلخبارية املوجهة باللغة العربية منذ عام ( ،)1951وفي تطور العالقات العربية األمريكية ازداد عدد ساعات اإلرسال ،وتوجه برامجها باللغة العربية من جزيرة (رودوس) مباشرة إلى املنطقة العربية ،وفي عام ( )1977مت نقل اخلدمة العربية إلى اإلستوديوهات الرئيسية في واشنطن ،وتقدم برامجها في فترتني (صباحية ومسائية) وتضمن األخبار السياسية والثقافية والفنية واألدبية، وفي أعقاب أحداث (/11سبتمبر )2001/إجتهت الواليات املتحدة األمريكية إلى دراسة املنطقة بشكل جدي ودفعها إلى بث (راديو سوا) الذي
يعتمد على بث األغاني احلديثة العربية واألجنبية وتقدمي األخبار كل نصف الساعة ،وتعتمد على مذيعني يتسمون باحلرفية والتغطية اجليدة لألحداث. أوجه قصور اإلذاعات املوجهة باللغة العربيةللدول العربية « : تعتبر هذه اإلذاعات حكومية مقيدة .1 وغير جاذبة وتوجد نظرة شك في مصداقيتها. قليلة اإلمكانيات الفنية والبشرية .2 وحضورها هو مجرد تواجد فقط عى ساحة البث اإلذاعي املوجه وضعف تكنيك املستخدم وضعف محطات التقوية. ال تعتمد على البحوث والدراسات .3 التعليمية التي حتدد للمسئولني مكانة إذاعتهم في ظل املنافسة أو مدى جناح اإلذاعة في الوصول إلى هدفها والوقوف على أذواق اجلماهير اخملتلفة. إهتمت مبخاطبة بعض املناطق في .4 العالم دون ترتيب يتفق ومصالح الدول العربية، وتقدم البرامج باللغة اإلجنليزية والفرنسية والعبرية والعربية خاصة. لم تقم هذه اإلذاعات على أساس .5 التخطيط واللغة املستخدمة وعدد ساعات البث املوجه وحتديد املناطق املستهدفة ،وعدم وجود تنسيق بني هذه اإلذاعات يقلل من أهمية تواجدها على الساعة الدولية . عوملة الثقافة و راديو سوا بعد أحداث ( )2001/9/11في نيويورك و واشنطن، كان الكثير من السياسيني والدبلوماسيني واملثقفني في الواليات املتحدة االمريكية يطالبون باهتمام أكثر لوسائل االعالم (السمعية
والبصرية واملقروءة وااللكترونية) ،والقصد في هذا النمط اجلديد هو اإلساءة لصورة العرب واالسالم على الساحة العاملية ،وتقرر سياسيا ً وعسكريا ً ودبلوماسيا ً للحرب ضد االرهاب، وثقافيا ً تعمل ملواجهة العرب باحلرب االعالمية من أجل الغزو الفكري لدى الشباب و إيجاد املتعاطفني مع الثقافة االجنلو أمريكية ،وتساعد اجلهات والطوائف املعارضة في اطار انظمة احلكم في املنطقة العربية لتحقيق حقوقهم السياسية والثقافية والعلمية ،و وجود واحلفاظ على الهيمنة االمريكية وحماية اسرائيل في املنطقة. في هذا االطار قامت أمريكا بانشاء اذاعة موجهة باللغة العربية لتغطية أهم االحداث العاملية والعربية في اجملال السياسي وتذيع االغاني واملوسيقى االجنبية والعربية ،وقناة فضائية متخصصة في نشر االخبار باللغة العربية موجهة ملنطقة الشرق االوسط. عندما قرر مندوب اللوبي االسرائيلي في مجلس أمناء االذاعات الدولية األمريكية البليونير اليهودي األمريكي نورمان باتيز اغالق القسم العربي بإذاعة صوت امريكا بحجة أنه ال يصل ببرامجه إال لنسبة ( )%2فقط من املستمعني العرب تخلص من معظم الكفاءات االذاعية والتليفزيونية وكانت غالبيتهم من املذيعني واملذيعات املصريني ونصب على رأس االذاعة البديلة (راديو سوا) الشابني اللبنانيني املتبرعني بخدمة أهداف اسرائيل واليمني احملافظ املتطرف في الواليات املتحدة ولذلك لم يكن غريبا أن ميتد التشكيل اجلديد إلدارة تلك االذاعة ليشمل مديرا يهوديا للبرامج واملوسيقى اسمه بيرت كالينمان أكد في أحد االجتماعات أنه لو جنح راديو سوا في استمالة عشرة من الشباب العرب كل يوم بغسل أدمغتهم من خالل مزيج من املوسيقى الشبابية العربية واملوسيقي الشعبية الغربية ودس السم في العسل من خالل نشرات اخبار 115
أقواس
أقواس
116
سريعة تتسم باالنحياز إلسرائيل وتبرير كل املواقف األمريكية املساندة لها فستكون اذاعة سوا قد وصلت إلي قلوب وعقول نسبة كبيرة من الشباب العربي على مدى عدة أعوام .وسرعان ما أطل من اسرائيل بسمومه على الهواء مراسل لراديو سوا يعمل مع املوساد االسرائيلي اسمه يوني بن مناحم ومن خالل تعيني عشرات من اللبنانيني املسيحيني ودس حوارات مصطنعة تروج لألفكار االباحية حتت عنوان <سوا تشات> أي دردشة مع مستمعي سوا ،واختراع اسئلة يتم من خالل االجابة عليها تبرير السياسات االسرائيلية واألمريكية مهما كانت مستفزة وعدائية وعدوانية حتت عنوان <سؤال اليوم> والتحريض ضد النظم العربية للتمهيد إلعادة رسم خريطة الشرق األوسط من خالل برنامج يسمي <املنطقة احلرة> ومقابالت تعكس وجهة نظر أمريكا واسرائيل ،تصور القائمون على راديو سوا أنهم وصلوا إلى عقول وقلوب الشباب العربي. ومن املعروف أن يد كبار رأس املال اليهودي موجودة في الشركات أو الهيئات اخلاصة للمؤسسة االعالمية املوجهة ،مبعنى برنامج مدروس سياسيا ً ومدعوم اقتصاديا ً و لتحقيق أهداف احلرب االعالمية ضد املواطن العربي ،وهكذا راح مهندس الغزو اإلعالمي األمريكي البليونير اليهودي نورمان باتيز الذي اشترى مكانه في االشراف علي االذاعات األمريكية الدولية بتبرع قدره ( )318الف دوالر حلملة الرئيس كلينتون االنتخابية وبتبرعات سخية للسيناتور جوزيف بايدن الذي كان يرأس جلنة العالقات اخلارجية مبجلس الشيوخ ومت تغرميه ( )75الف دوالر النتهاكه قوانني متويل االنتخابات األمريكية وراح باتيز يكيل االنتقادات لإلعالم العربي ويتهمه بالتحريض على معاداة امريكا ومعاداة السامية وفي نفس الوقت يشيد يوميا باجنازات راديو سوا وكيف أنها اصبحت االذاعة األولى التي
يستمع إليها الشباب في معظم الدول العربية ومع أن مصر كانت من الدول القليلة التي لم تستجب للضغوط األمريكية مبنح راديو سوا محطة إف إم لتبث سمومها من خاللها فإن باتيز يصر من خالل ما يصفه ببحوث الرأي العام التي جتريها شركات يدفع لها على أن نسبة عالية من الشباب املصري تقبل على االستماع لراديو سوا وتعتبرها مصدرا لالخبار املوثوق بها ولكن جلنة كلفها الكوجنرس األمريكي بتقييم فاعلية جهود الدبلوماسية العامة األمريكية في الشرق األوسط ترأسها املساعد السابق لوزير اخلارجية األمريكية السفير ادوارد جيرجيان قدمت تقريرا إلى الكوجنرس يفيد بأن اذاعة سوا استمالت جمهورا من الشباب لالستماع إلى مزيج من املوسيقى العربية والغربية لكنها أخفقت في تغيير عقول أو قلوب هؤالء الشباب . وتبرير السياسات األمريكية واإلسرائيلية بأخبار متحيزة وتعبيرات منتقاة بعناية لتبديل املوروث الثقافي العربي واالسالمي علي طريقة دس السم في العسل. اصبح اختيار موفق حرب لكل من يلتحق بالعمل في راديو سوا أو في احلرة ينحصر في اللبنانيني خاصة من اتباع املذهب املاروني أو من اعالم حزب الكتائب ويشترط أن يكون من يختارهم يتسمون مبعاداة فكرة الوحدة والقومية العربية واستقالل العالم العربي عن النفوذ األجنبي ويفضل في اختياره أنصار التطبيع مع إسرائيل. ويستعني موفق حرب في رسم السياسة البرامجية مبخرج أمريكي يهودي اسمه <بيرت كالينمن> كان يعمل في ترويج األغاني الشعبية األمريكية وسبق ان استعان به نورمان باتيز في خطة فاشلة لغزو عقول وقلوب الشباب الروسي عقب انهيار االحتاد السوفيتي من خالل نفس املزيج من االغاني الشعبية الغربية في محطة خاصة اسمها (راديو ماكسيم) سرعان ما اغلقت ابوابها بعد ان تنبه لها املنافسون من
االذاعيني الروس فأسسوا محطات وطنية على غرارها وحذروا املستمعني من الدس في اذاعة ماكسيم وناشدوهم االستماع إلى األغاني الغربية احملببة في محطات روسية .وخرج كالينمن وباتيز يجران اذيال الفشل من روسيا ليطال برأسيهما بتجارب مماثلة اآلن مع راديو سوا واحلرة وراديو (فاردا) املوجه باللغة الفارسية إلى ايران .ويتكرر سيناريو املقاومة االعالمية اآلن في عدد من الدول العربية مثل األردن ومصر واملغرب وغيرها التي ادركت أن بوسعها وقف الغزوة االعالمية األمريكية بافتتاح محطات Fm للموسيقى الشبابية لتحول دون وقوع الشباب العربي في فخ راديو سوا وكان أوضح مثال على ذلك افتتاح اجليش األردني لعدة محطات Fm بعنوان فن اف ام غطت ارجاء األردن بعد أن واصل القائمون على راديو سوا االدعاء بأن اذاعتهم اصبحت االذاعة األولى في األردن ،بل ان الشباب العراقي جلأ ورغم ظروف االحتالل األمريكي الى شراء كاسيتات كوكتيل األغاني لتجنب االستماع إلي راديو سوا. راديو سوا * نشأة االذاعة: نشأت اذاعة سوا املوجهة للمنطقة باللغة العربية بعد أحداث ( ،)2001-9-11والتي تذيع برامج اخبارية وأغاني أجنبية وعربية. * الهدف من االذاعة : هذه االذاعة تعمل من أجل جذب اجلمهور العربي والشباب بصورة خاصة ،وهدفها سياسي، وحتاول تغيير آراء ومعتقدات املواطن العربي أمام العالم االسالمي ،في هذا االطار «برت كلينمان» -رئيس قناة «احلرة» ،مستشار «راديو سوا» الرئيسي ،املسؤول عن اإلستراتيجية األمريكية املمتدة في الشرق األوسط ومنطقة
اخلليج -فهو يؤمن بضرورة إدراك الشرق األوسط للموقف األمريكي في الشؤون العاملية؛ وكذلك يؤمن بضرورة الوصول إلى اجلماهير الشابة التي يسهل التأثير فيها؛ ويكفيه فخرا ً بأن «راديو سوا» يجتذب جمهورا ً عربيا ً يصل إلى ()15 مليون مستمع .وبصورة عامة االمريكان يحاولون استخدام قدرات ضخمة في اجملال االعالمي ،وإن العمل اإلعالمي األمريكي يتطلب تنسيقا ً بني الدوائر السياسية والدبلوماسية واإلعالمية عبر بعثات وفود واستضافة هيئات عربية دبلوماسية وإعالمية يكون معها العمل جاريا ً لتحديد األهداف وتقوية وتعزيز النتائج التي تدعم العملية السياسية .فقد كتب الفشل لكل اجلهود التي أهملت دور املتلقي لإلعالم ولذا يجب تعزيز اإلهتمام باإلعالم. وفي اطار الوسائل االعالمية املؤثرة للجمهور العربي إختار الواليات املتحدة االمريكية اذاعة موجهة باللغة العربية ذات منط سريع وتبث اخلدمات السياسية والترفيهية معا ،وتعتبر جتربة حتويل برنامج ( راديو صوت أميركا ) إلى ( راديو سوا ) جتربة مهمة ومن املبكر احلكم على هذه التجربة .فإن راديو سوا ببرامجه وموسيقاه الشرقية تبدو أنها تكسب الكثير من عشاق هذا الفن وجماهير واسعة أخرى بني الشباب الذين يدفعهم الفضول للتعرف على املوسيقى والثقافة األوروبية واألمريكية ،ولدى الراديو قدرات محدودة مع هذه النجاحات في تغطية األخبار واملضي إلى أمام في أسلوب بضع دقائق أخبار لكل ساعة تسلية ،فيكون من املبكر أن نقول أن هذه احملطات تبدو وكأنها محطات فاشستية أو أنها توحي للمذيعني مبسؤوليات سياسية كبرى. ومن ضمن اآلليات التي استخدمها األمريكيون: ما يسمى بالدبلوماسية األهلية والتواصل مع املثقفني واملفكرين في العالم اإلسالمي وبناء املراكز الثقافية ،وأيضا ً وسائل اإلعالم ويبرز 117
أقواس
أقواس
118
في هذا السياق راديو «سوا» وفضائية «على الهوى سوا» وكلها تعمل على الترويج للنموذج األمريكي في اجملتمعات املسلمة وبالتحديد لدى عنصر الشباب ومن خالل مخاطبتهم بلغة الشهوة واللذة والغريزة. وبدأت الواليات املتحدة األمريكية بعد حربها في العراق بإعادة النظر بكثير من سياساتها، وبدأت بوضع تصورات سريعة ملعاجلة اخللل في العالقة الثقافية التي تربطها بالدول اإلسالمية. ومحطة راديو سوا كانت البداية ملشاريع ثقافية كثيرة تسعى الواليات املتحدة إلى حتسني صورتها بها في العالم اإلسالمي .راديو سوا استقطب الكثير من الشباب العربي واملسلم. كما قدمت للمشاهد العربي محطة تلفزيونية بالعربية توجهه للبالد العربية واإلسالمية. وحتاول من خالل هذه األدوات الثقافية توصيل املعلومة احلضارية عن الدور األمريكي في العالم. كما بدأت الواليات املتحدة باستدعاء كثير من اخملرجني السينمائيني للعمل على ابتكار طرق تلمع الصورة األمريكية. راديو سوا خدمة إذاعية من خدمات اإلذاعة الدولية األمريكية التي يشرف عليها وميولها مجلس أمناء اإلذاعات الدولية وهو أحد الوكاالت التابعة للحكومة األمريكية .ويشرف مجلس األمناء على مكتب اإلذاعات الدولية ويزوده باإلرشادات ،ويتولى مهمة احلارس حلماية االستقالل املهني لإلذاعيني وضمان أمانتهم .ومن بني املبادئ املرشدة لراديو سوا أن خدمة مصالح الواليات املتحدة على املدى الطويل تتم من خالل االتصال اجلماهيري املباشر باللغة العربية مع شعوب الشرق األوسط عن طريق الراديو. ويسعى راديو سوا ليحظى باحترام املستمعني ويجذب انتباههم .وسيلتزم راديو سوا في تقدمي األخبار بالدقة واملوضوعية والشمول.
تعريف االذاعة:يسعى «راديو سوا « إلى التواصل الفعال مع الشباب العربي في منطقة الشرق األوسط عن طريق تزويدهم بآخر األخبار واملعلومات واملواد الترفيهية التي تُبث عبر محطات ( )FMواملوجات املتوسطة املنتشرة في جميع أرجاء املنطقة. يركز «راديو سوا» في نشراته اإلخبارية على إذاعة أحدث األخبار الدقيقة املتعلقة مبنطقة الشرق األوسط والواليات املتحدة وبقية أرجاء العالم. ويلتزم « راديو سوا» باملعايير الصحافية الدقيقة وسوق األفكار احل ّرة واحترام ذكاء املستمعني وثقافتهم وبتقدمي برامج إذاعية عصرية تتسم باحليوية والنشاط والتطلع إلى املستقبل .وتبث شبكة «راديو سوا» باللغة العربية على مدى 24 ساعة يوميا ولسبعة أيام في األسبوع .وبدأت بث برامجها في 23مارس (آذار) من عام .2002 ويتم إعداد األخبار والبرامج في استوديوهات «راديو سوا» في واشنطن العاصمة ودبي في اإلمارات العربية املتحدة ،فضال عن مكاتبها اإلخبارية املنتشرة في مختلف أنحاء الشرق األوسط .وتتبع شبكة « راديو سوا « ملكتب اإلذاعات الدولية األميركية ويتم متويلها من قبل الكونغرس األميركي. ادارة االذاعة:تدير إذاعة «راديو سوا» مؤسسة شبكة الشرق األوسط لإلرسال (Middle East Broadcasting ))Network (MBNوهي مؤسسة غير جتارية ال تبغي الربح املادي وميولها الشعب األميركي من خالل الكونغرس وتتلقى هذا التمويل بواسطة مجلس أمناء اإلذاعات الدولية (The ))Broadcasting Board of Governors (BBG وهي وكالة فدرالية مستقلة تتمتع بإدارة ذاتية وتعنى بحماية االستقالل املهني ونزاهة اإلعالم واإلعالميني العاملني في املؤسسات التابعة لها، وتبث إذاعة «راديو سوا» على مدى 24ساعة
يوميا ً ولسبعة أيام في األسبوع. مواصفات التوظيف في االذاعة « : مذيعوا األخبار ومحررون باللغة العربية القدرة على إعداد وإنتاج وإذاعة نشرات • إخبارية وبرامج إذاعية باللغة العربية بصورة مهنية. صوت إذاعي جيد ومقدرة على اإلذاعة • باللغة العربية. خبرة ال تقل عن سنتني في مجال اإلذاعة • والتحرير اإلذاعي في إحدى املؤسسات اإلعالمية املعروفة في املنطقة. توخي التوازن الصحافي عند تناول • املواضيع وامللفات املعقدة في البرامج واملواد اإلذاعية. تنسيق التغطيات اإلخبارية بالتعاون • مع مراسلي «راديو سوا» املنتشرين في الشرق األوسط ومناطق أخرى من العالم. إجراء مقابالت إذاعية باللغتني العربية • واالجنليزية مع مصادر ذات صلة باألحداث السياسية واالقتصادية والعلمية والثقافية التي تهم املنطقة. القدرة على إدارة التغطيات املباشرة • واألخبار العاجلة وبث مواد مسجلة خالل البرامج اإلخبارية. العمل وفقا جلدول مناوبة في فترات • متعددة خالل الليل والنهار ،والعمل في أيام نهاية األسبوع والعطل الرسمية. إملام بكيفية استخدام الكومبيوتر • والتعامل مع البرامج العديدة اخلاصة بكتابة وحترير وإنتاج املواد اإلذاعية. اإلملام بتاريخ وحضارة الشرق األوسط • واملتابعة املستمرة ألهم التطورات السياسية واالقتصادية واالجتماعية في املنطقة. الراتب والفوائد حسب اخلبرة والكفاءة. •
مواصفات التوظيف في موقع االذاعة:يغطي موقع «راديو سوا» على اإلنترنت ( )Radiosawa.comأحدث األخبار الدقيقة املتعلقة مبنطقة الشرق األوسط والواليات املتحدة وبقية أرجاء العالم ،باإلضافة إلى املقابالت اخلاصة والبرامج اإلذاعية العصرية وأخبار الرياضة والثقافة والعلوم والفنون .ويبث موقع «راديو سوا» على مدى ( )24ساعة يوميا ً ولسبعة أيام في األسبوع. خبرة ال تقل عن ثالث سنوات في مجال • الصحافة العربية املطبوعة أو املسموعة أو املرئية أو صحافة اإلنترنت. اإلملام التام بقواعد التحرير الصحفي • وكتابة األخبار والعناوين وقواعد اللغة العربية. اإلملام التام بتطورات األحداث في الشرق • األوسط ومعرفة دقيقة بالقضايا الساخنة في العالم. معرفة جيدة باللغة اإلجنليزية وقدرة • على الترجمة إلى العربية من وكاالت األنباء العاملية. خبرة في استخدام الكمبيوتر والطباعة • باللغة العربية. الراتب والفوائد حسب اخلبرة والكفاءة. • النهاية:اذاعة سوا املوجهة هي محاولة فعالة ومدروسة جلذب اجلمهور العربي والشباب باالخص ،ومحاولة جلذب االعالميني العرب للعمل في تلك االذاعة، والتي ذات امكانية عالية ،ولها طابع خاص لتغطية وإذاعة نشرات االخبار في (السرعة والدقة واحليوية) ،وتذيع األغاني واملوسيقى الشرقية والغربية بني نشرات االخبار.
119
أقواس
أقواس
120
* املصادر واملراجع: /1سامي شريف ،قضايا في االعالم الدولي( ،القاهرة :دار النهضة العربية .)2007 - /3حنان يوسف ،تكنولوجيا االتصال ومجتمع املعلومات، (القاهرة :أطلس للنشر واالنتاج االعالمي – الطبعة الثانية – .)2006 /4اياد شاكر البكري ،عام 2000حرب احملطات الفضائية، (القاهرة :دار الشروق للنشر والطبع – .)1999 /5توماس لي ماكفيل – االعالم الدولي ..النظريات واالجتاهات – وامللكية – ترجمة :د .حسني محمد نصر – د .عبداهلل الكندي( ،القاهرة :دار الكتاب اجلامعي – الطبعة االولى – .)2005 /6صادق الرابح ،االعالم والتكنولوجيات احلديثة( ،العني: دار الكتاب اجلامعي للنشر – الطبعة االولى – .)2004 /7د .حسنني شفيق ،االعالم االلكتروني( ،القاهرة :رحمة برس للطباعة والنشر – الطبعة الثانية – .)2006 /8د .حسنني شفيق ،االعالم االلكتروني بني التفاعلية والرقمية( ،القاهرة :رحمة برس للطباعة والنشر – .)2007
األسرة القزجلية إحدى األسر العلمية في كوردستان مابني 1380-1240هـ محمد جالل ابن عارف الباني
121
أقواس
أقواس
122
شهد التاريخ قدميا ً وحديثا ً أنه قد نبغ في كوردستان بجميع أقطارها :شرقا ً وغربا ً جنوبا ً وشماال ً فطاحل اليحصى عددهم في عجالة من العلماء األفذاذ كانوا بحق مناذج عظيمة من املراجع العلمية وأصحاب املدارس االسالمية التي كانت مبثابة جامعات ومصادر علمية كبرى ظلت منتشرة في شتى بقاع كوردستان. فكان من أهم مهماتها نشر العلوم االسالمية بكافة أصنافها وأطيافها الى جانب مختلف املعارف اإلنسانية واألدبية واحلكمية في منهج رصني مج ٍد تخَّ رج على ظله مئات األلوف من هؤالء األعالم ،وعديد من األجيال فيما بعدهم متاشيا ً ومراحل التطورات املعرفية والتوجهات العلمية التي ربمّ ا امتدت من فيوضاتها نحو شتى األقطار اجملاورة لكوردستان في حقب تاريخية زاهرة. واليزال التاريخ يحمل بعض آثار تلكم الثروة العلمية وهي ماثلة أمام اجلميع في عشرات االالف من اخملازن واملكتبات التي متتلكها اليوم دول العالم املتحضر في الشرق وفي الغرب، رغم أن الكثرة الكاثرة منها قد ضاعت وفقدت خالل كوارث الدهر التي طاملا حلت بكوردستان، وكذلك نتيجة عجز ذات اليد في عهود علمائها عن امتالك آالت النشر املستخدمة في أيامنا هذه. وأنا في هذه العجالة أريد إملامة قصيرة تاريخية بنموذج رائع من متأخري هؤالء العظام من علماء كوردستان -وهو العالمة املفضال االستاذ (املال محمد القزجلي) أحد أحفاد العالمة املشهور (املال علي القزجلي) نسبة ألسرته الى (قزجلة) إحدى قرى غربي مدينة (ث َينجويَن) من كوردستان اجلنوبي .ولد فيها املال علي حوالي 1240هـ وتوفي بـ(تورجان) قرية قرب مدينة مهاباد الكوردية من كوردستان الشرقية سنة 1295هـ ،وكان هو أحد أبرز تالمذة العالمة املال فيضي (املفتي
الزهاوي) املولود في السليمانية سنة 1208هـ، والذي رابع جده كان (فقي احمد الدارشماني) من سليل أمراء بابان ،وكانت احلكومة العثمانية قد أختارته مفتيا ً للديار العراقية ملا يناهز أربعة عقود الى أن توفي ببغداد فدفن بجوار مدرسته املعروفة هناك باملدرسة (السليمانية) .وقد ورث هذه املدرسة أخيرا ً حفيده العالمة الشيخ أمجد الزهاوي .وأيضا ً تتلمذ العالمة املال علي يايى) القزجلي على استاذه العالمة (املال محمد َ الذي كان مدرسا ً مبدرسة (مسجد سور) في مدينة مهاباد آخذا ً منه إجازته العلمية ،فانتدب للتدريس مبدرسة (قرية تورجان) فصار قبلة أنظار طالب العلم لعصره ،وتخرج عليه علماء نابغون ومنهم :املال عبداهلل ثيرةباب ،ذلك العالم البارع في الرياضيات بفروعها الثالثة-احلساب ،واجلبر، والهندسة -وفي علم الهيئة. ومن أشهر من تخرج على العالمة املال علي القزجلي بعد املال عبداهلل آنف الذكر وثالثة من مشاهير العلماء اآلخرين :األول :املال سيد حسن (الضؤرِي) أحد أحفاد العالمة الشهير املال أبوبكر املصنف ،الثاني :املال عبداهلل الداغستاني العالمة الزاهد من قفقازيا ومن مريدي الشيخ سراج الدين النقشبندي .الثالث :العالمة الشهير (املال عبدالرحمن الثينجويني) هذا. وقد ترك املال علي القزجلي مايربو على ستني أثرا ً علميا ً قيما ً إال أن معظمها لم يحظ بالطبع والنشر ،وملا توفي خلفه مبدرسته في (تورجان) جنله العالمة املال محمد حسن املشتهر بـ(ابن القزجلي) وهذا ج ُّد للعالمة االستاذ(املال محمد القزجلي) الذي كان والده العالم الكبير (املال محمد حسني) حفيد العالمة (علي القزجلي) تتلمذ على العالمة (املال عبداهلل ثيرباب) أحد حواش على كتب كثيرة حتت مجازي جده وله ٍ لقب (تورجاني) تغمدهم اهلل برحمته. نبذة عن الشخصية العالمة الشيخ االستاذ املال محمد القزجلي
إنه كما ذكرنا ابن املال محمد حسني القزجلي ،وبعد أن أكمل دراسته العلمية على والده مبدرسة (تورجان) وعلى غيره من كبار علماء عصره أصبح في البداية مدرسا ً في مدرسة (مسجد حاج سيد بايز) مبدينة (مهاباد) ،وكان رحمه اهلل الى جانب إضطالعه بعلومه الغزيرة ومعارفه املتنوعة وإنشغاله بتدريسها ،يحمل إحساسا ً قويا ً وروحا ً قومية وثَّابة دعته ليجمع بني مهمتني :كونه عاملا ً مدرسا ً اسالميا ً من جهة ،وصحفيا ً قوميا ً واعيا ً من جهة أخرى ، فبدأ يكرس شطرا ً من جهوده بقلمه وثقافته العالية في العمل على نشر الوعي القومي بني بني جلدته ،والدفاع عن حقوق شعبه الكوردي املظلوم املضطهد. االملعي (املال فعمل هو وأخوه األصغر العالم ّ أحمد) باصدار جريدة كوردية سنة 1919م مبدينة (ورمي) من كوردستان الشرقية حتت اسم (رِؤذنامةى كورد) وكانت هذه اولى جريدة كوردية تصدر في ايران ،قبل أكثر من تسعني سنة من اآلن ،فصارت هي أقرب زميلة مناظرة ألختها (جريدة كوردستان) التي أصدرها البدرخانيون في القاهرة. غير أن ظاهرة كهذه لم تكن لتروق للطاغي الدكاتور (رضا شاه) بل كانت مما أثار غضبه وطيشه ،فعلى أثر تقارير ملفقة من قبل جواسيس (الشاه) واحلاقدين على هذا (الشيخ اجلليل) وأخيه (املال احمد) العاملني املناضلني أخذت جالوزة احلكم الشاهنشاهي تطاردهما، فألقي القبض على املال احمد مرتني ،ثم أبعد عن كوردستان -بل حرم من العودة اليها وعينّ مدرسا ً للعربية في مناطق نائية داخل ايران ،بعيدا ً عن موطنه كوردستان ،بل حتى بعد موت الدكتاتور رضا شاه عام 1920م .أُجبر على البقاء في املنفى: تارة في (طهران) وأخرى في (تبريز) .كما هو ديدن الطغاة الفاشست جتاه املناضلني الناشطني من أجل حترير أوطانهم من براثن أعداء أمتهم من
كوابس تسلط هؤالء على رقاب شعبهم. أما األخ األكبر (املال محمد القزجلي) العالمة اجلليل ،فقد أضطر حتت ضغوط مطاردته من قبل جالوزة (الشاه) الى مغادرة (إيران) والتوجه أوال ً الى القاهرة ،فبقي فيها سنتني يدرس باجلامع األزهر، ويلتقي كبار علمائها كالسيد محمد رشيد رضا وفريد وجدي ،يتباحث معهم في الكثير من املسائل العلمية واألدبية ،وبعد موت (رضا شاه) أراد العودة الى موطنه في (إيران) عن طريق بغداد، ولكن عند وصوله العراق ومراجعته للسفارة اإليرانية بغية إجراء مايلزم مراسم سفر عودته، إذ مت ابالغه من هذه السفارة بأنه قد اسقطت عنه اجلنسية االيرانية ،فقرر التوجه الى (بيارة) مقر املشيخة النقشبندية وفيها إحدى كبريات املدارس االسالمية التي كادت متاثل (اجلامع األزهر) فرحب به املرحوم (الشيخ عالءالدين) ليكون مدرسا ً في (مدرسة بيارة) الشهيرة ،لفترة ظل يلتقي خاللها بكثيرين من العلماء األعالم الذين كانوا يأتون من كل حدب وصوب لزيارة (الشيخ عالءالدين) رحمه اهلل ،فجعل هذا االستاذ اجلليل يعقد معهم جلسات علمية وأدبية ملناقشة شتى القضايا واملسائل سوا ًء عن ظهر قلب أو في طيات الكتب التي ما أوفرها في املكتبة الزاخرة ملدرسة (بيارة) آنذاك. وبعد قضاء تلك الفترة طلب االستاذ السماح من (الشيخ عالءالدين) أن يساعده على إنتقاله الى بغداد عن طريق استحصال (إرادة ملكية) من امللك فيصل األول مينح مبوجبها (اجلنسية العراقية) بحجة انتماء أسرته الى أصل عراقي في (قزجلة) التابعة ملنطقة (ث َينجويَن) ،وقد مت له ما أراد .فانتقل الى بغداد -أصبح فيها محاضرا ً في (كلية الشريعة) ،ومدرسا ً في (احلضرة الكيالنية) وفي مدرسة (نائلة خاتون) وإماما ً ومدرسا ً في مسجد (البشر احلافي) باألعظمية حيث داره فيها. وكان يدرس طالبه في حلقات ولشتى املراحل 123
أقواس
أقواس
124
الدراسية ،وإني قد كنت لعدة أشهر في أواخر اخلمسينات 1958-1957مـ أحضر حلقات تدريسه لتفسير البيضاوي في احلضرة الكيالنية كطالب فيها ولتلك الفترة بعد اذ كنت قد أكملت باتقان جميع مراحل العلوم االسالمية خالل سبع سنني من (1375-1368هـ) على والدي املرحوم (املال عارف) املدرس مبدرسة (جامع عثمان باشا) في (ث َينجويَن) .هنا وفي فاصلة قصيرة أقول :إمنا انتقلت أنا الى بغداد بغية توظيفي كإمام أو خطيب في أحد جوامع بغداد ،ثم إقامة نائب عني بنصف الراتب -كما كان من املعتاد حينذاك ،-ومن ثمه احلصول على ما ميكنني ماليا ً من الذهاب الى (اجلامع األزهر) إلستحصال شهادة أكادميية -و سرعان ما استطعت واحلمدهلل -احلصول على تلك الوظيفة عن طريق اإلمتحانات التنافسية ،غير أن وفاة والدي قد حالت دون سفري الى القاهرة، فدخلت مسلك التعليم في وزارة التربية -وإثر عرض هذه الفاصلة أعود ألعترف للتاريخ بأني قد وجدته استاذا ً ذا علم غزير الى حد التبحر في جميع العلوم االسالمية ولشتى مراحلها وذا اتقان دقيق لشتى املعارف واآلداب ،وكانت له رحمه اهلل ذاكرة مستوعبة ،فقد حفظ القرآن الكرمي مع معظم عبارات (تفسير الكشاف) للزمخشري ،حتى أنه أحيانا ً تقرأ عليه بعض العبارات من (تفسير البيضاوي) فإذا به يضيف اليها سطرا ً أو أكثر عن ظهر قلب قائالً :إن هذا هو من عبارات (كشاف للزمخشري) ،وإن عبارة البيضاوي مبتورة عنها ،وأيضا ً كان يحفظ الكثير من أحاديث البخاري ومسلم بأسانيدها هذا وكان رحمه اهلل له مالطفات مع طلبته وجميل بسمات ،فأحيانا ً كان يالطفني متسائالً :ماذا؟ وكم حتفظ من الكتب؟ فأجبته :أحفظ باتقان وهلل احلمد جميع الكتب التي درستها على والدي بد ًء من (التصريف-للزجناني) والى (تهذيب الكالم للتفتازاني) بشرح العالمة (الشيخ عبدالقادر
التختي الكوردستاني) – ثم قال :وقيل لي إنك حتفظ (برهان الكلنبوي) وهو سفر كبير من علم منطق -فقلت نعم أحفظه-وهلل احلمد -مع جميع منهواته ومع تعليقات احملشي الفاضل العالمة الث َينجويَني الى مبحث (املوجهات) منه ...فقال متبسماً :ليتك كنت حافظا ً للقرآن الكرمي مع (تفسير الكشاف للزمخشري) بدل ذلك ،فإن كل هذا اليزيد من حيث الكم عما حفظته ...وأيضا ً سألني :هل حتفظ (املعلقات السبع)؟ وبكم مدة استطعت حفظها؟ فقلت أحفظ منها معلقة (امرئ القيس) وحدها ،وإمنا استطعت حفظها مشروحة خالل أربع وعشرين ساعة من وقت العصر لعصر يوم التالي ..فقال: أما أنا فقد حفظتها خالل الساعتني من الوقت فقط -هكذا كانت ذاكرته رحمه اهلل -سرعة وحدة.- وذات مرة أثناء تذاكرنا حول أفاضل العلماء ،ورد بني أسمائهم إسما العاملني الكبيرين :وهما (االستاذ املال باقر) في بالك (مبنطقة مريوان) واالستاذ (املال عبدالكرمي املدرس) فسألني :أيهما- تظن -أغزر علما ً وأزكى؟ وإني بحكم ولعي الشديد بعلم املنطق وسائر العلوم العقلية إخترت األول في اإلجابة ،نظرا ً لتبحره حقا ً فيها.. يابني ،أثناء فترة فبادرني العالمة املفضال قائالً: َّ تدريسي في (بيارة) التقيت كال هذين العاملني، وقد طلبا مني مرة إيضاحا ً ملسألة (صفات اهلل الهو وال غيره) من علم الكالم -فأخذت أشرحها للمال باقر ملدة يومني إال أنه لم يكن ليتفهمها- كما تفهمها (املال عبدالكرمي) الذي شرحتها له أثناء ساعتني من الوقت فقط ،واستوعبها جيداً -هذا ما ذكرته أنا للتاريخ -وكان يبدولي أنه خالل تلك الفترة من تدريسه في (بيارة) كان مرجعا ً كبيرا ً ألفاضل العلماء من زوارها -وذلك بحكم كونه بحرا ً زاخرا ً للعلوم العربية وآدابها نظما ً ونثرا ً الى جانب اضطالعه الواسع بالعلوم العقلية من الرياضيات القدمية :حسابا ً وجبرا ً
وهندسة نظرية -ومن علم املنطق واحلكمة ..أما في الفقه وأصوله والتفسير وعلم احلديث وفي علم الكالم فح ِّدث عنه وال حرج. ومع كل ذلك كان رحمه اهلل متواضعا ً جدا ً بساما ً لم يكن ليتباهى أو يتعالى على ومجامالً ّ اآلخرين مهما كانت منزلتهم العلمية واملعرفية.. علي ومن مالطفاته مع طلبته أنه ذات مرة عرض َّ أن أراجع معه حفظا ً وشرحا ً (املقامات) للحريري، التي كان هو معجبا ً بتعابيرها االدبية واللغوية، ولكن لألسف الشديد لم أوفق أنا لذلك العمل حينذاك. البد من االشارة الى أن كثيرين من بقي أنه ّ العلماء سوا ًء في كوردستان الشرقية أم اجلنوبية قد تخَّ رجوا على العالمة (محمد القزجلي) ونالوا اجازاتهم العلمية منه ،وإنني أيضا ً تبركا ً بعلمه وفضله سررت جدا ً إذ كان قد َّ بشرني بأن مينحني إجازتني :إحداهما إجازة بتدريس جميع العلوم االسالمية معقولها ومنقولها ..وأخرى إجازة بتدريس االحاديث النبوية وأصولها ،وقد تفضل علي عن خط يده املبارك فأرفقت نسختني بهما َّ علي منهما بهذا البحث لتبقيا ذكريني عزيزتني َّ مادمت ح ّيا -وختاما ً أبتهل متضرعا ً الى اهلل الكرمي أن ينشر من شآبيب رحمته الواسعة على أرواح جميع األسرة العلمية القزجلية :من (املال علي القزجلي وحتى حفيده (املال محمد القزجلي) فهو أستاذي وأل ِّقبه أيضا ً بـ(شيخي) -كما كان االستاذ القاضي املرحوم العالمة (الشيخ محمد اخلال) يل ِّقبه بـ (شيخم) أي شيخي- وقد توفي االستاذ الشيخ محمد القزجلي سنة 1959/9/14م ودفن مبقبرة الغزالي ببغداد وطيب اهلل تعالى ثرى جميع العلماء الكورد مع سائر علماء االسالم اخمللصني لهذا الدين احملمدي احلنيف. هذا حسب علمي خلف االستاذ محمد القزجلي جده -وكان يعمل ابنا ً باسم (حسن) على اسم ّ في دائرة البريد ببغداد ،وبنتا ً باسم (خديجة) وذات
مرة دعاني االستاذ الى داره باالعظمية بصحبة زميلي أبي زيد السندي ،وإذا أنا وصاحبـي كنا جالسني واالستاذ الفاضل نفسه -وكله تواضع شأن آجلة العلماء -يجلب لنا شاي إذا بصوتني متنافرين نسمعها كانا شعارين يومذاك إلجتاهني مختلفني شاعا في بغداد :أحدهما يهتف بحياة (جمال عبدالناصر) والقومية العربية ،واألخرى تهتف بحياة (عبدالكرمي قاسم) واليسارية ،فقال االستاذ إنهما هتافان يهتف (حسن) بأحدهما وباآلخر تهتف (خدبجة) على الضد.
125
أقواس
أقواس
126
البعد اإلستراتيجي لعواصف التحوالت في الشرق األوسط عبد الرحمن كرمي درويش
املقدمة: خالل العقد األول من القرن الواحد والعشرون بدأت حالة حتول شامل في الشرق األوسط ال ميكن تلمس مديات تلبيته لطموح األمم والشعوب واجلماعات واألفراد في هذه املنطقة، لكن ومن خالل اخلبرة التاريخية وأسس النظريات االستراتيجية ميكن تلمس بعض التصورات والتفسيرات للحالة الراهنة ورصد املسارات املستقبلية للمنطقة .هذه الدراسة مخصصة لرصد األبعاد اإلستراتيجية للتحوالت في املنطقة من منظور منهجية التحليل الفكري، وإستخدام أداة القياس التاريخي بوصف اخلبرة التاريخية إحدى أهم املتركزات التفسيرية. اوالً :واقع تشكل الشرق االوسط املعاصر: يعتبر الشرق االوسط ،منطقة قلقة غير مستقرة من نواحي عدة ،حتوز على اإلهتمام العاملي ،بشكل رئيسي ،بسبب مخزونها الكبير للطاقة ،وموقعها اإلستراتيجي، تشكلت خارطته السياسية بشكل أساس على يد القوى العاملية الكبرى التي إنتصرت في احلرب العاملية األولى .إثر مجموعة إتفاقيات ومعاهدات إستطاعت تلك القوى ان تنشئ دول عديدة وفق تراتبيات تخص مصاحلها وتوجهاتها، خاصة اإلقتصادية .أقدمت تلك القوى العاملية وأثناء بناءها لدول املنطقة على مركزية التركز القومي االثني ،كي تستطيع بناء دولة قومية Nation-stateعلى شاكلة تلك التي ظهرت في أوربا ،وعهدت هذه املهمة إلى موظفيها الذين هم أيضا ً ممثلني لشركات بشكل أو بآخر، وقد عمدت تلك القوى وبشكل كامل على إنتقاء اثنية معينة كي تكون البؤرة األساسية لتشكيل دولة ما ،وإختارت بشكل عام ثالث اثنيات رئيسية في املنطقة كي تشكل منهم جميع الدول املعروفة حاليا ،وهم االثنية التركية ،دعمت لتشكيل الدولة التركية على أنقاض
اإلمبراطورية العثمانية ،واالثنية العربية، دعمت لتشكيل اثنا وعشرون دولة إمتدت من شواطيء احمليط االطلسي وحتى الشواطيء الشمالية الشرقية للمحيط الهندي .واالثنية الفارسية ،لتشكيل الدولة االيرانية على أنقاض اإلمبراطورية القاجارية .لكنها لم تتوانى في االعتماد على الدين في بناء الدول كما فعلت في بناء دولة باكستان وافغانستان. وفي املرحلة الثانية ،وخاصة بعد ما سمي مبشروع مارشال مت توجيه الدعم لتشكيل اإلسالم السياسي بوصفه إحدى أهم مرتكزات جدار صد الشيوعية ،وكانت افغانستان خالل السبعينيات متثل ذروة جتليات الصراع ضد الشيوعية باألصولية الدينية .وهنا يتبني ان الدول الكبرى عمدت ومن منظور غير بريء لدعم اإلسالم السياسي وتوفير مستلزمات النهضة الدينية اإلسالمية في الهند والصني وآواسط آسيا ودول الشرق األوسط الكبير ،وحازت اجلهات الدينية السنية والشيعية الدعم الكامل، وبسخاء كبير ،من أجل فرض هيمنتها ولكي تصبح دين للدول القومية التي أنشئتها ،ومن جهة أخرى ،وفرت مستلزمات بناء نظريات قومية مستنسخة عن مثيالتها الغربية بهدف بناء وعي قومي لتلك الدول املشكلة .فجاءت حالة من التزاوج غير الشرعي بني النظريات القومية الغربية والتكوين العشائري والقبلي مع األصولية الدينية ،كي جتعل تلك الدول في حالة إشكالية معقدة مع ذاتها وتكوينها السياسي وتصورها ملستقبلها .ولم يتوقف األمر مع البناء القومي والديني لتلك الدول لكن أزمة تكونيها اجليوسياسي بفعل حدودها املصطنعة وتكوينها املشوه جعلت من تلك الدول غير قادرة على التحول إلنشاء أنظمة حضارية. ظهر في الشرق االوسط قناعة مفادها ان التنوع االثني والثقافي والفكري في الدول ،امنا 127
أقواس
أقواس
128
ميثل العامل األهم والوحيد لفشل أنظمتها السياسية في البقاء مستقلة وفشل مشروعها الوطني واحلضاري ،لذلك جلاءت الى إستخدام العنف املفرط في محاولة لترسيخ وجودها والقضاء على ما يشوب تصوراتها ،وهذا العنف حتول الى جرائم ممنهجة فاقت بوحشيتها جميع اجلرائم التي إرتكبت في التاريخ ،ولعل حمالت إبادة االكراد واألرمن واملسيحيني في الشرق األوسط خير دليل على وحشية وفظاعة تلك اجلرائم ،اذ مت إبادة املاليني وتهجير أعدادا مماثلة وإجبار أعداد مماثلة على ترك اإلنتماء ألصولهم والتخلي عن ثقافتهم ،ولم نرى أي منوذج شاذ عن هذه القاعدة .واستمرت تلك الدول خالل القرن املاضي متارس عملية بناءها املركزي وبرعاية غربية مباشرة وغير مباشرة .لكنها فشلت في مسعاها ،اذ ان القوى التي إعتمدت عليها في فرض مركزيتها أصبحت اآلن تهدد أركان نظمها ،بل وقضت على العديد منها ،وذلك بدعم من نفس القوى الغربية التي كانت في السابق راعية لتلك االنظمة. لم تكن الدول التي أنشئها الغرب إنعكاس تفسيري لقيم فلسفية سياسية محددة ،أو كما كان يؤمل ،إنعكاس لفلسفة السياسة الليبرالية ،بل كانت وال زالت متثل إنعكاس عن تعبيرية قيمية تقليدية(قبلية ،دينية ،ممزوجة برؤى توسعية غير محددة). ثانياً :اشكالية الثنائية وتعقيدات مستقبل املنطقة: ال ميكن اإلنكار ان ثنائية القوى املتصادمة موغلة كمفوهم وتصور في تصورات العديد من الشعوب وخاصة الغربية منها ،لذا فوجود معسكر مضاد ومتصارع ميثل األساس النمطي للفكر اإلستراتيجي الغربي ،ولوجود هذا التصور في الشرق األوسط جذور تاريخية ايضا .ما حصل خالل القرن املنصرم وخاصة في النصف
الثاني من القرن حيث مت التسويق بإجتاه ثنائية متضادة والصقت إكراها مبديات خطرة عقائدية دينية وقومية ،فمن جهة مت تصوير الصراع العربي الفارسي بوصفه جتليا لصراع الثنائيات املتضادة ،وتوجت في احلرب العراقية االيرانية وما رافقتها من مآسي وجرائم ال تعد وال حتصى، لكن االمور إجتهت نحو منحى خطير بعد ان سيقت أسس املذهبية للصراع بوصفها عامال اضافيا لكي تعمل على تقسيم املنطقة الى معسكرين متضادين يتقاتال بضراوة وبدون رحمة في معركة صفرية ،وقد مت تسويق التاريخ والعقائد والسياسة واإلقتصاد من اجل هذه الرؤية التي ال ميكن باي معايير العلمية اعتبارها رؤية سوية وحتقق مصلحة ما ،وبدأت املنطقة تتجه نحو هذا اإلصطفاف وبشكل خطير ،وجميع الدالئل واملؤشرات تؤيد ذلك ،هذه اإلشكالية خلقت أكبر جرمية في العصر احلديث وهي عملية القضاء على اجلماعات الثقافية ،اذ متثل اإلصطفاف الثنائي دفعا قسريا للجماعات الدينية واملذهبية والفكرية والثقافية الى اإلجنرار او اإلجنبار حتت مظلة احدى تلك اجلبهات التي ال ترضى اال بان توصم بالتشبه وإنكار اخلصوصية ، وهذا ما دفع بالعديد من األديان واملذاهب الدينية الصغيرة بالزوال او الهجرة او اإلنغالق على ذاتها ، كما يحصل ذلك مع القوميات والشعوب االخرى في املنطقة ،فعلى املذاهب التي لم تستطع ان تستحوذ على شرعية التمثيل اإلسالمي إما التموضع وإعالن التوبة والعدول الى املذهب السني او الى املذهب الشيعي او الزوال .ما يثر االنتباه ان العالم الغربي كان قد دخل في حرب ضروس مع املذاهب الصوفية اإلسالمية من الهند وحتى مراكش ،وقد تطلب من العالم الغربي عقود طويلة الى ان إستطاع القضاء عليها عسكريا وسياسيا ،وحتى من الناحية العقائدية اصبحت العديد منها في ارشيف التاريخ االسالمي .وقد برز بعد ذلك االجتاه
السياسي االسالمي السني واالجتاه السياسي االسالمي الشيعي ،فاجتها وبشكل سريع نحو االصطفافات املتعاكسة ،وبهذا ميكن القول ان تراتبية التطور احلضاري في املنطقة مت القضاء عليها بشكل كامل وعادت مرهونة في سياق بناءات راديكالية عنيفة ،تعلن رفضها ملعظم اشكال الذكرة التاريخية اال ما تراه مناسبا ،وهذا ما يهدد باعادة االجتاه الواحد للتاريخ والواقع الراهن واملستقبل ،واألمر الذي ينذر بحرب شاملة قد تطال جميع املرافق االنسانية واحلياتية .هذا وقد رافق دعم الغرب للقوى الراديكالية الدينية في املنطقة الى انتكاسة االديان واجلماعات املذهبية الصغيرة التي فضلت أن تهاجر الى الدول الغربية او ان تنطوي على ذاتها او تترك عقيدتها ،وقد سجلت العديد من جرائم االبادة اجلماعية ضد اجلماعات الدينية . وقد الزم املنطقة وبشكل دائم التمييز العنصري ضد جميع اتباع الثقافات الدينية واملذهبية االخرى ،وإجبارها أن تصبح جماعات مغلقة ال متتلك مقومات االستمرار ،كما وضع حدا لظهور اديان ومذاهب جديدة في املنطقة التي كانت تعج بتأسيسات دينية باستمرار .متخضت هذه السياسيات عن بروز اإلسالم السني في عدة دول هيمن فيها املذهب الواحد ،الذي استطاع اذابة وحتديد وابادة املذاهب األخرى التي صنفت عنوة ضمن العالم السني ،و وضعت حد لتطورها التاريخي واحلضاري .وفي اجلهة املقابلة نالت املذاهب املنضوية حتت لواء الشيعة نفس املصير. استمر الدعم للعوالم االسالموية التقليدية األصولية خالل القرن العشرين ،استمرارا، وبشكل أكثر راديكالية ،خالل حرب الباردة ، وكصد مناسب –كما تصورت القوى العاملية- على انتشار اليسارية في تلك املنطقة .ورافقت ذلك الدعم دعما لالصولية القومية للقوميات احلاكمة وبشكل مفرط ،حتى وصلت القوى
الغربية إلى التخلي عن الدعم اخلجول إلنشاء االنظمة البرملانية ،واخذت عالني ًة تعتمد على الشخصية القوية في قيادة العملية السياسية للدول صنيعتها. ومدت القوى العاملية االصولية الدينية والقومية احلاكمة بأسباب القوة والهيمنة ،بل سعت في نهايات القرن املاضي لنشرها في مناطق أخرى وساهمت في ترسيخها حتى في وسط العالم الغربي .كانت اإلسالموية والقوموية سالحا ماضيا بيدها لصد اخلطر الشيوعي (الروسي االرثوذكسي) والصيني الكونفشيوسي، والهندي البوذي .الثقافات البدائية األفريقية، وحتى املذاهب املسيحية اخلارجة عن الدائرة املسيحية الغربية ،اذا ما حاكينا مفهوم الصراع كما تصوره هنتكتون ،واصبحت اهم قطعة متحركة ومتحررة في القتال ضمن رقعة الشطرجن املقترحة لبرجنسكي ،ترسخت االصولية الدينية والقومية في الشرق االوسط الكبير ،إلى حد بات يشكل خطرا يتوجه نحو العاملية ،وفرض إنتشارها على الكرة األرضية، وأصبحت ذا جذور جماهيرية ،غذتها عمليات الصهر والذوبان بحيث أصبحت متثل عددا هائال، والزالت متثل خيارا رابحا للغرب في العناية بها ،النها لم تستطع إيجاد عصا آخر تنفذ سياساتها ومصاحلها في املنطقة ،من جهة، ولم تتخلى هي عن تلك السياسة من جهة أخرى ،لذا فالرهان مستمر. رمبا يكمن الرهان في الراديكالية والتطرف والرغبة في التوسع وبناء نظام امبراطوري في املنطقة ،تأييدا لهذا التفسير نرى ان الشخصيات القوية التي حكمت بقوة النار بالدعم الغربي، ووصلت للحكم بقطار غربي ،بعد ان تخلت عن طموحاتها اإلقليمية والتوسعية خسرت بطاقاتها اإلئتمانية لدى الغرب واستبدلت باخرى اشدد راديكالية ،كانت قد متت رعايتها في احضان سابقتها بوصفها حليفا ،اذ واجه جميع 129
أقواس
أقواس
130
تلك االنظمة الدكتاتورية ،التي فضلت االنضواء وتبني اصالحات سياسية واقتصادية ،وتوقعت ضمن حدود دولتها مصيرا مرعبا بسقوطها سقوطا مدويا على يد قوى محافظة وراديكالية وتتبنى مفاهيم ورؤى دينية سياسية ،واجهت تلك األنظمة خيارا صعبا ،مبفهوم ان االنظمة العربية وخالل السنوات الطويلة من احلكم باحلديد والنار إضطرت ان تتخلى عن ادوارها الراديكالية واجتهت نحو احلفاظ على مصاحلها اخلاصة ،فباتت اقل عدوانية واكثر انفتاحا ، وعملت على اوتار عديدة ،مما جعلها في مواجهة دامية مع تلك االصوليات التي لم ترضى بهذه األدوار ،وقد حازت االصوليات على الدعم الغربي بشكل مطلق واخذت تقضي وبالتوالي على تلك االنظمة وتعيد بناء االصوليات من جديد .وهذه االنظمة اجلديدة رغم ظروفها واحوالها السيئة وغير املستقرة لم تستطع ان حتجم شهيتها التوسعية وباتت اكثر استعدادا لتصورات مثالية لبناء امبراطورية مقدسة موعودة. ثالثاً :صدمة فشل اإلصالح في املنطقة: بالرغم مما شكلته هذه احلالة من صدمة كبيرة على جميع املستويات ،اال ان الصدمة الكبيرة التي عبرت عنها هو فشل سياسات اإلصالح الليبرالي بشكل كامل والتحول الدميقراطي بشكل خطر لكي يجعل من األنظمة التي تفكر في اعادة هيكلة االقتصاد واحلياة السياسية ان تعيد التفكير مرات عديدة الن ذلك يعني إنهيار الدولة بشكل كامل كما حصل في جميع النماذج املنظورة ،هنا وبعد انزواء منظري االصالح التدريجي واالنفتاح عبر فتح االبواب، بات منظري الثورة الدميقراطية ومنظري الثورة من اجل احلرية في حالة من التخبط اثر متاهي الثورة الى اصطفافات ما قبل احلداثوية حتى بتراجع قهقري خطر ينذر بالتعقيد ،لكن بقاء شعارات التحول الدميقراطي واالصالح سارية ساعدت القوى العقائدية باعتبار صعودها
امرا الهيا مقدسا ومحتوما .وقد اعلن العديد ان ما تنتجه الدميقراطية في هذه املناطق امنا هي احلقيقة التي يجب ان ننصاع اليها .لكن في احلقيقة يعلم اجلميع بان املنطقة التي يرسم مستقبلها في دوائر بعيدة ال تستطيع ان تعبر عن نفسها بصدق بل تفرض عليها االمالءات ،لكن اخلطر في املرحلة الراهنة يكمن في االشكالية التي يسببها خطأ التصميم االستراتيجي لتلك الدوائر بفعل بحثها االني عن فوائد اقتصادية تعالج فيها ازمة مجتمعاتها املستهلكة بعالجات قصيرة النظر .واصبحت التوجهات في الشرق االوسط تصادق على البعد املقدس والعقائدي في الصراع ضد الفساد واعادة الكرامة الوطنية املسلوبة. رابعاً :إشكالية الفكر القومي والديني في الشرق األوسط: انتشر الفكر القومي بفعل الدعم الذي القاه من القوى الغربية ،وأصبحت متثل الركن األساسي املساند في بناء الدولة ،لكن القومية وصلت إلى حد التطرف القومي للقوى احلاكمة ،وارتكزت على قاعدة اجتماعية اثنية قبلية في سلطتها متلبسة بلباس طائفي .لكن الفكر القومي في الشرق االوسط ظل يتعرض للمحاربة كما تعرضت مناذجه املدنية إلى االضطهاد من قبل األفكار القومية السائدة واحلاكمة من جهة، ومن قبل املنظومات الفكرية األخرى .لذلك بات االصطفاف القومي محصور بني ثالث افكار قومية متصادمة في املنطقة اخطأت التقدير بحصر االفق القومية بينها فقط ،وهذه االفكار القومية هي الفكر القومي العربي والفكر القومي الفارسي والفكر القومي التركي، واصبحت متتلك دوال اقليمية قوية تستطيع خوض حروب اقليمية ،ومتتلك ارتباطات اقليمية ودولية ،وفيما يخص الفكر الديني فانه بشكل عام تعرض إلى االضطهاد من قبل دول املنطقة
العلمانية منها والدينية ،وكان االضطهاد على إختالف أصنافه موجه في سبيل دعم املذاهب والطوائف احلاكمة أو مستندة عليها احلكم، لذلك عدا الفكر االسالمي لم يحظ أي فكر ديني آخر بفرصة استمراره أو الكشف عن نفسه ،وعدا االفكار الدينية السنية واالفكار الدينية الشيعية لم يقدر أي فكر اسالمي اخر من التجرؤ والكشف عن نفسه ،أي ان الفكر الديني في املنطقة اصبح ثنائية محصورة بني الفكر الديني الشيعي والفكر الديني السني، وهنا انقسم الفكر القومي العربي بني املذهبية الشيعية والسنية وبات يتصارع في جبهات شبة مفتوحة ابرزها العراق وسوريا اما الفكر القومي التركي فقد استقر على توجهاتها السنية والفكر القومي الفارسي على توجهاته املذهبية الشيعية ،لذلك اخذ الصراع يأخذ ابعادا اشكالية بسبب حصر مديات القومي والديني على نفس الشاكلة التي شكلت عليها ،مع تركيز اكثر .ما يثير االشكالية ان كل األبعاد الدينية املذهبية والقومية تسعى كل منها على حدة او معا على التوسع ن وتبني مرتكزاتها على التوسع خارج حدودها وكل منها يدعم نفسه من خالل تاريخ مجيد تفتخر به ، لذلك نرى هذه القوى في صراع توسع مستمر يشمل طموحاتها بالسيطرة على كل املنطقة ،وبعضها تنوي السيطرة على كل العالم. خامساً :رؤية عامة جليوبولتيكية التغيرات في املنطقة: أوال :مصر جاءت األحداث في مصر بشكل دراماتيكي لتسقط النظام السياسي الذي كان يتهيأ للتحول واالنفتاح االقتصادي ،ويعمل على بناء نظام سياسي الزال في طور التكوين يعتمد على قاعدة اجتماعية دينية وحتمل رؤية عاملية توسعية تهدف الى بناء نظام اسالمي عاملي ،وحتاول ان
تعتبر نفسها راعي العالم السني مع االحتفاظ باالسس القومية العربية ،بهذا ال ميكن احلديث بشكل نهائي عن دولة محايدة على األقل صوريا تنظر إلى مواطنيها من خالل عالقات دستورية أو حتى شخصية بالنسبة للدكتاتور ،بل أصبحت الرؤية متثل ابعاد دينية قاطعة وقومية واحدة. لذا فان تطلعات التنوعية الثقافية خاصة لدى النوبيني والسينائني واالسكندرانني ،متثل خيانة محتلمة قد تكبت بعنف وتهميش مفرطني، ومن جهتها تواجه املصير نفسه الكنيسة القبطية واتباعها .وكذلك الشيعة ،ومن احملتمل ان تتبنى ادوارا اقليمية وعاملية متناغمة مع هذا التوجه كالتقارب مع ليبيا ومعاداة سوريا. مصر واثناء تشكيلها اريد لها إن تكون دولة مسيطرة على املدخل االسيوي األفريقي ومتربعة على شواطىء متعددة مما يضعها في موقع استراتيجي مهم جداً ،بالنسبة للدول الغربية ،أي كما جميع الدول التي مت انشائها ال متتلك ادوارا منبثقة لذاتيتها ،بل هي ادوار نيابية ،لذلك كما هي جميع تلك الدول تتصف بالضعف والعنف .ضمت اثناء تشكيلها امما وشعوب متعددة ،كانوا وال زالوا ميتلكون طموحات خاصة، لكن مركزية الدولة واحاديتها افضت مبصر الى دولة احادية منفصلة تقريبا عن ارثها احلضاري وتنوعها الثقافي. ومصر تتحضر للخوض في الصراعات االقليمية بشكل كبير وقد حتاول ان تقود املنطقة في صراع اقليمي ضد ايران وكما من احملتمل ان حتاول ابعاد تركيا عن املنطقة ،وال ميكن ايجاد مخارج مستقبلية حول العالقة االستراتيجية مع شبه اجلزيرة العربية بسبب تعقيدات العقائد الدينية املسيطرة والفاعلة ،لكنها حتاول بكل تأكيد التدخل في بالد الشام او السيطرة عليها كما حصل في ايام جمال عبدالناصر لكن جناح هذه احملاولة غير مضمونة بوجود السعودية وتركيا كفواعل قوية في املنطقة. 131
أقواس
أقواس
132
وكما ترتبط مصر بالشمال االفريقي بوصفه منطقة استراتيجية هامة بالنسبة الى اوروبا وكذلك بالنسبة الى افريقيا وهي كمنطقة تتحكم بحوض املتوسط لذلك ارتبط التغيير في مصر متوازيا مع ليبيا وتونس بهدف ايجاد فواعل مشتركة على اسس دينية بني هذه الدول من احملتمل ان تكون موجهة ضد اجلزائر الدولة االكبر واالهم استراتيجيا في املنطقة. تعاني مصر من ازمة تكامل داخلي مزمن باالضافة الى معضالت تكوينية واقتصادية بالغة التعقيد كما يعاني النظام السياسي من اشكالية شرعية اذ ينقسم اجملتمع املصري في نظرتهم حول النظام وقد ال يستطيع النظام تعبئة القدرات اجملتمعية من اجل طموحاتها االقليمية. ثانياً :تركيا تركيا دولة تشكلت كإمتداد تاريخي وحضاري للجيوبولتيكية االغريقية وبنموذجها البيزنطي وقد ارتبطت بسيطرتها على املضائق والطريق الواصل بني الشرق والغرب ،وقد التزمت التأرجح بني القوى العاملية خالل القرن العشرين بهدف دعم مكانتها االقليمية وفضلت امليل الى املعسكر االطلسي لكي تكون قوة عسكرية اقليمية ضد روسيا ،ظلت اسسها القومية تعمتد على التوسع في العالم التركي لذا امتدت انظارها الى اواسط اسيا والقوقاز وبالتزاوج على اسس دينية ارتأت ان تعيد بلورة طموحاتها االقليمية في بناء العثمانية من جديد ،لكن الدالالت تشير بان تركيا امنا تسعى الى احياء االمبراطورية الرومانية الشرقية بصيغتها االسالمية ،لذلك تسعى الى االمتداد نحو بالد الشام واملوصل والشواطيء اجلنوبية للبحر املتوسط ،وهي بذلك حتاول ان تفتح لنفسها طريق نحو اخلليج وان تعيد اصطفاف الصراع مع ايران وبهذا تكون قوة مهمينة على
املنطقة. لهذا كان نهوض االسالموية في تركيا ميثل احدى االنعطافات التوسعية التي الحقت طموح توسعاتها القومية بوصفها اكثر واقعية للتحقيق ،لذا فتركيا مرشحة لالصطدام بايران على مجال النفوذ احليوي وكما انها قد تصطدم مع مصر في الصراع على بالد الشام وشمال افريقيا وقد يتناغم الدور املصري والتركي في بالد الشام ضد ايران لكنها لن تكون كذلك في املرحلة التي تليها. تعاني تركيا من اشكالية في تكاملها الوطني بشكل كبير باالضافة الى مشاكل اقتصادية ،وهي حتاول منذ امد بعيد ان تتغلب على مشاكلها عن طريق دخولها في احالف عسكرية واستراتيجية وتلبية طموحها االمبراطوري، لكن ال ميكن التكهن بان هذه الرؤية ستضمن استمرار الدولة على هذه الشاكلة. ثالثاً :اململكة السعودية العربية: نشأت العربية السعودية كنظام ملكي من توحيد خمس دول اثر صراعات دامية انتهت في . 1925وهي تتحكم بالشواطيء الغربية للخليج والشواطيء الشرقية للبحر االحمر، و متتلك عمقا استراتيجيا على اخلليج والقرن األفريقي وشماال متتلك عمقا على بالد الشام وبالد ما بني النهرين .يسيطر على السعودية نظام سياسي ملكي على اسس دينية ،لذا تعتبر احدى الركائز االساسية لالسالم السني ومتثل احد الداعمني الكبار للمجاميع السنية في العالم االسالمي .وهي تعاني من اشكالية التكامل لكنها حتتفظ باقتصاد قوي من عائدات النفط ،كما ومتتلك العديد من القوى السياسية في السعودية طموحات توسعية متتد الى حدود العالم االسالمي . ارتبطت السعودية بدوائر استراتيجية الدفاع الغربي بفعل توجسها من الدور االيراني
احملتمل .للسعودية ثقل ديني بفعل املقدسات واالرصدة التي تساعد التوجهات التوسعية إذا التي حتويها ،حتاول استراتيجية السعودية حصر ما بدأت في تطبيق رغباتها. أي تهديد عراقي عليها ،وكما حتاول االنفتاح على بالد الشام وعن طريقها الى تركيا واوربا ،ومن املمكن ان تدخل في صراعات كبيرة وشرسة اثر رابعاً :ايران تصادم طموحاتها مع ايران وقد ال تسمح لتركيا ايران احلديثة ورثت الدولة القاجارية بدعم بريطاني باالمتداد جنوبا نحو اخلليج .وتتوجس والسباب مباشرن وهي دولة مركزية قضت الشطر االكبر كثيرة تتعلق بالبعد االستراتيجي للبحر االحمر من تاريخها املعاصر باعتبارها دولة ذات نظام من الدور املصري والسوداني ،لهذا السبب امبراطوري وقد سعت الى توسيع حدودها من كل فإن السعودية في حالة ديناميكية شاملة اجلهات .اعتمدت على االثنية الفارسية بوصفها للحفاظ على امنها والتوسع في املنطقة .القاعدة االساسية للدولة مستغلة شيوع حوض اخلليج الداخلي متكون من امارات وممالك الثقافة الفارسية في املنطقة ،ثم ما لبثت ان تقليدية منتمية – كما تتصور -إلى البنيان تخلت عن العلمانية لصالح املذهب الشيعي العربي التقليدي ،إال إن سلطنة عمان ال زالت بوصفه دين الدولة وشكلت نظامها على هذا غير قادرة بشكل كامل على االندماج إلى هذا االساس وقد تبنته منوذجا توسعيا تسعى الى البنيان .ال ميكن اخفاء التطلعات املتمايزة في نشر نفوذها على الشرق االوسط بشكل عام، اخلليج وامكانية بروزها واحداث تغييرات على لدى ايران اشكاليات كبيرة في تكاملها الوطني طبيعة وخرائط املنطقة .وهذا بدوره يحدد وبناءها االقتصادي وهي محاطة نوعا ما بانظمة سياسة واستراتيجية التحالفات اخلليجية معادية لها ،تتوجس منها اغلب القوى في على املدى املنظور والبعيد األجل ،لذا ارى إن دول املنطقة والعالم السباب عديدة .حتاول ايران اخلليج ومن منطلق بناء نطاقات حامية حولها ،االعتماد على املكون الشيعي في أي مكان من وجل سياساتها رغم محدوديتها تتمحور حاليا العالم بوصفهم القاعدة االجتماعية املوالية في دعم نشوء دول عربية واسالمية تقليدية لها ،كما تفعل الدول السنية باعتمادها على ذات تطور اصولي بهدف احاطة نفسها بدول املكونات السنية في مواجهتها اليران ،البعد غير علمانية ،ال تعمل على تهميش دور اخلليج االستراتيجي اليران في الشرق االوسط يكمن االستراتيجي ،لكن الدول اخلليجية ترتكب خطأ في سعيها الدائم للوصول الى شواطئ البحر استراتيجي قاتل بسبب الهواجس املرضية التي املتوسط عبر تواصلها مع ما يعرف بالهالل متتلكها الن بناء الدول القومية-اإلسالمية ،في اخلصيب ،لكن القوى العاملية واالقليمية متنعها احلقيقة يعني نشوء دول ذو طموح توسعية إ وان من ذلك .ايران تتوجس في املستقبل املنظور من التوسعات التي تتبناها تلك الدول يعني ارهاقا حتملها لعبئ صراع عنيف ]أتي اما من تركيا او القتصاد اخلليج من جهة وتهديد مباشر لها بان من العالم العربي او من باكستان وافغانستان، تصبح مستعمرة لتلك الدول .وهذا التجربة مع بقاء احتمالية تعرضها الى هجوم مباشر ماثلة أمام ناظرينا لو تابعنا سياقات العالقات من امركيا واحتاللها بشكل مباشر ،لذا فهي العراقية في عهد صدام ودول اخلليج ،ولعل تسعى الى امتالكها االسلحة النووية بوصفها الدول االرتدادية اجلديدة التي تتشكل ال تتردد في سالح ردع يؤمن لها زوال مخاطر احلرب املباشرة االنقضاض على اخلليج النها متثل كنزا من املوارد والشاملة من امريكا او أي قوة اقليمية .حاليا 133
أقواس
أقواس
134
تعتبر إيران العراق وسوريا امتداد جلبهة الدفاع عن نفسها لذا تسعى جاهدة ملنع سقوطها بيد قوى معادية اليران وان تستخدمها كقاعدة السقاط ايران. ايران تعاني من اشكالية توحدها الداخلي من الناحية االجتماعية واالقتصادية وحتى االثنية والدينية ،وهي تتعرض الى ضغوط شديدة الميكن االقرار بانها سوف تستطيع جتاوزها بسالمة ،لذا فهي مرشحة الن تصدر ازماتها خارج حدودها والبحث عن املعركة احلاسمة في مكان اخر. سادساً :موقف اإلسترتيجية للقوى العاملية من التحوالت الشرق أوسطية: للعالم مواقف متباينة من امكانية تطور املشهد في الشرق االوسط الى نقطة تصادم عاملية تقسم العالم الى معسكرين متضادين يدخالن في صراع عنيف ومباشر ،بشكل عام الدول الصغيرة واملتوسطة تتوجس من امكانية تنامي التطرف والرادكالية املنظمة في دولة او غير املنظمة والتسبب في مشاكل بعيدة لتلك الدول او حتى غزوها في املستقبل ،اما الدول الغربية الكبرى فهي تساند تلك القوى وخاصة املعسكر العربي التركي من اجل اسقاط ايران وحلفائها في املنطقة ،ووفق املنطق الهرمجدوني فان التحالف اليهودي االسالمي املسيحي بات واضحا ضد القوى الرابعة والن هذا املنطق يفرض اصطفافات اخرى بعد جناحها في معركتها االولى فان قافلة احلرب ال تنتهي اال بعد ان يبقى احد املتحالفني بعد أن يقضي على االخرين وهذا ما يدفعنا الى التوجس من امكانية احالل السالم في ظل هذه التوجهات الراديكالية العنيفة التي تسعى الى حرب شاملة وحاسمة بشكل ال يقبل الشك او التساهل .الصني وروسيا وبعض القوى االسيوية تسعى بشكل عام الى اسناد ايران ملنع الغرب
من السيطرة التامة على العالم ،لكن الميكن التكهن بان احلرب سوف تتطور الى مديات اوسع خاصة في ظل االتفاق غير املعلن على اتباع منوذج احلرب القذرة غير الرسمية التي تقودها امليليشيات غير املنضبطة وغير املكلفة للقوى املتحاربة النها فقط بحاجة الى عقيدة دافعة للشباب الى احلرب وانعدام قوانني احلرب وقواعد االشتباك بكافة اشكالة واسلحة شخصية وخفيفة كفيلة الستعار حرب الشوارع ،وهذه احلروب بحاجة الى اماكن ومدن هشة ممكن ان تسقط وينفلت فيها الضبط االجتماعي نتيجة الصراعات التي تعاني منها لذا نرى بان احلرب القذرة بني القوى االقليمية والدولية املتصارعة قد استعرت في سوريا لتجعل منها جبهة واسعة يتقاتل فيها اجلميع بال رحمة .والعراق املرشحة التالية وان لم تخلو منذ عشر سنوات من هكذا حرب. اخلامتة: بشكل عام نرى ان البعد االستراتيجي لعاصفة التحوالت في الشرق االوسط ال تكمن في ترسيخ الدميقراطية او االنفتاح االقتصادي او تشجيع احلرية وال حتى في بناء الدول القومية من جديد بل البعد الظاهر والقوي يكمن في بناء اطر امبراطورية اقليمية موالية الحدى القوى العاملية تسيطر على مجمل قواعد اللعبة السياسية واالقتصادية في العالم ،وفي حال فشل هذا املسعى سوف تستطيع اغلب اجملاميع املتوحدة بناء دويالت خاصة لها ستفرز نوعا من التعاون اخلالق بسبب اعتماديتها املتبادلة في االقتصاد والتواصل االجتماعي ،لذا اعتقد بان العقد القادم سيرسم مستقبل املنطقة للقرن القادم.
اخليارات النسوية (من منظار أمريكي) بقلم :لندا هيرشمان ترجمة :ملياء سليم سعيد.
135
أقواس
أقواس
136
ترى املؤيدات للحركة النسوية Choice Feminismأن البقاء في البيت مع األطفال هو مجرد خيار إضافي بالنسبة لهن ،ومن العجيب أن معظم الرجال نادرا ً ما يلجأون إلى هذا « اإلختيار « فأي نوع من اخليارات هو بالضبط ؟ حقيقة النخبة النسائية ً نصف النساء الثريات ،واألكثر إمتيازا ،واألرقى تعليما ً ،في الواليات املتحدة يفضلن البقاء في البيت مع أطفالهن بدال ً من العمل في إقتصاد السوق .وعندما نشرت صحيفة New York Timesفي شهر أيلول مقاال ً خاصا ً تناولت فيه بعض جوانب هذا املوضوع حتت عنوان « العديد من النساء في اجلامعات العريقة يتجهن نحو مهنة األمومة « أثارهذا املوضوع جدال ً كبيرا ً ُ يخل من في أوساط اجملتمع ،هذا اجلدل الذي لم النوادر والردود التهكمية .وكان ( جاك شيفر ) من مجلة ( ) Slateقد إتهم صحيفة New York Timesبإستخدام « كلمة مراوغة « بنشر املوضوع نفسه تقريبا ً وهو « ثورة إختيار العمل »The Opt-Out Revolutionكل بضع سنوات ، ومؤخرا ً كل بضعة أسابيع .وبعد شهر من تلك الصفعة اخلفيفة الصحفية ، Mareen Dowd وهي األنثى الوحيدة بني كتاب األعمدة الثابتة في الـ New York Timesمبقال « اجلامعة العريقة « في مشاركتها مبسلسل الـ New York Timesاملستمر مبقالة عنوانها « ماذا على الفتاة املعاصرة أن تفعل؟ « وموضوعها أن على النساء التخلي عن « احلركة النسائية وحتى ترك العمل « .وقد أثارت مقالة اجلامعة غضبا ً شديدا ً وإنتقادات لدرجة أن الـ New York Times إضطرت إلى نشر توضيح قالت فيه إن األسلوب الذي إتبعته الكاتبة كان أسلوب طالبة صحافة حينذاك .ال تزال هناك مشكلة واحدة وهي أن هناك حقيقة مهمة في قصة ترك العمل برغم
إنها صدرت في صحيفة الـ . New York Times لقد عثرت على هذه األخبارقبل ثالث سنوات كنت أقوم ببحث لتأليف كتاب عن الزواج عندما ُ في فترة ما بعد ظهوراحلركة النسائية ،فوجدت من الناحية املنطقية ألجندة تفويض مزيد من السلطة للنساء ،قد فشلت في حتقيق أهدافها إلى حد كبير ,فهناك عدد قليل من النساء في أروقة السلطة ،وبقى الزواج على حاله دون تغيير جوهري ،وعدد النساء في اجلامعات يزيد على عدد الرجال ،ولكن بعد أكثر من جيل بعد احلركة النسائية ،ال يقترب عدد النساء في الوظائف املمتازة من عدد الرجال .فما السبب في ذلك؟ اجلواب الذي إكتشفناه – وهو جواب قد ال ترغب قيادات احلركة النسائية وال النساء أنفسهن في مواجهته – هو أنه ،إذا كانت احلياة العامة قد تغيرت بشكل غير مثالي ،لتفسح مجاال ً للنساء بني النخبة ،فإن احلياة اخلاصة تزحزت وبصعوبة ،ويكمن ذلك في السقف الزجاجي احلقيقي في املنزل (.املقصود بذلك املصطلح هو وجود سقف شفاف غير منظور يحول دون وصول البعض – األقليات العرقية والنساء بشكل خاص – إلى املراكز الوظيفية العليا في كبريات الشركات واملؤسسات .وكأن هناك سقف مينعهم من ذلك) .وبنظرة إلى الوراء ،يبدو من الواضح أنه كان مقدرا ً للعائلة التي لم تكتمل إعادة بنائها أن تبزغ من جديد بعد مرور عاصفة التغيير اإلجتماعي للحركة النسائية .وبعد اإلندفاعة األصلية نحو معاجلة كل شيء في حياة النساء ،حولت احلركة النسائية تركيزها نحو كسر أبواب بنية السلطة العامة ،ولم يكن ذلك بالعمل الهني .ففي بداية األمر ،كان من الشائع وجود محلفني من الذكور ،وجامعات عريقة IVY Leagueللذكور .وإعالنات توظيف مقصورة على جنس واحد ( الرجال) .وأصحاب أعمال مييزون بني اجلنسني .والتحرش بزميالت العمل.
وكنتيجة جلهود احلركة النسائية – ولتوجيهات إقتصادية أكبر -إرتفعت نسبة النساء ،وحتى األمهات -في الوظائف بدوام كامل أو نصف دوام على نحو كبير خالل الثمانينات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين .لكن نسبة التقدم تباطأت بعد ذلك ،فتوقفت أرقام اإلحصاء الرسمي جلميع األمهات العامالت عند مستوى معني حوالي العام 1990وتناقصت بشكل بسيط منذ العام .1998وفي املقابالت التي أجريتها ،قالت النسوة اللواتي ميتلكن ما يكفي من املال بقدر يسمح لهن بترك العمل إن « خيارهن هو ترك العمل» .وتخفي كلماتهن حقيقة هامة أنه لم يتغير شيء من اإلعتقاد السائد بأن النساء هن املسؤوالت عن تربية األطفال والعناية بشؤون املنزل وذلك بعد عدة عقود من تأثير احلركة النسائية على مكان العمل .أضف إلى هذا الدليل اجليد أن أماكن عمل الطبقة العالية أصبحت كثيرة املتطلبات. وإذا مت مزج كل ذلك مع احلملة الثقافية احملافظة الناجمة التي تطالب بتعزيز األدوار التقليدية لكال اجلنسني فإن ذلك كفيل بالقضاء على احلركة النسائية .ومن ال تعجبه الرسالة يهاجم املعلومات املكونة لها .صحيح إن الـ New York Timesأسهمت قصة اجلامعة على دراسة مشكوك في مصداقيتها وعلى عدد من املقابالت الصحفية .كما أنه ليس من الضروري منح شهادة إعتماد لكتاب داود الذي أخذت منه مقالتها ،والذي يبدو أنه يقوم بشكل رئيس على جتربة حياتها مع املواعيد الغرامية السيئة، ومع البريد اإللكتروني من زمالئها املراسلني الصحفيني في الـ New York Timesلكن يتساءل املرء عما إذا كانت كل هذه الضجة ال تعني أن هناك شيئا ً مهما ً يتفاعل في املناورات السياسية حول اجلنس – أي الذكورة واألنوثة .- ما الدليل الذي يفي بالغرض على نحو جيد ؟ أنت أيتها القارئة املتعلمة والغنية بكِ . دعنا نبدأ ِ
كنت سيدة في الثالثينيات أو األربعينيات ،إن ِ ً عملك ؟ وأنتم أيها من العمر وأما ألطفال ،ما ِ األزواج ،ما الذي تعمله نساؤكم ؟ والقراء األكبر سنا ً ،ما الذي تعمله بناتكم املتزوجات األمهات؟ وجهت هذا السؤال لعدد ال حصر له من لقد ُ النساء والرجال ،وفي الشريحة السكانية التي تتكون من املتعلمني األغنياء ،تنصرف النساء عن مهنتهن من أجل العناية بالبيت واألطفال ، قابلت من النساء أما اللواتي يعملن من بني من ُ نصف دوام ،وهذا لن يوصل أحد إلى املراكز العليا في اإلدارة .وفيما يلي بعض األدلة اإلضافية : قمت خالل التسعينيات من القرن العشرين ُ بتدريس مقرر عن املقايضة بني اجلنسني في كنت جامعة مرموقة ومحترمة ،وفي كل سنة ُ أستعرض مع الطلبة بعد إنتهاء التدريس املردود وسألت املتدني للعمل على رعاية األطفال ، ُ :كيف يتوقع الطالب اجلمع بني العمل ورعاية وحتدثت نصف الطالبات – على األقل األطفال. ْ – عن احلياة بنصف دوام Home-based work أو العمل في البيت .أما الذكور فتوقعوا من شريكات حياتهم أن يقمن برعاية األطفال. قمت بسؤال الشباب كيف سيوفقون وعندما ُ بني ذلك األحتمال وبني ما يبديه السوق من قلة إحترام واضحة لرعاية األطفال ،أصيبوا حتولت نحو النساء اللواتي باإلرتباك ،وعندما ُ حتدثن قبل ذلك ،كان ردهن الوحيد هو « :لكنها إختارت ذلك « .وحتى Ronald Coase هي التي ْ احلائز على جائزة نوبل في اإلقتصاد في عام 1991يستشهد باملثل القائل « مجموعة النوادر واحلكايات تشكل معلومات « .وبهذا ،كم من النوادر واحلكايات يحتاج األمر لتصبح معلومات ؟ أنا ،بصفتي عضوا ً في املنظمة الوطنية للنساء (National Organization for Women ) ”“NOWوأحد املانحني لالئحة إميلي ( Emily’s ) Listوأستاذ في الدراسات النسوية – لم أشرع عثرت في البحث ألصل إلى شيء من هذا – فقد ُ 137
أقواس
أقواس
138
على هذا املوضوع ،وأنا بصدد التخطيط لتأليف كتاب ،عندما حدث وأن شاهدت (شارلوت) في املسلسل التلفزيزني « اجلنس واملدينة Sex and ) the Cityوهي تعاني بشدة من أجل أن تنشر إعالنا ً عن موعد زواجها في صفحة « طراز حياة يوم األحد « Sunday Stylesفي صحيفة New York Timesقلت لنفسي :وهل توجد عينة أفضل من عرائس صفحة « طراز حياة يوم األحد « املتعلمات تعليما ً راقيا ً واملرموقات إجتماعيا ً حوالي العام 1996؟ وعند الزواج ،كان من بني هؤالء -: نائبة رئيس لإلتصاالت بالزبائن . -1 وطبيبة إختصاصية في اجلهاز -2 الهضمي. ومحامية. -3 ومحررة في جريدة. -4 ومديرة تسويق. -5 أقتفيت أثرهن وإتصلت وفي عامي 2004-2003 ُ بهن .قابلت حوالي %80من اإلحدى واألربعني إمرأة اللواتي أعلن هن زواجهن على مدى ثالثة ( أيام أحد) مختلفة من العام . 1996ولكن في األربعني من العمر ،جامعيات ،وذوات مهن ناجحة ،ومن هو أكثر إحتماال ً منهن في اإلنتفاع من وعود احلركة النسائية بالفرص؟ تصوروا كم كانت دهشتي عندما وجدت جميع من تزوجن في ( يوم األحد ) األول تقريبا ً باقيات في البيوت مع أطفالهن .هل يشكل ذلك شذوذا ً إحصائياً؟ ال ، وجدت النتيجة نفسها ( ليوم األحد ) الثاني فقد ُ واليوم األحد الذي يليه %90.من العرائس اللواتي عثرت عليهن قد أجننب أطفاالً .ومن الثالثني اللواتي ُ أجننب األطفال خمس فقط يعملن بدوام كامل ، و 25أو %85ال يعملن بدوام كامل ،ومن هؤالء اللواتي ال يعملن دواما ً كامالً ،عشر فقط يعملن نصف دوام ،ولكن غالبا ً في مجال بعيدا ً جدا ً عن مهنهن السابقة ،ونصف النساء املتزوجات واألمهات ألطفال ال يعملن باملرة .وهناك ما هو
أكثر من ذلك .ففي عام 2000قامت ( مايراهارت) األستاذة في كلية إدارة األعمال في جامعة هارفارد بعمل مسح للنساء خريجات أعوام 1981و1986و 1991فوجدت أن %38فقط منهن اللواتي حصلن على درجة املاجستير في إدارة األعمال يعملن بدوام كامل .كما أن مسحا ً قام به مركز سياسة العمل واحلياة (Center for Work )and Life Policyفي عام 2004حلوالي 2443إمرأة من حامالت شهادات املاجستير أو البكالوريوس في تخصصات محترمة جدا ً أظهر أن %43 منهن أمهات ألطفال قد أخذن إجازة من العمل ألسباب عائلية بشكل رئيسي .ويقول ( رتشارد بوزنر) القاضي في محكمة اإلستئناف الفدرالية و األستاذ املساعد في جامعة شيكاغو ،يقول « : تؤكد مقالة New York Timesما يعرفه كل من له عالقة بهذه املؤسسات التعليمية ( كليات احلقوق املتميزة) منذ وقت طويل ،وهي أن نسبة من الطالبات اإلناث أعلى بكثير من نسبة الطلبة الذكور ستنسحب من القوى العاملة للرعاية بأطفالهن» .فما هو العدد املطلوب من النوادر واحلكايات لكي تصبح معلومات ؟ أظهر إحصاء عام 2000تراجعا ً في نسبة أمهات األطفال الرضع اللواتي يعملن بدوان كامل أو نصف دوام أو يبحثن عن عمل .بدءا ً من %31في عام ، 1976 إرتفعت النسبة كل سنة تقريبا ً حتى عام ،1992 ووصلت النسبة %7،58في 1998ومن ثم بدأت بالتراجع إلى %2،55في عام ، 2000وإلى 6و%،5 عام ، 2002وإلى %7،53في عام .2003وأظهرت ُشرت حديثا ً تراجع أكبر ،وصل اإلحصاءات التي ن ْ إلى نسبة %9،52في عام ، 2004وحتى النسبة املئوية لألمهات العامالت مع أطفال ليسوا في سن الرضاعة تراجعت بني عامي 2000و 2003من %،8إلى .%8،59والنساء املتعلمات تعليما ً جامعيا ً يعملن أكثر من غيرهن ،إال أن إحصاء عام 2002يثبت أن الدرجات اجلامعية واملهنية ال ترفع من نسبة املشاركة في قوة العمل أكثر
مما ترفعه سنة جامعية واحدة .وعندما يكون أطفالهن في سن الرضاعة – أي أقل من سنة واحدة – فإن %54من اإلناث اجلامعيات ال يعملن بدوام كامل – يعمل %18منهن نصف دوام و %36ال يعملن أبداً -وحتى من بني هؤالء اللواتي ليس لديهن أطفال في عمر الرضاعة ،فإن %41 منهن ال يعملن بدوام كامل .يتحاور اإلقتصاديون حول معنى هذه املعلومات والبيانات ،حتى أنهم ليذهبون لغاية التأكيد على أن هناك املزيد من األمهات العامالت .ويقولون إن مكتب اإلحصاء قد غ ّير تعريف كلمة «عمل» قليالً في عام 2000 حني دخل اإلقتصاد في ركود ،فكان التناقص في نسبة النساء من دون أطفال موازيا ً للركود اإلقتصادي .ومع ذلك ،فحتى لو لم يكن هناك تناقص بل كان مجرد توقف عند مستوى معني، فإن هذا ال ميثل فقدانا ً لقيمة مافي الوقت احلاضر ولكنه ميثل فقدانا ً لألمل في املستقبل، أي فقدانا ً لألمل في أن يستمر دور النساء في اجملتمع في التنامي .فما زالت املساجالت عاجزة عن تفسير سبب غياب النساء عن أماكن العمل املتميزة .ولو كانت النساء صامدات في عالم األعمال ،واحملاماة ،والتعليم األكادميي العالي، بعد مرور ثالثني عاما ً على قيام احلركة النسائية مبلئ املدارس املتميزة بالنساء ،ألصبحت أماكن العمل املتميزة اآلن مألى بالنسبة نفسها من النساء كذلك .ولكنها ليست كذلك .وقد شكلت اإلناث ما نسبته %40من خريجي كلية احلقوق على مدى عقود مضت ،كما حدث في هذه العقود توسع هائل في املدارس وفي الشركات ،ومع أن اإلناث لن يشكلن نسبة %40 من العاملني في مجال القانون حتى عام .2010 ففي عام 2003شكلت اإلناث نسبة %16فقط من شركاء مكاتب احملاماة الرئيسية ،حسب ما أوردته جمعية احملامني األمريكية .ومن املهم أن نأخذ بعني اإلعتبار أن أماكن العمل املتميزة مثل مكاتب احملاماة قد توسع حجمها خالل السنوات
نفسها التي تزايدت بها نسبة اخلريجات مما يجعلك تتوقع توظيفا ً لإلناث أعلى مما يشير إليه معدل اخلريجات .لقد خ ّرجت كلية إدارة األعمال في جامعة هارفارد دفعات بلغت نسبة اإلناث فيها %30ومع ذلك تشكل اإلناث نسبة %6،10فقط من مديري شركات .Well Street ومجرد تسع إناث بوظيفة رئيس تنفيذي في شركات Fortune Jobوتشكل اإلناث %20من هيئة التدريس عند عمادة كلية إدارة األعمال في جامعة هارفارد والتي إمتدح عميدها فضائل اإلنقطاع عن العمل في برنامج «ستون دقيقة « التلفزيوني .من احملتمل أن يكون مكان العمل متميزا ً ومعاديا ً للحياة العائلية ،ولكن لو وظفت الشركات كل محامية ليس لديها أطفال ،لكان ذلك وحده كافيا ً لرفع نسبة نساء الشركات في مكاتب احملاماة إلى أكثر من %16خالل ثالثني عاما ً ،كما أنه من املمكن أيضا ً أن تستثنى النساء أنفسهن طوعيا ً من التنافس على الوظائف املتميزة واإلكتفاء بوظائف أقل مركزا ً وأقل دخالً، وعلى النساء حتمل تبعات قراراتهن .أن اإلدعاء بعدم وجود عالقة بني التناقص من %40في كليات احلقوق إلى %16من الشركاء في مكاتب احملاماة الكبيرة وبني ترك نصف األمهات خريجات اجلامعات املهنية لوظائف ساعات العمل الكامل عند اإلجناب ملدة سنوات ،أو حتولهن لوظائف أقل درجة ،هو إدعاء ال يقبله العقل .وال عالقة لهذا بالرعاية النهارية لألطفال .فنصف العرائس في صحيفة New York Timesتركن العمل قبل إجناب الطفل األول .ولقد عبر نصفهن – على األقل -خالل املقابالت التي أجريت معهن عن أملهن في أن ال يعدن إلى العمل أبداً ،وال خطط أفقية للعمل عندما تركنه أو على األقل غير مستلزمات بحياة العمل .وقالت إحداهن ،وهي حتمل شهادة املاجستير في إدارة األعمال « :إنها لن تستطيع أبدا ً أن تفهم ملاذا يتكالب الرجال في احلصول على صفقات في مكان العمل 139
أقواس
أقواس
140
فصلت منه» .وقالت وهي مستغرقة في الذي ُ التفكير « :إنها مجرد نقود « .فلم يكن مستغربا ً ،أنه عندما عرض عليهن أصحاب العمل وظائف بنصف دوام ،لم يك َّن متحمسات بقبول ذلك. -2فشل اخليار النسوي ما الذي يجري ؟ معظم النساء يأملن في الزواج وإجناب األطفال .وإذا ما قاومن املسؤوليات األنثوية التقليدية املتعلقة بتربية األطفال والعناية باملنزل ،والتي أسمتها Ariel Hoch « childنوبة العمل الثانية» فإن ذلك يعني بدء اإلستعداد للمنازلة .لكن النخبة النسوية ال تقاوم التقاليد ،ولم تر أي من العرائس اللواتي أجريت مقابلة معهن مكثن في البيت واللواتي ُ أن « نوبة العمل الثانية» غير عادلة ،ويوافقن على أن األعمال املنزلية هي من صميم عمل املرأة .وكما قالت إحدى العرائس احملاميات في تفسير قرارها بترك املهنة بعد خبرة أربع سنوات: علي التخطيط للزواج» .وأخرى ،وهي « كان َّ خريجة إحدى اجلامعات العريقة وحتمل شهادة املاجستير ،قالت بلغة اإلدارة « :هو (الزوج) رئيس اإلدارة التنفيذي ،وأنا رئيسة اإلدارة املالية، وعلي أن أقرركيف أنفقها». عليه كسب املال َّ إنه عملهن ،وعليهن القيام به على أكمل وجه : .نحن كلنا هنا مشغوالت بطبخ فطيرة التفاح» كان رد إحداهن لتفسير ترددها في ترك بناتها من إجراء املقابلة معها .كما وصفت رئيسة اإلدارة املالية أنشطتها املنزلية قائلة « : إني أصطحب أبنتي ( ذات الثالث سنوات ) إلى جميع املتاحف الكبرى ،ونذهب حلضور فصول في مدارس صغار األطفال» .يؤكد احملافظون على أن ترك العمل يثبت «فشل» احلركة النسائية ألنها كانت متشددة جدا ً ،وألن النساء لم يرغنب فيما قدمته تلك احلركة .وفي الواقع ،إذا كان نصف وريثات احلركة النسائية أو أكثر ( %85من النساء في عيني هن من صحيفة New York ) Timesال يأخذن العمل مآخذ اجلد .ذلك ألن
تلك احلركة لم تكن متشددة مبا فيه الكفاية ، فلقد غيرت مكان العمل ولكنها لم تغير الرجال ،واألهم من ذلك ،لم تغير العالقة بني الرجل واملرأة بشكل جوهري .لقد بدأت احلركة متشددة بالفعل ،ففي دعوتها األصلية لإلستعداد للنضال ،شبهت (بيتي فريدان) العمل املنزلي باحلياة احليوانية ،وقالت في كتابها « الهالة السرية األنثوية» () The Feminine Mystique « كنس أرضية غرفة اإلستقبال – بكامل الزينة أو من دونها – ليس بالعمل الذي يحتاج إلى تفكير أو طاقة كبيرة الزمة لكن تشكل حتديا ً لكامل قدرات املرأة ...لقد أدرك الرجل على مدى العصور أن ما مييزه عن احليوان هو قوة عقله التي متكنه من اإلتيان بفكرة أو رؤية ما فيقوم بتشكيل املستقبل ليتناسب معها ،وعندما يكتشف ويبدع ويشكل مستقبالً يختلف عن ماضيه يصبح رجالً ،أي أحد بني اإلنسان» .إال أن احلركة النسائية (الليبرالية) املتحررة تخلت بعد ذلك عن نقطة البداية املتسمة بإصداراألحكام التقديرية لصالح تقدمي « خيارات» متعددة للنساء .واحلديث عن اخليارات ناجت عن محاوالت الناس لتحاشي إستعمال كلمة « إجهاض « كما أن هذه « اخليارات « زودت احلركة النسائية بحل ال ميكن مقاومته لتفادي النزاعات حول مسألة بقاء املرأة في البيت من أجل األمومة. تستطيع املرأة -: أن تعمل . -1 أوأن تبقى في البيت. -2 وأن تنجب عشرة أطفال . -3 أو ال تنجب أحداً. -4 أن تتزوج . -5 أو تظل عزباء . -6 يعتبر كل ذلك جزءا ً من احلركة النسائية طاملا كان خيارا ً للمرأة (.لقد أصبح مفهوم اإلختيار مسيطرا ً لدرجة أنه عندما تركت ( تشارلوت) وظيفتها حتت ضغط زوجها األول الذي ال يطاق
،جعلها مؤلفو مسلسل « اجلنس واملدينة « تصرخ قائلة « :إنني حرة في خياري ! إنني حرة في خياري!» .واجلماعات األكثر تطرفا ً ضمن احلركة النسائية هي وحدها التي تعرضت ملوضوع العالقة بني اجلنسني داخل البيت ، ووصفت لها حلوال ً غير مثمرة مثل اإلشتراكية أو اإلنفصالية .نحن على علم بحكاية اإلشتراكية ،وأما اإلنفصالية فلقد إصطدمت وجها ً لوجه مع موضوع الزواج من اجلنس اآلخر وبإعادة إنتاج الذات ،ناهيك عن الكالم عن كسب لقمة العيش من وظيفة بيع الكتب في محل تابع للحركة النسائية .وعلى حد قول ( أليس إيكولز) مؤرخة احلركة النسائية « :بدال ً من مواجهة موضوع اخلضوع والتبعية في احلياة العائلية ،إلتزمت احلركة النسائية في منظمة النساء القومية بالنضال من أجل دفع النساء في احلياة العامة». وبغض النظر عما كانت عليه احلركة النسائية من عظمة ،مبجرد أن تراجعت إلى « اإلختيار» لم يبق لها ما تقوله في إيديولوجية اجلنس ( من حيث الذكورة واإلنوثة) داخل العائلة .ولم تستطع احلركة النسائية القول « :إن القيام باألعمال املنزلية ورعاية األطفال ضمن نواة األسرة Nuclear Familyليس باجملتمع وليس بذي قيمة محترمة من الناحية اإلجتماعية ، ويقتضي العدل أن يكون قاصرا ً على النساء على أساس اجلنس مع التضحية بإمكان حصولهن على املال والسلطة واإلحترام» .تعتقد %50ممن إستطلعت آراؤهن و %62من احلاصالت على شهادة املاجستير من جامعة هارفارد و %85من عرائس صحيفة New York Timesبأنهن قمن « بإختيار» حياتهن على أساس اجلنس من حيث الذكورة واإلنوثة .ما ال يعلمنه هو أن احلركة النسائية وبالتواطؤ مع اجملتمع التقليدي ،أحالت مسألة العائلة املنقسمة على أساس اجلنس إلى النساء لكي ميارسن اإلختيار .حتى مع وجود جميع دور الرعاية النهارية في العالم ،ال يزال
اإلختيار الشخصي محكوما ً بسياسة اجملتمع ومعظم ما تبقى هو ثورة ترك العمل. -3ما العمل اآلن؟ ها هو التحليل األخالقي للحركة النسائية الذي جتاهله اإلختيار :العائلة جزء ضروري من احلياة –مبا فيها من مهام متكررة وغير منظورة ، وبدنية – ولكنها تسمح بفرص من أجل الرخاء اإلنساني الكامل أقل مما تسمح به اجملاالت العامة ،كالعمل في التجارة ،أو احلكومة .وهذا اجملال األقل رخاء ،ليس باملسؤولية الطبيعية واألخالقية للنساء فقط ،ولذلك فإن ،إقتصار ذلك على النساء هو أمر غير عادل .كما أنه ليس من العدل أن تلزم املرأة نفسها بذلك .وبعبارة آخرى ،وكما قال »: Mark Twainإن رجالً يختار عدم القراءة هو بنفس الدرجة من اجلهل كرجل ال يستطيع القراءة». والنقاد على صواب في شيء واحد :فموضوعات الـ New York Timesالسخيفة ال تغيرمن األمر شيئا ً ،أما Dowdالتي قد متتلك قدرات كثيرة لكنها ليست بالفيلسوف السياسي ،تختتم مقالها بالتساؤل عما إذا كان الوضع سيتغير بحلول عام 2030بكثير .وفي كلتا احلالتني لن نستطيع اإلنتظارتلك الفترة الطويلة .فإذا كان لنجاح النساء أية أهمية ،فعلى احلركة النسائية اإلعتراف بأن وضع العائلة في عام 2005هو الوضع نفسه الذي كان عليه مكان العمل في عام ، 1964ووضع حق اإلنتخاب في عام .1920وكما هو احلال بالنسبة حلق العمل وحق اإلنتخاب ،فإن احلق في حياة مزدهرة ،تشمل احلياة العائلية ولكنها ال تقتصر عليها ،لن يجد حالً من خالل لغة حق اإلختيار .والنساء اللواتي يرغنب في ممارسة اجلنس وإجناب األطفال مع القيام في نفس الوقت بعمل جيد في وظائف ممتعة بحيث يتمكن أحيانا ً من ممارسة سلطة إجتماعية ،هن في حاجة إلى إرشاد ،ويحتجن ذلك بشكل مبكر .واخلطوة األولى ببساطة هي 141
أقواس
أقواس
142
البدء باحلديث عن الرخاء واإلزدهار ،وبذاك تكون احلركة النسائية قد بدأت تعود جلذورها األولى، وقد يثير هذا غضب البعض ،ولكنه سيقرع جرس اإلنذار قبل أن ينتهي األمر باجليل القادم في الوضع نفسه الذي نحن عليه اآلن .اخلطوة الثانية على احلركة النسائية أن تبدأ بتقدمي حلول لتطبقها صغار النسوة على عاتقهن وليس مجرد حق إختيار أو طوباوية ،دفع النساء للخروج من الدور التقليدي لهن وليس باألمر الهني .ويتطلب األمر قواعد – قواعد كتلك التي في كتاب « القواعد « The Rulesالذي كان مثار إستهزاء وسخرية على نطاق واسع والذي لم يكن أبدا ً عن املواعيد الغرامية وإمنا على تعديل السلوك .وهناك ثالث قواعد -: إستعدي باملؤهالت الالزمة للحصول -1 على عمل جيد. نفسك في موضع غير وال تضعي -2 ِ متكافئ من حيث املواد واإلمكانات عند الزواج. وتعاملي مع العمل بجدية. -3 وفترة اإلستعداد تبدأ في اجلامعة. -4 ومن املؤسف أن يرى املرء أن الفتيات يضعن حدا ً خلياراتهن في العمل في احلياة العامة في وقت مبكر جدا ً هو مرحلة اجلامعة ،ولكنهن في الواقع يفعلن ذلك .العيب األول يتمثل في منهج اآلداب والدراسات اإلنسانية والثقافية العامة ، الذي جتيده النساء ويتخرجن منه بأعداد أكبر من الرجال .فعلى الرغم من أن العديد من الناس الناجحني بدؤوا بدراسة تلك املواد ،فإن الهدف من تعليمها ليس التأهيل للوظيفة بإستثناء عدد صغير جدا ً من الوظائف األكادميية .وهكذا ، تعليمك اجلامعي فالقاعدة األولى هي أن تختاري ِ وعيناك على أهداف املهنة التي ستعملني بها. ِ ويجب على منظمات احلركة النسائية أن تصدر كل عام دراسة حول أكثر فرص العمل شيوعا ً حلاملي الشهادة اجلامعية ،إضافة إلى معدل الدخل املتوقع على مدى احلياة لكل فئة من
الوظائف ،واملواصفات الالزمة لتلك الوظائف. واملهم هنا هو مساعدة الفتاة على أن ترى أنه من املمكن أن تدرس تاريخ اآلدب ،ولكن مع إدراك واقعي بأنها ستحتاج في يوم قريب إلى إستثمار دراستها لآلدب في إعالة نفسها وعائلتها. وعلى مثل هذه الدراسة مطالبة الفتيات بأن يختزن أفضل ما يتناسب معهن ويرشدهن إلى أفضل أنواع التعليم التي تتفق مع قدراتهن وإستعداداتهن مثل اإللتزام الذي ينص على عدم قبول موعد غرامي ليوم السبت بعد ليلة األربعاء ،وعلى الدراسة أن تقدم مسارات دراسية واقعية للنساء ملساعدة الراغبات في العمل في وظيفة أمني متحف رغم إفتقارهن للعبقرية الفنية، في عدم الوقوع في براثن اإلحباط املهني وحتاشي حل مشاكلهن الوظيفية بالزواج .وبعد اجلامعة يأتي التدريب على أعمال الوظيفة أو التعليم املستمر .والعديد من عرائس صحيفة New – York Timesوكذلك العرسان -عملوا بالفعل عند إنهاء تعليمهم .وإليكم هذه القصة حول الفارق بينهما :تقابل الزوجان من خالل العمل محام ،وبعد سنوات قليلة في شركة وكالهما ٍ حتول الرجل من العمل في قانون التجارة الدولية إلى العمل في عالم األعمال والتجارة العاملية لي : ،أما املرأة فقد تركت العمل كليا ً وقالت ّ تدربك « لقد قالوا لي إن كلية احلقوق ميكن أن ِ تؤهلك للدخول في عالم ألي شيء ،ولكنها ال ِ علي أن أدخل كلية إدارة التجارة واألعمال ،وكان َّ األعمال ،أليس كذلك « .أو كان عليها اإلنسحاب والتنحي جانبا ً وشاهدت زوجها احملامي يستغل ْ سنوات عمله األولى لإلستعداد للتحول إلى عمل له عالقة بذلك .لقد إفترض كل عريس من عرسان صحيفة New York Timesأن عليه أن ينجح في عالم األعمال ،وفي احلقيقة حاول كل منهم كذلك ،وباملقابل ،كان الطابع املشترك بني النساء اللواتي قابلتهن عبارة عن مثالية اإلعتداد بالنفس حول أنواع الوظائف
الفكرية – أي التي يستلزم حث الفكر فيها – واملتميزة واملرموقة إجتماعيا ً ،واخلالية من املناورات السياسية والتي تستأهل حضورهن الذي ال يقدر بثمن .وهكذا ،فالقاعدة الثانية هي :على النساء التعامل مع السنوات األولى بعد اجلامعة كفرصة لإلندماج في احلياة العملية ذات الطابع الرأسمالي واإلستعداد لإلنتاج اجليد الذي سيتعاملن معه حينذاك بجدية .فأفضل الطرق للتعامل مع العمل بجدية هي في الوصول إلى املال .فاملال هو املؤشر على النحاج في إقتصاد السوق -: وعادة ما ترافقه السلطة. -1 ويساعد حامله على إستخدام هذه -2 السلطة ،مبا في ذلك إستخدامها داخل األسرة دون إستثناء تقريباً. فأن النساء اللواتي تركن العمل تخرجن بالشهادة اجلامعية نفسها كأزواجهن تقريباً. ومع ذلك ،ففي مرحلة ما إتخذت النساء قرارا ً نحو اإلجتاه األقل ماالً .وكانت املثالية جزءا ً من املشكلة - : فاملثالية على درب املهنة أو املستقبل -1 الوظيفي عادة ما تؤدي إلى العمل الطوعي. أو إلى وظيفة تشبه العبودية ( السخرة) -2 من وظائف اخلدمة اإلجتماعية وقد يكون ذلك عليك ماالً. عمالً جيدا ً لكنه ال يدر ِ واخلطأ اآلخر هو تغيير الوظيفة عدة مرات ودون إستثناء ،لقد غيرت العرائس اللواتي تركن العمل وظائفهن أكثر مما فعل العرسان (الرجال) .وإذا فأنت في وضع بسمح عملك كنت ناجحة في ِ ِ ِ لك بالتعامل مع املشروع الثالث :األسرة املنجبة ِ لألطفال .والقاعدة التي حتكم هذا املوضوع هي حصتك العادلة من نوبة أال تتحملي أكثر من ِ العمل الثانية .وإذا كان هذا قاسيا ً وخاليا ً من فعليك باإلطالع على الدراسة التي التعاطف ِ أصدرها مركز سياسة العمل – واحلياة .تشعر ما ال يقل عن %40من النساء املتزوجات واملتعلمات
تعليما ً عاليا ً بأن أزواجهن ميثلون عبئا ً عليهن ال يقارن مبا يقدمونه من املساعدة في البيت .ووفقا ً ملا ورد في كتاب « الهالة السرية للمهنة» بقلم ( فيليس مون وباتريشا رولينك ) يزداد عمل املرأة في البيت بعد الزواج بنسبة %17بينما يتناقص عمل الرجل بنسبة ، %33وليس هناك واحد من بني عرسان صحيفة New York Timesمن النوع الذي ميكث في البيت .العديد منهم ينتظر يوم اإلثنني بفارغ الصبر ،ولم يأخذ أي من عرسان New York Timesمجرد إجازة أبوة قصيرة عند والدة أطفالهم .والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :كيف السبيل في حتاشي هذا الروتني اململ؟ اجلواب هو - : إما بالعثور على زوج عنده من السلطة -1 عندك. اإلجتماعية أقل مما ِ أو بالعثور على زوج ملتزم بفكرة املساواة -2 بني اجلنسني. إذا ً عليك إختيار الطريق األسهل ،أوال ً تزوجي من ِ منك سلطة ،ال تظنني أن هذه خطوة هو أقل ِ أهدافك كنت مخلصة في حتقيق طائشة ،فإن ِ ِ يساندك في ذلك ، الوظيفية وترغبني في رجل ِ فإنت تعملني ما عمله الرجال على مدى العصور: ِ مقامرة آمنة! .توصي (رونا ماهوني) في كتابها « نحن نخدع أنفسنا :األطفال وكسب الرزق والقدرة على املساومة Kidding Ourselves: Babies Breadwinning and Bargaining « Powerالصادر عام ، 1995توصي بالعثور على زوج متعاون -: إما بالزواج من رجل أصغر سناً. -1 أو أكثر فقراً. -2 أو رجل في وضع يستوجب اإلعتماد على -3 الغير – مثل فنان جائع.- ومبا أن املال هو عالمة املكانة والسلطة ،فمن الصعب إقناع النساء بالزواج ممن هو أفقر منهن. إليك قاعدة أسهل :تزوجي رجل أصغر وهكذا، ِ منك بكثير .فعند صغار السن منك سنا ً أو أكبر ِ ِ 143
أقواس
أقواس
144
من الرجال إمكانية الظهور مبظهر أزواج الطبقة الراقية ،والرجال األكبر بكثير مستقرون مبا فيه الكفاية بحيث ال يكونون مضطرين للعمل الشاق او لساعات طويلة ،وفي األعم واألغلب ميتلكون قدرا ً كافيا ً من املال إلستئجار من يساعد في القيام باألعمال املنزلية الالمحدودة. وباملقارنة ،فالرجال األكبر بقليل ومن ذوي الدخول العالية هم األكثر خطورة ،ولكن حتى باإلرتباط بشريك مماثل متاما ً محفوف باخملاطر أيضاً .وإذا كان كالكما في بداية مرحلة احلصول على إحدى الوظائف املرموقة في الوقت الذي تنجبون به أطفاال ً ،فإن أحدكما سيضطر إلى التنازل .وحتى أكثر احملامني إخالصا ً وتفانيا ً في العمل ومع وجود مربية تبذل قصارى جهدها ألطفالهم سيمرون بأسابيع ال يستطيع أي منهم العودة للبيت في غير أوقات النوم .ومن املرجح عند حصول مثل هذا الوضع ،أن تتنازل املرأة عن طموحاتها وإمكاناتها املهنية .من احملتمل أن يكون الزواج من رجل متسامح ومتحرر هو السبيل األفضل . وبعد كل شيء يبرر احملافظون عدم املساواة داخل العائلة بأسلوبني- : « تلك إرادة اهلل « . -1 « التكوين البيولوجي قضا ًء وقدر». -2 ويعتقد معظم الرجال ( ومعظم النساء ) ومنهم املتسامحون واملتحررون أن البيت هو من مسؤولية النساء ،لكنهم على األقل كنت قد يشعرون باحلساسية حيال ذلك .وإن ِ أمورك بعناية ودقة بالزواج ممن هو أصغر تدبرت ِ ً عثرت على شخص لم كنت قد منك سنا أو ِ ِ تفسده أيديولوجية اجلنس (الذكورة واألنوثة) لك مبقاومة القيام بأكثر فأنت في وضع يسمح ِ ِ حصتك العادلة جتاه العائلة ،وحتى عند من ِ فعليك أن تكوني يقظة ،وتأتي الصفقات ذلك ِ السيئة على هيئتني- : إقتصادية وإقتصاد منزلي. -1 اإلغراء اإلقتصادي يتمثل في أن تتكفل -2
الزوجة العاملة بتكاليف رعاية األطفال. فإذا قرر زوجان أن ينجبا طفالً وكان دخل املرأة 50ألف دوالر في السنة ،ودخل زوجها 100ألف دوالر في السنة ،وكانت تكاليف مربية الطفل 30ألف دوالر في السنة ،سيجد الزوجان أن ما يتبقى من دخل الزوجة بعد دفع %40كضرائب هو 30ألف دوالر وهو ما يكفي لدفع راتب املربية فقط ،وبذلك فمن األفضل لها أن تبقى في البيت .ولكن هذا يتجاهل على نحو تام بأن كال البالغني شريك في األمر ويتجاهل الدخل املستقبلي املفقود ،والسلطة ،واألمن للمرأة التي تركت عملها .فبدال ً من ذلك ،عليهم إحتساب مجموع دخل ( الزوج والزوجة) السنوي الذي هو 150ألف دوالر وما تبقى منه بعد دفع الضرائب هو 90ألف دوالر للوفاء بتكاليف حياتهم .والفخ الذي ينصبه اإلقتصاد املنزلي يحاول إستغالل معرفة املرأة املتفوقة وحرص النساء املتميز على النظافة والصحة العامة. فاحلل إذن في اإلدعاء باجلهل وعدم احملافظة على عليك أال تعرفي مكان الزبدة أبدا ً ! « النظافة ، ِ أين الزبدة ؟ « هي اجلملة التي تبدأ بها صيغة ( نورا إيفرون ) الشهيرة املتكررة عن الزواج ،حيث يسأل الرجل فيها عن مكان الزبدة ،وهو ينظر إليها في الثالجة .حقيقة أن صيغة « أين الزبدة ؟ « تعني -: ضعي الزبدة على خبزي احملمص. -1 إشتري الزبدة . -2 وتذكري متى ستنفذ الزبدة. -3 وبذلك تصبح اخلطوة التالية هي أن -4 ألنك مشغولة تتركي وظيفتك في مكتب احملاماة ِ ِ جدا ً بإدارة شؤون الزبدة. ولو أن النساء لم يبدأن أبدا ً بلعب دور ربة البيت ، سيكون البيت وسخا ً ،إال أن حقائق العالم املادي ستتفوق على اإلستعانة بأيدولوجية اجلنس ( الذكر واألنثى) .فإما أن يقوم الطرف الراشد اآلخر في العائلة بدور إيجابي فعال أو سينمو األطفال
ولديهم منظومة مناعة قوية .فإذا كانت هذه فإليك القاعدة الوصفات غير مناسبة للعائلة ، ِ األخيرة :أجنبي طفالً واحدا ً ،ولكن ال تنجبي أثنني .تقول (جوديث ستاندمان ) في موقع حركة األمهات على اإلنترنيت Mother’s Movement Onlineأن النساء اللواتي يتركن العمل من أجل تربية األطفال يفعلن ذلك عادة بعد والدة الطفل الثاني فقط ،حيث يضغط الطفل الثاني على-: مهارات األم التنظيمية. -1 ويضاعف الطلب على احلصول على -2 املواعيد . ويرفع تكاليف التعليم والسكن بشكل -3 كبير. ويدفع بالعائلة إلى السكن في -4 الضواحي. لكن املدن مبا متلكه من إمكانات الوجبات -5 السريعة من املطاعم الصينية وغير ذلك هي أفضل لألمهات العامالت. إتبعت هذه القاعدة فإن أنك لو صحيح ِ ِ مجتمعك سيبدأ بالتناقص من حيث عدم اإلرادة ِ ،ولكن إذا ساءت األمور إلى حد كبير ،فمن يعلم ما التداعيات التي ستنجم عن ذلك ؟ ورغم كل ذلك لم يكن النظام الفرنسي الذي يتباهى برعاية الطفل سوى رد فعل على معدل اإلجناب األملاني املتفوق. -4ملاذا نعير األمر كل هذا األهتمام ؟ إذ ليس هناك شيء أسمه وظيفة مثالية كاملة، فلقد كانت رغبة (كوندوليزا رايس) أن تكون عازفة بيانو ،ولم يرغب Gary Goffmanفي أن يقدم حفالت موسيقية . تبدو عرائس صحيفة New York Timesاللواتي يتمتعن باإلمتيازات – وأزواجهن – سعيدات فلماذا إذن نعير ما يفعلنه أي أهتمام ؟ وفي النهاية فإن معظم الناس -: ليسو أغنياء . -1 وبيض البشرة . -2
وأسوياء جنسياً. وال يستطيعون ترك العمل إن هم أرادوا
- 3 -4 ذلك. ونحن نهتم باألمر ألن ما تفعله النساء يلحق الضرر بهن ،وبالتأكيد باجملتمع برمته ،وميكن محاكاته على نحو واسع ،حتى من قبل إناس ال يقومون باإلعالن عن زواجهن في صحيفة New York Timesأبداً .هذا األمر األخير يدعى « تأثير النظام « Effect Regimeويعني أنه حتى لو لم تترك النساء وظائفهن للبقاء مع أسرهن ،فهن يعتقدن بأنه من الواجب عليهن تركها ويشعرن باإلثم إن لم يفعلن ذلك .لقد خلق تأثير النظام املذكور غموضا ً حول الهالة السرية األنثوية أيضاً .وأما بالنسبة للمجتمع ،فالنخب تزود طبقات صناع القرار بالعمالة -: كأعضاء مجلس الشيوخ. -1 ورؤوساء حترير الصحف. -2 والعلماء والباحثني. -3 ورجال األعمال. -4 وصانعي السياسات. -5 ودارسي السياسة. -6 إذا كانت الطبقة احلاكمة تتكون في معظمها من الذكور فإن ذلك كفيل بأن يوقع احلكام في أخطاء ينتفع منها الذكور ،إن بسبب اجلهار باملوضوع أو عدم املباالة .وتظهر الدراسات اإلعالمية أن وجود أنثى واحدة ضمن طاقم برنامج تلفزيوني ،يرفع نسبة النساء على الشاشة من %36إلى . %42فعالم فيه %84من احملامني من الذكور مع 84من مساعديهم من اإلناث هو مكان مختلف عن عالم حتتل فيه النساء مواقع السلطة اإلجتماعية .فكر فيما سيؤول إليه وضع مدينة أمريكية يشكل البعض فيه %86من رجال الشرطة .وإذا كانت الشخصيات النموذجية التي هي مثل أعلى ال قيمة لها ، فلماذا نهتم بـ Sandra Day O’Connorوحتى لو كان عدد النساء اللواتي فقدن مراكز السلطة 145
أقواس
أقواس
146
عند مستوى معني يعني فقدان األمل بالتغيير. فهل يعني ذلك أنه لن يكون هناك أكثر من إمراة واحدة في احملكمة العليا أبدا ً ؟ واألسوا من ذلك، أن السلوك يضلل كل أنثى باملعلومات التي تقول إنها لن تصبح حاكمة أبداً .وقد وصفت (شيرلي تيلكمان) رئيس جامعة برنستون الصورة الذاتية للجامعات الراقية على نحو مثالي عندما أخبرت طالب السنة األولى في عام 2005بأنهم سيكونون قادة األمة ،ومن الواضح أنها لم تكن تفكر في الزوجات اللواتي يقمن بأدوار هامشية فقط ،ما أجل إظهار متيز أزواجهن .فلماذا يقوم اجملتمع بإنفاق املوارد على تعليم النساء مقابل عائد معدله %50فقط من األهداف املنصوص عليها؟ وقد نشرت صحيفة « إحتاد احملافظني األمريكيني» في عام 2004عمودا ً ينصح فيه أصحاب األعمال باإلبتعاد عن توظيف مثل تلك النسوة وإال فهم يجازفون باإلفالس .واملعلومات السيكولوجية اجليدة ،تثبت أنه كلما عوملت النساء بإحترام ،إزدات طموحاتهن والعكس صحيح .فثورة ترك العمل هذه هي في حقيقة األمر رجوع إلى الوراء .وأخيرا ً ،هذه اخليارات سيئة للمرأة بشكل فردي .فاحلياة الطيبة لبني اإلنسان تشمل املعيار الكالسيكي الذي يتمثل في إستغالل املرء لقدراته على الكالم والتفكير بطريقة حكيمة .واملطلب الليبرالي بإمتالك كاف لتوجيه حياته ، الفرد إلستقالل ذاتي ٍ كذلك معيار مذهب املنفعة الذي يقضي بعمل ما هو نافع أكثر مما هو ضار في هذا العالم. وبالقياس على هذه املعايير التي مت إختيارها على مدى الزمن ،ستعيش أمهات الطبقة العليا املتعلمات تعليما ً مكلفا ً حياة أقل من ذلك. ففي فجر احلركة النسائية شبهت ٌمن َّظرتان أيديولوجية اجلنس ( من حيث الذكورة واألنوثة) بنظام الطوائف اإلجتماعية .وإذا ما تبينا رؤيتهن من بصيرتهن ستحمل بنات الطبقة الراقية معظم عبء العمل الذي يرتبط دائما ً بالطبقات
الدنيا- : الكنس. -1 والطبخ. -2 وتنظيف املرافق الصحية (فضالت -3 اجلسم). وبعد أقل من أسبوعني من صفعة Yalieنشرت New York Timesقصة عن أمهات يقمن بتدريب أطفالهن على إستعمال احلمام (املرافق الصحية) من خالل مراقبة األطفال بيقظة لظهور مؤشرات على التغوط على مدى 24 ساعة في اليوم 7أيام في األسبوع .لقد أصبحن مبحض إرادتهن من طبقة املنبوذين .فعندما قرعت ( بيتي فريدان) جرس اإلنذار الذي أحيا ْ ً احلركة النسائية بعد أربعني عاما من حصول حتدثت عن حياة النساء على حق اإلنتخابات ، ْ لها هدف ومهنى ،حياة أفضل وأخرى أسوأ ، ولقد قطعت النساء مرحلة طويلة نحو حتطيم السقف الزجاجي الذي حد من إحتماالت وفرص النجاح خارج البيت ،أما اآلن بالسقف الزجاجي يبدأ في البيت مع أنه من الصعب حتطيم سقف رأسك أيضا ً ، هو السقف نفسه الذي يقع فوق ِ إال أنه ال يوجد خيارغير ذلك.
العالقة بني تاريخ العلم و فلسفته... دراسة حتليلية نقدية.
الباحث :د .حسن حسني صديق مدرس في جامعة رابه رين -قسم الفلسفة- سكول العلوم اإلنسانية.
147
أقواس
أقواس
148
املقدمة. ان البحث في تاريخ العلم يستوجب النظر في بعديه االبستمولوجي والسوسيولوجي ألن املفاهيم العلمية من سماتها التبدل والتطور والتغير ،فتاريخ العلم هو هذا التغير والتبدل املستمر لسياقه املفهومي النظري ،ولوال هذا التغير والتجدد للمفاهيم العلمية ملا ظهر هناك ما يسمى تاريخ العلم .ويسعى الباحثون في جميع امليادين العلمية الى إعتماد معيار علمي قادر على تأسيس بنية علمية من خالل التمييز بني العلم والالعلم ،وهذا ما وجدناه مع كارل بوبر عندما حاول ان مييز بني علمية بعض النظريات العلمية في مقابل نظريات تدعي العلمية لفرضياته مثل النظريات التاريخية .حيث ان اإلطالع على تاريخ العلم فيه فوائد كثيرة منها ،التعرف على ان إختالف املعايير العلمية نابع من إعتبارات متنوعة ،منها ما هو منطقي معرفي موضوعي ،ومنها ما هو شخصي ايديولوجي. لذا جاءت دراستنا هذه في العلم بني التاريخ والفلسفة ( دراسة في فلسفة العالقة بني تاريخ العلم وفلسفتها) ،موزعة على مبحثني أساسيني ،تناولنا في املبحث األول تاريخ العلم وفلسفتها ،وبينا مفهوم تاريخ العلم عند فالسفة ومؤرخي العلم في الفلسفة املعاصرة مع بيان وجهات النظر اخملتلفة حول املفهوم وأهميته الفلسفية بالنسبة للعالم وفيلسوف العلم في مجال دراساتهم .وتناولنا في املبحث الثاني العالقة بني تاريخ العلم وفلسفة العلم ومدى األهمية التي يقدمها الواحد لآلخر في حقول أبحاثهم ودراساتهم عن النظريات العلمية وكيفية تطور العلم عبر مسيرتها التاريخية.
املقارن بني وجهات نظر الفالسفة مع إعطاء رأينا في بعض املوضوعات التي إستوجبت التوضيح والتفسير .وهدفنا من كتابة هذه الدراسة تكمن في أهمية املوضوع كونه لم يتطرق اليه سابقا بهذه الصورة ،وان موضوع تاريخ العلم وعالقته بفلسفة العلم اليزال موضوعا معاصرا في اجلامعات األوربية ،أما في أقسامنا ( الفلسفة والتاريخ والعلوم ) فهناك تقصير بحق هذه املوضوع .من هنا وجدت ضرورة البحث والدراسة ملثل هذه املواضيع. املبحث األول :تاريخ العلم وفلسفته. تاريخ العلم: -1 بداية نطرح هذاالسؤال اخلاص عن ماهية تاريخ العلوم ونقول ،ما املقصود بتاريخ العلوم؟
إن أكثر تواريخ العلوم شيوعا ،كما يؤكد التوسير ليست سوى مجرد سرد لوقائع علمية أو فلسفات مثالية عن تاريخ فلسفات تبحث في منو العلوم عن أمثلة تبرر بها االيديولوجيات التي حتملها فلسفاتها )1(.إال أننا جند من جهة أخرى مؤرخ العلم( جورج كاجنيالم) يعبر عن تاريخ العلم بقوله « :ال ميكن ان يكون تاريخ العلم مجرد مجموعة من السير او قائمة من األحاجي ،بل إنه عبارة عن تاريخ للمفاهيم العلمية في حركة تكونها وإعادة صياغتها وتصحيحها التي ال تتوقف « .من هنا يقع على عاتق املؤرخ ان يبحث عن ذلك اخليط الذي يربط وينظم الكشوفات في كل واحد من هذه العلوم ( .)2وقد عبر عن نفس هذه املعنى الباحث «شوقي جالل « في مقدمته لكتاب « تاريخ العلم» ملؤلفه « جون غريبني» بقوله »:إن عبارة تاريخية العلم تعني أنه عملية دينامية كنشاط إجتماعي مطرد التطور في الزمان»... ( .)3معنى هذا ان تاريخ العلم البد وان يقدم وإستخدمنا في دراساتنا هذا املنهج التحليلي موضوعه بوصفه معرفة عقالنية متكاملة ،ولن
يوفق تاريخ العلم في هذه املهمة بدون اللجوء الى فلسفة العلم .أي ان من مهمات فلسفة العلم الربط بني العلم وتاريخه وبيان االبعاد التاريخية لظاهرة العلم .وكما يحاول ايضا أن يفلسف العلم من خالل تطوره التاريخي وعبر تفاعالته مع اجلوانب احلضارية واإلجتماعية وهي املعبر الشرعي ألصول التفكير العلمي(.)4 إذن نستطيع القول بأن تاريخ العلوم هو تاريخ شي هو بذاته تاريخ ،أو له تاريخ ،في حني أن العلم هو علم شي ليس بتاريخ وليس له تاريخ ،مثال ،عندما نتحدث عن علم البلورات فان العالقة بني العلم والبلورات ليست عالقة توليدية كما يكون االمر عندما يتعلق بأم قط صغير .إن علم البلورات هو خطاب حول طبيعة البلورات ،وليس طبيعة البلورات شيئا آخر غير البلورات منظورا اليها من جهة هويتها لذاتها، مبعنى عرض قضايا موضوعية وقع التوصل اليها بعمل فرضيات ،وإثباتات قد وقع نسيانها لصالح نتائجها.)5(. فمن هذا املنطلق نقول عن تاريخ العلم ،هل هو تاريخ لسرد احلوادث أم شي أخر غير ذلك؟ .إن تاريخ العلم ليس سرد للحوادث العلمية كما وجدناه مع التوسير ،ألننا لو نظرنا الى التاريخ بصورة عامة وجدناه في بعض األحيان ليس محايدا في تسجيل أحداثه ،لهذا نستطيع ان نقول بأن التاريخ ليس سردا محايدا لألحداث ،ألن األحداث ليست على درجة متكافئة من األهمية والداللة ،بل حتكمه نظرة إنتقائية منظمة لألحداث وفقا حملور أساسي يضمها معا ،ويجذبها الى مسار له إجتاهه اخلاص .والتاريخ ليس قاصرا على تاريخ أحداث بل هو تاريخ األحداث واألفكار واألشخاص في نطاق وحدة متفاعلة .ومن ثم فان تاريخ العلم او تاريخ الفكر بوجه عام إمنا هو تاريخ إميان البشر بتلك االفكار ،وصراعهم حولها صانعني بذلك أحداثا يتناولها املؤرخ بالتحليل والتفسير( .)6أي أن ميالد تاريخ العلم
عبارة عن تلك التوترات أو الصراعات بني رؤى أو ثقافة تقليدية وثقافة بازغة جديدة(.)7 ولكن املشكلة الرئيسية اخلاصة بالتاريخ هو إنتشارها بني الناس معترفا به كتاريخ سياسي( تاريخ احلروب واملعاهدات وامللوك واالمبراطوريات)... وهذا بحد ذاته يشكل عقبة أمام املفكرين في ان يبحثوا عن نوع اخر للتاريخ مثل تاريخ العلم ويقال ان التاريخ هو األب الشرعي للعلوم اإلنسانية.)8 (. من هنا نستطيع القول بأن املشكلة التي تواجه املؤرخ في حقيقة األمر هي شيوع الفكرة القائلة بأن التاريخ عبارة عن سياسة القوة على حد قول ( كارل بوبر ) ،ومن هنا وجد املؤرخون ان احلديث عن نوع اخر من التواريخ كتاريخ العلم مثال شي ضروري .إال أنني أتفق مع ما يقوله ( كاجنيالم) عن تاريخ العلم بأنه ال ميكن لتاريخ علم معني ان يكون مجرد جمع حلياة األشخاص، وال ميكن ان يكون باألحرى ،جدوال زمنيا مرصعا باألحداث والوقائع .وكما ان تاريخ العلوم ليس تسجيال لنتائج العلوم اذ البد ان يكون تاريخا حلياة العلوم ومخاضها « فليس تاريخ العلم تلك املقدمات التي توضع متهيدا للكتب العلمية. وليس هو عرضا للنتائج واإلكتشافات .بل انه تاريخها الفعلي :أي تاريخ الظروف الواقعية إلنتاج التصورات العلمية « .اذن تاريخ العلوم كما يقول ( كاجنيالم ) « هو تاريخ إنشاء التصورات العلمية وحتويلها وتصحيحها « ( .)9 من هنا ميكن ان نقول بأن تاريخ العلوم ليس موقفا عند وصف إختباري للوقائع العلمية، وليس هو سرد للحوادث .بل انه ال يتوقف عند وصف الوقائع وتسجيل األسماء .حيث أننا جند ان ( غاستون باشالر ) يقول بهذا الصدد « :إنني أعتقد ان ليس بإمكان تاريخ العلوم ان يكون تاريخا إختباريا .انه ال ميكن ان يوصف في تفتت الوقائع وتبعثرها .ان تاريخ العلوم هو تاريخ تقدم العالقات املعقولة للمعرفة « انه الوعي الصريح 149
أقواس
أقواس
150
بأن العلوم عبارة عن خطابات نقدية تقدمية. خطابات تريد ان حتدد ما ميكن في التجربة ان يكون واقعا .لذا فان موضوع تاريخ العلوم ليس موضوعا معطى.)10 (. أي ان موضوع تاريخ العلوم في هذه احلالة يكون فيه عدم اإلكتمال أمرا جوهريا .وال ميكن ان يكون تاريخ العلوم باي حال من األحوال تاريخا طبيعيا ملوضوع ثقافي ،وفي غالب األحيان يصنع تاريخ العلوم بوصفه تاريخا طبيعيا ،النه مياهي بني العلم والعلماء وبينهم وبني ترجماتهم املدنية واألكادميية ،او ألنه مياهي بني العلم ونتائجه، ومياهي بني النتائج وصياغتها التربوية احلالية(.)11 من هنا نستطيع ان نقول ان من أهم السمات املهمة للتاريخ في مجال دراسات فالسفة العلم لذات العلم هو اإلستفادة التي يقدمها التاريخ لهؤالء الفالسفة متمثال باحلجج املستقاة من ماضي العلوم وإستخدامها إما في النقد أو في مجال التأييد ألفكارهم ،وهذا يظهر بوضوح في التعريف الذي قدمه( كاجنيالم) لتاريخ العلوم « بأنه تاريخ إنشاء التصورات . « ...من هنا جند ان جل فالسفة العلم يستنجدون بالتاريخ في مجال العلم املسمى ( تاريخ العلم ) للرد على خصومهم والدفاع عن آرائهم باحلجج املستقاة من تاريخ العلم ،وفي نظر أحد فالسفة العلم املعاصرين وهو ( باول فيرابند ) من اخلطأ ان نتغافل الوضعية التاريخية عند تناولنا أية فكرة أو مبدأ أو نظرية ،ألن كل منها مرتبطة أميا إرتباط بالظروف التاريخية التي أثمرتها.)12 (. أي ان تاريخ العلم ينبعث من إستحالة إنفصاله عن العلم نفسه ،ذلك ألن العلم عملية ممتدة خالل الزمان ،فهو النحو الوحيد في اخلبرة اإلنسانية كما يقول ( جورج سارتوت ) .ومن هنا بإمكاننا أن نبني معنيان ملفهوم تاريخ العلم : املعنى االول :وصفي أو تسجيلي هو ما يعرف بالتاريخ املوضوعي وهو طريقة لتوصيل ما يعرفه املؤرخ أو ما يعتقد بأنه يعرفه عن
املاضي من خالل التسلسل الذي متر به احلقائق العلمية عبر العصور .فتاريخ الفيزياء هو ذلك التعاقب للنظريات الفيزيائية التي نقر بها تقليديا من ارسطو واسلوبه غير الرياضي مرورا باملرحلة احلديثة التي يتزعمها غاليليو ونيوتن ومنهجهما الرياضي الى النظريات الفيزيائية املعاصرة التي متيزت بعقالنيتها وبإعتمادها على فكرة اإلحتمال .فهو سجل لألسماء ولألعالم وللتواريخ وهو بهذا أقرب الى السجل التاريخي القصصي اكثر منه تاريخيا حقيقا. أما املعنى الثاني فيتعلق بالتاريخ املوضوعي للعلم ،إذ يلجأ املؤرخ الى تقسيم التاريخ الى مراحل أساسية متثل الفترات الرئيسية التي مر بها العلم وجعلت منه معرفة عقالنية ،وهذا املعنى يجعل من تاريخ العلم تاريخا لألفكار وال ميكن ان يكتب بالطريقة نفسها التي تكتب بها على انه تاريخ لألحداث ،أي باملعنى األول ألن تسلسل األفكار يختلف عن تسلسل األحداث الطبيعية.)13(. -2مشكلة العالقة بني العلم وتاريخه. لقد حاول كثير من الفالسفة أن يجد اجوبة منطقية ملشكلة العالقة بني العلم وتاريخه،إال أننا لو حاولنا أن جند اجلواب املنطقي لتلك املشكلة ،لكان علينا أن نسأل أين تكمن هذه اإلشكالية ،إشكالية العلم وتاريخه ،لوجدنا اإلجابة عند ( مارتن هايدجر) الذي يقول « : ان العلم ال يفكر في ذاته ،أي ال يهتم كثيرا بذاكرته وال يلتفت الى ماضيه ،ألن من سماته تصحيح ذاته وجتديد نفسه وجتاوز الواقع القائم وفق ممارسات منطقية من إختبارية وتكذيبية وتصويبية صوب مزيد من التقدم والكشف. ( .)15إذن يظهر لنا من خالل ما قدمه ( هايدجر) بخصوص العلم ان املشكلة ال تتعلق ال باملؤرخ وال بالعلم بل هي خاصة بفيلسوف العلم الذي أهمل هذا املبحث املهم طيلة هذه املدة ولم
يتطرق اليه اال في السنوات االخيرة في بعض اجلامعات االميركية. من هنا جند ان ( هربرت دجنل ) يشير إلى أن في العلم عامل مفقود والذي يعني لديه النقد الداخلي للعلم املؤسس على املعرفة التاريخية، وبدونه ميكن ان يغدو منو العلم منوا أخرق محفوفا باخلطر .ولن يوجد فهم واقعي للعلم ،او باألحرى لن يوجد علم ،دون نقد متواصل له ،وهو بطبيعته نقد تاريخي.)16(.أي البد للفلسفة أن متارس دورها احلقيقي املتمثل بالرقيب على حد قول « لودفيج فتجنشتاين» ،رقيبا ً على العلم وممارساته وجتاربه ونتائجه ،وهذه الرقابة عبارة عن نقد متواصل لعملية التطور العلمي على جميع املستويات املعرفية والسيوسولوجية واالنطولوجية،...والشك في أن السلسلة املفقودة في هذه العلمية هي ما تقوم فلسفة العلم بإجنازها،أي أن فلسفة حتاول أن تربط بني العلم من جهة وبني تاريخها من جهة أخرى حتى تصل في نهاية املطاف إلى إعطاء صورة كاملة عن الكيفية التي ظهرت فيها العلوم وتطورها عبر تاريخها . ولكن عملية التاريخ للعلم إشتملت على إجتاهات متعددة ميكن تقسيمها الى إجتاهني رئيسني هما-: االجتاهات الكالسيكية :ال ميكن عد -1 البدايات االولى لتاريخ العلم والتي ظهرت في القرن السابع عشر تاريخا حقيقيا للعلم على الرغم مما قدمته من إسهام ومساعدة ،ذلك النها لم حتقق كل الشروط املنهجية الالزمة للحديث عن تاريخ حقيقي للعلم ،اذ ان ما إهتمت به هذه البدايات هو جتميع األخبار عن حياة العلماء مع اإلشارة الى ما أسهموا به بوصفهم أفرادا في ميادين محددة من إكتشافات علمية.)17(. اإلجتاهات احلديثة :تبدأ مع نهاية القرن -2 التاسع عشر وبداية القرن العشرين ،حيث ظهرت إجتاهات جديدة أخذت طريقها نحو التطور
نتيجة للصعوبات املنهجية في معاجلة احلوادث التاريخية العلمية وصعوبات في اإلجابة عن تلك األسئلة التقليدية بشأن بداية أصل اإلكتشاف متى وعلى يد من حتديدا مت هذا اإلكتشاف؟ وتدريجيا بدأ مؤرخو العلم يسألون انواعا جديدة من األسئلة ويتتبعون خطوطا تطورية مختلفة ويحاولون عرض التكامل التاريخي ألي علم في زمنه الذي ظهر فيه.وقد أدت هذه املشاكل في التقليد السائد لتاريخ العلم فضال عن العوامل اخلارجية الى حدوث ثورة في الدراسات التاريخية التسجيلية أدت الى طرح تصورات جديدة عن العلم وعن تاريخ العلم والى إمكانية طرح اسئلة جديدة والتخلي عن القدمية .)18 (.اذن نستطيع القول بان ميالد تاريخ العلم يرتبط باإلسهامات التي قدمها كل من ديكارت وجون لوك السيما في نظرية املعرفة ،اذا ما أخذنا بنظر اإلعتبار العلم في القرن السابع عشر ،الننا نعرف بان نظرية املعرفة متثل األساس الرصني للعلم. ولكن من جهة اخرى جند ان هناك تقسيمات اخرى لتاريخ العلم على شكل تاريخ داخلي وتاريخ خارجي للعلم ،فالتاريخ الداخلي للعلم يهتم بجوهر العلم بوصفه معرفة بالبنية الداخلية للعلم او بالعلم من اجل العلم بعيدا عن عالقته باجملتمع وباحمليط الثقافي ،ومن مميزات هذا النوع من التاريخ إعتقاد أصحابه بان تاريخ العلم ال ميكن ان تقوم له قائمة إال اذا أدخل مؤرخ العلم نفسه داخل العلم كي يحلل خطواته ومفاهيمه اخلاصة التي جتعل منه علما مبعنى دقيق للكلمة . )19(.أما التاريخ اخلارجي للعلم فيهتم في دراسته للعلم بالعالقة املوجودة بني األحداث العلمية والظواهر اإلقتصادية واإلجتماعية ومدى تأثير البيئة الثقافية السائدة على تطور العلم ومسيرته .ويسمح ايضا بالنظر في عالقة العلم بالعقيدة الدينية والسياسية.)20(. اذن من هنا نستطيع أن نقول إن حاضر العلم 151
أقواس
أقواس
152
ما هو إال حلقة تليها حلقات اخرى في سلسلة . 91 املعرفة العلمية ،وهذه احللقة مرتبطة بطريقة -16مهدي اقبال ،مفهوم البارادمي عند توماس كون ، مصدر سابق ،ص . 11
عضوية باحللقات السابقة للعلم والتي هي عبارة عن املراحل األساسية التي مر بها العلم -17املصدر نفسه ،ص . 13 في تطوره وتقدمه. -18بالنشي ،روبير ،نظرية املعرفة العلمية ،املصدر
السابق ،ص . 21 -19املصدر نفسه ،ص . 21وانظر ايضا ،مهدي ،اقبال قائمة الهوامش للمبحث االول: ،مفهوم البارادمي عند توماس كون ،املصدر السابق ،ص -1بنعبدل العال،عبدالسالم ،يفوت،سالم ،درس . 14 االبيستيمولوجيا ،دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد،ط ، 1986 ،1ص .69 -2بالنشي ،روبير ،نظرية املعرفة العلمية ،ترجمة ،د.حسن عبداحلميد ،تقدمي،د.محمود فهمي زيدان ،مطبوعات املبحث الثاني :العالقة بني تاريخ العلم جامعة الكويت ، 1986 ،ص .23 -3غريبني،جون،تاريخ العلم،ترجمة،شوقي جالل ،سلسلة وفلسفة العلم. عالم املعرفة،ج ،1العدد(،)389الكويت،2012،ص.7 تبرز أهمية التاريخ في دراسة منو وتطور العلم العشرين، -4اخلولي ،مينى طريف ،فلسفة العلم في القرن ومحاولة فهمه من خالل: سلسلة عالم املعرفة ،2001 ،267 ،ص . 13 حتديد املراحل األساسية التي مير بها -1 -5كانغيالم ،جورج ،دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها، ترجمة ،د.محمد بن ساسي ،مركز دراسات الوحدة العلم . حتديده للعناصر اخملتلفة التي أسهمت -2 العربية ،بيروت،ط ، 2007 ، 1ص. 47 -6قنصوة،صالح ،فلسفة العلم ،دار التنوير للطباعة وبشكل تدريجي في تشكيل مبادئ ومفاهيم والنشر والتوزيع ،بيروت ، 2008 ،ص . 90 هذا العلم ،إذ يهيئ اإلعتماد على التاريخ قدرة -7غريبني،جون،تاريخ العلم،مصدر سابق ،ص 8.8 أفضل للتحليل. العشرين، -8اخلولي ،مينى طريف ،فلسفة العلم في القرن يرتبط تاريخ العلم وفلسفته بعالقة -3 املصدر السابق ،ص .16 -9بنعبدل العال،عبدالسالم ،يفوت،سالم ،درس تكاملية متداخلة ،فطاملا أن لكل علم تاريخا فأن هذا التاريخ يتصل بالضرورة بالفلسفة االبيستيمولوجيا ،املصدر السابق ،ص . 69 وبالنظريات املعرفية حتديدا ،مبعنى أن فلسفة -10املصدر نفسه ،ص .70 -11كانغيالم ،جورج ،دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها العلم تستمد تصوراتها عن موضوعها الذي هو ،املصدر السابق ،ص .49 العلم من تاريخ هذا العلم وبالذات من التغيرات فيرابند نسبية بني االبستيمولوجيا -12عوض ،عادل ، التي مير بها عبر التاريخ.)1(. وموضوعية شاملرز ،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ، االسكندرية ،ط ، 2003 ، 1ص . 19 إذن أحد السمات األساسية لتاريخ العلم -13مهدي ،اقبال ،مفهوم البارادمي عند توماس كون ، رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة بغداد ،كلية في مجال دراسات فالسفة العلم للعلم هو االداب ،قسم الفلسفة ، 2000 ،ص . 9 اإلستفادة التي يقدمها التاريخ لهؤالء الفالسفة
متمثلة باحلجج املستفادة من ماضي العلوم -14اخلولي ،مينى طريف ،فلسفة العلم في القرن وإستخدامها إما في النقد أو في مجال التأييد العشرين ،مصدر سابق ،ص . 11 -15قنصوة ،صالح ،فلسفة العلم ،مصدر سابق ،ص ألفكارهم ،حيث أننا جند جل فالسفة العلم يستنجدون بالتاريخ في مجال العلم املسمى (
تاريخ العلم ) للرد على خصومهم والدفاع عن آرائهم باحلجج املستقاة من تاريخ العلم ،وفي نظر أحد فالسفة العلم وهو ( باول فايربند ) من اخلطأ أن نتغافل الوضعية التاريخية عند تناولنا أية فكرة أو مبدأ أو نظرية ،الن كل منها مرتبطة أميا ارتباط بالظروف التاريخية التي أثمرتها.)2( . من هنا يتبني مدى أهمية تاريخ العلم للفالسفة في مجال دراساتهم لفلسفة أي علم من العلوم ،كون هذا التاريخ يحتوي على جميع املراحل وكيفية إنتقال العلم من مرحلة الى اخرى لتحديد عملية ومسيرة تطوره .وهذه العالقة تشير إلى معنيني مختلفني غير انهما متكاملني لتاريخ العلم: األول :يكون تاريخ العلم املعمل الذي يتكاثر فيه التفكير االبستيمولوجي وليس مجرد ذاكرة حتتوي على تسجيل دقيق للمراحل األساسية والثانوية التي مر بها العلم خالل تطوره .فتاريخ العلم وفقا لهذا املعنى هو الذي يضع العقل اإلنساني موضع التجريب ويحوله الى نظرية جتريبية ومما يجعل عالقته بالعلوم التي يؤرخ لها هي العالقة التجريبية نفسها التي تربط العلوم مبوضوع بحثها. الثاني :يكون على فلسفة العلم أن تقدم للتاريخ املبادئ التي متثل األساس الذي على وفقه يصدر تاريخ العلم أحكامه ،كما أن عليها أن تقدم للتاريخ لغة العلم بحسب آخر مراحل تطورها .إذ تسمح هذه اللغة للمؤرخ أن تنتقل الى ماضي العلم حتى يصل الى مرحلة تصبح فيها لغة العلم غير مفهومة عنده ،إذ يكون العلم في هذه املرحلة قد أعاد صياغة مفاهيمه أو بدأ بإستعمال لغة جديدة .ومثال على ذلك التغيير الذي طرأ على لغة املنطق في القرن (19 ) إذ استعمل املنطق لغة تختلف كليا عن لغة املنطق القدمي هي لغة ( بيانو وفريجه و رسل و وايتهيد).إضافة الى أن لفلسفة العلم القدرة على التمييز بني ضربني من التاريخ الذي يقال
إنه تاريخ للعلوم :تاريخ املعارف البائدة ،وتاريخ املعارف املثبتة ،مبعنى املعارف التي مازالت حتافظ على راهينتها ألنها مازالت فاعلة.)3(. إذن لتاريخ العلم أهميته البالغة في مساعدتنا كي نفهم نظريات العلم ،ألن من دونه يستحيل أن نكون ذات إمكانية لفهم تلك النظريات .وهذا ما يؤكده أعظم فالسفة العلم في القرن ال( ) 20أال وهو ( كارل بوبر ) حيث يقول « :إن أهمية تاريخ العلم تكمن في قدرتنا عندما نفهم نظرية علمية فهما حقيقيا ألنه من دون أن نفهم تاريخ تلك النظرية يكون من الصعب فهم ذات النظرية العلمية ...ولن يستطيع أحد أن يفهم أي تاريخ حديث ،وأبسط ما في هذا التاريخ السياسي والديبلوماسي ،ومن دون أن يتفهم شيئا ما عن تاريخ العلم « ويعتبر تاريخ العلم لب وجوهر التاريخ باسره.)4 (. أي أن الفلسفة في هذه املرحلة متارس دورها كما ان التاريخ له أهميته القصوى .ودور الفلسفة تكمن في حاجة املؤرخ في مجال العلم إليها، إذ أن أهميتها توازي معرفة العلم السيما إذا ما علمنا أن الكثير من العلم كان فلسفة حتى نهاية القرن ال(. )19وتاريخ العلم يعتبر ذلك اجلزء الذي يهتم بتطور األفكار والطرائق واألساليب العلمية ،أما فلسفة العلم فهي ذلك اجملال الذي يهتم باملبادئ العلمية بصورة عامة مثل هيكل النظريات العلمية ومكانة الكيانات العلمية أو الظروف التي يتمكن فيها العلماء من أن يعلنوا بصدق أنهم حققوا معرفة.وفي هذا اجلزء ميكن لتاريخ العلم أن ميارس دورا مهما وأن يكون ذا شأن. ( .)5أي أن الفلسفة في هذه املرحلة من تاريخها عبارة عن فاعلية نقدية ملناهج ومنطق العلم وميارس دور الرقيب على كل العلوم بصورة نقدية ويقدم أجوبته حول مشاكل العلم املنهجية واملعرفية والوجودية. إال أن أهمية هذه العالقة بني تاريخ العلم وفلسفته جاءت كرد فعل ضد اإلجتاهات 153
أقواس
أقواس
154
الالتاريخية في فلسفة العلم والتي عزلت العلم عن تاريخه ،وقد قام تيار التاريخ املوجه والذي يعد ( توماس كون) من أبرز ممثليه بتوجيه اإلنتقادات الى الطرائق التقليدية في متابعة فلسفة العلم والتي تعمل على إستبعاد وإهمال دور التاريخ في فهم القضايا املتعلقة باملفاهيم والنظريات العلمية متأثرة بالوضعية املنطقية التي إتخذت نهجا ال تاريخا إذ أغفلت دور التاريخ في تعاملها مع املشاكل التي يحدثها ،مما جعل النقد يتوجه بشكل أو بأخر الى الوضعية املنطقية نفسها .)6(.ألن فالسفة العلم املعاصرين يحاولون تبرير نظرياتهم عن العلم واملنهج العلمي بطريقة مختلفة متاما ، فقد توصل هؤالء الفالسفة الى أنه إذا ما كان عليهم فهم العلم ومناهجه ،فال بد عليهم من أن يركزوا على ذات العلم واملناهج التي يشتمل عليها ،وليس على العلماء وطبيعتهم ،وال يتحقق لهم هذا الهدف من دون ان يستندوا الى تاريخ ذلك العلم ،مثال علم الطبيعة كونه ميثل أعلى درجات العلم فإنهم يتخذون من تاريخه نقطة إنطالقهم لفهم ذلك العلم.)7(. من هنا جند أن أستاذ التاريخ وفلسفة العلم ( جورج كاجنيالم) في معرض دفاعه عن تاريخ العلم وبيان ضرورته بالنسبة الى فلسفة العلم يقول « :فكما أن أية نظرية للمعرفة ال ترتبط بفلسفة العلم تصبح عبارة عن تأمالت في فراغ ،فأن أية محاولة في فلسفة العلم ال تريد أن تربط نفسها بتاريخ العلم تصبح عبارة عن ظل بدون معنى للعلم الذي تزعم احلديث عنه. (.)8 أي إن العالقة املوجودة بني تاريخ العلم وفلسفته تعتبر ضرورية ومكملة لبعضا اآلخر، ألننا نستطيع أن نقول أن تاريخ العلم من دون فلسفته هو أعمى ،وفلسفة العلم من دون تاريخه فارغة .ومعنى هذا أنه ال ميكن أن يكون
هناك علم من دون تاريخ ،كما أنه ال ميكن أن يكون هناك تاريخ للعلم مقطوع الصلة بالفلسفة، أي النظريات الفلسفية للعلم. قائمة الهوامش للمبحث الثاني:
-1مهدي ،اقبال ،مفهوم البارادمي عند توماس كون ، املصدر السابق ،ص . 28 -2عوض ،عادل ،االبستيمولوجيا بني نسبية فيرابند وموضوعية شاملرز ،املصدر السابق ،ص . 19 -3كانغيالم ،جورج ،دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها ،املصدر السابق . 43 ، -4بوبر ،كارل ،أسطورة اإلطار ،ترجمة ،د .مينى طريف اخلولي ،سلسلة عالم املعرفة ، 2003 ،292 ،ص . 163 -5كون ،توماس ،الصراع اجلوهري دراسات مختارة في التقليد العلمي والتغير ،ترجمة ،فؤاد الكاظمي وصالح سعداهلل ،مراجعة ،د .خليل الشكرجي ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد ، 1989 ،ص . 11 -6مهدي ،اقبال ،مفهوم البارادمي عند توماس كون ، املصدر السابق ،ص . 30 -7عوض ،عادل ،االبستيمولوجيا بني نسبية فيرابند وموضوعية شاملرز ،املصدر السابق ،ص . 133 -8بالنشي ،روبير ،نظرية املعرفة العلمية ،املصدر السابق ،ص . 19
اخلامتة. لقد حاولنا في دراستنا املوسومة ( العالقة بني تاريخ العلم وفلسفته ) أن نبني األهمية الفلسفية لتلك العالقة ومدى األثر والتأثير بني تاريخ العلم وفلسفة العلم .كذلك حاولنا ان نوضح مكانة تاريخ العلم في الدراسات الفلسفية والعلمية ألن الفالسفة وحتى العلماء البد لهم من خالل أبحاثهم ودراساتهم ان يستعينوا باألدلة والوقائع واألمثلة من أجل الدفاع عن مبرراتهم وحججهم ،فكل فريق
يحاول أن يثبت وجهة نظره باإلستعانة بتاريخ العلم . كما ان لتاريخ العلم أهميته في مجال الدراسات الفلسفية في ميدان العلم وفلسفته .وبينا أن مفهوم تاريخ العلم ليس املقصود به الفهم الشائع بني املثقفني والقراء حول مفهوم التاريخ بإعتباره سجل ألحداث املاضي فقط ،بل وجدنا أن لتاريخ العلم مفهوم أخر يتعلق بدراسة نقدية أو تصحيحية أو تصويبيه ملعارفنا وأخطائنا .أو هي تاريخ الفكر البشري منذ ظهورها. يقدم تاريخ العلم املعونة املعرفية لفيلسوف العلم كي يعطي صورة كلية للعلم والنظرية العلمية. وأن العلم اليفكر في ذاته .مهمة النظر الى العلم تنحصر في دائرة فلسفة العلم مبساعدة من تاريخ العلم.وهذا ما يقوم به الفيلسوف من خالل دراسته للعلم دراسة تاريخية هدفه بيان االبعاد املعرفية واالجتماعية وحتى السياسية للعلم. لتاريخ العلم أهمية تتمثل بإيجاد احللقة املفقودة بني العلوم وهذا لن يتم من دون فلسفة العلم،أي أن فلسفة العلم من خالل ما يقدمه تاريخ العلم من أدوات أبستيمولولوجية يحاول الربط أو إيجاد عالقة وطيدة بني العلوم.
قائمة املصادر واملراجع. -1بالنشي ،روبير ،نظرية املعرفة العلمية ،ترجمة ،د.حسن عبداحلميد ،تقدمي،د.محمود فهمي زيدان ،مطبوعات جامعة الكويت. 1986 ، -2بنعبدل العال،عبدالسالم ،يفوت،سالم ،درس االبيستيمولوجيا ،دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد،ط. 1986 ،1 -3بوبر ،كارل ،أسطورة اإلطار ،ترجمة ،د .مينى طريف اخلولي ،سلسلة عالم املعرفة . 2003 ،292 ، -4اخلولي ،مينى طريف ،فلسفة العلم في القرن العشرين، سلسلة عالم املعرفة.2001 ،267 ، -5عوض ،عادل ،االبستيمولوجيا بني نسبية فيرابند وموضوعية شاملرز ،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ، االسكندرية ،ط. 2003 ، 1 -6قنصوة،صالح ،فلسفة العلم ،دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت.2008 ، -7كانغيالم ،جورج ،دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها، ترجمة ،د.محمد بن ساسي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت،ط ، 2007 ، 1ص. 47 -8كون ،توماس ،الصراع اجلوهري دراسات مختارة في التقليد العلمي والتغيير ،ترجمة ،فؤاد الكاظمي وصالح سعداهلل ،مراجعة ،د .خليل الشكرجي ،دار الشؤون الثقافية العامة ،بغداد .1989 ، -9مهدي ،اقبال ،مفهوم البارادمي عند توماس كون ، رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة بغداد ،كلية اآلداب ،قسم الفلسفة ، 2000 ،ص . 9
155
أقواس
أقواس
156
القيم األخالقية في العمل اإلعالمي (إشكالية العالقة بني مفهوم احلرية و مفهوم الرقابة) الباحثة اإلعالمية :أميره عبداهلل اجلاف
املقدمة: ان احلديث عن اخالقيات العمل االعالمي يتطلب معرفة ماهية اخالقيات العمل االعالمي؟ وما هو الدور الكبير الذي سوف تؤديه اخالق العمل االعالمي في خدمة اجملتمع ومدى إلتزامه باملواثيق واالعراف الدولية التي تكفل حرية االعالم والصحافة .وهنا يكون من املهم جدا ايضا التطرق الى اهم النظريات االعالمية التي نشأت في العالم وعالقتها اجلدلية بالسلطة او احلكام. ومحاولة االجابة عن السؤال :هل كان للحكام او القائمني على السلطة على مر العصور دورا ً في إنشاء االعالم خلدمة مصاحلهم اخلاصة ،ام ان االعالم كان وال زال تعبيرا عن االتصالية البشرية بوصفها حالة انسانية اصيلة؟ .من خالل هذه الدراسة املتواضعة نحاول ان نبني مدى اهمية اإللتزام بأخالقيات املهنة االعالمية والتحديات والضغوطات التي تواجه االعالمي في ظل املرحلة الراهنة ،ودور وسائل االعالم في احلد من املمارسات غير االخالقية .نأمل ان تشكل هذه الدراسة حافزا قويا لإلعالميني في كافة اجملاالت باإللتزام بأخالقيات العمل االعالمي لتحقيق اهداف تطوير وسائل االعالم والقيام بوظائفها على امت وجه ،وان تشكل الدراسة دافعا قويا لإلعالميني للقيام بعدد من الدراسات والبحوث والتقارير حول هذا املوضوع نظرا ألهميته وحساسيته .ونختتم دراستنا بتوجيه بعض التوصيات الى العاملني مبجال االعالم تتمحور حول كيفية احلفاظ على اخالقيات املهنة االعالمية خدمة للصالح العام واحلفاظ على السلم االهلي. اوالً :اخللفية الفكرية للدراسة (اإلطار املفاهيمي): في ظل تزايد وتعاظم دور االعالم في احلياة العامة، يتعاظم ويتزايد دور االعالميني في احلياة العامة
ايضاً ،خاصة في مجال ممارسة عملهم ،بل اصبح االعالمي شخصية عامة من طراز متقدم واصبح الرأي العام يتأثر كثيرا بهم في نواحي عدة، لذا بات من الضروري جدا احلديث عن اخالقيات املهنة االعالمية من جديد الن االعالمي كمهني اصبح ذو تأثيرات مجتمعية بالغة التعقيد ، لذا فاحلديث عن اخالقيات املهنة االعالمية التي اصبحت تشكل ركنا اساسيا لصناعة السالم واالبتعاد عن العنف من وجهة نظري ،ومن هذا املنطلق تتبني اهمية الدراسة وجدواها في نفس الوقت .اذ ان انهيار األسس االخالقية في االعالم وزجها كسالح لشن حروب قذرة جعلها في مقدمة عوامل انحطاط البشرية ،في ظل عصر يتنامى فيه االنحالل الى شالالت من االنهيار االخالقي ،فاصبح من يدعي بانه اعالمي ال يتحرج ان يغوص في اكثر احلوادث قذارة كالذبح واكل القلوب او عمليات االعدام املكشوفة على الهواء او عمليات اخلطف او القتل واإلغتصاب او عملية جتميل صورة اللصوص والسارقني واملنحرفني امام الناس واظهارهم كشخصيات بطولية ومحترمة...الخ ،كل ذلك ،وهم يعلمون وبدون ادنى شك بانهم ميارسون حربا ً سالحها تضليل الناس وخلق أسس معينة جتعل الناس في رحى حطام أليم .وبات االعالم واالعالمني مكونات في اخلطاب الدعائي اوقات احلروب على مدار الساعة ،اذ ميكن القول ان املؤسسات االعالمية امنا اصبحت وسائل للنشاط الدعائي السياسي والعسكري ،اصبحت على إثره سياقات االتصال ومكوناته في حالة من التعقيد والتضليل أفقدت الناس معها أي قدرة للفصل بني ما هو حربي وقتالي وبني ما هو مدني ثقافي في ميدان العمل االعالمي وبكافة انواعه واشكاله ،حتى بات االعالمي احد رموز احلروب واصبحت االعالمية احدى رموز العرض اجلنسي و...الخ ،والكل حتت غطاء العمل االعالمي احليادي والبريء متسترون ،ويعلنون للناس عن ان بحثهم امنا للحقيقة! 157
أقواس
أقواس
158
وهذا ليس بصحيح .هنا تكمن اكبر اشكالية في التاريخ ،اذ يتم شن احلروب وبأقذر حاالتها حتت غطاء قانون الصحافة وحرية االعالم .ففي حني كانت االنظار تتجه الى حرب املعلومة من خالل وسائل االتصال وكما نظر له (آالن توفلر) ، باتت االن حرب الترهيب واقعا من خالل االعالم، ففي حني كان االعالمي يتهم بانحيازه سرا الى احدى االجهزة االستخبارية السرية ويتستر بإمتيازات املهنة االعالمية كي يحصل على املعلومة ويكشف االسرار ،بات االن االعالمي هو سالح احلرب بكل املعايير يهدف الى موت الناس وانحرافهم و...الخ .لذا فقانون احلرب وقانون البغاء والقانون اجلنائي و ...الخ ،اصبح في هذا الفضاء عدمي القدرة على التطبيق ،حتى قانون الصحافة واالعالم اصبح غير قادر على السيطرة على هذه االنفالتات اخلطرة. االمور بدأت تتجه الى تعقيد كبير ،وبدأ االعالمي من اولى مراحله الى آخر درجات تطوره ،تتحكم فيه عوامل دافعة خارجية في اختياره وابقاءه وتطويره ،وباتت االحزاب واملنظمات وحتى امليليشيات والدول والـ....الخ ،يعتبرونه اداة وسالح حرب الكل فيها ضد الكل ،أو لتهديد البعض ونيل من سمعة البعض االخر. ال استطيع التحدث عن االنواع واالشكال الكثيرة من طرق ادارة وتسيير تلك احلروب عن طريق االعالم املدني .لكني اعتقد بانها جميعها تدفع نحو انحالل اخالقي وفك االرتباط بكافة انواع األسس االخالقية ،ال ادري الى اين تتجه االنظار وكيف يكون النمو الفلسفي للقيم االخالقية ملهنة االعالم ،لكني سأكون مصرة على ضرورة الدعم بإجتاه التمسك االعالمي بأخالقيات مهنة االعالم بهدف عدم جعل االعالم اداة من ادوات احلرب القذرة واداة لتجييش الناس نحو العنف وتضليل احلقائق ،بل جعل االعالم اداة التنمية كما تصورها فلسفة انشاءه ،كي يستطيع ان يسمو بالعالقات االنسانية الى مستوى
من التواصل والتداخل السامي ينهي حالة التوجس والريبة بني بنو البشر ،ويوضح احلقائق و يضافر اجلهود حلماية األرض و حتقيق الرفاه. وتبقى وسائل االعالم بكافة اشكالها املرئية واملسموعة واملقروءة اهمية كبيرة في اجملتمعات ،خاصة بعد التطورات التقنية والتكنولوجية التي اجتاحت كافة جوانب احلياة العامة بحيث اصبحت وسائل االعالم كالتلفزيون والراديو واحملطات الفضائية واالنترنيت والصحف االلكترونية باختالف انواعها واجتاهاتها الشغل الشاغل حلياة الناس .لكن ما هو خطير ان امتهان مهنة الصحفي واالعالمي لم يعد صعبا على أي شخص ،فكل من ميتلك اداة تصوير او تسجيل ،وغالبا ما يجده في هاتفه اجلوال ،ميكنه ان يرصد حادثة ،او يكون جزءا ً من صناعة تلك احلادثة ،حتى يسرع الى حتميلها الى الشبكة العنكبوتية فتتلقفها املاليني من العيون املتلصصة من خالل شاشات احلاسوب و (هواتف اجلوال) ،وبعد ذلك تنقلها املؤسسات االعالمية الكبرى .هنا اصبح ارضاء الشهوات والغرور الشخصي ألناس ذوي مستويات متدنية اخالقيا ،و حتى عقليا ،ممكنا ،خالل ساعات عديدة كي يصبح على لسان اجلميع .وهنا نؤكد على حقيقة بديهية وهي ان وسائل االعالم املتعددة متارس تأثيرا ً كبيرا ً بل وحاسما ً في توجيه الرأي العام .و يعتبر االعالم وسائط التغيير في أي مجتمع وقد ملسنا ذلك بوضوح خالل هذه السنوات .ويتحتم على وسائل االعالم امكانية خلق وعي للجماهير ونشر التقدم والترويج ملبادئ وافكار العدالة واملساواة ،او العكس من ذلك ،وتعتبر احلروب املعقدة التي جتري في سوريا احد اكبر احلروب التي تقودها االجهزة االعالمية املدنية في كافة تفاصيلها ،جعل من احملاربني اعالميني ومن االعالميني محاربني واختلطت االوراق بشكل معقد وخطير تنذر بنشوء مرحلة جديدة تتسم باخلطورة البالغة.
كان في السابق يعتقد ان بروز تأثير وسائل االعالم يكون واقعا في اجملتمعات التي تتمتع بحرية التعبير التي تعني احلق في نقل االفكار واآلراء واملعلومات بدون أي قيود بهدف تشجيع نقل االفكار التي تتيح سهولة ودقة اتخاذ القرارات املناسبة حول الشؤون العامة ومصلحة اجملتمع. لكن هذه احلرية ال تكون مصطفاة اذ تتغير بأخالقيات مهنة االعالم التي حتكمها أسس اخالقية عامة كالصدق والشرف والنزاهة وغيرها من االخالقيات التي يكون الهدف منها حتسني اداء العمل االعالمي والتحكم بوسائل االعالم خلدمة مصالح اجملتمع وقضاياه األساسية. لكني ووفقا لألسس العلمية تعلمت ضمن ما تعلمت في كلية االعالم بان اهمية االعالم بوسائله املتعددة تبرز بالقيام مبجموعة من الوظائف االساسية التي تضع االعالمي امام مسؤولية جتاه اجملتمع من خالل اتاحة املعلومات وعدم احلاق الضرر باآلخرين .ومن اهم تلك الوظائف وظيفة سياسية ،اذ يقوم بإبالغ املواطنني بكل ما يدور في أوساط احلكومة والهيئات االخرى من انشطة ،حيث تصبح وسائل االعالم جز ًء متداخالً في العملية السياسية من خالل مراقبة مراكز السلطة على كل املستويات ،لذا سميت بالسلطة الرابعة ،ولإلعالم ايضا وظيفة تعليمية ،اذ يقوم بتقدمي التقارير الصادقة ومناقشة مختلف االفكار واآلراء واملواقف .ومن وظائفه االخرى وظيفة التواصلية ،اذ يقوم بتقدمي املعلومات املرتبطة باألحداث بحيث يكون االعالم مرآة تعكس ،وبالتالي تتيح رؤية ما يجري من احداث في اجملتمع .ولإلعالم وظيفة ثقافية أيضا ،اذ يقوم بتدعيم القيم والتقاليد واملعايير املثالية للمجتمع .ومن خالل هذه الوظائف األساسية املقرة تبرز األسس االخالقية للمهنة االعالمية بشكل عام ،نراها تستند على احترام االفكار التي تطرح من االطراف االخرى ليحدث توازن طردي بني العاملني واملستهلكني في حقل
االعالم ،ففي حني كانت اغلب اجملتمعات تعاني وفي فترات زمنية متباينة من قيود عديدة حتول دون ممارسة حقها الطبيعي في التعبير عن رأيها، اذ كافحت مبختلف وشتى الوسائل عن القضايا التي متس األمن اخلاص واجملتمع بشكل عام، حيث تعاني من فرض القيود العديدة كالسجن والتشريد والقتل .ورغم ان مبدأ التعاطي مع حق التعبير عن حرية الرأي اصبح من البديهيات التي تؤكد عليها الدساتير في اجملتمعات اخملتلفة ،اال ان تفسير واستخدام هذه احلق يختلف اختالفا ً كبيرا ً عند التطبيق من مجتمع آلخر وبالرغم من ان بعض النظم السياسية ترى ان حرية الصحافة واالعالم هي حجر الزاوية واألساس في املمارسة الدميقراطية وتضع القوانني والتشريعات التي حتمي هذه احلرية وتصونها ، بينما جند أنظمة اخرى تعمل على تقييد حرية االعالم بدافع حماية النظام العام واالمن القومي وصالح اجملتمع .وبذلك تتوج بفرض قوانني حتد من حرية االعالم مبمارسة اساليب مختلفة في الرقابة املباشرة وغير املباشرة .اال ان في املرحلة الراهنة اصبحت حرية التعبير اشكالية معقدة تسبب الكثير من املعضالت خاصة في مجال انتهاكها حلقوق االنسان والتعدي على البيئة بل اصبح بعض اشكال ما يعتبره البعض جدال حرية التعبير ميثل جرائما ضد اإلنسانية بكل املعايير. وبينما كانت كلمة(الرقابة) تعد من الكلمات القبيحة والبذيئة املستخدمة في كل لغات العالم جتاه العمل االعالمي بكافة اشكاله. ورغم االقتناع بان احلرية ال ينبغي ان تكون مطلقة ولكن كان الكل مقتنعا بان الرقابة في نفس الوقت ليست الوسيلة املثلى حلماية اجملتمعات احلديثة من االخطار التي تواجهها ،وان احلكومات يجب ان تزيل رقابتها ،لذلك انقسم الفالسفة بني منادي حلرية التعبير وازالة الرقابة احلكومية وقد افتتح هذا اجلدل جون ميلتون عندما قال 159
أقواس
أقواس
160
(ان اجملتمع احلر تتجلى فيه احلقيقة وتتجلى فيه احلقيقة من الزيف ويستطيع فيه املواطن العادي ان مييز اخلطأ من الصواب) .وبني مجموعة اخرى كانت حتاول ان تبرر الرقابة احلكومية بزعمهم ان اإلهتمام بالدولة يجب ان تكون له مكانة سامية في مقابل مكانة اإلهتمام بالفرد. اعتقد فالسفة احلرية الذين جعلوا الفرد مركزا للكون ان حقوق االنسان املقدسة اكثر أهمية من حقوق الدولة .وان دور احلكومة ينحصر في تيسير ممارسة األفراد حلقوقهم الطبيعية ،هذه االطر الفلسفية جعلت من االعالم واالعالمني وخالل ممارستهم لعملهم رسل الدفاع عن احلرية وبل مت قياس احلرية ومدياتها مبقدار متتع االعالم بتلك احلرية من عدمه ،لكن املرحلة الراهنة قد كشفت محنة كبيرة لإلعالم متثلت في انعدام الرقابة احلكومية وتصادم الرقابات اجلماعية واستهدافاتها كمؤسسة اعالمية وكإعالميني حلرية التعبير ،تلبي ًة لألسس املنافية للحرية و ملا كان سابقيهم من االعالميني واملؤسسات االعالمية يناضلون ألجله ،اذ ان محنة االعالم تتعقد اكثر في ظل خصوصية كبيرة للمهنة النابعة من وظيفتها اذ تختلف عن باقي املهن االخرى كونها تخاطب العقول في مختلف مستوياتها وتؤدي مهنة االعالم خدمة إجتماعية وتربوية كبيرة كونها تتضمن شروط وخصائص عديدة متفق عليها من قبل الباحثني والدارسني في هذا اجملال فهي تؤدي اهداف إجتماعية من خالل اشباع حاجات اجملتمعات ،وتستمد شرعية وجودها من احساس الناس بضرورة القيام بنشاط معني من شأنه ان يسهم في اشباع تلك احلاجات ،وهي تستند بذلك على االسلوب العلمي والتقني ومواكبة التطورات في ثورة املعلومات واالتصاالت. ففي حني كانت مهنة االعالم غالبا ما متارس من قبل متخصصني مهنيني لهم القدرة املهنية والكفاءة العلمية ما ميكنهم من ممارسة دورهم
املهني بشكل صحيح وفق اسس علمية تعلموا وفقها في مدارس اكادميية وقد وضع على اثرها اخملتصون في االعالم اسس اخالقيات املهنة .والتي تتمثل املعايير املهنية كقول احلقيقة والدقة واملوضوعية والتوازن واحترام الذات من خالل تنزيه الذات من كل ما يؤدي الى خدش األصول املهنية والقواعد الصارمة للممارسة ،واالبتعاد وبشكل حدي من االكتساب والرشاوي وغير ذلك ،واالبتعاد عن نشر كان ما يؤدي الى اشاعة اجلرمية والفوضى وعدم احترام االخرين واالضرار بالرأي االخر وفيه إهانة لآلخرين او أي جماعة ثقافية ..وكثيرا جدا من التفاصيل ،لذلك كانت اقالم احملررين حتركها خلفية غنية من الثقافة واملدركات تختار وفق ضوابطها الكلمات وحترر اجلمل وتستقرئ وقعها املستقبلي وامكانية تأثيراتها السلبية ،وحتى لو كان في ذلك تأثير سلبي على حياتها املهنية وامكانيتها املادية، حتى ذلك احلد كان االعالمي يحس بقدر ذاته املهنية و يسمو بها فوق كل اإلعتبارات دون خوف او وجل بل كان ذلك ميثل التحدي األساسي ألسرار مهنته النبيلة .لكن االمور بدأت تأخذ منحى آخر في التحرر من تلك القيود االخالقية الذاتية أي الرقابة االخالقية الذاتية كي تكون االقالم حترر ما قد يحقق مكسبا او يحقق غرضا حتى لو كان في ادنى مستويات اإلنحطاط. في السابق ارتكز اطار عمل االعالميون والصحفيون على التوجه ضمن خمس دوائر أخالقية .وميكن ان تطلق مع هذه الدوائر االخالقية القيم التي يحتكم اليها حارس البوابة في انتقاء االخبار ويستند اليها في ممارسة املهنة. ولعل من االمور املهمة التي تتعلق بقضية اخالقية مهنة االعالم وارتباطها باجملال التربوي الذي ميارسه االعالم كونه جزء من الوظائف العامة والشاملة. يتفق الكثير من اخلبراء والباحثني االعالميني في العالم على ان مهنة االعالم والصحافة تعد من
املهن الصعبة والشاقة واخلطيرة ،وهي حتتاج الى قدر كبير من العلم والشجاعة والنبالة، اذ كثيرا ما يتعرض الصحفيون الى مخاطر، كالقتل واالختطاف والتعرض الى االزمات الصحية والنفسية في أسوأ االحوال .كأمراض القلب و ارتفاع ضغط الدم واالنهيار العصبي .كما تشترط مهنة االعالم بعض الشروط واملواصفات في من يقوم مبمارستها ،فاإلعالمي البد ان يكون له مبدأ وهدف كي يكون اعالمي ناجح ،وان يتحلى بأخالق رفيعة وسعة إطالع ومعرفة وعلى دراية بكل ما يجري حوله ،وعليه أن يكون فطن وذكي ،ومن النبالة ما يجعله قادرا على تفهم االختالفات وعدم اإلجنرار وراء األهواء والغوايات .لذا افترض حصوله على تعليم اساسي عالي ميكنه من تعلم ابجديات العمل االعالمي تصقل موهبته وفطرته السليمة، وتؤهله لدخول معترك احلياة العملية واالستزادة منه .وبذلك يستطيع ان يحدث تأثيرا ويترك اثرا في الفرد واجملتمع .الن االعالم مسؤول عن االخالق العامة واخلاصة وتنمية االفكار ويلعب دور كبير في حتقيق حدة توتر واشاعة روح السالم بني شرائح اجملتمع .وعليه أن يخاطب اجلماهير بلغة سلسلة ومفهومة وبعيدا عن االنحطاط و االسفاف من حيث املضمون واالسلوب .ان الرسالة االعالمية رسالة مقدسة تسعى لتقدمي احلقيقة للقارئ والسامع واملشاهد بعيدا عن اجملامالت والتملق واالرتزاق وال ميكن لإلعالمي ان يؤدي هذه الرسالة ما لم يبتعد عن املتاجرة بالكلمة وتشويه احلقائق وبث السموم وممارسة التضليل ألنه ان عمل بتلك االساليب فسوف يبتعد عن السمو االخالقي في خدمة اجملتمع و ال ميكن حتقيق االخالق ان لم يلتزم االعالميني بأخالق املهنة االعالمية ،والتي وردت في الكثير من القوانني واالعراف الدولية والعربية واحمللية كونها جزء من احلريات العامة. بعد االحداث االخيرة التي مرت على املنطقة
بشكل عام وعلى العراق واقليم كوردستان بشكل خاص اعطيت االولوية حلرية التعبير، وساعدت الظروف على زيادة ظهور عدد من الصحف واجملالت واالذاعات واحملطات الفضائية دون ضوابط و معايير مهنية تعتمد على األسس املفاهيمية للوظائفية االعالمية .مع ذلك تعرضت نوعية االعالم واالخالق املهنية لإلعالميني الى انتكاسة كبيرة لصالح ازدهار كمي غير مسيطر عليه ،اذ جلب هذا الكم الهائل معه عدد كبير من الدخالء والذين ال يتفهمون اإلعالم كرسالة سامية النهم لم يأتوا الى عالم االعالم والصحافة للدفاع عن احلريات الدميقراطية وايصال صوت اجلماهير وكلمة احلق بل جاءوا من جماعات وكتل معينة لنشر بعض التصرفات والسلوكيات البعيدة عن اخالقيات مهنة االعالم ،او لرمبا اعتبروها طريقة للدخول عن طريقها الى عالم السياسة او عالم املال والشهرة. ومن هذا املدخل يتبني ان مسألة اخالقيات املهنة االعالمية اصبحت تتردد على ألسنة جميع مؤلفات االعالم في كافة اجملتمعات ،كذلك النقابات املهنية واجلمعيات والهيئات واملراكز والدوائر .بشكل جعل االعالمي امللتزم بقواعد السلوك واالخالق يهتم ملكانته الشخصية وحريصا ً على نقاوة عمله املهني بعكس بعض الدخالء على مجال االعالم ممن ال ميتلكون أي خلق او اخالق او اي معرفة او دراية بقواعد وسلوك وأخالقيات املهنة االعالمية وراحوا يشوهونها ويعبثون بها ثانياً :أزمة البحث عن احلرية وإشكالية فرض الرقابة تسعى احلضارات البشرية وفي فترات تاريخية مختلفة الى حترير االنسان من أي ضغوط ميكن ان تؤثر على ادانة الفرد(احلكم املسبق باملعنى السلبي) وحتول دون إستفادة الفرد من 161
أقواس
أقواس
162
قدراته خلدمة اجملتمع مبختلف اجلوانب .برزت فلسفات عديدة انصبت اهتماماتها على خلق وتكوين الفرد الصالح واجملتمع املتماسك باعتبار ذلك ركن الوصول الى السعادة التي تنشدها االنسانية ،فباتت ابرز تلك الفلسفات متباينة في طريقة وصولها الى هدفها السامي واملتمثل بني اولوية احلرية على املساواة في طريق الوصول نحو السعادة وبني اولوية املساواة على احلرية في طريق الوصول نحو السعادة ،لكن االفكار السياسية اصطدمت بوسائل الرقابة التي ابتدعتها السلطة احلاكمة واملتشكلة وفق سياقات حتاول احلفاظ عليها بوصفها متثل اساس االنشاء واالستمرار ،لذا اعتبرت حرية التعبير خطرا على السلطة واساسا للتغيير، لذا ظلت الرقابة السلطوية والتي تطورت الى الرقابة احلكومية احدى اشهر وسائل قمع حرية التعبير ،وسطرت في التاريخ ابشع اجلرائم واكثر القصص املقززة واملؤملة ملمارساتها ،فبات النضال ضد الرقابة احلكومية ميثل اسمى انواع النضال في سبيل حترير احلرية في التعبير للفرد واصبح االعالم واالعالمي بوصفه احوج ما يكون إلزالة قيود الرقابة في مقدمة املناضلني .لكن مع ذلك بقيت جدلية النضال من اجل حرية وسائل االعالم و والنضال ألجل ترسيخ الرقابة احلكومية بعيدة عن تناول امكانية تأثيراتها السلبية على اجملتمع خاصة في ارهاصات ممارساتها غير املسؤولة. الن هذه اجلدلية ادت الى اخلضوع لهيمنة الربح وحتقيق غايات انانية وعدم تقدمي صورة حقيقية عن تطورات اجملتمع واهدافه وقيمه وسلوكه، الن الصراع في جميع حاالته ساهم في ترسيخ التطرف ونبذ املشتركات .ففي حني ظلت القناعة راسخة في ان خضوع وسائل االعالم للرقابة احلكومية ال يدعم العملية الدميقراطية ويحول دون اتاحة اآلراء واالفكار اخملتلفة التي يعبر عن اجملتمع وعدم اعطاء صورة صادقة ملا يدور في اجملتمع مما يجعلها غير قادرة على كشف الفساد
واالخطاء التي تقع فيه .ظل الكثير من احملافظني يرون ان الرقابة واجبة لضمان عدم االنفالت وعدم السماح ألصوات املتطفلني والفاسدين في السيطرة على اصوات الناس ،وظل التنازع على الراي العام ،لكن ازمة البحث عن احلرية ونشر الرقابة بدأت تتحول الى صراع مع محاوالت االعالم في التعرف على اخبار من داخل املؤسسة احلكومية التي اصرت على حجبها كجزء من اسرارها السياسية واالقتصادية والعسكرية وغيرها باعتبار ذلك اسرار الدولة. ان حرية الكالم وحرية التعبير هما النتيجة الطبيعة حلرية االعتقاد .وحرية االعتقاد تعني حرية التفكير واالميان مبا نرى انه احلقيقة ،حرية التعبير هي احلرية التي ال تضطرنا الى اعتناق اراء ومعتقدات نراها خاطئة .حرية االعتقاد وهي اولى احلريات ألنها حتدد جميع احلريات االخرى .توجد عوامل عديدة حتول دون ممارسة حرية التعبير غير السلطة احلكومية كالظروف االجتماعية التي حتيط بالفرد كالفقر واجلهل واجلوع والتي تشكل مبجموعها خطرا كبيرا على حرية التعبير ،اذ تتصدى لها بالتهديد ووضع العراقيل عند ممارستها. منذ القرن التاسع عشر كان االعالميني واملؤسسات اإلعالمية يناضلون من اجل احلصول على حرية التعبير و احلصول على املعلومات الن ذلك كان يعني لهم إزدهار جتارتهم ورواج اعمالهم ،لكن هذا النضال نتج عن استخدامهم ممارسات غير أخالقية ،حيث قامت وسائل اإلعالم الغربية بالتخصصية والتخلي عن مسؤولياتها اجملتمعية من اجل حتقيق اقصى قدر ممكن من االرباح والعمل على إلهاء الناس بدال ً من تقدمي اإلعالم والثقافة والتسلية املفيدة ،وأدى ذلك إلى إنتشار الصحافة الصفراء التي عمدت إلى نشر وكشف أسرار احلياة اخلاصة والقذف وفضح االخرين ،واستخدام االثارة والكذب وعدم الصدق في تقدمي املعلومات واألخبار .نتج عن
ذلك ظهور نظرية املسؤولية اإلجتماعية التي حتتوي على مبادئ عديدة تخص وسائل اإلعالم باإللتزام وقول احلقائق والتعبير عن اآلراء واألفكار بدقة ومصداقية .وشهد القرن العشرين ظهور مجالس الصحف ومواثيق الشرف املهنية التي أدت الى دعم وسائل اإلعالم وحتسني ادائها وممارسة دورها االجتماعي بقدر من املسؤولية واإلبتعاد عن القوة واإلجبار وحماية اإلعالميني من الرقابة احلكومية. لكن ولكي يكون معلوما ان بحث البشرية عن احلرية يسبق بحث اإلعالميني عن احلرية .اذا كان النضال ألجل احلرية ،فللحرية مجاالت عديدة ،كانت في مؤخرتها حرية التعبير .بشكل عام يعود تاريخ النضال من اجل احلرية الى عصور قدمية جداً ،وحملت اساطير كثيرة وسطر التاريخ آالف الثورات وماليني الشهداء للحرية كلها وضعت اجملتمعات امام مستوى من احلرية في التعبير والنقد في القضايا اإلجتماعية والدينية والسياسية واإلقتصادية تبلور على شكل عادات وتقاليد او عقائد تختلف بإختالف جتارب وخبرات تلك اجملتمعات في انتاجها ،وظلت في نفس الوقت مقيدة بضوابط ومراقبة من قبل مستويات معدودة تفرض عقوبات قد تكون قاسية جدا تصل الى حد املوت ،وبقي النصال من اجل كسر تلك القيود مستمر ،وبإنتصارها بدأت مرحلة جديدة من وضع ضوابط الترسيخ متنع أي محاولة لكسرها وتعتبر الرقابة أداة ملنع اخلروقات على تلك الضوابط ،وهكذا دواليك تستمر العملية ،فكل ثورة حرية تلتمس بناء تقاليد وأعراف رقابية حتى تتجاوز حدتها أدوات الرقابة لألنظمة التي ثارت عليها. لذا يوجد دائما معسكرين تختلف آراءهما حول حرية التعبير في وسائل اإلعالم .البعض يعتبرها شكل من أشكال العداء للدولة يستحق اإلعتقال والتشريد واإلعدام ،بينما يراه االخرون ممن يؤمنون بحرية التعبير ان هذه احلرية تدعم
احلكومة وتؤكد مسؤوليتها في تلبية إحتياجات الناس .وبالرغم من ان حرية التعبير بالقول والتصوير والصحافة تأكدت في اإلعالن العاملي حلقوق االنسان الصادرة في 1948اال ان علمية تطبيقها ظلت دائما موضع تساؤل بسبب اإلنتهاكات العديدة ،وبالرغم من ان الرقابة ظهرت كفعل منظم لرصد ومنع اإلنتهاكات على األعراف وتقاليد وقوانني مقرة بهدف احلفاظ على اإلستقرار إال أنها حتولت في أحيان عديدة الى أداة ملنع حرية التعبير وليس ملنع اإلنحراف والتعدي. لكن الرقابة censorshipكمصطلح ظلت من الدالالت املثيرة للجدل منذ أقدم العصور وتدل على مستوى من القدرة والصالحية من أجل منع أي جتاوز او إنتهاك لبعض القواعد املتفق عليها في مجتمع ما ،وغالبا ما يؤدي الى تطبيق محاسبة عند الكشف عن أي جتاوز ،وقد إقترنت الرقابة بالسلطة أيا كانت و تنامت بشكل كبير اثر ظهور السلطة احلكومية في الدولة احلديثة ،لكن الرقابة تعاظمت تأثيراتها بسبب التزاوج الذي حصل بني الدولة القومية والثيوقراطية اذ أن ذلك منح الدولة قدرة كبيرة مت تأطيرها وتبويبها ضمن ما يعرف مبفهوم التوتاليتارية، متنح ضرورة الرقابة احلكومية على وسائل االعالم ،والتي أصبحت فلسفة السلطة والتسلط ، وقد طورت النظم امللكية التسلطية أساليب عديدة بهدف التحكم في اإلعالم والصحافة ، كالرقابة املباشرة على املطابع قبل النشر ومنح الترخيص حلقوق الطباعة ومكافأة الناشرين الذين يروجون مواد غير مرغوب فيها وفرض ضرائب للحد من تداول املنتجات املعرفية التي كانت تعرف بضرائب املعرفة. يتبني من خالل النضال املستميت من أجل احلرية ان البشرية انتجت الرقابة من أجل احلفاظ على تلك املكتسبات ،لكن صيرورة النضال من أجل احلرية تصطدم بتلك الرقابة وحتاول كسرها، وهذه اإلشكالية جعلت من الرقابة في موقع 163
أقواس
أقواس
164
متهم ومطلوبة في نفس الوقت ،وفي معرض محاولة الكشف والتبيان بني الرقابة الضرورية والرقابة املرفوضة نرى ان منيز بني أهم أنواع الرقابة كما نتصورها: الرقابة اخلارجية وتتمثل بالرقابة .1 اإلجتماعية من خالل مدى منحها قبولية لألفراد عن طريق متابعة مدى إنسجام سلوكهم في اجملتمع وتتعدد وتتنوع هذه الرقابة بتنوع وتعدد اجملتمع الواحد ،وتتفاوت في درجة حدتها بتفاوت درجة إنغالق او إنفتاح اجملتمع. الرقابة السلطوية او الرسمية واملتمثلة .2 برقابة األجهزة الرسمية في الدولة من خالل أجهزة عديدة تهتم وفق قوانني ومقررات وأعراف بالرقابة بأنواعها واغراضها ،ويختلف مدى تأثير هذه الرقابة بنوعية النظام السياسي في ذلك البلد واأليدولوجية احلاكمة وطبيعة احلياة السياسية ،وهي أقسى وأكثر أنواع الرقابات سمعة سيئة بسبب تاريخ من املآسي التي خلفتها على اإلعالميني. الرقابة الذاتية أي رقابة الفرد على ذاته .3 والسيطرة عليها ضمن دائرة مفهوم التنزه من القيام بشيء وهو األساس البنائي ملفهوم األخالق. وهي تأتي من األسس الفكرية والعقائدية للفرد. ونعتبرها الرقابة املرغوبة النها نابعة ومتشكلة من البنية األخالقية لإلعالمي نفسه وتخلق له الوازع األساسي ملمارسة مهنته ،وميارسها اإلعالمي من تلقاء نفسه دون احلاجة الى شخص ما يتسلط عليه بإسم الرقابة .ويقسم خبراء اإلعالم الرقابة الذاتية الى قسمني: الرقابة الذاتية السلبية :وهي الرقابة أ . التي تخضع لظروف خارجية كالضغوط احلكومية او اجملتمعية املباشرة او غير املباشرة. الرقابة الذاتية اإليجابية :وهي الرقابة ب . التي تخضع للصياغات واإللتزامات وضمير اإلعالمي ،وهي تتجلى عندما يكون اإلعالمي أكثر رصانة وأكثر إنسانية فتعكس درجات
النضج االخالقي الرفيع التي يتحلى بها. الرقابة العامة املعنوية :وهي نوع من .4 الرقابة املهنية التي نتجت عن تراكم األعراف والقوانني اإلعالمية والتي إتخذت طابعا ً عاما من خالل النقابات واجملالس اإلعالمية املهنية ومن منطلق فلسفة املسؤولية اإلجتماعية املشتركة. يتبني مما سبق ان الرقابة اخلارجية وخاصة الرسمية منها تشكل أهم املشاكل التي تواجه اإلعالمي خاصة في الدول التي متتلك أنظمة سياسية غير دميقراطية ،وبشكل عام ينتشر منطان رئيسيان من الرقابة الرسمية او السلطوية على وسائل اإلعالم: الرقابة املباشرة :وتتخذ األشكال .1 التالية: الرقابة السابقة على النشر. أ . الرقابة بعد النشر. ب . الرقابة قبل التوزيع. ت . الرقابة بعد التوزيع. ث . الرقابة غير املباشرة ،تتخذ األشكال .2 التالية: التوجهات او التعليمات الرسمية حول أ . احملظورات للنشر. التدخل في اسلوب املعاجلة الصحفية. ب . تعريض اإلعالميني لبعض اشكال ت . الضغط املادي واملعنوي. الرقابة التي ميارسها رئيس التحرير او ث . احملرر املسؤول. وضع القيود على عملية إستقاء األخبار ج . وتداولها. وبشكل عام تتبنى األسس املفاهيمية للرقابة الرسمية مبررات عديدة في فرض الرقابة على وسائل اإلعالم من أهمها: تفرض الرقابة على مضمون وسائل .1 اإلعالم بحجة ان األفكار التي تطرحها زائفة
بعد التنامي الكبير في دور اإلعالم في كافة مجاالت احلياة حاول الباحثون واخلبراء في مجال اإلعالم واإلتصال إيجاد نظريات إعالمية وتوظيفها خلدمة أغراض وأهداف املهنة اإلعالمية .وقد تباينت تلك النظريات حسب آراء ومعتقدات مروجيها و القائمني عليها بإلزام اإلعالميني بأخالقيات العمل االعالمي و وضع األطر العامة لتلك األخالقيات ومن أهم النظريات اإلعالمية املعمول بها عامليا:
وباطلة و خطيرة. إدعاء فئة من اجملتمع متثل الصفوة .2 لنفسها الوصاية على بقية فئات اجملتمع بدعوى انها أكثر فهما من اآلخرين. فرض الرقابة على األفكار التي تنتهك .3 حرمة اآلداب العامة او تخديش احلياء او األخالق العامة. فرض الرقابة على األخبار ،الصور .4 والبيانات التي ترى السلطة بأنها سرية فان إفشائها يضر باألمن القومي او الصالح العام او نظرية السلطة: .1 النظام اإلجتماعي. ظهرت هذه النظرية في القرنني السادس عشر اما الرقابة اخلارجية او ما تسمى الرقابة والسابع عشر في انكلترا .وهي تستند الى اإلجتماعية غالبا ما تكون أسسها مستندة فلسفة السلطة املطلقة للحاكم او حكومته على التقاليد واألعراف والعقائد وفق منظورها او كالهما معا .ونرى ذلك واضحا في نظريات الثقافي السائد ،وتعتبر إشكالية كبيرة وخطرة افالطون ،ارسطو ،ميكيافللي ،هيغل .الهدف في اجملتمعات املغلقة والتي تعاني من تدني الرئيسي لهذه النظرية هو حماية السلطة املستوى الثقافي ،اذ حترص هذه اجملتمعات على وتوضيحها لسياسة احلكومة املسيطرة على اإلحتفاظ بسيطرة قوية على اإلعالم وتسيره وفق مقاليد األمور .تقر هذه النظرية للحكومة ما متليه أسس دعم الثقافة السائدة ،وغالبا ما اإلشراف على اإلعالم وفرض الرقابة عليه .وال تتناغم الرقابة السلطوية والرقابة اإلجتماعية يجوز وفق هذه النظرية نقد اجلهاز احلكومي في مضاعفة الرقابة على اإلعالم او توجيهه والسياسي الن العمل اإلعالمي فيها هو مبثابة وفق مقتضيات مقبولة للنخبة التي تسيطر إمتياز خاص مينحها احلاكم لإلعالمي والصحفي. على زمام األمور ،ومن هنا بدأت الرقابة على و بالتالي فهو مدين لها بالوالء واإللتزام ،وعليه األجهزة اإلعالمية تأخذ أبعادا مضاعفة بسبب تنفيذ ما يأمر به .بصورة عامة تتبنى الدول محاولتها ضبط وسائل اإلتصال اجلماهيري النامية والدول غير الدميقراطية هذه النظرية بالرغم من تعقيد مبتغاها ،لذلك فشلت في بوصفها األساس الفكري لبناء منظوماتها مسعاها ألسباب كثيرة لكي تتحول الى محاولة اإلعالمية. نظرية احلرية او النظرية الليبرالية: السيطرة عليها وتطويعها ألغراضها وخاصة .2 في حروبها السياسية بوصفها أكثر تأثيرا في ظهرت هذه النظرية في عصر النهضة األوروبية احلروب النفسية التي تقودها الدول واجملاميع ضد وحتديدا ً في القرن الثامن عشر والتاسع عشر بعضها وخاصة في التجييش للحروب والتعبئة وكان من أبرز من نادى بها جون ميلتون وجون لوك .تقوم هذه النظرية على أساس تقدمي كل لها. املعلومات واألفكار للجمهور ،وان النقد احلر ثالثاً :أخالقيات العمل اإلعالمي في ظل النظريات ضرورة لتحقيق الرفاهية والتقدم ،وان العمل اإلعالمي يجب ان يتحرر من اية رقابة مسبقة اإلعالمية: 165
أقواس
أقواس
166
وان يكون مفتوحا ألي شخص او جماعة دون احلصول على رخصة حكومية مسبقة ،وان تكون أبواب النقد مفتوحة دون خوف او عقاب من السلطة او احلاكم .وان يعمل اإلعالمي بكل حرية دون قيود او إكراه على نشر معلوماته وان يتمتع باإلستقالل املهني .ساعدت هذه النظرية اإلعالم والصحافة واإلعالميني على التخلص من سيطرة الدولة ،خصوصا ً في الواليات املتحدة األمريكية وأوروبا الغربية. نظرية املسؤولية اإلجتماعية: .3 تتلخص هذه النظرية التي نادى بها عدد من األساتذة واألكادمييني باملسؤولية اإلجتماعية وصدق األخبار واحليادية ،وعلى ان اإلعالم يجب ان يكون في خدمة اجملتمع من خالل اإللتزام باملعايير املهنية كقول احلقيقة والدقة واملوضوعية. والتوازن واإلبتعاد عن نشر كل ما يؤدي الى إرتكاب اجلرمية واشاعة الفوضى او توجيه اإلهانات الى األفراد او األقليات وان تدخل اإلعالم يجب ان يكون لتحقيق املصلحة العامة. النظرية الشيوعية: .4 شهد الربع االول من القرن العشرين ميالد نظرية الصحافة الشيوعية التي كان كارل ماركس األب الروحي لها ،متأثرا بفلسفة زميله األملاني هيغل. تركز هذه النظرية على توظيف وسائل اإلعالم في خدمة اجلهاز احلكومي واحلزب الشيوعي ، بحيث يقوم اإلعالم والصحافة فيها ،بتقوية وتوسيع النظام اإلشتراكي ،وليس البحث عن احلقيقة .وتعتبر هذه النظرية وسائل اإلعالم أدوات للحكومة و جزءا ً مهما منها .والدولة تقوم بتشغيل و متويل هذه الوسائل .واحلزب الشيوعي هو الذي يقوم بالتوجيه الفكري والرقابي للمؤسسات اإلعالمية.
خدمة اجملتمع اإلنساني ككل ،وتعتبر إمتدادا لنظريات احلرية اإلعالمية ونظرية املسؤولية اإلجتماعية ،لكنها اكثر شموال كونها تنطلق من وإلى اجملتمع اإلنساني األشمل دون حتديد جنس هذا اجملتمع ،اذ ترفض األفكار العنصرية او العرقية او التعصب الديني بكافة أشكاله، وتعمل على خدمة اإلنسان من كل جوانب حياته ،وتؤمن باحلرية الكاملة والكافية التي متكن اإلنسان من إبداء رأيه والتعبير عن أفكاره من خالل وسائل اإلعالم املتاحة نظرية صحافة التنمية: .6 تعترف هذه النظرية بسمو وإستقاللية اإلعالم ووحدته ومتاسكه ورفضه للتبعية وللسلطة املتعسفة وتأكيده على التنمية بكل فروعها، وتركز على توحيد إجتاهات الشعب من أجل التنمية الوطنية ومساعدة املواطنني على إدراك ان الدولة اجلديدة قد قامت بالفعل مبساعدة وتشجيع املواطنني على الثقة باملؤسسات والسياسة احلكومية مما يضفي الشرعية على السلطة السياسية وقبولها .وكذلك املساعدة في اإلستقرار والوحدة الوطنية وتغليب املصلحة الوطنية على املصلحة اخلاصة .والتركيز على اإليجابيات وجتاهل السلبيات .تطورت هذه النظرية الى مديات عامة جتعل من تنمية الثقافة املدنية واحلضارية املسؤولية األهم لإلعالم.
نظرية املشاركة الدميقراطية: .7 نشأت هذه النظرية كرد فعل مضاد للطابع التجاري وإحتكار وسائل اإلعالم اململوكة ملكية فردية ويعبر مصطلح املشاركة الدميقراطية عن معنى التحرر من قيود األحزاب السياسية القائمة .تكمن الفكرة األساسية فيها في إهتمامها بإحتياجات ومصالح وآمال و حق املواطن في إستخدام وسائل اإلتصال واإلعالم نظرية املسؤولية العاملية: .5 ان أهداف وغايات هذه النظرية تنبثق من مفهوم من اجل التفاعل واملشاركة على نطاق واسع
في مجتمعه .وترى هذه النظرية ان وسائل اإلعالم تعنى أكثر باحلياة اإلجتماعية وتخضع لسيطرة مباشرة من جمهورها وتقدم فرص للمشاركة على أسس يحددها مستخدموها بدال من املسيطرين عليها .وان للمواطن واجملموعات واألقليات حق الوصول الى وسائل اإلعالم وإستخدامها خدمة ألغراضهم وطبقا إلحتياجاتهم ،وان وسائل اإلعالم يجب ان ال تكون خاضعة لسيطرة بيروقراطية حكومية او سياسات مركزية حزبية .وان اجلماعات واملنظمات والتجمعات احمللية ينبغي ان تكون لها وسائلها اإلعالمية اخلاصة بها .وان وسائل اإلعالم الصغيرة التي تساهم بالتفاعل واملشاركة هي أفضل من وسائل اإلعالم املهنية الضخمة املسخرة بإجتاه واحد فقط. رابعاً :مواثيق األخالق في العمل اإلعالمي: يرجع ظهور مواثيق األخالق في العمل اإلعالمي الى ثمانني عام تقريبا ويهدف الى حتسني األداء اإلعالمي والتحكم في وسائل اإلعالم لصالح عامة الناس ،ان مواثيق األخالق في العمل اإلعالمي قد تكون إلزامية او إختيارية: املواثيق اإللزامية تكون إجبارية أي يجب .1 على اإلعالمي او الصحفي تنفيذها ،ويعاقب من يخالف او ينتهك ما جاء بها من معايير للسلوك املهني وتتخذ اجتاهه إجراءات العقاب كالتأنيب العام او إيقاف عن مزاولة املهنة. املواثيق اإلختيارية تقوم على أساس .2 رغبة نابعة من العاملني في املهنة بحيث يترتب على موافقتهم عليها وإلتزامهم بتنفيذ ما جاء فيها أثناء ممارستهم للعمل ،وتعد هذه املواثيق مبثابة تنظيم ذاتي لهم. وميكن تصنيف مواثيق أخالقيات العمل اإلعالمي الى عدة أنواع من أهمها: املواثيق اخلاصة بوسائل اإلتصال :جميعا ً .1 وهي الصحافة ،الكتب ،السينما ،املسرح ،اإلذاعة
االلكترونية ،اإلتصال اإلفتراضي. مواثيق تهتم بجوانب املضمون اإلتصالي .2 التعليمي :وتشمل اإلعالم ،التسلية ،اإلعالن املباشر وغير املباشر. مواثيق تهتم بجوانب صناعة اإلتصال: .3 وتتناول جانب او أكثر من جوانب صناعة اإلتصال. كأن تغطي في الصحيفة مثال التحرير ،األخبار، األحداث اجلارية ،اإلعالن ،والتوزيع. خامسا :املسؤولية اإلعالمية في أخالقيات العمل اإلعالمي: تتحمل وسائل اإلعالم بكافة أشكالها املقروءة واملسموعة واملرئية أهمية كبيرة في اجملتمعات احلديثة وتنبع أهميتها من مسؤوليتها جتاه اجملتمع الذي تعمل فيه .وميكن إدراك املسؤولية اإلعالمية من خالل ثالث وظائف وهي: القيام بالوظائف واألدوار اإلجتماعية .1 كالوظيفة السياسية التي تعني إبالغ الناس بكل ما يدور في احلكومة والهيئات األخرى من أنشطة .اذ تصبح وسائل اإلعالم جزء متداخال في العملية السياسية من خالل مراقبة مراكز السلطة على كل املستويات والوظيفة التعليمية التي تشكل تقدمي األخبار ومناقشة كافة األفكار واآلراء واملواقف والوظيفة الثقافية تعنى بتقدمي القيم والتقاليد واملعايير املثالية للمجتمع: معرفة املبادئ التي ترشد وسائل اإلعالم .2 الى حتقيق الوظائف السابقة بطريقة إيجابية او مشروعة. معرفة أنواع السلوك التي يجب .3 مراعاتها من قبل اإلعالميني لتحقيق املبادئ اإلرشادية. وميكن القول ان املسؤوليات التي تقع على عاتق وسائل اإلعالم هي: مسؤولية إعالمية جتاه اجملتمع العام :من .1 خالل إتاحة املعلومات وعدم إحلاق الضرر باآلخرين 167
أقواس
أقواس
168
وكالهما يتصارع أحيانا مع اآلخر. مسؤولية إعالمية جتاه اجملتمع احمللي :هي .2 إمتداد للمسؤولية األولى ،وتعتمد على نشر ما يتوقعه األفراد من اجملتمع وما يتوقعه اجملتمع من األفراد وأداء الرسالة السابقة مع جتنب أي ضرر بقدر اإلمكان وإبالغ الناس ما يحقق مصاحلهم اآلنية و املستقبلية. مسؤولية إعالمية جتاه نفسه :من خالل .3 أداء الرسالة اإلعالمية بأقصى قدر ممكن من الدقة واألمانة والصدق واملوضوعية ملا يعتقد انه في صالح اجملتمع. سادساً :القيم األخالقية في العمل اإلعالمي: ان أخالقيات املهنة اإلعالمية وجهات داخلية لقرارات مهنية في مختلف املواقف واملوضوعات التي يواجهها اإلعالمي أثناء عمله املهني ، فاإلعالمي او الصحفي الناجح ال يحتاج الى قوانني ورقابة احلكومة لتنظيم أمور مهنته ، فنهاك ايضا الدوافع والرقابة الذاتية وأخالقيات املهنة اإلعالمية كضوابط للعمل اإلعالمي .ان أخالقيات العمل اإلعالمي هي مجموعة من املبادئ والقيم املنظمة في العمل اإلعالمي و تعتمد على مجموعة منتقاة من املبادئ املوجهة للسلوك األخالقي ،وهذه املبادئ مهمة للمؤسسات اإلعالمية خاصة في اوقات األزمات ، وتستهدف هذه املبادي تشكيل ذاتية املؤسسات اإلعالمية او اجلماعة املهنية ومن أهم هذه املبادئ والقيم األخالقية للعمل اإلعالمي: الصدق :في احلصول على ثقة اجلمهور .1 املتلقي واملستمع و املشاهد و القارئ هو أساس اإلعالم اجليد .والتمسك مببادئ الدقة في عرض احلقائق وينبغي على اإلعالمي ان يكون صادقا في نقله للعمل اإلعالمي سواء كان خبرا ً ام حتقيقا ً ام مقابل ًة .اذ فان الصدق هو احملور األساس للوصول الى احلقيقة.
احليادية واملوضوعية :على اإلعالمي ان .2 يلتزم بالنزاهة والدقة أثناء عملية نقل األخبار، وأال يكون متحيزا ألي طرف من أطراف املوضوع الذي ينشره او يبثه ،وان يقوم بنقل اخلبر واحلدث والصورة كما هي ،خاصة عندما يتناول املوضوع أحداث تهم اجملتمع .كما يجب على اإلعالمي ان يكون نزيها في تعامله مع اإلنتماءات ،وعليه اإلبتعاد عن قبول الهدايا والرشاوى من أي جهة كانت مقابل عمل إعالمي معني .وعلى اإلعالميني ان يحترموا حقوق األشخاص وان يراعوا املعايير املشتركة لألمانة والشرف وان يكونوا مسؤولني امام اجلمهور عن عدالة تقاريرهم األخبارية ودقتها ،كما ان األشخاص الذين يتم إتهامهم علنا يجب إعطائهم حق الرد في أقرب فرصة بذات املستوى الذي إتهموا فيه. الشعور باملسؤولية :على اإلعالمي او .3 الصحفي ان يتحمل مسؤولية الصحة في أخباره ،أي ال يجوز نقل أي خبر دون التحقق من مصداقيته ومصداقية املصدر ويجب ان يعتمد على أكثر من مصدر .كما ان العهود التي يقدمها اإلعالمي باحلفاظ على سرية املصادر األخبارية البد من الوفاء بها مهما كان الثمن ،ولهذا السبب يجب ان ال يقوم اإلعالميون باإلستخفاف بهذه العهود .وعلى اإلعالمي مراعاة املسؤولية اإلجتماعية وأخالقيات املهنة اإلعالمية أثناء ممارسة عمله .ففي حاالت عديدة يعمد اإلعالمي او الصحفي الى إستخدام أساليب اخلداع من أجل احلصول على املعلومات والوثائق لتحقيق السبق الصحفي. إحترام كرامة اإلنسان :يجب ان ال .4 ينشر خبر او صورة متس كرامة الفرد وال يجوز إستعمال اساليب اخلداع او التوريط او اإلبتزاز او التالعب باألشخاص مثل(التسجيل او التصوير غير القانوني) .ان الهدف الرئيسي من جمع األخبار واآلراء وتوزيعها هو خدمة عامة وذلك عن طريق إمداد الناس باملعلومات ومتكينهم من
إصدار األحكام حول قضايا العصر .واإلعالميون واإلعالميات الذين يسيئون استخدام هذه السلطة املتاحة لهم بحكم منتهي او يوجهونها لدوافع أنانية او اإلنحراف يكونوا قد خانوا الثقة املمنوحة لهم من الرأي العام. املساواة :ان املواطنني متساوون في .5 احلقوق والواجبات مثلما هم متساوون امام وسائل اإلعالم ،ومن هنا تأتي ضرورة احلرص على ان ال تكون هذه الوسائل تعبيرا ً عن فئة او ثقافة او جهة دون اخرى. اإلستئذان :على اإلعالمي ان يعمد الى .6 اسلوب اإلستئذان في احلصول على املعلومات واألخبار والتسجيالت التي يحتاجها لعرضها للجمهور مبا يلبي إحتياجات اجلمهور. األمانة واإلستقامة :ان يكون امينا في .7 نقل األخبار واملعلومات واألحداث واإلبتعاد عن التمييز والتزييف في نقل احلقائق .وان يتوخى احلذر من املصادر التي ال ترغب في الكشف عن ذكر هويتها واسمها وعدم الكشف عن سرية املصادر التي ال ترغب في الكشف عن ذكر اسمها وهويتها .و على اإلعالمي ان يكون أمينا في نقل مصادر معلومات وموضوعاته وان يراعي حقوق النشر في اإلقتباس من أعمال اآلخرين .كما على اإلعالمي جتنب اساليب اخلداع واإلحتيال للوصول الى موضوع حيوي ومثير للوصول الى السبق الصحفي او اخلبطة الصحفية. توخي الدقة واإلجادة :جتنب الوقوع في .8 األخطاء املنهجية واللغوية اثناء عرض احلقائق واملعلومات. اإللتزام :بعدم اللجوء الى حتقيق الشهرة .9 على حساب املبادئ والقيم واألخالق من خالل نشر األخبار. التحلي باملثل األخالقية :على اإلعالمي .10 مراعاة اجلوانب األخالقية اثناء تقدميه األخبار التي حتقق التوازن بني مصلحة الفرد ومصلحة اجملتمع وعلى وسائل اإلعالم جتنب غزو حق األفراد
في اخلصوصية وعلى اإلعالمي اتباع القوانني التي تتضمنها مواثيق الشرف األخالقية التي تضعها املنظمات اإلعالمية بشأن حماية اخلصوصية ومراعاة اإلحترام اإلنساني للخصوصية الفردية واإلحسان اثناء التعامل مع األشخاص الذين تتناولهم األخبار. عدم التجسس :على احلياة اخلاصة .11 لألفراد والتدخل في خصوصياتهم ألنها تعتبر اساليب غير أخالقية .كتصوير املآسي اخلاصة لألفراد واستغالل حوادث الناس وتصويرهم لإلغتصاب واإلغتياالت السياسية واخملدرات ومراعاة طبيعة بث هذه املوضوعات ونشرها بحيث يكون الهدف األساسي من عرض تلك األحداث واملوضوعات توعية الناس وإيقاظهم نحو املشكالت التي تشهدها احلياة السياسية واإلجتماعية وبث الطمأنينة في نفوسهم. النزاهة :عدم اإلستيالء على املواد .12 اإلعالمية لآلخرين ألنه يعد مبثابة القرصنة واعادة بيعها بدون اعطاء حقوق الناشر ،ألنه يعد عمل غير أخالقي ويضر بحقوق الناشر ويعرضه للمسائلة املادية .وعلى اإلعالمي ان ينسب ما إقتبسه الى املصدر األصلي ،وان لم يفعل ذلك يعد عدوان على حق النشر ويعتبر من أمناط اإلحتيال والسرقة. العفة :جتنب عرض األعمال الفاحشة .13 ألنه يعبر عن مشكلة أخالقية اكثر مما يعبر عن مشكلة قانونية .ان نشر املواد الفاحشة سيهدم اجملتمع ويفسد األخالق ويشجع على االباحية اجلنسية .فالتعرض الى مشاهد اإلثارة والدعارة وإغتصاب النساء يؤدي الى تفشي سلوكيات ضارة باجملتمع .الن تسليط الضوء اإلعالمي على السلوكيات واألخالق السيئة والنماذج الفاشلة سوف يجعل الناس ميالون الى تقليد ذلك مما ينشر الفساد واإلنحالل ،كما ان اإلعالمي اذا لم يستطع ان يحافظ على عفته سوف تقترن مع ظهوره اإلعالمي ومبا يسبب مشاكل كثيرة 169
أقواس
أقواس
170
خاصة ملن يتأثرون به ،لذا على اإلعالمي ان يكون املصادر: قدوة في اجملتمع ويتجنب التصرفات واألخالقيات اديب خضور ،النظرية العامة في الصحافة، .1 غير الالئقة. اخلامتة و التوصيات: توصل الدراسة الى ان اإلعالمي يجب ان يلتزم باألسس الذاتية للرقابة ،وان يعتمد على املنطلقات األخالقية في كل تصرفاته وأنشطته املهنية ،ألنه كشخصية عامة يجب ان يعرف بانه موضع ثقة واعجاب الكثيرين لذا عليه ان يكون على قدر كبير من املسؤولية ،لذا نرى بان نتقدم ببعض التوصيات قد تساهم في دعم تطوير أخالقيات العمل اإلعالمي. من الضروري تدريب اإلعالميني على .1 ممارسة أعمالهم مبسؤولية لتحقيق الصالح للفرد واجملتمع. عمل دورات تدريبية لإلعالميني من .2 مندوبني ومحررين وجميع العاملني في املؤسسات اإلعالمية وحثهم على إحترام الدقة واملوضوعية واإللتزام بالصدق. عقد ورشات العمل و الندوات التي .3 تشجع على زيادة الوعي باإلعتبارات األخالقية وتعضيد احلس األخالقي في اإلعالميني. اجراء الدراسات و البحوث العلمية عن .4 أخالقيات العمل اإلعالمي وتدريبها كمنهاج لطالب اإلعالم في الكليات واملعاهد. عدم منح رخصة ممارسة العمل اإلعالمي .5 اال بعد التأكد من امتالك املتقدم لقدرات علمية وموهبة ورغبة صادقة ملمارسة عمله. .6تنمية أدوار النقابات واجملالس اإلعالمية الرصينة التي تعمل كنواظم ضبط أخالقية لإلعالميني. .7اعادة تقومي أوضاع اإلعالم والصحافة من الناحية املهنية واإلرتباط األخالقي املهني.
دمشق.1990 ، امام عبدالفتاح امام ،فلسفة االخالق ،القاهرة، .2 .1990 جيهان احمد رشتي ،األسس العلمية لنظرية .3 اإلعالم ،القاهرة.1975 ، حسن عماد مكاوي ،أخالقيات العمل اإلعالمي، .4 القاهرة .2006 ، حميدة سميسم ،مفهوم اخلطاب الدعائي، .5 بغداد.1998 ، خليل صابات ،وسائل اإلتصال نشأتها وتطورها، .6 القاهرة.1982 ، د .هادي حسن عليوي ،في معنى اإلتصال ،مقال .7 منشور على موقع االمام الشيرازيwww.siironline. ، org د .حسني احلسن ،اإلعالم والدولة ،بيروت، .8 .1995 عبد اللطيف حمزة ،أزمة الضمير الصحفي، .9 القاهرة.1960 ، عبدالباسط عبد املعطي ،اإلعالم وتزييف .10 الوعي ،القاهرة.1979 ، عماد عبداحلميد النجار ،الوسيط في تشريعات .11 الصحافة ،القاهرة.1985 ، فاروق ابو زيد النظم الصحفية في الوطن .12 العربي ،القاهرة.1986 ، ليلى عبد احلميد ،الصحافة في الوطن العربي، .13 القاهرة.1990 ، محمد محمود ،اإلعالم املعاصر ،عمان.2007 ، .14 مختار التهامي ،الرأي العام واحلرب النفسية، .15 القاهرة.1974 ، ميشيل كولون ،إحذروا اإلعالم ،ت :ناصرة .16 الشعدون ،بغداد.1994 ، هربرت شيلر ،املتالعبون بالعقول ،ت :عبد .17 السالم رضوان ،الكويت.1986 ،
اللغة والواقع اإلجتماعي يوسف يوسف
171
أقواس
أقواس
172
« ليست األمم كلها متساوية في النطق ، فقد يكون ألمة من احلروف ما ليس ألمة أخرى .واحلروف التي نطقت بها العرب هي ثمانية وعشرون حرفا، وجند للعبرانيني حروفا ليست في لغتنا، وفي لغتنا أيضا حروف ليست في لغتهم، وكذلك االفرجن والترك والبربر وغير هؤالء من العجم « ابن خلدون /املقدمة
لرمبا م ّرت اللغة على لسان االنسان في بداياتها املوغلة في القدم ،مبرحلة كانت فيها مجرد أصوات ،يلقيها ليع ّبر من خاللها عن مشاعره وأحاسيسه من جهة ،وليبينّ لغيره من البشر الذين يقاسمونه عصر الفطرة ما يريده منهم .ومن يعرف ،فلرمبا أعقبت تلك املرحلة التي توصف بالبدائية ،مرحلة أخرى انتقل فيها من بدائيته تلك ،وتهذبت فيها األصوات التي كانت تخرج من حنجرته ،فأصبح لها رنني وإيقاع جميلني ،انتقل بهما من مرحلة محاولة محاكاة ما حوله من الرياح واحليوانات والطيور وسواها ،ليصبح مخلوقا أكثر جمالية وهو اخمللوق اجلمالي في األصل ( وخلقنا االنسان في أحسن تقومي) ،يحاول استخدام لسانه للتعبير عما يجيش في أعماقه .وبصرف النظر عما إذا كانت اللغة ( توقيفية ) ،أي وحي من اهلل خالق الكون كما يرى ابن فارس في كتابه ( فقه اللغة ) ،أو وضعية اخترعها االنسان كما يرى ابن جني في كتابه (اخلصائص) ،وهو ما يذهب إليه العدد األكبر تعد من علماء اللغة ،فإن حال الكلمة التي ّ اللبنة األساسية في بنية اللغة ،ال تختلف من
حيث تطور االستخدام عن حال احلجر ،كالهما كمصطلحني يلقيان األنوار على منزلتهما االجتماعية ،االول :الكلمة كواحدة من وسائل التوصيل ،والثاني – احلجر كواحدة من أدوات العمل التي استخدمها االنسان في حياته االولى – الكهف والرعي على وجه الدقة .وخالصة القول هنا ،فإن حال الكلمة كمثل حال احلجر في متوضعاته املتباينة ،خالل حياة االنسان التي يالحظ عليها عدم ثباتها على حال ،وخضوعها ملنطق التطور ،وذلك بالنظر إلى ما كانت له من الوظيفة االجتماعية التي ال ميكن التقليل من أهميتها .ونحن من أجل توضيح األمر ،ال تغيب عن أذهاننا قيمة احلجر الكبيرة خالل تلك العصور التي كان االنسان فيها يشعل النار بضرب حجرين ببعضهما ،ويصطاد غزاال برميه بحجر حاد األطراف ،يكون قد تفنن في نحتها ، وهكذا إلى غير ذلك من االستخدامات .ولسوف يدرك القارئ أننا في هذا التصور ،نو ّد االشارة إلى التدرج في املعنى ،بعد أن لم يعد جوهر ذلك احلجر كما يقول الدكتور نوفلينوف كامنا في خواصه الطبيعية كالثقل واحلجم والشكل ،بل وفي وظيفته االجتماعية . في حال الكلمة واملقايسة مع ما سبقت االشارة إليه من النمو والتطور في وعي االنسان بذاته ومبا حوله ،فإنه وفي بدايات حياة االنسان ، لم يكن ثمة قاموس لغوي باملعنى املرئي واملعرفي كمثل ما نعرف اليوم من القواميس واملعاجم ، فالطباعة لم تكن قد عرفت ،وإمنا مبعنى عدد الكلمات التي كان االنسان يستخدمها في حياته ،وقد حتددت الكلمات آنذاك مبا يكفي منها للتعبير عن حاجاته القليلة كما سبقت االشارة ،وذلك بالنظر حملدودية املعرفة واخلبرة . لقد قيلت آراء عديدة في أصل اللغة .وكتبت نظريات فيها من االختالف والتباين أكثر مما فيها من أسباب التقارب ،وإن بقي يجمعها
ناظم االعتقاد بأن اللغة نظام اتصالي له غايات اجتماعية .وعندما قال ابن فارس بأن اللغة توقيفية ،فقد اعتمد في طرح هذا التصور على النص القرآني ( وعلم آدم األسماء كلها ). وعلى العكس منه فإن ابن جني الذي قال بأنها وضعية ،أراد أن يقرر مثلما فعل كثيرون سبقوه أو جاءوا بعده ،بأنها إمنا تأسست على قاعدة فكرة التواضع واالصطالح بني مجموعة من الناس .وإلى هذا التباين في اآلراء أيضا ،ففيما يرى البعض بأن أصل اللغة واحد ،وأن األرض كلها عند بداية خلق االنسان كانت لها لغة واحدة ولسان واحد ،وعلى غرار ما جاء به سفر التكوين التوراتي ،الذي يقول أيضا بأن اهلل هو من بلبل اللغات وبلبل الكالم بني األقوام ثم فرق هذه األقوام ومعها لغاتها اخملتلفة( من هؤالء األوالد السبعة واألحفاد السبعة ليافث ،تفرقت جزائر األمم ،بأراضيهم كل لسان كلسانه حسب قبائلهم بأممهم ) (التكوين ، )5/10فإن آخرين رأوا عكس هذا ،وقالوا أن اللغات في األصل نشأت مستقلة بعضها عن بعض ،وأن لكل قوم لغة ، ليست كمثل غيرها مما يتداولها الناس ويرددونها على ألسنتهم ،ومن هؤالء ماكس ملر ،الذي يرى بأن االنسان األول افترق إلى مناطق جغرافية مختلفة على وجه األرض ،قبل أن يستخدم صوته للداللة على املعنى ،ومثله موريس الذي افترض بأن اللغات في األصل كانت اثنتي عشرة لغة أساسية ،وإن كانت جميعها لها أصل واحد . لقد كتب الكثيرون حول اللغة ،ابتداء بسقراط وأفالطون ،ومرورا بابن جني وابن خلدون وابن سنان اخلفاجي ،وسواهم كإدوارد سابير وووتني وماكس ملر وسوسير والعشرات غيرهم .وعندما قال إيرك لينيبرغ بأن اللغة ليست موروثة وحسب ،وإمنا لها خاصية جنسية ( مبعنى االنتماء للجنس البشري ) ال يتعاطاها إال االنسان
العاقل ( ، )1فقد أراد أن يقدم تفسيرا منطقيا ومقنعا لفكرة احليوان الناطق التي قيلت في وصف االنسان ،الذي بقيت اللغة لصيقة به ، منذ فجر تاريخه وحتى العصر احلديث . لغويون وآخرون سواهم ممن لهم عالقة بالفكر وعلم االجتماع ،توقفوا أمام ما اعتبره اللغوي األملاني هامبولدت « اجلهاز العضوي والشرط الالزم للفكر»( ،)2فقال فرانز بوب بأن اللغة جسم عضوي حي ،ينمو ويكبر ،ويعرض له ما يعرض للكائن احلي .وقال دينبار صاحب كتاب ( التهندم وكالم الناس وتطور اللغة ) الذي سبقت االشارة إليه ،أن اللغة تخدم غايات الفرد الذي يبحث عن تشكيل حلف ما ( ، )3وقال قاسم العتمة :اللغة تعمل على تقدمي نظام اتصال وارتباط بني الناس بسيط وعضوي ،عبر نسق متحد من الكلمات واالشارات واإلمياءات واملعاني احلسية والروحية التي حتدد البيئة احلضارية والثقافية واالجتماعية ( . )4وأما أندرسون فيقول في تعريفها :إن اللغة هي األساس الصلد الذي تقوم عليه قصة األمة ( . )5وإذا ما أضفنا إلى ما سبق ما يقوله كل من ميشال زكريا وإدوارد سابير وسيفن بنكر ( )6فإنه سيكون من الصائب القول بأن أهمية اللغة تظهر في كونها تتوسط النشاط االجتماعي لالنسان ،على اعتبار أنها األداة االولى للتواصل والتفاهم االجتماعيني ، والوعاء احلامل لثقافة اجلماعة البشرية الناطقة بها ،وخبراتها املتراكمة عبر العصور ،ووفقا لها حتدد االنتماءات االجتماعية والعرقية (.)7 وخالصة القول فإن اللغة في إحدى أهم جتليات االنسان ،ما كان لها أن تنشأ بدون وجود حاجة إليها .وألن طبيعة هذه احلاجة وماهيتها تختلف من أمة إلى أخرى في طريقة التعبير ، فقد اختلفت اللغات وتباينت .بيد أن األهم من بني ما جتب معرفته ،أن الكالم لفظا أو كتابة عبارة عن مجموعة من الرموز اخترعها االنسان 173
أقواس
أقواس
174
في زمانه للداللة على األشياء ،ولوال هذه امللكة املوجودة في االنسان دون احليوان التي متكنه من استعمال الرموز ،ملا كانت لغة في الوجود (. )8 ويضعنا تعريف ابن سنان اخلفاجي للغة باعتبارها ما يتواضع القوم عليه من الكالم أمام شكل من العمل االجتماعي ،يغلب عليه الفعل اجلماعي الذي يشترك فيه أفراد األمة جميعهم بد إال أن بدون استثناء .ومن هنا يقال بأنه ال ّ تكون اللغة اجتماعية الداللة ،واملعنى فيها ال بد أن يخضع لالصطالح والتوافق اجلمعي .ومن ّ هنا أهميتها في توحيد األمة واحملافظة على بد أن حتمل شخصيتها التي هي هويتها التي ال ّ مميزات وصفات قد ال جند ما مياثلها في غيرها من هويات اآلخرين ولغاتهم .إن ثيمات هامة مما ورد ويرد عند التوقف أمام تعريفات اللغة كمثل املواضعة واالصطالح والتوافق اجلمعيني ،واألمة وشخصيتها ،والداللة واملعنى ،واللغة واملفهوم االتصالي ،وسوى ذلك الكثير ،جميعها تؤكد بأنه من غير الصحيح صرف النظر عن املمارسة االجتماعية في امللفوظيات ،وأولها االستدالالت الفلسفية واملنطقية في التفاعل االجتماعي ومنظوراته الذاتية العامة واخلاصة (. )9 إننا باالشارة إلى تطور اللغة وما يصاحب هذا من التطور في وعي االنسان هو اآلخر ،إمنا نقصد الوصول إلى ما يبني أبعاد اجلدل الذي بدونه ما كان لعملية التطور أن حتدث .وخالصة الرأي بخصوص هذا اجلدل أن االنسان بانتقاله من حالته الفردية في التعبير عن ذاته ،والتي رمبا بقي يدندن فيها مع نفسه ،أنغاما وأصواتا معينة ،إلى األخرى -حالة اجلماعة التي هي حالة اخمللوق املعشري الذي يعيش في وسط بيئة اجتماعية واسعة ويتعامل معها في كل حلظة من حلظات حياته ،واضطراره بالتالي خملاطبة سواه والتفاهم معهم ،والتعبير عن مراده وفهم ما يريدونه منه ،إن باالشارات والرموز أوال
،أو بالكلمات أو باألصوات الحقا ،استطاع أن يك ّون له لغة .هذا يفيد بأن التطور الذي مكن االنسان من تكوين لغة له ،ومكنه من صنع األدوات واستعمالها في الوقت عينه ،ال يكون إال في معشر اجتماعي تعاوني ،يعتمد على التناسق والتناغم بني أفراد هذا املعشر ،وهو ما يستلزم استعمال اللغة بحكم الضرورة (.)10 وهنا فإن الكثيرين من علماء اللغة ،يتفقون على أن االنسان في تطوره ،تطورت معه لغته هي األخرى باعتبار وجود عالقة عضوية بينهما .إننا لكي نفهم هذا كله ،أمام تاريخ طويل من انتقاء الكلمات وخلقها كما تقول باربرا وايتمر ،بهدف تفسير الظروف املتغيرة إلفساح اجملال للتكيف والتأقلم – تقصد تكيف اللغة وتأقلمها -مع األحداث الداخلية /اخلارجية ،وهو تاريخ تطور الفرد اللغوي ومنوه بصورة أخرى .وإذا كان ستالني وكما سبق القول قد نفى إمكانية تصور جماعة قومية ما بدون لغة مشتركة ، على اعتبار أن هذه اللغة هي نتاج اجملرى العام لتاريخ اجملتمع وبنائه التحتي لعدة قرون ،فإن العالم اللغوي باور في تساؤله حول ماهية األمة يقرر بأنه ليست هناك أمة ممكنة الوجود بدون اللغة املشتركة . إن وسيلة االنسان اللغوية التي نتناولها ، بد باالختالفات املكانية واالجتماعية . تتأثر ال ّ ومن هنا قيل بأن كل لغة إمنا تنمو وتتطور على وفق منطق داخلي خاص بها ،وليس على وفق منطق أية لغة أخرى في مجتمع آخر .يقول جون جوزيف :لقد كان هدف علم اللغة االجتماعي وهو يتطور في غضون القرن العشرين والنصف الثاني منه خصوصا ،فحص تلك املميزات داخل لغة من اللغات ،إذ من خاللها يتسنى لنا قراءة األصول اجلغرافية واالجتماعية لشخص ما ،باالضافة إلى مستواه التعليمي ،وأثنيته ، وعمره ،وجنوسته وجنسيته (.)11
هذا احلديث يشمل اإلطار االجتماعي للغة .مثال هذا نفهمه من النظرة الدقيقة إلى حوار ينحصر في حدود عائلة تناقش أوضاعها االقتصادية ، وحوار آخر سيختلف حتما إذا ما كان بني هذه العائلة وبني اجليران حتى لو استخدمت اللغة ذاتها ،ولكنه يدور حول الطقس واالستعدادات الستقبال فصل الشتاء .ولقد قال ياكوبسون في جواب على سؤال كريستينا بومورسكا :إن وسيلتنا اللغوية يجب أن تتغير ( . )12وبينما يعرف سوسير الذي هو أب اللسانيات احلديثة اللغة بالقول بأنها نظام من االشارات التي تع ّبر عن أفكار ،فإن آخر سواه يعتبرها ظاهرة إجتماعية ،أو في تعبير آخر ،منطا إجتماعيا منظما ليس له وجود فيزيائي .بيد أنه يتحقق في مناسبات معينة في السلوك اللغوي الذي هو الكالم (. )13 إن الكالم هو الذي يخرج اللغة من كمونها كما يقول الشايب ،أي أنه يخرجها من حالة الوجود بالقوة ،إلى الوجود بالفعل .ولعل التمثيل األجمل للغة يظهر في القول التالي :اللغة نظام معقد من العادات .إنها منشأة بشرية مكونة من بنى أو مستويات مختلفة األنواع .فهي على هذا أشبه شيء بهيئة من النظم ،أو هي منظمة من النظم (. )14 عندما قال خالد بن صفوان بأن االنسان لوال اللسان لن يكون سوى بهيمة مهملة ، فقد كان يؤسس حقا للكثير من املفهومات التي ظهرت في عصرنا .وعندما اعتبر علماء اللغة االجتماعيون الكالم نشاطا اجتماعيا فرديا وجماعيا ،فقد أرادوا تصوير قيمة اللغة وحقيقتها الفلسفية والوجودية .ونحن لهذا السبب اخترنا زاوية النظر االجتماعية لنطل منها على تاريخ اللغة .وإذا كان ثمة هناك ما متكن تسميته بعلم اجتماع القصة ،أو علم اجتماع الرواية ،وهما علمان موجودان فعال ،فإنه ثمة هناك في موازاة هذه النظرة ،تلك التي تقول
بوجود علم اجتماع اللغة ،وهو العلم الذي يزاوج بني نظرتني :النظرة التاريخية للغة ،والنظرة أشد االجتماعية لها .يقول شيشرون :ال شيء ّ مماثلة ملشاعرنا الطبيعية من إيقاعات أصواتنا . إنها تثيرنا وتؤججنا .تهدئنا وتسكننا ،وغالبا ما تقودنا إلى الفرح والترح ( . )15أو في معنى يكمل هذا ،فإن اللغة التي يتداولها البشر على ألسنتهم ،وفي شكل يختلف عما عند بقية اخمللوقات كاحليوانات والطيور إمنا هي ظاهرة تعبيرية ،تتوسط كما يقول وليد العناتي النشاط االجتماعي لالنسان ،باعتبارها األداة االولى للتواصل والتفاهم االجتماعيني ،والوعاء احلامل لثقافة اجلماعة الناطقة بها ،وخبراتها املتراكمة عبر العصور ،وهي التي على وفقها تتحدد االنتماءات االجتماعية والعرقية (. )16 ومما يجب االنتباه إليه ،أن القول باجتماعية اللغة ،إمنا يعني ضمنا ،أنها تدور على ألسنة أفراد بأعينهم يجمعهم انتماء اجتماعي وجغرافي ( . )17وهنا نتساءل :هل إن اللغة مجرد مجموع من الكلمات ؟ فإذا كان األمر على هذا النحو ،فإنها قطعا ال قيمة إجتماعية لها ،وستبقى مجرد وسيلة للتقارب والتفاهم ال غير ،ولكن وألنها ليست على هذا النحو ،أي ليست مجرد مجموع من الكلمات ،فإنها وكما يقرر العلماء منذ سوسير وحتى بنجامني لي دورف وبنفنيست ،نظام يتحكم بالفكر ،وال تفكير بغير اللغة ،وهذا هو نفسه ما دعى إدوارد سعيد إلى القول :لذلك ينظر إلى لغة ما على أنها بنية أو نظام له شروط محددة ال تتحكم بالفكر وحسب ،بل تعطيه إلى ذلك طابعه . وهكذا فإن الثقافة هي في أساسها الفكر الذي تتيحه طاقات اللغة (. )18 صحيح أن اللغة ينتجها واقع إجتماعي ما بهدف التعبير عنه ،إال أنها ال تخلق هذا الواقع . ومن صائب القول بأن اللغة تعمل عمل القوانني والنظم املدنية ولكن من الداخل .أي أنها تعمل 175
أقواس
أقواس
176
من الذاكرة العقلية والوجدانية ،معبرة بذلك في داخلها من خصومه التاريخيني الذين حاولوا عن مجموعة العالقات االنتاجية واالجتماعية سحق وجوده متاما .ومن هنا جاءت قدسيتها القائمة ومضامينها ،بسلوك في اخلارج حتدده أيضا . وترسمه األلفاظ واألصوات (. )19 ما الذي يجعل الكردي يشعر بكرديته ؟ إنه إننا في أي حديث حول األمة الكردية ،وبالذات سؤال هام وعلى قدر كبير من احلساسية .حول تكوينها النفسي والوجداني والعقلي ،ال بد أن نقول بأن هذا التكوين إمنا هو حصيلة ما وإن عدم دقة االجابة عليه ،يوقع الباحث في ّ مأزق كبير رمبا يصعب عليه اخلروج منه .وفي صنعته اللغة الكردية في الواقع ،والتي هي عدا تأمالت إدوارد سعيد حول البداية ،فإنه يرى بأن عن كونها الوعاء الذي يختزن فيه الكرد مختلف كل مجتمع إنساني يحدد نفسه على نحوين شؤون حياتهم ،نظام عقالني دائم التداخل :أوال عن طريق حتديد الفارق بينه وبني غيره من في البنية النفسية للفرد الكردي ،الذي يحمل اجملتمعات ،وثانيا بتحديد ميزاته اخلاصة ( . )20حرصا كبيرا على التواؤم مع جماعته التي وهكذا فإلى االجابة عن السؤال ،فإن اللغة هي يعيش في وسطها ،وهو مما سيكون من شأنه ما يجعل الكردي يشعر باالنتماء إلى جماعة أو تواصل األجيال الكردية مع بعضها بطريقة أمة هي أمته الكردية ،نظرا ملا تكون هذه اللغة أوتوماتيكية أو عفوية ،وهو التواصل الذي ح ّول قد زرعته فيه من االحساس القوي والعميق األمة الكردية إلى جماعة بشرية تتدفق منها بوحدة الرابطة الفكرية والنفسية والوجودية حيويتها باستمرار .ولعل مثال الشاعر الكردي مع كرد آخرين ،يعيشون معه في احليز اجلغرافي الكبير الذي كتب رائعته اخلالدة (مم وزين) بلغته ذاته ،الذي يسمى كردستان ،حتى وإن كانت الكردية ،على الرغم من قدرته على كتابتها تتقاسم هذا احليز أربع دول في ظروف قاهرة بإحدى اللغتني الفارسية أوالعربية اللتني كان بد أن تتزحزح وتغادر املكان ،يتقنهما ،إمنا يشير إلى أن هذه اللغة لم تكن بالقوة ،نرى أنها ال ّ في محصلة الصراع املعلن واملستتر بينها وبني في أي من مراحل حياتها ،سببا ألزمة كمثل تلك التي أشار إليها إدوارد سعيد ،ميكن أن يشعر الكرد سكان األرض األصليني . إن الكردي الذي يتكلم بالكردية ،ويكتب بها بها املثقف أو الشاعر الكردي ،وإمنا على العكس كذلك ،فإمنا يع ّبر عن نفسه بلغة آبائه وأجداده ،من هذا ،بقيت سببا لالفتخار بها باعتبارها التي عادة ما تسمى بلغة األم ،ذلك ألن القوة لغة شعب ،حتى وإن كان مغلوبا ،فإنه لم التي حتاول انتزاع أرضه من فضائها ،لم تستطع يظهر كما تفعل غيره من الشعوب التي حتتل ( أن تنتزع منه لغته ،وهكذا فقد جتاوزت هذه اللغة برفع التاء ) أراضيها بالقوة ،بأنه مولع باالقتداء مختلف عوامل القهر واالستالب والتغييب عن بالغالب ،وعلى وفق ما كان يتصوره ابن خلدون وجود الكرد احلياتي ،ومن هنا يصح القول بأن في قوله :املغلوب مولع أبدا باالقتداء بالغالب تعد واحدة من اللغات احلية التي في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده اللغة الكردية ّ ال متوت .وهي قد بقيت خالل تاريخها الطويل ،على اعتبار أن النفس أبدا تعتقد الكمال في الذي تعود بدايته إلى ما قبل امليالد ،عامل توحيد من يغلبها ،فتنقاد إليه إما لنظرة بالكمال ، ،ولها آثارها الهامة اجتماعيا وسيكولوجيا في مبا وفر عندها من تعظيمه ،أو ملا تغالط به من حياة هذا الشعب الذي يتكلم بها .بل وإنها أن انقيادها ليس لغلب طبيعي ،إمنا هو لكمال في صريح العبارة بقيت احلاضنة التي يحتمي الغالب (. )21
يقول املؤرخ واألديب الكردي علي سيدو الكردي :كنت حتى سنة 1931ال أعرف من الكردية كلمة واحدة .وفي هذه السنة بالذات سافرت إلى بغداد ومنها إلى األلوية الكردية في شمالي العراق ،وشعرت وأنا أجتول مع أصدقاء لي في مختلف مدن كردستان اجلنوبية وقراها ،باخلزي جلهلي اللغة الكردية ،فعزمت على تعلمها ودراستها دراسة علمية صحيحة (. )22 وسوى هذا ،فإن قبيلة نوح عندما وجدت إبان رحيلها سهال في أرض شنعار ،استقرت فيه ،وقرر قادتها بناء مدينة وبرج « وقالوا هلم ننب ألنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء ،ونصنع ألنفسنا اسما لئال نتبدد على وجه كل أرض ، ولنتخذ لنا اسما خشية تفرقنا في كل بقاع األرض « (. )23 املثال هذا يفيد بأن التفكير بالتسمية ،إمنا يعني رغبة القوم باحملافظة على وحدتهم :ذلك أنه في حالة عدم وجود اسم لهم ،فإن الفرقة والتوزع في أرجاء األرض سيدبان في حياتهم ، على اعتبار أن وجود االسم إمنا يعني وجود لغة مشتركة ،تكون مع املكان املشترك – املدينة والبرج عامال في احملافظة على الهوية .وكما قال نيتشه :فأن تطلق األسماء ،هو أن تكون سيدا ،ودوما فإن استراتيجية التسمية ،هي استراتيجية هيمنة وتسلط ،وتاريخ األشياء هو تاريخ مسميات ،وهو بالتالي تاريخ أسماء (. )24 كان تعريف سوسير للغة أكبر ثورة لسانية قام بها .وألنها كما سبق القول نظام من االشارات التي تع ّبر عن األفكار ،فإن للصوت الذي يصاحب الكلمات فيها معنى .واملقصود باملعنى هنا ، األغراض التي أشار إليها ابن جني في كتابه احلد الوظيفي (اخلصائص ) :إننا عند احلديث حول ّ للغة ،ال يغيب عن أذهاننا أنها اجلهاز الذي ينتج الفكر ويصوغه ويقدمه لآلخرين ،على وفق آلية
محددة ،هي في شأنها أقرب إلى العفوية منها إلى ما يتطلب إشغال العقل .وفي تعبير أقرب إلى الدقة ،فإن اللغة ليست كما قال عنها أرسطو :املرآة الصادقة للعقل ،وذلك ألن املرآة ال دور لها سوى االنعكاس ،في حني أن دور اللغة يتجاوز هذا الفعل إلى ما هو أهم من دور املرآة (. )25 ليست قضية املعنى في اللغة مجرد أمر عابر، فهي من األهمية بحيث يقال بأن اللغة صوت ومعنى كالهما معا ،وال وجود ألحدهما بدون اآلخر .يقول اللغوي األملاني هامبولدت :فعملية الكالم تنحصر في منح الفكر املادة التي يعتمد عليها .فاستعمال األصوات املقطعة في نقل الفكر يزيل عنها االبهام ،ويترك عوضا عن ذلك أثرا ثابتا ،إذ يقوم العقل أو الذهن بجمع املعاني جمعا من األصوات املتعاقبة .ومبعنى آخر ،فإن ما تنير جوانبه الكلمات – اللبنات املؤسسة للغة، لن يظهر جليا إال بالتتابع اللغوي ،وما يشترط لذلك من استخدام العقل – جهاز البحث عما تواضع عليه الناس . ويبرز علم اللسان احلديث أن الرمز اللغوي الدال ،ال قيمة له في ذاته مستقال ،وال تتعني داللته ،أو وظيفته في ماهية مجردة ،إمنا تتأسس على العالقة التقابلية اخلالفية بينه وبني الرموز األخرى (.)26 إن وسيلتنا اللغوية وبصرف النظر عما إذا كانت هبة إلهية أو سوى ذلك ،هي ما تنير كل ما حولنا ،وتثري معارفنا ،وتذلل صعوبات التفاهم بني البشر ( .)27إنها التعبير الرمزي للعالم ( . )28ومنذ أقدم األزمنة ،كانت عمليات تصنيف األقوام واألجناس البشرية تتم على أسس ذات طابع لغوي وجغرافي :فهؤالء عرب، وغيرهم روم ،وسواهم كرد ،وهكذا إلى غير هذا من األقوام .واللغة التي جتمع أفراد اجملتمع وتوحدهم ،وتؤسس في الوقت نفسه لقيام 177
أقواس
أقواس
178
األمم ،تقوم على املعنى قبل كل شيء ،وأما ما يرتبط مباهيتها ،أي مبا فيها من الصرف والنحو وسواهما مما يرتبط باألسماء واألفعال وصيغها، فإمنا هي عوامل تساعد على خدمة املعنى .فنحن في استعمالنا اللغة ،يكون لنا في أنفسنا معلومات أو أحاسيس أو أفكار ،نحاول إيصالها إلى اخلارج عن طريق الكلمات التي هي رموز ،والرموز ما هي إال متثيل لألشياء وهي ليست األشياء (. )29 إننا كبشر قبل أن نكون سوفسطائيني على سبيل األدجلة ،كائنات لغوية على سبيل األنطلجة ،مبعنى أننا من وجهة نظر أنطولوجية، أو وجودية ،كائنات تسكن اللغة .جتوب فضاءها وتتموقع في مساحتها ( . )30أليست اللغة كما يقال فيها هي وعاء الفكر ؟ أليست هي ما يحمل اخملزون الثقافي لهذا الشعب أوذاك مما يضيء جوانب حياته في مستوياتها املتعددة واملتنوعة ؟ وبالتالي فما دامت حالها كذلك ،أليست اللغة اجتماعية أساسا على اعتبار أنها جتسد االشارات أو العالمات التي يتم اتفاق الناس عليها ؟ إنها كذلك بالفعل ، ولعلها قبل غيرها تعتبر الوجود اجلدير بالفهم بحسب غادامير الذي يراها أوسع من اختزالها في إشارات منطقية أو إشارات ألسنية ،أو عالمات اعتباطية ،ألنها قبل كل شيء فضاء التشكيل الرمزي والتصوير اخليالي وأفق التعبير الوجودي والتدبير الذاتي ( .)31وفي إحدى إجابات ياكوبسون على سؤال للكاتبة كريستينا ،يشير إلى ما قاله له تروبتسكي في واحدة من أهم رسائله والذي منه قوله :إنني متفق متاما مع آرائك .إن هناك العديد من العناصر في تاريخ اللغة تبدو تصادفية ،ولكن التاريخ ال ميتلك احلق بأن يقتنع بهذا التفسير ،وعندما يعكف املرء على دراسة اخلطوط العامة لتاريخ اللغة بشيء من االهتمام واملنطق ،فإنها ال تبدو تصادفية، وبالنتيجة فإن التفصيالت الصغيرة ال ميكن أن
تكون تصادفية أيضا (. )32 هذه هي اللغة التي يع ّرفها كل من بلوك وتريجر في كتابهما (املوجز في التحليل اللغوي) بقولهما :هي منظومة من الرموز الصوتية االصطالحية التي ميكن بواسطتها جملموعة من الناس في مجتمع معني التعاون ( . )33ويبقى من الضرورة االشارة إلى تعريف سيفن بنكر الذي يجيء على وفق االشارة إلى اجلهاز العصبي املتحكم في النشاط احليوي لالنسان ،وفيه يقول: إن اللغة شيء نتعلمه مثلما نتعلم االحساس بالزمن ،فهي قطعة من التكوين البيولوجي ألدمغتنا ،تتطور وتنمو بنمو الطفل عفوا من غير جهد ،وهي تنقل دومنا إحساس بقواعدها، ّ جل ما يريد املتكلم نقله ،من معان ،ولهذا ال نستغرب وصفها باملقدرة السيكولوجية ،واألداة العقلية ،والنظام العقلي ،والوحدة احلاسوبية (. )34 في كتاب ( التهندم وكالم الناس ) الذي سبقت االشارة إليه ،ميوضع عالم النفس دينبار أصل اللغة في حاجة االنسان إلى تشكيل ما يسميها األحالف االجتماعية ،التي يكون الهدف من ورائها التعامل مع التحديات التي تعترض سبيله في البيئة التي يعيش فيها .ولسوف يالحظ الباحث في اللغة وتطورها ،أنها وكما أعلن سوسير في كتابه ( دروس في علم اللغة العام ) أنها باالضافة إلى كونها حدثا اجتماعيا كما سبق القول ،تعمل القوة االجتماعية – قوة اجملتمع أو األمة على متاسكها – متاسك النسق اللغوي وبقوة شديدة ،إلى الدرجة التي جتعل الفرد – كجهد فردي غير قادر بتاتا على التأثير فيها مبا يعيبها أو يغ ّير مجراها على األلسن . ومعنى ما سبق فإن اللغة التي حتمل مجموعة من اخلصائص االجتماعية الدافعة باجتاه الوحدة، ليس لها تاريخ خاص ميكن أن ميضي مبعزل عن احلياة االجتماعية التي ستحمل خصائصها
املشار إليها .وحينما نقول بأن هذه اللغة حية وأنها ال متوت ،فذلك ألنها التي عن طريقها يتم توصل إليه اآلباء واألجداد في مسيرتهم نقل ما ّ احلياتية إلى األجيال الالحقة ،بطريقة عفوية كما يقول قاسم العتمة وإقتصادية ،ومن هنا يحق القول فيها أنها الدليل إلى وجود اجلماعة. إن العالمة اللغوية جتسد العالقات االجتماعية ملستعمليها .وضمن هذا املفهوم ،فإن الهوية االجتماعية حاضرة في اللغة ذاتها (.)35 يقول العناتي :وميثل درس التباين – يقصد التباين بني اللهجات وبني قراءات القرآن – في التراث اللغوي العربي أساسا متينا في الفكر اللغوي العربي ،إذ يكشف عن وعي عالقة اللغة باجملتمع ،وكيفية عكس البنية اللغوية للبنية االجتماعية ،وكيفية تغير األداء اللغوي وفقا لعوامل إجتماعية متعددة كالبيئة واملوطن واجلنس والطبقة االجتماعية واملهنة (. )36 ولسوف ينتبه الباحث إلى تأثير هذه العالقة عند توقفه أمام مسار اللغة الكردية ،التي وجدت في النظام االقطاعي الذي ساد زمنا طويال عنصرا إيجابيا ،متثل مبحافظته على هذه اللغة ،على اعتبار ما كان له من دور كبير في احملافظة على خصوصية هوية كردستان والكرد بحسب رأي باسيلي نيكيتني . صحيح أن أحمدي خاني حينما كتب ( مم وزين) باللغة الكردية فإمنا للتعبير عن اعتزازه بها ، وألنه من جانب آخر وجد فيها الطاقة الكامنة التي في مقدوره بعثها ،بحيث تتحول الكلمات إلى درر وآللئ ،إال أنه من األهمية كذلك القول بأن هذه اخلطوة اجلريئة كما يصفها فاضل كرمي أحمد ،كانت من أجل العثور على الهوية القومية اخلاصة ،واحملافظة على سمات األمة وثروتها الثقافية العظيمة ،ومنع إذابتها بكل سهولة في الدين والسلطة احلاكمة ( ، )37وهي ما كانت لتحدث لوال التطور الذي حصل في زمانه على املستوى االجتماعي والبنية الذهنية
الكردية ،التي كانت تناضل من أجل حتقيق االستقاللية . ومما نقرأه في تعريف القومية :في الداللة السياسية للمفهوم ،يرتبط مفهوم القومية مبفهوم األمة ،من حيث أنها االنتماء إلى أمة محددة ،واألمة هي الشعب ذو الهوية السياسية اخلاصة ،الذي جتمع بني أفراده روابط موضوعية – شعورية – روحية متعددة ،تختلف من شعب آلخر مثل اللغة ،العقيدة ،املصلحة ،التاريخ (. )38 أخيرا فإذا كانت إحصاءات اليونسكو بشأن الواقع اللغوي في العالم قد قالت بأنه يوجد في عاملنا الراهن نحو ستة آالف لغة ،إال أن املفارقة الغريبة أن نحو %96من سكان العالم يتحدثون %40فقط من تلك اآلالف الستة من اللغات ،فمع أي هذه النسب يقع الكرد ولغتهم ،وهل إنهم ممن يتكلمون لغتهم اخلاصة بهم ،أم إنهم يستخدمون لغة غيرهم ممن يحتلون أراضيهم ،كما هي احلال في بلدان عديدة في أمريكا اجلنوبية وإفريقيا وآسيا ،مت احتالل أراضيها بالقوة في أوقات سابقة ،وبالتالي :ملاذا يستخدمون لغتهم وليس أيا من لغات غيرهم؟ هل إنه حب الذات اجملرد ،أم إنه الدفاع عنها ؟ هذا ما سنحاول االجابة عليه في الصفحات القادمة ...
179
أقواس
أقواس الهوامش :
180
======= ( )1أنظر – د .فوزي حسن الشايب /محاضرات في اللسانيات /منشورات وزارة الثقافة ،عمان ،1999ص23 عن د .إبراهيم خليل /اللغة بني التعريف ( )2 والتوصيف /مجلة أفكار /247 ،2009عمان عن جون جوزيف /اللغة والهوية /ترجمة د. ( )3 عبدالنور خراقي ،سلسلة عالم املعرفة /الكويت 2007 /342ص51 قاسم العتمة /اللغة العربية كأداة توحيد / ( )4 مجلة الوحدة 1987 /33املغرب جون جوزيف /املرجع نفسه ص8 ( )5 يقول ميشال زكريا :اللغة وسيلة توصيل ( )6 وفعل لساني قصدي ،الداللة فيه واملعنى خاضعان لالصطالح والتوافق اجلمعي . يقول إدوارد سابير في اللغة :هي طريقة بشريةوغير غريزية ،لنقل األفكار واألحاسيس والرغبات برموز يتم انتاجها طوعا . يقول سيفن بنكر :إن اللغة شيء نتعلمه مثلما نتعلم االحساس بالزمن ،فهي قطعة من التكوين البيولوجي ألدمغتنا ،تتطور وتنمو بنمو الطفل عفوا من غير جهد . د .وليد العناتي /التباين وأثره في تشكيل ( )7 النظرية اللغوية العربية /وزارة الثقافة ،عمان ، 2001ص21 حسن سعيد الكرمي /اللغة ونشاتها ( )8 وتطورها في الفكر واالستعمال /وزارة الثقافة ،عمان ، 2002ص18 د .عبد اهلل أبو هيف /اللغة واالعالم واعتبارات ( )9 إنتاج املعرفة /مجلة أفكار ،2009 /247عمان حسن سعيد الكرمي /نفسه ص16 ( )10 جون جوزيف /نفسه ص47 ( )11 رومان ياكوبسون /ترجمة :فالح صدام االمارة ( )12 ،د .عبداجلبار محمد علي /دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد ،1990ص83 د .فوزي حسن الشايب /نفسه ص23 ( )13 الشايب /نفسه ص58 ( )14 جون جوزيف /نفسه ص36 ( )15 د .وليد العناتي /نفسه ص21 ( )16
د .وليد العناتي /نفسه ص21 ( )17 إدوارد سعيد /تأمالت حول البداية /بدايات ( )18 للنشر ،2008 ،دمشق ص39 قاسم العتمة /نفسه ( )19 إدوارد سعيد /نفسه ص12 ( )20 ابن خلدون /املقدمة /وزارة الثقافة ،عمان ( )21 ،2009ص162 أنظر د .محمد علي الصويركي /املؤرخ واألديب ( )22 واألستاذ الكبير علي سيدو الكردي /مجلة سردم العربي ،سليمانية /21 ( 2008وجدير بالذكر أن سيدو هو أول أردني يتخرج في اجلامعة األمريكية في بيروت عام ، 1928وهو والد الطبيب الشهير أشرف الكردي ،وله معجم لغوي شهير ( القاموس الكردي احلديث ) الذي جاء في االهداء الذي في بدايته مايلي :إلى روح جدتي لوالدي « مدينة « كرمية محمود آغا آل « أومريكي « رئيس عشيرة آل « أومريكا « القاطنة في القرى اجملاورة ملدينة ديار بكر في االقليم الكردي باجلمهورية التركية ،تلك املرأة الفاضلة التي غرست في نفسي محبة لغة اآلباء واألجداد ،وإلى األمة الكردية العريقة في القدم ،تلك األمة التي حافظت على لغتها وأصالتها العرقية ،وقاومت الغزاة الفاحتني عبر أقدم العصور التاريخية ،واستمرت ثابتة إلى هذا اليوم ،في حني دالت تلك الدول وانصهرت شعوبها في قوميات أخرى . سفر التكوين 4/11 ( )23 عبد السالم بنعبد العالي /احلوار بني الثقافات ( )24 والصراع بينها /مجلة ثقافات 2004 /10البحرين د .إبراهيم خليل /اللغة بني التعريف والتوصيف ( )25 /مجلة أفكار 2009/247 د .وليد العناتي /املرجع السابق ص9 ( )26 يضع كونستانتني سريل( )869-827هذه ( )27 األشعار السالفية كمقدمة لترجمته األناجيل األربعة : لذلك استمعوا اآلن بعقولكم ذلك ألنكم تعلمتم أن تستمعوا أيها الشعب السالفي اسمعوا الكلمة ألنها نزلت من الرب الكلمة املغذية لألرواح البشرية الكلمة املقوية للقلب والعقل الكلمة التي تهيؤ اجلميع ألن يعرفوا الرب ذلك ألنه دون الضياء سوف لن تكون هناك متعة ألنه بينما ترى العني جميع خلق الرب فإنه سيفتقر اجلمال ذلك الذي يرى بدون ضياء
وهكذا فإنه احلال ذاته مع كل روح تفتقرإلى
العلم اجلاهلة بقانون الرب القانون املقدس للكتب اإللهية القانون الذي يكشف جنة الرب ألن ما تسمعه األذن صوت الرعد ،فهل ستخشى الرب أو كيف تستطيع األنوف التي ال تشم الورود أن حتس املعجزة السماوية والفم الذي ال يتذوق احلالوة – حالوة الكالم يجعل االنسان كاحلجر د .وليد سيف /في املقدمة إلى كتاب التباين ( )28 وأثره في تشكيل النظرية اللغوية للدكتور وليد العناتي ص9 حسن سعيد الكرمي /مرجع سابق ص89 ( )29 محمد شوقي الزين /إزاحات فكرية -مقاربات ( )30 في احلداثة واملثقف /منشورات االختالف ط2008/ 1 اجلزائر ص53 محمد شوق الزين /نفسه ص34-33 ( )31 رومان ياكوبسون – أفكار وآراء حول اللسانيات ( )32 واألدب /ص70 عن – حمزة املزيني /التحيز اللغوي /كتاب ( )33 الرياض ،ط 2002/1الرياض ص332 عن د .إبراهيم خليل /اللغة بني التعريف ( )34 والتوصيف /مجلة أفكار 2009/247 جون جوزيف /املرجع نفسه ص80 ( )35 د .وليد العناتي /املرجع نفسه ص12 ( )36 فاضل كرمي أحمد /تاريخ الفكر الكردي / ( )37 ترجمة د .بندر علي مندالوي سليمانية 2001ص17 عبد الوهاب الكيالي وكامل الزهيري / ( )38 املوسوعة السياسية /املؤسسة العربية للدراسات والنشر /بيروت 1974ص427 د .عبد اهلل أبو هيف /اللغة واالعالم واعتبارات ( )39 إنتاج املعرفة /مجلة أفكار 2009/247عمان
181
أقواس
أقواس
182
املبادئ واألسس التی يقوم علیها النظام الفیدرالی خالد مجيد فرج
يقول ديفد بودنهامير عن النظام الفدرالي، بأنه يعزز الدميقراطية بتوفيره منبرا لالنتقاد الفعال للسياسات واملمارسات احلكومية ،كما ملعارضتها .فاحلزب السياسي الذي قد يخرج من السلطة املركزية قد يفوز مبناصب في الواليات واحلكومات احمللية تتيح له حتدي سياسات احلكومة املركزية والقرارات التي تتخذها. وفي حني قد تكون بعض هذه املعارضة على أساس حزبي بحت ،فإن الكثير منها يعبر دون شك عن حتفظات جدية على احلكمة من اتباع سياسة معينة أو اتخاذ إجراء معني .وهكذا، فإن النظام الفيدرالي يحمي حرية املواطنني في معارضة أي سياسة قومية يعتبرونها خاطئة، وبهذه الوسيلة يشجع هذا النظام االنتقاد الالزم والفعال للحكومة ما يؤدي إلى تعزيز الدميقراطية نفسها. خالصة القول ان الفدرالية التي تنهض علی اساس اختياري يکتب لها النجاح النها تکون وليدة التفاوض بني قادة تعتبر شرعية في نظر املواطنني .وکذلک يقوم األحتاد الفدرالي الراسخ علی سيادة القانون والتي تعني األقتسام الدستوري للصالحيات واحترام حقوق األقليات ،وهذا يعني کما تقول اخلبيرة الکندية د. اوكلير في مقالة لها عن الفدرالية ،ان املشاركة في السلطة او زيادة احلكم الذاتي االقليمي متنحان اجلماعات القومية املزيد من الثقة ،التي رمبا تتعاظم إذا كانت مبقدور هذه اجلماعات ان تصبح شريكا دستوريا ،وبذلك حتصل على ضمانات قانونية وعلى املزيد من احلكم الذاتي في امور تتعلق باحلفاظ على متايزهم .وميكن للفدرالية في حال تطبيقها بأسلوب دميوقراطي حقا ،ان توفر امليدان السياسي املطلوب لضمان االستقالل االقليمي احلقيقي ،بدال من ان تؤدي الى االنفصال. ظهرت املبادئ الفیدرالیة نتیجة املوائمة بین الوحدة والتنوع فی تنظیم الدولة الفیدرالیة
وإن تفاعل املبدأین األساسیین والذین هما األستقاللیة و املشارکة یعتبران الضمانة حلل اشکالیة تقسیم األختصاصات بین الدولة الفیدرالیة واألقالیم املکونة لها. اوال» :األستقاللیة: ان ائتالف الدول فی الفیدرالیة ال یستدعی اندثارها و زوالها کلیا .فاملفترض ان حتتفظ الدول األعضاء بقدر ما من الشخصیة املستقلة التی متکنها من التصرف بحریة فی اطار الفیدرالیة الداخلی علی األقل .وهکذا فإن قاعدة األستقاللیة التی تعبر نظریا عن تلک احلقیقة تسمح للدول األعضاء باألبقاء علی دساتیرها الذاتیة املوضوعیة بحریة من قبل السلطة املؤسسة فیها وعلی هیئاتها التشریعیة و القضائیة وحکوماتها اخلاصة . ولیس من املستبعد ان تتحول دولة موحدة بسیطة الی دولة فیدرالیة ویتحلل الرباط الوحدوی الذی یربط بین مناطقها وابنائها کما حصل لروسیا ابتداء من عام 1918ولکل مبوجب من املکسیک والبرازیل وبلجیکا التعدیل الدستوری فی ، 1993وکذلک العراق مبوجب دستور عام .2005وهذا یفترض اقتسام الصالحیات بین الدولة الفیدرالیة والدول األعضاء .وفی حال اخلالف بین األثنین ،تفصل السلطة القضائیة فی اخلالف .من هنا اهمیة دور احملاکم فی مراقبة دستوریة القوانین فی الدول الفیدرالیة. وعلی النقیض من وضعیة الالمرکزیة فی الدول املوحدة الیمکن األنتقاص من دائرة صالحیة مؤسسات الدول األعضاء فی الدولة الفیدرالیة دون رضا هذه الدول .ولکن الواقع یطرح هنا التساؤل التالی :کیف یتم التوصل الی موافقة مثل هذا التنظیم السیاسی األستقاللی للوالیات مع استقالل السلطة الفیدرالیة 183
أقواس
أقواس
184
املتوفرة علی هیئاتها اخلاصة؟ إن اجلواب علی هذا التساؤل یکمن فی الدستور الفیدرالی نفسه الذی یحکم عموما توزیع األختصاصات بین الدولة الفیدرالیة وبین الدویالت .وفی هذا األطار منیز بین صالحیات تخصیصیة تقع فی حقل الدولة الفیدرالیة وبین صالحیات عامة متلکها الدول األعضاء .األولی محددة حصرا فی الدستور و مسندة الی احدی الهیئات األحتادیة، والثانیة متروکة دون حتدید وغیر مذکورة في الدستور الفیدرالی. وتتجلی استقاللیة الدول او مکونات النظام الفیدرالی فی وجو ه عدیدة اهمها: األستقالل الدستوری ان القاسم املشترک بین جمیع األحتادات الفدرالیة هو وجود عدة اقالیم سیاسیة والتی باألضافة الی دستور دولة األحتاد لکل منها دستورها اخلاص بها اذ تقوم السلطة املؤسسة فی کل اقلیم بسن دستور الوالیة وذلک باألستناد الی التخویل الذی منحه دستور األحتاد لهم واحلدود التی رسمه لتلک األقالیم وذلک بدون الرجوع الی السلطات األحتادیة. ففی الوالیات املتحدة األمریکیة تعین السلطة التأسیسیة عن طریق اجمللس التشریعی للوالیات و اما بواسطة انتخابات خاصة جتری لهذا الغرض یتم تشکیل مجلس تأسیسی داخل اجمللس التشریعی ومبوجب الدستور السوڤیتی یجب ان یکون لکل من اجلمهوریة األحتادیة و اجلمهوریة ذات احلکم الذاتی دستورها اخلاص بها .وکانت تضم الدولة الفدرالیة السوفیتیة 15جمهوریة متحدة وحق اخلروج من الدولة الفدرالیة محفوظ لکل جمهوریة متحدة املادة ،72ولکل جمهوریة متحدة دستورها الذی یجب ان یتفق مع دستور الدولة الفدرالیة السوفیتیة ویراعی خصائص اجلمهوریة املادة .76وفی سویسرا حیث تقول
نص املادة 51من الدستور : )1یکون لکل مقاطعة دستور دیمقراطی. ویشترط فی هذا الدستور موافقة الشعب علیه و امکانیة مراجعت ه اذا ما طلب ذلک غالبیة الذین لهم حق التصویت. )2تتطلب دساتیر املقاطعات موافقة األحتاد التی تعطی لها اذا لم تتعارض هذه الدساتیر مع القانون األحتادی.وتنص املادة 52من نفس الدستور الفقرة 1بأن األحتاد یحمی النظام الدستوری للمقاطعات .علیه یحق لکل مقاطعة من املقاطعات التی تکون األحتاد السویسری ان تکون ل ه دستورها اخلاص شریطة ان ال یتناقض مع الدستور األحتادی .وأن یلتزم الدیمقراطیة کمنهج للحکم وان یتفق علیه مواطنی الکانتون. وینحی الدستور األرجنتینی منحی الدساتیر الفدرالية املشار الیها اعاله فی حق األقالیم علی ان یکون لهم دستورهم اخلاص حیث ینص في املادة 5علی ان یسن کل اقلیم دستوره ضمن النظام التمثیلي اجلمهوری و طبقا ملبادئ و حقوق وضمانات الدستور الوطني لیضمن ادارته للقضاء و نظام البلدیات و التعلیم األبتدائي. حتت هذه الشروط ،تضمن احلکومة األحتادية لکل اقليم السلطة الکاملة علی مؤسساته. وکذلک املادة 123من نفس الدستور تنص علی ان :یسن کل اقلیم دستوره اخلاص کما هو مبین فی املادة 5فتضمن استقاللها البلدی وتضع قواعد نطاقه و مضمونه من حیث اجلوانب املؤسسیة و السیاسیة و األدارية و األقتصادية و املالية. ولکن هذا األستقالل الدستوری لیس بامللطق فتضیق مداه احیانا اذ ان اية تعديالت جتريها األقاليم علی دساتیرها فی کندا یتطلب موافقة دولة األحتاد .ولکن بالرغم منهذا کله فإن األحتاد الفيدرالي هو صيغة مناسبة متاما للدول الکبيرة
بعدد سکانها ومساحتها ،وکثرة التنويعات الثقافية بني سکانها .فمثل هذ ه الدول حتتاج لدساتير متعددة ،یراعی کل منها خصوصية معينة ،حتت ظل دستور واحد للجميع. ان التنظيم الذي یوجد في دستور األقلیم الفدرالی تنظيم متکامل ألنه یحتوی علی کافة املؤسسات و سمات الدولة املستقلة ماعدا األمور اخلارجية وإن هذه األستقاللية لیست في األمور األدارية فحسب کما في األقاليم التی تدار ال مرکزيا بل تتخطی هذه احلدود الی األستقالل في اجملال التشریعي و وجود سلطة تنفيذية وجهاز قضائی مستقل .هکذا فإن األقليـم األحتادي لدیه رکائز الدولة الکاملة من ارض و شعب و سیادة داخلية بأستثناء قید واحد فقط اال وهو السيادة اخلارجية. األستقالل التشريعي ان من اهم مظاهر التنظيم الذاتي ان تکون لدولة العضو جهازا تشريعيا مستقال تقوم مبمارسة التشريع الداخلي في املسائل التي نص علیها الدستور الفیدرالی والتی هی من صالحیات الوالیات او األقالیم الفیدرالیة. تتکون هذه السلطة فی بعض الدول الفیدرالیة من مجلسین کما فی الوالیات املتحدة االمریکیة حیث اجملالس التشریعیة فی الوالیات تتکون من مجلسین احداهما للنواب و األخر للشیوخ .اما فی سویسرا فیتکون اجلهاز التشریعی للکانتون من مجلس واحد وان اجملالس التشریعية للوالیات اخملتلفة یلجأون الی األستفتاء العام او الوسائل الدیمقراطیة شب ه مباشرة. وان برملان الوالیات فی الهند وفی اصل دستور 1950یتکون من مجلسین وهما اجلمعیة التشریعیة بینما فی بعض الوالیات األخری یتکون من مجلس واحد فقط. تعتمد درجة األستقالل الدستوری للوالیات املکونة لألحتاد الفیدرالی علی مدی نضج وعمق
التجربة الفیدرالیة فی البلد مثال فی الوالیات املتحدة األمریکیة جند بأن اجلهاز التشریعی للوالیات لها صالحیات واسعة کباقی األجهزة األخری و یرجع ذلک الی الدستور األمریکی الذی حدد العالقة بین السلطة الفیدرالیة و السلطات احمللیة فی الوالیات وقد جاء ذلک فی التعدیل العاشر للدستور الفیدرالی الذی وقع عام 1791وجاء فیه :ان السلطات التی لم يفوضها الدستور الی الوالیات املتحدة او التی لم یحضرها علی الوالیات ،فتحفظ للوالیات او للشعب .وفی املانیا وفی بضع احتادات فیدرالیة کانت قدرة السلطة الفیدرالیة علی ابرام املعاهدات تتوقف علی ان تلبی شرطا یفید بأنه حیثما تؤثر املعاهدات علی اختصاص احلکومات األقلیمیة فانه یجب التشاور معها او احلصول علی موافقتها. ان احدی اجلوانب األخری لألستقالل التشریعی هی مدی التزام الوحدات املکونة للفیدرالیة باملعاهدات الدولیة التی فاوضت علیها احلکومة الفیدرالیة فی مجاالت تقع عادة فی نطاق اختصاص الوحدات املکونة .ففی بعض األحتادات الفدرالیة ،تشکل املعاهدات الدولیة قیودا علی استقالل الوالیات مثل الوالیات املتحدة و سویسرا و استرالیا علی سبیل املثال اذ قضت الفقرة الثانیة من املادة السادسة من الدستور األمریکی علی انه (...وهذا الدستور وقوانین الوالیات املتحدة ،التی ستصدر فیما بعد طبقا له ،وجمیع املعاهدات املبرمة ،او التی ستبرم حتت سلطة الوالیات املتحدة ،ستکون لها الکلمة العلیا فی البالد ،وسیکون القضاء فی کل والیة ملزمین بها ،وال تقوم قائمة ملا یرد فی دستور ایة والیة من الوالیات ،او فی قانون من قوانینها مناقضا لذلک). ولکن فی دول اخری تتطلب تلک املعاهدات الفیدرالیة فی اجملاالت التی تقع ضمن صالحیات الوالیات تطبيق تشریعات الوالیة او املقاطعة 185
أقواس
أقواس
186
مثل کندا و املانیا کما اسلفنا سابقا و النمسا او مشاورات غیر ملزمة مع حکومات الوالیات مثل الهند و مالیزیا .اما األحتاد الفیدرالی البلجیکی فهو یقطع خطوة اضافیة فی اعطاء الوحدات املکونة سلطات محددة للتفاوض فی املعاهدات الدولیة فی مجاالت اختصاصها. من اخلصائص البارزة لألحتاد األملانی وجود عالقة متشابکة بین احلکومة الفدرالیة وحکومة الوالیات .وتتمتع احلکومة الفدرالیة مبجموعة کبیرة من السلطات التشریعیة اخلالصة و املتالزمة و الهیکلیة ولکن الوالیات تتحمل مسؤلیة مفروضة بحکم الدستور لتطبیق و ادارة قسم کبیر من القوانین .ومع ذلک تتشابه هذ ه التدابیر مع مثیالتها املتبعة فی النمسا و سویسرا رغم ان الکانتونات السویسریة تتمتع بسلطات قانونیة تشریعیة فی مجموعة کبیرة من املوضوعات .ومع ذلک فمن األختالفات البارزة فی األحتاد الفیدرالی األملانی ،وجود مشارکة مباشرة اکثر من غیرها من جانب حکومات الوالیات الفدرالیة فی املانیا فی عملیة صنع القرارات التی تتخذها احلکومة الفدرالیة ،من خالل متثیل رؤساء وزرائها ووزرائها املعینین فی اجمللس الفیدرالی الثانی( مجلس الشعب) بوندسرات الذی یتمتع بحق نقض کافة التشریعات الفیدرالیة التی متس الوالیات الفدرالیة ( یقع حولی 60باملائة من التشریعات الفدرالیة فی هذ ه الفئة) .ومن ثم یعد بوندسرات املؤسسة الرئیسیة فی العالقة املتشابکة بین احلکومة الفیدرالیة والوالیات فی األحتاد الفدرالی األملانی .وفی هدا األطار تتساوی الوالیات الفدرالیة فی سلطاتها النسبیة رغم وجود تدابیر مالیة خاصة للوالیات الفدرالیة اجلدیدة الشرقیة اخلمس علی وجه اخلصوص. ولکن املادة 92من قانون امریکا الشمالیة البریطانیة ،کندا لسنة 1867لم یترک اال حیزا صغیرا فی مجال التشریع للوالیات و فی نفس
الوقت اعطت املادة 91من نفس القانون مجاال واسعا لبرملان کندا املتحدة للقیام بالعملیة التشریعیة ومبوجب هذا القانون فان هذا البرملان له القدرة علی ایقاف ای قانون یقرها برملانات الوالیات. لقد خطط الرواد األوائل للنظام الفيدرالي الكندي لبناء حكومة مركزية قوية .وقد اتعضوا في ذلك الوقت من ضعف احلكومة الفيدرالية األمريكية التي كانت سببا في نشوب احلرب األهلية األمريكية .ونتيجة لذلك فقد جعل قانون أمريكا الشمالية البريطانية املشار إليه جميع االختصاصات والسلطات في يد احلكومة الفدرالية .وقد مت منح حكومات املقاطعات ستة عشر بندا من الصالحيات ،تعد جميعها قليلة األهمية نسبیا .واختصت احلكومة الفيدرالية بجميع الصالحيات والسلطات الباقية .كما اختصت أيضا بصالحية إلغاء أي قانون يصدر عن حكومات املقاطعات إذا رأت عدم جدواه. األستقالل القضائی ان کیفية التنظيم القضائی لها دور مهم ملعرفة مدی استقاللية اجلهاز القضائی لألقاليم في مقابل اجلهاز القضائی الفدرالي وان املعيار املناسب لتلک األستقاللية هی ان تکون قرارات احملاکم األقليمية باته ای غير خاضعة للطعن امام احملاکم الفدرالية. یقول الفقیه Wheareملعرفة التطبيق الدقيق للفدرالية من عدمه یجب مراقبة تأسیس النظام القضائی للمحاکم في الدولة الفدرالية اذ یجب ان تکون هنالک طائفة من احملاکم تقوم بتفسير و تطبيق قوانني احلکومة الفدرالية و طائفة اخری من احملاکم تقوم بنفس العمل في محاکم األقاليم. حسب وییر فأن الوالیات املتحدة األمريکية تقترب من تطبيق هذا املبدأ ألنها وضعت نظاما للمحاکم تبدأ مبحاکم األقليم و ترتفع
الی مجال نوع اخر للمحاکم األستئنافية الی ان تصل الی الهرم القضائي الذی هو احملکمة العليا supreme courtبالتوازی مع نظام احملکام للواليات والذی ينتهی باحملکمة العليا للوالية. ويذهب جيمس برايس الی ان السلطة القضائية للمحاکم احمللية (الواليات) في اجملالني املدني و اجلنائي بصورة عامة غير محدودة وال یمکن الطعن في قراراتها امام احملاکم الفدرالية اال ما حدد في الدستور الفدرالي وهی تلک القضایا التي تتعلق بالقانون الفدرالي. ولکن وییر يقول بأن هذه األستقاللية ليست مطلقة اذ هنالک عدد من القضايا حددتها الکونگرس بأنها من صالحية احملاکم الفدرالية في األقاليم وذلک ملنع محاکم األقاليم من النظر فيها وهي اجلرائم الواقعة علی الوالیات املتحدة األمريکية و حقوق الطبع و براءة األختراع و األفالس. من اجلدير بالذکر متی ما برزت في القضايا املطروحة علی محاکم الواليات مسائل متعلقة بدستور واليات املتحدة األمريکية او قوانني الکونگرس او املعاهدات یجب ان يتم النظر فيها من قبل احملاکم الفدرالية واما ابتداء ام الحقا من قبل احملکمة الفدراليه العليا وذلک بنقل الدعوی اليها ام بطريقة الطعن فيها امام احملاکم العليا للواليات املتحدة. اما في سويسرا فاألستقالية التي تتمتع بها محاکم الکانتونات الترتقي الی درجة استقاللية محاکم الواليات في الواليات املتحدة األمريکية، ألن احملاکم األقليمية في سويسرا ملزمة بأتباع قرارت احملکمة الفدرالية العليا النها لها احلق اعادة النظر في القضايا املدنية التي تبدأ قيمتها من 10000فرنک سویسري. وفي کندا فان احملاکم اقرب الی النظام القضائي املوحد مع اعطاء سلطة کاملة مبوجب الدستور الی اجمللس التشريعي الفدرالي و اجملالس التشريعية للواليات وکل ضمن نطاق عمله
لکي يضعوا نظاما للمحاکم ولکن جميع القضاة يتم تعينهم وتصرف لهم رواتب من قبل احلکومة الفدرالية وللمحکمة الفدرالية العليا احلق في مراجعة القرارات الصادرة من احملاکم األقليمية في القضايا اجلنائية و املدنية ومنذ صدور قانون احملکمة العليا الکندية فان هذه احملکمة اصبحت املالذ األخير و النهائي ألستئناف کل القضايا القانونية في عموم کندا وفي الهند ومبوجب دستور عام 1950قاموا بتأسيس احملکمة العليا في الواليات و احملکمة العليا الفدرالية .ولکن الهند سلکت سلوکا مغايرا ملا هو متبع في النظام القضائي األمريکي اذ انها اتبعت نظاما قضائيا موحدا بحيث وضعت احملکمة األحتادية العليا في اعلی الهرم القضائي في هذا البلد ،وان نطاق والية هذه احملکمة تتسع لتشمل کل القضايا التي تقع ضمن نطاق قوانني الواليات و القوانني األحتادية وان جميع قرارات احملاکم األقليمية قابلة للطعن امام احملکمة األحتادية. األستقالل األداري فی معظم األحتادات الفدرالیة األوروپیة تتطلب دساتیرها ان تدیر الوالیات قسما کبیرا من القوانین الفدرالية .وبذلک ففی تلک احلالة تکون هذه األحتادات الفدرالیة اکثر المرکزیة من الناحیة األداریة عن الناحیة التشریعیة .وقد مت تطبیق نفس الترتیب فی األحتاد األوروپی. ومن امثلة التوزیع الدستوری الواسع للمسؤولیات التنفیذیة و األداریة اخملتلفة عن األختصاصات التشریعیة ،سویسرا ،واملانیا، والنمسا ،والهند و مالیزیا .وفی جمیع هذه البلدان اخلمسة تتحمل حکومات الکانتونات واملقاطعات املستقلة املسؤولیة الدستوریة عن تنفیذ و ادارة مجموعة کبیرة من التشریعات الفدرالیة .وعند تقییم درجة األستقالل فی 187
أقواس
أقواس
188
ممارسة الصالحیات اإلداریة ،ینبغی األخذ فی األعتبار مدی اعتماد احد مستویات احلکومة علی مستوی اخر فی تنفیذ سیاسات ه .ففی سویسرا تتمتع األقالیم بأستقالل واسع فی کیفیة تنفیذ قوانینها ،وبذلک تؤکد علی الصفة الالمرکزیة لهذا األحتاد الفیدرالی .وفی األحتادات الفیدرالیة التی یتم فیها تفویض ادارة القوانین الفدرالیة بأختیار احلکومة الفیدرالیة ولیس مبوجب الدستور ،قد تؤدی شرط الترتیبات مبا فیها الشروط املالیة و توجیهات احلکومة الفدرالیة الی احلد من درجة األستقالل التی یتم بها اداء هذ ه األداراة التی مت التفویض بها. ان األدارة فی الوالیات الفدرالیة منوطة بالسلطة التنفیذیة والتی يرأسها رئیس و غالبا مایعرف باحلاکم والذی اما ان یأتی عن طریق اختیار السلطة التشریعیة له ،او من خالل التصویت الشعبی من قبل مواطنی الوالیة فی انتخابات مباشرة کما هو احلال فی بعض الوالیات فی الوالیات املتحدة األمریکیة . ففی فنزویال یتم تعیین حاکم الوالیة و اعضاء اجلهاز التنفیذی من قبل رئیس جمهوریة األحتاد . وهذ ه الطریقة تشکل خطرا علی مبدأ مهم من مبادئ الفدرالیة اال وهو األستقاللیة التی یجب ان تتمتع بها الوالیة املنضویة حتت األحتاد .و تشکل هذا تدخال من قبل املرکز فی الشؤون الداخلیة لألقلیم وتؤثر فی اختیار اجملالس التشریعیة ال بل ویهدد کیان األقلیم الفدرالی .اذ یجب ان ال تکون السلطة التنفیذیة للوالیة حتت وصایة السلطة املرکزیة فی دولة األحتاد النها بذالک تفتقر الی صفة األحتاد و تغدو دولة بسیطة . اما فی الهند ومبوجب الدستور الفیدرالی لسنة 1950تتکون السلطة التنفیذیة من حاکم الوالیة والذی یعین ه رئیس جمهوریة األحتاد والذی بدوره یعین رئیس وزراء الوالیة و الوزراء علی ضوء اقتراح مقدم من قبل رئیس الوزراء.
اإلستقالل املالی ان املوارد املالیة تعتبر من احلاجات اجلوهریة لنجاح و استقراریة حکومة فدرالیة کانت ام بسیطة ألنها من دونها ال تستطیع األیفاء بألتزامتها .. وان الفدرالیة تتطلب ان تکون کل من احلکومات الفدرالیة و حکومات األقالیم مستقلین عن بعضهما البعض فی األمور التی حددت مسبقا فی الدستور الفيدرالي وان ال تکون ایا منهم تابعا لألخر بل ان یعمال جنبا الی جنب .وهذا یتطلب ان یتوفر لکل من احلکومة الفدرالية وحکومات األقاليم بحوزتهم مصادر مالية لتنفيذاملهام امللقاة علی عاتقهم مبوجب السلطات املمنوحة لکل منهما طبقا للدستور .علیه یجب ان تکون لکل اقليم میزانیة خاصة بها. فیما سبق تبني لنا انه بقدر ما هو ضروری ان تکون للحکومة األحتادیة املوارد املالية یجب ان تکون للحکومات األقاليم مواردها املالية لغرض اشباع حاجاتها ،لکن السلطة املالية املطلقة فی مجال فرض الضرائب والتی تتمتع بها احلکومة الفدرالية حصرا یمکن ان جترد الوالیات من الوسائل التی متکنها من تأمین حاجاتها. وال يفوتنا ان ننوه فی هذا اجملال بأن یجب ان تکون للحکومة الفدرالية السلطة الکاملة فی مجال اصدار العملة وان کافة التطبيقات الفدرالية قد منحت هذه السلطة حصرا باحلکومة الفدرالية، وان احملکمة الفدرالية األمريکية عند النظر فی قضية الذهب سنة 1935وصفت السلطة املالية بأنها سلطة وطنية شاملة علی جميع الواردات واملالية و العملة .وللحکومة الفدرالية السلطة علی البنوک ماعدا تلک البنوک احمللية التی تؤسس وفق قانون الوالية و ال تتجاوز اعمالها نطاق الوالية. وفی استرالیا تتج ه نطاق السلطات الفدرالية الی مدیات ابعد في هذا اجملال اذ تشمل البنوک احمللية التی یعمل فی نطاق األئتمان . لو امعننا النظر فی النظام املالي املعتمد
لدی غالبية الدول الفدرالية نری بأن احلکومات الفدرالية لدیها سلطة مطلقة فی مجال فرض الرسوم الگمرکية واستخدام وارداتها. اما فی استرالیا فان سلطات الوالیات فی مجال فرض الضرائب کانت اوسع حین تشکيل األحتاد، مع حق برملان الکومنویلث من اصدار قوانین جديدة ولکن تبقی سلطات الوالیات فی مجال املالية کما هی ،ولهم احلق فی فرض الضرائب علی املمتلکات الفدرالية شریطة ان يوافق البرملان األحتادي علی ذالک. و فی سویسرا مبوجب التقسيم األساسي للسلطات ان سلطة فرض الرسوم الگمرکية من حق احلکومة األحتادية اذ تقول نص املادة 133 من الدستور السویسری ( یختص األحتاد بأصدار التشريعات املتعلقة باجلمارک و الرسوم األخری علی البضائع العابرة للحدود) .ولکن بقيت الکانتونات متارس فرض الضرائب غير املباشرة و املباشرة. وفي املانيا تکون التشریعات في مجال الگمارک و الشؤون املالية احلکومية حصرا في ید األحتاد اما الواليات فلها صالحية سن القوانني في مجال ضرائب األستهالک و النفقات احمللية مادامت هذه الضرائب ال تتماثل نوعا مع ضرائب یتم تنظيمها قانونيا من خالل قوانني احتادية. اما فی الوالیات املتحدة األمريکية فان الدستور األمريکی فوض صالحية فرض الرسوم و الضرائب و الغرامات و املکوس الی الکونگرس األحتادی اذ تقول الفقرة الثامنة من هذا الدستور ( :تكون للكونغرس سلطة :فرض الضرائب والرسوم والعوائد واملكوس وجبايتها ،لدفع الديون ،وتوفير سبل الدفاع املشترك ،واخلير العام للواليات املتحدة ،إمنا يجب أن تكون جميع الرسوم والعوائد واملكوس موحدة في جميع أنحاء الواليات املتحدة).. في الوقت الذی الیسمح الدستور األمريکي للوالیات ،دون موافقة الكونغرس ،أن تفرض أية
رسوم أو عوائد على الواردات أو الصادرات ،إال ما كان منها ضروريا ً ضرورة قصوى لقيامها بتنفيذ قوانينها اخلاصة بالتفتيش ،بشرط ان يكون صافي إيرادات جميع الرسوم والعوائد التي تفرضها أية والية على الواردات أو الصادرات، ملنفعة خزانة الواليات املتحدة ،وجميع أمثال هذه القوانني تكون خاضعة ملراجعة وإشراف الكونغرس. ولکن یسمح لهم بأستحصال الضرائب املباشرة و الضرائب علی األمالک و امليراث و الدخل. لکن ونتيجة التطورات التي حدثت منذ احلرب العاملية األولی فی مطلع القرن املنصرم والتی تلتها حرب عاملية اخری و بسبب الکساد األقتصادی و انکماش التجارة الدولية و األنفاق احلربي ادت باحلکومات الفدرالية ان یطرقوا مجاالت اخری کانت مقتصرة علی احلکومات احمللية لسد النقص فی األیرادات. فی سویسرا وحتت تأثیر احلرب العاملية األولی جلأوا الی تعديل الدستور األحتادی عدة مرات، والتي ادت الی اعادة توزيع السلطات و األدارات و املصادر املالية لکل من احلکومة الفدرالية و الکانتونات لکي یتمکنوا من القيام بواجباتهم علی ضوء الظروف التي استجدت انذاک .بحيث استغنت الدول األعضاء من جزء من وارداتهم لصالح الدولة األحتادية و باملقابل طلبوا نصيبا محددا من تلک الواردات و حصلوا علی ضمانات دستورية للحصول علی تلک األنصبة عن طريق وسيلة کانت تسمی باملشارکة القانونية ولکن هذه لم تکن تکفي لسد احتياجات الکانتونات املتزايدة ،لذا اضطروا ان یعتمدوا علی املساعدات الفدرالية بحیث وصلت املساعدات الفدرالية للکانتونات فی سنة 1960الی %10من مجموع الواردات املالية للکانتونات. وفی استراليا بعد ان رفض الوالیات مقترح احلکومة األحتادية والذی کان بخصوص ترک فرض ضریبة الدخل للحکومة األحتادية قامت 189
أقواس
أقواس
190
احلکومة في سنة 1942بسن اربعة قوانني بخصوص ضريبة الدخل املوحد تکون متساویة مع مجموع ضريبتي الدخل حلکومات الواليات و احلکومة األحتادية ،وتقدمي املساعدة املالية ألی والية ترفع يدها عن فرض ضريبة الدخل وکذلک اعطت تلک القوانني احلق للحکومة الفدرالية ان تسبق الواليات فی استيفاء ديونه املتعلقة بضريبة الدخل. ففی السنة املالية 1960-1959وصلت املساعدات املالية املقدمة من قبل األحتاد الی الوالیات نسبة %37،5من مجموع ایرادات الواليات مجتمعة. ال تزال الواليات املتحدة األمريکية تتبع اسلوب الضريبة املزدوجة ألن کل من احلکومة األحتادية و حکومات الواليات تفرض الضرائب علی نفس مصادر الدخل .بعبارة اخری ان سلطة فرض الضرائب فی الواليات املتحدة األمريکية سلطة مشترکة. صحيح ان احلکومة الفدرالية نافست حکومات الواليات فی مجال الضرائب املباشرة ولکن لم تعمل علی اقصائهم بالکامل. وتقوم احلکومة الفدرالية بتقدمي املعونات املالية للواليات بهدف مساعدتهم في النهوض بأعبائهم حيث وصلت نسبة تلک املساعدات الی %23،3في سنة .1960 وفي الهند ان سلطة فرض الضرائب و جمعها مشترکة بني احلکومة األحتادية و الواليات وانها بعکس تقسيم السلطات التشريعية والتي مبوجب الدستور الهندی تقسم الی ثالث مجموعات األول الی السلطة األحتادية و الثانية الی الواليات و الثالثة مشترکة .اماسلطة فرض الظرائب فتنقسم الی قسمني األول الی احلکومة الفدرالية الثانية الی الواليات. وهذا التقسيم کان لصالح احلکومة األحتادية اذ حددت سلطات األقاليم بفرض انوع معينة من الضرائب .وبالرغم من وضع قائمة للضرائب األحتادية لم تقيد سلطات األحتاد فی هذا اجملال.
وفی املانيا األحتادية و حتت ظل دستور 1949 اعطيت اجلزء األکبر من واردات الضرائب و الرسوم علی الصادرات و الواردات للحکومة األحتادية و اختصت األقاليم باجلزء اليسير کالضرائب علی األمالک و امليراث. واتبع الدستور األملانی مبدأ تقسيم قسم من الضرائب ،کالضرائب علی الدخل والشرکات حيث اعطت نسبة %35الی احلکومة األحتادية و %65الباقية الی حکومات األقاليم. ولکن هذا احلال لم یدم کما متنی واضعی الدستور حيث تبعات احلرب ومصاريفها الباهضة ادت باحلکومة الفدرالية ان تسحب قسم من وارات األقاليم لغرض تغطية تلک النفقات. و ادت احلرب العاملية الثانية الی احداث تأثير اکبر علی الواليات الفقيرة حيث کانوا قد اشتکوا من قلة املوارد املالية من قبل .و اصبحت املساواة بني الواليات الفقيرة و األخری الغنية ضروری ولکن لم تکن هنالک خطوات کافية لردم تلک الهوة اذ استمر الواليات الفقيرة بالشکوی من األعتماد علی الواليات الغنية في تأمني احتياجاتها من املوراد املالية. نتيجة ألستمرار املشاکل املالية سن عام 1969 قانون جديد تغير مبوجبه مبدأ تقسيم األيرادات بني احلکومة األحتادية و الواليات وتوسعت دائرة الضرائب التي قابلة للتقسيم بني الواليات و املرکز لتصل الی حد ثلثی اجملموع الکلي جملل الضرائب . مع معارضة مجلس الواليات Bundsratللقانون اعاله ولکن مبوجب هذا القانون کان یقسم ایرادات الضرائب والشرکات بین احلکومة الفدرالية و الواليات بصورة متساوية بعد استقطاع نسبة %14لصالح احلکومات احمللية .وکان الناجت النهائی للتوزيع %70للحکومة الفدرالية و %30 حلکومات الواليات .بهذه الصورة کان التقسيم لصالع املرکز علی حساب الوالیات. وتعد اتاحة األقتراض العام للواحدات املکونة للفدرالية مؤشرا اخر علی درجة األستقالل املالي.
ویتم تعزيز استقالل الوحدات املکونة عندما تتمکن من الوصول بشکل مباشر وبال عوائق الی األموال املقترضة ،بشرط اال تکون حکوماتهم غارقة فی الديون .وتختلف األحتادات الفدرالية اختالفا کبيرا فيما يتعلق بالقدرة الرسمية او العملية للوحدات املکونة علی األقتراض .ففی بعض األحتادات الفدرالية مثل النمسا و الهند و ماليزیا یقصر الدستور الفدرالي األقتراض األجنبي علی احلکومة الفدرالية .وفي الواليات املتحدة األمريکية هنالک متطلبات متوازنة للميزانية في العديد من الواليات .وفي استراليا يعتبر مجلس القروض البينحکومي الذي تأسس مبوجب الدستور هيئة تنسيقية لديها سلطة ملزمة لکل من مستويات احلکومة .وتختلف تلک احلاالت عن احتادات فدرالية اخری مبا في ذلک کندا حيث تتمکن الوحدات املکونة للفدرالية من الوصول الی کل من األقتراض احمللي و الدولي بشکل کبير و بدون عوائق. یظهر لنا مما تقدم بأن الواليات الداخلة في األحتاد الفدرالي کانت عند دخولها في تلک األحتادات تتمتع باألستقالل املالي ،ولکن هذه األستقاللية تراجعت شيئا فشيئا الی ان وصلت الی سلطات محددة لصالح دولة األحتاد ،التي ظهرت کدولة لها سلطات اوسع في اجملال املالي ،ألنها تتمکن و بسهولة من احلصول علی املال الالزم لتنفيذ املهام امللقاة علی عاتقها ،بينما احلکومات احمللية ليست لها تلک القدرة ،و باتوا معتمدين علی احلکومة الفدرالية في تأمني املوارد الالزمة لسد احتياجات الواليات املالية ،و بهذا حتول الدول األعضاء بصورة او بأخری تابعني للحکومة األحتادية ،ومع هذا فان للدول األعضاء قدر کبير من األستقاللية في اجملال املالي. ثانيا :مبدأ املشارکة ان الفدرالية احلقيقية تفترض مشارکة متساوية في اتخاذ القرارات املعمول بها في الدولة
الفدرالية .وبفضل املشارکة تتأمن الدميقراطية و يتحقق التعاضد علی مستوی اجملموعة بکاملها ،ای علی مستوی الدولة الفدرالية. والفدرالية هذه ميکنها ان حتمی األقليات ،في احلاالت التي تکون فيها األقليات املتواجدة علی اقليم دولة فدرالية ،اکثرية داخل هذه او تلک من الدول األعضاء .وکذلک ميکنها ان حتقق السلم بني جماعات ليس لها نفس التطلعات ،و اللغة والدين و األصول األثنية ،ولکن لها مصالح مشترکة و تعيش في اطار جغرافي واحد ،کما یمکنها احلفاظ علی هذا السلم و ترسيخه. وان مبدأ املشارکة في النظام الفدرالي مالزم ملبدأ األستقالل الذاتي ،وهو يعني ان اجلماعات املتحدة تأخذ دورا فاعال في تکوين املؤسسات املشترکة او الفدرالية ،وتسهم فعليا في صنع قرارات السلطات الفدرالية .وتفرض املشارکة وجود مجلس ثان في البرملان الفدرالي ،کمجلس الشيوخ مثال ،مؤلف من ممثلني منتدبني عن الدول األعضاء الی جانب مجلس النواب ،املنتخب من الشعب ،و املمثل للدولة الفدرالية مبجملها. وتکون املشارکة في الدولة الفدرالية في اجمللس الثاني. وال تستطيع الدولة الفدرالية ان ال تشرک الواليات األعضاء في املؤسسات الفدرالية ، ویجب ان یشترک األعضاء فيها واال نکون امام دولة بسيطة ولیست احتادية. لذا نری بأن الغالبية العظمی من الدول الفدرالية اخذت بنظام اجمللسني احدهما یمثل مواطنی الدولة الفدرالية کافة والثانية متثل الواليات ،فال ميکن للدولة األحتادية ان تغض النظر عن نظام اجمللسني النه النظام الوحيد الذي تتحقق في ظلها الوحدة واألستقالل. و یشکل اجمللس األعلی للواليات اما عن طريق التعيني ملدی احلياة کما في کندا واما عن طريق األنتخابات ملدة معينة ،کما في الواليات املتحدة األمريکية واألحتاد السوفيتي السابق ،و استراليا ، 191
أقواس
أقواس
192
ولکن في فنزویال یتم اختيارهم من قبل السلطة التشريعية في الواليات اما في املانيا و مبوجب دستور 1949یجب ان یتکون اجمللس األعلی من ممثلی حکومات الواليات ألن القانون اعطی حق تعيني و عزل هؤالء الی تلک احلکومات. وقد وجد هذا اجمللس في الدولة الفدرالية لتطمني املناطق الصغيرة وازالة خوفها من تسلط املناطق الکبيرة .وان وجود هذا اجمللس يحد من جتاوزات اجمللس األول ای مجلس النواب. ي یوفر ه اجمللس الثاني، فبدون هذه الضمانات الت یفقد الشعور باألمن وبالتالي ال ميکن انشاء نظام فدرالي او األستمرار فيه. وبالرغم من ان التمثيل املتساوي يعتبر ضروريا ألن يکون النظام الفدرالي فعاال ولکن بعض الدول الفدرالية لم تعمل بهذه القاعدة کما في کندا و املانيا ففي کندا يتکون اجمللس األعلی من 102عضو لکل من مقاطعتي کيوبک و انتاريو بواقع 24عضو ،و لکل من نوفاسکوتيا و نيوبر و نسويک 10اعضاء ،وللمقاطعات الستة الباقية مجتمعه 34عضوا .وفي املانيا في ظل األمبراطورية األملانية عام 1871حيث تأسست الفدرالية کانت لدولة بروسيا وحدها 17عضوا في مجلس الدول بينما کانت کل دولة من الدولة الباقية ممثلة بعضو واحد فقط في اجمللس. واتبعت دستور فاميار لسنة 1919مبدأ الالمساوة ايضا حيث ورد فيه بأن یجب ان تکون کل والية علی األقل ممثلة بعضو واحد وان یکون لها عضو اخر مقابل کل 700000نسمة علی ان ال یتجاوز عدد ممثلي الوالية عن خمسة اعضاء في اجمللس. وحتی دستور 1949نحی هذا املنحی ايضا ،اذ لکل والية احتادية احلق ان تکون ممثلة في اجمللس مبا ال يقل عن 3اعضاء و 4للواليات التي تزيد سکانها عن مليونی نسمة و 5ممثلني للواليات التي تزيد سکانها عن 6ماليني نسمة و 6ممثلني للواليات التي تزيد سکانها عن 7ماليني. ان دور هذا اجمللس یختلف من نظام فدرالي الی
اخر ففي کندا لم یلعب مجلس الشيوخ الدور املنتظر له بسبب کون اعضاءه يأتون عن طريق التعيني و يبقون في املنصب مدی احلياة هذا من جهه ومن جهة اخری وقوعهم حتت تأثير الوالءات احلزبية . وفي استراليا ايضا لم يأخذ اجمللس مکانه ألن التقسيمات احلزبية او الوالءات احلزبية اثبتت بأنها اقوی من الوالءات املناطقية. ولکن في سويسرا وبالرغم من ان اجمللس األعلی تلعب دورا اکبر مما هو عليه في کندا و استراليا اال انه اليزال يلعب دورا اقل من مجلس النواب ألن بعض القرارات مثل انتخاب اعضاء اجمللس األحتادي واحملکمة األحتادية و حق العفو في سويسرا تکون عن طريق التصويت عليهم من قبل اجمللسني وفي هذه احلالة تکون کفة مجلس النواب هي الراجحة الن عددها في اجلمعية األحتادية اربعة اضعاف عدد مجلس املقاطعات. ولکن في الواليات املتحدة األمريکية جمللس الشيوخ دور مهم و حيوی ویرجع هذا الی طبيعة النظام السياسی في هذا البلد الذي یتبع النظام الرئاسي ومبوجب هذا النظام الرئيس ال یکون مسؤال امام الکونگرس لذا ال یعانی مجلس الشيوخ األمريکي ما یعانيه اجمللسان في استراليا وکندا بسسب تبعيتهما جمللس النواب و من ناحية اخری یرجع ذلک الی منح مجلس الشيوخ سلطات اضافية مبوجب الدستور األمريکي في مجال العالقات اخلارجية و تعني کبار مسؤولي الدولة. ان احلزبین الرئیسیین( اجلمهوری و الدميقراطي) في الواليات املتحدة األمريکية لعبا دوارا ايجابيا في تفعيل مجلس الشيوخ ألنهما انعکاس للمصالح األقليمية املتباینة في الواليات املتحدة األمريکية وان اعضاءهم احرار فيما يبدونه من اراء في مجلس الشيوخ وکذلک في مجلس النواب ألن ذلک ال يؤدي الی اسقالة احلکومة.. من ناحية ثانية ان مبدأ املشارکة یفترض،موافقة
السلطة الفدرالية و الدول األعضاء معا علی تعديل الدستور الفدرالي ،في حال کان هنالک رغبة في تعديله ،وال يجوز للسلطة الفدرالية ان تنفرد بذلک .ففي الواليات املتحدة األمريکية کان للدول األعضاء دور کبير في تعديل الدستور اذ يقول الدستور األمريکي» يقترح الكونغرس، كلما رأى ثلثا أعضاء اجمللسني ضرورة لذلك، تعديالت لهذا الدستور ،أو يدعو ،بناء على طلب الهيئات التشريعية لثلثي مختلف الواليات، إلى عقد مؤمتر القتراح تعديالت ،تصبح في كلتا احلالتني ،قانونية من حيث جميع املقاصد والغايات ،كجزء من هذا الدستور ،عندما تصادق عليها الهيئات التشريعية لثالثة أرباع مختلف الواليات ،أو مؤمترات تعقد في ثالثة أرباع الواليات». وفي سويسرا ال تشارک الکانتونات في عملية اقتراح التعديالت الدستورية ولکنهم یشارکون في قبول تلک التعديالت ألنه ال يتم تنفيذ اي تعديل دستوري مالم يوافق عليه اکثرية الناخبني في غالبية الکانتونات.
للبحث و النشر و التوزيع .بیروت الطبعة الثالثة .1993 9ـ دکتور عبداحلمید متولی القانون الدستوری و األنظمة السیاسیة –منشأة املعارف باألسکندرية .1993 10ـ رونالد ل.واتس األنظمة الفیدرالیة ترجمة غالي برهومة ،واخرون ،طبعة خاصة 2006اوتاوا ـ کندا. 11ـ الدکتور عمرو فؤاد برکات النظم السیاسیة – جامعة طنطا،ط اولی. -13نورمان .باملر.النظام السياسي في الهند .ترجمة محمد فتح اهلل اخلطيب .مكتبة االجنلو مصرية .مصر. .، 1965 -14املواد 105و 109من دستور املانیا األحتادیة لسنة 1949حیث األخيرة تقول (بأن األحتاد و الوالیات کل منهما مستقل فی تدبير موازنته وال یعتمد احدهما علی األخر). -15دستور الوالیات املتحدة األمریکية املادة األولی الفقرة الثامنة واملادة اخلامسة. -16محمد کامل ليلة األنظمة السياسية النظم السیاسیة،الدولة واحلکومة ط اولی 1967دارالفکر العربي. -17د .حميد الساعدي ـ مبادئ القانون الدستوري و تطورات النظام السياسي في العراق دار احلکمة للطباعة – ط األولی 1990موصل . -18املادة 51من دستور املانيا األحتادية لسنة .1949
هوا ٍمش املبحث األول
1ـ الدکتور احمد سرحال -القانون الدستوری و النظم السیاسیة -األطار و املصادر ،ط .اولی ، 2002املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت.، 2ـ د .محمود حلمی املبادئ الدستورية العامة ط .اولی ،دار الفکر العربي قاهرة .1964 3ـ املواد 76،82من دستور األحتاد السوفیاتی السابق. 4ـ د.غالب خضیر العانی و د .نوری لطیف القانون الدستوری بغداد ،ط .اولی. 5ـ املواد 52،157،175 ، 51من الدستور السویسری. 6ـ املواد 5و 123و 188من الدستور األرجنتینی. 7ـ د.کمال غالي مبادئ القانون الدستوری واألنظمة السياسية املعاصرة . 8ـ د .زهیر شوکر ـ الوسيط في القانون الدستوری ـ اجلزء األول ـ القانون الدستوری و املؤسسات السیاسية. النظرية العامة والدول الکبری ـ مؤسسة اجلامعية
193
أقواس
أقواس
194
موضوعات للمناقشة
املنظور اإليديولوجي للخطاب والتعدد الثقافي في إقليم كردستان العراق كاظم حبيب
()1 كل شعب له ثقافته اخلاصة التي إرتبطت عضويا ً (وما تزال) بالظروف التاريخية التي مرَّ بها ومراحل تطور اجملتمع وحياته اليومية امللموسة والقيم واملعايير والتقاليد والعادات واألعراف والسلوكيات وأسلوب العيش والعالقات في ما بني البشر وكل ما أنتجه هذا اجملتمع أو ذاك من آداب وفنون وعلوم وفلسفات ومنتجات فكرية وعملية أخرى عبر األفراد أو اجلماعات .كما إنها ارتبطت (وما تزال) بالنظم السياسية التي نشأت وترعرعت األجيال املتالحقة في ظلها أو حتت وطأتها والتي إما ساعدته على تطوير ثقافته مبكوناتها املتنوعة أو أعاقت هذا التطور. ومع هذه اخلصوصية التي متيز ثقافة كل شعب , جند أيضا ً أوجه تشابه وتقارب أو متاثل بني ثقافات شعوب البلدان اخملتلفة في هذا اإلقليم أو ذاك أو على الصعيد العاملي التي تتجلى في الكثير من اآلداب والفنون واألساطير والقيم واملعايير اإلنسانية العامة. ()2 وتشكل الثقافات اخلاصة للشعوب فروعا ً مستقلة ولكنها تصب مجتمعة في نهر واحد عظيم هو نهر الثقافة العاملية ,كجزء رئيسي من احلضارة البشرية ,هذا النهر الثقافي الذي يلعب بدوره ويؤثر بجريانه املستمر على ثقافات كل شعب من الشعوب وأن اختلف مستوى التأثير مبستوى اإلنفتاح أو اإلنغالق الذي واجهته ومرت به الشعوب في مراحل تطورها اخملتلفة وطبيعة النظم السياسية التي عاشت حتت وطأتها أو في ظلها وموقف النخب احلاكمة من الثقافة وجمهرة املثقفني .ومن حيث املبدأ ال توجد أية حدود طبيعية بني الشعوب وثقافاتهم .أما احلدود التي أقيمت أو ما تزال قائمة حتى اآلن فهي ليست سوى حدودا ً مصطنعة مانعة للتفاعل والتالقح املتبادل ومعرقلة لتطور الثقافة في
هذا البلد أو ذاك وعلى الصعيد العاملي .وال شك في إن النظم السياسية اإلستبدادية (أو) واملؤسسات الدينية هي التي كانت وما تزال تخلق تلك احلدود املصطنعة والثقيلة بني شعوب العالم وثقافاتهم وعالقاتهم املتعددة األوجه وتشكل عبئا عليها .وهي التي أسست وتؤسس حلالة الصراع بني الثقافات واحلضارات, إذ إنها ليست من فعل الشعوب ذاتها وال من مثقفيها. ()3 ال شك في أن السمات اخلاصة التي تتفرد بها هذه الثقافة أو تلك ناجمة عن ظروف تطورها التاريخي امللموس واملرحلة التاريخية التي متر بها فكريا ً وسياسيا ً واجتماعيا ً ومرتبطة بطبيعة عالقات اإلنتاج السائدة فيها ومستوى تطور القوى املنتجة املادية والبشرية ,إضافة إلى التأثير النسبي للموقع اجلغرافي ,إذ تعتبر من حيث املبدأ إغناء فعليا ً للثقافة العاملية وفرصة ثمينة للتفاعل بني الثقافات وتالقحها املتبادل. إذ إن ثقافة شعب ما ال تقتصر على األدب والفن ,على أهميتهما ودورهما الكبيرين في العملية الثقافية ,فحسب ,بل متتد لتشمل أوجه حياة اإلنسان الكثيرة من تقاليد وعادات وأعراف وتراث وسلوك وقيم ومعايير وأديان ومذاهب وفلسفات وأفكار وأراء وتصورات وتطلعات ومنتجات فكرية وعملية ,ومن حقوق وواجبات ..الخ .وهي تشكل عموما ً سلة واحدة متكاملة نطلق عليها «الثقافة» .وقد عبر عن ذلك بصواب الدكتور نبيل ياسني حني كتب يقول « :يتعامل كثير من العراقيني مع مفهوم الثقافة على أنها اإلنتاج األدبي من شعر وقصة واإلنتاج الفني من فن تشكيلي وفن مسرحي دون ان يتعاملوا معها كما هو سائد في العالم احلديث على أنها إنتاج األفكار والرأي والتصورات واملشاعر واملفاهيم وإنها تساهم في تشكيل هوية اجملتمع وتغذيته 195
أقواس
أقواس
196 جلمهرة املثقفني ضد هذه األوضاع املزرية. فتعطلت وإلى حدود بعيدة عملية التطور الذاتي للثقافة وجمهرة املثقفني كما تعطلت عملية التفاعل بني الثقافات والتالقح والتطوير اخلالق لها وتنويعها مبا يسهم في رفع املستوى الثقافي للفرد واجملتمع .ولعبت األمية التي كانت منتشرة بنسبة عالية بني سكان هذه الدول ,وأن إختلفت نسبتها من دولة إلى أخرى ,دورا ً سلبيا ً بارزا ً في ضعف إنتشار الثقافة العامة وتغيير التقاليد والعادات والقيم واملعايير السلبية املوروثة التي هي جزء من الثقافة العامة جملتمع ما .ولعبت املؤسسات الدينية وجمهرة كبيرة من شيوخ الدين دورها البارز في احلفاظ على املاضي وأوضاعه خشية منها على مواقعها في النظم القائمة وفي اجملتمع وعلى مكاسبها اإلقتصادية واإلجتماعية ,في حني مارست مجموعة صغيرة من شيوخ الدين دورا ً مناقضا ً لذلك لصالح تطور وتقدم اجملتمع .من هنا ميكن القول بأن ثقافة شعوب بلدان هذه املنطقة ,ومنها ثقافة الشعب الكردي ,لم تتوفر لها مستلزمات التطور والتنوع والتالقح الضرورية مع ثقافات الشعوب املتقدمة ,وخاصة ثقافة الشعوب األوروبية والغربية عموما ً ,إال بحدود ضيقة جداً .لقد ساد الرأي القائل «ليس في اإلمكان أبدع مما كان» لدى هذه اجلماعات التي هيمنت على احلكم والثقافة في آن! وبخالف ذلك إستفادت الشعوب األوروبية للخروج من قرونها الوسطى مثالً من املستوى الثقافي العام الذي كان قد حتقق في فترات مختلفة ,وخاصة في الفترة العباسية ,لشعوب الشرق األوسط.
بالقيم واملعايير اإلجتماعية والنفسية ،وبلورة اصول وعادات العالقات االجتماعية ».ولكن هذا التعامل الضيق ال ينحصر بالعراقيني بقيامتهم العديدة فحسب ,بل وميتد ليشمل الكثير من الناس في البلدان األخرى أيضاً. ()4 ال تختلف شعوب الشرق األوسط ,ومنها الشعب الكردي ,عن بقية شعوب العالم في هذا املضمار ,إذ إن لكل منها ثقافته اخلاصة التي ساهمت بدورها في فترات تاريخية مختلفة بدور كبير وملموس وفعال في تكوين وتطوير ثقافة وحضارة الشعوب على األصعدة احمللية واإلقليمية والعاملية وشكلت جزءا ً حيويا ً ومهما ً من ثقافة وحضارة وتراث شعوب الشرق والعالم .ولكن شعوب الشرق األوسط ,ومنها الشعب الكردي ,عاشت قرونا ً وعقودا ً طويلة حتت وطأة نظم سياسية إستبدادية إستخدمت اإليديولوجية الدينية لفرض هيمنتها الطويلة والثقيلة التي إقترنت باإلضطهاد الفكري والسياسي والقهر اإلجتماعي حيث ساد التخلف العام والتبعية والفقر والتمييز الديني واملذهبي ,إضافة إلى التمييز الشديد ضد املرأة وإغتصاب حقوقها الطبيعية التي ال تختلف من حيث األساس واملبدأ عن حقوق الرجل , إضافة إلى مصادرة احلرية الفردية التي تساهم في قتل املبادرة واإلبداع والتفكير املستقل لدى اإلنسان .كما عاشت غالبية شعوب دول منطقة الشرق األوسط على نحو خاص حتت وطأة اإلحتالل العثماني األكثر تخلفا ً ورجعية و ُفرضت عليها عزلة شديدة عن العالم اخلارجي وتقوقعت على نفسها وبدأت جتتر واقعها القدمي في حاضرها وتتراجع عنها دون أن يتسنى لها حتقيق التغيير املنشود أو التقدم نحو األمام. وإنعكس هذا الواقع املرير والظلمة الفكرية والسياسية على الثقافة في هذه البلدان وعلى (راجع نبيل ياسني ,رؤيتي ملستقبل الثقافة في العراق. املثقفات واملثقفني فيها ,رغم املقاومة الفعلية العدد .9/ 5 / 2010 - 2999 :احلوار املتمدن).
وفي مثل هذه الفترات املتفتحة وعبر التاريخني الوسيط واحلديث شارك الكرد ,وبسبب من وجودهم في إطار الدول واإلمبراطوريات التي ضمتهم ,بجهودهم املهمة في نتاجات الشعوب التي إختلطوا بها وأثمر ذاك عن مئات من الكتاب واملفكرين واألدباء الذين كتبوا بالعربية والفارسية والتركية وأدلوا بدلوهم في النتاج املعرفي ومن ثم تأثيرهم الفكري الفلسفي وفي ضوئه الثقافي املعرفي امللموس .ومن هنا ميكن أن تلعب املراجعة النقدية لتطور احلياة الثقافية لدى شعوب الشرق األوسط دورا ً مهما ً ومساعدا ً في تشخيص مسألتني هامتني: - 1تأكيد حقيقة حصول إنقطاع حضاري وثقافي كبيرين بسبب الهيمنة والتهميش واإلهمال الثقافي ,إضافة إلى احملاربة الفعلية للثقافة واملثقفات واملثقفني بوجه عام وإلى غوص الفرد واجملتمع بشكل عام في املشكالت الذاتية احلياتية وفي الفكر الديني املتخلف والتي متيزت مبصادرة حرية الفرد واجلماعات واجملتمع أيضا ً من جهة ,وإبراز تلك اإلضاءات املهمة في التراث الثقافي للشعب الكردي. - 2سبل العمل اجلاد للخروج من املستوى وضعت فيه شعوب الشرق املتخلف والعام الذي ُ األوسط وثقافتها في فترة الهيمنة العثمانية على هذه املنطقة من العالم وألكثر من أربعة قرون عجاف. ()5 لعبت احلرب العاملية األولى دورا ً مهما ً في كسر حلقة التخلف والعزلة املفرغتني عن العالم وعن ثقافة شعوب الشرق األوسط .وتأسست دول جديدة في املنطقة .وإذ حتقق لغالبية شعوب هذه املنطقة تأسيس أو االحتفاظ بدولها الوطنية ,كما هو احلال بالنسبة للشعب التركي أو الشعوب العربية أو الشعب الفارسي ,فأن الشعب الكردي هو الوحيد الذي عاش التقسيم والتوزيع ألراضيه وشعبه
على دول أربع ,بعد أن كان موزعا ً على دولتني (الدولة الفارسية والدولة العثمانية) ,هي تركيا وإيران والعراق وسورية .جاء هذا بخالف الوعود واإلتفاقات بني قيادات الشعب العربي والشعب الكردي في ضمان قيام دولتيهما املستقلتني , إذ طبقت اإلتفاقيات السرية اإلستعمارية بني الدول الكبرى حينذاك ,وخاصة بريطانيا وفرنسا والتي كشف النقاب عن طابعها اإلستعماري بعد اإلطاحة بالقيصرية بإنتصار ثورة أكتوبر اإلشتراكية في العام 1917ومن قبل احلكومة السوفييتية اجلديدة حيث نشرت كافة الوثائق السرية بهذا الصدد وخاصة إتفاقية سايكس - بيكو في العام .1916لقد فرض اإلنتداب رسميا ً من قبل عصبة األمم على هذه الدول أوال ً ,ومن ثم إستمرار السيطرة غير املباشرة للدولتني بريطانيا وفرنسا عقودا ً الحقة ثانياً. ()6 ومنذ نهاية احلرب العاملية األولى حتى الوقت احلاضر عاش الشعب الكردي في منطقة الشرق األوسط حتت هيمنة حكومات قومية في الدول األربع ,والبعض منها متيز بشوفينية مغالية, مارست إزاء هذا الشعب سياسات التمييز والتهميش واإلهمال من جهة ,وسياسة عدم اإلعتراف بالوجود القومي والثقافة اخلاصة واحلقوق املشروعة من جهة أخرى .وقد قاد هذا الوضع مع تطور وعي الشعوب على الصعيد العاملي واإلقليمي واحمللي إلى تزايد نضال الشعب الكردي في مختلف أقاليمه في سبيل حقوقه القومية والوطنية املشروعة وحقوق اإلنسان الطبيعية التي أقرتها اللوائح الدولية وخاصة في أعقاب احلرب العاملية الثانية .لقد وصل األمر ببعض حكومات املنطقة أنها فرضت عدم االعتراف بوجود شعب كردي أو قومية كردية في دولها ومنعت السكان الكرد من التحدث والتعلم بلغتهم الكردية وأطلق عليهم اسم «ترك اجلبال» كما جرى في تركيا ولعقود طويلة. 197
أقواس
أقواس
198
وكان هذا املوقف الشوفيني جتاوزا ً فظا ً على حق شعب في ممارسة حقوقه املشروعة مبا في ذلك لغته القومية ,لغة األم وثقافته الوطنية. وقد إنعكس هذا الواقع املرير في أغلب الدول األربع على ثقافة الشعب الكردي .فاألمية واجلهل وضعف التطور اإلقتصادي واإلجتماعي قد لعبت كلها أدوارا ً ملموس ًة في إضعاف عملية التطور والتنوع الثقافي للشعب الكردي ,ولكنها مع ذلك لم تستطع إستئصال هويته وثقافته الوطنية ,بل كانت مقاومة الشعب عموما ً وجمهرة املثقفني خصوصا ً قد ساعدت في احلفاظ على هويته القومية والثقافية العامة وحتت ظروف بالغة التعقيد وصعوبات جمة ومعوقات كثيرة. ()7 وفي العراق إقترن نضال الشعب الكردي بنضال الشعب العربي وبقية القوميات ضد الهيمنة األجنبية ومن أجل اإلستقالل والسيادة الوطنية وفي سبيل احلقوق القومية املشروعة والعادلة. وقد جوبه هذا النضال بتعنت النظم السياسية احلاكمة في العهود املتالحقة سواء أكانت ملكية أم جمهورية ,إذ كان احلكم فيها للقوى القومية املتزمتة أو الشوفينية ,في ما عدا فترة قصيرة من حكم عبد الكرمي قاسم لم تستمر طويالً ,إذ إرتدت على أعقابها ثم سقطت حتت ضربات الفاشيني البعثيني والقوميني العرب الشوفينيني ومن تعاون معهم .وقد برهنت احلياة بشكل جلي على إن اإلستبداد الشمولي أينما حل يقترن دوما ً مبحاوالت شرسة لفرض إيديولوجية الفكر الواحد واحلزب الواحد على الشعب بكل قومياته وفرض ثقافة صفراء جتسد إيديولوجية الفئة احلاكمة أو من تعبر عن مصاحلهم .كما إن العكس صحيح حني تسود أجواء احلياة الدميقراطية واحلريات العامة ,وخاصة حرية الفرد وحقه في التعبير عن نفسه وعن
مشاعره ووجهة تفكيره .فإذا كان الفرد واجملتمع بأسره يعاني من سياسات اإلستبداد والقهر العام ,فأن القوميات األخرى تواجه أوضاعا ً أكثر صعوبة وتعقيدا ً ,إذ إن سياسة التمييز ضد القوميات األخرى وكذلك التهميش واإلهمال السياسي واإلقتصادي واإلجتماعي والثقافي هي التي تشكل السمة املميزة لهذه النظم .وهكذا كان حال الشعب الكردي في العراق طيلة عقود هيمنة القوى القومية العربية على احلكم. وجتسيدا ً لهذه السياسات القومية الشوفينية للحكام في العراق تبلور املوقف احلكومي إزاء الثقافة الكردية التي عانت هي األخرى من التمييز والتهميش واإلهمال .وكان احلديث عن الثقافة العراقية املشتركة يعني احلديث عن الثقافة العربية وحدها وليس عن الثقافتني العربية والكردية أو ثقافة القوميات األخرى في البالد كالثقافة التركمانية أو الثقافة الكلدانية واآلشورية .وكان هذا إجحاف بحق ثقافات القوميات األخرى في العراق ,علما ً بأن الثقافة العربية في العراق هي األخرى قد عانت األمرين ولفترات طويلة وما تزال من تلك النظم السياسية الدكتاتورية وغير الدميقراطية. ولهذا لم يكن هناك تطور وتقدم كبيرين لثقافات القوميات األخرى مع إن الثقافة العربية قد تغلب عليها الفكر الواحد والرأي الواحد والسياسة الواحدة ,وهي ثقافة شوفينية مناهضة للقوميات والشعوب األخرى ومتارس التمييز العدائي الصارخ بني الـ»أنا» والـ»آخر» ,وهو تفكير منطي متخلف مليء باألحكام املسبقة من الـ»أنا» وثقافته إزاء الـ»آخر» وثقافته. ()7 وخالل فترة الدكتاتورية وتراجع اخلطاب الثقافي الدميقراطي واحلياة الثقافية الدميقراطية على صعيد البالد كلها راج في الساحة الثقافية الفكر القومي الشوفيني وتسخير التراث وتشويهه لصالح الدعاية للحاكم املطلق من
جهة ,كما ظهرت فرصة كبيرة أمام الفكر الديني املتخلف واملشوه ليلعب دوره البارز في إجراء عملية غسل دماغ وتكريس أيديولوجية دينية شوهت وعي اإلنسان من جهة ثانية , إضافة إلى تشويه مفهوم الدولة العلمانية من جانب اإلجتاهني سواء ما أطلق عليه باحلملة اإلميانية في فترة صدام حسني أو الصراعات الطائفية السياسية والتثقيف الديني املناهض واملشوه ملفهوم ومضمون العلمانية من جهة ثالثة .إن هذه التوجهات السلبية برزت بشكل صارخ في أعقاب سقوط الدكتاتورية وفرض اإلحتالل وما نشأ عنه من محاصصة طائفية وأثنية في حكم البالد والعواقب التي ترتبت على ذلك حتى الوقت احلاضر .إن املشكلة الراهنة تبرز في محاولة القوى املمثلة لأليديولوجية الدينية أن تكرس خطابها الثقافي وتفرض على الصعد الفكرية والثقافية والسياسية واإلجتماعية والعمل على تأمني صدور قوانني لصاحلها متنع النقد املباشر وغير املباشر للفكر الديني وللممارسات غير العقالنية في آن. ()8 وفي إقليم كردستان العراق حتققت للشعب الكردي بفعل نضاله املديد وتضحياته الكبيرة منجزات مهمة على الطريق الطويل لتحقيق أهداف حركة التحرر الوطني الكردية وجتلى ذلك بحدود نسبية في اجملال الثقافي أيضا ً ,مبا في ذلك التربية والتعليم واخلطاب الثقافي واحلياة الثقافية .وقد لعبت هنا عوامل خمسة مهمة هي : ** اخلالص من حكم البعث الشمولي ودكتاتورية صدام حسني منذ العام 1991وتسلم السلطة من قبل قوى وأحزاب سياسية كردية لعبت دورا ً كبيرا ً في النضال من أجل إنتصار القضية الكردية. ** التوسع في برامج التربية والتعليم احلكومية وفي مكافحة األمية ونشر املعرفة في اإلقليم
وإنعاش تنوع احلياة الثقافية. ** الدور امللموس الذي لعبه املثقفون واملثقفات في إقليم كردستان بصورة فردية أم من خالل إحتاد األدباء والكتاب الكردستاني في سعيهم لتوسيع النشاط الثقافي وتنويعه. ** الدور امللموس الذي لعبه اإلحتكاك الثقافي بني املثقفني واملثقفات من كردستان والذين أجبروا على الهجرة والعيش في بلدان أوروبية وغريبة كثيرة ساعدهم على التفاعل والتالقح الثقافي مع ثقافات تلك الشعوب وعادوا إلى كردستان وهم يحملون خبرات ومعارف نظرية وعملية أغنت وما تزال تغني احلياة الثقافية الكردستانية. ** إستمرار وجود عالقة طيبة ومتطورة بني املثقفات واملثقفني في كردستان العراق واملثقفات واملثقفني في بقية أنحاء العراق وخاصة عبر النشاطات املشتركة إلحتاد األدباء والكتاب في بغداد وفي اإلقليم وبني املؤسسات الصحفية واجملاالت الفنية وغيرها. املنجزات التي حتققت حتى اآلن للشعب الكردي في إقليم كردستان العراق في اجملاالت السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية لم تتحقق لبقية أبناء وبنات الشعوب الكردية في بقية أجزاء كردستان ,إذ ما تزال تناضل من أجل الوصول إلى مثل هذه املنجزات وتقدم الكثير من التضحيات الغالية ,كما هو احلال في سوريا وكذلك في كل من كردستان تركيا وإيران حالياً. ()9 ويبد لي ضروريا ً أن أشير في هذا الصدد إلى ثالث مسائل أساسية هي: . 1إن تركة مفردات املاضي الثقافي القريب للبعث والسياسية البعثية على صعيد البالد كلها لم ولن تنتهي بسهولة ,بل هي ما تزال فاعلة ومؤثرة في الفرد واجملتمع ,مبا في ذلك السلوك والتصرف اليومي وعالقة الفرد بالعمل أو بالسلطة أو بالقوة والعنف أو في السلوكية 199
أقواس
أقواس
200
اإلنتهازية أو زدواجية املواقف واملعايير ...الخ والتي حتتاج إلى فترة طويلة للتخلص منها. . 2إن اإليديولوجية القومية في السياسة تتجلى مبا ال ميكن جتاوزه في اجلانب الثقافي للفرد واجملتمع ,وهي التي تتجلى في بعض مناهج التربية والتعليم أو في اإلعالم والصحافة. . 3يضاف إلى ذلك إستمرار دور وتأثير الفكر أو األيديولوجية الدينية على السكان وعدم وجود عملية تنوير وتوعية كافية من جانب احلكم واألحزاب احلاكمة أو من جانب منظمات اجملتمع املدني مبا يساعد على رفع الغطاء الكابس على أذهان الناس واملعرقل للتفتح الثقافي واإلجتماعي .ويالحظ املتتبع أحيانا ً إن القوى احلاكمة تسعى للمنافسة أو السكوت على دعايات القوى الدينية أو حمالتها ضد العلمانية واحلياة احلرة والدميقراطية. ()10 يعيش إقليم كردستان إنتعاشا ً في التأليف والترجمة والنشر الكردي على نطاق ملموس نسبيا ً ,كما إغتنت املكتبة الكردية بكتب تراثية وحديثة ملؤلفني كرد من أقاليم كردستان األربعة ,إضافة إلى مجموعة كبيرة من الصحف واجملالت واملواقع اإللكترونية واإلذاعات والقنوات التلفزيونية الكردية التي تنشر وتذيع وتنقل الثقافة الكردية على نطاق ملموس ومفيد]1[. كما إتسعت قاعدة التعليم اإلبتدائي واملدارس الثانوية واملعاهد والكليات واجلامعات وتضاعف عدد الطالبات والطالب عدة مرات بالقياس إلى الفترة املظلمة من حياة العراق وإقليم كردستان. كما إزداد عدد املهرجانات والفعاليات واملؤمترات واحملاضرات التي تنظم في اإلقليم من جانب الكثير من اجلماعات ,إضافة إلى زيادة هائلة في عدد منظمات اجملتمع املدني ,وكذلك األحزاب السياسية الكردستانية .خالل هذه الفترة إزداد إحتكاك الشبيبة واملثقفات واملثقفني الكرد باحمليط اإلقليمي وبالعالم والذي يفسح
في اجملال ملزيد من التفاعل والتالقح مع ثقافات الشعوب األخرى .وهو أمر ضروري جدا ً وإيجابي لصالح تطور الثقافة الكردية ذاتها. ()11 والسؤال الكبير الذي يلح على الباحث هو :هل ميكن أن نتحدث عن التعددية الثقافية في إقليم كردستان العراق في هذه املرحلة من مراحل تطور األوضاع السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية في اإلقليم أ أم إنها ما تزال حبيسة أيديولوجية األحزاب السياسية احلاكمة منذ عقدين؟ يبدو لي إن احلديث عن التعددية الثقافية وتنوعها مسألة حساسة جدا ً وذات أبعاد أخرى غير ما حصل ويحصل في الوقت احلاضر في إقليم كردستان .ماذا أعني بذلك؟ ترتبط التعددية الثقافية بالنظام السياسي القائم ومبضمون العالقات اإلنتاجية السائدة في البالد وكذلك العالقات اإلجتماعية الناشئة عنها وعالقة الفرد بالسلطة وبالفرد اآلخر وباجملتمع ومبدى احلرية التي يتمتع بها ,فهي بناء فوقي للقاعدة اإلقتصادية القائمة .فرغم التغييرات اجلارية في اجملتمع الكردستاني في إقليم كردستان العراق ,فإن العالقات اإلجتماعية ما تزال يغلب عليها الطابع الفالحي والعشائري من جانب وتأثير الفكر الديني وغياب التنوير الديني واإلجتماعي املطلوبني من جانب آخر. كما ميكن مالحظة إتساع الظواهر السلبية املتخلفة التي تعود للماضي مثل الثأر وغسل العار والتراتبية الدينية وممارسات تقليدية لم تعد تتناغم مع مرحلة البناء والتقدم الضروريني للمجتمع الكردستاني .إذ تنتشر ظاهرة اإلنتحار أو اإلغتيال املبطن للنساء بذريعة غسل العار وتصل إلى أعداد مقلقة سنوياً .يضاف إلى ذلك واقع وجود خدوش غير قليلة في ما يخص حرية الفرد واجلماعات واجملتمع ,ومنها حرية التعبير املستقل دون أن يواجه الفرد قيودا ً وينتظر عقوبات رادعة .ومثل هذا الواقع ال يوفر األرضية
املناسبة لبناء املؤسسات الدميقراطية على أسس سليمة وال تنشأ منظمات مجتمع مدني متتلك إستقالليتها عن األحزاب احلاكمة أو عن احلكم ذاته .وبالتالي ال تتوفر األرضية ملمارسة مبدأ احلرية الفردية والدميقراطية وفق األسس املعروفة في الدول الدميقراطية املتقدمة .إذ إن مرحلة التطور الراهنة التي مير بها اجملتمع في كردستان العراق هي املتحكمة بذلك .ومن هذا الواقع يكون التعدد الثقافي محكوما بدوره بهذه اللوحة اإلجتماعية .فاحلياة العملية برهنت حتى اآلن ,سواء أكان ذلك بالنسبة إلى جتربة كردستان العراق أم العراق عموما ً ,على املسائل التالية : – 1ينتعش التعدد الثقافي ويتنوع حني تسود أجواء احلرية الفردية واحلريات العامة واحلياة الدستورية واملؤسسات الدميقراطية ويسود القانون الدميقراطي واملساواة في التعامل مع املواطنات واملواطنني ,سواء أكانوا من قوميات أو أديان أو مذاهب أو إجتاهات فكرية وسياسية مختلفة ,أي بغض النظر عن اجلنس أو القومية أو الفكر أو الدين أو املذهب أو الرأي السياسي أو املوقع اإلجتماعي. – 2وينتعش كذلك حني ال يهيمن حزب واحد على السلطة أو حتالف يسعى إلى فرض سلطة هذا احلزب أو التحالف على اجملتمع ويفرض بالتالي ايديولوجيته الواحدة على اجملتمع. – 3وهذا يعني بالضرورة إن التعددية الثقافية تنتعش وتتنوع عند غياب اإلستبداد والدكتاتورية والقهر الفكري والسياسي واإلجتماعي واإلقتصادي ,إذ إن ما يغيب هنا هو احلرية الفردية وحرية اجلماعة واجملتمع. – 4وينتعش أيضا ً حني يبدأ اجملتمع بإستنشاق هواء التنوير الديني واإلجتماعي وفصل الدين عن الدولة والفصل بني السلطات وحرية التفكير واإلبتعاد عن الفكر الشوفيني والديني واملذهبي املتزمتني.
- 5وينتعش التعدد الثقافي ويتنوع حني تنشأ إمكانيات فعلية لتغيير البنية اإلقتصادية ومعها البنية اإلجتماعية والوعي اإلجتماعي الفردي واجلمعي ,وحني يكون اإلنسان قادرا ً على العيش بكرامة وعلى احلصول على الثقافة والتمتع بها .وحني يكون للمثقفة واملثقف دورهما الفاعل واملؤثر في احلياة العامة ,وخاصة في احلياة الثقافية واإلجتماعية وفي نشر القيم واملعايير اإلنسانية وفي سيادة السالم وثقافة احلل السلمي والدميقراطي للمشكالت التي يعاني منها اجملتمع. – 6وتنتعش احلياة الثقافية حني يتراجع دور أجهزة األمن في احلياة الفكرية والسياسية واإلجتماعية وتنمو الثقة املتبادلة الضرورية بني احلكم واجملتمع وبني أفراد وجماعات اجملتمع ,ويتقلص الشك باملواطن واملواطنة ويتساوى األفراد أمام القانون .والعكس صحيح أيضاً. - 7وعلينا أن نؤكد على العالقة اجلدلية املتبادلة بني الثقافة والتعددية الثقافية من جهة ,وبني احلياة السياسية الدميقراطية واحلياة املدنية الدستورية ,إذ إن أحدهما يغني اآلخر ويفتح له آفاقا ً رحبة للتطور والتعزز. – 8وال ميكن تصور وجود ثقافة دميقراطية متفتحة وتعدد ثقافي فاعل ومؤثر حني ال متتلك املرأة حريتها وحقوقها املشروعة وحني ال تساهم بفعالية في احلياة السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية وأن يكون لها دورها املتطور في مؤسسات الدولة واجملتمع. – 9وينتعش التعدد الثقافي حني تقام الكثير من منظمات اجملتمع املدني وفي مختلف اجملاالت شريطة أن تتمتع بحريتها وإستقالليتها الفعلية ,وأن ال تكون حتت وصاية احلكم أو األحزاب احلاكمة وعاجزة عن الدفاع عن مصالح أعضائها واجملتمع وعن ممارسة الثقافة بحرية تامة. – 10كما ال بد أن نشير إلى إن ثقافة املدينة 201
أقواس
أقواس
202
واخلطاب الثقافي احلديث يفترض أن ال يبقى محصورا ً في املدن الكبيرة فحسب ,بل يفترض أن يصل الى املدن الصغيرة والبعيدة وإلى الريف لتقلص الفجوة الفكرية و الثقافية والسياسية واإلجتماعية القائمة حاليا ً بني املدينة والريف. إذ إننا هنا نتحدث عن ثقافة مجتمع وليس عن ثقافة جزء منه .إذ إن اجملتمع الريفي ما يزال يعاني من تخلف ملموس في املستوى الثقافي الذي بلغته املدينة بالرغم من املستوى الضعيف عموما ً لثقافة املدينة واخلطاب الثقافي فيها. – 11والتعددية الثقافية ال تتحقق إال في دولة علمانية ومجتمع مدني ,و هذا يعني القبول بقاعدة فصل الدين عن الدولة والسياسة ,ووقوف الدولة موقف احلياد من الديانات واملذاهب كافة التي تسمح مبمارسة التعدد والتنوع الثقافي والتنوع الفكري .وهذا يتطلب كجزء من العملية والتعددية الثقافية وتنوعها التثقيف الدؤوب بالعالقة اجلدلية بني السياسة الدميقراطية والعلمانية وبالتالي بني الثقافة الدميقراطية والتعدد الثقافي والعلمانية خاصة في دولة مثل العراق أو في إقليم كردستان العراق حيث هناك تعدد قومي وديني. ()12 التعدد الثقافي وتنوعه يتطلبان توفير مستلزمات وشروط معينة تسمح ببروزهما وممارسة دورهما وتأثيرهما في احلياة اليومية لإلنسان .وهي حسب قناعتي ما تزال غير متوفرة في اإلقليم رغم وجود مكاسب مهمة على هذا الطريق .فمثالً ليس املهم حرية النشر وحدها فحسب ,بل املهم أيضا ً ومثالً توفير مستلزمات ضمان القدرة على نشر الثقافة في اجملتمع , أي نشر الثقافة التي تعترف بالـ»آخر» ومتنحه ذات الفرصة التي يتمتع بها الـ»أنا» .كما إن الدميقراطية ال تعني اإلنتخابات فحسب ,بل وتشمل اجلوانب األخرى في العملية الدميقراطية والتي تتميز بها اجملتمعات الدميقراطية مبا في
ذلك وجود معارضة جادة ومسؤولة ومتتلك احلرية الكاملة في نشاطها وفي التعبير عن رؤيتها للحكم وعن وجود منظمات مجتمع مدني حرة ومستقلة وعن دور يتطور بإستمرار للمرأة في احلياة العامة وفي احلياة الثقافية على نحو خاص ...الخ. إن التعددية الثقافية لها خلفية سياسية تعني بالضرورة وجود تعددية سياسية ووعي ألهمية ودور هذه التعددية في حياة اجملتمع .والتعددية السياسية تشترط وجود مجتمع مدني دميقراطي ومؤسسات مجتمع مدني وحياة قائمة على املساواة بني املواطنات واملواطنني من حيث اجلنس والقومية أو األثنية والدين واملذهب واللغة ,وكذلك من حيث اإلنتماء الفكري والسياسي واحلزبي والقرابي .وهذا اجلانب يعاني في واقع احلال من نواقص في إقليم كردستان العراق وفي النظام السياسي القائم .وينعكس هذا الواقع بالضرورة على احلياة الثقافية في اإلقليم. هناك مالمح أولية محدودة الفعل ملضمون التعدد الثقافي وهي بحاجة إلى جهود كبيرة وتوجه صادق وجاد صوب بناء النظام السياسي الدميقراطي الذي يفسح في اجملال لنشوء وتطور التعدد الثقافي وتنوع الثقافة في اإلقليم. أوائل كانون الثاني 2013 كاظم حبيب [ ]1أشار الصديق والكاتب واإلعالمي البارز األستاذ مصطفى صالح كرمي في تصريح له في منتصف الشهر اخلامس من العام 2012إلى املعلومات التالية: ** بلغ عدد الصحفيني املسجلني في نقابة الصحفيني في اإلقليم 7600شخصا ً موزعني على صحفي عام ومشارك ومتمرن. ** يتم إصدار 133مطبوع في اإلقليم. ** توجد 14فضائية و 64قناة محلية و 82إذاعة.
النظام املاركسي ومشكلة احلرية نسرين سليم سعيد
203
أقواس
أقواس
204
هل يقتضي النظام املاركسي ،أو • يجد حالً مقبوال ً ملشكلة احلرية ،من الوجهة النظرية؟ وهل يجد هذا احلل النظري تطبيقه • احلق ؟ أو بداية تطبيقه في األنظمة • اإلجتماعية التي تتخذ املاركسية مبدأ لها وركيزة لسلوكها ؟ الذي نظن ُه ،أن القسم األول من هذا السؤال معروف اجلواب لدى عامة الناس ،أو على األقل لدى الذين يعرفون املاركسية ،حق املعرفة .ومن املمكن وال ريب ،أن ننظر إلى ماركس نظرات مختلفة ،فهو ،إن شئنا -: فيلسوف مادي. -1 وصاحب اإلشتراكية العلمية. -2 وهو العدو األول للرأسمالية -3 واإلستغالل. وهو اآلخذ بنظرية دكتاتورية -4 البروليتاريا. وهو أشياء أخرى كثيرة أيضاً. -5 حتى ليبدو أنه ما من فيلسوف ُعرفت آراؤه ، وشاعت وذاعت ،في مختلف بقاع األرض ،كما هي احلال مع هذا الفيلسوف .ولكن علينا هنا نوضح بعض النقاط املتعلقة به والتي يلوح أن ّ لنا أنها حقيقية جدية عنيفة ،ال مجال للمراء فيها. أما أنه فيلسوف مادي النزعة ،فإن هذا • صحيح جدا ً. ولكن ليس بأقل صحة من ذلك ،أن • نقول :أنه فيلسوف مثالي إلى أبعد حد ،على الرغم من فلسفته املادية. حتى لقد يتساءل اإلنسان ،إيهما أكثر مثالية -: أفالطون املثالي بالتعريف ، -1 وبالفلسفة.
أم ماركس املادي ،بالتعريف ، -2 وبالفلسفة؟ وحتى على مستوى التطبيق ،فإن املالحظني، مثل (جورج كاونتس) في كتابه « التعليم في اإلحتاد السوفيتي « ال يخطئون مالحظة التشابه بني أفكار ماركس في تطبيقها ،وبني أفكار أفالطون .ذلك أن الطبقة احلاكمة هي « األنتلجانسيا « أو لن َّق ْل فالسفة أفالطون ،وأما الطبقات األخرى ،فهي العمال والفالحني واجلنود ،وال شيء آخر غير هذا ،كما لو أن أفالطون عا ّد إلى الدنيا ،وقسم هو نفسه اجملتمع بني هذه الطبقات التي أشار إليها في كتابه اجلمهورية. املهم من هذا كله هو بيان صور هذه املثالية ّ املاركسية .وعندنا أن من يتوقع ،بل يريد ويق ّرر أن عهد اإلستغالل سينتهي حتما ً وسينحسر املستقبل عن نظام نهائي ،نظام بال حكومة وال دين ،ومعنى الدين هنا بالضرورة ،هو معناه املاركسي املستعار من « فورباخ « والذي يعني تخلي اإلنسان عن ماهيته لكائن خيالي هو اهلل الذي أوجده وهمه ،ثم أقبل عليه يقدسه ويعبد ُه ،والذي ربُط لدى ماركس بشروط العمل الرأسمالي ،األشد حذفا ً لإلنسان عن مكانته الفطرية ،وعن إنسانيته ،وأقوى تضييقا ً له من الدين ،نقول إن من يقرر أن املستقبل سينحسر عن مجتمع بال حكومة أو دولة ،أو أدوات ضغط وقسر ،ال ميكن أن يكون إال مثاليا ً مغاليا ً في املثالية .وكذلك فإن الفيلسوف الذي يقررأن « ضيعة اإلنسان ستنتهي حتماً» ويعبر عن هذه الضيعة بكلمات مؤثرة من نوع قوله : « أنا مالك املال إمنا أُعرَّف مبا أستطيع • دفعه أي ما أستطيع شراءه باملال .وليست شخصيتي إذن هي التي تُعني من أنا ،وما أُحسن من عمل. أنا دميم بي َد أني أستطيع أن أشتري • فلست إذن بدميم ،ألن أثر أجمل النساء ، ُ الدمامة والنفور منها قد زاال باملال .
أنا رجل سوء بال ضمير وال فكر ،بيد أن • ممجد وكذلك يكون مالكه . املال ّ املال أعظم اخليرات ،فصاحبه إذن خير • الناس . املال يكفيني عناء أن أكون فاضالً ،فأنا • أذن أبدوا للناس فاضالً «. ( متهيد في علم األجتماع ،الدكتور عبد الكرمي اليافي ،ص )697 نقول إن الفيلسوف الذي يع ّبر بهذه الصيغ عن ضيعة اإلنسان في النظام الرأسمالي ويتصورعهدا ً إنسانيا ً تزول فيه الضيعة وترتد فيه كرامة اإلنسان إلى اإلنسان ،املع ّرى من كل أرديته اإلجتماعية اخلارجية ،الغريبة عن ذاته ، إن فيلسوفا ً كهذا ،ال ميكن أن يكون إال مغاليا ً في املثالية .سيأتي إذن عهد يصبح فيه اجملتمع نظاما ً حرا ً يتمتع فيه اإلنسان بكامل حريته وكرامته وتزول عنه الدولة ،وينزل الفردوس على األرض ،وتصبح جن ُة الرأسمالية جن ُة الناس جميعا ً ،ال جنتها وحدها .أما الدميقراطية واحلريات التي تتضمنها -: كحرية الصحافة. -1 وحرية اإلنتخاب. -2 التي ترتد عواقبها اآلن على الطبقة البورجوازية نفسها ،فهي -: تتعمق . ال تزول بل -1 ّ ّ تتوطد. وال تنهار بل -2 وال تنتفي بل تتجاوز نفسها عندما -3 تصبح دميقراطية بروليتارية ،أو بعبارة أخرى ، ديكتاتورية البروليتاريا على البورجوازية. ولئن كانت ديكتاتورية البروليتاريا مختفية وراء ستار املصلحة العامة املزعومة ،فإن ديكتاتورية البروليتاريا على البورجوازية سافرة واضحة تتناسب شدة وطأتها مع عنف البورجوازيني وشماسهم ومدى محاولتهم صون إمتيازاتهم أو إسترجاعها .وغرض هذه الدكتاتورية أن تقيم للذين يعملون وينتجون مجتمعا ً جديداً-:
أنبل. -1 َ وأمثل. -2 وأعدل. -3 من اجملتمعات السابقة .فالدولة بهذا اإلعتبار وسيلة لتبديل النظام وتغيير العالم ،وستزول بعد تأدية وظيفتها .ال مجال إذن للقول إن املاركسية تتنكر للحرية ،أو تذهل عنها .وكيف تتنكر للحرية وهي تقرر-: ردَّ الكرامة كاملة لإلنسلن . -1 وتُعيد إليه إعتباره . -2 وتلغي الدولة في نهاية املطاف ،لتضمن -3 له إمحاء كل صور الضغط والقسر ،واإلعتماد على القوة ،كيما ميارس حريته ممارسة كاملة. وال ريب أنه ليس من شأن فيلسوف كـ( ماركس ) أن يذهل عن قيمة احلرية في نفس اإلنسان ،أو عن وظيفتها املبدعة ،فالشوق إلى احلرية ليس مجرد عبث ،إال مبقدار ما يكون الشعور باجلوع عبثاً .والعبثَ كل العبث أن نظن أن الطبيعة أودعت في اإلنسان دوافع ال معنى لها ،او ال فائدة منها .وهل ميكن أن يكون-: اجلوع أو العطش أو الفضول . -1 أو حب املعرفة , -2 والشوق إلى اجلمال. -3 واحلنني إلى اخلير. -4 أشياء ال معنى لها او ال فائدة منها ؟ فإن صح أنها مفيدة ،فال ندري كيف ميكن القول :إن النزوع إلى احلرية هو الوحيد ،بني كل النوازع اآلخرى ،الذي ُو ِجد ،ليكون ضارا ً أو مفسدا ً ،وأن من واجب الدولة أن تقنن ُه أكبر التقنني ،وأن جتعله في حدود ذلك امل َ ْعلَ ْم الكبير الذي تخيله ( البرتو مورافيا) والذي كان يرى أن على اللغة ُصفى من كل ما يؤذي موضوعيتها ودالالتها أن ت ْ املباشرة ،ويقترح على طالبه أن يكثروا من : قراءة إعالنات احلكومة. • وبيانات مجالس احملافظات . • واملراسيم اجلمهورية . • 205
أقواس
أقواس
206
والقرارات احلكومية . • لكي يتعلموا الرجوع إلى اللغة املوضوعية ، والنقية الصافية ،وعندئذ يستطيعون اإلعتماد على هذه اللغة في التعبير عن واقع مباشر ، بعيد عن كل رومانطيقية أو نزوع مثالي ،يسيئان إليها ويشوهانها .وعندئذ نستطيع أن نستمع إليهم يقولون :أن الساعة اآلن هي اخلامسة ، تناولت وأني ذاهب ألنام ،وفي الساعة الواحدة ُ طعام الغداء ،أو ما يشبه ذلك من الكالم يجد أح ٌد بعد العظيم .ومن الصعب وال شك أن ّ هذا كله أن املاركسية ،نقيضة للحرية أوعدوة لها .ولكن املشكلة ليست هنا ،بل هي في أن احلل النظري لم يجد في التطبيق ما يعادله في احلرص على احلرية ،واحلفاوة بها ،بل وَجد الوسيلة املناسبة لكبت هذه احلرية ،كبتا ً يبدو لنا أنه يناقض النظرية أعظم تناقض ويجانفها مجانفة تامة .وال نظن أن هذا األمر موضع خالف بني الناس ،أو الباحثني أو املتأملني : ً إال عندما يصبح معنى احلرية مرادفا لال • حرية . أو معنى الال حرية مرادفا ً ملعنى احلرية. • وعبثا ً نبحث هنا عن فقه من النوع « الكازويستكي « الذي يجعل : احلالل حراما ً . • واحلرام حالال ً . • من أجل أن ن ّبرر واقعا ً قائما ً وجنعل ما فيه من : الال حرية برهانا ً على ضرورة تقييد احلرية • . أو أن نشتط أكثر فأكثر ،فنجعل من • هذه الالحرية شيئا ً هو في أقصى درجات احلرية. لم كان التطبيق املاركسي والسؤال اآلن َ : مجانفا ً للمبدأ إلى هذا احلد الفاضح ،الذي أثاره النقد إثارة ،لم يكن معها مناص ألمثال (لينني) و(ماوتسي تونغ) من الرد عليه ؟ واجلواب لدى هؤالء جميعا ً ،جواب متشابه : فالغاية األخيرة هي :
إزالة الدولة . • ورد احلرية كاملة إلى الفرد . • لكن في الطريق عقبات ،وهي وجود الدول الرأسمالية العدوة أوال ً ،وهذا هو اخلطر األكبر ،ثم تلك النقطة املفاجئة للميول البورجوازية لدى بعض املواطنني ممن ال ميلكون السلطة ،أو ميلكون شيئا ً منها ،ويريدون اإلنقالب على النظام ،خدمة لها ،وكذلك خدمة للطامعني الغرباء ، بالقضاء على النظام .في رأينا أن هذه األخطار حقيقية ولكن هل هي من اخلطر إلى الدرجة التي تُرفع إليها ؟ وعلى فرض أنها في مثل هذه اخلطورة ،أفيجوز أن نقنن احلرية إلى أبعد مما يقننها البورجوازيون ؟ أن هؤالء البورجوانيني يجعلون : احلرية ظاهرية ،أكثر مما هي حقيقية . • وشكلية أكثر مما هي موضوعية . • ويحسنون إستخدامها ملصاحلهم على الرغم من أنهم ال يخدمون إال أدنى القيم وأكثرها إنحطاطا ً ،أي -: حب املال. -1 واإلستغالل. -2 فهل يكون على املاركسيني أن يبزوهم في -: تشويه احلرية . -1 وكبتها. -2 وجعلها صورة خارجية ال حقيقة لها ؟ -3 ولئن إستطاع هؤالء البورجوازيون أن يوهموا األفراد أنهم ميلكون «حريتهم» في -: التعبير. -1 والتظاهر. -2 واإلضراب. -3 واإلنتساب إلى أي حزب يريدونه . -4 فهل يجوز للماركسيني أن ي ُ ْقرواعن شأوهم ويبقون دونهم ،يوهمون الناس أنهم أحرار. واملاركسيون على خدمتهم « املصالح املثالية « ال ميلكون حتى إيهام الناس أنهم أحرار .أن هذا لغريب حقاً .واألغرب منه وال ريب ،أن املاركسيني
يستلمون السلطة بإسم القيم املثالية واحلرص على مصالح الشعب ،وكرامته .ونكاد نقول ،أنهم يستلمون السلطة بإسم الشعب ، نكاية-: مبستغليه. -1 وظامليه . -2 وأكلي خبزه. -3 ومضطهديه. -4 ومجوعيه. -5 ومستثمريه. -6 وحبا ً به. -7 ُ وإخالصا له. -8 ودفعا ً للظلم عنه ،وردا ً للكرامة إليه. -9 فهل يجوز أن يكون أول من يشك فيه ويتهمه ويح َذره ويخشى من حريته ؟ لئن كان املستغلون الذين : ال قلب. • وال ضمير فيهم . • وال أي شعور مبفهوم الكرامة اإلنسانية • . هم الذين : يحتقرون هذا الشعب . • ويستغلونه. • ويسيئون إليه . • وال ميتعونه إال بوهم احلرية . • فبأي حق وأي قانون ي ُ َجوز ْ للماركسيني أن : يجردوا الشعب حتى من وهم احلرية . • وميعنون في أكبر الشك فيه . • ويجدونه متهما ً « أبديا ً « ال مجال ألن • يح ّرر ُه من رقابتهم عليه وخوفهم منه ؟ وأي نوع من الشعور الوطني ميكن • لهؤالء املاركسيني أن ميلكوه إذا كان كل مواطن لديهم «مشروع متهم «. و» بداية عميل «. • و» إمكانية دائمة خلدمة أعداء الوطن • والعدالة اإلنسانية» ؟
بل أي إحترام للمواطن ،هو: هذا اإلحترام املفعم بالشك فيه. • والريبة منه . • واحلذر املتصل من خياناته ؟ • إنه ما من شك أن في كل قوم : فئة من الناس ترتضي اخليانة. • وتقبل بالعمالة حلساب احملتل األجنبي • . وهذا رأيناه أمام أعيننا (بعد 2003في • العراق). ولكن مما ال شك فيه أيضا ً أن هذه الفئة • يجب أن تكون في األوضاع اإلجتماعية الظاملة ، أكبر منها في األوضاع العادية. ولكن،على فرض أن النسبة واحدة .فهي يجوز للماركسيني – كحكام – أن : تسجن كل الناس ،ألن عددا ً قليالً منهم • قد يستحق السجن. أو جتعل كل الناس متهمني ،ألن • بعضهم القليل غير برئ ؟. وهل الكلمة القائلة :إنه خلير لنا أن • يكون هناك ألف مجرم خارج السجن ،من أن يكون برئ واحد داخله ،كلم ٌة سخيفة جداً، مجردة من املعنى ؟ أن دكتاتورية البروليتاريا دكتاتورية سافرة على الفئات املستغلة ،حتى ال يخطر في بالها أنها تستطيع يوما ً ما قلب األوضاع وإستراجاع سلطتها وسيطرتها . ولكن ما الذي جعل هذه الدكتاتورية ، • تشمل الناس جميعا ً ،مس ِتغلني ،ومستَغلني ؟ وهل تساوي قطعة اخلبز التي أمنّها • املاركسيون لبعض اجلائعني ،كل احلرية التي جردوهم منها ؟ وأي نبل ،هو ذلك النبل الذي يصادر حرية • أمن اخلبز لفئة من اجلائعني .هذا كل الناس ألنه ّ إن كان هناك حقا ً جائعون ؟ لقد كان من املعقول أنه كلما تقدمت املاركسية 207
أقواس
أقواس
208
خطوة إلى األمام ،تقدمت احلرية خطوة موازية ...أما أن تصبح املاركسية في سن النضج والرشد ،وتظل احلرية جنينا ً في رحم األقدار ،ال يعرف أحد متى نسعد بوالدته ،فذلك أمر يدعو إلى الكثير من الريبة والبؤس .وعلى كل حال ،فإن الواقع هو الواقع ،وهذا الواقع الذي يحتاج إلى التفسير والتعليل ،ويقيننا أن اخلطأ الكبير في النظرية املاركسية ،أنها ظنت ،أن اإلنسان ميكن أن يصبح « ماركسيا « فقط من دون أية معادلة شخصية خاصة به ،أي من دون أهواء وعواطف وميول خاصة ،تنضاف إلى « املاركسي» الذي يظن أنه «تقمصه أو حل فيه «. ولكن من املؤسف إلى أبعد احلدود أن يكون في الدنيا كلها : « إنسا ٌن واح ٌد» هو واملاركسية شيء • واحد . يعادلها وتعادله . • ويساويها وتساويه . • وهو إما أن يكون أدنى منها أو أكثر منها • ،بقليل أو كثير. ولنذكر على سبيل املثال أن (ستالني) كان « إشتراكيا ً ماركسيا ً « وكذلك كان ( خروتشوف) ،ولكن (ستالني) لم يكن ماركسيا فحسب ،بل كان-: مغرما ً بالسلطة . -1 محبا ً للتفرد بها. -2 قليل اإلحتفال حلياة اآلخرين ،حتى ولو -3 كانوا في األصل من أقرب الناس إليه. وهذا (خروتشوف) يروي في كتابه « الوصية األخيرة « أنه تلقى محادثة تلفونية مختصرة يدعوه فيها (ستالني) للقدوم إلى موسكو. فجاء وجالً ،وصارح بخوفه (بيريا) وغيره .ولم يعد إليه إطمئنانه إال بعد أن طمأنه اآلخرون .لكن كان خلوف (خروتشوف) معنى واضحا ً : أنه لم يخف من (ستالني املاركسي) . • ولكنه خاف من (ستالني الدموي) الذي •
ال يرى حرجا ً في قتل أي إنسان يشك فيه ،أو يستاء منه لهذا السبب أو ذاك. وكذلك (خروتشوف) فإنه لم يُق ّال ألنه • ضعيف املاركسية . ولكن ألن اآلخرين رأوا أنه كثير األخطاء • على سالمة ماركسيته ،وطول عمره فيها. . ولعل اآلخرين الذين أزاحوه عن منصبه • ،لم يزيحوه عنه ،ألنهم كانوا أكثر إخالصا ً للماركسية ،بل ألنهم – مثالً – يريدون إزاحته من الطريق ،لكي يصلوا هم إلى القمة. ولهذا نحسب أن سلوك السلطة ليس موجها ً موج ٌه كذلك بدوافع دوما ً بالعقيدة وحدها ،بل هو ّ إنسانية ،نبيلة أو غير نبيلة ،غير العقيدة ،وهذا أمر إنساني نفهمه .ومن هنا جاء اخلطر من « دكتاتورية البروليتاريا « أو أية دكتاتورية أخرى (دكتاتورية املالكي) ألن السلطة بطبيعتها مفسدة كما يقول (جواهر الل نهرو) ،والسلطة املطلقة مفسدة مطلقة .وفي وسعنا ،متى ملكنا السلطة أن نستخدمها خلدمة العقيدة ، مبقدار ما نستخدمها ألية حاجة -: من حاجات النفس. -1 وميول القلب. -2 ونزوات الضمير. -3 ً ومن هنا كان اخلطأ مؤكدا في نظرية « دكتاتورية البروليتاريا « أيضا ً ومن الطبيعي بعد ذلك ،أن كل سلطة حتب احملافظة على وجودها ،كأي وجود آخر ،وقلما وجدت في التاريخ سلطة ترى العزوف عن السلطة ،كاإلحتفاظ بها .ولهذا كان تطور احلكم من الداخل صعبا ً إلى أبعد احلدود ،ولهذا نالحظ أنه ما من سلطة طو ّرت نفسها إال بضغط من اخلارج أو من الظروف .أما أن نطمح بحسن نية « احلكام « « وحرصهم على رفاهية الشعب ،أكثر من حرصهم على إستمرار سلطتهم فأن ذلك مجرد لغو ال تقبله العقول ».ومن هنا جاء أن األخذ مببدأ دكتاتورية البروليتاريا ،يعني متاما ً بقاءها دكتاتورية ،إلى
ما شاء اهلل ،سواء تغيرت الظروف من حولها أم لم تتغير .وأكثر من ذلك أن كل دكتاتورية مؤيدة بحزب يطمع كل فردٍ من أفراده بإسترضاء القيادة ،أمالً في مغامن أكبر وإنتهازية أرخص ، ستكون من القوة بحيث جتعل تغيير الظروف أمرا ً شبه مستحيل .ولهذا كان في وسعها أن تظل دكتاتورية إلى األبد .ومن املعروف أن (ماركس) هو سليل (هيجل) ونقيضه في آن واحد ،وبتعبير آخر :أنه سيليه في أشياء ونقيضه في آخرى. ومن أبرز ما مي ّيز (ماركس) عن (هيجل) : أن هذا األخير يؤله الدولة . • على حني أن األول ،مبعنى ما يؤله • الفرد. ويجب أن يكون هذا األمر صحيحا ً إلى حد كبير .ذلك أن من يريد الغاء الدولة وإزالة كل صور القسر عن األفراد ،ال يسعه منطقيا ً إال أن يرَّكز على الفرد أكبر التركيز .غير أن منطق التطبيق ما لبث أن رد (ماركس) إلى (هيجل) وجعله نسخة منه .وهذه املقارنة غريبة ما نظن أن (ماركس) كان يحب الوقوع فيها .ومن جهة أخرى ،فإن في كل النظريات الكبرى مجموعة من اإللتباسات التي تضم الشيء ونقيضه معاً. وال مجال للماركسية إال أن تقع في مثل هذه الثنائيات امللتبسة ،ومتى ألهنا الفرد من جهة أولى ،وأقمنا ديكتاتورية البروليتاريا ،من جهة أخرى ،فإن من املعقول جدا ً ،أن يجري التيار في الطريق األسهل .وال ريب أن الوصول إلى املستوى الذي يكون فيه اإلنسان هو القيمة األولى ، أصعب بكثير من البقاء واإلبقاء على دكتاتورية البروليتاريا ،وهكذا كان .ولو أن (ماركس) أمعن في التفكير في هذه الناحية ،ملا خانه عقله في التنبؤ مبصير هذه الدكتاتورية .واحلقيقة أن اإلنسان ليعجب أن يقوم حكم في الدنيا ، إلنصاف األكثرية املعذبة ،وأن يحتاج مع ذلك إلى دكتاتورية . وهل من حاكم أقوى من الذي ميلك •
أكثرية القلوب ،ويخدم القسم األعظم من املصالح العامة؟ أو يكتفي احلاكم الذي يخدم مصالح • األقلية بالدميقراطية طريقة للحكم ،وال يخشى األكثرية ،ويحتاج احلكم الذي يخدم مصالح األكثرية إلى الدكتاتورية خشية من األقلية ؟ ويجب أال ننسى أن دكتاتورية البروليتاريا ليست جزءا ً من العقيدة املاركسية ،ولكنها جزء من أسلوب عملها .وليس يطعن في هذه العقيدة أن تتحرر من هذا األسلوب ،أو أن تُنتَقد فيه ، ومن اخلير لها وللناس أن تتحرر منه ،ألنه ثبت بالتجربة والتطبيق أن هذا األسلوب معاد للكرامة اإلنسانية وللحرية ،ومناقض لهما ، على كونهما أسمى غايات املاركسية .ويتساءل اإلنسان عما إذا كان املبرر الذي يستخدم عادة لقيام دكتاتورية البروليتاريا ،مبررا ً معقوال ً ،كافياً، أم هو غير معقول وال كاف ؟ والعادة أن يجاب عن هذا السؤال بأن املبرر هو الضرورة القاضية بإيقاف البورجوازيني عند حدهم ،ومنعهم نهائيا ً من العودة إلى نظام اإلستغالل ،وإستثمار اإلنسان لإلنسان ،وأن القوة هي العامل احلاسم في هذا املوضوع ،ولهذا يجب أن تقوم دكتاتورية البروليتاريا .لكن املفروض عندئذ أن التقع هذه الدكتاتورية في أخطاء ،أقتل للشعب من وجود البورجوازية .ومن الواضح أن إرتكاب األخطاء أمر إنساني بحت ،ال مجال لعدم الوقوع فيه. وعندما نالخظ إنتقادات هذا النظام املاركسي ،للنظام اآلخر املاركسي ،وإنتقادات هذا الثاني لألول ،فأن علينا – بالتأكيد – أن نقول :أن هناك أخطاء كثيرة وقعت :وهي إما أخطاء موضوعية : كتحميل املعامل أكثر من طاقتها ، • بحجة أن مفهوم « الطاقة القصوى « مفهوم بورجوازي . أو حتويل املزارع العامة التي تقتصر على • إنتاج محصول واحد ،إلى « كومونات « تنتج 209
أقواس
أقواس
210
سائر احملاصيل ،إميانا ً بنظرية اإلكتفاء الذاتي على حساب هدر الطاقة الناشئة عن زيادة التمرس وطول اخلبرة لدى زراعة احملصول الواحد. وإما أخطاء تصدر عن وجهة نظر خاصة : كظن (خورتشوف) مثالً أن شعار « دع • مئة زهرة تتفتح « . وشعار اللحاق باألمم املتقدمة ،خالل • خمس سنوات . أو القفزة إلى أقصى األمام ( أنظر • خورتشوف في الوصية األخيرة) ليست شعارات رصينة .غير أن األخطاء املوضوعية أو تلك التي يقدر اآلخرون أنها أخطاء ،قد حتدث أثارا ً ضارة جدا ً ،مؤذية إلى أبعد احلدود بحيث ال يكون القضاء على البورحوازية ،بجانبها ،شيئا ً مذكوراً .ومن طبيعة احلكم الدكتاتوري ، كيفما كان نوعه ،أن يرتكب مثل هذه األخطاء ،كأي حكم آخر.إال أنه بسبب من دكتاتوريته ، أشد إمعانا ً فيها ،من احلكم القائم على أساس حرية التعبير وحرية اإلنتخابات .ونتساءل اآلن: أكان ميكن أن يغامر (هتلر) بحربه ضد • بولونيا لو أن ( ستالني ) لم يعقد معه معاهدة إقتسام الغنيمة ؟ أو ميكن القول :إن مكاسب هذا • التحالف مع (هتلر) ،كانت تساوي ما نشأ عن هذه اخلطيئة املميتة ؟ إن على الدكتاتورية ،لكي تبرر مشروعيتها ، أن تكون معصومة .والعصمة ،فيما نرى ،أم ٌر العصمة غير دنيوي .فمن أين نأتي برجال رزقوا ّ ،ورُكبوا بحيث ال يقترفون أي خطأ ؟ أما إذا كان هؤالء يجدون أنفسهم ،مبحض املصادفة ،ويتصرفون فيها إلى العصمة ،ويقفزون بحكمها إلى قمة السلطة ،فذلك أم ٌر – إن صح وقوعه – ال نناقش ُه أصالً ألنه من نظام مفارق للطبيعة .واما إذا قلنا أن الناس الذين ينتخبون هؤالء الرجال املعصومني ( سواء أكانوا رجال حزب ،أم الناس كافة) هم -:
الناس العاديون الذين نلقاهم في كل
- 1 مكان . ويأكلون ويشربون. -2 ويعملون. -3 ويربحون ويخسرون. -4 فعتدئذ البد من التساءل : كيف يستطيع الال معصوم أن يختار • للحكم معصومني ؟ وكيف تتم هذه املفارقة املنطقية ، • فيكون السبب أصغر من النتيجة ؟ وكيف ال يوفق الشعب في شيء قدر ما • يوفق في هذا اإلختيار؟ بل كيف يكون مشبوها ً البد من • مراقبته بإستمرار حتى ال تستيقظ فيه امليول البورجوازية. وحتى ال يقع في شبكة اإلرهاب • والعمالة لألعداء ،ثم يوفق دوما ً إلى إختيار املعصومني ،إلدارة دفة احلكم والقائم بأمره ؟ وإذا هو كان يصلح ملثل هذا اإلختيار • املوفق ،فكيف ال يصلح إلختيارات موفقة أخرى ،يرى فيها مثالً أن القيادة القائمة لم تع ْد معصومة ؟ وبالتالي ينبغي تبديلها ؟ وهل ميكن أن يكون اهلل قد جعل سواد • الشعب ال يوفق إلى اخلير إال مرة واحدة ،وذلك عندما يختار القيادة ،ثم يتخلى عنه ،في كل شيئا ً آخر ،فال ميكن عندئذ أال أن يكون « موضوع شبهة» متصلة ؟ ومهما يكن من أمر التطبيق وخروجه عن توقعات النظرية ،والعقيدة ،وحتى إذا كان لهذا التطبيق احلسن أو السيء ضروراته ومبرراته ، فإن املشكلة التي تفاجئنا دوما ً ،هي مشكلة التوجيه أو الفصل بني النظرية ،وصور تطبيقها العابرة ،أو املستمرة لفترة طويلة .وبطبيعة احلال ،فإنه ما من إنسان يعرف النظرية املاركسية إال ويستطيع أن يقيس بسهولة درجة اإلنسجام بني العقيدة وتطبيقها .وقد ينحاز إلى التطبيق
ضد العقيدة ،ولكن موقفه عندئذ سيكون-: سياسيا ً ال عقائدياً. -1 وواقعيا ً ال مثالياً. -2 ووصوليا ً ال مبدئياً. -3 أما املوقف العقائدي امللتزم حقا ً ،فإنه ال ميلك إال أن يقدر مدى اإلنسجام بني صورة معين ٍة من صور التطبيق ،وبني العقيدة التي ينطلق أو يقال إن التطبيق ينطلق منها .وبهذه املناسب هنا ، كان هناك أحد أمراء قلعة آملوت « اإلسماعيلية « ( أنظر كتاب سهيل زكار عن « اإلسماعيلية «) قد دعا أنصاره ذات يوم ،وجعل منبره إلى الشمال ،وإستدبر القبلة ،وخطب في الناس قائال ً :إنه تلقى رسالة سرية بخبره فيها (اإلمام املعصوم) أنه قد حانت ساعة القيامة ،وإنتهى عهد الشريعة ،وأن ما كان فرضا ً أو واجبا ً شرعيا ً من قبل ،اصبح حراما ً اليوم .فال صالة وال صيام رمضان وال زكاة وال حج .وأن من يأتي هذه األفعال (املنكرة) س ُيعاقب عليها بعد هذا اليوم ،كما كان يعاقب على تركها قبله .ال ريب أن هذه صورة كاريكاتورية لتطبيق الدين الذي كان هذا احلاكم ينطق بإسمه ،إال أنها صورة حقيقية وقعت فعالً وعمل مبوجبها الناس كما أمروا ،ولكن العاقل ال ميلك إال إستنكارها وإستغرابها ،أما إذا هو أيدها وكان من أنصارها ،فال ريب أنه يؤيد ها من موقف سياسي رخيص ،يريد منها « أن يعيش « وأن يحقق أهدافه الذاتية ضد العقيدة واملبدأ ،وسيكون غريبا ً جدا ً أن يدعي أن روح العقيدة نفسها يتجلى في هذا النوع من التطبيق .ومع ذلك فليس من شأننا أن نبحث مواضيع فكرية مع اإلنتهازيني والوصوليني -وما أكثرهم في هذا الزمان – فهم أحرار في املوقف السياسي الذي يعتمدونه .ولكن من الغرابة مبكان أن يحملوا « انتهازيتهم « على أكتافهم ويعلنوا أنها حتل ، منطقيا ً وبالضرورة ،محل املبادئ التي ينطلقون منها .إن اإلسالم عرف خلفاء كثيرين ّ ، قل أن ُوجد بينهم من أحسن تطبيق اإلسالم روحا ً ونصا ً .
فإذا وجدنا بني اإلسالم وبني صور فهمه وتطبيقه لدى كل هؤالء اخللفاء ،فسيكون عندئذ لإلسالم ألف صورة ممكنة ،وسيتبدد بينها حتماً .وكذلك ستكون احلال في أية عقيدة أخرى .فاإلسالم ليس -: املعتزلة. -1 وال األشعرية. -2 وال املاتريدية . -3 وال احلنفية. -4 وال الشافعية . -5 وال احلنبلية. -6 وال املالكية. -7 وال أية صيغة من هذه الصيغ التي صيغ -8 فيها. بل هو أكبر منها جميعا. -9 وال سمو ألي منها إال ذاك الذي تستطيع اإلبقاء عليه من سمو اإلسالم نفسه ،وهو سمو يزيد أو ينقص تبعا ً لكل صيغة .وكذلك ُق ْل في شأن كل عقيدة أخرى ،فهي دوما ً معرضة لتأويالت « ُغلب فيها جانبا ً على جانب ،وتبرز منها ذاتية « ت ْ جانبا ً دون آخر .ومن الطبيعي أن يشك اإلنسان كل الشك في أي تطبيق للعقيدة يفارقه سموها .وليس كفرا ً بالعقيدة أبدا ً ،إن نحن مارينا في شيء من صور تطبيقها .يبقى هناك سؤال :ترى هل ميكن للشعب أن يعيش حياته الطامحة إلى إنهاء عهد التخلف والدخول في عالم التمدن ،في إطار نظام يضيق اخلناق على احلرية ؟ أما اجلواب ،فأمر عسير أو غير عسير ، تبعا ً لوجهات النظر اخملتلفة ،ولكنا نحسب أن إنعدام احلرية لدى الشعب ،منذ أوائل تاريخهم كان أحد ثوابت النظام اإلجتماعي الذي أنتهى إلى كل هذا التخلف .وكل شيء قد تغير في اجملتمع ،من اإلقتصاد إلى السياسة إلى البنية وعرفت بالدنا: الداخلية .لقد تغير اإلقتصاد ، ْ الغنى تارة . • والفقر تارة أخرى . • 211
أقواس
أقواس
212
واحلرب مر ٌة . • والسلم مرة ثانية . • وتغير احلكام ،فكان بينهم الرحماء – • ٌ وقليل ما هم – . وكان بينهم الظاملون والطغاة – وكثي ٌر • ما هم –. وتغيرت النبية اإلجتماعية من أكبر • الوحدة إلى أكثر التناثر. فال يصح أذن أن ن ُرجع التخلف إلى أي عامل من هذه العوامل ،لكثرة ما أصابها من التغيير بقي ثابتا ً ،لم يتغير ولم واإلختالف .ولكن الذي َّ يتبدل إمنا هو: احلكم املستبد . • ونتائجه من اخلوف . • وفقدان الطمأنينة. • وإنعدام الثقة باملستقبل. • وكانت النتيجة أن الشعب لم يعرف • عاما ً بعد عام ،إال املزيد من اإلنحطاط والتخلف . فما أبسط إذن أن نستنتج من ذلك كله • ،تلك العالقة الوثيقة ،أو ذاك الترابط القوي بني مسيرتي اإلستبداد والتخلف. إنهما خطان يتوازيان صعودا ً وهبوطا ً . • فما زاد أحدهما إال زاد اآلخر ،مثله أو • أكثر منه. ولهذا نظ ُن أن ما كان من ثوابت التخلف • ال يصح أن يعود فيكون من عوامل التقدم ،إال إذا نحن آمنا باألعاجيب . وقلنا أن األسباب نفسها تؤدي إلى • هذه النتيجة تارة ،وإلى نقيضها تارة أخرى .وما َعهدنا العلم يقبل هذه السببية الغريبة ،إذ لو صحت ،ألنتفى العلم. لقد طال عهد « الال حرية « على الشعب ،وأنشأ بط ّول ِه هذا « نفسية خاصة « وجدنا أنها -: نفسية إنطوائية . -1 حتب السالمة. -2
وتؤثر البعد عن األمور العامة. -3 وحتب الربح باجلهد األقل. -4 وتتأبى عن اجلهد املتطاول ،والنتائج -5 البعيدة املدى . وتختصر الزمان كله في اللحظة -6 احلاضرة . غير متعظة باملاضي ،وال منتبهة إلى -7 املستقبل. وكل ذلك من نتائج اخلوف -: واخلوف من نتائج احلكم املستبد. -1 أو من نتائج فقدان احلرية. -2 وباملقابل فإن هذا الشعب تراخت أواصر ُه وتضاءلت وحدت ُه وقلت أثاره على األرض ،حتى ليحسب الرائي في أوائل القرن الواحد والعشرين أن بالدنا التي عرفت يوما ً ما أكبر صور احلضارة والتألق لم يسكنها الناس إال منذ مدة قصيرة ، إلنعدام املؤسسات العامة واملصالح املشتركة. وهذا كله يحملنا على القول :إن شدة التناحر بني افراد هذا الشعب ،وإنقالب كل شخص فيه إلى « مطلق كبير» ال يرى في البالد وجودا ً غير وجوده _: قد حمل الناس على أن يطلبوا الغنى مما -1 جمعه اآلخرون ،ال مما جهدت به أيديهم . وأن يطلبوا البقاء على حساب اآلخرين -2 ،ال بالتعاون معهم. وأن ينشدوا اجملد عن طريق عدوان القوي -3 منهم على الضعيف . بدال ً من أن ينشده بفعالية مشتركة. -4 فهل يصح اآلن أن : نقول :إن أية دكتاتورية ،تنعدم فيها • حرية األفراد ،ميكن أن تؤدي يوما ما ،إلى زوال التخلف ،وشروق شمس التمدن ؟ . احلقيقة نتمنى أن تشرق شمس التمدن • إنها لن تعرف سبيلها إلى التمدن ،عن • غير طريق احلرية.
جت ذ ير
ف ك ر
إ ق ت با
ي و تار
يخ
ي ل س ا ل د ت مي ت ار قر ي ا خ ط ي ي ة ة
نبيل ياسني
213
أقواس
أقواس
214
الفقراء هم الصامتون وحدهم في سومر مثل بابلي
جده اوتونابشتم ,في داللة على إستحالة اخللود وإستحالة امللك وإستحالة إستمرار النفوذ والقوة.. كان اخللود فكرة او عقيدة القدرة من خالل عدم حتديد البداية لالنهائي السرمدي اخلالد القادر على اإلستمرار في التحكم .كانت فكرة السرمدية االلهية تتسرب الى البشر احلاكمني ليحكموا سرمديا ( فسنوات االله التاتي والمتر, التبدأ والتنضب ,بينما سنواتنا نحن البشر تاتي 1 وتذهب) حسب القديس اوغستني( انها فكرة دينية وعقيدة تاريخية تشمل حتى االلهة الوثنية .ففكرة اخللود االلهي نقيض البشرية .وقد سعى احلكم الى ان يكون خالدا وسرمديا ,سواء كان مطلقا في القرون الوسطى ,خاصة عند جيمس االول وشارل االول في مطلع القرن السابع عشر في انكلترا ،ولويس الراابع عشر في فرنسا وغيرهم ,او كان مشاركا مع االلهة كما عند السومريني والفراعنة. لقد تطور الفكر البشري من خالل تطور العقل وظهور احلضارات واألنظمة السياسية التي بدأت تتخلى عن اجلانب االلهي لتكون بشرية اكثر. فلم يعد حمورابي ابن االلهة ولكنه يتسلم منهاالصالحيات .لقد كانت السلطة مثار جدل بني االلهة انفسهم ملا تنطوي عليه من عوامل قهر وظلم وإستخدام القوة واحلرب واملال ,وما تثيره من أسئلة حول العدالة واملساواة والفقر والغنى .ان العالقة بني الدين واحلكم في حالة تغيير .لقد كانت املعجزة ,كمفهوم ,مرتبطة بااللهة ,ولتبرير السلطة كانت املعجزة ذاتها مناطة بأفعال احلاكم .وحني وصل التغير الى فصل املعجزة عن احلكم كانت الدميقراطية قد حلت محل املعجزة لتصبح إمكانيات بشرية قادرة على التنظيم واالدارة ووضع
كأن املادة التاسعة عشرة من اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان الصادر عام 1948جاءت لتجسد هذا املبدأ –املثل البابلي الذي يجعل من الفقر واجلهل واإلحباط وفقدان احلقوق واحلريات نتيجة منطقية وحتمية للصمت وفقدان حرية التعبير. فالفقراء الذين اليستطيعون ممارسة حق القول وحرية التعبير يبقون الصامتني الوحيدين الذين الينالون حقوقهم .،منذ فجر عصر السالالت ودويالت املدن في سومر وبالد الرافدين إرتبطت حرية التعبير باحلقوق املدنية. لقد جسدت ملحمة كلكامش حقيقة أهمية توازن القوى لتحقيق الدميقراطية .فبعد ان كان كلكامش دكتاتورا في اوروك ينتهك حقوق حتى أبطال سومر ،خلقت االلهة انكيدو ,إستجابة ملطالب سكان اوروك ,الذين لم يطيقوا الصمت فتكلموا وعبروا عن حاجتهم الى السلم والعدالة ,لتكون معادال موضوعيا في القوة لكلكامش. تصف امللحمة في سياق شعري رائع الصراع الذي نشب في سوق اوروك بني اخلصمني: الدكتاتور ومعادله املوضوعي في القوة .كانت حكمة الهة بالد الرافدين أقوى من النزعات العسكرية لكلكامش الذي خسر احلرب بسبب عدم إحترامه لقرار مجلس اخلمسني من شيوخ املدينة الذين نصحوه بتجنب احلرب ,فخلقت له خصما من القوة اجلسدية . بعد ان تعادل البطالن كف كلكامش عن ان يكون ديكتاتورا .وإنغمس في البحث عن اخللود Brian Davies .An Introduction to . بعد موت صديقته انكيدو وتطورت النواحي 1 اإلنسانية لديه الى حد اإلقتناع باملوت بعد ان the Philosophy of religion .Oxford Univer- sity Press.1982.P77 سرقت األفعي عشبة اخللود التي أعطاها له
القوانني. الدميقراطية واحلضارة كانت اريدو أقدم مدينة في العالم تقدم أضاحي وقرابني من السمك النهري لالله انكي ,إله األعماق ,االله املعبود في بالد تعيش بني الزراعة والطوفان ,بني الطني والنخيل ,األمر الذي يحدد كيفية السيطرة على التوازن املطلوب والدائم بني احلاجة الى املاء وجتنب املدمر منه. كانت أنظمة الري الدافع األساس لتشكيالت سياسية غاية في القوة .عليها ان تكتسب الصالحيات من قوة عليا لتكون قادرة على إدارة الصراع من أجل املاء مرة وضد املاء مرة ثانية. نشأت املدن القدمية ,اور ,الوركاء ,نفر ,لكش وغيرها على حاجتني :احلاجة الى املاء ,واحلاجة الى إدارة الصراع معه .وعلى عكس املدن في شمال بالد الرافدين حيث األرض صخرية او كلسية اليتغير فيها مجرى نهري دجلة والفرات, فإن مدن اجلنوب الرافدينية حتولت الى خرائب وأطالل حاملا حول النهران مجريهما ،خاصة نهر الفرات .لقد لعبت البيئة واملناخ دورا في تشكيل اجملتمعات الرافدينية القدمية .وبالتالي حددت طبيعة السلطة بإعتبارها سلطة املياه والري. فحيث تشح املياه وينخفض مستواها في أوقات احلاجة ,وحيث تغضب وتفيض وحتدث الطوفان كان البد لعمل وإبداع اإلنسان ان يخلقا نوعا من النظام املركزي الشديد الصرامة لبناء نظام معقد من أقنية الري واخلزانات والسدود وبوابات التحكم والتصريف واجلسور وكذلك معاجلة 2 امللوحة الناجتة عن فيضان االنهر. نشأت احلضارة من محاوالت التغلب على البيئة واملناخ وتخفيض مستوى حتكم كل منهما في حياة البشر.حني تنشئ احلضارة وسائلها ( .آثار بالد الرافدين -سيتون 2 لويد -ترجمة محمد طلب -دار دمشق –الطبعة االولى2003ص.)19
الروحية واملادية لهذه احملاوالت تنشأ معها القوة والسلطة ,ويظهر النظام السياسي بإعتباره اإلدارة التي تتولى تنفيذ هذه احملاوالت .هكذا نشأت سلطة القبيلة وسلطة الدولة – املدينة في سومر مثلما نشأت الدولة االمبراطورية فيما بعد منذ البابليني .كلما كانت البيئة واملناخ قويتني كانت السلطة قوية ومركزية ،وحتتاج السلطة الى الريع لكي تنفذ إدارتها :الضريبة , اخلراج ,املصادرة ,التملك الطبيعي او التعسفي لألرض واملوارد .فالسلطة تعمل ليدفع أجور عملها األخرون كريع .لكن بعض املناطق ظلت مشاعة .كان كليب قد حاول إنتهاك املشاعة حني قتل ناقة البسوس التي دخلت مرعى مشاعا .وكانت حرب البسوس حربا على درجة من األهمية في سياق تطور النظام اإلجتماعي وتطور السلطة .فإنتهاك كليب كان يسعى الى توفير الوسيلتني اخلاصتني بالسلطة :القوة واملال.. ان تطور النظام اإلجتماعي كان يؤدي الى تغييرات في طبيعة وبنية السلطة السياسية بإعتبارها القوة التي تسعى للهيمنة الروحية واملادية على اجملتمع ,الذي كان بدوره ,يأمل ان تكون ثمة ثوة مركزية تساعده على التحكم بالطبيعة ومواردها التي أصبحت تتطلب سن قوانني وتشريعات لتتوزع بشكل عادل او متساو بني البشر .من هنا نشأت مشكلة احلقوق ,التي نشأت معها احلاجة الى قوانني وتنظيمات سرعان ما إحتاج اصدارها الى قوتني الهية وبشرية لكي تعمم وتعمل وتنفذ.. لم تكن الدميقراطية سوى القدرة على إقامة التوازنات التالية .التوازن بني احلق والقانون, التوازن بني اجملتمع والسلطة ,التوازن بني احلياة املادية واحلياة الروحية .وكان التاريخ هو نتاج الصراع من أجل إقامة هذا التوازن.. كانت القوانني األولى غاية في التخصيص. فهي نتاج سلطة محلية ,كما هي نتاج بيئة 215
أقواس
أقواس
216
إجتماعية وإقتصادية محلية .لكن أهميتها بعض صكوك وعهود الدميقراطية :حقوق تكمن في كونها القاعدة احلقوقية األساسية اإلنسان ووسائل حمايتها في الدميقراطيات ملعرفة وظيفة القانون من جهة وموقع احلقوق مت تدوين اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان في عام من جهة ثانية.. في شريعة حمورابي ,التي تعتبر األهم في 1948م في اجلمعية العامة لألمم املتحدة ،ووقع تاريخ احلقوق والقوانني ,وفي شريعة لبت عشتار عليه جميع أعضاء اجلمعية عدا السعودية التي وشريعة اورمنو ,هناك تشريعات بخصوص وقعت عليه بتحفظ ،ودولة أخرى .كان هذا اإلعالن امللكية وحتديد حقوقها من خالل وجود تتويجا لنضاالت القرنني الثامن عشر والتاسع خرائط للمساحات الزراعية وحدودها وواجبات عشر من أجل تقليص صالحيات احلكم املطلق البساتنيني وطرق اإلستئجار وتنظيم املعامالت الذي ضعف وتراجع طوال القرن الثامن عشر، اخلاصة بذلك مما يعني أن تطور النظام السياسي ثم جاء القرن التاسع عشر ليشهد النضال من إرتبط بنظام احلقوق 3.ورمبا يكون العكس أيضا ,اجل تدوين الدساتير في اوروبا واعطاء البرملانات اي ان نظام احلقوق تطزر مع النظام السياسي حق الرقابة على السلطة وتقليص صالحيات وتعيني صالحياته ومسؤولياته ,لكن بدون شك احلكومات مقابل توسيع صالحيات الدميقراطية تطور النظام السياسي بسبب احلاجة الى التمثيلية وتتوج القرن التاسع عشر بالنضال إصدار تشريعات حول احلقوق .ان هذه التشريعات من اجل حرية الصحافة .وفي القرن العشرين أعطلت النظام السياسي قوة إضافية عززت بدأت املرحلة الثالثة للتطور الدميقراطي بعد إستبداده اكثر من تعزيز دستوريته.ولقد انشأ مرحلة تقليص احلكم املطلق وتقليص احلكم تطور الفرق بني القرية واملدينة إمتيازا سياسيا عبر املرحلة الثانية بإعطاء البرملان قوة التشريع جديدا يقوم على قدرة النظام السياسي على والرقابة. تأمني الطرق واملواصالت واألمن والتبادل البضاعي اإلعالن الثاني :إعالن حماية حقوق اإلنسان ونشوء احلرف والصناعات اليدوية ,وبالتالي على في نطاق مجلس أوربا ومتّ تدوينه عام 1950م في ظهور الكتابة ومسك السجالت وإنشاء املعابد روما.. واملوانئ (حيث كانت املدن تقام على ضفاف اإلعالن الثالث :اإلتفاقية األمريكية حلقوق األنهر) واألسواق .قاد كل ذلك الى تعقد نظام اإلنسان ،متّ تدوينها في 1969م.. املدينة وتعقد نظامها السياسي ,بحيث ان اإلعالن الرابع :امليثاق األفريقي حلقوق اإلنسان أولى املعاهدات بني الدويالت واملدن عقدت في بالد وقد مت تدوينه بإقتراح من الوحدة األفريقية عام الرافدين او بني بالد الرافدين والدول اجملاورة مثل 1979م.. املعاهدة التي أبرمها امللك نرام سني رابع حكام اإلعالن اخلامس :مشروع امليثاق العربي حلقوق أعد في جامعة الدول العربية. الدولة االكدية ( )2255-2291قبل امليالد بينه اإلنسان الذي ّ وبني ملك اوان الى الشمال الشرقي من سوسا اإلعالن السادس :مشروع حقوق اإلنسان في بالد عيالم بعد اإلنتصار العسكري الذي والشعب في الوطن العربي ،وقد متّ تدوينه عام حققه نرام-سني على ذلك امللكومثل املعاهدة 1985م.. التي أبرمت بني دولتني -مدينتني هما جلش واوما 4 تعقيب على الصكوك والعهود برعاية حاكم مدينة لكش. ( .3حضارة العراق .الجزءالثاني .ص)158 إعتاد كثير من دعاة الدميقراطية وحقوق اإلنسان ( .4حضارة العراق -الجزء الثاني-ص )118
إيراد هذه الصكوك والعهود دون بحث التناقض بني وجودها واإلعتراف بها حتى من قبل حكومات وأنظمة ديكتاتورية مستبدة في مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسعودية وغيرها.. يؤكد فقهاء الدساتير واحلقوق املدنية والسياسية وحقوق اإلنسان على أهمية ان تتوفر وسائل واقعية حلماية هذه احلقوق والعمل على إجبار احلكومات على تطبيقها واإللتزام بها.. ان أهمية هذه احلقوق التأتي من النص عليها فحسب وإمنا من تعزيزها بوسائل حماية تبدأ من إستقالل القضاء وتوليه مهمة حماية هذه احلقوق وضمان تطبيقها من قبل احلكومات مرورا بسلطة الرأي العام املمثلة في وسائل اإلعالم املهنية واملستقلة غير احلزبية وغير احلكومية وليس إنتهاء مبسؤوليات ونشاطات منظمات اجملتمع املدني التي تتولى الدفاع عن هذه احلقوق .لكن مشكلة توفير وسائل حماية احلقوق تتعرض للمصادرة واإلحتواء ،سواء من قبل احلكومات نفسها حني تتولى إنشاء وزارات حلقوق اإلنسان تكون مهمتها حجب الوقائع والدفاع عن اخلروقات التي تقوم بها احلكومات وتبريرها وتلفيق وقائع بديلة عنها.او من قبل وسائل اإلعالم التي تلتحق باألحزاب والقوى السياسية التي تخرق حقوق اإلنسان وتسيسها حزبيا وجتعلها خاصة مبا تتعرض له هي كحزب وليس مبا يتعرض له املواطنون وأفراد اجملتمع واملنظمات األخرى ،وسبب ذلك هو حزبية الدفاع عن احلقوق وليس وطنيتها أوإنسانيتها كونها منظومة إنسانية كونية مشتركة. فضال عن ذلك فان الوسيلة األساسية للدفاع عن حقوق اإلنسان هي الثقافة العامة للمواطن. ومعرفته بحقوقه وإميانه بان وسائل حماية هذه احلقوق متوفرة لدى القضاء ووسائل الرأي وسلطة اجملتمع املدني وان هناك من يقف معه في إسترجاع حقوقه بإعتبارها مصانة مقدسة والميكن للنفوذ
احلكومي مصادرتها.. ان اإلحباط الذي يصيب املواطن من إستحالة حصوله على حقوقه املنصوص عليها دستوريا يراكم من خالل التفوق السياسي على اجملال املدني حني يستولي اجملتمع السياسي على حيز اجملتمع املدني ويصادره ملصلحته .ويحذر املفكر الفرنسي آالن تورين من هذا اإلستحواذ ويفصل بحزم بني احلامل السياسي واحلامل املدني ، كما يحذر من النفوذ املالي والنفوذ السياسي اللذين ميكن ان يهددا بإنتهاك حقوق اإلنسان والدميقراطية وقوة اجملتمع املدني الالزمة إلبرام العقد اإلجتماعي بني اجملتمعني السياسي واملدني كطرفني يحققان اإلتفاق على الشروط املشتركة واحلقوق اخلاصة بكل طرف. وتنبثق من هذه الوضعية مظاهر اإلستبداد بإسم الدميقراطية ،اذ انه بعد تاريخ طويل ومكرس لإلستبداد تنشأ لدى األفراد فكرة (عدم اخلالص) ،وتذوي فكرة اخلالص التي تبقى لدى عدد محدود ومحددا جدا من األشخاص الذين ينطوي عملهم على صعوبات بالغة في التنوير والنهضة في مواجهة النفوذ السياس لالحزاب على القوانني واألنظمة التي تضمن حقوق املواطنني مبا فيها حقهم في تكافؤ الفرص وفي املساواة امام القانون في العمل والصحة والتعليم والسكن والنقل والسفر وملىء املناصب والوظائف على أساس مبدأ حيادية اخلدمة املدنية وعدم حتزبها ومحاصصتها بني األحزاب والقوى املشاركة في احلكم. ان عمل املفكرين والفالسفة هو ماصنع الدميقراطية وليس السياسيني .ونستطيع ان جند جذورا للعقالنية واملدنية في التراث العربي واإلسالمي في خضم اإلتساع العميق لإلستبداد والوهم اللذين شاعا وحكم العقل اجلمعي العام.
217
أقواس
أقواس
218
جذور عقالنية عن احلكم والدولة سنحاول هنا ان نقيم تناسقا لفكرة الدميقراطية ومدنية الدولة من خالل إيراد بعض املقتبسات التاريخية املهمة في الفكر العربي واإلسالمي بإعتباره جزء من التراث اإلنساني اخلاص بفكرة الوظيفة القانونية للدولة وظيفة الدولة املدنية يلخص مسكويه في كتابه( تهذيب األخالق) فكرة الدولة املدينة بالعبارات التالية: يجب على مدبر املدن ان يسوق كل إنسان نحو سعادته التي تخصه ثم يقسم عنايته بالناس ونظره لهم الى قسمني :أحدهما :في تسديد الناس وتقوميهم بالعلوم الفكرية ,واآلخر :في تسديدهم نحو الصناعات واألعمال احلسية .و فكرة السعادة من خالل وظيفة الدولة ليست جديدة ،فقد أشار اليها علي بن ابي طالب في سياق وثيقته الفكرية للدولة ومفهوم احلكم املعروفة باسم عهد األشتر ،كما أشار اليها ديدرو واملوسوعيون .ان موضوع السعادة كوظيفة للدولة فكرة دينية باألصل ،وقد أعاد إنتاجها الشيخ حسني الناذيني املرجع الديني الشيعي منذ مطلع القرن املاضي في كتابه( تنبيه االمة وتنزيه امللة ) الصادر عام ١٩٠٩حول الشورى والدميقراطية او املشروطية واإلستبداد التي شاعت في نهايات القرن التاسع في كتاب طبائع االستبداد لعبد الرحمن الكواكبي ثم تطورت الى فكرة الدولة املدنية وليس الدينية في كتاب (اإلسالم وأصول احلكم) لشيخ األزهر األسبق علي عبد الرازق الذي صدر عام .١٩٢٥ وأثار ضجة واسعة.
شغيلة اليد وشغيلة الفكر ان اجلذور العقالنية لفكرة النظام العادل إنبثقت في آراء وأفكار عدد من املفكرين املسلمني في وقت مبكر .فراغب األصفاني يورد في كتابه (الذريعة) ما يذكرنا بأطروحة شغيلة اليد وشغيلة الفكر املعاصرة بتأكيده على ان (الصناعة ضربان : علمي وعملي .فالعلمي مايستغنى فيه عن اإلستعانة باجلوارح من اليد او الرجل كاملعارف اإللهية واحلساب .والعملي مايستعان فيه باجلوارح وهو ضربان :االول ينقضي بإنقضاء حركة الصانع كالرقص ,والثاني شئ يبقى له أثر معقول المحسوس ,كالطب ,وضرب محسوس كالكتابة). العقل والسعادة القصوى ومبا ان الدميقراطية نظام عقالني يقوم على مايناسب العقل الذي يسعى لتوفير املنفعة العامة عبر اإلستقرار والسلم األهلي واخلطاب التسامحي فان الفارابي يناقش موضوعة العقل في كتابه(السياسة املدنية) الذي يبحث عن حتقيق السعادة القصوى في النص التالي ( العقل الفعال فعله العناية باحليوان الناطق وإلتماس تبليغه أقصى مراتب الكمال الذي لإلنسان ان يبلغه ,وهو السعادة القصوى ,وذلك ان يصير اإلنسان في مرتبة العقل الفعال,وامنا يكون ذلك بان يحصل مفارقا لألجسام ,غير محتاج في قوامه الى شئ اخر مما هو دونه من جسم او مادة او عرض وان يبقى على ذلك الكمال دائما). التاريخ :العقيدة واملثل وحني يلعب التاريخ مبا فيه من إرث ديني وسياسي إستبدادي دورا في إعاقة الدميقراطية سواء من حيث إنطالقها او تطورها فان (النقل)
يحل محل(العقل) ويتحول التاريخ نفسه الى عقيدة جمعية جامدة حتول دون اإلنتقال من عناصره التي حتكم احلاضر الى عناصر حيوية متحركة .والبد من اإلشارة الى فكرة ابن خلدون في املقدمة حول الركود التاريخي عبر النقل والتحول التاريخي عبر العقل(التاريخ فن يوقفنا على أحوال املاضني من األمم في أخالقهم واألنبياء في سيرهم وامللوك في دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة اإلقتداء في ذلك -ملن يرومه -في أحوال الدين والدنيا. والتاريخ محتاج الى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما الى احلق وينكبان به عن املزالت واملغالط ألن األخبار اذا اعتمد فيها على مجرد النقل وال قيس الغائب منها بالشاهد واحلاضر بالذاهب فرمبا لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم واحليد عن الصدق). العالم حتت حكم اجلاهل
لم تشغل بال الفقهاء ولكنها شغلت أفكار بعض املثقفني املسلمني مثل احلسن البصري وابن سيرين واياس بن معاوية وسفيان الثوري وابي حنيفة خاصة في موضوع تولي القضاء لسلطة مستبدة وهو ماعرف مبحنة القضاء في التاريخ اإلسالمي حني رفض كثير من املثقفني تولي مهنة القضاء لسلطة تتدخل به ملصاحلها وتبحث في أحكامه عن تبريرات لسيطرتها على الفائض اإلجتماعي للخراج والضرائب األخرى كالعشر واجلزية وغيرها ،وهو مايذكرنا مبفهوم إستقالل القضاء الذي تستند عليه الدميقراطية في توزيع السلطات وإستقاللها. ومع إغفال الفقهاء ملوضوع احلكم فان عقالنية بعض املثقفني تركت لنا أفكارا حول السياسة منها ما ذكره االحنف في شروط السياسة ووظيفتها: رأس السياسات: **قال األحنف :رأس سياسة الوالي خصال ثالث :اللني للناس ,واإلستماع منهم ,والنظر في أمورهم. ورأس مروءة الوالي خصال ثالث :العلم والعلماء, ورحمة الضعفاء ,واإلجتهاد في مصلحة العامة. ونستطيع من هذا النص التعرف على عناصر دميقراطية ضد اإلستبداد منها العفو والتسامح ومشاركة الرأي العام في القرار وأهمية املفكرين او مانسميه اليوم Think Tanksفي صناعة القرار السياسي وتهيئة القواعد له والتأكيد على ان الوظيفة األساسية للحكم هي تلبية إحتياجات املواطنني.
يورد العاملي ،مؤلف الكشكول ،في اجلزء الثالث منه ،حادثة تؤسس هي وغيرها ملا يحصل اليوم في العراق وبعض الدول التي تتبنى مفاهيم احلكم الديني باسم الدميقراطية .يذكر مايلي: غضب الرشيد على ثمامة بن اشرس ،وكان فقيها عاملا ,فسلمه الى خادم له يقال له ياسر. وكان اخلادم يتفقده ويحسن اليه .فسمعه ذات يوما يقرأ(ويل للمكذبني) بفتح الذال ,فقال له ثمامة :ويحك ,ان املك َذبني هم األنبياء .فقال له اخلادم :كان يقال أنك زنديق وما كنت أصدق, أتتهم األنبياء ياثمامة؟ فتركه وهجره .فلما رضي عنه الرشيد ورده الى مجلسه سأله يوما في أثناء محادثة :ما أشد األشياء على اإلنسان ؟ بضاعة مجفو أهلها فقال ثمامة :عالم يجري عليه حكم جاهل. ورغم ان الفكر اإلسالمي لم يناقش ومن مظاهر التدهور الثقافي للحكم والدولة، موضوعة احلكم وأهملها إهماال تاما حيث وعدم التفاعل بني الفكر ونظام احلكم ماتذكره 219
أقواس
أقواس
220
كتب التاريخ من ان مسلمة بن عبد امللك ،وهو أحد األمراء األمويني .كان إذا دخل غلة ضياعه جعلها اثالثا ,فثلثا لنفقته ,وثلثا للنوائب واحلقوق ,وثلثا َ يصرفه الى اهل االدب .فقال له مواله سالم يوما :ياموالي ,اذا ورد مالك صرفته في ثالث :فأما النفقة فالبد منها ,وأما النوائب واحلقوق فحزم وقوة ,وال أعرف الوجه الثالث فيما تصرفه الى هؤالء القوم .فقال :انهم تركوا التعيش والطلب فاشتغلوا عن املكاسب بطلب العلم ,فواجب على كل ذي مروءة ان يعينهم، فقلت ياموالي جعلته أحب األقسام الثالثة إلي . العقل واخلطاب: وفي اخلطاب السياسي هناك إرث تركه مثقفون وسياسيون ومفكرون مسلمون منهم املهلب بن ابي صفرة وهو قائد عسكري لألمويني شارك في إخماد التمردات الثورية التي إنطلقت ضدهم ثم إنقلب عليهم حني رأى كثرة سفك الدماء وثار عليهم وإنضم اليه كثير من املثقفني والقضاة الذين كانوا يعارضون اإلستبداد الديني ومنهم سعيد بن جبير وابو حنيفة وعامر الشعبي وغيرهم ،فقد كان اخلطاب السياسي محمال بالعاطفة الدينية اجلياشة التي تستثمر العواطف وتتحول الى ايديولوجيا تغطي على إنعدام احلريات واملساواة واحلقوق ،وقد أدرك املهلب التناقض بني اخلطاب والفعل ،فكان يقول: يعجبني ان أرى عقل الرجل زائدا على لسانه, وفعله زائدا على قوله. مفهوم األمة ومفهوم الدولة في التراث اإلسالمي: رغم ان اإلسالم كدين أكد على تشابه األمم من خالل املنطلق اإلمياني اال ان مفهوم اإلمبراطورية
في السوك السياسي القائم على الفتح والغزو واإلحلاق واجه مفهوما آخرا هو األمة. يقول الفارابي في السياسة املدنية(األمة تتميز عن األمة بشيئني طبيعيني :باخللق الطبيعية والشيم الطبيعية وبشئ ثالث وضعي وله مدخل مافي االشياء الطبيعية وهو اللسان, أعني اللغة التي بها تكون العبارة .ويقول الشهرستاني في امللل والنحل( من الناس من قسم أهل العالم بحسب األقاليم السبعة وأعطى كل إقليم حظه من إختالف الطبائع واألنفس التي تدل عليها األلوان واأللسن .ومنهم من قسمهم بحسب األمم فقال كبار األمم أربعة. ومنهم من قسمهم بحسب اآلراء واملذاهب وهم منقسمون بالقسمة الصحيحة األولى الى أهل الديانات وامللل ,والى أهل األهواء والنحل .فأرباب الديانات مطلقا مثل اجملوس واليهود والنصارى واملسلمني .وقال القاضي صاعد في طبقات األمم (ان جميع الناس في مشارق األرض ومغاربها وجنوبها وشمالها –وان كانوا نوعا واحدا -فانهم يتميزون بثالثة أشياء :األخالق والصور واللغات). نحن هنا أمام تراث إسالمي بالدرجة األولى المييز األمم بدينها وإمنا بأشياء طبيعية مثل اللون واللغة والعادات والتقاليد والطبائع .ذلك يعني ان مقاييس التعايش والتفاهم متاصلة ومتوحدة خاصة بالنسبة ملا ذكره الشهرستاني ،وهو يفرق بني األديان وأهل األهواء ويعني بها األفكار والتصورات األخرى خارج اإلطار الديني .واذا كنا نريد ان نؤسس مجلسا لقادة األديان في الشرق األوسط فان أرضية مثل هذا اجمللس مبنية سلفا من خالل اإلرث الثقافي العميق الذي أسسه املفكرون املسلمون في مراحل مختلفة .وهذا اإلرث مبني على التسامح واملشاركة والتعددية املعترف بها دينيا بدليل مايرد دائما من تعدد األديان ,التي أضاف اليها الشهرستاني حتى اجملوسية التي تعامل معها اإلسالم الفاحت معاملة األديان االخرى .ويقول الراغب األصفهاني
في (الذريعة) ان األعمال ثالثة :عمارة األرض وعبادة اخلالق وخالفته .وهذا يعني ان األرض مشتركة يعيش عليها اجلميع دون ان يخص دينا او ملة ,كما ان األديان السماوية تشترك بعبادة اخلالق وخالفته في أرضه من قبل الصاحلني دون تخصيص .ان إنطالق العنف في اي مجتمع ,حتى ألسباب دينية ,ليس امرا طبيعيا نابعا من جوهر الدين وامنا من نوازع بشرية وإجتماعية وإقتصادية تتلبس رداء دينيا إلضفاء قدسية على هذا العنف وجعل رفضه محرما دينيا الجتوز ممارسته كما ان علي بن ابي طالب يؤكد على وسائل اإلنتاج وأهميتها أكثر من الربح الناجت عنها ،فهو يوصي عامله على مصر مالك األشتر بتأكيده على عمارة األرض اكثر من اخلراج الناجت عنها اذ يعتبر األرض أصل املال او رأس املال اكثر من الفائض النقدي املستحصل منها ،وهي بذلك ملكية عامة أكثر من كونها كملكية للدولة بإعتبارها حاكمة لدين دون آخر او لعشيرة دون اخرى او فئة دون فئة .من املفترض ان الدين يوحد املصالح ألية أمة دينية سواء املسلمة أو املسيحية او اليهودية .لكن املصالح السياسية واإلقتصادية والثقافية واإلجتماعية لكل مجموعة ,سواء داخل األمة ,او بني األمم تدفع إلستخدام العنف الذي يفتقر الى الشرعية فيعمد البعض الى إضفاء الدين على هذه املصالح وبالتالي تشريع العنف للدفاع عن هذه املصالح .ان مصطلح الفتنة الذي غالبا ما يستخدم في الصراعات الدينية هو مصطلح يستخدم أحيانا كثيرة من قبل اجملموعات التي تستخدم العنف وتضفي عليه الشرعية الدينية بدون اصل ديني ملثل هذا العنف .حينما نتحدث عن الشرق األوسط فإننا نتحدث عن منطقة أديان العالم الكبرى .وحني نسعى الى تأسيس مجلس لهذه األديان فهذا يعني ان هدف األديان الكبرى هو احلفاظ على أهمية هذه املنطقة وجاللها الديني ،خاصة وان القبلتني ,القدس والكعبة ,هما على ارض
الشرق األوسط. لكن الشرق األوسط ,منطقة وبلدانا ,تتعرض منذ عقود على األقل ,لتوترات سياسية وصراع مراكز قوى ودول وإمبراطوريات وتدفع الثمن من دماء أبناء الشرق األوسط مما يؤجج النزاعات على أسس دينية تستخدمها السياسة إلضفاء شرعية وقدسية في وقت واحد على أساليب إدارة الصراعات والصدامات ,األمر الذي يضع على عاتق قادة األديان في الشرق األوسط مهمة كبرى تتمثل في عملية فرز األلوان بني الصراعات السياسية واملصالح اإلقتصادية والسياسية وبني مقاصد األديان الساعية الى التعايش عبر عمارة األرض وعبادة اخلالق وخالفته كما قال الراغب األصفهاني ,وكما يقول ابن خلدون في املقدمة وهو يتحدث عن ضرورة اإلجتماع اإلنساني( يعبر احلكماء عن هذا بقولهم ان اإلنسان مدني بالطبع ,أي البد من اإلجتماع الذي هو املدنية في إصطالحهم وهو معنى العمران). نحن هنا بال شك أمام نصوص وأفكار ومنطلقات إنسانية كبرى الجتد نزاعا بني األديان .وقد ركز املفكرون املسلمون على التفاوت واإلختالف املنتجني اللذين يقودان الى التعددية والتنوع وتطوير الصناعات واحلرف وتوفير احلاجات اخملتلفة كما يقول مسكويه في (الهوامل والشوامل) عن معنى التفاوت( فأما قولهم :اليزال الناس بخير ماتفاوتوا فإن تساووا هلكوا .فإنهم لم يذهبوا فيه الى التفاوت في العدل الذي يساوي بينهم في التعايش ,وامنا ذهبوا فيه الى األمور التي يتم بها التمدن واإلجتماع). نعتقد اننا لسنا بحاجة للتذكير بان مستلزمات إقامة السالم بني األديان قائمة في الفكر اإلسالمي وقادرة على توفير مناخ تعددي متفاعل, خاصة وان اإلسالم دين مدني يقدر اجملتمعات املدنية ويعقد أواصر السلم األهلي والديني بني املواطنني واجملتمعات على أساس العدالة في احلقوق والواجبات وعلى أساس التمدن واإلجتماع 221
أقواس
أقواس
222
املفضيني الى تنوع وإختالف املهن واإلختصاصات واألعمال. السلطة السياسية :مفهوم اإلمامة لعب اخلالف على اإلمامة دورا في ظهور اإلستبداد طابعا عاما للنظام السياسي في اإلسالم .وذهب بعض من تناولوا موضوع اإلمامة الى تنظير مستمد من واقع السلطة وليس من األسس واملبادئ احلقوقية للنظام السياسي ،مما يجعل من موضوع السلطة السياسية إطارا ثابتا الميكن تغييره ألنه إستمد قدسية من الواقع وليس من احلاجة واملبادئ .وبسبب إفتقار الفكر اإلسالمي لتراث جدلي حول موضوع السلطة ،فإن بعض الكتاب حاولوا تبرير ذلك ببعض ماكتبه املاوردي في األحكام السلطانية. لكن أخطر ما طرحته األحكام السلطانية مبدأ التغلب بالقوة .فقد أورد ت األحكام السلطانية مبدأ يتلخص مبا ذكره ابن عمر ونصه أننا جنلس في املسجد ومن تغلب بالسيف وقال اني أمير املؤمنني فاليجوز ملسلم يؤمن باهلل واليوم االخر ان يبيت دون ان يراه إماما عليه .وبذلك حل مبدأ القوة محل الشورى ومحل والية األمة على نفسها. حق العزل يعني حق اإلختيار ولكن احلق غائب
(اذا طرأ على اإلمام او السلطان مايوجب فسقه فاألصح انه اليعزل عن اإلمامة بذلك اما فيه من إضطراب األحوال) ويضيف ابن جماعة( واذا خرج على اإلمام طائفة من املسلمني فرامت خلعه او منعته حقا عليها له سألهم ماينقمون فاذا ذكروا شبهة أزالها أو علة أزاحها ) .وقد كرس تاريخ السلطة هذا الواقع وجعله املبدأ الوحيد لتداول السلطة وراثيا او بالقوة والغلبة .وقد سأل املسلون عثمان بن عفان ان يعزل والي الكوفة الذي مت إثبات سكره وظلمه وإستيالئه على أموال بيت املال العام ،فابى ،ثم تطور االمر الى الطلب منه ان يتنازل فرفض معتبرا ان هذا هو حق إلهي يتمتع به ،االمر الذي قاد الى الثورة عليه. لم يتحدث فقهاء السلطة عن حق األمة بقدر ماحتدثوا عن حق احلاكم وواجب األمة بالطاعة , فبرروا اإلستبداد والفسق والكفر مع الطغيان بحيث لم يتطبق أي مبدأ إسالمي على احلكم. والسبب أيضا إفتقار اإلسالم الى رؤية شرعية لنظام احلكم وهو ماكشفه التطور التاريخي إبان الدولتني األموية والعباسية ثم العثمانية. ويؤكد املاوردي ان اإلمامة تنعقد بشرطني: أحدهما بإختيار أهل احلل والعقد والثاني بعهد اإلمام من قبل 5.وهذا ليس أمرا شرعيا أو نظاما حقوقيا وإمنا تطبيق على شكلني من أشكال اخلالفة حيث يعتقد املاوردي ان أبا بكر إستخلف من أهل احلل والعقد وان عمر بن اخلطاب إستخلف بعهد من أبي بكر.
غير ان النقص الفادح في واحد من أخطر غياب مفهوم العدالة واملواطنة املواضيع التي متس حياة البشر يشير الى قوة األثر الذي تركه اإلرهاب الفكري للسلطة يشكل غياب مفهوم العدل من الفكر اإلسالمي وفقهائها املوالني الذين وصل بهم األمر الى حترمي حقيقة سياسية وتاريخية ظاهرة .وقد جتنب عزل احلاكم اجلائر متذرعني بإضطراب األحوال فقهاء السلطة تناول هذا املوضوع واكتفوا كما جاء لدى ابن جماعة في (حترير األحوال) . 5
( .االحكام السلطانية-ص)6
مبناقشة العدل اإللهي وليس العدل في احلكم اإلنساني .والرسالة الوحيدة التي ميكن ان جندها في تاريخ الفكر اإلسالمي التتجاوز ثالثني صفحة كتبها ابو سعيد اإلسكافي في القرن اخلامس الهجري وهي تهتم مبوضوع العدل من زواية النظر املعتزلية اخلاصة بصفات اهلل اكثر من إهتمامها مبفهوم العدل بإعتباره أساس امللك واحلكم .كما يالحط غياب مفاهيم مثل املواطنة واجملتمع عن الفكر اإلسالمي حيث حتل مفاهيم األمة بإعتبارها ذات اسس دينية واملؤمن بدل املواطن مما يستدعي احلاجة الى جدل معاصر حول هذه املفاهيم سواء في إطار مفهوم الشورى الذي مايزال غامضا وفضفاضا او مفهوم والية األمة على نفسها الذي تطرحه بعض التيارات الفكرية في اإلسالم.
223
أقواس
أقواس
224
اجلسد شرارة حراك... اجلسد أيقونة تغيير
بقلم :رشيد عوبدة استاذ مدرس
على سبيل التقدمي: يصعب إن لم نقل يستحيل أن ن َ َّت َع ّرف االنسان كجوهر مجرد من دون املرور عبر بوابة «اجلسد»، «فالهوية الشخصية» مرتبطة «بالهوية اجلسدية» التي ت َ ُش ِّكل الوجه «اإلمبريقي» أو «الفيزيقي» لإلنسان .طبعا للجسد طرق خاصة للتعبير و التواصل،وهي لغة متزج بني اإليحاء و اجملاز،بل إن اجلسد هو من مينح الوجود االنساني حضوره املادي،ليصبح بذلك هذا الوجود االنساني وجودا جسديا. اجلسد لم ينظر له دائما على أنه رمز للوجود االنساني بل نظر إليه أيضا على أنه واجهة مختلف التحوالت التي يعرفها اجملتمع ،لذلك طاملا كان اجلسد عنوانا لنمط العالقة التي يقيمها األفراد فيما بينهم .إال أننا تعودنا منذ مدة ،ليست بالقصيرة ،على معاملة مفهوم «اجلسد» بنوع من احليطة و احلذر ،فهو مرة اعتبر محط إثارة و إغواء ،وهو في مرات كثيرة مت اتخاذه سلعة جلني ربح مادي من وراء استثمار طراوته (الرقص،اإلعالنات اإلشهارية،الدعارة ،)...مثلما قدست اجلسد و تعاملت معه ُو ِج َدت شعوب ّ متجيدا (الفراعنة منوذجا) و احتفاء بقدراته... ونحن إن كنا نُ َو ِّظف هنا مفهوم «اجلسد» فذلك متييزا له عن باقي املفاهيم التي تشكل مترادفات لغوية ،كمفهوم «البدن» ومفهوم «اجلسم»: على اعتبار ان كلمة «اجلسم» املقصود بها كل ما يشغل حيزا فضائيا أي له طول و عرض و ارتفاع، أما كلمة «بدن» فاملقصود بها اجلسم الذي ال روح فيه و ال نفس ،و يبقى املقصود «باجلسد» ذلك البدن الذي به روح و الذي حتبل سلوكاته بكثير من املعاني والدالالت ،لذلك طاملا نظر الفالسفة الى االنسان على أنه ُم َك َّون من ثنائية اجلسد و الروح. و لئن كان اجلسد معطى طبيعيا إال أن الثقافة اجملتمعية منحته دالالت جديدة ،لهذا رأينا
كيف ان نظرة الشعوب للجسد -شأنها شأن مقاييس التعامل معه -متعددة ومختلفة باختالف ثقافات اجملتمعات ،و تعتبر عمليات التجميل و اخلتان و الترييض ...سلوكات ثقافية الغرض منها اضفاء طابع الثقافة حتى على اجلسد مبا هو معطى طبيعي في اإلنسان ،بل هناك من أصبح مهووسا بالبحث في هويته اجلسدية سواء عبر عمليات «التحول اجلنسي» أو عن طريق ممارسة الشذوذ عليه... بذلك نخلص الى أن اجلسد يتحدد كصيغة للحضور املادي لإلنسان في العالم ،فاجلسد هو جتسيد ،أي انتقال من املستوى التصوير ي/ الالمادي املرتبط بوعي اإلنسان بذاته إلى املستوى الواقعي/املادي .إلاّ أن هذا ال ينبغي أن يُفهم منه اختزالية اإلنسان في اجلسد ،فاإلنسان كذكرى مرت من هذا العالم لكن جسده ليس كذلك ،فكثيرا ما نتذكر شخصا رغم أن حضوره املادي كجسد غير متحقق بفعل املوت أو الغياب...فاجلسد يصعب فعال اعطاؤه داللة موحدة،والتفكير فيه ليس وليد اليوم بقدر ما أن حضارات قدميةُ ،عرِف عنها ا ْم ِتهانها للتأمل و التفكير ،تناولته بالدرس و التحليل . اجلسد «نثانة» عند اليونان : لقد اعتبر اجلسد في مختلف التصورات امليتافيزيقية موطنا للشرور و بؤرة للدنس و الرذيلة،لهذا متت معاملته بإحتقار كبير ومت السعي فيما بعد إلى ستر عيوبه ،والزال احلديث عن مفهوم العورة لصيق به في كثير من الثقافات اجملتمعية. لقد اعتبر «سقراط» أن اجلسد متعفن و أن الروح طاهرة،بل إنها هي من حتفظ للجسد طهارته لكنه حاملا يتعفن فهي تغادره باملوت إلى نبعها الطاهر ،لهذا كان سقراط كثير امليل إلى التجرد من انفعاالت اجلسد وشهواته ،وهو الذي عرف بإهماله لنفسه و انشغاله بالبحث في املوت واحلياة فيما بعدها ،بل لقد كان يتمرن على 225
أقواس
أقواس
226
جتنب الشهوات اجلسدية و اعتزالها مفضال املوت كطريق لإلنفصال النهائي عن اجلسد إلدراك اجلواهر في ذاتها و صفاتها،فهو يعتبر أن املوت ماهو إال حياة مؤجلة ال تعدو أن تكون مجرد انفصال للروح عن اجلسد ،و احلياة ما هي إال موت بالقوة ميارسه الفيلسوف بإهماله التام لكل ما يتطلبه اجلسد من ملذات و عناية باملأكل واملشرب و امللبس و اجلري املبالغ فيه وراء املتع و الشهوات ...إن «سقراط» يعتبر أن «لروح سيد يأمر ،ألنها جوهر إلهي غير قابل للتحلل و الفساد ،و الفساد عبد مطيع ومرصود للفناء»(، )1يقول سقراط «الروح التي حتل في اجلسد جتلب له احلياة ،وال ميكن أن حتصل على نقيض صنيعها الذي هو املوت»)2(. على نفس املنوال سار التلميذ «أفالطون» صاحب «نظرية امل ُ ُثل» على نهج استاذه «سقراط» ،فكما قسم العالم الى عالم للمثل و عالم للحس قسم اإلنسان إلى روح وجسد /عقل وحواس، ومثلما اعتبر أن اجلسد هو في األصل خاضع للحاجات العامة اعتبر الروح هي من تسمو إلى عالم املثل لبناء معرفة متعالية عن كل ما هو حسي ،بل لقد الغى جسد املرأة و اعتبره مجرد آلة لِل َّت ْفريخ واإلجناب ،وهو في ذلك لم يُلْ ِغ جسد املرأة كرها ،كما يتبادر إلى األذهان ،بل لعدم ثقته باحلواس. ضل ال ّروح/العقل على وإذا كان «أفالطون» قد َف َّ اجلسد/احلس ُم ْعلِيا ً من شأن األول و ُم َح ِقرا ً من ّ شأن الثاني فإن تلميذه «أرسطو» في معرض تناوله لثنائية «اجلسد/النفس» لم يسع الى املفاضلة بينهما،بل اعتبر أنهما جوهرا اإلنسان،وأن وجود هذا األخير(اإلنسان) الميكنه أن يتحقق وال ملاهيته أن تكتمل إال بهما معا ،وهنا نستحضر أن تصنيف النفس/اجلسد مرتبط بالتصنيف األنطولوجي :الهيولى/الصورة اذ ال انفصال بينهما و ال إستقالل ،فهما وجهان لعملة واحدة.
عموما فالفالسفة اليونانيون كثيرا ما نظروا الى اجلسد على أن محركه و املتحكم فيه هو النفس، بل إنه عنصر عاطل من دونها ،وهو انطولوجيا أدنى مرتبة منها أيضا ،و ابستمولوجيا فهو يشكل عائقا امامها لبلوغ املعرفة مثلما انه اكسيولوجيا/اخالقيا فهو ميثل مصدر فساد ورذيلة. املعرفة ،الفكر و اجلسد في الفكر احلديث : النظرة إلى اجلسد قد تغيرت شيئا ما في الفلسفة احلديثة التي أحدثت طفرة حقيقية في تناولها لثنائية الروح واجلسد .لقد اتخذ «ديكارت» هدفا لتأمالته التمييز بني الروح و س ّل ُم أوال أن الشيء الذي يحتفظ اجلسد ،فهو ي ُ َ ببداهته و استقراره و يتعالى عن الشك هو الفكر احملض املستقل و املتميز عن اإلحساسات، أي ذلك الفكر الذي ال يحتاج إلى اجلسد ،يقول ديكارت في كتابه «تأمالت» « :أوثر أن انظر هنا في اخلواطر التي ولدها ذهني ،و التي استمدها من طبيعتي وحدها ،حيث عكفت على البحث في كياني .حسبت أوال ان لي وجها ويدين وذراعيني، وكل ذلك اجلهاز املؤلف من حلم وعظم،على نحو ما يبدو في جسم اإلنسان،وهو الذي كنت أ ّد ّل عليه باسم اجلسد ،حسبت ايضا انّني أتغذى و أفكر،ناسبا ً للنفس جميع هذه أمشي وأحس و ِ األفعال()3 ان «ديكارت» يُع ّرف اجلسد على أنه كل ما ميكن أن يحده شكل ،وهو كل ما ميكن أن يَت ََح َّيز فيحتويه مكان ،لكن الفكر أسبق من اجلسد معرفة ،فرغم أن ديكارت سعى إلى إقامة عالقة ما بني «اجلسد» و «النفس» كعالقة بني جوهرين مستقلني و متميزين إال أنه كان يرمي في نهاية املطاف إلى إبراز أن على اجلسد أن يخضع لسلطة العقل املنظمة النفعاالت اجلسد وشهواته ،وهو تصور ال يخرج عن النظرة األخالقية التي حكمت تصور «ديكارت» ،فاإلنفعاالت جتعل من اجلسد كيانا
لصيقا بالطبيعة احليوانية اما العقل فهو من يعمل على إعادة االعتبار للطبيعة االنسانية. إذا كان ديكارت يعتبر ،إذن ،أن الفكر هو املشكل ملاهية اإلنسان ال اجلسد،ف»اسبينوزا» يقيم عالقة ت َوازٍ ما بني اجلسد و النفس ،بل إنه يسعى إلى توحيدهما معتبرا أنه ليس هناك جسد بدون نفس و ال نفس بدون جسد بل هما متوازيان لهما نفس القيمة لكنهما مختلفان من الناحية االبستيمية/املعرفية ،فاإلنسان ليس وعيا وحده كما ذهب إلى ذلك ديكارت ،بل هو «رغبة» و»وعي» و من ثم يتساوى فيه اجلسد مع النفس . إلى هناك تبقى نظرة كل من الفلسفة االغريقية و الفلسفة احلديثة إلى اجلسد فيها الدونِية عن النّفس ،بل اعتبرت كل األدوار نوع من ّ البطولية من اجناز النفس/العقل/الروح فكيف نظرت الفلسفة اإلسالمية القروسطية و الفلسفة املعاصرة الى مفهوم اجلسد؟ اجلسد عند املسلمني «عورة»و «فتنة»: لطاملا ُغلِ َ ف اجلسد اإلنساني بالطابع األخالقي في الفلسفة اإلسالمية ،فهو شهواني غريزي ض للوقوع في الرذيلة في أي حلظة يغيب ُم َعرَّ ٌ فيها العقل اإلنساني أو الوازع الديني ،األمر الذي يجعل منه جسدا إغوائيا غافال عن القيم الثقافية .بل إن الفقهاء أكدوا على ضرورة خضوع اجلسد لإلميان كما الطهارة تخليصا له من الشهوة ،فاجلسد هو مصدر األخطاء و املنزلقات األخالقية ،لذا البد من التحوط في اطالق العنان له .فهذا ابن مسكويه يعتبر أن اإلنغماس وراء شهوات اجلسد و غرائزه هو مبثابة اندحار إلى مرتبة احليوان ،و إن التعفف و التعالي عن هذه الشهوات و الغرائز و التحكم فيها يؤهل اإلنسان إلى اإلرتقاء إلى مرتبة املالئكة. َص َغرا ً حتى في ست ْ يبدو أيضا أن اجلسد ظل ُم ْ الثقافة اإلسالمية التي رأت فيه مقياسا للتدين أو مجلبة للعار ،بل إن هناك دعوات من الفقهاء
إلى حترمي تصويره أو رسمه أو نحته ،بل لطاملا عم َقت الثقافة العربية الفجوة بني اجلسد ّ الذكري و اجلسد األنثوي ،على اعتبار أن الثاني مصدر فتنة بالنسبة لألول ،كما ن ُِظر إلى اجلسد على أن وضعه خسيس ،و ال بد من تطهير جناسته كلما رغب املسلم في الوقوف بني يدي اهلل. اجلسد و رمزية احلضور في الفكر املعاصر: أما في الفكر املعاصر فنجد نوعا من التعاطي اإليجابي مع اجلسد ورفع تهمة الدنس عنه، ف»نيتشه» يعتبر اجلسد مرجعا أصليا لكل القيم ،فهو كلية عضوية متآلفة تسعى إلى متجيد كل ماهو بيولوجي غريزي ،فاجلسد -حسب نيتشه -هو عنوان انخراطنا في احلياة .وإذا كانت الفلسفات السابقة قد احتقرت اجلسد و اعتبرته مبثابة سجن يأسر الروح الطاهرة فيه ،وهو نفس املسار الذي سارت عليه حتى الفلسفات الدينية (سواء اإلسالمية أو املسيحية) معتبرة أنه مرتع الشهوات الهدامة لهذا أعلنت عليه حربا...فان نيتشه قد فتح صفحة جديدة مع اجلسد بغرض إعادة اإلعتبار إليه ،معتبرا أنه هو احلياة نفسها بكل مظاهرها و جتلياتها ،وهذا ما عبر عنه في كتابه «هكذا تكلم زرادشت»، فالفكر هو أسوء حلقة في الفكر البشري ،و هو مع ذلك مستسلم للغريزة بل إنها(الغريزة) أقوى منه،فالوعي لم يعمل إال على إقصاء احلياة و التغيير ،و ذلك بترسيخ دونية الغريزة ض عن احلياة لم ينفره منها سوى «لكم من ُم ْعرِ ٍ الوغد الزنيم ،فعافها إذ لم يشأ أن يقاسم هذا الوغد ما عليها من ماء و لهب و أثمار ...ولكم استثقلت الفكر نفسه عندما رأيت شيئا من الفكر في رأس الوغد الزنيم « (. )4 إن اجلسد عند نيتشه ليس أقل مرتبة من الفكر، كما صنفه سابقوه ،بل هو مجموع قوى تتحد فيما بينها لتشكل بذلك إرادة القوة ،لهذا ما فتئ نيتشه يبشر باالنسان «السوبرمان »Supermanالذي ميلك اجلسد و إرادة القوة . 227
أقواس
أقواس
228
يبدو -على األقل -أن هناك تعارض مثال ما بني «اللغة»من جهة و «اجلسد» من جهة ثانية ،نظرا ألن وعاء اللغة قد يضيق أحيانا فيضطر اجلسد فعال إلى خلق آليات غير لغوية إليصال رسالته (كالرقص مثال ،)...و لعل «سيجموند فرويد» قد عمد إلى ابراز أن اجلسد رغم ِعلاّ تِه يتكلم لغة يعبر بها عن مكبوتات الذات ،وهكذا حتول اجلسد مع «فرويد» إلى لسان حال املرء عندما تتقمص اللغة صفة اخلفاء واالستضمار ليصبح اجلسد بذلك آداة للتصريح ،وهو ما أكد عليه «موريس ميرلوبونتي» ايضا عندما اعتبر أن اللغة هي في األصل انعكاس لتعبيرية اجلسد .ورفضا لالرث الديكارتي الذي أعلى من شأن الفكر وبخس من قيمة اجلسد حتى أصبح هذا األخير رمزا لكل دنس وتأثرا ً برؤية «نيتشه» و «ميرلوبونتي» ،عمل «ميشال فوكو» على رصد عملية تطبيع اجلسد بإدخاله جملال اخلطاب السياسي ،فاجلسد ليس مجرد معطى طبيعي بل هو امكانية إلنتاج اجتماعي من خالل النظم السياسية و املعرفية التي ي َ َت َن َّم ُ ط فيها ،فاجلسد إذن حسب «فوكو» يقع حتت تأثير عدة قوى تعمل على تطويعه، فاجلنس مثال مبا هو نشاط جسدي ميكن أن يصبح رهانا سياسيا عندما يرتبط بتنظيم السكان من اجناب و حتديد للنسل و غيره ...و ميكن قياس عملية تطويع اجلسد في عدة مجاالت :كمجال اإلنتاج اإلقتصادي ،و احلقوقي ... على سبيل اخلتم : إن اجلسد لم يعد ذلك العنصر الذي يشكو من النجاسة ،أو ذلك العنصر الذي يعاني من النقص ألنه محتقر عند مقارنته بالروح/العقل/ النفس ،بل إنه أضحى حافال باملعاني الرمزية التي تتوارى خلف احلضور املادي للجسد ،فكلما تطور تاريخ الذهنية البشرية إال و اتسعت اآلفاق الداللية للجسد ،و هنا ال ينبغي إختزاله فقط في ما يستثمر ألجله في اإلعالنات أو اإلستثمار الرياضي او الفني ...بقدر ما ان له حموالت
مرتبطة بطبيعة النظم السياسية السائدة بل ان اصبح إيقونة للتغيير كما هو في حالة األجساد التي أصبحت تلتهب احتراقا لتحقيق تغييرات في أنظمة سياسية طاملا راهنت على قمع األجساد كما العقول.
رؤية ميشيل فوكو للصحة واملرض
ابراهيم حاجى زملى
229
أقواس
أقواس
230
مفاهيم الصحة واملرض من املسلمات في علم االجتماع الطبي ان التصورات والقيم والتعريفات املتعلقة بالصحة واملرض حتكمها وحتددها اعتبارات اجتماعية في املقام االول ،تنتج من خبرة الناس ومعيشتهم في جماعات اجتماعية مختلفة .أضف الى ذلك ان السن والنوع والظروف االسرية واالصول االجتماعية والطبقية تلعب دورها الهام في حتديد املرض1 . يختلف مفهوم الصحة بطبيعة احلال من ثقافة الى االخرى 2،ومفهوم املرض ينطلق ايضا من سياق اجتماعي ،الن اجملتمع هو الذى يحدد معنى املرض ،ومدى خطورته ،واآلثار املترتبة عليه .لذا فان املفاهيم االجتماعية للصحة واملرض متعددة، وهي عموما تعكس فلسفة الشعوب وثقافاتها حيال املرض واملوت ،واجتاهاتها نحوهما3. يهتم التعريف االجتماعي بإعطاء معنى خاص للظواهر اخملتلفة في احلياة ،كما يساعد أفراد اجملتمع على تكوين ميول ومفاهيم خاصة جتاه هذه الظواهر ،وملا كانت الصحة واملرض ظاهرتني من ظواهر احلياة ،فان التراث االجتماعي في كل مجتمع قد أعطى تفسيرا خاصا ومعنى معينا لكل منها ،وبالتالي يحدد طرق منع االمراض وطرق مقاومتها وعالجها4 . وفيما يلى نقدم عرضا مختصرا ملفهومي الصحة واملرض: الـصـحـــة :يالحظ أن معايير الصحة -1 ومفاهيمها تتباين ليس جغراف ًيا وثقاف ًيا أيضا ،حيث تتعرض هذه فحسب ،وإمنا تاريخ ًيا ً املعايير واملفاهيم للتغير مبرور الزمن استجابة للتغير الذى يطرأ على أمناط احلياة االجتماعية، واالقتصادية ،والثقافية ،وكذلك على نظم ومستويات الرعاية الصحية السائدة في كل بيئة 5.
هناك تعريف سلبى يعتبر ان الصحة هي غياب املرض الظاهر وخلو االنسان من العجز والعلل. وبالتالي فمن املمكن النظر الى االشخاص الذين لم يشعروا باملرض ،ولم تبدأ عليهم عالمات لالعتالل عند الفحص بأنهم اصحاء .ولكن هذا املفهوم ضيق للغاية ،خاصة اذا قارناه بتعريف منظمة الصحة العاملية ،والذى يذهب الى ان الصحة هي :ليست غياب املرض أو الضعف فحسب ،بل أنها حالة مكتملة من الناحية الفسيولوجية والعقلية والوجود االجتماعي)6 أما التعريف االجتماعي للصحة ال يحدد الصحة بقصرها أو حتديدها في أي خاصية (بيولوجية- فسيولوجية -اجتماعية -ثقافية) بل األمر يتطلب تعريف متعدد اجلوانب يشمل ليس فقط االرتباط بني الصحة والعوامل االجتماعية ،بل االرتباط بني الصحة والعوامل الطبيعية. وقد حاول الكثير من العلماء تعريف الصحة ولعلنا نذكر جميعا االثر القائل « الصحة تاج على رؤوس االصحاء ال يراه اال املرضى» حيث يشير هذا ان اهمية الصحة لإلنسان ولكنه يعجز عن حتديد كليهما ،أو يؤكد عدم االحساس اال بالناحية السلبية منها وهو املرض ،ومن ناحية اخرى عرف العالم بركينز Perkinsالصحة بأنها « حالة التوازن النسبي لوظائف اجلسم ،وان حالة التوازن هذه تنتج من تكيف اجلسم مع العوامل الضارة التي يتعرض لها ،كما أن تكيف اجلسم ما هو اال عملية ايجابية تقوم بها قوى اجلسم للمحافظة على توازنه7. ويرى روى s .royان مفهوم الصحة يشمل التطور الكامل والشامل للقوة البدنية العقلية والروحية املوهوبة للفرد ،وان العقل السليم في اجلسم السليم يشكل الصحة وان صحة الفرد وصحة اجملتمع تعتمد على العديد من العوامل البيئية التي تشتمل على : العوامل الفيزيقية :الهواء ،الضوء، -1 الشمس ،املناخ ،التربة ،املاء ،الطعام ،امللبس،
املسكن ،الوقود ..الخ. العوامل البيولوجية :احليوانات ،احلشرات -2 ،النباتات ،الطفيليات ،البكتريا ،الفيروسات.. الخ .املوجودة في محيطنا تؤدى الى االصابة –مبختلف االمراض. العوامل االجتماعية :اصل االمراض -3 باإلضافة الى العلة مرتبط بسوء التكيف االجتماعي أو العائلي أو الصناعي ،اجلهل، والتعصب ،وأخيرا التقلب االقتصادي الذى يؤدى الى احلرمان واالمراض العضوية والعقلية (الصحة االجتماعية)8. الـمـــرض :نستطيع ان نقول بان -1 املرض هو :العجز في التناسق ،وعدم القدرة على التأقلم مع الظروف احمليطة ،وكل هذا مربوطة مبجموعة من املؤثرات في الوسطي الطبيعي واالجتماعي ومثل هذه املؤثرات «الطقس والهواء والتربة واملواد املتنوعة املوجودة داخل الوسط البيئي الفيزيقي ،وتوزيع وكثافة وحركة السكان واسلوب ووجبات الغذاء واالعمال التي ميارسونها ومسكنهم وعاداتهم وتقاليدهم .واالستجابة لهذه املؤثرات اخملتلفة تعتمد على التركيب اجليني لألفراد ،واالنتشار النسبي لألمراض اخملتلفة في أنحاء اخملتلفة من العالم ادى انعكاسا الختالف الظروف البيئية واالجتماعية في االماكن اخملتلفة. حاول يوجن أن مييز بني ثالثة مصطلحات هي املرض ،sicknessواملرض ،diseaseوالعلة،illness واملصطلح األول :مصطلح شامل يشير إلى جميع األحداث التي تنطوي على اعتالل الصحة، مرضا diseaseأو علة سواء كان هذا االعتالل ً ،illnessأما املصطلح الثاني diseaseفيشير إلى احلاالت املرضية للكائن احلى ،بصرف النظر عن اإلدراك الثقافي والنفسي لهذه احلاالت، ويشير املصطلح الثالث illnessإلى التعريف الثقافي واالجتماعي أو اإلدراك احلسى واخلبرات املرتبطة باملرض ،ويتضمن هذا املصطلح بعض
أمراضا (وفق احلاالت املرضية التي ميكن أن تعد ً التعريف الطبي) ،وغيرها من احلـاالت التي ليـست مصنفة كأمراض وف ًقا للتعريف الطبي (الرسمي) للحاالت املرضية9. وهناك تعريف آخر للمرض هو انحراف ما عن حالة األداء الوظيفي السوى تكون له نتائج غير مرغوبة نظرًا ملا يؤدى إليه من إزعاج شخص أو ما ينجم عنه من آثار تتعلق باملكانة الصحية لإلنسان في املستقبل10 . وقد عرف قاموس وبستر الدولي املرض (باعتباره حالة يكون اإلنسان فيها مختل الصحة ويكون اجلسم في حالة توعك بسبب املرض ،واملعنى احلرفي لكلمة مرض هو االحتياج للراحة .واحلقيقة أن للمرض معان متعددة تختلف باختالف األدوار وهو يشمل نواحي طبية واجتماعية واقتصادية ،ويؤثر املرض في الناس بطرق مختلفة أما بشكل مباشر أو غير مباشر وله نتائج خاصة على األفراد واجملتمعات ،أي أن املرض يُعرف بأنه انحراف في حالة اإلنسان عن املعتاد واالنحراف أما أن يكون في التركيب أو في وظيفة العضو املريض ،واألمراض تختلف مسبباتها اختالفا كبيرًا ،فمنها األمراض البيئية، واألمراض الفسيولوجية واألمراض الوراثية). واملرض كما اشرنا سابقا اليه هو :انحراف عن احلالة الطبيعية للجسم إلى احلد الذي تصبح فيه القدرات الفسيولوجية لألنسجة البدنية غير كافية إلعادة اجلسم إلى حالته الطبيعية .ويصبح املرض وبائ ًيا إذا أصيب به ( )% 10أو أكثر من السكان ،وتقسم األمراض إلى نوعني هما: األمراض املزمنة: هي األمراض التي تصيب الفرد لفترة طويلة، وتؤثر على جهاز وظيفي واحد ،أو أكثر في جسمه، مما يؤثر على صحة املريض ،ويبقى املريض حتت الرعاية الطبية ،مثل أمراض السكري والدم واملفاصل والعظام والقلب والسرطان. 231
أقواس
أقواس
232
احلالة الصحية الى حد بعيد يصعب معه على األمراض غير املزمنة: هي األمراض التي تصيب الفرد لفترة محدودة املريض أن يستعيد صحته .وكما يتبني لنا فان من حياته دون مسببات معروفة ،وغال ًبا ما تكون هذه الدرجات نسبية من الصعب قياسها لفترة قصيرة ،ويتجاوب املريض مع العالج ،ويندر بالتحديد11. ما تترك آثار سيئة على املريض ،مثل أمراض النظرية الفوكوية للصحة واملرض اجلهاز التنفسي ،واجلهاز الهضمي. وعلى الرغم من اننا قد عاجلنا كل من املفهوم ميشيل فوكو :فيلسوف فرنسي مثير للجدل االجتماعي للمرض واملفهوم االجتماعي للصحة ينتمى الى تيار ما بعد البنيويةـ وهو استاذ على حدة ،اال ان التحليل قد أوضح ان هناك لتاريخ املذاهب الفكرية ،كان له تأثير عميق (براه عدة درجات بني الصحة واملرض ،فالصحة ميكن البعض تأثيرا سيئا!)على علم االجتماع منذ تعريفها من حيث شدتها على انها مدرج قياس منتصف سبعينات القرن العشرين .وتستعصى أو عبارة عن متصل احد طرفيه الصحة املثالية ،أعمال فوكو على الوصف والتشخيص السهل والطرف االخر هو انعدام الصحة (املوت) وبني .ولعل نيتشة Neeitzscheهو صاحب التأثير الطرفني درجات متفاوتة من الصحة واملرض ،الفكري الرئيسي على أعماله12 . وهذا هو املنطلق الذى سننطلق منه في حتليلنا لقد كان ميشيل فوكو فيلسوفا ً وسياسيا لظاهرة الصحة واملرض ،وعلى ذلك تكون درجات وسوسيولوجيا للصحة تخترق أسئلته اجملال املرئي والبسيط للممارسة الطبية والظاهرة الصحة هي: ّ ا -الصحة املثالية :وفيها التكامل واملثالية الصحية ،من خالل ربطه للبيولوجيا واملرض البدنية والنفسية واالجتماعية ،ونادرا ما يتوفر واملستشفى واجلنس واجلسد واملتعة…الخ، هذا املستوى ،ولكنه هدف بعيد لبرامج الصحة بالسلطة التي اعتبرها فوكو املسؤول األ ّول العامة واالجتماعية حتاول الوصول الى حتقيقه .والوحيد عن صحة البشر وحياتهم وموتهم ب -الصحة االيجابية :وفيها تتوفر طاقة ووالدتهم .وهنا تكمن فرادة أطروحة هذا األخير، صحية ايجابية متكن الفرد او اجملتمع من حيث أ ّن اجتاهه نحو دراسة البعد الدولي مواجهة املشكالت واملؤثرات البدنية والنفسية للبيولوجي ،وإبداع مفاهيم جديدة من قبيل واالجتماعية دون ظهور أي أعراض أو عالمات «دولنة البيولوجي» و»عنصرية الدولة» «السلطة احليوية»« ،السياسية احليوية»« ،إدارة احلياة» مرضية. ج -سالمة متوسطة :وفيها ال تتوفر طاقة «النزولوجيا السياسية»« ،اآلليات االنضباطية، ايجابية من الصحة وعند التعرض ألى مؤثرات اآلليات التنظيمية» «احلقّ في اإلماتة» واحلق في اإلبقاء على قيد احلياة» «إدارة األجساد» «التدبير يسقط الفرد أو اجملتمع فريسة للمرض. د -املرض غير الظاهر :وفي هذا املستوى ال يشكو احلسابي للحياة» «االقتصاد السياسي للحياة»… املريض من أعراض ولكن ميكن اكتشاف احلالة الخ ، .هو ما جعل من الرجوع إلى ميشيل فوكو لدراسة الظاهرة الصحية ضرورة قصوى ،أل ّن املرضية بعالمات أو اختيارات خاصة. ه -املرض الظاهر :وفي هذا املستوى يشكو نزوع بعض الباحثني إلى دراسة تط ّور املمارسة الصحية املرتبطة بها بعيدا ً عن املريض من أعراض يحس بها أو عالمات مرضية الطبية والقضايا ّ السلطة السياسية التي حتتضنها ،والشروط ظاهرة له. و -مستوى االحتضار :وفي هذا املستوى تسوء السياسية والتاريخية واالجتماعية التي تولد
داخلها هو ما أفقد هذا النوع من الدراسات جزءا ً من كمالها ،ومنح ألعمال فوكو قيمة مضافة علمية تفتقدها العديد من الدراسات التي الصحة واملرض داخل تدعي لنفسها دراسة ّ ّ اجملتمعات اإلنسانية. وفي احلقيقة ان ميشيل فوكو يقدم في كتابه «يجب الدفاع عن اجملتمع « توضيحات اساسية ملسالة ومفهوم السلطة « . 13وانه لن يبحث عن السلطة في النقاط التي تتركز فيها ،أي في رأس الدولة سواء كانت ملكا أو نظاما سياسيا، ولن يبحث عن كيفية تشكل السلطة ونشأة السيادة Sovereigntyكما فعل هوبز مثال في كتابه «التنني» ،Leviathanأو كما بحث عنها لوك في العقد االجتماعي الذي يخرج اجملتمع من حالة الطبيعة األولى ،أو كما بحث عنها جان جاك روسو في مفهوم اإلرادة العامة General .Will بل سيبحث عنها في كتاباتها ،وهي في حالة املمارسة ،في أسفل اجملتمع ،في الشارع والسجن واملدرسة واملستشفى واجليش واحلرب، ال في القصر امللكي أو اجلمهوري ،وال في مبنى البرملان أو في قاعة احملكمة14 . ويتضح االختالف بني طريقة فوكو في دراسة السلطة والطريقة الليبرالية التي تنشغل بقضايا الشرعية ونشأة السلطة ومصادر القوة والتي تضمها نظرية العقد االجتماعي، في ذهابه إلى أن السلطة يجب البحث عنها في املمارسات اليومية واجلزئية ،وكذلك في املوضوعات التي تقع خارج العقد االجتماعي، أي في العالقات التي ال يربطها أي تعاقد ،مثل العالقة بني الطبيب واملريض ،واملستشفى باعتبارها تنظيما سلطويا واملرضى باعتبارهم موضوعات متارس عليها التقنيات العالجية واإلدارية الطبية ،والعالقة بني إدارة السجن والسجناء ،واملدرسة والتالميذ ،واجليش و اجلنود. هذه املواقع السلطوية تقدم لفوكو مناذج من
البشر الذين ال يضمهم أي عقد اجتماعي ،بل هم خارجه ،ويسميهم فوكو ذوات ال تعاقدية ( )،non-contractual subjectsوهي املنحرف واملريض والتلميذ واجلندي والعامل .كان يعتقد دائما أن هؤالء الذين يقعون خارج العقد االجتماعي – نظرا لهامشيتهم وبعدهم عن السلطة باملعنى الليبرالي باعتبارها اتفاقا بني أفراد كاملي األهلية يتمتعون بحقوق – ليست لهم أية أهمية في الكشف عن حقيقة السلطة وآليات عملها ،لكن فوكو يقلب اآلية ويبحث عن السلطة في هؤالء األشخاص. وبدال من أن تكون السلطة التعاقدية الليبرالية وأبعادها احلقوقية هي األساس في البحث عن السلطة في الغرب وكل ما عداها من تنظيمات اجتماعية هو الهامش بالنسبة لها ،يضع فوكو العالقات الالتعاقدية مع املهمشني في مركز حتليالته ،ويذهب إلى أن املؤسسات التي تتعامل معهم هي املصدر احلقيقي للكشف عن طبيعة القوة وآليات ممارستها 15 ان احلقيقة التي كشف عنها فوكو ،وميكن القول بنوع من االحتراس ،أن بعض جتلياتها ما تزال حاضرة إلى اليوم ،وهي أن :املؤسسات العالجية بكل أصنافها ال تقوم بأي وظيفة طبية ،ألنها ال تتوفر على أي فكرة طبية .فمهمتها األولى سياسية أوال ،شبيهة بتلك التي يقوم بها السجن ،ضمن سياسة انضباطية عامة ،تقوم على « املراقبة و املعاقبة ،للعناية والقمع، للمساعدة واالعتقال ،الشيء الذي يجعل هذه املؤسسات السياسية « ،مؤسسات غريبة يصعب أحيانا ً حتديد معناها ووضعها 16.ألن هذه املؤسسات في نظره هي املواقع السلطوية احلقيقية ،ال املواقع التقليدية التي درسها علم السياسة دائما من أحزاب وبرملان ورأي عام وإعالم ومؤسسات سياسية وهيكل إداري حكومي ووزارات .إلخ. يؤكد فوكو Foucault1977انه لكى نفهم 233
أقواس
أقواس
234
دور الطب في اجملتمع يجب ان نراه كجزء من متطلبات اجتماعية اوسع بالتنظيم ومراقبة االجساد ،انه يستخدم مصطلح االجساد بكل من املعنى الفيزيقي لألجساد الفردية وباملعنى االكثر جتريد ألجساد الناس .و وفقا لفوكو ،فان احلاجة الى منو التنظيم كمجتمع تصبح اكثر تعقيد ،كما تصبح متحضرة وجتعل الناس معا في جمهور واحد كبير17 . ومتتلك املناطق احلضرية اماكن عامة واخرى خاصة ،و»أمكنة املؤسسات العامة من املستشفى الى املدرسة ،الى السجن ،الى الدوائر احلكومية ،الى ثكنات البوليس واجليش ،ال تقدم مجرد ابنية حيادية .انها مشغولة بامللفوظ واملرئي معا .وهي كلها مراكز تدريب وتأهيل وتنميط .تشتغل جاهزيتها بأحدث العلوم من طب جسدي ونفسى وحقوقي وسياسة واجتماع وقانون .الخ ..لكنها مع ذلك تظل لها استقالليتها من حيث طرق تشغيلها وانتاجها للجسد املنمط حسب املواصفات املعرفية التي يختص بها كل نوع من هذه االبنية غير احليادية أبدا» 18.كما تفرز سلوكا مالئما لألجساد التي تشغلها. وميكن فهم الطب ،وخاصة الطب في البيمارستان او املستشفى العقلي ِ،asylum والطب السريري وعلم الصحة العامة اليومية، داخل هذا السياق االوسع للضبط العام ،ويناقش فوكو ان الطب ال ميثل فقط دور الطب السريري ولكن ايضا االخالق .بالنظر ألشكال التعبير اجلنسي ،كما يصفها في مؤلفه تاريخ اجلنس .1977حيث يشير الى الدور املتزايد للطب في تأسيس نظام للجنس املقبول .ومن هنا أهمية مفهوم العلم حيث نشأت علوم حديثة عقالنية -مثل االقتصاد ،والتخطيط احلضري ، وادارة السجون ،وظهور الطب -كانت اساسية النضباط الناس كأجساد عامة وخاصة .وكان لهذه العلوم اساليبها اخملتلفة ،لتشريح
اشكال الضبط االجتماعي والتنظيمي للناس مبا يشكل اشكاال قويا للخطاب االجتماعي. وميثل مفهوم اخلطاب discourseلدى فوكو اساس في حتليله ،اخلطابات اساليب للمعرفة او التمثيل ،وضبط للواقع والسلوك االجتماعي. ويعتبر اخلطاب الطبي واحد من اكثر اخلطابات قوة ،ألنه يحدد وينظم ويضبط االجساد البشرية من املهد الى اللحد .وظهور هذا اخلطاب في البداية اثناء القرن :19فقط اجتهت املعرفة الطبية –االدارية ،لتطويرية االهتمام باجملتمع ، وصحته ومرضه وظروف حياته واسكانه وعاداته، التي شكلت جوهر االقتصاد االجتماعي وعلم اجتماع القرن .19يرى فوكو ان اخلطاب الطبي واملهنة الطبية هي البديل للخطاب الديني االكليركي ،الذى سيطر في قرون سابقة .فقد قدم الطب العلمي ،واملدني وسائل للنظام االجتماعي والضبط كما يفترض تيرنر: « ان الطبيب حل محل الكاهن احملافظ على القيم االجتماعية ،ومنظم املؤسسات الكنسية( مثل النظام الشعائرى ،واماكن التدريب املهني، ومساعدات للمهاجرين ،واماكن العبادة واملأوى) التي حتولت من خالل التطور العلمي للطب الى مجموعة ضخمة للهيئات املركزية للمراقبة والضبط .كما نشأ الطب الوقائي ،والطب االجتماعي وطب اجملتمع احمللى مما ساعد على اتساع هذه الهيئات وتنظيم احلياة االجتماعية بشكل اعمق»19 . وهكذا يستبدل الكبح الديني وانكار اجلسد نظم الصحية .نظام وممارسة مبا ميثل االشكال املعاصرة للتنظيم الذاتي والتنظيم العام ألجسادنا .وحتل النظرة االكلينيكية محل االكليركية. من املمكن ان نقول « في هذا السياق أن رؤى (فوكو) حول اجلسد كانت مبثابة حوار وجدل بنا ًء مع أفكار (نيتشه) ،وال يعني ذلك احلوار -بداهة- أن ثمة اتفاق بينهما ،بل أن نقطة االنطالق
لدى (فوكو) تتباين تباينا ً حاسما ً مع رؤيته. ويرى (فوكو) أن األهمية التي يعطيها (نيتشه) للجسد مبررة ،إال أن (فوكو) يرى من زاوية أخرى أن (نيتشه) قد أعطى اجلسد حرية حترك كبيرة للغاية ورأى فيه رمزا ً ملواجهة احلداثة والعقالنية .فاجلسد في رؤية (نيتشه) ليس جسدا ً خاضعا ً وديعا ً Docileبل على العكس فهو يراه أكثر فاعلية ،وسالحا ً في املعركة ضد امليتافيزيقا، وأداة اخلطاب الفلسفي نحو حياة وعصر اإلنسان الكامل ،ووسيلة لنقد معطيات احلداثة بكل أساطيرها وقيمها ورؤاها .أما (فوكو) فيعتقد أن اجلسد ليس مجرد كيان طبيعي ،وإمنا هو كيان ينتج اجتماعا ً Socially producedمن خالل - 15أشرف حسن منصور :نقد فوكو للنظرية الليبرالية نظم املعرفة والسلطة ،بحيث يصبح جسدا ً في السلطة ،املرجع السابق زكريا اإلبراهيمي :املدخل السياسي إلى الصحة،ليناُ طيعا ً 20 . شكري وآخرون ،اجمللس األعلى للثقافة،1992 ،ص.147 - 10محمد على محمد وآخرون ،دراسات في علم االجتماع الطبي ،دار املعرفة اجلامعية،1996،ص.149 - 11فوزى جاد اهلل :الصحة العامة والرعاية الصحية، املرجع السابق ،ص.3-2 - 12جون سكوت وجوردون مارشال :موسوعة علم اجتماع ,ترجمة :محمد جوهري ..مجلد الثاني .ص538 - 13ميشيل فوكو :يجب الدفاع عن اجملتمع ،ترجمة الزواوي بغوره ،الطبعة األولى ،دار الطليعة ،بيروت،2003 ، ص .25 - 14أشرف حسن منصور :نقد فوكو للنظرية الليبرالية في السلطة2009 ،م ،مركز مساواة املرأة http://www.c-we.org
2012م ،االنترنت - 16ابتسام سيد عالم :املرجع السابق ،ص .28 ميشيل فوكو :املراقبة واملعاقبة والدة السجن ،ترجمةعلى مقلد ،مركز االمناء القومى ،بيروت1990 ،م،ص .35 - 17ابتسام سيد عالم :املرجع السابق ،ص .29 - 1على محمد املكاوي واخرون :دراسات في علم االجتماع - 18حسني إبراهيم عبد العظيم :اجلسد والسلطة الطبي في الوطن العربي ،املرجع السابق ،ص.59 واملعرفة :دراسة حتليلية إلســـــهام ميشيل فوكو في املرجع االجتماع، - 2شارلوت سيمور :موسوعة علم تأسيس سيسيولوجيا اجلسد، السابق ،ص.359 - 19مجلة كلية اآلداب ،جامعة بني ســـــويف، - 3على محمد املكاوي واخرون :دراسات في علم - 20العدد الثاني عشر – اجلزء الثاني ،إبريل .2008 االجتماع الطبي في الوطن العربي ،املرجع السابق، ص.61 - 4أمني عبداحلليم خليل :أسس ممارسة التربية الصحية ،مكتبة جامعة االسكندرية ،االسكندرية، 1962م ،ص.75 - 5شارلوت سيمور :موسوعة علم االجتماع ،املرجع السابق ،ص359 - 6على محمد املكاوي واالخرون :دراسات في علم اجتماع الطبي في الوطن العربي ،املرجع السابق ،ص.43 - 7فوزى جاد اهلل :الصحة العامة والرعاية الصحية، ط ،1دار املعارف ،القاهرة1968 ،م ،ص.1 Santilay Roy: A Handbook of Preventive and - 8 2nd end , London: Academic ,Social Medicine .1.P,1969,Publisher>s - 9شارلوت سيمور ،موسوعة علم اإلنسان ،ترجمة علياء
235
أقواس
أقواس
236
مفهوم احلصانة البرملانية فى كوردستان قانون إنتخاب برملان كوردستان – العراق ومشروع دستور إقليم كوردستان أ.م.د .شورش حسن عمر كلية القانون والسياسة جامعة السليمانية
مقدمة
من النتائج الضرورية ملبدأ الفصل بني السلطات هو ضمان حرية أعضاء البرملان ،اذ يجب ان يكون البرملان مستقآل ،وان تكون حرية أعضائه مكفولة ،حتى التتمكن السلطة التنفيذية من التأثير فى أعضاء البرملان بالترغيب أو اإلرهاب.لذلك تنص الدساتير عادة على ضمانات حلرية هؤالء األعضاء .فعضو البرملان عندما يحمل هذه الصفة يحتاج الى من يحصنه ويقيه من أى إجراء مينعه من التحدث فى اجمللس ،وعلى هذا فأن الدساتير قد منحت العضو حصانة يستطيع من خاللها ان يطرح ما يشاء من األفكار وان يجادل من يشاء من الوزراء من دون ان تلقى عليه املسؤلية ،كما انه محصون من إتخاذ اية إجراءات جنائية ضده دون أذن اجمللس عند إتهامه بجرمية وقعت فى داخل اجمللس او خارجه بإستثناء حالة ضبط هذا العضومتلبسآ باجلرمية . لذلك ضمانآ إلستقالل أعضاء البرملان وحمايه لهم ضد انواع التهديد واإلنتقام سواء من جانب السلطات األخرى فى اجملتمع أو من جانب األفراد تتضمن دساتير معظم دول العالم نصوصآ تكفل لهم الطمأنينة التامة والثقة الكاملة عند مباشرة أعمالهم .وهذه النصوص تعرف بإسم احلصانة البرملانية أو املناعة البرملانية كما يطلق عليها البعض ،وتشمل هذه احلصانة نوعني من الضمانات وهما :عدم مسؤولية أعضاء البرملان (احلصانة املوضوعية ) واحلصانة ضد اإلجراءات اجلنائية (احلصانة اإلجرائية) .وتختلف احلصانة البرملانية هذه عن غيرها من احلصانات االخرى املقررة لبعض الفئات من الوظائف العامة كاحلصانة الدستورية ، الدبلوماسية ،القضائية والوظيفية . عليه سوف نتناول فى بحثنا هذا احلصانة البرملانية بنوعيها ،وذلك على ضوء ما اقر به فى
قانون إنتخاب برملان كوردستان _العراق رقم ()1 لسنة 1992ومشروع دستور إقليم كوردستان _العراق لسنة ، 2009مع إجراء املقارنة مبا ورد فى هذا اجملال ضمن الدستور العراقى الدائم لسنة 2005ودساتير بعض الدول األجنبية و العربية ،ونخصص مبحثا متهيديا للنتطرق الى أنواع احلصانات االخرى وعلى النحو االتى : املبحث التمهيدى :مفهوم احلصانة وأنواعها املبحث األول :احلصانة املوضوعية املبحث الثاني :احلصانة اإلجرائية املبحث التمهيدى مفهوم احلصانة وأنواعها احلَصانِة لغة تعنى املن ُع ،ولذلك قيل :م َدين ُة َحصين ُة؛ ودر ُع َحصين ُة .قد وردت احلصانة مبعان عدة لكنها تلتقي في جوهرها حول معنى واحد هو املناعة والتحرز والوقاية مما يراد الوقاية منه أو التمنع عليه . امااحلصانة إصطالحا فهي إمتياز يقرره القانون الدولي العام أو القانون الداخلي يؤدي إلى إعفاء املتمتع من عبء أو تكليف يفرضه القانون العام على جميع األشخاص الذين يوجدون على إقليم الدولة أو يعطيه ميزة عدم اخلضوع ألحكام سلطة عامة في الدولة ،وخاصة السلطة القضائية أو بعض أوجه مظاهرها « واحلصانة مبفهومها العام تتضمن عدة أنواع وال تقتصر على احلصانة البرملانية فقط ،بل الى جانب هذه توجد احلصانة الدستورية ،احلصانة القضائية ،احلصانة الدبلوماسية واحلصانة الوظيفية ،وملعرفة العالقة بني احلصانة البرملانية وهذه احلصانات والتمييز بينها ،سنتاول هذه احلصانات مختصرا وعلى النحو التالي : احلصانة الدستورية : هي حصانة امللوك والرؤوساء ،وهذه احلصانة متنع إتخاذ اإلجراءات القانونية في مواجهة امللك أو رئيس الدولة ،وهنا تختلف مدى املسؤولية 237
أقواس
أقواس
238
بحسب ما إذا كان رئيس الدولة ملكا ً أو رئيس جمهورية ،فإذا كان ملكا حيث تبقى ذاته مصونة ال متس وال جتيز مسائلته عن أي جرمية يرتكبها ،وذلك وفقا ً للقاعدة الدستورية «ذاته مصونة ال متس « وقد تكون هذه احلصانة جزئية كما في بعض الدساتير احلديثة التي جتيز مساءلة رئيس الدولة في حالة اخليانة العظمى ومخالفة الدستور ،ولكن رفع احلصانة يظل مربوطا ً بإجراءات خاصة ال جتيز مساءلته إال بعد رفع هذه احلصانة عنه وإزالة القيد على حتريك الدعوى . وإذا كان رئيسا ً للجمهورية ،فهو كقاعدة عامة يساءل جنائيا ً عن اجلرائم التي ال تتعلق مبهام وظيفته ،أما اجلرائم التي تتعلق بهذه الوظيفة فهو يسأل عنها في بعض احلاالت ،حيث يختلف نطاق املسؤولية اجلنائية بإختالف النظم ،ففي الدستور اإليطالي يحدد نطاق هذه املسؤولية بجرميتي اخليانة العظمى واإلعتداء على الدستور .جند الدساتير الفرنسية حتددها بجرمية اخليانة العظمى .وقد حددها كل من الدستور العراقى الدائم لعام 2005ومشروع دستور اقليم كردستان–العراق ،بثالث حاالت وهى (احلنث في اليمني الدستورية ،إنتهاك الدستور واخليانة العظمى) .واإلتهام بجرائم اخليانة العظمى ،أو الرشوة ،أو غيرها من اجلنايات ،واجلنح اخلطيرة من سلطة مجلس النواب ،وهذه احلصانات تكون قاصرة على فترة رئاسته ،وإذا إنتهت مدة رئاسته ،أو عزل وفقا ً لقواعد العزل ،فإنه يعامل كاألشخاص العاديني عن كافة اخملالفات التي إرتكبها أثناء فترة رئاسته سوي ما إتصل إتصاال وثيقا ً بواجبات وظيفته . احلصانة القضائية : ان احلصانة القضائية هي حصانة مقررة ألعضاء السلطة القضائية ،والتى تشمل عدم مسؤولية القضاة عما يصدرونه من أحكام مهما شابهها من أخطاء سواء كانت هذه املسؤولية جزائية
أو مدنية أو تأديبية .ويترتب على هذه احلصانة أو الضمانة أن القرارات القضائية ال يجوز أن تكون عرضة للمناقشة أو التقييم من قبل السلطة التنفيذية أو غيرها من السلطات .فاخلطأ القضائي يصحح بطريقة محددة رسمها القانون بالطعن في القرار اخلاطئ أمام احملكمة األعلى درجة .كما أن القضاة يتمتعون باحلصانة ضد العزل ،وعليه فإن تعيينهم ونقلهم وتأديبهم وتقاعدهم وترقياتهم وغيرها من األعمال اإلدارية موكولة إلى جهة قضائية عليا تتولى هذه األمور ،ويتمتعون بحصانة جنائية عن بعض األفعال كالقذف والسب والتي تصدر منهم أثناء ممارستهم لعملهم وتكون ضرورية لذلك ،كما أن طبيعة األعمال القضائية وما تتسم به من خطورة وجالل هو الذي يبرر متييزهم عن غيرهم من موظفي الدولة بإجراءات خاصة عند مخاصمتهم مدنيا ً وجنائيا ً . احلصانة الدبلوماسية: هي :إمتياز يقرره القانون الدولي العام أو القانون الداخلي يؤدي إلى إعفاء املتمتع من عبء أو تكليف يفرضه القانون العام على جميع األشخاص الذين يوجدون على إقليم الدولة أو يعطيه ميزة عدم اخلضوع ألحكام سلطة عامة في الدولة وخاصة السلطة القضائية أو بعض مظاهرها . وتعد احلصانة الدبلوماسية من أوسع أنواع احلصانات حيث تقضي بعدم خضوع الدبلوماسي األجنبي لقانون البلد الذي يؤدي مهمته الدبلوماسية فيه ،فال جتيز مساءلته وال محاكمته وال القبض عليه أو التحقيق معه ، أو حتى سماع شهادته عن أية جرمية أو قضية سواء جنائية أو مدنية أو جتارية أو إدارية أو غيرها ، ويدخل حتت هذه احلصانة رؤوساء الدول األجنبية والوفود الرسمية والسفراء ومن في حكمهم وموظفو الهيئات الدولية واملنظمات اإلقليمية. احلصانة الوظيفية :
وهي عادة متثل قيدا ً قانونيا ً يوقف إتخاذ إجراءات التحقيق والقبض في املتهم املوجهة إلى املوظفني العموميني بصفة عامة حتى صدور اإلذن من السلطات اخملتصة بذلك ،وذلك فيما ينسب إليهم بسبب وظائفهم العامة . وعند تأمل هذه احلصانات ،يتبني أن احلصانة كمصطلح قانوني ،تعنى :متتع الشخص بحماية قانونية معنية إما مطلقة كما في حصانة امللوك والرؤوساء أو جزئية كما في حصانة أعضاء البرملان ،وإما مؤقتة كما في حصانة املوظفني والقضاة . وأيضا ً قد تكون مطلقة وشاملة بدون إستثناء كما في احلصانات الدبلوماسية ،واحلصانة بصفة عامة سواء كانت مطلقة أو مقيدة ، كاملة أو جزئية ،فإنها تعني في مفهومها العام متتع الشخص مبيزات قانونية متيزه عن عامة الناس وتضفي عليه حماية خاصة ال تعطيها لغيره وتصبغ على هذه اإلمتيازات حماية شرعية وقوة ملزمة جتاه الكافة وجتعلها من النظام العام ال يجوز اإلعتداء عليها أو التنازل عنها أو مخالفتها. وضمانا ً إلستقالل أعضاء البرملان والوظائف األخرى املشمولة باحلصانة كل بحسبها وحماية لهم ضد أنواع التعسف واإلنتقام والتدخل في أعمالهم سواء من جانب السلطات األخرى في اجملتمع أم من جانب األفراد وجدت احلصانة املقررة لهذه الوظائف كفالة إلستقاللهم وحريتهم عند مباشرة أعمالهم الدستورية والنيابية والقضائية والدبلوماسية والوظيفية والتجرد واحليدة في أقوالهم وأحكامهم وحتى يؤدوا أعمالهم وواجباتهم على أكمل وجه دون خوف أو تردد أو يخضعوا لضغوط سلطات أخرى أو أن يقعوا حتت رحمتهم .ومن ثم ال يقصد منها حماية شخصية وإمنا املقصود حصانة الوظيفة التي يشغلها ،وحماية إستقالله الوظيفي حتى يحسن أداء وظيفته ومتكينه من مواجهة
أية ضغوط أو مؤثرات قد يتعرض لها فال يخضع لهوى أو يذل لسلطان أو يخشى في احلق أحدا ً ، ويكون آمنا ً على حاضره مطمئنا ً على مستقبله حتى يؤدي دوره في اجملتمع بإرساء دعائم العدل وإعالء الشرعية وتدعيم سيادة القانون وحماية احلقوق وصيانة احلرمات .وعليه فإن العالقة التي جتمع بني هذه احلصانات حتقيق املصلحة العامة في هذه الوظائف ،ألن العمل في هذه الوظائف يقتضي وجود هذه احلصانة حتى تؤدي مهامها على أكمل وجه بكل عدالة وجترد وأمانة . املبحث األول احلصانة املوضوعية نتكلم في هذا املبحث عن احلصانة املوضوعية أو عدم مسؤولية أعضاء البرملان من خالل بيان مفهوم احلصانةاملوضوعية وتطورها التأريخي ،واحلصانة املوضوعية التى يتمتع بهاأعضاء برملان إقليم كوردستان –العراق من حيث نطاقها وآثارها ومن ثم بيان طبيعتها القانونية وذلك من خالل املطالب الثالثة اآلتية : املطلب األول :مفهوم احلصانة املوضوعية وتطورها التاريخي املطلب الثانى :نطاق احلصانة املوضوعية املطلب الثالث :األثر القانوني للحصانة وطبيعتها املطلب األول :مفهوم احلصانة املوضوعية وتطورها التاريخي : احلصانة املوضوعية تعني عدم مسؤولية عضو البرملان عن اآلراء واألفكارالتى يعبر عنهاوهويؤدى نشاطه باجمللس النيابي .وهذا الضمان ضروري إلستقالل البرملان ،ألن في مؤاخذة األعضاء على ما يبدونه من اآلراء واألقوال بالبرملان خنقآ حلرية األعضاء ومينعهم من القيام بواجباتهم التى الميكن ان تتم على الوجه املرغوب اال إذا كانت لهم احلرية التامة في إبدائها على أى وضع 239
أقواس
أقواس
240
شاءوا .ان الغرض من تقرير هذه القاعدة هي إتاحة الفرصة لنواب األمة ليعبروا عن آرائهم كلها تعبيرآحرآ دون أن يخشوااملساءلة عن كل جملة يقولونها .ومن ثم حمايتهامن جميع أنواع التعقيبات بسبب التصرفات التى يأتونها أثناء قيامهم بواجب التمثيل ،كإلقاء اخلطب وإبداء اآلراء ،والتصويت وما الى ذلك .ويعد هذا املبدأ من القواعد األساسية التى تضمن حرية العمل ألعضاء البرملان ،ومن أقدس الضمانات الدستورية ألنه اذا اجيز لسلطة من السلطات او لألفراد مؤاخذة النائب بسبب أقواله وآرائه في البرملان حد ذلك من حريته وإستقالله ،وحال بينه وبني أدائه لواجباته على الوجه الذى يرضي ضميره .فإنحسار تلك الضمانة سيدفع عضو البرملان خشية املسؤولية الى التردد او حتى اإلمتناع عن اإلشتراك في املناقشات او إبداء األقتراحات او غير ذلك من األنشطة النيابية ،مما يترتب على ذلك تعرض نشاط البرملان لنوع من الشلل او اجلمود .من هنا يتبني ان املبدأ مقرر ملصلحة العضوية الملصلحة شاغلها ،ولذلك فان الرأى مستقر على تعلقه بالنظام العام . ويعبر أحيانا عن هذا املبدأ بالقول اآلتى (اليفتح املنبر اية دعوى مدنية او جزائية). واألصل التاريخى لعدم مسؤولية عضو البرملان عمايبديه من اآلراء واألفكار داخل اجمللس يعود الى النظام البرملانى اإلنكليزى ،فقد حصل هناك بني القرنني الرابع عشر والسادس عشر ان حوكم كثيرين من أعضاء البرملان عن مقترحات قدموها الى اجمللس او اقوال ابدوها على إعتبار انها متس مقام امللك او تخالف حقوقه ،ولم يكن في إستطاعة البرملان منع هذه احملاكمات، حتى قامت ثورة عام ،1688خرج منها البرملان منتصرا ،واصدر بعدها قانونا بإعفاء األعضاء من كل مسؤولية عما يبدونه في البرملان من االفكار واآلراء ،وهو قانون (/13شباط )1689/الذى أعلن في الفقرة ()9من املادة األولى منه( بان حرية
الكالم واملناقشات داخل البرملان ال ميكن ان تطرح على اية محكمة او اى مكان خارج البرملان) ،وبعد ذلك في فرنسا أصدرت اجلمعية التأسيسية الفرنسية في (/23يوليه)1789/مرسوما يقضى بعدم جواز مالحقة النائب عن أقواله أثناء أداء واجبه النيابى ،وتواترت الدساتير و التشريعات بعد ذلك على إحتضان هذا املبدأ ،الذى مت إقراره في فرنسامبوجب املادة ()13من دستورسنة 1875 ،وفي املادة ()44من الدستور البلجيكى لسنة ، 1831واملادة ( )51من الدستور اإليطالى لسنة ، 1848وبعد ذلك إنتشر هذا املبدأ في دساتير دول العالم األخرى ،من تلك الدساتير املصرية بدءآ بدستور سنة 1923املادة ( )108منه وانتها ًء بدستور سنة 1971النافذ حاليا ،الذى نصت املادة ()98منه على ان ( اليؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من األفكار واآلراء في أداء أعمالهم في اجمللس او في جلانه )،كذلك أخذ الدستور العراقى لسنة 1925بهذا املبدأ في املادة ( )60منه بنصها على ان( :لكل عضو حرية الكالم التامة ضمن نظام اجمللس الذى هو منتسب اليه،وال تتخذ اية إجراءات قانونية ضده من أجل تصويت او بيان رأي ،او إلقاء خطبة في مداوالت اجمللس ومباحثاته) ،وقد اقر الدستور العراقي الدائم لسنة 2005هذا املبدأ عندما نص في املادة (/2/63أ )على انه (يتمتع عضو مجلس النواب باحلصانة عما يدلى به من آراء في أثناء دورة اإلنعقاد وال يتعرض للمقاضاة أمام احملاكم بشأن ذلك ) . وقد سار على نفس النهج قانون إنتخاب برملان كوردستان –العراق رقم ( )1لسنة 1992وأقرعلى مبدأ عدم مسؤولية أعضاء البرملان عما يبدونه من اآلراء واألفكار والوقائع وذلك في املادة ()39 منه عندما نصت على ان(اليسأل العضوعما يبديه من اآلراء او مايورده من وقائع أثناء ممارسة عمله في البرملان) فبموجب هذا النص يتمتع عضو برملان كوردستان باحلصانة املوضوعية وال
يتعرض للمساءلة القانونية بسبب ما يطرحه من األفكار واآلراء والوقائع في جلسات البرملان او جلانه ،علمآ بأن النظام الداخلى لبرملان كوردستان قد كرر مضمون املادة ( )39املذكورة بحذافيرها في املادة ( )26منه ولم يضع لهذه الضمانة اى قيد او حدود حتى يلتزم به أعضاء البرملان ويقيده عند ممارسة عمله البرملانى في هذا اجملال ،على خالف ما ورد في مشروع دستور اقلبم كوردستان لسنة 2009في املادة ( )1/55كما سنبينه الحقا والتى تنص بان(يتمتع عضو البرملان باحلصانة البرملانية ،وله حرية الكالم ضمن احلدوداملبينة في النظام الداخلي للبرملان ). ان فكرة النظام العام واآلداب من األفكار املرنة التى يصعب حتديدها حتديدا دقيقا ،وهى تعبر بصفة عامة عن األسس اإلقتصادية واإلجتماعية واألخالقية التى يقوم عليها نظام اجملتمع .فالقواعد املتعلقة بالنظام العام واآلداب هى تلك القواعد التى يقصد بها حتقيق النظام في اجملتمع او حتقيق احلد األدنى من املصلحة العامة ،وقد يزيد او ينقص هذا احلد بحسب اإلجتاه الفلسفي السائد في الدولة .هكذا فان فكرة النظام العام تبدو ذات طابع فلسفي وتتأثر في مضمونها بالنظرة العامة للوجود السائدة في مجتمع معني .وكذلك ان فكرة اآلداب تعبر عن احلد االدنى من العادات األخالقية الالزم مراعاتها في اجملتمع يرجع في حتديدها الى اإلجتاهات األخالقية الناشئة عن النظرة العامة للوجودالسائدة في اجملتمع . يتضح من هذه النصوص ان مبدأ سمو احلصانة املوضوعية ينطلق من األحكام الدستورية بدرجة أساسية ثم من أحكام القوانني واللوائح واألنظمة الداخلية للسلطة التشريعية .ويعنى هذا املبدأ عدم مساءلة عضو البرملان ال مدنيا وال جنائيا عن األفكار واآلراء التى يدلى بها داخل اجمللس وجلانه رغم ان هذه التصرفات لو صدرت عن فرد عادى أمكن
مساءلته .وان إقرار هذا املبدأ في قانون إنتخاب برملان كوردستان ومشروع دستور اإلقليم يعد ضمانة مهمة ألعضاء برملان كوردستان لغرض قيامهم بأداء الدور اإليجابى في البرملان كممثلني عن عامة شعب اإلقليم وذلك دون اى تردد او خوف مماينجم عن أدائهم لدورهم من آثار قانونية . املطلب الثاني :نطاق احلصانة املوضوعية يتمثل نطاق احلصانة املوضوعية في األقوال واألفكار التي يبديها العضو أثناء إنعقاد اجمللس او إجتماع جلانه ،كما ان هذه احلصانة دائمية والتنتهي بزوال العضوية ،عليه سوف نبحث في نطاق الشخصي واملوضوعي والزمني للحصانة في الفروع اآلتية: الفرع األول :النطاق الشخصي واملوضوعى للحصانة املوضوعية : يشمل مبدأ عدم املسؤولية حمايته على كل أعضاء البرملان ،أي ان كافة أعضاء اجمللس النيابي ميكنهم أثارته لدفع املالحقات املوجهة ضدهم ،ويستوي في ذلك العضو املنتخب والعضو املعني .فالدستوراليفرق بني العضو املنتخب والعضو املعني ألن كالهما ينوب عن األمة نيابة قانونية ،وليست وكالة إتفاقية تربط مبن إنتخبه او مع من عينه إذا كان من املعينيني. فقد نصت كل من املادة( )39من قانون برملان كوردستان واملادة( )26من نظام الداخلي للبرملان املتطابقتني على انه »:اليسأل العضو عما يبديه من آراء أو مايورده من وقائع أثناء ممارسة عمله في البرملان « ،مبوجب هذا النص إقتصرت احلصانة املوضوعية على أعضاء البرملان وحدهم واليستفاد من هذه احلصانة أشخاص آخرين ،وقد سلك املشرع الكردستاني املسلك املتبع لدى معظم دساتير دول العالم من حيث إقراره عدم مسؤولية أعضاء البرملان عما يبدونه 241
أقواس
أقواس
242
من آراء او وقائع عند ممارسة عملهم البرملاني ، فمثالً نص الدستور املصري لعام ( )1971في املادة ( )98منه على هذا املبدأ بقوله »:اليؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من األفكار واآلراء في أداء أعمالهم في اجمللس او في جلانه»، والدستور اللبناني لسنة( )1926في املادة ()39 منه ،نصت على انه (اليجوز إقامة دعوى جزائية على أى عضومن أعضاء اجمللس بسبب اآلراء واألفكار التى يبديها مدة نيابته ) ،أما الدستور الفرنسى لعام 1958فقد نص في املادة () 26منه على أنه »:اليجوز التحقيق مع أي عضو من أعضاء البرملان او البحث عنه أو القبض عليه او إعتقاله أو محاكمته بسبب مايبديه من اآلراء أو التصويت في أداء اعماله البرملانية». اذن يتبني لنا من هذه النصوص الدستورية بأنه بخالف أعضاء البرملان المجال لإلستفادة من احلصانة املوضوعية حلماية أي شخص بلغت مابلغت مشاركته في أعمال البرملان ،كالوزراء غير األعضاء وعمال اجمللس واخلبراء الذين قد يستعان بهم ،ألن سبب عدم مؤاخذة العضو جتد تفسيرها في إعطاء العضو احلرية الكاملة واملطلقة في إبداء مايراه ،وحتى التكون املؤاخذة حجر عثرة تقف أمام العضو وجتعله اليستطيع ان يبدي رأيا ً أو يطرح تفكيرا ً او يستجوب وزيرا ً خوفا ً من املؤاخذة وبذلك ميكن القول بأن هذه احلصانة هي إمتياز دستوري مقرر ألعضاء البرملان بصفاتهم ال بأشخاصهم سواء كانوا منتخبني او معينيني يتيح لهم أثناء قيامهم بواجباتهم البرملانية حرية الرأي والتعبير دون أي مسؤولية جنائية او مدنية ،هكذا أقرت دساتير الدول للنواب ضمانة من أقوى الضمانات اذ يعلن صراحة عدم مسؤوليتهم عن األقوال واآلراء التي يبدونها أثناء أدائهم لوظيفتهم. ان هذا إستثناء من مبدأ املساواة بني األفراد ،ولكنه إستثناء تبرره ضرورة لتمكني أعضاء اجملالس النيابية من التعبير عن آرائهم
بحرية تامة وثقة و إستقالل كاملني. وان هذه احلصانة يتمتع بها عضو برملان كوردستان كغيره من أعضاء البرملانات في الدول األخرى مبوجب قانون برملان كوردستان رقم( )1لسنة ، 1992ومشروع دستور اإلقليم لسنة ،2009فهم اليتحملون اية مسؤولية على مايبدونه من األقوال واألفكار أثناء ممارسة عملهم البرملاني داخل البرملان او جلانه. أما فيما يتعلق بالنطاق املوضوعى للحصانة املوضوعية فإن مبدأ عدم مسؤولية أعضاء البرملان يقتصر على األفكار واآلراء التي يبدونها مبناسبة ممارسة عملهم البرملاني ،فهي التشمل األفعال املادية التي يرتكبها العضو، مثل إعتدائه على زميل له بالضرب داخل اجمللس، أو ان يعمد الى إحداث تزوير في محاضر جلسات اجمللس او إحدى جلانه ،ففي هذه احلاالت ميكن ان يسأل العضو مدنيا ً وجنائيا ً على أساس األوضاع القانونية املقررة ،ألن عدم مسؤولية عضو البرملان عن أرائه التي يبديها في البرملان تعتبر من قبيل حماية العضو في أداء وظيفته ،فالميكن ان تعد األعمال املادية من وسائل احلماية للنائب .حيث ان هذه احلصانة تلحق عضو البرملان بسبب كونه عضوا ً في الهيئة التشريعية لذلك ان خرجت أعماله عما تقتضيه أعمال النيابة فأنه يقع حتت طائلة القانون . اذن احلصانة املوضوعية محددة باألفكار واآلراء دون غيرها من التصرفات،وينصرف مدلول الفكر والرأي الى كل وسائل التعبير الكتابي واخلطابي التي تصدر عن النائب وهو يباشر عضويته في اجمللس واللجان املنبثقة عنه ،وايا كانت التجاوزات التي تنطوي عليها واخملالفات التي تالبسها ،فاليسأل عن هذه األقوال واألفكار من قبل احد األفراد أو املوظفني الذين عنتهم،كما اليسأل العضو جنائيا ً بدعوى مباشرة او بواسطة النيابة العامة،مهما حملت أقوال العضو من جرائم ،كأن يتهم العضو زميالً
له أو احد الوزراء أو أحد املوظفني بالتزوير أو الرشوة أو خيانة األمانة أو اإلختالس .مبعنى ان هذه احلصانة تتعلق بجرائم الرأي والتعبير داخل اجمللس ،وتشمل املسؤولية املدنية واجلنائية ،أي أنها تتعلق باألقوال وليست باألفعال وهي تعطي عضواجمللس حرية الرأي والتعبير حتى يستيطع ان يكشف األخطاء التي يرتكبها املسؤولون وغيرهم من دون ان يخشى احدا ً او يتعرض له أحد باملساءلة. لقد أقر قانون برملان كوردستان في املادة ( )39املذكورة منه حصانة موضوعية مطلقة ألعضاء البرملان بنصها على ان :اليساءل العضو عما يبديه من آراء أو مايورده من وقائع ، »..بينما نظم مشروع دستور االقليم لسنة ( )2009هذه احلصانة وهذبها ووضع لها حدودا ً يجب على العضو ان يتقيد بها عندما نص بان »:يتمتع عضو البرملان باحلصانة البرملانية ،وله حرية الكالم ضمن احلدود املبينة في النظام الداخلي للبرملان» .فبموجب هذا النص على العضو حتى يتمكن من اإلستفادة من هذه احلصانة ان يلتزم بالشروط واحلدود التى سوف تقرر في النظام الداخلي للبرملان املزمع وضعه على ضوء بنود هذا املشروع الدستوري ،ونرى ضرورة عدم التوسع في الشروط و احلدود التى سوف توضع كى اليؤثر بشكل سلبى على مضمون هذا اإلمتياز او احلصانة ألعضاء البرملان وبالتالى يؤدى الى تقييده،ألن النظام الداخلي النافذ حاليا ً لم يضع حدودا ً ملمارسة تلك احلصانة وامنا كرر نفس مضمون املادة ( )39املذكورة من قانون البرملان في املادة ( )26منه .ومبوجب مضمون هاتني املادتني فإن عدم مسؤولية أعضاء برملان كوردستان تنصرف الى جرائم الرأي والتعبير داخل قاعة البرملان وبذلك يتمثل نطاق عدم املسؤولية في األقوال التي يبديها عضو البرملان وليست في األفعال املادية التى تصدر عنه. وملا كان الغرض من هذه الضمانة التي
نص عليها قانون برملان ومشروع الدستور لإلقليم واملواد املقابلة لها في الدساتير األخرى حماية حرية املناقشة والتصويت ،فإن هذه القاعدة تغطي جميع األعمال الوظيفية البرملانية بغير إستثناء ،فهي تغطي جميع اخلطب واألقوال واآلراء التي يدلي بها العضو في اجللسات العلنية والسرية أو اللجان أو في جلنة حتقيق برملانية فإذا كان في هذه او تلك سبا ً او قذفا ً في حق السلطات العامة أو األفراد فإن النائب ال ميكن ان يساءل عن ذلك مسؤولية جنائية وان كان المانع من ان يساءله اجمللس مسؤولية تأديبية اذا سمحت بذلك الالئحة الداخلية. وكذلك المؤاخذة على مايبديه عضو البرملان من األقوال واآلراء خارج اجمللس لكن مبناسبة قيامه بعمل برملاني كأن يكون منتخبا ً في جلنة حتقيق برملانية مثالً منتدبة للعمل خارج اجمللس ،فعدم املسؤولية هذه مرتبطة بأداء العضو لعمله باجمللس النيابي سواء في اجللسات العامة اوإجتماعات جلانه. لذلك فإن هذه القاعدة التغطي سوى أعمال الوظيفة البرملانية حتى ولو كانت قد متت حتت قبة البرملان ،فإذا إعتدى النائب على األخر بالضرب فقتله او اصابه بعاهة مستدمية فإن القاعدة التغطي هذه اجلرمية ،أو اذا كتب عضو البرملان في اجلرائد مقاال ً يقذف فيه أحد األفراد ،او حرض على الثورة وقلب نظام احلكم، أو دعى رجال اجليش الى التمرد ،او سب خصما سياسيا له في إجتماع او محل عمومي .كذلك تنتفي قاعدة عدم املسؤولية في خصوص اآلراء التي يعلنها النائب خارج اجمللس في الندوات او املؤمترات أواألحاديث املدلي بها خملتلف وسائل االعالم .وبناء على ذلك اليجوز اإلعتماد في قاعدة عدم املسؤولية بالنسبة للسب والقذف الذي يصدر من العضو في ممرات اجمللس او اإلستراحات اخملصصة لألعضاء داخله ،اوماشابه ذلك من أماكن اليباشر فيها النائب مهام العضوية. 243
أقواس
أقواس
244
يتبني مما سبق ان احلصانة املوضوعية التشمل أقوال العضو داخل البرملان فقط بل تشمل أقواله داخل اللجان وتقاريره التي يكتسبها ،وكذلك أقواله التي يبديها خارج اجمللس مبناسبة قيامه بعمل برملاني ،لذلك متثل احلصانة ضد املسؤولية البرملانية ضمانة حقيقية تهدف الى منح عضو البرملان الثقة التي متكنة من ان يقول كل ما من شأنه إثراء العمل البرملاني وإعالء الفكر الدميقراطي ومن ثم أعلى قدر من الطمأنينة على وضعه ومستقبله، فلوحوسب عضو البرملان كما يحاسب الشخص العادى على تصرفاته وأحاديثه وأفكاره لكان ذلك إرهاقا ً كبيرا ً وآلثر السكوت والصمت. الفرع الثاني :النطاق الزمنى للحصانة املوضوعية : على الرغم من ان الشخص يصبح عضوآ فى البرملان مبجرد إعالن إنتخابه ،لكنه اليستطيع ممارسة نشاطه البرملانى إال بعد أداء القسم القانونى ،لذلك تطبق قاعدة عدم املسؤولية بعد أداء العضو اليمني القانونية للتمتع باحلصانة املوضوعية .وهذا ماأكدته املادة ( )47من قانون إنتخاب برملان كوردستان بنصها على ان (يعقد البرملان جلسته األولى برئاسة أكبر األعضاء سنآ ويؤدى أعضاءه اليمني التالية......الخ )وكذلك املادة ( )44من مشروع دستور اإلقليم التى نصت بان (يؤدى عضو البرملان قبل املباشرة مبهمته اليمني الدستورية اآلتية ........الخ ) ،وواضح من النص األول ضمنيآ ومن النص الثانى صراحة بأنه قبل أداء القسم لن يكون بإمكان العضو القيام بأى نشاط نيابى ،وبدون قدرة على مباشرة نشاط العضوية تختفى عنه احلصانة وحكمتها . وان إنتهاء العضوية فى اجمللس ،التسمح مبساءلة العضوعما بدر منه أثناء فترة عضويته ،بل ان احلصانة متتد الى ما بعد إنقضاء العضوية بالنسبة ملا آتاه العضو خاللها .ألن عدم
املسؤولية دائمة ونهائية فال يصح مؤاخذة نائب سابق عما أبداه من اآلراء واألفكار فى اجمللس مدة نيابته بحجة ان العضوية قد زالت عنه .وال تتوقف هذه احلصانة املوضوعية أثناء العطالت ،فهى توجد كلما باشر العضو عمآل من أعمال العضوية ،سواء فى فترات اإلنعقاد او فى املدة الفاصلة بني تلك الفترات .مبعنى ان احلصانة متتد الى كل فترة العضوية طاملا كان العضو يتصرف بصفته هذه كما انها تالزم العضو طوال وجوده فى البرملان وال تفارقه بعد تركه اياه ،لو كانت غير ذلك وحددت سريان القاعدة مبدة العضوية لقلت أو إنعدمت فائدتها ،ألنه مبجرد إنتهاء العضوية يتعرض العضو السابق الى سيل من الدعاوى اجلنائية واملدنية ،وان هذه الصورة لن تغيب عن ذهن النائب وهوميارس عضويته ،والميكن هلذه احلالة أن حتفزه على أداء نشاطه باحلرية املأمولة. وهذا ما أكده قانون برملان كوردستان ونظامه الداخلى فى موادهما ( ) 39و( )26املذكورتني ومن ثم مشروع دستور اإلقليم فى املادة ( )1/ 55منه .والتى مبوجبهمايتمتع عضو برملان كوردستان باحلصانة املوضوعية ضد أية مساءلة جنائية أو مدنية عما يبديه من اآلراء واألفكار بعد مباشرة مهام عضويته ومتتد هذه احلصانة الى بعد زوال العضوية ،حيث اليجوز بعد إنتهاء عضويته ان يحاسب على اآلراء واألفكار التي أبداها أثناء مزاولة نشاطه فى البرملان . املطلب الثالث :اآلثار القانونية للحصانة املوضوعية وطبيعتها : مبا ان مبدأ احلصانة املوضوعية ألعضاء البرملان تعد من النظام العام لذا يترتب على ذلك آثار قانونية بسبب طبيعتها القانونية املتعلقة بالنظام العام ،عليه نبحث في هذا املطلب في كل من آثار احلصانة املوضوعية وطبيعتها القانونية في فرع مستقل وكاالتي :
الفرع األول :آثار احلصانة املوضوعية : يترتب على عدم املسؤولية البرملانية ان العضو اليسأل عن أقواله وآرائه المسؤولية جنائية والمسؤولية مدنية ألنه ميتلك إباحة تخوله ذلك فهو اليتعرض للمسؤولية اجلنائية أو املسؤولية املدنية وامنا قد يتعرض للجزاءات التأديبية التي نصت عليها الالئحة الداخلية للمجلس. فمبدأ عدم املسؤولية او املناعة كما يسميه البعض تنتزع أصال كلتي املسؤوليتني اجلنائية واملدنية عن كل مايبديه عضو البرملان من األقوال واآلراء مبناسبة قيامه بعمل برملاني . حيث أنها تهدف الى إباحة الفعل اجلرمي ذاته ورفع الصفة اجلرمية عنه .وبذلك ميتنع قيام الدعوي املدينة والدعوى اجلزائية على السواء ،فال النيابة العامة تستطيع ان حترك الدعوى العمومية وال املضرور يستطيع ان يطالب بالتعويض عما أصابه من قذف وسب ،بل من تضرر من قول العضو او فعله اليستطيع ان يبعث الى اجمللس برد ما نسب اليه طالبا ً القاءه في اجمللس او نشره في اجلريدة الرسمية. وان هذا األثر للحصانة املوضوعية مطلق ودائم ،مبعنى انه اليقتصرعلى فترة اإلنعقاد العادي وامنا هو يتقرر الى االبد ،فالميكن مساءلة النائب في يوم من األيام عن مثل تلك األعمال. واذا إنتهت عضويته ألي سبب من األسباب فالجتوز العودة الى مساءلة العضو عماكان قد بدر منه اثناءها بل متتد احلصانة حتى الى ما بعد إنقضاء العضوية بالنسبة ملا أتاه أثناءها .هذا ما اكدت عليه املادة(/2/ 63أ) من الدستور العراقي الدائم لعام 2005بشكل صريح عندما نصت بأن »:يتمتع عضو مجلس النواب باحلصانة عما يدلي به من آراء في اثناء دورة اإلنعقاد ،واليتعرض للمقاضاة أمام احملاكم بشأن ذلك» .وكذلك نص املادة( )39من قانون إنتخاب برملان كوردستان العراق رقم( )1لسنة 1992ورد بصيغة عامة
بقوله »:اليسأل العضو عما يبديه من آراء أو مايورده من وقائع اثناء ممارسة عمله في البرملان». فيتحدث هذا النص عن عدم املؤاخذة دون ان يحصرها في نطاق معني ،وهذه العمومية جتعل عدم املؤاخذة يشمل كافة اجملاالت: جنائية،مدنية وتأديبية .اما ما ورد في نص املادة ( )1/55من مشروع دستور اقليم كوردستان لعام 2009صريح في تقييد العضو بالئحة البرملان املزمع وضعه حال تعبيره عن أرائه في اجللسات أو اللجان البرملانية عندما أقر بأن »:يتمتع عضو البرملان باحلصانة البرملانية ،وله حرية الكالم ضمن احلدود املبينة في النظام الداخلي للبرملان»، لذلك كان األجدر على املشرع الدستوري في اإلقليم ان يحذو حذو الدستور العراقي وقانون إنتخاب برملان كوردستان في هذا اجملال ،ال ان يقيد هذه احلصانة باحلدود املزمع وضعها في النظام الداخلي للبرملان. اذن ميكن القول بأن احلصانة املوضوعية تكون مبثابة إسقاط التهمة وانها سبب من أسباب اإلباحة ،التي اليسأل مبوجبها النائب عن أي إتهام يوجه له من خاللها .والعبرة من ذلك هو حماية إستقالل النائب من اخلضوع الى الضغوطات التي قد متارسها عليه السلطات العامة األخرى ،ألن حضوره هو متثيل للشعب وال ميثل شخصه .ومايجب اإلشارة اليه هو ان عدم املسؤولية او احلصانة املوضوعية متتد كذك الى كل من يتصدى لنشر مايدور في جلسات اجمللس ،مثل رئيس حترير احدى الصحف او اجملالت الذي ينشر املناقشات التي تدور في اجللسة مع ماتتضمنه من أقوال يعاقب عليها القانون في الظروف العادية وذلك بشرط ان يقتصر دوره على مجرد ترديد مادار في اجللسة بحسن النية. الفرع الثاني :الطبيعة القانونية للحصانة املوضوعية : 245
أقواس
أقواس
246
ان احلصانة املوضوعية تتعلق بالنظام العام واليجوز للعضو التنازل عنها ،وان تنازل عنها فعلى احملكمة ان ترفض هذا التنازل من تلقاء نفسها ،مبعنى ان حدث مثل هذا التنازل يكون باطالً فاليترتب عليه أي أثر قانوني ،واليلتزم العضو به ،رغم ان الالئحة الداخلية للمجالس التشريعية في بعض الدول أجازت للعضو ان يتنازل عن حصانته وقيدت ذلك بقيد مؤداه أذن اجمللس للعضو بذلك ،كالالئحة الداخلية جمللس األمة الكويتي في املادة( )23منها ،وكذلك الالئحة الداخلية للمجلس الوطني البحريني في املادة ( /7ب) منها التي نصت على ان »:ليس للعضو ان يتنازل عن احلصانة النيابية من غير ،ذن اجمللس» ،ويستطيع النائب ان يدفع بقاعدة عدم املسؤولية في أي حالة تكون عليها الدعوى، بل ويجب على القاضي ان يعمل بها من تلقاء نفسه .ألن هذه احلصانة لم تتقرر ملصلحة العضو وامنا تقررت ملصلحة إستمرار وسير العمل في اجمللس .مبعنى آخر ان هذه احلصانة لم تتقرر ملصلحة العضو الشخصية وامنا لصفته وعلى ذلك ميكن القول ان هذه احلصانة ماهي إال إمتياز دستوري مينح لعضو البرملان كي يباشر وظيفته النيابية على أكمل وجه أو انها سبب قانوني خاص قرره املشرع الدستوري ملنع عقاب هذا العضو عما يبديه من قول أو رأي طاملا ان ذلك يتم في إطار وحدود وظيفته البرملانية، واملشرع حني قرر االعفاء من العقاب وازن بني مصلحتني :مصلحة العمل النيابي ومتثيل األمة متثيال صادقاً ،ومصلحة من حلق به ضرر جراء ماصدر عن عضو البرملان من قول أو رأى ثم رجح املصلحة األولى على الثانية بإعتبار أنها أكثر أهمية. يبقى ان نقول ان احلصانة البرملانية ً المتثل إخالال مببدأ املساواة ألن تطبيق املساواة تكون بني كل طائفة من األفراد املتساوون في ظروفهم وأحوالهم الوظيفية كاملساواة بني
أعضاء البرملان ذاتهم فيما بينهم ألنهم جميعا ً يؤدون ذات الوظيفة النيابية وتسودهم بالتالي أوضاع وظروف متشابهة ومتساوية .أما اذا قيل بضرورة املساواة بني أعضاء البرملان املمثلني لألمة من ناحية وبني عامة الشعب من ناحية اخرى ،فاحلصانة لم تقرر ألعضاء البرملان اال ملا يحيط بالدور الذي يباشرونه واملتمثل في الدفاع عن مصالح االمة ورقابة احلكومة رقابة جادة وفعالة من أخطار تعوقهم عن مباشرة هذا الدور بالكيفية التي يجب ان يتم بها ولهذا تعتبر احلصانة املوضوعية إجراء إستثنائي اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية مبنأى عن إعتداءات السلطات األخرى. املبحث الثاني احلصانة اإلجرائية ان إتخاذ اإلجراءات اجلنائية اخملتلفة بحق عضو السلطة التشريعية في الفترات السابقة على احلكم التقطع بثبوت املسؤولية اجلنائية،لذلك تعتبر امرا ً يهدد حرية النائب وقد تستخدم في بعض األحيان دون وجه حق لذلك اقرت مبدأ احلصانة اجلنائية في دساتير دول العالم إسوة باحلصانة املوضوعية للوقوف بوجه ذلك وخاصة إزاء محاوالت السلطة التنفيذية التي هي صاحبة احلق بتحريك دعوى احلق العام وصاحبة السلطات على اإلدعاء العام بواسطة وزارة العدل. عليه سوف نتطرق في هذا املبحث إلى مفهوم احلصانة اإلجرائية ونطاقها و آلية اإلجراءات الالزمة لرفعها مع بيان آثارها وطبيعتها القانونية وذلك من خالل املطالب الثالثة االتية: املطلب األول :مفهوم احلصانة اإلجرائية ونطاقها املطلب الثاني :آلية إجراءات رفع احلصانة املطلب الثالث :اآلثار والطبيعة القانونية
للحصانة اإلجرائية مفهوم احلصانة اإلجرائية
املطلب األول : ونطاقها تعني احلصانة اإلجرائية ألعضاء البرملان عدم جواز إتخاذ أية إجراءات جنائية ضد اى من أعضاء البرملان في غير حالة التلبس باجلرمية اال بعد أذن اجمللس التابع له ،ولذلك يطلق عليها باحلصانة ضد اإلجراءات اجلنائية ،وان نطاق سريان هذه احلصانة محددة من حيث األشخاص واملوضوع والزمان ،عليه سوف نبحث املوضوع من خالل الفرعني اآلتيني : الفرع األول :مفهوم احلصانة اإلجرائية : املقصود باحلصانة اإلجرائية عدم جواز إتخاذ أي إجراء جنائي ضد أي عضو من أعضاء البرملان او القبض عليه دون اذن اجمللس التابع له ذلك العضو ،أو بعد إنقضاء الزمن الذي يتمتع فيه العضو بتلك احلصانة)) ((.فاحلصانة اإلجرائية التعفي من املسؤولية اجلنائية وال من العقاب بل فقط حتتم إستئذان اجمللس التابع له العضو املراد إتخاذ إجراءات قانونية ضده قبل الشروع فيها.والغرض احلقيقي من هذه احلصانة هو وضع األعضاء حتت حماية البرملان خوفا ً من ان تتخذ السلطة التنفيذية إجراءات كيدية ضدهم ملا يبدونه من اآلراء داخل اجمللس او بسبب مسلكهم العدائي للحكومة القائمة في احلكم .ولعل أهمية هذا الضمان جدا ً واضحة ألنها متنع احلكومة من ان تندرج بأدهى األسباب للتخلص من خصومها في البرملان فتقبض عليهم -واملفروض انهم اقلية ألن الوزارةالبرملانية هى وزارة األغلبية – او على البارزين منهم او على ذوي النفوذ فيهم .وقد تكون للحكومة مصلحة في مجرد القبض على هذا العضو او على هؤالء األعضاء ولو مليقات محدود وضيق ،كما لوكانت الوزارة متر بعاصفة في البرملان تكاد تطوح بها،
أو لوكانت تريد ان حتصل من البرملان على قرار معني في أمر من األمور املعروضة عليه وتخشى ان تفوت عليها املعارضة قصدها)) ((.وعلى هذا األساس فانه الميكن ان يتخذ أي إجراء قضائي ضد أعضاء السلطة التشريعية دون ترخيص من السلطة التشريعية تطبيقا ً ملبدأ الفصل بني السلطات. وتكمل احلصانة اإلجرائية قاعدة عدم املسؤولية او احلصانة املوضوعية،فإذا كانت االخيرة تدفع مسؤولية النائب عما يصدر عنه من آراء وافكار مخالفة للقانون وهو يؤدي نشاطه البرملاني ،فإن احلصانة اإلجرائية حتمي تصرفاته في احلياة العادية)) ((.وهي ضمانة من اقوى الضمانات ألن احلكومة وبيدها الدعوى العمومية قد تتخذها وسيلة للتهديد والنكاية والتشنيع بخصومها في البرملان ،أو يستعملها االفراد ويسيئون استعمالها ضد عضو يحقدون عليه ملوقف من مواقفه البرملانية)) ((.وان هذه احلصانة حتمى من اإلجراءات اجلنائية ولكنهاالمتنع الدعاوى املدنية من ان ترفع على أعضاء البرملان. والغرض من هذه احلصانة هو عدم متكني احلكومة من القيام بإجراءات المبرر لها بقصد التخلص من معارض شديد الشكيمة. وتختلف عن عدم املسؤولية اختالفا ً واضحاً، فعدم املسؤولية يعفى عضو البرملان اخملطىء من نتائج أقواله التي توجب العقوبة على أى واحد غيره ،أما احلصانة اإلجرائية فغرضها تأجيل إلقاء القبض على عضو البرملان ومحاكمته. يتبني من ذلك ان احلصانة البرملانية تعني عدم جواز إتخاذ أي إجراءات جنائية ضد أي من أعضاء البرملان في غير حالة التلبس باجلرمية اال بعد اذن اجمللس التابع له ولهذا يطلق عليها باحلصانة ضد اإلجراءات اجلنائية التي تهدف الى دفع الدعاوى الكيدية عن النواب والتي توجه اليهم من احلكومة او اخلصوم بهدف إعاقة نشاطهم البرملاني .وملا كان ضبط النائب 247
أقواس
أقواس
248
متلبسا ً بإرتكاب جرمية ينفي شبهة الكيد ،فمن املنطقي ان تنحسر احلصانة عن هذه احلالة .كما ان حكمة رفع احلصانة في هذه احلالة هواخلوف من ضياع معالم اجلرمية او أدلتها ان لم تتخذ اإلجراءات فورا ً ضد العضو املتلبس باجلرمية. وقد أخذ قانون إنتخاب برملان كردستان- العراق رقم ( ) 1لسنة 1992باحلصانة اإلجرائية اذ نصت املادة( )40منه بفقرتيها على انه( -1ال يجوز مالحقة أي من األعضاء او إلقاء القبض عليه بسبب جرمية أثناء دورات اإلنعقاد دون اذن البرملان اال في حالة التلبس بجناية -2.اليجوز مالحقة أي من األعضاء او إلقاء القبض عليه خارج دورات اإلنعقاد بسبب جرمية دون اذن من رئيس البرملان اال في حالة التلبس بجناية) ،وعبارة اجلرمية الواردة في النص عامة لذلك فهي تشمل اجلنايات واجلنح واخملالفات ،اذن مبوجب هذا النص اليجوز إتخاذ إجراءات جنائية ضد عضو البرملان قبل احلصول على اذن البرملان بذلك أثناء الدورات او اذن رئيس البرملان خارج دور اإلنعقاد اال في حالة تلبس العضو إرتكابه جناية ما ،فعندها تتخذ إجراءات جنائية ضد هذا العضو دون ان يحتاج ذلك الى اذن البرملان او رئيسه وذلك إلنتفاء شبهة الكيد في هذه احلالة وهذا ماأكد عليه ايضا ً مشروع دستور إقليم كردستان في الفقرتني (الثالثة والرابعة) من املادة ( )55منه بنصها على ان (ثالثاً :الجتوز مالحقة عضو البرملان،او التحقيق معه،او تفتيشه ،او تفتيش مسكنه اومكتبه ،او القبض عليه أثناء دورة اإلنعقاد من قبل اية جهة كانت دون اذن مسبق من البرملان اال في حالة اإلمساك به متلبسآ بإرتكاب جناية مشهودة . رابعا ً :الجتوز مالحقة عضو البرملان،او التحقيق معه،او تفتيشه ،او تفتيش مسكنه اومكتبه، او القبض عليه خارج دورة اإلنعقاد من قبل اية جهة كانت دون اذن مسبق من رئيس البرملان اال في حالة اإلمساك به متلبسآ بإرتكاب جناية مشهودة) .ويرجع في شأن حتديد حالة التلبس
وقيامها من عدمه الى القواعد العامة في قانون أصول احملاكمات اجلزائية العراقي رقم ( )43لسنة 1971املعدل وهي اجلرمية التي عرفتها الفقرة(ب) من املادة االولى منه بأن »:تكون جرمية مشهودة اذا شوهدت حال إرتكابها او عقب إرتكابها ببرهة يسيرة او اذا تبع اجملني عليه مرتكبيها إثر وقوعها او تبعه اجلمهور مع الصياح او اذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حامالً آالت او أسلحة او أمتعة او أوراقا ً او اشياء أخرى يستدل منها على انه فاعل او شريك فيها او اذا وجدت به في ذلك الوقت آثار او عالمات تدل على ذلك». عليه ميكن القول بأن احلصانة اإلجرائية ترمي الى عدم إتخاذ اى إجراء جنائي ضد أي عضو من أعضاء البرملان او القبض عليه دون اذن اجمللس التابع له ذلك العضو،وليس املقصود من احلصانة هذه حماية األعضاء من نتائج اجلرائم التي يرتكبونها،وامنا الغرض هو اخذ موافقة اجمللس على إتخاذ اإلجراءات القانونية ضد أعضائه قبل الشروع فيها. الفرع الثاني :نطاق احلصانة اإلجرائية : يتحدد نطاق احلصانة اإلجرائية باجلرائم التي يرتكبها العضو خارج نطاق وظيفته النيابية،أي بصفته فردا ً عادياً ،كأن يرتكب جرمية إعتداء على األشخاص او على األموال في حياته اخلاصة او يرتكب جرمية قتل او ضرب،او يعطي شيكا ً بالرصيد .والشك ان هذا املبدأ ينصب ايضا ً على اجلرائم التي يرتكبها العضو داخل اجمللس فاليوقف واليحاكم عضو من أعضاء اجمللس مالم يصدر قرارا من اجمللس الذي ينتمي اليه بالسماح بذلك اال اذا كان العضو في حالة التلبس ،ففي هذه احلالة اليشترط اذن سابق من اجمللس إلتخاذ إجراءات جنائية ضده. ان هذه احلصانة مقررة للنائب لصالح العضوية إلشاغلها ،فتحمي هذه احلصانة تصرفاته في احلياة العادية ان كان النائب منتخبا ً او معيناً .واليسرى منطوق هذه احلصانة على
غيرهم مبوجب املادة()40املذكورة من قانون إنتخاب برملان كوردستان،وهذا ما أكد عليه ايضا ً النظام الداخلي لبرملان كوردستان رقم( )1لسنة 1992في املادة( )27منه. ان نص املادة ( )40من قانون إنتخاب برملان كوردستان قاطع في انه ( اليجوز مالحقة العضو او إلقاء القبض عليه )..وهو نص عام يشمل كل اإلجراءات اجلنائية سواء كانت اجلرمية املرتكبة من قبل العضو مخالفة او جنحة او جناية .وألن النص مطلق فهو يسرى ايضا ً سواء حركت الدعوى اجلنائية من النيابة العامة او من االفراد ،كما ان عبارة(مالحقة او إلقاء القبض) يشمل كافة اإلجراءات اجلنائية التي تتخذ جتاه املتهم في دعوى جنائية ،لكن هذا النص المينع من إختصامه في دعوى جنائية كمسؤول عن احلقوق املدنية في جناية او جنحة قد تقع من تابع له او من مشمول برقابته على النحو املقرر قانونا ً في هذا الشأن ،ذلك بان احلصانة المتنع ان يكون عضو البرملان مدعيا ً او مدعى عليه في دعوى مدنية،سواء كانت دعوى مستقلة بذاتها او دعوى تابعة لدعوى جنائية ضد أحد تابعيه او مشمولني برقابته. لكن هذه املادة إستثنت من احلصانة اإلجرائية حالة التلبس بقولها» اليجوز مالحقة أي من األعضاء ....اال في حالة التلبس بجناية»، فعضو البرملان الذي يضبط متلبسا ً بإرتكاب جرمية معينة ال يتمتع بأية حصانة برملانية،ويكون شأنه شأن املواطن العادي ،ذلك ان املشرع قد قرر قرينة الكيد التي تفترض لصالح عضو البرملان متكينا ً له من أداء واجبه النيابي عن األمة كلها،بحرية رأي كاملة،بإفتراض ان أي إتهام جنائي قبل العضو ترجح بشأنه قرينة الكيد الى ان يأذن البرملان برفع احلصانة عنه .اما في حالة تلبس العضو باجلرمية فإن القرينة تكون واضحة ومن ثم فال يحتاج األمر الرجوع الى البرملان لرفع احلصانة عنه
ان معظم دساتير الدول األخرى قد اخذت بهذا اإلستثناء منها الدستور العراقي الدائم لعام 2005في املادة (/2/63ب) بنصها على ان( اليجوز إلقاء القبض على العضو خالل مدة الفصل التشريعي اال اذا كان متهما ً بجناية، ومبوافقة األعضاء باألغلبية املطلقة على رفع احلصانة عنه ،او اذا ضبط متلبسا ً باجلرم املشهود في جناية) ،وكذلك الدستور املصري لعام1971 في املادة ( )98منه والدستور الفرنسي لعام 1958في املادة ( )26منه ،وهذا ما سار عليه ايضا ً مشروع دستور إقليم كوردستان في الفقرتني (3 و )4من املادة ( )55منه املذكورتني. على الرغم من ان قانون إنتخاب برملان كوردستان لم يشترط في حالةالتلبس إخطارالبرملان مبا إتخذ من اإلجراءات في حق العضو اخملالف كما هو احلال في فرنسا وبريطانيا حيث يلزم إستئذان اجمللس في اإلستمرار في تلك اإلجراءات ،وكذلك الدستور الكويتى في املادة ( )111منه واملادة()113من الدستور القطري واملادة ( )111من الدستور اجلزائري ،التي أكدت جميعهاعلى ضرورة إخطار اجمللس مبا إتخذ من اإلجراءات في حق عضو البرملان .ومن جانبنا نرى بأن إخطار برملان كوردستان ضروري عند إتخاذ اإلجراءات بحق عضو البرملان في حالة التلبس ليكون البرملان على علم مبا هو منسوب الى العضو ،خاصة وانه يترتب على ثبوت هذه اإلتهام مايؤثر على إستمرار عضويته. اما فيما يتعلق بالنطاق الزمني للحصانة اإلجرائية فيبدأ سريانها على العضو عند مباشرة أعمال العضوية وهو يكون من تاريخ أداء العضو القسم القانوني ،وان هذه احلصانة تظل قائمة للعضو حتى في غير دور اإلنعقاد بالنص الصريح على ذلك ويجعل االذن بشأنها لرئيس البرملان فيما بني أدوار اإلنعقاد وهذا ما اكدت عليه املادة ( )2/40من قانون إنتخاب برملان كوردستان بأنه» اليجوز مالحقة أي 249
أقواس
أقواس
250
من األعضاء ..خارج دورات اإلنعقاد ...دون اذن من رئيس البرملان.»..وذلك من شأنه ان يجعل العضو متمتعا ً باحلصانة حتى فيما بني أدوار إنعقاد البرملان ،كما ان هذه احلصانة تظل قائمة للعضو طوال مدة بقاء البرملان او الفصل التشريعي وهي( )4سنوات وفقا ً للمادة( )51من قانون إنتخاب برملان كوردستان والتنتهي احلصانة اال بإنتهاء العضوية في البرملان وفقا ً للحاالت املذكورة في املادة( )43من قانون إنتخاب البرملان املذكور،فتزول احلصانة عن العضو. ان احلصانة املمنوحة للعضو ليست أبدية ،وامنا مرتبطة بصفته كنائب وليس بصفته الشخصية ،فإذا إنتفت منه الصفة البرملانية ألي سبب كان فإن هذه احلصانة ستنتهي ويصبح حتت طائلة املسائلة القانونية مثله مثل أي فرد عادي .وان هذه احلصانة تكون مؤقتة تبدأ مبباشرة العضو أعمال عضويته وتنتهي في حالتني :أولها عندما يقوم البرملان برفعها عنه وفق األحكام القانونية النافذة ،أو عندما يفقد العضو شروط العضوية ويصبح خارج التشكيلة البرملانية، كذلك عند إنتهاء الدورة البرملانية التي قوامها أربع سنوات .فعندما تنتهي الصفة البرملانية عن النائب ألي سبب مما ذكر فأنه يخضع للمساءلة وتستأنف بحقه اإلجراءات القانونية كأي فرد عادي .كما ان اجلرائم مبوجب القانون اجلنائي العراقي اليشملها التقادم،مبعنى ان التهمة تبقى قائمة الى حني تنفيذ أمر القبض بحق النائب وتقدميه للمحاكة وإصدار حكم قضائي بات ونهائي،او مبوته فإن الدعوى اجلزائية عند ذاك ستنقضي على وفق احكام املادة()304من قانون أصول احملاكمات اجلزائية العراقي او بصدور قانون او مرسوم بالعفو وفق احكام املادة ( )305من قانون أصول احملاكمات املذكور.
ان احلصانة اإلجرائية املقررة ألعضاء البرملان حصانة مؤقتة وتزول عن العضو من خالل إتباع بعض اإلجراءات الالزمة واملقررة في القانون واألنظمة الداخلية للمجالس التشريعية ،ومبا ان هذا النوع من احلصانة مقرر بشكل مؤقت ألعضاء البرملان فمن البديهى ان اآلثار التى تترتب عليها تختلف عن آثار احلصانة املوضوعية السابق ذكرها .عليه سنتناول موضوع هذا املطلب في فرعني مستقلني: الفرع االول :إجراءات رفع احلصانة الفرع الثانى :اآلثار القانونية للحصانة اإلجرائية
الفرع األول :إجراءات رفع احلصانة : من املقرر ان طلب اإلذن برفع احلصانة عن عضو برملان كوردستان يقدم طبقا ً للنظام الداخلي للبرملان من مجلس قضاء اإلقليم والذي هو اجلهة القضائية املعنية بذلك الطلب مبوجب قانون السلطة القضائية إلقليم كردستان- العراق املرقم( )23لسنة .2007وحسب ماورد في الفقرة()2من املادة( )27من النظام الداخلي لبرملان اإلقليم بنصها على ان( يقدم الطلب باالذن الى الرئيس من اجلهة القضائية املعنية،مشفوعا بأوراق القضية املطلوب إتخاذ اإلجراءات فيها) .ويرفق بالطلب أوراق القضية املطلوب إتخاذ اإلجراءات فيها .وان إجراءات رفع احلصانة تبدأ من قاضي محكمة التحقيق،ويدرج رئيس البرملان الطلب املذكور في جدول أعمال أقرب جلسة ويعرضه على اجمللس للبت فيه. علما ً ان اجمللس الينظر في هذا الطلب من حيث توفر أدلة التهمة او عدم توافرها،وامنا ينظر الى جدية الدعوى لتحقيق العدالة وكيديتها بقصد اإلساءة للعضو. مبعنى ان البرملان عندما ينظر في هذا املطلب الثاني :إجراءات رفع احلصانة أاثرها الطلب فإنه يقوم مبهمة سياسية وهي تقدير مااذا كان اإلتهام جديا ً او كيديا ً قصد به إضطهاد القانوني :
النائب او إقصائه عن عضويته في البرملان ومنعه من أداء وظيفته .فمهمة البرملان عند النظر في طلب رفع احلصانة مهمة سياسية ال قضائية، فهي الجتري حتقيقا ً قضائيا ً والقانونيا ً لتثبت من توافر أركان اجلرمية املقررة الى العضو ،فهذا من شأن السلطة القضائية،بل تقتصر مهمتها على التأكد من ان طلب رفع احلصانة ليس كيديا ً بل نزيها وجديا ً . اذن فإن البرملان أثناء إنعقاد دورته يتطلب موافقة البرملان على رفع احلصانة ولكن يالحظ على املادة()40من قانون إنتخاب برملان كوردستان هوعدم حتديده ألغلبية األصوات املطلوبة لهذه املوافقة إلصدار قرار برفع احلصانة عن عضو البرملان،لكن بالرجوع الى املادة()1/50من نفس القانون جند ان قرار رفع احلصانة يتطلب موافقة األغلبية البسيطة لألعضاء احلاضرين في اجللسة. إذن ان رفع احلصانة عن عضو البرملان وفق املادة()40من قانون إنتخاب برملان كوردستان واملادة()27من النظام الداخلي للبرملان يتم بإحدى الطريقتني ،حيث ترفع احلصانة عن العضو باألغلبية البسيطة لألعضاء احلاضرين خالل فترة دورة اإلنعقاد،أي في الفترة الزمنية التي ينعقد فيها البرملان ،اما اذا قدم طلب رفع احلصانة عن العضو خالل فترة العطلة التي تكون خارج دورة اإلنعقاد،فإن القانون اعطى الصالحية الى رئيس البرملان لرفع احلصانة عن العضو على وفق نص الفقرة( )2من املادة()40 من قانون إنتخاب برملان كوردستان ،وكذلك احلال في مشروع دستور اإلقليم حيث توجد طريقتني لرفع احلصانة ،فوفق الفقرة( )3من املادة ( )55منه يتم رفع احلصانة مبوافقة البرملان اثناء دورة اإلنعقاد ،دون ان حتدد األغلبية الالزمة من االصوات لذلك ،لكن بالرجوع الى املادة()48 من مشروع الدستور جند ان تلك املوافقة حتتاج الى األغلبية البسيطة لألعضاء احلاضرين .امااذا
قدم طلب رفع احلصانة خارج دورة اإلنعقاد فيتم املوافقة على رفعها من قبل رئيس البرملان وفق الفقرة( )4من املادة ( )55املذكورة .في حني جند ان املادة(/2/63ب) من دستور العراق الدائم قد حدد هذه األغلبية الالزمة ،حيث اكد بأنه يتم رفع احلصانة عن النائب باألغلبية املطلقة ألعضاء مجلس النواب خالل فترة الفصل التشريعي،اما اذا قدم طلب رفع احلصانة عن النائب خالل فترة العطلة التي تلي الفصل التشريعي الذي اشارت اليه املادة ( )57من الدستور ،فإن الدستورالعراقى اعطى الصالحية الى رئيس مجلس النواب وفق املادة(/2/63ج)منه. الفرع الثاني : اآلثار القانونية للحصانة اإلجرائية : احلصانة البرملانية او اإلجرائية قاعدة تتعلق باإلجراءات فهي الترفع عن العمل املنسوب للعضو صفة اجلرمية ولكنها توقف إتخاذ اإلجراءات اجلنائية حتى يصدر اإلذن وحتول دون إتخاذ أي إجراءات جنائية ضد النائب .وبالتالي فهي تنصرف الى إجراءات التحقيق واحملاكمة اجلنائية ،والشأن لها بالدعوى والمتنع من قيام املسؤولية اجلنائية او املدنية.هذا يعني ان اذن برفع احلصانة سقطت احلماية املقررة للعضو واصبح من املمكن اتخاذ كافة اإلجراءات القضائية ضده.وبهذا االذن يصبح لسلطات التحقيق واإلتهام واحملاكمة حريتها ،فيجوز إتخاذ اإلجراءات املناسبة ضد العضو شأنه في هذا شأن باقي األفراد هكذا فإن احلصانة اإلجرائية حتول دون اتخاذ إجراءات جنائية فيمتنع معها إتخاذ إجراءات التحقيق من ضبط وقبض وتفتيش وحتقيق ،فضالً عن حتريك الدعوى اجلزائية ،ففي جميع األحوال اليجوز في غير حالة التلبس إتخاذ اإلجراءات اجلنائية ضد عضو البرملان إال بإذن سابق من اجمللس التابع له .واذا إتخذ اي اجراء من هذه اإلجراءات في غير حالة 251
أقواس
أقواس
252
التلبس ،فأنه يقع باطال الينتج اثرا ً قانونيا ً يعتد به .وان اغلب النظم البرملانية تقتصر على تقرير بطالن اإلجراءات التي تتخذ باخملالفة ألحكام الدستور. هكذا فان احلصانة االجرائية حتول دون إتخاذ إجراءات جنائية فيمتنع معها إتخاذ إجراءات التحقيق من ضبط وقبض وتفتيش وحتقيق ،فضآل عن حتريك الدعوى اجلزائية ،ففي جميع األحوال اليجوز في غير حالة التلبس إتخاذ إجراءات جنائية ضد عضو البرملان اال بإذن سابق من اجمللس التابع له .واذا اتخذ اى إجراء من هذه اإلجراءات -في غير حالة التلبس -فانه يقع باطآل الينتج اثرا قانونيآ يعتد به ،وان اغلب النظم البرملانية تقتصر على تقرير بطالن اإلجراءات التى تتخذ باخملالفة ألحكام الدستور. اذا كانت عدم املسؤولية قاعدة موضوعية، فإن احلصانة البرملانية قاعدة تتعلق باإلجراءات، فهي الترفع عن الفعل صفة اجلرمية ولكنها توقف فقط القبض ومايليه من اإلجراءات اجلنائية حلني إستئذان اجمللس او إنتهاء دورة اإلنعقاد العادي وغير العادي . ومبا ان احلصانة اإلجرائية تتعلق بالنظام العام فيترتب عليها النتائج اآلتية: -1أن النائب اليستطيع التنازل عنها ،وان تنازل عنها فعلى احملكمة ان ترفض هذا التنازل من تلقاء نفسها .وهذا األمر يتعلق بالنظام العام واليجوز التنازل عنها سواء نصت عليه الالئحة الداخلية للمجلس النيابي ام ال كما هو احلال في النظام الداخلي لبرملان كوردستان ،رغم ان الالئحة الداخلية ملعظم اجملالس النيابية للدول قد نصت على ذلك منها املادة ( )361من الالئحة الداخلية جمللس الشعب املصري بنصها على ان(ليس للعضو ان ينزل عن احلصانة دون اذن اجمللس ).. -2اذا رفعت الدعوى الى القضاء قبل رفع احلصانة وجب على احملكمة من تلقاء نفسها احلكم بعدم
قبولها لبطالن إجراءاتها حتى ولولم يدفع عضو البرملان ذلك. -3ان اإلجراءات اجلنائية التي تتخذ ضد العضو دون اذن اجمللس او رئيسه بإستثناء حاله اجلرم املشهود تكون باطلة. -4و ميكن الدفع بالبطالن في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو ألول مرة أمام محكمة إستئناف او متييز. ومايترتب على مبدأ احلصانة اإلجرائية هو وقف اإلجراءات مدة من الزمن حتى يستأذن اجمللس في إتخاذها ،وان قبل اجمللس طلب رفع احلصانة فيكون النائب في هذه احلالة في نفس املركز القانوني لسائر املواطنني .وان االذن برفع احلصانة اليشمل اال الواقعة التي قدم الطلب بشأنها ، فإذا وجدت وقائع أخرى جديدة وجب تقدمي طلب جديد برفع احلصانة. واذا كانت احلصانة البرملانية متنع إتخاذ إجراءات جنائية خشية ان تتخذ سبيالً ملنع العضو عن ممارسة مهام نيابته عن الشعب كله ،فإن الدعوى املدنية التي توجه اليه او مايسبقه من إنذارات او إجراءات حتفظية ،فأنها التشملها احلصانة والمتنع من إتخاذها ضد العضو ،وهذا مانصت عليه كافة الدساتير التي أقرت بقيام احلصانة البرملانية.ومبا ان احلصانة البرملانية التعفي من املسؤولية اجلنائية فإن اإلتهام يظل يالحق العضو بعد إنتهاء عضويته باجمللس بأحد اإلتهامات التي لم يتم رفع احلصانة بالنسبة لها.
اإلستنتاجات في خامتة هذا البحث توصلنا الى جملة نتائج وبعض املقترحات أدرجناها أدناه: ان الهدف من احلصانة املوضوعية هو -1 ضمان حرية املناقشة والرأي والتصويت،وان هذه احلرية ضرورية والتكون تامة اال اذا كانت مطلقة بحيث تشمل حتى جرائم القذف والسب والطعن في حق األفراد أو الهيئات الرسمية التي قد تتضمنها أقوال العضو أو آراءه في البرملان .اما احلصانة اإلجرائية فالغرض منها هو عدم إنتزاع عضو البرملان من معقده أثناء الدورة البرملانية. ان كلتا احلصانتني املوضوعية واإلجرائية -2 مقررة بإعتبارهما من حقوق اجمللس النيابي والوظيفة البرملانية ال للعضو ذاته ،كما انها تتعلق بالنظام العام واليجوز للعضو ان يتنازل عنها. ان احلصانة املوضوعية تشمل االقوال -3 واألفكار الذي يطرحها العضو داخل البرملان وخارجه مبناسبة ممارسة عمله البرملاني فهي بذلك ترمي الى إثراء العمل البرملاني وإعالء الفكر الدميقراطي ألن العضو يكون بذلك على أعلى قدر من الطمأنينة على وضعه ومستقبله. ان احلصانة املوضوعية أثرها مطلق -4 ودائم فهي تتقرر الى األبد للعضو ،كما تعتبر سبب من أسباب اإلباحة ،ألنها تنتزع أصالً كلتي املسؤليتني املدنية واجلنائية عن كل مايبديه العضو من أقوال وآراء مبناسبة قيامه بعمله البرملاني. ان احلصانة اإلجرائية التعفي من -5 املسؤولية اجلنائية والمن العقاب بل فقط حتتم إستئذان اجمللس التابع له العضو املراد إتخاذ إجراءات قانونية ضده قبل الشروع فيها بإستثناء حالة التلبس بإرتكاب اجلرمية ،وهذا يعني عدم جواز إتخاذ أي اجراء جنائي ضد أعضاء السلطة التشريعية دون ترخيص من السلطة التشريعة
تطبيقا ً ملبدأ الفصل بني السلطات. تهدف احلصانة اإلجرائية الى دفع -6 الدعاوي الكيدية عن النواب بهدف إعاقة نشاطهم البرملاني،وملا كان ضبط النائب متلبسا ً باجلرمية ينفي شبهة الكيد ،فمن املنطقي ان تنحسر احلصانة عن هذه احلالة . يتحدد نطاق احلصانة اإلجرائية باجلرائم -7 التي يرتكبها العضو خارج نطاق وظيفته النيابية،أي بصفته فردا ً عادياً ،ويبدأ سريانها عند مباشرة العضو أعمال العضوية في البرملان حلني إنتهاء عضويته فيه ألي سبب من األسباب احملددة قانونا ً . ان احلصانة اإلجرائية التعفي من -8 املسؤولية لذلك فإن اإلتهام يظل يالحق العضو بعد إنتهاء عضويته بأحد اإلتهامات التي لم يتم رفع احلصانة بالنسبة لها. ان احلصانة البرملانية بنوعيها املوضوعية -9 واإلجرائية المتثل إخالال ً مببدأ املساواة ،ألن تطبيق املساواة يكون بني كل طائفة من األفراد املتساوين في ظروفهم وأحوالهم الطبيعية. -10ان مبدأ سمو احلصانة البرملانية ينطلق من األحكام الدستورية بالدرجة األساسية ثم من أحكام القوانني واللوائح او األنظمة الداخلية للسلطة التشريعية .لذلك جند ان املشرع الكردستاني قد أقر على كل من احلصانة املوضوعية واإلجرائية في قانون إنتخاب برملان كردستان رقم ( )1لسنة 1992ومشروع دستور إقليم كردستان لعام 2009إسوة بدساتير معظم الدول البرملانية في العالم، ضمانا ً إلستقالل وحرية أعضاء برملان كردستان. ليتمكنوا من متثيل الشعب وإرادته متثيالً صادقا ً وحقيقيا َوألجل ذلك نقترح مايلي : اوال -إحترام النصوص الدستورية والقانونية اخلاصة باحلصانة البرملانية واإلبتعاد عن إساءة 253
أقواس
أقواس
254
إستخدامها سواء من قبل السلطات او أعضاء البرملان ذاتهم ألن ذلك يهدف الى منح عضو البرملان الثقة التي متكنه من ان يقول كل مامن شأنه إثراء العمل البرملاني وإعالء الفكر الدميقراطي. ثانيا -عدم تقييد احلصانة املوضوعية املقررة في مشروع دستور إقليم كوردستان بالنظام الداخلي لبرملان كوردستان املزمع وضعه على ضوء املشروع املذكور بعد نفاذه بشكل يؤثر على مضمون هذا احلق الدستوري ،ألن أي تقييد في هذا اجملال يعني تقييد إرادة النائب وهو تقييد إلرادة الشعب ،وان هذه احلماية يوفرها املشرع للعضو أصال لتمكينه من ممارسة عمله البرملاني هي في الواقع حماية إلرادة الشعب.
املصادر واملراجع -1أحمد فتحي سرور ،الشرعية واإلجراءات اجلنائية ،القاهرة ،دار النهضة العربية . 1977 ، -2السيد صبرى،مبادىء القانون الدستورى ،ط ، 4القاهرة . 1949، -3محمد حسن العاقل ،احلصانة في اإلجراءات اجلنائية ،صنعاء ،مطابع املفضل،ط.2000، 1 -4د .عادل الطبطبائى ،السلطة التشريعية فى دول اخلليج العربى ،الكويت . 1985، -5د .عبداهلل اسماعيل البستانى ،مذكرات أولية فى القانون الدستورى ،مطبعة الرابطة _بغداد 1950، _. 1951 -6د.عبد احلميد املتولي ،القانون الدستورى واألنظمة السياسية ،القاهرة ،دار املعارف . 1962 ، -7د .عثمان خليل ،القانون الدستورى ،القاهرة . 1956، -8عطا بكرى ،الدستور وحقوق اإلنسان ،ج ،2مطبعة الرابطة ،بغداد . 1954 ، -9د.علي صادق ابو هيف ،القانون الدبلوماسي ،اإلسكندرية ،منشأة املعارف . 1977 ، -10د .فتحى فكرى ،وجيز القانون البرملانى فى مصر ،شركة فاس للطباعة . 2003، -11د .قائد محمد طر بوش ،السلطة التشريعية فى الدول العربية ذات النظام اجلمهورى ،ط ، 1املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت . 1995، -12محمد كامل ليله ،النظم السياسية ،القاهرة ،دار الفكر العربي .1971 ، -13د .محمد عزيز ،النظام السياسى فى العراق ،مطبعة املعارف ،بغداد . 1954، -14محمد عصفور ،إستقالل السلطة القضائية ، القاهرة ،منشأة املعارف . 1969 ، -15د .مصطفى أبو زيد فهمى ،الدستور املصرى ،ط 2 ،منشأة املعارف باإلسكندرية . 1958، -16د .مصطفى كامل ،شرح القانون الدستورى والقانون األساسى العراقى ،ط ، 1مطبعة السالم ،بغداد . 1948، مجمع اللغة العربية ،معجم القانون ،جمهورية مصر العربية ،املطابع األميرية ،ط. 1999 ، 1 -17د .وحيد رأفت و د .وايت إبراهيم ،القانون الدستورى ،املطبعة املصرية ،مصر . 1937 ، -18د.سميرعبدالسيدتناغو ،النظرية العامة للقانون، منشاة املعارف باإلسكندرية ،اإلسكندرية .1986،
-19جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم ابن منظور ،لسان العرب ،حتقيق عامر أحمد حيدر ومراجعة عبداملنعم خليل إبراهيم ،بيروت ،دار الكتب العلمية ، ط،2002 ، 1ج .13 -20خير الدين محمد،احلصانات الدبلوماسية القضائية، الدوحة ،املكتبة العربية للنشر والتوزيع.1993، -21الدستور العراقى الدائم لعام . 2005 -22مشروع دستور إقليم كوردستان لعام . 2009 -23الدستور املصرى لعام . 1971الدستور الفرنسى لعام . 1958 -24النظام الداخلى جمللس النواب العراقى . -25قانون إنتخاب برملان كوردستان رقم ( ) 1لسنة . 1992 -26النظام الداخلى لبرملان كوردستان رقم ( ) 1 لسنة . 1992 -27قانون السلطة القضائية إلقليم كوردستان رقم ( ) 23لسنة . 2007 -28خالد على احمد ،احلصانة البرملانية للنائب وشروطها وحدودها _ مقارنة بني دستورى مملكة البحرين لعامى 1973و . 2002املتاح على املوقع األلكترونى اآلتى .www.alwasatnews.hotmail.com :
255
أقواس
أقواس
256
مكونات اخلطاب الدعائي وسياقاته
د .كمال عبداهلل
بدأ القرن العشرين بصراع العقائد وغزو الثقافات بوصفها جزءا من الدعاية السياسية. وانتهى بحروب االعالم ،وخالل ذلك شهدنا ما لم تشهده البشرية طوال عمرها املديد ،فثورات البحث يتألف من مبحثني اثنني ويعتمد منهجا العلم والتكنولوجيا اتصلت بوسائل نقل مركبا للتحقق والتقصي يقوم على شرح الثقافة واملعلومات وتبوأت الصناعات االعالمية املفاهيم ثم شرح الوقائع وحتليل املعطيات. قمة الهرم وارتبطت الهيمنة الدولية مبدى القدرة املبحث االول بعنوان تعريف اخلطاب الدعائي على انتاجها واستغاللها واتنقل مجتمع االلة ووظائفه وامناطه ،ويتضمن االساس النظري واملصنع الى مجتمع العقول الذكية واملعرفة .لشرح مجمل املنطلقات الفكرية التي شكلت ان التحوالت اجلذرية قلبت املفاهيم ..وطورت االرضية لتعريف اخلطاب الدعائي ووظائفه وسائل العيش ..ولكن احلياة اضطربت واتسعت وامناطه ،ويتضمن ايضا مكونات هذا اخلطاب بؤر التفاوت و اخلالفات ..فتكنولوجيا االتصال وكيف يوظف الذات املادية والروحية للمجتمع التي قربت املسافات قسمت العالم الى شمال وعالقة كل ذلك باالعالم واجملتمع اجلمهور وجنوب ..واملعلومات املتضاربة التي تأتي من كل املتلقي اضافة الى العوامل التي تساعد على صوب واالمناط الثقافية التي يجري فرضها عبر جناح النشاط الدعائي.
وسائل االعالم ،زعزعت قناعات البشر وهزت ثوابتهم التي اعتادوا ان يحتموا بظلها وبها يواجهون العالم ..وظهرت مفاهيم جديدة مثل(اختالل تدفق املعلومات) و (غزو الثقافات). وغيرها مما جرى طرحه على بساط البحث مما ربط كل قضايا التنمية والتقدم في مطلع االلفية ان بحث كهذا كان يستلزم تضافر عدة جهود الثالثة بقضايا الثقافة واالعالم. متخصصة وتوفر اختصاصات دقيقة وحديثة، ومن هنا وقع اختيارنا على موضوع البحث رغم اقتناعي ان ما من حقائق مطلقة وبحث (اخلطاب الدعائي مكوناته وسياقاته) ،ألهمية كامل ولكنها الرغبة في االفصاح عما نعتبره املوضوع في بناء الرأي العام حول االحداث التي مجديا وتظل في نهاية املطاف وجهة نظر حتتمل تهم اجملتمعات ودور اخملطط الدعائي في تفعيل اجلدل واملناقضة ،فهذه هي طبيعة البحوث النشاط الدعائي باستخدام وسائل االعالم وغاياتها. اخملتلفة مبا يخدم حتقيق الهدف املطلوب ،وبتعبير ادق ان اخلطاب الدعائي آلية إلعادة انتاج الواقع وتقدميه بأسلوب يجذب املتلقي ويلبي احتياجاته املبحث االول /التعريف باخلطاب الدعائي اخملتلفة ،من خالل مجموعة اشكال تشمل مجاال واسعا ميتد من صياغة اخلبر الى اعداد البرامج املطلب االول /تعريف اخلطاب الدعائي ووظائفه وانتهاء بتصميم الصفحات االلكترونية والنشر وامناطه على االنترنيت وكلها تتطلب جهدا ابداعيا 1 .1التعريف: خالصا ومهارات مهنية عالية تعكس النشاط االعالمي فنا يتعامل مع الرسائل االعالمية ان اخلطاب الدعائي صورة من صور التعبير عن اما املبحث الثاني فعنوانه سياقات اخلطاب الدعائي وفيه سيتم تناول سياقات اخلطاب الدعائي ،حيث شمل السياقات املعرفية والسياقات العاطفية والظروف التاريخية التي نشأة وتطور فيها هذا اخلطاب.
257
أقواس
أقواس
258
وجهة النظر السياسية لدولة ما او مجتمع ما اخملطط الدعائي خدمة لنظام او حزب او دولة ،باعتبار الدعاية السياسية من املعالم البارزة او جماعة على النقيض منه في القيم واملبادئ لعاملنا املعاصر ،فالطبقة احلاكمة تستهدف واالفكار. من خالل وسائل االعالم اخملتلفة التأثير على مواقف االفراد واجلماعات ومن ثم تغييرها على وبذلك فان توجه اخلطاب الدعائي اساسا عملية نحو تتوخى فيه حتقيق اهداف اخلط السياسي تالعب واضحة بالعواطف واآلراء بقصد الوصول والفكري الذي تتبناه ،وبذلك فان اخلطاب الدعائي الى خلق حالة من حاالت التوتر الفكري والشحن يعبر عن راي (الداعية) إلقناع املقابل بهذا الراي العاطفي الذي البد ان يؤدي التتابع املنطقي لدى والتأثير في التصور االولي له بل وتغييره وفق ما اجلمهور املستهدف دعائيا. 1 يخدم اغراض الداعية. وعلى الرغم من حداثة اخلطاب الدعائي ،محور نفهم من هذا ان اخلطاب الدعائي هو :عملية البحث في حقل اخلطاب االعالمي 4،اال انه يظل تقنيع الواقع وتصوره وفق ادراك مسبق ملا نشاطا من نشاطات اخلطاب السياسي 5الذي يجب ان يكون ،ويتم متثيله في نظام املفاهيم يتضح ان له القدرة على تشخيص مشكالت والتصورات واملقترحات واملقوالت التي تتميز ووضع مقترحات الواقع السياسي جملتمع ما مبنطق داخلي في نظام يحكمها بغض النظر عن وفي اطار تاريخي محدد وامكانية وضع حلول طبيعته ،هدفه االقناع واالستجابة السلوكية ومعاجلات لهذه املشكالت والتي ستتحدد ملا يقوله ويتم بطقوس معينة وله خصائصه وفق طبيعة عالقات االنظمة والدول بالبيئة 6 االقليمية والدولية. 2 وابعاده االسطورية. وهو ايضا نظام فكري يتضمن منظومة من املفاهيم جلانب معني من الواقع االجتماعي بغية متلكه معرفيا ومن ثم تفهم منطقه الداخلي، هذا املنطق الذي يوجه للتأثير على اجتاهات وسلوك اجملتمع ضمن تخطيط مسبق لهذا 3 التوجه. وانطالقا من هذين التعريفني نفهم ان اخلطاب الدعائي رسالة دعائية تقصد جمهورا معينا تنطوي على مضمون مخطط لتحقيق التغيير في اجتاهات وسلوكيات جمهور محدد يقصده
.اروى العاني ،مفهوم اخلطاب الدعائي 1 االسرائيلي املوجه ،رسالة ماجستير غير منشورة، قسم االعالم ،كلية االداب ،جامعة بغداد ،1997 ،ص.17 .حميدة سميسم ،مفهوم اخلطاب الدعائي، 2 كلية االعالم ،جامعة بغداد ،1998 ،ص .18 .د .عبد العليم محمد ،مالحظة نقدية حول 3 دراسة اخلطاب السياسي ،مجلة املنار ،السنة االولى، العدد 7بيروت ،ص.18
2 .2وظائف اخلطاب الدعائي:
للخطاب الدعائي عدة وظائف نوضحها 7 مبا يلي: 1 .1الوظيفة االخبارية :تسعى الى ابالغ اخملاطب مبضمون الرسالة الدعائية والتأثير عليه. 2 .2الوظيفة االنشائية :هي جوهر الرسالة الدعائية حيث تصاغ بشكل مؤثر مقنع لتحقيق الهدف املطلوب. .د.حسني احلسن ،االعالم والدولة ،دار العلم 4 للنشر التوزيع ،بيروت ،1995 ،ص.365 .د.حميدة سميسم ،مصدر سابق ،ص.18 5 .د .عبد العظيم محمد ،االعالم والتوعية 6 العلمية ،مطابع االعالم للنشر ،1997 ،ص19 .د .اروى العاني ،املصدر السابق ،ص.18 7
الدعائي.
3 .3الوظيفة املعجمية :تتضمن وجود شفرات مفهومة بني طرفي اخلطاب.
د .دوقد يأخذ شكل اخلطاب الدعائي صيغة تصوير او مقابلة او تعليق او قصيدة او مسرحية كشكل من اشكال االتصال باجلمهور املستهدف دعائيا.
4 .4الوظيفة املرجعية :حيث حتال الرسالة الدعائية الى جهة مهنية مثل االستشهاد بالتاريخ املعاصر واحلديث لتحديد االحاالت املرجعية الى االشخاص او املؤسسات.
8
5 .5الوظيفة االنتباهية :وتسعى الى املطلب الثاني :مكونات اخلطاب الدعائي: حتديد التواصل الدائم بني طرفي اخلطاب في اثناء عملية التخاطب. يتكون اخلطاب الدعائي من مجموعة مكونات بنائية متداخلة مع بعضها وال ميكن للخطاب الدعائي حتقيق أي هدف اال بتواجدها كاملة 3 .3امناط اخلطاب الدعائي: من اجل تزييف (تقنيع الواقع) والتي هي عملية يقسم اخلطاب الدعائي الى عدة امناط استبدال العالقات االجتماعية احلية واملعاشة 8 بعالقات تصورية بعيدة عن احلقيقة ،مبعنى اخر هي: تستبدل الوقائع املعاشة امللموسة لدى االفراد أ .أاخلطاب الدعائي املباشر :وهو واجلماعات الى ما هو خيالي من اجل تزييف خطاب حواري يستغني عن الكثير الوعي بأقنعة حتول دون التعرف على ما هو 9 من التقنيات اجملازية وميتلك احاالت حقيقي وان ابرز هذه املكونات: بسيطة الى الشيء. اوالً :الفاعل اخلطابي :ان الفاعل اخلطابي ميتاز ب .باخلطاب الضمني :الذي يتعارض باخلصائص التالية: مع اخلطاب الدعائي املباشر ويتميز أ .أان الفاعل اخلطابي هو القائم بعملية باستهالكه قدرة حدسية باملرجعية انتاج اخلطاب الدعائي وليس منتج وعلى توليد مستويات من التأويل. اخلطاب الرسمي. ج .جاخلطاب االميائي :ال يهدف الى ايصال ب .بيتصف الفاعل اخلطابي بتعدد اشكاله فكرة ما عبر رموز مباشرة او ضمنية اخملتلفة ،فهم فاعل منطقي ،فاعل بل بالتحدث عن موضوع معني قد نحوي ،فاعل اسطوري ،وهو طبقا يكون مباشرا في عنوانه لكنه لذلك يؤدي دوره الفاعلي طبقا إلرادة يوحي الى افكار اخرى معتمدا على ومعرفة وسلطة متتلك قدرة االنتاج املرجعية التي ينطلق منها اخلطاب، وقدرة التنفيذ ،فالفاعل املنطقي الذي وان اخملاطب قد ال يجد هذا االيحاء يؤدي دوره في ترتيب االفكار وطبيعة في أي مفردة من مفردات اخلطاب .د .حميدة سميسم ،املصدر السابق ،ص.19
9
.د .حميد سميسم ،مصدر سابق ،ص.20
259
أقواس
أقواس
260
التوجه الدعائي وكيفية وضع مضمون مقنع محدد .والفاعل النحوي هو الذي يهتم بوضع وحدات وعبارات متعاقبة اجلمل النحوية البسيطة ،والفاعل االسطوري هو الفاعل القادر على االيهام بانه يستطيع فهم كل شيء ويحقق النصر ضد قوى الشر ووضع قيم ومثل ،واعتبارها مبادئ عليا تنفذ لسنني عديدة مستقبال دون مناهضتها من قبل اجلمهور 10،لذا فعند اعطاء كل هذه املهام للفاعل اخلطابي في عملية انتاج اخلطاب يكون للفاعل الدعائي القدرة على البوح او الكتمان او الكذب او التشويه بالشكل الذي يخدم اهداف الرسالة الدعائية. وبذلك فان دور الفاعل اخلطابي وتأثيره الدعائي يتم بعد عملية انتاج اخلطاب السياسي الذي يصدر من جهة رسمية مثل احلكومة التي متثل النظام السياسي القائم في مختلف البلدان املتقدمة منها والنامية على حد سواء والتي يختلف فيها نظام انتاج اخلطاب الدعائي وكذلك االختالف من حيث الرموز والقيم املتضمنة فيه 11.وفي ظل التطور الكبير الذي وصل اليه اجملتمع البشري املعاصر والذي كشف عن قدرات ومواهب االنسان في التخطيط واالبداع والتفنن في استخدام اساليب تنوعه من اجل حتقيق االهداف الدعائية املطلوبة ، فقد متثل وفق ذلك الفاعل اخلطابي بفئة اخلبراء واملثقفني واخملتصني بالعمل الدعائي والنفسي والتي تلتحق مبؤسسات احلكم والسلطة لتبرير وتقنيع سياساتها والتنظير لها .ان تقدم وسائل االتصال وتقدم االبحاث العلمية والنفسية .عبد العزيز عرف ،مدخل الى نظرية السرد، 1 0 مجلة العرب والفكر العاملي ،الفكر العربي املعاصر ، بيروت ،باريس ،1987 ،ص.36 .د .حميدة سمسيم ،مصدر سابق ،ص.20 11
التي اختصت بدراسة دقيقة للجانب النفسي واالجتماعي للمتلقي (اجلمهور املستهدف) دعائيا مكنت من وضع نظريات في كيفية التأثير على املتلقي من خالل االساليب التي يخاطب بها .وقد اثبتت االبحاث ان اعادة انتاج اخلطاب الدعائي تنجح في حتقيق اهدافها من خالل فهم متكامل لكل ما يحيط بالفرد من حيثيات اقتصادية وثقافية وسياسية تؤدي بالتالي الى امكانية زيادة االثارة العاطفية والنفسية للفرد واجلماعة وهذا بدوره يزيد من احتماالت احلصول على السلوك املتوقع من اجلمهور .ويؤكد الباحثون ان الوسائل السمعية والبصرية تثير بشدة العوامل النفسية والتي ترفع من حدة 12 املشاعر العاطفية. وبهذا جند ما يقدمه اخلبراء في حقل الفاعل اخلطابي واعادة انتاج اخلطاب وجعله بشكل ما يخدم االهداف الدعائية هو من عمل واختصاص اخلبراء في اجملاالت النفسية والدعائية إلحداث التأثير املراد في سلوكيات اجلمهور وفي هذا اخلصوص يعمل الفاعل اخلطابي جاهدا على تنفيذ وجهة نظر النظام احلاكم الذي ميتلك تكنولوجيا االتصال ويتحكم بأدواته .ومبوجب هذا فان اخلطاب الدعائي يكون مراقبا ومنظما داخل اجملتمع وضمن حدود سيطرة السلطة القائمة والتي تسعى باهتمام الى التقليل من احتماالت 13 مخاطرة االستجابة السلبية جتاه اخلطاب. ان دور الفاعل اخلطابي يختلف من نظام الى اخر وحسب تنوع االنظمة االقتصادية واالجتماعية القائمة ،ففي الدول النامية تختلف عملية انتاج اخلطاب دعائيا عن انتاج اخلطاب في الدول املتقدمة ،حيث جند ان اعادة انتاج اخلطاب في البلدان النامية تتم من خالل تدخل السلطة .م.دي .فلور ،سي بال روكاخ ،نظريات االعالم، 12 دار وائل للنشر والتوزيع ،عمان ،ط ،2001 ،1ص.294 .د .عبد العظيم محمد ،املصدر السابق، 13 ص.19
5 .5حتديد قنوات النقل التي يجب استعمالها.
احلاكمة ،فهي متنحه امكانية الذيوع واالنتشار وكذلك القدرة على االقناع على اساس ان هذا اخلطاب هو خطاب النظام احلاكم فيتم عن طريق فئة اخلبراء تقدميه بالشكل الذي يوحي ثانياً :اجملال االعالمي :أي الفضاء الصغير احمليط باخلطاب الدعائي والذي يصبح اخلطاب من 14 للمتلقي احادية هذه اخلطاب وعدم تنويعه. خالله ذا قدرة على االتصال املباشر وادراك اال ان امكانية اخلطاب الدعائي املناهض وقدراته املكونات اخلطابية عبر وحدات جزئية تعمل على في الدول النامية قد تكون ضعيفة جدا اذا ما حتديد سيمائية العالم الطبيعي الى سيمائية انعدمت خالفا ملا يتمتع به اخلطاب الدعائي سياسية يعمل الفاعل اخلطابي من خاللها في الدول املتقدمة من امكانيات وقدرات على على انتاج عالقات جديدة .ففي اجملتمعات ،وعلى اختالف نظمها االيديولوجية ،مجموعة رموز التعبئة واحلشد بسبب: متثل داللة محددة تفرضها العالقات االجتماعية 1 .1قوة االمكانية التقنية وخبرات الفاعل السائدة ،فاملطرقة واملنجل حتولتا من اداة اخلطابي املتطورة. عمل الى رمز للشيوعية في االحتاد السوفيتي 2 .2محدودية فعالية اخلطاب الدعائي السابق. املناهض. (ان ما يختار من تعبير وتصور يشكل اختيارا
لذلك نالحظ ان مهمة الفاعل اخلطابي ليست باليسيرة فهدف اخلطاب الدعائي هو اطالق فعل وبإطالق هذا الفعل ومن خالل مضامني مؤثرة ومقنعة تتطلب منه ادراك كيفية حتقيق رسالته 15 ألهدافها الدعائية ،وهنا يجب التركيز على:
فكريا يشكله االفراد واجلماعات داخل اجملتمع البشري في بقعة جغرافية محددة بحيث يتفق هذا التصور وهذا التعبير ألداة ما ،او ملثل ما او لتقليد ما يحدده الفعل الزماني للفكر 16 االيدلوجي).
1 .1طبيعة املثيرات التي يجب استعمالها.
واخلطاب هنا حترك دعائي يعبر عن عملية دعائية تعتمد على رموز وعلى قواعد االستخدام التي ميكن اختيارها من قبل جماعة لغوية مختصة تنسجم مع الواقع االجتماعي الذي يعيش فيه االفراد واجلماعات والذي يديره نظام سلطة محددة الفكر واملنهاج وعليها اقناع جمهورها 17 وكسب رضاه.
2 .2دور التكرار في غرس قيم ومفاهيم لدى اجلمهور من خالل االغراق االعالمي، بتجنيد كل وسائل االتصال وتسخيرها في طرح موضوعة اخلطاب الدعائي في آن واحد. 3 .3حتديد االهداف 4 .4حتديد الشعارات. .نفس املصدر ،ص.14 1 4 .د .محمد سعد ابو عامود ،الوظائف 1 5 السياسية لوسائل االعالم ،مجلة الدراسات االسالمية، العدد ،5 ،السنة ،1998ص.14
ثالثا :االطار الزماني :مهمته قياس اثر املعنى وتكثيف الصور املثلى التي يعمد الفاعل .ميشيل كولون ،احذروا االعالم ،ت :ناصرة 16 السعدون ،دار احلرية للطباعة والنشر ،بغداد،1994 ، ص.37 .م.دي فلور ،سي بال روكاح ،مصدر سابق، 17 ص.169
261
أقواس
أقواس
262
اخلطابي الى انتاجها من اجل تعميق وتخليد النظام االجتماعي والسياسي والقوانني الفاعلة في تطوره ،والقصد هنا من (املفهوم الزماني) هي املرحلة التي يتمكن فيها الفاعل اخلطابي من تسخير قدراته وامكانياته في التالعب في بعض عناصر (املنطق الدعائي) في عملية انتاج اخلطاب الدعائي (الذي يتم بعد ان يعد اخلطاب من قبل املسؤول) في النظام احلاكم (الزعيم او الرئيس او الوزير) او مجرد فكرة ،فيبادر فريق اخملتصني واملستشارين في مختلف االختصاصات الى اجناح اخلطاب لتحقيق التأثير، وهنا يلجأ اخملطط الدعائي الى السعي في ترتيب افكار جتعل املتلقي عاجزا عن متابعة ما يطرح عليه ،أي ال يتمكن من فهم ما هو ساكن وراء مفردات اخلطاب ،وهنا تبرز عملية (تقنيع الواقع) وخلق تصورات وهمية من خالل تزييف احلقائق وطرح وحدات خطابية متماسكة متناقضة مع خطابات دعائية مناهضة والتي تعد (خطابات منحرفة) وهلوسات جلماعات مناهضة مضطربة (غير سوية) في قيمها وممارساتها العدوانية في التحكم والسيطرة ومحاربة كل ما يخدم السلوك االنساني الصحيح باإلساءة 18 والتجريح.
ألنفسهم ما يطرح عليهم في حالة تعقد املعلومات بل يسرع بتقدمي (اخبار وحقائق واحداث) محددة ومؤثرة نابعة من االطار املرجعي ،مرجعية ما يؤمن به الفرد واجلماعة من قيم وممارسات افرزتها البيئة التي يعيشها ونتاجات اجلماعة العقلية والفكرية وفق ما يتالءم مع 20 نظامها االقتصادي واالجتماعي السائد. املطلب الثالث :العوامل النفسية التي تساعد على جناح النشاط الدعائي: ان جناح النشاط الدعائي في حدود (زمانية) جناح في تخليد وتكثيف الصورة املثلى التي يعمد(الفاعل اخلطابي) الى انتاجها ،وهو يتوقف على توفر عوامل نفسية يستطيع من خاللها حتقيق ما يهدف اليه ،وفي ما يلي شيء من االيضاح عن كيفية فهم وتوظيف هذه العوامل وبالتالي التأثير على سلوك الفرد داخل اجملتمع 21 دعائيا:
اوالً :االدراك :ان الفرد داخل اجملتمع في اتصال دائم مع بيئته وذلك من خالل (منبهات) تقع على وقد اثبتت الدراسات النفسية واالجتماعية اجهزته احلسية(♣) في هذا اخلصوص مدى تأثير (املتلقي) للرسالة الدعائية ،حيث تؤكد ان االذكياء من الناس هم فتفضيل لون معني يتم من خالل االحساس االقدر على تفهم مضمون الرسالة الدعائية البصري ،وتفضيل نوع من املوسيقى يتم من خالل التي توجه اليهم حتى لو كانت عن طريق الرموز االحساس السمعي ،وتفضيل رائحة معينة يتم واالشارات والتلميح واالمياء 19.وهنا يبرر دور اخملطط من خالل حاسة الشم وتفضيل طعم خاص من الدعائي بالشكل الذي يحقق االقناع والتأثير خالل حاسة التذوق وبهذه االفضليات احلسية ولو بالشكل اليسير ،فعلى(اخملطط الدعائي تكون القدرة على تعزيز وحدة اجملموعة البشرية والنفسي) ان يحدد خالصة واضحة مفهومة في مكان وزمان معينني ويجمعهم تراث علمي للجمهور بحيث ال يتركهم يستخلصون وفكري ،ويقودهم نهج ايدلوجي محدد ،وبذلك .ميشيل كولون ،املصدر سابق ،ص .169 1 8 ,د .حامد عبد اسالم زهران ،علم النفس 19 االجتماعي ،دار الهنا للطباعة ،القاهرة ،ط ،5ص .163
.املصدر نفسه ،ص .165 2 0 .سلسلة دراسات اجليوش االجنبية، 21 العمليات النفسية للجيش االمريكي ،ص .75
تتعزز هذه الوحدة وتتكون لدى اجلماعة هذه القدرة على تقبل املنبهات التي يقدمها اخملطط الدعائي والنفسي ومن خالل تقدمي هذه املثيرات والتي حتدد قدرة الدعائي في كيفية التأثير ،وهنا تبرز االمكانيات الذاتية والكفاءات واخلبرة الفنية للفاعل اخلطابي ،والذي يسبب بالتالي احداث ردود االفعال املطلوبة واجناز سلوكيات مالئمة مع اهداف الرسالة الدعائية. ان اثارة احلواس السمعية والبصرية تعد من اكثر احلواس التي يركز عليها اخملطط الدعائي والنفسي من خالل تقدمي اخلطاب وما يتضمنه من رموز مؤثرة وايحاءات معبرة وامياءات ودالالت مثيرة عبر وسائل االعالم لتحقيق االقناع لدى املتلقي .ان توظيف كل ذلك لتحقيق االقناع والتأثير يتم من خالل حاستي السمع والبصر وهذا يتجلى واضحا في مدى تأثير البث الفضائي االذاعي والتلفازي كوسائل اتصال متقدمة ومؤثرة في اكبر عدد من اجلمهور كونها اكثر قوة وانتشارا واقناعا ،ان تطبيق عامل التكرار للحدث املراد ترميزه في خطاب ما يؤدي بالتالي الى زيادة احتماالت االدراك وجذب االنتباه بتكرار املشهد او 22 الصوت او املطبوع. لذا يعد دور وسائل االعالم االداة املهمة بيد انظمة احلكم السياسية في التأثير على اجلمهور وإقناعه بان كل ما هو خير سوف يتحقق بإشباع 23 كل ما يحس هو بحاجة اليه من آراء ومعلومات عن(من) يقوده وهل يعمل لصاحله ام ال؟.
أ .أدوافع جسمية ونفسية(داخلية) :تؤدي الى توجيه الكائن احلي جتاه اهداف معينة ،ومن شأنه ان يقوي استجابة محددة من بني عدة استجابات ميكن ان تقبل مثيرا محددا. ب .ب دوافع اجتماعية(خارجية) :هي التي تدفع بالكائن احلي الى االنتماء الى اجلماعة واملشاركة والتفاعل االجتماعي واحلاجة الى االمن. ج .جان الدوافع الداخلية واخلارجية مهمة جدا وعلى اخملطط الدعائي ان يدرسها بشكل دقيق كي يستطيع التوجه الى اجلمهور مبعرفة علمية ونفسية بكل ما يحيط بالفرد داخل اجملتمع، وهنا يستطيع اخملطط الدعائي والنفسي االستفادة من مدى ادراك اجلمهور ملضمون(الرسالة) من خالل االستالم اجلماعي ملنبهات اعدت لتحفيز مجموعة حجات يجب ان(تلبى) للحصول على السلوك املطلوب ،والبد ان نذكر هنا ان هذه احلاجات يحددها اجملال النفسي الذي يعيش فيه الفرد ،وان قوانني النظام االجتماعي ألي مجتمع توجه (الدوافع واحلوافز) وطريقة اتباعها وحتويل غير املتوافق منها الى سلوك مقبول اجتماعيا ومرغوب فيه باالعتماد على رغبة الفرد نفسه في حتقيق الذات والنجاح واحلب والسالم.
ثانيا :الدافعية: ً ثالثا :االحباط :يصاب اجلمهور احيانا (باخليبة) ان السلوك البشري يتحدد في ضوء (دوافع) عند عدم حتقيق هدف معني ويتولد توتر وصراع قسمها علماء النفس االجتماعي الى: داخليان(داخل الفرد واجلماعة معا) وعلى القائم .سلسلة دراسات اجليوش االجنبية ،مصدر على إنتاج اخلطاب الرسمي معرفة اسباب 22 االحباط ومصادره ومن خالل هذه النقطة يتم سابق ،ص.78 .د .حامد عبد السالم زهران ،املصدر السابق ،احتواء التوتر الذي تنعكس عليه ظالل القوى 2 3 ♣
ص .103
263
أقواس
أقواس
264
االجتماعية والثقافية مما يساهم في حتديد اجملال النفسي احمليط بالفرد وبذلك يتم استخدام االحباط انواع مالئمة من السلوك .وان مصادر 24 تولد االحباط هي: أ .أعوائق بيئية محيطة من جراء االلتزام وعدم متكن الفرد داخل االطار اجلماعي في الطبقة االجتماعية اخلروج عن والتخلي عن قيم واملمارسات املتوارثة ،ألن هذا عني عدم االخالص والوالء وانعدام االرتباط بني افراد اجلماعة. ب .بمحددات او قيود بدنية وعقلية تعد السلوك االنساني نتاج عملية تفاعل عوامل حيوية ذاتية ومؤثرات اجتماعية للتمسك بقيود محددة خدمة للجماعة 25 داخل اجملتمع. ج .جصراعات الدافعية :ان عدم اشباع حاجات يحس بها اجلمهور والتي اسميناها (الدوافع) ،لذا يكون اجلمهور في وضع نفسي متردد ،وهنا يبرز دور اخملطط النفسي والدعائي في التغلب 26 على هذه املصادر لكسب اجلمهور. رابعاً :االجتاهات :تتحدد وتتأثر مدارك ودوافع االفراد واجلماعات بإحباط البيئة والتراث الفكري احلضاري بشكل عام وهنا يكون من واجب اخملطط الدعائي والنفسي البحث عن كل مؤثر ومقنع لتغيير اجتاهات رمبا رفض معتنقيها (اجلمهور املستهدف) التخلي عنها بسهولة ،وهذا لن يتم كما يؤكد العلماء اخملتصون اال باتباع ثالثة مستويات والبد لنا ان نذكرها وهي: .د .حامد عبد السالم ،املصدر السابق،
24 ص.117 .سلسلة دراسات اجليوش االجنبية ،مصدر 25 سابق ،ص.78 .سلسة دراسات اجليوش االجنبية ،مصدر 26 سابق ،ص.79
أ .أاملعرفة االدراكية :ان املوجهات الداخلية لألفراد واجلماعات تستخدم في بناء او تكوين صور عن شخص ما او جماعة ما وبذلك يوصف االفراد واجلماعات بانهم كسالى وذوي مستوى عقلي واطئ وغيورين وغدارين وقساة سفاحني وجبناء ..الخ من الصفات التي يلصقها الدعائي والبد لنا ان نذكر ان االجتاهات هذه تتعلق بالتصور واملعتقدات العامة واخلاصة باجملتمع. ب .ب املعرفة العاطفية :ان توجه اجتاهات الفرد واجلماعة للتعبير عن مشاعر خاصة عندما يتوفر مثير معنوي ،فقد تظهر املشاعر على املستوي العاطفي على شكل خوف او غضب او احتقار او حسد او تعاطف او حب ظهور كقوة مؤثرة تؤدي الى اثارة العواطف املذكورة لدى الفرد واجلماعة والتي ستكون بالتأكيد لصالح اخملطط الدعائي. ج .ج املعرفة الوجدانية :ان مستوى الفعل العملي يثر في الفرد واجلماعة امليل نحو النزوع للقيام بفعل ما ،فقد تولد رسالة االقناع التي تكشف ظروف املعيشة القاسية امليل لدى الفرد او اجلماعة الى االنشقاق ،وهذا يحدث بني الدول في وقت االزمات(الفعل ورد الفعل) بسبب زيادة حساسية اخلواص العقلية والنفسية املتصلة بعملية التفكير من حيث استعانة الفعل بالرموز واالمناط وامليل الى التبرير مع تعقد الظروف السيكولوجية اخلاصة بلجوء الدعاية الى التكرار ،واملالحظة ان هذا االسلوب يعد االسلوب املثالي املستخدم خملاطبة اجلمهور ألهمية االثارة في التكرار ألحداث التأثير والتغير
في السلوك.
للفرنسي(جاك ماري دومنياك) والعاملني (برون وهولستي) و(الن ردايت رسمنس شارلي) 29.وسنتناول هذه السياقات في هذا املبحث بصيغة مطلبني.
27
ان املفاهيم االدراكية والعوامل اجلاذبة لالنتباه تستخدم في عملية (انتاج اخلطاب) الرسمي الذي يعبر عن قرارات النظام احلاكم جتاه الدول االخرى في املطلب االول /السياقات املعرفية اطار السياسة اخلارجية التي تدخل ضمن هذا االطار في محاولة تغيير 28 االجتاهات. وتشمل السياقات املعرفية مجموعة من اخلصائص هي: اوالً :الصدق والكذب:
املبحث الدعائي
الثاني:
سياقات
اخلطاب
اخلطاب الدعائي يتضمن سياقات تشكلت ضمن نظام االقناع وتتألف من نوعني هما السياقات املعرفية والسياقات العاطفية التي استخدمت ومورست بشكل منظم بعد احلرب العاملية الثانية ،حيث مت تأسيس مؤسسات اكادميية خاصة لتركيز العمل الدعائي وتنظيمه للتأثير على اجلمهور وتشكيل الرأي العام وكسب تأييده من قبل الدول الغربية بقيادة الواليات املتحدة االمريكية ودول اروبا الشرقية بقيادة االحتاد السوفيتي السابق .وان ابرز هذه املؤسسات معهد حتليل الدعاية االمريكي عام ، 1939ثم جرت محاوالت على الصعيد نفسه
.مركز االبحاث الفلسطينية ،الدعاية 2 7 االسرائيلية وحرب اكتوبر ،بيروت ،1974 ،ص.6 .د .خليل صالح ابو اصبع ،االتصال 2 8 اجلماهيري ،دار الشرق ،عمان ،ط ،1999 ،1ص.50
ان ما يطرح من جمل ومفردات(اخلطاب) للجمهور تصدقه مجموعة وتكذبه مجموعة اخرى ،فأغلبية اجلمهور ال تعرف اال القليل عن نظامها السياسي ،فكل ما يقدم ليس بالضرورة هو(احلقيقة) والتي ال يعرفها اال قلة من اخملتصني(املستشارين واخلبراء) وافراد آخرين قالئل يعرفون هذه احلقيقة فال يصدقونها عند تقدمي اخلطاب وينتج عن ذلك احتماالت تصديق نبأ معني او عدم تصديقه ،بقدر ما يرتبط بالطريقة التي ينظم بها االعالم في اجملتمع والتي تساهم في تكوين معارف االنسان ،بحيث تبرز هنا مسألة (الصدق والكذب) في ميدان العمل الدعائي حيث جند(الفاعل الدعائي) او (اخملطط الدعائي) نفسه امام سؤال يفرضه اجلمهور ،وهو هل ان (الداعية) محق في طرح املعلومات او تشويهها؟. هل يصدق اجلمهور كل ما يقال؟ .ان ما يقال ويصدقه اجلمهور يعد (احملتمل) وما يرفضه يكون (غير احملتمل) .ولتقريب ذلك نذكر مثال يوضح لنا ما هو محتمل وغير محتمل من خالل نشر االخبار بني اجلمهور املستهدف ومدى تأثير ذلك على سلوكهم واجتاهاتهم: 29
.د .حميد سمسيم ،مصدر سابق ،ص.21
265
أقواس
أقواس
266
وزع االمريكان في احلرب العاملية الثانية(بيانات) ثالثا :النكوص املنطقي: تشجع اجلنود الطليان على االستسالم مصورين لهم العيش في معتقالت انكلترا وامريكا وكندا ان ما يسهل مهمة أي نشاط دعائي في تشكيل ،فيرى اجلندي مثال ان املعتقل انشأ في مكان املعارف لدى اجلمهور املستهدف هو عدم التأهيل فندق قدمي حيث االسرة املريحة وصاالت االلعاب الواصل للجمهور في ميدان الفكر املنطقي الرياضة واالستماع الى االذاعات ووجبات الغذاء فال زالت اجلماهير فريسة ملا تصوره لها وسائل املميزة ،وهنا صدق اجلنود الطليان ما نشر وما االعالم التي حتاول بتكرارها ومحاصرتها لألحداث اذيع وبذلك دخل هذا التصديق في مجال(احملتمل) .واملواقف ان جتعل من الهدف حيا امام اجلمهور 30 اما بالنسبة للجنود األملان فأن نشر البيان فشل وتذكره دائما ان ما يفعل هو لصالح بلده. فشال ذريعا بحيث بدت لهم احلياة التي صورها وهذا يدفع اجلمهور الى إتخاذ مواقف وحصول لهم االمريكان واالنكليز بكل بساطة(خدعة) استجابات حيث ان ما يطرحه الدعائي يقنع وعليه فإنهم ادركوا ان البيان ما هو اال(اكذوبة) .اجلمهور لسبب بسيط هو جلوء(اخملطط الدعائي) الى االستفادة من مصادر موثوقة لتأكيد صحة وبذلك دخل هذا التكذيب مجال(اال محتمل). رسالته الدعائية من جهة وعدم قدرة اجلمهور جند ان السلوك الذي يجب ان يتبناه (الفاعل على التحليل واستنباط احلقائق من جهة 31 الدعائي) يفترض ان يوجه الى مجموعة سكانية اخرى. صديقة او عدوة ،وان يرتبط بحالة تقبل اجملموعة السكانية ملعلومات متفقة مع خبراتها واملعايير مبعنى ان ما يسعى اليه الدعائي في اطار واالحكام والقيم التي ولدت هذه اخلبرة وهناك النكوص املنطقي هو خرق فكر واراء معززة بأدلة بانها حقيقة ومن ثم اطالق شعارات لتثبيت امثلة كثيرة ال مجال لذكرها هنا. مصداقية هذه التصورات. ثانياً :تدخل اللغة في السياقات املعرفية وان اهميتها في التأثير الدعائي يأتي من خالل سيل العبارات واجلمل التي تسمى (الكالم) والذي هو صلة التفاهم بني البشر لذا فان (للغة) دورا مهما في تشكيل معارف اجلمهور (الفرد واجلماعة) من خالل املشاهدة واالستماع والقراءة لكثير من االحداث والوقائع وبشكل خاص عندما يفرض على املشاهدين(اجلمهور) املستهدف بالنشاط الدعائي مشاهدة صور مقبولة وبشكل يؤدي الى اقناعه على الرغم مما فيها من تشويه للحقائق وكذب وتضليل ،وهذا ما يفسر مدى جناح الدعاية السياسية الكاذبة في التأثير على سلوك اجلمهور.
ولتقريب الصورة اكثر ميكن االشارة الى ما طرحه الدعائي في تقسيمه للمجتمع البشري بشكل عام وبدون حتديد ،اذ يصنفه الى فئتني الصاحلني واالشرار او فئتي االصدقاء واالعداء واتخاذ القرارات واملواقف والسلوكيات وفقا لذلك ومبا ينسجم مع االهواء واملصالح والنزعة الى السيطرة للتملك واالنفراد. ان ما ذكره هتلر في كتابة كفاحي هو نوع من االيحاء الى الشعب ،الذي يعني بان االعداء االكثر تباينا ينتمون الى الفئة نفسها وهو امر جوهري للغاية وكي يتراءى للجمهور ساعده على غرس .اروى العاني ،مصدر سابق ،ص.29 ،28 3 0 .د .عبد املنعم علي حسن ،االبعاد 31 االستراتيجية للحرب العراقية االيرانية ،مركز دراسات اخلليج العربي ،جامعة البصرة ،1988 ،ص.286
مفاهيم وتطورات في ذهنية اجلمهور بان من حقهم الدفاع عن انفسهم ضد كل من يهاجم 32 من اعداء. وهنا يتبني ان (الفاعل الدعائي) في هذا اجلانب يستغل اجلمهور لعدم قابليته على التحليل وفرض مصداقية على كل ما يطرح عليه بسبب: أ .أقلة الوعي االقتصادي والثقافي و االجتماعي. ب .باالسلوب املتطور واملتقدم لطرح الفعل الدعائي مما يساعد على جناح الغزو الثقافي على الراي العام. وعلى هذا االساس فان اخلطاب الدعائي في توجيهه نحو اجلمهور يؤكد على ما يلي: أ .أالسعي لتشكيل الراي العام بالشكل الذي يخدم مصالح واألهدافها املعلنة ألصحاب اخلطاب.
3 2
ب .ب تغيير االطار املرجعي .وهذه ركيزة اساسية يعتمد عليها اخملطط الدعائي لتشكيل معارف اجلمهور املستهدف واجماع اجلماعة على ضرورة اتخاذ قرار معني يخدم مثال امن الدولة وحماية حدودها االقليمية ،واحيانا اتخاذ قرار حاسم لتحقيق ذلك حتى لو كان حربا لردع اعتداءات دولة اخرى وهنا يكون قرار احلرب نقطة مرجعية اولى وفي حالة اتخاذ قرار بالعدول عن احلرب ألسباب دبلوماسية ومن ثم حتاول الدولة تغيير انتباه اجلمهور .اروى العاني ،مصدر سابق ،ص.32-31
من خالل افهامه بأن احلرب دمار وان املسألة ال تستوجب غير احلوار واالتفاق فكانت النقطة املرجعية الثانية هي خطر احلرب ومحاولة جذب انتباه اجلمهور الى مساوئها وآالمها.
املطلب الثاني :السياقات العاطفية تعتمد هذه السياقات على سلسلة من التأثيرات النفسية إلحداث استجابات لدى متلقي الرسالة والتي حددتها مجموعة مدارس علمية افرزت مجموعة من االبحاث في علم النفس االجتماعي والسلوكي وفي هذا اخلصوص جند من الضروري ذكر هذه املدارس الن ما قدمته من دراسات نفسية افاد (اخملطط الدعائي) بشكل حقق له النجاح من خالل فهمه لنفسية الفرد والتي جاءت عبر دراسة شاملة لكل ما يدور في اجملتمع في جميع اجملاالت ومن اهم هذه املدارس نذكر ما يلي: اوالً :مدرسة التحليل النفسي (لفرويد)♣: حيث يعتقد بوجود عقل هائل ال نشعر به في حاالت الوعي لكنه دائم الفعالية والعمل اطلق عليه الالشعور ولعمله مظاهر ابرزها االحالم والغرائز والسلوك الالإرادي .ويرى فرويد ان السلوك امتداد جملموعة العقد والنقائض التي تسيطر على النفسية الفردية ،ومن هنا يبدأ دور التعامل النفسي للمخطط الدعائي حيث يعمل على استغالل هذه العقد والنقائض التي يجسدها سلوك االفراد واجلماعات .لذا يكون التركيز الدعائي في توجيه اجلماعات داخل 267
أقواس
أقواس
268
اجملتمع باستغالله مسألة االقليات القومية والطائفية على سبيل املثال والتي تعد افضل تعبير عن جماعية يشعر بها االفراد واجلماعات التي تشعر على االغلب باستالب حقوقها من 33 قبل االغلبية في النظام احلاكم. ثانياً :مدرسة بافلوف (نظرية رد الفعل 34 املنعكس): توصل العالم بافلوف من خالل جتاربه الشهيرة مع الكالب الى ان بعض افعالنا نحن البشر وبقية االحياء هي افعال ال ارادية او باألحرى انعكاسية غريزية مخلوقة فينا فنحن نسحب ايدينا بسرعة اذا اكتوت بالنار وهذا ما يدلنا على ان التأثير في اجتاهات االفراد واجلماعات من خالل التوجيه الدعائي ومن خالل عملية التالعب في احمليط والوسط للقوى االجتماعية وما يرتبط بها من انطباعات بحيث تدفع الفرد او اجلماعة لينساق ال شعوريا نحو موقف وسلوك يريده الداعي دون ان يشعرهم باألذى او ان هناك خطر يتجنبوه فهم ينساقون اليه برضا واطمئنان وهذا ما يعبر عن قدرة الدعائي التأثيرية االقناعية والتي تؤثر بالتالي في سلوكية النفس البشرية 35 ومن خالل فهمها بدقة وشمولية. ثالثا :مدرسة ديوي:
36
بإمكانية التحكم باملواطن عن طريق التحكم بالوسط االجتماعي ومن ثم التالعب باملقومات الشخصية ،وبذلك نفهم ان ديوي ال يتفق مع بافلوف في تالعبه في العواطف ومبقومات الوسط االجتماعي الذي يعيش فيه الفرد داخل اجملموعة وامنا استمالة وكسب االصدقاء من خالل توعيتهم وتثقيفهم ومن ثم احلصول على نتائج مرضية من خالل اخبارهم باحلقائق وهذه مهمة(االعالم) في التوعية واالرشاد ،وهنا يقرب(ديوي) بني مفهومي(الدعاية واالعالم) بنظرة ايجابية للدعاية ودورها في االقناع دون 37 تزييف او كذب او تقنيع. وفي هذا الصدد البد لنا ان نذكر فوكو في هذه املوضوع والذي فسره مبا يخدم مضمون اخلطاب ومصداقيته بحيث اكد على ما جاء به فرويد وحلله بالشكل التالي-: فقد اكد فرويد بدوره على ان الشعور يقدم الالشعور ،وهنا يتساءل فوكو هل ان فرويد قد اضاف دليال نفسيا وعقليا جديدا يقدم للثقافة ام انه غير في احلقيقة طبيعية الدليل الذي بإمكانه ان يفعل فعله في التعبير والتأثير على السلوك البشري بحيث يؤثر ذلك على طبيعة ما يرمز اليه الناجت الفكري والثقافي من دالالت ورموز واشارات تعبر عما يريد منتج الكالم االفصاح عنه؟
ترى هذه املدرسة ان الدعاية عملية تثقيف وبهذا السياق يؤكد فوكو ضرورة التركيز على وتقوية في املواقف ومن ثم فهي ترفض التسليم البحث في اعماق النفس البشرية ومن ثم .د .تهامة اجلندي ،االعالم ،قلق الهوية ،حوار انتقاد هذه االعماق والتي اسماها العلماء في 3 3 هذا اجملال (اعماق الشعور) ومنهم فرويد والذين الثقافات ،نينوى للدراسات والنشر ،ط ،2005 ،1ص.35 .بيتر بافلوف ،عالم فلسفي روسي(-1849 34 بينوا بان هذه االعماق هي بحث خالص باطني من يعتبر 1904 عام نوبل جائزة على حصل )1936 عن احلقيقة وعند معرفتها والكشف عنها تبدأ رواد علم النفس عن نظرية السلوكية ،للمزيد انظر: مرحلة (النفاق وليس االقنعة) وهنا تبرز مهمة صالح نصر ،احلرب النفسية ومعركة الكلمة واملعتقد، (اخملطط النفسي والدعائي) فيبدأ باستعراض مطابع االهرام ،القاهرة.1995 ، عالمات ورموز هذه االعماق ليفضحها في .د .تهامة اجلندي ،املصدر السابق ،ص.36 3 5 3 6
.املصدر نفسه ،ص.38
3 7
.املصدر نفسه ،ص .38
اثناء عملية التحليل ملضمانيها ويكون عليه ان ينزل نحو االسفل واالسفل ليبني ان هذا العمق الباطني هو خالف ما يعنيه ويدعيه، فينزل (الدعائي) الى القاع عابرا لالعماق منقبا ما في الدواخل ومن ثم اظهارها الى اخلارج، بحيث يتمكن من ان يكشف ما في االعماق من حقائق شيئا فشيئا وتغيير كل ما يسيء ويخل باحلقيقة ،وحينئذ يشع ضوء احلقيقة التي نحن 38 بصددها والبحث عنها. ومن خالل ما طرح في مجال التفاعل النفسي الدعائي العلمي السباب تؤثر بشكل مباشر على طبيعة سلوك االفراد واجلماعات ،وما افرزته االبحاث والتحليالت مبا يقرب لنا الصورة ،نرى ان نذكر ان املؤثرات النفسية التي حتدثها (العملية الدعائية) املوجهة في اخلطاب أنها موزعة على اربعة حقول هي-:39 1 .1جرد اخملاوف والرغبات: حسب ما جاءت به مدرسة فرويد ووفق ما يهتم به النشاط الدعائي في توجيهه الى اجلمهور املستهدف فردا او جماعة ومن خالل ما يعانوه من عقد ونقائض بحيث ينطلق الدعائي من هذه 40 العقد في تعامله النفسي.
بعدم صالحيته رئيسا للحكومة وممثال لهم ،النه ال يخدم مصاحلهم وهذا ال يتم اال بعد دراسة مستفيضة لرغبات ومخاوف اجملهور املستهدف الذي يسعى الن تكسبه كي يرشح ويؤيد من يختاره وان يجعله يخاف من املرشح الذي حتاربه 41 احلملة الدعائية. 2 .2اسطورة الصديق: ان هذا اجلانب يتوجه باخلطاب في حملته الدعائية املتعددة املظاهر 42الى خلق وبناء االسطورة حول من يريد تأييده فردا او جماعة فيتوجه الى اجلمهور ويقدم من يريد تأييده على انه قدير(بطل) و فائق القدرة في حتقيق امال وطموحات الشعب وانه يعرف عنهم اكثر مما هم يعرفون (عن انفسهم) وبهذه املبالغة وبهذا االطراء الفائق في حتبيب (من) يريد ان يوصله الى ما يبتغيه من مواقع سياسية خدمة ملصالح فئة خاصة حتاول ان جتعل من هذا(املرشح) خير من يحقق اآلمال السياسية وخير من يزيح 43 الهموم واملتاعب. 3 .3اسطورة العدو:
فيبدأ بالصاق التهم واجلرائم والصفات التي تضعف من مؤيدي خصمه ومثال ذلك :حملة اذا كانت اسطورة الصديق جتسد انتخابية في دولة ما حول انتخاب رئيس (الشخص الذي ترشحه) (مصدر اخلير للحكومة فتبدأ الدولة املناقضة لها سياسيا والنقاء) فان اسطورة العدو جتعل والتي تناصبها العداء مبحاوالت ،مخطط من الشخص (املرشح) مصدرا للشر لها دعائيا بحيث تتوجه الى اجلمهور الداخلي والعدوان والالإنسانية .ويتم ذلك من .اروى العاني ،املصدر السابق ،ص.47 لتلك الدولة التي جتري فيها االنتخابات مبحاولة 4 1 .وهو ما اطلق عليه االغراق أي انطالق وترديد الفشال االنتخابات فتبدأ بحملة مكثفة ضد 4 2 املرشح وحتاول زعزعة الثقة فيه واقناع اجلمهور احلجة او مضمون الرسالة في جميع االدوات واالجهزة 38 39 4 0
.ميشيل كولون ،املصدر السابق ،ص.71 .د.حميدة سيمسم ،مصدر سابق ،ص.23 .ميشيل كولون ،مصدر سابق ،ص.72
االعالمية واالتصالية في آن واحد للمزيد انظر :د .حامد ربيع ،فلسفة الدعاية االسرائيلية ،مصدر سابق ،ص .121 .اروى العاني ،مصدر سابق ،ص.49 4 3
269
أقواس
أقواس
270
خالل جلوء (الفاعل الدعائي) الى عمليات نفسية مثل (االسقاط واللجوء الى كبش الفداء او احملرقة). وذلك ميكننا ان نفهم ان ما وصلت اليه اسطورة الصديق من نتائج لصالح (الرسالة الدعائية) والتي استندت الى متجيد وتنزيه من تؤيده ،فان اسطورة العدو تصل الى نتائجها من خالل بث رسالتها الدعائية اعتمادا على ترديد رذائل الصفات واقبحها واتهام العدو بأحط الصفات واملواقف وان عملية التنظيم والتخطيط الدعائي السطورة العدو تتضمن مرحلتني: أ .أمرحلة االقناع للفئات اخملتلفة من اجلمهور او كل اجلمهور ،ان هناك عدوا مشتركا كي تنسى مصاحلها وتدفعها الى تقبل برنامج مشترك من خالل ما تطرحه العملية الدعائية عبر وسائل االعالم اخملتلفة من برامج معدة مسبقا لهذا الغرض. ب .بمرحلة تقوية الكره ضد العدو وذلك باللجوء الى (االسقاط).
اتخاذ القرارات الن ذلك ال يخدم اجلماعة التي هو طوع ارادتها) 44وفي هذه احلالة على الفرد داخل اجلماعة ان يفهم بان الفاعل الدعائي ميكنه استعمال اجلماعة كوسيلة ضغط عليه الن اجناح النشاط الدعائي احيانا ال يستكمل عبر وسائل االتصال .فيحتاج اخملطط الدعائي الى االتصاالت الشخصية وتكون هذه االتصاالت فعالة اذا ما اجريت داخل اجلماعات التي يعتز االفراد باالنتماء اليها ،وبذلك يتمكن الدعائي من تغيير اراء اجلماعة من خالل اقناع افرادها ويوحي لهم بان (من) يخالف راي اجلماعة فهو (خائن) ملبادئ اجلماعة. وبذلك ينجح في حصول التأثير والتغيير في سلوك اجلماعة مبا يخدم اهدافه املطلوبة .واخيرا رغبة الذوبان في اجملموع ويشبع هذا املوقف حاجتني في آن واحد هما: أ .أمشاركة الفرد للمجموعة فيشعر الفرد بقوته اكثر مما كان منفردا. ب .بيتخلى بها الفرد عن مسؤوليته ليسلمها الى شخص نصب 45 (ملهم) لهذه اجلماعة وقائدا ً لها.
4 .4احلاجة الى التفرد او احلاجة الى االنتماء والذوبان باجملموع: كل شخص يحتاج الى التفرد مع نفسه او االنتماء الى جماعته او لعدة جماعات وانه عضو في هذه اجلماعات او تلك ويتم ذلك من خالل مشاعر االخالص والصدق التي يكنها الفرد للجماعة وانه ال ميكن .اروى العاني ،املصدر السابق ،ص.55-54 4 4 (وهو في اطار هذه اجلماعة ان يتخذ رايا .سلسلة دراسة اجليوش االجنبية للعمليات 45 مغايرا ويسعى على عدم التأخير في النفسية ،1984 ،ص.83
اخلامتة ان اخلطاب الدعائي هو تعبير عن وجهة النظر السياسية لدولة او مجتمع باعتبار ان الدعائي هو عملية تصنيع الواقع وتصوره للتأثير على اجتاهات وسلوك اجملتمع ضمن تخطيط مسبق بهذا التوجه. نستنتج من كل ما تقدم في موضوعة مكونات اخلطاب الدعائي وسياقاته بان النشاط الدعائي اذا ما اريد له النجاح في حتقيق اهدافه في التأثير واالقناع وحصول ردود افعال سلوكية تخدم ما يريده الفاعل الدعائي من نتائج لتغيير السلوك واالجتاهات للجمهور الذي تستهدفه الرسالة الدعائية عليه ان يركز بالدرجة االولى على دراسة نفسية علمية شاملة للجمهور املستهدف بالرسالة الدعائية من اجل تلبية حاجاته ورغباته ومعاناته ومن ثم التأثير على آرائه واجتاهاته وقيمه بالشكل الذي يؤدي بالنتيجة الى جناح التوجه الدعائي لتحقيق اهدافه املرجوة وهذا يتطلب ما يلي: 1 .1اعتماد كوادر فكرية لها القدرة على االبتكار وصياغة لغة اخلطاب الدعائي التي ميكن ان تسيطر على عملية االتصال باجملتمع. 2 .2االعالم هو ليس مجرد اداة نقل معلومات وامنا هي الكلمة التي تشمل كل حالة لها صلة بالتعامل مع الواقع. 3 .3فن تخطيط اخلطاب الدعائي يعتمد رجل االعالم واملفكر اللذان ينطلقان من الواقع.
271
أقواس
أقواس
272