Maraya Journal, Fall 2015

Page 1

‫العدد الثالث – خريف ‪2015‬‬

‫تراثنا العمراني‬ ‫تراثنا التاريخي‬ ‫َملَ ّف العدد‬ ‫في‬ ‫تراثنا ِ‬ ‫الح َر ّ‬


‫ـمية ُم َـح َّك َمة َتصدر مرتين في السنة‬ ‫َأكادي ّ‬ ‫نش ُرها‬ ‫َي ُ‬ ‫مركز التراث اللبناني‬ ‫في‬ ‫الجامعة اللبنانية ا َألميركية‬ ‫رئيس التحرير‪/‬مديـر الـمركـز‬ ‫هنري زغيب‬ ‫ميــة‬ ‫الهـي َـئـة ِ‬ ‫العـ ْـل َّ‬ ‫العائلة)‪:‬‬ ‫الدكاتــرة‬ ‫بجديا ِب ْاسم ِ‬ ‫ا َألساتذ ُة َّ‬ ‫(ترتيبا أَ ً‬ ‫ً‬ ‫كرسي الدراسات العربية‬ ‫رمزي بعلبكي | الجامعة ا َألميركية | ُ أستاذ‬ ‫ّ‬

‫السـرديات‬ ‫لطيف زيتوني | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ َّ‬

‫عماد سالمة | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ العالقات الدولية‬ ‫واإلعالم‬ ‫الشهال | الجامعة اللبنانية | مساعد رئيس الجامعة للعالقات العامة ِ‬ ‫محمد َب َدوي َّ‬

‫رنيه غطّ اس | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذة ِإدارة ا َألعمال‬

‫للش ُـؤون ا َألكاديمية‬ ‫وجيه فانوس | الجامعة ِاإلسالمية في لبنان | مستشار رئيس الجامعة ُّ‬ ‫منسق الهيئة العلمية‬ ‫الروح القدس ‪ -‬الكسليك | ّ‬ ‫َأنطوان ّ‬ ‫قسيس | جامعة ّ‬

‫لحود | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ الهندسة المعمارية والحفاظ على التراث‬ ‫َأنطوان ُّ‬

‫ـمسؤول تجاه الحكومة‬ ‫الـمدير ال ُ‬ ‫وسـي‬ ‫كريستيان ُأ ّ‬ ‫اإلدارة والتحرير‬ ‫ِ‬

‫مركز التراث اللبناني ‪ -‬الجامعة اللبنانية ا َألميركية ‪ -‬قريطم ‪ -‬بيروت‬ ‫(المقسم ‪)1600‬‬ ‫هاتف‪+ 961 1 78 64 64 :‬‬ ‫ّ‬ ‫فاكس‪+ 961 1 78 64 60 :‬‬ ‫ص ب‪ 13 - 5053 :‬بيروت ‪ -‬لبنان‬ ‫‪clh@lau.edu.lb‬‬

‫‪www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh‬‬

‫تصميم و إخراج درغام ش‪.‬م‪.‬م‬


‫العدد الثالث ‪ -‬خريف ‪٢٠١٥‬‬

‫‪3‬‬

‫ُأولى الــ‪‬مرايا‪ - ‬هنري زغيب‬ ‫تراثـنا ِه َـبـ َة َ‬ ‫كي يبقى ُ‬ ‫األمس لجميع أَ بناء اليوم‬

‫‪8‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪2‬‬

‫العمراني‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬نسيب حطيط‬ ‫التراث العمراني في بيروت‬ ‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬ ‫مي عبود أبي عقل‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َه َّدد‬ ‫ُ‬ ‫مج َّمد‬ ‫ُ‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪َ ...‬‬

‫هنري زغـيب‬

‫د‪ .‬أنطوان فشفش‬ ‫تطور األشكال العمرانية والمدنية في بيروت‬ ‫منذ نهاية القرن التاسع عشر‬

‫ف العدد‪:‬‬ ‫َم َل ّ‬

‫‪49‬‬

‫ِ‬ ‫في‬ ‫تراثنا الح َر ّ‬

‫عبداللطيف فاخوري‬ ‫تـقـالـيـد شـعـب َّـيـة‪ ...‬قبل أَ ن َت ـ ُـزول‬

‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫‪94‬‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬ ‫الحيز الجغرافي اللبناني‬ ‫ّ‬ ‫والتبعية في العهدين األموي والعباسي‬ ‫التمايز‬ ‫بين‬ ‫ّ‬

‫‪134‬‬

‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬ ‫جبل الكرمل‪:‬‬ ‫صراع بين النبي الياس وكهنة بعـل ُصــور الفينيقي‬

‫‪121‬‬

‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬ ‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬ ‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬


‫ُأولى الـ‪‬مرايا‪‬‬

‫كي يبقى تراثُنا‬ ‫ِهب َ َ‬ ‫ة األَمس لجميع أَبناء اليوم‬ ‫هنـري زغـيـب‬

‫العد َدين َ‬ ‫ومغـ ِبطة‪ ،‬أَ‬ ‫األ َّولَ ين من هذه الــ‪‬مرايا‪.‬‬ ‫َسـعيد ًة كانت‪ْ ،‬‬ ‫صداء َ‬ ‫ُ‬ ‫ترتاح ِإليه َوتهنأُ‬ ‫تحتاج منبراً أَ كاديمياً َرصيناً ‪،‬‬ ‫حقبة‬ ‫جاءت في‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لكأَ نها َ‬ ‫الغنية الكثيرة‪َ ،‬ت َوازياً مع‬ ‫فصول التراث اللبناني بحقوله‬ ‫حفظَ فيه‬ ‫أَ ن ُت َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫صدر هذه المجلة عن الجامعة‬ ‫منبر ‪‬مركز التراث اللبناني‪ ‬الــذي ُي ِ‬ ‫اللبنانية َ‬ ‫متخصصين ُيحاضرون في التراث‪،‬‬ ‫األميركية‪َ ،‬ويستقبل أَ عالماً‬ ‫ِّ‬ ‫متخصصة تكتب في التراث‪.‬‬ ‫كما َتستقبل هذه المجلة أَ قالماً‬ ‫ِّ‬ ‫حاضريه‪ ،‬هكذا المجل ُة‬ ‫ومثلما ‪‬المركز‪‬‬ ‫انتقائي في اختياره ُم ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫انتقائي ٌة في اختيار ُك ّـتابها‪ ،‬كي يبقى المستوى َ‬ ‫كاديمي العالي هو‬ ‫األ‬ ‫ُّ‬ ‫وتستحق أَ ن‬ ‫النصوص خبر ًة معرفي ًة واحترافاً مهنياً ‪،‬‬ ‫ـنز‬ ‫َّ‬ ‫المعيار‪ ،‬فتكت َ‬ ‫ُ‬ ‫جياال‬ ‫دخل في ذاكــرة التراث اللبناني‪ ،‬وتبقى فيها َحـ ِـر ّي ـ ًة ِبـبلوغها أَ ً‬ ‫َت ُ‬ ‫خبز االغتباط بـ ِـإرث لبنان ينتقل محفوظاً من جيل‬ ‫ْ‬ ‫مقبل ًة تقتات منها َ‬ ‫ِإلى جيل‪.‬‬ ‫األكاديمي‪ ،‬ولم أَ ذكر ‪‬المنهج‪َ ‬‬ ‫ذكرت ‪‬المستوى‪َ ‬‬ ‫األكاديمي‪ .‬فأَ نا‬ ‫ُ‬ ‫‪‬م َـم ْن َه َجةً‪ ‬وفْ ق‬ ‫عد‪،‬‬ ‫ُمـ ٌ‬ ‫ـدرك أَ ّن نصوص الـ‪‬مرايا‪ ‬ليست‪َ ،‬ب ُ‬ ‫جميعها ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫التقني للكتابة البحثية‪ ،‬نصوصاً‬ ‫العرف‬ ‫ت وتدوينا ٍ‬ ‫وهوامش ومالحظا ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ود َربــاً يتأَ نّ ى فيها‪ ،‬مدقِّ قين‪ ،‬الباحثون‬ ‫ر‬ ‫صاد‬ ‫وم‬ ‫ع‬ ‫راج‬ ‫وم‬ ‫ت‬ ‫واصطالحا‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫ٍ َ ِ َ َ‬ ‫أَ‬ ‫طالبهم يوم دفاع هؤالء‬ ‫يناقشون‬ ‫ساسها‬ ‫وعلى‬ ‫والدارسون المنهجيون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عن أُ‬ ‫ـروري‬ ‫طروحة دكتوراه أَ و ماجستير‪ ،‬وهو شــأْ ٌن‬ ‫ِ‬ ‫رفيع ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وجـ ِّـد ٌّي وضـ ٌّ‬ ‫عاد ِإليها الحقاً‬ ‫ومرجعية‬ ‫العلمية والمصداقية التأْ ليفية‬ ‫للدقّ ة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫توثيقية ُي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ركن في أَ مان‪.‬‬ ‫ُوي َ‬ ‫‪‬م َـح َّـك َـمةً‪‬‬ ‫غير أَ ن الـ‪‬مرايا‪ِ – ‬وإن هي تح ِمل شـ َ‬ ‫ـرف أَ ن تكون ُ‬ ‫تظل أَ حياناً على‬ ‫مكرسة –‬ ‫هيئة‬ ‫نصوصها تحت مجهر‬ ‫َت ُعب ُر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫علمية َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬العرف‪‬‬ ‫غير مـ َّجان ٍّـي‪ ،‬في استكتاب َمن لم َ‬ ‫بع ِ‬ ‫ض تساه ٍل‪ِ ،‬‬ ‫ينض ُووا في ُ‬


‫‪4‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫التأْ ليفي َ‬ ‫مناح َي تراثي ًة‬ ‫القراء‬ ‫ِ‬ ‫األكاديمي‪َّ ،‬‬ ‫لكن لديهم ما ُي ْسدونه ِإلى ّ‬ ‫خصوصية من موروثات الحياة‬ ‫ذات‬ ‫ٍ‬ ‫ومواضيع معرفي ًة وشؤوناً نــادر ًة َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أَ‬ ‫ت طريف ًة َبلَ ْغت ُهم مكتوب ًة فطرياً‬ ‫اليومية في الضيعة و المدينة‪ ،‬ومشاهدا ٍ‬ ‫ت‬ ‫وار ُثوها َت ُ‬ ‫مؤرخين ِثقا ٍ‬ ‫واتراً من غير َ‬ ‫ممن عاشوها أَ و َت َ‬ ‫أَ و منقول ًة شفوياً ّ‬ ‫الكثير من وجوه تراثنا الوافر الغنى‬ ‫لكن فيها‬ ‫أَ و أَ صحا ِ‬ ‫ب اختصاص‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫متواتر‬ ‫ومعظمها‬ ‫الملف في هذا العدد‪،‬‬ ‫والموروث (كما نصوص‬ ‫َش َف ِّوي ِه‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومعايـنات)‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت ومشاهدا ٍ‬ ‫من ذكريا ٍ‬ ‫َ‬ ‫هويتها َ‬ ‫األكاديمية التحكيمية؟ يقيناً ال‪.‬‬ ‫هل هذا ُي ْـب ِعد المجلة عن ّ‬ ‫األكاديمية َ‬ ‫تكون للنخبة َ‬ ‫األقلّ ية‬ ‫وج َهها‪ :‬أَ ّال‬ ‫وهنا كان‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شاء ْته ْ‬ ‫الخيار الذي َ‬ ‫حر ُمون من جناها َ‬ ‫المقتصر على‬ ‫وي‬ ‫ِ‬ ‫فتخسر مساحة من القراء ُي َ‬ ‫األقَ لَّ ّ‬ ‫لكل رأْ ٍي ّ‬ ‫يتنطح‬ ‫ذوي ‪‬النهج‪‬‬ ‫و‪‬العرف‪ ‬و‪‬السياق‪ ،‬وأَ ّال تكون مفتوحة ّ‬ ‫ُ‬ ‫وازع أَ و مرجعية‪.‬‬ ‫للبحث من دون ٍ‬ ‫هب ُة َ‬ ‫األمس لجميع أَ بناء اليوم‪ ،‬هكذا ‪‬مرايا‪ ‬هذا‬ ‫ومثلما‬ ‫ُ‬ ‫التراث َ‬ ‫وتقدمها ِإلى‬ ‫الـتــراث تعكس الصفوة ُو ْثـقى ولــو أَ حياناً بــدون توثيق‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ب‬ ‫عطاش المعرفة جميعاً ولو أَ حياناً ببعض تساه ٍل‬ ‫علمي مسؤو ٍل مراقَ ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫غير طافر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫في هذا السياق تتجاور في المجلة أَ‬ ‫‪‬الع ْرف‪‬‬ ‫ٌ‬ ‫بحاث ُم َو َّثقة وفْ ــق ُ‬ ‫ف كلّ ياً بشروط النص ال ُـم َح َّكم‪ ،‬فَ ـ ِنـ َّـيـ ُـتـها أَ ن‬ ‫و‪‬المنهج‪،‬‬ ‫ومقاالت ِإن لم ت ِ‬ ‫ٌ‬ ‫فيصبح‬ ‫شمس الذاكرة‬ ‫تغيب عنه‬ ‫تحفظ وجهاً من ُوجوه تراثنا قبل أَ ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫طوفان الليل‪.‬‬ ‫مائال على الحيطان يمحوه‬ ‫ظال ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مكانتها َ‬ ‫األكاديمي َة‬ ‫ولعلّ نا‪ ،‬عــدداً بعد عــدد‪ ،‬نبلُ ُغ أَ ن نبلُ َغ بالمجلة‬ ‫َ‬ ‫تشتلُ ها َ‬ ‫قلية‬ ‫الصافية‪،‬‬ ‫فتقدم البحث ال ُـم َح َّكم في سالسة المادة التي ُ‬ ‫ِّ‬ ‫األ ّ‬ ‫لتقطفها َ‬ ‫وتتخصص المنابع‪.‬‬ ‫األكثرية القارئة فَ ـ َـتـ َـتـ َـعـ ّـم َـم الفائدة‬ ‫الباحثة‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫العدد الثالث‪ :‬باق ُة‬ ‫لزواره هذا‬ ‫ُ‬ ‫هذه هي الوليمة التراثية التي ُي ِّ‬ ‫قدمها ّ‬ ‫يتهدده من أَ‬ ‫تشويه‬ ‫خطار‬ ‫نصوص عن تراثنا‬ ‫ٍ‬ ‫العمراني في بيروت وما َّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫حفظه وصيان ِته‪ ،‬وباق ٌة أُ خرى‬ ‫أَ و تهديم ٍ أَ و ِإهمال‪ ،‬وكيفية العمل على ْ‬ ‫والجغرافية‬ ‫المكانية‬ ‫الثري بأَ بعاده‬ ‫من نصوص عن تراثنا التاريخي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لبنان البهي َة في التاريخ على‬ ‫شكل‪ ،‬مجموعةً‪ ،‬هال َة‬ ‫والميثولوجية التي ُت ِّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫هذا الخصر الوسيط من المتوسط‪.‬‬


‫عدد‬ ‫جاد ٌة هي هذه الــ‪‬مرايا‪ ‬لبلوغ ذاكرة التراث‪ .‬لعلَّ ها‪ ،‬من ٍ‬ ‫محاول ٌة َّ‬ ‫دى من‬ ‫تال ْي ِه‪ُ ،‬‬ ‫ِإلى ِ‬ ‫تحفر في هذه الذاكرة شمساً دائم َة السطوع على َم ً‬ ‫البهي على‬ ‫التاريخ‬ ‫نور‬ ‫شمس‬ ‫العصور ال تزال ساطع ًة فيه‬ ‫لبنان ُ‬ ‫َ‬ ‫تكتب َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫جبين الصفحة ُ‬ ‫األولى من تاريخ الحضارة‪.‬‬

‫كي يبقى تراثُنا‬

‫مدير المركز‪ /‬رئيس التحرير‬

‫‪5‬‬

‫ِهب َ َ‬ ‫ة األَمس لجميع أَبناء اليوم‬


‫‪6‬‬

‫هنري زغـيب‬


‫تراثنا العمراني‬

‫تراثنا العمراني‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬ ‫التراث العمراني في بيروت‬ ‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬ ‫مي عبود أبي عقل‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َه َّدد‬ ‫ُ‬ ‫مج َّمد‬ ‫ُ‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪َ ...‬‬

‫د‪ .‬أنطوان فشفش‬ ‫تطور األشكال العمرانية والمدنية في بيروت‬ ‫منذ نهاية القرن التاسع عشر‬


‫تراثنا العمراني‬

‫التراث العمراني في بيروت‬ ‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية‬ ‫معهد الفنون الجميلة قسم العمارة وهندسة الحدائق‬

‫الشواهد األثرية‪ ،‬خصوصاً الحجريةُ‪ :‬قالع وبيوت ومعابد وساحات‬ ‫ُ‬ ‫كلمات ذهبي ٌة في ِس ْفر تاريخ األمم والشعوب لمقاومة عوامل‬ ‫وتماثيل‪... ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫والتدخالت البشرية‪ ،‬ولتأْ ريخ حضار ِة َمن َبنى‬ ‫الزمان والمكان والطبيعة‬ ‫ُّ‬ ‫فتأْ‬ ‫هدم‪ ،‬لتقرأها األجيال خذ منها الجميل والمفيد‪ ،‬وتحلّ ل‬ ‫ومن َ‬ ‫سكن ومن َ‬ ‫َ‬ ‫نقش‬ ‫بآثاره‬ ‫الحاضر‬ ‫يدمغ‬ ‫وقد‬ ‫الحاضرة‪،‬‬ ‫تجربتها‬ ‫في‬ ‫لتتجاوزها‬ ‫السلبيات‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫معبد‪ ،‬ويعطي الحق بالملكية أو ْنفيها‪ُ ،‬ويثبت ُهوي ًة‬ ‫شاهد قبر أو‬ ‫رسم أو‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أو ٌ‬ ‫ويحفظ ذاكرة‬ ‫مزورة أو مسلوبة أو ينفيها أو يضفي مشروعية‬ ‫َ‬ ‫ملتبسة أو َّ‬ ‫المتعددة األنواع‪.‬‬ ‫محاها الغزو أو الحرب أو اللصوصية‬ ‫ِّ‬

‫صورة جوية لبيروت عام ‪١٩٠٠‬‬

‫اإلشكاليـة‬ ‫ال ــرأْ ي حــول الـتــراث العمراني والثقافي ألي جماعة بشرية ينقسم‬ ‫لغاءه نهائياً بدون‬ ‫محورين‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كل منهما التغلُّ َ‬ ‫متناقضين يحاول ٌّ‬ ‫ب على اآلخر ِوإ َ‬ ‫وســط أو التفتيش عن حلول ومعالجات تحفظ ِاإلرث التراثي‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫بلوغ ٍ َ‬


‫نعالج موضوعنا على محورين‪:‬‬ ‫المحور األول‪ :‬يتحكم به شعار الحداثة والــربــح السريع وناطحات‬ ‫السحاب واألبــراج والعمارة التفكيكية )‪،)Deconstruction Architecture‬‬ ‫‪ 11‬‬

‫شاعر داغستاني (‪)2003 – 1923‬‬

‫‪ 22‬كارل ريموند پوپر (‪ )1994 – 1902‬فيلسوف نمساوي‪ /‬إنكليزي متخصص في‬ ‫فلسفة العلوم‪ .‬كتب عن الفلسفة االجتماعية والسياسية‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫صورة جوية لبيروت‬ ‫عام ‪2010‬‬

‫‪9‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫فيتحول الصراع بين رأس المال المتفلِّ ت‬ ‫والتطور‪،‬‬ ‫من دون ِإعاقة التنمية‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ورغبة الربح السريع‪ ،‬والرومانسية المفرطة مع استبعاد ذوي االختصاص‬ ‫والخبرات والكفاءات األكاديمية والمهنية وخبراء علم االجتماع واالقتصاد‬ ‫بدون التفات إلى الهوية الحضارية والثقافية فتقوم جماعة أو أفراد أو‬ ‫شركات باالعتداء على الموروث التاريخي لشعب أو أمة وبدون مراعاة‬ ‫لحرمة المقدسات (أمــاكــن الـعـبــادة) أو األم ــوات (المقابر) حتى يكاد‬ ‫المدن يكتبه المقاولون بالمعاول وجنازير جرافات تهدم الماضي‬ ‫تاريخ‬ ‫ُ‬ ‫لتبني مكانه ْ‬ ‫مطعماً أو فندقاً أو شقة سكنية حتى صارت مدنناً مقطوعة‬ ‫المهجن أو الغد‬ ‫الجذور تاريخياً وأصبحنا أبناء األمس المفقود واليوم‬ ‫َّ‬ ‫حم َز ُتوف‪ 1‬حول حماية التراث‪ :‬إذا أطلقت‬ ‫المجهول‪ .‬من هنا قَ ُ‬ ‫ول رسول ْ‬ ‫نيران مدافعه عليك‪،‬‬ ‫المستقبل‬ ‫أطلق‬ ‫الماضي‪،‬‬ ‫نيران مسدسك على‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقول نزار قباني‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ثم َة أطالل لكي نبكي عليها ‬ ‫لم َي ُعد ّ‬ ‫المدامع‬ ‫منها‬ ‫ذوا‬ ‫أخ‬ ‫ٌ‪...‬‬ ‫ة‬ ‫أم‬ ‫تبكي‬ ‫كيف‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫وقَ ــول ﭘ ــوﭘ ــر‪ :‬قــد تأتي بنظرية جديدة لكنها لم تستحدث إال لحل‬ ‫مشاكل لم تستطع حلَّ ها النظرية القديمة‪.2‬‬


‫ويحمل دالالت سيكولوجية ترفض التراث المعماري لشعوب ال ثراء لها‬ ‫وينطلق موقفها من فرضية أن ‪‬التطور بالضرورة يدخل من الخارج‪ ‬وينكر‬ ‫هذا الموقف حرية المجتمع وقدرته على االختيار‪ ،‬ويوحي بانتفاء األصالة‬ ‫أو المشاركة عند الحضارة التقليدية وشعوبها‪( 3‬صورة رقم ‪ 1‬و‪ ،)2‬وبأن‬ ‫مستوى بعض الحضارات أقــل نسبياً من البعض اآلخــر َوي ُنتج عن هذا‬ ‫الموقف اتجاه المستقبليين إلى محو كل تقليدي وتجاهله‪ ،‬والدعوة إلى‬ ‫البدء من نقطة الصفر‪ 4‬واللجوء إلى استيراد أفكار ومواد من حضارات‬ ‫ذات مستوى أعلى ومن أجواء نشأت لها فكرة تفكيكية حديثة ظهرت سنة‬ ‫‪ 1791‬في أعمال الفيلسوف الفرنسى جاك ِد ّريدا (‪ 5)Jacques Derrida‬ومن‬ ‫مرتكزاتها شعار‪ :‬العمارة ليست ًفنا‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫المحور الثاني‪ :‬التنمية المستدامة وإعــادة التأهيل بشعار الحفاظ‬ ‫على التراث واإلفادة منه على مستوى الهوية والذاكرة‪ .‬وإبان السنوات‬ ‫الثالثين الماضية بدأ مفهوم الحفاظ على التراث المعماري والعمراني‬ ‫(‪ )Built Heritage‬يتحول تدريجياً من حماية المباني التاريخية المجمعة‬ ‫(األحياء‪ ،‬المدن‪ )...‬أو المنفردة (التماثيل‪ ،‬النصب‪ ،‬الساحات‪ )...‬إلى‬ ‫إدراك بيئة حضارية تحافظ على مبا ٍن تقليدية متميزة‪ ،‬ونسيج حضاري‬ ‫تراثي‪ ،‬ونسق أو نمط معماري معين لزقاق أو شارع تراثي‪ ،‬وهي عالقات‬ ‫عمرانية مكانية بين منشآت وفضاءات خارجية متاخمة إياها‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫المحافظة على المباني التاريخية وفق المادة ُ‬ ‫األولى من اتفاقية حماية‬ ‫التراث العمراني في أوروبا‪ .6‬وفي هذا المفهوم قول المستشار العلمي‬ ‫لألونيسكو عز الدين بيشاووش المسؤول عن الحملة الدولية لحماية آثار‬ ‫فلندمج التراث‬ ‫نكت ِـف َـي َّـن بصيانة التراث في هذه الحملة بل ْ‬ ‫صور‪ :7‬ال َ‬ ‫ولتكن مناسبة لتحسين الظروف اليومية للزيارة ولعيش‬ ‫بالتنمية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪A. Laroui, The Crisis of the Arab Intellectual, Traditionalism or‬‬ ‫‪ 33‬‬ ‫‪Historicism? Berkeley, Univ. of California Press, 1976, p. 42‬‬

‫‪ 44‬‬

‫‪Karl Popper‬‬

‫‪ 55‬جاك دريدا (‪ )2004 – 1930‬فيلسوف فرنسي يهودي من مواليد الجزائر صاحب‬ ‫نظرية التفكيك ومشروعه الفلسفي‪ :‬محاولة هدم األنطوتيولوجيا‬ ‫الغربية الالهوتية وبلوغ عالم من صيرورة كاملة عديم األساس ليس فيه (الجوس) وال‬ ‫مدلول متجاوز‬

‫(‪)l’ontotheology‬‬

‫‪ 66‬‬ ‫‪ 77‬‬

‫مجموعة المعاهدات األوروبية‪ ،‬رقم ‪ 121‬غرناطة عام ‪1985‬‬

‫جريدة النهار‪ ،‬الجمعة‪ 1 ،‬آب‪ /‬أغسطس ‪ 2003‬مي عبود أبي عقل‬


‫المواقع األثرية اللبنانية على الئحة التراث العالمي‬

‫‪1.1‬عنجر‪ُ :‬ش ّيدت قبل ‪ 1300‬سنة (القرن الحادي عشر) ووضعت على‬ ‫الئحة التراث العالمية منذ ‪.1984‬‬ ‫‪2.2‬بعلبك‪ :‬على الئحة مواقع التراث العالمي منذ ‪.1984‬‬ ‫‪3.3‬وادي قاديشا وغابة أرز الرب‪ :‬على الئحة مواقع التراث العالمي منذ‬ ‫مهدد بالشطب من الالئحة بسبب بناء عشوائي يجتاحه‪.‬‬ ‫‪ 1998‬والموقع‬ ‫َّ‬

‫وادي قنوبين‬

‫‪ 88‬‬

‫آثار صور وتعديات المباني‬

‫‪UNESCO, Lebanon, World Heritage Sites‬‬

‫‪11‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫يثبت لبنان من آثاره ومعالمه الطبيعية على الئحة التراث العالمي‬ ‫لم ّ‬ ‫‪8‬‬ ‫خمسة‬ ‫سوى‬ ‫سوء اإلدارة‬ ‫ها‬ ‫أبرز‬ ‫ة‬ ‫عد‬ ‫لعوامل‬ ‫طبيعية‪،‬‬ ‫ومناطق‬ ‫مدن‬ ‫بين‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وعدم المتابعة الرسمية واألهلية‪ ،‬مع أن في الالئحة العالمية نحو ‪1000‬‬ ‫موقع يضاف إليها سنوياً نحو ‪.25‬‬ ‫والمواقع اللبنانية هي‪:‬‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫الناس والحرص على الصلة والربط بين المدينة القديمة واآلثار لئال‬ ‫تبقى تلك اآلثار كأنها لألجنبي وللزيارة فقط‪ ،‬بل كي تستفيد المدينة‬ ‫من هــذه اآلثــار وتتواصل معها‪ )...( ‬السياحة إلــى صــور قد تكون‬ ‫أثرية‪ ،‬دينية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬أو للمناخ أو الطعام أو الموسيقى‪ ...‬والحملة‬ ‫هي لتحسين التراث‪ ،‬تتضمن اقتراحات لسياحة مستقبلية دائمة‪ ،‬وأن‬ ‫لتفهم أهمية اآلثار ومردودها من سائق التاكسي إلى صاحب‬ ‫دور‬ ‫يكون ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫ولتتغير‬ ‫العادية‬ ‫السياحة‬ ‫الناس‬ ‫فليتجاوز‬ ‫والمواطن‪.‬‬ ‫والعامل‬ ‫الفندق‬ ‫َّ‬ ‫المفاهيم‪ ،‬وفي صور مجاالت كثيرة ألنواع عدة ومختلفة وجديدة من‬ ‫السياحة الثقافية والبحرية والدينية والتاريخية‪!‬‬


‫ـددة‬ ‫‪4.4‬ص ــور‪ :‬على الئـحــة مــواقــع ال ـتــراث العالمي منذ ‪ 1984‬وهــي مـهـ َّ‬ ‫بالشطب من الالئحة بسبب بناء عشوائي يجتاح المدينة مؤخراً ‪.‬‬ ‫‪5.5‬جبيل‪ :‬على الئحة مواقع التراث العالمي منذ ‪.1984‬‬ ‫لبنان وخسارة كنوزه التراثية‪:‬‬

‫‪12‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫تضافرت عــوامــل ال ـكــوارث الطبيعية (الـ ــزالزل) وال ـحــروب واإلهـمــال‬ ‫والنهب والجشع االستثماري على اإلرث الثقافي اللبناني مع غياب فعالية‬ ‫اإلرادة الكاملة الرسمية والقانونية لحماية التراث اللبناني من االندثار‬ ‫والهدم‪ ،‬فالفترة منذ ‪ 1975‬نكبة كبرى للتراث اللبناني‪ ،‬باستنزاف العوامل‬ ‫المذكورة طيلة نحو أربعين عاماً رصيداً تراثياً لبنانياً وال أطراف قادرة‬ ‫على الدفاع عن تلك المواقع وحمايتها حتى لَ ْهي تسقط تباعاً وتحاول‬ ‫تحركات خجولة بتصريح أو دراسات تبقى بدون نتيجة ملموسة‪ ،‬ما‬ ‫إنقاذَ ها‬ ‫ٌ‬ ‫أدى إلى تهديد بعض المواقع بإلغائها من الئحة التراث العالي (كما وادي‬ ‫قاديشا الذي حذّ ر مركز التراث العالمي التابع لمنظمة ‪‬األونيسكو‪ ‬من‬ ‫إدراجه على ‪‬الئحة المواقع المهددة بالخطر‪ ‬خطوة أولى تسبق إسقاطه‬ ‫من ‪‬الئحة التراث العالمي‪ ،)9‬وكذلك األمر في مدينة صور‪.‬‬ ‫التراث العمراني في مدينة بيروت‪:‬‬ ‫تغليب الجانب االقتصادي (االستثمار العقاري أو التخطيط المدني‬ ‫ُ‬ ‫العشوائي أو الخاضع للسياسة أو غير المهني) َّأثـر في أحياء كثيرة من‬ ‫جزراً تحاصرها المباني الحديثة وأبراج‬ ‫بيروت القديمة‪ ،‬وجعلها أحياناً ُ‬ ‫ذات طوابق عالية‪ ،‬أو تم هدمها والبناء مكانها‪ ،‬والحجة عدم صالحيتها‬ ‫بسبب الحروب أو اإلهمال المقصود أو غير المقصود وعــدم أهميتها‬ ‫التاريخية التراثية‪َّ ،‬‬ ‫وأثـرت المباني الحديثة وطرق التخطيط المعاصر‏في‬ ‫واستبدلتها بأحياء ذات وظائف‬ ‫تنوع خدمات كانت في المدن القديمة‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫‏منفصلة (وفق نظرية لوكوربوزييه‪ 10‬لتخطيط المدن المعاصرة)‪ ،‬وأثـرت في‬ ‫‏واستبدلتها بالملكية العامة (مثال شركة ‪‬سوليدير‪)‬‬ ‫نمط الملكية الفردية‬ ‫ْ‬ ‫‪ 99‬‬

‫جريدة النهار‪ 25 ،‬تشرين األول ‪٢٠٠٢‬‬

‫‪ 110‬شارل إدوار جانيريه ‪ -‬كري أو كما ُيعرف لو كوربوزييه (‪ )1965 – 1887‬معماري‬ ‫سويسري‪ /‬فرنسي‪ ،‬أحد رواد عمارة الحداثة في القرن العشرين‬


‫وزادت من تكلفة البنية التحتية‪ ،‬ما أثار أسئلة عن‏المفهوم الصحيح للتنمية‬ ‫وما جرى في المدن اللبنانية‪ ،‬خصوصاً مدينة بيروت‪.‬‬

‫المنطقة التراثية وسط بيروت‬

‫‪ 1 11‬تاريخ بيروت =‬ ‫‪ 112‬مشاريع بحثية‪ ،‬الجامعة األميركية في بيروت (‪)AUB‬‬ ‫‪Lebanon Link‬‬

‫‪13‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫يرقى تاريخ بيروت إلى أكثر من ‪ 5000‬عام‪ .11‬وأعمال الحفريات األثرية‬ ‫ـدل على تنوع حـضــارات توالت على المدينة‪ ،‬بدليل‬ ‫في وســط بيروت تـ ّ‬ ‫عدة من اآلثار الفينيقية والهيللينية والرومانية والعربية‬ ‫العثور على طبقات ّ‬ ‫والعثمانية‪ 12‬التي تفصل بينها مسافة ضئيلة‪.‬‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫بناء األبراج الحديثة في بيروت القديمة‬


‫‪14‬‬

‫وصف ابن حوقل‪ 13‬مدينة بيروت بأنها ‪‬مدينة على ساحل بحر الروم‬ ‫وهي ُف ْر َض ُته‪ 14‬وبها ُيرابط أهل دمشق وسائر جندها وينفرون إليها عند‬ ‫استنفارهم‪ ،‬وكانت بيروت بقايا أنقاض متناثرة متبقية من الزلزال الذي‬ ‫ضرب المدينة في العقد السادس من القرن السادس الميالدي (‪551‬م)‪.‬‬ ‫مربع األضــاع‬ ‫كانت بيروت في العهد العثماني قائمة على منحدر ّ‬ ‫قب ُل من‬ ‫داخل سور يحيط بها‪ ،‬عدا مناطق تدخل اليوم في نطاقها وكانت ْ‬ ‫ضواحيها (البسطة والمصيطبة وبرج أبي حيدر وزقاق البالط والقنطاري‬ ‫والباشورة والنويري واألشرفية كانت من ضواحي بيروت) وكان السور يبدأُ‬ ‫ويتجه شرقاً حتى كنيسة مــار جرجس‬ ‫من شمال ساحة ريــاض الصلح ّ‬ ‫شماال‬ ‫ً‬ ‫المارونية‪ ،‬ثم ينزل باتجاه جامع األمير منصور عساف‪ ،‬وينحدر‬ ‫السنطية‬ ‫عند الطرف الغربي لمنطقة المرفأ ثم ينطلق غرباً باتجاه مقبرة‬ ‫ّ‬ ‫‪‬الكبوشية‪ ،‬ويعود إلى‬ ‫التي كانت خارج المدينة وسورها‪ ،‬ثم صعوداً حتى‬ ‫ّ‬ ‫أن السور يرقى إلى عهد الكنعانيين‬ ‫مؤرخون ّ‬ ‫ساحة رياض الصلح‪ .‬ويرى ّ‬ ‫أن حفريات ساحة السور (أثناء تخطيط الشوارع‬ ‫والحثيين‪ ،‬ويـ ّ‬ ‫ـؤكــدون ّ‬ ‫المحيطة بها) كشفت بقايا السور الكنعاني الحثي‪ ،‬وكانت واجهة السور من‬ ‫‪15‬‬ ‫الحجر وتعلوه أبراج‪.‬‬

‫د‪ .‬نسيب حطيط‬ ‫‪١٥‬‬

‫خريطة مدينة بيروت عام ‪ 1841‬‬

‫‪ 113‬محمد أبو القاسم بن حوقل كاتب وجغرافي ومؤرخ ورحالة وتاجر مسلم من القرن‬ ‫العاشر للميالد‪ .‬من أشهر أعماله ‪‬صورة األرض‪ ‬عام ‪977‬‬ ‫الس ُف ِن‬ ‫الب ْح ِر‪َ :‬م َحطُّ ُّ‬ ‫‪ 1 14‬فُ ْر َض ُة َ‬ ‫‪Elie WARDINI, Scanned from, Berytus, vol. 35, 1987, pp. 141-164 115‬‬


‫خريطة مدينة بيروت عام ‪ 1915‬‬

‫‪ 1.1‬بــاب أبــي النصر‪ :‬قــرب ســوق أبــي النصر (مستحدث فــي القرن‬ ‫التاسع عشر)‪.‬‬

‫هدمه‬ ‫‪ 2.2‬باب إدريس‪ :‬قرب زاوية الشيخ محمد أبو الطيب إدريس‪ .‬تم ُ‬ ‫شقت الشركة الفرنسية طريق بيروت – دمشق عام ‪.1859‬‬ ‫عندما ّ‬

‫‪ 3.3‬باب السنطية‪ :‬أي ‪‬باب األرض المقدسة‪ ،‬قرب مقبرة سنطية‬ ‫للتوجه‬ ‫دعيت باسمه وكانت مواكب الحجاج المسيحيين تجتمع عنده‬ ‫ّ‬ ‫نحو القدس‪.‬‬

‫‪ 4.4‬باب يعقوب أو بوابة يعقوب‪ :‬جنوبي بيروت القديمة‪ ،‬كان ُيفضي‬ ‫السور‪.‬‬ ‫جميز كانت معروفة بــ‪‬ساحة َع ُّ‬ ‫إلى ساحة رملية فيها أشجار ّ‬

‫هدمته‬ ‫‪ 5.5‬باب السراي‪ :‬كان باب المدينة الرسمي‪ .‬بقيت مالمحه حتى‬ ‫ْ‬ ‫السلطة الفرنسية عام ‪ ،1927‬ويعرف بـ‪‬باب المصلى‪.‬‬ ‫‪http://www.ezmapfinder.com/es/map-109347.html 1 16‬‬

‫‪15‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫اشتهر السور بثمانية أبــواب متقاربة تتيح الدخول والـخــروج‪ ،‬كانت‬ ‫وع ِرفَ ت باسم موقعها أو بأسماء َمن‬ ‫َّ‬ ‫مصفحة بالحديد من داخل وخارج‪ُ ،‬‬ ‫‪16‬‬ ‫طويال أو أقاموا قريباً منها‪ .‬وتلك األبواب هي‪:‬‬ ‫تولّ وا حراستها‬ ‫ً‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫‪16‬‬


‫‪ 6.6‬باب الدركاه‪ :‬بالتركية ‪‬باب الفندق‪( ‬أو ‪‬باب القناق‪ ،)‬وكان باباً‬ ‫غربي شارع المعرض‪.‬‬ ‫عالياً‬ ‫ّ‬

‫شرقي شمال المدينة قرب الميناء في مدخل محلة‬ ‫‪ 7.7‬باب الدباغة‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫‪‬الدباغة‪ ‬أو ‪‬سوق الدباغين‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫سمي هكذا‬ ‫‪ 8.8‬باب السلسلة‪:‬‬ ‫شمالي المدينة‪ ،‬وكان يحمي الميناء‪ّ .‬‬ ‫َّ‬ ‫لسلسلة حديدية تعترض الميناء حتى إذا ُش ّدت السلسلة يستحيل دخول‬ ‫ٍ‬ ‫الميناء‪ .‬بقيت مالمحه حتى هدمته سلطات اإلنتداب الفرنسي عام ‪.1927‬‬

‫د‪ .‬نسيب حطيط‬ ‫ساحة الشهداء‪ ،‬بيروت القديمة ‪1972‬‬

‫ساحة الشهداء عام ‪2013‬‬

‫كوارث في بيروت‬ ‫تعرضت بيروت للكثير من الكوارث الطبيعية (الزالزل) والحروب والهدم‬ ‫لالستثمار العقاري‪:‬‬ ‫‪ 1.1‬الزالزل‪ :‬كثُ َرت على الساحل الفينيقي بين القرنين الرابع والسادس‬ ‫الميالديين‪ ،‬وحدثت زالزل في بيروت أعوام ‪494‬م و‪502‬م و‪529‬م و‪543‬م‪.‬‬ ‫فدمر بيروت تدميراً عظيماً ‪.‬‬ ‫وكان زلزال ‪551‬م ً‬ ‫هائال ّ‬ ‫األمبراطور البيزنطي‬ ‫بيروت‬ ‫‪ 2.2‬مذابح الشمشقيق‪ :‬عام ‪ 974‬احتل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يوحنا زيميس (‪ )Zimice‬وعرفه العرب بــ‪‬الشمشقيق‪ ،‬ودمرها وقتل‬ ‫معظم أهلها‪.‬‬


‫‪ 3.3‬معركة بيروت (‪1110‬م)‪ :‬حاصر الصليبيون بيروت عام ‪1110‬م‪ .‬ثم‬ ‫دخلوها ودمروها‪.‬‬ ‫ـزال ضخم‬ ‫‪ 5.5‬زلــزال ‪1759‬م‪ :‬في ‪ 19‬تشرين األول ‪1759‬م ضرب زلـ ٌ‬ ‫فدمر بيروت ومدناً أخرى‪.17‬‬ ‫الساحل الشرقي للبحر المتوسط ّ‬

‫‪ 6.6‬مشروع عزمي بك (العثماني)‪ :‬سنة ‪ 1915‬باشر عزمي بك إعادة‬ ‫(دعي مشروع والي بيروت عزمي بك لتخطيط شوارع‬ ‫تنظيم مدينة بيروت ُ‬ ‫العاصمة) فأزال ثلثي المدينة التقليدية العثمانية من ساحل البحر غرباً إلى‬ ‫ساحة رياض الصلح شرقاً ‪ ،‬وتعود بداية المشروع إلى أوائل ‪ 1914‬إذ كان‬ ‫العامل االقتصادي شديد التداخل بما هو سياسي‪ ،‬وكانت التحوالت صاخبة‬ ‫على المستوى العمراني فخرجت بيروت التقليدية من سورها عام ‪.18 1860‬‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫الج ُزر على الساحل غرقت كذلك‪.‬‬ ‫‪ 4.4‬زلزال بيروت (‪1261‬م)‪ :‬ويحكى أن ُ‬

‫‪17‬‬

‫‪ 8.8‬زلــزال عام ‪ 1956‬فرضت بسببه الدولة اللبنانية ضريبة التعمير‬ ‫للترميم عن كل بناء قديم أو جديد‪.19‬‬ ‫‪ 117‬مخائيل بريك الدمشقي‪ ،‬تاريخ الشام‬

‫‪ 118‬جبران يعقوب‪ ،‬معجم الهندسة المعمارية في لبنان‬

‫‪ 119‬صدر القانون في ‪ 9‬نيسان ‪ ،1956‬المصلحة الوطنية للتعمير =‬ ‫‪www.information-international.com‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫‪ 7.7‬استعمال اإلسمنت‪ :‬انتهى تاريخ بيروت العثماني في ‪ 30‬أيلول‬ ‫‪ 1918‬وأكمل الحلفاء المشاريع فهدموا المدينة القديمة وأعلن الجنرال‬ ‫محدثاً تغييرات كبيرة‬ ‫غورو والدة لبنان الكبير وبدأ يظهر الباطون المسلح ْ‬ ‫على الهندسة المعمارية‪ .‬وكان خزان المياه في األشرفية عام ‪ 1931‬أول‬ ‫مشي ٍد بالباطون المسلح الذي أصبح المادة األساسية في البناء جامعاً‬ ‫مبنى ّ‬ ‫بين الترابط العثماني والكالسيكية الحديثة‪ .‬ومن أبــرز المباني يومها‪:‬‬ ‫عمارة الداعوق وبلدية بيروت‪.‬‬


‫طوابع لبنانية لضحايا الزلزال كانت إلزامية على مغلفات البريد‬ ‫الداخلي والبريد إلى الدول العربية ‪1957-1956‬‬

‫‪ 9.9‬الحرب اللبنانية عام ‪ 1975‬جعلت من وسط بيروت القديمة ساحة‬ ‫معارك طاحنة‪.‬‬

‫ودمر كثيراً من المعالم‬ ‫‪ 1010‬االجتياح اإلسرائيلي عام ‪ 1982‬بلغ بيروت ّ‬ ‫واألحياء في بيروت وضواحيها‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬ ‫ساحة الشهداء خالل حرب ‪1975‬‬

‫‪ 1111‬مشروع إعــادة تعمير وسط بيروت (سوليدير)‪ 20‬أزال كثيراً من‬ ‫ورمم مباني تعود إلى‬ ‫بيروت القديمة وأبقى على بعض المعالم التاريخية ّ‬ ‫الحقبة الفرنسية‪.‬‬ ‫‪ 220‬الشركة اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار وسط بيروت‪ ،‬شركة عقارية أنشأتها‬ ‫الحكومة اللبنانية سنة ‪1994‬‬


‫بالمفرق)‪ :‬أحصت جمعية‬ ‫‪ 1212‬االستثمار العقاري (إب ــادة فــرديــة‬ ‫ّ‬ ‫منزال تراثياً في بيروت لم يسلم بينها من الهدم سوى‬ ‫‪‬أبساد‪ً ١٠١٦ 21‬‬ ‫ُربعها‪ .‬وبنتيجة الدراسة تم تحرير ‪ 592‬عقاراً ولم يبق في الئحة العقارات‬ ‫المجمد هدمها سوى ‪ 459‬عقاراً مبنياً ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪1.1‬قانون اآلثار ‪1933‬‬

‫صدر قانون اآلثار بالقرار ‪ /166‬ل ر تاريخ ‪ 1933–11–7‬لتنظيم شؤون‬ ‫المديرية العامة لآلثار‪ ،‬خصوصاً حماية التراث العمراني وصيانته وترميمه‪،‬‬ ‫وتضمن تحديدات تشبه التي تعتمدها منظمات دولية (كاليونسكو) ولحظ‬ ‫في مادته األولى حماية وإحياء وإبراز المعالم والصروح واألبنية والمنشآت‬ ‫تشكل نسيجاً عمرانياً في مدن وقــرى وبلدات‪ ،‬لطابع‬ ‫المنعزلة أو التي ّ‬ ‫عمارتها أو تناسقها أو اندماجها في محيطها الطبيعي أو المدني قيم ٌة‬ ‫تاريخية أو فنية أو علمية أو تراثية مميزة‪ .‬لكن هذا القانون ال يحمي إال‬ ‫‪22‬‬ ‫َ‬ ‫لحظت كل‬ ‫أبنية ترقى إلى ما قبل عام ‪ ،1700‬مع أن قوانين األونيسكو‬ ‫عمره مئة عام مؤهل لدخول الئحة التراث العالمي إذا‬ ‫أثر معماري متميز ُ‬ ‫وفَ ى بالشروط الفنية المطلوبة‪.‬‬ ‫‪ 221‬أبساد (‪ :)APSAD‬جمعية تشجيع حماية المواقع الطبيعية واألبنية القديمة‬ ‫في لبنان‬ ‫‪ 222‬اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي‪1972 ،‬‬

‫‪19‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫التشريعات القانونية اللبنانية‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫المدينة الرياضية‬ ‫بعد القصف اإلسرائيلي عام ‪1982‬‬

‫آثار رومانية قرب السراي الحكومي‬


‫‪2.2‬قرار تجميد الهدم ‪1995‬‬

‫منزال‬ ‫ً‬ ‫جمد عام ‪1995‬عمليات هدم ‪1016‬‬ ‫وزيــر الثقافة ميشال إده ّ‬ ‫مستندا إلى توصيات جمعية حماية المواقع والمنازل‬ ‫قديما في بيروت‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عكسيا إذ سارع‬ ‫مفعوال‬ ‫ً‬ ‫أعطى‬ ‫الوزاري‬ ‫القرار‬ ‫هذا‬ ‫لكن‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫في‬ ‫القديمة‬ ‫ً‬ ‫مالكون إلى هدم منازلهم القديمة خشية أن يشملها قرار التجميد‪ ،‬وباعوا‬ ‫أرض منازلهم‪.‬‬ ‫‪3.3‬دراسات ‪1997‬‬

‫‪20‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫هيئات حكومي ٌة دراستين ّتم بعدهما تخفيض المنازل المحمية‬ ‫أجرت‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫منزال‪ ،‬وفي العام ‪ 1998‬هبط العدد إلى أقل من النصف بإدراج‬ ‫إلى ‪ً 520‬‬ ‫‪ 209‬مبا ٍن أثرية على قائمة المباني المحمية (من أصل ‪ )1016‬وورد في‬ ‫كتاب ‪ :23 Beyrouth Clair de Ruine‬بعدما في منتصف تسعينيات القرن‬ ‫الماضي تضمنت الئحة الجرد نحو ‪ 2200‬بيت‪ ،‬لم يبق منها سوى ‪.400‬‬ ‫يجر‬ ‫وتقدمت الحكومة بمشروع قانون لحماية المنازل القديمة لكن لم‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫راع شركة (سوليدير) تعليمات ومبادئ حددها البنك‬ ‫ت‬ ‫ولم‬ ‫عليه‬ ‫التصويت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الدولي‪ 24‬حول أسس إعادة إحياء المدن واألحياء القديمة‪.‬‬ ‫‪4.4‬قرارا مجلس الوزراء ‪1998‬‬

‫إزاء استمرار مطالبة مالكي العقارات بالتعويض رفعت وزارة الثقافة‬ ‫مذكرة مجدداً إلى مجلس الوزراء فكلّ ف مجلس اإلنماء واإلعمار بقرارين‬ ‫(رقم ‪ 33‬تاريخ ‪ ،1998–2–5‬ورقم ‪ 7‬تاريخ ‪ )1998–5–20‬إلعداد دراسة‬ ‫شاملة تتناول هدمها في نطاق بيروت مع اقتراح تحرير تلك التي ال ّتتسم‬ ‫منها بطابع تراثي‪.‬‬ ‫‪5.5‬قرار مجلس الوزراء ‪2010‬‬

‫سنة ‪ 2010‬وافق مجلس الــوزراء بقراره رقم ‪ 57‬على تجميد المباني‬ ‫التراثية وتأليف لجنة إلعــادة النظر في تصنيفها وتكليف وزيــر الثقافة‬ ‫استدراج عروض إلجراء جردة عامة لألبنية التاريخية في جميع المناطق‬ ‫اللبنانية‪.‬‬

‫‪ 223‬كتاب ‪ Beyrouth Clair de Ruine‬لميشال قصير وهدى قساطلي‬

‫‪ 224‬‬

‫‪http://go.worldbank.org/DHEWURIP40‬‬


‫‪6.6‬البنـك الدولـ ــي‬

‫‪26‬‬

‫‪7.7‬مشروع التراث الثقافي والتنمية الحضارية في لبنان‬ ‫وهو يهدف إلى‪:‬‬

‫‪ 1.1‬مـســانــدة التنمية االقـتـصــاديــة المحلية وتحسين نوعية الحياة‬ ‫بالمجتمعات المحلية‪.‬‬ ‫‪ 2.2‬حفظ وتحسين إدارة التراث الثقافي‪.‬‬

‫‪ 225‬‬ ‫‪ 226‬‬

‫‪http://go.worldbank.org/DHEWURIP40‬‬ ‫‪http://go.worldbank.org/DHEWURIP40‬‬

‫‪21‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫* أحياء قديمة داخــل المدن التاريخية في الشرق األوســط وشمال‬ ‫أفريقيا تتمتع بتراث ثقافي غني وتعاني من انهيار مستمر منذ ‪ 50‬عاماً ‪.‬‬ ‫* أظه َر تقرير البنك الدولي أن األحياء القديمة تزيد من قيمة العقارات‬ ‫َ‬ ‫وحصيلة الضرائب وتصبح مصدر جذب للسياحة الثقافية‪.‬‬ ‫* أحياء قديمة ذات أهمية فريدة في العالم العربي‪ ،‬أهميتها ال تتجسد‬ ‫دوماً في السياسات الحضرية‪ ،‬وتسعى معظم األعمال االستشارية الخاصة‬ ‫بالمشاريع إلى تحقيق أهداف ثالثة إلعادة تأهيل األحياء القديمة‪:‬‬ ‫• ضمان الحفاظ على أصول التراث الثقافي‪.‬‬ ‫• تعزيز التنمية االقتصادية المحلية‪.‬‬ ‫• تلبية احتياجات السكان األساسية (وأغلبهم فقراء)‪.‬‬ ‫وذكرت آنّ ا بيرد (مديرة القطاع في وحدة التنمية الحضرية واالجتماعية‬ ‫للشرق األوســط وشمال أفريقيا في البنك الــدولــي) أن ‪‬االستثمار في‬ ‫التراث الثقافي لدى المجتمعات الفقيرة والهامشية قد يحقق تغييرات‬ ‫جذرية في اعتمادها على الــذات وفــي طاقتها‪ ...‬وهــي تغييرات تتيح‬ ‫للسكان‬ ‫فرصا ليشقوا طريقهم ويحسنوا من أحوالهم المعيشية‪.25‬‬ ‫ً‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫منذ السبعينات خصص البنك الــدولــي مبلغ ‪ 4‬مليارات لتمويل ‪241‬‬ ‫مشروعاً عالمياً (‪ 208‬مشاريع إقراض و‪ 33‬مشروعاً غير إقراضي) تتميز‬ ‫باستثمارات في التراث الثقافي‪ .‬وثمة ‪ 117‬عملية مماثلة للتنفيذ (‪100‬‬ ‫عملية إقراضية و‪ 17‬عملية غير إقراضية) قيمة ارتباطاتها مليارا دوالر‪ ،‬وفق‬ ‫تحديد البنك الدولي أسس إعادة إحياء المدن واألحياء القديمة كما يلي‪:‬‬


‫‪ 3.3‬إعادة تأهيل المساحات العامة ومرافق البنية التحتية‪.‬‬

‫‪ 4.4‬تحسين اسـتـخــدام األراض ــي وتنظيم حركة ال ـمــرور فــي المواقع‬ ‫األثرية وحولها‪ ،‬بما في ذلك حماية المناطق الساحلية والخضراء وتوفير‬ ‫مسطحات خضراء‪.‬‬

‫‪ 5.5‬إعــداد دراســات للتنمية الحضارية في األماكن المجاورة للمواقع‬ ‫األثرية‪.‬‬

‫ويمول‬ ‫‪ 6.6‬تعزيز اإلطار المؤسسي بمساعدات تقنية وبناء القدرات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أعماال مدنية في بعلبك وجبيل وصيدا وطرابلس وصور‪.‬‬ ‫ً‬ ‫المشروع‬

‫تبقى من أبنية تراثية بعدما بلغت انتهاكاتها مراحل‬ ‫ويتزايد االهتمام بما ّ‬ ‫خطيرة تهدد التراث والتاريخ اللبناني برمته‪.‬‬ ‫‪ .8‬طرق المحافظة وإعادة استخدام التراث العمراني‬ ‫‪22‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫ال يقتصر حفظ التراث العمراني على العمل المادي بل يتعداه إلى‬ ‫تحديد االستعمال المستدام للمكان واختيار الوظيفة المناسبة للمبنى‬ ‫التراثي أو الموقع التاريخي‪ ،‬ما يؤدي إلى الحفاظ عليه واستثماره سياحياً‬ ‫واقتصادياً بشكل أفضل‪ .‬وتنقسم سياسات الحفاظ بشكل رئيسي إلى‬ ‫قسمين‪:‬‬ ‫مثال‪:‬‬ ‫‪ 1.1‬الحفاظ االستباقي ــ الوقائي (‪ )Preventive‬وتتضمن ً‬

‫* إجراءات التوثيق والتسجيل والفحوصات والمسوحات الدورية للمنشأ‪.‬‬

‫* السيطرة على المناخ المصغر(البيئة المحيطة) وتحديد تأثيرات‬ ‫التلوث واالهتزازات في الموقع‪.‬‬

‫* اإلجــراءات التصميمية ضد الــزالزل‪ ،‬والتخطيط آلليات رفع شأن‬ ‫المبنى وقيمته تراثياً واقتصادياً ‪.‬‬

‫* تبادل المعلومات القانونية والوصفية وإدارتها والتنسيق بين الجهات‬ ‫ذات العالقة وغيرها‪.‬‬

‫‪ 2.2‬الحفاظ العالجي (‪ :)Curative‬ويسمى أيضاً ‪‬الحفظ المباشر‪‬‬ ‫بمعالجات ميدانية ناجحة ومؤثرة بما ال يعد تغييراً للقيمة التاريخية‬ ‫للمنشأ‪ ،‬وتتمثل‪:‬‬


‫ ‪ .‬أالحماية والحفظ‬ ‫* الحماية القانونية‪ :‬إص ــدار تشريعات خاصة باألبنية التراثية‬ ‫(تخفيض الضرائب والرسوم البلدية والمالية‪ ،‬تخفيض رســوم الكهرباء‬ ‫والمياه أو االعفاء منها‪ ،‬نقل عامل اإلستثمار إلى عقار آخر خاص بالمالك)‪.‬‬ ‫(‪)Protection and Preservation‬‬

‫الجمال‬ ‫منزل آل‬ ‫ّ‬ ‫اإلسكوا والعازارية)‬ ‫(بين‬ ‫َ‬ ‫من كتاب نادر سراج‬ ‫‪‬أفندي الغلغول‪‬‬

‫‪23‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫ب‪ .‬إعـ ـ ــادة ال ـتــأه ـيــل ال ـتــرم ـيــم واالسـ ـتـ ـع ــادة‬ ‫)‪ :Rehabilitation‬إحياء المبنى والمحافظة عليه كما هو وإعادته إلى‬ ‫وضعه األصلي‪ ،‬وإعادة التجميع (‪ )Anastylosis‬أي إعادة تركيب المنشأ‬ ‫المندثر وإعــادة تجميع قطعه المتناثرة (الحجرية خاصة) وإعــادة إحياء‬ ‫المبنى وظيفياً بالطريقة السابقة ذاتها أو بأية وظيفة مناسبة تتفق ووظيفة‬ ‫المنشأ التاريخي األصلية‪ ،‬بإجراء التعديالت والتغييرات والتحســينات‬ ‫واإلضافات الضرورية (‪ )Alteration, Addition & Modification‬المطلوبة‬ ‫لتبني الوظيفة المقترحة‪ ،‬إعادة االستخدام التكيفي (‪،)Adaptive Reuse‬‬ ‫تعمل على تعزيز قيمه الثقافية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬

‫‪(Restoration and‬‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫* الحماية العملية (تشييد األسوار حول المبنى‪ ،‬التدعيم اإلنشائي‪،‬‬ ‫تنظيفه من األعشاب‪ ،‬حمايته من التعدي أو اإلستخدام غير المنسجم مع‬ ‫طبيعته‪ ،‬الصيانة المستمرة)‪.‬‬


‫‪ .٣‬اآلثار التي تم ترميمها والحفاظ عليها‪:‬‬ ‫* الجامع العمري الكبير‪ :‬هو من آثار الفتح اإلسالمي (أوائل القرن‬ ‫تحول من معبد وثني‬ ‫األول للهجرة) تاريخ فتح بيروت عام ‪14‬ه ــ‪635/‬م‪ّ .‬‬ ‫إلى مسجد للمسلمين وحمل هذا االسم تكريماً للخليفة عمر بن الخطاب‪.‬‬ ‫ال تزال آثار وأساسات المسجد القديم في الجهة الشمالية عند أسفل‬ ‫المبنى الحالي للجامع‪ .‬تم اكتشاف قواعده قبل نصف قرن وكانت مطمورة‬ ‫بالمياه‪ .‬في العهد الصليبي تحول المسجد كنيسة‪ ،‬وعام ‪583‬هــ‪1187/‬م‬ ‫سيطر السلطان صالح الدين األيوبي على مدينة بيروت وأعــاد الجامع‬ ‫العمري الكبير مسجداً ‪ .‬وبعد عشرة أعوام أعاده الصليبيون كاتدرائية ثم‬ ‫استعاده المسلمون في عهد المماليك ‪ 22‬رجب ‪690‬هــ‪ 21/‬تموز ‪1291‬م‬ ‫وأعادوه مسجداً وأدخلوا عليه تغييرات وإضافات‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫جــدد الـجــامـ َـع حــاكـ ُـم بـيــروت زيــن الــديــن عبد الــرحـمــن البعوني عام‬ ‫‪764‬هـ ــ‪1362/‬م‪ ،‬وأدخــل عليه من فن البناء والهندسة اإلسالمية‪ ،‬ثم َت ّم‬ ‫استع ِمل فيه الحجر الرملي‬ ‫ترميمه على مراحل‪ ،‬وزمـ َـن الفتح العثماني ُ‬ ‫والحجر األصفر وأعيد ترميم الحجر الرملي مع المحافظة على الشكل‬ ‫القديم كي ال يتغير الشكل األساسي‪.‬‬ ‫* ‪‬البيت األصفر‪ ،‬أو ‪‬بيت متحف بيروت متحف لذاكرة الحرب‪:‬‬ ‫عند تقاطع السوديكو ــ بشارة الخوري‪ ،‬تظهر في كل أرجائه آثار سنوات‬ ‫الحرب وبصماتها‪ .‬بني أوائل ‪ 1924‬وعرف باسم ‪‬مبنى بركات‪.‬‬ ‫البيت األصفر إبان الترميم‬


‫التراث العمراني في بيروت‬

‫* ميدان سباق الخيل الروماني‪ :‬عثر الفريق العلمي في المديرية‬ ‫العامة لآلثار على ميدان سباق خيل روماني طولُ ُه نحو ‪ 90‬متراً ‪ ،‬وحول‬ ‫حائط فاصل فيه كان يدور المتبارون‪ ،‬ومدرجاته ترتفع أكثر من مترين‪.‬‬ ‫يحافظ هــذا المعلم التاريخي على جميع عناصره الهندسية ما يسمح‬ ‫بترميمه والمحافظة عليه‪ ،‬وأتاحت وزارة الثقافة لمالك العقار ‪1370‬‬ ‫(منطقة وادي أبو جميل) بتشييد مبنى فوق عقاره حيث الميدان‪ ،‬على أال‬ ‫يمس أي قطعة أثرية‪ ،‬وأن يتنازل عن طابقين كاملين لقيام متحف يحفظ‬ ‫ّ‬ ‫ومدرجات‬ ‫تراب‬ ‫من‬ ‫يتألف‬ ‫والميدان‬ ‫اآلثار‪.‬‬ ‫حفظ‬ ‫قواعد‬ ‫وفق‬ ‫القطع‬ ‫هذه‬ ‫ّ‬ ‫والشوكة الوسطية‪ ،‬وبقية اآلثار جزء من المدرج وجزء من الشوكة الوسطية‬ ‫وعلى العقار المجاور رقم ‪ 1371‬كتابة ‪‬الحمام الروماني‪ ‬وهو تابع لميدان‬ ‫سباق الخيل‪.27‬‬

‫‪25‬‬

‫‪http://www.onlylebanon.net/?p=35397 2 27‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫ويرى عالم اآلثار هانز كورفرز (المسؤول عن الحفريات األثرية) أن‬ ‫عدة في بيروت‪ ،‬كباقي المدن الرومانية‪ ،‬كانت تتبارى في ميدان‬ ‫‪‬ف َـرقاً ّ‬ ‫ِ‬ ‫سباق الخيل‪ ،‬وكانت لتلك الفرق أندية تجتمع فيها وتستريح‪ .‬اكتشفنا‬ ‫أحدها في عقار قبالة ميدان سباق الخيل‪ .‬وهو العقار الذي تملكه شركة‬ ‫‪ Beirut Trade 2‬قبالة الكنيس اليهودي في وادي أبو جميل‪ .‬أندية الفرق‬ ‫يبق من تلك األبنية إال الجزء‬ ‫قاعات اجتماع وحمامات ضخمة‪ .‬إنما لم َ‬ ‫السفلي‪ ،‬قاعات كان يمر فيها الهواء الساخن تسمى ‪ .Hypocaust‬وميدان‬ ‫سباق بيروت الروماني هو الثاني المكتشف في لبنان بعد ميدان صور‪،‬‬ ‫والخامس في الشرق بعد ميادين القيصرية في فلسطين وجرش في األردن‬ ‫وبصرى الشام في سوريا وصور في لبنان‪.‬‬


‫وسط بيروت هو‬ ‫* اآلثار المهملة‬ ‫َّ‬ ‫والمهدمة‪ :‬هذه ‪‬البيضة‪ ‬في عقار ْ‬ ‫امتداد لساحة الشهداء‪ .‬اشتراه مستثمر اشترطت عليه ‪‬سوليدر‪ ‬أن ُيبقي‬ ‫ٌ‬ ‫البيضة على ما هي‪.28‬‬

‫‪26‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫* إختفاء خط الـتــرامــواي‪ :‬سبقت بيروت مدناً عربية في اعتماد‬ ‫وسائل نقل داخلي مثل الترامواي‪ .‬تأسس فيها عام ‪ 29 1907‬وبقي حتى‬ ‫‪ .1964‬وعــوض أن ُتعيد الجهات المعنية رسـ َـم خطوطه الحديثة لتعالج‬ ‫ازدحاماً مرورياً تعاني منه بيروت وتحفظ محطاته القديمة تراثاً عمرانياً ‪،‬‬ ‫شطبته كلياً عــن خــرائــط التخطيط المدني ولــم تلحظ لــه األن ـفــاق وال‬ ‫الخطوط الخاصة في مخططاتها الجديدة تالزماً مع إعــادة بناء وسط‬ ‫بيروت القديمة‪.‬‬

‫الترامواي في بيروت أيام ع ّـزه‬

‫‪ 228‬‬

‫‪https://now.mmedia.me/lb/ar‬‬

‫‪ 229‬جريدة اإلقبال‪ ،‬لعبد الباسط ُ‬ ‫األنسي‪ ،‬العدد ‪182‬‬


‫مخطط‬ ‫طريق فؤاد بطرس السريع‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫مجمع ‪‬سبينس‪ ‬في‬ ‫* طــريــق ف ــؤاد بـطــرس ال ـســريــع‪ :30‬يمتد مــن‬ ‫ّ‬ ‫األشرفية حتى شركة الكهرباء في مار مخايل النهر وفق مخطط بترو‬ ‫منزال تراثياً ‪ ،‬بينها منزل من‬ ‫هد ُم نحو ‪ً 20‬‬ ‫طراد عام ‪.1955‬‬ ‫َ‬ ‫والمرت َقب ْ‬ ‫سنة ‪ 1800‬إضافة إلى إزالــة أربعة آالف متر من المساحات الخضراء‬ ‫ومقبرة السريان الكاثوليك‪ ،‬وهو يشطر منطقة األشرفية قسمين متقابلين‬ ‫على ضفافه ليؤمن الربط بين سوليدير (‪ )down town‬ومشروع ‪up town‬‬ ‫إنشاؤ ُه في الحازمية‪.‬‬ ‫المزمع‬ ‫ُ‬

‫‪27‬‬

‫* نقيب المهندسين السابق عاصم ســام الحــظ التحوير في نسيج‬ ‫األســواق القديمة في الوسط التجاري التاريخي‪ .‬وأســواق بيروت التي‬ ‫ترقى إلى القرون الوسطى هي الوحيدة التي كانت تشبه أســواق دمشق‬ ‫وأخرى في بعض المدن العربية‪ .‬وتعود بقية منطقة وسط بيروت إلى أيام‬ ‫االنتداب‪ ،‬والعمارة فيها تعكس تلك الفترة بدليل أسماء الشوارع وبعض‬ ‫تقدم بها مهندس إسباني مكلّ ف‬ ‫المباني‪ .‬وكشف النقيب سالم صيغة أولى َّ‬ ‫‪ 330‬جريدة األخبار‪ ،‬العدد ‪ ١٩١٧‬الثالثاء ‪ ٢٩‬كانون الثاني ‪٢٠١٣‬‬

‫‪https://patrickgaley.files.wordpress.com/2013/05/490x368-1.jpg‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫مواقف من التعديات والمعالجات الخاطئة‬


‫وضع تصميم مشروع األســواق تم تعديله عند قيام مشروع ‪‬سوليدير‪،‬‬ ‫مواد إعمار متواضعة‬ ‫فغابت الروح العربية ومالمح رونق شرقي ُت‬ ‫ستخد ُم له ّ‬ ‫َ‬ ‫تراعي طابع التاريخ والذاكرة والشعب‪ ،‬وتم استبدال ‪‬أباجورات الخشب‪‬‬ ‫المعروفة بشبابيك برونزية على النمط الغربي الحديث‪ ،‬واتخذت الواجهات‬ ‫شكال فخماً بعيداً عن بيئة اجتماعية وموروثات ثقافية كانت للروح الشعبية‬ ‫ً‬ ‫في تلك البقعة‪.‬‬

‫* المهندس خالد عمر تدمري (اختصاصي في التاريخ العثماني)‪:‬‬ ‫رأى أن آثاراً عثمانية كانت في بيروت تعاني اليوم من اإلهمال‪ .‬وفي تصريح‬ ‫عدد تلك اآلثار وأبرزها محطة قطار بيروت – دمشق‬ ‫إلى وكالة األناضول ّ‬ ‫التي تأسست عام ‪ 1895‬في منطقة مار مخايل شمالي بيروت‪ ،‬وهي تعاني‬ ‫من اإلهمال باستثناء مبنى المسافرين فيها وهو ُر ِّمم نهاية القرن الماضي‬ ‫الستخدامه مقر إدارة السكك الحديدية في لبنان‪.‬‬ ‫‪28‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫* المؤرخ اللبناني د‪.‬حسان حالق أكد ما عرضه المهندس خالد تدمري‬ ‫وذكر لوكالة األناضول أن االنتداب الفرنسي‪ ،‬بحجة توسيع الطرقات في‬ ‫بيروت واالهتمام بعمرانها‪ ،‬هدم آثاراً عثمانية في مقدمتها الزوايا الدينية‬ ‫اإلسالمية بين عامي ‪ 1920‬و‪.1943‬‬ ‫الجمعيات ومراكز الدراسات لحفظ التراث‬ ‫تأسست جمعيات أهلية في المجتمع المدني والجامعات للحفاظ على‬ ‫التراث اللبناني تسعى إلــى إحياء المراكز التاريخية والبيوت التراثية‪،‬‬ ‫وصيانتها وإعطائها الدور المناسب جزء متمماً للسياحة‪ ،‬واستثمار المباني‬ ‫التاريخية الخانات والحمامات القديمة والدور الواسعة المهجورة وتحويلها‬ ‫متاحف تراثية ومطاعم وفنادق وأسواقاً للصناعة التقليدية والسياحية‪ .‬من‬ ‫هذه الجمعيات والمراكز‪:‬‬

‫* جمعية ‪‬أبساد‪ :)١٩٦٠( ‬أولى الجمعيات من نوعها في لبنان‪ ،‬تنادي‬ ‫بالحفاظ على التراث ووقف انتهاكه‪ ،‬ويرى ممثل الجمعية غسان يزبك‬ ‫أن المشكلة التي تهدد األبنية التراثية ‪‬مادية في األساس‪ ،‬يضاف إليها‬ ‫النقص في الوعي واإلدراك ألهمية التراث‪.‬‬ ‫* مركز الدراسات العليا المتخصصة في الترميم والحفاظ على األوابد‬ ‫والمواقع في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية‪.‬‬


‫َ‬ ‫اللبنانية ‪ -‬األميركية (‪ )LAU‬تأسس‬ ‫* ‪‬مركز التراث اللبناني‪ ‬الجامعة‬ ‫سنة ‪ ،2002‬وتصدر عنه مجلة ‪‬مرايا التراث‪( ‬تأسست سنة ‪.)2014‬‬ ‫* ‪‬مؤسسة التراث الوطني‪ ‬تأسست عام ‪.1997‬‬ ‫النتائج السلبية لهدم التراث في بيروت‬ ‫‪1.1‬محو الذاكرة التاريخية العريقة منذ آالف السنين‪ ،‬وهي غابت عن‬ ‫وسط بيروت في منطقة يختصرها حرفان باألجنبية (‪ 31)DT‬أبعدت عن‬ ‫المنطقة هويتها األصلية‪.‬‬ ‫بتحول المنطقة من هويتها الشعبية إلى‬ ‫‪2.2‬الفرز الطبقي واالجتماعي‬ ‫ّ‬ ‫طابع ثري وسياحي‪.‬‬

‫السياحة التراثية من دعائم االقتصاد العالمي والوطني‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫تأثيرها على ثالثة محاور‪:‬‬ ‫ ‪ .‬أالمحور االقـتـصــادي‪ :‬توفير فــرص عمل ومتممات خدماتية من‬ ‫فنادق ومطاعم وحركة نقل وتجارة وتحفيز المجتمع على العمل لتطوير‬ ‫صناعة سياحية مزدهرة‪ .‬وكانت السياحة ُتساهم بنحو ‪ %20‬من الناتج‬ ‫المحلي اإلجمالي طيلة عقدي قبل الحرب (‪ ،)1975‬وساهم قطاع‬ ‫السياحة بنحو ‪ %9‬من الناتج المحلي اإلجمالي عام ‪ ،1999‬وفي عام‬ ‫نموا إذ بلغت ‪ %14‬سنوياً نسب ُة زيادة‬ ‫‪ 2001‬كان أسرع قطاعات البلد ًّ‬ ‫وض َّخ القطاع السياحي نحو ‪ 6.374‬مليون‬ ‫السياح بين ‪ 1996‬و‪َ 32 2000‬‬ ‫دوالر أميركي إلى االقتصاد اللبناني عام ‪ ،2003‬وسنة ‪ 2005‬بلغ نصيب‬

‫‪ 331‬‬ ‫‪ 332‬‬

‫‪DownTown‬‬ ‫)‪Lebanon = (html‬‬

‫‪29‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫‪3.3‬خ ـســارة الـسـيــاحــة الـتــراثـيــة الـمـسـتــدامــة‬ ‫)‪.Tourism‬‬

‫‪(Sustainable Heritage‬‬

‫التراث العمراني في بيروت‬

‫* ‪‬جمعية بيروت التراث‪ ‬تأسست عام ‪.1991‬‬


‫الفرد من الناتج المحلي ‪ 1,433‬دوالر أميركي‪ .33‬وعام ‪ 2006‬سجلت‬ ‫حجزا في المواقع السياحية‬ ‫إح ـصــاءات وزارة السياحة ‪373,037‬‬ ‫ً‬ ‫الرئيسية‪.34‬‬ ‫ّ‬

‫ ‪ .‬بالمحور االجتماعي‪ :‬تنمية التالقُ ح الثقافي والفني بين الجماعات‬ ‫يحسن نوعية الحياة للمواطنين والسياح‬ ‫المتعددة‪ُ ،‬‬ ‫فح ْسن إدارة السياحة ِّ‬ ‫وينمي الفعاليات الثقافية والفنية واألدبية (اللغات – الترجمة‪ )...‬ويلغي‬ ‫ّ‬ ‫الفرز االجتماعي الحاد بتنمية القدرات المحلية ومستوى المعيشة‬ ‫والسلوكيات العامة للمقيمين بما ينسجم والمواصفات السياحية‬ ‫والحفاظ على دينامية الحياة اليومية والدائمة‪ ،‬وفق وضع السياحة‬ ‫وتوصيات البنك الدولي مشروع التراث الثقافي والتنمية الحضرية في‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫ ‪ .‬جالمحور البيئي ‪ -‬العمراني والـتــاريـخــي‪ :‬الحفاظ على الـمــوارد‬ ‫بتنوع المساحات المبنية وارتفاعات المباني‬ ‫الطبيعية واالتزان البيئي ُّ‬ ‫وواجهاتها والتوازن بين الضجيج في المباني المكتظة والمباني القديمة‬ ‫الهادئة والمزارات التاريخية والشوارع الواسعة للسيارات والممرات‬ ‫الضيقة للمشاة بما يشكل تناغماً عمرانياً لمدينة حديثة ينبض قلبها‬ ‫القديم بالحياة‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫د‪ .‬نسيب حطيط‬

‫خالصـــة‬ ‫* يتوهم البعض (خصوصاً من يحصرون اهتمامهم بالربح المادي‬ ‫ّ‬ ‫دون اعتبارات أخــرى) أن الحفاظ على التراث العمراني ليس ذا جدوى‬ ‫اقتصادية‪ .‬فالعقار الذي تهدمت آثاره لبيعه أو البناء فوقه وبيعه شققاً أو‬ ‫مكاتب ومخازن‪ ،‬يباع مرة واحــدة للمشتري ويتحول سلعة تخضع للركود‬ ‫والتطور وتستثمره شريحة محددة‪ ،‬بينما فائدة المبنى التراثي لمعظم السياح‬ ‫والسكان المحليين من المناطق‪ ،‬ويستولد دورة اقتصادية نشطة تطال فئات‬ ‫كثيرة من المجتمع بشكل مباشر أو غير مباشر‪ .‬واألبنية الخاصة التي تضم‬ ‫‪‬آثاراً ‪ ‬في لندن وبرشلونة تزيد قيمة الشقق الشرائية فيها بنسبة ‪.%17‬‬ ‫‪Tourism Market Trends, 2006 Edition – Annex, (.pdf), = World Tourism 333‬‬ ‫‪Organization‬‬

‫‪ 334‬‬

‫‪sites‬‬

‫‪Lebanese Central Administration for Statistics = frequenting touristic‬‬


‫التراث العمراني في بيروت‬ ‫‪31‬‬

‫بين الهدم والتنمية المستدامة‬

‫س أن الحفاظ على التراث العمراني يعيق تنمي َة‬ ‫* يجب‬ ‫محو التبا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ويجمدها في الماضي على أنها‬ ‫وتطويرها‬ ‫المدن والمناطق الحاضنة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ويحولها‬ ‫المدينة‬ ‫مشهد‬ ‫ني‬ ‫يغ‬ ‫عليها‬ ‫الحفاظ‬ ‫أطــال‪ .‬بل على العكس‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫معرضاً حياً دائماً للحضارات المتعاقبة والمتناقضة لجماعات بشرية‬ ‫تالزماً مع تغير الثقافة والتقاليد‬ ‫بنتها في الموقع والجغرافيا والمناخ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ونظم عيش الجماعات‪ ،‬ما‬ ‫والسلوكيات االجتماعية والقيم األخالقية‬ ‫يؤكد ارتباط العمارة والتخطيط المدني باإلنسان المقيم دون إكراهه على‬ ‫الدخول في دائرة حضارية غريبة فيمسي غريباً في موطنه ويخسر هوية‬ ‫طلال أو وطناً ‪ ،‬فيكون نزيل فندق‬ ‫االنتماء والحنين إلى المكان‪ً ،‬‬ ‫منزال أو ً‬ ‫اسمه المدينة‪.‬‬ ‫* يجب التعامل مع الـتــراث إرثــاً وطنياً وج ــزءاً من السيادة والهوية‬ ‫الحضارية وثروة وطنية كالنفط والمياه والنهار واألمالك البحرية‪ ،‬وإخضاعه‬ ‫إلدارة الدولة ال األفراد أو الشركات االستثمارية المحلية واألجنبية‪.‬‬ ‫تتحمل مسؤولياتها بحماية واستثمار باالستمالك أو‬ ‫* على الدولة أن‬ ‫ّ‬ ‫دعم المالكين األساسيين مالياً لمساعدتهم على ترميم ممتلكاتهم ومنحهم‬ ‫أراضي من األمالك العقارية للدولة تعويضاً عليهم في المنطقة ذاتها أو‬ ‫في مناطق أخرى‪.‬‬


‫تراثنا العمراني‬

‫ُ‬ ‫ه َّدد‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َ‬ ‫مد‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪ ...‬م َ‬ ‫ُ‬ ‫ج َّ‬ ‫مي عبود أبي عقل‬ ‫صحافية في جريدة ‪‬النهار‪‬‬

‫قانون في لبنان يحمي التراث‪ ،‬وهو ال يزال خاضعاً َألحكام ‪‬نظام‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫اآلثار القديمة‪ ‬الصادر بالقرار رقم ‪ .L.R /166‬في ‪ 7‬تشرين الثاني ‪1933‬‬ ‫(أي منذ ‪ 82‬عاماً )‪.‬‬ ‫وتجتاح اليوم لبنان عموماً وبيروت خصوصاً هجم ٌة عمرانية عشوائية‪،‬‬ ‫يضب ُطها تنظيم أَ و ّتتبع معايير تحفظ ‪‬ذاك ــرة اإلن ـســان والــوطــن‪‬‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫بمعانيها االجتماعية واالنسانية والوطنية‪ ،‬وال تردعها ضرور ُة الحفاظ‬ ‫على شواهد من حقبات حضارات وشعوب تعاقبت على لبنان وأعطته‬ ‫هاتين الفرادة والميزة‪.‬‬ ‫يقضيا على الحجر والشجر‬ ‫وإذ ال يـجــوز لإلسمنت والــزجــاج أن‬ ‫ِ‬ ‫والقرميد‪ ،‬وال يمكن أن يفرض سلطان المال واألعـمــال تغيير النسيج‬ ‫العمراني واالجتماعي في أحياء أرستقراطية وشعبية على حد سواء‬ ‫وينشر الفوضى في المدن والبلدات والقرى‪ ،‬تعالت صرخات أهل التراث‬ ‫مطال َب ًة بوضع قانون يحمي اإلرث‬ ‫والثقافة واإلعــام وبعض الرسميين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العمراني ويحفظ ما َت َـب ّـقى منه قبل أن يندثر ويــزول معه أحــد أجمل‬ ‫عالـم المدينية والجمالية‪.‬‬ ‫ال َـم ِ‬ ‫جرت محاوالت عدة لحماية المباني التراثية والمحافظة عليها‪ ،‬في‬ ‫يولد مشروع القانون‬ ‫بيروت على األقــل وبطريقة شبه رسمية‪ ،‬قبل أن َ‬ ‫كتاب من وزير الثقافة يومها ميشال إده‬ ‫الحالي‪ .‬أُ ولى تلك المحاوالت‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫إلى محافظ مدينة بيروت السابق المهندس نقوال سابا بتاريخ ‪1996/7/3‬‬ ‫َج َّم َد بموجبه هدم ‪ 1016‬مبنى في محيط وسط بيروت‪ْ ،‬إثر دراسة قام‬ ‫تشكل‬ ‫بها فريق من ‪‬جمعية المحافظة على البيوت القديمة‪( ‬أبساد) ّ‬ ‫من المهندسين عبد الحليم جبر وفضل اهلل داغر وحبيب دبس وهناء علم‬ ‫الدين ووسام جبر‪.‬‬ ‫حددت ‪‬أَ ربع مناطق‬ ‫في ‪ 1997/6/17‬أَ جرى الفريق ذاته دراس ًة جديدة َّ‬ ‫تتميز بمجموعات أَ بنية تراثية متجانسة ضمن نسيج ُم ُدني متماسك يجعلها‬ ‫َّ‬ ‫تتعدى القيمة الفردية‬ ‫ذات قيمة معمارية تاريخية على نطاق المجموعة‪ّ ،‬‬


‫‪1.1‬عين المريسة – ميناء الحصن – القنطاري – سبيرز – الظريف‪.‬‬ ‫‪2.2‬قاق البالط – الباشورة – البسطة التحتا‪.‬‬

‫‪3.3‬األشرفية – اليسوعية – عبد الوهاب اإلنكليزي – فرن الحايك –‬ ‫مار نقوال جنوباً ‪.‬‬ ‫‪4.4‬مار مارون – الجميزة – مار نقوال (سرسق)‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ه َّدد‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َ‬

‫للمباني‪ .‬وأوصت تلك الدراسة بحماية ‪ 485‬مبنى من أَ صل ‪ ،1016‬أُ ضيف‬ ‫إليها ‪ 35‬مبنى الستكمال األحياء بشكل منطقي‪ ،‬ما رفَ ع العدد إلى ‪520‬‬ ‫موزعة على‬ ‫ِّ‬ ‫عقاراً‬ ‫(تشكل ‪ %2,5‬فقط من عدد األبنية في محافظة بيروت) ّ‬ ‫مناطق أربع‪:‬‬

‫‪33‬‬

‫مد‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪ ...‬م َ‬ ‫ُ‬ ‫ج َّ‬


‫‪34‬‬ ‫مي عبود أبي عقل‬

‫المنفذة‪،‬‬ ‫وطالبت الــدراســة بـمنع الهدم‪ ،‬وتجميد التخطيطات غير‬ ‫َّ‬ ‫ووضــع المناطق األربــع تحت الــدرس حتى إنجاز الــدراســات التفصيلية‬ ‫حي‪ ،‬لتحديد‬ ‫والتنظيمية والقانونية واالجتماعية واالقتصادية في نطاق ّ‬ ‫كل ّ‬ ‫آلية الحماية وشروطها‪ ،‬والحفاظ على الحقوق العامة والخاصة‪.‬‬ ‫المضي في عملية الحماية‪ ،‬أَ خرج التنظيم‬ ‫وعوض‬ ‫بعد أربعة أشهر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الـمـ ُـدنــي دفعة جــديــدة مــن ‪ 78‬ع ـقــاراً ‪ ،‬رغــم معارضة الفريق االستشاري‬ ‫المعماري الذي أَ نجز تلك الدراسة َ‬ ‫المجمد‬ ‫خفض عدد المباني‬ ‫األولية‪ ،‬ما َّ‬ ‫َّ‬ ‫وجه وزير الثقافة يومها فوزي حبيش كتاباً في‬ ‫هدمها إلى ‪ 469‬مبنى‪ .‬وإذ َّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ 1997/12/3‬إلى محافظ بيروت نقوال سابا بهذا الخصوص‪ ،‬عاد المجلس‬ ‫وضع تلك المناطق األربع تحت الدرس لمدة‬ ‫قر ْ‬ ‫األعلى للتنظيم ُ‬ ‫المدني فأَ ّ‬ ‫المدني الدراسات التنظيمية‬ ‫سنة‬ ‫ٍ‬ ‫تنجز خاللها المديرية العامة للتنظيم ُ‬ ‫ُ‬ ‫والعمرانية لتلك المناطق‪.‬‬ ‫مجدداً ‪ ،‬في ‪ ،1998/2/5‬أصدر مجلس الوزراء قراره رقم ‪ 22‬تكليف‬ ‫مجلس اإلنماء واإلعمار‪ ‬درس المباني ذات الطابع التراثي الــواردة في‬ ‫الالئحة َ‬ ‫المكتب ‪‬االستشاري خطيب‬ ‫المجلس‬ ‫األخيرة‪ .‬وبعد شهرين كلَّ ف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫بعد حتى تاريخه من‬ ‫َ‬ ‫وعلمي‪ ‬إعداد دراسة عن مبا ٍن تراثية لم تكن ُحذفَ ت ُ‬ ‫َ‬ ‫المجمد هدمها‪ ‬على ‪ 459‬عقاراً ‪.‬‬ ‫بنية‬ ‫األ‬ ‫‪‬الئحة‬ ‫َّ‬


‫تتمتع‬ ‫الفئة (‪ :)B‬تشمل المباني غير المرتبطة بأحداث تاريخية إنما ّ‬ ‫بقيمة معمارية مرتفعة‪ ،‬وتعكس فترة زمنية أو طريق َة بناء معينة‪.‬‬

‫لحقت بها‬ ‫الفئة (‪ :)C‬تشمل المباني المشابه َة الفئ َة السابقة إنما‬ ‫َ‬ ‫أضرار كبيرة بسبب الحرب أو لعدم تأمين صيانتها أو أضيفت إليها أقسام‬ ‫َش ّو َهت شكلها‪.‬‬

‫الفئة (‪ :)E‬تشمل المباني التي ال تتمتع بقيمة تاريخية أو معمارية‪.‬‬

‫بعد سنة من ذلك‪ ،‬في ‪ ،1998/7/31‬رفع رئيس مجلس اإلنماء واإلعمار‬ ‫ضم َن ُه رأي‬ ‫نبيل الجسر إلــى وزيــر الثقافة كتاباً يحمل الرقم ‪َّ 1/2375‬‬ ‫المجلس ‪‬اعتبار المباني في المجموعتين األخيرتين‪ ،‬ومجموعها ‪250‬‬ ‫مبنى‪ ،‬ال ّتتسم بالطابع التراثي وبالتالي يمكن تحريرها‪ ،‬واعتبار المباني‬ ‫في المجموعات الثالث ُ‬ ‫األول ــى‪ ،‬وعــددهــا ‪ ،209‬هي فقط من المباني‬ ‫التراثية التي يتوجب المحافظة عليها‪.‬‬ ‫في ‪ 1999/3/3‬أصــدر مجلس ال ــوزراء برئاسة الدكتور سليم الحص‬ ‫القرار رقم ‪ 32‬كلّ ف بموجبه وزير الثقافة محمد يوسف بيضون ‪‬إعادة‬ ‫درس األبنية ذات الطابع التراثي في الفئات ‪ ،A, B, C‬بتأليف لجنة تضم‬ ‫مهندسين واختصاصيين‪ ،‬وعرض الموضوع مجدداً على مجلس الوزراء‪.‬‬ ‫تألفت اللجنة يومها من الدكتور حسان سركيس وأسعد سيف وجان مارك‬ ‫الملف‬ ‫درســت‬ ‫ّ‬ ‫بونفيس ونشأت عويضة وسامي نصري وسمير الشامي‪َ .‬‬ ‫أي عقار‪،‬‬ ‫ورفعت تقريرها في تشرين األول ‪ 1999‬موصي ًة بــ‪‬عدم تحرير ّ‬ ‫وإعــادة النظر في مباني المجموعتين ‪ D‬و‪ِ E‬لـما فيهما من مبا ٍن َتحفظ‬

‫‪35‬‬

‫مد‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪ ...‬م َ‬ ‫ُ‬ ‫ج َّ‬

‫الفئة (‪ :)D‬تشمل المباني التي ال تتمتع بقيمة معمارية عالية إنما‬ ‫تتضمن بعض الميزات التي تربطها بفترة زمنية أو بطريقة بناء أو بمدرسة‬ ‫ّ‬ ‫معمارية معينة‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ه َّدد‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َ‬

‫تصنيف المباني التراثية‬ ‫قدم ‪‬االستشاري‪ ‬تقريره وفيه‬ ‫ُ‬ ‫في تموز ‪ّ 1998‬‬ ‫ومعيداً التصنيف إلى مبدأ‬ ‫فئا ٍ‬ ‫ت خمساً ‪ ،‬ناسفاً مبدأ المجموعات التراثية‪ُ ،‬‬ ‫أُ‬ ‫المدني الحديث‪.‬‬ ‫التنظيم‬ ‫ـول‬ ‫ـ‬ ‫ص‬ ‫مع‬ ‫يتناسب‬ ‫ال‬ ‫ـذي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫المنفردة‬ ‫المباني‬ ‫ُ‬ ‫الخمس كاآلتي‪:‬‬ ‫وتوزعت الفئات‬ ‫ُ‬ ‫الفئة (‪ :)A‬تشمل المباني المرتبطة بــأحــداث تاريخية أو بسيرة‬ ‫مميزة وب ِق َيم فنية عالية‪،‬‬ ‫أشخاص تاريخيين‪ ،‬أو ّ‬ ‫تتمتع بعناصر معمارية َّ‬ ‫الحد‬ ‫ب‬ ‫وتتطلّ‬ ‫كبيرة‪،‬‬ ‫عقارات‬ ‫على‬ ‫وقائمة‬ ‫جيدة‪،‬‬ ‫وتكون عموماً بحال‬ ‫ّ‬ ‫األدنى من أعمال الترميم‪.‬‬


‫‪36‬‬ ‫مي عبود أبي عقل‬

‫وحدة َ‬ ‫ووضعها تحت الدرس‪ ،‬لــخطورة إزالة إشارة منع‬ ‫األحياء التراثية‪ْ ،‬‬ ‫والبت في مشاريع القوانين المتعلقة‬ ‫الهدم قبل إنجاز دراسة مدينية شاملة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تحفظ على توصيات التقرير‪ ،‬وصدرت‬ ‫لكن الوزير بيضون ّ‬ ‫بحماية التراث‪ّ .‬‬ ‫بناء على طلب أصحابها‪.‬‬ ‫عشرات القرارات بتحرير عقارا ٍ‬ ‫ت ً‬ ‫اهتموا بالمحافظة على المباني التراثية‬ ‫وزراء الثقافة الالحقون‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إلدراكهم طبيع َة النزاع الحاد بين حماية التراث‪ ،‬وبناء على أنقاض بيوت‬ ‫تراثية تستفيد منه فئ ٌة مـحــددة‪ .‬حــاولــوا وضــع قانون حديث يالئم بين‬ ‫ضرورة حماية البيوت التراثية للحفاظ على الذاكرة وعلى الطابع التاريخي‬ ‫لألحياء والمدن‪ ،‬وبين صعوبات معيشية يعاني منها المالكون القدامى‪.‬‬ ‫سنة ‪ 1999‬طرح الوزير أمين البزري ‪‬قانون التراث الثقافي الوطني‪،‬‬ ‫مستقل وطرح‬ ‫واقترح فيه تشكيل ‪‬مجلس أَ على للتراث‪ ‬وإنشاء صندوق‬ ‫ّ‬ ‫لكن اقتراحه لم‬ ‫تشجع المالك على طلب تصنيف عقاره أو منزله‪ّ .‬‬ ‫حوافز ّ‬ ‫َيلْ َق من الجهات المعنية أَ َّي اهتمام‪ .‬بعدها بادر ثالثة وزراء ثقافة‪ :‬غسان‬ ‫سالمة (تموز ‪ )2001‬وغازي العريضي (تشرين الثاني ‪ )2003‬وطارق متري‬ ‫اآلخر‪ ،‬وافق‬ ‫(تموز ‪ )2007‬إلى رفْ ع ثالثة مشاريع قوانين يكمل‬ ‫واحدها َ‬ ‫ُ‬


‫منها مجلس الوزراء (في ‪ )2007/7/28‬على المشروع األخير‪ :‬قانون حماية‬ ‫ت ضريبي ًة‬ ‫ويلحظ إعفاءا ٍ‬ ‫المباني والمواقع التراثية‪ ‬وهو َيطرح آلي َة حماية‪َ ،‬‬ ‫تشجع المالكين والورثة للحفاظ على عقاراتهم وترميم‬ ‫ت مادي ًة‬ ‫وتعويضا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ت على َمن ُيخالف‬ ‫ت وغراما ٍ‬ ‫مبانيهم ضمن معايـير محددة‪ ،‬ويفرض عقوبا ٍ‬ ‫َ‬ ‫األحكام المنصوص عليها‪ُ ،‬ويـبين طريقة تمويل ‪‬صندوق تقديمات‪ ‬يتغذّ ى‬ ‫موقّ ت‬ ‫من إضافة ‪ %2‬على رسوم الترخيص والبناء‪َ ،‬‬ ‫ووض َع قائم َة ‪‬تحديد َ‬ ‫للعقارات التراثية المحمية‪ ‬وقائم َة ‪‬العقارات التراثية المحمية‪ ،‬وأَ حاله‬ ‫مختصة في‬ ‫هيئات‬ ‫دخلتها عليه‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫على مجلس النواب إلقراره بعد تعديال ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫المدني ووزارة الداخلية والبلديات ووزارة المال‬ ‫المجلس األعلى للتنظيم ُ‬ ‫و‪‬هيئة التشريع واالستشارات‪ ‬في وزارة العدل‪.‬‬ ‫تبقى من تــراث لبنان عموماً‬ ‫الحيوي‬ ‫هذا القانون‬ ‫المهم لحماية ما ّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫وبيروت خصوصاً ‪ ،‬ال يزال حتى اليوم في أدراج المجلس النيابي مع أنه‬ ‫وع َب َر إلى موافقة اللجان النيابية المعنية‪ ،‬وأُ درج بنداً في‬ ‫مكت ِم ٌل درســاً َ‬ ‫جدول أعمال جلسة اللجان المشتركة في ‪ ،2010/7/1‬مع ذلك لم يناقَ ش‪،‬‬ ‫وعاد إلى أدراج مجلس النواب‪ .‬وعوض إقــراره بما يشكل ضمانة فعلية‬ ‫البقية الباقية من األبنية التراثية‪ ،‬أدخله السياسيون وأصحاب‬ ‫أكيدة إلنقاذ ّ‬ ‫السلطة والقرار في حسابات خالفاتهم السياسية واجتهاداتهم الدستورية‪،‬‬ ‫وأدرج ــه رئيس المجلس النيابي نبيه بــري في رزمــة ‪‬مشاريع القوانين‬ ‫يرفض‬ ‫المعلَّ قة‪ ‬التي صدرت على عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي‬ ‫ُ‬ ‫ّبري االعتراف بها ويرى قوانينها ‪‬صادرة عن حكومة غير شرعية‪.‬‬


‫إزاء هذا الجمود التشريعي برز االنفصام بين الواجب القانوني البحت‬ ‫مصلحة عامة تتعلّ ق بتاريخ‬ ‫لمجلس شورى الدولة‪ ،‬وبين دوره في تحقيق‬ ‫ٍ‬ ‫ت وزارة‬ ‫قرارا‬ ‫شكال‬ ‫بطل‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫قرارا‬ ‫لبنان وهويته وذاكرة شعبه‪ ،‬فأخذ ُيصدر‬ ‫ً‬ ‫ٍ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الثقافة برفْ ض هــدم ِ بيوت مصنفة تراثية في بيروت ‪‬حرصاً على حق‬ ‫المالك المستدعي في ملكه‪ ‬قبل البحث إذا كانت ذات طابع تراثي أم ال‪.‬‬ ‫ث‬ ‫مسوغ قانوني لكن استمرارها يؤدي إلى هدم ترا ِ‬ ‫وهي قرارات تستند إلى ِّ‬ ‫بيروت بالكامل‪ ،‬خصوصاً أنها بلغت ‪ 15‬بيتاً خالل سنتين فقط‪ ،‬ما يعني‬ ‫عملياً إعطاء اإلذن رسمياً بهدم ‪ 15‬مبنى تراثياً في بيروت فقط‪.‬‬ ‫أي رؤية رسمية لحماية‬ ‫أمام هذا الواقع التراثي األسود‪ ،‬وفي ظل غياب ّ‬ ‫وخبراء آثار واحداً‬ ‫التراث وإنقاذ ذاكرة لبنان من االندثار‪ ،‬يطرح قانونيون‬ ‫ُ‬ ‫من حلَّ ين ال ثالث لهما‪:‬‬

‫‪38‬‬ ‫مي عبود أبي عقل‬

‫‪ 1.1‬مـ ـس ـ ُـح الــبــي ــوت ال ـتــراث ـيــة‬ ‫المميزة الممثِّ لَ ِة حقبة معينة من‬ ‫تاريخ العمارة وإدخال في ‪‬الئحة‬ ‫الجرد العام‪.‬‬ ‫‪ 2.2‬تسجيل ه ــذه االب ـن ـيــة في‬ ‫‪‬الئحة الجرد العام‪ ‬بمرسوم من‬ ‫يرتب على الدولة‬ ‫مجلس الــوزراء ّ‬ ‫دفع تعويض عادل لصاحب البيت‬ ‫أو العقار‪.‬‬

‫في موازاة ذلك يبادر المجلس‬ ‫األعلى للتنظيم المدني‪ ،‬بموجب‬ ‫صــاحـيــاتــه‪ ،‬إل ــى إدخـ ــال مناطق‬ ‫وأحياء تحافظ على الطابع التراثي‬ ‫وضع ‪‬قيد الدرس‪ ‬لمدة‬ ‫فيها في ْ‬ ‫صدر‬ ‫يكون‬ ‫عندئذ‬ ‫(وربما‬ ‫سنتين‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ف وفْ ق‬ ‫قانون التراث)‪ ،‬وتشكل لجنة خبراء مستقلين يضعون معايير تصني ٍ‬ ‫معايير عالمية‪ ،‬فيعيدون تصنيف هذه العقارات‪ ،‬وعندها‪ ،‬حتى لو صدر‬ ‫عن مجلس شورى الدولة قرار بتوقيف التجميد (كما حصل في دعاوى‬ ‫عدة) يمكن إصدار قرار بإدخال المبنى في ‪‬الئحة الجرد‪ ،‬ألن مجلس‬ ‫هدمه وبطريقة‬ ‫شورى الدولة ال َيطعن ب ُ‬ ‫ـ‪‬تراثية المبنى‪ ‬بل بكيفية تجميد ْ‬ ‫التجميد أن تحصل بطريقة قانونية‪ ،‬ويتم إدراجه بقرار وزاري أو بمرسوم‬


‫من مجلس الــوزراء‪ ،‬فتزول المسؤولية عن وزيــر الثقافة منفرداً وتصبح‬ ‫المدني ومجلس الوزراء مجتمعاً ‪.‬‬ ‫مسؤولي َة التنظيم ُ‬

‫ت‬ ‫ـمؤ ِلـم‪ :‬عسى ّأال يطول‬ ‫انتظار ذاكرة التراث إلى وق ٍ‬ ‫ويبقى الجواب ال ْ‬ ‫ُ‬ ‫تكون فيه المباني التراثية انهدمت وال يعود باقياً منها سوى‪ ...‬أطالل‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ه َّدد‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َ‬

‫بعد ستنتظر ذاكر ُة التراث كي ُي ِق َّر مجلس‬ ‫يبقى السؤال ال ُـم ْؤ ِلـم‪ :‬كم ُ‬ ‫مضي سنتين ونصف السنة على إقراره في مجلس‬ ‫النواب هذا القانون بعد‬ ‫ّ‬ ‫الــوزراء‪ ،‬وما يزيد عن ثماني سنوات من المداوالت والتعديالت‪ ،‬ومروره‬ ‫على ثالثة وزراء؟‬

‫‪39‬‬

‫مد‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪ ...‬م َ‬ ‫ُ‬ ‫ج َّ‬


‫تراثنا العمراني‬

‫تطور األشكال العمرانية والمدنية‬ ‫‪1‬‬

‫في بيروت منذ نهاية القرن التاسع عشر‬

‫د‪ .‬أنطوان فشفش‬

‫مهندس معماري وتنظيم مدني وترميم أبنية تراثية‬ ‫رئيس قسم الهندسة في جامعة الروح القدس ‪ -‬الكسليك‬

‫لم تعد بيروت الحالية تدل بوضوح على معالم عمرانية كانت فيها منذ‬ ‫نهاية القرن التاسع عشر‪ .‬وأمام نُ درة أبحاث عالجت هذا الموضوع علمياً ‪،‬‬ ‫ُعدنا الى األرشيف العقاري القديم ‪‬دفتر خاقاني‪ ،‬وأقدم دفاتره يرقى الى‬ ‫سنة ‪ ،١٨٧٦‬وفيه صورة واضحة عن بيروت داخل األسوار وخارجها إبان‬ ‫بطيئا‪.‬‬ ‫منتصف القرن التاسع عشر ألن التطور العمراني والمدني آنذاك كان ً‬ ‫وهنا دراسة ألربعة طرق أو قطاعات (‪ )Secteurs‬لبيروت الحالية مقارنة‬ ‫‪1‬‬ ‫مع دفاتر عقارية سنة ‪.١٩٣١‬‬ ‫بيروت داخل األسوار‬

‫بيروت داخل األسوار نحو ‪ 1٨٦٨‬‬

‫(من مجموعة فؤاد دباس)‬

‫بـيــروت داخــل األس ــوار (حالياً مــن ساحة الشهداء شــرقــاً الــى شــارع‬ ‫المصارف غرباً فساحة رياض الصلح جنوباً والبحر غرباً ) كانت من ‪ 14‬حياً‬ ‫‪ 11‬‬

‫من كتاب أنطوان فشفش‪:‬‬

‫‪Formes Urbaines et architecturales de Beyrouth‬‬ ‫‪depuis le XIX ème siècle jusqu'à nos jours‬‬


‫عمرانيين‪:‬‬ ‫كانت البيوت ذات نمطين (طرازين)‬ ‫َّ‬

‫‪1.1‬البيت ذو الفسحة السماوية (‪ .)Maison à cour intérieure‬كان سائداً‬ ‫في معظم المدن العربية ومبنياً بشكل (‪ :)Introvertis‬تطل غرفُ ُه على‬ ‫الفسحة السماوية الداخلية وال عالقة لها بالخارج‪.‬‬ ‫‪2.2‬البيت المتعدد الغرف (‪ .)Maison pluricellulaire‬غرفُ ُه متالصقة تتبع‬ ‫بشكلها المساحات غير المبنية‪.‬‬

‫بيروت بعد التنظيمات‬ ‫تمت إصالحات عقارية سمحت بالبناء خارج أسوار المدن‬ ‫سنة ‪ّ 1858‬‬ ‫‪2‬‬ ‫وثبتت الملكية بشكل قانوني وخاصة في مدينة بيروت المكتظة‪ ،‬إضافة‬ ‫ّ‬ ‫الى فقدان المبررات للبقاء داخل األسوار نظراً لسيطرة السلطنة العثمانية‬ ‫كلياً على سائر المناطق‪.‬‬ ‫حينئذ في بيروت‪٬‬‬ ‫المنشأ‬ ‫ٍ‬ ‫تلك اﻹصالحات‪ ،‬والثقة بالمكتب العقاري ُ‬ ‫شجعت مستثمرين كثيرين على بناء بيوت جميلة خارج األسوار في أحياء‬ ‫ّ‬ ‫عدة (منها القيراط وزقاق البالط ورأس بيروت)‪.‬‬ ‫‪ 22‬‬

‫عبداللطيف فاخوري‪ ،‬منزول بيروت‪ ،‬ص ‪٣٠٣‬‬

‫‪41‬‬

‫بيروت منذ نهاية القرن التاسع عشر‬

‫المباني غير السكنية (خصوصا الدينية) كانت مبنية من ضمن النسيج‬ ‫كتال عمرانية شاهقة على‬ ‫ِّ‬ ‫العمراني والمدني القائم‪ ،‬ولــم تكن‬ ‫تشكل ً‬ ‫غرار المدن األخرى (الجامع العمري الكبير وكنيسة مار جرجس للروم‬ ‫األرثوذكس ال يشكالن كتلة عمرانية مع المحيط‪ ،‬سواء من ناحية األفقية‬ ‫أو العمودية)‪.‬‬ ‫كان يميز مدينة بيروت غياب أحياء خاصة بطائفة معينة‪ .‬جميع األحياء‬ ‫يسكنها بنسب مختلفة مسيحيون ومسلمون ويهود‪ .‬ولم تكن فيها أبواب‬ ‫داخلية تفصل بين األحياء (على عكس ما في دمشق)‪.‬‬

‫تطور األشكال العمرانية والمدنية في‬

‫(شيخ رسالن‪ ،‬دباغة‪ ،‬دركة‪ ،‬عطارين‪ ،‬فشخة‪ ،‬فاخورة‪ ،‬غربية‪ ،‬حضرة‪،‬‬ ‫حمام صغير‪ ،‬رجال أربعين‪ ،‬توبة) وهي أحياء‬ ‫َع السور‪ ،‬شامية‪ ،‬شرقية‪ّ ،‬‬ ‫كانت مكتظة لضيق مساحتها‪ ،‬وفيها مجموعة األســواق‪ .‬معظم البيوت‬ ‫المحال التجارية‪ ،‬موصول‬ ‫أيامها الطبقات العليا) مبنية خلف‬ ‫ّ‬ ‫(ن ــادر ٌة َ‬ ‫بعضها ببعض مع األسواق في أزقة ضيقة‪.‬‬


‫وعلى مراحل متعاقبة‪ ،‬نشأ ثالثون حياً سكنياً خارج األسوار فتوسعت‬ ‫المدينة أفقياً فــي جميع االتـجــاهــات‪ .‬فــي آب ‪ ١٨٨٤‬ب ــادرت السلطات‬ ‫العقارية‪ ،‬كي تسيطر على هذا التوسع‪ ،‬إلى ترقيم األزقــة على األبــواب‬ ‫(مفرد أو مجوز وفق كل طرف من الطريق) لتسهيل كتابة العناوين‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى رقم مالي (عمومي) لكل عقار‪ .‬ولكن‪ ،‬رغم تلك اﻹصالحات‪ ،‬بقيت‬ ‫نقطة الضعف فــي ترسيم دقيق لـحــدود الـعـقــارات (مـثـ ًـا‪ :‬قبلة شجرة‬ ‫شماال طريق) فأصبحت هذه‬ ‫ً‬ ‫شماال بيت بيطار‪ ٬‬جنوبا آل عقل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الجميز‪٬‬‬ ‫مصدر مشاكل متكررة نظراً للطلب على شراء األراضي وارتفاع أسعارها‪.‬‬ ‫قبل ‪ ١٨٩٦‬كانت األبنية تشاد بدون ضوابط قانونية‪ .‬بعدها أُ ِق َّر قانون‬ ‫أبنية ينص على أن يخضع كل بناء قبل تشييده الى رخصة بناء تعطيها‬ ‫بلدية بيروت ُوتلزم صاحبها بشروط هندسية تتناغم والمحيط من حيث‬ ‫تركيز البناء داخل األرض‪ ،‬ومن حيث عدد الطوابق والنتآت خارج البناء‬ ‫وغيرها‪.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫د‪ .‬أنطوان فشفش‬ ‫التقيد بتركيز البناء في محاذاة طرق رئيسية ابتداء من ‪1٨9٦‬‬

‫(من مجموعة روبير صليبا)‬

‫تطوراً صناعياً وحرفياً بسبب مضاربات كبيرة‬ ‫ُّ‬ ‫توسع المدينة لم يلحظ ُّ‬ ‫في هــذا المجال مع مــدن كالشام وحلب‪ .‬تجارياً كانت المدينة تزدهر‬ ‫خصوصاً بعد توسيع مرفأ بيروت حتى أصبحت المدينة مــركــزاً مهماً‬ ‫للتبادل التجاري والثقافي وملتقى للحضارات الشرقية والغربية‪.‬‬ ‫ـازمــاً مع النهضة الفكرية والثقافية واﻹنمائية تم تطوير األنماط‬ ‫َتـ ُ‬ ‫المقفل من جميع الجهات‬ ‫العمرانية‪ ،‬بينها البيت ذو الفسحة السماوية‬ ‫َ‬


‫تطور البيت ذي األقواس الثالثة‬

‫‪Voir, Semaan KFOURI, la maison libanaise, Beyrouth, ALBA, 33‬‬ ‫‪1999, p.62‬‬

‫‪43‬‬

‫بيروت منذ نهاية القرن التاسع عشر‬

‫بناء ذو ثالثة أقواس‬ ‫(من مجموعة أنطوان فشفش)‬

‫تطور األشكال العمرانية والمدنية في‬

‫وأصبح ذات فترة مفتوحاً من جهة واحــدة تطل على البحر‪ .3‬بعدها تم‬ ‫سقف الفسحة وإدخــال الزجاج على البيت فكان نمط جديد‪ :‬البيت ذو‬ ‫الثالثة أقــواس (البهو الوسطي) والحقا – فــي الربع األخير من القرن‬ ‫التاسع عشر – أضيف إليه القرميد األحمر‪ ،‬وبات المطبخ والخالء داخل‬ ‫المنزل بعدما كانا خارجه‪ .‬وكانت البيوت من حجر رملي مستخرج من‬ ‫مقالع داخل المدينة‪.‬‬ ‫َ‬


‫على عهد اﻹنتداب الفرنسي‬ ‫أصبحت بيروت عاصمة لبنان الكبير تضم نحو ‪ ٣٠٠٫٠٠٠‬نسمة‪ .‬وتم‬ ‫وفقا لمعايير حديثة‪ .‬وأعيد تقسيم األحياء بفضل السيد‬ ‫تحديد العقارات ً‬ ‫وسم َيت حي المرفأ وتقلصت أحياء‬ ‫دورافور ُ‬ ‫فج ِم َعت األحياء داخل األسوار ِّ‬ ‫خارج األسوار الى إثني عشر حياً ‪.‬‬

‫المرفأ‬

‫السور‪ ،‬شرقية‪ ،‬شامية‪ ،‬شيخ‬ ‫عطارين‪َ ،‬ع ُ‬ ‫رسالن‪ ،‬دباغة‪ ،‬دركة‪ ،‬فشخة‪ ،‬فاخورة‪،‬‬ ‫غــرب ـيــة‪ ،‬ح ـضــرة‪ ،‬ح ـمــام صـغـيــر‪ ،‬رجــال‬ ‫أربعين‪ ،‬توبة‪ ،‬مينة البصال‬

‫‪44‬‬

‫عين المريسة‬

‫د‪ .‬أنطوان فشفش‬

‫التقسيمات العقارية‬ ‫الجديدة حسب دورافور‬

‫التقسيمات العقارية‬ ‫خالل العهد العثماني‬

‫المزرعة‬

‫دار مريسة‬

‫المزرعة‪ ،‬رأس النبع‪ ،‬رأس النبع غربي‪،‬‬ ‫مزرعة العرب‬

‫رأس بيروت‬

‫رأس بيروت ورامل‬

‫األشرفية‬

‫األشرفية‪ ،‬رأس النبع شرقي‪ ،‬مار متر‬

‫الباشورة‬

‫المصيطبة‬

‫الباشورة‬

‫المصيطبة‪ ،‬جميزة يمين‬

‫مينة الحصن‬

‫مينة الحصن‬

‫زقاق البالط‬

‫زقاق البالط‪ /‬بالط‬

‫المدور‬

‫المدور‪ ،‬الكرنتينا‪ ،‬الرميلة‬

‫الرميل‬

‫الصيفي‬

‫الرميل‪ ،‬الجميزة والغابة‬ ‫الصيفي‪ ،‬قراط‪ ،‬اليسوعية‬

‫تتعد أربعة‬ ‫ٍ‬ ‫فترتئذ بدأ البناء باﻹسمنت ُم ْن ِذراً بأبنية أعلى لكنها لم ّ‬ ‫طوابق‪ .‬تواصل البناء على نمط البيت ذي الثالثة أقواس (البهو الوسطي)‬


‫تطور األشكال العمرانية والمدنية في‬

‫مع االستعاضة عن تلك األقواس بقوس واحد (‪ )Arc en anse de panier‬أو‬ ‫ثالث فتحات مستطيلة مع اﻹبقاء على التقطيع الداخلي وتوسيع الشرفة‬ ‫الخارجية المطلة على الطريق أو البحر‪ .‬وباتت األسقف واألدراج الداخلية‬ ‫من باطون وأزيل القرميد األحمر عن أعلى المبنى‪.‬‬

‫‪45‬‬

‫يحولون المدينة أكثر‬ ‫أخذ مهندسون متخصصون في تنظيم المدن ّ‬ ‫وجماال بوضع شبكة صرف صحي وإعادة أشكال هندسية معمارية‬ ‫ً‬ ‫نظاف ًة‬ ‫داخل األسوار (وسط المدينة) كانت غابت منذ منتصف القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫دمت بيوت كثيرة داخل األسوار واستعيض عنها بطرقات عريضة‪4‬على‬ ‫ُه َ‬ ‫شكل نجمة وبتشييد أبنية على طراز نيو عثماني (منها اليوم مبنى البلدية‬ ‫شارع المعرض)‪.‬‬ ‫محاذية‬ ‫ومبا ٍن‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬

‫‪Voir M. GHARIB, De l'art urbain à l'urbanisme progressiste‬‬ ‫‪ 44‬‬ ‫‪dessin pour une ville levantine sous mandat français, in DAVIE Michael,‬‬ ‫‪Beyrouth regards croisés, Beyrouth et Tours, Alba et Urbama, 1997, p.66‬‬

‫بيروت منذ نهاية القرن التاسع عشر‬

‫بناء ذو قوس واحد ‬

‫(من مجموعة أنطوان فشفش)‬


‫على عهد الجمهورية اللبنانية‬

‫‪46‬‬

‫في منتصف األربعينات صدر قانون جديد للبناء ومخطط توجيهي جعل‬ ‫المدينة عشرة أقسام مع معدالت لالستثمار عالية جدا مختلفة بين منطقة‬ ‫الى أخــرى‪ .‬لكن تلك المخططات لم تلحظ النسيج المعماري والمدني‬ ‫القائم فأصبحت ُتشاد أبنية شاهقة بمحاذاة منزل تراثي ذي ثالثة أقواس‬ ‫من طابقين‪ .‬ولغياب اإلنماء المتوازن في المناطق باتت بيروت مركز ثقل‬ ‫توسع وتكثيف المدينة أكثر فاكثر فارتفع سعر األراضي كثيراً‬ ‫أول أدى إلى ُّ‬ ‫نظراً للطلب الكبير عليها‪.‬‬ ‫هذا االرتفاع‪ ،‬مع عامل االستثمار الكبير المسموح للبناء‪ّ ،‬أديا إلى هدم‬ ‫واستبدلت بعمارات مستوردة من‬ ‫مئات األبنية التراثية المميزة في المدينة‬ ‫ُ‬ ‫الخارج أفقدت بيروت هويتها المميزة‪.‬‬ ‫ومــع م ـشــروع إع ــادة بـنــاء الــوســط الـتـجــاري (ســولـيــديــر) مــع منتصف‬ ‫التسعينات غابت منازل تراثية وآثار غير منقب عنها بعد‪ .‬ورغم نجاح هذا‬ ‫أبراج شاهقة بمحاذاة منازل تراثية ‪( ‬من مجموعة أنطوان فشفش)‬

‫د‪ .‬أنطوان فشفش‬


‫تطور األشكال العمرانية والمدنية في‬

‫المشروع بالسيطرة على األشكال العمرانية‪ ،‬بفضل معايير عالية في وضع‬ ‫المخططات والدراسات المعمارية‪ ،‬افتقد إلى ‪‬الــروح البيروتية‪ ‬ونسيج‬ ‫اجتماعي غني ُع ِرفَ ت به المدينة قُ َبيل الحرب اللبنانية سنة ‪ .١٩٧٥‬فالوسط‬ ‫التجاري (سوليدر) اليوم جزيرة منعزلة عن سائر األحياء البيروتية المجاورة‪.‬‬ ‫إن بـيــروت الـيــوم تختنق‪ .‬ويجب إنقاذها سريعاً قبل فــوات األوان‪.‬‬ ‫درس نقل‬ ‫إقرار قانون لحماية األبنية التراثية وال‬ ‫بعد‬ ‫يتم ُ‬ ‫خصوصاً ْ‬ ‫ُ‬ ‫أن لم َّ‬ ‫ُ‬ ‫التلوث داخل المدينة وال‬ ‫مشترك داخل بيروت وخارجه وال‬ ‫َ‬ ‫درس تخفيض ُّ‬ ‫ُ‬ ‫درس المشاكل المتعلقة بالسالمة العامة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فليت المسؤولين عن مدينتنا العريقة ال يدفنون هويتها الخاصة ونسيجاً‬ ‫وإال ستصبح بيروت من دون‬ ‫يميزها عن سائر مدن المنطقة‪ّ .‬‬ ‫عمرانياً تقليدياً ِّ‬ ‫هوية وتشبه هذه أو تلك من المدن‪ ٬‬عوض أن تكون سائر المدن تشبه بيروت‬ ‫الم ُدنية الفريدة اجتماعياً وثقافياً ‪.‬‬ ‫بتركيبتها ُ‬

‫‪47‬‬

‫بيروت منذ نهاية القرن التاسع عشر‬



‫تـقـالـيـد شـعـب َّـيـة‪ ...‬قبل َأن َت ـ ُـزول ‬

‫المحامي عبداللطيف فاخوري‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫تـراثنُا ِ‬ ‫في‬ ‫ر‬ ‫الح‬ ‫َ ّ‬

‫‪49‬‬


‫تـراثنُا ِ‬ ‫في‬ ‫الح َر ّ‬

‫تـقـالـيـد شـعـبـيَّـة‪...‬‬ ‫قبل أَن تَـــزُول‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬ ‫وم َؤ ِّرخ‬ ‫ُمحام ٍ ُ‬

‫‪‬الشد‪ ‬عند ِإتقان ِ‬ ‫السمعة قبل الصنعة‬ ‫الحرفة‪:‬‬ ‫‪ )1‬مراسم‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬

‫احتاج اإلنسان إلى مأكل وملبس ومسكن فكان عليه أن يعمل كي ينتج‪،‬‬ ‫تقاليد وأعرافاً وتراثاً ‪.‬‬ ‫فنشأت عادات تكرست مع الزمن‬ ‫َ‬ ‫من تلك التقاليد إرجاع كل صناعة إلى أصولها األولى ومعرفة أوائل‬ ‫من مارسوها‪ ،‬منذ الجذور لدى األنبياء والمرسلين‪ .‬فآدم أول من حرث‬ ‫مغزال ونَ ًوال ُفنسبت إليه‬ ‫ً‬ ‫وزرع ُفنسبت الزراعة إليه‪ .‬وشعيب أول من صنع‬ ‫فصل وخاط ُفنسب إليه‬ ‫من‬ ‫أنواع المغزول من صوف وقطن‪ .‬وإدريس أول‬ ‫ّ‬ ‫وصنع منها الفلك المشحون‪.‬‬ ‫هيأ أدوات النجارة َ‬ ‫الخياطون‪ .‬ونوح كان أَ ول من ّ‬ ‫ولين الحديد‪ .‬واشتغل‬ ‫وابراهيم الخليل أبو البنائين‪ .‬واشتغل داود بالمعادن َّ‬ ‫محمد بالتجارة‪ .‬وحث اإلسالم على العمل والكسب ‪ ...‬وقل اعملوا‪ ‬ودعا‬ ‫الفقهاء إلى عدم ترك العمل بذريعة االنصراف إلى العبادة‪.‬‬ ‫قدم بعضهم صنعة الزراعة وأن المزارع أفضل من التاجر ألنه يبذر‬ ‫متوكال على اهلل تعالى‪ .‬وفي الحديث أن الشخص إذا زرع‬ ‫ماله في األرض‬ ‫ً‬ ‫زرعاً وسار مما ُينتفع به فما أكل منه فهو له صدقة‪ ،‬وإن انتقل من ملكه‬ ‫فيكون من الصدقة الجارية‪ .‬وقيل إن التجارة أفضل ألن النبي صلى اهلل‬ ‫توكال ممن‬ ‫عليه وسلم َّاتجر ولم يزرع‪ ،‬وليس من يبذر ماله في األرض أشد ً‬ ‫يبعثه في البحر الذي ال يخفى خطره وفي البر الذي ال يؤمن ضرره‪.‬‬ ‫وأثنى إخــوان الصفاء على شــرف الصنائع ووصفوا َمــن ال صنعة له‬ ‫بأنه متكبر كــأوالد الملوك‪ ،‬أو كسول جاهل‪ ،‬أو زاهد ورع ال تعنيه أمور‬ ‫وصنفوا الناس على أساس مادي‪ ،‬أي على أساس عملهم ال على‬ ‫الدنيا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أساس أنسابهم‪ ،‬وصنفوا الصنائع بحسب فائدتها بين الضرورية والمكملة‬ ‫وعد آخرون‬ ‫أو حسب موضوعها كالصنائع الجسدية‬ ‫ِ‬ ‫والح َرف اليدوية‪ّ .‬‬ ‫بعض الصناعات شريفة كصناعة الطب‪ ،‬فالطبيب يصف الدواء وعلى اهلل‬ ‫الشفاء‪ ،‬وصناعة الحديد ذي البأس الشديد الذي صنع منه لبوس يقي‬ ‫ِاإلنسان من مواقع السهام‪ ،‬وصناعة اإلبرة التي تكسو العريان وإن شقي‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫صحت بصحة‬ ‫جسمها العاري لسعادة اإلنسان‪ ،‬وصناعة الكيمياء التي‬ ‫ّ‬ ‫دراً إذا أنشأ في أنبيق التجربة نثراً ويبرز‬ ‫صنعة اإلنشاء فيحيل المنشئ ّ‬ ‫المباني في قالب البيان فتستحيل معانيها إلى عقود جمان‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫النجاح بالصدق واألمانة وإتقان الصناعة‬


‫واعتبر ابن خلدون الصناعة بمهنها المختلفة رمزاً للحضارة فال توجد‬ ‫قدر عمران البلد تكون جودة الصنائع والتأنق‬ ‫إال في أهل الحضر‪ ،‬فعلى ْ‬ ‫فيها‪ .‬ومع نمو المدن وازدهــارهــا وتطور الحياة االقتصادية نشأ شعور‬ ‫مشترك بين أصحاب كل حرفة‪ ،‬وصــار لهم نظام أو ُعــرف خاص يرفع‬ ‫ويؤمن تدريب األجيال الجديدة ويسهر على جودة‬ ‫من مستواهم المادي ّ‬ ‫أداءالح َرفيين وحسن تعاملهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هكذا نشأ نظام الطوائف وعرفت باألصناف وأرباب الصنائع وأصحاب‬ ‫الح َرف‪ ،‬وجميعها تعابير تعطي معنى الجماعة ألبناء الصنعة‬ ‫المهن وأهل ِ‬ ‫التحاب‬ ‫النسب يجمع على‬ ‫ّ‬ ‫نسب‪ ‬ألن َ‬ ‫الواحدة‪ ،‬وكان شعارهم ‪‬الصناعة َ‬ ‫الح َرف بأسماء األعالم‬ ‫مسميات ِ‬ ‫والتناصر‪ ،‬وشرف العمل أدى إلى ان تلحق ّ‬ ‫والنجار والحلواني والساعاتي والخياط والنقاش والفاخوري‬ ‫مثل القباني‬ ‫ّ‬ ‫والحبال وغيرهم‪.‬‬ ‫والحالق والسروجي‬ ‫ّ‬ ‫‪52‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬ ‫قيصر ساعاتي لتصليح الساعات‬


‫منتجات اشتهرت‬ ‫وتـمـيــزت الـشـعــوب بما أنتجته أي ــدي أبنائها مــن َ‬ ‫الح َرف باالنقراض كمجلّ خ السكاكين‬ ‫بجمالها ومنفعتها‪ .‬ولما أخذت بعض ِ‬ ‫والرتا‬ ‫ومبيض األوانــي النحاسية وصانع العربات والبيطار‬ ‫والمقصات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دعت منظمات دولية ومحلية إلى االهتمام بمصير‬ ‫والخياط‪،‬‬ ‫والسروجي‬ ‫َ‬ ‫الـ ِـحـ َـرف وأهلها‪ .‬وفــي شباط ‪ 1985‬انعقدت فــي الــدوحــة (قـطــر) نــدوة‬ ‫والح َرف الشعبية خلَ صت إلى‬ ‫التخطيط لدراسة الثقافة المادية والفنون‬ ‫ِ‬ ‫الح َرف الشعبية محوراً هاماً وأحد روافــد التراث الشعبي يجدر‬ ‫اعتبار ِ‬ ‫أن تجمع عناصره وأن يدرس ويحافظ عليه‪ .‬وفي شباط ‪ 1994‬انعقدت‬ ‫ندوة أخرى في الرباط (المغرب) ّ‬ ‫نظمها ‪‬مركز األبحاث للتاريخ والفنون‬ ‫والثقافة اإلسالمية في اسطنبول‪( ‬تابع لمنظمة المؤتمر اإلسالمي) انتدى‬ ‫فيها خبراء صناعات ِح َرفية وممثلو منظمات ومؤسسات دولية وإقليمية‪،‬‬ ‫الح َرفية والباحثين‬ ‫ت منها إصــدار دليل دولي للمراكز ِ‬ ‫وأصــدروا توصيا ٍ‬ ‫الح َرف‪ ،‬وتمويل تطوير المهارات ورفع‬ ‫األكاديميين العاملين في مجال ِ‬ ‫الح َرف‪.‬‬ ‫جودة اإلنتاج وتشجيع الحكومات على رعاية ِ‬ ‫معرض مختارات من‬ ‫وسنة ‪ 1992‬أقــام مجلس الـ ِـحـ َـرف البريطاني‬ ‫َ‬ ‫مقتنيات بدأ جمعها منذ ‪ ،1972‬تضم ‪ 1200‬قطعة بين أفضل ما أنتج‬ ‫الح َرفيون البريطانيون من أعمال خزف وأثاث من معادن ُمعاد استخدامها‬ ‫ِ‬ ‫وحفر على الخشب وتجليد كتب وأعمال زجاج ومجوهرات‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وكانت الهند سنة ‪ 1952‬أنشأت ‪‬مجلس الفنون الشعبية لعموم الهند‪،‬‬ ‫إنشاء‬ ‫للح َرف في المغرب وتونس‪ ،‬وسنة ‪ 1964‬ت ّـم‬ ‫وأنشئ مجلس مماثل ِ‬ ‫ُ‬ ‫الح َرف العالمي (مؤسسة غير حكومية ترعاها منظمة األونسكو)‪.‬‬ ‫مجلس ِ‬ ‫الح َرف‪ :‬آلية التعليم واالنتساب‪ ،‬سداه ولُ حمته‬ ‫تميز به نظام ِ‬ ‫أهم ما َّ‬ ‫إتقان الصنعة وحسن أخــاق صاحبها‪ .‬لم يوضح أحــد طريقة االنتماء‬ ‫إلــى الصنف في بيروت قبل القرن التاسع عشر‪ .‬وبما أن بـيــروت‪ ،‬في‬ ‫نشاط أسواقها وحرفييها‪ ،‬كانت خاضعة لنمط عثماني معمو ٍل به في‬ ‫دمشق والقاهرة وبغداد وبيروت واسطنبول وغيرها من األقطار‪ ،‬أوضح‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫محل لصنع الفخار (فاخورة)‬

‫‪53‬‬


‫وصف لذلك هو ما َذك َر ُه الياس قدسي في دراسة قدمها سنة ‪ 1883‬إلى‬ ‫‪‬شد‪ ‬المريد إلى الصنعة‪ ،‬أي إعالنه إياها واإلذن له‬ ‫مؤتمر ليدن‪ :‬آليــة‬ ‫ّ‬ ‫‪‬الشد‪‬‬ ‫بممارستها‪ .‬فعندما يأنس األجير إلى إتقانه الحرفة تقام حفلة‬ ‫ّ‬ ‫الشاويش‬ ‫الح َرفة‪ ،‬ويأخذ‬ ‫في بستان واسع أو في بيت واسع فيحضر شيخ ِ‬ ‫ُ‬ ‫حامال صينية‬ ‫يشده فيها ثم يعود به إلى مكان االجتماع‬ ‫ً‬ ‫األجير إلى غرفة ّ‬ ‫َ‬ ‫هدايا ‪‬الشد‪ ‬يضعها على اسكملة أمــام الشيخ‪ ،‬ويأتي األجير مكتوف‬ ‫اليدين إلى صدره ومشدوداً بالمحزم ‪ ،‬فيقف الشاويش على بساط أخضر‬ ‫ويجعل إبهام رجله اليمنى على إبهام رجــل األجير اليسرى ويطلب من‬ ‫النقيب تــاوة الفاتحة بصوت عــال‪ ،‬ويكون الجميع راكعين على ركبهم‬ ‫ْ‬ ‫مطرقين أرضــاً ‪ ،‬ثم يطلب النقيب الفاتحة ثاني ًة ويسميها ‪‬ثاني شرف‪‬‬ ‫ويحيي النقيب الزوار‬ ‫المرسلين ُفتـتلى الفاتحة ثالث ًة‬ ‫سيد‬ ‫ثم يختم ْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫بذكر ّ‬ ‫الحاضرين الكرام والسالم عليهم سبعة سالمات‪:‬‬ ‫‪54‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫أول ساليم عليمك اي ح ّضار‪.‬‬ ‫اثين ساليم عىل أهل الصدر أسيادي شيخ ِ‬ ‫احلرَفة وشيوخها‪.‬‬ ‫اثلث ساليم عىل أهل املمينة ابحلي‪.‬‬ ‫ورابع ساليم عىل أهل امليرسة بقبول‪.‬‬ ‫وخامس ساليم عليمك ساديت أحسن‪.‬‬ ‫وسادس ساليم عليمك أهيا ال ّص ّالح‪.‬‬ ‫وسابع ساليم عليمك أهيا األحباب‪.‬‬

‫ختم بقصيدة مطلعها‪:‬‬ ‫ثم ُت َ‬ ‫نشد بعض القصائد ُوت َ‬

‫فتحت ابب الطريقة أرجتي منناً من خالق اخللق ريب ابرئ الن َ​َسم ِ‬ ‫ويختمها بقوله‪:‬‬

‫وخـــانئ الــعــهــد مل تـــرحب جتــارتــه وهــو ابحلــر مك يلقى من النِّقَم ِ‬

‫بالخ ْشية‬ ‫ثم يلتفت النقيب إلى األجير المشدود ويقول له‪ :‬أوصيك ِ‬ ‫وشدك شاهدان عليك يوم نقف حائرين‪َ ،‬من‬ ‫من رب العالمين أن عهدك‬ ‫ّ‬ ‫يحفظه يحفظه رب السماء من إضاعة كتب من المبعدين‪ .‬آمين‪.‬‬ ‫وإذا كان المشدود مسيحياً تتلى ‪‬أبانا الذي في السموات‪ ‬ويسمونها‬ ‫‪‬فاتحة النصارى‪ ،‬أو تتلى الوصايا العشر في شد اليهود‪.‬‬


‫صلوا عىل عيىس وموىس وحممد مكحول العني‪ ...‬ومني يقدر يعادينا‬ ‫وجو‪.‬‬ ‫ه ّنوا رفيقنا الزني‪ ...‬ب ّيض اهلل ّ‬

‫‪‬شد‪ ‬األجير إعالناً إلتقانه الصنعة واالنتساب إلى أهلها‪،‬‬ ‫وهكذا يكون ّ‬ ‫شد المريد إلى الطريقة الصوفية‪.‬‬ ‫ما ِّ‬ ‫يذك ُر بآلية ّ‬ ‫حسن المعاملة واألمانة في رواج عمل األجير‪،‬‬ ‫تؤكد مراسم الشد على ْ‬ ‫وكون سمعته الطيبة أساس نجاح صنعته‪.‬‬ ‫تناقل األجداد هذه القيمة‪ ،‬ووصفها الحاج سعيد حمد (شقيق الشهيد‬ ‫عمر حمد) وكان من قبضايات بيروت الشرفاء‪ ،‬وصاحب مقهى ‪‬المتوكل‬ ‫على اهلل‪ ‬في البسطة الفوقا‪ ،‬وج ــدران مقهاه مزينة برسوم أقــرانــه من‬ ‫القبضايات‪ ،‬يجلس فيه جلسة قبضاي‪ :‬أي يجلس على كرسي ويسند يده‬ ‫اليمنى على كرسي آخر ويسند يده اليسرى على كرسي ثالث‪ .‬من مروياته‬ ‫‪‬ع الُّ سور‪( ‬اليوم ساحة ريــاض الصلح)‬ ‫ـواال افتتح‬ ‫أن فـ ً‬ ‫ً‬ ‫محال في ساحة َ‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫جاعال بطن كفه‬ ‫يدي األجير عن صدره إلى قمة رأسه‬ ‫ً‬ ‫ثم يرفع النقيب َ‬ ‫ويفك المحزم ويلف المشدود به من وسطه إلى‬ ‫اليمنى يعلو ظهر كفه اليسرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحرفة‪ ،‬الثانية لمعلّ م‬ ‫قدمه ويعقد طرفيه ثالث عقد‪ :‬األولى احتراماً لشيخ ِ‬ ‫حق حل العقدة األولى ألنه رئيس‬ ‫المشدود‪ ،‬والثالثة للشاويش‪ .‬وللشيخ وحده ُّ‬ ‫الحرفة كي يعلّ م المشدود واجبات خضوعه‪ .‬ويحل المعلّ م الثانية ليفتخر بأنه‬ ‫ِ‬ ‫خرج تلميذاً ماهراً ‪ ،‬والثالثة يحلّ ها الشاويش لخضوع المشدود له‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الح َرفيون األوروبـيــون يعقدون المئزر (المريول) وراء ظهورهم‪،‬‬ ‫كان‬ ‫ِ‬ ‫بينما حرفيو بالدنا يربطونه من األمام‪ .‬وتنتهي حفلة الشد بإسداء شيخ‬ ‫الح َرف كــارات أمانة على‬ ‫الحرفة نصائحه للمشدود‪ :‬يا ابني‪ ،‬جميع ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدين‪ ،‬والدين المعاملة ‪ ،‬فإذا‬ ‫األموال واألعراض واألرواح‪ ،‬واألمانة هي‬ ‫ُ‬ ‫حسن الصيت والسمعة‪ ،‬واعلَ م‬ ‫نفق كارك احفظ َ‬ ‫دينك‪ .‬كن صادقاً وأميناً َ‬ ‫فحافظ عليه بمقدرتك‪.‬‬ ‫عرضك‪،‬‬ ‫أن كارك مثل‬ ‫ِ‬ ‫فيتقدم األب منه‬ ‫أب للمشدود يكون معلّ مه في الكار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويعين أثناء الشد ٌ‬ ‫َّ‬ ‫تمسان‬ ‫سريان‬ ‫الي‬ ‫ركبتاهما‬ ‫ركعة‪،‬‬ ‫نصف‬ ‫اآلخر‬ ‫إزاء‬ ‫الواحد‬ ‫‪:‬‬ ‫معاً‬ ‫ويركعان‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫اليمنيان تنثنيان نصف ثنية‪ ،‬ويقتربان واحدهما من‬ ‫األرض ورجالهما‬ ‫َ‬ ‫والركبتان ويمسك األب بيده اليمنى‬ ‫ْ‬ ‫اآلخر حتى يتالصق اإلبهامان األيمنان‬ ‫يد المشدود اليمنى‪ ،‬ويستر الشاويش أيديهما بمحرمة أو منشفة‪ ،‬ويعاهد‬ ‫الطالب أباه بعهد اهلل ورسوله بعدم خيانة الكار وعدم غش الصنعة‪ .‬ثم‬ ‫وتعد الوليمة‪ .‬وقد يقوم إخوان المشدود بالعراضة والتهليل‪:‬‬ ‫توزع الهدايا َ‬

‫‪55‬‬


‫زبون أكل وخرج ثم عاد ليسأل الفوال‪ :‬شفت لي جزدان‪‬؟ فتش‬ ‫وجاءه يوماً‬ ‫ٌ‬ ‫الحاضرون في المحل على جــزدان فلم يجدوه‪ .‬ذهب الزبون وأبلغ مخفر‬ ‫الشرطة فأرسل الشاويش شرطياً يجلب الفوال ليأخذ إفادته‪ .‬كل من شاهد‬ ‫الفوال ماشياً وراء الشرطي استغرب‪ ،‬وكلما استفسر منه أحد أجاب‪ :‬ال‬ ‫شيء‪ .‬أذهب من أجل الجزدان‪ .‬ولدى بلوغه المخفر سأل الضابطُ الزبون‪:‬‬ ‫الفوال‪‬؟ أجاب الزبون‪ :‬كال‪ .‬ال أضعه في ذمتي‪ .‬أخلى الضابط‬ ‫‪‬هل تتهم ّ‬ ‫سبيل الفوال فخرج من المخفر مباشر ًة إلى بيته واستدعى عامله في المحل‬ ‫قائال له‪ :‬بعد اليوم لن أنزل إلى المحل‪ .‬تستلم أنت المحل‬ ‫فسلمه المفتاح ً‬ ‫تعجب العامل وحاول ثني معلمه عن‬ ‫شريكاً لي وتحاسبني آخر كل شهر‪ّ .‬‬ ‫قراره فقال هذا‪ :‬لما رحت إلى المخفر قلت لمن سألني من الناس إنني‬ ‫ذاهب من أجل الجزدان‪ .‬فهل أذهب اآلن إلى كل واحد منهم ألشرح له حقيقة‬ ‫األمر وأقنعه‪ ،‬وأنا الحريص على سمعتي؟ يا ابني‪ :‬السمعة قبل الصنعة‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪ِ )2‬‬ ‫الح َرفيون في بيروت ينتخبون شيوخهم‬

‫عبداللطيف فاخوري‬

‫عادات يلتزم بها أفراد الصنف مرجعاً‬ ‫مع مرور األيام تكونت لكل صنف‬ ‫ٌ‬ ‫الحرفة في سوق خاص‬ ‫أهل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫العادات‬ ‫لهم عند اختالفهم‪ .‬من تلك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُّ‬ ‫بهم‪ .‬هكذا عرفَ ت بيروت أسواقاً للصاغة واللحامين والحدادين والنجارين‬ ‫والخياطين والعقادين والنرابيجية والكندرجية والبوابجية والبياطرة‬ ‫والمنجدين والـحــراج‬ ‫والخضرجية والشقبجية والعطارين والقطنيين‬ ‫ّ‬ ‫والقزازين والشعارين (صانعو الشعاري‪ ،‬أي الشعريات)‪.‬‬ ‫(رتا)‬ ‫ثم نشأ تخصيص لكل حرفة أو مهنة‪ .‬فالخياطون تنوعوا بين رفّ اء ّ‬ ‫وقصار وصانع قالنس وخياط غنابيز وخياط عبي ومطرزين‪ .‬ونشأ من‬ ‫ّ‬ ‫النجارين صانع أقفال وصانع مركبات وصانع مفروشات وصانع أكعاب دالء‬ ‫ّ‬ ‫وتفرق الحلوانية إلى باعة القطائف وباعة البقالوة‬ ‫والسطول‪.‬‬ ‫البراميل‬ ‫ّ‬ ‫وباعة الحالوة الطحينية وباعة الصفوف والنمورة‪ ،‬ونتجت عن ذلك ضرورة‬ ‫انتخاب شيخ ألهل كل حرفة‪.‬‬ ‫الح َرف في بيروت يعود إلى‬ ‫أقدم ما عثرنا عليه في مجال تنظيمات ِ‬ ‫النصف اآلخر من القرن التاسع عشر‪ ،‬عرفنا بعضه من وثائق سجالت‬ ‫محكمة بيروت الشرعية (سنة ‪ 1843‬ومــا بعدها)‪ ،‬والبعض اآلخــر من‬ ‫قرارات وتعليمات بلدية بيروت (سنة ‪ 1858‬وما يليها)‪.‬‬ ‫الح َرف شيوخاً وكلّ ف‬ ‫في مطلع ‪ 1881‬اختار المجلس البلدي ألرباب ِ‬ ‫سنهم وأسماء‬ ‫وبيان‬ ‫صنعته‬ ‫يضم أسماء التابعين‬ ‫كال منهم تقديم دفتر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وسبب االختيار خالفاً حول المحترفين فقرر‬ ‫إقامتهم‪.‬‬ ‫ومحالت‬ ‫والديهم‬ ‫ّ‬


‫المجلس استبدال االختيار باالنتخاب فينتخب أهل كل صنف شيخاً لهم‬ ‫معروفاً باالستقامة وحسن السلوك‪.‬‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬ ‫‪57‬‬

‫شيخ القبانية‬

‫وتم التقسيم بين ‪ 4‬أيار و ‪ 2‬حزيران ‪ 1881‬على فترتيـن‪ :‬صباحية من‬ ‫ّ‬ ‫‪ 8:00‬إلى ‪ ،11:00‬ومسائية من ‪ 5:00‬إلى ‪ ،7:00‬فتم في خالل ‪ 30‬يوماً‬ ‫انتخاب شيوخ ‪ 71‬حرفة وصنعة‪ ،‬وزعت البلدية انتخابهم اثنين كل يوم وفق‬ ‫الجدول التالي‪:‬‬ ‫اليوم‬

‫صبح ًا‬

‫بعد الظهر‬

‫‪1‬‬

‫اآلالتية‬

‫البحرية‬

‫‪2‬‬

‫البياطرة‬

‫‪3‬‬

‫والحبالة‬ ‫الحدادين‬ ‫ّ‬

‫‪5‬‬

‫الحياكين‬

‫‪4‬‬ ‫‪6‬‬

‫الجوهرجية‬ ‫الحلوجية‬

‫الحمالة والحمامجية‬

‫الحالقين‬

‫الخبازين‬

‫الخدامين والخدامات‬

‫الخاناتية‬


‫اليوم‬

‫صبح ًا‬

‫بعد الظهر‬

‫‪7‬‬

‫الخراطين والخضرية‬

‫الخمارجية‬

‫‪9‬‬

‫الدهانين‬

‫الرمالة‬ ‫ّ‬

‫‪8‬‬

‫‪10‬‬

‫الساعاتية‬

‫السروجية‬

‫‪12‬‬

‫السمانة‬

‫السنكرية‬

‫‪11‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬

‫‪15‬‬

‫‪58‬‬

‫الخياطين‬

‫الدباغين‬

‫‪16‬‬

‫السقايين‬ ‫السياس‬ ‫ّ‬

‫السماسرة‬ ‫الشربجية‬

‫الصابونجية‬

‫الصباغين‬

‫الصياغين‬

‫الطباخين‬

‫الصراماتية‬

‫الصيادين‬

‫عبداللطيف فاخوري‬

‫‪17‬‬

‫الطحانة‬

‫‪19‬‬

‫الفواخرية والفتالين‬

‫الفرانة والغراية‬

‫القهوجية‬

‫الكيالة والكالسين‬

‫‪18‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪22‬‬

‫العطارين‬ ‫الفوالة‬

‫الكندرجية‬

‫العربجية‬

‫العقادين‬

‫القصابة والكواية‬

‫المبلطين والمرخمين‬

‫‪23‬‬

‫اللوكانداجية‬

‫المبيضين‬

‫‪25‬‬

‫المرايجية‬

‫المعصرانية‬

‫‪27‬‬

‫المقلعجية‬

‫المكارية‬

‫‪29‬‬

‫النجارين‬

‫نجارو المراكب‬

‫‪24‬‬ ‫‪26‬‬

‫‪28‬‬ ‫‪30‬‬

‫المجلدين‬ ‫المعمارية‬

‫المنجدين‬

‫النحاسين‬

‫المحمصانية‬ ‫المغربلين‬ ‫المورقين‬

‫النشارين والعلجية‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫(ومـ ــن ال ـطــريــف أن أُ ض ـيــف ال ــى ش ـيــوخ ال ـ ِـح ـ َـرف فــي مـصــر ‪‬شيخ‬ ‫الشحادين‪.)‬‬ ‫تساءل البعض في حينه عن القصد من هذا االنتخاب‪ :‬أيكون شيخ‬ ‫مسؤوال عن أربابها لدى السلطة يتولى الحكم فيهم أمراً ونهياً وله‬ ‫ً‬ ‫الصنعة‬ ‫مراقبة أحوالهم وتتبع أعمالهم؟ أم االنتخاب الستيفاء ربع مجيدي ممن‬ ‫اشتغل بالصنعة؟‬ ‫وتمنى البعض اآلخر اعتبار الخدمة في البيوت والرضاعة من جملة‬ ‫الح َرف‪ ،‬فأقيم لهم شيخ يرجعون إليه تكون ضمانتهم في بعض األحوال‬ ‫ِ‬ ‫عليه وتكون رئيسة للمرضعات تسأل عنهن َوتهدي الناس إليهن فينتفي‬ ‫الخ َدم)‪.‬‬ ‫العنت في أمر‬ ‫الخدم واإلرضاع (ما أشبه الليلة بالبارحة في شأن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سنة ‪ 1887‬أصدرت البلدية تعليمات فرضت على كل من يتعاطى حرفة‬ ‫غب‬ ‫أو صنعة أن يستحصل على رخصة من البلدية ُتجيز له معاطاة صنعته ّ‬ ‫المصادقة على أهليته من شيخ حرفته‪ .‬ومنحت البلدية شهراً للحصول‬ ‫على التذكرة تحت طائلة المنع من العمل والتغريم‪ ،‬وأوضح قرار للبلدية‬ ‫للح َرف والصنائع في البلدة‪ ،‬وكيف‬ ‫سنة ‪ 1893‬كيفية تعيين َك َت ْخ َدا (شيخ) ِ‬ ‫األكثر أهلية وكفاية بين أهل حرفتهم‪ ،‬وطلبت‬ ‫الح َرف‬ ‫ينتخب أصحاب ِ‬ ‫َ‬ ‫والحرفة‬ ‫تقديم مضبطة مختومة منهم تحتوي على اسم‬ ‫َ‬ ‫المنتخب وشهرته ِ‬ ‫‪‬ك َت ْخ َدا‪ ‬وتسليمه الختم الرسمي بمأموريته‪.‬‬ ‫المنسوب إليها‪ ،‬لتعيينه َ‬ ‫وكان مجلس إدارة لواء بيروت بدأ ّ‬ ‫ينظم ممارسة مهنة الصيدلة لمن‬ ‫مارسها ‪ 15‬سنة‪ ،‬ومهنة الطب ووكالء الدعاوى (المحامين)‪.‬‬ ‫الح َرف نحو منتصف القرن التاسع عشر عرفنا‪:‬‬ ‫من شيوخ ِ‬ ‫محمد ابراهيم العاتكي شيخ الصباغين‪.‬‬ ‫شاكر محمد العلبي شيخ القزازين سنة ‪.1845‬‬ ‫درويش بن خليل شيخ الداللين سنة ‪.1848‬‬ ‫حسن الحص شيخ المكارية‪.‬‬ ‫حنا زعزع شيخ البنائين سنة ‪.1851‬‬ ‫أحمد الحوت شيخ النجارين سنة ‪.1858‬‬ ‫الخواجة نعمة حطب شيخ المعمارين سنة ‪.1864‬‬ ‫الياس شاهين صباغة شيخ المعمارين‪.‬‬ ‫علي بلوز شيخ النجارين سنة ‪.1870‬‬ ‫عبد اللطيف عباس سبليني شيخ النجارين سنة ‪.1878‬‬

‫‪59‬‬


‫‪60‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫عبد األحد طبيب شيخ العربجية سنة ‪.1879‬‬ ‫يوسف ْج َدي شيخ الجوهرجية سنة ‪.1892‬‬ ‫أحمد سليمان خليل شيخ النجارين سنة ‪.1894‬‬ ‫المعلمان فضول ابراهيم جنحو وفضول حبيب جنحو شيخا المعمارين‬ ‫سنة ‪.1892‬‬ ‫بشارة ْج َدي وخليل بركات شيخا الجوهرجية سنة ‪.1905‬‬ ‫ابراهيم خليل بدران شيخ الداللين سنة ‪.1907‬‬ ‫الدهانين سنة ‪.1908‬‬ ‫حسن الشخيبي شيخ‬ ‫ّ‬ ‫س ـنــة ‪ 1892‬ت ــوف ــي ي ــوس ــف ْجـ ـ َـدي‬ ‫شيخ الجوهرجية فعين مجلس اإلدارة‬ ‫مكانه بشارة ْج َدي وخليل بركات ‪‬ألخذ‬ ‫التثبت من الدمغة ومن‬ ‫الششنة‪ ،‬أي‬ ‫ُّ‬ ‫قانونية حامل القطعة الذهبية (الششنة‬ ‫عند المولدين حصة قليلة تــؤخــذ من‬ ‫الغ َرض ليستدل بها على كيفيته‪ ،‬ومنه‬ ‫َ‬ ‫ششنة الذهب يقطعها الصائغ ليقابل‬ ‫عليها ما صاغه منه)‪.‬‬ ‫وسـنــة ‪ 1908‬عينت البلدية حسن‬ ‫الشخيبي شيخ الدهانين ألهليته وطيب‬ ‫سمعته واستقامته‪.‬‬ ‫وسنة ‪ 1897‬اشتهر البيطري مصباح‬ ‫الفيل في معالجة الجياد‪ ،‬وكــان محله‬ ‫قبالة خان المير أمين في الغلغول‪.‬‬ ‫وف ــي أيـ ــار ‪ 1879‬عـيــن عـبــد األحــد‬ ‫طبيب شيخ العربجية فاستثنى العربجية‬ ‫العاملين عند الـ ــذوات أو فــي شركات‬ ‫عربات األج ــرة‪ ،‬وأعفاهم من الحضور‬ ‫أمامه وإثبات مهارتهم لديه والحصول منه‬ ‫على الرخصة بالدخول في هذا الصنف‪.‬‬ ‫وكان القاضي الشرعي يستعين بمن‬ ‫لهم خبرة في األراضــي كالمعلم شكري‬ ‫داغر والمعلم حنا زعزوع والياس طاسو شيوخ الصياغ والجوهرجية سنة ‪١٩٠٣‬م‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫ونعيم حطب والياس شاهين صباغة وحبيب مخائيل مجدالني وعبد اهلل‬ ‫ذكر ُتها في كتابي ‪‬تاريخ القضاء‬ ‫شحادة وسواهم‬ ‫(المهام التي تولوها ْ‬ ‫ّ‬ ‫الشرعي في بيروت‪.)‬‬

‫‪61‬‬

‫شيخ العربجية‬

‫الح َرف المنتخبين أو المعينين‬ ‫كما كان القاضي الشرعي يستشير شيوخ ِ‬ ‫كخبراء في قضية يتعلّ ق على رأيهم البت بها‪ .‬فكان المعمار باشي (أو شيخ‬ ‫المعماريين) بمثابة المهندس أو رئيس المهندسين‪ ،‬وألن أكثر هؤالء من‬ ‫روم بيروت في محلتي المزرعة والمصيطبة كان القاضي يستعين بهم عند‬ ‫حصول منازعة بين الجيران حول البناء وحقوق االرتفاق أو عند حصول‬ ‫مقاسمة بين شركاء أو ورثة في عقارات لتقييم الحصص وتعديلها‪.‬‬


‫‪ )3‬طبائع ِ‬ ‫فيين ولغ ُتهم الخاصة‬ ‫الح َر ّ‬

‫طبائع وأخــاق عرفوا بها‪ ،‬وقد تكون‬ ‫الح َرف‬ ‫غلبت على بعض أهل ِ‬ ‫ُ‬ ‫خصاال سيئة أُ لصقت بهم وفــق مهن مارسوها وفرضت عليهم التحلّ ي‬ ‫ً‬ ‫بأخالق معينة‪ ،‬لقلة ثقافتهم أو لنظرة ازدراء قابلتهم بها الطبقة العليا‬ ‫في المجتمع‪ .‬منها نسبة القساوة إلى القصابين لما تحتاج اليه مهنة ذبح‬ ‫الحس‪ .‬وسنة‬ ‫الحيوان وسلخه وتقطيعـ ــه (تقصيبه) من غلظة وانعدام رقة‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1879‬شكا األهالي من عادة وضع اللحام رأسه في جوف الخروف والنزول‬ ‫به إلى البلدة ودخوله األسواق الضيقة خصوصاً عند اكتظاظ الناس قرب‬ ‫في ْت ِلف أثوابهم‪،‬‬ ‫الكنائس والمساجد‪ ،‬والسير بسرعة‬ ‫ومس الرجال والنساء ُ‬ ‫ّ‬ ‫وكان يضع على اللحم مآزر وأكياس لم يغسلها منذ نُ ِس َجت‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬ ‫الحالق الثرثار‬

‫ولنتذكر هنا الحالق الثرثار الذي رسم على رأس الزبون معارك الحرب‬ ‫العالمية‪ .‬وشــاع سنة ‪ 1877‬أن الحالقين يستعملون مسحوقاً أصله من‬ ‫لكن بعض الحالقين تذرعوا بأنه غير‬ ‫دهن الخنزير فاجتنبه غالب الناس‪ّ ،‬‬ ‫المر‪ .‬وشكا البعض سنة ‪ 1878‬من‬ ‫نجس‪ ،‬ثم استعاضوا عنه بدهن اللوز ّ‬ ‫امية إلباحتهم الخلقين في االستحمام ألنه يشكل خطراً‬ ‫طمع بعض‬ ‫الحم ّ‬ ‫ّ‬ ‫المستحمين في األحواض‪.‬‬ ‫على المستحم فيه‪ ،‬وهو مستقذَ ٌر عند‬ ‫ّ‬ ‫الح َرف (خصوصاً باعة الخضر والفواكه) مغاير َة‬ ‫وتوسل بعض أصحاب ِ‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقة في الدعاية لمنتجاتهــم‪ .‬فينادون عليها بأنها طازجة بينما تكون‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫بائتة منذ أيام‪ .‬ويحكى أن اإلمام األوزاعي خرج يوماً من الجامع العمري‬ ‫الكبير بعد أداء الصالة فسمع منادياً يردد‪ :‬يا بصل أحلى من العسل‪،‬‬ ‫أن شيئاً من الكذب‬ ‫فقال‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬سبحان اهلل (مرتين) أيظن هذا ّ‬ ‫يباح‪ ،‬فكأن هذا ما يرى بالكذب بأساً ‪.‬‬ ‫واسم ‪‬القين‪ ‬يشمل كل صانع عند العرب‪ ،‬ومنه قولهم ‪‬إذا سمعت‬ ‫بسرى القين فاعلم أنه مصبح‪( ‬أي إذا سمعت الصانع يقول‪ :‬أنا مرتحل‬ ‫ُ‬ ‫هذه الليلة‪ ‬فاعلَ م أنه ماكث إلى الصباح ال يرحل) والمراد نسبته إلى‬ ‫الكذب فهو يقول ذلك كي يبادر إليه أصحاب العمل‪.‬‬ ‫ووصــف الحوذي (سائق العربة) سنة ‪ 1887‬بأنه إذا أمسك السوط‬ ‫ُ‬ ‫ب نفسه ِملكاً جالساً على عرشه وفي يده‬ ‫وجلس على كرسي العربة ِ‬ ‫حس َ‬ ‫الصولجان‪ ،‬يزجر الخيل ويوقع بها ضرباً أليماً فتنهب األرض سريع ًة‬ ‫وتدوس من تصادفهم في سيرها‪ ،‬والحوذي غير آبه أتكسرت أضالعهم‬ ‫شجت رؤوسهم‪ .‬وسنة ‪ 1878‬شكا األهالي من‬ ‫أو تهشمت أجسادهم أو ّ‬ ‫شركة الخواجة ابراهيم المتيني لخشونة معاملته وإلزامه الركاب بالخضوع‬ ‫للسائقين فيأخذون الناس خارج المدينة ويتركونهم هناك فيضطرون إلى‬ ‫مكدرون‬ ‫الرجوع ً‬ ‫ليال مشياً في غبار الطرقات‪ ،‬أطفالهم جائعون وأهاليهم ّ‬ ‫تحولَّ ت راحتهم تعباً وعناء‪.‬‬ ‫الخبازين والمحتسب قديم ٌة في بيروت‪،‬‬ ‫ويحكى أن عالقة التجاذب بين ّ‬ ‫يثبتها نص من أربعة أسطر منحوت على عمود المدخل الغربي للجامع‬ ‫العمري الكبير جاء فيه ‪‬بتاريخ ستة وثمانمائة هـ‪1404( .‬م) قرر الجناب‬ ‫العالي الجمالي أمير مؤيد باب السلطنة الشريفة ببيروت المحروسة أعز‬ ‫اهلل أنصاره أن ُيبطل ما كان استحدث على الخبازين ببيروت لنائب الحسبة‬ ‫مد) أمر بإبطال‬ ‫الشريفة وهو في كل سنة على كل فرن خمسة أمداد (جمع ّ‬ ‫ذلك وان ال أحد يأخذ رسماً باسمه وال يحدث خالفه وملعون ابن ملعون من‬ ‫يجدد ذلك ويأخذ منهم شيئاً وال يأخذ المحتسب اال جامكيته‪....‬‬ ‫يعود ّ‬ ‫وسنة ‪ 1881‬زادت الشكاوى من ممارسات أصحاب األف ــران‪ ،‬فقيل‬ ‫ويؤخرونه عندهم‬ ‫إنهم اتفقوا على التالعب بالخبز‪ ،‬ال يحسنون خبزه‬ ‫ّ‬ ‫خبازه‬ ‫إلــى ما بعد ميعاده ويسلبون من تقطيعه‪ ،‬فــإذا رغــب أحــد بترك ّ‬ ‫أحدهم اآلخر وتقاسموا الزبائن كأنهم َت ِب َع ٌة لهم‬ ‫واالعتماد على سواه نازع ُ‬ ‫فال تستطيع دولة خباز أن تخدم تبعة آخر‪ .‬وإذا نقل أحدهم خبزه إلى‬ ‫فضله على السابق شريك هذا‬ ‫يعامل أسوأ معاملة‪ ،‬فالخباز الذي ّ‬ ‫فرن آخر َ‬ ‫ينفر الرجل حتى يجبره على العودة إلى الخباز‬ ‫يزال‬ ‫فال‬ ‫له‬ ‫وحليف‬ ‫األخير‬ ‫ّ‬ ‫السابق‪ .‬ومن أعمالهم أن أقّ ــة الحنطة متى ُعجنت وأُ رسلت الى الفرن‬

‫‪63‬‬


‫‪64‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫دخلت تحت استبداد الفران يخبزها والوقود قوية فيحرق أَ عالها ويبقى‬ ‫فتجف‪ ،‬أو يتركها في ناحية الغبار‬ ‫أسفلها عجيناً ‪ ،‬أو يخبزها والوقود قليل‬ ‫ّ‬ ‫سل َم الخبز من الفران وقع‬ ‫فإذا‬ ‫ضارة‪.‬‬ ‫حتى يزيد على اختمارها حموضة‬ ‫ِ‬ ‫في يد الفتى الذي ينقله إلى الفرن‪ .‬لذا جلبت البلدية الشيخ المعين لهذه‬ ‫كال منهم بكفالة في حال‬ ‫الح َرفة وأخذت منه سندات التعهد عليهم وربط ً‬ ‫ِ‬ ‫يحمض أو حرقه وقت خبزه أو نقص‬ ‫أهمل المكفول خبزاً عنده ليفسد أو ّ‬ ‫منه شيئاً ‪ ،‬هكذا يكون الكفيل ملزماً بدفع ثمن الخبز لصاحبه مع الجزاء‬ ‫النقدي لصندوق البلدية‪ .‬وكانت جداتنا وأمهاتنا يعددن أرغفة العجين‬ ‫ويقرص َن طرف أحد األرغفة بما يفيد العدد المسلّ م للخباز‪ .‬وكثيراً ما‬ ‫ْ‬ ‫تأخر الفران بأخذ فَ رش العجين الى الفرن‪.‬‬ ‫تتردد شكواهن من ُّ‬ ‫كانت ّ‬ ‫عندما احتل ابراهيم باشا بيروت‪َ ،‬ع َّين محمود نامي بك محافظاً عليها‬ ‫رجال نصفهم‬ ‫وأنشأ مجلساً للمشورة سمي ‪‬مجلس شورى بيروت‪ ‬من ‪ً 12‬‬ ‫مسلمون ونصفهم اآلخر مسيحيون يمثّ لون أعيان بيروت‪ ،‬منهم عمر بيهم‬ ‫الذي تولى رئاسة مجلس الشورى‪ .‬خرج يوماً من بيته في زقاق البالط‬ ‫عم‪ ...‬يا حاجي‪ ، ...‬التفت ناحية الصوت‬ ‫عم‪ ...‬يا ّ‬ ‫فسمع من يناديه‪ :‬يا ّ‬ ‫الصبار يفصل‬ ‫الصبير (سياج من نبات‬ ‫فتبين شبح امرأة تقف وراء رباع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بين ُملك وآخر) ظهرها صوبه كي ال يراها وهو الغريب‪ .‬سألها عما بها‬ ‫فقالت‪ :‬اهلل يرضى عليك يا حاج‪ ،‬اصرخ لك صوت بدربك على الفران‪،‬‬ ‫حضرته يجي‪ .‬اقترب‬ ‫حمض وما كان‬ ‫خليه يبعت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫صانعه ياخد العجين‪َّ ،‬‬ ‫الصبير وقال لها‪ :‬وين فرش العجين؟ هاتيه‪ .‬أسرعت‬ ‫عمر من سياج‬ ‫ّ‬ ‫واعتذرت لكن عمر أخذ‬ ‫ففوجئت وخجلَ ت‬ ‫تبينت وجهه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بجلب الفرش ثم ّ‬ ‫وصانعه على تهاونهما‬ ‫الفران‬ ‫منها الفرش عنوة وأوصله إلى الفرن وأنب ّ‬ ‫َ‬ ‫في خدمتها‪.‬‬ ‫ومن أخبار النوتية أن البواخر لم تكن تستطيع االقتراب من رصيف‬ ‫فيتحكم بهم النوتية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المرفأ فكان الركاب ُي َنقلون بالمراكب إلى البواخر‪،‬‬ ‫وسنة ‪ 1878‬اتفق ستة ركاب مع صاحب قارب على نقلهم إلى سفينة فرنسية‪.‬‬ ‫دخلوا القارب ودخل معهم سبعة آخرون‪ ،‬فما كاد يسير في البحر حتى دخلته‬ ‫صاحبها ونجا بنفسه وهــوى الركاب في البحر فغرق ثالثة‬ ‫المياه فتركه‬ ‫ُ‬ ‫منهم‪ .‬وفي السنة نفسها شكا آخرون من أنهم نزلوا من السفينة وقاولوا أحد‬ ‫كل منهم‪ ،‬فلما وصلوا الى منتصف‬ ‫القوارب ْ‬ ‫لنقلهم الى البر لقاء ‪‬بشلك‪ ‬عن ٍّ‬ ‫تنصب عليهم وأمــواج البحر‬ ‫المسافة في البحر‪ ،‬والبرد شديد واألمطار‬ ‫ّ‬ ‫تتالطم من حولهم‪ ،‬أَ وقف النوتية القارب في عرض البحر وطلبوا من الركاب‬ ‫وهددوهم بالضرب ِوب َطرحهم في البحر‬ ‫نصف ليرة زيادة عما ُّاتفق عليه َّ‬ ‫وأمسكوا أحدهم على حافة القارب كي يرموه في البحر فأعطوهم مطلوبهم‪.‬‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫رست في مرفأ بيروت فتسلق النوتية‬ ‫سنة ‪ 1893‬روى سائح أن السفينة َ‬ ‫أحمال السائح وكانت‬ ‫حبال الباخرة ودخلوا غرفها‪ ،‬واختطف سبعة منهم‬ ‫َ‬ ‫أجره‪ .‬سأل‬ ‫السبعة‬ ‫من‬ ‫كل‬ ‫َ‬ ‫بحاجة لواحد فقط‪ ،‬وعندما بلغ الشاطئ طلب ٌّ‬ ‫يدخن النارجيلة‬ ‫عن رئيس النوتية فدلوه على رجــل متربع على كرسي ّ‬ ‫فأسرع وشكا له أمره فقال له‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬تحضرون وتأكلون وتشربون‬ ‫وتسمنون ثم تطمعون بأجور أمثال هؤالء؟ أنقدوهم أجورهم وسيروا في‬ ‫سبيلكم‪ .‬وبعدما وضع السائح أمتعته في لوكندة‪ ،‬ذهب إلى السوق فرأى‬ ‫بائع سمك فأخذ سمكة وأدناها من أنفه‪ .‬نظر إليه البائع وقال‪ :‬أهذا‬ ‫مر أمــام بائع‬ ‫شم ؟ أال ترى َتـ َـو ُّرد َّ‬ ‫خديه؟ أَ أَ صــابــك العمى‪‬؟ ثم ّ‬ ‫سمك ُي ّ‬ ‫فحسن له البائع األمــر فقال له السائح‪ :‬أراه‬ ‫أحدها‬ ‫طرابيش واختار َ‬ ‫ّ‬ ‫صغيراً ‪ ،‬قال البائع‪ :‬كال‪ ،‬بل حسب رغبتك‪ .‬قال السائح‪ :‬هات أكبر‬ ‫منه‪ .‬قال البائع‪ :‬هــذا الئق لــك‪ .‬قال السائح‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن أنا أحبه‬ ‫ُ‬ ‫اضطر‬ ‫أكبر‪ .‬فنهره البائع‪ :‬قلت لك هذا الئق لك‪ ‬وحملق بالسائح الذي‬ ‫انصياعاً إلى القول‪ :‬صحيح‪ ،‬اليق لي كما أمرت‪ ،‬ونَ َق َده الثمن‪.‬‬ ‫فحل في فند ٍق‬ ‫سائح آخر سنة ‪ 1874‬قرر قضاء شهر العسل في بيروت ّ‬ ‫هم‬ ‫وخرج إلى السوق مع عروسه فأشارت له بمشترى ِخيار ففعل‪ ،‬ولما ّ‬ ‫قائال له‪ :‬خذ‬ ‫سال ووضع فيه باذنجاناً‬ ‫ً‬ ‫بدفع الثمن استمهله البائع وأخذ ً‬ ‫هذا الباذنجان‪ .‬هو كالهليون‪ ،‬فقال السائح‪ :‬أنا نزيل فندق وال حاجة لي‬ ‫ووض ِعه في السلّ ة مع الخيار‪،‬‬ ‫به‪ .‬قال البائع‪ :‬ال بأس من مشترى رطل ْ‬ ‫وخذ‬ ‫فألح البائع‪ :‬إدفع ثمنها ُ‬ ‫ثم‪ ...‬رطل من البامية أيضاً ‪ .‬رفض السائح ّ‬ ‫وخذ السلة‬ ‫السلة واذهب بال كثرة كالم‪ ،‬فقال السائح‪ :‬خذ أنت الثمن ُ‬ ‫وه ّم باالنصراف فأمسك البائع بثوبه منتهراً إياه‪ :‬يا قليل الحياء‪،‬‬ ‫معه‪َ ‬‬ ‫متسوال كي تمنحني إحساناً ‪‬؟‬ ‫ً‬ ‫أتظنني‬ ‫الح ْرفة ِّ‬ ‫تؤثر حتى في قاموس أصحابها فتصبح ألفاظهم‬ ‫ويبدو أن ِ‬ ‫مستم َّدة من حرفتهم‪ ،‬وتصبح لكل صاحب حرفة لغ ٌة خاصة‪ .‬فذات يوم ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُعرضت على محكمة مختلطة في بيروت دعوى مطالَ بة بعطل وضرر ناتج‬ ‫عن سقوط بضاعة في البحر أثناء تفريغها من عنابر الباخرة‪ .‬بعد تبادل‬ ‫التحقق من كيفية حصول‬ ‫الطلبات والمذكرات والمرافعات رأت المحكمة‬ ‫ُّ‬ ‫الحادث باستقدام شهود من البحارة العاملين في نقل البضائع وتفريغها‬ ‫من البواخر الى العنابر وبالعكس‪ .‬حضروا وأقسم أولهم اليمين وسأله‬ ‫المترجم عما يعرف عن الموضوع فقال‪ :‬كان اللوتس (سفينة فرنسية‬ ‫الريس قال‪:‬‬ ‫تروقنا فرانكو بوردو‪ ،‬إجا ّ‬ ‫ملبص َع الجنب‪ ،‬وبعدما ّ‬ ‫مشهورة) ّ‬ ‫ّيال يا والد‪ ،‬طلعنا كلّ نا َع الضهر‪ .‬قال‪ :‬القوني على عنبر البروة‪ ،‬رحنا‪ .‬كان‬ ‫القومانده‪ .‬صرخ المعلم وقال‪ :‬هاال يا والد‪ ،‬هالَ ينا‪.‬‬ ‫الفرنساوي عميعطي‬ ‫َ‬

‫‪65‬‬


‫سيا فَ ـ َـس ـي َّـ ْـيــنا‪ ،‬وقال بيرا‪ ،‬طلّ عنا البضاعة بعدين انقطعت الحبال‬ ‫وقال‪ّ :‬‬ ‫فهمه لغة العامل البحار كي يترجمه‬ ‫وراحت فوندو‪ .‬ارتبك المترجم لعدم ْ‬ ‫وفسر شهادة البحري‬ ‫ر‬ ‫فحض‬ ‫ارة‬ ‫البح‬ ‫َ‬ ‫إلى الفرنسية‪ ،‬فطلب إحضار ّريس ّ‬ ‫ّ‬ ‫كما يلي‪ :‬المسألة بسيطة‪ .‬كان اللوتس واقف على جنب المينا‪ .‬الشباب‬ ‫تروقوا على حسابي وطلعوا على المركب لتفريغ العنبر‪ ،‬ولما طلعت الشبكة‬ ‫ّ‬ ‫قليال‬ ‫أمرتهم بإرجاعها ً‬ ‫حاملة الصناديق قلت لهم ادفعوا خارج العنبر ثم ُ‬ ‫لكن الحبال انقطعت‬ ‫الى الــوراء‪ ،‬وقــام مدير الحركة برفْ عها إلى أعلى‪ّ ،‬‬ ‫هيا ‪ ، Ça y est‬فوندو تعني‬ ‫سيا يعني ّ‬ ‫وهوت البضاعة الى البحر وغرقَ ت‪ّ ،‬‬ ‫القعر ‪ ،Fond‬وفرانكو بوردو تعني ‪( Franco à bord‬أي مجاناً )‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬ ‫معامل الداعوق‬

‫مهـرجـانات ِ‬ ‫ومواكبهم‬ ‫الح َرفيـين‬ ‫‪)4‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫اشتراكهم بصفتهم المهنية في‬ ‫ُ‬ ‫فيين (أهل األصناف)‬ ‫من تقاليد ِ‬ ‫الح َر ّ‬ ‫تنظيم مواكب ومهرجانات ومسيرات في مناسبات عامة وخاصة يعرضون‬ ‫فيها منتجاتهم‪ .‬وهي تقاليد قديمة في المدن العربية‪ .‬ففي العهد البويهي‬ ‫صناع بغداد في مواكب عاشوراء‪.‬‬ ‫أسهم ّ‬ ‫رسوال إلى السلطان مكلشاه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سنة ‪ 1082‬بعث الخليفة المقتدي باهلل‬ ‫السكافون عارضين‬ ‫ّ‬ ‫عند وصوله لقيه أصحاب الفاكهة والحلوى وخرج إليه‬ ‫مداسات ألرجل األطفال نشروها على رؤوس الناس‪.‬‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬ ‫‪67‬‬

‫معمل شماسي بولس ونخلة طراد‬

‫سنة ‪ 1087‬ولد لذاك الخليفة ولد فاشترك أهل األصناف في المناسبة‬ ‫وسير المالحون سفينة على عجالت‪،‬‬ ‫وأظهر كل فريق من صناعتهم عجباً ‪َّ .‬‬ ‫وأظهر الطحانون أرحاء (جمع رحى) تطحن على وجه األرض‪.‬‬ ‫سنة ‪ 1095‬تباروا في عمل المواكب فكان أحدها على هيئة فيل وتحته‬ ‫قوم يسيرون به‪ .‬وصمموا زرافة على هذه الشاكلة‪ .‬وأتى آخرون بسفينة‬ ‫على عجالت وفيها مالحون يجذّ فون‪ .‬وجــاء رهــط بناعورة تــدور معهم‬ ‫في األسواق فيما بنى البعض قلعة خشبية تسير على عجل وفيها غلمان‬ ‫ور تحته ما يسير به ويخبز‬ ‫يضربون بالنشاب والبندق‪ .‬وجاء الخبازون ُّ‬ ‫بتن ٍ‬ ‫ويرمي الخبز الى الناس‪.‬‬ ‫سنة ‪ 1153‬كان في بغداد مهرجان مماثل‪ ،‬فاتخذ أهل كل صنف شعاراً‬ ‫يميزهم ويــدل على صنعتهم‪ :‬شعار الطحانة األرح ــاء‪ ،‬شعار المالحين‬ ‫السفينة‪ ،‬شعار الخبازين التنور‪ ،‬شعار السكافين المداسات‪... ،‬‬


‫وشهدت القاهرة مواكب ومهرجانات منوعة‪ .‬فبمناسبة ختان ابن عمر‬ ‫وحضر‬ ‫الح َرف المختلفة‪،‬‬ ‫مكرم أقيم مهرجان شعبي سار فيه أصحاب ِ‬ ‫ّ‬ ‫أصحاب كل حرفة عرب ًة زخرفوها ووضعوا على ظهرها أدوات حرفتهم‬ ‫والصانع‪ .‬فكانت تمر عربة عليها صانع الحلوى بأوانيه وأدواتــه‪ ،‬وأخرى‬ ‫خباز‬ ‫عليها خياط‬ ‫يقص أثواباً ويخيطها‪ ،‬وثالثة عليها ّبناء‪ ،‬ورابعة عليها ّ‬ ‫ّ‬ ‫يعجن ويصنع الخبز‪ ،‬وهكذا الحداد‪... ،‬‬ ‫سنة ‪ 1790‬احتفل أحــد آغــاوات المماليك بزفاف خــزنــداره‪ ،‬وصفه‬ ‫الح َرف وأرباب الصنائع‪ ،‬مع كل‬ ‫الجبرتي‪ :‬مشى في الزفة جميع أرباب ِ‬ ‫ومن يشتغل فيها‪ ،‬مثل القهوجي بآلته‬ ‫طائفة عرب ٌة فيها هيئة صناعتهم َ‬ ‫ومبيض النحاس والحيطان‬ ‫والحبال‬ ‫وكانونه‪ ،‬والحلواني والفطائري‬ ‫ّ‬ ‫والقزاز ّ‬ ‫ّ‬ ‫البز‪ ،‬كل طائفة في عربة‪ ،‬وكان مجموعها نيفاً وسبعين‬ ‫والمعاجيني وباعة ّ‬ ‫حرفة‪....‬‬ ‫‪68‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫سنة ‪ 1813‬احتفل محمد علي باشا بزفاف ابنه إسماعيل‪ ،‬فاعتنى أهل‬ ‫كل ِحرفة وصناعة بتنميق عربته وتزيينها وتأمين ما يلزمها من أخشاب‬ ‫وحبال وخيل أو حمير‪ ،‬ورجال يسحبونها‪ ،‬وأدوات الصنعة‪ ،‬فتصير العربة‬ ‫كأنها حانوت والبائع جالس فيها‪ ،‬كالحلواني وأمامه األواني وفيها أنواع‬


‫الجوال‬ ‫بائع السوس ّ‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫والحداد‬ ‫والزيات‬ ‫الحلوى والملبس والشرابات‪ ،‬والعطار والحريري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعقاد ّ‬ ‫والجزار‬ ‫والفران‬ ‫والطحان‬ ‫والنشار ينشر الخشب‬ ‫والقزاز‬ ‫والخياط‬ ‫والنجار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والمبيض‪ .‬وبلغت‬ ‫ط‬ ‫والبال‬ ‫اء‬ ‫والبن‬ ‫والنيفاوي‬ ‫والكبابجي‬ ‫الغنم‬ ‫لحم‬ ‫وحوله‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫العربات احدى وتسعين عربة وفيها حتى المراكبي‪.‬‬ ‫وفي عهد الخديوي توفيق كان مشايخ الطوائف يدعون إلى احتفال‬ ‫ي ــوم وف ــاء الـنـيــل بــواس ـطــة شـيــخ الـمـنــاديــن يــدعــو الـبـنــائـيــن والـحـجــاريــن‬ ‫والنحاتين والحدادين وغيرهم ويعين لهم يوم المهرجان‪ ،‬فــإذا اجتمعوا‬ ‫اآلت الطرب والموسيقى يمارس أفرادها أثناء سير‬ ‫خرجوا وأمام كل فرقة ُ‬ ‫الموكب نوع ِحرفتهم‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫جو ًاال‬ ‫تلك المهرجانات‪ ،‬عدا كونها فرصة للهو والفرح‪ ،‬كانت معرضاً ّ‬ ‫لوجوه النشاط الصناعي واالنتاجي في البالد ويبعث روح المنافسة بين‬ ‫ويعرف الجمهور بما في بلده من صناعة‪.‬‬ ‫أهل ِ‬ ‫الح َرف ّ‬ ‫مهرجان حرفيي بيروت سنة ‪1863‬‬

‫‪70‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫وصفت موكبه‬ ‫للح َرف سنة ‪،1863‬‬ ‫وعرفت بيروت مهرجاناً‬ ‫ً‬ ‫مماثال ِ‬ ‫ْ‬ ‫داخال‬ ‫‪‬تجمع أهالي بيروت وطافوا بالمدينة‬ ‫صحيفة ‪‬حديقة األخبار‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫(حل محلها الحقاً سوق سرسق) وكان فيها‬ ‫وخارجاً إلى دار سرايا الحكومة ّ‬ ‫وجمهور ال ُيحصى في دائرة السرايا وسطوحها‬ ‫الوالي والقناصل والعلماء‬ ‫ٌ‬ ‫واصطفت الجنود والموسيقى العسكرية‪ .‬وكان مرور كل حرفة‬ ‫وما جاورها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتقدم أهل كل ِحرفة مواد حرفتهم‪ ،‬مشخصة بألعاب‬ ‫أو صنعة على حدة‪ّ ،‬‬ ‫مثال كان لهم‬ ‫تبين هيئة تلك الحرفة والصناعة‪ .‬فتجار األقمشة ً‬ ‫أو أمتعة ّ‬ ‫هودج يحملونه‪ ،‬وبه شيء من أقمشتهم الفاخرة‪ ،‬متقنة الترتيب في عرضها‬ ‫للنظر‪ .‬والخياطون لهم مثل ذلك‪ ،‬وبه أطفال يشتغلون بالخياطة‪ .‬وباعة‬ ‫الحلوى يحملون دائرة خشبية عليها تماثيل من الخشب تتحرك بآلة فتعجن‬ ‫وتصنع وتدق الحلو‪ .‬وللنجارين هودج أيضاً به أشخاص بــأدوات النجارة‬ ‫تعطي رمزاً على صنعتهم‪ .‬ومرت في الموكب عربات الكارات وعلى بعضها‬ ‫يقصب الحجر الرملي ومنهم من يخلط الطين وثالث‬ ‫العمارون‪ ،‬منهم من ّ‬ ‫ّ‬ ‫يبني‪ .‬وعلى بعضها كندرجية علّ قوا على جذوع شجرة بعض المداسات‬ ‫وانهمكوا في عملهم‪ .‬وعربة تضم صانعي الحالوة بقمصانهم البيضاء‬

‫الخياط الشهير محمود اللبان‬


‫مهرجان جمعية المقاصد‬ ‫كل سنة‪،‬‬ ‫كانت جمعية المقاصد الخيرية اإلسالمية في بيروت تقيم ّ‬ ‫بمشاركة جميع مدارسها في بيروت والقرى‪ ،‬مهرجاناً رياضياً في ملعب‬ ‫كلية المقاصد في الحرج (انتقل الحقاً إلى الملعب البلدي ) وفيه استعراض‬ ‫الطلبة وحركات سويدية ومباريات بين الطلبة في الجري والوثب والركض‬ ‫سجلت خاللها أرقام قياسية في سوريا ولبنان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كبريين‪ :‬أولى للعروض‬ ‫حفلتين‬ ‫المهرجان‬ ‫برنامج‬ ‫انقسم‬ ‫‪1931‬‬ ‫ومنذ‬ ‫َ‬ ‫والمسيرات واللوحات الفنية واالستعراضية‪ ،‬واألخرى للمباريات الرياضية‪.‬‬ ‫عامئذ ولوحات‬ ‫وال يــزال المخضرمون يذكرون مسابقات عربات الزهور‬ ‫ٍ‬ ‫يحضر‬ ‫الطلبة في أزياء شعوب أُ عجبوا بها سنة ‪ .1932‬وكان برنامج االحتفال ّ‬ ‫منذ بدء العام الدراسي وتجري التمارين عليه مراراً قبل الحفلة النهائية‪.‬‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫يصفق‬ ‫يصنعون الحالوة ويرمون بقطع منها الى المشاهدين‪ .‬والجمهور‬ ‫ّ‬ ‫وكل ينادي على بضاعته‪ .‬كما‬ ‫ويهتف‪ .‬وكذلك عربات باعة الخضار والفاكهة ٌّ‬ ‫المالحون يجذفون‪.‬‬ ‫أتى البحارة بسفينة تسير على عجل (دواليب) وفيها ّ‬ ‫بتنور والخباز يخبز ويرمي الخبز الى الناس‪.‬‬ ‫الخبازون ُّ‬ ‫في حين جاء ّ‬ ‫وكانت تسير في طليعة الموكب عربة أحمد الحوت شيخ النجارين‬ ‫حامال علَ م الموكب لتفضيل حرفة النجارة على غيرها واعتبارها من أولى‬ ‫ً‬ ‫جدي أن مشاجرة حصلت بين أحمد‬ ‫ِ‬ ‫الح َرف الضرورية‪ .‬ذكر والدي عن ّ‬ ‫يتقدم المسيرة فتضاربا وحضر رجال‬ ‫الحوت وشيخ البنائين على َمــن‬ ‫ّ‬ ‫جر الحوت إلى الدائرة فكان كلما رماه أرضاً أربعة منهم‬ ‫الشرطة وحاولوا ّ‬ ‫نهض واقفاً ورماهم ورفع العلَ م من جديد حتى وصلوا إلى السراي وشاهده‬ ‫القائد فأعجب بقوته وأمر بتركه‪.‬‬ ‫وذكر الشيخ عبد القادر القباني في ذكرياته أنه حضر في بيروت (أواخر‬ ‫القرن التاسع عشر) زفّ ة سار في مقدمتها جماع ُة بحارة ومعهم قارب ودقل‬ ‫(صار) كانوا ينصبونه كل بضع خطوات ويرفعون عليه الرايات واإلشارات‬ ‫ٍ‬ ‫البحرية كأنهم في عرض البحر‪ ،‬يتبعهم الطبل والمزمار والعبو السيف‬ ‫عصي‬ ‫والترس‪ ،‬جماعة الزنوج بآالت طربهم يرقصون رقص العبيد‪ ،‬العبو‬ ‫ّ‬ ‫الح َرف ثم الموسيقيون‬ ‫الشوم حضرت طائفة منهم من دمشق‪ ،‬بعض أهل ِ‬ ‫ثم المنشدون وكانت المشاعل والقناديل مشرقة حتى ُخ ِّيل أن الليل نهار‪.‬‬ ‫قد يكون حرفيو بيروت ِّ‬ ‫الح َرف‬ ‫منظمو مهرجان ‪ 1863‬تأثروا بموكب ِ‬ ‫القاهري بفعل الوجود المصري في بيروت مع حملة ابرهيم باشا ومكوثه‬ ‫جيشه‪.‬‬ ‫وم َه ٍن‬ ‫الزمة َ‬ ‫ٍ‬ ‫ف ِ‬ ‫فيها بين ‪ 1831‬و‪ 1840‬وجلْ ِبه مع جيشه أصحاب ِح َر ٍ‬

‫‪71‬‬


‫‪72‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫اهتم بالتراث‬ ‫سنة ‪ 1934‬كان رئيس الجمعية عمر بك الداعوق الذي‬ ‫ّ‬ ‫الشعبي إلــى اهتمامه بالتراث المعماري العربي (عبر عضويته لجن ًة‬ ‫للدور الجديدة المنوي‬ ‫ّ‬ ‫شكلها والي بيروت سنة ‪ 1915‬وكلفها وضع نماذج ُّ‬ ‫أُ‬ ‫تشييدها) فكان مهرجان كبير في ساحة الكلية (الحرج) قيمت له أربعة‬ ‫وسط الساحة سارية كبيرة‬ ‫مــدارج لنحو خمسة آالف شخص وانتصبت ْ‬ ‫عليها علَ م الجمعية‪.‬‬ ‫ومن خالل لوحات عرضها تالمذة المقاصد يظهر الوعي المبكر على‬ ‫أهمية المأثورات الشعبية والرغبة في استلهام التراث الشعبي والتاريخي‬ ‫العربي‪ ،‬ما يدل على فكر رائد في الفنون الفولكلورية يجب العمل دوماً على‬ ‫إحيائه وتجديده وتطويره‪.‬‬ ‫قدمها‬ ‫كانت لوحات أصحاب ِ‬ ‫الح َرف أهم لوحات فولكلورية تراثية ّ‬ ‫والبناء مع حجارته وطينه‪،‬‬ ‫أطفال الكلية‪ :‬بينهم‬ ‫الحداد مع ناره وسندانه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وح َرف أخرى‬ ‫والطباع مع كتبه وأوراقــه‪،‬‬ ‫والنجار مع منشاره ومساميره‪ِ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وصناعات قديمة كانت تؤذّ ن باالنقراض‪ .‬ثم كانت مشاهد الفرسان قدمها‬ ‫وع ّدتهم‪َّ ،‬ذك َرت بتقاليد الفروسية‬ ‫أطفال مدرسة أبي بكر الصديق بألبستهم ُ‬ ‫العربية األصيلة وعاداتها الشريفة النبيلة‪.‬‬ ‫كل مدرسة نموذجاً لوسيلة نقل برية‬ ‫وفي لون فولكلوري آخر أعـ ّـدت ّ‬ ‫وبحرية وجوية فمرت طائرة بمحركها وفراشها‪ ،‬ومنطاد بعظمته‪ ،‬وترمواي‬ ‫طرابلس تجره الخيل‪ ،‬وباخرة زمزم تنقل الحجاج‪ ،‬وهودج تتمايل فيه الحرائر‪،‬‬ ‫ودراجات بخارية وعادية ومركبات صينية‪ ،‬ما أثار هتاف الجمهور وتصفيقه‪.‬‬ ‫وع ْبرة‬ ‫خالصة ِ‬ ‫للح َرف والصناعات‬ ‫ختاماً‪ :‬حبذا لو أعدنا ترتيب مهرجان سنوي ِ‬ ‫إحياء لتقليد قديم وتسويقاً‬ ‫وأشركنا فيه فرقاً من مختلف الدول العربية‬ ‫ً‬ ‫والح َرفيين المبدعين‪ ،‬وأقمنا سوقاً شعبياً ومتحف فنون‬ ‫إلنتاج الفنانين‬ ‫ِ‬ ‫وحـ َـرف وصناعات شعبية بدل االكتفاء بمهرجانات موسيقية تستحضر‬ ‫ِ‬ ‫أيد وال أحد يسمع‬ ‫وتصفيق‬ ‫أرجل‬ ‫وخبط‬ ‫صراخ‬ ‫ويسودها‬ ‫العالم‬ ‫مطربي‬ ‫ٍ‬ ‫أو يطرب؟ التراث المطلوب حمايته والمحافظة عليه ليس حجراً وأبنية‬ ‫وحـ َـرف تقليدية وأدواتـهــا‪،‬‬ ‫تاريخية ومواقع أثرية وحسب‪ ،‬بل صناعات ِ‬ ‫وعندها يترافق إعمار الحجر مع تراث البشر وال يفصل بين تاريخ وجغرافيا‬ ‫فرقتهما مناهج التربية والتعليم‪ ،‬وال تعود بيروت مدينة الفندق والمصرف‬ ‫والمقهى والمستشفى والرصيف فحسب‪ ،‬بل واحة اإلنسان‪ :‬مدينة الشعر‬


‫والزجل والموسيقى واألدب والتاريخ والقانون واإلبداع‪ ،‬فالفن والثقافة ال‬ ‫ينفصالن عن تاريخ العمارة وال اإلعمار ينفصل عن الفنون الجميلة‪.‬‬ ‫إذا كانت الثرثرة غالبة مع الحالقين‪ ،‬فثمة ِحـ َـرف أنجبت عباقرة‬ ‫وفنانين أثروا تراثنا الشعبي والفني‪.‬‬ ‫سنة ‪ 1880‬ذاعــت شهرة شاكر ياسين الــذي اتخذ من بناء قديم في‬ ‫العجالت وكان بارعاً في مهنته‪ ،‬يصنع‬ ‫محلة ميناء القمح حانوتاً لصنع‬ ‫َ‬ ‫عجالت عربة كأنها أوروبية‪ .‬وكان مالك البناء هدم قسماً وترك الباقي‪،‬‬ ‫ما ّأدى إلى سقوط البناء ووفاة ستة أشخاص بينهم شاكر المذكور وابن‬ ‫أخيه أحمد وابن عمه محيي الدين الذي ذهب الى الحرب الروسية وأُ ِسر‬ ‫وعاد سالماً ‪.‬‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫‪ )5‬اإلِبداع في السكان ال في الدكان‬

‫‪73‬‬


‫‪74‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫وترافقت صناعة الصابون مع عصر الزيتون‪ .‬وعرفت بيروت سوقاً‬ ‫الصبانة اشترى فيها سنة ‪ 1686‬الحاج مصطفى (ابن‬ ‫قديمة باسم سوق‬ ‫ّ‬ ‫نسبه ‪‬ابن القصار‪ )‬دكاناً من الحاج سيف الدين ابن الحاج‬ ‫خواجه شهير ُ‬ ‫وعرفت في بيروت بعد ذلك مصابن‬ ‫علي العالية الشهير بـ‪‬السقعان‪ُ .‬‬ ‫ت بينها‬ ‫واشتهر من‬ ‫عدة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الصبانة أحمد فانوس بما اخترعه من مستحضرا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـان وصبغ ُة ُحمرة للنساء‬ ‫البق‬ ‫وصابون يزيل األوســاخ وأدهـ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ـون إلتالف ّ‬ ‫دهـ ٌ‬ ‫النمش والكلَ ف والحبوب والبثور‪ ،‬ما‬ ‫سماها ‪‬ضوء القمر‪‬‬ ‫ٌ‬ ‫ودهون إلزالة َ‬ ‫دعا الشيخ قاسم أبو الحسن الكستي أن يشهد لفانوس بقوله‪ :‬عالمة‬ ‫االخـتــراع النافع من بدائع الصنائع‪ ،‬وبها يفوز اإلنسان بكسب المال‬ ‫توصل بذلك‬ ‫والثناء وتجب له الكرامة واالعتناء من أبناء جنسه‪ ،‬وربما ّ‬ ‫إلى منزلة لم يكن في أمله أن يرقى إليها‪ ،‬وقد يــدرك المرء باجتهاده‬ ‫َو ِج ِّده ما لم يصل إليه َج ُّده‪ ،‬ومن اختار الكسل لم يلعق العسل‪ ،‬وممن نبغ‬ ‫أنواع شتى السيد أحمد فانوس البيروتي فأتى في‬ ‫في عمل الصابون على ٍ‬ ‫ينقي‬ ‫اصطناعه بالعجب العجاب‪ ،‬منه ما يزيل األدهان والد َرن‪ ،‬ومنه ما ّ‬ ‫بشرة الوجه والب َدن‪ ،‬ومنه ما له طيب الرائحة‪ ،‬وغير ذلك مما هو مستحسن‬ ‫عند ذوي العقول‪ ،‬حتى أنه‬ ‫شـ ِـار ٌع في عمل صابون يزيل‬ ‫الشعر إذا طلبت إزالته بكل‬ ‫سهولة ب ــدون غــائـلــة‪ ،‬وحيث‬ ‫أن كـ ــل مــحــس ــن يـ ـج ــب لــه‬ ‫ـذكــر الجميل‪ ،‬فقد أبدينا‬ ‫الـ ْ‬ ‫بحقه هــذه المقالة لتُ عل َ​َن‬ ‫في الجرائد المحلية فتعلم‬ ‫حقيقة حالِ ه وترغب الناس‬ ‫بــأع ـمــالِ ــه‪ ،‬فـعـســى أن تـكــون‬ ‫عاقبة صنعته جالبةً لثروته‪،‬‬ ‫ومنه تعالى التوفيق‪.‬‬ ‫وش ـ ــاع ـ ــت ش ـ ـهـ ــرة ع ـبــد‬ ‫ال ــرحــي ــم دن ـ ــدن ف ــي تجبير‬ ‫الـ ـكـ ـس ــور وصـ ـن ــع األطـ ـ ــراف‬ ‫االصطناعية بشهادة أشهر‬ ‫أطباء المستشفى األميركي‪،‬‬ ‫واش ـت ـهــر كــذلــك بــإن ـشــاء أول‬ ‫عـ ــرزال فــي محلة األوزاعـ ــي‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫ُي َر َّكب أول الصيف ُوي َف ُّك آخــره‪ ،‬وهو بذلك سبق البيوت الجاهزة التي‬ ‫ُعرفت الحقاً ‪.‬‬ ‫وحين كــان الفنان الشعبي يبدع أشـكـ ًـاال أو زخرفة أو اختراعاً كان‬ ‫يستلهمها مــن عاطفة شعرية تـشـ ِـابــه فــي قيمتها التعبيرية تلك التي‬ ‫فالح َرفي المبدع كالرسام‬ ‫المحكي‪.‬‬ ‫تضيفها اللغة على األدب المكتوب أو‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫والموسيقي والمغني والشاعر والخطاط بل قد تكون إبداعاته أكثر دفئاً‬ ‫ّ‬ ‫وعاطفة بـما تتضمنه من ذكريات وأحاسيس ومشاعر وتراث‪.‬‬ ‫وسط بيروت كانوا يصنعون صناديق ذات لون‬ ‫فيو سوق النجارين ْ‬ ‫ِح َر ُّ‬ ‫مذهبة الــرأس لم يكن غنى عنها لكل‬ ‫أحمر وأخضر مرصعة بمسامير َّ‬ ‫عــروس في صندوقها‪ .‬وعن هنري غيز (قنصل فرنسا في بيروت إبان‬ ‫النصف األول من القرن التاسع عشر) أن تلك الصناديق حــازت شهرة‬ ‫وصدرت بيروت منها كميات ضخمة‪.‬‬ ‫واسعة في مصر وسوريا‪،‬‬ ‫َّ‬

‫‪75‬‬

‫يشكلون من جذوع‬ ‫وفي موضع آخر من وسط بيروت كان نجارو البناء ِّ‬ ‫األشجار صناديق أبــواب وشبابيك‪ ،‬أشهرهم أحمد أبــو عمر الداعوق‪.‬‬ ‫ويحكى أن أبا علي سالم ( والــد الرئيس صائب ســام) أقــام وليمة في‬ ‫دارته‪ ،‬وعندما وصل عمر الداعوق استقبله أبو علي عند الباب وقال له‬ ‫مشيراً إلى صندوق الباب‪ :‬هذا الصندوق يا عمر بك من صنع المرحوم‬ ‫فرد عمر بك‪ :‬ومن ثمن هذا الصندوق اشترينا نصف بيروت‪.‬‬ ‫أبوك‪ّ ‬‬ ‫وطور ‪‬داعــوق إخــوان‪ ‬أشغال الحديد‪ ،‬فأنشأوا في رأس بيروت (خلف‬ ‫ّ‬ ‫مخفر حبيش) مسكب حديد ونحاس ومعمل حدادة وخراطة ومعمل نجارة‬ ‫وموبيليا ومعمل ثلج اصطناعي وطواحين للنخل والغربلة والتصويل وإصالح‬ ‫النواعير والمعاصر ومكابس الزيتون والطلمبات‪.‬‬


‫‪76‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫وطـ ـ ـ ّـوع نـ ـج ــارون م ـهــر ٌة‬ ‫ألـ ـ ــواح ال ـخ ـشــب فــأن ـت ـجــوا‬ ‫قطعاً مـخــروطـ ًة مضمومة‬ ‫شكلت‬ ‫إلــى بعضها البعض ّ‬ ‫المشربيات‪ ،‬وكانوا يصنعون‬ ‫شـ ـع ــاري (شـ ـع ــري ــات) َذك ــر‬ ‫م ـف ـتــي ب ـ ـيـ ــروت وقــاض ـي ـهــا‬ ‫ال ـش ـي ــخ أحـ ـم ــد األغـ ـ ــر أن‬ ‫استعمالها شاع في بيروت‬ ‫إبـ ـ ــان ال ـن ـص ــف األول مــن‬ ‫القرن التاسع عشر‪ .‬وكانت‬ ‫المزخرفون فنانو نجارة وعمارة‬ ‫للشعارين في بيروت ‪‬سوق‬ ‫هنا قناطر مدخل بيت السردوك الشهيرة بزخرفتها‬ ‫ال ـش ـعــاريــن‪( ‬خــط ــأٌ نـ َـســب‬ ‫الشعر والشعراء)‪ .‬وبرع عمر قريعة البيروتي في ّدكانه (محلة‬ ‫ذلك الى ِ‬ ‫باب يعقوب) بالخشب المخروط‪ .‬ويوم قرر مجلس بلدية بيروت (برئاسة‬ ‫(احتفاء بذكرى‬ ‫عبد القادر قباني) بناء الساعة العربية في ساحة السراي‬ ‫ً‬ ‫جلوس السلطان عبد الحميد الثاني) عهد الى عمر قريعة تزيين الطبقة‬ ‫الثانية من منارة الساعة بدرفات خشب مخروط‪ ،‬فنفذ األشغال من شجرة‬ ‫إزدرخت ( زنزلخت ) عمرها أكثر من مئة عام‪.‬‬ ‫وفي تجارة المفروشات ثمة معمل كرم عون ومعمل السيوفي‪ ،‬وكانا‬ ‫يصنعان ويبيعان ‪‬جميع أنواع األثاث من نجارة وتنجيد كالخزائن بمرايا‬ ‫ّ‬ ‫والمغاسل على أنواعها (المغسلة خزانة تضع عليها الـعــروس الطشت‬ ‫واإلبريق) والبوفيات وطاوالت السفرة والقونصوالت والبراويز مع المرايا‬ ‫والجاردينيار والبورت شابو وتعاليق للثياب والمناشف‪.‬‬ ‫وعلى أمتار من الجامع العمري الكبير كــان ال ـحــدادون والنحاسون‬ ‫المار َة أصواتهم‪ .‬وأصبح الحديد ّليناً في دكان عبد الستار سوبرة‬ ‫ُيسمعون‬ ‫ّ‬ ‫فأنجز الدرابزينات الخارجية والسلّ م (الــدرج) الداخلي لمنارة الساعة‬ ‫العربية‪ .‬وال تزال في بيوت تراثية بيروتية مزخرفات حديدية لدرابزينات‬ ‫صنع كوانين نحاسية‬ ‫الشرفات‪ .‬وبرع محمد فليفل (شيخ النحاسين) في ْ‬ ‫سخ ّنا عليها من‬ ‫ّأمنت في ليالي الشتاء الدفء لبيوتنا ومألت بطوننا بما ّ‬ ‫خبز وزعتر‪ ،‬وما شوينا من كستناء‪ .‬وال نزال نذكر قبضة الكف النحاسية‬ ‫ـوال الــى خضر وعبد السالم فليفل وصنع‬ ‫كانت بها ُتـقـ َـرع األب ــواب‪ ،‬وصـ ً‬ ‫س معدنية في محلهما (باب ادريس قرب ساحة السمك)‪.‬‬ ‫قازانات وكرا ٍ‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫صورة الساعة العربية‬

‫معمل السيوفي ‪١٩٠٣‬‬

‫‪77‬‬


‫وعن هنري غيز أن بيروت عرفت في النصف األول من القرن التاسع‬ ‫عصب‬ ‫عشر عــدداً وافــراً من حاكة زنانير حريرية ُتلَ ف حول الخصر أو ُي َ‬ ‫بها الرأس‪ ،‬ومن صانعي المناديل يوم كانت الشملة الحريرية زينة لباس‬ ‫القبضايات وكان طول شملة بيروت عشرة أذرع وعرضها ‪ 30‬سنتم‪ ،‬وأحد‬ ‫مآرب البسها استعمالُ ها في قياس األراضي‪.‬‬

‫‪78‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬ ‫صورة السبيل الحميدي‬


‫تـــك آاثران تــــد ُّل علينا فــانــظــروا بــعــدان اىل اآلاثر ِ‬

‫وك ــان على رأس أولـئــك البارعين الـمـ َـهــرة‪ :‬مهندس البلدية يوسف‬ ‫خياط الــذي أشــاد بــه الشيخ قاسم الكستي سنة ‪ :1881‬بــرع فــي فن‬ ‫الهندسة وأبدى فيه غرائب التدقيقات واألشكال وتشهد له أعماله بأنه‬ ‫من المتقدمين في صناعته والماهرين في براعته التي هي برهان كشف‬ ‫المجسمات‪.‬‬ ‫غوامض‬ ‫ّ‬ ‫مطوعي الذهب والفضة واألحجار الكريم ــة‬ ‫ومن أراد التحقق من مهارة ِّ‬ ‫(قـبــل شـيــوع الـجــواهــر المزيفة) كــان يقصد ســاحــة الـبــرج ويــدخــل منها‬ ‫إلى سوق الصاغة والجوهرجية الــذي أنشأه السيدان رعد وهاني (كان‬ ‫الصاغة قبلذاك يعملون داخــل خان الصاغة في محلة البازركان) حيث‬ ‫حملتها معاصم‬ ‫جداتنا وأساور‬ ‫ْ‬ ‫أجمل صياغات وسالسل تحلت بها أعناق ّ‬ ‫ت ال تزال‬ ‫الجميالت وأقــراط تدلت من آذانهن‪ ،‬وشاعت‬ ‫أشكال مصوغا ٍ‬ ‫ُ‬ ‫التداول حتى اليوم‪ ،‬منها أساور عادية وأساور عرفت بدقة األلماس‪،‬‬ ‫في‬ ‫ُ‬ ‫مطعمة‬ ‫أفعى‬ ‫برأس‬ ‫ينتهيان‬ ‫طرفيها‬ ‫ألن‬ ‫الحية‬ ‫برأس‬ ‫(مجدولة)‬ ‫ومبرومة‬ ‫ّ‬ ‫باأللماس وبعينين من الياقوت األحمر‪ ،‬ومبرومة ‪‬عــرق الدالية‪ ‬ينتهي‬ ‫طرفاها بما يشبه ورقة الدالية‪ .‬ومن المصوغات القديمة خاتم شختورة‬ ‫(شكل قارب) وصنوبرية ذهبية (شكل كوز صنوبر) ونبريج (سلسلة) من‬ ‫الماس وسليتات (السليتة إسوارة صغيرة دقيقة) وبخنق معلّ ق ٌة به ليرات‬ ‫ذهبية (البخنق ُي َلبس على مقدم العنق من الحلي) وكان الكردان (عقد ماس‬ ‫للرقبة) منية الفتيات‪ ،‬ومن هنا األغنية‪:‬‬

‫الــبــلــبــل انىغ ومـــا انىغ شــــويف شـــو بـــــ ُّدو اآلغـــا‬ ‫طــالــب وصـــايل الساعه ل ّبسين كـــردان وساعه‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫واشتهرت بيروت بأباريق تخرج من فاخورة أجدادنا في دار المريسة‬ ‫وفاخورة المنارة (الحمام العسكري حالياً ) وأباريق بيروت وجرارها امتازت‬ ‫مسام ينفذ منها الهواء‪.‬‬ ‫عن غيرها بتبريد المياه ألنها كثيرة‬ ‫ٍّ‬ ‫وبالطي بيروت من أهالي المصيطبة والمزرعة‪،‬‬ ‫وذاعت شهرة معماريي ّ‬ ‫تفننوا بنقش أشكال الرخام والبالط في أرضيات الدور وأشغال مقرنصات‬ ‫استع ِملَ ت في منارة الساعة العربية سنة ‪ 1898‬والسبيل العثماني سنة‬ ‫ْ‬ ‫صوان والمعلّ م يوسف العنيد والمعلّ م اليان أبو السلو‬ ‫‪ 1900‬مع ديونيسوس ّ‬ ‫وهم ببراعتهم تمكنوا من تطويع الحجر الغشيم وصاغوا منه مقرنصات‬ ‫ووروداً ومطرزات كالدانتيال‪ ،‬وال تزال آثارهم في بيوت تراثية باقية‪ ،‬وأجمل‬ ‫أعمالهم زينة القناطر على مدخل دار آل السردوك في البسطة التحتا‪،‬‬ ‫وحفر تيجان أعمدتها‪،‬‬ ‫كما أسهموا في رفع قباب المساجد والكنائس‪ْ ،‬‬ ‫ويخلّ دهم هذا البيت المحفور فوق مدخل مبنى بلدية بيروت ‪:‬‬

‫‪79‬‬


‫وشاعت في العهد العثماني معلّ قات لرد العين عن األطفال‪ُ ،‬عرفت‬ ‫بـ‪‬ما شــاء اهلل‪ ،‬بعضها على شكل هــال في وسطه نجمة‪ ،‬أو صليب‬ ‫وصوال الى البنطاطيف (من الفرنسية ‪.)pendentif‬‬ ‫ً‬ ‫جداتهن من بقايا جهاز‬ ‫أمهاتهن أو‬ ‫وال تزال نساء يحتفظن بما ورثنه عن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عرسها كشراشف (أغطية سرير) مطرزة وتوابعها من كيس المخدة وكيس‬ ‫اليستقيــة (تركية‪ :‬وسادة ُي َّت َكأُ عليها) وسجادة صالة وكيس للمصحف‪،‬‬ ‫وبقجة مقصبة (صرمة) لثياب العروس الحميمة (واحدة من سبع بقج ينقل‬ ‫مطرز لدائرة تعلو‬ ‫فيها جهازها) وبعضها شغل راهبات‪ ،‬إضافة إلى إطار‬ ‫َّ‬ ‫السرير النحاسي وتعلّ ق عليه الناموسية (تخت السبيدران) وكان السرير‬ ‫يعلو عن األرض نحو المتر‪ .‬ورأيت في بعض بيوت البيارتة براويز علقت‬ ‫ضمت بقجاً وسجادات‪.‬‬ ‫في جدران الصالونات ّ‬ ‫سرير لطف ٍل صغير‬

‫‪80‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫محال داخــل ســوق الـبــازركــان فــي زاروب‬ ‫وكــان سعيد الزغلول اتخذ‬ ‫ً‬ ‫المبروم (سمي هكذا لوجود عمود مبروم في وسطه) وبرع بنوع بقالوة‬ ‫رمضانية معروفة بالـ‪‬حدف‪ ‬أو ‪‬الزغلولية‪ )‬وكان في حانوته سنة ‪1903‬‬ ‫تسعة وثالثون صدر نحاس وثالث حلل نحاس وطنجرة وسطل نحاس وثريا‬ ‫س خيزران وبابور كاز وست بالطات رخام (لرق العجين)‬ ‫قنديل وستة َكرا ٍ‬ ‫وبشتخته (خزانة) وميزان نحاس وفرن حديد وثالث واجهات زجاج وثالث‬ ‫دف خشب كبير وصندوق‬ ‫طاوالت خشب وثمان ّ‬ ‫نشابات للبقالوة وعشرون ّ‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬ ‫‪81‬‬

‫ ‬ ‫معمل حلو البحصلي‬

‫بيروت سوق مار جرجس غربي النورية‬

‫سكر وثالثة فروش خشب‪ .‬وذاعت شهرة ‪‬حلو البحصلي‪ ‬في لبنان والعالم‬ ‫العربي من بيتين ألمير الشعراء يوم ذاق ذلك الحلو‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫بــروت ألفخر معم ِل‬ ‫قــالــوا إذا جـ ْـبــت الــبــاد حمــ ِّداثً عن حلو‬ ‫ِ‬ ‫وطعم حلوِ ‪‬البحصيل‪‬‬ ‫إثــنــان ح ـ ّدث ابحلــاوة عهنما ثغرُ احلبيب ُ‬

‫وعـ َّـمــت بـيــروت ولبنان شـهــر ُة نبهان دبــوس شيخ العطارين (‪‬دبــوس‬ ‫العصي وهو تفنن‬ ‫لنقش‬ ‫‪‬ع السور‪ْ )‬‬ ‫قصد (قرب ساحة َ‬ ‫األصلي‪ )‬فكان ُي َ‬ ‫ّ‬ ‫وشعاره‪:‬‬ ‫به‬ ‫ُ‬

‫أهدت‬ ‫األغصان لأليدي عصا برشيق القد أضحت عابثَه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وإىل الشبان أمست زينة وغــدت للشيخ ر ِ ْجـــ ًا اثلـثَه‬


‫‪82‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬ ‫صورة سوق العطارين‬

‫فماذا لو حاولنا إبــداع استخدامات معلومة وإعطاء جمالية ألشياء‬ ‫عادية وحاولنا تقطيع حجارة ســوداء ُرصفت بها أســواق بيروت القديمة‬ ‫حفيت عليها أقدام أبائنا وأجدادنا وقديسينا وأوليائنا وشهدت إضرابات‬ ‫َ‬ ‫ضد الظلم واالحتكار ومظاهرات تأييد حركات التحرر في العالم‪ ،‬وماذا لو‬ ‫حولناها أطباقاً أو عناصر تجميلية وحفرنا عليها تواريخ األسواق بعبارات‬ ‫تؤرخ لكل سوق وزاوية ومسجد وكنيسة ومزار وزقاق وقنطرة وزاروب؟‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬ ‫‪83‬‬

‫مدخل سوق الصاغة من جهة ساحة البرج مقابل دائرة البوليس‬

‫‪ )6‬أمثال سائرة من ِ‬ ‫الح َرف الغائرة‬

‫وأقوال حفظتها العامة وتداولتها‬ ‫ث‪،‬‬ ‫والح َك ُم نتيج ُة‬ ‫األمثال ِ‬ ‫تجارب وأحدا ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لكن أسباب صدورها غربت مع األيام‪.‬‬ ‫عمال أن يتقنه‪ .‬وأدركــت‬ ‫في الحديث أن اهلل يحب إذا عمل أحدكم ً‬ ‫العامة أن إتقان الصنعة يتم بالمران والتركيز والعمل الدؤوب والصبر‪.‬‬ ‫تعدد‬ ‫والعمل في ِحــرفَ ــة واحــدة ساعد على اإلتـقــان فكرهت العامة ُّ‬ ‫مسبع الكارات وقالوا في أمثالهم‪ :‬كثير‬ ‫الكارات في شخص واحد‪ ،‬وعابوا ّ‬ ‫الكارات قليل البارات‪( ‬البارة وحدة نقود)‪ ،‬وقالوا‪ :‬سبع صنايع والبخت‬ ‫ضايع‪ .‬ونسبوا إلى بعض أهالي رأس بيروت التباهي بممارسة سبعة‬


‫كــارات ليست ذات شأن‪ :‬السقسقة (تقليد صوت العصفور أم َصفيره)‪،‬‬ ‫الدق‬ ‫ش الحمام‪َّ ،‬‬ ‫المقمقة ّ‬ ‫(مق المقساس بواسطة الفم)‪َ ،‬صلْ ي الدبق‪َ ،‬ك ّ‬ ‫الخ َضر إلى سوق المدينة‪َ ،‬بيع زيزان الذهب في‬ ‫إنزال‬ ‫المسحورة‪،‬‬ ‫على‬ ‫ُ‬ ‫باب إدريس‪.‬‬ ‫الحالقين ‪-‬‬ ‫آخر‬ ‫ّ‬ ‫الجمال (الغلغول)‬ ‫زاروب‬ ‫ّ‬

‫‪84‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫وحجام (بما يستعمل من‬ ‫مزين ّ‬ ‫وختان وطبيب أسنان َّ‬ ‫وألن الحالق أحياناً ّ‬ ‫عمنقلِّ ع أضراس‪ .‬والحالق يضحك‬ ‫نحلُ ق منصير‬ ‫َ‬ ‫علق) قالوا‪ :‬منكون َع ْم ْ‬ ‫على األقرع بطقطقة المقص‪ُ .‬حكي أن حالقاً (أمام السراي القديمة قرب‬ ‫جامع األمير عساف) كان ُيجلس زبونه على كرسي من القش في الهواء‬ ‫الطلق قرب البركة ويجعله يمسك بيده مرآة مكسورة‪.‬‬ ‫ّيلي إلك إلك‪ :...‬بين أدوات السروجي (صانع سروج دواب) سروج‬ ‫سروجي من‬ ‫ولبابيد ولجامات خيل وركابات وعفشة خردة وأقفال‪ .‬واشتهر‬ ‫ٌّ‬ ‫آل الجندي كان دكانه إلى يمين درج األربعين أو درج خان البيض (أضيف‬ ‫إلى البيض ألنه كان يوصل إلى خان كان فيه باعة بيض ودجاج عند أسفل‬ ‫كاتدرائية مار جرجس المارونية – شارع األمير بشير) ويوصل الى ساحة‬ ‫صغيرة تتجه يميناً إلى سوق أبي النصر ويساراً إلى بائعي السمك واللحم‬ ‫شماال تؤدي إلى سوق األرمن‬ ‫ً‬ ‫والعفشة‪ .‬وكانت الطريق المواجه ُة الساحة‬ ‫لألحذية‪ ،‬وإلى يسار درج أزيل بإعادة االعمار ال تزال تنتصب أعمدة رومانية‬ ‫(تجاه مبنى اللعازارية‪ ،‬وكانت ضمن جامع صغير كان يعرف بجامع الرجال‬ ‫األربعين)‪ .‬هذا السروجي كان يردد أمام جيرانه عبارة ‪‬يلي إلك إلك ويلّ ي‬ ‫توجه السروجي إلى الجامع العمري‬ ‫محرم عليك‪ .‬وذات يوم جمعة َّ‬ ‫ما ِإلك َّ‬ ‫فالح فقير طلب من مساعد السروجي‬ ‫غيابه‬ ‫في‬ ‫فحضر‬ ‫الصالة‪،‬‬ ‫ألداء‬ ‫ّ‬ ‫أن يبيعه سرجاً عتيقاً كان معلّ قاً في جدار المحل فاشتراه بمجيدية (كان‬


‫الكندرجية ‪ -‬حي الشرقاوي (الغلغول)‬ ‫آخر‬ ‫ّ‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫ثـمــن ال ـســرج ال ـجــديــد عشر‬ ‫مـ ـجـ ـي ــدي ــات)‪ .‬عـ ــاد الـمـعـلــم‬ ‫وحـكــى لــه صانعه مــا حصل‬ ‫فــأخــذ ي ـضــرب رأس ــه بيديه‬ ‫ويندب حظه‪ .‬قال له جيرانه‪:‬‬ ‫‪‬إنـ ــت ك ـنــت ت ـقــول ي ـلــي إلــك‬ ‫إلك‪ ...‬قال‪ :‬صحيح‪ ،‬لكن‬ ‫الحيلة والفتيلة فــي السرج‬ ‫القديم‪ ،‬كنت أحشو فيه كلما‬ ‫جمعت ليرة ذهبية‪ .‬واهلل يا‬ ‫نــاس مــال ح ــال‪ .‬بعد نحو‬ ‫سنتين حضر ال ـفــاح نفسه‬ ‫إلـ ــى ال ـم ـحــل وعــل ــى ح ـمــاره‬ ‫السرج العتيق وسأل المعلم‪:‬‬ ‫‪‬هل عندك بديل لهذا السرج‬ ‫الــذي اشتريته من عندك‪‬؟‬

‫‪85‬‬


‫‪86‬‬

‫أخذه المعلم وفحصه فتأكد منه وقال للفالح‪ :‬اختر أي سرج يعجبك‪.‬‬ ‫وبعد ذهاب الفالح نادى المعلم جيرانه وقال لهم‪ :‬ألم أقل لكم يلي إلك‬ ‫إلك ويلي ما إلك محرم عليك؟ هيدا السرج ومالي الحالل فيه‪ .‬وفتح‬ ‫وكرت منه الليرات الذهبية‪ .‬ويقال إن السروجي كلّ ف خطاطاً كتب‬ ‫السرج ّ‬ ‫له تلك الحكمة المذكورة وعلقها في دكانه‪.‬‬ ‫الحمام حامي والوقاد صرامي‪ :‬أقدم إشارة الى حمامات بيروت العامة‬ ‫ّ‬ ‫أبيات علقت على باب‬ ‫وردت في كتاب صالح بن يحيى ‪‬تاريخ بيروت‪ ‬وفيه‬ ‫ٌ‬ ‫حمام أنشأه فيها تنكز نائب الشام بين سنتي ‪ 1312‬و ‪1340‬م‪ .‬وفي أيلول‬ ‫سنة ‪ 1700‬زار الرحالة عبد الغني النابلسي بيروت فقال إن فيها أربعة‬ ‫الحكام‪ ،‬عدا حمام السراي الذي كان يؤجره‬ ‫ّ‬ ‫حمامات مهجورة بسبب ظلم‬ ‫الحاكم كل سنة وبجانبه مقهى بمبلغ ‪ 1200‬قرش‪ .‬وكانت الحمامات العامة‬ ‫مؤسسة اجتماعية يقصدها الناس من مختلف الطبقات‪ ،‬ولــم تكن في‬ ‫بناء حمام في‬ ‫الدور الخاصة حمامات إال لدى قصور الوالة‪ .‬لذا كان حدثاً ُ‬ ‫دار عمر بيهم الكبير سنة ‪ّ ،1853‬أرخه الشيخ ناصيف اليازجي‪:‬‬

‫عبداللطيف فاخوري‬

‫هــذا مــان للطهارة والنقا فادخل إليه ابلــرور مالزمَا‬ ‫وان َع ْم مباء الطّره منه مؤرخاً فلقد كتبت به نعمياً دائ َما‬

‫وكان حمام السراي مالصقاً ُس َور المدينة (قرب بوابة السراي وجامع‬ ‫استملك الحمام عند توسيع سوق‬ ‫قميمه‬ ‫السراي) وكان‬ ‫خارج البوابة‪ .‬ثم ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الفشخة (شارع ويغان الحقاً ) وكان موقع الحمام الصغير حيث مبنى سينما‬ ‫الحمامان كانا ملْ ك مصطفى‬ ‫كابيتول (ساحة رياض الصلح اليوم)‪ .‬هذان‬ ‫ّ‬ ‫آغا القباني (والد الشيخ عبد القادر وإخوانه) بموجب براءة شريفة من‬ ‫السلطان‪ ،‬ثم استأْ جرهما فتر ًة محمد بن عبد الفتاح حمادة ثم اشترى‬ ‫أسهماً منهما مفتي بيروت الشيخ محمد المفتي الطرابلسي األشرفي‪.‬‬ ‫‪‬حمام‬ ‫وسنة ‪ 1864‬أنشأ أحمد آغا حمزة (سنو) وشريكه الياس سلوم‬ ‫ّ‬ ‫الدركة‪( ‬تجاه التياترو الكبير)‪.‬‬ ‫كان القميم من توابع الحمام‪ :‬مكان يوضع فيه الوجاق وخلقين يغذي‬ ‫َ‬ ‫ـران الحجري َة بالمياه الساخنة داخل الحمام‪ ،‬وفيه أخشاب وحطب‬ ‫األجـ َ‬ ‫(ص َرامٍ) تساعد في االشتعال وغلي الماء‪ .‬ويتناقل البيارتة‬ ‫للوقيد‪ ،‬ونُ فايات َ‬ ‫‪‬الحمام حامي والوقاد صرامي‪ ‬إلماحاً إلى أن معظم النار من‬ ‫قولهم‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫مستصغر الشرر وأشياء ال قيمة لها تنتج قضايا ساخنة‪ .‬ويرددون ما كانت‬ ‫تقوله البالنة للنساء‪ :‬المسا يا صبايا المسا يلّ ي ما حشا يحشي‪( ‬لوضع‬ ‫الحنة في الشعر)‪.‬‬ ‫ّ‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬ ‫‪87‬‬

‫نفق بليـق‪ :‬كانت بيروت بلدة صغيرة ال يتجاوز سكانها أربعة اآلف‬ ‫ّ‬ ‫نسمة ضمن سور (كالمدن القديمة) ذي أربعة أبواب أصبحت الحقاً سبعة‪.‬‬ ‫وكان يكفي السكان فرن واحد لصنع الخبز وبيعه‪ ،‬يملكه رجل من أسرة‬ ‫الفرن محتاج ولم يجد خبزاً عاد إلى أهله وقال‪:‬‬ ‫بليق البيروتية‪ .‬فإذا قصد‬ ‫َ‬ ‫يبق عنده رغيف واحــد‪ .‬ورغم تكاثر‬ ‫ّ‬ ‫‪‬نفق بليق‪ ‬أي باع الخبز كله ولم َ‬ ‫األفــران وباعة الخبز الحقاً بقي الناس يستعملون هذا المثَ ل عند نفاد‬ ‫المحال‪ْ .‬وبليق أسرة إسالمية في بيروت اشتهر منها‬ ‫سلعة من األسواق أو‬ ‫ّ‬ ‫أستاذنا المربي نجيب بليق (ناشط في الحركة العربية) انتسب الى جمعية‬ ‫العربية الفتاة ونشر مقاالت في التربية والسياسة واضطهد فسافر إلى‬


‫مصر مدة ثم الى األردن مع األمير (الملك الحقاً ) عبد اهلل األول‪ ،‬وعاد‬ ‫الى بيروت بعد حركة الضباط االردنيين ضد غلوب باشا قائد الجيش‬ ‫اإلنكليزي‪ .‬ويرد اسم العائلة في السجالت الشرعية تارة بصيغة ‪‬أبي مرق‬ ‫بليق‪ ‬أو ‪‬بليق أبي مرق‪.‬‬ ‫شلح قبقابها‪ :‬اشتهرت صناعة القبقاب في‬ ‫بيخطبوا البنت على ْ‬ ‫مطعماً‬ ‫والصفصاف‪،‬‬ ‫والتوت‬ ‫الجوز‬ ‫خشب‬ ‫من‬ ‫مصر والشام‪ ،‬وكان غالباً‬ ‫َّ‬ ‫باألصداف وبأسالك من قصدير‪ .‬بين أنواعه‪ :‬الشبراوي (يرتفع نحو شبر‬ ‫عن األرض)‪ ،‬والعكاوي (يصنع في عكا)‪ .‬وأكثر ما كان القبقاب ُي َلبس في‬ ‫الحمامات والدور والفناءات المبلطة بالرخام أو بالحجر الفرني (خصوصاً‬ ‫في فصل الشتاء)‪.‬‬ ‫أن كان بيتان من الشعر‬ ‫كان القبقاب جزءاً من جهاز العروس‪ .‬ويحكى ْ‬ ‫منقوشين على قبقاب‪:‬‬ ‫‪88‬‬

‫كنت غصناً بني الرايض رطيب ًا مائل الق ّد من غناء احلمام‬ ‫داس ابألقدام‬ ‫رصت أحيك عداك يف اذلل إذ رصت مهاانً أ ُ ُ‬

‫عبداللطيف فاخوري‬

‫تسمى السير (جمعها سيور)‪.‬‬ ‫بجلدة‬ ‫ـرجــل ِ‬ ‫والقبقاب ُيــربــط إلــى الـ ْ‬ ‫ّ‬ ‫والتجانس مطلوب بين القبقاب وسيره فيقال‪ :‬قبقاب ولقي سيره‪.‬‬ ‫مرجوحه وألبو بريس‬ ‫للشوحه‬ ‫وللعامة أمثال عدة في القبقاب‪ ،‬منها‪ :‬البق‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كن يزرن بيت‬ ‫عندما‬ ‫الشاب‬ ‫أهل‬ ‫قبقاب‪ .‬ويحكى أن الخاطبة والنساء من‬ ‫ّ‬ ‫قبقابها‪ ،‬فإذا كان مصفوفاً‬ ‫أهل العروس يتطلعن إلى كيفية شلْ ح الصبية‬ ‫َ‬ ‫‪‬بيخطبوا‬ ‫بالترتيب يشير إلى حسن تصرف البنــت‪ .‬ومن هنا سرى القول‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫البنت على شلْ ح قبقابها‪ .‬ونسبوا إلى صبية لم يعجبها شاب تقدم لخطبتها‪،‬‬ ‫هالسيوره كنت تلّ يت البيت قباقيب‪ .‬ويروي المؤرخون‬ ‫قولها‪ :‬لو بدي من‬ ‫َ‬ ‫ـدر ثم أرســل يخطب إحــدى البنات‪،‬‬ ‫ـزوج شجرة الـ ّ‬ ‫كيف السلطان أيبك تـ ّ‬ ‫وض ِرب بالقبقاب حتى مات‪،‬‬ ‫فأغرت به شجرة الدر جواريها في‬ ‫الحمام ُ‬ ‫ّ‬ ‫ربت هي بالقباقيب حتى ماتت‪ .‬علقت هذه الحادثة في ذهن العامة‬ ‫ثم ُض َ‬ ‫محال لشراء‬ ‫فر ِو َي أن زوجاً اصطحب زوجته إلى سوق القباقيب‪ ،‬ودخل‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫قبقاب لها‪ .‬اختار قبقاباً قليل االرتفاع وعرض البائع على الزوجة قبقاباً‬ ‫مبيناً محاسنه‪ ،‬فقاطعه الزوج‪ :‬هذا القبقاب غير مناسب‪ .‬ولدى‬ ‫مرتفعاً ‪ّ ،‬‬ ‫أَ‬ ‫‪‬أَ‬ ‫ست ْـن َضرب به؟ أم أنا‪‬؟‬ ‫نت‬ ‫الزوج‪:‬‬ ‫به‬ ‫صاح‬ ‫البائع‬ ‫إصرار‬ ‫َ‬ ‫الشعب متل السمسم يجب عصره الستخراج الزيت منه‪ :‬بين أقدم‬ ‫المعاصر في بيروت‪ :‬معصرة محمد ابن الحاج محمد الغندور‪ ،‬معصرة‬ ‫دندن (قرب مبنى مجلس النواب حالياً )‪ ،‬معصرة بني الصقعان (األنسي‪/‬‬ ‫(الحراس)‪ .‬وكان للحاج عبد اهلل بن‬ ‫السجعان) في محلة قهوة العسس‬ ‫ّ‬


‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬ ‫‪89‬‬

‫محتويات معصرة الغندور‬

‫وعرفَ ت سنة‬ ‫الحاج عمر الناطور معصرة في محلة الرصيف داخل المدينة‪ُ ،‬‬ ‫‪ 1878‬معصرة سعيد دسوم في سوق العطارين‪ ،‬وسنة ‪ 1888‬معصرة رشيد‬ ‫نش َر‬ ‫مصطفى جبر في خان الشيخ شاهين (سوق البازركان)‪ .‬وسنة ‪َ 1905‬‬ ‫محمد رشيد جبر إعالناً عن معصرته في ساحة الخبز جاء فيه‪ :‬نعلن‬ ‫للعموم أننا بعد اإلتكال عليه تعالى قد استحضرنا الى محلّ نا الشهير في‬ ‫ساحة الخبز َم َك َنة لشغل راحة الحلقوم من أفخر األجناس وجميع األشكال‬ ‫يسره من طيبة‬ ‫ومــن َ‬ ‫يش ِّرف يرى كل ما ُّ‬ ‫وجعلْ نا األسعار بغاية المهاودة َ‬ ‫الجنس ومهاودة األسعار وعلى اهلل االتكال‪.‬‬ ‫وثمة َمعاصر سعادة ونقوال الجبيلي وشركاه وأنطون يارد في طريق‬ ‫نهر بيروت‪ ،‬ومعصرة السبليني في سوق السراي‪ .‬ومن محتويات المعاصر‬


‫الح َرف البسيطة‬ ‫يظهر أن مالكيها غنموا ثروة لم يتيسر تحصيلها ألصحاب ِ‬ ‫إذ اجتمعت فيها الصناعة والتجارة‪ .‬ومع احتالل ابراهيم باشا بيروت‬ ‫وتشدده في فرض الضرائب وتحصيلها سرى القول إن الشعب كالسمسم‬ ‫ُّ‬ ‫يجب عصـره (سحقه) الستخراج الزيت منه‪.‬‬

‫‪90‬‬ ‫عبداللطيف فاخوري‬

‫الزياتين (الغلغول)‬ ‫آخر ّ‬

‫وكان في المعاصر حجر يسمونه ‪‬العجل‪ ،‬فداعب المفتي عبد اللطيف‬ ‫رجال معصرانياً بقوله‪:‬‬ ‫فتح ً‬

‫ما كنت من هيوى التيوس وكنت من هيوى البقر‬ ‫ع ْجل املجوس من النحاس وأنت ع ْجكل من حجر‬

‫وقال الشاعر عمر األنسي في فتى معصراني‪:‬‬

‫قل للفىت املعرصاين ليس َي ُسن يف‬ ‫ْ‬ ‫حماسن اذلات إال حمشة األدبِ‬ ‫ليس اجلمال مبعشوق بال أدب‬


‫ألن يف اخلمر معىن ليس يف العنب‬ ‫فمجمل هذا الق ّد يطعنين‬ ‫دعين‬ ‫ُ‬ ‫ما يل سوى ريقك املعسول من طلب‬ ‫أراك هشد ًا وكاخلروب آونة‬ ‫رطل من احللو يف القنطار من خشب‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )1‬‬

‫المتنبي راثياً أخت سيف الدولة‬ ‫العجز ورد هكذا حرفياً في قصيدة‬ ‫هذا ُ‬ ‫ّ‬

‫تقاليد شعبيَّة‪ ...‬قبل أَن تَـزُول‬

‫وفي البيت األخير إشارة الى المثل العامي عن الخروب‪ :‬درهم عسل‬ ‫على قنطار خشب‪.‬‬ ‫أدركت أسواق بيروت القديمة ومنها سوق القطايف وكان‬ ‫وفي صباي‬ ‫ُ‬ ‫زاروباً ذا مدخل ضيق متفرع من سوق أبي النصر‪ .‬وإبان تنظيف األنقاض‬ ‫في بيروت بعد انتهاء الحرب عثر العمال على حجر كبير مستدير فصاح‬ ‫وجدتها‪ ‬كأنها لقية بيزنطية أو رومانية فإذا به حجر‬ ‫‪‬وجدتها‬ ‫المشرف‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومثَ ل الرجل القدير الماهر‬ ‫رحى أو حجر معصرة من معاصر بيروت‪َ .‬‬ ‫نتاج تلك المعاصر المشار إليها‪.‬‬ ‫‪‬بـيلحس الدبس عن الطحينة‪ُ ‬‬ ‫طحينا‪:‬‬ ‫قمحا ال تأخذ‬ ‫خبزا‪ ،‬وإذا وجدت‬ ‫طحينا ال تأخذ‬ ‫إذا وجدت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إذا أُ ِخذ الخبز من الطحين كان أَ ْب َرك من أخذ الخبز جاهزاً ‪ ،‬وكذا إذا أُ ِخذ‬ ‫لكن‬ ‫وو ِجدت طواحين عدة في زقاق الرصيف وفي ميناء الحصن‪ّ ،‬‬ ‫القمح ‪ُ .‬‬ ‫أكبر مطحنة وأقدمها كانت طاحونة نار في محلة الشامية (قرب الشاطئ)‬ ‫اشتراها أنطون بك مصرلي أوغلـي (أي ابن مصر) المشهور بـ‪‬أنطون بك‪‬‬ ‫وأنشأ مكانها الخان المعروف باسمه ‪‬خان أنطون بك‪.‬‬ ‫ويروى أن أميراً وقف بـباب طحان فرأى حماراً يدور بالرحى وفي عنقه‬ ‫جعلت الجلجل في عنق الحمار‪‬؟‬ ‫جلجـل (جــرس) فقال للطحان‪ :‬ل َـم‬ ‫َ‬ ‫أعد أسمع صوت الجلجل‬ ‫فأجاب‪ :‬ربما أدركني سأَ م أو نعاس فإذا لم ُ‬ ‫حت به فينبعث‪ .‬قال‪ :‬أَ‬ ‫وحرك رأسه‬ ‫علمت أنه واقف ِ‬ ‫َ‬ ‫فص ُ‬ ‫ُ‬ ‫فرأيت إن وقف ّ‬ ‫‪‬ومن‬ ‫بالجلجل هكذا وهكذا‪‬‬ ‫ّ‬ ‫(وحرك األمير رأسه يميناً ويساراً ) فقال له‪َ :‬‬ ‫لي بحمار يكون عقله مثل عقل األمير‪‬؟‬

‫‪91‬‬



‫تراثنا التاريخي‬

‫تراثنا التاريخي‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬ ‫الحيز الجغرافي اللبناني‬ ‫ّ‬ ‫والتبعية في العهدين األموي والعباسي‬ ‫التمايز‬ ‫بين‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬ ‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬ ‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬

‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬ ‫جبل الكرمل‪:‬‬ ‫صراع بين النبي الياس وكهنة بعـل ُصــور الفينيقي‬


‫تراثنا التاريخي‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني‬ ‫بين التمايز والتبعيّة‬ ‫في العهدين األموي والعباسي‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬ ‫اللبنانية‬ ‫أستاذ في الجامعة‬ ‫ّ‬

‫السياسية عبر التاريخ يحمل في طياته‬ ‫إن موضوع جغرافية لبنان‬ ‫ّ‬ ‫سياسية طالما شغلت كثيرين من مؤرخينا بحيث تباينت وجهات‬ ‫أبعادا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نظرهم حيال هذا الموضوع‪ .‬فالكيان اللبناني الحالي يرتبط إلى حد بعيد‬ ‫وتحديدا‬ ‫تاريخية تعود على األرجح إلى حقبة القرون الوسطى‪،‬‬ ‫بجذور‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫إلى العهدين األموي والعباسي‪ .‬فجبل لبنان (ويصعب تحديده في الفترة‬ ‫وصلَ ة وصل بين‬ ‫الزمنية المذكورة أعاله) اعتبره البعض ملجأ األقليات ِ‬ ‫ّ‬ ‫الشرق والـغــرب‪ ،‬وموطن مضطهدين‪ ،‬جــأووا من أصقاع مختلفة وعلى‬ ‫زمنية متفاوتة‪.‬‬ ‫فترات ّ‬ ‫تاريخيا‬ ‫الحيز الجغرافي الموازي‬ ‫ًّ‬ ‫ولكن ما يهمنا في هذا الموضوع‪ ،‬أن ّ‬ ‫والتبعية تجاه السلطة‬ ‫للبنان اليوم قد تأرجح في ما مضى بين التمايز‬ ‫ّ‬ ‫حينا وفي بغداد أو غيرها من العواصم في‬ ‫اإلسالمية المتمركزة في دمشق ً‬ ‫ّ‬ ‫أحيان أخرى‪ .‬وهذا المد والجزر الذي ساد الجبل في تلك الحقبة انتهى‬ ‫المبكر في جبل لبنان‬ ‫بنظرنا إلى زرع بذور التعايش اإلسالمي ـ المسيحي ُ‬ ‫اللبنانية‪.‬‬ ‫والحقا في سائر المناطق‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُبعيد معركة اليرموك التي فتحت أبواب بالد الشام أمام القادة العرب‬ ‫الفعلية على‬ ‫ة ‪ -‬اإلسالمية من السيطرة‬ ‫العربي‬ ‫العام ‪636‬م‪َ ،‬مكنت الجيوش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والساحلية على السواء‪ ،‬فانسحبت القوى‬ ‫الداخلية‬ ‫مناطق شرق المتوسط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحليين‬ ‫البيزنطية من هذه المناطق تاركة وراءها ما تبقى من السكان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫الجزيرة‬ ‫شبه‬ ‫من‬ ‫اآلتية‬ ‫الجديدة‬ ‫السلطة‬ ‫مع‬ ‫أمرهم‬ ‫يتدبرون‬ ‫ّ‬ ‫وبفعل تعاليم اإلسالم والخيارات التي فرضها القادة الفاتحون كان على‬ ‫المحليين – أن يختاروا إما اإلسالم وإما القتال وإما‬ ‫هؤالء – أي السكان‬ ‫ّ‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫دفع الجزية والبقاء في أماكن سكنهم مع المحافظة على مذاهبهم‬ ‫ّ‬ ‫ديموغرافية أدت‬ ‫اللبنانية تغيرات‬ ‫أمام هذا الواقع‪ ،‬شهدت المناطق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الساحلية والبقاع‪ ،‬وإلى نزوح‬ ‫الحقا إلى تنوع سكاني باألخص في المدن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬


‫للحيز الجغرافي الموازي للبنان اليوم‪ ،‬ارتكز في‬ ‫التكون السكاني‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬ ‫العهد األموي على اتنيات مختلفة نذكر منها العرب والفرس واليهود في‬ ‫المحليون الذين‬ ‫الساحلية وسهل البقاع‪ ،‬أما األنباط أي السكان‬ ‫المدن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُعرفوا في هذه الفترة بالمردة أو الجراجمة‪ ،‬فكانت سكناهم في المناطق‬ ‫الجبلية والمرتفعات المشرفة على الساحل‪ .‬لقد ُكتب الكثير عن إشكالية‬ ‫ّ‬ ‫المردة والجراجمة والموارنة‪ ،‬لن ندخل في خضم هذا النقاش ولكننا نُ شير‬ ‫إلى أن المردة هم الجراجمة أنفسهم وهاتان اللفظتان هما صفتان أُ عطيتا‬ ‫ألنباط جبل لبنان واللكام‪ ،‬وبالتالي هم السكان المحليون‪ 2‬وليسوا غرباء‬ ‫عن المنطقة كما يرى بعضهم‪.‬‬ ‫‪ُ 11‬يفيد عماد الدين اسماعيل ابن كثير في كتاب البداية والنهاية‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬دار‬ ‫السعادة‪ ،‬القاهرة‪ ،1935 ،‬ص‪ :34 .‬ثم إن أبا عبيدة بعث خالد بن الوليد إلى البقاع‬ ‫ففتحه بالسيف‪ ،‬وبعث سرية التقوا مع الروم بعين ميسنون وعلى الروم رجل يقال له‬ ‫سنان‪ ،‬تحدر على المسلمين من عقبة بيروت فقتل من المسلمين يومئذ جماعة من‬ ‫الشهداء‪...‬‬ ‫‪Voir, Georges CHALHOUB, Recherches sur les Mardaites – Garagima,‬‬ ‫‪ 22‬‬ ‫‪Kaslik, Liban, 1999, p. 108‬‬

‫‪95‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫النقطة األولى‪:‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫الجبلية لم‬ ‫باتجاه الجبال واألرياف باعتبار أن المناطق‬ ‫سكاني من المدن ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫تصلْ ها الفتوحات‬ ‫مت َسع لذكرها هنا‪.‬‬ ‫اإلسالمية العتبارات عدة ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتى في بالد ما بين النهرين‪،‬‬ ‫لم تعرف أية منطقة في بالد الشام أو ّ‬ ‫تميزت‬ ‫فقد‬ ‫الفاتحين‪،‬‬ ‫مع‬ ‫عالقاتها‬ ‫اللبنانية في‬ ‫الجبلية‬ ‫ما عرفته المناطق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه المناطق بفعل موقعها االستراتيجي‪ ،‬بصالبة سكانها وقدرتهم على‬ ‫والبيزنطيين في آن‪ ،‬األمر الذي أدى‬ ‫التحرك وجرأتهم في مواجهة العرب‬ ‫ّ‬ ‫حينا وإلى تبعيتهم لهما أحيانً ا أُ خرى‪.‬‬ ‫إلى تمايزهم عن الدولتين ً‬ ‫وقبل الدخول في تفاصيل هذا البحث‪ ،‬ال ُب ّد من التوقف عند بعض‬ ‫أهمية قصوى تجاه‬ ‫النقاط التي نرى أنه من الضروري ذكرها لما تتضمن من ّ‬ ‫متأنية للمراجع‪ ،‬الحظنا‪ ،‬ومع األسف‪،‬‬ ‫الموضوع‪ ،‬بخاصة وأنه بعد قراءة‬ ‫ّ‬ ‫أن األكثرية الساحقة من الذين كتبوا في هذا المجال‪ ،‬قد تأثرت كتاباتهم‬ ‫اقتصادية‪ ،‬وعليه‬ ‫طائفية أو‬ ‫سياسية أو‬ ‫عن قصد أو عن غير قصد بدوافع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنحاول االلتزام بمعطيات المصادر فقط واإلضاءة على تفاصيلها التي قد‬ ‫التاريخية التي‬ ‫الجدد معطيات جديدة لبعض األحداث‬ ‫تضع أمام الباحثين ُ‬ ‫ّ‬ ‫عرفها جبل لبنان في القرون الوسطى‪.‬‬


‫النقطة الثانية‪:‬‬

‫‪96‬‬

‫مؤخرا على مصدر بيزنطي تعود كتابته إلى منتصف القرن‬ ‫وقفت‬ ‫لقد‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫التاسع الميالدي ُيفيد ما ترجمته‪ :‬إن المردة (المرادئيتي) كانوا أصحاب‬ ‫اقطاعات في بالد الشام وكان اإلمبراطور البيزنطي هرقل (‪610‬م –‪641‬م)‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وقد نجحوا‬ ‫العربية‬ ‫قد ثبتهم فيها بهدف التصدي للغزوات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في هذه المهمة‪ ،‬لكنهم فضلوا استقاللهم الداخلي فرفضوا أن يكونوا‬ ‫تابعين لسلطة الدولة‬ ‫البيزنطية‪.3‬‬ ‫ّ‬ ‫يترتب على هذه المعلومات الكثير من االستنتاجات لجهة اتنية السكان‬ ‫المحليين وإعطائهم صفة التمرد والنزعة االستقاللية حتى قبيل الفتوحات‬ ‫العربية اإلسالمية والدور الذي لعبوه في جبل لبنان وفي العالقات العربية‬ ‫ـ البيزنطية‪ .‬ونسجل في هذا اإلطار إحدى شهادات أكبر مؤرخي الموارنة‬ ‫البطريرك اسطفان الدويهي حيث يذكر أنــه ‪‬فــي مبتدأ دولــة العرب‬ ‫ملكا على جبيل وكسرى على الداخلة (كسروان)‪ ...‬وايوب‬ ‫كان يوسف ً‬ ‫تخلف الياس وهذا أنجد هرقل‬ ‫على قيسارية فيليبوس‪ ،‬وان بعد ايوب ّ‬ ‫‪4‬‬ ‫(اإلمبراطور البيزنطي) أثناء قدومه إلى بالد الشام‪. ‬‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫النقطة الثالثة‪:‬‬ ‫لقد وقع العديد من مؤرخينا الذين تناولوا هذا الموضوع في ثغرات‬ ‫شوهت كتاباتهم وما زالت قائمة على عواهنها حتى اليوم‪ ،‬وذلك‬ ‫حسابية ّ‬ ‫ّ‬ ‫بشأن احتساب السنين الميالدية انطالقً ا من ‪‬التقويم اإلسكندري‪‬‬ ‫و‪‬الـتـقــويــم البيزنطي‪ )ère alexandrine et ère byzantine( ‬حيث‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫بمعطيات أحد‬ ‫الفرق بينهما حوالى الـ ‪ 8‬سنوات ‪ ،‬فالتزم معظم هؤالء ُ‬ ‫‪K. SATHAS, Documents inédits relatifs à l’histoire de la Grèce au Moyen‬‬ ‫‪ 33‬‬ ‫‪Age, t. IV, Paris, 1880–1890, p. LXIV–LXXIII. Voir aussi Acta Sanctorum,‬‬ ‫‪Martius, T.I, p. 887–888‬‬

‫‪ 44‬أُ نظر‪ :‬البطريرك إسطفان الدويهي‪ ،‬اصل الموارنة‪ ،‬تحقيق انطوان ضو‬ ‫وأيضا كتاب الدويهي‪ ،‬تاريخ الطائفة المارونية‪،‬‬ ‫االنطوني‪ ،‬اهدن‪ ،1973 ،‬ص‪118 .‬؛‬ ‫ً‬ ‫طبعة الشرتوني‪ ،‬بيروت‪ ،1980 ،‬ص‪ 68 .‬و‪69‬‬

‫‪Paul LEMERLE, Traité d’études Byzantines, P.U.F., Paris, 1958 (La‬‬ ‫‪ 55‬‬ ‫‪)chronologie par V. Gumel‬‬

‫بدال من العام ‪ ،677‬هنري المنس‪ ،‬فيليب‬ ‫‪ 66‬من أبرز المؤرخين الذين التزموا العام ‪ً 669‬‬ ‫حتي‪ ،‬عادل اسماعيل‪ ،‬بطرس ضو‪ ،‬محمد علي مكي‪ ،‬عمر تدمري ومتي موسى وغيرهم‪...‬‬


‫انكوتيل ‪ -‬دوبرون‬ ‫ّكتاب القرن التاسع عشر وهو المؤرخ الفرنسي أ‪ .‬م‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫حولية‬ ‫(‪ )Anquetil-Duperron‬الذي اعتبر أن السنة ‪ 6169‬المذكورة في‬ ‫ّ‬ ‫المؤرخ البيزنطي تيوفان (توفي حوالي ‪ 817‬م) هي متطابقة مع السنة‬ ‫بدال من العام‬ ‫‪669‬م‪ .‬وجعل سيطرة المردة على جبل لبنان في هذا العام ً‬ ‫التاريخية في شأن تطور‬ ‫‪677‬م‪ .‬األمــر الــذي بـ ّـدل الكثير من المعطيات‬ ‫ّ‬ ‫الحقا‪.‬‬ ‫األحداث كما سنالحظ‬ ‫ً‬ ‫النقطة الرابعة‪:‬‬

‫النقطة الخامسة‪:‬‬ ‫األسطورة التاريخية التي ابتدعها الدكتور فؤاد افرام البستاني سنة‬ ‫‪ 1938‬في محاضرة له بعنوان ‪‬دور النصارى في إقرار الخالفة األموية‪،9‬‬ ‫االتحاد الوطني‪...‬‬ ‫حيث يذكر أنه ‪‬في هذا الدور تجلّ ت أروع صفحات ّ‬ ‫كما سطع الدليل الواضح على ما يفيد التعاون بين الطوائف والعناصر إذا‬ ‫صمم‬ ‫ما رافقه اإلخالص في حب الوطن الواحد‪ ،‬ويضيف أنه ‪‬عندما‬ ‫ّ‬ ‫معاوية على بناء األسطول العربي عهد ذلك إلى أهل عكا وصور وطرابلس‬ ‫‪A.M. ANQUETIL-DUPERRON, Recherches sur les migrations des‬‬ ‫‪ 77‬‬ ‫‪Mardes, in Mémoires de l’Académie des Inscriptions et Belles–Lettres, t. L,‬‬ ‫‪Paris, 1793 et 1808‬‬

‫‪ 88‬إبن عساكر‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق (التهذيب)‪ ،‬تحقيق بدران واحمد عبيد‪ ،‬المكتبة‬ ‫العربية في دمشق‪ ،‬دمشق‪ ،1930 ،‬ج‪ ،6 .‬ص‪65 .‬؛ إلياس القطار‪ ،‬لبنان في القرون‬ ‫الوسطى‪ ،‬بيروت‪ ،2003 ،‬ص‪50 .‬؛ عمر تدمري‪ ،‬لبنان من الفتح اإلسالمي حتى‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫سقوط الدولة األموية‪ ،‬طرابلس‪ ،1990 ،‬ص‪ .110 .‬أُ نظر ً‬ ‫‪G. CHALHOUB, Op. cit., p.172‬‬

‫‪ 99‬‬

‫الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪ ،1938 ،‬ص‪91 – 71.‬‬ ‫المشرق‪ ،‬العدد ‪ ،36‬المطبعة‬ ‫ّ‬

‫‪97‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫إن الذي أقدم عليه المحقق عبد القادر بدران ناشر كتاب تاريخ مدينة‬ ‫شوه‬ ‫دمشق البن عساكر مع زميله احمد عبيد في أوائل القرن الماضي‪ّ ،‬‬ ‫إلى حد كبير بعض المعلومات المتعلقة ببحثنا هذا‪ ،‬فعلى سبيل المثال‬ ‫تـ ّـم استبدال كلمة ‪‬جراجمة‪ ‬ال ــواردة في المخطوط بكلمة ‪‬روم‪ 8‬أي‬ ‫والشرقية على‬ ‫الغربية‬ ‫البيزنطيين وجعل هؤالء يسيطرون على جبال لبنان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األصليين الذين كانوا‪ ،‬وبدون أدنى‬ ‫بدال من الجراجمة سكان الجبل‬ ‫السواء ً‬ ‫ّ‬ ‫النظامية‪.‬‬ ‫البيزنطية‬ ‫شك‪ ،‬مدعومين من القوى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫‪7‬‬


‫كما يقول البالذري‪ 10‬فقطعوا الخشب من غابات لبنان وبنوا السفن‪ ،‬وال‬ ‫اللبنانيين وكلهم نصارى‪.‬‬ ‫ضرورة للقول إن قوادها ومالحيها كانوا من‬ ‫ّ‬ ‫مرجعا لمعظم الذين كتبوا في هذا‬ ‫إن هذه المغالطة التي غدت ولألسف‬ ‫ً‬ ‫‪11‬‬ ‫شوهت طبيعة األحداث في جبل لبنان خالل العهد‬ ‫المجال‪ ،‬وهم كثر‪ ،‬قد ّ‬ ‫األموي‪ ،‬فكيف يمكن للذين أجبروا الخليفة معاوية (‪660‬م–‪686‬م) على‬ ‫مشغوال بقتال أهل العراق (صفين)‪ ،‬كما سنرى‬ ‫ً‬ ‫دفع الضريبة لهم حين كان‬ ‫الحقا وفي الوقت عينه يقطعون أخشاب األرز وغيرها لبناء ‪‬األسطول‬ ‫ً‬ ‫فضال‬ ‫اللبناني‪ ‬الذي احتل قبرس ‪ 649‬على حد تعبير الدكتور البستاني؟‬ ‫ً‬ ‫تدل‬ ‫والبيزنطية‬ ‫العربية‬ ‫عن أنه ال توجد أية إشارة في المصادر‬ ‫والسريانية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪‬اللبنانيين‪ ‬لمعاوية في بناء األسطول وال حتى الموانئ‬ ‫على مساعدة‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانية كانت في تلك الفترة مراكز لبناء األسطول‪ ،‬وما أشار إليه البالذري‬ ‫ّ‬ ‫في هذا الصدد هو أن صور أصبحت مركز الصناعة في أيام بني هشام‪،‬‬ ‫أي في حدود العام ‪724‬م‪.12‬‬ ‫‪98‬‬

‫المحور األول‪ :‬التمايز والتبع ّية في العهد األموي‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫‪1.1‬التحركات الثورية‬

‫لم يخضع جبل لبنان لسلطة الفاتحين العرب كما ذكرنا‬ ‫سابقا‪ ،‬بل‬ ‫ً‬ ‫الساحلية الواحدة تلوى األخرى باستثناء طرابلس‬ ‫خضعت بعلبك والمدن‬ ‫ّ‬ ‫التي ظلّ ت طــوال النصف الثاني من القرن السابع وأوائــل القرن الثامن‬ ‫األمويين‪.‬‬ ‫تشكل مصدر قلق للخلفاء‬ ‫ّ‬ ‫يحضر لهجوم بحري ضد الدولة‬ ‫ففي الوقت الــذي كان فيه معاوية‬ ‫ّ‬ ‫البيزنطية انطالقً ا من ميناء طرابلس سنة ‪653‬م أقــدم شابان من أهل‬ ‫ّ‬ ‫المدينة‪ ،‬وكانا أخوين لرجل ُيقال له ‪‬بقناطر‪ ،‬وفتحا السجن وأطلقا من‬ ‫تمكنوا من قتل عامل المدينة‪ ،‬ثم أحرقوا السفن‬ ‫فيه من المعتقلين الذين ّ‬

‫‪ 110‬ال ذكر لهذه المعلومات عند البالذري ال من قريب وال من بعيد‬

‫المسيحية‬ ‫‪‬المسيحية في العهد األموي‪ ،‬في مجلة‬ ‫‪ 111‬البطريرك إغناطيوس هزيم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عبر تاريخها في الشرق‪ ،‬الفصل الخامس‪ ،‬بيروت‪ ،2001 ،‬ص‪794 .‬؛ سالم عبد العزيز‬ ‫وسميح وجيه الزين‪ ،‬في تاريخ طرابلس‪ ،‬بدون تاريخ؛ سوزي حمود‪ ،‬لبنان في العصر‬ ‫الوسيط‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬بيروت‪ ،2010 ،‬ص‪ 20 .‬و‪21‬؛ وغيرهم‪...‬‬ ‫‪ 112‬البالذري‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،1991 ،‬ص‪125 .‬‬


‫‪ 114‬البالذري‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬ص‪164 .‬‬

‫‪ 115‬عادل إسماعيل‪ ،‬المردائيون (المردة)‪ ،‬من هم؟ من أين جاؤوا؟ وما هي‬ ‫عالقتهم بالجراجمة والموارنة‪ ،‬دار النشر للسياسة والتاريخ‪ ،‬بيروت‪ ،2000 ،‬ص‪.‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫‪ .164‬أنظر ً‬

‫‪Louis BREHIER, Vie et mort de Byzance, éd. Albin Michel, Paris, 1969, p. 448,‬‬ ‫‪note 329‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫‪Mahbub Al- MANBUGI, Kitab al – Unwan, éd. et trad. A. A vasilieu, dans 113‬‬ ‫‪Patrologia Orientalis, t.VIII, Fasc.3, Paris, 1912, p. 483 – 484; Michel Le Syrien,‬‬ ‫‪Chronique de Michel le Syrien, éd. Chabot, t. II, Paris, 1901, p. 445; Elie de‬‬ ‫‪NISIBE, La chronographie, traduction de Delaporte, Fasc. 181, Paris, 1910,‬‬ ‫‪p. 86–87‬‬

‫‪99‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫القسطنطينية‪ 13.‬هــذا التحرك‬ ‫الراسية في الميناء وفــروا إلــى‬ ‫العربية‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫تحد واضح ربما كان هو األول من نوعه في لبنان ضد السلطة‬ ‫الثوري هو ٍ‬ ‫العربية االسالمية وتحديداً عندما كان معاوية والياً على الشام في خالفة‬ ‫عثمان بن عفان‪.‬‬ ‫‪14‬‬ ‫ُويفيد البالذري أنه أثناء انشغال معاوية بحرب مع أهل العراق‪،‬‬ ‫بيزنطية على إثارة المتاعب‬ ‫أقدم الجراجمة ومن معهم‪ ،‬مدعومين بقوات‬ ‫ّ‬ ‫لـلــوالــي األم ــوي فــي دمـشــق‪ ،‬فاضطر لمصالحتهم وهــو ليس بخليفة‪،‬‬ ‫وللبيزنطيين في‬ ‫ومصالحة ‪‬طاغية‪ ‬الــروم على مال يؤديه للجراجمة‬ ‫ّ‬ ‫كل جمعة‪ .‬هذه الحادثة تشير إلى أن الجراجمة لم يكونوا على اإلطالق‬ ‫البيزنطية‪ ،‬وإال‬ ‫غرباء عن المنطقة وفي الوقت عينه ال يخضعون لألوامر‬ ‫ّ‬ ‫لماذا اضطر معاوية لمصالحتهم ومصالحة اإلمبراطور البيزنطي ودفع‬ ‫الضريبة لكل فريق على حدة‪ .‬ويعلّ ق المؤرخ عادل إسماعيل على طبيعة‬ ‫الثورية في زمن معاوية بقوله‪ :‬فالثورة‪ ‬و‪‬رفض الحكم‬ ‫هذه التحركات‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪ ‬موقفان ال يصدران إال من فئة مقيمة منذ مدة طويلة في البالد‬ ‫وخاضعة للحكم العربي‪.15‬‬ ‫وفي العام ‪677‬م سيطر البيزنطيون والجراجمة على السلسلة الغربية‬ ‫لجبال لبنان‪ ،‬فقد ذكر تيوفان (‪ 817‬م) أنه في هذه السنة غزا المردائيتي‬ ‫(ال ـمــردة) لبنان واسـتـحــوذوا على مرتفعاته انطالقً ا مــن الجبل األســود‬ ‫(اللكام) وصــوال إلى القدس‪ ،‬فتخوف معاوية من هذا التحرك في قلب‬ ‫الخالفة‪ ،‬وأرسل إلى اإلمبراطور قسطنطين الرابع (‪668‬م–‪685‬م) يطلب‬ ‫سجينا‬ ‫الصلح مقابل دفع ضريبة سنوية قدرها ‪ 3000‬قطعة ذهب و‪50‬‬ ‫ً‬


‫‪100‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫العدائية‬ ‫أصيال‪ّ .16‬أما ابن عساكر فيذكر هذه الحركات‬ ‫جوادا‬ ‫وخمسين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫على الشكل التالي‪ :‬وأخبرني غير واحد من شيوخنا أن طاغية الروم‪ ،‬لما‬ ‫رأى ما صنع اهلل للمسلمين ومنعه مداين الساحل‪ ،‬كاتب أنباط جبل لبنان‬ ‫واللكام فخرجوا جراجمة فعسكروا بالجبل‪ ،‬ووجه طاغية الروم ‪‬قلقط‪‬‬ ‫البطريق في جماعة من الروم في البحر‪ ،‬فسار بهم حتى أرسى بهم بوجه‬ ‫الحجر‪ ،17‬وخرج بمن معه حتى عال بهم على جبل لبنان وبث قــواده في‬ ‫أقصى الجبل حتى بلغ أنطاكية وغيرها من الجبل األسود‪ ...18‬وفي هذا‬ ‫أيضا ُيفيد المؤرخ محبوب المنجبي (‪941‬م) أنه ‪‬في السنة السابعة‬ ‫اإلطار ً‬ ‫عشرة لمعاوية (‪677‬م) ركب الروم السفن وأقبلوا فيها في البحر حتى أتوا‬ ‫ساحل صور وصيدا‪ .‬ثم خرجوا من السفن واستولوا على جبل لبنان فأووا‬ ‫إليه‪ ،‬وكان الناس يسمونهم الجراجمة فاستولوا على جبل لبنان وانتشروا‬ ‫دسهم ليشغلوا‬ ‫من الجبل الجليل إلى الجبل األسود وذلك أن قسطنطين ّ‬ ‫العرب عن الغزو‪.19‬‬ ‫وجبال‪،‬‬ ‫ساحال‬ ‫اللبنانية‬ ‫العسكرية التي شهدتها المناطق‬ ‫هذه التطورات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دفعت بالخليفة معاوية بن أبــي سفيان ومــن بعده عبد الملك بن مــروان‬ ‫إلتباع سياسة مرتكزة على دعامتين‪ .‬األولى شراء الصلح‬ ‫(‪685‬م–‪705‬م) ّ‬ ‫البيزنطية والجراجمة‪ ،‬والثانية ملء الفراغ السكاني الناتج عن‬ ‫من الدولة‬ ‫ّ‬ ‫عربية‬ ‫الساحلية عبر إسكانها بجاليات غير‬ ‫عمليات الفتح في المناطق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحليين‬ ‫بالسكان‬ ‫المتمثل‬ ‫الداخل‬ ‫لخطر‬ ‫الداعم‬ ‫لدرء الخطر البيزنطي‬ ‫ّ‬ ‫العربية على أن الخليفة‬ ‫الرافضين للحكم العربي‪ .‬فقد أجمعت المصادر‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانية جماعات كثيرة من اليهود‬ ‫معاوية أقــدم على إسكان السواحل‬ ‫ّ‬ ‫البيزنطيين‬ ‫والفرس وذلك بغية تعميرها وشحنها بالمقاتلة لصد غــارات‬ ‫ّ‬ ‫المتكررة عليها‪ ،‬وكــان ذلك في الستينات من القرن السابع‪ ،‬ولم يقتصر‬ ‫إسكان المدن الساحلية على الفرس واليهود فقط‪ ،‬بل تعدى ذلك إلى إسكان‬ ‫‪THEOPHANE le confesseur, The Chronicle of Theophnes confessor, 116‬‬ ‫‪translated by Cyril Mango and Roger Scott, Oxford, 1997, p.496‬‬

‫أيضا برأس الشقعة أو ‪ Théoprosopon‬ويقول عن هذه األخيرة رينه دوسو‬ ‫‪ُ 117‬تعرف ً‬ ‫بيزنطية لوجه الحجر‪ .‬أُ نظر‪:‬‬ ‫أنها ترجمة‬ ‫ّ‬

‫‪René DUSSAUD, Topographie historique de la Syrie antique et médiévale,‬‬ ‫‪(BAH 4), Paris, 1927, p. 3, 71, 77, 82, 509‬‬

‫‪ 118‬أُ نظر مخطوط ابن عساكر في‪:‬‬

‫‪CHALHOUB G., Op. cit.,.172; René DUSSAUD, Op. cit., p. 71‬‬

‫‪ 119‬‬

‫‪Mahbub AL - MANBUGI, Kitab al - Unwan, p. 492‬‬


‫‪ 221‬ابو الحسن علي المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ ،‬منشورات الجامعة‬ ‫اللبنانية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬بيروت‪ ،1970 ،‬ص‪ 298 .‬و‪299‬‬ ‫‪ 222‬‬

‫‪THEOPHANE, The Chronicle, p. 503‬‬

‫‪ 223‬السلسلة الجبلية الممتدة بين الجوالن وبعلبك‪ ،‬أنظر اليعقوبي شهاب الدين‪ ،‬كتاب‬ ‫البلدان‪ ،‬القاهرة‪ ،1937 ،‬ص‪326 .‬‬

‫‪ 224‬يقع هذا الدير في منطقة قاسيون على السفوح الشرقية لجبل الشيخ المشرف‬ ‫على دمشق‪ .‬يقول حبيب الزيات في مقا ٍل له بعنوان ‪‬أديار دمشق وبرها في اإلسالم‪‬‬ ‫في مجلة المشرق‪ ،‬العدد ‪ ،43‬الجزء األول‪ ،1949 ،‬ص‪ 425 .‬ـ ‪ :448‬إنه عندما يصف‬ ‫المؤرخون المسلمون مجالس الشراب وغيرها في دير مران بقاسيون ونزول بعض‬ ‫واقعا داخل الدير وإزاء مساكن الرهبان وإنما‬ ‫الخلفاء فيه‪ ،‬ال يعني أن هذا األمر كان‬ ‫ً‬ ‫هو في الحقيقة كان في المحلة التي نشأت بعد الفتح في جوار الدير ونسبت إليه‪...‬‬ ‫بحيث اقتنى المسلمون بعيد الفتح منازل لهم بالقرب من الدير وكذلك فعل بعض‬ ‫الخلفاء أمثال يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك‪.‬‬ ‫‪ 225‬أُ نظر مخطوط ابن عساكر في‪:‬‬

‫‪G. CHALHOUB, Op. cit., p. 172‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫‪ 220‬البالذري‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬ص‪ 133 .‬و‪134‬‬

‫‪101‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫البيزنطيين في عهد عبد الملك بن مروان الذي سمح لبطريق من‬ ‫الروم أو‬ ‫ّ‬ ‫‪20‬‬ ‫بطارقة الروم ‪‬ومعه بشر كثير‪ ‬أن يقيم في طرابلس ويؤدي الخراج ‪.‬‬ ‫لم تثمر محاوالت معاوية إبعاد الخطر البيزنطي الداعم للجراجمة داخل‬ ‫الخالفة ال عبر معاهدات الصلح وال عن طريق إسكان السواحل بجاليات‬ ‫األمويين أيام يزيد‬ ‫الثورية في وجه‬ ‫غريبة عن المنطقة‪ ،‬فاستمرت التحركات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومعاوية الثاني ومروان بن الحكم حتى وصول عبد الملك إلى سدة الخالفة‬ ‫الجبلية‬ ‫في العام ‪ 685‬حيث تابع الجراجمة وأعوانهم الغارات خارج معاقلهم‬ ‫ّ‬ ‫الداخلية والثورة التي اندلعت‬ ‫ُمستغلين انشغال الخليفة األموي باألحداث‬ ‫ّ‬ ‫والد ّعار‪ ‬على حد‬ ‫واألوباش‬ ‫‪‬العبيد‬ ‫ضده في العاصمة دمشق حيث أقدم‬ ‫ُ‬ ‫تعبير المؤرخ المسعودي (‪956‬م) على فتح أبواب سجن المدينة والخروج‬ ‫على أهلها ونزولهم الجبل‪ ،21‬فاضطر عبد الملك إلى مصالحة األمبراطور‬ ‫البيزنطي مقتدياً بصلح معاوية سنة ‪677‬م‪ .22‬هذا الواقع دفع بالجراجمة‬ ‫إلى توسيع رقعة سيطرتهم داخل أراضي الخالفة‪ ،‬فاستفحل أمرهم كما‬ ‫ُيفيد ابن عساكر‪ :‬وغلبوا على الجبال كلها من لبنان وسنير‪ 23‬وجبل الثلج‬ ‫(الجبل الشيخ) وجبال الجوالن فكانت باسبل مسلحة لنا في الرقاد وعقرباء‬ ‫الجوالن مسلحة حتى جعلوا ينادون عبد الملك بن مــروان من جبل دير‬ ‫المران‪ 24‬من الليل حتى بعث إليهم عبد الملك باألموال ليكفوا حتى يفرغ لهم‬ ‫ّ‬ ‫مشغوال بقتال أهل العراق ومصعب ابن الزبير وغيره‪.25‬‬ ‫ً‬ ‫وكان‬


‫‪102‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫كيفية التخلص من خطر الجراجمة والحد من نفوذهم في الجبال‬ ‫أما عن ّ‬ ‫اإلستراتيجية‪ ،‬فقد لجأ الخليفة األموي عبد الملك إلى شراء‬ ‫ذات المواقع‬ ‫ّ‬ ‫صلح ثا ٍن مع اإلمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الثاني (‪685‬م–‪705‬م)‬ ‫ٍ‬ ‫يقضي هذه المرة بأن يتعهد الخليفة بدفع ألف قطعة ذهب وفرس وغالم‬ ‫البيزنطية عن الجراجمة أو المردة وسحب‬ ‫في كل يوم‪ ،‬مقابل قطع اإلعانة‬ ‫ّ‬ ‫البيزنطيين الداعمين لهم في جبل لبنان‬ ‫اثني عشر ألف مقاتل منهم ومن‬ ‫ّ‬ ‫ارمينية وقبرص‬ ‫خراج‬ ‫تقاسم‬ ‫إلى‬ ‫باإلضافة‬ ‫وإدخالهم إلى اإلمبراطورية‬ ‫ّ‬ ‫‪26‬‬ ‫العربية‬ ‫وايباريا بين الدولتين‬ ‫والبيزنطية ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية ُتشير إلى نهاية خطر الجراجمة بطرق‬ ‫العربية‬ ‫لكن المصادر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪27‬‬ ‫البالذري‬ ‫أخرى‪ ،‬فيروي‬ ‫البيزنطيين‬ ‫قادة‬ ‫أحد‬ ‫إلى‬ ‫ه‬ ‫وج‬ ‫الملك‬ ‫عبد‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متنكرا بزي بيزنطي‬ ‫تمكن وهو‬ ‫سحيم بن المهاجر والي طرابلس الذي ّ‬ ‫ً‬ ‫من قتل هذا القائد وقتل من كان معه من الــروم‪ ،‬وتفرق الجراجمة على‬ ‫كيفية خروج الروم‬ ‫األثر في قرى حمص ودمشق‪ .‬لكن ابن عساكر يوضح ّ‬ ‫تمكن سحيم بن المهاجر من قتل القائد‬ ‫من جبل لبنان‪ ،‬ويفيد أنه بعدما ّ‬ ‫البيزنطيين لجأ هؤالء إلى‬ ‫الرومي ‪‬قلقط‪ ‬وانقضاضه على ما تبقى من‬ ‫ّ‬ ‫الهرب ‪‬حتى أتوا سفنهم بوجه الحجر‪ ،‬فركبوها ولحقوا بأرض الروم‪،‬‬ ‫ورجع أنباط جبل لبنان إلى قراهم‪.28‬‬ ‫التبعية في العهد األموي؟‬ ‫‪2.2‬التمايز أم‬ ‫ّ‬

‫الحيز الجغرافي‬ ‫التاريخية التي ذكرناها‬ ‫لقد أفادت المصادر‬ ‫ً‬ ‫سابقا أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫فريدا في مسألة خضوعه للسلطة‬ ‫وجبال كان‬ ‫ساحال‬ ‫الموازي للبنان اليوم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الثورية التي عرفها هذا‬ ‫المركزية في دمشق‪ ،‬ونعتقد أن الحركات‬ ‫األموية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحيز كانت شبيهة بتلك التي قاموا بها الشيعة ضد الحكم األموي لجهة‬ ‫ّ‬ ‫تماما عنها‪ .‬ومن ناحية أخرى‬ ‫مختلفة‬ ‫ألهداف‬ ‫ولكنها‬ ‫الحكم‬ ‫لهذا‬ ‫العداء‬ ‫ً‬ ‫بالعدائية في هذه المرحلة‬ ‫البيزنطية التي وصفت‬ ‫العربية ـ‬ ‫فان العالقات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دبلوماسية قائمة على تبادل السفراء واألســرى ووضع‬ ‫تخللتها عالقات‬ ‫ّ‬ ‫فضال عن عالقات‬ ‫الداخلية لكال الطرفين‪،‬‬ ‫األوضاع‬ ‫مع‬ ‫تتالئم‬ ‫معاهدات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬

‫‪ 226‬‬

‫‪THEOPHANE, The Chronicle, p. 506‬‬

‫‪ 227‬فتوح البلدان‪ ،‬ص‪164 .‬‬

‫‪ 228‬أُ نظر مخطوط ابن عساكر في‪:‬‬

‫‪G. CHALHOUB, Op. cit., p. 172‬‬


‫‪ 330‬اليعقوبي‪ ،‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬دار صادر ودار بيروت‪ ،‬ج ‪ ،2‬بيروت‪ ،1992 ،‬ص‪284 .‬‬

‫‪ 3 31‬بطرس ضو‪ ،‬تاريخ الموارنة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت ‪ ،1977‬ص‪294 .‬‬ ‫و‪295‬‬

‫‪ 332‬ال يوجد أي مصدر يفيد أن معاوية فرض ضرائب قاسية على الجبل‪ ،‬وربما التبس‬ ‫األمر على الدكتور فارس مع ما فرضه الخليفة المنصور من ضريبة على سكان الجبل‬ ‫الحقا‬ ‫قبل ثورة المنيطرة سنة ‪758‬م كما سنرى‬ ‫ً‬ ‫‪ 333‬وليد فارس‪ ،‬التعددية في لبنان‪ ،‬الكسليك‪ ،1979 ،‬ص‪46 .‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫‪ 229‬المسعودي‪ ،‬مروج الذهب‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص‪123 .‬‬

‫‪103‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫اقتصادية قائمة على التبادل التجاري‪ 29‬والتعاون العمراني‪ 30‬في شتى‬ ‫ّ‬ ‫الميادين‪ .‬هذه األمور ساهمت بنظرنا إلى حد بعيد في تطوير العالقات‬ ‫البيزنطية‪.‬‬ ‫أيضا بين سكان جبل لبنان والدولة‬ ‫الثنائية ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعسكرية في هذا العهد؟‬ ‫ة‬ ‫السياسي‬ ‫التطورات‬ ‫هذه‬ ‫المؤرخون‬ ‫قارب‬ ‫كيف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪‬ب َع ْي َد سيطرة‬ ‫يقول األب بطرس ضو في كتابه ‪‬تاريخ الموارنة‪ُ :‬‬ ‫الجبلية الممتدة من اللكام إلى القدس‪ ،‬جعل هؤالء‬ ‫المردة على السلسلة‬ ‫ّ‬ ‫‪‬معقلهم الرئيسي في قمم لبنان ومن هناك أخذوا يشنون الغارات على‬ ‫األموية‪ُ ،‬ويضيف‪ :‬هكذا أنشأوا دولة مستقلة ممتدة من شمالي‬ ‫الدولة‬ ‫ّ‬ ‫سوريا حتى جنوبي فلسطين‪ ،‬وجعلوا من لبنان قلب هذه الدولة المستقلة‬ ‫األموية حتى اضطر معاوية إلى عقد صلح‬ ‫ومعقلها األكبر وضايقوا الدولة‬ ‫ّ‬ ‫معهم‪ُ .‬ويشير إلى أن هذا الصلح مع معاوية ومن بعده مع عبد الملك بن‬ ‫رسخ ‪‬استقالل المردة الجراجمة وسطوتهم وزادتهم قوة ومتانة‪.‬‬ ‫مروان‪ّ ،‬‬ ‫ومركزا لكيان‬ ‫قلبا‬ ‫ً‬ ‫ثم يقول‪ :‬إنه ‪‬منذ ذاك الوقت أصبح لبنان الجبل ً‬ ‫سياسيا لها‪.‬‬ ‫مدلول‬ ‫جغرافية ال‬ ‫سياسي مستقل بعد أن كان مجرد رقعة‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ويعود إلى هــؤالء المردة فضل تأسيس الكيان واالستقالل اللبناني قبل‬ ‫المعنيين‬ ‫والشهابيين وغيرهم‪.31‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمــا وليد فــارس فيعتبر أن قيام الــدولــة اللبنانية بــدأ بــالـثــورة التي‬ ‫القاسية على‬ ‫انطلقت سنة ‪677‬م أيام معاوية من جراء فرض الضرائب‬ ‫َ‬ ‫المسيحية‬ ‫السورية‬ ‫اللبنانية‬ ‫أهل الجبل‪ُ ،32‬ويضيف‪ :‬وقد قامت الثورات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المشتركة بمعارك متواصلة وعنيفة ركزت من ورائها أوسع حدود للدولة‬ ‫المسيحية في أي عصر‬ ‫الشرقية‪ ،‬ولم تبلغ حدود الدولة‬ ‫اللبنانية‬ ‫المسيحية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا االمتداد منذ الفتح العربي حتى اليوم‪ .‬وعن المعاهدات التي وقعت‬ ‫العربية وعلى‬ ‫في تلك الفترة يرى فارس أنها قامت بين ثالث قوى‪ :‬الدولة‬ ‫ّ‬ ‫البيزنطية وعلى رأسها قسطنطين الرابع‬ ‫رأسها معاوية من جهة والدولة‬ ‫ّ‬ ‫‪33‬‬ ‫والدولة‬ ‫ثانية‪. ‬‬ ‫اللبنانية على رأسها األمراء الموارنة المردة من جهة ّ‬ ‫ّ‬


‫‪104‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫اآلرامية‬ ‫ويكرر فارس في محاضرة له‪ ،‬في السويد‪ ،‬بعنوان ‪‬الجذور‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانية‪ ،‬وجهة نظره حيال األحــداث التي عاشها لبنان في‬ ‫للقومية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اآلراميين‬ ‫السريان‬ ‫من‬ ‫قسم‬ ‫وهم‬ ‫الموارنة‬ ‫ن‬ ‫‪‬تمك‬ ‫ّ‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫األموي‬ ‫العهد‬ ‫ّ‬ ‫المسيحيين من تأسيس دولة مستقلة في جبل لبنان في القرن السابع‬ ‫ّ‬ ‫الميالدي‪ ،‬تدعمها دولة المردة‪.34...‬‬ ‫وينسج على نفس المنوال باحثان جديدان هما اندريه كحاله واألب‬ ‫سيمون عساف‪ ،‬فيعتبر األول أن بسكتنا كانت عاصمة دولة المردة الحرة‬ ‫وتحديدا زمن الخليفة معاوية بن سفيان‪ ،‬وأن هذه الدولة‬ ‫في القرن السابع‬ ‫ً‬ ‫حاليا‪ ،‬وهي تتمتع بقرارها‬ ‫اللبنانية‬ ‫الجمهورية‬ ‫ذات حدود تشبه حدود‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسي والعسكري في آن‪ .35‬أما األب سيمون عساف‪ ،‬وفي أطروحته‬ ‫لنيل شـهــادة الــدكـتــوراه مــن جامعة شـيــربــروك‪ ،‬يــرى أن الـمــردة وبعد أن‬ ‫أتموا واجبهم على أكمل وجه مكبلين (مكبدين) بال انقطاع الفرق العربية‬ ‫عدة هزائم‪ ،‬أجبروا الخليفة معاوية على عقد معاهدة سالم معهم ومع‬ ‫اإلمبراطور البيزنطي‪ ،‬وأن ‪‬هذا االتفاق الثالثي ـ كما يسميه ـ هو بمثابة‬ ‫مسيحيي الشرق‬ ‫اعتراف باالستقالل الذاتي للموارنة المميزين عن باقي‬ ‫ّ‬ ‫‪36‬‬ ‫العربية الخاضعين للشروط‬ ‫العائشين تحت السيطرة‬ ‫العمرية أي الذمة‪. ‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكتاب الذين تناولوا هذا الموضوع‬ ‫تلك كانت عينة من المؤرخين أو ّ‬ ‫الحيز الجغرافي الموازي‬ ‫مسيحية في‬ ‫مستنتجين في أبحاثهم قيام دولة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للبنان اليوم‪ ،‬وقد تبعهم آخرون في هذا الرأي‪.‬‬ ‫التاريخية ولو أنها تحمل‬ ‫إن هذه االستنتاجات نعتبرها مسيئة لألحداث‬ ‫ّ‬ ‫علما أن هذا التمايز‬ ‫في طياتها روح التمايز المسيحي في جبل لبنان‪ً ،‬‬ ‫لم يصل بنظرنا في تلك الحقبة إلى مفهوم ‪‬دولــة مستقلة‪ ‬تــوازي في‬ ‫حيز‬ ‫األموية أو الدولة‬ ‫وجودها الدولة‬ ‫ّ‬ ‫البيزنطية وال حتى السيطرة على ّ‬ ‫ّ‬ ‫هوية هذه الدولة إن‬ ‫عن‬ ‫أما‬ ‫باستمرار‪.‬‬ ‫عنه‬ ‫الدفاع‬ ‫مكن‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫جغرافي ثابت ُ‬ ‫مارونية أم ال‪ ،‬فنترك هذا األمر للباحثين الالحقين‪.‬‬ ‫كانت‬ ‫ّ‬ ‫في المقابل رأى آخرون أن ‪‬غزوة المردة‪ ‬وسيطرتهم على جبل لبنان‬ ‫لم تشكل أيــة خطورة على الــدولــة األمــويــة معتبرين أن ما قاله المؤرخ‬ ‫للموضوعية وبالتالي ال ُيعقل أن‬ ‫البيزنطي تيوفان في هذا الصدد يفتقد‬ ‫ّ‬ ‫‪ 334‬‬

‫‪http://www.aramaie-dem.org‬‬

‫‪ 335‬أندريه كحاله‪ ،‬في بحث بعنوان ‪‬الكيان المسيحي الحر‪ ،‬عن‪:‬‬ ‫‪http://www.aramaie-dem.org‬‬

‫‪ 336‬‬

‫‪www.almustakbal.com‬‬


‫‪ 338‬عمر تدمري‪ ،‬لبنان من الفتح‪ ،‬ص‪ 77 .‬و‪78‬؛ سالم عبد العزيز وسميح وجيه‬ ‫الزين‪ ،‬وفي تاريخ طرابلس‪ ،‬ص‪94 .‬‬ ‫‪ 339‬عادل اسماعيل‪ ،‬المردائيون‪ ،‬ص‪24 .‬‬

‫‪ 440‬‬

‫‪THEOPHANE, The Chronicle, p. 496‬‬

‫‪ 441‬منير اسماعيل‪ ،‬التكوين السكاني واالجتماعي‪ ،‬ضمن محور عنوانه‪ :‬الجذور‬ ‫التاريخية والحضارية للبنان‪ ،‬في كتاية تاريخ لبنان الى اين؟‪ ‬مجموعة مؤلفين‪،‬‬ ‫أيضا‪ :‬القطار الياس‪ ،‬لبنان في القرون الوسطى‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫بيروت‪ ،1993 ،‬ص‪112 .‬؛ أُ نظر ً‬ ‫‪50‬؛ وعمر تدمري‪ ،‬لبنان من الفتح‪ ،‬ص‪110 .‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫‪ 337‬عادل اسماعيل‪ ،‬المردائيون في تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر‬ ‫العصور‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬مطابع دار البالد‪ ،‬طرابلس‪ ،1978 ،‬ص‪ 94 .‬و‪163‬‬

‫‪105‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫يكون هؤالء الجراجمة أو المردة سيطروا على هذه المناطق الواقعة في‬ ‫بعض آخر‪،‬‬ ‫قلب الخالفة األموية وبالقرب من عاصمتها دمشق‪ .37‬ويرى‬ ‫ٌ‬ ‫وبخاصة أولئك الذين اعتقدوا خطأً أن الغزوة المذكورة وقعت في العام‬ ‫ّ‬ ‫أن سيطرة الجراجمة على‬ ‫(نقال عن تيوفان) ً‬ ‫‪669‬م ً‬ ‫بدال من العام ‪677‬م‪ّ ،‬‬ ‫قلب لبنان لم تكن في تلك الخطورة التي بالغ في وصفها المؤرخ البيزنطي‬ ‫هاما‪ ،‬لكنها نبهت معاوية إلى ضرورة‬ ‫تيوفان ‪‬فتراجعت دون أن تحدث ً‬ ‫أثرا ًّ‬ ‫فسير قواده لغزو بالد الروم‪ .38‬ويقول عادل اسماعيل‬ ‫تحصين السواحل‪ّ ،‬‬ ‫ألهمية دور هؤالء‬ ‫‪‬إثباتا منه‬ ‫في هذا اإلطار أن المؤرخ البيزنطي تيوفان‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫العربية مما حمل‬ ‫جدا للدولة‬ ‫المردائيتاي (المردة) أنهم كانوا ُمزعجين ً‬ ‫ّ‬ ‫األمويين الكبيرين معاوية بن ابي سفيان وعبد الملك بن مروان‬ ‫الخليفتين‬ ‫ّ‬ ‫على أن يقترح كل منهما حين تولى شؤون الحكم‪ ،‬على قيصر الروم عقد‬ ‫تعهد فيها كل من الخليفتين‪ ،‬حسب قول تيوفانس‪ ،‬االمتناع‬ ‫اتفاقات معه ّ‬ ‫‪39‬‬ ‫لمدة ثالثين سنة عن محاصرة القسطنطينية‪. ...‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬لم يذكر تيوفان هذا األمر وال ُيشير على اإلطالق إلى أن‬ ‫القسطنطينية وال‬ ‫الخليفتين المذكورين قد طلبا امتناعهما عن محاصرة‬ ‫ّ‬ ‫‪40‬‬ ‫ندري من أين أتى المؤرخ عادل اسماعيل بهذه المعلومات ‪.‬‬ ‫ومن األمور الهامة التي يجب اإلضاءة عليها في هذه المناسبة‪ ،‬هي أن‬ ‫الجراجمة في عهد عبد الملك بن مروان سيطروا على الجبال كلها من لبنان‬ ‫وسنير وجبل الثلج بحيث راحوا ينادون عبد الملك من جبل دير المران حتى‬ ‫سابقا‪ .‬هذه المعلومات التي يؤكدها‬ ‫بعث إليهم باألموال ليكفوا كما ذكرنا‬ ‫ً‬ ‫حورها المؤرخ منير اسماعيل واعتبر‬ ‫ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ّ‬ ‫علما أنه‬ ‫أن ‪‬جماعة من الروم‪ ‬احتلوا لبنان‬ ‫والجوالن وليس الجراجمة‪ً ،‬‬ ‫‪41‬‬ ‫يستند في كتاباته على تاريخ ابن عساكر ‪.‬‬


‫‪106‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫‪‬مدرجا‪ ‬ككيان‬ ‫ويرى إبراهيم بيضون أن لبنان في العهد األموي ليس‬ ‫ً‬ ‫المحلية أو‬ ‫في كتابات المؤرخين المسلمين بل كوجود متفاعل مع الحضارات‬ ‫ّ‬ ‫الحيز الجغرافي الذي كان تحت‬ ‫الخارجية‪ ،‬وال ُيشير هذا المؤرخ إطالقً ا إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫سيطرة الجراجمة المردة ال في عهد معاوية وال حتى في عهد عبد الملك‬ ‫علما‬ ‫وكأن هذه األحداث‬ ‫التاريخية ال وجود لها في هذه الفترة من منظاره‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مالحظا أن‬ ‫أن بيضون يستند في بحثه على تاريخ مدينة دمشق إلبن عساكر‪،‬‬ ‫األموية‪ ،‬ويستنتج في‬ ‫جغرافيا على األقل ـ للسيادة‬ ‫الجراجمة كانوا تابعين ـ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫النهاية أنه ‪‬ما بين الطابع التعبدي والزراعي في الجبل‪ ،‬والطابع الجهادي‬ ‫شكل جبهة‬ ‫الزهدي في الساحل‪ ،‬يمكن التعرف على مالمح لبنان األموي الذي ّ‬ ‫‪42‬‬ ‫قتالية ساخنة ضد‬ ‫البيزنطيين‪ ،‬من الصعب تحديد موقف الجبل منها‪. ‬‬ ‫ّ‬ ‫متوافقا مع وجهة نظر بيضون‪ ،‬أن ‪‬حصانة‬ ‫ويــرى منير اسماعيل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الملجأ (الجبل) لم تحل دون اختراقه من جانب الفاتحين بلغتهم وأسلوب‬ ‫ـوال إلــى الــديــن الــذي تغلغل فــي صفوف‬ ‫حياتهم وأزيــائـهــم وثقافتهم وص ـ ً‬ ‫األموية في‬ ‫للسلطة‬ ‫لبنان‬ ‫جبل‬ ‫ة‬ ‫تبعي‬ ‫البعض‬ ‫الوطنيين أنفسهم‪ .43‬ويؤكد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪44‬‬ ‫دمشق ُمعتبرين أن هذا الجبل هو ‪‬جزء ال يتجزأ من بالد المسلمين‪‬‬ ‫ً‬ ‫التاريخية‬ ‫أحداثا واتفاقات ال عالقة لها بالوقائع‬ ‫ضف إلى ذلك ابتكارهم‬ ‫ّ‬ ‫مثال قد قضى على حركة الجراجمة‬ ‫في زمن‬ ‫األمويين‪ ،‬كأن يكون معاوية ً‬ ‫ّ‬ ‫على‬ ‫اشترط‬ ‫أو أنه‬ ‫البيزنطيين قطع اإلعانة عنهم‪ ،45‬أو أن هؤالء انتقلوا‬ ‫‪ّ 46‬‬ ‫األموية وقعت‬ ‫إلى لبنان في العام ‪689‬م ‪ ،‬أو أن أشد غاراتهم على الدولة‬ ‫ّ‬ ‫بين العامين ‪680‬م و‪685‬م‪.47‬‬ ‫‪ 442‬ابراهيم بيضون‪ ،‬لبنان في العهدين األموي والعباسي‪ ‬في لبنان في تاريخه‬ ‫وتراثه‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬بيروت‪ ،1993 ،‬ص‪174–153 .‬‬

‫‪ 443‬منير اسماعيل‪ ،‬التكوين السكاني واالجتماعي‪ ،‬ص‪109 .‬‬

‫‪ 444‬علي محمد ضناوي‪ ،‬قراءة إسالمية في تاريخ لبنان والمنطقة‪ ،‬طرابلس‪،1985 ،‬‬ ‫ص‪80 .‬‬

‫‪ 445‬علي محمد ضناوي‪ ،‬قراءة اسالمية‪ ،‬ص‪٨. .‬؛ نبيه عاقل‪ ،‬اإلمبراطورية‬ ‫البيزنطية‪ ،‬دمشق‪ ،1969 ،‬ص‪122 .‬؛ ابراهيم عدوي‪ ،‬األمويون والبيزنطيون‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ ،1963‬ص‪67 .‬؛ حسن امين البعيني‪ ،‬بيروت وصيدا وجبل لبنان الجنوبي في العصور‬ ‫القديمة والوسطى‪ ،‬الدار القومية‪ ،‬المختارة‪ ،‬لبنان‪ ،2011 ،‬ص‪144 .‬؛ علي محمد‬ ‫العالبي‪ ،‬مقال بعنوان ‪‬الفتوحات والعالقات في عهد معاوية‪ ،‬الموقع اإللكتروني (هدي‬ ‫اإلسالم)‪www.hadieislam.com ،‬‬ ‫‪ 446‬البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم‪ ،‬المسيحية في العهد األموي‪ ،‬في مجلة‬ ‫المسيحية عبر تاريخها في الشرق‪ ،‬الفصل الخامس‪ ،‬بيروت‪ ،2001 ،‬ص‪475 .‬‬

‫‪ 447‬كمال الصليبي‪ ،‬منطلق تاريخ لبنان‪ ،‬منشورات كارافان‪ ،‬بيروت‪ ،1979 ،‬ص‪42 .‬‬


‫‪ 449‬الدكتور حسن جابر‪ ،‬لبنان الوسيط والبدايات األولى لتمركز الطوائف‪ ،‬جريدة‬ ‫المستقبل‪ ،‬الثالثاء ‪ 22‬نيسان‪ ،‬العدد ‪ ،2941‬سنة ‪ ،2008‬رأي وفكر‪ ،‬ص‪22 .‬‬ ‫‪ 550‬فيليب حتي‪ ،‬تاريخ لبنان‪ ،‬ص‪299 .‬‬

‫‪ 551‬جواد بولس‪ ،‬لبنان والبلدان المجاورة‪ ،‬مؤسسة بدران‪ ،‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص‪247 .‬‬ ‫‪ 552‬‬

‫‪http://ar.wikipedia.org‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫‪ 448‬الدكتور طارق احمد قاسم‪ ،‬تاريخ لبنان الوسيط‪ ،‬بيروت‪2007 ،‬‬

‫‪107‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫ون ــواف ــق الــدك ـتــور ح ـســن جــابــر فــي مــراج ـع ـتــه ل ـك ـتــاب ت ــاري ــخ لبنان‬ ‫تمكن العرب المسلمون في إحداث‬ ‫الوسيط‪48‬حيث يقول‪ :‬إنــه عندما ّ‬ ‫تغيير سياسي حاد بإسقاط النفوذ البيزنطي في بالد الشام بعيد معركة‬ ‫بالتمييز الجغرافي‪ ،‬فنزح الموارنة‬ ‫اليرموك‪ ...‬بدأت الجماعات الدينية‬ ‫ّ‬ ‫إلى جبال لبنان الشمالية وقد ُعرف هذا النزوح في القرن السابع باسم‬ ‫نزوح الجراجمة والمردة حيث سمح لهم هذا النزوح باالستقرار والمباشرة‬ ‫المارونية‪ ،‬ولكننا نخالفه الرأي عندما يضيف‪ :‬إن‬ ‫في تكوين الطائفة‬ ‫ّ‬ ‫األمويين منحوا الموارنة مميزات خاصة تطورت في ما بعد إلى‬ ‫الخلفاء‬ ‫ّ‬ ‫واجتماعية ما لبثت إلى أن تحولت إلى تقليد‬ ‫واقتصادية‬ ‫سياسية‬ ‫امتيازات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪49‬‬ ‫مستمر‪‬‬ ‫بخاصة وأننا لم نلحظ في أي مصدر عربي كان أم بيزنطي أم‬ ‫ّ‬ ‫األمويين أعطوا امتيازات للموارنة في العهد األموي‪.‬‬ ‫الخلفاء‬ ‫أن‬ ‫سرياني‬ ‫ّ‬ ‫أما فيليب حتي فيعتبر أنه منذ النصف الثاني للقرن السابع الميالدي‬ ‫المذهبية وبــدأ جبل لبنان‬ ‫آمنا لألقليات وللطوائف‬ ‫أصبح لبنان‬ ‫ً‬ ‫معقال ً‬ ‫ّ‬ ‫بالظهور على مسرح السياسة في هذا القسم من العالم‪ .50‬ويتوافق مع‬ ‫أيضا تحت عنوان ‪‬الجبليون اللبنانيون‬ ‫هذا الرأي جواد بولس الذي رأى ً‬ ‫يناهضون العرب‪ ‬أنه حوالي سنة ‪666‬م كان الجراجمة يسيطرون على‬ ‫الحربية في لبنان‪ ،‬األمر الذي جذب انتباه معاوية الذي حاول‬ ‫جميع النقاط‬ ‫ّ‬ ‫االستيالء على هذه النقاط ولكن دون جدوى‪ ،‬فرأى ‪‬اللبنانيون المنعزلون‪‬‬ ‫في مرتفعاتهم أن التدخل العسكري من جانبهم ضد العرب يمكنه أن يفتح‬ ‫بيزنطية التي أرسلت مدداً ‪‬من‬ ‫مخرجا إلى البحر‪ ،‬فاستجابوا لدعوة‬ ‫لهم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫‪51‬‬ ‫المحاربين‪. ‬‬ ‫إن المنطقة‬ ‫اقتناعا‬ ‫الجغرافية التي يذكرها ابن عساكر أعاله‪ ،‬تزيدنا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بخاصة‬ ‫الشرقية‪،‬‬ ‫عما وصلت إليه سيطرة الجراجمة على سلسلة جبال لبنان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأن عقرباء الجوالن هي القرية المعروفة اليوم بـ‪‬عقرباء حوران‪ ‬التي تقع‬ ‫إلى جنوب الجبل الشيخ وتبعد عن دمشق حوالي ‪ 52‬كلم وفيها أبنية أثرية‪،52‬‬ ‫واد في هضبة الجوالن قريبة من عقرباء وتعتبر شريان‬ ‫أما وادي الرقاد فهي ٍ‬


‫الحياة في الهضبة‪ ،‬ضف إلى ذلك أن موقع الرقاد كما يفيد أحد الباحثين‬ ‫مفصليا في انتصار العرب في معركة اليرموك‬ ‫دورا‬ ‫(تيسير خلف) لعب ً‬ ‫ًّ‬ ‫وكان في ما مضى من أهم مراكز نفوذ الغساسنة قبل الفتح العربي‪.53‬‬ ‫فيفيد أحد الباحثين الذين درسوا آثار هذا الجبل‬ ‫ّأما عن الجبل الشيخ ُ‬ ‫أنه يوجد على إحدى تالله منطقة تعرف ب ـ ‪‬تلة الجراجمة‪ ‬على الجانب‬ ‫رومانية‬ ‫اللبناني للجبل‪ ،‬تعلوها منطقة أجران المطابخيات وهي أجران‬ ‫ّ‬ ‫وتسمية‬ ‫الجغرافية‬ ‫متواجدة في المكان منذ زمن بعيد‪ .54‬هذه المعطيات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إحدى تالل جبل الشيخ بـ‪‬تلة الجراجمة‪ ‬تؤكد أكثر فأكثر صدق أقوال‬ ‫المؤرخ الدمشقي من جهة‪ ،‬ومدى ارتباط الجراجمة في المنطقة المذكورة‪.‬‬ ‫المحور الثاني‪ :‬التمايز والتبع ّية في مطلع العهد العباسي‬

‫‪108‬‬

‫‪55‬‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫سنكتفي في هــذا الجزء من البحث باالطالع على ثــورة المنيطرة‬ ‫(‪758‬م–‪760‬م) لما لهذه الثورة من تاثيرات على مجريات االحــداث في‬ ‫بخاصة وأن هذه الثورة جعلت من هذا‬ ‫جبل لبنان والمناطق المجاورة له‬ ‫ّ‬ ‫االسالمية‬ ‫الجبل ان يكون في قمة التمايز الجغرافي في قلب الخالفة‬ ‫ّ‬ ‫فضال عن ما أتت به من زرع بذور التعايش االسالمي المسيحي فيه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والبيزنطية الى تفاصيل وقائع هذه الثورة‬ ‫العربية‬ ‫لم ُتشر المصادر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫باستثناء ابن عساكر المؤرخ الدمشقي الذي نعتبره األقــرب الى الحدث‬ ‫جغرافيا‪ ،‬باالضافة الى سلسلة اإلسناد التي اعتمدها في روايته بحيث‬ ‫ًّ‬ ‫جأت بدقّ ة متناهية ومميزة باشخاصها الذين ُعرفوا بصدقهم في حفظ‬ ‫‪56‬‬ ‫زمنيا إلى الحدث من ابن عساكر‪،‬‬ ‫الحديث ‪ .‬أما البالذري وهو األقرب ًّ‬ ‫فيروي تحت عنوان‪ :‬أمر الجراجمة‪ ،‬بعض وقائع هذه الثورة من دون ذكر‬ ‫مركزا على رسالة األمام األوزاعي بشأن أهل الذمة‪ ،‬في حين‬ ‫المنيطرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪( 553‬مقال المنيطرة) مقال كتب بتاريخ ‪2010/8/14‬‬

‫‪www.esyria.sy‬‬

‫‪ 554‬مقال بعنوان‪ :‬آثار جبل الشيخ – ‪ – 6‬كتبه محمود بن سعيد الشيخ‪ ،‬بتاريخ‬ ‫‪ ،2012/7/14‬ويستضيف الباحث في تاريخ الجراجمة نقلً ا عن كبار المؤرخين‬ ‫‪http://qatana.chlamontada.com‬‬

‫‪ 555‬المنيطرة هي المنطقة الواقعة في الجبل المعروف باسمها على إحدى سفوح‬ ‫قائما الى اآلن‪ .‬يقول رينيه‬ ‫الغربية وفيها حصن المنيطرة الذي ال يزال‬ ‫جبال لبنان‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫االستراتيجية التي تسمح بالمرور‬ ‫الممرات‬ ‫باحدى‬ ‫م‬ ‫يتحك‬ ‫ّ‬ ‫كان‬ ‫الحصن‬ ‫هذا‬ ‫دوسو‪ :‬إن‬ ‫ّ‬ ‫باتجاه جونية أو طرابلس‬ ‫من بعلبك الى الساحل ّ‬ ‫‪Voir DUSSAUD René, Topographie, p. 73‬‬

‫‪ 556‬‬

‫‪G. CHALHOUB, Op. cit., p. 51‬‬


‫‪ 558‬لم يتمكن محقق تاريخ مدينة دمشق من قراءة هذه اللفظة‪ ،‬فأبقاها على ما هي‬ ‫عليه في المخطوط‪ .‬وقد اعترى النص عدة كلمات غير مقروءة‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫‪ 557‬البالذري‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬ص‪ 166 .‬و‪167‬‬

‫‪109‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫استنادا‬ ‫ُيشير إليها تيوفان بأيجاز كلي لكنه يوضح من قام بها وأين ّحلت‬ ‫ً‬ ‫إيراد ما أفادتنا به المصادر في هذا الصدد‪.‬‬ ‫الى ما ذكرنا‪ ،‬نرى ضرورياً‬ ‫َ‬ ‫يقول البالذري‪ :‬خرج بجبل لبنان قوم شكوا عامل خراج بعلبك‪ ،‬فوجه‬ ‫صالح بن علي بن عبد اهلل بن عباس من قتل مقاتلتهم وأقر من بقي منهم‬ ‫نقال عن‬ ‫على دينهم وردهم الى قراهم وأجلى قوم من أهل لبنان‪ُ .‬ويضيف ً‬ ‫ابن سالم‪ :‬أن األوزاعي كتب الى صالح بن علي رسالة طويلة فيها‪ :‬وقد‬ ‫ممالئا لمن خرج على‬ ‫كان من اجالء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن‬ ‫ً‬ ‫خروجه ممن قتلت بعضهم ورددت باقيهم الى قراهم ما قد علمت‪ ،‬فكيف‬ ‫تؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم‪ ،‬وحكم اهلل‬ ‫دي به‪،‬‬ ‫ـف عنده ُ‬ ‫تعالى (أن ال تزر وازرة وزر أخرى) وهو أحق ما ُو ِقـ َ‬ ‫واقت َ‬ ‫وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫فانه قال‪ :‬من ظلم‬ ‫معاهدا وكلفه فوق طاقته فانا حجيجه‪.57‬‬ ‫ً‬ ‫أما أبن عساكر فيروي وقائع ألثورة على الشكل التالي‪ :‬وأخبرني‬ ‫غير واحد عن مسير الروم الى مدينة أطرابلس ورحلها عنها وأنه لم يعد‬ ‫أليها ولم يظهر الحراحية‪( 58‬الجراجمة) في جبل لبنان حتى ظهر بها‬ ‫رجل يقال له بندار من أهل المنيطرة‪ ،‬شاب مديم الجسم وذلك في سنة‬ ‫ويسمى بالملك‪،‬‬ ‫ثنتين واربعين وسنة ثالث واربعين ومائة (‪758‬م–‪760‬م)‬ ‫ّ‬ ‫وتوج نفسه وأظهر الصليب‪ ،‬واجتمع عليه أنباط جبل لبنان وغيرهم وقالت‬ ‫ّ‬ ‫وتعمد علينا‬ ‫بعلبك‬ ‫ـراج‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫على‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫األزرق‬ ‫بن‬ ‫اسماعيل‬ ‫طلبنا‬ ‫األنباط‬ ‫ّ‬ ‫حتى كثروا ونظروا‬ ‫وأمسك الناس عن قتالهم مما شكوه من اسماعيل ّ‬ ‫فسبوا بعض قرى البقاع فقتلوا المسلمين وأخذوا ما وجدوا‪ ،‬وكتب بندار‬ ‫الملك الى أهل بعلبك يعلمهم بمصيرهم ويأمرهم بالتمني الى ذلك من أمر‬ ‫النساء في نحو من خمسة اآلف حتى لقيهم خيول بعلبك في أسفل جبل‬ ‫لبنان‪ ،‬فاقتتلوا ثم أطردت لهم الخيول وأطمعوهم في الهزيمة فخرجوا في‬ ‫كرت عليهم الخيول فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانهزم بقيتهم‬ ‫الطلب‪ ،‬ثم ّ‬ ‫الى ‪(...‬كلمة غير مقروءة) فسار بهم الى قلعة‪ ...‬وكتب صالح بن علي الى‬ ‫المري يأمره ‪ ...‬الخيل‪ ،‬ففعل وأنفذ‬ ‫عامله على دمشق رياح بن عثمان ّ‬ ‫غفيرا من أهل الديوان وغيرهم من التجار والمطوعين وعقد‬ ‫جما‬ ‫ً‬ ‫الناس ً‬ ‫ليزيد بن عثمان بن حيان وكتب الى صاحب بعلبك بإنقاذ أهل بعلبك والى‬


‫‪110‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫واليا على ساحل دمشق أن يخرج من كان‬ ‫الوليد بن عثمان المري وكان ً‬ ‫بالساحل من أهل الديوان وغيرهم‪ ،‬ففعل واجتمعوا فلقيوهم في أسفل‬ ‫القلعة فقاتلوهم حتى أوقفوهم أليها فامتنعوا فيها ثم ظهر أهل بعلبك على‬ ‫وكبروا وهرب بندار في جماعة الى أرض الروم‪ ...‬ثم كتب‬ ‫مؤخر القلعة ّ‬ ‫صالح بن علي يأمر باخراج جماعة أنباط لبنان من قراهم وتفريقهم في‬ ‫بالد الشام وكفورها‪.59‬‬ ‫أما المؤرخ البيزنطي تيوفان‪ ،‬فيذكر ما ترجمته‪ :‬أنه في السنة ‪759‬م‬ ‫‪‬قام أحدهم ويدعى تيودور لبناني سرياني بهجوم على العرب في المناطق‬ ‫الواقعة بالقرب من بعلبك‪ ،‬وقد اجتمع حوله العديد من اللبنانيين‪ ،‬قتل‬ ‫وأخيرا انسحب (تيودور) وقتل كل اللبنانيين الذين‬ ‫الكثير من الطرفين‬ ‫ً‬ ‫كانوا معه‪.60‬‬ ‫كانت تلك ُمعطيات المصادر بشأن ثورة المنيطرة‪ .‬تباينت وجهات نظر‬ ‫المؤرخين حيال هذه الثورة إن لجهة أسبابها أو لجهة نتائجها‪ .‬لكن الغريب‬ ‫ت على ِذكــر الجراجمة‪،‬‬ ‫كل َمـ ْـن كتب عنها لم يــأ ِ‬ ‫في هذا المجال هو أن ّ‬ ‫وهي الصفة التي أُ عطيت ألهالي المنيطرة من قبل إبن عساكر نفسه‪ ،‬ال‬ ‫بل أكتفوا بذكر أنباط جبل لبنان‪ .61‬وهنا نسأل لماذا التغاضي عن ذكر‬ ‫علما أن المصدر الذي استندوا إليه لدراسة هذه الثورة كان‬ ‫الجراجمة ً‬ ‫هوية القائمين بها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واضحا عندما أشار الى ّ‬ ‫أستنادا‬ ‫دفاعية‬ ‫أما عن األسباب فقد أجمع البعض على أنها ثورة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فضال‬ ‫عدائية كما رواهــا أبن عساكر‪،‬‬ ‫وهجومية‬ ‫لما ذكــره الـبــاذري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األقتصادية ومسألة ألضرائب‪ ،‬ولكنها بنظر هؤالء لم تكن‬ ‫عن الدوافع‬ ‫ّ‬ ‫مكي في هذا‬ ‫شاملة الجماعات كلها في الجبل‪ .62‬يقول محمد علي ّ‬ ‫األطار‪ :‬إن ثورة المنيطرة لم تكن شاملة‪ ،‬فقد كان هناك جماعات كثيرة‬ ‫من سكان الجبل غير موافقة على الخروج وغير مشتركة مع الثائرين‬ ‫‪ 559‬إبن عساكر‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج ‪ ،18‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،1995 ،‬‬ ‫ص‪268–267 .‬‬

‫‪ 660‬‬

‫‪THEOPHANE, The Chronicle, p. 597‬‬

‫ايضا‪ :‬غزاة بحر الشام وأمراؤه‬ ‫‪ 661‬عمر تدمري‪ ،‬تاريخ طرابلس‪ ،‬ص‪125 .‬؛ وأُ نظر ً‬ ‫في العصر العباسي‪ ،‬في مجلة تاريخ العرب والعالم‪ ،‬العدد‪ ،61 ،‬سنة ‪ ،1983‬ص‪7 .‬‬ ‫ّ‬ ‫القطار‪ ،‬لبنان في القرون الوسطى‪ ،‬ص‪ 74 .‬وما يلي‬ ‫وأيضا‪ :‬الياس‬ ‫وما يليها؛‬ ‫ً‬

‫ّ‬ ‫القطار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪77 .‬؛ وطارق أحمد قاسم‪ ،‬تاريخ لبنان‬ ‫‪ 662‬الياس‬ ‫الوسيط‪ ،‬بيروت‪ ،2007 ،‬ص‪ 94 .‬و‪95‬‬


‫‪ 664‬عمر تدمري‪ ،‬تاريخ طرابلس‪ ،‬ص‪126 .‬‬

‫‪ 665‬عمر تدمري‪ ،‬غزاة بحر الشام‪ ،‬ص‪9–8 .‬‬

‫ضناوي‪ ،‬قراءة إسالمية‪ ،‬ص‪ 82 .‬و‪98‬‬ ‫‪ 666‬محمد علي ّ‬

‫حمود‪ ،‬لبنان في العصر الوسيط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪،2010 ،‬‬ ‫‪ 667‬سوزي ّ‬ ‫ص‪35 .‬؛ عصام شبارو‪ ،‬تاريخ بيروت‪ ،‬دار مصباح الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،1987 ،‬ص‪ 50 .‬و‪51‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫‪ 663‬محمد علي مكي‪ ،‬لبنان من الفتح العربي الى الفتح العثماني‪ ،‬ص‪64 .‬‬

‫‪111‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫‪‬وقد حفظت هذه الجماعات التي لم تخرج أستمرار وجود الموارنة في‬ ‫الجبل‪.63 ‬‬ ‫وتحت عنوان ‪‬تأديب المتمردين في جبال لبنان‪ ‬يذكر عمر تدمري‪:‬‬ ‫حضر‬ ‫تحرك أهل المنيطرة وتمردهم لم يكن أبن ساعته‪ ،‬وانما كان ُي ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫األموية وانتقال العاصمة‬ ‫له منذ زمن قد يعود الى مرحلة سقوط الدولة‬ ‫ّ‬ ‫األسالمية على المنيطرة بالحملة التي قام بها‬ ‫ويشبه الحملة‬ ‫الى بغداد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العصاة في جبال الجرد وكسروان في القرن الرابع‬ ‫المماليك‬ ‫ً‬ ‫الحقا لتأديب ُ‬ ‫عشر الميالدي على حد تعبيره‪ُ ،‬ويضيف‪ :‬بذلك تكون خيول العرب قد‬ ‫ومرة‬ ‫مرة في عهد عبد الملك بن مروان‪ّ ،‬‬ ‫جاست تالل قرى لبنان وجباله ّ‬ ‫أخرى في عهد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي خالل أقل من قرن‬ ‫واحــد من الــزمــن‪ .64‬ويــرد تدمري أسباب هذه الثورة ألى أمتناع أهالي‬ ‫البيزنطية الهادفة لضرب‬ ‫الجزية والــى السياسة‬ ‫المنيطرة عن تأدية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخالفة عن طريق اثارة الفتن والعصيان‪ ،‬األمر الذي ّأدى الى إجالء عدد‬ ‫كبير من أهل الذمة من لبنان‪.65‬‬ ‫سمى‬ ‫وفي هذا األطار يرى أحد الباحثين أن هذه الثورة أتت من شاب ّ‬ ‫ملكا ذات شخصية أقرب الى األهتزاز منها الى الفهم واألدراك‪،‬‬ ‫نفسه ً‬ ‫ويــرى أنه ‪‬عندما خرج الملك المهزوز ـ أي بندار ـ من المنيطرة وراح‬ ‫تحول فعله‬ ‫يحرض الناس ضد فرض الضرائب التي أوجبها الوالي العباسي ّ‬ ‫ّ‬ ‫إخالال باألمن العام‬ ‫ً‬ ‫حربية يعتبرها الباحث العادي المجرد‬ ‫ممارسة‬ ‫الى‬ ‫ّ‬ ‫في البالد‪ ...‬فكان ألية دولة تحترم نفسها من أن تحمي أمنها وتضرب‬ ‫الفتنة من أي مصدر أتت‪ .66‬وتنسج على نفس المنوال إحدى الباحثات‬ ‫مؤكدة أن األمام األوزاعي قاتل بشخصه ُعصاة مدينة بيروت ‪‬واشترك في‬ ‫األستيالء على حصن المنيطرة وهدمه‪ُ ،67‬وتشيد في نفس الوقت برسالة‬ ‫األمام الشهيرة تجاه سكان الجبل‪.‬‬


‫ً‬ ‫ثالثا‪ :‬األستنتاجات‬ ‫‪ 1.1‬ان الثورة لم تكن محصورة باهالي المنيطرة أو بفريق منهم كما يذكر‬ ‫الجبليين‬ ‫مكي عندما يستنتج أن السكان‬ ‫البعض‪ ،68‬وال نوافق محمد علي ّ‬ ‫ّ‬ ‫القاطنين بين بسكنتا ومـشــارف بـيــروت ‪‬لــم يخرجوا ولــم يشتركوا في‬ ‫الثورة‪ .69‬هذه الثورة شملت معظم قرى جبل لبنان إن لم نقل كلها والدليل‬ ‫على ذلك قول البالذري‪ :‬خرج بجبل لبنان قوم شكوا‪ ،70...‬فلو كانت‬ ‫الثورة محصورة في المنيطرة فقط لكان ذكر الموقع باألسم‪ ،‬وكذلك فعل‬ ‫‪‬تيوفان‪ ‬الذي روى أن العديد من‬ ‫اللبنانيين التجأوا الى قائد الثورة‪.71‬‬ ‫ّ‬ ‫أهمية في الموضوع فتراه يقول‪:‬‬ ‫االكثر‬ ‫ّأما ابن عساكر وهو صاحب النص‬ ‫ّ‬ ‫‪72‬‬ ‫‪‬فاجتمع عليه ـ أي بندار ـ أنباط جبل لبنان وغيرهم‪ ، ...‬وقد أحصى‬ ‫ابن عساكر خمسة اآلف مقاتل الى جانب بندار‪ ،‬وهذا األمر ال ُيمكن لقرية‬ ‫أو لمجموعة قرى أن تقدمه من المقاتلين‪.‬‬ ‫‪112‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫‪ 2.2‬إن‬ ‫التجييش الذي أقدم عليه والي دمشق لقمع الثورة الرافضة للحكم‬ ‫ّ‬ ‫العباسي‪ ،‬لم يكن سببه ما قام به بندار فقط بل يتعدى ذلك الى خرق عقد‬ ‫العباسية‪ ،‬وعندما ُيخرق‬ ‫الذمة الذي كان يربط أنباط جبل لبنان بالسلطة‬ ‫ّ‬ ‫عقد الذمة ُيحلَ ل مقاتلة‬ ‫الذميين قانونً ا‪ .73‬وقد تكون هذه المعادلة هي التي‬ ‫ّ‬ ‫دفعت بأهل جبل لبنان الى الثورة والتمرد‪ ،‬ضف الى ذلك ان خرق العقد‬ ‫األسالمية‬ ‫المذكور لم يكن سببه الجراجمة أو أهالي المنيطرة بل السلطة‬ ‫ّ‬ ‫نفسها‪ ،‬باعتبار أن المنصور كان ُينكل بالناس وبكل ما يخطر بالبال من‬ ‫أمية‪،‬‬ ‫حيا من بني ّ‬ ‫مالحقة وابتزاز وذلــك تحت ستار الترصد لمن بقي ًّ‬ ‫كما أخضع الرهبان للجزية وصادر األواني الذهبية من الكنائس وضاعف‬

‫‪ 668‬إبراهيم بيضون‪ ،‬لبنان في العهدين األموي والعباسي‪ ،‬في لبنان في تاريخه‬ ‫وتراثه‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬بيروت‪ ،1993 ،‬ص‪171 .‬‬ ‫مكي‪ ،‬لبنان من الفتح العربي الى الفتح العثماني‪ ،‬ص‪65 .‬‬ ‫‪ 669‬محمد ّ‬ ‫‪ 770‬البالذري‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬ص‪166 .‬‬

‫‪ 771‬‬

‫‪THEOPHANE, The Chronicle, p. 597‬‬

‫البيزنطيين أو من المسلمين الناقمين على‬ ‫‪ 772‬المقصود بغيرهم هنا‪ ،‬ربما كانوا من‬ ‫ّ‬ ‫الحكم العباسي‬

‫‪ 773‬إبن سالم‪ ،‬األموال‪ ،‬ص‪ 178 .‬وما يلي‪( :‬إبن سالم هو أول من ذكر رسالة‬ ‫األوزاعي وقد وضعها تحت عنوان‪ :‬أهل الصلح والعهد ينكثون‪ ،‬متى تستحل دماؤهم؟)‬


‫‪THEOPHANE, The Chronicle, p. 595; Voir aussi: 774‬‬ ‫موريس فييه‪ ،‬أحوال النصارى في خالفة بني العباس‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪،1986 ،‬‬ ‫ص‪( ،59 – 58 .‬من المالحظ ان االب ‪‬فييه‪ ‬لم يشر في كتابه هذا الى ثورة المنيطرة)‬

‫‪ 775‬اندريه كحالة‪ ،‬مختصر في تاريخ المقاومة المسيحية‪،‬‬ ‫‪www.aramaic-dem.org‬‬

‫‪ 776‬إبن سالم‪ ،‬األموال‪ ،‬ص‪183 .‬‬

‫‪ 777‬ال يمكننا الركون الى روايات الشدياق البعيدة حوالي االلف عام عن األحداث التي‬ ‫نعالجها في هذا البحث‬ ‫‪ 778‬عمر تدمري‪ ،‬تاريخ طرابلس‪ ،‬ص‪125 .‬‬

‫ّ‬ ‫القطار‪ ،‬لبنان في القرون الوسطى‪ ،‬ص‪75 .‬‬ ‫‪ 779‬الياس‬

‫‪ 880‬إبراهيم بيضون‪ ،‬لبنان في تاريخه وتراثه‪ ،‬ص‪171 .‬‬

‫‪113‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫‪ 3.3‬لقد ارتأى بعض المؤرخين إعطاء هويات مختلفة لقائد الثورة بندار‬ ‫الذي يؤكد إبن عساكر انه من أهالي المنيطرة‪ .‬فمنهم من رأى أن بندار‬ ‫هذا ربما كان المقدم ‪‬الياس‪ ‬الــوارد ذكــره عند طنوس الشدياق‪ 77‬في‬ ‫كتابه ‪‬تاريخ األعيان في جبل لبنان‪ ‬أو ربما كان ‪‬تيودور‪ ‬الذي ذكره‬ ‫تيوفان في حوليته‪ ،‬وعليه توقع عمر تدمري أن يكون تيودور أحد قادة‬ ‫األسطول البيزنطي الــذي هاجم طرابلس في ذلك الوقت ‪‬وليس زعيم‬ ‫ويرجح الياس القطار أن يكون‬ ‫النصارى المتمردين في جبل لبنان‪.78‬‬ ‫ّ‬ ‫أخيرا الى الدولة‬ ‫‪‬بندار هو من الروم وليس من الموارنة باعتبار أنه هرب‬ ‫ً‬ ‫‪80‬‬ ‫البيزنطية‪ ،79‬في حين أطلق عليه ابراهيم بيضون لقب ‪‬األمير بندر‪. ‬‬ ‫ّ‬ ‫نؤكد ونقول إنه اذا قاربنا اللفظتين ‪‬بندار‪ ‬و‪‬تيودور‪ ‬نالحظ التشابه‬ ‫اللفظي والشكلي بينهما بفارق وضع النقاط على الحروف وهذا الخطأ‬ ‫كان يقع فيه الناسخون بكل سهولة‪ ،‬وعليه يكون تيودور الذي ذكره المؤرخ‬ ‫البيزنطي تيوفان ما هو إال بندار الذي ذكره إبن عساكر إذ ال يعقل أن يقوم‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫المسيحيين بشكل عام‪ .74‬هذه الضغوطات الدينية كان لها‬ ‫الضرائب على‬ ‫ّ‬ ‫األثــر الهام في انــدالع الثورة وهــذا ما يبرره ما قام به بندار بشأن رفع‬ ‫راية الصليب حسب ما أورد إبن عساكر‪ّ .‬أما عن ما قاله بعض الباحثين‬ ‫العباسيين ارتكبوا مجزرة في المنيطرة وذلك في‬ ‫في شأن الثورة من أن‬ ‫ّ‬ ‫‪‬حق األطفال والشيوخ والنساء‪ ،75‬فهذا أمر ال يتطابق مع المصادر‪ ،‬كما‬ ‫نستبعد ما أتى به بعض المؤرخين من أن أنباط جبل لبنان كانوا عصابات‬ ‫سماهم األوزاعي في رسالته‬ ‫نهب‬ ‫وسرقة‪ ،‬لكنهم أحرار أهل ذمة‪ ‬كما ّ‬ ‫‪76‬‬ ‫الشهيرة ‪.‬‬


‫إثنان بثورتين متشابهتين في السنة ‪758‬م نفسها وفي المكان نفسه ومع‬ ‫األشخاص أنفسهم‪.‬‬

‫‪ 4.4‬مــن الـمــرجــح أن ي ـكــون أن ـبــاط ق ــرى جـبــل لـبـنــان‪ ،‬وت ـحــديـ ًـدا الـقــرى‬ ‫الغنية‬ ‫المجاورة للمنيطرة‪ ،‬هم الموارنة أنفسهم خاصة وأن هذه القرى‬ ‫ّ‬ ‫جدا بالمزروعات والينابيع واألرض الخصبة كانت مأهولة بكل تأكيد في‬ ‫ً‬ ‫المارونية التي‬ ‫البطريركية‬ ‫منتصف القرن الثامن الميالدي‪ ،‬وتتوسطها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫انتقلت في هــذه الفترة من كفرحي الــى يانوح الواقعة على بعد بضعة‬ ‫سيرا على األقدام) من حصن المنيطرة‪ ،‬إذً ا‬ ‫كيلومترات (حوالي الساعة ً‬ ‫المارونية وسكان القرى المجاورة‬ ‫للبطريركية‬ ‫مقرا‬ ‫ال يعقل أن تكون يانوح ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لها ليسوا من الموارنة‪.‬‬

‫‪114‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫تاريخية بدلت معالم‬ ‫‪5.5‬نُ سجت بنظرنا‪ ،‬حيال نتائج ثورة المنيطرة‪ ،‬أسطورة‬ ‫ّ‬ ‫الميالديين في جبل لبنان‪ ،‬وهي‬ ‫األحــداث خالل القرنين الثامن والتاسع‬ ‫ّ‬ ‫‪81‬‬ ‫التنوخية‬ ‫العربية‬ ‫مسألة إسكان القبائل‬ ‫األسالمية في هذا الجبل‪ ،‬بحيث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُتفيد كل المراجع التي تناولت تاريخ لبنان الوسيط أنه ُبعيد انــدالع هذه‬ ‫الثورة وبسبب الفراغ السكاني الذي نتج عنها‪ ،‬استجلب الخليفة العباسي‬ ‫الجبلية المشرفة على بيروت‬ ‫التنوخية وأسكنها المناطق‬ ‫المنصور الجاليات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البيزنطيين على السواحل ومقاتلة المتمردين في جبل‬ ‫وذلك لصد غارات‬ ‫ّ‬ ‫أهمية قصوى لهذه المسألة لترابطها بالثورة من جهة‬ ‫لبنان‪ .‬إننا إذ نُ عير‬ ‫ّ‬ ‫وللتكوين السكاني ُ‬ ‫واثره على الحيز الجغرافي للبنان خالل القرون الوسطى‬ ‫من جهة أخرى‪،‬‬ ‫الحقا للدعوة الدرزية‪،‬‬ ‫بخاصة وأن هذه الجاليات استجابت ً‬ ‫ّ‬ ‫‪82‬‬ ‫وعليه بدأت تظهر معالم الكيان اللبناني على حد تعبير البعض ‪ ،‬في الوقت‬ ‫األستيطانية ازداد الشرخ‬ ‫الذي يرى فيه آخرون انه بسبب حملة المنصور‬ ‫‪ّ 83‬‬ ‫والتناقض السياسي بين المسلمين‬ ‫والمسيحيين في لبنان ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التنوخيين الى جبال لبنان في هذه‬ ‫لماذا نشكك في صدقية استجالب‬ ‫ّ‬ ‫الزمنية؟‬ ‫الفترة‬ ‫ّ‬ ‫في النقطة األولــى‪ ،‬نُ سجل في هذا االطــار الغياب الكلي للمصادر‬ ‫العلمية التي تبحث في هــذا األمــر والمصدر الوحيد الذي‬ ‫التاريخية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪ 881‬عباس أبو صالح وسامي مكارم‪ ،‬تاريخ الموحدين الدروز في المشرق العربي‪،‬‬ ‫منشورات المجلس الدرزي للبحوث واالنماء‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص‪27 .‬‬

‫مكي‪ ،‬لبنان من الفتح العربي الى الفتح العثماني‪ ،‬ص‪( 69 .‬يفيد‬ ‫‪ 882‬محمد علي ّ‬ ‫بالتنوخيين لمحاربة المردة أو الموارنة)‬ ‫أن جيء‬ ‫مكي ْ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 883‬وليد فارس‪ ،‬التعددية في لبنان‪ ،‬ص‪54 .‬‬


‫حتي‪ ،‬تاريخ لبنان‪ ،‬ص‪329 .‬‬ ‫‪ 886‬فيليب ّ‬

‫‪ 887‬عمر تدمري‪ ،‬غزاة بحر الشام‪ ،‬ص‪10 .‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫ّ‬ ‫القطار‪ ،‬منشورات الجامعة‬ ‫‪ 884‬مجهول‪ ،‬قواعد اآلداب حفظ األنساب‪ ،‬تحقيق الياس‬ ‫اللبنانية‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬ص‪29 .‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 885‬اليعقوبي‪ ،‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪399 .‬‬

‫‪115‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫صح‬ ‫يتحدث عن قدوم‬ ‫التنوخيين لملء الفراغ السكاني في الجبل ـ إذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪84‬‬ ‫وقوعه ـ هو كتاب ‪‬قواعد اآلداب حفظ األنـســاب‪ ، ‬الــذي يجعل من‬ ‫التنوخيين الى لبنان قبل ظهور األســام‪ .‬أما في النقطة الثانية‬ ‫قدوم‬ ‫ّ‬ ‫فقد ورد في تاريخ اليعقوبي‪ ،‬وهو مصدر ثقة‪ ،‬أن الخليفة المهدي خرج‬ ‫في العام ‪165‬ه‪781/‬م الى الشام ‪...‬فلما صار بجند ّقنسرين لقيته تنوخ‬ ‫بالهدايا وقالوا نحن أخوالك يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬من هؤالء؟ قيل‪:‬‬ ‫تنوخ حي ينتمي الى قضاعة ووصف له حالهم وكثرة عددهم‪ ،‬وقيل له‪:‬‬ ‫إنهم كلهم نصارى‪ ،‬فقال‪ :‬ال أرضاكم أنتم إلي خوؤلتي‪...85‬إن شهادة‬ ‫التنوخيين في عهد المنصور على األقل كانوا من‬ ‫اليعقوبي هذه توضح أن‬ ‫ّ‬ ‫إسالمية؟ والنقطة الثالثة‬ ‫المسيحيين‪ ،‬فكيف ّيتم إستجالبهم كجاليات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األساسيين لقدوم التنوخيين هما السجل األرسالني‬ ‫هي أن المرجعين‬ ‫ّ‬ ‫تب بعد القرن السابع عشر‬ ‫وأخبار األعيان في جبل لبنان وكالهما ُك َ‬ ‫الميالدي‪ ،‬فال يمكن الركون إليهما بين المصادر الموثوقة ألحداث القرن‬ ‫الثامن الميالدي‪.‬‬ ‫‪ 6.6‬إن ما قــام به اإلمــام األوزاع ــي في رسالته الشهيرة ربما كــان بداية‬ ‫أوال ومن‬ ‫أساسية لمسألة التعايش االسالمي ـ المسيحي في جبل لبنان ً‬ ‫ّ‬ ‫ثانيا‪ ،‬ذلك أن مضمون الرسالة ُيشير الى‬ ‫اللبنانية‬ ‫المناطق‬ ‫باقي‬ ‫في‬ ‫ثم‬ ‫ًّ‬ ‫سائدا آنذاك‪.‬‬ ‫إستنادا الى التشريع الذي كان‬ ‫عالقات طيبة بين األديان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫األنسانية خاصة‬ ‫في‬ ‫واألخوة‬ ‫والعطف‬ ‫العدل‬ ‫فكرة‬ ‫فاإلمام كان ُيشدد على‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬كما كان‬ ‫عندما كان األمــر يتعلق بغير المسلمين في الدولة‬ ‫ّ‬ ‫ُيحب البالد التي يعيش فيها ويعتز بمجدها الغابر‪ ،‬فهو ولد في بعلبك‬ ‫ونشأ في البقاع وسكن في بيروت وضواحيها‪ .‬يقول عنه فيليب حتي‪ :‬إنه‬ ‫ذمي‪ ،‬في حين‬ ‫كان ُيحلّ ل أكل اللحم إذا كان هذا اللحم من ذبح مرتد أو ّ‬ ‫كانت المذاهب‬ ‫تحرمه‪ .86‬وفي رسالة من األوزاعي الى‬ ‫األسالمية األخرى ّ‬ ‫ّ‬ ‫إسماعيل بن األزرق العامل على خراج بعلبك طلب اإلمام من األزرق ‪‬رفع‬ ‫الخراج عن بيت من أهل الذمة في البقاع أدوا اليه خدمة‪ ،‬فلما وصل كتابه‬ ‫الى إبن األزرق وضعه على عينيه وقضى للذمي بما يرغب‪.87‬‬


‫وتم نقل العاصمة‬ ‫‪ 7.7‬عندما وصل العباسيون الى السلطة في العام ‪750‬م ّ‬ ‫شجع هذا األمر‬ ‫من دمشق الى بغداد‪ ،‬تراجع نفوذهم في بالد الشام بحيث ّ‬ ‫إنفصالية كانت إحداها ثورة المنيطرة‪ .‬وهنا نسأل‪ :‬هل‬ ‫الى نشؤ حركات‬ ‫ّ‬ ‫مسيحيو جبل لبنان ثورة على الظلم واالستبداد‬ ‫ُيمكن اعتبار ما قام به‬ ‫ّ‬ ‫إستقاللية‬ ‫والضغط االقتصادي والديني فقط؟ أم ان ما قاموا به كان حركة‬ ‫ّ‬ ‫شبيهة بتلك التي قام بها أنباط جبل لبنان أيام معاوية وعبد الملك بن‬ ‫ملكا على الجبل ورغب‬ ‫مــروان‪ ،‬وإال لماذا لبس بندار التاج وأعلن نفسه ً‬ ‫بالتالي في توسيع رقعة مملكته باتجاه البقاع؟‬ ‫المصادر والمراجع‬ ‫‪116‬‬

‫المصادر العربية‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫ •إبن سالم أبو عبيد القاسم‪ ،‬كتاب األموال‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬بيروت‪.1988 ،‬‬ ‫ •إبن عساكر علي بن هبة اهلل‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬الجزء ‪ ،18‬دار‬ ‫الفكر‪ ،‬بيروت‪.1995 ،‬‬

‫ •إبــن عساكر علي بن هبة اهلل‪ ،‬تهذيب تاريخ دمشق‪ ،‬تحقيق بــدران‬ ‫وعبيد‪ ،‬الجزء السادس‪،‬المكتبة العربية في دمشق‪ ،‬دمشق‪.1930 ،‬‬ ‫ •إبن كثير عماد الدين إسماعيل‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬دار‬ ‫السعادة‪،‬القاهرة‪.1935 ،‬‬ ‫ •البالذري أحمد بن يحيى‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬تحقيق رضوان رضوان‪ ،‬دار‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.1991 ،‬‬ ‫ •المسعودي أبو الحسن علي‪ ،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ ،‬تحقيق‬ ‫شارل ّبال‪ ،‬منشورات الجامعة اللبنانية‪ ،‬خمسة أجزاء‪ ،‬بيروت‪.1970 ،‬‬ ‫ •اليعقوبي أحمد بن واضح‪ ،‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار صادر‪،‬‬ ‫بيروت‪.1992 ،‬‬ ‫ •اليعقوبي أحمد بن واضح‪ ،‬كتاب البلدان‪ ،‬القاهرة‪.1937 ،‬‬


‫ •أبو صالح عباس وسامي مكارم‪ ،‬تاريخ الموحدين الدروز في المشرق‬ ‫العربي‪ ،‬منشورات المجلس الــدرزي للبحوث األنماء‪ ،‬من دون مكان‬ ‫وتاريخ طبع‪.‬‬ ‫ •إسماعيل عادل‪ ،‬المردائيون (المردة) من هم؟ من أين جاؤوا؟ وما هي‬ ‫عالقتهم بالجراجمة والموارنة‪ ،‬دار النشر للسياسة والتاريخ‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.2000‬‬ ‫ •إسماعيل منير‪ ،‬التكوين السكاني واالجتماعي‪ ،‬ضمن محور عنوانه‬ ‫الجذور التاريخية والحضارية للبنان‪ ،‬في كتابة تاريخ لبنان إلى أين؟‪،‬‬ ‫مجموعة مؤلفين‪ ،‬مطابع المقاصد‪ ،‬بيروت‪.1993 ،‬‬ ‫ •البعيني حسن أمين‪ ،‬بيروت وصيدا وجبل لبنان الجنوبي في العصور‬ ‫القديمة والوسطى‪ ،‬دار التقدمية‪ ،‬المختارة‪ ،‬لبنان‪.2011 ،‬‬

‫ •بيضون إبراهيم‪ ،‬لبنان في العهدين األموي والعباسي‪ ،‬في لبنان في‬ ‫تاريخه وتراثه‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬بيروت‪.1993 ،‬‬ ‫ •تدمري عمر‪ ،‬غــزاة بحر الشام وامــراؤه في العصر العباسي‪ ،‬في‬ ‫مجلة تاريخ العرب والعالم‪ ،‬السنة السادسة‪ ،‬العدد ‪ ،1983 ،61‬والعدد‬ ‫‪.1984 ،62‬‬ ‫ •تدمري عمر‪ ،‬تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور‪ ،‬الجزء‬ ‫األول‪ ،‬مطابع دار البالد‪ ،‬طرابلس‪.1978 ،‬‬

‫ •تدمري عمر‪ ،‬لبنان من الفتح اإلسالمي حتى سقوط الدولة األموية‪،‬‬ ‫جروس برس‪ ،‬طرابلس‪.1990 ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ •جابر حسن‪ ،‬لبنان الوسيط والبدايات األولى لتمركز الطوائف‪ ،‬جريدة‬ ‫المستقبل‪ ،‬الثالثاء ‪ 22‬نيسان‪ ،‬العدد ‪ ،2941‬سنة ‪ ،2008‬رأي وفكر‪،‬‬ ‫ص‪.22 .‬‬

‫ •حتي فيليب‪ ،‬تاريخ العرب‪ ،‬دار الكشاف للنشر والتوزيع والطباعة‪،‬‬ ‫الطبعة الرابعة‪ ،‬بيروت‪.1965 ،‬‬

‫‪117‬‬

‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

‫ •بولس جواد‪ ،‬لبنان والبلدان المجاورة‪ ،‬بيروت‪.1973 ،‬‬

‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬

‫المراجع العربية‬


‫ •حتي فيليب‪ ،‬تاريخ سورية ولبنان وفلسطين‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬ترجمة‬ ‫كمال اليازجي‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪.1983 ،‬‬

‫ •حتي فيليب‪ ،‬تاريخ لبنان‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪.1959 ،‬‬

‫حمود سوزي‪ ،‬لبنان في العصر الوسيط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫ • ّ‬ ‫‪.2010‬‬ ‫ •الدويهي البطريرك إسطفان‪ ،‬أصــل الـمــوارنــة‪ ،‬تحقيق أنـطــوان ضو‬ ‫األنطوني‪ ،‬إهدن‪ ،‬لبنان‪.1973 ،‬‬

‫ •الــدوي ـهــي الـبـطــريــرك إس ـط ـفــان‪ ،‬تــاريــخ الـطــائـفــة ال ـمــارون ـيــة‪ ،‬طبعة‬ ‫الشرتوني‪ ،‬بيروت‪.1890 ،‬‬

‫‪118‬‬

‫ •الزيات حبيب‪ ،‬أديــار دمشق وبرها في األس ــام‪ ،‬مجلة المشرق‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،43‬الجزء األول‪.1949 ،‬‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫ •شبارو عصام‪ ،‬تاريخ بيروت‪ ،‬دار مصباح الفكر‪ ،‬بيروت‪.1987 ،‬‬

‫عبود‪،‬‬ ‫ •الشدياق طـ ّـنــوس‪ ،‬أخبار األعـيــان في جبل لبنان‪ ،‬دار نظير ّ‬ ‫بيروت‪.1993 ،‬‬

‫ •الصليبي كمال‪ ،‬منطلق تاريخ لبنان‪ ،‬منشورات كــارافــان‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1979‬‬

‫إسالمية في تاريخ لبنان والمنطقة‪ ،‬دار‬ ‫ضناوي محمد علي‪ ،‬قراءة‬ ‫ • ّ‬ ‫ّ‬ ‫االيمان للطباعة والنشر‪ ،‬طرابلس‪.1985 ،‬‬ ‫ •ضو األب بطرس‪ ،‬تاريخ الموارنة الديني والسياسي والحضاري‪ ،‬دار‬ ‫النهار للنشر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬بيروت‪.1970 ،‬‬

‫ •عاقل نبيه‪ ،‬األمبراطورية البيزنطية‪ ،‬دمشق‪.1969 ،‬‬

‫ •عدوي إبراهيم‪ ،‬األمويون والبيزنطيون‪ ،‬القاهرة‪.1963 ،‬‬ ‫ •فارس وليد‪ ،‬التعددية في لبنان‪ ،‬الكسليك‪.1979 ،‬‬

‫ •فييه جــان مــوريــس‪ ،‬أح ــوال الـنـصــارى فــي خالفة بني العباس‪ ،‬دار‬ ‫المشرق‪ ،‬بيروت‪.1986 ،‬‬


‫الحيّز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬ ‫والتبعيّة في العهدين األموي والعباسي‬

119

.2007 ،‫ بيروت‬،‫ تاريخ لبنان الوسيط‬،‫ •قاسم طارق أحمد‬

ّ • ‫ مطبعة‬،‫ الجزء األول‬،‫ لبنان في الـقــرون الوسطى‬،‫القطار الـيــاس‬ .2003 ،‫ بيروت‬،‫ الدكوانة‬،Murex ‫ فــي الـعــاقــات‬،‫المسيحيون الـشــرقـيــون واألس ـ ــام‬ ،‫ •مـتــري ط ــارق‬ ‫ منشورات مركز الدراسات‬،‫ مجموعة مؤلفين‬،‫اإلسالمية – المسيحية‬ .1994 ،‫ بيروت‬،‫ بئر حسن‬،‫االستراتيجية والبحوث والتوثيق‬ ‫ دار‬،‫ لبنان من الفتح العربي الى الفتح العثماني‬،‫مكي محمد علي‬ ّ • .1977 ،‫ بيروت‬،‫النهار للنشر‬ ‫ في‬،‫المسيحية في العهد األموي‬ ،‫ •هزيم البطريرك اغناطيوس الرابع‬ ،‫ بيروت‬،‫ الفصل الخامس‬،‫مجلة المسيحية عبر تاريخها في المشرق‬ .2001 ‫المصادر األجنبية‬ • Acta Sanctorum, Martius, t. I, p. 887–888. • Elie de NISIBE, La chronographia d’Elie Bar Sinaya, traduction française pour la première fois d’après le manuscrit add. 7197 du Musée Britannique par L.J. Delaporte, Fasc. 181, de la Biblio. De l’Ecole des Haute d'Etudes, Paris, 1910. • MANBUGI-al, Mahboub, Kitab al – Unwan, édition et traduction A.A. Vasiliev, dans Patrologia Orientalis, t. VIII, Fasc. 3, Paris, 1912. • Michel Le Syrien, Chronique de Michel le Syrien, édition Chabot, t.II, Paris, 1901. • SATHAS K., Documents inédits relatifs à l’histoire de la Grèce au Moyen Age, t. IV, Paris, 1880–1890, p. LXIV–LXXIII. • THEOPHANE Le confesseur, The Chronicle of Theophanes confessor, translated by Cyril Mango and Roger Scott, Oxford, 1997.


‫المراجع األجنبية‬ • ANQUETIL – DUPERRON (A.M.), Recherches sur les migrations des Mardes, in Mémoires de l’Académie des Inscriptions et Belles-Lettres, t. XLV et L, Paris, 1793 et 1808. • BREHIER Louis, Vie et Mort de Byzance, édition Albin Michel, Paris, 1969. • CHALHOUB Georges, Recherches sur les Mardaites-Garagima, Kaslik – Liban, 1999. • DUSSAUD René, Topographie Historique de la Syrie antique et médiévale, (BAH 4), Paris, 1927. • LEMERLE Paul, Traité d’études Byzantines, P.U.F., Paris, 1958, (la chronologie par V. Grumel).

‫ جورج شلهوب‬.‫د‬

120


‫تراثنا التاريخي‬

‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬ ‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫أستاذ في الجامعة اللبنانية‬

‫إشكاليات النزاعات التاريخية في المقاطعات اللبنانية‬ ‫ليست المسأل ُة الطائفي ُة ظاهر ًة عادي ًة أو عابر ًة في تاريخ لبنان الحديث‬ ‫تشكل الطوائف في بالد الشام‪،‬‬ ‫والمعاصر‪ ،‬بل تعود جذورها إلى بدايات ُّ‬ ‫شكل ملجأً‬ ‫لطوائف كانت على عالقة سلبية‬ ‫وخصوصاً في جبل لبنان الذي ّ‬ ‫َ‬ ‫مع السلطة المركزية في المدن المجاورة‪ .‬ومنذ أواســط القرن التاسع‬ ‫نزاعات طائفية‬ ‫أكثرها دموي ًة‬ ‫عشر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫شهدت بالد الشام نزاعات دامية‪ُ ،‬‬ ‫مقاطعات لبنانية‬ ‫شهد ْتها‬ ‫ت ُس ّكانية واقتصادية َ‬ ‫تبدال ٍ‬ ‫لبنانية ‪ -‬لبنانية بسبب ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫استخدمت العصبيات‬ ‫تدخالت دول أوروبية في المشرق العربي‬ ‫سب َب ْتها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫العرقية والقبلية والعائلية والطائفية وغيرها لتفكيك السلطنة العثمانية‬ ‫عقدين عاشت المقاطعات اللبنانية صراعاً دموياً‬ ‫واقتسام والياتها‪ .‬وطيلة َ‬ ‫ُع ِرف بـ‪‬عهد الفتن‪( ‬بين ‪ 1840‬و‪ )1860‬انتهى بقيام متصرفية جبل لبنان‬ ‫الحرب‬ ‫حتى بداية الحرب العالمية األولى حين دخلت السلطن ُة العثماني ُة‬ ‫َ‬ ‫وألغت امتيازات اللبنانيين‪.‬‬ ‫في ‪‬عهد الفتن‪ ‬ذاك تميزت األح ــداث اللبنانية بكثير من التوتر‬ ‫زعماء الطوائف المتنازعة صراعاً دموياً لتثبيت الزعامة‬ ‫الطائفي‪ :‬خاض‬ ‫ُ‬ ‫وره ـ َـن كثير من الزعماء المحليين‬ ‫السياسية داخــل الطائفة الــواحــدة‪َ .‬‬ ‫مستقبلَ هم السياسي بقوى إقليمية كبرى لتثبيت سيطرتهم واالنتصار على‬ ‫ود ِّونَ ت األحداث التاريخية لتلك المرحلة وفق مرويات‬ ‫خصومهم المحليين‪ُ .‬‬ ‫طائفية متنافرة ومنحازة‪ ،‬دلّ ت على ذهنية سياسية لدى القوى السلطوية‬ ‫في المقاطعات اللبنانية‪ ،‬فشكلت مزيجاً من ذهنية عائلية وقبلية ومذهبية‬ ‫ِّ‬ ‫توظف الجماعة في خدمة زعامة فردية ومصالح شخصية بالدرجة األولى‪.‬‬ ‫أثر ّأو ُل في تعميق االنتماء إلى زعيم الطائفة أو شيخ‬ ‫وكان لتلك السياسة ٌ‬ ‫توحد بين اللبنانيين على اختالف‬ ‫مركزية‬ ‫دولة‬ ‫إلى‬ ‫العائلة عوض االنتماء‬ ‫ِّ‬ ‫مناطقهم وطوائفهم‪.‬‬


‫‪122‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫بعد إلغاء اإلمارة الشهابية ذات الطابع اللبناني الواضح عام ‪1843‬‬ ‫شكل نقطة‬ ‫لحكم جبل لبنان بصورة مباشرة‪ ،‬ما َّ‬ ‫توج ٌه عثماني جديد ْ‬ ‫برز ُّ‬ ‫التوجه‬ ‫وتزام َن ذاك‬ ‫تحول سلبي ًة جداً في تاريخ المقاطعات اللبنانية‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫العثماني الجديد مع والدة مشروع أوروبــي لتقسيم السلطنة العثمانية‬ ‫معسكرين‬ ‫ض‬ ‫مؤيد‬ ‫فانقسم زعماء الطوائف في جبل لبنان بين‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ومعار ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تتجدد حتى اليوم ولو‬ ‫خارجيين‪ ،‬ما أسس لمرحلة نزاعات طائفية ال تزال‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بأشكال متنوعة‪.‬‬ ‫استخدام‬ ‫انطالقاً من قواعد علمية معتمدة في التاريخ اإلجتماعي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مصطلح ‪‬لبنان‪ ‬الدولة ذات الحدود الواضحة قبل إعــان دولــة لبنان‬ ‫الكبير عام ‪ 1920‬ضمن حدوده الحالية المعترف بها دولياً يثير كثيراً من‬ ‫أن السجال السياسي والفكري حول تاريخ‬ ‫الجدل العلمي التاريخي‪ .‬من هنا ّ‬ ‫تميز بكثير من الحدة لتباين المواقف في النظر إلى والدة المسألة‬ ‫لبنان ّ‬ ‫وتطورها ومــا رافقها من نــزاعــات دموية وتــدخــات خارجية‪.‬‬ ‫اللبنانية‬ ‫ُّ‬ ‫والنزاعات الطوائفية أعاقت انتشار المنهج العلمي في تحليل المسألة‬ ‫اللبنانية على أسس سليمة‪ ،‬وكان من نتائجها المباشرة إعاقة اإلصالح‬ ‫ـوال إلــى عجز السلْ طة اللبنانية عن التوافق على‬ ‫على الصعد كاف ًة وصـ ً‬ ‫ب مدرسي موحد للتاريخ أو اعتماد الالمركزية اإلدارية وفق نصوص‬ ‫كتا ٍ‬ ‫الموحد‬ ‫وكل ذلك بسبب غياب القرار السياسي‬ ‫َّ‬ ‫مكتوبة في اتفاق الطائف‪ُّ ،‬‬ ‫والتصورات الذاتية المتباعدة للمؤرخين اللبنانيين حول تاريخ كل طائفة في‬ ‫ُّ‬ ‫ذاتها وإزاء الطوائف األخرى‪ .‬من هنا أن دراس َة المسألة اللبنانية فرص ٌة‬ ‫وتطو َر نظام سياسي أفضى‬ ‫ثمينة لمعالجة إشكاليات أساسية رافقت والد َة‬ ‫ُّ‬ ‫إلى قيام الدولة الحديثة في لبنان على أسس طائفية واضحة المعالم‪ ،‬وفْ ق‬ ‫مدون في‬ ‫ً‬ ‫أعراف وتقاليد غير مكتوبة في الميثاق الوطني‪،‬‬ ‫وصوال إلى نص ّ‬ ‫دستور لبنان ‪.1992‬‬ ‫أبرز تلك اإلشكاليات ‪:‬‬ ‫شكلَ ت الدولة اللبنانية‪،‬‬ ‫‪‬لبنانية‪ ‬المقاطعات الجغرافية التي ّ‬ ‫‪1.1‬إشكالي ُة‬ ‫ِ‬ ‫وكيفية تحديدها وفق المراحل التاريخية‪.‬‬

‫التنوع الطائفي‬ ‫‪2.2‬إشكالية هوية الشعب اللبناني المميزة على خلفية‬ ‫ُّ‬ ‫والتعددية الثقافية‪.‬‬

‫‪3.3‬إشكالية الزعامة السياسية ذات الطابع العائلي والطائفي ودورها في‬ ‫المسألة اللبنانية‪.‬‬


‫‪4.4‬إشكالية االنتقال من نظام األعيان المقاطعجي إلى الجمهورية اللبنانية‬ ‫في عهد اإلنتداب الفرنسي‪.‬‬

‫‪6.6‬إشكالية التداخل بين المحلي واإلقليمي للحفاظ على أمــن لبنان‬ ‫واسـتـقــراره وسيادته‪ ،‬واستقالله عن مشاريع ونــزاعــات إقليمية ودولية‬ ‫ساهمت في تفجير الصدامات الدموية على أرض لبنان‪.‬‬

‫ت محددة ُت ِّ‬ ‫شكل فيها‬ ‫بعض الطوائف ارتبط تاريخها بتاريخ مقاطعا ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أكثرية عددية ضمن رقعة جغرافية ارتبط تاريخها بها منذ قرون عدة‪:‬‬ ‫الموارنة في وادي قاديشا‪ ،‬الدروز في الشوف ووادي التيم‪ ،‬الروم األرثوذكس‬ ‫الس َّنة في إقليم الخروب‪ ،‬الشيعة في‬ ‫في الكورة‪ ،‬الروم الكاثوليك في زحلة‪ُّ ،‬‬ ‫كل منها تمركزت طوائف‬ ‫جبل عامل وبعلبك والهرمل‪ ،‬وغيرها‪ .‬وإلى جانب ٍّ‬ ‫صغيرة في بعض المقاطعات أو في أحياء مدينية محددة‪ ،‬وخصوصاً‬ ‫قوميات أو طوائف وفـ َـدت حديثاً إلى لبنان‪ :‬األرمــن‪ ،‬األكــراد‪ ،‬السريان‪،‬‬ ‫األشوريون‪ ،‬التركمان‪ ،‬العلويون‪ ،‬واألقباط‪ ،‬إلى وجود تاريخي ألقلية يهودية‬ ‫سكنت منذ قرون في حي وادي أبو جميل (بيروت)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫توحد‬ ‫الـتــاريـ ُـخ الحقيقي للمسألة اللبنانية هــو‬ ‫ُ‬ ‫البحث عــن مسير ٍة ِّ‬ ‫مفككة إلى دولــة مركزية‬ ‫المقاطعات اللبنانية وطوائفها‪ :‬من مقاطعات َّ‬ ‫باسم ‪‬لبنان الكبير‪ ،‬وهو تاريخ حافل بالنزاعات األهلية لكنه حافل أيضاً‬ ‫بقدرة تلك المقاطعات على لبننة الوافدين إليها واعتزازهم باالنتماء إلى‬ ‫لبنان الدولة المستقلة‪ .‬فالسلطنة العثمانية أوكلت إلى زعماء الطوائف‬ ‫اللبنانية ُح ْك َم مقاطعاتهم وجباية الضرائب منها بدون تدخل خارجي (إال‬

‫‪123‬‬

‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬

‫‪7.7‬إشكالية بـنــاء دول ــة مركزية عصرية على خلفية عصبيات طائفية‬ ‫شكلت‬ ‫متناحرة تواجه مشكالت حادة في النظر إلى ‪‬لبنانية‪ ‬مقاطعات َّ‬ ‫دولة لبنان الكبير‪ ،‬و‪‬لبنانية‪ ‬لبنانيين نالوا الجنسية بموجب اإلحصاء‬ ‫الرسمي اليتيم في ظل االنتداب الفرنسي عام ‪ ،1932‬وهذه مسألة منهجية‬ ‫بالغة الصعوبة تتزامن مع إشكاليات أخرى أكثر صعوبة لتحديد َمن هو‬ ‫عمره أكثر من‬ ‫ـخ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬اللبناني األصـيــل‪ ‬الــذي يحق له االنتساب إلــى تــاريـ ٍ‬ ‫خمسة آالف سنة‪ .‬فالمقاطعات اللبنانية وريث ُة حضارات متعاقبة ساهم‬ ‫فيها كنعانيون وفينيقيون وعرب ويونان ورومان وفُ رس وفرنجة ومماليك‬ ‫وعثمانيون وأوروبيون وغيرهم‪.‬‬

‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬

‫‪5.5‬إشكالية النظام الطائفي على قاعدة صيغة طوائفية توافقية غير‬ ‫تحولها‬ ‫مكتوبة وفق ‪‬الميثاق الوطني‪ ‬عام ‪ 1943‬في لبنان المستقل ثم ُّ‬ ‫إلى صيغة طوائفية مكتوبة وفق دستور ‪ 1992‬بعد اتفاق الطائف‪.‬‬


‫‪124‬‬

‫في حالة العصيان على السلطنة أو العجز عن دفع الضرائب للسلطنة في‬ ‫موعدها المحدد)‪ .‬شعر الزعماء اللبنانيون بنوع من االستقالل الذاتي‬ ‫في مقاطعاتهم شرط التزامهم بشعار ‪‬تقديم الطاعة للسلطان والضرائب‬ ‫تحول أساسي ًة‬ ‫للسلطنة‪َّ .‬‬ ‫وشكل األمير فخر الدين المعني الثاني نقط َة ُّ‬ ‫في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر بسعيه إلى توحيد السلطة المركزية في‬ ‫يد األمير الحاكم‪ .‬نجح مرحلياً في العصيان على السلطنة العثمانية وطلب‬ ‫فترتئذ قوية فأجهضت محاولته‬ ‫دعماً خارجياً من توسكانة‪ .‬كانت السلطنة‬ ‫ٍ‬ ‫مستمر ًة لدى زعماء‬ ‫بقيت نزع ُة االستقالل‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫وأعدمته في اآلستانة‪ ،‬إنما َ‬ ‫تعاوناً مع الخارج‪ ،‬فتكررت مع ارتباط األمير بشير‬ ‫الطوائف في لبنان ُ‬ ‫الشهابي الثاني الكبير بعصيان محمد علي باشا والي مصر على السلطنة‬ ‫عندئذ تحولت المقاطعات اللبنانية مسرح‬ ‫العثمانية واحتالله بالد الشام‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومناصر‬ ‫المصري‬ ‫الحك َم‬ ‫ْ‬ ‫مؤيد‬ ‫صراع دموي بين قوى محلية انقسمت بين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫السلطن َة العثمانية‪ .‬انتهى محمد علي مهزوماً واألمير بشير الشهابي منفياً‬ ‫حتى وفاته في اآلستانة‪.‬‬

‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫المسار التاريخي للمسألة الطائفية في المقاطعات اللبنانية‬ ‫تحزبات‬ ‫حتى نهاية الحكم الشهابي لم تكن الطائفية عنصراً أساسياً في ُّ‬ ‫اللبنانيين أو ‪‬غرضياتهم‪ ‬السياسية‪ ،‬وال كانت للزعماء السياسيين برامج‬ ‫فالحيهم في‬ ‫معينة يطالبون بها ويحاولون تحقيقها‪ .‬كانوا يتضامنون مع ّ‬ ‫السراء والضراء‪ ،‬وغالباً ما تنازع الزعماء اللبنانيون في ما بينهم دفاعاً عن‬ ‫مصالحهم الشخصية بالدرجة األولى‪.‬‬ ‫انقسم األمراء الشهابيون‪ ،‬فكان منهم من طمع بالوصول إلى السلطة‬ ‫بالدسائس ضد أخيه أو نسيبه الحاكم وأَ لَّ ب عليه الزعماء اآلخرين‪ .‬وكان‬ ‫األمير الحاكم يقابلهم بالمثْ ل َفت ُع ُّم ال ِفتن مناطق اإلمارة وتتجاوزها أحياناً‬ ‫إلى مناطق مجاورة‪ .‬وتميزت السلطة السياسة في مقاطعات جبل لبنان‬ ‫ِب ِسمات بــارزة ال يــزال بعضها مستمراً بأشكال متعددة في تاريخ لبنان‬ ‫المعاصر‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫التفرد بالسلطة لكنه في‬ ‫‪1.1‬إقام ُة نظام سياسي متعدد األقطاب يمنع‬ ‫ُّ‬ ‫الوقت ذاته يمنع قيام دولة مركزية ذات ركائز صلبة‪.‬‬

‫‪2.2‬ارتباطُ النظام السياسي الطائفي بخصائص سلبية لكثرة فتن طائفية‬ ‫تجد َدت في القرن العشرين‪.‬‬ ‫شهدها جبل لبنان أواسطَ القرن التاسع عشر‪َّ ،‬‬


‫بروز تحالف شبه ثابت بين زعماء الدين وزعماء السياسية على امتداد‬ ‫‪ُ 4.4‬‬ ‫دعم ُه مباشر ًة ممثلو الــدول الكبرى‬ ‫المقاطعات اللبنانية‪ .‬وهــو تحالف‬ ‫َ‬ ‫فأجهض االنتفاضات الفالحية والشعبية المتالحقة‬ ‫العثمانية واألوروبية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ذكرتها في كتابي‬ ‫في جبل لبنان (نحو ‪ 30‬انتفاضة وفق معطيات دقيقة‬ ‫ُ‬ ‫‪‬االنتفاضات اللبنانية ضد النظام المقاطعجي‪.‬‬

‫ـون التراتبية االجتماعية في نظر عامة اللبنانيين نظاماً طبيعياً‬ ‫‪6.6‬كـ ُ‬ ‫مكانته‬ ‫لكل‬ ‫ُ‬ ‫محترماً مع أنه ال يعتبر الناس متساوين منذ الوالدة والنشأة بل ٍّ‬ ‫َ‬ ‫المميزة‪ .‬فاللبناني كان يرى طبيعياً أن يقبل االنتساب إلى طبقة العامة‬ ‫وتشكلَ ت الزعامة‬ ‫ّ‬ ‫أو طبقة الشيوخ أو طبقة المقدمين أو طبقة األمــراء‪.‬‬ ‫السياسية من أُ َسر أو عائالت تتوارث السلطة َويدين لها الناس بالطاعة‪،‬‬ ‫فتوطدت وحدة النظام السياسي في ظل اإلمارة على قاعدة والء العامة‬ ‫َ‬ ‫لألعيان في جبل لبنان‪.‬‬

‫ضاعف من حدة الصراع على السلطة‪.‬‬ ‫ض المصالح بين الزعماء‬ ‫َ‬ ‫‪7.7‬تناقُ ُ‬ ‫وألن الزعيم الكبير أو األمير الحاكم كــان قطب الـتــوازن السياسي بين‬ ‫مختلف الزعماء المحليين‪ ،‬كان ال بد من اختالل النظام السياسي كلما‬ ‫تبدل أمير بآخر‪ .‬ضعفت تدريجياً سلطة غالبية الزعماء مع بروز نزاع‬ ‫ّ‬ ‫بالتدخالت‬ ‫حاد بين أركان النظام السياسي جعلَ هم أكثر استعدادا للترحيب‬ ‫ُّ‬ ‫الخارجية‪ .‬وتراجع احترام األعيان لألمير الحاكم بموجب التقاليد الموروثة‬ ‫والعميقة الجذور‪ ،‬وباتت السلطة المركزية عاجز ًة عن فرض هيبة األمير‬ ‫سلع تشرى‬ ‫الحاكم على األعيان ورعاياهم بعد أن أصبحت خلعة اإلمارة ً‬ ‫قيام سلطة مركزية في جبل لبنان وزال حكم اإلمارة‬ ‫بالمال‪ ،‬فاستحال ُ‬ ‫وكانت المتصرفية ثم دولة لبنان الكبير‪.‬‬

‫‪125‬‬

‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬

‫تحو ُل الرعايا اللبنانيين من الوالء للزعيم المقاطعجي منفرداً ‪ ،‬إلى والء‬ ‫‪ُّ 5.5‬‬ ‫مزدوج للزعيم الديني والسياسي معاً تحت ستار ضمان اإلجماع الشعبي‬ ‫ومصلحة الجماعة الطائفية في مواجهة اإلجماع الشعبي لدى الجماعة‬ ‫الطائفية األخرى‪ ،‬ما ساعد على بلورة هوية طائفية قوية وفاعلة في جميع‬ ‫المقاطعات اللبنانية‪.‬‬

‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬

‫‪3.3‬كثر ُة انتفاضات فالحية متالحقة في النصف َ‬ ‫األول من القرن التاسع‬ ‫فالحي بالد الشام)‬ ‫تحرر الفالحين في جبل لبنان (قبل ّ‬ ‫عشر قادت إلى ُّ‬ ‫فتحرروا من تقاليد مقاطعجية مذلة كانت تسيء إلى كرامة االنسان‪ .‬وطيلة‬ ‫فالحي كسروان‪ ،‬كان المقاطعجيون في مناطق‬ ‫ثالث سنوات من انتفاضة ّ‬ ‫سيطرتهم تهددهم قوى فالحية وشعبية فاعلة‪.‬‬


‫هكذا يكون اللبنانيون‪ ،‬على اختالف طبقاتهم االجتماعية‪ ،‬شاركوا في‬ ‫صنع تاريخهم السياسي إبان السلطنة العثمانية‪ ،‬وتأثروا مباشرة بنزاعات‬ ‫اإقليمية ودولية دارت على أرضهم‪ ،‬فاكتسبوا خبرة سياسية عريقة ساعدت‬ ‫على انتقالهم من النظام المقاطعجي إلى ممارسة ديموقراطية توافقية على‬ ‫أسس طائفية بصورة فريدة في المشرق العربي‪.‬‬ ‫أبرز مظاهر تلك الديموقراطية‪:‬‬

‫تعزيز الحرية الفردية في المعتقد والفكر (ال يزال يميز الوضع اللبناني‬ ‫ ‪ .‬أ ُ‬ ‫حتى اآلن)‪ ،‬وظهور طبقة عامة وفالحين أحرار ّأثروا في السياسة اللبنانية‬ ‫منذ أواســط القرن التاسع عشر‪ ،‬وساهموا في عملية التغيير السياسي‬ ‫فالحي كسروان التي استمرت نحو ثالث‬ ‫لتاريخ لبنان الحديث بانتفاضة ّ‬ ‫سنوات أسست لتغييرات اجتماعية وسياسية ال سابق لها في جميع مناطق‬ ‫المشرق العربي ‪.‬‬

‫‪126‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫أوال ال‬ ‫بناء نظام لبناني (في عهد اإلمــارة) على االرتباط السياسي ً‬ ‫ ‪ .‬ب ُ‬ ‫الديني‪ ،‬وحماي ُة الحريات الدينية واحترام التراتبية االجتماعية والتقارب‬ ‫بين األعيان واألهالي أو العامة‪ .‬ومع أن الطائفية دخلت النظام السياسي‬ ‫تسع إلى تدمير التقاليد القديمة بل‬ ‫رسمياً في عهد المتصرفية لكنها لم َ‬ ‫عززت الترابط بين السلطة والشعب بتحالف األعيان القدامى والجدد‪.‬‬ ‫بروز ميل لدى الزعماء اللبنانيين العتماد صيغة ‪‬ال غالب وال مغلوب‪‬‬ ‫ ‪ .‬ج ُ‬ ‫(ال تزال تتكرر بعد نزاعات سياسية بأبعاد طائفية منذ أكثر من قرن ونصف‬ ‫فتجدد الحقاً‬ ‫القرن)‪ .‬انهار النظام المقاطعجي ولم َت ُز ْل ركائزه الموروثة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وحافظ على شرعيته داخل النظام الطائفي الجديد‪ ،‬كما وحافظ زعماء‬ ‫الطوائف على شرعية نظامهم القديم مع االعتراف بالشرعية الشعبية‬ ‫للنظام الطائفي الجديد‪ .‬وبينما شرعي ُة النظام القديم كانت تقوم على‬ ‫الوراثة بين ذوي القربى من أعيان الطبقة الحاكمة‪ ،‬قامت شرعية النظام‬ ‫الجديد على أساس االنتماء إلى جماعة طائفية ذات سمات خاصة بها‪.‬‬ ‫تضام ُن اللبنانيين لحماية وحدة الجماعة الطائفية (باعتبارها هوية‬ ‫ ‪ .‬د ُ‬ ‫مستقلّ ة) في مواجهة هويات طائفية أخرى ِّ‬ ‫تشكل مجتمع ًة الهوية اللبنانية‪.‬‬ ‫لكن المفارقة السياسية أن زعماء الطوائف حافظوا على هويتهم الخاصة‬ ‫كطبقة مسيطرة في النظام السياسي الجديد بينما بقي العامة في كل‬ ‫ملح ُقون‬ ‫طائفة جماع ًة تفتقر إلــى الخصوصية السياسية ألنهم رعايا َ‬


‫ـاالت حــادة بين المؤرخين اللبنانيين حــول كيفية تحديد‬ ‫بــرزت سـجـ ٌ‬ ‫‪‬االنتماء اللبناني‪ ‬عبر المراحل التاريخية انطالقاً من تحديد مفهوم‬ ‫الهوية اللبنانية والشعب اللبناني والسمات األساسية للزعامة العائلية‬ ‫والطائفية وأثرها في المسألة اللبنانية‪ ،‬ودور النظام الطائفي في تأسيس‬ ‫الصيغة السياسية اللبنانية‪ ،‬وانعكاس النزاعات اإلقليمية والدولية على أمن‬ ‫اللبنانيين‪ ،‬وإشكاليات خالفية أخرى ساهمت في تأجيج النزاعات الدموية‬ ‫فه ُم تلك النزاعات (يغلب عليها اليوم طابع مذهبي‬ ‫في لبنان‪ .‬وال‬ ‫ُ‬ ‫يمكن ْ‬ ‫وسياسي معاً ) إال باستكشاف التطور التاريخي للمسألة الطائفية في تاريخ‬ ‫لبنان الحديث والمعاصر‪.‬‬ ‫عرف لبنان ثالث مراحل متعاقبة من الطائفية‪:‬‬

‫عثماني للملل ضمن لزعماء الطوائف‬ ‫‪1.1‬طائفي ٌة مستقرة في إطار نظام ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫متقدماً في اإلدارات المحلية‪.‬‬ ‫موقعاً‬ ‫ِّ‬

‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬

‫مشكالت االنتقال من االنتماء الطائفي‬ ‫إلى االنتماء الوطني‬

‫‪127‬‬

‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬

‫بزعمائهم المدنيين والطائفيين‪ .‬ومؤخراً تراجع النظام السياسي اللبناني‬ ‫وحو ْلتها‬ ‫فك َكت الجماعات الشعبية‬ ‫مــن الطائفية إلــى مذهبية ضيقة َّ‬ ‫َّ‬ ‫طــوائــف متناحرة داخــل الــديــن الــواحــد‪ ،‬فحافظ زعـمــاء الـطــوائــف على‬ ‫تحدد مسار نظام سياسي طائفي‬ ‫شرعيتهم الموروثة واستمروا قوة فاعلة ِّ‬ ‫ويزودهم بمظاهر النفوذ للسيطرة على‬ ‫يحفظ لهم مصالحهم الشخصية ِّ‬ ‫وك ُل‬ ‫اللبناني‬ ‫رعاياهم‪ .‬وبالمقابل بقي‬ ‫العادي عضواً في جماعة طائفية ُت ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫إليه مهمة الدفاع حتى الموت عن مصالح زعماء الطوائف بدون أن ينال‬ ‫حــداً أدنــى من حماية شخصية لحقوقه الفردية والعائلية‪ .‬مع أن القيم‬ ‫أظهرتها اإليديولوجيا الطائفية طالبت بالمساواة بين أبناء‬ ‫الجديدة التي‬ ‫ْ‬ ‫الجماعة الواحدة من دون التقيد بعالقات النسب والمرتبة السابقة في‬ ‫ود َعــت إلى جعل القيادة السياسية حقاً شرعياً لكل فرد‬ ‫النظام القديم‪َ ،‬‬ ‫ينتمي إلى الجماعة الطائفية‪ ،‬يحمل قيمها ويدافع عن مصالحها‪ .‬لم ُتعد‬ ‫القيادة السياسية الفاعلة في النظام الطائفي حكراً على أبناء الزعامات‬ ‫اكتسبت شرعيتها بنشاطها الفردي‬ ‫القديمة‪ ،‬وبــرزت شخصيات جديدة‬ ‫َ‬ ‫القيادات الجديدة دوراً سياسياً بارزاً تشاركه‬ ‫وكفاءتها الشخصية‪ ،‬ولعبت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قوى شعبية تعود جذورها إلى العامة من أبناء الطائفة‪.‬‬


‫متفجرة في إطار مشروع استعماري أوروبي لتفكيك السلطنة‬ ‫‪2.2‬طائفي ٌة‬ ‫ِّ‬ ‫واقتسام والياتها‪ ،‬حركت زعماء الطوائف المحلية لبناء دول عصرية على‬ ‫أساس توزيع السلطات المحلية بين زعماء الطوائف‪.‬‬

‫مدمرة كانت أحد أسباب تفجير لبنان في حرب أهلية اندلعت‬ ‫‪3.3‬طائفي ٌة ِّ‬ ‫سنة ‪ 1975‬وال تزال نتائجها السلبية مستمرة حتى اليوم‪.‬‬

‫‪128‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫‪‬اتفاق الطائف‪ )1989( ‬أوقف تلك الحرب األهلية لكنه لم يحقق‬ ‫ـمنع تجددها‪ .‬فبعدما استرجعت الدولة اللبنانية‬ ‫اإلصالحات الضرورية ل ْ‬ ‫مركزيتها بموجب ذاك اإلتفاق لم َي ْس َع زعماء الطوائف اللبنانية جدياً‬ ‫لبناء دولة عصرية يتساوى فيها جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات‬ ‫وتجاوز سلبيات المرحلة الطائفية الطويلة‪.‬‬ ‫على أساس المواطنة السليمة‬ ‫ُ‬ ‫دخــلَ ــت على الدستور‬ ‫وصــدر الدستور اللبناني الجديد (‪ )1992‬بعدما أُ ِ‬ ‫بعضها االنتماء الطائفي والمذهبي‬ ‫القديم (‪)1926‬‬ ‫عزز ُ‬ ‫تعديالت جذرية ّ‬ ‫ٌ‬ ‫على حساب االنتماء الوطني‪ .‬هكذا ترسخت في الدستور طائفي ُة الرئاسات‬ ‫مدونة في‬ ‫الثالث بعدما كانت ُعرفاً في ميثاق ‪ ،1943‬وبموجب نصوص َّ‬ ‫تكر َست رئاسة الجمهورية لماروني‪ ،‬ورئــاســة مجلس‬ ‫الدستور الجديد ّ‬ ‫النواب لشيعي‪ ،‬ورئاسة الحكومة لسني‪ ،‬وإذا بالممارسة السياسية لزعماء‬ ‫الطوائف أَ جهضت جميع مشاريع االصالح السياسي واإلداري واالقتصادي‬ ‫واالجتماعي منذ اتفاق الطائف حتى اليوم‪ .‬وانتشرت واسع ًة ‪‬ثقاف ُة الفساد‬ ‫الحكم مراراً في‬ ‫واإلفساد‪ ‬وفق توصيف الدكتور سليم الحص الذي مارس ْ‬ ‫تلك المرحلة ولــم يستطيع إحــداث أي تغيير في بنية النظام السياسي‬ ‫قناعة راسخة بأن في لبنان كثيراً من‬ ‫الطائفي في لبنان حتى توصل إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وقليال من الممارسة الديموقراطية السليمة‪.‬‬ ‫الحريات العامة والخاصة‬ ‫ً‬ ‫سيد‬ ‫وطن ٌ‬ ‫جاء في مقدمة الدستور اللبناني الجديد (‪ )1992‬أن ‪‬لبنان ٌ‬ ‫واحد أرضا وشعباً ومؤسسات‪ ،‬في حدوده‬ ‫مستقل نهائي لجميع أبنائه‪،‬‬ ‫حر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دولياً ‪ .‬وفي التربية والتعليم‬ ‫نَ ص الدستور على ‪‬توفير العلم للجميع وجعله إلزامياً في المرحلة االبتدائية‬ ‫على األقل‪ ،‬وعلى ‪‬حرية التعليم وفقاً للقوانين واألنظمة العامة‪ ،‬وحماية‬ ‫التعليم الخاص‪ ،‬وتعزيز رقابة الدولة على المدارس الخاصة وعلى الكتاب‬ ‫المدرسي‪ ،‬وإصالح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما‬ ‫يلبي ويالئم حاجات البالد االنمائية واالعمارية‪ ،‬وإصالح أوضاع الجامعة‬ ‫اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية‪ ،‬وإعادة النظر‬ ‫يعزز االنتماء واالنصهار الوطنيين‪ ،‬واالنفتاح‬ ‫في المناهج وتطويرها بما ّ‬ ‫الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية‪.‬‬


‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬ ‫‪129‬‬

‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬

‫وحددت وزارة التربية الوطنية في لبنان أهداف ومناهج تدريس مادة التاريخ‬ ‫‪‬تسهم مادة التاريخ إسهاماً‬ ‫في مراحل التعليم العام قبل الجامعي‪ ،‬على أن ْ‬ ‫بارزاً في ثقافة التلميذ الوطنية واإلنسانية‪ ،‬وفي تنمية معارفه العلمية‪ ،‬وفي‬ ‫تربيته تربية سليمة‪ .‬لكن تطبيق اتفاق الطائف تعثَّ َر بسبب هيمنة النزعة‬ ‫الطائفية ثم المذهبية لدى زعماء الطوائف في لبنان‪ ،‬ما حال دون تنفيذ‬ ‫غالبية البنود اإلصالحية ومنها كتاب التاريخ المدرسي الموحد‪.‬‬ ‫الحرب اللبنانية دون أن ينجح زعماء لبنان‬ ‫اتفاق الطائف‬ ‫هكذا أوقف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تجددها‪.‬‬ ‫في تحصين الساحة اللبنانية والعيش المشترك من مخاطر‬ ‫ًّ‬ ‫شدد على أزلية لبنان وعروبته ونظامه الديموقراطي‬ ‫فالدستور الجديد َّ‬ ‫وفق مبادئ نظرية سليمة لكنه أَ ْوكل شؤون الحكم إلى زعماء الطوائف وفق‬ ‫صيغة طائفية مولِّ َد ٍة النزاعات الدموي َة بين اللبنانيين‪ .‬ثم دخل هؤالء في‬ ‫نزاع صراع سياسي مستمر حول تحديد الصالحيات ألركان السلطة في‬ ‫لبنان‪ .‬وتشهد الساحة اللبنانية اليوم حراكاً من نوع آخر‪ :‬بروز تيار شبابي‬ ‫يدعو إلى تغيير النظام السياسي الطائفي في لبنان أو تعديله‪ ،‬وتوحيد جهود‬ ‫تهدد لبنان‪ ،‬وبخاصة المشروع‬ ‫جميع اللبنانيين لمواجهة تحديات كبيرة ِّ‬ ‫االستيطاني الصهيوني الذي يرتبط وثيقاً بمشروع الشرق األوسط الكبير‬ ‫في رعاية أميركية ‪ -‬إسرائيلية‪.‬‬ ‫وهكذا بات واضحاً أن قوة الزعيم الطائفي في لبنان باتت على حساب‬ ‫إضعاف السلطة المركزية للدولة اللبنانية‪ .‬وللحفاظ على موقع ثابت في‬ ‫النظام السياسي الطائفي اللبناني‪ ،‬دافع الزعيم عن مصالحه الشخصية‬ ‫مستخدماً روابـطــه العائلية والطائفية والزبائنية وتحالفات المصالح‬ ‫المتبادلة‪ .‬فالغاية لديه تبرر الوسيلة‪ .‬وباتت النزاعات الدموية إحدى‬ ‫جماهير‬ ‫وسائل بشعة ما زال بعض زعماء لبنان يلجأون إليها ويعاملون‬ ‫َ‬ ‫الطوائف رعايا لهم بعدما عجز أفــرادهــا عن تأكيد هويتهم كمواطنين‬ ‫أحرار في دولة ديموقراطية عصرية‪ .‬والصراع المستفحل على السلطة في‬ ‫لبنان أظهر أن التجاذب السياسي الحاد ّ‬ ‫يعطل نظام الحكم ومصالح جميع‬ ‫ضمن لزعماء الطوائف مصالحهم الشخصية أو الحزبية‬ ‫اللبنانيين لكنه َي َ‬ ‫الضيقة على حساب قيام الدولة ومؤسساتها وجماهير جميع‬ ‫أو الطائفية‬ ‫ِّ‬ ‫الطوائف‪ ،‬وبخاصة فئة الشباب التي تعاني من الفقر والبطالة والهجرة‬ ‫القسرية إلى الخارج بأعداد سنوية كبيرة‪.‬‬ ‫شكل صيغة مريحة جداً لزعماء الطوائف‬ ‫هذا النظام السياسي الطائفي َّ‬ ‫حاد‬ ‫مذهبي‬ ‫صراع‬ ‫إلى‬ ‫وأفضى‬ ‫الدولة‬ ‫لكنه َش َّل ُكلياً أو جزئياً مؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫لبنان اليوم‬ ‫رسم خطوط تماس سياسية جديدة بين اللبنانيين‪ ،‬حتى بات‬ ‫ُ‬


‫‪130‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫تهدد‬ ‫أسير تشنجات داخلية كثيرة في ظروف إقليمية ودولية خطيرة جداً ِّ‬ ‫منطقة الشرق األوسط بأكملها‪ .‬ودعا ُة الوحدة الوطنية‪ ،‬على أسس غير‬ ‫تنمي االنتماء إلى الوطن ال إلى زعماء الطوائف في لبنان‪ ،‬يدركون‬ ‫طائفية ِّ‬ ‫أن مهمتهم ليست سهلة‪ ،‬فالوظيفة السياسية للطائفية حماي ُة نظام سياسي‬ ‫مبني على أسس طائفية أثبت قدرة فائقة على جمع الزعامات الطائفية‬ ‫ّ‬ ‫حينما يتفرقون مرحلياً بسبب مصالحهم الشخصية المتضاربة‪ .‬وبالمقابل‬ ‫أثبتت الطائفية قدرتها على تفكيك القوى السياسية أو الشبابية المجتمعة‬ ‫تحت شعار ‪‬إسقاط النظام الطائفي‪ ‬ال ‪‬إلغاء الطائفية‪ ‬بعد إقحام‬ ‫ث عقيم ٍ عن شعار ‪‬إلـغــاء الطائفية من النفوس‬ ‫الشباب في دوام ـ ِـة بح ٍ‬ ‫توازنات‬ ‫تجدد النظام السياسي وفق ُ‬ ‫قبل إلغائها من النصوص‪ ،‬أتــاح ُّ‬ ‫مذهبية جديدة إلبعاد خطر التغيير الجذري واإلصــاح البنيوي‪ .‬وعاد‬ ‫فتكرر بأشكال مختلفة منذ قيام الدولة اللبنانية‬ ‫هذا المشهد السياسي‬ ‫ّ‬ ‫توازنات الميثاق الوطني والعيش المشترك‬ ‫المستقلة (‪ )1943‬على قاعدة ُ‬ ‫أي تغيير جذري يطال‬ ‫بين الطوائف‪ .‬ورفض زعماء الطوائف‪ ،‬بإصرار‪َّ ،‬‬ ‫بنية النظام السياسي في لبنان ويمنع توريث األبناء في سلسلة وراثات‬ ‫سياسية عائلية مستمرة منذ مئات السنين‪.‬‬ ‫اآلفاق المستقبلية للديمقراطية الطوائفية بخصائص لبنانية‬ ‫تلك إشكالية المسألة الطائفية اللبنانية على ضــوء تاريخها‪ ،‬وفْ ق‬ ‫تقدم قراءة علمية دقيقة لنشوء النظام السياسي‬ ‫ٍ‬ ‫منهجية للتاريخ االجتماعي ّ‬ ‫الطائفي وتـطـ ُّـوره في لبنان‪ .‬وتلك صــورة واضحة لطبيعة هــذا النظام‪،‬‬ ‫تأسس عليها فــإذا بالممارسة العملية للسياسة‬ ‫وتحديد ركائز طائفية َّ‬ ‫تؤدي إلى مقتل عدد كبير من زعماء الطوائف في لبنان بسبب‬ ‫الطوائفية ّ‬ ‫جسدية لرموز المعارضة‬ ‫تصفية‬ ‫اعتماد‬ ‫صراعهم على السلطة‪ ،‬وإلــى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫السياسية أضحت سم ًة بــارزة لنظام لبناني قام على قاعدة ديمقراطية‬ ‫توافقية شكلية تفتقر إلى احترام حقوق اإلنسان اللبناني بصفته مواطناً ال‬ ‫واحداً من رعايا الطوائف‪.‬‬ ‫مــن هنا أن المفكر اللبناني ميشال شيحا (األب الــروحــي لصيغة‬ ‫ت الممارسة السياسية لزعماء‬ ‫العيش المشترك بين الطوائف اللبنانية) نَ َع َ‬ ‫الطوائف في لبنان بأنها ‪‬ديكتاتورية ُم َق َّنعة‪ .‬ولبنان اليوم في حاجة إلى‬ ‫محدقة باللبنانيين‪،‬‬ ‫استراتيجية وطنية جامعة لمواجهة تحديات خطيرة ْ‬ ‫أبرز تجلياتها‪:‬‬


‫بناء وحدة داخلية صلبة لمواجهة تدخالت خارجية ال تزال ّ‬ ‫تؤثر جداً‬ ‫‪ُ 2.2‬‬ ‫في تفجير الساحة اللبنانية منذ أواســط القرن التاسع عشر‪ ،‬وال يزال‬ ‫تأثيرها قوياً حتى اليوم بفضل نضالها المتواصل كي يصبح النظام اللبناني‬ ‫ديمقراطياً ويتجاوز سلبيات نظام مقاطعجي سابق تميز بالتصفيات‬ ‫الدموية‪.‬‬

‫شكل‬ ‫‪4.4‬‬ ‫التحالف المرحلي وفــق مصالح مشتركة بين زعماء الطوائف َّ‬ ‫ُ‬ ‫نوعاً من التصالح بين القوى المسيطرة وما زال مستمراً في لبنان‪ ،‬فإذا‬ ‫النزاعات الداخلية التي عاشها لبنان دوما غالبا ما تنتهي بالعودة إلى شعار‬ ‫‪‬ال غالب وال مغلوب‪ ،‬لتالفي مخاطر الصدامات الطائفية المتفجرة‪،‬‬ ‫وضمان استقرار النظام السياسي‪ ،‬وإيـجــاد صيغة مرنة لتحالف أبناء‬ ‫العائالت مع زعماء يمثلون أحزاباً وقوى سياسية جديدة تبحث عن موقع‬ ‫لها في النظام السياسي القديم‪.‬‬

‫‪5.5‬تجرب ُة الديموقراطية التوافقية ما زالت تتعثر في لبنان ألسباب ذاتية‬ ‫وموضوعية‪ .‬واللبنانيون مدعوون لدراسة تجارب مماثلة نجحت في بناء‬ ‫الديموقراطية التوافقية‪ ،‬أبرزها تجربة سويسرية أقامت وحدة داخلية‬ ‫تشجع اإلنتاج والقوى المنتجة‪ ،‬بينما‬ ‫صلبة على قاعدة رأسمالية عقالنية ِّ‬ ‫قادة االقتصاد في لبنان تبنوا رأسمالية ريعية جمعت ثروات ضخمة على‬ ‫حساب إفقار اللبنانيين‪ ،‬وفشلَ ت في حل أبسط المشكالت االجتماعية‬ ‫كالكهرباء والمياه والنفايات والتعليم والصحة والبطالة والفقر والمخدرات‬ ‫وغيرها‪ .‬ومــن ّأول واجـبــات المثقفين اللبنانيين‪ :‬إنتاج مقوالت نظرية‬

‫‪131‬‬

‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬

‫‪3.3‬اإلفــاد ُة القصوى من انتفاضات شعبية في لبنان ساهمت منذ القرن‬ ‫التاسع عشر في تحرر اإلنسان اللبناني‪ .‬أُ دخلت تعديالت سياسية جذرية‬ ‫في صلب النظام السياسي القديم فلم يعد حكراً على أبناء العائالت العريقة‬ ‫فحسب بل أتاح بروز قيادات جديدة من القوى الشعبية ومن البرجوازية‬ ‫الحديثة النشأة‪ ،‬وبخاصة بورجوازية الحرير وبورجوازية االغتراب التي‬ ‫المستقرة في‬ ‫تزايد دورها بقوة‪ .‬وأدخل نظام المتصرفية سمة الطائفية‬ ‫ّ‬ ‫صلب النظام السياسي‪ ،‬ما ساعد على استقرار جبل لبنان أكثر من نصف‬ ‫معقدة‪.‬‬ ‫قرن في ظروف إقليمية ّ‬

‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬

‫التمس ُك بالحدود الجغرافية التي رسمها اإلعالن عن دولة لبنان الكبير‬ ‫‪ُّ 1.1‬‬ ‫(‪ .)1920‬فالدولة اللبنانية العصرية آنذاك لم تنشأْ بمجرد قرار فرنسي‬ ‫قادتها قوى لبنانية من مواقع طائفية وسياسية‬ ‫سبق ْتها نضاالت تاريخية ْ‬ ‫بل َ‬ ‫متنوعة‪ ،‬ثم نجحت الحقاً في ‪‬لبننة‪ ‬جميع المناطق والطوائف في لبنان ‪.‬‬


‫‪132‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫لبنانية تؤسس للحفاظ على العيش‬ ‫بخصائص‬ ‫فاعلة‬ ‫لديمقراطية‬ ‫جديدة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫المشترك وضمان التفاعل اإليجابي بين القوى االجتماعية‪ .‬ولعل أبرز‬ ‫أهــدافـهــا تتمحور حــول النقاط التالية‪ :‬ترسيخ السلم األه ـلــي‪ ،‬رفض‬ ‫االحتكام إلى السالح‪ ،‬إدانــة العنف الدموي‪ ،‬احترام التعددية السكانية‬ ‫والـتـنــوع الثقافي فــي لبنان‪ ،‬الحفاظ على الـحــريــات الـفــرديــة والعامة‪،‬‬ ‫وللن َخب‬ ‫تحاشي شعارات ّ‬ ‫تشكل تهديداً للعيش المشترك والوحدة الوطنية‪ُّ .‬‬ ‫دور أساسي في تنبيه رجال‬ ‫المتنورة‬ ‫واإلعالمية‬ ‫واالجتماعية‬ ‫االقتصادية‬ ‫ٌ‬ ‫المال واألعـمــال في لبنان إلــى مخاطر سياسات اقتصادية واجتماعية‬ ‫على الساحة اللبنانية‪ .‬فنجاح تجارب التحديث في العالم تعود الى دور‬ ‫بورجوازية االنتاج التي ُتشارك في تطوير القوى المنتجة وعالقات االنتاج‪.‬‬ ‫وبالمقابل ما زال اللبنانيون أسرى بورجوازية ريعية تقوم على الخدمات‬ ‫ونشر الفساد واإلفساد في‬ ‫والمضاربات العقارية والصفقات المشبوهة ْ‬ ‫مختلف إدارات الدولة اللبنانية ومؤسساتها‪.‬‬ ‫لهذه األسباب فشلت محاوالت االصالح اإلداري والسياسي في لبنان‬ ‫قدمت توصيات‬ ‫رغم ماليين دوالرات ُص ِرفت على مؤتمرات وندوات علمية َّ‬ ‫رصينة بقيت بدون تنفيذ‪ .‬وهذا ما يفسر مؤخراً انطالق حركة تغيير من‬ ‫قوى شبابية تطالب بإسقاط النظام السياسي اللبناني أو تغييره على خلفية‬ ‫وطنية غير طائفية‪ .‬وهي تستحق الدعم الكامل ألنها تضع القوى الشبابية‬ ‫بقدرما تتعزز ركائزها‬ ‫في موقع التغيير الجذري على أسس وطنية سليمة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫على أرض الواقع تلبي طموحات القوى اللبنانية الشابة في بناء مستقبل‬ ‫أفضل تنعش آمال اللبنانيين في اإلصالح الشمولي عبر انتقالهم التدريجي‬ ‫من موقعهم كرعايا ُملْ َحقين بزعماء الطوائف إلى مواطنين أحرار ُم َت َس ِاوي‬ ‫الحقوق والواجبات في دولة القانون والمؤسسات‪ .‬فالمشكالت االقتصادية‬ ‫واالجتماعية الـحــادة التي تــواجــه جميع اللبنانيين‪ ،‬وبخاصة الشباب‪،‬‬ ‫تدفعهم إلى البطالة أو الهجرة إلى الخارج‪ .‬والنضال المطلبي لمواجهة‬ ‫يشكل قاعدة وطنية صلبة تجمع اللبنانيين على اختالف‬ ‫تلك المشكالت ّ‬ ‫توحد‬ ‫وطنية‬ ‫سياسية‬ ‫شعارات‬ ‫لبنان‬ ‫شباب‬ ‫رفع‬ ‫لذا‬ ‫ومناطقهم‪.‬‬ ‫طوائفهم‬ ‫ِّ‬ ‫تفرقهم‪ ،‬وتمهد الطريق إلى انتماء وطني لبناني جامع‬ ‫بين اللبنانيين وال ِّ‬ ‫عوض انتماء طائفي باعد ما بينهم لدرجة مقلقة جداً باتت تهدد وحدة‬ ‫َ‬ ‫المجتمع والدولة في لبنان‪.‬‬ ‫سنة ‪ 2005‬انفجرت في لبنان أزمات راهنة بصورة مقلقة بعد العجز‬ ‫عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية‪ ،‬والشلل الواضح في مؤسسات الدولة‬ ‫وبخاصة في مجلسي النواب والــوزراء‪ .‬نزلت قوى التغيير الشبابية إلى‬ ‫الشارع تطالب بحلول عقالنية للقضايا الوطنية والسياسية والمعيشية‬


‫المسألة الطائفية في لبنان‪:‬‬ ‫‪133‬‬

‫المسار التاريخي واآلفاق المستقبلية‬

‫الجامعة كالغالء والبطالة والفقر والسكن والصحة والتعليم والكهرباء‬ ‫والمياه والنفايات وغيرها‪ .‬واستفادت تلك القوى من فشل انتفاضات‬ ‫شبابية اجتاحت الدول العربية في العام ‪ ،2011‬فرفعت شعارات واضحة‬ ‫تؤكد على أن الشباب اللبناني الوطني غير الطائفي هــم قــوة التغيير‬ ‫األساسية واألكثر قدرة على إسقاط النظام الطائفي القديم وبناء نظام‬ ‫سياسي ديموقراطي على أسس وطنية جامعة‪ .‬القت حركتهم تأييداً متزايداً‬ ‫من الرأي العام اللبناني الذي أصبح على قناعة تامة بأن النظام الطائفي‬ ‫ت‬ ‫حل أزمــات لبنان ألنه‪ ،‬بطبيعته الطائفية‪ ،‬مولِّ ُد أزما ٍ‬ ‫أثبت عجزه عن ّ‬ ‫بنيوية‪ ،‬ولم ُيع ْد يتالءم مع طبيعة عصر العولمة ومبادئ الديموقراطية‬ ‫يهمش أصحاب الكفاءة العلمية من شباب‬ ‫وثــورات العلوم والتواصل بل ِّ‬ ‫مزود بثقافة عصرية‪ ،‬ويرفض المساواة بين المرأة والرجل في كثير‬ ‫متنور َّ‬ ‫من المجاالت‪ ،‬ويمنع إشــراك المرأة في الحياة السياسية والنقابية بما‬ ‫يتالءم مع حجمها ودورها‪.‬‬ ‫اندفعت القوى الشبابية اللبنانية‪ ،‬ذك ــوراً وإنــاثــاً ‪ ،‬بكثافة كبيرة إلى‬ ‫الشوارع بصدور عارية وقبضات مشدودة وإصــرار على مواجهة النظام‬ ‫الطائفي بطرق سلْ مية (يكفلها الدستور) إلسقاط النظام الطائفي أو الحد‬ ‫ومهم ُـتهم صعبة جداً في بلد تحكمه منذ قرو ٍن وراثة‬ ‫من سلبياته الكبرى‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫لكن معركة التغيير انطلقت وتستحق كل الدعم‪ .‬والشباب‬ ‫سياسية طائفية‪ّ .‬‬ ‫اللبناني المنتفض طليع ُة تغيير شمولي وإصــاح جــذري‪ ،‬ونجاحهم في‬ ‫يحصن المجتمع اللبناني في مواجهة مشروع االستيطان‬ ‫مهمتهم الوطنية‬ ‫ِّ‬ ‫الصهيوني ومشروع ‪‬الشرق األوسط الجديد‪ ‬بقيادة أميركية‪-‬إسرائيلية‪.‬‬ ‫إن لبنان اليوم في حاجة قصوى إلى إطالق تجربة ديموقراطية متميزة‬ ‫بخصائص لبنانية‪ُ ،‬ت ْف ِر ُد مساحة واسعة لمشاركة شباب لبنان الواعي المندفع‬ ‫بقوة لتعزيز االنتماء الوطني والوحدة الوطنية‪ .‬ومع أن المجتمع المدني‬ ‫ديناميةً‪ ،‬ال يزال تحت رحمة زعماء الطوائف‬ ‫اللبناني من أكثر المجتمعات‬ ‫َّ‬ ‫المتناحرة بل‬ ‫والن َخب السياسية واالقتصادية واالجتماعية ُتبدي‬ ‫المتفجرة‪ُّ .‬‬ ‫ِّ‬ ‫قلقاً بالغاً حول مستقبل لبنان في ظروف داخلية وإقليمية شديدة التوتر‬ ‫تهدد مصير اللبنانيين‪ ،‬ما يدفع حكماء لبنان إلى تكثيف جهودهم للعمل‬ ‫ِّ‬ ‫لتجنب النزاعات الداخلية‪ ،‬واالنتقال‬ ‫أوال‬ ‫ً‬ ‫والمذهبية‬ ‫الطائفية‬ ‫تهدئة‬ ‫على‬ ‫ُّ‬ ‫م‬ ‫دائ‬ ‫م‬ ‫لْ‬ ‫س‬ ‫إلى‬ ‫بلبنان من مرحلة السلْ م األهلي البارد‬ ‫يمهد الطريق لقيام‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِّ‬ ‫ديموقراطية سليمة بخصائص لبنانية‪.‬‬


‫تراثنا التاريخي‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع طويل‬ ‫صــور‬ ‫بين النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬ ‫موا باسمه مدينتهم بعلبك‪‬‬ ‫‪ُ ...‬ف ِتنُوا ِببعل َ‬ ‫فس ُّ‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬ ‫اللبنانية‬ ‫أستاذ في الجامعة‬ ‫ّ‬

‫مقدمة‬ ‫درس الـمــؤرخــون الـعــرب تــاريــخ بعض الشعوب القديمة التي سبقت‬ ‫تاريخية متنوعة يمكن أن تساعد في فهم جوانب‬ ‫االسالم‪ ،‬وتركوا معلومات‬ ‫ّ‬ ‫معينة من التاريخ القديم‪ .‬نــدرس من هذه المواضيع قصة الصراع بين‬ ‫فنعرف المصادر‬ ‫النبي الياس وكهنة البعل الفينيقي على جبل الكرمل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عموما‪ ،‬وقصة النبي الياس‬ ‫العربية‪ ،‬ونحدد نظرتها إلى التاريخ القديم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ونبين المصادر التي اعتمد عليها المؤرخون العرب‪ ،‬والجديد‬ ‫ا‪.‬‬ ‫خصوص‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الذي تقدمه الحادثة عندهم مقارنة بالتوراة التي توسعت بدورها بسردها‬ ‫‪1‬‬ ‫العربية لإلله بعل‪،‬‬ ‫نبين نظرة المصادر‬ ‫ّ‬ ‫وجعلها على جبل الكرمل ‪ .‬كما ّ‬ ‫مع العلم أن تلك المصادر لم تكن تهدف إلى دراسة مميزات البعل‪ ،‬بل‬ ‫التنبيه إلى خطورة االبتعاد عن تعاليم اهلل‪ .‬ولكن الملفت للنظر‪ ،‬أن دراسة‬ ‫العربية جاءت في سياق تاريخي مرتبط بالصراع‬ ‫االله بعل في المصادر‬ ‫ّ‬ ‫مع النبي الياس الستجالب المطر‪ ،‬وكأن في حربه هذه إشارة إلى أحد‬ ‫الشعبية يلجأ إليه‬ ‫المميزات التي كان يتمتع بها البعل الفينيقي كإله واسع‬ ‫ّ‬ ‫األساسية للنشاط الزراعي الذي كان يشكل‬ ‫الناس لتأمين مياه االمطار‬ ‫ّ‬ ‫مورد الرزق األول عند الشعوب القديمة‪.‬‬

‫‪ 11‬يعتبر بعض الباحثين أن جبل الكرمل يشكل الحدود الطبيعية لجنوب فينيقيا‪،‬‬ ‫ويقع ضمن حدود مملكة صور‪ .‬حول موقع جبل الكرمل‪ ،‬وأهميته الدينية في األلف األول‬ ‫الفينيقية‪ ،‬في‪:‬‬ ‫الليتورجية في الحضارة‬ ‫ق‪.‬م‪ .‬راجع‪ :‬أنطوان القسيس‪ ،‬العادات والتقاليد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والليتورجية‪ ،‬منشورات جامعة الروح‬ ‫ة‬ ‫الشعبي‬ ‫أيوب شهوان (ناشر)‪ ،‬العبادات والتقاليد‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫القدس‪ ،‬معهد الليتورجيا‪ ،39 ،‬الكسليك‪ ،2007 ،‬ص‪ ،104–75 .‬باألخص ص‪88 .‬؛‬ ‫ويمكن االطالع على موقع الكرمل‪ ،‬وأبرز المصادر التي أشارت إليه في‪:‬‬

‫‪BRIQEL – CHATONNET F., Les relations entre les cités de la côte phénicienne‬‬ ‫‪et les royaumes d’Israël et de Juda, OLA, 46, St Ph. 12, Leuven, 1992,‬‬ ‫‪p. 303–313‬‬


‫‪1.1‬تعريف المصادر العربية ومفهوم التاريخ القديم فيها‬

‫‪Trésors d’Orient, Organisée sous l’égide du Comité national des com‬‬‫‪mémorations orientalistes, Bibliothèque Nationale, Paris, 1973, p. 63–79‬‬

‫‪ 33‬‬

‫سورة غافر‪78 :‬‬

‫‪ 44‬سورة النساء‪164 :‬؛ يمكن االطالع على دراسة حول عدد األنبياء في القرآن‬ ‫في‪ :‬سميح عاطف الزين‪ ،‬مجمع البيان الحديث‪ ،‬قصص األنبياء في القرآن الكريم‪،‬‬ ‫دار الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة السابعة الجديدة‬ ‫والمتجددة‪ ،2005/1426 ،‬ص‪5 .‬‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫‪ 22‬كثيرة هي الكتب التي تشير إلى النقوش والمخطوطات العربية وأماكن تواجدها‪.‬‬ ‫منها على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪135‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫نعني بتعبير ‪‬مصادر عربية‪ ‬مؤلفات المؤرخين والجغرافيين الذين‬ ‫كتبوا باللغة العربية في مرحلة التاريخ الوسيط الممتدة بين القرنين السابع‬ ‫والسادس عشر‬ ‫العربية التي ندرسها ال‬ ‫علما أن المصادر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الميالديين‪ً ،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫عربية ‪ ،‬على الرغم من أن هذه‬ ‫نصوصا ومخطوطات‬ ‫تتضمن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونقوشا ّ‬ ‫األخيرة تشتمل على معلومات قد تكون مادة خصبة لدراسة مستقلة في‬ ‫نظرة العرب إلى التاريخ القديم‪.‬‬ ‫تاريخية كثيرة عن فترة التاريخ القديم‪،‬‬ ‫أخبارا‬ ‫وضع المؤرخون العرب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وتمحورت دراستهم لهذه المرحلة‪ ،‬حــول تاريخ األنبياء على اعتبار أن‬ ‫رسالتهم بالنسبة للمؤرخين المسلمين هي بمثابة تمهيد لمجيء ‪‬خاتم‬ ‫األنبياء النبي محمد‪ .‬أما عدد األنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم‬ ‫نبيا‪ ،‬هم‪ :‬آدم‪ ،‬إدريــس‪ ،‬نــوح‪ ،‬هــود‪ ،‬صالح‪ ،‬إبراهيم‪،‬‬ ‫‪‬فخمسة وعشرون ً‬ ‫لوط‪ ،‬إسماعيل‪ ،‬إسحق‪ ،‬يعقوب‪ ،‬يوسف‪ ،‬أيوب‪ ،‬شعيب‪ ،‬موسى‪ ،‬هارون‪،‬‬ ‫ذو الكفل‪ ،‬داود‪ ،‬سليمان‪ ،‬الياس‪ ،‬أليسع‪ ،‬يونس‪ ،‬زكريا‪ ،‬يحيى‪ ،‬عيسى‪،‬‬ ‫{و َل َقد‬ ‫محمد‪ .‬ولكن عدد جميع األنبياء ال يعلمه إال اهلل‪ .‬وقد قــال‪َ :‬‬ ‫قصص‬ ‫ك منهم َمن َق َص َ‬ ‫صنا َع َل َ‬ ‫رس َلنا ُر ُس ًلا ِم ْن َق ْب ِل َ‬ ‫نهم َم ْن َلم َن ُ‬ ‫َأ َ‬ ‫يك َو ِم ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫يك ِمــن َقـبـ ُـل َو ُر ُسـ ـ ًـا َّلم‬ ‫{و ُر ُسـ ـ ًـا َقــد َق َص َ‬ ‫اهم َع َل َ‬ ‫صن ُ‬ ‫َعـ َـلـيـ َ‬ ‫ـك} ‪ ،‬وقــولــه‪َ :‬‬ ‫‪4‬‬ ‫يك}‪. ‬‬ ‫صهم َع َل َ‬ ‫َن ُ‬ ‫قص ُ‬ ‫كتب الـمــؤرخــون الـعــرب الـتــاريــخ القديم إنـطــاقً ــا مــن أخـبــار األنبياء‬ ‫الواردة اإلشارة إليهم في القرآن الكريم‪ .‬ونذكر من األنبياء النبي الياس‬ ‫العربية‬ ‫الذي كان له مع كهنة البعل صراعات دموية‪ ،‬اختلفت المصادر‬ ‫ّ‬ ‫بتفسيرها وفي تحديد مكانها وزمانها‪ .‬ومن أبرز المؤرخين الذين درسوا‬ ‫أساسيين في ذكر القصة وكانوا‬ ‫تلك الحادثة‪ ،‬نتوقف عند ثالثة كانوا‬ ‫ّ‬ ‫أساسيا لمعظم المؤرخين العرب‪ ،‬وهم بحسب الترتيب التاريخي‪:‬‬ ‫مصدرا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬


‫الطبري (ت سنة ‪923‬م)‪ ،5‬والثعلبي (ت سنة ‪472‬ه ـ ــ)‪ ،6‬وإبــن العبري‬ ‫(ت ‪1286‬م)‪.7‬‬ ‫‪2.2‬الصراع بين الياس والبعل في بعض المصادر العربية‬ ‫‪ .1 .2‬الحادثة عند الطبري‬ ‫ذكر الطبري أخبار القائمين بأمر العبرانيين بعد يوشع بن نون‪ ،‬وكان‬

‫‪136‬‬

‫توسيعا‪،‬‬ ‫‪ 55‬يمكن مراجعة حياة الطبري في‪ :‬الفهرست‪ ،‬ص‪292–291 .‬؛ وأكثر‬ ‫ً‬ ‫في‪ :‬ياقوت‪ ،‬معجم األدباء ‪ ،18‬ص‪98–40 .‬؛ إبن خلكان‪ ،4 ،‬ص‪ 191 .‬ـ ‪192‬؛ مروان‬ ‫أبي فاضل‪ ،‬الحضارة الكنعانية ـ الفينيقية من خالل المصادر العربية (القرن التاسع‬ ‫ـ القرن السادس عشر م)‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراة في التاريخ‪ ،‬إشراف‪ :‬األستاذ الدكتور‬ ‫أنطوان القسيس‪ ،‬الكسليك ـ لبنان‪ ،2007 ،‬ص‪56–53 .‬؛ أما كتابه المعني بموضوعنا‬ ‫فهو‪ :‬الطبري‪ ،‬تاريخ الرسل والملوك‪ ،10–1 ،‬تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم‪ ،‬دار‬ ‫المعارف بمصر‪ ،‬القاهرة‪1969–1967 ،‬؛ كما أننا اعتمدنا على ترجمة إنكليزية لكتاب‬ ‫الطبري‪ ،‬تشتمل على شروحات وفهارس مفصلة‪:‬‬

‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫‪TABARI, The History of al – Tabari, (Ta’rikh al – rusul wa’l muluk), I, translated‬‬ ‫‪by, F. ROSENTHAL, II–IV, translated and annotated by, W. M. Brinner, New‬‬ ‫‪York, 1987–1991‬‬

‫أيضا مراجعة‪:‬‬ ‫ويمكن ً‬

‫‪C. E. BOSWORTH, Al – Tabari, EI, X, 163–164, p. 11–13; TABARI, The History‬‬ ‫‪of al – Tabari, (Ta’rikh al – rusul wa’l muluk), I, translated by, F. ROSENTHAL,‬‬ ‫‪New York, 1989, p. 10–80‬‬

‫‪ 66‬يمكن مراجعة نبذة عن حياته‪ ،‬وأبرز مؤلفاته‪ ،‬وأشهر من تحدث عنه من العلماء‪،‬‬ ‫في‪ :‬إبن خلكان‪ ،1 ،‬ص‪ 79 .‬ـ ‪80‬؛ مروان أبي فاضل‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪95 .‬؛ أما‬ ‫كتابه المعني بموضوعتنا فهو‪ :‬النيسابوري‪ ،‬أبو اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم‬ ‫المسمى عرائس المجالس‪ ،‬دار إحياء الكتب‬ ‫المعروف بالثعلبي‪ ،‬قصص األنبياء‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪ 77‬ورد الكالم على حياة إبن العبري في‪ :‬إبن العبري‪ ،‬تاريخ مختصر الدول‪ ،‬وقف‬ ‫على تصحيحه وفهرسه‪ ،‬األب أنطون صالحاني اليسوعي‪ ،‬دار الرائد اللبناني‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪1403‬هـ‪1983/‬م‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص‪ .‬هـ ـ و‪ .‬وهي الطبعة التي نعتمد عليها؛ راجع حياته‬ ‫أيضا في‪ :‬أبو الفرج جمال الدين إبن العبري‪ ،‬تاريخ الزمان‪ ،‬نقله إلى العربية األب‬ ‫ً‬ ‫قدم له الدكتور جان موريس فييه‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬المقدمة‬ ‫اسحق أرملة‪ّ ،‬‬ ‫الفرنسية‪ ،‬ص‪2–1 .‬؛ وفي‪ :‬مروان أبي فاضل‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪ 173 .‬ـ ‪175‬؛ كما‬ ‫يمكن االطالع على حياته في‪:‬‬ ‫‪J.B. SEGAL, Ibn Al – ‘Ibri, EI, III, p. 828‬‬ ‫أيضا في قراءة إبن العبري على ترجمة إنكليزية‪:‬‬ ‫اعتمدنا ً‬ ‫‪BAR HEBRAEUS, The Chronography of Gregory Abu’l Faraj, Translated from‬‬ ‫‪the Syriac by Ernest A. Wallis Budge, London, 1932‬‬


‫‪Tabari, III, p.4‬‬

‫‪ 99‬هو سلمة األبرش بن الفضل‪ ،‬توفي ‪191‬ه‪807/‬م‪ .‬يقول عنه إبن سعد‪ :‬ويكنى أبا‬ ‫عبد اهلل‪ ،‬وكان ثقة صدوقا‪ ،‬وهو صاحب محمد بن اسحاق‪ ،‬روى عنه المغازي والمبتدأ‬ ‫أيضا في‪:‬‬ ‫وتوفي بالري‪ ،‬راجع‪ :‬إبن سعد‪ ،7 ،‬ص‪381 .‬؛ راجع الحديث عنه ً‬ ‫‪Tabari, III, p.4‬‬

‫‪ 110‬هو محمد بن اسحاق بن ياسر ( ‪150–85‬هـ‪704/‬م–‪767‬م)‪ ،‬من ّكتاب السيرة‬ ‫النبوية‪ .‬ولد في المدينة المنورة‪ ،‬ومات في بغداد‪ .‬ينتمي إلى عائلة تخصصت في نقل‬ ‫األخبار واألحاديث‪ ،‬فبرع في الكتابة ونال شهرة في نقل االخبار والمغازي‪ ،‬ولكن ابن‬ ‫ويسأل أن يدخلها‬ ‫النديم يقول عكس ذلك فيقول‪ :‬كان يعمل له األشعار ويؤتى بها ُ‬ ‫في كتابه في السيرة فيفعل‪ .‬فضمن كتابه من األشعار ما صار به فضيحة عند الرواة‬ ‫الشعر‪ .‬وأخطأ في النسب الذي أورده في كتابه‪ .‬وكان يحمل عن اليهود والنصارى‬ ‫ويتهمونه‪ .‬وتوفي‬ ‫ويسميهم في كتبه أهل العلم األول‪ .‬وأصحاب الحديث‬ ‫يضعفونه ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنة خمسين ومائة‪ .‬وله من الكتب‪ :‬كتاب الخلفاء‪ ،‬رواه عنه األموي‪ ،‬كتاب السيرة‬ ‫والمبتدأ والمغازي‪ .‬راجع‪ :‬الفهرست‪ ،‬ص‪105 .‬؛ وعلى الرغم من شهادة إبن النديم‬ ‫الحظنا أن مصادرنا العربية توسعت في ذكره كأحد أبرز ناقلي أحاديث النبي‪ .‬يمكن‬ ‫مراجعة حياته وأعماله‪ ،‬في‪:‬‬ ‫‪J.M.B. JONES, Ibn Ishak, EI, III, p. 834– 835; Tabari III, p.4‬‬

‫‪ 111‬راجع إشارتنا لآلية القرآنية في سياق دراستنا لقصة الياس عند الثعلبي‬

‫‪137‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫المحدثين‪ ،‬وذُ كر‬ ‫الحيان الرازي‪ ،‬توفي سنة ‪248‬ه‪862/‬م‪ .‬أحد‬ ‫ّ‬ ‫‪ 88‬هو محمد بن حميد ّ‬ ‫عند كثيرين من ُك ّتاب السيرة‪ ،‬وخصوصا عند بن اسحاق‪ .‬راجع الحاشية في‪:‬‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫‪8‬‬ ‫حدثنا‬ ‫أولهم كالب بن يوفنا ثم حزقيل‪ ،‬ويقول‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬قال‪ّ :‬‬ ‫عز وجـ ّـل قبض‬ ‫سلمة‪ ،9‬قــال‪ :‬حدثني محمد بن اسحاق‪ :10‬ثم إن اهلل ّ‬ ‫ِحزقيل‪ ،‬وعظمت في بني إسرائيل األحداث‪ ،‬ونسوا ما كان من عهد اهلل‬ ‫إليهم‪ ،‬حتى نصبوا األوثان وعبدوها من دون اهلل‪ ،‬فبعث اهلل إليهم الياس‬ ‫نبيا وإنما كانت (كان)‬ ‫بن ياسين فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران ً‬ ‫األنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من‬ ‫التوراة‪ .‬فكان الياس مع ملك من بني إسرائيل يقال له أحاب‪ ،‬وكان إسم‬ ‫ويصدقه‪ ،‬وكان الياس يقيم له أمره‪ ،‬وكان‬ ‫امرأته أزبل‪ ،‬وكان يسمع منه‬ ‫ّ‬ ‫صنما يعبدونه من دون اهلل‪ ،‬يقال له‪ :‬بعل‪.‬‬ ‫سائر بني إسرائيل قد اتخذوا‬ ‫ً‬ ‫قال إبن اسحاق‪ :‬وقد سمعت بعض أهل العلم يقول‪ :‬ما كان بعل إال‬ ‫{وإن الياس لمن المرسلين‬ ‫إمرأة يعبدونها من دون اهلل يقول اهلل لمحمد َ‬ ‫‪11‬‬ ‫ورب آبائكم األولين} ‪.‬‬ ‫إذ قال لقومه أال تتقون} – إلى قوله‪{ :‬اهلل ّربكم ّ‬ ‫شيئا إال ما كان‬ ‫منه‬ ‫فجعل الياس يدعوهم إلى اهلل‪ .‬وجعلوا ال يسمعون‬ ‫ً‬ ‫من هذا الملك أحاب‪ ،‬والملوك متفرقة بالشأم‪ ،‬كل ملك له ناحية منها‬ ‫يأكلها‪ ،‬فقال ذلك الملك‪ ،‬الذي كان الياس معه‪ ،‬يقوم له بأمره‪ ،‬ويراه‬ ‫يوما يا الياس‪ ،‬واهلل ما أرى ما تدعو إليه إال‬ ‫على هدى من بين أصحابه ً‬


‫‪138‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫ملوكا من ملوك بني إسرائيل قد‬ ‫فعد‬ ‫فالنا‬ ‫باطال‪ ،‬واهلل ما أرى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وفالنا ّ‬ ‫عبدوا األوثان من دون اهلل إال على مثل ما نحن عليه‪ ،‬يأكلون ويشربون‬ ‫مملكين‪ ،‬ما ينقص دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل‪،‬ما‬ ‫ويتنعمون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪12‬‬ ‫نرى عليهم من فضل‪ . ‬ويتابع الطبري االعتماد على ابن حميد فيذكر‬ ‫أن اهلل أوحى إلى الياس بأنه جعل أمر أرزاق بني اسرائيل بيديه‪ ،‬فقال‬ ‫الياس‪ :‬اللهم فامسك عنهم المطر‪ .‬فحبس عنهم ثالث سنين حتى‬ ‫هلكت الماشية والدواب والهوام والشجر‪ ،‬وجهد الناس‬ ‫جهدا شديدا‪.13‬‬ ‫ً‬ ‫ثم يذكر الطبري أن الياس تنقل بين ‪‬بني إسرائيل‪ ‬واعظا فآمن‬ ‫بأقواله البعض‪ ،‬ومنهم ‪‬إليسع‪ .14‬وبعد فترات الجفاف جاء الياس إلى‬ ‫بني إسرائيل‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إنكم قد هلكتم جهدا‪ ،‬وهلكت البهائم والدواب‬ ‫والطير والهوام والشجر بخطاياكم‪ ،‬وأنكم على باطل وغرور ـ أو كما قال‬ ‫لهم ـ فان كنتم تحبون أن تعلموا ذلك وتعلموا أن اهلل عليكم ساخط فيما‬ ‫أنتم عليه‪ ،‬وأن الذي أدعوكم إليه هو الحق‪ ،‬فاخرجوا بأصنامكم هذه‬ ‫التي تعبدون وتزعمون إنها خير مما أدعوكم إليه‪ ،‬فأن استجابت لكم‬ ‫فذلك كما تقولون‪ ،‬وإن هي لم تفعل علمتم إنكم على باطل فنزعتم‪،‬‬ ‫ففرج عنكم ما أنتم فيه من البالء‪ .‬قالوا‪ :‬أنصفت‪ .‬فخرجوا‬ ‫ودعوت اهلل ّ‬ ‫بأوثانهم وما يتقربون به إلى اهلل من أحداثهم التي ال يرضى‪ ،‬فدعوها‬ ‫تفرج عنهم ما كانوا فيه من البالء‪ ،‬حتى عرفوا‬ ‫فلم تستجب لهم‪ ،‬ولم ّ‬ ‫ما هم فيه من الضاللة والباطل‪ ،‬ثم قالوا اللياس‪ :‬يا الياس‪ّ ،‬إنــا قد‬ ‫هلكنا‪ ،‬فادع اهلل لنا‪ ،‬فدعا لهم الياس مما هم فيه‪ ،‬وأن ُيسقوا‪ ،‬فخرجت‬ ‫سحابة مثل الترس بإذن اهلل على ظهر البحر‪ ،‬وهم ينظرون‪ ،‬ثم ترامى‬ ‫إليه السحاب‪ ،‬ثم أدجنت‪ ،‬ثم وأرسل اهلل المطر فأغاثهم‪ ،‬فحييت بالدهم‪،‬‬ ‫وفرج عنهم ما كانوا فيه من البالء‪ ،‬فلم ينزعوا ولم يرجعوا وأقاموا على‬ ‫أخبث ما كانوا عليه‪ .‬فلما رأى ذلك الياس من كفرهم دعا ّربه أن يقبضه‬ ‫فيريحه منهم‪ ،15‬ثم يقول الطبري‪ :‬فكساه اهلل الريش وألبسه النور‪،‬‬ ‫ملكيا‬ ‫إنسيا‬ ‫وقطع عنه ّ‬ ‫ً‬ ‫لذة المطعم‪ ،‬والمشرب‪ ،‬وطار من المالئكة‪ ،‬فكان ً‬ ‫‪16‬‬ ‫أرضيا‬ ‫سمائيا‪. ‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ 112‬الطبري ‪ ،1‬ص‪462–461 .‬؛‬

‫‪ 113‬الطبري ‪ ،1‬ص‪.‬‬

‫‪Tabari, III, p. 123‬‬

‫‪462‬؛ ‪Tabari, III, p. 123‬‬

‫‪ 114‬راجع أعمال الياس في‪ :‬الطبري ‪ ،1‬ص‪463–462 .‬؛‬

‫‪ 115‬الطبري ‪ ،1‬ص‪464–463 .‬؛‬ ‫‪ 116‬الطبري ‪ ،1‬ص‪464–463 .‬؛‬

‫‪Tabari, III, p. 124‬‬

‫‪Tabari, III, p. 124 – 125‬‬ ‫‪Tabari, III, p. 125‬‬


‫‪ .٢ .٢‬الحادثة عند الثعلبي‬

‫‪ 117‬يمكن مراجعة خبر انتصار إيليا على كهنة البعل في‪ 1 ،‬مل‪46–1 ،18 ،‬‬

‫‪ 118‬راجع‪ ،‬الثعلبي‪ ،‬ص‪ .223 .‬مع مالحظة أن اآلية المذكورة لها تتمة ورد فيها‪:‬‬ ‫قين‬ ‫ون َب ً‬ ‫حس َن َ‬ ‫ال ِل َق ِ‬ ‫عال َو َتذَ ُر َ‬ ‫دع َ‬ ‫وم ِه أَ اَل َت َّت ُق َ‬ ‫الخ ِال َ‬ ‫رس ِل َ‬ ‫ون أَ َت ُ‬ ‫ين إذ قَ َ‬ ‫ون أَ َ‬ ‫الم َ‬ ‫َ‬ ‫اس لَ ِم َن ُ‬ ‫{و ِإ َّن ِإ َلي َ‬ ‫آبائك ُم َ‬ ‫الص َّافات‪126–123 ،‬‬ ‫ب ُ‬ ‫األ َّو َ‬ ‫َ‬ ‫لين}‪ :‬سورة َّ‬ ‫اهلل َر َّب ُكم َو َر َّ‬ ‫‪ 119‬الثعلبي‪ ،‬ص‪224–223 .‬‬

‫‪139‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫جدا بسبب ما قدمه من‬ ‫تعتبر دراسة قصة الياس عند الثعلبي مفيدة ً‬ ‫ومفصلة‪ ،‬كذلك ذكره مصادره بشكل واضح‪.‬‬ ‫معلومات جديدة‬ ‫ّ‬ ‫اس‬ ‫يبدأ الثعلبي قصته بآية قرآنية‪ ،‬ويقول‪ :‬قال اهلل‬ ‫َ‬ ‫تعالى– و ِإ َّن ِإ َلي َ‬ ‫ين‪ ،18‬ثم يتوسع في شرح األحداث التاريخية المرتبطة باآلية‬ ‫رس ِل َ‬ ‫الم َ‬ ‫َل ِم َن ُ‬ ‫باالستناد إلى تفسير ‪‬إبن اسحاق‪ .‬ويقول‪ :‬لما قبض اهلل تعالى حزقيل‬ ‫عليه السالم عظمت األحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد ونسوا‬ ‫عز‬ ‫عهد اهلل إليهم في التوراة حتى نصبوا األوثان وعبدوها من دون اهلل ّ‬ ‫وجل فبعث اهلل تعالى الياس نبيا وهو الياسين بن فنحاص بن عيزار بن‬ ‫ّ‬ ‫هرون بن عمران‪ .‬وإنما كانت األنبياء بعد موسى ُيبعثون إليهم بتجديد‬ ‫ما نسوا وضيعوا من أحكام التوراة‪ ،‬وبنو إسرائيل يومئذ متفرقون في‬ ‫أرض الشام وفيهم ملوك كثيرة‪ ،‬وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون لما فتح‬ ‫أرض الشام وملكها بوأها بني إسرائيل وقسمها بينهم فأخذ سبط منهم‬ ‫بعلبك ونواحيها وهم سبط الياس فبعث اهلل تعالى إليهم نبيا وعليهم‬ ‫ضل وأضل وجبرهم على عبادة األصنام‪،‬‬ ‫يومئذ ملك يقال له الجب قد ّ‬ ‫ذراعا وكان‬ ‫عشرين‬ ‫طوله‬ ‫وكان‬ ‫بعل‬ ‫له‬ ‫صنما يقال‬ ‫وكان هو وقومه يعبدون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫له أربعة وجوه‪ .‬وقال ابن اسحاق‪ :‬قد سمعت بعض أهل العلم يقولون ما‬ ‫كان البعل إال امرأة كانوا يعبدونها من دون اهلل تعالى فذلك قوله تعالى ـ‬ ‫إذ قال لقومه أال تتقون أتدعون بعال وتذرون أحسن الخالقين‪.19‬‬ ‫ويذكر مؤرخنا أنه كان ‪‬لالجب إمرأة يقال لها أربيل وكان يستخلفها‬ ‫على رعيته إذا غاب عنهم في غزاة أو غيرها فكانت تبرز بين الناس كما‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫وتذكرنا‬ ‫ّ‬ ‫النص قبل عصر الملَ كية‪،‬‬ ‫جرت حادثة الياس بحسب هذا‬ ‫ّ‬ ‫بحادثة جبل الكرمل الشهيرة التي شهدت نــزاعــا حضاريا ودينيا بين‬ ‫الفينيقيين والعبرانيين‪ ،‬بين كهنة البعل والنبي الياس الذي حقق نصرا‬ ‫كبيرا كما ُتخبرنا الكتب‬ ‫التوراتية‪ .17‬لكن نصر الياس حسب التوراة لم‬ ‫ّ‬ ‫يكن حاسما‪ ،‬فظل العبرانيون يجنحون إلى عبادة آلهة غريبة‪ ،‬وظل األنبياء‬ ‫يقاتلون البقاء العبرانيين على عبادة إلههم‪.‬‬


‫‪140‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫يبرز زوجها وتركب كما يركب وتجلس كما يجلس في مجلس القضاء‬ ‫قتالة لألنبياء وكــان لها كاتب رجــل مؤمن‬ ‫وتقضي بين الناس وكانت ّ‬ ‫حكيم يكتم إيمانه وكــان قد خلص من بين يديها ثلثمائة نبي كانت‬ ‫تريد قتل كل واحد منهم إذا بعث سوى الذين قتلتهم وكانت في نفسها‬ ‫غير ُم ْح َصـنة ولــم يكن على وجــه األرض أفحش منها‪ ،‬وهــي مع ذلك‬ ‫تزوجت سبعة ملوك من ملوك بني إسرائيل وقتلتهم كلهم باالغتيال‬ ‫ولدا‪.20‬‬ ‫معمرة‪ ،‬ويقال إنها ولدت سبعين ً‬ ‫وكانت َّ‬ ‫ويتابع الثعلبي النقل عن ابن اسحاق‪ ،‬ويذكر أنه كان لالجب جار صالح‬ ‫من ‪‬بني إسرائيل‪ ‬يدعى ‪‬مزدكى‪ ‬ولديه جنينة يعتاش منها ويقبل على‬ ‫عبادة اهلل‪ ،‬فطمعت بها ‪‬اربيل‪ ‬وسعت لالستيالء عليها‪ ،‬فيما كان زوجها‬ ‫صديقا لمالكها‪ .‬ثم صادف أن خرج الملك في سفر طويل فاغتنمت الملكة‬ ‫الفرصة وقتلت صاحب الجنينة وضمتها إلى قصرها‪ ،‬ثم أقنعت الملك‬ ‫بفعلتها لدى عودته‪ .21‬فبعث اهلل تعالى الياس عليه السالم إلى الجب‬ ‫لوليه حين قتلوه‬ ‫وقومه وأمره أن يخبرهم أن اهلل تعالى قد غضب عليه ّ‬ ‫أظه ِرهم ظلما‪ .‬وقد آلى على نفسه إنهما إن لم يتوبا من صنعهما‬ ‫بين ُ‬ ‫هلكهما يعني الجب وامرأته في‬ ‫ويــردا الجنينة على ورثة مزدكى وإال ُي ْ‬ ‫جوفي الجنينة أشر ما يكون بسفك دمهما ثم يدعهما جيفتين ملقاتين‬ ‫فيها حتى تتعرى عظامهما عن لحومهما وال يتمتعان بها إال قليال‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فجاء الياس وأخبر الملك بما أوحى اهلل إليه في أمره وأمر امرأته‬ ‫والجنينة‪ .‬فلما سمع الملك ذلك اشتد غضبه‪ .22‬ثم قال له يا الياس‬ ‫واهلل ما أرى ما تدعونا إليه إال باطال واهلل ما أرى فالنا وفالنا وسمى‬ ‫ملوكا منهم عبدوا األوثان إال على مثل ما نحن عليه يأكلون ويشربون‬ ‫ويتمتعون مملكين ما ينقص من دنياهم وال من أمرهم الذي تزعم أنه‬ ‫هم بتعذيب الياس وقتله‪.‬‬ ‫باطل شيء وما نرى لكم علينا فضل‪ .‬قال ثم ّ‬ ‫خص قتل ‪‬أربيل‪ ‬لألنبياء‪،‬‬ ‫‪ 220‬الثعلبي‪ ،‬ص‪224 .‬؛ لم يذكر مؤرخنا مصدره فيما‬ ‫ّ‬ ‫مع العلم أن التوراة ُتشير إلى ‪‬إيزابل‪ ‬على اعتبارها قاتلة لألنبياء‪ ،‬راجع‪ 1 :‬مل‪،‬‬ ‫‪13–4 :18‬‬

‫سب الملك‪،‬‬ ‫‪ 221‬راجع تفاصيل الخطة التي اتبعتها أربيل وكيف اتهمت مزدكى بأنه ّ‬ ‫وأحضرت الشهود ضده‪ ،‬ثم أعدمته‪ :‬الثعلبي‪ ،‬ص‪224 .‬؛ وردت هذه الحادثة في‬ ‫التوراة‪ ،‬مع اختالف في التفاصيل‪ ،‬فإن صاحب ‪‬الكرم‪ ‬بجانب قصر ‪‬أخاب ملك‬ ‫ودبرت عملية‬ ‫السامرة‪ ‬يدعى ‪‬نابوت اليزرعيلي‪ ،‬وكان أخاب قد طلب الكرم منه‪ّ ،‬‬ ‫االستيالء عليه ‪‬أزبيل‪ ‬التي قتلت نابوت‪ .‬راجع‪ 1 :‬مل‪16–1 :21 ،‬‬ ‫‪ 222‬إن ما نقله مؤرخنا عن تهديد الياس ألخاب وزوجته‪ ،‬ورد مثله في التوراة‪ ،‬وإن لم‬ ‫يذكره الثعلبي‪ .‬راجع‪ 1 :‬مل‪28–17 :21 ،‬‬


‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫‪ 223‬الثعلبي‪ ،‬ص‪225–224 .‬‬

‫‪141‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫قال لما سمع الياس ذلك وأحس بالشر رفضه وخرج عنه فلحق بشواهق‬ ‫الجبال‪ ،‬وعــاد الملك إلــى عبادة بعل فارتقى الياس إلــى أصعب جبل‬ ‫مغارا فيقال أنه بقي فيه سبع سنين شريدا وحيدا فريدا‬ ‫وأشمخه فدخل ً‬ ‫خائفا يأوى إلى الشعاب والكهوف ويأكل من نبات األرض وثمار الشجر‬ ‫وهم في طلبه وقد وضعوا عليه العيون يتوقعون أخباره ويجتهدون في‬ ‫تم له سبع‬ ‫أخذه واهلل تعالى يستره ويحفظه ويدفع عنه البالء‪ ،‬فلما ّ‬ ‫سنين أذن اهلل تعالى في إظهاره عليهم وشفاء غيظه منهم‪ ،‬فأمرض اهلل‬ ‫أحب أوالده إليه وأعزهم عليه وأشبههم به‬ ‫تعالى إبن الملك الجب وكان‬ ‫ّ‬ ‫فعظموه‬ ‫بعال وكانوا قد فتنوا ببعل‬ ‫فأدنف حتى يئس منه فدعا صنمه ً‬ ‫ّ‬ ‫سموا مدينتهم بعل فقالوا لها بعلبك وجعلوا لها أربعمائة‬ ‫حتى أنهم ّ‬ ‫ســادن فوكلوهم به وجعلوهم أمناءه وجعل الشيطان يدخل في جوف‬ ‫الصنم فيكلمهم بأنواع الكالم واألربعمائة يصغون بآذانهم إلى ما يقول‬ ‫الشيطان ويوسوس لهم الشريعة من الضالل فيكتبونها للناس ويعملون‬ ‫بها ويسمونهم األنبياء فلما اشتد مرض إبن الملك‪ ،‬طلب الملك أن‬ ‫يشفعوا له إلى بعل ويطلبوا منه الشفاء البنه والعافية‪ ،‬فدعوه له فلم‬ ‫يجبهم‪ ،‬ومنع اهلل تعالى الشيطان عن صنمهم فلم يمكنه الولوج في‬ ‫جوفه وال الكالم وهــم مجتهدون في التضرع إليه والمريض ال يــزداد‬ ‫وجهدا‪ .‬فلما طال عليهم ذلك‪ ،‬قالوا لالجب أيها الملك‬ ‫ألما‬ ‫ً‬ ‫بذلك إال ً‬ ‫إن في ناحية الشام آلهة أخرى وهي في العظم مثل إلهك‪ ،‬فابعث إليها‬ ‫األنبياء يشفعون لك إليها فلعلها أن تشفع إلى بعل فإنه غضبان عليك‬ ‫ولوال غضبه عليك لكان قد أجابك وشفى مرض ابنك‪ .‬فقال الجب ألي‬ ‫شيء غضب علي وأنا أطيعه وأطلب رضاه ولم أسخطه ساعة قط؟ قالوا‬ ‫من أجل إنك تقتل الياس وفرطت فيه حتى نجا سالما وهو كافر بإلهك‬ ‫يعبد غيره‪.23‬‬ ‫ثم أن الجب ‪‬بعث األربعمائة نبي ليشفعوا إلى اآللهة التي بالشام‬ ‫ويسألوها أن تشفع إلى صنم الملك ليشفى إبنه فانطلقوا إلى األصنام‬ ‫وكلموها فمنع اهلل عز وجل الشيطان الولوج في األصنام ولم تكلمهم‪،‬‬ ‫فرجعوا إلى الملك وأخبروه بذلك فقال الملك وكيف لي أن أقتل الياس‬ ‫في هذا اليوم‪ .‬قال فخرج األربعمائة حتى إذا كانوا بحيال الجبل الذي‬ ‫فيه الياس أوحى اهلل إليه أن يهبط من الجبل ويعارضهم ويستوقفهم‬ ‫ويكلمهم وقال له ال تخف فإني سأصرف عنك شرهم‪ ،‬وألقى الرعب في‬


‫‪142‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫قلوبهم فنزل الياس من الجبل فلما لقيهم استوقفهم فلما وقفوا‪،24‬‬ ‫ويذكر مؤرخنا أن أنبياء الجب لم يتمكنوا من الياس‪ ،‬وعجزوا عن البطش‬ ‫رجال من‬ ‫فرد الملك بأننا ال نقدر عليه إال بالحيلة‪ ،‬وأرسل خمسين ً‬ ‫به‪ّ .‬‬ ‫قومه من ذوي القوة وعهد إليهم أن يوهموه بأنهم آمنوا به‪ ،‬حتى يظهر ثم‬ ‫يعتقلونه ويأتون به إلى ملكهم‪ .‬لكن اهلل تدخل مرة جديدة وخلّ صه‪ ،‬ثم‬ ‫تكررت محاوالت إعتقال الياس ولكنها فشلت بكاملها‪.25‬‬ ‫يذكر الثعلبي أن ‪‬بني إسرائيل‪ ‬ظلوا على كفرهم‪ ،‬فطلب الياس من‬ ‫اهلل أن يميته أو يعطيه ثأره منهم‪ُ ،26‬ويتابع أن اهلل قال‪ :‬ولكنني أعطيك‬ ‫ثأرك منهم ثالث سنين أجعل خزائن المطر بيدك وال أنشر عليهم سحابة‬ ‫إال بدعوتك وال أنزل عليهم قطرة إال بشفاعتك‪ .‬قال الياس فبأي شيء‬ ‫أسخر لك جيشا من الطير تنقل إليك طعامك وشرابك من‬ ‫أعيش‪ .‬قال ّ‬ ‫الريف واألرض التي لم تقحط‪ .‬قال الياس‪ :‬قد رضيت‪ ،‬فأمسك اهلل‬ ‫المطر عنهم ثالث سنين حتى هلكت المواشي والدواب والهوام والشجر‪،‬‬ ‫وجهد الناس والياس على حاله مختف من قومه بموضع ينساق له فيه‬ ‫الــرزق ويأتيه حيثما كان وقد عرفه بذلك قومه‪ .27‬ثم ذكر مؤرخنا أن‬ ‫اهلل أعاد المطر بعد ثالث سنين وظل الناس على كفرهم‪ ،‬فدعا الياس‬ ‫سماويا‪ .28‬وبعد ذلك‪ ،‬سلّ ط اهلل‬ ‫‪‬إنسيا‬ ‫اهلل أن يريحه منهم ففعل وجعله‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫على ‪‬الجب‪ ‬و‪‬أربيل‪ ‬عدواً قتلهما في بستان ‪‬مزدكى‪ ‬وترك جيفتاهما‬ ‫ملقاتين‪ ،29‬وأصبح إليسع نبيا فآمن به ‪‬بنو إسرائيل‪.‬‬ ‫‪ 224‬الثعلبي‪ ،‬ص‪226–225 .‬‬

‫‪ 225‬يمكن مراجعة المحاوالت التي هدفت إلى قتل الياس وتدخل اهلل المستمر للدفاع‬ ‫عنه‪ .‬الثعلبي‪ ،‬ص‪228–225 .‬‬

‫‪ 226‬راجع دعوات الثأر التي طلبها الياس من اهلل بحق بني إسرائيل‪ ،‬في‪ :‬الثعلبي‪،‬‬ ‫ص‪228 .‬‬ ‫‪ 227‬الثعلبي‪ ،‬ص‪229 .‬‬

‫‪ 228‬راجع العصيان المتكرر ضد الياس ورغبة األخير باالنتقام منهم‪ ،‬وطلبه الدائم‬ ‫من اهلل أن يساعده ضدهم‪ .‬الثعلبي‪ ،‬ص‪230–228 .‬؛ راجع دراستنا لقصة الياس عند‬ ‫الطبري الذي ركز بدوره على أن اهلل جعل الياس إنسيا سماويا‬ ‫‪ 229‬تتوسع التوراة في االشارة إلى موت إزبيل التي كانت تتتبع دخول ياهو االحتفالي‬ ‫إلى السامرة‪ ،‬فألقيت إلى األسفل وماتت وأكلتها الكالب في حقل يرزعيل بأمر من ياهو‪،‬‬ ‫من دون أن يدفنها أحد‪ 2 :‬مل‪ .37–30 ،9 ،‬أما أخاب فدفن في السامرة‪ ،‬وقد غسلت‬ ‫مركبته في بركة السامرة التي تستحم بها المومسات‪ ،‬ولحست دمه الكالب بحسب ما‬ ‫أنبأه إيليا‪ 1 :‬مل‪38 ،22 ،‬‬


‫‪ .3 .2‬الحادثة عند إبن العبري‬

‫يجمع المؤرخون العرب على أن عبادات ‪‬األمم الغريبة‪ ‬تداخلت مع‬ ‫عبادات ‪‬بني إسرائيل‪ ،‬فكان لإلله بعل وكهنته دور في الحياة الدينية‬ ‫واإلجتماعية آنذاك‪ ،‬فتدخل أنبياء ‪‬بني إسرائيل‪ ‬ضد التأثيرات الخارجية‬ ‫الدينية والسياسية‪ ،‬وحاولوا ثني قومهم عن عبادة اآللهة األخــرى‪ .‬وقد‬ ‫‪ 330‬راجع‪ :‬إبن العبري‪ ،‬ص‪55–48 .‬‬

‫‪ 331‬راجع خبر أحاب وزواجه من إيزابيل‪ ،‬في‪ :‬إبن العبري‪ ،‬ص‪58–57 .‬‬

‫‪ 332‬في الترجمة االنكليزية‪ ،‬إيزبيل إبنة إيتوبعل‪ ،‬ملك صور وصيدا‪ .‬يمكن مراجعة‪:‬‬

‫‪Bar Hebraeus, p.21‬‬

‫وال تذكر الطبعة االنكليزية قصة النبي إليا في هذا الموقع‪ ،‬بل في إطار الحديث عن‬ ‫‪‬أحزيا بن يورم‪ ،‬حيث ورد أن النبي إيليا ‪:‬قتل سبعين من أبناء أحاب وكهنة األوثان‪،‬‬ ‫ودمر معبد البعل‪ .‬يمكن مراجعة‪:‬‬ ‫‪Bar Hebraeus, p. 22‬‬

‫‪ 333‬إبن العبري‪ ،‬ص‪58–57 .‬‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫‪3.3‬نقد قصة الياس عند المؤرخين العرب ومصادرها‬

‫‪143‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫بعد حديثه عن فترة حكم القضاة‪ ،‬تكلم إبن العبري على فترة الملَ كية‪،‬‬ ‫فأشار إلى خبر الملك داود‪ ،‬وابنه سليمان‪ .30‬ثم أشار إلى حادثة جبل‬ ‫الكرمل بكثير من التلخيص‪ ،‬في إطار حديثه عن الملك أحاب ابن عمري‬ ‫‪31‬‬ ‫ـزوج إمــرأة وثنية إسمها إيزبيل إبنة‬ ‫ملك األسباط العشرة ‪ ،‬وقــال‪ :‬وتـ ّ‬ ‫‪32‬‬ ‫وجدد بناء مدينة أريحا التي لعنها أيشوع بن نون‪ .‬ووبخه‬ ‫ملك صور ‪ّ .‬‬ ‫أليا النبي لعبادة األصنام‪ ،‬وهرب إلى البادية وكان الغراب يجيئه بالقوت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وامتنع المطر بدعائه ثالث سنين ونصف‪ .‬وأنزل النار من السماء وأحرقت‬ ‫مرتين‪ .‬ثم دعا إلى اهلل ونزل المطر وأروى األرض‪ .‬وهرب‬ ‫مائه نفس في ّ‬ ‫يوما بلياليها‪ .‬ومضى‬ ‫شر إيزابيل إمرأة أحاب إلى القفر وصام أربعين ً‬ ‫من ّ‬ ‫وشق نهر األردن وجاز في قعره‪ .‬وارتفع في‬ ‫بعد ذلك مع تلميذه أليشع‬ ‫ّ‬ ‫‪33‬‬ ‫حيا إلى حيث شاء اهلل تعالى‪. ‬‬ ‫السحاب ومضى ً‬ ‫كان خبر إيليا‪ ،‬وليس الياس كما في المصادر العربية األخــرى‪ ،‬عند‬ ‫حد ما من الخبر الوارد في التوراة‪ ،‬وأصاب مؤرخنا‬ ‫قريبا إلى ّ‬ ‫إبن العبري ً‬ ‫في وضع هذه الحادثة في إطارها الزمني الصحيح‪ ،‬ولكن قصته كانت‬ ‫صراعا بين كهنة البعل وإيليا‪ ،‬بل فيها‬ ‫مختصرة وغير دقيقة‪ ،‬فلم نجد فيها‬ ‫ً‬ ‫أساسيا في الحادثة‪ ،‬وأن إيليا‬ ‫دورا‬ ‫إشارة إلى أن إليزابل إبنة ملك صور ً‬ ‫ً‬ ‫دعا إلى اهلل ونزل المطر وروى األرض‪.‬‬


‫اختلف مضمون هذه الحادثة بين المؤرخين العرب‪ ،‬ويمكن توزيعها على‬ ‫ثالثة مؤرخين أساسيين‪.‬‬ ‫‪34‬‬ ‫* الطبري ومثله‪ ،‬وإن أكثر‬ ‫اختصارا‪ ،‬وأبو عبيد البكري (ت ‪1091‬م) ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪36‬‬ ‫وإبن األثير (ت ‪1234‬م)‪ ،35‬وإبن خلدون (ت ‪1406‬م) ‪ ،‬الذين اعتبروا أن‬ ‫الحادثة حصلت مع ‪‬بني إسرائيل‪ ‬من دون أن يحددوا موقع حدوثها‪.‬‬ ‫الم َح ِّدثين من أمثال ابن‬ ‫وقد اعتمدوا بشكل أساسي على ما نقله بعض ُ‬ ‫حميد وسلمة وابن اسحاق‪ .37‬وكان الطبري وغيره من المؤرخين العرب‪،‬‬ ‫كما بينا أعاله‪ ،‬قد كتبوا التاريخ القديم انطالقا من قصص األنبياء الذين‬ ‫مهدوا لرسالة النبي محمد‪ ،‬ودفعهم ذلك إلى االلتفات إلى اإلسرائيليات‬

‫‪144‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫‪ 334‬راجع حياة البكري‪ ،‬واالختالف في تاريخ مولده‪ ،‬في‪ :‬أبو عبيد البكري‪ ،‬المسالك‬ ‫قدم له وفهرسه‪ ،‬أدريان فان لوفن‪ ،‬أندري فيري‪ ،‬الدار العربية‬ ‫والممالك‪ ،2–1 ،‬حققه ّ‬ ‫للكتاب‪ ،‬قرطاج‪ ،1992 ،‬ج ‪ ،1‬ص‪11–8 .‬؛ وهي الطبعة التي نعتمد عليها؛ كما يمكن‬ ‫مراجعة حياته ومؤلفاته بشكل أوسع تفصيال في‪:‬‬ ‫‪E - LEVI E PROVENCAL, Abu – ‘Ubayd Al Bakri, EI, I, p. 159–161‬‬ ‫وفي‪ :‬مروان أبي فاضل‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪133–131 .‬؛ يمكن مراجعة قصة النبي‬ ‫الياس عند أبي عبيد البكري في‪ : :‬أبو عبيد البكري‪ ،1 ،‬ص‪123 .‬‬

‫‪ 335‬يمكن مراجعة سيرة إبن األثير في‪ :‬ياقوت‪ ،‬معجم األدباء‪ ،17 ،‬ص‪77–71 .‬؛‬ ‫وفي‪ :‬إبن خلكان‪ ،3 ،‬ص‪ .350–348 .‬وفي‪ :‬إبن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪،10–1 ،‬‬ ‫تحقيق عمر عبد السالم تدمري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،1997 ،1‬ص‪ .‬د ـ‬ ‫هـ‪ .‬وهي الطبعة التي نعتمد عليها في مقالتنا؛ إبن األثير‪ ،‬جامع األصول في أحاديث‬ ‫وخرج أحاديثه وعلّ ق عليه عبد القادر األناؤوط‪ ،‬مكتبة‬ ‫الرسول‪ ،10–1 ،‬حقق نصوصه ّ‬ ‫الحلواني‪ ،‬مطبعة المالح‪ ،‬مكتبة دار البيان‪1385 ،‬هـ‪ ،1969/‬المقدمة‪ ،‬ص‪ .‬ظ؛ مروان‬ ‫أبي فاضل‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪ 160 .‬ـ ‪162‬؛ كما يمكن االطالع على حياته في‪:‬‬ ‫‪F. ROSENTHAL, Ibn Al – Athir, EI, III, p. 746‬‬ ‫يمكن مراجعة قصة الياس عند إبن األثير في‪ :‬إبن األثير‪ ،1 ،‬ص‪185–184 .‬‬

‫‪ 336‬الطبعة التي نعتمد عليها هي اآلتية‪ :‬إبن خلدون‪ ،‬كتاب العبر وديوان المبتدأ‬ ‫والخبر في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر‪،7–1 ،‬‬ ‫مكتبة المدرسة‪ ،‬ودار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪–1966 ،‬‬ ‫‪1968‬؛ يمكن مراجعة حياة ابن خلدون في‪ :‬مروان أبي فاضل‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪214–211‬؛ كما يمكن االطالع على حياته بشكل أكثر توسيعا في‪:‬‬ ‫‪M. TALBI, Ibn Khaldoun, EI, III, p.849–852; V. MONTEIL, Ibn Khaldoûn,‬‬ ‫‪sociologue et historien (1332–1406), Rev. Hist, 237, 1967, p. 339–358‬‬ ‫أشار ابن خلدون إلى قصة الياس في إطار حديثه عن الملك أحاب بن عمري‪ .‬يمكن‬ ‫مراجعة أخبار أحاب في‪ :‬إبن خلدون‪ ،2 ،‬ص‪216–214 .‬‬ ‫‪ 337‬يمكن االطالع على تعريفنا بأسماء المحدثين في موقع سابق من المقالة‪ ،‬وال‬ ‫سيما ابن اسحاق الذي الذي اطلع على روايات توراتية ومسيحية عن األنبياء‬


‫مهما لمؤلفات التاريخ والتفسير وقصص األنبياء التي‬ ‫التي اعتبرت‬ ‫ً‬ ‫مصدرا ً‬ ‫صدرت بين القرنين الهجريين الثالث والخامس‪.‬‬

‫الشخصيات في الكتاب المقدس في‬ ‫مكملة لقصص بعض‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1.1‬نصوص ّ‬ ‫وخصوصا الرسل واألنبياء والقديسين‪.‬‬ ‫عهديه القديم والجديد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عبرا أخالقية ومثالية َوت َقوية من عهد ‪‬بني‬ ‫‪ 2.2‬قصص تاريخية تحمل ً‬ ‫إسرائيل‪ ،‬ويغلب عليها أحيانً ا طابع التسلية‪.‬‬

‫زورا (وأحيانً ا حقيقةً) من‬ ‫‪ 3.3‬حكايات تنتمي إلى الفولكلور‪ ،‬مقتبسة ً‬ ‫مصادر يهودية‪.38‬‬

‫‪ 338‬إعتمدنا بشكل رئيسي في تفسير مصطلح ‪‬اإلسرائيليات‪ ‬على‪:‬‬ ‫‪J. ECKMAN, Isra’Ilyyat, EI, IV, p 221‬‬

‫‪ 339‬هو عبيد بن شريه الجرهمي في زمان معاوية‪ ،‬أدرك النبي محمد ولم يسمع منه‬ ‫شيئا‪ .‬ووفد معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬فسأله عن األخبار المتقدمة وملوك العرب والعجم‬ ‫ً‬ ‫وسبب تبلبل األلسنة وأمر افتراق الناس في البالد‪ .‬وكان استحضره من صنعاء اليمن‪،‬‬ ‫فأجابه بما أمر فأمر معاوية أن يدون وينسب إلى عبيد بن شرية‪ .‬عاش عبيد إلى أيام‬ ‫عبد الملك بن مروان‪ .‬وله من الكتب‪ :‬كتاب األمثال‪ ،‬كتاب الملوك وأخبار الماضين‪.‬‬ ‫راجع‪ :‬الفهرست‪ ،‬ص‪102 .‬‬

‫‪ 440‬هو أبو اسحاق بن متي بن هينوع‪ ،‬يهودي من اليمن اعتنق اإلسالم بحدود سنة‬ ‫‪17‬ه‪ 638/‬م‪ .‬أبرز من نقل التراث اليهودي إلى العرب‪ ،‬انتقل إلى اليمن في أيام عمر‬ ‫بن الخطاب ورافقه إلى القدس سنة ‪15‬ه‪636/‬م‪ ،‬تقرب من عثمان بن عفان بعد موت‬ ‫عمر‪ .‬حاول معاوية استمالته إلى دمشق‪ ،‬لكنه فضل البقاء في حمص حيث توفي سنة‬ ‫‪32‬هـ‪653–652/‬م‪ .‬يمكن مراجعة أهميته‪:‬‬ ‫‪M. SCHMITZ, Ka’b Al Ahbãr, EI, IV, p 330 – 331‬‬

‫‪145‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫فــاألســاطـيــر الـتــي تـتـنــاول قـصــص األن ـب ـيــاء ظـهــرت بــاكـ ًـرا فــي األدب‬ ‫وروج‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وتعود للقرن الهجري األول‪ ،‬وكان في طليعة من نقلها ّ‬ ‫عرب كانوا على صلة بيهود شبه الجزيرة‬ ‫يهود اعتنقوا اإلسالم‪ ،‬أو‬ ‫لها‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪39‬‬ ‫العربية ومسيحييها‪ ،‬من أمثال‪ :‬عبيد بن شريه الذي طلب منه معاوية‬ ‫تفرق‬ ‫كتابة قصص ملوك العرب والفرس وتاريخ التوراة (بلبلة األلسن‪ّ ،‬‬ ‫منبه واألخير تــرك كتاب‬ ‫ال ـنــاس‪)...‬؛ كعب األح ـبــار‪40‬؛‬ ‫ً‬ ‫والحقا وهــب بن ّ‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫* أما ‪‬اإلسرائيليات‪ ‬فمصطلح عربي يشتمل على ثالثة أنــواع من‬ ‫النصوص‪ .‬اعتمدها مفسرو القرآن‪ ،‬والمتصوفون‪ ،‬وكاتبو التاريخ‪ ،‬وأهل‬ ‫األدب على المستويات كافة‪ ،‬أما األنواع الثالثة فأبرزها‪:‬‬


‫‪146‬‬

‫أيضا ‪‬اإلسرائيليات‪.41‬‬ ‫‪‬المبتدع‪ ‬المعنون ً‬ ‫ـص الطبري‪ ،‬ومــن نقل عنه‪ ،‬في سياقه العام مع الرواية‬ ‫يتالقى نـ ّ‬ ‫التوراتية‪:‬‬ ‫* الملك أحاب تزوج من إمرأة غريبة هي إيزابل‪.‬‬ ‫* عبد العبرانيون البعل‪.‬‬ ‫* تخلى الملك أحاب نفسه عن النبي الياس وجنح لعبادة األوثان‪.‬‬ ‫* قام النبي الياس ضد عبادة البعل‪ ،‬ودعا الناس لحضور مواجهة‬ ‫علنية بين اهلل والبعل ليروا من يوقف الجفاف‪.‬‬ ‫* حصلت المواجهة‪ ،‬فشل أتباع البعل بإعادة المطر‪ ،‬في حين نجح‬ ‫الياس‪.‬‬ ‫* لم يقنع نصر النبي الياس العبرانيين بالبقاء على عبادة اهلل‪ ،‬لكنهم‬ ‫عادوا إلى عبادة البعل‪.‬‬ ‫سمائيا‪،‬‬ ‫أرضيا‬ ‫ملكيا‬ ‫لما صعد الياس إلى السماء‪ ،‬جعله اهلل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫إنسيا ً‬ ‫ً‬ ‫* ّ‬ ‫تذكرنا بصفات بعل في األساطير الكنعانية في أوغاريت‪.42‬‬ ‫وهذه الصفات ّ‬

‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫‪ 441‬عاش وهب بن منبه بين ‪110–34‬ه‪750–655/‬م‪ .‬إشتهر باهتمامه بأخبار األديان‬ ‫السماوية قبل اإلسالم‪ .‬يقول ابن سعد إنه سمع عن وهب بن منبه يقول‪ :‬لقد قرأت‬ ‫كلها أنزلت من السماء‪ ،‬اثنان وسبعون منها في الكنائس وفي‬ ‫اثنين وتسعين كتابا ّ‬ ‫كلها‪ :‬إن من أضاف إلى نفسه‬ ‫أيدي الناس‪ ،‬وعشرون ال يعلمها إال القليل‪ ،‬وجدت في ّ‬ ‫شيئا من المشية كفر‪ .‬راجع‪ :‬إبن سعد‪ ،5 ،‬ص‪ .543 .‬كان وهب من أصل فارسي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫من األسر التي استقرت في جنوب بالد العرب في الجاهلية‪ .‬ويقول إبن خلكان‪ :‬أبو‬ ‫عبد اهلل وهب بن منبه اليماني‪ ،‬صاحب األخبار والقصص‪ ،‬وكانت له معرفة بأخبار‬ ‫األوائل وقيام الدنيا وأحوال األنبياء‪ .‬راجع ما كتبه إبن خلكان عن وهب وابرز مؤلفاته‬ ‫التي ذكر أنه اطلع على إحداها‪ :‬إبن خلكان‪ ،6 ،‬ص‪ .36–35 .‬تعتبر كتاباته مدخال إلى‬ ‫سيرة النبي إذ أنها تناولت الرساالت السماوية قبل اإلسالم‪ .‬راجع‪ :‬إبن هشام‪ ،‬السيرة‬ ‫النبوية‪ ،1 ،‬مقدمة المحقق‪ ،‬ص‪29–28 .‬‬

‫‪ 442‬يعتبر بعل في أوغاريت إبن داجون‪ ،‬وهو إلى جانب إيل أهم آلهة المدينة‪ .‬ويبدو‬ ‫ً‬ ‫ووسيما يحب الحياة ويكره الموت‪ .‬وهو األمير‪،‬‬ ‫نشيطا‬ ‫شابا‬ ‫من خالل مالحم المدينة‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫الصياد‪ ...‬حول حروب بعل‪ ،‬يمكن على‬ ‫المحارب‪،‬‬ ‫البطل‪،‬‬ ‫الملك‪ ،‬راكب الغيوم‪ ،‬القدير‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سبيل المثال مراجعة قتال بعل إلى جانب إبنه ‪‬علين بعل‪ )Aleyn Baal( ‬ضد ‪‬كوشر‪‬‬ ‫(‪ )Koser‬البحر والنهر‪:‬‬ ‫‪Ch. VIROLLEAUD, La révolte de Koser contre Baal, Poème de Ras Shamra,‬‬ ‫‪Syria, XVI, 1935, p.29–45‬‬

‫راجع األلقاب التي أعطيت لبعل‪ ،‬والصفات التي تمتع بها‪ ،‬وحروبه ضد يم وموت في‪:‬‬ ‫‪CAQUOT, TO I, p 73–77‬‬


‫‪ 1 444‬مل‪32 :17 ،‬‬

‫‪ 445‬هو أحمد بن سهل أبو زيد البلخي الشامستياني‪ .‬ولد بحدود سنة ‪ 850/236‬في‬ ‫شامستيان وهي قرية قريبة من بلخ في خراسان‪ .‬وتوفي سنة ‪934/322‬؛ يمكن مراجعة‬ ‫حياته في‪ :‬ياقوت‪ ،‬معجم األدباء‪ ،3 ،‬ص‪86–64 .‬؛ وفي‪:‬‬ ‫‪D. M. DUNLOP, Al – Balkhi, EI, I, p. 1033–1034‬‬ ‫أما كتابه المرتبط بدراستنا فهو‪ :‬أبو زيد أحمد بن سهل البلخي‪ ،‬كتاب البدء والتاريخ‪،‬‬ ‫‪ ،2–1‬وضع حواشيه خليل عمران المنصور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪1917‬؛ ويمكن مراجعة قصة الياس عنده في‪ :‬البلخي‪ ،1 ،‬ص‪259–258 .‬‬

‫‪ 446‬يمكن مراجعة حياته في‪ :‬مقدمة تحقيق الدكتور عمر عبد السالم التدمري لكتاب‬ ‫القضاعي‪ .‬راجع‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن سالمة بن جعفر بن علي القضاعي‪ ،‬اإلنباء‬ ‫بأبناء األنبياء وتواريخ الخلفاء وواليات األمراء وبذيله تتمة تاريخ الخلفاء العباسيين‬ ‫حتى سقوط بغداد وتتمة تاريخ الخلفاء الفاطميين حتى سقوط دولتهم في مصر‬ ‫لمؤرخ مجهول‪ ،‬تحقيق عمر عبد السالم تدمري‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫الطبعة الثانية‪ ،1999 ،‬ص‪26 .‬؛ يمكن مراجعة قصة الياس في‪ :‬القضاعي‪ ،‬ص‪72 .‬‬

‫‪147‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫‪ 1 443‬مل‪31 :17 ،‬؛ وكما هو معلوم إيزابل ابنة أتوبعل ملك صور‪ ،‬تزوجت أخاب بن‬ ‫عمري وأدخلت إلى قصره عبادة البعل‪ :‬بولس فغالي‪ ،‬المحيط الجامع في الكتاب‬ ‫المقدس والشرق القديم‪ ،‬ص‪205 .‬؛ أما أخاب فهو من ساللة عمري (‪853–874‬‬ ‫ق‪.‬م‪ ،).‬عاصره في يهوذا آسا (‪ 870–911‬ق‪.‬م‪ ).‬ويوشافاط (‪ 848–870‬ق‪.‬م‪ ،).‬وثبت‬ ‫الفينيقيين من خالل زواجه‪ .‬وحقق انتصارات خارجية لدولته‪ ،‬ولكن الحكم‬ ‫العالقات مع‬ ‫ّ‬ ‫متراخيا على الصعيد الديني‪ .‬راجع‪ :‬بولس‬ ‫اعتبر‬ ‫النه‬ ‫قاسيا‬ ‫كان‬ ‫التوراة‬ ‫في‬ ‫االلهي عليه‬ ‫ً‬ ‫فغالي‪ ،‬المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم‪ ،‬ص‪40–39 .‬‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫ـواح عــديــدة‬ ‫ـص ال ـط ـبــري مــع ال ــرواي ــة ال ـتــورات ـيــة فــي نـ ـ ٍ‬ ‫ويـتـنــاقــض ن ـ ّ‬ ‫وجوهرية هي‪:‬‬ ‫* إنه ال يحدد أصل ‪‬أزبل‪ ،‬فهي كما ورد في التوراة ‪‬إيزابل ابنة‬ ‫َأث َبعل ملك الصيدونيين‪ ،43‬وقــد تزوجها ‪‬أخــاب بن عمري‪ ‬وأقــام‬ ‫مذبحا للبعل في بيت البعل الذي بناه في السامرة‪.44‬‬ ‫جغرافيا واضـ ًـحــا‪ ،‬فالحادثة وقعت في مكان ما‬ ‫ـارا‬ ‫* ال يحمل إطـ ً‬ ‫ً‬ ‫في أرض العبرانيين‪ .‬كما أخطأ الطبري في تحديد الفترة الزمنية التي‬ ‫وقعت فيها الحادثة‪ ،‬التي جرت كما هو معلوم بعد عهد سليمان‪ ،‬أي بعد‬ ‫انقسام المملكة‪.‬‬ ‫* إن بعل حسب نص الطبري‪ ،‬ال يحمل بدوره أية هوية‪ ،‬فهو ‪‬إمرأة‪‬‬ ‫غريبة عبدها عبرانيون‪ ،‬من دون أية إشارة إلى صفاتها ودورها‪ .‬كما ال‬ ‫يربط الطبري بين بعل والكنعانيين‪.‬‬ ‫‪46‬‬ ‫* الثعلبي‪ ،‬ومثله البلخي‪ ،45‬القضاعي (ت ‪353‬هـ ــ) ‪ ،‬إبن الجوزي‬


‫(ت ‪1200‬م)‪ ،47‬إبن كثير (ت ‪ 1373‬م)‪ .48‬إعتمدوا على القرآن الكريم في‬ ‫كتابتهم هذه القصة‪ ،‬وتوسعوا في ذكر آيات قرآنية‪ .‬واعتبروا أن الحادثة‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الملَ كية ً‬ ‫حصلت في مدينة بعلبك‪ ،‬وقبل عهد َ‬ ‫كل‬ ‫توس ًعا‬ ‫ً‬ ‫وتميز بأن قصته كانت مغاير ًة َّ‬ ‫كان الثعلبي األكثر ّ‬ ‫وتفصيال‪ّ ،‬‬ ‫وتقدم معلومات جديدة تساعدنا على فهم مصدر المعلومات‬ ‫تقليد آخر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الواردة في مصادر عربية أخرى‪ .‬تشبه قصة الثعلبي في بعض مضامينها‬ ‫ما ورد في التوراة‪ ،49‬وهو ذكر أنه اعتمد على ‪‬إبن اسحاق‪ .‬مع العلم أن‬ ‫قصته تشبه بشكل أوضح‪ ،‬ما ورد عند مفسري القرآن لسورة الصافات‪.50‬‬ ‫بحيث يذكر أن القصة جــرت فــي بعلبك‪ ،‬وينفرد بشرح كيفية وصــول‬ ‫جماعة من ‪‬بني إسرائيل‪ ‬إلى بعلبك‪ ،‬وسبب تسمية المدينة األخيرة‪.‬‬ ‫وكانت مصادر عربية ذكرت الحادثة من دون ذكر موقعها‪ ،‬وأخرى ذكرت‬ ‫إنها جرت في بعلبك من دون أن تحدد الصلة التي تربط ‪‬بني إسرائيل‪‬‬ ‫‪148‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫‪ 447‬يمكن مراجعة حياته في‪ :‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد إبن الخوري‪،‬‬ ‫المنتظم في تاريخ الملوك واألمم‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ ،‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬مصطفى‬ ‫عبد القادر عطا‪ ،18–1 ،‬دار الكتاب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1992 ،‬المقدمة‪،‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫ص‪ .14 .‬وهو المصدر الذي نعتمد عليه؛ راجع ً‬ ‫‪H. LAOUST, Ibn Al – Djawzi, EI, III, p. 774‬‬ ‫يمكن مراجعة أخبار الياس في‪ :‬إبن الجوزي‪ ،1 ،‬ص‪384–382.‬‬

‫‪ 448‬يمكن االطالع على حياة إبن كثير‪ ،‬وأبرز المؤلفات التي تركها ومنها مطبوعة‪ ،‬أو‬ ‫مخطوطة‪ ،‬أو مفقودة‪ ،‬في‪ :‬عماد الدين أبي الفداء الحافظ إبن كثير الدمشقي‪ ،‬البداية‬ ‫والنهاية‪ّ ،14–1 ،‬وثقه وقابل مخطوطاته علي محمد معوض‪ ،‬عادل أحمد الموجود‪،‬‬ ‫السيد‪ ،‬مهدي ناصر الدين‪،‬‬ ‫وضع حواشيه‪ ،‬أحمد أبو ملحم‪ ،‬علي نجيب عطوي‪ ،‬فؤاد‬ ‫ّ‬ ‫علي عبد الساتر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1418 ،‬هـ‪1997/‬م‪ ،‬ج‪ ،14 .‬ص‪ .32 .‬وهي‬ ‫علما أن قصص االنبياء التي وردت عند ابن كثير‬ ‫الطبعة التي نعتمد عليها في دراستنا‪ً ،‬‬ ‫في كتاب‪ :‬البداية والنهاية‪ُ ،‬جمعت في كتاب خاص بعنوان‪ :‬قصص األنبياء‪ .‬يمكن‬ ‫السيد‬ ‫مراجعة‪ :‬عماد الدين أبي الفداء اسماعيل إبن كثير‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬تحقيق‬ ‫ّ‬ ‫الجميلي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪.2005 ،‬؛ كذلك يمكن العودة إلى‪:‬‬ ‫‪H. LAOUST, Ibn Kathir, EI, III, p.841 – 842‬‬ ‫يمكن االطالع على قصة الياس في‪ :‬إبن كثير‪ ،1 ،‬ص‪294–292 .‬‬ ‫‪ 449‬راجع دراستنا للحادثة عند الثعلبي‪ ،‬وإشارتنا للشبه بين المعلومات التي أوردها‬ ‫وتلك الواردة في التوراة‬

‫‪ 550‬يمكن مراجعة تفسير‪ :‬سورة الصافات‪ 123 :‬ـ ‪ .131‬في‪ :‬أبو جعفر محمد بن‬ ‫جرير‪ ،‬تفسير الطبري‪ ،30–1 ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،1990 ،‬ج‪ ،23 .‬ص‪61–58 .‬؛‬ ‫ويمكن مراجعة تفسير اآلية عينها في‪ :‬أبو الفداء الحافظ‪ ،‬تفسير إبن كثير (تفسير‬ ‫القرآن العظيم)‪ ،18–1 ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت‪ ،‬ج‪ ،7 .‬ص‪32 .‬؛ وكذلك في‪:‬‬ ‫أبو عبد اهلل محمد بن أحمد‪ ،‬تفسير القرطبي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت‪ ،‬ج‪.‬‬ ‫‪ ،15‬ص‪121–115 .‬‬


‫الصافات‪131–123 ،‬؛ يمكن‬ ‫‪ 552‬السورة التي لها عالقة بموضوعتنا هي‪ :‬سورة ّ‬ ‫االطالع على قصة الياس في القرآن في‪ :‬سميح عاطف الزين‪ ،‬المرجع المذكور أعاله‪،‬‬ ‫ص‪595–593 .‬‬

‫‪ 553‬الياس التوراة يدعى ‪‬إيليا التشبي‪ ‬وهو نبي من ‪‬تشبه‪ ‬في جلعاد‪ .‬عرف أنه‬ ‫المدافع العنيد عن الديانة اليهودية في أيام الملك أخاب (القسم األول من القرن التاسع‬ ‫شعبيا بحيث إن سيرة‬ ‫ق‪.‬م‪ ).‬وامرأته إيزابيل التي ساعدت على نشر عبادة البعل‪ .‬وكان‬ ‫ً‬ ‫حياته اتخذت رؤية مدهشة‪ ،‬ودخلت األخبار عن شخصه وعجائبه في كتاب الملوك‪:‬‬ ‫‪ 1‬مل‪24–1 ،17 ،‬؛ ‪46–1 ،18‬؛ ‪21–1 ،19‬؛ ‪ 2‬مل‪ .25–1 ،2 ،‬وذكر العهد الجديد‬ ‫أربعا من عجائبه‪ :‬الجفاف‪ ،‬مهمته عند إمرأة صرفة صيدا‪ ،‬هرب إيليا‪ ،‬دينونة اهلل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫راجع‪:‬‬ ‫‪J. AUNEAU – J. LONGTON, Elie, DEB, 2002, p. 407‬‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫‪ 551‬مثل الطبري وأبي عبيد البكري وإبن األثير وإبن خلدون‬

‫‪149‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫بالمدينة المذكورة‪ ،‬ولم تحدد مصادر قصتها‪ .‬وهذا يجعلنا ّنرجح بأنها‬ ‫اعتمدت على حديث إبن اسحاق‪ ،‬إذ ذكره مؤرخنا على اعتبار أنه المصدر‬ ‫الوحيد لقصته‪.‬‬ ‫كما أن أسباب الـصــراع الــذي ذكــره مؤرخنا بين الياس وكهنة البعل‬ ‫يختلف بأسبابه وشكله‪ .‬ففي حين ذكرت معظم مصادرنا أن الصراع حصل‬ ‫الستجالب المطر‪ ،‬يذكر مؤرخنا أن هدفه كان شفاء إبن الملك الذي آمن‬ ‫بـ‪‬بعل‪ ‬وترك اهلل‪ .‬ولكن مؤرخنا يلتقي مع المصادر األخرى‪ 51‬في وضع‬ ‫بعل في مواجهة خاسرة مع الياس‪ .‬هذا ويلفت نظرنا من هذه القصة‪،‬‬ ‫العالقة الدائمة بين النار‪ ،‬والمطر‪ ،‬والياس‪ ،‬والبعل‪.‬‬ ‫إستنادا إلى التوراة‪ ،‬ترك قص ًة مغاير ًة‬ ‫* إبن العبري الذي كان األوسع‬ ‫ً‬ ‫عن كل ما أورده المؤرخون العرب‪ ،‬ولكنها كانت مختصرة وغير دقيقة‪ ،‬فلم‬ ‫صراعا بين كهنة البعل وإيليا‪ ،‬بل فيها إشارة إلى أن إليزابل إبنة‬ ‫نجد فيها‬ ‫ً‬ ‫أساسيا في الحادثة‪ .‬وقد أصاب مؤرخنا في وضع هذه‬ ‫ا‬ ‫دور‬ ‫صور‬ ‫ملك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحادثة في إطارها الزمني الصحيح خالفً ا لبعض المصادر العربية التي‬ ‫أخطأت فاعتبرت إنها وقعت قبل ‪‬عصر القضاة‪ .‬لكنها أصابت بالمقابل‬ ‫عندما رأت أن الصراع وقع بين ‪‬كهنة البعل‪ ‬و‪‬النبي الياس‪.‬‬ ‫وسماه أحيانً ا ‪‬إلياسين‪ ،‬وذكره‬ ‫ذكر القرآن الكريم ‪‬النبي الياس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫في أكثر من موقع‪ .52‬لكن صورة الياس في القرآن ال تحمل مالمح بارزة‬ ‫مستقلة‪ ،‬بل ترتبط بإشارة إلى ‪‬عبادة البعل‪ ‬لدى العبرانيين‪ .‬إال أن‬ ‫األساطير اإلسالمية أبرزت هذه القصة واعتمدت‪ ،‬وإن بشكل متفاوت‪،‬‬ ‫على نقل واضح من التوراة‪ ،53‬وربطت بين إيليا‪/‬الياس‪ ،‬والخضر وإدريس‪.‬‬ ‫ونظير ِه الخضر جعل من‬ ‫فالخلود (‪ )Immortalité‬المنسوب إلى الياس‬ ‫ِ‬


‫الشخصيتين كــائـنــات فــوق الطبيعة (‪ ،)Surnaturel‬يتقاسمان وظيفة‬ ‫البر وعلى البحر‪ .‬لذلك‬ ‫المخلص في الحاالت المأساوية الصعبة‪ ،‬على ّ‬ ‫اكتسبت شخصيتهما شعبية واسعة في المعتقدات الشعبية‪ ،‬وفي أوساط‬ ‫المتصوفين‪ .54‬وقد يكون اإلله بعل لعب هذا الــدور في الماضي‪ ،‬ولعب‬ ‫ونظرا‬ ‫أساسيا في المعتقدات الشعبية التي سبقت إنتشار المسيحية‪،‬‬ ‫دورا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لشعبيته أسقطت عبادته على أساطير الديانات السماوية من يهودية‬ ‫ومسيحية وإسالمية‪ ،‬فانتقلت صفاته إلى ‪‬الياس‪ ‬و‪‬الخضر‪.‬‬ ‫‪4.4‬بعل في المصادر العربية‬

‫‪150‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫تعني كلمة بعل في اللغة العربية‪ ،‬الزوج‪ ،‬أو األرض المروية من مياه‬ ‫‪‬عشاري‪،‬‬ ‫األمطار‪ .‬ومن الكلمات التي كانت تستعمل بدل كلمة بعل كانت ّ‬ ‫تذكرنا ب ـ ‪‬عشتار‪ :‬اإللــه الفلكي في مجمع اآللهة في‬ ‫التي يمكن أن ّ‬ ‫جنوب شبه الجزيرة العربية‪ ،‬والذي كان له أثر على خصوبة التربة‪ ،‬وكانت‬ ‫تسميه ‪‬عشتار بعل‪ .55‬أما في القرون‬ ‫صفته بعل‪ ،‬إذ كانت بعض القبائل ّ‬ ‫الوسطى‪ ،‬فأشار المؤرخون العرب إلى بعل على أساس أنه إله وثني لجأ إليه‬ ‫‪‬بنو إسرائيل‪ ‬لما ضلّ وا عبادة اهلل‪ .‬وتفسير الكلمة في المصادر العربية‬ ‫كثيرا عن الصفات التي تميز بها كإله ـ سيد لألمطار والعواصف‪.‬‬ ‫ال يبتعد ً‬ ‫ويفسر إبن المنظور الكلمة‪ ،‬ويعطيها تفسيرات عديدة‪ ،‬نلخصها كاآلتي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫* البعل‪ :‬األرض المرتفعة التي ال يصيبها مطر إال مرة واحــدة في‬ ‫السنة‪ .‬والبعل هو كل شجر أو زرع ال ُيسقى‪.‬‬ ‫و‪‬تبعلت المرأة أي أطاعت‬ ‫* البعل معناه الزوج‪ ،‬والبعلة أي الزوجة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫زوجها‪.‬‬ ‫وعياال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثقال‬ ‫* بعل الشيء ُّربه ومالكه‪ ،‬والبعل على قومه أي ً‬ ‫وبعد تقديمه التفسيرات العديدة للكلمة‪ ،‬يذكر إبن منظور ما يأتي‪:‬‬ ‫ُسمي بذلك لعبادتهم ّإياه كأنه ُّربهم‪ .‬وقوله‬ ‫‪‬وبعل والبعل‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫جميعا‪َ :‬ص َنم‪ّ ،‬‬ ‫الشيق لقصة الياس في الموسوعة اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪ 554‬راجع التحليل ّ‬ ‫‪A. J. WENSINK – G. VAJDA, Ilyas, EI, III, p. 1184–1185‬‬

‫‪ 555‬حول تفسير كلمة بعل عند العرب وفي القرآن الكريم‪ ،‬وحول عالقة عشتار ببعل‬ ‫في جنوب شبه الجزيرة العربية‪ .‬يمكن العودة إلى‪:‬‬ ‫‪;R. BRUNSCHVIG, Ba’l, EI, I, p. 998–999‬‬ ‫وحول عبادة اإلله الذكر عشتار في جنوب شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وخصائصه وصفاته‬ ‫والمعابد التي أقيمت له‪ .‬يمكن العودة إلى‪:‬‬

‫‪LAGRANGE M – J, Etudes sur les religions sémitiques, Paris, 1903, p. 133–136‬‬


‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫وحول التفسيرات العديدة لكلمة ‪‬بعل‪ ،‬يمكن مراجعة‪ :‬إبن منظور‪ ،1 ،‬ص‪.‬‬ ‫‪َ 556‬‬ ‫‪237–236‬‬

‫‪151‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫بعال وتـ َـذرون أحسن الخالقين‪ .‬قيل‪ :‬معناه أتدعون‬ ‫عز وجل‪ :‬أتدعون ً‬ ‫ًّربــا‪ ،‬وقيل‪ :‬هو صنم؛ يقال‪ :‬أنــا بعل هــذا الشيئ أي ُّربــه ومالكه‪ ،‬كأنه‬ ‫ضالة أنشدت فجاء‬ ‫قال‪ :‬أتدعون ًّربا سوى اهلل‪ُ .‬وروي عن إبن عباس‪ :‬إن ّ‬ ‫بعلها‪ ،‬يريد ربها‪ ،‬فقال إبــن عباس‪ :‬هو من قوله‬ ‫صاحبها فقال‪ :‬أنــا ُ‬ ‫مر برجلين يختصمان في ناقة‬ ‫أتدعون ً‬ ‫بعال أي ًّربا‪ .‬وورد أن إبن عباس ّ‬ ‫بعل هذه‬ ‫وربها‪ .‬وقولهم ‪َ :‬من ُ‬ ‫وأحدهما يقول‪ :‬أنا واهلل بعلها أي مالكها ُّ‬ ‫معموما‬ ‫الصنم‬ ‫والبعل‪:‬‬ ‫ملك‪.‬‬ ‫الناقة أي من ّربها وصاحبها‪ .‬والبعل إسم‬ ‫ً‬ ‫به؛ عن الزجاجي وقال كراع‪ :‬هو َص َن ٌم كان لقوم يونس‪ ،‬وفي الصحاح‪:‬‬ ‫بعال‬ ‫البعل صنم كان لقوم إالياس‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬وقال األزهري‪ :‬قيل إن ً‬ ‫كان‬ ‫صنما من ذهب يعبدونه‪.56‬‬ ‫ً‬ ‫تعبر عن وظائفه‪ ،‬من خالل‬ ‫لقد أعطى إبن منظور تفسيرات عدة لبعل ّ‬ ‫تعبر عن صفاته باعتباره‬ ‫اعتباره أن الكلمة مرتبطة باألمطار‪ ،‬وتفسيرات ّ‬ ‫السيد‪ ،‬المالك‪ .‬فتفسير الكلمة عند العرب مرتبطة بمفاهيم‬ ‫الزوج‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الرب‪ّ ،‬‬ ‫الساميين القدماء لإلله بعل الذي أكرموه وعبدوه كأحد أبرز اآللهة‪.‬‬ ‫ومما يلفت النظر في ‪‬قصة الياس‪ ،‬أن كل المصادر العربية ربطت‬ ‫بينه والخضر والبعل ضمن إطار تاريخي وفكري واحد‪ ،‬وكأنهم يحملون‬ ‫صفات مشتركة أجمعت المصادر على وصفها بأنها ‪‬أرضـيــة سمائية‬ ‫ملكية بشرية‪ .‬وتفتح هذه الصفات الباب أمامنا لمراجعة أخبار البعل‪،‬‬ ‫واألساطير التي تحدثت عنه وعن دوره في ديانة الكنعانيين والصفات‬ ‫العديدة التي كان يحملها‪ .‬وكذلك تأثيره على ديانة العبرانيين الذين تعلقوا‬ ‫بهذا اإلله كأنه أحد آلهتهم‪.‬‬ ‫ويبدو أن عادة إشعال النيران الستجالب المطر كانت عادة قديمة عند‬ ‫شعوب الشرق القديم‪ .‬ويلفت نظرنا في هذا المجال ما ذكره المسعودي‬ ‫في كتاب ‪‬أخبار الزمان‪ ،‬عن ‪‬خبر كنعان بن حام‪ ،‬وأشار إلى األرض‬ ‫التي انتشر فيها أبناؤه وال سيما في أفريقيا‪ ،‬حيث تحدث عن ممالكهم‬ ‫وبعض عاداتهم‪ ،‬وذكر أنهم مختلفون في أفعالهم‪ .‬وقال‪ :‬ومنهم أجناس‬ ‫يلبسون الجلود وهم عراة‪ ،‬ومنهم من يتزر بالحشيش‪ ،‬ومنهم قوم يعملون‬ ‫ويسمونه‬ ‫قرونا من عظام الدواب‪ ،‬وعندهم فأر أبيض يأكلونه‬ ‫لرؤوسهم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كل ليلة عند إثنتين‬ ‫من السماء‪ .‬ويتزوج الواحد منهم عشرة نسوة يبيت ّ‬ ‫ّ‬ ‫منهن‪ ،‬فإن جامعهن على ما تحب وإال طلقهن الملك بعد ثالثة‪ .‬وربما‬ ‫عظاما فكوموها كالتل‪ ،‬ثم‬ ‫أجــدبــوا‪ ،‬فــإذا أرادوا أن يستسقوا جمعوا‬ ‫ً‬


‫أضرموها بالنار‪ ،‬وداروا حولها ورفعوا أيديهم إلى السماء‪ ،‬وتكلموا بكالم‬ ‫تذكرنا‬ ‫فينزل المطر ويسقوا‪ .57‬العادة األخيرة التي أشار إليها المسعودي ّ‬ ‫كثيرا بممارسات كهنة البعل على جبل الكرمل عندما حاولوا جاهدين جلب‬ ‫ً‬ ‫المطر‪ .‬وهي اإلشــارة األولى إلى عادة استجالب المطر عند الكنعانيين‬ ‫أهمية هذا‬ ‫مرة جديدة على‬ ‫خارج قصة الياس والبعل التوراتية‪ ،‬وهي تؤكد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطقس الديني عند شعوب الشرق القديم وال سيما عند الكنعانيين‪.‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪152‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫أهمية خاصة لخصائص البعل ومكانته الدينية‪،‬‬ ‫لم يو ِل العهد القديم‬ ‫ّ‬ ‫معاد ليهوه‪ ،‬لم يهمهم إلى أي مدينة انتمى وكيف‬ ‫فإسم بعل هو صفة إلله ٍ‬ ‫تطورت عبادته‪ ،‬بل كان ّكتاب اليهود يسعون إلى تشويه صورته‪ ،‬بما يتناسب‬ ‫مع توجههم اإليديولوجي‪ .‬لذلك نعتقد أن االعتماد على العهد القديم‬ ‫لتحديد خصائص بعل عملية غير دقيقة‪ ،‬وال تقودنا إلى تكوين رأي علمي‬ ‫صائب عن مظاهر عبادته عند الكنعانيين ـ الفينيقيين‪ .‬ولكننا نستنتج أن‬ ‫اإلشارات إلى بعل تؤكد على انتشار عبادته في مختلف مدن الشرق القديم‪.‬‬ ‫كما أن تحديد هوية بعل الكرمل تبقى مسألة صعبة إذ ‪‬رأى بعض‬ ‫الباحثين أن بعل الكرمل هو بعل صور أي ملقرت‪ ،‬ألن ما اشار إليه إيليا‬ ‫حول اإلله المسافر‪ ،‬واإلله النائم ومن ثم المنبعث من الرقاد إنما هي تأكيد‬ ‫لعودة ملقرت إلى الحياة‪ .‬لكن هناك صعوبات كثيرة تمنع القبول البسيط‬ ‫النص‪ ،‬فاإلله الفينيقي ال يموت كي يعود‬ ‫بهذا التحليل‪ .‬ألنه إذا عدنا إلى‬ ‫ّ‬ ‫النص ال عالقة لها بموت‬ ‫يصفها‬ ‫كما‬ ‫الذبيحة‬ ‫إلى الحياة‪ ،‬باإلضافة إلى أن‬ ‫ّ‬ ‫وقيامة اإلله لدى الفينيقيين‪ .‬أضف إلى ذلك‪ ،‬أن غياب النار عن الطقس‪،‬‬ ‫وعدم حدوثها اللتهام الذبيحة‪ ،‬وهي عنصر أساسي إلتمام الطقس‪ ،‬كل‬ ‫ذلك ال يدفع باتجاه قبول أن إله الكرمل هو ملقرت الصوري‪ .‬كما ال نملك‬ ‫أي دليل حول ممارسة الرقص الهستيري الدموي لهذا اإلله‪ .‬وليس الرقص‬ ‫محصورا بعبادة ملقرت فقط‪ .‬إذ نملك من األدلــة عن ممارسة‬ ‫الديني‬ ‫ً‬ ‫الرقص خالل الطقوس الدينية آللهة مختلفة‪ :‬نالحظ ذلك في ملحمة‬ ‫دانيال في أوغاريت‪ ،‬وفي حمص‪ ،‬وفي مختلف مناطق العالم القديم‪.58‬‬ ‫إلها للخصوبة‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من صعوبة‬ ‫ّ‬ ‫التعرف إلى بعل الكرمل‪ ،‬فإنه يبدو ً‬ ‫‪ 557‬المسعودي‪ ،‬أخبار الزمان ومن أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر بالماء‬ ‫والعمران‪ ،‬دار األندلس‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪1386 ،‬هـ‪1966/‬م‪ ،‬ص‪88–87 .‬‬

‫‪ 558‬أنطوان قسيس‪ ،‬المرجع المذكور أعاله‪ ،‬ص‪92–91 .‬؛ يمكن االطالع على‬ ‫تحديد هوية بعل الكرمل في كتاب الباحثة الفرنسية ‪‬فرانسواز بريكيل شاتونيه‪ ،‬حيث‬


‫المختصرات العلم ّية‬ ‫العربية‬ ‫‪ 1.1‬المختصرات باللغة‬ ‫ّ‬

‫ •إبن الجوزي ‪ = 2–1‬إبن الجوزي‪ ،‬أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن‬ ‫محمد‪ ،‬المنتظم في تاريخ الملوك واألمم‪ ،18–1 ،‬ج‪ ،2–1 .‬دراسة‬ ‫وتحقيق‪ ،‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار‬ ‫الكتاب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪.1992 ،‬‬

‫ •إبن العبري = إبن العبري‪ ،‬تاريخ مختصر الدول‪ ،‬وقف على تصحيحه‬ ‫وفهرسه‪ ،‬األب أنطون صالحاني اليسوعي‪ ،‬دار الرائد اللبناني‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪1403‬ه‪1983/‬م‪.‬‬

‫الع َبر وديــوان المبتدأ‬ ‫ •إبن خلدون‪ ،‬المقدمة ‪ = 2‬إبن خلدون‪ ،‬كتاب ِ‬ ‫والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان‬ ‫األكبر‪ ،7–1 ،‬ج‪ ،2–1 .‬مكتبة المدرسة‪ ،‬ودار الكتاب اللبناني للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.1968–1966 ،‬‬

‫استعرضت آراء الباحثين الذين ربطوا بين بعل الكرمل وملقرت‪ ،‬لكنها رأت‪ ،‬كما الدكتور‬ ‫أنطوان قسيس‪ ،‬أن بعل الكرمل ليس ملقرت الصوري‪.‬‬ ‫‪BRIQEL – CHATONNET F., Op. cit, p. 304–309‬‬

‫‪153‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫ •إبن األثير ‪ = 1‬إبن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،10–1 ،‬تحقيق عمر‬ ‫عبد السالم تدمري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪.1997 ،1 .‬‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫تركزت عبادته على أعالي الجبال‪ ،‬كغيره من اآللهة عند الفينيقيين مثل‬ ‫بعل لبنان وبعل صافون‪.‬‬ ‫أما المصادر العربية فقد درست الصراع بين النبي الياس وكهنة البعل‬ ‫لتظهر أهمية االنبياء في الدفاع عن التعبد هلل دون غيره‪ ،‬ولم يهتموا‬ ‫بالحادثة بحد ذاتها بمعنى تحديد المكان والزمان التي جرت فيه‪ .‬ولكن‬ ‫يؤمن المطر في بالد تعاني‬ ‫الخبر عندهم يؤكد على أهمية اللجوء إلى إله ّ‬ ‫من الجفاف‪ ،‬وحيث تشكل الزراعة المورد االساسي للرزق‪ .‬ويبرز ارتباط‬ ‫اآللهة بالحاجات األساسية للناس ومن أبرزها تأمين المياه والطعام‪ .‬ويؤكد‬ ‫على تفاعل وتنافس ديانات وحضارات الشرق القديم مع بعضها البعض‪.‬‬


‫ •إبن خلكان ‪ = 8–1‬إبن خلّ كان‪ ،‬أبو العباس شمس الدين أحمد‪ ،‬وفيات‬ ‫األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪ ،8–1 ،‬دار الثقافة‪،‬‬ ‫ودار صادر‪ ،‬بيروت‪.1972–1968 ،‬‬

‫ •إبــن سعد ‪ = 8–1‬إبــن سعد‪ ،‬محمد‪ ،‬الطبقات الكبرى‪ ،8–1 ،‬دار‬ ‫صادر‪ ،‬بيروت‪.1998 ،‬‬

‫ •إبن عساكر ‪ = 1‬إبن عساكر‪ ،‬ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن‬ ‫بــن هـبــة اهلل الـشــافـعــي‪ ،‬تـهــذيــب تــاريــخ دم ـشــق الـكـبـيــر‪ ،8–1 ،‬دار‬ ‫ورتبه عبد القادر بدران‪ ،‬طبعة ثانية منقحة‪،‬‬ ‫المسيرة‪ ،‬بيروت‪ ،‬هذّ به ّ‬ ‫‪1399‬هـ‪1979/‬م‪.‬‬

‫ •إبن منظور = إبن منظور‪ ،‬جمال الدين محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‬ ‫المحيط‪ ،4–1 ،‬أعــاد بناءه على الحرف األول من الكلمة‪ ،‬يوسف‬ ‫خياط ونديم مرعشلي‪ ،‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت‪.‬‬ ‫‪154‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫ •أبــو عبيد البكري ‪ = 2–1‬أبــو عبيد البكري‪ ،‬المسالك والممالك‪،‬‬ ‫قدم له وفهرسه‪ ،‬أدريان فان لوفن‪ ،‬أندري فيري‪ ،‬الدار‬ ‫‪ ،2–1‬حققه ّ‬ ‫العربية للكتاب‪ ،‬قرطاج‪.1992 ،‬‬ ‫ •البلخي ‪ = 1‬أبو زيد أحمد بن سهل البلخي‪ ،‬كتاب البدء والتاريخ‪،‬‬ ‫‪ ،2–1‬ج‪ ،1 .‬وضع حواشيه خليل عمران المنصور‪ ،‬دار الكتب العلمية‬ ‫الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪.1917 ،‬‬

‫ •الثعلبي = النيسابوري‪ ،‬أبــو اسـحــاق أحمد بــن محمد بــن ابراهيم‬ ‫المسمى عرائس المجالس‪ ،‬دار‬ ‫المعروف بالثعلبي‪ ،‬قصص األنبياء‬ ‫ّ‬ ‫إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫ •الطبري ‪ = 2–1‬الطبري‪ ،‬تاريخ الرسل والملوك‪ ،10–1 ،‬ج‪،2–1 .‬‬ ‫تحقيق محمد أبــو الفضل ابراهيم‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.1969–1967‬‬

‫ •الفهرست = إبــن الـنــديــم‪ ،‬أبــو الـفــرج محمد بــن أبــي يعقوب اسحق‬ ‫المعروف بــالــوراق‪ ،‬الفهرست‪ ،‬تحقيق رضــا إبــن علي زيــن العابدين‬ ‫الحائري المازدراني‪ ،‬دار المسيرة‪ ،‬طهران‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.1988 ،‬‬ ‫ •القضاعي = أبي عبد اهلل محمد بن سالمة بن جعفر بن علي القضاعي‪،‬‬ ‫اإلنباء بأبناء األنبياء وتواريخ الخلفاء وواليات األمراء وبذيله تتمة تاريخ‬


‫الخلفاء العباسيين حتى سقوط بغداد وتتمة تاريخ الخلفاء الفاطميين‬ ‫حتى سقوط دولتهم في مصر لمؤرخ مجهول‪ ،‬تحقيق عمر عبد السالم‬ ‫تدمري‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1999 ،‬‬

‫ •ياقوت‪ ،‬معجم البلدان = ياقوت بن عبد اهلل الحموي الرومي البغدادي‪،‬‬ ‫شهاب الدين أبي عبد اهلل‪ ،‬معجم البلدان‪ ،7–1 ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫الطبعة الثانية‪.1996–1995 ،‬‬ ‫األجنبية‬ ‫‪ 2.2‬المختصرات باللغات‬ ‫ّ‬ ‫‪• DEB = Dictionnaire Encyclopédique de la Bible, Brepols, 2002‬‬ ‫‪• EI = Encyclopedie de l’Islam, I – X, Paris, 1960 – 2000.‬‬

‫‪The History of al – Tabari, (Ta’rikh al – rusul wa’l muluk), I – IV,‬‬ ‫‪New York, 1987 – 1991.‬‬ ‫‪• TO I = CAQUOT, A., SZNYCER, M., HERDNER, A., Textes‬‬ ‫‪Ougaritiques I. Mythes et legendes, (LAPO), Paris, 1974.‬‬ ‫‪• TO II = CAQUOT, A., TARRAGON, J. M, CUNCHLLOS, J.L., Textes‬‬ ‫‪Ougaritiques II, Textes religieux et rituels. Correspondance,‬‬ ‫‪(LAPO), Paris, 1989.‬‬

‫المراجع‬ ‫العربية‬ ‫‪ 1.1‬المراجع باللغة‬ ‫ّ‬

‫أبي فاضل مروان‪ ،‬الحضارة الكنعانية ـ الفينيقية من خالل المصادر‬ ‫العربية (القرن التاسع ـ القرن السادس عشر م‪ ،).‬أطروحة لنيل دكتوراة‬ ‫في التاريخ‪ ،‬إشراف‪ :‬األستاذ الدكتور أنطوان القسيس‪ ،‬الكسليك ـ لبنان‪،‬‬ ‫‪.2007‬‬

‫‪155‬‬

‫صــور الفينيقي‬ ‫النبي الياس وكهنة بعـل ُ‬

‫‪• Tabari = TABARI, translated and annotated by, William M. Brinner,‬‬

‫جبل الكرمل‪ :‬صراع بين‬

‫ •ياقوت‪ ،‬معجم األدباء = ياقوت بن عبد اهلل الحموي الرومي البغدادي‪،‬‬ ‫شهاب الدين أبي عبد اهلل‪ .‬معجم األدباء‪ ،20–1 ،‬راجعته وزارة المعارف‬ ‫العمومية‪ ،‬مكتبة عيسى الباني الحلبي‪ ،‬دار المأمون‪ ،‬مصر‪.1936 ،‬‬ ‫ّ‬


‫ قصص األنبياء في‬،‫ مجمع البيان الحديث‬،‫عاطف الزين سميح‬ ،‫ بيروت‬،‫ دار الكتاب اللبناني‬،‫ القاهرة‬،‫ دار الكتاب المصري‬،‫القرآن الكريم‬ .2005/1426 ،‫الطبعة السابعة الجديدة والمتجددة‬ ،‫ الفينيقي‬- ‫ التقاليد الطقسية في المحيط الكنعاني‬،‫قسيس أنطوان‬ ‫ الـعـبــادات‬،)‫ أي ــوب شـهــوان (نــاشــر‬:‫ فــي‬،‫اإلن ـشــاد والموسيقى والــرقــص‬ ‫ منشورات جامعة الروح‬،104–75 .‫ ص‬،‫والتقاليد الشعبية والليتورجيا‬ .2007 ،‫ الكسليك‬،39 ،‫ معهد الليتورجيا‬،‫القدس‬ ‫األجنبية‬ ‫ المراجع باللغات‬2.2 ّ • AUNEAU J. – LONGTON J., Elie, DEB, 2002, p. 407. • BAR HEBRAEUS, The Chronography of Gregory Abu’l Faraj, 1932. • BOSWORTH C. E., Al – Tabari, EI, X, 163–164, p. 11–13. • BRIQEL – CHATONNET F., Les relations entre les cités de la côte phénicienne et les royaumes d’Israel et de Juda, OLA. 46, St Ph. 12, Leuven, 1992, p. 303–313. • BRUNSCHVIG R., Ba’l, EI, I, p. 998–999. • DUNLOP D. M., Al – Balkhi, EI, I, p. 1033 –1034. • ECKMAN J., Isra’Ilyyat, EI, IV, p 221. • JONES J.M.B, ‘Ibn Ishak’, EI, III, p. 834–835. • LAGRANGE M – J, Etudes sur les religions sémétiques, Paris, 1903, p. 133–136. • LAOUST H., Ibn Al – Djawzi, EI, III, p. 774. • LAOUST H., Ibn Kathir, EI, III, p. 841–842. • LEVI E PROVENCAL E, Abu – ‘Ubayd Al Bakri, EI, I, p. 159–161. • ROSENTHAL F., Ibn Al – Athir, EI, III, p. 746.

156 ‫ مروان أبي فاضل‬.‫د‬

Translated from the Syriac by Ernest A. Wallis Budge, London,


• SCHMITZ M., Ka’b Al Ahbãr, EI, IV, p 330–331. • SEGAL J.B., Ibn Al – ‘Ibri, EI, III, p. 828. • TABARI, Chronique de Abou Djafar Mouhamed Ben Djarir Ben

‫ صراع بين‬:‫جبل الكرمل‬

Yazid Tabari, I, traduite sous la version persane de Abou Ali

‫صــور الفينيقي‬ ُ ‫النبي الياس وكهنة بعـل‬

157

Mouhamed Bel’ami, par M. HERMAN ZOTENBERG, Paris, 1958. • TABARI, The History of al – Tabari, (Ta’rikh al – rusul wa’l muluk), I, translated by, F. ROSENTHAL, New York, 1989, p. 10–80. • TABARI, The History of al–Tabari, (Ta’rikh al – rusul wa’l muluk), I, translated by, F. ROSENTHAL, II–IV, translated and annotated by, W. M. Brinner, New York, 1987–1991. • TALBI M., Ibn Khaldoun, EI, III, p. 849–852. • MONTEIL V., Ibn Khaldoûn, sociologue et historien, (1332–1406), Rev. Hist. 237, 1967, p. 339–358. • Trésors d’Orient, Organisée sous l’égide du Comité national des commémorations orientalistes, Bibliothèque nationale, Paris, 1973, p. 63–79. • VIROLLEAUD Ch., La révolte de Koser contre Baal, Poème de Ras Shamra, Syria, XVI, 1935, p.29–45. • WENSINK A. J. – VAJDA G., Ilyas, EI, III, p. 1184–1185.


‫صدر في ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫العدد األول‪ :‬خريف ‪2014‬‬ ‫* تراثنا اللبناني‪ :‬معالم وعالمات‬ ‫•حسان حالق‪ :‬بلدية بيروت المحروسة في العهد العثماني‬ ‫•يوسف الحوراني‪ :‬حرمون جبل التجلي ونيسا مغارة أدونيس‬ ‫لغزا‬ ‫•ابرهيم كوكباني‪ :‬بعلبك مدينة الشمس الُ لغز الذي لم ُيعد ً‬

‫* ملف العدد‪ :‬التراث اللبناني الشفوي بين المروي والمحكي والموسيقي‬ ‫المروي‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت‪ ...‬إحكي لنا من تراثك‬ ‫ّ‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الزجل اللبناني من البدايات – شعر الحياة اليومية‬ ‫والتراث‬ ‫•كفاح فاخوري‪ :‬من فصول الحياة الموسيقية في لبنان‬ ‫•محمود زيباوي‪ :‬التراث الفولكلوري الشعبي كما تناوله األخوان رحباني‬ ‫•ناصر مخول‪ :‬اآلالت الموسيقية التراثية‪ :‬تصنيعها والعزف عليها‬ ‫•بديع الحاج‪Le chant traditionnel au Liban: Identité, histoire et :‬‬ ‫‪genres‬‬

‫* إرثنا التراثي‪ :‬تشريعات ومعايير‬ ‫•حنا العميل‪ :‬التراث الثقافي غير المادي‪ :‬تحديات المحافظة عليه‬ ‫ووطنيا‬ ‫عالميا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬أسباب التلف والدمار في المصادر التراثية‬ ‫•محمد ناصر‪ :‬دور التشريعات في حفظ التراث وحمايته‬ ‫العدد الثاني‪ :‬ربيع ‪2015‬‬

‫والد َولي‬ ‫عدد خاص في موضوع‪ :‬لبنان في األرشيف الوطني ُ‬ ‫* لبنان في األرشيف المحلي‬ ‫•أحمد حطيط‪ :‬لبنان في أرشيف الحروب الصليبية‬ ‫•الياس القطار‪ :‬أرشيف لبنان في العهد المملوكي‬ ‫•أنطوان القسيس‪ :‬لبنان في الزمن الفينيقي‬ ‫•بطرس لبكي‪ :‬حرير لبنان في األرشيف المحلي واألجنبي‬ ‫•جوزف أبو نهرا‪ :‬لبنان في أرشيف األديار ‬


‫•حسان حالق‪ :‬لبنان في أرشيف بيروت ‬ ‫•رياض غنام‪ :‬لبنان في األرشيف األهلي ‬ ‫•عبداهلل المالح‪ :‬لبنان في أرشيف المتصرفية‬ ‫•عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬لبنان في األرشيف اإلسالمي‬ ‫* لبنان في األرشيف األجنبي‬ ‫الحكيم‪ :‬لبنان في األرشيف الفرنسي‬ ‫•أنطوان‬ ‫ّ‬ ‫•عباس أبو صالح‪ :‬لبنان الخمسينات في األرشيف األميركي‬ ‫•عبداللطيف الحارس‪ :‬لبنان في األرشيف البريطاني‬ ‫•كرم رزق‪ :‬لبنان في األرشيف النمساوي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬لبنان في األرشيف األميركي‬ ‫في األعداد المقبلة‬ ‫•رجا لبكي‪ :‬ال ِـح ـ َـرف في المتن‬ ‫•سوالنج حلو‪ :‬ال ِـحـ َـرف في الشوف‬ ‫•علي شعيب‪ :‬دور الزجل في ترويج دور الزعامات السياسية (أَ حمد‬ ‫َ‬ ‫األسعد)‬

‫عبدالرؤوف س ّـنـو‪ :‬رحلة أمبراطور ألمانيا غليوم الثاني إلى بالد الشام‬ ‫•‬ ‫ُ‬ ‫المحلية‬ ‫‪ 1898‬في مرآة الصحافة‬ ‫ّ‬ ‫•نينا جدجيان‪ :‬مطالعة أثرية في مرفأ بيبلوس التاريخي‬ ‫واإلدريسي‬ ‫• َأحمد حطيط‪ :‬سكان لبنان في مذكرات ابن ُجبير ِ‬ ‫التاريخي‬ ‫اللبناني (‪ : )1920–1860‬بين الواقع‬ ‫الكيان‬ ‫•جورج شلهوب‪َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتجاذُ ب اإليديولوجي‬ ‫بشور‪ :‬كيف نوصل تراثنا إلى الصغار كي يكبروا معه‬ ‫•نجال ُّ‬ ‫ويحافظوا عليه!‬ ‫الرحالة ناصر خسرو‬ ‫•الياس ّ‬ ‫يوميات ّ‬ ‫القطار‪ :‬لبنان في ّ‬ ‫رو ٌاد غَ ـ َـز ْوا بها العالم‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الصحافة اللبنانية أَ َ‬ ‫طلق َها َّ‬ ‫•ابرهيم كوكباني‪ :‬قراءة تاريخية في صخور نهر الكلب‬ ‫•جوسلين عواد‪ :‬كيف نكتب تراثنا لألوالد‬


Mirrors of Heritage Refereed journal published twice a year by The Center for Lebanese Heritage (CLH) at The Lebanese American University (LAU)

Henri Zoghaib – Editor

Issue No. 3 – Fall 2015

Architectural Heritage Historical Heritage Special Section: Artisanal Heritage

Center for Lebanese Heritage Lebanese American University, Kraytem, Beirut – Lebanon Phone: +961.1.78 64 64 (ext: 1600) Fax: +961.1.78 64 60 P.O. Box: 5053 13 Beirut – Lebanon email: clh@lau.edu.lb www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh Design and layout by Dergham s.a.r.l


Mirrors of Heritage Issue No. 3 – Fall 2015

Architectural Heritage Historical Heritage

Special section Artisanal Heritage


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.