Maraya Journal, Spring 2017

Page 1

Mirrors of Heritage ٢٠١٧ ‫ صيف‬/ ‫العدد السادس – ربيع‬

‫َملَ ّف العدد‬ ‫تراثنا الشعبي‬ ‫تراثنا المادي‬ • ‫تراثنا التاريخي‬ • )٣( ‫لبنان على أقالم الرحالة‬ •

٢٠١٧  ‫العدد السادس – ربيع‬

Mirrors of Heritage Issue No. 6 – Spring 2017

Issue No. 6 – Spring / Summer 2017

Special section Folk Culture • Tangible

Heritage • Historical Heritage


‫ـمية ُم َـح َّك َمة َتصدر مرتين في السنة‬ ‫َأكادي ّ‬ ‫نش ُرها‬ ‫َي ُ‬ ‫مركز التراث اللبناني‬ ‫في‬ ‫الجامعة اللبنانية ا َألميركية‬ ‫رئيس التحرير‪ /‬مديـر الـمركـز‬ ‫هنري زغيب‬ ‫ميــة‬ ‫الهـي َـئـة ِ‬ ‫العـ ْـل َّ‬ ‫العائلة)‪:‬‬ ‫الدكاتــرة‬ ‫بجديا ِب ْاسم ِ‬ ‫ا َألساتذ ُة َّ‬ ‫(ترتيبا أَ ً‬ ‫ً‬ ‫كرسي الدراسات العربية‬ ‫رمزي بعلبكي | الجامعة ا َألميركية | ُ أستاذ‬ ‫ّ‬

‫السـرديات‬ ‫لطيف زيتوني | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ َّ‬

‫عماد سالمة | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ العالقات الدولية‬ ‫واإلعالم‬ ‫الشهال | الجامعة اللبنانية | مساعد رئيس الجامعة للعالقات العامة ِ‬ ‫محمد َب َدوي َّ‬

‫رنيه غطّ اس | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذة ِإدارة ا َألعمال‬

‫للش ُـؤون ا َألكاديمية‬ ‫وجيه فانوس | الجامعة ِاإلسالمية في لبنان | مستشار رئيس الجامعة ُّ‬ ‫منسق الهيئة العلمية‬ ‫الروح القدس ‪ -‬الكسليك | ّ‬ ‫َأنطوان ّ‬ ‫قسيس | جامعة ّ‬

‫لحود | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ الهندسة المعمارية والحفاظ على التراث‬ ‫َأنطوان ُّ‬ ‫ـمسؤول تجاه الحكومة‬ ‫الـمدير ال ُ‬ ‫وسـي‬ ‫كريستيان ُأ ّ‬ ‫اإلدارة والتحرير‬ ‫ِ‬

‫مركز التراث اللبناني ‪ -‬الجامعة اللبنانية ا َألميركية ‪ -‬قريطم ‪ -‬بيروت‬ ‫(المقسم ‪)1600‬‬ ‫هاتف‪+ 961 1 78 64 64 :‬‬ ‫ّ‬ ‫فاكس‪+ 961 1 78 64 60 :‬‬ ‫ص ب‪ 13 - 5053 :‬بيروت ‪ -‬لبنان‬ ‫‪clh@lau.edu.lb‬‬

‫‪www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh‬‬

‫تصميم و إخراج درغام ش‪.‬م‪.‬م‬


‫العدد السادس ‪ -‬ربيع‪ /‬صيف ‪٢٠١٧‬‬

‫‪3‬‬

‫ُأولى الــ‪‬مرايا‪ - ‬هنري زغيب‬ ‫اللبنانيين َ‬ ‫مطلع القرن العشرين‬ ‫األوائل ِإلى أَ ميركا‬ ‫دليل المهاجرين‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫‪٢٠‬‬

‫المادي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬ ‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬ ‫موحدة أم مملكتان؟)‬ ‫(مملكة ّ‬

‫ف العدد‬ ‫َم َل ّ‬

‫‪2‬‬

‫‪50‬‬

‫الشعبي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬علي شعيب‬ ‫الزعامة الشعبية في جنوب لبنان‬

‫هنري زغـيب‬

‫(أَ حمد َ‬ ‫نموذجا)‬ ‫األسعد‬ ‫ً‬

‫‪٩٢‬‬

‫لبنان على أقالم الرحالة (‪)٣‬‬

‫د‪َ .‬أحـمـد حـطَ ـيـط‬ ‫لبنان وبالد الشام أَ ّي َام حروب الفرنج في الشرق‬

‫جبير َ‬ ‫األندلسي (‪ 581–578‬هـ‪1185–1183/‬م)‬ ‫من خالل رحلة ابن َ‬

‫‪١١٦‬‬

‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‪:‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫‪153‬‬

‫‪Notre patrimoine historique‬‬ ‫‪Dr Ibrahim Kaoukabani‬‬ ‫‪Les stèles de Nahr el Kalb‬‬

‫صورة الغالف‪:‬‬ ‫تماثيل رخامية نذرية من معبد أشمون – صيدا‬


‫ُأولى الـ ‪‬مرايا‪‬‬

‫ُ‬ ‫دليل المهاجرين اللبنانيّين األَوائل‬ ‫إِلى أميركا مطل َ‬ ‫ع القرن العشرين‬ ‫هنـري زغـيـب‬

‫قـصتي مع هذا الكتاب‬ ‫منذ اليوم َ‬ ‫األ ّول لدخولي ِإلــى مكتبي في‬ ‫شاعرا‬ ‫كنت‬ ‫‪‬الهدى‪ِ 1‬ل َـت َـولِّ َّي رئاس َة تحريرها‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫بعد من مجرد‬ ‫وهرها أَ ُ‬ ‫أَ نني أَ تولّ ى ُ‬ ‫مسؤولي ًة َج ُ‬ ‫عمل صحافي‪ ،‬بل َم َه َّمة رسالية لبنانية َ‬ ‫مألها‬ ‫َ‬ ‫متمرسون‪ ،‬بينهم‪ :‬يوسف‬ ‫نيويورك‬ ‫في‬ ‫قبلي‬ ‫ّ‬ ‫ال ـخ ــال‪ ،2‬وقـبــلَ ــه نسيب عــريـضــة حـيــن كلّ فته‬ ‫تحريرها َ‬ ‫اللمع عند وفــاة‬ ‫َ‬ ‫األم ـيــر ُة روز أَ بــي َ‬ ‫‪3‬‬ ‫أَ‬ ‫نَ‬ ‫المؤسس ُعوم مكرزل قبل ن يتسلَّ مها‬ ‫زوجها َ‬ ‫عيدا ِإيــاهــا ِإلــى‬ ‫شقيقه َســلُّ ــوم‬ ‫ُ‬ ‫وينهض بها ُم ً‬ ‫َ‬ ‫مجدها الذهبي منذ التأْ سيس‪.‬‬ ‫ت ونُ‬ ‫صوصا‬ ‫روتينيا أَ ن أُ ديــر ‪‬الهدى‪‬‬ ‫كان‬ ‫محررين وأَ خـبـ ًـارا ومقاال ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫لكن عيني كانت ترنو ِإلــى أَ بـعــد‪ :‬اكتشاف مطالع االنتشار‬ ‫ومراسلين‪ّ ،‬‬ ‫طلبت من ناشرها‬ ‫اللبناني في الــواليــات المتحدة عبر صفحاتها‪ .‬لــذا‬ ‫ُ‬ ‫يومذاك الصديق فارس أسطفان‪ 4‬أَ ن ُيدخلني ِإلى محفوظات الجريدة‪،‬‬ ‫‪ )1‬‬

‫نيويورك – نيسان ‪.1984‬‬

‫‪ )2‬من ‪ِ 1953‬إلى ‪(ِ 1955‬إ َّبان وظيف ِته في دائرة الصحافة والنشر لدى َ‬ ‫األمانة العامة‬ ‫ُ‬ ‫لألمم المتحدة في نيويورك)‪ .‬وكان يراسلُ ُـه لــ ‪‬ال ُـهدى‪ ‬من بيروت‪ :‬صالح لبكي وجميل‬ ‫جبر وفاضل سعيد عقل‪.‬‬

‫‪ )3‬هي زوجته الثالثة (‪ ،)1932–1910‬بعد ُ‬ ‫األولى صوفي شيشيم (‪،)1902 – 1898‬‬ ‫والثانية سعدى الريحاني (‪ )1908–1904‬وهي شقيقة أَ مين الريحاني‪.‬‬

‫عمه خادم رعية بروكلن المارونية الخوري‬ ‫‪ )4‬‬ ‫ُ‬ ‫ملب ًيا مسعى ّ‬ ‫ناشرها منذ ‪ّ ،1969‬‬ ‫أَ‬ ‫سابق في ِإقناع َسلُّ وم مكرزل بالتخلّ ي‬ ‫مسعى‬ ‫ا‪،‬‬ ‫يض‬ ‫هو‬ ‫له‪،‬‬ ‫كان‬ ‫الذي‬ ‫أسطفان‬ ‫منصور‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫عن ِإصدار مجلته ‪‬العالم السوري‪( ‬باإلنكليزية‪َ )1932–1926 :‬وتـ َـولِّ ـي ِإدارة ‪‬الهدى‪‬‬ ‫ينوون التسلُّ ط عليها‪.‬‬ ‫ِإنقاذً ا لها من طامعين كانوا ُ‬


‫‪4‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫وكانت مركون ًة في الطبقة َ‬ ‫األرضية من تلك البناية الهرمة ‪ 5‬التي اشترتها‬ ‫‪6‬‬ ‫ماري مكرزل سنة ‪ 1959‬ونقلَ ت ِإليها موجودات البناية القديمة  التي كان‬ ‫والدها َسلُّ وم يطلق ‪‬الهدى‪ ‬منها‪.‬‬ ‫يوما ِإلى الطبقة َ‬ ‫األرضية‬ ‫بهذه الرغبة‬ ‫ُ‬ ‫نزلت ً‬ ‫قبو شديد العتمة تحتها‪ ،‬أَ‬ ‫لفيت فيه‬ ‫ِفإلى‬ ‫ُ‬ ‫دهليز ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بقايا مطبعة اللينوتايپ القديمة التي كان َسلُّ وم‬ ‫مكرزل ُيصدر ‪‬الـهــدى‪ ‬عليها‪ ،‬هو الــذي ابتكر‬ ‫سنة ‪ 1910‬طريق ًة ِإلدخــال َ‬ ‫األحــرف العربية على‬ ‫وطبقها فــي ‪‬ال ـهــدى‪ ‬فكانت‬ ‫آلــة ‪‬اللينوتايپ‪ّ ‬‬ ‫أَ ول جــريــدة فــي أَ ميركا تصدر فــي العربية على‬ ‫مكن نَ ُعوم مكرزل من ِإصدارها بـ ‪8‬‬ ‫هذه اآللة‪ ،‬ما ّ‬ ‫صفحات بعدما كانت تصدر بــ ‪ 4‬صفحات على‬ ‫ُﻧﻌﻮم ﻣﻜﺮزل‬ ‫التنضيد اليدوي البطيء‪.‬‬ ‫اﻟﻤ َﺆ ّﺳﺲ (‪)١٩٣٢–١٨٩٨‬‬ ‫ُ‬ ‫من بقايا آلة ‪‬اللينوتايپ‪ ‬في ذاك الدهليز‪،‬‬ ‫ـدت ِإل ــى طبقة المحفوظات الــرازحــة تحت‬ ‫ص ـعـ ُ‬ ‫بشغفي‬ ‫ت من الغبار والنسيان‪،‬‬ ‫رحت أُ زيحها َ‬ ‫طبقا ٍ‬ ‫ُ‬ ‫عداد ‪‬الهدى‪‬‬ ‫قبل أَ صابعي‪ ،‬فراحت‬ ‫َّ‬ ‫تتكشف لي أَ ُ‬ ‫ـدرت ‪‬فــي مطبعة‬ ‫ـب ص ـ َ‬ ‫القديم ُة ومـنـشـ ٌ‬ ‫ـورات وكـتـ ٌ‬ ‫مذكور على أَ غلفتها‪،‬‬ ‫جريدة الهدى اليومية‪ ‬كما‬ ‫ٌ‬ ‫وبينها الطبع ُة ُ‬ ‫األولى (‪ )1908‬من هذا الكتاب بين‬ ‫يديك‪ :‬الدليل التجاري السوري ‪1909–1908‬‬ ‫لــواضـ َـعـ ْـيــه َســلُّ ــوم م ـكــرزل وحبيب قـطــش‪ ،‬وكتاب‬ ‫‪‬تاريخ جريدة الهدى والجوالي اللبنانية في أَ ميركا‪‬‬ ‫الصادر سنة ‪ِ 1968‬بإشراف ماري سلُّ وم مكرزل‪ ،‬ﺳﻠُّﻮم ﻣﻜﺮزل‬ ‫ﻮاﺻﻞ (‪)١٩٥٢–١٩٣٢‬‬ ‫اﻟﻤ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عاما على تأْ سيسها‪.‬‬ ‫لمناسبة بلوغ ‪‬الهدى‪ً 70 ‬‬ ‫الكنوز النادرة‪ ،‬بات لمجيئي ِإلى مكتبي في ‪‬الهدى‪‬‬ ‫بعد اكتشافي تلك‬ ‫َ‬ ‫واأل ّول َ‬ ‫اآلخ ُر تسيير ُش ُؤون الجريدة‪َ ،‬‬ ‫الغوص في ذاكرتها‬ ‫هم‪:‬‬ ‫هدفان‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫واأل ّ‬ ‫ُ‬ ‫يت رئاسة تحريرها‪ .‬وهي‬ ‫‪ )5‬رقم ‪ 28‬غربي الشارع ‪ ،34‬وفيها كان مكتبي حين تولَّ ُ‬ ‫آخر بناية لـ ‪‬الهدى‪ ‬قبل احتجابها النهائي مع العدد َ‬ ‫األخير‪ :‬الجمعة ‪ 8‬أَ ّيار ‪1992‬‬ ‫(العدد ‪ 11‬من سنتها الرابعة والتسعين)‪.‬‬ ‫‪ )6‬‬

‫رقم ‪ 32‬شرقي الشارع ‪.28‬‬


‫* * *‬

‫‪ )7‬‬

‫في ‪ 2‬آب ‪.1864‬‬

‫ابن الفريكة‪ُ .‬ولد فيها سنة ‪ .1876‬التحق بــ ‪‬مدرسة نعوم مكرزل‪ ‬في‬ ‫‪ )8‬وهو أَ ً‬ ‫يضا ُ‬ ‫عمه عبده ومعلّ مه‬ ‫مع‬ ‫وسافر‬ ‫‪،1887‬‬ ‫سنة‬ ‫الفريكة‬ ‫لى‬ ‫إ‬ ‫معها‬ ‫انتقل‬ ‫‪،1886‬‬ ‫عين عار سنة‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫نعوم مكرزل ِإلى نيويورك سنة ‪.1888‬‬ ‫‪ )9‬أَ نشأَ ها الشقيقان ابرهيم ونجيب العربيلي سنة ‪.1892‬‬

‫تعمد نَ ُعوم مكرزل هذا التاريخ ومن فيالدلفيا بالذات‪َ ،‬ألنه تذكار مولد جورج‬ ‫‪ )10‬‬ ‫َّ‬ ‫وأَ‬ ‫أَ‬ ‫س عليها (‪.)1797–1789‬‬ ‫رئي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫المتحدة‪،‬‬ ‫الواليات‬ ‫سسي‬ ‫مؤ‬ ‫حد‪ ‬اآلباء‬ ‫واشنطن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وهو قاد َت َـم ُّر ًدا أَ ّدى ِإلى ِإعالن انفصالها‪ ‬عن‪ ‬بريطانيا‪ ‬في ‪ 4‬تموز ‪ ،1776‬ثم أَ سهم‬ ‫في ِإقرار النظام الفدرالي بين‪ ‬جميع الواليات َ‬ ‫مريكية‪ ‬إ ّبان المؤتمر الدستوري في‬ ‫األ‬ ‫ِ‬ ‫فيالدلفيا سنة ‪.1787‬‬

‫‪5‬‬

‫ع القرن العشرين‬ ‫إِلى أميركا مطل َ‬

‫الن ُعوم المهيب‪ ،‬ومنها أَ نه ُولد في الفريكة ‪ 7‬ونشأَ‬ ‫متعتني سيرة هذا َ‬ ‫أَ ْ‬ ‫يرضيا‬ ‫في كنف والده الخوري أَ نطون والخورية بربارة مكرزل اللذين لم َ‬ ‫على سفر ولدهما البكر ِإلــى الـ ‪‬أَ ميركا‪ – ‬مرنى شبان تلك الحقبة‬ ‫ِإ ّبان موجة أَ فواج اللبنانيين المهاجرين –‪ .‬كان طموحه أَ قوى من ممانعة‬ ‫مصطحبا معه تلميذَ ه الفتى‬ ‫والـ َـديــه فسافر ِإلــى نيويورك سنة ‪1888‬‬ ‫ً‬ ‫فحقق رغبته الصحافية‬ ‫أَ مين الريحاني‪ .8‬لم ينجح نَ ُعوم في التجارة‬ ‫َّ‬ ‫الجالتين‪،‬‬ ‫ِبإنشائه جريد َة ‪‬العصر‪ ‬سنة ‪ 1894‬كان يطبعها‬ ‫يدويا على ِ‬ ‫ًّ‬ ‫‪9‬‬ ‫وهــي ثاني جريدة بالعربية هناك بعد ‪‬كوكب أَ مـيــركــا‪ . ‬لكن صعوبة‬ ‫أَ حواله المادية أَ رغمته على ِإيقاف ‪‬العصر‪ِ ‬إنما ال على توقُّ ف الحلم في‬ ‫فحققه في مدينة فيالدلفيا سنة ‪1898‬‬ ‫امتهان الصحافة‪ .‬وهو ما عاد‬ ‫َّ‬ ‫‪10‬‬ ‫عددها َ‬ ‫األول نهار الثلثاء ‪ 22‬شباط‬ ‫بتأْ سيس جريدة ‪‬الهدى‪ ‬وأَ صدر َ‬ ‫ف عربية اشتراها‬ ‫‪ 1898‬نصف أُ سبوعية‪ ،‬أَ ّمن لها بضع َة صناديق أَ حر ٍ‬ ‫طباعة للمنشورات التجارية الصغيرة‪ .‬وحين بعد أَ ربع‬ ‫من مصر‪ ،‬وآل َة‬ ‫ٍ‬ ‫محدودا في فيالدلفيا‪ ،‬انتقل بجريدته ِإلى مدينة‬ ‫تقدمه‬ ‫ً‬ ‫سنوات رأَ ى ُّ‬ ‫نيويورك سنة ‪ 1902‬وأَ صــدرهــا يومي ًة فاستقطبت الجوالي اللبنانية‬ ‫في الواليات َ‬ ‫الحقا في‬ ‫سسها قلوب اللبنانيين‬ ‫ً‬ ‫األميركية‪ ،‬واستقطب َ‬ ‫مؤ ُ‬ ‫لبنانيا ناهض العثمانيين‬ ‫وطنيا‬ ‫زعيما‬ ‫وتكرس‬ ‫‪‬جمعية النهضة اللبنانية‪‬‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫وخ َطبه‬ ‫دائما‪ ،‬في افتتاحياته ُ‬ ‫ّ‬ ‫بشدة وحزم‪ ،‬وبعدهم الفرنسيين الذين كان ً‬

‫ُ‬ ‫دليل المهاجرين اللبنانيّين األَوائل‬

‫على الساغا اللبنانية ُ‬ ‫هم من ‪‬الهدى‪،‬‬ ‫األولى التي ال مرجع موثوقً ا لها أَ ّ‬ ‫سفين ًة كبرى حملت وفود اللبنانيين بقيادة القبطان الحازم نَ ُعوم مكرزل‪،‬‬ ‫خارج بيته‪.‬‬ ‫بيتا آخر لكل لبناني‬ ‫فكانت ً‬ ‫َ‬


‫مشاركا سنة‬ ‫ً‬ ‫يطالبهم باستقالل لبنان عن االنتداب الفرنسي‪،‬‬ ‫ولقاءاته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪11‬‬ ‫مترئ ًسا سنة ‪ ،1932‬بالرغم من وهن‬ ‫مؤتمر الصلح ‪ ،‬وبعده‬ ‫ِّ‬ ‫‪ 1919‬في ْ‬ ‫كبيرا ِإلــى ﭘـاريس من المهاجرين اللبنانيين َ‬ ‫األميركيين‬ ‫صحته‪ ،‬وفـ ًـدا‬ ‫ً‬ ‫لمطالبة فرنسا باستقالل لبنان‪ ،‬ورفــع هيمنة مفوضيها السامين في‬ ‫بيروت‪ .‬وفي خاتمة تلك الرحلة فاجأَ ْته نوبة قلبية قاصمة فتوفي في‬ ‫ﭘـاريس نهار ‪ 5‬نيسان ‪.12 1932‬‬ ‫* * *‬

‫‪6‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫متنق ًال بين هذه الوثائق أَ مامي في محفوظات ‪‬الهدى‪.‬‬ ‫أَ مضي ِّ‬ ‫‪13‬‬ ‫طالعتني صفحات َسلُّ وم مكرزل الذي تولى ‪‬الهدى‪‬‬ ‫بعد مسيرة نَ ُعوم‬ ‫ْ‬ ‫فجند لها خبرته الكتابية والتجارية‪،‬‬ ‫شه ٍر من وفــاة شقيقه ُنعوم‪ّ ،‬‬ ‫بعد أَ ُ‬ ‫ووطنيا‪ ،‬بعدما كان أَ سس لرسالته الصحافية والوطنية‬ ‫صحافيا‬ ‫وتقدم بها‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ِبإصداره في ِاإلنكليزية مجلة ‪‬العالم السوري‪،)The Syrian World( ‬‬ ‫ـددهــا َ‬ ‫األول فــي تموز‬ ‫شـهــريـ ًة ص ـ َـدر عـ ُ‬ ‫‪ 1926‬فأَ قبل عليها اللبنانيون َ‬ ‫األميركيون‬ ‫غير المتقنين العربي َة قراء ًة‪،‬‬ ‫واستقطبت‬ ‫َ‬ ‫أَ قالم معظم أَ عضاء ‪‬الرابطة القلَ مية‪‬‬ ‫مــن ج ـبــران ِإل ــى أَ م ـيــن الــري ـحــانــي ِإلــى‬ ‫ميخائيل نعيمة وسواهم‪.‬‬ ‫ســوى أَ ن ــه‪ ،‬عند استالمه ‪‬الـهــدى‪‬‬ ‫س ـنــة ‪ ،1932‬أَ وقـ ـ ــف ِإص ـ ـ ــدار مجلته‬ ‫وهن‬ ‫وانصرف ِإلى تعزيز ‪‬الهدى‪ ،‬بعد ْ‬ ‫ممن لم يحسنوا‬ ‫أَ صابها أَ شـ ُـهـ ًـرا قليل ًة ّ‬ ‫نشطها‬ ‫دارتها مباشر ًة بعد وفاة نَ ُعوم‪َّ .‬‬ ‫ِإ َ‬ ‫ف ــازداد انتشارها وزادت مــواردهــا عن‬ ‫نفقاتها‪ّ ،‬‬ ‫َﺳﻠُّﻮم ﻣﻜﺮزل ﻋﻨﺪ تَ َسلُّ مه ‪‬اﻟﻬﺪى‪‬‬ ‫ونظم ِإدارت ـهــا في دقــة مهنية‬ ‫بعد وﻓﺎة شقيقه ﻧﻌﻮم ﺳﻨﺔ ‪١٩٣٢‬‬ ‫نش َر رسالتها اللبنانية‬ ‫عالية‪،‬‬ ‫مواصال ْ‬ ‫ً‬ ‫‪ )11‬في ﭘـاريس‪ .‬وكان الوفد برئاسة البطريرك الياس الحويك‪.‬‬

‫سنة على وفاة جبران في نيويورك نهار الجمعة ‪ 10‬نيسان ‪.1931‬‬ ‫‪ )12‬بعد ٍ‬

‫بشري سنة‬ ‫‪ )13‬المولود أَ ً‬ ‫يضا في الفريكة سنة ‪ ،1881‬قبل سنتين من والدة جبران في ّ‬ ‫‪.1883‬‬


‫‪‬وسام‬ ‫‪ )16‬كان يومها سفير لبنان في واشنطن‪ ،‬وبهذه الصفة منح َسلُّ وم مكرزل‬ ‫َ‬ ‫االستحقاق اللبناني من رتبة ضابط‪ ‬باسم رئيس الجمهورية بشارة الخوري‪.‬‬

‫مفو َضه الرسمي من لبنان الشاعر شارل قرم‪.‬‬ ‫‪ )17‬نيويورك – ‪ 30‬نيسان ‪ .1939‬وكان َّ‬ ‫‪ )18‬لندن – ‪ 10‬كانون الثاني ‪.1946‬‬

‫يضـا رفـات سـلُّ وم بعـد ‪ 20‬سـنة لـدى ْنقـل رفاتـه مـن‬ ‫‪ )19‬وهـو الضريـح الـذي سـيضم أَ ً‬ ‫نيويـورك ِإلـى الفريكـة سـنة ‪ ،1955‬فـي رفقـة ابنتـه مـاري‪.‬‬

‫ُ‬ ‫دليل المهاجرين اللبنانيّين األَوائل‬

‫‪ )14‬كان سنة ‪ 1923‬عريف االحتفال في يوبيل ‪‬الهدى‪ ‬الفضي (‪ )1923–1898‬على‬ ‫مؤ ِّسسها نعوم مكرزل‪ ،‬وكان يومها بين الخطباء‪ :‬جبران خليل جبران وميخائيل‬ ‫شرف َ‬ ‫(فندق‬ ‫نعيمة‬ ‫بوسرت ‪ – Bossert‬بروكلن ‪ 7‬نيسان ‪.)1923‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ )15‬كان يومها رئيس البعثة اللبنانية لدى منظمة ُ‬ ‫األمم المتحدة في نيويورك‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫ع القرن العشرين‬ ‫إِلى أميركا مطل َ‬

‫األصقاع َ‬ ‫في َ‬ ‫واضحا‬ ‫جسورا متواصلة مع لبنان‪ ،‬ما تجلّ ى‬ ‫مادا‬ ‫األميركية‪ًّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سنة ‪ 1948‬في المستوى العالي الحتفال ‪‬الهدى‪ ‬بيوبيلها الذهبي لمرور‬ ‫عاما على تأْ سيسها (‪ ،)1948–1898‬بحضور حشد كبير من نحو‬ ‫خمسين ً‬ ‫‪ 1000‬لبناني في فندق ‪‬سان جورج‪ ‬النيويوركي الفخم‪ .‬وكان بين خطباء‬ ‫ذاك االحتفال الكبير‪ :‬صاحب جريدة َ‬ ‫‪‬األيام‪ ‬يوسف نعمان المعلوف نقيب‬ ‫‪16‬‬ ‫‪15‬‬ ‫الصحافيين العرب َ‬ ‫ووردت‬ ‫األميركيين‪ ،14‬كميل شمعون ‪ ،‬شارل مالك ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫برقيات تهنئة من رئيس الجمهورية بشارة الخوري والبطريرك‬ ‫من لبنان‬ ‫ُ‬ ‫الماروني أَ نطون عريضة وهنري فرعون والشيخ ﭘـيار الجميل‪ ،‬وكان عريف‬ ‫المؤ ّرخ فيليب حتي‪ .‬وأَ ثنى الخطباء يومها على دور َسلُّ وم مكرزل‬ ‫االحتفال َ‬ ‫في النهضة اللبنانية ِو ْس َع عالم االنتشار َ‬ ‫األميركي‪ ،‬وعلى مشاركاته الفعالة‬ ‫في أَ نشطة لبنانية أَ ميركية كبرى‪ ،‬بينها ِإشرافُ ه على الجناح اللبناني في‬ ‫‪17‬‬ ‫كبيرا الحتفاالت‬ ‫وفدا‬ ‫وترأُّ ُس ُه في لندن ً‬ ‫لبنانيا ً‬ ‫المعرض الدولي الكبير ‪َ ،‬‬ ‫ًّ‬ ‫ِإنشاء ُ‬ ‫األمم المتحدة‪ ،18‬وأَ نشطة أُ خرى‪.‬‬ ‫كبيرا به سنة ‪ِ 1934‬إ ّبان‬ ‫وفي لبنان قبلذاك‪ ،‬كان َسلُّ وم لقي احتفاء ً‬ ‫‪19‬‬ ‫جثمان شقيقه نَ ُعوم ِإلى مثواه َ‬ ‫تكريما‬ ‫األخير في الفريكة ‪ ،‬ولقي‬ ‫مرافقته‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫من الرسميين‪ ،‬في طليعتهم الرئيس شــارل دبــاس‪ ،‬وأَ قــام له في بيروت‬ ‫رويــال‪( ‬الزيتونة)‬ ‫احتفاال‬ ‫ً‬ ‫ـاؤه الصحافيون‬ ‫زمـ ُ‬ ‫تكريميا في فندق ‪‬نيو َّ‬ ‫ًّ‬ ‫كس ْيب (نقيب الصحافة)‪،‬‬ ‫جم َع حوله كبار صحافيي تلك الفترة‪ :‬خليل َ‬ ‫َ‬ ‫ميشال ُّزكــور (‪‬ال ـم ـعــرض‪ ،)‬اسكندر الرياشي (‪‬الصحافي التائه‪،)‬‬ ‫َ‬ ‫(‪‬األحوال‪ ،)‬كرم ملحم كرم‬ ‫محمد الباقر (‪‬البالغ‪ ،)‬سمعان فرح سيف‬ ‫ُ‬ ‫نمور (‪‬البالد‪ ،)‬لحد‬ ‫خباز‬ ‫(‪‬األوريان‪ ،)‬موسى ّ‬ ‫(‪‬العاصفة‪ ،)‬غبريال ّ‬ ‫خاطر (‪‬البشير‪ ،)‬وسواهم‪.‬‬


‫بعد ذاك االحتفال غادر بيروت عن طريق القاهرة‪ ،‬فاحتفى به صحافيو‬ ‫‪‬األهرام‪ ‬في صفحتها ُ‬ ‫نشرت تفاصيلَ ه َ‬ ‫األولى‪ ،‬وأَ قام على‬ ‫مصر في تكريم ٍ َ‬ ‫شاي دعا ِإليها كبار‬ ‫شرفه يعقوب صروف رئيس تحرير ‪‬المقتطف‪ ‬حفل َة‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫األدباء والصحافيين‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫مسؤولين‬ ‫قابال في الـ ‪‬كيه دورسيه‪‬‬ ‫من القاهرة انتقل ِإلى ﭘـاريس ُم ً‬ ‫ُ‬ ‫شقيقه ُنعوم من قبله‪ ،‬في القضية‬ ‫كبارا مباحثً ا ِإيــاهــم‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫فرنسيين ً‬ ‫تجاوزات مفوضيهم الفرنسيين في بيروت‪.‬‬ ‫ناقال ِإليهم‬ ‫اللبنانية‪ً ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وعــاد ِإلــى نيويورك حــامـ ًـا معه غصن أَ رزة مــن غابة بـشـ ّـري باركه‬ ‫خصيصا في بكركي البطريرك أَ نـ ُ‬ ‫ـطــون عريضة‪ ،‬حمله ِإلــى السيدة‬ ‫له‬ ‫ً‬ ‫األميركية ُ‬ ‫َ‬ ‫وقدمه ِإليها على قاعدة خشبية محفور‬ ‫األولى ِإيليانور روزﭬـلت‪ّ ،‬‬ ‫عربون محبة‬ ‫عليها‪ :‬هدي ٌة من اللبنانيين ِإلى الرئيس روزﭬـلت وقرينته‬ ‫َ‬ ‫األمــة َ‬ ‫واحترام‪ ،‬وشكرانً ا على قبول الرئيس‪ ،‬باسم ُ‬ ‫زر َع أَ رز‬ ‫األميركية‪ْ ،‬‬ ‫لبنان في باحة مقبرة أَ رلنغتون‪ ،‬مدفن رجــال أَ ميركا الخالدين‪ ،‬مكلِّ ًفا‬ ‫السيدة ُ‬ ‫األولى تمثيلَ ه في ذاك االحتفال‪ِ ،‬إشار ًة ِإلى احتفا ٍل ساب ٍق ترأَّ س‬ ‫األميركية ُ‬ ‫وقدم ِإلى َ‬ ‫األولى ‪ 21‬غرسة أَ رز‬ ‫وفد لبنان ِإليه‪َّ ،‬‬ ‫َسلُّ وم مكرزل َ‬ ‫نهار عيد الفصح ‪ 1934‬في مقبرة أَ رلنغتون (والية ﭬـرجينيا)‪ .‬كانت تلك‬ ‫نخبة من ‪‬جوالي شعوب الشرق َ‬ ‫تقدم هدية ِإلى‬ ‫فكر َة‬ ‫ٍ‬ ‫األدنى‪ ‬شاءت أَ ن ِّ‬ ‫شعوب الشرق َ‬ ‫األمة َ‬ ‫ُ‬ ‫األدنى في‬ ‫وفاء لها على نصرتها المادية‬ ‫َ‬ ‫األميركية ً‬ ‫معهد الشرق َ‬ ‫الحرب العالمية ُ‬ ‫األدنى في‬ ‫األولى‪ ،‬فاختارت لتهيئة االحتفال‬ ‫َ‬ ‫ليقدم‬ ‫نيويورك‪ ،‬وهو اختار صاحب ‪‬الهدى‪َ ‬سلُّ وم مكرزل رئيس الوفد‬ ‫ّ‬ ‫باسمها غرسات َ‬ ‫األرز‪.‬‬ ‫القوي لدى المحافل الدولية‬ ‫هكذا كان َسلُّ وم مكرزل صوت اللبنانيين‬ ‫َّ‬ ‫قويا لقضايا‬ ‫شعبا وكيانً ا‪ ،‬وجعل ‪‬الهدى‪‬‬ ‫في الدفاع عن وطنه‬ ‫ً‬ ‫منبرا ًّ‬ ‫ً‬ ‫المسؤولين َ‬ ‫األميركيين والفرنسيين من أَ جل‬ ‫حرك‬ ‫ُ‬ ‫لبنان‪ ،‬دافع عن شعبه‪َّ ،‬‬ ‫نيل لبنان استقاللَ ه التام‪ ،‬وكان أَ فضل جسر للتواصل بين لبنان المقيم‬ ‫– رسميه والشعبي – ولبنان المنتشر في أَ صقاع القارة َ‬ ‫األميركية الشاسعة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وطنيا‪ ،‬بدأَ ت سنة ‪ 1950‬تظهر على‬ ‫صحافيا‬ ‫في زخم عطائه ونضاله‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ظواهر السرطان‪ ،‬وأَ خــذ انصرافه ِإلــى ‪‬الـهــدى‪ ‬يتضاءل بسبب‬ ‫حلْ قه‬ ‫ُ‬ ‫قضت عليه في ‪ 2‬كانون‬ ‫ت متكرر ًة ظلَّ ت َت ُق ُّضه حتى َ‬ ‫دخوله المستشفى مرا ٍ‬ ‫الثاني ‪.1952‬‬ ‫* * *‬


‫‪9‬‬

‫ع القرن العشرين‬ ‫إِلى أميركا مطل َ‬

‫تعدد الطامعون في تسلُّ م ‪‬الهدى‪ِ ‬وإدارتها صوب‬ ‫بغياب سلُّ وم مكرزل َّ‬ ‫وسلُّ وم‪.‬‬ ‫اتجاهات ليست صافي َة‬ ‫ُّ‬ ‫التوجه اللبناني الــذي عرفَ ْته مع نَ ُعوم َ‬ ‫ـررن‬ ‫اجتمعت‬ ‫بنات َسلُّ وم الخمس‪ :‬مــاري‪ ،‬روز‪ ،‬أَ ليس‪ُ ،‬يمنى‪ ،‬ليلى‪ ،‬وقـ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫متمك ٍنة من العربية‪ ،‬تولَّ ت‬ ‫ّ‬ ‫هن ماري‪ .‬ومع نها غير‬ ‫المهمة ِإلى‬ ‫ِإسناد‬ ‫ِ‬ ‫كبيرت ّ‬ ‫َّ‬ ‫متمرسين‪ ،‬أَ َّولُ هم يوسف الخال‬ ‫متكل ًة في ِإصدارها على محررين‬ ‫‪‬الهدى‪َّ ‬‬ ‫ِّ‬ ‫(سنة ‪ ،)1953‬وبينهم فؤاد خوري‪ .‬سوى أَ ن زخم ‪‬الهدى‪ ‬أَ خذ يتراجع‬ ‫وتضاؤل‬ ‫وماديا بسبب ِإحجام المشتركين عن سداد اشتراكاتهم‪،‬‬ ‫صحافيا‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫فترتئذ من جي ٍل ِإلــى جيل‪ .‬ولكي تحافظ مــاري على ِإرث‬ ‫قـ ّـراء العربية‬ ‫ٍ‬ ‫ميركان جورنال‪‬‬ ‫والدها‪ ،‬أَ نشأَ ت ِ‬ ‫باإلنكليزية سنة ‪ 1954‬جريدة ‪‬ليبانيز أَ ِ‬ ‫ووالدها‬ ‫مل بها رسالة ‪‬الهدى‪‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ْ )Lebanese American Journal‬تك ُ‬ ‫شقيقتها ُيمنى‪.‬‬ ‫َسلُّ وم‪ ،‬تساعدها في التحرير‬ ‫ُ‬ ‫سنة ‪ 1954‬صحبت ماري جثمان والدها ِإلى ضريح العائلة في بلدته‬ ‫فوجدت هي ُ‬ ‫والدها‬ ‫الفريكة‪ ،‬حيث جثمان شقيقه نَ ُعوم‪،‬‬ ‫األخــرى‪ ،‬كما ُ‬ ‫َ‬ ‫احتفاء بها من لبنان الرسمي والشعبي‪ ،‬بتكريم ٍ من رئيس الجمهورية‬ ‫قبلها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كميل شمعون والبطريرك بولس بطرس المعوشي ووزراء ونواب بينهم بيار‬ ‫ووفاء‬ ‫والء لها‬ ‫ً‬ ‫الجميل وريمون إده‪ِ ،‬إلى وفود شعبية تنادت ِإلى تكريمها ً‬ ‫وعمها‪.‬‬ ‫لذكرى ِ‬ ‫والدها ّ‬

‫ُ‬ ‫دليل المهاجرين اللبنانيّين األَوائل‬

‫َبنات َﺳﻠُّﻮم ﻣﻜﺮزل اﻟﺨﻤﺲ (كرانفورد– نيوجرزي ‪ .)١٩٢١‬من اليسار‪:‬‬ ‫أَ ليس‪ ،‬ماري‪ ،‬روز‪ُ ،‬يمنى‪ ،‬وأمام ماري الشقيق ُة اﻟﺼﻐﺮى ليلى (ﻻﺣﻘً ﺎ‬ ‫ﺟﺪﻫﺎ ﺳﻠُّﻮم ونشاطه)‬ ‫رﻓﺪﺗﻨﺎ بمعلومات جديدة ﻋﻦ أُ ﺳﺮة ّ‬ ‫والدة ِﻫ ِﻠ ْﻦ التي َ‬


‫‪10‬‬

‫‪20‬‬ ‫شراء‬ ‫بمبلغ أَ تاح لها‬ ‫سنة ‪ 1959‬باعت ماري بناي َة ‪‬الهدى‪ ‬القديم َة‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫‪21‬‬ ‫ميركان‬ ‫ٍ‬ ‫بناية أُ خــرى حديثة ُتصدر منها ‪‬الهدى‪ ‬وشقيقتها ‪‬ليبانيز أَ ِ‬ ‫فتضاءل صدور ‪‬الهدى‪ ‬من‬ ‫قراء العربية‬ ‫جورنال‪ِ ،‬إلى أَ ن ازداد َت ُ‬ ‫ضاؤل ّ‬ ‫َ‬ ‫يومية ِإلى ثالث مرات في ُ‬ ‫األسبوع سنة ‪ِ ،1963‬فإلى نصف أُ سبوعية سنة‬ ‫وبقيت ماري ُتشرف مباشر ًة على ‪‬ليبانيز أَ ميركان جورنال‪َ ‬ألنها‬ ‫‪َ .1965‬‬ ‫تتقن ِاإلنكليزية فال ُتضطر ِإلى االتكال على محررين ُيتقنون عربي ًة تجهلُ ها‬ ‫تناوبوا متتالين على تحرير ‪‬الهدى‪.‬‬ ‫ولما رأَ ت أَ ْن ال جدوى صحافية وال وطنية من مواصلة ِإصدار ‪‬الهدى‪‬‬ ‫مجد ًدا المونسنيور‬ ‫بهذا االنتشار الضئيل‪ ،‬أَ علنت عزمها على بي ِعها‬ ‫َّ‬ ‫فتدخل َّ‬ ‫منصور أسطفان راعي أَ برشية بروكلن وصديق آل مكرزل‪ ،‬وأَ وعز ِإلى ابن‬ ‫صدارها في‬ ‫أَ خيه فارس اسطفان الذي بادر ِإلى شرائها سنة ‪ِ 1969‬وإ‬ ‫ِ‬ ‫تعاقب على رئاسة تحريرها عدد من الصحافيين اللبنانيين‬ ‫حلّ ة متجددة‬ ‫َ‬ ‫في نيويورك‪.‬‬

‫* * *‬

‫هنري زغـيب‬

‫حين طلب مني الصديق فارس أسطفان سنة ‪ 1984‬أَ ن أَ تولّ ى‬ ‫الريادي الكبير‪ .‬لذا‬ ‫دورها السابق‬ ‫كنت‬ ‫‪‬الهدى‪ ‬في نيويورك‪،‬‬ ‫واعيا َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ف ِإلى ‪‬الهدى‪‬‬ ‫غادرت لبنان بشغ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وفي بالي االنتشار اللبناني في أَ ميركا‬ ‫حت أَ كتشف في‬ ‫ور ُ‬ ‫عبر ‪‬الهدى‪ُ ،‬‬ ‫كنوزه ‪ ،‬ومنها هذا الكتاب‬ ‫محفوظاتها‬ ‫َ‬ ‫اشتراكا‬ ‫ً‬ ‫وضعه َسلُّ وم مكرزل‪،‬‬ ‫بين يديك‬ ‫َ‬ ‫مع حبيب قطش‪ ،‬سنة ‪ 1908‬وأَ صدره‬ ‫على مطبعة ‪‬الهدى‪.‬‬ ‫‪‬الهدى‪ ‬من‬ ‫تسلّ ُ‬ ‫مت رئاسة تحرير ُ‬ ‫فؤاد خــوري‪ 22‬آخر رئيس تحرير قبلي‪،‬‬ ‫ظل‬ ‫كــان‬ ‫ماري ﻣﻜﺮزل ﻓﻲ ﻣﻜﺘﺐ ‪‬اﻟﻬﺪى‪‬‬ ‫تقاع َد قبل أَ ربــع سنوات لكنه َّ‬ ‫َ‬ ‫ﻋﻨﺪ تسلُّ مها ِإدارﺗﻬﺎ بعد والدها ﺳﻠُّﻮم‬ ‫نوستالجيا‬ ‫يتردد على الجريدة‪ُ ،‬يشبع‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫‪ )20‬الحاشية رقم ‪.6‬‬ ‫‪ )21‬الحاشية رقم ‪.5‬‬

‫بشمزين – الكورة سنة ‪.1901‬‬ ‫‪ )22‬مولود في‬ ‫ّ‬


‫العدد َ‬ ‫األخير من ‪‬اﻟﻬﺪى‪( ‬السنة ‪ – ٩٤‬العدد ‪ – ١١‬نيويورك – ‪ ٨‬أَ ّيار ‪)١٩٩٢‬‬ ‫وافتتاحية رئيس تحريرها هنري زغيب معلنً ا قرار احتجابها‪:‬‬ ‫كئ ‪‬اﻟﻬﺪى‪ ‬في استراحة المحارب‪.‬‬ ‫‪ ...‬وبعد ‪ ٩٤‬سنة في ساحة النضال تتَ ُ‬

‫دون ما‬ ‫كثيرا ما ُ‬ ‫ً‬ ‫كنت أَ جلس ِإليه في مكتبي عند زياراته ‪‬الهدى‪ ،‬وأُ ّ‬ ‫أَ‬ ‫بعضها حول حياته المهنية‪ ،‬وبعضها اآلخر‬ ‫ت غابرة‪ُ ،‬‬ ‫ستنط ُقه من ذكريا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫صد َر‬ ‫‪ )23‬كان يومها‬ ‫لسلُّ وم مكرزل (شهرية َ‬ ‫َ‬ ‫مدير المطبعة في ‪‬المجلة التجارية‪َ ‬‬ ‫األول في كانون َ‬ ‫عددها َ‬ ‫األول ‪.)1918‬‬ ‫ُ‬

‫‪11‬‬

‫ع القرن العشرين‬ ‫إِلى أميركا مطل َ‬

‫سنة ‪ 1925‬أَ وقــف َســلُّ ــوم ِإص ــدار ‪‬المجلة التجارية‪ ‬لينصرف ِإلى‬ ‫التحضير لتأْ سيس مجلّ ته باإلنكليزية ‪‬العالم الـســوري‪The Syrian( ‬‬ ‫‪ .)World‬وجد فـ َـؤاد خــوري أَ نــه سيكون بــدون عمل فالتحق بأُ سرته في‬ ‫لتمرسه‬ ‫دانـﭭِـر (كولورادو)‪ .‬لكن نَ ُعوم مكرزل استدعاه‬ ‫ً‬ ‫مجددا ِإلى نيويورك ُّ‬ ‫منض ًدا في ‪‬الهدى‪‬‬ ‫على آلة اللينوتايپ في ‪‬المجلة التجارية‪ ،‬فعاد‬ ‫ّ‬ ‫وجزئيا في ‪‬السائح‪ ‬لعبدالمسيح حــداد (مع مساعدته في التحرير)‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫وفــي ‪‬السمير‪ِ ‬إليليا أَ بــو ماضي و‪‬مــرآة الغرب‪ ‬لنجيب ديــاب‪ .‬وحين‬ ‫تسلَّ مت ماري مكرزل ‪‬الهدى‪ ‬كلّ ْفته رئاسة تحرير ‪‬الهدى‪ ‬فبقي فيها‬ ‫رئيسا لتحريرها ِإلى‬ ‫حتى اشتراها منها فارس اسطفان سنة ‪ 1969‬وأَ بقاه ً‬ ‫أَ ن تقاعد منها سنة ‪.1980‬‬

‫ُ‬ ‫دليل المهاجرين اللبنانيّين األَوائل‬

‫ذكرياته في العمل منذ وصل ًفتى في التاسعة عشرة ِإلى نيويورك سنة‬ ‫‪23‬‬ ‫‪ 1920‬باحثً ا عن عمل‪ ،‬فاصطحبه‬ ‫بسلُّ وم‬ ‫نسيب والدته ّ‬ ‫ُ‬ ‫متى فارس وعرفّ ه َ‬ ‫متى في تنضيد أَ عداد‬ ‫مساع ًدا‬ ‫مكرزل الذي وافق على تعيين الفتى‬ ‫نسيبه ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫‪‬المجلة‪.‬‬


‫خصوصا‬ ‫حول ذكرياته الشخصية في نيويورك عن أُ دبائها الذين عاصرهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نشرت ذكرياته عنه كامل ًة في كتابي ‪‬جبران خليل جبران –‬ ‫جبران الذي‬ ‫ُ‬ ‫‪24‬‬ ‫شواهد الناس َ‬ ‫واألمكنة‪. ‬‬ ‫ُ‬ ‫حملت كتاب ‪‬الدليل‬ ‫ب من حزيران ‪،1984‬‬ ‫ذات غرو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫في جلستي ِإليه َ‬ ‫ورحت أَ ستنطقه‪.‬‬ ‫التجاري السوري‪‬‬ ‫ُ‬ ‫حدثني عن َسلُّ وم مكرزل يا عم فؤاد‪.‬‬ ‫*‪ِّ ‬‬ ‫عظيما‪ .‬جاء ِإلى الصحافة من خبرته التجارية‪.‬‬ ‫رجال‬ ‫*‪ ‬أُ وه َسلُّ وم!! كان ً‬ ‫ً‬ ‫لذلك عرف كيف يوصل ‪‬الهدى‪ِ ‬إلى النجاح‪ ،‬وهذا ‪‬الدليل‪ ‬أَ صدره سنة‬ ‫‪ 1908‬لميله ِإلى الشأْ ن التجاري ونجاحه فيه‪ .‬كانت لهذا الكتاب أَ صداء‬ ‫ممتازة بين أَ وساط الجوالي في كل أَ ميركا‪.‬‬ ‫*‪ ‬وماذا عن تجربتك مع ماري مكرزل؟‬

‫‪12‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫دارتها‬ ‫سيدة جليلة ونشيطة‪ .‬تسلَّ َمت ‪‬الهدى‪ ‬من والدها َسلُّ وم‪ ،‬وأَ ْ‬ ‫*‪ّ ‬‬ ‫علي‬ ‫ٍ‬ ‫بحكمة على هدي سياسة والدها‪ .‬لم تكن ُتتقن العربية فكانت ّتتكل ّ‬ ‫تلقاها َألنشرها‪ ،‬كي ال َتخرج عن‬ ‫في االنتباه ِإلى المقاالت التي أَ ُكت ُبها وأَ ّ‬ ‫شقيقتها يمنى‪.‬‬ ‫النهج المكرزلي‪ .‬وكانت تساعدها‬ ‫ُ‬ ‫‪25‬‬ ‫ت غاب ‪‬العم فــؤاد‪‬‬ ‫ذكريات عن‬ ‫وبقيت منه في أَ وراقــي‬ ‫بعد سنوا ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َسلُّ وم وماري مكرزل َتؤرخ حقبة نابضة للهجرة اللبنانية‪ ،‬وتشهد على تلك‬ ‫آثار جليلةٌ‪ ،‬منها هذا ‪‬الدليل‪ ‬بين يديك‪.‬‬ ‫الساغا اللبنانية الذهبية فترت ِئ ٍذ ٌ‬ ‫* * *‬

‫حين َّ‬ ‫ـت على هــذا ‪‬الــدل ـيــل‪ ‬الـمـصـ َّـور رقـمـ ًّـيــا فــي محفوظات‬ ‫اطـلـعـ ُ‬ ‫المتحف الوطني العربي َ‬ ‫األميركي‪ ،‬منقول ًة عن نسخة الميكروفيلم في‬ ‫رقميا كذلك في مكتبة جامعة هارﭬـرد‪،‬‬ ‫مكتبة الكونغرس‪ ،26‬والموجودة‬ ‫ًّ‬ ‫عدت بذاكرتي ِإلى تلك الحقبة من وجودي في ‪‬الهدى‪ ‬وفي نيويورك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪‬فؤاد خوري‪ :‬صديقي جبران‬ ‫‪ )24‬منشورات ‪‬درغام‪ ،‬بيروت‪ ،2012 ،‬الفصل الثاني‪َ :‬‬ ‫ويتذمر من إزعاجه بالتلفون‪ .‬ص ‪.36–30‬‬ ‫نجم نساء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫كان َ‬ ‫ف َ‬ ‫فصدم ْته سيارة مسرعة في أَ حد شوارع نيويورك‬ ‫نظ ُره‬ ‫‪ُ )25‬ثقلَ ت عليه‬ ‫شيخوخته َ‬ ‫ُ‬ ‫وخ ّ‬ ‫َ‬ ‫سنة ‪.1988‬‬

‫‪ )26‬تسلَّ َم ْـتها المكتبة في واشنطن نهار ‪ 14‬كانون َ‬ ‫وسج ْلتها في ‪ 21‬شباط‬ ‫األول ‪،1908‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1909‬تحت الرقم ‪.198996‬‬


‫وعدت‬ ‫احتجبت كذلك عن بيتي في نيويورك‪،‬‬ ‫عند احتجاب ‪‬الهدى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ت عن عظمة االنتشار اللبناني في‬ ‫ِإلى لبنان‬ ‫ً‬ ‫حامال معي فرح العودة‪ ،‬وذكريا ٍ‬ ‫بهيا منه هذا ‪‬الدليل‪ ‬بين يديك‪.‬‬ ‫يجسد ً‬ ‫أَ ميركا‪ّ ،‬‬ ‫وجها ًّ‬ ‫ماذا في هذا «الدليل»؟ وما أَهميته اليوم؟‬ ‫النقاطُ التحليلية َ‬ ‫ربع أَ دناه خالص ٌة تمهيدي ٌة تساعد على قراءة هذا‬ ‫األ ُ‬ ‫‪‬الدليل‪ ‬بتوضيح طريقه وطريقته وارتقاب ما في صفحاته من معلومات‬ ‫حصيلة‬ ‫ما زالــت َت ُه ُّمنا اليوم كما كانت ُتهم معاصريه‪ .‬وفــي استطالع‬ ‫ٍ‬ ‫تناولُ ُه من ُو ُجهات أَ ربع‪:‬‬ ‫استنتاجية لصفحاته ً‬ ‫شكال ومضمونً ا‪َ ،‬ي ُص ُّح ُ‬ ‫‪َ 1.1‬أهميته اليوم للباحثين‪:‬‬

‫سجل هذا ‪‬الدليل‪ ‬محط ًة الفتة لتاريخ االنتشار اللبناني في‬ ‫وبذلك ُي ّ‬ ‫يوضح حضور اللبنانيين في‬ ‫أَ ميركا‪ .‬فهو ليس لوائح أَ سماء وأَ رقــام‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬ ‫أَ ميركا مع العقد َ‬ ‫ود َر َبـ ُـهــم في ميادين وحقول‬ ‫األول من القرن العشرين‪ُ ،‬‬ ‫ودورهـ ــم ِوإسهاماتهم فــي نهضة المجتمع‬ ‫مـتـعـ ِّـددة‪ ،‬ويكشف مهاراتهم َ‬ ‫جاؤوا من معظم القرى اللبنانية ِإلى معظم الواليات َ‬ ‫َ‬ ‫األميركية‪،‬‬ ‫األميركي‪ُ .‬‬ ‫خبرتهم من لبنان‪َّ ،‬‬ ‫واستقامة في المجتمع الجديد‪،‬‬ ‫وظفوها بصد ٍق‬ ‫حاملين‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫مفعلينه‪ ،‬فاعلين فيه‪ ،‬متفاعلين معه‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫‪ )27‬عنوانُ ـها ‪ ...‬وبعد ‪ 94‬سنة في ساحة النضال‪ّ ،‬تتكئ ‪‬الهدى‪ ‬في استراحة‬ ‫المحارب‪( ‬الصفحة ‪ – 1‬العدد ‪ – 11‬نيويورك – الجمعة ‪ 8‬أَ يار ‪.)1992‬‬

‫‪13‬‬

‫ع القرن العشرين‬ ‫إِلى أميركا مطل َ‬

‫حصائيا َألصحاب‬ ‫تعدادا ِإ‬ ‫زئيا‪،‬‬ ‫قراءت ُه الرقمية من‬ ‫تمك ُن‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫اعتماده‪ ،‬ولو ُج ًّ‬ ‫والح َرف ورجــال َ‬ ‫األعمال اللبنانيين الوافدين ِإلى أَ ميركا قبل أَ ن‬ ‫ال ِم َهن‬ ‫ِ‬ ‫بجعله‬ ‫تكون لهم ِإحصاءات ديموغرافية رسمية لبنانية‪ .‬وهنا أَ َث ُر‬ ‫َ‬ ‫الناشرين ْ‬ ‫ّ‬ ‫ضروريا لكل باحث في‬ ‫مرجعا‬ ‫صبح اليوم‬ ‫يتخطى‬ ‫عصرهما أَ ّي َام صدوره ُلي َ‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫معانات ُهما الصبورة‬ ‫نتصور َلو ْضعه‬ ‫تعداد دقيق‬ ‫شؤون االنتشار‪ ،‬لما فيه من‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أَ‬ ‫البطْ ِء اللوجستي في التواصل واالتصاالت وصعوبة البحث‬ ‫ٍ‬ ‫يامئذ َحيال ُ‬ ‫وجمع المعلومات واالحصاءات‪.‬‬

‫ُ‬ ‫دليل المهاجرين اللبنانيّين األَوائل‬

‫كتبت افتتاحيتي‬ ‫مفتونً ا بمتابعة المسيرة االغترابية اللبنانية ِإلــى أَ ن‬ ‫ُ‬ ‫‪27‬‬ ‫َ‬ ‫األخيرة لجريدة ‪‬الهدى‪‬‬ ‫معلنا قرار ناشرها فارس اسطفان بوقف‬ ‫ً‬ ‫نهائيا‪.‬‬ ‫ِإصدارها‬ ‫ًّ‬


‫تجاري‪:‬‬ ‫عد ُه السوسيو‬ ‫‪ُ 2.2‬ب ُ‬ ‫ّ‬

‫‪14‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫سهلت اندماجهم الطبيعي في‬ ‫*‪ ‬براع ُة المهاجرين في ُ‬ ‫شؤون التجارة ّ‬ ‫النظام َ‬ ‫األميركي االقتصادي‪.‬‬ ‫ت سوسيو‪-‬تجاري‬ ‫*‪ ‬ليس هذا‬ ‫الكتاب ‪‬مجرد دلي ٍل ِإعالني‪ ،‬بل هو َث ْب ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مجموع بوسائل بسيطة من تلك الحقبة‪ ،‬رغــم غياب تسهيالت البحث‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ووسائل التكنولوجيا الحديثة اليوم‪.‬‬ ‫كاديمي‬ ‫األ‬ ‫ِ‬ ‫حوله‬ ‫*‪ ‬من أَ ثره االجتماعي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫تبيان َتغ ُّي ِر االسم من أَ صله في لبنان ِإلى َت ُّ‬ ‫والتعامل به‪.‬‬ ‫تسهيال ِللَ ْف ِظه‬ ‫في أَ ميركا‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫للبنانيي اليوم‪ ،‬مقيمين‬ ‫*‪ ‬ومــن فوائد ِإصــدار هذه الطبعة الجديدة‬ ‫ّ‬ ‫فرادا‬ ‫ت وأَ ً‬ ‫ـدادا لهم وعائال ٍ‬ ‫ومنتشرين‪ ،‬أَ ن يكتشفوا في ‪‬دليل ‪ 1908‬أَ جـ ً‬ ‫نسبائهم أَ و أَ‬ ‫قربائهم أَ و أَ‬ ‫عائالتهم أَ و أَ‬ ‫صدقائهم أَ و أَ بناء‬ ‫هلهم أَ و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من أَ ِ‬ ‫وتوزعوا‬ ‫بلدتهم أَ و قري ِتهم‪ ،‬هاجروا عند مطلع القرن العشرين َّ‬ ‫مدين ِتهم أَ و ِ‬ ‫في الواليات َ‬ ‫ومهنيا‪ ،‬فيلقى لبنانيو اليوم‬ ‫وجغرافيا‬ ‫غرافيا‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ديم ًّ‬ ‫األميركية ُ‬ ‫ت تاريخي ًة‬ ‫ـذورا عميق ًة وامـتــدادا ٍ‬ ‫َألجدادهم ومدنهم وبلداتهم وقراهم جـ ً‬ ‫مفصلَ ًة هذا ‪‬الدليل‪ ‬من‬ ‫وعائليةً‪ ،‬ربما لم يكونوا يعرفونها‪ ،‬يكشفها لهم‬ ‫َّ‬ ‫تلك َ‬ ‫األ ّيام العتيقة‪.‬‬ ‫هيكليته‪:‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫ُ‬

‫تعميما لفائدته في‬ ‫واإلنكليزية‬ ‫تعمد الناشران ِإص ـ َ‬ ‫ـداره بالعربية ِ‬ ‫ً‬ ‫*‪َّ ‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معا‪.‬‬ ‫األوساط األميركية والعربية ً‬ ‫التجار والصناعيين‬ ‫جس َر‬ ‫صداره‬ ‫*‪ِ ‬إ‬ ‫تواص ٍل ً‬ ‫سهال بين ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫باللغتين جعلَ ه ْ‬ ‫رائهم َ‬ ‫األميركيين‪.‬‬ ‫العرب ونُ َظ ِ‬ ‫الحقا ‪‬الصفحات الصفراء‪ ‬للدليل‬ ‫رائد تأْ سيسي ِل َما بات‬ ‫ً‬ ‫عمل ٌ‬ ‫*‪ِ ‬إنه ٌ‬ ‫المهني التجاري‪.‬‬ ‫ب من نوعه في الجالية اللبنانية‪ ،‬وأَ ول بيا ٍن‬ ‫ول كتا ٍ‬ ‫*‪ ‬كان لدى صدوره أَ َ‬ ‫وتوزعهم على الواليات وطبيعة أَ عمالهم في‬ ‫غير رسمي َألعداد المنتشرين ُّ‬ ‫كل والية‪.‬‬ ‫صدر هذا ‪‬الدليل‪ ‬بالطريقة القديمة لتنضيد َ‬ ‫سنة‬ ‫األحرف‪ ،‬قبل ٍ‬ ‫*‪َ ‬‬ ‫تماما من نجاح َسلُّ وم مكرزل (سنة ‪ )1910‬في ِإدخال َ‬ ‫األحرف العربية على‬ ‫ً‬ ‫آلة اللينوتايپ‪.‬‬


‫بيانه المهني والعائلي‪:‬‬ ‫‪ُ 4.4‬‬

‫حضور اللبنانيين الفاعل في‬ ‫مواده أَ عاله‪،‬‬ ‫*‪ُ ‬ي َؤ ِّكد ‪‬الدليل‪ ،‬بطبيعة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫النمطية ُ‬ ‫أَ ميركا منذ تلك الحقبة‪ ،‬ويلغي من َ‬ ‫األولى أَ نهم‬ ‫األذهان‬ ‫َ‬ ‫صورتهم َ‬ ‫عند وصولهم ِإلى َ‬ ‫جوالين نازحين‬ ‫األرض الجديدة كانوا َ‬ ‫‪‬ب ّياعي َك َّشة‪ّ ‬‬ ‫الجئين فقراء‪.‬‬ ‫* * *‬

‫وانتشاريا‬ ‫محليا‬ ‫مركز التراث اللبناني‪ ،‬في سياق اهتمامه بتراث لبنان‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫في العالم‪ُ ،‬ي ِعيد اليوم طباعة هذا ‪‬الدليل‪ ‬ماد ًة َّ‬ ‫ت جامعية‬ ‫موثق ًة لدراسا ٍ‬

‫‪15‬‬

‫ع القرن العشرين‬ ‫إِلى أميركا مطل َ‬

‫يوث ُق هذا ‪‬الدليل‪ ‬أَ نــواع َ‬ ‫*‪ِّ ‬‬ ‫والح َرف التي‬ ‫والمهن‬ ‫األعمال التجارية‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫األوائل عند وصولهم ِإلى َ‬ ‫تعاطاها المهاجرون َ‬ ‫األرض الجديدة‪ ،‬واستقرارهم‬ ‫ومعيشيا هذا االستقرار‪.‬‬ ‫مهنيا‬ ‫ًّ‬ ‫فيها‪ ،‬وكيف أَ َّمنوا ًّ‬ ‫*‪ ‬يعنينا منه اليوم ِّ‬ ‫مهن تجارية (نحو ‪)3300‬‬ ‫طبيعة‬ ‫العنا على‬ ‫ٍ‬ ‫اط ُ‬ ‫ٍ‬ ‫اعتمدها قبل أَ كثر من قــر ٍن مضى َمــن كانوا سنة ‪( 1908‬تاريخ صـ ُـدور‬ ‫معظمهم لبنانيون‪.‬‬ ‫مهاجرين‬ ‫يشكلون ‪ %25‬من مجموع‬ ‫‪‬الدليل‪ِّ )‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وعناوينهم‬ ‫فصل ‪‬الدليل‪ِ ‬م َه َن أُ ولئك المهاجرين ونوع تجارتهم‬ ‫َ‬ ‫*‪ُ ‬ي ِّ‬ ‫سماءهم َ‬ ‫بحسب الوالية والمدينة والشارع‪ ،‬ويورد بالعربية أَ‬ ‫األصلية بالوالدة‬ ‫َ‬ ‫جاؤوا منها ِإلى أَ ميركا‪.‬‬ ‫المدن والقرى التي ُ‬ ‫كما كانت في ُ‬ ‫ت عــدة‪ ،‬وتــدل على‬ ‫*‪َّ ‬يتضح من ِاإلعــانــات التجارية أَ نها من والي ــا ٍ‬ ‫ديموغرافيا اللبنانيين في كل والية‪ ،‬ما يشير ِإلى ّاتساع انتشارهم فيها‪،‬‬ ‫فلم ينحصروا منعزلين في ‪‬غيتو‪ ‬أَ و متقوقعين في بقعة واحدة من القارة‬ ‫َ‬ ‫األميركية الشاسعة‪.‬‬

‫ُ‬ ‫دليل المهاجرين اللبنانيّين األَوائل‬

‫ـاإلعــانــات فيه‬ ‫*‪ ‬ليس فــي صفحاته‬ ‫ـاإلخــراج الطباعي‪ ،‬فـ ِ‬ ‫اهتمام بـ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وسطها‪ ،‬منها في‬ ‫منشور ٌة كيفما َّات َفق‪ ،‬بين أَ على الصفحة أَ و أَ سفلها أَ و َ‬ ‫صفحة كاملة ومنها في نصف صفحة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫طباعيا يرتكز على ِاإلعالنات التجارية‪ ،‬لبراعة‬ ‫*‪ ‬واضـ ٌـح أَ ن ِإنتاجه‬ ‫ًّ‬ ‫َسلُّ وم مكرزل في هذا الشأْ ن‪.‬‬ ‫استخدامها‬ ‫تد ُّل على‬ ‫*‪ ‬لغ ُة ِاإلعالنات فيه بسيطةٌ‪ ،‬بعيد ٌة عن َ‬ ‫ِ‬ ‫الت َكلُّ ف‪ُ ،‬‬ ‫يصال الفكرة باللغة‬ ‫ئذ من دون أَ ِّي اهتمام ٍ لُ َغوي َألن الهدف كان ِإ‬ ‫َ‬ ‫فترت ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مفردات بلفظها ِاإلنكليزي مكتوب ٌة بالعربية‪.‬‬ ‫ظهرت فيه أَ حيانً ا‬ ‫ٌ‬ ‫األبسط‪ ،‬لذا َ‬


‫وبحثية الحقة‪ ،‬فمن يفتحه يفتح أَ مامه خارط ًة واضحة للهجرة اللبنانية‬ ‫بعد أَ قـ َّـل من خمسين سن ًة على مطالعها في النصف اآلخــر من القرن‬ ‫التاسع عشر‪.‬‬

‫مرجعا أَ‬ ‫كاديميا‬ ‫المحصلة يبقى هذا ‪‬الدليل‪ ،‬في طبعته الجديدة‪،‬‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫جميعها أَ ًثرا‬ ‫تشكل‬ ‫عد ٍة ِّ‬ ‫ونهج‬ ‫ولغة‬ ‫ٍ‬ ‫س ٍ‬ ‫وطريقة وعناصر ّ‬ ‫بمصطلحا ٍ‬ ‫ت وقامو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫حرم الجامعة اللبنانية‬ ‫تنب ُضه رسال ُة مركز التراث اللبناني الذي نَ َشأَ في َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫للتراث اللبناني في لبنان والعالم‪.‬‬ ‫وبدعم ٍ منها‪ ،‬ليكون ذاكر ًة ُ‬ ‫األميركية َ‬ ‫مدير المركز‪ /‬رئيس التحرير‬

‫‪16‬‬ ‫هنري زغـيب‬


‫ُ‬ ‫شروط النشر في مجلة ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫هم مجلة ‪‬مرايا التراث‪ِ ،‬إدار ًة وهيئ ًة علْ مية‪ ،‬أَ ن تلفت الباحثين ِإلى‬ ‫َي ُّ‬ ‫التالي‪:‬‬ ‫مرس ٍل للنشر‬ ‫غير‬ ‫‪ .1‬أَ ن يكون‬ ‫رسل أَ ً‬ ‫ُ‬ ‫صيال في بابه‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫منشور أَ و َ‬ ‫الم َ‬ ‫البحث ُ‬ ‫في مجلة أُ خرى‪.‬‬

‫العلمية‬ ‫ـتعارف عليها فــي المجالت‬ ‫المنهجية‬ ‫‪ .2‬اعتماد‬ ‫الم َ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫حكمة‪ :‬التوثيق في كتابة الحواشي واألص ــول والمصادر والمراجع‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫رات‬ ‫ختص‬ ‫والم َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫التهجم الشخصي ِوإلماحات َ‬ ‫سندة‬ ‫‪ .3‬عدم‬ ‫الم َ‬ ‫األدلجة ِ‬ ‫ُّ‬ ‫واإلسقاطات غير ُ‬ ‫في مقاربات البحث‪.‬‬

‫‪ .4‬جميع َ‬ ‫الم َق َّدمة ِإلى المجلة َتخضع لتحكيم اللجنة العلمية‪،‬‬ ‫األبحاث ُ‬ ‫وقد تستعين ِإدارة المجلة عند الحاجة بهيئة اختصاصيين تبقى أَ سماء‬ ‫الع ْرف َ‬ ‫األكاديمي‪.‬‬ ‫طي الكتمان وفق ُ‬ ‫أَ عضائها ّ‬

‫بغير لغة بح ِثه‬ ‫‪ُ .5‬يرسل الباحث مع نصه َّ‬ ‫ملخ ًصا عنه في نحو ‪ 200‬كلمة ِ‬ ‫بحاثها في‬ ‫تفضيال أَ و بالفرنسية)‬ ‫(باإلنكليزية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تسهيال َلفهرسة المجلة وأَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫البيبليوغرافيا العالَ مية‪.‬‬

‫‪ .6‬تحتفظ ِإدارة المجلة ِب َح ّق النشر أَ و برفض أَ ِّي بحث ال يستوفي شروطَ‬ ‫النشر أَ عاله‪.‬‬

‫اآلراء ال ــوارد َة في َ‬ ‫األبحاث‬ ‫العلمية‬ ‫‪ .7‬ال تتبنى ِإدار ُة المجلة واللجن ُة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ولية ُك ّـتابها‪.‬‬ ‫المنشورة‪ ،‬وتبقى هذه على ُ‬ ‫مسؤ ّ‬

‫نسخة‬ ‫صدوره‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫ث على ثالث نُ َسخ من العدد عند ُ‬ ‫كل باح ٍ‬ ‫‪َ .8‬يحصل ُّ‬ ‫ِإلكترونية من بحثه‪.‬‬

‫تعاون الباحثين في احترام شروط‬ ‫العلمية‬ ‫شكر ِإدار ُة المجلة واللجن ُة‬ ‫‪َ .9‬ت ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حفاظا على المستوى العلْ مي في نهج الجامعة‪ ،‬وخدم ًة لنصاعة‬ ‫النشر‪،‬‬ ‫التراثية في لبنان‪.‬‬ ‫الذاكرة‬ ‫ّ‬

‫نصوصهم باسم رئيس التحرير على هذا العنوان‪:‬‬ ‫‪ُ .10‬يرسل الباحثون‬ ‫َ‬ ‫مجلة ‪‬مرايا التراث‪ – ‬مركز التراث اللبناني‬ ‫الجامعة اللبنانية األميركية – قريطم – بيروت‬ ‫لكترونيا على عنوان ‪‬مركز التراث اللبناني‪clh@lau.edu.lb :‬‬ ‫أَ و ِإ‬ ‫ًّ‬


‫‪18‬‬

‫هنري زغـيب‬


‫المادي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬ ‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬ ‫موحدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة ّ‬


‫المادي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬ ‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬ ‫اللبنانية‬ ‫أُ ستاذ التاريخ القديم في الجامعة‬ ‫ّ‬

‫‪ .1‬مقدمة‬ ‫الكنعانيون على طول الساحل الشرقي للمتوسط منذ بدايات‬ ‫ّأسس‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫أساسي في نشأتها‬ ‫دور‬ ‫األلف الثالث‪ ‬ق‪ .‬م‪ُ .‬مدنً ا كان لواقعها الجغرافي ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫وفي تطورها السياسي والديني واالقتصادي واالجتماعي‪ .‬وبعد غزوات‬ ‫يشكل‬ ‫شعوب البحر حوالى العام ‪ 1180‬ق‪ .‬م‪ .‬وبداية العصر الفينيقي الذي ّ‬ ‫تتحكم بالمدن‪ /‬الدول‬ ‫ّ‬ ‫حضاريا للعصر الكنعاني‪ ،‬ظلّ ت الجغرافيا‬ ‫امتدادا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫عموما على استقاللها‪ .‬إال أن مدنً ا سقطت وأخرى برزت‬ ‫التي حافظت‬ ‫ً‬ ‫كما حصل في فينيقيا الشمالية حيث غاب دور مملكة أوغاريت وباتت أرواد‬ ‫الفينيقية الوسطى حافظت‬ ‫المدينة ‪ /‬الدولة األكثر نفوذً ا؛ وفي المنطقة‬ ‫ّ‬ ‫جبيل على نفوذها وتفوقها؛ أما في المنطقة الجنوبية فإن التحوالت على‬ ‫غموضا‪ ،‬وال سيما أن عالقة المدن‬ ‫ما يبدو كانت األكبر ولكنها األكثر‬ ‫ً‬ ‫الكبرى بعضها ببعض ليست واضحة بالنسبة إلى المؤرخين‪.‬‬ ‫إنها إشكالية ُمعقدة نحاول أن نُ قاربها في هذا البحث علّ نا نصل إلى‬ ‫إجابات واضحة حول نقاط تتعلق مباشرة بتاريخ المدينتين‪ ،‬وهي‪ :‬هل‬ ‫توحدت مملكتا صور وصيدا في تلك الفترة أم إن إحداهما فرضت هيمنتها‬ ‫ّ‬ ‫عدة‪ ،‬أبرزها‪:‬‬ ‫على األخرى؟ كما تتفرع عن هذا اإلشكالية فرضيات ّ‬ ‫*‪ ‬هــل فرضت صيدا هيمنتها على صــور ووصــل نفوذها إلــى بيروت‬ ‫جنوبا‪.‬‬ ‫شماال وإلى جبل الكرمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫*‪ ‬هــل إن مملكتي صــور وص ـيــدا تــوحــدتــا‪ ،‬أقـلــه منذ ال ـقــرن الثاني‬ ‫عشر‪ ‬ق‪ .‬م‪ ،.‬من ضمن تحالف حفظ مصلحة المدينتين‪ ،‬وانفرط عقد‬ ‫الكنعانية ‪ /‬الفينيقية في‪:‬‬ ‫‪ 11‬يمكن مراجعة أثر الجغرافيا في نشأة المدن‪ /‬الدول‬ ‫ّ‬ ‫أنطوان القسيس‪ ،‬تاريخ لبنان القديم بين الجغرافيا والتاريخ‪ ،‬في‪ :‬تاريخ لبنان عبر‬ ‫قدم لها وأدارها الدكتور‬ ‫العصور – مسائل واكتشافات‪ ،‬سلسلة محاضرات ‪ّ ،2013‬‬ ‫أنطوان القسيس‪ ،‬سلسلة الذاكرة اللبنانية – ‪ ،18‬الجامعة األميركية للعلوم والتكنولوجيا‬ ‫(‪ ،)AUST‬بيروت‪ ،2013 ،‬ص‪.54–37 .‬‬


‫وحدتهما مع غزوات الملك األشوري سنحاريب وابنه أسرحدون في القرن‬ ‫السابع‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫ويـبـقــى ال ـجــواب عـلــى ه ــذه اإلشـكــالـيــة بـعـيـ ًـدا عــن الـحـســم النهائي‪،‬‬ ‫ـرد ذلــك إلــى نــدرة الـمـصــادر المباشرة الـعــائــدة إلــى تــاريــخ الحضارة‬ ‫وم ـ ّ‬ ‫‪2‬‬ ‫ة ‪ /‬الفينيقية  ‪ ،‬ومنها بطبيعة الحال النقوش الفينيقية التي تقتصر‬ ‫الكنعاني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪3‬‬ ‫غنية‬ ‫فهي‬ ‫المباشرة‬ ‫غير‬ ‫المصادر‬ ‫أما‬ ‫‪.‬‬ ‫بسيطة ‬ ‫ة‬ ‫تاريخي‬ ‫ـارات‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫على إ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪4‬‬ ‫تقدم إجابات واضحة حول عالقة صور بصيدا‪ .‬لذلك‬ ‫عموما ‪ ،‬ولكنها ال ّ‬ ‫ً‬ ‫متأنية لهذه المصادر‪ ،‬وتحليل مضمونها‬ ‫ة‬ ‫قراء‬ ‫إلى‬ ‫هذا‬ ‫بحثنا‬ ‫في‬ ‫نسعى‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫نتوصل إلى استنتاجات منطقية تقودنا‬ ‫علمية صارمة علّ نا‬ ‫وفق منهجية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلى فهم العالقة التي كانت قائمة بين صيدا وصــور في عصر الحديد‬ ‫الذي يمتد من القرن الثاني عشر‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬وحتى فتوحات االسكندر المقدوني‬ ‫للشرق في القرن الرابع‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪ .2‬صيدا وصور ُقبيل حمالت شعوب البحر‬

‫‪21‬‬

‫ة‪/‬الكنعانية‪ ،‬راجع‪:‬‬ ‫الفينيقي‬ ‫‪ 22‬حول واقع المصادر المباشرة المرتبطة بالحضارة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنطوان القسيس‪ ،‬األرشيف المنسي في تاريخ لبنان القديم‪ ،‬دراسات‪ ،‬رقم ‪ ،97/26‬مجلد‬ ‫وأيضا‪:‬‬ ‫‪ ،1997 ،1‬ص‪154–117 .‬؛‬ ‫ً‬ ‫‪M. G. GUZZO, Les inscriptions, dans CPPM, p. 19–38.‬‬

‫‪ 33‬حول واقع النقوش الفينيقية المرتبطة بموضوعنا‪ ،‬وأهمية النقوش العائدة إلى‬ ‫الشعوب المجاورة‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫‪M. KHREICH, Recherches sur l’histoire de Tyr entre le XII e et le VI e siècle a.c.‬‬ ‫‪n. è., Thèse de doctorat, Sous la direction de Madame Hedwige ROUILLARD‬‬‫‪BONRAISIN, École Pratique des Hautes Études, Paris, 2012, p. 20 – 21.‬‬

‫‪ 44‬‬

‫وتنوعها‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫حول واقع المصادر غير المباشرة‬ ‫وأهميتها ّ‬ ‫ّ‬

‫‪S. RIBICHINI, Les sources gréco-latines, dans CPPM, 1995, p.73 – 83.‬‬

‫‪5 5‬‬ ‫‪Nina JIDIJIAN – Edward LIPINSKI, Sidon, DCPP, p. 413; Eric GUBEL,‬‬ ‫‪Sidon, DA, p. 2022.‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫التاريخية القديمة باسم‪:‬‬ ‫مدينة صيدون القديمة ُعرفت بالمصادر‬ ‫ّ‬ ‫ص د ن باألبجدية الفينيقية ومعناها الصيد‪ ،‬صيدن بالعبرانية‪ ،‬صدن‬ ‫المقطعية‪ ،‬صيدونو‪ /‬صيدونا‬ ‫بالمصرية القديمة‪ ،‬صي ‪ -‬دو ‪ -‬نو باالكادية‬ ‫ّ‬ ‫والالتينية‪،‬‬ ‫باإلغريقية‬ ‫بالبابلية‪ ،‬صيدون (‪)Siden‬‬ ‫باألشورية‪ ،‬صايدونو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪5‬‬ ‫بالعربية  ‪.‬‬ ‫صيدا‬ ‫ّ‬


‫‪22‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫العمرانية في صيدا إلى مطلع األلف الرابع‪ ‬ق‪ .‬م‪،.‬‬ ‫وتعود أولى التجمعات‬ ‫ّ‬ ‫وازدهرت المدينة على ما يبدو في النصف الثاني من األلف الرابع كمحطة‬ ‫الكنعانية في تلك المرحلة تبحر‬ ‫تجارية بين جبيل ومصر‪ .‬كانت السفن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األثرية أنها‬ ‫نهارا على مسافة ‪ 35‬كلم من الشاطئ‪ .6‬كما ّبينت الحفريات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مزدهرا بين القرنين التاسع عشر والسابع عشر‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫تجاريا‬ ‫مركزا‬ ‫كانت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫فأقامت حينها عالقات تجارية مع كريت وقبرص خالل عصر البرونز‬ ‫األوسط‪ .7‬وترجع أولى اإلشارات المؤكدة إلى صيدا إلى رسائل تل العمارنة‬ ‫العائدة إلى القرن الرابع عشر‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬والمرقومة بالخط المسماري اآلكدي‬ ‫زمر ّدا كان يسعى إلى التخلص من‬ ‫المقطعي‪ .‬ويتبين منها أن ملك صيدا ِ‬ ‫األموريين‪ .‬وكان األسطول الصيدوني‬ ‫فانضم إلى الثوار‬ ‫المصرية‪،‬‬ ‫السيادة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪8‬‬ ‫ً‬ ‫ناشطا قُ بالة الساحل الشمالي من كنعان كما ّبينت ألواح أوغاريت ‪ .‬بينما‬ ‫فرض المصريون سيطرتهم على المنطقة منذ القرن السادس عشر‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫وعلى األرجــح استمرت هذه السيطرة بشكل متقطع حتى القرن الثالث‬ ‫‪9‬‬ ‫عشر‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫تاريخيا بــ ص ر أي الصخر باللغة الفينيقية وسائر‬ ‫أما صور المعروفة‬ ‫ًّ‬ ‫اللغات السامية‪ ،‬صر أو صو ‪ -‬را باللغة المصرية القديمة‪ ،‬توريوس (‪)Turios‬‬ ‫بالالتينية‪.‬‬ ‫صرا (‪)Sarra‬‬ ‫باللغة‬ ‫اإلغريقية‪ ،‬تيروس (‪ )Tyros / Tyrus‬أو حتى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪10‬‬ ‫عد من‬ ‫كما ُعرفت باللغة السريانية باسم صور وكذلك باللغة‬ ‫العربية ‪ُ .‬وت ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفينيقية خــال األلــف األول‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬مع العلم أن الحفريات‬ ‫أبــرز المدن‬ ‫ّ‬ ‫ورومانية‬ ‫يونانية‬ ‫األثرية العلمية التي حصلت في المدينة أظهرت مستويات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبيزنطية‪ ،‬بينما بقيت المستويات العائدة إلى عصور البرونز أو الحديد‬ ‫ّ‬ ‫قليلة ونادرة‪.‬‬ ‫ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت أنه زار ‪‬صور في فينيقيا حيث سمع‬ ‫أنه يوجد معبد لإلله هرقل (‪ .)Héraclès‬وبعد وصفه للمعبد‪ ،‬أشار إلى‬ ‫حوار قام بينه وكهنة هرقل‪ ،‬وسألهم عن تاريخ بناء المعبد‪ ،‬فأجابوه‪ :‬إن‬ ‫‪ 66‬‬ ‫‪ 77‬‬

‫‪Eric GUBEL, Sidon, DA, p. 2022.‬‬

‫حول تطور االكتشافات األثرية بالنسبة إلى تاريخ الفينيقيين‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫‪J-L HUOT, Les recherches internationales au Liban des années 1990 à nos‬‬ ‫‪jours, in Dossiers d’Archéologie, n 350, Mars/Avril, 2012, p. 7.‬‬

‫‪ 88‬‬ ‫‪ 99‬‬

‫‪ 110‬‬

‫‪Eric GUBEL, Sidon, DA, p. 2022.‬‬ ‫‪Nina JIDIJIAN – Edward LIPINSKI, Sidon, DCPP, p. 413.‬‬ ‫‪Antoine KASSIS, Tyr, DA, p. 2234.‬‬


‫بناءه تزامن مع بناء المدينة‪ ،‬التي كانت قد تأسست منذ ‪ 2300‬عام‪‬‬ ‫أي بحدود العام ‪ 2750‬ق‪ .‬م‪ .‬وقد أثبتت الحفريات األثرية صحة أقوال‬ ‫تاريخية عن صور‬ ‫هيرودوت‪ .12‬وال يملك المؤرخون حتى اليوم أي معلومة‬ ‫ّ‬ ‫في األلف الثالث ق‪.‬م‪ ،13‬فلم تشر النصوص المصرية العائدة إلى عصر‬ ‫الدولة القديمة (‪ 2111–2900‬ق‪ .‬م‪ ).‬إلى مدينة صور‪ ،‬والنصوص العائدة‬ ‫إلى عهد الدولة المصرية الوسطى (‪ 1586–2111‬ق‪ .‬م‪ ).‬غامضة‪ .‬بينما‬ ‫الكنعانية‪ ،‬ونستنتج‬ ‫الم ُدن‬ ‫ّ‬ ‫نرى في رسائل تل العمارنة إشارات واسعة حول ُ‬ ‫ألد أعداء مصر‪ ،‬إذ تحالفت مع الملك‬ ‫منها أن قبائل العبيرو كانت من ّ‬ ‫األموري َع ْب ِد‬ ‫يرتا (‪ )Abdi-Achirta‬الذي حاصر ‪‬جبيل وبيروت‬ ‫ي ‪ -‬ع ِش َ‬ ‫َ‬ ‫ب ‪ -‬عدي (‪ )Rib-Addi‬ملك جبيل آنذاك أن‬ ‫وصور‪ .14‬ويظهر من رسائل ِر ِ‬ ‫يضم‬ ‫ملوك المدن الكنعانية انقسموا بين فريقين‪ :‬فريق متحالف مع مصر ّ‬ ‫لكي (‪ )Abdi-Milki‬ملك صور‪ ،‬وفريق آخر متحالف‬ ‫وع ْب ِد ِ‬ ‫ي ‪ -‬م ِ‬ ‫ملك جبيل َ‬ ‫‪15‬‬ ‫األموريين‬ ‫مع‬ ‫تأزم األوضاع‬ ‫يضم ِزمريدا (‪ )Zimrida‬ملك صيدا ‪ .‬فبعد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في جبيل‪ ،‬أرســل ملكها أخته مع أوالده وأوالده ــا إلــى صــور‪ ،‬وورد في‬ ‫كتاباته ما يلي‪ :‬ما من مكان آمن بقدر أرض ملك صور‪ ،‬إنها مثل أرض‬ ‫ب ‪ -‬عدي إلى صور‪ ،‬سقطت المدينة‬ ‫أوغاريت‪ ،16‬ولكن بعد وصول عائلة َر ِ‬ ‫‪11‬‬

‫‪P. M. BIKAI, The Pottery of  Tyre, Warminster, 1978, p. 5– 6.‬‬

‫وأيضا‪ :‬إيالن صادر‪ ،‬صور في العصرين البرونزي والحديدي‪ ،‬تاريخ وآثار المدينة‬ ‫ً‬ ‫من األلف الثالث إلى أواخر األلف األول ق‪ .‬م‪ ،‬في‪ :‬وثائق المؤتمر األول لتاريخ‬ ‫مدينة صور – من العهد الفينيقي إلى القرن العشرين‪ ،‬منتدى صور الثقافي‪ ،‬الطبعة‬ ‫أيضا العودة إلى‪ :‬الدكتور أنطوان القسيس الذي‬ ‫االولى‪ ،1996 ،‬ص‪41–40 .‬؛ يمكننا ً‬ ‫أشار إلى تأسيس المدينة‪ ،‬وتحدث عن ورود اسم صور في اللغات القديمة‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫أنطوان القسيس‪ ،‬ركائز السلطة االجتماعية واالقتصادية في مملكة صور الفينيقية‪،‬‬ ‫في‪ :‬وثائق المؤتمر األول لتاريخ مدينة صور – التاريخ االجتماعي االقتصادي في‬ ‫مختلف الحقب التاريخية‪ ،‬منتدى صور الثقافي‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،1997 ،‬ص‪.85–66 .‬‬ ‫‪ 113‬راجع‪ :‬إيالن صادر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.36 .‬‬

‫‪ 114‬حول المدن الكنعانية التي ذُ كرت في رسائل تل العمارنة وملوكها‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪TPOA, p. 60 – 61.‬‬

‫‪ 115‬‬

‫‪N. JEDIJIAN, Tyr à travers les âges, Librairie Orientale, Beyrouth, 1996,‬‬

‫‪p. 44.‬‬

‫‪M. Gras – R. Rouilard – J. TEXIDOR, L’Univers phénicien, Paris, 116‬‬ ‫‪Hachette, 1995, p. 56.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫األثرية التي قامت بها عالمة األثار األميركية باتريسيا بقاعي‬ ‫‪ّ 112‬أكدت الحفريات‬ ‫ّ‬ ‫سنة ‪ 1972‬قول المؤرخ اليوناني هيرودوت‪ ،‬راجع‪:‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫‪ 111‬‬

‫‪Hérodote, II, 44.‬‬

‫‪23‬‬


‫‪24‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫يرتا األموري‪ ،‬وخلفه ابنه‬ ‫األموريين‪ .‬وسرعان ما اغتيل َع ْب ِد‬ ‫بيد‬ ‫ي ‪ -‬ع ِش َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عزيرو (‪ )Aziru‬وتابع الضغط على المدن الساحلية‪ ،‬وأصبح أبي ملكي‬ ‫ووجه بدوره الرسائل إلى‬ ‫(‪ )Abi-Milki‬ملك صور ً‬ ‫خلفا لــ عبدي ‪ -‬ملكي‪ّ ،‬‬ ‫‪17‬‬ ‫أمينوفيس الرابع (أمحوتب الرابع أو أختاتون ‪ 1354–1372‬ق‪ .‬م‪، ).‬‬ ‫عبر في األولــى عن خوفه من عزيرو وزمــريــدا ملك صيدا‪ ،‬وأعلمه أن‬ ‫ّ‬ ‫واألرواديـيــن حاصروا صور من البر والبحر‪ ،‬وطلب من فرعون‬ ‫زمريدا‬ ‫ّ‬ ‫مصر إرسال مساعدات من الخشب والمياه‪ ،‬ويبدو أن مصر لبت طلبه‪.18‬‬ ‫أما النصوص العائدة إلى ما بعد حكم أبي ‪ -‬ملكي ُفت ّبين أن صور‬ ‫الكنعانية تخلّ ت عن تحالفها مع مصر‪ ،‬ثم عاد االتصال‬ ‫وغيرها من المدن‬ ‫ّ‬ ‫فــي عهد سيتي األول‪ ،‬ابــن رعمسيس األول مؤسس األس ــرة التاسعة‬ ‫التوسع من جديد إلعادة النفوذ المصري إلى بالد‬ ‫عشرة‪ ،‬الذي حاول‬ ‫ّ‬ ‫كنعان‪ .‬وتواصل تأثير مصر على الساحل الكنعاني مع رعمسيس الثاني‬ ‫(‪ 1224–1290‬ق‪ .‬م‪ ).‬الــذي حــاول توسيع اإلمبراطورية المصرية نحو‬ ‫بالحثيين وانتهى الصراع بين الطرفين بتوقيع‬ ‫سوريا الشمالية‪ ،‬فاصطدم‬ ‫ّ‬ ‫معاهدة صلح بعد معركة قادش‪ُ .‬وتظهر إحدى الرسائل المصرية التي‬ ‫تعود إلى نهاية عهد األسرة التاسعة عشرة اهتمام المصريين بجغرافية‬ ‫ـدرس إلع ــداد الـكـ ّـتــاب فــي مصر‬ ‫ـص كــان ُي ـ َّ‬ ‫بــاد كـنـعــان‪ ،‬كما ورد فــي نـ ّ‬ ‫‪19‬‬ ‫ويتضمن إشار ًة إلى‬ ‫مدينتي صيدا وصور ‪ .‬ونقرأ في نصوص مصرية‬ ‫َ‬ ‫نظاما‬ ‫أخــرى إشــارات إلى أمــراء حكموا صور تعني أن المدينة عرفت‬ ‫ً‬ ‫ملكيا في تلك الفترة‪ .‬أما في نصوص أوغاريت ومالحمها فنرى إشارات‬ ‫ًّ‬ ‫عـ ّـدة إلــى صــور‪ ،‬وتعطينا معلومات عن الوضع االقتصادي والسياسي‬ ‫وتقدم صورة عن العالقات بين المدينيتين‪ ،‬حيث‬ ‫واإلداري في المدينة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ملكي أوغاريت وصور كانا يتخاطبان بصيغة أخوية‪ ،‬مع أسبقية‬ ‫يبدو ان َ‬ ‫‪20‬‬ ‫لملك أوغاريت ‪.‬‬ ‫‪ 117‬‬ ‫‪ 118‬‬

‫‪N. JEDIJIAN, Op. cit., p. 45.‬‬ ‫‪ANET, p. 484.‬‬

‫النص ما يلي‪ :‬أرجوكم أن تعطوني معلومات عن بيروت‪ ،‬صيدا وصربتا‪،‬‬ ‫‪ 119‬جاء في‬ ‫ّ‬ ‫وأن تقولوا لي أين يقع نهر الليطاني‪ِ .‬صفوا لي أوزو‪ُ .‬يقال إن مدينة أخرى تقع‬ ‫وغنى الجزيرة‬ ‫في البحر‪ ،‬تسمى صور – المرفأ‪ُ .‬تنقل إليها المياه بواسطة السفن‪ِ ،‬‬ ‫بالسمك أكثر من ِغناها بالرمل‪ ،‬انظر‪.ANET, p. 47 :‬‬ ‫‪ 220‬لمزيد من المعلومات عن صور في نصوص أوغاريت‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪M. KHREICH, Recherches sur l’histoire de Tyr, p. 51– 56.‬‬


‫واألشورية والكالسيكية‬ ‫العبرية‬ ‫ورد اسم صيدا وصور في الحوليات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعربية‪.‬‬ ‫والسريانية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫قسم المؤرخون المعلومات التي وردت في التوراة عن الكنعانيين إلى مجموعتين‪:‬‬ ‫‪ّ 221‬‬ ‫كتب التاريخ (مثل القضاة ويشوع وصموئيل والملوك وغيرها)‪ ،‬وكتب األنبياء (أشعيا‬ ‫أهمية التوراة في دراسة تاريخ صور وصيدا‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫وأرميا وعاموس وحزقيال)‪ .‬حول‬ ‫ّ‬ ‫‪M. KHREICH, Recherches sur l’histoire de Tyr, p. 21– 23.‬‬

‫‪ 222‬ولد بحدود العام ‪37‬م‪ .‬ومات حوالى العام ‪100‬م‪.‬‬

‫مع انه قد ُم ِس َح َم ِل ًكا َمكان‬ ‫‪ 223‬‬ ‫َ‬ ‫رس َل حيرام‪َ ،‬م ِل ُ‬ ‫‪‬وأ َ‬ ‫ك صور‪ُ ،‬ر ُس َله إلى ُس َليمان‪ ،‬النه َس َ‬ ‫حيرام َيقول‪ :‬قد‬ ‫رس َل ُس َليمان إلى‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫حيرام‬ ‫كان‬ ‫إذ‬ ‫أبيه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫داو َد ُك َّل َأ َّيام ِ فأَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ًّ‬ ‫الحرو ِب َّالتي َأحاطَ ت‬ ‫داو َد أبي لم َي ِ‬ ‫َع ِل َ‬ ‫الر ِّب ِ‬ ‫إلهه ِب َس َب ِب ُ‬ ‫قد ْر ان َي ِبن َي َب ًيتا السم َّ‬ ‫مت ان ُ‬ ‫الر ّب ِإلهي ِمن‬ ‫ني‬ ‫راح‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫فق‬ ‫واآلن‬ ‫يه‪.‬‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ص‬ ‫خام‬ ‫أ‬ ‫حت‬ ‫ت‬ ‫داءه‬ ‫اع‬ ‫ب‬ ‫الر‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ى‬ ‫حت‬ ‫ِبه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الرب‬ ‫م‬ ‫ْ​ْس‬ ‫اِل‬ ‫ا‬ ‫يت‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫بن‬ ‫أ‬ ‫ان‬ ‫يت‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫قد‬ ‫ذا‬ ‫ن‬ ‫وهاء‬ ‫شر‪.‬‬ ‫ة‬ ‫حادث‬ ‫وال‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫يس‬ ‫فل‬ ‫هات‪،‬‬ ‫الج‬ ‫ُك ِّل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك هو َي ْبني‬ ‫ذي‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫بن‬ ‫ا‬ ‫ان‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬ ‫قائ‬ ‫أبي‬ ‫د‬ ‫داو‬ ‫ب‬ ‫الر‬ ‫م‬ ‫كل‬ ‫كما‬ ‫لهي‪،‬‬ ‫ِإ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫كانك على َع ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫رش َ‬ ‫اقيمه َم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ان‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫فم‬ ‫واآلن‬ ‫مي‪.‬‬ ‫ْ​ْس‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫يت‬ ‫ب‬ ‫قطع لي َأ ٌرز ِمن ُل ْبنان‪ُ ،‬‬ ‫خد ِ‬ ‫ً‬ ‫ام َ‬ ‫وخ َّدامي َيكونون مع َّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫رسم‪،‬‬ ‫اِلنك َت َ‬ ‫جر ُة ُخ َّد ِ‬ ‫عر ُ‬ ‫َ‬ ‫اؤديها ِإ َل َ‬ ‫ك ِّ‬ ‫ام َ‬ ‫يك ِب َح َس ِب ُك ِّل ما َت ُ‬ ‫يس فينا َمن َي ِ‬ ‫ُوأ َ‬ ‫عل ُم ان َل َ‬ ‫يدونيين‪ .‬راجع‪1 :‬مل‪.20–15 ،2 ،‬‬ ‫ِب َقطع َّ‬ ‫الش َج ِر ِم َ‬ ‫ثل َّ‬ ‫الص ِّ‬ ‫وييا ِت‬ ‫‪2 24‬‬ ‫ساء َغريب ًة َكثير ًة مع َ‬ ‫ابن ِة ِف َ‬ ‫رعون‪ِ ،‬م َن الموأبيا ِت َ‬ ‫ّ‬ ‫والع ُّم َّ‬ ‫‪‬أحب سليمان ِن ً‬ ‫إسرائيل في شأنها‪:‬‬ ‫ني‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫الر‬ ‫قال‬ ‫تي‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫األم‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ات‪،‬‬ ‫ثي‬ ‫والح‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫يدوني‬ ‫والص‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫دومي‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وا َأل َّ‬ ‫َ َّ ّ ِ َ‬ ‫فت َع َّل َق‬ ‫هم)‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ِله‬ ‫آ‬ ‫باع‬ ‫آت‬ ‫إلى‬ ‫كم‬ ‫لوب‬ ‫ق‬ ‫ميلون‬ ‫ست‬ ‫ي‬ ‫فانهم‬ ‫يكم‪،‬‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫بوا‬ ‫ذه‬ ‫ي‬ ‫وال‬ ‫يهم‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫بوا‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٍ َِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ذه ِ‬ ‫(ال َت َ‬ ‫َ‬

‫‪25‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫العبرية‬ ‫‪1.1‬المصادر‬ ‫ّ‬ ‫نقصد بها الكتب‬ ‫العبرية والمؤرخ اليهودي فالفيوس‬ ‫التوراتية واآلداب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخية للتوراة نجد إشارة وحيدة إلى مملكة‬ ‫الكتب‬ ‫يوسيفيوس‪ .22‬ففي‬ ‫ّ‬ ‫صور وال سيما عندما تحدثت عن عالقة الملك سليمان بأحيرام ملك صور‬ ‫وخصوصا‬ ‫وبناء على رغبة سليمان‪ ،‬أمر ّبنائيه ببناء هيكل القدس‪،‬‬ ‫الذي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪23‬‬ ‫أنه لم يكن بين‬ ‫يدونيين‪. ‬‬ ‫ف ِب َقطع َّ‬ ‫عر ُ‬ ‫الش َج ِر ِم َ‬ ‫ثل َّ‬ ‫‪‬من َي ِ‬ ‫الص ِّ‬ ‫العبرانيين َ‬ ‫ّ‬ ‫النص التوراتي هو ملك صور وسلطته قائمة‬ ‫وأحيرام بحسب ما ورد في‬ ‫ّ‬ ‫ملكا على مملكة صــور وصيدا‬ ‫الصيدونيين‪ ،‬نستنتج منه أنــه كــان ً‬ ‫على‬ ‫ّ‬ ‫الموحدة‪ .‬وفي المقابل تتكرر اإلشارات التوراتية حول صيدا خالل األلف‬ ‫ّ‬ ‫األول‪ ‬ق‪ .‬م‪ ،.‬إال أن قراءة النصوص ُتثبت صعوبة تحديد عالقة المدينتين‬ ‫واحدتها باألخرى‪ .‬كانت التوراة على ما يبدو تستخدم التسميتين لالشارة‬ ‫نساء‬ ‫ـب‬ ‫نص آخر عن سليمان أنّ ــه أحـ ّ‬ ‫إلى المملكة عينها‪ ،‬فقد جاء في ّ‬ ‫ً‬ ‫‪24‬‬ ‫غريبة‪ ،‬منهن عشترت إالهة‬ ‫الصيدونيين ‪ .‬وعندما أشارت التوراة إلى‬ ‫ّ‬ ‫‪21‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪ .3‬صور وصيدا خالل األلف األول ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫في المصادر غير المباشرة‬


‫زواج أحــاب بن عمري (‪ 853–875‬ق‪ .‬م‪ ).‬من امــرأة كنعانية‪ ،‬ذكــرت أنه‬ ‫وراح‬ ‫صنع‬ ‫الص ّ‬ ‫الشر بوجه اهلل َ‬ ‫نت َأ َتب ْعل‪َ ،‬م ِل ِ‬ ‫يزابل‪ِ ،‬ب َ‬ ‫يدون َيين‪َ ،‬‬ ‫ك َّ‬ ‫ّ‬ ‫‪‬فت َز َّو َج ِإ َ‬ ‫الب ْع ِل َّالذي َبناه في‬ ‫سج ُد َله‪.‬‬ ‫الب َ‬ ‫َ‬ ‫وي ُ‬ ‫وأقام َم َ‬ ‫عل َ‬ ‫ذب ًحا ِل َلب ْع ِل في َبي ِت َ‬ ‫عب ُد َ‬ ‫َي ُ‬ ‫‪25‬‬ ‫الصيدونيين‪.‬‬ ‫السامرة‪ . ‬ايزابل الكنعانية في هذا الموضع هي ابنة ملك‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫حال لاللتباس الحاصل بين‬ ‫كما حاولت بعض المصادر العبرية أن تجد ً‬ ‫المملكتين‪ ،‬فاعتبر الـمــؤرخ اليهودي فالفيوس يوسيفيوس‪ 26‬أن إيزابل‬ ‫هي ابنة إيتوبعل ‪‬ملك صيدا وص ــور‪ 27‬الــذي حكم في منتصف القرن‬ ‫التاسع‪ ‬ق‪ .‬م‪(.‬بين ‪ 887‬و‪ 865‬ق‪ .‬م‪ ،).‬وهو اللقب األقرب إلى الواقع‪.28‬‬ ‫‪2.2‬المصادر الكالسيكية‬

‫‪26‬‬

‫نعرض في بحثنا نماذج عن المصادر الكالسيكية التي أوردت إشارات‬ ‫متفرقة إلى تاريخ صور وصيدا‪ .29‬وفي مقدمها هوميروس‪ 30‬الذي ُتنسب‬ ‫‪31‬‬ ‫الفينيقية‬ ‫إليه ملحمتا اإللياذة واألوديـســة‪ ،‬وقد أشــار إلى مدينة صيدا‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫زاغت ِنساؤه َق َلبه‪.‬‬ ‫الث ِم َئ ٍة ُس ِّر َّية‪ ،‬فأَ َ‬ ‫وج ٍة َ‬ ‫وث ُ‬ ‫بع ِم َئ ِة َز َ‬ ‫ِب ِه َّن ُس َليمان ُح ًّبا َل ُه َّن‪ .‬وكان َله َس ُ‬ ‫فلم‬ ‫رى‪،‬‬ ‫أخ‬ ‫ة‬ ‫ِله‬ ‫آ‬ ‫باع‬ ‫آت‬ ‫إلى‬ ‫ه‬ ‫لب‬ ‫ق‬ ‫لن‬ ‫م‬ ‫أست‬ ‫ه‬ ‫زواج‬ ‫أ‬ ‫وكان في َز َم ِن َش‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ ٍَ ْ‬ ‫َ‬ ‫يخوخ ِة ُس َليمان أن َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫اله َة‬ ‫إ‬ ‫تاروت‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ع‬ ‫يمان‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫بع‬ ‫وت‬ ‫أبيه‪.‬‬ ‫د‬ ‫داو‬ ‫لب‬ ‫ق‬ ‫كان‬ ‫كما‬ ‫ه‪،‬‬ ‫له‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫لر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َي ُك ْن َق ُلبه ُم ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫خل ً ِ َّ ِّ ِ ِ‬ ‫يدوييين‪1 ،‬مل‪.5–1 ،11 ،‬‬ ‫الص‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫‪ 225‬راجع‪1 :‬مل‪.32–31 ،16 ،‬‬

‫‪ 226‬استند فالفيوس يوسيفيوس على مصادر فينيقية‪ ،‬وأشار إلى تاريخ الفينيقيين في‬ ‫كتابين من كتبه‪:‬‬

‫‪Flavius Josèphe, Contre Apion, Livre I, XVII–XVIII; Id., Les Antiquités Juives,‬‬ ‫‪Livre VIII – IX.‬‬

‫‪ 227‬‬ ‫‪ 228‬‬

‫‪Flavius Josèphe, Les Antiquités Juives, VIII, 317, IX, 138.‬‬ ‫‪G. BUNNENS, Histoire évènementielle – Orient, dans CPPM, p. 227.‬‬

‫الكالسيكيين في كتابة تاريخ الفينيقيين في‪:‬‬ ‫‪ 229‬يمكن االطالع على دور المؤرخين‬ ‫ّ‬ ‫‪S. RIBICHINI, Les sources gréco-Latines, dans CPPM, p. 73 – 83.‬‬

‫‪ُ 330‬تنسب إليه الملحمتان الشهيرتان ‪‬اإللياذة واألوديسة‪ .‬أما الزمن الذي عاش‬ ‫والكتاب أنكروا وجوده‬ ‫حد أن بعض المؤرخين‬ ‫ّ‬ ‫فيه هوميروس ففيه تفسيرات عدة‪ ،‬إلى ّ‬ ‫أصال‪ ،‬فيما يميل المؤرخون اليوم إلى اعتباره أحد شعراء القرن الثامن‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬حول حياة‬ ‫ً‬ ‫هوميروس‪ ،‬وموجز مضمون االلياذة واألوديسة‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫‪M. WORONOFF – M. TREDE, Homère, DA, p. 1072–1077.‬‬

‫‪ 331‬حول نظرة هوميروس لمدينة صيدا الفينيقية وأهميتها يمكن مراجعة‪:‬‬

‫‪I. WINTER, On art in the Ancient Near East, Volume I: of the Millenium B.C.E.,‬‬ ‫‪Brill, Leiden – Boston, 2010, p. 597– 601.‬‬


‫‪Iliade, VI, 290–291 ; XXIII, 743; Odyssée, IV, 84. 618 ; XIII, 285 ; XV, 118. 425.‬‬

‫‪ 333‬كتب هيرودوت أن هوميروس كان يعلم أن سوريا تلتصق بمصر‪ ،‬فالفينيقيون‪،‬‬ ‫الذين من مدنهم صيدا‪ ،‬يسكنون في سوريا‪.Hérodote, II, 116 –117 :‬‬

‫‪ 334‬أشار هيرودوت إلى أسطورة خطف أوروبا‪ ،‬وقال إن اإلغريق خطفوا ‪‬أوروبا‪،‬‬ ‫بعدما أغاروا على ‪‬فينيقيا‪ ،‬إلى صور‪.Hérodote, I, 2 :‬‬ ‫‪ 335‬‬ ‫‪ 336‬‬ ‫‪ 337‬‬

‫‪Strabon, II, 5, 39.‬‬ ‫‪PLINE, Geographica, Histoire, V, 14.‬‬ ‫‪Lucien de Samosate, De la Déesse syrienne, IV, p. 36 – 38.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪ 332‬ورد تعبير صيدونيين تسع مرات عند هوميروس‪ :‬ثالث مرات في االلياذة وست‬ ‫مرات في األوديسة‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫‪27‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫أبدا إلى مدينة‬ ‫على اعتبارها من المدن التجارية المزدهرة‪ ،32‬ولكنه لم يشر ً‬ ‫موحدتين في إطار‬ ‫ومرد ذلك على االرجح أن المدينتين كانتا في حينه‬ ‫صور‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مملكة موحدة‪ ،‬وكانت ُتعرف عند اإلغريق باسم صيدا‪ .‬أما في المصادر‬ ‫الكالسيكية األخرى التي ُكتبت منذ القرن الخامس‪ ‬ق‪ .‬م‪ ،.‬أي بعد انفراط‬ ‫ّ‬ ‫عقد الوحدة بين صــور وصيدا‪ ،‬فنرى إشــارات إلــى المدينتين‪ ،‬إذ اعتبر‬ ‫هيرودوت (عاش بين ‪ 490‬و‪ 424‬ق‪ .‬م‪ ).‬أن مدينتي صيدا‪ 33‬وصور‪ 34‬هما أبرز‬ ‫المدن الفينيقية على االطالق‪ .‬وذكر استرابون (‪ 63‬ق‪ .‬م‪ 25 – .‬م‪ ).‬في حديثه‬ ‫عن المناخات المعروفة في العالم القديم‪ ،‬واعتدال الليل والنهار‪ ،‬أن ‪‬في‬ ‫مدة النهار األطول هو ‪ 14‬ساعة وربع الساعة‪.35‬‬ ‫فينيقيا‪ ،‬صيدا وصور‪ّ ،‬‬ ‫ويبدو من حديثه أن فينيقيا تقتصر على مدينتين‪ ،‬ما يدفعنا إلى القول إن‬ ‫الفينيقيين خالل األلف األول‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬وكان لهما‬ ‫صيدا وصور كانتا أشهر مدن‬ ‫ّ‬ ‫واضحا‬ ‫اهتماما‬ ‫عملية االنتشار الفينيقي في المتوسط‪ ،‬ونالتا‬ ‫دور بارز في‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫من المصادر الكالسيكية‪ .‬أما بلين القديم (عاش بين ‪ 32‬و‪ 79‬م‪ ).‬فيعتبر‬ ‫أن فينيقيا تمتد جنوب صور‪ ،‬ويذكر بإن يافا هي للفينيقيين‪.36‬‬ ‫حضاريا كان‬ ‫تفاعال‬ ‫ويمكن أن نستنتج من المصادر الكالسيكية أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سنتي‬ ‫تحدث لوقيانوس السمسياطي (عاش بين َ‬ ‫قائما بين المدينتين‪ .‬فقد ّ‬ ‫ً‬ ‫‪ 115‬و‪ 190‬م‪ ،).‬عن معابد زارها في صيدا وجبيل وجبل لبنان‪ ،‬ففي صيدا‬ ‫تحدث عن معبد مخصص لعشترت‪ ،‬وكتب ما يلي‪ :‬أعتقد أن عشترت ليست‬ ‫فسر لي أحد الكهنة‪ ،‬إن المعبد‬ ‫إال سيلينا (‪ .)Sélène‬وقيل ً‬ ‫أيضا‪ ،‬كما ّ‬ ‫أيضا ألوروبا شقيقة قدموس‪ ،‬وهي كانت ابنة أغينور‪ .‬وبعد‬ ‫كان‬ ‫مكرسا ً‬ ‫ً‬ ‫يرددون أسطورتها‬ ‫كرمها الفينيقيون في معبد عشترت‪ ،‬وهم ّ‬ ‫اختطافها ّ‬ ‫المقدسة‪ ،‬وكيف أن اإلله زوس أعجب بجمالها‪ ،‬فتنكر بهيئة ثور وخطفها‬ ‫‪37‬‬ ‫يعبر على‬ ‫إلى كريت‪ . ‬هذا الدمج بين أوروبا الصورية وعشترت الصيدونية ّ‬


‫األرجح عن ّاتحاد المدينتين‪ ،‬إذ قال فالفيوس يوسيفيوس في السياق عينه‬ ‫‪‬إن حيرام األول بنى في صور‬ ‫معبدا لعشترت‪ .38‬كذلك ذكر لوقيانوس‬ ‫ً‬ ‫السمسياطي أنه زار معبد ‪‬هرقل في صور‪ ‬أي ملقرت‪ ،‬وهو برأيه يختلف‬ ‫يكرمه اإلغريق‪ ،‬إذ يعتبر أن اإلله الفينيقي هو أقدم من‬ ‫عن هرقل الذي ّ‬ ‫‪39‬‬ ‫اإلله اإلغريقي‪ ،‬وهو بطل مدينة صور ‪ .‬كما لم تشر المصادر الكالسيكية‬ ‫إلــى وحــدة سياسية بين صــور وصيدا‪ ،‬ولــم تشر إلــى هيمنة مدينة على‬ ‫أصال بوضع دراسة مستقلة عن تاريخ المدينتين‪ ،‬ولكننا‬ ‫أخرى‪ ،‬ولم تهتم‬ ‫ً‬ ‫راسخا‪.‬‬ ‫نستتنتج منها أن التفاعل الحضاري بينهما كان‬ ‫ً‬ ‫‪3.3‬المصادر العربية والسريانية‬

‫‪28‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫انسحب االلـتـبــاس فــي تحديد طبيعة الـعــاقــة بين المدينتين على‬ ‫المصادر العربية‪ ،‬والسبب أنها على غرار التوراة‪ ،‬لم تكن مهتمة بكتابة‬ ‫فجل ما كــان يعنيها‪ ،‬كتابة تاريخ األنبياء‪ ،‬وكــان ذكر‬ ‫الكنعانيين‪،‬‬ ‫تاريخ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫توسع الطبري‬ ‫يتم عندما يتقاطع تاريخهم مع تاريخ األنبياء‪ّ .‬‬ ‫الكنعانيين ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪923–839‬م‪ ).‬في الحديث عن سليمان الحكيم‪ ،‬وأشار إلى زواجه من‬ ‫امرأة‬ ‫كنعانية ُتدعى جرادة‪ ،40‬وهي من مدينة تقع ‪‬في جزيرة من جزائر‬ ‫ّ‬ ‫البحر‪ُ ،‬يقال لها صيدون‪ ،‬بها ملك عظيم السلطان لم يكن للناس إليه‬ ‫سلطانا ال‬ ‫سبيل‪ ،‬لمكانه في البحر‪ ،‬وكان اهلل قد آتى سليمان في ملكه‬ ‫ً‬ ‫بر وال بحر‪ ،‬إنما يركب إليه إذا ركب على الريح‪،‬‬ ‫يمتنع منه شيء في ّ‬ ‫فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء‪ ،‬حتى نزل بها‬ ‫بجنوده من الجن واألنس‪ ،‬فقتل ملكها واستفاء ما فيها‪ .41‬وتناقل بعض‬ ‫‪ 338‬ذكر فالفيوس يوسيفيوس أن حيرام ملك صور خلف والده أبيبعل‪ ،‬وحكم ‪34‬‬ ‫عاما‪ ،‬وأمر بقطع أشجار من جبل لبنان لسقف معابد جديدة بناها لكل من ملقرت‬ ‫ً‬ ‫وعشترت‪ .‬انظر‪.Flavius Josèphe, Contre Apion, I, XVIII, 118 :‬‬

‫‪Lucien de Samosate, De la Déesse syrienne, III, p 35. 339‬‬ ‫أثار معبد هرقل في صور اهتمام المؤرخين الكالسيكيين الذين اعتبروا أن معبده بني‬ ‫أيضا إلى هرقل الصوري وتحدث عن‬ ‫قبل ظهور قدموس في فينيقيا‪ .‬وقد أشار ‪‬أريان‪ً ‬‬ ‫قدم معبده في صور‪ ،‬وقارن بينه وبين غيره من اآللهة الذين يحملون التسمية عينها‪،‬‬ ‫قدم له األضاحي عندما احتل المدينة‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫وأكد أن االسكندر ّ‬ ‫‪ARRIEN, Histoire d’Alexandre, II, 16, 1– 8.‬‬

‫‪ 440‬راجع‪ :‬الطبري‪.503–496 ،1 ،‬‬

‫أحب النساء إلى قلب‬ ‫‪ 441‬الطبري‪498–496 ،1 ،‬؛ أشار الطبري إلى جرادة وهي‬ ‫ّ‬ ‫سليمان من دون أن يذكر أنها ابنة ملك صيدون في تفسيره‪ ،‬سورة‪ ،‬ص‪ ،34 ،‬تفسير‬ ‫الطبري‪.100 ،23 ،‬‬


‫‪ 443‬كتب ابن خلدون ما يلي‪ :‬وبعث إلى ملك صور ليعينه في قطع الخشب من لبنان‪.‬‬ ‫كر من الطعام‪ ،‬ومثلها من الزيت‪ ،‬ومثلها‬ ‫وأجرى على الفعلة فيه كل عام عشرين ألف ٍّ‬ ‫ألفا‪ ،‬ولخدمة‬ ‫ألفا‪ ،‬ولنحت الحجارة ثمانين ً‬ ‫من الخمر‪ .‬وكان الفعلة في لبنان سبعين ً‬ ‫ألفا‪ .‬وكان الوكالء والعرفاء على ذلك العمل ثالثة آالف وثلثمائة رجل‪.‬‬ ‫المناولة سبعون ً‬ ‫ابن خلدون‪ ،2 ،‬ص‪187–186 .‬؛ راجع وصف الهيكل في التوراة‪1 :‬مل‪37–1 ،6 ،‬؛ راجع‬ ‫مر عند ابن خلدون‪1 ،‬مل‪،‬‬ ‫وصف ‪‬بيت غابة لبنان‪ ‬في التوراة‪ ،‬أو ‪‬غيضة لبنان‪ ‬كما ّ‬ ‫‪7–1 ،7‬؛ ويمكن قراءة وصف بيت ابنة فرعون‪1 ،‬مل‪.12–8 ،7 ،‬‬ ‫‪ 444‬يمكن مراجعة أخبار احاب‪ :‬ابن خلدون‪.216–214 ،2 ،‬‬ ‫‪ 445‬راجع‪ :‬ابن خلدون‪.216–214 ،2 ،‬‬

‫‪ 446‬‬

‫‪p. 62.‬‬

‫‪MICHEL LE GRAND, Chronique, Tome I, traduit par Chabot, Paris, 1889,‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪ 442‬راجع قصة جرادة عند‪ :‬النيسابوري‪ ،‬أبو اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم‬ ‫المسمى عرائس المجالس‪ ،‬دار إحياء الكتب‬ ‫المعروف بالثعلبي‪ ،‬قصص األنبياء‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪ .‬ت‪ .‬ص‪291–287 .‬؛ أبو عبيد البكري‪ ،‬المسالك والممالك‪،‬‬ ‫قدم له وفهرسه‪ ،‬أدريان فان لوفن‪ ،‬أندري فيري‪ ،‬الدار العربية‬ ‫الجزء األول‪ ،‬حققه ّ‬ ‫للكتاب‪ ،‬قرطاج‪ ،1992 ،‬ص‪.220–219 .‬‬

‫‪29‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫المؤرخين العرب القصة عينها‪ ،42‬وجاءت قريبة بمضمونها من تلك التي‬ ‫جدا وكان‬ ‫وردت عند الطبري‪ .‬ويلفت نظرنا أن جزيرة صيدون كانت غنية ً‬ ‫ودية كما ورد‬ ‫حكيما‪ّ ،‬‬ ‫ملكها‬ ‫يذكرنا بأحيرام‪ ،‬ولكن عالقته بسليمان لم تكن ّ‬ ‫ً‬ ‫في التوراة‪.‬‬ ‫ت ابن خلدون (‪ )1406–1332‬على ذكر خبر سليمان وجرادة‪،‬‬ ‫لم يأ ِ‬ ‫وديــة بين سليمان وملك صــور‪ ،‬وذكــر أن سليمان‬ ‫بل أشــار إلــى عالقات ّ‬ ‫شرع في السنة الرابعة من ملكه ببناء الهيكل في بيت المقدس‪ ،‬وأعانه‬ ‫‪43‬‬ ‫تميز عمل‬ ‫في ذلك ملك صور‪ ،‬ثم وصف بناء الهيكل وغيره من األبنية ‪ّ .‬‬ ‫تفرد بوصف الهيكل‪،‬‬ ‫ابن خلدون عن كل المصادر العربية األخــرى بأنه ّ‬ ‫وباقي أبنية سليمان‪ ،‬وهو الوحيد الذي أشار إلى أحيرام ملك صور‪ .‬ولكنه‬ ‫عندما أشار إلى أحاب بن عمري‪ ،44‬اعتبر أنه كان على مذهب والده من‬ ‫هيكال بسامرة وجعل فيه‬ ‫الكفر والعصيان‪ ،‬وتزوج بنت ملك صيدا‪ ،‬وبنى‬ ‫ً‬ ‫صنما يسجد له‪ ،‬وأفحش في قتل األنبياء‪ ،‬ثم أورد خبر الياس وقصة‬ ‫ً‬ ‫مر معنا أعاله‪.‬‬ ‫الجفاف‪.45‬‬ ‫ّ‬ ‫ومرد هذا االلتباس هو التوراة نفسها كما ّ‬ ‫أشار المؤرخون السريان إلى صور وصيدا في إطار دراستهم تاريخ‬ ‫العبرانيين وملوكهم‪ .‬وما وصل إليهم من معلومات يعكس صعوبة‬ ‫األنبياء‬ ‫ّ‬ ‫تحديد العالقة بين المدينتين‪ ،‬فقد اعتبر البطريرك ميخائيل السرياني‬ ‫ودية مع ‪‬أحيرام ملك‬ ‫(‪ )1199–1126‬أن الملك سليمان أقام عالقات ّ‬ ‫الصوريين‪ ،46‬ولكنه في حديثه عن أخــاب بن عمري اعتبر أنــه ‪‬تــزوج‬


‫إيزبيل ابنة أيتوبعل ملك صور صيدا‪ .47‬ولكنه لم يشر كيف يمكن لملك‬ ‫ملكا على صور وصيدا‪.‬‬ ‫صور أن يصبح ً‬

‫وكذلك اعتبر ابن العبري (‪ )1286–1226‬في كتاب تاريخ الدول الذي‬ ‫‪‬تزوج إمرأة وثنية إسمها إيزبيل إبنة ملك‬ ‫كتبه باللغة العربية‪ ،‬أن أخاب‬ ‫ّ‬ ‫صــور‪ ،48‬ولكن جاء في الطبعة االنكليزية من كتاب تاريخ الزمان الذي‬ ‫وضعه ابن العبري في اللغة السريانية أن إيزبيل هي ‪‬ابنة إيتوبعل‪ ،‬ملك‬ ‫صور وصيدا‪.49‬‬

‫‪30‬‬

‫موحدة‪ .‬فقد كتب‬ ‫وفي مصادر عربية متأخرة أن صور وصيدا مملكة ّ‬ ‫عمرت‬ ‫صالح بن يحيى (توفي سنة ‪ )1436‬ما يلي‪ :‬إن صيدا رابع مدينة ّ‬ ‫بعد الطوفان‪ ،‬وذكر ياقوت الحموي‪ :‬قال هشام عن أبيه صيدا باسم‬ ‫صيدون بن صدقا بن كنعان بن حام بن نوح وقال وصيدا تعرف بصيدا‬ ‫ّ‬ ‫صور وهما مذكورتان في التوراة‪ ،‬وصيدا بمفردها مذكورة في اإلنجيل‪.50‬‬ ‫معا‪.51‬‬ ‫والصواب أن لكلتا المدينتين ً‬ ‫ذكرا في التوراة واإلنجيل ً‬

‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫‪ 447‬‬

‫‪MICHEL LE GRAND, Chronique, Tome I, p. 68.‬‬

‫‪ 448‬ابن العبري‪ ،‬تاريخ مختصر الدول‪ ،‬وقف على تصحيحه وفهرسه‪ ،‬األب أنطون‬ ‫صالحاني اليسوعي‪ ،‬دار الرائد اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،1983 ،‬ص‪.58–57.‬‬ ‫‪ 449‬وضع ابن العبري كتاب ‪‬تاريخ الزمان‪ ‬باللغة السريانية قبل ‪‬تاريخ الدول‪ ،‬وهو‬ ‫يتضمن تاريخ العالم منذ آدم وحتى سنة ‪ .1285‬وقد اعتمدنا على الترجمة االنكليزية‬ ‫ّ‬ ‫لهذا الكتاب‪ .‬حول حكم أخاب بن عمري‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫‪Bar Hebraeus, The Chronography of Gregory Abu’l Faraj, Commonly Known‬‬ ‫‪as Bar Hebraeus, Translated from the Syriac by Ernest A. Wallis Budge,‬‬ ‫‪Volume I, Gorgias Press Edition, 2003, p. 21.‬‬

‫‪ 550‬لم ينقل مؤرخنا عن ياقوت حديثه عن صور‪ .‬يمكن مراجعة حديث ياقوت عن‬ ‫صور‪ :‬في معجم البلدان‪ ،3 ،‬ص‪434–433 .‬؛ ولكن ما نقله عن أصل تسمية صيدا قد‬ ‫بصيدون بن صدقاء بن كنعان بن حام‬ ‫ورد حرفيا عند ياقوت الذي قال‪ :‬قالوا‪ :‬سميت ّ‬ ‫بن نوح‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬وقال هشام عم أبيه‪ :‬إنما سميت صيداء التي بالشام بصيدون‬ ‫بن صدقاء بن كنعان بن حام بن نوح‪ .‬ياقوت‪ ،‬معجم البلدان‪ ،3 ،‬ص‪437 .‬؛ ثم ذكر‪:‬‬ ‫‪‬والصيداء بساحل الشام تعرف بصيداء صور‪ .‬ياقوت‪ ،‬معجم البلدان‪ ،3 ،‬ص‪.438 .‬‬ ‫ولكن ياقوت لم يشر إلى أن التوراة أشارت إلى المدينتين‪.‬‬ ‫مثال في اإلنجيل‪ :‬ثم قام من هناك ومضى إلى تخوم صور وصيداء‪ .‬ودخل‬ ‫‪ 551‬راجع ً‬ ‫بيتا وهو يريد أن ال يعلم أحد‪ .‬فلم يقدر أن يختفي‪ ،‬مر‪.24 ،7 ،‬‬


‫‪ 552‬جاءت تسمية شعوب البحر من ترجمة لعبارة مصرية مكتشفة مع المصادر العائدة‬ ‫للفرعون ‪‬مرنفتاح‪ 1224( )Merneptah( ‬أو ‪ 1213‬أو ‪ .)1204‬في إشارة إلى مجموعة‬ ‫من القبائل التي غزت مدن الساحل الشرقي للمتوسط‪ ،‬وقد جاءت من الشمال الغربي‬ ‫هربا من الغزوات الدورية واالضطرابات الداخلية التي عانت منها الحضارة الميسينية‬ ‫ً‬ ‫في كريت‪ .‬ثم استقرت قبائل منها تعرف بالفلسطو على الساحل الذي اتخذ إسمها أي‬ ‫فلسطين‪ .‬حول أصل شعوب البحر وحروبهم في الساحل الشرقي للمتوسط‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪X. FAIVRE, Peuples de la Mer, DCM, p. 644 – 647.‬‬

‫‪FREU J., Histoire politique du royaume d’Ugarit, (Kub 11) Paris, 2006, 553‬‬ ‫‪p. 217– 248.‬‬

‫‪ 554‬رأى بعض المؤرخين أن فينيقيا الوسطى والجنوبية لم تتعرض لغزوات شعوب‬ ‫البحر‪ .‬لالطالع على النظريات التي وضعت حول عالقة الفينيقيين بشعوب البحر‪ ،‬يمكن‬ ‫مراجعة‪.M. KHREICH, Recherches sur l’histoire de Tyr, p. 60 – 62 :‬‬

‫‪ 555‬‬ ‫‪ 556‬‬ ‫‪ 557‬‬

‫‪TPOA, p. 73 – 81.‬‬ ‫‪ANET, p. 27.‬‬ ‫‪Nina JIDIJIAN – Edward LIPINSKI, Sidon, DCPP, p. 413.‬‬

‫‪P. BIKAI, The Phoenicians, in W. WARD & M. S. JOUKOWSKY (éd.), The 558‬‬ ‫‪Crisis Years. The 12th Century B.C. From Beyond the Danube to the Tigris,‬‬ ‫‪Dubuque, 1992, p. 65 –74, 132 –141.‬‬

‫‪31‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫تبقى األحداث التاريخية في المرحلة االنتقالية بين نهاية عصر البرونز‬ ‫وبــدايــة عصر الحديد غامضة بشكل عــام‪ .‬لكن مــن المؤكد أن غــزوات‬ ‫كبيرا في تاريخ الشرق القديم‪ .52‬فقد تعرضت‬ ‫تغي ًيرا ً‬ ‫شعوب البحر أحدثت ّ‬ ‫‪53‬‬ ‫مرت األحداث‬ ‫المملكة‬ ‫الحثية للدمار وأوغاريت للضعف والفوضى ‪ ،‬فيما ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفينيقية‬ ‫المدن‬ ‫وعلى‬ ‫فينيقيا‪،‬‬ ‫وسط‬ ‫في‬ ‫جبيل‬ ‫مدينة‬ ‫على‬ ‫أسلم‬ ‫بطريقة‬ ‫ّ‬ ‫‪54‬‬ ‫تحول النشاط التجاري إلى صيدا‬ ‫الجنوبية ‪ .‬ونتج عن ضعف أوغاريت ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي عرفت االزدهار في القرنين الحادي عشر والعاشر‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬كما ورد في‬ ‫نص التاجر المصري وين ‪ -‬أمون حوالى ‪ 1080‬ق‪ .‬م‪ 55.‬الذي أشار إلى وجود‬ ‫ّ‬ ‫المرجح أن النشاط الذي عرفه‬ ‫خمسين سفينة في مرفأ صيدا‪ .56‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫مرفأ المدينة في تلك الفترة يتزامن مع ازدهار النشاط التجاري الصيدوني‬ ‫في بحر إيجه‪ .57‬أما صور فاإلشارات إليها عابرة في تلك المرحلة‪ ،‬وقد‬ ‫عامي‬ ‫ّبينت الحفريات األثرية أن المدينة عرفت فترة من االنحطاط بين َ‬ ‫سكان صور البحرية‬ ‫‪ 1200‬و‪ 50/1070‬ق‪ .‬م‪ .‬وترافق ذلك مع تناقص عدد ّ‬ ‫‪58‬‬ ‫البرية ألسباب مجهولة حتى يومنا هذا ‪ ،‬مع العلم‬ ‫الذين نزحوا ّ‬ ‫باتجاه صور ّ‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪ .4‬صيدا وصور بين غزوات شعوب البحر وغزوات اآلشوريّين‪:‬‬ ‫مرحلة الوحدة السياس ّية‬


‫‪32‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫سببت ذلك‪ ،‬إال أن السكان عادوا إلى‬ ‫أن غزوات شعوب البحر قد تكون ّ‬ ‫سريعا‪.59‬‬ ‫استيطان الجزيرة‬ ‫ً‬ ‫الجنوبية التي‬ ‫صمدت المدينتان أمام التحوالت التي شهدتها بالد كنعان‬ ‫ّ‬ ‫عبرانية من صحراء سيناء إلى‬ ‫تسرب قبائل‬ ‫عرفت بعد دخول الفلسطو ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرغم من إشارة التوراة إلى غزوات عسكرية‬ ‫الداخل الفلسطيني‪ .‬وعلى َّ‬ ‫الجنوبية في‬ ‫قادها يشوع بن نــون عبر األردن واحتالله أريحا والمدن‬ ‫ّ‬ ‫العبرانيين أرض كنعان واستقرارهم فيها‪ ،‬يبقى ُعرض ًة‬ ‫كنعان‪ ،60‬فإن دخول‬ ‫ّ‬ ‫لنظريات متعددة‪ ،‬وتعتبر بعضها أن إقامة العبرانيين في كنعان جاءت‬ ‫نتيجة دخول هادئ وسلمي وهذا ما يناقض التقليد التوراتي‪ .61‬ولكن من‬ ‫المؤكد أن صيدا وصور دخلتا مرحل ًة جديدة من تاريخ الشرق القديم‪.‬‬ ‫يقودنا استعراض المصادر أعاله إلى االستنتاج التالي‪ :‬عرفت المدينتان‬ ‫‪62‬‬ ‫موحدة بعد غزوات شعوب البحر حوالى ‪ 1180‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫الوحدة في إطار مملكة ّ‬ ‫ولكن تحديد أسباب الوحدة وظروفها وشكل الحكم فيها وعالقة المدينتين‬ ‫بالسلطة الحاكمة ما زالت غامضة‪ ،‬بسبب ندرة المصادر المباشرة والتباس‬ ‫نرجح أن الوحدة ارتبطت‬ ‫الموضوع على المصادر غير المباشرة‪ .‬ولكننا ّ‬ ‫معا‪ ،‬وإن كنا غير‬ ‫بقوة بعض الملوك الذين فرضوا سيطرتهم على المدينتين ً‬ ‫قادرين وفق المصادر المتوفرة حتى اليوم‪ ،‬على فهم طبيعة العالقة بينهما‪،‬‬ ‫ومركز المملكة سواء أكان في في صور أو في صيدا‪.‬‬ ‫‪P. BIKAI, The Phoenicians, p. 133; E. GUBEL, Phoenician Foundations 559‬‬ ‫‪in Archaeological Perspective, dans S. Mazzoni (éd.), Nuovo Fondazioni nel‬‬ ‫‪Vicino Oriente Antico: Realita e Ideologia, Pise, 1994, p. 341– 353; M. E. Aubet,‬‬ ‫‪The Phoenicians and the West. Politics, Colonies and Trade, (2nd edition),‬‬ ‫‪Cambridge, 2001, p. 29.‬‬

‫‪ 660‬راجع‪ :‬يش‪.10–1 ،‬‬

‫‪ 661‬راجع تحليل هذه المقولة التي تقول بدخول سلمي للعبرانيين إلى فلسطين‪ ،‬وأبرز‬ ‫المقدمة في‪:‬‬ ‫الحجج العلمية‬ ‫ّ‬ ‫‪J. NELIS, Josué, DEB, p 978 – 979.‬‬

‫‪ 662‬من دراسة علمية للمصادر‪ ،‬أن مؤرخين تبنوا نظرية أن صور وصيدا توحدتا منذ‬ ‫القرن الثاني عشر‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬وأبرزهم المؤرخ وعالم اآلثار األميركي وليم أولبريت‬ ‫‪ )Foxwell Albright‬الذي اعتبر أن المدينتين توحدتا تحت راية مملكة صيدا‪ ،‬ولكنه‬ ‫رجح أن الوحدة استمرت حتى القرن العاشر‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬خالفا لما نثبته في دراستنا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪William‬‬

‫‪W.F. ALBRIGHT, The Amarna Letters from Palestine –Syria, The Philistines‬‬ ‫‪and Phoenicia, Volume II, The Cambridge Ancient History, University Press,‬‬ ‫‪Cambridge, 1966, p. 36.‬‬


‫ولــم يشر أي مــن الـمـصــادر إلــى دور للملكة الـمــوحــدة فــي تأسيس‬ ‫قرطاجة‪ ،‬فالتوراة لم تورد أية إشارة إلى تأسيسها‪ ،‬فيما اعتبر ‪‬فالفيوس‬ ‫يوسيفيوس‪ ‬أن صــور أسست قــرطــاجــة‪ .65‬وقــد سبقه إلــى ذلــك الــرأي‬ ‫المؤرخون الكالسيكيون‪ .66‬أما المصادر العربية التي أشارت إلى تأسيس‬ ‫‪E. LIPINSKI, Hiram I, DCPP, p. 218.‬‬

‫‪ 664‬يمكن على سبيل المثال االطالع على دور صور وصيدا اللتين قادتا عملية االنتشار‬ ‫في ظل اتحادهما في‪:‬‬

‫‪G. BUNNENS, L’expansion phénicienne en Méditerranée, essai d’interprétation‬‬ ‫‪fondé sur une analyse des traditions littéraires, Bruxelles – Rome, 1979,‬‬ ‫‪p. 290 – 299.‬‬

‫‪ 665‬في سياق استعراضه تاريخ ملوك صور‪ ،‬اعتبر فالفيوس يوسيفيوس أن ملكها‬ ‫فرت اخته‪ ،‬التي لم يذكر اسمها‪،‬‬ ‫عاما‪ ،‬وفي السنة السابعة من حكمه ّ‬ ‫بيغماليون حكم ‪ً 47‬‬ ‫وأسست في ليبيا (أفريقيا) مدينة قرطاجة‪ .‬والمدة التي تفصل بين بناء المدينة وعهد‬ ‫عاما و ‪ 8‬أشهر‪ .‬يمكن مراجعة‪:‬‬ ‫حيرام ملك صور هي ‪ً 155‬‬ ‫‪Flavius Josèphe, Contre Apion, I, XVIII, 125 –126.‬‬

‫الكتاب الكالسيكيون حول نظريتين اتفقتا على أن صور أسست قرطاجة‬ ‫‪ 666‬انقسم َّ‬ ‫واختلفتا على تاريخ التأسيس‪ .‬اعتبر مؤيدو النظرية األولى أن تأسيس قرطاجة يعود‬ ‫إلى قبل حرب طروادة‪ ،‬وبحسب هذا التقليد ّتم تأسيس المدينة على يد بطلين‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫‪‬زوروس‪ ‬و‪‬كرشيدون‪ .‬فيما اعتبر مؤيدو النظرية الثانية أن إليسا أسست المدينة بعد‬ ‫خالف مع أخيها بيغماليون ملك صور‪ .‬يمكن االطالع على نظرة المصادر الكالسيكية‬ ‫إلى تأسيس قرطاجة في‪:‬‬

‫;‪G. Bunnens, L’expansion phénicienne en Méditerranée, p. 127–186‬‬ ‫‪M. FANTAR, Carthage. Approche d’une civilisation, I, Tunis, 1993, p. 82– 83.‬‬

‫‪33‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫سني حكمه وأبرز أعماله‪ ،‬يمكن‬ ‫‪ 663‬هو ملك صور بالنسبة إلى معظم المراجع‪ .‬حول ّ‬ ‫مراجعة‪:‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫الموحدة‬ ‫كان أحيرام األول (‪ 929–962‬ق‪ .‬م‪ 63).‬من أبرز ملوك المملكة‬ ‫َّ‬ ‫ودية مع داود وابنه سليمان‪ ،‬وقاد عملية‬ ‫وكان قصره في صور‪ ،‬وأقام عالقات ّ‬ ‫الحوضين الغربي والشرقي للمتوسط‪ .‬واستمر االزدهــار مع‬ ‫االنتشار في‬ ‫َ‬ ‫خلفائه الذين تابعوا سياسة االنتشار وأنشأوا المراكز التجارية والمستعمرات‬ ‫وأبرزها مدينة قرطاجة (بحدود ‪ 816‬ق‪.‬م)‪ .‬فالنصوص الكالسيكية‪ ،‬والبقايا‬ ‫األثــريــة الموجودة في المستعمرات الفينيقية‪ ،‬من معابد وآلهة ونقوش‬ ‫أبجدية‪ ،‬تؤكد ريادة صور وصيدا وتفوقهما على المدن الفينيقية المشرقية‬ ‫في مجال االنتشار‪ ،‬وال سيما في الفترة التي شهدت ّاتحاد المدينتين تحت‬ ‫موحدة كما جاء في تحليل بعض المراجع‬ ‫العلمية‪.64‬‬ ‫راية مملكة ّ‬ ‫ّ‬


‫‪34‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫مدينة قرطاجة فاعتبرت أن باني المدينة ُيدعى ‪‬ديدون‪ 67‬أو ‪‬ديدن بن‬ ‫تحدد أنه كان من صور‪ ،‬بل ربطته بأصول كنعانية‪.‬‬ ‫إليثا‪ ،68‬ولكنها لم ّ‬ ‫ُتجمع الدراسات المعاصرة أن مدينة صور بنت ‪‬قــرت حدشت‪ ‬أي‬ ‫المدينة الجديدة ‪‬قرطاجة‪ ‬بحدود ‪ 816/817‬ق‪ .‬م‪ .‬وبعدما تعرضت المدن‬ ‫الفينيقية المشرقية للضغط األش ــوري‪ ،‬تولت قرطاجة مهمة اإلشــراف‬ ‫على المستعمرات الفينيقية في الغرب‪ ،‬فتحولت إلى أمبراطورية بحرية‬ ‫كبيرة في الحوض الغربي للمتوسط‪ ،‬تنافست مع اإلغريق والرومانيين‪.69‬‬ ‫وعلى ضوء تحليل جديد للنصوص علينا أن نعيد النظر بهذه النظرية‪،‬‬ ‫الموحدة أسست قرطاجة‪ .‬ولكن بعد‬ ‫على اعتبار أن مملكة صور وصيدا‬ ‫ّ‬ ‫االنفصال سعت كل من المدينتين على إبراز تفوقها على األخــرى‪ ،‬وبرز‬ ‫ذلك على نقوش العملة التي تعود إلى العصر السلوقي‪ ،‬حيث نقرأ على‬ ‫عملة مسكوكة في صور في القرن الثالث‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬ما يلي‪ :‬صور ُأ ّم صيدا‪.70‬‬ ‫‪‬أم كامبه (قرطاجة)‪ ،‬وهيبو‬ ‫فيما نقرأ على عملة صيدا ما يلي‪ :‬صيدا ّ‬ ‫وكيتيوم (في قبرص) وصور‪ ،71‬وكانت صيدا على األرجح تستعيد ذكرى‬ ‫المملكة الموحدة حيث كانت الريادة لها في بداية القرن التاسع‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫‪ 667‬راجع نظرة ‪‬أبو عبيد البكري‪ ‬إلى تأسيس قرطاجة في‪ :‬أبو عبيد البكري‪،2 ،‬‬ ‫‪.704–699‬‬

‫‪ 668‬راجع نظرة ‪‬ابن خلدون‪ ‬إلى تأسيس قرطاجة في‪ :‬ابن خلدون‪.404–402 ،2 ،‬‬ ‫‪ 669‬حول تأسيس قرطاجة في القرن التاسع‪ ‬ق‪ .‬م‪ ،.‬يمكن مراجعة‪:‬‬

‫‪G. Bunnens, L’expansion phénicienne en Méditerranée, p.320 – 324; A.‬‬ ‫‪KASSIS, Approche aux cultures Méditerranéennes des origines, (Ribblicazioni‬‬ ‫‪Della C.U.M, 2), Liban, 1996, p. 70 –73; S. MOSCATI, Les Phéniciens, édition‬‬ ‫‪française préfacée et dirigée par, AMIET P., Milan, 1988, p 54 – 61; M. FANTAR,‬‬ ‫‪Carthage. Approche d’une civilisation, I, p. 104 –106; S. LANCEL - E. LIPINSKI,‬‬ ‫ –‪Carthage, DCPP, p. 91‬‬ ‫‪94; V. KRINGS, L’histoire événementielle Partim‬‬ ‫‪Occident, CPPM, p. 238 – 239.‬‬

‫‪ 770‬نُ قش على العملة (‪:)Tyr mère de Sidon‬‬ ‫‪G. F.Hill, Catalogue of the Greek Coinage of Phoenicia, Bologne, 1965,‬‬ ‫‪p. CXXXIII – CXXXIV; M. KHREICH, Recherches sur l’histoire de Tyr, p. 237.‬‬ ‫‪ 771‬نُ قش على العملة الكتابة التالية‪:‬‬

‫‪Sidon mother of Kambe (Carthage), Hippo, Citium and Tyre, Voir: W.F.‬‬ ‫‪ALBRIGHT, The Amarna Letters from Palestine – Syria, The Philistines and‬‬ ‫‪Phoenicia, Volume II, The Cambridge Ancient History, University Press,‬‬ ‫;‪Cambridge, 1966, p. 36; G. F. Hill, Catalogue of the Greek Coinage, p. CV– CVII‬‬ ‫‪M. KHREICH, Recherches sur l’histoire de Tyr, p. 237.‬‬


‫‪ .5‬صور وصيدا في عهد اآلشوريين‪ :‬من الوحدة إلى االنقسام‬

‫‪ 772‬‬ ‫‪ 773‬‬ ‫‪ 774‬‬ ‫‪ 775‬‬

‫‪G. BUNNENS, Histoire évènementielle – Orient, CPPM, p. 227.‬‬ ‫‪ANET, p. 275.‬‬ ‫‪ANET, 275; TPOA, p. 71.‬‬ ‫‪N. JEDIJIAN, Tyr à travers les âges, p. 59.‬‬

‫‪35‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫عانت المدينتان في النصف األول من األلف األول من حمالت األشوريين‬ ‫الذين فرضوا الجزية على المدن الفينيقية التي كانت تدفع الضرائب‬ ‫ضمها إلى حكم اآلشوريين المباشر‪ ،‬واحتفاظها بحكم ذاتي‪.‬‬ ‫مقابل عدم ّ‬ ‫أما المدن الفينيقية التي وردت اإلشارة إليها في الحوليات األشورية فكانت‬ ‫صور‪ ،‬صيدا‪ ،‬جبيل‪ ،‬محالتا‪ ،‬مايزو‪ ،‬كايزو وأرواد‪ .72‬كانت أرواد المدينة‬ ‫األكثر قوة وشهرة في فينيقيا الشمالية‪ ،‬وجبيل في فينيقا الوسطى‪ ،‬فيما‬ ‫كانت الريادة في المنطقة الفينيقية الجنوبية لمملكة صور وصيدا‪.‬‬ ‫جاءت اإلشارة األولى من عهد تغلت فالصر األول (‪ 1077–1115‬ق‪ .‬م‪،).‬‬ ‫لمعبدي‬ ‫‪‬ذهبت إلى لبنان قطعت أشجار األرز‬ ‫ومما جاء في إحدى حولياته‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سيداي اإللهان العظيمان‪ ،‬ونقلت األخشاب عبر أرض أمورو‪.‬‬ ‫آنو وأدد‪ّ ،‬‬ ‫‪73‬‬ ‫وحصلت الضرائب من جبيل وصيدون وأرواد‪ . ‬لم‬ ‫وغزوت أرض أمورو‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يعط النقش أي صفة للمدن الفينيقية‪ ،‬فلم يشر إليها كمدن‪ /‬دول‪ ،‬ولم يشر‬ ‫ِ‬ ‫إلى أسماء ملوكها‪ ،‬وكذلك نالحظ أنه ذكر صيدا من دون أية إشارة إلى‬ ‫صور‪ .‬وفي حوليات تغلت فالصر األول التي تتحدث عن بناء معبدي آنو‬ ‫وأدد في أشور‪ ،‬نرى إشارات إلى المدن التي دفعت الضريبة‪ ،‬ونقرأ أسماء‬ ‫مدن جبيل وصيدا وأرواد‪ 74‬ولكننا ال نقرأ اسم صــور‪ ،‬فهل كانت صور‬ ‫وصيدا قد عرفتا وحدة سياسية في تلك المرحلة‪75‬؟‬ ‫بعد تغلت فالصر األول‪ ،‬عانت المملكة اآلشورية من مشاكل داخلية‬ ‫استمرت حتى القرن العاشر‪ ،‬فنعمت المدن الفينيقية بمرحلة من االستقرار‬ ‫واالستقالل‪ .‬ومع بداية القرن التاسع‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬افتتح األشوريون مرحلة طويلة‬ ‫من الحمالت العسكرية التي قادتهم إلى السيطرة على السواحل الشرقية‬ ‫للمتوسط‪ .‬فقام أشــور ناصر بــال الثاني (‪ 859–883‬ق‪ .‬م‪ ).‬بحمالت‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫تبنيها بناء قرطاجة‪ ،‬فيما كانت صور‬ ‫وتعدد إنجازاتها التاريخية ومنها ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتبنى كل ما تنسبه صيدا لنفسها‪.‬‬


‫عسكرية عـ ّـدة‪ ،‬وفي سنة ‪ 877‬ق‪ .‬م‪ .‬قاد حملة ضد كركميش وفينيقيا‬ ‫حصل الضرائب من ‪‬ملوك مدن الساحل‪ ،‬من أراضي‬ ‫وذكر في حولياته أنه ّ‬ ‫سكان صور وصيدا وجبيل ومحالتا ومايزا وكايزا وأمورو وأرواد الجزيرة‬ ‫ّ‬ ‫الواقعة في البحر‪ ،‬ثم ذكر أنواع الضرائب التي دفعتها هذه المدن وهي‬ ‫الكتان المتعددة االلوان‪،‬‬ ‫من الذهب‬ ‫والفضة والقصدير والنحاس ومالبس ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪77‬‬ ‫والقرود الكبيرة والصغيرة‪ ،‬وخشب األبنوس والـعــاج ‪ .‬وورد اسم صور‬ ‫للنص السابق الذكر‪ ،‬وذلك يعني أن المدينة استعادت‬ ‫النص خالفا‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ازدهارها االقتصادي‪ ،‬ويؤكد ذلك أن ممثلين عن صيدا وصور شاركوا إلى‬ ‫جانب ملوك آخرين في افتتاح قصر أشور ناصر بال الثاني في كلخ‪،78‬‬ ‫ويظهر أن المدينتين لم تخضعا عسكريا في تلك الفترة ألشور‪ ،‬بل كانتا‬ ‫تدوران سياسيا في فلك النفوذ السياسي األشوري‪ .79‬ولكن ذلك ال يعطينا‬ ‫معلومات واضحة عن عالقة المدينتين بعضهما ببعض‪.‬‬ ‫وبــدأت في عهد خليفته وابنه شلمناصر الثالث (‪ 842–858‬ق‪ .‬م‪).‬‬ ‫حــروب طويلة بين المدن اآلرامـيــة واألشوريين‪ ،‬وتمكن الملك األشــوري‬ ‫سنة ‪ 837‬ق‪ .‬م‪ .‬من االنتصار على ملك دمشق اآلرامــي ‪‬بن أدد األول‪،‬‬ ‫هدد باجتياح المدن الفينيقية في حال لم تدفع له الجزية‪ ،‬فأذعنت‬ ‫ثم ّ‬ ‫‪80‬‬ ‫لتهديداته ‪ ،‬وحافظت على أمنها بعد أن دفعت مدن جبيل‪ ،‬صيدا‪ ،‬صور‪،‬‬ ‫‪‬حصل الضريبة من السفن‬ ‫وعرقا الضريبة‪ ،81‬وذكر في نقش آخر انه‬ ‫ّ‬ ‫‪76‬‬

‫‪36‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫‪ 776‬حول حمالت أشور ناصربال الثاني على الفرات واجتيازه نهر العاصي وتقدمه‬ ‫نحو المدن الفينيقية‪ ،‬يمكن مراجعة‪:‬‬

‫‪P. VILLARD, Aššurbanibal, DCM, p.105 –106; N. JEDIJIAN, Tyr à travers les‬‬ ‫‪âges, p. 79 –80.‬‬

‫‪ 777‬‬ ‫‪ 778‬‬

‫‪ANET, p. 276.‬‬ ‫‪RIMA: A.0.101.30 L. 141–145, p. 293.‬‬

‫‪S. YAMADA, The Construction of the Assyrian Empire. A Historical 779‬‬ ‫‪Study of the Inscriptions of Shalmaneser III (859 – 824 B.C.). Relating to His‬‬ ‫‪Campaigns to the West, (CHANE 3), Leyde, 2000, p. 75.‬‬

‫‪ 880‬راجع أبرز حروب شلمناصر الثالث في فينيقيا‪:‬‬

‫‪P. XELLA, Les sources cunéiformes, CPPM, p. 53–54; N. JEDIJIAN, Tyr à‬‬ ‫‪travers les âges, p. 80 –81.‬‬

‫‪ 881‬ورد اسم صور وصيدا في حولياته التي تعود إلى السنة الثامنة عشر من بداية‬ ‫حكمه‪ ،‬وورد اسم صيدا وصور وجبيل في حملته العائدة إلى السنة الحادية والعشرين‬ ‫من بداية حكمه‪ ،‬راجع‪.ANET, p. 280; TPOA, p. 88 :‬‬


‫‪ 883‬‬ ‫‪ 884‬‬

‫‪TPOA, p. 88.‬‬ ‫‪ANET, p. 281; TPOA, p. 94.‬‬

‫‪ 885‬أنطوان القسيس‪ ،‬دراسات‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.145 .‬‬

‫‪ 886‬‬

‫‪TPOA, p. 95.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪ 882‬‬

‫‪ANET, p. 281.‬‬

‫‪37‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫‪82‬‬ ‫حصل الضرائب‬ ‫من سكان صور وصيدا‪ . ‬وفي ترجمة أخرى تضيف أنه ّ‬ ‫من ‪‬بعل عازر من صور‪.83‬‬ ‫ونرجح‬ ‫تجاريا‪،‬‬ ‫ازدهارا‬ ‫نستنتج من هذه النصوص أن المدينتين عرفتا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أن ذكرهما في إطار موحد يعني أنهما كانتا تنتميان إلى مملكة موحدة‪،‬‬ ‫وفي هذا الموضع ُعرف حاكم هذه المملكة بملك صور وليس ملك صيدا‪،‬‬ ‫مقرا‬ ‫وقــد يكون تفسير ذلــك أن بعل عــازر كــان ّيتخذ من صــور البحرية ً‬ ‫له ليحمي نفسه من الضغط األشــوري‪ .‬وســواء كان ُيدعى في المصادر‬ ‫األشورية بملك صور أو ملك صيدا‪ ،‬فإن المدينتين كانتا موحدتين في تلك‬ ‫موحدة‪.‬‬ ‫الفترة في إطار مملكة ّ‬ ‫قبل موت شلمناصر الثالث‪ ،‬اختلف ولداه على خالفته واندلعت في أشور‬ ‫فعين شلمناصر الثالث إبنه ‪‬شمسي‬ ‫حرب أهلية بينهما العام ‪ 824‬ق‪ .‬م‪ّ .‬‬ ‫يوجه أية حملة‬ ‫أدد الخامس‪ 811–823( ‬ق‪ .‬م‪ ).‬خليف ًة له‪ .‬لكن األخير لم ّ‬ ‫وجه حمالته العسكرية إلخضاع بابل‪،‬‬ ‫نحو الساحل الشرقي للمتوسط‪ ،‬بل ّ‬ ‫وسكان المناطق الجبلية في الشمال‪ .‬أما خليفته‬ ‫الميديين‪ّ ،‬‬ ‫كذلك هاجم‬ ‫ّ‬ ‫ووجــه حملة ضد‬ ‫أدد نيراري الثالث (‪ 783–810‬ق‪ .‬م‪ ).‬فهاجم دمشق‪ّ ،‬‬ ‫‪84‬‬ ‫وضم‬ ‫‪،‬‬ ‫وفلسطين‬ ‫فلسطين‪ ،‬وفرض الجزية على مدن صور وصيدا وأدوم‬ ‫ّ‬ ‫بعض المناطق السورية إلى األمبراطورية االشورية‪ .‬أما المدن الفينيقية‬ ‫تبينه‬ ‫فدفعت الضرائب من دون أيــة محاولة أشــوريــة‬ ‫لضمها‪ ،‬وهــو ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫حوليات أدد نيراري الثالث‪ .85‬وذكر في إحدى حولياته المكتشفة في بقايا‬ ‫قصره في نمرود (‪ 40‬كلم جنوب شرق الموصل)‪ ،‬البلدان التي خضعت له‬ ‫من الفرات حتى ‪‬البحر الكبير‪ ،‬ومنها‪ :‬بالد صور‪ ،‬بالد صيدا‪ ،‬بالد بيت‬ ‫عمري‪ ،‬بالد أدومو‪ ،‬بالد الفسلطو‪ ،‬وفرضت عليهم الضريبة‪.86‬‬ ‫توقفت الغزوات األشورية على الساحل الشرقي للمتوسط في النصف‬ ‫األول من القرن الثامن‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬واستؤنفت في عهد تغلت فالصر الثالث‬ ‫األشورية‬ ‫لإلمبراطورية‬ ‫المؤسس الفعلي‬ ‫عد‬ ‫(‪ 727–744‬ق‪ .‬م‪ ،).‬وهو ُي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضم‬ ‫الحديثة‪ ،‬فبنى‬ ‫ً‬ ‫جيشا جــديـ ًـدا‪ ،‬ومــارس سياسة جديدة قامت على ّ‬ ‫مناطق جديدة إلى أمبراطوريته منها‪ :‬فينيقيا الشمالية‪ ،‬وجعل عاصمتها‬


‫‪38‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫مدينة سميرا‪ .‬فيما احتفظت مدن جبيل وصور وصيدا باستقاللها‪ ،‬ولكنها‬ ‫قدموا له‬ ‫عانت من الضعف‪ .87‬وذكــر في حولياته أسماء الملوك الذين ّ‬ ‫الجزية‪ ،‬كان بينهم ‪‬حيرام ملك صور وشوفتبعل ملك جبيل‪ .88‬وفي سنة‬ ‫‪ 734‬ق‪ .‬م‪ .‬قاد تغلت فالصر الثالث حمالت جديدة أوصلته إلى الحدود‬ ‫المصرية‪ ،‬بعدما استولى على مدينة غزة‪ .‬لكن خطوطه الخلفية شهدت‬ ‫ثورة قادها رصين ملك دمشق بمساعدة صور‪ ،‬وبعض القبائل العربية‪ ،‬ما‬ ‫وقسم‬ ‫قاده إلى محاصرة دمشق‪ ،‬واحتاللها سنة ‪ 732‬ق‪ .‬م‪ ،.‬ثم قتل ملكها ّ‬ ‫ملكا إلى نينوى ومن جملتهم‬ ‫مملكته‪ .89‬ولما عاد إلى بالده استدعى ‪ً 25‬‬ ‫‪‬شوفتبعل ملك جبيل وماتان بعل ملك أرواد‪ .90‬أما صور فقد أرسل‬ ‫أشوريا فرض على حاكمها ميتينا ‪ 150‬وحدة من الذهب‪،91‬‬ ‫قائدا‬ ‫إليها ً‬ ‫ً‬ ‫والفضة‬ ‫كميات كبيرة من الذهب‬ ‫ّ‬ ‫إضافة إلى ضريبة ضخمة اشتملت على ّ‬ ‫والقصدير والحديد والثياب والقماش األرجواني‪ .‬كذلك خسر ملك صور‬ ‫جزءا من مملكته‪ ،‬فاقتصر حكمه‬ ‫وصيدا المناطق القارية التي كانت تشكل ً‬ ‫‪92‬‬ ‫خاضعا لحكم الوالي األشــوري في سميرا ‪.‬‬ ‫على جزيرة صــور وأصبح‬ ‫ً‬ ‫يفسر‪ ،‬برأينا‪ ،‬السبب الذي دفع األشوريين إلى إسقاط لقب ملك‬ ‫وهذا ما ّ‬ ‫صور وصيدا عنه‪ ،‬واكتفوا بتسميته ‪‬ملك صور‪ ‬وكأنهم بذلك ينتقصون‬ ‫من حجم سلطته‪.‬‬ ‫لم َيـ ُـر ْق هذا اللقب للملوك الصيدونيين‪ ،‬فحيرام الثاني كان على ما‬ ‫يبدو ملك صيدا وصور (‪ 729–736‬ق‪ .‬م‪ ).‬كانت سلطته تمتد إلى بعض‬ ‫حاكما ليحكم باسمه‪.93‬‬ ‫المناطق في قبرص وفي قرطاجة حيث كان ُي ّعين‬ ‫ً‬ ‫‪ 887‬أنطوان القسيس‪ ،‬دراسات‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.145 .‬‬

‫وحدد‬ ‫‪ 888‬ورد في النقش أسماء لملوك دمشق والسامرة وكركميش وحماه وغيرهم‪ّ ،‬‬ ‫حصلها الملك األشوري‪.ANET, p. 283 :‬‬ ‫أنواع الضرائب التي ّ‬

‫‪ 889‬حول تسلم تغلت فالصر الثالث السلطة‪ ،‬وترميمه المملكة بعد المشاكل التي‬ ‫عانت منها في عهد سلفه أدد نيراري الثالث‪ ،‬وتأسيسه ‪‬المملكة الحديثة‪ ،‬كذلك أبرز‬ ‫واتباعه سياسة مبرمجة لتهجير‬ ‫فتوحاته وال سيما في فينيقيا‪ ،‬وإسقاطه مملكة دمشق‪ّ ،‬‬ ‫السكان من منطقة إلى أخرى بهدف قمع الثورات‪ ،‬يمكن مراجعة‪:‬‬ ‫‪P. VILLARD, Tiglath-phalazar III, DCM, p. 849 – 851.‬‬

‫‪ 990‬‬ ‫‪ 991‬‬

‫‪ANET, p. 282.‬‬ ‫‪ANET, p. 282; TPOA, p. 105.‬‬

‫‪ 992‬حول ثورة حيرام والمناطق التي خسرها والضرائب التي دفعها‪ ،‬يمكن مراجعة‪:‬‬ ‫‪M. KHREICH, Recherches sur l’histoire de Tyr, p. 143 –145.‬‬

‫‪ 993‬يمكن مراجعة‪:‬‬

‫‪.E. LIPINSKI, Hiram II, DCPP, p. 218‬‬


‫‪O. Masson – M. Sznycer, Recherches sur les Phéniciens à Chypre, (HEO 3),‬‬ ‫‪Genève, Paris, 1972, p. 62 et78; G. Bunnens, L’expansion Phénicienne‬‬ ‫‪en Méditerranée, p. 349 – 353; YON M., Kition dans les textes. Testimonia‬‬ ‫‪littéraires et épigraphiques et corpus des inscriptions, (Kition-Bamboula 5),‬‬ ‫‪Paris, 2004, p. 19 – 22.‬‬

‫فيما يرى أحد الباحثين أن قرت حدشت قد تكون صيدا الصغيرة وهي حي أو قلعة‬ ‫تتبع صيدا‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪M. KHREICH, Recherches sur l’histoire de Tyr, p.151–156.‬‬

‫النص المنقوش عليه‪ ،‬يمكن مراجعة‪:‬‬ ‫‪ 995‬حول اكتشاف الوعاء وتفسير‬ ‫ّ‬

‫‪M. Sznycer, Brèves remarques sur l’inscription phénicienne de Chypre, CIS,‬‬ ‫‪I, 5, Semitica, 35, 1985 p. 47–50; E. LIPINSKY, Itineraria Phoenicia, Studia‬‬ ‫ ‪Phoenicia XVIII, Leuven – Paris – Dudley, 2004, p. 46‬‬ ‫ –‬ ‫‪51; M. KHREICH,‬‬ ‫‪Recherches sur l’histoire de Tyr, p. 146 –147.‬‬

‫‪ 996‬‬ ‫‪ 997‬‬ ‫‪ 998‬‬

‫‪Flavius Josèphe, AJ, IX, 283 – 287.‬‬ ‫‪G. BUNNENS, Assyrie, DCPP, p. 46.‬‬ ‫‪ANET, p. 284.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪ 994‬لم يتفق الباحثون على تحديد موقع قرت حدشت في قبرص‪ :‬رأى بعضهم أنها‬ ‫كيتيون‪ ،‬واعتبر آخرون أنها ليماسول‪ ،‬أو أماتونت (‪( )Amathonte‬شرق ليماسول)‪.‬‬ ‫يمكن على سبيل المثال مراجعة‪:‬‬

‫‪39‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫ـرجــح أنــه سعى إلــى اإلبـقــاء على لقبه القديم الــذي سبق حملة تغلت‬ ‫ونـ ّ‬ ‫اكتشف في كيتيون (الرنكا)‪،‬‬ ‫نص منقوش على البرونز ُ‬ ‫فالصر‪ ،‬كما ُيظهر ٌّ‬ ‫وحفظ في المكتبة الوطنية في فرنسا‪ .‬ورد‬ ‫أعاد األثريون جمعه وترجمته‪ُ ،‬‬ ‫‪94‬‬ ‫يقدم‬ ‫فيه ما يلي‪ :‬حاكم قرت ‪ -‬حدشت خادم حيرام‪ ،‬ملك‬ ‫الصيدونيين‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫هذا الوعاء من البرونز لبعل لبنان‪ ،‬سيده ‪...‬حاكم قرت ‪ -‬حدشت‪ ،‬لبعل‬ ‫سيده‪.95‬‬ ‫لبنان ّ‬ ‫في عهد شلمناصر الخامس (حكم من سنة ‪ 726‬إلى سنة ‪ 722‬ق‪ .‬م‪،).‬‬ ‫ينفرد فالفيوس يوسيفيوس بذكر حملة ضد فينيقيا‪ ،‬وكتب ما يلي‪ :‬إن‬ ‫تمرد عليه أبناء كيتيون‬ ‫إلــوال ملك صور ملك ستا وثالثين سنة ولما ّ‬ ‫أرســل عليهم أسطوال فدانوا لسلطته طائعين‪ .96‬ثم أرسل اآلشوريون‬ ‫جيشا استولى على كامل فينيقيا‪ ،‬ولكنه عجز عن احتالل جزيرة صور‬ ‫ً‬ ‫التي انتصرت على أسطول أشــوري مدعوم من مدن فينيقية أخــرى‪ .‬إال‬ ‫المرجح أن المعلومات قد تشابكت‬ ‫أن هذا الخبر يبقى غير مؤكد‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫‪97‬‬ ‫على يوسيفيوس‪ ،‬ونسب أخبار حملة سنحاريب لشلمناصر ‪ .‬وفي عهد‬ ‫بعضا من مستعمراتها‬ ‫سرجون الثاني (‪ 705–721‬ق‪ .‬م‪ ،).‬خسرت صور ً‬ ‫‪98‬‬ ‫في المتوسط‪ ،‬وذلك بعد غزو اآلشوريين قبرص بحدود سنة ‪ 710‬ق‪ .‬م‪.‬‬


‫‪40‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫في سنة ‪ 705‬ق‪ .‬م‪ .‬اغتيل الملك األشوري سرجون الثاني‪ ،99‬فخلفه ابنه‬ ‫حدا للملكة الموحدة في جنوب‬ ‫سنحاريب (‪ 681–705‬ق‪ .‬م‪ ).‬الذي وضع ًّ‬ ‫وجــه حملة نحو شواطئ المتوسط‪ ،‬وكان‬ ‫فينيقيا‪ .‬ففي سنة ‪ 701‬ق‪ .‬م‪ّ .‬‬ ‫مصم ًما على المسير إلى مصر الحتاللها‪ .100‬فسقطت المدن الفينيقية‬ ‫ّ‬ ‫في يده من دون مقاومة‪ .‬أما ‪‬لولي ملك صيدا‪ ‬على ما ورد في نقش‬ ‫الرغم من سقوط صور البرية‬ ‫سنحاريب‪،‬‬ ‫فتحصن في صور البحرية‪ ،‬على ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪101‬‬ ‫وصيدا‪ .‬وأمــام الضغط اآلشــوري هرب إلى قبرص لفترة من الزمن ‪.‬‬ ‫ملكا‬ ‫فعين الملك اآلشوري ً‬ ‫جديدا على صيدا ُيدعى إيتوبعل‪ 102‬وفرض عليه‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫جزية سنوية‪ ،‬وقد جاء في إحدى حولياته ما يلي‪ :‬لولي ملك صيدون‬ ‫أخذت ملكه وأقمت أتوبعل على عرشه وفرضت عليه جزية سنوية‪ .103‬لم‬ ‫يذكر سنحاريب صور في هذا الموضع‪ ،‬ولكنه ذكر في نقش آخر أن لولي‬ ‫المرجح‬ ‫هرب من صور من دون أية إشارة إلى سقوط الجزيرة‪ .104‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫أن صور البحرية التي لم تسقط بيد اآلشوريين ظلّ ت موالية للولي‪ ،‬وبعد‬ ‫ملكا في‬ ‫ظل أيتوبعل ً‬ ‫انسحاب سنحاريب استعاد لولي حكم صور‪ ،‬فيما ّ‬ ‫صيدا‪ ،‬وهكذا انتهت وحدة المملكتين التي كانت قائمة منذ بداية األلف‬ ‫األول‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫وفي عهد أسرحدون (‪ 669–680‬ق‪ .‬م‪ ).‬وقعت ثــورة في صيدا سنة‬ ‫‪ 677‬ق‪ .‬م‪ .‬ضد اآلشوريين‪ ،‬قادها عبدي ملكوتي‪ ،105‬وهــو على األرجــح‬ ‫كامال كما ورد في‬ ‫ودمرها‬ ‫خليفة أيتوبعل‪ .‬فهاجم‬ ‫تدميرا ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أسرحدون صيدا ّ‬ ‫سكانها إلى أشور‪.‬‬ ‫جما غفيرا من ّ‬ ‫حولياته‪ ،‬واستحوذ على ثرواتها وسبى ً‬ ‫وتم تحويل صيدا‬ ‫رأسه‪،‬‬ ‫طع‬ ‫قُ‬ ‫حيث‬ ‫فسبي إلى نينوى‬ ‫ّ‬ ‫أما عبدي ملكوتي ُ‬ ‫إلى مقاطعة أشورية بعد أن بنى األشوريون مدينة ‪‬قار أسرحدون‪ ‬على‬ ‫‪ 999‬حول تسلمه الحكم وتأسيسه الساللة السرجونية‪ ،‬وأبرز المناطق التي توسع فيها‪،‬‬ ‫وتأسيسه عاصمة جديدة ‪‬دور شاروكين‪ ،‬وعالقته الذكية بالبابليين‪ ،‬ثم مقتله في‬ ‫إحدى غزواته العام ‪ 705‬ق‪ .‬م‪ .‬راجع‪:‬‬ ‫‪P. VILLARD, Sargon II, DCM, p. 756 –758.‬‬

‫‪ 1100‬يمكن مراجعة أخبار سنحاريب وأبرز أعماله وفتوحاته في‪:‬‬ ‫‪P. VILLARD, Sennacherib, DCM, p. 767–769.‬‬

‫‪ 1101‬‬ ‫‪ 1102‬‬ ‫‪ 1103‬‬ ‫‪ 1104‬‬

‫‪ANET, p. 287– 288; TPOA, p. 118 –119.‬‬ ‫‪G. BUNNENS, Ittobaal, DCPP, p. 233.‬‬ ‫‪ANET, p. 288; TPOA, p. 119.‬‬ ‫‪G. BUNNENS, Histoire évènementielle – Orient, CPPM, p. 230.‬‬

‫‪ 1105‬يمكن االطالع على نتائج هذه الثورة‪:‬‬

‫‪.E. LIPINSKY, Assyrie, DCPP, p. 3‬‬


‫‪ 1107‬‬

‫‪TPOA, p. 128.‬‬

‫‪ 1108‬يمكن مراجعة‪:‬‬

‫‪TPOA, p. 126 –131; G. BUNNENS, Baal I, DCPP, p. 55; N. JIDIJIAN, Tyr à‬‬ ‫‪travers les âges, p. 90.‬‬

‫‪ 1109‬‬

‫‪ANET, p. 533 – 534.‬‬

‫‪ 1110‬لمزيد من المعلومات حول الثورة في صيدا وصور في أواخر عهد اآلشوريين‪ ،‬مكن‬ ‫مراجعة‪:‬‬ ‫‪G. BUNNENS, Histoire évènementielle – Orient, CPPM, p. 230 –232.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪‬ضربت مدينة صيدون التي على ساحل البحر وأهلكت‬ ‫‪ 1106‬جاء في النقش ما يلي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ودمرت أسوارها ومنازلها وألقيت موادها في البحر ونقضت الهياكل‬ ‫ّ‬ ‫سكانها على آخرهم ّ‬ ‫إلي من‬ ‫فاجتذبته‬ ‫عزتي‬ ‫وجه‬ ‫عن‬ ‫ليختفي‬ ‫كسمك‬ ‫البحر‬ ‫في‬ ‫ملكوت‬ ‫عبد‬ ‫ملكها‬ ‫وفر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بين األمواج وقطعت رأسه واستحوذت على خزائنه من ذهب وفضة وأحجار كريمة‬ ‫وكل ما حواه قصره وجلوت إلى أشور‬ ‫وصندل وأبنوس ومنسوجات من الصوف‬ ‫ّ‬ ‫والكتان ّ‬ ‫وغنما ودواب الركوب والحمل‪.‬‬ ‫بقرا‬ ‫جما غفيرا من الرجال والنساء وأخذت أيضا ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫جمعت ملوك حاتي وملوك ساحل البحر‪ ،‬وبنيت مدينة جديدة في موقع آخر وسميتها‬ ‫قار – أشور – أحا – إيدينا (قار‬ ‫أسرحدون)‪ .‬يمكن مراجعة‪.TPOA, p. 127 :‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪41‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫أنقاضها‪ .106‬ولكن المدينة الجديدة لم تشهد ازدهارا مميزا‪ ،‬فعندما دخل‬ ‫الفرس إلى البالد كانت صيدا قد عادت إلى موقعها الجغرافي القديم‪.‬‬ ‫ألسرحدون أنه دعا إليه الملوك الخاضعين له فكانوا‬ ‫وجاء في نقش آخر‬ ‫ّ‬ ‫وعدهم على الشكل اآلتي‪ :‬بعل ملك صور ومنسا ملك‬ ‫اثنين وعشرين ملكا ّ‬ ‫يهوذا وقدموه ملك أدوم وموصوري ملك مؤاب وزليبيل ملك غزة وميتينتي‬ ‫ملك عسقالن إيتوزو ملك عقرون وملكي آصاف ملك جبيل وماتان بعل‬ ‫ملك أرواد وأبيبعل ملك شمرون وبودويل ملك بيت عمون أحي ‪ -‬ملكي‬ ‫عدد عشرة ملوك في قبرص‪ .‬لم يرد اسم صيدا في‬ ‫ملك أشدود‪ ،107‬ثم ّ‬ ‫النص‪ ،‬بل ورد اسم بعلو ملك صور‪ ،‬وهذا يؤكد االستنتاج الذي توصلنا إليه‬ ‫ّ‬ ‫ملكا على‬ ‫أعاله‪ ،‬إن المملكتين انفصلتا بعد حملة سنحاريب‪ ،‬وبات بعلو ً‬ ‫ملكا على صيدا‪ .‬وبعد دمار المملكة األخيرة‪ ،‬غابت‬ ‫صور‪ ،‬فيما ُع ّين إيتوبعل ً‬ ‫اإلشارة إليها‪ ،‬فيما بقيت صور خاضعة للملك بعلو الذي عاصر أسرحدون‬ ‫وتميز بدهائه وحنكته‪ ،‬فقد وقف‬ ‫وأشوربانيبال في القرن السابع‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إلى جانب اآلشوريين في أثناء مهاجمتهم صيدا‪ ،‬وحصل منهم على حكم‬ ‫الصرفند ومدينة أخرى مجاورة لها كما جاء في حوليات أسرحدون‪ ،108‬ووقّ ع‬ ‫ونص المعاهدة المكتوبة باللغة‬ ‫معاهدة مع األشوريين ودفع الضريبة لهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪109‬‬ ‫نص المعاهدة بذكر أسماء آلهة أشوريين وفينيقيين‬ ‫األكــاديــة ‪ .‬وينتهي ّ‬ ‫لإلشراف على احترامها‪ :‬عناة وعشترت‪ ،‬بعل شميم‪ ،‬بعل مالجي‪ ،‬بعل‬ ‫وأخيرا أشمون وملقرت‪ ،110‬وهي آلهة من صور وصيدا‪.‬‬ ‫صافون‬ ‫ً‬


‫‪42‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫ث ــم ان ـق ـلــب بـعـلــو ع ـلــى األش ــوريـ ـي ــن‪ ،‬فـ ّـات ـصــل ب ـط ـهــرقــا م ـلــك مصر‬ ‫(‪ 664– 690‬ق‪ .‬م‪ ).‬وتحالف معه‪ .‬إال أن الجيش األشــوري هاجم مصر‬ ‫سنة ‪ 671‬ق‪ .‬م‪ .‬ونجح في احتالل ممفيس‪ ،‬وقد نقش أسرحدون ذكرى‬ ‫حصارا على‬ ‫إحتالله ممفيس على إحدى صخور نهر الكلب‪ ،111‬وفرض‬ ‫ً‬ ‫بعل األول ملك صور‪ ،112‬وورد في حولياته ما يلي‪ :‬غزوت صور‪ ،‬التي هي‬ ‫(جزيرة) في وسط البحر‪ ،‬استوليت على كل المدن وكل ممتلكات ملكها‬ ‫بعل‪ ،‬الذي وثق بتاهرقا‪ ،‬ملك النوبة‪ .‬غزوت مصر باتورسي (‪)Patursi‬‬ ‫والنوبة‪.113‬‬ ‫ولما خلف أشوربانيبال (‪ 627–668‬ق‪ .‬م‪ ).‬والــده قاد حملة جديدة‬ ‫ضد مصر سنة ‪ 667‬ق‪ .‬م‪ .‬فخضعت له المدن الفينيقية‪ ،‬وجاء في إحدى‬ ‫حولياته أنه فرض عليها عليها تقديم الهديا وتأمين السفن والرجال‬ ‫حلفا‬ ‫لمرافقته إلى مصر‪ .114‬وحوالى سنة ‪ 664‬ق‪ .‬م‪ .‬عقد بعل ملك صور ً‬ ‫مع مدن فينيقية – في طليعتها أرواد – ثارت على أشور بانيبال‪ .‬ولكن‬ ‫فضل االنتحار‬ ‫األخير غزا الساحل الفينيقي حتى إن ياكينلو ملك أرواد ّ‬ ‫على الوقوع في أسر األشوري‪ .‬وبحسب الحوليات اآلشورية كان له عشرة‬ ‫أبناء ذكــور وقعوا في األســر وحصل منهم آشــور بانيبال على ضرائب‬ ‫ملكا على أرواد‪ .‬وسقطت صور‬ ‫‪‬عزبعل‪ً ‬‬ ‫وعين أحدهم ُويدعى‬ ‫ّ‬ ‫قيمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫فتعرضت للحصار‪ ،‬وفرض عليها األشوريون‬ ‫البحرية‬ ‫صور‬ ‫أما‬ ‫البرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫شروطا قاسية حـ ّـدت من حريتها‪ ،‬ولكن ملكها حافظ على عرشه‪،115‬‬ ‫وجــاء في حوليات الملك اآلش ــوري‪ :‬ذللت بعال وجعلته يعرض عن‬ ‫ليكن لي إماء‬ ‫طموحه ويخضع لسلطتي وأســرت بناته وأخــوات أخيه‬ ‫ّ‬ ‫وأتى يهاملك ابنه يبدي خضوعه لي ويقدم لي تقاديم لم يسبق مثلها‬ ‫ونصبته ملكا على‬ ‫ويدفع إلــي رهينة بنته وبنات اخوته فعفوت عنه ّ‬ ‫البالد‪.116‬‬ ‫‪ 1111‬‬

‫‪N. JIDIJIAN, Tyr à travers les âges, p. 94.‬‬

‫‪ 1112‬يمكن مراجعة حكم بعل األول في‪:‬‬

‫‪.G. BUNNENS, Baal I, DCPP, p. 55‬‬

‫‪ 1113‬ورد في حوليات أسرحدون تفاصيل أخرى عن الحملة ضد صور‪ ،‬فذكر أنه فرض‬ ‫عليها جزية قاسية‪ ،‬كما استولى على المدن التي كانت على اليابسة وأعاد تنظيمها‪:‬‬ ‫‪ANET, p. 290 – 291; TPOA, 130 –131.‬‬

‫‪ 1114‬‬

‫‪ 1115‬‬ ‫‪ 1116‬‬

‫‪Voir, ANET, p. 294; E. LIPINSKI, Yakinlu, DCPP, p. 413– 415.‬‬ ‫‪Voir, G. BUNNENS, Baal I, DCPP, p. 55.‬‬ ‫‪ANET, P. 294 – 296; TPOA, P. 133.‬‬


‫‪ .6‬صور وصيدا في العهد الفارسي‪ :‬بين الخضوع والثورة‬

‫من بقايا معبد أشمون‬ ‫منطقة بستان الشيخ قرب صيدا‬

‫‪ 1117‬‬ ‫‪ 1118‬‬ ‫‪ 1119‬‬ ‫‪ 1120‬‬ ‫‪ 1121‬‬

‫‪N. JIDIJIAN, Tyr à travers les âges, p. 96.‬‬ ‫‪ANET, P. 2300.‬‬ ‫‪Flavius Josèphe, Contre Apion, I, 156; AJ, X, 228.‬‬ ‫‪G. BUNNENS, Ittobaal III, DCPP, p. 233.‬‬ ‫‪Hérodote, VI,6; VII, 96,100.‬‬

‫‪43‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫بعد األشوريين خضعت المدن الفينيقية لنبوخذ نصر البابلي الذي‬ ‫سكانها‬ ‫عاما‪ 119‬واحتلها وسبى ملكها إيتوبعل الثالث وبعض ّ‬ ‫حاصر صور ‪ً 13‬‬ ‫إلى بابل‪ ،120‬ولكننا ال نرى أية إشارة إلى صيدا التي كانت ما تزال تعاني‬ ‫تعرضت له في عهد اآلشوريين‪ .‬ثم خضع الفينيقيون‬ ‫من آثار الدمار الذي ّ‬ ‫البحرية‬ ‫للفرس مــن دون مـقــاومــة ُتــذكــر‪ ،‬وســاهـمــت بفعالية فــي الـقــوة‬ ‫ّ‬ ‫الميدية ضد اإلغريق‪ ،‬ولكنها رفضت مساعدة‬ ‫الفارسية ّأبــان الحروب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪121‬‬ ‫قمبيز (‪ 522 – 529‬ق‪ .‬م‪ ).‬لما دعاها الحتالل قرطاجة ‪.‬‬ ‫في بداية العهد األخميني (الفارسي) عاد االزدهار إلى مملكة صيدا‪،‬‬ ‫وتعاقب على عرش المدينة من نهاية القرن السادس‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬حتى منتصف‬ ‫القرن الرابع‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬الملوك أشمون عازار األول‪ ،‬تبنيت األول‪ ،‬أشمون عازار‬ ‫الثاني‪ ،‬بودعشترت‪ ،‬يتن ملك‪ ،‬بعل‬ ‫شلم الثاني‪ ،‬ستراتون األول‪ ،‬تبنيت‬ ‫ال ـثــانــي‪ .‬وأص ـب ـحــت ص ـيــدا مــركـ ًـزا‬ ‫للحكم اإلخميني حيث قامت أبنية‬ ‫عــدة منها معبد مــن الــرخــام ُد ِّمــر‬ ‫بالكامل اليوم‪ ،‬واشتهر معبد أشمون‬ ‫على ضفاف نهر األولــي (على بعد‬ ‫‪ 2‬كلم شمال شرق صيدا)‪.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫عانت صــور البحرية من الحصار واستفادت من موقعها الجغرافي‬ ‫‪117‬‬ ‫البر لم تسلم من‬ ‫وصمدت أمام غزوات اآلشوريين ‪ ،‬ولكن ممتلكاتها على ّ‬ ‫‪118‬‬ ‫حكم أشور بانيبال‪ ،‬إذ تعرضت صور‬ ‫وتم التنكليل بأهلها ‪.‬‬ ‫البرية للدمار ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبعد وفاة أشور بانيبال‪ ،‬زاد الضعف في قلب اإلمبراطورية األشورية‪ ،‬التي‬ ‫البابليين وحلفائهم الميديين‪.‬‬ ‫سقطت سنة ‪ 612‬ق‪ .‬م‪ .‬على يد‬ ‫ّ‬


‫تماثيل رخامية نذرية من معبد أشمون – القرن الرابع قبل الميالد‬ ‫(المتحف الوطني – بيروت)‬

‫‪44‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫قسم الفرس أمبراطوريتهم‬ ‫وفي عهد داريوس األول (‪ 486–521‬ق‪ .‬م‪ّ ).‬‬ ‫إلى واليــات (‪ ،)Satrapie‬وكانت فينيقيا وسوريا وفلسطين وقبرص تقع‬ ‫مهما‬ ‫دورا‬ ‫ضمن الوالية الخامسة‪ .‬لعبت المدن الفينيقية ً‬ ‫استراتيجيا ً‬ ‫ً‬ ‫بالنسبة إلى الفرس‪ ،‬وساهمت في تأمين األسطول لهم في مواجهة اإلغريق‬ ‫اقتصاديا‬ ‫ازدهارا‬ ‫والمصريين‪ ،‬واستفادت المدن الفينيقية بدورها وعرفت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وثقافيا فــي تلك الفترة مــن تاريخها‪ .‬وقــد استفادت مملكتا‬ ‫وعمرانيا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صور وصيدا من هذا الواقع‪ ،‬فتجاوزت تخوم مملكة صور مدينة صربتا‬ ‫ووصلت إلى جبل الكرمل‪ .‬وكما جاء في نقش أشمون عازار الثاني‪ ،‬وهب‬ ‫أرتحششتا األول (‪ 424–465‬ق‪ .‬م‪ ).‬الملك أشمون عازار الثاني (حوالى‬ ‫‪ 461–475‬ق‪ .‬م‪ ).‬سهل الشارون من جبل الكرمل حتى يافا‪ ،‬ليكافئه على‬ ‫قدمها األسطول الصيدوني في حروب الفرس مع اإلغريق‬ ‫الخدمات التي ّ‬ ‫وقدمت المدن‬ ‫عدة‪ّ .‬‬ ‫وال سيما في قبرص حيث كان للفينيقيين مستعمرات ّ‬ ‫الفلسطينية بين دور ويافا الهدايا لملك صيدا‪ ،‬وقد ورد في النقش المدفني‬ ‫العائد إلى أشمون عازار الثاني إشــارات إلى ِغنى المدينة وأعمال البناء‬ ‫وسكت‬ ‫التي أنجزها الملك في صيدا‪ ،‬وتوسع مملكته في سهل الشارون‪ّ .122‬‬ ‫المدن الفينيقية عملة خاصة بها في منتصف القرن الخامس ق‪.‬م‪.123‬‬ ‫‪ 1122‬‬

‫‪Moscati, les Phéniciens, p. 43 – 44.‬‬

‫‪ 1123‬حول ازدهار صيدا في العهد الفارسي‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫‪G. BUNNENS, Histoire évènementielle – Orient, CPPM, p. 234 –235.‬‬


‫‪ 1125‬‬

‫‪Nina JIDIJIAN, Edward LIPINSKI, Sidon, DCPP, p. 416.‬‬

‫‪ 1126‬‬

‫‪Diodore de Sicile, XVI, 42,2.‬‬

‫‪ 1128‬‬

‫‪Edward LIPINSKI, Tabnit, DCPP, p. 434 – 435.‬‬

‫‪ 1127‬‬

‫‪Diodore de Sicile, XVI, 40,5.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫‪ 1124‬‬

‫‪Diodore de Sicile, XV, 2, 4.‬‬

‫‪45‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫لــم يــدم هــذا االزدهـ ــار حتى نهاية الحقبة الـفــارسـيــة‪ ،‬فقد شهدت‬ ‫اإلمـبــراطــوريــة الفارسية مشاكل داخـلـيــة فــي النصف األول مــن القرن‬ ‫الــرابــع‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬واندلعت في الــواليــات ثــورات عـ ّـدة‪ ،‬وبــرزت تـ ّـيــارات معادية‬ ‫يفسر انضمام‬ ‫للفرس وصلت أصداؤها إلى المدن الفينيقية‪ ،‬وهــذا ما ّ‬ ‫صور وغيرها من المدن إلى ثورة إيفاغوراس األول (‪ 374–410‬ق‪ .‬م‪ ).‬ملك‬ ‫مدينة سالمين القبرصية الذي استولى على الجزيرة بحدود سنة‪ 392 ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫حلفا مــع أخــوريــس (‪ 378–390‬ق‪ .‬م‪ ).‬ملك المصريين‪ ،‬وضـ ّـم‬ ‫وعـقــد ً‬ ‫كيليكيا إلى مملكته‪ ،‬وهاجم الساحل الفينيقي‪ ،‬واستولى على صور لفترة‬ ‫من الــزمــن‪ .124‬وبــدأت مالمح انهيار االمبراطورية الفارسية‪ ،‬ففي سنة‬ ‫‪ 375‬ق‪ .‬م‪ .‬فشل الفرس باحتالل مصر‪ ،‬وانتقلت ثورة الواليات إلى آسيا‬ ‫الصغرى سنة ‪ 366‬ق‪.‬م واستمرت حتى سنة ‪ 360‬ق‪ .‬م‪ .‬وكان ملك صيدا في‬ ‫تلك المرحلة الملك ستراتون االول (‪ 363–375‬ق‪ .‬م‪ ).‬المعروف باعجابه‬ ‫بالحضارة اإلغريقية فمال إلى الثوار‪ ،‬وخلفه ابنه تنيس (تبنيت الثاني)‬ ‫واسمه الكامل ‪‬تبنيت ‪ -‬عشترت‪ ‬وكان يسعى إلى التخلص من السيادة‬ ‫وشجعته أنباء الهزيمة التي تعرض‬ ‫مركزا للثورة‪،‬‬ ‫الفارسية فجعل من صيدا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لها الجيش الفارسي في الدلتا الشرقية في مصر في شتاء ‪ 50/351‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫وتلقى المساعدة من الفرعون المصري نكتانيبو الثاني (‪)Necta-nebo‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ 343–360‬ق‪ .‬م‪( ).‬ثالث وأخر ملك مصري من األسرة الثالثين) الذي‬ ‫أرسل له ‪ 4000‬مرتزق أغريقي‪ 125‬قادهم مونتور من رودوس (‪Mentor de‬‬ ‫‪ )Rhodes‬بحسب ديودور الصقلي‪.126‬‬ ‫أرسل أرتحششتا الثالث مازايوس مرزبان سوريا وكيليكيا وقبرص ضد‬ ‫كبيرا‪،127‬‬ ‫صيدا‪ ،‬فتعرض للهزيمة أمام الثوار‪ ،‬فجمع الملك الفارسي ً‬ ‫جيشا ً‬ ‫وسار ضد صيدا وحاصرها‪ .‬وحاول تنيس أن يصالح الفرس وينهي الثورة‪،‬‬ ‫اعتقل وأُ عدم فيما أحرق سكان المدينة مدينتهم حوالى ‪ 346‬ق‪ .‬م‪،.‬‬ ‫لكنه ُ‬ ‫يرجح‬ ‫في الوقت الذي انتقل مونتور ومرتزقته إلى خدمة ملك الفرس‪ ،‬ما ّ‬ ‫تعرض صيدا للخيانة‪ .128‬وعين الفرس إيفاغوراس الثاني حاكما‬ ‫فرضية ُّ‬ ‫على المدينة لحوالى سنتين ثم ُعزل بسبب سوء إدارته فهرب إلى قبرص‬


‫حيث اغتيل‪ ،129‬فسلّ موا المدينة إلــى ستراتون الثاني وهــو من الساللة‬ ‫الملكية السابقة‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫د‪ .‬مروان أبي فاضل‬

‫مخطط مدينة صور (‪)Moscati, les Phéniciens, p. 147‬‬

‫عندما استولى االسكندر على الساحل وقاومته صور‪ ،‬فتحت له صيدا‬ ‫أبوابها وعزلت ستراتون الثاني‪ ،‬ودخلت المدن الفينيقية الحقبة الهلّ ينستية‪،‬‬ ‫وظلّ ت مدينتا صور وصيدا منفصلتين‪ .‬وعندما كتب المؤرخون الكالسيكيون‬ ‫تاريخ فينيقيا أهملوا التاريخ القديم للمدينتين‪ ،‬واكتفوا بإشارات عابرة إلى‬ ‫وركزوا على العالقة التي ربطتهما بتاريخ اإلغريق‪.‬‬ ‫تاريخهما‪ّ ،‬‬ ‫جده إيفاغوراس األول الذي قاتل الفرس‬ ‫‪ 1129‬نقلب إيفاغوراس الثاني على سياسة ّ‬ ‫واغتيل على يدهم‪ ،‬وانقلب على سياسة والده نيكوكليس (‪ )Nicoclès‬الذي حكم مدينة‬ ‫تعرض لالغتيال على يد مؤيدي الفرس في‬ ‫سالمين القبرصية بين ‪ 374‬و‪ 361‬ق‪ .‬م‪ .‬ثم ّ‬ ‫قبرص‪ ،‬فحكم إيفاغوراس الثاني المدينة من سنة ‪ 361‬حتى سنة ‪ 351‬ق‪ .‬م‪ .‬حين انقلب‬ ‫وتم تعيينه حاكما على صيدا‪ ،‬ولما عاد إلى قبرص‬ ‫عليه أعداء الفرس وعزلوه‪ ،‬فهرب ّ‬ ‫تم اغتياله‪ .‬انظر‪.Marguerite YON, Evagoras, DCPP, p. 166 :‬‬ ‫ّ‬


‫‪ .7‬الخاتمة‬

‫‪• ANET J.PRITCHARD, Ancient Near Eastern Texts Relating to the‬‬ ‫‪Old Testament, Third edition, Princeton, New Jersey, 1969.‬‬ ‫‪E. RENAN & Ph. BERGER (éd.), Corpus Inscriptionum‬‬ ‫‪Semiticarum ab Academia inscriptionum et litterarum‬‬ ‫‪humaniorum conditum atque digestum, Pars prima,‬‬ ‫‪inscriptions Phoenicias continens, 1– 4, Paris, 1881– 1887.‬‬

‫ ‪• CIS‬‬

‫‪• CPPM V. KRINGS (éd.), La Civilisation Phénicienne et Punique:‬‬ ‫‪manuel de recherche, Leiden – New-York – Köln, Brill, 1995.‬‬

‫صيدا وصور في العصر الحديدي‬

‫المختصرات‬

‫‪47‬‬

‫حدة أم مملكتان؟‬ ‫مملكة مو ّ‬

‫تسمح لنا الدراسة بأن نعيد النظر بالنظريات التي تجاهلت عالقة‬ ‫صور بصيدا في األلف األول‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬وأتاحت لنا الحديث عن مملكة صور‬ ‫وصيدا الموحدة‪ ،‬التي عاشت وازده ــرت بين القرن الثاني عشر‪ ‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫والقرن السابع‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬وحققت إنجازات حضارية بارزة منها تأسيس المراكز‬ ‫حوضي المتوسط‪ ،‬وقــد تحولت بعضها إلــى مــدن مستقلة‬ ‫التجارية في‬ ‫َ‬ ‫أبرزها قرطاجة‪ .‬إال أن غياب المصادر المباشرة‪ ،‬وقلة اهتمام المصادر‬ ‫غير المباشرة بتدوين تاريخ المدن الفينيقية ال يسمح لنا بالوصول إلى‬ ‫توحد المدينتين‪ ،‬وطبيعة النظام السياسي الذي‬ ‫نتائج حاسمة حول كيفية ّ‬ ‫جمعهما‪.‬‬ ‫ولكن يمكن أن نسنتنج أن الكنعانيين‪ /‬الفينيقيين عاشوا في مدن‪ /‬دول‬ ‫مستقلة عن بعضها بعضها‪ ،‬ال تشبه تلك التي قامت في المدن الــدول‬ ‫اإلغريقية‪ ،‬إنما تأثرت نشأتها بالطبيعة الجغرافية وتألفت من ساحل‬ ‫ووســط وجبل وانفتحت على الــداخــل‪ ،‬أمــا حــدودهــا فارتبطت بامتداد‬ ‫التضاريس ومنحدرات الوديان واألنهار‪ .‬ففي المنطقة الشمالية نشأت‬ ‫وبرزت أوغاريت خالل األلفين الثالث والثاني‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬وبعد سقوطها حوالى‬ ‫‪ 1180‬ق‪ .‬م‪ .‬برزت أرواد‪ .‬وفي المنطقة الوسطى برزت جبيل لوحدها‪ .‬أما‬ ‫في المنطقة الجنوبية فقامت خالل األلفين الثالث والثاني‪ ‬ق‪ .‬م‪ .‬ممالك‬ ‫صغيرة وأبرزها بيروت وصيدا وصــور‪ ،‬وقد عرفت هذه المدن وغيرها‬ ‫من البلدات وحدة سياسية بين القرنين الثاني عشر السابع‪ ‬ق‪ .‬م‪ُ .‬عرفت‬ ‫ـادرا ما ُعرفت‬ ‫هذه المملكة في معظم المصادر باسم مملكة صيدا‪ ،‬ونـ ً‬ ‫عدة‪ ،‬أبرزها صيدا وصور‪ ،‬وصلت‬ ‫ضمت مدنً ا وقرى ّ‬ ‫باسم مملكة صور‪ّ ،‬‬ ‫وجنوبا إلى يافا‪.‬‬ ‫بيروت‪،‬‬ ‫شمال‬ ‫حدودها الشمالية إلى‬ ‫ً‬


• DA

J. LECLANT (sous la direction), Dictionnaire de l’Antiquité, PUF, Paris, 2005.

• DCM

JOANES F. (éd.), Dictionnaire de la Civilisation Mésopo­ tamienne, Paris, 2001.

• DCPP

LIPINSKI E. (éd.), Dictionnaire de la Civilisation Phénicienne et Punique, Brepols, 1992.

• DEB

Dictionnaire Encyclopédique de la Bible, Brepols, 2002.

• HÉO

Hautes études orientales.

• Kub

Collection Kubaba. Série Antiquité.

• RIMA The Royal Inscriptions of Mesopotamia-Assyrian Periods. • TPOA J. BRIEND, M.- J. SEUX, Textes du Proche - Orient ancien, Editions du Cerf, Paris, 1977.

‫ مروان أبي فاضل‬.‫د‬

48


‫تراثنا المادي‬

‫الشعبي‬ ‫ترا ُثنا‬ ‫ّ‬ ‫الشعبية في جنوب لبنان‬ ‫الزعامة‬ ‫ّ‬

‫َأحمد ا َألسعد‬ ‫نموذجا          د‪ .‬علي شعيب‬ ‫ً‬


‫الشعبي‬ ‫ترا ُثنا‬ ‫ّ‬

‫الزعامة الشعبيّة في جنوب لبنان‬ ‫نموذجا‬ ‫أَحمد األَسعد‬ ‫ً‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫أستاذ في الجامعة اللبنانية‬ ‫رئيس الجامعة الحديثة لإلدارة والعلوم‬

‫يعدد مفاخرها‪،‬‬ ‫أن لكل قبيلة أو عشيرة‬ ‫شاعرها‪ّ :‬‬ ‫في تاريخ العرب ّ‬ ‫َ‬ ‫كالم‬ ‫قدرها بين القبائل األخــرى‪ ،‬حتى بات‬ ‫ّ‬ ‫يتغنى بأمجادها‪ ،‬يرفع من ْ‬ ‫ُ‬ ‫أساسيا في دراســة تاريخ العرب‪ .‬ورغــم قلة التدوين‪،‬‬ ‫الشعراء مست َـن ًدا‬ ‫ًّ‬ ‫المخيلة الشعبية سير َة من بــرزوا في القيادة والحكمة والشعر‬ ‫حفظت‬ ‫ّ‬ ‫وغيرها‪ ،‬ورغم أحداث ظرفية حصلت‪ ،‬اكتنزت الماضي الطويل على أسس‬ ‫تثبت استمرارية األمة الناقلة َ‬ ‫ذاتها‪ .‬وإذا حدوث التحوالت أمر‬ ‫تراثها أي َ‬ ‫ّ‬ ‫عموما بقيت ثابتة‪،‬‬ ‫التعبير‬ ‫فأشكال‬ ‫اإلثبات‪،‬‬ ‫في‬ ‫إطالة‬ ‫يحتاج‬ ‫ال‬ ‫بديهي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وبقيت الذاكرة الشعبية تتناقل السيرة أكثر من سواها فظلّ ت هذه حاضر ًة ال‬ ‫مجرد وسيلة تسلية بل ذاكرة تستحق المحافظة عليها وعرضها ودراستها‪.‬‬ ‫في لبنان‪ ،‬لمعت في المجتمع اللبناني منذ أواخر القرن التاسع عشر‬ ‫تغنوا بأمجادها‪:‬‬ ‫ـاء َّ‬ ‫زعــامـ ٌ‬ ‫ـات شعبية مشرقية‪َ ،‬‬ ‫ـراء زجــل وأدب ـ ُ‬ ‫واكبها شـعـ ُ‬ ‫محببا‬ ‫وفنا‬ ‫تقليدا‬ ‫عز‪ ،‬قدسية مواقف‪ .‬وسرى ذلك‬ ‫شعبيا ً‬ ‫ً‬ ‫بطوالت‪ ،‬وقفات ّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫اللبنانيين في مناسبات مختلفة مع أعالم زجل وأدب وجدوا فيهما‬ ‫إلى قلوب‬ ‫ّ‬ ‫فعبروا بواسطتهما عن مفاخر اللبنانيين بتكريم زعمائهم‪.‬‬ ‫أرحب ميادينهم َّ‬ ‫‪ .1‬والدة الزعامة الشعبية تاريخ ّيًا في جبل عامل‬ ‫ووضع الشيعة كأقلية‬ ‫شكل جبل عامل مركز الثقل الشيعي في بالد الشام‪ ،‬إنما لم‬ ‫تاريخيا ّ‬ ‫ًّ‬ ‫وتميز بخصوصية عالقته بها كما‬ ‫العثمانية‪،‬‬ ‫الدولة‬ ‫عن‬ ‫منفصال‬ ‫يكن كيانً ا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫العصبيات المحلية تنتظم في آلية ممارسة سلطات وصالحيات اعترف بها‬ ‫المركز العثماني وكان يتسع لظواهر متعددة إلى حد التناقض مقابل طاعة‬ ‫ُ‬ ‫ووالء وخدمة‪.‬‬ ‫يتكون من مجموعات قروية زراعية معزولة‬ ‫كان المجتمع العاملي آنذاك ّ‬ ‫ومغلقة ذات حس حاد بهويتها الخاصة‪ ،‬يحركها شعور قوي بالمسؤولية‬ ‫إخوتها في الدين‪.‬‬ ‫نحو ْ‬


‫تنازعت األسر الشيعية العاملية على مناطق نفوذ‪ ،‬ورسمت لمناطقها‬ ‫لكن تلك المنازعات مرت بدون عقد الزعامة عندهم في‬ ‫توزيعا‬ ‫جغرافيا‪ّ .‬‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫إحدى أقوى عشائرهم وأكثرها نفوذً ا على حسم الخالفات الداخلية وقيادة‬ ‫المواجهة مع العدو الخارجي‪ .‬وكــان آل علي الصغير الوائلي (أجــداد آل‬ ‫حينا‬ ‫مقدمين على سائر األسر في زعامة جبل عامل طيلة قرون‪ً ،‬‬ ‫األسعد) َّ‬ ‫حينا آخر‪ ،‬وأحيانً ا مع التنازع في ما بينهم أحيانً ا‪.‬‬ ‫ضد ُمنازع‪ ،‬وبال ُمنازع ً‬ ‫متين حول الزعيم وفْ ق مبدأ‬ ‫تش َّكل‬ ‫وبسبب هذه الصدامات مع الخارج َ‬ ‫ٌ‬ ‫تماسك ٌ‬ ‫‪ 11‬‬

‫‪2 2‬‬

‫مقابلة مع الشيخ علي الزين‪ ،‬مجلة الشراع‪ ،1988/12/6 ،‬بيروت‪.‬‬

‫محمد رفيق وبهجت التميمي‪ ،‬والية بيروت‪ ،‬ج‪ ،1‬بيروت‪ ،1917–1916 ،‬ص‪.315 .‬‬

‫‪ 33‬هاني فحص‪ ،‬الشيعة والدولة في لبنان‪ :‬مالمح في الرؤية والذاكرة‪ ،‬دار‬ ‫األندلس‪ ،1996 ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.17 .‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫‪ .2‬والدة الزعامة األسعدية من الخصوصية العاملية‬

‫‪51‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫وتــأسـســت الـفـئــات االجتماعية المسيطرة فــي جبل عــامــل بخضوع‬ ‫المجتمعات المحلية لقيادة تقليدية لم يكن فيها أمراء بل مشايخ يديرون‬ ‫أمور مجتمعهم بهدوء‪ ،‬يملكون القرى والقصور‪ ،‬ويعيشون مع مواطنيهم‬ ‫أن ‪‬لم يكن من تمييز‬ ‫كما لو كانوا من أمثالهم‪ .‬وعن الشيخ علي الزين ْ‬ ‫بين عوام مقهورين وإقطاعيين للشيعة‪ ،‬بل كانوا كتلة واحدة يقع عليها‬ ‫قهر خارجي‪.1‬‬ ‫العثماني ْين محمد رفيق وبهجت التميمي ْذك ٌـر‬ ‫للموظفين‬ ‫وفي تقرير‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫لـ ‪‬موقع الجماعة الشيعية الصعب‪ ،‬لوجودها وسط جماعات أخرى‪ .‬ومن‬ ‫الحقائق الواضحة أن هذه الكتلة البشرية بذلت غاية جهدها واهتمامها‬ ‫سنين طويلة منذ عصور بعيدة حتى حافظت على كيانها بأية صورة كانت‪.2‬‬ ‫وكــانــت ال ـغــزوات على مناطق جبل عامل مناسبات استدعت تآلُ ف‬ ‫العامليين واتحادهم حول عالقات أهلية منظمة في دورة حياة داخلية تتخذ‬ ‫التقية ممانعة أهلية سلمية في مواجهة استبداد سلطوي‪ .‬والقيادة‬ ‫من‬ ‫َّ‬ ‫العاملية (من مدنيين ورجال دين) احتفظت بتسيير أمور مجتمعها اليومي‬ ‫وتقرير مستقبل منطقتها في وضع استعداد دائم للقتال كان قراره للمدنيين‬ ‫ال لرجال الدين‪.‬‬ ‫عهدئذ مشغولين بحسابات‬ ‫وعن السيد هاني فحص‪ :‬لم يكن الشيعة‬ ‫ٍ‬ ‫ت منها الــوحــدة على‬ ‫نظرية قـ ْـدر انشغالهم بحفظ وجــودهــم عبر أولــويــا ٍ‬ ‫التجزئة والمذهب على ما دونه‪.3‬‬


‫وثيقتان إلى الشيخ سليمان أفندي ظاهر‬

‫‪52‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫نظرا لمناهضة السلطنة‬ ‫وحدة الطائفة مقابل الوحدات الطائفية األخرى ً‬ ‫تماسك على أساس المواطنة‪ ،‬ولم َتر العام ُة الطائفي َة في‬ ‫العثمانية َ‬ ‫أي ُ‬ ‫قيام ِّ‬ ‫دفاعا عن مصالحها وضرور ًة ال لمصلحة الطائفة ووحدتها‪.‬‬ ‫زعامتها إال ً‬ ‫انطلقت الزعامة األسعدية وترسخت ظاهر ًة شعبية مع ناصيف النصار‬ ‫يوحد كلمة‬ ‫(‪ )1781–1749‬الــذي أخــذ من مقر إقامته في قلعة تبنين ّ‬ ‫العامليين لمواجهة تعسف الوالة العثمانيين في الجوار العاملي‪ ،‬في طليعتهم‬ ‫معركة قرب قرية يارون‬ ‫أحمد باشا الجزار والي عكا الذي اشتبك معه في‬ ‫ٍ‬ ‫استشهد فيها النصار مع أبيه وشقيقه وابن شقيقه‪ ،‬فكان الستشهاده أثر‬ ‫بالغ في بني قومه وظلّ وا يندبونه نحو خمسين سنة‪ .‬فعلى عهده تبارى‬ ‫ومجدا‬ ‫تمرس بها وعانى تجربتها‬ ‫شعراء جبل عامل في اإلشادة‬ ‫ً‬ ‫بفضائل َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫استقطبت قوافي وكتابات‪ .‬وعند استشهاده رثاه‬ ‫له‬ ‫ت‬ ‫وصفا‬ ‫بالسيف‪،‬‬ ‫بناه‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ابراهيم يحيى الطيباوي (‪:)1799–1741‬‬

‫غــر انب نــصــار ٍ حيــ ُّل ـعقا َهلا‬ ‫اي لــلــرجــال مبــحــنــة ال يرجتى‬ ‫ُ‬ ‫انصيف مـن حيمي الثغـور ومن به أبدت مساء املكرمات هالهلا‬ ‫وفي قصيدة أخرى قال الطيباوي‪:‬‬

‫فقدانه فقدان الصباح ومن لنا بطلعتــه الغــرّاء وادلهــر مظــم‪ُ 4‬‬ ‫خمـــمُ ‬ ‫فُجعنا به والمشس يف رونق الضحى فــا حنــس إال والــبــاء ِّ‬ ‫‪ 44‬‬

‫جريدة الديار‪.1999/4/20 ،‬‬


‫وطوى البِ ْش األماين اذ طوى محد البيك من الظره السناما‬ ‫قد شاك السيف الظما حىت ارتوى واحنىن عود القنا حىت استقاما‬ ‫وكل السـطوة أعـرت زندهـا يف فلسطني فأكفيت اللهاما‬ ‫وهــنــاكل رأس عساكرمه‬ ‫وهــنــاك هــنــاك أىت محد‬ ‫ش جــــرار ٍ‬ ‫وانـــقـــض جبـــيـــ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫هلل بـــنـــو نــــصــــار ومـــا‬

‫ــــر‬ ‫محــــد يـــهـــلـــل ابلــــبِ ْ‬ ‫فـــك مــن األرس‬ ‫كــزيــر ٍ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كــالــســ ّد عـــى بــقــر شقر‬ ‫‪5‬‬ ‫نسـلت مـن وائـل للفخـر‬

‫وعن محمد جابر آل صفا أن عصر حمد البيك وعلي بيك ومحمد‬ ‫هدوءا‬ ‫بيك األسعد (من أمراء علي الصغير) كان عصر جبل عامل الذهبي‬ ‫ً‬ ‫وإقباال على الزراعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سياسيا‬ ‫واستقرارا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫‪6‬‬ ‫بعد إعــان التنظيمات العثمانية حافظت عائلة األسعد على موقع‬ ‫متميز ضمن التراتبية الجديدة طوال القرن التاسع عشر وأوائــل القرن‬ ‫العشرين‪ .‬وتواصل المركز العثماني مع كامل خليل األسعد (‪)1924–1870‬‬ ‫أول زعيم عاملي يتقدم بمطالب عاملية لإلنماء وضرورة مساواته مع مناطق‬ ‫الـجــوار‪ .‬وعند إعــان الدستور العثماني وإج ــراء االنتخابات لـ ‪‬مجلس‬ ‫المبعوثان‪ )1908( ‬كان لكامل األسعد مقع ٌـد فيه‪ ،‬وعند َحل ذاك المجلس‬ ‫(‪ )1912/1/5‬وإجراء انتخابات نيابية فاز األسعد بأحد المقعدين عن والية‬ ‫‪ 55‬‬

‫‪ 66‬‬

‫محمد جابر آل صفا‪ ،‬تاريخ جبل عامل‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪ ،1981 ،‬ص‪.54–52 .‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬انظر ص‪.58–52 .‬‬

‫‪53‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫ومن قصيدة للشاعر المسيحي الدمشقي سليمان الصولي يشيد فيها‬ ‫بأسرة النصار‪:‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫خلفاء من عائلته في مواجهة المعتدين على العامليين ما‬ ‫نهجه‬ ‫ّ‬ ‫ـبع َ‬ ‫وات َ‬ ‫ُ‬ ‫والزجلي‬ ‫واألدبي‬ ‫شعريها‬ ‫عزز العالقة بينهم‪ .‬واقتصرت المدونات العاملية‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫على العائلة األسعدية في مناسبات األفراح واألتراح‪ ،‬حتى وفاة أحمد عبد‬ ‫اللطيف األسعد عام ‪.1961‬‬ ‫في مدح قــادة آل علي الصغير ّركــز الشعراء على خصائل الشجاعة‬ ‫واالندفاع في قيادة الحروب والمعارك في ساحتها‪ .‬واختلط في شعرهم‬ ‫الكرم بالشجاعة‪ ،‬صفتين متالزمتين عند قادة آل األسعد‪ ،‬كما في قصائد‬ ‫الشعراء عند مدحهم خليفة ناصيف النصار‪ :‬حمد البيك‪ ‬لتعاونه الناجح‬ ‫مع العثمانيين على مطاردة جيش ابراهيم باشا في بالد الشام‪ .‬تناول‬ ‫الشعراء هذا النصر في قصائد بينها قصيدة الشيخ حبيب الكاظمي (نحو‬ ‫‪ 100‬بيت)‪ ،‬ومنها‪:‬‬


‫‪54‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫بيروت‪ ،‬وذكرت جريدة جبل عامل احتفاء العامليين بزعيمهم ‪‬فعلوا أسمى‬ ‫ما يصل إليه الشعب من جالل لرجاله‪ .7‬واعتبر المركز العثماني كامل‬ ‫األسعد في الئحة انتخابات ‪‬مجلس المبعوثان‪ 1914 ‬مدخل االستعانة‬ ‫بنفوذه المحلي وإجماع األقضية الثالثة‪ :‬صيدا وصور ومرجعيون‪ .‬وعن‬ ‫تمارا الشلبي (حفيدة الرئيس عادل عسيران) في أطروحتها لدى جامعة‬ ‫أن ‪‬وحده كامل األسعد بين أعضاء مجلس المبعوثان في والية‬ ‫هارفرد ْ‬ ‫ونسبه ال من أي إنجاز شخصي‬ ‫بيروت كان يستمد سلطته من عصبيته َ‬ ‫خالفا ألعضاء مجلس المبعوثان اآلخرين عن والية بيروت‪ .‬وفي‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مكان آخر تستطرد‪ ... :‬ونتيجة تضحيات عدد من أجداد كامل األسعد‬ ‫دفاعا عن أرضهم ودينهم‪ ،‬كانت أقواله وأفعاله‬ ‫واستشهادهم في المعارك‬ ‫ً‬ ‫رمزيا‬ ‫امتدادا‬ ‫وازنة في طائفته‪ .‬ورأى الناس في مصير عدد من أجداده‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫للمفهوم الشيعي في الجهاد‪ ،‬والشهادة في وجه الظلم‪ .‬وحياة األئمة‬ ‫(الشيعة) وموتهم تأكيد ذلك التاريخ‪ ...‬وفي إطــار الشهيد السياسي‬ ‫حاكما في عشيرته‬ ‫المحلي وتــراث عشيرته ُولــد كامل األسعد ليكون‬ ‫ً‬ ‫أسلوبا في التعبير السياسي‪ .‬ففي‬ ‫وجماعته‪ .8‬وفي عهده استمر الشعر‬ ‫ً‬ ‫العدد األول من جريدة جبل عامل أبيات يطلب فيها صاحبها من كامل بك‬ ‫انتشال شعبه من الظلمة‪:‬‬

‫ـل‬ ‫اي أهيا املبعوث حسبك ما ترى مــن أمـــة يف غــهــا تــزايـ ُ‬ ‫ـل‬ ‫ابتت بليل من غباوة جهلها مــن أفــقــه بــدر اهلــدايــة آفـ ُ‬ ‫‪9‬‬ ‫والاكمل‬ ‫جعلت مع ّوهلا عليك ألنك (م) املبعوث يف إصالحها‬ ‫ُ‬

‫ومع أن موقف الشيخ سليمان ظاهر من زعامة كامل األسعد وقيادته‬ ‫على والء مضطرب لم يخرج عن خط القبول بها والوالء لها ويعترف أن‬ ‫وأخيرا‬ ‫أوال‬ ‫كامل األسعد ً‬ ‫زعيم جبل عامل‪.10‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بعد إعالن لبنان الكبير قاد كامل األسعد تيار تأييد الكيان الجديد ألن‬ ‫يؤمن لهم كالجميع حق حرية المعتقد‬ ‫واقعا‬ ‫سياسيا ّ‬ ‫الشيعة كانوا يريدون ً‬ ‫ًّ‬ ‫والمبدأ‪ .‬وانعقد مؤتمر الحجير (‪ 20‬تموز‪ُ )1920‬فت ّوج كامل األسعد زعيم‬ ‫‪ 77‬‬

‫جريدة جبل عامل‪ ،‬عدد ‪ ،30‬تاريخ ‪.1913/8/22‬‬

‫‪ 99‬‬

‫جريدة جبل عامل‪.1910/12/28 ،‬‬

‫‪ 88‬تمارا الشلبي‪ ،‬شيعة جبل عامل ونشوء الدولة اللبنانية ‪ ،1943–1918‬تقديم منذر‬ ‫محمود جابر‪ ،‬دار النهار‪ ،2010 ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.89–88 .‬‬ ‫‪ 110‬تمارا الشلبي‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.100 .‬‬


‫هوى لفقدك رك ُن الرشق واضطراب‬ ‫لك املصائب يغين ادلهر ش ّدهتا‬ ‫فقد أاتان نبأ أن قــد نــأى وبنا‬ ‫كانت لاكملمك أرجــاء عاملمك‬ ‫هلْفيعىلكاملاألوصافكيفثوى‬

‫طوائف طاملا استكفت به ال ُن َواب‬ ‫به الورى املثل األعىل طىغ وهبا‬ ‫مهد بين األسعد األجماد قد خطبا‬ ‫املحبوب قد نكبا‬ ‫ب به الوط ُن‬ ‫خطْ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫‪12‬‬ ‫مناحة ما قضينا بعض ما وجبا‬

‫‪ 111‬هادي فضل اهلل‪ ،‬رائد الفكر اإلصالحي‪ :‬السيد عبد الحسين شرف الدين‪،‬‬ ‫مؤسسة عز الدين‪ ،‬بيروت‪ ،1987 ،‬ص‪.151 .‬‬ ‫‪ 112‬محسن األمين‪ ،‬أعيان الشيعة‪ ،‬مجلد ‪ ،9‬تحقيق حسن األمين‪ ،‬دار التعارف‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،1983 ،‬ص‪.23–22 .‬‬

‫‪55‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫جبل عامل كما جاء في خطاب السيد عبد الحسين شرف الدين‪ ،11‬ولم‬ ‫تتمكن الحكومة العربية في دمشق من دخول جبل عامل إال من نافذة ‪‬دار‬ ‫الطيبة‪ .‬وفشل الفرنسيون في استمالة كامل األسعد بشروطهم فصادروا‬ ‫ِّ‬ ‫ووزعــت سلطة االنتداب‬ ‫أمالكه وحكموا بالنفي المؤبد عليه مع رفاقه‪ّ ،‬‬ ‫في جبل عامل بين عائالت الزين وعسيران والفضل واستبعدت أن يكون‬ ‫األسعد عضو اللجنة اإلداريــة للبنان الكبير (أيلول ‪ –1920‬آذار ‪)1922‬‬ ‫الطيبة‪‬‬ ‫والمجلس التمثيلي األول (‪ .)1925–1922‬مع ذلك حافظت ‪‬دار ِّ‬ ‫على مكانتها ولم يفقد كامل األسعد بريق زعامته‪ .‬فعند وفاته (‪)1924‬‬ ‫نعاه األمير شكيب أرســان‪ :‬نعت األنباء األخيرة البدر الكامل وأمل‬ ‫اآلمل زعيم جبل عامل المرحوم كامل األسعد الذي ال ينكر أحد أنه كان‬ ‫أحد أعالم سوريا بل أحد أعالم العرب في كل قطر‪ .‬تجد في داره أهل‬ ‫السنة والشيعة وأبناء بني معروف واألعراب والمسيحيين والغرباء من كل‬ ‫عرا‪:‬‬ ‫جنس‪ .‬ثم رثاه ِش ً‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫لحضرة صاحب الفضيلة الشيخ يوسف الفقيه قاضي الشرع الشيعي األفخم‬


‫ووفق العادة في جبل عامل إذا ُتوفّ ي زعيم يزحف وجهاء القرى ووفودها‬ ‫للتعزية والمبايعة بالزعامة بكلمة سر تصدر من األسرة ويتولى إعالنَ ها‬ ‫خلفا لشقيقه كامل‪:‬‬ ‫الزجالون‪ ،‬تمت مبايعة عبد اللطيف األسعد ً‬

‫ايحيفعاملأساسوبعدكاملغاب واهــز فينا بلك انيح وجانب‬ ‫تيمتت اي هاجليل ومنني عاد َل آب تشيك إليه اهلــم مث املصايب‬ ‫ويعود لنا املجد من شبل ليث الغاب عبد اللطيف الهشم انب األطايب‪.13‬‬

‫‪56‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫زعامة بلدة كفررمان (قضاء‬ ‫ضعيفا أمام صعود‬ ‫لكن عبداللطيف كان‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫النبطية) مع يوسف الزين الذي شبك عالقات جيدة مع المفوضية الفرنسية‬ ‫فأصبح سيد الجنوب‪ ،‬ولم يستطع عبد اللطيف األسعد الفوز بمقعد نيابي‬ ‫اشتد‬ ‫إال على الئحة الزين‪ .‬لكونه استعاد الزعامة األسعدية سنة ‪ 1935‬حين‬ ‫ّ‬ ‫الضغط على قوى لبنانية تعادي االنتداب الفرنسي‪ .‬ومع وفاة نائب الجنوب‬ ‫وترشح نجله بهيج بتوجيه المستشار الفرنسي بتشكوف‪،‬‬ ‫فضل الفضل‬ ‫ُّ‬ ‫وجدت تلك القوى اللبنانية فرصتها إلثبات وجودها في خوض االنتخابات‬ ‫معاد االنتداب‪ .‬لم يجرؤ أحد في الجنوب على الترشح فتولى رياض‬ ‫بمرشح ٍ‬ ‫الصلح إقناع عبد اللطيف األسعد بخوض المعركة ألن ‪‬ابن العشيرة مرشح‬ ‫الفرنسيين ال ُيقهر إال بابن عشيرة أخرى‪ .14‬وكان عبد اللطيف األسعد‬ ‫ليسدد ديونه‬ ‫قسما من أمالكه‬ ‫ّ‬ ‫يعاني ضائقة مادية ضربت هيبة عائلته فباع ً‬ ‫شأن أسالفه من آل األسعد كما ذكر ليسكوت (‪ :)Lescot‬اضطروا إلى‬

‫رسالة اعتذار عن زيارة من الجنرال إدوارد سبيرز‬

‫‪ 113‬محمد علي‪ ،‬أحمد الحاروفي‪ ،‬ثمرات الفنون في الزجل والعتابا‪ ،‬مطبعة الترقي‪،‬‬ ‫النبطية‪ ،1945 ،‬ص‪.22 .‬‬

‫‪ 114‬سالم الراسي‪ ،‬لئال نضيع‪ ،‬مؤسسة نوفل‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،1977 ،‬ص‪.53 .‬‬


‫الزعامة الشعبيّة‬

‫بيع أراضيهم للمحافظة على مظاهر‬ ‫الثروة والكرم‪ .15‬وإذ لم يستطع إيفاء‬ ‫أحكام بتوقيفه‬ ‫الديون صــدرت بحقه‬ ‫ٌ‬ ‫مع نجله أحمد األسعد فهرب إلى قرية‬ ‫هونين ولجأ ابنه إلى مزرعة التخشيبة‬ ‫في فلسطين‪ ،‬ولم ُيسمح لهما بالعودة‬ ‫إال بـعــد تسجيل أم ــاك األس ـعــد في‬ ‫الطيبة باسم الوجيه الطرابلسي‬ ‫قريته ِّ‬ ‫‪16‬‬ ‫عبود عبد الرزاق الذي أسلفه المال ‪.‬‬ ‫وب ـ ـعـ ــودتـ ــه إل ـ ــى الـ ـجـ ـن ــوب خ ــاض‬ ‫االن ـت ـخــابــات الـفــرعـيــة تـحــت ش ـعــارات‬ ‫وطنية ضد مرشح السلطة الفرنسية‬ ‫متحديا للمرة الولى في تاريخ الجنوب‬ ‫ًّ‬ ‫سلطات المستشار الفرنسي‪ ،‬ومن هنا‬ ‫حداء عاملي‪ /‬بنت جبيلي شهير أطلقه‬ ‫الشاعر علي هيدوس‪:‬‬

‫بتشكوف خــر دولتك ســلــطــانــنــا عــبــد اللطيف‬ ‫وصـــل جنيف‬ ‫ابريــــــس مـــربـــط خــيــلــنــا ورصــاصــنــا ّ‬

‫وعن هذا الحداء الجنوبي يذكر سالم الراسي‪ :‬هي أشهر المبالغات‬ ‫الشعبية كي ال نقول أبلغها‪ ،‬تغلغلت في قلوب أهل الجنوب وترسخت في‬ ‫ذاكرتهم فصاروا يحدونها في كل مناسبة‪ ،‬ودخلت في تاريخنا الشعبي‬ ‫وصار اللبنانيون يتندرون بها في مجالسهم‪ .17‬من ذلك قصيدة الشيخ‬ ‫موسى الزين شرارة في مهرجان النبطية قبيل االنتخابات‪:‬‬

‫لعينك شبل نصار املفدى‬ ‫ـــي‬ ‫شـــباابً لـــو يقـــاد َ‬ ‫بأمل ٍّ‬ ‫ملــا زلــت بــه قــدم وبيعت‬

‫شباب ال يــروغ وال يداري‬ ‫عـــرويب الــمــائــل والــنــجــار‬ ‫كرامة شعبه من لك شاري‪.18‬‬

‫‪ 115‬تمارا الشلبي‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.76 .‬‬

‫‪ 116‬ذكريات رضا التامر‪ ،‬دار النهار‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬ص‪ 135 .‬و‪.136‬‬ ‫‪ 117‬سالم الراسي‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.53 .‬‬

‫‪ 118‬المجلس الثقافي الجنوبي‪ ،‬من دفتر الذكريات الجنوبية‪ ،‬دار الكتاب اللبناني‪،‬‬ ‫‪ ،1981‬بيروت‪ ،‬ص‪.70 .‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫الرئيس الراحل أحمد األسعد‬

‫‪57‬‬


‫سجلت تلك االنتخابات مع التزوير‬ ‫رغم فشل عبد اللطيف األسعد ّ‬ ‫واسعا أشرفت منه عائلة األسعد على مفاصل االتجاهات‬ ‫مطال‬ ‫الفرنسي ًّ‬ ‫ً‬ ‫الشعبية الجنوبية عكس ما تذهب إليه ردة جنوبية على لسان المزهوين‬ ‫بالنصر أمام دارة آل الفضل في النبطية عام ‪:1935‬‬

‫استعجلت اي عبد اللطيف ورصاصك ما يوصل جنيف‬ ‫ابريــــــس مــــا بــتــقــدرهلــا ال أنت وال جدك انصيف‬

‫أثــار ْذكــر ناصيف النصار نــزول النائب نجيب عسيران إلى الحشود‬ ‫رافض التطاول على مقام النصار‪.19‬‬ ‫الجنوبية أمام دارة آل الفضل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪1.1‬أحمد األسعد يستعيد زعامة الجنوب‬

‫‪58‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫أسلوبا وانطالق ًة‬ ‫أساسيا في تاريخ زعامة جبل عامل‬ ‫منعطفا‬ ‫كان ‪1936‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ت في اإلطار اللبناني العام وتنافس زعامات ومراكز‬ ‫ت وتحالفا ٍ‬ ‫ضمن حسابا ٍ‬ ‫قوى في الدولة اللبنانية وجوارها الجغرافي‪.‬‬ ‫تشييعا‬ ‫توفي عبد اللطيف األسـعــد ف ــأرادت لــه الحكومة اللبنانية‬ ‫ً‬ ‫كبارا بين وزراء ومدراء عامين وضباط‪ ،‬فكان‬ ‫رسميا حشدت له موظفين ً‬ ‫ًّ‬ ‫حاشدا لم يشهده الجنوب من قبل‪ ،‬ووصفه ألفرد أبو سمرا في‬ ‫مأتمه‬ ‫ً‬ ‫جريدة القلم الصريح بـ ‪‬مثابة مؤتمر وطني ألهل الجنوب على اختالف‬ ‫نزاعاتهم‪ .‬شاركت في المأتم وفود من جبل العرب ودمشق تمثلت بفخري‬ ‫بك البارودي ومنير بك العجالني‪ ،‬ووفد من الحولة في فلسطين بقيادة‬ ‫سريعا مبايعة نجله أحمد األسعد وفق تقليد جبل‬ ‫كامل الحسين‪ .‬وتمت‬ ‫ً‬ ‫عامل بالمبايعة فحظي ببيعة الناس خالل المأتم قبل رفع الجثمان ونقله‬ ‫إلــى مثواه‪ .‬وزحفت وفــود القرى العاملية مع وجهائها وأعيانها للتعزية‬ ‫والمبايعة وهي َت ْحدو‪:‬‬ ‫مــات الــزعــم عــاش الزعمي أمحـــد ـب ‪‬دار الــط ـ ِّيــبــة‪.‬‬

‫زجال عنها وعن والئها‪ ،‬كان في طليعة‬ ‫يعبـر ً‬ ‫وإذ لكل قرية شاعرها ِّ‬ ‫المشيعين المؤيدين زعام َة أحمد األسعد‪ :‬أهالي بنت جبيل‪ ،‬فردد شاعرها‬ ‫ِّ‬ ‫أحمد هيدوس‪:‬‬

‫نــعــلــن أوامـــــر يف الــبــاد أبـــو كــامــل فــك احلـــداد‬ ‫هــــوي الـــزعـــم الــعــامــي هــــوي عــلــيــه االعـــمـــاد‬ ‫هـــوي خليفة مَـــن مىض مــن هنضتو انــفــك احلــداد‬

‫‪ 119‬مقابلة مع عبد المنعم جعفر شعيب (والد كاتب هذا المقال)‪.‬‬


‫ردية أهالي ْك َفرتبنيت‪:‬‬ ‫وفي ّ‬

‫دار الـــزعـــامـــة مـــا اهنـــدم دار الـــزعـــامـــة مـــن قــدمي‬ ‫جــــريــــل اندى ابلــمــا مـــات الــزعــم حيــيــا الــزعــم‬ ‫أمحـــد زعــمــك اي عــامــي‬

‫وعن أهالي بلدة شقرا‪:‬‬

‫ومن وفد قرية الشرقية (قضاء النبطية)‪:‬‬

‫خـــد النعمي أرض الــــــــرواحئ طــيــبــة‬ ‫رضــــوان مــن ْ‬ ‫وهـــــي جــبــلــنــا ابلـــزعـــم وكــ ْـــبــ ْة جبلنا الط ِّيبة‬

‫‪2.2‬دعم الكيان اللبناني‬ ‫تطورات أدت إلى معاهدة سورية – فرنسية‬ ‫حدثت في بالد الشام‬ ‫ٌ‬ ‫بإنهاء االن ـتــداب ومطالبة ق ـيــادات إسالمية لبنانية االع ـتــراف بالكيان‬ ‫اللبناني‪ .‬واستغل أحمد األسعد الخالف بين المستشار الفرنسي بتشكوف‬ ‫السنة‬ ‫والنائب يوسف الزين وحاجة الفرنسيين إلى الشيعة لخوفهم من‬ ‫ّ‬ ‫أخيرا لهم‪ .‬وعن‬ ‫وطنا‬ ‫الذين سكتوا عن قيام لبنان إنما لم يعترفوا مرة به ً‬ ‫ً‬ ‫تقرير قائمقام صور أن أحمد األسعد ‪‬دعا األهلين للخلود إلى السكينة‬ ‫واإلخالص للبنان والقضية اللبنانية‪.22...‬‬ ‫‪ 220‬علي شعيب‪ ،‬االنتخابات في الجنوب من مجلس المبعوثان إلى برلمان عام ‪،1943‬‬ ‫ورد في كتاب التمثيل الشعبي واالنتخابات في لبنان‪ ،‬منشورات الجامعة اللبنانية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،2005 ،‬ص‪.292–291 .‬‬ ‫‪ 221‬مقابلة مع الشيخ علي الزين‪ ،‬مجلة الشراع‪.1988/12/6 ،‬‬

‫‪ 222‬حسن ذياب‪ ،‬تاريخ صور االجتماعي‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ص‪.250 .‬‬

‫‪59‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫التف الوحدويون العامليون حول أحمد األسعد فحصر‬ ‫خالل ‪1936‬‬ ‫ّ‬ ‫بشخصه زعامة الجنوب كعادة أسالفه‪ ،‬وعلى قاعدة الوالء للعروبة تحت‬ ‫سقف وضعته القوى الوحدوية في بيروت ودمشق‪ .‬دعم أبناء بنت جبيل‬ ‫بانتفاضة سقط فيها قتلى وجرحى من األهالي‪.‬‬ ‫ضد نظام احتكار التبغ‬ ‫ٍ‬ ‫الطيبة (‪ 14‬نيسان ‪ )1936‬حضره نحو ألــف شخص‬ ‫مؤتمرا في‬ ‫وعقد‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫فدون أن األحداث‬ ‫رئيسا له‪ .‬وكان الشيخ علي الزين بين الحضور ّ‬ ‫انتخبوه ً‬ ‫‪21‬‬ ‫توقفت بعد المؤتمر ‪.‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫جمـــد الـــزعـــامـــة مـــا اهنـــدم ابلــطــ ِّيــبــة املــجــد الــقــدمي‬ ‫والــســيــف يــهــد والــقــم مــات الزعمي حييا الــزعــم‪.20‬‬


‫رسالتان من أحمد األسعد إلى الشيخ علي الفقيه‬

‫‪60‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫ولتأكيد زعامته الوحيدة في الجنوب لم يشارك أحمد األسعد في‬ ‫مؤتمرات عقدها دعاة الوحدة السورية في بيروت وصيدا ودمشق‪ ،‬كي ال‬ ‫يشاركه أحد بين محاولي النيل من زعامته (رياض الصلح وعادل عسيران)‪.‬‬ ‫وكتب اسكندر رياشي‪ :‬كان للقوة الشيعية الفضل األعم في تركيز الكيان‬ ‫اللبناني بعد جالء الفرنسيين‪ ،‬وهو كيان كان الفرنسيون – مخافة عليه‬ ‫تقريبا‬ ‫فرضا على المسلمين من الطائفتين‪ ،‬والذين يؤلفون‬ ‫– يفرضونه ً‬ ‫ً‬ ‫‪23‬‬ ‫نصف أهالي البالد‪ . ...‬وذكرت جريدة النهار (‪ 22‬تشرين الثاني ‪)1936‬‬ ‫(ضم السيد عبد الحسين‬ ‫وفدا من علماء الشيعة في صور وجبل عامل‬ ‫أن ً‬ ‫ّ‬ ‫شرف الدين‪ ،‬السيد أمين الحسيني‪ ،‬السيد نور الدين شرف الدين‪ ،‬السيد‬ ‫محمد جــواد شــرف الدين) قصد إلــى بيروت لمقابلة المفوض السامي‬ ‫الكونت دي مارتل واإلعالن عن تأييدهم الكيان اللبناني والمطالبة بإنصاف‬ ‫الطائفة الشيعية‪.24‬‬ ‫‪3.3‬أحمد األسعد يفوز في أول انتخابات نيابية‬ ‫ممثل الطائفة الشيعية وزعامة‬ ‫رسخ أحمد األسعد حضوره‬ ‫َ‬ ‫بعد ‪ّ 1936‬‬ ‫الجنوب‪ .‬وكــانــت تلك المنطقة دائ ــرة انتخابية واح ــدة (‪ )1937‬فشكل‬ ‫األسعد الئحة فــازت بكاملها منه ومــن‪ :‬رشيد بيضون‪ ،‬يوسف الزين‪،‬‬ ‫‪ 223‬مذكرات اسكندر ياشي‪ ،‬قبل وبعد ‪ 1918‬إلى ‪ ،1941‬ص‪.215 .‬‬

‫‪ 224‬النهار‪ ،1936/10/22 ،‬بيروت‪.‬‬


‫‪ 226‬قائمقام صور‪ ،‬عدد ‪ 123‬صادر في ‪ 19‬آب ‪.1942‬‬ ‫‪ 227‬تمارا الشلبي‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.253–250 .‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫‪ 225‬مجلس النواب اللبناني‪ ،‬محضر الجلسة الثانية‪ ،1937 ،‬العقد الثاني‪.‬‬

‫‪61‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫نجيب عسيران‪ ،‬خالد شهاب‪ ،‬مارون كنعان‪ ،‬يوسف سالم‪ ،‬كاظم الخليل‪،‬‬ ‫وحملت الالئحة هموم الطائفة الشيعية إلى منبر البرلمان‪ .‬وفي محاضر‬ ‫المجلس النيابي لدورة ‪ 1937‬مطالب ُة النواب الشيعة بحقوق طائفتهم فلم‬ ‫مطوال ‪‬تظلمات‪ ‬أهل‬ ‫ً‬ ‫تكترث األكثرية البرلمانية لتفنيد أحمد األسعد‬ ‫الجنوب‪ .25‬في‪ 31‬آذار ‪ 1938‬تولّ ى أحمد األسعد وزارة الصحة والبرق‬ ‫مرجعا لحل‬ ‫الطيبة‪‬‬ ‫فتحولت ‪‬دار‬ ‫والبريد في حكومة خالد شهاب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫المشاكل بين القرى الجنوبية‪ .‬ووجدت األعيانية المحلية الجنوبية في‬ ‫تحالفها مع أحمد األسعد دعامتها في نفوذها السلطوي المحلي‪ .‬ففي‬ ‫رسالة من قائمقام صور إلى محافظ الجنوب (‪ 10‬تشرين الثاني ‪)1941‬‬ ‫ْذكـ ُـر زيــارة األسعد إلى صور وتقاطر وفــود شعبية الستقباله من صيدا‬ ‫والنبطية وبعض قرى جبل عامل‪ ،‬والسيد عبد الحسين شرف الدين‪،‬‬ ‫وكان اجتماع في النادي الجعفري أسفر عن قيام لجنة ‪‬العمل لرفع شأن‬ ‫الشيعية والمطالبة بحقوقها في لبنان وخدمة جبل عامل‪ ‬تشكلت‬ ‫الطائفة‬ ‫ّ‬ ‫عضوا من وجهاء المنطقة برئاسة أحمد األسعد وعضوية يوسف‬ ‫بـ ‪14‬‬ ‫ً‬ ‫الزين‪ ،‬رياض التامر‪ ،‬بهيج الفضل‪ ،‬الدكتور بهيج ميرزا‪ ،‬الدكتور رضا‬ ‫وحيد‪ ،‬الشاعر محمد علي الحوماني‪ ،‬رضا خليفة‪ ،‬السيد محمد صفي‬ ‫الدين‪ ،‬السيد علي األمين‪ ،‬السيد محمد جواد شرف الدين (مفتي صور)‪،‬‬ ‫مصطفى العرب‪ ،‬علي بزي‪ ،‬عبد اللطيف بيضون‪.26‬‬ ‫طرد الحلفاء حكوم َة فيشي من لبنان تضعضع النفوذ الفرنسي في‬ ‫وبعد ْ‬ ‫وتدخله في‬ ‫بالد الشام بسبب التواجد العسكري البريطاني في المنطقة‬ ‫ُّ‬ ‫أمور سياسية شامية‪ .‬وفي أواخر ‪ 1941‬اعترض البريطانيون على توزير‬ ‫أحمد األسعد لكن الفرنسيين أصــروا على توليه وزارة الزراعة والبريد‬ ‫والبرق في حكومة أحمد الداعوق (‪ )1941/12/1‬ألنه ‪‬يمثل قوة شعبية‬ ‫كبيرة بين أوساط الشيعة ويظهر إخالصه للكيان اللبناني‪ .27‬وبما لديه‬ ‫أصول اللعبة السياسية اللبنانية الطائفية أسس سنة ‪1942‬‬ ‫َ‬ ‫من مرونة وفهم ٍ‬ ‫الطيبة لــ ‪‬رفع مستوى‬ ‫جمعية المجلس اإلسالمي العاملي األعلى في‬ ‫ِّ‬ ‫دارا قديمة‬ ‫ومنح أهالي بلدته‬ ‫واجتماعيا‪،‬‬ ‫أدبيا‬ ‫الطيبة ً‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ًّ‬ ‫أبناء جبل عامل ًّ‬ ‫ورثها عن جده خليل بك األسعد لتكون مدرسة رسمية لتعليم الناشئة‪.‬‬


‫‪ .3‬مرتكزات الزعامة الشعبية ألحمد األسعد‬ ‫الطيبة‪ .‬تلقى علومه‬ ‫أحمد األسعد (‪ )1961–1902‬من مواليد بلدة‬ ‫ِّ‬ ‫األولى في مدرسة القرية واللغة الفرنسية على معلم خاص‪ .‬تابع دراسته‬ ‫الفرشمن‪ .‬عشية‬ ‫الثانوية في الجامعة األميركية في بيروت وحصل على‬ ‫َ‬ ‫استقالل لبنان ‪ 1943‬تركزت زعامته على عوامل بلورت له شخصية شعبية‬ ‫تعلق بها أهل الجنوب حتى قاربت في بعض جوانبها مقدساتهم‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪1.1‬دور زوجته الست أم كامل‬

‫‪62‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫تزوج أحمد األسعد من فاطمة ابنة عمه (كامل األسعد المتوفى بدون‬ ‫ب ذَ َكر)‪ .‬كانت تكبره بسبع سنوات‪ُ .‬عرفت بـ ‪‬الست أم كامل‪ ‬وكانت‬ ‫َع ِق ٍ‬ ‫يتبوأَ مكانة‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫زو‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫على‬ ‫ساعدتها‬ ‫ـرة‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـؤ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫قوية‬ ‫شخصية‬ ‫ذات‬ ‫َّ‬ ‫وغالبا ما كان أمامها يمثّ ل في مسؤولياته عن أعماله‪.‬‬ ‫سياسية رئيسية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الطيبة لكل وافد أو زائر‪ ،‬وتقضي الساعات‬ ‫يوميا في‬ ‫ِّ‬ ‫كانت تفتح دارتها ًّ‬ ‫على فراش بسيط تستقبل السيدات من جميع الطبقات‪ ،‬فالحات وأقارب‬ ‫وساعيات إلى طلب خدمة‪ .‬وكانت تحادث الرجال وترعى شؤونهم من‬ ‫خلف ستارة تفصلها عنهم‪ .‬أقرب المقربين إليها كان الشيخ محمد تقي‬ ‫الصادق‪ ،‬تستشيره في كل أمر‪ .‬وحين تنتقل إلى بيروت تستغرق رحلتها‬ ‫حمل محارم‬ ‫نحو خمس ساعات َلت َوقُّ ِفها في كل قرية َ‬ ‫وتولّ ي أحد معاونيها ْ‬ ‫حرير ملفوفة ببعض المال وتوزيعها على عائالت فقيرة تكون أحصتها‬ ‫في قائمة‪ .‬وكانت تتولى إدارة أمالكها الخاصة في بعض قرى الجنوب‪،‬‬ ‫وتستجوب رسل زوجها المكلفين بمهمات في القرى‪ :‬ماذا فعلتم؟ كيف كان‬ ‫استقبال البلدة الفالنية لكم؟ عند َمن تناولتم الغداء؟ ماذا قدموا لكم من‬ ‫تقدر محبة‬ ‫ودعكم المفتاح االنتخابي؟ ومن تلك األجوبة كانت ّ‬ ‫مآكل؟ كيف ّ‬ ‫رسل زوجها‪.‬‬ ‫الناس وتستشرف المستقبل االنتخابي من تجاوب القرى مع ُ‬ ‫تدينها وقراءتها كل صباح آيات من القرآن الكريم وإقامتها‬ ‫ُعرف عنها ُّ‬ ‫دوريا مجالس عاشوراء في دارتها‪ ،‬وإقدامها على كل خطوة بعد لجوئها‬ ‫ًّ‬ ‫إلى ‪‬الخيرة‪ ‬أو قراءة آية من القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪2.2‬تراث عائلته في جبل عامل‬ ‫الفضل الكبير في بروز زعامة أحمد األسعد وحضوره السياسي العاملي‬ ‫العز والعنفوان في تاريخ جبل عامل‬ ‫يعود إلى تراث عائلته المعروف بمواقف ّ‬ ‫برلمانيا‬ ‫رجال‬ ‫موقعه‬ ‫ومن‬ ‫الطائفة‪.‬‬ ‫وبإمساكها زمام الزعامة التقليدية في‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫تاريخيا ال العكس‪ .‬فأحمد األسعد لم‬ ‫زعيما‬ ‫منتخبا يبقى رهينة موقعه‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫منتخبا على أساس خدماته فقط بل أهليته للمنصب‪،‬‬ ‫نائبا‬ ‫ً‬ ‫ينظر إلى ذاته ً‬ ‫تشاركه هذا الرأي أغلبية سكان الجنوب‪ .‬لكن تلك األهلية التقليدية لم‬ ‫تعد تفي بالغرض‪ .‬فموقعه السياسي في النظام السياسي اللبناني يتطلب‬ ‫بعيدا‬ ‫تغير اتجاه الثقافة‬ ‫أسلوبا‬ ‫السياسية في الجنوب ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫جديدا للتعامل‪ ،‬مع ّ‬ ‫عن النموذج التقليدي‪.‬‬

‫نقال عن وجيه كوثراني‪ ،‬بالد الشام‪ ،‬معهد اإلنماء العربي‪ ،1980 ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ 228‬‬ ‫ً‬ ‫ص‪.203–202 .‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫الشيخ محمد تقي صادق والرئيس أحمد األسعد في باحة الحسينية ‪١٩٥٧‬‬

‫‪63‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫‪3.3‬العالقة المميزة مع رجال الدين‬ ‫كان رجال الدين الشيعة ينتمون إلى فئات اجتماعية اقتصادية متنوعة‪.‬‬ ‫وفي تقرير قائد جيوش الشرق الفرنسي أن ‪‬احترام المتاولة مجتهديهم‬ ‫‪28‬‬ ‫يعن نفوذً ا للعلماء‬ ‫كبير ً‬ ‫جدا ويطيعونهم بصورة عمياء‪ . ‬إنما ذلك لم ِ‬ ‫أحزابا سياسية مستقلة‪.‬‬ ‫عصرئذ‬ ‫سياسيا وال هم ألفوا‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫تشكلت‬ ‫وألن السلطة السياسية في الجنوب كانت في وكالة زعمائه‪ّ ،‬‬ ‫تحالفات سياسية بين الزعماء الزمنيين والعلماء‪ .‬كانت عالقة أحمد‬ ‫تأثيرا على‬ ‫األسعد جيدة مع عدد كبير من رجال الدين الشيعة وأكثرهم‬ ‫ً‬ ‫رئيسا في زعامة‬ ‫العامة‪ .‬وكان في النبطية الشيخ محمد تقي الصادق ً‬ ‫سندا ً‬ ‫عال َم دين معروفً ا ومسموع‬ ‫دينيا من موقعه ِ‬ ‫أحمد األسعد بدعمه وتحصينه ًّ‬ ‫الكلمة وذا هالة مقدسة‪ .‬وفي أكثر من مناسبة كان السيد عبد الحسين‬ ‫شرف الدين (صور) والشيخ علي قبالن (ميس الجبل) من داعمي األسعد‬ ‫الذي بأسلوبه الخاص كان يجيد استمالة رجال الدين إليه ومخاطبتهم‬ ‫بما يحفظ احترامهم كتقبيل األيــدي وتركيز أنهم ورثــة األئمة الشيعة‬ ‫الطيبة للوقوف على رأيهم‬ ‫المعصومين‪ ،‬وزيارتهم‪ ،‬ودعوتهم إلى دارته في ِّ‬ ‫في الشؤون الجنوبية‪.‬‬


‫‪64‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫وذكر سالم الراسي في كتابه ‪‬لئال ننسى‪ :‬من األقوال المأثورة ألحد‬ ‫َ‬ ‫كبار علماء الشيعة في الجنوب‪ :‬إذا تعذر عليك الحج إلى بيت اهلل الحرام‬ ‫الطيبة‪ .‬قد ال تكون هذه العبارة صحيحة أو قيلت بأسلوب آخر‬ ‫َف ُز ْر دار‬ ‫ِّ‬ ‫الطيبة‪ .29‬وعن‬ ‫‪‬دار‬ ‫إلى‬ ‫الشيعي‬ ‫تشد‬ ‫روحية‬ ‫رابطة‬ ‫يعكس‬ ‫انتشارها‬ ‫لكن‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫العالمة السيد مهدي آل إبراهيم عند تدشين طريق قريته الدوير قوله‬ ‫سخره لخدمة المؤمنين من عباده‬ ‫ألحمد األسعد ‪‬إذا رضي اهلل عن امرئ َّ‬ ‫وقد سخرك اهلل لخدمة المؤمنين‪.30‬‬ ‫وتتناقل األحاديث الشعبية الجنوبية أمثلة على أسلوب أحمد األسعد‬ ‫(الطيبة)‬ ‫في احترام رجال الدين‪ :‬زاره العالمة محسن األمين في دارته‬ ‫ِّ‬ ‫وجر به الفرس الحمراء حتى الدار وأنزله عن‬ ‫فالقاه األسعد على الطريق ّ‬ ‫احتراما لمقامه الروحي والديني‪ .‬والمعروف عن‬ ‫وقبل يده وعباءته‬ ‫ً‬ ‫الفرس ّ‬ ‫بتجنب الصدام مع رجال الدين إلدراكه أن ذلك ليس‬ ‫األسعد سعة حيلته‬ ‫ّ‬ ‫لصالحه‪ .‬وحين يفقد األمل باستمالة رجل الدين كان يلجأ إلى العنف كما‬ ‫فعل مع الشيخ محمد علي ناصر من عيناتا (الجنوب) وكان على المنابر‬ ‫يشتم األسعد فأوعز إلى رجلَ ين من أنصاره أن ُيحضرا السيد في ‪‬كيس‬ ‫ُ‬ ‫الكيس أمام األسعد‬ ‫من الخيش‪ ‬بعد ضربه وإهانته‪ .‬وحين رمى الرجالن‬ ‫َ‬ ‫مرارا وبادر الرجلين‪ :‬اهلل‬ ‫قبلها ً‬ ‫اصطنع الغضب‪ ،‬انحنى على يد السيد‪ّ ،‬‬ ‫تجر ْأتم على هذا‬ ‫يقصف أعماركم سوف اقتلكم وأحبسكم وأضربكم كيف َّ‬ ‫الرجل الجليل‪ .‬إنه موالنا قريب رسول اهلل‪ .‬ثم أجلس السيد في جانبه‬ ‫رجل الدين وتاب عن نقد أحمد بك وفَ ِه َم الدرس‪ :‬التكريم‬ ‫وأكرمه‪ ،‬فارتدع ُ‬ ‫‪31‬‬ ‫أو الضرب واإلهانة ‪.‬‬ ‫‪ِ 4.4‬إخالص الوجهاء والمفاتيح االنتخابية‬

‫ارتبط المواطن الجنوبي بقريته وعائلته التي تقوم فيها الوجاهة على‬ ‫ف صلبة ال يحتاج معها الزعيم السياسي إلى التواصل ّإال مع‬ ‫قاعد ِة تخلُّ ٍ‬ ‫وجيه العائلة الذي يرضى أن يحسن البيك وفادته كي َيمون على عائلته‬ ‫بقدر‬ ‫لصالح الزعيم‪ .‬ولم تكن مطالب اإلنماء تعني ًّأيا من أولئك الوجهاء ْ‬ ‫اقتصار همهم على تقديم خدمات شخصية‪ .‬وحسب األعراف القروية كان‬ ‫‪ 229‬سالم الراسي‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.53 .‬‬

‫‪ 330‬نشرت مجلة الشراع اللبنانية عام ‪ 1995‬نحو ‪ 40‬حلقة بعنوان ‪‬هكذا تكلم أحمد‬ ‫األسعد‪ ،‬لذا أكتفي بذكر رقم الحلقة عند ْذكر إحدى الروايات (الحلقة السادسة‬ ‫تحديدا)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 331‬الشراع‪ ،‬الحلقة ‪.10‬‬


‫‪ 333‬خليل أزروني‪ ،‬شحور‪ ،‬ص‪.135 .‬‬ ‫عم والد كاتب هذا المقال‪.‬‬ ‫‪ّ 334‬‬

‫عمة كاتب هذا المقال‪.‬‬ ‫‪ 335‬زوج ّ‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫‪ 332‬مجلة العـرايس عدد ‪ ،2‬أول أيار ‪ ،2013‬إعداد وإشراف خليل ترحيني– عبا –‬ ‫قضاء النبطية‪.‬‬

‫‪65‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫يهتم‬ ‫وجيهها‬ ‫لكل عائلة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بــأبـنــائـهــا وق ــد يــدفــع من‬ ‫ماله الخاص لسد نفقاتها‬ ‫فــي مناسبات محلية أو‬ ‫م ـهــرجــانــات يــدعــو إليها‬ ‫الزعيم السياسي‪ .‬وفي‬ ‫م ـج ـلــة ‪‬ال ـ ـعـ ــرايـ ــس‪ ‬أن‬ ‫توفيق ترحيني ذبح الثور‬ ‫تجمع انتخابي‬ ‫في‬ ‫األسعد‬ ‫وأحمد‬ ‫الخوري‬ ‫بشارة‬ ‫الشيخ‬ ‫ُّ‬ ‫‪‬زهير‪ ‬الذي كان يعتمد‬ ‫عليه للفالحة كي يقوم بواجباته عند زيــارة الرئيس أحمد األسعد قرية‬ ‫عبا‪ .32‬ويتداول أهالي شحور أن رجال األسعد كانوا يترددون على دارة‬ ‫الشاعر محمد محمود الزين محطة لهم في الذهاب واإلياب‪ ،‬ما ّرتب على‬ ‫الشاعر نفقات إضافية غير متوقعة أربكت وضعه المالي‪ ،‬فكان يضحي‬ ‫وفود عليه من رجال األسعد‪.33‬‬ ‫بأحد مواشيه كلما هبطت‬ ‫ٌ‬ ‫ويـتــداول الجنوبيون رواي ــات كثيرة عن دور وجهاء نــاصــروا األسعد‪،‬‬ ‫ويشهدون بسلوكهم على مقدار من العفة جعل أكثر الوجهاء يخسرون‬ ‫الـطــارف والتليد على شغلهم في خدمة الزعيم‪ .‬ومــن مجلة ‪‬الـشــراع‪‬‬ ‫(الحلقة ‪ )15‬قول السيد عبد اللطيف شعيب‪ 34‬إن رياض الصلح سعى له‬ ‫بوظيفة في األمن العام لكنه – من شدة والئه للرئيس أحمد األسعد –‬ ‫ٍ‬ ‫مدينا لرياض بك بأي‬ ‫استقال من وظيفته ‪‬لعيون البيك‪ ‬كي ال يكون‬ ‫ً‬ ‫معروف‪ .‬وأمثال عبد اللطيف كثيرون ُعرفوا بوالئهم وإخالصهم الشديد‬ ‫حبا به‪ .‬من هؤالء‪ :‬كاظم‬ ‫والء َّ‬ ‫منز ًها عن الغايات‪ :‬يؤيدونه فقط ً‬ ‫لألسعد ً‬ ‫هاشم‪ 35‬من قرية النميرية‪ ،‬علي حسن مــراد من عيترون‪ ،‬سلطان فقيه‬ ‫وأبو علي حمود من تبنين‪ ،‬صالح فياض من أنصار عبد اللطيف حمدان‬ ‫من كفربيت‪ ،‬خليل حايك من عتشيت‪ ،‬فــؤاد الخوري صــادر من رميش‪،‬‬ ‫وأهالي هونين المعروفين بتفانيهم لبيت األسعد‪ ،‬وعقيل مهنا من قرية‬ ‫يوما وفد من زعماء الجنوب أخصام الرئيس‬ ‫كونين‪ .‬وهذا األخير زاره ً‬ ‫(ضم علي بزي وأسعد فواز وصالح الخليل شقيق كاظم الخليل)‬ ‫األسعد‬ ‫ّ‬


‫وفور وصولهم عرف مهنا الغاية من زيارتهم بأنهم يريدون منه دعمهم في‬ ‫االنتخابات المقبلة كونه من الوجوه البارزة في قريته‪ .‬قَ ـ ّـدم القهوة لهم‬ ‫واستأذنهم ألداء فريضة الصالة فأحضر سجادة الصالة ووضعها في اتجاه‬ ‫‪‬القبلة‪ ‬أي الكعبة)‪ .‬استغرب علي بزي وقال‬ ‫الشرق (أي عكس اتجاه‬ ‫ِ‬ ‫لمهنا‪ :‬اتجاه ال ِقبلة ليس من هذه الناحية‪ ‬فرد مهنا‪ :‬أنت غلطان‪ .‬أنا‬ ‫الطيبة‪.36‬‬ ‫دائما أصلي في اتجاه دار ِّ‬ ‫ً‬ ‫الحد كان والء المفاتيح االنتخابية بتمييز وإخالص ونزاهة‬ ‫هذا‬ ‫إلى‬ ‫ّ‬ ‫وتقديم الخدمات (مشاريع‪ ،‬توظيف‪ ،‬اإلصالح بين األهالي) وكانوا صلة‬ ‫الوصل بين الزعيم ومؤيديه في المناسبات العامة‪ :‬احتفاالت‪ ،‬انتخابات‪،‬‬ ‫طواف في القرى والبلدات إليصال رسائل البيك‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫‪5.5‬كاريزما شخصية أحمد األسعد‬ ‫كــان أحمد األسعد مدرسة في الزعامة فاكتسب الشعبية الكاسحة‬ ‫نظرا بذكائه ومؤهالته االجتماعية ومواهبه ما جعله‬ ‫واستمالة المناصرين ً‬ ‫سيد قومه حتى وفاته سنة ‪ُ .1961‬عرفَ ت عنه رحابة صدره واالبتسامة‬ ‫تحمل أعباء خدمة أهالي‬ ‫الحلوة وطــول البال والصبر‪ .‬ولــم يتردد في ُّ‬ ‫الجنوب في األمور الصغيرة والكبيرة من دون أي تبرم أو ملل حتى تبعوه‬ ‫حبا به‪ .‬كان من نسيج خاص مقدس في نظر‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫تأييدا لسياسته فقط بل ً‬ ‫أحد ثم تخلف عنه أو كرهه مهما باعدت‬ ‫مواطنيه‪ ،‬ولم يحدث أن ناصره ٌ‬ ‫بينهما الشؤون السياسية‪ .‬كان يهتم بأدق تفاصيل حياة الجنوبيين‪ ،‬ويحترم‬ ‫صغيرهم وكبيرهم على حـ ٍّـد ســواء وبأسلوب ومــزايــا وخبرة عجيبة في‬ ‫ثراء‬ ‫استمالة الناس‪ .‬لم تنعكس المظاهر الخارجية لتلك الزعامة التقليدية ً‬ ‫بقدرما كانت‬ ‫ورفاهية ْ‬ ‫سلطة أخالقية شبه‬ ‫اجتماعية من احترام‬ ‫وط ــاع ــة يـنـتـظــرهـمــا‬ ‫أنصاره‪ .‬كان أسلوب‬ ‫مـعـيـشـتــه م ـتــواضـ ًـعــا‬ ‫نسبيا‪ .‬فبيته (‪‬دار‬ ‫ًّ‬ ‫الـطـ ِّـيـبــة‪ )‬ك ــان على‬ ‫تـ ــواضـ ــع الفـ ـ ــت مــن‬ ‫حيث أسباب الراحة‬ ‫مستقبال زعماء جبل عامل‬ ‫أحمد األسعد‬ ‫ً‬ ‫‪ 336‬مجلة الشراع‪ ،‬الحلقة ‪.4‬‬


‫في سيرة أحمد األسعد روايات وأحاديث ووقائع احتلت الذاكرة الشعبية‬ ‫عموما‪ ،‬تؤكد ما ُوصف به وما جعله الزعيم‬ ‫خصوصا واللبنانية‬ ‫العاملية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الشعبي األول لدى الكثيرين من عارفيه ومعاصريه من سياسيين وعامة‪،‬‬ ‫أهمها في مجلة الشراع على حلقات‪.‬‬ ‫هنا بعضها وصدر ُّ‬

‫ ) أاألسعد يتفقد الجميع‬ ‫عندما كان يزوره وفد من قرية معينة ويتخلف عنه آخرون من أنصاره‪،‬‬ ‫ـودع وهو ينظر حوله‪ ،‬فيخ ِبر الوفد من تخلَّ فوا عن المجيء أن البيك‬ ‫يـ ّ‬ ‫الطيبة‪ ‬للسالم عليه‪ .‬وعند‬ ‫تفقدهم‪ ،‬فيسارع الغائبون للذهاب إلى ‪‬دار ِّ‬ ‫رؤيته إياهم يبادرهم‪ :‬ما أنا فقدتكم‪.‬‬ ‫‪ 337‬أسعد شرفان‪ ،‬مجلة الشراع‪ 14 ،‬آب ‪.1995‬‬

‫‪ 338‬يوسف سالم‪ 50 ،‬سنة مع الناس‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،1975 ،‬ص‪.299 .‬‬

‫‪ 339‬بشارة الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ج‪ ،3‬منشورات ‪‬أوراق لبنانية‪،1961 ،‬‬ ‫ص‪ 364 .‬و‪.409‬‬

‫‪ 4 40‬محمد صفي الدين‪ ،‬رجل وذاكرة‪ ،‬إعداد عماد سعيد‪ ،‬دار األرقم‪ ،2004 ،‬ص‪.81 .‬‬ ‫‪ 441‬كامل حلقات مجلة الشراع وروايات ما زال أهل الجنوب يتناقلونها حتى اليوم‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫‪6.6‬وقائع من أسلوب األسعد الكتساب الشعبية ‬

‫‪41‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫والـكـمــالـيــات‪ .‬وهــو حــافــظ على ال ــروح الـقــرويــة وأعــرافـهــا االجتماعية‪،‬‬ ‫على أناقة التعبير وعفويتها‪ ،‬وعلى اختيار المفردات ودقتها‪ .‬يقول عنه‬ ‫نقيا‬ ‫وطنيا‬ ‫الصحافي أسعد شرفان الذي عاصره‪ :‬كان األسعد‬ ‫حقيقيا ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫في وطنيته وفي إخالصه ومحبته بلده لبنان‪ .‬كثيرون من عظماء الرجال‬ ‫ترافق حياتهم خفايا وعادات مثيرة‪ :‬منهم من تكون خفاياهم وعاداتهم ال‬ ‫تشرف أصحابها‪ ،‬ومنهم من ُتعلي هذه الخفايا والعادات شأنهم في حياتهم‬ ‫ّ‬ ‫وبعد الموت‪ .‬أحمد األسعد من الرعيل الثاني‪ :‬كان يستدعي كل آخر الشهر‬ ‫محاسب المجلس النيابي علي العبد اهلل ويسلمه معاشه النيابي والئحة‬ ‫المتبرع‪.‬‬ ‫بعائالت معوزة يطلب إليه أن يوزع عليها المعاش بدون ذكر اسم‬ ‫ِّ‬ ‫وإنني أسجل للتاريخ أن الالئحة كانت تضم أسماء عائالت دروز ومسيحيين‬ ‫وشيعة‪ .37...‬وتعترف شخصيات سياسية عاصرت األسعد (يوسف سالم‬ ‫في مذكراته) أن األسعد رجل صادق ال يكذب وال ينكث بعهد‪ .38‬ويعترف‬ ‫الرئيس بشارة الخوري بخدمات األسعد المتواصلة للناس تدعمه شعبية‬ ‫ال منازع له فيها‪ .39‬ويعترف الوزير محمد صفي الدين لألسعد بصدقه في‬ ‫التعامل‪.40‬‬


‫‪68‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫ ) ببين األرمني واألسعد والمواطن الجنوبي‬ ‫تاجرا‬ ‫مواطن من قرية البازورية (قضاء صور) يشكو له‬ ‫يوما‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫قصده ً‬ ‫ضيقا خدعه بوضع قليل من البودرة على قدميه‪ ،‬فضرب‬ ‫أرمنيا باعه‬ ‫حذاء ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫البائع الرمني ألنه رفض إرجاع ثمن الحذاء أو إبداله‪ ،‬وخرج من‬ ‫المواطن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مهد ًدا بأنه سيشكو أمره للبيك‪ .‬عند سماع األسعد رواية المواطن‬ ‫المحل ِّ‬ ‫حامال خمس ليرات‬ ‫وعاد‬ ‫ت‬ ‫لحظا‬ ‫هذا‬ ‫فغاب‬ ‫مرافقيه‬ ‫ألحد‬ ‫ت‬ ‫بكلما‬ ‫همس‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خرج المواطن‬ ‫وضربنا األرمني‪.‬‬ ‫قائال‪ :‬يا بيك أحضرنا ثمن الحذاء‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫داعيا للبيك بطول العمر ولم يعرف أن السيدة أم‬ ‫مرتاحا من دار األسعد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إرضاء لهذا الفالح الجنوبي‪.‬‬ ‫الحذاء‬ ‫ثمن‬ ‫دفعت‬ ‫كامل‬ ‫ً‬ ‫بصلة‬ ‫ ) جمجدرة مع ْ‬ ‫‪‬الحاجة‬ ‫يوما قرية ياطر (قضاء بنت جبيل) وفي عودته صادف‬ ‫ّ‬ ‫زار ً‬ ‫زهور‪ ‬فطلبت إليه أن يزورها في منزلها المتواضع فيباركه‪ .‬لبى دعوتها‬ ‫طعاما‬ ‫تهيئ له‬ ‫ورأى على األرض مسند قش فجلس وطلب من‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الحاجة أن ِّ‬ ‫الحاجة زهور‪ :‬ما عندي ّإال مجدرة يا بيك‪ ‬فأجابها‪ :‬يال‬ ‫ليتغدى‪ .‬قالت‬ ‫ّ‬ ‫حطي مجدرة وهاتيلي بصلة‪.‬‬

‫ ) دلوال الناس ال زعامة‬ ‫ذات شتاء حضرت وفود كثيفة من قرى‬ ‫الطيبة‪َ ‬‬ ‫خالل احتفال في ‪‬دار ِّ‬ ‫جبل عامل فاتسخ السجاد في أرض الدار‪ .‬طلبت أم كامل رفع السجاد كي‬ ‫ال يتلف‪ ،‬فبادر أحمد األسعد الخدم‪ :‬أتركوه‪ .‬لوال هيدا ما كان هيدا‪،‬‬ ‫أي‪ :‬لوال الناس لما كانت زعامته‪ ،‬والزعامة تأتي بالسجاد وبغيره‪.‬‬ ‫ )ـهالجنوبيون يعـلِّ مون األسعد ‪‬الحكمة‪‬‬ ‫كان أحمد األسعد يحب معاشرة الناس البسطاء والتعاطي معهم‪ .‬وكلما‬ ‫يقل من‬ ‫ت‬ ‫توجه من بيروت إلى‬ ‫‪‬الطيبة‪ ‬توقف مرا ٍ‬ ‫طالبا من سائقه أن ّ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫يريدون الذهاب إلى قراهم‪ ،‬فكان السائق يتباطأ في القرى‪ ،‬ليسلّ م البيك‬ ‫على الناس في الطريق‪ .‬مرة قال له السائق‪ :‬تقول يا بيك إنك تأتي إلى‬ ‫‪‬الطيبة‪ ‬لترتاح لكنك ال تهدأ‪ ‬فأجاب األسعد‪ :‬لوال هؤالء الناس ما كنت‬ ‫ِّ‬ ‫تعلمت منهم الحكمة والذكاء‪.‬‬ ‫زعيما‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬

‫ ) ومدرسة في التواضع‬ ‫ومر بمنزل مختار قرية دير الزهراني‬ ‫يوما يزور قرى منطقة النبطية ّ‬ ‫كان ً‬ ‫فسلّ م ولم َي ُزر‪ .‬بادرته ابنة المختار‪ :‬أال تزورنا يا بيك ألن منزلنا من تراب‬ ‫أم ان زيارتنا ال تليق بالمقام‪‬؟ فأشار إلى سائقه بالعودة لزيارة المختار‬


‫نائبا وال‬ ‫وبادر الفتاة ووالدها‪ :‬لوال هذا المنزل الترابي ولوالكم لما ُ‬ ‫كنت ً‬ ‫رئيس مجلس‪ .‬أنتم أحبائي وألجلكم أمارس السياسة‪.‬‬

‫ ) طالمطربة صباح محبوبة أهل الجنوب‬ ‫سافر األسعد إلى مصر وسمع بعض مناصريه من إذاعة صوت العرب‬ ‫(القاهرة) مقابلة معه يتحدث فيها عن أوضاع لبنان السياسية والثقافية‬ ‫والفنية‪ .‬سأله المذيع عن الفنانين المفضلين لديه فأجاب‪ :‬صباح في‬ ‫الميجانا والعتابا والدبكة‪ ،‬وفاتن حمامة في التمثيل‪.‬‬ ‫يغنون‪ :‬من‬ ‫الطيبة‪ ‬عقد الرجال حلقة دبكة وهم ّ‬ ‫وذات يوم في ‪‬دار ِّ‬ ‫موسكو لسوق الحميدية‪( ‬تغنيها صباح وأهداها المذيع لرئيس مجلس‬ ‫النواب) فأخذ مناصروه كلما اجتمعوا يقولون بأنهم يحبون الصبوحة ألنها‬ ‫(تقليدا لزعيمهم) وأخــذت الخادمات في ‪‬دار‬ ‫تغني العتابا والميجانا‬ ‫ً‬ ‫قائال‪:‬‬ ‫الطيبة‪ ‬يرددن أغنية ‪‬من موسكو لسوق الحميدية‪ ‬وهو يضحك ً‬ ‫ِّ‬ ‫‪‬غيرنا الموجة اآلن‪ ،‬صرنا نحب أغنية ‪‬آكلك منين يا بطة‪....‬‬

‫‪69‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫ ) ح‪‬كارت‪ ‬البيك يسهل أمور الزواج‬ ‫كان األهالي في جبل عامل يحرصون على االحتفاظ بـ ‪‬كارت ‪ ‬يحملونه‬ ‫كأوراقهم الثبوتية ويرون فيه ضمان َة سالمتهم إذا تعرضوا لمشكلة‪ ،‬ووسيل َة‬ ‫مواطن من‬ ‫تسهيل أعمالهم وتسريع معامالتهم في إدارة الدولة‪ .‬ويروي‬ ‫ٌ‬ ‫كن يستعملن الكارت فيرغب الشباب في‬ ‫بلدة‬ ‫الطيبة أن بعض الفتيات ّ‬ ‫ِّ‬ ‫خطبتهن‪ .‬وذات يوم ٍ دخلت صبي ٌة جميلة مجلس أحمد األسعد في ‪‬دارة‬ ‫ّ‬ ‫الطيبة‪ ‬فبادرها‪ :‬نعم يا بنتي؟ ما تطلبين‪‬؟ فأجابت‪ :‬أرغب في الزواج‬ ‫ِّ‬ ‫‪‬وب َم‬ ‫فسألها‪:‬‬ ‫الحاضرون‬ ‫ضحك‬ ‫كارت‪.‬‬ ‫على‬ ‫الحصول‬ ‫وأتمنى‬ ‫بيك‪،‬‬ ‫يا‬ ‫ِ‬ ‫يفيدك الكارت يا بنتي‪‬؟ فأجابت‪ :‬أُ بــرزه فيعرف الناس أنني أعرفك‬ ‫وجيه ال من فالح فقير أشقى‬ ‫شخصيا فتزداد أهميتي عندهم وأتزوج من‬ ‫ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫معه كل حياتي‪ .‬وكان لها ما أرادت‪.‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫ ) زاألسعد ينتصر للفقراء‬ ‫يوما عند حـ ّـاق في ساحة البرج فدخل ماسح أحذية وبــادره‪:‬‬ ‫كــان ً‬ ‫‪‬س ـيــدي الـبـيــك‪ ،‬رج ــال األم ــن صـ ــادروا منا علب الـبــويــا‪( ‬وك ــان معظم‬ ‫ماسحي األحذية من الجنوب ويزاولون مهنتهم بدون ترخيص)‪ .‬فأسرع‬ ‫مخاطبا رجال الشرطة‪ :‬إنهم فقراء‪ ،‬دعوهم يسترزقون‬ ‫األسعد بالخروج‬ ‫ً‬ ‫وال تستقووا عليهم‪ .‬منذ اليوم معهم إذني الخاص بالوقوف في الساحة‬ ‫ومزاولة مهنتهم‪.‬‬


‫يحيد شق طريق عن شجرة وارفة‬ ‫ ) يالبيك ِّ‬ ‫مستفز‪ .‬سأله‬ ‫غاضبا وحياه بشكل‬ ‫دخــل فــاح عاملي مكتب البيك‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫بالحاج‪ .‬خير ان شاء اهلل‪‬؟ قال الفالح‪ :‬مش خير يا‬ ‫األسعد‪ :‬أهـ ًـا‬ ‫ّ‬ ‫بيك‪ .‬قال األسعد‪ :‬شايفك زعالن‪ .‬شو الخبر؟‪ ‬قال الفالح‪ :‬في بلدتي‬ ‫أتفيأُ ظلها وأنا أرعى‬ ‫مشروع شق طريق في وسطها شجرة كبيرة وارفة َّ‬ ‫ماشيتي وأرتاح من الشمس الحارة‪ .‬يريدون قطع الشجرة‪ ،‬معقول هيك‬ ‫حاج قررنا شق‬ ‫يا بك‪‬؟ أجاب األسعد‪ :‬بسيطة‪ ،‬المسألة محلولة‪ .‬يا ّ‬ ‫طريق لمصلحة القرية‪ .‬إذا مرض أحدكم ننقله إلى المستشفى أو الطبيب‬ ‫بالسيارة بدل البغال‪ .‬إنما سأتصل بالمهندس وأرى إمكان تحييد الطريق‬ ‫عن الشجرة‪ .‬بعدك زعالن‪‬؟ فقال الفالح‪ :‬راضي كل الرضا يا بيك اهلل‬ ‫يخليلنا ياك‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫الطيبة‪ ‬وأداء الحج‬ ‫ ) ك‪‬دار ِّ‬ ‫يوما أبو فريد عاصي من قرية الدوير‪ :‬متى ستذهب إلى الحج‪‬؟‬ ‫سئل ً‬ ‫‪42‬‬ ‫الطيبة‪. ‬‬ ‫فأجاب‪ :‬باألمس كنت في دار ِّ‬

‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫ ) لالزواج بأمر من البيك‬ ‫سابقا (من عيترون قضاء بنت جبيل) أن أهل‬ ‫روى محافظ النبطية‬ ‫ً‬ ‫خياله أسعد‬ ‫والدته رفضوا طلب زواج والده‪ .‬اشتكى إلى أحمد بك فأرسل َّ‬ ‫الهونيني مع رجال أبلغوا رغبة البيك ألهل الفتاة فكان ما أراد‪.43‬‬ ‫من هذه الروايات وكثيرة أخرى ّتتضح‬ ‫ـزءا من‬ ‫زعامة أحمد األسعد الشعبية جـ ً‬ ‫ال ـح ـيــاة الـيــومـيــة لـعــاقـتــه مــع مواطنيه‬ ‫الجنوبيين من جميع الطوائف‪ .‬ولم يكن‬

‫دعما لمناصريه‬ ‫توصيتان من أحمد األسعد ً‬

‫نقال عن صالح علي عاصي من قرية الدوير‪.‬‬ ‫‪ 442‬‬ ‫ً‬

‫نقال عن العميد في قوى األمن الداخلي علي الشاعر من هونين‪.‬‬ ‫‪ 443‬‬ ‫ً‬


‫ـركــا وينابيع ضــروريــة لــزراعــة التبغ‬ ‫ـارا ُوبـ ً‬ ‫وطالت مشاريع األسعد آب ـ ً‬ ‫(محصول الجنوبيين الرئيس)‪.‬‬ ‫وفي مذكرات الوزير محمد صفي الدين أن األسعد عمل على تنفيذ‬ ‫شبكة واسعة من الطرق الجديدة وإصالح الطرقات القديمة وتعبيدها ما‬ ‫ارتياحا وزاد في شعبيته‪ .45‬وعلى غرار أسالفه‬ ‫طور أوضاع الجنوب وترك‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شجع فتح المدارس الرسمية‪ ،‬ما أزعج معظم رجال‬ ‫في االهتمام بالعلْ م‪ّ ،‬‬ ‫الدين الشيعة لرغبتهم في فتح مدارس خاصة أو مدارس قرآنية بإشرافهم‬ ‫وإصدارهم فتاوى تحرم دخول مدارس اإلرساليات‪ .‬وعن محاضر جلسات‬ ‫المجلس النيابي أن أحمد األسعد طالب في أكثر من مداخلة بزيادة رخص‬ ‫التبغ لصغار المزارعين وبرفع أسعار شركة الريجي لدى شراء المحصول‪.‬‬ ‫ورغم الدعم الشعبي لم يكن ألحمد األسعد ولغيره من زعماء الجنوب‬ ‫سلطة قرار فعال في الدولة‪ ،‬ألن التحالف الماروني‪ /‬السني فيها لم يكن‬ ‫كتيب الجنوب في عهد الزعيم أحمد األسعد ‪،1951 –1947‬‬ ‫‪ 444‬‬ ‫ُ‬ ‫تعداد مشاريعه ورد في ّ‬ ‫دون تاريخ للنشر‪.‬‬ ‫‪ 445‬محمد صفي الدين‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.87 .‬‬

‫‪71‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫وتكملت للشعوب فخلنا‬ ‫َ‬ ‫ظالما فملّا‬ ‫كان هذا احلمى ً‬ ‫وجــرى املــاء سلسبي ًال ُليطفي‬

‫جوهرات البيان صارت كالما‬ ‫فضحت الظالما‬ ‫ت يف أفقه‬ ‫َ‬ ‫ُل َ‬ ‫‪44‬‬ ‫من حشا هذه الربوع اهلواما ‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫األسعد يتوانى عن إنجاز خدمات كبرى تهم منطقة الجنوب‪ ،‬عبر مكاتب‬ ‫له في مناطق جنوبية لتسهيل خدمات الناس في بيروت والجنوب‪ .‬وكان‬ ‫يتشاور مع األعيانية الجنوبية مدنية ودينية ليعرف مطالبهم‪.‬‬ ‫نــال الجنوب بزعامة أحمد األسعد مشاريع متعددة في عهد بشارة‬ ‫الخوري‪ .‬وأتاح له تسلُّ ُمه وزارات في األعوام ‪ 1938‬و‪ ،1942‬و‪ ،1945‬و‪،1946‬‬ ‫و‪ ،1948‬وترأُّ ُسه المجلس النيابي (‪ –1951‬أيار ‪ )1953‬تنفيذ مشاريع مهمة‬ ‫منها‪ :‬افتتاح مستوصفات في النبطية وجزين‪ ،‬مستشفى حكومي مركزي‬ ‫في بلدة تبنين مجهز بالمعدات الالزمة وبمختلف االختصاصات آنذاك‪.‬‬ ‫وحظيت قرى جنوبية بمياه الشرب من نهر الليطاني وأَ ّمن مشروع مياه جبل‬ ‫نج َز بمسعاه (أواخر ‪)1949‬‬ ‫عامل المياه الصحية ألكثر من ‪ 150‬قرية‪ .‬وأُ ِ‬ ‫ـري نحو ‪ُ 50،000‬دنُ ــم وتم تدشينه برعاية‬ ‫مشروع ري سهل القاسمية ل ّ‬ ‫رئيس الجمهورية وبحضور حشد شعبي كبير‪ .‬يومها ألقى األسعد كلمة‬ ‫جدد فيها العهد على توطيد استقالل لبنان وحفظ كيانه‪ .‬وألقى الشاعر‬ ‫ابراهيم بري قصيد ًة‪ ،‬منها‪:‬‬


‫ُيشرك القوى الطائفية األخرى إال بما يناسبه‪ ،‬فتجاهل مطالب النواب‬ ‫وغالبا ما كان يستغل‬ ‫حارما طائفتهم من الوظائف والمشاريع‪،‬‬ ‫الشيعة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫التناقضات في أوساط األعيانية الشيعية فيحرمهم من مقعد وزاري في‬ ‫أكثر من تشكيلة وزارية‪ ،‬أو يمنحه للسيد أحمد الحسيني من شيعة جبل‬ ‫لبنان بدعم من البطريركية المارونية‪.‬‬

‫‪72‬‬

‫الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح مع البطريرك الماروني مار بولس بطرس المعوشي‬

‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫‪ .4‬تداعيات حالة البيك الشعبية‬ ‫على المسرح السياسي اللبناني‬ ‫عشية انتخابات ‪ 1943‬النيابية كان األسعد يمسك بمفاتيح التعامل‬ ‫الطيبة‪ ‬أحادية قيادتها المنطقة بعدما‬ ‫مع مجتمع الجنوب وأعاد لـ ‪‬دار‬ ‫ِّ‬ ‫شاركتها‪ ،‬زمن والده‪ ،‬بلدة كفررمان (النبطية)‪ .‬وعادت األهازيج الشعبية‬ ‫ْ‬ ‫الطيبة‪‬‬ ‫تستوحي مظاهر الحياة فيها‪ ،‬وتحولت مناسبة االنتخابات في ‪‬دار ِّ‬ ‫فرصة مديح آل األسعد بكرمهم وعزهم‪ ،‬وإظهار الصفات الحميدة وإعالن‬ ‫الوالء‪ .‬ومن تلك األهازيج إنشاد صادق شعيب (من قرية الشرقية – قضاء‬ ‫النبطية)‪:‬‬

‫اي ســيــدة الـــعـــذرا الــبــتــول يــــي تــشــفــي لــمــذنــبــن‬ ‫ِ‬ ‫جــــاك غـــام مـــن أصـــول مــن روح رب الــعــاملــن‬

‫وقال آخر‪:‬‬

‫اي بيك شعبك طايـعك انــــت الـــزعـــم الـــوائـــي‬ ‫بــقــلــوبــنــا مــنــبــايـــــك بـــيـــعـــة حمــــمــــد لـــــي‬

‫الطيبة‪:‬‬ ‫ومن األهزوجات في ‪‬دار ِّ‬

‫ابلـــنـــر بـــرقـــنـــا انــتــر والـــنـــاس حــولــوا جتـ َّمـــــوا‬ ‫اندى املـــنـــادي اي برش ال حتـــاربـــوا ا ْلـــــ اهلل معو‬


‫وفي مناسبة أخرى‪:‬‬

‫مـــا زال أمحــــد ابلـــوجـــود مـــا بــتــنــطــوي أعــامــنــا‬ ‫بــتــظــل هـــامـــات األســـود تــســجــد عــــى أقـــدامـــنـــا‬ ‫‪ .5‬أحمد األسعد رئيس الئحة انتخابات الجنوب‬ ‫عام ‪ 1943‬رغم التدخل البريطاني‬

‫‪ 447‬‬

‫‪Foreign Office 226, doc 309, le 25 juillet 1942.‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫‪ 446‬يوسف سالم‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.145–141 .‬‬

‫‪73‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫اكتسبت انتخابات ‪ 1943‬أهمية كبيرة نسب ًة لما سبقها‪ ،‬بسبب صراع‬ ‫خفي بين ممثلي فرنسا وممثلي بريطانيا في بيروت لبسط نفوذهم على‬ ‫المنطقة بعد دخــول الحلفاء الشرق‪ .‬واتخذت المفوضية الفرنسية في‬ ‫عكس‬ ‫بيروت أساليب متعددة للحؤول دون نجاح سياسة المعارضة‪ .‬وهكذا‬ ‫َ‬ ‫تشكيل الالئحة في الجنوب آلية الصراع البريطاني – الفرنسي‪.‬‬ ‫كتب يوسف سالم في مذكراته‪ :‬فاتحني رياض الصلح بترشيحه عن‬ ‫وعرضت عليه موضوع انضمام رياض إلى‬ ‫الجنوب‪ .‬ذهبت إلى أحمد األسعد‬ ‫ُ‬ ‫الئحته‪ .‬كنت أخشى أن تحاربنا السلطة الفرنسية‪ .‬وكانت بين رياض واميل‬ ‫إده صداقة فاستعان به على الفرنسيين وضمن عدم تدخلهم ضد رياض‪.‬‬ ‫وطلب مني رياض أن أقنع أحمد األسعد بضم عادل عسيران إلى قائمته‪.‬‬ ‫قائال له إن اإلنكليز صاروا الكل بالكل وأنت سيد‬ ‫عرضت األمر على األسعد ً‬ ‫العارفين بأن الناس مع الواقف‪ ،‬وأخشى أن يلعب أصحابنا لعبة انكليزية‬ ‫تهورنا‪ .‬فلماذا ال نجلب صديقهم إلى جانبنا ونأمن محاربتهم قائمتنا‪.‬‬ ‫فــوافــق األســع ــد‪ .46‬وعن‬ ‫ت ـ ـقـ ــريـ ــر بـ ــري ـ ـطـ ــانـ ــي أن‬ ‫المستشارين الفرنسيين‬ ‫ب ــريـ ـن ــو ودافـ ـ ـي ـ ــد رف ـضــا‬ ‫تــرش ـيــح عـ ــادل ع ـس ـيــران‬ ‫لصالح نجيب عسيران‪،‬‬ ‫فـ ـت ــدخ ــل ال ـب ــري ـط ــان ـي ــون‬ ‫وت ــراج ــع ال ـفــرن ـس ـيــون‪.47‬‬ ‫وهـ ـك ــذا ت ـشـ ّـك ـلــت الئ ـحــة‬ ‫استقالليا‬ ‫زعيما‬ ‫محمد الفضل‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫يتوسط شخصيات وموظفين لبنانيين‬ ‫بــرئــاســة أحــم ــد األس ـعــد‬


‫وعضوية علي العبد اهلل‪ ،‬ريــاض الصلح‪ ،‬رشيد بيضون‪ ،‬كاظم الخليل‪،‬‬ ‫محمد الفضل‪ ،‬مارون كنعان‪ ،‬يوسف سالم‪ ،‬نسيب غبريل وعادل عسيران‬ ‫بدل يوسف الزين‪ .‬وفازت الالئحة بأكملها‪.‬‬ ‫‪ .6‬تكريس زعامة األسعد في انتخابات ‪1947‬‬ ‫وتداعياتها على العهد‬

‫‪74‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫اختبارا للقوى‬ ‫أول انتخابات نيابية بعد االستقالل (‪ )1947‬كانت‬ ‫ً‬ ‫في الجنوب ما بين الزعامة األسعدية والعسيرانية والزينية والخليلية‬ ‫وخصوصا أن ائتالف ‪ 1943‬بين األسعد والزعامات الجنوبية‬ ‫والصلحية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األخــرى أخفى واقع هذه الزعامات من العائالت والعصبيات الجنوبية‪.‬‬ ‫وكان األسعد (كرئيس حزب النهضة) أجبر رشيد بيضون (رئيس منظمة‬ ‫الطالئع الشيعية) على نقل ترشيحه من الجنوب إلى بيروت تحت ضغط‬ ‫هجمة تعرض لها أنصاره من عناصر ‪‬النهضة‪ ‬بعد تصريحه بأن تيار‬ ‫األسعد‬ ‫ضار بالطائفة الشيعية ‪ .48‬وجرت االنتخابات وفق قانون ‪1943‬‬ ‫ٌّ‬ ‫سعي هنري فرعون لتعديله برفع عدد النواب من ‪ 55‬إلى ‪ 77‬إليجاد‬ ‫رغم ْ‬ ‫المدين بمقعده‬ ‫مقعد كاثوليكي في بيروت كي يستغني عن الظهور بمظهر َ‬ ‫في البقاع لصبري حماده‪.‬‬ ‫عربي كبير‪ ،‬لذا يصعب عليه (كما‬ ‫كان رياض الصلح يعتبر أنه زعيم‬ ‫ّ‬ ‫‪‬مدينا بكرامته ألحمد األسعد كي يحصل‬ ‫يقول حبيب أبو شهال) أن يكون‬ ‫ً‬ ‫‪49‬‬ ‫فشكل الئحة انتخابية‬ ‫ّ‬ ‫بواسطته على مقعد نيابي في مجلس النواب‪، ‬‬ ‫مع عادل عسيران وقادة من الجنوب‪ .‬ويروي الوزير محمد صفي الدين‬ ‫في مذكراته أن الصلح حال دون انضمامه إلى الئحة األسعد‪ ،‬فافتعلت‬ ‫تعمد حاجز‬ ‫السلطة حوادث ضد األسعد معرقل ًة حمالته االنتخابية‪ ،‬حتى ّ‬ ‫درك تفتيش سيارة الست أم كامل عند جسر الخردلي‪ ،‬فثار صهرها وزير‬ ‫وهدد باالستقالة ‪.50‬‬ ‫الداخلية صبري حماده ّ‬ ‫قامت التحديات بين الالئحتين خالل الجوالت االنتخابية‪ .‬واعتقد‬ ‫أنصار األسعد أن الرئيس بشارة الخوري يدعم الئحة الصلح–عسيران‪،‬‬ ‫‪ 448‬بحث علي شعيب عن صراع منظمتي ‪‬الطالئع‪ ‬و‪‬النهضة‪ ‬في كتاب‪ :‬الشيعة‬ ‫في لبنان من التهميش إلى المشاركة الفاعلة‪ ،‬دار المعارف الحكمية‪ ،2012 ،‬بيروت‪،‬‬ ‫ص‪.311–281 .‬‬ ‫‪ 449‬سالم الراسي‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.84 .‬‬

‫‪ 550‬محمد صفي الدين‪ ،‬المصدر المذكور‪ ،‬ص‪.84 .‬‬


‫ت‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫فرددوا زجليا ٍ‬

‫اي رايض خـــر دولــتــك ســلــطــانــنــا أمحـــــد طـــال‬ ‫واي بــشــارة وســع شوفتك حنــــن محـــــاة االســـتـــقـــال‬

‫وفي مناسبة أخرى‪ ،‬وفق سالم الراسي‪:‬‬

‫طــــر اـل بـــيـــطـــر بــنــذحبــو وقــلــب الـــعـــدوّ بنجرحو‬ ‫بــنــشــيــل بــــدر مـــن الــمــا وحنــــــط أمحــــــد مــطــرحــو‬ ‫اي مشــــس يـــلـــي ابلــمــا ضــــوي درب أجمــــادان‬ ‫جــــريــــل اندى ابلــمــا عــــــــادل زعــــــم بـــــادان‬

‫رئيسا لمجلس النواب‬ ‫الرئيس كميل شمعون وأحمد األسعد ً‬

‫‪ 551‬الرئيس بشارة الخوري‪ ،‬المصدر المذكور‪ ،‬ص‪.360 .‬‬

‫‪75‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫واعترف الرئيس بشارة الخوري في مذكراته بنوايا الصلح ضد األسعد‪.‬‬ ‫وعندما شعر بهيمنة الئحة األسعد في الجنوب أقنع خالد شهاب باالنسحاب‬ ‫فيكون رياض الصلح في الالئحتين‪ .‬وصادف الخوري صعوبات بادئ األمر‬ ‫لكنه وصل إلى نتيجة مع األسعد نفسه‪ .51‬وبالمقابل رفض األسعد مطلب‬ ‫الصلح بتشكيل الالئحة‪ ،‬وق ِب َل طلب رئيس الجمهورية بنقل ترشيح جوزف‬ ‫يؤمن‬ ‫سكاف ابن زحلة للمقعد الكاثوليكي في الجنوب بدل يوسف سالم كي ّ‬ ‫نجاح هنري فرعون في البقاع‪ .‬وتقاطعت مذكرات محمد صفي الدين ويوسف‬ ‫سالم وبشارة الخوري حول موقف األسعد من وساطة رئيس الجمهورية‪.‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫ومن حداء أنصار عادل عسيران في الالئحة المقابلة‪:‬‬


‫جــرت االنتخابات فــي الجنوب بين الئحتين‪ :‬أولــى برئاسة األسعد‬ ‫ترافقا مع صدامات في قرى جنوبية‬ ‫واألخــرى برئاسة عــادل عسيران‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بالعصا والحجارة‪ .‬وفي صور تعرض أحمد األسعد لمحاولة اغتيال من‬ ‫فؤاد عسيران‪ ،‬وفازت الئحة األسعد بأكملها باستثناء علي بدر الدين الذي‬ ‫حل مكانه عادل عسيران‪.‬‬ ‫الطيبة‪ ‬حضره‬ ‫عند فوز الالئحة األسعدية قام احتفال كبير في ‪‬دار ِّ‬ ‫رئيس الوزراء رياض الصلح‪ .‬وكعادته دعا البيك البلدات الجنوبية للمشاركة‬ ‫في االحتفال فلبت الدعوة وتعالت القصائد في مديح الزعيم األسعدي‪.‬‬ ‫منها دخول وفد قرية دير الزهراني (قضاء النبطية) وهو يردد‪:‬‬

‫النا ارشاف مكة واحلرض مــن بــعــد مــا تـــوىف النيب‬ ‫اهلل جــعــل ســــود احلــجــر بِـــركـــن ‪‬دار‬

‫وفي الوداع قال مختار دير الزهراني‪:‬‬ ‫‪76‬‬

‫الــط ـ ِّيــبــة‪‬‬

‫ملــا اســتــنــار الــبــدر تأكدان فــلــيــهــد الـــرمحـــن وهشـــدان‬ ‫لــلــزعــامــة دار أمحـــد بك وكــعــبــة اإلســـــام عــبــدان‬

‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫ومن هتافات قرية أخرى‪:‬‬

‫اي بــك أخـــذت االمــتــيــاز مــن فــوق عــرش السلطنة‬ ‫أم الــقــرى بـــأرض احلــجــاز وأم قـــــــراان الــطــ ِّيــبــة‬ ‫ومن الردات الشائعة في الذاكرة الجنوبية‪:‬‬

‫ال ســيــف إال ذو الــفــقــار وال فــــــى إال عــي‬ ‫وَال زعـــــم بــيــنــذكــر إال سليةل وائيل (أرسة عيل الصغري)‬

‫‪52‬‬

‫من تداعيات انتخابات ‪ 1947‬رغبة بشارة الخوري بتجديد واليته‪ .‬وكان‬ ‫أحمد األسعد من أنصار التجديد‪ .‬وعندما عدل الدستور (أيــار ‪)1948‬‬ ‫لصالح التجديد تجمع أنصار األسعد واتجهوا إلى بيروت وهم يرددون‪:‬‬

‫حنــــن عـــدلـــنـــا ادلســـتـــور وادلســـــتـــــور مــــا عــدلــنــا‬ ‫كرمال عينك أمحــد بك املـــــوت بـــبـــوز مــعــدلــنــا‬

‫رئيسا للبرلمان‬ ‫توج األسعد‬ ‫ً‬ ‫‪ .7‬الفوز الباهر في انتخابات ‪ّ 1951‬‬

‫بعد انتخابات ‪ 25‬أيــار ‪ 1947‬تم تعديل الدستور والتجديد للرئيس‬ ‫بشارة الخوري قبل انتهاء واليته بنحو سنة‪ .‬تألفت لجنة من قوى سياسية‬

‫‪ 552‬مجلة الشراع‪ ،‬الحلقة ‪.15‬‬


‫واخلـــيـــل خــاضــت ابدلمـــا والــــفــــوز النب األســـعـــد‬ ‫والـــنـــر مـــن رب الــمــا مكتوب َع جهبة أمحد‬ ‫‪53‬‬ ‫والفضل سلطان اجلنوب والفـــوز لدلكتـــور عـــي‬ ‫عـــــادل بــصــيــدا جــنــاحــنــا وكــاظــم بــصــور سالحنا‬ ‫والــــــزني مــلــجــأ لــلــعــمــوم بــنــبــايــعــوا بـــأرواحـــنـــا‬

‫يعزو بشارة الخوري في مذكراته سبب نجاح الئحة األسعد بأكملها‬ ‫إلــى توليه ال ــوزارة مــدة طويلة وخدماته المتواصلة للناس‪ ،‬ولكن ذلك‬ ‫كافيا لو لم تدعمه شعبية ال منازع له فيها‪ ،‬فهو صاحب‬ ‫وحده لم يكن ًّ‬ ‫الكلمة النافذة في الجنوب‪ .54‬ويعزو النائب محمد صفي الدين نجاح‬ ‫‪‬ليستة‪ 14 ‬إلى مواهب لألسعد جعلته سيد الموقف سنوات عديدة‪،‬‬ ‫عز وعنفوان في تاريخ جبل‬ ‫وإلى كونه سليل عائلة معروفة ذات مواقف ّ‬ ‫عامل‪ .‬وكانت الئحة عسيران الخاسرة تضم جعفر شرف الدين (ابن‬ ‫السيد عبد الحسين شــرف الــديــن)‪ ،‬المطران بولس الـخــوري (راعــي‬ ‫أبرشية مرجعيون وصور للروم األرثوذكس)‪ ،‬كاظم الخليل‪ ،‬نزيه البزري‪،‬‬ ‫عزت الزين (ابن يوسف الزين)‪.‬‬ ‫وفوز ليستة األسعد أوصله إلى رئاسة المجلس النيابي وتكريسه على‬ ‫زعامة الجنوب‪ .‬جــذب إليه الطامحين إلــى النيابة لعائالت شيعية من‬ ‫نائ َبا النبطية‪.‬‬ ‫‪ 553‬محمد الفضل وعلي بزي ِ‬

‫‪ 554‬الرئيس بشارة الخوري‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.36 .‬‬

‫‪77‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫ومن أنصار عسيران هذا الحداء‪:‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫متضررة من عهد بشارة الخوري‪ ،‬وفقدت أحد أركانها بوفاة إميل اده عام‬ ‫ونفسيا على الشيخ بشارة‬ ‫سلبيا‬ ‫تأثيرا‬ ‫‪ .1949‬ترك جو انتخابات ‪1947‬‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫شخصيا‬ ‫عليها‬ ‫يشرف‬ ‫وأن‬ ‫مختلفة‬ ‫‪1951‬‬ ‫الخوري‪ .‬حاول أن تكون انتخابات‬ ‫ًّ‬ ‫فشكل حكومة حيادية مختصرة برئاسة الحاج حسين العويني وعضوية‬ ‫ّ‬ ‫ادوار نون وبولس فياض وبدون مشاركة شيعية‪ .‬ومع االستعداد لالنتخابات‬ ‫واستعد المتضررون بشعار ‪‬ال شرعية للوالية الثانية‪ ‬مع حملة‬ ‫تهيأ العهد‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫عنيفة استمدت عناصرها من معطيات إنتخابات ‪ 25‬أيار‪ .‬جرت االنتخابات‬ ‫مترافقة مع رفع عدد النواب من ‪ 55‬إلى ‪ ،77‬وتنافست في الجنوب الئحتان‪:‬‬ ‫أولى برئاسة عادل عسيران واألخرى برئاسة أحمد األسعد باتفاق تام مع‬ ‫رياض الصلح وعودة العالقة بين األسعد وعلي بزي في بنت جبيل‪ .‬ضمت‬ ‫وشبابا فنجحت ‪‬ليستة ‪ 14‬بأكملها في ظل الحوربة بين‬ ‫الالئحة مثقفين‬ ‫ً‬ ‫الالئحتين‪ ،‬وأطلق أنصار األسعد زجليةً‪ ،‬منها‪:‬‬


‫الصف الثاني ومن ال صف لهم‪ .‬وأطلق فوز ‪‬ليستة الــ ‪ 14‬زجليات من‬ ‫أنصار األسعد‪ ،‬بينها‪:‬‬

‫دوخـــت مججمة الــزمــان اي وائـــــل وهشـــــدو الــبــر‬ ‫وجهك سطع يف الربملان كــالــبــدر ابلـــرابـــع عرش‬

‫وأيضا‪:‬‬ ‫ً‬

‫شــفــنــا الــمــا شــتــت مجى وأرض اجلــمــاجــم حــامــه‬ ‫مــا مننتخب حتــت المسا إال الــــزعــــم الــــوائــــي‬

‫‪78‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫‪ .8‬اغتيال رياض الصلح‪ :‬األسعد النتخابات فرعية‬ ‫لتصفية حساب مع آل الصلح‬ ‫في ‪ 16‬تموز ‪ 1951‬قام عضو في الحزب السوري القومي االجتماعي‬ ‫عمان‪ .‬وبعد انقضاء فترة الحداد تداول الوسط‬ ‫باغتيال رياض الصلح في ّ‬ ‫السياسي اللبناني من يخلفه للمقعد النيابي في محافظة الجنوب‪ .‬فالعائلة‬ ‫طائفيا‪ ،‬وقــادة‬ ‫الصلحية يدعمها أرك ــان حــزب ال ـنــداء القومي المتنوع‬ ‫ًّ‬ ‫سياسيون جنوبيون يفضلون ترشيح تقي الدين الصلح أو شقيقه كاظم‪،‬‬ ‫مرشحا‬ ‫فيما سياسيون آخــرون (على رأسهم أحمد األسـعــد) يفضلون‬ ‫ً‬ ‫صيداويا خارج عائلة الصلح‪ .‬ويذكر الشيخ بشارة الخوري في مذكراته‬ ‫ًّ‬ ‫توسطَ حميد فرنجية معه لتوجيه اإلدارة صوب إنجاح تقي الدين الصلح‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫خصوصا من رئيس‬ ‫الترشيح‪،‬‬ ‫هذا‬ ‫قاومت‬ ‫صعوبات‬ ‫وجد‬ ‫الخوري‬ ‫لكن‬ ‫ً‬ ‫الــوزراء عبد اهلل اليافي ورئيس المجلس أحمد األسعد ‪‬صاحب الكلمة‬ ‫النافذة في الجنوب‪ ،‬ومن شخصيات أخرى لها وزنها‪.‬‬ ‫أصفياء رياض الصلح في الجنوب‪ ،‬في طليعتهم‬ ‫موقف األسعد‬ ‫استنكر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫النائب علي بزي (من مؤسسي حزب النداء القومي) المبادر من نواب‬ ‫ـرد األسعد في ساحة بنت جبيل‬ ‫‪‬ليستة ‪ 14‬إلى شق عصا الطاعة‪ ،‬فـ َّ‬ ‫بالوقوف على أرضية الخصومة التقليدية بين عائلتي بزي وبيضون‪ .‬صالح‬ ‫عبد اللطيف بيضون وقال لمحازبيه‪ :‬كاظم الصلح بحزب النداء‪ .‬اللي‬ ‫بحزب الندا هو مع حزبو مش مع الوطن‪ ،‬إنتو مع الندا أم مع الوطن‪‬؟‬ ‫طبعا مع الوطن‪ .‬وما إن انتهى األسعد من‬ ‫فصرخ المحازبون‪ :‬نحن ً‬ ‫خطبته حتى عقد الحاضرون حلقة دبكة‪ ،‬ومعهم األسعد‪ ،‬هازجين ساخرين‬ ‫على أنغام المجوز‪ :‬عالندا يا عيني عالندا‪.55‬‬ ‫‪ 555‬بحث منذر جابر في كتاب‪ :‬التمثيل الشعبي واالنتخابات في لبنان‪ ،‬منشورات‬ ‫الجامعة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪ ،2005 ،‬ص‪.455–429 .‬‬


‫‪ .9‬عهد كميل شمعون امتحان لشعبية أحمد األسعد‬ ‫‪1.1‬األسعد من مؤيد لتجديد والية الخوري‬ ‫إلى مناصرة شمعون في الرئاسة‬

‫‪ 556‬عادل ارسالن‪ ،‬مذكرات‪ ،‬تحقيق يوسف ِإبش‪ ،‬ج‪ ،3‬بيروت‪ ،1983 ،‬الدار التقدمية‬ ‫للنشر‪ ،‬ص‪.1138 .‬‬ ‫‪ 557‬يوسف سالم‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.355 .‬‬

‫‪79‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫عن عــادل أرســان في مذكراته ‪‬لــوال أحمد األسعد وصبري حمادة‬ ‫لكانت المعارضة في عام ‪ 1951‬ذات أكثرية ساحقة‪ .56‬مع التجديد لبشارة‬ ‫الـخــوري تــدهــور الــوضــع السياسي الداخلي بسبب تسلط المقربين من‬ ‫الرئيس على مقاليد السلطة‪ .‬وعلى الصعيد الخارجي تدهورت العالقة مع‬ ‫سوريا بسبب طرد العمال السوريين‪ ،‬وانحراف الخوري على مبادئ الميثاق‬ ‫بتبني مبدأ ترومان (‪ 29‬أيار ‪ )1951‬وتوقيع حكومة الحاج حسين‬ ‫الوطني ّ‬ ‫تشكلت عام ‪ 1952‬جبهة‬ ‫ردا على ذلك ّ‬ ‫العويني على قبول ‪‬النقطة الرابعة‪ً .‬‬ ‫شديدا ضد رئيس الجمهورية‬ ‫نضاال‬ ‫ً‬ ‫معارض ٌة العهد خاضت مع قوى أخرى‬ ‫ً‬ ‫وفعال‪ :‬بعد مؤتمر الجبهة (دير القمر – ‪ 16‬أيلول‬ ‫إلرغامه على االستقالة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ )1952‬استقال بشارة الخوري (‪ 18‬أيلول) بعدما فشله في إنزال الجيش‬ ‫واستيعاب المعارضة‪ .‬وكان عادل عسيران شارك في مؤتمر دير القمر فيما‬ ‫مق ًنعا إياه بعدم االستقالة‪.‬‬ ‫أحمد األسعد وقف إلى جانب الخوري ْ‬ ‫استقالة بشارة الخوري فتحت معركة رئاسة الجمهورية بين حميد‬ ‫فرنجية وكميل شمعون الذي‪ ،‬وفق يوسف سالم في مذكراته‪ ،‬ربح الرئاسة‬ ‫بتأييد بريطانيا والرئيس السوري أديب الشيشكلي الذي َّأثر على أصوات‬ ‫النواب المسلمين – ومنهم أحمد األسعد – لتأييد كميل شمعون‪.57‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫اعتراضا من وجهاء في النبطية‬ ‫وفي النبطية فقد واجه موقف األسعد‬ ‫ً‬ ‫تاريخيا بعائلة الصلح‪ ،‬اجتمعوا في دارة الشيخ أحمد رضا‬ ‫مرتبطين‬ ‫ًّ‬ ‫بحضور الشيخ سليمان ظاهر وسعيد الصباح وأبــو شكيب جابر ونقلوا‬ ‫وجهة نظرهم إلى لقاء بأحمد األسعد في دارة بهيج الفضل‪ ،‬قال فيه‬ ‫األسعد‪ :‬مرشح رئيس بلدية صيدا وأحد أعيانها‪ ،‬وهو من ‪‬السياد‪،‬‬ ‫ووتد جحا (ويقصد آل الصلح) صار عمره ‪ 75‬سنة وحان وقت اقتالعه‪.‬‬ ‫وفي انتخابات ‪ 10‬أيلول ‪ 1951‬سقط كاظم الصلح بهزيمة قاسية (‪5126‬‬ ‫صوتا)‪.‬‬ ‫صوتا) وفاز صالح البزري (‪17975‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫‪2.2‬انتخابات ‪ 1953‬انتكاسة لشعبية األسعد‬

‫‪80‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫دشن كميل شمعون عهده بإعادة ترتيب التركيبة النيابية كي تنسجم‬ ‫َّ‬ ‫مع نزعاته وسياسته‪ .‬قبل انتهاء واليــة المجلس النيابي المنتخب عام‬ ‫‪( 1951‬تنتهي الـعــام ‪ )1955‬حـ ّـل المجلس ودعــا الهيئات الناخبة إلى‬ ‫انتخابات جديدة في تموز ‪ 1953‬بقانون انتخابي جديد قلّ ص عدد النواب‬ ‫من ‪ 77‬إلى ‪ ،44‬وقضى بإجراء االنتخابات على أساس الدائرة الصغيرة‬ ‫بدل الئحة بكل أقضية المحافظة‪ .‬وكــان شمعون بذلك يضمر تقليص‬ ‫المعارضة سياسته في المجلس النيابي ومنها‬ ‫نفوذ التكتالت النيابية‬ ‫ِ‬ ‫‪58‬‬ ‫مبكرا فتحت معركة‬ ‫أحمد األسعد كما يقول كمال جنبالط ‪ .‬وانفتحت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضغطا‬ ‫ضد أحمد األسعد لتقليص شعبيته في الجنوب إذ كانت تشكل‬ ‫على كل عهد أو قوة تسعى للتمدد في هذه المنطقة‪ .‬استعان العهد عليه‬ ‫ببعض معارضيه من طائفته‪ .‬وعن األمير عادل أرسالن في مذكراته أن‬ ‫الطيبة برئاسة حسن األسعد تواطأ مع‬ ‫الحزب التقدمي االشتراكي في‬ ‫ِّ‬ ‫مخفر الــدرك في افتعال معركة مع أنصار أحمد األسعد أسفرت عن‬ ‫مقتل أحدهم‪.‬‬ ‫تنافس على االنتخابات النيابية في الجنوب عــادل عسيران وأحمد‬ ‫ولكل منهما مرشحون في دوائر الجنوب التسعة‪ ،‬ففاز أربعة من‬ ‫األسعد‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫الئحة األسعد (هو وابنه كامل األسعد ومارون كنعان ونقوال سالم) وفاز من‬ ‫الئحة عسيران نزيه البزري ويوسف الزين وكاظم الخليل‪.‬‬ ‫بهذا الهجوم على األسعد فاز خصمه عادل عسيران برئاسة المجلس‬ ‫النيابي في دورة ‪ 1953‬وطيلة عهد شمعون‪ .‬ولم تفز كتلة األسعد طيلة‬ ‫العهد بأية حقيبة وزارية بل كان التضييق على األسعد والتعدي على أنصاره‬ ‫سمة العالقة بينه وبين شمعون‪ .‬لجأ األسعد إلى أنصاره يتحصن بهم‬ ‫فاستعان عليه شمعون برؤساء وزارات بينهم عبد اهلل اليافي رأس الحربة‬ ‫الطيبة بحجة‬ ‫في مواجهة األسعد‪ ،‬فألغى بالقوة المسلحة مهرجانً ا له في ِّ‬ ‫‪59‬‬ ‫الطيبة‪‬‬ ‫قربها من الحدود مع فلسطين ‪ .‬لكن أنصار األسعد قصدوا ‪‬دار ِّ‬ ‫شيا عبر البراري والوديان وبلغوها وهم يرددون‪:‬‬ ‫َم ً‬

‫عــنــدان اجلـــنـــوب وقــوتــه بــيــــــــز فـــيـــه أســـيـــادان‬ ‫ومشـــعـــون فــيــنــا منــ ّوتــو ان ضاعت حقوق بالدان‬

‫‪ 558‬كمال جنبالط‪ ،‬حقيقة الثورة اللبنانية‪ ،‬دار النشر العربية‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪،1959 ،‬‬ ‫ص‪.117 .‬‬ ‫‪ 559‬جريدة الديار‪.1953/11/14 ،‬‬


‫‪3.3‬المطالبة بإسقاط حكومة اليافي في الشارع‬

‫‪ 660‬جريدة الديار‪.1953/11/13 ،‬‬

‫‪ 661‬جريدة الجريدة‪ 10 ،‬آذار ‪.1954‬‬ ‫‪ 662‬جريدة الجريدة‪ 11 ،‬آذار ‪.1954‬‬

‫‪81‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫في آذار ‪ 1954‬ألقى كامل األسعد في المجلس النيابي كلم ًة هاجم فيها‬ ‫هما األب واالبن بأنهما يريدان تخريب‬ ‫رد َّ‬ ‫حكومة عبد اهلل اليافي الذي ّ‬ ‫مت ً‬ ‫يتوعـد الحكومة‪ .‬وفي الجلسة‬ ‫البلد‪ .‬أثار هذا الكالم أحمد األسعد فخرج َّ‬ ‫النيابية التالية حضر حشد كبير من أنصاره إلى ساحة البرلمان‪ ،‬فتدخل‬ ‫ْ‬ ‫وشطب اتهام اليافي من محضر الجلسة السابقة‪ .‬خرج‬ ‫النواب لـ ‪‬لفلفة‪‬‬ ‫معلنا أمــام أنصاره هزيمة رئيس الحكومة فهتف أنصاره‬ ‫أحمد األسعد ً‬ ‫وصفقوا وانطلقوا في مسيرة على رأسها األسعد وابنه كامل حتى إذا بلغوا‬ ‫مخفر البسطة انهمر الرصاص على المتظاهرين فسقط قتيل وبضعة‬ ‫جرحى‪ .‬ســارع أحمد األسعد برفع برقية إلى رئيس الجمهورية‪ :‬نُ علم‬ ‫فخامتكم والرأي العام بهذه الحادثة‪ .‬والتاريخ ولبنان بانتظار نتائج هذا‬ ‫التقرير‪ .61‬وفي ‪ 11‬آذار صــدرت جريدة ‪‬الجريدة‪ ‬بعنوان‪ :‬األسعد‬ ‫ينظم مظاهرات إلسقاط اليافي‪ ،‬األخير يتهم األسعد بمحاولة تخريب‬ ‫تدخل األمير‬ ‫وطلب من القضاء رفع الحصانة عن نائب‬ ‫بيروت‬ ‫الطيبة‪ّ .62‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫وأصر األسعد على استقالة‬ ‫مجيد أرسالن لحل المشكلة فلم تهدأ األمور‬ ‫ّ‬ ‫الحكومة‪ .‬في ‪ 3‬أيــار صــدر في الصحف أن أحمد األسعد ونجله كامل‬ ‫ّيتهمان أنصار اليافي بحوادث البسطة‪ ،‬ويتصل برئيس الجمهورية ويطلب‬ ‫استقالة الحكومة‪ ،‬وتالزم ذلك مع إعالن األسعد خياره اإلقليمي بانحيازه‬ ‫إلى مشروع عبد الناصر في المنطقة العربية‪ .‬وفي صحف ‪ 3‬تموز ‪1954‬‬ ‫ْذك ُر مهرجان جماهيري حاشد بحضور سامي الصلح والصحافي غسان‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫ونـجــح األس ـعــد بتنظيم مـهــرجــان حــاشــد فــي الغبيرة رغــم إج ــراءات‬ ‫حامال بشدة‬ ‫ابنه كامل األسعد‬ ‫ً‬ ‫أمنية للحؤول دون نجاحه‪ ،‬خطب فيه ُ‬ ‫على السياسة المحلية‪ .60‬وسنة ‪ 1954‬تجاوز الخالف بين األسعد والعهد‬ ‫ـورا محلية إلى أمور إقليمية بعد تطورات المنطقة العربية‬ ‫الشمعوني أمـ ً‬ ‫إثر ثورة ‪ 23‬تموز في مصر بقيادة جمال عبد الناصر وسعيه لقيادة محور‬ ‫عربي يناهض المشاريع الغربية في وجه محور آخر تقوده بغداد بقيادة‬ ‫ٍّ‬ ‫ت الغرب في المنطقة‪ ،‬تعاطف‬ ‫نوري السعيد رئيس الوزراء‬ ‫ِ‬ ‫المؤيد طروحا ِ‬ ‫معه كميل شمعون‪.‬‬


‫تويني والسيد صالح سالم مدير مكتب جمال عبد الناصر‪ 63‬ردد فيه أنصار‬ ‫األسعد‪:‬‬

‫اي بـــك أمحــــد ســطــوتــك هتـــز هلـــا أســــود الــزمــان‬ ‫ومهما احلكومة تقلبت بتكون رئيس الربملان‬

‫‪82‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫عنيدا قرار العهد الشمعوني في المواجهة َمن يعترض سياسته‬ ‫وبقي‬ ‫ً‬ ‫وعلى رأسهم أحمد األسعد‪ ،‬وفي الصحف ْذك ُر مواجهات بين األسعد وعهد‬ ‫كميل شمعون كم يلي‪:‬‬ ‫الطيبة‪ ،‬وكانت‬ ‫*‪ 11 ‬آب‪َ :‬‬ ‫حسن األسعد يستلم محاصيل المزارعين في ِّ‬ ‫الطيبة‪.‬‬ ‫تسلَّ م إلى ‪‬دار ِّ‬ ‫تجمعا ألحمد األسعد لدى دارته‬ ‫يصد‬ ‫*‪ 27 ‬آب‪ :‬حاجز قوى األمن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫في خلدة‪.64‬‬ ‫حمل التحقيق‬ ‫*‪ 7 ‬تشرين الثاني‪ :‬مضبطة االتهام في حادث البسطة ُي ّ‬ ‫فيها أنصار األسعد مسؤولية افتعال المشكلة‪ ،‬يمنع المحاكمة عن اآلخرين‪،‬‬ ‫محرضا على حادث البسطة وما سبقها‪ ،‬ويطلب من‬ ‫الطيبة‬ ‫ويعتبر نائب‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫القضاء رفع الحصانة عنه‪.65‬‬ ‫*‪ 11 ‬تشرين الثاني‪ :‬اشتباك بين أنصار أحمد األسعد وأنصار قريبه‬ ‫الطيبة ‪.66‬‬ ‫حسن األسعد في ِّ‬ ‫*‪ 25 ‬تشرين الثاني‪ :‬تقرير الزعيم سيمون زوين قائد الدرك آنذاك‬ ‫الطيبة شخصين من البلدة‬ ‫أن وراء االعتداء على سيارة أحمد األسعد في ِّ‬ ‫الطيبة لظنهما أنها السيارة التي استعملت لنقل‬ ‫قُ ِتل والدهما في حادث‬ ‫ِّ‬ ‫‪67‬‬ ‫األسلحة إلى جماعة األسعد في الحادث الذي أدى إلى مقتل والدهما ‪.‬‬ ‫وجــاء الــرد على هذا الهجوم بمزيد من طرح مواضيع وطنية ذات طابع‬ ‫سؤاال إلى‬ ‫ً‬ ‫ف سياسة كميل شمعون‪ ،‬منها رفْ ُع النائب كامل األسعد‬ ‫مخال ٍ‬ ‫الحكومة بشأن إطــاق النار على طلبة تظاهروا في الجامعة األميركية‬ ‫(‪ )1954/3/27‬ضد األحالف الغربية‪ ،‬وقُ ِت َل حسان أبو إسماعيل وأصيب‬ ‫بالشلل الطالب مصطفى نصر اهلل‪.68‬‬ ‫‪ 663‬جريدة الجريدة‪ 3 ،‬آب ‪.1954‬‬ ‫‪ 664‬جريدة الديار‪ 27 ،‬آب ‪.1954‬‬

‫‪ 665‬جريدة الجريدة‪ 7 ،‬تشرين الثاني ‪.1954‬‬ ‫‪ 666‬جريدة الديار‪ 11 ،‬تشرين الثاني ‪.1954‬‬

‫‪ 667‬قيادة الدرك‪ ،‬عدد ‪ 22989‬تاريخ ‪.1954/11/25‬‬

‫‪ 668‬محضر جلسات مجلس النواب‪ ،‬الجلسة الرابعة‪ ،‬دورة ‪ 23‬تشرين الثاني ‪.1954‬‬


‫‪ 770‬جريدة البيرق‪ 31 ،‬آذار ‪.1955‬‬

‫‪ 771‬جريدة األخبار‪ 22 ،‬آيار ‪.1955‬‬

‫‪ 772‬جريدة الطيار‪ 25 ،‬تشرين األول ‪.1955‬‬

‫‪ 773‬جريدة الجريدة‪ 9 ،‬تشرين األول ‪.1955‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫‪ 669‬كمال جنبالط‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.55 .‬‬

‫‪83‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫‪4.4‬أحمد األسعد قرر إزالة العهد بمناسبة طرح األحالف الغربية‬ ‫الصراع ضد األحالف في عهد كميل شمعون تزايد فيه العنف والتحدي‬ ‫التيار الناصري‪ .‬وفكرة‬ ‫كلّ ما اقتربت سياسة الرئيس إلى الحلف المعادي‬ ‫َ‬ ‫(تردد بشارة الخوري في تأييدها إلى جانب مصر وسوريا‬ ‫الدفاع المشترك َّ‬ ‫ورفضتها جامعة الدول العربية‪ ،‬عدا العراق) لم تردع الدول الغربية من‬ ‫ْ‬ ‫إعادة طرحها في عهد الرئيس شمعون تحت إسم ‪‬حلف بغداد‪ ‬الذي بدأ‬ ‫رسميا في مطلع ‪( 1955‬مشروع‬ ‫الحديث عنه في آذار ‪ 1954‬وأعلن عنه‬ ‫ًّ‬ ‫دفــاع مشترك بين إيــران وتركيا وباكستان والـعــراق وبريطانيا بمساندة‬ ‫تردد كميل شمعون في قبول‬ ‫أميركية لتطويق المد الشيوعي في الشرق)‪ّ .‬‬ ‫ُ‬ ‫تعاطفه مع ‪‬حلف بغداد‪ ‬ظهر من توقيت زيارته إلى تركيا‬ ‫المشروع‪ ،‬لكن‬ ‫(يرافقه رئيس الــوزراء سامي الصلح) فيما أنقرة تحشد جيوشها على‬ ‫ً‬ ‫الحدود السورية‬ ‫ـردد الرئيس‬ ‫ضغطا عليها لالنضمام إلى الحلف‪ .69‬وتـ ُّ‬ ‫شمعون من حلف بغداد دفع أحمد األسعد إلى القول في حديث باسم‬ ‫أي دولة عربية به أو بأي حلف‬ ‫كتلة نواب الجنوب إنه يفضل ّأال ترتبط ُّ‬ ‫مــن األح ــاف الغربية‪ ،‬فتحفظ للعرب وحدتهم وكيانهم مــن االنشقاق‬ ‫فيظهرون أمام عدوهم المشترك إسرائيل بمظهر الضعيف المنقسم على‬ ‫نفسه‪ .70‬وفي ‪ 22‬أيار ‪ 1955‬أشارت جريدة ‪‬األخبار‪ ‬إلى بشجب األسعد‬ ‫الحلف التركي‪ /‬العراقي‪ .71‬وترافق ذلك بالدعوة إلى مهرجان في النبطية‬ ‫واجتماع األسعد ورئيس الحكومة رشيد كرامي بحضور الصحافي عبد‬ ‫اهلل المشنوق في منزل محمد صفي الدين حيث وعد كرامي بانضمامه‬ ‫قريبا إلى صفوف المعارضة‪ .72‬وألن معارضة األحالف عزمت على الخروج‬ ‫ً‬ ‫من مواقف االنتقاد إلى تقديم المطالب والتكتل‪ ،‬اجتمع حميد فرنجية‬ ‫وسليمان العلي وأركــان الحزب الدستوري وقــرروا المشاركة في مهرجان‬ ‫بعيدين عن هذه االتصاالت‪.73‬‬ ‫النبطية‪ ،‬ولم يكن كمال جنبالط وريمون إده َ‬ ‫وفي ‪ 1955/10/22‬ذكرت جريدة الجريدة أن زيارة األسعد إلى دمشق كانت‬ ‫مطوال ولمس منه عدم رضى‬ ‫ً‬ ‫موفقة إذ اجتمع بالرئيس شكري القوتلي‬ ‫يسهل عالقات قوية بين‬ ‫ال‬ ‫شعور‬ ‫عن العهد الشمعوني ألسباب كثيرة وهو‬ ‫ّ‬


‫‪84‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫البلدين‪ .74‬قال األسعد للقوتلي ‪‬لم نقصدكم لتساعدونا في لبنان‪ ،‬فنحن ال‬ ‫نرضى أن نفرط بحبة تراب من أرضنا‪ ،‬إنما أتينا لنساعدكم على الوقوف‬ ‫ضد حلف بـغــداد‪ .75‬وفي عدد آخر ورد في الجريدة‪ :‬فرنجية يحذّ ر‬ ‫السلطة من االعتداء على األسعد‪ ،‬وينذر بحشد مؤيديه ومؤيدي جنبالط‬ ‫لعقد إلى جتماعات شعبية صاخبة‪.76‬‬ ‫هكذا تزايد حلف األسعد والتقى جنبالط الذي أعلن قراره بمعارضة‬ ‫شمعون حتى يزول عهده وسيتعاون مع المخلصين ألن المسؤول عن العهد‬ ‫لم يعد يمكن التعاون معه لإلصالح‪ .77‬رد العهد الشمعوني على نشاط أحمد‬ ‫األسعد باضطهاد معارضيه وصدور مذكرة النائب العام التمييزي بطلب رفع‬ ‫الحصانة عنه وإرسالها إلى وزير العدل‪ ،‬مع حملة قادها النائب كاظم الخليل‬ ‫(المحسوب على العهد) ضد أحمد األسعد‪ .‬وقمت القوى األمنية بتفتيش‬ ‫الطيبة وعثرت على بندقيتين وختمته بالشمع األحمر‪.78‬‬ ‫دارة األسعد في ِّ‬ ‫وفشلت دعــوة الرئيس كميل شمعون إلى اجتماع في بيروت للملوك‬ ‫والرؤساء العرب (‪ 13‬تشرين الثاني ‪ )1956‬لمساندة مصر إبان العدوان‬ ‫الثالثي عليها الذي ُعرف بـ ‪‬أزمة السويس‪ ،‬إذ لم يبادر شمعون (على‬ ‫غرار الدول العربية) بقطع العالقات الدبلوماسية مع فرنسا وبريطانيا‪،‬‬ ‫فاستغلت المعارضة هذا الفشل وطالب أحمد األسعد في جلسة نيابية (‪27‬‬ ‫تشرين الثاني ‪ )1956‬بـ ‪‬قطع هذه العالقات‪ ،‬فلبنان مستقل بكيانه‪ ،‬وهو‬ ‫عمليا والقضية‬ ‫دوليا والمصلحة المشتركة‬ ‫ً‬ ‫عربي باسم موجبات الجوار ً‬ ‫سير في موكب‬ ‫انكماش‬ ‫أو‬ ‫تردد‬ ‫كل‬ ‫عن‬ ‫واقعيا‪ .‬ويجب االبتعاد‬ ‫القومية‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫‪79‬‬ ‫العروبة‬ ‫حرصا على سالمة الوطن‪ . ‬وقبل هذا التصريح استقال رئيس‬ ‫ً‬ ‫الحكومة عبد اهلل اليافي والوزير صائب سالم‪ ،‬واجتمع في منزل هنري‬ ‫فرعون (‪ 14‬آب ‪ )1956‬األسعد وحبيب أبو شهال وبيار الجميل وسامي‬ ‫الصلح وحميد فرنجية وشارل حلو وفيليب تقال وآخرون‪ ،‬وأعلنوا مناصرتهم‬ ‫مصر في موقفها والدعوة إلى اتسام المظاهرات بالهدوء‪.80‬‬ ‫‪ 774‬المرجع نفسه‪ 22 ،‬تشرين األول ‪.1955‬‬

‫‪ 775‬المركز العربي للمعلومات‪ ،‬بيروت‪ ،‬عدد ‪ 67‬حزيران ‪ ،2009‬ص‪.77 .‬‬ ‫‪ 776‬الجريدة‪ 11 ،‬كانون الثاني ‪.1955‬‬

‫‪ 777‬جريدة الطيار‪ 6 ،‬كانون الثاني ‪.1955‬‬ ‫‪ 778‬المرجع نفسه‪ 2 ،‬كانون األول ‪.1955‬‬

‫‪ 779‬محضر جلسات المجلس النيابي‪ 27 ،‬تشرين الثاني ‪.1956‬‬ ‫‪ 880‬جريدة الجريدة‪ 15 ،‬آب ‪.1956‬‬


‫‪ 881‬محضر جلسات المجلس النيابي‪ 4 ،‬نيسان ‪.1957‬‬

‫‪ 882‬المرجع نفسه‪ 5 ،‬نيسان ‪.1957‬‬ ‫‪ 883‬المرجع نفسه‪ 27 ،‬آذار ‪.1957‬‬

‫‪ 884‬المرجع نفسه‪ 2 ،‬نيسان ‪.1957‬‬

‫‪ 885‬أحمد عبود‪ ،‬انتفاضة الجنوب وسياسة المحاور واألحالف‪ ،‬مؤسسة دار الكتاب‬ ‫الحديث‪ ،‬بيروت‪ ،1994 ،‬ص‪.55 .‬‬

‫‪85‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫‪5.5‬انتخابات ‪ 1957‬وسقوط رموز المعارضة‬ ‫انتخابات ‪ 1953‬أضعفت زعامة أحمد األسعد في الجنوب وهدفت‬ ‫انتخابات حزيران ‪ 1957‬إلى إنهاء هذه الزعامة وزعماء النواب معارضي‬ ‫العهد الشمعوني‪ .‬فأعدت حكومة الرئيس كميل شمعون ترتيبات قضت‬ ‫بوضع قانون انتخابي جديد قلّ ص عدد النواب إلى ‪ 66‬وأبقى للجنوب سبع‬ ‫دوائر انتخابية كالسابق‪ ،‬فرأى أحمد األسعد في القانون الجديد طريقة‬ ‫عشائرية في تقسيم الدوائر وطالب بزيادة عدد النواب إلى ‪ ،83 88‬ووجد‬ ‫فيه كامل األسعد محاولة للقضاء على التكتل النيابي‬ ‫وتعزيزا للطائفية‪،84‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫توجه ‪‬جبهة االتحاد الوطني‪ ‬التي نظمت‬ ‫وانسجم موقف‬ ‫َ‬ ‫األسعدين مع ُّ‬ ‫مهرجانً ا في بيروت (‪ 30‬أيار ‪ )1957‬ضد القانون االنتخابي الجديد‪ ،‬شارك‬ ‫فيه‪ :‬صائب سالم‪ ،‬صبري حمادة‪ ،‬أحمد األسعد‪ ،‬عبد اهلل اليافي‪ ،‬نسيم‬ ‫وتحول المهرجان مسيرة ضخمة جابت شوارع بيروت‪ ،‬مطالب ًة‬ ‫مجدالني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بإسقاط حكومة سامي الصلح‪ ،‬فاصطدمت برجال األمن وسقط قتلى‪،‬‬ ‫وسقط جرحى بينم صائب سالم ونسيم مجدالني‪ .85‬وجرت اإلنتخابات‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫في ‪ 5‬كانون الثاني ‪ 1957‬رحبت الحكومة اللبنانية بمبدأ آيزنهاور‬ ‫معتبر ًة إي ــاه عــامــل اسـتـقــرار سياسي واقـتـصــادي ل ــدول منطقة الشرق‬ ‫وشن نواب المعارضة في المجلس النيابي حمل ًة على الحكومة‬ ‫األوسط‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومــوقـفـهــا‪ .‬ففي جلسة ‪ 4‬نيسان ‪ 1957‬اسـتـغــرب أحـمــد األس ـعــد قبول‬ ‫لبنان بالمشروع قبل استشارة الدول العربية وعدم ذكر االتفاقية الخطر‬ ‫الصهيوني واالستعماري‪ .81‬وتساءل النائب كامل األسعد عن فائدة الحكومة‬ ‫من مبدأ أيزنهاور ورأى أن حياة اللبنانيين ليس مهددة من الشيوعية بل‬ ‫من إسرائيل واالستعمار‪ .82‬وفي نيسان استقال من المجلس النيابي النواب‬ ‫المعترضون‪ :‬حميد فرنجية‪ ،‬عبد اهلل اليافي‪ ،‬أحمد األسعد‪ ،‬صبري‬ ‫وشكلوا مع‬ ‫وشكلوا‪ّ .‬‬ ‫حمادة‪ ،‬عبد اهلل الحاج‪ ،‬كامل األسعد‪ ،‬رشيد كرامي‪ّ ،‬‬ ‫أحزاب المؤتمر الوطني ‪‬جبهة اإلتحاد الوطني‪ ‬لـ ‪‬تقويم االعوجاج في‬ ‫السياسة الخارجية‪ ،‬وإصالح الفساد في السياسة الداخلية‪.‬‬


‫‪86‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫كما أمر بها شمعون وفق القانون الذي اقترحه وأُ ِقر في المجلس النيابي‪،‬‬ ‫فسقط زعماء المعارضة كمال جنبالط وصائب سالم وعبد اهلل اليافي‬ ‫وفؤاد عمون وعبد اهلل المشنوق أحمد األسعد الذي ردد أنصاره في بعض‬ ‫قــرى قضاء مرجعيون‪ :‬بجزمتك أحمد بك منحتل الجمهورية‪ .‬وفي‬ ‫أن سقوط مرشحي الزعامات‬ ‫مذكرات رئيس الوزراء آنذاك سامي الصلح ّ‬ ‫العالية من المعارضة‬ ‫حدث غير مألوف في تاريخ لبنان االنتخابي‪.86‬‬ ‫ٌ‬ ‫حاول كميل شمعون استثمار نتيجة االنتخابات بعزمه على تجديد واليته‬ ‫ور َّد المعارضة‬ ‫ست سنوات‪ .‬لكن الظروف المحلية واالقليمية لم تكن مؤاتيةً‪َ ،‬‬ ‫كان جاهز لمقاومة للتجديد‪ ،‬فخطب أحمد األسعد (في ذكــرى أربعين‬ ‫اإلمــام عبد الحسين شرف الدين) محذّ ًرا من تعديل الدستور لمصلحة‬ ‫شخصية‪ .87‬وازداد زعماء معارضة التجديد واجتمع لمنعه في منزل هنري‬ ‫فــرعــون (‪ 27‬آذار ‪:)1958‬‬ ‫ع ـبــد اهلل الــي ــاف ــي‪ ،‬أحـمــد‬ ‫األسعد‪ ،‬شــارل حلو‪ ،‬كمال‬ ‫ج ـن ـب ــاط‪ ،‬ص ــائ ــب س ــام‪،‬‬ ‫غسان تويني‪ ،‬نزيه البزري‪،‬‬ ‫غبريال المر‪ ،‬يوسف سالم‪،‬‬ ‫عـبــد اهلل الـمـشـنــوق‪ ،‬فــؤاد‬ ‫عمون‪ ،‬إدمون نعيم‪ ،‬إدمون‬ ‫رباط وأخرون‪.88‬‬ ‫تجمع انتخابي‬ ‫ُّ‬

‫‪6.6‬م ــوق ــف أحــم ــد األس ـعــد‬ ‫من االنتفاضة المسلحة عام ‪1958‬‬ ‫كانت جميع المؤشرات تدل على أوضاع في لبنان تنذر باالضطرابات‪.‬‬ ‫وانطلقت من صور الشرارة األولى نتيجة أحكام بحق مشاركين في مهرجان‬ ‫وتطور‬ ‫تأييدا للناصرية ُّاتهموا بتحقير العلم اللبناني‪،‬‬ ‫عيتنيت (قضاء صور)‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الحدث إلى نشوء متاريس واصطدام بين أهالي صور والقوى األمنية‪ .‬لم‬ ‫(تشكلت في منزل‬ ‫ّ‬ ‫تنفع تهدئة لجنة ‪‬التضامن الجنوبية مع أبناء صور‪‬‬ ‫أحمد األس ـ ـعـ ــد – ‪ ،89)1958/3/31‬واتسعت الـهـ ّـوة بين القوى السياسية‬ ‫‪ 886‬سامي الصلح‪ ،‬أحتكم إلى التاريخ‪ ،‬دار النهار ‪ ،1970‬ص‪.158 .‬‬ ‫‪ 887‬جريدة السياسة‪ 4 ،‬آذار‪.1958‬‬

‫‪ 888‬أحمد عبود‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.66 .‬‬ ‫‪ 889‬جريدة النهار‪ 2 ،‬نيسان ‪.1958‬‬


‫‪ 2.2‬حصر المسؤولية بشخص أحمد األسعد لتأمين السالح إلى الجنوب‬ ‫والمال واللباس واألدوية ومؤن المقاتلين‪.‬‬

‫‪87‬‬

‫‪ 4.4‬كــانــت مرجعيون (مــركــز الـقـضــاء) مــع الجيش اللبناني‪ ،‬والـقــرى‬ ‫المرجعيونية بإشراف جماعة األسعد (عــدا القليعة وبــرج الملوك تحت‬ ‫هيمنة الشمعونيين والقوميين السوريين)‪ .‬لذا حال أحمد األسعد ذون أي‬ ‫صدام مع القرى المسيحية‪.90‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫‪ 1.1‬توقيع بيان مع جــان عزيز ومعروف سعد وكمال جنبالط وكامل‬ ‫األسعد (نياب ًة عن والده) لتحييد منطقة جزين عن الصراع‪.‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫الجنوبية والعهد الشمعوني‪ ،‬حتى وقع انفجار كبير شمل كل لبنان عند‬ ‫اغتيال الصحافي نسيب المتني صاحب ‪‬التلغراف‪ ‬صباح ‪ 8‬أيار ‪،1958‬‬ ‫وحملت ‪‬جبهة االتحاد الوطني‪ ‬الحاكمين باالغتيال ودعت إلى اإلضراب‬ ‫ّ‬ ‫وتهيأَ ت مقاومة مسلح ٌة ضد العهد‬ ‫اللبنانية‪.‬‬ ‫المناطق‬ ‫جميع‬ ‫في‬ ‫العام‬ ‫َّ‬ ‫متخذً ا فيها‬ ‫بلدته‬ ‫إلى‬ ‫بيروت‬ ‫الشمعوني فانتقل أحمد األسعد من‬ ‫الطيبة ّ‬ ‫ِّ‬ ‫مقر وجال على كفرشوبا وبانياس السورية لتزويد المقاومين بالسالح ضد‬ ‫وشكل أنصاره‪ ،‬بدعم من كبار رجال الدين الشيعة‪،‬‬ ‫عهد كميل شمعون‪ّ ،‬‬ ‫مناخا لالنتفاضة في الجنوب‪ .‬وكي ال تنحرف االنتفاضة الشعبية عن‬ ‫ً‬ ‫أهدافها إلى مسارات أخرى ومنها الطائفية‪ ،‬اتخذ أحمد األسعد إجراءات‬ ‫عدة‪ ،‬بينها‪:‬‬

‫‪ 3.3‬حـ ْـرص األسعد على عدم حــدوث مقاومة عسكرية في بنت جبيل‬ ‫لمجاورتها قرى مسيحية (عين إبل‪ ،‬دبل‪ ،‬رميش)‪.‬‬

‫قريتي كفرحمام‬ ‫(تشكلت في‬ ‫ّ‬ ‫ حصر مرجعية المحاكم الشعبية‬ ‫َ‬ ‫‪ْ 5.5‬‬ ‫وشبعا) بشخص أحمد األسعد وله الكلمة الفصل حين يتقدم المحكوم عليه‬ ‫من محكمة شعبية‪ .‬وفي مرحلة االنتفاضة صدر عن المحقق العسكري في‬ ‫بيروت أنه ‪‬أُ نجز التحقيق مع شبكة جديدة من المسلحين كانت تتلقى‬ ‫السالح والتدريب في سوريا بإشراف أحمد األسعد ومــازم ٍ في الجيش‬ ‫قرارا اتهم‬ ‫السوري ببانياس‪ .91‬وفي فترة الحقة أصدر المحقق العسكري ً‬ ‫ب‪ ،‬وطالب بإعدامهما مع ‪65‬‬ ‫فيه أحمد األسعد ومعروف سعد بتدبير انقال ٍ‬ ‫شخصا من أنصارهم‪.92‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 990‬أحمد عبود‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.146–143 .‬‬ ‫‪ 991‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.335–171 .‬‬

‫‪ 992‬جريدة السياسة‪ 25 ،‬تموز ‪.1958‬‬


‫‪88‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫‪ .7‬نهاية اإلنتفاضة المسلحة وعالقة أحمد األسعد بالعهد الشهابي‬ ‫بحريا على شاطئ األوزاعي‬ ‫إنزاال‬ ‫ً‬ ‫حققت قوات المارينز األميركيين‬ ‫ًّ‬ ‫لكن ما أنهى انتفاضة ‪ 1958‬المسلحة كان‬ ‫دعما للرئيس كميل شمعون‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مصري‬ ‫ا‬ ‫اتفاقً‬ ‫أميركيا على إنهاء األزمة باختيار قائد الجيش اللبناني اللواء‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫رئيسا الجمهورية كلف زعيم المعارضة الطرابلسية رشيد‬ ‫شهاب‬ ‫فــؤاد‬ ‫ً‬ ‫كرامي بتأليف أول حكومة لعهده بــدون وزيــر شيعي‪ .‬ولم توافق ‪‬جبهة‬ ‫االتـحــاد الوطني‪( ‬ومنها أحمد األسعد ونجله كامل) على االتـفــاق إال‬ ‫بشرط جالء القوات األميركية عن لبنان بدون قيد أو شرط‪ ،‬وإنهاء مهمة‬ ‫المراقبين الدوليين‪.‬‬ ‫داخيا ّثبتت االنتفاضة زعامة أحمد األسعد التقليدية على الجنوب‬ ‫ًّ‬ ‫وفرضت على رئيس البالد التعاون معه‪ .‬وأظهرت انتخابات العهد األولى‬ ‫في العهد الجديد (‪ )1960‬فعالية زعامة أحمد ٍاألسعد إذ فــازت لوائح‬ ‫ّأيدها في صور وبنت جبيل وجزين وصيدا والنبطية (باستثناء منطقة‬ ‫باكرا أول خالف للعهد‬ ‫الزهراني إذ فازت الئحة عادل عسيران)‪ .‬وظهر ً‬ ‫رئيس الجمهورية‬ ‫طلب‬ ‫الشهابي مع أحمد األسعد في منطقة مرجعيون إذ‬ ‫ُ‬ ‫ترشيح نسيبه خالد شهاب عن الطائفة السنية على الئحة األسعد الذي‬ ‫بناء على‬ ‫ّ‬ ‫فضل ترشيح المحامي أحمد سويد (نجل الشيخ أسعد سويد) ً‬ ‫السراج في دمشق‪ ،‬فطلب فؤاد شهاب‬ ‫طلب رئيس المخابرات عبد الحميد‬ ‫ّ‬ ‫من علي بــزي (إبــن بنت جبيل وحليف أحمد األسعد أثناء االنتفاضة)‬ ‫تشكيل الئحة انتخابية تنافس الئحة كامل األسعد ووعده لدعمه وتأييده‪.‬‬ ‫وتالعب ‪‬المكتب الثاني‪ ‬باالنتخابات وضغط على المخاتير ووجهاء القرى‬ ‫فنجحت الئحة علي بزي عدا إال المرشح أسعد بيوض (ابن أخت قائد‬ ‫الدرك آنذاك) من الالئحة المنافسة‪.‬‬ ‫وبعد االنتخابات وقع عراك في بلدة شحور (قضاء صور) بين أنصار األسعد‬ ‫وأنصار الخليل وأصدر أنصار األسعد ‪‬ترديدات‪ ‬كيدية باألخصام‪ ،‬منها‪:‬‬

‫خـــي الـــزعـــامـــة لــلــزعــم والــــنــــاس تـــلـــزم حــ ّدهــا‬ ‫اي بـــك مـــن عــهــد قــدمي إنــــت أبـــوهـــا وجـــ ّدهـــا‬

‫وكان لفوز بقية اللوائح في انتخابات ‪ 1960‬احتفاالت تحت شعار‪ :‬كل‬ ‫الطيبة‪ ،‬منها ما أنشده وفد دير الزهراني‪:‬‬ ‫الطوائف تطوف حول دار ِّ‬

‫فـــاحـــت رواحئ طــيــبــة أمحـــــد زعـــــم الــطــائــفــة‬ ‫وحـــــول ‪‬دار الــط ـ ِّيــبــة‪ ‬لك الــطــوائــف طــائــفــة‬

‫‪93‬‬

‫‪ 993‬مجلة الشراع‪ ،‬الحلقة ‪.28‬‬


‫الطيبة‪‬‬ ‫عابرا إذ فاز‬ ‫ُ‬ ‫لكن الخالف بين شهاب واألسعد كان ً‬ ‫صهر ‪‬دار ِّ‬ ‫صبري حمادة برئاسة مجلس النواب سنة ‪ ،1960‬ولدى وفاة الرئيس أحمد‬ ‫األسعد (‪ 16‬آذار ‪ )1961‬أعرب الرئيس شهاب عن تقديره زعيم الجنوب‬ ‫الطيبة‪ .‬وشاع نبأ الوفاة فانتشرت مظاهر‬ ‫بتقديم تعزيته‬ ‫شخصيا في بلدته ِّ‬ ‫ًّ‬ ‫الحزن العفوية في كل مكان وخاصة في الجنوب‪ ،‬وزحفت الوفود الرسمية‬ ‫رديات الوفود‪:‬‬ ‫والشعبية تبايع الخلَ ف قبل تشييع الجثمان‪ .‬ومن ّ‬ ‫ومن مبايعة الخلَ ف كامل األسعد‪:‬‬

‫والــــوائــــي‬ ‫بـــطـــي الــلــحــود مـــنـــعـــايـــدو ومــنــصــافــحــو‬ ‫ّ‬ ‫وأمحــد مــا غــاب مــن الوجود مـــا دام كـــامـــل مــطــرحــو‬ ‫وفي ذكرى األسبوع كان رثاء من الشاعر زين شعيب جاء فيه‪:‬‬

‫ما مات أمحد بك مني القال مات بعدو أبو كامل عىل قيد احلياة‬ ‫ابلط ِّيبة بتضل روحـــو طيبة بيستقبل األ ُمة َع ابب املكرمات‬ ‫أحق أنت مرحتل‬ ‫أاب اجلنوب ‪ٌّ ..‬‬ ‫أاب اجلنوب‪ ،‬عليك األ ُمة اتلكت‬ ‫أاب اجلــنــوب ومـــواله وحارسه‬ ‫إىل ادلاير ِ‬ ‫التفت اي سيدي لرثى‬ ‫فنعش أمحد ن ّقى الطره‪ ،‬ال عجب‬ ‫من حيملون؟ أجييب اي رىب وطين‬ ‫الهتبت‬ ‫ويف فلسطني ملا اجلهبة ٍ َ‬ ‫ومن رجاكل مك من فتية سقطوا‬ ‫وهذه ادلار حتيك كيف غافلَها‬ ‫وكامـل نفحـة مـن عطـر وادله‬ ‫ٌ‬

‫واألمـل‬ ‫اي للخسـارة‪ :‬ضـاع املجـد‬ ‫ُ‬ ‫لك؟‬ ‫بعد اإلهل‪...‬عــى من بـع ُد تتَّ ُ‬ ‫احلمل‬ ‫يف ظل عدكل عاش اذلئب و ُ‬ ‫مــاذا ألجــك أبناء الوفا فعلوا‬ ‫والرسل‬ ‫إذا املالئك ح ّفت فيه‬ ‫ُ‬ ‫إن الزعامة والتارخي قد محلوا‬ ‫برزتيفصفمنقالواومنحفلوا‬ ‫َ‬ ‫رصىع اجلهاد‪ ،‬ومك من فتية قُتلوا‬ ‫غدر العدى وعلهيا انص ّبت اللكل‬ ‫‪94‬‬ ‫حتيا البالد هبا واملجد واألمــل‬

‫خالصة‬ ‫كانت الملكية العقارية أحد مرتكزات زعامة أحمد األسعد في الجنوب‬ ‫فضال عن ذكائه في‬ ‫إلى تراث عائلته العميق الجذور في البيئة الشيعية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اكتساب الشعبية‪ .‬ويروى عنه ما يعرف الجميع من تفانيه في خدمة أبناء‬ ‫‪ 994‬المرجع نفسه‪ ،‬الحلقة ‪.34‬‬

‫‪89‬‬

‫في جنوب لبنان‬

‫وقال الشاعر ابراهيم بري‪:‬‬

‫الزعامة الشعبيّة‬

‫اي كــهــفــنــا الـــــانئ قــدمي واي ملجأ الــشــعــب الــكــرمي‬ ‫أخـــــذت الـــعـــم بــعــد األمل فـــوق الــعــم كــامــل زعــم‬


‫‪90‬‬ ‫د‪ .‬علي شعيب‬

‫منطقته‪ .‬قلما شوهد إال وفي يده الئحة أسماء أو مطالب أو شروط أو‬ ‫وحولَ ه وفود وأفــواج‪ :‬في السراي والمجلس ومكتبه ومنزله وأينما‬ ‫مبالغ َ‬ ‫مرنً‬ ‫يحل‬ ‫باالعتدال‬ ‫بل‬ ‫بالتطرف‬ ‫من‬ ‫يؤ‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ناجح‬ ‫السياسة‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫كان‬ ‫كان‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لبقا‪ ،‬صاحب نكتة‪ ،‬ال َيحقد‪،‬‬ ‫به العقد في المشاكل والحوادث‪،‬‬ ‫محدثا ً‬ ‫والخصومة عنده اختالف سطحي في الرأي ال يؤدي إلى نزاع دائم‪.‬‬ ‫بسياسته الخارجية تبنى القضايا العربية ورفض المخططات الغربية‪.‬‬ ‫شــارك فــي مؤتمرات منظمة الشعوب األفــروأسـيــويــة للمطالبة بالحياد‬ ‫فدمرت إسرائيل‬ ‫اإليجابي في السياسة الدولية‪ .‬دعم القضية الفلسطينية ّ‬ ‫جند الرجال وجمعهم في دارته‬ ‫الطيبة سنة ‪1948‬‬ ‫انتقاما منه ألنه ّ‬ ‫ً‬ ‫داره في ِّ‬ ‫قبل انطالقهم إلى معركة قادها المقدم في الجيش اللبناني محمد زغيب‬ ‫على المستوطنات اإلسرائيلية‪ 95‬واستشهد فيها‪.‬‬ ‫وفــي خـتــام هــذا ال ـســرد عــن السياسيين الشيعة فــي تلك المرحلة‬ ‫ومنهم أحمد األسـعــد‪ ،‬رغــم ما كــام الخصوم وأدبـيــات اليسار‪ ،‬ال أبلغ‬ ‫مما كتبه السيد هاني فحص‪ :96‬كانت هذه الطبقة السياسية في كثير‬ ‫من السجاالت غابت أو غُ ّيبت‪،‬‬ ‫لكنها في سجاالت أخــرى كانت‬ ‫عالية النبرة فــي فهمها الدولة‬ ‫وطلب االنصاف‪ ،‬وفي المفاصل‬ ‫األساسية أظهرت اتزانً ا‪ .‬ويشهد‬ ‫فــي هــذه الطبقة سلوكها بأنها‬ ‫كانت على مقدار من العفة جعل‬ ‫أكثر رجالها يخسرون ما يملكون‬ ‫عـلــى شغلهم فــي ال ـشــان ال ـعــام‪،‬‬ ‫وك ــان ــت مـفــاتـيـحـهــم اإلنـتـخــابـيــة‬ ‫تـلـتــزم بـقـيــم اجـتـمــاعـيــة لبيئتها‬ ‫ُتعيب التعدي على المال العام أو‬ ‫الخاص وإن حصل شيء من هذا‬ ‫لم تكن تلك الزعامات السياسية‬ ‫تغطي هذه الحاالت‪.‬‬ ‫‪ ...‬وعلى والئك داموا‪‬‬

‫‪ 995‬معلومات‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.77 .‬‬

‫‪ 996‬هاني فحص‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.78 .‬‬


‫الرحالة (‪)٣‬‬ ‫لبنان على أقالم ّ‬ ‫د‪َ .‬أحـمـد حـطَ ـيـط‬ ‫لبنان وبالد الشام أَ ّي َام حروب الفرنج في الشرق‬

‫جبير َ‬ ‫األندلسي (‪ 581–578‬هـ‪1185–1183/‬م)‬ ‫من خالل رحلة ابن َ‬

‫تواصل ‪‬مرايا التراث‪ ‬نَ ْـشرها حلقات هذه السلسلة‬ ‫‪‬لبنان على َأقالم‬ ‫الرحالة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حلقة أُ ولى (العدد الرابع – ص ‪ِ 92‬إلى ‪:)101‬‬ ‫بعد‬ ‫ٍ‬

‫الوسطى – ‬ ‫‪‬لبنان في كتابات‬ ‫ّ‬ ‫الرحالة ا َألندلسيين في العصور ُ‬ ‫اإلدريسي‬ ‫نموذجا‪ ‬للباحث الدكتور أَ حمد حطيط‪،‬‬ ‫رحلة شريف ِ‬ ‫ً‬ ‫وحلقة ثانية (العدد الخامس – ص ‪ِ ١٠٤‬إلى ‪:)١٢١‬‬ ‫ٍ‬

‫‪‬لبنان في رحلة المستشرق البلجيكي َأنسيلمي َأدورنو‪‬‬ ‫للباحث الدكتور بيار مكرزل‪،‬‬ ‫مج َّد ًدا مع الدكتور أَ حمد حطيط‪ :‬لبنان وبالد الشام‬ ‫هنا حلقة ثالثة‪َ ،‬‬ ‫جبير ا َألندلسي‪.‬‬ ‫َأ ّي َام حروب الفرنج في الشرق من خالل رحلة ابن َ‬


‫الرحالة (‪)٣‬‬ ‫لبنان على أقالم ّ‬

‫عج ُب ما ُي َح َّد ُث به‪‬‬ ‫الم َثل‪ِ ،‬‬ ‫وم ْن َع ُتها َأ َ‬ ‫َ‬ ‫‪‬ح َصان ُة ُص ْور ُيضرب بها َ‬ ‫وظالال وارفة‪‬‬ ‫ردة‬ ‫طَّ‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ومياه‬ ‫ه‬ ‫فواك‬ ‫نواع‬ ‫أ‬ ‫الدنيا‬ ‫جبال‬ ‫أخصب‬ ‫من‬ ‫لبنان‬ ‫و‪‬جبل‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ً ُ‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫لبنان‪ 1‬وبالد الشام أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬ ‫من خالل رحلة ابن جبير األندلسي (‪ 581–578‬هـ‪ 1185-1183/‬م)‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫اإلسالمية‬ ‫نائب رئيس الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬

‫مقدمة‬

‫ألن‬ ‫كتب الرحلة بين أهم المصادر الجغرافية والتاريخية واالجتماعية‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫عموما يستقي معلوماته من المشاهدات الحية والتصوير المباشر‬ ‫الة‬ ‫الرح‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫لما شاهده من أحداث ومما صادفه في أثناء رحلته‪ ،‬وما تقع عليه عيناه‬ ‫أو ّيتصل إليه من أخبار‪ ،‬وهذا يجعل كتب الرحلة وثائق جغرافية وتاريخية‬ ‫تتجاوز المصادر الجغرافية والتاريخية الى االهتمام بثقافات المجتمعات‬ ‫وعاداتها وتقاليدها ونُ ظمها السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫المؤرخ‪ .‬فالرحالة ال يتقيدون‬ ‫الرحالة عنه عند‬ ‫ّ‬ ‫ويختلف منهج الكتابة عند ّ‬ ‫المؤرخين في عرض الحوادث‪ ،‬وال يعتمدون التسلسل الزمني كما‬ ‫بمنهج‬ ‫ّ‬ ‫اعتقادا‬ ‫َك َتب ُة الحوليات‪ ،‬وال يرون ضرورة التدقيق عند إسناد مروياتهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مذكراتهم‪ .‬من هنا أن قيمة‬ ‫منهم أن ما سمعوه يكفي أحيانً ا لتدوينه في ّ‬ ‫كتب التاريخ‪ ،‬كأحد أنماط التدوين‬ ‫مؤلفاتهم في كونها‬ ‫ّ‬ ‫مصنفات مساعد ٍة َ‬ ‫ومكانيا‪ ،‬مع ما‬ ‫زمنيا‬ ‫التاريخي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫تستمد دقّ ـة نصوصها من مدى توافقها‪ًّ ،‬‬ ‫يتوفّ ـر في األدبيات التاريخية المعتمدة‪ ،‬إضافة الى طبيعة الرحلة وأهدافها‬ ‫مؤهـالته العلمية‪.‬‬ ‫ت يذكرها صاحب الرحلة‬ ‫ً‬ ‫ومتانة توثيق روايا ٍ‬ ‫ارتكازا إلى ّ‬ ‫الرحالة‬ ‫قص َد بالد الشام زمن حروب الفرنج في الشرق من‬ ‫ّ‬ ‫لذا من َ‬ ‫قدموا رؤي ًة لتلك‬ ‫العرب والمسلمين‪ ،‬وبخاصة المغاربة‬ ‫واألندلسيين منهم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫البالد بعيو ٍن وافدة عليها عكست صورة الفرنج بسلبياتها وإيجابياتها إثر‬ ‫واألندلسيين‬ ‫الرحالة المغاربة‬ ‫المواجهة الشرسة بينهم وبين المسلمين‪ .‬وبين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ودونوا‬ ‫من دخلوا الكيانات الفرنجية في الشام وعايشوا أحوال الناس فيها ّ‬ ‫جزءا‬ ‫‪ 11‬المناطق التي َت َش َّك َل منها لبنان الحالي في حدوده المعترف بها ًّ‬ ‫دوليا‪ ،‬كانت ً‬ ‫واستمرت كذلك حتى إعالن دولة لبنان الكبير‬ ‫زم َن رحلة ابن جبير‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من بالد الشام َ‬ ‫الرحالة األندلسي‬ ‫سنة ‪ .1920‬وألسباب علمية لن نفصل المناطق اللبنانية في كتابات‬ ‫ّ‬ ‫عن الجغرافيا التاريخية في بالد الشام التاريخية‪ ،‬فالحياة اليومية في تلك المناطق لم‬ ‫تختلف عما كان في سائر البالد الشامية‪ .‬وما ذكره ابن جبير عن لبنان يقتصر على جبل‬ ‫عامل ومدينة صور وجبل لبنان‪.‬‬


‫عنان‪،‬‬ ‫‪ 22‬لسان الدين بن الخطيب‪ ،‬اإلحاطة في أخبار غرناطة‪ ،‬تحقيق عبد اهلل ّ‬ ‫القاهرة‪ ،1974 ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.230 .‬‬ ‫‪ 33‬‬

‫وايضا‪:‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪231 .‬؛‬ ‫ً‬

‫‪ 44‬‬

‫نقوال زيادة‪ ،‬الجغرافية والرحالت عند العرب‪ ،‬بيروت‪ ،1987 ،‬ص‪160 .‬؛‬

‫‪Yann Dejugnat, Voyage au centre du monde. Logiques narratives et‬‬ ‫‪cohérence du projet dans la Rihla d’In Jubayr, Presses Universitaires de‬‬ ‫‪Paris Ouest, 2010, p. 2.‬‬

‫‪Yann Dejugnat, Ibid., p. 2.‬‬

‫‪ 55‬ابن جبير‪ ،‬تذكرة باألخبار عن اتفاقات األسفار‪ ،‬المعروفة بـ ‪‬رحلة ابن جبير‪،‬‬ ‫طبعة دار الكتاب اللبناني ودار الكتاب المصري‪ ،‬بيروت – القاهرة‪ ،‬ال ت‪ ،‬ص‪.41 .‬‬

‫‪93‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫‪ .1‬سيرته ورحلته الى الشرق‬ ‫هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني‪ .‬تعود أصوله الى مدينة‬ ‫شاطبة‬ ‫األندلسية‪ .2‬ولد في بلنسية في ‪ 10‬ربيع األول سنة ‪ 540‬هـ‪1145/‬م‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اهتم والــده بتربيته‬ ‫من أسرة عربية سكنت األندلس سنة ‪123‬ه ــ‪740/‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فدرس العلوم الدينية وشغف بها‪ ،‬ومال إلى علم الحساب والعلوم اللغوية‬ ‫كاتب حاكم ِ غرناطة‬ ‫واألدبية‪ ،‬وأظهر مواهب في الشعر والنثر ّأهلته للعمل‬ ‫َ‬ ‫أبي عثمان سعيد بن عبد المؤمن‬ ‫الموحدي‪ .3‬وإذ أرغمه حاكم غرناطة على‬ ‫ّ‬ ‫بح ِّجه الى‬ ‫احتساء الخمر وكافأه بسبعة كؤوس مألى دنانير‪ّ ،‬‬ ‫كفر عن إثمه َ‬ ‫وعت لديه فكر ُة االرتحال الى الشرق‪ ،4‬فقام بثالث رحالت‪:‬‬ ‫مكة‪ ،‬ومنها َ‬ ‫*‪ ‬الرحلة األولى‪ :‬غادر غرناطة نهار الخميس ‪ 8‬شوال ‪ 578‬هـ‪ 3/‬شباط‬ ‫‪1182‬م‪ ،5‬ألداء فريضة الحج‪ ،‬فبلغ سبته ومنها اإلسكندرية فالقاهرة فقوص‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫تاريخية‬ ‫مصادر‬ ‫تتردد في‬ ‫ٍ‬ ‫أخبارهم‪ ،‬فإذا في نصوصهم موضوعات يندر أن ّ‬ ‫َ‬ ‫مظاهر حياتي ًة‬ ‫معايناتهم‬ ‫دونوا‬ ‫معاصر ٍة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حروب الفرنج في الشرق‪ ،‬ألنهم ّ‬ ‫مذكـراتهم غني ًة بانطباعات شخصية‪ .‬صـ ّـوروا الوقائع‬ ‫مختلفة فتميزت ّ‬ ‫شع َر القارئ أنه يعيش‬ ‫السياسية والمعيشية والمظاهر االجتماعية بما أَ َ‬ ‫فعال في ذلك المجتمع رغم انقضاء نحو ثمانية قرون على تلك الوقائع‬ ‫ً‬ ‫الرحالة كانوا موسوعيي الثقافة‪،‬‬ ‫أولئك‬ ‫معظم‬ ‫أن‬ ‫ا‬ ‫خصوص‬ ‫والمظاهر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وتمتـعوا بدقّ ـة المالحظة‪ ،‬وقدرة الوصف‬ ‫ولبعضهم تصانيف علمية وأدبية‪ّ ،‬‬ ‫الحي ألماكن ومجتمعات زاروهــا‪ ،‬بسالسة أسلوب وسالمة لغة‪ ،‬ومنهم‬ ‫ّ‬ ‫ناصري خسرو‪ ،‬واإلدريسي‪ ،‬وابن بطوطة‪ ،‬وابن جبير موضوع بحثنا‪.‬‬ ‫أساسيا للصراع بين‬ ‫ومرجعا‬ ‫علميا‬ ‫من هو ابن جبير؟ وما قيمة رحلته‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫المسلمين والغرب األوروبــي أيــام السلطان الناصر صالح الدين يوسف‬ ‫األيوبي‪ ،‬خالل مرحلة ‪‬حروب الفرنج في الشرق‪‬؟‬


‫‪94‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫الحج‪.‬‬ ‫ـجدة‪ ،‬عبر ميناء عيذاب على البحر األحمر‪ ،‬ومنها الى مكة لفريضة‬ ‫ف ّ‬ ‫ّ‬ ‫المنورة والكوفة وبغداد والموصل وحلب ودمشق‪ ،‬وقصد عكا‬ ‫ثم زار المدينة‬ ‫ّ‬ ‫ًّبرا عبر جبل عامل وأبحر الى صقلية فبلغ غرناطة نهار الخميس ‪ 22‬محرم‬ ‫‪ 581‬هـ‪ 25/‬نيسان ‪1185‬م‪ .‬فتكون رحلته من غرناطة وإليها استغرقت عامين‬ ‫وثالثة أشهر ونصف شهر‪ .6‬ولم يترك في مذكراته إال مجرد حديثه عن تلك‬ ‫الرحلته األولى ‪‬تذكرة باألخبار عن اتفاقات األسفار‪ ‬المعروفة بـ ‪‬رحلة‬ ‫ـف المعالم اآلثــريــة والمساجد والمراكز‬ ‫ابــن جبير‪ .‬وفــي مذكراته وصـ ُ‬ ‫الدينية المقدسة في حواضر الحجاز ومصر والـعــراق ومــا شاهده وما‬ ‫كابده في أسفاره الى المشرق العربي‪ ،‬ووصف منارة اإلسكندرية والمسجد‬ ‫األقصى والجامع األموي في دمشق والساعة العجيبة فيها‪ ،‬وجزيرة صقلية‬ ‫وآثــارهــا ومــا خلفه العرب فيها من‬ ‫مساجد ومــدارس وقصور‪ .‬ووصف‬ ‫الحياة بتفاصيل دقيقة فــي أواخــر‬ ‫القرن السادس الهجري‪ /‬الثاني عشر‬ ‫ال ـم ـيــادي فــي مـشــرق ب ــاد الـعــرب‬ ‫ومغربها‪ ،‬ما جعل رحلته ثروة معرفية‬ ‫كبيرة وم ــادة اجتماعية وحضارية‬ ‫ـدرا‬ ‫مشرقة‪ّ ،‬أهـلها كــي تـكــون مـصـ ً‬ ‫مهما للتاريخ السياسي والثقافي‬ ‫ًّ‬ ‫الجامع األموي في دمشق‬ ‫واإلسالمي‪.‬‬ ‫العربي‬ ‫القرن السادس الهجري ‪ /‬الثاني عشر الميالدي‬ ‫*‪ ‬الرحلة الثانية‪ :‬بدأها سنة ‪ 585‬هـ‪1189/‬م‪ ،‬واستمرت سنتين‪ ،‬دفعه‬ ‫اليها استرداد السلطان الناصر صالح الدين بيت المقدس من الفرنج سنة‬ ‫‪ 583‬هـ‪1187/‬م‪ ،‬ثم عاد الى بالده سنة ‪ 587‬هـ‪1191/‬م‪.‬‬ ‫*‪ ‬الرحلة الثالثة‪ :‬انطلق إليها من سبتة سنة ‪ 601‬هـ ــ‪1204/‬م‪ ،‬وهو‬ ‫توجه‬ ‫في الثالثة والسبعين إثــر وفــاة زوجته‪،‬‬ ‫فاستقر في مكة فتر ًة ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫درس فيها حتى وفاته سنة‬ ‫التي‬ ‫فاإلسكندرية‬ ‫الى بيت المقدس فالقاهرة‬ ‫ّ‬ ‫‪ 614‬هـ‪1217/‬م‪.‬‬ ‫‪ .2‬بالد الشام في رحلة ابن جبير‬ ‫أمورا لم‬ ‫‪‬المذكرات‪‬‬ ‫استحوذت بالد الشام على قسم كبير من‬ ‫ّ‬ ‫وتضمنت ً‬ ‫ّ‬ ‫حروب الفرنج في الشرق والمتأخرة‬ ‫تهتم لها األدبيات التاريخية المعاصر ُة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 66‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.240 .‬‬


‫ففصل ابن جبير الحياة اليومية في بالد الشام‪ :‬أحــوال المدن‪،‬‬ ‫عنها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحركة التجارية بين المسلمين والفرنج‪ ،‬األســواق‪ ،‬الحياة االقتصادية‪،‬‬ ‫أح ــوال الـمـغــاربــة‪ ،‬عــاقــات السكان المحليين بالفرنج‪ ،‬التنوع الديني‬ ‫والمذهبي‪ ،‬المزارات الدينية اإلسالمية والمسيحية‪ ،‬العمارة الحربية‪،‬‬ ‫وغيرها وفق تفاصيل تشير إلى مقاربة مالمح أساسية من صــورة بالد‬ ‫الشام في زمن حروب الفرنج في الشرق‪.‬‬

‫‪ 77‬‬

‫‪ 88‬‬

‫‪ 99‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.211 .‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.211 .‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.211 .‬‬

‫‪ 110‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.212 .‬‬

‫‪ 111‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.214 .‬‬

‫‪95‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫ ) أالمدن الساحلية‬ ‫*‪ ‬مدينة عكا‬ ‫تـجـ ّـول ابــن جبير فــي مدينة عكا وتـعـ ـ ّـرف الــى معالمها وناسها‪،‬‬ ‫وشبهها بمدينة القسطنطينة‪ ،8‬يلتقي‬ ‫ووصفها بــ ‪‬قاعدة بالشام‪،7‬‬ ‫ّ‬ ‫والنصارى من جميع األقطار‪ ،‬فتوقّ ف عند كثافتها‬ ‫تجار المسلمين ّ‬ ‫فيها ُ‬ ‫بالزحام‪ ،‬وتضيق‬ ‫‪‬تغص‬ ‫وشوارعها‬ ‫سككها‬ ‫أن‬ ‫الى‬ ‫ا‬ ‫الفت‬ ‫السكانية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪9‬‬ ‫غيروا من هوية المدينة‬ ‫فيها مواطئ األقدام‪ . ‬ولفت الى أن الفرنج ّ‬ ‫الجامع المدينة‬ ‫مساجدها كنائس‪ ،‬فلم يبق في المسجد‬ ‫بتحويلهم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫سوى بقعة صغيرة يجتمع فيها الغرباء من المسلمين إلقامة فريضة‬ ‫الصالة‪ .10‬ورأى في عكا أسرى مسلمين يرسفون في األصفاد ونسوة‬ ‫أسـيــرات ‪‬فــي أسوقهن خالخيل الـحــديــد‪ ،‬وكــان أســرى المسلمين‬ ‫وعبـر عن حسرته لحالهم‪.11‬‬ ‫المجهدة‪ّ ،‬‬ ‫يلزمون باألعمال ُ‬ ‫سكانها مسلمون‪ ،‬ويذكر‬ ‫ويسمي ابن جبير قرى في منطقة عكا ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرت في جوار عكا بقرية بات‬ ‫عكا‬ ‫ميناء‬ ‫الى‬ ‫ـته‬ ‫أقلّ‬ ‫التي‬ ‫القافلة‬ ‫أن‬ ‫ّ‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫‪1.1‬أحوال مدن الشام‬ ‫ّ‬ ‫وغطى معظم‬ ‫وصف ابن جبير مدنً ا شامية ساحلية وأخرى داخلية‪،‬‬ ‫المدن الساحلية اقتصر على عكا‬ ‫وص ُف ُه‬ ‫َ‬ ‫أحوال الحواضر الداخلية‪ ،‬فيما ْ‬ ‫تركزت على الداخل الشامي الخاضع لسلطة المسلمين‪،‬‬ ‫وصور‪ ،‬ألن رحلته ّ‬ ‫وحاذر زيارة السواحل الشامية الخاضعة للفرنج باستثناء صور وعكا اللتين‬ ‫م ّـر بهما في طريق إبحاره الى بالده عبر ميناء عكا‪.‬‬


‫فيها ليل ًة ومــن معه ضيوفً ا على رئيسها المسلم (‪ )Rais‬وأحسن‬ ‫وفادتهم‪ ... :‬فنزلنا يوم اإلثنين المذكور بضيعة من ضياع عكا‪،‬‬ ‫مقدم‬ ‫وريسها الناظر فيها من المسلمين‪ّ ،‬‬ ‫على مقدار فرسخ منها‪ّ ،‬‬ ‫عمارها من المسلمين‪ ،‬فأضاف‬ ‫من جهة اإلفرنج على ما فيها من ّ‬ ‫وكبيرا في‬ ‫صغيرا‬ ‫جميع أهــل القافلة ضيافة حفيلة‪ ،‬وأحضرهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فعمهم‬ ‫متسعة بمنزله‪ ،‬وأنالهم‬ ‫ً‬ ‫غرفة ّ‬ ‫ألوانا من الطعام قدمها لهم ّ‬ ‫وكنا في من حضر هذه الــدعــوة‪ ،...،‬وبتنا تلك الليلة‪.‬‬ ‫بتكرمته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫معد‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ـوان‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ملنا‬ ‫وح‬ ‫ـاء‪...‬‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـوم‬ ‫وصبحنا يـ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫كتـاب الديوان من‬ ‫لنزول القافلة‪ ،‬وأمام بابه مصاطب مفروشة فيها ّ‬ ‫المذهبة الحلي وهم يكتبون بالعربية‬ ‫النصارى بمحابر األبنوس‬ ‫ّ‬ ‫ويتكلمون بها‪.12‬‬ ‫ّ‬

‫‪96‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫*‪ ‬مدينة صور‬ ‫توجه ابن جبير الى مدينة صور اللبنانية على‬ ‫بعد يومين في عكا ّ‬ ‫إفرنجيا‬ ‫ا‬ ‫مركب‬ ‫مينائها‬ ‫في‬ ‫أن‬ ‫إليه‬ ‫تناهى‬ ‫أن‬ ‫مسافة يوم ٍ من عكا‪ ،‬بعد‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫‪13‬‬ ‫يستعد للتوجه الى بجاية‪ .‬أقــام في صور أحد عشر يوما ‪ ،‬ثم عاد‬ ‫الى عكا ألن ‪‬المركب الــذي كنا أملنا الركوب فيه استصغرناه فلم‬ ‫نر الركوب فيه‪ .14‬ويصف‬ ‫صور أنها ‪‬مدينة ُيضرب‬ ‫بها المثل في الحصانة‪،‬‬ ‫ال ت ـل ـقــي ل ـطــال ـب ـهــا بيد‬ ‫طـ ــاعـ ــة وال اسـ ـتـ ـك ــان ــة‪،‬‬ ‫ـزعــا‬ ‫أع ـ ّـده ــا اإلف ــرن ــج مـفـ ً‬ ‫لحادثة زمانهم وجعلوها‬ ‫مـثــابــة ألمــان ـهــم‪ ...‬وأمــا‬ ‫حـ ـص ــانـ ـتـ ـه ــا وم ـن ـع ـت ـه ــا‬ ‫فأعجب ما ُي َح َّدث به‪ ،‬ذلك‬ ‫أن ـهــا راج ـعــة ال ــى بابين‪:‬‬ ‫أحدهما في البر واآلخــر‬ ‫في البحر يحيط بها إال‬ ‫الفرنج يحاصرون صور‬ ‫‪ 112‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.211–210 .‬‬

‫‪ 113‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.213–212 .‬‬ ‫‪ 114‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.213 .‬‬


‫‪ 115‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.212 .‬‬

‫‪ 116‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.213 .‬‬

‫‪ 117‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.216 .‬‬

‫‪ 118‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.212 .‬‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫ ) بالمدن الداخلية‬ ‫تركزت اهتمامات ابن جبير على األحوال االقتصادية واالجتماعية‬ ‫وخصوصا دمشق‬ ‫والعمرانية والتعليمية في مدن بالد الشام الداخلية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وحلب وحمص وحماة‪.‬‬

‫‪97‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫من جهة واحدة؛ فالذي في البر ُيفضى إليه بعد ولوج ثالثة أبواب أو‬ ‫مشيـدة محيطة بالباب‪ .‬وأما الذي في البحر‬ ‫أربعة‪ ،‬كلها في ستائر ّ‬ ‫مشيـدين الى ميناء ليس في البالد البحرية‬ ‫فهو مدخل بين برجين ّ‬ ‫ويح ِدق‬ ‫أعجب‬ ‫وضعا منها‪ ،‬يحيط بها سور المدينة من ثالثة جوانب‪ْ ،‬‬ ‫ً‬ ‫بالجص‪ ...‬فالسفن تدخل تحت‬ ‫بها من الجانب اآلخر جدار معقود‬ ‫ّ‬ ‫السور وترسي فيها‪ .‬وتعترض بين البرجين المذكورين سلسلة عظيمة‬ ‫تمنع عند اعتراضها الداخل والخارج؛ فال مجال للمراكب إال عند‬ ‫حراس وأمناء ال يدخل الداخل وال يخرج‬ ‫إزالتها‪ .‬وعلى ذلك الباب ّ‬ ‫الخارج ّإال على أعينهم‪.15‬‬ ‫لم يكتف ابن جبير بذكر ما شاهده في عكا وصور بل قارن بينهما‪:‬‬ ‫‪ ...‬فشأن هذه الميناء (ميناء صور) شأن عجيب في حسن الوضع‪،‬‬ ‫ولعكة مثلها في الوضع والصفة لكنها ال تحمل السفن الكبار حمل‬ ‫ّ‬ ‫وإنما ترسو خارجها‪ ،‬والمراكب الصغار تدخل اليها؛ فالصورية‬ ‫تلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪16‬‬ ‫أَ‬ ‫كثيرا من خصائص عكا‬ ‫تحمل‬ ‫صور‬ ‫ن‬ ‫ورأى‬ ‫‪.‬‬ ‫وأحفل‪‬‬ ‫وأجمل‬ ‫أكمل‬ ‫ً‬ ‫وإنما هما في بسيط‬ ‫الجغرافية؛ فالمدينتان ‪‬ال بساتين حولهما‪ّ ،‬‬ ‫متصل بسيف البحر‪ ،‬والفواكه ُتجلب إليهما من‬ ‫من األرض ْأف َيح‪ّ ،‬‬ ‫متسعة‪ ،‬والجبال التي‬ ‫بساتينهما التي بالقرب منهما‪ ،‬ولهما عمالة ّ‬ ‫بالضياع‪ ،‬ومنها تجبى الثمرات اليهما‪ ،‬وهما من‬ ‫تقرب منهما معمورة ّ‬ ‫غ ّـر البالد‪ّ ،17‬إذً ا هو رأى صور أكثر نظافة من عكا‪ ،‬وأهلها ألين في‬ ‫طباعهم‪ ،‬ويميلون الى الغرباء أكثر من أهل عكا ‪‬فخالئقهم أسجح‪،‬‬ ‫سوءا مما عليه‬ ‫ومنازلهم أوسع وأفسح‪ ، ‬وأوضاع المسلمين فيها أقل ً‬ ‫الحال في عكا‪.18‬‬


‫*‪ ‬األحوال االقتصادية‬ ‫مؤسسات تجارية رائجة في مدن الشام الداخلية‪،‬‬ ‫الرحال َة‬ ‫ٌ‬ ‫تستوقف ّ‬ ‫‪20‬‬ ‫كـالخانات‪ 19‬والقيساريات ‪ .‬وصف خانات دمشق بـ ‪‬مرتفعات كأنها‬ ‫مثقـفة كلها بأبواب حديد كأنها أبواب القصور‪ ،‬وكل قيسارية‬ ‫الفناديق‪ّ ،‬‬ ‫مـنـفــردة بصيغتها‪ ،‬وأغــاق ـهــا‪ ،‬ووص ــف قيسارية حلب بـ ‪‬حديقة‬ ‫وجماال‪ ...‬وأكثر حوانيتها خزائن من الخشب البديع‬ ‫بستان نظافة‬ ‫ً‬ ‫وتفتحت كلها‬ ‫النقش‪،‬‬ ‫بديعة‬ ‫خشبية‬ ‫ـرف‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫وتخللتها‬ ‫الصنعة‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪21‬‬ ‫حــوانـيــت‪ ، ‬ويــذكــر مــن ربــض حماة خــانــات ودي ـ ًـارا تحتوي حوانيت‬ ‫‪‬يستعجل فيها المسافر حاجته الى أن يفرغ لدخول المدينة‪،22‬‬ ‫وعرض لخانات حمص‪ ،‬وبخاصة خان السلطان الذي أنشأه السلطان‬ ‫الناصر صالح الدين الكبير فوصفه بأنه في غاية الحسن‪ ،‬له باب من‬ ‫مزود بالماء الجاري‪ ،‬وفي وسطه سقاية تشبه الصهريج‪.23‬‬ ‫حديد‪ّ ،‬‬ ‫‪98‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫دمشقي‬ ‫خان‬ ‫ّ‬ ‫في العصور الوسطى‬

‫‪ 119‬الخانات‪ ،‬مفردها خان‪ :‬مبنى كبير يضم مجموعة حوانيت ومخازن سلع‪ ،‬يتوسطه‬ ‫فناء كبير على شكل رواق مغطى أو مسقوف لحفظ السلع التجارية وإيواء التجار‬ ‫ودوابهم‪ .‬ومن الخانات الشامية المشهورة أيام رحلة ابن جبير‪ :‬خان تمنى‪ ،‬خان أبي‬ ‫الشكور في دمشق‪ ،‬خان السلطان في حمص‪ ،‬خان حماة‪ .‬ابن جبير‪ ،‬المصدر نفسه‪،‬‬ ‫وأيضا‪ :‬نعيم زكي‪ ،‬طرق التجارة الدولية في أواخر العصور الوسطى‪،‬‬ ‫ص‪228 .‬؛‬ ‫ً‬ ‫القاهرة‪ ،1970 ،‬ص‪.293 .‬‬ ‫‪ 220‬القيساريات أو القياسر‪ ،‬مفردها قيسارية‪ :‬تعريب الكلمة الالتينية‬ ‫استعملها الرومان مستودعات بضائعهم‪ .‬والقيسارية مبنى تجاري كبير مسقوف تتوزع‬ ‫فيه حوانيت على الجانبين يختص كل منها بسلعة أو أنواع من البضائع‪ ،‬متخذة شكل‬ ‫السوق‪ .‬ومن قيساريات بالد الشام أيام زيارة ابن جبير‪ :‬قيساريات درب اللبان والجعفري‪،‬‬ ‫والفراء‪ .‬ابن جبير‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪227 .‬؛ نيكيتا إليسييف‪ ،‬الحياة االقتصادية في‬ ‫دمشق في عهد نور الدين محمود‪ ،‬مقالة في كتاب تذكاري البن عساكر‪ ،‬دمشق‪،1979 ،‬‬ ‫ص‪357 .‬؛ عبد المنعم ماجد‪ ،‬ظهور خالفة الفاطميين وسقوطها في مصر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ ،1968‬ص‪.301 .‬‬

‫‪Caesares‬‬

‫‪ 221‬ابن جبير‪ ،‬ص‪.179–178 .‬‬

‫‪ 222‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.181–180 .‬‬ ‫‪ 223‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.183 .‬‬


‫لبنان وبالد الشام‬

‫ويشيد ابن جبير بنشاط األســواق الشامية كلها‪ ،‬وإن كانت أسواق‬ ‫دمشق عنده ‪‬أحفل أسواق البالد وأحسنها انتظاما وأبدعها وضعا‪،24‬‬ ‫بينما رأى أســواق حلب واسعة وكبيرة‪ ،‬منتظمة ومستطيلة‪ ،‬مسقوفة‬ ‫بالخشب‪ ،‬وفيها جميع الصناعات المعروفة‪ ،25‬ووجد أسواق حماة ّ‬ ‫منظمة‬ ‫ومرتبة‬ ‫ومقسمة على أنواع السلع الصناعية والتجارية‪ .26‬وتختلف أسواق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حمص عن األسواق الشامية األخرى المزدهرة إذ يغلب عليها الركود‬ ‫والعسر‪ ،‬وأعــاد ابــن جبير سبب تراجع النشاط التجاري في أســواق‬ ‫حمص الى وجود حصن األكراد‪ ،‬أحد المعاقل الفرنجية االستراتيجية‬ ‫قربها ما جعلها عرضة لهجمات الفرنج المتمركزين في ذلك الحصن‪.27‬‬

‫‪99‬‬

‫يلفت ابن جبير الى ظاهرة احتكار تجاري شاعت في بالد الشام‪،‬‬ ‫الدر‬ ‫تاجرين‬ ‫فيذكر عن‬ ‫مسلمين أحدهما نصر بن قوام واآلخــر أبو ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫محتكرين ولهما حظوة لدى أصحاب‬ ‫ثريين‬ ‫َ‬ ‫ياقوت مولى العطافي‪ ،‬كانا َّ‬ ‫فصرح بأن ‪‬تجارتهما كلها بهذا الساحل‬ ‫النفوذ المسلمين والفرنج‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اإلفرنجي (ســاحــل ال ـشــام)‪ ،‬وال ذكــر فيه لسواهما‪ ،‬وبــأن القوافل‬ ‫‪ 224‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.202 .‬‬

‫‪ 225‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.178 .‬‬

‫‪ 226‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.182 .‬‬

‫‪ 227‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.182 .‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫حلبي في العصور الوسطى‬ ‫سوق‬ ‫ّ‬


‫‪100‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫التجارية صــادرة وواردة تحمل البضائع لحسابهما‪ ،‬ما جعلهما من‬ ‫‪‬مياسير التجار وكبرائهم‪ ،‬وأغنيائهم المنغمسين في الثراء‪،... ،‬‬ ‫وقدرهما عند أمراء المسلمين واإلفرنجيين خطير‪.28‬‬ ‫أمر قلما ورد في كتب الرحلة وفي األدبيات‬ ‫ويشير‬ ‫ّ‬ ‫الرحالة الى ٍ‬ ‫التاريخية‪ّ ،‬يتصل بالعالقات التجارية المزدهرة بين المسلمين والفرنج‬ ‫فــي ذروة الـصــراع بينهما‪ ... :‬وللنصارى (يقصد الـفــرنــج) على‬ ‫يؤدونها في بــادهــم‪ ،...،‬وتجار النصارى أيضا‬ ‫المسلمين ضريبة ّ‬ ‫يؤدونها في بالد المسلمين على سلعهم‪ ،‬واالتفاق بينهم واالعتدال في‬ ‫ّ‬ ‫جميع األحوال‪ ،‬وأهل الحرب مشتغلون بحربهم‪ ،‬والناس في عافية‪،‬‬ ‫والدنيا لمن غلب‪ ... ،29‬و‪‬اختالف القوافل من مصر الى دمشق‬ ‫على بالد اإلفرنج غير منقطع‪ ،‬واختالف المسلمين من دمشق الى‬ ‫أيضا ال ُيمنع أحد منهم وال ُيعترض‪.30‬‬ ‫ّ‬ ‫النصارى ً‬ ‫عكة كذلك وتجار ّ‬ ‫ُ‬ ‫تقاط ُع‬ ‫ولعل سبب التواصل التجاري النشط بين المسلمين والفرنج‬ ‫المصالح بين الطرفين بـمبالغ ضخمة كانت تحققها لكل منهما عوائد‬ ‫المكوس المفروضة على حركة عبور القوافل التجارية بين مناطقهما‬ ‫(تجارة الترانزيت)‪.‬‬ ‫*‪ ‬مظاهر من الحياة االجتماعية‬ ‫نقل ابن جبير ما عاينه في المدن الشامية من عادات وتقاليد لدى‬ ‫معا‪.‬‬ ‫المسلمين والفرنج ً‬ ‫•  من عادات المسلمين وتقاليدهم‬ ‫تناول عادات سكان دمشق في التمتع بمباهج الحياة‪ ،‬واجتماعهم‬ ‫في صحن الجامع األموي متنزههم في كل عشية‪ ،‬يمضون وقتهم‬ ‫فيه رائحين غادين من بــاب جـيــرون‪ 31‬الــى بــاب البريد‪ ،32‬والناس‬ ‫‪‬فيتخيل لمبصر ذلك أنها ليلة السابع والعشرين‬ ‫يزدحمون هناك‬ ‫ّ‬ ‫من رمضان‪.33‬‬ ‫‪ 228‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.215–214 .‬‬ ‫‪ 229‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.201 .‬‬

‫‪ 330‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.201 .‬‬

‫‪ 331‬أحد أبواب الجامع األموي شرقً ا‪ .‬له تسميات عدة‪ ،‬أشهرها باب جيرون‪ .‬ياقوت‬ ‫الحموي‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬م‪ ،2‬ص‪.199 .‬‬ ‫‪ 332‬أحد أبواب مدينة دمشق‪.‬‬

‫الرحالة يقصد بعبارته‪ :‬ليلة القدر‪.‬‬ ‫‪ 333‬ابن جبير‪ ،‬ص‪ ،178 .‬والراجح أن ّ‬


‫‪ 335‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.207–206 .‬‬ ‫‪ 336‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.207 .‬‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫‪ 334‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.206 .‬‬

‫‪101‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫يتطرق ابــن جبير الــى ع ــادات الدمشقيين فــي الجنائز وكيف‬ ‫ّ‬ ‫قراء يقرأُ ون القرآن بأصوات مرتفعة‬ ‫يسيرون في الجنائز ّ‬ ‫يتقدمهم ّ‬ ‫تبعث على الشجا والبكاء ّ‬ ‫وتؤثـر في النفوس وتنهال على إثر سماعها‬ ‫العبرات‪ ،‬فإذا بلغوا باب الجامع األموي قطعوا القراءة ّإال إذا كان‬ ‫الميت من أئمة الجامع أو من سدنته‪ ،‬فيدخلون بالقراءة الى موضع‬ ‫الصالة قبالة المقصورة‪ .‬وبعد إجراءات الدفن يجتمع أهل المتوفى‬ ‫لتقبل العزاء‬ ‫في البالط الغربي من صحن الجامع بإزاء باب البريد ُّ‬ ‫من ‪‬محتشمي البلد وأعيانهم‪.34‬‬ ‫ويصف عادة أهل الشام في السالم بأنها تأخذ هيئة اإلنحناء‪،‬‬ ‫كـمــا يـجــري فــي الــركــوع أو فــي الـسـجــود أث ـنــاء ال ـصــاة‪ ،‬ويعبر‬ ‫عن ذلــك ببعض امتعاض‪ ... :‬وصفة سالمهم إيماء للركوع‬ ‫أو السجود‪ ،‬فترى األعـنــاق تتالعب بين رفــع وخفض‪ ،‬وبسط‬ ‫ينحط وآخر‬ ‫وقبض‪ ،‬وربما طالت بهم الحالة في ذلك؛ فواحد‬ ‫ّ‬ ‫يقوم‪ ،‬وعمائمهم تهوي بينهم هويا‪ )...( ‬وهــذه الحالة من‬ ‫االنعكاف الركوعي في السالم كنا عهدناها لقينات النساء وعند‬ ‫تحلوا‬ ‫عجبا لهؤالء الرجال كيف‬ ‫استعراض رقيق اإلمــاء‪ ،‬فيا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫بسمات ّربات الحجال؟‪ .35‬ووصف عادة المشي عند الشاميين‪:‬‬ ‫‪‬من عجيب حال الصغير عندهم والكبير بجميع هذه الجهات‬ ‫كلها‪ ،‬أنهم يمشون وأيديهم الى خلف‪ ،‬قابضين بالواحدة على‬ ‫األخــرى‪ ،‬ويركعون للسالم على تلك الحالة المشبهة بأحوال‬ ‫العناة مهانة واستكانة‪ ،‬كأنهم قد سيموا تعنيفا وأوثقوا تكتيفا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تمييزا لهم فــي ذوي الخصوصية‬ ‫وهــم يعتقدون تلك الهيئة‬ ‫ً‬ ‫وتشريفا‪ ...‬أستغفر اهلل منهم!‪.36‬‬ ‫بعضا‬ ‫وينقل طرفً ا من أساليب الدماشقة في مخاطبة بعضهم ً‬ ‫وما يستخدمونه من عبارات‪ ... :‬فتسمع ما شئت من‪ :‬صدر‬ ‫الدين‪ ،‬أو شمسه‪ ،‬أو بدره‪ ،‬أو نجمه‪ ،‬أو زينه‪ ،‬أو بهائه‪ ،‬أو جماله‪،‬‬ ‫أو مـجــده‪ ،‬أو فـخــره‪ ،‬أو شــرفــه‪ ...‬إلــى مــا ال غــايــة لــه مــن هذه‬ ‫األلفاظ الموضوعة‪ ،‬وتتبعها‪ ،‬وال سيما في الفقهاء بما شئت‬ ‫أيضا من‪ :‬سيد العلماء‪ ،‬وجمال األئمة‪ ،‬وحجة اإلســام‪ ،‬وفخر‬


‫الشريعة‪ ،‬وشرف الملة‪ ،‬ومفتي الفريقين‪ ،‬الى ما ال نهاية له من‬ ‫هذه األلفاظ‪.37‬‬

‫‪102‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫•  من عادات الفرنج وتقاليدهم‬ ‫يعرض ابن جبير في مذكراته لعادات الفرنج وتقاليدهم‪ :‬حفل‬ ‫زفاف عروس إفرنجية شاهده في ميناء مدينة صور وذكر أن العرس‬ ‫ورجاال‪ ،‬اصطفوا سماطين عند باب العروس المهداة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫نساء‬ ‫جمع‬ ‫ً‬ ‫والبوقات تضرب والمزامير وجميع اآلالت اللهوية‪ ،‬حتى خرجت‬ ‫رج َلين يمسكانها من يمين وشمال وكأنهما‬ ‫[العروس] تتهادى بين ُ‬ ‫صو ًرا دقيقة لثياب العروس التي ارتدت‬ ‫من ذوي أرحامها‪ِّ ،38‬‬ ‫مقد ًما َ‬ ‫المذهب سحبا‬ ‫أفخر ثياب وأزهاها‪ ،‬فكانت ‪‬تسحب أذيال الحرير‬ ‫ّ‬ ‫على الهيئة المعهودة من لباسهم‪ ،‬وعلى رأسها ُعصابة ذهب قد‬ ‫حفت بشبكة ذهب منسوجة‪ ،‬وعلى لبتها مثل ذلك منتظم‪ ،‬وهي‬ ‫ّ‬ ‫فت ًرا في فتر مشي الحمامة أو سير‬ ‫حليـها وحللها‪ ،‬تمشي ْ‬ ‫رافلة في ّ‬ ‫جلة رجالها من النصارى في أفخر مالبسهم‬ ‫وأمامها‬ ‫النعامة‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫ونظراؤها من‬ ‫أكف ُاؤها‬ ‫البهية‪ ،‬تسحب أذيالها خلفهم‪ ،‬ووراءه ــا ّ‬ ‫ُ‬ ‫النصرانيات يتهادين في أنفس المالبس‪ ،‬ويرفلن في أرفل الحلي‪،‬‬ ‫تقدمتهم‪ ،‬والمسلمون وسائر النصارى من‬ ‫واآلالت اللهوية قد ّ‬ ‫يتطلعون فيهم‪ ،‬وال ينكرون‬ ‫النظّ ار قد عادوا في طريقهم سماطين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عليهم ذلك‪ .‬فساروا بها حتى أدخلوها دار بعلها‪ ،‬وأقاموا يومهم‬ ‫فأدانا االتفاق الى رؤية هذا المنظر الزخرفي‪.39‬‬ ‫ذلك في وليمة‪ّ ،‬‬ ‫وعلى ظهر مركب حمله وجمع من حجاج بيت المقدس‪ ،‬حضر‬ ‫ابن جبير احتفال هؤالء الحجاج بأحد أعيادهم‪ :40‬وكان للنصارى‬ ‫عيد مذكور عندهم احتفلوا له في إســراج الشمع‪ ،‬وكاد ال يخلو‬ ‫وتقدم‬ ‫ذكرا أو أنثى‪ ،‬من شمعة في يده‪،‬‬ ‫صغيرا‬ ‫أحد منهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكبيرا‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا لوعظهم‬ ‫واحدا‬ ‫قسيسوهم للصالة في المركب بهم‪ ،‬ثم قاموا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتذكيرهم بشرائع دينهم‪ ،‬والمركب يزهر كله أعاله وأسفله سرجا‬ ‫متـقدة‪.41‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 337‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.206 .‬‬

‫‪ 338‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.213 .‬‬

‫‪ 339‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.213 .‬‬ ‫‪ 440‬لعله يقصد عيد الشعانين‪.‬‬

‫‪ 441‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.218 .‬‬


‫‪ .3‬المغاربة‬

‫‪ 443‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.200–199 .‬‬ ‫‪ 444‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.195 .‬‬

‫‪ 445‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.195 .‬‬

‫‪ 446‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.200 .‬‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫‪ 442‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪195 .‬؛‬

‫‪L. Pouzet, Damas au VII ème / XIII ème siècle, Beyrouth, 1983, p. 103 –104.‬‬

‫‪103‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫بــدأ الترحال المغربي الــى الـشــام فــي العصرين األم ــوي والعباسي‪،‬‬ ‫وتطور في عصر الخالفة الفاطمية حين دعمت قبيلة كتامة المغربية‬ ‫وسياسيا‪ ،‬ورافق جند منها‬ ‫عسكريا‬ ‫دولة الفاطميين الناشئة في المغرب‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫جوهر الصقلي قائد الخليفة المعز الفاطمي الى مصر‪ ،‬وساعدوه في بسط‬ ‫سلطانه عليها‪ ،‬ثم دخلوا معه مدينة دمشق ليتبلور الحضور المغربي في‬ ‫أيام الملك العادل نور الدين زنكي والسلطان الناصر صالح‬ ‫تلك المدينة َ‬ ‫الدين األيوبي‪.‬‬ ‫طبيعيا أن يصف ابن جبير أحوال إخوانه المغاربة المقيمين في‬ ‫وكان‬ ‫ًّ‬ ‫الشام حيث احتلّ وا منزلة مقدرة في المجتمع الشامي‪ ،‬ألسباب عد ٍة في‬ ‫والتصوف‪ ،‬وتولّ ي‬ ‫الزهد‬ ‫طليعتها إسهامهم في مجاهدة الفرنج‪ ،‬التزامهم ّ‬ ‫ّ‬ ‫نخبهم المناصب الدينية والدنيوية الرفيعة‪ .42‬أما فقراء المغاربة من طلبة‬ ‫إجماال من عائدات أوقــاف زاويــة في‬ ‫ً‬ ‫خصوصا‪ ،‬فكانوا يعتاشون‬ ‫العلم‬ ‫ً‬ ‫الجامع األموي‪ ،‬عرفت بـ ‪‬الزاوية المالكية‪ ،‬ومن عائدات أوقاف مدارس‬ ‫مالكية أخرى كانوا يدرسون فيها الفقه المالكي وتجرى عليهم األموال‪،43‬‬ ‫ويستطرد‪ :‬ليس يؤتمن فيها كلها سوى المغاربة الغرباء‪ ،‬ألنهم قد عال‬ ‫لهم بهذا البلد صيت في األمانة‪ ،44‬ويذكر مجاالت عمل فقراء المغاربة‬ ‫في حراسة البساتين‪ ،‬أو أمانة المطاحن‪ ،‬أو تعليم القرآن الكريم للصغار‬ ‫والجرايات المرتبطة بهم‪.45‬‬ ‫الحجاج المغاربة واالحتفاء بهم لدى‬ ‫ونوه ابن جبير بتعظيم أه ِل دمشق‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عودتهم من أداء مناسك الحج‪ ،‬فوصف استقبال الحجيج المغربي في‬ ‫دمشق‪ ،‬عام ‪ 580‬هـ‪ :‬من أغرب ما حدثناه من ذلك أن الحاج الدمشقي‪،‬‬ ‫مع من انضاف إليهم من المغاربة عند صدورهم الى دمشق في هذا العام‪،‬‬ ‫ورجاال‪،‬‬ ‫الجم الغفير‪ ،‬نساء‬ ‫الذي هو عام ثمانين‪ ،‬خرج الناس لتلقيهم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ويتمسحون بهم‪ ،‬وأخرجوا الدراهم لفقرائهم يتلقونهم بها‬ ‫يصافحونهم‬ ‫ّ‬ ‫‪46‬‬ ‫وأخرجوا إليهم األطعمة‪. ‬‬


‫ويذكر ابــن جبير دور المغاربة في مجاهدة الفرنج بدعم إخوانهم‬ ‫جهودهم في هذا السبيل‪ ،‬وكيف‬ ‫المسلمين في المشرق‪ ،‬وتقدير الشاميين‬ ‫َ‬ ‫يفضلون افتكاك أســرى المغاربة على‬ ‫ّ‬ ‫كان‬ ‫الحكام المسلمون المشارقة ّ‬ ‫ماال للفرنج‪ ،‬من ذلك‪ :‬أن‬ ‫افتكاك أسرى أهل الشام‪ ،‬إذ افتدوهم بدفعم ً‬ ‫مبلغا من المال الفتداء أسرى من‬ ‫نور الدين زنكي نذر في مرضة أصابته ً‬ ‫است َب ّل من مرضه‪ ،‬أرسل في فدائهم‪ ،‬فسيق فيهم نفر‬ ‫المغاربة‪ ،‬فلما َ‬ ‫يفتكهم أهلوهم وجيرانهم‪ ،‬والمغاربة‬ ‫ليسوا من المغاربة‪ ،‬وقال‪ :‬هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫ال أهل لهم‪.47‬‬

‫‪104‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫أيضا‬ ‫ّ‬ ‫ولم يقتصر أمر افتكاك األسرى المغاربة على‬ ‫الحكام بل تغلغل ً‬ ‫فداء‬ ‫ـرددوا في بذل أموالهم‬ ‫في وجــدان جمهور أهل الشام الذين لم يـتـ ّ‬ ‫َ‬ ‫أسرى المغاربة حتى ‪‬أن كل من يخرج من ماله وصية من المسلمين‪،‬‬ ‫يعينها في افتكاك المغاربة‪...‬‬ ‫بهذه الجهات الشامية وســواهــا‪ ،‬إنما ّ‬ ‫فملوك أهل هذه الجهات من المسلمين‪ ،‬والخواتين من النساء‪ ،‬وأهل‬ ‫اليسار والثراء‪ ،‬إنما ينفقون أموالهم في هذه السبيل‪ .48‬لذلك نصح ابن‬ ‫جبير أهل المغرب بالترحال الى المشرق ألن المغربي هناك س ــ ‪‬يجد‬ ‫مشيدا بدمشق ألن ‪‬االحتفال بهذه البلدة أكثر‪،‬‬ ‫األمور المعينات كثيرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واالتساع أجود‪.49‬‬

‫لهذه األسباب ثارت نقمة الفرنج على المغاربة القادمين الى الشرق‪،‬‬ ‫األراضي الخاضع َة للفرنج بضريبة المكس‪،‬‬ ‫فأثقلوا كاهل العابرين منهم‬ ‫َ‬ ‫عقابا لهم على‬ ‫‪‬وال اعتراض على غيرهم من جميع بالد المسلمين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪50‬‬ ‫مبررين ذلك‬ ‫مشاركتهم نور الدين زنكي في حصار أحد حصون الفرنج ‪ّ ،‬‬ ‫ـ ‪‬أن هؤالء المغاربة كانوا يختلفون على بالدنا‬ ‫– كما ذكره ابن جبير – ب ّ‬ ‫تعرضوا لحربنا وتألبوا مع إخوانهم المسلمين علينا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ون ِ‬ ‫سال ُمهم‪ ...‬فلما ّ‬ ‫‪51‬‬ ‫وجب أن نضع هذه الضريبة عليهم‪. ‬‬ ‫‪ 447‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.214 .‬‬

‫‪ 448‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.215–214 .‬‬ ‫‪ 449‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.200 .‬‬

‫‪ 550‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .210 .‬حول افتداء أسرى المغاربة لدى الفرنج‪ :‬أسامة بن‬ ‫منقذ‪ ،‬كتاب اإلعتبار‪ ،‬مراجعة وتدقيق حسن الزين‪ ،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ص‪.81–80 .‬‬ ‫‪ 551‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.210 .‬‬


‫‪ .4‬التعايش والتسامح الديني‬

‫‪ 552‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.210 .‬‬

‫‪ 553‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.212 .‬‬

‫‪ 554‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪ .211–210 .‬أحمد حطيط‪ ،‬لبنان في عهد الفرنجة‪ ،‬فصل‬ ‫في كتاب ‪‬لبنان في تاريخه‪ ،‬وتراثه‪ ،‬بيروت‪ ،1993 ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪194–193 .‬؛‬

‫‪C. Cahen, La Syrie du Nord à l’époque des Croisades et la principauté‬‬ ‫‪franque d’Antioche, Paris, 1940, p. 168 –169.‬‬

‫‪ 555‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.180 .‬‬

‫‪ 556‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.201 .‬‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫والزهاد‬ ‫النساك‬ ‫ّ‬ ‫*‪ ‬جبل لبنان موئل ّ‬ ‫يتصل‬ ‫يصف ابن جبير جبل لبنان بأنه ‪‬سامي االرتفاع‪ ،‬ممتد الطول‪ّ ،‬‬ ‫ألن وراءه أنطاكية‬ ‫حد بين بالد المسلمين واإلفرنج‪ّ ،‬‬ ‫من البحر‪ ،‬وهو ّ‬ ‫‪55‬‬ ‫والالذقية وسواهما من بالدهم‪ ، ‬وأنه ‪‬من أخصب جبال الدنيا‪ ،‬فيه‬ ‫وقل ما يخلو من‬ ‫أنواع الفواكه‪ ،‬وفيه المياه المطّ ردة والظالل الوارفة‪ّ ،‬‬ ‫استوقفته‪:‬‬ ‫التبتل والــزهــادة‪ .56‬ومــن مظاهر التعايش والتسامح التي‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬

‫‪105‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫انتباه ابن جبير ما وقع عليه من مظاهر التعايش والتسامح بين‬ ‫استرعى‬ ‫َ‬ ‫فتحدث عن مواضع االلتقاء والتوافق بينهم‪،‬‬ ‫الشام‪،‬‬ ‫بالد‬ ‫في‬ ‫أهل األديان‬ ‫ّ‬ ‫أن المسلمين والفرنج كانوا يتقاسمون غلّ ة مدينة بانياس الخاضعة‬ ‫من ذلك ّ‬ ‫آنذاك للمسلمين‪ ... :‬ولها (بانياس) محرث واسع في بطحاء متصلة‪،‬‬ ‫يشرف عليها حصن لإلفرنج يسمى هونين‪ ،‬بينه وبين بانياس مقدار‬ ‫ثالثة فراسخ‪ ...‬وعمالة تلك البطحاء بين اإلفرنج وبين المسلمين‪ ،‬لهم‬ ‫بحد المقاسمة؛ فهم يتشاطرون الغلة على استواء‪،‬‬ ‫حد ُيعرف ّ‬ ‫في ذلك ّ‬ ‫‪52‬‬ ‫ومواشيهم مختلطة‪ ،‬وال حيف ُيجرى بينهما فيها‪ ، ‬ويذكر مشاهداته‬ ‫في مدينة عكا‪ :‬وفي شرقي عكا محراب للمسلمين وضع اإلفرنج في‬ ‫محرابا؛ فالمسلم والكافر يجتمعان فيه‪ ،‬ويستقبل كل منهما‬ ‫شرقيه‬ ‫ً‬ ‫‪53‬‬ ‫مصاله‪. ‬‬ ‫ّ‬ ‫في هذا السياق يتناول ابن جبير ما ّ‬ ‫اطلع عليه من أوضاع المسلمين في‬ ‫المناطق الخاضعة للفرنج‪ّ ،‬إبان زيارته بالد عاملة اللبنانية‪ ،‬في طريقه الى‬ ‫عكا‪ ،‬فيشير الى أن الناس هناك على أحسن حال في ظل حكم الفرنج‪،‬‬ ‫ـركت لألهالي أمالكهم وبيوتهم وحقولهم لقاء ضريبة سنوية يدفعونها‬ ‫إذ ُت َ‬ ‫مقدار نصف الغلة‪ ،‬وجزية على كل رأس دينار وخمسة قراريط‪ ،‬وضريبة‬ ‫أيضا‪ ،‬وال يعترضونهم في غير ذلك‪.54‬‬ ‫يؤدونها ً‬ ‫خفيفة على ثمر الشجر ّ‬


‫النساك النصارى المجاورين في جبل لبنان فقراء من المسلمين‬ ‫استضافة ّ‬ ‫ّ‬ ‫النصارى مثوى من قصدهم من‬ ‫تقطعت بهم السبل‪ ،‬وكيف أحسن أولئـك ّ‬ ‫وأمدوهم بالقوت‪ ،‬فـ ‪‬هؤالء (المسلمون) ممن انقطع الى‬ ‫المسلمين‬ ‫ـاد‬ ‫زه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪57‬‬ ‫حدث به‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫أعجب‬ ‫‪‬ومن‬ ‫ويضيف‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫مشاركتهم‪‬‬ ‫فتجب‬ ‫وجل‪،‬‬ ‫عز‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫أن نيران الفتنة تشتعل بين الفئتين‪ :‬مسلمين ونصارى (يقصد الفرنج)‬ ‫وربما يلتقي الجمعان‪ ،‬ويقع المصاف بينهم‪ ،‬ورفاق المسلمين والنصارى‬ ‫تختلف بينهم دون اعتراض عليهم‪.58‬‬ ‫‪ .5‬الخارطة المذهبية والعقدية في بالد الشام‬

‫‪106‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫قيمة عن بعض الفرق اإلسالمية في‬ ‫ّ‬ ‫يتضمن كتاب الرحلة معلومات ّ‬ ‫مرك ًـزا على المتصوفة والشيعة وفرقهم المختلفة‪ .‬ويشير‬ ‫بالد الشام‪ّ ،‬‬ ‫للمتصوفة في زمن الملك العادل نور الدين‬ ‫ابن جبير الى المكانة المميزة‬ ‫ّ‬ ‫وكسب‬ ‫وخلفه السلطان صالح الدين األيوبي‪ ،‬اللذين حرصا على إرضائهم ْ‬ ‫الرحالة –‬ ‫مودتهم‪ ،‬حتى أضحت المتصوفة‪ ،‬في أيامهما – حسب ما ذكره ّ‬ ‫‪‬هم الملوك بهذه البالد‪ ،‬ألنهم قد كفاهم اهلل مؤن الدنيا وفضولها‪،‬‬ ‫وفــرغ خواطرهم لعبادته من الفكرة في أسباب المعاش‪ ،‬وأسكنهم في‬ ‫تذكرهم قصور الجنان؛ فالسعداء الموفقون منهم قد حصل لهم‬ ‫قصور ّ‬ ‫‪59‬‬ ‫– بفضل اهلل تعالى – نعيم الدنيا واآلخرة‪. ‬‬ ‫أما الشيعة‪ ،‬فلهم ‪‬في هذه البالد أمور عجيبة‪ ،‬وهم أكثر من السنيين‬ ‫عموا البالد بمذاهبهم‪ ،‬وهم فرق شتى‪ :‬منهم الرافضة‪ ،‬وهم‬ ‫بها‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الـسـ ّـبــابــون‪ ،‬ومنهم اإلمــامـيــة (االث ـنــا عشرية) والــزيــديــة‪ ،‬وهــم يقولون‬ ‫والنصيرية‪.60‬‬ ‫بالتفضيل خاصة‪ ،‬ومنهم اإلسماعيلية ُ‬ ‫‪61‬‬ ‫المتحصنة في‬ ‫يتوقّ ف ابــن جبير عند فرقة اإلسماعيلية الـ ّـنــزاريــة‬ ‫ّ‬ ‫ويقدم‬ ‫معاقل من بالد الشام وصفها بـ ‪‬حصون المالحدة اإلسماعيلية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 557‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.201 .‬‬

‫‪ 558‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.201 .‬‬

‫‪ 559‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.199 .‬‬

‫‪ 660‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.196 .‬‬

‫‪ 661‬بعد وفاة المستنصر باهلل الخليفة الفاطمي الثامن (عام ‪ )1094/487‬انقسمت‬ ‫اإلسماعيلية فرقتين متنافستين‪ :‬المستعلية (في مصر والشام والمغرب العربي واليمن‬ ‫والهند)‪ ،‬والنزارية (في بالد فارس وبالد الديلم‪ ،‬ثم في مناطق من شمالي بالد الشام‬ ‫في عشرينات القرن السادس الهجري‪ /‬الثاني عشر الميالدي)‪ .‬ابن ظافر األزدي‪ ،‬أخبار‬


‫‪ .6‬المؤسسات التعليمية‬ ‫‪1.1‬المدارس‬

‫الدول المنقطعة‪ ،‬ص‪84–83 .‬؛ ابن تغري بردي‪ ،‬النجوم الزاهرة في ملوك مصر‬ ‫النزارية‪ ،‬القاهرة‪ ،1960 ،‬ص‪.84 ،64 .‬‬ ‫والقاهرة‪ ،‬م ‪ ،5‬ص‪144 .‬؛ طه شرف‪ ،‬دولة ّ‬

‫بالفتوة وبأمور‬ ‫عرف ابن جبير (ص‪ )196 .‬فرقة النبوية بإنهم ‪‬سنيون يدينون‬ ‫‪ّ 662‬‬ ‫ّ‬ ‫الفتوة في الجاهلية واإلسالم‪ :‬ابن طباطبا‪ ،‬الفخري‬ ‫الرجولة‪ .‬وللمزيد عن ظاهرة‬ ‫ّ‬ ‫الفتوة‪،‬‬ ‫في اآلداب السلطانية‪ ،‬القاهرة‪1315 ،‬هـ‪ ،‬ص‪278 .‬؛ ابن عمار الحنبلي‪ ،‬كتاب‬ ‫ّ‬ ‫والفتوة في‬ ‫تحقيق مصطفى جواد وآخرون‪ ،‬بغداد‪1958 ،‬؛ أحمد أمين‪ ،‬الصعلكة‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬القاهرة‪.1953 ،‬‬

‫‪ 663‬ابن جبير‪ ،‬ص‪ .197–196 .‬ويؤكد ابن العديم (ت‪660 .‬هـ‪1260/‬م) رواية ابن‬ ‫كبيرا‪ .‬ابن العديم‪ ،‬زبدة الحلب‬ ‫بأن عدد القتلى من ّ‬ ‫جبير عن تلك الحادثة ّ‬ ‫النزارية كان ً‬ ‫في تاريخ حلب‪ ،‬ج‪ ،3 .‬تحقيق سامي الدهان‪ ،‬دمشق‪ ،1968 ،‬ص‪.32 .‬‬

‫النزارية في‬ ‫مقدم اإلسماعيلية ّ‬ ‫‪ 664‬هو راشد بن سنان بن سلمان‪ ،‬أبو الحسن البصري‪ّ ،‬‬ ‫النزارية من سنة ‪ 559‬هـ‪1163/‬م حتى وفاته سنة ‪ 589‬هـ‪1193/‬م‪.‬‬ ‫بالد الشام‪ .‬تولى زعامة ّ‬ ‫ابن تغري بردي‪ ،‬النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة‪ ،‬ج‪ ،6 .‬ص‪.116 .‬‬ ‫‪ 665‬ابن جبير‪ ،‬ص‪.180 .‬‬

‫‪ 666‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.69 .‬‬

‫‪107‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫يذكر ابن جبير انتشار المدارس ومؤسسات تعليمية أخرى تعنى بتعليم‬ ‫القرآن والعلوم الدينية األخــرى‪ ،‬كالمساجد والزوايا والربط والمجالس‬ ‫ويعدد طرائق التعليم المعتمدة‪.‬‬ ‫والمحاض‪ّ ،‬‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫معلومات فريدة عن قتال حصل قبل ثماني سنوات من تاريخ رحلته الى‬ ‫النزارية وفرقة النبوية المناوئة إياهم‬ ‫الشام (عام ‪ 578‬هـ ــ‪1175/‬م) بين ّ‬ ‫‪62‬‬ ‫بالنزارية المتمركزين في مدينة‬ ‫لح َق النبوية الهزيمة ّ‬ ‫عقديا ‪ ،‬وكيف أَ َ‬ ‫ًّ‬ ‫‪63‬‬ ‫واصفا‬ ‫‪،‬‬ ‫ـرى‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫مناطق‬ ‫الى‬ ‫منها‬ ‫وأخرجوهم‬ ‫حلب‪،‬‬ ‫شرق‬ ‫شمال‬ ‫الباب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫زعيم النزارية راشد بن سنان‪( 64‬معروف بـ ‪‬شيخ الجبل‪ )‬أنه ‪‬شيطان‬ ‫ونظرا للتباينات بين الفرق اإلسالمية في مصر والشام‬ ‫من اإلنــس‪.65‬‬ ‫ً‬ ‫والعراق (حالة ال يحاكيها الواقع اإلسالمي في بالد المغرب حيث السيادة‬ ‫‪‬وليتحقق‬ ‫إسالما كما يراه في بالده‪:‬‬ ‫للمذهب المالكي) ال يرى ابن جبير‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ألنهم‬ ‫ّ‬ ‫المتحقق ويعتقد الصحيح االعتقاد أنه ال إسالم إال ببالد المغرب‪ّ ،‬‬ ‫ـادة واضحة ال بنيات لها‪ ،‬ومــا ســوى ذلــك – مما بهذه الجهات‬ ‫على جـ ّ‬ ‫فأهواء‬ ‫المشرقية –‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫اهلل‬ ‫عصم‬ ‫من‬ ‫إال‬ ‫‪،‬‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫وش‬ ‫ة‬ ‫ضال‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫وف‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫وب‬ ‫ّ ِ َ ٌ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ َِ ٌ َِ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫من أهله‪.66‬‬


‫‪108‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫وفي وصفه مدينة دمشق وجامعها يعرض صورة عن الملمح الثقافي‬ ‫منظرا مدرسة نور‬ ‫في المدينة‪ :‬كثرة مدارسها (نحو عشرين)‪ ،‬من أحسنها‬ ‫ً‬ ‫متوقفا عند النشاط التعليمي‬ ‫الدين [محمود المعروف بالملك العادل]‪،67‬‬ ‫ً‬ ‫في الجامع األموي واستخدام بعض مقصوراته ألغراض التدريس‪ ،68‬وما‬ ‫يوفّ ـره القائمون على البلد من محاضر كبيرة لتعليم األيتام من الصبيان‪.69‬‬ ‫عددا من مدارس دمشق‪ :‬عدد‬ ‫أقل ً‬ ‫وعن مدارس باقي مدن الشام يراها ّ‬ ‫‪71‬‬ ‫ت‪ ،70‬عدد مدارس حماه ثالث ‪ ،‬ويقتصر‬ ‫مدارس حلب نحو خمس أو ِس ّ‬ ‫‪72‬‬ ‫التعليم في حمص على مدرسة واحــدة ‪ .‬ولعل السبب في تناقص عدد‬ ‫م ــدارس حــواضــر الـشــام األخ ــرى‪ ،‬مقارنة مــع عــدد م ــدارس دمـشــق‪ ،‬هو‬ ‫استقرار أمني وسياسي في دمشق إزاء مثيالتها من مدن الشام الداخلية‪،‬‬ ‫وثقافيا‪ ،‬وفي ازدياد سكانها وعمرانها‪،‬‬ ‫اقتصاديا‬ ‫تطور دمشق‬ ‫ًّ‬ ‫ما أسهم في ّ‬ ‫ًّ‬ ‫‪73‬‬ ‫وذك َر‬ ‫من هنا كثرة المرافق فيها حتى أن هذه ‪‬أكثر من أن توصف‪َ ، ‬‬ ‫دارا للوضوء‪ ،74‬وبعض أبنيتها يصل الى ثالثة طوابق‪ ،‬أما‬ ‫حمام و‪ً 40‬‬ ‫‪ّ 100‬‬ ‫‪75‬‬ ‫ا‪‬‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫الدنيا‬ ‫بالد‬ ‫ـ ‪‬أكثر‬ ‫ف‬ ‫سكانها‬ ‫المتبعة‪:‬‬ ‫التدريس‬ ‫طرائق‬ ‫ويتناول‬ ‫‪.‬‬ ‫ُ​ًُ‬ ‫ّ‬ ‫القرآن في هذه البالد المشرقية كلها‪ ،‬هو تلقين‪،‬‬ ‫‪ ...‬وتعليم الصبيا ِن‬ ‫َ‬ ‫عز وجل‪ ،‬عن‬ ‫ّ‬ ‫ويعلمون الخط في األشعار وغيرها‪ ،‬تنزيها لكتاب اهلل‪ّ ،‬‬ ‫الملقن‬ ‫ابتذال الصبيان له باإلثبات والمحو‪ .‬وقد يكون في أكثر البالد‬ ‫ّ‬ ‫والم ْك ِتب على حدة‪ ،‬فينفصل من التلقين الى التكتيب‪...‬‬ ‫على حدة‪ُ ،‬‬ ‫ألن المعلم له ال‬ ‫الخط‪،‬‬ ‫حسن‬ ‫الصبيان]‬ ‫[يقصد‬ ‫لهم‬ ‫يتأتى‬ ‫ولذلك ما‬ ‫ّ‬ ‫يشتغل بغيره؛ فهو يستفرغ جهده في التعليم‬ ‫التعلم كذلك‪،‬‬ ‫والصبي في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألنه بتصويره يحذو حذوه‪.76‬‬ ‫ويسهل عليه ّ‬ ‫‪ 667‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .199–198 .‬وهو وصف المدرسة بإعجاب‪ :‬قصر من‬ ‫القصور األنيقة‪ .‬إبن جبير‪ ،‬ص‪.198 .‬‬ ‫‪ 668‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.191–190 .‬‬ ‫‪ 669‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪198 .‬‬

‫‪ 770‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.179 .‬‬

‫‪ 771‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.181 .‬‬

‫‪ 772‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.182 .‬‬

‫‪ 773‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.202 .‬‬

‫‪ 774‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.202 .‬‬

‫‪ 775‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.198 .‬‬

‫‪ 776‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.191 .‬‬


‫‪2.2‬البيمارستانات‬

‫‪ .7‬المزارات الدينية‬

‫النوري‪‬‬ ‫‪ 777‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .198 .‬البيمارستان الحديث يعرف بـ ‪‬البيمارستان ُ‬ ‫نسبة الى الملك العادل نور الدين محمود زنكي‪ .‬أحمد عيسى‪ ،‬البيمارستانات في‬ ‫اإلسالم‪ ،‬دمشق‪ ،1939 ،‬ص‪.297 .‬‬ ‫‪ 778‬ابن جبير‪ ،‬ص‪.198 .‬‬

‫تطور الطب في حلب عبر‬ ‫‪ 779‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪179 .‬؛‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‪ :‬أدولف بوخه‪ّ ،‬‬ ‫العصور‪ ،‬عاديات حلب‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬حلب‪ ،1975 ،‬ص‪.127 .‬‬ ‫‪ 880‬ابن جبير‪ ،‬ص‪.181 .‬‬

‫‪ 881‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.182 .‬‬

‫‪ 882‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.191 .‬‬

‫‪ 883‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.195 .‬‬

‫‪ 884‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.196 .‬‬

‫‪ 885‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.196 .‬‬

‫‪109‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫في كتاب الرحلة ْذك ُر مزارات دينية إسالمية ومسيحية‪.‬‬ ‫مشهد رأس يحيى بن‬ ‫من مــزارات المسلمين في دمشق وجــوارهــا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫منسوب الى‬ ‫ومشهد‬ ‫زكــريــا‪ ،82‬في البالط القبلي من الجامع األمــوي‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ومشهد ابنته أم كلثوم ويـقــال لها زينب‬ ‫اإلم ــام علي بــن أبــي طــالــب‪،83‬‬ ‫ُ‬ ‫ومشهد سعد بن عبادة رئيس قبيلة ال ـخــزرج‪ ،85‬وغيرها‪.‬‬ ‫الـصـغــرى‪،84‬‬ ‫ُ‬ ‫وإلــى هــذه المشاهد جبان ٌة كبيرة لقبور الشهداء غربي المدينة فيها‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫يصف رحاّ لتنا األندلسي بيمارستانات مــدن الشام وواقــع الرعاية‬ ‫قديما وحديثً ا‪،‬‬ ‫الطبية للمرضى بأنه شاهد في دمشق بيمارستانين‪:‬‬ ‫ً‬ ‫واألخير أكبر من األول وأكثر فخامة‪ ،77‬وفيه نظام الستقبال المرضى‪،‬‬ ‫وتسجيل دخولهم الى البيمارستان‪ .‬وعمال بهذا النظام يحضر األطباء‬ ‫ليتفقـدوا المرضى ويـقـ ّـرروا األغذية واألدويــة‬ ‫يوميا وفي ساعة مبكرة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الخاصة بكل مريض‪.78‬‬ ‫فــي حلب بيمارستان واحــد أش ــاده نــور الــديــن مـحـمــود‪ ،79‬وفــي حماة‬ ‫‪80‬‬ ‫شيخا‬ ‫أي بيمارستان‪ .‬سأل‬ ‫بيمارستان‬ ‫ً‬ ‫واحد ً‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا ‪ ،‬ولم يجد في حمص ّ‬ ‫‪81‬‬ ‫عن السبب فأنكر هذا عليه سؤاله وأجابه ‪‬حمص كلها بيمارستان!‪. ‬‬


‫‪110‬‬

‫قبور صحابة وتابعين منها قبر أبي الـ ّـدرداء األنصاري‪ 86‬وقبر زوجه أم‬ ‫الدرداء‪ ،87‬وقبر فُ ضالة بن عبيد‪ ،88‬وقبر سهل بن الحنظلية‪ ،89‬واألخيران‬ ‫ّ‬ ‫الصحابي بالل‬ ‫أيضا قبـر‬ ‫ممن بايعوا الرسول (ص) تحت الشجرة ومنها ً‬ ‫ّ‬ ‫بن حمامة‪ ،‬وقبـر معـاوية بن أبي سفيان‪ .90‬ومن مــزارات حلب مشهد‬ ‫ابراهيم الخليل كان الناس يقصدونه للزيارة والتبرك بالصالة فيه‪ ،91‬ومن‬ ‫مزارات حمص قـبر خالد بن الوليد‪ ،‬وقبر ابنه عبد الرحمن‪ ،‬وقبر عبيد‬ ‫ّ‬ ‫اهلل بن عمر بن‬ ‫الخطاب‪.92‬‬ ‫من مزارات المسيحيين يذكر ابن جبير كنيسة السيدة مريم (أو الكنيسة‬ ‫زوارها المؤمنين‪،‬‬ ‫وينوه بمكانتها العالية في نفوس ّ‬ ‫المريمية) في دمشق‪ّ ،‬‬ ‫والص َور فيها‪ :‬داخل البلد كنيسة لها عند الروم‬ ‫ويصف جمال عمارتها‬ ‫ُ‬ ‫شأن عظيم تعرف بكنيسة مريم‪ ،‬ليس بعد كنيسة بيت المقدس عندهم‬ ‫عجيبا‬ ‫أفضل منها‪ ،‬وهــي جميلة البناء‪ ،‬تتضمن من التصاوير أمـ ًـرا‬ ‫ً‬ ‫َي ْب َهر األفكار ويستوقف األبصار‪ ،‬ومرآها عجيب‪ ،‬الفتا الى أنها بأيدي‬ ‫الروم ‪‬وال اعتراض عليهم‪ ،93‬وتلك إشارة إيجابية الى دور العبادة لدى‬ ‫المسيحيين المحليين في مناطق النفوذ اإلسالمي‪.‬‬

‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫الملقـب بـ ‪‬حكيم‬ ‫‪ 886‬هو عويمر بن زيد بن قيس األنصاري األنصاري الخزرجي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والدرداء ابنته ُك ِّني بها فقامت الكنية مقام االسم حتى ال يكاد‬ ‫وسيد‬ ‫القراء‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫األمة ّ‬ ‫يعرف إال بها‪ .‬توفي في دمشق إبان خالفة عثمان بن عفان‪ ،‬سنة ‪32‬هـ‪ .‬وقيل سنة‬ ‫‪31‬هـ عن عمر ناهز ‪ 72‬عاما‪ .‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،2 .‬مؤسسة‬ ‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،2001 ،‬ص‪.353–336 .‬‬

‫ـيي األوصابية الدمشقية‪ ،‬تابعية وفقيهة‬ ‫‪ 887‬هي ُهجيمة (وقيل ُجهيمة) بنت ُح ّ‬ ‫ومحدثة‪ .‬توفيت بعد سنة ‪ 81‬هـ‪ ،.‬على عهد عبد الملك بن مروان‪ .‬الذهبي‪ ،‬المصدر‬ ‫ّ‬ ‫نفسه‪ ،‬ج‪ ،4 .‬ص‪.279–278 .‬‬ ‫والمحدث‪.‬‬ ‫‪ 888‬هو أبو محمد ابن نافذ بن قيس بن صهيب بن أصرم األنصاري‪ ،‬الفقيه‬ ‫ّ‬ ‫تولى قضاء دمشق على عهد معاوية بن أبي سفيان‪ .‬مات سنة ‪ 53‬هـ‪ ،.‬وقيل سنة ‪ 95‬هـ‪.‬‬ ‫المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.117–114 .‬‬

‫معاصر أبا‬ ‫‪ 889‬سهل بن الحنظلية األوسي األنصاري من بني حارثة‪ ،‬صحابي جليل‬ ‫ٌ‬ ‫الدرداء‪ ،‬نزيل دمشق‪ .‬ويقال إن الحنظلية أمه‪ ،‬واسم أبيه عفيف‪ .‬توفي في بداية حكم‬ ‫معاوية بن أبي سفيان‪ .‬أبو القاسم الطبراني‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬تحقيق حمدي عبد‬ ‫المجيد السلفي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ال تاريخ‪ ،‬ص‪.95–94 .‬‬ ‫‪ 990‬ابن جبير‪ ،‬ص‪.197–196 .‬‬ ‫‪ 991‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.182 .‬‬

‫‪ 992‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.178 .‬‬

‫‪ 993‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.198 .‬‬


‫‪ .8‬العمارة الحربية‬

‫‪ 994‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.201 .‬‬

‫‪ 995‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.178 ،177 .‬‬ ‫‪ 996‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.181 .‬‬

‫‪ 997‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.182 .‬‬

‫‪111‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫‪‬المذكرات‪ ‬إشــارة ابن جبير النابهة الى العمارة الحربية‬ ‫تلفت في‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالمية والفرنجية في بالد الشام‪ ،‬وإن هي اقتصرت في الغالب على‬ ‫منعة التحصينات العسكرية فــي الـقــاع والحصون دون ذكــر هندستها‬ ‫الرحـالة المسلمون الذين زاروا‬ ‫مقتديا في ذلك بما درج عليه‬ ‫المعمارية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الشام في ذلك الزمن‪.‬‬ ‫مــن الـعـمــائــر الـحــربـيــة اإلســام ـيــة‪ :‬قلعة دمـشــق مـقـ ّـر الـسـلـطــان في‬ ‫الشدائد‪ ،94‬في الجهة الشمالية من سور دمشق‪ ،‬قبالة باب الفرج أحد‬ ‫وبمنعة يصعب‬ ‫أبــواب المدينة‪ ،‬وقلعة حلب المتميزة بارتفاعها الشاهق‬ ‫ٍ‬ ‫أبراج‬ ‫األعلى‬ ‫وسورها‬ ‫‪‬تنزهت حصانة أن ُترام أو ُتستطاع‪،‬‬ ‫وصفها إذ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تفتحت كلها‬ ‫منتظمة‪ ،‬فيها العاللي المنيفة‪ ،‬والقصاب المشرفة‪ ،‬وقد ّ‬ ‫طيقانا‪ ،‬وكل برج منها مسكون‪ ،‬وداخلها المساكن السلطانية‪ ،‬والمنازل‬ ‫ً‬ ‫‪95‬‬ ‫الملوكية‪ ، ‬وقلعة حماة المنتصبة على تلة كبيرة مستديرة‪ّ ،‬تتصف‬ ‫بحصانتها ومنعتها وتوافر المياه الصالحة للشرب فيها‪ ،‬لمرور نهر كبير‬ ‫في شرقيها (نهر العاصي)‪ ،96‬وقلعة حمص المعروفة بمنعتها ‪‬فأسوارها‬ ‫في غاية العتاقة والوثاقة‪ ،...،‬تكتنفها األبراج‬ ‫المشيدة الحصينة‪.97‬‬ ‫ّ‬ ‫من العمائر الحربية الفرنجية يذكر ابن جبير‪ :‬حصن األكراد (‪Le Crac‬‬ ‫‪ ،)des Chevaliers‬وهو حصن كبير ومنيع كان الفرنج يغيرون منه على‬

‫لبنان وبالد الشام‬

‫الكنيسة المريمية في دمشق‬


‫‪112‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬

‫المدن المناطق اإلسالمية المجاورة‪،‬‬ ‫ـوص ــا ح ـمــص وح ـ ـمـ ــاة‪ ،‬وك ــان‬ ‫وخـ ـص ـ ً‬ ‫‪98‬‬ ‫الحصن ‪‬ب ـمــرأى العين منهما‪، ‬‬ ‫ومـنـهــا قـلـعــة تبنين (‪ )Toron‬التي‬ ‫وصفها ابن جبير بأنها حصن كبير من‬ ‫حصون الفرنج ‪‬وهو موضع تمكيس‬ ‫القوافل‪ ،‬صاحبته تعرف بالملكة‪،‬‬ ‫وهي أم ملك عكا‪ ،99‬والضريبة فيه‬ ‫قلعة تبنين ‪Toron‬‬ ‫دينار وقيراط من الدنانير الصورية‬ ‫أيضا حصن الكرك على طريق الحجاز‪ ،‬وهو ‪‬من‬ ‫على الرأس‪ .100‬ومنها ً‬ ‫متـصل‬ ‫أعظم حصون النصارى (الفرنج)‪ ،...،‬له نظر عظيم االتساع ّ‬ ‫العمارة‪ُ ،‬يذكر أنه ينتهي الى أربعمائة قرية‪ ،‬ويشير ابن جبير الى أن‬ ‫تعرض‬ ‫السلطان الناصر صالح الدين قصد هذا الحصن ونازله بعد أن ّ‬ ‫شاتيون (المعروف في المصادر اإلسالمية باسم أرناط)‬ ‫صاحبه رينو دو‬ ‫ّ‬ ‫‪101‬‬ ‫كبيرا للفرنج يعرف بحصن‬ ‫لقوافل الحج الشامي الى مكة ‪ ،‬ويذكر‬ ‫ً‬ ‫حصنا ً‬ ‫مسورة‬ ‫ويطل على ‪‬قرية‬ ‫ال ّـزاب‪ ،‬يشرف على قرى مأهولة بعمائر متصلة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعرف باسكندرونة‪.102‬‬ ‫خاتمة‬ ‫مجرد سائح يهوى السفر ومشاهدة البلدان وأهلها‬ ‫لم يكن ابن جبير‬ ‫ّ‬ ‫مجرد رحالة ِّ‬ ‫موث ٍق ما يعاين على شكل مذكرات يومية استخدم فيها‬ ‫وال‬ ‫ّ‬ ‫اجتماعيا انتقد الحكام‬ ‫ا‬ ‫مصلح‬ ‫كان‬ ‫بل‬ ‫والشمسي‪،‬‬ ‫القمري‬ ‫التقويمين‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫وتقاليد‬ ‫ت‬ ‫ـادا‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫وانتقد‬ ‫ـا‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫في إدارتهم الشأن العام في البلدان التي زار‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫بارعا في‬ ‫ومعتقدا ٍ‬ ‫ت كان يمارسها الناس في مناسباتهم المختلفة‪ ،‬فكان ً‬ ‫‪ 998‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.180 .‬‬

‫‪ 999‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.210 .‬‬

‫الص ْوري ( نسبة الى مدينة ُص ْور) يساوي‬ ‫‪ 1100‬ذكر ابن جبير (ص‪ّ )210 .‬‬ ‫أن الدينار ُ‬ ‫ً‬ ‫قيراطا‪.‬‬ ‫أربعة وعشرين‬ ‫‪ 1101‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.201 ،58–57 .‬‬

‫‪ 1102‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪ ،212 .‬لعل ابن جبير هنا يقصد قلعة اسكندرونة التي بناها‬ ‫وسماها ‪‬سكاندليون‪ ‬لتشديد قبضته على ُص ْور كما ذكر‬ ‫الملك الفرنجي بودوان األول‪ّ ،‬‬ ‫الص ْوري معاصرا تلك الفترة من حروب الفرنج في الشرق‪.‬‬ ‫فوشيه دو شارتر ووليم ُ‬


‫لبنان وبالد الشام‬

‫‪ 1103‬أغناطيوس كراتشوفسكي‪ ،‬تاريخ األدب الجغرافي العربي‪ ،‬تحقيق صالح الدين‬ ‫عثمان هاشم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.335 .‬‬

‫‪113‬‬

‫ب الفرنج في الشرق‬ ‫أَيا َ‬ ‫م حرو ِ‬

‫وصفه المشهد (المدينة‪ ،‬القرية‪ ،‬الجزيرة‪ ،‬القلعة‪ ،‬الحصن‪ ،‬الفندق‪،‬‬ ‫دقيقا اعتمد فيه الوصف‬ ‫تصويرا‬ ‫المدرسة‪ ،‬البيت‪ ،‬إلخ) وطبائع الناس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫المشوق بأسلوب قصصي جذّ اب ذي رشاقة في العبارة‬ ‫والتدقيق والسرد‬ ‫ّ‬ ‫وحــاوة في البيان‪ ،‬ما أكسب كتاب ‪‬الرحلة‪ ‬سمة أدبية وقيمة فنية‬ ‫متميزتين جعلت المستشرق أغناطيوس كراتشوفسكي يرى أن كتاب رحلة‬ ‫ابن جبير ذروة ما بلغه نمط أدب الرحلة في التراث العربي‪.103‬‬ ‫تقدم يمكننا القول إن مذكرات ابن جبير‪ ،‬بما احتوت من‬ ‫في ضوء ما ّ‬ ‫وصف جوانب مختلفة لحياة مجتمع بالد الشام‪ ،‬جعلت كاتبها بين أكثر‬ ‫دونها‪ ،‬إذ كشف‬ ‫الرحالة العرب والمسلمين ثــراء في مـ ّ‬ ‫ـادة الرحلة التي ّ‬ ‫بأمانة وصد ٍق انطباعاته عن أوضاع المجتمع الشامي ّإبان حروب الفرنج‬ ‫ٍ‬ ‫في الشرق‪ ،‬رغم ما اكتنف تلك االنطباعات من عوامل ذاتية ونفسية‪ ،‬تأثرت‬ ‫المكون‬ ‫رحالتنا في إدراك صورة اآلخر وكيفية تعامله مع‬ ‫كثيرا بطريقة ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مقاربت ُه ُصـ َـو َر‬ ‫حينا‬ ‫َ‬ ‫الثقافي والديني واالجتماعي لهذا اآلخــر‪ ،‬ما أعــاق ً‬ ‫اآلخر الفرنجي واآلخر المسلم المشرقي وأحيانً ا أعاق إمكان التواصل بين‬ ‫الذات الباحثة وذات اآلخر القابعة في مظان الغموض‪.‬‬ ‫عموما‬ ‫أهم مصادر تاريخ العالم اإلسالمي‬ ‫ً‬ ‫مع ذلك‪ :‬رحلة ابن جبير من ّ‬ ‫خصوصا من النواحي التاريخية واالقتصادية واالجتماعية‬ ‫وبالد الشام‬ ‫ً‬ ‫أواخر القرن السادس الهجري‪ /‬الثاني عشر الميالدي‪ ،‬أفاد منها‬ ‫والثقافية‬ ‫َ‬ ‫رحـالة بــارزون الحقون‪ ،‬بينهم محمد العبدري البلنسي‪ ،‬خالد بن عيسى‬ ‫ّ‬ ‫البلوي‪ ،‬ابن بطوطة‪ ،‬ومستشرقون ترجموا منها سنة ‪ 1846‬الى الفرنسية‬ ‫ما فيها عن صقلية‪ ،‬ثم حقق الرحل َة المستشرق وليم رايــت ونشره في‬ ‫ليدن سنة ‪ 1852‬ثم راجع القسم الذي طبعه وشاركه في تصحيحه كبار‬ ‫المستشرقين‪ :‬رينهارت دوزي‪ ،‬روبرتسون سميث‪ ،‬ميخيل يوهنا دي غويه‪،‬‬ ‫وتو َج اإليطاليون عنايتهم برحلة‬ ‫وأعادوا نشره أواخر القرن التاسع عشر‪ّ ،‬‬ ‫ابن جبيرلدى مبادرة المستشرق كلستينو شيابرلي بترجمة نص الرحلة‬ ‫كامال ونشره سنة ‪ 1906‬في روما‪.‬‬ ‫ً‬


‫‪114‬‬ ‫د‪ .‬أحمد حطيط‬


‫تراثنا المادي‬

‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬ ‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‪:‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ً‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‪:‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫جامعة الروح القدس – الكسليك‬

‫‪ .1‬مدخل‬ ‫نهضوية نشأت منذ مطلع‬ ‫ثقافية‬ ‫َت َّـو َج التعليم العالي في لبنان حركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القرن السادس عشر (بداية السلطنة العثمانية سنة ‪ ،)1516‬مع ظهور‬ ‫الطباعة في دير مار أنطونيوس قزحيا سنة ‪ 1610‬فانتشارها في مناطق‬ ‫علمية متأثرة‬ ‫عــدة مــن لبنان‪ .‬وشـ ّـكــل ظهورها حــافـ ًـزا لنشوء جمعيات‬ ‫ّ‬ ‫رسمية‬ ‫تربوية تجسدت بتأسيس مدارس‬ ‫بالفكر الغربي‪ ،‬والزدهار حركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبخاصة الطوائف‬ ‫لبنان‬ ‫في‬ ‫الطوائف‬ ‫تشجعها‬ ‫ووطنية في لبنان‪،‬‬ ‫ومهنية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المسيحية‪ ،‬كما تأَ سست مدارس اإلرساليات األجنبية لتتقرب من الطوائف‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‪ .‬وظهرت‬ ‫وتوجهاتها‬ ‫ة‬ ‫الديني‬ ‫معتقداتها‬ ‫إلى‬ ‫وتستقطبها‬ ‫اللبنانية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فترتئذ كوكبة أدباء وعلماء أمثال‪ :‬بطرس البستاني ويوسف األسير‪ ،‬ورجال‬ ‫ٍ‬ ‫دين من مختلف الطوائف كالمطران غفرائيل من طائفة الروم األرثوذكس‬ ‫المارونية‪.‬‬ ‫والمطران يوسف الدبس من الطائفة‬ ‫ّ‬ ‫التربوية‪،‬‬ ‫يتركز هذا البحث على نشأة التعليم العالي في لبنان ومنطلقاته‬ ‫ّ‬ ‫بمقاربة مؤسستين للتعليم العالي‪ :‬الجامعة األميركية والجامعة اليسوعية‬ ‫مارونية للتعليم العالي‪ :‬مدرسة عين ورقة‬ ‫سبقتهما مؤسسة‬ ‫في بيروت‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫في غوسطا (كسروان)‪ ،‬تأسست سنة ‪ 1810‬بتشجيع األمير بشير الشهابي‬ ‫الثاني والبطريرك يوسف اسطفان‪.‬‬ ‫‪ .2‬عين ورقة‪ :‬أول جامعة في لبنان‬ ‫‪1.1‬أهمية العالقات بين الموارنة وروما‬ ‫في القرنين السابع عشر والثامن عشر‬ ‫والرسمية بين الموارنة والكنيسة الكاثوليكية في روما‬ ‫الودية‬ ‫العالقات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كانت مثمرة في تزويدهم بتأييد سياسي خارجي لم تعرفه الطوائف األخرى‬ ‫في لبنان‪ ،‬وفي بروز وجه ثقافي لـهذه الفوائد‪ .‬هكذا عاد إلى لبنان عدد‬ ‫المارونية في روما رهبانً ا ورجال دين ومثقفين أسسوا‬ ‫من خريجي المدرسة‬ ‫ّ‬


‫‪3.3‬تحويل عين ورقة إلى جامعة‬ ‫علمانية‬ ‫دينية‬ ‫بدأت عين ورقة مدرسة إكليريكية ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحولت مؤسسة ّ‬ ‫حين أمر البطريرك يوسف اسطفان سنة ‪ 1789‬بتحويل الدير إلى إكليريكية‬ ‫علميا رفع الطائفة إلى أرقى درجات‬ ‫معهدا‬ ‫للطائفة المارونية‪ ،‬ثم تحولت‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬

‫‪ 11‬‬

‫كمال الصليبي‪ ،‬تاريخ لبنان الحديث‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪ 1967 ،‬ص‪.42 .‬‬

‫‪ 22‬كمال الصليبي‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪162 .‬؛ فؤاد افرام البستاني‪ ،‬تاريخ التعليم‬ ‫في لبنان‪ ،‬الندوة اللبنانية‪ ،‬السنة ‪ ،1950 ،4‬ص‪.170–163 .‬‬

‫‪ 33‬فؤاد افرام البستاني‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪170–163 .‬؛ كمال الصليبي‪ ،‬المرجع‬ ‫نفسه‪ ،‬ص‪164 .‬؛ المطران يوسف الدبس‪ ،‬تاريخ سورية الدنيوي والديني‪ ،‬راجعه ودققه‬ ‫الدكتور مارون رعد‪ ،‬منشورات دار نظير عبود‪ ،‬ج‪ ،1983 ،8 .‬ص‪773–604 ،455 .‬؛‬ ‫الخوري خير اهلل اسطفان‪ ،‬زبدة البنان أو خالصة أم مدارس سوريا ولبنان‪ ،1923 ،‬ص‪.‬‬ ‫‪23‬؛ يوسف ابراهيم يزبك‪ ،‬أوراق لبنانية‪ ،‬م‪ ،1 .‬ج‪ ،4 .‬نيسان ‪ ،1955‬ص‪.157 .‬‬

‫‪117‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫‪2.2‬الواقع الثقافي المرافق ظهور عين ورقة‬ ‫المارونية ابتدائية في‬ ‫كانت المدارس التي أنشأها خريجو المدرسة‬ ‫ّ‬ ‫معظمها تكتفي بتعليم الكتابة والـقــراءة‪ ،‬أبرزها مدرسة مــارت مــورا في‬ ‫إهــدن‪ .‬وفي عينطورة (كسروان) سنة ‪ 1728‬أسس مدرس ًة األب بطرس‬ ‫مبارك أحد خريجي رومــا‪ ،‬وتأسست مــدارس أخــرى في عجلتون ووادي‬ ‫شحرور سنة ‪ ،1751‬وفي دير القمر سنة ‪ ،1753‬وجبيل سنة ‪ ،1762‬وزحلة‬ ‫سنة ‪.21769‬‬ ‫وبين مقررات مجمع اللويزة (‪ 1736‬برعاية األب يوسف سمعان السمعاني‬ ‫ممثال البابا) إلعــادة تنظيم العالقات بين الكنيسة المارونية والكنيسة‬ ‫ً‬ ‫الكاثوليكية في روما‪ ،‬التشديد على نشر التعليم المدرسي والعالي‪ .‬نتيجة‬ ‫ّ‬ ‫لذلك قرر البطريرك يوسف اسطفان تحويل دير القديس انطونيوس في‬ ‫عين ورقة (غوسطا – كسروان) إلى جامعة أطلقها سنة ‪ 1787‬إلعداد كهنة‬ ‫علمانيين بتشجيع من األمير بشير‬ ‫الحقا‬ ‫وخرجت‬ ‫في الكنيسة‬ ‫ً‬ ‫المارونية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪3‬‬ ‫الثاني والشيخ غندور سعد الخوري ‪.‬‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫مدارس في القرى لنشر العلم والمعرفة بين أبنائها‪ .‬وبعض هذه المدارس‬ ‫المرسلين األجانب‪.‬‬ ‫الحقا إلى عهدة اآلبــاء‬ ‫آل‬ ‫ً‬ ‫اليسوعيين وغيرهم من ُ‬ ‫ّ‬ ‫تربوية مهمة زودت األمراء الشهابيين‬ ‫مراكز‬ ‫المدارس‬ ‫هذه‬ ‫تحولت‬ ‫ا‬ ‫وتدريج‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بالكتبة والمعاونين والمستشارين‪ ،‬ونشأت مع األيام طبقة موارنة ُمثقفين‬ ‫تبوأوا أعلى المناصب في الحياة السياسية العامة من مدبرين ومستشارين‬ ‫وأمناء سر لدى األسرة الشهابية وبعض األسر االقطاعية من الدروز‪.1‬‬


‫التقدم والنجاح في ذلك العصر‪ .‬فما كانت ظروفها واألسباب؟‬ ‫اليسوعية سنة ‪ 1773‬ومنعها‬ ‫تضاؤ ُل دور مدرسة روما بعد إلغاء الرهبنة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫الروحيين الموارنة إلى إنشاء مدرسة‬ ‫المسؤولين‬ ‫دفع‬ ‫نشاطها‪،‬‬ ‫ممارسة‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫مكانها فكانت مدرسة عين ورقة لتثقيف كهنة موارنة بتشجيع البطريرك‬ ‫إسطفان واألمير بشير الثاني والشيخ غندور سعد الخوري‪ ،‬وكان المطران‬ ‫يوحنا الحلو يهب المدرسة مساعدات ضرورية مختلفة‪ّ .4‬وتم افتتاح أول‬ ‫حتى وفاته‬ ‫صف فيها سنة ‪ّ 1792‬إبان رئاسة الخوري خيراهلل اسطفان ّ‬ ‫سنة ‪.1823‬‬

‫‪118‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫‪4.4‬التدريس في عين ورقة‬ ‫أهتمت هذه المؤسسة بتدريس الالهوت‪ ،‬وحوادث علم الذمة‪ ،‬وإتقان‬ ‫والسريانية‬ ‫العربية‬ ‫الوعظ الروحي‪ ،‬والفصاحة‪ ،‬والنحو والفلسفة‪ ،‬واللغات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التعليمية‪ :‬سمعان‬ ‫واإليطالية والالتينية والفرنسية‪ .‬ومن أبرز أفراد هيئتها‬ ‫ّ‬ ‫صباغ‪ ،‬المطران جرمانوس فرحات‪ ،‬الخوري يوسف الدبس (المطران‬ ‫الحقا)‪ ،‬البطريرك يوسف اسطفان‪ ،‬البطريرك يوسف التيان‪ ،‬واألب بولس‬ ‫ً‬ ‫اسطفان‪.‬‬ ‫‪5.5‬أبرز خريجي هذه المدرسة‬ ‫علمانيين كان لهم دور‬ ‫تخرج من عين ورقة نُ خبة رجال دين ومفكرين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كبير في نهضة لبنان العربية منذ منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬وأبرزهم‪:‬‬ ‫*‪ ‬البطاركة‪ :‬يوسف حبيش‪ ،‬يوسف الـخــازن‪ ،‬بولس مسعد‪ ،‬يوحنا‬ ‫الحاج‪.‬‬ ‫*‪ ‬المطارنة‪ :‬عبداهلل البستاني‪ ،‬بطرس أبو عكر‪ ،‬جبرائيل الناصري‪،‬‬ ‫يوسف جعجع‪ ،‬يوسف المريض‪ ،‬بطرس البستاني‪ ،‬يوسف الدبس‪ ،‬يوسف‬ ‫أبو رزق‪ ،‬نقوال مراد‪ ،‬يوحنا حبيب (مؤسس الرهبنة المريمية أو جمعية‬ ‫المرسلين اللبنانيين)‪ ،‬بولس مسعد‪ ،‬نعمة اهلل سلوان‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫*‪ ‬الكهنة‪ :‬يوسف الرزي‪ ،‬يوحنا سعادة‪ ،‬موسى كرم‪ ،‬بطرس مكرزل‪،‬‬ ‫يوسف اسطفان‪ ،‬بولس الــدبــس‪ ،‬يوسف حاتم الدلبتاوي‪ ،‬يوحنا ديب‪،‬‬ ‫يوسف الصايغ‪.‬‬ ‫‪ 44‬المطران يوسف الدبس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 77 .‬و‪773‬؛ خير اهلل اسطفان‪،‬‬ ‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪39–36 .‬؛ فؤاد إفرام البستاني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪170 .‬؛‬ ‫الخوري منصور الحتوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪81 .‬؛ البطريرك يوسف التيان‪ ،‬قوانين‬ ‫عين ورقة‪ ،‬مخطوطة بتاريخ ‪ 27‬نيسان ‪1803‬؛ الخوري يوسف أسعد داغر‪ ،‬بطاركة‬ ‫الموارنة‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪ ،1957 ،‬ص‪.122–78 .‬‬


‫‪6.6‬تقويم عام لهذه المؤسسة‬ ‫هي الوحيدة في تاريخ لبنان الثقافي بأنظمة إدارتها‪ ،‬وبمواد تدريسها‬ ‫في لغات عدة‪ .‬لذا هي أغْ نت العربية والسريانية وأبرزت دورهما في الشرق‬ ‫لكن دورهــا األكبر طيلة تاريخها الثقافي‬ ‫بين‬ ‫المسيحيين والمسلمين‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ينحصر في الثالثين سنة األول ــى من تأسيسها أي قبل إنشاء مــدارس‬ ‫المرسلين وظهور الجامعتين األميركية واليسوعية في بيروت‪ .‬فبعدذاك‬ ‫تحول االهتمام عن مدرسة عين ورقة التي وصفها فؤاد افرام البستاني‬ ‫بــ ‪‬أرفع قمم الثقافة في لبنان‪ ،‬وكل من عالج النهضة الفكرية في لبنان‬ ‫روحية في علوم الدين والدنيا‪،‬‬ ‫يذكر عين ورقة ودورها الريادي واح َة طاقات‬ ‫ّ‬ ‫تدرس بضع عشرة لغة إبان‬ ‫ومنطلق النهضة العربية في الشرق‪ .‬فهي كانت ّ‬ ‫الظالم العثماني‪ ،‬وهي شكلت أهم ركائز النهضة اللبنانية الحديثة حتى‬ ‫تعرضت إلى مأساة خطيرة لم تستطع احتمالها فأقفلت أبوابها سنة ‪1952‬‬ ‫لتتحول مدرسة ابتدائية مجانية تديرها راهبات قلب يسوع األقدس‪.6‬‬

‫‪1.1‬ظروف نشأتها‬ ‫األمريكية في بيروت ثالثة ُمرسلين أميركيين‪ :‬وليم‬ ‫أسس الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫‪7‬‬ ‫طومسن‪ ،‬كورنيليوس فاندايك‪ ،‬ودانيال بليس ‪ ،‬بتشجيع الجالية االنكليزية‬ ‫علمية مميزة‪.‬‬ ‫في بيروت ودعم الحكومة األميركية لـ ‪‬مغامرة‬ ‫ّ‬

‫‪ 55‬خير اهلل اسطفان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪23 .‬؛ الخوري منصور الحتوني‪ ،‬المرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪174–173 .‬؛ فيليب حتي‪ ،‬لبنان في التاريخ منذ أقدم العصور التاريخية‬ ‫عربه الدكتور أنيس فريحة وراجعه الدكتور نقوال زيادة‪ ،‬دار‬ ‫إلى عصرنا الحاضر‪ّ ،‬‬ ‫الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،1959 ،‬ص‪507 .‬؛ المطران يوسف الدبس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪.573–572‬‬

‫‪ 66‬مخطوطة البطريرك يوسف التيان‪ ،‬رقم ‪ ،27‬نيسان ‪1803‬؛ المطران يوسف‬ ‫الدبس‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪605 .‬؛ سمعان اسطفان‪ ،‬عين ورقة أم مدارس لبنان‪،‬‬ ‫المطبعة الباسيلية‪ ،‬حريصا‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1952 ،‬ص‪17–15 .‬؛ الخوري منصور‬ ‫الحتوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪174–173 .‬؛ خيراهلل اسطفان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪.59‬‬

‫‪ 77‬دانيال بلس ‪ .1916–1823‬من مؤسسي الجامعة االميركية في بيروت‪ ،‬ال ُيعد‬ ‫مستشرقً ا مع أنه كان يجيد اللغة العربية‪ ،‬خير الدين الزركلي‪ ،‬األعالم للزركلي‪ ،‬ط‪،5 .‬‬ ‫دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،2002 ،‬ج‪ ،2.‬ص‪.330 .‬‬

‫‪119‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫‪ .3‬الجامعة األميركية في بيروت‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫*‪ ‬العلمانيون‪ :‬أحمد فارس الشدياق‪ ،‬الشدياق شاهين المزرعاني‪،‬‬ ‫الشيخ رشيد الدحداح‪ ،‬المعلم بطرس البستاني‪.5‬‬


‫‪120‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫اقتنع المرسلون األميركان بتأسيس معهد للتعليم العالي بعدما عجزت‬ ‫مدرسة عبيه عن تلبية حاجات ضرورية إلعــداد المعلمين‪ ،‬وبعدما شاع‬ ‫العبث بمهنة التطبيب‪ ،‬كما شاع نجاح مدرسة عين ورقة التي أينع ثمارها‬ ‫قرر مجلسهم في بيروت في جلسة‬ ‫المعلم بطرس البستاني بتعاونه معهم‪َّ .‬‬ ‫‪ 27‬كانون الثاني ‪ 1862‬تأسيس معهد ورفعوا قرارهم إلى مجلس التبشير‬ ‫عندئذ سافر دانيال بلس في آب ‪ 1862‬لجمع‬ ‫األعلى في بوسطن فوافق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫التبرعات‪ ،‬وأفاد من انعقاد المؤتمر التبشيري العام في نيويورك‪ .‬والقى‬ ‫وتشكل‬ ‫ّ‬ ‫مطلبه تشجيع عائلة دودج وغيرها مــن أهــل البر واإلح ـســان‪.‬‬ ‫اإلنجيلية‪ ،‬وفي ‪ 14‬أيار ‪1864‬‬ ‫سمى المعهد الكلية السورية‬ ‫ّ‬ ‫مجلس أمناء ّ‬ ‫صدرت موافقة والية نيويورك على‬ ‫قــرار مجلس األمناء بإنشاء المعهد‬ ‫وتشكل‬ ‫ّ‬ ‫ومنحه الـشـهــادات العالية‪.‬‬ ‫بريطانيين‬ ‫مجلس مدبرين محلي من‬ ‫ّ‬ ‫وأمــي ــرك ـ ّـيــي ــن ُم ـق ـي ـم ـيــن ف ــي ل ـب ـنــان‬ ‫وفلسطين وم ـصــر‪ ،8‬بينهم قنصال‬ ‫بريطانيا وأميركا في بيروت‪ .‬وفي‬ ‫‪ 3‬كانون األول ‪ 1866‬افتتح الدكتور‬ ‫دانيال بلس الكلية في بيت متواضع‪،‬‬ ‫وقــربــه مستشفى مــن أربـعــة أس ـ ّـرة‪.‬‬ ‫األول ‪ 1871‬وضــع‬ ‫وف ــي ‪ 7‬كــانــون ّ‬ ‫وليم دودج حجر األساس لمبنى كلية‬ ‫اآلداب والعلوم في رأس بيروت‪.9‬‬ ‫مدخل الجامعة األميركية من الداخل‬ ‫‪2.2‬المؤسسون‬ ‫‪ .1‬الدكتور دانيال بلس ‪1883–1866‬‬ ‫الطالب‪.‬‬ ‫أسهب المؤرخون في الحديث عن طرق تربيته وتعامله مع‬ ‫َّ‬ ‫فهو فَ ِطن وعــادل وحــازم متشدد في المناقبية العالية في تربيتهم وحل‬ ‫مشاكلهم بهدوء وع ِن َي ‪‬بتهذيب العقل وتشجيع التفكير وتقوية االرادة‬ ‫وتغذيتها‪.10...‬‬ ‫‪ 88‬أسد رستم‪ ،‬لبنان في عهد المتصرفية‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1973 ،‬ص‪.‬‬ ‫‪.254–238‬‬ ‫‪ 99‬‬

‫أسد رستم‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.614 ،109 ،108 .‬‬

‫‪ 110‬أسد رستم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.239 .‬‬


‫مبنى وست هول‬ ‫وأمامه الحديقة البيضاوية‬

‫‪ 111‬لمزيد من االطالع على هذه الكتب‪ :‬يوسف إليان سركيس‪ ،‬معجم المطبوعات‬ ‫العربية والمعربة‪ ،‬القاهرة‪ ،1929 ،‬العمود ‪ 1463‬و‪ 1646‬و‪.1465‬‬ ‫ّ‬

‫‪ 112‬زيدان‪ ،‬جرجي‪ ،‬مجلة الهالل‪ ،‬م‪ ،1954 ،62 .‬ص‪ .35–31 .‬نشر زيدان سيرته‬ ‫األميركية حركة الطلبة التي اعترضت على فصل‬ ‫في هذه المجلة وترأَّ س في الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫األستاذ األميركي نتيجة ‪‬فتنة الكلية السورية اإلنجيلية‪.‬‬

‫‪121‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫‪ .2‬كورنيليوس فانديك (‪)1895–1818‬‬ ‫تعرف بالمعلم‬ ‫درس الطب في نيويورك وجاء إلى لبنان سنة ‪ّ .1840‬‬ ‫بطرس البستاني وتزوج من جوليا ابنة المستر بـيـتر أبوت (‪)Peter Abbot‬‬ ‫قنصل انكلترا في بيروت‪ .‬أنشأ كلية الطب مع الدكتور يوحنا وورتبات‬ ‫وجهز ّأول مختبر كيمياء ووضــع أول كتاب في مبادئ هــذا العلم‪ .‬درس‬ ‫ّ‬ ‫فلكيا للجامعة كان األول من نوعه في الشرق‬ ‫ا‬ ‫مرصد‬ ‫وأنشأ‬ ‫الفلك‬ ‫علم‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫س الباثولوجيا‬ ‫در‬ ‫ا‪.‬‬ ‫وناشر‬ ‫ا‬ ‫ومؤلف‬ ‫واللغات‬ ‫الرياضيات‬ ‫عالما في‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫العربي‪ .‬كان ً‬ ‫(األمراض) وعلم الفلك في الكلية السورية اإلنجيلية‪ .‬وكان يحرر ‪‬النشرة‪‬‬ ‫ومكنته معرفته‬ ‫(مجلة أسبوعية دينية أصدرتها اإلرسالية األميركية)‪ّ ،‬‬ ‫كتابا في الجغرافيا والفلك‬ ‫الجيدة بالعربية أن يؤلف بها‪ ،‬فوضع ثالثة عشر ً‬ ‫والرياضيات (الجبر والهندسة واللوغاريثم) والطب (الباثولوجيا‪ ،‬أي علم‬ ‫فكريا رحب الصدر في اقتبال‬ ‫متحر ًرا‬ ‫األمراض وعلم التشخيص)‪ .11‬وكان‬ ‫ِّ‬ ‫ًّ‬ ‫حقائق العلم‪ ،‬ووقف في جانب طلبة ناصروا قضية أستاذ فُ صل من الجامعة‬ ‫بسبب تعليمه مبادئ التطور (نظرية‬ ‫جــديــدة رأى فيها أربـ ــاب الــديــن ما‬ ‫يخالف الحقائق الدينية)‪ .‬على إثرها‬ ‫استقال فان دايــك وأســس مستشفى‬ ‫الروم األرثوذكس (مستشفى القديس‬ ‫جاورجيوس)‪ 12‬في بيروت سنة ‪.1882‬‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫مبنى الساعة – كولدج هول من زاويتين‬


‫‪122‬‬

‫‪ .3‬الدكتور جورج بوست‬ ‫خلف فانديك الدكتور جــورج بوست‪ 13‬الــذي أتى لبنان سنة ‪.1863‬‬ ‫ودرس المواد الطبية والجراحة في الجامعة‬ ‫س العربية في طرابلس َّ‬ ‫َ‬ ‫در َ‬ ‫سي َئ المزاج فحصل تنافر مع طالبه‪ ،‬بينما‬ ‫الطبع‬ ‫حاد‬ ‫كان‬ ‫األميركية‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ودودا مع الفقراء ومــع تالمذته فأحبه‬ ‫كــان زميله كورنيليوس فانديك‬ ‫ً‬ ‫يحرض ضده رئيس الجامعة دانيال بلس‬ ‫الجميع َ‬ ‫وحق َد زميله عليه فأخذ ّ‬ ‫الــذي اقتنع بدسائسه وحــاول التخلص منه‪ .‬وتدهورت عالقته بطالبه‬ ‫فرفعوا عريضة إلى رئيس الجامعة‪ .‬وكان بين المعترضين جرجي زيدان‬ ‫ودون‬ ‫الحقا هذه الحادثة في كتابه ‪‬مشاهير الشرق‪ .14)1902( ‬وأبرز‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مؤلفاته‪ :‬مبادىء التشريح والفيزيولوجيا‪ ،‬علم الحيوان‪ ،‬مبادئ علم‬ ‫الوضاح في صناعة‬ ‫النبات‪ ،‬كتاب االقربازين في المواد الطبية‪ ،‬المصباح‬ ‫ّ‬ ‫كتابا‬ ‫المقدس‪ ،‬قاموس الكتاب‬ ‫الجراح‪ ،‬فهرس الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المقدس‪ ،‬وترك ً‬ ‫أنواعا جديدة اعطاها‬ ‫في أهم نبات لبنان وسورية وفلسطين‪ ،‬واكتشف‬ ‫ً‬ ‫اسمه‪.‬‬

‫د‪ .‬ليندا رزق‬ ‫مبنى ِف ْسك هول‬

‫‪ 113‬جورج بوست ‪ .1909–1838‬مؤسس الكلية السورية اإلنجيلية وأحد أساتذتها‬ ‫المشهورين وبخاصة في مجالي علم النبات والجراحة‪ .‬استقال من منصبه سنة ‪1908‬‬ ‫ولديه عدة مؤلفات‪ ،‬جرجي زيدان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪189 .‬؛ اسد رستم‪ ،‬المرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪.242 .‬‬ ‫‪ 114‬أسد رستم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪254–253 .‬‬


‫‪3.3‬األساتذة اللبنانيون‬

‫‪4.4‬الطلبة‬

‫تبنت الجامعة االميركية اللغة العربية في التدريس‪ ،‬وإزاء فقدان‬ ‫الكتب فيها وعدم مالءمة الترجمات في عهد محمد علي باشا‪ ،‬أخذ‬ ‫تلقينا فيستنسخها الطالب في‬ ‫االســاتــذة يؤلفون ويلقون الــدروس‬ ‫ً‬ ‫‪18‬‬ ‫دفاترهم ويدرسون االمثوالت في منازلهم ‪.‬‬

‫توافد الطالب إلى الجامعة من جميع أنحاء لبنان ومن كل المذاهب‪،‬‬ ‫ـخـ ُـلــق‬ ‫وعـ ــادوا إل ــى ديــارهــم حاملين معهم الــرقــي والـعـلــم و‪‬م ـم ـيــزات الـ ُ‬ ‫‪ 115‬أسعد الشدودي لبناني بيروتي‪ ،‬ولد في عاليه ودرس في الكلية السورية اإلنجيلية‬ ‫درس‬ ‫وتميز بسالسة لغته العربية‪ ،‬من مؤلفاته‪ :‬العروس البديعة في علم الطبيعة‪ .‬كما ّ‬ ‫فيها الرياضيات والفيزياء‪.‬‬

‫صروف ‪ .1927–1852‬ولد في بيروت ودرس في الكلية السورية اإلنجيلية‪،‬‬ ‫‪ 116‬يعقوب ّ‬ ‫وهو مؤسس مجلة ‪‬المقتطف‪.‬‬

‫‪ 117‬فارس نمر ‪ .1951–1856‬ولد في حاصبيا‪ ،‬درس في الكلية السورية اإلنجيلية‪.‬‬ ‫له رواية ‪‬أمينة‪ 1908 ‬وترجمات‪ ،‬من مؤسسي مجلة ‪‬المقتطف‪ ‬مع يعقوب صروف‬ ‫في بيروت ثم في القاهرة‪.‬‬ ‫‪ 118‬أسد رستم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.244–241 .‬‬

‫‪123‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫بين األساتذة اللبنانيين‪ :‬المعلم أسعد الـشــدودي‪)1906–1826( 15‬‬ ‫أستاذ الرياضيات والفيزياء‪ ،‬ويعقوب صروف‪ 16‬وفارس نمر‪ 17‬اللذان درسا‬ ‫وأسسا مجلة ‪‬المقتطف‪ ‬بتشجيع من‬ ‫في الجامعة االميركية َّ‬ ‫ودرسا فيها‪َّ ،‬‬ ‫أُ ستاذهما فاندايك لتنشر في العالم العربي جديد العلوم‪.‬‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫مبنى عصام فارس‬


‫ودون أســد رستم قوائم بأسماء‬ ‫السكسوني‪ ،‬ليتبوأوا أعلى المراكز‪ّ .‬‬ ‫الطب وأمــاكــن والدتـهــم ومذاهبهم وأعمالهم بين ‪1871‬‬ ‫متخرجي كلية‬ ‫ّ‬ ‫‪‬جلهم من لبنان‪ ،‬ومعظمهم من النصارى‪.‬‬ ‫طبيبا‪،‬‬ ‫و‪ .1882‬وكانوا ‪62‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫انجيليا‪،‬‬ ‫ارثوذكسيا و‪14‬‬ ‫مارونيا‪ ،‬و‪ 10‬كاثوليك و‪ 3‬التين و‪16‬‬ ‫وبين هؤالء ‪15‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪19‬‬ ‫ومسلم واحد‪ ،‬ودروز ثالثة‪. ‬‬ ‫واستند المؤرخ أسد رستم إلى كتاب جرجي زيدان ‪‬مشاهير الشرق‪‬‬ ‫لجرجي زيدان أحد الطالب المعترضين على اإلدارة‪ ،‬وهو غادر الجامعة‬ ‫لرفضه التوقيع على وثيقة اإلدارة‪ .‬كما استند رستم إلى روايــة شفهية‬ ‫أن‬ ‫عن وليم فانديك (ابــن فانديك الكبير)‪ ،‬وال يفصح المؤرخ أكثر مع ّ‬ ‫علميا‬ ‫أبعادا علمية ووطنية ودولية‪:‬‬ ‫تلك الحادثة (سماها ‪‬فتنة‪ )‬أخذت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫محليا‪ :‬رفض‬ ‫وطنيا‬ ‫أدخلت االدارة االنكليزية لغة التعليم إلى جانب العربية؛‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دوليا‪ :‬استقصىى القنصل االنكليزي عن‬ ‫فئات بيروتية كبيرة نظرية داروين؛ ً‬ ‫‪20‬‬ ‫الحادثة وأعاد الهدوء إلى حرم الجامعة ‪.‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬ ‫مكتبة كلية الطب‬

‫‪ 119‬أسد رستم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.248–144 .‬‬

‫مبنى مستشفى الجامعة‬

‫‪Père Rizk Karam, « Vie spirituelle et culturelle au Liban de 1845 à 1870 », 2 20‬‬ ‫‪Parole de l’orient, v. 15, 1988 –1989, p. 277, 364.‬‬


‫‪ .4‬جامعة القديس يوسف في بيروت‬ ‫األميركيين فــي التعليم‬ ‫اليسوعيون عــن المرسلين‬ ‫يقصر اآلب ــاء‬ ‫لــم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجامعي بل نافسوهم في التعليم والتبشير ونشر المدارس والمؤسسات‬ ‫التربوية المتخصصة‪ ،‬وأنشأوا أول جامعة لهم في بيروت سنة ‪.1875‬‬

‫‪ 221‬شارل داروين‪ .1882–1809 ،‬عالم انكليزي‪ .‬وضع نظرية التطور بأن المخلوقات‬ ‫رعية تنحدر من أسالف مشتركة‪.‬‬

‫‪ 222‬األب الفيجري ‪ .1892–1825‬كاردينال فرنسي‪ ،‬أسس البعثات الكاثوليكية‬ ‫الفرنسية في أفريقيا‪ ،‬أسد رستم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.255 .‬‬

‫‪125‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫‪1.1‬اآلباء اليسوعيون وفرنسا‬ ‫فترتئذ لحاجة ملحة خلّ فتها‬ ‫اليسوعية في لبنان‬ ‫نهضت المؤسسات‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫مآسي أحداث ‪ 1860‬في االهتمام بتربية يتامى وإعالة أرامل ومنكوبين‬ ‫تهجروا وخسروا بيوتهم ومقتنياتهم وأمالكهم‪ّ .‬توسط القنصل‬ ‫ومسنين‬ ‫ّ‬ ‫الفرنسي في بيروت بنتيفوغليو (‪ )M. de Bentivoglio‬لــدى حكومته‬ ‫اليسوعيين امتيازات يتمتع بها اللعازاريون‪ .‬وتوسط األب الفيجري‬ ‫لمنح‬ ‫ّ‬ ‫‪22‬‬ ‫(‪ )Charles Martial Allemand Lavigerie‬رئيس جمعية مدارس الشرق‬ ‫الخيرية لدى سفير فرنسا في اآلستانة القامة ميتم يتامى في معلقة زحلة‪.‬‬ ‫وتولى اآلباء إعالة منكوبين ومشردين التجأوا إليهم‪ ،‬فأعادوا لهم إعمار‬ ‫مراكزهم ومدارسهم في دير القمر وزحلة وصيدا وغيرها‪ ،‬ووزعوا اليتامى‬ ‫السـ ِن َّـية على منح‬ ‫مؤسسات استحدثوها‪ .‬وسنة ‪ 1863‬وافقت اإلدارة َ‬ ‫على ّ‬ ‫مربع من األرض إلنشاء مدرسة‬ ‫سفارة فرنسا في اآلستانة ‪ 3443200‬ذراع ّ‬ ‫التصرف بهذه األراضي البقاعية‬ ‫المشردين األيتام‪ .‬أعطت السفارة حق‬ ‫ّ‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫‪5.5‬فتنة الكلية السورية‬ ‫‪‬الفتنة‪ ‬بين األســاتــذة واالدارة وال ـطـ ّـاب فــي الجامعة األميركية‬ ‫وقعت على خلفية التمايز والتنافس بين شخصتين متناقضتين‪ ‬الدكتور‬ ‫بوست الحاد الطبع‪ ،‬الحسود‪ ،‬يحكم بالظن‪ ...‬ويعاقب على الشبهة‪،‬‬ ‫الطالب والشعب‪ .‬وقع الخالف حول تعليم‬ ‫والدكتور فاندايك المحبوب من َّ‬ ‫نظرية داروين‪ )Charles Darwin( 21‬في النشوء والترقي كما ذكرها أُ ستاذ‬ ‫الكيمياء لويس في خطاب التخرج سنة ‪ 1882‬وكــان صديق فاندايك‪.‬‬ ‫اعترض عليه بوست ورئيس الجامعة ودافع عنه فانديك ووقف إلى جانبه‬ ‫شرخا في العالقات بين بعض األساتذة انعكس‬ ‫الطلبة‪ .‬فأوقعت الحادثة‬ ‫ً‬ ‫سلبا على مسيرة الحياة الجامعية وتركت ذيولها الخطيرة إلى أمد بعيد‪.‬‬ ‫ً‬


‫إلى اآلباء اليسوعيين شرط دفعهم الضرائب عنها إلى الحكومة العثمانية‬ ‫وإنفاق ريعها على الخير في لبنان وسورية وتعليم أبناء هذين البلدين‪،‬‬ ‫وزاريا باستبدال ضريبة ال ِع ْشر السنوية بمبلغ مقطوع‬ ‫قرارا‬ ‫ونالت السفارة ً‬ ‫ًّ‬ ‫من الف فرنك‪.23‬‬

‫‪126‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫‪2.2‬اآلباء اليسوعيون وأعمالهم‬ ‫ولقنهم اآلباء‬ ‫سنة ‪ُ 1863‬ش ِّيد الميتم في معلقة زحلة وآوى ‪ 300‬يتيم‪ّ ،‬‬ ‫سنتئذ في‬ ‫وأسسوا‬ ‫ٍ‬ ‫العلوم البسيطة والمهن كالنجارة والحدادة والسكافة‪َّ .‬‬ ‫تعنايل مـقـ ًـرا لــآبــاء‪ ،‬ومدرسة‬ ‫زراعـيــة‪ ،‬والحـ ًـقــا مركز مراقبة‬ ‫لعوامل الـمـنــاخ‪ .24‬وكثر الطلب‬ ‫ع ـلــى ال ـع ـلــم ف ــي م ـع ـهــد غــزيــر‬ ‫ـوس ـع ــه اآلبـ ـ ــاء س ـنــة و‪1860‬‬ ‫فـ ّ‬ ‫وتبرع‬ ‫واشـتــروا أبنية مـجــاورة‪َّ .‬‬ ‫الفيجري ‪‬برسوم مئتي طالب‬ ‫ب ـم ـع ـ ّـدل ‪ 400‬ف ــرن ــك ع ــن كل‬ ‫طالب‪ ،‬و‪ 15‬ألف فرنك إلنشاء‬ ‫جناح جديد‪ .25‬وخصصت لهم‬ ‫الحكومة الفرنسية ‪ 25‬منحة‪.‬‬ ‫وحـ ـي ــن س ـك ــن إرن ـ ـسـ ــت ري ـن ــان‬ ‫(‪ )Ernest Renan‬فــي غزير‬ ‫(صـيــف ‪ )1861‬احـتــك بــاآلبــاء‬ ‫وأُ عـ ـج ــب بـنـشــاطـهــم ال ـتــربــوي‬ ‫واإلجتماعي واستمتع بتمثيليات‬ ‫مدخل كنيسة القديس يوسف‬ ‫كان الطالب يقيمونها‪.26‬‬ ‫من شارع مونو‬ ‫‪ 223‬أسد رستم‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.255 .‬‬

‫‪ 224‬رستم‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.258–256 .‬‬ ‫‪ 225‬رستم‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.257 .‬‬

‫‪ 226‬أرنست رينان ‪ .1892–1823‬كاتب ومؤرخ فرنسي‪ ،‬نشر حياة المسيح في كتابه‬ ‫تاريخ أصول المسيحية‪ ،‬األزمة الدينية الخطيرة التي جعلته يخسر إيمانه في ذكريات‬ ‫طفولته وشبابه‪ .‬أنطوان القسيس‪ ،‬إرنست رينان ورحلته إلى إفريقيا‪ ،‬في أنطوان‬ ‫القسيس (ناشر علمي)‪ ،‬لبنان على أقالم المستشرقين‪ ،‬الجامعة األميركية للعلوم‬ ‫والتكنولوجيا‪ ،‬دائرة المنشورات الجامعية رقم ‪ ،19‬ص‪.219–201 .‬‬


‫(‪Francois Xavier‬‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫تــولّ ــى األب فــران ـســوا كــزافـيـيــه غــوتــرولــه‬ ‫‪ 27)P. Gautrelet‬رئاسة الرسالة في بيروت فـعين األب لويس َكنوتي‬ ‫(‪ 28)Louis Canuti‬مــديـ ًـرا لمعهد غــزيــر ف ــأداره بحكمة ودرايـ ــة‪.29‬‬ ‫متقدما للدراسة لتثقيف نخب‬ ‫برنامجا‬ ‫وضع األب غوترله والمدير‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وحدد‬ ‫المحليين‪ .‬ولما انعقد المجمع الفاتيكاني الثاني‬ ‫الكاثوليك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫موقف متمايز لحصانة الكنائس الشرقية‪.‬‬ ‫العصمة كان لألب غوترله‬ ‫ٌ‬ ‫وخصوصا إقبال الطلبة‬ ‫تقدم الكلية السورية البروتستانتية‪،‬‬ ‫هاله ُّ‬ ‫ً‬ ‫الكاثوليك على كلية الطب‪ ،‬فكتب إلى رؤسائه يحثهم على تدارك‬ ‫خطر األضاليل ونقل مدرسة غزير إلى بيروت وتأسيس جامعة‪ .‬لم‬ ‫تتحقق أمانيه ألن رهبانيته لم تكن تملك االمكانات الضرورية لقيام‬ ‫هذا المشروع‪.30‬‬

‫‪127‬‬

‫وكان األب مكسيميليان ريللو (‪ )Maximilian Ryllo‬المعروف بـ ‪‬األب‬ ‫لكن‬ ‫مشروعا‬ ‫قدم‬ ‫ً‬ ‫منصور‪ّ ‬‬ ‫مماثال في بداية أربعينات القرن التاسع عشر ّ‬ ‫ً‬ ‫الحكومة الفرنسية عارضت قيام مؤسسات تربوية واجتماعية لليسوعيين‬ ‫‪ 227‬األب غوتروله ‪ ،1886–1807‬راهب يسوعي‪ ،‬ولد في فرنسا وكاتب كاثوليكي‪.‬‬

‫‪ 228‬األب كونتي ‪ ،1891–1812‬راهب يسوعي‪ ،‬ولد في ايطاليا ودخل الرهبنة المذكورة‬ ‫سنة ‪.Jésuites au Proche Orient, v. 1, p. 40, 128 .1843‬‬ ‫‪ 229‬أسد ستم ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.257 .‬‬

‫‪ 330‬أسد رستم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.258 .‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫متحف‬ ‫التاريخ القديم‬


‫والحقا‬ ‫منعا لمنافسة اللعازاريين‪.‬‬ ‫ً‬ ‫في بيروت وجبل لبنان بل في حلب ً‬ ‫غيرت الحكومة الفرنسية موقفها بعد استحداث مقاطعة ليون في نهاية‬ ‫ّ‬ ‫أربعينات القرن التاسع عشر وبداية االهتمام بنشر الثقافة الفرنسية‪.31‬‬ ‫‪3.3‬جامعة القديس يوسف‬

‫‪128‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫تسنى لألب أمبروسيوس مونّ و (‪َ ،32)Monnot Ambroise‬خلَ ف األب‬ ‫غوتروله سنة ‪ ،1869‬أن يجد – بمعاونة مجانية من درويش ّتيان – مكانً ا‬ ‫مناسبا في بيروت لينقل إليه مدرسة غزير‪ .‬وراح مونو يجمع المال لتشييد‬ ‫ً‬ ‫بناء الجامعة فسافر إلــى انكلترا والــواليــات المتحدة وكندا‪ .‬وبعد نحو‬ ‫سنتين‪ ،‬في تشرين األول ‪ ،1874‬عاد مع رفيقه األب فرنسوا كزافييه بايو‬ ‫(‪ 33)Francois Xavier Payoux‬ومعهما المال الضروري فاستصدرا فرمان‬ ‫اإلنشاء من اآلستانة‪ .‬وأكمل األب المهندس بايو بناء مشروعه في سنتين‬ ‫نهارا حتى ظهرت الكنيسة على طراز بيزنطي شرقي‬ ‫سهر خاللهما ً‬ ‫ليال ً‬ ‫‪34‬‬ ‫زينتها حجارة من دير القلعة ‪‬بشحمها ولحمها‪. ‬‬ ‫فأمها طــاب من مختلف‬ ‫سنة ‪ 1875‬فتحت مدرسة بيروت أبوابها َّ‬ ‫المذاهب واألجناس والمشارب‪ .‬وحصلت المؤسسة الجديدة‪ .‬وبمسعى‬ ‫األب ريـمي نورمان (‪ 35)P. Remi Normand‬رئيس الرسالة الجديد‪ ،‬نجحت‬ ‫المؤسسة الجديدة من الكرسي الرسولي سنة ‪ 1881‬في تيل االعتراف‬ ‫حق منح الشهادات العالية‪ .‬وهكذا اصبحت كلية‬ ‫بها كجامعة وإعطائها ّ‬ ‫‪36‬‬ ‫القديس يوسف جامعة بيروت الكاثوليكية اليسوعية ‪.‬‬ ‫‪Père Rullo Maximilian, l’université Saint Joseph et l’orientalisme, 331‬‬ ‫‪Cedrac, Beyrouth, 2008, p. 7–15.‬‬

‫‪ 332‬األب مونّ و ‪ .1898–1891‬رئيس البعثة اليسوعية إلى أميركا ‪ ،1873–1871‬من‬ ‫مؤسسي جامعة القديس يوسف‪.Jésuites au Proche Orient, p. 372 :‬‬

‫‪ 333‬األب ّبايو ‪ .1887–1814‬صديق األب مونّ و ومساعده خالل مهمته في اميركا‬ ‫مهندسا في جامعة القديس يوسف في بيروت‪:‬‬ ‫‪ .1873–1871‬كان‬ ‫ً‬ ‫‪Jésuites au Proche Orient, p. 370.‬‬

‫‪ 334‬أسد رستم‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.260–259 .‬‬

‫‪ 335‬ريمي نورمان ‪ .1916–1832‬راهب يسوعي‪ ،‬جاء إلى لبنان سنة ‪ ،1851‬تعلّ م‬ ‫العربية في الجزائر‪ ،‬رئيس البعثة السورية ومؤسس كلية الطب في جامعة القديس‬ ‫يوسف في بيروت سنة ‪.Jésuites au Proche Orient, v.1, p. 128 :1883‬‬

‫‪ 336‬‬

‫‪Universitas Catholica Beyrytensis societatias.‬‬


‫‪4.4‬معهد الطب الفرنسي‬

‫‪ 337‬أسد رستم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.260 .‬‬

‫‪ 338‬أسد رستم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.262–261 .‬‬

‫‪129‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫ـؤرخ أســد رسـتــم إلــى ضيق مـجــال العمل لحملة شـهــادات‬ ‫يشير ال ـمـ ِّ‬ ‫البكالوريا مــن الجامعة اليسوعية‪ ،‬وتفضيل االت ــراك توظيف الشبان‬ ‫الدارسين في مدارسهم‪ .‬وتكاثر الطلب على دراسة الطب لدى المرسلين‬ ‫ونفع مــادي‪ .‬تنبه اآلباء‬ ‫االميركيين وكــان لهذا االختصاص هالة معنوية‬ ‫ٌ‬ ‫اليسوعيون لهذا اإلغ ــواء وقلق الدبلوماسيون الفرنسيون العاملون في‬ ‫بيروت على نفوذ بلدهم ففاتح القنصل باتريـمونيو (‪ )Patrimonio‬في‬ ‫بيروت األب نورمان في موضوع إنشاء معهد للطب وكتب إلــى حكومته‬ ‫تشجع األب نورمان وقابل البابا الوون الثالث‬ ‫طالبا تقديم المساعدات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وتحركت الدبلوماسية البابوية لدى الحكومة الفرنسية فرصدت ‪150‬‬ ‫ّ‬ ‫عشر‬ ‫ألف فرنك في ميزانية ‪ 1881‬إلنشاء مدرسة فرنسية للطب في بيروت‪.37‬‬ ‫وتسلم القنصل باتريمونيو ‪‬رئاسة الوزارة ووزارة الخارجية في ‪ 15‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ ،1881‬فأضاف إلى ذاك االعتماد ‪ 25‬ألف فرنك إلنشاء مختبر‬ ‫فيزياء في بيروت‪.38‬‬ ‫بعد ذلــك قــام األب بـطــرس مــازاوي ـيــه ‪ )Mazaweih) Pierre‬ممثل‬ ‫الرهبانية بمفاوضة ثالثة وزراء في الحكومة الفرنسية‪ :‬فرايسيني‪ ،‬دوكلير‬ ‫(‪ )Declerc‬وجول فري‪ .‬وكتب الوزير دوكلير إلى األب نورمان في أيلول‬ ‫الطالب لجنة خماسية يعينها قنصل فرنسا في بيروت‪،‬‬ ‫‪َ :1883‬ت ْق َب ُل‬ ‫َ‬ ‫اختياريا‪ ،‬ويشرف االساتذة على االمتحانات‬ ‫وتدرس الالتينية واليونانية‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫منح الشهادات باسم‬ ‫برئتسة أستاذ توفده وزارة التربية لهذه الغاية‪ُ ،‬وت َ‬ ‫ووسع الوزير برنامج‬ ‫وزير التربية بناء على توصية رئيس اللجنة الفاحصة‪ّ .‬‬

‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫مدخل كلية الطب من طريق الشام‬


‫محسوسا على المدرسة‬ ‫تفوقا‬ ‫الدروس كي يضمن ‪‬للمدرسة الجديدة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫البروتستانتية‪ .39‬وفي منتصف تشرين الثاني ‪ 1883‬تـم افتتاح كلية الطب‬ ‫الجديدة بثالثة آباء لإلدارة والتعليم والعلوم الموصلة‪ ،‬وطبيبين علمانيين‬ ‫طالبا‪.‬‬ ‫فرنسيين وأحد عشر ً‬ ‫‪5.5‬التعليم العالي والصحافة‬

‫‪ .1‬النشرة‬ ‫كان المرسلون االميركان في بيروت سنة ‪ 1866‬أصــدروا ‪‬النشرة‪‬‬ ‫دورية شهرية ذات طابع ديني‪ ،‬فأصدر اليسوعيون ‪‬المجمع الفاتيكاني‪‬‬ ‫سنتئذ‬ ‫المجمع‪ ،‬ولدى انتهاء المجمع‬ ‫في بيروت سنة ‪ 1870‬لنقل أخبار هذا‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫أصدروا جريدة ‪‬البشير‪.‬‬

‫‪130‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫‪ .2‬جريدة ‪‬البشير‪ ‬ومجلة ‪‬المشرق‪‬‬ ‫بعد انتشار جريدة ‪‬النشرة‪ ‬لتغطية أخبار وأنشطة الجامعة األميركية‬ ‫وأســاتــذت ـهــا وأخ ـبــار مـ ــدارس ومــؤس ـســات اإلرســال ـيــة األم ـيــرك ـيــة‪ ،‬أســس‬ ‫اليسوعيون جــريــدة ‪‬البشير‪ ‬سنة‬ ‫‪ 1870‬تاريخية سياسية اجتماعية‬ ‫رفيعة المستوى في كتاباتها ومــواد‬ ‫تسترعي اهتمام الرأي العام اللبناني‬ ‫والعالمي‪ .40‬وبعد أربــع سنوات على‬ ‫تــأسـيـسـهــا اك ـت ـس ـبــت ش ـهــرة واس ـعــة‬ ‫وتعمقها في‬ ‫بغنى مواضيعها وتنوعها ُّ‬ ‫شــؤون اإلجتماع والسياسة والدين‪.‬‬ ‫كان شعارها ‪‬تعرفون الحق والحق‬ ‫يحرركم‪ ،‬وظلت تصدر حتى ‪1947‬‬ ‫واح ـت ـج ـبــت ب ـعــد الـ ـح ــرب الـعــالـمـيــة‬ ‫الثانية‪.41‬‬

‫الصفحة األولى من جريدة ‪‬البشير‪‬‬

‫‪ 339‬أسد رستم ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.262 .‬‬

‫‪ 440‬جرجي زيدان‪ ،‬تراجم مشاهير الشرق‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪ ،33–27 .‬الكونت فيليب دي‬ ‫طرازي‪ ،‬تاريخ الصحافة العربية‪ ،‬المطبعة األدبية‪ ،‬بيروت‪ ،1914–1913 ،‬ج‪،2 .‬‬ ‫ص‪.10 .‬‬ ‫‪ 441‬الجامعة األميركية في بيروت‪ ،‬مؤتمر هيئة الدراسات العربية‪ ،‬الفكر العربي‬ ‫الحديث في مائة عام‪ ،‬منشورات الجامعة األميركية‪ ،1966 ،‬ص‪.560 .‬‬


‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫السنة األولى من مجلة ‪‬المشرق‪‬‬

‫وال كالم على النشرة و‪‬المشرق‪ ‬بدون استذكار علَ م ٍ بارز من اآلباء‬ ‫مارديني تلقى علومه‬ ‫اليسوعيين‪ :‬األب لويس شيخو ‪ ،1928–1859‬وهو‬ ‫ٌّ‬ ‫يسوعيا وأسـتــاذ العربية فــي الجامعة‬ ‫فــي لبنان وأوروب ــا وأصـبــح راهـ ًـبــا‬ ‫ًّ‬ ‫طويال وجعلها بين أرقــى المجالت العربية‬ ‫اليسوعية‪ .‬حرر ‪‬المشرق‪‬‬ ‫ً‬ ‫قيمة تاريخية وفكرية ودينية‬ ‫وأغناها بموضوعات وأبـحــاث ودراس ــات ّ‬ ‫وتنقل إلى أوروبا وسوريا والعراق لجمع‬ ‫وأدبية‪ .‬كان مديرها ومحررها‪ّ ،‬‬ ‫وقيم من كتبها‪ّ ،‬‬ ‫وضمه إلى‬ ‫اطلع عليها أو اشترى منها المناسب‬ ‫ّ‬ ‫كل ثمين ّ‬ ‫محتويات مكتبة الجامعة‪ .‬بلغت مؤلفاته نحو ثالثين في األدب والتاريخ‬ ‫والتدقيق العلمي‪ ،‬وأشهرها ‪‬مجاني األدب في حدائق العرب‪.43‬‬ ‫‪ 442‬محمد يوسف نجم‪ ،‬في مؤتمر هيئة الدراسات العربية‪ ،‬الفكر العربي الحديث‬ ‫في مائة عام‪ ،‬منشورات الجامعة األميركية‪ ،1966 ،‬ص‪70 .‬؛ كمال الصليبي‪ ،‬المرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪.215–180 .‬‬

‫‪ 443‬األب لويس شيخو‪ ،‬الطائفة المارونية والرهبنة اليسوعية في القرنين السادس‬ ‫والسابع عشر‪ ،‬بيروت‪1913 ،‬؛ األب لويس شيخو‪ ،‬تاريخ اآلداب العربية في القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬ج‪ ،1870–1800 ،3–1 .‬طبعة ثانية مصححة‪ ،‬عاريا‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪،‬‬ ‫‪.1924‬‬

‫‪131‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬

‫س ـ ـنـ ــة ‪ 1888‬أص ـ ـ ـ ــدر اآلب ـ ـ ــاء‬ ‫الـيـســوعـيــون مجلة ‪‬ال ـم ـشــرق‪ ‬كــاد‬ ‫أثــرهــا يضاهي أثــرهــم فــي التعليم‪.‬‬ ‫انصرفت إلى نشر األبحاث الدينية‬ ‫المدافعة عن الدين المسيحي ضد‬ ‫المنتقدين والمتحاملين‪ .‬إلــى ذلك‬ ‫نشرت المجلة مواضيع التراث العربي‬ ‫بأسلوب علمي دقيق فــي نشر هذا‬ ‫التراث وتعميقه في مختلف األوساط‬ ‫ف ـ ــوازى دوره ـ ــا أثـ ــر الـمـسـتـشــرقـيــن‬ ‫فــي هــذا الـمـجــال‪ .‬وتـمـ ّـيــزت المجلة‬ ‫بـموضوعات التاريخ واآلداب والعلوم‬ ‫واالخـ ـتـ ـب ــارات الـعـلـمـيــة المختلفة‪،‬‬ ‫حرا‬ ‫منبرا‬ ‫ومسؤ ًوال‪،42‬‬ ‫ُ‬ ‫فكريا ًّ‬ ‫وتحولها ً‬ ‫ًّ‬ ‫ُّ‬ ‫حتى اليوم‪.‬‬ ‫وال تزال تصدر ّ‬


‫‪ .5‬نظرة تقويمية‬

‫‪132‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫في استطالعنا حركة التعليم العالي الجامعي في لبنان نالحظ ظهور‬ ‫مهدت له قرونً ا كالطباعة والجمعيات العلمية‬ ‫مؤسسات تربوية وعلمية ّ‬ ‫وم ــدارس إرســالـيــات أجنبية فــي معظم مناطق لبنان‪ ،‬وم ــدارس وطنية‬ ‫ومهنية وخاصة وظهور كوكبة أدبــاء وعلماء كبطرس البستاني ويوسف‬ ‫األسير‪ .‬وسطعت مظاهر نهضوية عدة بازدهار الحركة العلمية وظهور‬ ‫دوائــر المعارف والصحافة والجمعيات العلمية والثقافية‪ ،‬وبــروز أدباء‬ ‫تطورت أساليب‬ ‫ترجموا ‪‬التوراة‪ ‬و‪‬اإلنجيل‪ ‬والقوانين المختلفة‪ ،‬كما ّ‬ ‫اللغة العربية في التعليم‪ ،‬وساهم المؤرخون في ازدهــار مسيرة حركة‬ ‫النقاش وخليل‬ ‫النهضة العربية‪ ،‬وانطلقت حركة مسرحية مــع مــارون ّ‬ ‫اليازجي في منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬وسليمان القرداحي الذي سافر‬ ‫إلى مصر وشارك في حركتها المسرحية‪ .‬وظهرت وجوه نهضوية وثقافية‬ ‫بارزة أمثال‪ :‬الحاج حسين بيهم‪ ،‬وسليم بسترس‪ ،‬وسليم نوفل‪ ،‬وأسعد‬ ‫طــراد‪ ،‬والشيخ ابراهيم األحــدب‪ ،‬والشيخ أبو الحسن الكستي‪ ،‬والشيخ‬ ‫محمد الميقاتي‪ ،‬والشيخ محمد الشهال‪ .‬وظهرت جمعيات خطابية وأخرى‬ ‫تعليمية وفنية وصحف وجرائد ومجالت‪ ،‬أقدمها ‪‬حديقة األخبار‪ ‬لخليل‬ ‫الخوري (‪ )1907–1836‬و‪‬الجوائب‪ ‬ألحمد فارس الشدياق و‪‬الجنان‪،‬‬ ‫و‪‬الجنة‪ ‬و‪‬الجنينة‪ ‬للمعلم بطرس البستاني‪ ،‬و‪‬النشرة‪ ‬الصادرة عن‬ ‫الجامعة األميركية‪ ،‬و‪‬األهــرام‪ ‬لسليم وبشارة تقال في مصر‪ ،‬و‪‬لسان‬ ‫الحال‪ ‬لخليل رامــز سركيس في مصر ولبنان و‪‬ثمرات الفنون‪ ‬لعبد‬ ‫القادر القباني‪.‬‬ ‫‪ .6‬خاتمة‬ ‫الخطابية‬ ‫والثقافية والجمعيات‬ ‫هــذه النخبة من الوجوه النهضوية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دورا ّأول فــي مسيرة النهضة‬ ‫والتعليمية والـفـنـ ّـيــة واإلعــامـ ّـيــة لعبت ً‬ ‫ّ‬ ‫السياسية والفكرية والقومية‪ ،‬ممن أغنوا الشرق بأفكارهم وعلومهم عبر‬ ‫العثمانية‬ ‫وسياسية تولوها في لبنان والسلطنة‬ ‫وقضائية‬ ‫مراكز إداريــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الص ُعد الوطنية والقومية‬ ‫وجامع األزهر في مصر‪ ،‬فأثمر جهدهم على ُ‬ ‫والنزعة االستقاللية العربية‪ ،‬واختمرت أفكارهم اإلصالحية في عقول‬ ‫قيدوا‬ ‫الطامحين إلى االستقالل كي يتحرروا من ظلم‬ ‫العثمانيين الذين ّ‬ ‫ّ‬ ‫حرياتهم وأغلوا عقولهم رغم ادعائهم بأنهم حماة ‪‬الحرمين الشريفين‪‬‬


‫ظاهرة رائدة في الشرق العربي‬

‫والمحافظون المخلصون على الشريعة اإلسالمية‪ .‬ولو قُ يض لتلك النخبة‬ ‫الفكرية ظروف أمنية وسياسية أفضل وأتيحت لها مساحات حرية أرحب‬ ‫واندفاعا نحو االستقالل‪.‬‬ ‫لكان أثرها أكثر فاعلية‬ ‫ً‬ ‫عرف لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن‬ ‫العشرين نهضة علمية وثقافية ووطنية وسياسية فظهرت الترجمات‬ ‫وتم تنصيع اللغة العربية وتعزيزها لتصبح قــادرة على‬ ‫ودوائــر المعارف ّ‬ ‫تقبل العلم من الغرب‪ ،‬وانكب المؤرخون على التأريخ السياسي والحضاري‬ ‫ُ‬ ‫والقومي‪ ،‬ونشط الفنون المسرحية والجمعيات العلمية والخطابية والفنية‬ ‫والصحافة‪.‬‬ ‫واليسوعية‬ ‫األميركية‬ ‫هذه الحركة التنويرية غذَّ تها في بيروت الجامعتان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خبا فكرية بــارزة في شــؤون الدين والعلم والسياسة واآلداب‪،‬‬ ‫وأنتجت نُ ً‬ ‫النيرة‬ ‫آثارها‬ ‫انتقلت‬ ‫ناشطة‬ ‫وقومية‬ ‫فكرية‬ ‫لنهضة‬ ‫لبنان‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫منطلق‬ ‫وشكلت‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫إلى مصر وسائر األقطار العربية‪.‬‬

‫‪133‬‬

‫التعليم العالي في لبنان‪ :‬نشأته‪ ،‬منطلقاته‬


Bibliographie • Berchem Max van, Voyage en Syrie, Mémoires publiés par les membres de l’Institut français d’archéologie orientale du Caire, t. 37, Le Caire, 1913. •

Callier Camille, « Notice sur les sculptures antiques de Nahr-el-Kelb, près de Beyrouth », Bullettino dell’Instituto di corrisp. Arch, 1835, p. 25 –27.

• D’Arvieux L., Mémoire du chevalier, envoyé extraordinaire du roy à la Porte, t. II, Paris, 1735 (J-B Labat). • Dussaud R., Topographie historique de la Syrie antique et médiévale, BAH 4, Paris 1927. • Guys H., « Lettre à M. Félix Lajard », Bullettino dell’Instituto di corrisp. Arch, 1837.

• Hay Robert, Plan of the vicinity of Nahr-el kelb, Papers relating to R. Hays Egyptian expedition. London 1833. • Lepsius K. R., Die aegyptischen Felsentafel vom Nahr el-Kelb in Syrien, 1854. • Lepsius K. R., « Monuments de Nahr-el-Kelb près de Beyrouth », Bullettino dell’Instituto di corrisp. Arch, 1837. • Paine J. A., « Discoveries at Nahr-el-Kelb », in Palestine Exploration Society, n. 2. 1873. • Pritchard J., Ancient Near Eastern Texts, Princeton, New Jersey 1955. • Renan R., Mission de Phénicie, Paris, 1864. • Weissbach F. H., Die Denkmaler und Inschriften an der Mundung des Nahr el-Kelb, Berlin und Leipzig, 1922. • Winckler H., « Das Vorgebirge am Nahr-el-Kelb und seine Denkmaler », Der Alte Orient, 10, Jg. Heft 4, Leipzig, 1909.

134 Dr Ibrahim Kaoukabani

• Guys H., Relation d’un séjour de plusieurs années à Beyrouth et dans le Liban, t. I, Paris, 1847.


de Nahr el Kalb Les stèles

135

Les stèles dispersées, exposées aux injures de la nature, attendent la protection

D. Conclusion Ces stèles, qui se rapportent à la mémoire du Pays, dès la Haute Antiquité jusqu’à présent, méritent d’être traitées avec plus de soin et de précaution, tout en envisageant une campagne de sauvetage et de conservation. La Direction Générale des Antiquités avait permis à une mission française, il y a presque dix ans, de les nettoyer au rayon Laser et de leur faire des relevés de photogrammétrie, mais malheureusement aucun dispositif de protection n’a été mis en fonction, de sorte que ces stèles demeurent toujours exposées aux injures de la nature et à toute sorte de vandalisme.

Photos crédits: Ministère du Tourisme


XXII. Stèle de la Libération Cette stèle en marbre, plaquée sur un pan rocheux, est gravée de quatre lignes d’arabe dont voici la teneur: Le 24 mai en l’an 2000 L’aube de la Libération s’est apparue Sous le mandat du Président de la République Le Général Émile Lahoud.

Dr Ibrahim Kaoukabani

136


XXI. Stèle du départ de la Puissance Mandataire

de Nahr el Kalb

Sur une plaque en marbre scellée sur le rocher, sont gravées, sous le symbole du Pays, le Cèdre, quatre lignes en arabe pour commémorer le départ de toutes les armées étrangères du Liban, le 31 décembre 1946, sous le mandat du président Béchara el-Khoury.

Les stèles

137


XX. Stèle du chemin de fer Cette stèle comprend onze lignes gravées sur une plaque en bronze. Elle est surmontée de la sculpture d’un chien pour commémorer l’inauguration, le 20 décembre 1942, en présence du Président de la République, Alfred Naccache, l’achèvement de la ligne Haifa-Beyrouth-Tripoli construite par la « Australian Railway Construction Group ».

Dr Ibrahim Kaoukabani

138


XVII. Stèle d’Assarhaddon (671)

de Nahr el Kalb

Cette stèle, attribuée avec certitude au roi assyrien, Assarhaddon, comporte un texte de 35 lignes en cunéiforme, gravées en partie sur l’effigie même du roi. Ce texte raconte la campagne victorieuse de ce prince contre l’Égypte en 671 av.J-C. dont voici un extrait:

Les stèles

139

« Asur, Anu, Enlil, Ea, Sin, Samas, Adad, Marduk, Ishtar fille du grand dieu, tous les rois; Moi Assarhaddon, le plus puissant et le plus fort des rois, Moi, roi de la terre d’Asur, de Babel, de Sumer et d’Akkad, roi de Kardunias, roi de tous les rois d’Égypte, de Patros et de Kush, fils de Sanherib, roi des rois, le plus puissant des rois, roi de tous les rois, roi du pays d’Asur… ».

XVIII. Deux stèles ottomanes gravées d’arabe pour commémorer la construction de ce pont en 1901, au temps du Moutassarif du Mont-Liban, Naoum Pacha, durant le règne du Sultan ottoman Abdel-Hamid II. XIX. Stèle commémorant la prise de Damas et de Damour (Juin – Juillet 1941) Inscrite de six lignes en anglais, cette stèle commémore l’arrivée de l’armée britannique et de la France Libre au Liban et en Syrie qui sont proclamés libres et indépendants.


XVI. Stèle de Ramsès II (1270) Cette stèle rectangulaire, est ornée de gorge égyptienne. Elle représente le Pharaon qui saisit par les cheveux un captif agenouillé, se préparant à l’immoler à Amon-RC qui déploie ses ailes au sommet de la stèle. Le roi, maître de deux terres et aimé de Maat, offre ce sacrifice avec joie.

Dr Ibrahim Kaoukabani

140


XV. Stèle assyrienne Cette stèle cintrée abrite le roi coiffé de la tiare. Il se tient debout devant les symboles des divinités et lève sa main droite en geste de prière et d’adoration, tout en posant la droite sur le pommeau de son épée.

de Nahr el Kalb

La bordure est parsemée de trous contenant encore les restes des pieux en bois qui prouvent l’existence d’un système de protection adapté jadis à chaque stèle.

Les stèles

141


XIV. Stèle de Ramsès II (1276) À côté de la stèle précédente, se trouve une table rectangulaire qui représente le Pharaon Ramsès II (1292–1225) sacrifiant un captif agenouillé devant le dieu RC-Horakhty qui domine la scène par ses ailes déployées dans la partie supérieure.

Dr Ibrahim Kaoukabani

142


XII. Une seconde ins­­cription grecque est gravée là, mais elle est très fruste et presque effacée.

de Nahr el Kalb

(Voir ci-contre la lecture de Weissbach)

Les stèles

143

XIII. Stèle assyrienne En arrivant, vers le haut, à un palier rocheux et plat, un sentier pierreux grimpe à gauche formant ce qu’on croit être le chemin égyptien et assyrien. Sur cette paroi et à l’intérieur d’un cadre cintré est sculptée une stèle assyrienne représentant le roi levant sa main droite en signe d’adoration et posant la droite sur le pommeau de son épée. L’inscription est complètement effacée.


XI. Inscription grecque du gouverneur Proculus (382 – 383) Elle est très effacée, mais c’est grâce à un relevé effectué par Weissbach et un essai de traduction proposé par Paine, se basant sur l’œuvre du voyageur Lautet 4 que le texte a été relevé intégralement. (Voir ci-dessous, surplombant le site, la lecture de Weissbach et la lecture de Paine)

Dr Ibrahim Kaoukabani

144

4)

In Palestine Exploration Fund Quarterly Statement, for 1873, p.112.


X. Stèle anglaise

de Nahr el Kalb

Inscription anglaise taillée dans un marbre pour être scellée sur la voie romaine et à 50 m. de la route actuelle commémorant le passage du XXI Corps anglais et du Détachement français de Palestine en octobre 1918.

Les stèles

145


La troisième stèle assyrienne est placée à 20 m. vers l’ouest. Son état de conservation est très mauvais. Son inscription est complètement effacée. IX. Inscription anglaise Cette stèle, taillée dans un marbre blanc, est scellée sur le rocher calcaire. Elle a remplacé en 1930 le texte initial, sans mentionner la participation française à la prise de Damas, Homs et Alep en 1918.

Dr Ibrahim Kaoukabani

VIII. Stèle assyrienne

146


VI. Stèle assyrienne

de Nahr el Kalb

Tout près de la route actuelle, au point où bifurque la voie ancienne, est sculptée une stèle assyrienne en très mauvais état de conservation. On y voit encore le roi coiffé de la tiare, levant la main droite et saisissant un objet dans la droite. Toute l’inscription cunéiforme, révélant l’identité du roi et le contenu de la stèle, est complètement érodée et effacée.

Les stèles

147

VII. Stèle assyrienne À côté de la stèle précédente, se trouve une autre qui est assyrienne. Elle est malheureusement très abîmée.


Stèle V Cette stèle, surmontée de gorge égyptienne, a été initialement érigée par Ramsès II pour commémorer sa victoire à Qadesh. Elle fut martelée en 1860 pour être remplacée par celle qui commémore l’expédition française de l’empereur Napoléon III au Liban. Lepsius, dans Denkmaeler III, p. 197, avait relevé, 15 ans auparavant, (1845) un dessin parfait de cette stèle et c’est grâce à lui qu’on en connaît le contenu qui se présentait ainsi: Le pharaon Ramsès II est sculpté de profil devant le dieu Ptah; il achève un ennemi agenouillé. Les deux bords sont gravés de signes hiéroglyphiques qui comportent le sens suivant: a) « Horus, œil céleste puissant, aimé de Maat (déesse de la vérité), roi de la Basse et de la Haute Égypte, Maître de deux terres, User-Maat-Ra-Stpn-Ra, fils de Ra, Seigneur du Diadème, Ramsès Miamon, avec joie a offert ce cadeau à Ra »

148 Dr Ibrahim Kaoukabani

b) « Au dieu Bon et Beau, Figure puissante, le Premier, le plus Grand et le plus Fort… roi de la Basse et de la Haute Égypte, Seigneur de deux terres, User-Maat-Ra-Stpn-Ra, Ramsès Miamon, avec joie a offert ce présent ».


Stèle IV

de Nahr el Kalb

Cette stèle, sculptée dans un marbre blanc et scellée sur un pan calcaire, est gravée d’une inscription française de vingt lignes pour commémorer l’entrée victorieuse à Damas des troupes françaises du Général Gouraud le 25 juillet 1920.

Les stèles

149


Dr Ibrahim Kaoukabani

150


de Nahr el Kalb

Ce pont à trois arches, qui fut rebâti par le maréchal des armées et chef des émirs du Sultan mamelouk, Malik Zahir Barquq, en 813 H.= 1399 A D, a été initialement construit en 1340 par un ingénieur originaire de Baalbek et habitant Tripoli au Nord (Voir Max van Berchem, Voyage en Syrie, p. 99) Stèle III

Les stèles

151

Inscription latine Dans un cartouche rectangulaire doté, de part et d’autre, de queue d’aronde, est gravée la stèle de l’empereur Marc-AurèleCaracalla (211– 217) rappelant les différents travaux réalisés par la IIIème Légion Gauloise. Cette inscription latine est composée de huit lignes bien conservées, hormis la 7ème, qui est martelée presque entièrement. Elle date de l’an 215. (Voir ci-dessous: Abb.13 Romische Inschrift). Après avoir examiné cette stèle publiée par Weissbach3, j’ai relevé quatre erreurs qui méritent d’être signalées tout en proposant la lecture suivante: IMP. CAES. M. AVRELIVS ANTONINVS. PIVS. FELIX. AVGVSTVS PART. MAX. BRIT. MAX. GERM. MAXIMVS PONTIFEX. MAXIMVS MONTIBVS. IMMINENTIBVS LYCO. FLVMINI. CAESIS VIAM. DILATAVIT PER [GALLICAM]. ANTONIANAM. SVAM 3) Voir F. H. Weissbach, Die Inschriften NabukodonozorII im Wadi-Brissa und Nahr el Kelb, Leipzig 1906.


B. Cadre historique Le défilé de ce fleuve fut habité dès l’époque paléolithique, mais sa falaise offrait rarement des points de passage ou des « courts et vertigineux lacets de sentiers plus faits pour les chèvres que pour les hommes »1. À travers les âges, les Pharaons et les rois assyro-babyloniens, pour commémorer leurs passages et leurs victoires, ont successivement marqué ce point stratégique par des stèles qui comportent des inscriptions grecques, latines, arabes, anglaises, françaises et libanaises. On distingue sur cette falaise, de haut en bas et de l’est à l’ouest, les tracés de quatre voies aménagées, tant bien que mal, dans les rochers : le tracé égyptien, le sentier assyro-babylonien, la voie romaine et la route arabe qui longent jusqu’à présent ce fleuve.

C. Les stèles Stèle I Quatre colonnes à caractères cunéiformes ont été érigées par Nabuchodonosor II (605 – 562 av. J-C.) sur la paroi rocheuse de la rive droite du fleuve. On y lit un seul texte, rédigé à la fois en babylonien ancien et en néo-babylonien et qui relate son expédition royale au Liban et ses fondations en Mésopotamie. Le contenu de ce texte est similaire à celui de la stèle de WadiBrissa dans la montagne du Hermel2. Stèle II Inscription arabe de Seif ed-Dine Barquq (784–801  H  / 1382 –1399) Au niveau de l’eau et face au pont arabe, est gravée, en caractères arabes, cette inscription du sultan mamelouk Barquq. 1)

Voir, Max van Berchem, Voyage en Syrie, Le Caire 1915, p. 7.

2) Voir à ce sujet F. H. Weissbach, Die Inschriften NabukodonozorII im Wadi-Brissa und Nahr el Kelb, Leipzig 1906.

152 Dr Ibrahim Kaoukabani

Toutes ces stèles, hormis les inscriptions de Nabuchodonosor II, sont gravées sur la rive gauche. Elles portent une numérotation nouvelle en chiffres romains.


Notre patrimoine historique

Les stèles de Nahr el Kalb

Dr Ibrahim Kaoukabani Professeur d'Archéologie et d'Histoire à l'Université Libanaise

A. Situation géographique Nahr el Kalb, qui prend source dans le haut Kesrouane, avant d’être accru par la grotte de Jeita, coule rapidement à travers une étroite vallée gardée, de part et d’autre, par deux hautes falaises fort escarpées, qui descendent à pic vers la mer, constituant, avec le lit de ce fleuve, une barrière naturelle difficile à franchir. En outre, ce passage fut constamment gardé, d’après la légende, par un chien qui hurlait en signal d’alarme à l’approche de l’ennemi, d’où son appellation, dès la Haute Antiquité, le Lycus (LucoV) ou fleuve du chien.


Notre patrimoine historique Dr Ibrahim Kaoukabani Les stèles de Nahr el Kalb

Dr Ibrahim Kaoukabani

154


The journey of the German emperor 155

William II to Bilâd ash-Shâm in 1898


‫صدر في ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫العدد األول‪ :‬خريف ‪20 1 4‬‬ ‫* تراثنا اللبناني‪ :‬معالم وعالمات‬ ‫•حسان حالق‪ :‬بلدية بيروت المحروسة في العهد العثماني‬ ‫•يوسف الحوراني‪ :‬حرمون جبل التجلي ونيسا مغارة أدونيس‬ ‫لغزا‬ ‫•ابرهيم كوكباني‪ :‬بعلبك مدينة الشمس الُ لغز الذي لم ُيعد ً‬

‫* ملف العدد‪ :‬التراث اللبناني الشفوي بين المروي والمحكي والموسيقي‬ ‫المروي‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت‪ ...‬إحكي لنا من تراثك‬ ‫ّ‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الزجل اللبناني من البدايات – شعر الحياة اليومية‬ ‫والتراث‬ ‫•كفاح فاخوري‪ :‬من فصول الحياة الموسيقية في لبنان‬ ‫•محمود زيباوي‪ :‬التراث الفولكلوري الشعبي كما تناوله األخوان رحباني‬ ‫•ناصر مخول‪ :‬اآلالت الموسيقية التراثية‪ :‬تصنيعها والعزف عليها‬ ‫•بديع الحاج‪Le chant traditionnel au Liban: Identité, histoire :‬‬ ‫‪et genres‬‬

‫* إرثنا التراثي‪ :‬تشريعات ومعايير‬ ‫•حنا العميل‪ :‬التراث الثقافي غير المادي‪ :‬تحديات المحافظة عليه‬ ‫ووطنيا‬ ‫عالميا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬أسباب التلف والدمار في المصادر التراثية‬ ‫•محمد ناصر‪ :‬دور التشريعات في حفظ التراث وحمايته‬ ‫العدد الثاني‪ :‬ربيع ‪20 1 5‬‬

‫والد َولي‬ ‫عدد خاص في موضوع‪ :‬لبنان في األرشيف الوطني ُ‬ ‫* لبنان في األرشيف المحلي‬ ‫•أحمد حطيط‪ :‬لبنان في أرشيف الحروب الصليبية‬ ‫•الياس القطار‪ :‬أرشيف لبنان في العهد المملوكي‬ ‫•أنطوان القسيس‪ :‬لبنان في الزمن الفينيقي‬ ‫•بطرس لبكي‪ :‬حرير لبنان في األرشيف المحلي واألجنبي‬ ‫•جوزف أبو نهرا‪ :‬لبنان في أرشيف األديار ‬


‫•حسان حالق‪ :‬لبنان في أرشيف بيروت‬ ‫•رياض غنام‪ :‬لبنان في األرشيف األهلي‬ ‫•عبداهلل المالح‪ :‬لبنان في أرشيف المتصرفية‬ ‫•عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬لبنان في األرشيف اإلسالمي‬ ‫* لبنان في األرشيف األجنبي‬ ‫الحكيم‪ :‬لبنان في األرشيف الفرنسي‬ ‫•أنطوان‬ ‫ّ‬ ‫•عباس أبو صالح‪ :‬لبنان الخمسينات في األرشيف األميركي‬ ‫•عبداللطيف الحارس‪ :‬لبنان في األرشيف البريطاني‬ ‫•كرم رزق‪ :‬لبنان في األرشيف النمساوي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬لبنان في األرشيف األميركي‬ ‫العدد الثالث‪ :‬خريف ‪20 1 5‬‬ ‫العمراني‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬ال ـتــراث الـعـمــرانــي فــي ب ـيــروت بين ال ـهــدم والتنمية‬ ‫المستدامة‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َه َّدد‬ ‫•مي عبود أبي عقل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫مج َّمد‬ ‫ُ‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪َ ...‬‬

‫•أنطوان فشفش‪ :‬تطور األشكال العمرانية والمدنية في بيروت منذ نهاية‬ ‫القرن التاسع عشر‬

‫في‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا ِ‬ ‫الح َر ّ‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬تـقـالـيـد شـعـب َّـيـة‪ ...‬قبل أَ ن َت ـ ُـزول‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫والتبعية في‬ ‫الحيز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬ ‫•جــورج شلهوب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العهدين األموي والعباسي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬المسألة الطائفية في لبنان‪ :‬المسار التاريخي واآلفاق‬ ‫المستقبلية‬ ‫•مــروان أبي فاضل‪ :‬جبل الكرمل‪ :‬صراع بين النبي الياس وكهنة بعـل‬ ‫ُصــور الفينيقي‬


‫العدد الرابع‪ :‬ربيع ‪٢٠١ ٦‬‬ ‫المادي‬ ‫* تراثنا غير‬ ‫ّ‬ ‫•وجيه فانوس‪ :‬الشخصية التراثية المدينية في الوجدان الشعبي البيروتي‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫المادية في لبنان‬ ‫•رجا لبكي‪ :‬مدخل إلى دراسة الحضارة‬ ‫ّ‬

‫الصحافي‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫أطلقها‬ ‫يائها‬ ‫َ‬ ‫•جــوزف أبــي ضــاهــر‪ :‬الصحافة اللبنانية مــن أَ ِلـ ِفـهــا إلــى ِ‬ ‫وغز ْوا العالم بها‬ ‫ّرو ُادها‪َ ...‬‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)١‬‬ ‫األندلسيين فــي العصور‬ ‫• َأحـمــد حطَ يط‪ :‬لبنان فــي كتابات الرحالة‬ ‫ّ‬ ‫نموذجا)‬ ‫الوسطى (رحلة الشريف اإلدريسي‬ ‫ً‬

‫* تراثنا العائلي‬ ‫•أنطوان مسرة‪ :‬التربية على التراث من الشعار والحنين إلى السلوك في‬ ‫الحياة اليومية‬ ‫‪* Liban: patrimoine historique et touristique‬‬

‫‪• Hareth Boustani: Deir el-Qamar: patrimoine architectural et‬‬ ‫‪urbain‬‬

‫‪• Abdel-Raouf Sinno: The journey of the German emperor‬‬ ‫‪William II to Bilâd ash-Shâm in 1898‬‬

‫العدد الخامس‪ :‬خريف ‪٢٠١ ٦‬‬ ‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫(ع ْرقَ ا الصفاء والنقاء‬ ‫•أنيس شعيا‪َ :‬م ْعلَ ٌم‬ ‫لبناني أَ ثري وتاريخي في عكار َ‬ ‫ٌّ‬ ‫أَ عانتها الجغرافيا على كتابة التاريخ)‬ ‫سيدة‬ ‫الدينية في الحضارة‬ ‫•سوالنج الحلو‪ :‬موقع األوقاف‬ ‫ّ‬ ‫المادية (دير ّ‬ ‫ّ‬ ‫نموذجا)‬ ‫مشموشة‬ ‫ً‬

‫الشعبي‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت أيام زمان‪ :‬هكذا كان الطب وطب األسنان‬ ‫والصيدلة‬


‫الديني‬ ‫* تراثنا‬ ّ َ ‫ جامع‬:‫•عمر عبدالسالم تدمري‬ ‫األمير سيف الدين طينال الحاجب في‬ ‫طرابلس‬ )2( ‫* لبنان على أقالم الرحالة‬ ‫ لبنان في رحلة المستشرق البلجيكي أَ نسيلمي أَ دورنــو‬:‫•بيار مـكــرزل‬ )1471–1470( * Notre patrimoine religieux

• Antoine Fischfisch: Église revitalisation et restauration

Mar

Zakhia – Ajaltoun

entre

• Paul Zgheib: L’art Syriaque : les paradigmes de l’existence

* Notre patrimoine historico-archéologique • Jeanine Abdul Massih: La carrière archéologique de Baalbek dévoile son secret


Mirrors of Heritage Refereed journal published twice a year by The Center for Lebanese Heritage (CLH) at The Lebanese American University (LAU)

Henri Zoghaib – Editor

Issue No. 6 – Spring / Summer 2017

Tangible Heritage: Tyre, Sidon Special Section: Pop Leadership in South Lebanon Historical Heritage: Early High Education in Lebanon, Stelae in Nahr el Kalb Lebanon as seen by travelers (3): Ibn Jubayr

Center for Lebanese Heritage Lebanese American University, Kraytem, Beirut – Lebanon Phone: +961.1.78 64 64 (ext: 1600) Fax: +961.1.78 64 60 P.O. Box: 5053 13 Beirut – Lebanon email: clh@lau.edu.lb www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh Design and layout by Dergham s.a.r.l.


Mirrors of Heritage ٢٠١٧ ‫ صيف‬/ ‫العدد السادس – ربيع‬

‫َملَ ّف العدد‬ ‫تراثنا الشعبي‬ ‫تراثنا المادي‬ • ‫تراثنا التاريخي‬ • )٣( ‫لبنان على أقالم الرحالة‬ •

٢٠١٧  ‫العدد السادس – ربيع‬

Mirrors of Heritage Issue No. 6 – Spring 2017

Issue No. 6 – Spring / Summer 2017

Special section Folk Culture • Tangible

Heritage • Historical Heritage


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.