Mirrors of Heritage, Issue N. 7, Fall 2017/Winter 2018

Page 1

Mirrors of Heritage 2018 ‫  شتاء‬/ 2017 ‫العدد السابع – خريف‬

‫َملَ ّف العدد‬

‫لبنان في طوابعه ا ُألولى‬ ‫المعاصر والمطاحن في لبنان‬ • ‫ َأضواء على الجذور التاريخية‬ •

٢٠١٧  ‫العدد السابع – خريف‬

Mirrors of Heritage

Issue No. 7 – Fall 2017

Issue No. 7 – Fall 2017 /  Winter 2018

Special section Early Lebanese Stamps • Phoenician

Sarepta • Lebanese Historical Roots


‫ـمية ُم َـح َّك َمة َتصدر مرتين في السنة‬ ‫َأكادي ّ‬ ‫نش ُرها‬ ‫َي ُ‬ ‫مركز التراث اللبناني‬ ‫في‬ ‫الجامعة اللبنانية ا َألميركية‬ ‫رئيس التحرير‪ /‬مديـر الـمركـز‬ ‫هنري زغيب‬ ‫ميــة‬ ‫الهـي َـئـة ِ‬ ‫العـ ْـل َّ‬ ‫العائلة)‪:‬‬ ‫الدكاتــرة‬ ‫بجديا ِب ْاسم ِ‬ ‫ا َألساتذ ُة َّ‬ ‫(ترتيبا أَ ً‬ ‫ً‬ ‫كرسي الدراسات العربية‬ ‫رمزي بعلبكي | الجامعة ا َألميركية | ُ أستاذ‬ ‫ّ‬

‫السـرديات‬ ‫لطيف زيتوني | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ َّ‬

‫عماد سالمة | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ العالقات الدولية‬ ‫واإلعالم‬ ‫الشهال | الجامعة اللبنانية | مساعد رئيس الجامعة للعالقات العامة ِ‬ ‫محمد َب َدوي َّ‬

‫رنيه غطّ اس | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذة ِإدارة ا َألعمال‬

‫للش ُـؤون ا َألكاديمية‬ ‫وجيه فانوس | الجامعة ِاإلسالمية في لبنان | مستشار رئيس الجامعة ُّ‬ ‫منسق الهيئة العلمية‬ ‫الروح القدس ‪ -‬الكسليك | ّ‬ ‫َأنطوان ّ‬ ‫قسيس | جامعة ّ‬

‫لحود | الجامعة اللبنانية ا َألميركية | ُأستاذ الهندسة المعمارية والحفاظ على التراث‬ ‫َأنطوان ُّ‬ ‫ـمسؤول تجاه الحكومة‬ ‫الـمدير ال ُ‬ ‫وسـي‬ ‫كريستيان ُأ ّ‬ ‫اإلدارة والتحرير‬ ‫ِ‬

‫مركز التراث اللبناني ‪ -‬الجامعة اللبنانية ا َألميركية ‪ -‬قريطم ‪ -‬بيروت‬ ‫(المقسم ‪)1600‬‬ ‫هاتف‪+ 961 1 78 64 64 :‬‬ ‫ّ‬ ‫فاكس‪+ 961 1 78 64 60 :‬‬ ‫ص ب‪ 13 - 5053 :‬بيروت ‪ -‬لبنان‬ ‫‪clh@lau.edu.lb‬‬

‫‪www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh‬‬

‫تصميم و إخراج درغام ش‪.‬م‪.‬م‬


‫العدد السابع ‪ -‬خريف ‪ /2017‬شتاء ‪2018‬‬

‫‪3‬‬

‫ُأولى الــ‪‬مرايا‪ - ‬هنري زغيب‬ ‫منسي في الشمس‬ ‫ذاكرتنا محفور ًة على َح َـج ٍـر‬ ‫تظل‬ ‫ُ‬ ‫كي ال َّ‬ ‫ٍّ‬

‫‪10‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪2‬‬

‫ف العدد‬ ‫َم َل ّ‬

‫هنري زغـيب‬

‫‪62‬‬

‫المادي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬ ‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الص َرفَ ْـنـد (صربتا‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬ ‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف‬ ‫العثماني‬ ‫ّإبان الحكم‬ ‫ّ‬

‫بهية من تاريخ لبنان المعاصر‬ ‫صفحة ّ‬

‫وسام اللحام‬ ‫ُ‬ ‫لبنان في طوابعه األولى‪ :‬منذ ِإعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫‪82‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪134‬‬

‫المادي‬ ‫تراثنا غير‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬ ‫اللبنانية‬ ‫العثمانية على المسأَ لة‬ ‫أَ َثر التنظيمات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)1860 – 1835‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬ ‫أَ ضواء على الجذور التاريخية للكيان اللبناني‬

‫د‪َ .‬أمين الياس‬ ‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬ ‫نموذجا)‬ ‫(المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬

‫‪150‬‬

‫مراسالت‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عمر عبدالسالم تدمري‬ ‫بعلبك‪ ...‬ال ستة أعمدة بل ثمانية!‬

‫عمودان منها َيحمالن قبة جامع السليمانية في استانبول‬

‫صورة الغالف‪:‬‬ ‫بقايا معصرة زيتون في بلدة شحيم‬


‫ُأولى الـ ‪‬مرايا‪‬‬

‫ً‬ ‫محفورة‬ ‫كي ال تظلَّ ذاكرتُنا‬ ‫ي في الشمس‬ ‫ح َ‬ ‫على َ‬ ‫جر ٍ منس ٍّ‬ ‫هنـري زغـيـب‬ ‫رئيس التحرير‬

‫مرمي على كومة‬ ‫عمود‬ ‫موقع‪ ،‬أَ و‬ ‫منسي في‬ ‫حجر‬ ‫ما الذي َيعني لنا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫أَ عشاب؟‬ ‫تبرير ُوجــوده في‬ ‫نتقصى أَ صلَ ه‪ ،‬أَ و‬ ‫أَ ُّي َعالقة لنا به؟ ولـ َِم علينا أَ ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫المكان؟‬ ‫وشك‬ ‫مع ُصدور هذا العدد السابع من ‪‬مرايا التراث‪،‬‬ ‫يكون على َ‬ ‫ُ‬ ‫عدد‬ ‫الصدور‬ ‫جديد من المجلة الرصينة الشهيرة ‪ ،Historia‬في ‪100‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ضاء ًة على‬ ‫إ‬ ‫العدد‪،‬‬ ‫افتتاحية‬ ‫ر‬ ‫ذك‬ ‫ُ‬ ‫ست‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫تضم‬ ‫بيروت‬ ‫عن‬ ‫ة‬ ‫خاص‬ ‫صفحة‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫تاريخ بيروت منذ سكانها َ‬ ‫األوائل في العصور السحيقة‪ ،‬حتى َهـ ْـيـ َـب ـ ِتـها‬ ‫الجميلة اليوم بعد ِإعادة ِإعمارها‪ .‬وبين ُكـ َّـتاب العدد ُم َؤ ّرخون لبنانيون‬ ‫تركيزا على أَ همية بيروت‬ ‫وخبراء في اآلثار وصحافيون متخصصون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫هميتها التاريخية‪ُ ،‬ويلغون صور ًة عنها نمطي ًة‬ ‫ودورها‪ ،‬فيكتشف القراء أَ َ‬ ‫ِ‬ ‫نُ‬ ‫صوصا‬ ‫العدد‬ ‫م‬ ‫ض‬ ‫وسي‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫في‬ ‫الحرب‬ ‫مشاهد‬ ‫ذاكرتهم‬ ‫في‬ ‫ها‬ ‫ـت‬ ‫ـ‬ ‫طبع‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أَ‬ ‫رفإ‬ ‫ـم‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ا‬ ‫رور‬ ‫م‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫قدم‬ ‫حدى‬ ‫ـ ‪‬إ‬ ‫ك‬ ‫بيروت‬ ‫عن‬ ‫ووثائق‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫وص‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ ًَ‬ ‫تعاقبت عليها منذ الفينيقيين حتى االنتداب‬ ‫التي‬ ‫فالعهود‬ ‫فيها‬ ‫الفينيقي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أَ‬ ‫وأَ‬ ‫وص ًوال‬ ‫الفرنسي فاالستقالل‪ ،‬برز عالم الفن والفكر والثقافة في لبنان‪ُ ،‬‬ ‫تعيشه اليوم بيروت مدين ًة عصري ًة‬ ‫ِإلى زمن الدمار فَ َز َمن ِاإلعمار الذي‬ ‫ُ‬ ‫جدا‪.‬‬ ‫جميل ًة ًّ‬ ‫خاصا (كانون َ‬ ‫األول‬ ‫عددا‬ ‫وكانت ‪ Historia‬أَ صدرت في العام الماضي ً‬ ‫ًّ‬ ‫‪ / 2016‬كــانــون الثاني ‪َ )2017‬ح َـم َل على غالفه عنوان ‪‬تاريخ لبنان من‬ ‫صدر عن‬ ‫ملونة ممتعة من أَ جمل ما َ‬ ‫الفينيقيين حتى اليوم‪ ‬في ‪ 98‬صفحة َّ‬ ‫الرائع في الفترة َ‬ ‫ص لبنانيين وأَ جانب‪َّ ،‬زيـ َـنـ ْـتـها ُص َـو ٌر‬ ‫وطننا ِ‬ ‫األخيرة‪ ،‬بنصو ِ‬ ‫صدر للمرة ُ‬ ‫األولى‪.‬‬ ‫عظمها َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ووثائق قديم ٌة وحديثةٌ‪ُ ،‬م ُ‬ ‫ذكرت هذا َ‬ ‫كل‬ ‫األمر ُألجيب عن َ‬ ‫ُ‬ ‫سؤالي في عنوان هذه االفتتاحية بأَ ّن ّ‬ ‫أَ‬ ‫عمود‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫هم‬ ‫م‬ ‫حجر‬ ‫في‬ ‫ب‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫الذاكرة‪.‬‬ ‫واحدة‪:‬‬ ‫كلمة‬ ‫في‬ ‫ينحصر‬ ‫الموضوع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ُ َ ٍ‬ ‫ُ َّ‬


‫مرحلة‬ ‫لعهد أَ و فتر ٍة أَ و‬ ‫ضائع‪ ،‬ذاكــر ٌة‬ ‫س‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مترو ٍ‬ ‫نسي أَ و نــاوو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ك أَ و هيك ٍل َم ٍّ‬ ‫التراب‬ ‫النسيان أَ و‬ ‫مجد لنا يغلِّ فه‬ ‫ضي ُء على‬ ‫حقبة‬ ‫أَ و‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مهمة في تاريخنا ُت ْ‬ ‫أَ و ِاإلهمال‪.‬‬ ‫ناحر َم ْعلَ ًما من عندنا‬ ‫الصوت على ِإهما ٍل‬ ‫كنت أَ طرح‬ ‫َ‬ ‫وقبل مد ٍة‪ ،‬فيما ُ‬ ‫ٍ‬ ‫جدا‪ :‬صخور نهر الكلب الشواهد َ‬ ‫ِ‬ ‫الجالء‬ ‫األثرية العريقة‪ ،‬وبينها لوح ُة‬ ‫هما ًّ‬ ‫ُم ًّ‬ ‫الغارق ُة بين َ‬ ‫ستطع أَ ن‬ ‫ت‬ ‫المشو ِ‬ ‫هة (حتى أَ نني لم أَ ِ‬ ‫البرية والكتابا ِ‬ ‫األعشاب ّ‬ ‫ِّ‬ ‫أُ صدر عنها صور ًة حديث ًة لغالف العدد الماضي – السادس – من ‪‬مرايا‬ ‫ُ‬ ‫طالعـ ْـتـنا صدم ٌة‬ ‫ررت ِإلى االستعانة بصور ٍة‬ ‫التراث‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فاضط ُ‬ ‫قديمة نظيفة) َ‬ ‫رومانية ُم َك َّـس َـر ٍة‬ ‫وق َط ٍع َألعمد ٍة‬ ‫شد مــرار ًة‪ :‬نحو ‪500‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫أَ ُّ‬ ‫قطعة من ُر ُؤو ٍ‬ ‫وجودها‬ ‫قاحلة على شــطِّ بيروت‪ ،‬بـ َّـرر‬ ‫مساحة‬ ‫مك َّد َس ٍة منذ ‪ 1993‬في‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ت في انتظار ْنقلها ِإلى المستودعات‪.‬‬ ‫المسؤولون أَ نها‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫موقَّ ٌ‬ ‫‪‬مكان َ‬ ‫‪4‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫موجود ٌة هناك؟ و‪‬نقلُ ها ِإلى المستودعات‪‬؟‬ ‫عاما‬ ‫المفترض أَ نهم‬ ‫وجدان المسؤولين‬ ‫أَ ين كان‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫المسؤولون منذ ‪ً 24‬‬ ‫(‪)2017–1993‬؟‬ ‫فخر بيروت أَ مــام التاريخ‪ ،‬وليست‬ ‫جوهر بيروت‪،‬‬ ‫ب بيروت‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هذه قلْ ُ‬ ‫ت أَ و أَ‬ ‫ـ ‪‬نق ِلها ِإلى‬ ‫خجال‬ ‫خفاؤها‬ ‫ً‬ ‫تمهيدا ل ْ‬ ‫ً‬ ‫شالء أَ و بضاع ًة كاسد ًة يتم ِإ ُ‬ ‫نُ فايا ٍ‬ ‫َ‬ ‫بالده أَ و شهاد َة تاريخه في‬ ‫المستودعات‪ .‬هل َمن يرمي ُه َّويـ َـته أَ و صور َة ِ‬ ‫‪‬مستودعات‪‬؟‬


‫ً‬ ‫محفورة‬ ‫كي ال تظلَّ ذاكرتُنا‬ ‫‪5‬‬

‫منسي في الشمس‬ ‫ح َ‬ ‫على َ‬ ‫جر ٍ‬ ‫ٍّ‬

‫قب ًال؟‬ ‫ب‪ُ ،‬‬ ‫عج ٌ‬ ‫وهل َ‬ ‫بعد‪ ،‬أَ ن يسأَ َل عنها المواطنون ببساطة‪ :‬أَ ين كانت ْ‬ ‫تاريخ بالدنا وعظم َة آثارها‬ ‫ـجيبهم َمن ال يجهل‬ ‫َ‬ ‫ولـماذا ُر ِمـ َـيــت‪‬؟ وهل ُي ُ‬ ‫ودورها في تاريخ الحضارة؟ كيف نطلُ ب أَ ن يحافظَ على ِإرث لبنان ِم َّـمن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يتصرفون؟‬ ‫ِإذا كانوا يعرفون‪ ،‬يقرأُ ون لكنهم ال‬ ‫َّ‬ ‫صدر بيروت‪ ،‬هذه َ‬ ‫األعمد ُة التاريخي ُة الشهيدة‪،‬‬ ‫ال نعرف أَ ين كانت‪ ،‬في ْ‬ ‫لكننا نعرف أَ ْن يجب‬ ‫نارتها وترتي ِبها وتنسي ِقها‬ ‫االحتفاء بها حيث هي اآلن ِب ِـإ ِ‬ ‫ُ‬ ‫موقع‬ ‫شب َه‬ ‫ُفت ِّ‬ ‫كل حصا ٍة‬ ‫وسياحي‬ ‫تاريخي‬ ‫ُ‬ ‫يقصده َمن يعرفون قيم َة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫شكل َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫منسية على أَ رض التاريخ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يئن‬ ‫كثر من‬ ‫موقع عندنا ُّ‬ ‫ُمثَ لَّ ث الجهل والنسيان ِ‬ ‫واإلهمال ُيحيق بنا في أَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫عصور‪ ،‬وليس َمن له كي ينقذَ ه من ‪‬االستشهاد‪‬‬ ‫وعقود‪ ،‬وربما‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫منذ سنوا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫موقع‬ ‫– ع َـر ًضا ال َح ْص ًرا –‬ ‫على تراب الوطن‬ ‫مهم ًال‪ :‬أَ ُذكــر هنا َ‬ ‫َ‬ ‫منسيا َ‬ ‫ًّ‬ ‫حيث هياكل فارعة في‬ ‫وموقع ْبـزيزا‬ ‫مهمل‪،‬‬ ‫ِر ْش ِد ّبـين وفيه‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫هيكل َّ‬ ‫مكس ٌر َ‬ ‫ومعبد سيراﭘــيس في صربا تحت قلعة الشير المطمورة على‬ ‫ِاإلهمال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مش ِمش‪،‬‬ ‫كتف خليج جونيه‪،‬‬ ‫ونواويس ضائع ًة تحت الحفافي والبساتين في ْ‬ ‫َ‬ ‫وكثير ًة أُ خرى ال ُتحصى من المواقع والحجارة َ‬ ‫واألعمدة الراقدة في كل‬ ‫بقعة من جنوب لبنان وشماله وبقاعه‪ ،‬حتى ليمكن القول ِإن ذاكر ًة وسيع ًة‬ ‫ٍ‬ ‫مسؤولين ال أَ عرف‬ ‫هايـ ِم ِر ًّيا‪ ‬بل ِإ ً‬ ‫هماال من ُ‬ ‫من تاريخ لبنان مهملةٌ‪ ،‬ال ‪‬أَ ْلز ْ‬ ‫مسؤولين؟‬ ‫ِإن ُيهملوها َعـ َّـم يكونون ُ‬ ‫طالعتنا وزار ُة الثقافة‪ ،‬مشكور ًة‪،‬‬ ‫في الربيع الماضي من هذا العام‬ ‫ْ‬ ‫الوطني‪َ ...‬ثـ ِّـبــت أَ َثـ َـر َك على‬ ‫‪‬حافظْ على ِإ ِرث َك‬ ‫ملة تلفزيونية عنوانُ ها‬ ‫بح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫آثارك‪ ،‬تدعو المواطنين ِإلى تسجيل ما لديهم من ِق َط ٍع أَ ثرية في بيوتهم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أَ‬ ‫أَ‬ ‫ت ِقط ٌع ثري ٌة‬ ‫تكون‬ ‫ولكن‪ ...‬ما ْنف ُع ن‬ ‫كي تبقى ِإرثا محفوظا‪.‬‬ ‫داخل البيو ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت لطاوالتهم‪،‬‬ ‫قداما َّ‬ ‫ومتكآ ٍ‬ ‫وس أَ عمد ٍة َمقطوع ٌة َ‬ ‫ُ‬ ‫وض َعها المواطنون أَ ً‬ ‫ور ُؤ ُ‬ ‫بينما ِق َط ٌع من قلب التاريخ تبقى متروك ًة بال ْنبض؟‬ ‫مرمي على كومة‬ ‫عمود‬ ‫موقع‪ ،‬أَ و‬ ‫منسي في‬ ‫حجر‬ ‫ما الذي َيعني لنا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫أَ عشاب؟‬ ‫مهم ًال‬ ‫ب لبنان‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫تحمل في ذاكرتها ً‬ ‫حفنة من ترا ِ‬ ‫ُ‬ ‫يعني أَ ّن ّ‬ ‫مجدا للبنان َ‬ ‫في معظ ِمه وال َمن َيسأَ ُل أَ و ُيبادر‪.‬‬ ‫ذاكرتـها‬ ‫ذاكرتها‪ ،‬وما أَ تعس البالد التي ال ُتبقي‬ ‫بالد ُته ِمل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ويعني أَ ننا ٌ‬ ‫بشواهد مواقعها َ‬ ‫ذاكرتها َ‬ ‫‪‬رجمةَ‪ ‬حجار ٍة‬ ‫األثرية والتاريخية‪َ ،‬ألن‬ ‫حي ًة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫تظ ُّل ُ‬ ‫َّ‬


‫ماكن بارز ٍة‬ ‫ض نَ ْـق ِلها ِإلى أَ َ‬ ‫عو َ‬ ‫مكسر ٍة ْ‬ ‫وأَ عمد ٍة َّ‬ ‫رمي ٍة في الشمس‪َ ،‬‬ ‫مه َملَ ٍة َم َّ‬ ‫ـاء ًة‪،‬‬ ‫ت عامة في العاصمة‪،‬‬ ‫وســاحــا ٍ‬ ‫وتركيزها وحماي ِتها ِوإظـهـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـارهــا ُمـضـ َ‬ ‫ساطعا من تاريخ لبنان؟‬ ‫باعتزاز‪ْ ،‬نب ًضا‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬

‫زمن يعرف‬ ‫المهم أَ ن يبقى‬ ‫كل ّ‬ ‫جي َء ٌ‬ ‫ُ‬ ‫عاليا‪ٌّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الصوت ً‬ ‫منا على منبره‪ ،‬كي َي ْ‬ ‫والحفاظ عليها‬ ‫ها‬ ‫رض‬ ‫وع‬ ‫ها‬ ‫براز‬ ‫ـإ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫الوطن‬ ‫ة‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ذا‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫قيم‬ ‫ولون‬ ‫المسؤ‬ ‫فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ​ِ ِ‬ ‫فينتشلونها من تحت َ‬ ‫األرض ِإلى نواصي لبنان والعالم‪.‬‬ ‫وهو هذا ما تسعى ِإليه‪ِ ،‬ب َد ْورها ورسال ِتها‪ ،‬مجل ُة ‪‬مرايا التراث‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫هنري زغـيب‬


‫ُ‬ ‫شروط النشر في مجلة ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫هم مجلة ‪‬مرايا التراث‪ِ ،‬إدار ًة وهيئ ًة علْ مية‪ ،‬أَ ن تلفت الباحثين ِإلى‬ ‫َي ُّ‬ ‫التالي‪:‬‬ ‫مرس ٍل للنشر‬ ‫غير‬ ‫‪ .1‬أَ ن يكون‬ ‫رسل أَ ً‬ ‫ُ‬ ‫صيال في بابه‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫منشور أَ و َ‬ ‫الم َ‬ ‫البحث ُ‬ ‫في مجلة أُ خرى‪.‬‬

‫العلمية‬ ‫ـتعارف عليها فــي المجالت‬ ‫المنهجية‬ ‫‪ .2‬اعتماد‬ ‫الم َ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫حكمة‪ :‬التوثيق في كتابة الحواشي واألص ــول والمصادر والمراجع‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫رات‬ ‫ختص‬ ‫والم َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫التهجم الشخصي ِوإلماحات َ‬ ‫سندة‬ ‫‪ .3‬عدم‬ ‫الم َ‬ ‫األدلجة ِ‬ ‫ُّ‬ ‫واإلسقاطات غير ُ‬ ‫في مقاربات البحث‪.‬‬

‫‪ .4‬جميع َ‬ ‫الم َق َّدمة ِإلى المجلة َتخضع لتحكيم اللجنة العلمية‪،‬‬ ‫األبحاث ُ‬ ‫وقد تستعين ِإدارة المجلة عند الحاجة بهيئة اختصاصيين تبقى أَ سماء‬ ‫الع ْرف َ‬ ‫األكاديمي‪.‬‬ ‫طي الكتمان وفق ُ‬ ‫أَ عضائها ّ‬

‫بغير لغة بح ِثه‬ ‫‪ُ .5‬يرسل الباحث مع نصه َّ‬ ‫ملخ ًصا عنه في نحو ‪ 200‬كلمة ِ‬ ‫بحاثها في‬ ‫تفضيال أَ و بالفرنسية)‬ ‫(باإلنكليزية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تسهيال َلفهرسة المجلة وأَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫البيبليوغرافيا العالَ مية‪.‬‬

‫‪ .6‬تحتفظ ِإدارة المجلة ِب َح ّق النشر أَ و برفض أَ ِّي بحث ال يستوفي شروطَ‬ ‫النشر أَ عاله‪.‬‬

‫اآلراء ال ــوارد َة في َ‬ ‫األبحاث‬ ‫العلمية‬ ‫‪ .7‬ال تتبنى ِإدار ُة المجلة واللجن ُة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ولية ُك ّـتابها‪.‬‬ ‫المنشورة‪ ،‬وتبقى هذه على ُ‬ ‫مسؤ ّ‬

‫نسخة‬ ‫صدوره‪ ،‬وعلى‬ ‫ٍ‬ ‫ث على ثالث نُ َسخ من العدد عند ُ‬ ‫كل باح ٍ‬ ‫‪َ .8‬يحصل ُّ‬ ‫ِإلكترونية من بحثه‪.‬‬

‫تعاون الباحثين في احترام شروط‬ ‫العلمية‬ ‫شكر ِإدار ُة المجلة واللجن ُة‬ ‫‪َ .9‬ت ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حفاظا على المستوى العلْ مي في نهج الجامعة‪ ،‬وخدم ًة لنصاعة‬ ‫النشر‪،‬‬ ‫التراثية في لبنان‪.‬‬ ‫الذاكرة‬ ‫ّ‬

‫نصوصهم باسم رئيس التحرير على هذا العنوان‪:‬‬ ‫‪ُ .10‬يرسل الباحثون‬ ‫َ‬ ‫مجلة ‪‬مرايا التراث‪ – ‬مركز التراث اللبناني‬ ‫الجامعة اللبنانية األميركية – قريطم – بيروت‬ ‫لكترونيا على عنوان ‪‬مركز التراث اللبناني‪clh@lau.edu.lb :‬‬ ‫أَ و ِإ‬ ‫ًّ‬


‫‪8‬‬

‫هنري زغـيب‬


‫المادي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬ ‫قديما) حاضرة فينيقية منسية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬ ‫بين التاريخ والتقاليد‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬ ‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف‬ ‫العثماني‬ ‫ّإبان الحكم‬ ‫ّ‬


‫تراثنا المادي‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند ( صربتا‬ ‫ً‬ ‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬ ‫اللبنانية‬ ‫أُ ستاذ التاريخ القديم واآلثار في الجامعة‬ ‫ّ‬

‫مقدمة‬ ‫قديما) على الطريق الساحلي‬ ‫الصرفند (‪‬صــربـتــا‪ ‬أو ‪‬صــرفــة‪‬‬ ‫ً‬ ‫جنوبي بيروت‪ ،‬و‪ 16‬كلم‬ ‫بين صيدا وصــور‪ ،‬ميناء معروف على ‪ 56‬كلم‬ ‫ّ‬ ‫جنوبي صيدا‪ .‬وكانت صربتا َت ًّـال غير مرتفع على شاطئ قرية الصرفند‬ ‫ّ‬ ‫العالية نحو ‪ 100‬م عن التل األثــري‪ .‬وقد تكون قرية الصرفند نشأت‬ ‫قبل قرون‪ :‬فالرحالة ‪ George Sandys‬زار المنطقة نحو سنة ‪ 1611‬م‬ ‫وكتب أن القري َة على مرتفع‪ ،‬وهي قرية جميلة والناس يسمونها آنذاك‬ ‫‪ ،1Sarapanta‬ولما زارها الجغرافي العربي اإلدريسي سنة ‪ 1165‬كان‬ ‫أول كاتب يطلق تسمية ‪‬صرفند‪ ‬على هــذا الموقع‪ ،‬ذاك ـ ًـرا أن قرية‬ ‫الصرفند تبعد عشرة أميال عن صيدا وتمتاز بقلعة جميلة‪ ،2‬قد يكون هو‬ ‫ص َف ُه ‪Joanas phocas‬‬ ‫حصنا على شاطئ البحر‪ ،‬يوم زار‬ ‫ً‬ ‫المبنى الذي َو َ‬ ‫‪3‬‬ ‫الصرفند سنة ‪1177‬م ‪.‬‬ ‫هكـذا تتشارك تسميـات ‪‬صرفنـد‪ ‬و‪‬صربتـا‪ ‬و‪‬صرفـة‪ ‬باألحـرف‬ ‫الصامتـة (ص ‪ -‬ر ‪ -‬ف ‪ /‬ب) ويمكن القول إن هذا التشابه باألحرف الصامتة‬ ‫افتراض أن القرية الساحلية صرفند‪ ،‬هي صربتا أو صرفة‬ ‫يسهل علينا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫القديمة‪ ،‬وهي صيغ ٌة استخدمها معظم رحالة وحجاج زاروا المنطقة‪.‬‬ ‫(شكال ‪ 1‬و‪.)2‬‬ ‫‪George Sandys, Sandys Travells, Containing an History of the original‬‬ ‫‪1 1‬‬ ‫‪and present state of the Turkish Empire, 6th ed, 1670, Book 3, p. 166.‬‬ ‫(طريقة ذكره‪)Sandys Travels :‬‬

‫‪ 22‬الشريف محمد بن عبد العزيز اإلدريسي‪ ،‬نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق‪ ،‬بون‪،‬‬ ‫طبعة جيلد ميستر‪ ،1885 ،‬ص‪.12 .‬‬ ‫‪The Pilgrimage of Joannes Phocas, Publications of the Palestine‬‬ ‫‪ 33‬‬ ‫‪( Pilgrims Society, vol. 5, p. 10.‬طريقة ذكره‪)PPTS :‬‬


‫صربتا في التقاليد والمصادر‬

‫‪ 44‬‬

‫الكتاب المقدس‪ ،‬سفر الملوك األول‪.16–8 :17 ،‬‬

‫‪11‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫في المصادر التاريخية للمدن الفينيقية لم ُتكن صربتا بأهمية صور‬ ‫وصيدا وجبيل وأرواد‪ ،‬لذا ظهر اسم صربتا في مصادر مصرية وآشورية‬ ‫تاريخيا يتتبع‬ ‫إطارا‬ ‫يشكل‬ ‫وعبرية ويونانية قديمة في فترات مختلفة‪ ،‬ما ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تطور صربتا الحضاري وحضورها التاريخي‪.‬‬ ‫أوروبيون يزورون‬ ‫حجاج مسيحيون‬ ‫منذ القرن الميالدي الرابع ابتدأ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫الصرفند في طريق َح ِّج ِهم إلى األراضي المقدسة على خطى رحلة النبي‬ ‫وتجنبا للمجاعة‪.‬‬ ‫طلبا للماء والخبز‬ ‫ً‬ ‫إيليا الذي دعاه الرب نحو المشرق ً‬ ‫قائال‪ :‬قُ م ِ اذهب إلى صرفة التي لصيدون وأَ ِق ْم هناك‪،‬‬ ‫كالم الرب ً‬ ‫‪‬وكان له ُ‬ ‫فقام وذهب إلى صرفة وجاء إلى باب المدينة‪ ،‬وإذا بامرأة أرملة طلب منها‬ ‫الماء وكسرة خبز وأن تعمل له كعكة ليأكل هو وهي وابنها‪ ...‬ألنه هكذا قال‬ ‫الرب إله إسرائيل إن كوار الدقيق ال يفرغ وكوز الزيت ال ينقص إلى اليوم‬ ‫الذي فيه ُيعطي الرب‬ ‫مؤونة الزيت‬ ‫مطرا على وجه األرض‪.4‬‬ ‫واستمرت ُ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫والطحين إلى العائلة والنبي إيليا الذي طالت ضيافته وبقي مع العائلة في‬ ‫غرفة ِعـلّ ّية حتى نهاية المجاعة‪.‬‬ ‫معجزة أخرى‪ ،‬إلى إعطاء إستمرارية الحياة‪ ،‬تشير إلى إمكان النبي‬ ‫إيليا إعطاءه الحياة نفسها‪ ،‬فـ ‪‬عندما مرض ابن األرملة صاحبة البيت‪،‬‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫شكل ‪ :١‬خارطة شاطئ شرق المتوسط‬

‫شكل ‪ :٢‬منظر جوي لـرأس الصرفند‬ ‫والمنطقة المجاورة‬


‫‪12‬‬

‫ولك يا رجل‬ ‫تبق منه نسمة‪ ،‬قالت إليليا‪ :‬ما لي َ‬ ‫واشتد مرضه حتى لم َ‬ ‫ّ‬ ‫إلي لتذكير إثمي وإماتة إبني‪‬؟ فقال لها‪ :‬أعطيني ابنك‪.‬‬ ‫اهلل‪ .‬هل جئت ّ‬ ‫مقيما بها‪ ،‬وأضجعه على‬ ‫كان‬ ‫التي‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫لّ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫إلى‬ ‫به‬ ‫وصعد‬ ‫أخذه من حضنها‬ ‫ً‬ ‫ِ ّ‬ ‫يضا إلى األرملة التي‬ ‫سريره وصرخ إلى الرب وقال‪ :‬أيها الرب إلهي‪ ،‬أَ أَ ً‬ ‫أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها؟‪ .‬وتمدد على الولد ثالث مرات‬ ‫س هذا الولد إلى جوفه‪.‬‬ ‫وصرخ إلى الرب وقال‪ :‬يا رب إلهي‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫لترجع ْنف ُ‬ ‫س ِم َع الرب لصوت إيليا فرجعت ْنفس الولد إلى جوفه فعاش‪ .‬ثم أخذ إيليا‬ ‫الولد ونزل به من ال ِعلّ ّية إلى البيت ودفعه ألمه‪ .‬وقال إيليا‪ :‬أنظري‪ ،‬ابنك‬ ‫َ‬ ‫حي‪ ،‬فقالت المرأة إليليا‪ :‬هذا الوقت علمت أنك رجل اهلل‪ ،‬وأن كالم‬ ‫الرب في فمك حق‪.5‬‬ ‫دراماتيكيا من القرن التاسع قبل الميالد‪ ،‬باتت‬ ‫هذه القصة المثيرة‬ ‫ً‬ ‫وح ِف َظت في قالب آخر‪ .‬وبين‬ ‫قطعة من التراث الديني والشعبي الموروث ُ‬ ‫زخارف جدرانيات كنيس يهودي في مدينة دورا أوروبس ‪Dura-Europos‬‬ ‫على نهر الفرات (من القرن الثالث الميالدي) صور ٌة زيتية جدارية ذات ألوان‬ ‫ابن األرملة بين يدي إيليا وإعادته إلى الحياة (شكل رقم ‪.6)5‬‬ ‫زاهية ُتظ ِهر َ‬

‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬ ‫شكل ‪ :٥‬الجدارية في كنيس دورا – اوروبوس‪ :‬النبي إيليا‬ ‫يعيد الحياة إلى ابن األرملة في صربتا‬

‫‪5 5‬‬ ‫‪ 66‬‬

‫المرجع السابق‪.24–17 :17 ،‬‬

‫‪James B. Pritchard, Recovering Sarepta, A Phoenician city, Princeton‬‬ ‫‪University Press, Princeton, 1978, p. 39.‬‬ ‫(طريقة ذكره‪)Pritchard, 1978 :‬‬ ‫وأيضا‪C.H. Kraeling, The Synagogue, The Excavations at Dura – Europos, :‬‬ ‫ً‬ ‫‪Final Report, 8, pt.1, 1956, pls.31, 63, pp. 135 –137 & 143 –150.‬‬


‫الكتاب المقدس‪ ،‬العهد الجديد‪ ،‬أنجيل لوقا‪.26 –24 :4 ،‬‬

‫‪7 7‬‬ ‫‪Pritchard, 1978, p. 46.‬‬ ‫‪ 88‬‬ ‫يشير فيليب حتي في كتابه لبنان في التاريخ (مؤسسة فرنكلين المساهمة للطباعة‬ ‫أسقفيا في الصرفند‪،‬‬ ‫مقرا‬ ‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬نيويورك‪ )1959 ،‬إلى أن الصليبيين أنشأوا ً‬ ‫ً‬ ‫إسالميا‬ ‫ا‬ ‫مزار‬ ‫الكنيسة‬ ‫وشيدوا الكنيسة حيث كان يسكن النبي إيليا‪ .‬اليوم تحولت‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫للخضر‪ .‬والخضر في التقليد اإلسالمي هو النبي إيليا‪ ،‬ويرى بعض المسلمين أن‬ ‫الخضر هو مار جرجس‪ ،‬فيليب حتي‪ ،‬ص‪.382 .‬‬

‫‪13‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫شكل ‪ :٤‬خارطة ساحل‬ ‫الصرفند وموقع الميناء‪،‬‬ ‫وموقع الولي الخضر‬ ‫على الطريق العام‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫اشتهرت زيارة النبي إيليا إلى صربتا في فينيقية حتى أن كاتب إنجيل‬ ‫ُ‬ ‫الحق أقول‬ ‫‪‬الحق‬ ‫لوقا استعان بتلك القصة لدعم قول السيد المسيح‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫كن‬ ‫كثيرة‬ ‫أرامل‬ ‫إن‬ ‫مقبوال في وطنه‪ ،‬وبالحق أقول لكم‬ ‫ً‬ ‫نبي‬ ‫َّ‬ ‫لكم أَ ْن ليس ٌّ‬ ‫أيام إيليا حين أُ غلقت السماء ثالث سنين وستة أشهر لما كان‬ ‫في إسرائيل َ‬ ‫رسل إيليا إلى واحدة منها‪ ،‬إال امرأ ًة‬ ‫جوع عظيم في األرض كلها‪ .‬ولم ُي ِ‬ ‫أرملة إلى صرفة صيداء‪.7‬‬ ‫هكذا قص ٌة رائجة من العهد القديم اشتهرت في التراث المسيحي‪.‬‬ ‫لذا كان الحجاج إلى األراضي المقدسة يتوقفون في الصرفند يؤدون فيها‬ ‫خصبا‬ ‫مجاال‬ ‫ً‬ ‫مراسم التقوى والورع لألنبياء واألولياء‪ ،‬وباتت تلك األحداث‬ ‫ً‬ ‫لقصص فولكلورية ودينية‪ ،‬والدليل اليوم‪ :‬مقام الولي الخضر من الفترة‬ ‫اإلسالمية على الطريق السنة‪ ،‬ومنظر اآلثار إلى شماله‪ ،‬وهو استمرار هذا‬ ‫موقع زيارة األولياء والتضرع‬ ‫التقليد الديني الذي ذكره الرحالة والمؤرخون‬ ‫َ‬ ‫‪8‬‬ ‫طلبا للمساعدة في أوقات الشدة (شكل رقم ‪. )4‬‬ ‫إليهم ً‬


‫‪14‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬

‫كثيرون من الحجاج إلى صربتا تركوا انطباعاتهم ومشاعرهم الدينية‬ ‫عن الموقع‪ ،‬لكن من تكلموا إضافة إلى مشاعرهم تركوا لنا معلومات عن‬ ‫تاريخ المدينة‪.‬‬ ‫شاهدا على‬ ‫ـرج‬ ‫ً‬ ‫في نهاية القرن الرابع الميالدي‪ ،‬كــان في صربتا بـ ٌ‬ ‫ال ِعلّ ّية التي أقام بها إيليا ّإبان إقامته في صربتا‪ .‬وكانت بوال – وهي سيدة‬ ‫ـرورا بقبرص‬ ‫ذات مقام اجتماعي رفيع – جــاءت من رومــا سنة ‪ 382‬م مـ ً‬ ‫جنوبا‪ .‬وكتب الناصح الخاص لهذه السيدة وصديقها‬ ‫وأنطاكيا واتجهت‬ ‫ً‬ ‫واصفا رحلتها للحج بعد عدة سنين‪ :‬بعد مغادرتها‬ ‫جيروم من القدس‬ ‫ً‬ ‫بيروت‪ ،‬المستعمرة الرومانية‪ ،‬والمدينة القديمة صيدا‪ ،‬وصلت السيدة بوال‬ ‫على شاطئ صربتا‪ ،‬وعند برج هيلياس قامت بفروض الصالة والتضرع‬ ‫للمخلص‪ ،‬ثم أكملت طريقها إلى شواطئ صور الرملية التي انغمست في‬ ‫رمالها‬ ‫أقدام الرسول بولس‪.9‬‬ ‫ُ‬ ‫شخص باسم ‪Theodosius‬‬ ‫دون‬ ‫بعد قر ٍن‬ ‫تقريبا (نحو سنة ‪ 530‬م) ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫أن كانت كنيسة للقديس إيليا في صربتا‪ ،‬وهي مدينة تترك‬ ‫في مشاهداته ْ‬ ‫المقدس أشار‬ ‫الكتاب‬ ‫بأن‬ ‫وذكر‬ ‫الكبير‪،‬‬ ‫بحجمها‬ ‫ا‬ ‫جيد‬ ‫لزائرها‬ ‫َّ‬ ‫انطباعا ً‬ ‫ً‬ ‫عهدئذ عاصمة صربتا‪ ،‬وأضاف‬ ‫إليها بأنها صربتا الصيدونية‪ .‬وكانت صيدا‬ ‫ٍ‬ ‫أن صربتا هي العاصمة والحاضرة‪ .‬وبعد جيل ُد ِهــش‬ ‫مالحظة مهمة‪ّ :‬‬ ‫‪ Theodosius‬بكبر المدينة‪ ،‬بينما الشهيد ‪ Antoninus‬من ‪Placentia‬‬ ‫ذكر أنها مدينة صغيرة‪ ،‬ومدينة مسيحية دون أدنى شك‪ .‬والزائر اليوم‬ ‫يشاهد‬ ‫بوضوح مقام النبي إيليا‪ ،‬وذكر ‪ Antoninus‬أنه شاهد الغرفة التي‬ ‫ٍ‬ ‫بنيت للنبي إيليا‪ ،‬والفراش الذي نام عليه‪ ،‬والحوض الرخامي الذي جهزت‬ ‫األرملة خبزها عليه‪.‬‬ ‫الحقا‪ ،‬في نهاية القرن الثاني عشر الميالدي‪ ،‬وصف وليم الصوري‬ ‫ً‬ ‫ـرورا بصيدا وصور‪ ،‬ذاكـ ًـرا وجود مدينة صربتا‬ ‫طريق أفواج الصليبيين مـ ً‬ ‫جنوبا‪ ،‬وكذلك مقام النبي إيليا‪ .‬لم‬ ‫الصيدونية على يمين الطريق المتجهة‬ ‫ً‬ ‫فترتئذ بهذا االسم لكنها موجودة إلى يسار‬ ‫تكن قرية الصرفند معروف ًة‬ ‫ٍ‬ ‫الطريق المتجه‬ ‫جنوبا (شكل رقم ‪.10)7‬‬ ‫ً‬ ‫أهمهم ‪ 13‬زائـ ًـرا بين القرنين الثاني‬ ‫توالى إلى صربتا ٌ‬ ‫زوار كثيرون‪ُّ ،‬‬ ‫عموما‪ ،‬وبعدها صيدا‬ ‫عشر والرابع عشر الميالدي‪َ ،‬ذكروا موقع صربتا‬ ‫ً‬ ‫وصور‪ ،‬والكنيسة على بوابة صربتا الجنوبية‪.‬‬ ‫‪9 9‬‬ ‫‪ 110‬المرجع السابق‪ ،‬صص‪.40–39 .‬‬ ‫‪Pritchard, 1978, p. 39.‬‬


‫وأيضا‪:‬‬ ‫‪ 111‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪،40 .‬‬ ‫ً‬

‫‪Secrets for True crusaders to Help Them to Recover the Holyland, PPTS,‬‬ ‫‪vol. 12, p. 25.‬‬

‫‪James B., Pritchard, Ancient Near Eastern Texts Relating to the Old 112‬‬ ‫‪Testament, Third Edition, Princeton University Press, Princeton, 1969,‬‬ ‫‪( .pp. 287 – 288‬طريقة ذكره‪)ANET :‬‬

‫‪15‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫الوصف الرحالة ‪ Burchard of Mt.Zion‬في نهاية القرن الثالث‬ ‫أكد هذا‬ ‫َ‬ ‫عشر و‪ Marino Sanuto‬في بداية القرن الرابع عشر‪َ ،‬‬ ‫وذكر ‪ Burchard‬في‬ ‫نهاية القرن الثالث عشر أن صربتا هي في وضع خراب‪ .‬وال يتجاوز عدد‬ ‫منازلها الثمانية‪ ،‬تلك الحاضرة التي أدهشت ‪ Theodosius‬أثناء زيارته‬ ‫صربتا قبل سبعة قرون‪.11‬‬ ‫ظهرت صربتا في األحداث السياسية منذ الفترة اآلشورية وفْ ق سجالت‬ ‫منتصرا‬ ‫الملك اآلشوري سنحريب إذ سجل تقدمه على الشاطئ الفينيقي‬ ‫ً‬ ‫سنة ‪ 701‬ق‪ .‬م‪ ،.‬ولم يواجه الملك المنتصر أي مقاومة من صيدا ومن سبع‬ ‫مدن أخرى تابعة لصيدا وبينها صربتا‪ .‬وتجنبت المدن الفينيقية مواجهة‬ ‫مفضلة دفــع الغرامة وتجنب الـخــراب والمواجهة العسكرية‪،‬‬ ‫سنحريب‬ ‫ّ‬ ‫‪12‬‬ ‫فعرفت صربتا وبقية المدن الفينيقية فترة من السالم ‪.‬‬ ‫ابنه إسرحدون فتابع سياسة والده مع المدن الفينيقية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫سنحريب ُ‬ ‫خلَ َ‬ ‫َ‬ ‫ووقّ ع معاهدة مع بعل ‪ Baal‬ملك صور ُمش ِه ًدا عليه اإللهين ملقارت وأشمون‪.‬‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫شكل ‪ :٧‬قرية الصرفند في القرن التاسع عشر بريشة‬

‫‪W.H.Bartlett‬‬


‫‪16‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬

‫نقوشا على فخاريات تحمل‬ ‫وجدت‬ ‫ً‬ ‫والبعثة األثرية التي نقبت في صربتا َ‬ ‫اسمي اإللهين أشمون وملقارت‪.13‬‬ ‫َ‬ ‫بعد نحو سبعة قــرون من ْذكــر صربتا في سجالت الملك اآلشــوري‬ ‫أسرحدون على أنها تحت سيطرة صور بعدما كانت تحت سيطرة صيدا‪،‬‬ ‫ذكر الكاتب ‪ Pseudo-Scylax‬في القرن الرابع قبل الميالد أن صربتا كانت‬ ‫أيضا‪.14‬‬ ‫تابعة لصور ً‬ ‫قبل أن تصبح صربتا مدينة مسيحية ذات كنيسة مكرسة للنبي إيليا‪ ،‬كانت‬ ‫سائد ًة فيها فترتذاك الديانة الفينيقية‪ ،‬وهي استمرارية للديانة الكنعانية‪.‬‬ ‫المدهش الغامض ْذك ُر اإلله المقدس في صربتا‪ ،‬كما يتضح من ثالثة‬ ‫لكن‬ ‫َ‬ ‫واآلخــران في موطن‬ ‫واحدها اكتشف في جنوب إيطاليا‪،‬‬ ‫نقوش يونانية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الفينيقيين األصلي‪ .‬وسنة ‪ 1901‬ظهرت في ‪ Puteoli‬قرب نابولي قطعتان‬ ‫نقش ُيظهر إله صربتا المقدس‪ ،‬وبعد بضع سنوات وجد‬ ‫رخاميتان عليهما‬ ‫ٌ‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫كاتلر‬ ‫تشارلز‬ ‫المؤرخ األميركي‬ ‫ـوراي ‪ C.C.Torrey‬من جامعة ييل لوحة‬ ‫ّ‬ ‫‪15‬‬ ‫برونزية عليها خمسة أسطر باليونانية فيها ْذك ُر إله صربتا المقدس ‪.‬‬ ‫وكذلك َيظهر إله صربتا المقدس على حجر رخامي قرب قرية الصرفند‬ ‫في بيت على الطريق السنة‪ ،‬تملكته مديرية اآلثار ووضعته في المتحف‬ ‫الوطني‪ .‬وحصلت بعثة التنقيب في الصرفند على إذن بتصوير النقش على‬ ‫ونشرته في مجلة المتحف الوطني سنة ‪ .1971‬والنقش‬ ‫الحجر الرخامي‬ ‫ْ‬ ‫من ثالثة أسطر‪ ،‬وهو إهداء إلى إله صربتا المقدس‪ .‬لم ُيذكر اسم اإلله‬ ‫أي نقش‪ ،‬ما يشير إلى شهرة اسم اإلله فال لزوم لذكره‪ .‬لذا اكتفوا‬ ‫في ّ‬ ‫‪16‬‬ ‫باإلشارة إلى ‪‬إله الصرفند المقدس‪( ‬شكل رقم ‪. )6‬‬

‫شكل ‪ :٦‬نقش في الصرفند باللغة اليونانية‪ ،‬فيه إشارة إلى إله الصرفند المقدس‬

‫‪1 13‬‬ ‫‪Pritchard, 1978, p. 43. 114‬‬ ‫‪ 115‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.43 .‬‬ ‫‪ 116‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45–44 .‬‬ ‫‪ANET, pp. 533 – 534.‬‬


‫‪Pritchard, 1978, p. 45.‬‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫‪1 17‬‬ ‫‪ 118‬‬

‫‪George Sandys, Sandys Travells, p. 166.‬‬

‫‪17‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫غاب ْذكر الصرفند عن كتابات الرحالة‪ ،‬لتظهر مع بداية القرن السابع‬ ‫عشر مع رحالة ذوي اهتمامات مختلفة‪ ،‬كنوعية النبيذ في الصرفند وجمال‬ ‫الطبيعة في المنطقة‪ ،‬وشكل المدافن‪ ،‬ومنظر اآلثار القديمة‪ ،‬وأمور أخرى‬ ‫لم يذكرها رحالة سابقون أو حجاج متجهون إلى األراضي المقدسة‪.‬‬ ‫فــي مقدمة أولـئــك الــرحــالــة‪ George Sandys :‬الــذي انتقد إهمال‬ ‫أسالفه الرحالة والحجاج إلى األراضــي المقدسة واتهمهم بنظرة ضيقة‬ ‫حم ُل القارئ‬ ‫ـور َأهـ ّـم كان يجب التركيز عليها‪َ ،‬‬ ‫وإغفال أمـ ٍ‬ ‫هم ُه ْ‬ ‫وذكــر أن َّ‬ ‫أبعد من تقارير خاطئة وانطباعات ساذجة لدى مؤمنين وحجاج عرفتهم‬ ‫َ‬ ‫المنطقة كانوا مزهوين بغرور وخيالء‪.‬‬ ‫تعددت رحالت ‪ Sandys‬الى الصرفند‪ ،‬أُ والها بصحبة تجار انكليز في‬ ‫مشي ٌد فوق منزل‬ ‫‪ 25‬أيار ‪َ ،1611‬‬ ‫وذكر المسجد وأشار إلى أن المسجد َّ‬ ‫األرملة‪ ،‬واقتبس من قصائد ‪ Sidonius Apollinaris‬عن نبيذ الصرفند‪،‬‬ ‫وشرب نخب المدينة الجديدة ‪ Sarapanta‬الجذابة المتأللئة فوق الهضاب‪،‬‬ ‫المطلة على السهل‪ ،‬وأشار إلى أن المدينة متألقة ووسيمة‪.‬‬ ‫جنوبا فرأى كهوفً ا َر ّج َح أنها من الفترة الرومانية‪ ،‬تشبه‬ ‫أكمل طريقه‬ ‫ً‬ ‫ما نــراه اليوم قــرب قرية عدلون‪ .‬واستنتج ماهية تلك اآلثــار ووظيفتها‬ ‫ورجح أنها مساكن رجال من عصور ذهبية قبل نشوء المدن‪.‬‬ ‫وتاريخها‪ّ ،‬‬ ‫وزيارته تلك بداية استطالعات آثارية قبل ظهور علم اآلثار والطرق العلمية‬ ‫لتأريخ المعثورات‪.17‬‬ ‫متروية‬ ‫تقريبا قــام ‪ Chevalier d’Arvieux‬بــزيــارة‬ ‫بعد نصف قــرن‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫إلــى الصرفند‪َ .‬ذكــر األسـطــورة الحية لــدى منظر المسجد الجميل في‬ ‫الموقع المقدس‪ ،‬وأدهشته مرتفعات الصرفند المشرفة على السهل‬ ‫الساحلي‪ ،‬وينابيع المياه العذبة‪ ،‬وأشجار الزيتون‪ ،‬وأشجار الفاكهة على‬ ‫اختالفها‪ .‬وأضاف انطباعات علمية هي مالحظات أنثروبولوجية‪ :‬يسكن‬ ‫في المسجد رجــل من جماعة الــدراويــش‪ ،‬يتكرم بتقديم المياه العذبة‬ ‫إلى العابرين والمصلين‪ ،‬فيتكرمون عليه ببعض القروش إذا طاب لهم‬ ‫العطاء‪.18‬‬ ‫مر بالصرفند ‪( Richard Pococke‬الهوتي إنكليزي‬ ‫في ‪ 29‬أيار ‪ّ 1738‬‬ ‫اسم‬ ‫أصبح‬ ‫ً‬ ‫اسمها َ‬ ‫الحقا مطران ميث)‪ّ ،‬‬ ‫ودون أن القرية على تلة يشبه ُ‬ ‫وصفه كان على شاطئ‬ ‫صربتا القديم‪ ،‬لكنها ليست الموقع القديم‪ .‬وما‬ ‫َ‬


‫‪18‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬

‫لفتت ُه قاعدة تمثال مستديرة واضحة على مسافة قدم من قطعة‬ ‫البحر حيث ْ‬ ‫أول وصف لعمل فني‬ ‫رخامية‪ ،‬تحتت جوانبها‪ ،‬فذكرها بما يمكن اعتباره َ‬ ‫تقليدي بافتراض التماثل والتشابه‬ ‫آثاري‬ ‫ومطلع نهج‬ ‫في الموقع األثري‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مع مكتشفات وانطباعات سابقة‪ ،‬وأشــار إلى فنون في العمارة القديمة‬ ‫االستشهاد بالتشابه الجزئي مع‬ ‫مماثلة ما رآه في مصر العليا‪ .‬من هنا أن‬ ‫َ‬ ‫مبادئ علم اآلثار الحديث‪ .‬وقاعدة التمثال في كتابة‬ ‫استباق‬ ‫موقع آخر‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫زخرفيا‪،‬‬ ‫معماريا أو‬ ‫عنصرا‬ ‫‪ pococke‬وبعض مقاييسها‪ ،‬وإعادة استعمالها‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫مداخلة بسيطة واقتراح تأثيرات فنية مصرية تبقى شهاد ًة لدقة مالحظة‬ ‫زائرنا ونباهته‪.19‬‬ ‫ث علمي تناول صربتا وتاريخها‪ ،‬مع‬ ‫في القرن التاسع عشر محاول ُة بح ٍ‬ ‫زائرين لهما إنجازات علمية موثوقة‪.‬‬ ‫األول هو ‪ Edward Robinson‬المتخصص بالجغرافيا التوراتية‪ .‬زار‬ ‫والشاق في أنحاء فلسطين سنة‬ ‫الصرفند بعد شهرين من السفر المضني‬ ‫ّ‬ ‫مرهقا نهار اإلثنين ‪25‬‬ ‫‪ .1338‬تحمل في سفره الكثير ووصل إلى صربتا‬ ‫ً‬ ‫وشربه‬ ‫ليلة في صور غير مريحة‬ ‫وتناو ِله أطعمة غير لذيذة ُ‬ ‫حزيران بعد ٍ‬ ‫ُ‬ ‫سبح‬ ‫صور‪،‬‬ ‫في‬ ‫األحد‬ ‫ارتاح‬ ‫سفره‪.‬‬ ‫في‬ ‫تذوقه‬ ‫ما‬ ‫أسوأ‬ ‫كان‬ ‫فاسدا‬ ‫نبيذً ا‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫في مياه بحرها وانطلق في السادسة صباح االثنين إلى صيدا واقترب‬ ‫بعد خمس ساعات من الصرفند فظهر له مقام الولي الخضر‪ ،‬الماثل‬ ‫شماال‪ .‬ومقام الولي‬ ‫ً‬ ‫المتجه‬ ‫حتى اليوم قرب الطريق السنة‪ ،‬على يسار َّ‬ ‫الخضر وموقع اآلثار يشيران إلى مشهد ال يوحي بأكثر من قرية صغيرة‪.‬‬ ‫(الشكل رقم ‪.)4‬‬ ‫كانت تسمية ‪ Surafend‬كما سمعها من القرويين أفضل ما سمعه‬ ‫روبنسون‪ ،‬هو الفقيه بعلم اللغات‪ .‬وكطريقته خالل تجواله في فلسطين‬ ‫للتعريف بالمواقع القديمة‪ ،‬الحظ التشابه والتماثل بين أسماء األمكنة‬ ‫قديما وحديثً ا‪ ،‬وأكد نظريته بمواصلة استعمال أسماء األمكنة القديمة مع‬ ‫ً‬ ‫بعض التغيير‪.‬‬ ‫وسـجــل فــي مــذكــراتــه الـمــوقــع بــاســم ‪ Zarephath‬الـ ــوارد فــي العهد‬ ‫ف‪.‬‬ ‫القديم‪ ،‬وصربتا الواردة في العهد الجديد‪ .‬لكن هذا التشابه غير كا ٍ‬ ‫فروبنسون تصفح األدبيات المعروفة بكاملها من ‪ ،Josephus‬و ‪،Jerome‬‬ ‫و ‪ ،Antoninus‬و ‪ ،Burchard of Mt.Zion‬و ‪ ،William of Tyre‬و ‪،Sandys‬‬ ‫و ‪ ،Chevalier d’Arvieux‬كي يقف على التاريخ الكامل لموقع الصرفند‬ ‫‪ 119‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.46–45 .‬‬


‫‪ 221‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.47 .‬‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫‪James B. Pritchard, “Sarepta in History and Tradition”, in the Morton S. 220‬‬ ‫‪Enslin Festschrift, Understanding the Sacred Text, edited by John Reumann,‬‬ ‫‪valley Forge, Judson press, 1972 pp. 109 –110.‬‬ ‫(طريقة ذكره‪)Pritchard, 1972 :‬‬ ‫‪& Pritchard, 1978, p. 46 – 47‬‬

‫‪19‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫ويتتبع اسمها ويتعمق في بحثه قدر المستطاع‪ .‬وهو راجع تلك األبحاث‬ ‫والمراجع وذكرها في مذكراته بدقّ ة وأمانة‪.‬‬ ‫لــم يـبـ َـق روب ـن ـســون طــويـ ًـا فــي الـصــرفـنــد‪ ،‬لكنه سـجــل وق ــت وصــولــه‬ ‫سجله بل في طرقته للتعلم‬ ‫ووقت خروجه‪ ،‬وتبقى زيارته مهمة ال في ما ّ‬ ‫‪20‬‬ ‫والمالحظة‪ .‬فال زائر قبله عرف مثله التاريخ المكتوب لموقع الصرفند ‪.‬‬ ‫الموثوق اآلخر الزائر موقع الصرفند كان ‪،Ernest Renan‬‬ ‫اآلثار‬ ‫عال ُم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫علميا عن المخلّ فات اآلثارية في جوار الصرفند‪،‬‬ ‫تقريرا‬ ‫وهو أول من نشر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونشر نتيجة مسوحاته وأبحاثه في كتابه الضخم ذي الجزءين‪Mission :‬‬ ‫‪ )1864( de phénicie‬وفيه وصــف ما ظهر له على سطح األرض‪ ،‬وما‬ ‫وجد في المدافن‪ .‬وتشير تدويناته عن المدافن قرب قرية السكسكية‪،‬‬ ‫بأنها مدافن صربتا‪ ،‬والحظ إلى جانبها غرفتين محفورتين في الصخر‬ ‫الموقع مدير حفرية الصرفند ‪James B.‬‬ ‫زار‬ ‫على شاطئ البحر‪ .‬ويوم َ‬ ‫َ‬ ‫‪ Pritchard‬سنة ‪ ،1968‬الحظ تطابقها مع ما وصفه ‪ Renan‬عن منطقة‬ ‫استعم َل الغرفتين محاربون فدائيون تحصنوا‬ ‫الصرفند‪ .‬وفي خريف ‪1970‬‬ ‫َ‬ ‫‪21‬‬ ‫فيهما ثم فُ ِّج َرتا مع الباطون المسلح الذي شيد فوقها سقف الملجأ ‪.‬‬ ‫عندما بدأ ‪ James B. Pritchard‬العمل في الصرفند سنة ‪ ،1969‬كانت‬ ‫مواده األولية كل ما عرف عن تاريخ موقع الصرفند حتى بداية التنقيبات‬ ‫اآلثارية‪ .‬ففي القرون الماضية تعاقب على زيــارة الموقع زوار ألغراض‬ ‫مختلفة‪ :‬تأمين غذائهم أيام المجاعة‪ ،‬جمع الغرامات والضرائب‪ ،‬إقامة‬ ‫حكم جديد‪ ،‬التعبد في األماكن المقدسة‪ ،‬االشتراك في حمالت الحروب‬ ‫الصليبية‪ ،‬توثيق عاديات آثارية ّبينة على األرض‪ .‬لكن كل هذا التوثيق‬ ‫قليل من‬ ‫الهائل لنمط الحياة في صربتا طيلة أكثر من ألفي سنة يقابله ٌ‬ ‫هدف بعثة اآلثار بقيادة‬ ‫القليل‬ ‫وصف المدينة ونشاط سكانها‪ .‬وكان هذا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ James B. Pritchard‬من جامعة بنسلفانيا للتنقيب في صربتا ونبش‬ ‫كنوزها ومعرفة أنشطة المختلفة امتاز بها الفينيقيون‪ ،‬وما نعرفه اليوم عن‬ ‫ومدي الحفرية وأعضاء بعثة التنقيب‪.‬‬ ‫تلك المكتشفات يعود إلى تلك البعثة‬ ‫َ‬ ‫وهنا أبرز نتائجها‪.‬‬


‫التنقيبات اآلثارية في الصرفند‬ ‫تاريخها‬ ‫امتدت التنقيبات اآلثارية من ‪ 1969‬إلى ‪.1974‬‬ ‫*‪ :1969 ‬التنقيب في منطقة الميناء الروماني والبيزنطي‪.‬‬ ‫*‪ ‬فــي أيـلــول ‪ 1970‬صــدر المرسوم الجمهوري بالترخيص لجامعة‬ ‫ـدءا من ‪ 22‬نيسان‬ ‫بنسلفانيا التنقيب في الصرفند لمدة ست سنوات بـ ً‬ ‫‪ .1970‬مدير الحفرية د‪ .‬جايمس ب‪ .‬بريتشارد‪.‬‬ ‫*‪ :1972 – 1970 ‬حفريات منتظمة (شكل رقــم ‪ 3‬منطقة (‪ )I‬قرب‬ ‫الميناء الروماني ومنطقة (‪ )II‬التل والحفريتين ‪ X‬و ‪.)Y‬‬ ‫*‪ :1973 ‬فترة دراسة واستنتاج‪.‬‬ ‫*‪ :1974 ‬حفريات منتظمة‪.‬‬ ‫‪20‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬ ‫شكل ‪ :٣‬خارطة موقع الحفريات األثرية‪ ،‬منطقة ‪ I‬قرب الشاطئ‪،‬‬ ‫ومنطقة ‪ II‬فوق التل والحفريتين (‪)x,y‬‬


‫‪James B. Pritchard, Sarepta, A Preliminary Report on the Iron Age, The 222‬‬ ‫‪University Museum, University of Pennsylvania, Philadelphia, 1975, pp. 3 – 4.‬‬ ‫(طريقة ذكره‪)Pritchard, 1975 :‬‬

‫‪21‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫حفرياتها‬ ‫ُ‬ ‫حتى األمس القريب‪ ،‬كنا نستقي معلوماتنا عن الحضارة الفينيقية من‬ ‫عثر‬ ‫مصادر ونصوص قديمة أو من التوراة‪ ،‬ومن أدلة آثارية غير مباشرة َ‬ ‫منقبون في مراكز تجارية أنشأها الفينيقيون في حوض المتوسط‪،‬‬ ‫عليها ّ‬ ‫وكذلك أدلة آثارية من فلسطين والساحل السوري وأعمال فنية وجدت في‬ ‫العراق‪ ،‬ولقى ُوجدت على الساحل اللبناني‪.‬‬ ‫وازعا إلجراء‬ ‫معرفة المزيد من المعلومات عن الحضارة الفينيقية كانت ً‬ ‫ت الكتشاف جديد من تلك الحضارة المغمورة‪ .‬لذا نشطت‬ ‫ِ‬ ‫مزيد حفريا ٍ‬ ‫غربي المتوسط‪ .‬وكانت حفرية صور‬ ‫الحفريات في مراكز التجارة الفينيقية‬ ‫َّ‬ ‫بين أهم الحفريات في موطن الفينيقيين األصلي الذي أغنى معلوماتنا عن‬ ‫ميناء‬ ‫الحضارة الفينيقية‪ .‬ومع حفرية صــور‪ ،‬أظهرت حفرية الصرفند‬ ‫ً‬ ‫فينيقيا ليس بأهمية صور لكن معلوماته ال تقل أهمية عن معلومات صور‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫وأهمية حفريات جبيل عن فترة ما قبل الفينيقية وما بعدها‪.‬‬ ‫أبــرز أهــداف حفريات الصرفند‪ :‬تنقيبات آثارية منتظمة بلغنا فيها‬ ‫طبقات تاريخية من العهود الفينيقية لدراسة االستيطان بتسلسل زمني‬ ‫شكاال وتقني ًة‬ ‫محدود‪ ،‬ودراسة الفخاريات الفينيقية وتتبع مراحل تطورها أَ ً‬ ‫ـاء وزخ ــارف‪ ،‬ودراس ــة تطور الــديــن وفــن العمارة وصناعة المعادن‬ ‫وط ـ ً‬ ‫وح ـ َـرف وت ـجــار ٍة كانت أبــرز أوجــه أنشطة إنسانية أمـتــاز بها‬ ‫وصناعات ِ‬ ‫الفينيقيون‪.‬‬ ‫وإذا معلوماتنا وافية عن طبقات تاريخية في لبنان من العصور البرونزية‬ ‫والهلنستية والرومانية‪ ،‬فمعلوماتنا عن عصر الحديد محصورة في أماكن‬ ‫جدا أو ثانوية‪ ،‬ألن المدن الفينيقية العريقة مدفون ٌة تحت المدن‬ ‫صغيرة ً‬ ‫اختيار موقع الصرفند ِإذ البلد ُة الحديثة اليوم بعيدة‬ ‫الحديثة‪ .‬من هنا‬ ‫ُ‬ ‫عن القديمة‪ ،‬أي التل التاريخي الذي كان قرب الميناء الفينيقي المعروف‬ ‫بميناء الصرفند (شكل رقم ‪ ،4‬موقع الميناء)‪.22‬‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫توقفت الحفريات سنة ‪ 1975‬بسبب تردي الوضع األمني‪ .‬وسنة ‪1978‬‬ ‫عاد بريتشارد إلى لبنان ورافقته في دراسة المعثورات الفنية والخزفيات‪،‬‬ ‫وبدأنا التحضير لنشر التقرير النهائي‪.‬‬


‫‪‬صربتـا‪ ‬أو ‪‬صرفـة‪ ‬تسميـة كنعانيـة فينيقيـة ربما من الجـذر السامـي‬ ‫(ص ‪ -‬ر ‪ -‬ف) أي صهر المعادن‪ ،‬وفي األكادية‪َ :‬ش ُّي أو حرق القرميد كي‬ ‫مركزا‬ ‫يصبح أحمر‪ .‬لم يتم العثور في الصرفند على مراكز تعدين بل كانت‬ ‫ً‬ ‫لش ّي الفخار وحرقه في‬ ‫ف ‪ 22‬فرنً ا َ‬ ‫لصناعة الفخار وحرقه‪ ،‬ففيها ُ‬ ‫اكت ِش َ‬ ‫دليل على صناعة صباغ أرجواني استعمل‬ ‫ما سوى ‪ 1000‬متر مربع‪ ،‬وفيها ٌ‬ ‫في صباغة منسوجات فينيقية ذاع صيتها وأصبحت لبس الملوك آنذاك‪.‬‬ ‫(شكل رقم ‪.23)59‬‬

‫شكل ‪ :٥٩‬صدف الموركس الستخراج الصباغ األرجواني‬

‫‪22‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬

‫يــرقــى تــاريــخ صربتا إلــى فـتــرة سحيقة‪ .‬ظهر فــي نـقــوش أوغــاريــت‬ ‫(ق‪ 14 ‬ق‪ .‬م‪ ).‬وفــي نقوش مصرية (ق‪ 13 ‬ق‪ .‬م‪ ).‬كما سواها من المدن‬ ‫الفينيقية الرئيسة‪ .‬وورد ذكرها في التوراة عند اإلشارة إلى زيارة النبي‬ ‫إيليا ومساعدته أرملة بتخليصها مع عائلتها من المجاعة‪ ،‬وإحيائه ابنها‬ ‫مجال خصيب لقصص فولكورية ودينية‪ .‬ومقام‬ ‫بعد موته‪ .‬هذه األحداث‬ ‫ٌ‬ ‫دليل على أن في الصرفند‪ ،‬كما يذكرها‬ ‫اليوم‬ ‫الخضر الموجود حتى‬ ‫ٌ‬ ‫والتضرع إليهم بطلب المساعدة‬ ‫الرحالة والمؤرخون‪ ،‬مكانً ا لزيارة األولياء‬ ‫ُّ‬ ‫في أوقــات الشدة‪ .‬وورد ْذكــر صربتا في كتابات اآلشوريين والكلدانين‬ ‫والنصوص الالتينية ورحالة مروا بالمنطقة‪.24‬‬ ‫استمرت حفريات الصرفند بين ‪ 1969‬و‪ 1974‬بإشراف عالم اآلثار‬ ‫جايمس بريتشارد من متحف جامعة بنسلفانيا األميركة‪ .‬وكشفت المرحلة‬ ‫جنوبي التل الرئيسي‪ .‬وهذه هي‬ ‫األولى عن معالم ميناء روماني بيزنطي‬ ‫َّ‬ ‫‪William P. Anderson, Sarepta I, The Late Bronze and Iron Age Strata 223‬‬ ‫‪of Area II, Y, The University Museum of the University of Pennsylvania‬‬ ‫‪Excavations at Sarafand, Lebanon, Catholic press, Publications de l’université‬‬ ‫‪Libanaise, Beyrouth, 1988, pp. 35 – 36.‬‬ ‫(طريقة ذكره‪)Sarepta I :‬‬

‫‪ 224‬‬

‫‪Pritchard, 1975, pp. 7– 9.‬‬


‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫شكل ‪ :17‬رصيف الميناء مع حلقة ربط السفن‬ ‫وبرك تزويد السفن بالمياه‬

‫‪23‬‬

‫المنطقة ‪( I‬شكل رقــم ‪ .)3‬وظهر جــزء من الرصيف مع حلقات تثبيت‬ ‫السفن‪ ،‬وظهرت أربعة أحواض مائية محفورة في الصخر لتزويد السفن‬ ‫بالمياه العذبة‪ .‬وفي الميناء مساحات واسعة كانت مخازن لحفظ السلع‬ ‫والبضائع‪ ،‬وبركة محفورة في الصخر مع مصارف مياه ربما لتربية صدف‬ ‫الموركس المستخرج منه صباغ أرجواني اشتهرت به صربتا في العهود‬ ‫الرومانية (األشكال ‪.25)59 ،18 ،17 ،16‬‬ ‫‪ 225‬‬

‫‪Pritchard, 1978, pp. 49 – 65.‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫شكل ‪ :16‬الميناء الروماني‬ ‫البيزنطي في المنطقة ‪I‬‬


‫شكل ‪ :18‬بركة مياه لتربية‬ ‫صدف الموركس وبقية‬ ‫رصيف الميناء الروماني‬

‫‪24‬‬

‫كما ظهرت ركائز كنيسة بيزنطية‪ .‬وظهر تأريخ استعمال الميناء على‬ ‫نقود يعود أقدمها إلى القرن األول الميالدي وتمتد حتى الحادي عشر‬ ‫(األشكال ‪.26)63 ،62 ،19‬‬

‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬

‫شكال ‪ :٦٣،٦٢‬مسكوكات‬ ‫برونزية تعود للفترات‬ ‫الرومانية والبيزنطية‬

‫شكل ‪:19‬‬ ‫الكنيسة البيزنطية‬

‫‪ 226‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.69 – 68 .‬‬


‫بعد الميناء انتقلت الحفريات إلى التل الرئيسي وقد سميت‬ ‫تميزا عن المنطقة‪ I ‬منطقة الميناء الروماني البيزنطي‪ .‬في المنطقة‪II ‬‬ ‫ً‬ ‫جرت حفريتان األولى سميت ‪ Y‬بمساحة ‪ 100‬متر مربع واألخرى سميت ‪X‬‬ ‫بمساحة ‪ 800‬متر مربع (الشكل رقم ‪.)3‬‬ ‫أظهرت هذه التنقيبات أن الحفرية ‪ Y‬مركز استيطان‪ ،‬يعود تاريخ أقدم‬ ‫طبقاتها إلى الفترة اإلنتقالية بين عصر البرونز الوسيط وعصر البرونز‬ ‫الحديث (نحو ‪ 1650‬ق‪ .‬م‪ ).‬واستمر االستيطان فيها بــدون انقطاع حتى‬ ‫العصر البيزنطي والعصر العربي‪ .27‬بينما الحفرية ‪ X‬أظهرت منطقة لصناعة‬ ‫لش ّي الفخار وحرقه‪،‬‬ ‫الفخار على أنواعه وبكثافة كبيرة‪ ،‬إذ ُع ِثر على ‪ 22‬فرنً ا َ‬ ‫معظمها من عصر البرونز الحديث وعصر الحديد‪ .‬كما‬ ‫طيلة فترات مختلفة‬ ‫ُ‬ ‫ظهرت غرف لصنع الطين وتهيئته لإلستعمال‪ .‬وكانت تلك األفران على نسق‬ ‫تقريبا‪ :‬دائري أو بيضاوي‪ ،‬في قسمين على شكل ِكلْ ية‪ ،‬ومن طبقتين‪:‬‬ ‫واحد‬ ‫ً‬ ‫أرضية للوقود وعليا لصف اآلنيات الفخارية أثناء حرقها (األشكال ‪،9 ،8‬‬ ‫‪.)21 ،20 ،19 ،18 ،17 ،16 ،15 ،14 ،13 ،12 ،11 ،10‬‬

‫شكل ‪ :9‬بالون‪ ،‬في أسفله آلة تصوير ألخذ‬ ‫صور فوتوغرافية عمودية لموقع الحفرية‬

‫‪ 227‬‬

‫‪Sarepta I, pp. 422 – 426.‬‬

‫شكل ‪ :15‬خيمة تسجيل المعثورات‬ ‫فور وصولها من الحفرية‬

‫‪25‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫شكل ‪ :13‬مدير الحفرية جايمس ب‪ ،‬بريتشارد‬ ‫مع المسؤول عن العمال‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫المنطقة‪II ‬‬


‫شكل ‪ :11‬موقع تصنيف الفخار‬

‫شيده مدير الحفرية‬ ‫شكل ‪ :12‬مبنى ّ‬ ‫حسب الفن المعماري القديم‪ ،‬فجرته‬ ‫غارة إسرائيلية للشك بأنه ملجأ للفدائيين‬ ‫الفلسطينيين‪ ،‬مع أن على مدخله شارة‬

‫‪26‬‬

‫‪National Geographic Society‬‬

‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬ ‫شكل ‪:20‬‬ ‫الحمامات الرومانية‬

‫شكل ‪:21‬‬ ‫طبقات عصر الحديد‬ ‫ويظهر الشارع وجدران‬ ‫المنطقة السكنية‬


‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫وتابع مدير الحفرية وقسم من فريق العمل طريقة تصنيف الفخار‬ ‫والمعثورات‪ ،‬والميناء الروماني البيزنطي‪ ،‬وحلقة ربط السفن لتثبيتها‪ ،‬وبداية‬ ‫استعمال جر المياه في أنابيب فخارية متداخلة إلى أحواض الستعمال المياه‬ ‫في تحضير الطين وصناعة فخاريات ذات وظائف مختلفة‪ .‬هكذا ازدهرت‬ ‫الصرفند عبر صناعة الفخاريات بدليل تعدد أنواع األفــران‪ ،‬وتحولت من‬ ‫منطقة سكنية إلى منطقة صناعية ‪ ،28‬والفرن الذي يعود إلى العصر البرونز‬ ‫الحديث لعله الوحيد في الشرق األدنى القديم من تلك الفترة ال تزال جميع‬ ‫عناصره موجودة ‪( .29‬األشكال ‪.)32 ،31 ،30 ،29 ،28 ،25 ،24 ،23 ،22‬‬

‫‪27‬‬

‫شكل ‪ :24‬أنابيب فخارية‬ ‫متداخلة لجر المياه‬ ‫‪Issam A. Khalifeh, Sarepta II, The Late Bronze and Iron Age periods 228‬‬ ‫‪of Area II, X, The University Museum of the University of Pennsylvania‬‬ ‫‪Excavations at Sarafand, Lebanon, Catholic press, Publications de l’Université‬‬ ‫‪Libanaise, Beyrouth, 1988, pp. 159 – 167.‬‬ ‫(طريقة ذكره‪ )Sarepta II :‬وكذلك‪)Pritchard, 1978, pp. 123 – 126) ،‬‬

‫‪ (Sarepta II, pp. 27 – 35( 229‬وكذلك‪)Pritchard, 1978, pp. 111 – 123( ،‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫شكل ‪ :22‬حوض لجمع المياه وبدء استعمال‬ ‫المنطقة لصناعة الفخار‬


‫شكل ‪ :29‬منظر جوي عام يظهر كثافة أفران صناعة الفخار‬ ‫خالل عصر البرونز الحديث وعصر الحديد‬ ‫شكل ‪ :32‬فرن لصناعة الفخار‬ ‫في عصر البرونز‬

‫‪28‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬

‫دليل على صناعة‬ ‫إلى صناعة الفخار ثمة ٌ‬ ‫الصباغ األرجــوانــي من أصــداف الموركس‪:‬‬ ‫العثور على كميات كبيرة من هذه األصداف‬ ‫مكسرة الستخراج محتوياتها‪ ،‬وعلى بقايا آنية‬ ‫آثار استعمالها لحفظ الصباغ‬ ‫فخارية عليها ُ‬ ‫‪30‬‬ ‫األرجواني‪( .‬شكل ‪. )59‬‬ ‫والغزل‬ ‫وثمة أدلــة على صناعة التعدين‬ ‫ْ‬ ‫وصـنــاعــة ال ـم ـجــوهــرات‪ :‬الـعـثــور عـلــى قالب‬ ‫الغزل‪ ،‬ومن الفترات‬ ‫في‬ ‫الستعمالها‬ ‫لصب المجوهرات‪ ،‬وعلى أوزان مثقوبة‬ ‫ْ‬ ‫الهلنستية والرومانية ظهرت آثار معصرة أو مكبس زيتون بكامل أجزائه‬ ‫(األشكال ‪.31)61 ،60 ،58 ،33‬‬

‫شكل ‪ :58‬وزن لمغزل‬ ‫لصناعة خيوط الصوف‬

‫شكال ‪ :٦١،٦٠‬قالب لصنع المجوهرات‪ ،‬وقطعة ذهبية للزينة‬

‫‪3 30‬‬ ‫‪ 331‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.130–127 .‬‬ ‫‪Pritchard, 1978, pp. 126 – 127.‬‬


‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫وعثر في حفرية ‪ X‬على معبدين الواحد فوق اآلخر في غرفة من ‪16‬‬ ‫مربعا‪ ،‬يعود تاريخهما إلى العصر العصر الحديدي‪ ،‬وفيهما أشكال‬ ‫مترا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ووجدت لوحة عاجية عليها نقش فينيقي‬ ‫ديني‪.‬‬ ‫طابع‬ ‫ذات‬ ‫وهبات‬ ‫فنية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يذكر المعبودة تانيت عشترت‪ ،‬وتلك أول مرة يرد ذكر تانيت عشترت في‬ ‫الموطن الفينيقيين األصلي‪ ،‬وهذه عادة تذكرها المراكز التجارية في غرب‬ ‫المتوسط‪( .‬األشكال ‪.)57 ،56 ،38 ،34‬‬

‫‪29‬‬

‫تلـك الهبـات والهدايـا فـي ذينـك‬ ‫المعبديـن تبـرز التأثيـر المصـري إذ‬ ‫وجـدت تماثيـل لمعبـودات مصريـة‪،‬‬ ‫وعاجيـات وفخاريـات ذات طابـع‬ ‫ويرجـح تاريـخ المعبديـن بيـن‬ ‫فينيقـي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ق‪ 8 ‬وق‪ 5 ‬ق‪ .‬م‪( .‬األشـكال ‪،36 ،35‬‬ ‫‪،50 ،49 ،48 ،47 ،46 ،45 ،38 ،37‬‬ ‫‪.32)55 ،54 ،53 ،52 ،51‬‬ ‫شكال ‪ :٣٧،٣٥‬نماذج مختلفة من الفخاريات‬ ‫محليا والمستوردة وجدت في صربتا‬ ‫المصنوعة‬ ‫ً‬

‫‪ 332‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.148–131 .‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫شكال ‪ :٥٧،٥٦‬نقوش أوغاريتية مسمارية‪ ،‬ونقوش فينيقية ألفبائية‬


‫‪30‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬

‫شكال ‪ :٤٧،٤٦‬نماذج دمى فخارية‬ ‫بعضها وجد في معبد تانيت عشترت‬

‫شكال ‪ :٥٣،٤٩‬نماذج صناعات زجاجية ومعدنية‪،‬‬ ‫عاجيات‪ ،‬فيانس‪ ،‬ورخام‪ ،‬بعضها وجد في معبد‬ ‫تانيت عشترت‪ ،‬تقديمات لمعبودة صربتا‬

‫نقشا يـتــراوح واحــدهــا بين حــرف واحــد وأربعة‬ ‫وتــم الكشف عن ‪ً 22‬‬ ‫أسطر‪ ،‬معظمها باللغة الفينيقية وبعضها باليونانية والالتينية‪ .‬ورد فيها‬ ‫نقش عليه إسم صربتا‪ ،‬وآخر باللغة‬ ‫ذكر معبودات وأسماء خاصة‪ .‬وبينها‬ ‫ٌ‬ ‫‪33‬‬ ‫األوغاريتية من القرن ‪ 13‬ق‪ .‬م‪( .‬شكال ‪. )57 ،56‬‬

‫وظـهــرت فــي موقع الصرفند مجموعة فـخــاريــات مـسـتــوردة معروفة‬ ‫بالفخاريات المسينية والفخاريات القبرصية‪ ،‬دليل عالقات تجارية بين‬ ‫شــرق المتوسط واليونان وقبرص خــال عصر البرونز الحديث وعصر‬ ‫الحديد‪ .‬ومن هذه الفخاريات المستوردة ونسبة تواردها في الطبقات‬ ‫‪ 333‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.110–98 .‬‬


‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫التاريخية المتتابعة‪ ،‬تتبين فترات ازدهار وأخرى انقطعت فيها العالقات‬ ‫التجارية بين هــذه المناطق‪ ،‬لعوامل عــدم استقرار داخلية أو لتعرض‬ ‫إحداها لغزوات واضطرابات مختلفة‪( .‬األشكال ‪،42 ،41 ،40 ،39 ،35‬‬ ‫‪.34)44 ،43‬‬

‫‪31‬‬

‫وأظهرت حفريات الصرفند مالمح مهمة من الحضارة الفينيقية كمركز‬ ‫استيطان بين نهاية عصر البرونز الوسيط وما بعد عصر الحديد‪ .‬من‬ ‫‪Robert B. Koehl, Sarepta III, The Imported Bronze and Iron Age wares 334‬‬ ‫‪From Area II, X, The University Museum of the University of Pennsylvania‬‬ ‫‪Excavations at Sarafand, Lebanon, Catholic press, Publications de l’Université‬‬ ‫‪Libanaise, Beyrouth, 1985, pp. 25 – 26 & 147– 148.‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫األشكال ‪ :44 ،42 ،41 ،40 ،39‬نماذج من فخاريات‬ ‫محليا ومستوردة‬ ‫مصنوعة‬ ‫ً‬


‫‪32‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬

‫هذه المالمح‪ :‬أنماط السكن والدفن‪ ،‬الديانة‪ ،‬الفنون‪ ،‬العمارة‪ ،‬الصناعات‬ ‫وخصوصا صناعة الفخار‪ .‬ويبدو ذلك بتحليل معثورات‬ ‫والحرف المختلفة‬ ‫ً‬ ‫‪35‬‬ ‫‪ 11‬طبقة تاريخية يعود أقدمها إلى نحو ‪ 1650‬ق‪.‬م‪. .‬‬ ‫كثيفا‪،‬‬ ‫هذا الدليل األثري يثبت أن الشاطئ الفينيقي كان مركز استيطان ً‬ ‫وأن هذه المنطقة الساحلية نعمت بفترة سالم خالل الحقبة الفينيقية‪ ،‬عدا‬ ‫حروب محلية أو محدودة‪ .‬ودراسة الطبقات التاريخية وتحليل محتوياتها‬ ‫أي أثــر لدمار أو حريق واســع‪ ،‬أو إخــاء الموقع أو هجره‬ ‫ال تـ ُـدل على ّ‬ ‫طويال‪ .‬ومن العمالت المختلفة لفترات‪ ،‬يتبين استمرار العالقات التجارية‬ ‫ً‬ ‫مع المناطق المجاورة (الشكالن ‪ 62‬و‪.36)63‬‬ ‫كما تظهر من الحفريات تغيرات حضارية إنما في تطور داخلي منتظم‬ ‫وخصوصا تطور‬ ‫ومتدرج‪ ،‬وتظهر استمرارية مع تطور اآلنيات الفخارية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫استعمال آنيات ذات لونين أحمر وأسود‪ ،‬وأخرى ذات فوهة مثلثة ورقية‬ ‫جيدا بدوالب أو باليد‪.‬‬ ‫وأباريق ذات فوهة فطرية مطلية باألحمر ومصقولة ً‬ ‫وهذه اآلنيات الفخارية والجرار األسطوانية ذات القاعدة المستدقة‪ ،‬هي‬ ‫من مميزات الفخاريات الفينيقية خالل عصر الحديد وهي األنواع التي‬ ‫أخذت طريقها إلى المراكز التجارية في غرب البحر المتوسط‪.37‬‬ ‫نشر التقرير النهائي‬ ‫تلك كانت أهــداف الحفريات اآلثــاريــة في صربتا وأهــم المكتشفات‬ ‫والمعثورات وأنشطة إنسانية كشفتها اكتشافات آثارية في الموقع طيلة‬ ‫خمسة مواسم من التنقيبات اآلثارية‪.‬‬ ‫َّتم نشر تقرير أولي للحفريات سنة ‪:1975‬‬ ‫(‪)Sarepta: A preliminary Report on the Iron Age‬‬ ‫‪James B. Pritchard, Sarepta IV, The objects From Area II, X, The 335‬‬ ‫‪University Museum of the University of Pennsylvania Excavations at‬‬ ‫‪Sarafand, Lebanon, Catholic press, Publications de l’Université Libanaise,‬‬ ‫‪Beyrouth, 1988, pp. 1 – 6.‬‬ ‫‪Georges Abou Diwan, Sarepta V, The Coin Finds of Areas I & II, (x,y) 336‬‬ ‫‪Persian, Hellenistic, Roman, Byzantine and Medieval Periods, The University‬‬ ‫‪Museum of the University of Pennsylvania Excavations at Sarafand, Lebanon,‬‬ ‫‪BAAL XIV, Ministére de la Culture, Direction Générale des Antiquités, printed‬‬ ‫‪by, Directorate of Geographic Affairs, Lebanese Army, 2016, pp. 17–19.‬‬

‫‪ 337‬‬

‫‪Sarepta II, pp. 161–167.‬‬


‫‪Recovering Sarepta, A Phoenician city‬‬

‫‪33‬‬

‫منسية بين التاريخ والتقاليد‬

‫لكن مواد الكتابين والمقاالت المنشورة في الحوليات ال تعطي البحاثة‬ ‫معلومات مفصلة يحتاجها لدراسته‪ ،‬والتقارير األولـيــة المنشورة حتى‬ ‫بديال عن الواجب المهني للمنقبين اآلثاريين في حفاظهم‬ ‫اليوم ليست‬ ‫ً‬ ‫على االكتشافات الفنية‪ .‬وللوفاء بااللتزامات المهنية تجاه مديرية اآلثار‬ ‫وعلماء اآلثار المهتمين بآثار لبنان‪ ،‬نشر مدير الحفرية جايمس بريتشارد‬ ‫باإلنكليزية بين ‪ 1985‬و‪ 1988‬أربعة أجــزاء مفصلة عن مخطط نتائج‬ ‫الحفريات‪ ،‬صــدرت فــي منشورات الجامعة اللبنانية‪ ،‬قسم الــدراســات‬ ‫اآلثرية‪ ،‬كما يلي‪:‬‬ ‫*‪ ‬صــربـتــا ‪ :Sarepta I :I‬الطبقات اآلثــريــة التاريخية مــن العصر‬ ‫البرونزي المتأخر وعصر الحديد في حفرية ‪ ،y‬تأليف وليم ب‪ .‬أندرسن‬ ‫(‪ .)William P. Anderson‬وفــي هــذا الجزء تاريخ حفريات الصرفند‬ ‫ومنهجية التنقيب وكيفية تطوير نظام ٍ لدراسة أشكال الخزفيات خالل‬ ‫عصري البرونز الحديث والحديد‪ ،‬وتحليل ‪ 11‬طبقة تاريخية تعود أقدمها‬ ‫إلى ‪ 1650‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫*‪ ‬صربتا ‪ :Sarepta II :II‬الطبقات اآلثرية والتاريخية العائدة من العصر‬ ‫البرونزي المتأخر وعصر الحديد في حفرية ‪ ،X‬تأليف عصام ع‪ .‬خليفة‬ ‫(‪ .)Issam A. Khalifeh‬وفي هذا الجزء ‪ 10‬طبقات تاريخية من عصر‬ ‫أقدمها من نحو سنة ‪ 1550‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫البرونز الحديث حتى العصر الروماني‬ ‫ُ‬ ‫*‪ ‬صربتا ‪ :Sarepta III :III‬الخزفيات المستوردة خالل عصري البرونز‬ ‫الحديث وعصر الحديد من حفرية‪ ،X ‬تأليف روبرت كوول (‪Robert B.‬‬ ‫‪ .)Koehl‬في هذا الجزء قطع الفخار المستورد والمستخرج من حفرية‪،X ‬‬ ‫ومعظم قطع مستوردة من قبرص أو من مسينا (‪ )Mycenae‬أو اليونان‪.‬‬ ‫*‪ ‬صربتا ‪ :Sarepta IV :IV‬األعمال الفنية (‪ )objects‬من حفرية‪.X ‬‬ ‫تأليف‪ :‬جايمس ب‪ .‬بريتشارد (‪ .)James B. Pritchard‬وفي هذا الجزء‬ ‫دراس ــة كــل قطعة فنية وجــدت ومسجلة فــي سجل الحفريات مــن كامل‬ ‫حفرية‪ ،X ‬قسمت األعمال إلى أنواع مختلفة مع مواصفات كل قطعة‪ ،‬ومع‬ ‫مقارنات مثيالتها في مواقع مختلفة‪.‬‬ ‫*‪ ‬صربتا ‪ :Sarepta V :V‬تأليف جــورج أبو ديــوان‪ ،‬وفي هذا الجزء‬ ‫دراســة مسكوكات المنطقتين ‪ X‬و‪ ،Y ‬من الفترات الفارسية والهلنستية‬ ‫خاصا من مجلة ‪ BAAL‬الجزء ‪14‬‬ ‫ـددا‬ ‫والرومانية والبيزنطية‪ .‬صدر عـ ً‬ ‫ًّ‬ ‫في منشورات المديرية العامة لآلثار ووزارة الثقافة‪ .‬وكان المدير العام‬

‫قديما) حاضرة فينيقية‬ ‫الصرفند (صربتا‬ ‫ً‬

‫كتاب سنة ‪ 1978‬عن الحفريات‪ ،‬موجه للقارئ العادي‪:‬‬ ‫وصدر‬ ‫ٌ‬


‫لآلثار سركيس خوري أَ ّمن لهذا العمل االعتماد الالزم‪ .‬وهذا الجزء يكمل‬ ‫ما سبقه من أجــزاء‪ ،‬وأهميته أنه يكمل المعلومات عن صربتا ووضعها‬ ‫اإلقتصادي وعالقتها بالجوار الفينيقي وجنوب فينيقيا بصورة خاصة‪.‬‬ ‫أخيرا‪ ،‬بمساعدة بقية فريق الصرفند الذي ساهم في الحفريات‪ ،‬وكما‬ ‫ً‬ ‫يتم التعاون لتوسيع حفرية ‪ X‬بمساحتها‬ ‫أن‬ ‫نأمل‬ ‫الحفرية‪،‬‬ ‫مدير‬ ‫تمنى‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ 800‬متر مربع وتحليل الطبقات التاريخية‪ ،‬ودراسة الفخاريات والمعثورات‬ ‫الجديدة مع خالصات عامة للحفرية ونشرها في جزء جديد (صربتا ‪،)VI‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪.Sarepta VI‬‬

‫‪34‬‬ ‫د‪ .‬عصام علي خليفة‬ ‫الصور مع هذا النص بإذن خاص من المتحف الجامعي في جامعة بنسيلفانيا –‬ ‫*) ‬ ‫َ‬ ‫عضوا في هذه‬ ‫كان‬ ‫وهو‬ ‫الصرفند‪،‬‬ ‫حفريات‬ ‫إلى‬ ‫المتحف‬ ‫ببعثة‬ ‫الخاصة‬ ‫الكاتب‬ ‫مجموعة‬ ‫ً‬ ‫البعثة‪.‬‬


‫المادي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬ ‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬ ‫المادية‬ ‫باحثة في الحضارة‬ ‫ّ‬

‫‪ .١‬مدخل‬ ‫ـزءا من الحضارة‬ ‫أنواعها‪ ،‬والمطاحن‪ُ ،‬ت ّ‬ ‫إن المعاصر‪ ،‬على‬ ‫ِ‬ ‫شكل جـ ً‬ ‫‪1‬‬ ‫واإلتنوتاريخية‪،‬‬ ‫ثرية‬ ‫ّ‬ ‫هما في ّ‬ ‫الدراسات اإلتنوأَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حي ًزا ُم ًّ‬ ‫الماد ّية الّ تي َش َغلَ ت ِّ‬ ‫التاريخ‪.‬‬ ‫بتطور المجتمع‬ ‫اإلنساني وانعكاسه على مجريات ّ‬ ‫ِ‬ ‫الرتباطها الوثيق ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمجتمعات‪ .‬وهذا جزء من التراث‬ ‫مكونات الذاكرة المـ ِّ‬ ‫وهي من ِّ‬ ‫ُتحركة ُ‬ ‫بالضياع‬ ‫المادي‬ ‫هدد َّ‬ ‫إرث ثمين ُم َّ‬ ‫اإلتنوأركيولوجي على طريق الزوال‪ ،‬ألنّ ه ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يال االعتماد المتزايد على التكنولوجيا المـُعاصرة‪.‬‬ ‫واالندثار َح َ‬ ‫واليدوي‪،‬‬ ‫الفكري‬ ‫تاج َع َملها‬ ‫المتبقية‪،‬‬ ‫الشعوب‬ ‫دراس ُة آثار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تضيء على ِن ِ‬ ‫ُ‬ ‫اليومية‪ ،‬وعلى عالقات اإلنسان واهتماماته‬ ‫شهادة على مظاهر الحياة‬ ‫ّ‬ ‫األثرية‬ ‫المادية‪ ‬أو ‪‬األنتروپـولوجيا‪‬‬ ‫المتنوعة‪ .2‬وهذه هي ‪‬الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية ّالتي تستجيب لغاية واضحة‪،‬‬ ‫شاطات‬ ‫الن‬ ‫‪‬مجموع‬ ‫تعني‬ ‫الّ تي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 11‬‬

‫للمزيد من المعلومات حول الحضارة المادية‪:‬‬

‫‪Fernand Braudel, Civilisation matérielle, économie et capitalisme, XV e – XVIII e‬‬ ‫‪siècle, le temps du monde, 3 volumes, Edition Armand Colin, Paris, le livre‬‬ ‫‪de poche, 1979, réédition Décembre 1997.‬‬

‫موسوعي فرنسي‬ ‫للمرة األولى سنة ‪ 1979‬في كتاب‬ ‫مصطلح ‪‬الحضارة‬ ‫المادية‪ ‬ظهر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لفرنان بروديل‪ ،‬صاحب مدرسة في التاريخ ّاتسمت بنظرتها إلى التاريخ كـ ‪‬تاريخ‬ ‫بشر‪ّ ،‬‬ ‫روادها معه‪ :‬مارك بلوخ (‪،)Marc Bloch‬‬ ‫تأث ًرا بأفكار مدرسة ّ‬ ‫األنال‪ ،‬ومن أبرز ّ‬ ‫لوسيان فيـﭭـر (‪ ،)Lucien Febvre‬جاك لوغوف (‪ ،)Jacques Le Goff‬جورج دوبي‬ ‫(‪ ،)Georges Duby‬جان ﭘـيار ڤِــرنان (‪ ،)Jean-Pierre Vernant‬فرنسوا فوريه‬ ‫إيمانويل لوروا‪-‬الدوري (‪ ،)Emmanuel Leroy-Ladurie‬مارك فيرو‬ ‫(‪ّ ،)François Furet‬‬ ‫أَ‬ ‫المادية‬ ‫الحضارة‬ ‫دراسة‬ ‫إلى‬ ‫مدخل‬ ‫لبكي‪،‬‬ ‫يوسف‬ ‫رجاء‬ ‫كثر‪:‬‬ ‫لتفاصيل‬ ‫(‪.)Marc Ferro‬‬ ‫ّ‬ ‫كيفية مقاربتها‪ ،‬مرايا التراث‪ ،‬العدد‬ ‫ضرورتها‪،‬‬ ‫أعالمها‪،‬‬ ‫مسارها‪،‬‬ ‫تاريخها‪،‬‬ ‫في لبنان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الرابع‪ ،‬ربيع ‪ ،2016‬ص‪.30 .‬‬ ‫‪ 22‬رجاء لبكي‪ ،‬الطواحين والمعاصر واألتاتين في بلدة بعبدات وجوارها‪ ،‬دراسة‬ ‫حضارية‪ ،‬رسالة غير منشورة أَ َع َّدها لشهادة دﭘـلوم دراسات‬ ‫إجتماعية‬ ‫أثرية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تاريخية ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلية‬ ‫ة‪،‬‬ ‫اللبناني‬ ‫الجامعة‬ ‫يس‪،‬‬ ‫القس‬ ‫أنطوان‬ ‫الدكتور‬ ‫األستاذ‬ ‫إشراف‬ ‫التاريخ‪،‬‬ ‫عليا في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬العمادة‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬الدكوانة‪ ،2011 ،‬ص‪ .‬ذ‪.‬‬ ‫اآلداب والعلوم‬ ‫ّ‬


‫مادية ترتبط باإلنسان‬ ‫أشياء‬ ‫عبر‬ ‫ضرورية‪،‬‬ ‫وتمتاز بخصائص‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫تتحقق َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫التاريخية‬ ‫النهج ال يعتمد على الوثيقة‬ ‫مدى التاريخ الطّ ويل‪ ...‬وهذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصور‬ ‫‪،‬‬ ‫الشفهي‬ ‫والتحقيق‬ ‫اآلثار‬ ‫إليها‬ ‫المكتوبة فقط‪ ،‬بل يضيف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخية‪ ...‬من خالل الثابت‬ ‫المادية واألنتروپـولوجية‬ ‫والبنى واألدوات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫والمتحول في الزمن‪ . ‬وهو من أفضل أهداف يمكن الباحث رصدها‬ ‫ّ‬ ‫وخصوصا طواحين المياه (المطروف) ومعاصر الزيتون‬ ‫ومعالجتها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الميدانية والمـُراقبة‪،‬‬ ‫الزيارات‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫المقال)‪،‬‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫(موضوعنا‬ ‫ّ‬ ‫والربط‪ ،‬وتفسير ّ‬ ‫الظواهر‪ ،‬واالستنتاج‪ .‬من هنا‬ ‫وأخذ المقاسات‪ّ ،‬‬ ‫والتحليل ّ‬ ‫لئال تضيع من الذاكرة؛‬ ‫أهمية نَ بش ُمعطيات الماضي‬ ‫وحيثياته وتدوينها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الروحي‪ ،‬و‪‬مرآ ٌة تعكس روح لبنان‬ ‫االجتماعي‬ ‫تاريخنا‬ ‫من‬ ‫جزء‬ ‫فالفولكلور‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القديم‪ ،‬روح القرية‪ ،‬ولبنان مجموعة ُقرى‪ .‬فإذا أردنا فهم لبنان على‬ ‫القرى‪.4‬‬ ‫حقيقت ِه‪ ،‬يجب أن‬ ‫شعب ِه األصيل‪ :‬أهل ُ‬ ‫ِ‬ ‫نتفهم روح ِ‬ ‫ّ‬ ‫‪36‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫‪ .٢‬قضاء الشوف‪ ...‬جغراف ًيا وأثر ًيّا‬ ‫قضاء الشوف يشغل ّ‬ ‫تحده‬ ‫الطرف‬ ‫الجنوبي من محافظة جبل لبنان‪ُّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫شكل‬ ‫الجنوبي‪ُ ،‬وي ِّ‬ ‫من الشرق محافظة البقاع‪ ،‬ومن الجنوب محافظة لبنان‬ ‫ّ‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫المتوسط حدوده‬ ‫شاطئ البحر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪5‬‬ ‫مورفولوجيا أراضــي قضاء الشوف‬ ‫ضابا‬ ‫تتنوع ترب ًة وتضاريس‪ِ ،‬ه ً‬ ‫َّ‬ ‫زراعي ًة ُمنتجة‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ً‬ ‫ومنحدرات‪ ،‬قَ َّط َعها المزارعون‬ ‫وح َّولوها مساحا ٍ‬ ‫جلوال‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتتعرض أراضيها‬ ‫حار‪،‬‬ ‫طي مـ ِ‬ ‫ُعتدل إلى ّ‬ ‫ُي َه ُ‬ ‫َّ‬ ‫يمن في هذه المنطقة مناخ ّ‬ ‫متوس ّ‬ ‫‪6‬‬ ‫علية‪ ،‬ومنها‬ ‫للجفاف أكثر من ‪ 6‬أشهر ‪ ،‬ولــذا‬ ‫َ‬ ‫الب ّ‬ ‫انتش َرت فيها الزراعة َ‬ ‫الزيتون‪ ،‬بين الشاطئ وارتفاع نحو ‪ 900‬م‪.‬‬ ‫تراثية‬ ‫تاريخية‬ ‫‪ 33‬رجاء لبكي‪ ،‬مظاهر الحضارة المادية في تاريخ لبنان‪ ،‬دراسة إتنو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانية في التاريخ‪،‬‬ ‫عدها لشهادة الدكتوراه‬ ‫(المتن‬ ‫أنموذجا)‪ ،‬أطروحة غير منشورة أَ ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانية‪ ،‬المعهد العالي للدكتوراه في‬ ‫الجامعة‬ ‫يس‪،‬‬ ‫القس‬ ‫أنطوان‬ ‫الدكتور‬ ‫األستاذ‬ ‫إشراف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واإلجتماعية‪ ،‬سن الفيل‪ ،2015 ،‬ص‪.13 .‬‬ ‫اإلنسانية‬ ‫اآلداب والعلوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بنانية حضارة في طريق الزوال‪ ،‬الطبعة الثانية‪َ ،‬ج ّروس‬ ‫‪ 44‬أنيس فريحة‪ ،‬القرية ّ‬ ‫الل ّ‬ ‫برس طرابلس – لبنان‪ ،1989 ،‬ص‪.12 .‬‬ ‫‪ 55‬صوالنج الحلو‪ ،‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف خالل العصر‬ ‫اللبنانية في الفنون واآلثار‪،‬‬ ‫عد ْتها لشهادة الدكتوراه‬ ‫العثماني‪ ،‬أطروحة غير منشورة أَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانية‪ ،‬المعهد العالي للدكتوراه في‬ ‫الجامعة‬ ‫يس‪،‬‬ ‫القس‬ ‫إشراف األستاذ الدكتور أنطوان ّ‬ ‫ّ‬ ‫واإلجتماعية‪ ،‬سن الفيل‪ ،2016 – 2015 ،‬ص‪.38 – 29 .‬‬ ‫اإلنسانية‬ ‫اآلداب والعلوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪Sans auteur, Atlas Climatique du Liban, Tome I, (Pluie, Température,‬‬ ‫‪ 66‬‬

‫‪Pression, Nébulosité), deuxième édition, publié par le service Météorologique‬‬


‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬ ‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ّ

37

‫خريطة قضاء الشوف‬ :‫المصدر‬

http://fr.academic.ru/dic.nsf/frwiki/1909882

‫ منها مواقع الفتة استحوذَ ت االهتمام‬،‫مهمة‬ ً ‫يضم قضاء الشوف‬ ّ ّ ‫آثارا‬ ‫السياحة‬ ،)‫مثال‬ ‫األقل‬ ‫ومنها‬ ،) ‫مثال‬ ‫(شحيم‬ ً ‫أهمية (نيحا‬ ً ُ ّ ‫واستثمرت في‬ ّ ّ ...‫الثقافة‬ ‫مما في‬ ّ ‫أكثر‬ ‫ إدوار‬:‫غربيون في منطقة الشوف إبــان القرون الوسطى‬ ‫َمـ ّـر رحالة‬ ّ 8 –1875 )Louis Lortet( ‫ ولويس لورته‬،)Edward Robinson( 7‫روبنصون‬ )Ernest Renan( 9‫ أبرزها بعثة إرنست رينان‬،‫أثرية‬ ّ ‫ وزارتها بعثات‬،1880 ،‫بناني‬ 1860 ‫الّ ذي أجرى سنة‬ ً ّ ّ‫مسحا في فينيقيا على طول الشاطئ الل‬ ‫كثيرا في‬ ً ‫ لم يتوغّ ل‬.‫من صور وصيدا إلى جبيل (بيبلوس) وجزيرة أرواد‬ du Liban avec l’aide de l’Observatoire de Ksara, Ministère des travaux publics et des transports, 1977, cartes N° 2 et 12.

77 Ed. Robinson – E. Smith, Later Biblical Researches in Palestine and in The Adjacent Regions, (3) A Journal of Travels in the Year 1852, Boston, Crocker and Brewster, 1856. L. Lortet (Dr.), La Syrie d’aujourd’hui: voyages dans la Phénicie, le 88 Liban et la Judée, 1875 – 1880, Paris, Hachette, 1884. E. Renan, Mission de Phénicie, Paris: Imprimerie Impériale, 1864.

99


‫وحتى بعثة‬ ّ .10‫ـري‬ ّ ‫أثرية في موقع شحيم األثـ‬ ّ ‫ فذكر لُ قى‬،‫منطقة الشوف‬ ‫تتطرق إلى عمق‬ ‫) في صيدا لم‬Georges Contenau( 11‫جورج كونتينو‬ ّ ‫المنطقة‬ .12 ‫الشوفية‬ ّ ‫مبني ٌة‬ ّ ‫في الشوف قصور وقالع وأبنية‬ ّ ،‫أثرية وحصون ونواويس وكنائس‬ ‫فوق مواقع‬ ‫ كما الحال في مختلف المناطق‬،‫مثال‬ ً 13‫ كشحيم‬،‫تاريخية قديمة‬ ّ ‫تصرف مالكوها‬ ،‫ة‬ ‫خاص‬ ‫ك‬ ‫أمال‬ ‫ضمن‬ ‫المواقع‬ ‫تلك‬ ‫وألن‬ .‫ة‬ ‫بناني‬ ّ‫الل‬ ‫الساحلية‬ ٍ َ َّ ّ ّ ّ .‫والتاريخية‬ ‫ة‬ ‫األثري‬ ‫المواقع‬ ‫ة‬ ‫أهمي‬ ‫هم‬ ‫تقدير‬ ‫لعدم‬ ‫اآلثار‬ ‫ة‬ ‫مديري‬ ‫علم‬ ‫بدون‬ ِ ّ ّ ّ ّ ‫أهم ّية شجرة الزيتون والقمح‬ .3

‫األثريـة فـي لبنـان عـن‬ ‫ـال‬ َ ‫التاس َـع‬ ّ ‫فـي القـر ِن‬ ُ ‫عشـر انجلَ ـت األعم‬ ّ 15 14 ‫ منهـا موق ُـع ّأم العمـد وموقـع شـحيم وموق ُـع ديـر‬،‫معاص َـر مختلفـة‬ 111

38

:‫األثرية في لبنان‬ ‫الحفريات‬ ‫ لمعلومات أُ خرى عن تاريخ‬112 ّ ّ

‫ صوالنج موريس الحلو‬.‫د‬

J.-M. Blas De Roblès – D. Pieri – J.-B. Yon, Vestiges archéologiques du 110 Liban, France, Edisud, 2004, p. 65. G. Contenau, Mission archéologique à Sidon (1914), Syria, Volume 1,

1920.

N. Jidejian, L’archéologie au Liban: sur les traces des diplomates, archéologues amateurs et savants, Beyrouth, éditions Dar An-Nahar, 1998. R. Ortali-Tarazi – T. Waliszewski – L. Nordiguian, Chhîm, un village 113 Byzantin au Sud de Beyrouth. Liban, l’autre rive, (Exposition présentée à L’Institut du Monde Arabe du 27 Octobre au 2 Mai 1999), Paris, Flammarion, 1998, p. 215  –  216; T. Waliszewski – R. Ortali-Tarazi, Chhîm, 2000 ans d’Histoire au Coeur d’un village antique du Liban, Beyrouth, Direction Générale des Antiquités du Liban, Varsovie, Centre Polonais d’archéologie Méditerranéenne de l’université de Varsovie, 2002, p. 27 – 47; J.-M. Blas De Roblès – D. Pieri – J.-B. Yon, Op.cit., p. 65 – 70; J. Aliquot, La vie Religieuse au Liban sous L’Empire Romain, Beyrouth, Institut Français du Proche–Orient, BAH 189, 2009, p. 272–276. M. Dunand – R. Duru, Oumm El-ʿAmed: Une ville de l’époque 114 hellénistique aux échelles de Tyr, Paris, Librairie d’Amérique et d’Orient, 1962, p. 81 – 84; Blas De Roblès – Pieri – Yon, Op.cit., p. 45; J.-P. Brun, Archéologie du vin et de l’huile, de la préhistoire à l’époque hellénistique, Paris, éditions .136-Errance, 2004, p. 135

:‫ ّتم تفصيل ثالث منها‬،‫ في شحيم سبع معاصر للزيتون‬115

T. Waliszewski – R. Ortali-Tarazi et al, Village Romain et Byzantin à ChhîmMarjiyat, Rapport Préliminaire (1996  –  2002), BAAL, 6, 2002, p. 23  –  26; Waliszewski – Ortali-Tarazi, Chhîm, 2000 ans d’Histoire, Op.cit., p. 53 – 66.


‫‪R. Saidah, Berytus, 18, Beirut, Lebanon, 1969, p. 134; O. Callot, 1 17‬‬ ‫‪Remarques sur les huileries de Khan Khaldé (Liban), Dans Archéologie‬‬ ‫‪Au Levant, (Recueil à la mémoire de Roger Saidah), Lyon, Paris, Maison‬‬ ‫‪de l’Orient Méditerranéen, CMO n° 12, Série archéologique 9, Lyon, 1982,‬‬ ‫‪p. 419 – 428.‬‬

‫ولكنهما ال يفيدان عن وجود‬ ‫‪ 118‬يذكر روجيه صيدح وموريس دونان هذا الموقع‪ّ ،‬‬ ‫المعاصر فيه‪:‬‬

‫‪R. Saidah, Chronique: Fouilles de Khaldé, BMB, 20, 1967, p. 175; M. Dunand,‬‬ ‫‪Chronique (Maurice Dunand), BMB, 18, 1965, p. 120.‬‬

‫‪C. Bonnet, Melqart. Cultes et mythes de l’Héraclès tyrien en 119‬‬ ‫‪Méditerranée, Studia Phoenica, 8, 1988, p. 82 – 84; E. Will, Au sanctuaire‬‬ ‫‪d’Héraclès à Tyr: l’olivier enflammé, les stèles et les roches ambrosiennes,‬‬ ‫‪Berytus, 10, 1950 – 1951, p. 1 – 12; H. Seyrig, Les grands dieux de Tyr à‬‬ ‫‪l’époque Grecque et Romaine, Syria, 40, 1963, p. 19 – 28.‬‬ ‫‪A. Caquot, Un olivier qui n’est ni d’Orient ni d’Occident, Revue de la 220‬‬ ‫‪société Ernest Renan, 1987, p. 8 – 9.‬‬

‫وأيضا‪ :‬تك ‪2 ،4–2 :50‬أخ ‪ ،14 :16‬مت ‪2 ،12 :26‬صم ‪ ،2 :14‬دا ‪ ،3 :10‬خر ‪،20 :27‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا في القرآن سورة‬ ‫ال ‪ ،2 :24‬لو ‪ ،18 :4‬أع ‪2 ،38 :10‬كور ‪1 ،21 :2‬يو ‪20 :2‬؛‬ ‫ً‬ ‫الفينيقي‪،‬‬ ‫الكنعاني‬ ‫الديني‬ ‫القسيس‪ ،‬مالمح من الفكر‬ ‫النور ‪35 :24‬؛‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وأيضا‪ :‬أنطوان ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األميركية للعلوم والتكنولوجيا‬ ‫بنانية‪ ،17 ‬الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫فينيقيات ‪ ،1‬سلسلة ‪‬الذاكرة اللّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجامعية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2013 ،‬ص‪.121 .‬‬ ‫‪ ،AUST‬دائرة المنشورات‬ ‫ّ‬

‫‪39‬‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫‪Ch. Clermont-Ganneau, Le temple de Baal Marcod à Deir El-Kalʿa: 116‬‬ ‫‪Nouvelles Inscriptions, Receuil d’Archéologie Orientale, Tome I, 1888,‬‬ ‫‪p. 101 – 104; Blas De Roblès – Pieri – Yon, Op.cit., p. 101 – 105; W. Röllig,‬‬ ‫‪Baal Marcod, Dictionnaire de la civilisation phénicienne et punique, dans E.‬‬ ‫‪Lipinski (éd.), Brepols, 1992, p. 59.‬‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫القلعـة ‪( 16‬بيت‪ ‬مـري) وخـان خلـدة ‪ 17‬وقص ُـر نـاوس‪( 18‬عيـن عكريـن)‪ .‬وفـي‬ ‫لكنـي هنـا‬ ‫ّ‬ ‫الزيتـون والعنـب والخرنـوب؛ ّ‬ ‫الشـوف معاص ُـر عـدة تعالـج ثمـار ّ‬ ‫قارنت‬ ‫والمطروف‪.‬‬ ‫ـوب‬ ‫ب‬ ‫الح‬ ‫ومطاحن‬ ‫ـون‬ ‫ت‬ ‫الزي‬ ‫ـر‬ ‫ص‬ ‫معا‬ ‫ـي‬ ‫ف‬ ‫ـتي‬ ‫دراس‬ ‫ـر‬ ‫ص‬ ‫أح‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫المتوسـطة االرتفاع‪ ،‬وسـواها‬ ‫بيـن طريقـة َع َمـل هـذه المعاصـر فـي المناطـق‬ ‫ّ‬ ‫التنميـط المـُـناسب‪.‬‬ ‫ـمت لهـا ّ‬ ‫ورس ُ‬ ‫فـي المواقـع المـُـشار أعلاه‪َّ ،‬‬ ‫الدينية القديمة‪ ،‬وأض ِف َيت عليها‬ ‫دخلت شجرة الزيتون في التقاليد‬ ‫ّ‬ ‫التقديس‪ .‬هي ذي ُص ْور َس َّورت مقامها بشجر الزيتون ونصبته في‬ ‫صفة ّ‬ ‫ويتجدد‬ ‫يتطهر‬ ‫بالنار وال يحترق بل‬ ‫فيتقد ّ‬ ‫حرم معبد اإللــه ‪‬ملقرت‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪19‬‬ ‫طقوس الذّ بائح والتنشئة‬ ‫زيته‬ ‫ُوي‬ ‫الكنعانيين‬ ‫الدينية  ؛ وليس هذا عند‬ ‫داخل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫واصل ذلك‬ ‫وت‬ ‫ط‪.‬‬ ‫المتوس‬ ‫في‬ ‫القديمة‬ ‫الشعوب‬ ‫لدى‬ ‫بل‬ ‫فحسب‬ ‫ين‬ ‫الفينيقي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غير‬ ‫في‬ ‫وأغصانه‬ ‫الزيتون‬ ‫لزيت‬ ‫ملحوظ‬ ‫بحضور‬ ‫ة‬ ‫وحيدي‬ ‫الت‬ ‫يانات‬ ‫الد‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫في ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫‪20‬‬ ‫رتبة‬ ‫طقسية  ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬


‫بعض أنواع الحبوب ُ‬ ‫المواد‬ ‫مثال‪ ،‬من أقدم‬ ‫األخرى في القضاء‪ ،‬كالقمح ً‬ ‫ّ‬ ‫‪21‬‬ ‫وأكثرها‬ ‫الغذائية‬ ‫معتمد في الذّ بائح غير‬ ‫انتشارا في العالم ‪ .‬فالقمح‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫‪22‬‬ ‫ة ‬ ‫طي‬ ‫المتوس‬ ‫عوب‬ ‫الش‬ ‫لدى‬ ‫ا‬ ‫خصوص‬ ‫ة‪،‬‬ ‫الدموي‬ ‫عالجته بالجاروشة‬ ‫م‬ ‫بدأت‬ ‫‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ّ‬ ‫سفلي ثابت‪،‬‬ ‫رين‪:‬‬ ‫ـحج‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫تدور‬ ‫تي‬ ‫الّ‬ ‫المطاحن‬ ‫كانت‬ ‫ثم‬ ‫ة‪.‬‬ ‫اليدوي‬ ‫ة‬ ‫المنزلي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫زدوجا‪:‬‬ ‫م‬ ‫عمال‬ ‫ي‬ ‫تؤد‬ ‫بأغلبها‬ ‫كانت‬ ‫ة؛‬ ‫المائي‬ ‫اقة‬ ‫بالط‬ ‫ا‬ ‫ـوي‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫متحر‬ ‫لوي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ًّ‬ ‫وع ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتم عند‬ ‫أن عملية َ‬ ‫طحن الحبوب‪ ،‬وقَ ْشر الزيتون وعصره‪ ،‬مع َّ‬ ‫الق َ‬ ‫شر ّ‬ ‫(سيفين)‪ .‬وألن‬ ‫تقاط َعتين‬ ‫المتحرك‬ ‫العلوي‬ ‫استبدال الحجر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بشفرتين ُم ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شاد‬ ‫ُتجمعة والمتدفّ قة من مكا ٍن عا ٍل‪ ،‬كانت ُت ُ‬ ‫المطاحن تعمل بالمياه المـ ّ‬ ‫الض َيع‬ ‫رب‬ ‫عند ّ‬ ‫يصا لتسهيل مرور الدواب إلى ِّ‬ ‫رص ُ‬ ‫خص ً‬ ‫ف ّ‬ ‫جسر ُي َ‬ ‫النهر قُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫السواقي‬ ‫ناقل ًة الحبوب والطحين أو الزيتون والزيت؛ أو ُتقام على مجاري ّ‬ ‫في البلدة نفسها‪ ،‬كما أشار أُ وليـﭭـيه كالو (‪ ،)Olivier Callot‬في دراس ِت ِه‬ ‫األول (ق‪.‬م‪).‬‬ ‫مجموع َة معاصر في شمال سوريا ترقى إلى نهاية القرن ّ‬ ‫والحقبة‬ ‫البيزنطية ‪.23‬‬ ‫ّ‬ ‫‪40‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬ ‫جاروشة صغيرة‬ ‫في منزل د‪ .‬فؤاد أبو حمزة‬

‫العربي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ 221‬عبد األمير قطيش‪ ،‬العالم‪ ،‬دار الباحث‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،1986 – 1985‬ص‪.83 .‬‬ ‫الفينيقي‪ ،‬ص‪.118 – 116 .‬‬ ‫الكنعاني‬ ‫الديني‬ ‫القسيس‪ ،‬مالمح من الفكر‬ ‫‪ 222‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪O. Callot, Huileries Antiques de Syrie du Nord, Institut Français 223‬‬ ‫‪d’Archéologie du Proche Orient, BAH 118, Paris, Librairie Orientaliste Paul‬‬ ‫‪Geuthner, 1984, p. 101 – 103.‬‬


‫‪ .4‬أنماط المعاصر والمطاحن‪ ،‬ومم ّيزات ٍّ‬ ‫كل منها‬ ‫المنشآت َ‬ ‫نمطان‪ ،‬وفْ ق المحتويات والمراحل‪:25‬‬

‫األول‬ ‫‪ّ 1.1‬‬ ‫النمط ّ‬

‫المدرس والباقوف ِحلو أو ُم ّر؟ العلم في ِح َيل‬ ‫حب نادر شانه ساز‪ ،‬المطروف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪ُ 224‬م ّ‬ ‫الثقافية‪ ،‬دار‬ ‫كنولوجيا‬ ‫الت‬ ‫في‬ ‫ـولوجي‬ ‫پ‬ ‫أنترو‬ ‫بحث‬ ‫لبنان‪،‬‬ ‫في‬ ‫الزيتون‬ ‫زيت‬ ‫استخراج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحداثة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2008 ،‬ص‪.9 .‬‬ ‫‪ 225‬صوالنج الحلو‪ ،‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف خالل‬ ‫العثماني‪ ،‬ص‪.287 – 267 .‬‬ ‫العصر‬ ‫ّ‬

‫‪41‬‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫ألنماط سابقة مع‬ ‫وتطو ٌر‬ ‫بنانية‪،‬‬ ‫هو األكثر‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شيوعا في األراضــي اللّ ّ‬ ‫حدبة الحافّ ة بل أصبحت ُم ّ‬ ‫سطحة القاع‪،‬‬ ‫ت كثيرة‪ .‬القاعدة لم تعد ُم َّ‬ ‫تعديال ٍ‬ ‫قليلة االرتـفــاع‪ ،‬ترتكز على حجارة غير ُمهندمة‪ُ ،‬مستخرجة من مقالع‬ ‫النوى عند القاع بـحجر واحد أو حجرين‬ ‫يتم َهرس الزيتون مع ّ‬ ‫محلّ ّية‪ّ .‬‬ ‫الناس إلى معالجة‬ ‫تطور نظام العصر لتلبية حاجة ّ‬ ‫وبحافّ ة مستوية‪ .‬ثم ّ‬ ‫النظام القائم على الرافعة والحجارة األثقال‪ ،‬ببرغي‬ ‫ت أكبر‪،‬‬ ‫فاستبدل ّ‬ ‫ُ‬ ‫كم ّيا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫معدنيا‪ ،‬يضغط من أعلى‬ ‫خشبيا ّثم أصبح‬ ‫عمودية‪ ،‬كان‬ ‫لولبي بين قوائم‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫عاكسة‬ ‫يدوية تعمل بطريقة ُم‬ ‫بات العصر ب‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫إلى أسفل؛ إلى أن َ‬ ‫ـمضخة ماء ّ‬ ‫صعودا لعصر الخوص‪.‬‬ ‫فتتحرك القاعدة‬ ‫سابق َتها‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫روماني‪ ،‬يتبين أن النمط في قصر‬ ‫سابقة‬ ‫أنماط‬ ‫النمط مع‬ ‫ٍ‬ ‫بمقارنة هذا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫حدبة الحافّ ة تحتضن حجرين‬ ‫شحيم‬ ‫الروماني ذو حجارة ضخمة وقاعدة ُم ّ‬ ‫ّ‬ ‫النوى عند‬ ‫الج ّر‬ ‫حدبين‬ ‫الحيوانية‪ ،‬ويهرسان الزيتون مع ّ‬ ‫ُم َّ‬ ‫يتحركان بـقوى َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سهل مرور‬ ‫ت‬ ‫محفورة‬ ‫قنوات‬ ‫الخوص‬ ‫عصر‬ ‫حجر‬ ‫وفي‬ ‫ة‪.‬‬ ‫الداخلي‬ ‫ة‬ ‫الحافّ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ـالرافعة‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫يتم‬ ‫العصر‬ ‫وكان‬ ‫أدنى‪.‬‬ ‫مستوى‬ ‫في‬ ‫الموجود‬ ‫الجرن‬ ‫الزيت إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النظام بآخر‬ ‫وحجارة األثقال المنحوتة بأشكال‬ ‫استبدل هذا ّ‬ ‫هندسية‪ .‬ثم ُ‬ ‫ّ‬ ‫وثمة مجموعة أخرى شبيهة بسابقاتها‬ ‫خشبي‬ ‫ذي برغي‬ ‫لولبي مع أثقال‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت طفيفة‪.‬‬ ‫مع تعديال ٍ‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫ـولوجيا في‬ ‫محب نادر شانه ساز بحثً ا أنتروﭘ‬ ‫في لبنان وضع الدكتور‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫بطريقة‬ ‫الثقافية ‪‬لمـُعالجة الزيتون ُبغي َة استخراج زيته‬ ‫التكنولوجيا‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫المحل ّيين‬ ‫بعد عناي َة المـُعاينين‬ ‫فريدة يبدو ّأنها‬ ‫ّ‬ ‫خاصة بلبنان‪ ،‬ولم َت َنل ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪24‬‬ ‫موقعا‪.‬‬ ‫نماذج لثالثين‬ ‫الباحث‬ ‫قدم‬ ‫ُ‬ ‫أو األجانب‪ ...‬؛ وفيها ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬


‫النمط الثاني‬ ‫‪ّ 2.2‬‬

‫جهد‬ ‫علو مناسب من دون‬ ‫ٍ‬ ‫مطحنة مــاء تعمل بالمياه المـُتدفّ قة من ٍّ‬ ‫الدائمة‬ ‫بشري‪ .‬والمطاحن نوعان‪ :‬ما هو في أسفل الوديان على األنهار ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشتوية والينابيع‪،‬‬ ‫واقي‬ ‫الس‬ ‫مجاري‬ ‫على‬ ‫ذاتها‬ ‫البلدة‬ ‫في‬ ‫هو‬ ‫وما‬ ‫الجريان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سمى‬ ‫ت‬ ‫للزيتون‬ ‫وهي‬ ‫الزيتون؛‬ ‫جميعا لطحن الحبوب‪ ،‬وعصر‬ ‫ستخدم‬ ‫ُوت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يقشران حبوبه‬ ‫فيستبدل الحجر‬ ‫بس َيفين ُمتقاطعين ّ‬ ‫العلوي َ‬ ‫ّ‬ ‫المطاريف‪ُ ،‬‬ ‫السيفان بحافّ ة حاضنة تحول دون البعثرة‬ ‫وال يسحقان البذور‪ ،‬لذا أُ حيطَ ّ‬ ‫الطائشة‪.‬‬ ‫‪ .5‬تطور أساليب العصر في المعاصر والمطاحن‬ ‫ّ‬

‫‪42‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫الدابة‪ .‬ومع‬ ‫ـقوة َج ّر‬ ‫ّ‬ ‫معاصر الزيتون ُمتشابهة في لبنان‪ :‬كانت تدور بـ ّ‬ ‫تطور أساليب العصر لزيادة اإلنتاج وتوفير الوقت‪ ،‬ثمة نماذج ال تزال‬ ‫ّ‬ ‫نموذجا)‪ّ ،‬ثم بالمغزل‬ ‫موجودة‪ ،‬بداي ًة بـالرافعة والحجارة األثقال (‪36‬‬ ‫ً‬ ‫نموذجا)‪،‬‬ ‫الالفوك (‪13‬‬ ‫قائمتين‬ ‫الخشبي بين‬ ‫شغل بوساطة ّ‬ ‫عموديتين ُي َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شغل بـالقارص بطريقة ‪‬الطقطاق‪‬‬ ‫ثم أصبح‬ ‫حديديا بين أربــع قوائم ُي َّ‬ ‫ًّ‬ ‫المعدني‬ ‫قابل االهتراء‪َّ ،‬ثم خلَ َف ُه مباشر ًة البرغي‬ ‫(‪ 5‬نماذج) ألن الخشب ٌ‬ ‫ّ‬ ‫بد َل أربع‪.‬‬ ‫سكة) (نموذجان) بين‬ ‫(م َ‬ ‫َ‬ ‫الّ ذي ُي َّ‬ ‫قائمتين َ‬ ‫والع َتلة َ‬ ‫شغل بالدوالب َ‬ ‫اليدوية (‪ 5‬نماذج)‪ .‬ونظام العصر في ّأية بلدة‬ ‫مضخة الماء‬ ‫نظام‬ ‫َتال ذاك‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫تغير‪ ،‬خوفً ا من خسارة الزبائن!‬ ‫قلّ ما َّ‬ ‫النوى‬ ‫بدائي ًة‬ ‫كانت المعاصر‪ ،‬على أنواعها‪،‬‬ ‫التشغيل تسحق ّ‬ ‫يدوية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القروي إلى المطاحن على األنهار في الوديان‪،‬‬ ‫وقليلة االستيعاب‪ .‬لذا لجأ‬ ‫ّ‬ ‫القوة‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫الحاجة‬ ‫تقليص‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ى‬ ‫أد‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫أو على الـ ّـســواقــي فــي الـ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فضال عن االستعانة بالمطروف؛ وكــان العصر يتم بالرافعة‬ ‫العضلية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وحجارة األثقال‪.‬‬ ‫‪ .6‬أهم ّية المعاصر والمطاحن في قضاء الشوف‬ ‫كتشف مــن المطاحن والـمـعــاصــر‪ 108 :‬معاصر و‪ 76‬مطحنة‪،‬‬ ‫الم َ‬ ‫ُ‬ ‫مائية و‪ 29‬معصرة زيتون ما تزال قائمة‪ .‬من هنا يتبين‬ ‫مطحنة‬ ‫‪68‬‬ ‫منها‬ ‫ّ‬ ‫تقوم على الــزراعــة‪ ،‬وأن وفرة‬ ‫األساسية في الشوف‬ ‫السكان‬ ‫ّ‬ ‫أن حيا َة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫المطاحن والمعاصر هي لمـُعالجة اإلنتاج المحلّ ّي الوفير‪ ،‬ما ّأدى إلى‬ ‫ِ‬ ‫تنوع‬ ‫االستهالكية‪ ،‬في‬ ‫استثمارية ُت ّلبي الحاجة‬ ‫قيام نهضة‬ ‫ّ‬ ‫ضوء ُمالءمة ّ‬ ‫ّ‬


‫مثال في معصرة الدكتور فؤاد أبو حمزة في بلدة الخريبة ‪:26‬‬ ‫هنا ٌ‬

‫المكان‬

‫الخريبة‬ ‫َ‬

‫ إسم‬ ‫المعصرة‬

‫معصرة الدكتور فؤاد أبو حمزة‬

‫الصور‬

‫موجودة‬

‫الوصف‬

‫المحتوى‬

‫طــول‪ 9،70 :‬م – عــرض‪ 4،43 :‬م – إرتـفــاع‪ 3،50 :‬م‬ ‫سقف عقد‪.‬‬

‫ـدابــة‪ ،‬وكان‬ ‫ـقوة َجـ ّـر اإلنـســان أو الـ ّ‬ ‫كــان الحجر يــدور ب ّ‬ ‫الخشبي‪ .‬األجــزاء المحفوظة فرشة‬ ‫العصر بـالمغزل‬ ‫ّ‬ ‫ُستحدثة على قاعدة من حجار وكلس‪،‬‬ ‫من االسمنت مـ‬ ‫َ‬ ‫قود والـ ّـزنــد وحجر ّ‬ ‫الطحن‪ .‬باإلضافة‬ ‫والـعــروس وال ِم َ‬ ‫الخشبي‪ ،‬ومغزل‬ ‫المغزل‬ ‫معصرة‪:‬‬ ‫ـزاء‬ ‫إلــى كامل أج ـ‬ ‫ّ‬ ‫آخ ــر ل ـلـ ّـزخــرفــة فــي م ـنــزل الـ ّـدك ـتــور فـ ــؤاد أب ــو حمزة‬ ‫عرف مصدره‪.‬‬ ‫ال ُي َ‬

‫‪1.1‬الفرشة (‪ :)cuve‬قطر (‪ 1،60 :)D‬م‪ ،‬حافّ ة ‪ 6‬سم‪،‬‬ ‫ـربــع إلدخ ــال ال ـعــروس‪ :‬ط ــول‪ 25 :‬ســم‪،‬‬ ‫مــع ثقب ُمـ ّ‬ ‫وداخلي‪:‬‬ ‫‪ 56‬سم‪،‬‬ ‫‪:‬‬ ‫خارجي‬ ‫ارتفاع‬ ‫‪ 10‬سم‪،‬‬ ‫عرض‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 25‬سم‪ ،‬ارتفاع مع القاعدة‪ 1،10 :‬م‪.‬‬

‫‪ 226‬صوالنج الحلو‪ ،‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف خالل‬ ‫العثماني‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،3‬ص‪.75 – 72 .‬‬ ‫العصر‬ ‫ّ‬

‫‪43‬‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫ الوضع‬ ‫الحالي‬ ‫ّ‬ ‫الحجرة‬

‫في الموقع ُمهملة‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫طي المعتدل الحرارة من‬ ‫والتضاريس من جهة‪ ،‬والمناخ‬ ‫التربة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المتوس ّ‬ ‫كل بلدة بهذه المنشآت يتبين أن توزيع المطاحن‬ ‫جهة أخرى‪ .‬ومن نصيب ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجغرافية‬ ‫وحاجاتها‪ ،‬وبالطبيعة‬ ‫انية‬ ‫ّ‬ ‫والمعاصر ُمرتبطٌ بالكثافة‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫السك ّ‬ ‫الساحلية‬ ‫البلدان‬ ‫في‬ ‫تكثر‬ ‫ة‬ ‫ً‬ ‫بداي‬ ‫فالمعاصر‬ ‫الهيدروغرافية‪.‬‬ ‫والشبكة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مناسب لزراعة الزيتون‪ ،‬كما في‬ ‫نسبيا‪ ،‬ألن المناخ‬ ‫وحتى ارتفاع ‪ 800‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ًّ‬ ‫الزعرورية‪ ،‬جون‪ ،‬شحيم‪ ،‬مزبود‪ ،‬كترمايا‪ ،‬عانوت‪،‬‬ ‫المغيرية‪،‬‬ ‫البرجين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعقلين‪ ،‬ومزرعة الشوف‪ ،‬مع وجود استثناءات كما في بلدة الخريبة‪.‬‬


‫المحتوى‬

‫ومحيط‪ 40 :‬ســم‪ ،‬سايق‬ ‫‪َ 2.2‬عــروس‪ :‬ارتفاع‪ 1،80 :‬م‪ُ ،‬‬ ‫أو ِمـقـ َـود‪ :‬طــول‪ 2،55 :‬م مع خشبة لتعليق الحبل‬ ‫الدابة‪ :‬طول‪ 42 :‬ســم‪ ،‬وعــرض‪ 8 :‬سم‪ ،‬وزند‬ ‫حول‬ ‫ّ‬ ‫لتحريك الحجر‪ :‬طول‪ 1،83 :‬م‪.‬‬

‫‪3.3‬حجر ّ‬ ‫الطحن (‪ :)meule‬قطر‪ 1،02 :‬م‪ ،‬سماكة‪:‬‬ ‫مربع وسط الحجر‪ :‬جانب‪ 22 :‬سم‪.‬‬ ‫‪ 36‬سم‪ ،‬ثقب ّ‬ ‫م ـع ـصــرة ال ـم ـغــزل ال ـخ ـش ـبـ ّـي‪ :‬فـ ـخ ــذَ ان خـشـبـ َّـيــان‬ ‫تقريبا‪،‬‬ ‫ُمتطابقان‪ :‬طول‪ 2،19 :‬م وعرض‪ 30 :‬سم‬ ‫ً‬ ‫تطابقان‪:‬‬ ‫خشبيان ُم‬ ‫يلتصق بهما من الداخل عمودان‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ط ــول‪ 78 :‬س ــم وع ــرض ‪ 10‬س ــم‪ .‬أنـثــى الـمـغــزل من‬ ‫خشب‪ ،‬قطعة واحــدة موضوعة في القسم األعلى‬ ‫ِلجمع الفخذَ ين‪ :‬طول‪ 1،56 :‬م ومحيط‪ 1،66 :‬م‪.‬‬ ‫وقسم هــذه األنـثــى الـخــارجـ ّـي طــولــه‪ 41 :‬س ــم‪ّ .‬أمــا‬ ‫يم ّر المغزل‬ ‫القسم‬ ‫الداخلي ما بين الفخذين‪ ،‬والّ ذي ُ‬ ‫ّ‬ ‫الخشبي في وسطه‪ ،‬فطوله‪ 52 :‬سم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫الخشبي‪ :‬طول‪ 1،42 :‬م‪ ،‬مع قاعدة‬ ‫‪4.4‬المغزل‬ ‫خشبية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دائريا‬ ‫ثقبا‬ ‫ًّ‬ ‫جانب‪ 40 :‬سم‪ُ ،‬محيط‪ 1،30 :‬م‪ ،‬ويحوي ً‬ ‫من جهاته األربع قطر‪ 10 :‬سم إلدخال الالفوك‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫‪5.5‬البالطة المـ َُع ّدة للحاويات‪ :‬قطر‪ 56 :‬سم مع مزراب‬ ‫بطول‪ 12 :‬سم وعرض‪ 4 :‬سم‪.‬‬

‫األول‪ :‬طـ ــول‪ 76 :‬سـ ــم‪ ،‬عــرض‪:‬‬ ‫‪6.6‬ج ــرنَ ــان ل ـلـ ّـزيــت‪ّ .‬‬ ‫‪ 48‬سم‪ ،‬وارتفاع‪ 50 :‬سم‪ .‬والثاني‪ :‬طول‪ 70 :‬سم‪،‬‬ ‫عرض‪ 48 :‬سم‪ ،‬وارتفاع ‪ 50‬سم‪.‬‬

‫ الوثائق‬ ‫التاريخية‬ ‫ّ‬

‫الخشبي الثاني الموجود في المنزل‪ :‬طول‪:‬‬ ‫‪7.7‬المغزل‬ ‫ّ‬ ‫خشبية كـ ّـل جــانــب‪ 54 :‬ســم‪،‬‬ ‫‪ 1،57‬م‪ ،‬مــع قــاعــدة‬ ‫ّ‬ ‫دائريا من جهاته األربع‬ ‫ثقبا‬ ‫ًّ‬ ‫ُمحيط‪ 1،30 :‬م ويحوي ً‬ ‫بقطر‪ 11 :‬سم إلدخال الالفوك‪.‬‬ ‫–‬


‫مالحظات‬

‫معصرة أبو حمزة ‪ :1‬الفرشة‪ ،‬المدرس‪،‬‬ ‫حجر الطّ حن والعروس وال ِمقود والزند‬ ‫برميلي‬ ‫داخل غرفة مستطيلة مغطّ اة بعقد‬ ‫ّ‬ ‫(المقصب)‬ ‫الطبيعي‬ ‫من الحجر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫‪27‬‬

‫محمد زين الدين‬ ‫السيد عاطف‬ ‫الخريبة‪ُ :‬مقابلة مع‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(مواليد ‪ – )1938‬تعود إلى القرن التاسع عشر بحسب‬ ‫تقرير لجنة الشوف‬ ‫التراثية ‪ ،27‬بتاريخ ‪2014 /9 /27‬‬ ‫ّ‬

‫‪45‬‬

‫لبنانيين‬ ‫التاريخية‪ ،‬المؤلّ فة من خبراء‬ ‫األثرية والمباني‬ ‫‪ 227‬لجنة حماية المواقع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عملَ ها في صيف‬ ‫بدأت‬ ‫ة‪،‬‬ ‫المعماري‬ ‫والهندسة‬ ‫واآلثار‬ ‫والترميم‬ ‫وأجانب في مجال العمران‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ودراسة‬ ‫وثائق‬ ‫وفق‬ ‫والمعاصر‬ ‫المطاحن‬ ‫لبعض‬ ‫ة‬ ‫التاريخي‬ ‫وحد َدت الحقبات‬ ‫‪،2009‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ورفَ َدت ببعض معلوماتها غير المنشورة هذا البحث‪ .‬هذا المشروع‬ ‫تها‪،‬‬ ‫أعد‬ ‫ة‪،‬‬ ‫علمي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخية‪ .‬عامر‬ ‫والمباني‬ ‫ة‬ ‫األثري‬ ‫المواقع‬ ‫لحماية‬ ‫جنبالط‬ ‫وليد‬ ‫األستاذ‬ ‫قه‬ ‫أطلَ‬ ‫الرائد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخية في‬ ‫األثرية والمباني‬ ‫رائدا لحماية المواقع‬ ‫طلق‬ ‫مشروعا ً‬ ‫زين الدين‪ ،‬جنبالط ُي ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشوف‪ ،‬جريدة النهار‪ ،2009 ،‬ص‪.13 .‬‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫معصرة أبو حمزة ‪:2‬‬ ‫خشبي‬ ‫مغزل‬ ‫ّ‬ ‫في منزل د‪ .‬فؤاد أبو حمزة‬


‫معصرة أبو حمزة ‪:3‬‬ ‫الخشبي‬ ‫المغزل‬ ‫ّ‬ ‫ومكان وضع الخوص‬

‫‪46‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫معصرة أبو حمزة ‪:4‬‬ ‫الخشبي‪،‬‬ ‫المغزل‬ ‫ّ‬ ‫مكان وضع الخوص‬ ‫وجرنَ ي الزيت‬ ‫ُ‬

‫معصرة أبو حمزة ‪:5‬‬ ‫ُجرنَ ا الزيت‬


‫نموذج للمطاحن ضمن البلدات على مجاري الينابيع‪ :‬مطحنة بركة‬ ‫الست في عين قني‪:28‬‬ ‫روس أو طاحون‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الع ْ‬ ‫المكان‬

‫َعين قني‬

‫الصور‬

‫–‬

‫ الوضع‬ ‫الحالي‬ ‫ّ‬

‫في موق ِعها‬

‫الحجرة‬

‫العروس‪ ،‬سقف عقد‪ :‬طول‪ 7 :‬م‪ ،‬عرض‪:‬‬ ‫قرب بركة َ‬ ‫‪ 6‬م‪ ،‬إرتفاع‪ 4 :‬م‪.‬‬

‫الوصف‬

‫ •مطحنة حجران‪ ،‬للحبوب وللمطروف‪ ،‬والعصر‬ ‫بوساطة الرافعة والحجارة األثقال‪ .‬تتغذّ ى من‬ ‫مرشد وهو رافد لنهر الباروك‬ ‫مياه نبع ِ‬

‫‪ 228‬صوالنج الحلو‪ ،‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف خالل‬ ‫العثماني‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،82‬ص‪.208 – 205 .‬‬ ‫العصر‬ ‫ّ‬

‫‪47‬‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫إسم المطحنة‬

‫الست (بحسب‬ ‫ـروس أو طاحون‬ ‫ّ‬ ‫مطحنة بركة الـ َـعـ ْ‬ ‫التراثية)‬ ‫لجنة الشوف‬ ‫ّ‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫ّأمــا المطاحن‪ ،‬إضافة إلــى السبب أعــاه‪ ،‬فترتبط بمجاري المياه‪.‬‬ ‫نج ُدها أحيانً ا داخل البلدات على مجاري الينابيع أو روافد األنهار‪،‬‬ ‫لذا ِ‬ ‫الشتوية‪ ،‬كما في بلدة‬ ‫كمطاحن عين قني‪ ،‬أو على مجاري مياه السواقي‬ ‫ّ‬ ‫عينبال‪ .‬وقد تكون بعيدة عن المساكن‪ ،‬أو في قعر الوديان على مجاري‬ ‫الصفا‬ ‫األنهار الدائمة الجريان‪ ،‬كما على مجرى نهر الباروك ومجرى نهر ّ‬ ‫ومجاري روافدهما‪ ،‬كما في بلدة بريح‪.‬‬


‫الوصف‬

‫‪48‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫المحتوى‬

‫ •تقع هذه المطحنة على الحدود بين بلدة عين‬ ‫قني وبلدة المختارة‪ ،‬قرب أقدم جسر في بلدة‬ ‫عين قني‪ ،‬يعود تاريخه‪ ،‬بحسب لجنة الشوف‬ ‫(وجد‬ ‫التراثية‪ ،‬إلى عهد المماليك سنة ‪ُ 1506‬‬ ‫ّ‬ ‫وتمت‬ ‫الجسر‪،‬‬ ‫ـذا‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫على‬ ‫ا‬ ‫محفور‬ ‫التاريخ‬ ‫هــذا‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫التراثية أثناء‬ ‫معاينته مــن ِقـ َـبــل لجنة الـشــوف‬ ‫ّ‬ ‫جدا ألنّ ه يربط‬ ‫هم ًّ‬ ‫عملية ترميم الجسر)‪ .‬وهو ُم ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫السويجاني بالشوف األعلى‪ ،‬فوق نهر‬ ‫الشوف‬ ‫ّ‬ ‫األولــي‪ .‬بجانبه بركة‬ ‫الشالوف أحد روافــد نهر ّ‬ ‫عروسا‬ ‫ـأن‬ ‫سمى بركة الـ َـعــروس‪ ،‬ألنّ ــه ُيحكى بـ ّ‬ ‫ً‬ ‫ُت ّ‬ ‫الشوف‬ ‫كانت قادمة من‬ ‫الكحلونية أو من مزرعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫فزلَّ ت قدم الحصان وأوقعها‬ ‫الحصان‪،‬‬ ‫على ظهر‬ ‫َ‬ ‫في البركة فماتت‪.‬‬

‫ •والمطحنة بقرب البركة مؤلّ فة من غرفة واحدة‬ ‫حجرين‪ ،‬لطحن الحبوب‪،‬‬ ‫سقف عقد‪ ،‬تحوي‬ ‫َ‬ ‫وكمطروف‪.‬‬ ‫‪ 1.1‬قاعدة حجر ّ‬ ‫األول (‪ :)meule‬قطر‪ 70 :‬سم‪.‬‬ ‫الطحن ّ‬

‫‪2.2‬قاعدة حجر ّ‬ ‫األول‪.‬‬ ‫الطحن الثاني‪ :‬نفس مقاسات ّ‬

‫‪3.3‬مكان وضــع الـخــوص‪ :‬طــول‪ 1،90 :‬م‪ُ ،‬محيط‪:‬‬ ‫‪ 1،10‬م‪.‬‬

‫‪4.4‬جرن (‪ :)bassin‬طول‪ 82 :‬سم‪ ،‬عرض ‪ 78‬سم‪،‬‬ ‫إرتفاع ‪ 41‬سم‪.‬‬

‫ الوثائق‬ ‫التاريخية‬ ‫ّ‬

‫–‬

‫مالحظات‬

‫السيد فَ هد ْب َريش (مواليد سنة‬ ‫عين قني‪ :‬مقابلة مع ّ‬ ‫التراثية‪،‬‬ ‫‪ – )1941‬وبحسب تقرير لجنة الشوف‬ ‫ّ‬ ‫فهي تعود إلــى نهاية عهد المماليك وبداية العهد‬ ‫العثماني بتاريخ ‪ 2010/6/12‬و‪.2014/9/27‬‬ ‫ّ‬


‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫معصرة عين ِقني ‪:1‬‬ ‫من الخارج‪ :‬المطحنة‬ ‫البرية‬ ‫ُمغطّ اة باألعشاب‬ ‫ّ‬

‫‪49‬‬

‫معصرة عين ِقني ‪:3‬‬ ‫قاعدة حجر الطّ حن الثاني‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫معصرة عين ِقني ‪:2‬‬ ‫قاعدة حجر الطّ حن األولى‬


‫معصرة عين ِقني ‪:4‬‬ ‫محتوى المطحنة‪.‬‬ ‫الطبيعي‬ ‫الحجر‬ ‫من‬ ‫الغرفة ُمستطيلة‬ ‫ّ‬ ‫ُقصب) ُمغطّ اة بعقد ُمصالَ ب‬ ‫(المـ َّ‬

‫‪50‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫معصرة عين ِقني ‪:5‬‬ ‫الجسر األقدم في عين قني‪،‬‬ ‫يربط الشوف السويجاني‬ ‫بالشوف األعلى‬

‫معصرة عين ِقني ‪:6‬‬ ‫التراثية‬ ‫من لجنة الشوف‬ ‫ّ‬ ‫األساسية على الجسر‬ ‫اللّ وحة‬ ‫ّ‬


‫السيد‬ ‫الشتوية مطحنة‬ ‫نموذج عن مطاحن على مجاري مياه السواقي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫محمد أفندي عبد الباقي الثانية في عينبال‪:29‬‬ ‫ّ‬ ‫المكان‬ ‫إسم‬ ‫المطحنة‬

‫محمد أفندي عبد الباقي‬ ‫السيد‬ ‫ّ‬ ‫مطحنة ّ‬

‫‪51‬‬

‫الصور‬

‫موجودة‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫عينبال‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫معصرة عين ِقني ‪:7‬‬ ‫التراثية‪،‬‬ ‫من لجنة الشوف‬ ‫ّ‬ ‫ما ُك ِتب تعريفً ا عن تاريخ الجسر‬ ‫األساسية‬ ‫استنادا إلى اللّ وحة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬

‫الوضع‬ ‫الحالي‬ ‫ّ‬ ‫الحجرة‬

‫–‬

‫المحتوى‬

‫–‬

‫الوصف‬

‫الوثائق‬ ‫التاريخية‬ ‫ّ‬ ‫مالحظات‬

‫في موق ِعها – مهملة‬ ‫موسمية تدور فقط في‬ ‫حجرين‪،‬‬ ‫مطحنة للقمح من َ‬ ‫ّ‬ ‫موسمي يرفد‬ ‫(نهر‬ ‫ري‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫نهر‬ ‫الشتاء بمياه‬ ‫فصل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫الخارجي‪.‬‬ ‫يبق منها ّإال الهيكل‬ ‫الدامور‪ .‬لم َ‬ ‫ّ‬ ‫–‬ ‫عزام عبد الباقي (مواليد‬ ‫عينبال‪ُ :‬مقابلة مع‬ ‫السيد ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ )1950‬بتاريخ ‪.2010/6/13‬‬

‫‪ 229‬صوالنج الحلو‪ ،‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف خالل‬ ‫العثماني‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،77‬ص‪.200 .‬‬ ‫العصر‬ ‫ّ‬


‫ُقصب)‬ ‫مطحنة عبد الباقي ‪ :1‬ما تبقّ ى من المطحنة بالحجر‬ ‫الطبيعي (الـمـ َّ‬ ‫ّ‬

‫نموذج للمطاحن في قعر الوديان مطحنة ِجسر َسميا في‬ ‫المكان‬ ‫‪52‬‬

‫ْبريح‬

‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫إسم‬ ‫المطحنة‬

‫مطحنة ِجسر َسميا‬

‫الصور‬

‫موجودة‬

‫الوضع‬ ‫الحالي‬ ‫ّ‬ ‫الحجرة‬ ‫الوصف‬

‫المحتوى‬

‫‪31 30‬‬ ‫بريح ‪:‬‬

‫‪31‬‬

‫موقعها – ُمهملة‬ ‫في ِ‬ ‫األساسي‪ :‬عرض‪ 1،20 :‬م‪ ،‬إرتفاع‪ 1،65 :‬م‪.‬‬ ‫الباب‬ ‫ّ‬

‫حجرين للحبوب والزيتون‪ ،‬وتعمل بوساطة‬ ‫مطحنة من‬ ‫َ‬ ‫الرافعة والحجارة األثقال‪ .‬تتغذّ ى من ساقية دائمة‬ ‫يبق منها ّإال باب المدخل وبقايا جدران‪.‬‬ ‫الجريان‪ .‬لم َ‬ ‫المتحرك قطر ‪ 60‬سم‪ ،‬أي قطر‬ ‫العلوي‬ ‫نصف الحجر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دائرية‬ ‫الحجر كــامـ ًـا‪ 1،20 :‬م‪ ،‬وفــي الوسط فتحة‬ ‫ّ‬ ‫قطر‪ 18 :‬سم‪ ،‬سماكة الحجر‪ 18 :‬سم‪.‬‬

‫‪ 330‬صوالنج الحلو‪ ،‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف خالل‬ ‫العثماني‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،48‬ص‪.146 – 143 .‬‬ ‫العصر‬ ‫ّ‬ ‫الصفا‪،‬‬ ‫‪ 3 31‬وردت عند الدكتور شانه ساز تحت االسم ذاته وبأنّ ها تتغذّ ى من مياه نهر ّ‬ ‫المدرس والباقوف ِحلو أو ُم ّر؟‪ ،‬ص‪ 73 .‬وجدول ص‪.110 .‬‬ ‫أنظر‪ :‬شانه ساز‪ ،‬المطروف‪،‬‬ ‫َ‬


‫مالحظات‬

‫الدين (مواليد‬ ‫ْبريح‪ :‬مقابلة مع‬ ‫عز ّ‬ ‫السيد حليم بو ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنة ‪ )1931‬بتاريخ ‪.2014/10/18‬‬

‫مطحنة جسر َسميا ‪:1‬‬ ‫الوادي حيث المطحنة‬

‫‪53‬‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫مطحنة جسر َسميا ‪:2‬‬ ‫الجسر على أمتار من المطحنة‬

‫مطحنة جسر َسميا ‪:3‬‬ ‫المطحنة‪ ،‬والفتحتان‬ ‫راشين‬ ‫قنطرتَ ان تحويان الفَ َ‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫الوثائق‬ ‫التاريخية‬ ‫ّ‬

‫_‬


‫مطحنة جسر َسميا ‪:4‬‬ ‫الخارجي‬ ‫باب المطحنة‬ ‫ّ‬ ‫البرية عنه‬ ‫بعد إزالة النباتات‬ ‫ّ‬

‫‪54‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫مطحنة جسر َسميا ‪:5‬‬ ‫باب المطحنة من الداخل‬

‫مطحنة جسر َسميا ‪:6‬‬ ‫ما تبقّ ى من المطحنة‪،‬‬ ‫ُقصبة)‬ ‫بالحجارة‬ ‫الطبيعية (المـ ّ‬ ‫ّ‬


‫المهمة‬ ‫‪ .7‬االكتشافات‬ ‫ّ‬

‫‪ .8‬الخاتمة‬

‫‪ 332‬صوالنج الحلو‪ ،‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف خالل‬ ‫العثماني‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،69‬ص‪.189 .‬‬ ‫العصر‬ ‫ّ‬ ‫‪ 333‬صوالنج الحلو‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬وثيقة رقم ‪ ،5‬ص‪.421 – 420 .‬‬ ‫‪ 334‬صوالنج الحلو‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،36‬ص‪.117 .‬‬ ‫‪ 335‬صوالنج الحلو‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،60‬ص‪.162 .‬‬ ‫‪ 336‬صوالنج الحلو‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،38‬ص‪.118 .‬‬ ‫‪ 337‬صوالنج الحلو‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،85‬ص‪.212 .‬‬ ‫‪ 338‬صوالنج الحلو‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬بطاقة رقم ‪ ،41‬ص‪.125 .‬‬

‫‪55‬‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫نج َز بدقَّ ٍة‬ ‫ذهني‬ ‫تدل على عم ٍل‬ ‫وفني أُ ِ‬ ‫االكتشافات الواردة في النص ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فبقاء معظم ِ الجسور‬ ‫ا؛‬ ‫جد‬ ‫محدودة‬ ‫عص َر كانت الوسائل المـُتاحة‬ ‫ًّ‬ ‫ُمتناهية ْ‬ ‫ُ‬ ‫عبقرية‬ ‫حتى عصرنا متينة برغم عمرها مئات السنوات‪ ،‬يشير إلى‬ ‫صالحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الهزات‬ ‫أصحابها في بنائها‪ ،‬فيما عشرات األبنية الحديثة تنهار لدى أدنى ّ‬ ‫لقلّ ة العناية واإلتقان!‬ ‫األبواب‬ ‫ُوتدهش دقّ ة التفاصيل في بناء المطاحن والمعاصر والجسور‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫والنقطة‪ّ ،‬أمــا ‪‬الكور‪‬‬ ‫الرحى والـ َـفــراش ِمحورها ‪‬الصوص ّ‬ ‫وحجارة ّ‬ ‫والرباط‪ ،‬أو طريقة َع َمل‬ ‫والطرطاق‬ ‫ازة‬ ‫‪‬الجي‬ ‫وإضافاته‪:‬‬ ‫أو ‪‬الدلو‪‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وصوال إلى األعلى حيث تجري‬ ‫ً‬ ‫السفلي‬ ‫بالفراش في الطابق‬ ‫بدءا َ‬ ‫المطحنة ً‬ ‫ّ‬ ‫عملية ّ‬ ‫عبقرية اإلنسان حيال حاجته‪ ،‬إذ‬ ‫الطحن‪ ...‬جميعها عالمات لعلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واحدا ُيمكنه إدارة المطحنة‪.‬‬ ‫إن إنسانً ا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫فعال فريدة‪ :‬مطحنة القناطر في دير كوشه – جسر القاضي‬ ‫قد تكون ً‬ ‫‪32‬‬ ‫والمنشار‬ ‫‪،‬‬ ‫الخمسة‬ ‫بحجارته‬ ‫الخشبي بدل حجر الـ ّـرحــى‪ ،33‬استخدام‬ ‫ّ‬ ‫للتتبيل في مطحنة‬ ‫والحمص المسلوق‬ ‫الصعتر‬ ‫والمجفف ّ‬ ‫ّ‬ ‫المطحنة لطحن ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪34‬‬ ‫الصعتر بجانب‬ ‫الفوارة ‪ ،‬إقامة منشأة لتقطير ّ‬ ‫إيليا في ّ‬ ‫رزق اهلل اسكندر ّ‬ ‫‪35‬‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫الشامي‬ ‫مطحنة نهر‬ ‫الح ّي‬ ‫الكلس‬ ‫لصناعة‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫األ‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫وإ‬ ‫‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪36‬‬ ‫السيد علي في المختارة  ‪.‬‬ ‫بمحاذاة مطحنة ّ‬ ‫أمتار‬ ‫في بلدة غريفة ‪‬خان‪ ،‬هو غرفة يرتاح فيها المسافرون‪ ،‬على‬ ‫ٍ‬ ‫من مطحنة‬ ‫للسيد محمود بو حمدان‪ .37‬وفي بلدة‬ ‫ّ‬ ‫‪‬المستلقية‪ ‬الّ تي تعود ّ‬ ‫‪38‬‬ ‫المختارة ناووس‬ ‫يدل على ِق َدم‬ ‫حجري على‬ ‫أمتار من طاحون َب ّدا‪ ،‬ما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تلك المناطق‪.‬‬


‫‪56‬‬ ‫د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‬

‫االجتماعية ُ‬ ‫القروية‬ ‫وط ــرق المعيشة بينما الثقافة‬ ‫تتطور الحياة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المسنون يختزنون تفاصيل العادات‬ ‫القرويون‬ ‫وحدهم‬ ‫باالنقراض‪.‬‬ ‫مهددة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بنانية‪ .‬وقليلة جـ ًّـدا مراجع مكتوبة عنها لقلّ ة من تناولوها‬ ‫والتقاليد اللّ ّ‬ ‫بتاريخها‪.‬‬ ‫ل‬ ‫حف‬ ‫ي‬ ‫وال‬ ‫ها‬ ‫أخبار‬ ‫ل‬ ‫تسج‬ ‫ال‬ ‫ـ ‪‬القرية‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫والتدقيق‪،‬‬ ‫بالدراسة‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫الحالي‬ ‫مات الجيل‬ ‫شفهي‪،‬‬ ‫تقليد‬ ‫تاريخها‬ ‫يتناقلونه ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جيال عن جيل‪ ،‬فإذا َ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪39‬‬ ‫ضياع‪ ،‬وما عاداتنا‬ ‫انطمست معالم هذا التاريخ‪ ، ‬والجيل التالي في‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ض مندثر‪.‬‬ ‫وتقاليدنا في ذهنه سوى ما ٍ‬ ‫مجتمع زراعـ ّـي واسع‬ ‫ف عن‬ ‫إن المعاصر (‪ )29‬والمطاحن (‪َ )68‬ت ِش ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫يعتمد على ّ‬ ‫وقديما كان ُيقال‬ ‫الطحين والزيت في استهالكه واقتصاده؛‬ ‫ً‬ ‫قنيات فصديقة للبيئة‪ ،‬ال تنفث أدخنة‪،‬‬ ‫‪‬الطّ احون مزراب دهب‪ّ .‬أما ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫على ِغرار اآلالت الحديثة الّ تي تعتمد على المحروقات‪.‬‬ ‫خبر حجارتها قصص الماضي‬ ‫اجتماعيا كانت تلك ملقى‬ ‫األحبة‪ُ ،‬ت ُ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫تاريخية‪،‬‬ ‫مرحلة‬ ‫ة‬ ‫ـرآ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫القديمة‬ ‫والمطاحن‬ ‫المعاصر‬ ‫وذكرياته‪.‬‬ ‫الجميل‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫األشجار‬ ‫معال َمها‬ ‫ث الحضارة‬ ‫غيرت ِ‬ ‫وجزء من ُترا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫المادية وتقاليدها‪ .‬اليوم ّ‬ ‫ٌ‬ ‫آثار‬ ‫زة‪،‬‬ ‫الممي‬ ‫ها‬ ‫حجارت‬ ‫قدت‬ ‫وفُ‬ ‫والخرائب‪،‬‬ ‫فايات‬ ‫والن‬ ‫واألعشاب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وام َحت ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طرقها في غمرة الوعر‪.‬‬ ‫عينها‬ ‫بعض المستور اللجن ُة‬ ‫تبقى بارقة أمل أن تكشف‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫األثرية الّ تي ّ‬ ‫األستاذ وليد جنبالط‪.‬‬ ‫التسجيل‬ ‫ال يعرف هذا الماضي وذكرياته ّإال‬ ‫المسنون‪ .‬لذا اقتضى ّ‬ ‫ّ‬ ‫لغاية‬ ‫التكوين‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫والترميم‪ ،‬بل إعادة ّ‬ ‫التأهيل ّ‬ ‫والتوثيق‪ ،‬وأحيانً ا ّ‬ ‫والتدوين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حفظا‬ ‫والتاريخ‪،‬‬ ‫اجتماعية‪ ،‬بل‬ ‫اقتصادية أو‬ ‫ض ّ‬ ‫ً‬ ‫الروح باألر ِ‬ ‫توثيقا لروابط ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المجتمعية!‬ ‫اكرة‬ ‫الذّ‬ ‫لديمومة‬ ‫ّ‬ ‫ثقافي‬ ‫ـزء‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫والمطاحن‬ ‫المعاصر‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫على‬ ‫إن تسليط الـضــوء‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫والمعماري القديم‪ .‬و‪‬إذا كان‬ ‫بناني‬ ‫جدا من تراثنا اللّ‬ ‫واجتماعي مهم ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تاليا ذاكر ُة المـُستقبل‪ .‬وإذا كان ال ُب ّد من‬ ‫فهو‬ ‫الماضي‪،‬‬ ‫ذكرى‬ ‫التراث‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫جهد أكبر للحفاظ على‬ ‫ـروري لحفظ الـ ّـذكــرى‪ ،‬فال ُبـ ّـد من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جهد ض ـ ٍّ‬ ‫‪40‬‬ ‫الذاكرة‪. ‬‬ ‫ّ‬ ‫بنانية حضارة في طريق الزوال‪ ،‬ص‪.8 .‬‬ ‫‪ 339‬أنيس فريحة‪ ،‬القرية ّ‬ ‫الل ّ‬ ‫علمي)‪ ،‬مرايا من ُتراث لبنان‪،‬‬ ‫مقدمة‪ ،‬في هنري زغيب (ناشر‬ ‫‪ 440‬جوزيف جبرا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللبناني‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫راث‬ ‫الت‬ ‫مركز‬ ‫منشورات‬ ‫ة‪،‬‬ ‫األميركي‬ ‫ة‬ ‫بناني‬ ‫اللّ‬ ‫الطبعة األولى‪ ،‬الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،2008‬ص‪.6 .‬‬


‫المراجع‬ ‫مقدمة مرايا من ُتراث لبنان‪ّ ،‬‬ ‫بنانية‬ ‫ •جبرا جوزيف‪ّ ،‬‬ ‫الطبعة األولى‪ ،‬الجامعة اللّ ّ‬ ‫اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ،‬ص‪.6 .‬‬ ‫التراث‬ ‫األميركية‪ ،‬منشورات مركز ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ •الحلو صوالنج‪ ،‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء الشوف خالل‬ ‫اللبنانية في‬ ‫عدتها لشهادة الدكتوراه‬ ‫العصر‬ ‫العثماني‪ ،‬أطروحة غير منشورة أَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانية‪،‬‬ ‫القسيس‪ ،‬الجامعة‬ ‫الفنون واآلثار‪ ،‬إشراف األستاذ الدكتور أنطوان ّ‬ ‫ّ‬ ‫واإلجتماعية‪ ،‬سن‬ ‫اإلنسانية‬ ‫المعهد العالي للدكتوراه في اآلداب والعلوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفيل‪.2016 – 2015 ،‬‬

‫األثرية‬ ‫مشروعا رائـ ًـدا لحماية المواقع‬ ‫طلق‬ ‫ •زيــن الدين عامر‪ ،‬جنبالط ُي ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫التاريخية في الشوف‪ ،‬جريدة النهار‪ ،2009 ،‬ص‪.13 .‬‬ ‫والمباني‬ ‫ّ‬

‫بنانية حضارة في طريق الــزوال‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬ ‫ •فريحة أنيس‪ ،‬القرية ّ‬ ‫الل ّ‬ ‫َج ّروس برس طرابلس – لبنان‪.1989 ،‬‬

‫فينيقيات‪،1 ‬‬ ‫الفينيقي‪،‬‬ ‫الكنعاني‬ ‫الديني‬ ‫القسيس أنطوان‪ ،‬مالمح من الفكر‬ ‫ • ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األميركية للعلوم والتكنولوجيا‬ ‫بنانية‪ ،17 ‬الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫سلسلة ‪‬الــذاكــرة اللّ ّ‬ ‫الجامعية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.2013 ،‬‬ ‫‪ ،AUST‬دائرة المنشورات‬ ‫ّ‬

‫العربي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫ •قطيش عبد األمير‪ ،‬العالم‪ ،‬دار الباحث‬ ‫ّ‬ ‫‪.1986 – 1985‬‬

‫ •لبكي رجاء‪ ،‬الطواحين والمعاصر واألتاتين في بلدة بعبدات وجوارها‪ ،‬دراسة‬ ‫حضارية‪ ،‬رسالة غير منشورة أَ َع َّدها لشهادة دبلوم‬ ‫إجتماعية‬ ‫أثرية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تاريخية ّ‬ ‫ّ‬ ‫القسيس‪ ،‬الجامعة‬ ‫أنطوان‬ ‫الدكتور‬ ‫األستاذ‬ ‫إشراف‬ ‫التاريخ‪،‬‬ ‫في‬ ‫عليا‬ ‫دراسات‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬العمادة‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬الدكوانة‪،‬‬ ‫اللبنانية‪ ،‬كلّ ية اآلداب والعلوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪.2011‬‬

‫المادية في لبنان‪ ،‬تاريخها‪ ،‬مسارها‪،‬‬ ‫ •لبكي رجاء‪ ،‬مدخل إلى دراسة الحضارة‬ ‫ّ‬ ‫كيفية مقاربتها‪ ،‬مرايا التراث‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ربيع ‪،2016‬‬ ‫أعالمها‪ ،‬ضرورتها‪ّ ،‬‬ ‫ص‪.47 – 30 .‬‬

‫‪57‬‬

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ‫ّ‬

‫المدرس والباقوف ِحلو أو ُم ّر؟ العلم في‬ ‫حب نادر‪ ،‬المطروف‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ •شانه ساز ُم ّ‬ ‫التكنولوجيا‬ ‫ِح َيل استخراج زيت الزيتون في لبنان‪ ،‬بحث أنتروپـولوجي في ّ‬ ‫الثقافية‪ ،‬دار الحداثة‪ ،‬الطبعة األولى‪.2008 ،‬‬ ‫ّ‬

‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

‫العربية‬ ‫‪1.1‬المراجع باللغة‬ ‫ّ‬


‫تاريخية‬ ‫ دراسة إتنو‬،‫المادية في تاريخ لبنان‬ ‫ مظاهر الحضارة‬،‫ •لبكي رجاء‬ ّ ّ َ‫أ‬ ‫عدها لشهادة الدكتوراه‬ ‫تراثية (المتن‬ ّ ‫ أطروحة غير منشورة‬،)‫أنموذجا‬ ً ّ ‫ الجامعة‬،‫القسيس‬ ‫أنطوان‬ ‫الدكتور‬ ‫األستاذ‬ ‫ـراف‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫إ‬ ،‫التاريخ‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫اللبناني‬ ّ ّ ،‫واإلجتماعية‬ ‫ة‬ ‫اإلنساني‬ ‫والعلوم‬ ‫اآلداب‬ ‫في‬ ‫للدكتوراه‬ ‫العالي‬ ‫المعهد‬ ،‫ة‬ ‫اللبناني‬ ّ ّ ّ .2015 ،‫سن الفيل‬

‫األجنبية‬ ‫المراجع باللغة‬2.2 ّ • Aliquot J., La vie Religieuse au Liban sous L’Empire Romain, Beyrouth, Institut Français du Proche-Orient, BAH 189, 2009. • Atlas Climatique du Liban, (sans auteur), Tome I, (Pluie, Température, Pression, Nébulosité), deuxième édition, publié par le service Météorologique du Liban avec l’aide de l’Observatoire de Ksara, Ministère des travaux publics et des transports, 1977.

• Bonnet C., Melqart. Cultes et mythes de l’Héraclès tyrien en Méditerranée, Studia Phoenica, 8, 1988. • Braudel Fernand, Civilisation matérielle, économie et capitalisme, XV e – XVIII e siècle, le temps du monde, 3 volumes, Edition Armand Colin, Paris, le livre de poche, 1979, réédition Décembre 1997. • Brun J.-P., Archéologie du vin et de l’huile, de la préhistoire à l’époque hellénistique, Paris, éditions Errance, 2004. • Callot O., Huileries Antiques de Syrie du Nord, Beyrouth-DamasAmman, Institut Français d’Archéologie du Proche Orient, BAH 118, Paris, Librairie Orientaliste Paul Geuthner, 1984. • Callot O., Remarques sur les huileries de Khan Khaldé (Liban), Dans Archéologie Au Levant, Recueil à la mémoire de Roger Saidah, Lyon, Paris, Maison de l’Orient Méditerranéen, CMO n° 12, Série archéologique 9, Lyon, 1982, p. 419 – 428. • Caquot A., Un olivier qui n’est ni d’Orient ni d’Occident, Revue de la société Ernest Renan, 1987, p. 8 – 9. • Clermont-Ganneau Ch., Le temple de Baal Marcod à Deir El-Kalʿa: Nouvelles Inscriptions, Receuil d’Archéologie Orientale, Tome I, 1888, p. 101 – 114

58 ‫ صوالنج موريس الحلو‬.‫د‬

• Blas De Roblès J.-M. – Pieri -D. –Yon J.-B., Vestiges archéologiques du Liban, France, Edisud, 2004.


‫معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب‬

• Contenau G., Mission archéologique à Sidon (1914), Syria, Volume 1, Issue 1, 1920, p. 16 – 55.

‫العثماني‬ ‫في قضاء الشوف إبّان الحكم‬ ّ

59

• District du Chouf (2010), repéré à: http://fr.academic.ru/dic.nsf/ frwiki/1909882 (Visité: 13 Août 2015). • Dunand M., Chronique (Maurice Dunand), BMB, 18, 1965, p. 120. • Dunand, M. et Duru R., Oumm El-ʿAmed : Une ville de l’époque hellénistique aux échelles de Tyr, Paris, Librairie d’Amérique et d’Orient, 1962. • Jidejian N., L’archéologie au Liban: sur les traces des diplomates, archéologues amateurs et savants, Beyrouth, éditions Dar An-Nahar, 1998. • Lipinski E. (éd.), Dictionnaire de la civilisation phénicienne et punique, Brepols, 1992. • Lortet Dr. L., La Syrie d’aujourd’hui: voyages dans la Phénicie, le Liban et la Judée, 1875 – 1880, Paris, Hachette,1884. • Ortali-Tarazi R. – Waliszewski T. – Nordiguian L., Chhîm, un village Byzantin au Sud de Beyrouth. Liban, l’autre rive, exposition présentée à L’Institut du Monde Arabe du 27 Octobre au 2 Mai 1999, Paris, Flammarion, Institut du monde Arabe, 1998, pp. 215 – 216. • Renan E., Mission de Phénicie, Paris: Imprimerie Impériale, 1864. • Robinson Ed. – Smith E., Later Biblical Researches in Palestine and in The Adjacent Regions, (3) A Journal of Travels in the Year 1852, Boston, Crocker and Brewster, 1856. • Röllig W., Baal Marcod، Dictionnaire de la civilisation phénicienne et punique, Lipinski E. (éd.), Brepols, 1992, p. 59. • Saidah R., Berytus, 18, Beirut, Lebanon, 1969, p. 119–142. • Saidah R., Chronique : Fouilles de Khaldé, BMB, 20, 1967, p. 155 – 180. • Seyrig H., Les grands dieux de Tyr à l’époque Grecque et Romaine, Syria, 40, 1963, p. 19 – 28. • Waliszewski T. – Ortali-Tarazi R. et al, Village Romain et Byzantin à Chhîm-Marjiyat, Rapport Préliminaire (1996 – 2002), BAAL, 6, 2002, p. 5 – 105.


• Waliszewski T., Ortali-Tarazi R., Chhîm, 2000 ans d’Histoire au Coeur d’un village antique du Liban, Beyrouth, Direction Générale des Antiquités du Liban, Varsovie, Centre Polonais d’archéologie Méditerranéenne de l’université de Varsovie, 2002. • Will E., Au sanctuaire d’Héraclès à Tyr: l’olivier enflammé, les stèles et les roches ambrosiennes, Berytus, 10, 1950 – 1951, p. 1 – 12.

‫ صوالنج موريس الحلو‬.‫د‬

60


‫تراثنا المادي‬

‫بهية‬ ‫صفحة ّ‬ ‫من تاريخ لبنان المعاصر‬ ‫لبنان في طوابعه ا ُألولى‪:‬‬ ‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬ ‫وسام اللحام‬


‫المادي‬ ‫ترا ُثنا‬ ‫ّ‬

‫لبنان في طوابعه األُولى‪:‬‬ ‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬ ‫وسام اللحام‬

‫أستاذ في معهد العلوم السياسية‬ ‫جامعة القديس يوسف‬

‫حياتها الثقافية واالجتماعية‬ ‫الطابع وثيقة تاريخية تعكس في الدولة‬ ‫َ‬ ‫والسياسية‪ ،‬فتخلّ د الدول ُة أحداثها الوطنية المهمة بإصدار طوابع تذكارية‪.‬‬ ‫أصال لسد حاجة اقتصادية ذات عالقة بخدمة‬ ‫صحيح أن الطابع ُوجد ً‬ ‫ّ‬ ‫بتح ُّوله لوح ًة فنية تثير شغف الهواة‪،‬‬ ‫البريد‪ ،‬لكنه‬ ‫تخطى ُبعده الوظيفي َ‬ ‫لطابع تاريخي يتيح للهاوي إطاللة على‬ ‫وحسب بل‬ ‫ال لتصميمها البديع‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫لبرهة مرحل ًة زمني ًة اندثرت إلى غير رجعة‪.‬‬ ‫الماضي يتلمس بها‬ ‫ٍ‬ ‫غالبا‬ ‫وإلى الدور االقتصادي‪ ،‬للطوابع ً‬ ‫أيضا وظيفة سياسية‪ ،‬إذ تترافق ً‬ ‫مع ظهور الكيانات السياسية‪َ ،‬و َت َش ُّك ِلها ضمن‬ ‫تعبر هــذه من خاللها عن‬ ‫دو ٍل ذات إج ــراءات ِّ‬ ‫سيادتها واستقاللها‪َ ،‬ك َت َب ّني َعلَ م وطني‪ ،‬ونشيد‬ ‫رسمي‪ ،‬وإص ــدار النقد المحلي عملة شرعية‬ ‫تعبر عــن سيادة‬ ‫قانونية وحـيــدة‪ .‬وثمة طــوابــع ّ‬ ‫الدولة تصدرها امتيازات سلطة مركزية حريصة ٔاول ظهور للمتحف الوطني‬ ‫على طابع ‪1945‬‬ ‫على تنظيم إدارة البريد وتحديد قواعد ترعى‬ ‫هذا القطاع‪.‬‬ ‫وهكذا في لبنان‪ :‬منذ بداية االنتداب الفرنسي أصدر البريد اللبناني‬ ‫مجموعات طوابع تتجلى فيها هوية لبنان الحضارية‪.‬‬ ‫وتطو َرها منذ نهاية الحقبة‬ ‫وللطوابع اللبنانية قص ٌة تسرد نشأتها‬ ‫ُّ‬ ‫ـوال إلى االستقالل‪ ،‬ال‬ ‫ـرورا بإعالن دولــة لبنان الكبير‪ ،‬وصـ ً‬ ‫العثمانية‪ ،‬مـ ً‬ ‫استعراضها بدون الرجوع إلى مصادر أصلية ونصوص قانونية واكبت‬ ‫يمكن‬ ‫ُ‬ ‫تلك المرحلة التأسيسية‪ ،‬وفي هذا صعوبة اطالع الهواة والمهتمين عليها‪،‬‬ ‫التطرق لها في كتب الطوابع المنشورة‪ .‬وفي قصة الطوابع اللبنانية‬ ‫وعدم‬ ‫ُّ‬ ‫جانب‬ ‫ويتضح فيها‬ ‫يظهر مدى الترابط بين الطوابع وتاريخ لبنان الحديث‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مهم من هذا التاريخ‪.‬‬ ‫ٌّ‬


‫‪ .1‬الطوابع في العصر العثماني‬

‫‪Bernardo Longo, Les cachets postaux libanais 1918 –1945, Beyrouth, 2014.‬‬

‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫‪ 11‬إبراهيم بك األسود‪ ،‬دليل لبنان‪ ،‬وضعته إدارة جريدة لبنان‪ ،‬المطبعة العثمانية‪،‬‬ ‫بعبدا‪ ،1901 ،‬ص‪.91 .‬‬ ‫‪ 22‬لدراسة شاملة مفصلة عن أختام مكاتب البريد في لبنان‪:‬‬

‫‪63‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫ّات َبعت السلطنة العثمانية تقليد الدول األوروبية‪ ،‬فأصدرت أول طابع‬ ‫لها في كانون الثاني ‪ ،1863‬في تصميم بسيط ظهرت عليه طغراء (شعار)‬ ‫السلطان عبد العزيز (‪ .)1876–1861‬ثم أسست مكاتب بريد في أرجاء‬ ‫السلطنة‪ ،‬عاكس ًة إرادتها السياسية بتعزيز التواصل في ما بين الواليات‬ ‫عمليا لحقبة التنظيمات التي هدفَ ت إلى تقوية السلطة‬ ‫تطبيقا‬ ‫العثمانية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫المركزية باإلصالح اإلداري والتحديث على غرار ما في الدول المتقدمة‪.‬‬ ‫وتدرجيا انتشرت المكاتب البريدية في متصرفية جبل لبنان وبيروت‬ ‫ًّ‬ ‫وازدادت من ‪ 58‬سنة ‪ 1863‬إلى ‪ 230‬قبيل اندالع الحرب العالمية األولى‬ ‫سنة ‪ .1914‬وغطت مكاتب البريد المدن والقرى اللبنانية من الشمال‬ ‫واضح‬ ‫سرد‬ ‫إلى الجنوب‪ .‬وفي كتاب ‪‬دليل لبنان‪ ‬البراهيم بك األسود‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫لطريقة عمل البريد العثماني في لبنان‪ ،‬فهو يعدد ‪‬شعب البوستة في‬ ‫جميع أقضية لبنان‪ ‬مع اسم مأمور (مدير) كل فرع‪ ،‬ويشرح اآللية المتبعة‬ ‫في توزيع البريد‪ :‬تسافر البوستة يوم األحد من بيروت إلى الجديدة‬ ‫وبيت مري وبرمانا وعين السالم وبحنس وبعبدات والمتين وعين طوره‬ ‫وكفرعقاب وبزبدين وصليما والعربانية من أعمال قضاء المتن‪ ،‬وتعود‬ ‫إلى بيروت ظهر يوم الثلثا (كذا)‪ .‬وكل يوم تسافر البوستة من بيروت إلى‬ ‫جونيه مع القطار اللبناني‪ ،‬ومنها تتوزع إلى الزوق وعين طوره وبكركي‬ ‫وغــزيــر وعجلتون وري ـفــون والـمــزرعــه ومـيــروبــا وعــرمــون ودلبتا ودرعــون‬ ‫وغوسطا والكفور وغبالي والمراديه والزعيتره وعمشيت وحاالت ويحشوش‬ ‫وعبيدات وطبرجا وشيخان وجدايل من أعمال قضاء كسروان‪ .1‬ومع أن‬ ‫صورا ألماكن ال عالقة‬ ‫طوابع مكاتب البريد كانت جميعها عثمانية تحمل‬ ‫ً‬ ‫لها بلبنان‪ ،‬تبقى قيمتها في أختام مكاتب‬ ‫البريد اللبنانية عليها‪ .‬فعند لصق الطابع‬ ‫ختم‪ ،‬لتعطيله‪ ،‬بختم‬ ‫ودفع قيمته كان ُي َ‬ ‫بريد في المدينة أو‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫خــاص لكل مكت ِ‬ ‫القرية المعنية‪ .‬وإذا كانت أختام المدن‬ ‫الكبيرة كبيروت شائع ًة فأختام مكاتب طابع عثماني يحمل ختم‬ ‫‪2‬‬ ‫القرى النائية نادر ٌة وهدف مهم للهواة  ‪ .‬مكتب بريد صوفر‬


‫بطاقة بريدية عثمانية مع طوابع المشرق‬

‫‪64‬‬ ‫وسام اللحام‬

‫بريد‬ ‫وإلى مكاتب البريد العثمانية‪ ،‬انتشرت في أرجاء السلطنة‬ ‫مكاتب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫منحتها السلطات التركية إلى دول‬ ‫تجاري ٌة للدول األجنبية‪ .‬فنتيج َة امتيازات‬ ‫ْ‬ ‫وتطور طرق المواصالت البحرية في القرن التاسع‬ ‫تحسن‬ ‫أوروبية‪ ،‬ومع ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫بريد نافست البريد العثماني‪ ،‬بل‬ ‫مكاتب‬ ‫افتتحت الدول األوروبية‬ ‫عشر‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫تفوقت عليها بجودة الخدمة وسرعتها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مكتب بــريــد فــي ب ـيــروت‪ :‬فرنسا فــي ‪ 16‬تشرين‬ ‫استحدثت‬ ‫هـكــذا‬ ‫َ‬ ‫الثاني ‪ ،1845‬النمسا في نهاية ‪ ،1845‬روسيا سنة ‪ ،1857‬بريطانيا سنة‬ ‫‪ ،1873‬وألمانيا في آذار ‪ .1900‬وكذلك افتتحت تلك الدول مكاتب لها‬ ‫ترجيحا سنة ‪ ،1858‬وروسيا‬ ‫في طرابلس‪ :‬فرنسا سنة ‪ ،1852‬النمسا‬ ‫ً‬ ‫سنة ‪ .3 1862‬بداي ًة استخدمت تلك المكاتب طوابع بريدية متداولة في‬ ‫دولها‪ ،‬وعند لصقها كان يتم تعطيلُ ها بختم خاص يحمل اسم ‪‬بيروت‪‬‬ ‫أو ‪‬طرابلس‪ ‬حسب لغة الــدولــة التي يتبع لها المكتب‪ .‬وسنة ‪1902‬‬ ‫طوابعها الحاملة عبارة ‪‬الجمهورية الفرنسية‪ ‬بأُ خرى‬ ‫استبدلت فرنسا‬ ‫َ‬ ‫خاصة ببلدان المشرق تحمل كلمة ‪ Levant‬الستعمالها في مكاتب‬ ‫وتحولها مركز واليــة تمتد‬ ‫سريعا‬ ‫بيروت وطرابلس‪ .‬وكــان لنمو بيروت‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫‪ 33‬‬

‫لمعلومات مفصلة حول مكتب البريد الفرنسي في بيروت‪:‬‬

‫‪Semaan Bassil, Soixante-dix ans d’histoire postale du bureau de poste‬‬ ‫‪français à Beyrouth, ACPP, Beyrouth, 2009.‬‬


‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫مرفإها أحد أهم وأنشط مرافئ‬ ‫جعل‬ ‫ِ‬ ‫على نحو ‪ 30000‬كلم‪ ،2‬أثر في ْ‬ ‫الدولة العثمانية على المتوسط‪ ،‬وتعزز حضورها فأدى إلى نمو الخدمات‬ ‫البريدية فيها بشكل ُمـ َّ‬ ‫ـطــرد‪ .‬وسنة ‪ 1905‬ظهر اســم بيروت ألول مرة‬ ‫طابعا بكلمة ‪( .Beyrouth‬التوشيح‪:‬‬ ‫وشح البريد الفرنسي‬ ‫على طابع إذ ّ‬ ‫ً‬ ‫إضافة كلمة مطبوعة)‪.‬‬

‫‪65‬‬

‫‪ .2‬الطوابع في المرحلة االنتقالية‬ ‫عـنــد هــزيـمــة الــدولــة العثمانية فــي نـهــايــة ال ـحــرب العالمية األول ــى‬ ‫مفسحا للقوات‬ ‫(‪ )1918‬انسحب الجيش التركي مــن لبنان والمنطقة‬ ‫ً‬ ‫الفرنسية واالنكليزية التقدم واحـتــال أماكن أخالها األت ــراك‪ .‬واتخذ‬ ‫فقام الكولونيل‬ ‫ت تمنع التداول بالعملة التركية الورقية‪،‬‬ ‫الحلفاء إجــراءا ٍ‬ ‫َ‬ ‫‪‬دو‪ ‬بييـﭘـاپ‪ – )De Piépape( ‬الحاكم اإلداري على أراضي العدو المحتلة‬ ‫في المنطقة الشمالية (الساحل اللبناني والبقاع) – بإصدار القرار رقم ‪11‬‬ ‫(‪ 1‬تشرين األول ‪ )1918‬سمح بتداول القطع الذهبية‪ ،‬وحصر استخدام‬ ‫النقد الورقي بعملة مصرية ورقية كان يحملها الجنود الوافدون من مصر‬ ‫بقيادة الجنرال اإلنكليزي َأ ِّلمبي‪.‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫بطاقة بريدية عن بيروت ‪١٩٠٦‬‬


‫قيمتها واتخذت سلطات‬ ‫تأثر النظام البريدي بفقدان الطوابع العثمانية َ‬ ‫تبعية المنطقة‬ ‫االحتالل الفرنسي إجراءات استبدالها بطوابع جديدة تكرس ّ‬ ‫لها‪ .‬هكذا‪ ،‬بعد وصول المفوض السامي الجديد الجنرال غورو إلى بيروت‬ ‫(‪ 21‬تشرين األول ‪ ،)1919‬تقرر استخدام طوابع فرنسية ‪ 4‬يجري توشيحها‬ ‫ـدوة محتلة‪،)Territoire ennemi occupé :‬‬ ‫بأحرف ‪( T.E.O.‬أرض عـ ّ‬ ‫وبفئة جديدة تسمى بالعملة المصرية (المليم أو القرش)‪ .‬وتم توشيح‬ ‫ظل‬ ‫الطوابع الفرنسية فــي مطبعة جــدعــون (ب ـيــروت) لكن استخدامها ّ‬ ‫محدودا لقلة عددها والقتصار استعمالها على بيروت فقط‪ ،‬وهو ما يظهر‬ ‫ً‬ ‫من هذا اإلعالن المعلّ ق على جدران المدينة‪:‬‬

‫‪66‬‬

‫طوابع فرنسية مع توشيحات مختلفة‬

‫وسام اللحام‬

‫‪« Par suite du remplacement des timbres en cours par une‬‬ ‫‪nouvelle émission dont la quantité est provisoirement limitée, il‬‬ ‫‪ne sera pas délivré, comme pour le passé, des timbres-poste au‬‬ ‫‪public, mais l’affranchissement des correspondances et autres‬‬ ‫‪doit se faire par les soins des agents de guichets ».‬‬

‫بعد اتـفــاق الحلفاء على تقاسم النفوذ فــي المنطقة العربية‪ ،‬شرع‬ ‫ـدإ االنــت ــداب كـمــا أق ــره مــؤتـمــر س ــان ريمو‬ ‫ال ـج ـنــرال غ ــورو بتطبيق م ـبـ ِ‬ ‫(نيسان ‪ .)1920‬وأصدر غورو القرار رقم ‪ 31( 129‬آذار ‪ )1920‬وفي مادته‬ ‫الثانية اعتبار العملة السورية منذ األول من أيــار عملة لبنان الرسمية‪،‬‬ ‫تدريجيا بالجنيه المصري‪ .‬وتقرر اعتماد توشيح جديد‬ ‫ويمنع التداول‬ ‫ًّ‬ ‫للطوابع الفرنسية بــأحــرف ‪( O.M.F.‬االح ـتــال العسكري الفرنسي‪:‬‬ ‫‪ )Occupation militaire française‬وتحتها كلمة ‪ .5Syrie‬وجرت عملية‬ ‫التوشيح كذلك في مطبعة جدعون (بيروت)‪.‬‬ ‫الموشحة كانت ُتعرف بـ‪:‬‬ ‫‪ 44‬الطوابع الفرنسية‬ ‫َّ‬ ‫‪ Mouchon, Merson, Blanc, Semeuse‬إضافة إلى طوابع ‪.Levant‬‬ ‫‪ 55‬القرار رقم ‪ 23( 1633‬تشرين األول ‪ّ )1922‬‬ ‫نظم فئات الطوابع الفرنسية الموشحة‬ ‫سوريا‪ ،‬إلى خمسة طوابع تغريم من‬ ‫قرشا‬ ‫طابعا من ربع قرش سوري إلى ‪ً 25‬‬ ‫ً‬ ‫فجعلها ‪ً 12‬‬ ‫نصف قرش إلى خمسة قروش‪ .‬لمراجعة القرار‪:‬‬

‫‪Recueil des actes administratifs du Haut-Commissariat de la République‬‬ ‫‪Française en Syrie et au Liban, Volume III, 1922, Beyrouth, p. 432.‬‬


‫‪ .3‬مجموعة الطوابع اللبنانية األولى‬ ‫مكرسا‪ ،‬وفق القانون‬ ‫صك االنتداب بدأ تنفيذُ ه في ‪ 29‬أيلول ‪1923‬‬ ‫ً‬ ‫الــدولــي‪ ،‬االنـفـصــال بين ســوريــا ولـبـنــان‪ .‬وترجمت السلطات الفرنسية‬ ‫عمليا هذا االنفصال بقبول عضوية لبنان الكبير واالتحاد السوري في‬ ‫ًّ‬ ‫االتحاد البريدي العالمي‪ .‬لذا أصدر المفوض السامي القرار رقم ‪2342‬‬ ‫(‪ 17‬كانون األول ‪ )1923‬وهو النص التأسيسي‪ 6‬للبريد اللبناني‪ ،‬وفي مادته‬ ‫‪ 66‬‬

‫أدق حول عمل مكاتب البريد‪ :‬الفصل ‪ 12‬من كتاب نشرته المفوضية‬ ‫لشرح ّ‬

‫السامية‪Haut-Commissariat de la République Française en Syrie et au Liban, :‬‬ ‫‪La Syrie et le Liban en 1922, Emile Larose Libraire-éditeur, Paris, 1922.‬‬

‫‪67‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫بعد إعالن دولة لبنان الكبير (‪ 1‬أيلول ‪ )1920‬وإقرار عصبة األمم صك‬ ‫االنتداب في ‪ 24‬تموز ‪ 1922‬واستبدال ‪‬االحتالل العسكري الفرنسي‪‬‬ ‫ممكنا إبقاء‬ ‫رسميا بـ ‪‬نظام االنتداب على سوريا ولبنان‪ ،‬لم ُيعد‬ ‫(‪)O.M.F‬‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫الطوابع الفرنسية موشحة فقط بكلمة ‪‬سوريا‪ ‬أو تشير إلى االحتالل‬ ‫العسكري‪ ،‬لذا أصدر المفوض السامي ويغان القرار رقم ‪ 26( 2139‬آب‬ ‫‪ )1923‬يستبدل التوشيح القديم بآخر‬ ‫جديد‪Syrie-Grand-Liban :‬‬ ‫ٍ‬ ‫مكرسا بذلك أول ظهور لكلمة ‪‬لبنان‪ ‬على طابع بريدي‪ .‬تلك المجموعة‬ ‫ً‬ ‫مشتركا للبنان وســوريــا‪ ،‬شكلت مقدمة‬ ‫ً‬ ‫ـدارا‬ ‫‪26‬‬ ‫من‬ ‫ـى‬ ‫األولـ‬ ‫طابعا‪ ،‬إص ـ ً‬ ‫ً‬ ‫إلصدار طابع مخصص فقط للبنان‪.‬‬

‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫بطاقة بريدية مع طابع فرنسي موشح‬


‫أن منذ األول من كانون الثاني ‪ 1924‬تنتقل إدارة البريد على أراضي‬ ‫األولى ْ‬ ‫الدولتين إلى لبنان وسوريا‪ ،‬وجاء في المادة التاسعة‪:‬‬ ‫‪« Les offices de la Fédération et du Grand Liban font usage de‬‬ ‫‪timbres postes émis spécialement pour chacun de leur office‬‬ ‫‪respectif. Les objets de correspondance originaires de l’un ou‬‬ ‫‪de l’autre des offices de la Fédération et du Grand Liban ne‬‬ ‫‪peuvent être affranchis qu’au moyen des figurines propres à‬‬ ‫‪chacun d’eux »7.‬‬

‫‪68‬‬

‫طابعان فرنسيان مع توشيحات مختلفة‬

‫وسام اللحام‬

‫هكذا ُو ِلد الطابع اللبناني‪ ،‬وصدرت إجراءات التمييز بين طوابع لبنان‬ ‫وسوريا بالقرار ‪ 28( 2359‬كانون األول ‪ )1923‬وفي مادته األولى توشيح‬ ‫وس ِحبت‬ ‫الطوابع الفرنسية المستخدمة في لبنان بكلمة ‪ُ ،Grand-Liban‬‬ ‫طوابع التوشيحات القديمة ليل ‪ 31‬كانون األول ‪( 1923‬المادة الثالثة)‪.‬‬ ‫طابعا (عادي وجوي وتغريم) وتراوحت من‬ ‫تلك المجموعة تشكلت من ‪29‬‬ ‫ً‬ ‫سوريا‪ .‬وجرى التوشيح في مطابع اآلباء‬ ‫ا‬ ‫قرش‬ ‫فئة ِعشر القرش إلى ‪ً 25‬‬ ‫ً‬ ‫الكبوشيين (بيروت)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وألن في المادة ‪ 16‬من صك االنتداب أن العربية والفرنسية اللغتان‬ ‫تكرس األمر على الطوابع اللبنانية‬ ‫الرسميتان في البالد الخاضعة لالنتداب‪ّ ،‬‬ ‫فأصدر المفوض السامي بالوكالة القرار‪ 8‬رقم ‪ 5( 2660‬حزيران ‪)1924‬‬ ‫وفي مادته األولى ضرورة توشيح الطوابع باللغتين‪ .‬وصدرت المجموعة‬ ‫طابعا (عادي وجوي وتغريم) مع فئات تراوحت من‬ ‫اللبنانية الثانية من ‪37‬‬ ‫ً‬ ‫ِعشر القرش إلى ‪25‬‬ ‫قرشا ووشحت ‪‬لبنان الكبير‪ ‬و‪Grand-Liban‬‬ ‫ً‬ ‫الكبوشيين (بيروت)‪.‬‬ ‫وكذلك جرى التوشيح في مطابع األباء‬ ‫ّ‬ ‫‪Recueil des actes administratifs du Haut Commissariat de la République‬‬ ‫‪ 77‬‬ ‫‪Française en Syrie et au Liban, Volume IV, 1923, Beyrouth, p. 387.‬‬

‫‪ 88‬‬ ‫‪Bulletin officiel des actes administratifs du Haut-Commissariat,‬‬ ‫‪Beyrouth le 19 Juin 1924, numéro 12.‬‬


‫‪ .4‬أول مجموعة طوابع بتصميم لبناني‬

‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫مجموعة‬ ‫لبنان الكبير‬

‫‪69‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬


‫‪70‬‬ ‫وسام اللحام‬

‫طوابع فرنسية ًّأيــا تكن أشكال‬ ‫الطوابع المستخدمة في لبنان‬ ‫كانت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫التواشيح المختلفة‪ .‬وكانت القرارات ِّ‬ ‫منظ َم ُة التوشيح تذكر أن ذلك مؤقت‬ ‫ريثما تصبح للبنان مجموعته الخاصة مــن الـطــوابــع‪ .‬استغرق تحضير‬ ‫تصاميم وأشكا ٍل جديدة‪ ،‬ونيلها موافقة البريد اللبناني‬ ‫وقتا لوضع‬ ‫الطوابع ً‬ ‫َ‬ ‫وشحنها إلــى لبنان‪ .‬بــدأ العمل سنة ‪ ،1923‬وصدر‬ ‫وطبعها في فرنسا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اليسوعية هذا الخبر‪ :‬تلقت إدارة البرق والبريد‬ ‫‪‬البشير‪‬‬ ‫جريدة‬ ‫في‬ ‫ّ‬ ‫في المفوضية العليا صور ًة فوتوغرافية للطوابع البريدية للبنان وسورية‬ ‫ألجل الموافقة عليها قبل طبعها‪ .9‬وبعد ثالثة أشهر بدأ طبع المجموعة‬ ‫الجديدة وفــق ما أوردت ‪‬البشير‪ :‬بوشر في فرنسة بطبع الطوابع‬ ‫البريدية اللبنانية والسورية‪ ،‬والمنتظر أنها ستستعمل منذ دخول العام‬ ‫نوعا‪،‬‬ ‫القادم‪ ،‬وهذه الطوابع الوطنية الجديدة يطبع منها تسعة عشر ً‬ ‫منظر من مناظر لبنان أو سورية وآثارهما التاريخية‪ ،‬وقد‬ ‫وعلى كل نوع‬ ‫ٌ‬ ‫‪10‬‬ ‫كتب عليها أيضا‪ :‬البريد اللبناني أو البريد السوري‪. ‬‬ ‫س هذه الطوابع في التداول ّإال سنة ‪ 1925‬عندما أصدر المفوض‬ ‫لم ُتم ِ‬ ‫متيحا في مادته‬ ‫السامي سيراي القرار رقم ‪ 21( S/50‬شباط ‪)1925‬‬ ‫ً‬ ‫اعتبارا من ‪ 1‬آذار ‪ .1925‬هكذا بات‬ ‫األولــى استخدام الطوابع الجديدة‬ ‫ً‬ ‫للبنان أول مجموعة طوابع لبنانية كاملة – باسم ‪‬بريد لبنان الكبير‪ – ‬من‬ ‫طابعا (ال ‪ 19‬كما ورد في خبر ‪‬البشير‪ )‬من ِعشر القرش إلى ‪25‬‬ ‫‪18‬‬ ‫ً‬ ‫صممها الفرنسي جوزف دو ال ِنيزيير (‪)Joseph de la Nézière‬‬ ‫ً‬ ‫قرشا‪ّ ،‬‬ ‫الفرنسية‬ ‫(‪ُ ،)1944 – 1873‬طبعت على مطابع فوجيرار (‪)Vaugirard‬‬ ‫ّ‬ ‫وفق تقنية الهيليوغرافور (‪ )Héliogravure‬وهي يومها تقنية رائدة متطورة‬ ‫وبراقة‪.‬‬ ‫قوية ّ‬ ‫تعطي األلوان ّ‬ ‫اللبناني الوليد بظهور مناطق لبنانية‬ ‫كرس هذا اإلصدار وحدة الكيان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عـ ّـدة على الطوابع العادية عاكس ًة في دولـ ٍـة واح ــد ٍة انضمام ُمــدن إليها‬ ‫ملحق ًة بمتصرفية جبل لبنان‪ .‬هكذا تمثلت بيروت وطرابلس وبعلبك‬ ‫كانت‬ ‫َ‬ ‫بطابعين‪ ،‬وص ــور وص ـيــدا بطابع واحــد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وتوزعت باقي الطوابع على مناطق جبل‬ ‫لبنان بتخصيص طابع واحد لبيت الدين‬ ‫وديــر القمر والمختارة وزح ـلــة‪ ،‬وظهرت‬ ‫األرزة اللبنانية ألول مرة على طابع بريدي‪.‬‬ ‫وانسحب األمر عينه على طوابع التغريم طابع عادي مع توشيح للطائرة‬ ‫‪ 99‬البشير‪ 12 ،‬أيار ‪ ،1923‬العدد ‪.3016‬‬ ‫‪ 1 10‬البشير‪ 2 ،‬آب ‪ ،1923‬العدد ‪.3051‬‬


‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫‪ 111‬تقرير المفتش العام للبريد والبرق‪ ،‬منشور في النشرة الشهرية لــ ‪‬أعمال‬ ‫المفوضية السامية‪ ،‬تاريخ ‪ 30‬نيسان ‪.1926‬‬

‫‪71‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫التي حملت رســوم نهر الكلب وبيروت وصخرة الروشة وقلعة الشقيف‪،‬‬ ‫ومعبد فينوس (بعلبك)‪ .‬واقتصرت تلك المجموعة على الطوابع العادية‬ ‫وطوابع التغريم دون وجود طوابع جوية‪ ،‬وأجازت المادة الثالثة من القرار‬ ‫رقم ‪ S/50‬توشيح طوابع من فئات‪ 5 ،3 ،2 :‬و‪ 10‬قــروش بكلمة ‪Avion‬‬ ‫الستعمالها طوابع جوية حتى صدور مجموعة جوية خاصة الحقة‪ .‬لكن‬ ‫واضحا بين البريدين العادي والجوي‪ ،‬لذا‬ ‫يفرق‬ ‫ً‬ ‫التوشيح بكلمة ‪ Avion‬لم ّ‬ ‫مستبدال التوشيح‬ ‫ً‬ ‫أصدر المفوض السامي القرار ‪ 20( 202‬آذار ‪)1926‬‬ ‫بتوشيح برسم طائرة‪.‬‬ ‫بالكلمة‬ ‫ٍ‬ ‫فتنوعت ُط ُرق‬ ‫تلك المجموعة شهدت على أحــداث سياسية مهمة‪ّ ،‬‬ ‫استخدامها وفق التوشيحات المختلفة عليها‪ .‬ففي تشرين األول ‪1925‬‬ ‫اندلعت مواجهات عنيفة بين الجيش الفرنسي والـثــوار السوريين ْإثـ َـر‬ ‫انتفاضة سلطان باشا األطرش في جبل الدروز على االنتداب الفرنسي‪.‬‬ ‫ـدود‬ ‫لبنانيين يقطنون فــي مناطق‬ ‫وطــالــت تلك األح ــداث‬ ‫ٍ‬ ‫متاخمة الـحـ َ‬ ‫ّ‬ ‫السورية (السيما في منطقة راشيا)‪ .‬وقصفت القوات الفرنسية مدينة‬ ‫راشيا لطرد ثــوار احتلوا قلعتها فـتــر ًة‪ ،‬ما أدى إلــى تهجير سكان تلك‬ ‫المناطق وتدمير منازل كثيرة‪ .‬بعد تلك الوقائع تشكلت لجنة لتخمين‬ ‫ال ـخ ـســائــر‪ ،‬حـصـلــت عـلــى طـلـبــات تـعــويــض فــاقــت ثــاثــة مــايـيــن لـيــرة‪،‬‬ ‫فـكــان ال بــد مــن رفــد خــزيـنــة الــدولــة بـمـصــادر تـمــويــل متنوعة لتغطية‬ ‫المبلغ المطلوب‪ .‬اقترحت السلطات اللبنانية على المفوض السامي‬ ‫توشيح الطوابع ورفــع قيمتها وتخصيص الربح المحقق للتعويض على‬ ‫المنكوبين‪ .‬وافــق المفوض السامي دو جوفانيل فــأصــدر الـقــرار رقم‬ ‫مجيزا توشيح الطوابع بعبارة ‪‬إعانات لالجئين‪‬‬ ‫‪ 27( 212‬آذار ‪)1926‬‬ ‫ً‬ ‫‪11‬‬ ‫و‪. secours aux réfugiés‬‬ ‫تطور الحياة السياسية في لبنان‪ .‬ففي ‪ 23‬أيار‬ ‫تلك المجموعة واكبت ُّ‬ ‫الدستور اللبناني وفي ‪ 26‬أيار تم انتخاب‬ ‫التمثيلي‬ ‫المجلس‬ ‫‪ 1926‬أقر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫شارل دباس أول رئيس للجمهورية‪ .‬وفي المادة ‪ 101‬من الدستور الجديد‪:‬‬ ‫‪‬ابتداء من أول أيلول سنة ‪ُ 1926‬تدعى دولة لبنان الكبير ‪‬الجمهورية‬ ‫وتطبيقا هذه الماد َة‪ ،‬وتلك‬ ‫اللبنانية‪ ‬بدون أي تبديل أو تعديل آخر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الطوابع تحمل عبارة ‪‬لبنان الكبير‪ ،‬أعلن المفوض السامي بالقرار‬ ‫‪ 21( 1244‬أيــار سنة ‪ :)1927‬تستبدل بصفة مؤقتة في دولــة لبنان‬ ‫في جميع الطوابع البريدية المستعملة اآلن حتى صدور طبعة جديدة‬


‫بكلمتي ‪‬الجمهورية‬ ‫عمومية للطوابع البريدية كلمتا ‪‬لبنان الكبير‪‬‬ ‫َ‬ ‫‪12‬‬ ‫اللبنانية‪ ‬بإضافتهما على الطوابع كاسم لدائرة االصدار‪. ‬‬

‫‪72‬‬ ‫وسام اللحام‬

‫بطاقة بريدية مع طوابع موشحة الجمهورية اللبنانية‬

‫‪ .5‬صدور أول طابع مالي لبناني‬ ‫ال تقتصر الطوابع على البريدية فقط (المستخدمة للمراسالت الداخلية‬ ‫مالية أو‬ ‫والخارجية) بل فيها عالقة المواطن مع إدارات الدولة عبر طوابع ّ‬ ‫أيضا بــ ‪‬التمغة‪،‬‬ ‫أميرية (كما كانت ُتعرف في الماضي)‪ .‬وكانت ُتعرف ً‬ ‫ّ‬ ‫رسوم على الفرد تأْ ديتها للدولة لقاء ِإجراء معاملة قانونية‪.‬‬ ‫وهي‬ ‫ٌ‬

‫ٔاول تصميم لطابع مالي لبناني‬

‫‪ 112‬الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية‪ ،‬تاريخ ‪ 17‬حزيران ‪ ،1927‬عدد ‪.2088‬‬


‫‪ 1 13‬الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية‪ ،‬تاريخ ‪ 10‬نيسان ‪ ،1929‬عدد ‪.227‬‬ ‫‪ 114‬الجريدة الرسمية للجمهورية اللبنانية‪ ،‬تاريخ ‪ 28‬أذار ‪ ،1927‬عدد ‪.2066‬‬

‫‪73‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫في البداية لبى لبنان حاجته من الطوابع المالية باستخدام طوابع‬ ‫موشحة بعبارة ‪‬رسم أميري‪ ‬أو ‪ .Droit Fiscal‬وسنة ‪1929‬‬ ‫فرنسية َّ‬ ‫قــررت الحكومة اللبنانية إصــدار طــوابــع مالية خاصة بلبنان كما في‬ ‫الطوابع البريدية‪ ،‬فأصدر الرئيس شارل دباس المرسوم ‪ 6( 4803‬نيسان‬ ‫ت‬ ‫معلنا أن الخزينة أصدرت ‪19‬‬ ‫‪ً )1929‬‬ ‫ماليا بألوان مختلفة‪ ،‬لفئا ٍ‬ ‫ً‬ ‫طابعا ًّ‬ ‫من نصف سنتيم (القرش = ‪ 100‬مئة سنتيم) إلى ‪ 2500‬قرش ‪‬الستيفاء‬ ‫والمكوس والعائدات التي تستوفى بإلصاق طوابع‪ ‬وحددت‬ ‫الرسوم‬ ‫ُ‬ ‫منتشر فيها شجر األرز وتعلوها‬ ‫المادة األولى شكل صورة الطابع‪ :‬ربوة‬ ‫ٌ‬ ‫إلــى اليسار شجرة أرز كبيرة‪ ،‬وفــي أعلى الطابع عـبــارة ‪‬الجمهورية‬ ‫اللبنانية‪ ‬باللغة الفرنساوية وفي الزاوية اليمنى عبارة ‪‬رسم أميري‪ ‬أو‬ ‫‪‬رسم قضائي‪ ‬أو ‪‬رسم عدلي‪ ‬وفق جهة االستعمال‪ ،‬وفي أسفل الطابع‬ ‫في الزاوية اليسرى منه قيمته الفردية باللغة الفرنساوية وفي الوسط‬ ‫عبارة ‪‬الجمهورية اللبنانية‪ ‬باللغة العربية‪ ،‬وفي الزاوية اليمنى قيمته‬ ‫الفردية باللغة العربية‪ ،‬ثم في وسط الجهة اليمنى عبارة ‪‬رسم أميري‪‬‬ ‫أو ‪‬رســم قضائي‪ ‬أو ‪‬رســم عــدلــي‪ ‬باللغة الـعــربـيــة‪ .13‬وهــي ُط ِبعت‬ ‫وفق تقنية الهيليوغرافور‬ ‫على مطابع فوجيرار (‪)Vaugirard‬‬ ‫الفرنسية َ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ .)Héliogravure‬ال تحمل هذه الطوابع اسم راسمها الفنان‪ ،‬فاألرجح‬ ‫محليا سنة ‪ ،1927‬ففي بيان عن وزارة المالية‪ :‬التئمت‬ ‫أنها صممت‬ ‫ًّ‬ ‫(ك ــذا) فــي وزارة المالية اللجنة المكلفة بفحص الــرســوم المقدمة‬ ‫بمناسبة إصدار طوابع أميرية لبنانية وقد تبين أن كل هذه الرسوم غير‬ ‫حاوية على الشروط المرغوبة من جهة الدقة والوضوح في وضعها وفي‬ ‫منظرها اإلجمالي ولهذا السبب لم ُتقبل جميعها‪ .14‬وأعلنت اللجنة‬ ‫فتح مهلة تقديم اقتراحات التصاميم مجدداً ‪ ،‬ما يدل على أن مسابقة‬ ‫الحقة جرت وخلُ صت إلى اعتماد الطابع الفائز‪.‬‬

‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫الطوابع المالية متشعبة يصعب حصرها ألنها تدخل فــي مجاالت‬ ‫وقطاعات عــدة (نقابات المهن الـحــرة‪ ،‬العقود‪ ،‬ج ــوازات السفر‪ُ ،‬ك ّتاب‬ ‫تهم الهواة لصعوبة الحصول عليها‬ ‫العدل‪ ،‬غرامات السير‪ )...‬لكنها أخذت ّ‬ ‫ولندرة المعلومات المتوفرة عنها‪.‬‬


‫‪ .6‬إصدارات ‪1930‬‬ ‫شهد عام ‪ 1930‬صدور أربع مجموعات طوابع بريدية‪:‬‬ ‫‪1.1‬مجموعة المؤتمر األول للحرير‬

‫‪74‬‬ ‫وسام اللحام‬

‫تتألف من ستة طوابع (فئات ‪ 4‬و‪ 4.5‬و‪ 7.5‬و‪ 10‬و‪ 15‬و‪ 25‬قرش)‬ ‫وفــي بعض الـمــراجــع انها ُطبعت فــي ب ـيــروت‪َّ .‬‬ ‫نظم المؤتمر جبرائيل‬ ‫منسى (وكيل وزارة للشؤون االقتصادية) بين ‪ 11‬و‪ 14‬شباط برعاية‬ ‫رئيس الجمهورية شارل دباس وحضور رئيس مجلس الوزراء اميل إده‪.‬‬ ‫تناول المؤتمر مواضيع زراعة التوت وتربية دود الحرير‪ ،‬لتنشيط تجارة‬ ‫الحرير ذات الدور الرئيس في االقتصاد اللبناني منذ المتصرفية‪ ،‬لكنها‬ ‫بعدئذ بسبب أهوال الحرب العالمية األولى واألزمة االقتصادية‬ ‫ركدت‬ ‫ٍ‬ ‫العالمية سنة ‪ .1929‬حملت تلك المجموعة ألول مرة عبارة ‪‬الجمهورية‬ ‫اللبنانية‪ ‬ال بتوشيح (كما في السابق) فهو إذً ا أول إصدار تذكاري في‬ ‫لبنان‪ .‬وأصــدر المفوض السامي بونسو الـقــرار رقــم ‪ 8( 3009‬شباط‬ ‫‪ )1930‬يجيز إصدار ‪ 40000‬طابع من كل فئة ويعود ريع مبيعها إلى لجنة‬ ‫المؤتمر لدعم قطاع الحرير‪.‬‬

‫من مجموعة الحرير ‪1930‬‬

‫‪2.2‬مجموعة المناطق اللبنانية‬ ‫طابعا مــوزعــة على ‪ 18‬فئة مــن ِعـ ْـشــر الـقــرش إلــى ‪100‬‬ ‫هــي مــن ‪20‬‬ ‫ً‬ ‫قــرش‪ .15‬وتمثلت عليها مناطق لبنانية تقليدية‪ :‬صيدا وبيروت وبعلبك‪،‬‬ ‫وظهرت ألول مرة حاصبيا وبكفيا وأفقا‪.‬‬ ‫قرشا‪ ،‬وعند الحاجة إليها أجاز المفوض‬ ‫‪ 115‬لم تتضمن هذه المجموعة فئة ‪ً 0.75‬‬ ‫السامي بقراره رقم ‪ L.R./61‬تاريخ ‪ 18‬أيار ‪ 1932‬إضافة طابع في تلك الفئة من ضمن‬ ‫المجموعة التي أجازها القرار ‪.3110‬‬


‫‪3.3‬مجموعة البريد الجوي‬

‫ٔاول تصميم لطابع جوي لبناني‬

‫‪4.4‬مجموعة طوابع التغريم‬ ‫هي من سبع فئات‪ ،‬موضوعها آثار لبنان‪ .‬ظهر عليها ناووس أحيرام ملك‬ ‫جبيل أو نقش سفينة شراعية محفورة على ناووس من الحقبة الرومانية‬ ‫أو زخارف أشورية تمثل راقصات‪ .‬وهذه اآلثار معروضة اليوم في متحف‬ ‫بيروت الوطني‪.‬‬

‫آخــر ثــات مجموعات يمكن اعتبارها مجموعة واح ــدة ألن جميع‬ ‫طوابعها صــدرت بقرار المفوض السامي رقــم ‪ 14( 3110‬أيــار ‪)1930‬‬ ‫وأيضا من تصميم جوزف دو ال ِنيزيير (‪ )Joseph de la Nézière‬وطبعت‬ ‫ً‬ ‫هدف تلك الطوابع ترويج‬ ‫الفرنسية‪.‬‬ ‫على مطابع فوجيرار (‪)Vaugirard‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫للسياحة بتصوير مناطق االصطياف واألماكن األثرية المتنوعة في لبنان‪.‬‬ ‫أرادت السلطات الفرنسية تعزيز القطاع السياحي وتكثيف عمليات التنقيب‬ ‫على اآلثار‪ .‬وإلظهار التطور في البلدان الخاضعة لالنتداب نشرت دوائر‬ ‫كتيبات تشرح أماكن الجذب في سوريا ولبنان‪ ،‬وذكرت‬ ‫المفوضية العليا ّ‬ ‫المصادر‪ 16‬أن عدد السياح ارتفع من ‪ 4000‬زائر سنة ‪ 1931‬إلى ‪20000‬‬ ‫زائر سنة ‪ 1935‬غالبيتهم من مصر وفلسطين والعراق‪.‬‬ ‫‪Quinze ans de mandat, l’œuvre française en Syrie et au Liban, 116‬‬ ‫‪Imprimerie Catholique, Beyrouth, 1936, p. 54.‬‬

‫‪75‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫ناووس الملك ٔاحيرام‬ ‫على طابع تغريم‬

‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫اللبنانية‪ ،‬لكنها‬ ‫تصور مختلف المناطق‬ ‫ّ‬ ‫لبنانية كاملة‪ ،‬إذ ظهر‬ ‫جوية‬ ‫أول مجموعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫على كل طابع رسم طائرة تحلق فوق مدينة أو‬ ‫قرية لبنانية‪ .‬هذه المجموعة من عشر فئات‬ ‫من نصف القرش إلى ‪ 100‬قرش‪.‬‬


‫‪ .7‬إصدارات عهد الرئيس إده‬

‫‪76‬‬ ‫وسام اللحام‬

‫تصدر أي مجموعة طوابع‬ ‫انتخب الرئيس إميل اده سنة ‪ 1936‬ولم‬ ‫ُ‬ ‫جديدة منذ ‪ 1930‬حتى تاريخ انتخابه‪ ،‬رغم أن الوضع السياسي المضطرب‬ ‫فترتئذ بسبب تعليق الدستور عند نهاية والية الرئيس شارل دباس وطيلة‬ ‫ٍ‬ ‫والية الرئيس حبيب باشا السعد الذي ّعينه المفوض السامي الفرنسي‪.‬‬ ‫شهد عهد إميل إده صدور مجموعات مهمة‪ ،‬لكن الحدث األبرز كان‬ ‫اعتماد المسابقة الختيار تصميم أول مجموعة طوابع تصدر بعد انقطاع‬ ‫خمس سـنــوات‪ .‬وأجــاز المفوض السامي بالقرار رقــم ‪ 4( L.R./97‬أيار‬ ‫‪ )1936‬إصــدار مجموعة خاصة من ثمانية طوابع يعود ريع أرباحها إلى‬ ‫شركة تنشيط السياحة في لبنان‪ ،‬وكانت تلك الطوابع صالحة للتخليص‬ ‫فقط خالل مهلة شهرين من تاريخ عرضها للبيع‪ .‬وبناء على القرار السابق‬ ‫أصدر الرئيس إده في ‪ 7‬أيار ‪ 1936‬المرسوم ‪ 434‬بإجراء ‪‬مسابقة لصنع‬ ‫نموذجين مخصصين بطوابع الطائرة‪ ‬على أن ‪‬يمثل أحد النموذجين‬ ‫شتويا‪ ‬وتتشكل هيئة تحكيمية الختيار التصاميم‬ ‫صيفيا واآلخر‬ ‫موضوعا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫الرابحة وتقديم جائزة مقدارها ‪ 20‬ليرة للفنان الفائز‪.‬‬

‫تصميم مصطفى فروخ الفائز‬ ‫(خليج جونيه)‬

‫تصميم فيليب موراني الفائز‬ ‫(رياضة التزلج)‬

‫فاز بالمسابقة فيليب موراني للطابع الشتوي (منظر رياضة التزلج)‬ ‫ومصطفى فروخ للطابع الصيفي (مشهد خليج جونيه) وكانت تلك أول‬ ‫مرة تصدر فيها طوابع لبنانية بتصميم فنانين لبنانيين‪ .‬وبات موراني‬ ‫الفنان لـرسم غالبية طوابع عهد إده‪ .‬ومن أجمل طوابع تلك الفترة وأهمها‬ ‫تاريخيا‪ :‬مجموعة صورة الرئيس اميل إده فكان أول شخصية لبنانية‬ ‫ًّ‬ ‫تظهر على طابع في تاريخ لبنان‪ ،‬بقرار المفوض السامي رقم ‪L.R./67‬‬ ‫أيضا إصدار ثالث فئات ‪7،5‬‬ ‫لكن هذا القرار أتاح ً‬ ‫(‪ 28‬نيسان ‪ّ .)1937‬‬ ‫قرشا‪ ،‬لطابع يحمل صورة منظر طبيعي لبناني‪ .‬لكن فئة ‪7،5‬‬ ‫و‪ 10‬و‪ً 15‬‬ ‫وو ِّشـ َـحــت بفئة جديدة من ‪12،5‬‬ ‫قــروش‪ ،‬رغــم صــدورهــا‪ ،‬لم ُت َ‬ ‫ست َ‬ ‫خدم‪ُ ،‬‬ ‫قرشا (القرار رقم ‪ 106‬تاريخ ‪ 26‬آب ‪ .)1938‬ثم ُو ِّشح الطابع نفسه بفئة‬ ‫ً‬ ‫مجددا‪ ،‬لكن شكل التوشيح اختلف وفقا لما نص عليه القرار‬ ‫ا‬ ‫قرش‬ ‫‪12،5‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫‪77‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫رقم ‪ 17‬تاريخ ‪ 7‬شباط ‪ .1939‬من هنا أن معظم طوابع فئة ‪ 7،5‬قروش‬ ‫ويصعب إيجاد طابع منها غير موشح‪.‬‬ ‫ُتعرف فقط بالتوشيحين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بين أهم المجموعات اللبنانية‪ :‬ذكرى توقيع المعاهدة الفرنسية اللبنانية‬ ‫(‪ 13‬تشرين الثاني ‪ )1936‬بين الرئيس إده والمفوض السامي دو مارتيل‪:‬‬ ‫يومها صدر قرار رقم ‪ 11( 89‬حزيران ‪ )1937‬أجاز إصدار خمسة طوابع‬ ‫َ‬ ‫المنتظر لتكريس استقالل لبنان ونهاية االنتداب‪.‬‬ ‫تتعلق بــذاك الحدث‬ ‫صدرت المجموعة لكن البرلمان الفرنسي لم يصادق على المعاهدة فلم‬ ‫تعرض الطوابع للبيع وال تم استعمالها للتخليص البريدي‪.‬‬ ‫وفي عهد ّإده كذلك ظهرت مجموعات تذكارية عدة‪ ،‬أهمها مجموعة‬ ‫البريد الجوي (ثمانية طوابع) حول معرض باريس العالمي (أيار‪/‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ – 1937‬شــارك فيه لبنان بجناح للتراث اللبناني)‪ ،‬ومجموعة‬ ‫األيــام الطبية عند انعقاد مؤتمر طبي في أيار ‪ 1938‬شارك فيه ‪640‬‬ ‫طبيبا من البلدان العربية‪ .‬انعقد المؤتمر لــدى حــرم كلية الطب في‬ ‫ً‬ ‫الجامعة اليسوعية لذا ظهر على الطابع مبنى‬ ‫تلك الكلية‪ ،‬فكانت جامعة القديس يوسف‬ ‫(اليسوعية) أول مؤسسة تعليم عا ٍل تظهر على‬ ‫طابع في تاريخ البريد اللبناني‪ .‬وفي المادة‬ ‫األولـ ــى مــن ال ـقــرار ‪ 15( 17‬ش ـبــاط ‪)1938‬‬ ‫تخصيص ري ــع مبيع ال ـطــوابــع لــدعــم تنظيم‬ ‫كلية الطب في جامعة القديس يوسف‬ ‫‪‬اجتماعات بيروت الطبية‪.‬‬ ‫بقي الطبع يتم في فرنسا حتى صدور‬ ‫تجربة طابع‬ ‫َ‬ ‫مجموعة بيت الدين‪ :‬ثالث فئات صدرت‬ ‫سنة ‪ 1939‬وفق تصميم فئة القرش ونصف‬ ‫القرش من طوابع مجموعة المناطق اللبنانية‬ ‫سنة ‪ 1930‬كما نصت ال ـمــادة الــرابـعــة من‬ ‫القرار رقم ‪ 5( 63‬نيسان ‪ ،)1939‬وهو فرض‬

‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫مجموعة الرئيس اميل اده‬


‫استعمال طريقة ‪‬األوفست‪ ‬لطبع تلك الطوابع فصدرت في المطبعة‬ ‫الحقا مجموعات كثيرة من الطوابع‬ ‫الكاثوليكية (بيروت) وهي طبعت‬ ‫ً‬ ‫والوثائق الرسمية للبنان والبالد العربية‪.‬‬ ‫‪ .8‬االستقالل والطوابع‬

‫‪78‬‬ ‫وسام اللحام‬

‫يعتقد كثيرون أن االحتفال باستقالل لبنان بدأ ْإثر ‪ 22‬تشرين الثاني‬ ‫‪ 1943‬تاريخ نيل لبنان استقالله الحقيقي‪ .‬لكن االحتفال باالستقالل كان‬ ‫يتم في األول من أيلول كل سنة (ذكرى إعالن المفوض السامي الفرنسي‬ ‫الجنرال غــورو ‪‬دولــة لبنان الكبير‪ ‬سنة ‪ 1920‬في‬ ‫الموالية حكوم َة‬ ‫قصر الصنوبر‪ .‬بعد هزيمة القوات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحلفاء لبنان‪ ،‬تغير تاريخ‬ ‫فيشي في فرنسا‪ ،‬واحتالل‬ ‫نهار إعالن الجنرال‬ ‫االستقالل إلى ‪ 26‬تشرين الثاني‪َ ،‬‬ ‫كاترو سنة ‪ 1941‬لبنان ‪‬دولة مستقلة ذات سيادة‪.‬‬ ‫وف ــي الــذكــرى األولـ ــى لتلك الـمـنــاسـبــة أق ـيــم عــرض‬ ‫عسكري في ساحة الشهداء حضره رئيس الجمهورية‬ ‫اللبناني أول مجموعة‬ ‫البريد‬ ‫ألفرد نقاش وأصــدر‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫طوابع تخلّ د االستقالل‪ ،‬عليها صــورة األمير بشير طابع األمير بشير‬ ‫الثاني (أربعة طوابع) وأعالي جبال صنين (طابعان)‪ .‬اعالن كاترو لالستقالل‬ ‫المعلن سنة ‪ 1941‬لم يكن االستقالل الحقيقي الناجز‬ ‫لكن االستقالل ُ‬ ‫الذي حصل عليه لبنان في ‪ 22‬تشرين الثاني سنة ‪ 1943‬إثر إطالق سراح‬ ‫رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الــوزراء ريــاض الصلح‪ .‬وألن‬ ‫تعبر عن معاني االستقالل وتاريخه الفعلي‪،‬‬ ‫طوابع األمير بشير لم تعد ّ‬ ‫صــدرت طــوابــع جــديــدة تخلد ذكــرى االستقالل بموجب المرسوم رقم‬ ‫‪ 30( 962‬آذار ‪ ،)1944‬وهي أول مجموعة لبنانية تذكارية لالستقالل‪.‬‬ ‫بعد أشهر صــدر المرسوم رقــم ‪ 13( 1885‬أيلول ‪ )1944‬أجــاز توشيح‬ ‫نصف هذه المجموعة بــ ‪ 22‬تشرين الثاني ‪ 1943‬وبخطّ الرئيس بشارة‬ ‫الخوري على أن يتم بيعها حتى ‪ 31‬أذار ‪ .1945‬تلك الطوابع عكست‬ ‫قصة االسـتـقــال‪ ،‬وحملت صــور أبنية ترمز للدولة اللبنانية‪ :‬مجلس‬ ‫(المشيد سنة ‪ )1934‬والسراي الصغير (مقر الحكومة اللبنانية‬ ‫النواب‬ ‫ّ‬ ‫ـداب – هـ ِـد َم سنة ‪ .)1950‬وظهرت على الطوابع صــورة بلدة‬ ‫زمـ َـن االنـتـ‬ ‫ُ‬ ‫بشامون حيث اجتمعت حكومة مؤقتة تألفت من الوزيرين حبيب أبي‬ ‫شهال ومجيد ارسالن‪ ،‬وصورة قلعة راشيا حيث اعتقل الفرنسيون رجال‬ ‫االستقالل‪ ،‬وصورة للعاصمة بيروت‪.‬‬


‫لبنان في طوابعه األُولى‬

‫مجموعة االستقالل الموشحة ‪ 22‬تشرين الثاني‬

‫‪79‬‬

‫منذ إعالن دولة لبنان الكبير حتى االستقالل‬

‫طبعت هذه المجموعة في المطبعة الكاثوليكية (بيروت)‪ ،‬رسم البرلمان‬ ‫والسراي الصغير س‪ .‬قلعجي‪ ،‬ورسم باقي الطوابع الروسي بول كوروليف‬ ‫المقيم في لبنان‪ .‬وهي من أجمل الطوابع اللبنانية وأكثرها قيمة ألنها تشكل‬ ‫ُ‬ ‫هدف الهواة األول‪ ،‬لندرتها وبعدها التاريخي‪ .‬وألن مسيرة االستقالل لم‬ ‫تكتمل إال بجالء الجيوش األجنبية عن لبنان (‪ 31‬كانون األول ‪)1946‬‬ ‫عندما غادر آخر جندي فرنسي لبنان وكان احتفال بتدشين لوحة الجالء‬ ‫في نهر الكلب حضره الرئيس بشارة الخوري ورئيس الوزراء رياض الصلح‪،‬‬


‫صــدرت لتخليد الــذكــرى مجموعة طوابع سنة‬ ‫‪ :1947‬أربعة طوابع عليها لوحة الجالء وجسر‬ ‫نهر الكلب مــع صــورة الرئيس بـشــارة الخوري‬ ‫فكان ثاني رئيس تظهر صورته على طابع بعد‬ ‫سلفه إميل إده‪.‬‬ ‫خاتمة‬

‫‪80‬‬

‫من مجموعة الجالء ‪١٩٤٧‬‬

‫واالقتصادية‪ ،‬شاهدة على‬ ‫السياسية‬ ‫لبنان‬ ‫الطوابع مسيرة‬ ‫واكبت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ـوال إلى‬ ‫سقوط السلطنة العثمانية‪ ،‬فمرحلة االن ـتــداب الفرنسي‪ ،‬وص ـ ً‬ ‫وأرخت أنظم ًة عرفها لبنان منذ المتصرفية فإعالن دولة لبنان‬ ‫االستقالل‪ّ ،‬‬ ‫الكبير فإقرار الدستور َفت َب ّني النظام الجمهوري‪ .‬وال تكتمل هواية جمع‬ ‫فرعا‬ ‫الطوابع إال بــدراســة تاريخ البريد‬ ‫ً‬ ‫مهما من التأريخ االقتصادي واالجتماعي‬ ‫ً‬ ‫أي بلد‪.‬‬ ‫في ّ‬

‫وسام اللحام‬

‫ظهور العلم اللبناني ألول مرة‬ ‫على طابع بريد ‪1946‬‬

‫اللبناني بالعودة إلى‬ ‫التأسيسية للبريد‬ ‫أوجــز هــذا البحث المرحلة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت إضافي ًة أخــرى ال‬ ‫ت ونصوص‬ ‫قانونية‪ ،‬لكن معلوما ٍ‬ ‫مصادر ومحفوظا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ضوء أقوى‬ ‫سيشع‬ ‫ونشرها‬ ‫اكتشافها‬ ‫عند‬ ‫قديمة‪،‬‬ ‫مراجع‬ ‫في‬ ‫مبعثرة‬ ‫تزال‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫على هذا الجزء المهم من تراث لبنان وهويته الحضارية‪.‬‬


‫المادي‬ ‫تراثنا غير‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬ ‫إستنادا إلى وثائق األرشيف الفرنسي‪:‬‬ ‫ً‬

‫اللبنانية (‪)1860 – 1835‬‬ ‫العثمانية على المسألة‬ ‫أَ َثر التنظيمات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬ ‫التاريخية للكيان اللبناني‬ ‫أضواء على الجذور‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬أمين الياس‬ ‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬

‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬


‫المادي‬ ‫تراثنا غير‬ ‫ّ‬

‫إستنادا إلى وثائق األرشيف الفرنسي‪:‬‬ ‫ً‬

‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬ ‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860 - 1835‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫أستاذ التاريخ في المعهد العالي للدكتوراه‬ ‫الجامعة اللبنانية‬

‫تعريف بمصادر الدراسة‬ ‫إن الــوثــائــق التاريخية المحفوظة فــي مــراكــز األرش ـيــف‪ ،‬مــن خالل‬ ‫تشكل ركيزة صلبة لدراسات‬ ‫مصادرها األساسية وفي لغاتها األصلية‪ّ ،‬‬ ‫علمية رصينة تساعد على تطوير البحث العلمي في مختلف المجاالت‬ ‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية وغيرها‪ .‬ولعل أبرز انتقادات‬ ‫جزئيا إلى‬ ‫كليا أو‬ ‫توجه إلى الدراسات التاريخية في لبنان‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫علمية َّ‬ ‫ًّ‬ ‫افتقارها ًّ‬ ‫وثائق عثمانية تبنى عليها دراسات علمية موضوعية عن تطور المقاطعات‬ ‫اللبنانية في عهد عثماني امتد أربعة قرون‪.‬‬ ‫التقارير الفرنسية عن بالد الشام في القرن التاسع عشر تقدم صورة‬ ‫دقيقة عن قضايا سكانية وسياسية وإدارية واجتماعية واقتصادية وتربوية‬ ‫تنوع طوائفهم‪َ ،‬‬ ‫تط ُّور‬ ‫وغيرها‪ُ ،‬‬ ‫أبرزها‪ :‬أعداد السكان‪ ،‬مناطق َت َو ُّز ِعهم‪ُّ ،‬‬ ‫السكن في الواحات واألرياف والمدن‪ ،‬مشكالت الريفيين مع سكان المدن‪،‬‬ ‫الفالحية‪ ،‬أنواع‬ ‫التعليم‪ ،‬النزوح الداخلي‪ ،‬الهجرة إلى الخارج‪ ،‬االنتفاضات‬ ‫ّ‬ ‫تطور التجارة‬ ‫ِ‬ ‫الح َرف المحلية‪ ،‬زراعة القطن‪ ،‬إنتاج الحرير وتأْ ُ‬ ‫ثيره على ُّ‬ ‫هامة أخرى تساعد على‬ ‫في بالد الشام وبخاصة في جبل لبنان‪ ،‬ومواضيع ّ‬ ‫تقديم رؤية جديدة للتاريخ الحديث في هذه المنطقة‪ .‬فالتقارير التي كان‬ ‫يرسلها القناصل الفرنسيون ومساعدوهم من مدن بالد الشام كانت تعتمد‬ ‫انتظاميا إلى وزارة الخارجية الفرنسية‪.‬‬ ‫ترسل‬ ‫على المشاهدات العيانية ثم َ‬ ‫ًّ‬ ‫غالبا كانت تتضمن معلومات وصفية عامة ذات توجه سياسي مرفق‬ ‫وهي ً‬ ‫وكثيرا ما انتقدوا في تقاريرهم سياسة السلطنة العثمانية‬ ‫بتحليل معمق‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وركزوا على حاجة القنصليات الفرنسية إلى موازنة أكبر‬ ‫في بالد الشام‪َّ ،‬‬ ‫لمواكبة األحداث الكبرى في هذه المنطقة‪ ،‬والستقطاب الزعماء المحليين‬ ‫عن طريق المساعدات المالية والخدمات الشخصية‪.‬‬ ‫يصوب‬ ‫َ‬ ‫حيال كثافة الكتابات الطوائفية المستمرة‪ ،‬انبرى النقد التاريخي ّ‬ ‫البحث العلمي حول عالقة بالد الشام مع السلطنة العثمانية‪ ،‬وأخذت‬


‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬ ‫‪83‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫المجالت العلمية تشجع على استخدام الوثائق العثمانية األصلية في كتابة‬ ‫دراســات تاريخية تتناول األوضــاع االقتصادية واالجتماعية في مناطقها‬ ‫وصدرت أطاريح جامعية مستندة إلى وثائق األرشيف العثماني‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫إضافة إلى وثائق محلية وأجنبية‪ ،‬فساهمت في تعميق البحث العلمي عن‬ ‫تاريخ المجتمع اللبناني حدي ِث ِه والمعاصر‪ .‬وتزايد االعتماد على الوثائق في‬ ‫وقسم‬ ‫المحفوظات العثمانية والفرنسية والروسية واالنكليزية واألميركية‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مقدم ًة مــادة تاريخية غنية‪،‬‬ ‫منها بات في متناول المؤرخين اللبنانيين‪ِّ ،‬‬ ‫ووثائق أصلي ًة هامة تساعد على تصويب الكتابة التاريخية في لبنان‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كما صدرت أبحاث فردية أو جماعية عن تاريخ لبنان‪ ،‬كتبها مؤرخون‬ ‫عددا من المشكالت اللبنانية‪،‬‬ ‫متخصصون لبنانيون وغير لبنانيين‪ ،‬تناولت ً‬ ‫واعـتـمــدت على وثــائــق األرش ـيــف العثماني وأرش ـيــف ال ــدول األوروب ـيــة‪.‬‬ ‫وارتكزت دراسات أخرى إلى مشاهدات رحالة أجانب زاروا بالد الشام في‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬وإلى مذكرات القناصل األوروبيين في تلك المناطق‪،‬‬ ‫إلى جانب توجيهات السفراء األوروبيين في مركز السلطنة (اسطنبول)‬ ‫وتعليمات وزراء الخارجية في العواصم األوروبية‪ .‬جميع تلك الدراسات‬ ‫واألبحاث ساهمت في تنشيط التوثيق الجيد وتطوير البحث العلمي في‬ ‫تاريخ المقاطعات والطوائف في جبل لبنان وسائر مناطق بالد الشام‪.‬‬ ‫إن مقاربة علمية دقيقة بين دراســات تاريخية اعتمدت إلــى مراجع‬ ‫ثانوية ومذكرات شخصية‪ ،‬ودراسات تاريخية استندت إلى وثائق األرشيف‬ ‫جدا‬ ‫العثماني إلــى جانب األرشـيــف الــدولــي واألرشـيــف الفرنسي الغني ًّ‬ ‫بالوثائق المتعلقة بتاريخ بالد الشام‪ُ ،‬تظهر الفارق النوعي بين دراسات‬ ‫بقيت في دائــرة التوصيف والـســرد‪ ،‬ودراس ــات أخــرى ساهمت في‬ ‫أُ ولــى َ‬ ‫تطوير البحث العلمي في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر‪ .‬وكان غياب وثائق‬ ‫شوه تاريخ لبنان‬ ‫حضورا‬ ‫األرشيف ولّ َد‬ ‫ً‬ ‫طاغيا لعامل إيديولوجي طائفي ّ‬ ‫ً‬ ‫الحقيقي‪ ،‬وساهم في تفجير نزاعات دموية متكررة في لبنان منذ القرن‬ ‫التاسع عشر‪ .‬لذا أوقفت الدولة اللبنانية تدريس تاريخ لبنان في المدارس‬ ‫الرسمية بعد فشلها في إصدار كتاب تاريخ موحد لمرحلة التعليم األساسي‬ ‫وغالبا ما تلونت المعلومات التاريخية بلون الطوائف‬ ‫والمرحلة الثانوية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فــزادت من حــدة االنفعاالت المذهبية والمناطقية‪ .‬ومــع غياب التوثيق‬ ‫المسند إلى الوثائق العثمانية األصلية‪ ،‬مقابل حضور التاريخ‬ ‫الشمولي‬ ‫َ‬ ‫ب تقديم دراسات علمية موضوعية ودقيقة عن تاريخ‬ ‫صع َ‬ ‫المؤدلج بكثافة‪ُ ،‬‬ ‫المقاطعات اللبنانية في العهد العثماني‪ ،‬وبخاصة في مرحلة التنظيمات‬ ‫العثمانية وما رافقها من تدخالت أوروبية كثيفة ساعدت على تفجير فتن‬ ‫طائفية في بالد الشام‪ .‬نتيج ًة لذلك تحولت الكتابة التاريخية في لبنان إلى‬


‫‪84‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫حقل صراع إيديولوجي وسياسي وطوائفي بين زعماء الطوائف المهيمنة‬ ‫آثارا سلبية بليغ ًة على وعي أجيال متعاقبة‬ ‫على الدولة اللبنانية‪ ،‬فترك ذلك ً‬ ‫من لبنانيين لم يتعرفوا حتى اآلن إلى حقائق تاريخهم من خالل مصادره‬ ‫األصلية‪.‬‬ ‫هكذا‪ :‬يصعب تقديم تاريخ لبنان في مرحلة التنظيمات العثمانية‬ ‫بصورة علمية من دون االستناد إلى الوثائق العثمانية والوثائق الخارجية‬ ‫ذات الصلة‪ ،‬وبخاصة الوثائق الفرنسية واإلنكليزية والروسية واألميركية‬ ‫وغيرها‪ ،‬ففيها معطيات غنية جـ ًّـدا‪ ،‬وتظهر بالوقائع الدامغة التدخل‬ ‫المباشر لسفراء الدول األوروبية في تفجير المسألة اللبنانية عند إصدار‬ ‫التنظيمات العثمانية‪.‬‬ ‫استنادا إلى‬ ‫هــذه الــدراســة تقدم رؤيــة جديدة لتاريخ تلك المرحلة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وثائق من األرشيف الفرنسي كتبها سفراء فرنسيون في اآلستانة‪ ،‬وقناصل‬ ‫فرنسيون من مدن بالد الشام‪ ،‬ومبعوثون فرنسيون إلى مختلف أرجاء‬ ‫عقودا‬ ‫السلطنة العثمانية‪ .‬ونظرا للعالقات الجيدة بين السلطنة وفرنسا‬ ‫ً‬ ‫منح السلطان العثماني امتيازات خاصة‬ ‫طويلة‪ ،‬كثرت الــروايــات حــول ْ‬ ‫لفرنسا في مجال رعاية بعض الجماعات المسيحية داخــل السلطنة‪،‬‬ ‫وبخاصة موارنة جبل لبنان‪ ،‬والسماح لإلرساليات األوروبية واألميركية‬ ‫بإقامة مدارسهم ومؤسساتهم االجتماعية الخاصة‪ ،‬وممارسة األنشطة‬ ‫الثقافية واالجتماعية في حرية تامة‪ .‬وقبل حملة نابوليون بونابرت على‬ ‫مصر في مغامرة غير محسوبة العواقب إلخضاع السلطنة العثمانية‪،‬‬ ‫كانت التقارير الفرنسية تشيد بالفرمانات السلطانية‪ ،‬وبخطوط همايونية‬ ‫تؤكد حرص بعض السالطين على حماية رعاياهم من جميع القوميات‬ ‫والطوائف والمذاهب‪ .‬ولفتت التقارير الفرنسية إلى كثرة خطوط همايونية‬ ‫تشبه السالطين العثمانيين بموقف الخليفة عمر بن الخطاب من‬ ‫ُتظهر ُّ‬ ‫مسيحيي القدس‪ .‬هكذا نشر الفرنسيون ‪‬العهدة العمرية‪ ‬في نصها‬ ‫العربي‪ ،‬وترجموها إلى الفرنسية‪ .‬وحرص سفراء فرنسا وقناصلها على‬ ‫مديح تلك ‪‬العهدة‪ ‬بوصفها وثيقة تاريخية قل نظيرها في مجال التسامح‪،‬‬ ‫حرصا على ضمان‬ ‫يطبقه الحاكم العادل‬ ‫عصريا‬ ‫دستورا‬ ‫معتبرينها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫مكتوبا ّ‬ ‫حياة جميع رعايا السلطنة‪ ،‬والحفاظ على أموالهم وأمالكهم‪ ،‬واحترام‬ ‫معتقداتهم الدينية‪ ،‬والسماح لهم بممارسة طقوسهم في حرية تامة‪ .‬ويظهر‬ ‫أثر تلك السمات في أكثر من ‪‬خط شريف‪ ‬نشره سالطين عثمانيون‬ ‫امتدادا للخليفة عمر بن الخطاب الملقب بــ ‪‬الفاروق‪.‬‬ ‫اعتبروا أنفسهم‬ ‫ً‬ ‫وافرا من الفرمانات السلطانية المترجمة إلى‬ ‫لهذه الغاية رصدنا ً‬ ‫عددا ً‬ ‫بدءا من الخط‬ ‫الفرنسية تحت عنوان‪ :‬الخط الشريف‪ً )Hatti Chérif( ‬‬


‫نشير إليه في هذه الدراسة بصورة مختصرة‪:‬‬

‫‪A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36.‬‬

‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬

‫‪ 11‬‬

‫صدر المجلد ‪ 36‬باللغة الفرنسية تحت العنوان التالي‪:‬‬

‫‪Adel Ismail, Documents diplomatiques et consulaires relatifs à l’histoire‬‬ ‫‪du Liban et des pays du Proche –Orient du XVII e siècle à nos jours, Les‬‬ ‫‪Sources Françaises, Consulat de Beyrouth, Éditions des œuvres Politiques et‬‬ ‫‪Historiques, Beyrouth, 1965.‬‬

‫‪85‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫الصادر في نيسان ‪( 1620‬جمادى األول ‪1030‬هــ‪ ).‬حتى الخط الشريف‬ ‫الصادر في ‪ 3‬تشرين الثاني ‪ 24( 1839‬شعبان ‪1255‬ه ــ‪ ).‬وأثــره الكبير‬ ‫على الساحة اللبنانية‪ .‬بعد هزيمة محمد علي باشا في بالد الشام‪ ،‬وإنهاء‬ ‫فش َل عمر باشا النمساوي في فرض الحكم‬ ‫حكم اإلمارة الشهابية لبنان‪ِ ،‬‬ ‫العثماني المباشر على جبل لبنان‪ .‬ثم خضعت السلطنة العثمانية للضغوط‬ ‫القائمقاميتين الذي ُع ِرف بعهد الفتن والنزاعات‬ ‫فأصدرت نظام‬ ‫األوروبية‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الدموية بين بعض الطوائف اللبنانية بين ‪1845‬و‪ .1860‬وأفردنا مساحة‬ ‫واسعة للخط الهمايوني الصادر في ‪ 18‬شباط ‪ 12( 1856‬جمادى اآلخرة‬ ‫‪1272‬هـ‪ ).‬والتعقيبات الفرنسية عليه‪ ،‬وأثره الكبير على المسألة اللبنانية‬ ‫بين ‪1856‬و‪ ،1860‬والحوادث الدموية بين الدروز والموارنة‪ ،‬وقيام نظام‬ ‫متصرفية جبل لبنان عام ‪.1861‬‬ ‫هذا البحث يستند إلى وثائق فرنسية أعــاد الدكتور عــادل اسماعيل‬ ‫مجلدا‪ّ ،1‬رتبها وفْ ق موضوعات سياسية‬ ‫ونشرها في أكثر من ستين‬ ‫ترتيبها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ونظرا ألهمية الخطوط الهمايونية‪ ،‬خصص‬ ‫واقتصادية وثقافية متنوعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نشرها في مجلدات سابقة‪.‬‬ ‫مض ِّم َن ُه‬ ‫لها المجلد رقم ‪َ 36‬‬ ‫خطوطا كثير ًة َ‬ ‫وهي مترجمة إلى الفرنسية مع تعليقات متالحقة ُتبرز كيفية تطبيقها في‬ ‫الواليات العثمانية‪ ،‬وبخاصة في جبل لبنان وغيره من مناطق بالد الشام‪.‬‬ ‫جدا ُتظهر دور‬ ‫كبيرا من وثائق عثمانية هامة ًّ‬ ‫يتضمن هذا البحث ً‬ ‫عددا ً‬ ‫السفراء األوروبيين‪ ،‬وبخاصة الفرنسيين منهم‪ ،‬في إقناع القيادة العثمانية‬ ‫بإصدار خطوط همايونية متالحقة في القرن التاسع عشر‪ .‬ترجموها إلى‬ ‫الفرنسية ونشروها مع تعليق دبلوماسيين فرنسيين عليها في بالد الشام‬ ‫وفي اسطنبول وفي وزارة الخارجية الفرنسية‪ ،‬إضافة إلى توقُّ ع اآلثار‬ ‫المرتقبة لتطبيقها على سكان هذه المنطقة‪ ،‬والتركيز بصورة خاصة على‬ ‫مقاطعات جبل لبنان‪.‬‬ ‫الالفت أن المعطيات الــواردة في هذا المجلد هي في صلب الوثائق‬ ‫العثمانية ألنها في الغالب ترجم ُة تلك الخطوط من العثمانية إلى الفرنسية‪،‬‬ ‫مع تعليقات مستفيضة عليها‪ ،‬تتبع كيفية تطبيقها في جبل لبنان وسائر‬


‫مناطق بالد الشام‪ُ ،‬وتظهر بوضوح ساطع أن القوى التقليدية المحافظة‬ ‫في تلك المناطق كانت ترفض مبدأ المساواة بين رعايا السلطنة‪ ،‬وتتمسك‬ ‫بتقاليد محلية موروثة كان يمارسها زعماء القبائل والعائالت والطوائف‬ ‫في بالد الشام‪ ،‬منها تقاليد سلبية في التعاطي التاريخي مع ‪‬أهل الذمة‪‬‬ ‫بصورة ُتخالف القيم اإلسالمية الحقيقية‪.‬‬ ‫‪  . 1‬خطوط همايونية إلدارة أماكن مسيحية متنازع عليها‬ ‫في القدس وبيت لحم‬

‫‪86‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫أعــاد الفرنسيون نشر ‪‬العهدة العمرية‪ ‬ضمن الوثائق الفرنسية‬ ‫الخاصة بالسلطنة العثمانية لتذكير السالطين العثمانيين بأنهم ورثة‬ ‫تضمنته من مواقف‬ ‫السياسة الحكيمة التي اتبعها الخلفاء الراشدون‪ ،‬وما‬ ‫َّ‬ ‫رائــدة تحدد عالقة المسلمين بالطوائف غير اإلسالمية‪ ،‬وبخاصة أهل‬ ‫الكتاب من المسيحيين واليهود وغيرهم‪.‬‬ ‫حرصت الدبلوماسية الفرنسية على تذكير السالطين بأن الطوائف غير‬ ‫الحق في الحماية‬ ‫اإلسالمية هم من رعايا السلطنة العثمانية‪ ،‬وللمؤمنين‬ ‫ُّ‬ ‫تضمن لهم حماية أرواحهم وأموالهم وأمالكهم‬ ‫من خالل فرمانات سلطانية‬ ‫َ‬ ‫ـرام ممارس ِتهم‬ ‫مــن أي اعـتــداء خــارجــي ألنهم فــي ذمــة المسلمين‪ ،‬واح ـتـ َ‬ ‫معتقداتهم الديني َة في ُحرية تامة‪ .‬لذا تصدرت ‪‬العهدة العمرية‪ – ‬مع‬ ‫ِ‬ ‫‪.2‬‬ ‫ترجمتها وبعض التعليقات – الصفحات األولى للمجلد السادس والثالثين‬ ‫منذ بداية الحكم العثماني في بالد الشام كانت العهدة العمرية نموذج‬ ‫سالطين آل عثمان في تعاطيهم مع الطوائف غير اإلسالمية من رعايا‬ ‫ـرارا لنهج الخلفاء‬ ‫السلطنة‪ .‬فالسلطان سليم األول اعتبر نهجه اسـتـمـ ً‬ ‫الراشدين‪ .‬وكبار السالطين العثمانيين أعلنوا احترامهم الشديد لموقف‬ ‫الخليفة عمر بن الخطاب كما يشير فرمان صادر عن السلطان سليم األول‬ ‫بتاريخ ‪ 23‬صفر لعام ‪923‬هـ‪1517( .‬م‪ ).‬بوصفه ‪‬عمر الكبير‪.3‬‬ ‫‪Firman Apocryphe du Calife Omar Ben Khattab de l’an 15 de l’Hégire‬‬ ‫‪ 22‬‬ ‫‪(636 de l’Ère Chrétienne) et Notes sur ce Firman. A. Ismail, Documents‬‬ ‫‪diplomatiques, vol. 36, p. 883–887. Voir Copie du texte intégral en langue‬‬ ‫‪arabe du «Ouhda Omaria», p. 888.‬‬

‫‪ 33‬‬ ‫‪Firman du Sultan Selim I en date du 25 Séfer de l’Hégire 923,‬‬ ‫‪(1517 de l’Ère Chrétienne). A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36,‬‬ ‫‪p. 891– 892.‬‬


‫‪5 5‬‬ ‫‪Hatti-Chérif de Murad IV du 10 Chewal 1045 (22 Mars 1636). A. Ismail,‬‬ ‫‪Documents diplomatiques, vol. 36, p. 900 – 902.‬‬ ‫‪ 66‬‬ ‫‪Résumé du Hatti-Chérif du Sultan Mahmoud I, en date du Rébiul-Ewel 1144‬‬ ‫‪(Septembre 1731). A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36, p. 922 – 923.‬‬ ‫‪7 7‬‬ ‫‪Résumé du Hatti-Chérif du Sultan Osman III, en date du Mouharrem 1169‬‬ ‫‪(9 octobre 1755). ). A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36, p. 924 – 925.‬‬

‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬

‫‪Du Hatti-Chérif du Sultan Osman II de Djumziul-Ewel 1030 (Avril 1620):‬‬ ‫‪ 44‬‬ ‫‪A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36, p. 895 – 896.‬‬

‫‪87‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫والخط الشريف الذي أصدره السلطان عثمان الثاني في جمادى األول‬ ‫لعام ‪1030‬هـ‪( .‬نيسان ‪1620‬م‪ ).‬يشير إلى تدخل الفرنسيين الواضح ضد‬ ‫تشدد رجال دين‬ ‫شكاوى وتظلمات رجال الدين األرثوذكس واألرمــن من ُّ‬ ‫امتيازا من السلطان سليم األول لرعاية أماكن دينية مقدسة‬ ‫التين نالوا‬ ‫ً‬ ‫في بيت لحم‪ ،‬لكنهم منعوا دخول رجال الدين من الطوائف المسيحية‬ ‫تدخل الفرنسيين في تثبيت نفوذ‬ ‫األخــرى إليها إال بــإذن منهم‪ .‬ونجح ُّ‬ ‫رجال الدين الالتين بدعم من سالطين آل عثمان الذين لم يولوا المسألة‬ ‫كبيرا في تلك المرحلة‪.4‬‬ ‫اهتماما ً‬ ‫ً‬ ‫والـخــط الشريف الــذي أص ــدره السلطان العثماني مــراد الــرابــع في‬ ‫ت هيمنة رجال الدين‬ ‫‪ 10‬شوال من العام ‪1045‬هـ‪ 22( .‬آذار ‪1636‬م‪َّ ).‬ثب َ‬ ‫الالتين على كثير من األماكن المسيحية في القدس‪ ،‬بوضعها في عهدتهم‬ ‫استنادا إلى الفرمان الصادر عن السلطان سليم األول‪.5‬‬ ‫ً‬ ‫وكذلك الخط الشريف الصادر عن السلطان محمود األول في ربيع األول‬ ‫للعام ‪1144‬هـ‪( .‬أيلول ‪1731‬م‪َّ ).‬ثبت أحقية رجال الدين الالتين‪ ،‬مدعومين‬ ‫وفق شهادة‬ ‫من السلطات الفرنسية‪ ،‬في إدارة أماكن مسيحية كانت مهجورة َ‬ ‫بعض أعيان المسلمين‪ ،‬ما أبطل حق الطوائف المسيحية المشرقية في‬ ‫استعادتها بعد صدور فرمانات عثمانية متالحقة منذ السلطان سليمان‬ ‫األول‪ ،‬فاستمروا في إدارتها رغم شكاوى وتظلمات رجال الدين األرثوذكس‬ ‫وغيرهم من الطوائف المسيحية المشرقية ‪.6‬‬ ‫وجاء الخط الشريف الصادر عن السلطان عثمان الثالث في ‪ 3‬محرم‬ ‫فثبت تلك الهيمنة استنادا‬ ‫من العام ‪1169‬هـ‪ 9( .‬تشرين األول ‪1755‬م‪ّ ).‬‬ ‫إلى الفرمانات الصادرة تباعا عن السالطين سليم األول وسليمان الثاني‬ ‫ومصطفى الثاني وأحمد الثالث ومحمود األول‪ ،‬وجميعها تؤكد على حق‬ ‫رجال الدين األجانب‪ ،‬فرنسيين أو التين‪ ،‬في إدارة تلك األماكن المسيحية‬ ‫المقدسة‪ ،‬وعدم االعتراف لرجال الدين من الطوائف المسيحية الشرقية‬ ‫بإدارتها‪.7‬‬


‫أخـيـ ًـرا صــدر خــط شريف مـطـ َّـول معلَّ ل عــن السلطان عثمان الثالث‬ ‫ميز بوضوح كامل‬ ‫في شهر ذي القعدة لعام ‪1170‬هـــ‪( .‬تموز ‪1757‬م‪ّ ).‬‬ ‫بين الالتين والروم األرثوذكس في إدارة األماكن المسيحية المقدسة في‬ ‫فلسطين‪.8‬‬ ‫بعد شكاوى المسيحيين المشرقيين ضد إرساليات التينية أفادت من‬ ‫فرمانات سلطانية سابقة منحتهم امتيازات حصرية إلدارة بعض األماكن‬ ‫المسيحية في المدينة المقدسة‪ ،‬أصدر السلطان محمود الثاني الخط‬ ‫الشريف لعام ‪1232‬ه ــ‪1817 – 1816( .‬م‪ ).‬أعلن فيه أن زيــارة األماكن‬ ‫حكرا على طائفة مسيحية‬ ‫المتنازع عليها في القدس ليست‬ ‫المسيحية‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫محددة‪ ،‬وال على إرسالية غربية واحدة‪ ،‬بل هي حق لجميع المسيحيين‪ ،‬وال‬ ‫يجوز حرمان رعايا السلطنة من زيارة جميع األماكن المقدسة في القدس‪،‬‬ ‫جنبا إلى جنب مع‬ ‫وممارسة حقوقهم الطبيعية في إقامة الصلوات فيها ً‬ ‫باقي رعايا السلطنة والوافدين إليها من خارجها‪.9‬‬ ‫‪88‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫‪  . 2‬الخط الهمايوني لعام ‪1839‬م‪.‬‬ ‫وانعكاساته المباشرة على بالد الشام‬ ‫شكل الخط الشريف (غولخانة) الذي أصدره السلطان عبد المجيد‬ ‫شكل طليعة فرمانات‬ ‫في ‪ 24‬شعبان ‪1255‬هـ‪ 3( .‬تشرين الثاني ‪1839‬م‪ّ ).‬‬ ‫سلطانية دعت إلى تحديث السلطنة العثمانية بعد سلسلة هزائم عسكرية‬ ‫منيت بها‪ ،‬لمواجهة مخاطر حملة ابرهيم باشا العسكرية التي هددت‬ ‫السلطنة في عقر دارهــا‪ .‬في مقدمة هــذا الخط الشريف أن السلطنة‬ ‫تستند في سياستها الثابتة إلى تعاليم القرآن الكريم التي كفلت الحياة‬ ‫الكريمة لجميع رعايا السلطنة على اختالف طوائفهم‪ ،‬وحققت األمن‬ ‫واإلزدهار في السلطنة طوال السنوات السابقة‪.‬‬ ‫ونظرا لفقر رعايا السلطنة في السنوات األخيرة‪ ،‬وضعف مؤسساتها‬ ‫ً‬ ‫وجيشها‪ ،‬كان ال بد من إصدار تشريعات جديدة لصالح الخير العام‪ .‬وباتت‬ ‫ملحة لتطوير مؤسسات الدولة‪ ،‬وتنظيم مواردها المالية في جميع‬ ‫الحاجة َّ‬ ‫الواليات‪ ،‬وإدخال الطمأنينة إلى نفوس رعايا السلطنة‪.‬‬ ‫‪Hatti-Chérif Accordé aux Grecs par le Sultan Osman III, en zilcadé 1170‬‬ ‫‪ 88‬‬ ‫‪(Juillet 1757). A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36, p. 930 – 938.‬‬

‫‪ 99‬‬ ‫‪Firman Avec Hatti–Chérif Accordé aux Grecs par le Sultan Mahmoud II,‬‬ ‫ ‪en 1232 (1816/1817). A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36, p. 945 – 946.‬‬


‫فتحدد على الشكل التالي‪:‬‬ ‫أما هدف التشريعات الجديدة‬ ‫ّ‬ ‫‪ .1‬ضمان األمــن واالستقرار لرعايا السلطنة في حياتهم وكرامتهم‬ ‫وأموالهم‪.‬‬ ‫‪ .3‬إعتماد نظام جديد في الخدمة العسكرية وتحديد مدتها الزمنية‪.‬‬

‫‪Annexe à la dépêche N° 3 du 5 novembre 1839: Hatti–Chérif du Sultan 110‬‬ ‫‪Abdul Méjid Promulgué à Gulhanée le 24 Chaaban 1255 (3 novembre 1839).‬‬ ‫‪A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36, p. 1087–1092.‬‬

‫‪89‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫شكلت ركــائــز صلبة لــاسـتـقــرار الداخلي‬ ‫هــذه القضايا مجتمع ًة ّ‬ ‫المعتمد‬ ‫واستتباب األمن والدفاع عن أراضي السلطنة‪ .‬فنظام االلتزام‬ ‫َ‬ ‫تعسفيا أعطى حــق جباية الضرائب لشخص واحــد فــي مقاطعة‬ ‫كــان‬ ‫ًّ‬ ‫وفرض الضريبة وجبايتها بقسو ٍة أثارت نقمة الرعايا‪ .‬لذا كان‬ ‫واسعة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫من الضروري تنظيم أمور السلطنة بحيث يشعر كل فرد فيها أن عليه‬ ‫دفع ضريبة محددة‪ ،‬مبنية على ما يملكه من قــدرات‪ ،‬عليه دفعها من‬ ‫وألحت الحاجة‬ ‫دون زيادة إضافية أو استخدام طرق تعسفية لجبايتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إلى اعتماد إصالحات وتدابير جديدة ال تستقيم بدونها أمور السلطنة‪،‬‬ ‫لحماية الثروة والممتلكات‪ ،‬ونشر الشعور بالطمأنينة عند تطبيق تلك‬ ‫اإلصــاحــات بـصــورة سليمة‪ .‬وجــاء تنظيم الخدمة العسكرية بطريقة‬ ‫عصرية يسهم في ضمان األمن واالستقرار داخل السلطنة‪ ،‬وفي حماية‬ ‫تعمم مضمون هذا الخط الشريف‬ ‫حدودها ضد التدخالت الخارجية‪َّ .‬‬ ‫في جميع أنحاء السلطنة‪ ،‬وأُ رسلت نسخ رسمية منه إلى جميع سفراء‬ ‫الدول المعتمدين لديها ‪.10‬‬ ‫بونت َوى‪ ،‬علّ ق على هذا الخط‬ ‫السفير الفرنسي في اآلستانة‪ ،‬الكونت دو ْ‬ ‫الشريف بأن ‪‬اإلصالحات الواردة في خط غولخانة باتت قيد التنفيذ ولم‬ ‫تعد مجرد كالم نظري‪ .‬ومن المتوقع إزالة نظام اإللتزام السابق في األول‬ ‫من آذار ‪ .1840‬لكنه يواجه اعتراضات كثيرة من الملتزمين والمتنفذين‬ ‫والمتمولين وأصحاب البنوك ومراكز التسليف وغيرهم‪.‬‬ ‫إتجهت التنظيمات إلى التخلي عن طريقة انتزاع الضرائب من الرعايا‬ ‫ف تدعمه الـقــوى العسكرية النظامية‪ .‬وجــرى ال ـتــداول حــول طرق‬ ‫بعن ٍ‬ ‫جبايتها بمعرفة أعيان القرى والمنظمات الشعبية والبلدية‪ .‬وألمحت إلى‬ ‫تدابير جديدة قيد التداول لضمان قيمة العملة العثمانية ألن الرعايا‬

‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬

‫‪ .2‬إعتماد أساليب جديدة في تنظيم الضرائب وطرق جبايتها‪.‬‬


‫يتخوفون من إصدار عملة ورقية تكون عرضة لتقلبات األسواق الرأسمالية‬ ‫َّ‬ ‫العالمية‪.11‬‬

‫‪90‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫ * السمات األساسية لخط كلخانة لعام ‪ 1839‬وأثره على الساحة اللبنانية‬ ‫شكلت مرحلة األمير بشير الثاني الشهابي نقطة تحول أساسية في‬ ‫ترسيخ العائلية اللبنانية المستمرة في النظام السياسي اللبناني‪ .‬كان حكمه‬ ‫َ‬ ‫منطلَ ًقا لتوحيد السلطة السياسية المركزية المتحالفة مع زعماء عائالت‬ ‫أيضا زعماء الطوائف‪ .‬وعلى قاعدة نظام الملل العثماني‪ ،‬تعززت‬ ‫هم ً‬ ‫سيطرة زعماء العائالت القوية‪ ،‬وهيمنة النظام المقاطعجي‪ ،‬واستمر نظام‬ ‫اإلنتاج الخراجي الذي تحددت بموجبه وظيفة الزعيم السياسي كجابي‬ ‫ضرائب للسلطنة من القوى المنتجة المحلية‪.‬‬ ‫منذ بداية الحكم المصري على بالد الشام‪ ،‬عمل عزيز مصر محمد‬ ‫محاوال توحيد جميع الطوائف‬ ‫ً‬ ‫علي باشا على تهدئة النزاعات الطائفية‬ ‫وجه مناشير واضحة إلى‬ ‫وإخضاع زعمائها للسلطة المركزية المصرية‪َّ .‬‬ ‫جميعهم رعايانا‪ ،‬المذهب‬ ‫سكان بالد الشام جاء فيها‪ :‬اإلسالم والنصارى‬ ‫ُ‬ ‫كل بحاله‪ .‬المؤمن يجري‬ ‫ما له دخل بحكم السياسة‪ .‬فيلزم أن يكون ٌّ‬ ‫‪12‬‬ ‫إسالمه والعيسوي كذلك‪ ،‬وال أحد يتسلط على أحد‪. ‬‬ ‫تساويا‬ ‫احترم ابراهيم باشا زعامة الدروز والنصارى في بالد الشام‬ ‫ً‬ ‫واحتراما زعام َة إخوانهم المسلمين‪ .‬ومن الوسائل التي تذرع بها لتوحيد‬ ‫ً‬ ‫الطوائف اللبنانية أنه لم ُيغرق بالد الشام بالموظفين المصريين‪ ،‬ولم‬ ‫يصطحب معه من مصر َّإال من استوجبت الضرور ُة االعتماد على خبرتهم‬ ‫اإلدارية‪.‬‬ ‫وطني آمن وأجنبي طامع بالسيطرة‪.‬‬ ‫فرق في سياسته الداخلية بين‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫اآلخر من التدخل في شؤون بالد الشام‪ُ .‬ع ِن َي‬ ‫شمل األول بعطفه وحذَّ ر َ‬ ‫بالمحافظة على ثروة البالد وبزيادة إنتاجها‪ .‬وسعى حثيثً ا إلى تعزيز النمو‬ ‫االقتصادي ليتمكن من االستغناء عن القروض من أوروبا‪ .‬وأعار ابراهيم‬ ‫شخصيا كمصدر ضرائب لتغطية نفقات جيشه‪.‬‬ ‫باشا الزراعة اهتماما‬ ‫ًّ‬ ‫بالفالح والمزارع من جراء تلزيم الضرائب‪،‬‬ ‫وعندما لمس الظلم الالحق‬ ‫ّ‬ ‫أمر بإلغاء التلزيم وجباية الضرائب مباشرة‪.‬‬ ‫‪Annexe N° 23: Le Comte de Pontois, Ministre de France à 111‬‬ ‫‪Constantinople, au Maréchal Soult, Ministre des Affaires étrangères,‬‬ ‫‪A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36, p. 1093.‬‬

‫‪ 112‬أسد رستم‪ ،‬البشير بين السلطان والعزيز ‪ ،1840 – 1804‬منشورات الجامعة‬ ‫اللبنانية‪ ،‬جزءان‪ ،‬بيروت‪ ،1966 ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.99 .‬‬


‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬

‫‪ 113‬المرجع نفسه‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.108 .‬‬

‫‪91‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫أعيان بالد الشام في الحكم‪ ،‬يستشيرهم في كثير من األمور‬ ‫وأشرك‬ ‫َ‬ ‫ويحتفظ بالرأي األخير لنفسه‪ .‬أنشأ مجالس المشورة في المدن وفي‬ ‫كبريات قــرى بــاد الشام لسماع جميع الــدعــاوى وإحالة الشرعية منها‬ ‫إلى قضاة الشرع‪ .‬وفصل اإلداريــة والسياسية منها باتفاق اآلراء وإحالة‬ ‫القرارات النهائية إلى المتسلّ م لتنفيذها‪ .‬وراعى في تشكيل تلك المجالس‬ ‫فشكل مجلس دمشق من األكابر‬ ‫ّ‬ ‫مبدأ تمثيل األعيان وزعماء الطوائف‪،‬‬ ‫واألعيان وأبناء البيوت والتجار وآغاوات الحارات‪ .‬وذهب أبعد في تمثيل‬ ‫فشكل مجلسها من ستة مسلمين وستة مسيحيين‪ .‬كانت‬ ‫ّ‬ ‫نصارى بيروت‬ ‫سياسته متنورة تميل إلى المشاورة وتشجع العلماء وطالب العلم‪ .‬ولعل‬ ‫أبهج مميزات تلك السياسة أنها سبقت إخوتها في العالم العربي إلى‬ ‫وع ِن َيت بطبع الكتب العربية‪،‬‬ ‫فقدمت الوطني على األجنبي‪ُ ،‬‬ ‫العروبة‪َّ ،‬‬ ‫‪13‬‬ ‫وقللت من األتراك‪. ‬‬ ‫وقبلت العرب في الوظائف الهامة َّ‬ ‫بعد زوال الحكم المصري عن بالد الشام عام ‪ 1840‬بات والي بيروت‬ ‫مرجعا لفض منازعات يتقدم بها سكان جبل لبنان أمام محاكم المدينة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وسرعان ما تحلق القناصل العامون للقوى العظمى في بيروت ليكونوا على‬ ‫مقربة من الوالي‪ ،‬ما دفع األميركيين إلى مطالبة حكومتهم بفتح قنصلية‬ ‫عامة لهم في المدينة‪ ،‬بعد أسفوا أن تبقى مصالح أمة عظيمة كالواليات‬ ‫المتحدة األميركية تحت رحمة بعثات دويالت أوروبية صغيرة مثل سردينيا‬ ‫وتوسكانا وبلجيكا وغيرها‪.‬‬ ‫شدد على ضــرورة اهتمام الواليات‬ ‫وصــدرت تقارير مطولة متتالية ُت ِّ‬ ‫المتحدة األميركية ببالد الشام وتعزيز حضورها الدبلوماسي فيها على‬ ‫غرار الدول األوربية الكبيرة‪ ،‬وبخاصة بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا‪.‬‬ ‫‪ ...‬فباشا بيروت المصري هو الحاكم العام لسوريا وفلسطين‪،‬‬ ‫وتبعا‬ ‫ويأتي في المرتبة الثانية بعد السلطان العثماني والصدر األعظم‪ً .‬‬ ‫لذلك كانت جميع الدعاوى تقدم لمحاكم بيروت‪ ،‬والقضايا المهمة تمر‬ ‫عبر القناصل العامين وحكام المقاطعات‪ .‬لذا تمركز القناصل العامون‬ ‫للقوى العظمى األربعة في مدينة بيروت ليكونوا على مقربة من الحاكم‬ ‫الـعــام‪ .‬وس ــارع األميركيون إلــى فتح قنصلية عامة للواليات المتحدة‬ ‫األميركية في بيروت‪ .‬وصرح مسؤول البعثة الدبلوماسية األميركية في‬ ‫شكليا بل ستتحول إلى قنصلية‬ ‫بيروت أن الوجود القنصلي فيها لن يبقى‬ ‫ًّ‬ ‫ذات صالحيات واسعة‪ ،‬فأدهش تصريحه والي بيروت من عزم الواليات‬


‫‪92‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫تطور‬ ‫المتحدة على تحويل قنصليتها إلى قنصلية فاعلة لتتالءم مع‬ ‫ُّ‬ ‫التقسيمات اإلدارية والسياسية الجديدة في الواليات السورية‪.14‬‬ ‫أساسيا في تحزبات‬ ‫عنصرا‬ ‫حتى نهاية الحكم الشهابي لم تكن الطائفية‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫اللبنانيين أو غرضياتهم السياسية‪ ،‬وال كانت للمتحزبين برامج يطالبون‬ ‫به ويحاولون تحقيقها‪ .‬كانوا يتضامنون في السراء والضراء‪ ،‬ويتحالف‬ ‫الزعماء بالدرجة األولى وفق مصالحهم الشخصية‪ .‬كان األمراء الشهابيون‬ ‫منقسمين في ما بينهم‪ ،‬وطمع منهم للوصول إلى السلطة عبر الدسائس‬ ‫ضد نسيبه الحاكم ويؤلب عليه الزعماء اآلخرين‪ .‬وكــان األمير الحاكم‬ ‫يقابلهم بالمثْ ل حتى عمت الفتن مختلف مناطق اإلمارة وتجاوزتها أحيانً ا‬ ‫إلى المناطق المجاورة‪.‬‬ ‫كل من األمير بشير الثاني واألمــراء والمشايخ يشتغل لمصلحته‬ ‫كان ٌّ‬ ‫أوال‪ .‬وكانت سياسة األمير في الدفاع عن مصلحته تتطلب ضرب األعيان‬ ‫ً‬ ‫الكبار من أبناء العائالت المهيمنة بالوراثة على مناطق محددة في اإلمارة‪.‬‬ ‫أقام سلطة مركزية قوية مرتبطة مباشرة بشخصه وقضى على كثيرين من‬ ‫مناوئيه وبينهم من أفراد عائلته الشهابية ومن أصدقائه السابقين‪ .‬خضع‬ ‫قويا وأرسل من يمثل سلطته المركزية في بعض‬ ‫له الجميع فأسس‬ ‫ً‬ ‫جيشا ًّ‬ ‫المقاطعات المجاورة أو البعيدة عن حدود اإلمــارة‪ .‬كان يراقب عن كثب‬ ‫سلوك الزعماء المحليين ويقلّ ص نفوذهم في مقاطعاتهم‪ .‬ضرب بقسو ٍة كل‬ ‫ماال‬ ‫من يخل باألمن‪ ،‬وأرضى رجال الدين على اختالف مللهم‪ ،‬وجبى لهم ً‬ ‫خاصا قدمه لهم من رعاياهم‪ ،‬فعاونوه في بسط نفوذه على اللبنانيين من‬ ‫ًّ‬ ‫مختلف الطوائف والمناطق‪.‬‬ ‫مهزوما من بالد الشام‪ ،‬ومع‬ ‫مع خروج محمد علي باشا والي مصر‬ ‫ً‬ ‫حليفه األمير بشير الثاني الشهابي‪ ،‬تحولت المقاطعات اللبنانية مسرح‬ ‫صــراع دمــوي بين قــوى محلية انقسمت بين مــؤيــدي الحكم العثماني‬ ‫المباشر لجبل لبنان ومـعــارضـيــه‪ .‬وبـعــد إلـغــاء اإلم ــارة الشهابية أدار‬ ‫العثمانيون مباشر ًة جبل لبنان‪ ،‬وفي ظروف سلبية للغاية تميزت بكثافة‬ ‫التدخل األوروب ــي لمنعهم من ترسيخ حكمهم المباشر على مقاطعات‬ ‫لبنانية كانت خاضعة لحكم الشهابيين‪ .‬وانقسم الزعماء اللبنانيون بشكل‬ ‫حاد حول طبيعة النظام السياسي األفضل لحكم جبل لبنان‪ ،‬ما أسس‬ ‫‪Sources: Consulate of the United States in Beirut Syria, August 11, 114‬‬ ‫‪1858. Roll 3, T. 367. The National Archives and Records Service, General‬‬ ‫‪Services Administration, Washington, 1958. Consul in Beirut to Secretary of‬‬ ‫‪State, 11 Aug. 1858.‬‬


‫‪Annexe N° 26: Hatti Hamayoun Relatif aux réformes de l’Empire 115‬‬ ‫‪ottoman Promulgué par le Sultan Abdul Magid le 12 Djemazi ul–Akhir 1272,‬‬ ‫‪18 Février 1856. (Page originale du Hatti Humayoun en langue ottomane‬‬ ‫‪p. 1104). A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36. p. 1097 – 1103. Voir‬‬ ‫‪aussi le tome 29 de cette collection, p. 223 –224. Et Annexe N° 41: Note sur‬‬ ‫‪le Hatti Humayoun de 1856, Paris, le 22 Février 1867. A. Ismail, Documents‬‬ ‫‪diplomatiques, vol. 36, p. 1210 – 1214.‬‬

‫‪93‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫‪ . 3‬الخط الهمايوني لعام ‪1856‬م‪.‬‬ ‫وأثره على المسألة اللبنانية‬ ‫أصــدر السلطان عبد المجيد الخط الهمايوني لعام ‪ 1856‬إلصالح‬ ‫السلطنة العثمانية بعدما أطلق سماها خصومها األوروبيون في منتصف‬ ‫حرص‬ ‫القرن التاسع عشر ‪‬الرجل المريض‪ ‬إذ ال أمل بشفائه‪ .‬وإلظهار ْ‬ ‫السلطان على تطوير السلطنة وجعلها فــي مـصــاف ال ــدول األوروب ـيــة‬ ‫تصدر الخط الشريف الجديد عبارة‪ :‬كانت لدي على الدوام‬ ‫المتحضرة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫رغبة صادقة في العمل على تأمين سعادة جميع الطبقات من رعايا‬ ‫وضعتهم العناي ُة اإللهية في عهدتي‪.15‬‬ ‫السلطنة الذين‬ ‫ْ‬ ‫تصنف‬ ‫تضمن الخط‬ ‫وعودا كثيرة بالعمل على تجديد وتطوير نظم قائمة ّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫السلطنة العثمانية في مصاف الدول المتحضرة‪ُ ،‬وتحقق الرخاء لرعاياها‪،‬‬

‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬

‫لمرحلة طويلة من الفتن الدموية واالضطرابات الطائفية في أواسط‬ ‫القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫للتذكير‪ :‬صدرت الخطوط الهمايونية تحت ضغط مباشر من سفراء‬ ‫الــدول األوروبـيــة في إسطنبول‪ .‬لكن إصالحات الخط الهمانيوني لعام‬ ‫‪ 1939‬شكلت مــادة غنية لطرح إشكاليات أساسية رافقت والدة وتطور‬ ‫الفكرالسياسي في جبل لبنان‪ ،‬منها‪ :‬تحديد مفهوم الهوية اللبنانية‪،‬‬ ‫الشعب اللبناني‪ ،‬السمات األساسية للزعامات العائلية والطائفية وأثرها‬ ‫في المسألة اللبنانية‪ ،‬دور الطائفية في بلورة الصيغة السياسية اللبنانية‪،‬‬ ‫انعكاس النزاعات اإلقليمية والدولية على أمــن اللبنانيين‪ ،‬وإشكاليات‬ ‫خالفية أخرى ساهمت في إطالة أمد النزاعات الدموية في الجبل‪ ،‬فكان‬ ‫للفتن الطائفية أثر بارز في التبدالت الديموغرافية الداخلية‪ ،‬وفي تفجير‬ ‫‪‬العاميات‪ ‬الشعبية التي زادت من حدة الصراع الداخلي‪ .‬وتبدلت مواقف‬ ‫اللبنانيين بسرعة تجاه القوى الخارجية عند طرح إشكالية االنتقال من‬ ‫نظام األعيان المقاطعجي إلى النظام السياسي الطائفي كما تجلى في‬ ‫نظام القائمقاميتين‪.‬‬


‫‪94‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫وتضمن تأييد دول كبرى صديقة‪ .‬والوعود الواردة في خط غولخانة الجديد‬ ‫تباعا في‬ ‫استندت إلى مبدأ انسجامها الكامل مع تدابير معتمدة تبلورت ً‬ ‫مسار الخطوط السابقة‪ .‬فدعت التنظيمات على الدوام إلى المساواة بين‬ ‫جميع رعايا السلطنة‪ ،‬بــدون أي تمييز طبقي أو ديني‪ .‬وضمنت لرعايا‬ ‫السلطنة‪ ،‬مسلمين وغير مسلمين‪ ،‬أمنهم الشخصي وممتلكاتهم‪ ،‬وأدخلت‬ ‫وتعهـد الخط الجديد الحفاظ‬ ‫الطمأنينة إلى نفوس غير المسلمين منهم‪َّ .‬‬ ‫على تنفيذ ضمانات قدمتها لهم الخطوط الهمايونية السابقة‪ ،‬إلى جانب‬ ‫احترام حرية المعتقد والعبادة لجميع الملل غير اإلسالمية‪ ،‬وكل ذلك‬ ‫ملة لجن ًة من وجهائها‪ ،‬دينيين‬ ‫كل ٍ‬ ‫برعاية السلطان مباشرة‪ ،‬على أن تختار ُّ‬ ‫وعلمانيين‪ ،‬لترعى شؤونها وتكون صلة وصل مع إدارات السلطنة‪ .‬وأشار‬ ‫الخط الهمايوني الجديد إلى إصالحات كثيرة ومتنوعة شددت على حرية‬ ‫الرعايا فــي ممارسة أعمالهم وضـمــان ممتلكاتهم واح ـتــرام معتقداتهم‬ ‫واعتماد مبدأ المساواة بينهم وبين رعايا السلطنة المسلمين في مجال‬ ‫دفع الضرائب والحقوق المدنية وحق اختيار ممثليهم بحرية وإبرام وتنفيذ‬ ‫عقود البيع والشراء والتملُّ ك واإلرث‪ .‬وأكد الخط حرص السلطنة على‬ ‫تطبيق الفرمانات السلطانية بدقة في مجال محاربة الفساد واستغالل‬ ‫السلطة والنفوذ‪.‬‬ ‫وعودا واضحة بإفساح المجال أمام جميع رعايا السلطنة‬ ‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫وتضمن ً‬ ‫لدخول الوظائف‪ ،‬وحق التعلم في المدارس المدنية والعسكرية‪ ،‬وإطالق‬ ‫حرية جميع الطوائف في إنشاء مدارس خاصة بها وإدارتها تحت إشراف‬ ‫المجلس العثماني الخاص بشؤون التعليم‪ ،‬إلى وعود أخرى بعصرنة الدولة‬ ‫العثمانية ومؤسساتها‪ ،‬وتطوير طاقاتها البشرية ومواردها االقتصادية‪،‬‬ ‫ونشر الرخاء بين رعاياها‪ ،‬وتأسيس مصارف جديدة على النمط الغربي‪،‬‬ ‫ومد السكك الحديدية‪ ،‬والطرق المعبدة‪ ،‬وإزالة كل ما يعيق تطور التجارة‬ ‫والزراعة‪ ،‬وكثير غيرها من الوعود اإلصالحية‪.‬‬ ‫ونظرا ألهمية خط غولخانه الشريف لعام ‪ 1856‬وتأثيراته المباشرة‬ ‫على مركز السلطنة العثمانية وفي بالد الشام حيث كان للنفوذ الفرنسي‬ ‫دور كبير‪ ،‬درست وزارة الخارجية الفرنسية بنود الخط بالتفصيل وأبدت‬ ‫منبه ًة إلى أن عدم تطبيق بنوده يعود ألسباب داخلية‬ ‫تعليقات عليه دقيقة‪ّ ،‬‬ ‫بالدرجة األولى‪ .‬وأبرز التعليقات ما كتبه سفير فرنسا في القسطنطينية‪،‬‬ ‫السيد بوريه‪ ،‬في ‪ 12‬شباط ‪ .1867‬فهو حلل بنود الخط بدقة متناهية‪،‬‬ ‫ورأى في كالم السلطان بتطبيق المساواة التامة بين المسيحيين والمسلمين‬ ‫يطبق على أرض الــواقــع‪ ،‬ورأى أن رجــال‬ ‫نظريا‬ ‫ـامــا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫كـ ً‬ ‫جميال لكنه ال ّ‬ ‫الدين ورعايا الــروم الكاثوليك واألرمــن واليهود ال يعاملون بالتساوي مع‬


‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬

‫‪Annexe à la dépêche N° 21 du 12 Février 1867: Observations sur 116‬‬ ‫‪l’exécution du Hatti Humayoun de 1856. Notes de S. E. M. Bourée,‬‬ ‫‪Ambassadeur de France. A. Ismail, Documents diplomatiques, vol. 36,‬‬ ‫‪p. 1173 – 1193.‬‬

‫‪95‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫ملل إسالمية ومسيحية تحظى برعاية السلطان‪ .‬ولفت إلى أن المدارس‬ ‫حكرا على المسلمين دون سواهم‪ ،‬وأن غالبية‬ ‫العسكرية العثمانية بقيت‬ ‫ً‬ ‫نظرا لوجود مدارس‬ ‫المدارس الرسمية العثمانية ال تستقطب سوى الفقراء ً‬ ‫خاصة محلية متطورة‪ ،‬ومــدارس إرساليات رفيعة المستوى وتستقطب‬ ‫محاكم‬ ‫النخب المتميزة مــن جميع الـطــوائــف‪ .‬ولــم تـؤسس التنظيمات‬ ‫َ‬ ‫مختلطة تضم قضاة مسيحيين ومسلمين‪ .‬أما الدعوة إلى محاربة الفساد‬ ‫والرشوة فمن باب التمني‪ ،‬لكن النوايا الصادقة وحدها ال تكفي ألن قوى‬ ‫جدا يصعب اختراقها‪ ،‬وهي‬ ‫الجمود في السلطنة العثمانية ال زالت صلبة ًّ‬ ‫ترفض محاوالت اإلصالح معتبر ًة إياها مفروضة من الغرب‪ ،‬وتعمل لضمان‬ ‫مصالح الغرب‪.16‬‬ ‫الفالحية في جبل لبنان‪ ،‬منذ بداية القرن‬ ‫بين انــدالع االنتفاضات َّ‬ ‫ـوال إلى أرقــى تجلياتها في انتفاضة فالحي كسروان‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬وصـ ً‬ ‫عام ‪ ،1858‬طيلة ثالث سنوات‪ ،‬برز تأثير مقوالت إصالح وردت واضحة‬ ‫في الخط الهمايوني لعام ‪ 1856‬وحملت شعارات الثورة الفرنسية الكبرى‬ ‫(‪ )1789‬عن الحرية والمساواة واإلخاء والعدالة وغيرها‪ .‬وكانت القنصليات‬ ‫األوروبية واألميركية منتشرة في مختلف مدن بالد الشام‪ ،‬ويعرف القيمون‬ ‫عليها ما يجري في جبل لبنان من أحداث بارزة بعد اإلعالن عن الخط‬ ‫الهمايوني وما أعقبه من إعالن رسمي عن قانون الملكية الخاصة بموجب‬ ‫قانون االراضي العثماني في عام ‪.1858‬‬ ‫خاصا‪ ،‬على أساس سندات‬ ‫ملكا‬ ‫رافق اإلعالن عن تسجيل االراضي ً‬ ‫ًّ‬ ‫الطابو‪ ،‬استغالل كبار المالكين أجهزة الدولة القمعية لتثبيت ما سيطروا‬ ‫سابقا من ملكيات التصرف وغيرها بشكل حقوقي‪ ،‬فاستخدموا‬ ‫عليه‬ ‫ً‬ ‫نفوذهم للسيطرة على قسم كبير مــن أراض ــي الــدولــة وأراض ــي صغار‬ ‫الفالحين في آن‪ ،‬فانفجرت انتفاضات فالحية وحــركــات احتجاج في‬ ‫مختلف أنحاء بالد الشام‪.‬‬ ‫ومــع تـحـ ُّـول حــركــة فــاحــي كـســرون انتفاضة شعبية محلية تدعمها‬ ‫مــؤسـســات دينية مسيحية كــانــت تسعى إلــى الـتـحــرر مــن هيمنة األســر‬ ‫المقاطعجية عليها‪ ،‬نجحت االنتفاضة في طــرد مشايخ آل الخازن من‬ ‫أراضيهم طيلة ثالث سنوات‪ .‬وحفلت تلك المرحلة ببروز تحالفات طائفية‬


‫‪96‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫مضادة‪ ،‬ونزاعات دموية تجاوزت كسروان وجبل لبنان إلى دمشق ومناطق‬ ‫دمويا أدى إلى قتل وتهجير آالف‬ ‫طابعا‬ ‫أخرى من بالد الشام‪ ،‬وارتــدت‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫المسيحيين من ديارهم‪ .‬ثم تبلور تحالف سلطوي ضم األعيان الدينيين‬ ‫والمدنيين‪ ،‬وممثل السلطة المركزية العثمانية‪ ،‬والقنصل الفرنسي وغيره‬ ‫من القناصل األوروبيين‪ .‬هكذا‪ ،‬بضغط من الدول األوروبية الكبرى آنذاك‪،‬‬ ‫نظام متصرفية جبل لبنان التي‬ ‫ـاونً ــا مع السلطنة العثمانية‪ ،‬أُ علن‬ ‫ُ‬ ‫وتـعـ ُ‬ ‫استمرت من ‪ 1861‬إلى ‪.1914‬‬ ‫ما ُك ِتب عن االنتفاضات والحركات الفالحية في تلك الفترة تمحور‬ ‫أوال على نقد فكرها السياسي واالجتماعي والتنظيمي الذي جعل منها‬ ‫ً‬ ‫تتحول الى ثورة شعبية قادرة على فرض‬ ‫مجرد حركات احتجاج مرحلية لم‬ ‫ّ‬ ‫تغييرات بنيوية في النظام السياسي السائد‪ ،‬وال على ِإدخــال تعديالت‬ ‫جذرية لصالح الفالحين والقوى العاملة في الزراعة على امتداد المشرق‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫فالكتابة التاريخية عن تلك الحركات واالنتفاضات الفالحية انحازت‬ ‫بدءا بالوثائق العثمانية والفرنسية واالنكليزية‬ ‫ً‬ ‫غالبا ضد تلك االنتفاضات‪ً ،‬‬ ‫ووثائق غيرها كانت تصفها بأبشع النعوت وتصف قادتها باللصوص ّ‬ ‫وقطاع‬ ‫لكن أفكار العاميات الشعبية والحركات الفالحية كانت‬ ‫الطرق والمجرمين‪ّ .‬‬ ‫الفالحية في بالد‬ ‫صادقة في تعبيرها عن مستوى نظري بلغته القوى ّ‬ ‫الشام رغم ارتفاع نسبة ُ‬ ‫األمية والجهل والتخلف فيها‪ .‬فتلك القوى لم‬ ‫تناضل بمفردها ضد كبار المالكين والقوى السلطوية األخرى بل سعت‬ ‫الى التعاون الوثيق مع قوى سياسية جديدة من طبقات وسطى وبورجوازية‬ ‫ناشطة حديثً ا ظهر تأثيرها في الخطاب السياسي وفي مصطلحات تبلورت‬ ‫الفالحية على امتداد المشرق العربي‬ ‫بفضل العاميات الشعبية والحركات ّ‬ ‫إبان تلك المرحلة‪ ،‬كالمساواة‪ ،‬والمواطن الحر في الوطن الحر‪ ،‬والعدالة‬ ‫وحكم الجمهور‪ ،‬والدين‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وشعب حر ووطن سعيد‪ ،‬والجمهورية ْ‬ ‫هلل والوطن للجميع‪ ،‬واألرض الوطنية‪ ،‬واالنتماء الوطني‪.‬‬ ‫وكــان متنورون بــدأُ وا بنشر تلك األفكار‪ ،‬في طليعتهم المعلم بطرس‬ ‫البستاني‪ ،‬وكان على صلة وثيقة باإلرسالية األميركية في بيروت‪ .‬وكثُ رت‬ ‫فترتئذ تقارير تفصيلية كتبها قناصل الــدول األوروبية ومرسلون أجانب‬ ‫ٍ‬ ‫حول أوضاع السكان المحليين في بالد الشام‪ ،‬وحول عالقات المسيحيين‬ ‫ـوصــا‪ ،‬وحــول دور السلطنة‬ ‫بالمسلمين‬ ‫عموما والـمــوارنــة بــالــدروز خـصـ ً‬ ‫ً‬ ‫العثمانية والدول األوربية في التحريض على النزاعات الدموية في بالد‬ ‫الشام‪ .‬ورصــدت بعض التقارير الرصينة بدقة أثر الخطوط الهمايونية‬


‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬

‫‪Sources: Consulate of the United States In Beirut Syria, August 11, 117‬‬ ‫‪1858. Roll 3, T.367. The National Archives and Records Service, General‬‬ ‫‪Services Administration, Washington, 1958. Consul in Beirut to Secretary of‬‬ ‫‪State, 11 Aug. 1858.‬‬

‫‪97‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫العثمانية‪ ،‬وسياسة ابراهيم باشا في بالد الشام‪ ،‬ودور القنصليات األوربية‬ ‫في صراعات دموية شهدتها بالد الشام أواسطَ القرن التاسع عشر‪ .‬وفي‬ ‫تفصيل دقيق عن االنتاج الــزراعــي والحرفي‪ ،‬والتبادل‬ ‫فرنسية‬ ‫تقارير‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫خصوصا إنتاج القطن والحرير‬ ‫الشام‪،‬‬ ‫بالد‬ ‫مدن‬ ‫مختلف‬ ‫بين‬ ‫التجاري‬ ‫ً‬ ‫والزيتون والتبغ والصابون والقمح والشعير وتجارة الجلود‪ ،‬وفي تقارير‬ ‫أخــرى تفاصيل عن عالقات بيروت بدمشق وحلب‪ ،‬والنمو االقتصادي‬ ‫َّ‬ ‫المطرد لمدينة بيروت‪ ،‬وتطور الزراعة في متصرفية جبل لبنان‪ ،‬وتفاصيل‬ ‫أخرى عن األوضاع التربوية واالجتماعية‪.‬‬ ‫ُوتظهر تقارير مــن دمشق وطرابلس وحلب والـقــدس ويــافــا وغيرها‬ ‫جوانب الحياة االقتصادية واالجتماعية فيها‪ ،‬وترصد تقارير أخرى حركة‬ ‫َ‬ ‫المالحة والسفن‪ ،‬وتجارة المدن السورية وحركة مرافئها‪ ،‬وتقدم لوائح‬ ‫تفصيلية بأسماء القناصل ومساعديهم وموظفي قنصليات تجاوز عددهم‬ ‫تقدم للسكان‬ ‫أيضا حجم مساعدات اقتصادية وتقنية كانت َّ‬ ‫المئات‪ ،‬وتبرز ً‬ ‫المحليين‪.‬‬ ‫تضم َنت تقارير أميركية خالل ‪1858‬‬ ‫إلى تلك التقارير الفرنسية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫و‪ 1859‬مرسلَ ة من يافا وبيروت وطرابلس وحلب وغيرها معلومات مهمة‬ ‫عن تطور األوضاع االقتصادية في بالد الشام‪ ،‬ودور مرفأ بيروت‪ ،‬وازدهار‬ ‫تجارة بيروت‪ ،‬وحركة التجارة في مدينة طرابلس‪ ،‬ومعلومات اقتصادية‬ ‫تقرير أميركي مطول بخطّ اليد عن فترة‬ ‫مثال‬ ‫واجتماعية متنوعة‪ ،‬منها ً‬ ‫ٌ‬ ‫‪ 30‬كانون الثاني ‪ 1857‬حتى ‪ 31‬كانون األول ‪ ،1860‬فيه وصف دقيق‬ ‫لألوضاع في مختلف مدن ومناطق بالد الشام وطرق معيشتهم وأحوالهم‬ ‫االقتصادية واالجتماعية وعالقاتهم االجتماعية‪ .‬وفي تقرير أميركي هام‬ ‫وصف أحداث جبل لبنان الدامية‪ ،‬وفي تقرير‬ ‫بتاريخ ‪ 14‬حزيران ‪1860‬‬ ‫ُ‬ ‫تاريخ الدروز وأوضاعهم السياسية واالقتصادية‬ ‫آخر بتاريخ حزيران ‪1860‬‬ ‫ُ‬ ‫واالجتماعية والعسكرية‪ ،‬وتقرير بتاريخ ‪ 23‬آب ‪ 1860‬صادر عن اللجنة‬ ‫األميركية‪-‬اإلنكليزية لمساعدة المتضررين من أحداث شهدتها بعض‬ ‫مناطق بالد الشام في تلك الفترة‪ ،‬إلى تقارير عدة مشابهة‪.17‬‬ ‫مقاطعات جبل لبنان تميزت عن باقي المقاطعات المجاورة بنظام حكم‬ ‫متنوع‪ ،‬متعدد األقطاب‪ ،‬يمنع التفرد بالسلطة أو التأْ سيس لدولة مركزية‬


‫‪98‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫مي َز ْته عن باقي‬ ‫ذات ركائز ثابتة‪ .‬وهو نظام سياسي بخصائص لبنانية َّ‬ ‫المناطق المجاورة بدون أَ ن تحميه من االنتفاضات الفالحية المتعاقبة‪.‬‬ ‫وكان من فتن طائفية شهدها النظام السياسي اللبناني في أواسط القرن‬ ‫التاسع عشر أن مهدت الطريق لالنتقال إلى نظام المتصرفية على أسس‬ ‫طائفية‪ ،‬ثم إلى ديموقراطية توافقية طائفية شهدها لبنان طوال القرن‬ ‫العشرين‪.‬‬ ‫تلك اإلنتفاضات الفالحية المتالحقة في النصف األول من القرن‬ ‫التاسع عشر ساهمت فــي تـحــرر الفالحين فــي جبل لبنان مــن تقاليد‬ ‫مقاطعجية كثيرة ُم ِذلة كانت تسيء إلى كرامة االنسان‪ .‬وإبــان انتفاضة‬ ‫تهدد وجود المقاطعجيين كقوة سياسية فاعلة في منطقة‬ ‫فالحي كسروان‪َّ ،‬‬ ‫تحالف الــزعــامــات المحلية‪ ،‬الدينية‬ ‫نفوذهم‪ .‬إنما أجهض االنتفاض َة‬ ‫ُ‬ ‫والمدنية‪ ،‬مع ممثلي السلطنة العثمانية وقناصل الدول الكبرى‪ ،‬فكان أن‬ ‫أُ بـ ِـد َل الوالء السابق للزعيم المقاطعجي بوالء جديد للطائفة تحت ستار‬ ‫ضمان اإلجماع الشعبي ومصلحة الجماعة الطائفية في مواجهة تضامن‬ ‫الفالحين الدروز مع زعمائهم‪ .‬والتماسك االجتماعي الجديد في التجمعات‬ ‫القروية المارونية لم يقتصر على حماية مصالح الفالحين بل تعداه إلى‬ ‫حماية هوية طائفية تبلورت بقوة وفاعلية منذ تلك الفترة‪.‬‬ ‫موغال‬ ‫طبيعيا‬ ‫نظاما‬ ‫كانت التراتبية الطبقية في نظر الشعب اللبناني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫مكانته‪ .‬فاللبناني‪ ،‬وفق قانون الوراثة‪ ،‬ينتسب‬ ‫كل إنسا ٍن‬ ‫َ‬ ‫في القدم منذ وعي ِّ‬ ‫إلى طبقة العامة‪ ،‬أو طبقة الشيوخ‪ ،‬أو طبقة المقدمين‪ ،‬أو طبقة األمراء‪.‬‬ ‫وأبناء العائالت المسيطرة هم القابضون على زمام السلطة ويدين لهم‬ ‫الناس بالطاعة‪ .‬توطدت وحدة النظام السياسي في ظل اإلمارة على قاعدة‬ ‫والء العامة لألعيان في جبل لبنان‪ .‬لكن تناقض المصالح بين األعيان زاد‬ ‫من حدة الصراع على السلطة‪ .‬ولما كان األمير الحاكم هو المصدر الرئيسي‬ ‫يختل‬ ‫للتوازن السياسي بين مختلف الزعماء المحليين‪ ،‬كان النظام العام‬ ‫ّ‬ ‫عند تبديل أمير بآخر‪ .‬هكذا ضعفت سلطة جميع األعيان عندما برز بين‬ ‫أركان النظام نزاع حاد جعلَ هم أكثر َته ُّي ًؤا للترحيب بتدخالت خارجية‪ .‬ومع‬ ‫األمير الحاكم بموجب التقاليد الموروثة والعميقة‬ ‫تراجع احترام ِ األعيا ِن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الجذور‪ ،‬باتت السلطة المركزية عاجزة عن فرض هيبة األمير الحاكم على‬ ‫األعيان ورعاياهم إذ أصبحت خلعة اإلمارة سلعة تشرى بالمال‪ ،‬ما حال‬ ‫دون قيام سلطة مركزية في جبل لبنان بعد زوال حكم األمير بشير الثاني‬ ‫الكبير‪ .‬ومع أن المقاطعجي كان يتفرد بجباية الضرائب في مقاطعته وفق‬ ‫صيغة هي أقرب إلى االستقاللية منها إلى التبعية‪ ،‬كان وجود أمير حاكم‬ ‫ٍ‬ ‫يؤمن وحد ًة سياسية ساعدت على تحويل إمارة جبل لبنان إلى دولة مركزية‬ ‫ّ‬


‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬ ‫‪99‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫بقيادة حاكم عثماني في عهد المتصرفية‪ ،‬ثم إلى حاكم فرنسي في عهد‬ ‫االنتداب‪ ،‬ثم إلى حاكم وطني في عهد االستقالل‪.‬‬ ‫هكذا شارك اللبنانيون‪ ،‬األعيان والعامة‪ ،‬في صنع تاريخهم وحياتهم‬ ‫السياسية في ظل السلطنة العثمانية لكنهم تأثروا مباشرة بنزاعات إقليمية‬ ‫ودولية دارت على أراضيهم‪ ،‬فاكتسبوا خبرة سياسية عريقة ساعدت على‬ ‫انتقالهم من العهد المقاطعجي إلى ممارسة الديموقراطية التوافقية على‬ ‫فترتئذ في بالد الشام‪ .‬وأبرز سمات‬ ‫أسس طائفية بصورة لم تكن معتمدة‬ ‫ٍ‬ ‫تلك الخصوصية الطوائفية اللبنانية‪ :‬ضمان الحرية الجماعية في المعتقد‬ ‫(وهي ما زالت تميز الوضع اللبناني)‪ ،‬وظهور طبقة العامة من فالحين‬ ‫كبيرا على مسرح السياسة اللبنانية أواسطَ القرن التاسع‬ ‫أحرار لعبوا ً‬ ‫دورا ً‬ ‫عشر‪ .‬وساهم الفالحون األحــرار في عملية التغيير السياسي في تاريخ‬ ‫لفالحي كسروان استمرت نحو ثالث‬ ‫لبنان الحديث من خالل‬ ‫انتفاضة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات وأسست لتغييرات اجتماعية وسياسية غير مسبوقة في جميع‬ ‫مناطق المشرق العربي‪.‬‬ ‫مبنيا على االرتباط السياسي ال‬ ‫كان النظام اللبناني في عهد االمارة ًّ‬ ‫وتميز بحماية الحريات الدينية‪ ،‬واحترام التراتبية االجتماعية‪،‬‬ ‫الديني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والتقارب بين األعيان واألهالي أو العامة‪ .‬ومع أن الطائفية دخلت النظام‬ ‫رسميا في عهد المتصرفية‪ ،‬لكنها لم تسع إلى تدمير الركائز‬ ‫السياسي‬ ‫ًّ‬ ‫التقليدية غير الطائفية‪ ،‬وحرصت على تعزيز الترابط بين السلطة والشعب‬ ‫من خالل تحالف األعيان القدامى والجدد‪ .‬لذا تكثف البحث عن صيغة‬ ‫‪‬ال غالب وال مغلوب‪ ،‬تتكرر عند نهاية النزاعات اللبنانية المستمرة‬ ‫منذ أكثر من قرن ونصف القرن‪ .‬فالنظام المقاطعجي انهار دون أن تزول‬ ‫ركائزه الموروثة‪ ،‬ما سمح له بالتجدد والحفاظ على شرعيته داخل النظام‬ ‫الطائفي الجديد‪.‬‬ ‫حافظ أعيان الطوائف على شرعية نظامهم القديم مع االعتراف‬ ‫بالشرعية الشعبية للنظام الطائفي الجديد‪ .‬وفي حين كانت شرعية النظام‬ ‫القديم تقوم على الوراثة بين ذوي القربى من أعيان الطبقة الحاكمة‪ُ ،‬ب ِن َيت‬ ‫شرعية النظام الجديد على أساس االنتماء إلى جماعة طائفية ذات سمات‬ ‫خاصة بها‪ ،‬يتضامن أفرادها لحماية وحدة الجماعة الطائفية باعتبارها‬ ‫هوية قائمة بذاتها في مواجهة هويات طائفية أخرى لتشكل مجتمع ًة الهوي َة‬ ‫اللبنانية‪ .‬لكن المفارقة األساسية أن األعيان في جميع الطوائف حافظوا‬ ‫على هويتهم السياسية كطبقة مسيطرة في النظام الطائفي الجديد‪،‬‬ ‫بينما بقي العامة في كل طائفة جماعة تفتقر إلى الخصوصية السياسية‬


‫‪100‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫ألنهم رعايا ملحقون بزعمائهم المدنيين والطائفيين‪ .‬هكذا تقلّ ص نظام‬ ‫وتراجع إلى‬ ‫طائفي جديد نشأ على أعقاب النظام المقاطعجي القديم‬ ‫َ‬ ‫دائرة مذهبية طائفية فككت الجماعة الشعبية وحولتها جماعات متناحرة‬ ‫داخل الدين الواحد‪ .‬وهكذا نجح األعيان في استعادة الشرعية القديمة‬ ‫ليستمروا قو ًة فاعلة ومحددة لمسار نظام طائفي يحفظ لهم مصالحهم‬ ‫الشخصية وكل مظاهر النفوذ والسيطرة على رعاياهم‪ ،‬في حين بقي كل‬ ‫عضوا في رعية جماعة طائفية توكل إليه مهمة الدفاع حتى الموت عن‬ ‫فرد‬ ‫ً‬ ‫مصالح زعماء الطوائف من دون أن ينال الحد األدنى من الحماية لحقوقه‬ ‫الفردية والعائلية‪.‬‬ ‫القيم الجديدة التي عبرت عنها اإليديولوجيا الطائفية كانت تدعو‬ ‫ب‬ ‫إلى المساواة بين أبناء الجماعة الواحدة من دون التقيد بعالقات نَ َس ٍ‬ ‫مرتبة كما كان وضعها في النظام القديم‪ ،‬لذا دعت إلى االنسجام بين‬ ‫ٍ‬ ‫حقا لكل فرد ينتمي إلى‬ ‫قيم الطائفة ومؤسساتها وجعل القيادة السياسية ًّ‬ ‫الجماعة‪ ،‬يعبر عن قيمها ويدافع عن مصالحها‪ .‬هكذا لم تعد القيادات‬ ‫حكرا على األعيان‪ ،‬فبرزت شخصيات دينامية‬ ‫الفاعلة في النظام الطائفي ً‬ ‫وبقي األعيان في‬ ‫اكتسبت شرعيتها بنشاطها الفردي وكفاءتها الشخصية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بارزا بعد تبدالت شكلية طرأت على النظام‬ ‫دورا‬ ‫سياسيا ً‬ ‫جبل لبنان يلعبون ً‬ ‫ًّ‬ ‫القديم‪ ،‬بمشاركة فاعلة من قيادات جديدة تعود جذورها إلى العامة من‬ ‫أبناء الطائفة‪.‬‬ ‫ مالحظات ختامية‪ :‬الخطوط الهمايونية العثمانية‪،‬‬ ‫تحديث أم تغريب؟‬ ‫ـويــا بين زعـمــاء الطوائف‬ ‫عــاشــت المقاطعات اللبنانية صـ ً‬ ‫ـراعــا دمـ ًّ‬ ‫ورك ــز زع ـمــاء محليون كثيرون‬ ‫أوال داخ ــل الـطــائـفــة‪ّ .‬‬ ‫لتثبيت الــزعــامــة ً‬ ‫نفوذهم السياسي معتمدين على قوى إقليمية كبيرة لتثبيت مواقعهم في‬ ‫مواجهة خصومهم السياسيين داخل الطائفة وفي مختلف المقاطعات‪،‬‬ ‫فد ِّونَ ت األحــداث التاريخية لتلك المرحلة وفق مرويات طائفية متنافرة‬ ‫ُ‬ ‫ومنحازة‪ ،‬تعكس ذهنية سياسية كانت سائدة لدى القوى السلطوية في‬ ‫مزيجا من ذهنية عائلية‬ ‫المقاطعات اللبنانية‪ .‬وكان نظام الحكم المحلي‬ ‫ً‬ ‫وقبلية ومذهبية ِّ‬ ‫توظف السياسة في خدمة الزعامة الفردية والمصالح‬ ‫دورا ّأو َل في تعميق‬ ‫الشخصية بالدرجة األولــى‪ .‬ولعبت تلك السياسة ً‬ ‫انتماء الجماعات اللبنانية إلى زعيم الطائفة أو شيخ العائلة على حساب‬ ‫االنتماء إلى الدولة المركزية‪.‬‬


‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬ ‫‪101‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫في مرحلة الفتن الطائفية المحلية شهدت المدن الكبرى في بالد‬ ‫كثيفا من األرياف المجاورة ومن مختلف مقاطعات بالد الشام‬ ‫الشام‬ ‫نزوحا ً‬ ‫ً‬ ‫لتتمركز فيها‪ ،‬فاستقطبت المقاطعات اللبنانية تجمعات عرقية وطائفية‬ ‫متنوعة كالسريان والكلدان واألشــوريـيــن واألرم ــن وغيرهم‪ .‬من هنا أن‬ ‫ً‬ ‫بحوثا معمقة ُتظهر أثر‬ ‫كتابة التاريخ الحقيقي للمقاطعات اللبنانية تحتاج‬ ‫الخطوط الهمايونية العثمانية في بلورة اتجاهات سياسية جديدة داخل‬ ‫نوعا من الحكم المحلي برعاية عثمانية وأوروبية‬ ‫مقاطعات لبنانية شهدت ً‬ ‫مشتركة إبــان نظام القامقاميتين (‪ )1860–1845‬ثم نظام المتصرفية‬ ‫(‪ .)1914–1861‬وبضغط مباشر من الــدول األوروبية الفاعلة استمرت‬ ‫السلطنة العثمانية توكل اإلدارة المحلية وجباية الضرائب إلــى زعماء‬ ‫المقاطعجية من اللبنانيين‪.‬‬ ‫وفــي تقارير القنصليات الفرنسية الغنية جـ ًّـدا بالمعلومات الدقيقة‬ ‫إشارات إلى إصالحات اجتماعية وسياسية واقتصادية أدخلتها االنتفاضات‬ ‫وخصوصا انتفاضة فالحي كسروان ذات الدور‬ ‫الفالحية في جبل لبنان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫األساس في قيام نظام المتصرفية‪ .‬وأشارت تقارير أخرى إلى انتفاضات‬ ‫وخصوصا في حوران‪ ،‬وكانت ذات تأثير كبير‬ ‫فالحية في األرياف السورية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫في زعزعة ركائز النظام اإلقطاعي مع بدايات التحول نحو العمل المأجور‪،‬‬ ‫وإنتاج السلع الزراعية المرتبطة به‪.‬‬ ‫الخطوط الهمايونية العثمانية في القرن التاسع عشر أطلقت الدعوة‬ ‫ـارزا في المجال‬ ‫دورا بـ ً‬ ‫إلى المساواة بين جميع رعايا السلطنة‪ ،‬ولعبت ً‬ ‫السياسي واإلقـتـصــادي واالجتماعي بعد تركيزها على مشاركة جميع‬ ‫جنبا إلــى جنب في‬ ‫رعايا السلطنة‪ ،‬المسلمين وغير المسلمين‪ ،‬للعمل ً‬ ‫نهضتها وتطوير مؤسساتها ومدارسها وتشجيع الــزراعــة واالستثمارات‬ ‫فيها وبناء سكك الحديد‪ ،‬وفتحت الطريق أمام رساميل ومؤسسات غربية‬ ‫أساسيا في عملية تحديث شهدتها السلطنة خالل مرحلة‬ ‫عنصرا‬ ‫تحولت‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫وخصوصا بين ‪ 1839‬و‪ ،1856‬بإصالحات ذات طابع تغريبي‬ ‫التنظيمات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تبنت‬ ‫كثيرة‬ ‫إصالحية‬ ‫جمعيات‬ ‫بروز‬ ‫إلى‬ ‫التنظيمات‬ ‫تلك‬ ‫وقادت‬ ‫واضح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تحديثً ا على النمط الغربي كان من أبرز أسباب انهيار السلطنة في الحرب‬ ‫العالمية األولــى‪ .‬وأدخلت التنظيمات تبدالت مهمة على البنى السكانية‬ ‫واإلقتصادية واإلجتماعية في بالد الشام‪.‬‬ ‫أجرى مؤرخون مقارنات دقيقة بين تطور إمــارة جبل لبنان مع باقي‬ ‫مقاطعات بالد الشام في العهد العثماني‪ ،‬وقدموا مناقشات علمية رصينة‬ ‫تناولت توتر العالقات بين المقاطعجيين والفالحين بعد أن استفادت‬


‫‪102‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬

‫االنتفاضات الشعبية من دعوة إلى المساواة نشرتها الخطوط الهمايونية‬ ‫بين رعايا السلطنة‪ ،‬وتبلور فئة الفالحين األح ــرار في متصرفية جبل‬ ‫نقدا في مرحلة إنتاج الحرير الذي شكل‬ ‫لبنان مع تبلور العمل المأجور ً‬ ‫العمود الفقري لــوالدة البورجوازية اللبنانية ودخــول المرأة اللبنانية إلى‬ ‫دائرة العمل المأجور‪ .‬وبسبب الضرائب المتزايدة على اللبنانيين‪ ،‬وقسوة‬ ‫الوسائل المعتمدة فــي جبايتها‪ ،‬وقـيــام انتفاضات فالحية عــارمــة ضد‬ ‫السياسة الضرائبية‪ ،‬بــادرت التنظيمات العثمانية إلى الحد من تعسف‬ ‫دراسات عد ٌة‬ ‫الوالة واألعيان المحليين في جباية ضرائب مضاعفة‪ .‬وأبرت‬ ‫ٌ‬ ‫األسباب العميقة للعاميات الفالحية في جبل لبنان‪ ،‬وأظهرت أثر التنظيمات‬ ‫العثمانية في الحد من أشكال العنف ضد الفالحين‪ ،‬ما أدى إلى تراجع‬ ‫واضــح لــدى عاميات الفالحين في جبل لبنان‪ .‬وتناول بعض المؤرخين‬ ‫تاريخ األرياف اللبنانيين فأثبتوا كفاءة عالية في تصويب المقوالت السائدة‬ ‫موقعا‬ ‫حول تاريخ المقاطعات اللبنانية‪ ،‬واحتلت وثائق األرشيف العثماني‬ ‫ً‬ ‫متقدما في الدراسات الجديدة عن تاريخ إمارة جبل لبنان‪ ،‬وكان المؤرخون‬ ‫ً‬ ‫طويال مكتفين بمصادر محلية أو أوروبية‪.‬‬ ‫القدامى تجاهلوها‬ ‫ً‬ ‫أخيرا‪...‬‬ ‫ً‬ ‫الهدف األساسي من إعالن الخطوط الهمايونية كان حماية السلطنة‬ ‫العثمانية من التدخالت األجنبية بعد حروب فاشلة خاضتها على جبهات‬ ‫عدة‪ ،‬أدت إلى إضعافها من الداخل وإفقار شعوبها‪ ،‬فلجأ بعض السالطين‬ ‫العثمانيين إلى االقتباس الشكلي لمقوالت التحديث الغربية وزرعها في‬ ‫تربية غير صالحة‪ ،‬وبخاصة في بالد الشام التي كان أعيانها على عالقة‬ ‫سافرا في أمور السلطنة‪ ،‬ويساعدون‬ ‫وثيقة مع قناصل أجانب كانوا يتدخلون‬ ‫ً‬ ‫على تشكيل قوى محلية تدعو إلى التحرر منها واالنفصال عنها‪ .‬لذا شهد‬ ‫حادا للمسألة الطائفية في جبل لبنان‬ ‫منتصف القرن التاسع عشر ً‬ ‫بروزا ًّ‬ ‫بعدما كانت الدول األوروبية الكبرى استخدمت الطائفية والقبلية والتمايز‬ ‫العرقي في بالد الشام لتفكيك السلطنة العثمانية واقتسام والياتها‪.‬‬ ‫هنا أهمية التقارير الفرنسية عن بالد الشام في القرن التاسع عشر‬ ‫لدراسة التبدالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية في تلك المنطقة‪.‬‬ ‫فهي ذات طابع تحليلي معمق‪ ،‬تتضمن معلومات دقيقة موثقة عن الجوانب‬ ‫الديموغرافية واإلجتماعية في مختلف أريــاف بالد الشام‪ ،‬وتركز على‬ ‫دور مدارس اإلرساليات األجنبية‪ ،‬والتنافس الحاد في هذا المجال بين‬ ‫الفرنسيين واإلنكليز‪ ،‬وعلى نشر الديموقراطية في السلطنة العثمانية‬ ‫المتنورين ال ـشــوام‪ ،‬والجمعيات األدب ـيــة والفنية‬ ‫وواليــاتـهــا‪ ،‬وتـبــرز دور‬ ‫ّ‬


‫أَثَر التنظيمات العثمانيّة‬ ‫‪103‬‬

‫على المسألة اللبنانيّة (‪)1860-1835‬‬

‫والثقافية في نشر الحريات العامة‪ ،‬وتحليل أسباب الهجرة المتزايدة من‬ ‫تراتيجيا للتواجد‬ ‫مركزا ْاس‬ ‫بالد الشام إلى الخارج‪ ،‬وإبــراز دور بيروت‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫األوروبي في تلك المنطقة‪ ،‬والعمل على جذب النخب السياسية والثقافية‬ ‫في بــاد الشام وتقريبها من تجارب التحديث األوروب ـيــة‪ .‬لذلك كثرت‬ ‫تقارير دبلوماسية واقتصادية وثقافية محفوظة بشكل جيد في‬ ‫ت‬ ‫بالمئا ِ‬ ‫ُ‬ ‫أرشيف الدول الكبرى‪ ،‬كان لها حضور فاعل في األزمات اللبنانية‪ ،‬وهي‬ ‫تقدم مادة غنية إلعــداد دراســات علمية ُتظهر أثر التنظيمات العثمانية‬ ‫وخصوصا في المقاطعات اللبنانية حيث للنفوذ‬ ‫عموما في بالد الشام‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الفرنسي تواجد كثيف‪.‬‬ ‫في ظل تلك التنظيمات‪ ،‬انصرف الفرنسيون إلى توسيع دائرة وجودهم‬ ‫فــي مختلف مناطق بــاد الـشــام عبر ال ـمــدارس الـخــاصــة واإلرســالـيــات‬ ‫خصوصا إلى بعض‬ ‫نحا دراسية‬ ‫ً‬ ‫الفرنسية والمؤسسات الخيرية‪ ،‬وقدموا ِم ً‬ ‫أبناء زعماء الطوائف المسيحية فتعرفوا إلى الثقافة الغربية من مصادرها‬ ‫األصلية وفي لغاتها األم‪ ،‬الفرنسية واإلنكليزية‪ .‬وإبان حكم ابراهيم باشا‬ ‫بالد الشام أدرك الفرنسيون أهمية مدينة بيروت‪ ،‬فعملوا مع اإلنكليز على‬ ‫َ‬ ‫مهما في العالقات التجارية بين شرقي البحر‬ ‫ا‬ ‫دور‬ ‫ليلعب‬ ‫ها‬ ‫مرفإ‬ ‫توسيع‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ًّ‬ ‫ثقافيا‬ ‫ا‬ ‫عد‬ ‫ب‬ ‫اإلقتصادي‬ ‫دورها‬ ‫إلى‬ ‫األميركيون‬ ‫وأضاف‬ ‫وأوروبا‪.‬‬ ‫المتوسط‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫فنقلوا إليها الكثير من مؤسساتهم الثقافية في النصف الثاني من القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬وأسسوا فيها الجامعة األميركية في بيروت (‪ )1866‬أول‬ ‫جامعة أكاديمية في منطقة الشرق األوسط‪ .‬وسارع اليسوعيون إلى إنشاء‬ ‫جامعة القديس يوسف (‪ )1875‬لتصبح بيروت مركز إشعاع كبير للثقافة‬ ‫الفرنسية في المنطقة‪ .‬وعلى قاعدة التنظيمات العثمانية المتالحقة بين‬ ‫‪ 1839‬و‪ ،1856‬تحولت بيروت المدينة الكوسموبوليتية األكثر إشعاعا‬ ‫واقتصاديا في بالد الشام‪ .‬وبفضل الخطوط الهمايونية‬ ‫وثقافيا‬ ‫سياسيا‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫العثمانية التي كانت دعت إلى المساواة بين جميع الرعايا والطوائف‪،‬‬ ‫كبيرا على الــداخــل العربي مــن جهة‪ ،‬وامـتــدادا‬ ‫انفتاحا‬ ‫عرفت بـيــروت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اقتصاديا عبر البحر المتوسط باتجاه أوروبــا من جهة أخــرى‪ ،‬وأضحت‬ ‫هاما لالستيراد والتصدير وإعــادة التصدير بين المشرق العربي‬ ‫ً‬ ‫مركزا ًّ‬ ‫ومختلف دول العالم‪ ،‬إضافة إلى االهتمام الدائم بالجوانب االقتصادية‬ ‫واإلجتماعية وتعزيز عمل اإلرساليات وتشجيع التنافس اللغوي الفرنكوفوني‬ ‫واألنكلوفوني‪ .‬هكذا بيروت‪ ،‬أكثر من أي مدينة أخــرى في بالد الشام‪،‬‬ ‫أفادت من روحية التنظيمات العثمانية لنشر الدعوة إلى الحداثة في بالد‬ ‫الشام‪ ،‬ثم في مصر عبر الصحف والمجالت والجمعيات األدبية والفنية‬ ‫والثقافية‪ ،‬والدعوة إلى احترام الحريات العامة والخاصة‪ ،‬وتشجيع الهجرة‬


‫وتحولت‬ ‫المتزايدة عبر بيروت من بالد الشام إلى مصر وباقي دول العالم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫استراتيجيا للتفاعل المباشر مع التواجد األوروبي في هذه‬ ‫مركزا‬ ‫بيروت‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫المنطقة على مختلف الصعد‪ .‬وقــامــت جامعاتها وم ــدارس إرسالياتها‬ ‫وبعض مدارسها الخاصة بنشر مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وحق‬ ‫الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها‪ .‬وبالرغم من محاوالت رفض واجهته‬ ‫وخصوصا من كبار‬ ‫اإلصالحات العثمانية من القوى التقيلدية المحلية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اإلقطاعيين وأعيان المدن والقرى في بالد الشام‪ ،‬استمرت بيروت ترفع‬ ‫التعصب الديني والعرقي والنزاعات‬ ‫رايــة التنوير والعقالنية‪ ،‬وترفض‬ ‫ُّ‬ ‫الطائفية والمذهبية والقبلية وما إليها‪.‬‬

‫‪104‬‬ ‫د‪ .‬مسعود ضاهر‬


‫المادي‬ ‫تراثنا غير‬ ‫ّ‬

‫أضواء على الجذور التاريخيّة‬ ‫للكيان اللبناني‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫اللبنانية‬ ‫أستاذ التاريخ في الجامعة‬ ‫ّ‬

‫َكثر الحديث في اآلونــة األخ ـيــرة‪ ،‬وفــي خضم الصراعات اإلقليمية‬ ‫والدولية التي يشهدها الشرق األوســط منذ سنوات‪ ،‬عن اتفاقات دولية‬ ‫لتقسيم هذا الشرق إلى مناطق نفوذ‪ ،‬وبالتالي إلى كيانات جديدة قد تظهر‬ ‫إلى العلن بخاصة بعد نشوء ما ُيعرف بالدولة اإلسالمية في العراق والشام‬ ‫‪‬داعش‪ ،‬وسيطرتها على قسم كبير من منابع النفط في سوريا والعراق‬ ‫وتمزيقها الحدود بين هاتين الدولتين‪.‬‬ ‫والدوليين‪،‬‬ ‫المحليين‬ ‫السياسيين‪،‬‬ ‫في هذا اإلطار‪ ،‬يرسم بعض المحللين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حدد فيها دويالت مستحدثة ذات أنظمة فدرالية‬ ‫خرائط جديدة للمنطقة ُت َّ‬ ‫أو عرقية أو مذهبية‪ .‬ويربط هؤالء المحللون بين ما أسفرت عنه النتائج‬ ‫التدميرية لـ ‪‬الربيع العربي‪ ‬على صعيد القوى العسكرية في المناطق‬ ‫العربية والصراع السني الشيعي ومسألة حماية إسرائيل من جهة‪ ،‬وبين‬ ‫مطامع الــدول الكبرى في مــوارد الشرق األوســط وأسواقه التجارية من‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫كلها سيناريوهات ُمحتملة لتطورات قد يشهدها الشرق األوسط‪ ،‬واقعية‬ ‫كانت أم خيالية‪ ،‬وتبدأ بإقامة دولة كردية وال تنتهي ببروز دويالت طائفية‬ ‫خطرا في اعتقاد‬ ‫عقدة وتشكل‬ ‫في حلب ودمشق والجوالن‪ .‬وهي مسائل ُم ّ‬ ‫ً‬ ‫بعضهم على الكيان اللبناني الحالي‪.‬‬ ‫هذا الواقع اإلقليمي والدولي يلقي بتبعاته على الوضع اللبناني‪ ،‬ذلك أن‬ ‫سي ٍء إلى أسوأ منذ عدة سنوات‪ ،‬اللّ هم ّإال إذا نهض‬ ‫األمور الداخلية تسير من َّ‬ ‫المسؤولون وتداركوا الوضع المتدهور الذي ُتشير إليه المعطيات اآلتية‪:‬‬ ‫تمكن المجلس النيابي اللبناني من انتخاب رئيس للجمهورية‪،‬‬ ‫*‪ ‬عدم ّ‬ ‫مر أكثر من سنتين على هذا االستحقاق الدستوري ولم يالحظ حتى‬ ‫وقد ّ‬ ‫اليوم أي تقدم ملموس في هذا اإلطار‪.‬‬ ‫*‪ ‬فشل السلطة التشريعية في وضع قانون انتخابي جديد ُي ّعبر عن‬ ‫شرائح المجتمع من جهة‪ ،‬وعن تطلعات األجيال والتماشي مع تطورات‬ ‫العصر من جهة ثانية‪.‬‬


‫‪106‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫التنفيذية‪ ،‬وهي شبه مستقيلة‪ ،‬على حل أبسط‬ ‫*‪ ‬عدم قدرة السلطة‬ ‫ّ‬ ‫المشاكل التي يعاني منها الوطن‪.‬‬ ‫*‪ ‬تدهور ُمخيف في سائر المؤسسات واإلدارات العامة عبر ‪‬تناتش‪‬‬ ‫المواقع الوظيفية بين الطوائف والمذاهب وذلك على قاعدة المحسوبية‬ ‫والفساد المستشري‪.‬‬ ‫إن على الصعيد‬ ‫*‪ ‬الخلل الديمغرافي غير المسبوق في البنية الوطنية ْ‬ ‫فضال عــن مئات اآلف المهجرين‬ ‫الجغرافي أو على صعيد االنـتـمــاء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫السوريين‪ ،‬والتراكم السكاني في المدن‪ ،‬وخلو األرياف‪ ،‬مما يزيد األزمة‬ ‫تعقيدا والسيما وأن البنى التحتية غير متوافرة‪ .‬وكل ذلك‬ ‫االقتصادية‬ ‫ً‬ ‫ُيسيء إلى الكيان‪.‬‬ ‫رجح‬ ‫هذه التطورات الدراماتيكية على‬ ‫المستويين الداخلي والخارجي ُت ّ‬ ‫ّ‬ ‫رأي القائلين بتهديد الكيان أو ربما بضرب بعض مكوناته األساسية‪.‬‬ ‫تربويا‬ ‫تسوق‬ ‫ًّ‬ ‫يترافق وهذا التصور من جهة أخرى‪ ،‬ترويج أفكار ايديولوجية ّ‬ ‫واجتماعيا‪ ،‬كانت وال تــزال تسعى إلــى ضــرب الكيان بــإرادات‬ ‫وسياسيا‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫حينا‬ ‫خفية وذلك عبر تصويره‬ ‫حينا أو وليد االستعمار ً‬ ‫مصطنعا ً‬ ‫ظاهرة أو ّ‬ ‫ً‬ ‫آخر‪ ،‬وكأن ال شأن إلرادة أبنائه في تكوينه‪.‬‬ ‫من هنا نرى أن البحث في الجذور التاريخية للكيان اللبناني ضروري‬ ‫لكشف ما استتر عن قصد أو غير قصد من أفكار ُتسيء إلى لبنان‪ ،‬خاصة‬ ‫وأن هذا الكيان في اعتقادنا ال يشبه الكيانات السياسية المجاورة له في‬ ‫أمور كثيرة وال سيما في امتداده التاريخي إلى عدة قرون خلت‪ ،‬أقله إلى‬ ‫المعنية التي ظهرت في أوائل القرن السادس عشر‪.‬‬ ‫بداية اإلمارة‬ ‫ّ‬ ‫السياسيين‬ ‫لذا من المؤسف أن يكون هناك اقتناع ثابت لدى كثيرين من‬ ‫ّ‬ ‫والمؤرخين مفاده أن الكيان اللبناني هو من صنع فرنسي أو أنــه وليد‬ ‫أيضا أن تتبنى بعض الكتب المدرسية‬ ‫اتفاقية سايكس بيكو‪ .1‬ومن المؤسف ً‬ ‫في كل من لبنان وسوريا هذه األفكار بحيث دخل هذا الخطأ التاريخي في‬ ‫صميم المناهج التربوية‪ .‬صحيح أن الفرنسيين ساهموا في مرحلة ما في‬ ‫متمثال بالخريطة التي قدمتها البعثة العسكرية‬ ‫وضع أساس هذا الكيان‬ ‫ً‬ ‫الفرنسية (الصورة المقابلة) خالل العامين ‪ 1860‬و‪ ،1861‬ولكن الصحيح‬ ‫‪ 11‬هي اتفاقية ُو ِقعت في أيار ‪ 1916‬بين فرنسوا جورج بيكو قنصل فرنسا العام في‬ ‫بيروت ومارك سايكس المندوب البريطاني‪ ،‬لتقاسم مناطق النفوذ في الشرق بعد انهيار‬ ‫كليا ذكر لبنان‪ ،‬حتى في نص الرسائل المتبادلة‬ ‫الدولة العثمانية‪ .‬تجاهلت هذه االتفاقية ًّ‬ ‫بين الطرفين‪ ،‬كما ال يوجد أي توضيح لحدود لبنان وعالقته بمحيطه‪ ،‬أنظر‪ :‬عصام‬ ‫خليفة‪ ،‬لبنان المياه والحدود‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬بيروت‪ ،2012 ،‬ص‪.23 .‬‬


‫الفرنسيين في الشرق حاولوا جاهدين‬ ‫أيضا أن بعض القناصل والمندوبين‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وإلى حد بعيد دمج لبنان وسوريا في وحدة إدارية يسهل السيطرة عليها‬ ‫وبالتالي تكون ضمن مناطق نفوذهم‪.‬‬

‫أضواء على الجذور‬ ‫‪107‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫‪http://www.dlir.org/archive/archive/files/c201bd8dcdea7e1c3bdc1889792e9a64.jpg‬‬


‫‪ .1‬اإلمارة والكيان‬

‫‪108‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫ُبعيد الفتح العثماني لبالد الشرق في أوائل القرن السادس عشر‪ ،‬نشأت‬ ‫المعنية وتوالى على سلطتها عدة أمــراء كان أبرزهم فخر الدين‬ ‫اإلمــارة‬ ‫ّ‬ ‫الثاني الكبير (‪ )1635–1572‬الذي انتهج سياسة بناءة على عدة مستويات‬ ‫أدت في نهاية المطاف إلى بروز اإلمارة كوحدة إدارية شبه مستقلة تخضع‬ ‫للدولة العثمانية ولكنها مميزة عن باقي مناطق سيطرة هذه الدولة‪ .‬إذ‬ ‫تمكن فخر الدين من توحيد الجبل اللبناني بقسميه الشمالي والجنوبي‬ ‫ّ‬ ‫في أوائــل القرن السابع عشر‪ ،‬وسيطر على بالد بشاره وصفد والبقاع‬ ‫وذلك بواسطة جيشه الذي كان مكونً ا من طوائف إسالمية ومسيحية على‬ ‫الـســواء‪ .‬فقد جمع هــذا األمير قبيل معركة عنجر الشهيرة عــام ‪1623‬‬ ‫مقاتلين من أهل الشوف والجرد والغرب وكسروان وبيروت وبالد صفد‬ ‫وبشاره والشقيف وصيدا والبقاع‪ .2‬كما استعان بمسيحيي الشمال حيث‬ ‫دفاعيا لهجومات‬ ‫حزاما‬ ‫انزلهم في القرى الحدودية لمناطق نفوذه ليشكلوا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫محتملة من دمشق وغيرها‪ ،‬وكذلك فعل في البقاع ومرجعيون حيث أقام‬ ‫على بعض المرتفعات المطلة على السهل الشرقي عــدة قــرى مسيحية‬ ‫مستعينا لذلك بجماعات من أهدن والقليعه والعاقورة وغيرها‪.3‬‬ ‫ً‬ ‫لن ندخل في تفاصيل كل ما قام به فخر الدين لجهة تحالفاته األوروبية‬ ‫التي اكسبته شرعية دولية‪ ،‬بخاصة تلك التي كانت قائمة مع توسكانا‬ ‫والفاتيكان‪ .‬كما نُ سبت إلــى األمير أهــداف متنوعة سعى إلــى تحقيقها‬ ‫فضال‬ ‫حينا وبالسياسة أحيانً ا أخرى‪ ،‬كضم سناجق إلى ‪‬مملكته‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بالقوة ً‬ ‫عن مشاريع توحيدية راوحــت بين ‪‬الــوحــدة اللبنانية‪ ‬و‪‬وح ــدة سوريا‬ ‫الطبيعية‪ .4‬يقول الـمــؤرخ يوسف الـســودا في هــذا اإلط ــار‪ :‬كما أورث‬ ‫هملكار أبنه هنيبعل مهمة األخذ بثأره من روما وتوطيد سلطان قرطاجة‪،‬‬ ‫‪ 22‬جان شرف‪ ،‬األيديولوجية المجتمعية‪ ،‬منشورات الجامعة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫‪ ،1996‬ص‪ .270 .‬أُ نظر ً‬

‫‪Jean CHARAF, Le pacte shéhabit, dans P. A. CHEHWAN – A. KASSIS (éds.),‬‬ ‫‪Études de l’Orient et de l’histoire libanaise, (Mélanges offerts au P. Paul‬‬ ‫‪Féghali), Jounieh, 2002, p. 279 – 296; Antoine KASSIS, François de Pagès‬‬ ‫‪et le Liban, dans P. Karam RIZK (éd.), Mélanges offerts au Dr Jean Charaf,‬‬ ‫‪Publications de l’Université Saint-Esprit de Kaslik, Institut d’Histoire, 22,‬‬ ‫‪Kaslik, 2010, p. 10 – 52.‬‬

‫‪ 33‬‬

‫ايضا‪:‬‬ ‫جان شرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪297 .‬؛ أُ نظر ً‬

‫‪ 44‬‬

‫جان شرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.266 .‬‬

‫‪Adel Ismail , Histoire du Liban du XVI e siècle à nos jours, t. I, Paris, 1955, p. 66.‬‬


‫‪ .2‬اإلمارة الشهاب ّية‬

‫‪ 55‬يوسف السودا‪ ،‬تاريخ لبنان الحضاري‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪،1979 ،‬‬ ‫ص‪.189 .‬‬ ‫‪ 66‬صيغة ميثاقية نظمت السلطة في الجبل على قاعدة المجتمع المركب‪ .‬أُ نظر‪ :‬جان‬ ‫شرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 378 .‬وما يلي‪.‬‬ ‫‪ 77‬إيليا حريق‪ ،‬التحول السياسي في تاريخ لبنان الحديث‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ص‪.21 .‬‬

‫‪109‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫يأتي الميثاق الشهابي‪ 6‬ليشكل نقطة تحول بارزة في مسألة الجذور‬ ‫وتحديدا في مجتمع اإلمارة‪ .‬فانتقال السلطة‬ ‫التاريخية للكيان اللبناني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الشهابيين السنة العام ‪ّ 1697‬تم في ظروف دقيقة‬ ‫إلى‬ ‫الدروز‬ ‫ين‬ ‫المعني‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪7‬‬ ‫تغييرات جوهرية داخل السلطنة العثمانية‪ .‬لكن هذه الوراثة في‬ ‫وفي ظل ّ‬ ‫الحكم لم تكن ُمطلقة بل خضعت ألحكام ٍ وشــروط ارتضاها الشهابيون‬ ‫الذين توارثوا حكم اإلمارة حتى العام ‪ .1841‬فقبول األعيان الدروز بأمير‬ ‫‪‬غريب الدار‪ ،‬كان بمثابة تسوية مع السلطنة العثمانية من جهة وبتقليص‬ ‫صالحيات ‪‬األمير‪ ‬من جهة أخرى‪ ،‬بحيث اصبح النظام السياسي في‬ ‫قائما على مبدإ الشورى في الحكم بين األعيان واألمير‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫اإلمارة ً‬ ‫حاكما‪ .‬ومع تطور األوضاع االجتماعية‬ ‫األساس غدا األمير َح َك ًما أكثر منه‬ ‫ً‬ ‫تنصر األمــراء‪ ،‬منذ‬ ‫واالقتصادية والديمغرافية لصالح المسيحيين وبدء ّ‬ ‫مجددا‬ ‫منتصف القرن الثامن عشر‪ ،‬طرحت مسألة السلطة في اإلمــارة‬ ‫ً‬ ‫فنتج عن هذه التحوالت نقطتان بارزتان‪:‬‬ ‫*‪ ‬توسيع الرقعة الجغرافية لإلمارة‪.‬‬ ‫*‪ ‬تعددية الطوائف في الحكم‪.‬‬

‫أضواء على الجذور‬

‫هكذا ورث فخر الدين الثاني مهمة االخذ بثأر أبيه ورفع شأن اإلمارة‬ ‫اللبنانية‪ ،‬فبات هدفه توسيع اإلمارة وتحقيق االستقالل‪.5‬‬ ‫إن اتساع الحدود الجغرافية لإلمارة في عهد فخر الدين وسياسته‬ ‫حاليا‪ ،‬إن كان على‬ ‫القائمة على جمع الطوائف التي يتألف منها لبنان‬ ‫ًّ‬ ‫مستوى القوى العسكرية أو االقتصادية‪ ،‬أو التعايش بين الفئات المختلفة‬ ‫وحماية اإلم ــارة‪ ،‬وكلها عــوامــل ساهمت إلــى حــد كبير فــي وضــع أسس‬ ‫الحقا‪ ،‬إلى هذه العوامل‪ ،‬كل من‬ ‫مرتكزات الكيان اللبناني‪ ،‬بحيث استندت‬ ‫ً‬ ‫البعثة العسكرية الفرنسية العام ‪ ،1860‬والوفود اللبنانية التي ذهبت إلى‬ ‫مؤتمر الصلح العام ‪ 1919‬لتحقيق دولة لبنان الكبير‪.‬‬


‫‪110‬‬

‫‪1.1‬توسيع الرقعة الجغرافية لإلمارة‬ ‫تنصر األم ــراء الشهابيين وال ــدور الــذي لعبوه بانحيازهم‬ ‫قــد يكون ُّ‬ ‫للمسيحيين من األسـبــاب الجوهرية التي فجرت الـصــراع الطائفي في‬ ‫ّ‬ ‫أواسط القرن التاسع عشر عام‪ 1841 :‬و‪ 1845‬و‪ .1858‬لكن هؤالء األمراء‬ ‫تمكنوا من بسط سيطرتهم على الرقعة الجغرافية التي عرفتها اإلمارة‬ ‫زمن فخر الدين الثاني‪ ،‬فالتحالف الشهابي الماروني منذ بشير األول‬ ‫أخذ بالتعاظم مع النمو السكاني الذي أعطى اإلمارة امتدادها الطبيعي‬ ‫وسلطتها وقواعدها الجديدة في جبل لبنان بشطريه الشمالي والجنوبي‪.8‬‬ ‫كانت اإلمارة الشهابية في عهد بشير الثاني الكبير (‪،)1840–1804‬‬ ‫تضم النواحي التالية‪ :‬الزاوية‪ ،‬بشري‪ ،‬الكورة‪ ،‬الهرمل‪ ،‬بالد جبيل والبترون‪،‬‬ ‫الفتوح وكسروان والمتن‪ ،‬باإلضافة إلى ساحل بيروت والمناصف والشحار‬ ‫والعرقوب وإقليم جزين وجبل الريحان وإقليم التفاح والقسم الغربي من‬ ‫البقاع‪ ،‬يضاف إلى ذلك قوة نفوذ األمير في حاصبيا وراشيا‪ ،‬حيث كان‬ ‫يحكمها أفراد من أسرته‪.9‬‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫‪2.2‬تعددية الطوائف في الحكم‬ ‫لقد قلّ ص الميثاق الشهابي صالحيات األمير وأشــرك االعيان في‬ ‫تقاليد الحكم‪ ،‬لكن هؤالء التزموا في المقابل مساندة األمير تجاه أي محنة‬ ‫تتعرض لها اإلمارة‪ ،‬فغدت التحديات الخارجية واقعة على عاتق الفريق‬ ‫المكون من األمير ومن مجلس اعيان اإلمارة الذي يضم طوائف‬ ‫السياسي‬ ‫ّ‬ ‫مختلفة‪ .‬وقد غدا هذا األمر بمثابة أعراف وتقاليد يقوم عليها الحكم‪،‬‬ ‫فانتقل مجتمع اإلمــارة التعددي إلى مفهوم جديد في ممارسة السلطة‪،‬‬ ‫وعلى ‪‬هــذا األس ــاس شكلت اإلم ــارة الشهابية وحــدة سياسية منفردة‬ ‫في محيطها‪ .10‬وفي األربعينات من القرن التاسع عشر كان كليمنس‬ ‫ميترنيخ‪ 11‬يتحدث عن ‪‬لبنان‪ ‬وكأنه بلد قائم بذاته‪ ،‬منفصل ومميز عن‬ ‫تابعا للدولة العثمانية‪.12‬‬ ‫بقية أرجاء الشام باستثناء كونه ً‬ ‫‪ 88‬كمال الصليبي‪ ،‬بيت بمنازل كثيرة‪ ،‬الكيان اللبناني بين التصور والواقع‪ ،‬ترجمة‬ ‫عفيف الرزاز‪ ،‬مؤسسة نوفل‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بيروت‪ ،1991 ،‬ص‪.95 .‬‬ ‫‪ 9 9‬من تقرير أرسله الجنرال دو بوفور قائد الحملة على سوريا إلى المارشال راندون‬ ‫الفرنسية‪ ،‬أُ نظر‪ :‬ياسين سويد‪ ،‬فرنسا والموارنة ولبنان‪ :‬تقارير ومراسالت‬ ‫وزير الحربية‬ ‫ّ‬ ‫الحملة العسكرية على سوريا‪ ،‬شركة المطبوعات للتوزيع والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1992 ،‬ص‪.244 .‬‬ ‫‪ 110‬جان شرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.379 .‬‬ ‫‪ 111‬مستشار اإلمبراطورية النمساوية ومن أشهر السياسيين األوروبيين‪.‬‬ ‫‪ 112‬كمال الصليبي‪ ،‬بيت بمنازل كثيرة‪ ،‬ص‪.96 .‬‬


‫‪ .3‬تدخالت دولية لضرب الكيان‪ :‬القائمقاميتان والمتصرفية‬ ‫‪1.1‬القائمقاميتان‬

‫‪ 113‬نقوال زياده‪ ،‬أبعاد التاريخ اللبناني الحديث‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ ،2002‬ص‪.14 .‬‬ ‫‪ 114‬عمر باشا النمساوي‪ ،‬اسمه الحقيقي ميكايل التاس (‪ ،)Michael Latas‬اعتنق‬ ‫هاما في محاربة إبراهيم باشا‪.‬‬ ‫اإلسالم وتابع‬ ‫دروسا عسكرية ومدنية عالية‪ ،‬لعب ً‬ ‫دورا ً‬ ‫ً‬ ‫حاكما على جبل لبنان في كانون الثاني ‪ 1842‬وأُ قيل من منصبه بعد عشرة أشهر‪.‬‬ ‫ُع ّين‬ ‫ً‬

‫‪111‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫إن ما أقدم عليه األمير بشير الثاني من إصالحات على عدة مستويات‪،‬‬ ‫تغييرات جذرية أرســت في مجتمعها قواعد الحرية‬ ‫أحــدث في اإلمــارة ّ‬ ‫طائفية‬ ‫والعدل والمساواة على الرغم من أن اإلمارة قفل نجمها على أحداث‬ ‫ّ‬ ‫دامية فتحت شهية الدولة العثمانية والدول األوروبية الطامحة إلى وراثة‬ ‫‪‬الرجل المريض‪ ،‬على تدخالت قل نظيرها في تاريخ العرب الحديث‪.‬‬ ‫الحقا في‬ ‫ولكن في المقابل‪ ،‬بدأت تلوح في األفق ظاهرات شعبية تجلّ ت‬ ‫ً‬ ‫‪‬عاميات‪ ‬وحركات اتخذت ألول مرة طابع التحدي لدى الطوائف المختلفة‬ ‫ّ‬ ‫بخاصة بعد فترة الحكم المصري ‪.1840–1833‬‬ ‫تزامنا مع تدخالت أوروبية معقدة‬ ‫لكن هذه الحركات ما لبثت ان انتهت‬ ‫ً‬ ‫قائمة على مطامع استعمارية في بالد الشرق‪ .‬فاستغلت السلطنة العثمانية‬ ‫هذه الظروف الداخلية والدولية واقدمت على إلغاء اإلمارة بحجة تنظيمها‬ ‫وبناء على‬ ‫وتعيين عمر باشا النمساوي‪.14‬‬ ‫بعد عزل األمير بشير الثالث ّ‬ ‫ً‬ ‫ذاتيا‬ ‫اقتراح بعض القناصل‬ ‫األوروبيين ّتم تجزئة اإلمارة إلى قسمين ُيحكمان ًّ‬ ‫ّ‬

‫أضواء على الجذور‬

‫صحيح أن اإلمارتين المعنية والشهابية لم تكونا مكونتين من وحدة‬ ‫جغرافية واضحة الـحــدود‪ ،‬لكن أمــراء هاتين اإلمارتين كانوا يبسطون‬ ‫أيضا إذ دخلت‬ ‫سيطرتهم‪ ،‬ليس فقط على الجبل‪ ،‬بل على الساحل والبقاع ً‬ ‫الشهابيين‬ ‫ثم‬ ‫المعنيين ومن‬ ‫بيروت وصيدا وطرابلس وعكار ضمن أمالك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لمدة طويلة مــن الــزمــن‪ ،‬وذلــك إمــا عــن طريق الـتــزام الجباية أو فرض‬ ‫نفوذهم بالقوة العسكرية‪ .‬من هذا المنطلق يقول نقوال زياده إنه أثناء العهد‬ ‫تاريخيا ‪‬بالمنطقة التي تبتدئ بقمم‬ ‫العثماني يمكننا أن نحدد لبنان‬ ‫ًّ‬ ‫جبال لبنان الشرقية وتمتد حتى البحر والتي تأثرت مباشرة بالحكم‬ ‫المعني والشهابي‪ .‬وهي منطقة ال تختلف بحدودها عن لبنان الحديث‪،‬‬ ‫وقد نشأ فيها سلطة سياسية نمت وتطورت دون توقف من مطلع القرن‬ ‫السابع عشر الى اليوم‪.13‬‬


‫‪112‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫وقد ُعرفا باسم ‪‬القائمقاميتين‪ :‬الشمالية‪ 15‬وضمت معاملة طرابلس‬ ‫وكسروان والمتن ووضعت تحت حكم قائمقام ماروني‪ ،‬والجنوبية وضمت‬ ‫صيدا والشوف ووضعت تحت حكم قائمقام درزي‪ .‬ولكن رغم االنشطار‬ ‫األوروبيين وغيرهم‬ ‫معا‪ ،‬فقد استمر لدى‬ ‫الــذي أصــاب اإلمــارة والكيان ً‬ ‫ّ‬ ‫‪‬النظر إلى أراضي األمراء الشهابيين السابقة كبلد واحد اسمه لبنان‪.16‬‬ ‫ُوبعيد اقــرار نظام القائمقاميتين تمسك أهل اإلمــارة بشكل عام من‬ ‫وطنيا خالفً ا لما‬ ‫مسيحيين ومسلمين ودروز بضرورة أن يكون القائمقام‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫كانت تراه السلطنة العثمانية وبعض قناصل الدول األوروبية‪ .‬ولكن على‬ ‫مجددا‬ ‫الرغم من هذا التوافق الطائفي بقيت األحقاد قائمة وتأجج الصراع‬ ‫ً‬ ‫علما أنه كانت‬ ‫بحيث ظهرت عدة مشاكل حالت دون تطبيق هذا النظام‪ً ،‬‬ ‫وضعت ترتيبات شكيب أفندي‪ 17‬إلصالحه‪.‬‬ ‫ّأما على الصعيد الدولي‪ ،‬فقد بدأ نفوذ انكلترا بالتصاعد على حساب‬ ‫الفرنسيين بخاصة بعد الدور الذي لعبته انكلترا في محاربة القائد المصري‬ ‫ّ‬ ‫وتمكنها من طــرده من شــرق المتوسط بعد أن كــان هدد‬ ‫ّ‬ ‫ابراهيم باشا‬ ‫فرنسية جديدة تدعو إلى‬ ‫بسقوط الدولة العثمانية‪ .‬عندها برزت أفكار‬ ‫ّ‬ ‫فصل ‪‬سوريا‪ ‬عن السلطنة العثمانية‪ 18‬والتمسك بشرق المتوسط بحجة‬ ‫امتيازاتها و‪‬حقوقها التاريخية‪ ‬في هذه المنطقة‪ .‬كما كانت فرنسا ترى‬ ‫لتأمين مصالحها في الشرق من الضروري الحفاظ على نفوذها في جبل‬ ‫لبنان لما يتمتع به هذا الجبل من موقع استراتيجي وغنى اقتصادي‪.‬‬ ‫بالعودة إلى ما أفــرزه نظام القائمقاميتين‪ ،‬فقد تمسكت الطوائف‪،‬‬ ‫مدعومة من القوى الخارجية‪ ،‬بخصوصياتها ورفضت كل طائفة الخضوع‬ ‫لسلطة من خارجها‪ ،‬فكان أن استحدث مجلس لكل قائمقامية يتألف من‬ ‫عضوا يتوزعون على الطوائف الست الكبرى‪ :‬السنة والشيعة والدروز‬ ‫‪12‬‬ ‫ً‬ ‫من المسلمين‪ ،‬والموارنة واألرثوذكس والكاثوليك من المسيحيين‪ .‬هكذا‬ ‫وألول مرة في تاريخ الجبل تدخل الطوائف مجتمعة في حكمه ولو أنه ما‬ ‫الحقا على نظام‬ ‫زال يخضع لسلطة الدولة العثمانية‪ .‬هذا األمر سينسحب‬ ‫ً‬ ‫دوليا العام ‪.1920‬‬ ‫الكيان السياسي المعترف به ًّ‬ ‫‪ 115‬الشمالية ويحكمها حيدر أبي اللمع وتضم ‪ 74700‬مسيحي و‪ 10150‬درزي‪.‬‬ ‫الجنوبية ويحكمها احمد إرسالن وتضم ‪ 28140‬مسيحي و ‪ 25450‬درزي (ص‪.)72 .‬‬ ‫قياسا على عدد الدروز في الشمالية‪.‬‬ ‫يالحظ أن عدد‬ ‫المسيحيين في الجنوبية كان ً‬ ‫كبيرا ً‬ ‫ّ‬ ‫‪ 116‬كمال الصليبي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.97 .‬‬ ‫‪ 117‬عصام خليفة‪ ،‬وثائق لبنانية‪ ،‬ص‪.17 .‬‬ ‫‪ 118‬يوسف خطار أبو شقرا‪ ،‬الحركات في لبنان‪ ،‬ص‪.62 .‬‬


‫‪2.2‬كيان اإلمارة يصبح متصرفية‬

‫‪ 119‬أُ نظر‪ :‬أنطوان القسيس‪ ،‬رسالتان غير منشورتين لطانيوس شاهين وأحداث‬ ‫كسروان العام ‪ ،1858‬وثائق وأبحاث في التراث اللبناني‪ ،4/1 ،‬دار كنعان‪ ،‬جونية‪،‬‬ ‫‪ ،1984‬ص‪.55–39 .‬‬ ‫‪ 220‬جان شرف‪ ،‬آل عقل شديد في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر‪ ،‬الطبعة الجديدة‪،‬‬ ‫‪ ،2001‬ص‪.97 .‬‬ ‫اللبنانيين من الموارنة والدروز‪.‬‬ ‫‪ 221‬ذهب ضحيتها اآلف‬ ‫ّ‬

‫‪113‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫سنة ‪ ،1856‬أعلن السلطان العثماني المساواة بين رعايا السلطنة‬ ‫(الخطي همايوني)‪ ،‬األمــر الــذي أعطى االنتفاضات الشعبية في لبنان‬ ‫جديدا باتجاه ضرب االقطاع‪ ،‬وكان ذلك في ظروف صعبة قد عاشتها‬ ‫دفعا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫القائمقاميتان في األعوام السابقة‪ .‬فكانت ثورة الفالحين بقيادة طانيوس‬ ‫شاهين‪ 19‬في كسروان‪ ،‬لكنها سرعان ما امتدت باتجاه المناطق األكثر‬ ‫ً‬ ‫اختالطا على المستوى الطائفي في الشوف وعاليه‪ ،‬فتحولت إلى فتنة‬ ‫‪20‬‬ ‫كبرى وصل لهيبها إلى الجنوب والبقاع ودمشق ‪.‬‬ ‫هذه التطورات المخيفة‪ 21‬في الجبل‪ ،‬دفعت الدولة العثمانية والقوى‬ ‫األوروبية الكبرى المعنية بـ ‪‬المسألة الشرقية‪ ‬إلى أن ُتعيد النظر في‬ ‫سياساتها تـجــاه المناطق الـعــربـيــة‪ ،‬وأدركـ ــت بالتالي خ ـطــورة الفوضى‬ ‫والسياسية التي شهدتها اإلمــارة آنــذاك‪ .‬في هذه األثناء كان‬ ‫العسكرية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أشده بين فرنسا وبريطانيا إذ كانت تسعى هذه األخيرة إلى‬ ‫على‬ ‫الصراع‬ ‫ّ‬ ‫السيطرة على شرق المتوسط وتأمين الطريق االستراتيجي للوصول إلى‬ ‫الهند ‪‬جوهرتها الثمينة‪ ‬في تلك الحقبة‪ ،‬في حين كانت فرنسا تتمسك‬ ‫بقوة بــ ‪‬االمتيازات‪ ‬التي كانت قد حصلت عليها في السلطنة العثمانية‬ ‫منذ العام ‪ 1535‬وبحقوقها ‪‬التاريخية‪ ‬في منطقة الشرق‪ .‬إلى ذلك كانت‬ ‫روسيا تسعى إلى الوصول إلى المياه الدافئة وتوسيع رقعة أراضيها نحو‬ ‫الجنوب‪.‬‬

‫أضواء على الجذور‬

‫يحل نظام القائمقاميتين مسألة الفوضى العارمة التي شهدتها‬ ‫لم‬ ‫ّ‬ ‫اإلمـ ــارة لكنه كــرس فــي الــوقــت عينه اإلدارة الــذاتـيــة فــي شقي اإلم ــارة‬ ‫فضال عن‬ ‫وفرض التعامل بين مختلف الطوائف في مجلس القائمقامية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تمسك أهل القرى بأرضهم ورفضهم الفرز السكاني المفروض عليهم‪،‬‬ ‫فالمسيحيون في القائمقامية الدرزية رفضوا االنتقال إلى الشمال وكذلك‬ ‫فعل الدروز المقيمين في القائمقامية الشمالية‪ .‬هذا الترابط المصيري‬ ‫الحقا‪.‬‬ ‫بين اإلنسان واألرض كان له األثر الكبير في صنع الكيان اللبناني‬ ‫ً‬


‫‪114‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫آنفا مصالحها‬ ‫فاشتبكت المصالح الدولية ولكي تؤمن الدول المذكورة ً‬ ‫االستعمارية‪ ،‬لجأت إلــى حماية األقليات الطائفية من كاثوليك ودروز‬ ‫وأرثــوذكــس فــي حين أن الــدولــة العثمانية كــانــت معتبرة آن ــذاك حامية‬ ‫المسلمين‪.‬‬ ‫إزاء هذا الواقع‪ ،‬دعت فرنسا إلى مؤتمر دولي يضم كل من بريطانيا‬ ‫الحقا) وتركيا‪ ،‬تقرر فيه التدخل في‬ ‫والنمسا وروسيا وبروسيا (المانيا‬ ‫ً‬ ‫الشرق ‪‬لحقن الدماء في سورية باتخاذ أقرب الوسائل الناجعة واظهار‬ ‫عــزم السلطان على المحافظة على حسن النظام وبسط األمــان بين‬ ‫الشعوب الخاضعة لسلطته‪ .22‬كما ّتم االتفاق على إرســال اثني عشر‬ ‫ألف مقاتل لتحقيق هذا الغرض‪ ،‬وتعهدت فرنسا بإرسال نصف هذا العدد‬ ‫فورا‪ ،‬كما وافق المجتمعون على اقامة نظام حكم جديد في الجبل‪.23‬‬ ‫ً‬ ‫الفرنسيين إلى بيروت في ‪ 16‬آب ‪ ،1860‬أوفدت‬ ‫وقبل وصول المشاة‬ ‫ّ‬ ‫الدولة العثمانية إلى الجبل وزير خارجيتها فؤاد باشا المتشدد تجاه أي‬ ‫حركة استقاللية أو انفصالية داخل السلطنة‪ ،‬فاصطدم بالكيان اللبناني‬ ‫الــذي كان يتمتع به الجبل أبــان عهد اإلمــارة‪ ،‬وبرغبة الــدول األوروبية‬ ‫تعقيدا‪.‬‬ ‫المتيازات جبل لبنان‪ ،24‬فازدادت األمور‬ ‫ً‬ ‫وفي أواخر العام ‪ ،1860‬تألفت لجنة دولية تمثلت فيها الدول الكبرى‬ ‫الخمس‪ 25‬برئاسة الوزير العثماني فؤاد باشا واستمر عملها إلى أيار ‪،1861‬‬ ‫حيث تمكنت بعد محادثات شاقة في ‪ 9‬حزيران من العام نفسه‪ ،‬من إقرار‬ ‫‪‬القانون األساسي‪ ‬إلدارة جبل لبنان وهي الصيغة الدستورية لحكمه‪،‬‬ ‫فوضع نظام المتصرفية القاضي بان يتولى حكم الجبل حاكم (متصرف)‬ ‫ينصبه الباب العالي بموافقة الدول األوروبية الخمس‪،‬‬ ‫مسيحي غير لبناني‬ ‫ّ‬

‫‪ 222‬أنظر‪ :‬بروتوكول اتفاقية إرسال حملة أوروبية إلعادة األمن إلى الشام‪ ،‬وثيقة‬ ‫رقم ‪ ،121‬آب ‪ ،1860‬في‪ :‬عبد العزيز نوار‪ ،‬وثائق اساسية من تاريخ لبنان الحديث‬ ‫(‪ ،)1920–1517‬منشورات جامعة بيروت العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1974 ،‬ص‪ 448 .‬وما يلي‪ .‬أما‬ ‫باقي الدول المشاركة في المؤتمر فقد وعدت بمواصلة إرسال القوات البحرية الكافية‬ ‫إلى شواطئ سورية‪.‬‬ ‫أيضا‪ :‬كريم الجبوري‪،‬‬ ‫‪ 223‬نقوال زيادة‪ ،‬األبعاد التاريخية‪ ،‬ص‪ 75 .‬وما يلي‪ .‬أنظر ً‬ ‫الحملة العسكرية الفرنسية على جبل لبنان‪ ،‬مجلة مركز بابل للدراسات اإلنسانية‪،‬‬ ‫المجلد ‪ ،5‬العدد ‪ ،2‬ص‪.48–39 .‬‬ ‫‪ 224‬حكمت الحداد‪ ،‬لبنان الكبير‪ ،‬ص‪.33 .‬‬ ‫‪ 225‬مندوبو الدول هم على التوالي‪ :‬اإلنكليزي دوفرين (‪ )Dufferin‬والفرنسي بيكالر‬ ‫(‪ )Beclard‬والروسي دو نوفيكوف (‪ )De Novikov‬والنمساوي ويكب يكر (‪Weck‬‬ ‫‪ )Beeker‬والبروسي دو روفوس (‪.)De Rehfuss‬‬


‫أضواء على الجذور‬

‫ويتمتع بصالحيات تنفيذية تمكنه من اإلشــراف التام على المتصرفية‪،‬‬ ‫يعاونه مجلس إدارة كبير‪ 26‬يؤلف مــن اثني عشر عـضـ ًـوا وهــم‪ :‬اثنان‬ ‫مارونيان واثنان درزيــان واثنان من الــروم الكاثوليك واثنان من الــروم‬ ‫األرثوذكس واثنان من المتاولة واثنان من المسلمين‪ ،27‬ويكلف المجلس‬ ‫بالبحث في إدارة موارد الجبل ونفقاته وببيان آرائه الشورية في المشاكل‬ ‫التي يعرضها عليه المتصرف‪.‬‬ ‫عدل النظام األساسي للمتصرفية على اثر‬ ‫وفي ‪ 6‬أيلول من العام ‪ّ 1864‬‬ ‫المطالبة المسيحية بحيث ّتم رفع عدد المقاعد المسيحية في المجلس‬ ‫اإلداري الكبير‪ 28‬وأتيح للقوى الناشئة أن تدخل المعترك السياسي‪ ،‬فقد‬ ‫ألغى هذا التعديل في مادته السادسة امتيازات االعيان وأعلن مساواة‬ ‫الجميع أمام القانون‬ ‫فضال عن دخول القواعد الشعبية في السلطة‪.29‬‬ ‫ً‬

‫‪115‬‬

‫لتمييزه عن مجلس إدارة محلي مؤلف من ثالثة أعضاء إلى ستة يمثل‬ ‫‪ 226‬سمي هكذا ّ‬ ‫عناصر السكان في المقاطعة أو القضاء‪.‬‬ ‫‪ 227‬أنظر الوثيقة رقم ‪ .132‬نظام متصرفية جبل لبنان‪ ،‬في عبد العزيز نوار‪ ،‬وثائق‬ ‫أساسية‪ ،‬ص‪ 470 .‬وما يلي‪.‬‬ ‫نسبيا في مجلس اإلدارة على الشكل التالي‪ 4 :‬من الموارنة‪ ،‬اثنان‬ ‫‪ 228‬تمثلت الطوائف‬ ‫ً‬ ‫أورثوذكس وكاثوليكي واحد‪ ،‬ثالثة دروز وواحد من المتاولة والمسلمين‪ ،‬بحيث أصبح‬ ‫الحقا إلى‬ ‫يضم ‪ 7‬مسيحيين و‪ 5‬مسلمين‪ .‬انتقلت هذه النسب في المقاعد التمثيلية‬ ‫ً‬ ‫المجالس التمثيلية والنيابية في لبنان الكبير والجمهورية اللبنانية‪.‬‬ ‫‪ 229‬جان شرف‪ ،‬آل عقل شديد‪ ،‬ص‪.98 .‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫قرار المجلس اإلداري الكبير‬


‫‪116‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫وبموجب المادة الثالثة من بروتوكول ‪ 1864‬قسمت المتصرفية إلى سبع‬ ‫مناطق إدارية هي‪:‬‬ ‫*‪ ‬البترون وناحية الشمال بما فيها جبة بشري والزاوية‪.‬‬ ‫*‪ ‬الكورة ما عدا بلدة القلمون الكائنة على الساحل‪.‬‬ ‫*‪ ‬كسروان بما فيها بالد جبيل وجبة المنيطرة والفتوح حتى نهر الكلب‪.‬‬ ‫*‪ ‬زحلة وضواحيها‪.‬‬ ‫*‪ ‬المتن بما فيه الساحل المسيحي وأراضي القاطع وصليما‪.‬‬ ‫*‪ ‬الشوف وهي األراضي الواقعة إلى جنوب طريق الشام حتى جزين‪.‬‬ ‫*‪ ‬جزين وإقليم التفاح‪.‬‬ ‫ومع اقرار هذا النظام‪ ،‬تقلصت الحدود الجغرافية التي شهدتها اإلمارة‬ ‫تقريبا بحيث ّتم‬ ‫والشهابيين‪ ،‬إلى ما يوازي ثلث المساحة‬ ‫المعنيين‬ ‫زمن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سلخ أو اقتطاع أراضــي مشهورة بلبنانيتها منذ زمن طويل وهي بيروت‬ ‫وصيدا وصــور ومعظم الجنوب باإلضافة إلــى طرابلس وعكار والبقاع‬ ‫باستثناء زحلة والهرمل‪.‬‬ ‫وبالعودة إلى محادثات اللجنة الدولية وكيفية التوصل إلى اقرار بروتوكول‬ ‫الحقا‪ ،‬فقد حاولت الدولة العثمانية عبر ممثلها في اللجنة‬ ‫‪ 1861‬والمعدل‬ ‫ً‬ ‫تشديد القبضة على الجبل ومنع أي محاولة الستقالل ذاتي وأبعاد النفوذ‬ ‫البريطاني والفرنسي عن هذه المنطقة قدر المستطاع‪ .‬ومن أجل ذلك لجأت‬ ‫واقعيا‪ ،‬يقضي بإظهار الدروز والموارنة بمظهر الوئام‬ ‫إلى سيناريو‪ ،‬ربما كان‬ ‫ًّ‬ ‫‪30‬‬ ‫والوفاق‪ .‬ولتحقيق هذا الغرض نجحت في أن يوقع الطرفان عهدة صلح‬ ‫بعنوان ‪‬تناسي الماضي‪ ،‬وذلك بتاريخ ‪ 6‬تموز ‪ 1860‬أي قبل نزول الحملة‬ ‫تقريبا‪ .‬هذا الصلح هو الذي‬ ‫الفرنسية على شواطئ بيروت بحوالي الشهر‬ ‫ً‬ ‫سائدا‬ ‫دفع بالجنرال دو بوفور قائد الحملة بان يقترح اعادة النظام الذي كان‬ ‫ً‬ ‫قبل ‪ 1840‬إذ أكد أنه فور وصوله إلى جبل لبنان وجد اتفاقً ا شبه تام على‬ ‫هذا األمر بين الدروز والموارنة وان كال الطائفتين كانت تعيشان بتفاهم‬ ‫تام وأن األحداث األخيرة تعود إلى خصومات محلية وليس دينية أو مذهبية‬ ‫‪31‬‬ ‫‪‬إذ أن كل الطائفتين ينتميان إلى كل من المعسكرين المتقاتلين‪.‬‬ ‫حزبيا على ذاتها‪.‬‬ ‫والمقصود بذلك أن كل طائفة منقسمة‬ ‫ًّ‬ ‫‪ 330‬عبد العزيز نوار‪ ،‬وثائق أساسية‪ ،‬الوثيقة رقم ‪ ،118‬ص‪ .441–439 .‬وقد ُكتب‬ ‫صك الصلح هذا على أربع نسخ وقعتها كل من الطائفتين‪ :‬اثنتان منها يتبادلها الفريقان‪،‬‬ ‫واثنتان تسلمان للدولة العثمانية‪.‬‬ ‫‪ 331‬كريم الجبوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.44 .‬‬


‫‪ 332‬كريم الجبوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.45 .‬‬ ‫أميرا‬ ‫‪ 333‬جزائري االصل ولد في قيطنة عام ‪ ،1808‬بايعه الجزائريون عام ‪ً 1832‬‬ ‫الفرنسيين‪ُ .‬يعتبر من مؤسسي دولة الجزائر الحديثة‪ُ .‬سجن في فرنسا‪ ،‬لكن‬ ‫لمقاومة‬ ‫ّ‬ ‫عارضا عليه الهوية الفرنسية‪ ،‬لكنه رفض ورحل إلى‬ ‫وأكرمه‬ ‫استدعاه‬ ‫الثالث‬ ‫نابليون‬ ‫ً‬ ‫دمشق براتب من الحكومة الفرنسية‪.‬‬ ‫‪ 334‬دعد أبو ملهب‪ ،‬المجال اللبناني من إعالن غورو إلى القرار ‪ ،425‬قراءة‬ ‫جيوسياسية‪ ،‬في دولة لبنان الكبير‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬منشورات الجامعة اللبنانية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،1999 ،‬ص‪.54 .‬‬

‫‪117‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫اجتماعا مــع بيكالر‬ ‫وفــي ‪ 10‬تشرين األول ‪ ،1860‬عقد دو بــوفــور‬ ‫ً‬ ‫(‪ )Beclard‬ممثل فرنسا في اللجنة الدولية وألح عليه االهتمام بمسيحيي‬ ‫الجبل والسيما اعادة األهالي إلى قراهم وضمان األمن لهم واقامة نظام‬ ‫يضمن حقوقهم وذلك عبر إلغاء نظام القائمقاميتين وضم المناطق الواقعة‬ ‫فضال عن بيروت وطرابلس وصيدا ‪‬مع‬ ‫بين عكا والقاسمية إلى الجبل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األخذ بعين االعتبار تجانس األهالي ومصالحهم واختالفهم الديني على‬ ‫أن يتحاشى وضع المسيحيين تحت سلطة الدروز أو العكس‪ ،32‬واعتراف‬ ‫هذا النظام بسيادة الباب العالي‪ .‬كما اقترح دو بوفور أن يكون في سوريا‬ ‫‪33‬‬ ‫معتبرا أن هذا التدبير‬ ‫سلطة جديدة ورشح لها عبد القادر الجزائري‬ ‫ً‬ ‫المسيحيين فيها‪.‬‬ ‫يؤدي إلى حفظ وحدة سوريا وضمان مستقبل‬ ‫ّ‬ ‫اقتراحا يجعل بموجبه‬ ‫أما المندوب البريطاني دفرون (‪ )Dufferin‬فقدم‬ ‫ً‬ ‫لبنان وسوريا إمارة عثمانية واحدة يرأسها فؤاد باشا‪ ،‬قاومت فرنسا هذا‬ ‫االقتراح كما رفض العثمانيون واالنكليز كل محاولة تقضي باالحتفاظ‬ ‫التاريخية التي توصل إليها‬ ‫بحدود لبنان التاريخية‪ .34‬وعليه فان التسوية‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وسطا بين الرأي الفرنسي والرأي المعارض الذي‬ ‫حال‬ ‫المؤتمرون جاءت ً‬

‫أضواء على الجذور‬

‫نزول الحملة الفرنسية على شاطئ بيروت بقيادة الجنرال دو بوفور (‪ ١٦‬آب ‪)١٨٦٠‬‬

‫_‪WIKIPEDIA: https://fr.wikipedia.org/wiki/Charles_Marie_Napol%C3%A9on_de‬‬ ‫‪Beaufort_d%27Hautpoul‬‬


‫‪118‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫كان يسعى إلبعاد أهالي الجبل عن ممارسة حكم أنفسهم فإدارة الحاكم‬ ‫الغريب (المتصرف) عن الجبل ‪‬سوف تمنح السالم واالستقرار وعليه‬ ‫قبلت فرنسا بهذه الصفقة‪.35‬‬ ‫ويرى كمال الصليبي في هذا اإلطار أن اإلمارة الشهابية كانت السلف‬ ‫التاريخي لمتصرفية جبل لبنان والتي أصبحت بدورها السلف التاريخي‬ ‫للجمهورية اللبنانية الحالية‪ ،‬ومؤرخو لبنان الذين يكتفون بهذه النظرة‬ ‫الواقعية إلى دور عهد اإلمارة في تاريخ البالد هم على حق‪.36‬‬ ‫لم يتقبل أهل الجبل فكرة ‪‬المتصرفية‪ ‬التي كان من أبرز نتائجها‬ ‫إبعادهم عن الحكم الذاتي وتقليص الحدود الجغرافية لكيانهم‪ ،‬فراحوا‬ ‫يطالبون في شتى المجاالت والمناسبات بإعادة ما سلخ عن هذا الكيان‪.‬‬ ‫وقد استمرت هذه المطالبة بوتيرة أقوى وأفعل إلى حين إعالن دولة لبنان‬ ‫الكبير‪ّ .‬أما عن اإليجابيات التي نجمت عن قيام نظام المتصرفية والتي‬ ‫ساهمت فيما بعد بضرورة إعــادة تركيب األجــزاء المقطعة للكيان‪ ،‬فهي‬ ‫استمرار أهل الجبل والساحل أي المتصرفية والوالية‪ ،‬بممارسة عاداتهم‬ ‫حال‬ ‫وتقاليدهم وتجاراتهم السابقة معتبرين أن هذه التجزئة ليست ّإال ً‬ ‫مؤقتا لوضع حد لالقتتال والفوضى اللذين اصابا الكيان‬ ‫مؤخرا‪.37‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هكذا استمرت بيروت على صلة وثيقة بالجبل وبقيت بحكم موقعها‬ ‫قلب لبنان‪ .38‬فالعالقة بين سكان المتصرفية وأهل بيروت فرضت على‬ ‫الناس اإلقامة في الجبل تارة وفي المدينة تارة أخرى‪ ،‬األمر الذي دفع‬ ‫والمسجل في بيروت ال ُيمنع أن يكون‬ ‫المقيم ُ‬ ‫بالسلطات آنــذاك اعتبار ُ‬ ‫من أهل المتصرفية‪ ،39‬كما ّأدت عالقة سكان الجبل بإخوانهم في المدن‬ ‫الساحلية إلى بلورة تيارات سياسية وعقائدية عنوانها الوالء الوطني وليس‬ ‫فضال عن العالقات االقتصادية التي استمرت كما كانت‬ ‫الطائفي‪ ،40‬وذلك‬ ‫ً‬ ‫عليه زمن اإلمارة‪.‬‬ ‫‪ 335‬نقوال زيادة‪ ،‬األبعاد التاريخية‪ ،‬ص‪.84 .‬‬ ‫‪ 336‬كمال الصليبي‪ ،‬بيت بمنازل كثيرة‪ ،‬ص‪.168 .‬‬ ‫‪ 337‬جاء في كتاب ‪‬حسر اللثام عن نكبات الشام‪ ‬لمؤلف مجهول في وصف‬ ‫امتيازا لم ينله مكان‬ ‫تغير حال هذا الجبل ونظامه بعد حادثة ‪ 1860‬ونال‬ ‫ً‬ ‫المتصرفية‪ :‬ان ّ‬ ‫آخر سواه‪ .‬أنظر‪ :‬عبد اهلل المالح‪ ،‬الهجرة من متصرفية جبل لبنان‪ ،2007 ،‬ص‪.6 .‬‬ ‫‪ 338‬جميل جبر‪ ،‬يوسف السودا رمز العنفوان الوطني‪ ،‬مطبعة جوزيف الرعيدي‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪ .‬ط‪ ،.‬ص‪.20 .‬‬ ‫‪ 339‬عبد العزيز نوار‪ ،‬وثائق أساسية‪ ،‬الوثيقة رقم ‪ ،36‬ص‪.495 .‬‬ ‫‪ 440‬باسم الجسر‪ ،‬ميثاق ‪ ،1943‬لماذا كان؟ وهل سقط‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1978‬‬


‫هذا على المستوى االجتماعي‪ّ ،‬أما على المستوى السياسي‪ ،41‬فقد‬ ‫بعيدا عن الحكم التركي المباشر وبفعل تدخل القوى األوروبية‬ ‫أصبح الكيان ً‬ ‫دوليا وتكرست‬ ‫ا‬ ‫بعد‬ ‫المتصرفية‬ ‫اخذت‬ ‫الحاكم‪،‬‬ ‫تعيين‬ ‫مسألة‬ ‫الكبرى في‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ككيان له حدوده الجغرافية وحكامه الوطنيون‪ ،‬نقصد بذلك مجلس اإلدارة‬ ‫مهما في اعــادة الحدود الطبيعية والتاريخية‬ ‫المنتخب الــذي لعب ً‬ ‫دورا ً‬ ‫للكيان العام ‪.1919‬‬

‫أضواء على الجذور‬

‫‪ 441‬نُ شير هنا إلى عدة خطوات ايجابية عرفتها المتصرفية نذكر منها‪ :‬القوى األمنية‬ ‫من أبناء المتصرفية‪ ،‬ال وجود لمراكز عسكرية للجيش التركي‪ ،‬عدم ارسال ضرائب‬ ‫لالستانة‪ ،‬ال خدمة عسكرية للرعايا‪.‬‬ ‫‪ 442‬هو الجنرال شارل دو بوفور دوتبول (‪Charles-Marie-Napoléon de Beaufort‬‬ ‫‪ )d’Hautpoul‬ولد في مدينة تارينت (‪ )Tarente‬اإليطالية في ‪ 9‬تشرين األول سنة‬ ‫‪ ،1804‬والتحق في سن السادسة عشر بمدرسة ‪‬سان سير‪ ‬العسكرية بباريس‪ ،‬شارك‬ ‫مرافقا لرئيس أركان القائد المصري ابراهيم باشا‬ ‫الحقا‬ ‫وعين‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫في أحداث الجزائر‪ّ ،‬‬ ‫قائدا للحملة‬ ‫في مصر وسوريا‪ .‬العام ‪ 1850‬رقي إلى رتبة عقيد وفي آب ‪ُ 1860‬ع ّين ً‬ ‫العسكرية بعد ترقيته إلى رتبة لواء‪ ،‬توفي في باريس في ‪ 18‬أيار ‪.1890‬‬ ‫‪ 443‬حاشية وردت في رسالة موجهة إلى وزير الحربية الفرنسي ووزير الخارجية‬ ‫‪‬توفنيل‪ ،‬بتاريخ ‪ 15‬شباط ‪ ،1861‬أنظر‪ :‬ياسين سويد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.278 .‬‬

‫‪119‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫يثبت كيان اإلمارة ويؤسس لدولة لبنان الكبير‬ ‫‪3.3‬اقتراح فرنسي ّ‬ ‫ال شك بأن الفرنسيين الذين وطأوا شواطئ بيروت في ‪ 16‬آب ‪،1860‬‬ ‫إنما جاؤوا لتحقيق عدة أهداف كان أبرزها‪:‬‬ ‫وتحديدا في الشرق‪.‬‬ ‫*‪ ‬المحافظة على مصالح فرنسا خارج أراضيها‬ ‫ً‬ ‫*‪ ‬إعادة األوضاع إلى ما كانت عليه من طمأنينة واستقرار في الجبل‪،‬‬ ‫يحد من الصراع الطائفي ويؤمن إعادة‬ ‫وإيجاد نظام بديل للقائمقاميتين ّ‬ ‫المهجرين إلى قراهم‪.‬‬ ‫‪42‬‬ ‫انحصرت مهمة قائد الحملة العسكرية دو بوفور في تحقيق الهدف‬ ‫الثاني‪ ،‬ولتحقيق ذلك‪ ،‬كلّ ف مجموعة من ضباطه وجنوده إجراء اتصاالت‬ ‫واسعة لتشمل معظم الطبقات االجتماعية في الجبل آخذً ا بعين االعتبار‬ ‫‪‬الرغبة في أداء عمل انساني وحضاري حري بالمهمة‪ ‬التي جاء من‬ ‫ونزوال عند رغبة األهالي الذين اعتبروا أن أفضل ضمان‬ ‫ً‬ ‫أجلها كما يفيد‪.43‬‬ ‫لمستقبلهم هو ‪‬إنشاء نظام يجمعهم بقيادة رئيس واحد وبإدارة خاصة‬ ‫مستقلة عن الحكم المباشر لألتراك‪ ،‬الذين كانوا السبب في كل المآسي‬ ‫اقتراحا يقضي بخلق وحدة جغرافية ذات‬ ‫قدم القائد الفرنسي‬ ‫األخيرة‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫حــدود واضحة المعالم‪ ،‬يتمكن في مجالها الحيوي أهلها من ممارسة‬ ‫حكمهم الذاتي‪.‬‬


‫متمنيا على‬ ‫فصل في إحدى رسائله هذا االقتراح بدقة متناهية‬ ‫وقد ّ‬ ‫ًّ‬ ‫السلطات الفرنسية تطبيقه لما فيه مصلحة مشتركة ألهل الجبل ولفرنسا‬ ‫معا‪ .‬وتحت عنوان الحدود المقترحة للحكومة التي يجب تشكيلها في‬ ‫ً‬ ‫لبنان‪ ،‬يقول دو بوفور أنه ‪‬يجب أن تضم‬ ‫كل األماكن التي كانت خاضعة‪ ،‬في كل‬ ‫وقــت‪ ،‬للسلطة المباشرة ألمير الجبل‬ ‫ول ـن ـفــوذه‪ ،‬وال ـتــي ال تـ ــزال إل ــى ال ـيــوم‪،‬‬ ‫ترتبط مع الجبل بميولها ومصالحها‬ ‫الـمـشـتــركــة‪ .‬ويـضـيــف أن ح ــدود هــذه‬ ‫الحكومة فيجب أن تكون كما يلي‪:‬‬ ‫الجنرال دو بوفور (بيروت ‪)١٨٦٠‬‬

‫‪https://fr.wikipedia.org/wiki/‬‬ ‫_‪Charles_Marie_Napol%C3%A9on_de‬‬ ‫)‪Beaufort_d%27Hautpoul‬‬

‫‪120‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫*‪ ‬في الشمال‪ :‬النهر الكبير‪.‬‬ ‫يتم‬ ‫*‪ ‬فــي الشرق‪ :‬قمم جبال لبنان الشرقي وجبل الشيخ بحيث ّ‬ ‫االحتفاظ بالحدود الحالية لنواحي (أقضية) بعلبك والبقاع وحاصبيا‬ ‫وراشيا‪.‬‬ ‫*‪ ‬في الجنوب‪ :‬الحدود الحالية للحولة وبالد بشارة‪.‬‬ ‫*‪ ‬في الغرب‪ :‬البحر المتوسط‪.‬‬ ‫تضم بيروت وطرابلس وضواحيها‪.44‬‬ ‫*‪ ‬على أن ّ‬ ‫واعتقد دو بوفور أن هذه التقسيمات الجغرافية لها أصلها ومبرراتها‬ ‫وذلك من خالل نفوذ األسر التي كانت تحكمها سواء في زمن األمير فخر‬ ‫الدين الثاني أو األمير بشير الثاني الكبير‪ ،‬كما يبرر القائد الفرنسي ترسيم‬ ‫معتبرا بأنها تجمع ‪‬وحدة المصالح وروابط الدم‪ ،‬وال يجوز‬ ‫هذه الحدود‬ ‫ً‬ ‫تعديلها إذ أن أي تعديل في حينه قد يؤدي إلى وقوع أضرار ال تعادلها أي‬ ‫حسنات جدية‪.‬‬ ‫وعن كيفية نظام الحكم في البالد الواقعة ضمن الحدود المشار إليها‬ ‫أعاله‪ ،‬فتولى رأس السلطة حاكم واحد يحمل لقب ‪‬أمير لبنان‪ ‬يكون من‬ ‫‪ 444‬ياسين سويد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 245 .‬وما يلي‪.‬‬


‫أضواء على الجذور‬

‫باكرا ثم عاد إلى المسيحية‪ ،‬كان‬ ‫‪ 445‬هو حفيد األمير بشير الثاني‪ ،‬اعتنق االسالم ً‬ ‫عمره آنذاك ‪ 45‬سنة‪ ،‬يصفه دو بوفور بأنه وقور وهادئ وحازم وذكي‪ ،‬ويتمتع بمزايا جده‬ ‫وتؤيده كافة الطوائف‪.‬‬ ‫‪ 446‬ياسين سويد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.267 .‬‬ ‫‪ 447‬ياسين سويد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.264 .‬‬

‫‪121‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫واقترح لهذا المنصب األمير مجيد الشهابي‪ ،45‬ويعاونه‬ ‫األسرة الشهابية‪ُ ،‬‬ ‫رؤساء النواحي أو المقاطعجية بعد أن يختارهم من الطائفة التي ُتشكل‬ ‫األكثرية في الناحية‪ ،‬ويؤمن حفظ النظام واالستقرار في البالد والدفاع‬ ‫عنها عند الحاجة‪ُ ،‬تعاونه قوة نظامية قوامها أربعة اآلف عنصر من المشاة‬ ‫وألف عنصر آخر من الخيالة‪ .46‬وللمزيد من االقناع بوضع هذا االقتراح‬ ‫موضع التنفيذ أشار دو بوفور إلى أن كل األسر الكبرى في البالد والتي‬ ‫كانت منقسمة سواء على قاعدة الحزبية أو الطائفية ‪‬هي اليوم متحدة‪‬‬ ‫جمعة على تولية الشهابيين‪ ،‬أي الـعــودة إلــى ما قبل ‪ .1840‬كما أن‬ ‫ُ‬ ‫وم َ‬ ‫األكليروس المسيحي يؤيد هذا المنحى بعد أن تخلى عن قيام أي تركيبة‬ ‫تزيد من نفوذه‪ .‬واعتبر أن هذا المشروع المقترح للبنان ‪‬يحافظ على‬ ‫مصالح جميع الطوائف على قدم المساواة‪.47‬‬ ‫بالطبع لم يتمكن الجانب الفرنسي في اللجنة الدولية من تمرير هذا‬ ‫االقتراح بسبب المواقف الصارمة التي اتخذتها كل من تركيا وبريطانيا‬ ‫سابقا‪.‬‬ ‫في هذا الصدد‪ ،‬األمر الذي أدى إلى والدة المتصرفية كما رأينا‬ ‫ً‬ ‫لكن مجلس إدارة هذه المتصرفية الذي يضم ممثلين عن كبرى الطوائف‬ ‫اللبنانية والمتحرر من قبضة العثمانيين في نهاية الحرب العالمية األولى‪،‬‬ ‫حيز الوجود بعدما تخلى عنه الفرنسيون خالل‬ ‫سيعيد هذا االقتراح إلى ّ‬ ‫ُ‬ ‫مفاوضاتهم مع األطراف الدولية واإلقليمية في مؤتمر فرساي العام ‪.1919‬‬ ‫بد من أن نورد االستنتاجات التالية‪:‬‬ ‫وفي هذا اإلطار ال ّ‬ ‫*‪ ‬إن االقتراح الذي وضعه دو بوفور بشأن حل األزمــة المعقدة التي‬ ‫مبنيا‬ ‫شهدها الجبل زمن القائمقاميتين والفتنة الكبرى عام ‪ ،1860‬كان ًّ‬ ‫على توجهات وآراء معظم أبنائه الذين تمسكوا بوحدة أرضهم وبمصالحهم‬ ‫المشتركة مع أبناء الساحل والبقاع‪.‬‬ ‫الحيز الجغرافي التي شكلته حدود‬ ‫*‪ ‬استند دو بوفور في اقتراحه إلى ّ‬ ‫اإلمارتين المعنية والشهابية خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر‪ ،‬ولو‬ ‫أن هذه الحدود كانت ُعرضة في بعض األحيان للتغيرات والتقلبات حسب‬ ‫موازين القوى العسكرية التي كانت سائدة آنذاك‪.‬‬


‫‪122‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫*‪ ‬إن سكان النواحي والمناطق التي ُض ّمت إلى القائمقاميتين حسب‬ ‫االق ـتــراح‪ ،‬كانت تربطهم بإخوانهم الجبليين ‪‬وحــدة المصالح وروابــط‬ ‫فضال عن تنوعهم الطائفي التي غلبت عليه األكثرية اإلسالمية‬ ‫الــدم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بخاصة في مناطق طرابلس والضنية والجنوب وبعلبك‪ ،48‬فقد كان عدد‬ ‫هؤالء حوالي ‪ 130670‬نسمة في حين كان عدد المسيحيين المنضمين من‬ ‫النواحي المقترحة إلى الجبل يساوي ‪ 100690‬نسمة‪ ،‬أي ما يوازي ‪%57‬‬ ‫المسيحيين‪ .‬وهذا ما يظهر أن االقتراح لم يكن‬ ‫من المسلمين و‪ %43‬من‬ ‫ّ‬ ‫يهدف إلى إنشاء كيان مسيحي في الشرق كما يعتقد البعض‪ .‬وعن ّضم‬ ‫القرى المسيحية الحدودية إلى الجبل‪ ،‬ان كان في الجنوب أو البقاع‪ ،‬كعين‬ ‫ابل ورميش ودبل والقليعة ومرجعيون وكوكبا والقاع وغيرها‪ ،‬فهي مناطق‬ ‫وتحديدا لنفوذ األمير فخر الدين‬ ‫كانت تخضع منذ زمن لسلطة األمراء‬ ‫ً‬ ‫حزاما‬ ‫شجع مسيحيي الشمال على بناء هذه القرى لتكن‬ ‫الثاني وهو الذي ّ‬ ‫ً‬ ‫أمنيا لإلمارة كما ورد أعاله‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫*‪ ‬حدود لبنان الشرقية بين اقتراح دو بوفور والمادة األولى من الدستور‬ ‫اللبناني الحالي‪:‬جاء في اقتراح القائد الفرنسي دو بوفور بشأن الحدود‬ ‫الشرقية ‪‬للحكومة‪ ‬التي يجب تشكيلها في لبنان ما حرفيته‪:‬‬ ‫يتم‬ ‫‪‬فــي الـشــرق‪ :‬قمم جبال لبنان الشرقي وجبل الشيخ بحيث ّ‬ ‫االحتفاظ بالحدود الحالية لنواحي (أقضية) بعلبك والبقاع وحاصبيا‬ ‫وراشيا‪.49‬‬ ‫وبناء على هذا االقتراح‪ ،‬أصدر الجنرال غورو القرار رقم ‪ 318‬تاريخ‬ ‫ً‬ ‫‪ 31‬آب ‪ ،1920‬بحيث جاء في المادة الثانية منه‪ ،‬أن حــدود دولــة لبنان‬ ‫الكبير هي كما يأتي‪:‬‬ ‫ـرقــا‪ :‬خط القمة الفاصل بين وادي خالد ووادي نهر العاصي‬ ‫‪‬شـ ً‬ ‫مارا بقرى‪ ...‬وهذا الخط تابع حدود قضاء بعلبك الشمالية‬ ‫(اورونت) ً‬ ‫من الجهة الشمالية الشرقية والجهة الجنوبية الشرقية ثم حدود أقضية‬ ‫بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا الشرقية‪.50‬‬ ‫‪ 448‬أُ نظر الجدول اإلحصائي لسكان النواحي‪ ،‬أ‪ ‬و ‪‬ج‪ ‬و ‪‬د‪ .‬أما في مدينتي بيروت‬ ‫وصيدا وضواحيهما‪ ،‬ب‪ ،‬فنالحظ أن األكثرية كانت للطوائف المسيحية وذلك يعود‬ ‫في اعتقادنا إلى هجرة هؤالء من قراهم ولجوئهم إلى بيروت وصيدا األكثر أمانً ا من‬ ‫القرى الحدودية أيام الفتنة‪.‬‬ ‫الحاشية ‪.44‬‬ ‫‪ 449‬أنظر أعاله‬ ‫ّ‬ ‫‪ 550‬بشارة الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬منشورات أوراق لبنانية‪ ،‬درعون‪،‬‬ ‫ص‪.311–310 .‬‬


‫‪ 551‬الدستور اللبناني على موقع‪www.presidency.gov.lb :‬؛ الدستور اللبناني‪،‬‬ ‫إعداد شفيق جحا‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،1998 ،‬ص‪ 35 .‬وما يلي‪.‬‬ ‫‪ 5 52‬ذكر الرئيس أمين الجميل في كلمته بمناسبة مرور ‪ 95‬سنة على إعالن دولة لبنان‬ ‫الكبير أن القرار رقم ‪ 318‬الذي استرجع األقضية األربعة وهي‪ :‬بعلبك وراشيا وحاصبيا‬ ‫والبقاع الغربي‪ .‬فاذا كان ‪‬قضاء البقاع‪ ‬المذكور هنا مقصود به البقاع الغربي فان هذا‬ ‫األخير ال يالمس الحدود الشرقية للجمهورية اللبنانية‪ .‬أنظر‪www.aminegemayel.org :‬‬

‫أضواء على الجذور‬

‫والطبيعية‬ ‫والجغرافية‬ ‫التاريخية‬ ‫‪4.4‬إعادة الكيان إلى حدوده‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعد العام ‪ 1864‬انحصرت مساحة لبنان بالمتصرفية التي غدت نواة‬ ‫الحيز الجغرافي للدولة اللبنانية المعاصرة‪ ،‬فقد‬ ‫الكيان الذي سيشمل‬ ‫ّ‬ ‫حقق اللبنانيون بإنشاء المتصرفية ضمانة الدول الكبرى وإدارة حكم ذاتي‬ ‫باعتراف الدولة العثمانية ولم يبق سوى النضال والمكافحة على المستويين‬ ‫الداخلي والخارجي لتحقيق ما كانوا يصبون إليه وقد تمكنوا من ذلك‬ ‫حينا وقسم من‬ ‫على الرغم من المعارضة الشديدة التي قادتها دول كبرى ً‬ ‫اللبنانيين في أحيان أخرى‪.‬‬ ‫ومع مطلع الحرب العالمية األولى ‪ 1914‬تراجعت فرنسا عن موقفها‬ ‫جليا أثناء محادثات‬ ‫الداعم للبنان بحدوده الطبيعية‪ ،‬وبــرز هــذا األمــر ًّ‬

‫‪123‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫تبنى المجلس النيابي اللبناني في جلسته المنعقدة بتاريخ ‪ 8‬تشرين‬ ‫الثاني ‪ 1943‬النص الحرفي لما جاء في القرار رقم ‪ 318‬الذي أعلنه غورو‬ ‫بشأن الحدود الشرقية للبنان الكبير‪ ،‬فالمادة األولى من القانون الدستوري‬ ‫الصادر في ‪ 9‬تشرين الثاني سنة ‪ 1943‬تذكر ما حرفيته‪:‬‬ ‫ـرقــا‪ :‬خط القمة الفاصل بين وادي خالد ووادي نهر العاصي‬ ‫‪‬شـ ً‬ ‫مارا بقرى‪ ...‬وهذا الخط حدود قضاء بعلبك الشمالية من‬ ‫(اورونــت) ً‬ ‫الجهة الشمالية الشرقية والجهة الجنوبية الشرقية ثم حــدود أقضية‬ ‫بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا الشرقية‪.51‬‬ ‫من خالل ما تقدم يمكن استنتاج نقطتين هامتين‪:‬‬ ‫األولى‪ :‬أن الحدود الشرقية للجمهورية اللبنانية جاءت متطابقة إلى‬ ‫حد بعيد مع ما اقترحه دو بوفور بتاريخ ‪ 15‬شباط ‪.1861‬‬ ‫الثانية‪ :‬ورد في المادة األولى من الدستور اللبناني تحت عنوان شرقً ا‪:‬‬ ‫‪‬ثــم حــدود أقضية بعلبك والـبـقــاع وحاصبيا وراش ـيــا الشرقية‪ .‬ومن‬ ‫المعروف أنه اآلن ال يوجد أي قضاء اسمه ‪‬قضاء البقاع‪ ،52‬أال يستدعي‬ ‫تعديال لهذه المادة؟‬ ‫هذا األمر بنظر المشترع‬ ‫ً‬


‫‪124‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫المندوب الفرنسي جــورج‪ 53‬مع زميله اإلنكليزي مــارك سايكس‪ 54‬بشأن‬ ‫وزود في حينه وزير الخارجية الفرنسية‬ ‫تقاسم النفوذ في الشرق األوسط‪ّ .‬‬ ‫اريستيد بريان (‪ )Aristide Briand‬المندوب بيكو ‪‬بتوجيهات خطية دقيقة‬ ‫مرك ًزا على ضرورة توسيع‬ ‫تتعلق بالحدود التي يجب أن تعطى لسوريا‪ّ ،‬‬ ‫قادرا على االكتفاء الذاتي من جهة وتستطيع‬ ‫حدود هذا البلد‪ 55...‬ليكون ً‬ ‫المميز في الشرق‬ ‫فرنسا بالتالي أن تحافظ عليه وعلى لغتها ووضعها‬ ‫ّ‬ ‫‪56‬‬ ‫من جهة أخــرى‪ ،‬وذلك في إطار ما عرف في حينه بـ ‪‬سوريا الكبرى‪‬‬ ‫ومن ضمنها لبنان‪ .‬كما أكد بيكو موقف بــاده الداعم لهذا التوجه في‬ ‫‪‬قريبا‬ ‫خطاب ألقاه في اإلسكندرية أمام وفد لبناني جاء لوداعه حيث قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫تنزل فرنسا في بالدكم فيخفق العلم المثلث على سوريا الكبرى وجبالها‬ ‫العالية ‪ 57‬من طوروس إلى عريش مصر‪.58 ‬‬ ‫حاولت بريطانيا عبر ممثلها في المفاوضات في فرنسا أن يكون الساحل‬ ‫اللبناني ومتصرفية جبل لبنان مناطق ملحقة بالدولة العربية التي سيحكمها‬ ‫الشريف حسين‪ ،‬لكن بيكو رفض هذا األمر وتوصل مع زميله سايكس إلى‬ ‫إبرام اتفاقية ‪ُ 59‬عرفت باسميهما في ‪ 16‬أيار ‪ ،1916‬نالت فرنسا بموجبها‬ ‫الواليات السورية ومتصرفية جبل لبنان وسنجق القدس‪ ،‬واعتبرت أنه‬ ‫‪ 553‬جورج بيكو (‪ )1951–1870( )François Georges-Picot‬دبلوماسي فرنسي مثل‬ ‫بالده في الشرق لعدة سنوات‪ ،‬من مؤيدي النفوذ الفرنسي في مناطق ما وراء البحار‪،‬‬ ‫اشتهر بتوقيعه على االتفاقية التي عرفت باسمه واسم زميله سايكس في ‪ 16‬أيار ‪.1916‬‬ ‫‪ 554‬مارك سايكس (‪ )1919–1879( )Mark Sykes‬مستشار سياسي وعسكري‬ ‫مندوبا لبالده في الشرق‪ ،‬توفي في باريس أثناء حضوره مفاوضات‬ ‫بريطاني‪ُ ،‬ع ّين‬ ‫ً‬ ‫السالم التي اعقبت الحرب العالمية األولى‪.‬‬ ‫‪ 555‬أنطوان حكيم‪ ،‬تفاقية سايكس بيكو‪ :‬قراءة في النص والتطبيق واالرتدادات‪،‬‬ ‫محاضرة ألقيت في الحركة الثقافية انطلياس‪ ،‬السبت ‪.2016/3/12‬‬ ‫‪ 556‬إن مشروع ضم سوريا ولبنان في إطار كيان واحد (سوريا الكبرى)‪ ،‬تم النقاش‬ ‫حوله في اللجنة الدولية سنة ‪ 1861‬وقد تبنى اإلنكليز واألتراك هذا المشروع شرط أن‬ ‫خاضعا للنفوذ العثماني‪.‬‬ ‫يكون الكيان المذكور‬ ‫ً‬ ‫‪ 557‬يقصد الجبال اللبنانية‪.‬‬ ‫أيضا‪ :‬دعد أبو ملهب‪،‬‬ ‫‪ 558‬دعد أبو ملهب‪ ،‬دولة لبنان الكبير‪ ،‬ص‪ .58 .‬أنظر ً‬ ‫جيوسياسة الحدود والعولمة‪ ،‬بيروت‪ ،2007 ،‬ص‪.221–220 .‬‬ ‫‪ 559‬أُ نظر نص اتفاقية سايكس بيكو في‪:‬‬

‫‪A. Hokayem, D. Bou Malhab Attallah, J. Charaf, Le démantèlement de l’Empire‬‬ ‫‪ottoman et les préludes du mandat: 1914 –1919, (Documents diplomatiques‬‬ ‫‪français relatifs à l’histoire du Liban et de la Syrie à l’époque du mandat‬‬ ‫‪1914 –1916), t. I, Beyrouth, Paris, 2003, p. 138 –140, doc. n° 17.‬‬


‫‪ 6 62‬أنطوان حكيم‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ 663‬دعد أبو ملهب‪ ،‬دولة لبنان الكبير‪ ،‬ص‪.61 .‬‬ ‫‪ 664‬أنظر نص الوثيقة في عبد العزيز نوار‪ ،‬وثائق أساسية‪ ،‬ص‪ 538 .‬وما يلي‪.‬‬

‫أضواء على الجذور‬

‫‪ 660‬أنطوان حكيم‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ 661‬دعد أبو ملهب‪ ،‬جيوسياسة الحدود والعولمة‪ ،‬ص‪ ،221 .‬وتذكر المؤلفة أن هذا‬ ‫الموقف ورد في لقاء بين بيكو ويوسف السودا في القاهرة في كانون الثاني سنة ‪،1918‬‬ ‫أُ نظر‪ :‬حاشية ‪ ،1‬ص‪.221 .‬‬

‫‪125‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫‪‬ال يجوز أن يعاد لبنان إلى الوراء وهو يتمتع بإدارة ذاتية‪ ...‬ولن يقبل‬ ‫كال من بيروت وطرابلس‬ ‫اللبنانيون بالتراجع عن مطلبهم المزمن وهو ضم ًّ‬ ‫والبقاع إلى المتصرفية‪.60‬‬ ‫في كل األحوال‪ ،‬لم تكن فرنسا قادرة على فرض إرادتها على اإلنكليز‬ ‫التاريخية للبنان قبل‬ ‫في هذا الشأن‪ ،‬فبعد فشلها في ترسيخ الحدود‬ ‫ّ‬ ‫نشوء المتصرفية العام ‪ – 1860‬أي اقتراح دو بوفور – انتقلت إلى فشل‬ ‫آخــر حين حاولت االتفاق مع األمير فيصل العام ‪ 1918‬وعلى هامش‬ ‫مؤتمر الصلح على أمر إنشاء ‪‬سوريا الكبرى‪ ‬التي تضم لبنان‪ ،‬مقابل‬ ‫اعتراف األمير فيصل‪ ،‬ابن الشريف حسين‪ ،‬باالنتداب الفرنسي‪ .‬كما أن‬ ‫شائنا‪،‬‬ ‫‪‬عمال‬ ‫بيكو نفسه الذي اعترف بأن سلخ بيروت عن لبنان كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشيرا‬ ‫عمد إلى تبرير الموقف الفرنسي عن موضوع ‪‬سوريا الكبرى‪‬‬ ‫ً‬ ‫ف إلزالة الحاجة إلى استقالل لبنان‬ ‫إلى أن وجود فرنسا في الشرق كا ٍ‬ ‫وامتيازاته التي كانت ضرورية زمن السيطرة العثمانية عليه‪ .61‬وفي اليوم‬ ‫الــذي وقّ ــع فيه فيصل وكليمنصو االتفاق المشهور باسميهما بتاريخ ‪6‬‬ ‫كانون الثاني ‪ ،1920‬والقاضي باعتراف فرنسا باستقالل سوريا ووحدة‬ ‫أراضيها مقابل اعتراف فيصل باالنتداب الفرنسي على لبنان‪ ،‬أرسلت‬ ‫الخارجية الفرنسية إلى فيصل معلومات حول الحدود التي سترسم للبنان‬ ‫وفقا لحقوق اللبنانيين التاريخية ولمصالحهم االقتصادية‬ ‫‪‬وذلــك ً‬ ‫‪62‬‬ ‫ولخيارهم الحر‪. ‬‬ ‫رفض المؤتمر السوري العام‪ 63‬في آذار من السنة نفسها هذا االتفاق‬ ‫تصعيدية في مواجهة االنتداب‪ .‬فكانت خيبة أمل فرنسية‬ ‫متخذً ا خطوات‬ ‫ّ‬ ‫السوريين بخاصة حين تأكد الفرنسيون من أن االتفاق مع‬ ‫من موقف‬ ‫ّ‬ ‫نفعا بل زاد من كراهية‬ ‫فيصل حسب المؤرخ يوسف مزهر ‪‬لم يجدهم ً‬ ‫السوريين لهم فعادوا إلى أصدقائهم القدماء (أي اللبنانيين) وأخذوا‬ ‫يمنونهم باستقالل ناجز ومستقبل باهر إذا لـجــأوا إليهم ووضعوا‬ ‫ثقتهم بهم‪.64‬‬


‫‪126‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫إن الـظــروف التي آلــت إلــى ترسيخ الكيان اللبناني بفعل التطورات‬ ‫السياسية والعسكرية التي عرفها الشرق بين العامين ‪ 1918‬و ‪،1920‬‬ ‫ّ‬ ‫متشابكة ومعقدة ال يمكن للباحث اإلحاطة بجميع جوانبها بمئات الصفحات‪،‬‬ ‫وقد ُكتب الكثير عنها‪ .‬لكن ما يهمنا في هذا البحث هو اإلضاءة على الدور‬ ‫الذي لعبه مجلس إدارة جبل لبنان والذي أدى في النهاية إلى إعالن دولة‬ ‫العثمانيين‪ ،‬ودخول الثورة العربية‬ ‫لبنان الكبير‪ .‬فإلغاء المتصرفية من قبل‬ ‫ّ‬ ‫فرنسية وإنكليزية‪،‬‬ ‫إلى دمشق وبعبدا‪ ،‬والدور الذي لعبه فيصل بدعم وعود‬ ‫ّ‬ ‫واستسالم األتراك في نهاية الحرب العالمية األولى‪ ،‬كلها عوامل ساهمت‬ ‫في والدة تيارات مذهبية وعقائدية وقومية‪ ،‬عروبية كانت أم لبنانية‪ ،‬تطالب‬ ‫اللبنانيين بشأن‬ ‫بمستقبل يستجيب لتطلعاتها األيدولوجية‪ .‬فتعددت آراء‬ ‫ّ‬ ‫الكيان‪ ،‬ليس بما يختص بالحدود الجغرافية فقط بل بما يختص باالنتماء‬ ‫أيضا‪ .‬ومع األسف‪ ،‬فإن هذا الظاهرة ما زالت سائدة في أيامنا هذه ولو‬ ‫ً‬ ‫بوتيرة أخف مما كانت عليه في السابق‪.‬‬ ‫تسارعت التطورات مع انعقاد مؤتمر الصلح في فرساي العام ‪1919‬‬ ‫للبحث في مصير المناطق التي كانت تخضع لنفوذ اإلمبراطورية العثمانية‬ ‫المنهارة‪ .65‬فتشابكت المصالح الدولية والعربية بخاصة بعد الدخول‬ ‫األميركي على خط السياسة الدولية في الشرق‪ ،‬وطرح مبدأ حق الشعوب‬ ‫في تقرير مصيرها‪.‬‬ ‫عمليا في ‪ 30‬أيلول ‪ 1918‬الحكم التركي في كل من دمشق‬ ‫انتهى‬ ‫ًّ‬ ‫وبيروت والجبل‪ .‬فانتخبت هيئة المأمورين في بعبدا األمير مالك شهاب‬ ‫وعــادل إرســان لتسلم رئاسة حكومة لبنان المؤقتة‪ .66‬ولكن سرعان ما‬ ‫بدلت هذه الحكومة بحكومة أخرى ترأسها حبيب باشا السعد‪ ،‬رئيس‬ ‫ُ‬ ‫است ِ‬ ‫بناء على توجيهات شكري األيوبي الموفد‬ ‫مجلس إدارة الجبل آنذاك‪ ،‬وذلك ً‬ ‫تشكلت هذه الحكومة من أعضاء مجلس اإلدارة‬ ‫من قبل األمير فيصل‪ّ .‬‬ ‫الذي كان قد حله جمال باشا سنة ‪ّ .1914‬وتم رفع العلم العربي على سرايا‬ ‫تقريبا احتل الفرنسيون المناطق الساحلية‬ ‫بعبدا‪ .67‬وبعد حوالى الشهر‬ ‫ً‬ ‫وأعلنوها ‪‬منطقة العدو المحتلة‪ ،‬وألغوا كل اإلجــراءات التي اتخذها‬ ‫احتج مجلس‬ ‫األيوبي‪ ،‬كما أعادوا مجلس اإلدارة اللبناني برئاسة السعد‪ّ .68‬‬ ‫سابقا‪.‬‬ ‫تميزت متصرفية جبل لبنان من باقي المناطق العربية ألسباب قد ذكرناها‬ ‫‪ 665‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫‪ 666‬أنظر الوثيقة رقم ‪.1‬‬ ‫‪ 667‬جان شرف‪ ،‬آل عقل شديد‪ ،‬ص‪.182 .‬‬ ‫فضال عن السعد من‪ :‬سليمان كنعان‪ ،‬فؤاد عبد‬ ‫‪ 668‬تألف مجلس إدارة الجبل آنذاك‬ ‫ً‬ ‫الملك‪ ،‬داود عمون‪ ،‬محمود جنبالط‪ ،‬عبد الحليم حجار‪ ،‬يوسف البريدي‪ ،‬خليل عقل‪،‬‬


‫محمد األعور‪ ،‬إلياس الشويري‪ ،‬نعوم باخوس‪ ،‬محمد محسن‪ ،‬سعد اهلل الحويك ونقوال‬ ‫غصن‪ .‬أنظر‪ :‬إبراهيم يزبك‪ ،‬أوراق لبنانية‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬دار الرائد اللبناني‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ ،1983‬ص‪ 567 .‬وما يلي‪.‬‬ ‫‪ 669‬جان شرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.185 .‬‬ ‫‪ 770‬أنظر الوثيقة رقم ‪ 1‬وهي نص قرار مجلس اإلدارة المتخذ بإجماع اآلراء‪.‬‬ ‫مندوبا أول ومحمود بك جنبالط وعبد اهلل بك الخوري‬ ‫‪ 771‬تألف الوفد من داود عمون‬ ‫ً‬ ‫ترجمان حكومة لبنان وكل من األفندية إميل اده‪ ،‬إبراهيم بك أبو خاطر وعبد الحليم‬ ‫الحجار وتامر حماده مندوبين عن جبل لبنان‪ .‬يقول يوسف إبراهيم يزبك في أوراق‬ ‫فع ّين نجيب أمين‬ ‫لبنانية‪ ،‬ص‪ :70 .‬إن محمود بك جنبالط اعتذر عن السفر مع الوفد ُ‬ ‫بدال منه‪ ،‬وقد دفعت المفوضية الفرنسية في بيروت نفقات السفر واإلقامة‬ ‫عبد الملك ً‬ ‫في باريس‪.‬‬

‫أضواء على الجذور‬

‫إالم استند هذا المجلس لتحقيق األمنيات أعاله؟‬ ‫َ‬ ‫مبينا‬ ‫*‪ ‬لقد أوضح قرار أعضاء مجلس اإلدارة فكرة ‪‬لبنان الكبير‪ً ‬‬ ‫متمتعا بحكومة وطنية‬ ‫أنه ومنذ الفتح العثماني لسوريا كان جبل لبنان‬ ‫ً‬ ‫مستقلة ‪‬بحدوده الجغرافية واالقتصادية وقد امتدت في عهد بعض‬ ‫أمرائها كاألمير فخر الدين المعني إلى حدود عكا‪ .‬وهذه الفكرة كان قد‬ ‫اقترحها دو بوفور في والدة المتصرفية العام ‪.1861‬‬

‫‪127‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫إدارة الجبل على اعتبار جبل لبنان من جملة ‪‬أراضي العدو المحتلة‪،‬‬ ‫محاربا لدول الحلفاء وال حكومة تركيا جندت‬ ‫باعتبار أن ‪‬لبنان ما كان‬ ‫ً‬ ‫عسكرا للحرب العمومية‪ ،‬فجاء جواب السلطات الفرنسية بأن لبنان‬ ‫منه‬ ‫ً‬ ‫‪69‬‬ ‫أبدا‪. ‬‬ ‫ال يعتبر من أراضي العدو وال يشمله االحتالل العسكري ً‬ ‫هذا ‪‬الغزل‪ ‬بين السلطات الفرنسية ومجلس إدارة الجبل‪ ،‬إذا جاز‬ ‫التعبير‪ ،‬دفع باألخير إلى اتخاذ خطوات أكثر فعالية في ّاتجاه ترسيخ‬ ‫حدود الكيان وتحقيق االستقالل‪ .‬فأصدر القرار رقم ‪ 80‬تاريخ ‪ 9‬كانون‬ ‫متمنيا على‬ ‫األول ‪ 70 1918‬بإرسال الوفد اللبناني األول‪ 71‬إلى مؤتمر الصلح‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫المؤتمرين في فرساي تحقيق آمال اللبنانيين التالية‪:‬‬ ‫تاريخيا‬ ‫معروفا به من التخوم‬ ‫*‪ ‬توسيع نطاق جبل لبنان إلى ما كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجغرافيا وما تقتضيه منافعه االقتصادية‪...‬‬ ‫ً‬ ‫*‪ ‬تأييد استقالل هذا البلد اللبناني بإدارة شؤونه اإلدارية‪...‬‬ ‫*‪ ‬يكون لهذه البالد اللبنانية مجلس نيابة مؤلف على مبدأ التمثيل‬ ‫النسبي حفظً ا لحقوق األقلية وينتخب من الشعب ويكون لهذا المجلس‬ ‫حق التشريع‪...‬‬ ‫*‪ ‬مساعدة دولة فرنسا للحصول على التمنيات المقدم ذكرها‪....‬‬


‫‪128‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫مسلما به من‬ ‫*‪ ‬إن حكومة الجبل كانت تتمتع باستقالل إداري ‪‬ما برح‬ ‫ً‬ ‫الجميع بدون منازعة حتى من حكومة الباب العالي نفسها كما يظهر من‬ ‫التعليمات الموجهة من الحكومة المذكورة إلى شكيب أفندي‪.‬‬ ‫*‪ ‬اعتبر القرار أن العودة إلى ‪‬لبنان الكبير‪ ‬هي حق تاريخي بعدما‬ ‫استفاد العثمانيون من مطامع الدول الكبرى في العام ‪ 1861‬وسلخوا عنه‬ ‫‪‬مــن جهة موانئ بيروت وصيدا وطرابلس وملحقاتها وسهول البقاع‬ ‫وبعلبك وجبل الشيخ بما فيها حاصبيا وراشيا من جهة أخــرى‪ ،‬فهذه‬ ‫المناطق التي تشكل لبنان في حدوده الطبيعية والتاريخية تقتضيها منافعه‬ ‫االقتصادية وتحد من هجرة أبنائه‪.72‬‬ ‫*‪ ‬أوضح داود عمون رئيس الوفد أن القرار المتخذ من قبل أعضاء‬ ‫مجلس اإلدارة يمثل معظم اللبنانيين كما أفاد بأن سكان المناطق التي‬ ‫أيضا ضمهم إلى لبنان وقد بسطوا‬ ‫يجب أن تضم إلى الجبل ‪‬يطلبون هم ً‬ ‫‪73‬‬ ‫هذه األماني بعرائض قدموها إلى الحكومة الفرنسية‪. ‬‬ ‫*‪ ‬بعد مرور ‪ 58‬سنة كاملة على اقتراح دو بوفور وفي التاريخ نفسه‬ ‫أي في ‪ 15‬شباط ‪ 1919‬عــرض رئيس الوفد اللبناني أمــام المؤتمرين‬ ‫الخريطة‪ 74‬القديمة التي وضعتها ‪‬مفرزة الطوبوغرافيا‪Brigade( 75‬‬ ‫وفقا القتراح دو بوفور‬ ‫‪ )topographique‬العسكرية الفرنسية عام ‪ً 1861‬‬ ‫الحقا‪ .‬وفي مناسبة ‪‬ذكــرى مــرور ‪ 95‬سنة‬ ‫والتي تبناها الجنرال غــورو‬ ‫ً‬ ‫على إعالن دولة لبنان الكبير‪ ،‬وأثناء إلقاء الوزير السابق ميشال إده‬ ‫كلمته‪ ،‬بــرر الخريطة إياها التي كانت في بيت جــده كما يقول‪ 76‬والتي‬ ‫حملها معه الرئيس الراحل إميل إده إلى فرساي العام ‪ ،1919‬وأوضح‬ ‫أن الخريطة التي ال ذكر فيها للبنان الصغير أو للبنان الكبير‪ ،‬بل هي‬ ‫كما هي خارطة لبنان األصلية‪ ،‬وهكذا تم تثبيت خارطة لبنان في العام‬ ‫‪ ،1920‬فلم يؤخذ برغبة اللبنانيين الميالين لالنضمام إلى سوريا وال‬ ‫‪ 772‬جان شرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.187 .‬‬ ‫‪ 773‬جورج كرم‪ ،‬قضية لبنان (‪ )1920–1918‬أصول تاريخية‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬دار المنهل‬ ‫للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1985 ،‬ص‪.68 .‬‬ ‫‪ 774‬أنظر الخريطة في الملحق رقم ‪.2‬‬ ‫‪ 775‬كانت بقيادة الجنرال بلونديل زمن وزير الحربية الفرنسي آنذاك المارشال كونت‬ ‫راندون‪.‬‬ ‫‪ 776‬أُ لقيت هذه الكلمة في متحف األمير فيصل إرسالن في عاليه‪ .‬أنظر‪:‬‬ ‫‪www.14march.org/news‬‬


‫برغبة القائلين ‪‬بسوريا الكبرى‪ ‬وال برغبة بعض السوريين القائلين‬ ‫أصال دولة لها‬ ‫بالحاق لبنان بسوريا أو الذين ّادعــوا أن لبنان لم يكن ً‬ ‫اصطناعا اتفاق‬ ‫جغرافيتها المحددة‪ ،‬بل محض جغرافية اصطنعها‬ ‫ً‬ ‫سايكس بيكو ليس إال‪.‬‬

‫‪ 777‬فيغان العلم‪ ،‬البطريرك إلياس الحويك وإعالن دولة لبنان الكبير عام ‪،1920‬‬ ‫في اليوبيل الذهبي الستقالل لبنان‪ ،‬مجموعة باحثين‪ ،‬منشورات الجامعة اللبنانية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،1996 ،‬ص‪ 201 .‬وما يلي‪.‬‬

‫‪129‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫طبعا لم ُيحقق الوفد األول إلى مؤتمر الصلح ما كان يبتغيه مجلس‬ ‫ً‬ ‫اإلدارة‪ ،‬لكنه وضــع ‪‬المدماك‪ ‬األســاس في إعــادة الكيان إلــى حــدوده‬ ‫الطبيعية‪ .‬فالمرحلة الزمنية الفاصلة بين ‪ 9‬كانون األول ‪ 1918‬واألول من‬ ‫أيلول ‪ 1920‬تراكمت فيها أحــداث غير متوقعة‪ ،‬ومواقف دولية ومحلية‬ ‫معلنة ومستترة‪ ،‬ستؤدي في نهاية المطاف إلــى تحقيق ما كــان يصبو‬ ‫إليه المطالبون بلبنان الكبير‪ ،‬بخاصة بعدما رأى هــؤالء‪ ،‬وعلى رأسهم‬ ‫البطريرك إلياس الحويك‪ ،‬أن الظروف الدولية أصبحت مؤاتية لتحقيق‬ ‫أمانيهم في ظل قرارات دولية قوامها الحرية والديمقراطية‪ ،‬وحق الشعوب‬ ‫في تقرير مصيرها‪.‬‬ ‫وبفعل العرائض الداعمة لتوجه البطريرك والتفويضات الممنوحة له‬ ‫وانتهاء بمئات اآلالف من أبناء‬ ‫بدءا بمجلس اإلدارة‬ ‫ً‬ ‫من كل حدب وصوب‪ً ،‬‬ ‫لبنان من مختلف المناطق والمذاهب واألديان ومن وجهاء بيروت وطرابلس‬ ‫وصور وصيدا والبقاع وعكار والجبل‪ ،77‬قرر البطريرك الحويك السفر إلى‬ ‫الفرنسيين له‪ ،‬وذلك على رأس وفد كان من أبرز‬ ‫باريس‪ ،‬بالرغم من إعاقة‬ ‫ّ‬ ‫أعضائه المطران عبد اهلل الخوري‪.‬‬ ‫وفي ‪ 25‬تشرين األول ‪ ،1919‬استمع ممثلو الدول العظمى في المجلس‬ ‫األعلى للحلفاء إلى مذكرة البطريرك الماروني التي عرض فيها الحجج‬ ‫والبراهين الــوافـيــة لتحقيق االع ـتــراف باستقالل لبنان وإع ــادة حــدوده‬ ‫التاريخية والطبيعية‪ ،‬وذلك بضم األراضي التي سلختها تركيا عنه العام‬ ‫‪ .1861‬حصل البطريرك على تطمينات فرنسية جاءت عبر رسالة وجهها‬ ‫اعتبرت فيما بعد المنطلق الرسمي إلعالن‬ ‫إليه رئيس الوزراء كليمنصو‪ُ ،‬‬ ‫دولة لبنان الكبير‪.‬‬

‫أضواء على الجذور‬

‫‪ .4‬آخر مراحل والدة الكيان‬


‫وبعد توقيع معاهدة سيڤر (‪ )Traité de Sèvres‬مع تركيا‪ ،‬وردت‬ ‫رسالة ميللران الذي خلف كليمنصو بتاريخ ‪ 24‬آب ‪ 1920‬إلى المطران‬ ‫عبد اهلل الخوري الذي كان قد ترأس الوفد اللبناني الثالث‪ ،‬وحسمت‬ ‫الجدل بين سلطات االنتداب واللبنانيين حول حدود لبنان الكبير‪ ،‬وأبرز‬ ‫ما جــاء في الرسالة‪ :‬إن فرنسا ستعيد إلــى لبنان حــدوده الطبيعية‬ ‫وسيحتوي على سهول عكار في الشمال ويمتد إلى حدود فلسطين في‬ ‫الجنوب‪.78‬‬ ‫وحدد فيه تخوم‬ ‫وبتاريخ ‪ 31‬آب أصدر الجنرال غورو القرار رقم ‪ّ 318‬‬ ‫رسميا في األول من أيلول ‪.192079‬‬ ‫استعدادا إلعالنه‬ ‫لبنان الكبير‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫الخاتمة‬

‫‪130‬‬ ‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫يعتقد بعضهم أن الـحــدود المعترف بها دولـ ًّـيــا لرقعة جغرافية ما‪،‬‬ ‫تحدد معالم الكيان‪ ،‬مستبعدين بذلك تمسك الشعوب بأرضها‬ ‫هي التي ّ‬ ‫والتفاني في سبيل المحافظة عليها بخاصة عندما يكون االرتباط بين‬ ‫اإلنسان وأرضه مسألة وجودية طبعتها األجيال على مر الزمن‪ .‬فاألفكار‬ ‫األيدولوجية والمصالح الطائفية والنظريات القومية مهما عال شأنها ال‬ ‫حدد كيانات ثابتة‪.‬‬ ‫يمكن لها أن تبني أوطانً ا أو ُت ّ‬ ‫فلبنان وهــو البلد الــذي يمتد تاريخه على مــدى آالف السنين وقد‬ ‫مـ ّـرت عليه قــوى استعمارية قديمة وحديثة‪ ،‬بقي لبنان بجبله وبقاعه‬ ‫وشواطئه ومدنه الخالدة؛ فبعلبك ليست رومانية وبيروت ليست عثمانية‬ ‫فرنسيا‬ ‫يوما‬ ‫وال صيدا فاطمية وال طرابلس مملوكية‪ .‬كما ولم يكن الجبل ً‬ ‫ًّ‬ ‫إنكليزيا‪.‬‬ ‫أو‬ ‫ًّ‬ ‫السياسيين‬ ‫ومن المؤسف في هذه األيام أن نسمع على ألسنة بعض‬ ‫ّ‬ ‫ونقرأ في كتب بعض الباحثين أن لبنان هو وليد اتفاقية سايكس بيكو‬ ‫أو أن لبنان هو وليد االستعمار الفرنسي‪ ،‬أو أن الجنرال غورو هو الذي‬ ‫أنشأ العام ‪ 1920‬بؤرة توتر في الشرق‪ .‬قد نفهم خلفيات هذه األفكار‬ ‫المميت في هذا اإلطــار هو أن نُ لقن‬ ‫ونعمل على مواجهتها‪ ،‬لكن الخطأ ُ‬

‫‪ 778‬أنظر نص الرسالة في‪ :‬عبد العزيز نوار‪ ،‬وثائق أساسية‪ ،‬ص‪ .547.‬وكان ميللران‬ ‫قد كتب رسالته هذه على ورقة من أوراق الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح‪ ،‬كما جاء‬ ‫في الرسالة أن غورو قد أعلن في زحله ضم جميع البالد الواصلة إلى قمم جبل الشيخ‬ ‫أيضا في‪ :‬بشارة الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ص‪.284 .‬‬ ‫وحرمون‪ ،‬أنظر نص الوثيقة ً‬ ‫‪ 779‬بشارة الخوري‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ 310 .‬وما يلي‪.‬‬


‫الجداول‬ ‫‪1.1‬جدول إحصائي لسكان القائمقاميتين عام ‪1861–1860‬‬

‫ ‪81‬‬

‫ ) أالقائمقامية المسيحية‬

‫‪5006‬‬

‫‪6430‬‬

‫الموارنة‬ ‫الدروز‬

‫المتاولة (الشيعة)‬

‫‪8605‬‬ ‫المسلمون‬ ‫(السنة)‬ ‫‪1345‬‬ ‫المجموع‬

‫‪161655‬‬

‫المحمديون‬ ‫‪12781‬‬ ‫‪174436‬‬

‫‪ 880‬جاء في التاريخ العلمي الحديث‪ ،‬لبنان والعالم‪ ،‬السنة الثانوية الثالثة‪ ،‬بحسب‬ ‫توجيهات وزارة التربية الوطنية‪ ،‬طبعة ثالثة‪ ،‬مكتبة حبيب‪ ،‬بيروت‪ ،1996 ،‬ص‪،54 .‬‬ ‫‪‬إن السلطات الفرنسية أنشأت دولة لبنان الكبير ليس باستفتاء شعبي حسب مبدأ‬ ‫تقرير المصير بل ّتم ذلك بسلسلة قرارات أصدرها المفوض السامي الجنرال غورو‪.‬‬ ‫كما جاء في كتاب تاريخ العرب الحديث والمعاصر‪ ،‬للصف الثالث الثانوي األدبي‪،‬‬ ‫في الجمهورية العربية السورية‪ ،‬المؤسسة العامة للمطبوعات والكتب المدرسية‪،‬‬ ‫‪ ،2009 –2008‬ص‪ ،212 .‬إن لبنان ّتم فصله عن سورية بسلسلة من الخطوات‬ ‫نفذتها القوى االستعمارية‪ ...‬وقام الجنرال غورو بإصدار قرار في ‪ 31‬آب ‪ 1920‬أوجد‬ ‫بموجبه دولة لبنان الكبير‪.‬‬ ‫‪ 881‬اإلحصاءات مأخوذة من التقارير التي وضعها دو بوفور‪ ،‬قائد الحملة العسكرية‬ ‫على سوريا في بيروت بتاريخ ‪ 15‬شباط ‪ ،1861‬أُ نظر‪ :‬ياسين سويد‪ ،‬فرنسا والموارنة‬ ‫ولبنان‪ ،‬تقارير ومراسالت الحملة العسكرية على سوريا‪ ،‬شركة المطبوعات للتوزيع‬ ‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ 1992 ،‬ص‪.296–279 .‬‬

‫‪131‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫‪133100‬‬

‫الروم المنشقون‬ ‫األرثوذوكس‬ ‫‪19950‬‬

‫الروم الكاثوليك المسيحيون‬

‫أضواء على الجذور‬

‫أوالدنا وأجيالنا في المدراس‪ 80‬والجامعات معلومات تسيء إلى الكيان وإلى‬ ‫اللبنانيين بشكل عام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫واستخالصا لما أوردناه‪ ،‬نوضح أن الكيان اللبناني هو من صنع أبنائه‬ ‫ً‬ ‫من أمــراء وفالحين ومشايخ وبطاركة‪ ،‬وما إعــان الجنرال غــورو ‪‬دولة‬ ‫تاريخية‬ ‫تكريس لحقائق ووقائع‬ ‫لبنان الكبير‪ ‬في األول من أيلول ‪ 1920‬إلّ ا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫المعنية على األقل‪ .‬ويبقى العمل على‬ ‫ثابتة عرفها لبنان منذ عهد اإلمارة‬ ‫ّ‬ ‫المسألة اللبنانية في تاريخها‪ ،‬مفتوح على جوانب شتى برسم الباحثين‬ ‫المجردة‪.‬‬ ‫والمؤرخين الساعين إلى الحقيقة‬ ‫التاريخية ُ‬ ‫ّ‬


‫ب)  القائمقامية الدرزية‬ ‫الموارنة‬ ‫‪36900‬‬ ‫الدروز‬

‫‪23560‬‬

‫الروم المنشقون‬ ‫األرثوذوكس‬ ‫‪5650‬‬

‫الروم الكاثوليك المسيحيون‬ ‫‪9800‬‬ ‫المسلمون‬ ‫(السنة)‬ ‫‪5800‬‬ ‫المجموع‬

‫المتاولة (الشيعة)‬ ‫‪3390‬‬

‫‪52350‬‬

‫المحمديون‬ ‫‪32750‬‬ ‫‪85100‬‬

‫ج)  القائمقاميتان‬ ‫المسيحيون‬ ‫‪214005‬‬ ‫‪132‬‬

‫المجموع‬ ‫‪259536‬‬

‫المحمديون‬ ‫‪45531‬‬

‫د‪ .‬جورج شلهوب‬

‫ضمها‬ ‫‪2.2‬جدول إحصائي لسكان النواحي والمناطق التي اقترح دو بوفور ّ‬ ‫‪82‬‬ ‫ليشكل ‪‬حومة لبنان‪ ‬في ‪ 15‬شباط ‪ 1861‬‬ ‫إلى القائمقاميتين‬ ‫ّ‬ ‫ ) أنواحي ومناطق عكار‪ ،‬الضنية‪ ،‬طرابلس والكورة السفلى‬

‫الموارنة‬ ‫‪7700‬‬

‫الدروز‬ ‫–‬

‫الروم المنشقون‬ ‫األرثوذوكس‬ ‫‪12300‬‬

‫الروم الكاثوليك المسيحيون‬ ‫‪25‬‬ ‫المسلمون‬ ‫(السنة)‬ ‫‪25000‬‬

‫المتاولة (الشيعة)‬ ‫‪2500‬‬

‫‪20025‬‬

‫المحمديون‬ ‫‪27500‬‬

‫ب)  مدينتا بيروت وصيدا وضواحيهما‬ ‫الموارنة‬ ‫‪11000‬‬ ‫الدروز‬ ‫‪200‬‬

‫الروم المنشقون‬ ‫األرثوذوكس‬ ‫‪13700‬‬

‫المتاولة (الشيعة)‬

‫‪ 882‬المصدر السابق‪.‬‬

‫‪300‬‬

‫الروم الكاثوليك المسيحيون‬ ‫‪10300‬‬ ‫المسلمون‬ ‫(السنة)‬ ‫‪26000‬‬

‫‪35000‬‬

‫المحمديون‬ ‫‪26500‬‬


‫ج)  بالد بشاره‪ ،‬الشقيف‪ ،‬قسم من إقليم التفاح ومرجعيون‬ ‫الموارنة‬ ‫‪7610‬‬

‫الدروز‬

‫‪3375‬‬ ‫المسلمون‬ ‫(السنة)‬ ‫‪790‬‬

‫المتاولة (الشيعة)‬ ‫‪35000‬‬

‫‪13635‬‬

‫المحمديون‬ ‫‪36390‬‬

‫د)  الحولة‪ ،‬حاصبيا‪ ،‬راشيا‪ ،‬سهل البقاع وبعلبك‬ ‫الموارنة‬ ‫‪11870‬‬ ‫الدروز‬

‫المتاولة (الشيعة)‬ ‫‪10000‬‬

‫‪6370‬‬ ‫المسلمون‬ ‫(السنة)‬ ‫‪15480‬‬

‫‪32030‬‬

‫المحمديون‬ ‫‪40280‬‬

‫هـ)  مختلف النواحي‬ ‫المسيحيون‬ ‫‪100690‬‬

‫المحمديون‬ ‫‪130670‬‬

‫المجموع‬ ‫‪231360‬‬

‫‪133‬‬

‫التاريخيّة للكيان اللبناني‬

‫‪14800‬‬

‫الروم المنشقون‬ ‫األرثوذوكس‬ ‫‪13790‬‬

‫الروم الكاثوليك المسيحيون‬

‫أضواء على الجذور‬

‫‪600‬‬

‫الروم المنشقون‬ ‫األرثوذوكس‬ ‫‪2650‬‬

‫الروم الكاثوليك المسيحيون‬


‫تراثنا غير المادي‬

‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬ ‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬ ‫‪١‬‬

‫د‪ .‬أمين الياس‬

‫واللبنانية َ‬ ‫األميركية‬ ‫اللبنانية‬ ‫أستاذ في الجامعتين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مقدمة‬

‫‪1‬‬

‫ابن ‪‬نهضة قبل أوانها‪‬‬ ‫ِّ‬ ‫المعلم بطرس البستاني‪ُ :‬‬ ‫بعد مرحلة طويلة مليئة باألحداث الكبرى‪ ،‬من حركة أنْ َس َنة ونهضة‬ ‫قررت أوروبا الذهاب‬ ‫واقتصادية‬ ‫وصناعية‬ ‫سياسية‬ ‫وأنوار وثورات‬ ‫وفكرية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بإنجازاتها إلى مالقاة العوالم األخرى‪ .‬في العام ‪ ،1798‬وإثر حملة بونابارت‬ ‫على مصر‪ ،‬كان لقاء هذه ُ‬ ‫أفكارا‬ ‫األوروبــا بالشرق القاحل‪ ،‬حاملة معها‬ ‫ً‬ ‫تحول عند‬ ‫ومثُ ًال‬ ‫لبث ْ‬ ‫توس ًّعيا في آن‪ .‬سوى أن هذا اللقاء ما َ‬ ‫ً‬ ‫ومشروعا ُ‬ ‫ُ‬ ‫أن َّ‬ ‫الشرقيين ‪‬صدمة‪ ‬فـ ‪‬بداية يقظة‪ ‬أطلق عليها المعاصرون والمراقبون‬ ‫ِّ‬ ‫إيجابيا هو النزوع نحو‬ ‫ى‬ ‫معن‬ ‫اته‬ ‫طي‬ ‫في‬ ‫يحمل‬ ‫مصطلح‬ ‫‪‬النهضة‪:‬‬ ‫لفظة‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫التطور‪.‬‬ ‫األفضل والحركة باتجاه‬ ‫ُّ‬ ‫وسورية‬ ‫مصرية‬ ‫أن مصر – وهي مساح ٌة فيها اجتمعت عناصر‬ ‫صحيح َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اساسيا في نشأة حركة ‪‬النهضة‪ ‬في مطلع‬ ‫ا‬ ‫ركن‬ ‫لت‬ ‫شك‬ ‫َّ‬ ‫ة ‪،‬‬ ‫وتركي‬ ‫ولبنانية‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لكن جبل لبنان سبقها بنحو قرنَ ين في تحضير عوامل‬ ‫عشر‪،‬‬ ‫التاسع‬ ‫القرن‬ ‫ّ‬ ‫‪2‬‬ ‫أن ما حصل في هذا الجبل منذ القرن‬ ‫النهضة‪َّ ،‬‬ ‫حتى َّ‬ ‫أن غسان تويني يعتبر َّ‬ ‫السادس عشر كان ‪‬نهضة سابق ًة عـصرها‪.)Une Nahda avant terme( ‬‬ ‫الفضاءين العربي والمتوسطي‪ .‬له‬ ‫اختصاصه تاريخ األفكار في لبنان وفي‬ ‫‪ 11‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مؤلّ فات‪ ،‬أبرزها‪ :‬جمال البنا‪ ،‬اإلسالم والحرية والعلمانية‪ ،‬جناية قبيلة حدثنا‪،‬‬ ‫باريس‪ ،‬الرماتان‪( 2013 ،‬مع دومينيك آفون)؛ علمانيات ومسلمون‪ ،‬بيرن‪ ،‬بيتر النغ‪،‬‬ ‫‪( 2014‬مع ت‪ .‬ختشادوريان وأ‪ .‬جومييه)؛ لبنان بقلم مفكري الندوة‪ ،‬جامعة الروح‬ ‫القدس – الكسليك‪2012 ،‬؛ علمانية من عندنا‪ .‬أفكار في الطائفية والعلمانية والدين‬ ‫والدولة مع مقدمة حول الصيغة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار سائر المشرق‪.2017 ،‬‬ ‫‪Jean Lacouture – Ghassan Tueni – Gérard D. Khoury, Un siècle pour‬‬ ‫‪ 22‬‬ ‫‪rien, le Moyen-Orient arabe de l’Empire ottoman à l’Empire américain, Paris,‬‬ ‫‪Albin Michel, 2002, p. 13. Sur cette Nahda «avant terme» voir aussi Jean‬‬ ‫‪SHARAF, «Les réformes de Béchir II, prélude à la Nahda», La Nahda, réveil de‬‬ ‫– ‪la pensée en langue arabe. Approches, perspectives, éds. Dominique Avon‬‬ ‫‪Karam Rizk, Kaslik-Liban, Pusek, 2009, p. 57 – 70.‬‬


‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬

‫‪ 33‬جان شرف‪ ،‬اإليديولوجيا المجتمعية‪ ،‬منشورات الجامعة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ ،1996‬ص‪.198 – 195 .‬‬ ‫‪ 44‬بطرس البستاني (المعلم)‪ ،‬كتاب المحيط‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬بيروت‪.1870 ،‬‬

‫‪135‬‬

‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬

‫صراعات الموارنة مع جيرانهم المسلمين واليعاقبة‬ ‫عوامل‪ ،‬بينها‬ ‫ثمة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الثقافية‬ ‫للتنبه إلى حالتهم‬ ‫َّ‬ ‫المونوفيزيين‪ ،‬دفعت بموارنة جبل لبنان آنذاك ُّ‬ ‫وعج َزهم عن‬ ‫والالهوتي‪،‬‬ ‫والالهوتية القاحلة‪َ .‬و َعـ ــوا جهلهم الثقافي‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫سند روما‪ .‬لذا سعى بعضهم‬ ‫تحديات زمانهم َّإال بالحصول على َ‬ ‫مواجهة ِّ‬ ‫منذ ّأيام ابن القالعي (أواخــر القرن الخامس عشر) إلى االستحصال‬ ‫يسميه‬ ‫المؤرخ جان شرف‪ 3‬اإلسعاف الثقافي‪ ‬ريثما‬ ‫ِّ‬ ‫من روما على ما ّ‬ ‫يمكنهم من الدفاع عن إيمانهم المسيحي الكاثوليكي والمحافظة على‬ ‫ِّ‬ ‫الخلقيدونية‪.‬‬ ‫عقيدتهم‬ ‫َّ‬ ‫باب َوات روما منذ‬ ‫‪‬لحظة الوعي‪ ‬هذه تزامنت مع حركة‬ ‫رسولية بدأها َ‬ ‫َّ‬ ‫طوروها في المجمع التريدنتيني‬ ‫انعقاد المجمع الفلورنسي (‪ ،)1439‬ثم َّ‬ ‫مجد ًدا وسط‬ ‫الشرق‬ ‫وضع‬ ‫إلى‬ ‫(‪ .)1565 – 1545‬وتلك ‪‬الحركة‪ ‬هدفت‬ ‫َّ‬ ‫جهة‪ ،‬على تحويل المسلمين إلى‬ ‫اهتمامات الكنيسة‬ ‫الرومانية للعمل‪ ،‬من ٍ‬ ‫َّ‬ ‫المونوفيزية‪.‬‬ ‫الشرقية‬ ‫و‪‬لي َت َنة‪ ‬الكنائس‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الكاثوليكية‪ ،‬ومن أخرى‪ ،‬على كثلكة ْ‬ ‫َّ‬ ‫أساسي‪ ،‬فالتقت الحاجة‬ ‫دور‬ ‫الرسولي‬ ‫المخطط‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫للموارنة‬ ‫وكان‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫المارونية بالمخطط الروماني الرسولي حيال الشرق‪.‬‬ ‫والالهوتية‬ ‫الثقافية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وسياسي كبير‬ ‫وثقافي‬ ‫الهوتي‬ ‫انفتاح‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫وأورو‬ ‫الموارنة‬ ‫بين‬ ‫د‬ ‫تولَّ‬ ‫هكذا‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫الحبرية‪ ‬في روما سنة ‪ 1584‬بإرادة‬ ‫المارونية‬ ‫جس َده تأسيس ‪‬المدرسة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والحقا تأسيس مدرسة عين ورقة سنة ‪1789‬‬ ‫البابا غريغوار الثالث عشر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بإرادة البطريرك الماروني يوسف اسطفان‪ .‬وساهمت هاتان المدرستان‬ ‫في تخريج أفــواج أولى من وجوه نهضة أخذت شكلها الواضح في مصر‬ ‫وبيروت َّإبان القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫المعلم بطرس البستاني (‪ )1883 – 1819‬هو من الجيل الذي تعلَّ م في‬ ‫مدرسة عين ورقة أصول الالهوت والحساب واللغات (العربية والعبرية‬ ‫والسريانية واإليطالية والفرنسية واإلنكليزية)‪ّ ،‬ثم علَّ َم فيها قبل انتقاله‬ ‫الشهابية‪ ،‬ليعمل مع المرسلين‬ ‫إلى بيروت سنة ‪ 1840‬إثر سقوط اإلمارة‬ ‫َّ‬ ‫البروتستانتية‪.‬‬ ‫المارونية إلى‬ ‫تحول من‬ ‫األميركيين بعد ْ‬ ‫أن َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ثقافيا معروفً ا في عصره َّإال َولَ جه‪َّ :‬أسس‬ ‫مجاال‬ ‫ً‬ ‫البستاني‬ ‫يترك‬ ‫لم‬ ‫ًّ‬ ‫الوطنية وأدارها‪،‬‬ ‫وأسس المدرسة‬ ‫والثقافية‬ ‫العلمية‬ ‫الجمعيات‬ ‫والفنية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪‬الجنة‪‬‬ ‫مجالت وجرائد‪ ،‬منها ‪‬نفير سوريا‪،)1861 – 1860( ‬‬ ‫وأسس‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫(‪ ،)1883 – 1880‬الجنينة‪ .)1871( ‬وألَّ ف معجم ‪‬المحيط‪ُ 4‬وك ًتبا‬


‫‪136‬‬ ‫د‪ .‬أمين الياس‬

‫مدرسية في اللغة والحساب‪َّ .‬ثم كانت ‪‬دائــرة المعارف‪ 5‬تتويج أعماله‬ ‫َّ‬ ‫عربية تضاهي الموسوعات‬ ‫موسوعة‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫لتكون‬ ‫ة‬ ‫التجديدي‬ ‫ة‬ ‫الفكري‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪6‬‬ ‫المفكر الفرنسي ديدرو‬ ‫َّ‬ ‫العالمية آنذاك‪ ،‬وفي طليعتها نموذج كتابي بدأه‬ ‫َّ‬ ‫‪Didérot‬‬ ‫(‬ ‫جديدا‬ ‫ا‬ ‫نموذج‬ ‫البستاني‬ ‫بطرس‬ ‫م‬ ‫المعلِّ‬ ‫ل‬ ‫شك‬ ‫ّ‬ ‫أخرى‪،‬‬ ‫ناحية‬ ‫من‬ ‫)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مثقفين ملتزمين قضايا عصرهم‪ ،‬لم يكتفوا بإعادة إحياء التراث‬ ‫من َّ‬ ‫العربي بما يتناسب وحاجات العصر‪ ،‬بل أدخلوا مفاهيم جديدة إلى اللغة‬ ‫ومجالته‬ ‫العربي َتين‪ ،‬وهو ما تجلى لدى البستاني في خطبه وكتبه‬ ‫والثقافة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫و‪ ...‬دائرة المعارف‪.‬‬ ‫مفكرين مسلمين قالوا‬ ‫سلفية عند ِّ‬ ‫أصولية‬ ‫ناهض البستاني نزعة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بـضــرورة الـعــودة إلــى األصــول والـتــراث إلعــادة إحياء النموذج اإلسالمي‬ ‫بديال عن النموذج الغربي اآلتي مع المستعمر األوروبي‪.‬‬ ‫والعربي‬ ‫مشروعا ً‬ ‫ً‬ ‫الشرقية عازمة على الخروج من تخلُّ فها‪ ،‬بانفتاحها على‬ ‫وكانت األمــم‬ ‫َّ‬ ‫التطور‪ ،‬بما ال يمس روح الشرق وتراثه‪ .‬وجاءت‬ ‫الحضارة الحديثة وعصر‬ ‫ّ‬ ‫ف بـإعادة‬ ‫التوجه‪ .‬فهي موسوعة‬ ‫تتوج هذا‬ ‫عربية لم َ‬ ‫تكت ِ‬ ‫ُّ‬ ‫‪‬دائرة المعارف‪ّ ‬‬ ‫َّ‬ ‫غربية‬ ‫ت‬ ‫تضمنت‬ ‫العربيين‪ ،‬بل‬ ‫إحياء التراث والحضارة‬ ‫أفكارا واكتشافا ٍ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫شرقية جديدة‬ ‫أجيال‬ ‫خدمة‬ ‫في‬ ‫عظمى‬ ‫وسيلة‬ ‫فكانت‬ ‫في مجاالت مختلفة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تسعى إلى دخول عصر الحداثة‪ .‬إذً ا حملت هذه الموسوعة ‪‬خصائص‬ ‫أن العرب شركاء منذ ال ِقدم‬ ‫ت َّ‬ ‫العرب‪ ‬الفريدة وأبرزتها إلى العالم ُلتثْ ِب َ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وفي المقابل حملت آخر اكتشافات الحضارة‬ ‫في بناء الحضارة‬ ‫َّ‬ ‫ت للعرب حاجة األخذ ب ِعلم اآلخرين ليصبحوا قادرين على‬ ‫الغربية كي ُتثْ ِب َ‬ ‫َّ‬ ‫التطور العالمي‪.‬‬ ‫مواكبة‬ ‫ُّ‬ ‫‪ .1‬الدين والسياسة‪ :‬الوصل بين القديم والحداثة‬ ‫سنة ‪ – 1984‬بعد نحو قرن على وفاة المعلَّ م بطرس البستاني – كتب‬ ‫‪7‬‬ ‫كل‬ ‫‪‬من أطلقت عليه ّ‬ ‫األب يواكيم مبارك في ‪‬الخماسية المارونية‪َ :‬‬ ‫واألدبية في العالم‬ ‫السياسية‬ ‫المعلم هو بالتأكيد رائد النهضة‬ ‫الكتب لقب‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ 55‬بطرس البستاني (المعلم)‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1884 – 1876‬‬ ‫‪Didérot, Pensées Philosophiques, Paris, Flammarion, 2007.‬‬ ‫‪ 66‬‬ ‫كاهنا سافر إلى فرنسا وتخصص‬ ‫‪ 77‬مولود في كفرصغاب سنة ‪ .1924‬بعد سيامته ً‬ ‫كثيرا على الحوار‬ ‫عمل‬ ‫ماسينيون‪.‬‬ ‫في الدراسات اإلسالمية على يد العالمة لويس‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمي المسيحي وعلى التاريخ الماروني‪ :‬زمن الندوة (‪ ،)1975 – 1946‬منشورات‬ ‫مؤسسة الندوة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.101 .‬‬


‫‪1 .1‬رؤية البستاني للسياسة‬

‫‪ 88‬‬

‫بطرس البستاني‪ ،‬السياسة‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزء التاسع‪ ،‬ص‪.274 .‬‬

‫‪137‬‬

‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬

‫مفهوم ‪‬السياسة‪ ‬عند البستاني ال يقطع أبـ ًـدا مع مفهوم السياسة‬ ‫عبروا عنه في معاجمهم التي ورد فيها أن‬ ‫كما يراه العرب القدماء‪ ،‬وكما َّ‬ ‫الضرورية من أجل ممارسة السياسة‬ ‫‪‬السياسة‪ ‬هي ‪‬مجموع المعارف‬ ‫َّ‬ ‫المدنية‪ .‬يلفت في هذا التعريف العربي الذي نقله البستاني كما هو في‬ ‫َّ‬ ‫أنَّ‬ ‫مفكرين وفقهاء‬ ‫أي ُبعد ديني‪ .‬وبخالف ِّ‬ ‫يحتمل‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫المعارف‪،‬‬ ‫‪‬دائرة‬ ‫ّ‬ ‫عضويا بين الدين (اإلسالم) والدولة‬ ‫عرب تكلموا باسم اإلسالم رابطين‬ ‫ًّ‬ ‫علمانيا‪ ،‬إذا جاز التعبير‪ ،‬يرى‬ ‫عربيا‬ ‫تعريفا‬ ‫والسياسة‪ ،‬اعتمد البستاني‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫منفصال عن الدين‪ .‬وفيما يربط عرب معاصرون الدولة‬ ‫أمرا‬ ‫ً‬ ‫في السياسة ً‬ ‫اإلسالمية من‬ ‫الشريعة‬ ‫وبتطبيق‬ ‫ناحية‬ ‫من‬ ‫ة‬ ‫القبلي‬ ‫ة‬ ‫بالعصبي‬ ‫والسياسة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ناحية أخــرى‪ ،‬رأى البستاني في السياسة ‪‬إدارة شــؤون البلد وتنظيم‬ ‫األدبية لألهلين بهدف‬ ‫حكومته بحسب النزعات والمعتقدات والقواعد‬ ‫َّ‬ ‫الحكام أو ‪‬أرباب‬ ‫أن َّ‬ ‫تأمين االستقرار والسالم لهم‪ .8‬ففي رأي البستاني َّ‬ ‫الزمنية‪ ،‬بإصدارهم‬ ‫السياسة‪ ‬قوم ينتخبهم الشعب إلدارة شؤون البالد‬ ‫َّ‬ ‫وضعية لخدمة مصالح الشعب مـعـ ِّـززيــن لديه روح ‪‬الـتــواثــق‪‬‬ ‫قوانين‬ ‫َّ‬ ‫أيضا عن ترسيخ ‪‬روح‬ ‫َّ‬ ‫و‪‬اإللفة‪ ‬بين أبنائه‪ .‬وهــؤالء‬ ‫الحكام مسؤولون ً‬ ‫العامة‪ ‬حتى يتبلور عند أبناء البلد الواحد شعور االنتماء إلى‬ ‫المصلحة‬ ‫َّ‬ ‫معتد وطامع‪ .‬في هذا السياق تبدو‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫‪‬أمة واحدة‪ ‬يدافعون عنها ضد ِّ‬ ‫َّ‬ ‫‪‬األمة‪ ‬إذ يرتبط أبناؤها برباط ‪‬حب الوطن‪‬‬ ‫عن‬ ‫ا‬ ‫قانوني‬ ‫ا‬ ‫تعبير‬ ‫الدولة‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫يتجسد‬ ‫‪‬الحب‪‬‬ ‫وهذا‬ ‫ة‪.‬‬ ‫القبلي‬ ‫أو‬ ‫ة‬ ‫العائلي‬ ‫أو‬ ‫ة‬ ‫الديني‬ ‫ة‬ ‫العصبي‬ ‫ال برباط‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العامة‪ .‬هكذا انطلق البستاني‬ ‫في ‪‬التعاضد‪ ‬و‪‬اإللفة‪ ‬و‪‬المصلحة‬ ‫َّ‬ ‫الغربية لمفاهيم‬ ‫بالسياسة مــن التعريف العربي وصالحه مــع النظرة‬ ‫َّ‬

‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬

‫أن‬ ‫انطالقا من لبنان‪ُ .‬ويكمل مبارك كالمه على البستاني‬ ‫العربي‬ ‫ً‬ ‫معتبرا ّ‬ ‫ً‬ ‫‪‬وطنياته العشر‪ ‬الواردة في مجلَّ ة‬ ‫ووسع بصيرته َتظهران في‬ ‫َّ‬ ‫عبقريته ْ‬ ‫َّ‬ ‫وصح ِة‬ ‫واقعي ٍة‬ ‫من‬ ‫ات‪‬‬ ‫‪‬الوطني‬ ‫تلك‬ ‫تحمله‬ ‫ما‬ ‫بكل‬ ‫(‪)1861‬‬ ‫سوريا‪‬‬ ‫‪‬نفير‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫تشكل‪ ،‬في نظر مبارك‪ ،‬بداية‬ ‫الخ َطب ِّ‬ ‫تحلي ٍل تجعلها كأنَّ ها ُكتبت اليوم‪ .‬تلك ُ‬ ‫الخطاب العربي الداعي إلى التمييز بين السياسة والدين‪ ،‬والدخول إلى‬ ‫دنية والحداثة‪.‬‬ ‫الم َّ‬ ‫ُ‬ ‫قبل الـكــام على هــذا ‪‬التمييز‪ ،‬مــا هــي رؤيــة البستاني للـ ‪‬دين‪‬‬ ‫والـ ‪‬سياسة‪ ‬وما مدى ارتباطهما بالدولة والشريعة أو القانون‪.‬‬


‫‪‬األمــة‪ ،‬و‪‬الوطن‪ ‬و‪‬التضامن‪ ‬و‪‬الشعب‪ ‬و‪‬االنتخاب‪ ‬و‪‬القانون‬ ‫َّ‬ ‫الوضعي‪ ،‬و‪‬المصلحة العامة‪.9‬‬ ‫‪2 .2‬رؤية البستاني للدين‬

‫‪138‬‬ ‫د‪ .‬أمين الياس‬

‫رأى البستاني إلــى ‪‬الــديــن‪ ‬على أنّ ــه ‪‬وض ــع إلـهــي ل ــذوي العقول‬ ‫والفاَلح في المآل‪ .10‬وهي عبارة‬ ‫باختيارهم َّإياه إلى الصالح في الحال َ‬ ‫اإللهية‬ ‫تختصر نظرة البستاني إلى الدين‪ .‬صحيح أنَّ ه يعترف بطبيعة الدين‬ ‫َّ‬ ‫المتجس َّد في الدين‪،‬‬ ‫اإللهي‬ ‫الوحي‬ ‫المتلَ ِّقي‬ ‫أن اإلنسان‪َ ،‬‬ ‫يشدد على َّ‬ ‫لكنه ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫حرية االختيار‪ .‬فنظرة البستاني إلى ‪‬الدين‪ ‬مرتبطة‬ ‫هو كائن عاقل لديه َّ‬ ‫إذً ا بـ ‪‬العقل‪ ‬وبـ ‪‬الحرية‪ .‬وأكثر‪ :‬يعتبر البستاني أن الدين‪ ،‬رغم كونه‬ ‫فص َل في ‪‬دائرته‪ ‬بين ‪‬الدين‪ ‬و‪‬القانون‪‬‬ ‫قابل للفساد‪ .‬لذا َ‬ ‫إلهيا‪ٌ ،‬‬ ‫ً‬ ‫أمرا ًّ‬ ‫أو ‪‬الشريعة‪ .‬فللقانون عنده مـصـ َـدران َب ِعيدان عن الدين‪ :‬القانون‬ ‫‪11‬‬ ‫األول يرتبط بــ ‪‬مبادئ العدل التي‬ ‫الطبيعي‪ ،‬و‪‬القانون الوضعي‪َّ . ‬‬ ‫َّ‬ ‫يتخطى الزمان والمكان وال‬ ‫ُفطر عليها اإلنسان منذ والدته‪ ،12‬وهو قانون‬ ‫عضويا‬ ‫اآلخر يرتبط‬ ‫قوة سوى حكم ‪‬الضمير البشري‪ ،‬بينما َ‬ ‫ًّ‬ ‫يخضع ّ‬ ‫ألي َّ‬ ‫‪13‬‬ ‫يتبدل باختالف األحوال واألزمان واألماكن‬ ‫بـ ‪‬اإلرادة‬ ‫البشرية‪ ، ‬أي أنه َّ‬ ‫َّ‬ ‫أن اإلنسان‬ ‫اعترافه‬ ‫ـع‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫لتطبيقه‪.‬‬ ‫قاهرة‬ ‫ة‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ئ‬ ‫دا‬ ‫بشكل‬ ‫ويحتاج‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫عدة‪ ،‬فهو يرى أن هذا الربط لم يعد‬ ‫القديم ربط القانون بالدين ألسباب َّ‬ ‫مناسبا في عصرنا‪ ،‬لقيام فصل واضح بين الدين و‪‬القانون المدني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .2‬العلمان َّية‪ :‬عندما يأخذ المع ِّلم التجديد على عاتقه‬

‫سياسية‬ ‫تبدو السياسة والدولة والدين عناصر تنتمي إلى منظومة‬ ‫ّ‬ ‫وفكرية ُم ْح َكمة االنسجام‪ ،‬وهو ما يقترحه بطرس البستاني في أعماله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فـ ْـإثـ َـر أح ــداث جبل لبنان ودمـشــق (‪ )1860‬أطلق المعلِّ م مجلَّ ته ‪‬نفير‬ ‫‪14‬‬ ‫توجهه ‪‬العلماني‪ ‬المنادي بفصل الدين‬ ‫سوريا‪‬‬ ‫معب ًرا فيها بوضوح عن ُّ‬ ‫ِّ‬

‫‪ 99‬بطرس البستاني‪ ،‬السياسة‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬ص‪.276 .‬‬ ‫‪ 110‬بطرس البستاني‪ ،‬الدين‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزء التاسع‪ ،‬ص‪.237 – 236 .‬‬ ‫‪ 111‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪ 112‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪ 113‬المرجع نفسه‪.‬‬ ‫واحدا‪ .‬جعلها على شكل رسائل وطنية‬ ‫عاما‬ ‫ً‬ ‫‪ 114‬أسسها في العام ‪ 1860‬وأصدرها ً‬ ‫الحقا بـ ‪‬الوطنيات‪ :‬يوسف قزما‬ ‫من صفحة واحدة موجهة إلى اهالي البالد‪ُ ،‬عرفت‬ ‫ً‬


‫‪Livre d’histoire, écrits fondateurs et textes à l’appui, Beyrouth, Publications‬‬ ‫‪du Cénacle libanais, 1984, t. I, vol. 2 «le Liban entre l’islam, la France et‬‬ ‫‪l’arabité», p. 1217 – 1219.‬‬

‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬

‫عصره المعلم بطرس البستاني (‪ ،)1883 – 1819‬المعهد الملكي‬ ‫سابق‬ ‫الخوري‪ ،‬رجل‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫عمان‪ ،‬دون تاريخ‪ ،‬ص‪.40 .‬‬ ‫الدينية‪،‬‬ ‫للدراسات‬ ‫َّ‬ ‫‪ 115‬بطرس البستاني‪ ،‬رسالة إلى األمة‪ ،‬نفير سوريا‪ ،‬العدد ‪.1861/1/14 ،9‬‬ ‫‪Youakim Moubarak, Pentalogie antiochienne: Domaine maronite. 116‬‬

‫‪139‬‬

‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬

‫الوطنية‬ ‫عن الدولة والسياسة‪ ،‬محذِّ ًرا من مزج السياسة بالدين‪ .‬ففي‬ ‫َّ‬ ‫طال َع تواريخ الملل والشعوب‪ ،‬يظهر‬ ‫السابعة (‪ )1860/11/19‬جاء‪ :‬ومن َ‬ ‫تعرضها‬ ‫جليا ما يلتحق بالناس واألدي ــان نفسها من األضــرار من ُّ‬ ‫له ًّ‬ ‫المدنية والحال َّأنه ُيوجد‬ ‫باألمور‬ ‫ة‬ ‫الديني‬ ‫األمور‬ ‫ومزجها‬ ‫السياسة‬ ‫ألمور‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫أن يكون غير جايز‬ ‫طبعا َبـون كبير‪ .‬وكم كان لهذا المزج – الذي ينبغي ْ‬ ‫ً‬ ‫ديان ًة وال سياسةً – من اليد في الخراب الحالي‪ ،‬اهلل يعلم وأنتم تعلمون‬ ‫المغفلين يعلم �‪ .�...‬وعلى غرار‬ ‫ومحب الوطن إذا لم يكن من زمرة‬ ‫َّ‬ ‫الخاصة‬ ‫الدائرة‬ ‫في‬ ‫الديانة‬ ‫حصر‬ ‫البستاني‬ ‫مفكري األنوار في أوروبا يريد‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫المدنية أو‬ ‫سميها الدائرة‬ ‫بكل شخص‪ ،‬وفصلها عن الدائرة‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العامة التي ُي ِّ‬ ‫وطنيته التاسعة (‪ )1861/1/14‬جاء‪ :‬ما دام قومنا ال‬ ‫ففي‬ ‫ات‪.‬‬ ‫‪‬المدني‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والمدنيات‬ ‫وخالقه‪،‬‬ ‫العبد‬ ‫بين‬ ‫تكون‬ ‫أن‬ ‫يجب‬ ‫التي‬ ‫األديان‬ ‫بين‬ ‫زون‬ ‫يمي‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫التي هي بين اإلنسان وابن وطنه‪ ،‬أو بينه وبين حكومته‪ ،‬والتي عليها ُتبنى‬ ‫فاصال بين‬ ‫حدا‬ ‫االجتماعية والنسبة‬ ‫حاالت الهيئة‬ ‫ً‬ ‫السياسية‪ ،‬وال يضعون ًّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫طبعا‪ ،‬وديانة ال يؤمل نجاحهم في أحدهما‬ ‫هذين المبدأين الممتازين‬ ‫ً‬ ‫جميعا كما ال ُيخفى‪ .‬وكذلك ما دام أبناء الوطن ال يفتحون‬ ‫وال فيهما‬ ‫ً‬ ‫من األبواب لدخول المعارف والصنائع وانتشارها بين خاصتهم وعامتهم‪،‬‬ ‫أن ينتظروا االنتظام في سلك الشعوب المتمدنة وال االعتبار‬ ‫ال يجب ْ‬ ‫حتى وال في أعين بعضهم بعض �‪ .15�...‬غير‬ ‫اآلخرين‬ ‫أعين‬ ‫والهيبة في‬ ‫َّ‬ ‫الوطنية العاشرة (‪َ ،)1861/2/22‬يحسم بضرورة الفصل‬ ‫أن البستاني‪ ،‬في‬ ‫َّ‬ ‫األول‬ ‫نص هو اإلعالن العربي َّ‬ ‫بين المجال الديني والمجال السياسي‪ ،‬في ٍّ‬ ‫‪16‬‬ ‫عن ضرورة الفصل‪ ،‬كما ذكر األب يواكيم مبارك ‪ .‬ويستخلص البستاني‬ ‫ال ِع َبر من أحداث ‪ :1860‬وجوب وضع حاجز بين الرياسة أي السلطة‬ ‫ذاتا‬ ‫أن الرياسة‬ ‫الروحية‪ ،‬والسياسة أي السلطة‬ ‫تتعلق ً‬ ‫َّ‬ ‫المدنية‪ .‬ذلك َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بتغير األزمــان واألح ــوال‪ ،‬بخالف‬ ‫ر‬ ‫تتغي‬ ‫ال‬ ‫ثابتة‬ ‫ة‬ ‫داخلي‬ ‫بأمور‬ ‫وطبعا‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫للتغير واإلصالح‬ ‫وقابلة‬ ‫ثابتة‬ ‫غير‬ ‫ة‬ ‫خارجي‬ ‫بأمور‬ ‫ق‬ ‫تتعل‬ ‫التي‬ ‫السياسة‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ثم كان التوفيق‬ ‫فتباي َنا‬ ‫حسب المكان والزمان واألحوال‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وتناف َيا‪ ،‬ومن ّ‬ ‫َ‬ ‫ضربا من المحال‪ .‬لذلك كان من‬ ‫ست ْص َع ًـبا أو‬ ‫بينها في شخص واحد ُم َ‬ ‫ً‬


‫‪140‬‬ ‫د‪ .‬أمين الياس‬

‫وضررا‬ ‫خلال ِّبي ًنا‬ ‫هاتين السلطَ َتين‬ ‫يوقع ً‬ ‫المزج بين َ‬ ‫أن ِ‬ ‫الممتاز َتين �‪ْ �...‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫بأن يستحيل معه وجود‬ ‫واضحا في األحكام واألديان‪ ،‬وال نبالغ إذا قلنا ْ‬ ‫ً‬ ‫المتمدنة على األضرار‬ ‫البلدان‬ ‫لعت‬ ‫اطّ‬ ‫وقد‬ ‫�‪�...‬‬ ‫ه‪.‬‬ ‫ونمو‬ ‫وحياته‬ ‫ن‬ ‫التمد‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫فلم‬ ‫ين‪،‬‬ ‫ت‬ ‫السلطَ‬ ‫ين‬ ‫هات‬ ‫بين‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫فاصال‬ ‫فجعلت‬ ‫المزج‪،‬‬ ‫هذا‬ ‫من‬ ‫الناتجة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ً‬ ‫ْ‬ ‫وكلما كان الفصل ْأم َتن‪ ،‬تكون‬ ‫تدع إحداهما‬ ‫تتعرض لمصالح األخرى‪َّ .‬‬ ‫َّ‬ ‫سر‬ ‫مما يجب ْ‬ ‫الراحة والنجاح أعظم‪ .‬وال ريب َّ‬ ‫أن ُي ّ‬ ‫أن هذا الفصل هو َّ‬ ‫ويريحهم‬ ‫أثقاال‬ ‫أيضا �‪َ �...‬يرفع عنهم‬ ‫ً‬ ‫أصحاب الرياسة ً‬ ‫زمنية كثيرة ُ‬ ‫َّ‬ ‫من تقريعات ضمائرهم الناتجة عن تغافلهم عن الواجبات التي أفرزوا‬ ‫ذاتهم ونذروا حياتهم لها‪ .17‬هكذا نرى المعلِّ م ال يكتفي بمطالبته الفصل‬ ‫ً‬ ‫شرطا أَ َّو َل في انتقال المجتمعات‬ ‫بين المجالَ ين‪ ،‬بل يجعل من هذا الفصل‬ ‫كثيرا من‬ ‫العربية‬ ‫الم ُد َّنية‪ .‬بعبارة أخرى يقترب البستاني ً‬ ‫والشرقية إلى ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫مفكري النهضة واألنوار في أوروبا قالوا بفصل الدين عن السياسة وعن‬ ‫ِّ‬ ‫دنيوي (‪،)sécularisation‬‬ ‫الدولة‪ ،‬وأطلقوا تسمية علمنة (‪ )Laïcisation‬أو‬ ‫ّ‬ ‫معي ٌن‬ ‫معينة أو‬ ‫وهي باب كبير ينتقل من خالله‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫شعب َّ‬ ‫معين أو َّأمة َّ‬ ‫مجتمع َّ‬ ‫للتوجه الديني إلى حالة اعتناقهم‬ ‫من حالة خضوعهم في أوجه حياتهم‬ ‫ُّ‬ ‫البشرية‪ ،‬بما يتناسب وروح‬ ‫تنظيم أمور المدينة والمجتمع وفْ ق ‪‬اإلرادة‬ ‫َّ‬ ‫أن‬ ‫در ًكا َّ‬ ‫العصور الحديثة‪ .‬صحيح َّ‬ ‫أن البستاني مؤمن مسيحي‪ ،‬لكنه كان ُم ِ‬ ‫فاعال ِّ‬ ‫ومؤث ًرا‬ ‫العبا‬ ‫األمم‬ ‫ً‬ ‫الشرقية لن تستطيع الدخول إلى الحداثة فتكون ً‬ ‫َّ‬ ‫إن لم تخرج من الزمن الديني‪ ،‬وهو ما ال يمكن‬ ‫تطور الحضارة‬ ‫البشرية ْ‬ ‫َّ‬ ‫في ُّ‬ ‫يتم َّإال بالفصل بين الديني والسياسي‪ ،‬بين الدين والدولة‪ ،‬بين الروحي‬ ‫ْ‬ ‫أن ّ‬ ‫والزمني أو المدني‪.‬‬ ‫فــي الـعــام ‪ ،1870‬وعند وضــع قــامــوس ‪‬المحيط‪ ‬أدخــل البستاني‬ ‫معرفً ا َّإياها بأنَّ ها صفة ُتعطى‬ ‫للمرة األولى في‬ ‫العربية لفظة ‪‬علماني‪ِّ ‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪18‬‬ ‫‪‬للعامي الذي ليس بإكليريكي‪ . ‬وبربطنا هذه اللفظة مع ما ورد في‬ ‫ّ‬ ‫‪‬نفير سوريا‪ 19‬من دعوة للفصل بين المجال الديني والمجال المدني أو‬ ‫الفرنسية بلفظة‬ ‫السياسي‪ ،‬نفهم لماذا نترجم في الشرق لفظة ‪Laïcité‬‬ ‫َّ‬ ‫العربية بخالف الترجمة الموجودة في المغرب العربي حيث‬ ‫انية‪‬‬ ‫َ‬ ‫لم َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪‬ع َ‬ ‫‪ 117‬بطرس البستاني‪ ،‬رسالة إلى األمة‪ ،‬نفير سوريا‪ ،‬العدد ‪.1861/2/22 ،10‬‬ ‫‪ 118‬بطرس البستاني‪ ،‬علماني‪ ،‬قطر المحيط‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬بيروت‪،1870 ،‬‬ ‫ص‪.1461 .‬‬ ‫‪ 119‬بطرس البستاني‪ ،‬رسالة إلى األمة‪ ،‬نفير سوريا‪ ،‬العدد ‪.1861/2/22 ،10‬‬


‫‪ .3‬حريَّة الضمير (‪:)Liberté de conscience‬‬ ‫‪ ‬ركن أساس في المنظومة العلمان ّية‬

‫‪Sur ce point voir notre article: Dominique AVON – Amin ELIAS, 220‬‬ ‫‪«Laïcité, navigation d’un concept autour de la Méditerranée», dans:‬‬ ‫‪http://droitdecites.org/2011/01/03/religions-secularisation-et-laicite-des‬‬‫‪concepts-en-mouvement-dcie/, consulté le 5/6/2017.‬‬

‫‪2 21‬‬ ‫‪ 222‬‬ ‫‪ 223‬‬ ‫‪ 224‬‬

‫بطرس البستاني‪ ،‬الحرية‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزء السابع‪ ،‬ص‪.4 – 2 .‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬

‫‪141‬‬

‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬

‫فكرية واضحة االنسجام‪ ،‬تبدأ بتجديد‬ ‫يقدم المعلِّ م البستاني منظومة‬ ‫ّ‬ ‫مفاهيم ‪‬الــديــن‪ ،‬و‪‬الـسـيــاســة‪ ،‬و‪‬ال ــدول ــة‪ ،‬بلوغً ا إلــى َب ــلْ ـ َـو َرة فكرة‬ ‫الحرية الــذي يستفيض‬ ‫‪‬العلمانية‪ ‬المكتمل شكلها في ربطها بمفهوم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪21‬‬ ‫دائرته‬ ‫في‬ ‫بشرحه‬ ‫البستاني‬ ‫‪‬الحرية‪ ‬هي ‪‬خالف العبد أو الرقيق‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ـادرا على فعل شيء‬ ‫الح ّـر �‪...‬حيث� يكون فيها اإلنسان قـ ً‬ ‫إنَّ ها ‪‬حالة ُ‬ ‫‪22‬‬ ‫أيضا نوعان‪ :‬داخلي‬ ‫أو تركه بحسب إرادتــه واختياره‪. ‬‬ ‫والحرية عنده ً‬ ‫َّ‬ ‫متضادين‬ ‫أمرين‬ ‫الحرية‬ ‫وخارجي‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫‪‬قوة االختيار بين َ‬ ‫َّ‬ ‫تعبر عن َّ‬ ‫الداخلية ِّ‬ ‫َّ‬ ‫‪23‬‬ ‫وحرية الضمير‬ ‫بحرية اإلرادة‬ ‫عبر عنها‬ ‫أو‬ ‫وحرية النفس‪. ‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫متحالفين ُ‬ ‫وي َّ‬ ‫الحرية‬ ‫أدبيا‪ .‬وهذه‬ ‫حرية يختار فيها اإلنسان بين ‪‬الخير‬ ‫َّ‬ ‫والشر ًّ‬ ‫ّ‬ ‫وهي َّ‬ ‫الذاتية وشرط‬ ‫اإلنسان‬ ‫صفات‬ ‫من‬ ‫‪‬صفة‬ ‫بل‬ ‫البستاني‬ ‫عند‬ ‫ا‬ ‫ترفً‬ ‫ليست‬ ‫َّ‬ ‫‪24‬‬ ‫الزم لحالته‬ ‫األدبية‪. ‬‬ ‫َّ‬ ‫هكذا‪ ،‬بعد نحو قرنَ ين على ديكارت (‪ )1650 – 1596‬فيلسوف الفكر‬ ‫عاما على ‪‬اإلعالن العالمي لحقوق‬ ‫الحر‬ ‫ّ‬ ‫وحرية الضمير‪ ،‬وقبل نحو ‪ً 60‬‬ ‫َّ‬ ‫حرية‬ ‫أن‬ ‫اإلنسان‪ِ )1948( ‬وإقراره في البند ‪َّ 18‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪‬لكل شخص الحق في َّ‬ ‫التفكير والضمير والدين‪ ،‬ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته‬

‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬

‫‪20‬‬ ‫لمانية لفظة‬ ‫‪Laïcité‬‬ ‫(‪‬الئيكية‪ٌ )‬‬ ‫نقل حرفي للمصطلح الفرنسي ‪َ .‬‬ ‫َّ‬ ‫فالع َّ‬ ‫منفصال عن الدين اآلتي من‬ ‫العالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تصف الشيء المدني المنتمي إلى هذا َ‬ ‫جبارة في إعطاءِ‬ ‫الـ ‪‬ما فوق‪ .‬بهذا يكون البستاني أول من أدى مساهمة َّ‬ ‫والعربي النابع من االحتكاك بالغرب ومن‬ ‫الشرقي‬ ‫ـلماني ِة معناها‬ ‫الفكر ِة َ‬ ‫الع َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ظروف الشرق وحاالت اقتتال ديني وطائفي يعود جزء منه إلى المزج بين‬ ‫الدين والسياسة‪.‬‬


‫‪142‬‬ ‫د‪ .‬أمين الياس‬

‫‪25‬‬ ‫لحرية اإلنسان‪.‬‬ ‫وحاكما َّأو َل‬ ‫معيارا‬ ‫يكرس البستاني ‪‬الضمير‪‬‬ ‫ً‬ ‫�‪ِّ ، �...‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫أن ال يعمل‪،‬‬ ‫كل دقيقة عند العمل َّ‬ ‫قادرا ْ‬ ‫‪‬أنه كان ً‬ ‫ينبه اإلنسان في ِّ‬ ‫فالضمير ِّ‬ ‫أو يعمل خالف ما عمل‪ ،‬ودليلها بالواسطة ما يفترض وجوده من رضى‬ ‫الحرية‬ ‫جرا‪ .26‬وهذا الشكل من‬ ‫وندم ومشورة وذم وعقاب وثواب ُ‬ ‫وهل ّم ًّ‬ ‫َّ‬ ‫كل‬ ‫‪‬الحرية‬ ‫يراه البستاني أوسع بكثير من‬ ‫تعبر عن قدرة ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الدينية‪ ‬التي ِّ‬ ‫الدينية التي يــرى َّأنها صحيحة‪ ،‬وعلى‬ ‫إنسان ‪‬باالعتقاد بالمذاهب‬ ‫َّ‬ ‫‪‬حرية العبادة‪ ‬أو‬ ‫من‬ ‫أوسع‬ ‫الضمير‬ ‫ة‬ ‫وحري‬ ‫تعليمها من دون معارضة‪.27‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الدينية بتعليم‬ ‫العبادية‪ ،‬وتقضي بحق أصحاب المذاهب وال ِف َرق‬ ‫‪‬الحرية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫حرية الضمير‬ ‫بين‬ ‫البستاني‬ ‫ز‬ ‫ويمي‬ ‫ة‪.‬‬ ‫الشعائري‬ ‫االحتفاالت‬ ‫وإجراء‬ ‫مذاهبهم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫‪‬قو ُة إظهار أفكاره بال مانع في كل‬ ‫و‪‬الحرية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الفكرية‪ ‬فيكون لإلنسان َّ‬ ‫‪28‬‬ ‫غيرها‪‬‬ ‫أو‬ ‫ة‬ ‫سياسي‬ ‫أو‬ ‫ة‬ ‫ديني‬ ‫أو‬ ‫ة‬ ‫فلسفي‬ ‫مادة‬ ‫الفكرية‬ ‫ة‬ ‫الحري‬ ‫هذه‬ ‫ويربط‬ ‫؛‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫حقا في‬ ‫و‪‬الحرية‬ ‫ِب ُح ّر َّية الطباعة والنشر‬ ‫لكل إنسا ٍن ًّ‬ ‫الفردية‪ ‬التي تعطي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫حرية نفسه‪ ‬إال في ما ْين َهى عنه القانون والنظام‪ .‬هذا عن‬ ‫‪‬استعمال َّ‬ ‫والتنقل بين األقاليم‬ ‫الخارجية فمرتبطة بالتجارة‬ ‫الداخلية‪َّ .‬أما‬ ‫الحريات‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وبين الدول وعبر البحار‪.‬‬ ‫الحرية بمعنى التفلُّ ت التام من‬ ‫ويشير البستاني إلى ضرورة ّأال تؤخذ‬ ‫َّ‬ ‫جواز فعـ ِل‬ ‫الحرية أنه‬ ‫ـ ‪‬ت َو ُّه ُم البعض في معنى‬ ‫كل حدود وقانون وقيد‪ .‬فـ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫الحرية‪ .‬ويتميز اإلنسان‬ ‫استعمال‬ ‫ة‬ ‫‪‬إساء‬ ‫هو‬ ‫كل ما يخطر في البال‪‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫المقيد بفطرته‪ ‬بقدرته ككائن ‪‬مطلق اإلرادة‪ ‬على‬ ‫ساسا عن ‪‬الحيوان‬ ‫َّ‬ ‫أَ ً‬ ‫حكم‬ ‫أن ‪‬يقبل هــذا‪ ،‬ويرفض ذلــك‪ ،‬ويعمل هــذا‪ ،‬ويترك ذلك‪ ‬بحسب ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪29‬‬ ‫ضميره ‪.‬‬

‫خالصة‪ :‬متى نخرج من ‪‬عقدة النقص‪‬؟‬ ‫عزب‬ ‫يوم‬ ‫قمت والبروفيسور دومينيك آفــون بزيارة األستاذ محمود ّ‬ ‫ُ‬ ‫(أيار ‪ )2011‬في مكتبه لدى مشيخة األزهر‪ ،‬وكان مستشار شيخ األزهر‬ ‫الطيب‪ ،‬تداولنا حول الدين والدولة وتطبيق الشريعة‪ .‬كان‬ ‫األكبر أحمد‬ ‫ّ‬ ‫انفتاح‬ ‫أن يكون للعرب والمسلمين‬ ‫األستاذ محمود‬ ‫تماما بضرورة ْ‬ ‫ٌ‬ ‫مقتنعا ً‬ ‫ً‬ ‫‪2 25‬‬ ‫‪ 226‬‬ ‫‪ 227‬‬ ‫‪ 228‬‬ ‫‪ 229‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫المرجع نفسه‪.‬‬


‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬

‫‪ 330‬رنيه حبشي‪ ،‬حضارتنا على المفترق‪ ،‬منشورات الندوة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪،1960 ،‬‬ ‫ص‪.180 .‬‬

‫‪143‬‬

‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬

‫الغربية‪ ،‬أســاسـ ٌّـي لقيام حــوار جـ ِّـدي بين الشرق‬ ‫نــوعـ ٌّـي على الـحـضــارة‬ ‫َّ‬ ‫الغربية‪ .‬لكن‬ ‫العربية واللغات‬ ‫المسيحية واإلسالم‪ ،‬بين اللغة‬ ‫والغرب‪ ،‬بين‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ـوي َتنا‪ .‬وهو‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫فقدان‬ ‫إلى‬ ‫االنفتاح‬ ‫هذا‬ ‫ي‬ ‫يؤد‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫حذ‬ ‫كان‬ ‫المستشار‬ ‫ّ‬ ‫ًِ‬ ‫ِ ُ َّ‬ ‫غالبية مسلمة تشعر‬ ‫حذر يعكس ما في نفوس العرب ومجتمعات ذات‬ ‫َّ‬ ‫كثيرا‬ ‫واإلسالمية إذا انفتحت‬ ‫والمشرقية‬ ‫العربية‬ ‫هويتها‬ ‫ً‬ ‫بالقلق على َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫التيار اإلسالمي المعاصر من باكستان‬ ‫على اآلخر ‪‬الغربي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولعل نشأة َّ‬ ‫ـ الوهابية في‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫مرور‬ ‫ا)‬ ‫البن‬ ‫حسن‬ ‫(مع‬ ‫مصر‬ ‫إلى‬ ‫المودودي)‬ ‫(مع أبو األعلى‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫‪30‬‬ ‫الجزيرة‬ ‫يسميه رينه حبشي ‪‬الهلع العقلي‪ ‬ضد‬ ‫العربية‪ ،‬دليل على ما ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫قربا‪ ،‬والمتمثِّ ل بالحضارة‬ ‫آخـر‪،‬‬ ‫كل َ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫خصوصا ذاك اآلخر األكثر ً‬ ‫َّ‬ ‫ب عن هذا‬ ‫جوا‬ ‫إقتراح‬ ‫ومسيرته‪،‬‬ ‫أعماله‬ ‫في‬ ‫البستاني‪،‬‬ ‫م‬ ‫المعلِّ‬ ‫لدى‬ ‫إن‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫بهويته ولغته وثقافته‬ ‫المثقف‬ ‫‪‬الهلع العقلي‪ .‬فهو هذا‬ ‫َّ‬ ‫قويا َّ‬ ‫المتمسك ًّ‬ ‫ِّ‬ ‫متحمس لالنفتاح والتالقح مع حضارة‬ ‫والمشرقية‪ ،‬وفي الوقت ذاته‬ ‫العربية‬ ‫ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وتحر ُر ُه‬ ‫الغرب ومنجزاتها‪ .‬ويتضح في جميع كتاباته افتخاره بما ينتمي إليه‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الغربية‪.‬‬ ‫من كل ‪‬عقدة نقص‪ ‬تجاه الحضارة‬ ‫َّ‬ ‫هــذا النموذج الثقافي الــذي مثَّ له بطرس البستاني‪َ ،‬ص َنع ‪‬النهضة‬ ‫تاليا َص َنع بدوره‬ ‫العربية‪ ‬األولى طوال القرن التاسع عشر‪ ،‬وألهمت ً‬ ‫َّ‬ ‫جيال ً‬ ‫العربية في حرب ‪1967‬‬ ‫الجيوش‬ ‫هزيمة‬ ‫ى‬ ‫حت‬ ‫‪1918‬‬ ‫من‬ ‫الثانية‪‬‬ ‫«النهضة‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫أمام الجيش اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫والعربية غيبوب ًة‬ ‫المشرقية‬ ‫فمنذ ذاك التاريخ‪/‬النكسة‪ ،‬دخلت المنطقة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫يوميا مألوفً ا‪،‬‬ ‫ا‬ ‫مشهد‬ ‫بات‬ ‫وفكرية ُت ِّعبر عنها اليوم بشاعة موت‬ ‫ثقافية‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫معاينا إياها‪ ،‬فيقتل‬ ‫العبثية أو‬ ‫الموت‬ ‫لعبة‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫مشارك‬ ‫ً‬ ‫ا‪،‬‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ـلًّ‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫يصدم‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫التحدي األســاس في هذه المحنة محاولة‬ ‫إنسانيته‪ .‬قد يكون‬ ‫تدريجيا‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫الغالبية‬ ‫ذات‬ ‫ة‬ ‫والمشرقي‬ ‫ة‬ ‫العربي‬ ‫المجتمعات‬ ‫تخرج‬ ‫متى‬ ‫سؤال‪:‬‬ ‫عن‬ ‫اإلجابة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪‬أمة‪ ‬و‪‬حضارة‪ُ ‬مكتفية بذاتها‪ ،‬ال حاجة لها‬ ‫المسلمة من قناعتها بأنَّ ها َّ‬ ‫أن تعود إلى أصولها‬ ‫انفتاح وتال ٍق‬ ‫إلى أي‬ ‫‪‬أمة‪ ‬يكفي ْ‬ ‫وتالقح مع اآلخر؛ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وجذورها حتى تستعيد عصرها الذهبي الرشيد‪ ،‬وتسيطر على اآلخر‬ ‫ُمخضعة َّإياه ل ِق َي ِمها؟‬ ‫ومفكر وشاهد في هذه المنطقة‬ ‫ِّ‬ ‫كل مثقف‬ ‫لعل تكون اإلجابة في مشروع ِّ‬ ‫على امتداد القرن الحالي‪.‬‬


‫المراجع‬ ‫‪1.1‬المراجع العربية‬ ‫ •أبو شبكة الياس‪ ،‬روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة‪ ،‬منشورات دار‬ ‫المكشوف‪ ،‬بيروت‪.1943 ،‬‬

‫ •أنطون فرح‪ ،‬إبن رشد وفلسفته مع نصوص المناظرة بين محمد عبده وفرح‬ ‫أنطون‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.2001 ،‬‬ ‫ •البستاني بطرس‪ ،‬اإلنسان‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،1876 ،‬الجزء الرابع‪،‬‬ ‫ص‪.496–494 .‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬الحرية‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،1880 ،‬الجزء السابع‪،‬‬ ‫ص‪.7–2 .‬‬

‫‪144‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬الدين‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،1880 ،‬الجزء السابع‪،‬‬ ‫ص‪.237–236 .‬‬

‫د‪ .‬أمين الياس‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬السياسة‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،1877 ،‬الجزء السابع‪،‬‬ ‫ص‪.280–274 .‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬الشريعة‪ ،‬دائرة المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،1880 ،‬الجزء السابع‪،‬‬ ‫ص‪.70–57 .‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬رسالة إلى األمة‪ ،‬نفير سوريا‪ ،‬بيروت‪،1861/1/14 ،‬‬ ‫العدد التاسع‪.‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬رسالة إلى األمة‪ ،‬نفير سوريا‪ ،‬بيروت‪،1860/11/19 ،‬‬ ‫العدد السابع‪.‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬رسالة إلى األمة‪ ،‬نفير سوريا‪ ،‬بيروت‪،1861/2/22 ،‬‬ ‫العدد العاشر‪.‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬رسالة إلى األمة‪ ،‬نفير سوريا‪ ،‬بيروت‪،1860/9/29 ،‬‬ ‫العدد األول‪.‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬مقدمة‪ :‬الحمد هلل العالم‪ ،‬دائــرة المعارف‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ ،1876‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.12–4 .‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬أعمال الجمعية السورية‪ ،‬بيروت‪.1852 ،‬‬

‫ •البستاني بـطــرس‪ ،‬التحفة البستانية فــي األس ـفــار الـكـيــروزيــة‪ ،‬المطبعة‬ ‫األميركية‪ ،‬بيروت‪.1861 ،‬‬


‫ •البستاني بطرس‪ ،‬خطبة في آداب العرب‪ ،‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬

‫ •البستاني بـطــرس‪ ،‬دائ ــرة الـمـعــارف‪ ،‬مطبعة الـمـعــارف‪ 7 ،‬أج ــزاء‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1884–1876‬‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬قطر المحيط‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬جزآن‪ ،‬بيروت‪.1860 ،‬‬

‫ •البستاني بـطــرس‪ ،‬محيط المحيط‪ ،‬مطبعة الـمـعــارف‪ ،‬ج ــزآن‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1870–1869‬‬

‫ •الخوري يوسف قزما‪ ،‬بطرس البستاني رجل سابق لعصره‪ ،‬بيسان‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫دون تاريخ‪.‬‬ ‫ •شرف جان‪ ،‬اإليديولوجيا المجتمعية‪ ،‬منشورات الجامعة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1996‬‬

‫ •الطهطاوي رفاعة‪ ،‬تخليص اإلبريز في تلخيص باريس‪ ،‬دار التقدم‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.1905‬‬ ‫ •عبده محمد‪ ،‬اإلسالم والعلم والمدنية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جزآن‪ ،‬دون تاريخ‪.‬‬

‫ •عبده محمد‪ ،‬األعمال الكاملة‪ ،‬تعليق ونشر محمد عمارة‪ ،‬المؤسسة العربية‬ ‫للعلوم والنشر‪ ،‬ثالثة أجزاء‪ ،‬بيروت‪.1979 ،‬‬

‫‪2.2‬المراجع األجنبية‬ ‫‪• Abdou Mohammed, Rissalat al-tawhid. Exposé de la religion‬‬ ‫‪musulmane, traduit en français par B. Michel et cheikh Mostapha‬‬ ‫‪Abdel Razik, Geuthner, Paris, 1984, p. IX–LXXXVIII.‬‬ ‫‪• Afghani Gemmal Eddine, «Réponse à Renan», Journal des‬‬ ‫‪débats politiques et littéraires, Paris, 18 mai 1883, voir ce numéro‬‬ ‫‪sur: http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k462242j/f3.r=journal%20‬‬ ‫‪des%20d%C3%A9bats.langFR‬‬ ‫‪• Al-Bustânî Butrus, Discours sur la société et comparaison entre‬‬ ‫‪les coutumes des Arabes et des Occidentaux, traduction et‬‬

‫‪145‬‬

‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ‫ً‬

‫الشميل‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫الشميل شبلي‪ ،‬مجموعة الدكتور شبلي‬ ‫ •‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪.1910‬‬

‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬

‫ •البستاني بطرس‪ ،‬خطاب في الهيئة االجتماعية‪ ،‬مطبعة المعارف‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1969‬‬


présentation par le père Karam Rizk, Université Saint-Esprit de Kaslik, Kaslik-Liban, 1999. • Avon Dominique – Idrissi Abdellatif, «Deux générations de Bustânî autour de l’identité méditerranéenne», De l’Atlas à l’Orient musulman, Karthala, Paris, 2011, p. 255 –275. • Charaf Jean, «Les réformes de Béchir II, prélude à la Nahda», La Nahda, réveil de la pensée en langue arabe. Approches, perspectives éds. Dominique Avon – Karam Rizk, Pusek, Kaslik– Liban, 2009, p. 57–70. • Dib Pierre, Histoire des Maronites, Beyrouth, Librairie Orientale, trois tomes, 2001. • Dupont Anne-Laure, Gurgî Zaydân (1861–1914), écrivain réformiste et témoin de la Renaissance arabe, Institut Français du Proche-Orient (ifpo), Damas, 2006.

• Gemayel Naser, Les Échanges culturels entre les maronites et l’Europe du Collège maronite de Rome (1584) au collège de Ayn Waraqa (1789), 2 tomes, Beyrouth, s.é. 1984. • Habachi René, «Proche-Orient et culture. Quelle voie pouvonsnous prendre pour nous constituer une culture originale?», (Série: Notre civilisation au tournant), Les Conférences du Cénacle, pas de n°, 1959, Beyrouth, p. 5 –29. (Conférence prononcée au Cénacle libanais à Beyrouth le 22 décembre 1958). • Habachi René, Une philosophie pour notre temps, Publications du Cénacle libanais, Beyrouth, 1959. • Hârûn Georges, Chiblî Chumayyil une pensée évolutionniste arabe à l’époque d’an-Nahda, Publications de l’Université libanaise, Beyrouth, 1985. • Hourani Albert, La pensée arabe et l’Occident, Beyrouth, Naufal, 1991, p. 109 –111. • Lacouture Jean – Tueni Ghassan – Khoury Gérard, Un siècle pour rien, le Moyen-Orient arabe de l’Empire ottoman à l’Empire américain, Albin Michel, Paris, 2002.

146 ‫ أمين الياس‬.‫د‬

• Elias Amin, «La Cristallisation de la personnalité maronite», Enjeux identitaires en mutation, Europe et bassin méditerranéen, éds. John Tolan – Hassan Annabi, Peter Lang, Bern, 2014, p. 292.


‫التجديد في منظومة الفكر العربي‬ ‫نموذجا‬ ‫المعلم بطرس البستاني‬ ً

147

• Maalouf Amin, «La révolution française: révoltes et réformes en Orient», La Révolution française et l’Orient 1789 –1989, Cariscript, Paris – Beyrouth, 1989. • Maclure Jocelyn –Taylor Charles, Laïcité et Liberté de conscience, La Découverte, Paris, 2010. • Moubarak Youakim, Pentalogie antiochienne: Domaine maronite. Livre d’histoire, écrits fondateurs et textes à l’appui, Publications du Cénacle libanais, Beyrouth, 1984, tome I, volume 2 «le Liban entre l’islam, la France et l’Arabité», p. 1217–1219. • Rampnoux René, Histoire de la pensée occidentale, Ellipse, Paris, 2010.



‫مراسالت‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عمر عبدالسالم تدمري‬ ‫بعلبك‪ ...‬ال ستة أعمدة بل ثمانية!‬

‫عمودان منها َيحمالن قبة جامع السليمانية في استانبول‬


‫مراسالت‬

‫بعلبك‪ ...‬ال ستة أعمدة بل ثمانية!‬ ‫عمودان منها يَحمالن‬ ‫قبة جامع السليمانية في استانبول‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عمر عبدالسالم تدمري‬

‫أستاذ التاريخ اإلسالمي والحضارة اإلسالمية‬ ‫في الجامعة اللبنانية‬

‫في دار الكتب السليمانية (استانبول) مخطوطٌ رقم ‪ ،4911‬عنوانُ ه‬ ‫‪‬تذكرة البنيان حسب حال آن‪َّ ‬‬ ‫ترجيحا على‬ ‫خط ُه مصطفى ساعي جلبي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كتابته على‬ ‫عهد السلطان مراد الثالث العثماني (‪1775/1574‬م‪ ،).‬وأَ نجز‬ ‫َ‬ ‫عهد الوزير األعظم سياغوش باشا في العام ‪982‬هـ‪1574/.‬م‪.‬‬ ‫يتناول المخطوط أعمال المهندس التركي العبقري الكبير معمار سنان‪،‬‬ ‫حققه األسـتــاذ متين ســوزان وأعــده للطباعة مـصـ ّـو ًرا المهندس صبحي‬ ‫َّ‬ ‫ساعاتجي‪ ،‬ونشرته دار ‪ MTV‬في استانبول عام ‪.1989‬‬ ‫خبر جلْ ب األعمدة‬ ‫في الصفحة ‪ 82‬من هذا المخطوط‬ ‫المصور َ‬ ‫ورد ُ‬ ‫َّ‬ ‫الرخامية الضخام لتقوم فوقها قبة جامع السليمانية‪ ،‬وفيه أن األعمدة‬ ‫مجلوبة من أربعة أماكن‪:‬‬ ‫وذكر المخطوط طريقة نقله‬ ‫‪ .١‬عمود من محلة قيزطاشة (استانبول) َ‬ ‫على عهد البيزنطيين‪ .‬لكنه انكسر أثناء نقله‪.‬‬ ‫‪ .٢‬عمود من مدينة اإلسكندرية في مصر‪.‬‬ ‫‪ .٣‬عمود من مدينة بعلبك َت َّـم ْنقلُ ُه منها َب ًّـرا إلى البحر ومن البحر‬ ‫حملته سفينة إلى استانبول‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫قائما في أحد جوانب سراي طوب كابي (استانبول)‪.‬‬ ‫‪ .٤‬عمود كان ً‬ ‫جميع المؤرخين والباحثين واآلثاريين والمهندسين األتراك‪ ،‬في أبحاثهم‬ ‫ُ‬ ‫وكتاباتهم عن بناء جامع السليمانية‪ ،‬اعتمدوا على هذا المخطوط وذكروا‬ ‫مدينة بعلبك‪ ،‬إنما من دون أي وصف لكيفية نقل عمودين (ال عمود واحد)‬ ‫من المدينة إلى استانبول‪.‬‬ ‫في سياق بحثي وتفتيشي َوت َق ِّص َّي عن وثائق ومخطوطات ومصادر‬ ‫تتناول جوانب من تاريخ لبنان‪ ،‬أو المناطق والقرى اللبنانية‪ ،‬في العصر‬ ‫ت أراجع في فهرس المخطوطات العربية‬ ‫كنت قبل سنوا ٍ‬ ‫الوسيط‪ ،‬وفيما ُ‬ ‫المصورة (أصــدره مركز الوثائق والمخطوطات في الجامعة األردنية)‪،‬‬ ‫مصورة من كراس مخطوط (النسخة األصلية موجودة‬ ‫وقفت على نسخة‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬


‫بعلبك‪ ...‬ال ستة أعمدة بل ثمانية!‬

‫ناقص آخـ ُـره‪ ،‬ولم يصلنا منه سوى إحدى‬ ‫في مكتبة توبنغن – ألمانيا)‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫عشرة ورقة فقط‪.‬‬ ‫ـوديــن مــن كنيسة بعلبك إلــى‬ ‫ع ـنــوان الـمـخـطــوط‪ :‬ق ـصــة نـقــل ع ـمـ َ‬ ‫طرابلس‪ ،‬فيه معلومات نادرة كتبها شاهد عيان يدعى محمود‪ ،‬ال تعريف‬ ‫باسم أبيه أو لقبه أو كنيته‪ ،‬سوى أنه عربي من كبار الموظفين لدى مؤسسة‬ ‫يدون قصة نقل‬ ‫القضاء الشرعي في دمشق‪ .‬أشار عليه قاضي الشام أن ّ‬ ‫عمودين من بعلبك إلى استانبول فكتب القصة بخط الثُ لُ ث الجميل في لغة‬ ‫ً‬ ‫وتحقيقا‬ ‫وتصويبا‬ ‫ضبطا‬ ‫عربية ضعيفة وركيكة ممزوجة بالعامية‪ ،‬تحتاج‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ألن الكاتب محمود لم ِّ‬ ‫يوث ْق روايته بالمصادر‪.‬‬

‫‪151‬‬

‫عمودان منها يَحمالن قبة جامع السليمانية‬

‫بأن كان في قلعة بعلبك معبد وثني قديم ُح ِّول إلى كنيسة‬ ‫تبدأ القصة ْ‬ ‫أيام البيزنطيين‪ ،‬وكان في الباحة أمامها عمودان منتصبان يقوم فوقهما‬ ‫َ‬ ‫تمثال قديم يعود إلــى زمــن ُبناة القلعة‪ :‬قــوم َثـمــود‪ ،‬وهــم عمالقة كانوا‬ ‫مر‬ ‫زمنا‬ ‫ً‬ ‫يعمرون ً‬ ‫طويال‪ .‬كان ذلك قبل طوفان نوح عليه السالم‪ ،‬ثم َط َ‬ ‫ّ‬ ‫الطوفان القلعة حتى زمن نبي اهلل سليمان بن داود عليه السالم‪ ،‬وكان‬ ‫طلبت أن تقيم‬ ‫يسكن في تدمر‪ .‬وعند ُّ‬ ‫تقدمه للزواج من بلقيس ملكة سبأ‪َ ،‬‬ ‫ب الماء‪ ،‬معتدل الهواء‪ ،‬مليح البناء‪ ،‬فأشار عليه الجان أن‬ ‫في مكا ٍن عذ ِ‬


‫‪152‬‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عمر عبدالسالم تدمري‬

‫تسكن في بعلبك‪ .‬أمرهم بأن يرفعوا عنها الحجارة والردم‪ ،‬فكان له ما‬ ‫مطبخا فكانوا بلمح البصر يحملون‬ ‫أراد في طرفة عين‪ .‬واتخذ من القلعة‬ ‫ً‬ ‫منها الطعام إلى حيث يقيم في تدمر‪ ،‬ويأْ تون له بالصابون من طرابلس‬ ‫التي كانت أول ما اصطنعوا فيها طبخ الصابون له‪ ،‬فصار كمراده إلى اآلن‪.‬‬ ‫وكان المؤرخ ابرهيم بن محمد البيهقي (توفي سنة ‪320‬هـ‪932/.‬م‪َ ).‬ذكر‬ ‫في كتابه ‪‬المحاسن والمساوئ‪ ‬أن أول من عمل الصابون هو سليمان‬ ‫بن داود عليه السالم‪.‬‬ ‫ـات أن سليمان عليه السالم كان يأتي إلى بعلبك‪ ،‬حيث‬ ‫وذكــرت روايـ ٌ‬ ‫المبني على أساطين من الرخام‪ ،‬وأن مدينة بعلبك كانت مهر السيدة‬ ‫قصره‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫محموال على أجنحة‬ ‫ً‬ ‫بلقيس‪ .‬وفي روايات أخرى أنه كان يأتي إلى بعلبك‬ ‫ويتعشى في إصطخر‬ ‫فيتغدى فيها‪ ،‬ويقضي قيلولته في تدمر‪،‬‬ ‫الريح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عند أقصى الجنوب الشرقي من بالد فارس (إيران)‪ .‬والمؤرخ شيخ الربوة‬ ‫الدمشقي (النصف األول من القرن الثامن الهجري‪ /‬الرابع عشر الميالدي)‬ ‫آثارا‬ ‫في كتابه ‪‬نخبة الدهر في عجائب البر والبحر‪ ‬ذكر ّ‬ ‫أن في بعلبك ً‬ ‫سليمانية‪.‬‬ ‫أشرفت عليها في جامعة‬ ‫وثمة تفصيل عن ذلك في أطروحة دكتوراه‬ ‫ُ‬ ‫الجنان (طرابلس) عن أن هيكل سليمان هو في بعلبك وليس في القدس‪،‬‬ ‫ترجمتها إلى اإلنكليزية ألهمية هذه النظرية فيها‪.‬‬ ‫حاليا‬ ‫ُ‬ ‫وتتم ًّ‬ ‫ويفصل الكاتب عن عهد السلطان العثماني سليمان ابــن السلطان‬ ‫ّ‬ ‫سليم األول (ال ـم ـعــروف بــ‪‬القانوني‪ )‬فـيــذكــر أن سليمان ه ــذا أراد‬ ‫جامعا وتكية في استانبول‪ ،‬فاقترح عليه‬ ‫يعمر‬ ‫ً‬ ‫(سنة ‪960‬هـ‪1552/.‬م‪ ).‬أن ّ‬ ‫حضرة أفندي الدفتردار مردحلين (نائبه على األموال السلطانية في ديار‬ ‫عمودين من النوع الــزرزوري ال مثيل لهما في‬ ‫العرب) أن في قلعة بعلبك‬ ‫َ‬ ‫ذلك الزمان‪ .‬ولما كانت بعلبك تابعة للسلطان‪ ،‬يؤتى بهما ليكونا في جملة‬ ‫معمارا يدعى األسطا حمزة‬ ‫األعمدة التي تحمل الجامع‪ .‬وافــق وأرســل‬ ‫ً‬ ‫لح َق أَ ُّي ضرر بالكنيسة‪ .‬وهكذا كان‪،‬‬ ‫إلحضار‬ ‫َ‬ ‫العمودين مع تشدبده أَ ّال ُي َ‬ ‫انطلق إلى الموقع وأنزل العمودين إلى األرض بنجاح‪ ،‬ثم توجه إلى الشام‬ ‫(دمشق) ليأتي بالمعلّ مين والعمال لكنه مات فيها‪.‬‬ ‫العمودين‪،‬‬ ‫ويذكر الكاتب اسم معمار بديل أرسله السلطان إلتمام نقل‬ ‫َ‬ ‫ـورد أَ سماء معلمين وقضاة وشيوخ أنجزوا العمل في بضعة أشهر‪.‬‬ ‫كما يـ ُ‬ ‫وصن َع العربات الحديدية الضخام‬ ‫سال َـمين‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ويصف كيفية إنزال العمودين ِ‬ ‫وج ِّرهما بحبا ٍل غليظة جيء بها من طرابلس‪،‬‬ ‫ونقل‬ ‫في دمشق‪ْ ،‬‬ ‫العمودين َ‬ ‫َ‬ ‫وطمر األودية‪ ،‬وتقطيع األشجار والصخور‪ ،‬من بعلبك‬ ‫وتمهيد الطرقات‪ْ ،‬‬


‫بعلبك‪ ...‬ال ستة أعمدة بل ثمانية!‬

‫إلى قاطع نهر العاصي‪ ،‬ثم من الهرمل إلى طرابلس‪ ،‬وأعداد الرجال َج ُّـروا‬ ‫بحرا إلى‬ ‫العربات حتى وصل العمودان ِ‬ ‫وحمال ً‬ ‫سال َـمين إلى ميناء طرابلس ُ‬ ‫استانبول‪.‬‬ ‫وأشار الكاتب أن األميرين موسى بن حرفوش وعلي بن بيدمر ساعدا‬ ‫في إيصال العمودين إلــى طرابلس‪ ،‬وتــولّ ــى قاضيها ابرهيم بك عمار َة‬ ‫السقالة في الميناء إلنزال العمودين إلى البحر‪.‬‬ ‫ويذكر الكاتب‪ ،‬بدون تفاصيل‪ ،‬أن سنان باشا معمار السلطان حضر‬ ‫شخصيا إلى طرابلس ليشرف على تنفيذ المهمة الخطيرة‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫وفي األوراق األخيرة من المخطوط ثالث صفحات من النظم والشعر‬ ‫والعمودين‪ ،‬لكن األوراق ناقصة في آخرها‪.‬‬ ‫عن الكنيسة البيزنطية‬ ‫َ‬ ‫وفــي علمي أن هيئة علمية فــي تركيا ستتولى ترجمة هــذه القصة‬ ‫ونشرها بعد تحقيقنا إياها وتصويب أغالطها واإلحالة إلى المتوفر عنها‬ ‫من المصادر‪.‬‬

‫‪153‬‬

‫عمودان منها يَحمالن قبة جامع السليمانية‬


‫صدر في ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫العدد األول‪ :‬خريف ‪/  2014‬شتا ء ‪٢٠١٥‬‬

‫* تراثنا اللبناني‪ :‬معالم وعالمات‬ ‫•حسان حالق‪ :‬بلدية بيروت المحروسة في العهد العثماني‬ ‫•يوسف الحوراني‪ :‬حرمون جبل التجلي ونيسا مغارة أدونيس‬ ‫لغزا‬ ‫•ابرهيم كوكباني‪ :‬بعلبك مدينة الشمس الُ لغز الذي لم ُيعد ً‬

‫* ملف العدد‪ :‬التراث اللبناني الشفوي بين المروي والمحكي والموسيقي‬ ‫المروي‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت‪ ...‬إحكي لنا من تراثك‬ ‫ّ‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الزجل اللبناني من البدايات – شعر الحياة اليومية‬ ‫والتراث‬ ‫•كفاح فاخوري‪ :‬من فصول الحياة الموسيقية في لبنان‬ ‫•محمود زيباوي‪ :‬التراث الفولكلوري الشعبي كما تناوله األخوان رحباني‬ ‫•ناصر مخول‪ :‬اآلالت الموسيقية التراثية‪ :‬تصنيعها والعزف عليها‬ ‫•بديع الحاج‪Le chant traditionnel au Liban :‬‬

‫* إرثنا التراثي‪ :‬تشريعات ومعايير‬ ‫•حنا العميل‪ :‬التراث الثقافي غير المادي‪ :‬تحديات المحافظة عليه‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬أسباب التلف والدمار في المصادر التراثية‬ ‫•محمد ناصر‪ :‬دور التشريعات في حفظ التراث وحمايته‬


‫العدد الثاني‪ :‬ربيع‪ /‬صيف ‪2015‬‬

‫والد َولي‬ ‫عدد خاص في موضوع‪ :‬لبنان في األرشيف الوطني ُ‬

‫* لبنان في األرشيف المحلي‬ ‫•أحمد حطيط‪ :‬لبنان في أرشيف الحروب الصليبية‬ ‫•الياس القطار‪ :‬أرشيف لبنان في العهد المملوكي‬ ‫•أنطوان القسيس‪ :‬لبنان في الزمن الفينيقي‬ ‫•بطرس لبكي‪ :‬حرير لبنان في األرشيف المحلي واألجنبي‬ ‫•جوزف أبو نهرا‪ :‬لبنان في أرشيف األديار ‬ ‫•حسان حالق‪ :‬لبنان في أرشيف بيروت‬ ‫•رياض غنام‪ :‬لبنان في األرشيف األهلي‬ ‫•عبداهلل المالح‪ :‬لبنان في أرشيف المتصرفية‬ ‫•عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬لبنان في األرشيف اإلسالمي‬

‫* لبنان في األرشيف األجنبي‬ ‫الحكيم‪ :‬لبنان في األرشيف الفرنسي‬ ‫•أنطوان‬ ‫ّ‬ ‫•عباس أبو صالح‪ :‬لبنان الخمسينات في األرشيف األميركي‬ ‫•عبداللطيف الحارس‪ :‬لبنان في األرشيف البريطاني‬ ‫•كرم رزق‪ :‬لبنان في األرشيف النمساوي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬لبنان في األرشيف األميركي‬


‫العدد الثالث‪ :‬خريف ‪/ 2015‬شتاء ‪2016‬‬

‫العمراني‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬ال ـتــراث الـعـمــرانــي فــي ب ـيــروت بين ال ـهــدم والتنمية‬ ‫المستدامة‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َه َّدد‬ ‫•مي عبود أبي عقل‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫مج َّمد‬ ‫ُ‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪َ ...‬‬

‫•أنطوان فشفش‪ :‬تطور األشكال العمرانية والمدنية في بيروت منذ نهاية‬ ‫القرن التاسع عشر‬

‫في‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا ِ‬ ‫الح َر ّ‬ ‫ـعبية‪ ...‬قبل أَ ن َت ُـزول‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬تقاليد ش َّ‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫والتبعية في‬ ‫الحيز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬ ‫•جــورج شلهوب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العهدين األموي والعباسي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬المسألة الطائفية في لبنان‪ :‬المسار التاريخي واآلفاق‬ ‫المستقبلية‬ ‫•مــروان أبي فاضل‪ :‬جبل الكرمل‪ :‬صراع بين النبي الياس وكهنة بعـل‬ ‫ُصــور الفينيقي‬


‫العدد الرابع‪ :‬ربيع ‪ /‬صيف ‪٢٠١٦‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا غير‬ ‫ّ‬ ‫•وجيه فانوس‪ :‬الشخصية التراثية المدينية في الوجدان الشعبي البيروتي‬ ‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫المادية في لبنان‬ ‫•رجا لبكي‪ :‬مدخل إلى دراسة الحضارة‬ ‫ّ‬

‫الصحافي‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫يائها‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الصحافة اللبنانية من أَ ِل ِفها إلى ِ‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)١‬‬ ‫األندلسيين في العصور الوسطى‬ ‫• َأحمد حطَ يط‪ :‬لبنان في كتابات الرحالة‬ ‫ّ‬

‫* تراثنا العائلي‬ ‫•أنطوان مسرة‪ :‬التربية على التراث من الشعار والحنين إلى السلوك في‬ ‫الحياة اليومية‬ ‫‪* Liban: patrimoine historique et touristique‬‬

‫‪• Hareth Boustani: Deir el-Qamar: patrimoine architectural et‬‬ ‫‪urbain‬‬

‫‪• Abdel-Raouf Sinno: The journey of the German emperor‬‬ ‫‪William II to Bilâd ash-Shâm in 1898‬‬


‫العدد الخامس‪ :‬خريف ‪/ ٢٠١٦‬شتاء ‪2017‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫لبناني أَ ثري وتاريخي في عكار‬ ‫•أنيس شعيا‪َ :‬م ْعلَ ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫المادية‬ ‫الدينية في الحضارة‬ ‫•سوالنج الحلو‪ :‬موقع األوقاف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الشعبي‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت أيام زمان‪ :‬الطب وطب األسنان والصيدلة‬ ‫الديني‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬جامع طينال الحاجب في طرابلس‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)2‬‬ ‫•بيار مكرزل‪ :‬لبنان في رحلة المستشرق البلجيكي أَ نسيلمي أَ دورنو‬ ‫‪* Notre patrimoine religieux‬‬ ‫‪• Antoine Fischfisch: Église Mar Zakhia  –  Ajaltoun entre revi‬‬‫‪talisation et restauration‬‬ ‫‪• Paul Zgheib: L’art Syriaque : les paradigmes de l’existence‬‬

‫‪* Notre patrimoine historico-archéologique‬‬ ‫‪• Jeanine Abdul Massih: La carrière archéologique de Baalbek‬‬ ‫‪dévoile son secret‬‬


‫العدد السادس‪ :‬ربيع ‪ /‬صيف ‪٢٠١٧‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫موحدة‬ ‫•مروان أبي فاضل‪ :‬صيدا وصور في العصر الحديدي (مملكة ّ‬ ‫أم مملكتان؟)‬ ‫الشعبي‬ ‫ف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫* َم َل ّ‬ ‫ّ‬ ‫•علي شعيب‪ :‬الزعامة الشعبية في جنوب لبنان (أَ حمد َ‬ ‫نموذجا)‬ ‫األسعد‬ ‫ً‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)٣‬‬ ‫• َأحـمـد حـطَ ـيـط‪ :‬لبنان وبالد الشام أَ ّي َام حروب الفرنج في الشرق من‬ ‫جبير َ‬ ‫األندلسي (‪ 581–578‬هـ‪1185–1183/‬م)‬ ‫خالل رحلة ابن َ‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•ليندا رزق‪ :‬ظاهرة رائدة في الشرق العربي‪ :‬التعليم العالي في لبنان‪:‬‬ ‫نشأته‪ ،‬منطلقاته‬ ‫‪* Notre patrimoine historique‬‬ ‫‪• Dr Ibrahim Kaoukabani: Les stèles de Nahr el Kalb‬‬


Mirrors of Heritage Refereed journal published twice a year by The Center for Lebanese Heritage (CLH) at The Lebanese American University (LAU)

Henri Zoghaib – Editor

Issue No. 7 – Fall 2017 / Winter 2018

Tangible Heritage: Phoenician Sarepta, Presses and Mills in Shouf District, The 8th Column in Baalbeck Special Section: The Early Lebanese Stamps Intangible Heritage: Impact of Ottoman Regulations on Lebanese Issue, Historical Roots of the Lebanese Entity, Arab Thought System Renovation through Boutros al-Boustany

Center for Lebanese Heritage Lebanese American University, Kraytem, Beirut – Lebanon Phone: +961.1.78 64 64 (ext: 1600) Fax: +961.1.78 64 60 P.O. Box: 5053 13 Beirut – Lebanon email: clh@lau.edu.lb www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh Design and layout by Dergham s.a.r.l.


Mirrors of Heritage 2018 ‫  شتاء‬/ 2017 ‫العدد السابع – خريف‬

‫َملَ ّف العدد‬

‫لبنان في طوابعه ا ُألولى‬ ‫المعاصر والمطاحن في لبنان‬ • ‫ َأضواء على الجذور التاريخية‬ •

٢٠١٧  ‫العدد السابع – خريف‬

Mirrors of Heritage

Issue No. 7 – Fall 2017

Issue No. 7 – Fall 2017 /  Winter 2018

Special section Early Lebanese Stamps • Phoenician

Sarepta • Lebanese Historical Roots


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.