الشمس تغرب راضية قصة قصيرة
شقت الشمس السوق كعادتها كل صباح ،القت بحملها من الضياء على العربات الخشبية الصغيرة المتراصة ،ووقفت على البعد تنتظر حركة البيع والشراء ،غير أن شيئ اا لم يحدث ،بدأت تتسلق الفق متمهلة ،قلقة ممايجرى ،اذ لم يحدث فى تاريخ السوق أن توقفت حركة البيع ،حتى فى اللحظات التى يداهم فيها عسكر القزالة السوق يطير الباعة والبائعات الى القزقة والحارات ،يستغرق هذا وقتا ا ثم ماتلبث الغمة أن تقزول ويعود المر الى ماكان عليه .يهرول الباعة عائدين الى حيث يفرشون متاعهم ،وينادون على بضاعتهم ضاحكين ،كأنه لم يحدث شىء يعكر صفاء الكون . اليوم المر اختلف !.. الباعة يرفضون البيع ،يجلس كل منهم بجوار عربته صامتا ا ،ينبىء صمتهم عن أشياء تمور فى الصدور ليفصحون عنها ،تبدو أثارها فى تأجج النيران فى أعينهم وانقباض قسماتهم وتقطيب جباههم ،غير أن احداا لينطق بحرف . حتى البائعات اللتى يفترشن الرض فى اول السوق ،تجشمت كل منهن مشقة السفر من قريتها حاملة على رأسها الطست الممتلىء بالجبن والبيض والقشدة لتجىء الى السوق ،للتبيع كما جرت العادة ،بل لتجلس هكذا صامتة تشيح بوجهها أو تشيح بيدها رافضة البيع أو الحديث أو حتى تبرير المر . التهبت عين الشمس غضباا وهى ترى المر يطول ،اعتلت قبة السماء ووقفت فى المنتصف ترقب المر . قال السيد محدثا ا سلمة همسا ا -:الى متى ؟ أشاح سلمة بيده - :الى أن ينتبه لنا أحد تساءل السيد متوجسا ا -:واذا لم ينتبه ؟ حدق سلمة فى عينيه مؤنبا ا -:الموت جوعا ا أفضل من الموت ذلا . 1
........... الممت الشمس بشىء من المر ،خفت حدة لهبها ومالت عن قبة السماء قليلا جهة الغرب ،هبت نسمة حانية على السوق ،طافت بوجوه من فيه وصدورهم تهدىء من خواطرهم وتلطف من نارهم التى تكاد تثب من العيون . قالت خديجة وهى تجلس الى بضاعتها من الجبن والبيض -:مافائدة كل هذا ؟ كانت أم محمد محمرة الوجه تدير عينيها محاولة التشاغل بمراقبة الوجوه والحركات من حولها ،لم تعتد الصمت ،ولم تجلس فى حياتها مجلسا ا كهذا ، بضاعتها أمامها والقزبائن حولها ومع هذا لبيع ولشراء ،وهى التى تمتنع وتجلس مغلفة بالصمت كتمثال من حجر ليملك ال عينين تدوران حبيستان فى محجريهما ! قالت وقد شعر ت بأنها فرصة لكى تنفث عن نفسها ببعض الكلمات -:وهل أرضاك ماحدث ؟ همست خديجة -:بصراحة ،فى البداية تحاملت عليها خشيت ك على نفسكك من انتقام البرعى ؟ خشيت على السوق كله وهى ؟تفجرت ينابيع الدمع فى عينى خديجة ،همست وهى تحنى رأسها الما ا -: ظظلمت المسكينة من الجميع فى أول وفى آخرأكملت أم محمد -: ولما دافع حمدان عنها أوسعوه ضربا ا والقوا به معها خارج السوق.مسحت خديجة خديها براحتى يديها وهى تقول -: وكالعادة وقف السوق يتفرج ،كائنات لتحس ولتعى !اعترضت أم محمد -:لكنهم أحسوا الن . أشاحت خديجة بيدها -: بعد أن حدث ماحدث2
اقزداد وجه أم محمد احمراراا والدموع تتسابق للهطول من عينيها بعد أن حبستها طوي ا ل ،حدقت خديجة فى وجهها ،قمر يشتعل بالمحاق ،والدموع تقزيده اشتعالا . كانت الشمس من عليائها ترقب مدخل السوق ،إحممرت عينها غضبا ا ،مالت ضيقا ا وتذمراا الى أدنى ... ارتفع صوت على البعد -:إقزاله تحرك البعض لشعوريا ا يريد الهرب ،أشار اليهم آخرون بالوقوف والتقزام الصمت مهنما حدث .طارت الشارة عبر السوق الى الجميع دعوا العسكر يفعلوا مايريدون ،وقفوا فى أماكنهم ينظرون الى العسكر وبعضهم يمد مخالبه وانيابه بقصد القبض عليهم ،وبعض آخر يندفع الى البضاعة بسيقانهم وأيديهم ، يلقونها أرضاا وسط الطين والتراب ،أو يصادرونها منهم فى غلظة . انتبه الضابط المصاحب للقوة الى المر . الباعة تعودوا أن يهربوا قبل قدوم الحملة ،يحملون بضاعتهم ويطيرون الى القزقة والحارات ،يطاردهم العسكر قلي ا ل ،يتصيدون بعضهم وينتهى المر ،أما الن !.. أمر جنوده بالتوقف ،أشار الى الباعة بالقتراب أدار نظراته فيهم وبريق عينيه يشى بدهشة لسلوك لم يره منهم من قبل ،رسم ملمح وجهه بالغضب ،وصرخ فيهم بغلظة -:ماالمر ؟ تقدم سلمه اليه -:كلنا نريد السجن حدق الضابط فى وجهه ،تركه الى من خلفه مراقبا ا ملمحهم واحداا واحداا وعلى مهل قاصدا فهم المر والتصرف بسرعة ،غير أنه لم يصل الى شىء . عاد الى سلمه الذى أكمل -:البرعى داس رقابنا بحذائه . تشجع السيد وتقدم قائ ا ل -:والعسكر ضربونا وداسوا بضاعتنا بأرجلهم اتجه الضابط الى سلمه متسائلا -:من هو البرعى ؟ ارتفعت أصوات نسوية حانقة -: 3
لن نبيع ولن نشترى اذا لم يعد حمدان وفاطمة للسوقهطلت دموع الشمس ،التهبت عينها إحمراراا ،أخذت فى النحدار مبتعدة عن أشياء لتحب أن تراها ،امتلت السماء بدموع الشمس ،بدت السحب مغسولة بدموع حمراء تلون ذؤاباتها ،وساد سكون مترقب . ... شعر الضابط أن المر الن لن تفيد معه غلظة ،الحديث من أعلى سيقزيد المر توتراا وعليه أن يكون بينهم ليفهمهم ،لنت لهجته قليلا وهو يوجه حديثه طالبا ا شرح المر بالتفصيل تقدم سلمه الى المام ،قال أن البرعى أراد أن يلوث فاطمة الصغيرة ،يلتهم بكارتها ،فلما دافعت عن نفسها أراد أن ينتقم منها ،وفى ذات الوقت يجعلها عبرة للباعة والبائعات ،فأرسل اليها صبيانه لطردها من السوق ،أراد البائع حمدان الدفاع عنها أوسعوه ضربا وطردوه معها . عاد الضابط الى الوجوه المحيطة به ،أدار فيهم عينيه ،العين المنكسرة التى تعودت على الهرب والختباء فى جحور وسراديب الحوارى والقزقة تبدو الن متسعة الحدقات متأججة اللهب ،ترفض الفرار وتتحدى الخوف ،واللسنة التى كانت تتلعثم اذا جاء ذكر الشرطة أمامها صارت الن تتصدى للعسكر وتطالب بالقصاص ! تركوا البضاعة -رأس مالهم ومصدر رقزقهم -للعسكر يفعلون بها مايشاؤن ، راغبين عن البيع مالم تعد فاطمة وحمدان الى السوق . المر الن حله فى كلمة واحدة هى الفهم المخلص البعيد عن لعبة القط والفأر ، ثم التفاهم معهم ومساعدتهم ،وهذا لن يحدث ال اذا خلع بذلة الضابط لبضعة لحظات وارتدى رداء القاضى ويحكم بالعدل !. دعا عسكره ،أمرهم بانقزال البضاعة من العربات ،بعدها أرسل البعض الى البرعى لحضاره فوراا ،والبعض الخر أرسلهم لستقصاء أثر فاطمة وحمدان ، ثم اتصل بالنيابة مطالبا ا المحقق أن يحضر فوراا الى السوق . قبل أن تنسل الشمس وراء الفق ماضية فى طريقها المعتاد أرسلت طرفها نحو السوق ،تابعت مايجرى ،تألقت عيناها رضا ،ومضت !!
4
5