بسم ا الرحمن الرحيم
إغتيال لحظة كره مجموعة قصصية
بقلم
محمد عباس على 1
إهداء الى تلك التى صارت دنياى أقدم بعضا ا من عالمى
فهرس ........ 2
-1 -2 -3 -4 -5 -6 -7 -8 -9 -10 -11 -12 -13 -14 -15 -16 -17 -18 -19 -20 -21 -22 -23 -24 -25
إغتيال لحظة كره الكرسى الوصية هرولة البيت الباب المغلق معنى فى القلب المضمار الكلب الهبوط من لحظة حلم كارت شحن خواء السوط لسعة برد ليل وضحكات الشجرة الخصم الحذاء مشوار نواقيس اللم غيبة لحظة شروق الشمس الجنة بسمة أبى حفلة عرس 3
-26 -27 -28 -29 -30 -31 -32 -33 -34 -35 -36 -37 -38 -39 -40 -41 -42 -43 -44 -45 -46 -47 -48 -49
عودة الميت فقد صديق ترقية تحريات الهاتف انتظار زيارة ليلية الفراشة البيضاء ثورة ظل طقوس ليلية تصوير أزمة مرور اللوحة مغادرة القرار مهوى الشاهد الغائب إبتسامة أمى اللغز الخر القطار المنطقة الخطرة الستاذ 4
1
إغتيال لحظة كره 5
رغم القناع الجديد الذى يرتديه عرفته.
حدقت فى وجهه ..العيو ن المنطفأة الوميض ..السارحة الى أفا ة ق مجهولةة ..التغضنات المترسبة فى أديم
الوجه والرقبة ..اليدين النحيلتين اللتين تبرز عروقهما بلونها الزرعى الغامق ..وأخيرا تلك الجلسة التى لم
يكن يعرفها ..رفع عينيه نحوى ..غير أنه –مؤكد – لم يعرفنى ..استدرت بوجهى عنه ..رأيت وجهه القديم
ماثل لعينى ..يجلس فارد ا جناحيه على المكان ..مفرود الصدر ..واثق النظرات ..لمع الحداق ..باسم الثغر بتلك البسمة التى تحملها الوجوه التى تعتلى المقاعد العالية ..لحظتها كان بل قناع ..يؤدى دو ار يقتنع أنه
ل بالقلب رهبة وبين عينى خضوع ..واثقا أن هناك من يقف خلفى ل للمر ..حام ا خلق له ..تقدمت ممتث ا
متأهب ا ..من يقف بجوارى متربص ا ..ومن يتفحص وجهى ..يق أر افكارى ..يحلل نظراتى ويتتبع إنفعالتى
..بينما هو من عليائه يطل عللى ..ناظ ار اللى كشىء يشرف بالمثول بين يديه..يشير ناحيتى ..يتحدث عنى
وليتحدث اللى ..صدرت أوامره ..شعرت به يشتط ..همست راجيا أن يسمح لى بالكلم ..برقت عيناه وهو يصرخ - :ل أحديتكلم غيرى.
أحاطت بى اليدى والقيود فورا ..قلت وهم يسحبوننى من أمامه - :..أريد....
ولم اكمل ..أغلقوا فمى وعينى .بعدها حاولت فهم سر غضبه ..ضحكت الوجوه منى ..كيف سمحت لنفسى
أن أتكلم فى حضرته ..أن أريد بدون إذنه ..تسائلت وهل هذاممنوع ؟..نظر اأحدهم اللى متعجابا ولم ينبس بحرف ..ضايقتنى النظرة ..لست صغي ار و لأبله ..صرخت -:سأتكلم .
واستدرت ثانياة اليه ..كان قابع ا فى سكونه ..متكورا حول نفسه ..مرتدي ا قناعه الجديد ..أثارنى صمته
..شعرت به يتوارى خلف قناعه ،وتدل نظراته على عدم معرفته بى ..حاولت التحديق فى عينيه قائلا أننى
سأظل أتكلم ..أقول مالدى ..أصف ما أشعر به ..أحكى عما أفكر به ..رفع يدا كليلاة مستوضحا ماذا
أقول ..إتسعت عيناى وانا ل أملك إبعادهما عنه ..عدت أتكلم ..أريدك أن تعرف أن هذا مصير محتوم ..رفع
صوت ا واهن ا :ماذا تقول ؟ ..أشحت بيدى يائس ا - :لن يكون بيننا حوار اليوم ..كما لم يكن بالمس
..واستدرت أريد السير بعيد ا ..صك أذنى رجاءه أن أساعده ليقوم من مكانه ..هزتنى المباغته ..عدت اليه
بقوة!..
6
2
الكرسى
انتشر الخبر فى الدارة فوراا
7
ضبط متلبس اا بالسرقة (...الكل رفض التصديق ..قالوا -:محال ،الرجل شب )رمضان الصاوى ض وشاب على الستقامة ،ربى أولده عليها ،ثم إنه بعد أشهر قليلة سيخرج الى المعاش ..فكيف يلوو ث سمعته الن ؟ قال العالمون ببواطن المور -: -
بل سرق ،المن ضبطه وهو يخرج من الباب الرئيسى وفى عز النهار .
سأل أحد المتطفلين -:وماهى المسروقات ؟ قيل -:كرسى رئيس مجلي الدارة !! ............... سئل الستاذ حامد رئيس مجلس الدارة الجديد فى هذا قال -: حينما ض -
رمضان لم يشد انتباهى ..ل أعرفه ..وبالتالى ل أملك الحكم عليه ..هو رجل ينظف المكتب فى غيابى ،يجلس أمام الباب فى وجودى ،يحضر المشروبات اذا طلبتها ،غير هذا ل أعرف عنه شيئاا.
سأله المحقق -:هل ترى أن نتغاضى عن فعلته ؟ أشاح بيده فى لمبالة -:أمره متروك لكم ............... بسؤال الستاذ صالح الرئيس السابق لمجلس الدارة أثنى على رمضان ،قال إنه طيب القلب، بسيط ،لم ير منه طوال عشرته الطويلة معه ال وجها ا باسما ا وعينين راضيتين . قيل له -:وماذا فعلت حينما أتى اليك بالكرسى ؟ قال -:رددته فوراا سئل ثانية -:ولماذا أخذ الكرسى أصلا وأتى به اليك ؟ أجاب وقد تغير وجهه -:اسألوه فى هذا . ........................
8
نظر المحقق الى رمضان مدققاا ،فحصه من أسفل الى أعلى ..يرتدى جلبابا ا أزرق اللون ،يتعثر فى مشيته بقامته القصيرة ،أسمر اللون ،منبسط السارير ،أشيب شعر اللحية والرأس ،تمل الخاديد وجهه ..أشار اليه بالجلوس ..سأله عن أمره ..قال -: -
الستاذ صالح عزيز عولى ..رجل متواضع وسلوكه طيب معى ..تأثرت كثيراا لفراقه .. سمعت أنه حزن جداا لنه ترك الكرسى ..صار ضعيفا ا ..بائسا ا ..طاعنا ا فى السن ..هو الذى كان قبل أن يفقد الكرسى سليماا باسم الوجه..عرفت أن سبب هذا هو الكرسى ،وأنه بدونه جرى له ماجرى ..أخذت الكرسى اليه ..هو بحاجة له ..رئيس المجلس الجديد يستطيع أن يطلب غيره .
تبسم المحقق ،سأله وهو يتابع تعبيرات وجهه-: لكنه رفضه ياعم رمضانعبست أساريره واندفع قائ ا ل -:وهذا مايحيرنى !!
3
9
الوصية
تقدمت الحذية بقوة ،دفعت الباب بعنف ،إرتطم بالحائط،إهتز بقوة قبل أن ينهار فى مكانه ، تدفقوا الى الداخل ،تكاثروا وأحاطوا بالجالسين . ............. كان أبى يمد يد اا حذرة الى كسرة الخبز أمامه ،يقطع منها لقمة صغيرة يغمسها فى طبق العسل السود ،وباليد الخرى يتحسس طريقه أسفل اللقمة خشية أن تقع منها نقاط على الحصيرة ، بينما أمى فى الناحية المقابلة من الطبلية تعجن الجبن القديم بلقمتها ،تفرده فى قاع الطبق ، تزيد من مساحتة ليكفى عشاءنا ،وتمسح اللقمة فى الحافة قبل أن تلقى بها الى بلعومها ،وانا فى الوسط بينهما أقضم لقيمات عجلى من الجبن استعداداا لكى أستدير الى العسل ،ووجدتهم فوق رؤسنا ،الوجوه الغليظة بعيونها النارية تحيط بنا ..مد أبى يديه حوله ،مط وجهه الى المام صارخا -:إيه ياولد ؟ القت أمى باللقمة التى كادت تغوص فى بلعومها الى الطبق ورفعت يدها كمن ضبط متلبسا ا بالسرقة -: الحقنا ياأبو حسينسألنى أحدهم بعد أن قيدنى رجاله وشولوا حركتى -:أنت حسين ؟ صرخ أبى وهو يتحسس المكان حوله قائما من الطبلية ،ماداا يديه أمامه ..نظرت الى وجهه الممصوص وكفى يديه المعروقتين ،تركته اليهم ،أكفهم الواحدة منها تزن طنا ا ،انتبهت لمى تصرخ ،زمجر كبيرهم ،دفع الطبلية بقدمه ،تطاير العسل السود ووقع فوق الجبن القديم على الحصير وضاع العشاء ..بكى أبى ،ظلت أمى على صراخها ،بينما العسل والجبن على الحصير . ................ على ذات الطبلية جلست أتحسس مكان كسرة الخبز ،أقطع منها لقمة صغيرة ،أبح ث عن بقايا العسل السود فى القاع ،بينما زوجتى تجلس أمامى ،بيدها كسرة خبز أخرى وقطعة جبن قديمة صغيرة الحجم ،تهرسها بلقمة تمسحها فى حافة الطبق قبل أن تلقيها الى بلعومها ، 10
وبيننا جلس ولدنا الشاب يأكل الجبن وينتظر العسل ،حينما فتح الباب عنوة ،ارتطم بالجدار قبل أن يتهاوى ،تدافعت الحذية الثقيلة الى الحجرة ،أحاطت بنا ،مددت يدى أمامى وأخذت أمط وجهى للمام صارخا ا -:إيه ياولد ؟ قيدوا ولدى ،شلوا حركته ،تحسست عينوى الممسوحتين بحسرة وصراخ أمه يهز الجدران ، انتفضت واقف اا أحول بينهم وبينه ،دفعنى أحدهم فى صدرى بحذائه الغليظ ،انقلبت على ظهرى فوق الطبلية ،طار العسل ليختلط بالجبن القديم فوق الحصير ،حملت جزعى وهممت بالقيام ثانية ،خذلتنى ساقاى ،جلست الى جوار الجدار أرزح تحت ضعفى ،بينما زوجتى لتهدأ . قليل ا وتذكرت حفيدى ،ناديته وانا أدور بوجهى متلهفاا ،أتحسس صوته بأذنى -:نعم ياجدى ى مددت يدى اليه ،اقترب منى ،أمسكت بيده وأخذت أوصيه بما لد و
11
4
هروله
رأيته هناك ..يجلس وحده فى مدخل المقهى ..على يمين الداخل وحده ..كانت مائدته صغيرة ،تكفى بالكاد صينية الشاى ..انجذبت اليه ..الوجه أعرفه ..شعرت بهذا ..رأيته من قبل ..ليست غريبة عللى تلك الملمح القروية الرقيقة ،بسمرتها الرائقة ذات الطابع القمحاوى المميز ..أعرفه ..نعم ..لكن أين ومتى؟ ل أدرى ..نظرت اليه من مكانى على يسار الباب ..انتبهت الى أنه يبادلنى النظرات ..مؤكد يتساءل عنى ..عيناه تقول ن هذا ..رفع كوب الشاى الى فمه ..تذكرت كوب الشاى أمامى . المقهى فسيح ..أرضه مغطاة بنشارة الخشب ..موائده مصفوفة..مقاعده مرصوصة..أصوات قواشيط الطاولة والدومينو تزغرد بين الحين والحين .أضواء اللمبات الفلورسنت يختلط بها دخا ن المعسل ،وهو يجلس هناك ..الحظ أيضا أ ن مائدتى صغيرة تكفى بالكاد صينية الشاى ،وأنا ايضا وحدى .تتلقى عيناى بعينيه عبر فرجة من رؤس لعبى الطاولة..أين رأيتك؟ يصرخ صوت -:شيش بيش تانى !! يعبس و جه كا ن يستعد للبتسام..يكركر الماء فى قلب زجاجى للشيشة..ليزال وجهه مألوفا لى ..لكن أين ؟ ..أنادى عامل المقهى ..أشير اليه بطرف خفى ..أسأله عنه ..يهز العامل رأسه قائل -: هو مثل آخرين يجيئو ن ويمضو ن فى هدوء ،ليشعر به أحد ..ليترك أثرا ما ،اللهم ال أثر حذائه على نشارةالخشب ،غير أ ن أقداما تجىء لتطمس ماقبلها. كا ن الخر قد قام ..اتجه الى الخارج ..التفلت الى عامل المقهى أسأله -: هل سيعود ؟12
لأدرىشكرته وأسرعت نحو الباب ..تنبهت الى أ ن آثار أقدامنا قد توحدت قبل أ ن أخرج بعدة خطوات ..أكملت السير ..سألحق به ..أسأله -:من أنت ؟ ..سرت فى اصرار ..كا ن أمامى ..رفعت صوتى ..ناديته ..زمجرة العربات المارة وهدير الصوات المتداخلة أضاع صوتى ..وسعت طول الخطوات ..ازداد الزحام بدخولنا السوق ..بذلت جهدا لتتبع بعينى خطواته ..الوجوه كثيرة ..الملمح غريبة ..والوا ن الغروب تظلل الشياء..يجب أ ن أتحدث اليه قبل أ ن يطوى الليل أستار النهار ..لو غاب عن عينى -أشعر أننى – لن أعثر عليه ثانية ..تزداد المسافة بيننا طول ..أبدأ الهرولة ..يزداد العزم ..يقوى الصرار ..لبد أ ن أكلمه ..صحيح أننى حتى ال ن لأعرف ماذا سأقول له ..لكن حينما سنكو ن معا مؤكد سأجد ما أقول ..تزداد الظلمة توغل ..تتلطم المناكب ..تختلط الوجوه ..تزداد الهرولة ..قدماى تصرخا ن ..دقات قلبى تضج ..أحاول التوقف ..ل أستطيع ..أظل أسير ..أبحث عنه ..ل ألمل من البحث
5
البيت 13
حينما مضت عنك زوجتك انكسرت ..أنت نفسك -فى داخلك – اعترفت بهذا ..دموعك التى جفت فى عينيك ظلت فياضة فى القلب ،وشعرت بأنياب الفراغ تتناوشك وأنت بل حول ،ترى الدنيا من حولك خالية ..تتذكر ضيقك منها وصبرك عليها وتحملك لها ، وتعود الى لحظاتك الحالية بدونها فتتمنى لو تعود وتفعل ماتريد ،فقد كانت هى الوجود بالنسبة لك أو هى الدنيا كما قال الشاعر )قد تغدو إمرأة ياولدى يهواها القلب هى الدنيا ( ..صحيح أنك لم تحبها يوما ا ،كنت تستسيغ زواجكما مضطراا ،إل أن الععشرة فى النهاية تحولت الى تفاهم أقرب للحب ،أو هو استسلم لقدرر ل مفر منه ،رأيت أنت فيه تحقيق حياة مستقرة أفضل من حياة أخرى بل لون ول طعم ،أو هو حب حد ث وأنت لتدرى بدليل ذلك الفراغ الذى حل و بعدها . تجلس الن فى حجرتك \حجرتكما ..تراها قادمة من عملها فى حدود الرابعة بعد الظهر ..وجهها كقرص شمس الغروب ،مقطوعة النفس تلعن المواصلت واضطرارها للعمل بسبب كسلك وتقاعسك ،فلو أنك بحثت عن عمرل آخر بعد الظهر لتيت بما يكفى البيت ،ولما اضطرت هى الى مذلة الخروج من بيتها ،والتعرض لما تتعرض له يوميا ا سواء فى العمل أو المواصلت ،خاصة أن المشوار طويل بين بيتكما فى أطراف المدينة ومكان العمل فى الضواحى ..قديماا كنت ترد عليها بأنك حتى لو وجدت عملا آخر وأتيت بمال قارون فلن تترك عملها قط ،وتدخلن فى جدال لينتهى ..بعدذلك تعلمت الصمت ،ربما لشعورك بل جدوى هذه المناقشات ،وربما لحساسك بما فى قولها من صواب ،وربما أيضا وهذا القرب خشيتك من التكرار شبه اليومى لهذه الحرب التى لتتحملها أعصابك ،خاصة أنها –كانت – تمتلك لسانا لينضب له معين ، ولديها قدرة هائلة على التحد ث لساعات بل ملل أو اجهاد ..لذا فقد تعلمت الصمت ، تتركها تتكلم لحظات تطول أو تقصر ،ثم تقوم الى المطبخ ،توعد الغذاء وتنسى ماكان
14
وتتكلم معك عما جرى اليوم قائلة أن أجمل مافى المر أنكما أصبحتما صديقين ..تبتسم أنت وتلزم الصمت . يناديك ولدك الكبر..تلتفت عنها اليه ..بابا ..نريد طعاماا ..تعود اليها ..يلفحك الفراغ بنيرانه ..ينزف القلب أنينه من جديد . -------------لنكم أربعة أرواح كان المكان دافئاا تنتشر فيه حرارة النفاس والكلمات ،يموج بالحركة ،ول يخلو من حروف متطايرة ،خاصة منها فهى لتستريح للصمت ،وكثيراا ماكنت تضبطها وحدها تأتنس بالغناء بصوتها الحاد الذى يزعج السكون ،فتضحك منها ومن كلماتها التى تخترعها لنها تنسى الكلمات الصلية . ف المكان ..صارت البرودة تسكن الجدران والفراش الن ورغم أنكم ثلثة غادر الد ف وقلبك ،ورغم الحركة يسكن الفراغ المكان ..تنظر الى ولديك ..أحدهما يجلس الى الكمبيوتر مشغول بمحادثة هامة مع وجه أنثوى أصفر على الشاشة البيضاء ،بينما سلماا عينيه لشاشة التليفزيون ،بينما الخر هناك يرقد نصف رقدة على الفراش ،م و المكان كله يعوم على بحيرة فوضى لم ترها من قبل ..تنظر حولك .تبدو لك وهى تصرخ حينما تعود من عملها وترى الصحون على المائدة وفي كل منها بقية من طعام ،والردهة والتراب المنسل الى المقاعد وأعلى السجاجيد ..تدور فى البيت وصراخها يسبقها على الجريمة التى حدثت فى غيابها فقد تركت المكان كله منسقا ا ليوجد به ذرة من تراب -:لن أتحمل هذا ..ل أملك الوقت ول الجهد لهذا الشقاء اليومى . تطلب من ولديك الهتمام بالمر ..تتوه كلماتك فى الفراغ ..تعود من عملك يوميا ا قبلها بساعة تقريب اا تنظف المكان بقدر ماتستطيع ..تعود هى من عملها ..تقول لك فى غضب زائف لتفعل شيئا ا ..أنت تزيد المر سوءاا ..تدور بعينيك باحثا ا عنها لتقول لها فى رفق من ليرحم لضيرحم ..لتجد ال الفراغ وبرودة تسرى فى عظامك وظلمة تزحف الى عينيك ..تطفر الدموع رغماا عنك..أنت هكذا الن ..دموعك تسبق كلماتك ..تتحرك الى الردهة بين الكمبيوتر والتليفزيون مصاحبا ا مرضك ..البيت فوضى .النظافة فارقته..فوق طاقتك أن تقوم بالمر كله وحدك..تسألهما –ولداك -الجلوس معا ا لتحمل 15
المسئولية الجديدة فى حدود المعاش الذى تقبضه كل شهر ..يضيع صوتك بين فوضى الصوات .. ..تتحرك نحو الكمبيوتر ..تصرخ -:دع هذا وقم لنرى مايجب عمله يواجهك بعينى اللمبالة -:سأقوم ..لكن ليس الن تتركه الى التليفزيون ..يدهمك رده ..-:حينما يقوم هو سأقوم أنا يصرخ الول من مكانه -:مالك بى ؟ يرد الثانى -:لتشعر بما حولك يرد الول ..يصرخ الثانى ..يتمدد الوقت على حد الصرخات مذبوحا ا . . تبكى وتتحرك نحو الباب قائل-: -:لن أبقى معكما ..تطغى الصوات العالية على صوتك ..تفتح الباب ودموعك تسبق الكلمات-: -:لن أبقى معكما ..وتواجه الطريق !
16
6
الباب المغلق
إرتفع رنين الجرس فى فضاء الردهة..هب مفيد من مرقده ..إتجه نحو الباب وهو يتساءل عمن سمح لنفسه بالمجىء الن ..رمى بعينه يميناا ..حجرة الولد مغلقة حي ث يخلعون ملبس المدرسة ،ويرتبون أشياءهم إنتظار اا لتناول الطعام ثم المذاكرة ..إتجه بعينه الى أقصى اليسار حي ث المطبخ ،وسناءالتى تدور فى أرجاءه دون توقف ،تسابق اللحظات لتجهيز الطعام ..أكمل السير سريع اا ..خطوات معدودة هى ،يرى بعدها ذلك الذى أخذه من رقدته وجريدة اليوم التى كان يتصفحها ..فتح الباب ..صرخ من الفرح والدهشة معا ا -: -
حنان !!
وشدها من يدها ..أطلت سناء من فرجة باب المطبخ ..إنقلب تقلص ملمحها الى ترحيب وانبساط ..تلقتها بالقبلت وهى تسأل نفسها عن سر هذه الزيارة التى لم تكن فى الحسبان ، فمنذ زمن ر ليس بالقليل لم تفكر فى زيارتهم ،هم أيضا ا لم يزوروها ،وأكتفى الطرفان بمحادثات هاتفية من وقت لخر ،وزيارات فى العياد للمجاملة ،أما فى اليام العاديةوفى وقت العصر مثل الن فالمر يحتاج الى تفسير . إستأذنت سناء فى العودة الى الطبخ ..أكدت عليها أن تجلس الى أخيها قليلا حتى توعد الطعام ..تولون وجه حنان ..همست أنها لتريد طعاماا ..نظر مفيد اليها بجواره ..الوجه غزته شيخوخة مبكرة ..مؤكد من أثر المجهود الذى تبذله والتوتر المستمر فى العمل ..سناء أيضا ا تترك عملها عند الظهر ..تمر على السوق ..تدخل الشقة ..تجد الولد سبقوها وجلسوا فى حجرتهم ينتظرون ..تفد وخل المطبخ ..يكون هو قد وقف فى طابور العيش أمام الفرن بعد إنتهاء عمله ثم يعود للبيت. 17
عاد اليها بجواره ..عيناها فقدتا بريقهما القديم ..صارتا تحملن دقائق وثوانى الزمن ..تهرولن بينها بل توقف ..بينما الشعر القديم الذى كانت تفرده خلف ظهرها كأسلك الحرير مقيد الن خلف منديل أبيض يدور حول الوجه فى شحوب . ض من حنان ..كانت أقرب شقيقاته اليه منذ شهور لم يرها ..مؤكد جاءت لتراه ..هى هكذا في ض ومازالت ..هو أيضا كان قريب اا اليها ..تصرفاتها معه كانت تقول هذا ،رغم أنهما فى الصغر كانا دائمى الشجار لنهما ولدا فوق رأس بعضهما ،كما كانت تقول المرحومة أمه ..همست -: -
مفيد..أريدك فى أمر هام
حدق فى عينيها ..أكملت وعيناها تبحثان عن مهرب منه ويداها تضغطان بعضهما فى حجرها -: أومر وزوجى بضائقة ،ولم أجد سواكإرتفع صوت سناء قادم اا من المطبخ ..سألته أن يساعدها فى إعداد المائدة ..همس وهو يقوم -: نتناول الطعام أول همس صوتها ملحقاا خطواته المبتعدة -:لم آت لكل . مضى الى المطبخ ..همس لسناء بما لديه وعاد ينادى الولد ..التوفوا حول عمتهم فى حبورر ، بينما هى تتابع أخاها وهو يتحرك ..صورته القادمة من الماضى شدتها ..شتان بينه وبين ماكان بعد الطعام دعاها الى حجرته ..كانت سناء بجواره ..حادثها أمامها ..مضت الى الباب محنية الرأس فى صمت ..جلس بحجرته هادئ اا يحاد ث سناء ..إنتبه لمه أمامه ترميه بنظرات الحنق ..تقلصت ملمحه وضاقت عيناه ..سألته سناء عما به ..لم يرد ..هرول نحو الباب ومن أعلى السلم صرخ -: -
حنان ..تعالى
18
7
معنى فى القلب -
-
-
-
شعرت بهبوب عاصفة بين جنبوى اقتلعت القلب من موضعه ،هى بذاتها ،لم تتغوير . تفرست فيها تاركا ا المارة حولنا يتبعثرون فى الطرقات ،الحسنة الصغيرة أسفل يمين أنفها ،الفم الدقيق كنبضة السحر ،الجسد الممتلىء المتناسق ،العيون الدافئة النظرات ..كأننى ماتركتها ال المس . توقف تدفق العربات فى الميدان الكبير إثر إحمرار إشارة المرور ،هتفت باسمها ،رأيتها تحدق فى وجهى ،تتسع عيناها ،تتألق إبتسامتها ،وتنطق باسمى كأنها تبعثه من جب عميق . تلقت الكف ،زغردت النظرات ،قالت وهى تقترب منى خطوة -:أنت!! وتطايرت من حولنا الشياء ،تبعثرت واختفت ولم يعد هناك سواى وسواها ،تدفقت الكلمات من شفاهنا معاا ،ضحكنا حينما اكتشفنا هذا ..كنا نفعل هذاقبل ا ،تركت نفسى لشعورى الفائر بقربها ،غير أنى رغما عنى لحظت أن صوتها تغوير قليلا ،لم يعد له تدفقه الول ،وهناك تغضنات براعة المساحيق تخفيها ،ثم هذا البريق فى يدها اليسرى ..هويت من حالق ،كأننى لم اتوقع هذا أو اكتشفه الن فقط ،نظرت اليها لئما ا ،انتبهت أنها ترمق خاتم الزواج فى يدى أيضاا ،وتدير عينيها الى حي ث تنظر الى المارة الذين يمرون فى صمت من حولنا . قلت قاطعا ا لحظات الشرود -:تزوج ع ت؟ تبسمت عيناها ،ربما لسذاجة سؤالى ،قالت وهى تتجه بنظراتها الى يدى -:سنة الحياه " كان يمكن أن أذهب اليها ،مجرد أن أذهب كانت ستنسى أى خلف بيننا ،والدها قال لو رضيت هى لن أمانع " أدير وجهى فيما حولنا ،الشارات الحمراء تصنع مظاهرة فى نهر الطريق ، يأتينى صوتها متسائلا -:أين ذهبت بك الفكار ؟ أهمل سؤالها متعمداا ،أعود الى وجهها -:إبتسامتك ماتزال رائعة . أدارت وجهها الى عرض الطريق ،قالت -:لم تتب من الكذب سألت ل أعرف لماذا -:عندك أولد ؟ 19
-
-
-
-
غامت عيناها ،هزت رأسها نفياا ..اضطربت ،غمغمت معتذراا للسؤال ..رسمت ضحكة على شفتيها ،قالت -:وأنت ؟ هززت رأسى باليجاب ..ارتفعت أصوات أبواق السيارت من حولنا ،تدافعت المناكب وتلطمت الصوات ،تكلمت أنا وهى فى ذات اللحظة -:كنا .... انتبهنا لما جرى ،ضحكت أعيننا من جديد وعدنا الى الصمت ..رمقت عينيها ،لم يعد لهما ذات السحر القديم ..نظرت ناحيتى شاردة ،عيناها متاهاتان ..كدت أصرخ فيها " -:لماذا تعاملت معى بعقلك فى الوقت الذى كنت أعاملك فيه بقلبى فقط ،ال يملك القلب إقامة حياة وصنع مستقبل ؟ " غير أننى لم أجد معنى لعتاب الن ،أخذت أتأملها ،كأننى للمرة الولى أراها ورغما ا عنى أبح ث عن المشاعر القديمة ،اللهفة ، ،الخوف ،الرجاء ،وأتسائل كيف صار كل منا صورة مكررة لشخص قديم ضاع ،فأنا لم أعد أنا وهى لم تعد هى ،صرنا ننظر الى أنفسنا ومشاعرنا من الخارج ،تهنا وتاهت منا تلك اليام ،حتى المشاعر التى فارت حين رأيتها عادت وبردت من جديد ،غريبان يلقى كل منهما الخر ..ثم !! كأن الذين كانا بالمس إثنان آخران غيرنا ،كل مايربطنا بهما أننا فقط نتذكر حكايتهما . عدت الى وجهها ،صارت شخصا ا آخر ،كأنها لم تكن بالمس ال معنى فى القلب ،أو طيف يمر بخيال ،فل نذكر الملمح وإن كنا نعرفه ونفكر فيه وربما تشوقنا اليه . قلت استمراراا للحوار -:حدثينى عن حياتك الن تبسمت -:قل أنت أول ماشكل حياتك شاركتها البتسام قائلا -:بدونك لمعنى لها شعرت بها تبذل جهداا لتبتسم ،عيناها مجهدتان ،مؤكد العمل ،الزوج ،الفكر صراا على الكذب . قالت -:مازلت م و ازداد صراخ أبواق السيارات ..رأيتها تنظر فى ساعتها ،شعرت بضيق مفاجىء ،تصر على التعامل معى بعقلها فى كل المواقف ،فتحت فمى لتكلم ،رأيت الصمت أجدى ،نظرت بحركة مرسومة الى ساعتى أيضاا ،وهمست متسائل فى حيادية -:أراك ثانية ؟ انتبهت لخضرار إشارة المرور ،رفعت عينيها بنظرة ذات حدود وأبعاد ،قالت -:مؤكد سنلتقى ومدت يدها مسلمة ،بعدها أدارت ظهرها لى ومضت ،تذكرت أننى لم أسألها أين أو متى ..هى أيضاا لم تشغل بالها بهذا ،فكرت أن أناديها ،لم أجد جدوى لهذا ،تركت الميدان ..ومضيت !
20
8
المضمار -
اركض لتتوقف هكذا ..نعم ادفع هذا الذى كولت قدماه..المضمار ليقبل الضعفاء..اركض وانظر أمامك ..نعم ..ولتبالى بهؤلء الذين يمرقون بجانبك ،فهم ليبالون بك ،ول ينظرون اليك ال لتحديد الخطوة التى ستكون أمامك ..فى البيت سيهللون لك اذا سبقت ..سوف ترى فى العين السرور ،وسوف يظلون على فخرهم بك طالما أنت تواصل الركض داخل المضمار بنفس 21
-
-
العزم ،وربما تطوع أحدهم راضيا ا أن يمضى معك ،يتعلم منك ،عازما ا فى نفسه إن استطاع أن يسبقك ذات يوم . ................. آااااااه هذا ماكنت تخشاه طول الوقت قد حد ث ،السقوط وسط المضمار ،تدوسك القدام ،تطأ رأسك ،يحملوك خارجا ا ،يتركونك وحيداا لتبالى بك عين ول يأبه لك سمع ،بالكشف يتضح وجود كسر ر فى إحدى ساقيك يمنعك من العودة ،تصرخ ،ترفض العتراف بالمر ، تحاول النهوض لمواصلة السباق ،لتستطيع ،تتجه عيناك الى قبة السماء ،ولنها المرة الولى لك لتعرف مالذى يجب أن يقال ،تسقط رأسك فى إعياء على براح صدرك ،تذكر والدك الفران وذرات الدقيق تغطى جسده ،وأنت ذاهب اليه تأخذ مصروفك منه ،صورة تشغل ركن اا فى ذاكرتك ليمحى ،رحمه ا لم يكن يحسن العدو ،كان بالكثير يمشى ،خطوته البطيئة جعلته فى المؤخرة دوما ا ،سبقه آخرون ،قطعوا المسافت بعيداا وتركوه مكانه ، كان السفح بالنسبة له آمناا ،ليرى فيه خشية السقوط التى تنتاب أهل القمم ،كانت لديه مقولت محفوظة من جدوده أصحاب الكهوف والسراديب والحفر أن القناعة كنز ،والصبر ثروة ،ومحاولة تسلق المرتفعات مغامرة غير مأمونة العواقب ،لذا حينما نزلت أنت الى المضمار بدل امنه إتجهت اليك أنصاف النظار ،بعضها مشفق من طول السباق ومن قلة الخبرة بقانون الركض وحيل الراكضين ،والبعض الخر إستهزأ بك قائل ا أن الولد سر أبيه ،ومؤكد يحفظ عبر سراديب عقله الممتلئة بخفافيش الظلمة المتوارثة مقولت أبيه ، وأنك بالكثير ستهرول قلي ا ل فى براح السفوح ثم تنقطع منك النفاس لن لين عظامك لن يساعدك على الستمرار ،وانطلقت الى المام ،رأيت الحواجز تعترض طريقك ،والليل يدور بك والعين ترصدك ،والسقوط يتعقبك ،لم تبال بشىء ،هرولت بكل جهدك وصورة أبيك لتفارقك ،هرولت ولم تضع فى حسابك إمكانية التعثر أو احتمال السقوط ،حتى الن وأنت فى مكانك على جانب الطوار وحيداا ال من عينيك اللتان ترصان المضمار ومن فيه ، وصدرك الذى لتهدأ ناره لتفكر فى الشكوى ،ولتلعن من أوقعك ،ولتبكى لعدم وجود ساق جاهزة بدل ا من تلك التى لم تعد ذات جدوى ،بل تستند على عكازك وتواصل العدو ،صحيح أن خطوتك تأثرت كثيرا ا باصابتك لكنك تمضى ماوسعك المضى ،المهم أن تكون داخل المضمار ،وهذا يحسب لك !!
22
9
-
الكلب بالمس بعت الكلب الباقى من العائلة ..حاولت أن أبدو أصيل أمامه فأجريت دمعة أو إثنتين على خدى فى صمت ..فى الحقيقة ..هو ايضا كان حزينا ..بدا حزنه نبيل مثله وظل صامتا طول الوقت . كنت قد شرحت له المر بالتفصيل قبل أن نخرج الى الطريق ..اجلسته على مقعد مقابل فى 23
الردهة وتحدثت اليه ..لم يأخذ المر وقتا اذ وجدت لديه استعدادا طيبا لتفهم المر ..ضممته الى صدرى فى رفق ومضيت الى الطريق ..وصلت السوق ..وقفت صامتا اتذكر كلمات ) كريمه ( خطيبتى الحالية وزوجة المستقبل ..ل أعرف لماذا اهتم بعباراتها ..ارددها واحفظها وأنفذ ماتريد....أعيش عبر الحروف ..واستلهم من العبارات حياة أعيشها وأتنسم ريحها بلهفة لمثيل لها ..وقفت إذن أتذكر كلماتها وهى تقول - : أريد بيتا خاليا من الغرابولننى أحبها وأتوق الى الزفاف سريعا ليس لغرض سوى أن أكون بجوارها كل -وليس بعض -الوقت فقد تحمست للمر ..انتحيت بكلبى جانبا ..اعدت عليه ماقالت ،واضفت - : إياك أن تظننى أطيعها وأفعل المستحيل لرضيها من أجل جاه أبيها ،أو مركزه ،أو أننىأعمى ل أرى دمامتها ..كل . واقسمت له تأكيدا على ما أقول..حرك ذيله ..ادركت أنه اقتنع ..اكملت - : أننى أريد زواجا سعيدا ..هل تفهم ما أعنى ؟ حدق فى وجهى ونبح مرة أو اثنتين ..قالت عيناه أنه يقدر ما أقول وليجد فى صدرهشيئا من ناحيتى ..تبسمت له وحملته بين يودى وانا اؤكد انه ليس غريبا عنى ،فأبوه كان صر على يحرس البيت قبله ومات فى حادثة مشهورة ،كتبت عنها الصحف فى حينها ،فقد أ و مطاردة لص اطلق عليه النار ليكف عنه ،ولم يكف ولم يتركه ال حينما رأى رجال الشرطة ،لحظتها تركه لهم واتخذ ركنا مات فيه بهدؤ ودون ضوضاء ،بعدها ونتيجة للذكرى الليمة المرتبطة بالمكان لم تتحمل الكلبة الم المعيشة معنا وهجرت البيت ،وبقى هو موظفا امينا قليل الطلبات ..يأخذ مايصل اليه بصدر رحب ..ليطلب المزيد وليفكر مجرد تفكير فيه ،ومتى رآنى يهب واقفا فى احترام نبيل وهو يهتف بلغته هتافات مدوية تخجلنى فأنظر اليه فى عطف وارفع يدى نصف رفعة وابتسم نصف ابتسامة واسأله عن حاله وهل هو سعيد فى مكان عمله ام ل ،وهل يأتيه طعامه فى موعده ام ل ،واتركه شاعرا اننى فعلت مابوسعى تجاهه .لكننى امام الظرف الجديد كان لبد ان اضحى .فأخذته رغما عن ايجابية مشاعرى نحوه ومضيت الى السوق ..حملته ووقفت جانبا ..غارقا فى بحيرة صمت راكدة راسما ملمح اسى ،كلما ادار وجهه ناحيتى يراها فيطلق عقيرته بالنباح تضامنا معى ..اقترب رجل بدا من ملمحه انه يريد الشراء ..مد نظراته اول ..ازداد وجهى تغضنا ..مد يده ..لم اتحرك ..سأل ان كنت اريد بيعه ..همست مبديا مزيدا من السى انه اصيل ،من النوع النادر ولول الظروف مااضطررت لبيعه ..سأل - :بكم تبيعه ؟ سألت - :بكم تشتريه ؟ قال الثمن ..وافقت فور اا دون نقاش ومددت يدى اليه ..حمله ونسى أن يعطينى النقود ..انا ايضا تشاغلت عنه بفرحة العودة الى كريمه ملبيا طلبها ..كان الوقت ظهرا ..جلست على طرف المائدة اتناول ماوضعوه امامى من طعام ..هبت تاركة مكانها..لم انتبه لهذا ال حينما سمعتها تنطق إسمى مشفوعا بالفاظ ل اعتقد أنها تقصدها مثل )الدناءه – الجرثومه –وما اليها ( وتطلب منى مغادرة المائدة فوراا و المثول بين يديها..تمنيت أن اطلب منها النتظار 24
لحين شعورى بالشبع ..لم استطع ..رأيتنى اهرول نحوها ..اطأطىء رأسى هامسا - :نعم سألتنى - :ماذا فعلت ؟ قلت بفرحة -:لن يوجد بيننا أغراب بعد الن ..لقد بعت الكلب . وانتظرت أن تفرح مثلى ..غير أننى فوجئت بعينيها تضيقان وتحدق فى وجهى - : لم اقصد الكلب ..انا اقصد أباك اتسعت عيونى ودق قلبى فى عنف ..جال بخاطرى لحظتها إننى نسيت أن آخذ ثمن بيع الكلب ..نحيتهذا الخاطر جانبا واتجهت بعينى الى وجهها ..البثور المنثورة فيه متوترة ..النقاط السوداء منفعلة ،والسنان بفكها العلوى النافر توشك على عقرى ..ابتعدت ..سألتنى ..فيم تفكر ؟..
سريعا قلت -:فى كيفية بيع أبى!!
10
الهبوط من لحظة حلم -
حين فتح الباب رآهم..ارتعد ..نظراته وشت لهم بما لديه ..تحركوا نحوه ..مدوا أيديهم اليه ..زادت إرتجافه جفونه وهو يرقب مايفعلون . كان منذ قليل وهو يصعد السلم يمنى النفس بدقائق يقضيها ممداا على الفراش قبل أن يفكر فى تناول طعامه المجمع إفطار وغداء وعشاء ..دقائق يريح فيها رأسه قبل ظهره من الفكار المتأججة التى تشتعل فيها بل إنتهاء ،فهو فى تلك المدينة فرع ل أصول له ..عود يابس يكافح للبقاء ..صمته أنيسه كأنما نسي الكلمات أو نسيته ..يقوم كل صباح ..يمضى الى مقهى العمال على قمة الطريق فى أول الميدان ..يوضع كوب الشاى أمامه..يرتشفه وهو يرقب العربات المارة ..تقف إحداها يحتاجون لعمالة يوميه..حينما يشيرون اليه يتجه الى الخلف ..دائماا الى الخلف ..يصعد الى الصندوق حي ث يجلس القرفصاء وسط بقية العمال ..عادة ليكون معه ثمن إفطاره ..يقوم بما يوكل اليه من عمل ..وقت الراحة يجلس وسط رفاقه ..هم يتسامرون وهو سادر فى صمته ..يتخذ له ركنا ا يرى منه مايجرى عن بعد ..يقرصه الجوع أو تشكو رأسه من صداع ..يمنى نفسه بلحظة إنفراده بالطعام فى حجرته حينما يعود اليها مساء ..ينتهى العمل ..يأخذ أجره ويعود مع طعامه راضى 25
النفس ..يواجه السلم بدرجاته المتآكلة وجدرانه العارية من الطلء ،برائحة الرطوبة المحملة بالعطن المعششة فى أركانه بعينين هادئتين ،ينفذ وسط الظلمة منذ ولوجه من باب البيت ،حافظا خطواته ،متقدما ا فى حذر الى المام ،قاطعا ا الممر القصير الى السلم ، يمد يده الى الدرابزين الخشبى ،ماداا قدمه اليمنى الى المام حالما ا باللحظة التى يرى فيها الفراش ليلقى بإجهاد يومه بين يديه . فى أيام أخرى وهو يقف أول الميدان تأتى العربات النقل ذات الصندوق المعدنى الكبير ..تختار آخرين دونه ..يعود الى حجرته دون طعام ..يبح ث بين بقايا الخبز البائت عما يسد جوعه ويلهى معدته ..يجلس القرفصاء على فرشته محملقا فى الظلمة ،أو واضعا ا رأسه بين ساقيه ..تمر به رؤى شتى ..عمل يومى لينقطع ..طعام لتعافه النفس ..تغيير فرشته التى يرقد عليها ..ثوب جديد ليام عطلته ..تمضى به الرؤى ..يغرق فى النوم ..توقظه صرخات أم السيد فى البيت المجاور ..شباكها يواجه شباك حجرته ..تقابل زوجها العائد بعد منتصف الليل بصراخها المعتاد..ترميه بكل مالديها من سباب..يرد عليها ..يهتكان بصوتهما ستر الليل ..ينظر من وراء الشيش منتظرا لحظات بعينها تحد ث كل يوم وبذات الترتيب ،وربما بذات النبرات وتعبيرات الوجوه ،اذ يهدأ الصوتان رويداا ..يسود الصمت قليل ..تبدأ أم السيد فى البكاء حسرة على ماتلقيه فى حياتها ..يقترب أبو السيد مطيبا ا خاطرها ..يتطور المر بينهما ..يحاصرهما بنظراته من وراء الشيش ..يعيش معهما لحظة بلحظة ..يدقق متابعاا يد أبى العربى وشفتيه..يشتعل جسده بالنيران ..نيرانه تتأجج ..يرتمى على فرشته لهثاا..بعدها يسود صمت حالم تضيع بين جنباته الفكار والرؤى ويغمض عينيه طلبا ا للنوم . فى الصباح يلج النور الحجرة عبر الشيش المغلق ..يبتسم للنور ويمضى الى المقهى .اليوم بالذات عاد متهالكا ..يتوكأ على عصا خشبية وجدها على الطريق ..طعامه بيمينه ، وشماله تتحسس رأسه بين الحين والخر ،وهو يشعر بالم يصعد من ساقه الى أم رأسه مباشرة ،معجون بفرحة لم يعرفها منذ زمان ،لنهم طلبوا منه أن يعمل عندهم شهراا كام ا ل ..فتح الباب ..وسط الظلمة رأى اشباحا ا تتربص به ..أعينا ا متجهمة تترصده ..وأيدى تمتد اليه ..ارتعد ..فكر أن يصرخ ..لم يجد كلمات او حروفا ا تسعفه ..اكتفى بعلمات الدهشة التى كسا بها ملمحه ،فاغراا فاه الى أقصى مدى ..انزلقت العصا مرتطمة ببلط الحجرة مصدرة صوتا ا خشناا ..لم يبال به ..صرخت أم السيد فى زوجها كالمعتاد ..لم يتحرك نحو الشيش ..رآهم يقتربون منه ..نسى الم ساقه والعمل الذى ينتظره بالغد ..ضم كيس الطعام الى صدره ووقف ينتظر
26
11
27
شحن كارت لول مرة يفعل هذا ،يتخلى عن حرصه ويطلب الكلم عبر الهاتف المحمول ،ذلك الذى طالماسماه بالهراء الذى يسعى أهل الفراغ اليه ،الليلة بالذات هو الذى سعى اليه ،ولو وصل المر الى الرجاء لفعل وهو على سريره مسنداا ظهره على الوساده ،مواجهاا للتليفزيو ن الذى أصر الليلة على إطفاءه ،رضوخا ا لذلك الشعور الذى اجتاحه مع بداية الغروب وهو يلعب الطاوله كعادته مع أصدقاء المقهى ،يداعب هذا ويشاغب ذاك، ويشد أنفاس الشيشة مطلق اا الدخا ن فى وجه الدقائق الفارة من بين يديه ،غير عابىء بوقت يمر أو ليل على متن الظلم يأتى ،فهو يعرف أنه سيعود الى الصمت يقضم فتات اللحظات أمام التليفزيو ن ،أو منغمسا ا بين طيات النت والحوارات الملونة بالخداع ،حتى اذا لمل انزلق الى سريره ،مستتراا بغطاءه من أعين الليل، والكلمات المغسولة بالدموع ،التى ليعرف هل تترقرق على حواف جفونه أم على ضفاف شفتيه كلما راجعت ذاكرته صورة إمرأته وهى بين راحتى سريرها ،باسمة الوجه كلوحة أتم راسمها تزيينها بنقوش الملئكة وتركها تحفة ،تنتظر عودته من مقهاه آخر الليل بعد أ ن قضى سهرته مع الصحاب ،رآها فتبسم لها كعادته، داعبها ببعض الكلمات قاصداا أ ن يوقظها لتعد له طعامه ،لم تبال به ،هز ها ،لم تجبه ،الوجه نوره يفيض على المكا ن حاني اا ،والجسد دافء كحلم ،عاود المداعبة وقد بدأت خفافيش الخوف تعشش فى جوفه ،لم يتأكد من ظنونه ال حينما قال الدكتور الذى استدعاه كلمته ،لحظتها نظر الى وجهه فى المرآة ،الوجه هزيل النظرات ،ذابل التغضنات يبكى الصمت على شفتيه إمرأة واجهت الموت وحيدة ،واستقبلته ببسمة هادئة ولم تشك من شىء ،فقط رحلت وتركته..الليلة بالذات داهمه هذا الشعور ،شعر أ ن دوره قد حا ن عليه ،هب من جلسة المقهى مهرول الى البيت خشية أ ن يجىء ملك الموت بمنجله ليحصد روحه فى الطريق ،يتعرض جثمانه لما يخشى منه من إيذاء وتقليب وتفتيش ،وربما تشريح لمعرفة سبب الوفاة ،ثم إيداعه الثلجةانتظار اا لتقدم احد لستلمه ،وحيث أنه لأحد سيتقدم لتلقيم فوهة الرض به لجهل أولده بما جرى له، لعدم انتظام زيارتهم له ،فسوف يظل أسير الثلجة ،أو ربما باعوه لحد طلبة الطب فيظل جسده يتقطع أبد الدهر ..العودة الى البيت أجدى على فراشه داخل شقته يلقى الموت ،يباركه ،ويمضى معه مودعا ا الوجود ببسمة كما فعلت هى من قبل ،ول مانع من محادثة بعض معارفه الليلة ،حتى اذا غاب وطالت غيبته فكروا فيه وسألوا عنه ،وقد يدور طائر القلق امام أعينهم ويأتو ن الى شقته ،أو يتصلوا بأولده لحضهم على زيارته واكتشاف سبب غيابه ،وساعتها سيكونو ن مسئولين عن جثمانه الى أ ن يواره التراب ..أخذ يضغط الزر باصبعه متنقلا من إسم الى آخر باحثاا عن معارفه ،متغاضيا عن الرصيد الذى طالما حرص أشد الحرص عليه ،لم يبال به وهو يتهاوى امامه مع كل كلمة عجفاء تخرج من بين شفتيه ،وهو ينظر عبر المرآة الى هيكل آدمى متيبس العظام ،سقط شعره الثلجى من قبة رأسه تاركاا بقاياه متناثرة فى الركا ن ،محيطة بأعين متهدلة الجفا ن ،أحداقها برمادية لونها ترى الدقائق المارة بالنات ،وحوله صمت كصمت القبور ،يقطعه من لحظة لخرى صوته المتصاعد من تجويف صدره متشبثاا بحياة يشعر بها تنسحب من أطرافه ،ضرب رقما ا جديد اا ،رصيدك الحالى ليكفى لتمام المكالمة ،ارتعد ،السماء المهمة لم يحدثها بعد ،جرت الرقام أمام عينيه أولده وهواتفهم المغلقة ،أعز أصدقائه ،معارفه ،هب من مرقده بقدر ماوسعته الحركة قاصداا شراء كارت شحن جديد ،أغلق الباب خلفه ،على السلم رأى جارته الكركوبة كماتعود أ ن يسميها ،تستند على خشب درابزين السلم صاعدة الى شقتها فى الدور العلى ،تعيش وحيدة ايضاا ،وجهها كلما رآه تذكر الفراعنة والعهد القديم ،لذا كا ن يتحاشى النظر اليها مكتفياا برد سلمها وهو محنى الرأس ،ليس خجلا ولكن لكى 28
ليتطلع الى وجهها وهيئتها ،أو يعطيها الفرصة لبدء حوار ليملك اكماله بأى حال معها ..هذه المرة وقف أعلى السلم مترقبا ا صعودهاا ،القت التحية كعادتها ،سألها فوراا -:تتجوزينى
12
خواء صم ض ت وظلم ضة يحيطان به ..يحاديانه أثناء سيره ..يسمع لهما طنينا ا يدق رأسه ..يحاول السراع ..تصر خطواته على السير متمهلة تتحسس الماكن ،وعيناه تتشممان الطريق ..بينما تراب ناعم تثيره قدماه ،ينتقض لهث اا خلفه ،يعلق بملبسه ،يصل الى فمه وعينيه ..يكمل السير شاقا ا حجب الليل والصمت ،ماضياا خلف فكرة تتمثل له ،يرى فيها نهراا سوف يطهر روحه ..الظلمة ستار يستتر خلفه ،والهدوء مركب يقوده الى غايته ،والدقائق رفيق يمضى بجواره قاصد اا ذات المكان الذى يقصده ..يكمل سيره..تبدو له المقبرة أخيراا ..ذات المقبرة بعينها ..بذات ملمحها التى تخترق حدقتيه على ضوء نجمة تولد فى تلك اللحظة..يدقق فيها ..فجوة فى باطن الرض يغطى وجهها تراب أكثف من سابقه ،وحروف مطموسة تبدو أثارها على قطعة رخام ملصقة على جدار متآكل ،يعلوه إصفرار شاحب ليكاد يبين لونه ،يحده سواد باهت يكسو الطراف ..تقدم قليل منها متفحصاا..شعر بالتراب يعاود ثورته ..يعلو عينيه ..يطمر أفكاره ..وليبقى هناك ال هو وذلك الراقد على مقربه منه والذى – من المؤكد – يراه ويشعر به ويعرف أنه جاء من أجله ..ذلك الراقد الذى ينعم فى جنان السكينة والهدوء ويتركه فى آتون الفكر يتقلب على جمر اللحظات ..حدق فى إتجاهه شاعراا أنهما لم يكونا قريبين فى يوم مثل الن ..الن هما ميتان ليفصلهما ال جدار ،لكن كل منهما مي ض ت على طريقته ،فأحدهما يرقد تحت التراب هانئا ا مستقراا فى مكانه ،أما الخر فمات ومضى حام ا ل جثته على كاهله باحثا ا عن مستقر ..تصلبت نظراته على اللوحة ..حاول أن يتمتم ببعض الكلمات ..عصته الحروف ..إنتبه للرجل ينفض عن نفسه التراب ..يخرج اليه..يتجه نحوه ..يمسك كتفيه ..يهزه صارخا ا ..لن أسامحك أبد اا ..إرتعد..شعر بقلبه يتوقف ،بحلقه يجف ،وبعينيه تجحظان ..فتح فمه ل إراديا ا ليعرف إن كان يريد الصراخ مستغيثا ا طالب اا النجدة فى هذا المكان\الزمان الخاوى ،أم أراد أن يشرح له ماخفى عنه ،غير أنه فى محاولته فتح فمه رفع رأسه لعلى فالتقت نظراته بذات النجمة الوليدة ذات الضوء الفضى ..فتح عينيه على إتساعهما وهو يدير رأسه حوله ..صم ض ت ض فى الرجاء ،وعتمضة شفافضة تشى بجو الحلم أو الكوابيس ،وقلب يرفرف بين جنبيه راب ض ليعرف إن كان هلعا ا أم تأثراا بما حوله ..رفع يديه الى أمام شفتيه هامسا ا ببعض كلمات مرتجفة الحروف اعتقد انها ترحم اا عليه ،بينما على وجهه تبدو ملمح مشاعر شتى من خوف وبلدة 29
وأسف وتقزم جارف لحد له ..إنتبه لدموعه تهطل معجونة بندم لم يشعر بمثله من قبل ،ورأى رأسه ينحنى طالابا الصفح والغفران ،هامسا ا أنه جاء ..وهذا مالم يكن يتخيل و وقوعه قبل الن !!
13 السوط
يقترب الليل من منتصفه ..تدب على أرض المحطة بعض القدام..البرودة تقتحم العظام ،وقطار الضواحى على رصيف جانبى يقف متهالكا ا حاملا عناء يوام فات ،النوار داخله خافته والبعض يجلس بانتظار لحظة القلع ..آخر قطار هذه الليلة لذا يقف طوي ا ل ليعطى الفرصة لصدقاء الليل من الركاب للحاق به ..أجلس فى العربة الخيرة منه..العربة ممتلئة بالوجوه المغلفة بالنعاس ..أغلق عينوي مسنداا رأسى على زجاج النافذة المغلق ..يرتفع بكاء رضيع بجوارى مخترقا ا تلفيف رأسى ..ينفرج جفناى قصراا أرى فى مواجهتى إمرأة تحمله ،بجوارها رجل هو زوجها على الرجح..أدير وجهى متشاغل بالرصفة الخالية والليل الذى يجوس فى أرجاءها ،تهتز العربة برفق ،ينطلق صوت القطار مؤذنا ا بالتحرك ،تهدهد المرأة طفلها ..يبدأ القطار رحلته ،يرتفع الضجيج من صراع العجلت مع القضبان ..أعاود إغلق عينيوى ..كان يجب أن أصمت ..المزيد من الشكوى معناه المتاعب ..الولد بالبيت ليفكرون ال فى النقود ..أما أنا!.. عاد الطفل للبكاء ..اختلط بأنين عجلت القطار ..وقفت به المرأة وسط المقاعد ..حمله زوجها عنها ووقف لتجلس هى..أخذت أراقب نجمة يلمع نورها ساطعا ا على قبة السماء. 30
لم أخطىء حينما أرسلت الخطاب للمدير ..كان يجب أن يعلم مابى ..ليس كثيراا أن أطلب منه حمل لسانه بعيداا عنى ..الكلمات السنضة من نار تلسع ..إرتفع صوت الوليد عن ذى قبل ..صوته مشروخ من كثرة البكاء ..العيون المغلفة بالنعاس تضيق ..الم تعاود حمله ..تلقمه ثديها وهى تستتر من العين ..أهرول بعينيى الى الخارج باحثا ا عن نقطة الضوء وسط بحر الظلم..أعلن المدير أن من حقه إطلق لسانه و تشكيله كما يريد ..يصنع منه مشنقة ،يجعل منه سوطا ،أو حتى مسطرة خشبية حادة السن ..رفضت فكرته ..أردت أن أنبهه الى كره الخلق للسانه وأنه من الفضل التخلص منه ..حملت مقص كان أمامه وطلبت منه فتح فمه.ا.صرخ ..حاولت أن أشرح له أننى أريد صالحه ..رفض الستماع ..تجومع البعض ..تعالت الصوات ..إمتزجت ببكاء الصغير وأنين العجلت وظلمة الليل وسؤال المحقق -:مذنب ؟ دون أن أنطق بحرف تركت المكان وأنطلق مغادراا المحطة الخيرة فى صمت
14
لسعة برد تبلغ الفرحة مداها حينما أفتح عينى وأرى وجه امى ،أبتسم لها صباح الخير ،تلقانى بسمتها الحنون ،صباح الشمس والشراق ،أغوص فى احضانها ،أشعر برحيق الدفء وطزاجة الحنان ،تحيطنى بجناحيها ..أوقن ان الشمس ليست نوراا فقط لكنها حرارة ايضا ا ........
31
سلم مهروال نحو الباب للحق بموعد أقوبل أبى ،تسعدنى بسمته ،أضع الطعام فى الحقيبة وأ و المدرسة ..حينما أخرج من باب البيت تهلل الضياء ،تصنع لى ظلا بديعا ا أتيه به ...... حينما أعود ظهر اا أضرب الجرس ،يتلقانى حضن أمى عند باب الشقة ،أشم عبير الشوق فى عينيها ،يحوطنى الحنان وانا بين يديها ،تسألنى عن يومى وعن دروسى وأصحابى ، ،أغوص فى طزاجة الدفء من جديد ،ينسل الظلم عبر الستائر وزجاج النافذة الى عيونى ،أشعر بلفحة برد تمتد نحوى ،صدرأمى يمنحنى الدفء ،ابادلها البتسام . ...... اليوم ضربت الجرس ،ظل المكان بارداا والجو مثقل بصمت شديد الظلم ،ولم اجدها عند الباب ،ضربت الجرس أكثر واكثر ،ظل الباب مغلقا ا ..شعرت بالبرد يلسع جسدى !!
32
15
ليل وضحكات
حقيبة صغيرة هى ،تكفى بالكاد غيار داخلى واحد ،قميص ،بنطال ،ومعهم كتاب قديم الطباعة عنوانه )العلج بالضحكات ( حملهم صالح ومضى نحو الباب قاصداا الطريق ،السفر ليلا عادته مذ كان صغيراا ، يهرب من ملل النتظار الذى ليطيقه بالنوم ،قطار منتصف الليل دائما ا يروق له ،ركابه قليلون ،يختار مقعدين خاليين ويفرد جسده شاغل نفسه بالكتاب الى أن ينام ،وليصحو ال عند الوصول ..كانت الطريق ناعسة شبه مظلمة يطويها أنين الصمت وهو يمضى وحده ،وبدر هرم تآكلت حوافه يرافقه فى ملل ،بينما الشجار على الجانبين تصنع ظلل فضية تؤانسه فى سيره ،رأى مقهى أنواره قاتمة على البعد ،اقترب منه ،جلس على أول مقعد قابله طلباا لطاقة يستمدها من كوب شاى ساخن قبل أن يواصل السير ،وضع الحقيبة بجواره ،تقدم العامل منه شبه نائم ،يحمل بين طيات سماته مل ا ل لحد له ..ملمحه منقبضة تلئم المكان ،هكذا قال صالح لنفسه وهو يستقبله بمشروع إبتسامة ،رآه يوقوس ظهره محنيا ا جزعه نحوه هامسا ا كمن يخصه بسر -: -
ماذا تريد ؟
بدأت ملمح البتسامة تظهر وهو يقول-: -
شاى
33
أدار العامل وجهه حوله قلقا ا بعد أن حدق فى عينيه ورأى البتسامة جيداا ..كانت العيون نصف الناعسة تتجه اليهما ،أشاح بيده فى اضطراب ومضى بعيداا دون أن ينطق بحرف ،اتبعه صالح بعين الدهشة ،انتبه لبعض النظرات مازالت عالقة بوجهه ،رأى أيدى مفرودة الذرع تشير اليه وانطلقت كلمات بأصوات غامضة مهمهمة -: لنريد مشاكل هنا اطردوه فوراا ابعدوه عنااتسعت مساحة الحيرة فى صدره ،عاد العامل قادما بالشاى همس يسأله عما يرى ،اقترب ثانيه من أذنه -: -
انتبه لنفسك ،المكان مراقب
اتسعت حيرته باتساع الظلمة فى المكان ،أدار نظرات القلق حوله ،العيون مازالت متربصة به ،اليدى مفرودة الذرع مسكونة بالغضب ..غادر المقهى واكمل السير ،على بعد خطوات فى منطقة تقطنها وحشة وظلم أحس بكف غليظة تنحط بثقلها على كتفه ،انتفض شاعراا بقلبه ينزلق من بين أضلعه ،استدار بفعل الرعب خلفه ،اصطدمت عيناه بعينين حانقتين تحاصرانه فى مكانه وتصبان عليه جحيم نظراتهما ،وسمع صوتا متحجر النبرات يسأله -: -
لماذا كنت تضحك ؟
.......... اكمل السير وسط الظلمة بأقدام دهشة وأنفاس متحيرة ،وقد قرر تدريب نفسه ليس على العبوس فهو يراه كثير اا فى الوجوه حوله ،ولكن على إجاده ممارسته بعد أن عرف بصدور قرار رسمى بتحريم الضحك ،فقد اكتشفوا أخير اا أن سبب المشاكل التى تعانى منها المدينة هو الضحك ،فهو يؤدى الى التسيب والل مباله وأشياء أخرى كثيرة ،وحرصا على دفع عجلة النتاج وقطار التنمية فقد تقرر تحريم الضحك تماما ا وتغريم فاعله بغرامة كبيرة ،من الن فصاعداا سيلزم العبوس مثل الخرين ،يكفيه ماجرى له ،طالبوه بدفع الغرامة ،لم يكن معه نقود تكفى ،أخذوا غياره الداخلى والقميص والبنطال ،أما الكتاب فقد تركوه له مع تحذير شديد اللهجة ال يستعمله . ................. وصل محطة السكة الحديد ،على رصيف القطار رأى عيونا ا متناثرة ذابلة النظرات ،وصمتا ا يترسب فى الركان ..مضى ناحية القطار مسرعا ا ،دخل عربة قليلة الركاب ،اختار مقعدا مريحا ا ،فتح شباكه طلبا ا للهواء ،ارتفع صفير القطار بعد دهور ،لفظ الهمود وبدأ الحركة ملقيا ا بما خلفه الى هاوية الظلمات ، هب صالح من مجلسه ،أخرج رأسه من النافذة ،وأطلق الضحكات عالية !!
34
16
الشجرة
على الرض تدق عصاه على مراحل زمنية ثابتة ،الرض أسفلتية سوادها يمتد بامتداد البصر ، لوقع الرتطام المنتظم رنين يهز قلب الليل الغارب ،يحدق فى شجرة السدر ذات الفروع الكثيرة والوراق الصغيرة وهى ملتحفة بالعتمة ،واقفة كحارس ر على مدخل بيت )المجدور( ،الذى تاهت حدوده فى طيات الظلمة فلم يبد منه السواد هلمى ل حدود له ..تواصل العصا دقاتها وهو ينظر الى الشجرة وثمارها الصغيرة الملقاة على الرض التى أفترشها ضوء اللمبة الصفر الهابط من أعلى الباب الحديدى الباهت السواد ،وعلى غير رغبته يواصل السير مديراا وجهه عن الثمار الصغيرة ) النبق ( 35
والتى كان يومياا قبل الفجر مثل الن وهو متجه الى المسجد يجمعها فرحا ا بكثرتها ، قائ ا ل أن هذا ليس رزقه وحده بل رزق المصلين القلئل الذين يشاركونه القيام فى هذا الوقت ،يجمع النبق فى كيس صغير ،وحينما يصل المسجد يفتح الصنبور عليه ثم يوزعه على الموجودين مؤكداا أنه علج ناجع لمرض السكر وأشياء أخرى ،يقولها مداعب اا الكبار وأصحاب اللحى البيضاء مثله ،الى أن جاءت مرة أقعى فيها أسفل الشجرة يجمع النبق كعادته واذا به يرتعد فى مكانه وترتجف نبضاته فزعا ا وهو يرى الى جواره ظلا أسود يطوى الفراغ صاعداا لعلى ،وحاجزاا عن عينيه النور تماما ا وصوت حاد يحاصره -:هذه الثمار ملكى وحدى رفع رأسه بالكاد الى مصدر الصوت محاوال لم شتات نفسه والتحكم فى ارتجافة يديه ليجد المجدور أمامه يرميه بنظرات موبخة ،اهتزت الحروف على شفتيه قليلا قبل أن يتمكن من تجميعها هامسا ا -:أعرف ويصمت قليلا قبل أن يجد حروفاا أخرى وجدها ملئمة للموقف -:لكنها على الرض ..مشاع للمارة ! إعترض المجدور بحدة -:بدون إذنى ؟ عاودت الحروف النكماش على شفتيه وهو يشعر بساقيه المتهالكتين أصلا تهددان بانهيار كامل ،همس محاول ا التعلق بأى قشة تنجيه من بحر خجله هذا -:وهل ترفض ؟ قال الخر بجفاء -:نعم أرفض ومضى عنه . يتذكر تلك الحادثة وهو يمضى يومياا على ذات الطريق تدق عصاه الرض السفلتية وسط الطريق بعيداا عن بيت المجدور والشجرة وحبات النبق الصغيرة التى يلفها الضوء الصفر بوشاحه فيصقل صفرتها امام عينيه ال أنه يدير وجهه عنه ويمضى ، وحين يسأله أحدهم عن سبب انقطاع هداياه اليومية يكتفى بابتسامة صغيرة قائلا أن الشجرة لم تعد تعطى قاصداا أنها لم تعد تعطيه ،الى أن جاء اليوم ووجد المجدور أمامه بعد الصلة ،مد يده مسولماا واستعد للخروج غير أن الخر اعتقل يده المعروقة بارتجافتها فى باطن كفه وهو يهمس له -:أذنت لك
36
أدار عينيه نحوه ،نور المصابيح السارى فى المكان ينهمر على ملمحه المجدورة من أثر مرض قديم الم به فى صغره وترك علماته على وجهه مما جعل الناس يتركون إسمه الحقيقى شعبان وينادونه المجدور ،حدق فى وجهه بعين العجب ،بدت الرحمة رائقة الماء فى أعماق عينيه بينما على شفتيه ملمح اعتذار على هيئة ابتسامة خجلى ..افلتت اليد المعروقة من باطن اليد الخرى فى رفق وقد أدرك ماهناك وهو مالمر ؟ يسأل -: أحنى المجدور رأسه هامسا ا -:لم تعد الشجرة تعطى ثمراا . حدق فى وجهه قليلا قبل أن يستدير عنه عائداا من ذات الطريق
17
الخصم
التفتت العين الي بهجت حسين ،حملت النظرات آيات عجب لدخوله القاعة وفى تلك اللحظات بالذات .كان الجميع بما فيهم حسن منصور نفسه يوقنون بأن طلوع الشمس من مغربها أقرب من تفكيره -مجرد تفكير -فى حضور هذا الحفل ،تركوا المدير العام والمائدة الرئيسية 37
والكلمات الروتينية المعدة لتلك المناسبات والتفتوا اليه ،تقدم بجسده الفارع محنيا ا رأسه فى هدوء الى حي ث يجلس حسن ،صمت المتحد ث ،ساد سكون منذر ،العين تترصد حركته والذان مشرعة للتقاط أدق ما قد يصدرمنه ،فاليوم هو آخر عهد حسن بالعمل ،وحسب الروتين المتبع أقيم الحفل للحتفاء به ،تم دعوة الجميع ماعدا بهجت لمعرفتهم الوثيقة بالخصام المستعر بينهما والذى لم يفلح معه تدخل من أى نوع ،فالرجلن قد أصرا على البتعاد ،ورفض أى حوار بينهما رغم وجودهما معاا فى ادارة واحدة ،كل هذا فى تحرد ت حي ث لم ينبس أحدهما بكلمة عن الخر ،لم يشكو منه أو يشرح حتى سبب هذا الخلف صام ر ،واذا ضذكر أحدهما أمام الخر أغلق فمه ولم ينطق بحرف ،الغريب أن كل الرجلين يمتاز بالخلق وطيب النفس ،وكانا صديقين حميمين ،بينهما عشرة سنوات طويلة فى العمل وخارجه ، ورغم محاولة البعض التوغل فى الموضوع ال أن صمت الثنين لم يعط أحداا الفرصة للوصول الى شىء ،حتى كان اليوم وحسن يجلس بين رجال الدارة الكبار فى حجرة الجتماعات وأمامهم كالعادة فى مثل هذه المناسبات قطع الجاتوه والمثلجات ،والميكروفون يتنقل من فم الى آخر معدداا مناقب حسن ،راجياا له حياة أفضل بعد الستين ،وحولهم بعض الشباب بأجهزة المحمول يصورون الحفل ،ويتسابقون للتقاط الصور مع الرجل الذى كان بالمس رئيس ورشة الصيانة المهيب ،الذى يعرفون جيداا طبيعته وأسلوبه ،ويخشون من صوته الجهورى الذى يستخدمه كسلح رادع ضد أى مقصر أو متوارن عن بذل الجهد فى عمله ،دون أن يفكر طوال عمره فى إيذاء أى منهم بجزاء أو خصم من الراتب ،مكتفيا ا حين يرد عليه أحدهم رد اا ليعجبه أن يكتب مذكرة جزاء عنيفة اللهجة مايلب ث أن يمزقها حينما يأتيه المذنب معتذر اا ..يتسابق الشباب للتقاط الصور معه اليوم وهم يعرفون أنه سوف يأفل نجمه ويصبح ذكرى مصحوبة بالكلمة المتوارثة ) كان ( ،ول يبقى منه فى الذهان ال سيرة تمتد الى سنوات طوال ،تغيب فيها ملمحه عن الذاكرة ،ويتوه صوته عن الذان ،ول تبقى ال كلمات تقال عنه أم بخير أو بشر ،فهم يتذكرون الى الن الحاج حامد رئيس الورشة القديم ومواقفه فى الدفاع عن رجاله وخوفه عليهم ،وفى الوقت نفسه سيطرته ودفعه لهم لبذل أقصى ماعندهم مستخدم اا فى ذلك يده قبل لسانه ،وهم راضون لنهم يرونه يتصدرهم فى أى عمل مهما كان ، ويذكرون غيره ممن كانوا ليتوانون عن اليذاء والحاق الضرر بأى منهم لى خطأ ،وكلما خرج واحد من الكبار انضم فور اا للواء )كان ( ومعه سيرته ،وهاهو الدور يجىء اليوم على حسن الذى يجلس محنى الرأس محاو ال إخفاء ملمح التأثر على وجهه ،وكبت دموعه بقدر مايستطيع ،فهو هكذا فى كل أموره ،مشاعره متوقدة متدفقة تبدو على محياه فوراا ،وقد أشار المدير العام فى كلمته الى هذه النقطة بالذات مؤكداا أن الصدق مع النفس والخرين هو ماكان يميزه ..وهنا فى تلك اللحظة دخل بهجت القاعة ،التفتت اليه النظار والذان ،صمت المدير العام ،استدارت الكاميرات اليه بقامته المديدة وهو يتحرك هادئا ا كعادته وبحكم سنه ايضا ا فهو 38
يقارب حسن فى العمر ول يفرق بينهما البضعة شهور ،وهو أيضا رئيس ورشة الصيانة فى نفس الدارة ،لكنه يختلف عن حسن فى إسلوبه ،فهو خفيض الصوت قليل الكلمات ،وإن كان يماثله فى نبذه للذى ..تحرك اذن حتى وقف أمام حسن الذى وقف لشعوريا ا ليجد نفسه مواجها ا له ،تتلقى العين ،تتشابك النظرات ،يقول بهجت بصوته الخفيض-: -
جئت أشكرك على خصومة كنت فيهاخصما ا نزيها ا
والكاميرات تسجل والعين تتابع والذان تلتقط الكلمات وهدوء جارف يغمر المكان ..فتح بهجت ذراعيه ،فاضت الدموع من عينى حسن ،ضجت القاعة بالتصفيق !!.
18
الحذاء
تعملقت جذور الحيرة فى صدرى وانا أحدق فى الشاشة الفضية ،الرجل يبدو وقوراا جاد الملمح ،يتكلم بتؤدة مفكر وبعلم خبير ،حروفه مرتبه ولغته سليمة ،يوظف ملمح وجهه بإتقان وهو يتحد ث عن الحذاء العجيب الذى هو ثورة ستزيل الغباء من الكون ،والذى تم تصميمه ليمنح النسان من خلل دائرة الكترونية فيه الذكاء ،الشاشة الفضية كبيرة تعلو مدخل حانوت لبيع الحذية ،المحل صارخ اللوان ،ذو واجهات زجاجية مضيئة بأضواء ملونة بالوان مبهرة ،تحيط بالحذية الجديدة ذات اللوان والمقاسات المختلفة ،أحدق فيها لعلى أصل الى جديد فى شكلها أو إضافة الى تركيبها ،لشىء ،أرى وجها ا يحمل سمات الجد
39
تغطى عينيه نظارة طبية ،تعلوها رأس ملساء يحيط بجوانبها شعر خفيف ،ويحمل بين يديه حذاوءا جديداا ويخرج من الحانوت فى كبرياء قاصداا الطريق ،اتصدى له بسؤال غبى لمفرمنه -: مارأيك فيه ؟
مشيراا الى الحذاء
ينظر الاى من خلف نظارته الطبية مباغتا ا ،يحدق منقبا ا فى وجهى قبل أن يلفظ حروفه بجفاف -: -
معجزة جربته ؟ سأجربه
مضيت مع إنحناءة الطريق لجد الشارع الكبير أمامى حي ث الحوانيت أكبر واللفتات تشد العين وتسلب النظر بحروف النور المنبعثة منها بشتى اللوان ،و التى تروح وتجىء وتصعد وتهبط وتدور فى حلقات لتهدأ ..تنبهت لحدهم يقف وسط الشارع داعياا الى أوكازيون وتخفيض هائل فى سعر الحذاء الجديد ،الذى يحمل مميزات ستقلب الموازين وتغير الفكار وتبدل القيم ،فهو الحذاء الذكى المناسب لكل المهن والعمال ،والذى سيمحو الفوارق تماما ا بين الذكياء والغبياء ،وسيجعل من الكرة الرضية شعلة ذكاء تتأجج فى سماء الكون ،اندفعت الى الحانوت ،صفا ا طويل وقفت فى آخره على مضض خشية أن ينتهى العرض قبل أن أفوز بما أريد ،وصلت الى المام ،وجدتنى أمام حاسب آلى سألنى عن إسمى وعن عملى ، قلت انا الدكتور يوسف مكتشف النزيم المسئول عن درجة الذكاء فى جسد النسان ،نظر الوى الرجل الجالس خلف الحاسب متسائلا -: -
هل لهذا الكتشاف فائدة الن ؟
لم أفهم مايعنى ،أوضح -: -
فى وجود الحذاء المعجزة لن تحتاج لهذا النزيم
لم أرد ،جربت الحذاء فى البيت ،لم الحظ جديداا ،حدقت فى ملمحى عبر المرآة ،كل شىء عادى ،اختبرت مستوى ذكائى بالحذاء وبدونه ،لم يتغير ،هرولت الى الطريق والحذاء فى يدى وعلمة إستفهام كبرى تتراقص أمام عين وى كيف استطاعوا إغلق عقلى والخرين و دفعنا الى الشراء بهذا القبال الذى لم يحد ث من قبل ،وكيف يمكن خداع كل هؤلء الخلق وبنفس الدرجة وبذات الكيفية دون أن يخرج منهم من يقول لقد ضخدعت ،دخلت الشارع الكبير ،كان مزدحما ا ،حادثت نفسى ساخراا أن الخديعة تسرى فى النفوس الساذجة وتعبرها الى العقول المغوية و القلوب الواهنةالتى تلغى كل مساحات التفكير لتضع مكانها مساحات أكبر للغفلة والغباء ،مؤكد هؤلء جميعا ا يتسارعون على أسبقية الشراء لمجرد الفخر بأنهم حصلوا على الحذاء الجديد ،اقتربت أكثر ،سمعت عبارات التذمر تسرى عبر الفواه ،إنفرج همى قليل ا ،تطايرت العبارات مزمجرة وسط الحوانيت ذات الواجهات الزجاجية بالوانها الصارخة وشاشتها العملقة التى ماتزال تتحد ث عن المعجزة القادمة من الغرب والتى ستحيل ظلم الغباء الى نور من الذكاء والفهم ،كان المن ينتشر تحسب اا لحدو ث مشاغبات ،ترنحت وانا أسمع الهتافات تعلو ،تهز الشارع والحوانيت والمن معا ا منددة بالحذاء وبمن باعوه ،تسللت عبر الجساد المتلحمة نافذا ا الى الحانوت الذى باعنى الحذاء ،قدمت شكواى طالبا ا رد نقودى ،رد الكمبيوتر -: 40
-
غبى ..لم يعرف كيف يستعمل الحذاء !!
19
مشوار رأيتها تقترب وتتوسل -:أرجوك لتتركنى وحدى ..معه !! اتسعت عيناى بملء مافيهما من عجب معجون بدهشة ممزوجة باستنكار ،حدقت فى عينيها أرقب تقاطيع وجهها المجهدة ،ذلك الوجه التى كانت تمنحه جل اهتمامها فيما مضى ،الن صار خاليا ا ال من حمرة النفعال .تضمه الى صدرها ،تهدهده فى رفق ،وهو غير آبه بما تفعله ..قلت وانا أكبت غيظى -:لن أتأخر واستدرت أريد الباب ،فتحت المزلج ،هرولت صرختها خلفى -: 41
أشرف مريضقلت متشبثاا بهدوء زائف -:سأذهب الى أبى أطلب سلفة جديدة همست برجاء -:ليس الن ارتميت على أقرب مقعد ،قائل بصبر نافذ -: ضميه الى صدرك أكثر ،سيشعر بالدفءأشاحت بيدها فى عجز -:تهرب كلما احتجت اليك وعيناها آخر مابقى من الحسن القديم تلمع فيها حبيبات الدموع ،وهى تسير به جيئة وذهابا ،وهو عنداا فوى يواصل البكاء ،أخذت أرقبهما معاا وخاطرة تدور فى فراغ رأسى ،لقد تغيرت رائحتها مذ جاء أشرف ، صارت رائحة أم بكل مافيها من دفء وبراءة ،نقلت عينى بين صورتها على الجدار وصورتها الن وأشرف بين يديها ..نسمة إشفاق مرت بصدرى ،همست متلطفا ا -:هيا نذهب الى الطبيب استمرت ذراعاها فى حركتهما البندولية دون رد ،مضت لحظات وانا أجلس مترقبا ا الموقف بصدر ضيق ، فجأة رأيت وجهها يشرق ببسمة عذبة الملمح ،عيناها تتألقان ،تضع راحتها تحت خدها بمعنى أنه سينام ..شغلنى هذا الكتشاف ،أسلوبها ،سمات وجهها ،ونظراتها ذاتها تغيرت ،أشرف نقلها من من حالة الى أخرى ،وهبها روحاا جديدة لم تكن لديها من قبل ..انتبهت لصمت كالشلل يغطى فضاء المكان ، خلخلة الهواء من حولى ،كأن جدرانا كانت تحيط بى وتضغط رأسى قد تهدمت مرة واحدة وساد بعدها سكون ..تابعتها وهى تسير محاذرة الى حي ث أرقدته ،ورأيتها تعود معلنة بأحداق متألقة أننى يمكننى الخروج الن بشرط ال أغيب .هرولت نحو الباب ،سبقنى صوتها -: هات معك مانحتاج اليهقلت مشفقا ا -:المهم أن أجد أبى أخذتنا المناقشة ،هربا ا منها أعدت الهرولة نحو الباب ،فتحت المزلج ،وضعت قدمى خارجه ،شدتنى رنة فرح غامر فى ثنايا صوتها-: تعالى بسرعههرولت اليها ،وجهها ينير بابتسامة مبهرة ،فيه نضارة ،وأشرف بين يديها ضاحك الثغر ،مدت يدها به اولى ،رنت ضحكته فى فراغ الحجرة ..نسيت المشوار !!
20
42
نواقيس اللم
رأيته عاقداا ذراعيه على صدره ،واقفاا على باب الحانوت ينتظر ،عيناه مصلوبتان على أول الشارع ،حدقاتهما ثابتتان على المنحنى حي ث يجب أن يدور أى قادم اليه ،هودأت سرعة السيارة التى أقودها وأنا أقترب منتظراا الهلك على يديه نتيجة فعلتى اليوم ،جريمة عظمى فعلتها ،عطلت العمل يوم اا كامل ابالمطعم ،الزبائن فروا الى مطاعم أخرى ،المكسب اليومى تبخر ،وأجور العمال خسارة يتحملها وحده ،له الحق فى شنقى على باب الشارع جزاء ما فعلت ..أخذت أتابع ملمحه وانا أقترب بالسيارة وقد تجهز الموتور للموقعة فهدأ صوته تماما ا ، وبداا يقترب حثيث اا لتوازى السيارة طول الطوار وتنحدر مذعنة الى حي ث يقف ..لم يكن لودى ماأقول الخطأ ،أكبر من أى تبرير ،منذ عملت عنده وانا أعرف أن المهمة مقدسة ،وأن عولى ال يمنعنى عن إحضار البضاعة ال الموت ،فأنا قبل تنبه الطيور من رقادها أخرج مع الليل والظلمة للحق ببواكير السوق ،أحمل الخضر والفاكهة اللزمة لعمل اليوم وأعود الى المطعم ليبدأ العمل ،حتى اذا جاء وقت الظهيرة افترشنا المقاعد إنتظاراا لوفود القادمين . أخذت اتابع ملمحه وأنا أقترب بالسيارة لحاذى الطوار ،البضاعة لم أحضرها ،زوجتى مريضة نقلتها للمستشفى فجر اا ،لم أذهب للسوق ،أعرف العقوبة ،الطرد ،فكرت ال آتى وأن أوفر على أذنى سماع مال يليق ،غير أن الهرب ليس طبيعتى ،ليكن مايكون..اذا لم يعطنى الفرصة للشرح سأعطيه ظهرى وأمضى ..اقتربت على مهل ،الن تبدأ المواجهة ،لن أستودر عطفه ،المطعم تعطل ،هذا ذنبى الكبير ،إقتربت أكثر ،وجهه عابس ،جبينه مقطب ،فمه مذموم ،القيت السلم بصوت خافت ليكاد يبين ،ظل محدقا فى وجهى دون كلم ،محاصراا عين وى فى قوة ..مؤكد يبح ث عن كلمات يبلغنى بها القرار ،وضع يده على كتفى ،يده ثقيلة ، كفها ضخمة ،هدوء ماقبل العاصفة هذا ،خرجت الحروف من فمه بطيئة النبرات - :لماذا لم تقل لى؟ أقل ماذا ،لم يكن لد وى وقت لكلم ،كان الموت يتعملق أمام عينى وإمرأتى تهوى عبر بئر النهاية بل حول ،مد يده فى جيب سترته ،سيعطينى بقية حسابى ،أخرج النقود ،دسها فى يدى -: -
اذهب الى المستشفى ،اذا احتجت شيئا ا اتصل بى . 43
للحظة لم أع المر ،رميت بنظراتى على براح وجهه فى شرود ،وحينما فهمت اهتزت نواقيس اللم فى صدرى ،الم جارف هزنى ،حاولت الكلم ،تاهت الحروف من شفتى ،بكيت !!
21
غيبة مغلف بالفقر ،يريد زاداا هكذا قلت لنفسى واناأحدق فى وجهه حينما اقترنا منه ،لم يكن على حافة الطريق كالمعتاد ،ولم يكن محنى الرأس كما تعودت أن أرى ..أشار الينا بالوقوف ..تعاطفت معه ..وضعت يدى فى جيبى ،وكذلك فعل صاحبى ..لم تكن هيئته وسيماه تدلن عليه ..بدا رغم نحول وجهه شديد لمعة الحداق ،نظرته تشى باعتداد قديم ليتناسب مع طلب الحسان ..مددت يدى مقبوضة الصابع ببعض النقود ..ردها وحدق فى عين وى ،رأيت على ضفتى أجفانه بلورات دموع متجرة ،وبدا وجهه بمشاعره المتأججة فى حبتى عينيه لوحةعبقرية التعبير عن السى ..لح لى ظله على الرض جزاء ملتصقا ا به يمتد من قدميه الى عرض الطريق تطأه العربات والخلق ..أقبل بوجهه نحوى سائلا -:
-هل رأيت محمود ؟
نظرت الى صاحبى ونظر اولى ..عدت اليه ..هززت رأسى يمنة ويسرى هامسا ا -:ل ظل محاصر اا وجهى لبرهة ،ربما يحاول استيعاب ردى أو يتيقن من صدق قولى ،بعدها أدار وجهه عنا ومضى..تحرك ظله معه ..سألنى صاحبى -:ماله ؟ 44
لم أجبه ..كنت أرقب الخر ،أراه وهو يمضى متمهل ا ..يحدق فى الوجوه ..يسأل البعض ينصت للجابة ..يستوعبها ويمضى ليسأل من جديد ..مضيت اليه -:أين ذهب محمود ؟ من خلل العرق الثائر على ملمحه السمراءارتسمت على عينيه معالم حيرة ،شرد قليلا وهو يساءل نفسه بصوت خافت كمن يحاول استيعاب أمر جديد عليه -:ذهب !! ثم عاد اولى بلمعة حدقتيه ،غارزاا نظراته فى عيونى ،رافعا ا يدوا معروقة مقبوضة الكف ال من إصبع السبابة أمام وجهى ،وقال بحسم -: لم يذهب ،وسوف يعودوتركنى ليسأل آخر -:هل رأيت محمود ؟
22
لحظة شروق الشمس 45
لم تشرق شمس اليوم ،صحا الناس فلم يجدوها تعتلى قبة السماء كعادتها ،بحثوا عنها ،لم يسفر بحثهم عن شىء ،تحركت أجهزة العلم قاصدة المراصد الفلكية ،خرج النبأ فى كلمات مقتضبة -:لم تشرق شمس اليوم ،سنوالى البح ث عن السبب . تساءل الكثيرون ماالعمل ؟ .............. أراح الظلم الفلحين ،أسعد البهائم ،الموظفون أيضا ا وأصحاب العمال انقطعوا عن أعمالهم ،الحانات وأوكار الليل تعللت باستمرار الظلمة ولم يبرحها روادها ..صرخت وزارة الكهرباء من زيادة الستهلك ، فزعت مصلحة المياه من إنخفاض منسوب النيل ،أعلن جهاز تنظيم السرة أن المر خرج عن التنظيم وسيصبح العدد فى الليمون ................... . انشغلت الفضائيات بالمر ،كثرت التحليلت ،زادت التصريحات خاصة من المسئولين ،قال أحدهم مهدئا ا ثائرة الثائرين -: نحن لتقهرنا شمس ول قمر ونستطيع العيش بدونها .تعالت ضحكات ساخطة عليه . تناثرت التعليقات -:لم نصنها فكان الحرمان ..تلك علمة يوم القيامة ..لن يقف العلم عاجزاا عن إيجاد حل ولو بصناعة شمس صناعية ؟ طال وقت الظلمة ،تعملق القلق ،بكت العيون ،تضرعت القلوب ،بدأت قطرات النور تتساقط من خلف الغمام ،كسا الفق لون وردى تحول تدريجياا الى إصفرار ،من وراء نجم هائل الحجم عابر فى الفضاء ظهرت الشمس !
46
23 -
الجنة -
صباح هذا اليوم رأيت وجه أمى يطفح بالبشر على غير عادتها ..قالت إن أبى زارها لي ا ل ..تحد ث اليها ثم مضى ..حاولت إحتمال فضولى لمعرفة ماأولم به فى تلك الجنة التى حكت لى عنها ..حدقت فى وجهها أتفحص قسماته بعد مطالعته له ..سألتها كثيراا عنه ،عن السكن الذى فضله على شقتنا هذه الضيقة التى بالكاد تتسع لنا ،وتخيلته حامل ا قسماته الطيبة ونظرات عينيه المترعة بالحنان وهو يدخل عليها حجرتها ،وهى تسوبح كعادتها بعد 47
-
-
-
صلة العشاء ..مؤكد سألها عنى و إخوتى الكبار وقالت له مالديها .لحظتها شعرت بأنفاسه حولى ..بادلت صورته على الجدار البسمات ،قررت أن أترك المدرسة والسكن ،أذهب اليه فى جنته تلك أشكو له طول غيابه وشوقنا اليه ،وأرجو منه العودة معى الى البيت ،أو السماح لى بالعيش معه وحين أشتاق لرؤية أمى أعود لراها ..واجهتنى مشكلة لم تكن فى الحسبان أين أجد تلك الجنة وكيف أصل اليها ..قلت لمى هذا تقهقرت النظرات فى عينيها ،رأيتها تمسك بكتفى وتشدنى الى أحضانها ،أتدثر بسواد ملبسها شاعراا بنقاط مالحة من الماء تدق ظهرى . ........... عند سطوع شمس الظهيرة وإعتلئها قبة السماء ذهبت أمى . رأيتها بين يدى مرضها عاجزة حتى عن طلب العون ..عيناها تغوصان رويداا فى ماء بحر آسن لقاع له ..احتضنت يدها ..دف ء الحياة ينبض واهنا ا ..يخف رويداا ..حاولت إستخلص جسدها من بين براثن الغياب ..لم استطع ..ضمتنى أختى الكبرى الى صدرها ..أمك ذهبت للجنة مع أبيك ..بقوة الفقد صرخت أريد الذهاب معهما ..أغرقت كتفى سيول الدمع من جديد . ................. الن وانا على أعتاب المغرب أحمل الشوق لبى واللهفة لمى ..ينفذ حفيدى باسما ا من بين السيقان المتزاحمة حولى ..تضمه عيناى قبل يدى ..له حروف خاصة به ..أحبها من شفتيه ..يسأل وهو يقف بجوار سرير مرضى ..وجهه بالكاد يحاذى وجهى :-مالك ياجدى ؟ -:بوهن الصوت أهمس يطالعنى وجه أمى وصورة أبى .. :سأذهب الى الجنة ضرب قدمه بالرض وقال غاضبا ا -: :خذنى معكحدقت فى عينيه وظل إبتسامة يرتسم على شفتى
48
24 بسمة أبى سعادة باكتشاف جديد مرت بى ..رأيتنى أحمل فيضا ا من لهفة لخوض تجربة كثيراا مانأيت بنفسى عنها ، شاعر اا بلجدوى النغماس فى ماءها السن برائحته المميزة..اليوم مضيت وأبى حامل أعين الشوق لتلك الممارسة بعد أن تحرك الماء وفار ،غازلا من ذراته حروفا ا مبهجة بارزة للعين ،حاملة روائح ذكية تمل الروح أملا وتبع ث فى النفس نشاطا ا ورغبة فى الحركة والتدفق . كان والدى مايزال يحمل شكوك المس فى قلبه ،ينظر صامتا ا بينما عيناه تبوحان بتردد مثير .أشرت له الى البوابة الحديدية ..أمامها صف بشرى ينتظم بطول الشارع الكبير ،ل أحد يحاديه أو يرقب خطوته ..برقت نظراتى وهى تتجه لعينى أبى وهمست -:شخصية غريبة نحن ..نمتلك المقومات ولدينا الساس ونعرف كيف نتصرف ورغم هذا يحكمنا مزاجنا الشخصى وفكرتنا المسبقة ول نعرف من اللوان ال البيض الناصع البرىء من متاهات السواد أو السود العميق الذى يأكل نظرات العيون . هدأت خطى أبى ولم يرد ..هو هكذا حينما تهاجمه بالحجة البينة ،تنطق عيناه بالرضا أما لسانه فيد ور فى متاهة الصمت .مددت يدى اليه فتشابكت ذراعانا وأكملنا السير ..مضينا الى آخر الصف لننضم الى الوقوف ..أشار أحدهم الينا -:الكبار )يقصد أبى ( لهم إعفاء من الصف . واشار نحو الباب ..حملت سنوات عمرى قرير النفس ومضيت خلف أبى ..قدمت بطاقة هويتى وتسلمت ورقة القتراع ..لن الماء السن تحرك وفار قاذفاا بالخب ث والنفايات خارج مجراه أتى الناس اليوم..فاجئنى خاطر ..لم يكن أمام الباب سماسرة الصوات ..لم تمتد يد بنقود عطنة الرائحة ،ولم يرجونى أحدهم ن أقول مايريد ..أدرت البصر حولى ..مكتب قديم تجلس خلفه وجوه جديدة ذات سمات بيضاء رغم قمحيتها ..نظراتها تطلق طيور اا بديعة التغريد تدفعنى دفعا ا لفتح فمى ورسم ابتسامة وردية على شفتى ..يعلوها إطار ذهبى الحواف أبيض القلب يحمل عبارة ا أكبر ..أشير لوالدى بطرف عينى اليه ..تتبسم عيناه مدركا ماأقصد .. ..أتجه الى صندوق القتراع الخشبى ..جدرانه من الزجاج الشفاف ..داخلها أصوات الناخبين ..أمسك القلم ..أشير الى خانة نعم بل تردد ..أضع الورقة عبر الفتحة العلوية فى الصندوق ..بمجرد عبورها الفتحة تفرد أجنحتها محلقة فى فضاء المكان راضية ..أنظر لبى ..أرى عينيه باسمتين ..ابتسم له !!
49
25
حفلة عرس
..تفجرت ينابيع الخوف فى تجويف صدرها وانقبض قلبها ل تعرف لم ،كانت تداعب الزملء ، تسخر من تأخرهم عن العمل واختراع الحجج للهروب منه ،دق الهاتف الجوال فى حقيبتها ، اخرجته ،اندفع صوت هشام مترنحاا على السلك الى أن وصل سمعها ..الحقى بابا !! وانقطع الصوت ..حاولت التصال به ..الخط مغلق أو خارج الخدمة..ابتلعت ضحكة كانت تزين شفتيها .. المفروض أنه ذهب الى الكلية الن ..إمتحان المادة الخيرة فى البكالريوس ..بد ت على وجهها زوابع مابعد المكالمة ..حملت حقيبتها ودون كلمة هرولت نحو الباب ..حاول البعض معرفة المر ..اشاحت بيدها قائلة للفراغ الذاهبة اليه -:ظروف قاهرة 50
وطارت عبر الطريق . ................. صرخ مفصل الباب بين يديها ..تركته الى عتمة تحتل الردهة الداخلية..قابلها هشام بوجه لم تره من قبل ..لم تجد وقتا لسؤاله عما به ..هرولت الى غرفة النوم ..رأته هناك على سريره ..وجهه منبسط السارير ،يحمل ابتسامة فى طور البزوغ ..عيناه مغلقتان ،وجبينه عليه نقاط تترنح على حوافها الشعة النافذة من الضوء أعلى الجدار ..أمسكت بيده..تحسست رسغه ..ازداد ت دقات قلبها صراخ اا ..تيبست الكلمات على شفتيها ورأت الحجرة والمرئيات تدور حولها بعنف .. من بين سحب الضباب الناشب أنيابه فى أحداقها عادت الى هشام ..يقف هناك أمام الباب فى لجة جزع ر جارف ..عيناه تصرخان ..تضربان أسطح الجدران بهدير النظرات المتلطمة تارة والمترنحة أخرى بل حول ....مدت يد اا واجفة اليه محاولة تثبيتها قدر المستطاع وهى تهمس بصوت غريب على أذنيها -:..مايزال هناك متسع لديك . قاصدة أن يلحق بامتحانه . تراجع خطوة للخلف راسما اعلى ملمحه فجر دهشة صارخة -:ماما !! أحنت رأسها قائلة فى حدة -:انا معه ..اذهب انت اقترب قليل معترضا ا -:ماما !! رفعت عينيها اليه ..قالت قبل أن تنهار أمام دموعها -:قلت اذهب ..اذهب واستدارت عنه ..حدقت فى الوجه السابح فى سماء سكونه ..رأته شابا ا يطاردها حتى ترضى به..يذهب الى أمها -:أريد إبنتك ..تواجهه هى -:وانا ل أريدك ..يحدق فى عينيها بقوة -: سأتزوجك ..يصارعان اليام بعد الرتباط ..يغوصان فى غمرة الظروف ومتاهات اللم ..يظللن الصغار بروحيهما..يقع مريض اا ..تقوم بتمريضه ..تمضى لحظاتها فى العمل و تهرول اليه ..تحكى له ماكان ..تحادثه عن يومها وزملئها ..تقدم له الجرائد ..تحلق له لحيته ..تساعده فى تغيير ملبسه ..أخيراا ترقد الى جواره منبسطة السارير ،راضية برحيق أنفاسه الى جوارها ..اما الن !! عادت الى وجهه ..مدت يدها تتحسسه ..تهمس له بكل مايمر فى سماء روحها من حروف .. تدعوه أن يهل ببسمته كما عودها ..رأت فمه ينفرج ..رأته -وتقسم على هذا -ينفرج ..صحيح أنها فرجة لتكاد تبين ..لكن النور أضاء وجهه ..امسكت بصدغيه فى حنان ..تكلم ..افتح عينيك ..اعد ابتسامتك ..لم يرد ..هبت من مكانها ..اتجهت الى دولب ملبسهما 51
..اختارت بذلة عرسه وعادت اليه..بدأت تغير ملبسه ..تمشط شعره ..نثرت العطر الذى يحبه بعدها ارتد ت فستان عرسها وصعدت الى جواره على السرير ..أخذت يده فى يدها ،والقت على
شفتيها ابتسامة مبللة بماء الدموع
26
عودة الميت إختار سيد وظيفته الخيرة بناء على إقتراح أحد الزملء على المقهى ،همس فى أذنه أن يعمل ميتا ا ،من يومها وهو يسمى سيد الميت ،وهى وظيفة والحق يقال قد عادت عليه وزميله بإيراد يومى لم يكن يحلم به ،فقد عمل فى أشياء كثيرة أما الموت فلم يخطر بباله من قبل وبهذه الطريقة الشيك التى لتكلفه اللحظات من الصمت والجمود ،يقوم فيها بالتمثيل وسط تجمع من البشر يلتفون حوله ،يقولبون فى جيوبه بحثا ا عن شخصيته ،بعدها يتدخل صاحبه ،يقوم بعمل اللزم من إستدرارعطف القلوب على هذا الميت المسكين الذى ترك خلفه أسرة كبيرة لعائل لها ،تحتاج مساعدة عاجلة ،بالضافة لمصاريف الدفن ومواراته التراب ،وبسرعة تمتد اليدى ،يجمع الزميل النقود ،يساعده المارة على نقل الجثة الى إحدى العربات التى تنطلق بهما الى حي ث يقتسمان الغلة ويذهب كل منهما فى طريق ،على وعد بلقاء جديد ومنطقة أخرى يستخدم فيها مواهبه ،ورغم سهولة المهمة ال إنه دائم الشكوى منها ،من اليدى التى تمتد اليه ،تقولب جسده وجيوبه ،وعليه مهما فعلوا به عليه أن يظل ساكنا ا مقطوع النفس وال فشلت مهمته 52
،أ مر آخر فى هذا العمل يقلقه وهو أمانة زميله،إذ انه يأخذ النقود ،يبتلعها ،وحين يطالبه بالتقسيم يخرج له القليل مقسم اا بأغلظ اليمان أنها كل مالديه ،يحدق فى عينيه متهما ا ،يصر الخر على إبعاد التهمة عنه ،أما غير هذا فل شىء هناك ،العمل سهل يشعر وهو يؤديه بمتعة التحدى اليومى لمهاراته ،خاصة والعيون ترصده متربصة بأقل حركة قد تصدر منه ،وهم يقلبون فى جسده أو وهم ينقلونه الى العربة التى اتفق وزميله مع صاحبها ،لتنقلهما الى الماكن المختلفة التى يختاراها بعناية ،وتكون جاهزة حين يصيح سترة زميله طالب اا عربة لحمل الميت الى بيته بدل امن الذهاب الى المستشفى وتشريح الجثة ،متعلل بأن ض الميت دفنه ،وقد اعتاد ا الذهاب الى مناطق الثرياء للمبالغ الكبيرة التى تقدم لهما ،اليوم والعربة تمضى بهما الى ضاحية مشهورة بمستوى قاطنيها شعرسيد بقلبه يدق بسرعة مخترقا ا حاجز الصمت الذى يسود عادة جو العربة مشحون اا بتوتر اللحظات السابقة لكل عملية ،رأى العرق يغطى وجهه وانتبه لطرافه تتثلج ،همس صاحبه وهو يرمقه بطرف عينه أن هذا سيسهل مهمته ،رسم إبتسامة بالكاد على شفتيه ولم يرد ، اقترب المكان المختار ،هبط من السيارة ،سار قلي ا ل قبل أن يقع أرضا ا وسط الطريق وبين العربات المارة ،مما استرعى إنتباه العين والتفاف الجساد حوله ،تقدم صاحبه ليقوم بعمله المعتاد من شرح ظروف الميت وظروف أسرته ،إنتبه لحدهم يقاطعه صارخا ا أن هذا الميت قد مات كثيرا ا من قبل فى أماكن أخرى ،تسلل الزميل من بين السيقان هاربا ا ،موقنا ا بالهلك إن أمسكوا به ،أما سيد فقد سمع جيداا مايقال ،حاول أن يستمر فى دوره ،لم يستطع ،فتح عينيه بالكاد مديراا حدقتيهما فى الوجوه المتحلقة حوله ،كان وجهه مايزال ممتقعا ا والعرق يغمر قسماته ،صرخ أحدهم مهل ا ل بأن الميت قد عاد للحياة ،هللت الصوات خلفه فرحا بحدو ث هذه المعجزة أمامها ،ضاع الصوت الول فى مهرجان الصوات الجديد ،أما سيد فلم ينطق بحرف !!
27
فقد صديق
53
فرت من عينيه نظرة عجب ر الى الطوار المقابل ..ذاك الطوارالذى زامله سنوات ،وجوده يوميا معه الغى المسافات بينهما ،كان يقف كل صباح يهمس لنفسه بما لديه ،ينظر هنا ويحدق هناك ،انتبه لهذا الطوار ،انتابته خاطرة شعر معها للحظه بتشابه بينهما ،هذا التشابه جعله يطيل النظر اليه ،يحكى ويضحك معه وربما بكى بين يديه ،شاعراا بسعادة لنه يزيح عن صدره مايؤلمه ،وفى ذات الوقت يجد من يشاركه المه ،يتوحد معه فى الطباع وفى الحاسيس ، وحتى فى الملمح ،فهنا أثر الزمن على قسمات الطوار حفراا ونتؤات وأتربة ،وهناك ذات الثر على وجهه أيضا ا تغضنات وإنطفاء بريق الحداق ،حتى إنتظاره اليومى لمفاجأة يأتى بها القدر ،ترحمه من الذهاب لعمله الكئيب ،شعر أيضا ا أن ذاك الطوار ينتظر مفاجأة قدرية مثلها..ماهى ؟..ليدرى ..اليوم فقط إهتز بعنف وهو يرى مفاجأة القدر تأتى للطوار دونه ،يبدو وجهه جديد اا بهى الطلعة يتألق تحت ضوء الشمس ،البيض زاه ر ،السود لمع ،وكلهما له بريق يشد العين ،أما الحفر والنتؤات فقد استطاعت يد ماهرة أن تخفيهما بمهارة .لقد انتبهوا للطوار أخيرا ا ،مدوا أيديهم اليه ،أزالوا عن وجهه ماأعتراه من تحولت ،أما هو فلم يره أحدهم ،أو ربما رآه ولم ينتبه أنه والطوار شريكان فى المكان وفى التحول أيضا ،لقد رآه ف لفقد صديق ، بالمس كما اعتاد أن يراه ،لم يتوقع هذا ..هز رأسه مرات وهو يشعر بأس ر مؤكد لن يعرفه بعد اليوم لن حالته تغيرت ،وحتى اذا عرفه فلن يشعر به كما كان .اجتاحه شعور لم يدر كنهه ، .هل هو إحساس بتقزم ،أم هى غربة غلفت نظراته ؟..ظلت عيناه مصلوبتين على ملمحه قلي ا ل ،تشرق فيهما الفرحة وهو يحدق فى اللون البيض بنضرته ، سعيد اا بما حد ث لصديقة ،وتغيض منهما الشراقة وتحل محلها غيرة ،وهو يغوص بنظراته فى اللون السود ..أخيراا هز رأسه مبتعداا فى تثاقل عنه
54
28
ترقية
فوق الجميع هو فوق الناس والعربات والبيوت ،يراهم من أعلى ويبتسم للجميع ،يأخذ من سعادته وينثر فى الرجاء ،ليبخل على أحد ،الكل لديه سواء ،وإن كان أصحاب القلوب النقية مثله لهم نصيب أكبر لديه . يمرق وسط العربات ،لمباتها البيضاء والحمراء تبتسم له ،تحييه ،يرد تحيتها ،يتجه الى شارع جانبى ، ضؤه الخافت يستقبله ،الشجار حرس شرف على الجانبين ،ضوء القمر ينفذ من بين الفروع والوراق التى تصنع ظلل راقصة تداعبه فى سيره ،يضحك من القلب ،ترتفع ضحكته ،ينتبه بعض المارة له ، يشير محيي اا هامسا لنفسه لو عرفوا سوف يشاركوننى الفرح ،الوظيفة التى لم تخطر لى على بال سوف أنالها ،الكبار الذين كنت أراهم على البعد سأكون منهم . عاد الى الظلل المتراقصة والنوار الملئكية الرائقة ،اليام القادمة ستشهد انقلبا ا فى حياته ،سيترك التوبيس والزحام والمنازعات ويركب سيارة وحده ،يقودها سائق خاص يحترمه ويطلب رضاه ،أيضا سيكون له سكرتير ،ليريد سكرتيرة فهو ضعيف أمام النساء ،لن يتحمل نظرة ناعسة أو كلمة رقيقة ،الفضل سكرتير ويكون وقوراا ،ثم تلك الوظيفة الجديدة ..لبد أن يشعر الجميع إنه أضاف اليها ،وغير فيها ولم تستطع هى أن تغويره كما فعلت بغيره ،سيفعل هذا ،ويجعل أولده وبناته يفتخرون به وزوجته تتباهى ..آه بمناسبة الزوجة ،لبد أن يتغير نظام البيت فوراا ،لصراخ مع الجيران ،لجدال مع بائع جوال من الشرفة ،لسباب للولد بصوت زاعق ..الولد أيضا عليهم التزام الهدوء والبنات عليهن التحلى بالحشمة ،زوجته نفسها عليها أن تكتسى بتواضع معجون بالعظمة فهى ستصبح زوجة رجل ذى حيثية ،صحيح أنه انتظر طوي ا ل ،لكنها فى النهاية جاءته ،يكفى أن السيارة ستنتظره كل صباح أمام باب البيت ويسارع السائق بفتح الباب له ،لذا فالمر لن يخلو من هيبة وإن كان سيلتزم فى أحاديثه وتعاملته بالتواضع والصفح ،سوف ينسى إساءة جاره فى الطابق العلى ،وتطاول جاره فى الطابق الدنى ،عن 55
سخرية زملئه وهزلهم معه ،سوف يتغاضى عن كل هذا ويرتفع فوقه لعلى ،لعلى ..ورفع رأسه فى شموخ ،تلقت نظراته والقمر ،تبسم له وهو يعبر الشارع ،لم ينتبه لحمرار إشارة المرور !!
29
تحريات كان ضخم الجثة كبير الرأس ،ذو عينين متسعتين كعينى ثعبان زجاجيتين ،وذراعه حديدية كذراع ونش لتعرف اللين ،هبطت على قفا أحدهم فى الطريق ،تصلبت قبضته على ياقة قميصه من الخلف وهو يفوح بقوة )قفشتك يابن الكلب ( ..لم يملك الرجل لحظتها الرجاء أن يفك يده قلي ا ل عن ياقة القميص ،خاصة أنه يعتصرها من الخلف فيخنقنه من المام ،وهو ل يعرف على وجه اليقين ماذا فعل بالضبط ..الشارع الكبير يزدحم بالوجوه المختلفة وأصناف البشر ،ماذا رأى فى وجهه ليختاره من بينهم ..دون تحذير أو حتى مقدمات شده اليه من الخلف ،ترنح جسده فى يده ،قبل أن يولم أطراف الدهشة ليواجهه بها سمعه يرميه بوابل 56
من الشتائم وهو يتوعده بالويل ..جاهد ليفتح فمه صارخا ا فى وجهه متسائ ا ل من أنت وكيف تفعل هذا ؟..خرج صوته واهن اا بحروف غير مترابطة لتؤدى الى معنى ،ورأي نفسه يشير بيد الوهن متسائ ا ل عما فعل ،والناس يلتفون حولهما ،تزداد كثافتهم وتتسع دائرتهم باحثين فى وجهه عن سمات الجريمة ،متسائلون فيما بينهم ماذا فعل هذا اللص؟ ..تطوع بعضهم للجابة عن السؤال بثقة مؤكدين أنه ارتكب هذا ،رد آخرون بل جنى ذاك ،كثرت القاويل حوله وهو يستمع مرتجف البدن متسع العينين وقلبه يهوى الى ركبتيه ..رأى الرجل الغليظ الوجه هذا الجمع حولهما ..زادت قبضته تصلب اا على قفاه ،رأى أن الظروف مواتية لستخدام يده الخرى ،بدأ يهوى بها حي ث شاءت وهو يواصل شتيمته ..فجأة صمت قلي اا ل ،حدق بعينى الثعبان فى وجهه متسائ ا ل -:إنت شغلتك إيه؟..فتح فمه بالكاد -:سواق ..صرخ ليسمعه الجمع المتلحم حوله.. )بطاقتك يا...أمك( ..ناوله بيد الرجفة البطاقة ..دسها فى جيبه واستدار الى الخلق -:ياله ياجماعه كل واحد يروح لحاله خلونا نشوف شغلنا..قالت له إمرأة باهتة الملمح -:ارموه فى السجن ،نظفوا البلد من أمثاله ..التقط طرف الخيط رجل كاره للحياة صرخ فى وجهه -:تستحق الشنق لعمالك السوده ..كسر الدائرة قدوم رجل آخر ضخم الجثة كبير الرأس ،ذو عينين متسعتين كعينى ثعبان زجاجتين ،يقبض على قفا رجل جديد ..أزاح الخلق بصوته الغليظ حتى وصل اليهما ..نظر الى الرجل فى قبضة زميله وهو يسأله بازدراء -:مين ده ؟ قال -:اللص هز رأسه سلباا -:ل ده اللص ،أنا ظبطته متلبس وهو يهوى على وجهه بباطن يده ..انحلت عقدة الغليظ الول عن ياقة القميص ،قال وهو يتجه الى اللص ليكيل له اللكمات -:معلشى يافندى ..خطأ فى التحريات
30
الهاتف 57
ضرب رنين الهاتف ركام الصمت حوله ،اتجه بعين السخط اليه ،مؤكد الطالب سميحه زوجته ، تريد العتذار ..لحت صورتها له وهى ترميه بكلماتها الثلجية بالمس -:لن أبقى معك بعد اليوم وهو ينظراليها ،الى وجهها الذى اكتسى بملمح لم يرها عليه من قبل ،اتسعت عيناه ، اضطربت أنفاسه ،صرخ ،ضرب الجدران ،حطم الثا ث وهى لتبالى به ،عيناها بحيرتان تغطيهما الثلوج ،تفتح الباب ،لتكلف نفسها مشقة النظر الى الخلف وتمضى . هز رأسه مراراا هرباا من تتابع الصور فى مخيلته ،رفع يده قاصداا الرد ،عاد وخفضها ،لن أرد عليك ،مواجه اا الهيكل البارد فى عناد ،حادثته نفسه قد يكون حسام إبنه ،يريد تبرير جريمة أمه ،لول مرة منذ تزوجها تقف أمامه ،تنطق بحروف لترضيه ،مادامت تمردت فعليها أن تتحمل ،هى التى عادت بعد حفل زفاف آخر بناتها الى البيت ،جهزت حقيبتها وقالت له -:الن إنتهت مهمتى ،وسأرحل ،قسماا لن يعود عن عقابها ،لن يسامحها لنه ليوجد ذنب بدون عقاب ..مد يده الى الهاتف ..عاد وسحبها ،حتى لو كان حسام لن أرد عليه ، ظل الهاتف يزأر فى جنون ،صراخه يزلزل أذنيه ،يرج أرجاء دماغه ،اتجهت نظراته الملتهبة الى برودة كيانه الرمادى ،مد يده قاصداا قذفه على الرض كما كان يفعل ..توقفت يده فى منتصف الطريق ،قد تكون سماح إبنته تريد أن تعتذر له ،تقول أن أمها لديها ،تطلب منه أن ينسى جريمتها من أجلها وأجل أخيها ،هى سماح ،مؤكد ستقول هذا ،ترجوه أن يقبل العفو عن أمها ،امتدت يده الى الهاتف ،صمت الرنين قبل أن تصل يده اليه ،غاصت نظراته فى طيات شعور جارف بهزيمة لم يعرفها قبل ..دارت عيناه شاردتين فى بثور ونتؤات تحيط به على الجدران -لم ينتبه لها من قبل -تتعملق أمام عينيه ،تتحول من نقاط صغيرة الى مساحات عملقة يبدو أمامها قزما لحول له ،هرول بنظراته الى صورته بملبسه الرسمية فى الطارالمذهب على الجدار المقابل ،الرأس مرفوع ،البتسامة عالية تليق به ،الذقن حليق ، والحدقات لمعتها توحى بمكانته .فرد جسده بعد انكماش ورفع رأسه ،عاوده الم ظهره ،عاد وانكمش لعنا ا من أجبروه على ترك عمله . ارتفع رنين الهاتف ثانية ،اتجه اليه بسخط نظراته ،لن يرد عليه مهما كان ،اذا ارادت العتذار عليها أن تأتى اليه ،تقدم الطاعة وتعترف بالذنب ،بعدها ينظر فى أمر العفو عنها من عدمه .تواصل الرنين ،قرر البتعاد عنه نهائياا ،غير أنه فوجى بيده واهنة تمتد ،ترفع السماعة الى أذنيه ،ورأى نفسه يقول بصوت غريب على أذنيه -:الو 58
31
إنتظار بين يديها تتلكأ اللحظات،عقارب ملعونة تأبى ال التباطؤ الى حد الموت ،سكين اللحظة باردة على رقبتها ،تحز العظام ،تجحظ عيناها وهى تعاود النظر الى سواد الساعةوتجد العقارب مكانها تبادلها التحد يق بأعين زجاجية النظرات ،تحمل إناء الزهور الخزفى الملقى على المائدة الصغيرة فى غرفة الصالون ،ترفعه قاصدة قذف هذه الساعة الجاحدة به ،ينطلق رنين الهاتف ،تنتفض ،تلقى الناء جانبا ا وتهرول اليه ،تطير اللحظات معها لهف اا ،ترى الرقم الطالب ،تتألق عيناها بلون الفرح ،تهتف من قلبها -:الو . تهرول فى أرجاء المكان الذى يتسع بالكاد لحلمها ،يشرق فى نواحيه ضياء يلمس قلبها فينتشى ،ترتب المقاعد والريكة ،تزيل ترابها ،تنسق الحشايا فى أركانها، تنشر أريج العطر فى نواحيها ،تلمس الناء الملقى على جانبه فى رفق بباطن كفها، تمر على ثنايا جسده الخزفى متأملة وتضعه حانية مكانه منتصف المائدة ،يدق جرس الهاتف ثانية قاطعا اتدفق صمت هانىء يضمها ،تنظر الى الرقم ،تشيح بيدها وتمضى عنه ،تتجه الى دولب ملبسها على بساط من هناء ،تسكن الحيرة عينيها ونظراتها تتقافز من ثوب الى آخر ،تحدق فى الحمر ،الشقاوة تكون معه ،شعر ثائر يتموج حول النحر وعطر ساحر ونيران لتهدأ ..ترسل طرفها الى البيض ،الرومانسية 59
معه والشعر المنسدل على الكتفين والعطر الخجول والنظرة الناعسة ..اتجهت الى السود ،الوقار والشعر السارح فى ضفيرة هادئة على بساط الظهر والعطر النفاذ..لمحت عيناها الثوب الصفر بحيرة خيوطه ،تركته الى الزرق السماوى بخيالته ،عادت الى البيض وتبسمت فى خفر وهى تضمه الى صدرها بحنو . بدت المائدة وضوء الشموع يتراقص حول الطباق معطراا برائحة الطعام رقعة من نعيم ..الى الجوار استقر جهاز التسجيل الصغير محتضناا شريط الموسيقى المفضل ،وهى هناك تمر بها اللحظات وردية حالمة ،تداعب خديها وثوبها البيض وشعرها المنسدل على كتفيها. عاد جرس الهاتف يزغرد احتوته بحنان ،رسالة منه ،قرأتها فوراا ،سقط الهاتف على الرض
!
32 زيارة ليلية كانوا يتوجهون الى باب البيت ..عددهم ليحصى ..يصعدون السلم وثبا ا ،وكلما غاب بعضهم ظهر بعض آخر كأنهم ينقسمون ،والليل يفترش الطرقات متشحاا بسواد متراكم ،تزداد كثافته كلما وطأت القدام أرض الحارة هابطة من غور العربات..أنوار كثيرة أضيئت خلف البواب ،ومن خلف شيشان النوافذ والشرفات المغلقة على أعين راصدة تحدق فى حرص بالغ فى العربات السوداء الجاثمة أمام باب البيت ملتفة بالظلمة ،والتى خرجت من رحمها القدام تسعى الى باب البيت ،ومنه الى السلم المكفن بالسواد ،ثم الى الشقة المقصودة التى تهاوى بابها على أثر دفعه بالقدام التى طارت الى الداخل منقبة فى الركان عن 60
هدفها ،بينما فتحت شرفة الشقة التى لتفتح عادة على الحارة فانطلق من صدرها موجة نور كسحت الظلمة المترسبة ،وخرجت امرأة مغضنة الوجه بشعرها الفضى الذى فشل منديلها البيض فى إحتواءه ،وثيابها ممزقة أعلى الصدر والكتف اليمن وهى تصرخ ..صرختها بددت الظلمة فوراا اذ إنفتحت الشرفات والنوافذ المغلقة وأطلت من خلفها العين الراصدة بينما العداد الغفيرة التى صعدت تعود وقد زاد عددها واحداا كان هو الوحيد فيها المنفرج القسمات ،يهبط مترويا ا وهم يحيطون به ،يترقبون حركاته ويعدون أنفاسه ويترصدون نظراته ،حتى اذا هبط السلم اقتادوه فوراا الى إحدى العربات ،بينما المرأة العجوز ترمى بالجزء العلى من جسدها فوق سور الشرفة الحديدى صارخة خلف العربات المارقة -:ياصابر
61
33
الفراشة البيضاء )(1
ارقدت نوال فستانها على السرير فى ذات مكانها ،وقفت بعينين محمرتين تنظر اليه ،تركته الى صورة لها، حملتها ووضعتها أعلى الياقةمسندة ظهرها على حافة الوسادة ،ووقفت تنظر من جديد .المكان هو هو لم يتغير ،الفستان التى كانت تحبه ،وصورتها بضحكتها البيضاء ووجهها برىء العينين تعلوه .عادت ينابيع الدموع فى عينيها المحمرتين الى التدفق ،حبستها بالكاد .وهى تمسح مكانها بكم جلبابها لحظت فراشة بيضاء تطوف بالمكان ،تدور حول فستانها ،تحط على صورتها ،دارت معها بجمر عينيها والصمت يدور فى المكان ،همست تحادثها -:إن كنت روحها تعالى هنا وأشارت الى الفستان ،رفرت الفراشة بجناحيها ،اقتربت ،وعلى ذات البقعة التى اشارت اليها توقفت ،تبسمت العيون من خلف غمامة السى ،الروح تعود لذات المكان ،تحن اليه ،تعرف صورة الجسد وتبح ث عنه،الفراشة البيضاء ظهرت بعد موت لطيفة مباشرة ،حامت حول سريرها ،توقفت على الفراش ،تغيب عن الحجرة وحين تعود تتجه لذات المكان ،نوال لحظت هذا ،وضعت الفستان على الفراش تعلوه الصورة ،وبدأت تراقبها ،تناديها وتناجيها على أنها روحها ،تحادثها وتدور بعينيها معها ثم لتلب ث أن تتابعها بعين العجب وهى تخرج من النافذة متسائلة لماذا تغادرها وهى تعرف كم أفتقدتها .
)(2
الشمس منشور من الشعة يشق ظلم الحجرة ،يرتمى على السرير ،ونوال هناك تنشطر نظراتها بين الباب المغلق والشباك نصف المفتوح بانتظارها .لم تعد روحها منذ انطلقت الى فضاء الكون ،هى التى لم تبرح حجرتها منذ سنين ،جسدها كان صغيراا واهنا ا عظامه هشة وقلبه ضعيف يملك عينين راضيتين ولسانا ا أبيض ،مقيد الى سرير صغير فى حجرة ضيقة الحدود تدخله الشمس مرغمة صباحا ا ،تقف أشعتها على 62
الشباك لبعض الوقت ،تنفذ من بين ضلفتى الشيش منشوراا من الضوء ،بمرور الوقت يتقلص الى أن يغيب ،يخرج الخوة والخوات كل الى دنياه أما هى فنوال دنياها ،تحملها بين يديها الى ا لحمام فى خفاء عن العين حتى لترى نظرة مشفقة أو عينين راثيتين ،تعود بها لتجلسها على الريكة وسط الردهة فى مواجهة القادمين ،تجلس مغلفة باتسامة بيضاء مثل قلبها ،فى أيامها الخيرة كان صدرها يشكو مما به ، تدير عينيها باحثة عن الشمس ،الشمس على مقربة من الشباك ،ليصل شعاعها اليها ،تنظر نحوه ،تسأله أن يقترب لتخفف من ضاثر الرطوبة التى تسرى فى جسدها ،تراه يتحرك ،يخترق فضاء الحجرة مرتميا ا على صدرها ،تقول لنوال بفرح -:قلت للشمس تعالى ،فأتت الوى . تعاود ينابيع الدموع التفجر فى عيني نوال ،تتجه للفستان الملتصق بالسرير ،تنتبه للفراشة تحوم حوله ،والصورة تبتسم هناك ،من خلل الدموع ترد ببسمة. )(3
حينما ماتت حامت الفراشة البيضاء حول فراشها ،ربطت نوال بينها وبين فراشة أخرى كبيرة لونها يميل للسواد ظهرت بعد موت أبيها ،حامت داخل حجرته ،حول فراشه ثم مضت .فى بداية المر تساءلت نوال كيف أتت الى هذا الطابق الرضى فى تلك الناحية المتطرفة من المدينة ،هل قطعت المسافة هابطة من السماء أم قادمة من أقاصى الرض ؟ ..تمنت لو تحادثها ،تبوح لها بما لديها ،فكرت فى وضع زير من الفخار به ماء سبيل أمام الباب صدقة على روحها ..رأتها تعود ،تحوم حولها،تحط على الصورة أعلى ياقة الفستان ،الصورة عيناها ضاحكتان ،لمعة الحداق تطلق أشعتها رباطا ا بعينيها ،تشدها مترفقة بها ،تضمها ،تحتويها وهى راضية مطمئنة كما كانت تحتويها قبل ،فهى كانت الم الثانية بعد وفاة أمهم ،مصروف البيت بيدها ،تدبر المر ،تتحمل الشكوى ،ورغم عجز ساقيها كانت تعمل بتطريز الملبس لجارة لهم خياطة نظير أجر ،الكثر من هذا انها كانت تسمع للجميع ،ولم يكن لدى أحدهم وقت ليسمع لها . تركت الفراشة إطار الصورة عائدة الى الفضاء ،تعرف نوال أنها لتريد مفارقتها ،يبتسم الدمع فى عينيها ،تهمس -:إن كنت روحها اقتربى لراك ،وسط المنشور الضوئى المنسل من الشباك وقفت قليل قبل ان تأخذ طريقها الى الفضاء الفسيح .
)(4 لم تدرك نوال حجم الفراق ال حينما افتقدت حميمية وجود الفراشة حولها ،تركت الباب مفتوحا ا والشباك ،تفجرت ينابيع دمعها طويل ،لم تعد اليها .. رغم هذا والى الن كلما رأت فراشة بيضاء صغيرة تعبر منشور الضوء الى داخل الحجرة يتهلل الدمع فى عينيها تتابعها مرحبة ،تحادثها برفق ،وفى أثناء الحدي ث تهمس لها -:إن كنت روحها اقتربى !!
63
34
ثورة ظل
إهتز الباب بعنف ،أفلت المزلج وظهر كيان ضخم لملمح له ،ارتددت بأقدام الرعب الى الخلف ،تقدم وسط العتمة من مدخل الشقة عبر الممر الصغير الى الردهة ،رمى بعينيه منوقبا ا ،عاد وأمرنى باغلق الباب، غمرتنى سيول الدهشة ..القيت عنى عباءة الخوف صارخا ا -: من أنت ،وماذا تريد ؟اندفعت يداه اولى ،مخالب حادة فى أطراف أصابعه شعرت بها تنغرز فى مسام وجهى وتخمش جلدى ، إندفعت بكم الرعب قاذفا ا وجهه بمقعد طالته يدى ،أفوتر فمه عن فرجة لم أدرك كنهها ،وإن ظننتها بسمة هازئة..هرولت الى هراوة ورثتها عن المرحوم والدى ..بكل ماأملك من بطش هويت بها فوق رأسه ،زادت إنفراجة فمه ودفع جسدى بيده ،إنطرحت أرضاا على ظهرى ،رفعنى من ملبسى وعاد يقذفنى فاصطدمت بالجدار ،وأنا على الرض أعالج المى أتى المر بصوت كالفحيح -
أغلق الباب
-----------------بدت الردهة بعتمتها الخفيفة كهفا ا ممتداا ،تكسر حدة ظلمته شمعة يتلعب النسيم بشعلتها ،ل أحدد جيداا ملمح وجهه على هداها ،وإن كنت أميز منظر ظله على الجدار المواجه بهيئته وتكوينه الهلمى ،والى جواره ظلى صغير .كلما تحرك ابتلع ظله ظلى .شغلنى ذلك الظل بامتداده الذى يشغل حيزاا من الجدار يجعل النفس تهيم فى سراديب رهبة تصنعها العتمة ،فأغيب فى متاهة نظرات محملة بأنين مكتوم منطفىء الوميض ،ليكاد يبين ،ربما خوف اا من رد من ردوده الهوجاء ،وإن كان هذا ليمنع من نقل البصر بين الظل 64
والحقيقة ..الظل يمل الجدار ،الحقيقة تكوين جسدى غير محدد البعاد ،وجهه قسماته منفرجة أبداا لتعرف إن كانت سخرية سرمدية عالقة بفمه ،أو هو رسم طبيعى ضخلق به ،أو ربما هو عبوس على طريقته ..عاد صوته يتردد ثاقبا ا آذان الجدران -:إياك وإضاءة النوار صرخت بل وعى ..ربما من فرط الغضب المكبوت -: لكنه بيتى-
تقصد بيتنا شعرت بتلفيف مخى تعوم فوق بحيرة من جنون ..تحركت محاولا الوصول الى عصاى ..كانت فتحتا عينيه الغائرتين أعلى وجهه بسوادهما الداهم تتابعانى ،إنغرزت مخالبه أعلى ظهرى وهو يجرنى الى مكانى بكلتا يديه بعيداا عما أبتغى ..صرخت -:سأقتلك
-
صدرت عنه أصوات مبهمة ذات ذبذبات عالية هزت قلب الصمت من حولى ..قودرت أنها -قد تكون - ضحكات ذات طعم ساخر المذاق
----------هذا الظل لن أتركه ..تكوينه على الجدار يرهق عيونى ..ثم إنه يحتمى بظله ..يرمقه من حين الى حين وقد ي وغير وقفته ويعاود تتبعه حتى يصل الى أضخم مايريد ..تحركت فى غفلة منه ..أنرت المصباح ..رددت الجدران أصوات صراخه ..هجم بمخالبه عولى ..على هدى الضواء قدرت المسافة بينى وبينه ..عرفت فى اللحظة المناسبة كيف أفلت من بين يديه ..أشعل بقية النوار ..أفتح النوافذ ..يدخل ضوء الشمس ..تزداد صرخاته ..ينكمش جسده ..يبدو ظله صغيراا ..أرى ظلى كبيراا ..سعدت كثيراا لرؤية ظلى يحتوى ظله!!
65
35
طقوس ليلية
وقفت تنظر الى الليل من خلف زجاج النافذة المغلق .كان الصمت يهيم فى الطرقات ،والرض تتشح بالسواد .ومض ضوء سيارته قادماا على البعد ،عرفته من صوت النفير واللون الصفر الباهت الذى كسا الرض ..أسرعت برفع يديها كل يرد الى عين ،تلحق الدموع المهرولة الى خديها ،واتجهت الى السرير المرتب الغطاء ،القت جسدها عليه . --------تحركت أقدامه صاعدة الدرجات القليلة الموصلة للباب ..عل صوت المفتاح مثل كل ليلرة يرتطم بالخشب مرات قبل أن يلتقمه ثقب الباب ..بعدها بدأ يصدر همسات مترنحة تلعن المفتاح الخائب والثقب الذى لينقاد له. 66
تنبهت فى فراشها له يخلع الحذاء فى الردهة الخارجية ..عادت الدموع تراود عينيها ..كتمتها بالكاد ..حرك المزلج داخلا الحجرة اليها . -------فك أزرار رداءه ..بح ث عن الكمام ليخلعها ..شد البنطال بالكاد ومضى الى ملبس النوم ..أخذ وقتا ا الى أن استطاع ترويضها ..جلس على السرير الى جوارها ..أحست بأنين السرير ..طافت برأسها فكرة أن تفتح ت عارل قبل أن يلقى بجسده عينيها ..تشعره بأنها معه ..وئدتها فوراا وأغمضت عينيها أكثر ..تثائب بصو ر كتلاة واحداة عليه..وارتفع شخيره فوراا تسللت من جواره الى الرض ..ارتطمت عيناها بصورتها فى المرآة ..وقفت على ضوء النور الخافت النافذ ف مظلضم يصدر منه صو ض ت من الردهة تترقب جسدها ..تدور حوله ..تتفحصه ...بعدها استدارت اليه ..فمه كه ض متتابع خشن النبرات ..كرشه قبة تعلو مسطح جسده وهو مستلق على ظهره ..اقتربت منه ..مدت يدها تحاول إيقاظه ..أزاحها بيده وصوته يشرخ الصمت متسائ ا ل عما هناك ..اتجهت الى النافذة ..فتحتها ..وعلى ضوء الليل فردت جناحيها وطارت الى بعيد !!
36
تصوير 67
انقبضت تجاعيد وجهه..الصورة لن تكون كما يريد ..تلك الطريقة العجيبة فى تصفيف شعره جنون..يشده بطول منتصف الرأس لعلى ،يسحبه بباطن يده كالعرف على رأس الديك ..لن يصوره ولو كان هو الوحيد الذى يدخل المحل اليوم ..تشاغل بالكاميرا المثبتة على الحامل الحديدى وسط الحجرة ..الكشاف الكبير المواجه لها ليضاء ال أثناء التصوير..نوره الوهاج صار يؤثر كثيراا على عينيه ..الكمبيوتر هناك فى الركن موصل بالكاميرا عن طريق كابل أسود ينقل الصوره اليه ..يراها الزبون ..إن أعجبته يتم الطبع والوو صوور غيرها ..قديم اا كان الحال يختلف..لقطة واحدة وينتهى المر ..ومضت فى رأسه خاطرة ..فاقد الشىء يبح ث عنه ..مثل هذا يشعر أنه بحاجة لشىء يحدد جنسه ..يؤكد نوعه ..إختار عرف الديك ..أزاح الكاميرا جانب اا ..مهنة التصوير هذه تضطرك للتعامل مع من يأتى اليك ..محل مفتوح الباب لمن يقصده ..ادار عينيه حوله ..الصور على الجدران بأحجام مختلفة ..كلها تبرز جهد سنين مرت ،رأى فيها الوانا ا من الوجوه ،كانت كل صورة فيها إمتحان جديد له ،يحد د نظرة الناس الى عمله ،عاش فيها أحاسيس شتى حرص دوما ا على كتمانها ،كان يكتفى بالنظرفى صمت ،واذا لم يعجبه شىء حاول لفت النظر اليه بكلمة عابرة ..أما هذا !.. رأى نفسه يستدير اليه ثانية فى قوة ..يقيسه بعينيه ..يحدق فى ملمحه..يقول له -:هل أنت مقتنع بشكل شعرك هكذا ؟ صمت الخر مكتفياا باتساع حدقتيه المصلوبتين على الوجه العجوز بنظراته الصقرية المتجهمة . عاد يسأله -:هل ضايقتك ؟ انفرجت أساريره قليل ا -:ل ياحاج ..لكن ! اهتز قلبه رفقاا به ..شعر أنه أحد أولده جاء يطلب مشورته ..أولده جميعا ا تعودوا التشاور معا ا دون حساسية والفيصل بينهم فى حال الختلف رأيه هو ..استمع الى الشاب يكمل كلمه -:هذه ..موضه. تفجرت البتسامة على شفتيه ..اندفع قائلا فى ود -:من شجعك عليها ؟ أجاب بتلقائية -:ل أحد
68
اقترب منه -:وتلك هى المشكلة ..تأخذ دون أن تعرض ماأخذت على ميزان بلدك ..مارأيك فى هيئة تليق بك ؟..اسمع ..سلم لى رأسك عشر دقائق فقط وسوف ترى وقبل أن يستوعب الشاب ماقيل ،أو يحاول الستفسار عما غمض عليه من حروف ،نادى العجوز حلقا ا بجوار ه،همس فى أذنه ببضع كلمات ،قام الرجل على إثرها بقص شعر الشاب المتعثر فى ذهوله ،وغادر فى صمت تاركا الشاب يصرخ فى وجه المصور -:ماذا فعلت ؟ لم يرد الخير ..اكتفى بسحبه من يده الى المرآة ..بدت الصورة أنقى ..قال بهدوء -:هذا أنت نظر متفحصا ا ولم يرد،اما هو فقد استدار الى الكاميرا ،ضبطها قائلا -:الن يبدأ التصوير ........ انتبه لصوت الشاب يعلو من خلفه -:انت ..انت ..هل تسمعنى ؟ استدار اليه ببطء -:ماذا تريد ؟ رد الخر بغضب -:ناديتك كثيراا ولم ترد ..أريدالتصوير صب نظراته على رأسه التى يعلوها عرف الديك قائلا -:الكاميرا بها عطل
69
37 أزمة مرور فى شارع أبى قير توقف الزمن ..شد لجام حصانه ووقف عاجز اا عن المرور ..السيارات متلحمة سلحفائية الحركة ذات أبواق تنهش الذا ن ..الرض تتلوى من السنة اللهب المنصبة من فوهة الشمس ..البيوت على الجانبين معتمة المداخل مغلقة الشبابيك والشيشا ن وجوهها مقطبة الملمح بلونها الصفر الكابى . تتحرك السلحفاة قليل ناقلة قدم اا الى المام وأخرى الى الخلف ..يتصاعد أنين الرض ..تزأر البواق صانعة مهرجانا ا من الضوضاء ..تتغيرملمح الطريق فعلى اليمين يتمطى مبنى مستشفى جمال عبد الناصربلونه البيض ،فارداا ذراعيه العملقتين بغطائهما السمنتى نحو السحاب ،اما الحديقة الخضراءأمامه ببعض الجساد المسترخية على إخضرار عشبها فهى فى حلمها الزاهى بعيدة عما يجرى ،وعلى اليسار تقف كلية الهندسة بهيكلها الفرعونى العتيق شامخة ،تنظر الى ذات المكا ن من علل ..تنطلق من سيارة فيات قديمة الطراز لعنة على ذلك الزحام الذى يشوه هدوء ونقاء السكندرية فى مثل هذا الوقت من كل عام ..يجاوبه فوراا من سيارة مرسيدس حديثة أغنية غربية اليقاع تشد العين بصراخها المتكرر..ترتفع من عربة bmwتقصد التجاه المعاكس أغنية تبدو كأنها تسجيل لمعركة شعبية استخدمت فيها الموسيقى ،وأكتفى ببعض الحروف عوض اا عن الكلمات ..ينطلق آذا ن الظهر من مسجد المواساة القريب ،تصارعة البواق الهادرة ،تتلوى رأس السلحفاة وهى تفكر بنقل قدمها من جديد .على الرصيف فى منتصف الطريق تبدو إمرأة أكلتها السنو ن ،مكللة الرأس بغطاء أسود مثل ثوبها الذى ينتهى الى حذاء عرك خ -:ياسيد جلده الحياة ..تتحرك المرأة رغم ثقلها بوجهها المغطى بماء العرق المعجو ن بالدموع أسرع من السلحفاة ،منادية بصو ل ت مشرو ل تبتلع هوجة الصوات صوتها وهى تمضى مصرة على السير رغم مشاقه ،وعلى النداء رغم خفوت صوتها ..تقل حركتها رويداا ويخفت الصوت الى أ ن يصير همس اا قبل أ ن تتوقف تماما ،وتبدأ مرحلة الهبوط الضطرارى الى أسفل وهى تفتح فمها دو ن صوت منادية فى اصرار -:ياسيد بينما السلحفاة على مهل تمد قدما للمام وأخرى الى الخلف ،وهوجة الصوات هادرة ،والذا ن يرتفع الى السماء عاليا ا -:ا اكبر ا اكبر وعلى الرصيف الذى يتوسط الطريق جسد إمرأة مازال ينبض بنداء ليسمع -:ياسيد ولمجيب. 38
اللوحه فى وقت الظهيرة والشمس مستلقية على عرش السماء ،متمتعة بصب نارها على الرؤوس ،وشارع الرحمة المجاور -طولي اا -لسور مقابر عامود السوارى يموج بالحركة ،مابين غدو ورواح أو ثابت مكانة ليمتلك الرغبة فى الحراك ..هدأت الحركة رويداا ..صمتت الصوات ،وبدا المشهد المتحرك يتحول الى لوحة ترابية 70
اللون ،على يمينها منازل متهالكة ،مداخلها الواسعة مفتوحة على مصراعيها ،تجرى أمامها فى تدفق صامت مياه المجارى الطافحة من البالوعات أو المواسير المكسورة هنا أو هناك ،تجلس بالقرب منها وأمام البواب نسوة بدينات بأثدارء مدلة من وراء ملبسهن الكاشفة كالقرب على بطونهن ،ذوات وجوه أكل عليها الدهر ،ينظرن أمامهن وليبدين مالديهن من مهارات التوغل باللسنة والشارات فى الوان وفنون السباب ، ربما بسبب حرارة الجو وربما بسبب همود طارىء على الرواح الجم اللسنة ..وبين البيوت وعلى مسافات متباعدة بعض حوانيت وورش يعمل داخلها من يعمل ،ويجلس على باب بعض منها معلم أو صاحب ورشة ،ومبسم الشيشة ليفارق فمه دون أن يصدر صوتا ا أيضا ..فى الناحية اليسرى من الشارع السور الحجرى لمقابر العامود ،يمتد الى الشارع الرئيسى الكبير المواجه لشريط الترام فى منطقة البياصة ،وقد رصت على حجارته المتآكلة ورش وحوانيت أخرى ،فمرة ترى ورشة اصلح دراجات وقد علقت على بابها قطع غيار عديدة ،ومرة ترى شادر من القماش يحجز الخراف والماشية ،ومرة ترى مقهى مقام تمتد مقاعده وموائده أمامه بل حدود..والكل فى تلك اللحظة من الظهيرة قد أكلهم الصمت يمينا ا وشماال ،أما فى نهر الشارع فقد انعدمت حركة الرجل ،وهى عادة إما جنازة متحركة وصرخات تهز الجدران ،أو خطوات السكان أنفسهم تقطع الحفر والمطبات على مهل ...ساد اللوحة الصمت لحظات قبل أن تقطعه صرخة أنثوية حادة مزقت السكون ،وأعادت الحركة الى الوجوه فاستدارت الى مصدر الصوت ،لترى إمرأة مهوشة الشعر حافية القدمين ممزقة الثياب تهرول ،غير مبالية بلسع الرض لقدميها الحافيتين ول لنظرات الذكور اللزجةالتى ترامت على ماظهر من جسدها وهى تصرخ -:يامحمود تقع على الرض ..تتعثر فى حجر ..تهب من جديد ..تصل الى باب المقابر الحديدى الصدىءعلى شريط الترام ..الباب مفتوح على مصراعيه انتظاراا للموتى والحياء ..يمنعها الحراس من الدخول..تمسك الحديد الصدىء ..تنادى من خلف خطوطه المتقاطعة -:يامحمود يهز صراخها اللوحة..تتبع ث الصوات والحركة عبر أرجائها..يعلو صوت أبواق السيارت المارة ،ويتعالى ضجيج وسباب النسوة المتربعات على البواب ،وتكركر المياه فى القلوب الزجاجية للشيشة هنا وهناك ، ويغمز أحدهم لفتاة مارة ـوتأتى على البعد صرخات جنازة قادمة ،بينما المرأة تبتعد فى بطء محنية الرأس نازفة العينين ،تسير على جمر الرض وصوتها الواهن ينادى -:يامحمود
71
39
مغادرة إهتزت عربات القطار بفعل تشغيل المحرك الرئيسى..الرصيف المزدحم بالرجل إضطرب ..إحتضن أحدهم الخر مودعا ا وهو يهمس فى أذنه موصيا ا ..قوبل آخر طفال صغيراا توعلق برقبته باكيا ا رافضاا أن يدعه يمضى..أشارت سيدة ذات معطف أسود يمتد بامتداد براح جسدها السارح الى ماتحت ركبتيها بيدها المغضنة ذات العروق النافرةلخر يتحرك بظهره ناحية القطاروهو يرمقها من خلف سحابة المياه المتجمعة صر اا على عناق النظرات لخر مدى ..وقف الى جوارباب المقطورة فى مآقيه الشابة ،م و الولى شاب نحيل القوام مثل ث الوجه له عينان عميقتا الغور شديدتا سواد الحدقات محاولل التماسك،وكفواه ملتصقتان بكفوى فتاة عسلية العينين شعرها السود منكفىء على ظهرها ،وهى تحبس دموعها بالكاد وتتحد ث بسرعة غير مبالية بألم كفيها من اعتصاره لهما ،وعلى باب المقطورة الخيرة كانت إمرأة بجلباب باهت الخضرار تنزل طست اا من اللمونيوم كبير ،به جبن وزبد وبيض من فوق رأسها وتدفع به الى الباب المفتوح ،طالبة ممن حولها أن يساعدوها لدفعه ناحية الباب المغلق فى الجانب المقابل،وخلفها طالب يحمل كتبه مغادراا الى كليته ..وبين المسافة بين المقطورة الولى والخيرة تقريباا وعلى مقعد من المقاعد الحجرية المنتشرةعلى الرصيف كانت إمرأة ترتدى جلباب اا أسود يعلوه غطاء رأس بذات اللون به ثقوب ،ينفر من بينها شيب شعرها الناصع البياض وقد التصق بعضه بجبهتها بفعل العرق المعجون بالدموع السارح عبر مسام جسدها واخزاا ،وهى جالسة مربعة الساقين تنظر أمامها الى حي ث لتدرى ،منادية من خلل الدموع وارتجافة الصوت -:ياسيد والقدام حولها تسعى ..أطلق القطار صفيره مؤذنا ا بالرحيل ..ترك أحدهم معانقه وصعد لعلى ..فك آخر يودى صغيره من رقبته وسلمه لمه مودعا ا ..أدارت المرأة ذات المعطف السود ظهرها للقطار وأفرجت عن دموعها ،مسلموة إياها لمنديل حريرى صغير أودعته يدها اليمنى ..ودع الشاب النحيل الفتاة بمزيد من الضغط على كفيها ..وقفت المرأة ذات الطست محاولة اللتصاق بالباب المغلق خوفا ا من كلمات مفتش 72
القطار ..أخذ الطالب ركنا ا بعيداا أسند ظهره اليه وكتبه فى يمينه وعينيه على وجه فاتنة تجلس أمامه ..تحرك القطار مغادراا ظلت المرأة ذات الجلباب السود مكانها على المقعد وسط الرصيف الذى خل من الناس على المقعد الحجرى تنظر أمامها بذات النظرات التائهة من خلف الدموع المعجونة بالعرق وهى تنادى بصوت مشروخ -:ياسيد ولمجيب!
40
القرار برقت عيناها وأخذ جمر وجهها يشتعل رويداا بعد أن القى زوجها كلمته واستدارعنها متجه اا الى خارج حجرة النوم..مامعنى أن يسافرفى الغد ،يتركها بعد أيام من الزفاف تعد على أصابع اليد الواحدة ويمضى ؟ ..ليذهب الى عمل ساعة أو ساعتين ويعود، بل يركب طائرةويغيب أياما ا ويتركها تحاد ث الجدران. ركلت الرض بقدمها..رمت الشباك بشرر نظراتها ،وهوبت واقفة تدور فى الحجرة كنمر سجين ..ذات الحجرة التى رأت ماظنته فجر سعادتها ..لم تدر أن المر كله حلم ليلة وأنقشع الضباب عن حقيقة هى كالعادة ظلم لبدر فيه ول نجوم ..سترفض هذا السفر ..مهما كانت النتائج عليه أن يبقى ..هى أهم من الكون ..على القل من أجل
73
شكل ر إجتماعى لمفر منه ..من أجلها ..من أجل صورتها امام أعين راصدرة لترحم ..إن كان عليها تستطيع الستغناء عنه فى أى وقت تشاء ..لكن الن ..ل. ثم ماذا يظن نفسه ليفكر وحده ويصدر القرار ،يقول لها بكل بساطة كأنه يلقى خبراا س آخرين أنه سيسافر لهم هام !! عاديا ا أو يتحد ث عن إنا ر ركلت المقعد الصغير أمام مرآة التسريحة بقدمها ..إنقلب مرتطما ا بضلفة الدولب على ظهره فى صمت ..شردت قليل مع همسة أمها ليلة الزفاف )..زوجك كما تعوديه ..وابنك كما تربيه ( ..تبسمت لها -:لست صغيرة قالت جادة -:الخطأ منذ البداية فى هذا المر يكون عادة خطأ العمر . هزت رأسها الصغير المتصلب الملمح فى مواجهة صورته المؤطرة باطار ذهبى على التسريحة ..لن تتركه يذبح لها القطةوهى مكتوفة اليدى..لكل فعل رد فعل مضاد له فى التجاه لكنه بالتأكيد -معها -لن يساويه ..وسوف يرى.أمسكت بالهاتف ..ستعود غداا الى عملها ..ستطلب قطع الجازة وحين يعود الن ستبلغه بالقرار ..هرولت الرقام خلف بعضها فى ذعر ..الخط مشغول ..أطلقت صيحة ضيق وهى ترقب الباب ..ليجب ان يدخل قبل أن تنتهى ..أعادت الطلب )..يمكنك ارسال رسالة صوتية .. (...رمت السماعة بقوة على الهاتف ..رأت خيالا قادماا من الخارج وصوت أقدام تقترب ..رفعت السماعة بسرعة الى أذنها كأنها تتكلم ..دخل الحجرة متألق العينين ..وجهه يحمل إشراقة صبح باسم حام ا ل صينية صغيرة عليها فناجين الشاى والحليب وبعض السندوتشات ..زغردت نظراته حين رآها ..وضع الصينية جانبا ا ..قرب وجهه من وجهها -:ماذا تفعلين ؟ أحاد ث رئيسى فى العمل لماذا ؟ سأعود باكر لن تعودين نعم!!؟ 74
ستسافرين معى بطبيعة الحال . القت بجفنيها ستاراا بين عينيها وبينه وهى تهمس -:لكنى مضطرة للعودة . اتسعت عيناه -:لماذا ؟ لنى أبلغتهم بهذا بدأ يرجوها العدول عن قرارها !
41
مهوى
ال ن فقط يلتف الكل حولها..العيو ن تصب لهفتها على الوجه..اليدى تتحسس الجبهة ،والسئلة تدور حول صمتهاوضرورة استدعاء طبيب . يحاصرها الحنا ن التى طالما تاقت اليه ..تغمض عينيها على صورة تخشى ذوبانها فى متاهة اللحظات ،وتلزم الصمت . ............................................. فى الساحة الواسعة امام البيت سرادق كبير ..زحام ملو ن ..زغاريد منتشية ..ضحكات مرحة..وفرقة موسيقية ليسمعها احد من تلطم الصوات وبحر الضجيج..خلفها والى 75
جوار الباب مباشرة تقف ) هى ( متشحة بالصمت ..عيناها سارحتا ن عبر فيافى النين ..تفيض الدموع ..تسدل استارها الشفافة على المرئيات حولها ..يبدو الكو ن متأرجحا ليثبت على حال .بينماالزغاريد عويل . بالداخل فى مقدمة السرادق تبدو )حنا ن ( كما لم تبد من قبل ..بيضاء الثياب والوجه..دافئة العينين ..تبعثر البسمات بل حساب على الحضور .جبل الجليد -كما طالما سماها ابوها من قبل -تحرك ..تحول الى جبل من نور ..فيض من حنا ن ..كأنما لم يكن بالمس جامدا حتى النخاع . حنا ن ذات القناع الزجاجى تتفتح امامها البواب ..شامخة تبدو ..متألقة العينين بلمعة الظفر ..شبابها الغض يفرض ياسمينه على الحضور ..ترمقها العيو ن كما لم ترمقها من قبل ..خلعت قناعها وانفرجت قسماتها وارتدت الى انوثتها ناضجة ..شهية ..يغزو شبابها العيو ن .اما ) هى ( فتنزوى الى جوار جدار متهالك الطلء ..تنهش اللحظات لحمها دو ن ا ن تبدى الما ..تقتبص من الوجوه حولها بسمات ملصقة بعناية فوق انقباض الملمح ..تتجه لمها ..نور الفرح يغزو وجهها ..تفرح لحنا ن الصغرى وتنساها !.. بالمس بكت من اجلها ..سألتها كما سألتها مرارا - : اليس لك اصدقاء ،زملء عمل ،شله مثل حنا ن ؟كا ن ابوها يدعوها جبل النار لثورة لسانها التى لتهدأ ،وصراحتها الزائدة ..جبل النار ال ن صار رمادا ..لم يعد هناك جدوى من استعمال حروف متهالكة لتكوين عبارات غير ذات جدوى . تتحرك الزفة ..تعلو الزغاريد ..تصرخ الموسيقى ..تتدافع الجساد ..يترنح الكو ن حولها ..تختلط الشياء ..تتباعد وتغيم الوجوه ..تتحول الشفاه المفتوحة للبتسام الى كهوف سوداء يبرز من احشائها انياب ماصة للدماء ..تحاول المساك بدقائق اللحظة ،يترنح الجسد ..تحاول الصراخ ..الستناد على الجدار ..تمد يديها بعد ا ن اعياها البحث عن لسانها وفمها ..اليد تستغيث ..ل أحد يسمع اشارة اليد او يفهم لغة الصابع ..تتفجر عروقها بالدماء اللهثة عبر دروبها ..تذكر امهاو هى ترد تحية المدعوات بزغرودة اعلى واطول ،وتمتطى جواد الفرحة غير عابئة بنظراتها الكسيرة وهى ترقبها على البعد ..امها التى بكت من اجلها بالمس تنساها ال ن وتعيش لحنا ن ..رمقتها بلوم ..لم تبال بنيرا ن نظراتها ،وطارت من ركن الى آخر فى خفة ،تداعب المدعوين والمدعوات ،تمطر عيناها الفرحة نقاطا تتناثر حولها ..تشدها من يدها -:اريدك يا امى تربت خدها برفق - :سأعود اليك وتغيب ..تبصق عيناها الدموع وينطق الجسد كلمته . 76
وتهوى
42
الشاهد للحظة لم يستوعب عادل مايرى ،وقف فاتحاا عينيه والصور تتوالى أمامه دون ترجمة الى معنى لشلل مفاجىء فى عقله ،شلل لحظى جعله يتسمر فاتحا ا عينيه وفمه ،ممسكا بستارة النافذة ،قابضا ا عليها بل وعى وهو يحدق فيما أمامه ،وقلبه يتقافز لعلى وأسفل فى جوفه فزعاا ..السرقة تتم فى الطريق وفى وضح النهار ،السارق يشهر سلحه فى وجه المسروق بيد بينما الخرى ممدودة لسلب المسروقات . تحركت خلف النافذة أجفانه صعوداا وهبوطا وعقله يعود رويداا لمنطقة الوعى ،هرول ناحية الباب هابطا ا اليه ،عاد وتوقف قائل لنفسه -: 77
السلح بيده ،لن أتمكن منهرجع الى النافذة ،رأى السارق يأمر المسروق بخلع ملبسه ،اشتعلت النيران فى جسده ،هرول نحو الهاتف ،اتصل بنقطة الشرطة ،الخط مشغول ،عاد الى النافذة ،السارق يقف مطمئناا ،الطريق خالى من المارة ،الضاحية بعيدة عن صخب المدينة ،عاد الى الهاتف ثانية ،تحد ث الى بعض الجيران ، تحركوا مجموعة لمواجهة المر ..رأى اللص عدداا من الرجال يحيطون به ،شهر سلحه فى وجوههم ، فرهارباا ،لم يلحظ الملءة البيضاء التى وضعت كساتر خلفه ،لفوها حوله سريعا ا ،حملوه فى عربة أحدهم من فيكم قبض عليه ؟وأقتادوه الى الشرطة ..شكرهم المسئول هناك ،فتح أوراقه ،سأل قالوا -:كلنا ابتسم راضيا ا قال بود -:
يكفينى واحد فقط كشاهد
تقدم عادل ،قال -:أنا اتجه اليه -:غداا صباحا ا تحضر للشهادة فى غرفة التحقيق وقف عادل ،أمامه لوحة سوداء الخطوط مؤطرة بإطار ذهبى )واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ( أعلى مكتب المحقق ،تبسمت عيناه ،فكرة الملءةفكرته ،خدع بها السارق وتمكن منه ..نادى المحقق عليه ،تقدم ،سأله عما رأى ،حكى ماكان ،تركه الى السارق -:هل تعترف بجريمتك ؟ رد بثقة وهو يحق فى وجهه بعينين زجاجيتين ماؤهما ليهتز -: انا المجنى عليهأشرق وجه المحقق بدهشة -:والخر !!؟ مشيراا الى المسروق منه قال بتؤدة -:الجانى خطف المحقق نظرة الى وجه عادل قبل أن يمضى الى المسروق منه-: مارأيك ؟أحنى رأسه فوق صدره مخفيا ا آثاراا زرقاء وحمراء تعلوه ،ولم يرد ،صرخ المحقق مكرراا السؤال ،أجاب بصوت خافت ورأسه محنية -:انا الجانى اتسعت عينا عادل وهو يحاول جاهد اا استيعاب المر ،حدق فى وجه السارق الذى يشرق بعلمات النصر ، تركه الى المسروق ،صرخ -:هناك خطأ تجهم وجه المحقق ،ضاقت عيناه وسدد اليه سهام الحنق المغموسة فى ماء عينيه متسائل -:ماذا قلت ؟ 78
أجاب -:هذا هو اللص وأشار اليه قال المحقق من بين أسنانه وهو يرميه بنيران نظراته -:العتراف سيد الدلة ..الخر اعترف دون إكراه أو ضغط ..فهمت ؟ بل تفكير قال عادل -:ل ضاقت عينا المحقق أكثر ،قال ببطء وهو يحاصره بسهام نظراته -: ستفهم – وطلب الحارس !!
43
الغائب
79
صرخت نظراتى إنه هو ..غرد القلب فى قفصه وفاض بصدرى شوقه القديم ..بدا قادما ا من بعيد ..اقتربت منه .توقفت..هذا شائب الشعر والنظرات ..جبهته استطالت وتمدد وجهه بتغضناته طو ال..يسير هادىء القدمين ..خطواته ثابتة ..وبيده حقيبة جلدها حائل اللون يميل الى البياض الباهت تحت أضواء العربات المارقة ،ويغيم اذا انتقل الى الظل ..يهز يده اليمنى هزات واهنة متمه ا ل ،بينما اليسرى ثابتة الى جانبه لتكاد تهتز .صرخت عيناى.. الخر كانت خطواته شقية ..تتقافز على بساط الرض ..يداه ثائرتان تناطحان اللحظات ،وذقنه تخاصم منطقة صدره ،بينما عيناه جبلن فى أعلى وجهه يصدان النظرات عنه ،مالت عيناى ،الوقت تمدد والوجوه لعبة أيدى الزمن العابثة . .عادت عنه ،هاجس طاف برأسى عيناى الى ملبسه ..لم تتغير ..ذات التنسيق واللوان الهامسة ..واصلت إقترابى منه..همست لنفسى -حينما طالته أضواء العربات المارة -إنه هومع بعض التغيير ،عاودت الهمس - حينما طوته غيمة الظل و رأيت كائن اا آخر ليمت للقديم بصلة -بأنه ليس هو ..اقتربت اكثر ، حدقت محاول ا إصطياد عينيه ،لم ينتبه لى ..إتجهت نظراته الى شىء خلفى ،حاولت أن أعرف ماهو ،لم أصل الى شىء ..همد تغريد القلب وانطفأت لمعة الحداق ،لم يعد هناك ال تساؤل حائر عنه ،قطعته بالتقدم خطوات جديدة نحوه هاتفا ا مرحبا - وانا أمد يدى مسولم اا ،تبسمت عيناه وهو ينقلهما من البعيد المجهول الى عينى ،وأفتر فمه عن بسمة متغضنة الحواف ..كنا على حافة الطوار ..العربات المارقة لتهدأ صرخاتها ..الظلمة تغفو فى مكان ر ،تجثم على آخر ،والظلل على الجدران تركض بل توقف.ظلت يدى ممدود اة وانا أجهز الحروف على شفتى لسؤاله عن غيبته وأين كان ومتى عاد و..أطل من حبتى عينيه تساؤل -:هل تساعدنى على عبور الطريق ؟
80
44
إبتسامة أمى نوع من الفرح جديد أطل من حدقتي أمى ..كساهما بلمعة متألقة ..أبى أيضا ا رأيته حليق الذقن ..يجلس راسم اا على شفتيه إبتسامة مرحبة بضيوفه الكرام ،بينما صورة جدى على الجدار جالسا ا فى إطاره الداكن مفرود الصدر ،مستقيم الطربوش أعلى الرأس ،شاربه يبدو من خلف الزجاج مبروما ا على جانبى وجهه ، ونظراته مغلفة بقوة وإعتداد ..تركته رامياا بنظرتى حولى ..أضواء النجفة تهطل من السقف صفراء مشرقة ،تتألق على بياض الجدران ،الستائرحرس شرف تقف زاهية حول الشرفة المفتوحة الشيش ،بينما منال أختى هناك بالداخل تعد المشروبات التى ستقدمها للضيوف .همست أمى فى أذنى بصوت يشى بتوترها -: -
أختك تأخرت .
هرولت الى الداخل أبح ث عنها ..مرتبكة كانت ..زائغة العينين ..تطل على المرآة مد ققة ..تلمحنى بطرف عينها ..تهمس وهى مازالت تفحص فستانها الجديد وزينتها -:مارأيك ؟ تبتسم عيناى ..أقول بمكر -:
رأيي أنا ؟!
تصطنع الغضب ..أتركها الى المرآة ..وجهى يحمل بسمة هائلة ..حافظت عليها لواجه بها الضيوف . ...... عبر الممر الضيق الواصل بين الغرف الداخلية والردهة الواسعة حي ث نجلس والضيوف سارت منال ..مضت كأنما تعبر برزخ اا الى ميلد جديد ..مرفوعة الرأس كانت ..باسمة الوجه ..يمتد شعرها ذيل حصان ناعم اا حالك السواد خلف ظهرها..بينما أنوار النجفة تغلف بصفرتها بياض الحوائط ،وطاقم النتريه الطوبى ،والسجادة الحمر فاء المزركشة بالخطوط والتعاريج الزرقاء ..تحمل منال الصينية وفوقها العصير فى أكواب مزينة الزجاج بفروع الشجر الخضرفاء ،ومعها فناجين القهوة المزركشة بماء الذهب ذات الوجه الثقيل الذى يدل على تمرسها ومهارتها ..تقدمت الى أم العريس وخداها يلتهبان إحمراراا ..لقتها المرأة ببسمة حانية وحملت أقرب الكواب اليها ..تركتها الى والده الذى هش لها -:مرحبا ا بعروس إبنى ..أرخت جفنيها ستار اا يخفى ماأعتراها ..استدارت الي العريس ..تل قت العين فى نظرة ذات مغزى ..جفلت 81
واهتزت الصينية بين يديها ..هب لمساعدتها ..تلمست اليدى ..إزداد ارتعاد الصينية ..فرت الى أمها ..جلست تحت جناحها مرخية أهدابا ا ترقب من تحتها مايجرى . ....... رأيت عينى أمى تتألقان ..ترفع يدها أعلى فمها وتطلق زغرودة مدوية ..مشرقة الوجه كانت بعد قراءة الفاتحة وتحديد موعد العرس ..شفتاها ضتنوغمان الزغرودة ووجهها رغم التجاعيد يتفتح عن سعادة وهى تطيل وتمد فى صوتها ..تشاركها أم العريس بزغرودة أكبر ..أحدق فى الشرفة التى تعمدت أمى أن تتركها مفتوحة ..مؤكد الجيران الن يتحرقون شوقا ا لنتهفاء الزيارة كى تأتى وفودهم للتهنئة ..أتطلع الى صورة جدى على الجدار ..يقولون أن الموتى يحسون بالحياء ..ترى ماشعورك الن ياجدى؟ ..بدأت عبارات المجاملة تنتقل كطيور مرحة بين الشفاه ..فجأة وسط هذا سقط أبى ..رأيته يميل على جانبه اليسر فاقداا القدرة على الحركة ،ناظراا الينا بعينين متسعتين تشعان ببريق دهشة ..غطت وجه أمى صفرة..تصلبت قسماتهاوهى تهرول اليه ..تنسى الفرح والضيوف وتحدق فى عينيه هامسة بصوت كأنما يصدر من غور عميق -:مالك؟ وهو يبادلها النظر مذموم الفم.
.................. كما أمرتنى أمى وقفت أمام الباب أستقبل المدعوين..أقودهم الى الداخل حي ث عرس منال ،بينما أمى هناك فى كل مكان ..تشرف على كل مايجرى حولها فى تمرس شديد..كانت قد رفضت الغاء الموعد الذى تم التفاق عليه ..أصرت أن يتم العرس قائلة أنها لن تخلف وعداا قطعه المرحوم والدى ..تذكرتها قبل الحفل بأيام وهى تتحد ث اولى ..كان وجهها غير الوجه الذى أعرفه وكلماتها غير الكلمات التى تعودتها .حدقت فى عوينى وهى ممسكة بيدى بين كفيها فى قوة وهى تقول -
-:لقد كبرت الن ..صرت رجل البيت ..هل تعى ماأقول ؟ هززت رأسى ..نعم ..وقلبى يرفرف داخل صدرى بقوة ..أردت أن أقول شيئا ا ..لم أجد بين شفتى حروفا ا تصف مابى ..تريدنى كبيراا..كيف ،وماذا أفعل..همست ببطء -:ماذا أفعل لكون كبيراا ؟ صور تلك اللحظات بالكاميرا ..الشاب قطع أفكارى قدوم العروسين والضجة التى ثارت حولهما ..درت أ و الذى حمل مديتين وأخذ يرقص بهما وسط الزفة ..تصفيق الخرين ..زغاريد النساء ..السعادة التى تغلف نظرات منال وعريسها ،بينما أمى هناك تتابع عيناها مايجرى حتى اذا جلسا فى الكوشة تنهدت بعمق ملقية بجسدها على مقعد قريب . تركتها اليهما ..الورود يانعة حولهما ..النوار خلفهما على هيئة قلبين يضمان مقعديهما ،وأمامهما الموسيقى والغناء. استدرت لمى أسألها أن تأتى ..أريد تصويرها معهما ..كانت تبكى ..إرتعدت الكاميراا فى يدى ..لول مرة منذ وفاة أبى تفرج عن دموعها ..تترك لها العنان لتنطلق سهلة على ثنايا وجهها دون أن تفكر فى ملحقتها، أو اعتقالها قبل أن تفكر فى البزوغ كما كانت تفعل . 82
أدرت الكاميرا اليها ..انتبهت لى ..من بين الدموع بزغت بسمة صغيرة حيية أضاءت وجهها كأنما هى نهار صحو بهى الطلعة ،يطل حييا ا من خلف أستار الليل مؤذنا ا بزوال الظلمة..شد نى المنظر ..التقطت الصورة ..بعدها حين طبعت الفيلم تأملت بسمتها بشغف . والى الن أنتقل من صورة الى أخرى متعج ا ل ،لكننى دائما ا أقف أمام هذه الصورة بالذات ،ألبس نظارتى ذات العدسات السميكة لراها بوضوح وعادة كلما نظرت اليهاأسأل ا لها الرحمة و أسألها جاداا ..ماذا أفعل لكون كبيراا ؟..ورغم الشجون أبتسم .
45
اللغز 83
شده صوت منصور من شروده -: دكتور ..أحضرت التصريح الخاص بموافقة السلطات؟رد فوراا وهو يغرز نظراته فى حبتى عينيه - : -
-
-
تم الستعداد لكل شىءهز رأسه الضخم راضي اا ..تابع الدكتور قفاه وهو يستدير عنه ..رغم نفوره منه وشعوره كلما رآه أنه بين لحظة وأخرى سيتناثر التراب من خليا وجهه ويديه ،أو يخرج له من جيب جلبابه الباهت الزرقة جمجمة غائرة العينين والوجنات ،ال أنه هو ذاته الشخص المطلوب بصفته مندوب إدارة المدافن الذى سيتعاون معه ،بهدف تسهيل إجراء تجربة علمية تستخدم فيها أحد ث التقنيات لبح ث ماهية الروح، وطريقة مغادرتها البدن ،والتغيرات التى تطرأ على الجسد بمجرد تجرده منها وتحوله الى مادة خالصة. بدأت الترتيبات حسب الخطة التى أعدها فريق البح ث بواسطة الحاسب اللى ..اللت ..التوصيلت ..الضاءة ..الكشافت الساسية ..الكاميرات ..أجهزة التسجيل ..جهاز النذار الفرعى ..وأخيراا جهاز النذار الرئيسى الذى ماإن يضغط على زره الحمر حتى يقوم بالغاء العملية بالكامل .تحرك الدكتور متابع اا مايجرى ..اصطدمت عيناه بعينى مندوب إدارة المدافن المعلم منصور شيخ الترابية من جديد ..عيناه واسعتان .حدقاتهما بهت لونها وصار قريبا ا من الطين ..كلما نظر اليه شعر فى نظراته بسخرية متواريةخلف قناع من ثلج .ملمحه متجمدة على تعبير ليتغير ..يشعر وهو ينظر اليه أنه إما إبله ليفقه شيئ اا أو هو رجل عميق الغور يخفى مشاعره وأفكاره فى الوقت الذى يقرأ فيه مابداخلك ..باغته صوته متسائلا -: هل تشعر أنك ستصل الى شىء؟عاد يغرز نظراته فى بؤبؤ عينيه ..العينان فيهما دهشة سرمدية لتغيب ..قال له -:ل أعرف إن كنت ستفهم أم ل ..لكن العلم فتح كل البواب تركه المعلم منصور الى المقابر المتناثرة حولهما ثم عاد متسائل -: حتى باب المقبرة ؟اتسعت عينا الدكتور وتاهت فى سراديب سؤاله المباغت ..هل يعرف ماهية هذه المهمة ؟..حاول العودة من رحلة شروده اليه -:.ماذا تقصد ؟ حدقت العينان الواسعتان فى وجهه وسمعه يقول -: أقصد سلمتك داخل المقبرةإهتز قلبه بعنف فى فراغ صدره وتداخلت دقاته ..هز رأسه محاول التشب ث بالل مبالة وهو يسأل راسما بسمة استخفاف على شفتيه -: ما الذى سيجرى ؟باغته الرجل بسؤال -:الم يقل لك الكمبيوتر ؟ أدار وجهه عنه ..تشاغل بمتابعة التجهيزات مع طاقم الفنيين ..ارتفع صوت الرجل بسؤال جديد -: واذا حد ث لك شىء بالداخل ؟84
-
-
-
-
إمتل صدره ضيقاا منه ..استدار اليه ووجهه ينطق بحقيقة مشاعره -: ماذا تريد ؟لم يبال بقراءة ملمحه ..قال بقوة -: تكتب إقراراا بإخلء مسئوليتى تماما اأدار وجهه عنه -:لك ماتريد . ومضى الى الملف الذى يضم تفاصيل العملية ..راجع وضع اللت ومكان الجثة القادمة وكذلك الغرفة الزجاجية الصغيرة التى سيجلس فيها داخل المقبرة للمراقبة وتسجيل الملحظات ..باغته صوت منصور -: ستبدأ الن ؟من فوق إطار نظارته الطبية رماه بشرر نظراته قائ ا ل -:أنت تابع تنفذ مانريد ..حينما نريد واستدار عنه ..التجربة أجريت من قبل فى ظروف مشابهة للواقع ..وضعت اللت اللزمة فى إحدى المقابر .؟.تم دفن ميت فيها وضأعيد إغلقها ،لكن اللت فشلت فتقرر أن تعاد التجربة على أن ينزل الدكتور بنفسه مراقبا ا ،وبدال من وضع ميت سوف يوضع رجل قارب على الموت لتصبح التجربة أكثر صدقاا ويصبح والموت وجها ا لوجه ..لكن هل يمكن رؤية الموت ؟ رفع عينيه عن الورق ..وجههما ل أراديا الى منصور ..النسان ابن بيئته وهذه حقيقة ..هل يدرك ماهنالك بحكم معايشته للموتى؟ ..سأله فجأة -:هل رأيت الموت من قبل ؟ لحظ فى تعبيرات وجهه الثلجية تموجاا ..تحركت الجفان وفتح الفم عن أسنان مثرومة وبرقت عيناه قائل ا -: ورأيت منها ) انا فى شبابى كنت أعمل بيدى ..أفتح مدافن المنطقة ..أعرفها وبدأت أفك كفنه فاذا بعينيه مفتوحتين ينظر الكثير ..الميت الذى أرقدته ووجهت وجهه للقبلة الي متسائ ا ؟ ..والميت الذى التقطه من يدى ثعبان فمه باتساع فتحة ل ..أين انا ..والميت الذى اشتعل ناراا بمجرد وضعه فى مضجعه والميت الذى رأيته هيكل عظميا و المقبرة جذعه على الجدار ..هذا الميت بالذات أفزعنى ..فهمت راكعا ا على ركبتيه مستند اا بيديه بانحناء .لحظتها كان المفروض أن أزيح ماجرى له وحده فى الظلم ومحاولته الفرار من الموت . جديد ..لكننى توقفت وانا أرى هذا الهيكل ناشبا ا أظفاره فى العظام القديمة استعداداا لقادم ماأملك من مشاعر فجرها الجدار مكافح اا الفناء حتى أخر لحظة من عمره ..صرخت بكل كما لم أره من قبل (. هذا المنظر فى صدرى وتمثل لى الموت ضأعلن عن وصول سيارة السعاف بالمطلوب ..لمعت عينا الدكتور ومرت رجفه على جفنيه ..لحظ منصور هذا ..رآه يتحرك نحو رجال قادمين يحملون شخصا ا على محفة تحيط به الجهزة متجهين به الى الداخل ..قال أحدهم أنه غائب عن الوعى منذ شهور ..يعيش على أجهزة التنفس الصناعى ..قلبه لتكاد تسمع دقاته ..أهله انصرفوا عنه بعد أن كلفتهم اقامته بالمستشفى كل مالديهم ..قرر الطباء رفع أجهزة التنفس عنه وافقوا على النتفاع به فى التجربة مادام مصيره قد تقرر ..توجهت المحفة الى داخل المقبرة ومعها اللت وأجهزة قياس الضغط واشارات المخ والقلب وما اليها ..إندس المعلم منصور بين الجساد الى حي ث رأى وجها شاحبا ا يتطلع اليه ..سأل -:دكتور ..ماذا ستفعلون بهذا الرجل ؟
لم يبال به 85
عاد يسأل -:هل ستتركونه يموت ؟ استدار عنه ..لحظة رفع أجهزة التنفس الصناعى تقترب ..عليه الن أن يهبط الى المقبرة ..يتحصن بصندوقه الزجاجى ..يرقب بعينيه ويسجل ملحظاته ..لكن لماذا يرتجف وتصعد من جوفه هزات متوالية تمنعه من الحركة ؟ ..سمع صوتا ا يناديه ..تزلزل جوفه ..بذل جهداا ليقول أنه جاهز وتقدم نحو المقبرة ..مد ساق اا للداخل ..لم تطاوعه الخرى وغاصت الدماء من وجهه ..أدار نظراته فى الجهزة واللت والجسد المسجى والغرفة المحصنة بزجاجها الشفاف ثم تقدم الى حي ث جلس فى مكمنه مراقبا ا الباب وهو يغلق والنوار الصناعية وهى تمل المكان بيضاء زاهية تتربص بالموت وتستعد له ..اتجهت عيناه الى عدادات القياس أمامه..المؤشرات ..القراءات ..الكاميرات المثبتة فى الركان وشاشة الكمبيوتر التى تتلقى البيانات اول بأول ..مد يده الى زر أزرق أمامه ..ضغطه بعزم ليفصل فوراا أجهزة التنفس الصناعى ..اتسعت عيناه وهو يرى الجسد الذى كان ساكنا منذ شهور ينتفض انتفاضة ملحوظة فى أقل من ثانية قبل أن يهمد الى البد وتتحرك أجهزة القياس امامه ..تجحظ عيناه ،يرتعد جوفه ..يحاول أن يتحرك فى مكانه ..يضغط على أى زر ..يصرخ حتى ..لم يملك ال إذعانا ا كام ا ل لسطوة شلل مفاجى ينشب اظافره فى ثنايا عقله . اما فى الخارج فقد استمر سيل الصور القادمة للجثة وماحولها ،والقراءات والبيانات المعتادة تمل شاشة الكمبيوتر ،مما يعنى أن كل شىءتحت السيطرة ..انتهت التجربة..ضفتحت المقبرة..كان مكانه..سألوه عما كان ..لم ينطق بحرف ،وحتى الن ماتزال المحاولت جارية معه!
46
الخر
تلقاها على ظهره -بين منكبيه -ضربة قوية ،كاد أن ينكفىء على أثرها على وجهه . إجتاح صدره إعصار من غضب ،وكور يده واستدار استعداداا للكمة باطشة ،وجدها إمرأة شابة تقف متنمرة له والشرر يتطاير من عينيها ،وهى تصرخ فيه -:الى متى ستهرب ؟ إنداح الغضب مفسحا ا براحا ا واسعاا لدهشة هائلة فى نفسة ،شعر برأسه يدور وتوازنه يخوتل ،بينماالمارة يتوقفون تمام اا صانعين دائرة حولهما ..صعدها من أسفل الى أعلى متفحصا ملبسها وتعبيراتها الوحشية وهى تحاصره بلهب نظراتها حتى ليفلت من يدها ..نحيلة هى ..جسدها الصغير يشبه أجساد الصبية لول كرتيها أعلى الصدر ،وتحمل وجهاا رغم وحشيته فى نضرة صباح بكر ..غمغم فى غضب جامح -:كيف تجرؤين ؟ 86
ولم يكمل ..إندفع صوتها عالياا وهى تقتحم البراح بينها وبينه قابضة على اعلى قميصه -:الم يكفك مافعلت ؟ خلص ملبسه بصعوبة من بين يديها ودماغه يغلى ،و الناس حولهما أجساد تتكون من عيون وآذان ..صرخ -:من تظعننى بالضبط؟ وهو يحدق فى بؤبؤ حدقتيها ..أكمل -:انا ل أعرفك دقت صدرها هو ال وهى تسأله صارخة -:لتعرفنى ياحسن ،لتعرف زوجتك،إمرأتك،أم أولدك ،تصر على الهرب ؟ لمعت عيناه ببريق الظفر ،تلفت الى العين المتربصة به وهو يمد يده الى حافظته ويرفعها عاليا ا وهو يؤكد -:هاهى بطاقتى ..إسمى رفعت وليس حسن قبل أن يدير وجهه اليها اندفعت الى يده بسرعة ،التقطت البطاقة وهى تقول كمن عثرت على دليل إدانته -: بطاقة مزورة ،وصل المر لهذا ؟ هجم على يدها محاو ال استرداد ها منها ،دستها فى صدرها ،مدت يدها الى حقيبتها وأخرجت صورة لهما معاا ..وجهتها الى عينيه بقوة -:انظر ..من هذا ؟..انكمشت يده فى التومبالغتة وهو يرى صورته الى جوارها ضاحك الفم ،شعور بالعجز أمامها تسرب الى نفسه -:ماذا تريدين ؟ قالت بهدوء -:أن تأتى معى . عاد الى الحتجاج -:لكنى ل أعرفك ارتفع صوت -:الفضل الذهاب لمركز الشرطة . أيدته أصوات اخرى ..استدارت اليهم فى غضب -:وأضويع زوجى بعد أن وجدته ؟ ثم عادت اليه -:الم توحشك أمك العجوزالمرضة وأولدك ،الم أوحشك أنا زوجتك عطيات ؟ وشدته من يده لتخرج به من الطوق البشرى المحيط بهما ..بعد خطوات ربتت كتفه بحنو قائلة -:انا بحاجة اليك ارتجف ..ل يدرى غضبا ا منها ام دهشة وصرخ -:انا ل أعرفك ابتسمت مهدئة من ثورته -:قل هذا بعد أن نعود من مشاويرنا -
بأى صفة أسير معك ؟ بصفتك زوجى حسن لست هو صدقنى انا بحاجة اليك،أعدك ال أضايقك ثانية ،واذا سألتك عن شىء أو طلبت منك شيئا ا اتركنى من جديد أرجوك !.. 87
انا التى ترجوك أسف إذن سنعود للصراخ وفرجة الناس وصورتنا معا اأحنى رأسه وترك لقدميه حرية الحركة . خطوات قليلة سارها وعاد اليها متسائلا -: -:لماذا انا بالذات ؟ حدقت فى حبتى عينيه محاولة اكتشاف ماخلف الحداق ،استدارت الى الطريق من جديد -:ستعرف عاد يسأل -:وماهو المطلوب منى بالضبط ؟ استمرت فى السير -:لشىء ..احتاج وجودك بجوارى فقط . حدق فى رأسها الصغير المرفوع فى وجه الطريق ..هل تعى ماتفعل ،أم ستزج به فى ورطة ،وماذا سيقول اذا حد ث هذا ،ومن سيصدق أنه يحد ث له ماحد ث ؟ استدارت له كأنما تقرأ أفكاره ..قالت بهدوء -:ل تقلق وعادت الى الطريق ..اقتربت من أحد البيوت الرقيقة الحال ،مضت الى مدخله الضيق ،صعدت على سللم متهالكة الحواف متساندة على درابزين بل ملمح ،توقفت أمام أحد البواب ،دقت الجرس ..فتح الباب عن إمرأة كبيرة تغضنات الوجه ،ملونة الملمح ،بمجرد أن رأتهما زادت عبوس وجهها عبوسا ا وتساءلت عما يريدان ،قالت عطيات بقرف -:محمود خرج شاب يافع ناضج العود بملبسه الداخلية اليهما ،بمجرد أن رآهماتعثر فى ارتباكه ،حمل وجهه معالم دهشة ممزوجة بذعر،قبل أن يرتمى على صدره باكيا ا -:سامحنى ياأبى وقف ليفقه شيئ اا ،تدخلت عطيات -:أبوك غاضب عليك وانت تعرف لماذا ولول الحاحى ماجاء الن . اندفع محمود يقبل يديه -:ادخل ..تعالى ..تعالى ياأمى حدقت فى عينيه ..عيناها بئراا لورم وتقريرع ليس لهما قاع ..تساءلت بصوت مغسول بالقهر -:تظننا ندخل ؟ واستدارت عنه مغادرة . فى الطريق سألها عن تفسير مارأى ..بزاوية عينيها نظرت اليه-: ال تعرف ؟ اضطرب ،بدت على جفنيه ارتعادة خفيفة وهو يهمس -:ل قالت ووجهها للطريق مازال -:سترى بنفسك . وصلت الى أحدى المستشفيات ..دخل معاا ..أمام أحد السرة توقفت ..رأى فتاة شابة ترقد على ظهرها فى إعياء واضح ..قالت عطيات بعطف -:وفاء ..انظرى من جاء يراك . 88
رفعت اليها وجه اا اعتله الذبول ،امتصه المرض ،فتحت فمها لتتكلم وقد اكتست نظراتها بدهشة بالغة لرؤيته -:أين كنت ياأبى ؟ ربتت عطيات كتفها برفق -:رغم غضبه من محاولتك النتحار جاء يراك ارتعدت بضع دمعات عجاف على حواف عينيها ،مدت يداا ناحلة الى يده ،القريبة ،ضغطها مترفقا ا . فى الطريق عاد يسأل -:لماذا ؟ مشيراا الى مافعلته وفاء ..ردت عطيات باقتضاب -:ستعرف .وهى مازالت تواجه الطريق ،أسرع فى خطوه حتى وقف أمامها قاطعا ا عليها الطريق -:إن لم تشرحى لى المر سأضطر الى الرحيل . تبسمت بغم وهى تواجهه بعينين متسعتين تغطى حدقاتهما قطرات من ماء عزيز الهطول -:ترحل ..ثانيه !! انتفض -:لست انا صرخت -:إذن من ؟ ازدادت الحيرة تعملق اا فى مقلتيه ..كيف يقنعها ؟ ..دلفت الى بيت منفرج الشبابيك يتقدمه مدخل بل باب وهو الى جوارها ،صعدت سللم قليلة نظيفة رغم ضيقها،توقفت أمام أحد البواب ،فتحته ودخلت ،أضاءت المصباح وأشارت اليه ،تقدم محاذر اا وهو ينظر حوله فى تأفف ..كانت هناك أريكة فى المواجهة ترقد عليها عجوز مستغرقة فى النوم ،الى جوارها من اليسار ممر يؤدى الى الداخل ،ومن اليمين حجرة مغلقة زجاج بابها مكسور ومكانه قطعة من ورق مقوى ..مدت عطيات يداا حانية توقظ العجوز - :اماه ..هذا حسن ..إبنك فتحت العجوز عينيها وفمها معاا ..الفم مثروم تماما ا ،وشعيرات قطنها ناصع البياض بلله العرق يلتصق بوجنتها ..همست -:تقولين من ؟ وهى تحاول العتدال بلهفة من رقدتها دون أن تسمع أو تنتبه لرد ،أخذت تتمتم -:حسن ولدى ومدت يديها المعروقتين تتلمسه مما اضطره للقتراب منها ،أمسكت يده ورفعتها الى وجهها تمسح بها قسماتها ،تقبلها ودموعها العجوز تنزلق ناحلة عبر تغضنات وجهها ،شعر بجسده يرتجف ..قشعريرة هائلة تدغدغ حواسه والمرأة تشده نحوها،تحتويه بين ذراعيها وهى تبكى -:سلمتك ياحسن وهو بين يديها عاد بنظراته الى عطيات ..كانت تبكى. رآهاتفر من دموعها الى الممر الواصل الى الداخل ..مضى خلفها ،فتحت بابا فى المواجهة ،وقفت مشيرة اليه بالدخول وهى تمسح عينيها..رأى سريراا خشبيا ا قديما ا يأخذ ركناا ،يجاوره دولب باهت اللون إحدى دلفه منزوعة ،ومائدة صغيرة عليها تليفزيون صغير ،وحصير قديم مهترىء الطراف يفترش الرض ،وعلى
89
حافة الشباك صينية من اللومنيوم عليها قلة من الفخار مغطاه بقطعة قماش بيضاء ،سمعها تتكلم وهى تمد اليه يدها ببطاقة هويته -: لول حاجتى ..ماسعيت اليك.همس -:لست حسن حدقت فى عينيه بنظرات حديدية ولم ترد ،أشارت الى جلباب معلق على مسمار خلف الباب -:جلبابك نظيف ينتظرك وغادرته الى الخارج . صرخ فى مواجهة السرير والدولب والحصير والشباك وجدران الحجرة المتساقطة الطلء -:لست حسن . انتبه لصورة على الجدار تجمعه وعطيات فى ملبس العرس ..أشاح بناظريه عنها ..رأى الجلباب المشنوق من رقبته بالمسمار خلف الباب..نظر اليه بعداء!
90
47
القطار
رأيته جالسا ا وحده مواجها ا للداخل ،السيجارة بين يديه دخانها يصنع ستاراا ضبابيا ا بينى وبينه ،من خلف الضباب رأيت عينيه تبرقان ،نجمتان يخترق نورهما ضبابية اللحظة،لكنهما شاردتان ،تائهتان فى فضاء لنهائى ،يرمحان عبر براحه ،ليهدآن . لحظتها فهمت معنى أن يفقد النسان عزيزاا .اطلق بعض الدخان من فمه ،ازدادت ضبابية اللحظة بيننا ،من خلفها واصلت النظر ناحيته .كان ينتظر منى الخبر ،ينتظر أن انطق به ،أهز ركود الصمت الذى يحتوى كلينا ،لكنى لم استطع النطق به .رأيتنى أعود اليها ،أتصورها تصرخ ذاهلة ،ترفع يديها أمامها ،تحاول رد القدر ،يطلق القطار صفيره ،أفزع ،تعاودنى الرعدة ،أنفجر فى وجه الضباب والدخان -:دهسها القطار قاصداا أختى ..قال ببطرء -:أعرف ونفخ مزيد اا من الدخان ..تفجرت الدموع من عينى ..القطار حديد يتحرك ،و الحديد لقلب له ،مهما ارتفعت حرارته ليحس ،ليلين ،قلت -: -
أبى ..ل أحب القطار - من خلف السحابة المضببة بلونها الرمادى قال -: لم يكن لها أن تقف أمامهالردهة ممتلئة بالسواد ،دنوت من أمى ،عيناها حمراوان ،قسماتها ذابلة يعلوها اصفرار .تمنيت أن أعتذر لها لننى تأخرت .لو أسرعت قليل وقلت لها الخبرالذى لودى كانت ستفرح لبعض الوقت قبل أن يدهمها الحزن. 91
-
-
-
مددت لها يدى ،اعتمدت عليها ،همست وهى تنظر فى حبتى عيونى -:لن ترى أختك ثانية إنشرخ صدرى من الحزن ،عاد القطار يرسل صفيره المشئوم ،يصرخ منذراا ،مهدداا ،مطلقا ا طيوره السوداء تحلق أمام عيونى ،تحجب ضوء الشمس ،وأختى هناك ،تستدير ،ترتعد ،تتصلب فى مكانها ،وتمد يد ها ظنا ا منها أنها تملك القدرة على صده والنجاة منه ،يدووى الصفير فى الفاق ،يزداد شعورى بالذنب ،اليوم بالذات كنت سعيداا ،باسماا طول الطريق بعد أن رأيت نتيجة المتحان ،كنت الول ،شىء لم يحد ث من قبل ،كنت محلقاا كعصفور نبت له جناحان منذ قليل ،يضرب بهما الهواء ويمضى..اقتربت من البيت ،من أول الشارع أخذت أسابق اللحظات وحين اقتربت ارتجف بدنى ،دخلت الشقة ،بياض الجدران غطاه سواد الثياب .زفة النوار حجبتها ظلمة الدموع ..حكت لى إحداهن عن القطار ..قالت إنه كان يركض ،ليتوقف ،قلبه الحديدى ليدق ،وعيناه لتبصران ..اطلقه القدر ليراه الناس ..يحكون عنه ويخشون منه ..ل أعرف لحظتها لماذا رفرف العصفور الصغير بجناحيه الرقيقين عاجزاا عن حمل نفسه وهوى أرضا ا ..شعرت أننى بحاجة لوجود أبى ..ابتعدت صامتا ا ابح ث عنه وحين وجدته كانت سحابة ضبابية تفصل بينى وبينه ..كان لودى الخبر الذى أعرف أنه يتوق لسماعه ..لكننى لم أجد له معنى الن ..بكيت ! .............. خرج أبى من حجرته ،وجهه قسماته جامدة ،عيناه نظراتهما حادة ،والسيجارة فى يده متأججة النيران ..فتح باب الحجرة ومضى عبر الممر الواصل الى الردهة وهناك توقف ..رفع صوته الجهورى آمر اا النسوة بالصمت ..رفعت أمى حدقتى عينيها نحوه محتجة ..العينان حمراوان ،يركض عبر ساحتهما النين ،تدور الدموع ،غير أنها لم تنبس بحرف ..شبكت ذراعيها أعلى صدرها وأحنت رأسها ومضت تدور فى متاهة أفكارها فى صمت ..قال أبى موضحا ا -:لتؤذوها فى مرقدها وعاد الى حجرته ..شدنى وجه أمى ..نظراتها نظرات حمامة بل جناح ..تجلس ساكنة تنتظر شيئا ا ما لتدرى كنهه ..فكرت أن أهبها لحظة فسحة من الحزن ..أخبرها فيها بالخبر الذى لودى ..أشعر اننى منحت الحمامة جناحين جديدين ..فتحت فمى ..لم أر جدوى للكلمات ..لن تشفى جرحا ا ..لن تعيد روحا ا الى جسد بلى ..والحمامة حين ينكسر جناحاها لتفيدها عبارات تعزية مهما كان صدقها . انتبهت لبى قادما عبر الردهة ،متسع العينين كأنه فى حالة دهشة دائمة وكان محنىالظهر ..تقدمت نحوه ..استند بيده على كتفى ومضينا نحو الباب ..فى الطريق وانا امضى الى جواره مهدئا ا من خطوتى لسايره قلت هامسا ا -:أننى نجحت وأن ترتيبى الول هذا العام ..شد على كتفى فى صمت ..داهمنى فيض من مشاعر ..رأيت القطار من جديد يطلق صفارته قادما كقدرر لفكاك منه ،والطيور السوداء والتى كانت من المؤكد انها حلقت فى مكان الحاد ث ،وأختى وهى تمد يديها وتقف مكانها ،والقطار يتقدم وصفيره يعلو ..يعلو ..يصم أذنى ..صرخت ..عادت اليد تشد على كتفى وسمعته يهمس كأنما ينتزع الكلمات من جب -:لتنسى أنك رجل
حنان ..تعالى
92
48
المنطقة الخطرة
93
القى منصور بنظراته الى الطريق ،الظلمة يطفح بها الهواء خارج القطار ،على البعد تبدو أشباح أبنية متسارعة وراء بعضها الى الخلف .امتص رحيق سيجارته بنهم ..الغريب أنه لم يحد ث شىء حتى الن . همس لزميله مخلوف الذى يقف الى جواره -:المواجهة تقترب تبسم مخلوف ،سأل -:خائف ؟ هز رأسه -:ل وهو يتحسس مكان الجرح ،بسبب الحجر الذى ضالقى عليه ظل ينزف ،الحجر أتى من ذات المنطقة الخطرة ،شخص ما أو ربما أشخاص يمطرون القطارات المارة بالحجارة ويتخفون بالظلم . هل أنت راض ر عما أنتويت ؟ يفكر فى استدار لمخلوف ،حدق فى قروية ملمحه متأمل ا ،الغريب ال الخطر بات يهدد القطارات المارة فى هذه المنطقة ،قطارات الضواحى الثأر ،هو يعرف جيد اا أن كلما التى تشق المدينة من المحطة الرئيسية الى الضواحى صارت ترتعد مرت بهذه المنطقة خوفاا من دفعات الحجارة التى تصيب الركاب دون تمييز .قال مؤنباا -:هل نترك الجانى دون عقاب ؟ رد مخلوف -:لسنا جهة عقاب . استدار اليه محتجا ا -:نترك الخفافيش والبوم يتحكمون فينا؟ هناك قانون وعلينا أن ننفذه لسنا فى غابةتركه الى الطريق من خلل الباب المفتوح ،أخذ يتأمل السماء والظلمة المبذورة فى الرجاء ،مسنداا ظهره الى العمود المعدنى ،متحسساا مكان الجرح اعلى جبهته ،كاد الحجر يرتطم بعينه اليمنى ،قال لنفسه يومها أنه حجر عشوائى أطلقه عاب ث ،غير أن المر تكررمن ذات المنطقة ،أصاب أحد السائقين وعورض القطار للخطر . تمددت دوائر الحيرة أمام عينيه وهو يسأل نفسه كيف يترك حقه دون رد ..غاصت نظراته فى بحر الظلمة حوله ،هناك بقع ضوئية تتناثر عبر الطريق ،انتبه انها تختفى وتمل الظلمة الرجاء ،مد رأسه الى خارج القطار متعقباا أثر الضوء ،اتسعت عيناه ،شعر بجسده يترنح ويكاد يهوى لول أن تمسك بالعمود المعدنى ،القطار يشق الرض منحدراا فى سرعة مذهلة الى أدنى حاملا الركاب معه ، ب ،هرول الى كابينة السائق يحذره ،يطلب منه إيقاف القطار ،وجد الحجارة تنهال عليه من كل صو ر الكابينة مغلقة ،دق بيديه بابها ،صرخ ،بكى ،لم يأبه له مخلوق ،استدارعائداا الى الركاب ،غارقين فى متاهة صمت ونظرات ثلجية التعبير ،ارتفعت صرخاته محذراا ،لم يبال به أحد ،فكر أن يقفز ، السرعة عالية ،هوى أرضا ا واضعا ا رأسه بن راحتيه وجلس منتظراا مصيره ،شعر بيرد تهزه من كتفه بقوة وصوت يسأله -:مابك ؟
94
ادار عينى الشرود حوله ،القطار فى طريقه المعتاد وبقع الضوء تتناثر فى الرجاء ومخلوف زميله يحدق فيه بعينيه الواسعتين ..تركه الى دفتر التذاكر فى جيب سترته الزرقاء ،مضى بين المقاعد والجساد المتلحمة يدق بقلمه الجاف الحمر على الحوامل المعدنية وهو يكرر بآلية -:تذاكر . ..................... اطلق القطار صفيره يشق به أستار الصمت المطبق على الرجاء ،انتبهت العيون الى اقتراب منطقة الخطر ،امتدت اليدى لغلق النوافذ والبواب ،صرخ منصور بأعلى صوته -:العين بالعين ضحكوا منه ،أشاروا الى إصابته فى عينه ساخرين ،وقف وسط الممر له ث النفاس والوقت يمر ، مرة واحدة هرول يفتح البواب والنوافذ المغلقة ويمد الركاب بالحجارة ،طلب منهم أن يكون رد الفعل بنفس مستوى الفعل ،عادت الكلمات الهازلة تحاصره ،لم يبال بها ومضى نحو باب العربة ،فتحه ، وقف خلفه والحجارة فى يده ،اقتربت المنطقة الخطرة ،تلشى الهزل ،تآ كلت الضحكات وساد ترقب حذر العين ،اطلق القطار كالعاده صفيره ،علت أصوات العجلت فى سيرها الحثي ث على القضبان ،بينما الليل يهرول حول القطار .افترب مخلوف متوجسا ا -:أخشى أن يحد ث شىء !! بنصف عين اتجه اليه -:واذا حد ث ؟ اندفع -:ستكون انت المسئول ادار وجه عنه ..انطلق حجضر قاد ضم من الظلمة ،تلته أحجار ،ارتطمت بجسد القطار كمقذوفات غاضبة تنذر بالويل ،فزع البعض ،علت صيحات انطلقت صرخات ،اطلق منصور قذيفته الولى نحو الظلمة ،تبعها بالثانية ،رآه البعض ،فعلوا مثله ،تشوجع آخرون ،مضت الحجارة تشق الهواء متجهة الى الظلمة فى الجهة التى جاء منها الهجوم ،بينما القطار يطلق صفيره والعجلت تصلصل بعزم ماضية فى طريقها دون خوف .
95
49
الستاذ
قست ملمحه ..قطع المسافة بينه وبين الفتى طائراا ..وقف على رأسه المحنية أسفل الدرج ينظر معه ..عل اللغط حوله ..انتبه الفتى ..رفع رأسه ..أنشب الستاذ زيدان مخالبه فى الموبايل المتوارى عن عينيه ..نظر فى شاشته ..غرق فى بحور بلهة طارئة وأبعد عينيه مرتاعا ا ، أما الفتى فقد وقف داخل درجه منبسط الملمح بدون حراك ..فتح زيدان فمه باحثاا عن كلمات تناسب موقفأ لم يره قبل .عاجله الفتى قائ ا ل وهو يحدق فى عينيه بذات هدؤه أنه ليريد سماع شىء ..سيخرج وينتهى المر .انهارت كلمات زيدان..حدق عاجز الحروف والكلمات مكتفياا بنظرات تشى بما فى جوفه من نيران أخيراا قال فى بطء أخرج من الفصل ..لتعد ال بولى أمرك96
ضحك الولد ضحكة معجونة بل مبالة ومضى متمهل ا نحو الخارج ..ركل الباب بقدمه بعد خروجه ليعاود إغلقه..صرخ زيدان أنه سيشكو لبيه ..سيجبره على احترام الدرس .هدأ قليلا ثم أكمل-: الولد خسارة ..ياي مرن لول بعض الصدأالذى يعوق حركته..واستدار خارجا ا من الحصة .................. فى مكتب المدير أخذت صورة الولد تبدو لعينيه وهو يقول بملمحه المتراخية أنه ليريد أى كلم .يقول هذا بل خوف ..ليخشى حتى من ضربة عصا أو ركلة قدم ..وقوف زيدان أمام السبورة كاشفا ا ظلمتها ببياض الطباشير عمره كله لم يشفع له اليوم أمام هذا الولد ،وقال له أمام الفصل ماقال ..طوال عمرك يازيدان تتعامل معهم على أنهم يايات تتفاوت قابليتها للنضغاط حسب مرونتها ونوع معدنها ،وتقول أن مهمتك الكبرى الحفاظ على ال يصدأ منها ياي ..الولد أحداقهم تبرق بالذكاء لكنهم ليفقهون شيئاا ..يضغط عليهم ..يغيبون عن المدرسة ..يطلب أولياء امورهم ..لجدوى منهم ، .فما الذى جرى ؟ -
سأله المدير -:مابك ؟ هز رأسه وهو يتحامل على نفسه تاركا ا المدرسه ومن فيها الى البيت .................. تحرك متوجسا ا شراا من ساقيه ..طالما حملتاه وسط الفصل روحة وإيابا ا ووقوفاا لساعات وأيام وسنين ..الن كولتا ،لم تعودا تساعداه على السير ،يضطر الى البطء فى حركته ،ولول حرجه من اهل المنطقة الذين يعرفونه ويوقرونه لجلس على أقرب مقعد أو رصيف يقابله بين مسافة واخرى ..اليوم بالذات يشعر أن شقاء العمر لم 97
-
-
يثمر ...اليايات صدأت وضرب أحدها قلبه ..أصابه فى الصميم ..الولد دوماا يخشون من صوته ..يهرولون أمام عصاته التى لم يعد يستعملها ..لم يحد ث قط أن تجرأ منهم لسان على الرتفاع امامه ولم تجرؤ رأس على عدم الخضوع لوامره ..صرت عاجزاا يازيدان ، وعجوزاا لجدوى منك ..لم تعد لك هيبة أمام أولدك فى البيت ول حتى فى المدرسة ..حتى وظيفة خيال المآتة لم تعد تصلح لها !. تمنى الوصول سريعاا الى البيت ليمدد جسده على الفراش شاعراا أنه بين لحظة وأخرى سيسقط رغما ا عنه ..سار يحرك قدميه بالكاد ..سمع صوتا ا خشنا ا ينطق باسمه آمراا إياه بالوقوف ،ورأى جسداا مربعا ا ينتهى س مظلمة يواجهه -:أنت زيدان ؟ برأ ر رفع عينيه الى الوجه الجاحظ العينين -:ماذا تريد؟ الولد الذى طردته اليوم سيعود غدا الى المدرسة ..لنتنظرنحوه..لن تفكر فى توجيه كلمة اليه ..أفهمت ؟
حدق فى وجهه الذى يحاصره بحدقتين تعومان وسط بحيرتين من دماء ..نسى الم ساقيه وهمود جسده ..تنبهت حواسه ولمعت أحداقه وأقترب منه معترضا -:الكلم فى المدرسة وليس هنا زمجر الخر -:بل هنا .والن وامسكه من ياقة قميصه جاذباا إياه الى المام بقوة -:هل لديك إعتراض ؟ تخاذلت ساقاه نتيجة الهزة المفاجئة ولول أن الخر يمسك بياقة قميصه لتهاوى أرضاا ..تحامل على المه ليستمر فى الوقوف ،بينما أطلقه الخر واعطاه ظهره مدمدماا بكلمات غير مفهومة ومضى ..نظر زيدان 98
حوله ..عيون المقهى تتابعه ..آذان الشرفات والنوافذ تترصده ..احنى رأسه ومضى . ............. قالت إمرأته -:مابك؟ وقد طالعها وجهه على باب الشقة كاشفا ا عما بداخله ..أشاح بيده دون أن يمتلك ناصية الحروف ومضى الى غرفته ..أغلق بابها خلفه وهوى على سريره مستعيداا ماجرى ،تاركا ا لدموعه العنان لتنهمر على خديه بل توقف ،وكلما أجهده البكاء استعاد ماجرى فتعاود دموعه النهمار موبخاا نفسه انه صمت ولم يمتلك القدرة على المواجهة ،ولم يصر على رفض أى حوار بالطريق ..تحدثه نفسه أن الصمت فى هذه الحالة أجدى وأقل ضرراا ،يتهمها بالجبن والتخاذل ،شاعراا أنه بعد الن لن يجد وجهاا ول كرامة يواجه بها الولد ..مؤكد تناثر الخبر هنا وهناك وحسم المر ..غداا سيضحكون منه ،تمتلىء الفواه بالضحكات وهى تروى حكايته ،تتوارى العين بسخريتها منه ..الولى به أن ينسحب بكرامته أو ماتبقى منها ول يجازف بتلك البقية فى معركة خاسرة لن يجديه منها شيئاا ..دخلت زوجته تدعوه للغداء ..أغمض عينيه ولم يرد .............. مجهد العقل والجسد لعلبر باب المدرسة ..التف حوله الولد ..تطايرت عبارات صغيرة محملة بالمشاعر ..حدق فى الوجوه ..صارخة بالرفض ..اتسعت عيناه ..اليايات تتحرك ..لم تصدأ بعد ! ..إتسع صدره ..صار بحراا يهدر ماؤه بالغضب ..رفع رأسه ..تألقت عيناه فى وجه الشمس ، ومضى الى المام ..قابله المدير . 99
لن أسكت وسوف ترى.هز رأسه بهدوء -:بل أرى أن تسكت ..الموضوع بسيط وتحرك نحو الفصل ..رأى الولد جالسا ا فى هدوء ينظر اليه بذات النظرة المعجونة باللمبالة ..أشار اليه-: أنت ..قف ..قلت لتحضر بدون ولى أمرك .-
100