بسم ا الرحمن الرحيم
أبو تلت
رواية
محمد عباس على داود 1
إهداء
اليك يامن صر ت ت الرفيق والسفر والغد المقسوم ب وإعلنا ا لتقدير أقدم كلماتي عنوانا ا لح ب
2
3
)(1
الهاربة أخذ سامح مدخل أبي تلتا قادماً من الطريق السريع اقترب من نهايته مضت العربة يميناً توقفت ذاهلة أمام حشد من الخلق كثير رأى تجمهراً وأناسا ً كثيرين يحاصرون مبنى النقطة بأيديهم أسلحة نارية وبيضاء وبعض النبابيت وهتافهم يرج المكان : الفاجرة تأخذ جزاءها توقفت العربة مخذولة ودق قلبه بعنف ،حدق من مكانه في المبنى المحاصر ،البواب مغلقة؛ كذلك النوافذ ولصوتا يشي بوجود حياة هناك . خامره خاطر بالتراجع فوراً ،القتراب الن وتعرفهم عليه هلك ،مد يده إلى مقود العربة ،أبت التحرك تحت ضغط الجساد التي تراصت خلفها والعين التي نفذتا من خللا زجاجها لتحدق به ،لهيب الحداق طاله، استحالا عليه الرجوع ،فتح الباب ،شق الزحام ،تعالت أصواتا حانقة : ضابط النقطة 4
حاصرته السلحة النارية فورا ً: ستبقى لدينا حتى تعود الفاجرة لحظتها رأى الرشاشاتا تصنع حلقة حولة خلفها نيران العين ومعها سياط الكلماتا انكمش قلبه رعبا ً ،تفتت أحاسيسه شذراتا ،وعاد عقلة صفحة بيضاء كما وولد ووقف ليدري ماالمر . نكس عينيه هنيهة قبل أن يعاود بالكاد لم شتاتا أمره حدق في الوجوه من حوله النظراتا متحدية ،قاسية ،الصابع متنمرة والسلحة حانقة تنتظرإشارة لتنطلق في عناد! تحركت قدماه خطوة نحو النقطة ،تصلبت اليدي على السلحة ،تشبثت الصابع على الزناد ،قالا بهدوء محدثا ً وجها ً توسم في شيبته الوقار : دعني أرى المر بالداخل أول ً تعالت الصواتا بنبراتا معجونة في بعضها البعض بأحرف نارية متأججة اللهيب : يريدالهرب سنحرق المكان على من فيه لم يفلت عينا الرجل الشائب ،ولم يأبه للكلماتا المتناثرة من حوله منتظراً قولا الرجل الذي نطق أخيراً فمحق الصواتا من حوله : وإذا لم تعد ؟ حدق في عينيه بثباتا : سأعود كانت السماء بيضاء حالمة تنظر في حنو إلى الرض ،حاملة بين يديها سحبا ً ناعمة رقيقة تسري في المكان ،بينما على بعد قليل تروي الشمس عطشها من رحيق الكون قادمة على مهل إلى منتصف القبة الزرقاء. 5
فتحت الجساد المتلحمة له فرجة نفذ منها إلى المام دق الباب الذي لم يره مغلقا ً من قبل انتبه للحظه أن خشبه قد هرم ،شاخت خلياه وأنسجته ،وأن كررة واحدة من هؤلءالمتجمهرين كافية لكي تلقيه أرضا ً بل حولا. رفع صوته مناديًا ،بعد دهر رأى بالكاد فرجة صغيرة تفتح استطاع أن ينفذ منها إلى الداخل وعاد الباب الشائخ إلى الغلق من جديد . كان المتجمهرون يحكمون الحصار على المبنى. حصاراً لم يحدث من قبل في الرواياتا المروية عن السابقين من أهل المنطقة ول في خيالا المحدثين فيها . ترتفع أصواتهم خشنة ،متباينة الضجيج ،مدى جرأتها لحد له ،وقوة النقطة بالداخل تتتحصن بالصمت بقدر ماتملك ودون أي استفزاز؛ حتى ليحدث مايخشاه الجميع من اقتحام يحدث معه وقوع ضحايا؛ ويتحولا المر إلى كابوس جديد. هرولا سامح إلى الداخل رأى الصولا أنور في الردهة المواجهة للباب مباشرة وراء المكتب ؛ عيناه متجهمتان ؛ ووجهه يحاكي في صفرته وجوه المواتا ؛ يصدر الوامر والتعليماتا صارخا ً أنه لن يسمح باقتحام النقطة مهما كانت السباب؛ وأنه لبد من التصدى لهؤلءالمشاغبين ؛ وأن تكون السلحة جاهزة للعمل عند اللزوم. حدق سامح في عينيه. زجاجهما بريقه مخذولا. ورغم أن اللحظة غير مناسبة بالمرة لإهدار أي دقيقة في أمر لطائل منه إل أن المشهد في حد ذاته جعله لثوان قليلة يدقق فيه النظر . يراه و يرقبه وقد سالا عرقه على وجهه ورقبته؛ وانفرج فمه انفراجة معوجة بدتا من خللها أسنانه بالاصفرار المعشش فيها ولسانه ليهدأ ساخطا ً ومهدداً : 6
إذا فكرمخلوق في اقتحام النقطة الضرب في المليان نقطة أبي تلتا لن تكون صيداً سهلً لمتشردين. دارسامح بعينيه عنه حتى عثر على الضابط صدقي كان يجلس وراء مكتبه متوتر النظراتا ؛ يمسك بسماعة الهاتف طالبا ً رقم الداخلية في السكندريه؛ تغلغلت الدهشة في صدر سامح أكثر ؛ اقترب صارخا ً : صدقيرآه الخر ،انتفض من مكانه مستغيثا ً به ؛ بدا الوجه مغسول ً بماء الرعب ،ممتقعًا ،باهت السماتا كأنه ليس صدقي الذي يعرفه ،صرخ بعد أن وضع يده على السماعة: أطلب قوة إضافيه للسيطرة على الموقف اتصلت بهم ؟ لم يرد أحد أغلق سامح الخط ؛ استدارإلى الصولا أنور طالبا ً منه الصمت ؛ ومضى إلى قوة النقطة ؛ أمرهم بعدم رفع السلحا في وجوه المتجمهرين مع الثباتا في أماكنهم وانتظار تعليماتا أخرى. جلس أنور وقد ازدادتا حمرة وجهه اشتعال ً؛ أخذ يغمغم بكلماتا مبهمة تعربر عن سخطه على من أعجزوه عن أداء عمله ؛ شرلوا حركته ،ومنعوه من كسر شوكة هؤلء الملعين الذين ليعرفهم غيره ..هذا هو جزاءالمعاملة الحسنة معهم ؛ صبيان صغار يتولون أمر كهذا ليس لهم دراية ول خبرة ..آخر زمن ..تمرد وعصيان ووقوف في وجه الحكومة مرة واحدة ،كأنه لتوجد هيبة ول قانون وكأن الصولا أنور ومهابته قد ذهبت دون رجعة؛ والسبب في هذا الذين منهم ل. وهو ينظر إلى سامح نظراتا ذاتا مغزى؛ تنبه لها سامح فترك صدقى الذي كان يستكمل شرحا مالديه واتجه نحوه ؛ هب واقفا ً بعرقه واصفرار وجهه: 7
إمرأة قتلت زوجها ؛أهله بالخارج يطالبون بالقصاص أين هي ؟ ل أعرف ؛ لكنهم يقولون أنها هنا ماأسمها ؟ بهية حسن سليمان والقتيل ؟ السيد محمد رضوان توجه نحو الباب أمر بفتحه على قدر فرجة ينفذ منها إلى الخارج ،وإعادة إغلقه فوراً. رأى الحشود بصراخهم وتلويح أيديهم بالسلحة والغضب مازالوا يتواثبون ؛ مقسمين أنهم لن يتركوا ثأرهم مهما كان المر. وقف أمام الباب مرتفعاً عنهم بسبب الدرجاتا الثلث التي تواجه الداخل من باب النقطة مباشرة إلى الردهة الواسعة. أخذ ينظر صامتا ً إلى الوجوه هنا وهناك ؛ يتامل القسماتا التي لوحرتها الشمس ؛ يسمع الكلماتا الحماسية التي ازداد إشتعالها لرؤيتهم له ؛ مؤكدين له أنهم لن يتركوا ثأرهم مهما كان المر. كان الكبار بينهم عددهم قليل ؛ وجوههم أهدأ ونظراتهم رغم حدتها تميل إلى اللين نوعا ً ما ،أما الشباب والصبيان فإن العدد كبير جداً والمشاعرمتأججة والصدور حانقة ؛ واليدي تعتقل السلحة في جنون ، لو أرادوا الدخولا إلى النقطة فلن يكلفهم المر إل دفع الباب الكهل الذي لن يدخر وسعا ً في الترنح والميل على جنبه مؤثراً الستسلم فوراً ؛ القوة التي يريد الصولا استخدامها لن تحل المشكلة معهم ،ثم إنه لو طلب مدداً كما يفكر الضابط صدقي فسيحتاج المر إلى وقت تكون المشكلة فيه قد تفاقمت. المهم الن ماذا يقولا ؟
8
هؤلءالناس -خاصة في تلك الظروف -يريدون كلما ً حاسما ً ؛ ووعداً صادقا ً بتنفيذ مايريدون ؛ وعداً بأن الموضوع سيحل بالعدلا ؛ وأن القتيل مهما كان شأنه لن يضيع دمه هدراً. كانت النوافذ و الشرفاتا فوقه مبذورة بالعين المتراصة المحدقة ؛ والبنية المجاورة والمحالا موصدة البواب ،رويداً هدأتا الصواتا ؛ التفت العيون حوله؛ انتظرالجميع أن ينتهي صمته هذا الذي طالا؛ ولما لم يتكلم تقدم الرجل الذي حادثه من قبل ؛ رأى من هيئته وهو يتقدم أنه كبيرهم سنا ً ومقاما ً ،هاديء النظراتا ،رقيق الملمح ،يزين سمرة وجهه جبهةعالية تتصل بشيب شعره المغطى بعمامة بيضاء ؛ رأى أن حدسه قد صدق وأن حاسته السادسة أوالتوفيق الذي لزمه جعله يختار هذا الرجل دون سواه ؛ أشار الرجل بيده يمنع اللغط ،لزمت اللسنة السكون. حدجه سامح بنظرةطويلة متفحصة ،قالا متمهلً : لم يتم القبض على المرأة بعد المرأة لديكم بالداخل. أقسم ليست بالداخل ؛ أعدكم أنني سأعثر عليها؛ ستواجه التحقيق ؛ وإذا ثبتت إدانتها ستنالا عقابها رد العجوزمعترضا ً: إن لم تكن بالداخل فأين هي لتحاكموها ؟ مؤكد هربها قريبها الصولا أنور ارتجف أنور في مكانه وهو يسمع إسمه ربما للمرة الولى مذ عمل بهذه النقطة ينطق هكذا بل توقير أواحترام تمنى لو يخلي بينه وبينهم ليرد عليهم بطريقته ،ويعلمهم كيف يتحدثون عنه قالا سامح: لكم علري أن أجدها وأقدمها للتحقيق سألا العجوزمستوثقًا: 9
ومالذى يدفعني لتصديقك؟ ت ملمح سامح قليلً ؛ قالا بثقة : رق ر كلمة الشرف بيننا أمامك شهر لتنفيذ وعدك . تعالت صيحاتا الرفض والعتراض من السلحة والعين المتأججة. أشاربيده طالبا ً مغادرة المكان ؛ انشق الجمع نصفين رغما ً عنه ؛ نفذ إلى المام ،استداروا خلفه عائدين من حيث أتوا والسلحة تشق السحاب في حدة ونفاذ صبر. عاد سامح إلى الداخل. أمرفوراً بفتح النوافذ والباب الرئيسى للنقطة . وجدالصولا أنور وقد تحولت صفرة وجهه إلى إحمرار شفاف يقولا بحرارة : أحسنت يافندم حدق في وجهه باسما ً ولم يرد. داربعينيه باحثا ً عن شيء ما قبل أن يعود إليه سائلً : أين بهية ؟ رد بسرعة وقد ازداد وجهه إحمراراً : وا يافندم ل أعرف غادرتا البسمة وجه سامح وهو يقولا : إن كنت فعلً لك يد في هروبها فسوف أحورلك للتحقيق.
10
Â
11
)(2 حميده وتاريخ الحارة جلست حميدةعلى الرض بجوار الباب الكبير يداها في حجرها ظهرها إلى الجدار ساكنة 12
هادئة ل يتحرك منها إل عينان ترقب بهما مايجري أمامها خروج الرجالا لعمالهم صباحاً ،الرجالا الكبار الذين يملكون المراكز والثروة ،والبسطاءالذين يملكون القليل ؛ أو بالكاد يجرون وراء قوتا يومهم ،أو الذين يرتبطون بأعمالا محددة في الحكومة مثل الصولا أنور. ترقب الباب الكبير وهو يفتح في الصباحا لخروج الجميع ؛ بعدهايغلق على الحارة من جديد؛ لتبدأطقوس النسوة اليومية في الخروج؛ تمتل المصاطب والبواب والنوافذ ؛ تدور الحاديث والمناقشاتا والمناوشاتا ليحدها حد ول يوقفها خوف ؛ حتى إذا كرلت اللسنة وبارتا المناقشاتا واقترب موعد عودة الرجالا أعيد فتح الباب الخشبى الكبيرللحارة ودخلت كل منهن إلى بيتها ؛ إل حميدة ! تبقى مكانها ويأتيها طعامها وشرابها في مواعيد مقدسة ؛ والويل كل الويل إذا تاخر عنها فقد تغضب ،وإذا غضبت يظهر الجان الذي عليها ؛ ترغى وتزبد وتصولا وتجولا وتنطق بلغة ليفهمها أحد من أهل الحارة ؛ وإن كان البعض قد أشار أنها لغة فارسية لكون الجان الذي يتلبسها فارسي ، تنقلب الحارة على من فيها ساعتها ،يتبارى الجميع رغم اختلف مراكزهم وأعمارهم في محاولة مراضاتها حتى يذهب الجنى عنها ،و ترضى. وقد اشتهرتا حميدة في الحارة وخارجها بقدرتها على كشف البلء عن المكروبين ؛ واقتلع الداء عن المصابين ،يأتيها أحدهم أوإحداهن فتنظر في عينيه؛ وربماتحسست أصابعها الخشبية اليابسة موضع اللم ؛ وقد تسأله عن أعراض بعينها لم يذكرها؛ ثم بعدها تصف الدواء؛ تقولا أسماءأعشاب يحتار المرء في حفظها ؛ يسمعها ربما لولا مرة ؛ يمضى إلى العطاريسأله عنها ؛ ومتى جربها وأحس بفعاليتها شكر لحميدة فضلها. لذا فهي في جلستها هذه أمام الباب الكبير بجوار بيت فياض بك سليمان على المصطبة المفروشة بسجادة يدوية منقوشة بخيوط بهيجة اللوان لم 13
تكن مهملة أو غير مرغوب فيها ،بل أنها كانت ذاتا قدر تاريخى في حياة الحارة وأهلها كابراً عن كابر. الكثرمن هذا أنها كانت ترى الفنجان ،ذلك قبل أن تشكو من عينيها منذ سنواتا طوالا لتدري كم ؛ لم تكن تطمع في مالا نظير هذا أو تفعله رغبة في مكسب ؛أو حتى خروجا ً عن الدين؛ بل كانت تمسك بالفنجان فتصلي على النبي المختاربعد أن توحد ا وتؤكد لمن أمامها أن الغيب بيده وحده لشريك له ؛ وأن عملها ليس كشف الغيب بل جلء الحاضر ومن خللا ترتيب أحداثه تقرأ الفنجان وتبين مافيه. يأتيهاالكبراء مثلهم مثل الصغار. يسألونها أن تنظر في فنجانهم وترى وتتكلم . إذاكانت راضية فالمر يسير وأماالخرى فما عليها سوى أن تتذمر ؛ تعوج لسانها وتنطق ببعض الكلماتا المبهمة حتى يبتعد راضيا ً من الغنيمة بالياب. هذا كان بالمس وأمسهاهذا لمن ليعرفه يمتد لسنواتا بعيدة خلت فليدري أحد عمرها بالتحديد. الن تكتفى بجلستهاالهادئة ،تنظر في صمت. لتتكلم إل إذا اقترب محدثها ورفع صوته فإذا أرادتا الكلم تكلمت؛ وإل أشاحت بيدها وأدارتا وجهها عنه. أفراد بعينهم تسمعهم جيداً وتنتبه لهم ،ترفع صوتها العجوز منادية بمجرد أن تسمع صوتا أقدامهم ،منهم عائشة بنت أنور. في السابعة والنصف صباحا ً ارتفع صوتا حذائها قادما ً على البعد. انتبهت حميدة : عائشة رداء سماوي اللون ،وتغطي رأسها بمنديل أبيض يبرز ً كانت ترتدي إستدارة وجهها المشرب بالحمرار ،ردتا : 14
صباحا الخير انبسط الوجه المستطيل وانفرج الفم عن هوة خالية من السنان : إلى أين؟ تضحك عائشة منها ،كل يوم نفس السؤالا ،وفي كل مرة تنصحها بعدم ترك الحارة ،اقتربت منها تقربل وجنتيها اللتين تكرمش جلدهما وحدقت في عينيها : خائفة عرلى ؟ قالت :الحارة ياعائشة ؛ لتتركيها يابنيتي. تشرد عائشة وهي تنظر إلى الطريق والبوابة الضخمة التي تفصل الحارة عنه ،منذ كم سنة وهذه العائلةهكذا تغلق الحارة عليها ؟ حارة بالكامل تضم عائلة السليمانية بطباعها وعاداتها ؛ لتتزوج من خارجها ول تسمح لغريب بدخولها ؛ تفرتح أهلها وخرجوا إلى الدنيا من حولهم ،ومع هذا! الزمن ترغير واليام استدارتا وماكان مقبولً بالمس صار مرفوضا ً اليوم؛ مرفوض بجميع المقاييس ،صحيح أن الزواج من خارج العائلة تم خرقه من البعض ؛ تزوج من العائلتا المجاورة ؛ لكن عامة السليمانية مازالوا يخشون هذا. همست وهي مازالت أسيرة شرودها : لماذا ياخاله ؟ تعتمد حميدة منذ ضعف بصرها على السمع وإن كانت لتبين ذلك ،ارتفع وجهها لعلى ومدتا ذقنها للمام من خرج من داره . ربتت عائشة كتفها : أنا رايحة إلى الكلية .لن أتأخر تنظر حميدة وتهمس : يسترك ربنا 15
وترقبها وهي تتجه نحو الباب. تسألا عائشة نفسها وهي تواجه الطريق هل تدرك الخالة حميدة من أمرها شيئا ً ؟ هل تشعرحقيقة بما حولها حتى وإن لم تره ؟ شيء غريب أمرهذه المرأة. تبدي نحوها عطفا ً حقيقيا ً وخوفا ً طبيعيا ً كأنها ابنتها . وتدوربكلماتها حولا معنى معين يبدو أثره على وجهها وهي تتكلم. لماذا تخاف عليها هكذا ؟ ماالذي يمكن أن يحدث من المظاهراتا ،من جنون المواجهاتا ؟ أم يكون الخوف من جهة شريف ؟ مالذي يمكن أن يفعله ويضرها ؟ تهتز رموشها مراتا وهي تكمل السير. ولماذا شريف بالذاتا ياعائشه؟ يرتعد القلب ،تخشى أن تقولا أنه إذا جرى سوء فسوف يحدث من جهة شريف ،الشيء الوحيد الذي تفعله وتخفيه عن والديها ،هي تعرفهما جيداً لو شعرا فقط بأنها تعرف رجلً غريبا ً أو تحادثه سوف تكون تلك نهاية خروجها حتى إلى الجامعة . المشكلة أنها رغم معرفتها بهذا وجدتا نفسها ل تكلمه فقط ،بل تتقرب إليه ،تراه يذهب وسط المظاهراتا يقود الطلب ،يشعل أي مكان يكون فيه بحماسه وبلغة لسانه ،تذهب معه ،يهرولا هاربا ً والدخان يخنقه ،تسير خلفه ،يتكلم عن الحرية وحقوق النسان ،تسمعه. تشد الحقيبة بعصبية إلى صدرها أكثر ؛ تضغط بأصابعها رغما ً عنها على جلدها ..وهل كانت تقصد هذا؟ لقد كانت تحادثه كزميل ل أكثر ،هو الذي تسلل دون أن تدري إلى أفكارها. ترفع عينيها إلى الطريق ومنه إلى السماء.
16
ثم أنه صاحب رسالة ،يحمل أفكاراً رائعة تشدها إليه ،وهو فوق هذا مؤدب ،عاقل ،ولطيف ؛ لم تبدرمنه بادرة سوء ،بل العكس هو الصحيح ،إنه دائم الصمت ،يحاذر قدر المكان في كلماته ،ويحني رأسه خجلً إذا تجاوز الحوار حدود الجد ،وهي التي تسعى إليه وتحادثه وتسمع لكلماته ؛ حتى حينما شعرتا أنه يريد أن يفاتحها بحبه ويخجل من مواجهتها ويهرب بعينيه منها أخذتا تشجعه إلى أن تجرأ وجمع عزيمته وهمس مرة واحدة )عائشة ،أنا أحبك ( وهرولا مبتعداً خشية رد فعلها وما قد يفعله به. تضحك وهي ترمق الطريق والنهار بنوره الصحو. تذكر قولا حميدة تهمس لنفسها ياترى بماذا تشعرين ياخاله ؟
17
18
(3) عودة سالى أشار سامح على الجميع بعدم مغادرة النقطة ؛ وتشديد الحراسة على البواب والمنافذ جيداً ؛ ومراقبة المبنى بالكامل تحسبا ً لي جديد؛ وعاد إلى مكتبه ومعه الضابط صدقي الذي بدا عليه توتر وشت به نظراته وزفراته والتفاتاته العاصفة ،أتى أحد الجنود بكوبين من الشاي ومضى ، نظر سامح من خللا القضبان الحديدية التي تؤطر النافذة إلى الطريق ، حدق في جهامة الوحشة التي تمتل بها الدروب من حوله ؛ الصمت يغلف الركان ويخفي معه سر تلك الهاربة ؛ وإن كان هناك خيط يستطيع البدء منه فهو معرفة الصولا أنور بها ؛ لوواجهه مباشرة سينكر تماما ً أي صلة له بها ،المر يحتاج إلى تخطيط لجباره على البوحا بما لديه ؛ وفي ذاتا الوقت إلى سباق محموم مع الوقت لكشف المروإثباتا قدرة النقطة برجالها على القيام بمهامها دون الستعانة بقوة المديرية ؛ وكذلك قبل إنتهاء المهلة التي حددها مع أهل القتيل. اتجه بعينيه إلى وجه صدقي خلفه أراد أن يحادثه عن المهلة التي تعطف بها الهالى على الحكومة. 19
نادرة تستحق أن تذكر بالتاريخ والساعة. وأن تعلن في طرائف وغرائب الحداث أهالي قتيل يمهلون الحكومة شهراً لكشف لغز مقتله وإل ..! انتبه إلى الهاتف يدق مبعثراً خواطره في الهواء التقط السماعة متبرما ً كيف حالك ياسامح؟ من؟ نسيت صوتي ? أنا سالي سالي من ؟ ..آه سالي؛ تحت أمرك أريد أن أراك حالياً ل أستطيع سامح ،من فضلك ل أستطيع الن أحضر أنا إليك ليس الن إذن لن تقبل أي توضيح أوحتى استمرارنا كأصدقاء ؟ ليس الن. ووضع السماعة مكانها رجع بظهره إلى الوراء محدقا ً في طياتا الهواء النازفة بالحنق من حوله؛ ارتسمت لمخيلته صورة سالي ممطرة بالتكبر والجحود ؛ معقولا سالي بنفسها تعتذر وتطلب الصفح ،ويصل المربها إلى الرجاء؟ هذه ليست شخصيتها .كبرياؤها يمنعها؛ حتى لوندمت فليست هي التي تعتذر ؛ طبيعتها تأبي هذا ،هناك شيء ما . عاد بذاكرته إلى مكالمتها السابقة وماقالته فيها ،لم يصدق أذنيه حينها وهو يسمع صوتها عبر الهاتف ،يسمع كلماتها ويدقق في رنين صوتها 20
ويستعيد حروفها ،ظنها أولا المر تمازحه ،تختبر حبه كما اعتادتا أن تفعل ،فكثيراً ماكانت تستفزه إلى درجة الغليان ثم ماتلبث أن تؤكد له بكلماتا رقيقة أنها تحبه ،لكنها تكره أن تحب رجلً لتثق في درجة حبه لها ،لذا فإنها تمتحن هذا الحب .يقولا لها وأعماقه تغلى من الغضب : مقياس الحب ليس في درجة تحملي تقولا في جد : وماهو في نظرك هذاالمقياس ؟ يعيد ماقالا مراتا ومراتا: الحب هو ارتباطي الوثيق بك ،إحتياجي الدائم إليك تحتج : إحتياج ؟ يشرحا : لكل كلمة طيبة ،لكل نظرة حنون ،للحظة صمت حتى ،أكون فيها سعيداً إلى جوارك. تضحك من قلبها ؛ وجههاحينما تضحك يشرق كربيع صحو تغرد طيوره وتتفتح أزهاره ؛ وينعش نسيمه القلوب ،و عيناها تنير بنظراتا تجعله شهيا ً بديعا ً. تقولا : حلو هذا الكلم..لكنه للسف مجرد كلم يحدق في عينيها ؛ عسلهما شقي له أغوار. ماذا تريد ؟ ليدري يحاولا ثانية معها ينسى مهنته التي تحتاج الحسم والحزم وعدم تمييع المور ويحاولا أن يبسط لها أفكاره ويكشف لها أنه ينظر إليها كرمز وصورة نقية يتمنى أن يعيش معها بقية العمر ،وكانت هي تسمعه وهى شاردة .يرى عينيها تائهتين فوق هاماتا أشجار الكازينو أو نظراتها تغوص في أعماق الماء 21
وموج البحرأمامها الذي ليركل عن الفوران ،أو إذا كان يقود عربته وهي بجانبه تهرب بوجهها منه ،فكان يربت على يدها بحنو ،ويشعر أن هذا النوع من البناتا هو الذي يتمناه ويستريح إليه ،ذلك النوع الذي لم ينغمس في مظاهر وسطحياتا فارغة تتمثل على الوجوه والتصرفاتا ،ثم إنها برغم طبيعتها الحادة وتصرفاتها الصلبة وردودها العنيفة إل أنها ذاتا وجه واحد وحقيقة واضحة ،ولم تجرب بعد أي علقاتا مع غيره ،لذا فخطبته لها وقربه منها رغم أنه يستفز أعصابه ويجبره على التجمل بالصبر إل أنه يستريح له ،ويشعر أنه بالتفاهم بينهما بعد الزواج سيستطيع أن يعيش معها ويستأنس تلك الطبيعة البرية ويطورعها كما يشاء ،فهي فى نهاية المر حيية ،لديها خجل طبيعى يبدو في تصرفاتها كلما تحدث إليها ،وهذا مايعجبه فيها ،فهو رغم طبيعة عمله واختلطه بأنواع من البشر كثيرة واحتكاكه المباشر بهم مايزالا يحمل نفسه الصيلة بين جوانحه ،تلك النفس التواقة إلى البراءة والنقاء والجمالا الطبيعى في أبسط صوره ،يحمل قلبا ً ليحمل ضغينة لحد ،ربما خاصم وربما قالا أكره ،لكن ماهى الكراهية ؟ ليعرف . و إذا خاصم فهذا معناه عدم الكلم ل أكثر ،أما الحقد والكراهية وما إليها فل يعرفها ،وهذا ما يحيره ،إنه يبدو شرسا ً أحيانًا ،يندفع في العقاب كأنما المجرم قد ارتكب مال يغتفر ،ثم يفيق لنفسه سريعا ً ويعود لرشده وينظر إلى الجميع بنظرة من كان منكم بل خطيئة فليرمها بحجر ،وربما جلس مع مجرمين واستمع إليهم بعيداً عن رسمياتا وظيفته ،وذلك ليس لمجرد إعداد رسالة الماجستير التي يرعد لها عن الجرام والطبيعة البشرية ومدى تحكم الظروف الجتماعية فيها ،ليس هذاالسبب وحده بل إنها طبيعة نماها فيه والده اللواءعدلى ،وكذلك والدته الدكتوره عايده قبل أن يرتبط بسالي أو غيرها .لكن سالي على أي حالا شخصية أحادية الجانب؛ تتصرف بطبيعتها ،تمتاز بإخلص وعقل وخفة دم؛ ونوع من الحياء يحبه فيها ؛ لكنها دوما ً متحفزة معه ،ليعرف لم ؟ 22
صحيح هو لم يتذمر ،بل على العكس رحب بهذا على اعتبار إنها إذا كانت هكذا معه فما بالك بالخرين ،إنها حتى لم تسمح له بتقبيلها ،بل أنه حينما يغازلها بكلمة رقيقة ترتبك وتهرب بعينيها منه. لكن مكالمتهاالخيرة وما قالته فيها هزته من العماق. هزتا معايير الكون أمامه. لم يصدق أذنيه حينها وهو يسمع صوتها عبر الهاتف يسمع كلماتها ويدقق في رنين صوتها ويستعيد حروفها ظنها أولا المر تمزحا معه ؛ لكنها وهي تسترسل أكدتا له جدية ما تقولا؛ وقف ممسكا ً بسماعة الهاتف والرض تدور به؛ ينظر إلى الشياء أمامه تائه النظراتا؛ حائراً ليدري ماذا يقولا أومايجب فعله ؛ حتى إذاانتهت المكالمة رمى السماعة وهو شارد النظراتا ،مضطرب النفاس ،غائب الفكر ونارتتأجج في صدره. معقولا !!؟ ..هل هذه سالي حقا ً ؟ إنها تقولا بصوتا بارد ل أثر فيه للنفعالا : أسفه ياسامح ،أنا قصدتا أكلمك بنفسي حتى لتغضب أو تسيء بي الظنون ،وحتى أحتفظ بك صديقا ً ..كل شيء نصيب ونحن ليس لنا نصيب معا ً ،أتمنى لك السعادة مع غيري . هكذا بمكالمة صغيرة منها أنهت خطوبتها له ،لم تبالا بأثر كلماتها عليه ولم تأبه لرد فعله ،وبكل هدوء أغلقت الخط ،ذبحت بسكين باردة أوردته وشرايينه ونعمت براحة ضمير وهدوء بالا ! دار بالعربة دوراتا متخبطة شاردة ليس لها قرار ولوجهة ،بعدها ذهب إلى والدته ،كانت تجلس بالصيدلية بعد الظهر وحدها والصمت ،عيناها باسمتان كعادتها ،رحبت به ،مدتا يدها إلى ثلجة صغيرة بجوارها ؛ فتحت له علبة عصير من النوع الذي يحبه ،سألته عما به ولماذا هو مقطب الجبين هكذا ،حكى ماكان ،رآى وجهها لونه يتحولا إلى الاصفرار وعيناها تضيقان ،ترزحا تحت عبء مشاعر غضب تحاولا جاهدةالسيطرة عليها ،مضى عنها إلى البيت ،دخل إلى حجرته وأغلق بابهاعليه ،رأى 23
عيون الظلمة تحيط به ،الظللا المترامية عبر شراعة الشباك تصور له وجوها تضحك منه ،الخيالتا التي ترسمها ظللا أوراق وفروع الشجاروحوشا ً تريد النقضاض على قلبه وتمزيقه بكل ماتمتلك من حقد ، غطى وجهه هاربا ً من نفسه ،انتبه لصوتا أمه يسبقها إلى الدخولا عليه وإزاحه الظلمة عنه ،تجلس إلى جانبه ،تطلب منه مناقشة المر بالعقل بعيداً عن النفعالا الوقتي الذي ليفيد. حدق في وجهها الذي استعاد لونه الطبيعى وهو ليكاد يفهم شيئا ً ؛ المر يمس كرامته ،لقد تغاضى عن متناقضاتا كثيرة في شخصية هذه البنت ، رضى بتحفظها أمام مشاعره وحيادها أمام لهفته وصمتها أمام تدفق كلماته ،لكن! انتبه لمه منبسطة الوجه ،رائقة الصوتا تتحدث إليه ،استمع إليها وهو بين مشاعره تائه ليدري إلى أين. بصراحه أنا احترمت هذه البنت صرخ وقد فاجأته الكلماتا: ماذا تقولين ؟ صارحتك بمشاعرها الحقيقية هب من مكانه محتجًا: متى ؟ربتت كتفه برفق: لو كانت سيئة لخدعتك لكنها ارتبطت بغيري وأنا خطيبها ومن أخبرك بهذا ؟ وبماذا تفسرين ما جرى ؟ لأفسره بأكثر مماقالته ،كل شىء نصيب لزم الصمت ،الحوار لن يجدي معها ،هويدرك مقصدها ،يعرف ماذا تريد ، في رأسها فكرة لن تهدأ حتى تجعله يقولا أنه اقتنع بها ،لكن الجرحا الن مشتعل ولن تطفأه الكلماتا. 24
عاد لنفسه ولجدران الحجرة التي تفصله عن الظلمة والوحشة التي ينطوى عليها الطريق في هذا الوقت من المساء ،تمتم: لكن لماذا تراجعت سالي بهذه السرعة وعادتا تتصل بي ؟ سامح ،مابك ؟ انتبه لصدقي أمامه حدق في وجهه بعينين شاردتين وهويسحب نفسه بالكاد من حومة الذكرياتا ومراجل النار التي تشوى أعصابه ؛ وصورة سالي التي تتقافز أمامه ؛ بصوتها الناعم نعومة السكين الملساء وهي تقطع أوردته وتسفك دمه وهي تطلب النفصالا عنه،إلى حومة القضية الجديدة التي أربكت حساباته كلها ؛ خاصة في هذا الوقت الحرج الذي يجد نفسه فيه مطالبا ً بحماية نفسه أول ورجاله قبل حماية الناس. تغلغلت خاطرة مفاجئة في صدره هش لها عاد إلى صدقى متسائلً : أيهماأفضل ؛ المرأة التي تقتل رجلها قبل الزواج ،أم التي تقتله بعده؟
25
(4) الوعد سارت العربة به ناحية أرض الفولي القديمة. عبرت الرض الفضاء من أجزائها الجافة ؛ متحاشية الخرى الممتلئة بالمياه من جوف الأرض؛ أومن أثرالمطار. تركها إلى منطقة الملحات خلفها ،ومضى إلى حيث مساكن عديدة تتناثر في الفضاءالرحب ؛ تقل تدريجيا اوتعود لتكثروتتزاحم على شاطئ البحر. 26
وقف به السائق أمام باب خشبي عملق ؛ باب قديم حفرت به صور ونتؤات بارزة بلون يميل إلى البني المحروق تأمل ضخامته وسمكه الذي يدل على وجود قلعة بالداخل وليس مجرد بيوت أو حارات يسكنها أناس عاديون. بدت لمخيلته للحظة خاطفة صور قلع العصورالتاريخية التي إمتلت بها الفلم القديمة ، وكيف كانت تحمى نفسها بغلق بابها الذي يشبه هذا كثيراا ، ويتم محاصرتها لشهر أو ربما لسنوات مثل ملحمة هوميروس اللياذه وحصان طرواده الشهير. حدثته نفسه أن الحيلة وليس القوة هي التي تسيطر وتتمكن. الحيلة بدون القوة تنتصر. القوة بدون الحيلة ربما فازت وربما ل. عاد للباب متسائلا كيف لم يره من قبل كثيراا مامر من هنا ؛ و نظراا لهدوءالمكان وحالةالسكون المخيمة كان يكمل السير دون أن يفكرفي تأمل هذه الروعة أو اختراق هذا الحصن ؛ ليرى العالم الذي خلفه ، ينظركيف يعيشون؛ وهل تكمن خلفه بيوت تاريخية مثله وشخصيات مما يسمع عنها أو يراها في الفلم ؛ أم هي مجرد واجهه قديمة لماضب سحيق ؛ تتلوها أبنية حديثة ووجود ينتمي لعالم اليوم ؛ ولماذايغلق عليهم حتى الأن ؟ لقد اعتاد في جولته بسيارةالدورية التمهل في السير ومتابعة الوجوه عن بعد والهتمام بالمرورعلى شوارع المنطقة ككل ،.لكنه لم يتخيل أن تكون هناك حارة بهذا الحجم والتساع ، مغلقة على نفسها هكذا في عصرنا الحالي الذي انفتحت فيه كل البواب ، وهبت فيه شتى التيارات ومن كل التجاهات ،إلى الدرجة التي أصبحت فيها المعرفة والعلوم متاحة لكل ذي بال.
27
ثم هذاالباب العملق الذي يغلق على عائلة بأكملها؛ عائلة تشعبت وتفرعت ونمت في مكانها دون أن يعكرصفوها غريب! لبد من الدخول الن ليرى بعينيه ماهناك. يتعرف أولا على دروبها وثانيا ا ليستطيع تحديد الموقف على الرؤية والبحث وليس الستنتاج. الصول أنور من سكان هذا الحصن ؛ وجوده فيه حجة قوية وجواز مرور للعبور بسلم إلى عالمهم. الشهر الذى تحدد كمهلة تمضي أيامه منذرة في الوقت الذي ليجد فيه مدخلا لبحث ول طريقا ا لولوج إلى دراسة أو كشف متاهات مازالت مستغلقة عليه. أمر العسكري الذي يرافقه أن يدق الباب فوراا. دق مقبضاا معدنياا على هيئة قبضة يد بشرية وسط الباب الخشبي بقوة. لحظات وفتح ليكشف عما وراءه. حدقت عينان حادتا النظرات في القادمين عرفت الضابط سامح فوراا ألقت الترحيب بين يديه ووسعت له الطريق. تقدم على قدميه مفضل ا السير على ركوب السيارة ليطيل فتره التأمل واكتشاف المكان محدقا ا في البيوت من حوله ، بدت الماكن تاريخا ا يتكلم ،بيوت قديمة ذات أحجاركبيرة ، ونوافذعالية ، وشرفات بها نمنمات ورسوم ،وبيوت أحدث قليلا تمتاز بضخامة وقوة بنيانها ، تشعر بها فضفاضة سامقة وسط أخرى قليلةالرتفاع ، وهناك بيوت أحدث تمتاز بألوان حديثة مزينة بالحجارة الحرارية أو الطوب الفرعوني البني اللون أو الحجري البارز الذي يدل على بذخ ورفاهية ، كأن الحجارة تحكي تاريخ المكان منذ عصوره الولى.
28
كل بيت من هذه البيوت لو تكلم سيحكي عن قصة البناء وأصحاب البناء وأسبابه ومكانته وسط البنية الخرى. سار إلى المام. رأى الخالة حميدة في مكانها بجسدهاالعجف. تجلس هادئة. ممددةالقدمين. ظهرها إلى الحائط ترقب الغادي والرائح في صمت تبادل نظرات متفحصة ونظرات مترقبة تسأل أسئلة صامتة تنطقها النظرات دون الحرف. ألقى التحية متودداا. سألت الرجل الذي يرافقه من يكون ، خاصة وهو يرتدى ملبس ملكية وليس زيه الرسمى صاح في وجهها : هذا الضابط سامح الذي يعمل مع الصول أنور هزت رأسها بروية وهي تتابع التحديق في وجهه مشيرة على مرافقه أن يبلغ الصول فورا ا. أكمل السيرمتفحصا اكل مايمر به من أبنيه وحارات صغيرة متفرعة هنا وهناك. الموضوع أصعب مما كان يظن. هذاالمكان الفسيح بدوره ودروبه ؛ كيف يبحث فيه عن بهية؟ إذا كانت هنا فعلا فالمر يحتاج أن تخرج بنفسها؛ أما غيرهذا فيحتاج إلى جهد فوق طاقته كقائد لنقطه شرطة صغيرة محدودة الفراد. اقترب بيت أنور. أشار مرافقه إليه. يأخذ ناصية أحد الطرق. 29
الدروب هنا متعددة ؛ فسيحة ؛ وكلها تبدو متصلة يسهل النفاذ منها وإليها بيسر. ترى في أي بيت هي الن؟ المر بيد أنور. هووحده الذي يستطيع إذا صح إحساسه بأمانة الوظيفة وشرفها أن يعيدها. يمكنه أن يعده بمعاملة حسنة وتحقيق عادل للوصول إلى الحقيقة. لكن سأل نفسه ماأدراك أنهم ليعرفون ماجرى ، وأن هذا فيه إدانة لهم تضطرهم لخفاء بهية؟ ثم من هوالرجل الذي ساعدها ؛ أوقتله – حتى أمامها ؛ ولماذا لم يهرب أصل ا؟ أشارمرافقه إلى بيت بعينه ،تقدم داخلا من الباب. انتبهت حواسه. أنور ،مؤكد ستتكلم وإل ! بدأ صعودالسلم. كان أنور قد فوجيء بمن يخبره أن الضابط سامح جاء لزيارته. شعور بالريبة اجتاحه. هذاالشاب لن يهدأ. مصمم على اللعب بالنار. ماذ ا سيرى في بيته؟ هل يحسب أنه سيرى بهية عنده ؟ا أم يظن أنه سيعثرعليها في الحارة؟ ضباط كثيرون مرواعلى النقطه؛ لم يفكرأحدهم في زيارته أودخول الحارة أصلا. قام سريعا للترحيب به. 30
غيّر ملبس النوم طلب من زوجه النظرسريعاا إلى غرفة الضيوف ؛ وترتيب المكان ليستقبل الزائر ؛ ومضى إلى المرآه يضبط ملبسه ويرجل شعره حول أذنيه. تلقي ومحياه في المرآة. سألته عيناه لماذا يجئ سامح بنفسه إلى هنا؟ ضحك للسؤال. يريداللعب مع عم أنورالعجوز . يظنني سهلا ، يستطيع المناورة معي. عبست عيناه. قال لنفسه..ضابط صغير لكنه لماح. مشكلته أنه ليعرف مع من يتعامل. طيب! أنا أقدرذكاءه رغم صغره ،وهوليقدر خبرتي رغم أنني في سن والده. على القل يسمع لي قالت له عيناه..انتظرياأنور.لتنسى أنك مخطيء ؛ تتجبروتفعل ماتريد؛ الناس كلها قبل مجيء سامح كانت تمتليء بالكره لك ؛ تضيق بك وبصوتك العريض الذي يجلجل مقتحما ا القلوب؛ هذابالضافة لليد الممدودة في قوة ، دون خشية أوخوف من عقاب . أدار وجهه عن المرآه. ل. هذا لم يحدث. لم أكن بالمتجبر. لم أكن بالظالم. كنت أعرف أن وظيفة الشرطي فرض المن والسيطرةعلى النظام ؛ وإشعارالخارجين على القانون أن فوقهم قوة لترحم ؛ أن يعرف الناس 31
أن الشرطي حاكم مستبد لكنه عادل؛ يفرض سطوته ونفوذه بقوة؛ سواء كانت قوة القانون وأحكامه أو قوته هو وشخصيته التي ترهب الشرار. الصول عارف يرحمه ا علمني هذا. صرخة في وجه مواطن قد تكشف لك عن مجرم. وإن لم تكشف لك عن مجرم فستمنع جريمة. الخوف يجبرالقلوب على الستكانة ويبسط المان بين الخلق. أماعن النقود التي كنت آخذها فأنا لم أطلب قط. لم أقل لحد هات. هم الذين كانوايمدون أيديهم بالعطاء. كنت أعرف أنها وسيله للتقرب إلي ، ومحاوله إرضائي ورغم هذا كنت أراعي ضميري حدقت العينان فيه؛ في وجهه من أعلى رأسه بتوردها وبياض الشعرالقليل فيها؛ إلى العينين الضيقتين بالفم الواسع ،والخدودالمسحوبة ، والشارب القصير والذقن السمينة ؛ حدقت طويلا ثم سألته: هل أنت مقتنع بماتقول؟ اغتاظ منها ؛ ترك المرآه في ضيق وهويزمجر : ناس شياطين .يريدون تسليك أمورهم .أصبح أنا المخطيء! ثم أن كل شئ كان يسيربهدوء؛ فما الذي جرى ؟ ورفع صوته محتداا مخاطبا ا زوجه : ماالمر؟ جاءه التأكيد بأن كل شيء على مايرام مضى إلى باب الشقة متجهاا إلى السلم كان يغمغم ساخطااعلى سامح بسبب قدومه إليه هكذا؛ مؤكداا أن هذه لعبة أكبر منه ؛
32
لعبه ستجلب له المتاعب ؛ مادام يلعبها مع رجل مثله ؛ بخبرته وعقله وعائلته الكبيرة. نوعا ما ، تاريخه وسيط بين العتاقة والحداثة ، تشي كان البيت قديما ا ا هيئته بأصوله وحسن نشأته ، له سلم عريض رخامي الدرجات ، بجدران أحجارها رغم قدمها متماسكة رائقة اللون في رقي دون إسراف، بدرابزين خشبى مصقول نظيف الهيئة سليم البنيان ، يؤدي إلى شقة أنور بالدورالول بحجراتها الرحبة ؛ والطلءاللبني الرائق الذي يريح العين. وقف أنورمنتظراا قدوم سامح أعلى السلم. كان الخبر قد وصله هاتفياا بمجرد دخوله من باب الحارة فاستعد له. لبس جلباباا أبيض ،تحته صديري خفيف الزرقاق. بعدها مضى نحوالباب لمقابلته. واجب ثقيل عليه أن يؤديه ،فسامح هذا الذي كف يده ولسانه عن ناس الناحية ،وأمره أن يعاملهم بالرفق!! أي رفق يريد ؟ يسمع هذه بعبارتهاالجوفاء وحروفهاالمتهالكة ؟ وينظرإلى تلك ودمامتها ؟ ثم أن أكثر مايعكر مزاجه هم أولئك الرجال من العمال والصنايعية زوار النقطة أذ أن عتلية القوم ليأتون إل نادرا ، وهؤلء لينال منهم إل نظرات متعالية وكلمات جافة . أماالنوع الول فرغم الضجيج والزعاج وضيقه بهم إل أن لقمة العيش الطرية والنقود الحمراء والخضراءلتأتيه إل منهم طيرهذه النعمة. لكن هذا النقيب – منه لّ – الغريب أن الناس عرفوا المر. كيف؟ ليدري.
33
وإن كان واثقا أن أحد الجنود قد سرب الخبرإلى ذويه ، ومنهم إلى بقية الهالي . صارت النقطه تعمل وليقبض منها شيئا. بدون مقابل وبدون حتى صراخ أوحتى مجردعبوس في وجه قادم، والحجة القائمة أن ظروف البلد واحتياجات المن تتطلب حسن المعاملة والرفق مع الجمهور وهل البوليس يصلح أن يكون بوليسا ا من غيرحزم وضبط وربط ؟ هل نمسك المجرم المتمرس معتاد الجرام خاصة في هذه الظروف التي اجتاحت فيها البلد موجات الفوضى ،ونرجوه ونحب على يده ،ونطلب منه أن يترك الجرام من أجل خاطرنا؟ منه ل نقيب سامح. هوالذي فعل هذا أضاع تقاليد وهيبة سنوات في زمن قياسي. المشكلة أن السليمانية كلهم كانوا يقدرونه ويفخرون به ،هو الصول أنورمن كبارهم سنا اوحكمة. الن تغيرالوضع. ستصيرياأنور ضعيفا ا محتاجا ا للعون ؛ وهذا بفضل سامح الذي يجيء الن لزيارتك. لكن لماذا يجيء أصل ؟ إرتفعت الصوات من باب البيت صاعدةالسلم هبط مرحبا ا وهو يرسم على شفتيه الفرح. أهل يافندم مد سامح يده مصافحا ا : كيف حالك الن؟ بخيرلنني رأيتك . 34
أتسعت إبتسامة سامح وهويؤكد قلقنا عليك وصعد متجها ا إلى أعلى ،سمع خطوات صاعدة خلفه ، توقف مفسحا ا الطريق لفتاة شابة بالصعود. أرتفع صوت أنورالجهوري وهو يشير إليها : ابنتي عائشة رفع سامح وجهه إليها محييا ا ، اتسعت عيناه ، صبح مشرق . بسمة الشفتين حيية. تبسم لهامرحبا ا. ألقت السلم وانطلقت إلى أعلى . أما هو فقد أكمل الصعود متمه ا ل ، وأنورأمامه يفسح الطريق. جلس في حجرةالصالون بكراسيها العالية، المغطاة بقماش مزركش بورود بيضاء ، والريكة العريضة التي تتوسط يمين الحجرة بجوار النافذة المغلقة الشيش ، وسط صورالعائلة المتراصةعلى الجدران لمعة الزجاج ، والطر ذات الحواف الذهبية المصقولة. دق الباب بلطف، هب أنور من مكانه ، مد يده إلى الخارج وعاد بعربة صغيرة من اللومنيوم البيض علي سطحها الزجاجي المصقول بعض المشروبات والحلوى. تبودلت كلمات المجاملة صمت سامح لحظات ،قال بعدها بطريقة ودية الحقيقة أننى لم آت للزيارة فقط أتسعت حدقتا أنوركأنما قد دهش وسأل: بماذا تأمر؟ أفكرفي طلب مساعدة من السكندرية حدق أنورفي عينيه. ماذايريد بالضبط ؟ 35
يريد هز أعصابه ؟ يظنه خفيفاا سيرتعد عندما يعرف بأمر تدخل السكندرية في المر ؟ يريد تهديده؟ رسم الجد على وجهه؛ هتف بإهتمام : لماذا؟ الوقت يمضي ، القضية لم أصل فيها لشيء ، ليس هناك خيط واحد يدلني إلى طريق أسير فيه . صمت جامح ساد المكان. أنور رأسه على صدره؛ يرمق السجادةالحمراء النيقة بنقوشها الصفراء ؛ يتتبع خطوطها مفكراا ،هامسا ا لنفسه أن المرليس مجرد تهديد؛ هناك شيء يريد سامح قوله ؛ ترى ماهو؟ أما سامح فاكتفى بمراقبته منتظراا رد فعله ؛ واثقا أن بهية في الحارة، وبأنها في نهاية المرستقع في يده ؛ خاصة أن أنوريعرف جيداا معنى وصول مباحث وتحقيقات وكمائن،ويفهم أن أول من سيضار هوالحارة نفسها. رفع أنورعينيه الضيقتين هامسا ا : لكن ،هذا ليس في صالحك كضابط مسئول من هذه الناحية ل تهتم .إل إذا وجدنا خيطا ا أوإشارة تقودنا إلى شيء إذن ننتظرقليل ونرى حدق سامح في عينيه متفحصا ا . قاصداا أن يصمت،وأن يشعره أنه يراقبه جيداا ، وأنه يطلب وعداا ل كلمات. همس أخيراا ببطء متسائل : هذارأيك ، وستساعدني؟ رد أنور بقوة: مؤكد قام سامح واقفا ا :وأنا أثق في وعدك وتقدم نحوالباب. 36
37
(5)
38
المحنة
غمامة من ضباب كاسح غطت عيني عائشة أو هو حجاب من زرقة وسواد شديدين عزل بصرها ؛ كبت نبضاتها ؛ فلم تعد تعي من الحياة إل خوف الظلمة ورهبة السواد. حجرة صغيرة تلك التي تأخذ ركنا قصيا ا فيها؛ منطوية على نفسها؛ مرتعدة النبضات؛ ترى الكون بحراا من ظلمة تحيط به وأنيابا ا جامحة تنهش قلبها وعينيها دون مغيث؛ وهي لتمتلك إل دموعا ا مقهورة، تتدلى حاملة معها نظراتها إلى أدنى ، دون أن تفكر إن كانت تستطيع حتى رفع عينها لعلى. الحجرة مكدسة إلى حافتها بأجساد متلحمة ، بعضها ينتفض من هول لحظاته التي لم يحسب رؤيتهاذات يوم. تخفض رأسها والدموع تتسابق حاملة ذعرها ودهشتها لما جرى. لقد كانت تسير وسط الفتيات حاملة حاجيات شريف التي رجاها أن تحفظها لحين انتهاءالمظاهرات ؛ امتدت أيدي غليظة إلى كتفيها ؛ فتشت حاجياتها ومعها شنطة شريف؛ قيدت يديها فوراا ؛ غطت عينيها و رمت بها فى عربة وسط آخريات أخذن بنفس السلوب. دهورمرت قبل أن تتحرك العربة ؛ تسير وسط الظلمة والهول وسواد الكون من حولها ؛ عقلها بالساس أصبح صفحة بيضاء لسطور فيها ؛ نبضاتها تهرول تارة وتموت أخرى ؛ وأذناها تلتقطان آنات الخريات ونحيبهن. أنزلوها في مكان لم تستطع تحديد معالمه أو مكانه 39
اقتادوها داخله إلى سللم هبطت بها إلى ساحة تم فيها تفتيش متاعها وسحب كل مايربطها بالعالم الخارجى وأولهم الهاتف المحمول. أودعوها داخل تلك الغرفة الجحيم مع آخريات تم اختيارهن من وسط الجميع وتوصيفهن) شديدات الخطورة ( بعد أن تم تسجيل بيانتهن وإنذارهن بالويل والثبور. ربتت إحداهن على كتفها مواسية ، من خلف فيض الدمع أطلت عليها : ما إسمك ؟ أول مرة يتم القبض عليتك ؟ تساقطت بعض القطرات موافقة ، ضمتها الخرى بحنو : قل لن يصيبنا إل ماكتب ا لنا ، هو جهاد في سبيل ا علينا أن نخوضه ، محاربة دولة الكفر واجب على كل مسلم و مسلمة. صمتت قليلا ثم أردفت: أحيي شجاعتك ، أنت الوحيدة التي حملت قنابل ومولوتوف ؟ انتفض قلبها انتفاضة عجب جامح وومضت عيناها بوميض توهة أخذتها فوراا إلى عالم لم تره من قبل ، دنيا لم تخبرها ولم تخبر ما فيها ، المر لم يكن فيه حتى تلميح باشتراكه فى أمور كهذه ، ولم يقل لها أنها ستحمل شيئا ا من هذا ، لم يأخذ حتى رأيها ! خدعها ، استغل ثقتها فيه بل أدنى تردد أو تفكير لقد أخذوها منها ، زمجرت عيونهم وصدورهم وأحاطوها بسياج من إنذارات مرعبة وهي لتدري ماالمر حدقت في وجه محدثتها ، أرادت أن تنفي عن نفسها المر ، وجدتها تمجد جرأتها ، اضطرت للصمت وهي تحدق في متاهات الحيرة وكهوف الظلمة التي تطويها وتدور بها في أغوارها دون أن تمتلك لنفسها إرادة القبول أو الرفض.
40
رأت نفسها وهي تقف محنية الرأس أمام محقق متجهم يحمل في يده سيفا ا ، وفي عينيه ناراا ، ولسانه سوطا ا ، وهي محصورة بين يديه في ركن قصى ، مسلط عليها فيه الضاءة المبهرة وعشرات الكاميرات التي تسجل عليها كل لفتة وحركة وبادرة وإحساس يظهر أثره على محياها. هزتها المرأة منبهة. من كهف شرودها سمعتها ،ووسط متاهة أفكارها ومشاعرها رأتها تسألها إن كانت تريد التصال بأحد لإنقاذها قبل تنفيذ وعيدهم معها. ازداد الكون إعتاما والظلمة سواداا وهي تحدق في عينيها متسائلة : هل يمكن التصال من هنا ؟ هزت رأسها باليجاب ، رأت في عينيها تساؤلا جديداا عن كيفية حدوث هذا ، همست في أذنها بالطريقة التي يتم بها إخفاء الهاتف ومكان إخفائه ، احّمر وجه عائشة خجلا ، أدارات وجهها عنها حيااء. عادت تحثها: اطلبى الرقم التي تريدين خل الكون من أي اسم أمامها أضحى صفحة بيضاء حروفها مطموسة ، وبياضها متاهة من ضباب. خلت دروب مخيلتها من أي صورة يمكن أن تركن إليها العائلة لو علمت فلن تعود للدراسة أبداا. والدها لن يرحمها خاصة إذا علم بالحقيبة التي كانت تحملها. فياض بك أيضا سيشعر أنها قد ذبحته؛ فهو خاصة الن يتحاشى الظهور بأنه يساعد جماعة ما ويتوارى خلف صمت مبين. ترقرقت الدموع في عينيها وهي تهزرأسها سلبا ا. تحني رأسها استسلما. ترى في براح ظلمتها نهاية لبد آتية ينتهى فيها كل شيء.
41
إل أنها وسط ضبابية فكرها ومضت في رأسها صورة أسرعت بالمساك بتلليبها فوراا ، عادت إليها بلهفة المل هامسة برقم سامح ، أخذت الرقام تتصارع مع نبضاتها مهرولة، جاء الصوت خافتا ا لكنه ثابت النبرات: من ؟ عائشه حاول أن يتذكرالاسم؛ صاحبة الصوت ؛ يحدد شخصيتها ؛ خاصة أنه سمعه من قبل. توترت نظراته ،بحث في ذاكرته عن اسم لعائشة يحمل سمات هذا الصوت ، خاصة أن فيه رعبا ا تنضح به الحروف. عائشة ؟! بنت الصول أنور ازدادت مساحة الحيرة في براح صدره كيف حصلت على رقم هاتفه ؟ ولماذا تحادثه أصلا خاصة إذا كان أبوها في النقطة معه ؟ يمكنها محادثته أو طلبه من هاتف أحد المساعدين. انجدنى ،أنا بحاجة لمساعدتك تنبهت حواسه ، حدق من خلف القضبان الحديدية على نافذة حجرته إلى ظلمة الطريق وأعمدة النارة القليلة التي تكافحها ، وجوه ضبابية السمات لترى ملمحها تسيررائحة غادية بالقرب من النقطة ، ونجوم بالعلى بالكاد ترى نورها وسط جحيم الظلمة الذي يتفشى في الفضاء ارجوك اتسعت في براح رأسه مساحات حيرة بل حدود ماذا تريد بالضبط ؟ رنين صوتها يصرخ بما هنالك 42
عادت تكمل : قبضواعلّي في المظاهرات فضحت أضواء سيارة عابرة قلب الظلمة ، رأى الطريق والشجرة الوارفة بالناحية المقابلة ممتدة الفروع إلى أعلى في هدوء وثقة رغم توغل الظلمة.. هز رأسه متفهما ا المر . قال بسرعة: أين أنتت ؟ ل أدري متى تم القبض عليك ؟ أمس أين ؟ أمام مسجد القائد إبراهيم سأتصرف هب من مكانه محدقا ا في فراغ يحيط به ؛ نيران تتأجج شعلتها في صدره ؛ وحيرة يتجاوب رنينها هائلا في ثنايا وتلفيف عقله ؛ هو يعرف خطورة المر ، يعرف جيداا أي جهة تحاسب هؤلء ، يعرف أنه ليمتلك المقدرة على فعل شىء اللهم إل إبلغ رؤسائه وشرح وجهة نظرة والتعرف على اتجاهات تفكيرهم ؛ ثم التنفيذ في حدود الطاعة واللتزام.. لكن هل المر يستلزم إبلغهم ؟ هرول إلى عربته. من موقع النقطة على مشارف البحر اتجه قاصداا الطريق السريع، هابطاا إلى ميدان الكيلو 21الذي أصبح بمرتاديه من المتجهين إلى قلب المدينة والعائدين منها مكتظا ا ليلا ونهارا بالعشرات من كل العمار والتجاهات، بعدها أخذ الطريق الدولي قاصداا محطة مصر ومنها إلى مديرية المن رأسا ا. 43
استأذن في لقاء سيادة العميد مسئول ملف أبي تلت شرح له ماحدث اطلعه على مايمكن اكتسابه لو مد يد المساعدة إلى عائشة ، خاصة أن القضية لم تعد قضية قتيل فقط ، ولكنها تشعبت إلى حدود أخرى جديدة. استمع العميد إلى حديثه في هدوء ؛ مسجلا كلماته بواسطة هاتف نقال على مكتبه ؛ بعدها طلب منه مقابلتها وفهم المر جيداا منها والعودة إليه، مؤكداا له أنه سيتصل فوراا بسيادة اللواء مدير المن وتنسيق المر معه. من مكتب مكافحةالرهاب عرف مكانها أخذ إذنا ا بلقائها فوراا و النفرد بها حينما رأته تفجرت الدموع التي كانت قد جفت على مآقيها ، أحنت رأسها وهي تهمس له بما لديها. روت له ماجرى بالتفصيل. المظاهرات الطلبية حقيبة شريف التي استودعها إياها قنابل ومولوتوف شماريخ ومنشورات ثم القنابل المسيلة للدموع ، واصطياد ماتم اصطياده من المتظاهرين قالت أنها جديدة على هذا أعجبت بجرأة شريف وأحاديثه حينما اقتربت منه وبقية أصحابه وافقت على مشاركته نشاطاته الثورية ضد أعداء الدين لكنها كانت تخشى الدخول في متاهة المظاهرات والمطاردات الخانقة خشية أن يحدث ماتخشى منه.
44
لكنه يومها طلب منها أل تضعف في مواجهة الكفر والكافرين ؛ وأن ا لن يغفر لها تقاعسها ؛ فخرجت وهاهو قد وقع ماكانت تخشى منه. حدق في وجهها ، عينيها ، حجابها ، وجبال القلق التي تكسو محياها، استأذن لحظات قام فيها بالتصال بالوزارة من جديد ، أطلع سيادة العميد على المر ،تشاورمعه ،أخذ تعليماته بخصوص خطة محددة رسمها له، اتسعت ابتسامته ،تحولت كآبة الظلمة إلى تباشير فرح وهو يعود إليها: المر خرج من يد الجميع ، النيابة قادمة للتحقيق ،قد يأخذ هذا أياما ا ، تهمتك ليست سهلة ،سأطلب التحقيق معك سريعا ا وأحاول إخراجك بأي ضمان على مسئوليتي الشخصية ، لكن مؤكد سوف تكون هناك قضية ، وضروري أن تمثلي أمامها ،في هذه الحالة سأكون مسئولا عن إحضارك ، هل أعتمد عليك ؟ أحنت رأسها ولم ترد .ردت الدموع عنها تم استدعاؤها للتحقيق بعد لحظات ، ارتجفت نظراتها المرتاعة أصلا وهى ترجوه بكل ماتملك من خوف ورهبة أن يكون معها ، ربت كتفها برفق وهو يدفعها ناصحا ا أن تقول للمحقق ماقالته له بالحرف ول تزيد. ساعات مضت قبل أن تعود إليه في حجرة النتظار ، منهكة كانت ، زائغة العينين والقلب ، تائهة الفكار ،ترى من خلل ضباب حيرة بل حدود تغطي عينيها ، همست حين رأته: لأدري كيف وثقت به؟ أدرك أنها تتحدث عن شريف ، رد ببطء : تركك وهرب صمت قليل ثم رفع عينيه إلى براح عينيها الداميتين : النجاة بالنسبة لك أن يقبض عليه و يعترف عاد شلل الدموع ينهمر فياضا ا من عينيها. أخذ تصريحا لإفراج مؤقت عنها وخرج بها إلى الطريق 45
قالت من خلل دموعها وهي تحتويه بنظرات امتنان : إحساسي لم يكذب علّي وركبت العربة إلى جواره في هدوء وتسليم. سألها ماذا ستقول لهم في البيت عن فترة غيابها ، هزت رأسها شاردة وهي ترمق الطريق والعربات المارة ولم تنطق بحرف ، هذه أول مرة تبيت فيها خارج بيتهم ، أول مرة ترى فيها مارأت وتشعر فيها بما شعرت ،لو سارت المور بها في مجراها الذي كان ولم ينقذها سامح كانت قد انتهت.. عادت إليه بعيني الحمد والتقدير عاجزة عن إيجاد حروف أو عبارات تحكي مشاعرها أو تصف حالتها الن ، قالت أخيراا: هل تقرضني هاتفك ؟ تبسمت عيناه ومد يده إليها به في صمت ، سارعت بالتصال برقم ابنة خالتها المقيمة في منطقة كامب شيزار سماح أين أنت ياعائشة ؟ شرحت لها سريعا ماكان قصت عليها سماح ماجرى مذ غابت ، بحث العائلة عنها وقلق الجميع عليها ، سألتها الرأى فيما يجب أن تبرر به غيابها ، قالت: الدكتور محمود استاذنا بالكلية يمكنني العتماد عليه ، قولى لهم إنك تعبت وأخذوك إلى عيادته ، وهناك رحت في غيبوبة لم تعطك الفرصة للتصال بهم وإخبارهم بمكانك وماهو المرض الذي كان عندى ؟ ألم في الصدر شديد لم يعطك الفرصة للتفكير وهو سيقول هذا ؟ مؤكد
46
عادت إليه منتظرة رأيه فيما سمع ، هز رأسه دون أن ينطق بكلمة كانت تراوده منذ سمع اقتراح قريبتها ) اتق شر النساء ومكرهن. ( أمام مدخل شارع أبي تلت الرئيسى نزلت من العربة ، حدقت في عينيه ممتنة بصوت مدغم قبل أن تواجه الطريق وحيدة إل من مشاعر متضاربة تحيط بقلبها الصغير وهي ترى شريف يقول مال يفعل ،ظاهره يختلف بقوة عن باطنه ، بينما سامح يفعل دون أن يتكلم أويتفاخر بمايقوم به. عادت ترى وجهه وهو ينظر إلى عينيها محدقا في نبضاتها بنظرات واثقة وهو يمد يده طالبا ا منها مرافقته إلى حيث أفلتت من الجحيم و رأت الحياة ماتزال تسير كما هي في أبى تلت ولو إلى حين.
47
48
)(6 زيارة ليلية مستغرقا ا في النوم كان. جاءه من يوقظه وهوملثم الوجه. ليظهرمنه إل عينان تبرقان وسط الظلم. بيده مسدس سريع الطلقات. فتح عينيه محاول استيعاب المر. رأى نفسه يرقد على فراشه. فتح عينيه لقصى مااستطاعتا ،ولم يتحرك كما طلب منه. حاول التماسك قدرالمستطاع؛ والتحكم في نبضات قلبه المتسارعة وهو يسأل : من؟ قال الملثم بصوت هامس: نريدالحديث معك بالسلح ؟ ل اعتدل سامح نصف جالس ؛ والرجل يراقبه على بعد؛ وقد نكس المسدس إلى جانبه؛ وإن كانت نظراته تشي بأنه على أهبه الستعداد لي مفاجأة أسند سامح جسده إلى ظهرالسرير. من أنت ؟ جئت ببهية إليك 49
بهية! هنا وفي منتصف الليل؟ هذا أفضل وكيف دخلت إلى هنا؟ كما سأخرج هذا ليس عمل قانوني أنا أؤدي مهمة من كلفك بها؟ دعنا في بهيةالن. هل أدخلها؟ لماذا جئت بها إلى هنا؟ لتتكلم معها وتحكم بنفسك عليها افرض إنني أدنتها سنرى . كان الظلم قد بدأيبين قليل ا عن حاجيات الحجرة. السريرالخشبي الصغير. الكوميدينو إلى جواره. مكتب إيديال مواجه له. دولب صاج. ثم مقاعد ثلثة. وأخيراا باب مغلق ؛ وأمامه رجل ملثم بيده مسدس منكس إلى الرض. قال سامح : هاتها فتح الملثم الباب مناديا ا بصوت هامس : بهية ،تعالي 50
تقدم نحوالباب هيكل امرأة دخلت في هدوء. بدت بدون أن تظهر ملمحها شيئا ا مبهاما ؛ شغل جزءاا من الفراغ ؛ مظلم صغير نحيل . خاطب سامح الرجل : أضيء النور من خلف اللثام برقت العينان ؛ ندت عنه زمجرة خفيفة ، قال : نساؤنا لتظهرعلى غريب هب سامح مندفعا : أناضابط.. محقق ولست شيئاآخر. أضيء النور فكرالملثم قليلا ثم سأل: أين المفتاح؟ حدق سامح في الكيان الذي انزاحت عنه الظلمة ؛ بدا أمامه جسد نحيل في إمتلء ؛ رقيقة الوجه؛ عيناها مسبلتان لترفعهماعن الرض؛ تبدو هادئةالملمح مستكينة النظرات؛ من ذلك النوع الذي خلق ليقول نعم بدون مناقشات لكن! .. هاجمته الأفكار المظاهروحدها لتكفي أنت تعرف ذلك سائل نفسه.. هل هذه المرأة يمكن أن تجيء عليها لحظة تخرج فيهاعن جلدها؟ هذه المرأة! أتسعت عيناه . تركها إلى الملثم تقول إنها بهية؟ 51
نعم وماأدراني أنهاهي ماذاتريد؟ بطاقةهوية ارتفعت الجفان لتطل من خلفها حدقتان ناعمتان فيهما ضعف أنثوي إلى درجةالخضوع . مدت يدها وسلمته بطاقتها .قرأها وأعادها إليها: لماذاقتلت السيد ؟ أنه أبو أولدي..زوجي .كيف أقتله؟ إذن من قتله ؟ ل أعرف ألم يكن معك في الحجرة حين قتل؟ كان الملثم يقف قريبا امنها؛ عاقداا ذراعيه على صدره يرقب الحوار في صمت ،ناقل انظراته في رتابة دون أن يكلف نفسه مشقة التدخل بكلمة ما. انتبه سامح أنه ربما يرقب كلماتها ؛ أويؤثر عليها فتعجزعن النطق أمامه ؛ مؤكد لو أبعده سيخرج منها بشيء. وطالما أرسلوها إليه هكذا فهم يريدون إبعاد الشبهة عنها؛ يريدون أن يعرف أنها بريئة ،وأن هناك آخرغيرها. على كل حال مؤكد إنها إن لم تكن مشتركة في الجرم – رأت الجاني وربما تريدالتسترعليه. سنرى؛ وإستداربهدوء إلى الملثم: انتظر قليل خارج الحجرة انتفض الرجل : ماذاقلت؟ وشهرسلحه تنمرسامح له: أريد محادثتها وحدها ؛ بدون تأثير أوخوف منك ؛ تفضل 52
أنت وهي وحدكما !! هي متهمة في جريمة قتل ؛ وإذاثبت إدانتها فلن أتركها ماذاتقصد؟ مادمت أتيت بها إلّى فيجب أن استجوبها هذا لن يكون بدوني . هيا يابهية كماتريد اندفعت بهية تحادث الرجل. بل انتظر نظر إليها ؛ قالت بهدوء: مادمت بريئة لن أخاف. اسأل ياحضرةالظابط عاد سامح يطلب منه الخروج. تفرس فيه بحدة وبدا كما لوكان يبحث المرفي رأسه. أخيراا قال : سأقف خارجا ا وأغلق الباب خلفه أشارسامح لها أن تقترب ؛ أمرها بالجلوس أريدك أن تتكلمي بحرية. كيف تزوجت السيد؟ نظرت إليه مباشرة؛ عيناهاصافيتان ؛ همست: وهل هذا له دخل بالموضوع؟ لتريدين الجابة ؟ كان والدي ووالد السيد صديقين ؛ شغلهم واحد؛ وطريقهم واحد ؛ وحياتهم واحدة .كانا ليفترقان إلا حينما يقتربان من الحارة لماذا ؟ أبي يدخل الحارة ويودع عم حسن 53
لنه لم يكن من سكان الحارة؟ ليس من السكان ولمن العائلة والعائلة كانت راضية عن هذه الصداقة؟ كانت راضية وبعدالزواج ؟ أراد عم حسن وأبي زيادة أواصر الرتباط فاتفقا على زواجي وسيد أقول ماذا كان موقف العائلة؟ حدثت بعض المشكلت. وأشاحت بوجهها عنه إلى الناحية الخرى . ظل يراقبها. فكر أن يلحقها بالسئلة ؛ لكنه فضل أن تهدأ وتطمئن إليه بدلا من التوتر . صحيح هو إن حاصرها بأسئلته ستتعلثم؛ وقد تندفع في أقوال يأخذها عليها . لكن والرجل الملثم بالخارج؛ وهو مؤكد يسمع كل شئ؛ فمن الولي أن يتعامل معها بطريقة آخرى تستريح إليها؛وتسرد من تلقاء نفسها ماتريد. عادت تنظر ناحيته بعد صمت طال ثوان . قال : ماهي؟ رفضوا هذا الزواج .المهم تزوجنا وعشت معه في بيت أبيه ولماذا رفضوا؟ عندنا ممنوع الزواج من خارج العائلة وإذاحدث؟ مشاكل مثل قتل الزوج؟ لم تصل لهذا من قبل ويوم الحادث ؛ ماذا رأيت؟ 54
جاء ضيوف منهم ؟ لم أرهم .حينما دق الباب طلب مني أن أتوارى .جلس معهم وحده. و تعالت أصواتهم لم تميزي هذه الصوات؟ لم أعرفهم .وحدثت مشاجرة كم كان عددهم ؟ اثنان أوثلثة .حينما خرجوا انتظرت أن ينادي عليّ. طال الوقت..ناديته أنا بعثت الولد إليه وجدناه غارقا في دمه أي أولدك تقصدين؟ الكبير وماذافعلت؟ صرخت وبكيت ثم هربت ؟ حينما أتهمونى ظلما ا ولماذاهربت إذا كنت بريئة ؟ خفت لماذا ،ومن ماذا ، أم نصحك أحدهم بالهروب؟ ل بهية؟ نعم سأحتاج إليك كثيراا ، هل تفهمين هذا ؟ نعم 55
بدل ا من البحث عنك ؛ ومؤكد سنعثر عليك. وساعتها ستواجهين إتهامات عديدة. أنصحك بتسليم نفسك. وأعدك أن العدل سيأخذ مجراه ولن أمسك بأذى مادام لم يثبت عليك شيء يمكنك الذهاب الن. قامت إلى الباب ؛ دقته بلطف وخرجت؛ عادالملثم بعدإذنك ومضى . فكرسامح في القيام خلفه؛ لم يجد في نفسه ميلا لهذا؛ مؤكد ستأتيه ثانية. وإن لم تفعل فإن أنور سيقوم بهذا!.
56
(7)
57
دعوة.. والقبول أطلق سامح زفراته لتصطدم بالنافذ ؛ تخترق حديدها المتشابك وراء الزجاج المفتوح وتنطلق شاكية إلى السماء. دوماا كان هناك كبار.. التاريخ يقول هذا. وكان هناك من يتقدم الصفوف ليحمل الراية وقت الجد ؛ يخترق الواقع بكل مرارته ويكسر الحسابات والخطط ؛ ويدك حصون الليل وينفذ إلى صبح ترى فيه مصر على صفحة مرآة النيل نفسها من جديد ما الذي جرى يامصر ؟ حتى الن تنأى أبو تلت عن اضطرابات المدينة وضجيجها؛ روائح المؤامرات والخطط الجهنمية التي تنتشر في كل إتجاه قاصدة تحطيم صخرة لم يستطع كائن تحطيمها من قبل ؛ رغم بعدها عن المنطقة إل أن القلوب هنا والعيون ترصدها وتتأثر بها ؛ يستخدمون في تنفيذ خططهم كل مايملكون من قوةونفوذ ؛ يريدون دفع أبناء البلد الواحد للقتتال فيما بينهم وهم بعيد آمنين ؛ يتسلون بمشاهدة الدمار والخراب وهو يأكل الخضر واليابس دون تمييز. قد تغفل بلد عن هذا وربما بلدان أو أكثر ؛ أما مصر فلها شأن آخر ؛ ومكانة أخرى ؛ وحسابات فوق مايدركون. إنهم ليعرفون قيمة هذا البلد وسره الكامن في أعمق أعماق التاريخ ؛ فكيف يفلحون معها ؟ انتبه لطرق على الباب. ظنه جنديا ا من جنود النقطة جاء لمر ما ، المكان الذى كان طوال عمره هادئا ا تحمل سيماه معالم النضباط والحزم صار الن يخشى عليه من أقل شرارة قد تشعل نيرانا ا لن تخمد. 58
حدقت عيناه في ضلفتي الباب نصف المفتوح. اللفتة المعلقة على النصف المغلق ) ضابط النقطة( لتبين له ،بينما الضلفة المفتوحة تشي بقدم وتهالك الخشب الذي تاه لونه بعوامل السنين .اعتدل منفلتا ا من خواطره: ادخل رأى عائشة من جديد. لكنها هذه المرة عائشة أخرى غير التي رآها هناك. بدت هنا حلما ا رقيقا ا مبهجاا يتجسد في ثوب بشرى يشد العين إليه. اتسعت عيناه وانهمرت على مخيلته حوادث المس القريب معها. بدت على ضوءالنهار قلبا ا غضا ا يسكنه الحياء ؛ ترتدي فستانا ا أزرق سماوي اللون ؛ تغطي رأسها بمنديل أبيض؛ لها عينان واسعتان؛ صافيتان ؛ ووجه دائري شفاف تعلوه حمرة خفيفة؛ وهي تهمس هل يمكنني الدخول؟ تبسمت عيناه : بالطبع ، تفضلي أشارإلى مقعد أمامه وهوينظر إليها متسائل عن سر تلك الزيارة ؛ وهل وراءها أمر تريد اطلعه عليه ، هوطلب منها هذا ، إذا أرادت التحدث معه تتصل به ؛ تقول ماتريد ؛ أو تطلب لقاءه وتحادثه بما لديها ؛ خاصة إذا اتصل بها شريف أو قابلها ل ي سبب كان ؛ على أن يكون المر سراا بينهما حتى تأمن شر العين التي قد تتربص بها من ناحية الهل أو حتى الزملء في الجامعة . قال بصوت ليشي بما وراءه: تحت أمرك. أسبلت أهدابها السوداء على دفء عينيها ، همست: أبي طلب أن أدعوك لحفل للمحة خاطفة ضاقت عيناه ، قطب جبينه والدهشة تغزو جوانحه. 59
علت في رأسه أصوات اتهام واضحة؛ تدور كلها حول الصول أنور وحركاته التي تشير بوضوح تام إلى ضلوعه في جريمة وقتها ليس الن فى ظروف البلد ؛ وليس هذا مكانها ، خاصة أن أفراد النقطة أقل من أن يواجهوا تجمهراا أو شغبا ا كالذي حدث منذ أيام. تمالك مشاعره فوراا. تبسمت عيناه وارتفع صوته مرحبا ا بها ، محاول ا مداراة شعوره بأنه يتسلق جبلا وعراا ، به منحدرات ونتؤات حادة ؛ إن سلم من بعضها فلن يسلم من آخرى؛ وأن عليه الحذرالشديد لمواصلة الارتفاع وإل!.. مؤكدهذه السياسة التي يتبعها هنا لن تجدى؛ وسيضطرفي النهاية إلى الاعتراف بفشله ؛ والعودة إلى السلوب التقليدي للحصول على مايريد الصول أنورموجود ؛ هولمحه منذ قليل ؛ هل يعرف بمجيء ابنته الن؟ الغريب أن التحريات أثبتت عكس ماقالته بهية حينما قالت أنها سمعت أصوات شجاروعراك بين زوجها وقاتليه .الجيران من حولهم نفوا تماما ا سماع أي صوت غيرعادي ترى هل أرسل أنور بابنته لمر يخص القضية؟ أشاربيده إلى مقعد أمامه وهو يبتسم مرحبا ا به لست محتاجة لتبرير ، تفضلى صمت قليلا ؛ رفع عينيه إلى براح نظراتها قال فيما يشبه الهمس: شريف مايزال هاربا ا ا؟ أحنت رأسها في تسليم ، ولم ترد. دق جرساا بجواره ؛ تلل القلق على وجنتيها ؛ تشاغلت بضبط الحجاب فوق رأسها ،سأل : بابا يعرف إنك هنا؟ نعم 60
جاءشاب صغير ؛ دق الباب ووقف ينتظر؛ طلب منه مشروبا ا مثلجا ا ؛ هرول إلى الخارج فوراا. همس وهو يتشاغل بترتيب بعض الوراق أمامه: القبض عليه واعترافه سوف ينهي صلتك بالموضوع تماما ا. أصرت على الصمت. أتمنى أن تبلغيني إذا رأيته أحنت رأسها طاعة وقد تدرج وجهها من البيض إلى الحمر ثم إلى إصفرار تركها إلى الهاتف ؛ اتصل بأنور وعاد إليها: مارأيك في المكان؟ هاديء وجميل تألقت عيناه بالابتسام أنت أول انسان يصفه بهذا الوصف وسيادتك كيف تراه؟ احيانا بحيرة من الدماء راكدة إلى حين ؛ منعزلة صامتة؛ موحشة؛ أبحث فيهاعن صوت أدمي أأتنس به ؛ وأحيانا أخرى أتون من نارعلى ّ أن أواجهه وأطفيء ناره بطريقة ما . دخل أنورمهرولا. صلعته تسبقه وبطنه يهتز أمامه . عل صوته الجهورى: تحت أمرك تفضل ياعم أنور تبادلت عائشة ووالدها النظرات قبل أن تعود للكلم والدي صمم أن أحضرإليك بنفسي تعملقت الحيرة في صدره ، تأكد بما ليدع مجالا لشك ت أن هناك مخططا ا ما يجري تنفيذه وهو ليدرك حتى الن ماهو ول ماهو مبتغاه. 61
تبسم مجامل : تحت أمرك وهوليكاد يفهم شيئا تدخل أبوها في الحوار وهويبتسم . إبتسامته التي تفضح مايخفيه من إصفرارأسنانه الباقية في الحقيقة خشيت أن تكسفني قلت لها تدعوك هي بنفسها لحضورحفل صغير بمناسبة حصولهاعلى بكالريوس الطب إتسعت عينا سامح وتوسدت شفتيه بسمة ناعمة ؛ مد يده مهنئا. دخل الضابط صدقي . ألقى بنظراته إلى وجه عائشة متسائل بعينيه من تكون ، أشارسامح إليها : دكتوره عائشة بنت الصول أنور تألقت البسمة في عينيه بدا طابع الحسن على وجهه خاطبه أنور: حضرتك مدعولحضورحفل صغير بمناسبة حصول عائشة على بكالريوس الطب تهللت نظراته: ألف مبروك تبسمت عائشة بخجل وهي تشكره . نظرإليهما سامح. ؛ عيناه تنقلت بينهما وهما يتحدثان ؛ تاهت نظراته في سراديب خاطرة ومضت في خاطره ؛ رأهما بعين خياله يتهمسان. يمسك يدها. تأخذ ملمحها ملمح سالي. تبتسم له. ينظرفي عينيها. 62
يشدها إليه. ترفع يديها إلى كتفيه يمد يده إلى وسطها يحتضنها يحتضنها فجأة يدفعهاعنه ترفع سماعةالهاتف وتحدثه : سامح ، اغفرلي ل وهز رأسه مفلتا ا من مشاعره ؛ عائداا إلى ماحوله رأى عائشة تقف؛ تؤكدعليهما في الحضور وتمضي أرسل عينيه في أعقابها .شئ مافي هذا المريدعو إلى الحيرة . ماالذي يهدف إليه أنوربالظبط ؟ على كل هي فرصة ليفصل بين طريقتين تصارع كل منهماالخرى ؛ أما أن يظل متماسكا امحافظاعلى هدوئه ؛ يحل ألغاز هذاالمر بروية، أوينقلب على هذا الهدوء؛ ويعترف بعجزه ،ويتجه إلى الحل التقليدي حتى يحصل على مايريد قبل انتهاء المهلة ، وإن كان الوضع في السكندرية حاليا ا ليس فيه ترف المساعدة إل في الظروف القصوى. سامح إنتبه لصدقي يحادثه مارأيك؟ أداروجهه في المكان حوله ؛ المكتب؛ المقاعدالمتناثرة؛ الوراق المكومة ؛ الدولب الصاج و..همس : رائعة عائشة؟ 63
الفرصة التي جاءت قال عبارته الخيرة وإبتسامةشاردةعلى شفتيه
64
(8) بيت الصائغ لم تكن الفترة التي قضاها ضابطا ا كافية لتغير صفة أصيله في صدقي وهي حبه للستحواز في كافة صورة ، ليس الستحواز فقط ولكن غريزة المتلك التي تفيض بها روحه ونبضاته ، ربما لحياته ومامر به من أحداث ، خاصة وجوده وأمه وحدهما بعد زواج أبيه بأخرى ؛ وتقسيمه 65
وقته و ماله بين بيتين ، وإدراكه منذ صغره لهذا ؛ نتيجة رؤيته لوالدته ومشاركته مشاعرها وسماعه لحاديثها ونصائحها ؛ خاصة بعد أن رزق والده بأطفال من الخرى وانتقالها لبؤرة الهتمام والرعاية ؛ بينما تخلت أمه عن مكانها الثير في دائرة الضوء والهتمام ، ورضاءها بمنطقة الظل تعيش فيها وترعى ولدها ، صامتة صمت الكبرياء ورفض التسول والنحناء حتى لزوج آثر أخرى عليها ، ولنها تعلمت الحياكة قبل زواجها فقد اضطرت مع ابتعاد الزوج إلى معاودة العمل في البيت بالحياكة للجارات في البيت أو خارجه ، محتفظة في ذات الوقت برأسها مرفوعا ا ؛ وبروحها رغم الشرخ عالية ، وقد ثارت العواصف وقامت الزوابع عاتية بينها وبين زوجها الذي ماإن عرف بإقدامها على معاودة العمل ولو بالمنزل حتى عاد صاخبا ا رافضا ا هذا تماما ا ، متهما ا إياها بالساءة إليه وإلى مكانته حينما يقولون زوجة عبد الحميد البشارى الصائغ الكبير تعمل لترعى ولدها! صرخت فيه: لن أدفن شبابى بين جدران أربعة ومال الشباب بالعمل ؟ أحادث الخلق ، أتعامل معهم ، أراهم ويروني ، والعمل يعطيني هذا لكنه إساءة لي هل عرفت شيئا ا مشينا ا عني ؟ وماأدراني أتحداك وأتحدى من يقول هذا لعمل بعد الن ارجع لبيتك وسألبي طلبك لن يمكني إهمال البيت الخر؟ ولن أتسول وجودك معى 66
سأقطع المصروف عنك ت لن أطالبك به. ومضى عنها ضارباا حياته معها بسهام النسيان ، واكتفى بعدها باستقبال ولده منها كل أسبوع في المحل ، أو كلما احتاج شيئا ا ، مكتفيا ا في البداية بسؤاله عن أمه وأحوالها ، بعدها ابتعد بمشاعره عنهما مكتفيا بمبلغ ليكاد يكفى الولد الصغير ثم الشاب اليافع شيئا ا ، ولول مساعدة أمه مااستطاع إكمال تعليمه والتقدم لكلية الشرطة ، وبطبيعة الحال ونتيجة لهذه التربية خرج إلى الحياة مدركا أن عليه أن يقتطع كل ماتطوله يده من حلوة الحياة ، ربما لضطراره منذ صغره لتذوق العلقم مرغما ا. لذا فحينما رأى عائشة شده إليها رحيق الجمال الطازج التي تشعه روحها وكذلك إشراقة البراءة التي تفيض من عينيها ، ونسائم الطيبة والحنان في صوتها ولفتاتها.. فكر فوراا أن يكون له معها قصة ، بدأت الفكار تداعبه وهو يجهز لحوار طويل معها ، وكانت بداية خطته التقرب من والدها الذي أصبح عم أنور بعد أن كان الصول أنور المزعج بصوته العالي الذي ليطاق .
67
(9) 68
الرهابى الخطير كان معمما ا طويل اللحية لتكاد ترى من ملمحه إل عينيه عيناه ترميان الكون بنيران حذر داهم جلبابه القصيرالبيض أسفله بنطال من نفس اللون فوقه صديرى رمادى كالح مفتوح الزرار. جلس إلى جوارعائشة على الرمال ملقيا ا بين الكلمة والخرى بنظراته فيما حوله. بينما أمام عينيه زرقة متدرجة للماء ، وأفق صحو بألوان حمراء ضاربة إلى الصفرار ، وشواشي الموج بيضاء تنداح عبرفضاء لحصر له ، وهو ليرى إل ظله السود الذي تضربه المياه الغاضبة بين حين وآخر فوق الرمال. سألته لماذا طلب رؤيتها بعد ماكان منه ؟ وكيف يظهر هكذا والكون مقلوب عليه ؟ وما الذي ينوي فعله بعد أن أطاح بمستقبله نتيجة سيره خلف أوهام وجنون ؟ هز رأسه في شرود همس أنه يعرف جيداا أن البحث عنه لم يهدأ وأن العين تتربص به.
69
الحكومة حددت شخصة ؛ تابعت نشاطه ولم يعد ممكنا ا ظهوره وسط الطلبة أو حتى في المدرجات ، التهم جاهزة والسجن لن يرحم مهما كانت السباب ، هو يعرف هذا ويفهم جيداا إنهم لن يتركوه ماداموا وضعوا أعينهم عليه ، السنة الدراسية ضاعت وانتهى المر ، لكنه كان لبد أن يراها ، يقسم لها أنه لم يقصد أبداا الزج بها إلى شر مقيم ، وأنه فقط كان يعرف أنها بعيدة عن الشبهات ففكر أن يستغل هذا بل نية شر من أى نوع ولي سبب كان. سألته: أين تقيم ؟ دارت عيناه بنظرات غائمة فيما حوله ، قال وهو يرمى البحر بنيران حروفه: مكان آمن قريب من أبى تلت أعمل في البناءعند أحد أقاربي دون أن ينتبه لوجودي أحد يأتى من يأتي ويعيش من يعيش دون مضايقة من أحد مادمت أتوارى خلف جدران تضمني ومعارف يحموني من العيون لم أجد مكانا أتوارى فيه إل هنا ، درست المكان جيدا ، دخلت على جوجل ، بحثت في عمرالمنطقة وماكتب عنها ، طبعته ؛ هل تريدين إلقاء نظره عليه ؟ تبسمت في غم: ياريت مد يده إلي جيب جلبابه في هدوء ، أخرج بعض الوراق ناولها لها ، كان مماقرأته : كان حى العجمي قديما ا منطقة صحراوية تغطيها رمال بيضاء ناعمة تشي بالروعة ؛ وتفيض بالسحر؛ يسكنها بعض البدو؛ وقليل من أهل المدينة الذين يستلزم عملهم الإقامة بها ؛أو ممن قصدوها للبعد عن المدينة 70
وصخبها والتزاماتها ايضا ؛ وهو تابع لمحافظة السكندرية و يقع على بعد20 كم غربا ا ، وقد بدأ النتباه إليه كمجمع لطبقة النخبة في مصر عام 1950ممن يبحثون عن الهدوء والصفاء والجو الصحو بعيداا عن الضوضاء والزحام وماإليه ثم تطور إلى المنطقة المعروفة اليوم ؛ و ل تزال تلك المنطقة إلى الن واجهة شعبية محلية للطبقة المتوسطة في مصر ، و يوجد بها العديد من الثار من بينها القلعة الفرنسية التى بنيت خلل الحملة الفرنسية و العديد من أبراج المراقبة التي بنيت في عهدالدولة العثمانية .وترجع تسمية شاطئ العجمي) البيطاش ( نسبة إلى الشيخ محمد العجمي البيطاش وهو مغربي الصل ،وشاطئ العجمي )بيانكي( نسبة إلى المواطن السويسري أشيل بيانكي والذي أسس شركة بيانكي لمواد البناء وتقسيم الراضي عام 1952 وشاطئ الهانوفيل نسبة إلى مدام هانو اللبنانية الصل وهي أول من أقام في المنطقة وأسست فندق اا ، وشاطئ سيدي كرير نسبة إلى سيدي كرير الجزائري الصل والذي جاء لتدريس علوم الدين وأقام في المنطقة ،وشاطئ أبوتلت نسبة إلى الشقاء الثلثة الذين كانوايتملكون معظم أراضي المنطقة. وتقسم منطقة العجمى إلى عشرة أحياء و هم كالتالي: (1البيطاش (2الهانوفيل (3أبو يوسف (4شهرزاد (5أكتوبر (6الحديد و الصلب (7شاطيء النخيل (8الكيلو واحد و عشرين (9الصفا 71
10 ) أبوتلت والمنطقة الخيرة تقع في الكيلو 23 غرب السكندرية على طريق السكندرية / مطروح الساحلي وسميت بهذاالسم نسبة الى أشقاء ثلثة كانوا يمتلكون معظم أراضى المنطقة ومازالت عائلة أبى تلت موجودة الى الن ، وهى تعتبر من أعرق المناطق وأقدمها اذ كان الطابع المميز لها الهدوء والسكينه وكانت مكان استجمام ومصيف لعلية القوم، وتميزت بوجود فيلل ذات طراز معماري مميز لكن تبدل الحال الن ، وبعد أن كانت منطقة جذب للصفوة أصبحت الن منطقة طرد لهم فمياه الصرف الصحى والمياه الجوفية تحاصر السكان في بيوتهم ، و أصبح السير في الشارع عملية شبه انتحارية ، وقدامتدت شهرتها لسنين عدة كمصيف هاديء يمتاز بمياه زرقاء صافية ورمال ناعمة وجو رائق ليبارى وشارعها الرئيسي المسمى باسم المنطقة شارع أبي تلت يمتد مرصوفا ا مصقول السطح متفرعا ا من الطريق الدولى إلى البحر مباشرة دون تعرجات أو عوائق ما ،. وتنقسم"أبوتلت" إلي قسمين الول من الناحية البحرية ويتميز بشواطئه الرائعة التي تعتبر أول الساحل الشمالي ، وبها شاطئ الصفا والشاطئ الفضي وتتميز بوجود عدد من الفيلت لعائلت من صفوة المجتمع المصري خاصة في شارع الهرام والذي يعد من أشهرالشوارع التي يوجد بها فيلل لعائلت مصرية شهيرة ، هذا بالضافة إلى بعض القصورالشامخة ومنها قصر رئيس تحرير سابق لصحيفة الهرام التي يسمى الشارع الذي تقع فيه باسمها شارع الهرام ؛ والقسم الثاني هو"أبوتلت" قبلي حيث ترتفع الكثافةالسكانية ، ويوجد عدد من المساكن العشوائية وإن كانت المنطقة قد شهدت في السنوات الخيرة طفرة هائلة في الناحية القبلية بعد بناء منتجع اليكس ويست ، وهو أحد الفنادق الفاخرة الذي يديره مجموعة فندقية أمريكية. 72
وعلى الرغم من موقع أبي تلت المتميز حيث أنها تقع على البحرمباشرة وكان يسكن بها الصفوة من السياسيين وورجال العمال والصحافة وأهل الفن وما إليهم إل أنهم هجروها إلى الساحل الشمالي بسبب حالة الهمال في الخدمات وتردي حالة الطرق وسوء حالة الصرف الصحي فضل عن الهمال في كل شىء ، وزحفت إليهاعائلت أخرى متوسطة الحال أو فقيرة بحثاا عن مأوى بعيد عن صخب المدينة أو باحثة عن مسكن أكثر اتساعا ا أو ربما هربا ا من شىء ما ، هذا بالضافة إلى البدو الذين يقطنونها منذ أماد بعيدة من القبائل المعروفة التي تحكمهم الحكام العرفية ولهم قوانينهم الخاصة ومن الصعب اختراقهم أمنيا ،فمنهم من يقومون بسرقة السيارات ثم يساومون أصحابها عليها مقابل مبالغ مالية يتم تحديدها حسب قيمة السيارة وحسب وجود وسطاء ومعارف بين السارق والمسروق. وتحتاج" أبوتلت" حاليا إلي رصف وتمهيد للطرق وتحتاج إلي شبكة مواصلت عامة تربطها بالميادين الرئيسية في السكندرية بدل من استبداد المواصلت الخاصة التي تتفنن في زيادة أجرة الركوب، والجميل في هذه المنطقة أنها كعادة المصريين جميعا ا يستطيع القاطنون بها التعايش بحميمية واضحة دون تمييز بسبب دين أو جنس فهناك المسجد الجامع الكبيربالقرب من البحر في شارع أبي تلت الرئيسى الذي يسمى مسجد أبي تلت ، وكذلك على بعد خطوات قليلة منه وإلى الداخل تقع كنيسة السيدة العذراء المحاطة دوما بنظرات الإكبار من الجميع فلكل فروضه ولكل طقوسه ويجمعهم حب واحد اسمه الوطن. قالت فى شرود : وماذا بعد ؟ أشاح بيده: مقاومة الظلم جهاد 73
وضياع المستقبل ؟ عاد إلى عينيها، بحر أبي تلت صفاءه أقل من صفاءهما ، عمقه أقل من عمقهما ، أمواجه أهدأ من أمواجهما. القضية لم تعد مستقبل فرد ، بل أمه هل أنت مقتنع بما تقول ؟ العسكر يريدون استمرار الهمينة على كل شيء ، السيطرة على الثروات واستنفاذها لنفسهم ومن غيرهم الن يمتلك المقدرة على حفظ المن ؟ لن يستطيعوا ستمنعهم أنت وأمثالك بالقنابل البدائية التي تصنعونها وبالمظاهرات الهزيلة ؟ أنت ب لتعرفين شيئا ا أرى أن تعود لرشدك الن ؟ أرى الظلم بعيني وأصمت ؟ أنت تقتل البرياء ،هذا معناه إرهاب وليس مقاومه حدق في عينيها شارداا ، ضارباا بأطراف أصابعه قلب الرمال. ارتبكت مالك تنظر هكذا؟ غاصت أصابعه في قلب الرمال ، قال: التراجع أمام أعداء الدين محال ، والمواجهه قادمة وسوف ترين ركبت نظراتها موجة قادمة على البعد . تاهت وسط البحر ، تسائلت : أرى ماذا ؟ تغيرت كثيراا ياعائشة البلد لتحتمل الخلف ، ننهض بها أولا كنت ت مع الحق والدفاع عن الدين 74
تنظرإليه ؛ إلى وجهه وعينيه مال الدين بما يجرى ، ومن قال أن الحق هنا وليس هناك ؟ تتأجج نظراته ، يحرق بها هامات الموج الهادر موجة وراء أخرى في تعاقب ل يفتر. ادعوا أن يهديك هزت رأسها سلبا ا ولم ترد. لحظ صمتها. سألها : مابك؟ خطرببالها سامح الضابط. لتعرف لماذا طافت صورته بخيالها الن لقد قال لها أن تبلغه فورا إذا رأت شريف هذا مفتاح برائتها بيده إنهاء ارتباط إسمها بما جرى في مظاهرات الجامعة مقرون به ،و إل فمايزال اسمهاهناك وكذا بياناتها الشخصية ،وقضية ليعرف إل ا نهايتها ، هل تتصل به ؟ عائشة تنتبه لشريف بجوارها. اعتذرلضطرارى لتركك الن هل أراك ثانية ؟ إن شاءا ، ابلغى سلمى لبقية الصحاب استدار مغادراا عاد وحدق في عينيها ضاغطا ا على حروفه ، وهو يحدق في بؤبؤ عينيها : أنا أثق بك رغم كل شيء هزت رأسها متفهمة مايرمي إليه 75
أدارت وجهها إلى حيث البحروالرمال الناعمة وهديرالموج ،وعادت إليه : لتقلق وتركت نظراتها محلقة نحوالفق البعيد الممتد بل إنتهاء عادت صورة سامح إلى صفحة مخيلتها هزت رأسها ببطء محاولة الفلت من براثن نظراته المنغرزة في أعماقها خامرها خاطر مفاجيء لماذا هو بالذات ؟ هناك صدقي مثلا ، تذكرت وجه هذا الخير ،انقبضت نظراتها ،صدقي جامد ، مهما حاول أن يبدوغيرهذا ؛ صلب الرأي ؛ عنيد ؛ ليملك المرونة .أماسامح!.... تهزرأسها بقوة..لن أفكرفيه. تعود لشريف الذي تبخر تماما ا ، مسكين... كانت تظن أن المستشفيات ستخطفه لمهارته ونبوغه. كان يمكنها حينما يبني فياض بك مستشفى خاص أن تشركه معها .لكن لم ينتظر البناء والتجهيز ، لم ينتظرحتى أن يفكر في أمر غده. الشيء الذي يحيرها أنها كانت ترى فيه صورة تميل إليها ،الجد والنشاط والحماس والتصميم على الرأى والنبوغ ، لكن سامح ! سامح صورة أخرى ليمكن إهمالها. هل تميل له ؟ ربما لكنها لتجهر بهذا حتى لنفسها . هزت رأسها لتفلت من من فيض أفكارها عليها الن فوراا أن تتصل بسامح ، تخبره بما جرى انتبهت لضجة هناك عند أول الطريق السفلت رمت بعينها إلى هناك هبت واقفة وهى ترى بعض الجنود يملون المكان 76
والهالي يحيطون بهم على البعد فكرت أن تهرول لترى ، عادت تقف مترددة وهى تلهث والبحر يعول والموج يهدر والسماء تغطيها غيوم لتعرف كيف أتت ولماذا. سألت أحدهم حينما رأته قادما ا من هناك: ماالمر ؟ أشار بيده ل مباليا ا قبضوا على إرهابي خطير رأت بعين خيالها الجنود وهم يحيطون بشريف فى هدوء وصمت حاسم وهو يمضي وسطهم محني الرأس ، كسيراا ،وهم يتجهون به ناحية المجهول.
77
78
(10)
أنور والموت بدت السماء لعينى أنور منبثقة من بين البنية السمنتية المحيطة، مكسوة بطلء ضوئي سحري ، ينبض بسكينة حالمة تليق بالموقف الذي يحيط به. نظر لعلى دامعا ا. شعر لوهلة بشوق لرؤية فسحة النور ومعارج الرجاء بأعلى ، تمنى لو يزيح تلك البنية ليتسع له مجال الرؤية ، يرى باب السماء كما لم يره من قبل . حدق في وجه الشمس ،فى تلك الشعلة التي ليهدأ لها أوار ، للهالة التي ليمتلك الناظر أمام إشعاعها إل أن يخفض البصر إن لم يكن خشوعا ا لرهبة مخلوق رائع وإبداع خالق مبدع فالخوف من شدة الضياء. تفجرت خواطره بين عينيه ،سحبته من الموقف حوله ، جرفت معهاهدوءاا كان يتوارى خلفه عن أعين الخلق ، تساءل هل يمكن أن تموت ، وإذا ماتت كم عدد المشيعين الذين سيتبعون جثمانها إلى مثواها الخير ؟
79
أرضا من تراب ، التراب ا هاهى القدام السليمانية من حوله تمضي ، تطأ أصله أجساد تحللت ، أوالجساد أصلها تراب نفخ فيه ا من روحه، أعداد مهولة من الوجوه / التربة العابسة تتحرك في بطء وبلتدافع. ترى لو عادوا جميعا ا الن لصلهم الترابى كم يكون حجمه فوق الرض ؟ هاهو الموت يسير الهوينى أمامهم .!! مات اليوم رمضان شيخ الجامع الكبير ،قريبه من ناحية الم ، ترك النقطة فوراا ، توجه إلى المسجد للصلة عليه ثم مرافقة جثمانه إلى مثواه الخير .. المنطقة كلها هوت أفئدتها إلى المسجد ثم تبعته إلى المقابر ، أعداد رآها أنور وهو يمضى حاملا شيب نظراته ووهن خطواته فتفجرت في صدره براكين خواطر أغرقت هدوءه وتركته في جحيم من الحروف المصهورة التي تأكل قلبه بأنياب حداد ، فتح عينيه على مالم يطف بخياله من قبل ،سائلا نفسه: كم عددالمشيعين لجثمانك لو مت اليوم؟ أشاح بوجهه محاولا الفلت من إلحاح السؤال على رأسه ، ارتفع رنينه أكثر ، تردد صداه في أروقة دماغه ، ورأى جثمانه يسيرهزيلا وبضعة أشخاص ليكادون يشدون البصرأويملون العين يسيرون خلفه، أغرقت بحار السى عينيه وهو ينعي نفسه متحسراا على حاله ، سيذهب إلى الخرة غريبا ا بل مشيعين هو الذي منذ عمل بالشرطة كان يجمع حوله الخلق ، منذ كان عريفا اصغيراا في كراكون الدخيله قبل أن ينتقل للعمل بكراكون اللبان ثم أبى تلت ، آآآآآه ياأنور ياعبد المقصود ، كم جرى بك الزمن وكم تطاولت دقائقة وثوانيه وأصبحت سنوات أخذت من عمرك الكثير ، خمسة وخمسون عاما ا الن كنت تظن أنها تمهيد لختام رحلة تستحق أن تنال بعدها الراحة وتلوذ بهدوء ، فاذا بالحياة كلها من حولك تنقلب وتتبدل ، وروح المكان الهادىء يتحول إلى عبوس مقيم. عاد لجثمان رمضان شيخ الجامع الذي يجر خلفه أجساد المشيعين. 80
تساءلت عيناه بحيرة: هل يبالي أهل الخرة بكثرة عدد المشيعين للميت ؟ وهل تكون مكانته بينهم مرتبطة بهذا العدد ؟ أدار عينيه في الخلق حوله ، رؤس مبذورة في أديم الرض ، تسير خلف الجثمان ، تودعه في ود غامر ليدخل إلى الخرة مفاخراا بعدد مشيعيه ، كيف له وهو أنور عبدالمقصود سليمان أن يناجي الرض لكي تنبت رؤسا ا مثل تلك لتسيرخلفه ؟ تكورت الدموع في عينيه ، صنعت أمواجا ا هادرة ودوامات مالها من قرار، رأى جثمانه من جديد ملقى على الرض ليجد من يحمله، السليمانية كل مشغول بحاله ، وبعضهم أسعده خبررحيله ،ناس أبى تلت ينكرونه ميتا ا كما أنكروه حياا ،يلوكون سيرته في سعادة بالتخلص منه ،و امرأته وحيدة بالطريق تبكى رجلها الذي ليجد من يتعطف ويسيرخلفه إلى حيث يواريه التراب. أولئك الشرار بكل مالديهم من حقد وضغينة عليه وعلى قدراته وروحه القوية التي كانت هي مؤهلته لكي يكون رجل النقطة منذ سنين ،ليستحقون منه أي عطف أو حتى مجرد اهتمام بهم أو بسيرهم خلف جثمانه إلى مثواه الخير. ارتجف جفناه بقوة عند هذه الخاطرة ونحاها بكل طاقته من عقله هامسا ا لنفسه أن المر لم يعد فعل ورد فعل ، النهاية اقتربت ياأنور ، عليك أن تعترف بهذا وأن تفعل شيئا ا من أجل كسب مشيعين. حينما تموت ستحتاج لهم ياأنور. ستكون وحيداا ،ضعيفا ا ، لتمتلك من أمر نفسك شيئا ا. نزلت دموعه صاغرة على خديه. من خلف الدموع المتأججة رأى المرئيات من حوله كائنات هلميه تتحرك في متاهة الرض ، ظلل تتحرك أو هي أقنعة ترتديهاالرواح ثم ماتلبث 81
أن تخلعها بعد أداء دورها على مسرح الحياة ، لفتت انتباهه بين تلك المرئيات حروف ذهبية مكتوبة على لوحة معلقة على مدخل حانوت قريب ،سقطت عليها أشعة الشمس فأخذت تشد العين المارة برونقها ، مسح وجهه بباطن كفه ، قرأ : من يفعل الخيرليعدم جوازيه ليذهب العرف بين ا والناس حدقت عيناه في الكلمات كأنما يتعرف عليها من الحطيئة لول مرة، اللوحة تبدو أعلها سماء صافيةالديم ، تحت السماء تلك الكلمات ، وتحت الكلمات مباشرة صحراء قاحلة إصفرارها لمحدود ، إلى جانب منها تنزوي نخلتان متجاورتان ، يسير تحت ظلهما رجل وحيد يحمل بيده اليسرى عصا يتوكأ عليها ، واليمنى ممسكة بطرف مخلة من القماش ملقاة على ظهره المحني قليلا إلى المام .. عاد أنوريمسح عينيه بقوة، يواصل التحديق في اللوحة ،يشعر أنه ذلك الرجل السائر وحده وسط الصحراءحاملا مخلته في سكينة القانع بأحواله وطول سفره، أن تلك الكلمات هي رسالة هبطت عليه من السماء ، رسالة فيها مهمة محدد عليه أن يقوم بها ، وإجابة شافية على تساؤله الذي لم يبح به لمخلوق.. عاد للبكاء ، لكنه هذه المرة حمداا للذي لم يهمله رغم أفعاله السابقة، ورغم سيره وحيداا في صحراءالوجود!! ................ عاد إلى بيته من حجرةالنوم المطلة على أرض الحارة الموحشة في ذاك الوقت من الليل أشعل سيجارته متأمل االصمت والعتمة المتوغلة في أنحاء لم تعد كما كانت قبل ا ،النهاية اقتربت والليل يسود وليس هناك إل رحيل لفكاك منه. ماذا أخذت زادا ا لرحيلك ؟؟؟ 82
رفع عينيه إلى السماء من جديد ، جهامة الظلمة حجزت عنه وجه النور. تذكر كيف أصبح يعود إلى بيته محنيا ا رأسه الصلعاء ، حاملا ضجيج أفكاره في صدر ليهدأ له أزيز ،يرمق الطرقات على غير عادته بنصف نظرة ل أكثر ،ويرد تحايا الخلق بصوت خافت ليكاد يبين. يسمع الحاديث عن القتيل والقاتل المجهولا الذي لم يستدلا عليه ،وبهية الزوجةالهاربة وجاري البحث عنها ،ويرى الوجوه الجديدة في المنطقة ذاتا الملمح الجامدة ،والتي تدور في الطرقاتا تتربص بمن تشتبه فيه ، وتأتي به إلى النقطة للتحقيق معه . ينظر إلى كل هذا ،ويتابع حالة الطوارئ والتحقيقات المستمرة. يعجب لسامح الذي رغم كل شئ يصرعلى معاملة الجميع بالحسان! يراه يجلس إلى المتهمين ،يناقشهم ويستمع إليهم وليحاول إستخدام الوسائل المتعارف عليها في التعامل معهم. وفي ذات الوقت رغم علمه بأن بهية في حارة السليمانية لم يقرب الحارة إلى الن بأى تفتيش أوحتى مرور ، ولم يحاول الحديث إليه فى هذا تهديداا أو تفاهما ا ربما لصعوبة البحث فيها ،أو ربما الخوف من رجالها الكبار.! أيضا ا قد يكون عاجزااعن تخيل إستخراج إذن تفتيش لحارة كاملة. وإل لماذا يصمت حتى الن ؟ الغريب أن سامح لم يتحدث معه في أمر زيارة بهية له ، ولم يخبره بنتيجة لقائه معها. يسير إلى الن هادئا ا وليتخذ إجرااء من شأنه إعلن الطوارئ في المنطقة. من خلل معرفته به فإنه ليس ساذجا ا. ترى ماوراء كل هذا؟
83
وهل سلط العيون لترصده – أنور أيضا ا ، وإذا ترصدته هنا وفي الطريق فماذاعن الحارة؟ مؤكد هناك تدبير ما لها. هذا الصمت وراءه شئ ما. المشكلة إنه الن ليستطيع نقل مخاوفه إلى أحد من أقاربه .ليستطيع العتراف أنه قلق ، وأن أعصابه مضطربة وهوليرى مايجب أن يراه. كان المفترض والمتبع من قبل أن تسود حالة من الطوارئ والعصبية، وحالت قبض على من يشتبه بهم والتعامل معهم بكل ألوا ن التحقيق لمعرفة القاتل ، خاصةأن هناك مهلة عليهم الوفاء بها. فهل هوكبرلدرجة أنه لم يعد يفهم ؟ أم هناك شئ جديد ليدركه ؟ أم يخفون عنه تحركاتهم لشكهم فيه؟ ثم ماذا سيأخذ من كل هذا ؟ وكيف يأمن على نفسه ظلمة ووحشة قبر وعمل يلزمه أبد الدهر أحنى رأسه مقررا اأن يكون أنور جديد يختلف عن ذي قبل يصبح هادئا ا. يجلس مكانه في نقطةأبي تلت يفصل بين الناس في النزاعات الصغيرة يسجل محضراا بين متخاصمين أويعقد صلحا ا بين متشاحنين دون صخب مكتفيا ا حينما يضيق صدره بالنفخ يمينا ا وشما ا ل ،والمسح على رأسه الصلعاء بمنديله ، دون أن يعلو صوته كما كان يعلو من قبل ، ودون أن يتفوه بكلمة مماكان معتادااعليه استعداداا للرحيل وفي ذات الوقت استجابة لسامح الذي كف يده ولسانه عن ناس الناحية ، وأمره أن يعاملهم بالرفق!! 84
تبتسم شفتاه الغليظتان ابتسامة رثاء وهو يتخيل الرفق الذي يقصده هذا الضابط ..يسمع هذه بعبارتها الجوفاء وحروفها المتهالكة ، ينظر إلى تلك ودمامتها ،وليقبل شيئا ا مما كان يقبله سابقا ا منه ل – طير هذه النعمة . الغريب أن الناس عرفوا المر .. كيف ؟ ل يدري. وإن كان واثقا أن أحد الجنود قد سرب الخبر إلى ذويه ومنهم إلى بقيه الهالي . صارت النقطه تعمل ول يقبض منها شيئاا، يعرق بدون مقابل وبدون صراخ ، أو حتى مجرد عبوس في وجه قادم وهل البوليس يصلح أن يكون بوليسا من غير حزم وضبط وربط ؟ أضاع سامح تقاليد وهيبة سنوات في زمن قياسي. المشكلة أن السليمانية كلهم كانوا يقدرونه الصول أنور ويفخرون به . كان من كبارهم سنا وحكمة . الن تغير الوضع . ستصير يا أنور ضعيفا ا محتاجا ا للعون. مضى إلى مرقده محني الرأ س ؛ محادثا ا السخط في صدره ، متعجبا ا مما صارعليه حال النقطة ؛ هل البوليس يصلح أن يكون بوليسا ا من غير كلمة قاسية وبعض القلم والركلت؟ هل نمسك المجرم معتاد الجرام ونرجوه ونحب على يديه أن يكف عن إجرامه ؟ أغمض عينيه محاول ا الإفلت من ليل خواطره الدامس ،هامسا ا لنفسه أن المر سهل ، سوف يجلس مكانه ل يبدو عليه مايدل على وجود تشوهات في جوفه نتيجة النيران التي ليهدأ أجيجها ولتفتر حدتها يلتزم الصمت ويكتفي بالجلوس بعيداا قدر المستطاع يتعامل مع الخلق ) على غيرعادته ( بالرفق!. تحرك من مكانه يريد القيام ؛ اصطدم بشئ لم يره ؛ آلمته الصدمة ؛ فتح عينيه على إتساعها ؛ لم يصدق ؛ دارحول نفسه؛ أخذيدق الجدران 85
الدائرية بكلتا يديه ؛ الجدران الزجاجيةالشفافة تبدوعلى هيئة زجاجة لهاعنق طويل،وهوفيها وحده ؛ يصرخ بأعلى صوته ولمجيب. ماذاجرى ياأنور ؟ تصرف أو يتصرف أي أحد. أخذالعرق يهطل مغطيا ا صلعته . هابطا ا إلى عينيه . فجأة وجد من يمد إليه سلما ا ويطلب منه الصعود. هرول بجسده الضخم ناحيته ليجد في النهاية زوجته تهنئه بسلمته . غمغم يشكرها وأدارعينيه حوله ليفاجئ بأنها أخرجته من زجاجةعظيمة العنق إلى زجاجة أعظم عنقا ا قبعا فيها معا. حاول التسلق لعبورعنق الزجاجة.. لم يستطع . صرخ طالبا ا المساعدة شعربيد تهزه بقوة . فتح عينيه على اتساعها وقلبه يدق بكل ماأوتى من قوة باحثا عمن يدفعه هكذا ، رأى الغرفة غارقة في سكون ، ولمبة صغيرة على الجدار يمينا ا وأخرى يساراا ترميان بضؤهما الواهن على الفراش ،وامرأته إلى جواره صدرها يعلو ويهبط بانتظام ، سأل : كيف ؟ ولم يكمل ، حدق في وجهها ليتأكد من استغراقها في النوم. أدارعينيه في الحجرة من حوله وهو يستعيذ بال من شر الكوابيس .قام إلى الشرفة .أشعل سيجارة وجلس يبحث المرمن جد يد.
86
87
(11) أول الخيط جاءت زيارة" محمد أبوليلة " للصول أنورفي النقطة مفاجئة له تماما ا. خاصة أن محمداا قريبه وابن حارته ، وليبعد عنه كثيراا؛ وهوأكدعليه أل يأتي لي سبب خاصة في هذه اليام. نظر إليه مأخوذاا وهويمسح بالمنديل رأسه ووجهه ورقبته . ترك من حوله وصرخ فيه: ماالذي أتى بك؟ فرد قامته فاتسعت فتحة طوق الجلباب ؛ بدا من تحتها صديري رمادي اللون جديد كيف حالك ياأباأنور؟ هل هذا وقت سلمات ؛ وهنا ؛ وفي تلك الظروف ؟ ماوراءك يامحمد؟ كل الخير اتسعت ابتسامته ،أحنى قامته العالية قليلا واقترب منه مستديراا حول المكتب ليصل إلى أذنه؛ محاول ا الهمس له أن بهية مريضة وتحتاج طبيب ؛ وأن عائشة كادت تتصل بأحد مدرسيها في الكلية لول أن عرف 88
فجاء يستشيره أول ، حاول أنورالتماسك والتصرف بسرعة للتعجيل برحيله .سحب مقعداا إلى جواره وأشار إليه اجلس وقل ماتريد ؛ بسرعة جلس إلى جواره ؛ اقترب منه برأسه ؛ قال بصوت حاول أن يجعله همسا :ا لماذا جئت إلى هنا؟ بهية. مالها ؟ انتفض قلبه فزعا ا ؛ قالها وهوينظرإلى الباب .داعيا ا ا أليدخل سامح الن ؛ هومؤكد لن يعرفه ، لكن الحذر واجب ، ثم أنه الوحيد الجالس وباقي الخلق واقفون. مشكلتك يامحمد أن لك عقلا وحدك . تفكيرثان خالص. ومؤكدالشئ الذي أتى بك الى هنا خائب مثلك مريضة . حدق في عينيه متوجسا ا ثم ؟ أراح ظهره على المقعد واضعا ا ساقا ا فوق الخرى خلص شغلك وبعدها نتكلم بصبر نافذ همس أنور قل يامحمد وامضي لحالك اعترض محمد كيف والخلق أمامنا .هيا اصرفهم أولا نظرأنور إليه شاعراا بجحيم يتصاعد من جوفه هادراا ، يود لو أنه إبتلعه وكفاه شرجلوسه بجواره هكذا.
89
عاد إلى الرجل والمرأة وأعينهما المحدقة ترقب مايجري . أفرغ مافي صدره فيهما خلصني ياعوضين صفية تتهمك أنك ضربتها ،حصل؟ حدق عوضين في وجهه بإستنكار وهل ضرب امرأتي جريمة؟ نفخ أنورمافي جوفه من نار مستعيذا بال من شر غضب يكافح للتخلص من شوائبه وأدرانه قدر المستطاع هذه اليام ؛ ومنذ وفاة الشيخ رمضان بالتحديد . استدار إلى محمد بجانبه. لفائدة من إفهامه. فكر أن يعتذرعن العمل ويغادر النقطة ليجبره على الرحيل .خشي أن تراه عينا سامح وهو معه . لوعرفه ستحدث كارثة. صرخ في عوضين وا جريمة ياعوضين في أي قانون؟ عاد أنور ينفخ في غيظ متمتما ا : ماذا أقول له؟ هب أبوليلة من مكانه واقفا ا بعد إذنك ياأبا أنور ، أنا أفهمه فوجيء أنور ؛ نظربعينيه الضيقتين نحوه ؛ نظرات حارقة لم يرها. سأل : ماهو سبب المشكلة ياعوضين؟ حدجه عوضين بنظرة مستفهمة ، إستدارإلى أنور ، وجده صامتا ا ، ينظر دون أن يعلو صوته بزمجرة أوسباب ظنه راضياا ،أوربما عين قريبه معه في البوليس فانطلق مجيبا: 90
كنت نائما ا في أمان ا . وجدتها فوق دماغي تهزني بقوة ؛ وتصرخ في وجهي لماذا ل أتبع الشرعية كانت عينا أنورترقبان الباب بتوجس،وهويدعوا بالستر؛ ويفكرفي حيلة يخرج بها أبوليلة من النقطة سريعا ا ودون إحراج له؛ فهو مهما كان قريب ولو أظهر له الشدة ستأكل العائلة وجهه. عاد إليه راجيا ا: اتصرف يامحمد قال بحماس : أحل الموضوع أول وأنصت إلى عوضين يكمل: قلت لهاالصباح رباح ؛ وعدت أغمض عيني ، كان جسمي مهدوداا وأريد ساعة راحة من شقاء يوم بطوله قاطعه محمد أبوليلة : ألست مع الشرعية ؟ هذا كلم يناقشه الكبار ،لكنى فوجئت بها تحفظه للولد ، الولد ابني عبد ا يناقش أخاه الصغير ، صرخت فيه ياابني اسكت ، بلفائدة. ضربته وأمرته بعدم الخوض في هذا المر . اندفع محمد أبو ليلة مكملا : قامت صفية بالعتراض أرأيت ياابامحمد .هذاسبب المشكل ثم استدار الى أنور فارداا صدره ، قاطعه عوضين متحمساا : ل ، أنتظر صرخ أنور : يكفى هذا ،خلص ياعوضين قاطعه محمد: انتظر أنت ياأبامحمد . قل ياعوضين وعاد إلى عوضين الذي أكمل : صرخت فيها أننى حر في رأيي وفي أولدي 91
وحذرتها من محاولة بث سمومها في صدورهم تركت البيت غاضبة وذهبت لبيت أبيها قلت لها ارجعي واخزي الشيطان قالت لن أعود قبل أن تتعهد بعدم التدخل بيني وبين أولدي ضحك محمد بصوت عال ،أكمل عوضين قلت لها نناقش أمورنا في بيتنا ،اتهمتني بالضلل ، ضربتها سأل محمد : ضربتها! ؟ صرخ أنور : خلص يامحمد ، خلص ،اسكت ثم لعوضين : يعني معترف بواقعة الضرب؟ هزعوضين كتفيه الهزيلتين : ضربتني هي وأمها لنني في بيتهم .أنا ضربتها قلمين . أمسكتني من رقبتي وأمها ضربتني في رأسي ،أنظرالى دمي المتجمد. فتح محمد فمه ليتكلم لكنه عاد وأغلقه حينما رأى الضابط يدخل من الباب .نظرعوضين إليه بحذرمشوب بخوف ،أما أنورفقد صمت تماما ا وقد حاصرته الحيرة ،شعرأنه ينزلق إلى هاوية لقرارلها ، تبتلعه دون هوادة ، وهو يهوي دون صوت . نظر إلى الرض المتسخة التي لم تمتد إليها يد منذ أيام؛ وهويدعوا أل ينتبه سامح إلى أبوليلة . فكرأن يتصرف بسرعة ليشغل إنتباهه عنه . صرخ في عوضين : تعالى امض على المحضر سأعتذرلها ولمها ا ترك سامح المكان ومضى صرخ أنور : محمدأبوليلة .رح أنت الن ، افعل ماتشاء سنتكلم فيما بعد احتج محمد : لكن!.. 92
صرخ : اذهب يامحمد الن تمتم وهويمضي أنه لم يقل كل مالديه وماجاء من أجله وخرج من النقطة غاضبا ا .. عاد سامح إلى مكتبه وهول يكاد يصدق نفسه .، أنه هو. ذات العينين وذات الصوت. في حجرته في الستراحةعندما صحا من النوم. أنه يذكر نظراته جيداا ولينساها. ورنين الصوت لن يخفى عليه. لكن كيف تجرأ وجاء إلى النقطة؟ الغريب أنه يقف أمام أنورهو والخر الذي كان معه بلخوف . يظهرإنها مشكلة بسيطة . على كل سنرى. هب من مجلسه إلى الخارج وصدره يمور بشعورملتهب ليهدأ. الجرأة وصلت إلى درجة أن يدخل النقطة بلخوف. مؤكد هو ؛ رغم أنه غالى في مداراة وجهه ليلتها. سيجمعهم الن في مكتبه ؛ يبحث المر و ينفرد به. يوجه له تهمة التسترعلى مجرم. هذا بعد أن يدله مرغما ا على مكان بهية اقتحم غرفةالتحقيقات؛ وجد أمامه صفية بجوارالسورالحديدي ؛ وعوضين بداخله منكس الرأس يسألها الصفح؛ ، وأنورخلف مكتبه ملتهب الوجنتين كاد يصرخ : أين الرجل الخر؟ لكنه تماسك بالكاد. رسم إبتسامةعلى شفتيه.
93
حدق رغما ا عنه في عيني أنور الذي اعتدل فوراا . مسح رأسه بتورد وبياض الشعرالقليل فيها ،ونزل إلى العينين الضيقتين بالفم الواسع ؛ والخدود المسحوبة ، والشارب القصير والذقن السمينة . قال بغيظ مكتوم: ماهى حكايتهم؟ مشيراا الى صفية وعوضين موضوع الساعة ياافندم عل صوت المرأة : ضد الشرعية يابك سأل سامح : من؟ أشارت إلى عوضين :زوجي تبسم سامح ؛ وجه حديثه لنور: هاتهم المكتب واستدارخارجاا ، إندفع عوضين صارخا ا: السماح ياناس .حقك علّى ياصفية. تحرك أنورليقودهما أمامه .إندفعت صفية بأثرالخوف تقول : سامحته ياحضرة الصول لم يرد ، كان يريد فهم مايريده سامح منهما ، الغريب أنه عاد كما توقع ؛ لكنه لم يسأل عن محمد أبوليلة؛ بل طلب هذين ؛ هل يعي مايفعل؟ الظاهرأنه فارغ ؛ ليشغله شئ ؛ يريدأن يتسلى. نسي الوعد ونسي النذار والمهلة؛ ليعرف مالذي يجري حوله هنا، وقيمة الكلمة التي دونها الرصاص والقتل. ا يرحم أيام زمان ؛ كان الضابط ضابط بحق ، طول بعرض بمهابة، ينظرللمجرم يرعبه قبل أن ينطق بحرف ، أماهذا.. عليه العوض .
94
إنه يجالس المجرمين ؛ يحادثهم ؛ يتسامر معهم ويمنع أي إيذاء بدني أومعنوي لهم ، كأنهم أبرياء . الذي يغيظ إنه عاد ثانية بعدأن لمح محمدابوليلة ؛ مؤكدعرفه من وجهه؛ لكنه كان ملثما ا ؛ هل!.... ويستدعي صفية وعوضين لسؤالهماعنه . تدافعت دقات قلبه ؛ بدت كالصراخ في إذنيه ؛ لوحدث هذا سيعرفه؛ يستدعيه . لكن لل ؛ هذاصعب ؛ ثم أن الدنيا كانت ليلا. قال بصبرنافذ : دعونا نرى مايريد في يومكم هذا ومضى إلى المام جلس سامح متحفزاا وعيناه تتربصان بالباب ، الفرصة جائتك ، المفتاح الذي تبحث عنه بلجدوى أتاك وأنت في مكانك ، كان أبوك دوما ا يقول لك اجتهد في البحث وإعمال العقل وسوف تصل إلى ماتريد أو يصل إليك ماتريد ، وكنت لتفهم مايعنى ، لكنك الن تعي وتصر على الإمساك بالفرصة مهما كانت الظروف.. فكرأن يباغت أنورحينما يطالعه بقوله قل لقريبك الذي رأيته الن أنني أريده هنا غدا لكنه خشي من تهريب بهية قبل أن يعثرعليها .. الرجل سينكرأنه هو، وفي نفس الوقت سيأخذ حذره ،ويبعد بهية تمامااعن المنطقة . من الفضل التعامل مع المر بحرص. لكن هل يعرف عوضين الرجل الملثم أم ل؟ لوأنكرمعرفته ستكون فرصةعظيمة قد أفلتت منه. ل ل ، إنه يعرفه . هو رآه يحادثه . أيضا ا صفية وعوضين يعتبران نماذج حية مؤكد ستفيده في دراسته. صحيح أن عوضين ليس مجرما ا ولتنطبق عليه الشروط المحددة في رسالة الماجستير ، لكنهاعلى القل فرصة
95
لدراسة تأثيرالتغيرات في البيئة المحيطة و الظروف السياسية على الفراد محدودي الثقافة وسلبيتها المؤدية إلى فعل الجريمة. دق أنورالباب ودخل .أدى التحية وأ مر عوضين وزوجته بالدخول . تقدم الثنان ، عوضين ظاهرالرتعاد ، قال لنفسه بمجرد رؤيته للضابط جالسا ا متحفزاا له ، الظاهر أن الموضوع أكبرمما تخيلت ياعوضين ،الظاهرأن الشرعية التي تتحدث عنها صفية وتدعوه إليها لها مريدون كثيرون ومجرد رفضها في هذه اليام أصبح جريمة كبرى فيهاتحقيق وضابط وسجن. كانت صفية إلى جواره تقف ممتقعة اللون ، لتدري ماتقول ،صحيح هي كانت تريد تأديب عوضين ،لكن ليس إلى حد الضباط الكبار والسجن ؛ ليتني ماجريت إلى النقطة وشكوتك ياعوضين ؛ هاهي الحكومة سوف تسجنه؛ تسجن زوجي أبوأولدي؛ ماذاأفعل الن؟ تجمعت سحب الدموع في عينيها . نظرت إلى عوضين الذي كان يتمتم بأيات يحفظها من القرآن الكريم طالبا ا الستر. أشارسامح لنور بالنصراف ،تيقن الاثنان أن المرفيه حبس لن يفلتهما. اجلسا أنت وهي حملقت العيون في وجهه؛ تبسمت عيناه؛ هبطا إلى الرض ؛ إتسعت إبتسامتة ؛ إشار إلى المقاعد ؛ سأل : ماالذي جري بالضبط ؟ موجها ا سؤاله إلى عوضين؛ عاد يضطرب ؛ همس بماكان ؛ هزسامح رأسه متفهما ا، اتجه لصفية. تدعين إلى الشرعية ؛ هل تعرفين ماهي؟ تمتمت ببضع كلمات مضغومة لتكاد تبين ، رأت عينيه تبرقان ، تلعثمت، صمتت تستجمع شتات نفسها وأرسلت لدموعها العنان. أخطأت يابك 96
تبسمت عيناه، انفرجت عقدة نبضاتها قليلا ، وشت انبساطة وجهه بأن الجو يمكن أن يكون صافيا ا بعيداا عن غيوم القلق والسجون.. هدأت رويداا ؛ همست : تعلمت هذا من السيدة سميحة زوجة محمد أبوليلة. مالذي تعلمتيه ؟ أن السلم جاء ليغير المجتمع الكافر ويقضي على وباء الرشوة والفسا د .. يعيد إلى الناس حقوقها ويرفع الظلم عن المظلومين ولكن!.. لكن ماذا ؟ لشيء أين تتحدث إليكم السيدة سميحة ؟ نجتمع في حارة السليمانية ، نساء كثيرات ، تطعمنا وترضينا وتعلمنا أمور ديننا. ومالذي جرى من عوضين ؟ يرفض هذا الكلم ويقول أنه كذب وافتراء . استدار إلى عوضين : أنت قلت هذا ؟ عادت إليه ارتعادته : لم أقل شيئا ا، بدت له من بين النظرات ظلل بسمة حانية تترامى على حواف الجفنين، تماسك قليلا وهو يحاول جاهداا البحث عن ماهية انتماء هذا الضابط ليرضيه. قال سامح : تكلم ياعوضين ؛ لماذا ترفض كلم صفية ؟. ياباشا ، أرادوا تحويل البلد لمليشيات ، تفريغ البلد من الجيش والشرطة ليخلو لهم الجو ، قسموا البلد نصفين كل منهما يقاتل الخر بحجة أنه يدافع عن السلم. تركه إلى صفيه: 97
تتجادلن كثيراا ؟ أريد هدايته للنجاة من النار. لماذا أتيت إلى النقطة؟ اقول لك الحق يابك ، أردت فقط أن أرهبه ، يتوب عن مد يده علاي والمحضر؟ يسهل التنازل عنه. إتسعت إبتسامة سامح؛ قال كمن تذكر شيئا : ا لكن حينما رأيتكما كان معكما رجل آخر ،أين هو؟ تقصد سيادتك محمد أبوليلة قريب الصول أنور؟ أين ذهب؟ كلم الصول ومشى آه ،والن هل ستعاود ضرب صفية؟ توبه يابك والشرعية ؟ لكم دينكم ولي دين ضحك سامح قللي ياعوضين ؛ هل يثور الجدل هنا كثيراا بسبب هذا الموضوع ؟ مؤيدو الشرعية نفوذهم قوي هنا لذا فالجدال نادر ومنهم السليمانية بطبيعة الحال . طبعا ا استدار عنهما إلى الطريق شبة الخالية التي يعشش فيها هدوء راكد تعلوه غيمة من سواد تأخذ بالقلوب ، هكذايكون الكلم إذن ، دروس دينية باسم الدين وبينها نضع مانشاء من أفكار ومانريد من توجهات لبسطاء لن يمتلك أحدهم المقدرة على النقاش ول الستعداد لرفض مايقدم إليه ماداموا يقدمونه باسم الدين ، نرتدى مسوح الدين ونتكلم في شئونه 98
ليثق بنا البسطاء بعدها نفعل مانريد.. هاهو أنورخطط ودبر ، ووصل المر به إلى اقتحام حجرته ،أرسل أبوليلة ببهية إليه واثقا ا أنه أكبر من الوقوع ،هكذا نمسك بأول الخيط ، وهكذا يحلو اللعب!
99
) (12
نقطة خلف من مدخل شارع أبي تلت على الطريق السريع تألقت على الجانبين أنوار متللئة متباينة اللوان ، تضيء وتنطفيء في تناسق بديع يخطف البصر ميمما اتجاه حارة السليمانية حيث يقام الحتفال. كان سامح قد انطلق بعربته من مسكنه في) ساباباشا ( مرتديا بذلة سماويه اللون قاصداا باكوس حيث يقطن صدقى واتجها سوياا إلى الطريق الدولي ميممين وجهيهما إلى الكيلو 21 ومنه يعبران الكوبرى إلى أبي تلت. 100
بدا مدخل الحارة في زفة من ضياء. أضواء متراقصة ملونة تنطفيء هنا لتضيء هناك ، والعكس. جو معطر ، وزينة في كل مكان ، حتى البوابة الخشبية العتيدة تألقت، سرت في ثناياها فتوة شباب وعادت رائقة متأنقة مبهرة ، مرتدية حلة من نور ساعدت في إظهار مواطن جمالها ، بينما فرشت الرض بنشارة الخشب الملونة بالبيض والحمر والصفر في تناسق شديد الروعة، وزينت أجزاء منها بالزهورالتي كتبت بهاعبارات التهنئة والترحيب بالزائرين على مسافات متقاربة ، بينما مداخل البيوت ونوافذها تتنافس في التجلي بعناقيد النور الملونة التي تضيء وتنطفيء في تناسق وترتيب شديدين ،وخلق كثيرون ينتشرون في الرجاء. حلل وفساتين تزاحم الضواء واللوان بهجتها عربات من أنواع حديثة مصطفة على بعد تشي بمدى مايتمتع به الضيوف من جاه وثروات شتى؛ متزاحمة تكاد تغلق الطريق ؛ وفتيان يقودون الضيوف إلى الداخل في حبور. انتقى سامح ركنا ا منزيا ا بعيداا عن الزحام . أوقف عربته الصغيرة ومضى وصدقي إلي الباب ، ملبسهماالمدنية لم تنبيء عنهما. كانت عربات القادمين تقف بهم أمام الباب ؛ ينزل منها البعض ؛ وتمضي للبحث عن مكان تنتظر أصحابها فيه وهي تبرق في العيون ؛ و تزهو بحداثتها ومنظرها وبريق لونها على الخريات. تقدم سامح داخلا ؛ سأله أحدهم عن إسمه وبطاقة دعوته ، قرأ الإسم على البطاقة تهلل وجهه ، رحب به ، وتقدمه وصدقي إلى حيث كان الصول أنور. أدار صدقي عينيه حوله ، كوكبة الضياء هنا غيرها في الحارة عندهم، في حارتهم الحتفال يكون أمام الخلق ، تفترش الرمال الملونة الرض 101
وتفترش اللمبات الملونة السماء ، وتوضع الكوشة وأمامها مقعدان للعروسين في مكان يراه الجميع ، وبجوارها تنصب بألواح الخشب قاعدة كبيرة ) بيست ( تقف عليها الفرقة الموسيقية وترقص أمامهم راقصة مسكينة ، والخلق حولها من كل حدب ، وتوزع المشروبات الروحية وغيرها وكذلك الممنوعات ، ويمتل الجو بكل ماهو مزعج من أصوات منفرة ودخان أزرق وصراخ لمعنى له ، وياويل من تحدثه نفسه بالعتراض ، ول يكسر حدة كل هذا إل الشرطة وتدخلها السافر والحاد فى معظم الحيان. همس لسامح مشيراا إلى ملبس أنور وشياكته انظر كان أنور يرتدي بذلة بيضاء ،تميل إلى اللون السكري، تنكسرعلى حوافها الضواء، وترتد إلى حيث تشد العيون ،بينما تحتها قميص أبيض بربطة عنق سوداء تتدلى فوق كرشه الذي بدا بدون البذلة الميري الليلة في أحسن حالته. نظرإليه سامح وعاد إلى صدقي بنظرة لوم . لكن الخيرقال هازلا لقد نجحت كثيراا ولم يحدث معي هذا تبسم سامح : الناس طبقات. كان أنورقد قادهما إلى داخل الشقة وهويعيدعبارات الترحيب . بدت الصالة على إتساعها خلية نحل لتهدأ . زوارها يتجمعون على المقاعد أو وقوفاا يتحدثون . عائشة بينهم في فستان أسود بذوائب بيضاء رقيقة أعلى الصدر والذراعين لمعة؛ بينماعلى رأسها منديل أبيض؛ منقوش بخطوط سكرية اللون . تسيربعودها المعتدل في ثقة بين الكل في هدوء، حتى إذا لمحت سامحا ا على البعد مضت إليه مرحبة ، انتبهت لصدقى ؛ حدجته بنظرة ضيق ، ردت سلمه وتهنأته بالكاد وعادت إلى سامح ؛ همست تشكره وهي تسلم عليه: 102
اشكرك لحضورك ضحكت شفتاه : بل أشكرلك دعوتي. وتقدم صدقي : أناسعيد لمشاركتك فرحتك الليلة. متشكرة . واستدارت عنه إلى سامح من جديد: لوكان المربيدي ما صنعت كل هذا الضجيج تدخل أنورطالبا ا أن يعرفهماعلى بعض رجال العائلة..مضيا خلفه إلى بعض أفراد يجلسون في ركن قصي يتحدثون في هدوء ، يبدوعليهم الوقار. هتف أنوروهو يتقدم نحوهم: معذرة لقطع حديثكم .لكن أردت أن أقدم لكم سيادة النقيب سامح والملزم أول صدقي أيضا ا ثم) لسامح وصدقي ( هؤلءأقاربي وأشارالى الول من اليمين ( فياض بك سليمان عضوالمجلس الموقر..محمودبك سليمان مستشار بالمحكمة ..محمدبك أبوليلة(.... تاهت بقيةالكلمات عن سامح وهويتفرس في وجهه..تلك هي العيون . لن ينساها . لكن طالما هو كبيرهكذا لماذا جاء بنفسه إلى مخدعه؟ كان يمكنه أن يكلف أحداا غيره ؛ . ثم هذه الألقاب والوظائف كيف تسمح لنفسها بإخفاء بهية ؟ هل يظنون أنهم قد استولوا على كل شىء ، المناصب العيا ، والثورة، والثروة والجاه أيضا ، ومن حقهم فعل مايشاؤن؟ على كل هويشعر أن المرأكبرمن مجرد قتل فرد والبحث عن قاتله ولن يهدأحتى يصل إلى مايريد. تلقت يده بيدي أبي ليلة . حدق في عينيه بقوة . ضحك أنورهاتفا ا : تفضل و قادهما للجلوس بين القوم. تركهما ومضى لبعض شأنه. 103
دارالحوارحول مايجري على الساحة هذه اليام، التطورات المتلحقة التي يلهث الناس خلفها ، تمكن التيارات الصيلة القادرة على القيادة من أدوات الحكم اليوم ،وقدرتهاعلى مجابهة أعدائها والنتصار عليهم ،فقد قال الشعب كلمته ولبد من إحترامها، والسير قدما لتحقيق الغاية الكبرى وهى رفع راية الشرع عاليا ا وإزهاق كل ماهو زائف وخبيث ليغادر الساحة غير مأسوف عليه لتعود للبلد نصاعتها وعزها. طال الحديث ولم يشارك سامح فيه بإ سهامات تذكر. انتقل بعدها الكلم إلى الشهادات الجامعية وجدواها اليوم . قال فياض بك بتواضع مفتعل هديتي لها ستكون مستشفى خاص هنا في أبي تلت ؛ على أحدث طراز. تلقت نظرات سامح وصدقي وقالت ماتشاء دون رقيب. انتقل الحديث إلى أنور وعمله الذي لم يعد مناسبا ا له بالمرة ،خاصة أنه ليس محتاجاا ،ويستطيع إذا أراد أن يقضي حياته غنيا ا ميسوراا ويترك لولده الكثيرمن بعده . ثم أنه تقدم في العمر ولم يعد لديه الجهد والعصاب لتحمل المشاق .هونفسه بدأ يمل من عمله ويؤكد أنه ضاق به. بعدها انحرف الحوار إلى قضية بهية وزوجها السيد محمد رضوان، وكيف أن الموضوع كله عائلي ،ويمكن أن يحل بعيداا عن القانون والحكومة. سأل سامح : كيف؟ قيل : تتكفل العائلة بالبحث عن القاتل وتسلمه للعدالة . شرط أن تبتعد التحريات والشرطة والتحقيقات عن بهية قال سامح وهويتلمس الحذرقدرالمستطاع: وا هات القاتل ونعرضه على النيابة وينتهي المر 104
تدخل أبوليلة : دون أن تذكربهية أوحتى تستدعى كشاهدة. أكد سامح : هذا اختصاص النيابة والقضاء وسيادة المستشاريعرف هذا. متجها ا بنظراته إلى محمودبك سليمان. جاء أنور فانقطع الحوار . دعا الحاضرين للنتقال إلى قاعة أخرى لتناول الطعام . حاول سامح وصدقي العتذارلكن القوم أصروا. كانت الحجرة خالية إل من مائدة طعام مستطيلة محملة بما لذ وطاب من ألوان الطعام .جاءت جلسة سامح إلى جوار أبي ليلة الذي همس مرحبا ا به: سعدنا بلقائك الليلة وأنا سعدت بمعرفتك .وأتمنى أن تتصل الصداقه بيننا . وياحبذا لو تفضلت بزيارتي باكرفي النقطة أنا! لماذا ؟ لنشرب القهوة معا ا برقت عيناه . حدق سامح فيهما. محال أل يكون هو. لكن الظاهرأنني أخطأت التوقيت بعرض هذا. ماكان يجب أن اندفع هكذا. ثم أنه إذاحضر إلى النقطة وسألته عن بهية وقال لأعرف؛ ماذاأفعل لحظتها ؟ ثم الصطدام بعائلة كهذه يجب أن يكون مدروسا ا. قال بعد صمت : على القل نتكلم عن صفية وعوضين انفك توتر أبو ليله قليلا ، ضحك قائلا : أما رجل عجيب. تنفس سامح الصعداء وهويرى الحوارينتقل بعيدااعن المنطقة الحرجة ولو إلى حين. .. 105
انسل الغروب عبرالبنية والطرقات،ولم يعد يبدومن الشمس إل شظايا تمتد عند الفق دامية ذابلة الاصفرار ،بينما كسا الهدوء أرجاء النقطة بعد يوم حافل وتنقلت لتهدأ ولحظات من التوترسادت على مدى المكان. أولها كان حادثة تصادم على الطريق السريع) طريق اسكندرية / مطروح ( وخروج الهالي على سائق السيارة الصغيرة الذي دهس إمرأة وطفلتها ولم يفكرحتى في التوقف ليرى مايجري . لولمرورعربة شرطة في المكان ؛ طاردته واتصلت بالكمين عندالكيلو 21 وعادت به إلى مكان الحادث . كادالهالي يفتكون به وهويبدو في عالم آخرنتيجة تعاطيه حبوبا ا مخدرة؛ يقف لمباليا ا ، ليدرك حجم ماجرى ،وكلماته تخرج بطيئة مشوشة . أسرع سامح ومعه رجاله إلى الطريق . تم التحفظ على السيارة وعليه. بعدها جاء صدقي وأخذ سامح إلى حيث رأى رجلين مقيدين من رسغيهما بقيد واحد، تبدوعليهما أثاراا من تعامل رجال التحقيق معهما. قال صدقي مشيراا إلى أحدهما بالذات: لديه معلومات مهمة نظرسامح إلى الوجهين ؛ ملمحهما تنطق بماكان. سأل نفسه : هل يمكن الحصول على اعتراف ما بدون هذه الممارسات ؟ وإذا لم يكن منها بد فهل تكون بهذه الفظاعة ؟ ولوقدرلهذين أن يعودا للطريق ماذاسيفعلن مع الناس؟ طلب فك قيدهما فوراا ،أمرهما بالجلوس؛ إنقبضت ملمح صدقي . اتجه إلى أحدهما آمراا أن يعيد ماقال عن عائلة السليمانية والوامرالتي كان يتلقاها من بعض أفرادها بخصوص بعض العمال المشبوهة في المنطقة .أشار إلى رجال بإسمهم لهم علقات معهم تتسم بعدم النظافة من إستيلءعلى أراضي؛ إلى متاجرة في ممنوعات؛ إلى تزويرفي أوراق و.....و!... 106
أخذسامح يستمع حتى إذا إنتهى سأله بعض السئلة قبل أن يتركه ويمضي ، يجلس إلى مكتبه ، يرتب الفكارفي رأسه ، يحدد السماءالتي لديه وكيف ينفذ إلى مالديها من معلومات ،وبعدها تبدأالمواجهة بمهاجمةالحارة ، ليس من أجل بهية فقط ولكن من أجل عناصرأخرى لتقل أهمية عنها. ... دخل صدقي مكتبه عابس الوجه ، قابضا ا على غضب يفيض من حركاته ونظرات عينيه. سأله سامح : مابك ؟ رد: هل تدري ماتفعل؟ إتسعت عينا سامح ... أفلتت منه الفكار وانتبه له: ماذاتقصد؟ أقصد إنهاحرب؛ صراع لمكان فيه لشفقة ،عند ما تفك قيد مجرم يراك ضعيفا ا يسهل التلعب بك ، فإذا أكرمته وأجلسته أمامك فقد طواك وأكلك وقال لك مايريده هو لماتريده أنت. تبسم سامح مؤثراا الصمت على جدال لجدوى منه فقد تحادثا فى هذا المر مراراا واختلفا ا كثيراا ، واتفقا امعا ا على عدم الخوض في هذا المر مستقبل مراعاة للعلقة بينهما كزملء قبل كل شيء. كان صدره يفوربرغبة جامحة في الصراخ في وجهه أن العنف يجب أن يكون الختيارالخير ، وإن مايمكن الوصول إليه عن طريق الحوار والمناقشة والقناع أفضل ممايمكن الوصول إليه بالعنف ؛ لكنه 107
اضطرللصمت .مجال التحاورفي هذا ليس الن ،إلغاء أدمية متهم لمجرد اتهامه دون ثبوت جرمه جريمة ،لنك بهذا تعتدي على شخص بريء، وإلغاءأدمية متهم بعد ثبوت جرمه أيضا ا جريمة مادام اعترف وينتظرعقاب القانون. هذاما يراه ويقتنع به ، حتى وإن جاء إستخدام العنف بنتائج أسرع. قال لصدقي: ليعجبك إسلوبي؟ تراه عقيماا؟ رد محتداا : اسمع ياسامح ، دعنا ننتهي من هذه القضية أولا غابت عن شفتيه البسمة وهويرى صدقي يفصح عن مشاعرعداء واضحة . الختلف إذن ليس في إسلوب عمل أوتفكير . إنه في طبيعة كل منهما ونظرته للمور. ماذاتريدياصدقي...العنف للعنف؟ العنف مع المنحرف؛ المجرم ؛ الفاسد هووسيلة التفاهم المناسبة ، الم تسمع قول ا عزوجل " فإذالقيتم الذين كفروافضرب الرقاب" هذامع الكفر والكفارالخارجين عن الدين. والخارجين على القانون أيضا ا. الذين ثبت إدانتهم . لالمتهمين للوصول إلى تحقيق العدل لبدمن وجود ضحايا. وهؤلء في مهنتنا نحاول مراضتهم بعد إلغاء ادميتهم؟ السيئة تعم هل تفضل أن أتنحى عن القضية؟ 108
لم أقل هذابالمرة . على ذكرالقضية ماذاستفعل بالمعلومات التي حصلت عليها؟ سأقوم بمشاورة سيادة العميد بالمديريه! أرى أن نستصدرأمراابالقبض على بهية والتحقيق معها . بهذا نحسم المر بهذا لن نصل إلى شئ ، اولا لن بهية ستختفي ولن نعثر عليها ؛ ثانيا ا حتى لووجدناها كيف نثبت التهمة عليها ؛ خاصة أن العائلة ستكون خلفها والمحامين وستخرج من القضية ونظل ندورفي حلقة مفرغة والعمل؟ سوف استفزهم . أرمي اليهم بأول كارت وماهو؟ العمليات القذرةالتي يقومون بها ؛ أسرارهم التي يخفونها. مؤكدسيتحركون وهذاما أريده. وبهية؟ ستأتي بنفسها إلى النقطة. أعدك بهذا.
109
110
)(13 المواجهه
رأى سامح من خلف زجاج النافذة عربة مرسيديس سماوية اللون تقترب من النقطة ، كان يقف مراقبا الطريق والصمت ومساءاغيرأمسيات كثيرة سبقته ، مساءا يحمل قلقا ا وتوتراا وترقبا ا لحداث ليمكن توقعها أو حتى معرفة مكان أو وقت حدوثها ، فالمور أصبحت الن تجرى بل منطق أو ترتيب ، عليك فقط أن تنتظر وأن تملك المقدرة على التحرك والتصرف بعقلنية في شيء لعقلنية فيه ، النقطة رغم صغر عدد أفرادها تأخذ أقصى درجات الستعداد لمجابهة مايجد من أمور ، وفي ذات الوقت يتم التنسيق على مدى ساعات النهار بينها و بين المديرية في السكندرية ويتم تلقي التعليمات ونقل الصورة أولا بأول إليهم من ناحية تحركات
111
الفراد والنشاط العام ، ثم ما يتعلق بالتعامل مع جريمة القتل التي بدأت خيوطها تتضح لأعين المحققين. شيء ما في نفسه قال إنه محمد أبوليله. تابع السيارة وهى تتخذ لها موقعاا أمام النقطة ، يفتح الباب ويظهر أبو ليلة بقامته المديدة ووجهه المكتنز وعينيه البراقتين. كان سامح قد يأس من حضوره بعد أيام من النتظار؛ لذا فقد شعر بفرح وهو يراه أمامه ، تحفزت خلياه وتحركت غريزة الشرطى فيه وبدأ فوراا مناورات التحقيق معه. رحب به وأجلسه على مقعد مواجه لمكتبه وطلب قهوة كما وعد. ضحك أبوليلة بمودة: النقطة هادئة لم تكن كذلك قبل دقائق كيف؟ حدق فى عينيه باسما ا ، أشاح بيده قائلا : بعض المورالمعتادة صمت قليلا وهو يتابع الخر بعينيه ثم قال في هدوء وهو يحاصره بنظراته مترقبا ا رد فعله اللحظي: على فكرةكانت لي عندك خدمة صغيرة عندي أنا ؛ خدمة! ؟ نعم؛ أريد مناقشة بهية ثانية اتسعت عيناه واضطربت حركة أجفانه ولم يدر أين يلقي بيده التي رفعها عن حافة المكتب حيث كانت ترتكز ، وهمس متعجبا ا: بهية! وكست ملمحه حدة كأنما طعن بخنجر؛ رأه يحادثه ببسمة لهية ؛ ليعرف قدره وليدرك أهميته؛ شعر أنه يسخرمنه ؛ وهوليقبل أن يسخر 112
منه أحد؛ الفضل لكرامته أن يقوم . يرفض مجرد أن يناقشه ؛ سنه ومقامه يأبيان عليه أن يقبل السخرية. هل يأتي ببهية إليه هكذا بكل بساطة ويقول له تفضل أدخلها السجن؟ بهية دونها رجال ودماء وأرواح قبل أن ينظر أحد اليها مجرد نظر بسوء. جاءت القهوة ، أمتدالصمت ستارا ا يحجب الكلمات إلى حين ، يطفئ النيران التي إستعرت ولو لثوان معدودة قبل المواجهة المحتومة من جديد. ظل أبوليلة مكانه ترواده نفسه على القيام ويخشى من اللوم والتأنيب إذا نفذ مايريد؛ خاصة أن فياض بك سليمان والصول أنورهّونا كثيراا من شأن هذه الزيارة ؛ قال أن سامح هذا لخطرمنه . واضح إنه يميل إلى المظاهرالفارغة ؛ يصلح أن يكون عمله علقات عامة أوإستقبال، أماعمل البوليس فليس مجاله ، ثم أراد فياض بك أن ينهي المرفقال إنه حتى إذا كان هناك قلق فهم يعرفون جيداا كيف يتصرفون. عاد أبوليلة للعتدال على كرسيه وإن كان مايزال محتفظا بسيماه المكسوة بالغضب ونظرته الناضحة بالضيق ؛ رشف رشفة متأنية من الفنجان ، بحث في نفسه عن رد يكون قاسيا ا وفي ذات الوقت في الحدود اللياقة ، عاد بعينيه إلي عيني سامح ؛ قال: تريدها مني؛ أنا ! ردت ابتسامة سامح فوراا : نعم؛ مثلما أتيت بها المرة السابقة عادت الرجفة تشتعل في جفنيه ، هرولت نبضاته ضيقا ا أو خوفا ا ليدري .انسكبت الحروف من شفتيه ثائرة النبرات : ماذا تقول بالضبط؟ تحولت البسمة على شفتى سامح إلى جد وهو يجيب: 113
أريد بهية هنا لمناقشتها : نفخ أبو ليله صدره وأشاح بوجهه عنه قائل ا أنا ...لأعرف مكانها عاجله سامح بكلماته المسننة فوراا: وموضوع أرض محمد رضوان والدالقتيل؛ هل تعرفه أم ل؟ تشابكت أصابعه في حجره وعاد يحاول فكها وهو يسأل : مالها أرض محمد رضوان؟ لتعرف موضوعها؟ ل وأرض الجمعية؟ أي أرض؟ التي باعتهاعائلةالسليمانية لجمعية إسكان أبوتلت لتعرفها؟ ل جميل ،وعمليات البحر نعم! كان هنا قد تراخى تماما ا على مقعده وكسا ملمحه إصفرار طارىء وبدأ يبحث عن الهواء في غرفة شعر أنها خلت منه. قال سامح بذات هدوئه وإن كانت كلماته باردة حادة الشفرة : أناعايزبهية يامحمد أريدهاأن تأتي بإرادتها كشاهدة بدلا من حضورها متهمة إحمرار وجهه وشى بما لديه ، هب واقفا ا وهو يرميه بنيران نظراته، استدار خارجا ا وهو يشيح بيده في قوة : عن إذنك
114
وإستدار قاصداا عربته التي انطلقت ثائرة هادرة تطوي الرض مبتعدةعن النقطة. لم يفكر في المرورعلى أنور؛ ولم يكن حتى يفكرفيه ، كانت الظلمة قد بدأت تسود، ونورالأعمدة الصفر يظهرضوءه ويمتد متواصلا في قلب الطرقات. عادسامح ينظرمن وراءالزجاج إلى المارة والسكون المخيم على المكان مفكراا في الخطوة التالية ، لقد ألقى إليهم بكارت أول .. مؤكد سيردون. يتحركون . وهذا مايريده.
115
116
) (14 لفح النيران
في بيت فياض بك سليمان في قلب الحارة جلس محمد أبوليلة حاملا بركانا ا في صدره يقذف بالحمم ؛ ضاربا ا كفا ا غليظة بكف غليظة ؛ يرمي المكان حوله بنظرات العجب والدهشة: يهددني أنا! لبد من عمل ب ويكون سريعا ا لوقف هذا الضابط عند حده ، لبد من منعه من عمل أي شئ مؤكد سيعمله مادام وضع يده على أشياء ماكان يجب أن يعرفها. مد فياض ساقيه أمامه على السجادة الفاخرة تحت قادميه ، هادئا ا كان، ينصت حام ا ل بين أصابعه سيجارة تتصاعد الدخنة منها بتؤدة وثقة إلى حيث تفرد صدرها أعلى المكان ، طلب منه أن يهدأ ؛ كررهامراراا، أخيراا أشار إليه بالصمت محتداا ، لما صمت تكلم مترفقا ابه: هو ليمثل شيئاا بالمرة ، كلمة للوزير تنفيه من الرض أكد محمد : لقد هددني ؛ قالها صريحة لى ؛ ستأتي ببهية رغما ا عنك وإل أتيت بها أنا .ليهمه العائلة ورجال العائلة ولمقام العائلة حدق فياض في وجهه وهو يقول ضاغطا ا على حروفه : قل لي نص كلمه بالضبط 117
حاضر جلس يستمع هادئا ا مستغرقا ا حتى إذا انتهى قال له: سوف أنقله من مكانه وبأ سرع مايمكن ؛ وما نريده سيكون وإذافكرفي مهاجمة الحارة؟ لن يجد الوقت لهذا . أنت عضوفي المجلس الموقر .هل ستقدم إستجوابا ا للوزير؟ اذهب أنت ودع المرلي في ذات الليلة ، قام اللصوص بكسرباب حديدي لحانوت المجوهرات الوحيد في أبي تلت ، قبيل الفجر بقليل وفي حدود الساعة الثالثة توقفت سيارة حديثة الموديل أمامه ، هبط منها ثلثة نفر وبدأوا عملهم في هدوء ،صهروا القفال وصنعوا فتحة كبيرة في الباب الصاج ، نفذ منها أحدهم وبدأ يناولهما كل ماتصل إليه يداه ، رأى البعض من النوافذ المحيطة وبعض العابرين الذين تصادف مرورهم في هذا الوقت من الليل مايجري، كانت السلحة الرشاشة بانتظارهم ، تتربص بكلمة تقال هنا أو صرخة تنطلق هناك ، بعد النتهاء من مهمتهم غادروا المكان في هدوء خارجين بسيارتهم إلى حيث ابتلعهم الطريق السريع. هرول صاحب الحانوت صارخاا إلى المكان ، قال بين دموعه وصراخه أنه تم الستيلءعلى مجوهرات قيمتها لتقل عن مليون جنيه ؛ تم ابلغ النقطة ، أيقظوا سامح من نومه، هرول إلى المكان بعد أن أبلغ النيابة للتحقيق. اتصل مجهول بالصحافة أثناء السرقة . نزل الخبر فوراا على مواقع التواصل وكذلك وكلت الخبار المختلفة! بدأالتحقيق في الحادث الذي يعتبرالول من نوعه. ومايزال البحث جاريااعن الجناه. ... 118
فى اليوم التالى مباشرة قام اللصوص بالتوجه الى قصر مسئول كبير، يتخذه مقراا له في فصل الصيف . تسوروا السور المطل على طريق جانبى واطلقوا الرصاص من مسدسات كاتمة للصوت على ثلثة كلب تحرس المكان ، بعدها هبط أحدهم وفتح لهم الباب الحديدى الكبير من الداخل وقادهم الى حجرات النوم وأماكن المجوهرات والذهب والنقود السائلة ، وخرجوا من الباب آمنين الى حيث تلقفتهم ذات السيارة وغادرت المكان الى حيث عاد يبتلعها الطريق السريع. تم ابلغ النقطة ، هرول سامح الى المكان بعد أن أبلغ النيابة للتحقيق. اتصل مجهول بالصحافة أثناء السرقة . نزل الخبر فوراا على مواقع التواصل وكذلك وكلت الخبار المختلفة! بدأالتحقيق في الحادث. ومايزال البحث جاريا ا عن الجناه. .................... وصلت إلى الصحافة ايضا ا أنباء عن إختطاف سيدة كانت تسير في منتصف النهار بالشارع الرئيسي في أبي تلت .وصف أحد الشهود ممن رأى الحادثة كلها من خلف شيش نافذة مسكنة المطل مباشرة على موقع الحادث ، قال أنه رأى سيدة تسير بجوار زوجها قادمة من الجهة القبلية متجهة إلى الجمعية التعاونية في منتصف شارع أبي تلت ، توقفت سيارة حديثة الموديل أمامها ، هبط منها ثلثة نفر ورفعوا البنادق اللية في وجه الزوج الذي ارتعد في مكانه وبهتت نظراته وهو يرتد إلى الخلف لشعوريا ا رافعا ا يديه ، متسائل ا عما يريدون سلبه منه وهو ليمتلك إل ثمن بضعة زجاجات من الزيت وقليلا من كيلوات السكر وعدد من قطع الصابون جاء ليشتريها لستهلك الشهر ، اقتربت البندقية من رأسه ، مد يديه بكل مايملك راضخا ا ، سحبوا زوجته الشابة من جواره ، أمسك بيدها يمنعها من النقياد اليهم ، عاجلوه بضربة على رأسه ألقته أرضا ا بين 119
الوعي والل وعي وسحبوها إلى السيارة التي غادرت المكان بهم إلى حيث ابتلعها الطريق السريع. تم إبلغ النقطة ، هرول سامح إلى المكان بعد أن أبلغ النيابة للتحقيق. اتصل مجهول بالصحافة أثناء الختطاف واصفا ا ماحدث بدقة. نزل الخبر فوراا على مواقع التواصل وكذلك وكلت الخبار المختلفة! بدأالتحقيق في الحادث. ومايزال البحث جاريااعن الجناه. .. دخل فياض بك سليمان من بوابة المجلس الموقر حاملا مظروفا ا كبيرا ا مكتوب أعله سرى للغاية. بدا هادئا ا واثق الخطوات يحيي من يمر به في وقار وتؤدة ، راسما ا على شفتيه بسمة صغيرة تكفي بالكاد لتكون واجهة يراها العابرون ، جلس مكانه بعد أن سجل أن لديه استجوابا ا لوزير الداخلية ! سأله رئيس المجلس عن ماهية هذاالستجواب ،قال إنه بخصوص أحداث جسام تجري في دائرته النتخابية ، وبصفته أمينا ا على مصالح الخلق فقد أوكلوه ليقوم بمسائلة المختصين والصرار على حماية الحقوق وفرض هيبة المن ؛ وبخاصة في هذه الظروف التي تمر بها البلد حاليا ا ؛ ولتكون سرعة التحقيق عبرة لمن يعتبر ، وشهادة أن مصر حتى في أحلك الوقات تمتلك القدرةعلى النهوض بواجبتها في حماية أبناءها ؛ وفرض المن على ربوعها ؛ وكذلك لتقول للعالم أن النظام الحالي خير نظام يمكنه تطبيق الشرعية وإعلء شأنها في ربوع البلد. تم تسجيل الستجواب في مضبطة المجلس واستدعاء وزير الداخلية بناء ا على طلب رسمي للرد على الستجواب.
120
نودي على العضو الموقر سليمان فياض ، أمسك بالميكروفون محييا ا الوزير الهمام على سرعة تلبيته للدعوة ؛ وكذلك تمنياته بالتوفيق للوزارة في مهامها الجسام التي ينوء بها كاهلها ، بعدها بدأ الحديث عن أبي تلت . طالبا ا توضيحا ا رسميا ا من الوزيرعما يجرى هناك ، موزعا ا في ذات الوقت صوراا مما تناقلته الخبار عما جرى من سرقات واختطاف وغيرها ؛ ومتسائل ا عن مدى كفاية الجراءات المنية لمواجهة هذه الضطربات العنيفة التي تهزالمنطقة. قال أيضا أن هذا المكان الذي يعتبرإمتداداا للسكندرية؛ والذي خلل سنوات قليلة ستمتد إليه يد العمران يحتاج فورا ا إلى قسم شرطة كامل يستطيع السيطرة على الموقف ؛ ومواجهة التحديات بدلا من هذه النقطة الهزيلة ؛ التائهة ؛ التي ليعرف أحد مهامها بالضبط ؛ فهناك قضية قتل يكاد الجاني يفلت بجريمته فيها ؛ وهناك سرقات وجرائم إغتصاب؛ ول نعرف غداا ماذا سيحدث أكثر من هذا. قال أيضا ا إنه ليس من طبعه ترديد الشاعات؛ لنها في نهاية المرإشاعات ؛ لكنهاهنا وأمام الظواهرالمشهودة والتي تتحدث عنهاالصحف تأخذ نصيبا ا من الصحة . تلك الشاعات تقول أن الضابط المسئول عن النقطة رجل بليد لم يذاكردروسه جيداا ؛ ليعرف حدوده أوالدور المنوط به أن يفعله وهويشغلها ؛ فهويجالس المجرمين ؛ يتبادل معهم السجائر والمشروبات الساخنة ؛ ويسألهم لماذا هم مجرمون وكيف يمارسون إجرامهم! وهو أيضا ا يسحب النساء المحجوزات إلى مكتبه ؛ ولن أكمل الباقي ؛ وسأترك لسيادتكم التعليق على هذا. وأخيراا وليس أخراا هذه هي عناوين الجرائد التي إهتمت بالموضوع أضعها بين أيديكم . إقرأوا معي من صحيفة...... ماذايجري في أبي تلت؟ 121
ومن أخرى أين المن في الساحل الشمالي؟ ومن ثالثة امن وراء مايجري في أبي تلت؟ ومن رابعة مطلوب تواجد أمني حقيقي في الساحل الشمالي تلك هي العينات ومن عناوين الصحف وشكراا جلس فياض بعد أن قال مالديه .وجاءالدورعلى الوزيرالمختص لكي يرد. كان باديااعلى وجهه النفعال وهويتجه إلى المنصة ليواجه النواب قائلا : في الحقيقة هناك عدة نقاط تحدث عنهاالنائب المحترم نردعليها واحدة تلو الخرى؛ أولا بالنسبة للضابط الذي تدورحوله القاويل هورجل يحضرلدرجة المجاستير ، لذا فهو يناقش ويحاور دون الخلل بمهام وظيفته؛ ونحن نتابع عمله ولدينا أجهزة رقابية ،ولنخجل في حالة وجود تجاوزمن إعلن ذلك ومعاقبة المسىء . نجئ لجريمة القتل . نحن ياسيد فياض نحقق فيها؛ ولن نترك القاتل بدون عقاب ؛ كائنا ا من كان . أماعن الضطرابات الخيرة فلن أتحدث عنها الن؛ لن هذاسيضربالتحقيقات الجارية ؛ لكنني أعدكم أننا سنصل إلى الجناة؛ وسوف أقف أمامكم عن قريب لعلن هذا بنفسي . شكراا ... اتصل فياض بك سليمان ببعض أقاربه في الحارة ،طلب منهم إرسال عدد من الشكاوى إلى الوزارة بالفاكس؛ والبريد العاجل ؛ والبريداللكتروني ؛ وبأسماء وهمية..المهم أن يكون العدد كبيراا لتنتفض أجهزةالمن ؛ تتحرك وتعرف أن المر غاية في الخطورة وتتخذ الإجراءات المطلوبة لإنهاء الزمة فوراا سأله أنور: 122
وإذالم تتحرك الوزارة؟ قال بقوة : سأصعدها لعلى عاد أنور يسأل : ومضمون الشكوى؟ رد فياض : أي أسلوب . وطبعا ا ايختلف من واحدلخر .مثلا : حضرة صاحب السعادةالوزير........ مقدمةلسيادتكم (......) من أهالي أبي تلت أتشرف بعرض التي على سيادتك شكواى من الحق الذي ضاع ؛ والظلم الذي إنتشر؛ وذلك بسبب ضابط نقطة أبي تلت ؛ الذي يقوم بأعمال غريبة أدت إلى إنتشارالسرقات لحمايته للمجرمين . هذابالضافة لمخالفات آخرى أشاعت الرعب في قلوبنا . لذانرجومن سيادتكم التدخل وسرعة عمل اللزم لعادة المن إلى المنطقة والسلم عليكم ورحمة ا. ... تحت ضغط الشكاوى المقدمة تم تشكيل لجنة من الوزارة لمتابعة العمل في منطقة أبي تلت ، صدرأمر وزاري بتحويل الضابط سامح إلى التحقيق على أن تشكل اللجنة التي ستحقق معه من ثلثة أعضاء ،حددهم الوزيربالسم وطالب بسرعة تقديم تقرير بالنتيجة ورفعه إليه ليرى رأيه فيه بنفسه. ... علق الصول أنور وهو يجلس على مقعده في النقطة ، منديله في يده يمسح به رأسه من العرق الذي يتفجر كلما غضب أو ظهرت عليه غبطة ،أو شعر بانفراجة كابوس كان يثقل على صدره ، قال إن هذاجزاء من يتجبر ،أويظن أنه فوق الجميع. 123
ثم إنه بصراحة لم يستعن بخبرة الكبارفي المكان ) قاصداا نفسه( أيضا تحدث عن صدقي قائ ا ل إنه يفهم جيدا ا كيف يجب أن تسير المور ويعرف أن التيار سيجرفك مهما كنت بارعا ا في السباحة إن لم تمض في اتجاهه بعدها عاد سيرته الولى ناسيا ا الموت الذي كان محلقا ا فوق رأسه منذ حين ،ورأى الدنيا رائعة تستحق أن تنال شهدها ، وأن ترفع رأسك وصوتك لعلى قائل ا أنا الصول أنور عبد المقصود سليمان.. من جديد.
124
)(15 مذاق الفشل 125
في قاعة مغلقة من قاعات الوزارة معلق على بابها لفتة) مكتب التحقيقات( جلس سامح على طرف مائدة مستطيلة أمام أعضاء اللجنة الثلثة هادئاا ، عيناه تخفيان مايعتمل بصدره من أحاسيس ؛ ومايدورفي رأسه من أفكار؛ ينظر إلى أدني حيث الجرائد التي تناولت الموضوع مفتوحة أمامه بذات العناوين المثيرة ؛ كأن اللجنة رأت أن تضعها أمامه ليعرف القرارالنهائي قبل أن يبدأالتحقيق. تذكر أباه اللواء عدلي عبد الستار الذي تقاعد منذ سنوات وكيف أصر أن يصحبه إلى الوزارة ورفضه التام لهذا المر قائلا أنه يعرف جيداا كيف يواجه مصيره ؛ وإذا كان هناك قرار مهما كان فعليه وحده أن يتصدى له محاو ال إقناع المسئولين برأيه فإن لم يستطع فعليه أن يتحمل النتيجة مهما كانت ، وايضا يتذكر بكاء الدكتوره عايدة والدته ومكوثها بالمنزل رافضة فتح الصيدلية طالما أنه فى مشكلة وطلبها مرافقته حتى باب الوزارة وانتظاره إلى أن يعود ؛ ورفضه أيضا لهذا المر مصراا على مجابهة المر وحده ؛ فإذا كانوا قد أشعلوها ناراا عليه بمجرد تلويحه بما لديه من إثباتات على جرائم بشعة يرتكبونها هناك فهو لن يصمت، سيظهر مالديه ويقدم الحجج الكافية التي تدل على نقاء صفحته وتؤكد عمق رؤيته لما يدور حوله ؛ سيدافع عن نفسه جيداا ؛ وهوليس لديه مايخفيه ، وإذاكان هناك ثمة خطأ فبالتأكيد ليس عن عمد؛ بل كانت لديه مبرارت وخطط يشرف عليها مسئولون كبار ، وكان يعرف ماذا يريد ومتى ينفذ ما يريد. كانت نظرات أعضاءاللجنة الثلثة أمامه صارمة تدل على جدية موقف ليقبل التراخي أو الهزل ، عيونهم مشربة بتوتر يفرضه الموقف، وصمتهم يؤكد صعوبة القرارات التي يجب أن تصدر عنهم ، كانت 126
النسورعلى أكتافهم محلقة ،عاتية ،تحتهاالنجوم متللئة ،وكلها تؤكد لسامح أن كل شيء جاهزمن أجلك ، سوف تقوم النسور برفعك إلى أعلى لتصل إلى النجوم بعدها تلقي بك من حالق وينتهي كل شيء. الحجرة واسعة ؛ دهانها رمادى فاتح ؛ النوافذ مغلقة ، وضوء النيون ناصع يترصدك ،يحصرك تحت أعينهم حتى لتستطيع إخفاء شيء. ماذاينتظرون؟ هيا ليبدأ كبيركم هذا الذي يجلس في الوسط في تلوة قائمة التهامات. مؤكد سأسمع كما ا هائلا من التوبيخ. سوف ينظرون إلى تصرفاتي على أنها طائشة .خائبة .بعيدةعن أرض الواقع .كان صدقي على حق حينما قال أن علينا أن نعامل الناس حسب طباعهم . ترى هل لهذا ا رتباط بحديث الرسول" عاملواالناس على قدرعقولهم " ؟ لكن الرسول لم يكن يقصد هذا ولم يكن عنيفا ا حتى وهو ينفذ حدود ا. حتى في الحرب . ثم أن العنف يولدالعنف. كان شديداا نعم ولكن في رحمة .في حب . في عطف . وإل ماقال سبحانه له" ... وإنك لعلى خلق عظيم" نقيب / سامح عدلي عبد الستار أفندم رفع رأسه ليواجه العين الستة المتربصة به . قال الوسط في هدوء أولا ولكي تطمئن. أنت لست مدانا ا في شئ محدد ثانيا ا خطابات الشكاوى سواء القادمة بالفاكس أوبالبريد كلها بأسماء وهمية ،والسماء الحقيقية تم تحديد هوية أصحابها و تحديد انتمائتهم المختلفة . تحرياتنا اثبتت هذا .
127
ثالثا ا وهوالهم .. إننا أتينا بك حماية لك ، ولنطلع على مالديك من معلومات نرفقها بالمعلومات التي جمعناها لنواجه بهاالمر؛ فالتحريات التي لدينا تقول أن المقصود بكل ماجرى هوأنت. فماذالديك؟ انفجرت نقاط دمع كانت عصية من قبل على عينيه ، هنا فقط وأمام تلك الكلمات وجدت القدرة على التغلب على عصيانه والنفراد بعينيه فانطلقت لتغطى حدقتيه ، إل أنه لم يسمح لها بأكثر من هذا ، اعتدل في جلسته شاكراا لهم وممتنا ا لثقتهم به ، وبعد التجهم ورياح الحيرة والقلق التي اجتاحت محياه انفرجت أساريره .قال : أمرك يافندم قال الجالس على اليمين : نبدأبقضية القتل قال سامح : المريتعلق بعائلة السليمانية . من خلل التحريات عرفت أن هناك خلفات بينهم وبين القتيل حول الرض والمشروعات العمرانية في المنطقة وإنه كان يرفض التعامل معهم . فقتلوه . واحد من السليمانية قتله أمام زوجته. قاطعه أحدهم : وأين الزوجة الن ؟ أجاب فوراا وبل تردد : الزوجة في الحارة .وإذا فكرت في مهاجمة الحارة أولا سأحتاج إلى قوةأكبر . ثانيا ا قد يتم تهريبها ويبدأالبحث من جديد. وماهي خطتك ؟ قال بهدوء وهو يدير وجهه إلى عضو اليسار : لجأت إلى أسلوب الضغط على أقاربها خاصة أنور وأبوليلة . مؤكدا اأن الولى أن تخرج كشاهدة بدل القبض عليها كمتهمة. أكمل عضو الوسط : وطبعا الضغط أتى بنتيجته.. الجرائم التي ارتكبت 128
تمام. قال الوسط : في رأيك هل هذا السبب الوحيد ؟ سامح : نعم اليمين : لماذا؟ سامح : لنني صرحت ببعض مالدي من معلومات لحدهم وهوأبوليلة. اليسار :وهل اتهمته بأى تهمة ؟ سامح :الشغب والتسترعلى مجرم. اليسار :سيثبت ومعه عددمن المحامين براءته منها الوسط : وماذا فعلت أيضا ؟ سامح : أرسلت العيون للتقاط المعلومات ومحاولة إمساك دليل إدانة على أي منهم اليمين : وهل وصلت الى شئ؟ سامح : نعم ..يستأجرون رجال ا غرباء لتنفيذ ما يريدون . وليعرف هؤلءالرجال مع من يتعاملون. كل المشتبه بهم والذين ثبت عليهم القيام بأعمال صغيرة قالوا أن الذي طلب منهم القيام بهذا رجل يقيم في منطقة الرمل وسط السكندرية إسمه رحيم . أبلغت إدارة الكمبيوتر. اتضح أنه هناك حوالي عشرين شخصا ا بهذاالسم في المنطقة . كنت بصدد طلب صورهم لعرضهاعلى المشتبه بهم للتعرف على رحيم المطلوب والتعامل معه . لكن جاءهذا التحقيق وأوقف المر. عاد الجالس على اليمين يتكلم باسما ا : التهام الثاني . التهاون مع المجرمين والمشبوهين إلى درجة مصاحبتهم والتودد إليهم ؛ كماتقوم بإستضافتهم في مكتبك. سامح : حدث أن حققت مع البعض في مكتبي . كنت عن طريق التحقيق مع المتهمين وحصارهم بالسئلة وتضييق الخناق عليهم في حدود إحترام 129
أدمية كل واحد منهم وإحساسه أن كل مابيني وبينه هوالقانون ، وأنني سوف أعطيه حقه،وأنفذ في ذات الوقت القانون دون تجبر أوإفتراء .كان هذايشجعهم فعلا ويتكلم كل منهم بل خوف ؛ وأصل معه إلى نتيجة أفضل من إستخدام العنف ، وسجلت التحقيق موجودة وتشهد بما أقول. قاطعه الجالس على اليسار : هذا يدخل ضمن رسالة الماجستيرالتي تحضرها؟ سامح : نعم وجه اليسار اللوم إليه ضاحكا ا : أي أنك تستخدم الناس حقل تجارب. لكما تقول عنف مرفوض أوعنف للعنف. سامح : لم أقل ذلك . أنابطبعي أجعل الشدة خياري الخير . وأكره التهاون أوالتسيب لنهما سبب ضياع الكثيرين. الوسط : بخصوص الجرائم الخرى . قلت إنها رد فعل للضغط على بعض الشخاص. سامح : نعم الوسط : فماذا فعلت حيالها؟ سامح : قلت لسيادتك قبضت على بعض المشبوهين وقالوا أن شخصا ا يدعى رحيم جندهم. الوسط : هل تركت تقريراامفصلا بهذا ؟ وهل تركت تقريرااعن جريمة القتل وما وصلت إليه فيها؟ اليمن : سنقرأما كتبت وندرس المر ونرفع تقريرااكاملا بنتيجة التحقيق. قام الوسط واقفا ا ، تبعه الخران ، وبعدهما سامح ، ساروا إلى الباب ،استدار الوسط إليه قائ ا ل فى ود : لتنس السلم لسيادة اللواء والدك، قل له أنه أنجب رجل نفتخر به هز سامح رأسه قائل همس : إن شاء ا
130
وغادر المديرية إلى الطريق حيث انتبه لبيه جالسا ا في سيارته محاصراا الباب بناظريه وإلى جواره الدكتوره عايدة ممتقعة الوجه ودموعها جافة على حواف عينيها .. رأى نفسه يسير وسط الطرقات.. بين الناس .. في الشوارع .. في الميادين .. في الطرقات منكس الرأس . بطيء الخطو . والكل من حوله ينظرون إليه .يمصمصون الشفاه شفقة به . يشيرون إليه بأيد قوية: هذاهوالفاشل .. الفاشل .. الفاشل الذي لم يفلح في حب أوعمل . تركته سالي لنها أحست بأنه ليس هومن تريد . وأوقفوه عن العمل لنه لم ينجز مايجب إنجازه . فلماذا يعيش؟ تكفيه نظرات الزدراء والرأس منكسة و !... سامح...سامح انتبه .. أبوه أمامه ... عيناه متسعتان .. ملمحه منقبضة هل وصل المر للبكاء؟ رفع عينيه لعلى .. تلقت بعيني أبيه.. مد يده ببطء يمسحهما . رفع الجريدة التي كانت بجواره إلى مستوى عيني أبيه ليقرأ الخبرالمكتوب عنه وعن أبي تلت. " التحقيق مع الضابط المسئول عن نقطة أبي تلت يكشف تهاونه وفشله في حل القضية" " المسئول الجديدعن النقطة ويدعى الضابط صدقي يلقي القبض على القاتل الحقيقي" " إعترافات تفصيلية للقاتل عن أسباب جريمته ومن ساعده فيها" نحى أبوه الجريدة جانبا ا وهويقول أنه قرأها اندفع سامح: 131
وعرفت أنني أخطأت؟ عرفت ياأبي أنني كنت متهاون ؛ لم أعالج الموربجدية؛ كنت أعيش في الوهام والخيالت ،أكتب وأقرأعن أشياء ل تصلح إل في السينما ؛ أماالواقع فهوالذي كان يعيش فيه صدقي .كثيراا ما ناقشني ، طلب مني أن أفيق ،أن أتبع السلوب الصحيح . أعلن الحكام العرفية في المنطقة ،أقبض على المارة للشتباه ، أسال ، استفسر ، أرمي في الحجز ،أضع العيون والجواسيس ومؤكد في خلل أيام سأصل إلى ماأريد. رفضت كل هذا وقلت لدي السلوب العلمي الصحيح. وهاهي النتيجة. الغريب أنهم فى التحقيق أيدونى وأشادوا بأدائي ، أتعرف لماذا ياأبى ؟ كان كل هذا من أجل خاطرك فقط ، وبعد خروجي كانت السكين جاهزة للذبح. بهدوء مشوب بحيادية تامة قال أبوه: الشدة والحسم ليس معناها العنف ..العنف قسوة ،ظلم ، إفتراء. أماالشدة والحسم فمعناها قوة في الحق وحسم في العدل ، وشتان بين الثنين .أما التهاون الذي تتحدث عنه فمعناه ضعف وتراخي. ولأظنك فعلت هذا. حدق في عينيه شارداا . كانت مناقشتهما بالمس عن مجتمع إسلمي يقف فيه المحكوم على قدم المساوة مع الحاكم كما فعل أحدهم مع عمربن الخطاب حينما قاطعه على المنبر وقال له : وا لن نطيعك. فسأله عن السبب ،اتهمه بأنه آثرنفسه على بقية الخلق ،أخذ لنفسه وهوالطويل الجسم جلبابا ا أطول وقماشا ا أكثر من بيت مال المسلمين. فنادى عمرولده عبدا وسأله أن يقول لهم من أين أتي عمرببقية القماش ليطيل ثوبه . قال عبدا إنه من نصيبي ياأبي فجلس الرجل وهويقول الن نسمع ونطيع. 132
الإسلم ليس حكما جائار وحاكما ا ظالما ا وعلينا بالصبر عليه ، وليس الإسلم استسلما ا بحجة الصبر على المكروهات ولكنه شيء أرفع من هذا ،المسلم كما قال الرسول قوى في غير تجبر ،إن عفا فعن قوة ، وإن اقتص فبالعدل ، ومن حقه في كل حين أن يواجه حاكمه ويوجهه. عمربن الخطاب هذا كان في ذات الوقت شديداا في الحق ،يطبق القانون كما ينبغي وليحيد عنه ،لنه يعرف أنه والخلق سواء ، وأن كل منهم يقوم بعمله وأن الفضلية عند ا لمن أحسن العمل المنوط به . هكذاعلمه القانون الذي نزل على محمد صلى ا عليه وسلم .المر إذن ليس استسلما لجماعة ول هو دكتاتورية فرد مهما عل ، و المركله ليس فيه تقليد للغرب ، بل أن مايفعلونه هناك هوتقليد لنا. عندما يقف أحدهم هناك ،ويقول لصاحب سلطة أنت أخطأت ويتقبل منه ،وعندما يقف أحدهم ويقول لرجل بوليس ليس من حقك قانونا ا إهانتي أو ....أو .....فليس معنى هذا إل أنهم أخذوه منا وإبتعدنا نحن عن الذي ورثناه . فإذاعاد أحدنا محاوال العودة للموروث الصحيح صار فاشلا. الكثرمن ذلك أن نصفق لرجل مثل صدقي ينظرإلى الجميع من أعلى، الكل أمامه مجرمين إلى أن يثبت العكس ..وينجح صدقي . يحصل دائما ا على ما يريد ،وينال الرضاء والترقية فقد حل في أيام قلئل مالم يقدرأحدعلى حله ،وقبض على المجرم القاتل ،وأنهى حالة إنعدام المن في المنطقة ، وسيطرعلى الموقف تماما ا وأصبح سامح هوالفاشل الذي يشارإليه ، المتهاون الذي ليصلح لشئ . حتى الحب فشل فيه. عاد الوالد يتكلم على فكرة يا سامح ،الموضوع لم ينته بعد تبسم بغم.
133
أبوه يريد أن يهون عليه المر ،يخفف عنه إحساسه المهين بالفشل. غداا ترى يا أبي . عندما يتم نقلي إلى مكان أتعلم فيه الضبط والربط من جديد. ساعتها لن يشفع لي منصبك في شئ. ليسقط الماجستير والعدل والحكمة. المهم الغاية . هيا نحققها بأي وسيلة . ونفخربعدها أننا حققنا ما نريد. تلك هي شريعتكم . أعدكم سوف أسيرعليها . وسوف ترون. دق جرس الهاتف . إنتفض من مكانه .مندوب من إدارة التحقيقات. بعد السلم والتحية له ولوالده أبلغه بهدوء: نريدك في الدارةغداا غمغم : هل !.... : ولم يستطع أن يكمل المعنى الذي يقصده أكمل المندوب : في تمام الساعةالعاشرة. وتركه في دوامة قلق.
134
)(16 المملكه 135
وصل أنور إلى أوج سعادته . كابوس وإنزاح عن صدره . تمنى لويعبرعن فرحته ، يوزع الشربات على كل من يقابله ، فقد كان وجود هذا الرجل عبء كبيرعليه ، اضطره إلى التعامل مع الخلق برفق . يسمع هذه بعبارتها الجوفاء ،وينظرإلى دمامة تلك رغم أن أكثرما يكرهه في هذاالكون هوالتطلع للوجوه الدميمة ، ثم أن ما يعكرمزاجه أكثر أولئك الرجال ومعظمهم من العمال والصناع . أماعلية القوم فهم نادراا ما يأتون . وإذا فكرأحدهم في دخول النقطة فإنه يحمل جاهه وثروته معه، وهؤلء ليكاد ينال من أحدهم إل النظرات المتعالية والكلمات الجافة، أما لقمة العيش الطرية الطازجة فلتأتي إلمن العمال والصناع والنساء محدودات الدخل والتعليم من المنطقة وماحولها . هؤلءالعراك بينهم لينتهي ولبد أن يصل للنقطة ، وأن يقوم هو بكتابة المحضر ، ويغمز لهذا بكلمة ولذلك بإشارة فيتبارى على إرضائه لكي يكتب كلمتين في صالحه وتحلو المور. إل هذا الرجل – منه ل –طير منه هذه النعمة ،حرمه لذة إستطعامها ، وجزاه وحوله للتحقيق ،ولم يراع أقاربه الواصلين وأصحاب الجاه. يجلس أنورعلى كرسيه ،ساقاه منفرجتان وصدره عال ورأسه مرتفع. الساحة أمامه خالية ،الباب مفتوح .وهوينظرمن عل .ينظر مايزال متعجبا ا من تصاريف القدر ،لقد تمنى أن ينصحه ،يقو ل له يابني إبتعدعن عم أنور ،أنت بالنسبة إلّي تلميذ ، لن يقوى على صدالريح. لكنه كان كالفرس الجامح ،لم يقدركبرسنه ومركزعائلته. هاهو قد ذهب وبقيت أنت الن. سبحانك يارب ، هاهو يذوق من نفس الكأس ويجد من يحوله للتحقيق. صحيح عامل تعامل .لولأنني راجل طيب ، قلبي نظيف ولأحمل لحد
136
مكروها ا ما أراني ا فيه مااشتهي . هذاالشاب التافه الذي لم يتحمل لطمة واحدةعلى وجهه ،لم يتحمل أن يقرص أحد أذنه للعبرة والتذكرة. مسح رأسه بيده وهويفرد صدره وينظر إلى الباب المفتوح بسرور. هزرأسه مستدركا ا ، لكنه كان ولدااطيبا ا في جميع الحوال ،لم استطع إجبارنفسي على كرهه ،لم يتفوه بلفظ خارج مرة ،لم يخرج عن شعوره .بل بالعكس كان في أحرج اللحظات يتدخل ويحل الموربهدوء وروية .الغريب أنني كنت أراه رجلا حقيقياا ،وكنت أتمنى مثله لبنتي عائشة. أدار عينيه في الوجوه من حوله ، عاد إلى نفسه بل طائل ، قالت له نفسه تلك هي الحقيقة ياأنور ،الولد كان يعجبك ..نعم يعجبني عندما يكون في صفي ! أماأن يجيء علّي ويهز هيبتي فهذا ما يجعلني أكره الساعة التي رأيته فيها. لقد قال فياض وكما قال نفذ بالحرف .قال أنه سينقله .وهاهو جاء الن يعلن أنه نقل إلى مكان قصي في الصعيد .قال أنه بإتصالته في الوزارة علم أنهم أحالوه للتحقيق ،وأنه نال جزااء رادعاا،ونقل إلى حيث يتعلم المهنة من جديد. هز أنور رأسه مشفقا ا وهويجلس على مقعده الثير بغرفة النوباتجية .لم يكن سامح يستحق هذه المعاملة .كانت قرصة أذن كافية ،هوعلى القل كان واضحا ا بوجه واحد ، مهما كان هذاالوجه .أماصدقي فهذا رجل آخر، لشيء يقف أمامه ،ليهتم إل بتحقيق أهدافه ..كيف؟ ..ليهم. وهذاهوالمطلوب .طلب قاتلا ليضعه أمام المسئولين في قضية السيد محمد رضوان ،قامت العائلة بتقديم قاتل إعترف على نفسه تفصيليا ا بالقتل كما لقنه محامي من أبناءالعائلة ،وذهبت بهية إلى المحكمة ، شهدت بأنه القاتل ، وأقفلت القضية على هذا .أيضا ا انتهت أعمال الشغب وقبض على
137
البعض وحوكموا وعاد الهدوء إلى أبي تلت .فماالذي ناله سامح من صلبة رأسه إل الغتراب والذل ؟ عاد أنوريهزرأسه مشفقا ا متسائلا ..ترى هل يقدرلي أن أراه ثانية؟ ماكاد ينتهي من تساؤله هذا حتى رآه أمامه داخلا من الباب المفتوح! إهتزكرشه بشدة و ازدادت عيناه ضيقا ا .. إنه هو ، وفي النقطة ! بملبسه الرسمية. بابتسامته الهادئةالتي يمقتها. إرتجفت جفونه بشدة ،أخرج منديله يمسح به رأسه ورقبته. ل .مؤكد ليس هو. إنه خيال ، لنك فكرت فيه ظننته أمامك. كثيرون يحدث لهم هذا. يحادثون أقرباء أوأحباب لهم ماتوا. يقولون أنهم يرونهم ، يسمعون منهم ثم ينتهي كل شئ. مؤكد لنه كان مشفقا ا عليه يرثي لحاله ظن أنه أمامه وأنه عاد من جديد. أقتحم مجال رؤيته أحد الجنود جاء يبشره: الضابط سامح عاد .الجميع يسلمون عليه. انتفض من مكانه واقفا ا ليكاد يصدق ماقيل وهويردد: عا د حقا ا ! ثم مالبثت أن مرت برأسه فكرة. مؤكدعاد ليودع الجميع ويذهب ويتسلم عمله الجديد. انفرجت شفتاه الغليظتان عن إبتسامة ، وإندفع إلى المام يسبقه صوته مرحبا ا.
138
مد سامح يده مسلما ا في ود وهويشكرله مشاعره .دارت الكلمات بين الجمع ومن حولهم عن الخلق الطيبة التي إفتقدوها بغياب سامح ،وهم وقوف حوله على هيئة دائرة هو في طرف محيطها معطيا ا ظهره للحائط. حدق أنورفي وجهه..مسكين ،مؤكد قرارالنقل حطمه ، يبدوعليه الانكسار .جاء يزورالمكان الذي طرد منه .حنين إلى العز الذي كان فيه. العزالذي رفسه بقدمه. كل هذا لنه لم يعرف أقدارالناس ، ماله هو وعائلة السليمانية ،هاهوقد أخذ عقابه .مسكين .فلعلها تكون تجربة مفيدة له. ارتفع في فضاء المكان صراخ قادم من الخارج وأرجل تجري نحوالنقطة. قابلهم الصول أنورصارخا ا بصوته العريض : اخرس منك له ،أل تعلمون أين أنتم؟ جاء صوت من الخلف يعرفه جيداا يقول آمراا: اتركهم ياحضرة الصول. تعالوا هنا ...ماالمر؟ طأطئ رأسه ولم ينبس بحرف. اكتفى بإرسال نظرة حملها مشاعره سائل ا نفسه بحنق عما يراه، ومامعناه بالضبط ؟ هذه أول مرة ياأنور يخدعك فياض فيها . أكد لك أن أصدقاءه بالوزارة قدأخبروه بنقل سامح .هاهو قد عاد ،أم يكون فياض نفسه خدع .ل، مؤكد واسطة ،توسط له أبوه اللواء ، تدخل بمركزه الكبير وأعاده الى مكانه. لكن هل هذامعقول؟ الموضوع كان بعلم الوزيرنفسه؟ هل تواطىء معهم ؟ إحمرت إذناه وهويلعن كل أنواع الخداع. وهرول إلى الهاتف يخاطب فياض سليمان بما حدث. 139
كان فياض في حديقة منزله بأبي تلت ، وسط الخضرة والثمار التي تحملها الشجارالمتنوعة اللوان والطعم المنتشرة حوله ، والتي يتفنن عم أمين البستاني في زراعتها داعيا له بطول العمر وأعلى المراكز لما يحبوه به من عطايا وهبات تقديراا له على رعايته للحديقة ، قائل ا له في كل حين : تلك هى مملكتي ،هذا هوالمكان الذي أشعر فيه أنني أنا، هنا أعود إلى أصلي حقا ا ، فوالدي كان هنا قديما ، كان يزرع بيده ،وعلمنى إحضار الثمار والخضروات الطازجة من الرض إلى المائدة فوراا بعيداا عن خضروات وثمار هذه اليام المعجونة بالموادالكيماوية والضافات المسرطنه. وكثيراا مادعا زملءه وأحباءه وأقاربه للجلوس في الحديقة والسمر فيها واتخاذ مايرونه من قرارات بين زهورها. جاءه التليفون من أنور فتوجس خيفة من خبر يحيل يومه إلى سواد ، فقد أصبح أنور هذه اليام مصدراا دائما للعكننه وقلب المزاج. رفع السماعة إلى أذنه متوجسا : نعم ياأنور سامح عاد للنقطه ، هل سمعت بهذا ؟ أغلق فياض الخط شارداا ، مسحوباا من أهدابه على محيط دائرة من غضب جامح لحد له ، أصدقاؤه أمدوه بمعلومات خاطئة ، يتلعبون به أولد الجن والعفاريت ، يهدأون من روعه ويعدونه بالنصر وهم يعدون عدتهم لنصرة ولد صغير يحبو في مدارج الداخلية ، سوف يرون ماذا يفعل معهم ، ورب العزة الذي ل إله إل هو لن يتركهم ، إذا كانوا هم الحكومه فهو فياض سليمان ، وسوف نرى.
140
غادر الحديقة فوراا إلى داخل البيت ،أمسك بالسماعة بكل قواه وبدأ يضغط جرس التصال راغباا أن يسب ويلعن من خدعوه، عاد وألقى بالسماعة جانبا ا وبأقصى ماوسعته يده حانقا ا. إذا هاجمهم سيردون عليه بأشد منه ، ليسوا هم بالذين يقبلون هذه المعاملة مهما كانت قوته وحتى لو كانت جماعته هي الحاكمة وهى المسيطرة فأيديهم دوما ا طويلة وقادرة. راودته نفسه هامسة أن السؤال طالما في حدود الصداقة وبعيداا عن التشنج سيؤدى إلى نتائج جيدة وسيعرف دهاليز هذا القرار. عاد إلى سماعة الهاتف ، عل الرنين صاخبا ا يخترق أذنيه وهو يلعن اضطراره لمحادثة من ل يستحق المحادثة أو حتى السلم. عاد الرنين خائبا ا بل مجيب. قال أنور : وماالعمل؟ هزفياض رأسه برفق: لشئ ،عدة حوادث جديدة وسوف يصل المرللصحافة ، في إستجواب قادم سأسأل من أعاد هذا الولد بعد إستبعاده
141
)(17 الحصار
في هدوء حذر تحرك ثلثة شياطين من مكان ما على الطريق السريع إسكندرية /مطروحا حاملين صندوقا به قنبلتين وآخر به بنادق آليه سريعة الطلقاتا ،نقلوهما إلى سيارة حديثة الموديل انطلقت بهم في اتجاه أبى 142
تلتا ،فرب المدخل تقنعت الوجوه ،أشعلت العين نارها ،قبضت اليدي على السلحة استعداداً لبدء العمل ،انحرفت العربة يساراً داخلة إلى شارع أبي تلتا قاطعة المسافة إلى هدفها المنشود في ثوان ،قبل الهدف و في منطقة مظلمة توقفت وانطلق الشياطين منها ،بدأوا يقتربون من كنيسة السيدة العذراء ،الحراسة كانت نائمة في هذا الوقت ،عدا واحد يحتمى بالكشك من برد وظلمة الليل وقد أغفى مطمئنا ً للظلمة والهدوء الذي يشمل المكان ،بخطي خفيفة توجهوا إليه ،انطلقت رصاصة مكتومة الصوتا إلى قلبه ،انتفض الجسد ولم يجد الوقت للصراخ أو حتى الذعر وماتا ،تحركت القدام بهدوء وروية بطولا بوابة الكنيسة ،حملت اليدى الصندوق المعد به القنبلتين ،امتدتا السلك بطولا الباب موصلة القنبلتين الكافيتين تماماً لتنفيذ المطلوب ،تحركوا بعد انتهاء عملهم قاصدين العربة ،تمخض الليل عن أشباحا انقضت فجأة على الثلثة فلم تعطهم فرصة لمقاومة أو حركة من أي نوع ،وضعت الغللا في سرعة على اليدي وتم إبطالا مفعولا القنبلتين وتحركت القوة متجهة إلى المديرية فوراً ،يتبعها أحد الفراد بالعربة التي كان يستقلها الجناه ... قامت دراجة بخارية سريعة يعتليها وجهان ملثمان بمحاذاة سيارة شرطة قادمة إلى النقطة من ناحية الطريق السريع ،عند مدخل شارع أبى تلتا اطلقا عليها من بندقية آلية في يد أحدهما دفعة رصاص ولذا بالفرار ، توفى السائق فوراً وشاويش كان بجانبه ،مما عطل فرصة مطاردتهما ، ارتطمت السيارة بأحد المحالا فى أولا الشارع ،تحطمت مقدمتها وانهارتا واجهة االمحل تماما ،بينما أصيب رجل كان يقف أمام الواجهة وبعض الجنود ،وتم نقلهم جميعاً إلى المستشفى الكائن بميدان الكيلو . 21 ولم تصل الحقيقاتا إلى شيء ... أيضا كان للفرن الكائن في منتصف الشارع نصيبه من تلك الحداث ، فهو يبدأ في السابعة صباحاً بتجهيز الدقيق وعجنه ثم خبزه ،وفي حدود 143
الثامنة والنصف يفتح شباكين صغيرين أحدهما لصف الرجالا ،والخر لصف النساء ،هم عادة ينتظرون من السابعة صباحا ً ،ينتظرون نصيبهم من الخبز قبل الزحام الذي يتزايد إلى أوج تكاثفه في حدود العاشرة والنصف تقريباً ،حيث تبدأ حصة الخبز في النقصان و يقل العدد تدريجيا مما يجعل الجساد تتزاحم أكثر ،والكل يقاتل ليصل إلى الشباك مناديا ً الخباز ،والخباز عادة ل يسمع لكل الصواتا فهو يتبع الصف قدر إمكانه ،ويفتح بابه لحبابه لخذ الخبز من الداخل بعيداً عن الشباك ،ومن هنا تأخذ الضوضاء مكانها وتحتل المكان ،إلى أن يعلن الفرن انتهاء الخبز تماما ويغلق الشباك ،لحظتها يسود هدوء كأنما لم يكن هناك طيلة ساعاتا البيع صراع وتزاحم وجدالا وربما عراك ينتهى عادة بالصلح بين المتعاركين بمجرد أن ينالا أحدهما أو كلهما مايريد . فى هذا اليوم ووسط الزحام الصاخب وضعت حقيبة صغيرة أسفل الشباك الخاص بالنساء ،حقيبة جلدية سوداء شدتا انتباه إحداهن فسألت عن صاحبتها ،لم تتلق رداً ،مدتا يدها تفتحها ،صرخ فيها رجل يعلو فوديه المشيب -: حاذرى ،قد تكون خطرة خطرة !! قنبلة مثلً سمع المتزاحمون كلمة قنبلة فانفرط عقدهم فوراً ،جاءتا القواتا وفحصت الحقيبة ،تم فك أسلك التحكم وتمشيط المكان والتحقيق مع من ثبت وجوده بالمكان ،لم يصل التحقيق إلى شىء .... في هدوء كامل تم القبض على مرتكبي الحوادث الجديدة وفي أماكن جرائمهم .تعمد القائمون على المن أن يتم المرفي سرية. من خللا التحقيقاتا التي تعمد المحققون أن تكون سرية تماما ً أيضا ً حاولا سامح ومعه فريق التحقيق الوصولا إلى شئ جديد دون جدوى .أجمع المقبوض عليهم أن رحيم هوالذي جندهم ،تم معرفة مكانه بواسطة 144
وصفهم له أمام رسام بالوزارة .تمت تغذية الكمبيوتر بصورته وبكل المعلوماتا التي تم الحصولا عليها وبدأ البحث عنه على المستوى العريض وبكل الماكن التي يحتمل تواجده فيها ..وصلوا إليه في إحدى حاراتا العصافرة القبلية. ... في أقواله أمام النيابة أكد رحيم وجود معرفة بينه وبين محمد أبوليلة والصولا أنور ،قالا إن هناك مصالح مشتركة بينهم ،فهما من زبائنه الكبار الذين يدفعون بسخاء ويكلفونه بمهام دورية منذ قديم ،وهما اللذان كلفاه بجلب أفراد من قبل لحداث اضطراباتا وقلاقل في المنطقة ،فهو يعمل في نطاق شرق المدينة ،يقود المظاهراتا ويفتعل الشغب في الحدود المتاحة وحسب رغبة الراغبين مقابل مبالغ مالية محددة ،وأنه ليعرف أكثرمن ذلك . جلس سامح إلى صدقي وصدره يغلي كمرجل. المرأخطرمن ظاهره ل أفهم الوقت يجري وأخشى من طولا الانتظار اوضح أنور وأبوليلة أصبحا متهمين بشهادة رحيم مضبوط يجب القبض عليهما فوراً وماذاتنتظر؟ سندخل الحارة ،نقبض على هنية وأنور ،لكن هذا ليس مهما ً وماهوالمهم؟ أن يعترفا بكل شئ .المهم الن أن تصل القوة اللزمة من السكندريةلنتحرك قالا صدقي :الن فهمت لماذا رجعت. لم يجد سامح وقتا ً ليبتسم ،شرحا له في عجالة كيف قامت الدارة بعمل التحرياتا اللزمة ،كيف درست الموقف ،وأعدتا الخطةعلى أساس أن 145
-
يتم القبض على رحيم ،وفي ذاتا الوقت عودة سامح في وقت يكون فيه الجميع قد اطمائنت قلوبهم أنه نقل ،وبذلك تحدث المفاجأة ويفقد الجناة أعصابهم ،ويقومون بعمل تحركاتا تكشفهم ،وقد تم تأمين المكان تمامًا. ففي مدخل الكليو 21يوجد كمين ،وقدتم تعزيزه بقواتا إضافية في سرية تامة ،وفي الكيلو 26تم زرع كمين آخر ،وتم تعزيزه ،وهما الن جاهزان وعند أولا إشارة سيتم تحركهم لتنفيذ المهمة المكلفين بها فوراً ودون إبطاء. قالا صدقى : الغريب أن تتصرف الوزارة بهذه الدقة رغم الظروف التي تمر بها حدق سامح في عينيه طويل ً قبل أن يهمس : الخطر أكبر بكثير هذه المرة كيف ؟ الهدف الن انهيار أمه والشرطة ؟ الشرطة ليست وحدها ،المواجهة هذه المرة بالروحا ،روحا المة كلها فى مواجهة الخطر ،هل تفهمنى ؟ هب صدقي من مكانه :إذن هيا اعط الشارة قام سامح ليواجهه .قالا بجد : الشارةإعطيت فعلً ،القواتا على وصولا ،عليك أن تأخذعدداً منالفراد معك ،تذهب إلى مكان عمل أبوليلة وتقبض عليه ،وأنا سأذهب إلى الحارة ببقية القواتا. وإذن النيابة؟ سيكون معك.هيا ...هيا ...
146
جاء خبر القبض على رحيم صاعقاً لنور ،دهمته رياحا حنق وغضب وفي ذاتا الوقت أحاسيس خوف لم تمر به من قبل ،حاولا أن يفلت منها دون جدوى ،فهكذا يكون الفأر قد وقع مرغماً في المصيدة ولن يستطيع الفلتا إل إذا فتح له أحدهم الباب وهذا لن يتأتي إل إذا استطاع فياض وبقية العائلة من مستشارين ومحامين ورجالا أعمالا أن يتصرفوا كما تصرفوا من قبل ،وكل شىء بثمنه ،وإن لم يكن الثمن نقوداً فهي مصالح متبادلة وعلى مستوى كبير ،هو يعرف هذا ،لذا كانت مشاعره تتأرجح بين المل واليأس ،بين تأكده ويقينه من قدرة العائلة على التصرف وفي ذاتا الوقت رؤيته لما يجري وإحساسه أن المر هذه المرة شديد الخطورة ، وفي كل الحوالا فهو امتنع عن الذهاب إلى النقطة ،فمعنى اقترابه منها الن هو احتمالا القبض عليه ولن يشفع له أنه منهم ،وحتى إذا خرج بعدها بواسطة أقاربه فسوف تكون سبة لن تمحي من ثوب السليمانية الناصع . تسائلت زوجته :هل ستسلم بالعجز؟ لم يردعليها. اكتفى بنظراتا نارية تأمرها بالصمت ،المر أخطر مما تظن ،الوصولا إلى رحيم معناه الوصولا إليه وإلى كل من تعاون معه ،معناه الوصولا إلى معلوماتا قد تؤدى بهم إلى شر مقيم لفكاك منه ،كانت المور منذ قديم تسير على مايرام ،ليعكر صفوها شيء والعمل كان بعيداً عن أعين المن ،أو ربما بمباركة أفراد منه ينالون حقهم كامل ً غير منقوص ، اليوم أمواج هادرة عتية تقلب الموازين كلها ،تطيح بسرية عملهم وتضرب الجميع ،لتفرق بين أحد والخر رغم أن المفروض أن يحدث العكس ،الضطرباتا الحادثة في البلد وانشغالا المن بها ،المظاهراتا اليومية بأعداد هائلة ،وكذلك الحوادث غير المألوفة من القتل والتنكيل بين الفراد قد أصبح بصورة شبة دائمة ،فالشارع تحولا إلى عدوانية لم تحدث من قبل ،الناس المسالمة القانعة بعيشها و التي كانت تعترض و في ذاتا الوقت تخشى من ارتفاع صوتها صارتا تصرخ الن وتعلن رأيها بكل وضوحا ،تشكو العوز والفقر ونقص الخدماتا ،وينعكس هذا على 147
السلوك العام مما يحمل المن مسئولية أكبر ،ويشتت قواه ،ورغم هذا كله يجدون الوقت للبحث خلفه ،خلفه هو رجل المن الذي بذلا من جهده وعمره الكثير من أجلهم . حلقت فوق رأسه طيور رعب سوداء ليهدأ لها قرار ،أمواج من حيرة تدهمه ،ليجد منها خلصًا .سنواتا طوالا في عمله لم يحدث له فيها مايحدث هذه اليام ،والذي زاد المرسوءاً أنهم وصلوا إلى رحيم ! مؤكد تكلم ،قالا كل مالديه ؛ وبالتالي أصبح أنور رجل البوليس مطلوبا ً من البوليس ! بدلً من أن يذهب إلى عمله ويكون كما كان دائما ً الصولا أنور وتد النقطة وعامودها يصبح اليوم مقيدا ليملك القدرة على مجرد القتراب منها ، الشد إيلما ً أنه صار حبيساً بالحارة ليجرؤ على مغادرتها حتى ل يتم القبض عليه ويدخل النقطة مهانا ً وتضيع كرامة السليمانية ،وهاهو يكتفي بسماع الخبار من آخرين بدلً من أن يكون كما كان دائما هو مصدر الخبار . لم تبالا به .أكملت : اتصل بفياض أو المستشار محمود سليمان .حدق في عينيها ،عيناه نارهما مطفأة ورمادها دخانه كثيف يغطى حدقتيه. زفرالكلماتا بنفاذ صبر :إتصلت بهم؛ قالوا لتقلق دارتا حولا نفسها قلقًا ،قالت :أخشى أن يأتي البوليس إلى هنا. رغم ورود هذا الحتمالا بقوة إلى مخيلته واحتللا معظم تفكيره إل أنه نفخ أوداجه ،قالا بقوة - :ستقع حينئذ مجزرة وهب من مكانه متجهاً إلى حيث ليدري ،باحثا ً في طياتا خبرته الطويلة عن منفذ يستطيع منه التصرف فوراً وبل إبطاء . قطع أفكاره صوتا عالا صادرمن الخارج ياصولا أنوروجد نفسه قريبا ً من النافذة ،فتحها سريعا ً وأطل على الطريق .عاد الصوتا كطلقاتا رصاص هائلة تدوي في رأأسه: عساكر كثيرون يدورون حولا الحارة148
إنزرع الفزع في عينيه .صرخ متسائلً: تقولا عساكر؟عاد الصوتا للتأكيد :الظاهرمن فرق مقاومة الشغب. جحظت عيناه ،ارتعدتا نبضاته ..وقعت الواقعة ياأنور قالا لنفسه وهو واقف مكانه ليدري ماذايفعل؛ دارحولا نفسه؛ عملها سامح؛ لم تكن عودته مرة ثانية تبشربالخير؛ هدم المعبد على من حوله ومن فيه؛ صرخ لزوجه التي ضرب الصفرار وجهها : أقسم سيدفع الثمن ابحث المرأولً لتعرف ماذا ستفعل إنها قواتا مكافحة الشغب ،وا لن يفلت بعملته هذه ابداً.ومضى الى الحارة ... وسط الحارة انقضت عليه الحداق الثائرة ،حاصرته العباراتا المتأججة وكلها تسأله عن خطته لمواجهة هذا الظلم وتلك العدوانية المفرطة ، وكلها يصر على رفض التسليم بما يريد هذا الضابط البله الذي ليدرك مايفعل ويصر على تحويل أمر شخصي بينه وبين محمد أبو ليلة إلى صراع ،ويؤكدون أنه لو كان يدرك جيداً حجم عائلة السليمانية وفتوة شبابها وقوة مراكز رجالها وتأثيرهم فى الدولة ككل وليس في الوزارة فقط لما قام بهذا العمل المجنون وحاصر حارة بأكملها من المدنيين ورروع الطفالا وأفزع النساء. مؤكد فياض سليمان ومحمود سليمان وغيرهما من رجالا العائلة وكبرائها لن يتركوا المرهكذا ،سيشعلونها ناراً فوق رأسه وسيحيلون حياته إلى جحيم ،ولن يتركوه إل بعد القصاص منه . قالا أنور رداً عليهم أن كبارالعائلة لن يصمتوا .لن يتركواالحارة يجري لها من الهوان مايجري ،مؤكد سيجدون طريقة ما ،المهم الن أن يلحق به قبل أن يقوم بعمل يشعل النيران أكثر بتصرف أرعن مثله يضطر الشباب لمواجهته ويسبب مشاكل لحصرلها. 149
هو فى كل الحوالا أكثر خبرة منه والنصيحة الن واجبة عليه بصفته مايزالا من رجالا المن والنظام ،سيخرج له ،يطلب محادثته ،يؤكد له أن مايفعله لن يجدي شيئاً وأن عليه أن ينحاز للحوار أفضل ويسحب فوراً هؤلء الجنود ،اذا كان يريد هنيه فعليه أن يضمن سلمتها وعدم أيذائها بقولا أو فعل طالما لم ترتكب مايسيء إليها أو يسيء للعائلة كلها بسوء . صرخ صوتا امرأته خلفه : إلى أين ؟لم يجد وقتاً للتحاور معها ،ثم إنه يعرف جيداً أنها سترفض الحوار من الصل وأنها ستصر على معاقبة هذا البله الصغير سامح -كما تسميه الذي سيقود نفسه إلى التهلكة .تحرك قاصداً الباب البحري للحارة المطل على الشاطئ ،حيث إنه صغير، وليسمح بمرورأكثرمن فردين .ثم إنه يمكن مراقبة خارجه جيدًا،والتأكد ممن يقف خلفه دون خوف من خداع ،تحرك نحوه آمراً أحد الشباب بغلقه خلفه . واجه طوفانا ً من العين والتساؤلتا أمامه فوراً ،الكل يرميه بنيران الستنكار والرفض ،تتعالى أصواتهم حانقة : ماذاستفعل ؟يقولا بقوة :سأواجهه يندفع أحدهم :وإذا قبض عليك؟ يفردصدره :يقبض علري كمايشاء ساعةأوساعتين بالكثيرويضطرللفراج عني ثانية ومضي نحو الباب يغالب فيضا ً من القلق يمل صدره ويجاهد حتى لتبدو آثاره على صفحة عينيه . وماذا لوقبض عليك فعلً واضطرك إلى قولا ما ل تريد ؟مؤكد سيتركك لرجالا المديرية ،وأنت تعرفهم جيداً. لكن ...ملعونة هذه الورطة ومن ورطني فيها. لقد صعد هذا البله الصغير المورإلى مدى ليعلم إل ا وحده كيف سينتهي . 150
رأى حميدة قادمة بجسدها العجف ويديها اليابستين ،تنظربعينين يكاد ينطفئ نورهما نحوه ،وبعض النسوة حولها ،تحادثهن وهي تخب السير نحوه : لتقلقن ،عائلتكن قوية ،رجالها كبار ،لهم كلمة وقرار ،ولنيستطيع أحد أن يهزنا . يهرولا نحوها وقد بدأ العرق يغطي رأسه ،وينغرز إبراً حادة في ثنايا وجهه وثنياتا ظهره ،وهويلهث ومع هذايواصل السير. كانت هناك أعين كثيرة تحدق فيه ،ترقب الخوف الكامن خلف كلماته الثائرة ،تتابع لفتاته القلقة وأجفانه المرتعشة وعرقه الغزير وهو يحاولا قدر طاقته مداراة مابه ،وهي لتكادتصدق أن هذا أنورالذي كانوا يعرفونه بصدره المفرود وكرشه المنفوخ ونظراته المتسلطة. يرون أنور آخر يسيرمهرولً إلى آخر نفس بلتوقف وهو ليدري إلى أين .تتحرك قدماه بقوة الدفع وحدها ،غيرأنه مرة واحدة يقف ،يحدق في وجه حميدة الساخط متسائلً : مالك ياحميدة ؟ الى أين؟يشيح بيده بقوة : هل هذا وقته؟ترمي بنظراتها الحانقة إلى بؤبؤ عينيه : ولوحبسوك؟يمسح عرقه هامسا ً : لن أظل طويلً في السجنترفع أصبعها السبابة في وجهه محذرة : لتذهبيقترب بوجهه من وجهها صراخا ً : محالاتجابهه بذاتا الحدة : المحالا أن تتركنا لعار قادم لتمحوه السنواتا151
اتصل ثانية بفياض وغيره من رجالا العائلة؛ قل لهم حميدة تأمركم أن تنقذوا الحارة زفر الهواء بقوة ،حميدة وكل من بالحارة ليعرفون معنى مايجري ، يظنون المر سه ً ل ،انشر قواتا ،اسحب قواتا وينتهي المر ،من المؤكد أن المديرية بكل قوتها خلف مايجري ،تركوا مايجري فى البلد و تفرغوا للحارة كأن المشاكل كلها حلها هنا ،التصرف العاقل أن تحل الزمة وديا ً، هو أدرى بما يجري ويعرف جيداً جدية هذا المر وخطورته ،قالا محتداً : ليس في الوقت متسع ،سأخرجعل صوتها الرفيع في فضاء الحارة : . قلت لوإستدارتا إلى الوجوه المحلقة بهما ،إرتفع صوتها بقوة الغضب لتفتحوا الباب لي سبب كانلم يفهم أحد ) ممن حضرذلك الموقف ( ماجرى لحميدة بالضبط لحظتها ، كيف استقام الجسداليابس وإنفرد ،ووقفت على قدميها وسط الجمع تتحدث عن مجد السليمانية الذي كان ،تتحدث عن سليمان الكبير صاحب هذه النحاء ورجلها القوي الذي كان يصرخ في السد فيفتت كبده من الرعب ،و ينظر في أقوى عين غاضبا ً فيبخ الدم من حدقتها رعبا ً منه ، تتحدث عمن جاء بعده من رجالا السليمانية القدمين وسيرتهم ،وحفاظهم على تراث أبائهم في عزيمة لتلين ،تروي حكاية هذا الباب الحشبى العتيق الذي كان رمزاً لقوة عائلة يعرف القاصي والداني لها المجد والعز ،ويهابها الجميع ويطلب ودها الكبراء ،هذا الباب رأى الوائل أنه ضرورة حتمية لجمع شمل العائلة ،وإظهار بأسها وشدتها ،وإرهاب كل من تسولا له نفسه العتداءعلى أحد ابنائها .وهاهو اليوم أنورسليمان يهدده الصغار ،يحاولون النيل منه ،وتقف السليمانية تتفرج ! ماكانت السليمانية ولكان رجالها إن لم يقف الجميع بالتكاتف والتحاد ضد المعتدين ،وكسر وجه هذا الولدالطائش ،ورده على أعقابه إلى حين يقوم كبارالعائلة في مصر والسكندرية بالتصرف لجباره على التراجع والعتذار والحضور إلى الحارة خاضعا ً طالبا ً الغفران. 152
صرخت فيمن حولها : حذارأن يخرج أحد مهما كانوذهبت لتجلس خلفه . تبعها في هذا نسوة الحارة فوراً ،افترشن الرض وقررن أليتحركن مهما تكن السباب ،حاولا أنور إثنائهن عماإنتوين لخطورة الوضع على الحارة كلها ،فالمريتعلق هذه المرة بحكومة وجريمة قتل وتحقيقاتا .أرتعش صوتا حميدة وهي تؤكد : الحكومة منا ونحن منها ،رجالنا كبراء فيها ولهم كلمتهم ،وإن لمينفعونا الن فمتى ينفعونا؟ عاد أنور إلى الهاتف من جديد ،أرسل صوته إلى أقاربه مستغيثا ً ،طالبا ً النجدة وصد العدوان الواقع على الحارة بنسائها وأطفالها ،هددهم أنه سيخرج مضحياً بنفسه من أجل سلمة الجميع ،انتقل بين السماء سريعا ً ، يختار الكبار الذين يمتلكون القدرة على الفعل فوراً ،وصوته يعلو، وعرقه يزداد انهماراً متسربا ً إلى صدره وقفاه غارزاً إبره في جلده في إصرار ،وكرشه يهتز انفعال وهو يؤكد إنه يعرف جيداً معنى نشر قواتا ، وإن لم يتم اتخاذ قرار فوري فسوف تكون العاقبة لمحالة سوداء . لحظاتا وعاد مبتسما ً راضيا ً ،قالا لحميده وهو يربت كتفها ملطفا ً بعد أن صرخ في وجهها لولا مرة منذ سنين ورد كلمها بقوة وتحداها أمام الجميع وهو يعرف نظرتهم إليها : فياض سيتصرف ، .اتصلت به وبغيره من أهلناتبسمت العينان الكليلتان ابتسامة ظفر ،برقت فيهما نظراتا اليقين الذي ليغيب وسألته - :ماذاقالوا لك؟ أكد -:بعد عشردقائق بالضبط سينسحبون إنبسطت الخاديد المحفورةعلى الوجه اليابس وبرقت العينان الكليلتان بقوة من جديد وهي تؤكد لمن حولها من النسوة : هكذايكون الرجالا. -
153
154
)(18
دوى السقوط
أمام الباب العتيق كانت غربان كثيرة تحلق ،تطوف بأجنحتها السوداء وأصواتها المميزة ووجوهها الدائمة العبوس حولا الدور ،بينما العساكر حولا السوار في أماكنهم حولا الحارة من منافذها المختلفة لمنع خروج أو دخولا أيا كان ،ينتظرون اللحظة التي يتم فيها إصدار المر لهم بالاقتحام . كان السكان القليلون المنتشرون في الرجاء قد تجمهروا على البعد يتابعون مايجري ،يتبادلون الراء حولا العائلة ومكانتها وقدرتها على الرد ؛ وظروف البلد ومايجرى هناك في المدينة من أحداث تجعل من الصعب تشتيت القوى في أكثر من بؤرة ملتهبة ؛ ووجوب تركيز الجهد كله في جبهة واحدة لعبور هذه المرحلة بسلم . 155
-
أيضا جاءتا وجوه كثيرة من أعيان المنطقة الممتدة من الكيلو 21جنوبا ً إلى الحمام شماًل قاصدين التدخل لدى القواتا لمنع القتحام بأى وسيلة حفاظاً على كل قطرة دم أ قد تراق هنا وهناك . اقترب رجل أشيب تعدى الثمانين على مايبدو ،متعكزاً على عصاه ،حاملً على تغضناتا وجهه ذعراً وفي نظراته الواهية فزع ،نادى الكبار من الشرطة . تقدم سامح وآخرون منه إلى أين؟إل الدماء ياولدى لن يكون هناك دماء مع تطبيق القانون ا قالا الرحمة وا قالا العدلا والقصاص الرسولا عفا وأقام الحد هناك نساءوأطفالا وهناك جرائم اعطونى الفرصة للتوسط لن يفيد ارجوكم ياولدى لعلها تتيسر على يدى قالا سامح -: سنحافظ قدرجهودنا على الجميع بما فيهم المطلوبون أنفسهم،مااسمك ياحاج؟ الصافي رضوان .هل تمنحونني الوقت لهذا؟رأى سامح فتاة قادمة من شارع أبي تلتا ،تقترب مهرولة منهم عرف فيهاعائشة .كانت قد رأتا القواتا المحاصرة للحارة والباب المغلق والعسكر خلفه بأيديهم أسلحتهم ؛ والوجوه المترقبة ؛ والجو المشحون ؛ 156
واللحظة التي تنذر بكارثة ،ورأتا الصافي رضوان شيخ قبيلة من القبائل المنتشرة على طولا الساحل الشمالى واقفا ً يحادث الضباط ؛ اقتربت منهم وفي داخلها طيور الحيرة والفزع تضرب بأجنحتها قلبها في عنف ،تحدق وهي لتكاد تصدق ماترى ،الحارة التي كانت المأمن وكانت الحمى تطأها أقدام قاسية ووجوه عابسة ويطالها الهوان والضعف وهي لتملك من أمرها إل إغلق أبوابها وانتظار اللحظة التي تنهار فيها صروحها حينما تجتاز عتبتها أقدام لتعرف التراجع ووجوه لتعرف البتسام ،مالذي جرى لكل مايحدث ؟ أفسح لها البعض مكانا ؛ تلقت وسامح ،برقت عيناها ،لقد قيل أنه نقل ، عادتا بها خواطرها إلى اللقاء التي لن تنساه أبداً ،رأته وهي تستدعيه لنقاذها يوم وقعت في براثن شريف وسقطت والحقيبة السوداء في يدها وواجهت العتقالا وتهمة الرهاب والسجن ،ولوله ماكانت اليوم طبيبة يراها الناس في أبهى صورة وحولها إطار من احترام وتقدير ،داخل السجن الحتياطى التي دخلته لمدة لتقاس بزمن ومازالت تذكر لحظاتها فيه وماأحست به حينها من أحاسيس لم تشعر بها من قبل وهي وسط سجيناتا في مثل عمرها أو أصغر ،هن كبيراتا بمشاعرهن وقدرتهن على التكيف مع وضعهن والتعامل العقلي بكل الثباتا والحكمة معه ،بينما هي صغيرة المقدار والتفكير والمقدرة على الستمرار و التحمل ،حتى جاء هو هادئاً باسم الثغر كعادته يفيض رقة وليفكر في لوم أو عتاب ول يفكر حتى في مجرد إشعارها بمدى ثقل المهمة التي ألقتها بين يديه راجية منه إنقاذها من اعتقالا محقق وتدمير لمستقبلها ،غالبت المفاجأة وتقدمت قليلً للمام ،جاورتا الصافي رضوان وسمعت مادار بينه وبين الضباط من حوار ،حينما رأتا وجوه الضباط تنطق بالموافقة على دخوله الحارة رجتهم الدخولا معه وهى تنظر في عيني سامح راجية . سألا أحد الضباط : من تكون ؟ردتا فوراً : دكتوره عائشة ،إبنة الصولا أنور157
-
الدخولا الن بالنسبة لك محالا بل أرجو الذن لمساعدة الحاج صافي لنهاء المر بسلم ،ارجوك الحاج صافي وحده سيدخل ،انتهى واستدار عنها ،هرولت عيناها مستغيثتان بسامح : استطيع اقناع الجميع ،صدقني حدق في عينيها هامساً أن المر ليس كما تتخيل ،أبوها أصبح مطلوبا ً للعدالة ،يواجه اتهاماً بالشتراك في جرائم محددة ،والتستر على جرائم أخرى ،وفوق هذا فهى إبنته ووجودها معهم يمثل وسيلة ضغط يمكنهم استخدامها ضده إذا لزم المر . أحنت رأسها وقد طفرتا دموع القهر من عينيها وهي تهمس له : أقسم لك أننى إذا فشلت في اقناعهم سأعود إليكم راضية مختارة ماتقولينه هو الجنون بعينه أقسم لكاتجه إلى الضابط العلى الذي رفض المر سابقا ً وتشاور معه ،أخذ زمنا ً قبل أن يعود ويبلغها الموافقة على دخولها مع الحاج صافي إلى الحارة، على أن تكون المهلة نصف ساعة لغير. لم يكن أمامها وصافي إل الموافقة. بدتا الحارة وهي محاصرة حصن يأبى الخضوع ،بابها المامي مغلق؛ أسوارها ممتدة ،وبيوتها مغلقة النوافذ المطلة على الطريق؛ ليصدرعنها إل صمت مترقب وأعين تتابع على البعد مايجري ،بينما حميدة ما تزالا خلف الباب من الناحية القبلية للحارة .تتحدث عن أيام عاشت نيرانها والعراب يهاجمون الحارة ،والرجالا يتصدون لهم ويجبرونهم على الفرار .تقولا حميدة أن الرض كانت فضاء ،لدرجة إنك ترى البحر والمياه الزرقاء من مسافة كيلومتر وأكثر؛ وترى ميدان الكيلو 21من مكانك في أبي تلتا على طريق إسكندرية /مطروحا. تكمل حميدة أن إسم أبوتلتا هذا قديم .يدلا على قبيلة إستوطنت هذه النحاء ،مثل السليمانية وغيرها وأن الفوز في القديم كان للشجاعة .رجل 158
يواجه رجل ورجالا يقفون لرجالا ،لهجوم على رجل مدبر ،ل إيذاء لمرأة ،لا إعتداءعلى أطفالا ،أما اليوم فها هو رجل واحد يخاف أن يواجه عمكم أنور ،يداري نفسه خلف مجموعة من العسكرلن ينفعوه. دقت اليدي على الباب الكبير ،ارتفع صوتا عائشة والحاج صافي .حدث إضطراب في الحارة ،ابتعدتا حميدة مرتابة وقد تصلبت خلياها وجحظت عيناها وصرخت تستنفر الخلق .تعالى صوتا عاشة مطالبا ً بفتح الباب لدخولها والحاج صافى .صرخت حميدة منذرة : إنها خدعة ،احذرواتعالت أصواتا آخرى مؤكدة أن المرخدعة كما تقولا ,وأن العسكر هم الذين سيدخلون ،اقترحت عائشة الدخولا ورفيقها من الباب البحري المطل على الشاطئ حيث إنه صغير،وليسمح بمرورأكثرمن فردين ،ثم إنه يمكن مراقبة خارجه جيداً والتأكد ممن يقف خلفه دون خوف من خداع ،أعلنت حميدة موافقتها على مضض وعادتا إلى جلستها وحديثها عن السليمانية خلف الباب العتيق . دخلت عائشة و معها الحاج صافى ..قابلهم أنور وبعض رجالا العائلة المتواجدين بالحارة ،جلس الصافى طلباً للراحة بعد إرهاق الطريق ومشقة الحركة بالنسبة له ،قالا فوراً للصولا أنور : المر كله بيدك ،تصرف ،تحمل مسئولية الحارة بمن فيها ،لوتمالقتحام لن يسلم أحد. صرخ أنور: لن يستطيعوا؛ الشباب يحمل السلحا ؛ ثم أن جريمة القتل قد أغلقت.تدخلت عائشة : الموضوع ليس تحدي ،أنت رجل بوليس وتعرف معنى مايجري.رفع صدره وأشاحا بيده : خللا عشردقائق سينسحبون؛ رجالا العائلة الكبارأجروا إتصالتهم ؛اطمئنى قالا الحاج صافي : هذه المرة لن يحدث .صدقني ،الموضوع أخطرمما تتخيل.159
إندفعت عائشة قائلة : بهية أساسا ً بريئة ،الكل واثق من هذا ،وحضرتك فوق الشبهاتا،سلم نفسك وسلمها لهم ،تسلم أنت من تهمة مقاومة السلطاتا وتسلم الحارة معك. أقبلت حميدة تتوكأعلى ساعد إحدى النساء ..جابهت عائشة بقوة : تريدين تسليم أبيك للبوليس ياإبنة المدارس؟وإستدارتا عنها تحادث الجمع حولها ،تشهدهم على العلم والمتعلمين الذين ليعرفون مصلحة عائلتهم وإسمها وكرامتها .تريد المتعلمة أن تمسح تاريخ العائلة ..العائلة التي عاشت بكرامتها تريدعائشة أن يقالا غداً إنها تمرغت في الهوان وسلمت أبناءها مرغمة للحبس. صرخت عائشة وهي تحدق في عقارب ساعتها التي صارتا لها أجنحة تدور بها في قوة حولا محورها : الوقت يمر.وأشارتا إلى الساعة للحاج صافي : المهلة قاربت على النتهاء.ثم لبيها الذي يمسح عرقه المتساقط حولا أذنيه وأهدابه : أرجوك ،الحل بيدك.قالا الصافي :لتترك الغضب يعميك. قالت حميدة :ضاعت هيبتك ياسليمان ياكبير ،أين أنتم ياكبارالحارة لتنقذوها من الصغار الذين ليعرفون كرامة ول أصل؟ عادتا عائشة تصرخ : الوقت يمر ،ارجوكم إفتحواالبابتحدتها حميدة : إياكم أن تفتحوهإقتربت منهاعائشة ،حدقت في عينيها: ارجوك ،لتدمري كل شيء.دفعتها بيدهاالعجفاء :لتدمري أنت كل شيء . أنتبه الجميع لصوتا أنوريهمس منكسراً: 160
افتحوا البواب .صرخت حميدة : هل جننت ؟جابهها بعينين غائمتين تغطى ساحتهما حمرة ودموع وألم كاسح : قالا فياض سليمان ومحمود سليمان و غيرهما لفائدة ،افتحواالباب. وأحنى رأسه على صدره بصقت حميدة في إتجاهه ،إستدارتا إلى حيث جلستها بجواربيت فياض، في ذاتا مكانها القديم .ألقت بظهرها إلى الحائط غاضبة أشد الغضب مما جعل الجان الذي عليها يظهر ،أخذتا ترغي وتزبد وتصولا وتجولا وتنطق بلغة ليفهمها أحد من أهل الحارة وإن كان البعض قد أشار أنها لغة فارسية لكون الجان الذي يتلبسها فارسى . سارالعسكربأنور أمامها ثم بهية. لم تنتبه لهم ،وحين عادالهدوء إلى المكان إنسلت من عينيها دموع ملتا تجاعيد وجهها ،ولم تبالا بمن حاولا جاهداً التسرية عنها . ... أحدث وقوع حارة السليمانية زلزال في المنطقة كلها ،بدتا الحكاياتا التي تناقلتها أجيالا عديدة عن الحارة وساكنيها مجرد أسطورة ل معنى عنها ، كذلك رأتا العيون الباب المغلق دوماً والذي كانت تدور حوله كثير من الحداث وهو يقف شامخا ً حافظاً لكل مايدور خلفه من حكاياتا ؛ رأته مفتوحا ً على مصراعيه ليمتلك من أمر نفسه شيئا ً ،وقد أصبح الدخولا والخروج مشاعاً للجميع ،خاصة أن بالحارة طرقا ً مختصرة تصل النحاء ببعضها ..في البداية كان المر صعباً ويحتاج لجرأة من البعض لعبور الباب والمرور وسط الحارة وهو ليس من السليمانية ول من أهل الحارة أو قاطنيها ولكن بعد حدوث العبور مرة بعد مرة صار المر أيسر و حكاية الباب المغلق رواية تروى على سبيل التسرية في لحظاتا الفراغ . 161
أما حميدة فقد تم نقلها إلى داخل بيت فياض بعد بناء حجرة في الحديقة ملحق بها دورة مياه صغيرة ،وفرشها لتكون مقراً لها بدل ً من الحارة التي كانت تصر على البقاء فيها من قبل ،وقد لزمت منذ حدث ما حدث الصمت ،واستسلمت لنوباتا غضب يعقبها حضور عفريتها الفارسي، ولم تعد تقرأ الفنجان أو تقدم وصفاتا لهل الحي الذين كانوا يزورونها . أيضا بدأ الصامتون من أهل الحى في كشف مالديهم من معلوماتا ، تطوع بعضهم بالتواصل مع النقطة ومن ثم النيابة للدلء بشهادتهم ، واثقين أن كلمهم سيسمع وشهاداتهم سيعتد بها الن . إستمعت اليهم النيابة جميعا ً ،سجلت أقوالهم ،ومنهم أحمدحسن رضوان ابن عم القتيل وكان مماسجل في هذا الخصوص : س -لماذا تقدمت الن للشهادة ولم تتقدم من قبل؟ جـ -قابلت الضابط سامح؛ قلت له ماأعرف. س -بماذا تبررعدم مبادرته بالقبض على المتهمين؟ جـ -كان يحتاج دليلً وقلت له أن المرأكبرمن مجرد حادثة قتل. س -كيف؟ جـ -هناك استيلءعلى أراضي مملوكة للدولة بأوراق مزورة،وإستيلءعلى أراضي افراد. س -وأين أصحابها؟ جـ -أراضي مفتوحة يسألا أصحابهاعنها كل عدةسنواتا وقديسألون هاتفيا ً على البعد. س -وماذا يفعلون للاستيلءعليها؟ جـ -بيع وشراء صوري،وعمل صحة توقيع بالمحكمة ثم إعادة بيعها لشخاص آخرين. س – ودورسليمان فياض؟ جـ -تسهيل المورمع الكبار ،وفرض الحماية ،وتوجيه النظر إلى أراضي بعينها،وغيرهذا تجارة الممنوعاتا وآخرها البانجو؛ وأخيرًاحض المجرمين على نشرالرهاب في أبي تلتا. 162
س – جاء في أقوالا المتهمين أن المحرض كان أنورسليمان ومحمدأبوليلة .فما دخل فياض؟ جـ -بتوجيهاتا منه. س – وحكاية السيد محمد رضوان القتيل؛ ماذاتعرف عنها؟ جـ -تعودتا السليمانية الستيلءعلى الراضي ،إما بوضع اليد على أراضي لها أصحابها ،وإعادة بيعها بأوراق ملكية مزورة ،أوبتخويف أصحاب الرض في اليام الخيرة ،لعلمهم أن هذه المنطقة ينتظرها مستقبل جيد ،خاصة أن القرى السياحية امتدتا على طولا الساحل الشمالي ،وقد بدأ الخوف يسري في قلوبهم ،خشية أن تبدأ الدولة في بيع الراضي المملوكة لها إلى مستثمرين يحولونها في هذه المنطقة إلى قرى سياحية مثل الراضي الخرى ،لذلك قررتا السليمانية إقامة مشروعاتا أو أبنية سكنية بسرعة حتى ليستطيع أحد أن يأخذها منهم ، لكن أرض السيد محمد رضوان كانت عقبة لوجودها وسط الراضي؛ وهم ليستطيعون التنفيذ بدونها حيث يريدون أن تصبح الرض كلها أبنية؛ لذلك ذهب إليه وإثنان؛ محمدأبوليلة ومعاطي سليمان. س – لماذا؟ جـ -طلبا منه أن يبيعهما أرضه فرفض وحدث ماحدث. س – وبهية ماموقفها؟ جـ -قتل زوجها أمامها بيد أقاربها. س – قلت أمامها ،كيف عرفت أنت؟ جـ -أولدهم زملء أولدي في المدرسة وأصحابهم؛ حكوا لهم الموضوع بكامله. س – ولماذا لم تبلغ بماعرفت؟ جـ -قلت للضابط سامح و انتظرحتى يمتلك أدلة كافية خاصة في موضوع الراضي والتجارة الممنوعة .قائلً أن موضوع القتل وراءه أشياءآخرى وأنه نسق المرمع رؤسائه. س – وأرض السيد رضوان ماذا تم فيها؟ جـ -حاليا ً ضموها للسليمانية. 163
س – هل لديك اقوالا آخرى؟ جـ -ل. وقع الشاهد على أقواله وأغلق المحضر في ساعته وتاريخه .
164
)(19 مابعد الحكم
مرتديا ملبسه الرسمية غادر سامح منزله في سابا باشا قاصداً المديرية صباحا تنفيذا ً لستدعاء جديد يعرف هذه المرة سببه ويسعد به ؛ فقد انتهت القضية كما أراد لها وكما تمنى بالضبط وساعدته القياداتا في هذا وكانت هى السابقة له في التنفيذ وفي الصرار على انهاء المر بأقصى 165
قدر ممكن من الحسم نظراً لما كانت عليه تلك الحارة ومن فيها من الوجوه التي ظنت طويلً أنها تملك الكون . دخل المديرية واتجه فوراً إلى العميد سمير الذي تابع معه من البداية خطواته وتدابيره وشاركه في وضع السيناريو الختامي للقضية كلها ، أدى التحية للرجل الذي رافقه فوراً إلى مدير المن الذي إستقبله بنفسه ليشكره على إنجازه. قالا الرجل بوضوحا -: نحن نشجع أمثالك وندعو إلى معاملة حضارية لكل من يتعامل معنا؛شعورالنسان بكرامته هوالذي يصنع المم؛ لذلك حينما قرأتا محضرالتحقيق معك وما لدينا من معلوماتا عنك قررتا الوقوف معك؛ أولً لنهاءهذه القضيةالتي طالت بلداعي ؛ وثانيا ً تشجيعا ً لك ولعلمك فالتعليماتا المرسلة لرجالنا في كل المواقع هي إعتبارالعنف هو الخيارالخير .إل إذابدأهم أحد بالعنف ففي تلك الحالة عليهم بالرد وبأقصى مايستطيعون. قالا سامح :اشكرلسيادتك إستقبالي وأعدك ببذلا الجهد في عملي، والمتهمون يافندم ؟ تبسم الرجل بثقة وهو يقولا :جميعهم اعترف خاصة فياض سليمان وقدموا للمحاكمة. ثم أردف إيذانا ً بالنصراف :إذا احتجت شيئا ً بابي مفتوحا لك. ... في طريقه إلى الطريق السريع قادما ً من شارع أبي تلتا رأي عائشة أمامه قادمة على مهل متجهه إلى حارةالسليمانية ،توقف بعربته أمامها وعيناه تحملن قدراً من الحزن لجلها. قالا :أستودعك ا يا دكتورة . إتسعت عيناها وهي تراه يحادثها ؛ رجلها الذي أحياها مرة وقتلها الخرى ..لم تدر هل تشكره أم تلومه ،تكرهه أم تحبه ،أم ماذا ؟ دكتورة عائشة .أتمنى أن تفهمي موقفي كما ينبغيظلت تنظرإليه دون رد .أكمل: 166
أرجو ألتحملي لي كرها ً ؛ كنت أؤدي عمليلم ترد .قالا -:أراك على خير كادتا تهمس :إلى أين؟ غيرأنها صمتت ،شيء ما منعها؛ رأتا الصمت ملذاً فظلت بين أحضانه واكتفت بمتابعتة من خللا دموع لتدري لما نزلت بهذه السرعة ولماذا ؛ وإن كانت تعرف جيداً أنها تفكر كثيراً فيه. ... عاد إلى البيت حاملً على صدره وسام الرضاء ،معتزاً بعمل بذلا فيه الجهد وجزاه ا سبحانه عنه خير الجزاء ،توجه لوالده راغبا ً فى التحدث معه ،رآه ممسكا ً بجريدة ينظرمتسع العينين في خبربذاته فيها . قالا باسما ً -:ترى ماهوالخبرالذي فعل بك هذا؟ قالا والده -:المتهمون في قضيةأبي تلتا !! اكتسى وجهه بالهتمام :مالهم؟ حكم لهم بالبراءة! بماذا؟ ...كيف..من؟ تمالك أعصابكصرخ :لن أسكت و استدارخارجا ً لحقه صوتا والده : إلى أين ؟ قالا وهو يهرولا قاصداً أبي تلتا من جديد : المعركة لم تنته بعد ،لبد أن أكون هناك !تمت بحمد ا السكندرية 2/4/2018
167
فهرس
.1 .2 .3 .4 .5
الهاربة حميدة وتاريخ الحارة عودة سالي الوعد المحنة 168
.6 .7 .8 .9 .10 .11 .12 .13 .14 .15 .16 .17 .18 .19
زيارة ليلية دعوة والقبولا بيت الصائغ الرهابي الخطير انور والموتا أولا الخيط نقطة خلف المواجهة لفح النيران مذاق الفشل المملكة الحصار دوي السقوط مابعد الحكم
169