بسم هللا الرحمن الرحيم
فاطمه تعيش الحلم مجموعة قصصية
محمد عباس على داود فهرس
-1اللغز -2فاطمه تعيش الحلم -3تراتيل اإلنتقام -4تحت الصفر -5الد قات األخرى -6الملكة -7صديق مسعود -8صورتها -9وسط الظلمة -10حمامه السالم -11حمار أم محمد -12اطول محمود فى التاريخ -13الساعى
-14المنطقة الخطرة
-1اللغز شده صوت منصور من شروده -: دكتور ..هل أحضرت التصريح الخاص بموافقة السلطات؟تم االستعداد لكل شىءرد فورا وهو يغرز نظراته فى حبتى عينيه هز رأسه الضخم راضيا ..تابع الدكتور قفاه وهو يستدير عنه ،رغم نفوره منه وشعوره كلما رآه أنه بين لحظة وأخرى سيتناثر التراب من خاليا وجهه ويديه ،أو يخرج له من جيب جلبابه الباهت الزرقة جمجمة غائرة العينين والوجنات ،اال أنه هو ذاته الشخص المطلوب بصفته مندوب إدارة المدافن الذى سيتعاون معه ،بهدف تسهيل إجراء تجربة علمية تستخدم فيها أحدث التقنيات لبحث ماهية الروح ،وطريقة مغادرتها البدن ،والتغيرات التى تطرأ على الجسد بمجرد تجرده منها وتحوله الى مادة خالصة. بدأت الترتيبات حسب الخطة التى أعدها فريق البحث بواسطة الحاسب اآللى ..األالت ..التوصيالت ..اإلضاءة ..الكشافات األساسية ..الكاميرات ..أجهزة التسجيل ..جهاز اإلنذار الفرعى ..وأخيرا جهاز اإلنذار الرئيسى الذى ماإن يضغط على زره األحمر حتى يقوم بالغاء العملية بالكامل .تحرك الدكتور متابعا مايجرى ..اصطدمت عيناه بعينى مندوب إدارة المدافن المعلم منصور شيخ الترابية من جديد ..عيناه واسعتان .حدقاتهما بهت لونها وصار قريبا من الطين ..كلما نظر اليه شعر فى نظراته بسخرية متواريةخلف قناع من ثلج .مالمحه متجمدة على تعبير اليتغير ..يشعر وهو ينظر اليه أنه إما إبله اليفقه شيئا أو هو رجل
عميق الغور يخفى مشاعره وأفكاره فى الوقت الذى يقرأ فيه مابداخلك ..باغته صوته متسائال:- هل تشعر أنك ستصل الى شىء؟عاد يغرز نظراته فى بؤبؤ عينيه ..العينان فيهما دهشة سرمدية التغيب ..قال له -: ال أعرف إن كنت ستفهم أم ال ..لكن العلم فتح كل األبوابتركه المعلم منصور الى المقابر المتناثرة حولهما ثم عاد متسائال:- حتى باب المقبرة ؟اتسعت عينا الدكتور وتاهت فى سراديب سؤاله المباغت ..هل يعرف ماهية هذه المهمة ؟..حاول العودة من رحلة شروده اليه.-: ماذا تقصد ؟حدقت العينان الواسعتان فى وجهه وسمعه يقول:- أقصد سالمتك داخل المقبرةإهتز قلبه بعنف فى فراغ صدره وتداخلت دقاته ..هز رأسه محاوال التشبث بالال مباالة وهو يسأل راسما بسمة استخفاف على شفتيه:- ما الذى سيجرى ؟باغته الرجل بسؤال :-الم يقل لك الكمبيوتر ؟ أدار وجهه عنه ..تشاغل بمتابعة التجهيزات مع طاقم الفنيين ..ارتفع صوت الرجل بسؤال جديد:- واذا حدث لك شىء بالداخل ؟إمتأل صدره ضيقا منه ..استدار اليه ووجهه ينطق بحقيقة مشاعره:- ماذا تريد ؟لم يبال بقراءة مالمحه ..قال بقوة:- تكتب إقرارا بإخالء مسئوليتى تماماأدار وجهه عنه :-لك ماتريد. ومضى الى الملف الذى يضم تفاصيل العملية ..راجع وضع اآلالت ومكان الجثة القادمة وكذلك الغرفة الزجاجية الصغيرة التى سيجلس فيها داخل المقبرة للمراقبة وتسجيل المالحظات ..باغته صوت منصور:- ستبدأ اآلن ؟من فوق إطار نظارته الطبية رماه بشرر نظراته قائال -:
أنت تابع تنفذ مانريد ..حينما نريدواستدار عنه ..التجربة أجريت من قبل فى ظروف مشابهة للواقع ..وضعت األالت الالزمة فى إحدى المقابر ..تم دفن ميت فيها وأُعيد إغالقها ،لكن األالت فشلت فتقرر أن تعاد التجربة على أن ينزل الدكتور بنفسه مراقبا ، وبدال من وضع ميت سوف يوضع رجل قارب على الموت لتصبح التجربة أكثر صدقا ويصبح والموت وجها ً لوجه ..لكن هل يمكن رؤية الموت ؟ رفع عينيه عن الورق ..وجههما ال أراديا الى منصور ..اإلنسان ابن بيئته وهذه حقيقة ..هل يدرك ماهنالك بحكم معايشته للموتى؟ ..سأله فجأة :-هل رأيت الموت من قبل ؟ الحظ فى تعبيرات وجهه الثلجية تموجا ..تحركت األجفان وفتح الفم عن أسنان مثرومة وبرقت عيناه قائال ً:- انا فى شبابى كنت أعمل بيدى ..أفتح مدافن المنطقة ..أعرفهاورأيت منها الكثير ..الميت الذى أرقدته ووجهت وجهه للقبلة وبدأت أفك كفنه فاذا بعينيه مفتوحتين ينظر الي متسائال ؟ ..أين انا ..والميت الذى التقطه من يدى ثعبان فمه باتساع فتحة المقبرة ..والميت الذى اشتعل نارا بمجرد وضعه فى مضجعه ،والميت الذى رأيته هيكال عظميا راكعا على ركبتيه مستندا بيديه بانحنا ء جذعه على الجدار ماجرى له وحده فى الظالم ..هذا الميت بالذات أفزعنى ..فهمت .لحظتها كان المفروض أن أزيح ومحاولته الفرار من الموت. جديد ..لكننى توقفت وانا أرى هذا العظام القديمة استعدادا لقادم الهيكل ناشبا أظفاره فى الجدار مكافحا الفناء حتى أخر لحظة من عمره ماأملك من مشاعر فجرها هذا المنظر فى صدرى ..صرخت بكل كما لم أره من قبل. وتمثل لى الموت أُعلن عن وصول سيارة اإلسعاف بالمطلوب ..لمعت عينا الدكتور ومرت رجفه على جفنيه ..الحظ منصور هذا ..رآه يتحرك نحو رجال قادمين يحملون شخصا على محفة تحيط به األجهزة متجهين به الى الداخل ..قال أحدهم أنه غائب عن الوعى منذ شهور ..يعيش على أجهزة التنفس الصناعى ..قلبه التكاد تسمع دقاته ..أهله انصرفوا عنه بعد أن كلفتهم اقامته بالمستشفى كل مالديهم ..قرر األطباء رفع أجهزة التنفس عنه وافقوا على االنتفاع به فى التجربة مادام مصيره قد تقرر ..توجهت المحفة الى
داخل المقبرة ومعها األالت وأجهزة قياس الضغط واشارات المخ والقلب وما اليها ..إندس المعلم منصور بين األجساد الى حيث رأى وجها شاحبا يتطلع اليه ..سأل :-دكتور ..ماذا ستفعلون بهذا الرجل ؟ لم يبال به عاد يسأل :-هل ستتركونه يموت ؟ استدار عنه ..لحظة رفع أجهزة التنفس الصناعى تقترب ..عليه اآلن أن يهبط الى المقبرة ..يتحصن بصندوقه الزجاجى ..يراقب بعينيه ويسجل مالحظاته ..لكن لماذا يرتجف وتصعد من جوفه هزات متوالية تمنعه من الحركة ؟ ..سمع صوتا يناديه ..تزلزل جوفه ..بذل جهدا ليقول أنه جاهز وتقدم نحو المقبرة ..مد ساقا للداخل ..لم تطاوعه األخرى وغارت الدماء من وجهه ..أدار نظراته فى األجهزة واآلالت والجسد المسجى والغرفة المحصنة بزجاجها الشفاف ثم تقدم الى حيث جلس فى مكمنه مراقبا ً الباب وهو يغلق واألنوار الصناعية وهى تمأل المكان بيضاء زاهية تتربص بالموت وتستعد له ..اتجهت عيناه الى عدادات القياس أمامه..المؤشرات ..القراءات ..الكاميرات المثبتة فى األركان وشاشة الكمبيوتر التى تتلقى البيانات اوال بأول ..مد يده الى زر أزرق أمامه ..ضغطه بعزم ليفصل فورا أجهزة التنفس الصناعى ..اتسعت عيناه وهو يرى الجسد الذى كان ساكنا منذ شهور ينتفض انتفاضة ملحوظة فى أقل من ثانية قبل أن يهمد الى األبد وتتحرك أجهزة القياس امامه ..تجحظ عيناه ،يرتعد جوفه ..يحاول أن يتحرك فى مكانه ..يضغط على أى زر ..يصرخ حتى ..لم يملك اال إذعانا كامال لسطوة شلل مفاجى ينشب اظافره فى ثنايا عقله. اما فى الخارج فقد استمر سيل الصور القادمة للجثة وماحولها ،والقراءات والبيانات المعتادة تمأل شاشة الكمبيوتر ،مما يعنى أن كل شىءتحت السيطرة ..انتهت التجربة..فُتحت المقبرة..كان مكانه..سألوه عما كان ..لم ينطق بحرف ،وحتى اآلن ماتزال المحاوالت جارية معه! .................................
-2فاطمة تعيش الحلم القت فاطمة بناظريها عبر النافذة الى الطريق ..من وراء الستار نصف الشفاف رأت زفة العروسين ..نوال عيناها تقوالن أنها هائمة فى سمائها ، تعيش واقعا كان حتى األمس حلما ،تعيشه وتتشربه حتى الثمالة والتشبع منه ،وهاهى البلدة كلها تعيش فرحها ،تنطلق الزغاريد وتعلو الضحكات ويستمر الغناء مدويا محيطا بالعروسين . أما هى فتقبع هنا فى حجرتها ،من وراء الستار تتابع الموكب ،الخيل ترقص وسط الساحة ،التصفيق يعلو ،صوت الطبول يدور ،يعقبه بين الحين واآلخر طلق نارى يهز قلب الليل .
تترك النافذة الى الداخل..من خلف الباب الموروب تلمح النسوة يمألن صحن الدار ،يرسمن بأجسادهن دائرة تتوسطها إحدى الفتيات ،الفتاة حزمت وسطها بمنديل رأس أبيض ذى نقط سوداء ،اندمجت فى الرقص على أنغام طبلة تدقها بمهارة فتاة أخرى ،بينما ثالثة ترفع صوتها بالغناء والكل يردد خلفها ماتقول .وسط الحجرة تقف فاطمة محاصرة من الباب والنافذة ، مقيدة بدموعها ،تمسك بمنديل أصفر تمسح به وجهها ،ترمق الباب الموروب بحذر خشية أن تدخل إحداهن عليها وترى مابها ،تبتعد عن مرمى النظر عبر النافذة حتى التخترقها عين متلصصة ،وفى ذات الوقت تخشى الخروج حتى التفضحها قسماتها الناضحة بما تطويه فى صدرها ، تقف شاعرة أن األلم حينما نكتمه فى صدورنا يكون نارا تنهش ،عواصف تضرب ورياحا الترحم ،تتساءل كيف تواجه األعين بالخارج ومن أين تأتى بإبتسامة تلقاهم بها ؟ طال الوقت وهى على وقفتها ،فكرت فى الخروج من جديد لمتابعة الفرح ، مد ت يدا واجفة تمسح بها الدموع من فوق شقوق وقسمات وجهها الذى يبس من الخروج فجر كل يوم الى الطريق ،حيث لسع الهواء وسياط البرد والظلمة التى تسير معها ،التسمع اال نباح الكالب تشيعها الى محطة السكة الحديد ،بحملها من الجبن والزبد والبيض لتركب القطار ماضية الى المدينة ،حيث السوق ومعارك لقمة العيش . مضت الى المرآة المشقوقة من منتصفها فى واجهة الدوالب القديم تحدق فيها ،رأت وجهها مشقوقا نصفين ،نصف تحوم حوله الظلمة ،تلبس عينه لباس الهموم والشقاء اليومى ،وحمل ثقل أسرة بكاملها تركها عائلها ومضى ،لتقوم -هى اإلبنة الكبرى -مكانه دون أن يخطر على بالها أن من حقها أن تعيش الحلم ولو لحظات ،تنسى الدراسة التى كانت تدرسها فى مدرسة القرية ،وتفوقها ،ونظرة المعلمين والمعلمات لها ،وتنبأهن بمستقبل ينتظرها ،والترى اال أم محمد جارتهم وعملها فى سوق المدينة ، واقتراحها بأن تنضم اليها ليستمر البيت مفتوحا ،حاولت اإلعتراض والرفض ،صدمتها أمواج الحقيقة العاتية بعنفوانها ،والبيت الخالى اال من أنفاس أخوة ينتظرون الطعام اليوم وليس غدا ..بينما تبدو العين األخرى والمواجهة للنافذة فى بهاء النور تحلم وترجو كما تشاء وهى ترى نوال تتزوج..نوال الصغيرة التى تركها أبوها طفلة تجرى فى حوارى القرية وبين
الغيطان التدرى من أمرها شيئا ،نوال التى كانت تهرول نحوها وهى
قادمة من السكة الحديد تحتضن ساقيها وتسألها عما أتت به من حلوى !. تتنهد فاطمة فى شرود ..اآلن تسكن وحدها تلك الحجرة مع الليل والظلمة والعمر الذى يذوى أمام عينيها ،و تجف أوراقه فى سكون كانه يعرف قدره ويرضى به والينتظر من الحياة غيره ،ماذا لو تقدم لها حمدان بائع الخضر فى السوق ؟ هو مثلها فرع شارد يضرب فى الحياة وحده بغير جذور ،ترك دراسته هو أيضا من أجل لقمة العيش ،عمل بنقل الخضر بعض الوقت قبل أن ينضم لزمرة البائعين ..عينه عليها منذ رآها ألول مرة..هل تحادثه ؟..ل َم ال ؟ هو رجل حقيقى وسيقدر لها هذا ..المرأة الشريفة تختار لنفسها ..هكذا فعلت السيدة خديجة ..مادام الرجل يستحق ويفهم ويقدر مافعلته ..هزت رأسها رفضا وهى تتمتم ..ال ..ال ..منذ متى فى عرفنا طلبت المرأة الرجل ؟. لو حدث هذا لن يصدقها ،وربما ظن بها الظنون .حتى إن لم يحدث هذا لن ينظر لها بذات نظرته الى إمرأة سعى هو اليها وبذل جهده لينال رضاها .لن تحادثه أبدا ،أبدا .واستدارت الى الخلف ،كان قلبها فى معركته داخل صدرها يلهث مواصال األنين خلف دموعها ،همست لنفسها فى حزم ليس اليوم يافاطمة ،األعين المتلصصة وخاصة اليوم لن تتركك ،مؤكد غيابك سوف يثير االنتباه ،الكلمات سوف تتأجج نارا ..ثم أن المدعوين جاؤا ألجلك أنت ،الفرح فرحك ..أنسيت ؟ ..فرحى !! تهمس الكلمة ،تهتز لها ، تراها تتردد فى أعماقها وصداها يضرب جدران صدرها ،تهز رأسها بقوة وهى تهمس للفراغ بل هو فرح نوال ..تنتفض على صوت مدو ينطق باسمها من خلف النافذة ،تنصت الى حروفه الزاعقة وجلة ..تمسح وجهها وعينيها بسرعة ،تحاول تمالك صوتها وهى تقترب من الستار نصف الشفاف ملبية -:من ؟ ضيوفترفع الستار ،يمأل النور جليا واضحا الحجرة ،تبحث بعينها فى الفضاء الممتد أمامها ،يواجهها جسد فارع الطول يكسوه جلباب صوفى أزرق ، تعلوه ناصية عريضة تزينها عمامة ناصعة البياض ،وعينان نظراتهما نفاذة تحدقان فى عينيها بذات النظرة التى تعرفها ..تترك عينيها أسيرتين لعينيه قليال قبل أن تسمع صوته يعلو مرفرفا بجناحيه بقوة فى وجهها-:
سترحبين بضيفك من الشباك ؟ من؟تساءلت وهى تشعر بعجزها عن مالحقة دقات قلبها وهرولته فى فضاء صدرها ،وتخشى أن تطغى دقاته على صوت الطبل والمزامير و طلقات النار ،ذلك القلب الذى كان منذ برهة واحدة ينزف أنينه تبدل حاله فى لحظة وعرف معنى الفرح ،حاولت مداراة إنهمار مشاعرها و التحكم فيها لتمضى على مهل ،لم يسعفها الوقت لهذا ،ضحكت عيناها ..شفتاها ..جوارحها وهى تراه حقيقة أمامها ..تلقفت عيناها نظراته..احتضنت نظراتها عينيه.. نطقت حروف إسمه كما لم تنطقها من قبل -: حمدان!! انتفضت لسماع أصوات بعض النسوة وقد اقتحمن الحجرة فجأة يسألنها مالك يافاطمة ؟حدقت فى أعينهن شاردة قبل أن تستدير الى النافذة من جديد باحثة عنه .
-3تراتيل اإلنتقام
قصة قصيرة
هرول مبتعدا قدر اإلمكان عن ذلك البيت ،الصورة التى رآها تطارده ،تدفعه دفعا الى أتون تتأجج نيرانه ،يتلظى فيه دون أدنى محاولة منه للخالص ، يندفع ويندفع اليه بكامل رغبته ،حامال فى عينيه آثار نيرانه ورماد قلبه .الذى احترق مذ رأى ذلك المشهد فى غرفة النوم ، الطريق أمامه يمتد وسط ظلمة متكاثفة تتراكم فوق رأسه ،تخنق أنفاسه وتنفذ الى تالفيف دماغه فال يرى مما حوله اال سوادا ،يجتاحه شعور جارف أنه وحيد خائر بال حول ،لم يملك القدرة على المواجهة ،ولم يتصرف التصرف الفطرى الذى كان ينبغى عليه فعله وهو يرى اإلثنين معا ، صورتهما لم تكن أدمية بالمرة ،لحظتها رأى وجوها مشوهة تستحلب العذاب ال اللذة ،وجوها فى أعينها لهب الخوف ال الرغبة ،وعلى قسماتها تعبير األنين ال المتعة ،لحظتها ال يعرف كيف نظر اليهما بنظرة طبيب يفحص مرضى ،البنظرة زوج اكتشف للتو أنه مخدوع ،تأمل وجهها المواجه له ،وكرمشة قسماته ،وجفاف جلده ،والبؤس الذى يعتلى مالمحه ،والذل الذى ينضح من عينيه ،ورأى اآلخر الصياد الغبى الذى استباح
عرضه وهو يلملم نفسه وحاجياته ،منسحبا بال حول تاركا الفريسة تواجه مصيرها ..هل تدرك هى معنى هروبه فى تلك اللحظة ،هل تفهم جيدا معنى أن يتركها وحدهاتواجه مصيرها أيا كان هذا المصير ويهرب ،هل مرت بها ولو للحظة واحدة أحاسيس الندم على ماجنته ؟ هز رأسه مرات فى وجه الظلمة حوله رافضا تلك األفكار المثلجة التى تهب على فراغ رأسه ،البد لألعاصير األن أن تتواجد ،تكتسح ماعداها ،تدك دماغه دكا ،ال أن يحلل ويبرر أمورا ليس لها تحليل ..كان يجب قتلهما معا ،أو على األقل أن يثور ، يصرخ ،يضرب ،يكسر ،أو حتى يطردها من البيت الذى دنسته ،أما أن يقف فاتحا فاه ملقيا بنظرات بلهاء مثله على المشهد الذى تجمد أمامه فهذا مااليملك له تفسيرا حتى اآلن ..غريب أن تفعل شيئا دون أن تملك القدرة حتى على فهم أو حتى إدراك لماذا فعلت هذا ،كأنك شخص آخر وشخصية أخرى ولست نفسك ..وقد فوجئت هى به ،تصلبت نظراتها على وجهه ولم تقو على فعل شىء ،مكتفية بالقاء ذراعيها الى جانبيها فى تسليم بنظرات ذاهلة مغيبة غير ذات معنى بالمرة ..الغريب أنه انتبه جيدا فى تلك اللحظة أن وجهها يحمل كما من القبح المثيل له ،كيف يكون الجمال قبيحا الى هذه الدرجة ؟ الوجه الذى كانت تتيه به وترعاه لم يكن لحظتها أكثر من لوحة باهتة األلوان منفرة الى أقصى درجات النفور ..لحظتها رمتها عيناه بكل مايملكه من إحتقار وإزدراء وكراهية ،هب الرجل وقد شعر بقدومه واقفا محاوال اإلستتار ،كان كل همه الحصول على مالبسه ،غير أنه حرمه منها ،اضطر لسحب أحد األغطية وهرول هاربا متعثرا فى ذعره ..اعتدلت وعيناها مصلوبة النظرات على وجهه ماتزال ،قذفها ببصقة حملها كل مشاعره ومضى عنها الى الطريق ومالبس اآلخر فى يده ،اليدرى كيف أخذها أو لماذا أو حتى هل أخذها أم ال ،اليعرف حتى كيف أو لماذا تصرف هكذا ،هو يعرف جيدا أن العنف ليس من شيمته ،لكنه يعرف أكثر أن الرقى ليس معناه فقد اإلحساس خاصة فى موقف مثل هذا ..لقد اكتشف اليوم أنه جبان ، .بالتأكيد إحساسه مفقود واال كان قد قتلها واستراح لكن هل القتل هو الحل ،تضيع حياته بسبب جريمتها ؟ ..برقت عيناه وسط الظلمة
وماجدوى الحياة بعد ماجرى ؟ أدار عينيه يمينا وشماال باحثا عن نقطة ضوء هنا أو هناك ..ومالذى جرى ؟ .إمرأة خانت األمانة ..يطلقها وينتهى األمر .أى أمر ذلك الذى ينتهى ؟ لقد ضاع شرفه ،مرغته بفعلتها فى الوحل هذا تبرير الجبناء معدومى اإلحساس ،الذين سرقت المدنية نخوتهم ،ورد فعل الصدمة ذاتها أبان عما بداخلك ،أنت لست رجال .توقف وسط الطريق .رغما عنه صارخا...ال ..الرجولة هى حسن التصرف وليس فقدان العقل غير أنه عاد وأحنى رأسه فى تسليم وماذا ستفعل اآلن آيها العاقل ؟ لم يجد .فى رأسه شيئا محددا .أكمل السير ............... القى بجثته على حافة مقعد قابله فى نقطة ضوء تائهة وسط الظلمة ،أدار عينيه حوله ،مقهى متهالك المقاعد واألركان ،صاحبه عجوز يجلس خلف طاوله عجوز مثله ،ليس هناك فى المكان غيره ،رماه بابتسامة حانية دون .أن ينطق بحرف وعاد يحنى رأسه على صدره فى تسليم تركه الى الطريق وبقاع الضوء المتناثرة هنا وهناك ،سأل نفسه كيف لم يلحظها ،الظلمة تحولت معها الى عتمة ،هنا الظلمة تالشت رغم ضآلة النور المنبعث من تلك اللمبة المكسوة بالغبار وسط السقف ..انتبه على :صوت العجوز يأتيه متكاسالقم يابنى اعمل لنفسك كوب شاى مازالت البسمة الحانية تكسو وجهه :ترك مقعده الى طاولتهاحتاج اليك
اتسعت عينا الرجل قليال عن ذى قبل ،تحول الحنو فى نظرته الى تساؤل دون أن ينبس بحرف لدى مشكلة - تكلم يابنى - روى له مارآه ،وكيف تصرف لحظتها ،وشعوره الذى يكاد يقتله ألنه لم ينتقم لشرفه ،وضياعه اآلن وهو يحس بالعار لعجزه -فى اللحظة الحاسمة حينما رآهما -أن يتصرف تصرف الرجال ويقتلهما ،وسيره على غير هدى اليدرى الى أين وال ماذا يفعل .وتدافعت الدموع رغما عنه الى مآقيه لتغسل وجهه ،تمتزج بكلماته ،وتكفن نظراته ،دون أن يتدخل العجوز أو يطلب منه الكف عن البكاء ،الى أن هدأت ثائرته وغاص فى صمت طال بعض :الوقت قبل أن يتنهد العجوز متسائال وعيناه الرماديتان تحدقان فى عينيهوهل اذا اقترحت عليك حال ستنفذه ؟ :قال جادانعم :همس العجوززوجها له - :انتفضلمن ؟ - :رد العجوز بذات هدؤهلصاحبها - :-تفجرت براكين حيرته ورفضه لهذا المقترح المجنون وصرخ
انا ؟ - :هز العجوز رأسهنعم انت :ثم أكملاذا أردت اإلنتقام - تعملقت الثورة أكثر فى صدره وتفجرت ينابيع الحيرة فى عينيه -كيف ؟ الخيانة يابنى مثل النار تأكل نفسها أن لم تجد ماتأكله - .تركه وعاد بعينيه الى الطريق هذه المرة انتبه جيدا الى بقاع الضوء المتناثرة ،التى حولت الظلمة الى .عتمة شفافة رأى فيها موطأ قدميه عاد السؤال يراوده من جديد ،لماذالم ير بقاع الضوء وهو قادم ؟ دارت عيناه هنا وهناك ،هناك مناطق مظلمة الترى فيها اال سوادا ،مناطق أخرى بين بين ،و مناطق ثالثة يغشاها الضوء فال تخضع لمنطق الظلمة ..لكن كيف يزوجها بنفسه ،وماذا سيقول الناس عنه ،هى نفسها ماذا ستقول ؟ مؤكد ستجزم ويجزم الناس معها أنه ضعيف خائر ،خسر معركته ،وخضع .لخصمه ،وسلمه شرفه بال ثمن !!شرفه ؟ ومضت الكلمة فى فراغ رأسه مبهرة ،حولت الظلمة الى نور فورا ..وهل ماحدث فيه شرف ؟ اذا كانت أجرمت فال أقل من أن تدفع الثمن ،وألنه اليملك الدليل المادى على .إثبات جرمها اآلن فال أقل من أن يطلقها
لكن هل يتركها لآلخر ،يقدمها لقمة سائغة لغريمه كما قال العجوز ؟ حدقت عيناه فى بقعة شفافة الظلمة تشى بالنور ،همس وهو يحدق فى ثناياها -: وهل هى لقمة تستحق التضحية ؟ .هز رأسه سلبا ..أكمل أنها لقمة مسممة تحولت عيناه الى النور من جديد عائدا الى داخل المقهى ،منبسط المالمح ، متألق العينين ..إذن حين تقدمها لآلخر لن يكون بهدف التسليم ،ولكن :التسميم ..عال صوته بقوة وحماسصدقت آيها العجوز- ومد يده بما فى جيبه من نقود اليه ،تبسم الرجل بذات هدوئه القديم ،أشاح :بيده .ياولدى ،المعروف جزاؤه ليس هنا - :لمعت عيناه بتساؤل جديدأين ؟ - :أشار الرجل الى أعلى ثم أكمل بذات هدوءهفى رعاية هللا ياولدى - ........................ عاد يدق على األرض بأقدام ثابتة الى البيت ،كانت الظلمة تهيمن على األرجاء رغم األنوار المنتشرة فى الحجرات والردهة ،ظلمة حاصرت عينيه فرأى ماحوله كله سوادا ،فتح باب حجرة النوم ،لم يطق دخولها ،نظر بسرعة فى أرجائها ،عاد الى الطريق ،هو يعرف مكانها ،بالتأكيد عادت لبيت أبيها ،البيت قريب ..قبل أن يمضى اليه رأى اآلخر أمامه ،شريكها فى :الجرم يقف أمام الباب متحديا ،قبل أن ينطق بحرف واجهه بسؤال محددهل تريدها فعال ،هل تتمنى الزواج منها ؟
صمت اآلخر قليال مكتفيا بالقاء فكه األسفل الى أدنى ،فاتحا عينيه على :اتساعهما ،صالبا نظراته على الوجه الجاد الذى يحادثه ،همس أخيراماذا قلت ؟ :أعاد عليه ماقال ،بعين الريبة أشارنعم اتفقا أخيرا على ذهاب الزوج أوال الى بيت أبيها ،على أن يلحق به ،ويقف أمام الباب فى انتظار إشارة منه بعد تمهيد الطريق باسلوب يحافظ على سرها ،وفى ذات الوقت يبرر انسحاب الزوج وافساح الطريق لآلخر ليحل محله .. :مضى فورا ،دق الباب ،فتحته بقوة ،حدقت فى عينيه متحديةماذا تريد ؟ :رد بهدوء واثقأريدك عال صوتها وقد تقلصت مالمح وجهها ،فبدت فى شكلها الجديد مخلوقا آخر لم يعرفه من قبل ،مخلوق مشوه المالمح ،ضائع الحدود ،نفرت عروق رقبتها ،وانطلق الشرر من حبتى عينيها وانا ال أريدك - رد بذات هدوءه متسائال -:تريدين اآلخر ؟ :استدارت اليه ،واجهته بقوةنعم أريده ،وسأتزوجه :أدار نظراته فى المكان ،ال أحد سواها ،عاد يسألأين والدك ووالدتك وأين إخوتك ؟
:ازداد صوتها حدة وهى تصرخكلمنى أنا بل هم أوال ومضى يدق األبواب المغلقة ،ينبه ويوقظ النائمين ،قامت الوجوه غافية المالمح ماتزال ،بدلت نظراتها بينها وبينه باحثة عن معنى لما يجرى ،قال :مختصرا الموضوعإبنتكم طلبت الطالق ألنها تريد الزواج من آخر ،وهى اآلن تتحدانى وتقول .أنها ستتزوجه عاد صوتها يعلو -:و سأتزوجه رغما عنك أدار عينيه فى الوجوه التى أفاقت واستوعبت -أو تكاد -قشورا من مالمح األزمة الحادثة ،شعر أن األمر هكذا يسير فى ذات الوجهة التى يريد ،رآها تمضى الى حيث تجلس متحفزة النظرات بجوار أمها ،بدت المالمح متقاربة بين اإلثنتين وإن كانت لألم قسمات منبسطة رغم تجاعيدها ..وقف أمامها سأل بذات هدوءه -هل أنت واثقة أنك تريدين الزواج منه ؟ هزت رأسها بتصميم -:نعم قام الى باب الشقة ،فتحه ،دخل اآلخر مطأطىء الرأس ،تفجرت بحور الدهشة فى عينيها ،كادت حدقتاها تخرجان من محجريهما وهى تتابعه داخال :ورأسه على صدره فى صمت ..صرخ والدهامااألمر ؟ وهو يجذبه من يده بقوةطالبا منه أن يفسر له الموضوع ،استدار اليه :بسرعة وعال صوته :إبنتك تريد الطالق ،وتصر عليه لتتزوج من هذا الرجل .عاد الى إبنتههل هذا صحيح ؟
:خرجت الكلمات بالكاد من شفتيهانعم- :تدخل الزوج فوراوانا بصفتى زوجها الحالى أوافق على طلبها ،وأتمنى لها أن تحيا بقية .عمرها مع هذا اآلخر :وعاد اليهات طالق أن ِ !! واتجه الى الباب ،فتحه ،وخرج
-4تحت الصفر هلع أخذ يستنشق التراب والهواء وهو يهوى ،ينزلق ألدنى ،يرسل نظرات ٍ تصطدم بالظلمة ،الى أن استقر جسده كومة جنينية الشكل فى مكان ما ، بالم ينبض به جسده ورأسه ،وهو اليدرى هل هبطت به األرض شاعرا ٍ فهبط معها ،أم فتحت فيها هاوية ابتلعته ..أرسل بصره فى ذات اإلتجاه الذى انحدر منه ،نور بعيد ضئيل يترنح ،يبدو كشمعة تتالعب بها الريح ،بجهد هائل حرك جسده تجاهه قاصدا المضى نحوه ،توقف والرعب يعتصر عينيه ،عينان لهما وميض ٌ شرس ٌ اتجهتا اليه ،لم ير مثلهما من قبل ، تحاصرانه بنظرات ثلجية تقترب منه ،الجسد األملس العمالق يتحرك فى يسر زاحفا نحوه ،يحاول الصراخ ،الحركة ،الفرار ..ال يستطيع ،واتته فكرة كالبرق الخاطف ،نفذها فورا ،اغمض عينيه واصطنع الموت ،الرعدة ،ال صوت تنفس ،الضجيج أفكار ..شعر بأنفاس ٍ نارية ٍ تقترب ،تصلب جسده أكثر ،الموت آت ٍ ،سيراه وهو متيقظ ،واع ٍ تماما لما يفعله به ، سيتعذب ببطء ،يكفر عن سيئاته واحدة واحدة وعلى مهل ،والخالص !! انفجرت فى رأسه فكرة ..اإلعتراف بالذنب يقلل العقاب ،ربما يمحوه ، همست له نفسه -:
( أنا لم أندم من قبل ،ألننى لم أ فعل شيئا واحدا خطأ فى حياتى ،أنا )!!... عال الفحيح وسط الظلمة واألتربة واألنفاس النارية المتقدمة على مهل ٍ ، تدافعت الصور على مخيلته رغما عنه (..الخطأ األكبر يوم ترك أخاه وحده ،يضربه المعلم جابر وسط الحارة ،من خوفه من جابر هذا التزم الصمت ، رجاله يمألون المكان ونفوذه قوى وصالته ممتده ،رأى أخاه ملقيا على ظهره ،الرجل يكيل له اللكمات ،الدماء تنزف من وجهه ولم يتحرك ،اكتفى بطلب الصفح راجيا من المعلم الحفاظ على صحته وعدم االندفاع وراء غضبه ،نظر جابر وهو يلهث وقد أدركه التعب على مايبدو من طول الضرب ، .حدق فى وجهه مشيرا الى أخيه -:مشاكس ،أجبرنى على ضربه همس راجيا -:أخذ جزاؤه ..كفى هب الرجل رافعا صوته الخشن فى مواجهة العيون المحملقة -:كال ،حتى يقوم على أربع وينهق وسط الحارة تفجرت الدموع من عينيه ،حبسها بالكاد وهو يعترف للمرة األولى أنه من يومها يشعر بالعجز ،بالذل ،يؤنبه ضميره واليجد حجة يدارى بها موقفه اال قوة خصمه ،وأنه لو تدخل لصار الذى يسير على أربع وينهق وسط الحارة اثنان بدال من واحد ،يعترف أنه من هذا الموقف بالذات تحول الى شخصية أخرى يمقتها ،يحتقر تصرفاتها لكنه اليجرؤ على التصريح بهذا حتى لنفسه. شعر بنيران الدموع تتأجج على حواف عينيه ،حبسها بقدر ماوسعه الرعب وهو يشعر بثقل الجسد األملس ينزلق فوق صدره ،جاثما على أنفاسه حابسا الهواء عنه بحجمه الذى لم يتوقعه ،شعر أنه لو التف حوله سيعتصر أنفاسه ..هرولت أفكاره الى عمله ( الموظفون ينادونه الشيخ ،يرونه صالحا ،يحترمونه ،مديرون قبله شغلوا منصبه ،لم يمأل أحدهم المكان مثله ،اليذكر يوما مد يده لرشوة أو ) فعل مايمسكه أحد عليه تحشرجت أنفاسه وشعر بثقل الجسد األملس يضغط قفصه الصدرى أكثر ، سمع طقطقة عظام والم رهيب يجتاحه ،تفجرت الحروف فى صدره ..
( لكنك كنت تتغاضى عن الهدايا التى يقول السكرتير أنها من محبيك الذين يقدرون خدماتك ،تتغاضى عن حجمها وكثرتها و)!.. خف الضغط قليال أثر حركة من الجسد األملس انزلق بها قليال عن مركز الثقل فوق الصدر ،طارت أفكاره فورا الى البيت ،دارت فى أرجائه فزعة ، إبنه الكبير وتغاضيه عنه ،مكتفيا بالصراخ من وقت الى آخر مبينا أضرار مايفعله ومايجره على نفسه ومستقبله من شرور ،بدا عاجزا عن الفعل ، معلآل األمر بأنه شاب وسوف ينصلح يوما ،بدت فى مخيلته صورة زوجته أم األوالد ،شعر بضيقها منه وكرهها له وصبرها عليه من أجل أوالدها ، رغم هذا لم يكلف نفسه بمحاولة التفاهم معها ،مبررا األمر أن الزوجات فى مرحلة من العمر يعانين من الملل ويحاولن التمرد على حياتهن ،أصابها المرض ،لم يبال بها ،تاركا األمر ألهلها مكتفيا بسؤال جاف خالى من المبااله والعطف ..تفجرت ينابيع الدموع فى صدره وقد اكتشف للتو إنه رأى ربما للمرة األولى مالم يره من قبل ،وأحس بمالم يحس به من قبل ، وعرف أشياء كانت رغم وضوحها بعيدة كل البعد عنه ..عادت أنفاسه تلهث والهواء المشبع بالتراب يفعلها معه ،أيقن أنها دقائق معدودة وينتهى األمر ،لن يشعر به فى هذا المكان مخلوق ،ستظل جثته هنا الى أن تتحلل ..مد نظرات واهنة الى أعلى ،سحابة من تراب ناعم بعثها تحرك جديد للجسد األملس واجهته ،همس باسم هللا فى تخاذل ،فكر فى لحظاته األخيرة أن يتوسل بشىء صادق فى حياته ،طفت الى سطح مخيلته صورة إبنه الصغير أمجد ،الولد مستقيم ،يصلى ،كان يقول أنه ساذج ،لم ير من أفاعيل الحياة وحيلها شيئا ،سيواجه الصعاب المحالة طالما احتفظ بسذاجته ..تشبث بصورته ،غير أن الصورة تباعدت عنه ،أصر على مالحقتها معتزما التواصل بجد معها اذا قدر له أن يعود الى سطح األرض من جديد ، انتبه لمساحة الضوء القادم من أعلى تتسع ،تصبح فى حجم مصباح صغير بدال من شمعة خافتة ،سمع بين الصحوواإلغماء من يقول -:هناك عجوز سقط هنا !!
-5الدقات األخرى عال الصوت رويدا ،انداحت موجاته فى فراغ الغرفة مشكلة مركزا هو قلب تلك الساعة اللعينة على الجدار تنطلق من دوائر تتحرك فى سرعة وإحكام الى لفائف مخى وتعاريج أذنى ،صارخة بال انقطاع -:تك تك تك تك تك تك قال الطبيب –وهو صديق قديم – وهو يقترب من فراشى ،محدقا فى عينى ، مصوبا إصبعه السبابة فى وجهى -:قم أشحت بوجهى عنه قالت زوجتى وتغضنات وجهها الكثيرة تلمع حبيبات الدمع المتجمدة على حوافها تحت ضوء اللمبة النيون أنها اتصلت به من أجلى ،حدقت فى عينيها ،بدت ظالل ابتسامة باكية تترامى على براح شفتيها ،هى تعرف أننى ال أريد رؤياه اآلن ،األمر كله بعيد عن دنيا الطب واألطباء ،إنه مرض
للروح ،الم بالوجدان ،لن يراه أو يشعر به طبيب ،رق صوتها قليال وهى ترجونى قائلة -:قم يصر صوت الساعة على بتر راحتى ،يدهمنى بال رحمة ،يطغى على أى صوت عداه ،رغبة فى الهرب من مالحقته قمت !! ................. قال الطبيب بعد أن قامت يداه بعملهما فى محاولة فك طالسم جسدى كالما لم أسمعه ،حروفه رغم نصاعتها أبت أذناى أن تستقبلها ،ربما ألننى كنت مشغوال بقراءة عينيه ،العيون تبوح بما تخفيه الصدور ،تشى عادة بما وراء الكلمات ،كنت أجهز عقلى لضحكات صاخبة حينما يخرج قلمه المسكين الذى يئن تحت ثقل أصابعه المتضخمة ،ويمد ورقة بلهاء يكتب عليها بضعة سطور بائسة لن انفذ منها بالتأكيد شيئا ،كنت أجهز عقلى لهذا غير أننى فوجئت به يتجهم ،تعلو عينيه تقطيبة جد ويطلق فمه طلقة واحدة تجاه أذنى -:قم ،ليس بك شىء . بينما الساعة تصر هناك على انفاذ رنينها بين أوردتى وشرايينى تك تك تك تك تك ........ تلفع الطبيب المشاكس بالرفق ،طلب من زوجتى أن تأخذ قلقها وتغضناتها المغسولة بماء الحيرة وتمضى ،اغلق الباب خلفها واقترب كاسيا مالمحه العابسة ببسمة لم ارتح للونها متسائال -: مابك ؟تمثل الموقف لى كأنه يحدث اآلن ،يتكرر واليمل التكرار ،وانا الأمل من استعادته ايالما لنفسى أكثر ،وتعزيزا لشعورى بخطأ ال أعرف كيف أفلت منه ،أتسائل ماذا كان يجب على أن أفعل ؟ ،يكون الجواب األوحد الذى يحصرنى فى قفص االتهام حاضرا ،كان يجب أن تتكلم ،تعترض تترك المكان وتمضى ،نعم كان يجب أن افعل هذا ،لكننى جبنت ،ليس هناك مسمى آخر لموقفى اال هذا ،التزمت بصم ٍ ت متخاذل تقطعه حروف واهنة ، تطلب من الظالم أن يخفف ظلمه للمظلوم ،يكتفى بما فعل ،فبعض الظلم أهون وأخف من الظلم الكامل خاصة على رجل مثل حمدان ،ذلك الرجل الذى يشهد له كل من يعرفه باالحسان ،فهو يحمل ابتسامته شعارا يقابل به القاصى والدانى ،يروى الود بينه وبين الكائنات حوله بالكلمة الطيبة ، اليفرق بين أحد وآخر اللهم اال فى مقدار الترحيب الذى يلقاهم به ،حمدان
هذا أغضب وجها من وجوه القوم يسمى برعى ،رآه يوقف سيارته أمام حانوته ،سأله أن يأخذ ها بعيدا عن الباب قليال ،تعجب من جرأته ، صرخ فى وجهه ،أمره أن يغلق هذا الحانوت فورا ..كنت أقف الى جوار الحانوت ،أعرف برعى هذا ،أكره أفعاله ،رأيتنى أصمت ،أرقب الموقف مثل حجر بالطريق الحول له ،يعترض البعض على مايجرى ،يطلبون منه الترفق بالرجل حمدان ،يصرخ أنه هو الذى بدأ ،يستشهد بى مؤكدا كلماته ،أصمت مكتفيا بالفاظ سريعة للتهدئة التقيم اعوجاجا ،يضيع صوتى فى طيات خشونة صوته وارتفاعه ،واللغط الذى أحدثه ،و خرق به ماتتمتع به المنطقة من هدوء وسكينة . عاد الطبيب بعينيه المتواريتين خلف زجاج نظارته الطبية يتساءل -: مابك ؟حدقت فى بحيرتا عينيه الراكدتين هامسا -: كان يجب أن أتكلم كيف ؟ تلك هى المشكلةالنوافذ والشرفات فتحت لحظتها ،أطلت منها وجوه مغسولة بماء الغضب تتساءل عن سر هذا االزعاج الليلى ،رأوا برعى ،لزموا الصمت ،اكتفوا بالمشاهدة ومصمصة الشفاه ،تدخلت قائال أن الرجل لم يضايق أحدا ، أشاح بيده ،أنت طيب يااستاذ التعرف حيل هؤالء ،قاصدا حمدان الذى وقف مكانه أمام حانوته وقد اصطبغ وجهه باصفرار طارىء ،واكتفى بصمت حائر لم يدر معه ماذا يقول ،حتى اذا وجد فرجة من الوقت بين صراخ برعى قال معتذرا أنه لم يقصد أى مضايقة ،أصر برعى على اغالق الحانوت فورا. اظلمت السماء فى وجهى ثانية واصطبغت نبضاتى بغضب لم يهدأ حتى اآلن ،كان يجب أن اتكلم ،ارفض ،اتخذ موقفا . عال أنين الساعة على جدار متأوها تك تك تك تك القى الطبيب عباءة هدوءه بعيدا وصرخ فى وجهى -: تكلمقلت بحدة -: سأتكلمارتديت مالبس الخروج ،سألنى-:
الى أين ؟كانت الساعة بيدى ،ترسل دقاتها واهنة بحكم العمر ربما تك تك تك تك ، وربما بحكم كونها ساعة صغيرة فى معصم عجوز وليست ساعة كبيرة تزين جدار ،غير أننى انتبهت أثناء سيرى أن هناك دقات أخرى لساعات قريبة تتوافق مع دقات ساعتى ،يعلو الرنين ،يهز الطرقات ، ،انطلق سائحا عبر الدروب ،سابحا فى الفضاء ،هائما فى الميادين ،عابرا تلك المشاعر التى تتأجج نيرانها بين جنبى وال يهدأ لها إوار ،قاصدا هدفا لن أتوانى عنه ، مصرا كما قلت للطبيب أن أتكلم وليكن مايكون .
-6ا ْل َم ِل َكة
امال ُهم َهذَا ا ْلعَنَاء الَّذِى ََلبُد ِم ْنه ..ا ْبنَتِ َها كَانَت ت َ ْب ِكى سلَم ُمت َ َم ِ ِّهال َ ..ح ِ َهبَ َطت ا ْل َّ يرتَان كَان فِي ِْه َما ذُعْر َ .. . ع ْينَا َها ال َ ص ِغ َّ عَم عَاش ُْور عَا ِوز َيأ ْ ُخذ َما َما - شبِى ..ع ََال أَنِ ْينَه علَى ا ْلد ََّرابِ ِزيَن ا ْل َخ َ ستَنَدْت َ سلَم عَال ..ا ْن ِحنَا َءاتِه ُمتْعَبَة ..ا ْ ا ْل َّ سدِى .تَحْ ت ثِقَل َج َ يَأ ْ ُخذ أ ُ ِ ِّم َها الَى أَيْن ؟ - سط ا ْل َّ سفَل ..ا ْل َحا َجة ض ْوء ْاْل َ ْ صفَر ا ْلش َِّحيْح الَى أ َ ْ َحاذَ ْرت َوأَنَا ا ْنقَل قَدَ َمى َو َ ارة ا ْل ُم َجا ِور ِل ْلبَيْت ك َِر ْي َمة َز ْو َجتِى قَالَت -:ا ْل ُم َع ِلِّم عَاش ُْور َ ص ِ احب َم َحل ال ُج َز َ ارتَفَع ُم َواء ِق َّ ارنَا ََل أ َ ْ طة تَحْ ت شت َ ِرى ِم ْنه َ ..ط ِريِّ ْقتَه َلت ْع ِج َبنِّىْ .. ..ر ِغم أَنَّه َج َ َ قَدَ َمى َ ..حاذَ ْرت َحتَّى ََل أَتَعَثَّر فِ ْي َها وت َ ْوقَ ْعنِّى ..أ َ َخ ْذت نَ ْفسا ع َِم ْيقَا بَ ْعد ُهبُ ْوط ..وقَ ْفت أ ُ ِديْر َوجْ ِهى فِى يرة َ ،و ُر ْؤيَة ْاْل َ ْرض ت َ ْنبَ ِ سط تَحْ ت قَدَ َمى َ ا ْلد ََّر َجة ْاْل َ ِخ َ سع الَّذِى ََليَ ْهدَأ فِيْه ِو ْ شيِش بَ َّوابِيْر ا ِل َجاز ..ا ْللَّ ْمبَة ا ْل َمكَان َح ْو ِلى ..ا ْلفَنَاء ا ْل َوا ِ صفَر ا ْل ُمغَ َّ طى ص ِغي َْرة الَّتِى ت َ ْعلُو ا ْل ُحجْ َرة ا ْل َو ِحيدَة فِى ا ْل ِفنَاء ِبلَ ْونِ َها ْاْل َ ْ ا ْل َّ ِب ْاْلَتْ ِربَة َوا ْلغُبَار َ ،والَّ ِتى تُبَ ِدِّد َوحْ شَة ا ْل َمكَان َ ،وأ َ ِخيْرا َوالَى ا ْليَ ِميْن ا ْل َع َربَة ص َباح َ ..م َ ضيْت ُمت َ َم ِ ِّهال نَحْ و ا ْل َخ َ ص ِغي َْرة الَّتِى ت ُ َح ِ ِّمل قُد َْرة ا ْلفُول كُل َ ش ِبيَّة ا ْل َّ .ا ْل ُحجْ َرة َّماالَّ ِذى يُ ِر ْيدُه عَاش ُْور ِم ْن َها ؟ - ص ِغي َْرة ِل ْل َم ِعيشَة ، ارة عَن ُحجْ َرة َ دَقَ ْقت ا ْلبَاب ..فُتِ َحت ا ْبنَتِ َها ..ا ْل َمكَان ِعبَ َ سار ِ ،هى ِبالتَّأ ْ ِكيْد ِل ْلنَّ ْوم ،بَ ْينَ َما الَى ا ْليَ ِميْن ت ُ ْف ِضى الَى ُحجْ َرة أ ُ ْخ َرى َ علَى ا ْليَ َ علَى ْاْل َ ِريكَة ا ْل ُم َوا َج َهة ِل ْل َباب س ِت َها َ ا ْل َم ْط َبخ َوا ْل َح َّمام َ ..هبَّت فَ ِ اط َمة ِمن َج ْل َ ص ِغي َْرة الَى ،وقَام عَاش ُْور الَّذِى كَان يَجْ ِلس َ علَى َم ْقعَد بِ ِج َوار ا ْل َمائِدَة ا ْل َّ ُم َر ِحبَة َ س ِلما سار ا ْلبَاب ُم ْ :يَ ََاوزيِّنِّك تَحْ ض ُْرنَا فِى َم ْوض ُْوع - .ا ْه ِال يَاحاج ..ع ْ علَى ْاْل َ ِريكَة َ ،وقَد أ َ َحا َطت ستِ َها َ نُ ِقلَت نَ َظ َراتِى بَ ْينَ ُه َما ..فَ ِ اط َمة عَادَت الَى َج ْل َ ست الَى يَ ِم ْينِه َوأَنَا أ َ ْه ِمس -: أ َ ْو ََل ِد َها ِبيَدَ ْي َها ،بَ ْينَ َما عَاد ُهو الَى َم ْق َعدَه َ .جلَ ْ الْل َخيْرا أَن شَاء ْ َّ ش َوف يَاحاج قَالَت ُمحْ ت َ َّجة -:تَعَال ِ شيْر بِعُجْ ب الَيْه..دَافِع قَائِال َ :و ِهى ت ُ َِاوزك فِى ا ْل َح َالل يَا ِب ْنت ا ْلنَّاس - ع ُ
علَيْه سدِى َ بَا ْغتَنِّى ْاْل َ ْمر ..كَان ا ْل َم ْقعَد ُمت َ َها ِلكا ..بُ ِذلَت َمجْ ُه ْودَا ْْل ُ َو ِازن َج َ ص ِغي َْرتَيْن ..ت َ َر ْكتُه الَى يَدَه ا ْلبَ َّ ضة ..ات َّ َج َهت الَى ا ْل َوجْ ه ا ْل ُم ْكتَنِز بِعَ ْينَيْه ا ْل َّ صابِعَ َها ا ْل َجاثِم ا ْل ُمتْ َخ َمة ِبا ْللَّحْ م ،ا ْل ُم َزيَّنَة ِبا ْل َخاتَم ا ْلذَّ َه ِبى ا ْل َم َحشُور فِى أ َ َحد أ َ َ ع ْنه ..ارتَدَّت نَ َظ َراتِى َ َ علَى ا ْل َمائِدَة ِ ،م َّما يَجْ عَلُ َها ُكلَّ َما َه َّز َها ت ُ َ ص ِدِّر أَنِ ْينَا َخافَتَا ْ ص ْو َر ِت َها ِفى اط َمة..أ َ َخذَت ا َح ِدِّق ِفى ا ْل َوجْ ه َوأ َ ْع َجب َ ..كيْف َهذَا ؟ُ .. الَى فَ ِ ص ِغي َْرة ،ا ْل ِم ْغ َرفَة فِى يَ ِد َها ، اط ِرى َو ِهى تَقُف أ َ َمام ع ََربَتِ َها ا ْل َخ َ شبِيَّة ا ْل َّ َخ ِ شع ِم ْن َها اض َجة َرائِقَة ا ْللَّ ْون ،ت ُ ِ َوا ْلقَدَر فُ َّو َهتِه أ َ َما َم َها َ ،وا ْلفُ ُول َحبَّات نَ ِ ش ْك ِل َها َو َمذَاقُ َها الَى اَل َحا َطة ِبا ْلعَ َر ِبِّة َ ،والَى ِج َوار ارة ِب َ ا ْلبَ ْه َجة ،ت َ ْدعُو ا ْل َم َّ سلَى ا ْل َّرائِق سا َمة َواثِقَة ِ ،كب ِْريَاء فَ ْط َرى ،و لُ ْمعَة َ ع ْينَيْن بَلُو ْن ُهما ا ْلعَ َ َهؤ ََُلء ا ْبتِ َ َو ِهى ت َ ْن ُ سنَا ْ ..اْلَن أ َ ْب َحث عَن َهؤ ََُلء َ َ..ل أ َ ِجد ظر الَيْك فَت َ ِزيْد ا ْل َج َمال بَ َها َءا َو ُح ْ شي َ ص ْو َرة َج ِد ْيدَة َْل َ ْم َرأَة أَع ِْرفُ َها َ امى ُ س َها ..الَّ ِتى أ َ َم ِ ْئاَ..ل أ َ ِجد َحتَّى فَ ِ اط َمة نَ ْف َ س َمات َ ..حتَّى َك ِل َماتِ َها فَقَدْت ُ .. ..وجْ ه ُم ْر َهق ال ِ ِّ ص ْو َرة ِْل َ َّول َم َّرة أُعَايِنُ َها َ َّم َر ُح َها ..فَقَدْت انِّ ِط َالقَتِ َها ..لَم تَعُد ت ُ َز ْغ ِرد فِى ا ْل َه َواء َو ِهى ت َ ْن َط ِلق ِمن فَ ِم َها صبْر نَافِذ ارة .قَال ا ْل َّر ُجل ا ْلغَ ِليظ ا ْل َوجْ ه بِ َ َ :و َسط ا ْل َح َّ شيْئا يَاحاج - قُل َ صد َْره ا ْل ُم ْرت َ ِفع تَحْ ت سى ِبت ُ َؤدَة َوأَنَا ا ْنت َ ِبه ُربَّ َما ِل ْل َم َّرة ْاْلُولَى الَى َ َه َز ْزت َرأْ ِ صدَيُ ِريْه ْاْل َ ْب َيض ا ْل ُم ْنت َ ِفخ ا ْل َجا ِن َبيْن ا ْل ِج ْل َباب ْاْل َ ْز َرق ِ ،بفَتَحْ ِته الَّ ِتى َي ْبدُو ِم ْن َها ُ ص ِغيْر َ ..كيْف ُ .. سبَة لَه َ س ِد َها بِا ْلنِِّ ْ عدْت الَ ْي َها َ ..ج َ ع ْن َها ِم َّمن يُ ِح ْي ُ ارة ، اط ِرى َماقَالَه ا ْلبَ ْعض َ يَت َ َز َّو ُج َها؟ ُ ..مر بِ َخ ِ ط ْون بِ َها فِى ا ْل َح َّ ساء ،أَن لَه ُْو َها كَان بَ ِريْئا ،لَيْس س ْون الَ ْي َها َوالَى َز ْو ِج َها فِى ا ْل َم َ أَو يَجْ ِل ُ ع ْنه َح َملَه َو َرا َءه َاَل ُر ْوح َم ِر َحة َْل َ ْم َرأَة َهدَّ َها َم َرض َز ْو َج َها ،فَقَا َمت ت ُ َح ِ ِّمل َ ض َحك أ َ َمام ع ََر َب ِت َها ت ُ َعا ِبث َهذَا َوت َ ْ س َمة ت َ ْخفَى َو َرا َء َها ا ْل َك ِثيْر ،ت َ ْ ض َحك َمع ِب َب ْ .تِ ْلك ِلت ُ ْر َوج بِ َ عتِ َها ضا َ ا ْل ِح ْقنِى يَاحاج - ع ْينَا َها ص ْوتْ َها ،و عَاد َوجْ ِه َها يَلُ ْوح لَى َ .. ِمن َمتَا َهة ا ْلش َُّر ْود ا ْنتَبَهْت َ علَى ُ ُمش ْْرقَتَان ِبا ْلدُّ ُم ْوعََ ..ل أَع ِْرف ِل َماذَا لَم أَت َ َخيَّل َهذِه ا ْلعُيُ ْون ت َ ْب ِكى ِمن قَبْل ، ار َها َح ْولَ َها – َم َ ازالُوا -ت َ ُ ض ُّم ُهم تَحْ ت َجنَا َح ْي َها َ ،وا ْل َّر ُجل يَجْ ِلس أ َ َما َم َها ، ِصغَ ُ اول َ ع ْينَاه ال َ يرتَان تَتَّجْ َهان الِّى ..يُ َعا ِود اَل ْل َحاح -:ا َحض ُْرنا َياحاج َ ..ح َ ص ِغ َّ سنَدَ َها َوأ َ ْرعَى أ َ ْو ََل ِد َها ت ُ ْقنِعُ ُها ..أَنَا عَا ِوز أ ُ ِري َح َها ..أ َ ْ قُ ْلت بُ َحي َْرة َوأَنَا أ َ ْنقُل نَ َظ َراتِى بَ ْينَ ُه َما -:أَع ِْرف ا ْل َم ْوض ُْوع أ َ َّو ََل قَالَت ا ْبنَتِ َها ِب ِحدَّة -:يُ ِريْد ا ْل َّز َواج ب َما ِّما
سول س َها َو َ شدَت ا ْل ِ ِّ ست َرأْ َ ات َّ َج َهت الَ ْي َها ..نَ َّك َ ..وجْ ِه َها ا ْل َم ْغ ُ صغَار الَ ْي َها أ َ ْكثَر َ بِا ْلدُّ ُم ْوع َجفَّت نَ َ س َود َهذَا ارتُه َو َ ش َحب لَ ْونُه َ ،وأَن كَانَت ت َ ْبدُو فِى ِج ْلبَابِ َها ْاْل َ ْ ض َ !! فَاتِنَة ال َم َال ِمح َرقِ ْيقَة ا ْلت َّ ْع ِبيْر ..يُ ِحق لَ َها أَن تَت َ َز َّوج ..لَ ِكن أ َ ْو ََل ِد َها ..وجْ َهه ُ عدْت ِل ْل ُمعَ ِ ِّلم الَّذِى كَان يُ َح ِدِّق فِى َوجْ ِهى ُمتَفَ ِ ِّرسا ِبعَ ْينَيْه ا ْل َّ ص ِغي َْرتَيْن َ علَى نَ َهم شفَتَيْه الغَ ِلي َظتَين َيدُل َ سع بِ َ ا ْل ُم ْكت َ ِنز َيكَاد ا ْلدَّم يَ ِثب ِم ْنه ..فَ ِمه ا ْل َوا ِ سه ا ْل َح ِليْق لَيُ َؤ ِكِّد َماقَا ِلتِه ا ْبنَتِ َها َ ص ْمتِى ..عَاد يُ ِلح َ..ل َحظ َ .. :أ َ َخذ يَ ُهز َرأْ ََماذَا قُ ْلت يَاحاج .؟ - اط َمة .قُ ْلت َوأَنَا أَت َ َو َّجه الَ ْي َها -:ا ْلقَ ْول ِلفَ ِ ع ْينَ ْي َها ت َ ْلت َ ِمع َحدُقَاتِ ُهما ِبد َْمع َحار َو ِهى تَقُ ْول ُمحْ ت َ َّجة َ :رأَيْت َعلَيْه عَام َوأُفَ ِكِّر فِى َ غي ِْره؟ - !َليَاحاج ..ا ْل َّر ُجل لَم يَ ُمر َ ..رأ َ ْيت َ ِنى أ َ ْم َيل ِل َرأْيِ َها ..أ َ ْن ُ ار ِت َياح ِلقَ ْو ِل َها َ ظر الَى عَاش ُْور َ ش َع ْرت ِب ْ َ..ل أَع ِْرف ِلم َ شيْت ِم ْنه َ .. س ِلم ست َ ْ غيْر أَنَّه لَم يَ ْ ام َرأَة لَ َخ ِ َهذَا ..لَو ُك ْنت ْ َ ض َربَت يَدَه ا ْلبَ َّ ص ِبع ِم ْن َها ا ْل َمائِدَة .. ضة ا ْللَّحْ م ِبا ْل َخاتَم ا ْلذَّ َه ِبى ا ْل َم َحشُور ِبا ْ ِب ِضيْق َ ،و ُهو يُ َر ِدِّد ُم َح ِدِّقَا فِى َوجْ ِهى ِبلَ ْه َجة لَ ْوم َحادَّة َّ - -:وبَ ْع ِد ْين يَاحاج ؟ كَان ِو ْ اط َمة ص ْوتَه ُكلَّ َما ع ََال َ ش ِيش ا ْل َوابُ ُور يَ ْخبُو َ ص ْوت عَاش ُْور ..ا ْ ستَد َْرت ِلفَ ِ الَّ ِتى ا ْلت َ َح َمت ِبأ َ ْوَل ِد َها ..تَذَك َّْرت قَ ْول َز ْو َجتِى َي ْو َما َو ِهى ت َ َرا َها أ َ َمام ع ََر َب ِت َها ، ش ُم ْوخ ، سه بِعَ َظ َمة َ ،وث َ ْديَا َها يَ ْرت َ ِفعَان فِى ُ س ِد َها ا ْل ُم ْمت َ ِلىء يُعَبِِّر عَن نَ ْف ِ َج َ سم فِى تَحْ فَظ ،بِا ْلعَ ْينَيْن َو َوجْ ُه َها بِ َج ْب َهتِ َها ا ْلعَا ِليَة َ ،وا ْ َارة ا ْبعَادَه بِا ْلفَم ا ْلبَا ِ ستِد َ ذَ َواتَى ا ْلبَ ِريْق ا ْل َحاد َوا ْل ُّم ْقت َ َحم صلُح َملَكَة :- تَ ْ ع َمل لَه َاَل ات َّ َج َهت ِب َع ْينِّى َي ْو َم َها الَى َز ْو َج َها ا ْل َجا ِلس ُهنَاك ِب ِج َوار َباب ا ْل َبيْت ََل َ ارة ..قُ ْلت َ :رد َس َالم ا ْل َم َّ !! ِهى فِ ْع َال َملَكَة ..لَ َها َر ِعيَّتِ َها ..لَ ِكن - شقَة لَعَاش ُِّّور ا ْل َج َّزار . . َو ُ ص ْمت ..أ َ َردْت أَن أ ُ ْك ِمل أَن ُهنَاك َمن يَقُ ْول أ َ ْن َها عَا ِ اجز نَحْ َو َها َ .. تَأ ْ ُخذ َمات ُ ِريَدِه ِم ْنه ِ ..ع َو َ غيْر أَنَّى آَث َ ْرت ضا عَن َز ْو ِج َها ا ْلعَ ِ ص ْمت .ا ْل َّ َ :هب عَاش ُْور َرا ِف َعا َيدَه ا ْلغَ ِل ْي َظة ِفى َوجْ ِه َها..وأَنَا - يَابِ ْنت ا ْل َح َالل ْاو ََلدِك ُمحْ تَا ُج ْون الَي ِرعَايَة َوأ َ ْنت ُمحْ تَا َجة الَى َ سنَد َ الْل .أ ُ ِر ْيدُك بِش َْرع ْ َّ ْ سل ا ْلعَ ْينَيْن ش ُح ْوب ِب ُح ْم َرة َط ِارئَة بَ ْينَ َما بَدَا َ سى ا ْل ُّ ع َ ازدَاد َوجْ ِه َها ا ْن ِفعَاَل ..ا ْكت َ َ
ص ِل ِحين َملَكَة ..لَ ِكن َح ِز ْينَة ..أَشَا َحت بِيَ ِد َها صد َْقت َز ْو َجتِى ت ُ ْ بَا ِهتا ََللُّ ُمعَة لَه َ .. :سأ َ ْل َجأ الَيْك - ِ .ح ْينَ َما أَحْ تَاج َ سا ِكتَا ا ْ اول َمعَ َها ..أ َ َراك َ ستَدَار َحانِقَا الَى َ -:ماتَت َ َكلَم يَاحاج َ ..ح َ سم عدْت الَ ْي َها ..شَد ا ْنت َ َبا َهى َ ارا ُ س َها َوجْ ه َز ْو ِج َها ا ْل َبا ِ علَى ا ْل ِجدَار فَ ْوق َرأْ ِ ُمحْ ت َ َ سا َمتِه ُم َؤ َّ س َود ..بَ ْينَ َما نَ َظ َراتِه ت ُ ِحيْط ا ْلغُ ْرفَة َو َمن طرة بِش َِريْط أ َ ْ ..كَانَت ا ْبتِ َ ص َراخ ارة َ فِ ْي َها ..تَذَك َّْرت َما َحدَّث ُم ْنذ ُ علَى ُ ش ُهور ِعدَّة ِ ،ح ْينَ َما ِصحْ ت ا ْل َح َّ ع ِو ْيلَ َها اط َمة َو َ :فَ ِا ْل َّر ُجل َم َ ست احْ دَى - ضى َوتْ ِر ْكنِّى ..ت َ َرك ِلى ا ْل َهم ..ت َ ْركُه ِلى َوحْ دِى َ ..ه َم َ ضت ْ ارتَا َحت ِم ْنه ..ا ْعت َ َر َ اخ َرى ..يَاأ ُ ْختَّى َظل َر ُجل 1... ارات ْ ا ْل َج َ ام َرأَة أ ُ ْخ َرى ،تَقُف َب ْعدَ َها احْ ت َ َجبْت فَ ِ اط َمة ََلت َ ْخ ُرج ِبا ْل َع َر ِبِّة أَيَّاما ،ثُم َخ َرجْ ت ْ امتَة َ ،حتَّى نِدَا ُؤ َها ا ْل ُم ْعتَاد الَّذِى َو َرثَتِه ِمن أَيَّام َز ْو َج َها :أ َ َمام ع ََربَتِ َها َص ِ احْ لَى ِمن ا ْللَّ ْوز يَافُ ِّول - ض ُ س ْيتُه ،فَاذَا ا ْ سا َمتِ َها لَم تَعُد َك َما كَانَت نَ ِ س َمت َ ،اَل أَن ا ْبتِ َ سام ا ْبت َ َ ط َّرت ِل ْال ْبتِ َ ِ .من قَبْل يَا ِب ْنت ا ْلنَّاس َ ص ِغي َْرة َ ..كفَاك - صا ِل ِحك .أ َ ْنت َ ْ..ل َ ِخر َم َّرة ..أَنَا ش َِارى َوأ ُ ِر ْيد َ ع ْنك ..أ َ ْنت لَم ت َ َخ ْلقِّى ِلل َب ْه ْدلِّة شقَاء ..دَ ِع ْي ِنى أَت َ َح َّمل َ َ . قُ ْلت ُم ْعت َ ِر َ سا ِله -:ا ْنت َ َظر يَا ُمعَ ِلِّم ضا ا ْ ستِ ْر َ علَى َ ص ْف َراء ،الَّذِى يُ َحيِ َطنَا ص ِغي َْرتَيْن َ َوأَنَا أ ُ َح ِدِّق فِى َ ض ْوء ا ْللَّ ْمبَة ا ْل َ ع ْينَيْه ا ْل َّ اط َمه َ ..ما ِله اط َمة ِم ْن َهيَّا ا ْل ِح َوار - -:فَ ِ ِب ُخيُ ْو ِطه الَّتِى ََلتَبِيْن ،ثُم ات َّ َج َهت الَى فَ ِ ا ْل ُمعَ ِلِّم عَاش ُْور ؟ َ..لت َ َحادَّثْنِّى ِفى َهذَا اط ِرى ِ نَ َظ َرت الِّى ِفى لَ ْوم َوقَالَت عَا ِت َبة ِْ -:لَجْ ل َخ ِ ا ْل َم ْوض ُْوع سأَلُ َها َ -:هل نُ ْع ِطيَك َو ْقتَا ِل ْلت َّ ْف ِكيْر ؟ ُ عدْت أ َ ْ س َها نَ ْفيا َو ِهى ت ُ َؤ ِكِّد ََ -:ل ..لَقَد ْاقت َ َر ْنت ِبأ َ ْوَلدى َوا ْنت َ َهى ْاْل َ ْمر َه َّزت َرأْ َ ..وجْ َهه ا ْل ُم ْكتَنِز َرأ َ ْيتُه ُمحْ َمرا ،بَ ْينَ َما َ ع ْينَاه َوقُ ْطب ضاقَت َ أَد َْرت َوجْ ِهى الَيْه َ س َرة َج ِب ْينُه َو ُهو يَقُ ْول ِب ِحدَّة -:أ َ ْنت ا ْل َخا ِ صد ِْره َود َْفع ا ْل َباب َو َم َ ضى ..ع ََال فَجْ أَة ِو ْ ش ِيش ا ْل َوابُ ُور سه َ علَى َ َوأَحْ نَى َّرأْ ِ ..من بَيْن دُ ُم ْو ِع َها ا ْل ُمت َ َح ِ ِّج َرة فِى ا ْل َمآَقِّى نَ َظ َرت الَى ُم ْمتَنَّة َوقَد ..قُ ْمت ُم ْ ستَأ ْ ِذنَا ِ ش ُح ْوبَ َها َاَل أَنَّ َها كَانَت بَ ِاز َ غة سا َمة ت ُ َزيِِّن َ سا َمة َر ْغم ُ شفَت َ ْي َها ..ا ْبتِ َ عَادَت ا ْبتِ َ ..وان كَانَت أ َ ْكثَر َوقَارا عَن ذِى قَبْل ِ َمن َ ع َ سل ا ْلعَ ْينَيْن ُكلَّ َها بَ َهاء َ
-7صديق مسعود
تلك الحجرة هناك وحيدة وباردة على حافة المدينة ،عارية كأنما بنيت على عجل ،أحجارها تراصت وتالصقت لتواجه العراء ،تؤانسها قضبان قطار ممتدة فى ارهاق وتراخ فى مدى المحدود ،ومعهما مسعود أبو العينين ،الذى البد من ذكره هنا ألنه يمثل الرأس الثالث من رؤس المثلث ،الحجرة والقضبان ومسعود ، الثالثة كل منهم يعرف اآلخر ،يأتنس به ،ويجد فى جواره راحة وسكينة ، خاصة فى أيام الشتاء ،حينما يقفر المكان تماما ،ويضرب الصقيع األنحاء ،واليبدو فى األفق اال ظلمة متراكمة على هيئة غمام ضارب فى السواد ، وأمطار غاضبة ،ورعد حانق يقطعهم من حين الى آخر قطار تغرد صافرته ،لتعلن للمدى بشرى اقترابه ،فيهب مسعود منتبها الى حيث يحرك التحويلة محددا له اتجاه المرور ،حسب التعليمات التى صار يحفظها كما يحفظ كل شىء حوله فى هذا البراح ،وهى للحق مكتوبة ومعلقة بمسمار صدىء ،يصدم عينى الداخل من الباب مباشرة ،ذلك الباب الذى أكلت الرطوبة خشبه ،وتركته هيكال بالكاد يسد الحلق ،واليدخله اال العمال الثالثة ك ٌل حسب ورديته ..وفى األيام األخيرة كلب صغير لم يجد مأوى من البرودة والهواء الالفح سوى جدران تلك الحجرة ،فأوى اليها واثقا - ربما -أنه محال أن يقطنها فى هذا العراء بشر ،اتخذها مسكنا دون أن يبدو هناك فعل ما ،أو حتى شبح تذمر من وجوده ،اذ كان يتخذ ركنا الى جوار مكتب كهل تهرأ جسده واكلح لونه ،ولم يعد يحمل من سيماء المكاتب اال اإلسم فقط ،فيبتعد الكلب عن مسار الهواء النافذ من الشق الموجود بحلق الباب خلف أحد األرجل ،ويدفن رأسه بين ساقيه ،وينام مطمئنا الى أن أحدا لن يقلق راحته حتى يستيقظ ،ومتى استيقظ وألنه عرف أنه ضيف يمكن ألحدهم طرده بركلة من قدمه فقد التزم الصمت ،وبدأ سياسة المالينة والمالطفة محاوال فتح قنوات ود بينه وبينهم ،وبدأبمسعود ..أخذ يقترب خطوة ليتيح له رؤيته ،متفرسا فى عينيه جيدا ،محاذرا من أى بادرة عنف ،فلما رأى إمارات لطف اقترب أكثر ،مهنئأ نفسه ببقايا الطعام يلقيها اليه من ع ٍل .اما مسعود فهو من ناحيته فقد شعر أن الكلب قد جاء فى لحظة حاسمة كاد يتفجر فيها شظايا ودخان وسط الحجرة بال رقيب ،جاء فى وقته
تماما ليصرفه عن نفسه ،أو يصرف نفسه عنه بشىء جديد يشد عينيه نحوه ،يأخذه من أفكاره ومشاعره ،يشغله وقتا الى أن تهدأ عاصفته قليال ، وتذهب عنه رياح الضيق التى تباغته من حين الى حين ،حدق فيه برهة من الوقت بعينين شاردتى النظرات ،شكله عامة يوحى بأنه من بيئة نظيفة نوعا ،أو هو –مثله -من عائلة ذات أصول ولسبب ما جاء الى هذه الحجرة .وأخذت تباشير تقارب تظهر فى األفق ،بدأت أوال عن طريق النظرات المختلسة ،ثم المحدقة ،ثم المتفاهمة الى درجة أن الكلب تحرك ،واقترب ،واقعى تحت قدمى مسعود ،هازا ذيله بسعادة ورضاء ،منتظرا أن يلقى اليه ببقايا الطعام ،التى عادة يبخل بالقائها للكالب الضالة التى تمر بالمكان . وتطور األمر أكثر حينما اجتاحت رياح الغضب قلب مسعود كالعادة ،وبدأ هطول اللعنات شالال من شفتيه ،العنا الحجرة ،والعمل التافه ،والحياة الهامدة التى لم يمر بظنونه يوما فى أكثر كوابيسه سوادا أن يعايشها ،ورأى الكلب ينظر اليه ..لحظتها اليعرف مسعود كيف شعر أنه يبدي األلم من أجلة ،يخفض ذيله بين ساقيه مشاركة له فى مشاعره ،لحظتها تحول الوضع من مجرد تعايش صامت الى تقارب مفعم بالحروف والكلمات النابضة بالمشاعر ،وعرف مسعود أنه قد ظفر بصديق يستمع اليه بال مقاطعة ،وال تململ ، والرفض لما يقول ،بل هى آذان مشرعة ،وأعين مفتوحة ،ووجه يشى بالتعاطف الى أبعد الحدود ..الى أن حدثت الحادثة التى قلبت الموازين تماما ،وذلك أن مسعود تأخر يوما عن عمله بسبب المواصالت ،كانت ورديته المسائية ،تأخر فى الطريق فما ،ترك زميله الموجود المكان ومضى على أساس أن مسعود ملتزم ولن يتغيب بحال ،أتى الكلب ،رأى الغرفة خالية من صديقه ،وقف على الباب ينتظره ،انطلقت صافرة القطار القادم انذارا لمسعود لكى يقوم بالتحويل ،مسعود غير موجود ،أطلق الكلب صوته ، اختلط بصوت القطار ،برنين الثوانى الالهثة ،بجهامة الصمت المهيمن على الحجرة ،اقترب القطار ،لم يظهر مسعود ،تحرك الكلب ،صرخت العجالت الحديدية وهى تطأ القضبان بغضب ،اندفع الكلب نحو التحويلة ، قافزاالى مستواها بكل مااوتى من قوة ،قابضا على ذراعها بأسنانه ،وصل مسعود الى الباب ،شاحب الروح واجف القلب كان ،أدار التحويلة وجسد الكلب معها ،بعدها جلس مكانه متعقبا أنفاسه ،باحثا عن ريقه ليرطب به
لسانه ،محاوال السيطرة على لهاثه الذى تردد صداه فى أرجاء الغرفة ، سائال نفسه وهو يحملق فى الكلب الواقف أمامه -:هل فعال فعلها ؟ حدق فى يد التحويله ،عاد الى عينى الكلب ،هز األخير ذيله بحبور ،هز مسعود رأسه متيقنا ..بعدها صار الزمالء و المارة ينادونه بصديق مسعود .
-8صورتها فتح عينيه ،صمت ،وظلمة ،وبرودة تطفح من ثنايا هواء محبوس بين جدران أربعة حوله ،وباب حديدى صدىء ،مصمت اال من فتحة مستطيلة يغطيها سلك به ثقوب عديدة ،مسدود أغلبها بفعل التراب والسواد ،تكفى بالكاد لنفاذ قليل من الهواء يكفى إلبقاءة على ذمة األحياء ،ومعها بصيص ضوء اليكاد يجدى فى متاهة الظالم ،من رقدته فى ركنه القصى حدق فى السواد حوله ،خاطبته نفسه .. (قد يأتى الغد عليك بحال آخر ) !!. شد الغطاء المتهرىء الى أعلى قليال . (الى أن يجىء هذاالغد ..اصنع عالمك ) اتجهت عيناه الى منتهى شعاع واهن يلمس بالكاد طرف الجدار ،وقفت عنده ،فتح بناظريه كوة تطل على السماء ،رسم وجه ( محبوبته ) خلفها مكلال باالبتسام واقفا بين السماء واألرض ،باسمة العينين كانت ،وسط هالة من نور ،تمد يديها مفتوحتين اليه ،تهتف باسمه ،هتف باسمها وهو يراها تتألق وسط الظلمة ،تمأل بسمتها الفضاء ويسع صدرها الكون ،وقال لنفسه أن عليه أن يحرك جسده ،يزول عنه األلم ،تذهب الشكوى ،ويهرول نحوها لينعم بقربها كما يحلو له ،غير أنه رآها تتباعد ،شيطان مارد يتدثر بالظلمة يسحبها من ظهرها الى الخلف ،وهى تقاوم ،جسدها المنبسط ينتفض فى الفضاء ،تحاول التحرك لألمام محتفظة ببسمتها ويديها المفتوحتين ،تردد حروف إسمه مغسولة بالحنين ،الفضاء يردد صدى صوتها ،وهو يصرخ مناديا إياها ،بينما الهوة بينهما تتسع ،هو يجرى وقد ذهب عنه األلم وانقطاع األنفاس ،يمد يديه لعلهما يصالن اليها ،وهى بعد أن أجهدتها المقاومة تبكى ،تمد يديها ،واألرض تتمدد ،تستطيل ..
فجأة يتعثر ،تتساقط حبات عرقه غزيرة ،تورق مكانها أشجار خضراء فروعها نامية وثمرها ناضج ،تعتلى فروعها طيور بيضاء يفرد أحدها جناحيه على الكون ،تمتد األجنحة ،تكبر ،يصير مالكا هائل الحجم ،رغم ضخامته اليخشى منه ،يجتاح صدره هدوء اليعرف كيف أتاه ،يقترب المالك ،يحمله على جناحيه مخترقا ً الفضاء نحوها ،تتقارب المسافة من جديد ..تجف الدموع وتشرق البسمات ،يمد يديه من جديد اليها ،تمد يديها بذات إبتسامتها الحنون ،تشق األرض قهقات الشيطان المارد عالية تهز الشجر وتجتاح الجبال وتفزع السحاب والطير ،ويعاود إبعادها من جديد ، الهوة بينهما تعاود االتساع ،يبكى السحاب ،تغضب الجبال ،ينتحب الشجر ويحزن الطير ،يتحرك المالك مواجها الشيطان المارد ،يقهقه الشيطان وهو يواجه المالك ،يرميه بالصواعق العاتية التى تزلزل الظالم حولها ، وتدك األرض دكا ،يقابلها المالك فورا بريح تبددها وتنثر نارها رمادا فى أعماق البحار ،يرمى الشيطان المارد المالك بالحمم والبراكين التى تتفجر مزمجرة ،تكتسح ماحولهامن شجر وزرع وأبنية ،وتذيب الجبال واألوتاد ، يرسل المالك باألمطار سيوال تبتلعها فورا ،تتبدد ضحكات الشيطان ويزمجر غضبا ،يضرب األرض بقدميه فتثور الزالزل ويرتجف الكون هلعا ،يضع المالك جناحيه على الجبال الراسيات فتعاود األرض ثباتها ،يزمجر الشيطان أكثر ،يستنصر إخوته الشياطين التى تطوى القفار خارجة من كهوفها وسراديبها ودهاليزها متجهة اليه ،تهبط المالئكة فورا الى السماء الدنيا لمجابهة المعتدين ،يطارد النور النار ،تدخل األشجار المعركة فتضرب وجوه الشياطين بأغصانها ،يصيح الطير فى وجوههم ،تطردهم الجبال من كهوفها وسراديبها رافضة أن يعودوا اليها ،والريح تصفع وجوههم الفارة وهم يغورون فى بحر الظلمة مندحرين ،يعود الى السماء صفاؤها ،وتصبح الظلمة نهرا من نور -رغم خفوته -بهيا ساحرا ،تعود المالئكة طيورا بيضاء يمأل صياحها الفضاء ويشرق القمر ويراقص النسيم أوراق األشجار وفروعها . يبتسم راضيا وقد رآها أخيرا أمامه كما رسمها ،باسمة العينين كانت ،وسط هالة من نور ،تمد يديها مفتوحتين اليه ،تهتف باسمه وهو يراها تتألق وسط الظلمة ،عاود فرد ذراعيه مناديا إياها ،تبسمت له ،أشرقت إبتسامتها على روحه ،ورغم المسافات البعيدة بينهما شعر بها قريبة تعانق وجهه نسمات أنفاسها ،أغمض عينيه على صورتها
-9وسط الظلمة
أخرجت وجهى من فتحة النافذة الموروبة ،كشافات الضوء اليديوية تلقى بأنوارها وسط المعمعمة ،الحت الوجوه عن ذى قبل ،غير أنها كانت تظهر فى بقاع الضوء تارة ويخفيها الظالم تارات أخرى فال تملك العين أن تحدد ماهيتها جيدا اذ يكون التقا ط الضوء لها خاطفا ،بينما مساحات الظالم تتسع لها معظم الوقت ..شدنى األمر ،وسط الظلمة فى حارتنا والناس كل فى مرقده ،تحت غطائه ،بعيدا عن أنفاس الطريق المعبقة بالصمت والبرودة وكوابيس الظالم ،وسط هذا كله انطلقت صرخة زلزلت السكون ،أ رغمت العيون النائمة علي التيقظ ،والعقول المسترخية والقلوب المطمئنة على الوجل والتساؤل المغسول بماء الخوف - :ماالذى جرى؟ عادت الصرخة تنطلق ..كانت الكهرباء مقطوعة ،تحركت األبدان فى الظلمة ،أ شعلوا المصابيح اليدوية، هرولوا نحو النوافذ والشرفات يستطلعون األمر ،أشباح تهرول خلف
بعضها اليظهر منها وجوه وال تبين لها أصوات محددة ،وإن كانت الهيئة العامة لرجال تبدو قاماتهم للعين معروفة يمكن من خاللها تحديد الشخصيات ،انسللت من مكمنى الى الطريق فى غفلة من أمى التى توارت خلف شيش النافذة محاولة فهم مايجرى ،كان كشاف الكهرباء بيدى ،أدرته فى المكان حولى أمام باب البيت مباشرة ،المعركة على أشدها ،أجساد تتلوى ،صرخات تنطلق ،وهرولة فى كل اتجاه ،صرخ صارخ - :اطفئوا األنوار ، ..أظلمت الحارة فورا ،أشعلت المصباح متحديا ،أتتنى طوبة أجبرتنى علي اإلختباء و إ طفاء المصباح واإل كتفاء بالتحديق وسط الظلمة ،محاوال فهم مايجرى ،عادت الكهرباء آلي الحارة إختفت األشباح المتحاربة وهدأ الليل. ........................................ اصطادتنى أمى على الباب كعادتها ،تلقيت على رأسى عدة ضربات غير موجعة ،وبضعة صرخات شاكية من جنونى وتصرفاتى الال معقولة، ففى الوقت الذى تحتاجنى فيه الى جوارها أفر كالجرذان واختبأ ،أتركها للظلمة وحدها ال أنيس والحامى يدفع عنها األذى ،وبدأ الشريط -الذى حفظت كافة كلماته وحروفه -يتكرر على شفتيها ،عن موت أبى ،وعن رفضها كافة طلبات الزواج للتفرغ لى وحدى ،أنا الجاحد الذى اليقدر ماتفعله ألجله ،ومضت الى فراشها ،كنت أحفظ هذا أيضا الس ي ناريو جيدا بكل إخالص وأنفذه فامضى خلفها ،أضمها الى صدرى ،أطيب خاطرها ببضعة كلمات أعرف أنها ترضيها ،ثم يبدأ الفصل الثالث من الموضوع وهو األهم أذ تعتدل فى مرقدها وتسألنى ماذا رأيت ،وأحكى لها ،ونفسر معا ماكان ،هذا كان يحدث مرارا كلما قامت فى الحارة معركة أو حدث شجار وتوارت هى خلف شيش النافذة ترقب الموقف عن بعد ،بينما أندس انا وسط المعمعة ،أسلط عينى وأحفظ كل مايمر ب ى من أحداث وأعود اليها ،انتظر التوبيخ المعتاد ثم اللوم علي عدم والبكاء تقديرى لما قدمته ثم سؤالى عما رأيته و ن حلل األمر معا ،اال
الليلة ،الليلة لم أر شيئا ،أشباح تغوص فى بحر الظلمة ،تصعد الى النور المتاح برهة التكاد تميز فيها وجوهها ثم تغيب ،والظالل تروح وتجىء على الجدران صانعة عفاريت ومردة وجوهها سوداء ،تتراقص أمام النظرات الواجفة فال تدرى وهى تدور بأعينها بين األشباح المتعاركة فى الحارة واألشباح المتراقصة على الجدران أي منها حقيقى وأي منها خيال ..قلت لها لم أفهم ماجرى ،رمتنى بالبالهة، أشاحت بوجهها عنى وهى تستعد للنوم هامسة - :ومتى فهمت شيئا؟ .................................................. قالت المرأة أم ياسين وهى تعصر الغسيل فوق رأسى أمى - :ماعفريت اال بنى أدم ..لعنت امى الغسيل والدور االرضي الذى يجبرها علي تلقى نفحات الست أم ياسين من أعلى وهى تبتسم راضية وتقول لها حينما تسألها- :؟ هل تضايقت ..أبدا وهللا ..وهى فى داخلها تكره اللحظة التى تجمعها بها فهى التمتلك فى الكون اال لسانها وقوته التى التجارى فى كر الحروف وربطها وتسلسلها دون أن يستطيع كائن أن يوقفها أو حتى يهدىء من سرعة تدفقها ،وأمى بصفتها من ذوات األلسنة القوية تكره من يفوقها قوة ،وعادة تقول عنها ثرثاره ،وانا أسمع وال أعلق واال نالنى منها ما أنا فى غنى عنه ..قالت أم ياسين وهى تواصل العراك مع غسيلها فوق رأس أمى - :لم يجدوا اال حارتنا ليتقاتلوا فيها ..انتبهت للحديث راجيا أن تفسر األمر ،لم تقل شيئا ،تركتهما الى الحارة ،قال بعض األوالد - :نحاربهم ..سخر البعض اآلخر من الفكرة ،قالوا - :القوة معهم ،والسالح ،والخبره ايضا ،ونحن أساسا النعرف من هم ،فكيف نحارب من النعرفه ..قال أحدهم - :نختبىء حينما يأتون ..أكمل ثان - :نغلق االبواب والن و افذ ..رد عليه صوت قريب منه معترضا - :ونعيش حالة الرعب وسط والظالم والحيرة؟ تساءل أكثر من سائل - :وما العمل ..قلت بهدوء- :؟ لدى رأى ..تحلقوا حولى- :
هات ماعندك. .............................................. و قفت محاذيا الجدار ،خلف باب البيت الخشبى المهترىء بثقوبه المبعثرة فى أنحاء بدنه كما اتفقت مع األوالد ،مطال على الحارة فى ليلها الدامس ،عيناى تغوصان فى ظلمة ميتة القلب ،حارقة السواد، تطوى بين أحضانها مشاعر شتى من خوف وقلق ،وأمل فى اكتشاف سريع لألمر يجعلنى أسبق الجميع و افتخر بتبديد تلك الحيرة المستبدة المسيطرة علي هذه االيام الحارة ..بدأت الدقائق تتثاقل فى سيرها، والهدوء الثلجى يتحول الى كتلة من نار تشوى العين ،والعرق رغم البرودة الخفيفة فى الجو ينسل الى عينى وينزلق لزجا الى أسفل ظهرى فى تباطىء مرير ،وانا أحدق من ال ثقب ال صغير فى الباب الخشبى آلي ظالم الطريق انتظارا للحظة البدء ..تفجرت األصوات مرة واحدة لتكتسح الصمت المتكلس على واجهات البيوت ،أقدام تهرول قادمة وأخرى مبتعدة ،صرخات بحروف مدغومة التكاد تبين ،ظلمة تستبد باألعين وتمأل القلوب بأغشية من سواد ،اشتباك باأليدى واألقدام ،أجساد تسقط وأجساد تقوم ،و أشباح الظالم يطويها ،ال يبدو منها اال قامات سوداء تروح وتجىء كمردة الجن ،زارعة الرعب فى قلوب الرائين ،يطولها ضوء كشاف من هنا أو هناك فتبدو أجزاء من مالمح أحدهم واضحة جلية ،بينما األجزاء األخرى يصر الظالم على طيها بين جناحيه ،وتتراقص الظالل على الجدران من أثر تسليط الضوء من البيوت المحيطة على وسط الحارة ،فتبدو الظالل فى رواحها ومجيئها بضخامتها مثل كائنات األساطير التى يحكون عنها، مما يجعل األعين تنظر بعين الرهبة اليها ،وال تملك لها اال المراقبة الصامتة فى محاولة البحث عمن هم هؤالء المتحاربون ،أو سبب حربهم ،أو حتى لماذا اختاروا الحرب هنا فى حارتنا وفى الليالى
المظلمة بالذات فال قمر وال نجوم لفضح المستور ،اللهم اال كشافت يدوية تعسة تضىء بعض الوقت ثم مايلبث أن يصرخ صارخ اطفئوا الكشافات فتنطفىء وينتهى األمر ،الليلة وقفت خلف باب البيت ،لم آبه كالعاده لهمسات أمى وهى تضرب بيد الرعب خدها اليابس - :تعالى هنا ياولد ..حدقت وسط الحارة فى بقعة نصفها ظلمة والنصف اآلخر يتراوح بين العتمة والضوء ،مرت أنصاف وجوه أمامى ،فزعت ،ليس لمرآها ولكن الكتشافى شخصياتها فهذا الصاوى فتوه حارتنا بوجهه المظلم الذى يرهب به وجوه الحارة ،وهؤالء هم صبيانه يروحون ويجيئون وبأيديهم المدى والهرواوات ،يواجهون أشباحا أخرى لم أستطع أن أتبينها ..ومرة واحدة كما تفجرت األصوات تفجر الصمت ، بعده علت ضحكات هستيرية ،ورأيت النور الذى غاب طويال يعود ، الوجوه تبين ،المالمح تتضح ،الحروف المدغومة تفهم وهم يهللون- : طردنا اللصوص ،ارتددت الى الخلف متحاميا بما تبقى للباب من بدن، وسؤال صارخ يخرق عينى - :لماذا يتعاركون فى الظلمة ،ومن هم هؤالء اللصوص الذين يتحدثون عنهم ؟ اختفى الجميع ،..زاد ارتجافى من بحر األسئلة وأنا أعود الى أمى ........................... مصمصت أمى شفتيها حينما رويت لها ماكان ،أبدت دهشة ممزوجة بازدراء وأنا أحكى لها عن الصاوى فتوة حارتنا وصبيانه الذين كانوا يهللون فرحين بانتصارهم على اللصوص وطردهم من الحارة ،لم تعقب وإن كانت قد تمتمت بكلمات غاضبة وهى تشيح بيدها قائلة: يكفونا شرهم أوالسألتها :من هم؟
ضربتنى على وجهى ضربة خفيفة وهى تطلب منى اال أتأخر ثانية فى الحارة واال قطعت رقبتى
-10حمامة سالم أل ننى لم أره من قبل لم أقبل عليه ،لم أشعر بتلك المشاعر التى تنتاب اإلبن حينما يرى أباه بعد غياب ،تأملت وجهه المغضن ،عينيه الغائرتين ، انتفاخات ماتحت عينيه ،شعره المرجل الى الخلف فى انسياب طبيعى ، وعالمة الصالة التى تتوسد جبهته العريضة ..مررت بمالبسه الراقية كما بدت لى ،رميت بنظراتى بعيدا متأمال المكان من حولى ،شاعرا رغم
مشاعرى المتأججة والغيوم المتراكمة فى أعماق نفسى براحة لتغلغل اللون األبيض فى كل شىء هنا ،انتشاره بصفاء نبضاته الحانية التى تطرق باب الروح بدفئها يعطى النفس شفافية ،يجعلها تسترخى وتهدأ وتخوض فى أشق األمور بيسر وبال منغصات ..شىء ملفت فعال أن ترى الباب والشباك والستائر والسرير وحتى المقاعد والمفارش كلها بيضاء ،كأن الحجرة قد غمرت فى بحر صفاء ناصع ،ولم يعد هناك من األلوان األخرى اال لون وجهينا انا وأبى ..عدت اليه ،عيناه تعانقان وجهى ،ينظر شاردا مستغرقا فى أفكار ال أعلمها ،وكل مايبدو على محياه هو أسى تنطق به تقطيبة جبينه وضيق عينيه ،ينتظر منى أن احكى له لماذا جئت اآلن أبحث عنه بعد هذه السنوات ،ماهو الجديد الذى جئت أقدمه له ،وماهو المبرر الذى أطرحه بين يديه لسنوات من النسيان ،بطبيعة الحال ليس مرضه وليس وجوده فى المستشفى هو السبب فأنا ال أعرف ،أمى نفسها لم تكن تعرف ،وحتى اذا عرفت ماكانت لتطلب أن أقوم بتلك الزيارة ..منذ زمان وهما متباعدان ، كل منهما له حياته ودنياه ،هى أخذت أوالدها وعاشت لهم ،وهو تركها .وراح بعيدا وعاش حياته كما شاء عدت اليه ،عيناه مازالتا تعانقان مالمحى ،قلت متسائال -:لماذا ؟ وانا أحدق فى عينيه متربصا بمشاعره التى تبدو فى أغوار حدقتيه ،فهم سؤالى دون ان أبوح ببقيته ،هز رأسه وإبتسامة خجلى تفترش ضفتى شفتيه ،يعتذر بها على مايبدو كأنه يشعر أنه ضبط أمامى أنا إبنه البكر .بفعل اليليق به ،همس -:نصيب لم أرتح إلجابته ،عدت ألح -:لماذا ؟ أدار ظهره لى بحركة مفاجئة ،ظننت لبرهة خاطفة أنه ضاق بى واليريدنى ،ولذا اعطانى ظهره ،غير أنه كان يريد االستناد على رسغيه ليقوم ، استوى واقفا ،واجه نظراتى بمثلها -:هذا مضى عليه زمان ..يكفيك أن تعرف أننى أتابع حياتكم ..يمكننى أن أحكى لك عن كل شىء يخصك وأنت وإخوتك ..أتكفل بنفقاتكم ..أتابع دراستكم ..أحل مشاكلكم ،وأتدخل اذا لزم األمر مكتفيا بالفعل دون الظهور المباشر فى حياتكم
اتسعت عيناى والنيران تشب فى أعماقهما ،منذ سنوات طويلة لم أره لم يظهر فى مشكلة ما ،لم يتدخل -كما يقول -فى شىء ..ربت كتفى بلطف كأنه قرأ فى عينى كل مادار فى رأسى من شكوك ،قال -:اسأل خالك .محمود وسيشرح لك ماخفى عنك ارتبكت ،وجدتنى أسأله -:وأمى تعرف ؟ هز رأسه سلبا وشبح ابتسامة تعسة تلوح على محياه وهو يؤكد أنه طلب من أخيها -خالى محمود -هذا ،فهى مادامت قد باعته فلن يشتريها بحال اندفعت سائال -:كيف باعتك ؟ هز رأسه هزة خفيفة التكاد تبين كأنما ينبه نفسه الى انزالقه الى بحر اليجب .الخوض فيه ،اعطانى ظهره هامسا -:يابنى ،إنك تثير شجونى اندفعت أواجهه -:ارجوك تكلم ،ماذا فعلت أمى ؟ قال بسرعة -:التذهب الظنون بك بعيدا فهى بكل المقاييس محترمة اذن ماذا حدث ؟ - عاد الى سريره مستندا بكلتا يديه ليريح جسده من جديد على بياض فرشته ، بدت السماء خارج النافذة خلفه بيضاء ناعمة األديم ،تحتها أشجار تتيه بشموخها فوق بساط من خضرة ..قال متعمدا إبعاد عينيه عن مرمى نظراتى -:جاءنى عمل فى مدينة أخرى ،طلبت منها مرافقتى ،رفضت أن تترك عملها ، خيرتها بينى وبينه ،إختارته ..كان محال أن أقبل هذا الوضع خاصة أن رفضها كان قاطعا ..سافرت بعد أن اتفقت مع أخيها محمود صديقى على كل شىء قلت بسرعة الئما -:ورضيت أن تبتعد عنا ؟
أشاح بيده -:هى التى ابعدتكم ،وساعدها سفرى المتواصل و رغبتى اال .أشتتكم بينى وبينها و صمت محاوال مالحقة انفاسه المتقطعة بعد أن بذل جهدا كما يبدو فى تذكر مافات ،احترمت صمته ،وراحت صور خالى محمود تتالحق فى رأسى وانا أراه فى كل موقف معنا ،اليترك امرا اال شاركنا فيه مادا يده للجميع فى .حدب أب عادت نظراتى اليه ،فتحت فمى وأنا أواجه عينيه من جديد متسائال عما به ، هز رأسه ومالمحه تحمل تعبيرا ساخرا أشعرنى أن يريد أن يسألنى بدوره عن تقاعسى عن البحث عنه كل هذا العمر ،وهل جئت اليوم فقط ألسأله عما به ؟ شرد قليال ثم همس - :أنا سعيد برؤيتك وأنك أخيرا عرفت طريقى ،لكن - أصدقنى القول -ماالذى دفعك الى المجىء اآلن ؟ أحنيت رأسى رغما عنى فى تسليم ،ودون أن أبحث عن كلمات أدفع بها تهمة العقوق عن نفسى ،قلت وانا أحدق فى بالط األرض وفى الخطوط المتقاطعة التى رغم تفرقها وشرودها تعود لنقطة التقاء جديدة أمى مريضة بالمستشفى ،خالى أخبرنى أنك هنا بالمستشفى - سأل فورا -:وأين هى ؟ قلت -:هنا فى نفس المستشفى فى قسم النساء عاد يجاهد للوقوف ،مددت كفى سريعا اليه ،ربت كتفى بيده بعد أن اعتدل مكانه ،قلت جادا -:سأكون حمامة السالم بينكما ،هل تقبل ؟ أشاح بعينيه بعيدا ،لم أحاول تتبعهما .
-11حمار أم محمد مالك وحمير القرية ؟قص عليهم ماكان وهو يشعر بفخر خفى كونه محل اهتمام رغم بعض الضربات العابرة والحروف المدججة بالسباب ،وصف لهم هيئة الرجل الغريب مؤكدا أنه سيمر على المقهى ليسأله عما فعل ،أخذوه من ذات الياقة المكدسة باألتربة والغبار والعرق الى هناك ،سار منتفخ الصدر كونه يقود قافلة بهذا العدد الذى البأس به والذى يسد عين الشمس ،رأى الرجل حينما جاء عيونا كثيرة تكاد تصهره نظراتها ، والسنة ذات حروف مسننة تتقاذفه بينها فاتسعت ابتسامته ،تقدم ضاربا األرض بعصاه فى رفق كأنها تقبلها ورفع صوته قائال -: أريد شراء بعض الحمير من هناصمت لحظة مد فيها يده الى جيب سترته مخرجا أوراقا نقدية من ذات الهيئة والمقام الذى رآه مسعود من قبل وأكمل بهدوء واثق -: نقودى حاضرةارتفع صوت أنثوى حاد بالسؤال -: بكم تشترى الحمار ؟رد فورا -:بثالثة أضعاف ثمنه صمتت األصوات وأخذت األعين تتبادل النظرات والعقول تعمل بسرعة وكل منهم يمنى نفسه أن يبيع حماره بالثمن الذى حدده الرجل الغريب ويشترى آخر رخيص الثمن ويوفر الفرق ،تقدم أحدهم -:أنا أبيع ،هات نقودك تاله اآلخرون ،عدا أم محمد األرملة ذات القراريط القليلة ،والحال التى يعرفها الجميع ،أدارت ظهرها لهم فى هدوء وغادرت المكان مشيحة بيدها -: وهللا لو وزنوه ذهبا ماتركتهتابعتها بعض اْلعين متعجبة من غريب فعالها ،قالت بعض اْللسنة أنها هكذا ،تعشق الفقر وَلتريد غيره بديالً ،حتى عندما مات زوجها وتهافت عليها المريدون للزواج رفضتهم جميعا ً واختارت الفقر والوحدة
استدار الرجل ناحية مسعود ،هرول ليقف بين يديه ،طلب عربة لتحمل الحمير ، اعطى كل ذى حق حقه ونفحه مبلغا جديدا بعد أن ضربه على قفاه بود وهو يقول -: انا مسرور منك ،نفذت ماأريد بالضبط لم يفقه مسعود شيئا مما قال ولكنه فرح بالنقود جدا ،تابعه وهو يغادر المكان والعربات المحملة بالحمير خلفه ،بعدها طار الى المقهى ،سمع هناك أن بعض القرى المجاورة باعت حميرها بخمسة أضعاف والبعض اآلخر بستة أضعاف ،رأي الحسرة تعتلى الوجوه ،أشارت األيدى اليه قائلة أنه السبب وقذفوه كعادتهم بالوان السباب التى يجيدونها ،لم يغضب كالعادة وأخذ يضحك ليس من كالمهم ولكن كونهم فالحين واليملكون حميرا ..قال تليفيزيون المقهى بعد قليل أن الحمير قد سافرت خارج بر مصر للعالج ،هرول عبر دروب وحارات القرية يبلغ الجميع أن الحمير كانت مريضة وسافرت للخارج للعالج ،الغريب أن الوجوه التى أبلغها الخبر لم تفرح له بل رمته بالفاظ السباب كعادتها ولم تبال به ،حتى الدكتور عبد الحميد الوحيد الذى يأتنس ببسمته كلما رآه كان عابسا وهو يقول أن حمير بلدنا المحروسة بالذات سوف تستخدم فى عمل أبحاث لعالج السرطان لذا فثمنها ارتفع بصورة كبيرة ،أراد ان يسأله وهل السرطان الذى يقول عنه أنه مريض ولن تعالجه اال حمير بلدنا ؟ غير أنه ابتلع تساؤله حينما رأي أم محمد قادمة مرفوعة الرأس تحادثه فى هدوء وبصوت واثق قائلة أنها على استعداد للتنازل عن حمارها بال مقابل اذا فكر فى إجراء أبحاثه عليه . كالعادة لم يفقه مسعود شيئا مما قيل غير أنه ظل عابسا هذه المرة ولم يضحك ربما ألن الجميع كان عابسا من حوله
-12أطول محمود فى التاريخ
رأيتها على الجدار ..مستديرة الوجه..بيضاء ..بخيوط صغيرة مذهبة الحواف..تحاذيها أرقام أجنبية سمراء اللون ،يتألق عليها الضوء،ويلهث فوق صفحتها مؤشر نحيل الجسد ،يدور فى حلقات دائرية التهدأ ،معتليا مؤشريين آخريين ،أحدهما بدين الهيئة قصيرها ،واآلخر أعظم منه طوال. فتحت عينى على اتساعهما ..المفترض فى المؤشرات أن تدور فى اتجاه اليمين ..هذه تدور فى اتجاه الشمال !! كانت دقاتها فى ليل الصمت مدوية ..تك ..تك ..تك..تسلقت عيناى سقف الحجرة المزركش بالسواد ..أخذت تتقافز على المساحات الخافتة الضوء،التى تتناثر هنا وهناك بين الحفر والتعرجات ،الحقتها خواطرى تقفز خلفها وتلهث ،حملت جسدى من الوضع راقدا على
الفراش الى الوضع جالسا ،مسندا ظهرى الى مسند السرير ..رأيت أفكارى تتدحرج من أم رأسى وتتكور بين عينى متسائلة بحدة-: ( نمت الساعة التاسعة مساء ..وعدت تستيقظ فى التاسعة اال الثلث من مساء ذات اليوم ،كيف !!؟ عدت الى الساعة ..عقاربها – وكأنها تستفز ادراكى أكثر -تتراقص ،تتحرك فى قفزات متناغمة فى ذات االتجاه ..الشمال ! تاهت المرئيات عن عينى ..غير أن خاطرة قفزت الى رأسى (..وما أدراك أنك استيقظت فى ذات المساء ؟ ) فتحت عينى تماما ..لقد نمت الساعة التاسعة يوم الخميس الموافق ستة من الشهر ..اذن فنحن اليوم حتما الجمعة الموافق سبعة من الشهر ..نظرت الى النتيجة على الجدار ..تركتها الى التليفزيون ..لن يجلو األمر سواه ..هرول المذيع بين يدى متجهم الوجه ..نفخ فى أذنى -: ( الساعة اآلن الثامنة والنصف مساء يوم األربعاء الموافق خمسة من الشهر) صرخت -:ال أشاح بيده فى ملل توارى عنى ..................................... داخل قفصى الصدرى حملت حيرتى ،وانسقت وراء قدمى الى الخارج ..الظالم منقوش على األشياء ..مبذور فى تالفيف الهواء ،وضارب بجناحيه العظيمين األفق على البعد ..غرزت حبتى عينى بين عقربى الساعة فى يدى اليسرى ..الثامنة اال الربع ..أدرت بصرا زائغا الى الطريق ..أحدهم قادم . كم الوقت اآلن ؟ -الثامنة اال الربع
سألت آخر..ذات االجابة - :الثامنة اال الربع طارت قدماى الى الميدان الكبير ..الساعة الضخمة التى تعلو جامعته العريقة لن تكذب ..كانت الثامنة اال الثلث ..مأل الغباء قسماتى ..فتحت فمى كحمار صغير اليفقه شيئا مما حوله ..كان هناك اناس فى الميدان ..كائنات متناثرة يمرون بنفس الحالة ..عرفتهم من عالمات بدت على الوجوه ..اقتربت من أحدهم -:مااألمر ؟ أغلق فمه بالكاد ،وأعاد بناء تقاسيم وجهه بتعبيرات حسية جديدة ، وهمس محاوال الظهور بمظهر الالمبالى باألمر -: الساعة تسير الى الوراء.ارتفع صوت متلهف بجوارى صارخا -: أنت أيضا !!؟..انضموا الينا سراعا ..كانت ساعة انتبه الينا بعضهم الجامعة العتيقة تشير الى السابعة ونصف وخمس دقائق ..ارتفعت األصوات صاخبة ،صنعت مظلة من حروف تائهة الرابط بينها ، مالبثت أن تهاوت مترنحة على أسفلت الطريق فى حدود السابعة ...................... رأيت قامتى تقصر وانتابنى فزع ..رجال المدينة أصابهم نفس الداء ..كلهم يوما بعد يوم تقصر قاماتهم ،كأنما يرتدون الى الوراء بأعمارهم وأطوالهم ،رغم أن مافى تجويف األدمغة اليتغير . ..حاولت الحكومة فى بداية األمر تجاهل الموضوع ..لم تستطع .. أتت بساعة جديدة مجربة ومضمونة ووضعتها فى الميدان الكبير ، دارت شماال ..وضعت ذراع طويلة ربطت من ناحية بعقارب الساعة ،ومن ناحية أخرى بموتور يدور يمينا ،وصور التليفزيون الميدان والناس والساعة ،وأكد أن األمور تخت السيطرة ،غير أن ماجرى للرجال فجر الموقف ،ولم يستطع أحد أن يخفى األمر ..اندفعت الصحف فى تناولها له ..المدن المجاورة أرسلت علماءها للمساعدة ..طلب بعضهم أن يعود ببعض الساعات لمعاينتها ، وببعض الرجال لوضعهم تحت الفحص ..الساعات لدهشة الجميع
سارت باتجاه اليمين ،والرجال بدأوا فى االستطالة بمجرد مغادرتهم مدينتنا ..الجدير بالذكر أن الوحيد فى مدينتنا الذى بقى على حالته ولم تقصر قامته هو عمدتنا القصير الذى ظل على قصره . ...................... قال الولد -ابنى -وهو ينظر الى مرتابا -:مدير المدرسة طلب ولى أمرى لم أفطن لمعنى نظرته ..قلت بعفوية -: ماذا فعلت هذه المرة ؟ ..أتعرف جزاءك اذااذا اشتكى منك ؟ أجاب الولد ابن العشر سنوات محتجا -: وهل أنت الذى سيأتى معى ؟وهو ينظر الى قامتى التى كادت تقارب قامته ،ويكمل مستدركا -: ماما تأتى معىوهو ينظر برضا الى طولها ..حدقت فيه بحدة وأنا أبحث عن كلمات أزجره بها ،أو عصا أهوى بها على ظهره ..رأيت أمه الى جانبه انسحبت أجرجر المى ..تبعتنى زوجتى فى صمت ..جلست على المقعد ..شدتنى ألجلس على حجرها ..كالطفل العنيد رفضت ..قالت بجد -: اذا استمر هذا الوضع سأجن هربا من الخوض فى موضوع ليس وقته اآلن هرولت الى التليفزيون أفتحه ..مد المذيع المتجهم الوجه يده الى أذنى قربها من فمه وصرخ -: تم شراء ساعات يابانية أصيلة تساير الزمن ،وتدور يمينا ،وسوف توزع على الرجال الذين قصرت قاماتهم سألته -:وهل يعيد لى هذا ارتفاع قامتى ؟ أشاح بوجهه عنى ولم يرد ............................ فى اليوم المحدد الستالم الساعة ارتديت مالبس ابنى و مضيت الى الميدان الكبير..احتفال مهيب كان هناك ..ميكروفونات تشيد بهذا
االنجاز ..اعالم ترفرف ..موسيقى تصدح ،و حوارات غاية فى الجدية تدور ..فمن قائل أن األعداء رشوا الزرع بمبيدات تغتال الرجال ..ومن قائل أن السبب منا .اذ الغينا رجولتنا بايدينا ،وتعودنا الرضوخ ألوامر غيرنا ،ولم يعد لنا طعم وال رائحة ،فبدأت أجسامنا تتكيف مع الوضع الجديد . .ومن قائل أن هذا عقاب من هللا أنزله بنا ،ألننا غيرنا نواميس الكون ،وخاصة وضع المرأة ،فخرجت من بيتها ،ودست أنفها فيما اليعود عليها وال على بيتها بالخير ،ورفعناها فوق الرجال بقوانين ما أنزل هللا بها من سلطان ، فجعلنا هللا عبرة ..ومن قائل ان الحكومة رأت أن تشغل الرجال بعيدا عنها وعما تفعله ففعلت فينا هذا . كلمات كثيرة سمعتها ،وأفواها عديدة رأيت كال منها يزفر مالديه فى حدة ..غير أن الكل صمت حينماوقف مسئول لجنة توزيع الساعات أمام الميكروفون ،وأعلن آسفا أن الساعات بمجرد دخولها المدينة غيرت من سيرها !! تعالت األسئلة حائرة عما يجرى والندرى له تفسيرا ،وهذا الجو الذى نعيش فيه ،وتعالت الصيحات تطلب ضرورة البحث فورا عن حل ،لحظتهارفع الرجل ذراعيه طالبا الصمت قائال -:اطمئنوا ..بحثنا عن الحل ووجدناه ..وقد تقرر اآلتى -: اوال -الغاء الساعات الموجودة بشكلها الحالى وعمل ساعات أرقامها من( 1الى ) 12تكتب متجهة الى اليسار وبالتالى تصبح العقارب فى سيرها ناحية الشمال بدل اليمين طبيعية وال تحدث مشكلة ثانيا -تقرر تعويض القامات القصيرة بأسماء تلغى المشكلة فورا ..مثل محمد الطويل ..على األطول ..حسن المستطيل ..حسين المطول ..وهكذا ..وتأكيدا لعدالة التوزيع سيترك لكم اختيار الصفة المناسبة كما ذكرت ..ولن تتدخل الحكومة فى هذا ثالثا بعد االختيار سيتم توزيع طراطير لها اطوال مختلفة ..تم صنعها خصيصا من أجلكم ..كل واحد سيأخذ طرطورا بطول مناسب ..ويكتب على الواجهة اسمه الجديد .مثال أنا اسمى أحمد المتطاول
..أكتب هنا ( وأشار الى مقدمة الطرطور ) اسمى ليعرفنى كل الناس ..وبهذا تنتهى المشكلة استلمت طرطورى الجديد ،وارتديته فوق رأسى بعد أن كتبت اسمى بلون أزرق على قماشه األحمر ليكون واضحا للعيون (..أطول محمود فى التاريخ ) ..وعدت الى بيتى فرحا ..أنظر الى الطريق من ع ٍل
-13الساعى ()1 رأيته قرارا حكيما أن أضع الشمس و القمر والنجوم جميعا فى جيبى ،وأسير مختاال ،حامال صمت العظماء وهم ينظرون من فوق السحب الى الخلق ،شاعرين أنهم يتصدقون عليهم حينما يشرفونهم بالنظر اليهم ،أنظر أنا ايضا من فوق سحابة تعلو الرؤس ،ماضيا فى تؤدة وسط الطريق الذى يفسح أرجاءه مرحبا بى ،وانا أضع يدى فى جيبى قابضا على النقود فى عزم ،تلك النقود التى رفرفت بجناحيها محلقة فوق رؤس العاملين بالمصنع ،باحثة عمن يستحق أن تنعم باألمن والدفء بين يديه ،مكافأة لم تكن لها سيرة فى بال والصورة فى خيال ،أتت كما تحكى األساطير وأسفار المعجزات قاصدة جيبى أنا دون جيوب غيرى ،األروع أنها فرصتى الذهبية
ألقتنى ماال لى وحدى ،واثقا أنى إن لم أحافظ عليه ستأسره يد زوجتى ذاتالمخالب القوية التى ال تفلت ماتنطبق عليه خاصة اذا كانت أوراق بنكنوت ،الغريب أن تلك األوراق دون بقيةأوراق الكون التحب الخشونة ،وتنفر من العنف رغم أنها السبب األساسى والمباشر فيه ،وعليك لكى تكسب ودها أن تفتح لها فمك باستمرار صانعا بسمة مقعرة السطح ،و أن تصون كرامتها باال تنقص منها ،وهذا اليتأتى اال ألصحاب النقود ..مثلى اآلن ! ..................... ()2 ذلك الكائن المسمى زوجتى له فى عينيه مآرب أخرى ،تلك األعين الترى فقط مثل بقية الكائنات ،هناك قرون إستشعار تتحسس النقود ،وأشعة سينية تخترق الجيوب ،وخلف كل عين قلب اليشم فى الكون كله اال رائحة النقود ،متى ماارتفع صراخه نابضا فى عزم بجوارك فاعلم أنك قد وقعت فى المحظور ،وأنك لن تفلت من التفتيش متيقظا كنت أو نائما ،ولن تتركك لحالك اال بعد اإلستيالء على مالديك راضيا أم رغما عنك ،وياويلك اذا أبديت التذمر أو طفا على سطح مالمحك ماينبىء عن شىء من ضيق ،لحظتها ستنفجر طاقاتها الصوتية العالية الكفاءة فى وجهك ،وستجد أنك أمام مأساة أنت السبب الوحيد فيها ،فالبيت الذى هو مسئوليتك المباشرة وأمانتك التى أتمنت عليها والذى تنعم فيه بما لم يره أحد من النوم والراحة والطعام ..و..و! هذا البيت يئن من األلم بسببك ،فأنت بكل جبروتك وظلمك لم تعطه حقه المشروع فى المعيشة الكريمة ، وبخلت بما لديك ،وتركته عاجزا عن سد حاجاته الطبيعية ،ولكى تعرف جيدا مقدار العجز واإلحتياج الذى يعانى منه ذلك المسكين الذى ينتسب رغما عنه اليك أنظر حولك ،جميع الجيران لديهم ماليس لديك ،وعندهم ماليس عندك ،وكل هذا ألنك مقصر وبخيل ، التقدر األمانة وال تحفظها ،والتنظر بعين الرحمة الى ضعف ذلك
الكائن المالئكى الذى هو زوجتك ،وهى تمنح هذا البيت عصارة جهدها ،ورحيق عمرها الذى ضاع فى بحر جحودك ..يحدث كل هذا ويداها تنهشان جيوبك نهشا وتصادران كل مافيها ،عدا مايعد حدا للكفاف واليضرها وجوده معك فى شىء ..لذا عليك أن تنتبه لهذا وانت مقبل اآلن – المفر -على الدخول الى عرين األسد ،عليك أن تحسب حساب عينيها وقرون إستشعارها ومقدرتها الفائقة على شم أوراق البنكنوت وهللا المستعان ! ............... ()3 ألوراق البنكنوت وهى ملكك رائحة تختلف عنها وهى ملك لغيرك ، قد تكون فى الحالتين بين يديك ،تقبض على جناحيها حتى التنتهزفرصة وتطلق جناحيها للريح ،لكن األمر يختلف تماما ، فأنت حينما تأخذ النقود مقيدة بمظروف أبيض من شباك الصراف المتجهم الوجه ،متجها بها الى إمرأتك المتجهمة الوجه ايضا ، تشعر أنك ساعى بنكنوت ،تنقلها من يد الى أخرى وتأخذ نظير هذا منحة تسمى مصروفك الشهرى ،وهو مسمى كما يبدو من إسمه جاف وحروفه يابسه ،ولم يعد له معنى اآلن خاصة فى ظروف الغالء هذه التى تتعملق فيها اإلحتياجات ،بينما هو يتقازم دون أن تملك حق اإلعتراض أو طلب الزيادة ،ألنك تعرف جيدا الرد التى تعلقه زوجتك خلف باب حجرة النوم ،والتى تستطيع أن تتلوه عليك كلما لمحت فى عينيك نظرة تدل على احتمال حدوث تمرد أو تفكير عابر بالشكوى ،مما يضطرك الى الصمت ..فى تلك الحالة وأنت ساعى البنكنوت تظل الشوارع متجهمة ،والشمس شاحبة ،والطيور على جانبى الطريق تدور حول نفسها بال معنى ،بينما الكائنات المتناثرة هنا وهناك والتى تسمى بشرا تمضى بال عيون ،مكتفية بقرون إستشعار توجهها الى حيث تريد الظروف والحاجات ،أما وأنت تسير مثلى اآلن فاردا ذراعيك على الكون ،ممتطيا سحابة ناصعة
البياض ،محدقا فى الخلق بعينى حاكم بأمره ،بينما الطيور حولك تغرد أغنية وال أروع ،واألشجار تتمايل غصونها فى دالل وال أجمل ،والبيوت تبتسم راضية ،والوجوه ضاحكة ،والعيون أحداقها المعة ،وانت تمضى بين أكف الهناء ،يداك فى جيبك ،والنقود ضامة جناحيها فى نشوة وراقدة فى تنعم فى جيبك ،و لقب ساعى البنكنوت للمرة األولى يتوه عنك ،يدفعك أحدهم فى كتفك فتبتسم له معتذرا بدال من غضبك المزمن ،تقابل جارك الكريه ذى الصوت العالى الذى يطلق صوته ثعبانا ليليا ينفذ من النوافذ واألبواب الى حيث يلدغ أذنك بال رحمة فتسلم عليه اآلن بحرارة ،وتقترب من البيت ،ترفع عينيك الى المدخل المظلم وتفيق من نشوتك ،النقود فى جيبك ،وقرون اإلستشعار موجودة ،واأليدى ذات المخالب جاهزة ..يرفرف قلبك فى فراغ صدرك مذعورا ،متسائال بهلع كيف أفلت من قبضتها ؟ ................ ()4 التظهر العبقرية اال وقت الحاجة ،وهذا يدل على أن العقل يحتاج دائما لمن يضيق عليه ويخنقه بما اليقدر عليه لكى يثار ويعمل ويجد طريقا للخالص ،أما اذاتركته دون ضغوط فسوف ينعم بالخمول دون إبداع خاصة عقلى ،تركته سنوات دون أن أفكر فى تعكير صفوه ،تاركا له حرية الحركة دون ضغوط ،فما كان منه اال أن أخذ ركنا قصيا فى فراغ دماغى ونام فيه هانئا ،واثقا أننى لن أفكر فى إيقاظه ماحييت ..الغريب أن سنوات طويلة مرت ولم أفكر أن أوقظه اال اليوم ،وفى تلك اللحظة بالذات وأنا أصعد درجات سلم بيتنا المتآكلة ،بدرابزينها الخشبى المتهالك ،بظلمة األدوار األولى نتيجة إحتراق لمبة السلم ،ورفض الجيران وانا منهم شراء لمبة جديدة اال أول الشهر ،اآلن فقط طلبت منه ملحا أن يجد لى مخرجا فوريا من ذلك المأزق ،أخذ يتثاءب قبل أن يحدق فى الظلمة ،
ودار حول نفسه دورات سريعة ثم أشار على بالحل (هى قد تمد مخالبها الى مالبسك ،ولكنها التهتم بالحذاء ،ضع النقود فى الجورب ،فاذا دخلت إخلع نعليك هادئا وإشغلها بحديث تافه ، وليكن لمبة السلم المحروقة وخشيتك من التعثر فيها ،أنت تعلم أنها تخشى عليك بصفتك ساعى المال األمين الذى اعتادت عليه ،سوف تناقشك فى األمر ،خذها وتحرك بعيدا عن الحذاء ،وبعدها حين تتاح لك الفرصة انقل كنزك الى مخبأ أمين ) ..هزتنى النشوة لهذا الحل ،نفذته وطرت راضيا الى أعلى . ................. ()5 حسنا فعلت ذات المخالب ،مضت وأخذت مخالبها معها ،األوالد وحدهم ،ضجيجهم يدل عليهم ،هى على األرجح فى السوق ، تقدمت نحو الباب ،قبل أن أضع المفتاح فى الطبلة رأيته يفتح على مصراعيه ،أوالدى الثالثة وسط الردهة ،زوجتى تقف فى الوسط بعينين داميتين ،تحملق بنظرات بال معنى من مكانها نحوهم ،ويداها الى جانبها خاليتان من المخالب ،مضيت الشعوريا الى جوارها أسألها عما بها ،القت الى بنظرات مرهقة وهى تسألنى باكية -: اال تملك شيئا آخر غير السؤال عما بى ؟تفجرت الحيرة فى صدرى أنهارا ،أعدت السؤال بصوت أعلى مابك ؟أدارت وجهها عنى ،أعطتنى ظهرها ولم تنبس بحرف ،ازدادت مساحة القلق فى صدرى ،هطلت أمطار الظنون ،حلقت طيور سوداء فى سماء مخيلتى ،ورأيتنى وسط ظلمة الهواجس أدور بال حول ،أعدت عليها السؤال بصوت أعلى عن ذى قبل ،استدارت الى ،حدقت عيناها الحمراوين فى عينى-: أوالدك يحاكموننى -
هدهدت نبضات قلبى المذعورة واحتميت بظالل الهدوء معيدا ذات الكلمات محاوال استيعابها -: أوالدك يحاكموننى !! ودرت ملقيا بنظراتى نحوهم ،وجوههم تنطق بما يريدون ،أعينهم تصرخ بما يطلبون ، ،حاولت أن أهمس مثل كل مرة بطلب الصبر ، لم أستطع ،رأيتنى أخرج النقود ،الوح بها أمام أعينهم فى صمت ٍ ، و رأيت أيديهم تستطيل ،ينبت لها مخالب ،المخالب تمتد ،أستغيث بزوجتى ،عيناها تبرقان ،يداها ترتفعان ،مخالبها تمتد ..لم استطع الصراخ وهم يتجهون الى !!
-14المنطقة الخطرة
القى منصور بنظراته الى الطريق ،الظلمة يطفح بها الهواء خارج القطار ،على البعد تبدو أشباح أبنية متسارعة وراء بعضها الى الخلف .امتص رحيق سيجارته بنهم ..الغريب أنه لم يحدث شىء حتى اآلن . همس لزميله مخلوف الذى يقف الى جواره -:المواجهة تقترب تبسم مخلوف ،سأل -:خائف ؟ هز رأسه -:ال وهو يتحسس مكان الجرح ،بسبب الحجر الذى اُلقى عليه ظل ينزف ، الحجر أتى من ذات المنطقة الخطرة ،شخص ما أو ربما أشخاص يمطرون القطارات المارة بالحجارة ويتخفون بالظالم . هل أنت راض ٍ عما أنتويت ؟ استدار لمخلوف ،حدق فى قروية مالمحه متأمال ً ،الغريب اَل الخطر بات يهدد يفكر فى الثأر ،هو يعرف جيدا ً أن القطارات المارة فى هذه المنطقة ،قطارات الضواحى التى تشق المدينة من المحطة الرئيسية الى الضواحى صارت ترتعد كلما مرت بهذه المنطقة خوفا ً من دفعات الحجارة التى تصيب الركاب دون تمييز .قال مؤنباً -:هل نترك الجانى دون عقاب ؟ رد مخلوف -:لسنا جهة عقاب . استدار اليه محتجا ً -:نترك الخفافيش والبوم يتحكمون فينا؟ هناك قانون وعلينا أن ننفذه لسنا فى غابةتركه الى الطريق من خالل الباب المفتوح ،أخذ يتأمل السماء والظلمة المبذورة فى اْلرجاء ،مسندا ً ظهره الى العمود المعدنى ،متحسسا ً مكان الجرح اعلى جبهته ،كاد الحجر يرتطم بعينه اليمنى ،قال لنفسه يومها أنه حجر عشوائى أطلقه عابث ،غير أن اْلمر تكررمن ذات المنطقة ، وعرض القطار للخطر . أصاب أحد السائقين ِّ تمددت دوائر الحيرة أمام عينيه وهو يسأل نفسه كيف يترك حقه دون رد ..غاصت نظراته فى بحر الظلمة حوله ،هناك بقع ضوئية تتناثر عبر
الطريق ،انتبه انها تختفى وتمأل الظلمة اْلرجاء ،مد رأسه الى خارج القطار متعقبا ً أثر الضوء ،اتسعت عيناه ،شعر بجسده يترنح ويكاد يهوى لوَل أن تمسك بالعمود المعدنى ،القطار يشق اْلرض منحدرا ً فى سرعة ب، مذهلة الى أدنى حامالً الركاب معه ،الحجارة تنهال عليه من كل صو ٍ هرول الى كابينة السائق يحذره ،يطلب منه إيقاف القطار ،وجد الكابينة مغلقة ،دق بيديه بابها ،صرخ ،بكى ،لم يأبه له مخلوق ،استدارعائدا ً الى الركاب ،غارقين فى متاهة صمت ونظرات ثلجية التعبير ،ارتفعت صرخاته محذرا ً ،لم يبال به أحد ،فكر أن يقفز ،السرعة عالية ،هوى أرضا ً واضعا ً رأسه بن راحتيه وجلس منتظرا ً مصيره ،شعر بي ٍد تهزه من كتفه بقوة وصوت يسأله -:مابك ؟ ادار عينى الشرود حوله ،القطار فى طريقه المعتاد وبقع الضوء تتناثر فى اْلرجاء ومخلوف زميله يحدق فيه بعينيه الواسعتين ..تركه الى دفتر التذاكر فى جيب سترته الزرقاء ،مضى بين المقاعد واْلجساد المتالحمة يدق بقلمه الجاف اْلحمر على الحوامل المعدنية وهو يكرر بآلية -:تذاكر . ..................... اطلق القطار صفيره يشق به أستار الصمت المطبق على اْلرجاء ،انتبهت العيون الى اقتراب منطقة الخطر ،امتدت اْليدى لغلق النوافذ واْلبواب ، صرخ منصور بأعلى صوته -:العين بالعين ضحكوا منه ،أشاروا الى إصابته فى عينه ساخرين ،وقف وسط الممر َلهث اْلنفاس والوقت يمر ،مرة واحدة هرول يفتح اْلبواب والنوافذ المغلقة ويمد الركاب بالحجارة ،طلب منهم أن يكون رد الفعل بنفس مستوى الفعل ،عادت الكلمات الهازلة تحاصره ،لم يبال بها ومضى نحو باب العربة ،فتحه ،وقف خلفه والحجارة فى يده ،اقتربت المنطقة الخطرة ،تالشى الهزل ،تآ كلت الضحكات وساد ترقب حذر اْلعين ، اطلق القطار كالعاده صفيره ،علت أصوات العجالت فى سيرها الحثيث على
القضبان ،بينما الليل يهرول حول القطار .افترب مخلوف متوجسا ً -: أخشى أن يحدث شىء !! بنصف عين اتجه اليه -:واذا حدث ؟ اندفع -:ستكون انت المسئول حجر قاد ٌم من الظلمة ،تلته أحجار ،ارتطمت بجسد ادار وجه عنه ..انطلق ٌ القطار كمقذوفات غاضبة تنذر بالويل ،فزع البعض ،علت صيحات انطلقت صرخات ،اطلق منصور قذيفته اْلولى نحو الظلمة ،تبعها بالثانية ،رآه البعض ،فعلوا مثله ،تش ِّجع آخرون ،مضت الحجارة تشق الهواء متجهة الى الظلمة فى الجهة التى جاء منها الهجوم ،بينما القطار يطلق صفيره والعجالت تصلصل بعزم ماضية فى طريقها دون خوف .