بسم الله الرحمن الرحيم فاطمه تعيش الحلم

Page 1

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫فاطمه تعيش الحلم‬ ‫مجموعة قصصية‬


‫محمد عباس على داود‬ ‫فهرس‬

‫‪ -1‬اللغز‬ ‫‪ -2‬فاطمه تعيش الحلم‬ ‫‪ -3‬تراتيل اإلنتقام‬ ‫‪ -4‬تحت الصفر‬ ‫‪ -5‬الد قات األخرى‬ ‫‪-6‬الملكة‬ ‫‪ -7‬صديق مسعود‬ ‫‪ -8‬صورتها‬ ‫‪ -9‬وسط الظلمة‬ ‫‪ -10‬حمامه السالم‬ ‫‪ -11‬حمار أم محمد‬ ‫‪ -12‬اطول محمود فى التاريخ‬ ‫‪ -13‬الساعى‬


‫‪ -14‬المنطقة الخطرة‬


‫‪ -1‬اللغز‬ ‫شده صوت منصور من شروده ‪-:‬‬ ‫ دكتور ‪..‬هل أحضرت التصريح الخاص بموافقة السلطات؟‬‫تم االستعداد لكل شىء‬‫رد فورا وهو يغرز نظراته فى حبتى عينيه‬ ‫هز رأسه الضخم راضيا ‪..‬تابع الدكتور قفاه وهو يستدير عنه ‪ ،‬رغم‬ ‫نفوره منه وشعوره كلما رآه أنه بين لحظة وأخرى سيتناثر التراب من‬ ‫خاليا وجهه ويديه‪ ،‬أو يخرج له من جيب جلبابه الباهت الزرقة جمجمة‬ ‫غائرة العينين والوجنات ‪ ،‬اال أنه هو ذاته الشخص المطلوب بصفته‬ ‫مندوب إدارة المدافن الذى سيتعاون معه ‪ ،‬بهدف تسهيل إجراء تجربة‬ ‫علمية تستخدم فيها أحدث التقنيات لبحث ماهية الروح‪ ،‬وطريقة‬ ‫مغادرتها البدن ‪ ،‬والتغيرات التى تطرأ على الجسد بمجرد تجرده منها‬ ‫وتحوله الى مادة خالصة‪.‬‬ ‫بدأت الترتيبات حسب الخطة التى أعدها فريق البحث بواسطة الحاسب‬ ‫اآللى‪ ..‬األالت‪ ..‬التوصيالت‪ ..‬اإلضاءة‪ ..‬الكشافات األساسية‪ ..‬الكاميرات‬ ‫‪..‬أجهزة التسجيل ‪ ..‬جهاز اإلنذار الفرعى ‪..‬وأخيرا جهاز اإلنذار‬ ‫الرئيسى الذى ماإن يضغط على زره األحمر حتى يقوم بالغاء العملية‬ ‫بالكامل ‪ .‬تحرك الدكتور متابعا مايجرى‪ ..‬اصطدمت عيناه بعينى مندوب‬ ‫إدارة المدافن المعلم منصور شيخ الترابية من جديد‪ ..‬عيناه واسعتان‬ ‫‪.‬حدقاتهما بهت لونها وصار قريبا من الطين‪ ..‬كلما نظر اليه شعر فى‬ ‫نظراته بسخرية متواريةخلف قناع من ثلج ‪ .‬مالمحه متجمدة على تعبير‬ ‫اليتغير‪ ..‬يشعر وهو ينظر اليه أنه إما إبله اليفقه شيئا أو هو رجل‬


‫عميق الغور يخفى مشاعره وأفكاره فى الوقت الذى يقرأ فيه مابداخلك‬ ‫‪..‬باغته صوته متسائال‪:-‬‬ ‫هل تشعر أنك ستصل الى شىء؟‬‫عاد يغرز نظراته فى بؤبؤ عينيه‪ ..‬العينان فيهما دهشة سرمدية التغيب‬ ‫‪..‬قال له ‪-:‬‬ ‫ال أعرف إن كنت ستفهم أم ال‪ ..‬لكن العلم فتح كل األبواب‬‫تركه المعلم منصور الى المقابر المتناثرة حولهما ثم عاد متسائال‪:-‬‬ ‫حتى باب المقبرة ؟‬‫اتسعت عينا الدكتور وتاهت فى سراديب سؤاله المباغت‪ ..‬هل يعرف‬ ‫ماهية هذه المهمة ؟‪..‬حاول العودة من رحلة شروده اليه‪.-:‬‬ ‫ ماذا تقصد ؟‬‫حدقت العينان الواسعتان فى وجهه وسمعه يقول‪:-‬‬ ‫أقصد سالمتك داخل المقبرة‬‫إهتز قلبه بعنف فى فراغ صدره وتداخلت دقاته‪ ..‬هز رأسه محاوال التشبث‬ ‫بالال مباالة وهو يسأل راسما بسمة استخفاف على شفتيه‪:-‬‬ ‫ما الذى سيجرى ؟‬‫باغته الرجل بسؤال ‪ :-‬الم يقل لك الكمبيوتر ؟‬ ‫أدار وجهه عنه‪ ..‬تشاغل بمتابعة التجهيزات مع طاقم الفنيين‪ ..‬ارتفع صوت‬ ‫الرجل بسؤال جديد‪:-‬‬ ‫واذا حدث لك شىء بالداخل ؟‬‫إمتأل صدره ضيقا منه‪ ..‬استدار اليه ووجهه ينطق بحقيقة مشاعره‪:-‬‬ ‫ماذا تريد ؟‬‫لم يبال بقراءة مالمحه‪ ..‬قال بقوة‪:-‬‬ ‫تكتب إقرارا بإخالء مسئوليتى تماما‬‫أدار وجهه عنه ‪ :-‬لك ماتريد‪.‬‬ ‫ومضى الى الملف الذى يضم تفاصيل العملية‪ ..‬راجع وضع اآلالت ومكان‬ ‫الجثة القادمة وكذلك الغرفة الزجاجية الصغيرة التى سيجلس فيها داخل‬ ‫المقبرة للمراقبة وتسجيل المالحظات‪ ..‬باغته صوت منصور‪:-‬‬ ‫ستبدأ اآلن ؟‬‫من فوق إطار نظارته الطبية رماه بشرر نظراته قائال ‪-:‬‬


‫ أنت تابع تنفذ مانريد‪ ..‬حينما نريد‬‫واستدار عنه‪ ..‬التجربة أجريت من قبل فى ظروف مشابهة للواقع‪ ..‬وضعت‬ ‫األالت الالزمة فى إحدى المقابر‪ ..‬تم دفن ميت فيها وأُعيد إغالقها ‪ ،‬لكن‬ ‫األالت فشلت فتقرر أن تعاد التجربة على أن ينزل الدكتور بنفسه مراقبا ‪،‬‬ ‫وبدال من وضع ميت سوف يوضع رجل قارب على الموت لتصبح التجربة‬ ‫أكثر صدقا ويصبح والموت وجها ً لوجه‪ ..‬لكن هل يمكن رؤية الموت ؟‬ ‫رفع عينيه عن الورق ‪..‬وجههما ال أراديا الى منصور ‪ ..‬اإلنسان ابن بيئته‬ ‫وهذه حقيقة‪ ..‬هل يدرك ماهنالك بحكم معايشته للموتى؟ ‪..‬سأله فجأة ‪ :-‬هل‬ ‫رأيت الموت من قبل ؟‬ ‫الحظ فى تعبيرات وجهه الثلجية تموجا‪ ..‬تحركت األجفان وفتح الفم عن‬ ‫أسنان مثرومة وبرقت عيناه قائال ً‪:-‬‬ ‫انا فى شبابى كنت أعمل بيدى‪ ..‬أفتح مدافن المنطقة‪ ..‬أعرفها‬‫ورأيت منها الكثير‪ ..‬الميت الذى أرقدته ووجهت وجهه للقبلة‬ ‫وبدأت أفك كفنه فاذا بعينيه مفتوحتين ينظر الي متسائال‬ ‫؟‬ ‫‪..‬أين انا‬ ‫‪ ..‬والميت الذى التقطه من يدى ثعبان فمه باتساع فتحة المقبرة‬ ‫‪..‬والميت الذى اشتعل نارا بمجرد وضعه فى مضجعه ‪ ،‬والميت الذى رأيته‬ ‫هيكال عظميا راكعا على ركبتيه مستندا بيديه بانحنا ء جذعه على الجدار‬ ‫ماجرى له وحده فى الظالم‬ ‫‪..‬هذا الميت بالذات أفزعنى ‪ ..‬فهمت‬ ‫‪ .‬لحظتها كان المفروض أن أزيح‬ ‫ومحاولته الفرار من الموت‪.‬‬ ‫جديد‪ ..‬لكننى توقفت وانا أرى هذا‬ ‫العظام القديمة استعدادا لقادم‬ ‫الهيكل ناشبا أظفاره فى الجدار مكافحا الفناء حتى أخر لحظة من عمره‬ ‫ماأملك من مشاعر فجرها هذا المنظر فى صدرى‬ ‫‪..‬صرخت بكل‬ ‫كما لم أره من قبل‪.‬‬ ‫وتمثل لى الموت‬ ‫أُعلن عن وصول سيارة اإلسعاف بالمطلوب‪ ..‬لمعت عينا الدكتور ومرت‬ ‫رجفه على جفنيه‪ ..‬الحظ منصور هذا‪ ..‬رآه يتحرك نحو رجال قادمين‬ ‫يحملون شخصا على محفة تحيط به األجهزة متجهين به الى الداخل‪ ..‬قال‬ ‫أحدهم أنه غائب عن الوعى منذ شهور‪ ..‬يعيش على أجهزة التنفس‬ ‫الصناعى‪ ..‬قلبه التكاد تسمع دقاته‪ ..‬أهله انصرفوا عنه بعد أن كلفتهم‬ ‫اقامته بالمستشفى كل مالديهم‪ ..‬قرر األطباء رفع أجهزة التنفس عنه وافقوا‬ ‫على االنتفاع به فى التجربة مادام مصيره قد تقرر‪ ..‬توجهت المحفة الى‬


‫داخل المقبرة ومعها األالت وأجهزة قياس الضغط واشارات المخ والقلب وما‬ ‫اليها‪ ..‬إندس المعلم منصور بين األجساد الى حيث رأى وجها شاحبا يتطلع‬ ‫اليه‪ ..‬سأل ‪ :-‬دكتور‪ ..‬ماذا ستفعلون بهذا الرجل ؟‬ ‫لم يبال به‬ ‫عاد يسأل ‪ :-‬هل ستتركونه يموت ؟‬ ‫استدار عنه‪ ..‬لحظة رفع أجهزة التنفس الصناعى تقترب‪ ..‬عليه اآلن أن‬ ‫يهبط الى المقبرة‪ ..‬يتحصن بصندوقه الزجاجى‪ ..‬يراقب بعينيه ويسجل‬ ‫مالحظاته ‪ ..‬لكن لماذا يرتجف وتصعد من جوفه هزات متوالية تمنعه من‬ ‫الحركة ؟ ‪..‬سمع صوتا يناديه‪ ..‬تزلزل جوفه‪ ..‬بذل جهدا ليقول أنه جاهز‬ ‫وتقدم نحو المقبرة‪ ..‬مد ساقا للداخل‪ ..‬لم تطاوعه األخرى وغارت الدماء‬ ‫من وجهه‪ ..‬أدار نظراته فى األجهزة واآلالت والجسد المسجى والغرفة‬ ‫المحصنة بزجاجها الشفاف ثم تقدم الى حيث جلس فى مكمنه مراقبا ً‬ ‫الباب وهو يغلق واألنوار الصناعية وهى تمأل المكان بيضاء زاهية تتربص‬ ‫بالموت وتستعد له‪ ..‬اتجهت عيناه الى عدادات القياس أمامه‪..‬المؤشرات‬ ‫‪..‬القراءات‪ ..‬الكاميرات المثبتة فى األركان وشاشة الكمبيوتر التى تتلقى‬ ‫البيانات اوال بأول‪ ..‬مد يده الى زر أزرق أمامه‪ ..‬ضغطه بعزم ليفصل فورا‬ ‫أجهزة التنفس الصناعى‪ ..‬اتسعت عيناه وهو يرى الجسد الذى كان ساكنا‬ ‫منذ شهور ينتفض انتفاضة ملحوظة فى أقل من ثانية قبل أن يهمد الى األبد‬ ‫وتتحرك أجهزة القياس امامه‪ ..‬تجحظ عيناه ‪ ،‬يرتعد جوفه‪ ..‬يحاول أن‬ ‫يتحرك فى مكانه‪ ..‬يضغط على أى زر‪ ..‬يصرخ حتى‪ ..‬لم يملك اال إذعانا‬ ‫كامال لسطوة شلل مفاجى ينشب اظافره فى ثنايا عقله‪.‬‬ ‫اما فى الخارج فقد استمر سيل الصور القادمة للجثة وماحولها‪ ،‬والقراءات‬ ‫والبيانات المعتادة تمأل شاشة الكمبيوتر‪ ،‬مما يعنى أن كل شىءتحت‬ ‫السيطرة‪ ..‬انتهت التجربة‪..‬فُتحت المقبرة‪..‬كان مكانه‪..‬سألوه عما كان‪ ..‬لم‬ ‫ينطق بحرف‪ ،‬وحتى اآلن ماتزال المحاوالت جارية معه!‬ ‫‪.................................‬‬



‫‪ -2‬فاطمة تعيش الحلم‬ ‫القت فاطمة بناظريها عبر النافذة الى الطريق ‪..‬من وراء الستار نصف‬ ‫الشفاف رأت زفة العروسين‪ ..‬نوال عيناها تقوالن أنها هائمة فى سمائها ‪،‬‬ ‫تعيش واقعا كان حتى األمس حلما ‪ ،‬تعيشه وتتشربه حتى الثمالة والتشبع‬ ‫منه ‪ ،‬وهاهى البلدة كلها تعيش فرحها ‪ ،‬تنطلق الزغاريد وتعلو الضحكات‬ ‫ويستمر الغناء مدويا محيطا بالعروسين ‪.‬‬ ‫أما هى فتقبع هنا فى حجرتها ‪ ،‬من وراء الستار تتابع الموكب ‪ ،‬الخيل‬ ‫ترقص وسط الساحة ‪ ،‬التصفيق يعلو ‪ ،‬صوت الطبول يدور ‪ ،‬يعقبه بين‬ ‫الحين واآلخر طلق نارى يهز قلب الليل ‪.‬‬


‫تترك النافذة الى الداخل‪..‬من خلف الباب الموروب تلمح النسوة يمألن صحن‬ ‫الدار ‪ ،‬يرسمن بأجسادهن دائرة تتوسطها إحدى الفتيات ‪ ،‬الفتاة حزمت‬ ‫وسطها بمنديل رأس أبيض ذى نقط سوداء ‪ ،‬اندمجت فى الرقص على أنغام‬ ‫طبلة تدقها بمهارة فتاة أخرى ‪ ،‬بينما ثالثة ترفع صوتها بالغناء والكل يردد‬ ‫خلفها ماتقول ‪ .‬وسط الحجرة تقف فاطمة محاصرة من الباب والنافذة ‪،‬‬ ‫مقيدة بدموعها ‪ ،‬تمسك بمنديل أصفر تمسح به وجهها ‪ ،‬ترمق الباب‬ ‫الموروب بحذر خشية أن تدخل إحداهن عليها وترى مابها ‪ ،‬تبتعد عن‬ ‫مرمى النظر عبر النافذة حتى التخترقها عين متلصصة ‪ ،‬وفى ذات الوقت‬ ‫تخشى الخروج حتى التفضحها قسماتها الناضحة بما تطويه فى صدرها ‪،‬‬ ‫تقف شاعرة أن األلم حينما نكتمه فى صدورنا يكون نارا تنهش ‪،‬عواصف‬ ‫تضرب ورياحا الترحم ‪ ،‬تتساءل كيف تواجه األعين بالخارج ومن أين تأتى‬ ‫بإبتسامة تلقاهم بها ؟‬ ‫طال الوقت وهى على وقفتها ‪ ،‬فكرت فى الخروج من جديد لمتابعة الفرح ‪،‬‬ ‫مد ت يدا واجفة تمسح بها الدموع من فوق شقوق وقسمات وجهها الذى‬ ‫يبس من الخروج فجر كل يوم الى الطريق ‪ ،‬حيث لسع الهواء وسياط البرد‬ ‫والظلمة التى تسير معها ‪ ،‬التسمع اال نباح الكالب تشيعها الى محطة السكة‬ ‫الحديد ‪ ،‬بحملها من الجبن والزبد والبيض لتركب القطار ماضية الى المدينة‬ ‫‪ ،‬حيث السوق ومعارك لقمة العيش ‪.‬‬ ‫مضت الى المرآة المشقوقة من منتصفها فى واجهة الدوالب القديم تحدق‬ ‫فيها ‪ ،‬رأت وجهها مشقوقا نصفين ‪ ،‬نصف تحوم حوله الظلمة ‪ ،‬تلبس عينه‬ ‫لباس الهموم والشقاء اليومى ‪ ،‬وحمل ثقل أسرة بكاملها تركها عائلها‬ ‫ومضى ‪ ،‬لتقوم ‪ -‬هى اإلبنة الكبرى ‪ -‬مكانه دون أن يخطر على بالها أن من‬ ‫حقها أن تعيش الحلم ولو لحظات ‪ ،‬تنسى الدراسة التى كانت تدرسها فى‬ ‫مدرسة القرية ‪ ،‬وتفوقها‪ ،‬ونظرة المعلمين والمعلمات لها‪ ،‬وتنبأهن‬ ‫بمستقبل ينتظرها ‪ ،‬والترى اال أم محمد جارتهم وعملها فى سوق المدينة ‪،‬‬ ‫واقتراحها بأن تنضم اليها ليستمر البيت مفتوحا ‪ ،‬حاولت اإلعتراض‬ ‫والرفض ‪ ،‬صدمتها أمواج الحقيقة العاتية بعنفوانها ‪ ،‬والبيت الخالى اال من‬ ‫أنفاس أخوة ينتظرون الطعام اليوم وليس غدا ‪ ..‬بينما تبدو العين األخرى‬ ‫والمواجهة للنافذة فى بهاء النور تحلم وترجو كما تشاء وهى ترى نوال‬ ‫تتزوج‪..‬نوال الصغيرة التى تركها أبوها طفلة تجرى فى حوارى القرية وبين‬


‫الغيطان التدرى من أمرها شيئا ‪ ،‬نوال التى كانت تهرول نحوها وهى‬

‫قادمة من السكة الحديد تحتضن ساقيها وتسألها عما أتت به من حلوى ‪!.‬‬ ‫تتنهد فاطمة فى شرود ‪..‬اآلن تسكن وحدها تلك الحجرة مع الليل والظلمة‬ ‫والعمر الذى يذوى أمام عينيها ‪ ،‬و تجف أوراقه فى سكون كانه يعرف قدره‬ ‫ويرضى به والينتظر من الحياة غيره ‪ ،‬ماذا لو تقدم لها حمدان بائع الخضر‬ ‫فى السوق ؟ هو مثلها فرع شارد يضرب فى الحياة وحده بغير جذور‪ ،‬ترك‬ ‫دراسته هو أيضا من أجل لقمة العيش ‪ ،‬عمل بنقل الخضر بعض الوقت قبل‬ ‫أن ينضم لزمرة البائعين ‪..‬عينه عليها منذ رآها ألول مرة‪..‬هل تحادثه ؟‪..‬ل َم‬ ‫ال ؟ هو رجل حقيقى وسيقدر لها هذا ‪..‬المرأة الشريفة تختار لنفسها ‪..‬هكذا‬ ‫فعلت السيدة خديجة ‪..‬مادام الرجل يستحق ويفهم ويقدر مافعلته ‪..‬هزت‬ ‫رأسها رفضا وهى تتمتم ‪..‬ال ‪..‬ال ‪ ..‬منذ متى فى عرفنا طلبت المرأة الرجل ؟‪.‬‬ ‫لو حدث هذا لن يصدقها ‪ ،‬وربما ظن بها الظنون ‪ .‬حتى إن لم يحدث هذا لن‬ ‫ينظر لها بذات نظرته الى إمرأة سعى هو اليها وبذل جهده لينال رضاها ‪ .‬لن‬ ‫تحادثه أبدا ‪،‬أبدا ‪.‬واستدارت الى الخلف ‪ ،‬كان قلبها فى معركته داخل‬ ‫صدرها يلهث مواصال األنين خلف دموعها ‪ ،‬همست لنفسها فى حزم ليس‬ ‫اليوم يافاطمة ‪ ،‬األعين المتلصصة وخاصة اليوم لن تتركك ‪ ،‬مؤكد غيابك‬ ‫سوف يثير االنتباه ‪ ،‬الكلمات سوف تتأجج نارا ‪..‬ثم أن المدعوين جاؤا‬ ‫ألجلك أنت ‪ ،‬الفرح فرحك ‪..‬أنسيت ؟‪ ..‬فرحى !! تهمس الكلمة ‪ ،‬تهتز لها ‪،‬‬ ‫تراها تتردد فى أعماقها وصداها يضرب جدران صدرها ‪ ،‬تهز رأسها بقوة‬ ‫وهى تهمس للفراغ بل هو فرح نوال ‪ ..‬تنتفض على صوت مدو ينطق‬ ‫باسمها من خلف النافذة ‪ ،‬تنصت الى حروفه الزاعقة وجلة ‪..‬تمسح‬ ‫وجهها وعينيها بسرعة ‪ ،‬تحاول تمالك صوتها وهى تقترب من الستار نصف‬ ‫الشفاف ملبية ‪ -:‬من ؟‬ ‫ ضيوف‬‫ترفع الستار‪ ،‬يمأل النور جليا واضحا الحجرة ‪ ،‬تبحث بعينها فى الفضاء‬ ‫الممتد أمامها ‪ ،‬يواجهها جسد فارع الطول يكسوه جلباب صوفى أزرق ‪،‬‬ ‫تعلوه ناصية عريضة تزينها عمامة ناصعة البياض ‪ ،‬وعينان نظراتهما‬ ‫نفاذة تحدقان فى عينيها بذات النظرة التى تعرفها ‪..‬تترك عينيها أسيرتين‬ ‫لعينيه قليال قبل أن تسمع صوته يعلو مرفرفا بجناحيه بقوة فى وجهها‪-:‬‬


‫ سترحبين بضيفك من الشباك ؟‬‫ من؟‬‫تساءلت وهى تشعر بعجزها عن مالحقة دقات قلبها وهرولته فى فضاء‬ ‫صدرها ‪ ،‬وتخشى أن تطغى دقاته على صوت الطبل والمزامير و طلقات‬ ‫النار ‪ ،‬ذلك القلب الذى كان منذ برهة واحدة ينزف أنينه تبدل حاله فى لحظة‬ ‫وعرف معنى الفرح ‪ ،‬حاولت مداراة إنهمار مشاعرها و التحكم فيها لتمضى‬ ‫على مهل ‪ ،‬لم يسعفها الوقت لهذا ‪ ،‬ضحكت عيناها ‪..‬شفتاها ‪..‬جوارحها‬ ‫وهى تراه حقيقة أمامها ‪..‬تلقفت عيناها نظراته‪..‬احتضنت نظراتها عينيه‪..‬‬ ‫نطقت حروف إسمه كما لم تنطقها من قبل ‪-:‬‬ ‫حمدان!!‬ ‫‬‫انتفضت لسماع أصوات بعض النسوة وقد اقتحمن الحجرة فجأة يسألنها‬ ‫مالك يافاطمة ؟حدقت فى أعينهن شاردة قبل أن تستدير الى النافذة من‬ ‫جديد باحثة عنه ‪.‬‬


‫‪ -3‬تراتيل اإلنتقام‬


‫قصة قصيرة‬

‫هرول مبتعدا قدر اإلمكان عن ذلك البيت ‪ ،‬الصورة التى رآها تطارده ‪ ،‬تدفعه‬ ‫دفعا الى أتون تتأجج نيرانه ‪ ،‬يتلظى فيه دون أدنى محاولة منه للخالص ‪،‬‬ ‫يندفع ويندفع اليه بكامل رغبته ‪ ،‬حامال فى عينيه آثار نيرانه ورماد قلبه‬ ‫‪.‬الذى احترق مذ رأى ذلك المشهد فى غرفة النوم ‪،‬‬ ‫الطريق أمامه يمتد وسط ظلمة متكاثفة تتراكم فوق رأسه ‪ ،‬تخنق أنفاسه‬ ‫وتنفذ الى تالفيف دماغه فال يرى مما حوله اال سوادا ‪ ،‬يجتاحه شعور جارف‬ ‫أنه وحيد خائر بال حول ‪ ،‬لم يملك القدرة على المواجهة ‪ ،‬ولم يتصرف‬ ‫التصرف الفطرى الذى كان ينبغى عليه فعله وهو يرى اإلثنين معا ‪،‬‬ ‫صورتهما لم تكن أدمية بالمرة ‪ ،‬لحظتها رأى وجوها مشوهة تستحلب‬ ‫العذاب ال اللذة ‪ ،‬وجوها فى أعينها لهب الخوف ال الرغبة ‪ ،‬وعلى قسماتها‬ ‫تعبير األنين ال المتعة ‪ ،‬لحظتها ال يعرف كيف نظر اليهما بنظرة طبيب‬ ‫يفحص مرضى ‪ ،‬البنظرة زوج اكتشف للتو أنه مخدوع ‪ ،‬تأمل وجهها‬ ‫المواجه له ‪ ،‬وكرمشة قسماته ‪ ،‬وجفاف جلده ‪ ،‬والبؤس الذى يعتلى مالمحه‬ ‫‪ ،‬والذل الذى ينضح من عينيه ‪ ،‬ورأى اآلخر الصياد الغبى الذى استباح‬


‫عرضه وهو يلملم نفسه وحاجياته ‪ ،‬منسحبا بال حول تاركا الفريسة تواجه‬ ‫مصيرها ‪ ..‬هل تدرك هى معنى هروبه فى تلك اللحظة ‪ ،‬هل تفهم جيدا معنى‬ ‫أن يتركها وحدهاتواجه مصيرها أيا كان هذا المصير ويهرب ‪ ،‬هل مرت بها‬ ‫ولو للحظة واحدة أحاسيس الندم على ماجنته ؟ هز رأسه مرات فى وجه‬ ‫الظلمة حوله رافضا تلك األفكار المثلجة التى تهب على فراغ رأسه ‪ ،‬البد‬ ‫لألعاصير األن أن تتواجد ‪ ،‬تكتسح ماعداها ‪ ،‬تدك دماغه دكا ‪ ،‬ال أن يحلل‬ ‫ويبرر أمورا ليس لها تحليل ‪ ..‬كان يجب قتلهما معا ‪ ،‬أو على األقل أن يثور ‪،‬‬ ‫يصرخ ‪،‬يضرب ‪ ،‬يكسر ‪ ،‬أو حتى يطردها من البيت الذى دنسته ‪ ،‬أما أن‬ ‫يقف فاتحا فاه ملقيا بنظرات بلهاء مثله على المشهد الذى تجمد أمامه فهذا‬ ‫مااليملك له تفسيرا حتى اآلن ‪ ..‬غريب أن تفعل شيئا دون أن تملك القدرة‬ ‫حتى على فهم أو حتى إدراك لماذا فعلت هذا ‪ ،‬كأنك شخص آخر وشخصية‬ ‫أخرى ولست نفسك ‪ ..‬وقد فوجئت هى به ‪ ،‬تصلبت نظراتها على وجهه ولم‬ ‫تقو على فعل شىء ‪ ،‬مكتفية بالقاء ذراعيها الى جانبيها فى تسليم بنظرات‬ ‫ذاهلة مغيبة غير ذات معنى بالمرة ‪ ..‬الغريب أنه انتبه جيدا فى تلك اللحظة‬ ‫أن وجهها يحمل كما من القبح المثيل له ‪ ،‬كيف يكون الجمال قبيحا الى هذه‬ ‫الدرجة ؟‬ ‫الوجه الذى كانت تتيه به وترعاه لم يكن لحظتها أكثر من لوحة باهتة األلوان‬ ‫منفرة الى أقصى درجات النفور ‪ ..‬لحظتها رمتها عيناه بكل مايملكه من‬ ‫إحتقار وإزدراء وكراهية ‪ ،‬هب الرجل وقد شعر بقدومه واقفا محاوال‬ ‫اإلستتار‪ ،‬كان كل همه الحصول على مالبسه ‪ ،‬غير أنه حرمه منها ‪ ،‬اضطر‬ ‫لسحب أحد األغطية وهرول هاربا متعثرا فى ذعره ‪ ..‬اعتدلت وعيناها‬ ‫مصلوبة النظرات على وجهه ماتزال ‪ ،‬قذفها ببصقة حملها كل مشاعره‬ ‫ومضى عنها الى الطريق ومالبس اآلخر فى يده ‪ ،‬اليدرى كيف أخذها أو‬ ‫لماذا أو حتى هل أخذها أم ال ‪ ،‬اليعرف حتى كيف أو لماذا تصرف هكذا ‪ ،‬هو‬ ‫يعرف جيدا أن العنف ليس من شيمته ‪ ،‬لكنه يعرف أكثر أن الرقى ليس معناه‬ ‫فقد اإلحساس خاصة فى موقف مثل هذا ‪ ..‬لقد اكتشف اليوم أنه جبان ‪،‬‬ ‫‪ .‬بالتأكيد إحساسه مفقود واال كان قد قتلها واستراح‬ ‫لكن هل القتل هو الحل ‪ ،‬تضيع حياته بسبب جريمتها ؟‬ ‫‪ ..‬برقت عيناه وسط الظلمة‬


‫وماجدوى الحياة بعد ماجرى ؟‬ ‫أدار عينيه يمينا وشماال باحثا عن نقطة ضوء هنا أو هناك ‪ ..‬ومالذى جرى ؟‬ ‫‪.‬إمرأة خانت األمانة‪ ..‬يطلقها وينتهى األمر‬ ‫‪ .‬أى أمر ذلك الذى ينتهى ؟ لقد ضاع شرفه ‪ ،‬مرغته بفعلتها فى الوحل‬ ‫هذا تبرير الجبناء معدومى اإلحساس ‪ ،‬الذين سرقت المدنية نخوتهم ‪ ،‬ورد‬ ‫فعل الصدمة ذاتها أبان عما بداخلك ‪ ،‬أنت لست رجال ‪ .‬توقف وسط الطريق‬ ‫‪ .‬رغما عنه صارخا‪...‬ال‪ ..‬الرجولة هى حسن التصرف وليس فقدان العقل‬ ‫غير أنه عاد وأحنى رأسه فى تسليم وماذا ستفعل اآلن آيها العاقل ؟ لم يجد‬ ‫‪ .‬فى رأسه شيئا محددا ‪ .‬أكمل السير‬ ‫‪...............‬‬ ‫القى بجثته على حافة مقعد قابله فى نقطة ضوء تائهة وسط الظلمة ‪ ،‬أدار‬ ‫عينيه حوله ‪ ،‬مقهى متهالك المقاعد واألركان ‪ ،‬صاحبه عجوز يجلس خلف‬ ‫طاوله عجوز مثله ‪ ،‬ليس هناك فى المكان غيره ‪ ،‬رماه بابتسامة حانية دون‬ ‫‪ .‬أن ينطق بحرف وعاد يحنى رأسه على صدره فى تسليم‬ ‫تركه الى الطريق وبقاع الضوء المتناثرة هنا وهناك ‪ ،‬سأل نفسه كيف لم‬ ‫يلحظها ‪ ،‬الظلمة تحولت معها الى عتمة ‪ ،‬هنا الظلمة تالشت رغم ضآلة‬ ‫النور المنبعث من تلك اللمبة المكسوة بالغبار وسط السقف ‪ ..‬انتبه على‬ ‫‪ :‬صوت العجوز يأتيه متكاسال‬‫قم يابنى اعمل لنفسك كوب شاى‬ ‫مازالت البسمة الحانية تكسو وجهه‬ ‫‪ :‬ترك مقعده الى طاولته‬‫احتاج اليك‬


‫اتسعت عينا الرجل قليال عن ذى قبل ‪ ،‬تحول الحنو فى نظرته الى تساؤل‬ ‫دون أن ينبس بحرف‬ ‫لدى مشكلة ‪-‬‬ ‫تكلم يابنى ‪-‬‬ ‫روى له مارآه ‪ ،‬وكيف تصرف لحظتها ‪ ،‬وشعوره الذى يكاد يقتله ألنه لم‬ ‫ينتقم لشرفه ‪ ،‬وضياعه اآلن وهو يحس بالعار لعجزه ‪ -‬فى اللحظة الحاسمة‬ ‫حينما رآهما ‪ -‬أن يتصرف تصرف الرجال ويقتلهما ‪ ،‬وسيره على غير هدى‬ ‫اليدرى الى أين وال ماذا يفعل ‪ .‬وتدافعت الدموع رغما عنه الى مآقيه لتغسل‬ ‫وجهه ‪ ،‬تمتزج بكلماته ‪ ،‬وتكفن نظراته ‪ ،‬دون أن يتدخل العجوز أو يطلب‬ ‫منه الكف عن البكاء ‪ ،‬الى أن هدأت ثائرته وغاص فى صمت طال بعض‬ ‫‪ :‬الوقت قبل أن يتنهد العجوز متسائال وعيناه الرماديتان تحدقان فى عينيه‬‫وهل اذا اقترحت عليك حال ستنفذه ؟‬ ‫‪ :‬قال جادا‬‫نعم‬ ‫‪ :‬همس العجوز‬‫زوجها له ‪-‬‬ ‫‪ :‬انتفض‬‫لمن ؟ ‪-‬‬ ‫‪ :‬رد العجوز بذات هدؤه‬‫لصاحبها ‪-‬‬ ‫‪:-‬تفجرت براكين حيرته ورفضه لهذا المقترح المجنون وصرخ‬


‫انا ؟ ‪-‬‬ ‫‪:‬هز العجوز رأسه‬‫نعم انت‬ ‫‪ :‬ثم أكمل‬‫اذا أردت اإلنتقام ‪-‬‬ ‫تعملقت الثورة أكثر فى صدره وتفجرت ينابيع الحيرة فى عينيه ‪ -‬كيف ؟‬ ‫الخيانة يابنى مثل النار تأكل نفسها أن لم تجد ماتأكله ‪-‬‬ ‫‪ .‬تركه وعاد بعينيه الى الطريق‬ ‫هذه المرة انتبه جيدا الى بقاع الضوء المتناثرة ‪ ،‬التى حولت الظلمة الى‬ ‫‪ .‬عتمة شفافة رأى فيها موطأ قدميه‬ ‫عاد السؤال يراوده من جديد ‪ ،‬لماذالم ير بقاع الضوء وهو قادم ؟ دارت‬ ‫عيناه هنا وهناك ‪ ،‬هناك مناطق مظلمة الترى فيها اال سوادا ‪ ،‬مناطق أخرى‬ ‫بين بين ‪ ،‬و مناطق ثالثة يغشاها الضوء فال تخضع لمنطق الظلمة ‪ ..‬لكن‬ ‫كيف يزوجها بنفسه ‪ ،‬وماذا سيقول الناس عنه ‪ ،‬هى نفسها ماذا ستقول ؟‬ ‫مؤكد ستجزم ويجزم الناس معها أنه ضعيف خائر ‪ ،‬خسر معركته ‪ ،‬وخضع‬ ‫‪ .‬لخصمه ‪ ،‬وسلمه شرفه بال ثمن‬ ‫!!شرفه ؟‬ ‫ومضت الكلمة فى فراغ رأسه مبهرة ‪ ،‬حولت الظلمة الى نور فورا ‪ ..‬وهل‬ ‫ماحدث فيه شرف ؟‬ ‫اذا كانت أجرمت فال أقل من أن تدفع الثمن ‪ ،‬وألنه اليملك الدليل المادى على‬ ‫‪ .‬إثبات جرمها اآلن فال أقل من أن يطلقها‬


‫لكن هل يتركها لآلخر ‪ ،‬يقدمها لقمة سائغة لغريمه كما قال العجوز ؟ حدقت‬ ‫عيناه فى بقعة شفافة الظلمة تشى بالنور ‪ ،‬همس وهو يحدق فى ثناياها ‪-:‬‬ ‫وهل هى لقمة تستحق التضحية ؟‬ ‫‪ .‬هز رأسه سلبا ‪ ..‬أكمل أنها لقمة مسممة‬ ‫تحولت عيناه الى النور من جديد عائدا الى داخل المقهى ‪ ،‬منبسط المالمح ‪،‬‬ ‫متألق العينين ‪ ..‬إذن حين تقدمها لآلخر لن يكون بهدف التسليم ‪ ،‬ولكن‬ ‫‪ :‬التسميم ‪..‬عال صوته بقوة وحماس‬‫صدقت آيها العجوز‪-‬‬ ‫ومد يده بما فى جيبه من نقود اليه ‪ ،‬تبسم الرجل بذات هدوئه القديم ‪ ،‬أشاح‬ ‫‪ :‬بيده‬‫‪ .‬ياولدى ‪،‬المعروف جزاؤه ليس هنا ‪-‬‬ ‫‪ :‬لمعت عيناه بتساؤل جديد‬‫أين ؟ ‪-‬‬ ‫‪ :‬أشار الرجل الى أعلى ثم أكمل بذات هدوءه‬‫فى رعاية هللا ياولدى ‪-‬‬ ‫‪........................‬‬ ‫عاد يدق على األرض بأقدام ثابتة الى البيت ‪ ،‬كانت الظلمة تهيمن على‬ ‫األرجاء رغم األنوار المنتشرة فى الحجرات والردهة ‪ ،‬ظلمة حاصرت عينيه‬ ‫فرأى ماحوله كله سوادا ‪ ،‬فتح باب حجرة النوم ‪ ،‬لم يطق دخولها ‪ ،‬نظر‬ ‫بسرعة فى أرجائها ‪،‬عاد الى الطريق ‪ ،‬هو يعرف مكانها ‪ ،‬بالتأكيد عادت‬ ‫لبيت أبيها ‪ ،‬البيت قريب ‪ ..‬قبل أن يمضى اليه رأى اآلخر أمامه ‪ ،‬شريكها فى‬ ‫‪ :‬الجرم يقف أمام الباب متحديا ‪ ،‬قبل أن ينطق بحرف واجهه بسؤال محدد‬‫هل تريدها فعال ‪ ،‬هل تتمنى الزواج منها ؟‬


‫صمت اآلخر قليال مكتفيا بالقاء فكه األسفل الى أدنى ‪ ،‬فاتحا عينيه على‬ ‫‪ :‬اتساعهما ‪ ،‬صالبا نظراته على الوجه الجاد الذى يحادثه ‪ ،‬همس أخيرا‬‫ماذا قلت ؟‬ ‫‪:‬أعاد عليه ماقال ‪ ،‬بعين الريبة أشار‬‫نعم‬ ‫اتفقا أخيرا على ذهاب الزوج أوال الى بيت أبيها ‪ ،‬على أن يلحق به ‪ ،‬ويقف‬ ‫أمام الباب فى انتظار إشارة منه بعد تمهيد الطريق باسلوب يحافظ على سرها‬ ‫‪ ،‬وفى ذات الوقت يبرر انسحاب الزوج وافساح الطريق لآلخر ليحل محله ‪..‬‬ ‫‪ :‬مضى فورا ‪ ،‬دق الباب ‪ ،‬فتحته بقوة ‪ ،‬حدقت فى عينيه متحدية‬‫ماذا تريد ؟‬ ‫‪ :‬رد بهدوء واثق‬‫أريدك‬ ‫عال صوتها وقد تقلصت مالمح وجهها ‪ ،‬فبدت فى شكلها الجديد مخلوقا آخر‬ ‫لم يعرفه من قبل ‪ ،‬مخلوق مشوه المالمح ‪ ،‬ضائع الحدود ‪ ،‬نفرت عروق‬ ‫رقبتها ‪ ،‬وانطلق الشرر من حبتى عينيها‬ ‫وانا ال أريدك ‪-‬‬ ‫رد بذات هدوءه متسائال ‪ -:‬تريدين اآلخر ؟‬ ‫‪ :‬استدارت اليه ‪ ،‬واجهته بقوة‬‫نعم أريده ‪ ،‬وسأتزوجه‬ ‫‪ :‬أدار نظراته فى المكان ‪ ،‬ال أحد سواها ‪ ،‬عاد يسأل‬‫أين والدك ووالدتك وأين إخوتك ؟‬


‫‪ :‬ازداد صوتها حدة وهى تصرخ‬‫كلمنى أنا‬ ‫بل هم أوال‬ ‫ومضى يدق األبواب المغلقة ‪ ،‬ينبه ويوقظ النائمين ‪ ،‬قامت الوجوه غافية‬ ‫المالمح ماتزال ‪،‬بدلت نظراتها بينها وبينه باحثة عن معنى لما يجرى ‪ ،‬قال‬ ‫‪ :‬مختصرا الموضوع‬‫إبنتكم طلبت الطالق ألنها تريد الزواج من آخر ‪ ،‬وهى اآلن تتحدانى وتقول‬ ‫‪ .‬أنها ستتزوجه‬ ‫عاد صوتها يعلو ‪ -:‬و سأتزوجه رغما عنك‬ ‫أدار عينيه فى الوجوه التى أفاقت واستوعبت‪ -‬أو تكاد ‪ -‬قشورا من مالمح‬ ‫األزمة الحادثة ‪ ،‬شعر أن األمر هكذا يسير فى ذات الوجهة التى يريد ‪ ،‬رآها‬ ‫تمضى الى حيث تجلس متحفزة النظرات بجوار أمها ‪ ،‬بدت المالمح متقاربة‬ ‫بين اإلثنتين وإن كانت لألم قسمات منبسطة رغم تجاعيدها ‪ ..‬وقف أمامها‬ ‫سأل بذات هدوءه ‪ -‬هل أنت واثقة أنك تريدين الزواج منه ؟‬ ‫هزت رأسها بتصميم ‪ -:‬نعم‬ ‫قام الى باب الشقة ‪ ،‬فتحه ‪ ،‬دخل اآلخر مطأطىء الرأس ‪ ،‬تفجرت بحور‬ ‫الدهشة فى عينيها ‪ ،‬كادت حدقتاها تخرجان من محجريهما وهى تتابعه داخال‬ ‫‪ :‬ورأسه على صدره فى صمت‪ ..‬صرخ والدها‬‫مااألمر ؟‬ ‫وهو يجذبه من يده بقوةطالبا منه أن يفسر له الموضوع ‪ ،‬استدار اليه‬ ‫‪ :‬بسرعة وعال صوته‬‫‪ :‬إبنتك تريد الطالق ‪ ،‬وتصر عليه لتتزوج من هذا الرجل ‪.‬عاد الى إبنته‬‫هل هذا صحيح ؟‬


‫‪ :‬خرجت الكلمات بالكاد من شفتيها‬‫نعم‪-‬‬ ‫‪ :‬تدخل الزوج فورا‬‫وانا بصفتى زوجها الحالى أوافق على طلبها ‪ ،‬وأتمنى لها أن تحيا بقية‬ ‫‪.‬عمرها مع هذا اآلخر‬ ‫‪ :‬وعاد اليها‬‫ت طالق‬ ‫أن ِ‬ ‫!! واتجه الى الباب ‪ ،‬فتحه ‪ ،‬وخرج‬



‫‪ -4‬تحت الصفر‬ ‫هلع‬ ‫أخذ يستنشق التراب والهواء وهو يهوى ‪ ،‬ينزلق ألدنى ‪ ،‬يرسل نظرات ٍ‬ ‫تصطدم بالظلمة ‪ ،‬الى أن استقر جسده كومة جنينية الشكل فى مكان ما ‪،‬‬ ‫بالم ينبض به جسده ورأسه ‪ ،‬وهو اليدرى هل هبطت به األرض‬ ‫شاعرا ٍ‬ ‫فهبط معها ‪ ،‬أم فتحت فيها هاوية ابتلعته ‪..‬أرسل بصره فى ذات اإلتجاه الذى‬ ‫انحدر منه ‪ ،‬نور بعيد ضئيل يترنح ‪ ،‬يبدو كشمعة تتالعب بها الريح ‪ ،‬بجهد‬ ‫هائل حرك جسده تجاهه قاصدا المضى نحوه ‪ ،‬توقف والرعب يعتصر عينيه‬ ‫‪ ،‬عينان لهما وميض ٌ شرس ٌ اتجهتا اليه ‪ ،‬لم ير مثلهما من قبل ‪،‬‬ ‫تحاصرانه بنظرات ثلجية تقترب منه ‪ ،‬الجسد األملس العمالق يتحرك فى‬ ‫يسر زاحفا نحوه ‪ ،‬يحاول الصراخ ‪ ،‬الحركة ‪ ،‬الفرار ‪..‬ال يستطيع ‪ ،‬واتته‬ ‫فكرة كالبرق الخاطف ‪ ،‬نفذها فورا ‪ ،‬اغمض عينيه واصطنع الموت ‪ ،‬الرعدة‬ ‫‪،‬ال صوت تنفس ‪ ،‬الضجيج أفكار ‪..‬شعر بأنفاس ٍ نارية ٍ تقترب ‪ ،‬تصلب‬ ‫جسده أكثر ‪ ،‬الموت آت ٍ ‪ ،‬سيراه وهو متيقظ ‪ ،‬واع ٍ تماما لما يفعله به ‪،‬‬ ‫سيتعذب ببطء ‪ ،‬يكفر عن سيئاته واحدة واحدة وعلى مهل ‪ ،‬والخالص !!‬ ‫انفجرت فى رأسه فكرة ‪..‬اإلعتراف بالذنب يقلل العقاب ‪ ،‬ربما يمحوه ‪،‬‬ ‫همست له نفسه ‪-:‬‬


‫( أنا لم أندم من قبل ‪ ،‬ألننى لم أ فعل شيئا واحدا خطأ فى حياتى ‪ ،‬أنا‬ ‫‪)!!...‬‬ ‫عال الفحيح وسط الظلمة واألتربة واألنفاس النارية المتقدمة على مهل ٍ ‪،‬‬ ‫تدافعت الصور على مخيلته رغما عنه ‪ (..‬الخطأ األكبر يوم ترك أخاه وحده‬ ‫‪ ،‬يضربه المعلم جابر وسط الحارة ‪ ،‬من خوفه من جابر هذا التزم الصمت ‪،‬‬ ‫رجاله يمألون المكان ونفوذه قوى وصالته ممتده ‪ ،‬رأى أخاه ملقيا على‬ ‫ظهره ‪ ،‬الرجل يكيل له اللكمات ‪ ،‬الدماء تنزف من وجهه ولم يتحرك ‪ ،‬اكتفى‬ ‫بطلب الصفح راجيا من المعلم الحفاظ على صحته وعدم االندفاع وراء‬ ‫غضبه ‪ ،‬نظر جابر وهو يلهث وقد أدركه التعب على مايبدو من طول الضرب‬ ‫‪ ، .‬حدق فى وجهه مشيرا الى أخيه ‪ -:‬مشاكس ‪ ،‬أجبرنى على ضربه‬ ‫همس راجيا ‪ -:‬أخذ جزاؤه ‪..‬كفى‬ ‫هب الرجل رافعا صوته الخشن فى مواجهة العيون المحملقة ‪ -:‬كال ‪ ،‬حتى‬ ‫يقوم على أربع وينهق وسط الحارة‬ ‫تفجرت الدموع من عينيه ‪ ،‬حبسها بالكاد وهو يعترف للمرة األولى أنه من‬ ‫يومها يشعر بالعجز ‪ ،‬بالذل ‪ ،‬يؤنبه ضميره واليجد حجة يدارى بها موقفه اال‬ ‫قوة خصمه ‪ ،‬وأنه لو تدخل لصار الذى يسير على أربع وينهق وسط الحارة‬ ‫اثنان بدال من واحد ‪ ،‬يعترف أنه من هذا الموقف بالذات تحول الى شخصية‬ ‫أخرى يمقتها ‪ ،‬يحتقر تصرفاتها لكنه اليجرؤ على التصريح بهذا حتى لنفسه‪.‬‬ ‫شعر بنيران الدموع تتأجج على حواف عينيه ‪ ،‬حبسها بقدر ماوسعه الرعب‬ ‫وهو يشعر بثقل الجسد األملس ينزلق فوق صدره ‪،‬جاثما على أنفاسه حابسا‬ ‫الهواء عنه بحجمه الذى لم يتوقعه ‪ ،‬شعر أنه لو التف حوله سيعتصر أنفاسه‬ ‫‪..‬هرولت أفكاره الى عمله‬ ‫( الموظفون ينادونه الشيخ ‪ ،‬يرونه صالحا ‪ ،‬يحترمونه ‪ ،‬مديرون قبله‬ ‫شغلوا منصبه ‪ ،‬لم يمأل أحدهم المكان مثله ‪ ،‬اليذكر يوما مد يده لرشوة أو‬ ‫) فعل مايمسكه أحد عليه‬ ‫تحشرجت أنفاسه وشعر بثقل الجسد األملس يضغط قفصه الصدرى أكثر ‪،‬‬ ‫سمع طقطقة عظام والم رهيب يجتاحه ‪ ،‬تفجرت الحروف فى صدره ‪..‬‬


‫( لكنك كنت تتغاضى عن الهدايا التى يقول السكرتير أنها من محبيك الذين‬ ‫يقدرون خدماتك ‪ ،‬تتغاضى عن حجمها وكثرتها و‪)!..‬‬ ‫خف الضغط قليال أثر حركة من الجسد األملس انزلق بها قليال عن مركز‬ ‫الثقل فوق الصدر‪ ،‬طارت أفكاره فورا الى البيت ‪ ،‬دارت فى أرجائه فزعة ‪،‬‬ ‫إبنه الكبير وتغاضيه عنه ‪ ،‬مكتفيا بالصراخ من وقت الى آخر مبينا أضرار‬ ‫مايفعله ومايجره على نفسه ومستقبله من شرور ‪ ،‬بدا عاجزا عن الفعل ‪،‬‬ ‫معلآل األمر بأنه شاب وسوف ينصلح يوما ‪ ،‬بدت فى مخيلته صورة زوجته‬ ‫أم األوالد ‪ ،‬شعر بضيقها منه وكرهها له وصبرها عليه من أجل أوالدها ‪،‬‬ ‫رغم هذا لم يكلف نفسه بمحاولة التفاهم معها ‪ ،‬مبررا األمر أن الزوجات‬ ‫فى مرحلة من العمر يعانين من الملل ويحاولن التمرد على حياتهن ‪ ،‬أصابها‬ ‫المرض ‪ ،‬لم يبال بها ‪ ،‬تاركا األمر ألهلها مكتفيا بسؤال جاف خالى من‬ ‫المبااله والعطف ‪..‬تفجرت ينابيع الدموع فى صدره وقد اكتشف للتو إنه رأى‬ ‫ربما للمرة األولى مالم يره من قبل ‪ ،‬وأحس بمالم يحس به من قبل ‪،‬‬ ‫وعرف أشياء كانت رغم وضوحها بعيدة كل البعد عنه ‪..‬عادت أنفاسه تلهث‬ ‫والهواء المشبع بالتراب يفعلها معه ‪،‬أيقن أنها دقائق معدودة وينتهى األمر‬ ‫‪ ،‬لن يشعر به فى هذا المكان مخلوق ‪ ،‬ستظل جثته هنا الى أن تتحلل ‪ ..‬مد‬ ‫نظرات واهنة الى أعلى ‪ ،‬سحابة من تراب ناعم بعثها تحرك جديد للجسد‬ ‫األملس واجهته ‪ ،‬همس باسم هللا فى تخاذل ‪ ،‬فكر فى لحظاته األخيرة أن‬ ‫يتوسل بشىء صادق فى حياته ‪ ،‬طفت الى سطح مخيلته صورة إبنه‬ ‫الصغير أمجد ‪ ،‬الولد مستقيم ‪ ،‬يصلى ‪ ،‬كان يقول أنه ساذج ‪ ،‬لم ير من‬ ‫أفاعيل الحياة وحيلها شيئا ‪ ،‬سيواجه الصعاب المحالة طالما احتفظ بسذاجته‬ ‫‪ ..‬تشبث بصورته ‪ ،‬غير أن الصورة تباعدت عنه ‪ ،‬أصر على مالحقتها‬ ‫معتزما التواصل بجد معها اذا قدر له أن يعود الى سطح األرض من جديد ‪،‬‬ ‫انتبه لمساحة الضوء القادم من أعلى تتسع ‪ ،‬تصبح فى حجم مصباح صغير‬ ‫بدال من شمعة خافتة ‪ ،‬سمع بين الصحوواإلغماء من يقول ‪ -:‬هناك عجوز‬ ‫سقط هنا !!‬



‫‪ -5‬الدقات األخرى‬ ‫عال الصوت رويدا ‪ ،‬انداحت موجاته فى فراغ الغرفة مشكلة مركزا هو قلب‬ ‫تلك الساعة اللعينة على الجدار تنطلق من دوائر تتحرك فى سرعة وإحكام‬ ‫الى لفائف مخى وتعاريج أذنى‪ ،‬صارخة بال انقطاع ‪ -:‬تك تك تك تك تك تك‬ ‫قال الطبيب –وهو صديق قديم – وهو يقترب من فراشى ‪ ،‬محدقا فى عينى ‪،‬‬ ‫مصوبا إصبعه السبابة فى وجهى ‪ -:‬قم‬ ‫أشحت بوجهى عنه‬ ‫قالت زوجتى وتغضنات وجهها الكثيرة تلمع حبيبات الدمع المتجمدة على‬ ‫حوافها تحت ضوء اللمبة النيون أنها اتصلت به من أجلى ‪ ،‬حدقت فى‬ ‫عينيها ‪ ،‬بدت ظالل ابتسامة باكية تترامى على براح شفتيها ‪ ،‬هى تعرف‬ ‫أننى ال أريد رؤياه اآلن ‪ ،‬األمر كله بعيد عن دنيا الطب واألطباء ‪ ،‬إنه مرض‬


‫للروح ‪ ،‬الم بالوجدان ‪ ،‬لن يراه أو يشعر به طبيب ‪ ،‬رق صوتها قليال وهى‬ ‫ترجونى قائلة ‪ -:‬قم‬ ‫يصر صوت الساعة على بتر راحتى ‪ ،‬يدهمنى بال رحمة ‪،‬يطغى على أى‬ ‫صوت عداه ‪ ،‬رغبة فى الهرب من مالحقته قمت !!‬ ‫‪.................‬‬ ‫قال الطبيب بعد أن قامت يداه بعملهما فى محاولة فك طالسم جسدى كالما‬ ‫لم أسمعه ‪ ،‬حروفه رغم نصاعتها أبت أذناى أن تستقبلها ‪ ،‬ربما ألننى كنت‬ ‫مشغوال بقراءة عينيه ‪ ،‬العيون تبوح بما تخفيه الصدور‪ ،‬تشى عادة بما وراء‬ ‫الكلمات ‪ ،‬كنت أجهز عقلى لضحكات صاخبة حينما يخرج قلمه المسكين الذى‬ ‫يئن تحت ثقل أصابعه المتضخمة ‪ ،‬ويمد ورقة بلهاء يكتب عليها بضعة‬ ‫سطور بائسة لن انفذ منها بالتأكيد شيئا ‪ ،‬كنت أجهز عقلى لهذا غير أننى‬ ‫فوجئت به يتجهم ‪ ،‬تعلو عينيه تقطيبة جد ويطلق فمه طلقة واحدة تجاه أذنى‬ ‫‪ -:‬قم ‪ ،‬ليس بك شىء ‪.‬‬ ‫بينما الساعة تصر هناك على انفاذ رنينها بين أوردتى وشرايينى تك تك تك‬ ‫تك تك‬ ‫‪........‬‬ ‫تلفع الطبيب المشاكس بالرفق ‪ ،‬طلب من زوجتى أن تأخذ قلقها وتغضناتها‬ ‫المغسولة بماء الحيرة وتمضى ‪ ،‬اغلق الباب خلفها واقترب كاسيا مالمحه‬ ‫العابسة ببسمة لم ارتح للونها متسائال ‪-:‬‬ ‫ مابك ؟‬‫تمثل الموقف لى كأنه يحدث اآلن ‪ ،‬يتكرر واليمل التكرار ‪ ،‬وانا الأمل من‬ ‫استعادته ايالما لنفسى أكثر ‪ ،‬وتعزيزا لشعورى بخطأ ال أعرف كيف أفلت‬ ‫منه ‪ ،‬أتسائل ماذا كان يجب على أن أفعل ؟ ‪ ،‬يكون الجواب األوحد الذى‬ ‫يحصرنى فى قفص االتهام حاضرا ‪ ،‬كان يجب أن تتكلم ‪ ،‬تعترض تترك‬ ‫المكان وتمضى ‪ ،‬نعم كان يجب أن افعل هذا ‪ ،‬لكننى جبنت ‪ ،‬ليس هناك‬ ‫مسمى آخر لموقفى اال هذا ‪ ،‬التزمت بصم ٍ‬ ‫ت متخاذل تقطعه حروف واهنة ‪،‬‬ ‫تطلب من الظالم أن يخفف ظلمه للمظلوم ‪ ،‬يكتفى بما فعل ‪ ،‬فبعض الظلم‬ ‫أهون وأخف من الظلم الكامل خاصة على رجل مثل حمدان ‪ ،‬ذلك الرجل‬ ‫الذى يشهد له كل من يعرفه باالحسان ‪ ،‬فهو يحمل ابتسامته شعارا يقابل به‬ ‫القاصى والدانى ‪ ،‬يروى الود بينه وبين الكائنات حوله بالكلمة الطيبة ‪،‬‬ ‫اليفرق بين أحد وآخر اللهم اال فى مقدار الترحيب الذى يلقاهم به ‪ ،‬حمدان‬


‫هذا أغضب وجها من وجوه القوم يسمى برعى ‪ ،‬رآه يوقف سيارته أمام‬ ‫حانوته ‪ ،‬سأله أن يأخذ ها بعيدا عن الباب قليال ‪ ،‬تعجب من جرأته ‪،‬‬ ‫صرخ فى وجهه ‪ ،‬أمره أن يغلق هذا الحانوت فورا‪ ..‬كنت أقف الى جوار‬ ‫الحانوت ‪ ،‬أعرف برعى هذا ‪ ،‬أكره أفعاله ‪ ،‬رأيتنى أصمت ‪،‬أرقب الموقف‬ ‫مثل حجر بالطريق الحول له ‪ ،‬يعترض البعض على مايجرى ‪ ،‬يطلبون منه‬ ‫الترفق بالرجل حمدان ‪ ،‬يصرخ أنه هو الذى بدأ ‪ ،‬يستشهد بى مؤكدا كلماته‬ ‫‪ ،‬أصمت مكتفيا بالفاظ سريعة للتهدئة التقيم اعوجاجا ‪ ،‬يضيع صوتى فى‬ ‫طيات خشونة صوته وارتفاعه ‪ ،‬واللغط الذى أحدثه ‪ ،‬و خرق به ماتتمتع‬ ‫به المنطقة من هدوء وسكينة ‪.‬‬ ‫عاد الطبيب بعينيه المتواريتين خلف زجاج نظارته الطبية يتساءل ‪-:‬‬ ‫ مابك ؟‬‫حدقت فى بحيرتا عينيه الراكدتين هامسا ‪-:‬‬ ‫ كان يجب أن أتكلم‬‫ كيف ؟‬‫ تلك هى المشكلة‬‫النوافذ والشرفات فتحت لحظتها ‪ ،‬أطلت منها وجوه مغسولة بماء الغضب‬ ‫تتساءل عن سر هذا االزعاج الليلى ‪ ،‬رأوا برعى ‪ ،‬لزموا الصمت ‪ ،‬اكتفوا‬ ‫بالمشاهدة ومصمصة الشفاه ‪ ،‬تدخلت قائال أن الرجل لم يضايق أحدا ‪،‬‬ ‫أشاح بيده ‪ ،‬أنت طيب يااستاذ التعرف حيل هؤالء ‪ ،‬قاصدا حمدان الذى‬ ‫وقف مكانه أمام حانوته وقد اصطبغ وجهه باصفرار طارىء ‪ ،‬واكتفى‬ ‫بصمت حائر لم يدر معه ماذا يقول ‪،‬حتى اذا وجد فرجة من الوقت بين‬ ‫صراخ برعى قال معتذرا أنه لم يقصد أى مضايقة ‪ ،‬أصر برعى على اغالق‬ ‫الحانوت فورا‪.‬‬ ‫اظلمت السماء فى وجهى ثانية واصطبغت نبضاتى بغضب لم يهدأ حتى اآلن‬ ‫‪ ،‬كان يجب أن اتكلم ‪ ،‬ارفض ‪ ،‬اتخذ موقفا ‪.‬‬ ‫عال أنين الساعة على جدار متأوها تك تك تك تك‬ ‫القى الطبيب عباءة هدوءه بعيدا وصرخ فى وجهى ‪-:‬‬ ‫ تكلم‬‫قلت بحدة ‪-:‬‬ ‫ سأتكلم‬‫ارتديت مالبس الخروج ‪ ،‬سألنى‪-:‬‬


‫ الى أين ؟‬‫كانت الساعة بيدى ‪ ،‬ترسل دقاتها واهنة بحكم العمر ربما تك تك تك تك ‪،‬‬ ‫وربما بحكم كونها ساعة صغيرة فى معصم عجوز وليست ساعة كبيرة تزين‬ ‫جدار ‪ ،‬غير أننى انتبهت أثناء سيرى أن هناك دقات أخرى لساعات قريبة‬ ‫تتوافق مع دقات ساعتى ‪ ،‬يعلو الرنين ‪ ،‬يهز الطرقات ‪ ، ،‬انطلق سائحا عبر‬ ‫الدروب ‪ ،‬سابحا فى الفضاء ‪ ،‬هائما فى الميادين ‪ ،‬عابرا تلك المشاعر التى‬ ‫تتأجج نيرانها بين جنبى وال يهدأ لها إوار ‪ ،‬قاصدا هدفا لن أتوانى عنه ‪،‬‬ ‫مصرا كما قلت للطبيب أن أتكلم وليكن مايكون ‪.‬‬


‫‪ -6‬ا ْل َم ِل َكة‬


‫امال ُهم َهذَا ا ْلعَنَاء الَّذِى َ​َلبُد ِم ْنه ‪..‬ا ْبنَتِ َها كَانَت ت َ ْب ِكى‬ ‫سلَم ُمت َ َم ِ ِّهال ‪َ ..‬ح ِ‬ ‫َهبَ َطت ا ْل َّ‬ ‫يرتَان كَان فِي ِْه َما ذُعْر‬ ‫‪َ .. .‬‬ ‫ع ْينَا َها ال َ‬ ‫ص ِغ َّ‬ ‫عَم عَاش ُْور عَا ِوز َيأ ْ ُخذ َما َما ‪-‬‬ ‫شبِى ‪..‬ع َ​َال أَنِ ْينَه‬ ‫علَى ا ْلد ََّرابِ ِزيَن ا ْل َخ َ‬ ‫ستَنَدْت َ‬ ‫سلَم عَال ‪..‬ا ْن ِحنَا َءاتِه ُمتْعَبَة ‪..‬ا ْ‬ ‫ا ْل َّ‬ ‫سدِى‬ ‫‪ .‬تَحْ ت ثِقَل َج َ‬ ‫يَأ ْ ُخذ أ ُ ِ ِّم َها الَى أَيْن ؟ ‪-‬‬ ‫سط ا ْل َّ‬ ‫سفَل ‪..‬ا ْل َحا َجة‬ ‫ض ْوء ْاْل َ ْ‬ ‫صفَر ا ْلش َِّحيْح الَى أ َ ْ‬ ‫َحاذَ ْرت َوأَنَا ا ْنقَل قَدَ َمى َو َ‬ ‫ارة ا ْل ُم َجا ِور ِل ْلبَيْت‬ ‫ك َِر ْي َمة َز ْو َجتِى قَالَت ‪ -:‬ا ْل ُم َع ِلِّم عَاش ُْور َ‬ ‫ص ِ‬ ‫احب َم َحل ال ُج َز َ‬ ‫ارتَفَع ُم َواء ِق َّ‬ ‫ارنَا َ​َل أ َ ْ‬ ‫طة تَحْ ت‬ ‫شت َ ِرى ِم ْنه ‪َ ..‬ط ِريِّ ْقتَه َلت ْع ِج َبنِّى‪ْ ..‬‬ ‫‪..‬ر ِغم أَنَّه َج َ‬ ‫َ‬ ‫قَدَ َمى ‪َ ..‬حاذَ ْرت َحتَّى َ​َل أَتَعَثَّر فِ ْي َها وت َ ْوقَ ْعنِّى ‪..‬أ َ َخ ْذت نَ ْفسا ع َِم ْيقَا بَ ْعد ُهبُ ْوط‬ ‫‪..‬وقَ ْفت أ ُ ِديْر َوجْ ِهى فِى‬ ‫يرة ‪َ ،‬و ُر ْؤيَة ْاْل َ ْرض ت َ ْنبَ ِ‬ ‫سط تَحْ ت قَدَ َمى َ‬ ‫ا ْلد ََّر َجة ْاْل َ ِخ َ‬ ‫سع الَّذِى َ​َليَ ْهدَأ فِيْه ِو ْ‬ ‫شيِش بَ َّوابِيْر ا ِل َجاز ‪..‬ا ْللَّ ْمبَة‬ ‫ا ْل َمكَان َح ْو ِلى ‪..‬ا ْلفَنَاء ا ْل َوا ِ‬ ‫صفَر ا ْل ُمغَ َّ‬ ‫طى‬ ‫ص ِغي َْرة الَّتِى ت َ ْعلُو ا ْل ُحجْ َرة ا ْل َو ِحيدَة فِى ا ْل ِفنَاء ِبلَ ْونِ َها ْاْل َ ْ‬ ‫ا ْل َّ‬ ‫ِب ْاْلَتْ ِربَة َوا ْلغُبَار ‪َ ،‬والَّ ِتى تُبَ ِدِّد َوحْ شَة ا ْل َمكَان ‪َ ،‬وأ َ ِخيْرا َوالَى ا ْليَ ِميْن ا ْل َع َربَة‬ ‫ص َباح ‪َ ..‬م َ‬ ‫ضيْت ُمت َ َم ِ ِّهال نَحْ و‬ ‫ا ْل َخ َ‬ ‫ص ِغي َْرة الَّتِى ت ُ َح ِ ِّمل قُد َْرة ا ْلفُول كُل َ‬ ‫ش ِبيَّة ا ْل َّ‬ ‫‪ .‬ا ْل ُحجْ َرة‬ ‫َّماالَّ ِذى يُ ِر ْيدُه عَاش ُْور ِم ْن َها ؟ ‪-‬‬ ‫ص ِغي َْرة ِل ْل َم ِعيشَة ‪،‬‬ ‫ارة عَن ُحجْ َرة َ‬ ‫دَقَ ْقت ا ْلبَاب ‪..‬فُتِ َحت ا ْبنَتِ َها ‪..‬ا ْل َمكَان ِعبَ َ‬ ‫سار ‪ِ ،‬هى ِبالتَّأ ْ ِكيْد ِل ْلنَّ ْوم ‪ ،‬بَ ْينَ َما الَى ا ْليَ ِميْن‬ ‫ت ُ ْف ِضى الَى ُحجْ َرة أ ُ ْخ َرى َ‬ ‫علَى ا ْليَ َ‬ ‫علَى ْاْل َ ِريكَة ا ْل ُم َوا َج َهة ِل ْل َباب‬ ‫س ِت َها َ‬ ‫ا ْل َم ْط َبخ َوا ْل َح َّمام ‪َ ..‬هبَّت فَ ِ‬ ‫اط َمة ِمن َج ْل َ‬ ‫ص ِغي َْرة الَى‬ ‫‪،‬وقَام عَاش ُْور الَّذِى كَان يَجْ ِلس َ‬ ‫علَى َم ْقعَد بِ ِج َوار ا ْل َمائِدَة ا ْل َّ‬ ‫ُم َر ِحبَة َ‬ ‫س ِلما‬ ‫سار ا ْلبَاب ُم ْ‬ ‫‪ :‬يَ َ‬‫َاوزيِّنِّك تَحْ ض ُْرنَا فِى َم ْوض ُْوع ‪-‬‬ ‫‪ .‬ا ْه ِال يَاحاج ‪..‬ع ْ‬ ‫علَى ْاْل َ ِريكَة ‪َ ،‬وقَد أ َ َحا َطت‬ ‫ستِ َها َ‬ ‫نُ ِقلَت نَ َظ َراتِى بَ ْينَ ُه َما ‪..‬فَ ِ‬ ‫اط َمة عَادَت الَى َج ْل َ‬ ‫ست الَى يَ ِم ْينِه َوأَنَا أ َ ْه ِمس ‪-:‬‬ ‫أ َ ْو َ​َل ِد َها ِبيَدَ ْي َها ‪ ،‬بَ ْينَ َما عَاد ُهو الَى َم ْق َعدَه ‪َ .‬جلَ ْ‬ ‫الْل‬ ‫َخيْرا أَن شَاء ْ َّ‬ ‫ش َوف يَاحاج‬ ‫قَالَت ُمحْ ت َ َّجة ‪ -:‬تَعَال ِ‬ ‫شيْر بِعُجْ ب الَيْه‪..‬دَافِع قَائِال‬ ‫‪َ :‬و ِهى ت ُ ِ‬‫َاوزك فِى ا ْل َح َالل يَا ِب ْنت ا ْلنَّاس ‪-‬‬ ‫ع ُ‬


‫علَيْه‬ ‫سدِى َ‬ ‫بَا ْغتَنِّى ْاْل َ ْمر ‪..‬كَان ا ْل َم ْقعَد ُمت َ َها ِلكا ‪..‬بُ ِذلَت َمجْ ُه ْودَا ْ​ْل ُ َو ِازن َج َ‬ ‫ص ِغي َْرتَيْن ‪..‬ت َ َر ْكتُه الَى يَدَه ا ْلبَ َّ‬ ‫ضة‬ ‫‪..‬ات َّ َج َهت الَى ا ْل َوجْ ه ا ْل ُم ْكتَنِز بِعَ ْينَيْه ا ْل َّ‬ ‫صابِعَ َها ا ْل َجاثِم‬ ‫ا ْل ُمتْ َخ َمة ِبا ْللَّحْ م ‪ ،‬ا ْل ُم َزيَّنَة ِبا ْل َخاتَم ا ْلذَّ َه ِبى ا ْل َم َحشُور فِى أ َ َحد أ َ َ‬ ‫ع ْنه‬ ‫‪..‬ارتَدَّت نَ َظ َراتِى َ‬ ‫َ‬ ‫علَى ا ْل َمائِدَة ‪ِ ،‬م َّما يَجْ عَلُ َها ُكلَّ َما َه َّز َها ت ُ َ‬ ‫ص ِدِّر أَنِ ْينَا َخافَتَا ْ‬ ‫ص ْو َر ِت َها ِفى‬ ‫اط َمة‪..‬أ َ َخذَت ا َح ِدِّق ِفى ا ْل َوجْ ه َوأ َ ْع َجب ‪َ ..‬كيْف َهذَا ؟‪ُ ..‬‬ ‫الَى فَ ِ‬ ‫ص ِغي َْرة ‪ ،‬ا ْل ِم ْغ َرفَة فِى يَ ِد َها ‪،‬‬ ‫اط ِرى َو ِهى تَقُف أ َ َمام ع َ​َربَتِ َها ا ْل َخ َ‬ ‫شبِيَّة ا ْل َّ‬ ‫َخ ِ‬ ‫شع ِم ْن َها‬ ‫اض َجة َرائِقَة ا ْللَّ ْون ‪ ،‬ت ُ ِ‬ ‫َوا ْلقَدَر فُ َّو َهتِه أ َ َما َم َها ‪َ ،‬وا ْلفُ ُول َحبَّات نَ ِ‬ ‫ش ْك ِل َها َو َمذَاقُ َها الَى اَل َحا َطة ِبا ْلعَ َر ِبِّة ‪َ ،‬والَى ِج َوار‬ ‫ارة ِب َ‬ ‫ا ْلبَ ْه َجة ‪ ،‬ت َ ْدعُو ا ْل َم َّ‬ ‫سلَى ا ْل َّرائِق‬ ‫سا َمة َواثِقَة ‪ِ ،‬كب ِْريَاء فَ ْط َرى‪ ،‬و لُ ْمعَة َ‬ ‫ع ْينَيْن بَلُو ْن ُهما ا ْلعَ َ‬ ‫َهؤ ََُلء ا ْبتِ َ‬ ‫َو ِهى ت َ ْن ُ‬ ‫سنَا ‪ْ ..‬اْلَن أ َ ْب َحث عَن َهؤ ََُلء َ‬ ‫‪َ..‬ل أ َ ِجد‬ ‫ظر الَيْك فَت َ ِزيْد ا ْل َج َمال بَ َها َءا َو ُح ْ‬ ‫شي َ‬ ‫ص ْو َرة َج ِد ْيدَة َْل َ ْم َرأَة أَع ِْرفُ َها‬ ‫َ‬ ‫امى ُ‬ ‫س َها ‪ ..‬الَّ ِتى أ َ َم ِ‬ ‫ْئا‪َ..‬ل أ َ ِجد َحتَّى فَ ِ‬ ‫اط َمة نَ ْف َ‬ ‫س َمات ‪َ ..‬حتَّى َك ِل َماتِ َها فَقَدْت‬ ‫‪ُ ..‬‬ ‫‪..‬وجْ ه ُم ْر َهق ال ِ ِّ‬ ‫ص ْو َرة ِْل َ َّول َم َّرة أُعَايِنُ َها َ‬ ‫َّم َر ُح َها ‪..‬فَقَدْت انِّ ِط َالقَتِ َها ‪..‬لَم تَعُد ت ُ َز ْغ ِرد فِى ا ْل َه َواء َو ِهى ت َ ْن َط ِلق ِمن فَ ِم َها‬ ‫صبْر نَافِذ‬ ‫ارة ‪ .‬قَال ا ْل َّر ُجل ا ْلغَ ِليظ ا ْل َوجْ ه بِ َ‬ ‫‪َ :‬و َ‬‫سط ا ْل َح َّ‬ ‫شيْئا يَاحاج ‪-‬‬ ‫قُل َ‬ ‫صد َْره ا ْل ُم ْرت َ ِفع تَحْ ت‬ ‫سى ِبت ُ َؤدَة َوأَنَا ا ْنت َ ِبه ُربَّ َما ِل ْل َم َّرة ْاْلُولَى الَى َ‬ ‫َه َز ْزت َرأْ ِ‬ ‫صدَيُ ِريْه ْاْل َ ْب َيض ا ْل ُم ْنت َ ِفخ ا ْل َجا ِن َبيْن‬ ‫ا ْل ِج ْل َباب ْاْل َ ْز َرق ‪ِ ،‬بفَتَحْ ِته الَّ ِتى َي ْبدُو ِم ْن َها ُ‬ ‫ص ِغيْر ‪َ ..‬كيْف‬ ‫‪ُ ..‬‬ ‫سبَة لَه َ‬ ‫س ِد َها بِا ْلنِِّ ْ‬ ‫عدْت الَ ْي َها ‪َ ..‬ج َ‬ ‫ع ْن َها ِم َّمن يُ ِح ْي ُ‬ ‫ارة ‪،‬‬ ‫اط ِرى َماقَالَه ا ْلبَ ْعض َ‬ ‫يَت َ َز َّو ُج َها؟ ‪ُ ..‬مر بِ َخ ِ‬ ‫ط ْون بِ َها فِى ا ْل َح َّ‬ ‫ساء ‪ ،‬أَن لَه ُْو َها كَان بَ ِريْئا ‪ ،‬لَيْس‬ ‫س ْون الَ ْي َها َوالَى َز ْو ِج َها فِى ا ْل َم َ‬ ‫أَو يَجْ ِل ُ‬ ‫ع ْنه َح َملَه‬ ‫َو َرا َءه َاَل ُر ْوح َم ِر َحة َْل َ ْم َرأَة َهدَّ َها َم َرض َز ْو َج َها ‪ ،‬فَقَا َمت ت ُ َح ِ ِّمل َ‬ ‫ض َحك أ َ َمام ع َ​َر َب ِت َها ت ُ َعا ِبث َهذَا َوت َ ْ‬ ‫س َمة ت َ ْخفَى َو َرا َء َها ا ْل َك ِثيْر ‪ ،‬ت َ ْ‬ ‫ض َحك َمع‬ ‫ِب َب ْ‬ ‫‪ .‬تِ ْلك ِلت ُ ْر َوج بِ َ‬ ‫عتِ َها‬ ‫ضا َ‬ ‫ا ْل ِح ْقنِى يَاحاج ‪-‬‬ ‫ع ْينَا َها‬ ‫ص ْوتْ َها‪ ،‬و عَاد َوجْ ِه َها يَلُ ْوح لَى ‪َ ..‬‬ ‫ِمن َمتَا َهة ا ْلش َُّر ْود ا ْنتَبَهْت َ‬ ‫علَى ُ‬ ‫ُمش ْ​ْرقَتَان ِبا ْلدُّ ُم ْوع‪َ​َ ..‬ل أَع ِْرف ِل َماذَا لَم أَت َ َخيَّل َهذِه ا ْلعُيُ ْون ت َ ْب ِكى ِمن قَبْل ‪،‬‬ ‫ار َها َح ْولَ َها – َم َ‬ ‫ازالُوا ‪ -‬ت َ ُ‬ ‫ض ُّم ُهم تَحْ ت َجنَا َح ْي َها ‪َ ،‬وا ْل َّر ُجل يَجْ ِلس أ َ َما َم َها ‪،‬‬ ‫ِصغَ ُ‬ ‫اول‬ ‫َ‬ ‫ع ْينَاه ال َ‬ ‫يرتَان تَتَّجْ َهان الِّى ‪..‬يُ َعا ِود اَل ْل َحاح ‪ -:‬ا َحض ُْرنا َياحاج ‪َ ..‬ح َ‬ ‫ص ِغ َّ‬ ‫سنَدَ َها َوأ َ ْرعَى أ َ ْو َ​َل ِد َها‬ ‫ت ُ ْقنِعُ ُها ‪..‬أَنَا عَا ِوز أ ُ ِري َح َها ‪..‬أ َ ْ‬ ‫قُ ْلت بُ َحي َْرة َوأَنَا أ َ ْنقُل نَ َظ َراتِى بَ ْينَ ُه َما ‪ -:‬أَع ِْرف ا ْل َم ْوض ُْوع أ َ َّو َ​َل‬ ‫قَالَت ا ْبنَتِ َها ِب ِحدَّة ‪ -:‬يُ ِريْد ا ْل َّز َواج ب َما ِّما‬


‫سول‬ ‫س َها َو َ‬ ‫شدَت ا ْل ِ ِّ‬ ‫ست َرأْ َ‬ ‫ات َّ َج َهت الَ ْي َها ‪..‬نَ َّك َ‬ ‫‪..‬وجْ ِه َها ا ْل َم ْغ ُ‬ ‫صغَار الَ ْي َها أ َ ْكثَر َ‬ ‫بِا ْلدُّ ُم ْوع َجفَّت نَ َ‬ ‫س َود َهذَا‬ ‫ارتُه َو َ‬ ‫ش َحب لَ ْونُه ‪َ ،‬وأَن كَانَت ت َ ْبدُو فِى ِج ْلبَابِ َها ْاْل َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫!! فَاتِنَة ال َم َال ِمح َرقِ ْيقَة ا ْلت َّ ْع ِبيْر ‪..‬يُ ِحق لَ َها أَن تَت َ َز َّوج ‪..‬لَ ِكن أ َ ْو َ​َل ِد َها‬ ‫‪..‬وجْ َهه‬ ‫ُ‬ ‫عدْت ِل ْل ُمعَ ِ ِّلم الَّذِى كَان يُ َح ِدِّق فِى َوجْ ِهى ُمتَفَ ِ ِّرسا ِبعَ ْينَيْه ا ْل َّ‬ ‫ص ِغي َْرتَيْن َ‬ ‫علَى نَ َهم‬ ‫شفَتَيْه الغَ ِلي َظتَين َيدُل َ‬ ‫سع بِ َ‬ ‫ا ْل ُم ْكت َ ِنز َيكَاد ا ْلدَّم يَ ِثب ِم ْنه ‪..‬فَ ِمه ا ْل َوا ِ‬ ‫سه ا ْل َح ِليْق لَيُ َؤ ِكِّد َماقَا ِلتِه ا ْبنَتِ َها َ‬ ‫ص ْمتِى ‪..‬عَاد يُ ِلح‬ ‫‪َ..‬ل َحظ َ‬ ‫‪.. :‬أ َ َخذ يَ ُهز َرأْ َ‬‫َماذَا قُ ْلت يَاحاج‪ .‬؟ ‪-‬‬ ‫اط َمة‬ ‫‪ .‬قُ ْلت َوأَنَا أَت َ َو َّجه الَ ْي َها ‪ -:‬ا ْلقَ ْول ِلفَ ِ‬ ‫ع ْينَ ْي َها ت َ ْلت َ ِمع َحدُقَاتِ ُهما ِبد َْمع َحار َو ِهى تَقُ ْول ُمحْ ت َ َّجة‬ ‫‪َ :‬رأَيْت َ‬‫علَيْه عَام َوأُفَ ِكِّر فِى َ‬ ‫غي ِْره؟ ‪-‬‬ ‫!َليَاحاج ‪..‬ا ْل َّر ُجل لَم يَ ُمر َ‬ ‫‪..‬رأ َ ْيت َ ِنى أ َ ْم َيل ِل َرأْيِ َها ‪..‬أ َ ْن ُ‬ ‫ار ِت َياح ِلقَ ْو ِل َها َ‬ ‫ظر الَى عَاش ُْور‬ ‫َ‬ ‫ش َع ْرت ِب ْ‬ ‫‪َ..‬ل أَع ِْرف ِلم َ‬ ‫شيْت ِم ْنه ‪َ ..‬‬ ‫س ِلم‬ ‫ست َ ْ‬ ‫غيْر أَنَّه لَم يَ ْ‬ ‫ام َرأَة لَ َخ ِ‬ ‫َهذَا ‪..‬لَو ُك ْنت ْ‬ ‫َ‬ ‫ض َربَت يَدَه ا ْلبَ َّ‬ ‫ص ِبع ِم ْن َها ا ْل َمائِدَة ‪..‬‬ ‫ضة ا ْللَّحْ م ِبا ْل َخاتَم ا ْلذَّ َه ِبى ا ْل َم َحشُور ِبا ْ‬ ‫ِب ِضيْق ‪َ ،‬و ُهو يُ َر ِدِّد ُم َح ِدِّقَا فِى َوجْ ِهى ِبلَ ْه َجة لَ ْوم َحادَّة ‪َّ - -:‬وبَ ْع ِد ْين يَاحاج ؟‬ ‫كَان ِو ْ‬ ‫اط َمة‬ ‫ص ْوتَه ُكلَّ َما ع َ​َال َ‬ ‫ش ِيش ا ْل َوابُ ُور يَ ْخبُو َ‬ ‫ص ْوت عَاش ُْور ‪..‬ا ْ‬ ‫ستَد َْرت ِلفَ ِ‬ ‫الَّ ِتى ا ْلت َ َح َمت ِبأ َ ْوَل ِد َها ‪..‬تَذَك َّْرت قَ ْول َز ْو َجتِى َي ْو َما َو ِهى ت َ َرا َها أ َ َمام ع َ​َر َب ِت َها ‪،‬‬ ‫ش ُم ْوخ ‪،‬‬ ‫سه بِعَ َظ َمة ‪َ ،‬وث َ ْديَا َها يَ ْرت َ ِفعَان فِى ُ‬ ‫س ِد َها ا ْل ُم ْمت َ ِلىء يُعَبِِّر عَن نَ ْف ِ‬ ‫َج َ‬ ‫سم فِى تَحْ فَظ ‪ ،‬بِا ْلعَ ْينَيْن‬ ‫َو َوجْ ُه َها بِ َج ْب َهتِ َها ا ْلعَا ِليَة ‪َ ،‬وا ْ‬ ‫َارة ا ْبعَادَه بِا ْلفَم ا ْلبَا ِ‬ ‫ستِد َ‬ ‫ذَ َواتَى ا ْلبَ ِريْق ا ْل َحاد َوا ْل ُّم ْقت َ َحم‬ ‫صلُح َملَكَة ‪:-‬‬ ‫تَ ْ‬ ‫ع َمل لَه َاَل‬ ‫ات َّ َج َهت ِب َع ْينِّى َي ْو َم َها الَى َز ْو َج َها ا ْل َجا ِلس ُهنَاك ِب ِج َوار َباب ا ْل َبيْت َ​َل َ‬ ‫ارة ‪..‬قُ ْلت‬ ‫‪َ :‬رد َ‬‫س َالم ا ْل َم َّ‬ ‫!! ِهى فِ ْع َال َملَكَة ‪..‬لَ َها َر ِعيَّتِ َها ‪..‬لَ ِكن ‪-‬‬ ‫شقَة لَعَاش ُِّّور ا ْل َج َّزار ‪. .‬‬ ‫َو ُ‬ ‫ص ْمت ‪..‬أ َ َردْت أَن أ ُ ْك ِمل أَن ُهنَاك َمن يَقُ ْول أ َ ْن َها عَا ِ‬ ‫اجز نَحْ َو َها ‪َ ..‬‬ ‫تَأ ْ ُخذ َمات ُ ِريَدِه ِم ْنه ‪ِ ..‬ع َو َ‬ ‫غيْر أَنَّى آَث َ ْرت‬ ‫ضا عَن َز ْو ِج َها ا ْلعَ ِ‬ ‫ص ْمت‬ ‫‪ .‬ا ْل َّ‬ ‫‪َ :‬هب عَاش ُْور َرا ِف َعا َيدَه ا ْلغَ ِل ْي َظة ِفى َوجْ ِه َها‬‫‪..‬وأَنَا ‪-‬‬ ‫يَابِ ْنت ا ْل َح َالل ْاو َ​َلدِك ُمحْ تَا ُج ْون الَي ِرعَايَة َوأ َ ْنت ُمحْ تَا َجة الَى َ‬ ‫سنَد َ‬ ‫الْل‬ ‫‪ .‬أ ُ ِر ْيدُك بِش َْرع ْ َّ‬ ‫ْ‬ ‫سل ا ْلعَ ْينَيْن‬ ‫ش ُح ْوب ِب ُح ْم َرة َط ِارئَة بَ ْينَ َما بَدَا َ‬ ‫سى ا ْل ُّ‬ ‫ع َ‬ ‫ازدَاد َوجْ ِه َها ا ْن ِفعَاَل ‪..‬ا ْكت َ َ‬


‫ص ِل ِحين َملَكَة ‪..‬لَ ِكن َح ِز ْينَة ‪..‬أَشَا َحت بِيَ ِد َها‬ ‫صد َْقت َز ْو َجتِى ت ُ ْ‬ ‫بَا ِهتا َ​َللُّ ُمعَة لَه ‪َ ..‬‬ ‫‪:‬‬‫سأ َ ْل َجأ الَيْك ‪-‬‬ ‫‪ِ .‬ح ْينَ َما أَحْ تَاج َ‬ ‫سا ِكتَا‬ ‫ا ْ‬ ‫اول َمعَ َها ‪..‬أ َ َراك َ‬ ‫ستَدَار َحانِقَا الَى ‪َ -:‬ماتَت َ َكلَم يَاحاج ‪َ ..‬ح َ‬ ‫سم‬ ‫عدْت الَ ْي َها ‪..‬شَد ا ْنت َ َبا َهى َ‬ ‫ارا ُ‬ ‫س َها َوجْ ه َز ْو ِج َها ا ْل َبا ِ‬ ‫علَى ا ْل ِجدَار فَ ْوق َرأْ ِ‬ ‫ُمحْ ت َ َ‬ ‫سا َمتِه ُم َؤ َّ‬ ‫س َود ‪..‬بَ ْينَ َما نَ َظ َراتِه ت ُ ِحيْط ا ْلغُ ْرفَة َو َمن‬ ‫طرة بِش َِريْط أ َ ْ‬ ‫‪..‬كَانَت ا ْبتِ َ‬ ‫ص َراخ‬ ‫ارة َ‬ ‫فِ ْي َها‪ ..‬تَذَك َّْرت َما َحدَّث ُم ْنذ ُ‬ ‫علَى ُ‬ ‫ش ُهور ِعدَّة ِ‬ ‫‪،‬ح ْينَ َما ِصحْ ت ا ْل َح َّ‬ ‫ع ِو ْيلَ َها‬ ‫اط َمة َو َ‬ ‫‪ :‬فَ ِ‬‫ا ْل َّر ُجل َم َ‬ ‫ست احْ دَى ‪-‬‬ ‫ضى َوتْ ِر ْكنِّى ‪..‬ت َ َرك ِلى ا ْل َهم ‪..‬ت َ ْركُه ِلى َوحْ دِى ‪َ ..‬ه َم َ‬ ‫ضت ْ‬ ‫ارتَا َحت ِم ْنه ‪..‬ا ْعت َ َر َ‬ ‫اخ َرى ‪..‬يَاأ ُ ْختَّى َظل َر ُجل ‪1...‬‬ ‫ارات ْ‬ ‫ا ْل َج َ‬ ‫ام َرأَة أ ُ ْخ َرى ‪ ،‬تَقُف‬ ‫َب ْعدَ َها احْ ت َ َجبْت فَ ِ‬ ‫اط َمة َ​َلت َ ْخ ُرج ِبا ْل َع َر ِبِّة أَيَّاما‪ ،‬ثُم َخ َرجْ ت ْ‬ ‫امتَة ‪َ ،‬حتَّى نِدَا ُؤ َها ا ْل ُم ْعتَاد الَّذِى َو َرثَتِه ِمن أَيَّام َز ْو َج َها‬ ‫‪:‬أ َ َمام ع َ​َربَتِ َها َ‬‫ص ِ‬ ‫احْ لَى ِمن ا ْللَّ ْوز يَافُ ِّول ‪-‬‬ ‫ض ُ‬ ‫س ْيتُه ‪ ،‬فَاذَا ا ْ‬ ‫سا َمتِ َها لَم تَعُد َك َما كَانَت‬ ‫نَ ِ‬ ‫س َمت ‪َ ،‬اَل أَن ا ْبتِ َ‬ ‫سام ا ْبت َ َ‬ ‫ط َّرت ِل ْال ْبتِ َ‬ ‫‪ِ .‬من قَبْل‬ ‫يَا ِب ْنت ا ْلنَّاس َ‬ ‫ص ِغي َْرة ‪َ ..‬كفَاك ‪-‬‬ ‫صا ِل ِحك ‪ .‬أ َ ْنت َ‬ ‫‪ْ..‬ل َ ِخر َم َّرة ‪..‬أَنَا ش َِارى َوأ ُ ِر ْيد َ‬ ‫ع ْنك ‪ ..‬أ َ ْنت لَم ت َ َخ ْلقِّى ِلل َب ْه ْدلِّة‬ ‫شقَاء ‪..‬دَ ِع ْي ِنى أَت َ َح َّمل َ‬ ‫‪َ .‬‬ ‫قُ ْلت ُم ْعت َ ِر َ‬ ‫سا ِله ‪ -:‬ا ْنت َ َظر يَا ُمعَ ِلِّم‬ ‫ضا ا ْ‬ ‫ستِ ْر َ‬ ‫علَى َ‬ ‫ص ْف َراء ‪ ،‬الَّذِى يُ َحيِ َطنَا‬ ‫ص ِغي َْرتَيْن َ‬ ‫َوأَنَا أ ُ َح ِدِّق فِى َ‬ ‫ض ْوء ا ْللَّ ْمبَة ا ْل َ‬ ‫ع ْينَيْه ا ْل َّ‬ ‫اط َمه ‪َ ..‬ما ِله‬ ‫اط َمة ِم ْن َهيَّا ا ْل ِح َوار ‪ - -:‬فَ ِ‬ ‫ِب ُخيُ ْو ِطه الَّتِى َ​َلتَبِيْن ‪ ،‬ثُم ات َّ َج َهت الَى فَ ِ‬ ‫ا ْل ُمعَ ِلِّم عَاش ُْور ؟‬ ‫‪َ..‬لت َ َحادَّثْنِّى ِفى َهذَا‬ ‫اط ِرى ِ‬ ‫نَ َظ َرت الِّى ِفى لَ ْوم َوقَالَت عَا ِت َبة ‪ِْ -:‬لَجْ ل َخ ِ‬ ‫ا ْل َم ْوض ُْوع‬ ‫سأَلُ َها ‪َ -:‬هل نُ ْع ِطيَك َو ْقتَا ِل ْلت َّ ْف ِكيْر ؟‬ ‫ُ‬ ‫عدْت أ َ ْ‬ ‫س َها نَ ْفيا َو ِهى ت ُ َؤ ِكِّد ‪َ​َ -:‬ل ‪..‬لَقَد ْاقت َ َر ْنت ِبأ َ ْوَلدى َوا ْنت َ َهى ْاْل َ ْمر‬ ‫َه َّزت َرأْ َ‬ ‫‪..‬وجْ َهه ا ْل ُم ْكتَنِز َرأ َ ْيتُه ُمحْ َمرا ‪ ،‬بَ ْينَ َما َ‬ ‫ع ْينَاه َوقُ ْطب‬ ‫ضاقَت َ‬ ‫أَد َْرت َوجْ ِهى الَيْه َ‬ ‫س َرة‬ ‫َج ِب ْينُه َو ُهو يَقُ ْول ِب ِحدَّة ‪ -:‬أ َ ْنت ا ْل َخا ِ‬ ‫صد ِْره َود َْفع ا ْل َباب َو َم َ‬ ‫ضى ‪..‬ع َ​َال فَجْ أَة ِو ْ‬ ‫ش ِيش ا ْل َوابُ ُور‬ ‫سه َ‬ ‫علَى َ‬ ‫َوأَحْ نَى َّرأْ ِ‬ ‫‪..‬من بَيْن دُ ُم ْو ِع َها ا ْل ُمت َ َح ِ ِّج َرة فِى ا ْل َمآَقِّى نَ َظ َرت الَى ُم ْمتَنَّة َوقَد‬ ‫‪..‬قُ ْمت ُم ْ‬ ‫ستَأ ْ ِذنَا ِ‬ ‫ش ُح ْوبَ َها َاَل أَنَّ َها كَانَت بَ ِاز َ‬ ‫غة‬ ‫سا َمة ت ُ َزيِِّن َ‬ ‫سا َمة َر ْغم ُ‬ ‫شفَت َ ْي َها ‪..‬ا ْبتِ َ‬ ‫عَادَت ا ْبتِ َ‬ ‫‪..‬وان كَانَت أ َ ْكثَر َوقَارا عَن ذِى قَبْل ِ‬ ‫َمن َ‬ ‫ع َ‬ ‫سل ا ْلعَ ْينَيْن ُكلَّ َها بَ َهاء َ‬


‫‪ -7‬صديق مسعود‬


‫تلك الحجرة هناك‬ ‫وحيدة وباردة على حافة المدينة ‪ ،‬عارية كأنما بنيت على عجل‪ ،‬أحجارها‬ ‫تراصت وتالصقت لتواجه العراء ‪ ،‬تؤانسها قضبان قطار ممتدة فى ارهاق‬ ‫وتراخ فى مدى المحدود ‪ ،‬ومعهما مسعود أبو العينين ‪ ،‬الذى البد من ذكره‬ ‫هنا ألنه يمثل الرأس الثالث من رؤس المثلث ‪ ،‬الحجرة والقضبان ومسعود ‪،‬‬ ‫الثالثة كل منهم يعرف اآلخر ‪ ،‬يأتنس به ‪ ،‬ويجد فى جواره راحة وسكينة ‪،‬‬ ‫خاصة فى أيام الشتاء ‪ ،‬حينما يقفر المكان تماما ‪ ،‬ويضرب الصقيع األنحاء‬ ‫‪ ،‬واليبدو فى األفق اال ظلمة متراكمة على هيئة غمام ضارب فى السواد ‪،‬‬ ‫وأمطار غاضبة ‪ ،‬ورعد حانق يقطعهم من حين الى آخر قطار تغرد صافرته‬ ‫‪ ،‬لتعلن للمدى بشرى اقترابه ‪ ،‬فيهب مسعود منتبها الى حيث يحرك‬ ‫التحويلة محددا له اتجاه المرور ‪ ،‬حسب التعليمات التى صار يحفظها كما‬ ‫يحفظ كل شىء حوله فى هذا البراح ‪ ،‬وهى للحق مكتوبة ومعلقة بمسمار‬ ‫صدىء ‪ ،‬يصدم عينى الداخل من الباب مباشرة ‪ ،‬ذلك الباب الذى أكلت‬ ‫الرطوبة خشبه ‪ ،‬وتركته هيكال بالكاد يسد الحلق ‪ ،‬واليدخله اال العمال‬ ‫الثالثة ك ٌل حسب ورديته ‪..‬وفى األيام األخيرة كلب صغير لم يجد مأوى من‬ ‫البرودة والهواء الالفح سوى جدران تلك الحجرة ‪ ،‬فأوى اليها واثقا ‪-‬‬ ‫ربما ‪ -‬أنه محال أن يقطنها فى هذا العراء بشر‪ ،‬اتخذها مسكنا دون أن يبدو‬ ‫هناك فعل ما ‪ ،‬أو حتى شبح تذمر من وجوده ‪ ،‬اذ كان يتخذ ركنا الى جوار‬ ‫مكتب كهل تهرأ جسده واكلح لونه ‪ ،‬ولم يعد يحمل من سيماء المكاتب اال‬ ‫اإلسم فقط ‪ ،‬فيبتعد الكلب عن مسار الهواء النافذ من الشق الموجود بحلق‬ ‫الباب خلف أحد األرجل ‪ ،‬ويدفن رأسه بين ساقيه ‪ ،‬وينام مطمئنا الى أن‬ ‫أحدا لن يقلق راحته حتى يستيقظ ‪ ،‬ومتى استيقظ وألنه عرف أنه ضيف‬ ‫يمكن ألحدهم طرده بركلة من قدمه فقد التزم الصمت ‪ ،‬وبدأ سياسة المالينة‬ ‫والمالطفة محاوال فتح قنوات ود بينه وبينهم ‪ ،‬وبدأبمسعود ‪ ..‬أخذ يقترب‬ ‫خطوة ليتيح له رؤيته ‪ ،‬متفرسا فى عينيه جيدا ‪ ،‬محاذرا من أى بادرة‬ ‫عنف ‪ ،‬فلما رأى إمارات لطف اقترب أكثر ‪،‬مهنئأ نفسه ببقايا الطعام يلقيها‬ ‫اليه من ع ٍل ‪ .‬اما مسعود فهو من ناحيته فقد شعر أن الكلب قد جاء فى لحظة‬ ‫حاسمة كاد يتفجر فيها شظايا ودخان وسط الحجرة بال رقيب ‪ ،‬جاء فى وقته‬


‫تماما ليصرفه عن نفسه ‪ ،‬أو يصرف نفسه عنه بشىء جديد يشد عينيه نحوه‬ ‫‪ ،‬يأخذه من أفكاره ومشاعره ‪ ،‬يشغله وقتا الى أن تهدأ عاصفته قليال ‪،‬‬ ‫وتذهب عنه رياح الضيق التى تباغته من حين الى حين ‪ ،‬حدق فيه برهة‬ ‫من الوقت بعينين شاردتى النظرات ‪ ،‬شكله عامة يوحى بأنه من بيئة نظيفة‬ ‫نوعا ‪ ،‬أو هو –مثله ‪ -‬من عائلة ذات أصول ولسبب ما جاء الى هذه الحجرة‬ ‫‪ .‬وأخذت تباشير تقارب تظهر فى األفق ‪ ،‬بدأت أوال عن طريق النظرات‬ ‫المختلسة ‪ ،‬ثم المحدقة ‪ ،‬ثم المتفاهمة الى درجة أن الكلب تحرك ‪ ،‬واقترب‬ ‫‪ ،‬واقعى تحت قدمى مسعود ‪ ،‬هازا ذيله بسعادة ورضاء ‪ ،‬منتظرا أن يلقى‬ ‫اليه ببقايا الطعام ‪ ،‬التى عادة يبخل بالقائها للكالب الضالة التى تمر بالمكان‬ ‫‪.‬‬ ‫وتطور األمر أكثر حينما اجتاحت رياح الغضب قلب مسعود كالعادة ‪ ،‬وبدأ‬ ‫هطول اللعنات شالال من شفتيه ‪ ،‬العنا الحجرة ‪ ،‬والعمل التافه ‪ ،‬والحياة‬ ‫الهامدة التى لم يمر بظنونه يوما فى أكثر كوابيسه سوادا أن يعايشها ‪ ،‬ورأى‬ ‫الكلب ينظر اليه ‪ ..‬لحظتها اليعرف مسعود كيف شعر أنه يبدي األلم من أجلة‬ ‫‪ ،‬يخفض ذيله بين ساقيه مشاركة له فى مشاعره ‪ ،‬لحظتها تحول الوضع من‬ ‫مجرد تعايش صامت الى تقارب مفعم بالحروف والكلمات النابضة بالمشاعر‬ ‫‪ ،‬وعرف مسعود أنه قد ظفر بصديق يستمع اليه بال مقاطعة ‪ ،‬وال تململ ‪،‬‬ ‫والرفض لما يقول ‪ ،‬بل هى آذان مشرعة ‪ ،‬وأعين مفتوحة ‪ ،‬ووجه يشى‬ ‫بالتعاطف الى أبعد الحدود ‪ ..‬الى أن حدثت الحادثة التى قلبت الموازين تماما‬ ‫‪ ،‬وذلك أن مسعود تأخر يوما عن عمله بسبب المواصالت ‪ ،‬كانت ورديته‬ ‫المسائية ‪ ،‬تأخر فى الطريق فما ‪ ،‬ترك زميله الموجود المكان ومضى على‬ ‫أساس أن مسعود ملتزم ولن يتغيب بحال ‪ ،‬أتى الكلب ‪ ،‬رأى الغرفة خالية من‬ ‫صديقه ‪ ،‬وقف على الباب ينتظره ‪ ،‬انطلقت صافرة القطار القادم انذارا‬ ‫لمسعود لكى يقوم بالتحويل ‪ ،‬مسعود غير موجود ‪ ،‬أطلق الكلب صوته ‪،‬‬ ‫اختلط بصوت القطار ‪ ،‬برنين الثوانى الالهثة ‪ ،‬بجهامة الصمت المهيمن‬ ‫على الحجرة ‪ ،‬اقترب القطار ‪ ،‬لم يظهر مسعود ‪ ،‬تحرك الكلب ‪ ،‬صرخت‬ ‫العجالت الحديدية وهى تطأ القضبان بغضب ‪ ،‬اندفع الكلب نحو التحويلة ‪،‬‬ ‫قافزاالى مستواها بكل مااوتى من قوة ‪ ،‬قابضا على ذراعها بأسنانه ‪ ،‬وصل‬ ‫مسعود الى الباب ‪ ،‬شاحب الروح واجف القلب كان ‪ ،‬أدار التحويلة وجسد‬ ‫الكلب معها ‪ ،‬بعدها جلس مكانه متعقبا أنفاسه ‪ ،‬باحثا عن ريقه ليرطب به‬


‫لسانه ‪ ،‬محاوال السيطرة على لهاثه الذى تردد صداه فى أرجاء الغرفة ‪،‬‬ ‫سائال نفسه وهو يحملق فى الكلب الواقف أمامه ‪ -:‬هل فعال فعلها ؟‬ ‫حدق فى يد التحويله ‪ ،‬عاد الى عينى الكلب ‪ ،‬هز األخير ذيله بحبور ‪ ،‬هز‬ ‫مسعود رأسه متيقنا ‪ ..‬بعدها صار الزمالء و المارة ينادونه بصديق مسعود‬ ‫‪.‬‬


‫‪-8‬صورتها‬ ‫فتح عينيه ‪،‬صمت ‪ ،‬وظلمة ‪ ،‬وبرودة تطفح من ثنايا هواء محبوس بين‬ ‫جدران أربعة حوله ‪ ،‬وباب حديدى صدىء ‪ ،‬مصمت اال من فتحة مستطيلة‬ ‫يغطيها سلك به ثقوب عديدة ‪ ،‬مسدود أغلبها بفعل التراب والسواد ‪ ،‬تكفى‬ ‫بالكاد لنفاذ قليل من الهواء يكفى إلبقاءة على ذمة األحياء ‪،‬ومعها بصيص‬ ‫ضوء اليكاد يجدى فى متاهة الظالم ‪ ،‬من رقدته فى ركنه القصى حدق فى‬ ‫السواد حوله ‪،‬خاطبته نفسه ‪..‬‬ ‫(قد يأتى الغد عليك بحال آخر ) ‪!!.‬‬ ‫شد الغطاء المتهرىء الى أعلى قليال ‪.‬‬ ‫(الى أن يجىء هذاالغد‪ ..‬اصنع عالمك )‬ ‫اتجهت عيناه الى منتهى شعاع واهن يلمس بالكاد طرف الجدار‪ ،‬وقفت عنده‬ ‫‪ ،‬فتح بناظريه كوة تطل على السماء ‪ ،‬رسم وجه ( محبوبته ) خلفها مكلال‬ ‫باالبتسام واقفا بين السماء واألرض ‪ ،‬باسمة العينين كانت ‪ ،‬وسط هالة‬ ‫من نور‪ ،‬تمد يديها مفتوحتين اليه ‪ ،‬تهتف باسمه ‪ ،‬هتف باسمها وهو‬ ‫يراها تتألق وسط الظلمة ‪ ،‬تمأل بسمتها الفضاء ويسع صدرها الكون‪ ،‬وقال‬ ‫لنفسه أن عليه أن يحرك جسده ‪ ،‬يزول عنه األلم‪ ،‬تذهب الشكوى ‪ ،‬ويهرول‬ ‫نحوها لينعم بقربها كما يحلو له ‪ ،‬غير أنه رآها تتباعد ‪ ،‬شيطان مارد يتدثر‬ ‫بالظلمة يسحبها من ظهرها الى الخلف ‪ ،‬وهى تقاوم ‪ ،‬جسدها المنبسط‬ ‫ينتفض فى الفضاء ‪ ،‬تحاول التحرك لألمام محتفظة ببسمتها ويديها‬ ‫المفتوحتين ‪ ،‬تردد حروف إسمه مغسولة بالحنين ‪ ،‬الفضاء يردد صدى‬ ‫صوتها ‪ ،‬وهو يصرخ مناديا إياها ‪ ،‬بينما الهوة بينهما تتسع ‪ ،‬هو يجرى‬ ‫وقد ذهب عنه األلم وانقطاع األنفاس ‪ ،‬يمد يديه لعلهما يصالن اليها ‪ ،‬وهى‬ ‫بعد أن أجهدتها المقاومة تبكى ‪ ،‬تمد يديها ‪ ،‬واألرض تتمدد ‪ ،‬تستطيل ‪..‬‬


‫فجأة يتعثر ‪ ،‬تتساقط حبات عرقه غزيرة ‪ ،‬تورق مكانها أشجار خضراء‬ ‫فروعها نامية وثمرها ناضج ‪ ،‬تعتلى فروعها طيور بيضاء يفرد أحدها‬ ‫جناحيه على الكون ‪ ،‬تمتد األجنحة ‪ ،‬تكبر ‪ ،‬يصير مالكا هائل الحجم ‪ ،‬رغم‬ ‫ضخامته اليخشى منه ‪ ،‬يجتاح صدره هدوء اليعرف كيف أتاه ‪ ،‬يقترب‬ ‫المالك ‪ ،‬يحمله على جناحيه مخترقا ً الفضاء نحوها ‪ ،‬تتقارب المسافة من‬ ‫جديد ‪..‬تجف الدموع وتشرق البسمات ‪ ،‬يمد يديه من جديد اليها ‪ ،‬تمد يديها‬ ‫بذات إبتسامتها الحنون ‪ ،‬تشق األرض قهقات الشيطان المارد عالية تهز‬ ‫الشجر وتجتاح الجبال وتفزع السحاب والطير ‪ ،‬ويعاود إبعادها من جديد ‪،‬‬ ‫الهوة بينهما تعاود االتساع ‪ ،‬يبكى السحاب ‪ ،‬تغضب الجبال ‪ ،‬ينتحب الشجر‬ ‫ويحزن الطير ‪ ،‬يتحرك المالك مواجها الشيطان المارد ‪ ،‬يقهقه الشيطان‬ ‫وهو يواجه المالك ‪ ،‬يرميه بالصواعق العاتية التى تزلزل الظالم حولها ‪،‬‬ ‫وتدك األرض دكا ‪ ،‬يقابلها المالك فورا بريح تبددها وتنثر نارها رمادا فى‬ ‫أعماق البحار ‪ ،‬يرمى الشيطان المارد المالك بالحمم والبراكين التى تتفجر‬ ‫مزمجرة ‪ ،‬تكتسح ماحولهامن شجر وزرع وأبنية ‪ ،‬وتذيب الجبال واألوتاد ‪،‬‬ ‫يرسل المالك باألمطار سيوال تبتلعها فورا ‪ ،‬تتبدد ضحكات الشيطان ويزمجر‬ ‫غضبا ‪ ،‬يضرب األرض بقدميه فتثور الزالزل ويرتجف الكون هلعا ‪ ،‬يضع‬ ‫المالك جناحيه على الجبال الراسيات فتعاود األرض ثباتها ‪ ،‬يزمجر‬ ‫الشيطان أكثر‪ ،‬يستنصر إخوته الشياطين التى تطوى القفار خارجة من‬ ‫كهوفها وسراديبها ودهاليزها متجهة اليه ‪ ،‬تهبط المالئكة فورا الى السماء‬ ‫الدنيا لمجابهة المعتدين ‪ ،‬يطارد النور النار ‪ ،‬تدخل األشجار المعركة‬ ‫فتضرب وجوه الشياطين بأغصانها ‪ ،‬يصيح الطير فى وجوههم ‪ ،‬تطردهم‬ ‫الجبال من كهوفها وسراديبها رافضة أن يعودوا اليها ‪ ،‬والريح تصفع‬ ‫وجوههم الفارة وهم يغورون فى بحر الظلمة مندحرين ‪ ،‬يعود الى السماء‬ ‫صفاؤها ‪ ،‬وتصبح الظلمة نهرا من نور ‪ -‬رغم خفوته ‪ -‬بهيا ساحرا ‪ ،‬تعود‬ ‫المالئكة طيورا بيضاء يمأل صياحها الفضاء ويشرق القمر ويراقص النسيم‬ ‫أوراق األشجار وفروعها ‪.‬‬ ‫يبتسم راضيا وقد رآها أخيرا أمامه كما رسمها ‪ ،‬باسمة العينين كانت ‪ ،‬وسط‬ ‫هالة من نور‪ ،‬تمد يديها مفتوحتين اليه ‪ ،‬تهتف باسمه وهو يراها تتألق‬ ‫وسط الظلمة ‪ ،‬عاود فرد ذراعيه مناديا إياها ‪ ،‬تبسمت له ‪ ،‬أشرقت‬ ‫إبتسامتها على روحه ‪ ،‬ورغم المسافات البعيدة بينهما شعر بها قريبة تعانق‬ ‫وجهه نسمات أنفاسها ‪ ،‬أغمض عينيه على صورتها‬



‫‪ -9‬وسط الظلمة‬

‫أخرجت وجهى من فتحة النافذة الموروبة ‪ ،‬كشافات الضوء اليديوية‬ ‫تلقى بأنوارها وسط المعمعمة ‪ ،‬الحت الوجوه عن ذى قبل‪ ،‬غير أنها‬ ‫كانت تظهر فى بقاع الضوء تارة ويخفيها الظالم تارات أخرى فال تملك‬ ‫العين أن تحدد ماهيتها جيدا اذ يكون التقا ط الضوء لها خاطفا‪ ،‬بينما‬ ‫مساحات الظالم تتسع لها معظم الوقت ‪ ..‬شدنى األمر‪ ،‬وسط الظلمة فى‬ ‫حارتنا والناس كل فى مرقده‪ ،‬تحت غطائه‪ ،‬بعيدا عن أنفاس الطريق‬ ‫المعبقة بالصمت والبرودة وكوابيس الظالم‪ ،‬وسط هذا كله انطلقت‬ ‫صرخة زلزلت السكون‪ ،‬أ رغمت العيون النائمة علي التيقظ‪ ،‬والعقول‬ ‫المسترخية والقلوب المطمئنة على الوجل والتساؤل المغسول بماء‬ ‫الخوف‪ - :‬ماالذى جرى؟ عادت الصرخة تنطلق ‪ ..‬كانت الكهرباء‬ ‫مقطوعة‪ ،‬تحركت األبدان فى الظلمة‪ ،‬أ شعلوا المصابيح اليدوية‪،‬‬ ‫هرولوا نحو النوافذ والشرفات يستطلعون األمر‪ ،‬أشباح تهرول خلف‬


‫بعضها اليظهر منها وجوه وال تبين لها أصوات محددة‪ ،‬وإن كانت‬ ‫الهيئة العامة لرجال تبدو قاماتهم للعين معروفة يمكن من خاللها تحديد‬ ‫الشخصيات ‪ ،‬انسللت من مكمنى الى الطريق فى غفلة من أمى التى‬ ‫توارت خلف شيش النافذة محاولة فهم مايجرى‪ ،‬كان كشاف الكهرباء‬ ‫بيدى‪ ،‬أدرته فى المكان حولى أمام باب البيت مباشرة‪ ،‬المعركة على‬ ‫أشدها‪ ،‬أجساد تتلوى‪ ،‬صرخات تنطلق‪ ،‬وهرولة فى كل اتجاه‪ ،‬صرخ‬ ‫صارخ‪ - :‬اطفئوا األنوار ‪ ، ..‬أظلمت الحارة فورا ‪ ،‬أشعلت المصباح‬ ‫متحديا‪ ،‬أتتنى طوبة أجبرتنى علي اإلختباء و إ طفاء المصباح واإل‬ ‫كتفاء بالتحديق وسط الظلمة‪ ،‬محاوال فهم مايجرى‪ ،‬عادت الكهرباء‬ ‫آلي الحارة إختفت األشباح المتحاربة وهدأ الليل‪.‬‬ ‫‪........................................‬‬ ‫اصطادتنى أمى على الباب كعادتها‪ ،‬تلقيت على رأسى عدة ضربات غير‬ ‫موجعة‪ ،‬وبضعة صرخات شاكية من جنونى وتصرفاتى الال معقولة‪،‬‬ ‫ففى الوقت الذى تحتاجنى فيه الى جوارها أفر كالجرذان واختبأ‪ ،‬أتركها‬ ‫للظلمة وحدها ال أنيس والحامى يدفع عنها األذى‪ ،‬وبدأ الشريط ‪ -‬الذى‬ ‫حفظت كافة كلماته وحروفه ‪ -‬يتكرر على شفتيها‪ ،‬عن موت أبى‪ ،‬وعن‬ ‫رفضها كافة طلبات الزواج للتفرغ لى وحدى‪ ،‬أنا الجاحد الذى اليقدر‬ ‫ماتفعله ألجله‪ ،‬ومضت الى فراشها‪ ،‬كنت أحفظ هذا أيضا الس ي ناريو‬ ‫جيدا بكل إخالص وأنفذه فامضى خلفها‪ ،‬أضمها الى صدرى‪ ،‬أطيب‬ ‫خاطرها ببضعة كلمات أعرف أنها ترضيها‪ ،‬ثم يبدأ الفصل الثالث من‬ ‫الموضوع وهو األهم أذ تعتدل فى مرقدها وتسألنى ماذا رأيت‪ ،‬وأحكى‬ ‫لها‪ ،‬ونفسر معا ماكان‪ ،‬هذا كان يحدث مرارا كلما قامت فى الحارة‬ ‫معركة أو حدث شجار وتوارت هى خلف شيش النافذة ترقب الموقف‬ ‫عن بعد‪ ،‬بينما أندس انا وسط المعمعة‪ ،‬أسلط عينى وأحفظ كل مايمر ب‬ ‫ى من أحداث وأعود اليها‪ ،‬انتظر التوبيخ المعتاد ثم اللوم علي عدم‬ ‫والبكاء تقديرى لما قدمته ثم سؤالى عما رأيته و ن حلل األمر معا‪ ،‬اال‬


‫الليلة‪ ،‬الليلة لم أر شيئا‪ ،‬أشباح تغوص فى بحر الظلمة‪ ،‬تصعد الى‬ ‫النور المتاح برهة التكاد تميز فيها وجوهها ثم تغيب‪ ،‬والظالل تروح‬ ‫وتجىء على الجدران صانعة عفاريت ومردة وجوهها سوداء‪ ،‬تتراقص‬ ‫أمام النظرات الواجفة فال تدرى وهى تدور بأعينها بين األشباح‬ ‫المتعاركة فى الحارة واألشباح المتراقصة على الجدران أي منها‬ ‫حقيقى وأي منها خيال ‪ ..‬قلت لها لم أفهم ماجرى‪ ،‬رمتنى بالبالهة‪،‬‬ ‫أشاحت بوجهها عنى وهى تستعد للنوم هامسة‪ - :‬ومتى فهمت شيئا؟‬ ‫‪..................................................‬‬ ‫قالت المرأة أم ياسين وهى تعصر الغسيل فوق رأسى أمى‪ - :‬ماعفريت‬ ‫اال بنى أدم ‪ ..‬لعنت امى الغسيل والدور االرضي الذى يجبرها علي تلقى‬ ‫نفحات الست أم ياسين من أعلى وهى تبتسم راضية وتقول لها حينما‬ ‫تسألها‪- :‬؟ هل تضايقت ‪ ..‬أبدا وهللا ‪ ..‬وهى فى داخلها تكره اللحظة‬ ‫التى تجمعها بها فهى التمتلك فى الكون اال لسانها وقوته التى التجارى‬ ‫فى كر الحروف وربطها وتسلسلها دون أن يستطيع كائن أن يوقفها أو‬ ‫حتى يهدىء من سرعة تدفقها‪ ،‬وأمى بصفتها من ذوات األلسنة القوية‬ ‫تكره من يفوقها قوة‪ ،‬وعادة تقول عنها ثرثاره ‪ ،‬وانا أسمع وال أعلق‬ ‫واال نالنى منها ما أنا فى غنى عنه ‪ ..‬قالت أم ياسين وهى تواصل‬ ‫العراك مع غسيلها فوق رأس أمى‪ - :‬لم يجدوا اال حارتنا ليتقاتلوا فيها‬ ‫‪ ..‬انتبهت للحديث راجيا أن تفسر األمر‪ ،‬لم تقل شيئا‪ ،‬تركتهما الى‬ ‫الحارة‪ ،‬قال بعض األوالد‪ - :‬نحاربهم ‪ ..‬سخر البعض اآلخر من الفكرة‬ ‫‪ ،‬قالوا‪ - :‬القوة معهم‪ ،‬والسالح‪ ،‬والخبره ايضا‪ ،‬ونحن أساسا النعرف‬ ‫من هم‪ ،‬فكيف نحارب من النعرفه ‪ ..‬قال أحدهم‪ - :‬نختبىء حينما يأتون‬ ‫‪ ..‬أكمل ثان‪ - :‬نغلق االبواب والن و افذ ‪ ..‬رد عليه صوت قريب منه‬ ‫معترضا‪ - :‬ونعيش حالة الرعب وسط والظالم والحيرة؟ تساءل أكثر‬ ‫من سائل‪ - :‬وما العمل ‪ ..‬قلت بهدوء‪- :‬؟ لدى رأى ‪ ..‬تحلقوا حولى‪- :‬‬


‫هات ماعندك‪.‬‬ ‫‪..............................................‬‬ ‫و قفت محاذيا الجدار‪ ،‬خلف باب البيت الخشبى المهترىء بثقوبه‬ ‫المبعثرة فى أنحاء بدنه كما اتفقت مع األوالد‪ ،‬مطال على الحارة فى‬ ‫ليلها الدامس‪ ،‬عيناى تغوصان فى ظلمة ميتة القلب‪ ،‬حارقة السواد‪،‬‬ ‫تطوى بين أحضانها مشاعر شتى من خوف وقلق‪ ،‬وأمل فى اكتشاف‬ ‫سريع لألمر يجعلنى أسبق الجميع و افتخر بتبديد تلك الحيرة المستبدة‬ ‫المسيطرة علي هذه االيام الحارة ‪ ..‬بدأت الدقائق تتثاقل فى سيرها‪،‬‬ ‫والهدوء الثلجى يتحول الى كتلة من نار تشوى العين‪ ،‬والعرق رغم‬ ‫البرودة الخفيفة فى الجو ينسل الى عينى وينزلق لزجا الى أسفل‬ ‫ظهرى فى تباطىء مرير‪ ،‬وانا أحدق من ال ثقب ال صغير فى الباب‬ ‫الخشبى آلي ظالم الطريق انتظارا للحظة البدء ‪ ..‬تفجرت األصوات مرة‬ ‫واحدة لتكتسح الصمت المتكلس على واجهات البيوت‪ ،‬أقدام تهرول‬ ‫قادمة وأخرى مبتعدة‪ ،‬صرخات بحروف مدغومة التكاد تبين‪ ،‬ظلمة‬ ‫تستبد باألعين وتمأل القلوب بأغشية من سواد‪ ،‬اشتباك باأليدى‬ ‫واألقدام‪ ،‬أجساد تسقط وأجساد تقوم ‪ ،‬و أشباح الظالم يطويها‪ ،‬ال يبدو‬ ‫منها اال قامات سوداء تروح وتجىء كمردة الجن‪ ،‬زارعة الرعب فى‬ ‫قلوب الرائين‪ ،‬يطولها ضوء كشاف من هنا أو هناك فتبدو أجزاء من‬ ‫مالمح أحدهم واضحة جلية‪ ،‬بينما األجزاء األخرى يصر الظالم على‬ ‫طيها بين جناحيه‪ ،‬وتتراقص الظالل على الجدران من أثر تسليط‬ ‫الضوء من البيوت المحيطة على وسط الحارة‪ ،‬فتبدو الظالل فى‬ ‫رواحها ومجيئها بضخامتها مثل كائنات األساطير التى يحكون عنها‪،‬‬ ‫مما يجعل األعين تنظر بعين الرهبة اليها‪ ،‬وال تملك لها اال المراقبة‬ ‫الصامتة فى محاولة البحث عمن هم هؤالء المتحاربون ‪ ،‬أو سبب‬ ‫حربهم ‪ ،‬أو حتى لماذا اختاروا الحرب هنا فى حارتنا وفى الليالى‬


‫المظلمة بالذات فال قمر وال نجوم لفضح المستور ‪ ،‬اللهم اال كشافت‬ ‫يدوية تعسة تضىء بعض الوقت ثم مايلبث أن يصرخ صارخ اطفئوا‬ ‫الكشافات فتنطفىء وينتهى األمر ‪ ،‬الليلة وقفت خلف باب البيت‪ ،‬لم آبه‬ ‫كالعاده لهمسات أمى وهى تضرب بيد الرعب خدها اليابس‪ - :‬تعالى‬ ‫هنا ياولد ‪ ..‬حدقت وسط الحارة فى بقعة نصفها ظلمة والنصف اآلخر‬ ‫يتراوح بين العتمة والضوء‪ ،‬مرت أنصاف وجوه أمامى‪ ،‬فزعت‪ ،‬ليس‬ ‫لمرآها ولكن الكتشافى شخصياتها فهذا الصاوى فتوه حارتنا بوجهه‬ ‫المظلم الذى يرهب به وجوه الحارة‪ ،‬وهؤالء هم صبيانه يروحون‬ ‫ويجيئون وبأيديهم المدى والهرواوات‪ ،‬يواجهون أشباحا أخرى لم‬ ‫أستطع أن أتبينها ‪ ..‬ومرة واحدة كما تفجرت األصوات تفجر الصمت ‪،‬‬ ‫بعده علت ضحكات هستيرية‪ ،‬ورأيت النور الذى غاب طويال يعود ‪،‬‬ ‫الوجوه تبين‪ ،‬المالمح تتضح‪ ،‬الحروف المدغومة تفهم وهم يهللون‪- :‬‬ ‫طردنا اللصوص‪ ،‬ارتددت الى الخلف متحاميا بما تبقى للباب من بدن‪،‬‬ ‫وسؤال صارخ يخرق عينى‪ - :‬لماذا يتعاركون فى الظلمة ‪ ،‬ومن هم‬ ‫هؤالء اللصوص الذين يتحدثون عنهم ؟ اختفى الجميع ‪ ،..‬زاد ارتجافى‬ ‫من بحر األسئلة وأنا أعود الى أمى‬ ‫‪...........................‬‬ ‫مصمصت أمى شفتيها حينما رويت لها ماكان‪ ،‬أبدت دهشة ممزوجة‬ ‫بازدراء وأنا أحكى لها عن الصاوى فتوة حارتنا وصبيانه الذين كانوا‬ ‫يهللون فرحين بانتصارهم على اللصوص وطردهم من الحارة‪ ،‬لم‬ ‫تعقب وإن كانت قد تمتمت بكلمات غاضبة وهى تشيح بيدها قائلة‪:‬‬ ‫يكفونا شرهم أوال‬‫سألتها‪ :‬من هم؟‬


‫ضربتنى على وجهى ضربة خفيفة وهى تطلب منى اال أتأخر ثانية فى‬ ‫الحارة واال قطعت رقبتى‬


‫‪ -10‬حمامة سالم‬ ‫أل ننى لم أره من قبل لم أقبل عليه ‪ ،‬لم أشعر بتلك المشاعر التى تنتاب اإلبن‬ ‫حينما يرى أباه بعد غياب ‪ ،‬تأملت وجهه المغضن ‪ ،‬عينيه الغائرتين ‪،‬‬ ‫انتفاخات ماتحت عينيه ‪ ،‬شعره المرجل الى الخلف فى انسياب طبيعى ‪،‬‬ ‫وعالمة الصالة التى تتوسد جبهته العريضة ‪ ..‬مررت بمالبسه الراقية كما‬ ‫بدت لى ‪ ،‬رميت بنظراتى بعيدا متأمال المكان من حولى ‪ ،‬شاعرا رغم‬


‫مشاعرى المتأججة والغيوم المتراكمة فى أعماق نفسى براحة لتغلغل اللون‬ ‫األبيض فى كل شىء هنا ‪ ،‬انتشاره بصفاء نبضاته الحانية التى تطرق باب‬ ‫الروح بدفئها يعطى النفس شفافية ‪ ،‬يجعلها تسترخى وتهدأ وتخوض فى‬ ‫أشق األمور بيسر وبال منغصات ‪ ..‬شىء ملفت فعال أن ترى الباب والشباك‬ ‫والستائر والسرير وحتى المقاعد والمفارش كلها بيضاء ‪ ،‬كأن الحجرة قد‬ ‫غمرت فى بحر صفاء ناصع ‪ ،‬ولم يعد هناك من األلوان األخرى اال لون‬ ‫وجهينا انا وأبى ‪..‬عدت اليه ‪ ،‬عيناه تعانقان وجهى ‪ ،‬ينظر شاردا مستغرقا‬ ‫فى أفكار ال أعلمها ‪ ،‬وكل مايبدو على محياه هو أسى تنطق به تقطيبة جبينه‬ ‫وضيق عينيه ‪ ،‬ينتظر منى أن احكى له لماذا جئت اآلن أبحث عنه بعد هذه‬ ‫السنوات ‪ ،‬ماهو الجديد الذى جئت أقدمه له ‪ ،‬وماهو المبرر الذى أطرحه‬ ‫بين يديه لسنوات من النسيان ‪ ،‬بطبيعة الحال ليس مرضه وليس وجوده‬ ‫فى المستشفى هو السبب فأنا ال أعرف ‪ ،‬أمى نفسها لم تكن تعرف ‪ ،‬وحتى‬ ‫اذا عرفت ماكانت لتطلب أن أقوم بتلك الزيارة ‪ ..‬منذ زمان وهما متباعدان ‪،‬‬ ‫كل منهما له حياته ودنياه ‪ ،‬هى أخذت أوالدها وعاشت لهم ‪ ،‬وهو تركها‬ ‫‪ .‬وراح بعيدا وعاش حياته كما شاء‬ ‫عدت اليه ‪ ،‬عيناه مازالتا تعانقان مالمحى ‪ ،‬قلت متسائال ‪ -:‬لماذا ؟‬ ‫وانا أحدق فى عينيه متربصا بمشاعره التى تبدو فى أغوار حدقتيه ‪ ،‬فهم‬ ‫سؤالى دون ان أبوح ببقيته ‪ ،‬هز رأسه وإبتسامة خجلى تفترش ضفتى‬ ‫شفتيه ‪ ،‬يعتذر بها على مايبدو كأنه يشعر أنه ضبط أمامى أنا إبنه البكر‬ ‫‪ .‬بفعل اليليق به ‪ ،‬همس ‪ -:‬نصيب‬ ‫لم أرتح إلجابته ‪ ،‬عدت ألح ‪ -:‬لماذا ؟‬ ‫أدار ظهره لى بحركة مفاجئة ‪ ،‬ظننت لبرهة خاطفة أنه ضاق بى واليريدنى‬ ‫‪ ،‬ولذا اعطانى ظهره ‪ ،‬غير أنه كان يريد االستناد على رسغيه ليقوم ‪،‬‬ ‫استوى واقفا ‪ ،‬واجه نظراتى بمثلها ‪ -:‬هذا مضى عليه زمان ‪..‬يكفيك أن‬ ‫تعرف أننى أتابع حياتكم ‪..‬يمكننى أن أحكى لك عن كل شىء يخصك وأنت‬ ‫وإخوتك‪ ..‬أتكفل بنفقاتكم ‪..‬أتابع دراستكم ‪ ..‬أحل مشاكلكم ‪،‬وأتدخل اذا لزم‬ ‫األمر مكتفيا بالفعل دون الظهور المباشر فى حياتكم‬


‫اتسعت عيناى والنيران تشب فى أعماقهما ‪ ،‬منذ سنوات طويلة لم أره لم‬ ‫يظهر فى مشكلة ما ‪ ،‬لم يتدخل ‪ -‬كما يقول ‪ -‬فى شىء ‪ ..‬ربت كتفى بلطف‬ ‫كأنه قرأ فى عينى كل مادار فى رأسى من شكوك ‪ ،‬قال ‪ -:‬اسأل خالك‬ ‫‪ .‬محمود وسيشرح لك ماخفى عنك‬ ‫ارتبكت ‪،‬وجدتنى أسأله ‪ -:‬وأمى تعرف ؟‬ ‫هز رأسه سلبا وشبح ابتسامة تعسة تلوح على محياه وهو يؤكد أنه طلب من‬ ‫أخيها ‪ -‬خالى محمود ‪ -‬هذا ‪ ،‬فهى مادامت قد باعته فلن يشتريها بحال‬ ‫اندفعت سائال ‪ -:‬كيف باعتك ؟‬ ‫هز رأسه هزة خفيفة التكاد تبين كأنما ينبه نفسه الى انزالقه الى بحر اليجب‬ ‫‪ .‬الخوض فيه ‪ ،‬اعطانى ظهره هامسا ‪ -:‬يابنى ‪ ،‬إنك تثير شجونى‬ ‫اندفعت أواجهه ‪ -:‬ارجوك تكلم ‪ ،‬ماذا فعلت أمى ؟‬ ‫قال بسرعة ‪ -:‬التذهب الظنون بك بعيدا فهى بكل المقاييس محترمة‬ ‫اذن ماذا حدث ؟ ‪-‬‬ ‫عاد الى سريره مستندا بكلتا يديه ليريح جسده من جديد على بياض فرشته ‪،‬‬ ‫بدت السماء خارج النافذة خلفه بيضاء ناعمة األديم ‪ ،‬تحتها أشجار تتيه‬ ‫بشموخها فوق بساط من خضرة ‪ ..‬قال متعمدا إبعاد عينيه عن مرمى‬ ‫نظراتى ‪ -:‬جاءنى عمل فى مدينة أخرى ‪ ،‬طلبت منها مرافقتى ‪،‬رفضت أن‬ ‫تترك عملها ‪،‬‬ ‫خيرتها بينى وبينه ‪ ،‬إختارته ‪ ..‬كان محال أن أقبل هذا الوضع خاصة أن‬ ‫رفضها كان قاطعا ‪ ..‬سافرت بعد أن اتفقت مع أخيها محمود صديقى على كل‬ ‫شىء‬ ‫قلت بسرعة الئما ‪ -:‬ورضيت أن تبتعد عنا ؟‬


‫أشاح بيده ‪ -:‬هى التى ابعدتكم ‪ ،‬وساعدها سفرى المتواصل و رغبتى اال‬ ‫‪ .‬أشتتكم بينى وبينها‬ ‫و صمت محاوال مالحقة انفاسه المتقطعة بعد أن بذل جهدا كما يبدو فى تذكر‬ ‫مافات ‪ ،‬احترمت صمته ‪ ،‬وراحت صور خالى محمود تتالحق فى رأسى‬ ‫وانا أراه فى كل موقف معنا ‪ ،‬اليترك امرا اال شاركنا فيه مادا يده للجميع فى‬ ‫‪ .‬حدب أب‬ ‫عادت نظراتى اليه ‪ ،‬فتحت فمى وأنا أواجه عينيه من جديد متسائال عما به ‪،‬‬ ‫هز رأسه ومالمحه تحمل تعبيرا ساخرا أشعرنى أن يريد أن يسألنى بدوره‬ ‫عن تقاعسى عن البحث عنه كل هذا العمر ‪ ،‬وهل جئت اليوم فقط ألسأله‬ ‫عما به ؟‬ ‫شرد قليال ثم همس ‪ - :‬أنا سعيد برؤيتك وأنك أخيرا عرفت طريقى ‪ ،‬لكن ‪-‬‬ ‫أصدقنى القول ‪ -‬ماالذى دفعك الى المجىء اآلن ؟‬ ‫أحنيت رأسى رغما عنى فى تسليم ‪،‬ودون أن أبحث عن كلمات أدفع بها‬ ‫تهمة العقوق عن نفسى ‪ ،‬قلت وانا أحدق فى بالط األرض وفى الخطوط‬ ‫المتقاطعة التى رغم تفرقها وشرودها تعود لنقطة التقاء جديدة‬ ‫أمى مريضة بالمستشفى ‪ ،‬خالى أخبرنى أنك هنا بالمستشفى ‪-‬‬ ‫سأل فورا ‪ -:‬وأين هى ؟‬ ‫قلت ‪ -:‬هنا فى نفس المستشفى فى قسم النساء‬ ‫عاد يجاهد للوقوف ‪ ،‬مددت كفى سريعا اليه ‪ ،‬ربت كتفى بيده بعد أن اعتدل‬ ‫مكانه ‪ ،‬قلت جادا ‪ -:‬سأكون حمامة السالم بينكما ‪ ،‬هل تقبل ؟‬ ‫أشاح بعينيه بعيدا ‪ ،‬لم أحاول تتبعهما ‪.‬‬



‫‪ -11‬حمار أم محمد‬ ‫ مالك وحمير القرية ؟‬‫قص عليهم ماكان وهو يشعر بفخر خفى كونه محل اهتمام رغم بعض الضربات‬ ‫العابرة والحروف المدججة بالسباب ‪ ،‬وصف لهم هيئة الرجل الغريب مؤكدا أنه سيمر‬ ‫على المقهى ليسأله عما فعل ‪ ،‬أخذوه من ذات الياقة المكدسة باألتربة والغبار‬ ‫والعرق الى هناك ‪ ،‬سار منتفخ الصدر كونه يقود قافلة بهذا العدد الذى البأس به‬ ‫والذى يسد عين الشمس ‪ ،‬رأى الرجل حينما جاء عيونا كثيرة تكاد تصهره نظراتها ‪،‬‬ ‫والسنة ذات حروف مسننة تتقاذفه بينها فاتسعت ابتسامته ‪ ،‬تقدم ضاربا األرض‬ ‫بعصاه فى رفق كأنها تقبلها ورفع صوته قائال ‪-:‬‬ ‫ أريد شراء بعض الحمير من هنا‬‫صمت لحظة مد فيها يده الى جيب سترته مخرجا أوراقا نقدية من ذات الهيئة والمقام‬ ‫الذى رآه مسعود من قبل وأكمل بهدوء واثق ‪-:‬‬ ‫ نقودى حاضرة‬‫ارتفع صوت أنثوى حاد بالسؤال ‪-:‬‬ ‫ بكم تشترى الحمار ؟‬‫رد فورا ‪ -:‬بثالثة أضعاف ثمنه‬ ‫صمتت األصوات وأخذت األعين تتبادل النظرات والعقول تعمل بسرعة وكل منهم يمنى‬ ‫نفسه أن يبيع حماره بالثمن الذى حدده الرجل الغريب ويشترى آخر رخيص الثمن‬ ‫ويوفر الفرق ‪ ،‬تقدم أحدهم ‪ -:‬أنا أبيع ‪ ،‬هات نقودك‬ ‫تاله اآلخرون ‪ ،‬عدا أم محمد األرملة ذات القراريط القليلة ‪ ،‬والحال التى يعرفها‬ ‫الجميع ‪ ،‬أدارت ظهرها لهم فى هدوء وغادرت المكان مشيحة بيدها ‪-:‬‬ ‫ وهللا لو وزنوه ذهبا ماتركته‬‫تابعتها بعض اْلعين متعجبة من غريب فعالها ‪ ،‬قالت بعض اْللسنة‬ ‫أنها هكذا ‪ ،‬تعشق الفقر وَلتريد غيره بديالً ‪ ،‬حتى عندما مات زوجها‬ ‫وتهافت عليها المريدون للزواج رفضتهم جميعا ً واختارت الفقر والوحدة‬


‫استدار الرجل ناحية مسعود ‪ ،‬هرول ليقف بين يديه ‪ ،‬طلب عربة لتحمل الحمير ‪،‬‬ ‫اعطى كل ذى حق حقه ونفحه مبلغا جديدا بعد أن ضربه على قفاه بود وهو يقول ‪-:‬‬ ‫انا مسرور منك ‪ ،‬نفذت ماأريد بالضبط‬ ‫لم يفقه مسعود شيئا مما قال ولكنه فرح بالنقود جدا ‪ ،‬تابعه وهو يغادر المكان‬ ‫والعربات المحملة بالحمير خلفه ‪ ،‬بعدها طار الى المقهى ‪ ،‬سمع هناك أن بعض القرى‬ ‫المجاورة باعت حميرها بخمسة أضعاف والبعض اآلخر بستة أضعاف ‪ ،‬رأي الحسرة‬ ‫تعتلى الوجوه ‪ ،‬أشارت األيدى اليه قائلة أنه السبب وقذفوه كعادتهم بالوان السباب‬ ‫التى يجيدونها ‪ ،‬لم يغضب كالعادة وأخذ يضحك ليس من كالمهم ولكن كونهم فالحين‬ ‫واليملكون حميرا ‪..‬قال تليفيزيون المقهى بعد قليل أن الحمير قد سافرت خارج بر‬ ‫مصر للعالج ‪ ،‬هرول عبر دروب وحارات القرية يبلغ الجميع أن الحمير كانت مريضة‬ ‫وسافرت للخارج للعالج ‪ ،‬الغريب أن الوجوه التى أبلغها الخبر لم تفرح له بل رمته‬ ‫بالفاظ السباب كعادتها ولم تبال به ‪ ،‬حتى الدكتور عبد الحميد الوحيد الذى يأتنس‬ ‫ببسمته كلما رآه كان عابسا وهو يقول أن حمير بلدنا المحروسة بالذات سوف‬ ‫تستخدم فى عمل أبحاث لعالج السرطان لذا فثمنها ارتفع بصورة كبيرة ‪ ،‬أراد ان‬ ‫يسأله وهل السرطان الذى يقول عنه أنه مريض ولن تعالجه اال حمير بلدنا ؟‬ ‫غير أنه ابتلع تساؤله حينما رأي أم محمد قادمة مرفوعة الرأس تحادثه فى هدوء‬ ‫وبصوت واثق قائلة أنها على استعداد للتنازل عن حمارها بال مقابل اذا فكر فى إجراء‬ ‫أبحاثه عليه ‪.‬‬ ‫كالعادة لم يفقه مسعود شيئا مما قيل غير أنه ظل عابسا هذه المرة ولم يضحك ربما‬ ‫ألن الجميع كان عابسا من حوله‬



‫‪ -12‬أطول محمود فى التاريخ‬

‫رأيتها على الجدار ‪..‬مستديرة الوجه‪..‬بيضاء ‪..‬بخيوط صغيرة مذهبة‬ ‫الحواف‪..‬تحاذيها أرقام أجنبية سمراء اللون ‪،‬يتألق عليها‬ ‫الضوء‪،‬ويلهث فوق صفحتها مؤشر نحيل الجسد ‪،‬يدور فى حلقات‬ ‫دائرية التهدأ ‪،‬معتليا مؤشريين آخريين ‪،‬أحدهما بدين الهيئة‬ ‫قصيرها ‪،‬واآلخر أعظم منه طوال‪.‬‬ ‫فتحت عينى على اتساعهما ‪..‬المفترض فى المؤشرات أن تدور فى‬ ‫اتجاه اليمين ‪..‬هذه تدور فى اتجاه الشمال !!‬ ‫كانت دقاتها فى ليل الصمت مدوية ‪..‬تك ‪..‬تك ‪..‬تك‪..‬تسلقت عيناى‬ ‫سقف الحجرة المزركش بالسواد ‪..‬أخذت تتقافز على المساحات‬ ‫الخافتة الضوء‪،‬التى تتناثر هنا وهناك بين الحفر والتعرجات ‪،‬الحقتها‬ ‫خواطرى تقفز خلفها وتلهث ‪ ،‬حملت جسدى من الوضع راقدا على‬


‫الفراش الى الوضع جالسا ‪ ،‬مسندا ظهرى الى مسند السرير ‪..‬رأيت‬ ‫أفكارى تتدحرج من أم رأسى وتتكور بين عينى متسائلة بحدة‪-:‬‬ ‫( نمت الساعة التاسعة مساء ‪..‬وعدت تستيقظ فى التاسعة‬ ‫اال الثلث من مساء ذات اليوم ‪،‬كيف !!؟‬ ‫عدت الى الساعة ‪..‬عقاربها – وكأنها تستفز ادراكى أكثر ‪ -‬تتراقص‬ ‫‪ ،‬تتحرك فى قفزات متناغمة فى ذات االتجاه ‪..‬الشمال !‬ ‫تاهت المرئيات عن عينى ‪..‬غير أن خاطرة قفزت الى رأسى ‪ (..‬وما‬ ‫أدراك أنك استيقظت فى ذات المساء ؟ )‬ ‫فتحت عينى تماما ‪..‬لقد نمت الساعة التاسعة يوم الخميس الموافق‬ ‫ستة من الشهر ‪..‬اذن فنحن اليوم حتما الجمعة الموافق سبعة من‬ ‫الشهر ‪..‬نظرت الى النتيجة على الجدار ‪..‬تركتها الى التليفزيون ‪..‬لن‬ ‫يجلو األمر سواه ‪..‬هرول المذيع بين يدى متجهم الوجه ‪..‬نفخ فى‬ ‫أذنى ‪-:‬‬ ‫( الساعة اآلن الثامنة والنصف مساء يوم األربعاء الموافق خمسة‬ ‫من الشهر)‬ ‫صرخت ‪ -:‬ال‬ ‫أشاح بيده فى ملل‬ ‫توارى عنى‬ ‫‪.....................................‬‬ ‫داخل قفصى الصدرى حملت حيرتى ‪،‬وانسقت وراء قدمى الى‬ ‫الخارج ‪ ..‬الظالم منقوش على األشياء ‪..‬مبذور فى تالفيف الهواء‬ ‫‪،‬وضارب بجناحيه العظيمين األفق على البعد ‪..‬غرزت حبتى عينى‬ ‫بين عقربى الساعة فى يدى اليسرى ‪..‬الثامنة اال الربع ‪..‬أدرت بصرا‬ ‫زائغا الى الطريق ‪ ..‬أحدهم قادم ‪.‬‬ ‫ كم الوقت اآلن ؟‬‫‪ -‬الثامنة اال الربع‬


‫سألت آخر‪..‬ذات االجابة ‪ - :‬الثامنة اال الربع‬ ‫طارت قدماى الى الميدان الكبير ‪..‬الساعة الضخمة التى تعلو جامعته‬ ‫العريقة لن تكذب ‪..‬كانت الثامنة اال الثلث ‪..‬مأل الغباء قسماتى ‪..‬فتحت‬ ‫فمى كحمار صغير اليفقه شيئا مما حوله ‪..‬كان هناك اناس فى‬ ‫الميدان ‪..‬كائنات متناثرة يمرون بنفس الحالة ‪..‬عرفتهم من عالمات‬ ‫بدت على الوجوه ‪..‬اقتربت من أحدهم ‪ -:‬مااألمر ؟‬ ‫أغلق فمه بالكاد‪ ،‬وأعاد بناء تقاسيم وجهه بتعبيرات حسية جديدة ‪،‬‬ ‫وهمس محاوال الظهور بمظهر الالمبالى باألمر ‪-:‬‬ ‫ الساعة تسير الى الوراء‪.‬‬‫ارتفع صوت متلهف بجوارى صارخا ‪-:‬‬ ‫ أنت أيضا !!؟‬‫‪..‬انضموا الينا سراعا ‪..‬كانت ساعة‬ ‫انتبه الينا بعضهم‬ ‫الجامعة العتيقة تشير الى السابعة ونصف وخمس دقائق ‪..‬ارتفعت‬ ‫األصوات صاخبة ‪ ،‬صنعت مظلة من حروف تائهة الرابط بينها ‪،‬‬ ‫مالبثت أن تهاوت مترنحة على أسفلت الطريق فى حدود السابعة‬ ‫‪......................‬‬ ‫رأيت قامتى تقصر وانتابنى فزع ‪ ..‬رجال المدينة أصابهم نفس الداء‬ ‫‪..‬كلهم يوما بعد يوم تقصر قاماتهم ‪،‬كأنما يرتدون الى الوراء‬ ‫بأعمارهم وأطوالهم ‪ ،‬رغم أن مافى تجويف األدمغة اليتغير ‪.‬‬ ‫‪ ..‬حاولت الحكومة فى بداية األمر تجاهل الموضوع ‪ ..‬لم تستطع ‪..‬‬ ‫أتت بساعة جديدة مجربة ومضمونة ووضعتها فى الميدان الكبير ‪،‬‬ ‫دارت شماال ‪ ..‬وضعت ذراع طويلة ربطت من ناحية بعقارب الساعة‬ ‫‪ ،‬ومن ناحية أخرى بموتور يدور يمينا ‪ ،‬وصور التليفزيون الميدان‬ ‫والناس والساعة ‪ ،‬وأكد أن األمور تخت السيطرة ‪ ،‬غير أن ماجرى‬ ‫للرجال فجر الموقف ‪ ،‬ولم يستطع أحد أن يخفى األمر ‪ ..‬اندفعت‬ ‫الصحف فى تناولها له ‪ ..‬المدن المجاورة أرسلت علماءها‬ ‫للمساعدة‪ ..‬طلب بعضهم أن يعود ببعض الساعات لمعاينتها ‪،‬‬ ‫وببعض الرجال لوضعهم تحت الفحص ‪ ..‬الساعات لدهشة الجميع‬


‫سارت باتجاه اليمين ‪ ،‬والرجال بدأوا فى االستطالة بمجرد مغادرتهم‬ ‫مدينتنا ‪..‬الجدير بالذكر أن الوحيد فى مدينتنا الذى بقى على حالته‬ ‫ولم تقصر قامته هو عمدتنا القصير الذى ظل على قصره ‪.‬‬ ‫‪......................‬‬ ‫قال الولد ‪ -‬ابنى ‪ -‬وهو ينظر الى مرتابا ‪ -:‬مدير المدرسة طلب‬ ‫ولى أمرى‬ ‫لم أفطن لمعنى نظرته ‪ ..‬قلت بعفوية ‪-:‬‬ ‫ ماذا فعلت هذه المرة ؟ ‪ ..‬أتعرف جزاءك اذا‬‫اذا اشتكى منك ؟‬ ‫أجاب الولد ابن العشر سنوات محتجا ‪-:‬‬ ‫ وهل أنت الذى سيأتى معى ؟‬‫وهو ينظر الى قامتى التى كادت تقارب قامته ‪،‬ويكمل مستدركا ‪-:‬‬ ‫ ماما تأتى معى‬‫وهو ينظر برضا الى طولها ‪..‬حدقت فيه بحدة وأنا أبحث عن كلمات‬ ‫أزجره بها ‪ ،‬أو عصا أهوى بها على ظهره ‪..‬رأيت أمه الى جانبه‬ ‫انسحبت أجرجر المى ‪..‬تبعتنى زوجتى فى صمت ‪..‬جلست على المقعد‬ ‫‪ ..‬شدتنى ألجلس على حجرها ‪..‬كالطفل العنيد رفضت ‪..‬قالت بجد ‪-:‬‬ ‫اذا استمر هذا الوضع سأجن‬ ‫هربا من الخوض فى موضوع ليس وقته اآلن هرولت الى‬ ‫التليفزيون أفتحه ‪..‬مد المذيع المتجهم الوجه يده الى أذنى قربها من‬ ‫فمه وصرخ ‪-:‬‬ ‫ تم شراء ساعات يابانية أصيلة تساير الزمن ‪ ،‬وتدور يمينا ‪،‬‬‫وسوف توزع على الرجال الذين قصرت قاماتهم‬ ‫سألته ‪ -:‬وهل يعيد لى هذا ارتفاع قامتى ؟‬ ‫أشاح بوجهه عنى ولم يرد‬ ‫‪............................‬‬ ‫فى اليوم المحدد الستالم الساعة ارتديت مالبس ابنى و مضيت الى‬ ‫الميدان الكبير‪..‬احتفال مهيب كان هناك ‪..‬ميكروفونات تشيد بهذا‬


‫االنجاز ‪..‬اعالم ترفرف ‪..‬موسيقى تصدح ‪ ،‬و حوارات غاية فى‬ ‫الجدية تدور ‪..‬فمن قائل أن األعداء رشوا الزرع بمبيدات تغتال‬ ‫الرجال ‪..‬ومن قائل أن السبب منا ‪ .‬اذ الغينا رجولتنا بايدينا ‪،‬وتعودنا‬ ‫الرضوخ ألوامر غيرنا ‪ ،‬ولم يعد لنا طعم وال رائحة ‪ ،‬فبدأت‬ ‫أجسامنا تتكيف مع الوضع الجديد ‪ . .‬ومن قائل أن هذا عقاب من هللا‬ ‫أنزله بنا ‪ ،‬ألننا غيرنا نواميس الكون ‪ ،‬وخاصة وضع المرأة‬ ‫‪،‬فخرجت من بيتها ‪ ،‬ودست أنفها فيما اليعود عليها وال على بيتها‬ ‫بالخير ‪ ،‬ورفعناها فوق الرجال بقوانين ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬‬ ‫فجعلنا هللا عبرة ‪..‬ومن قائل ان الحكومة رأت أن تشغل الرجال بعيدا‬ ‫عنها وعما تفعله ففعلت فينا هذا ‪.‬‬ ‫كلمات كثيرة سمعتها ‪ ،‬وأفواها عديدة رأيت كال منها يزفر مالديه فى‬ ‫حدة ‪..‬غير أن الكل صمت حينماوقف مسئول لجنة توزيع الساعات‬ ‫أمام الميكروفون ‪ ،‬وأعلن آسفا أن الساعات بمجرد دخولها المدينة‬ ‫غيرت من سيرها !!‬ ‫تعالت األسئلة حائرة عما يجرى والندرى له تفسيرا ‪ ،‬وهذا الجو‬ ‫الذى نعيش فيه ‪ ،‬وتعالت الصيحات تطلب ضرورة البحث فورا عن‬ ‫حل ‪ ،‬لحظتهارفع الرجل ذراعيه طالبا الصمت قائال ‪ -:‬اطمئنوا‬ ‫‪..‬بحثنا عن الحل ووجدناه ‪..‬وقد تقرر اآلتى ‪-:‬‬ ‫اوال ‪ -‬الغاء الساعات الموجودة بشكلها الحالى وعمل ساعات‬ ‫أرقامها من(‪ 1‬الى ‪ ) 12‬تكتب متجهة الى اليسار وبالتالى تصبح‬ ‫العقارب فى سيرها ناحية الشمال بدل اليمين طبيعية وال تحدث مشكلة‬ ‫ثانيا ‪-‬تقرر تعويض القامات القصيرة بأسماء تلغى المشكلة فورا‬ ‫‪..‬مثل محمد الطويل ‪..‬على األطول ‪..‬حسن المستطيل ‪..‬حسين المطول‬ ‫‪..‬وهكذا ‪..‬وتأكيدا لعدالة التوزيع سيترك لكم اختيار الصفة المناسبة‬ ‫كما ذكرت ‪..‬ولن تتدخل الحكومة فى هذا‬ ‫ثالثا بعد االختيار سيتم توزيع طراطير لها اطوال مختلفة ‪..‬تم‬ ‫صنعها خصيصا من أجلكم ‪..‬كل واحد سيأخذ طرطورا بطول مناسب‬ ‫‪..‬ويكتب على الواجهة اسمه الجديد ‪.‬مثال أنا اسمى أحمد المتطاول‬


‫‪..‬أكتب هنا ( وأشار الى مقدمة الطرطور ) اسمى ليعرفنى كل‬ ‫الناس ‪..‬وبهذا تنتهى المشكلة‬ ‫استلمت طرطورى الجديد ‪،‬وارتديته فوق رأسى بعد أن كتبت اسمى‬ ‫بلون أزرق على قماشه األحمر ليكون واضحا للعيون ‪ (..‬أطول‬ ‫محمود فى التاريخ ) ‪..‬وعدت الى بيتى فرحا ‪..‬أنظر الى الطريق‬ ‫من ع ٍل‬


‫‪ -13‬الساعى‬ ‫(‪)1‬‬ ‫رأيته قرارا حكيما أن أضع الشمس و القمر والنجوم جميعا فى جيبى‬ ‫‪ ،‬وأسير مختاال ‪ ،‬حامال صمت العظماء وهم ينظرون من فوق‬ ‫السحب الى الخلق ‪ ،‬شاعرين أنهم يتصدقون عليهم حينما يشرفونهم‬ ‫بالنظر اليهم ‪ ،‬أنظر أنا ايضا من فوق سحابة تعلو الرؤس ‪ ،‬ماضيا‬ ‫فى تؤدة وسط الطريق الذى يفسح أرجاءه مرحبا بى ‪ ،‬وانا أضع يدى‬ ‫فى جيبى قابضا على النقود فى عزم ‪ ،‬تلك النقود التى رفرفت‬ ‫بجناحيها محلقة فوق رؤس العاملين بالمصنع‪ ،‬باحثة عمن يستحق‬ ‫أن تنعم باألمن والدفء بين يديه ‪ ،‬مكافأة لم تكن لها سيرة فى بال‬ ‫والصورة فى خيال ‪ ،‬أتت كما تحكى األساطير وأسفار المعجزات‬ ‫قاصدة جيبى أنا دون جيوب غيرى ‪ ،‬األروع أنها فرصتى الذهبية‬


‫ألقتنى ماال لى وحدى ‪ ،‬واثقا أنى إن لم أحافظ عليه ستأسره يد‬ ‫زوجتى ذاتالمخالب القوية التى ال تفلت ماتنطبق عليه خاصة اذا‬ ‫كانت أوراق بنكنوت ‪ ،‬الغريب أن تلك األوراق دون بقيةأوراق‬ ‫الكون التحب الخشونة ‪ ،‬وتنفر من العنف رغم أنها السبب األساسى‬ ‫والمباشر فيه ‪ ،‬وعليك لكى تكسب ودها أن تفتح لها فمك باستمرار‬ ‫صانعا بسمة مقعرة السطح ‪ ،‬و أن تصون كرامتها باال تنقص منها‬ ‫‪ ،‬وهذا اليتأتى اال ألصحاب النقود ‪ ..‬مثلى اآلن !‬ ‫‪.....................‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ذلك الكائن المسمى زوجتى له فى عينيه مآرب أخرى ‪ ،‬تلك األعين‬ ‫الترى فقط مثل بقية الكائنات ‪ ،‬هناك قرون إستشعار تتحسس النقود‬ ‫‪ ،‬وأشعة سينية تخترق الجيوب ‪ ،‬وخلف كل عين قلب اليشم فى‬ ‫الكون كله اال رائحة النقود ‪ ،‬متى ماارتفع صراخه نابضا فى عزم‬ ‫بجوارك فاعلم أنك قد وقعت فى المحظور ‪ ،‬وأنك لن تفلت من‬ ‫التفتيش متيقظا كنت أو نائما ‪ ،‬ولن تتركك لحالك اال بعد اإلستيالء‬ ‫على مالديك راضيا أم رغما عنك ‪ ،‬وياويلك اذا أبديت التذمر أو طفا‬ ‫على سطح مالمحك ماينبىء عن شىء من ضيق ‪ ،‬لحظتها ستنفجر‬ ‫طاقاتها الصوتية العالية الكفاءة فى وجهك ‪ ،‬وستجد أنك أمام مأساة‬ ‫أنت السبب الوحيد فيها ‪ ،‬فالبيت الذى هو مسئوليتك المباشرة‬ ‫وأمانتك التى أتمنت عليها والذى تنعم فيه بما لم يره أحد من النوم‬ ‫والراحة والطعام ‪..‬و‪..‬و! هذا البيت يئن من األلم بسببك ‪ ،‬فأنت بكل‬ ‫جبروتك وظلمك لم تعطه حقه المشروع فى المعيشة الكريمة ‪،‬‬ ‫وبخلت بما لديك ‪ ،‬وتركته عاجزا عن سد حاجاته الطبيعية ‪ ،‬ولكى‬ ‫تعرف جيدا مقدار العجز واإلحتياج الذى يعانى منه ذلك المسكين‬ ‫الذى ينتسب رغما عنه اليك أنظر حولك ‪ ،‬جميع الجيران لديهم‬ ‫ماليس لديك ‪ ،‬وعندهم ماليس عندك ‪ ،‬وكل هذا ألنك مقصر وبخيل ‪،‬‬ ‫التقدر األمانة وال تحفظها ‪ ،‬والتنظر بعين الرحمة الى ضعف ذلك‬


‫الكائن المالئكى الذى هو زوجتك ‪ ،‬وهى تمنح هذا البيت عصارة‬ ‫جهدها ‪ ،‬ورحيق عمرها الذى ضاع فى بحر جحودك ‪..‬يحدث كل هذا‬ ‫ويداها تنهشان جيوبك نهشا وتصادران كل مافيها ‪ ،‬عدا مايعد حدا‬ ‫للكفاف واليضرها وجوده معك فى شىء ‪..‬لذا عليك أن تنتبه لهذا‬ ‫وانت مقبل اآلن – المفر ‪ -‬على الدخول الى عرين األسد ‪ ،‬عليك أن‬ ‫تحسب حساب عينيها وقرون إستشعارها ومقدرتها الفائقة على شم‬ ‫أوراق البنكنوت وهللا المستعان !‬ ‫‪...............‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ألوراق البنكنوت وهى ملكك رائحة تختلف عنها وهى ملك لغيرك ‪،‬‬ ‫قد تكون فى الحالتين بين يديك ‪ ،‬تقبض على جناحيها حتى‬ ‫التنتهزفرصة وتطلق جناحيها للريح ‪ ،‬لكن األمر يختلف تماما ‪،‬‬ ‫فأنت حينما تأخذ النقود مقيدة بمظروف أبيض من شباك الصراف‬ ‫المتجهم الوجه ‪ ،‬متجها بها الى إمرأتك المتجهمة الوجه ايضا ‪،‬‬ ‫تشعر أنك ساعى بنكنوت ‪ ،‬تنقلها من يد الى أخرى وتأخذ نظير هذا‬ ‫منحة تسمى مصروفك الشهرى ‪ ،‬وهو مسمى كما يبدو من إسمه‬ ‫جاف وحروفه يابسه ‪ ،‬ولم يعد له معنى اآلن خاصة فى ظروف الغالء‬ ‫هذه التى تتعملق فيها اإلحتياجات ‪ ،‬بينما هو يتقازم دون أن تملك‬ ‫حق اإلعتراض أو طلب الزيادة ‪ ،‬ألنك تعرف جيدا الرد التى تعلقه‬ ‫زوجتك خلف باب حجرة النوم ‪ ،‬والتى تستطيع أن تتلوه عليك كلما‬ ‫لمحت فى عينيك نظرة تدل على احتمال حدوث تمرد أو تفكير عابر‬ ‫بالشكوى ‪ ،‬مما يضطرك الى الصمت ‪ ..‬فى تلك الحالة وأنت ساعى‬ ‫البنكنوت تظل الشوارع متجهمة ‪ ،‬والشمس شاحبة ‪ ،‬والطيور على‬ ‫جانبى الطريق تدور حول نفسها بال معنى ‪ ،‬بينما الكائنات المتناثرة‬ ‫هنا وهناك والتى تسمى بشرا تمضى بال عيون ‪ ،‬مكتفية بقرون‬ ‫إستشعار توجهها الى حيث تريد الظروف والحاجات ‪ ،‬أما وأنت‬ ‫تسير مثلى اآلن فاردا ذراعيك على الكون ‪ ،‬ممتطيا سحابة ناصعة‬


‫البياض ‪ ،‬محدقا فى الخلق بعينى حاكم بأمره ‪ ،‬بينما الطيور حولك‬ ‫تغرد أغنية وال أروع ‪ ،‬واألشجار تتمايل غصونها فى دالل وال أجمل‬ ‫‪ ،‬والبيوت تبتسم راضية ‪ ،‬والوجوه ضاحكة ‪ ،‬والعيون أحداقها‬ ‫المعة ‪ ،‬وانت تمضى بين أكف الهناء ‪ ،‬يداك فى جيبك ‪ ،‬والنقود‬ ‫ضامة جناحيها فى نشوة وراقدة فى تنعم فى جيبك ‪ ،‬و لقب ساعى‬ ‫البنكنوت للمرة األولى يتوه عنك ‪ ،‬يدفعك أحدهم فى كتفك فتبتسم له‬ ‫معتذرا بدال من غضبك المزمن ‪ ،‬تقابل جارك الكريه ذى الصوت‬ ‫العالى الذى يطلق صوته ثعبانا ليليا ينفذ من النوافذ واألبواب الى‬ ‫حيث يلدغ أذنك بال رحمة فتسلم عليه اآلن بحرارة ‪ ،‬وتقترب من‬ ‫البيت ‪ ،‬ترفع عينيك الى المدخل المظلم وتفيق من نشوتك ‪ ،‬النقود‬ ‫فى جيبك ‪ ،‬وقرون اإلستشعار موجودة ‪ ،‬واأليدى ذات المخالب‬ ‫جاهزة ‪ ..‬يرفرف قلبك فى فراغ صدرك مذعورا ‪ ،‬متسائال بهلع كيف‬ ‫أفلت من قبضتها ؟‬ ‫‪................‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫التظهر العبقرية اال وقت الحاجة ‪ ،‬وهذا يدل على أن العقل يحتاج‬ ‫دائما لمن يضيق عليه ويخنقه بما اليقدر عليه لكى يثار ويعمل‬ ‫ويجد طريقا للخالص ‪ ،‬أما اذاتركته دون ضغوط فسوف ينعم‬ ‫بالخمول دون إبداع خاصة عقلى ‪ ،‬تركته سنوات دون أن أفكر فى‬ ‫تعكير صفوه ‪ ،‬تاركا له حرية الحركة دون ضغوط ‪ ،‬فما كان منه اال‬ ‫أن أخذ ركنا قصيا فى فراغ دماغى ونام فيه هانئا ‪ ،‬واثقا أننى لن‬ ‫أفكر فى إيقاظه ماحييت ‪ ..‬الغريب أن سنوات طويلة مرت ولم أفكر‬ ‫أن أوقظه اال اليوم ‪ ،‬وفى تلك اللحظة بالذات وأنا أصعد درجات سلم‬ ‫بيتنا المتآكلة ‪ ،‬بدرابزينها الخشبى المتهالك ‪ ،‬بظلمة األدوار األولى‬ ‫نتيجة إحتراق لمبة السلم ‪ ،‬ورفض الجيران وانا منهم شراء لمبة‬ ‫جديدة اال أول الشهر‪ ،‬اآلن فقط طلبت منه ملحا أن يجد لى مخرجا‬ ‫فوريا من ذلك المأزق ‪ ،‬أخذ يتثاءب قبل أن يحدق فى الظلمة ‪،‬‬


‫ودار حول نفسه دورات سريعة ثم أشار على بالحل (هى قد تمد‬ ‫مخالبها الى مالبسك ‪ ،‬ولكنها التهتم بالحذاء ‪ ،‬ضع النقود فى‬ ‫الجورب ‪ ،‬فاذا دخلت إخلع نعليك هادئا وإشغلها بحديث تافه ‪،‬‬ ‫وليكن لمبة السلم المحروقة وخشيتك من التعثر فيها ‪ ،‬أنت تعلم أنها‬ ‫تخشى عليك بصفتك ساعى المال األمين الذى اعتادت عليه ‪ ،‬سوف‬ ‫تناقشك فى األمر ‪ ،‬خذها وتحرك بعيدا عن الحذاء ‪ ،‬وبعدها حين‬ ‫تتاح لك الفرصة انقل كنزك الى مخبأ أمين ) ‪..‬هزتنى النشوة لهذا‬ ‫الحل ‪ ،‬نفذته وطرت راضيا الى أعلى ‪.‬‬ ‫‪.................‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫حسنا فعلت ذات المخالب ‪ ،‬مضت وأخذت مخالبها معها ‪ ،‬األوالد‬ ‫وحدهم ‪ ،‬ضجيجهم يدل عليهم ‪ ،‬هى على األرجح فى السوق ‪،‬‬ ‫تقدمت نحو الباب ‪ ،‬قبل أن أضع المفتاح فى الطبلة رأيته يفتح على‬ ‫مصراعيه ‪ ،‬أوالدى الثالثة وسط الردهة ‪ ،‬زوجتى تقف فى الوسط‬ ‫بعينين داميتين‪ ،‬تحملق بنظرات بال معنى من مكانها نحوهم ‪ ،‬ويداها‬ ‫الى جانبها خاليتان من المخالب ‪ ،‬مضيت الشعوريا الى جوارها‬ ‫أسألها عما بها ‪ ،‬القت الى بنظرات مرهقة وهى تسألنى باكية ‪-:‬‬ ‫ اال تملك شيئا آخر غير السؤال عما بى ؟‬‫تفجرت الحيرة فى صدرى أنهارا ‪ ،‬أعدت السؤال بصوت أعلى‬ ‫ مابك ؟‬‫أدارت وجهها عنى ‪ ،‬أعطتنى ظهرها ولم تنبس بحرف ‪ ،‬ازدادت‬ ‫مساحة القلق فى صدرى ‪ ،‬هطلت أمطار الظنون ‪ ،‬حلقت طيور‬ ‫سوداء فى سماء مخيلتى ‪ ،‬ورأيتنى وسط ظلمة الهواجس أدور بال‬ ‫حول ‪ ،‬أعدت عليها السؤال بصوت أعلى عن ذى قبل ‪ ،‬استدارت الى‬ ‫‪ ،‬حدقت عيناها الحمراوين فى عينى‪-:‬‬ ‫أوالدك يحاكموننى‬ ‫‪-‬‬


‫هدهدت نبضات قلبى المذعورة واحتميت بظالل الهدوء معيدا ذات‬ ‫الكلمات محاوال استيعابها ‪-:‬‬ ‫أوالدك يحاكموننى !!‬ ‫‬‫ودرت ملقيا بنظراتى نحوهم ‪ ،‬وجوههم تنطق بما يريدون ‪ ،‬أعينهم‬ ‫تصرخ بما يطلبون ‪ ، ،‬حاولت أن أهمس مثل كل مرة بطلب الصبر ‪،‬‬ ‫لم أستطع ‪ ،‬رأيتنى أخرج النقود ‪ ،‬الوح بها أمام أعينهم فى صمت ٍ ‪،‬‬ ‫و رأيت أيديهم تستطيل ‪ ،‬ينبت لها مخالب ‪ ،‬المخالب تمتد ‪،‬أستغيث‬ ‫بزوجتى ‪ ،‬عيناها تبرقان ‪ ،‬يداها ترتفعان ‪ ،‬مخالبها تمتد ‪ ..‬لم استطع‬ ‫الصراخ وهم يتجهون الى !!‬


‫‪ -14‬المنطقة الخطرة‬


‫القى منصور بنظراته الى الطريق ‪ ،‬الظلمة يطفح بها الهواء خارج القطار‬ ‫‪،‬على البعد تبدو أشباح أبنية متسارعة وراء بعضها الى الخلف ‪ .‬امتص‬ ‫رحيق سيجارته بنهم ‪..‬الغريب أنه لم يحدث شىء حتى اآلن ‪.‬‬ ‫همس لزميله مخلوف الذى يقف الى جواره ‪ -:‬المواجهة تقترب‬ ‫تبسم مخلوف ‪ ،‬سأل ‪ -:‬خائف ؟‬ ‫هز رأسه ‪ -:‬ال‬ ‫وهو يتحسس مكان الجرح ‪ ،‬بسبب الحجر الذى اُلقى عليه ظل ينزف ‪،‬‬ ‫الحجر أتى من ذات المنطقة الخطرة ‪ ،‬شخص ما أو ربما أشخاص يمطرون‬ ‫القطارات المارة بالحجارة ويتخفون بالظالم ‪.‬‬ ‫هل أنت راض ٍ عما أنتويت ؟‬ ‫استدار لمخلوف ‪ ،‬حدق فى قروية مالمحه متأمال ً ‪ ،‬الغريب اَل‬ ‫الخطر بات يهدد‬ ‫يفكر فى الثأر ‪ ،‬هو يعرف جيدا ً أن‬ ‫القطارات المارة فى هذه المنطقة‪ ،‬قطارات الضواحى التى تشق المدينة‬ ‫من المحطة الرئيسية الى الضواحى صارت ترتعد‬ ‫كلما مرت بهذه المنطقة خوفا ً من دفعات الحجارة التى تصيب الركاب‬ ‫دون تمييز ‪ .‬قال مؤنباً‪ -:‬هل نترك الجانى دون عقاب ؟‬ ‫رد مخلوف ‪ -:‬لسنا جهة عقاب ‪.‬‬ ‫استدار اليه محتجا ً ‪ -:‬نترك الخفافيش والبوم يتحكمون فينا؟‬ ‫ هناك قانون‬‫ وعلينا أن ننفذه‬‫ لسنا فى غابة‬‫تركه الى الطريق من خالل الباب المفتوح ‪ ،‬أخذ يتأمل السماء والظلمة‬ ‫المبذورة فى اْلرجاء ‪،‬مسندا ً ظهره الى العمود المعدنى ‪ ،‬متحسسا ً مكان‬ ‫الجرح اعلى جبهته ‪ ،‬كاد الحجر يرتطم بعينه اليمنى ‪ ،‬قال لنفسه يومها‬ ‫أنه حجر عشوائى أطلقه عابث ‪،‬غير أن اْلمر تكررمن ذات المنطقة ‪،‬‬ ‫وعرض القطار للخطر ‪.‬‬ ‫أصاب أحد السائقين‬ ‫ِّ‬ ‫تمددت دوائر الحيرة أمام عينيه وهو يسأل نفسه كيف يترك حقه دون رد‬ ‫‪..‬غاصت نظراته فى بحر الظلمة حوله ‪ ،‬هناك بقع ضوئية تتناثر عبر‬


‫الطريق ‪ ،‬انتبه انها تختفى وتمأل الظلمة اْلرجاء ‪ ،‬مد رأسه الى خارج‬ ‫القطار متعقبا ً أثر الضوء ‪ ،‬اتسعت عيناه ‪ ،‬شعر بجسده يترنح ويكاد يهوى‬ ‫لوَل أن تمسك بالعمود المعدنى ‪ ،‬القطار يشق اْلرض منحدرا ً فى سرعة‬ ‫ب‪،‬‬ ‫مذهلة الى أدنى حامالً الركاب معه ‪ ،‬الحجارة تنهال عليه من كل صو ٍ‬ ‫هرول الى كابينة السائق يحذره ‪ ،‬يطلب منه إيقاف القطار ‪ ،‬وجد الكابينة‬ ‫مغلقة ‪ ،‬دق بيديه بابها ‪ ،‬صرخ ‪ ،‬بكى ‪ ،‬لم يأبه له مخلوق ‪ ،‬استدارعائدا ً‬ ‫الى الركاب ‪ ،‬غارقين فى متاهة صمت ونظرات ثلجية التعبير ‪،‬ارتفعت‬ ‫صرخاته محذرا ً ‪ ،‬لم يبال به أحد ‪ ،‬فكر أن يقفز ‪ ،‬السرعة عالية ‪،‬هوى‬ ‫أرضا ً واضعا ً رأسه بن راحتيه وجلس منتظرا ً مصيره ‪ ،‬شعر بي ٍد تهزه من‬ ‫كتفه بقوة وصوت يسأله ‪ -:‬مابك ؟‬ ‫ادار عينى الشرود حوله ‪،‬القطار فى طريقه المعتاد وبقع الضوء تتناثر فى‬ ‫اْلرجاء ومخلوف زميله يحدق فيه بعينيه الواسعتين ‪..‬تركه الى دفتر‬ ‫التذاكر فى جيب سترته الزرقاء ‪ ،‬مضى بين المقاعد واْلجساد المتالحمة‬ ‫يدق بقلمه الجاف اْلحمر على الحوامل المعدنية وهو يكرر بآلية ‪ -:‬تذاكر‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.....................‬‬ ‫اطلق القطار صفيره يشق به أستار الصمت المطبق على اْلرجاء ‪ ،‬انتبهت‬ ‫العيون الى اقتراب منطقة الخطر ‪ ،‬امتدت اْليدى لغلق النوافذ واْلبواب ‪،‬‬ ‫صرخ منصور بأعلى صوته ‪ -:‬العين بالعين‬ ‫ضحكوا منه ‪،‬أشاروا الى إصابته فى عينه ساخرين ‪ ،‬وقف وسط الممر‬ ‫َلهث اْلنفاس والوقت يمر ‪ ،‬مرة واحدة هرول يفتح اْلبواب والنوافذ‬ ‫المغلقة ويمد الركاب بالحجارة ‪ ،‬طلب منهم أن يكون رد الفعل بنفس‬ ‫مستوى الفعل ‪ ،‬عادت الكلمات الهازلة تحاصره‪ ،‬لم يبال بها ومضى نحو‬ ‫باب العربة ‪ ،‬فتحه ‪ ،‬وقف خلفه والحجارة فى يده ‪ ،‬اقتربت المنطقة‬ ‫الخطرة ‪ ،‬تالشى الهزل ‪ ،‬تآ كلت الضحكات وساد ترقب حذر اْلعين ‪،‬‬ ‫اطلق القطار كالعاده صفيره ‪،‬علت أصوات العجالت فى سيرها الحثيث على‬


‫القضبان ‪ ،‬بينما الليل يهرول حول القطار ‪.‬افترب مخلوف متوجسا ً ‪-:‬‬ ‫أخشى أن يحدث شىء !!‬ ‫بنصف عين اتجه اليه ‪ -:‬واذا حدث ؟‬ ‫اندفع ‪ -:‬ستكون انت المسئول‬ ‫حجر قاد ٌم من الظلمة ‪ ،‬تلته أحجار‪ ،‬ارتطمت بجسد‬ ‫ادار وجه عنه ‪..‬انطلق‬ ‫ٌ‬ ‫القطار كمقذوفات غاضبة تنذر بالويل ‪ ،‬فزع البعض ‪،‬علت صيحات‬ ‫انطلقت صرخات ‪ ،‬اطلق منصور قذيفته اْلولى نحو الظلمة ‪ ،‬تبعها بالثانية‬ ‫‪،‬رآه البعض ‪،‬فعلوا مثله ‪ ،‬تش ِّجع آخرون ‪،‬مضت الحجارة تشق الهواء‬ ‫متجهة الى الظلمة فى الجهة التى جاء منها الهجوم ‪ ،‬بينما القطار يطلق‬ ‫صفيره والعجالت تصلصل بعزم ماضية فى طريقها دون خوف ‪.‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.