. pg. 0
www.phosphate.me
يجري التحقيق في القضايا الجزائية وفق إجراءات مخصوصة حددها قانون أصول املحاكمات الجزائية على صورة نماذج موصوفة ومحددة ينبغي االلتزام بها في كل إجراء يقتضيه التحقيق في قضية ما ،وقد أناط القانون باملدعي العام صالحية استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها، ووضع ضوابط ملمارسة هذه الصالحيات بتحديد النموذج اإلجرائي الذي يتوجب على املدعي العام االلتزام به في كل إجراء تحقيقي يقوم به في إطار الصالحيات املوكلة إليه ،فنجد أن إجراءات التحقيق ومنذ لحظة ً االشتباه بوقوع جرم ومرورا بمرحلة التحري وجمع األدلة وسماع الشهود وإبراز املستندات واستجواب املشتبه بهم كلها تجري وفق نماذج مخصوصة ال يجوز مخالفتها ،وعندما يستكمل املدعي العام إجراءات التحقيق فإن عليه اختتام مرحلة التحقيق بإصدار قرار فيه ،وإذا ما أصدر املدعي العام قراره بحفظ األوراق أو منع املحاكمة أو الظن على املشتكى عليه فإنه وبعد انتهاء الدور الذي يمارسه النائب العام بالنسبة لقرارات املدعي العام فإن يد املدعي العام ترتفع عن القضية في مرحلتها التحقيقية ،ويترتب على ذلك عدم جواز قيام املدعي العام بأية إجراءات تحقيقية جديدة ومنها جمع األدلة ،إال في حال أن قرار املدعي العام كان بمنع املحاكمة لعدم كفاية األدلة ،ففي هذه الحالة يجوز للمدعي العام إذا ظهرت أدلة جديدة إجراء تحقيق جديد. www.phosphate.me
pg. 1
في قضية الفوسفات أنهى املدعي العام تحقيقاته بصدور قرار الظن والذي تاله قرار النائب العام باالتهام ،ومن ثم تقديم القضية إلى املحكمة بالئحة اتهام أوجب القانون إرفاقها مع قائمة بأسماء الشهود، ومن امللفت للنظر وبعد أن استمعت املحكمة ملعظم شهود النيابة العامة في هذه القضية أن يطلب املدعي العام إمهاله لتقديم بينات ً جديدة في الدعوى ،ومثل هذا الطلب يعتبر خروجا على القواعد اإلجرائية التي تحكم سير الدعوى الجزائية ،ذلك أن املدعي العام أنهى إجراءات التحقيق وقام بإحالة الدعوى إلى املحكمة املختصة ،ويترتب على ذلك أنه لم يعد تحت يده قضية تحقيقية يمكن له من خاللها ممارسة صالحيات جمع األدلة ،فكيف وصل املدعي العام إلى أدلة جديدة خارج إطار اإلجراءات األصولية التي ال يمكن أن تجري إال في قضية تحقيقية قائمة؟ إن تطبيق القواعد اإلجرائية األصولية على هذه الدعوى يفيد بأنه ال يجوز للمدعي العام تقديم أدلة جديدة أمام املحكمة ،إذ أن هذا األمر ً ً وعالوة على كونه خروجا على القواعد اإلجرائية فإنه يعتبر تناقضا مع القرارات التي أصدرتها النيابة العامة في ذات القضية ،والتي اقتض ى القانون أن تقوم على إيضاح الفعل املسند للمشتكى عليه وتاريخ وقوعه ووصفه القانوني واملادة القانونية التي استند إليها واألدلة على ارتكاب www.phosphate.me
pg. 2
الفعل واألسباب التي دعت إلى ذلك القرار ،وإذا كانت الوقائع التي يقوم عليها الفعل البد من أن تكون مستخلصة من األدلة التي وصل إليها املدعي أثناء إجراءات التحقيق ،والتي يتوجب أن يتوفر فيها ما يكفي إلحالة املشتكى عليه للمحاكمة ،فما مصير هذه الوقائع عندما يقول ً املدعي العام بأن لديه بينات هامة في الدعوى لم تكن محال للبحث قبل صدور قرار املدعي العام ،ولم يتم االسناد إليها في األسباب التي دعت املدعي العام إلى إصدار قرار بالظن على املشتكى عليه؟ إن ضبط إجراءات التحقيق بقواعد مخصوصة يتوجب االلتزام بها عند القيام بأي إجراء تحقيقي يعتبر من أهم ضمانات املحاكمة العادلة في القضايا الجزائية ،ذلك أن إجراءات التحقيق بطبيعتها تقوم على املساس بحرية األشخاص املشتبه بهم أو تقييدها ،وملا كان من أهم ضمانات املحاكمة العادلة االلتزام بالقاعدة الدستورية والقانونية والتي تقض ي بأن املتهم بريء حتى تثبت إدانته ،فقد جاء القانون ليحدد إجراءات التحقيق بما يضمن هذه القاعدة ،والتي يترتب عليها آثار هامة منها أن األصل هو البراءة ،وأن نقض قرينة البراءة يضع على عاتق النيابة العامة واجب تقديم األدلة القاطعة على ارتكاب املشتكى عليه لفعل مجرم بالقانون ،والنيابة العامة ملزمة بأن تكون األدلة التي تقدمها ً مشروعة ،أي أن الوصول إليها تم وفقا للنموذج املحدد بالقانون ،ومن www.phosphate.me
pg. 3
هذه النماذج أن يكون جمع األدلة تم في إطار إجراءات تحقيق أصولية وفي قضية تحقيقية منظورة لم ينتهي التحقيق بها ،وأن يكون املدعي العام قد استدل بهذه األدلة كسبب إلصدار قراره بالظن على املشتكى عليه ،األمر الذي يترتب عليه أن الدليل الذي تم الوصول إليه بطريقة ً غير مشروعة ال يصلح دليال لنقض قرينة البراءة ،وهو باإلضافة إلى ذلك ً يلقي بظالله على سالمة قرار الظن وقرار االتهام والتي تعتبر أساسا للمحاكمة أمام املحكمة املختصة ،فإذا كانت األدلة على وقوع الجرم املسند للمشتكى عليه هي األساس الذي يقوم عليه قرار الظن ومن بعده قرار االتهام ،فعلى أية أدلة قام قرار الظن وقرار االتهام في هذه القضية؟ وما هو مصير هذه القرارات في ضوء األدلة الجديدة التي يتحدث عنها املدعي العام؟ ولعل من املهم التذكير بأن إجراءات املحاكمة تقتض ي أن يتم االستماع ً إلى البينات املقدمة من النيابة العامة أوال ،وبعد أن تنتهي املحكمة من سماع هذه البينات فإنها تقرر وجود قضية ضد املتهم أم ال ،ويستخلص من ذلك أن تقدير املحكمة للدعوى الجزائية يقوم في مرحلته األولى على تدقيق وفحص بينات النيابة العامة ،فإذا ظهر للمحكمة أن هذه البينات ال تكفي إلثبات وجود قضية ضد املتهم وال تكفي لنقض قرينة البراءة فإن املحكمة تصدر قرارها بالبراءة أو عدم املسؤولية وحسب www.phosphate.me
pg. 4
مقتض ى الحال ،أما إذا ما وجدت املحكمة أن بينات النيابة تكفي إلثبات وجود قضية ضد املتهم فإنها في هذه الحالة تعطي املجال للمتهم للدفاع عن نفسه ،ويتمثل هذا الدفاع بنفي أو نقض األدلة التي قدمتها النيابة العامة ،وبما يتضح معه وبصورة قاطعة أن قرار املحكمة بوجود قضية ضد املتهم من عدمه يقوم على أساس األدلة التي تم االستناد إليها في ً إصدار قرار الظن وقرار االتهام ،وبما يؤكد أيضا أن القواعد اإلجرائية األصولية النافذة في البالد ال تنطوي على أية قاعدة تجيز للمدعي العام تقديم أدلة جديدة بعد إحالته للدعوى إلى املحكمة املختصة.
www.phosphate.me
pg. 5