كتاب مي

Page 1

‫أدب فن المراسل‪:‬ت‪:‬‬

‫مـي زيـادة‪.‬‬ ‫سيدة القلم العربي و معشوقة الدباء ‪.‬‬ ‫) أدب فن المراسل ت ‪ ،‬رسائل الحب والدب ‪ ،‬قصة حب لم تكتمل ‪ ،‬قصة حزينة ونهاية‬ ‫مأساوية ‪ ،‬صالونها الثقافي الدبي ‪ ،‬جبران خليل جبران ‪ ،‬الديبة الريبة ‪ ،‬أديبة عصرها (‪.‬‬

‫‪ /‬محمد ربيع الشلوي‪ .‬تقديم‬

‫) خريف ‪ 2014‬م(‪.‬‬

‫تقديم الكتاب‬


‫حــاولت ان أثيــر فن ـاً مــن فنــون الدب العربـي ‪ ،‬وهـو فــن جديــد ؛ أل وهـو )أدب المراســل‪:‬ت ( ‪،‬‬

‫وكان لجــبران ومجلــوبته ‪ ،‬النســة مــي زيادة يرجع الفضــل فــي وضع أصــوله وفنونة ‪ ،‬فــآثر‪:‬ت أن ل يمــر علــي مــر‬ ‫الكرام دون أ‪:‬ت اتعرض له ‪ ،‬فقد كلفت بتلك الرسائل أشد الكلف ‪ ،‬واثار‪:‬ت إعجابي بشدة ‪.‬‬ ‫بيد اني لم اتعرض لعرض او معالجة ) قصة حياة أديب او اديبــة ( ‪ ،‬كموضوع قصصــي ‪،‬أو عــرض‬

‫لقصـ ٍة عاطفيــة ‪ ،‬أو ســرد لوقـائع واحــداث ‪ ،‬او مجــرد حاكايــا‪:‬ت أو أحدوثة تــذكر ‪ ،‬وتلقــى علــى مســامع القـراء ‪،‬‬ ‫وترنى على مرآهم فحسب‪.‬‬ ‫بــل أرد‪:‬ت تســجيل و تــدوين ‪ ،‬و إماطــة اللثــام عــن ضــرب جديــد مــن ضــروب الدب ؛ يســمى ادب‬ ‫المراسل‪:‬ت ‪ ،‬جسدته رسائل الحبيبين العاشقين ‪ ،‬وهما قطبي هذا الفن الماثــل ‪ ،‬ســواءاً الديــب الشــاعر جــبران‬

‫خليــل جــبران ‪ ،‬وهـو فــي مهجــره فــي امريكــا ‪،‬وهـو يراســل ويـبرق لحــبيبته ‪ ،‬النســة )مــي زي ادة( ‪ ،‬ليســطر اجمــل‬

‫واعذب الرسائل والكلما‪:‬ت ‪ ،‬في بضٍع من الرسائل الخيالية ‪،‬الـتي تحـوي أدبـاً ‪ ،‬وعلمـاً ‪ ،‬ورقيـاً فكرياً ‪ ،‬وعاطفـة‬ ‫سامية ‪ ،‬ولخلق نبيلة ‪.‬‬ ‫ولست أدري ما الذي دفعني نحـو كتابــة وجمـع ‪ ،‬رسائله ‪ ،‬بعــد بحـث مضــن ‪ ،‬وغن كـانت اغلـب‬ ‫الرسـائل قــد فقــد‪:‬ت ‪ ،‬وتعــرض بعضــها الخــر للضــياع ‪ ،‬فمــا بقــي إل النــذر القليــل ‪ ،‬الــذي اعرضـه بيــن أيــديكم‬

‫فحســب ‪ ،‬وأغلــب ظنــي اننــي قــد دفعــت إليهــا دفع ـاً ‪ ،‬ل لشــيٍئ إل لمــا وجـدته فيهــا مــن حلــو الدب ‪ ،‬وقـوة‬

‫السلوب ‪ ،‬والعاطفة الجياشة ‪ ،‬والذوق الرفيع ‪.‬‬

‫كما وجد‪:‬ت فيها لذ ًة ومتعة أخاذة للقــارئ المهتــم والمعنــي بـالدب ‪ ،‬البــاحث فـي تـراث المكتبـة‬

‫العربية ‪ ،‬فهي ليست بالرسائل الغرامية الجوفاء ‪ ،‬او العاطفيــة البهمــاء ‪ ،‬فاالقــارئ المتامــل المتمعــن بدقــة وروية ‪،‬‬ ‫يجد انها رسائل فكرية مستنيرة ‪ ،‬هي أقرب إلى إثارة الذهن ‪ ،‬وقدح زتاد الفكر ‪ ،‬منها إلى العاطفة والحب ‪.‬‬ ‫ومهمــا يكــن مــن شــيئ ‪ ،‬فســتبقى هــذه الرس ائل تراث ـاً أدبي ـاً وافــراً ‪ ،‬بجســد مرحلــة مــن اهــم مراحــل الدب العرب ي‬

‫المعاصر ‪ ،‬وغني لخلع عليه لفظة ؛ )العصر الــذهبي( ‪ ،‬تلــك لمرحلـة الــتي شــاء القــدر أن يجمـع فيهــا قــدر وافــر‬ ‫من أدباء العصر ‪ ،‬أرجالً كانوا أو نساءاً ‪ ،‬جاد بهـم الزمان ‪ ،‬وكانهمجيئوا علـى قـدٍر ‪ ،‬وسيقوا علـى مهـٍل ‪ ،‬هـم‬

‫الذين خلفوا تراثاً خالداً من الدب ‪.‬‬

‫و اخيــرًا ‪ ..‬وللمانــة العلميــة ‪ ،‬قــد جمعــت شــتا‪:‬ت هــذا الكتــاب ‪ ،‬مــن العديــد مــن الســاتذة الــذين عنـوا‬

‫بـالدب‪ ،‬فجمعــت المعلوما‪:‬ت عـن بطلــي الرسائل _ إن صـح التعــبير _ وهمــا غنيـان عــن البيـان ـ ولكــن كتقدمــة‬ ‫للرسائل ‪ ،‬قبل السهاب في عرضها على حضراتكم ‪.‬‬


‫أرد‪:‬ت عرض هذه الرسائل على صفحا‪:‬ت الفيس بوك ‪ ،‬لتعم الفائدة ‪ ،‬ولما وجدته مــن كــم وافــر‬ ‫بــثري المنطــق واللغــة لــدى طــالبي تعلــم اللغــة ‪ ،‬وكذلك لمــا لقيتــه فــي هــذه الرسائل مــن أدب ‪ ،‬وتقوية للســلوب‬ ‫الركيك ‪ ،‬الذي أصيبت به مثقفي ومتعلمي المة ‪ ،‬بعد ان تجاهلوا اللغة والدب ‪.‬‬ ‫وال من وراء القصد ‪،،،‬‬

‫الكاتب‬ ‫محمد ربيع الشلوي‬

‫مي زيادة ‪ ..‬من تكون؟!‬ ‫مي زيادة ‪ ..‬ليلى عصرها‪.‬‬ ‫هي أديبة وشاعرة متميزة ومثقفة‪ ،‬وصاحبة مكانة متميزة في الوساط الدبيـة والثقافيـة مـي بيـن‬ ‫الدبــاء والصــحافيين بثقافتهــا الواســعة وتألقهــا الدبــي والفكــري‪ ،‬وصالونها الدبــي الــذي كــان يزخر بالعديــد مــن‬


‫الدباء والمفكرين الذين يتبارون في عرض إنتــاجهم الدبــي والثقــافي ممــا كــان لــه تــأثير كــبير فــي تنشــيط الحركة‬ ‫الدبيــة فــي ذلــك الــوقت اشــتهر‪:‬ت مــي زيـادة بثقافتهــا الواســعة والــتي كــانت تعمــل دائم ـاً علــى زيادتهــا بــالقراءة‬

‫والدراسة وأطلعت على العديد من الكتب سواء العربية أو الغريبة ساعدها في ذلك إلمامها بالعديــد مــن اللغــا‪:‬ت‪،‬‬ ‫تعرفت مــي علـى العديــد مـن الشخصـيا‪:‬ت سـواء مـن الكتـاب أو الصـحفيين وعرفت كأديبـة وباحثــة وناقــدة‪ ،‬كمـا‬ ‫كانت لديها قدرة رائعة على الخطابة‪.‬‬ ‫ب العذري بين مي زيادة وجبران خليل جبران ‪.‬‬ ‫الح ّ‬ ‫إذا كان يحق لتراثنا العربي أن يفخر بأنه أنجب شعراً يتناول قصص الحــب العــذري ) قيــس وليلــى ‪،‬و‬ ‫جميل بثينة‪ ،‬وقيس ولبنى ( ‪ ،‬فإننا اليوم نعايش امتداد هذه الظــاهرة فــي أدبنــا الحــديث بفضــل الحـب الســماوي‬ ‫الــذي بزغ ت أنــواره بيــن قلــبي الديــبين مــي زيادة وج بران خليــل جــبران‪ ،‬رغم أنهمــا لــم يلتقيــا أبــدًا‪ ،‬فقــد كــانت‬

‫الرسائل المتبادلة بين القاهرة حيث تقيم )مي( ونيويورك حيث يقيم )جبران( هي وثيقة هذا الحب الفريد‪.‬‬

‫ولكــن مــع الســف ضــاعت معظــم رس ائل المـرأة فــي الثلثينيــا‪:‬ت وبقيــت رسائل الرجل )كمــا‬ ‫ذاعــت فــي الســتينيا‪:‬ت رسـائل غــادة الســمان وبقيــت رسـائل غســان كنفــاني رغـم أن )جــبران( كــان يعيــش فــي‬ ‫أمريكــا‪ ،‬حيــث تتــم العنايــة بكــل مــا يــتركه الديــب‪ ،‬وفعلً هــذا مــا حصــل إثــر وفاة جــبران‪ ،‬إذ حــافظت ســكرتيرته‬

‫وأخته على أعماله الدبية والفنية وأشيائه!!‪ ...‬هنا لبد أن نتساءل‪ :‬هل المرأة أكثر حرصاً على رسائل حبها مــن‬

‫الرجل؟ أم أن ميراث جبران قد تعرض لعملية سطو إثر وفاته‪ ،‬كي ل نظلم الرجل؟‬

‫نعتقــد أن التســاؤل الول يخفــي تعصــباً نســوياً يهــاجم وفـاء الرج ل‪ ،‬لــذلك نميــل إلــى التســاؤل‬

‫الثاني‪ ،‬فقد ذكر ميخائيل نعيمة في كتابه عن حياة جبران أنه رأى تلك الرسائل لديه‪ ،‬لهذا من الرجح أن تكــون‬ ‫تلــك الرسائل قــد ســرقت مــن قبــل امـرأة لبنانيــة أراد‪:‬ت أن تكــون حبيبــة جــبران الوحيــدة‪ .‬مهمــا تكــن الجابــة فــإن‬ ‫النتيجة واحدة‪ ،‬وهي غياب صو‪:‬ت المرأة في هذا الحب! كمــا غــاب صـوتها فـي الحـب العــذري الــذي خلّـده لنـا‬

‫الشعراء! وقد آلمني أن يضيع صو‪:‬ت المرأة في هذا العصر كمــا ضــاع فــي الماضــي‪ ،‬فحــاولت نســج خيــوط هــذه‬ ‫العلقــة فــي "روايــة الحــب الســماوي بيــن مــي زيادة وج بران خليــل جــبران"‪ ،‬لعلــي أقـّد مـ معانــاة المـرأة عــبر تخيــل‬

‫صوتها والقتراب من تجربة حب فريد تعيشه المرأة معاناة يومية منذ تفتحها وحتى موتها!‪..‬‬ ‫مي ‪ ..‬رائدة عصرها في الدب‪.‬‬

‫لم تكن مي امرأة عادية‪ ،‬فقد امتزجت في ملمح شخصيتها الريادة الدبية بالريادة الجتماعيــة فــي‬ ‫بداية القرن العشرين‪ ،‬لهذا كانت أولى خطواتها في هذا المجال هي القبــال علـى التعليـم والتفـرغ للكتابـة‪ ،‬وقد‬


‫دفعهــا حبهــا للغــة العربيــة أن تفتــح بيتهــا‪ ،‬بتشــجيع مــن والــديها‪ ،‬لرج ال الدب‪ ،‬فكــانت تحــاورهم وتســتمع إلــى‬ ‫إبداعاتهم في صالونها الــذي كـانت تعقـده كـل يـوم ثلثـاء‪ ،‬ممـا أثـر إيجابيـاً علـى عملهـا الصـحفي والدبــي‪ ،‬فقـد‬

‫عملت مع أبيهــا فــي صـحيفته "المحروسة" الـتي افتتحهـا فـي القــاهرة‪ ،‬كـل ذلــك فـي زمن لــم تكــن المـرأة العربيــة‬

‫تجرؤ على الخروج من المنزل وحدها‪.‬‬ ‫حاز‪:‬ت قصبة السبق ‪...‬وحطمت قيود وأغلل عصرها‪.‬‬ ‫لم تحاول مي الخروج من الغلل الخارجية التي تقيد المرأة فقط‪ ،‬بل وجدناها تحــاول الخــروج مــن‬ ‫أغلل الذا‪:‬ت‪ ،‬فكانت رائدة في محاولة التعبير عن أعماقهــا عــبر الدب ) الرسائل‪ ،‬المقالــة‪ ،‬الخــاطرة الوجدانيــة‬ ‫التي وجدناها في كتبها( أي عـبر أجنــاس أدبيــة تظهـر صـو‪:‬ت )النــا( صـريحاً واضـحًا‪ ،‬وبذلك اسـتطعنا أن نعــايش‬

‫أعماقها بكــل مـا يعتلـج فيهــا مـن عواطـف وأحلم وص راعا‪:‬ت‪ ،‬إذ مـن المعـروف أن الكاتبـة العربيـة لـم تجـرؤ علـى‬

‫الخوض في هذا المجال إل بعد )مي( بأكثر من خمسين سنة‪ ،‬وهي‪ ،‬غالبـًا‪ ،‬حيــن تريد أن تعــبر عــن ذاتهــا تتخــذ‬

‫قناع الشخصية الروائية ‪.‬‬

‫بداية العلقة فكرية أدبية ‪..‬تطور‪:‬ت إلى حب عذري‪.‬‬ ‫هنا يجدر بنا أن نوضح أن )مي( لم تكن في بداية علقتها بجبران امرأة منطلقة فــي التعــبير عــن‬ ‫ذاتهــا‪ ،‬فقــد اكتفــت فــي البدايــة بالعلقــة الفكرية‪ ،‬بــل دعــت جــبران لللــتزام بحــدودها‪ ،‬فاتســمت لغتهــا بالحــذر‪،‬‬ ‫وتحصــنت باللهجــة الرسمية فــي الخطــاب‪ ،‬فــأخفت مشــاعرها بــألف قنــاع‪ ،‬حــتى وجدنا جــبران يتســاءل مســتغرباً‬ ‫شــدة ترددهــا وحذرها‪" :‬أهــو الخجــل أم الكبري اء أم الصــطلحا‪:‬ت الجتماعيــة"‪ .‬لعلــه كــان يقارنهــا بــالمرأة الــتي‬ ‫التقى بها في الغرب‪ ،‬والتي تتمتع بحرية التعبير عن أعماقها! دون أن يغفل عن خصوصية المرأة الشرقية وضـغط‬ ‫القيود الجتماعية عليها‪ ،‬مما تضطرها إلى الحتماء بالخجل تارة وبالكبرياء تارة أخرى!‪..‬‬


‫مي ‪ ..‬وأدب المراسلة‪..‬‬ ‫مـن المؤكد أن )مــي( فـي البدايـة ســعت إلــى توظيـف المراسـلة بينهــا وبيـن أديـب مشـهور‪ ،‬كـي تجعلهـا‬ ‫ل فــي تطويره ا الفكــري والدبــي‪ ،‬ولـم تتوقـع أن تقــع أســيرة كلمــاته‪ ،‬لكنهــا حيــن أحســت أنهــا بــدأ‪:‬ت تحــرك‬ ‫عــام ً‬ ‫عواطفها وتمّتع ذائقتها الفنية معًا‪ ،‬بدأ‪:‬ت بالتهرب منها!‪.‬‬

‫هنــا ل نســتطيع أن نفصــل بيــن مــي النســانة والديبــة‪ ،‬فقــد عشــقت مــي الديبــة كلمــاته ربمــا قبــل‬ ‫المراســلة‪ ،‬وازداد‪:‬ت عشــق اً لهــا بعــدها‪ ،‬فــانقلب العشــق الفنــي إلــى عاطفــة متأججــة يأباهــا عقلهــا‪ ،‬لهــذا مل الــتردد‬

‫ذاتهــا‪ ،‬وشـاعت لــديها الص ـرامة فــي محاســبة الــذا‪:‬ت ومحاســبة الطــرف الخــر )المرسـل( علــى كــل كلمــة‪ ،‬لهــذا‬

‫وصفها جـبران فـي إحــدى الرسائل ب ـ )الموسوسة( الـتي ل تعــرف سـوى الــتردد‪ ،‬مــن هنــا لــن نســتغرب تكـرار هــذه‬


‫الفكــار والمواقــف الــتي نستشــفها مــن رسـائل جــبران‪ ،‬فهــي محبــة يعجبهــا الســتمرار مــع جــبران فــي مثــل هــذه‬ ‫المغامرة‪ ،‬لكن سرعان ما يؤرقها صو‪:‬ت العقل الذي يــذكرها بــالواقع الجتمــاعي الـذي يعلــي قيمـة الســرة والــزواج‬ ‫في حياة المرأة‪ ،‬ولم يعتد مثل هذه علقا‪:‬ت الصداقة والحب بين المرأة والرجل دون رابــط شــرعي! كمــا يــذكرها‬ ‫صو‪:‬ت العقل بوقع الزمن الذي ل يرحم المرأة‪ ،‬فكانت تنقطع عــن مراســلته أشــهراً طويلــة‪ ،‬ثــم تعــود‪ ،‬ومع عودتهــا‬ ‫كانت تضطر لمعاودة الحوار مع ذاتها لقناعها بضرورة علقتها مع جــبران‪ ،‬وقد كــانت تعيــش صـراعاً دائمـاً مــع‬

‫ذاتهــا‪ ،‬فتتكــرر محاســبتها لهــا‪ ،‬لهــذا كــانت تتكــرر أســئلة جــبران مســتفهماً أســباب النقطــاع‪ ،‬فكــانت تــدافع عــن‬

‫وجهة نظرها بترداد حججها نفسها‪ ،‬التي تزداد مع اليام وجاهة وإقناعـًا! إذ تنطلـق باســم العقــل الــذي ل ينفصــل‬

‫عن المشاعر كما يعتقد الكثيرون!!‬

‫كما نجدها تنطق باسم المجتمع حيث كانت أمها أحد الصوا‪:‬ت القوية التي تـردد علــى مســامعها أن‬ ‫الزمن ل يرحم وأن الستقرار ضروري للمرأة!‬ ‫لهذا كله انتظر‪:‬ت حوالي اثنتي عشرة سنة لتصرح بعواطفها كتابة لجبران‪ ،‬ولتبين له أن الــورق هــو‬ ‫الذي منحها الجرأة‪ ،‬وأنه لو كـان يشــاركها العيــش فـي بلـدها لمــا جــرؤ‪:‬ت علـى ذلــك! لكــن يبـدو أن التصـريح لــم‬ ‫يجلب لهــا الراحــة المتواخــاة‪ ،‬أو المـل بعــرض للــزواج يأتيهــا مــن جــبران! لـذلك تعـود إلــى ترددهــا وتهربهــا خاصـة‬ ‫بعد أن غزا الشيب مفرقها!‪..‬‬ ‫لكــن عاطفتهــا القويــة تلــح عليهــا بالكتابــة‪ ،‬يضــاف إلــى تلــك العاطفــة حــس إنســاني مرهـف بــآلم‬ ‫الخرين‪ ،‬لهذا كان قلقها على صحة جبران من أسباب عودتها للكتابة إليه أحيانًا!‪..‬‬ ‫لعــل هــذا الــتردد فــي قبـول مثــل هــذه العلقــة الســتثنائية أحــال حياتهــا إلــى مأســاة‪ ،‬فعاشــت القلــق‬ ‫والمعاناة في علقة كان عزاؤهـا فيهــا هــو الخيـال والرحلــة عـبر الكلمــة إلــى عـوالم مدهشــة‪ ،‬تنــأى بهــا عـن الواقـع‬ ‫واحتياجاته الطبيعية‪.‬‬ ‫لــم تســتطع )مــي( الركون إلــى هــذه العلقــة ســوى لحظــا‪:‬ت تحلــق بهــا بعيــدًا‪ ،‬ثــم ترتطــم بــالرض‪،‬‬

‫فالمرأة المثقفة والديبة كانت تبحث عن علقة طبيعية‪ ،‬تعيش فيها عواطفها وأمومتها! وفي الــوقت نفســه تحلــق‬ ‫روحها فيها بعيداً عن المألوف في علقة أقرب إلى الستثناء!‪..‬‬


‫أعتقــد أن روعـة شخصــية )مــي( تجلــت فــي كونهــا أنهــت ص ـراعها الــداخلي حيــن تأكــد‪:‬ت فــي‬ ‫النهايــة مــن مــرض جــبران‪ ،‬فبــد‪:‬ت لنــا امـرأة عاشــقة وأمـاً حانيــة‪ ،‬تســعى للوقوف إلــى جــانب جــبران فــي محنتــه!‪...‬‬

‫فتحيطه بعواطف الحب والمومة معًا!!‪..‬‬

‫إن المتأمل في قصة الحب هذه‪ ،‬لبد أن تدهشه قدرة المرأة على الحــب والعطــاء‪ ،‬فقــد‬ ‫منحــت رجلً لــم تــره أبــداً كــل حياتهــا‪ ،‬حــتى أصــبح هــذا الحــب مأســاتها وعزاءهــا مع ـًا! فقــد أحبــت جــبران عــبر‬ ‫كلمـ ــاته‪ ،‬وأخلصـ ــت لـ ــه‪ ،‬حـ ــتى إنهـ ــا عاشـ ــت تسـ ــتمد القـ ــوة منهـ ــا سـ ــواء فـ ــي حيـ ــاة جـ ــبران أم بعـ ــد وف ــاته!‪..‬‬

‫مي ‪..‬صاحبة الصالون الدبي‪..‬الكثر شهرًة في عصرها ‪.‬‬ ‫للوهلة الولى تبدو لنا )مي( امرأة تعيش حياة منطلقة بالقياس إلى نساء عصــرها الشــرقيا‪:‬ت‪ ،‬إذ‬ ‫اســتطاعت أن تجمــع فــي صــالونها أبــرز أدبــاء عصــرها )طــه حســين‪ ،‬العقــاد‪ ،‬الرافعــي‪ ،(...‬وذلــك بفضــل ســماتها‬ ‫الشخصــية )الثقافــة واللباقــة والــروح المرح ة والخل ص والصــدق( ممــا يــدفعني إلــى العتقــاد بأنهــا أســهمت فــي‬ ‫تطوير الحركة الثقافية في تلك الفترة‪ ،‬خاصة أنها خلقت جــواً تنافسـياً بيــن الدبــاء‪ ،‬فكــل واحــد منهــم كـان معنيـاً‬ ‫بكسب ودها‪ ،‬بل عاطفتهـا! لكنهـا رغم ذلــك ظلـت امـرأة شـرقية متحفظـة فـي علقتهـا مـع الرجل‪ ،‬إلــى درجة أن‬ ‫العقــاد قــال لهــا يوم ًا‪ :‬أنــت تعيشــين كراهبــة فــي صــومعة! فهــي مــن الناحيــة الشــعورية ظلــت أمينــة لعــادا‪:‬ت الشــرق‬

‫وتقاليده‪ ،‬لهذا استطاعت أن تنال احترام مجتمعها رغم اختلطهـا بالرجال هـذا مـن جهــة‪ ،‬ومن جهــة أخــرى كـان‬

‫ذلك خير دليل على إخلصها لجبران!!‪..‬‬ ‫لقد تجاوز‪:‬ت مي المألوف حين وجد‪:‬ت في كلما‪:‬ت الحب ملذاً عاطفياً لها‪ ،‬فسجنت حياتهــا‬

‫فيها‪ ،‬فاختار‪:‬ت حب اً أشبه بالخيـال علـى حيــاة عاديــة‪ ،‬فحرمت نفســها مـن دفـء العائلـة وضحت بسـببها بالمومة‬

‫التي هي حلم كل امرأة!‪..‬‬ ‫مي ‪..‬أرملة يل زوج ‪.‬‬

‫ولعــل خيــر دليــل علــى أهميــة تلــك الكلمــا‪:‬ت فــي حيــاة )مــي( أنهــا عاشــت متألقــة فــي حياتهــا‬ ‫الجتماعية والدبية على وقع رسائل جبران‪ ،‬ولم تتدهور حياتها النفسية إل بعد وفاة جــبران )‪ (1931‬إذ عـّد ‪:‬تـ‬

‫نفسها أرملته‪ ،‬فارتد‪:‬ت السواد عليه‪ ،‬ومما فاقم بؤسها وفاة أمها في إثره )‪.(1932‬‬


‫لعلها في تلك الفترة بدأ‪:‬ت تشعر بعدم الرضى عـن نفســها‪ ،‬واكتشــفت أن قرارها بعــدم الــزواج لــم يكــن‬ ‫صـائب ًا! وبدأ‪:‬ت تحاسـب نفسـها بقسـوة‪ ،‬فقـد أحسـت بمـدى الظلـم الـذي ألحقتـه بحياتهـا حيــن تعلقـت بكلمـا‪:‬ت‬ ‫جبران‪ ،‬ووهبت شبابها لحب سماوي ل علقة له بالواقع وبطبيعة البشر!‪..‬‬

‫معاناة مي ‪..‬وقسوة اليام عليها ‪.‬‬ ‫ل يمكننا أن نح ّم لـ الكلمة المجنحــة المسـؤولية عــن تــدهور حالتهــا النفســية وإغراقهــا فــي الكآبــة‪ ،‬لننــا‬

‫نلغي إرادتها في استمرار تلك العلقة‪ ،‬التي جلبت لها الفرح واللم معًا!‪..‬‬

‫لكننا نستطيع أن نح ّم لـ أقاربها في مصر ثم في لبنان تلك المسؤولية‪ ،‬إذ بــدؤوا بإزعاجهــا منــذ وفاة‬

‫أبيها )‪ ( 1930‬فطالبوها بالرث‪ ،‬بل وصل بهم الطمع حد مطالبتهم بنصف ثروتها التي كونتهــا مـع أبيهــا! وحيــن‬ ‫رفضت زاد إزعاجهم لها‪ ،‬حتى وصل شرهم حّد تدبير مكيدة إدخالها مشفى المجانين في لبنان!‬ ‫ولول مساعدة أهل المروءة من الدباء )أمين الريحاني( والشرفاء مـن أمثــال أولد الميـر عبــد القــادر‬ ‫الجزائري وغيرهم من الصحفيين والمحامين لما خرجت من محنتها!!‪..‬‬

‫رسائل الحبيب ‪..‬سلوان القلب وعزائه‪.‬‬ ‫المــدهش أن )مــي( حملــت رسائل جــبران معهــا‪ ،‬فــي كــل مكــان رحلــت إليــه‪ ،‬ورافقتهــا فــي مأســاتها فــي‬ ‫مشفى )ريفز( في بيرو‪:‬ت أطلعت عليها جارتها في الغرفة المجاورة‪ ،‬فقد شكلت لها عزاء في مأساتها الرهيبة!‪..‬‬ ‫فإننا نجد أ نفسنا أمام امـرأة غيـر عاديـة أخلصـت لحـب رجل‪ ،‬يعيـش بعيـداً عنهـا‪ ،‬ويعـترف لهـا‪،‬‬

‫في إحدى رسائله‪ ،‬أن حياته موزعة بين امرأتين‪) ،‬امـرأة الحلـم وامـرأة الواقـع( فكـان نصـيب )مـي ) دور الملهمـة‬ ‫الــتي تحمــل روح الشــرق الــذي يحلــم بــالعودة إليــه دون أن يســتطيع‪ ،‬فيرسل لهــا تلــك الكلمــا‪:‬ت المجنحــة‪ ،‬الــتي‬ ‫ك أسرها!‬ ‫تعبر عن عواطفه لها‪ ،‬فتشّد هـا إليه كلما حاولت ف ّ‬


‫في حين كانت امرأة الواقع )ماري هاسكل( تقف إلى جانبه فتسانده مادياً ليكمل رحلتــه فــي عــالم‬

‫الفن‪ ،‬كما ساندته معرفي ًا‪ ،‬حين كانت تصحح له نسخ كتبه التي كان يكتبها بالنكليزية! وتعترف ماري هاســكل‬

‫أنــه عــرض عليهــا الــزواج لكنهــا رفضــت‪ ،‬ربمــا بســبب الفــارق الكــبير فــي الســن‪ ،‬وربمــا بســبب علقــاته النســائية‬

‫المتعددة! المهم أن صداقتها بجبران تستمر رغم زواجها‪ ،‬كما استمر‪:‬ت )مي( في حبها له رغم عدم زواجــه بهــا!‬ ‫فقد أسـرتها كلمــاته المدهشــة‪ ،‬الـتي تســتلب الــروح والرادة بعنفوانهــا وصدقها "أنـت تحييــن بــي‪ ،‬وأنــا أحيــا بــك"‬ ‫كما أسرتها صراحته‪ ،‬فقد وجدناه يكشف لها عيوب نفسه فهو يعيش في ســجن طموحاته‪ ،‬يلحقــه إحســاس أنــه‬ ‫لــم يقــل شــيئاً خالــداً بعــد‪ ،‬وأنــه مــؤرق بهــاجس البــداع الــذي يحتــاج تفرغ اً كليـًا‪ ،‬لعلــه يســتطيع أن يقــول كلمتــه‪،‬‬

‫وهكذا يوضح لها أنه يعيش أسير مشروعاته الفنية والدبية‪ ،‬وأن المرأة في حيــاته ملهمــة ورفيقــة إبــداع بعيــدة عــن‬

‫الطر المألوفة!‬ ‫لقد عاش جبران في الغرب كما يروي صديقه ميخائيل نعيمة حياة منطلقة دون أية قيود‪ ،‬فعــرف‬ ‫العديد من النســاء‪ ،‬وطمـح إلــى أن يعيـش حيـاة خياليـة مـع امـرأة شـرقية‪ ،‬تغـذي إبـداعه بنبـض خـا ص‪ ،‬كـانت هــذه‬ ‫الزدواجية تريحه وربما مصدر إلهام له‪ ،‬في حين كانت العلقة بالنسبة إلى )مي( حياتها بأكملها رغم أنها خيال‬ ‫أقرب إلى الحلم! فبد‪:‬ت كلماته تسري في عروقها لتمنحها دماء الحيــاة وألقهــا‪ ،‬لقــد كــانت )مــي( ضـحية علقــة‬ ‫رسمها الرجل كما يريد له طموحه البداعي بمعزل عما تريده المرأة أو تحلم به‪.‬‬ ‫إذ اً لو كانت مي امرأة عادية لرفضت تلك العلقة التي كانت عبًء عليها!! هنا نتساءل‪ :‬هل طغــت علــى )مــي(‬

‫رهافــة حــس الديبــة‪ ،‬فعاشــت مخلصــة للكلمــة فــي حياتهــا الشخصــية وفـي حياتهــا العامــة! هــل رأ‪:‬ت فــي الخيــال‬

‫جمالً يفوق الواقع؟ هل كانت كلما‪:‬ت جبران حلماً لذ‪:‬ت به يعوضها عن بؤس الواقع؟‪ ...‬هل حياتها فــي مصــر‬ ‫أي في بيئة غريبة عن بيتها في الشام سبباً في تعلقها بجبران‪ ،‬الذي رأ‪:‬ت فيه وطناً تنتمي إليــه!؟ هـل أحســت بــأن‬ ‫هذه البيئة العربية قد عجز‪:‬ت عن إنجاب كفء لها؟‪ ..‬فكان الخيال أرحم بها من الواقع!‪..‬‬

‫ربمــا افتقــد‪:‬ت فــي محيطهــا الرجل النــد لهــذا عاشــت قصــة حــب ترضي ذاتهــا‪ ،‬ولو كــان ذلــك عــبر‬ ‫الــوهم والخيــال‪ ،‬مــادام الواقــع لــم يطــرح أمامهــا مــن يــراه قلبهــا مناســباً فعاشــت الصــدق والخل ص لعلقــة أشــبه‬

‫بالحلم‪ ،‬بل دعاها فيها جبران بامرأة الحلم‪.‬‬

‫لقد أدهشتني تضحية المرأة بشبابها من أجل حب سماوي‪ ،‬كمــا آلمنــي ضـياع صـوتها الخــا ص‬ ‫بضياع معظم رسائلها‪ ،‬رغم أنها ضحت بحياتها من أجل هذا الحب! لهذا تجـرأ‪:‬ت فــي كتــابي "الحــب الســماوي‬


‫بين مي زيادة وجبران خليل جبران" على تجسـيده عـبر الخيـال مســتعينة برسائل جــبران‪ ،‬كـي أسـتطيع استشــفاف‬ ‫ردود فعــل مــي‪ ،‬وأبّيــن أن الكلمــة لــم تكــن محــور حياتهــا الدبيــة فقــط‪ ،‬وإنمــا محــور حياتهــا الشخصــية!‪ ..‬لهــذا‬ ‫يمكنني القول بأن أبطال هذا الحب السماوي ثلثة )مي وجبران والكلمة المجنحة(‪.‬‬

‫ولكن ألم تكن الكلمة والخيال أحد أسباب كآبة ( مي( التي مل‪:‬ت الغصة حياتها؟‬

‫رسائل مي وجبران ‪ ..‬إضافة إلى الدب العربي‪.‬‬ ‫يعتبر جبران خليل جبران من الدباء الذين أثروا فن المراسله عند العـرب بمـا تركه مـن رسائل لفتـت نظـر‬ ‫البــاحثين وأثــار‪:‬ت فضــولهم ‪ ,‬فولجــوا عبرها إلــى عــالم جــبران المليــء بــالرموز والسـرار ‪ ..‬لقــد فتــح جــبران فتحـاً‬ ‫جديــداً ورائعـ ًا فــي دنيــا الدب العربي ‪ ,‬عنــدما تحــول عــن التــأليف بــالعربيه ألــى التــأليف بــالنجليزيه‪ ..‬حــتى لمــع‬ ‫أسمه في كثير من الدول الجنبيه ‪..‬‬

‫حب فريد ونادر‪.‬‬ ‫وفي هــذا الموضوع أود أن أسـ ّلط الضــوء علــى الحــب الــذي نشــأ بيــن جــبران ومي زياده ‪ , ,‬حــب‬

‫فريـد لمثيــل لــه فــي تاريـخ الدب ‪ ,‬أو فــي ســير العشــاق ‪,‬مثــال للحــب النــادر المتجــرد عــن كــل مــاهو مــادي‬ ‫وسطحي لقد دامت تلك العاطفه بينهما زهاء عشرين عاماً ‪ ,‬دون أن يلتقيا الّ في عالم الفكر والروح ‪ ,‬والخيــال‬

‫الضبابي إذ كان جبران في مغارب الرض مقيماً وكانت مي في مشارقها ‪ ,‬كـا ن فــي امريكــا وكانت فــي القـاهره‪.‬‬ ‫ل ــم يك ــن ح ــب ج ــبران ولي ــد نظ ــره فابتس ــامه فس ــلم فكلم ب ــل ك ــان حبـ ـاً نش ــأ ونم ــا ع ــبر مراس ــله أدبي ــه طريف ــه‬

‫ومســاجل‪:‬ت فكريه وروحيــه ألفـت بيــن قلـبين وحيــدين ‪ ,‬وروحيـن مغـتربين ‪.‬ومع ذلــك كانــا أقــرب قريبين وأشــغف‬

‫حبيبين ‪..‬‬ ‫بداية ‪ ..‬العلقة بينهما ‪..‬‬ ‫كان طبيعياً جد اً أن يتعارف بطل هذا الحب عن طريق الفكر والنشر في اوائل هذا القرن ‪ ,‬بعد ان‬


‫أصــاب كــل منهمــا شــهره كــبيره ‪ ..‬كــانت مــي معجبــه بمقــال‪:‬ت جــبران وافكــاره فبــدأ‪:‬ت بمراســلته عقــب أطلعهــا‬ ‫على قصته ) الجنحه المتكسـره ( الـتي نشــرها فـي المهجـر عـام ‪1912‬م‪ ,‬كتبـت لـه تعـرب عـن أعجابهـا بفكـره‬ ‫واسلوبه‪ ،‬وتناقش اراءه في الزواج وقيوده ‪ ,‬والحب وأطواره حسب رؤيته فـي هــذه القصــه الــتي قرأتهــا لـه وتعــرض‬ ‫عليه رأيها في وجهة نظره في حرية المرأه التي طالب بهــا والــتي اتفقـت معــه فـي أمـر وعارضته فــي جــانب آخــر ‪,‬‬ ‫حيث قالت "‪ :‬ليصح لكل أمرأه لم تجد في الزواج السعاده التي حلمت بها أن تبحـث عـن صـديق غيـر زوجهـا‬ ‫فل بد أن تتقيد المـرأه بواجبـا‪:‬ت الشـراكه الزوجيـه تقيـداً تـام حـتى لـو هـي سلسـل ثقيلــه ‪ ،‬فلـو توصل الفكـر الــى‬

‫كسـر قيـود الصـطلحا‪:‬ت والتقاليـد فلـن يتوصل الـى كسـر القيـود الطـبيعه لن أحكـام الطـبيعيه فـوق كـل شـيء‪,‬‬

‫وهذه تعتبر خيانه ولوفي مظهرها طاهر وتخون الهيأه الجتماعيه التي هي عضو عامل فيها‪.‬‬ ‫ومـن هنــا كــانت البــدايه ومـن ثــم تواصــل بالرسائل الــتي كــان كــل منهمــا يبحــث عــن روح الخــر فــي‬ ‫يقظتــه وأحلمــه ‪ ,‬كــان كــل منهمــا يســعى لرؤيـة ذاتــه فــي روح صــاحبه حــتى لكــأن تلــك الــروح هــي المــرآة الــتي‬ ‫ينعكس على صفحتها نور الخر ‪ ...‬وكلما قرأنا هـذه الرسائل النابضـه بالحيـاة الناضـحه بالصـدق ‪ ,‬كلمـا أزددنـا‬ ‫يقين اً بأن الحب الذي شد جبران الى مي ‪ ,‬وشغف مي بجبران ‪ ,‬حب عظيم ‪ ,‬بل عشق يكــاد يكــون صـوفياً لنــه‬ ‫تخطى حدود الزمان والمكان والحواس الى عالم تتحد فيه قوة الوجود‪.‬‬

‫ويتضح لنا لدى التأمل في بعض الرسائل برغم ضياع بعضها أن الصله بين جبران ومي توثقت شيئاً‬ ‫فشيئاً لن لهجته في مخاطبتها تد ّرجت من التحفـظ الـى التـودد ‪ ,‬ومن العجـاب الــى صـداقه حميمـه ‪ ,‬ومن ثـَم‬ ‫الى حب عام ‪1919‬م ما أن بلغ ذروته حتى عكر‪:‬ت صفوه سلسله مــن الخلفــا‪:‬ت بينهمــا الــتي عبّــر عنهــا جــبران‬

‫مرًة " هي معاكسا‪:‬ت الـتي تحـّو لـ عسـل القلـب ألــي مـراره " وقال" ان الغريب حقـاً فـي هـذه الصـله تأرجحهـا بيـن‬ ‫الحب الجامح والفتور ‪ ,‬بين التفاهم التام الذي كان يضفي عليهما شفافيه روحيه تغمرهما بالسعاده ‪,‬وبيــن ســوء‬

‫التفاهم الذي كان يؤلمهما ويؤدي الى القطيعه احياناً ولكن شدة ولع كل منهما الخر كانت تــدفعهما للتصــالح‬

‫مج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدداً‬ ‫وبرغم كل هذا الحب كان كل منهمــا يخشــى التصــريح بعــواطفه فيلجــأ جــبران للتلميـح ‪ ,‬ويرمز‬

‫إليها ويضع عبارا‪:‬ت وصور مبتكره وجميله ‪ ..‬فلم ينادي مي قط بقوله )حبيبتي( ‪،‬‬


‫ولم يخاطبها باللغه المألوفه للعشاق ‪ ,‬غير أنه عّبر عن حبه بما هو أبلــغ عنــدما قــال أنــت تحييــن فـّي ‪ ,‬وانــا أحيــا‬ ‫في ِك " ووصف علقته بها " بأنها أصلب وأبقى بما ليقـاس مـن الروابـط الـدمويه والخلقيـه "وبعـد أن بـاح لهــا ‪,‬‬ ‫رجاها ان تطعم النار رسالته اذا لم تجد لبوحه الصدى المرجوا في نفســها كــانت مــي فــي حيــاة جــبران الصــديقه‪,‬‬ ‫والحبيبه الملهمه ‪ ,‬وصلة الوصل بينه وبين وطنه ‪ ,‬وأكثر ماحبه فيها عقلها النيّرالذى تجلى في مقالتها وكتبها ‪,‬‬

‫وأحب فيها حبها له ‪.‬‬

‫واعجابها بشخصيته وانتاجه الدبي والفني الــذي كــانت تتنــاوله بــالتقريظ والنقــد فــي مقالتهــا فــي‬ ‫مصر وعلى الرغم مـن كـل مـاُك تـب عـن علقـا‪:‬ت جـبران الغراميـه مـن النسـاء امثـال " مــاري هاســكل " وميشـلين "‬ ‫فأن حبه لمي كان الحب الوحيد الذي ملك قلبه وخياله ورافقه حتى نهاية حيــاته فقـد كـان حبـه لهـا معـادلً حبـه‬

‫العارم لوطنه لبنان ‪..‬ولروحانية الشرق ‪ ,‬وبالدم العربي الذي يجري في عروقه ‪ ,,‬وهذا ممـا تؤكده رسائل الشـعله‬ ‫الزرقاء ‪ ,‬التي هي جوهر النفس النسانيه في أسمى صفائها ‪ ,‬ويميل المحللـون للعتقــاد بــأنه لــم يكــن يفكــر فــي‬ ‫الزواج لعتلل في صحته منذ شبابه ‪ ,,‬ول ريب ان مي احبت جبران حباً جعل المقارنه بينــه وبيــن الــذين خطبــوا‬

‫ل ‪ ,‬برغـم تــردد مــي فــي العــراب عــن مشــاعرها وخشــيتها فــي النطلق علــى ســجيتها فــي‬ ‫وّده ــا أمــراً مســتحي ً‬

‫مراسلته ‪ ,‬وذلك بسبب ان جبران كان يعيش في عالم متطور تحرر‪:‬ت نساؤه من التقاليد ‪ ,‬وحيث أن مــي كــانت‬

‫مغلولة القلب والقلــم بتــأثير الـبيئه الـتي عاشــت فيهـا ‪ ..‬وبرغم انهــا جعلــت مـن بيتهــا صــالوناً أدبيـاً يلتقــي فيــه كـل‬

‫ثلثاء رجال الدب والفكر امثال احمد لطفي السـيد وخليـل مطـران وطه حسـين وعبـاس محمـود العقــاد وغيرهم‬

‫من الدباء والمفكرين ‪...‬‬ ‫لقد تمنى جبران ان تتحرر مي من عقدها النفسيه وشكوكها ! مــي عــانت صـراعاً نفســياً حــاداً‬ ‫فــي حبهــا لجــبران سـّبب لهــا الشــقاء ولجــبران العــذاب والرهاق ‪..‬وحيــن تجــاوز‪:‬ت الخامســه والثلثيــن مــن العمــر‬

‫لملمت كل شجاعتها وكتبت أجمل رسالة حب ‪ ..‬ولكن ألم تكن الكلمة والخيال أحد أسباب كآبة )مــي( الــتي‬

‫مل‪:‬ت الغصة حياتها؟ يعتــبر جــبران خليـل جـبران مــن الدبــاء الــذين أثــروا فـن المراســله عنــد العــرب بمــا تركه مــن‬ ‫رسائل لفتت نظر الباحثين وأثار‪:‬ت فضولهم ‪ ,‬فولجوا عبرها إلى عالم جبران المليء بالرموز والسرار ‪ ..‬لقد فتح‬ ‫جبران فتحاً جديداً ورائع اً فـي دنيـا الدب العربي ‪ ,‬عنـدما تحـول عـن التـأليف بـالعربيه ألــى التـأليف بـالنجليزيه‪..‬‬ ‫حتى لمع أسمه في كثير من الدول الجنبية‪.‬‬


‫و هنا أود أن أس ّلط الضوء على الحب الذي نشأ بيــن جــبران ومي زياده ‪ , ,‬حــب فريد لمثيــل لــه‬

‫في تاريخ الدب ‪ ,‬أو في سير العشاق ‪,‬مثال للحب النادر المتجرد عن كل ماهو مادي وسطحي ‪.‬‬ ‫قيس وليلى ‪..‬عصرهما‪.‬‬

‫لقد دامت تلك العاطفه بينهما زهاء عشرين عاماً ‪ ,‬دون أن يلتقيا الّ فـي عــالم الفكــر والـروح ‪,‬‬

‫والخيال الضبابي إذ كان جبران في مغارب الرض مقيماً وكانت مي في مشارقها ‪ ,‬كــا ن فــي امريكــا وكانت فــي‬ ‫القاهره‪ .‬لم يكن حب جبران وليد نظره فابتسـامه فسـلم فكلم بـل كـان حبـاً نشـأ ونمـا عـبر مراسـله أدبيـه طريفـه‬

‫ومســاجل‪:‬ت فكريه وروحيــه ألفـت بيــن قلـبين وحيــدين ‪ ,‬وروحيـن مغـتربين ‪.‬ومع ذلــك كانــا أقــرب قريبين وأشــغف‬

‫حبيبين ‪..‬‬ ‫كان طبيعياً جداً أن يتعارف بطل هذا الحب عن طريق الفكر والنشر في اوائل هذا القرن ‪ ,‬بعد‬

‫ان أصاب كل منهما شهره كبيره ‪ ..‬كانت مي معجبه بمقال‪:‬ت جبران وافكــاره فبــدأ‪:‬ت بمراســلته عقــب أطلعهــا‬ ‫على قصته ) الجنحه المتكسره ( التي نشرها في المهجر عام ‪1912‬م‪,‬‬ ‫كتبت له تعرب عن أعجابها بفكره واسـلوبه ‪ ,‬وتنـاقش اراءه فـي الـزواج وقيـوده ‪ ,‬والحـب وأطـواره حسـب رؤيتــه‬ ‫فــي هــذه القصــه الــتي قرأتهــا لــه وتعــرض عليــه رأيهــا فــي وجهــة نظــره فــي حريــة الم ـرأه الــتي طــالب بهــا والــتي‬ ‫اتفقت معه في أمر وعارضته في جانب آخر ‪.‬‬ ‫حيــث قــالت ) مــي( ‪ " :‬ليصــح لكــل أم ـرأه لــم تجــد فــي الــزواج الســعاده الــتي حلمــت بهــا أن‬ ‫تبحث عن صديق غير زوجهــا فل بــد أن تتقيـد المـرأه بواجبــا‪:‬ت الشـراكه الزوجيــه تقيــداً تـام حــتى لـو هــي سلســل‬

‫ثقيله ‪،‬‬

‫فلو توصل الفكر الــى كسـر قيـود الصــطلحا‪:‬ت والتقاليــد فلــن يتوصل الــى كســر القيــود الطــبيعه‬ ‫لن أحكام الطبيعيه فوق كل شيء‪ ,‬وهذه تعتـبر خيـانه ولوفي مظهرها طـاهر وتخـون الهيـأه الجتمـاعيه الـتي هـي‬ ‫عضو عامل فيها ‪.‬‬ ‫ومن هنا كانت البدايه ومن ثم تواصل بالرسائل التي كان كل منهمـا يبحــث عـن روح الخـر فـي‬ ‫يقظتــه وأحلمــه ‪ ,‬كــان كــل منهمــا يســعى لرؤيـة ذاتــه فــي روح صــاحبه حــتى لكــأن تلــك الــروح هــي المــرآة الــتي‬


‫ينعكس على صفحتها نور الخر ‪ ...‬وكلما قرأنا هـذه الرسائل النابضـه بالحيـاة الناضـحه بالصـدق ‪ ,‬كلمـا أزددنـا‬ ‫يقين اً بأن الحب الذي شد جبران الى مي ‪ ,‬وشغف مي بجبران ‪ ,‬حب عظيم ‪ ,‬بل عشق يكــاد يكــون صـوفياً لنــه‬ ‫تخطى حدود الزمان والمكان والحواس الى عالم تتحد فيه قوة الوجود ‪.‬‬

‫ويتضح لنا لدى التأمل في بعـض الرسائل برغم ضـياع بعضـها أن الصــله بيــن جــبران ومي تــوثقت شــيئاً‬ ‫فشيئاً لن لهجته في مخاطبتها تد ّرجت من التحفـظ الـى التـودد ‪ ,‬ومن العجـاب الــى صـداقه حميمـه ‪ ,‬ومن ثـَم‬ ‫الى حب عام ‪1919‬م ما أن بلغ ذروته حتى عكر‪:‬ت صفوه سلسله مــن الخلفــا‪:‬ت بينهمــا الــتي عبّــر عنهــا جــبران‬

‫مرًة " هي معاكسا‪:‬ت الـتي تحـّو لـ عسـل القلـب ألــي مـراره " وقال" ان الغريب حقـاً فـي هـذه الصـله تأرجحهـا بيـن‬ ‫الحب الجامح والفتور ‪ ,‬بين التفاهم التام الذي كان يضفي عليهما شفافيه روحيه تغمرهما بالسعاده ‪,‬وبيــن ســوء‬

‫التفــاهم الــذي كــان يؤلمهمــا ويـؤدي الــى القطيعــه احيان ـاً ‪.‬ولكــن شــدة ولـع كــل منهمــا الخــر كــانت تــدفعهما‬ ‫للتصالح مجددًا‪..‬‬

‫الرسائل‪.‬‬ ‫القارئ لتلك الرسائل يجد انها رسائل متبادلة ‪ ،‬بين الحبيبين ‪ ،‬يذكر كل منهما للخر‬ ‫شكواه ‪ ،‬ويصف حاله ونجواه ‪ ،‬وماكان من امره ‪ ،‬فلمي رسائل قد كتبتها لجبران ‪ ،‬ولكنها كانت قليلة بعض‬ ‫الشيئ ‪ ،‬او فقد‪:‬ت كما ذكر‪:‬ت آنفاً ولم بيق منها إل القليل ‪ ،‬ولذلك بدأ‪:‬ت به الرسائل ‪.‬‬

‫الفصل الول‬ ‫رسائل مي زيادة ( ‪(.‬‬


‫رسائل مي زيادة إلى جبران خليل جبران‬ ‫الرسالة الولى‬ ‫من مي إلى جبران ‪:‬‬ ‫جبران‪ !...‬لقد كتبت كل هذه الصفحا‪:‬ت لتحايد كلمة الحـب‪ .‬إن الــذين ل يتــاجرون بمظهـر الحـب‬ ‫ودعواه في المراقص والجتماعا‪:‬ت‪ ،‬ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية قد يغبطون الذين يوزعون ع ـواطفهم‬ ‫في اللل السطحي لنهم ل يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر‪ ،‬ولكنهم يغبطون الخرين على راحتهم دون‬ ‫أن يتمنوها لنفوسهم‪ ،‬ويفضلون وحدتهم‪ ،‬ويفضــلون الســكو‪:‬ت‪ ،‬ويفضــلون تضــليل القلـوب عـن ودائعهــا‪ ،‬والتلهــي‬ ‫بما ل علقة له بالعاطفة‪.‬‬

‫ويفضــلون أي غربة وأي شــقاء )وهـل مــن شــقاءٍ فــي غيــر وحدة القلــب؟( علــى الكتفــاء بــالقطرا‪:‬ت‬ ‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــحيحة‪.‬‬ ‫مــا معنــى هــذا الــذي أكتبــه؟ إنــي ل أعــرف مــاذا أعنــي بــه‪ ،‬ولكنــي أعــرف أنــك محبــوبي‪ ،‬وأنــي أخــاف‬ ‫الحب‪ .‬أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير‪.‬‬ ‫الجفاف والقحط واللشيء بالحب خير من النزر اليسير‪ .‬كيف أجسر على الفضاء إليــك بهــذا‪.‬‬ ‫وكيف أفرط فيه؟ ل أدري‪.‬‬ ‫الحمد ل أني أكتبه على الورق ول أتلفظ بــه لنــك لـو كــانت الن حاضــراً بالجســد لهربت خجلً‬ ‫ل‪ ،‬فما أدعك تراني إل بعد أن تنسى‪ .‬حتى الكتابة ألوم نفسي عليها‪ ،‬لنــي‬ ‫بعد هذا الكلم‪ ،‬ولختفيت زمناً طوي ً‬

‫بها حرة كل هذه الحرية‪..‬‬

‫أتذكر قول القــدماء مــن الشــرقيين‪ :‬إن خيــر للبنــت أن ل تقــرأ ول تكتــب‪ .‬إن القــديس توما يظهــر هنــا‬ ‫وليس ما أبدي هنا أثراً للوراثة فحسب‪ ،‬بل هو شيء أبعد من الوراثة‪ .‬ما هو؟ قل لي أنت ما هو‪.‬‬

‫وقل لي ما إذا كنت على ضلل أو هدى فإني أثق بك‪ ..‬وسواء أكنت مخطئــة أم غيــر مخطئــة فــإن‬

‫قلــبي يســير إليــك‪ ،‬وخيــر مــا يفعــل هــو أن يظــل حائمـاً حواليــك‪ ،‬يحرسك ويحنــو عليــك‪ ....‬غــابت الشــمس وراء‬

‫الفق‪ ،‬ومن خلل السحب العجيبة الشكال واللوان حصحصت نجمة لمعة واحدة هــي الزهرة‪ ،‬آلهــة الحــب‪،‬‬ ‫أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبـون ويتشــوقون؟ ربمــا وجد فيهــا بنــت هــي مثلــي‪ ،‬لهــا جـبران واحــد‪ ،‬حلـو بعيــد هــو‬

‫القريب القريب‪.‬‬


‫تكتب إليه الن والشــفق يمل الفضــاء‪ ،‬وتعلــم أن الظلم يخلـف الشــفق‪ ،‬وأن النــور يتبـع الظلم‪،‬‬ ‫وأن الليل سيخلف النهار‪ ،‬والنهار سيتبع الليل مرا‪:‬ت كثيرة قبل أن ترى الذي تحب‪ ،‬فتتســرب إليهــا كــل وحشــة‬ ‫الشفق‪ ،‬وكل وحشة الليل‪ ،‬فتلقي بالقلم جانباً لتحتمي من الوحشة فاسم واحد‪ :‬جبران(‪.‬‬ ‫ـــــــ‬

‫الرسالة الثانية‬ ‫مي زيادة إلى جبران خليل جبران‪.‬‬ ‫الرسالة الثانية‬ ‫إلى جبران‪..‬‬ ‫صديقي جبران‪..‬‬ ‫لقد توزع في المساء بريد أوروبة وأمريكة ‪ ,‬وهو الثاني من نوعه في هذا السبوع ‪ ,‬وقد فشل أملي بأن تصلني‬ ‫فيه كلمة منك ‪ .‬نعم إني تلقيت منك في السبوع الماضي بطاقة عليها وجه القديسة حنة الجميل ‪ ,‬ولكن هل‬ ‫تكفي الكلمة الواحدة على صورة تقوم مقام سكو‪:‬ت شهر كامل ‪.‬‬ ‫ل أريد أن تكتب إلي إل عندما تشعر بحاجة إلى ذلك أو عندما تنيلك الكتابة سرورا ‪ ,‬ولكن أليس من‬ ‫الطبيعي أن أشرئب إلى أخبارك كلما دار موزع البريد على الصناديق يفرغ فيها جعبته‬ ‫أيمكن أن أرى الطوابع البريدية من مختلف البلدان على الرسائل ‪ ,‬حتى طوابع الوليا‪:‬ت المتحدة وعلى‬ ‫بعضها اسم نيويورك واضح ‪ ,‬فل أذكر صديقي ول أصبو إلى مشاهدة خط يده ولمس قرطاسه‬ ‫ولتحمل إليك رقعتي هذه عواطفي فتخفف من كآبتك إن كنت كئيبا ‪ ,‬وتواسيك إن كنت في حاجة إلى‬ ‫المواساة ‪،‬‬ ‫‪ .‬ولتقوك إذا كنت عاكفا على عمل ولتزد في رغدك وانشراحك إذا كنت منشرحا سعيدا‬


‫مي زيادة‬ ‫آذار ‪1925‬‬ ‫ـــــــــ‬

‫رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران ‪:‬‬ ‫الفصل الثاني‬ ‫رسائل‬ ‫)جبران خليل جبران( ‪..‬‬ ‫من جبران إلى مي‪..‬‬ ‫نحــن اليــوم ره ن عاصــفة ثلجيــة جليلــة مهيبــة‪ ،‬وأنــت تعلميــن يــا مــاري أنــا أحــب جميــع العواصــف وخاصــة‬ ‫الثلجيــة‪ ،‬أحــب الثلــج‪ ،‬أحــب بياضــه‪ ،‬وأحــب هبــوطه‪ ،‬وأحــب ســكوته العميــق‪ .‬وأحــب الثلــج فــي الوديــة البعيــدة‬ ‫المجهول حتى يتساقط مرفرفًا‪ ،‬ثم يتلل بنور الشمس‪ ،‬ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة‪.‬‬

‫أحــب الثلــج وأحــب النــار‪ ،‬وهمــا مــن مصــدر واحــد‪ ،‬ولكــن لــم يكــن حــبي لهمــا قــط ســوى شــكل مــن‬

‫الستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع‪ .‬ما ألطف من قال‪:‬‬ ‫يا مي عيدك يوم‬ ‫وأنت عيد الزمان‬ ‫انظــري يــا محبوبتي العذبــة إلــى قــدس أقــداس الحيــاة‪ ،‬عنــدما بلغــت هــذه الكلمــة ))رفيقــة(( ارتعــش قلــبي فــي‬ ‫صدري‪ ،‬فقمت ومشيت ذهاباً في هذه الغرفة كمن يبحث عن رفيقه‪.‬‬

‫مــا أغــرب مــا تفعلــه بنــا كلمــة واحــدة فــي بعــض الحــايين! ومـا أشــبه تلــك الكلمــة الواحــدة برنيــن جــرس‬

‫الكنيسة عند الغروب! إنها تحول الذا‪:‬ت الخفية فينا من الكلم إلى السكو‪:‬ت‪ ،‬ومن العمل إلى الصلة‪.‬‬ ‫تقولين لي أنك تخافين الحب‬ ‫لماذا تخفين يا صغيرتي؟‬ ‫أتخافين نور الشمس؟‬


‫أتخافين مد البحر؟‬ ‫أتخافين مجيء الربيع؟‬ ‫لماذا يا ترى تخافين الحب؟‬ ‫أنــا أعلــم أن القليــل مــن الحــب ل يرضيك‪ ،‬كمــا أعلــم أن القليــل فــي الحــب ل يرضيني‪ ،‬أنــت وأنــا ل‬ ‫ولن نرضى بالقليل‪ .‬نحن نريد الكثير‪ .‬نحن نريد كل شيء‪ .‬نحن نريد الكمال‪.‬‬ ‫أقــول يــا مــاري إن فــي الرادة الحصــول‪ ،‬فــإذا كــانت إرادتنــا ظلً مــن أظلل الــ‪ ،‬فســوف نحصــل‬

‫بدون شك على نور من أنوار ال‪.‬‬

‫ل تخافي الحب يا ماري‪ ،‬ل تخافي الحب يا رفيقة قلبي‪ ،‬علينـا أن نستســلم إليــه رغم مـا فيــه مــن اللــم والحنيــن‬ ‫والوحشة‪ ،‬ورغم ما فيه من اللتباس والحيرة‪.‬‬ ‫اسمعي يا ماري‪ :‬أنا اليوم في سجن من الرغائب‪ ،‬ولقـد ولد‪:‬ت هـذه الرغائب عنـدما ولد‪:‬ت‪ .‬وأنـا‬ ‫اليوم مقيد بقيود فكرة قديمة‪ ،‬قديمة كفصول السنة‪ ،‬فهــل تســتطيعين الوقوف معــي فــي سـجني حـتى نخــرج إلــى‬ ‫نور النهار وهل تقفين إلى جانبي حتى تنكسر هذه القيود فنسير حرين طليقين نحو قمة جبالنا؟‬ ‫والن قربي جبهتك‪.‬‬ ‫قربي جبهتك الحلوة‬ ‫وال يباركك ويحرسك يا رفيقة قلبي الحبيبة‪.‬‬ ‫ل بأس على أنني أخشى بلوغ النهاية قبل الحصول على هذا الشرف وهذا الثواب‪.‬‬ ‫لنعد هنيهة إلى ))عيدك((‬ ‫أريد أن أعرف في أي يوم من أيام السنة قد ولد‪:‬ت صغيرتي المحبوبة‪.‬‬ ‫أريد أن أعرف لني أميل إلى العياد وإلى التعييد‪.‬‬ ‫وسيكون لعيد ماري الهمية الكبرى عندي‪ .‬ستقولين لي ))كل يوم يوم مولدي يا جبران((‬ ‫ل‪)) :‬نعم‪ ،‬وأنا أعّيد لك كل يوم‪ ،‬وكان ل بد من عيد خصوصي مرة كل سنة((‪.‬‬ ‫وسأجيبك قائ ً‬ ‫رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران ‪:‬‬ ‫من جبران إلى مي ‪!!..‬‬


‫لقد أعاد‪:‬ت رسائلك إلى نفسي ذكرى ألف ربيع وألف خريف وأوقفتني ثانية أمام تلك الشباح التي كنــا نبتــدعها‬ ‫ونسيرها مركبـا إثــر مركب ‪ ..‬تلــك الشـباح الــتي مــا ثــار البركان فـي أوروبا حـتى انــزو‪:‬ت محتجـة بالســكو‪:‬ت ‪ ,‬وما‬ ‫أعمق ذلك السكو‪:‬ت وما أطوله !‬ ‫هل تعلمين يا صديقتي بأني كنت أجد في حديثنا المتقطع التعزية والنس والطمأنينــة ‪ ,‬وهـل تعلميــن بــأني كنــت‬ ‫أقــول لــذاتي ‪ ,‬هنــاك فــي مشــارق الرض صــبية ليســت كالصــبايا ‪ ,‬قــد دخلــت الهيكــل قبــل ولدتهــا ووقفــت فــي‬ ‫قدس القداس فعرفت السر العلوي الذي اتخذه جبابرة الصباح ثم اتخذ‪:‬ت بلدي بلدا لها وقومي قوما لها ‪.‬‬ ‫هــل تعلميــن بــأني كنــت أهمــس هــذه النشــودة فــي أذن خيــالي كمــا ورد‪:‬ت علــى رسـالة منــك ولـو علمــت لمــا‬ ‫انقطعت عن الكتابة إلي ‪ ,‬وربما علمت فانقطعت وهذا ل يخلو من أصالة الرأي والحكمة‪.‬‬

‫رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران ‪:‬‬ ‫من جبران لمي‬ ‫حضرة الديبة الفاضلة‪.‬‬ ‫قد فكر‪:‬ت بأمور كثيرة في تلك الشهور الخرساء التي مر‪:‬ت بدون خطاب ول جـواب ولكنــه لــم يخطـر علــى بــالي‬ ‫كونك " شــريرة" أمــا الن وقد صـ ّرحت لــي بوجود الشــر فــي روحك فل يجمــل بــي ســوى تصــديقك فأنــا أصــدق‬ ‫وأثـق بكـل كلمـة تقولينهـا لــي ! أنـت بــالطبع تفتخرين بقولك – أنـا شـريرة – ويحـق لـك الفتخـار لن الشـر قـوة‬

‫تضــارع الخيــر بعزمهــا وتأثيرها ‪ .‬ولكــن اســمحي لــي أن أقــول لــك مصــرحاً بأنــك مهمــا تمــاديت بالشــر فل تبلغيــن‬

‫نصف ما بلغته فأنا شرير كالشباح الساكنة في كهوف الجحيم بل أنا شرير كالروح السوداء التي تحرس أب ـواب‬

‫الجحيم ! وأنت بالطبع ستصدقين كلمي هذا !‪.‬‬ ‫غيـر أننـي للن لـم أفهـم السـباب الحقيقيـة الـتي دعتـك إلـى اسـتخدام الشــر ضـدي فهل تكرمت بافهــامي ؟ قـد‬ ‫أجبــت علــى كــل رسالة تكرمت بهــا علـّي واسترسلت متعمقـاً بمعــاني كــل لفظــة تعطفــت بهمســها فــي أذنــي فهــل‬


‫هنــاك أمــر آخــر كــان يجــب عل ـ ّي أن أفعلــه ؟ أو لــم تبــدعي لــي مــن " ل شــيء" ذنب ـاً لتــبيني لــي مقــدرتك علــى‬ ‫القتصــا ص ؟ لقــد فلحــت وأحســنت البيــان ‪ ,‬أمــا أنــا فقــد آمنــت باقنومـك الجديــد الكلــي المطلــق الجــامع بيــن‬ ‫أسياف " كالي" ربة الهند وسهام " ديانا" معبودة الغريق ‪.‬‬ ‫والن وقـد فهــم كــل منــا مــا فــي روح الخــر مــن الشــر والميــل إلــى القتصــا ص فلنعــد إلــى متابعــة الحــديث الــذي‬ ‫ابتدأنا به منذ عامين ‪ .‬كيف أنت وكيف حالك ؟ هل أنت بصحة وعافية ) كما يقول سكان لبنان (؟‬ ‫هل خلعت ذراعـ اً ثانيــة فــي الصــيف الماضــي أم منعتــك والــدتك مــن ركوب الخيــل فعــد‪:‬ت إلــى‬

‫مصر صـحيحة الــذراعين ؟ أمــا أنــا فصـحتي أشــبه شــيء بحــديث الســكران وقد صــرفت الصـيف والخريف متنقلً‬ ‫بين أعالي الجبال وشواطئ البحـر ثـم عـد‪:‬ت إلــى نيويورك أصـفر الـوجه نحيـل الجسـم لمتابعـة العمـال ومصـارعة‬ ‫الحلم – تلك الحلم الغريبة التي تصعد بي إلى قمة الجبل ثم تهبط بي إلى أعماق الوادي ‪.‬‬ ‫وقد سرر‪:‬ت باستحسانك مجلة الفنون فهي أفضل ما ظهر من نوعهــا فــي العــالم العربي ‪ ,‬أمــا صــاحبها‬ ‫فهو فتى عذب النفس دقيق الفكر وله كتابا‪:‬ت لطيفة وقصائد مبتكرة ينشرها تحت اسم " ليــف" وممــا يســتدعي‬ ‫العجاب بهذا الشاب هو أنه لم يترك شيئاً مما كتبه الفرنج إل وعرفه حق المعرفة ‪ .‬أما صديقنا أمين الريحاني‬

‫فقد ابتدأ بنشر رواية جديدة طويلة في مجلة فنون وقد قرأ لي أكثر فصولها فوجدتها جميلة للغايــة ولقـد أخـبر‪:‬ت‬

‫صاحب الفنون بأنك سوف تبعثين إلّي بمقالة ففرح وبا‪:‬ت يترقب ‪.‬‬ ‫بكــل أســف أقــول اننــي ل أحســن الضــرب علــى آلــة مــن آل‪:‬ت الطــرب ولكننــي أحــب الموسـيقى‬ ‫محبــتي الحيــاة ولـي ولـع خــا ص بــدرس قواعــدها ومبانيهــا والتعمــق بتاريـخ نشــأتها وارتقائهــا ‪ ,‬فــان ابقتنــي اليــام‬ ‫سأكتب رسالة طويلة في الدوائر العربية والفارسية وكيفية ظهورها وتدرجها وتناسخها‬ ‫ولي ميل للموسقى الغربيــة يضــارع ميلـي للنغــام الشــرقية فل يمـر أسـبوع إل وأذهـب مــرة أو مرتيـن‬ ‫إلــى الوبـرا غيــر أنــي أفضــل مــن البيــان الموسـيقي الفرنجــي تلــك المعروفـة بالســنفوني والســوناتا والكنتاتــا علــى‬ ‫الوبرا والسبب في ذلك خلّو الوبرا من البساطة الفنية التي تناسب أخلقي وتتمايل مع أميالي ‪.‬‬


‫واسمحي لي الن أن أغبط يدك على عودك وعودك على يــدك وأرجوك أن تـذكري اســمي مشــفوعاً‬ ‫باستحســاني كلمــا ضـربت نغــم النهوند علــى الوتار فهــو نغــم أحبــه ولي رأي فيــه يشــابه رأي " كارليــل فــي النــبي‬ ‫محمد "‪.‬‬ ‫) كارليل( ‪ :‬أديب ومؤرخ انكليزي درس بعضا مــن العربيــة فــي جامعــة كمــبردج ســنة ‪ 1795‬وكتــب‬ ‫عـن النــبي محمــد فصـل ضـمنه إعجــابه بشخصـيته البطوليــة فــي مــؤلفه " البطــال ‪ ,‬عبـادة البطــال ‪ ,‬والبطولة فــي‬ ‫التاريخ‪.‬‬ ‫وهل تكرمت بذكري أمام هيبة أبي الهول ؟ عندما كنت في مصر كنت أذهب مرتين في السبوع‬ ‫واصــرف السـاعا‪:‬ت الطـوال جالسـاً علــى الرمال الذهبيــة محـدقاً بــالهرام وكنـت فــي ذلــك العهــد صـبياً فـي الثامنــة‬

‫عشرة ذا نفس ترتعش أمام المظاهر الفنية ارتعاش العشاب أمام العاصفة ‪ ,‬أما أبو الهول فكان يبتسم لي ويمل‬

‫قلبي بحزن عذب وندبا‪:‬ت مستحبة ‪.‬‬ ‫أنــا معجـب مثلـك بالـدكتور شـميل فهـو واحــد مــن القليليـن الـذين انبتهـم لبنـان ليقوم وا بالنهضـة‬ ‫الحديثة في الشرق الدنى وعندي أن الشرقيين يحتاجون إلى أمثال الدكتور شميل حاجة ماسة كـرد فعـل للتـأثير‬ ‫الذي أوجده الصوفيون والمتعبدون في القطرين مصر وسوريا‪.‬‬ ‫هــل قـرأ‪:‬ت الكتــاب الفرنســاوي الــذي وضعه خيــر الـ افنــدي خيــر الـ ؟ أنــا لــم أره بعــد وقد‬ ‫أخــبرني صــديق أن فــي الكتــاب فصــل عنــك وفصــل آخــر عنــي فــإذا كــان لــديك نســختان تكرمي بإرسال نســخة‬ ‫منهما إلّي وأجرك على ال‬ ‫ها قد انتصف الليل فليسعد ال مساءك ويبقيك للمخلص ‪!!...‬‬


‫رد جبران على رسالة مي ‪..‬‬ ‫ماألطف قول من قال ‪:‬‬ ‫يامي عيدك يوم ** وأن ِ‬ ‫ت عيد الزمان‬ ‫ّ‬ ‫مــا أغــرب مــاتفعله كلمــه واحــد فــي بعــض الحيــان ‪ ,‬أنهــا تحـّو لـ الــذا‪:‬ت الخفيــه فينــا مــن الكلم إلــى‬

‫السكو‪:‬ت ‪ ..‬تقولين أنك تخافين الحب ! لماذا تخافينه ؟ أتخافين نور الشمس ؟ أتخــافين مـّد البحــر ؟ أتخــافين‬ ‫طلوع الفجر ؟ أتخافين مجيء الربيع ؟ لماذا ياترى تخافين الحب ؟‬

‫أنا أعلم أن القليل في الحب ليرضي ِ‬ ‫ك ‪ ,‬كما أعلم أن القليل فــي الحــب ليرضيني ‪ ,‬أنـ ِ‬ ‫ت وأنــا ل‬ ‫ولن نرضى بالقليل ‪ ,‬نحن نريد الكمال ‪..‬الكثير ‪ ,‬كل شيء ! لتخافي الحب يارفيقــة قلــبي ‪ ,‬علينــا أن نستســلم‬ ‫إليه رغم مافيه من اللم والحنين والوحشه ‪ ,‬ورغم مافيه من اللتباس والحيره‬ ‫جبران ‪..‬‬ ‫ـــــــــ‬


‫ز ز رسائلز جبرانز إلىز َمّيز زيادة‬ ‫الشعلةز الزرقاءز ‬ ‫نيويورك ‪ 2‬كانون الثاني‬ ‫حضرة الديبة الفاضلة‪.‬‬ ‫قد فكر‪:‬ت بأمور كثيرة في تلك الشهور الخرساء التي مر‪:‬ت بدون خطاب و ل جواب و لكنه لم‬ ‫يخطر على بالي كونك " شريرة " أما الن و قد صرح ِ‬ ‫ت لي بوجود الشر في روحك فل يجمل بي سوى‬ ‫ّ‬ ‫ك – أنا شريرة – و يحق ل ِ‬ ‫ت بالطبع تفتخرين بقول ِ‬ ‫تصديقك فأنا أصدق و أثق بكل كلمة تقولينها لي ! أن ِ‬ ‫ك‬ ‫الفتخار لن الشر قوة تضارع الخير بعزمها و تأثيرها ‪ .‬و لكن اسمحي لي أن أقول لك مصرحاً بأن ِ‬ ‫ك مهما‬

‫تماديت بالشر فل تبلغين نصف ما بلغُته فأنا شريٌر كالشباح الساكنة في كهوف الجحيم بل أنا شرير كالروح‬ ‫السوداء التي تحرس أبواب الجحيم ! و أن ِ‬ ‫ت بالطبع ستصدقين كلمي هذا!‪.‬‬ ‫غير أنني للن لم أفهم السباب الحقيقية التي دعت ِ‬ ‫ك إلى استخدام الشر ضدي فهل تكرمت‬ ‫بإفهامي ؟ قد أجبت على كل رسالة تكرمت بها علّي و استرسلت متعمقاً بمعاني كل لفظة تعطفت بهمسها في‬ ‫أذني فهل هناك أمر آخر كان يجب علّي أن أفعله ؟ أو لم تبدعي لي من " ل شيء " ذنباً لتبيني لي مقدرتك‬

‫على القتصا ص ؟ لقد فلحت و أحسنت البيان ‪ ,‬أما أنا فقد آمنت باقنومك الجديد الكلي المطلق الجامع بين‬

‫أسياف " كالي " ربة الهند و سهام " ديانا" معبودة الغريق‪.‬‬ ‫و الن و قد فهم كل منا ما في روح الخر من الشر و الميل إلى القتصا ص فلنعد إلى‬ ‫متابعة الحديث الذي ابتدأنا به منذ عامين ‪ .‬كيف أنت و كيف حالك ؟ هل أنت بصحة و عافية ) كما يقول‬ ‫سكان لبنان ( ؟ هل خلعت ذراعاً ثانية في الصيف الماضي أم منعتك والدتك من ركوب الخيل فعد‪:‬ت إلى‬

‫مصر صحيحة الذراعين ؟ أما أنا فصحتي أشبه شيء بحديث السكران و قد صرفت الصيف و الخريف متنقلً‬


‫بين أعالي الجبال و شواطئ البحر ثم عد‪:‬ت إلى نيويورك أصفر الوجه نحيل الجسم لمتابعة العمال و مصارعة‬ ‫الحلم – تلك الحلم الغريبة التي تصعد بي إلى قمة الجبل ثم تهبط بي إلى أعماق الوادي‪.‬‬

‫و قد سرر‪:‬ت باستحسانك مجلة الفنون فهي أفضل ما ظهر من نوعها في العالم العربي ‪ ,‬أما‬ ‫صاحبها فهو فتى عذب النفس دقيق الفكر و له كتابا‪:‬ت لطيفة و قصائد مبتكرة ينشرها تحت اسم‬ ‫" ليف " و مما يستدعي العجاب بهذا الشاب هو أنه لم يترك شيئاً مما كتبه الفرنج إل و عرفه حق المعرفة ‪.‬‬

‫أما صديقنا أمين الريحاني فقد ابتدأ بنشر رواية جديدة طويلة في مجلة فنون و قد قرأ لي أكثر فصولها‬ ‫فوجدتها جميلة للغاية و لقد أخبر‪:‬ت صاحب الفنون بأن ِ‬ ‫ك سوف تبعثين إلّي بمقالة ففرح و با‪:‬ت يترقب‪.‬‬

‫بكل أسف أقول أنني ل أحسن الضرب على آلة من آل‪:‬ت الطرب و لكنني أحب الموسيقى‬ ‫محبتي الحياة و لي ولع خا ص بدرس قواعدها و مبانيها و التعمق بتاريخ نشأتها و ارتقائها ‪ ,‬فان أبقتني اليام‬ ‫سأكتب رسالة طويلة في الدوائر العربية و الفارسية و كيفية ظهورها و تدرجها و تناسخها ‪.‬‬

‫و لي ميل للموسيقى الغربية يضارع ميلي للنغام الشرقية فل يمر أسبوع إل و أذهب مرة أو مرتين‬ ‫إلى الوبرا غير أني أفضل من البيان الموسيقي الفرنجي تلك المعروفة بالسنفوني و السوناتا و الكنتاتا على‬ ‫الوبرا و السبب في ذلك خلّو الوبرا من البساطة الفنية التي تناسب أخلقي و تتمايل مع أميالي‪.‬‬ ‫و اسمحي لي الن أن أغبط يدك على عودك و عودك على يدك و أرجوك أن تذكري اسمي‬ ‫مشفوع ًا باستحساني كلما ضربت نغم النهوند على الوتار فهو نغم أحبه و لي رأي فيه يشابه رأي " كارليل في‬ ‫النبي محمد‪.‬‬

‫) كارليل ‪ :‬أديب و مؤرخ انكليزي درس بعضا من العربية في جامعة كمبردج سنة ‪ 1795‬و كتب عن النبي‬ ‫محمد فصل ضمنه إعجابه بشخصيته البطولية في مؤلفه‪:‬‬ ‫(‪ .‬البطال ‪ ,‬عبادة البطال ‪ ,‬و البطولة في التاريخ )‬


‫و ه ّل تكرمت بذكري أمام هيبة أبي الهول ؟ عندما كنت في مصر كنت أذهب مرتين‬ ‫في السبوع و أصرف الساعا‪:‬ت الطوال جالساً على الرمال الذهبية محدقاً بالهرام و كنت في ذلك العهد صبياً‬ ‫في الثامنة عشرة ذا نفس ترتعش أمام المظاهر الفنية ارتعاش العشاب أمام العاصفة ‪ ,‬أما أبو الهول فكان‬

‫يبتسم لي و يمل قلبي بحزن عذب و ندبا‪:‬ت مستحبة‪.‬‬

‫أنا معجب مثلك بالدكتور شميل فهو واحد من القليلين الذين أنبتهم لبنان ليقوموا بالنهضة الحديثة‬ ‫في الشرق الدنى و عندي أن الشرقيين يحتاجون إلى أمثال الدكتور شميل حاجة ماسة كرد فعل للتأثير الذي‬ ‫أوجده الصوفيون و المتعبدون في القطرين مصر و سوريا‪.‬‬

‫هل قرأِ‪:‬ت الكتاب الفرنساوي الذي وضعه خير ال أفندي خير ال ؟ أنا لم أره بعد و قد‬ ‫أخبرني صديق أن في الكتاب فصل عنك و فصل آخر عني فإذا كان لديك نسختان تكرمي بإرسال نسخة‬ ‫منهما إلّي و أجرِك على ال‪.‬‬ ‫ها قد انتصف الليل فليسعد ال مساءك و يبقيك للمخلص‬ ‫جبران خليل جبران‬ ‫ز ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬


‫رسائل جبران إلى مي‬ ‫نيويورك ‪ 24‬كانون الثاني ‪1919‬‬ ‫ـــــــ‬

‫حضرة الديبة الفاضلة النسة ماري زيادة المحترمة‪.‬‬ ‫سلم على روحك الطيبة الجميلة ‪.‬‬ ‫و بعد ‪ ,‬فقد استلمت اليوم أعداد المقتطف التي تفضلت بإرسالها إلّي فقرأ‪:‬ت مقلتك الواحدة أثر‬ ‫الخرى و أنا بين السرور العميق و العجاب الشديد ‪.‬‬ ‫و لقد وجد‪:‬ت في مقالتك سرباً من تلك الميول و المنازع التي طالما حامت حول فكرتي وتتبعت‬

‫أحلمي و لكن هناك مبادئ و نظريا‪:‬ت أخرى ودد‪:‬ت لو كان بإمكاننا البحث فيها شفاهاً ‪ . ,‬فلو كنت الساعة‬ ‫في القاهرة لستعطفتك لتسمحي لي بزيارتك فنتحدث مليا في " أرواح المكنة " و في " العقل والقلب " و‬

‫في بعض مظاهر " هنري برغسن "‬ ‫)‬

‫هنري برغسن فيلسوف فرنسي حاز على جائزة نوبل عام ‪ 1927‬وهو صاحب نظرية الروحانية ضد‬

‫هجما‪:‬ت المذاهب المادية ‪ .‬من مؤلفاته " المادية والذاكرة" ‪ ،‬التطور والخلق ‪ ،‬و غير أن القاهرة في مشارق‬ ‫الرض و نيويورك في مغاربها‬ ‫و ليس من سبيل إلى الحديث الذي أوده و أتمناه‬


‫إن مقالتك هذه تبين سحر مواهبك و غزارة إطلعك و ملحة ذوقك في النتقاء والنتخاب ‪ ,‬و‬ ‫علوة على ذلك فهي تبين بصورة جلية اختباراتك النفسية الخاصة – و عندي أّن الختبار أو القتناع النفسي‬ ‫يفوق كل علم و كل عمل – و هذا ما يجعل مباحثك من أفضل ما جاء من نوعها في اللغة العربية ‪.‬‬ ‫و لكن لي سؤال استأذنك بطرحه لديك و هو هذا ‪ :‬أل يجيء يوم يا ترى تنصر فيه مواهبك‬ ‫السامية من البحث في مآتي اليام إلى إظهار أسرار نفسك و اختباراتها الخاصة و مخبآتها النبيلة ؟‬ ‫أ فليس البتداع أبقى من البحث في المبدعين ؟ أل ترين أن نظم قصيدة أو نثرها أفضل من رسالة‬ ‫في الشعر و الشعراء ؟ إني كواحد من المعجبين بك أفضل أن اقرأ لك قصيدة في ابتسامة أبي الهول مثل من‬ ‫أن أقرأ لك رسالة في تاريخ الفنون المصرية‬ ‫و كيفية تدرجها من عهد إلى عهد و من دولة إلى دولة لن بنظمك قصيدة في ابتسامة أبي‬ ‫الهول تهبيني شيئاً نفسياً ذاتي اً أما بكتابتك رسالة في تاريخ الفنون المصرية فإنك تدلينني على شيء عمومي‬ ‫عقلي ‪ .‬و كلمي هذا ل ينفي كونك تستطيعين إظهار اختباراتك النفسية الذاتية في كتابة تاريخ الفنون‬

‫المصرية بيد أني أشعر بأن الفن – و الفن إظهار ما يطوف و يتمايل و يتجوهر في داخل الروح‪ -‬هو أحرى و‬ ‫أخلق بمواهبك النادرة من البحث –‬ ‫و البحث إظهار ما يطوف و يتمايل و يتجوهر في الجتماع ‪ .‬ليس ما تقدم سوى شكل من‬ ‫الستعطاف باسم الفن‬ ‫فأنا استعطفك لني أريد أن أستميلك إلى تلك الحقول السحرية حيث سافو ) شاعرة إغريقية ولد‪:‬ت في مدينة‬ ‫ليزبوس في أوائل القرن السادس قبل الميلد ‪ ,‬لها تسع دواوين من الشعر الغنائي‬ ‫و الناشيد لم يصلنا منها سوى بضع قصائد ( و ايليزبيت براوننغ ) شاعرة بريطانية مبدعة تمتاز قصائدها‬ ‫بالعمق و الرقة والنزعة الصوفية ‪ .‬وهي زوج الشاعر النكليزي روبر‪:‬ت براوننغ الذي أحبها من خلل قصائدها‬ ‫قبل أن يتعرف إليها ثم زارها في بيتها فأحبته حباً عارماً جعلها تتغلب على مرض عضال كان قد أقعدها ‪(.‬‬ ‫و أليس شراينر ) كاتبة انكليزية دعت في مؤلفاتها إلى تحرير النساء ( و غيرهن من أخواتك اللواتي بنين سّلما‬ ‫من الذهب و العاج بين الرض و السماء‪.‬‬ ‫أرجوك أن تثقي بإعجابي و أن تتفضلي بقبول احترامي الفائق‬


‫و ال يحفظك للمخلص‪.‬‬ ‫جبران خليل جبران‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رسائل جبران إلى مي‬ ‫نيويورك في ‪ 7‬شباط ‪1919‬‬ ‫عزيزتي النسة مي‪.‬‬ ‫لقد أعاد‪:‬ت رسالتك إلى نفسي ذكرى ألف ربيع و ألف خريف و أوقفتني ثانية أمام تلك الشباح‬ ‫التي كنا نبتدعها و نسيرها موكباً إثر موكب ‪.‬‬ ‫تلك الشباح التي ما ثار البركان ) يقصد بذلك الحرب العالمية الولى ( في أوربا حتى انزو‪:‬ت محتجبة‬ ‫بالسكو‪:‬ت – و ما أعمق ذلك السكو‪:‬ت و ما أطوله‪.‬‬ ‫هل تعلمين يا صديقتي أنني كنت أجد في حديثنا المتقطع التعزية و النس و الطمأنينة ‪ ,‬و‬ ‫هل تعلمين بأنني كنت أقول لذاتي هناك في مشارق الرض صبية ليست كالصبايا قد دخلت الهيكل قبل‬ ‫ولدتها و وقفت في قدس القداس فعرفت السر العلوي الذي تخفره جبابرة الصباح ثم اتخذ‪:‬ت بلدي بلداً‬ ‫لها و قومي قوم اً لها ‪ ,‬هل تعلمين بأنني كنت أهمس هذه النشودة في إذن خيالي كلما ورد‪:‬ت علّي رسالة‬ ‫منك ؟ لو علمت لما انقطعت عن الكتابة إلي‪.‬‬

‫و ربما علمت فانقطعت وهذا ل يخلو من أصالة الرأي و الحكمة ‪.‬‬ ‫أما مقالة أبي الهول فالسماء تعلم بأنني لم أطلبها منك إل بعد إلحاح مستمر من صاحب مجلة‬


‫الفنون – سامحه ال ‪ .‬فان من طبعي استهجان اقتراح المواضيع على الدباء خصوصاً تلك الفئة القليلة التي ل‬ ‫تدون إل ما توحيه الحياة إليها – و أنت من تلك الفئة القليلة – و فوق ذلك فأنا أعلم أن الفن يطلب و ل‬

‫يطلب منه ‪ ,‬و أن في نفس اقتراح المواضيع شيئاً مانعاً عن الجادة فيها ‪ ,‬فلو كتبت إلي في ذلك الزمن قائلة‬ ‫" ل ميل لي الن إلى كتابة مقالة في أبي الهول " لقلت مترنماً‪:‬‬

‫لتعش م ّي طويل فهي ذا‪:‬ت مزاج فني ل غش فيه " الخلصة أنني سأسبقك في كتابة‬ ‫"‬ ‫مقالة ‪ ,‬في ابتسامة أبي الهول ! و بعد ذلك سأنظم قصيدة في ابتسامة مّي و لو كان لدي صورتها مبتسمة‬

‫لفعلت اليوم ‪ ,‬و لكن علّي أن أزور مصر لرى مّي و ابتسامتها ‪ .‬و ماذا عسى أن يقول الكاتب في ابتسامة‬ ‫المرأة ؟ أفلم يقل ليوناردو دافنشي آخر كلمة في الموضع عندما انتهى من صورة ل جوغندا " ؟‬ ‫و لكن ‪ ,‬أليس في ابتسامة الصبية اللبنانية سر ل يستطيع إدراكه و إعلنه غير اللبناني ‪ ,‬أم هي المرأة‬ ‫لبنانية كانت أم ايطالية تبتسم لتخفي أسرار البدية وراء ذلك النقاب الرقيق الذي تحوكه الشفاه‬

‫و المجنون ) أول مؤلفا‪:‬ت جبران باللغة النكليزية ( و ماذا يا ترى أقول لك عن المجنون ؟ أنت تقولين أن فيه‬ ‫ما يدل على القسوة" بل و على " الكهوف المظلمة " ‪.‬‬ ‫و أنا الن لم أسمع مثل هذا النتقاد مع أنني قرأ‪:‬ت الكثير مما نشرته جرائد و مجل‪:‬ت أمريكا و انكلترا في‬ ‫هذا الكتاب الصغير ‪.‬‬ ‫و الغريب أن أكثر الدباء الغربيين قد استحسنوا القطعتين‪:‬‬ ‫‪My Minds‬‬ ‫و‬ ‫‪The Sleep Walkers‬‬ ‫) مقالتان لجبران ‪ ,‬عقلي و السائرون في نومهم (‬ ‫و استشهدوا بهما أو ذكروهما بصورة خاصة ‪ .‬أما أنت يا صديقتي فقد وجد‪:‬ت فيهما القسوة –‬ ‫و ماذا ينفع النسان إذا ربح استحسان العالم و خسر استحسان مّي ؟ و قد يكون ارتياح هؤلء الغربيين إلى‬ ‫المجنون و أخيلته ناتجاً عن مللهم أخيلة نفوسهم‬ ‫و عن ميلهم الطبيعي إلى الغريب و الغير مألوف خصوصاً إذا كان شرقي المظاهر ‪.‬‬

‫أما تلك‬

‫المثال و القصائد المنثورة التي نشر‪:‬ت في الفنون فقد ترجمها عن الصل النكليزي أديب محبته لي أوسع‬

‫قليل من معرفته بدقائق البيان النكليزي‪.‬‬


‫و لقد رسمت بالحبر الحمر دائرة حول لفظة " اشمئزاز" التي جاء‪:‬ت في كلمك عن المجنون ‪,‬‬ ‫فعلت ذلك لعلمي بأنك إذا وضعت كلما‪:‬ت ‪:‬‬ ‫‪The Sleep Walkers‬‬ ‫بين شفاه المس و الغد بدل من وضعها على لسان أم و ابنتها لبدلت لفظة الشمئزاز بلفظة أخرى – أليس‬ ‫كذلك ؟‬ ‫و ماذا أقول عن كهوف روحي ؟ تلك الكهوف التي تخيفك – أني التجئ إليها عندما أتعب من‬ ‫سبل الناس الواسعة و حقولهم المزهرة و غاباتهم المتعرشة‪ .‬إني أدخل كهوف روحي عندما ل أجد مكاناً آخر‬

‫أسند إليه رأسي ‪ ,‬و لو كان لبعض من أحبهم الشجاعة لدخول تلك الكهوف لما وجدوا فيها سوى رجل راكع‬

‫على ركبتيه و هو يصلي ‪.‬‬ ‫أما استحسانك الرسوم الثلثة في المجنون فقد سرني و دلني على وجود عين ثالثة بين عينيك ‪ ,‬و‬ ‫قد طالما عرفت أن وراء أذنيك آذان خفية تسمع تلك الصوا‪:‬ت الدقيقة الشبيهة بالسكو‪:‬ت – تلك الصوا‪:‬ت‬ ‫التي ل تحدثها الشفاه و اللسنة بل ما وراء اللسنة و الشفاه من الوحدة العذبة ‪ ,‬و اللم المفرح ‪ ,‬و الشوق‬ ‫إلى ذلك العالم البعيد الغير معروف‪.‬‬ ‫و أنت تسألين ما إذا كنت أريد أن يفهمني أحد بعد قولي‪:‬‬ ‫‪For those who understand us enslave something in us‬‬ ‫" لن الذين يدركون خبايا نفوسنا يأسرون شيئا منها "‬ ‫ل ‪ ,‬ل أريد أن يفهمني بشري إذا كان فهمه إياي ضرياً من العبودية المعنوية ‪.‬‬

‫و ما أكثر الذين‬

‫يتوهمون أنهم يفهموننا لنهم وجدوا في بعض مظاهرنا شيئاً شبيهاً بما اختبروه مرة في حياتهم ‪ .‬و ليتهم يكتفون‬ ‫بادعائهم إدراك أسرارنا – تلك السرار التي نحن ذواتنا ل ندركها – و لكنهم يصموننا بعلما‪:‬ت و أرقام ثم‬

‫يضعوننا على رف من رفوف أفكارهم و اعتقاداتهم مثلما يفعل الصيدلي بقناني الدوية و المساحيق !‬ ‫أو ليس ذلك الديب الذي يقول بأنك تقلدينني في بعض كتاباتك من هؤلء البشر الذين‬ ‫يدعون فهمنا و معرفة خفايانا ؟ و هل تستطيعين إقناعه بأن الستقلل هو محجة الرواح و إن أشجار‬ ‫السنديان و الصفصاف ل تنمو في ظلل بعضها البعض ؟‬


‫ها قد بلغت هذا الحد من رسالتي و لم أقل كلمة واحدة مما قصد‪:‬ت أن أقوله عندما‬ ‫ابتدأ‪:‬ت ‪ .‬و لكن من يا ترى يقدر أن يحول الضباب اللطيف إلى تماثيل و أنصاب ؟ و لكن الصبية اللبنانية‬ ‫التي تسمع ما وراء الصوا‪:‬ت سترى في الضباب الصور و الشباح‪.‬‬ ‫و السلم على روحك الجميلة و وجدانك النبيل و قلبك الكبير‬ ‫و ال يحرسك‪.‬‬ ‫المخلص‬ ‫جبران خليل جبران‬

‫رسائل جبران إلى مي‬ ‫نيويورك ‪ 11‬حزيران ‪ 1919‬م‪.‬‬ ‫عزيزتي النسة مّي ‪.‬ـ‬ ‫رجعت اليوم من سفره مستطيلة إلى البرية فوجد‪:‬ت رسائلك الثلث و المقال الجميل الذي تفضلت‬ ‫بنشره في جريدة المحروسة "‪.‬‬ ‫"‬

‫و لقد علمت من خادمي أن هذه الرسائل بل هذه الثروة الجليلة قد وصلت معاً منذ أربعة أيام ‪.‬‬

‫الظاهر أن البريد المصري قد توقف عن إصدار الرسائل من القطر مثلما حجز الرسائل الواردة إليه‪.‬‬

‫و لقد انصرفت عن كل ما وجدته بانتظاري في هذا المكتب لصرف نهاري مصغياً إلى حديثك الذي‬

‫يتمايل بين العذوبة و التعنيف – أقول التعنيف لنني وجد‪:‬ت في رسالتك الثانية بعض الملحظا‪:‬ت التي لو‬

‫سمحت لنفسي الفرحة أن تتألم لتألمت منها ‪ .‬و لكن كيف اسمح لنفسي النظر إلى شبه سحابة في سماء‬ ‫صافية مرصعة بالنجوم ؟‬ ‫و كيف أحول عيني عن شجرة مزهرة إلى ظّل من أغصانها ؟ و كيف ل أقبل وخزة صغيرة من يد‬

‫عطرة مفعمة بالجواهر ؟ إن حديثنا الذي أنقذناه من سكو‪:‬ت خمسة أعوام ل و لن يتحول إلى عتاب أو‬


‫مناظرة ‪ ,‬فأنا أقبل بكل ما تقولينه لعتقادي بأنه يجمل بنا و سبعة آلف ميل تفصلنا أل نضيف ِفتراً واحداً إلى‬ ‫هذه المسافة الشاسعة بل أن نحاول تقصيرها بما وضعه ال فينا من الميل إلى الجميل و الشوق إلى المنبع و‬

‫العطش إلى الخالد ‪ .‬يكفينا يا صديقتي ما في هذه اليام‪.‬‬ ‫و هذه الليالي من الوجاع و التشويش و المتاعب و المصاعب ‪ .‬و عندي أن فكرة تستطيع‬ ‫الوقوف أمام المجرد المطلق ل تزعجها كلمة جاء‪:‬ت في كتاب أو ملحظة أتت في رسالة‪ .‬إذا فلنضع خلفاتنا‬ ‫‪ ,‬و أكثرها لفظية – في صندوق من ذهب و لنرِم بها إلى بحر من البتساما‪:‬ت ‪.‬‬ ‫ما أجمل رسائلك يا مّي و ما أشهاها ‪ ,‬فهي كنهر من الرحيق يتدفق من العالي و يسير مترنماً‬ ‫في وادي أحلمي ‪ ,‬بل هي كقيثارة اورفيوس ) شاعر و موسيقي تحدثت عنه أساطير اليونان ‪,‬‬ ‫سحر بأنغامه وحش الغاب و آلهة الجحيم ‪ (.‬تقّرب البعيد و تبعد القريب و تحول بارتعاشاتها‬

‫السحرية الحجارة إلى شعل‪:‬ت متقدة و الغصان اليابسة إلى أجنحة مضطربة ‪.‬‬

‫إن يوم اً يجيئني منك برسالة واحدة لهو من اليام بمقام القمة من الجبل فما عسى أن أقول في يوم‬

‫يجيئني بثلث رسائل ؟ ذلك يوم انتحى فيه عن سبل الزمن لصرفه متجول في إرم ذا‪:‬ت العماد‪.‬‬

‫و بما أجيب على سؤالتك ؟ و كيف أستطيع متابعة الحديث و في النفس مال يسيل مع الحبر ؟ و لكن ل بد‬ ‫من متابعة الحديث ‪ .‬فما بقي صامتاً ليس بالغير مفهوم لديك ‪،‬‬

‫تقولين في رسالتك الولى " لو كنت أنا في نيويورك لكنت زر‪:‬ت مكتبك الفني في هذه اليام " أفلم‬

‫تزوري مكتبي قط ؟ أليس رواء أثواب الذكرى الظاهرة جسد خفي للذكرى ؟‬ ‫إنما مكتبي هيكلي و صديقي و متحفي و جنتي و جحيمي ‪ .‬هو غابة تنادي فيها الحياة الحياة و هو صحراء‬ ‫خالية أقف في وسطها فل أرى سوى بحر من رمال و بحر من أثير ‪ .‬إن مكتبي يا صديقتي هو منزل بدون‬ ‫جدران و بدون سقف ‪.‬‬ ‫و لكن في مكتبي هذا أشياء كثيرة أحبها و أحافظ عليها ‪ .‬أنا مولع بالثار القديمة و في زوايا هذا‬ ‫المكتب مجموعة صغيرة من طرائف الجيال و بعض نفائسها كتماثيل و ألواح مصرية و يونانية و رومانية و‬ ‫زجاج فينيقي و خزف فارسي و كتب قديمة العهد و رسوم إيطالية و فرنسية و آل‪:‬ت موسيقية تتكلم و هي‬ ‫صامتة ‪.‬‬


‫و ل بد من الحصول يوما ما على تمثال كلداني من الحجر السود ‪.‬‬

‫إني أميل بكليتي إلى كل شيء‬

‫كلداني فأساطير هذا الشعب و شعره و صلواته و هندسته بل و أصغر أثر أبقاه الدهر من فنونه و صنائعه ينّبه‬ ‫في داخلي تذكارا‪:‬ت غامضة بعيدة و يعود بي إلى الماضي الغابر و يجعلني أرى الحاضر من نافذة المستقبل ‪.‬‬ ‫أحب الثار القديمة و أشغف بها لنها من أثمار الفكرة البشرية السائرة بألف قدم من الظلم نحو‬ ‫النور – تلك الفكرة الخالدة التي تغو ص بالفن إلى أعماق البحار و تصعد به إلى المجرة ‪.‬‬

‫بسعيد ‪.‬‬

‫أما قولك " ما أسعدك أنت القانع بفنك " فقد جعلني أفتكر طويلً ‪ ,‬ل يا مّي لست بقانع و ل أنا‬ ‫في نفسي شيء ل يعرف القناعة و لكنه ليس كالطمع ‪ ,‬و ل يدري ما السعادة غير أنه ل يشابه‬

‫التعاسة ‪ .‬في أعماقي خفقان دائم وألم مستمر و لكنني ل أريد إبدال هذا و ل تغيير ذاك – و من كان هذا‬ ‫شأنه فهو ل يعرف السعادة و ل يدري ما هي القناعة و لكّنه ل يشكو لن في الشكوى ضرباً من الراحة و‬

‫شكلً من التفوق‪.‬‬

‫و هل أنت سعيدة و قانعة بمواهبك العظيمة ؟ أخبريني يا مّي هل أنت قانعة و سعيدة ؟ أكاد أسمعك‬ ‫هامسة ‪ " :‬ل لست بقانعة و ل أنا بسعيدة " إن القناعة هي الكتفاء و الكتفاء محدود و أنت غير محدودة‬ ‫أما السعادة فهي أن يمل المرء نفسه من خمرة الحياة و لكن من كان كأسه سبعة آلف فرسخ بالطول و سبعة‬ ‫آلف فرسخ بالعرض ل و لن يعرف السعادة حتى تنسكب الحياة بكاملها في كأسه ‪ .‬أ فليس كأسك يا مّي‬ ‫سبعة آلف فرسخ و فرسخ ؟‬ ‫و ماذا أقول عن " جّو يـ المعنوي ؟ " لقد كانت حياتي منذ عام أو عامين ل تخلو من‬

‫الهدوء و السلمة أما اليوم فقد تبدل الهدوء بالضجيج و السلمة بالنزاع ‪ .‬إن البشر يلتهمون أيامي و ليالّي‬ ‫و يغمرون أحلمي بمنازعهم و مراميهم فكم مرة هربت من هذه المدينة الهائمة إلى مكان قصّي لتخلص من‬

‫الناس و من أشباح نفسي أيض اً ‪ .‬إنما الشعب المريكي جبار ل يكل و ل يمل و ل يتعب و ل ينام و ل‬

‫ل قتله بالهمال و إذا أحبه قتله بالنعطاف فمن شاء أن يحيى في نيويورك‬ ‫يحلم ‪ ,‬فإذا بغض هذا الشعب رج ً‬

‫عليه أن يكون سيفاً سنيناً و لكن في غمد من العسل ‪ :‬السيف لروع الراغبين في قتل الوقت و العسل لرضاء‬


‫الجائعين!‬ ‫و سوف يجيء يوم أهرب فيه إلى الشرق ‪ .‬إن شوقي إلى وطني يكاد يذيبني و لول هذا القفص‬ ‫الذي حبكت قضبانه بيدي – لعتليت متن أول سفينة سائرة شرقاً ‪ .‬و لكن أي رجل يستطيع أن يترك بناًء‬

‫صرف عمره بنحت حجارته و صّف هـا ؟ حتى وإن كان ذلك البناء سجناً له فهو ل يقدر أو ل يريد أن يتخلص‬

‫منه في يوم واحد‪.‬‬

‫سامحيني أيتها الصديقة العزيزة فقد أزعجتك بالكلم عن نفسي‬ ‫و بشكواي من أمور أدعى إلى الجهاد منها إلى التذمر‪.‬‬ ‫إن استحسانك " المواكب " قد جعلها عزيزة لدّي ‪ .‬أما قولك بأنك ستستظهرين أبياتها فمّنة‬ ‫أحني أمامها رأسي ‪ ,‬غير أنني أشعر بأن حافظتك خليقة بقصائد أسمى و أبلغ و أنبل من كل ما جاء في‬ ‫المواكب ( ‪ ,‬بل و من كل ما كتبته و أكتبه ‪.‬‬ ‫و أما قولك في رسوم الكتاب )‬

‫أنتم أهل الفن تبرزون هذه البدائع بقوى أثيرية احتفظتكم عليها‬

‫ملوك الجوزاء فنأتي بغباوتنا أشقياء مظلومون‪.‬‬ ‫و نحن بها أشقياء خاسرون " فكلم ل أقبله بل إني أستميحك بالتمرد عليه و _ ما أكثر تمردي _ أنت يا‬ ‫م ّي منا و فينا ‪ .‬بل و أنت بين بنا‪:‬ت الفن و أبنائه كالوردة بين أوراقها ‪ .‬إن ما جاء في مقالتك التي نشر‪:‬ت في‬ ‫)المحروسة( ‪ .‬عن رسوم‬ ‫" المجنون " لكبر دليل على شعور فني عميق و فكرة خاصة دقيقة و بصيرة نفاذة ترى ما ل يراه غير القليل‬ ‫من الناس‬ ‫‪ .‬و لست بمبالغ إذا قلت بأنك أول صبية شرقية مشت في غابة‬ ‫" الخوا‪:‬ت التسع " ) إشارة إلى اللها‪:‬ت التسع في الميثولوجيا الغريقية المشرفا‪:‬ت على الداب و الفنون و‬ ‫قد عرفن بأسماء عديدة في عصور التاريخ القديم ‪ (.‬بقدم ثانية و رأس مرفوع‬ ‫و ملمح منفرجة كأنها في بيت أبيها ‪ .‬أل فأخبريني كيف عرفت كل ما تعرفين و في أي عالم جمعت خزائن‬ ‫نفسك و في أي عصر عاشت روحك قبل مجيئها إلى لبنان ؟ إن في النبوغ سراً أعمق من سر الحياة‪.‬‬


‫و أنت تريدين أن تسمعي ما يقوله الغربيون عني ‪ ,‬فألف شكر لك على هذه الغيرة و هذا الهتمام‬ ‫القومي ‪ .‬لقد قالوا الشيء الكثير و كانوا مبالغين في أقوالهم متطرفين في ظنونهم متوهمين وجود الَج َمـلـ في‬

‫وكر الرنب ‪ .‬و يعلم ال يا صديقتي بأنني ما قرأ‪:‬ت شيئاً حسناً عني إل و نحت في قلبي ‪ .‬إن الستحسان نوع‬ ‫من المسؤولية يضعها الناس على عواتقنا فتجعلنا نشعر بضعفنا‬

‫‪.‬‬

‫و لكن ل بد من المسير حتى و لو قّو سـ الحمل الثقيل ظهورنا ‪ ,‬و ل بد من استنباط القوة من‬

‫الضعف ‪ .‬أنا باعث إليك في غلف آخر بشيء من أقوال الجرائد و المجل‪:‬ت و ستعلمين منها أن الغربيين قد‬ ‫ملوا أشباح أرواحهم و ضجروا من ذواتهم فأصبحوا يتمسكون بالغريب الغير مألوف خصوصاً إذا كان شرقيا‬ ‫هكذا كان الشعب الثيني بعد انقضاء عصره الذهبي ‪ .‬لقد بعثت منذ شهر أو أكثر بمجموعة من‬ ‫أقوال الصحف في " المجنون " إلى إميل زيدان ) تولى رئاسة تحرير مجلة الهلل سنة ‪ 1914‬التي أسسها‬ ‫والده الديب العلمة جورجي زيدان ‪ (.‬و هو بالطبع من أصدقائك ‪.‬‬ ‫أحمد ال و أشكره على انقضاء الزمة عندكم ‪ .‬و لقد كنت أقرأ أخبار تلك المظاهرا‪:‬ت‬ ‫فأتخيلك هائبة فأهاب ‪ ,‬مضطربة فاضطرب ‪ .‬و لكنني كنت أردد في الحالين قول شكسبير‪:‬‬ ‫‪Do not fear our person‬‬ ‫‪There’s such divinity doth hedge a king‬‬ ‫‪That treason can but peep to what it would‬‬ ‫‪Acts little of his will‬‬

‫ل تخافي منّـا‬ ‫فالملك تحيط به هالة من القداسة‬ ‫و ليس في مقدور الخيانة‬ ‫أن تبلغ ما ترمي إليه‬ ‫أو تحد من عزيمته‬


‫و أن ِ‬ ‫ك يحميه ال من كل مكروه‬ ‫ت يا مّي من المحروسين و في نفسك َملَـ ٌ‬ ‫و تسألين ما إذا كان لكم من صديق في ربوعنا ؟‬ ‫أي و الحياة و ما في الحياة من حلوة جارحة و مرارة مقدسة إن لكم في ربوعنا صديقاً‬ ‫إرادته تدافع عنكم و نفسه ترغب في الخير لكم و إبعاد السوء عنكم و تحميكم من كل أذى ‪ .‬و قد يكون‬ ‫الصديق الغائب أدنى و أقرب من الصديق الحاضر ‪ .‬أ فليس الجبل أكثر هيبة و أشد وضوحاً و ظهوراً لسائٍر‬

‫في السهل منه لساكنيه ؟‬

‫ها قد غمر المساء هذا المكتب بوشاحه فلم أعد أرى ما تخطه يدي ‪.‬‬ ‫و ألف تحية لك و ألف سلم عليك‬ ‫و ال يحفظك ويحرسك دائماً‪.‬‬ ‫صديقك المخلص‬ ‫جبران خليل جبران‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رسائل جبران إلى مي‬ ‫نيويورك ‪ 25‬تموز ‪1919‬‬ ‫عزيزتي النسة مّي‬ ‫ت في خاطري ‪ .‬و لقد صرفت الساعا‪:‬ت الطوال مفكراً ب ِ‬ ‫منذ كتبت إليك حتى الن و أن ِ‬ ‫ك مخاطباً إياِك‬ ‫مستجوباً خفاياك مستقصياً أسرارِك ‪ .‬و العجيب أنني شعر‪:‬ت مرا‪:‬ت عديدة بوجود ذاتك الثيرية في هذا‬ ‫المكتب ترقب حركاتي و تكلمني‬

‫و تحاورني و تبدي رأيها في مآتّي و أعمالي‪.‬‬ ‫أنت بالطبع تستغربين هذا الكلم ‪ ،‬و أنا أستغرب حاجتي‬ ‫و اضطراري إلى كتابته إليك ‪ .‬و حبذا لو كان بإمكاني معرفة ذلك السر الخفي الكائن وراء هذا الضطراب و‬ ‫هذه الحاجة الماسة‪.‬‬


‫قد قلت لي مرًة ‪ " :‬أل إن بين العقول مساجلًة و بين الفكار تبادلً قد ل يتناوله الدراك الحسي و‬

‫لكن من ذا الذي يستطيع نفيه بتاتاً من بين أبناء الوطن الواحد ؟ "‬

‫إ ّن في هذه الفقرة الجميلة حقيقة أولية كنت فيما مضى أعرفها بالقياس العقلي ‪ ،‬أما الن فإني‬ ‫أعرفها بالختيار النفسي ‪ .‬ففي الونة الخيرة قد تحقق لي وجود رابطة معنوية دقيقة قوية غريبة تختلف‬ ‫بطبيعتها و مزاياها و تأثيرها عن كل رابطة أخرى ‪ ،‬فهي أشد و أصلب و أبقى بما ل يقاس من الروابط الدموية‬ ‫و الجينية حتى و الخلقية ‪ .‬و ليس بين خيوط هذه الرابطة خيط واحد من غزل اليام و الليالي التي تمر بين‬ ‫المهد و اللحد‪.‬‬ ‫‪ .‬و ليس بين خيوطها خيط غزلته مقاصد الماضي أو رغائب الحاضر أو أماني المستقبل ‪ ،‬فقد تكون موجودة‬ ‫بين اثنين لم يجمعهما الماضي و ل يجمعهما الحاضر – و قد ل يجمعهما المستقبل‪.‬‬ ‫و في هذه الرابطة يا مّي ‪ ,‬في هذه العاطفة النفسية ‪ ،‬في هذا التفاهم الخفي ‪ ،‬أحلم أغرب و‬ ‫أعجب من كل ما يتمايل في القلب البشري – أحلم طّي أحلم طّي أحلم‪.‬‬ ‫و في هذا التفاهم يا " م ّي " أغنية عميقة هادئة نسمعها في سكينة الليل فتنتقل بنا إلى ما وراء الليل ‪،‬‬ ‫إلى ما وراء النهار ‪ ،‬إلى ما وراء الزمن ‪ ،‬إلى ما وراء البدية‪.‬‬ ‫صاـ‪:‬ت أليمة ل تزول و لكنها عزيزة لدينا و لو استطعنا لما أبدلناها بكل ما‬ ‫و في هذه العاطفة يا مّي غ ّ‬ ‫نعرفه و نتخيله من الملذا‪:‬ت و المجاد‪.‬‬ ‫لقد حاولت في ما تقدم إبلغك ما ل و لن يبلغك إياه إل ما يشابهه في نفسك ‪.‬‬

‫فإن كنت قد أبنت‬

‫سراً معروف اً لديك كنت من أولئك الذين قد حبتهم الحياة و أوقفتهم أمام العرش البيض ‪ .‬و إن كنت قد أبنت‬ ‫أمراً خاصاً بي وحدي فل ِ‬ ‫ك أن تطعمي النار هذه الرسالة‪.‬‬ ‫استعطفك يا صديقتي أن تكتبي إلّي ‪ ،‬و استعطفك أن تكتبي إلّي بالروح المطلقة المجردة‬ ‫المجنحة التي تعلو فوق سبل البشر ‪ .‬أنت و أنا نعلم الشيء الكثير عن البشر ‪ ،‬و عن تلك الميول التي‬ ‫تقربهم إلى بعضهم البعض ‪ ،‬و تلك العوامل التي تبعد بعضهم عن البعض ‪ .‬فهل تنحينا و لو ساعة واحدة عن‬ ‫تلك السبل المطروقة و وقفنا محدقين و لو مرة واحدة بما وراء الليل ‪ ،‬بما وراء النهار ‪ ،‬بما وراء الزمن ‪ ،‬بما‬


‫وراء البدية ؟‬ ‫و ال يحفظك يا مّي و يحرسك دائماً‬

‫صديقك المخلص‬ ‫جبران خليل جبران‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رسائل جبران إلى مي‬ ‫نيويورك ‪ 9‬تشرين الثاني ‪1919‬‬ ‫عزيزتي النسة ‪ /‬مي‪.‬‬ ‫أن ِ‬ ‫ت حاقدة علّي ‪ ,‬ناقمة علّي ‪ ,‬و لك الحق ‪ ,‬و معك الحق ‪ ,‬و ما علّي سوى المتثال فهل نسيت إثماً‬ ‫اقترفته و أنا بعيد عن عالم المقاييس و الموازين ؟ هل و ضعت في " صندوق الذهب " ما ل يستحق الحفظ‬ ‫في الصندوق الثيري ؟‬


‫إن ما يعرفه الحاضر يجهله الغائب و ليس من العدالة أن تحسب جهل الغائب جريمة فالجرائم ل‬ ‫تكون إل في موضع الدراك و المعرفة ‪ ,‬و أنا ل أريد أن أسكب سهواً قليلً من الرصا ص المذوب أو الماء‬

‫الغالي على أصابع العارفين المدركين لعلمي أن الجريمة نفسها عقاب المجرمين و أن مصائب أكثر الناس في‬

‫ما أسند إليهم من العمال‪.‬‬ ‫لقد استأنست بذلك العنصر الشفاف الذي تتلشى أمامه المسافة و الحدود و الحواجز ‪ ,‬و النفس‬ ‫ت – أن ِ‬ ‫المستوحشة ل تستأنس إل بذلك العنصر و ل تستصرخ سواه و ل تستنجد غيره ‪ .‬و أن ِ‬ ‫ت التي‬ ‫تعيشين كثيراً في عالم المعنى تعلمين أن العنصر الشفاف فينا يتنحى عن جميع أعمالنا و يبتعد حتى و عن‬

‫أجمل ميولنا البيانية و أنبل رغائبنا الفنية ‪ ,‬فهو و إن جاور الشاعرية فينا ل ينظم ذاته نشيداً غنائياً و ل يضع‬

‫خفاياه في الخطوط و اللوان‬

‫‪ .‬كل بشري يستطيع التكلف بمنازعه و اللعب بمطامعه و المتاجرة بأفكاره‬ ‫و لكن ليس بين البشر من يستطيع التكلف بوحشته أو اللعب بألمه أو المتاجرة بجوعه و‬ ‫عطشه ‪ .‬ليس بين الناس من يقدر أن يحول أحلمه من صورة إلى صورة أو ينقل أسرار نفسه من مكان إلى‬ ‫مكان ‪ .‬و هل بإمكان الضعيف و الصغير فينا أن يؤثر على القوي و العظيم فينا ؟‬ ‫هل بإمكان الذا‪:‬ت المقتبسة و هي من الرض أن تحّو رـ و تغّير الذا‪:‬ت الوضعية و هي من‬

‫السماء ؟ إن تلك الشعلة الزرقاء تنير و ل تتغير و تحّو لـ و ل تتحول و تأمر و ل تأتمر ‪ .‬و هل تظنين حقيقةً ‪,‬‬

‫و أنت أبعد الناس فكراً ‪ ,‬أن‪:‬‬

‫التهكم الدقيق " ينبت في حقل يفلحه اللم و تزرعه الوحشة و يحصده الجوع و العطش؟‬ ‫هل تظنين أن النكتة الفلسفية تسير بجانب الميل إلى الحقيقة و الرغبة في المجرد المطلق ؟‬

‫ل يا صديقتي ‪ ,‬أنت أرفع من الشك و الرتياب ‪ .‬الشك يلزم الخائفين السلبيين و الرتياب‬ ‫يلحق من ليس لهم الثقة بنفوسهم ‪ ,‬أما أنت فقوية إيجابية و ل ِ‬ ‫ك الثقة التامة بنفسك فهل كن ِ‬ ‫ت مؤمنة بكل‬

‫ت عيني ِ‬ ‫ما تضعه اليام في راحتيك ؟ هل حول ِ‬ ‫ك عن المظاهر الجميلة إلى الحقيقة الجميلة ؟‬


‫قد صرفت شهور الصيف في منزل منفرد منتصب كالحلم بين البحر و الغاب فكنت كلما‬ ‫أضعت نفسي في الغاب أذهب إلى البحر فأجدها و كلما فقدتها بين المواج أعود إلى ظل الشجار فألتقي‬ ‫بها ‪ .‬إن غابا‪:‬ت هذه البلد تختلف عن غابا‪:‬ت الرض كافًة ‪ ,‬فهي غضة كثيفة متعرشة تعود بالذكرى إلى‬ ‫الزمنة الغابرة ‪ ,‬إلى البدء إذ كان الكلمة عند ال و كان الكلمة ل ! أما بحرنا فبحركم و ذلك الصو‪:‬ت‬

‫المجنح الذي تسمعونه على شواطئ مصر نسمعه نحن على هذه الشواطئ ‪ ,‬و ذلك القرار الرهاوي الذي يمل‬ ‫صدوركم بهيبة الحياة و هولها يمل صدرنا بهول الحياة و هيبتها ‪.‬‬ ‫لقد أصغيت إلى نغمة البحر في مشارق الرض و مغاربها فكانت و لم تزل هي هي الغنية الزلية البدية التي‬ ‫تعلو و تهبط بالروح فتكسبها تارًة الحزن و طوراً الطمأنينة ‪.‬‬ ‫لقد أصغيت إلى تلك النغمة حتى و على رمال السكندرية – نعم على رمال السكندرية –‬ ‫و كان ذلك في صيف ‪ 1903‬فسمعت إذ ذاك حديث الدهور من بحر المدنية القديمة مثلما سمعته بالمس‬ ‫من بحر المدنية الحديثة ‪ ,‬ذلك الحديث الذي سمعته للمرة الولى و أنا في الثامنة فاحتر‪:‬ت بأمري و ألبست‬ ‫عل ّي حياتي فأخذ‪:‬ت أحارب بسؤالتي الكثيرة صبر المرحومة أمي و جلدها ‪ ,‬ذلك الحديث الذي أسمعه اليوم‬ ‫فأطرح السؤال‪:‬ت ذاتها و لكن على الم الكلية فتجيبني بغير الكلم و تفهمني أموراً كلما حاولت إظهارها‬ ‫للخرين تحولت اللفاظ في فمي إلى سكو‪:‬ت عميق ‪.‬‬

‫أنا اليوم و قد صر‪:‬ت في )الثمانين؟؟؟؟( مثلما كنت و أنا في الثامنة ‪ ,‬أجلس على شط البحر و‬ ‫أنظر إلى أبعد نقطة من الفق الزرق و أسأل ألف سؤال و سؤال ‪ " :‬ترى هل لنا من مجيب في ربوعكم ؟ "‬ ‫ترى هل تتفتح البواب الدهرية و لو لدقيقة واحدة لنرى ما وراءها من السرار و الخفايا ؟ أليس بإمكانكم أن‬ ‫تقولوا لنا كلمة واحدة عن تلك النظمة السرية النافذة حولنا في الحياة قبل أن يضع المو‪:‬ت نقابه البيض على‬ ‫وجوهنا ؟" و أنت تسألين ما إذا كنت ل " أستطيب الفائدة في التفكه بل إجهاد " إني أستطيب الفائدة ‪,‬‬ ‫أستطيبها إلى درجة قصوى و لكن بعد أن أترجم لفظها إلى لغتي الخاصة !!! أما الجهاد فسّلم نصعد عليه‬

‫لنبلغ العلّية ‪ .‬أنا بالطبع أفضل الصعود إلى عليتي طائراً و لكن الحياة لم تعّلم جناحّي الرفرفة و الطيران فماذا‬ ‫أفعل ؟ و أنا أفضل الحقيقة الخفية على الحقيقة الظاهرة ‪ ,‬و أفضل الحاسة الصامتة اكتفاًء و اقتناعاً على‬ ‫الحاسة التي تحتاج إلى التفسير و التعليل ‪.‬‬


‫غير أنني وجد‪:‬ت أن السكو‪:‬ت العلوي يبتدئ دائما بكلمة علوية‬ ‫إني أستطيب الفائدة ‪ ,‬بل و أستطيب كل شيء في الحياة إل الحيرة ‪ ,‬فإذا جاء‪:‬ت الفائدة و على منكبيها غمر‬ ‫من الحيرة أغمضت عينّي و قلت في سري " هذا صليب آخر علي أن أحمله مع المائة صليب التي أحملها "‬ ‫و ليست الحيرة بذاتها من المور المكروهة و لكنني قد رافقتها حتى مللتها – قد أكلتها خبزاً و شربتها ماًء و‬

‫توسدتها فراشاً و لبستها رداًء حتى صر‪:‬ت أتبرم من لفظ اسمها و أهرب من ظل ظلها‪. .‬‬

‫أظن أن مقالتك في " المواكب " هي الولى من نوعها باللغة العربية ‪ .‬هي أول بحث في ما يرمي إليه‬ ‫الكاتب بوضع كتاب ‪ .‬حبذا لو كان بإمكان أدباء مصر و سوريا أن يتعلموا من ِ‬ ‫ك استجواب أرواح الكتب دون‬ ‫أجسادها و استفسار ميول الشعراء النفسية قبل استقصاء مظاهر الشعر الخارجية ‪ .‬يجب علّي أن ل أحاول‬ ‫إظهار امتناني الشخصي على تلك المقالة النفيسة لنني أعلم أنها كتبت و أنت منصرفة عن كل شيء شخصي‬ ‫‪ .‬و إذا ما حاولت إظهار امتناني القومي بصورة عمومية أوجب علّي ذلك كتابة مقالة في تلك المقالة و هذا‬ ‫أمر يحسبه الشرقيون في الوقت الحاضر من المور التي ل تجاور الذوق السليم ! و لكن سيجيء يوم أقول‬ ‫فيه كلمتي في " مي " و مواهبها ‪ ,‬و ستكون كلمتي هائلة ! و ستكون طويلة عريضة ! و ستكون صادقة لنها‬ ‫ستكون جميلة‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫إن الكتاب الذي سيصدر في هذا الخريف هو كتاب رسوم خاٍل من " ضجيج التمرد و‬

‫العصيان ‪ ".‬و لول إضراب العمال في المطابع لظهر منذ ثلثة أسابيع ‪ .‬و في السنة القادمة سيصدر كتابان‬ ‫الول " المستوحد " و ربما دعوته باسم آخر " و هو مؤلف من قصائد و أمثال و الثاني كتاب رسوم رمزية‬ ‫باسم " نحو ال " وبهذا الخير انتهي من عهد و ابتدئ بعهد آخر ‪ .‬و أما " النبي " فكتاب فكر‪:‬ت به منذ ألف‬ ‫سنة و لكنني لم أكتب فصلً من فصوله حتى أواخر السنة الغابرة ‪ .‬و ماذا عسى أقول لك عن هذا النبي ؟‬ ‫هو ولدتي الثانية‬ ‫و معموديتي الولى‬ ‫هو الفكرة الوحيدة التي تجعلني حرياً بالوقوف أمام وجه الشمس ‪.‬‬ ‫و لقد وضعني هذا النبي قبل أن أحاول وضعه ‪ ,‬و ألّف نـي قبل أن أفكر بتأليفه‬


‫و سيّرني صامتاً وراءه سبعة آلف فرسخ قبل أن يقف ليملي علّي ميوله و منازعه‬ ‫أرجوك أن تسألي رفيقي و معاوني العنصر الشفاف عن هذا النبي و هو يقص عليك حكايته ‪.‬‬ ‫اسألي العنصر الشفاف ‪ ,‬اسأليه في سكينة الليل عندما تنعتق النفس من قيودها و تتملص من أثوابها‬ ‫و هو يبوح ل ِ‬ ‫ك بأسرار هذا النبي و بخفايا من تقدمه من النبياء أجمعين‪.‬‬ ‫أنا أعتقد يا صديقتي أن في العنصر الشفاف من العزم ما لو وضعنا ذرًة منه تحت جبل لنتقل من‬

‫مكان إلى مكان آخر‪, .‬‬

‫و أعتقد ‪ ,‬بل و أعلم ‪ ,‬أننا نستطيع أن نمد ذلك العنصر سلكاً بين بلد و بلد فنعلم بواسطته كل ما‬

‫نريد أن نعلمه و نحصل على كل ما نشوق إليه و نبتغيه‪.‬‬

‫و ل ّد يـ أمور كثيرة أريد أن أقولها عن العنصر الشفاف و غيره من العناصر و لكن علّي أن أبقى صامتاً‬ ‫عنها ‪ .‬و سوف أبقى صامتاً حتى يضمحل الضباب و تنفتح البواب الدهرية و يقول لي ملك الرب " تكلم ‪,‬‬ ‫فقد ذهب زمن الصمت و ِس ْر ـ فقد طال وقوفك في ظلل الحيرة‬ ‫أي متى يا ترى تنفتح البواب الدهرية ؟ هل تعلمين ؟ هل تعلمين أي متى تتفتح البواب‬ ‫الدهرية و يضمحل الضباب ؟‬ ‫و ال يحفظك يا " مي" و يحرسك دائماً‬ ‫المخلص‬ ‫جبران خليل جبران‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رسائل جبران إلى مي‬ ‫نيويورك ‪ 15‬تشرين الثاني ‪1919‬‬

‫و في ‪ 15‬تشرين الثاني ‪ 1919‬تلقت مي زيادة رسالة يحمل مغلفها التاريخ النف الذكر كانت عبارة عن‬ ‫بطاقة دعوة لمعرض فني كبير أقيم في نيويورك لفنانين أجانب و أمريكان ‪ .‬و قد كتب جبران على تلك البطاقة‬ ‫إلى مي العبارة التالية‪:‬‬


‫)!! هذه دعوة إلى وليمة فنية فهل تكرمت و شّرفِتنا (‬ ‫ـــــــــ‬

‫رسائل جبران إلى مي‬

‫نيويورك ‪ 30‬تشرين الثاني ‪1919‬‬

‫و بعد أسبوعين ‪ ,‬أي بتاريخ ‪ 30‬تشرين الثاني ‪ 1919‬استنادا إلى ختم البريد في مصر المسجل‬ ‫على المغلف تلقت مي رسالة أخرى تتضمن دعوة من نادي " ماكدويل " في نيويورك ‪ ,‬كما هو واضح في‬ ‫الصورة اللحقة ‪ ,‬لحضور أمسية فنية أدبية في ‪ 2‬كانون الول ‪ 1919‬يقرأ فيها جبران بعضاً من حكاياته و‬

‫أمثاله ‪ ,‬و ينشد فيها " ويتر باينرز " بعضاً من أناشيده ‪ ,‬وقد كتب جبران على هامش البطاقة بالنكليزية ما يلي‬


‫‪:‬‬

‫‪Would that you were here to lend wings to my voice and turn my‬‬ ‫" ‪mutterings into songs . Yet I shall read knowing that among the‬‬ ‫‪strangers" an invisible " friend" is listening and smiling sweetly and‬‬ ‫‪.tenderly‬‬

‫)‬

‫حبذا لو كنت هنا لتعيري أجنحة إلى صوتي و تحيلي همهماتي إلى تراتيل ‪ .‬و مع ذلك فسوف‬

‫أقرأ و أنا واثق أن لي بين الغرباء صديقاً ل ُيرى يسمعني و يبتسم لي بعذوبة و حنان‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رسائل جبران إلى مي‬ ‫نيويورك ‪ 28‬كانون الثاني ‪1920‬م‪.‬‬ ‫عزيزتي النسة ‪ /‬مي ‪.‬‬ ‫تريدين أن تعلمي بالضبط معنى ندامتي و ما وراء طلبي المغفرة منك من السرار النفسية ‪ .‬و إليك بالضبط‬ ‫البسيط ما كان‬ ‫و سيكون وراء تلك الندامة و تلك المعاني و تلك السرار و تلك النفسيا‪:‬ت ‪.‬‬ ‫لم أندم على كتابة تلك الرسالة المعروفة لديك " بالنشيد الغنائي " – و لن أندم ‪.‬‬


‫لم أندم على أصغر حرف فيها ل و ل على أكبر نقطة فيها و لن أندم ‪.‬‬ ‫لم أكن في ضلل لذلك لم أر داعياً للهتداء‪.‬‬ ‫و كيف يا ترى أندم على أمر موجود الن في نفسي مثلما كان موجوداً إذ ذاك ؟‬ ‫و أنا لست ممن يندمون على وضع ما في نفوسهم بين شفاههم ‪.‬‬ ‫و لست ممن ينفون في يقظتهم ما يثبتونه في أحلمهم ‪ ,‬لن أحلمي هي يقظتي و يقظتي هي أحلمي ‪ ,‬لن‬ ‫حياتي ل تقسم إلى خطوة إلى المام و خطوتين إلى الوراء‬ ‫أما الثم الذي اقترفته ‪ -‬أو توهمت بأني اقترفته و أنا بعيد عن عالم الموازين و الكمية ‪ -‬فهو‬ ‫هذا ‪ :‬بعد أن قرأ‪:‬ت كلمك عن ذلك اللبناني الذي زارك قبل مغادرتك القاهرة إلى رمال السكندرية ‪ -‬أعني‬ ‫ذلك الرجل الذي " بكل أسف لم تسكبي سهواً بعض قطرا‪:‬ت من الماء الغالي على يده " معاقبة له على " أمر‬

‫غير محمود " ‪ -‬بعد أن قرأ‪:‬ت كلمك هذا انتبهت لشيء كان من الواجب علّي أن أفطن له قبل أن أضع تلك‬ ‫الرسالة في صندوق البريد ‪ ,‬فظننت أو تخيلت ‪ ,‬أو تصور‪:‬ت ‪ ,‬أن تلك الرسالة قد سببت لك بعض النزعاج‬

‫من هذه الوجهة ‪.‬‬ ‫و من منا ل يتأفف و يتبرم إذا علم أن الشياء المختصة به دون سواه قد مر‪:‬ت بين أصابع و أمام‬ ‫عيون من ليس لهم الحق بمعرفتها ؟‬ ‫هذا هو المر الذي انتبهت له فندمت و هذا هو الشيء الوحيد الذي طلبت إليك وضعه في‬ ‫صندوق النسيان ‪.‬‬ ‫و قد دعو‪:‬ت " قلم المراقبة " و السباب التي أوجدته و النتائج التي أوجدتها " بعالم الموازين و‬ ‫الكمية " دعوته بهذا السم لبعده عن العالم الذي كان يشغل فكري حينئذ بعد الجحيم عن غابة الحق ‪.‬‬


‫و لقد عرفت في العام الغابر عن " قلم المراقبة " ما يضحك البوم بين القبور ! فقد كان بعض‬ ‫الفتيان الموظفين في تلك الدارة النبيلة يفتحون الرسائل الواردة إلّي من الشرق و يذيلونها بالحواشي و‬ ‫السلما‪:‬ت و التحيا‪:‬ت و الملحظا‪:‬ت السياسية و العمرانية و الدبية و بعضهم كان يطلب مني المال لغراض‬ ‫لم أسمع بمثلها ‪.‬‬ ‫و أغرب من هؤلء جميعهم مراقب في دمشق وجد فسحة بيضاء واسعة في رسالة موجهة إلّي‬ ‫فنمقها و طرزها بقصيدة طويلة يمدحني بها ! و لو أخبرتك حكاية تلك القصيدة بتمامها لغضبت علّي ‪.‬‬

‫أما تلك الرسالة المعروفة " بالنشيد الغنائي " فهي مني و بي و فّي ‪ ,‬و هي أنا مثلما كنت و‬ ‫مثلما سأكون ‪ ,‬و هي الن مثلما كانت بالمس و مثلما ستكون في الغد فهل آمنت و صدقت يا توما ) هو‬ ‫القديس توما أحد رسل المسيح الثني عشر ‪ .‬لم يؤمن بقيامته إل بعد أن رأى آثار جراحاته و وضع فيها إصبعه‬ ‫‪ .‬و هو الذي أدخل المسيحية إلى الهند ‪ (.‬أتريدين وضع إصبعك في الجرح يا مّي ؟‬ ‫و اسمحي لي أن أقول ثانية أنني أكره التهكم الدقيق و الغير دقيق بين الصدقاء ‪ ,‬و أكره‬ ‫النكتة الفلسفية و الغير فلسفية بين المتفاهمين بالروح ‪ ,‬و أكره التكلف و التصنع في كل أمر حتى و في‬ ‫الصعود إلى السماء ‪.‬‬ ‫و أما سبب كرهي هذه الشياء فهو ما أراه حولي في كل دقيقة من مظاهر هذه المدنية اللية و نتائج‬ ‫هذا الجتماع السائر على دواليب لنه بدون أجنحة ‪.‬‬ ‫أظن أن السبب الذي يجعلك أن تعزي إلّي " التهكم الدقيق " هو بعض ما جاء في " المجنون " و‬ ‫إذا صح ظني أكون أول ضحايا ذلك الكتاب لن " المجنون " ليس أنا بكليتي ‪ ,‬و الفكار و المنازع التي‬ ‫أرد‪:‬ت بيانها بلسان شخصية ابتدعتها ليست كل ما لدي من الفكار و المنازع ‪ ,‬و اللهجة التي وجدتها مناسبة‬ ‫لميول ذلك المجنون ليست اللهجة التي اتخذها عندما أجلس لمحادثة صديق أحبه و أحترمه ‪.‬‬ ‫و لكن إذا كان ل بد من الوصول إلى حقيقتي بواسطة ما كتبته فما عسى يمنعك عن اتخاذ فتى‬ ‫الغاب في كتاب " المواكب " لهذه الغاية بدل من " المجنون " ؟ إن روحي يا مي أقرب بما ل يقاس إلى " فتى‬


‫الغاب " و نغمة نايه منها إلى " المجنون " و صراخه ‪ .‬و سوف يتحقق لديك بأن‬ ‫" المجنون " لم يكن سوى حلقة من سلسلة طويلة مصنوعة من معادن مختلفة ‪ .‬ل أنكر أن " المجنون " كان‬ ‫حلقة طويلة مصنوعة من معادن مختلفة ‪ .‬ل أنكر أن " المجنون " كان حلقة خشنة مصنوعة من حديد ‪ ,‬و‬ ‫لكن هذا ل يدل على أن السلسلة بكليتها ستكون من الحديد الخشن ‪ .‬لكل روح فصول يا مي ‪ ،‬و شتاء‬ ‫الروح ليس كربيعها ‪ ,‬و ل صيفها كخريفها ‪.‬‬ ‫قد سرر‪:‬ت جداً لنتسابك إلى عائلة لوّية ) نسبة إلى لوي البن الثالث ليعقوب و قد خرج‬

‫اللويون ‪ ,‬كهنة بني إسرائيل‪ ,‬من سبطة ( ‪ ,‬سرر‪:‬ت إلى درجة قصوى و سبب هذا السرور الهائل هو هذا أنا‬ ‫ابن كاهن ماروني !!‬

‫نعم فقد كان جدي ‪ ,‬والد أمي‪ ,‬كاهنا متعمقاً بالسرار اللهوتية ! ) بيد أنه كان مولعاً‬ ‫بالموسيقى الكنائسية و الغير كنائسية و لهذا قد غفر‪:‬ت له كهنوتيته‪ (.‬و قد كانت أمي أحب أبنائه إليه أشبههم‬ ‫به ‪ .‬و الغريب أنها عزمت و استعد‪:‬ت و هي في ربيع العمر للدخول إلى دير القديس سمعان للراهبا‪:‬ت في‬ ‫شمال لبنان ‪.‬‬ ‫أما أنا فقد ورثت عن أمي تسعين بالمائة من أخلقي و ميولي ) ل أقصد بذلك أنني أماثلها من‬ ‫حيث الحلوة و الوداعة و كبر القلب ( و مع أنني أشعر بشيء من البغضاء نحو الرهبان فأنا أحب الراهبا‪:‬ت و‬ ‫أباركهن في قلبي ‪.‬‬ ‫و قد يكون حبي لهن ناتجاً عن تلك الرغائب السرية التي كانت تشغل خيال أمي في صباها ‪ .‬و إني‬

‫أذكر قولها لي مرة ‪ ,‬و قد كنت في العشرين ‪:‬‬

‫لو دخلت الدير لكان ذلك أفضل لي و للناس‪،‬‬ ‫فقلت لها‪:‬‬

‫ لو دخل ِ‬‫ت الدير لما جئت أنا ‪.‬‬ ‫فأجابت ‪:‬‬ ‫ أنت مقّد رـ يا ابني ‪.‬‬‫فقلت ‪:‬‬

‫ نعم ‪ ,‬و لكن قد اخترت ِ‬‫ك أماً لي قبل أن أجيء بزمن بعيد ‪.‬‬

‫فقالت ‪:‬‬


‫‪ -‬لو لم تجيء لبقيت ملكاً في السماء ‪.‬‬

‫فقلت ‪:‬‬

‫‪ -‬لم أزل ملكاً !‬

‫فتبسمت و قالت ‪:‬‬

‫ أين جوانحك ؟‬‫ت يدها على كتفي قائلً ‪:‬‬ ‫فوضع ُ‬ ‫ هنا‬‫فقالت‪:‬‬ ‫ متكسرة !‬‫بعد هذا الحديث بتسعة أشهر ذهبت أمي إلى ما وراء الفق الزرق ‪ .‬أما كلمتها " متكسرة "‬ ‫فظلت تتمايل في نفسي و من هذه الكلمة قد غزلت ونسجت حكاية " الجنحة المتكسرة "‪.‬‬ ‫ل يا مي لم أكن قط من جدود جدود أمي ‪ .‬لقد كانت و لم تزل أما لي بالروح ‪ .‬و إني أشعر اليوم بقربها مني‬ ‫و تأثيرها عل ّي و مساعدتها لي أكثر مما كنت أشعر به قبل أن تذهب ‪ -‬أكثر بما ل يقاس ‪ .‬و لكن هذا‬ ‫الشعور ل ينفي الروابط الخرى الكائنة بيني و بين أمهاتي و أخواتي بالروح ‪ ,‬و ليس هناك من فرق بين شعوري‬ ‫نحو أمي و شعوري نحو أمهاتي سوى الفرق الموجود بين الذكرى الواضحة و الذكرى الضئيلة ‪.‬‬ ‫هذا شيء قليل عن أمي ‪.‬‬ ‫و إذا جمعتنا اليام أخبرتك الشيء الكثير عنها ‪ ,‬و إني ل أشك بأنك ستحبينها ‪ .‬ستحبينها لنها تحبك ‪ .‬و‬ ‫الرواح السابحة هناك تحب الرواح الجميلة السائرة هنا‬ ‫و أنت يا مي روح جميلة إذاًل تستغربي قولي " إنها تحبك ‪".‬‬ ‫أما الوجه الخر الذي نشر في " الفنون" فهو وجهها في حالة اللم النفسي ‪ .‬و الوجه‬ ‫المنشور في أول صفحة من " عشرون رسماً" ) عنوان لكتاب يتضمن رسوماً بريشة جبران كتبت مقدمته اليس‬

‫رافائيل نشر في نيويورك سنة ‪ (. 1919‬هو وجهها أيضاً ‪ ,‬و لقد دعوته " نحو اللنهاية " لنه يمثلها في آخر‬ ‫دقيقة من حياتها هنا و أول دقيقة من حياتها هناك ‪.‬‬


‫و أما من جهة عائلة والدي فإني أستطيع أن أتبجح و أتباهى بثلثة أو أربعة من الكهان مثلما‬ ‫ت وتبجح ِ‬ ‫تباهي ِ‬ ‫ت بكهنة و قسس بيت زيادة !!!! أقّر لك بميزة واحدة و هي وجود القسس عندكم ‪ ,‬إن‬ ‫شجرتنا لم تثمر من هذا النوع ! و لكن قد ظهر عندنا خورو " سقفس" أي خوري ونصف خوري ‪ ,‬فهل ظهر‬ ‫عندكم من هذا الجنس ؟ و لقد كان هذا الخوروسقفس أو هذا المونسنيور الجبراني ‪ ,‬يصلي و يبتهل ل‬ ‫ليرجعني إلى حضن الكنيسة الجامعة الرسولية مثلما ارجع البن الشاطر إلى أبيه! و حضن الكنيسة كما تعلمين‬ ‫يشابه صدر أبينا إبراهيم ‪ -‬الول لراحة الخطأة و الثاني لراحة الموا‪:‬ت ‪ .‬و المسيحي المسكين ل يتملص من‬ ‫هذا حتى يهبط في ذاك و أنا و الحمد للسماء لم أكن من الخطأة و لن أصير من الموا‪:‬ت ! بيد أنني أشفق‬ ‫على إبراهيم إجمالً و على صدر إبراهيم خصوصاً ‪...‬‬

‫هذا و ل يغرب عن بال ِ‬ ‫ك أن نصف سكان شمال لبنان من الكهنة و القساوسة و النصف الثاني‬ ‫من أبناء و أحفاد الكهنة ! فهل في بلدكم – و أظنها غزير‪ ) -‬قرية في لبنان تقع بالقرب من مسقط رأس مي‬ ‫زيادة أي من قرية شحتول ‪ ,‬كانت تؤمها للصطياف‪ (.‬مثل ذلك ؟ أما في بلدنا ‪ -‬بشري ) مسقط رأس‬ ‫جبران( فمن الصعوبا‪:‬ت إحصاء عدد الكهان و الرهبان !‬ ‫أجل لنتحدث عن كتاب " دمعة وابتسامة " فأنا لست بخائف ! ظهر هذا الكتاب قبل نشوب‬ ‫الحرب بمدة قصيرة ‪ .‬و قد بعثت إليك بنسخة منه يوم صدوره ‪ .‬نعم قد بعثت إليك بنسخة من كتاب " دمعة‬ ‫و ابتسامة " يوم صدوره من مطبعة الفنون و لكنني لم أسمع منك كلمة واحدة عن وصولها فتأثر‪:‬ت و لم أزل‬ ‫متأثراً !!‬ ‫أما مقال‪:‬ت " دمعة و ابتسامة " فهي أول شيء نشر لي في الجرائد ‪ .‬هي من حصرم كرمي و‬ ‫قد كتبتها قبل " عرائس المروج " بزمن و لقد شاء نسيب عريضة فجمعها و أضاف إليها مقالتين كتبتا في‬ ‫باريس منذ ‪ 12‬سنة ‪ .‬سامحه ال ! لقد كتبت و نظمت قبل " دمعة و ابتسامة" أعني بين الطفولية و الشباب‬ ‫المجلدا‪:‬ت الضخام !‬ ‫و لكنني لم أقترف جريمة نشرها ‪ ,‬و لن أفعل ‪ .‬و أنا باعث إليك بنسخة ثانية من " دمعة و ابتسامة "‬ ‫مع المل بأنك ستنظرين إلى روحها ل إلى جسدها ‪.‬‬


‫أنا من الميالين إلى شارل جيران ) شاعر فرنسي له عدة دواوين من الشعر العاطفي الرقيق ‪ (.‬و لكنني‬ ‫أشعر أن المدرسة التي ينتمي إليها أو الشجرة التي هو غصن من غصونها لم تكن في الغابة العلوية ‪ .‬إن الشعر‬ ‫الفرنسي في النصف الخير من القرن التاسع عشر و في أوائل القرن العشرين كان خاتمة لشيء وجد بدلً من‬ ‫أن يكون بداية لشيء غير موجود ‪ -‬أعني غير موجود في عالم الحواس ‪ .‬ففي عقيدتي أن رودان النحا‪:‬ت‬

‫‪-‬و هو المثّـال الفرنسي المشهور الذي تأثر به جبران‪-‬‬

‫و كيريار المصور ) رسام فرنسي اشتهر‪:‬ت لوحاته بأنها كانت تعتمد على أرضية من الضباب ‪ (.‬و‬

‫ديبوسي الموسيقي ) من أشهر مؤلفي الموسيقى و مجدديها في القرن العشرين‪ (.‬قد ساروا على سبل جديدة‬ ‫فكانوا حقيقة من العظام ‪ .‬و لكن جيران و رفاقه كانوا و ما برحوا يسيرون حتى الساعة على السبل التي‬ ‫رسمتها لهم الحالة المعنوية في أوربا قبل زمن الحرب ‪ .‬و مع أنهم يشعرون بجمال الحياة و ما في الحياة من‬ ‫اللم و الغبطةو المظاهر و السرار فهم يمثلون مساء عهٍد بدلً من صباح عهِد آخر ‪ .‬و عندي أن كتاب و‬ ‫شعراء العالم العربي في أيامنا هذه يمثلون ‪ ,‬و لكن بصورة مصغرة جداً ‪ ,‬نفس الفكرة و نفس الحالة و نفس‬

‫العهد ‪.‬‬

‫و على ذكر العالم العربي فإني أسألك ‪ :‬لماذا يا ترى ل تعلّم يـ كتاب و شعراء مصر المسير على‬ ‫ت وحدِك قادرة على ذلك فماذا يمنعك ؟ أن ِ‬ ‫السبل الجديدة ؟ أن ِ‬ ‫ت يا مي من بنا‪:‬ت الصباح الجديد فلماذا ل‬

‫تنبهي الراقدين ؟ إن الصبية الموهوبة كانت و ستكون بمقام ألف رجل موهوب ‪ .‬و إني ل أشك بأن ِ‬ ‫ك إذا‬ ‫ت تلك النفوس الضائعة الحائرة المستعبدة بقوة الستمرار أيقظ ِ‬ ‫نادي ِ‬ ‫ت فيها الحياة و العزم و الميل إلى‬ ‫الصعود نحو الجبل ‪ .‬افعلي هذا و ثقي بأن من يسكب الزيت في السراج يمل بيته نوراً – أ فليس العالم‬

‫العربي بيتك و بيتي ؟‬

‫أنت تتأسفين لنك لم تستطيعي الحضور إلى " الوليمة الفنية "‬ ‫و أنا أستغرب أسفك هذا ‪ ,‬أستغربه جداً أفل تذكرين ذهابنا سوية إلى المعرض ؟ هل نسيت انتقالنا من صورة‬ ‫إلى صورة ؟ هل نسيت كيف سرنا ببطء في تلك القاعة الواسعة نبحث و ننتقد‬ ‫و نستقصي ما وراء الخطوط و اللوان من الرموز و المعاني و المقاصد ؟‬


‫هل نسيت كل ذلك ؟ الظاهر أن " العنصر الشفاف " فينا يقوم بكثير من العمال و المآتي على‬ ‫غير معرفة منا ‪ ,‬فهو يسبح مرفرفاً إلى الجهة الثانية من الرض و نحن في غرفة صغيرة نقرأ جرائد المساء ‪ .‬و‬ ‫يزور الصدقاء البعيدين و نحن نجالس و نحدث الصدقاء القريبين ‪ ,‬و يسير في حقول و غابا‪:‬ت بعيدة‬

‫سحرية لم ت َرها عين بشري و نحن نسكب الشاي في فنجان سيدة تخبرنا عن الحتفال بعرس ابنتها ‪.‬‬ ‫ما أغرب العنصر الشفاف فينا يا مي و ما أكثر أعماله المجهولة لدينا ‪ .‬و لكن عرفناه أو لم نعرفه‬ ‫فهو أملنا و محجتنا ‪ .‬و هو مصيرنا و كمالنا ‪ .‬و هو نحن في الحالة الربانية ‪.‬‬ ‫ك إذا أجهد ِ‬ ‫‪:‬ت حافظت ِ‬ ‫هذا و أنا أعتقد بأن ِ‬ ‫ك قليلً تتذكرين زيارتنا إلى المعرض فهل فعلت ؟‬ ‫لقد طالت رسالتي – و من يجد لذًة في شيء أطاله ‪.‬‬ ‫قد ابتدأ‪:‬ت بهذا الحديث قبل نصف الليل و ها قد صر‪:‬ت بين نصف الليل و الفجر و لكنني للن‬ ‫لم أقل كلمة واحدة مما أرد‪:‬ت أن أقوله عندما ابتدأ‪:‬ت ‪ .‬إن الحقيقة الوضعية فينا ‪ ,‬ذلك الجوهر المجرد ‪,‬‬ ‫ذلك الحلم الملتف باليقظة ل يتخذ غير السكو‪:‬ت مظهراً و بياناً ‪.‬‬

‫نعم كان بقصدي أن أسألك ألف سؤال و سؤال و ها قد صاح الديك و لم أسألك شيئاً ‪.‬‬ ‫كان بقصدي أن أسأل ِ‬ ‫ك مث لً ما إذا كانت لفظة " سيدي " موجودة حقيقة في قاموس الصداقة ؟ لقد فتشت‬

‫عن هذه اللفظة في النسخة الموجودة لدّي من هذا القاموس و لم أجدها ‪ ..‬فاحتر‪:‬ت بأمري غير أنني أشعر أن‬ ‫نسختي هي النسخة المصححة – و لكن قد أكون غير مصيب!‬

‫هذا سؤال صغير ‪ ,‬أما السؤال‪:‬ت الكبيرة فسأتركها إلى فرصة أخرى ‪ -‬إلى ليلة أخرى‪ -‬فليلتي هذه‬ ‫قد شاخت و هرمت ‪ ,‬و أنا ل أريد أن أكتب إليك في ظلل الليالي المسنة ‪.‬‬


‫و إني أرجو أن يمل العام الجديد راحتيك بالنجوم ‪.‬‬ ‫و ال يحفظك يا مي و يحرسك‬ ‫صديقك المخلص‬ ‫جبران خليل جبران‬

‫ـــــــ‬

‫رسائل جبران إلى مي‬ ‫بعد أن ختمت هذه الرسالة فتحت نافذتي فوجد‪:‬ت المدينة متشحة برداء أبيض و الثلج يتساقط بهدوء و‬


‫عزم و غزارة ‪ ,‬فتهيبت لهذا المشهد الجليل بطهره و نقاوته ‪ ,‬و عد‪:‬ت بالفكر إلى شمال لبنان ‪ ,‬إلى أيام‬ ‫حداثتي عندما كنت أصنع التماثيل من الثلج ثم تطلع الشمس فتذيبها ‪.‬‬ ‫إني أحب عواصف الثلج محبتي لكل أنواع العواصف ‪ .‬و سأخرج في هذه الدقيقة و أمشي تحت هذه‬ ‫العاصفة البيضاء ‪.‬‬ ‫و لكنني ل و لن أمشي وحدي ‪.‬‬ ‫جبران‬ ‫ـــــــ‬

‫قصيدة‬

‫)المساء(‪.‬‬ ‫للشاعر جبران خليل جبران‪.‬‬ ‫هذه القصيدة قد كتبها الشاعر العاشق تغزلً في محبوبته النسة )مي زيادة( ‪ ،‬أرد‪:‬ت ان اجمعها في‬

‫هذا الكتاب ‪ ،‬حتى ل يفوتني شيئ من جمع هذه القصة‪.‬‬ ‫نمشي الهوينا في الخل ء‬ ‫طربين من نغم الهوا ء‬

‫كنا وقد أزف المسا ء‬ ‫ثملين من خمر الهوى‬


‫وكثيرها محض اشتكا ء‬ ‫صو ت المؤذن بالعشا ء‬ ‫متطامن واهي البنا ء‬ ‫وثبا كما تثب الظبا ء‬ ‫فانتظر ت على استيا ء‬ ‫ذهبت إليه في الخفا ء‬ ‫أمشي ويثنيني الحيا ء‬ ‫في وجهها أثر البكا ء‬ ‫صبرا عجافا أشقيا ء‬ ‫حمر المحاجر كالدما ء‬ ‫ملك تكفل بالعزا ء‬ ‫ومن أياديها الرجا ء‬ ‫منها وعد ت إلى الورا ء‬ ‫فقلت كذا التلطف في العطا ء‬ ‫يسبق لها قول افترا ء‬ ‫فكان أصدق في السخا ء‬ ‫ول تكذب عين را ء‬ ‫كالصبح نم به الضيا ء‬ ‫فتراه أطيار السما ء‬ ‫ومل ء قلبينا صفا ء‬ ‫العذاب بما نشا ء‬ ‫من شرفة بيد القضا ء‬ ‫لم يبق منه سوى الذما ء‬ ‫جوعان يلتمس الغذا ء‬ ‫الضيف ليلى حين جا ء‬

‫متشاكيين همومنا‬ ‫حتى إذا عدنا على‬ ‫سرنا بجانب منزل‬ ‫فاستوقفتني وانبر ت‬ ‫حتى توار ت فيه عني‬ ‫وارتبت في المر الذي‬ ‫فتبعتها متضائل‬ ‫فرأيت أما باديا‬ ‫ورأيت ولدا سبعة‬ ‫سود الملبس كالدجى‬ ‫وكأن ليلى بينهم‬ ‫وهبت فأجزلت الهبا ت‬ ‫فخجلت مما رابني‬ ‫وبسمت إذ رجعت‬ ‫فتنصلت كذبا ولم‬ ‫ولربما كذب الجواد‬ ‫فأجبتها أني رأيت‬ ‫ل تنكري فضل بدا‬ ‫يخفي الكريم مكانه‬ ‫ثم انثنينا راجعين‬ ‫مفكهين من الحاديث‬ ‫فإذا عصيفير هوى‬ ‫عار صغير واجف‬ ‫ظمآن يطلب ريه‬ ‫ولشد ما سر ت بهذا‬

‫فرح المفارق باللقا ء‬

‫فرحت بطيب لقائه‬


‫الخاتمة‬ ‫وفي ختام تلك القطعه الوجدانيه المــؤثره الفائضــه بــالحب واللــوعه واليــأس ‪ ,‬أعربت مـّي عــن شــوقها‬ ‫للرحيــل ‪ ,‬ولكــن مشــيئة القــدر فــرض عليهــا ان تعيــش بعــد جــبران عشــر ســنوا‪:‬ت تقريب ـاً كــانت أس ـؤا مرحلــه فــي‬ ‫حياتها ‪ ,‬فقد أستبد بها الحزن ‪..‬وعاشت في غمرة الحزان تمّزقها الوحده والوحشه بعد فقده ‪ ,‬أصــيبت بانهيــار‬ ‫عصبي ‪ ,‬تبعه انهيار في صحتها ‪ ,‬فاعتزلت الناس ‪ ,‬أرسلت الى قريب لها في بيرو‪:‬ت دكتور جوزيف زياده رساله‬

‫مؤثره وصفت المها وترّدي صحتها ‪ ,‬تلك المحنــه قادتهـا الــى لبنــان موطنهـا الصــلي وأدخلتهــا ظلمـاً الــى مصـح‬

‫المراض العقليه مما طعنها في كرامتها ‪,‬وقضت ثلث سنوا‪:‬ت متنقله بين ) العصــفوريه ( كمــا يســمونه ‪ ,‬ومصــح‬


‫دكتور بيريز وبين بيت متواضع ‪ ,‬الى أن هّبوا اقاربائها لنقاذها ‪ ,‬وعاد‪:‬ت لى القاهره عاشت سنتين ونصف ‪ ,‬الى‬

‫أن ذو‪:‬ت شيئاً فشيئاً ‪,‬فتوفيت عام ‪1941‬م‬

‫ومـاهو جــدير بالــذكر ان مــي عنــدما كــانت فــي لبنــان اصــطحبت رسـائل جــبران معهــا ‪ ,‬وك انت تلج ـاً اليهــا علــى‬

‫انف ـ ـ ـ ـ ـراد ‪ ,‬حيـ ـ ـ ـ ــن يش ـ ـ ـ ـ ـ ّف هـا الوج ـ ـ ـ ــد ‪ ,‬وص ـ ـ ـ ــوره لجـ ـ ـ ـ ــبران كتبـ ـ ـ ـ ــت بخطهـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ــى جـ ـ ـ ـ ــانب الصـ ـ ـ ـ ــوره ‪...‬‬ ‫)وهذه مصيبتي منذ أعوام (‪.‬‬

‫وهكذا رأينا دخلت المـرأة قاعـا‪:‬ت الــدرس وأســفر‪:‬ت بعضــهن إمعانــا فـي الـدفاع عـن كرامتهـن وتعـبيرا‬ ‫عــن مســاواتهن بالرجل فــالمرأة ليســت كائنــا جنســيا وظيفتــه إمتــاع الرجل وإنجــاب الولد بــل إنســانا حيــا فــاعل‬ ‫خلقا‪ ،‬وليست موضوعا غزليا يتغنى بالقد المياس والعين النجلء والخد السيل فقط‪.‬‬ ‫وقد أثمر‪:‬ت هذه الدعوة المباركة ثمارا طيبة تجلت في ظهور نســاء وقفــن نــدا للرجل فــي السياســة والفكــر والفــن‬ ‫والدب وكان منهــن لبيبــة هاشــم وملــك حفنــي ناصــف وعائشــة التيمورية وهـدى شــعراوي ومي زيادة وصول إلــى‬ ‫مفيدة عبد الرحمن وعائشة عبد الرحمن ونعما‪:‬ت فؤاد وفدوى طوقان ونازك الملئكة وسهير القلماوي وغيرهن‪.‬‬ ‫ول ري ب أن النســة مــي زي ادة كــانت أكــثرهن شــهرة وشـغل للــرأي العــام وإثــارة لطبقــة المثقفيــن‬ ‫ورج ال السياســة والدب ‪ ،‬فقــد جمعــت بيــن جمــال الــروح والجســد فــي تنــاغم عجيــب‪ ،‬وألمــت بالثقافــة العربيــة‬ ‫والغربيــة إلمامــا مدهشــا‪.‬كمــا أتقنــت اللغــا‪:‬ت الجنبيــة وفضــل عــن ذلــك كــان جمالهــا الروح ي والجســدي مغريـا‬ ‫للدباء بحبها والتعلق بها وقد اشتهر بحبها مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد ‪.‬‬ ‫وك ذلك جــبران خليــل جــبران الــذي عرفهــا عــن بعــد وهـو فــي المهجــر المريكــي واقتصــر‪:‬ت العلقــة‬ ‫بينهما على تبادل الرسائل ول شك أن صالونها الدبي الــذي كــان يجتمـع فيــه كبــار مثقفــي العصــر‪ ،‬زادهــا شــهرة‬ ‫وتقــديرا فالصــالون الدبــي فكــرة غربيــة محضــة اشــتهر‪:‬ت بهــا بعــض كاتبــا‪:‬ت الغــرب فضــل عــن كتــابه وإنشــاؤه‬ ‫وترسيخه في المجتمع العربي الخارج لتوه من عصرالظلما‪:‬ت فكــرة خلقــة مدهشــة تؤكد أن المـرأة ليســت مجــرد‬ ‫وجه جميل ورحم ولود‪ ،‬هذا الصالون الذي أنشــأته النســة مــي زيادة زاد فــي شــهرتها وفي تقــدير المجتمـع لهــا ‪,‬‬ ‫خاصة طبقة المثقفين‪.‬‬ ‫وللنس ــة م ــي ع ــدة مؤلف ــا‪:‬ت منه ــا " باحث ــة البادي ــة " و" بي ــن الم ــد والج ــزر" و"سـ ـوانح فت ــاة " و"‬ ‫كلما‪:‬ت وإشارا‪:‬ت " و"ظلما‪:‬ت وأشعة " و"ابتساما‪:‬ت ودموع " ولها ديوان شعر بالفرنســية بعنــوان "أزاهيــر حلــم" ‪.‬‬ ‫لقد كانت مي زيادة محبة للعروبة ملمة بالدب العربي وعلومه إلماما أدهش الرواد من أدباء مصر وحبهــا للعربيــة‬


‫وتعلقها بالعروبة دفعهـا إلـى نحـت اسـم لهـا عربي خـالص مـن اسـم "مـاري" هـو الـذي عرفت بـه‪ ،‬وإن كـان "ميـة"‬ ‫اسم عربي تردد‬ ‫وقـد كــان رحيــل مــي وانفضــاض مجلســها وغيــاب نبرتهــا الموسـيقية وملمحهــا الهادئــة الرشـيقة‪،‬‬ ‫وكلماتها العذبة المليئة بالفكــار الخلقــة والمعــاني البكــر‪ ،‬كــان ذلــك حــدثا مؤلمــا لشــاعر القطرين خليــل مطـران‬ ‫الذي أقضته الذكرى‪ ،‬وأبكته حسرة الرحيل ومرارة الفراق وغياب اللحظا‪:‬ت الجميلة وما أوجع الحــزن‪ ،‬وما أشــد‬ ‫الغصة‪ ،‬غصة الرحيل التي فعلت فعلهافي نفس الشاعر كما يــوحي بهــا البيتــان الخيـران‪ .‬لقــد كــانت النســة مــي‬ ‫بأدبهــا وبثقافتهــا‪ ،‬وبجمالهــا الروحي والجســدي رم زا للمـرأة العربيــة الطامحــة إلــى عصــر غيــر عصـر الحريم‪ ،‬وإلــى‬ ‫شعر ليكتفي منهــا بوصف النهـود والرداف والخـدود‪ ،‬بــل يشــيد بعبقريتهـا وإنســانيتها وعطائهـا وإنتاجهــا العلمـي‬ ‫والدبي ‪.‬‬

‫أرشف صور الديبة مي زيادة ‪.‬‬



‫صورة للديبة مي زيادة امام آلة البيانو‪.‬‬

‫الشاعر ‪/‬جبران خليل جبران ‪.‬‬


‫ماري زيادة‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.