ASSOCIATION DE DEFENSE DES LIBERTES INDIVIDUELLES (ADLI) A la Faculté des sciences juridiques, politiques et sociales de Tunis.
Table ronde : Libertés religieuses en Tunisie : Approche pluridisciplinaire
في التعايش
مح ّمد بن موسى أستاذ جامعي
2...........................................................................................................................................مقدمة
.أ
3.................................................................................................................... :من التعايش إلى العدالة
.ب
4..................................................................................................................... : بين التعايش والوحدة
.ت
4.........................................................................................................مسألة الهو ّية ومعضلة اآلخر
4.................................................................................................................. اإلنسان ّية كجسد واحد
5.............................................................................................................. بين تح ّري الحقيقة والتعايش
.ث
أ .مقدمة ربّما كانت أوضاع األقليّات ال ّدينيّة في بالدنا على صلة باختيار منظمي هذه المائدة المستديرة مسألة "الحريّات ال ّدينيّة في تونس" كموضوع للنقاش. و عالوة على أهميّة الجانب القانونيّ الذي يطرحه هذا اٍإلشكال ،فإنّ له جوانب أخرى ال تق ّل أهميّة مثل مسألة التعايش المتناغم ،التي تطلب التفكير بعمق. التساؤل المطروح في هذه الورقة هو معرفة ما إذا كان كافيا ،في اإلطار المواطني ،طرح قضية الحريات الدينية من ال ّناحية القانونيّة دون التطرّ ق إلى ال ّنواحي األخرى ذات الصلة، كالثقافية والتربوية... هل يؤ ّدي وضع ترسانة من القوانين والضّوابط لوحده ،إلى دحض التعصّبات الضّاربة في عمق ثقافة المجتمع ،لتأسيس وحدة متعاضدة ومتناغمة ،تتعايش فيها مختلف األديان واألجناس والجهات والطبقات االجتماعيّة ؟ نقترح بداية التفكير في األسئلة التالية : ما هو األساس المتين إلرادة حقيقية وصادقة في التعايش؟ أي في قبول اآلخر وإقامة التبادل والتعاضد الالزمين الستقامة العيش المشترك. كيف نبني معا مجتمعا متضامنا ،وعالما يحلو فيه العيش للجميع؟ ألسنا نطبّق بشكل أو بآخر تلك الحكاية القائلة أنّ "سائقا وجد نفسه ،وقد فقد السّيطرة على فرامل سيّارته ،أمام خيارين أحالهما مرّ :إمّا ال ّدوس على خمسة أشخاص أمامه أو الميالن جانبا فيدوس شخصا واحدا. فأيّ الخيارين أصوب يا ترى؟ القضاء على خمسة أنفار أو على نفر واحد؟ تبدو األقليات لألسف ذلك الجزء الضّعيف من المجتمع ،الذي تق ّدمه األغلبيّة السّاحقة قربانا كلما ألمّت بها األزمات.
وهذا يدعو للتفكر في عضويّة العالقة بين التعايش والعدل.
ب .من التعايش إلى العدالة: يرى المجتمع اإلنسانيّ في القاعدة العامّة المعمول بها إلى ح ّد اآلن ،أنّ بإمكانه التضحية بأحد مكوّ ناته الضّعيفة إذا اقتضته المصلحة العامّة :مصلحة األغلبيّة السّاحقة عندما تتعارض مع مصلحة إحدى أقليّاته الضّعيفة .هكذا نجد أنفسنا أمام خيار فقدان نفر واحد من أجل إنقاذ خمسة أنفار ،فالجزء الضّعيف من الجسد يقع بتره إذا اقتضى األمر إلنقاذ الجسد ككلّ.
يبدو قدر الضّعفاء هذا حتميّة ترتبط بطبيعة األحوال وبمدى نضج العقليّات داخل المجتمع. فتنازع المصالح بين فئات المجتمع الواحد يؤ ّدي إلى فرض خيارات بعينها .لذلك ال ب ّد لنا من إعادة تعريف مفهوم العدل حسب تطوّ ر المجتمعات وطبيعة العالقات بين مختلف مكوّ ناتها. لهذا يمكن القول أنّ العدل ليس غاية مثاليّة ال يمكن تحقيقها على األرض ،وال هو قانون جامد في ّ الزمان .بل هو قدرة وجب تطويرها باستمرار عند األفراد والمجموعات والمؤسّسات. ومن الواضح أنّ ال ّتفاعالت بين هذه األطراف عبر ّ الزمان قد شابتها ال ّشوائب في ك ّل اللحظات، بين أفراد يطلبون الحريّة ومؤسّسات تريد فرض الطاعة على األفراد ومجتمع يريد إجراء أعرافه واحترام تقاليده. وقد شهد تاريخ ك ّل المجتمعات تنظيما للعالقات بين هذه األطراف الثالثة يعطي األولويّة في كل مرة لهذا الطرف على حساب اآلخرين ،ما ينجرّ عنه بعض االضطرابات أحيانا. ويؤ ّدي هذا النوع من العدالة بطبيعة الحال إلى اغتياض األطراف االجتماعيّة المظلومة ،ما يفسد بالضّرورة العيش المشترك .وبالتالي فإنّ استقامة هذا التعايش داخل المجتمع يرتبط بتحقيق اإلنصاف في منظومة العدالة بين جميع أفراد المجتمع ومؤسّساته. ال يسع المالحظ لألوضاع في بالدنا إال اإلقرار بوجود تجاذبات قويّة بين أطرافه االجتماعيّة والسّياسيّة تعكس صعوبة التعايش بينها داخل منظومة قوامها العدل االجتماعيّ والمواطنيّ. وال ّدليل على ذلك هو مختلف أنواع التمييز التي عشناها :العلمانيّة/ال ّدين ،الجهويّة ،التمييز العنصري ،الطبقات االجتماعيّة ... ففي زمن اإلقصاء والشرخ االجتماعي ،يشعر الناس بتفاوت السياسات التنمويّة والحقوقيّة بين الجهات ،والمواطنين ،واألقليّات ،وبين األغنياء والفقراء ...وبالتالي يحسّ الكثير من مواطنينا بالتهميش.
أال يمكن النظر إلى مفهوم العدالة من زاوية اإلدراك المواطني كما يدعو إليه John RAWLS
في كتابه » .« théorie de la justiceإذ يصبح كل فرد قيمة في ذاته ،وكذا األمر بالنسبة لك ّل جهة أو أقليّة. ال ن ّدعي في هذه الورقة اإلتيان بحل سحري ،إذ نعتبرها دعوة إلى التفكير الجماعي .نريد أن نفكر سويّا في مسألة التعايش ،ما هي مهيّتها وما القصد منها؟
ت .بين التعايش والوحدة : مسألة الهو ّية ومعضلة اآلخر إذا حللنا الحجة المقدمة لرفض اآلخر نجدها ترتبط بمسألة الهو ّية .فـ"اآلخر" ،هذا المجهول الذي يخيفنا ،يمثل عادة في نظرنا خطرا على الذات التي تريد التوقي منه .فالهويّات المرفوعة ترتبط عادة باختالف العرق أو الطبقة االجتماعيّة أو الجهة أو ال ّدين أو الحرفة... هذه االنتماءات المشروعة هي كلها بناءات اجتماعيّة وثقافيّة تشكل هويّاتنا وعالقاتنا باآلخرين. ومن األكيد أنّ هذه الهويّات هي مصدر إثراء ،بالرّ غم عن خطرها القاتل كما يؤكده أمين معلوف. نوظف اختالفاتنا في التجميع والتآلف بعد أن كانت تعيق عمليّة ّ فالرّ هان هنا هو كيف ّ الذهاب إلى اآلخر .ومن هذا المنظور تمثل هويّتنا اإلنسانيّة العامل المشترك األوّ ل القادر على الل ّم والتوحيد .فالرّ وح اإلنساني ليس له جنس وال لون ،وهو الجامع الحقيقيّ لبني آدم جميعا .لذلك، فنهاية الهويّة اإلنسانيّة هي بعدها الرّ وحاني. اإلنسان ّية كجسد واحد يجب أن يكون لنا تصوّ ر عضويّ للمجتمع اإلنساني .ومن هذا المنظور تنسحب استعارة الجسد ككل عضويّ على المجتمع اإلنساني .فهذا الجسد يتكوّ ن من عديد األعضاء واألجزاء واألجهزة وممّا ال يحصى عدده من الخاليا ،والكل يعمل بتكامل تا ّم وبنهاية التناغم ،وال أحد يتعالى على البقيّة أليّ سبب من األسباب .فكل جزء يكون في خدمة اآلخرين والجميع في نهاية التعاضد والتآزر كما يقول صلى هللا عليه وسلم َ " :م َثل المؤمنين في َت َوادِّ هم وتراحمهم بالس َه ِر والح ِّمى" دَاعى له سائر الجسد َّ وتعاطفهم :مثل الجسد ،إِذا اشتكى منه عضوَ :ت َ أليس هذا هو الحين الذي على اإلنسانيّة أن تعيش فيه بكليّتها في تناغم وتكامل؟ فإذا اندلعت أزمة في بلد ما ،أو مدينة ما ،أو استفحل الفقر أو البطالة أو االنقطاع عن التعليم في مكان ما من هذا العالم ،فإنّ ضرره ينسحب على الجميع فيكون سبب آالمهم ووجعهم.
لقد تعاظم إدراك اإلنسانيّة اآلن بأنّ التعايش المشترك بين الجميع في هذا العالم ليس ترفا بل هو ضرورة ال مندوحة عنها .وهذا ٍيدعونا جميعا إلى إعادة التفكير في معنى التوحّ د بجميع اختالفاتنا وفي معنى العدالة االجتماع ّية أو "العدالة" بكل بساطة.
ومن هذا المنظور يكون الرّ هان هو تعلم إطالق القدرات الفكريّة والماديّة والرّ وحيّة الكامنة في كل إنسان ،وتوظيف مختلف المكاسب الثقافيّة عبر العالم بإعطائها صفة "التراث العالمي".
ث .بين تح ّري الحقيقة والتعايش يقف الخوف من اآلخر ومن المجهول كما ،رأينا سابقا ،عائقا أمام العيش المشترك .وتساهم التربية والثقافة واألحكام المسبقة في تغذيته .لذلك ،كان لزاما علينا تنمية قدراتنا على االستماع إلى اآلخرين ومشاركتهم في األفكار والرّ ؤى للتعريف بوجهات النظر وتقريبها .وهذا يستلزم تطوير قدرات الكرم والشغف باآلخر وحبّه ووضع النفس مكانه.
ومن الواضح لنا أنّ الهدف من التعايش هو "الوحدة في ال ّتنوّ ع" .وهذا يتطلب أساسا تعويد النفس على تحرّ ي الحقيقة الذي يقود إلى توحيد الرّ ؤى لبلوغ هدف مشترك .ألنّ توفير مشهد بانورامي يتطلب تجميع وتأليف العديد والعديد من زوايا ال ّنظر. تنسيب فهمنا للواقع يفرض علينا التواضع واعتبار أنّ ما نعرفه عن تعقيد الواقع ما هو إال وجهة نظر وليس مطلق الحقيقة كما يزعم بعض المتطرّفين. لذلك ،كان االستماع إلى اآلخر بكل اهتمام والقدرة على وضع النفس مكانه بدون أفكار مسبقة، مصدرا إلثراء معرفتنا أل ّنه يظهر لنا زاوية نظر جديدة تدهشنا آل ّننا لم نلتفت إليها من قبل رغم قربها م ّنا. وهذا يوافق تماما "التكعيبيّة" في الفنّ الحديث التي جاءت لزعزعة "المنظور" ،تلك التقنية القروسطيّة التي ال تسمح بمشاهدة الموضوع إال من زاوية نظر وحيدة ،واستبداله بأسلوب تعبيريّ آخر قادر على إظهار الوجوه المتع ّددة لحقيقة الواقع ،والتي ال تسمح األساليب القديمة بإظهارها. ونذكر هنا كخاتمة لهذه الورقة إحدى الكلمات المكنونة لحضرة بهاء هللا وهي تدعونا إلى التصرّ ف العادل وتوضّح لنا عقباته :
وح َيا ا ْبنَ ُّ الر ِ ون لِي أَمِينا ً أَ َحب األَ ْش َيا ِء عِ ْندِي اإل ْنصاف .ال َترْ َغبْ َع ْنه إِنْ َتكنْ إِلَيَّ راغِ با ً َوال َت ْغ َف ْل ِم ْنه لِ َتك َ َوأَ ْن َ ك ال ِب َمعْ ِر َف ِة أَ َح ٍد فِي ْن العِبا ِد َو َتعْ ِر َفها ِب َمعْ ِر َف ِت َ ت ت َو َّفق ِبذل َِك أَنْ ت َشا ِه َد األَ ْشيا َء ِب َع ْين َ ِك ال ِب َعي ِ ام ون .ذل َِك مِنْ َعطِ َّيتِي َعلَي َ ْف َي ْن َبغِي أَنْ َتك َ البالدَِ .ف ِّكرْ فِي ذل َِك َكي َ ِ نايتي لَ َك فَ ْ ْك َو ِع َ اج َعْلهُ أ َ َم َ َع ْي َن ْي َك.